أنطولوجيا السرد التعبيري 2017: أنطولوجيا السرد التعبيري, #2

أنطولوجيا السرد التعبيري

الجزء الثاني

مجموعة تجديد 2017

اختيار د أنور غني الموسوي

أنطولوجيا السرد التعبيري

الجزء الثاني

مجموعة تجديد 2017

اختيار د أنور غني الموسوي

اصدار دار تجديد للنشر الالكتروني

المقدمة

في السرد التعبيري تتجلى قصيدة النثر بالبناء الجُمَلي المتواصل، الخالي من التقنيّات الشَّكلية المعهودة للكتابة الشعريّة، والخالية من الفراغات والتَّشطير، وبالسَّرد التَّعبيري، أي السَّرد الممانعِ للسَّرد؛ السَّرد لا بقصد الحكاية والقصِّ بل بقصد الإيحاء والرَّمز. فينبثق الشِّعر من قلب النَّثر، حيث الشعر الكامل في النثر الكامل. هنا، في هذا الفضاء وهذا العمل الأدبي يتحقَّقُ الشَّكلُ الشعري الكامل في النَّثر الكامل؛ إنَّه فضاءُ تكاملِ الشِّعر مع النَّثر، فتسقطُ أسطورة تقابُلِ الشِّعر والنَّثر وتضادِّهما، بل هُنا نظامٌ كتابيٌّ يتكاملُ فيه الشِّعر والنَّثر في حالة التَّكامل النَّثروشعري. وهذه هي رسالة السرد التعبيري.

تُوفِّرُ القصيدةُ السَّرديّة حرّيّةً أكبر، بل تُوفِّر حرّيّة غير مسبوقة للشَّاعر في أن يبيّن رسالتَه وخطابَه، بأسلوب عذب قريب. إنّ القصيدة السردّية، بوضوح رسالتها وسلاسة تعابيرها وقُربها من ذهن القارئ، تعيد الأدب إلى النّاس، وتحطِّم الجدار الذي بنته الحداثة والرُّومانسيّة الذَّاتيّة، وتقّدم نصًّا تفاعليًّا وعصريًّا يُلبّي مطالب المرحلة والظرف، ممثِّلًا بذلك خطوةً متقدِّمة في تجاوز مخلَّفات الحداثة وتقديم قصيدة ما بعد الحداثة.

بعد تحرير النَّصِّ من سطوَةِ الانغلاق والتَّعالي الحداثي وبعد تقريب الأدب إلى القارئ وتفاعله مع همومه و آلامه، وبعد تقديم كتابة عذبة وسلِسة برسالة واضحة وخطاب جليٍّ، وبعد الفهم الصحيح لقصيدة النَّثر بالشِّعر الكامل في النَّثر الكامل والتَّكامل النَّثروشعريّ، تقدّم القصيدة السَّرديَّةُ شكلًا شِعريًّا عربيَّا بصيغة عالمية، في عالم صار كالقرية الواحدة.

اءً عل كلّ ما تقدّم، جاز لنا أن نصف هذه الانطولوجيا) لشعراء مجموعة تجديد الأدبية بأّنها قصيدة تجديد، و سيتبين المهتموّن أن السرد التعبيري ليس تفرّداً لمجموعة تجديد على المستوى العربي بل على المستوى العالمي أيضا وهذا ما لمسناه من خلال احتكاكنا بالنص العالمي.

الأعمى

أنور غني الموسوي

أنا من هناك،  من مدن الثلج، مسافر رملي في قلبي صوت ماء. أتعثّر في بحور حيرى لا تستريح إلا عند كل شاطئ ينشد أغنيات قديمة. أنا مجرّد ذكرى جاءتنا من جهة بعيدة، تحكي لنا قصّة الغياب. إنّها ما زالت تعيش في أوراق متربة، و ما زالت تنظر في المرآة بغرابة. كانت دوماً تقول لي  أنّ الهباء شيء غريب يوهمنا بالحقيقة، إلا أننا حينما نخلد الى النوم نراه بوضوح، و نواجهه وجهاً لوجه، فيحكي لنا قصصه الباردة. ألا ترى هذا المكان بيديه الفضّيّتين يضيق على أنفاسنا؟ يصنع منها طابوراً طويلاً من صخور تحلم بطرقات باهتة. و هذا الزمان كم هو شاحب و حُرّ ، يتطاير من دون رجعة، إنّه يقهقه ساخراً من عيوننا الجاحظة. أنا لستُ واهماً كبيراً، لكنّني أشعر بالعمى لذلك تجدني أدور في الغابة أبحث عن كلّ زهرة فريدة لا يراه سوى الأعمى، و كلّما عثرت على واحدة تقول لي : يا رجل الرمل؛ أحيانا لكي ترى بوضوح، عليك أن تكون أعمى. إنني أسمع صوتها و أراها بقلبي لأنني رجل أعمى.

خُمول

فريد غانم

لا بدَّ أنّ المقعدَ الفارغَ المطروحَ في الشُّرفةِ المهجورةِ مُصابٌ بالسَّأم. فيدخلُ إلى غرفةِ الملابس، يجلسُ على الأرضيّةِ قبالةَ المرآةِ الصّامتة، ويدعو سيّدتَه المُلوّنة للجلوسِ فوقَهُ، ليقتُلا صباحًا آخر.

في المساء، يخرجُ المقعدُ ويستمعُ إلى الأنباء الفظيعةِ عن مذبحةٍ بحقِّ الصّباحات والأطفال، باسم الوطنِ المقدّس. يحفرُ ثُقبًا عميقًا في الأرض الدَّاخنةِ ويقفُ فيهِ، بلا حركةٍ، بلا نحيبٍ، بلا أوراقٍ، بين الأشجارِ المحروقةِ في حلب.

سُلّمُ الأمنياتِ الملوّنة

كريم عبد الله

خُذني بقوَّةٍ نحوَ الضِّياءِ البعيد أشطبُ الخَيْباتِ وأقفُ على أبوابِ اليَقين، أواصلُ الغناءَ حولَ ينابيعِ الحكمةِ كيفَ تتجلّى في الرُّوحِ وأفتحُ بكارتَها، أستحمُّ بإشراقاتِها وأعبُرُ مدنَ الظَّلام، أنفضُ مِنْ على أجنحتي غبارَ المعاركِ والرَّصاص التي زيّنَتْ صوري منذُ أنْ ترمّدَ الصَّباح بألفِ طعنةٍ وطعنة! خذني إلى هناكَ أسمعُ تراتيلَ النُّجوم وأرقصُ في بساتينِ الحِكمةِ وأُدمِنُ الكلماتِ المتوهّجةَ أنثرُها في الطُّرقِ المؤدِّيةِ إلى تقاويمَ خالدةٍ، الدُّروب التي خلّفتها مزاراتٌ مجهولةٌ يلجُ فيها الخرابُ، لطالما حذّرتْني وبعثرَتْ أوراقي عند عتباتكَ، لمْ تعرف كيفَ