Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers
القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers
القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers
Ebook740 pages5 hours

القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers

Rating: 5 out of 5 stars

5/5

()

Read preview

About this ebook

القسطية نظرية فكرية اقتصادية وسياسية وحضارية جديدة، تقوم عل المبادئ والقيم الإنسانية ‏الكونية، وأولها مبدأ القسط، تأخذ من القرآن المصدر الأساسي لبناء مفاهيمها ، أرجو أن تكون ‏بديلا منصفا عن لشيوعية والرأسمالية، لما فيها من عدل في صناعة الثروة وتوزيعها، ولما ‏تتضمنه من قيم إنسانية وحضارية أصيلة، كما تصلح لتكون منطلقا لمشروع حضاري أنساني ‏واسع، يعيد الحياة والأمل والروح للإنسان وفردا ومجتمعا، وينقله إلى آفاق من التعاون والرخاء ‏والإزهار والأمن والسلام، أقدم من خلالها بدائل للبنوك الربوية أو بنوك الفائدة، النظرية تثمن ‏الجهد البشري قبل المالن باعتبار الجهد هو الأصل في صناعة الثروة، وتعطي العمال والموظفين ‏الحق في المشاركة في رساميل البنوك والشركات، ليستعيد الإنسان كرامته، ومساواته مع كل ‏أمثاله من البشر، فلا تمييز بين غني وفقير ولا بين مالك واجير، الكل له الحق في تملك نصيب ‏من الأسهم في رؤوس أموال الشركات، لتنويع الدخل، ومنح الفرصة للجميع للمشاركة في بالرأي ‏والمال والجهد‎. ‎

Equitism is a new economic, political and cultural theory of thought based on universal human ‎principles and values, the first of which is the principle of equity. It takes from the Qur'an the basic ‎source for building its concepts. I hope that it is an equitable alternative to communism and capitalism. ‎
As well as to serve as the starting point for a wide-ranging civilisational project that brings life, hope ‎and spirit back to man and society, and brings it to the horizons of cooperation, confort, prosperity, ‎security and peace. Theory of Equitism, introduce, fair and equitable alternative to the traditional ‎banking system that is built on usury, or what is currently called "interest". Equitism values human ‎effort and labor in term of wealth making, gives workers and employees the right to have their share ‎in the capital of banks and companies, in order to restore equality and dignity of the human being, we ‎believe there is no distinction between rich and poor and between owner and worker, when it comes ‎to human equality in wealth making and sharing. Everyone has the right to own a an equity of shares in ‎the capital of companies, to increase Income, and improve standard of living, beside providing the ‎opportunity for everyone to share opinion, money and effort.‎

Languageالعربية
Release dateMay 6, 2018
ISBN9781370379057
القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers
Author

Mohamed محمد Maghraoui مغراوي

نبذة عن محمد مغراوي مؤلف الكتابتم بفضل الله تأليف هذا الكتاب من قبل الصحفي الجزائري محمد مغراوي، إعلامي ومترجم، اشتغل في حقل الأعلام المرئي والمسموع والمكتوب لعقود، كمقدم برامج ومحقق ومنتج لبرامج سياسية وثقافية ورياضية، عمل كمراسل حرب من لقناة التلفزيون الرسمية للجزائر إبان العدوان الأمريكي والغربي على العراق في حرب الخليج الثانية، درس الماستر في العولمة والانتقال والتنمية بجامعة واست منستر بلندن، والليسانس في الآداب واللغات بجامعة قسنطينة بالجزائر. الكاتب مهتم بقضايا الحضارة والتجديد والنهضة والتنمية، وإعادة بعث الأمة للقيام بدورها الريادي في قيادة العالم من جديد وإنقاذه من الدمار والخراب الذي يسير نحوه بخطى ثابته في ظل هيمنة القوى الامبريالية المادية مراكز القوة والقرار. يرفض الواقع الذي يفرضه أصحاب الثروة والسطوة وصناع القرار في العالم، ويدعو إلى نظام عالمي سياسي واقتصادي عادل ومنصف، مبني على القيم الأخلاقية لتحقيق مبدا القسط، يساهم فيه الجميع دون استثناء. كما يدعو كل الفاعلين في العالم إلى التوقيع على ميثاق إنساني كوني جديد، قوامه الأخلاق والقيم والإنسانية والكونية، يكرس الحرية والمساواة والتعاون بين سكان المعمورة، أفرادا ومجتمعات ودولا لاسيما في عصر العولمة. الكاتب يتبنى توجها إنسانيا كونيا مجدِّدا لمناهج ووسائل العمل، ومؤمن ومقتنع بأن مستقبل البشرية في مبادئ وقيم وشريعة هذا الدين العظيم، خاتم الأديان السماوية، ومنهاج للأفراد والجماعات والمؤسسات والدول والأمم لإقامة نظام كوسموبوليتي كوني يجمع كل الأجناس البشرية بمختلف عقائدهم وقناعاتهم تحت لواء قيم العدل والقسط والسلام واحترام الانسان والوقوف عند حقوقه الأساسية في الحياة والحرية والأمن والصحة والسلامة والتفكير والتعبير، وحقه في الرفاه والعيش الرغيد.

Related to القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers

Related ebooks

Reviews for القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers

Rating: 5 out of 5 stars
5/5

2 ratings2 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

  • Rating: 5 out of 5 stars
    5/5
    تناول الكاتب مواضيع الحضارة والعدالة من جوانب متعددة وبطريقة غير معتادة لفهم أدق وأكثر تفصيل، كما قدم بعض البدائل النظرية والعملية لمعضلات صناعة الثروة وتوزيعها بعدل وإنصاف
  • Rating: 5 out of 5 stars
    5/5
    الكتاب مزيج من مختلف الحقائق الواقعية المعارف الفكرية والاسلامية لتدعيم نظرية جديدة اطلق عليها المؤلف "القسطية" في محاولة لبعث الحضارة الإنسانية على مبدأ القسط لتحقيق العدل والمساواة للجميع في صنع الثروة توزيعها وكذلك احياء القيم الأخلاقية الإنسانية والكونية الخالدة

    1 person found this helpful

Book preview

القسطية أوراق استئناف التاريخ Equitism Resume of History Papers - Mohamed محمد Maghraoui مغراوي

الإهــــــــــداء

أهدي أوراقي هذه إلى حبيبتي الأولى أمّي التي علمتني الصبر والثبات رغم الضرّ والأنّات، أهديها إلى أبي الذي علّمني العزة والشموخ واللباقة والأناقة، في أحلك الظروف وأقسى الصُّروف، إلى حبيبتي ورفيقة دربي في السراء والضراء، زوجتي التي أبلت البلاء الحسن و صمدت إلى جنبي أكثر من ربع قرن، ولا زالت صابرة محتسبة كما عهدتها، تواسيني و ترعاني وترعى أبناءنا رغم عقود من الحصار ومكر الليل والنهار، حصار طال قوتي وقوت أسرتي اليومي، مكر لم يترك شبرا حولي وحول أسرتي إلا نفث فيه سمّه وفرّش فيه أشواكه، حدث هذا في بلاد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بريطانيا، وفي عاصمتها إحدى أكبر عواصم العالم انفتاحا واكتضاضا بكل أجناس البشر، بل وامتد حصاري إلى مصالحي في بلدي، أجرنا على الله، وحسبنا هو ونعم الوكيل.

أهدي أوراقي المتواضعة إلى الأبطال المستضعفين، من الرجال والنساء والولدان، المرابطين في أرض الرباط المباركة، فلسطين، الذين لم يقولوا: ربنا أخرجنا من هذه البلدة الظالم أهلها، لأنهم هم أهلها، وأن الظالمين ليسوا من أهلها، بل غزاة هُمّل، حطّت بها رحال الصهيونية والرأسمالية الجشعة، طمعا في ابتلاع الأرض بمن فيها، ساعين إفكا وظلما، إلى حكم الأرض والسيطرة على من فيها، إبتداء من أرض الأقصى المبارك، إلى هؤلاء العصبة القليلة المقاومة، المجاهدة في سبيل الله والحق، إلى هؤلاء الذين حمّلهم القدر نيابة عن كل سكان الأرض، مهمة التصدي لأعتى قوى إمبريالية صهيونية شريرة، لا دين لها ولا خلق ولا قيم، مدججة بأقبح وأسوء وأقوى أسلحة القمع والإفساد و الدمار الشامل في الأرض.

أهديها إلى شعوب العالم، صرخةً مدوية في آذانهم للإستيقاظ من سباتهم، والإستفاقة من غفلتهم، إلى الأغلبية المنهوكة بفعل الكدح والإجهاد، لمقاومة شضف العيش، بينما تذهب ثمرة عرقهم وكدهم لشحن خزائن المترفين الجشعين، من الرأسماليين والمرابين بترليونات الدولارات، وصفائح الذهب والمعادن الثمينة، أهدي أوراقي إلى الـ99 بالمئة من البشر، الذين يشتغلون بأقصى ما أوتوا من قوة، أفرادا وأسرا، وبكل ما يملكون من فكر وجهد لمضاعفة ثروات الـ01 بالمئة من القطط المتخومة المنتفخة، التي تتربع على ثروات العالم، تأكل ولا تشبع، وتكنز ولا تقنع، وتجمع ولا توزع، إلى هؤلاء الملايير من الشعوب من العمال والموظفين والعلماء والمخترعين أقول، أنتم الأولى بثروات العالم، فأنتم وآباؤكم من صنع الثروة بكدكم وكدحكم، أنتم من سهر على صيانتها وزيادتها، وأنتم من اخترع وأبدع كل جديد في العالم، وأنتم من نفذ المشاريع، وأنتم الأوائل عند كل مهمة، وأنتم وقود الحروب التي أشعلها المترفون لزيادة ترفهم، لكنكم الأواخر عند قسمة الغلة، أنتم أول من يهرول إلى صناديق الإقتراع لانتخاب الحاكمين، حراس معابد المترفين، لكنكم أخر من يحضر أمام صناديق الثروات يوم القسمة، ثروات يستحوذ عليها الرأسماليون ويكنزها المرابون، فعندما تسترجعون حقكم في الكرامة و من الثروة، حينها تستعيدون الحق في صناعة القرار، و يمكنكم ساعتها القول لا للظلم، لا للحروب، لا للنهب والسطو على مقدرات الشعوب، لا لحكم الأقلية، ولا لسيادة المال وعصابات مصاصي الدماء، كلنا بشر وكلنا سواسي في الحياة، ورسالتنا في الأرض أكبر من أن تكون مجرد كّد وشقاء، وأكل وشرب و إقامة وتسلية، هذه حاجاتنا الطبيعية لا غنى لأحد عنها، لكن غاية وجودنا هي إقامة العدل والقسط، نشر الخير و السلام، وصيانة حرية و كرامة الإنسان، وتحقيق الأمن والأمان، لكن هيهات هيهات أن نبلغ المنشود، دون ثورة على أنفسنا وعاداتنا وتقاليدنا، وأفكارنا وأساليب معيشتنا، التي رضعناها من صدور الوحوش المسيطرة علينا وعلى مقدراتنا، لا مفر من العودة إلى المبادئ الأولى للحياة، والقيم الأصيلة للمجتمع البشري، مبادئ الكرامة والحرية والإستقلال والحب والخير والتعاون، وقيم القسط والعدل والإحسان.

أوراقي ناقوس إنذار للمسلمين الذين ناشدوا العزة في غير الإسلام، فأذلهم الله وسلط عليهم شر خلقه، إلى المسلمين الذين تخلوا عن رسالة الإيمان والعدل والإحسان، واستقالوا من مهمة نشر نور المعرفة وعلم اليقين، فتحولوا إلى غثاء كغثاء السيل، وتداعت عليهم الأمم كما يتداعى الأكلة على قصعتهم، فخسروا وخسر العالم، ولن يغير الله ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

المقدمة

كل نفس بشرية تحمل بفطرتها قيم الخير والحق و الرغبة في الإصلاح و الإحسان، لكنها تبقى معظم الوقت طاقة خامدة و قوة راقدة، حتى تحُلَّ المحن و الأزمات والنكسات، فتحيي الأرواح بعد مواتها و توقظ العقول من سباتها وتحرك الأبدان من سكونها، وتزحزح النفوس عن ركودها.

نهاية عام 1990، سافرت إلى دول الخليج العربي، ضمن وفد صحفي جزائري كبير، يتشكل من أكثر من 20 صحفيا، يمثلون مختلف وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة في الجزائر، وكنت ضمن وفد التلفزيون الجزائري، رفقة زميل لي، وثلاثة أخرين بين مصور ومهندس للصوت ومساعد لهما، وكانت المهمة تغطية أثار غزو الجيش العراقي بقيادة الرئيس الراحل صدام حسين لدولة الكويت، ولجوء مواطني الاخيرة إلى دول الخليج الأخرى، وكانوا بعشرات الألاف، فلم يكد يبق أحد في الكويت سوى جيش الإجتياح، وبعض العمالة الأجنبية ممن أُحصروا وتقطعت بهم السبل، ولم يقدروا على مغادرة الكويت،

تواجد غير مسبوق للجيوش الغربية بالجزيرة العربية

خلال الزيارات التي قادتنا إلى مختلف دول الخليج، واطلاعنا عن كثب على التواجد الكبير لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، صدمت لهول ما رأيت، من ترسانات برية وجوية وبحرية غربية، تستعرض قوتها على عرب المنطقة، الذين لا حول ولا قوة لهم، رغم ما حباهم الله به من ثروات طائلة، وخاصة ثروة النفط، لكنهم في المقابل، عجزوا أن يوفروا لدولهم وشعوبهم، القوة العسكرية الكافية للدفاع عن سيادة دولهم، وحماية شعوبهم، وتحقيق الحد الأدني من الأمن والإستقرار، فتراءى لهم ألّا مفر من أن يلجؤوا إلى اقوى دولة في العالم، لتقوم بهذا الدول بدلا عنهم، وكنت ومازلت اعتبر أن هذا المستوى من الضعف غير مقبول، ولم ولن يتيسر لي هضمه طوال حياتي، مهما كانت الذرائع المقدمة لتبريره، واعتبرت لجوء الدول الخليجية وفي مقدمتها العربية السعودية، لأمريكا لإخراج العراق من الكويت بالقوة، اعتبرته عذرا أقبح من ذنب، وكنت أعبر عن رأيي هذا بكل صراحة، مع كل من يفاتحني في الموضوع، وحتى خلال المقابلات التلفزيونية التي أجريتها مع قادة الكويت، وكانت لدي حجج قوية أدعم بها رأيي، وكنت اعتبر تدخل القوى الغربية في المنطقة، عاملَ دمار وانهيار، وفقدان لما تبقى من السيادة والكرامة، وليس عامل أمن واستقرار، كما كان يروج لذلك أصحاب القرار، رغم قدرة هذه القوات دون شك على تحرير الكويت، ودحر القوات العراقية خارج حدودها، لكن العواقب لن تكون إلا كارثية على المنطقة، وقد أثبتت الأيام أنها كانت كارثية بالفعل.

غزو الجزيرة العربية كان تتويجا للحرب العراقية الإيرانية وتعزيزا للكيان الصهيوني

بطبيعة الحال، كان كيان الإحتلال الصهيوني هو المستفيد الأكبر من غزو الكويت ومن غزو الجزيرة العربية، وكان يشكل عرسا كبيرا لأعداء الأمة العربية والاسلامية أيضا، الذين يمكرون الليل ويصلونه بالنهار، لمنعها من تحقيق أي تقدم او تطور، يسمح لها بالإستقلال والإعتماد على نفسها، ويعيد لها السيادة والعزة، وامتلاك قرارها وغذائها، وسلاحها الذي تدافع به عن نفسها، فقرار فتح المجال رسميا، لتدخل القوات الأمريكية بتلك الفجاجة، لم يكن قرار الشعوب المغلوبة على أمرها في دول المنطقة، وفي كل الدول العربية على كل حال، بل هو قرار الأقليات الحاكمة، التي تربطها مصالح مشتركة ضيقة، مع الأقليات الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، رغم ما يُدّعى ويروّج له من ديمقراطية في أمريكا، فالرفاه الذي بلغه الإقتصاد الأمريكي، يوهم الناس بوجود ديمقراطية، لكن هناك فرق بين الشرعية الشعبية، والديمقراطية المكيفة لصالح الأقلية الثرية، التي توظف كل شيء، من السلاح إلى المال و الدين و الديمقراطية، إلى الإعلام و شياطين الجن والإنس، لمضاعفة ثرواتها، وبالتالي زيادة سيطرتها على مفاصل دولها، ومفاصل دول العالم الأخرى، لما تملكه هذه الأقلية من مال، واستحوذت عليه من تكنولوجيا وإعلام وسلاح فتاك، توجهه لصدر من يتجرأ أو يبدي أدنى نية في التمرد عليها، أو يمتنع عن دفع الجزية لها، وأضعف وجه من وجوه دفع الجزية لأمريكا هو القبول عن كره و مضض وتحت التهديد والإبتزاز التعامل بأوراق الدولار الأمريكية، كعملة أساسية، وورقة الدولار معروف أنها تحولت منذ بداية السبعينات إلى ورقة نقدية معرّاة بنسبة كبيرة من التغطية بالذهب، فرغم أن الدولار كان يتمتع بتغطية منصفة من الذهب إلى حد ما، بعد عقد اتفاقية بريتنوودز عام 1944، إلا أنه في عام 1971 قرر الرئيس نيكسون وقف مبادلة الدولار بالذهب، عندما بدأت اقتصاديات الدول الغربية الاخرى في النهوض والتعافي، وبدأ التضخم يهوي بقيمة الدولار، لكن الولايات المتحدة تستمر في فرض التعامل بالدولار، بالضغط الإقتصادي والسياسي والدبلوماسي تارة، والحيلة والتهديد باستعمال القوة والمساومة والإبتزاز تارات كثيرة، حفاظا على تفوقها في كل المجالات، ومضاعفة ثروات عائلات المرابين والجشعين الكبار، الذين يتحكمون في اقتصاديات أمريكا والعالم، وقد حدث أن حاول الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أن يتمرد على الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني الذي يتحكم في قرارات البيض الأبيض، متناسيا دعمها له في حربه ضد إيران عن طريق دول الخليج، لا سيما السعودية والكويت، باعتباره حاميا للبوابة الشرقية أمام المدّ الشيعي للثورة الإيرانية، فمن غير المعقول أن يقبل بمساعدات أمريكة عسكرية و دبلوماسية وسياسية، قدمتها أو أشرفت عليها أمريكا في حربه ضد إيران، ثم يعتقد في مرحلة من المراحل أنه بلغ من القوة الذاتية والإستقلال لينفرد بقراره، وأن كل ما أنجزه قد أوتيه عن علم عنده، وهو ما يؤهله في نظره للتفكير في التمرد على الأيادي المسمومة التي توهم أنها تمده عسلا، لأن عقليات الحكام العرب ــ للأسف ـــ ملوثة بالأوهام وحب السلطان والإستبداد بالحكم على أساس مفاهيم موروثة خاطئة، وتغلفها الأطماع والطموحات غير المشروعة، بالرغم ما يحملونه من شعارات تدعو إلى خدمة الامة، والتضحية في سبيل عزها ونهوضها واستقلالها، لكن المنطلقات والوسائل المستعملة، فيها من الإنحراف والأنانية والذاتية، والإستبداد ما يفرغ كل هذه الإدعاءات والمزاعم، من أي محتوى إيجابي بناء، فتشكل هذه الاختلالات حجابا ساترا على عقول هؤلاء الزعماء، وتمنعهم من رؤية الاشياء كماهي على حقيقتها، فيرى تارة الفأر فيلا، ويرى الأسد تارة أخرى قطا وديعا، فيتصرف على نحو ما يُخَيَّلُ له، وبحسب ما انتهى إليه إدراكه، فتكون الكارثة عليه وعلى من حوله، دون استثناء.

عمرة بالحرم الشريف أحيت في العقل والروح

على أية حال، قضينا حوالي شهرا من نهاية عام 1990، نتنقل من عاصمة خليجية إلى أخرى، إبتداء من جدة ثم الرياض فالطائف، فعمرة على السريع مدفوعة التكاليف، لكنها كانت خيرا والحمد لله، خصص لنا الإخوة الكويتيون سيارات متعاقدة مع فندق ماريوت الذي نزلنا فيه، في الأيام الأولى بجدة، فاستقلينا سيارة مرسيدس سوداء، كان يقودها هندي يتحدث الأنجليزية، وبعض الكلمات العربية، وكان برفقتي زميلي من التلفزيون أحمد ابراهيم، ولا زلت لحد الآن، أستحضر تلك الحالة من الرهبة والخشوع، والشعور الروحي الفياض، الذي انتابني بمجرد إطلالتي على الحرم المكي، فلم أتمالك نفسي وبكيت وبكى زميلي أيضا، وأيقنت أنني دخلت بقعة لا أخالها قطعة من الأرض، بل أكاد أجزم أنها رقعة من السماء، فالمكان يفيض بالأنوار الروحانية والطاقات الإيجابية، فالكل مرتخي ومستسلم لخالق الكون، في انكسار وإنابة، يسأل خالقه التوبة والمغفرة والعفو، فالنفوس في أوضع صورها، وعلى أوج سجيتها، والناس سواسي، لا فرق بينهم في المظهر والحال، نهلت من ذلك الفيض الروحي الدافئ، والذي عرج بي ولو للحظات إلى معالي الروح، والتزكي النفسي، والتطهر السلوكي، رغم أنني لم أكن على استعداد مسبق، لتحقيق القدر الأكبر من المنافع في هذه البقعة الشريفة المباركة من الأرض، إن شعائر الحج والعمرة ومناسكهما، تختلف تماما عن شعائر الصلاة والزكاة والصوم، فالحج ليس كالصلاة تؤديها في أي مكان، عندما يحل وقتها، وليس شرطا أن تكون في المسجد أو البيت، فالله رخص للمسلمين تأدية الصلاة في أي بقعة من الأرض، بيما لا يمكنك أن تحج أو أن تعتمر إلا في مكة، ولا تطوف إلا حول الكعبة الشريفة، ولا يحق لك تأدية باق المناسك، إلا كلا متسلسلا، في بقعته وزمانه المخصص لذلك، حول المشاعر المقدسة، على كل حال أسأل الله أن يكون قد تقبل منا عمرتنا، وغفر لنا بها ما تقدم من ذنوبنا، إنه هو الغفور الرحيم وهو العفو الكريم.

وجود الجيوش الغربية بالجزيرة العربية استفزّ فكري

لم يكن من السهل علي، وأنا الشاب المسلم العربي الامازيغي الحر، ابن الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، وابن الملايين، الذين عانوا أكثر من قرن وثلاثين عاما، تحت نير الإحتلال الفرنسي المقيت، ومسلم من أتباع نبي العزة والجهاد، محمد صلى الله عليه وسلم، أن تمر على نفسيتي ومشاعري هذه المشاهد بردا وسلاما، مشاهد الأمريكيين والأمريكيات، وهم يحتلون مفاصل الجزيرة العربية، التي أعتبرها دوما جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من أرسله الله بدين الحق، نبيا صادقا أمينا ومجاهدا صبورا، وقاد قوافل الشهداء لتحريرها من رؤوس الكفر، وأوثان الجاهلية، منذ معركة بدر إلى أحد، الى حنين، و إلى غيرها من الغزوات والمعارك، التي حررت الجزيرة من أوثان الإنسان و الشيطان، ومن نفوذ الفرس والرومان، بل قضى محمد وأتباعه على هاتين الإمبراطوريتين، في ظرف وجيز، ولم تقم لهما قائمة بالمنطقة ليومنا هذا، ناهيك عن أن يكون لهما أي دور مؤثر في الجزيرة العربية، لكن تسقط الخلافة العثمانية، بعد أن تعرضت لعوامل انهدام داخلي، وتآمرخارجي، صنعته الدول الغربية، بقيادة بريطانيا، امبراطورية الشر آنذاك، لتصدق على شرها لاحقا، بتسليم أرض فلسطين، بما فيها القدس المباركة، وجوهرتها الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، إلى عصابات الصهاينة، قبل أن تسلم راية الشيطان إلى أمريكا، بعد الحرب العالمية الثانية، و لعبت بريطانيا دورا كبيرا، في تنصيب قبائل وعشائر، لحكم دويلات جزيرة العرب بعد تفتيتها، والتمكن منها ومن قرارها وثرواتها التي انعم الله بهاعليها، و لقد ساهمت ثروات وأهمية المنطقة الإستراتيجية، في تثبيت الهيمنة الأمريكة على اقتصاد العالم وثرواته، فزاد البترودولار من استئسادها على دول العالم، وسهل عليها تعويمه رغم أنه في حقيقته يكاد يكون عديم القيمة، ويستمد قوته من قوة البطش الأمريكية، و سلسلة الإغتيالات والإنقلابات والحروب، فكان لأمريكا ما تريد. ولتعزيز وجودها لقرون من الزمن، دابت على إثارة القلاقل والحروب، لإضعاف الجميع ولتسويق سلاحها، والتمكين لنفسها من موضع قدم دائم بالجزيرة العربية، والمضائق والممرات المائية الهامة بالشرق الأوسط، لحماية مصالحها وحماية الكيان الصهيوني، الذي يتشكل نظامه من عصابات مرتزقة من مختلف دول العالم، وتحصينه من أي ثورة أو انتفاضة، أو حرب عربية لإزالته واستعادة الأرض والكرامة والإستقلال، وأمريكا تعلم جيدا ماذا يعنى استقلال العرب والمسلمين عنها، والتخلص من الكيان الصهيوني غير الشرعي في الشرق الأوسط.

على كل حال، عام 1990 كانت السنة التي حققت فيها أمريكاحلمها المستحيل، فقد تمكنت من الجزيرة العربية وثروة النفط، وانطلقت لتدمير العراق، وقد كنت أشعر وأنا أتجول ضمن الوفد الصحفي الجزائري، كنت أشعر بهذه النكسة الكبيرة والخطيرة التي أصابت الأمة، بل هو من أخطر عارض من أعراض النكسة الأكبر، سقوط الخلافة، وضياع الأقصى وفلسطين، لقد خلفت هذه المأساة ندوبا عميقة في نفسي وفكري واعتقاداتي، فقد أيقنت أننا أمة الإسلام والعرب، لسنا إلا مجرد وليمة كبيرة لكلاب العالم وأفاقيه، وعصابات الصهاينة، التي ملكت المال والثروات، وأننا لسنا في حاجة لمن يقنعنا بأن هذه الكلاب الضالة المتلاقطة، لن تتركنا وحالنا إلا إذا استجمعنا قوانا، وعدنا إلى طريق الهدى والحق والمنطق والعدل، واسترجعنا بأسنا وهيبتنا، لنلقنها الدرس القاسي المناسب، ونطردها شر طردة من أرضنا، و نقنعها بقوة العقيدة والإصرار، والمال والسلاح، بأن لا مكان لها بيننا، إلا من خلال المعاملات العادلة، والحافظة لسيادتنا وكرامتنا، ودمائنا وثرواتنا، وحقوقنا التاريخية والجغرافية، وأيقنت أننا أمة خير ورسالة وعقيدة صحيحة، حبانا الله بكل موارد العزة والقوة والمنعة، من شباب وثروة ودين ولغة، وأرض وتاريخ وإرادة، لكن للأسف، تحكمنا عصابات جاهلة، نصبها الإستعمار، أو راض عنها على أقل تقدير، فتقف راكنة لإرادة الإمبراليين والصهاينة، بلا إرادة ولا قرار، رغم ما حباها الله به من ثروات وأرض وشباب، لكنها آثرت بيع الأرض والذمة والشرف بمالها، مقابل الإستئثار بالحكم المستبد، الذي من الواجب المفروض، ألّا يستبيحه أحد في ارضنا إلا بحق الله، وبسنة رسوله وبسيف العدل والقسط.

وضع مسخ بالجزيرة العربية يحرك الموتى ويسمع من به صمم

لقد كانت هذه الصورة المسخ، التي عليها كل الأنظمة العربية دون استثناء، وبعض الدول الإسلامية، والمتجلية بوضوح أكثر، في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته الأشاوس، كانت تفعل بي الأفاعيل، وتقض علي مضجعي، وتبعد النوم عن جفني، لا سيما في الفترة قبل بداية العدوان على العراق مباشرة، بعدما عدنا من مهمتنا الإعلامية بالخليج، فقد بدأ عدوان منتصف شهر جانفي من عام 1991 على العراق، مباشرة بعد أيام من عودتنا إلى الجزائر، وكانت مغادرتي لدويلات الخليج ليس كدخولي إليها، فقد دخلتها إعلاميا، وخرجت منها محملا بالصدمات والكيات، فقبل أن أكون إعلاميا فإنني عربي مسلم، يرى بأم عينيه كيف تنتهك حرمات الأمة، من طرف أنجاس العالم، وكنت على قناعة تامة، أنه لا أحد من الخلق، كانت له القدرة أو الشجاعة، لمنع الأمريكان من احتلال الخليج، فحتى حكام الجزيرة العربية خيار آخر، القبول والخنوع، لإرادة شيطان البيت الأبيض، فجحافل الكوبوي المنفرط، لا يمكنها العيش دون الإعتداء، وسفك الدماء، والسطو على ممتلكات الغير، أما اختلاق الذرائع والتبريرات لشن عدوانها، فقد أسست لها معاهد ومراكز، تدعي أنها للدراسات الاستراتيجية، وتديرها أجهزة المخابرات الأمريكية، الذراع الخفية لعائلات المرابين اليهود الصهاينة، أمثال روتشيلد وروكفلر، ومورغن وغيرهم، فتاريخ السي أي أي، حافل بالاغتيالات في حق أشراف العالم وخصوم الامبريالية، والرافضين للبلطجة الأمريكية، وحبلى بالإنقلابات والحروب الظالمة.

تفاعلات الأوضاع وحالة الإستقطاب أحدثت ثورة في روعي

في هذا الظرف التاريخي العصيب، طرأ تغير عميق، في طريقة تفكيري، ورؤيتي لمسار الأحداث في العالم، فقد تيقنت أن الأمة من الهشاشة بمكان، أكثر بكثير مما كنا نتوقع، فالأنظمة الرسمية للأمة لم تفقد القدرة على الدفاع عن نفسها وعن شرف الأمة ومقدراتها فحسب، بل فقدت أيضا غريزة رد الفعل بالمقاومة ومشاكسة العدو، كما تنفعل الحيوانات على أقل تقدير، بتلقائية وعفوية عندما يداهمها الخطر، وعلى العكس من الحكام، فقد برهنت شعوب الأمة لاحقا، على أنها حية لم تمت، وضربت أروع الأمثلة في مقاومة المحتل الأمريكي، وكادت أن تطرده شر طردة من المنطقة، لولا العمالة الرسمية وشبه الرسمية والخيانة المنظمة، بلغت شأوا كبيرا من التفشي، بامتلاك السلطة والمال والسلاح، وحافظت على ماء وجه المحتل الأمريكي، وزادت في عمره، ومكنته من الإستقرار على أرض الأحرار، رغم التضحيات الجسام، وقوافل الشهداء الذين قدمتهم المقاومة الشعبية لدحره.

في خضم هذه الظروف، صار همّي الأوحد، هو التفكير في كيفية الخروج من هذه الورطة التاريخية التي تدخر أحدا، إلى جانب عوامل وظروف تاريخية وحضارية أخرى، والإجتهاد بجد كيفية إقامة منظومة سياسية واقتصادية وأخلاقية ناجعة، وتحقق إجماع الأمة، وتتبناها شعوبها، وتجعل الحكام خدما وعبيدا لديها، لا سادة وطغاة ومستبدين، وبطبيعة الحال لا يكون هذا إلا بالبحث في تراثنا الإسلامي المجيد، وفي مقدمته الكتاب والسنة، وعوامل الإنبعاث الحضاري، لاستعادة المجد الضائع، وتحقيق الحرية والإستقلال للأجيال الصاعدة، ووضع أسس الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ودعم أركانها بعناصر التشييد الحضاري، وإسنادها بالشرعية والقوة الإقتصادية البائنة، والمختلفة جذريا، في مبادئها وغاياتها، وأصيلة وأصلية في منطقاتها وأهدافها، عن النظامين الرأسمالي والإشتراكي، وتقديمه بديلا ليس لأمة الإسلام فحسب، بل لجميع أمم الأرض، لتخليصها من نير العبودية والإستغلال، من طرف قوى الجور والنهب، والسطو على مقدرات الشعوب.

فكان المولود المبارك ـــ أحسبه كذلك ولا أزكي على الله نفسي و رأيي ـــ "النظرية القسطية"، التي خصصت لها القسط الأكبر من هذا الكتاب، أسأل الله التوفيق في مسعاي، وأن يكون عملي خالصا لوجهه الكريم، فإن أصبت فهذا توفيق من الله، وأرجو أن يأجرني عليه أجرين، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، راجيا أن يتفضل علي ربي باجر الإجتهاد، والعفو والمغفرة، والله ولينا ومولانا في الدنيا والآخرة، والصلاة على خير الأنام والورى.

إستئناف التاريخ

كفرد أعتقد أنني واع ومسؤول ضمن المجتمع البشري العالمي، وبحكم أنني أحيا في هذا العالم، وأنهل من خيراته وأتعرض لمشقاته، ولأنني أتأثر به وأؤثر فيه بقدر معين وبطريقة أو بأخرى، فإني أرى من واجبي وليس من حقي فقط، أن أحاول بقدر المتاح والمستطاع توظيف معارفي النظرية وخبراتي التطبيقية، التي اكتسبتها من خلال تواجدي الواعي في هذه الحياة وعلى هذا الكوكب الجميل، لأقدم ما بوسعي تقديمه من أفكار وآراء، أعتقد في قدرتها النسبية، على أن تصنع الفارق المرجو مهما كان حجمه، وأتوسم خيرا في مساهمتها لإيجاد حلول للأزمات والمشاكل الجمة التي تعاني منها البشرية ولو بالنزر القليل، فقد علمتنا الحياة أننا نملك أعمالنا وسلوكاتنا، لكننا لا نملك نتائجها ومآلاتها، إلا أننا نقدر الأمور وأسبابها ونتائجها تقديرا. وبما أنه لا يوجد مخلوق على وجه الأرض بإمكانه أن يأتي بوصفة كاملة لحل هذه المشاكل الإنسانية بصورة نهائية، ولا أستثني هنا الأنبياء والرسل والمصلحين والعباقرة والمخترعين، لأن الأمر يتوقف أيضا على إرادة الناس في التغيير، إلا أن لكل مساهمة خيرة حيزا من التأثير الإيجابي في المكان والزمان والإنسان، حسب قوّتها ونوعها وحجمها، وقد أثبتت تجارب الأفراد والأمم والحضارات عبر التاريخ، أن قوة وفعالية المساهمة في تخفيف أزمات الإنسانية، تقاس بمدى أصالة وصدقية القيم الأخلاقية، التي تنطلق منها وتنتهي إليها، فالقيم الكونية الفاضلة المتعارف عليها، طبيعية كانت فردية أواجتماعية، هي وحدها التي تصنع المسار الإيجابي للتغيير، وتضبطه وترسم له خطا بيانيا تصاعديا في الإصلاح والتحسن المستمر، إلى أن يحيد الناس عن هذه القيم، فينتكس خطها البياني ويرتد في اتجاه انحداري من جديد، وهنا يحدث ما يعرف بالتردي الحضاري، فتتولد الأزمات الكونية الكبيرة، التي تستدعي الإحياء الشامل لقيم الحياة ونظرياتها، وأساليب تسيير شؤون الخلق، ضمن ما نمارسه ونصطلح عليه اليوم بالدولة والدستور والمؤسسات والقوانين، وشركات الإنتاج والخدمات في جميع القطاعات المتعلقة بحاجيات الناس الإقتصادية والإجتماعية، بل وفي مقدمتها الروحية والعقلية والنفسية والبدنية.

طبيعة الأزمة التي نعانيها

وسأقسم هنا الأزمة إلى صنفين أساسيين، حسب طبيعتها وصعوبة التعاطي معها، فالصنف الأول يتضمن أزمة أداء، مرجعها إلى اختلالات فنية محضة، وهي أزمة ذات طابع كمي، يرتبط أصلا بالخلل في تراكم عناصر الإنجاز المعرفية والمادية، وهذا الصنف من الأزمة يظهر في الظروف العادية في حالات السلم والإستقرار ولو نسبيا، أما الصنف الثاني فيتمثل في أزمة القيم الإنسانية وما تبعها من فساد في الأخلاق وهي الأكثر شمولية وخطورة وتعقيد، وهذه الازمة ذات طابع نوعي، ومن مظاهرها عموم الفساد وانحلال الخلق وانتشار الآفات والأمراض واحتراف الأقوياء شن الحروب و إيلاف الإستبداد، وتفشي الظلم والجور والخوف والجوع وضيق الحال، ولأن هذا النوع من الأزمات هو الذي عادة ما يقصم ظهر الحضارة الإنسانية، فقد أخرته في حديثي لأستفيض فيه، بعد أن أتطرق باختصار للصنف الأول من الأزمة ذات الطابع الفني.

الصنف الأول فني ومادي محض

ويتمحور أساسا حول العراقيل والمعوقات التي تقف حجر عثرة في طريق تخطيط و تنفيذ المشاريع وتوفير مصادرها المعنوية والمادية، وتنشأ أصلا من نقص في توفر الوسائل والأساليب وخلل في مؤهلات الأفراد والمؤسسات التي تدير شؤون المجتمع، وهذه عموما أزمة مؤقتة وعابرة وقابلة للتصليح، لأنها ليست ناتجة عن الإنحراف عن القيم أو تهديمها أو إلغائها كليا، وإنما تعود إلى إشكالات فنية حلها في متناول المختصين، وتعود جذورها إلى اختلالات متراكمة أملتها ظروف تاريخية أو آنية سلبية ، ويتيسر حلها في مرحلة من مراحل تطور الدولة والمجتمع عن طريق التعليم والتراكم المعرفي، واكتساب المهارات في كل المجالات المتأزمة، والتمكن من طرق صناعة الثروة والنجاعة في الإدراة، وتحسين الأداء والسير نحو الأمام، وهذه الأزمة ستزول مع الوقت، إذا لم يكن المجتمع يعاني أصلا من اختلالات في القيم والمبادئ الكبرى التي يقوم عليها، وهذا هو الصنف الثاني والأخطر من الأزمات، التي تضرب المجتمعات في صميمها الحضاري، فالمجتمعات الرائدة حضاريا لا تتفوق دائما على غيرها من المجتمعات المعاصرة لها، لأنها الأفضل فيما تتبناه وتدعو إليه من قيم وأخلاق، كما يتراءى عادة لها وللآخرين، ولكن في كثير من الأحيان لأنها تمكنت من فرض قيمها وسياساتها بقوة المال والسلاح والدعاية والتآمر، وبالتالي تصبح هي الأفضل المتوفر بالفعل، رغم أن آثار ونتائج سلوكاتها تؤكد انحرافها وتحركها في الإتجاه المعاكس لمصالح الآخرين، وغالبا ما يكون الآخر المتضرر هم الأغلبية الساحقة.

فهذا على سبيل المثال لا الحصر "جون بيركينز خبير إقتصادي دولي أمريكي وعالم في شؤون البيئة يروي في كتابه الإغتيال الإقتصادي للأمم ـــ اعترافات قرصان اقتصادي الدور الذي لعبه إلى جانب مجموعة من الخبراء الأخرين، في تمكين الطغمة السياسية والمالية الحاكمة في الولايات المتحدة من تنفيذ عمليات نهب اقتصادات وثروات بلدان العالم الثالث من خلال ضغوطات ومساومات وتهديدات و رشاوي و ابتزازات لروؤساء وملوك ونخب الدول النامية، لحثها على الإستدانة من الولايات المتحدة الأمريكية و البنك العالمي و صندوق النقد الدولي، بذريعة تمويل مشاريع تطوير بنياتها التحتية والإقتصاد، مقابل استحواذ الشركات والبنوك الأمريكية على كافة المناقصات والعقود، ويضيف بركينز في كتابه المذكور الذي يعد من أشهر وأنجح الكتب في العالم، أن الحقيقة هي توريط هذه الدول في مستنقع الديون والتبعية الإقتصادية للولايات المتحدة، والكتاب يستحق القراءة ومتوفر بجل لغات العالم بما في ذلك العربية لمن يرغب في الإطلاع على المؤامرات وألاعيب النخبة في الولايات المتحدة لنهب وتدمير مقدرات الشعوب، وحسب تصريح له جريئ و خطير على قناة روسيا اليوم، فإنه إذا رفض أحد الزعماء الإذعان لشروط الحكومة الأمريكية فإن جهاز الجاكلز التابع للسي أي أي يقوم بتصفيته مباشرة، مستشهداً بسلسلة الإغتيالات التي نفذها هذا الجهاز الدموي في حق قادة إيران وبنما والإكوادور والعراق، حيث كانت البداية الإطاحة برئيس وزراء إيران السابق محمد مصدق وإغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود في ديوانه بالسعودية وعمر توريخوس ببنما تم شنق صدام حسين بعد غزو العراق، و يعتبر جون بيركينز شاهدا حيّا من أهلها، لأنه اشتغل خبيرا و مستشارا اقتصاديا للعديد من رؤساء الولايات المتحدة، وهو دليل قاطع على أن أمريكا ليست قوية بذكائها ونجاحها الإقتصادي كما يتوهم البعض، وإنما بفضل تاريخ من السطو على مقدرات الشعوب، إبتداء من إبادة الملايين من الهنود الحمر السكان الأصليين لأمريكا، إلى استغلالها للملايين من العبيد المخطوفين من إفريقيا، ثم الدخول المتأخر للحربين العالميتين الأولى والثانية لنهب الغنائم المادية والمعنوية والبشرية، بما في ذلك المعارف التكنولوجية المتقدمة التي تم سرقتها من ألمانيا إبان وبعد الحرب العالمية الثانية، وترحيل العلماء الألمان إلى أمريكا بالتهديد والوعيد والإبتزاز، ودور العملاء من اليهود الصهاينة في تنفيذ هذه المهام القذرة، ثم سلسلة الإغتيالات والإنقلابات والحروب التي نفذتها إدارة البيت الأبيض على مدى عقود من الزمن، لفرض سيطرتها وسيطرة الدولار على اقتصاد العالم، وجعل العالم يتعامل به عنوة ويشتري السلع الأمريكية والأسلحة تحت الضغط والتهديد والإبتزاز، وعليه فما يروج له منظروا الرأسمالية والليبرالية لنجاح الرأسمالية ويستشهدون بالنموذج الأمريكي، ما هي إلا أبواق مأجورة من المثقفين المرتزقة رواد الإغتيال الثقافي والمعرفي، وكفي بـجون بركنز" وأمثاله كثيرون في كل المجالات شاهدون على زيف الإدعاء.

الصنف الثاني قيمي روحي

هذا الصنف الثاني من الأزمة فيبقى هو الأخطر والأصعب مراسا وعلاجا، لأن له جذورا في عمق العقائد والأيديولوجيات، والمفاهيم والقناعات التي يقوم عليها من بيدهم التأثير المباشر وغير المباشر في تفكير وسلوك الناس، والتي أدت أو ساهمت بشكل كبير في ظهور هذا الصنف من الأزمات، والناتج أصلا عن وجود منظومات إجتماعية وحكومية واقتصادية متجذرة في حياة الناس، قائمة أساسا على محاربة القيم الكونية الأصيلة، مع تبنيها بمكر واحتيال لشعارات تتباهى بقيم الحياة كالحرية والأخوة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها في حقيقة الأمر تحاربها وتهدم أساساتها القيمية، وتسعى لتقديم البديل العدمي الذي يحول الإنسان والمجتمعات إلى ورشات إنتاج واستهلاك ومعاول تهديم لقيم التعايش بدل التقاتل باسم المصالح، وتشجع التنافر بدل التقارب باسم الحرية، فتخرب الإنسجام والوئام لتحل محله الصدام باسم التنافس، وتعزف عن التعاون والإخاء وتزرع التناحر والإستغناء، وتبقى على أهبة الإستعداد متوثبة لشن الحروب على كل من تسول له نفسه رفض هذا الطغيان، ويحاول العودة بالناس إلى قيمهم الإنسانية الكونية الأصيلة.

هذا النوع من الأزمات المشحون بالعداء للقيم هو من يعطل التاريخ الإنساني، ويمنعه من الإنتقال إلى مرحلة الثبات والتوازن والإستمرارية، وهذا هو موضوع هذا الباب المتمحور أساسا حول العنوان: إستئناف التاريخ.

القيم والأخلاق سكك قطار التاريخ

تعرض تاريخ الحضارات لكثير من الإنحرافات عن القيم الإنسانية المثلى كمنطلق وغاية لكل سلوك، وكلما تحققت هذه القيم، نشأت حلقة جديدة تضاف للتاريخ، وكلما وقع الإنحراف عنها، توقف التاريخ أو تباطأ ، وفي هذه الحالة يقوم الأنبياء والمصلحون باستئناف حركية المسار القويم للتاريخ، بإعادة الحضارة إلى سكتها القيمية، لتواصل سيرها في تصاعد نحو عهد التوازن الأعظم والإستقرار الدائم، فيتحقق الرضا المعنوي والرخاء المادي بالفعل، فيشعر الناس بأمنته وسكينته، ويحسون بنعمائه المبسوطة، وينتفعون بثماره الوفيرة، لكن يحدث أن تطغى غرائز حب الخلود والتملك والإسراف والرفاه والسيطرة على قيم العدل والقسط والخير والإحسان، فيسيطر مرة أخرى على المشهد "المترفون، وهم أصحاب الميولات والنزوات وأصحاب العقائد المادية، والمؤمنون بالظاهر والآني والعاجل فحسب، وعادة ألا تفصح هذه القوى عن حقيقة أجنداتها الخطيرة، والتي تهدف أساسا إلى التمكن من عقول وحواس وبطون وفروج الناس، وبالتالي السيطرة على مواردهم ومصائرهم، فحتى الفضائل والقيم و المبادئ الإنسانية يوظفها هؤلاء بمكر وحيلة ومهارة في التمويه والتزييف والتضليل، لتمرير أجنداتها تحت هذه الشعارات و الأقنعة أمام العامة، وتتواطؤ معهم الخاصة من أصحاب الكفاءات والمهارات والقدرات النادرة، فيتورطون معهم طمعا في مكاسب مادية، أو يخضعون لهم تحت طائلة المساومة و التهديد والوعيد المستشعر والمحسوس، لإنجاز أهدافها الحقيقية، والتي تتمثل عادة في السعي إلى التفوق بالمال والسلاح والتكنولوجيا والإعلام، لتزداد الفوارق بين الناس شساعة، وتتمركز ثروة الكون بين أيدي قلة على حساب كدح وعرق ودماء الكثرة، فتكثر الأمراض والمجاعات والإختلالات البيئية والكونية، وأذكر مرة أخرى بالخبير الإقتصادي الأمريكي جون بيركينز حيث يعرف نفسه ومجموعة من الخبراء الأمريكيين على أنهم قراصنة اقتصاد محترفون، يشتغلون لصالح الإدراة الأمريكية وحفنة من الأثرياء في أمريكا والعالم، ويصف بدقة في اعترافاته في كتابه الإغتيال الإقتصادي للأمم ـ اعترفات قرصان اقتصاد " كيف ينصبون ويحتالون على الدول، ويوهمونها بأنها في حاجة إلى البلايين من الدولارات لمواجهة أزماتها و إنجاز نهضتها الإقتصادية وبناء بنيتها التحتية، فيتوجه قادة هذه الدول بضغط من عصابات الأوليغارشيا فيها، وتحت طائلة التهديد والمساومة والرشوة والجنس وغيرها، إلى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الإعانة العالمية، ثم تستحوذ الشركات الأمريكية على صفقات إنجاز مشاريع البنية التحتية وتنهب هذه الملايير المقترضة والممنوحة من مختلف المنظمات الدولية، لتصب في نهاية الأمر في أكياس المرابين وأصحاب الشركات والبنوك الكبرى الأمريكيين، كما يحكي فيه أيضا عن مسلسل الإغتيالات والحروب على الدول التي ترفض استغباء نفسها

Enjoying the preview?
Page 1 of 1