Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

شيء لا تعرفهُ عن الله: قصة البحث عن الله وأختبار الادلة التي تدل على وجوده
شيء لا تعرفهُ عن الله: قصة البحث عن الله وأختبار الادلة التي تدل على وجوده
شيء لا تعرفهُ عن الله: قصة البحث عن الله وأختبار الادلة التي تدل على وجوده
Ebook393 pages3 hours

شيء لا تعرفهُ عن الله: قصة البحث عن الله وأختبار الادلة التي تدل على وجوده

Rating: 3 out of 5 stars

3/5

()

Read preview

About this ebook

ما الذي يحول الإنسان من شخص مسالم إلى كائن خطير على نفسهِ وعلى غيرهِ؟ ما الذي يدفع الإنسان لأن يقتل إنساناً آخر مع اقتناعهِ الكامل بأنهُ يفعل الشيء الصحيح؟ وكيف يصبح الإنسان مستعداً لتبرير الكثير من الشرور التي ترتكب باسم الله والدين والمقدسات؟






شيئاً فشيئاً خلال مراحل إعداد هذا الكتاب اكتشفت مفهوماً جديداً للقداسة. اكتشفت سر تلك الهالة التي تحيط بعض الكتب وبعض الشخصيات. فحين يقدس الإنسان كتاباً واحداً فهو مستعد لاحتقار كل الكتب الأخرى لو اختلفت مع كتابهِ. وحين يقدس الإنسان شخصاً واحداً فهو في ذات الوقت ينزع القدسية عن حياة الآخرين.






كي نفهم عمق الهوة التي نحنُ فيها، وكي نفهم حجم الكهف الذي نعيش فيه قررتُ تمزيق رداء الإيمان الأعمى. فإن كانت قداسة الله والأديان أو الأنبياء شيء جوهري كامن فيهم فلن يضرهم بحثنا عن الحقيقة. لكن... إن كانت هذه القداسة ما سوى غشاوة وعمى، فقد ساعدنا بحثنا عن الحقيقة في كشف الباطل وإسقاط الغشاوة عن عيوننا. السؤال هو، من ذا الذي يجرؤ على اكتشاف الحقيقة والاعتراف بها؟

Languageالعربية
Release dateJun 1, 2018
ISBN9789163937613
شيء لا تعرفهُ عن الله: قصة البحث عن الله وأختبار الادلة التي تدل على وجوده

Related to شيء لا تعرفهُ عن الله

Related ebooks

Reviews for شيء لا تعرفهُ عن الله

Rating: 3 out of 5 stars
3/5

2 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    شيء لا تعرفهُ عن الله - Bassam Al-Baghdady

    ٢٠١٥

    كم هو عمر الله؟

    "علينا ان نصدق الذين يبحثون عن الحقيقة

    ونشكك بالذين يعثرون عليها"

    آندريه جيد

    هناك قصة للأطفال تحمل عنوان ملابس الامبراطور الجديدة هي قصة قصيرة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسون. تدور القصة حول امبراطور يقنعهُ خياطان ذكيان بأن يصنعوا له بدلة سحرية لا يراها الا الاذكياء. عندما خرج الملك أمام رعيته بملابسه الجديدة، لم يتجرأ أحد على الإفصاح بأنه لا يرى أي ملابس على الملك وبأن الملك عاري، باستثناء طفل صرخ بكل عفوية الملك عاري!!. هذه العفوية التي يمتلكها الأطفال، ساعدتني في أن أطرح أكثر من سؤال عن الحياة وأكتشف أكثر من جواب بنفسي، بعد سنين طويلة على طرح السؤال.

    عندما كان عمري ست سنوات سألت أختي الكبرى، ما هو عمر الله؟ طرحتُ هذا السؤال البريء في محاولة حقيقية لمعرفة المزيد حول تلك الشخصية المحورية والتي كنتُ قد أعتدتُ حينها على وجودها كجزء أساسي في حياتي منذ نعومة أظافري. الله شخصية مهمة كُنتُ اكتشفتها سنين طويلة قبل ذلك وتعودت أن أخاطبها في الخفاء ليلاً ونهاراً كي تغفر لي ما اقترفته من ذنوب وأتوسل حمايتي من الاشباح في الليل. علاقتي بالله في ذلك الوقت مُقارنة بأطفال الشرق الاوسط لم ترتبط حينها بخوفي من عقابهِ أو بطشهِ كما حاولت مُعلمة (التربية الدينية) في الصف الاول الابتدائي اقناعنا (أو بالأحرى إرهابنا) كي نخاف الله كما كانت تلمح بعض الأحيان حول أهمية طاعتها. أستطيع أن أصف علاقتي مع الله بأنها كانت نوع من أنواع الصداقة العميقة والتعلق بذلك الكيان النوراني. نوراني لأنني كنت في طفولتي المبكرة أتخيل الله كأنهُ شلال من النور الابيض الدافئ الذي يصبُ قادماً من السماء. بمرور الأيام ومع بدأ نضوج هذا الفتى الصغير، مع دخول مادة الاحياء والهندسة الرياضية¹ على مادة الصف الخامس الابتدائي بدأت الأسئلة تنمو داخلي حول ماهية هذا الكيان العجيب الذي نسميه الله. كيف هو شكله؟ أين مكانهُ في الكون بالضبط؟ ما سر هذا الصمت العميق الذي يحيطهُ؟ هل هو غاضب علينا؟ هل هو صامت أم أن بصيرتي اليانعة لم تستوعب بعد ما يقوله لها؟ ما سر هذه العزلة الغريبة التي تعانيها البشرية أمام الله أو يعانيها الله أمام البشرية؟ ما سر اختفاء الله عن مسار التاريخ رغم أن الملايين في التاريخ قتلوا في سبيل الله أو باسمه؟

    تصوراتي الاولى عن الله قد لا تختلف كثيراً عن تصورات أغلب البشر في هذا السن المبكر. كنت أتخيلهُ دائماً كهلاً كبيراً بالعمر والحجم، لم يكن غامق أو أسمر البشرة مُطلقاً بل ذو بشرة بيضاء تكاد تكون شفافة وذو شعر أبيض وطويل ولحية فضفاضة، يرتدي رداء فاقع النور والتوهج. كنتُ أعتقد بوجود الله في مكان ما في اعماق الكون البعيد فوق نجم عملاق جداً يفوق حجم تصوري للكرة الارضية حينها. حول الله وتحته وعلى مد البصر كنت أرى الملايين من الاجساد النورانية وكأنهم نجوم مشعة في الظلمة وبمختلف الاحجام والاشكال ساجدين يرددون صلوات وتسابيح أزلية بلهجات ولغات سماوية لا أفهمها. لرهبة المشهد تبدو هذه التسابيح وكأنها موسيقى كونية عارمة لرفرفة الملايين من أجنحة الملائكة في حضرة النور الازلي.

    وسط هذا التناغم الروحي في علاقتي مع الله وجدت أنهُ من المنطقي بل من الضروري أن أكتشف المزيد عن هذا الكيان. هذا الكائن الذي يهتم بي منذ أول لحظة أستيقظ بها في الصباح ويرعاني في قلب الليل كي لا تأتي تلك الارواح الشريرة والاشباح التي يتحدث عنها الكبار وتؤذيني حين أنام. ليس فقط من الضروري معرفة المزيد عن هذا الكيان الطيب الذي نسميه الله، بل من واجبي كطرف أمين في علاقة مثمرة أن أعرف المزيد عنه لتأكيد اهتمامي بعلاقتي بهِ أكثر وربما تطويرها. لم يبدو أنهُ من المنطقي لإله عظيم مثل الله والذي خلق مليارات المجرات والتي تحتوي على مليارات النجوم والكواكب أن يضعني على كوكب الأرض فقط لأقوم بواجبات رسمية دون أي هدف أو رسالة حقيقية خصني بها. لم يبدو لي كافياً أن أقوم بالوفاء لهُ فقط بالتعبد والصوم والصلاة لهذا الكيان السرمدي دون أن تكون هناك ولو بذرة منطقية لعلاقتنا، بذرة للتفاهم المُتبادل وأساس متين أستطيع عليه البناء لعلاقة طويلة الأمد. فهل كان الشيطان من يوسوس لي بهذه الافكار حينها وأنا طفلٌ صغير؟ وهل يجرؤ الشيطان على الاقتراب من قلب طفل برئ أمتلأ بحُب الله ولأشيء غير الحب لهُ؟ وهل الله بغافل عن مكائد الشيطان ليترك قلب طفلٌ بريء بين يديه؟

    خِلال سنين طويلة عجزتُ عن التفكير في ماهية الله، كنتُ مُدركاً بأن الطاعة والإيمان الاعمى هو الطريق الوحيد لإرضائه. كنت أُمارس كل طقوس العبادة التي يريدها مني وكنت أزيد عليها الكثير كي أنمو روحياً وأتقرب لله. كنت أتوسل الله أن يُعطيني إشارة رِضا بسيطة حتى لو كانت حُلمٍ صغير. كنت أتمنى صادقاً أن تتحقق مُعجزة ما معي أو مع أحد أفراد عائلتي أو في أي مكان في العالم، المُهم أن تكون مُعجزة حقيقية يتم رصدها وتوثيقها وبكل وضوح. كنت أريد شيء خارق للطبيعة أن يحدث كي يكون فرصة لإيقاظ الملايين من البشر الضائعين في العالم المادي بعيداً عن الله. كنتُ أتوق لحدث روحي حقيقي، وليس فقط رواية من روايات العجائز حول المدفأة في شتاء بغداد. حدث يغير من مسار التاريخ المادي الذي يغرق فيه العالم اليوم. كنتُ أتوسل أن يُسمع صوت الله من خلالي او من خلال أي شخص آخر كي نقول للمؤمنين بالله بأن هذا هو الدليل والإشارة من الله فلا تخافوا ولا تحزنوا مهما حدث لكم، وبأن وعد الله حق. كنت أعرف أن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعا بقلب مؤمن، لذلك كنتُ حائراً في نفسي، هل يُعقل أنهُ لا يوجد ولا إنسان واحد على سطح الارض يمتلك إيماناً بوجود الله ما يكفي لتحقيق معجزة روحية واحدة؟ لأننا لم نشاهد يوماً ولم نسمع ولم نقرأ في التاريخ الموثق حتى يومنا هذا لا موتى عادوا للحياة ولا حروب توقفت لان الملايين طلبت من الله ذلك إن لم نتحدث عن جبال تزحزحت؟ حينها شعرت بأن هناك خلل ما في علاقة البشر مع الله وجب عليّ أن أكتشفه وأتجنبه، لكنني لم أستطع وضع يدي عليه بعد وبقيت فترة طويلة لا أعرف ما هو ذلك الخلل.

    عندما بدأت المدرسة، اعتقدت أن دروس الدين ستسهل عليّ مهمة الوصول لله. المشكلة التي اكتشفتها مباشرة أن دروس الدين في المدرسة لا تزيد الله الا ضبابية فتمتلأ عقولنا صوراً مشوشة حول ماهية الله وحقيقة رحمته التي يتحدث بها الجميع. كانت الست وفاء، مُعلمة الدين النحيلة ذات الوجه الكئيب والبشرة الصفراء تتلذذ في وصف نيران جهنم وكيف سيتم شوائنا وقلع عيوننا. كانت تصف لنا الافاعي التي ستخرج من أنوفنا والمسامير الطويلة والساخنة التي ستغرس في قلوبنا، وكيف أن زبانية جهنم سيفرمون السنتنا وأعضائنا الرخوة (لم أفهم ما قصدها بالأعضاء الرخوة حينها واعتقدت أنها تقصد البطن وما فيها). كانت تصف لنا كيف أن أسياخ الحديد المتوهجة ستخترق أجسادنا وكيف أننا سنسمع الدماء تغلي في عروقنا وسيتم تعليقنا من شعورنا ثم غمرنا في زيوت تغلي حتى تتفحم جلودنا التي سيتم ابدالها بأخرى جديدة كلما قل الالم فيها بسبب اهترائها.

    الغريب في الامر أن الله وهو الذي عرفناه قبل بضع سنين بالرحمن والرحيم سيترك هذه الحالة تستمر في أبدية لا تنتهي، في روتين قاتل لعذاب لا يتخيله عقل أعتى السفاحين على وجه الارض وعلى مر التاريخ. بل يبدو أن طرق العذاب هذه استغرقت الله الأزلية كاملة للتخطيط لها لتجهيز الادوات وتدريب الزبانية لتنفيذها. الرعب كان يتملكنا جميعاً يومها... كنا ننظر في وجوه بعضنا البعض وكانت وجوهنا شاحبة يملأها الرعب، من آخر الصف تدفق صوت إحدى البنات التي أجهشت بالبُكاء. في محاولة لتهدئة موجة الهلع التي اجتاحت الصف سمعتُ صوتيَّ الخائف مرتجفاً يقول: لكن، معلمتي... معلمتي، النار تلك للمجرمين فقط، اليس كذلك؟ كلماتي خرجت من فمي كأنها مُحاولة يائسة لاستدراك عطف ورحمة المُعلمة كي تجد لنا مخرجاً من الجحيم هذا. تعلقت عيون الفصل كلهُ حول شفتي المعلمة الشاحبة تحت أنفها المتضخم عندما استدارت وانقبضت جبهتها تحت الحجاب الأصفر والذي أعطى عيونها لوناً زجاجياً كأنها الآن شاهدة عيان على المسلخ الرباني. بعد لحظات مرت ثقيلة، جاء الجواب صاعقاً... لا... النار كانت لكل الذين لا يطيعون الله ورسوله، ولكل الذين لا يقرأون القرآن ويمارسون الزنى والربى. لم أفهم حينها ما المقصود لا بالزنى ولا الربى لكنني توقعت بأنهما أبشع جريمتين ممكن أن يقوم بهما الإنسان. قالت المعلمة ذلك ثم أضافت... الجحيم هو ذلك المكان الابدي حتى لأولئك الذين قالوا أو ارتكبوا شيء خاطئ حتى سهواً دون أن يعلموا بذلك".

    أتذكر أنهُ في ذلك اليوم انتهت طفولتي وطفولة كل الذين معي في ذلك الفصل حين أدركنا حقيقة ما كان ينتظرنا بعد حين. كنتُ وكُنا كمن كان يعيش في حلم وردي جميل وفجأة أنتهى ذلك الحلم وبسرعة صاعقة؟ لأيام طويلة التصقت صورة العذاب الابدي في قزحية عيني التي ستخترقها المعادن المُنصهرة وتقلى في الزيت المغلي. 

    السؤال الذي ما توقف يتردد في ذهني حينها هو، هل من أجل هذا خُلِقت؟ خُلِقت كي أكون حطباً لنار أبدية لا تنطفئ؟ وهل يجهل الله بأننا ما سوى بشرٌ بُسطاء لا نملك سوى عقولنا المحدودة التي تملأها الاحلام وأجسادٌ ضعيفة تملأها الرغبات، حاجاتُ طفلٌ صغير يشعر بالجوع فيشتهي الطعام فيأكل بعض الأحيان أكثر مما يحتاج. اليس هو الذي خلق هذه الأجساد بهذه الاحتياجات، ثم يهددنا بشوائها لو أطعنا رغبات أجسادنا؟

    بعد تفكير طويل أستغرق عدة أشهر وصلت لنتيجة مأساوية كشفت عن وجه عبثي للإله الذي طالما عبدته بصدق. إذا كان الله يحاسبنا على ذنوبنا التي اقترفناها سهواً ففي هذه الحالة، كم هو محظوظ ذلك الذي لم يلد مُطلقاً، وكم هو محظوظ ذلك الذي لن يُخلق ابداً بل سيبقى في رحم العدم نقياً من الرغبات والذنوب وبعيداً عن الجحيم. بدت صورة الوجود شديدة الظلام والحياة قاتمة وكئيبة وكأننا في مسلخ حُشِرَ فيه الملايين من البشر الذين تم حشوهم بكل أسباب الخطيئة وفي انتظار شوائهم في النار الأبدية التي لا تنطفئ.

    بعد هذا وذاك، تدارك ذلك الطفل نفسهُ، اليست عقولنا رُغم كل ما فيها من قصور ومحدودية هي الاداة الوحيدة التي نملكها للتمييز بين الحق والباطل. لماذا يعطينا الله عقلاً وفي نفس الوقت يسلبنا القدرة على إدراكهِ بنفس العقل الذي سيحاسبنا عليه؟ هل من العدل مُحاسبة أعمى لأنهُ لا يرى النجوم أو أطرش لأنهُ لا يسمع صوت البحر أو أخرس لأنهُ لا يغني؟ وهل الايمان بالله يجب أن يكون أعمى وأطرش وأخرس كي نضمن الحياة الابدية؟ لماذا العقل إذن وماهي فائدة هذه الكيلوغرامات الزائدة التي نحملها داخل رؤوسنا؟ ثم ما ذنب ذلك الذي ولد في عائلة لا تؤمن بالدين الحق أساساً ولا تعتبره سوى كذبة كبيرة جاء بها منافق كبير؟ لِماذا خلقهم الله على المعتقد الخاطئ؟ هل هو اختبار لنا كي لا نضل معهم أم اختبار لهم كي يكتشفوا الحق بأنفسهم؟ ولماذا سيختبرهم الله اختبارا لا يحتاج الملايين من الأطفال الذين ولدوا مسبقاً على الدين الحق المرور بهِ؟ هل يبتليهم الله بهذا الاختبار الصعب لأنهُ يعرف قدراتهم والتي ستؤدي بهم الى اكتشاف الحقيقة في آخر المطاف؟ وماذا عن المليارات من الذين حُشروا في هذا الاختبار والذين كما يبدو للجميع أنهم فشلوا في الاختيار الصحيح واختاروا الاستمرار على دين آبائهم وأجدادهم حتى الموت؟  كيف نستطيع الوصول الى إجابة دقيقة لمثل هذه الأسئلة، وهل سنعرف الحقيقة يوماً ما؟ وهل هناك حقيقة بالأساس نستطيع الوثوق بها؟ طفولتي انتهت يوم عرفت الجحيم، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلة البحث عن الحقيقة. رحلة البحث عن الله خارج الصندوق الجاهز من الأفكار التي ولدت فيها.

    هذه الاسئلة وغيرها الكثير لم تخرج من رأسي طوال سنين طويلة، وطوال سنين طويلة وأنا في صراع دائم مع صوت الشيطان وعقل الفيلسوف وصراخ النبي ومنطق العالم الذي يقرع في رأسي ليل نهار. كنت أهرب من هذه الاسئلة الى الله، كنتُ أتضرع بالصلاة راكعاً وساجداً وصائماً لأشهر طويلة كي يشرح لي صدري. كنت أبحث كالجائع الشره عن أجوبة تُخرس هذا الصوت الداخلي الذي سَرقَ مني الطمأنينة وبشرني بعذاب اليم.

    كان الخواء الداخلي كبيرٌ جداً وكان الخوف من المجهول أكبر بكثير. كنت أغفو خائفاً من أن أفتح عيني لأكتشف نفسي محشوراً بين ملايين الكائنات الاخرى في مكان مُظلم كالقبر وعميق كالهاوية، حيث يتم تقيدي ثم سحلي أمام عرش عظيم يجلس فوقهُ إلهٌ غاضب يتطاير الشرر من عينيه لأنني أخترتُ الخيار الخاطئ أو فكرت بالطريقة الخاطئة. كُنتُ أرتجف خوفاً وأشهق في الليل أتوسل الله والانبياء والقديسين وعيسى وموسى ومحمد وحتى الانبياء المجهولين الذين لم نسمع بهم يوماً أن يعطوني جواباً، جواباً واحداً، أن ينظروا لآلامي ووحدتي وخوفي. كنت أتوسل الله قبل كل شيء برحمتهِ التي وسعت كُل شيء، كنتُ أتوسله بعزتهِ وعظمته وكل أسمائهِ تلك التي نعرفها وتلك التي لم نعرفها بعد. كنت أدعو الله، ارحمني يا رب فأنا أضيع بعيداً عندك، أين أنتَ يا الله؟ يا إلهي لا تجربني بما لا قدرة لي على تحمله، فأنتَ أعلم بضعفي، فأنجدني من هذه التهلكة فقد اشتدت علي... اشتدت عليّ وما عدت أحتمل وما عادت أضلاعي قادرة على كتمان صرخاتها. فهل أنتَ هناك يا رب؟ هل تسمعني؟ يا الله هل تسمعني... صوتي يتقهقر في ظلمة الليل حتى يتلاشى، دموعي تجف على وسادتي حتى قاربت شمس النهار تُشرق في صمت مُهيب. أنهُ الفجر قد أقترب وخيوط الضوء الابيض بدأت تشق ظلمة سماء بغداد. أنها لحظات ساحرة... لحظات شروق الشمس بعد ليل طويل.

    الحقيقة التي نجهلها

    عندما تلد في عائلة تتألف من أم وأب يرعوك ويهتمون بك ينمو لديك الاعتقاد بأن هذا هو الحال في كل العالم. عندما تدخل المدرسة وتكتشف أن بعض الأطفال يتامى بلا أب أو أم فأنت تعتقد بأن هناك خلل ما في الموضوع يصعب عليك فهمه. عندما تكبر تكتشف الحقيقة المرة وهي بأن وجود الأب والأم ليس سوى وجود مؤقت في حياة كل إنسان وبأن على الفرد سابقاً أو لاحقاً مواجهة هذه الحقيقة وإن كانت قاسية.

    هذهِ الحالة تواجهنا في المعتقدات والافكار التي ولدنا عليها، وجودها مؤقت في حياتنا وبمجرد أن ننضج ونبدأ بالتفكير خارج الصندوق الفكري الذي ولدنا فيه نفهم بأن هذه الأفكار زائلة وبأن علينا مواجهة هذه الحقيقة أو التظاهر بان معتقداتنا أزلية وأبدية تماماً كما يعتقد الاطفال أن وجود الام والاب ازلي وأبدي لا ينتهي.

    حين أدركت بأنني عبثاً أضعتُ سنينٌ طويلة من عمري أصرخ للسماء التي كانت ولازالت خرساء صامتة كالقبور لم ولن تنطق يوماً ما، قررت أن أتولى مسؤولية البحث عن الحقيقة بنفسي لأنني مؤمن بشدة بأن حقيقة واحدة مهما كانت مؤلمة خيرٌ من ألف وهم مريح.

    لكن... كيف نستطيع التسليم بحقيقة شيء ما إذا كان كل شيء يبدو نسبياً من زمان لزمان ومن مكان لمكان؟ حتى الأديان تتغير من عصر لعصر، كذلك الأنبياء ونوع وأسلوب رسائلهم وأسماء آلهتهم المتعددة. بل حتى نظرتنا للعالم تبدو مُتغيرة بعض الأحيان، فحقائق الأمس أصبحت أوهاماً اليوم. فكيف نعرف

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1