Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

علامات
علامات
علامات
Ebook201 pages1 hour

علامات

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

أمضى الحداد حياته بالطريقة التي آلفها من مهنته, حتى وقعت له حادثة. عندها تعلم بالخوف معاني الحياة, تعلم في السفر ما لم يتعلمه في حِله. على مر الازمان كانت الثروة و الجاه هي أحلام الناس, ضعيفهم و قويهم على حد سواء, كانت هذه هي الخصلة المشتركة بينهم, لكن عند الشدائد و عند الخوف تختفي كل هذه الأحلام, لذلك حزم الحداد متاعه و سافر مع اخته.

Languageالعربية
Release dateSep 3, 2018
ISBN9780463881019
علامات

Related to علامات

Related ebooks

Reviews for علامات

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    علامات - محمد باموسى

    علامات

    محمد باموسى

    twitter  @MA_bamosa

    جميع الحقوق محفوظة

    2018

    -1-

    بدأت القافلة في التحرك فوراً من بعد الانتهاء من صلاة الفجر. لكنها ما إن وصلت إلى أطراف المدينة حتى سمعوا هتافاً لرجل يطالبهم بالتوقف. إلا أنهم لم يتوقفوا بل استمروا في المسير, حتى أن قائد القافلة إلتفت إلى الرجل و عرفه و قال لمن حوله إنه ذاك الحداد الذي سيرافقنا و لم يأمر القافلة بالتوقف.  و ظل الحداد يهتف بهم و هو يركب راحلةً و يسوق خلفه ناقةً حملت فوقها هودجاً, حتى استيقن أنهم لن يتوقفوا له, فما بقي له سوى أن يسارع في خطواته.

    ******

    رغم غضبي من مثل هذا التصرف إلا أني لم أعاتب قائد القافلة على عدم توقفه أو تمهله لدى سماعه لصوتي لأني أتفهم بأنه يتوجب عليهم الوصول في الوقت المناسب قدر الإمكان. لكني أردتُ بعض الكياسة فقط!.

    كانت القافلة على غير ما توقعته صغيرةً إلى حد ما. كانت مؤلفةً من سبعة رجال و أربعةٍ من النسوة بخلافي أنا و أختي, في ستة جمال و ثلاثة أحصنة و خمسة بغال. استمرينا بالسير حتى اشتدت حرارة الضحى. عندها توقفنا قرب مجرى الوادي, ثم قال القائد سنستريح هنا قليلاً ثم نتابع سيرنا

    هل سنستمر بالسير في النهار؟ سألت من كان بجانبي.

    في العادة لا, فالطقس الحار سيقتلنا, لكن فقط حتى نخرج من هذا الوادي, فطرقاته وعرة, و نحتاج إلى ضوء النهار حتى نسير

    عندها انتبهت لهذا الرجل, فأنا لم أُعر انتباهاً إلى أحدٍ منذ أن غدونا قبيل ساعات سوى لقائد القافلة. كان الشيب قد خط لحيته و ما انحسر من شعر رأسه من تحت عمامته. و كانت تظهر على وجهه آثار حروق الشمس, بينما سلم الجلد الذي بين طيات تجاعيد وجهه من هذه الحروق و ظهرت كخطوط فاتحة  على جبينه و حول عينيه كلما تحدث أو مسح بيده على جلد جبينه.

    ما اسمك أيها الشيخ؟

    نظر إلي بحدة لم أفهم مغزاها إلا لاحقاً, عندما اختليت بنفسي ليلاً لأفكر, و أجاب صادق, لعله تضايق من مناداتي له بالشيخ. أنخت راحلة أختي و ساعدتها لتنزل عنها, و رافقتها إلى مجرى الماء, أغسل  وجهي و أملأ القِرَب.

    لن نستمر هنا طويلاً, فإن كانت لكِ حاجةٌ فاقضيها مع تلك النسوة, و سأنتظرك هنا

    أومأت أختي برأسها و ذهبت دون أن تنطق بكلمة. يبدو أن الإعياء قد أصابها, و إن كان مازال باكراً, فلم تمضي سوى بضع ساعات, لكن من لن يصيبه الإعياء مع ترنح الهودج أثناء سير الناقة؟!. لكن كم رجوت في تلك اللحظة أن تكون متعبة على أن تكون غاضبة مني, و شعرت في لحظتها بعصرةٍ في قلبي و كادت دمعة أن تغلب عيني لولا أنني نضحت الماء على وجهي.

    ******

    بدأ القائد يصرخ حتى تستعد القافلة للمضي, فقمت مسرعاً للاستعداد فجمعت أغراضنا, و أركبت أختي على هودجها و أقمت الناقة. لكن عندما نظرت إلى بقية القافلة كانوا فقط الآن قد قاموا من مجالسهم و بدأوا يجمعون أغراضهم. لم أدري إن كانت الصدفة قد وافقتهم أم أنهم يماطلون لعلمهم بشيء لا أعرفه عن هذا القائد, فلا يبدو أن هذا القائد قد غضب لتصرفاتهم, بل كان ينظر فقط في الأفق أمامه. على الرغم من أن أحد أولاد عمومتي هو من دلني عليه, قائلاً إنه من الأفضل أن تسافر مع قافلةٍ حتى لا تكون فريسةً سهلة لقطاع الطرق. كما إني أعرف رجلاً جيداً في هذا المجال لا أدري لأي سبب رشح ابن عمي هذا الرجل. كما أني لم أسأل ابن عمي عن هذا الرجلِ كثيراً, فقط اكتفيت بإشادة ابن عمي له, حتى أني لم أهتم للمبلغ الباهظ الذي دفعته لمرافقته.

    استمرينا في المسير حتى قاربت الشمس على الغروب. كان من المفترض أن نخرج من الوادي قبل الغروب, كما فهمتُ من غضب القائد. لكن ما أعذرنا أنه اليوم الأول لنا في السفر, كما أننا لم نعتد بعد على السفر. لكن هذا لم يشفع لنا في تهدئة القائد. على كلٍ قررنا أن نتوقف هنا و نخيم حتى الصباح.

    لحسن الحظ لم يأخذ نصب خيمتنا الكثير من الوقت. صلينا المغرب و العشاء جمع تقديم, و تناولنا التمر و بعضاً من خبز القرية الذي أحضرناه, و لم تنطق مروة بكلمةٍ واحدة طوال الوقت! ثم أخْلَدَتْ إلى النوم. كاد التعب أن يقضي علينا جميعاً اليوم, و على الرغم من أني لم أسمع بحركة خارج الخيمة, إلا أني لم أستطع إغماض عيني لدقيقةٍ كاملة!. خرجت من الخيمة و جلست أمامها أتمعن في السماء. كم كانت السماء جميلة بنجومها التي ملأتها حتى أنها غطت على كآبة الليل. و كم وددت لو يتوقف الزمن في تلك اللحظة, عَلَني أهربُ من تلك الهموم. أردتُ أن أتصرف كما لو أن عيني اليسرى ما بْيَضَّتْ و ما زالت مبصرة, لكني لا ألبثُ أن أتحسس بيدي عيني و وجنتي اليسرى. أصبحت أحلم مؤخراً أني أستيقظ و قد عادت أحوالي إلى ما كانت عليه, حتى أصبح ذلك مثل الكابوس. أصبحت الحسرة من طقوس ليالِيَّ, لماذا لم أعر انتباهاً لسماء الليل قبل هذه الليلة, أو بالأخص قبل تلك الحادثة. إلا أن أصعب  حسراتي لم تكن تلك بل أختي!. من أجلها سأسلك هذا الطريق, من أجلها سأسافر. لا أدري كم جلست أفكر في تلك الليلة, لكن التعب قد نال مني, و ما عاد خوفي من كوابيس النوم أو الهموم يستطيع حبسي عن النوم. فحملت نفسي على ثقل إلى داخل الخيمة لأنام.

    ******

    -2-

    قد مضت بضع ساعات منذ أن خرجنا من الوادي و لم نتوقف بعد. حتى أصبحت الشمس في كبد السماء, و ما زالت القافلة تسير. كنت أعتقد أنه بمجرد أن نخرج من الوادي ستتغير طريقة سيرنا, فلن نواصل السير من شروق الشمس حتى مغيبها, لكن لا يبدو أن القائد يريد أن يتوقف, فأصبحت أتململ و أنا أنتظر الساعة التي سنتوقف فيها. و على الرغم من أن الريح بدأت تَهبُ علينا بنسمات ليست باردةً كثيراً لكن في هذه الرحلة كانت من الرحمات, إلا أني بدأت أتصبب عرقاً أكثر مما كنت عليه في الوادي. لا أدري لماذا لكني لم أشعر بهذا الحرِ في الوادي الذي كان مناخه ميتاً و لا تكاد تشعر بنسمة هواء, على العكس من الآن الذي لا تزال تهب علينا الريح من وقت لآخر. لعلي لم أكن أنتظر شيئاً و أنا في الوادي, أما الآن فأنا في لهفة لأن نتوقف, ليس لحاجةٍ ماسة, لكني أريد أن أتوقف فقط!. كم وددت لو أن أحداً انتبه لحالي فصرت أسعلُ بين الحين و الآخر لعل أحد الرجال يسألني عن  حالي, لكن لم يفعل أحد ذلك, كلٌ كان في حاله. حتى أني بدأت أشعر بالخجل من تصرفاتي فتوقفت, ثم اتجهت إلى هودج أختي و ناديتها مروة, هل أنت بخير؟ هل أوعكك السفر؟

    فأجابت من خلف حجاب هودجها أنا بخير, لا تلقي بالاً لي

    صدمت من نبرة ردها! قد توقعت بأنها ستجيب بأنها بخير,عندها كنت أخطط لأشكي لها حالي, لكنها اتبعتها بقولها لا تلقي بالاً لي بنبرة لا مبالية. لم أدري ما سبب تلك النبرة لكني سكتُ و علمت أني لن أستطيع الهرب من هذا أيضاً. كان علي أن أسألها عما يختلج في صدرها لكني خفت! لا أدري من ماذا لكني خفت!. فسألتها هل أنت متعبة؟

    فأجابت لا, إني بخير

    توقعت هذا أيضاً! لكني تأكدت أنه يتوجب علي أن أتحدث معها حال توقفنا, لعلها ما زالت مغبونة من سفرنا. و عندما تَخيلتُ نظراتها إلي سرت قشعريرة في جسدي و بدأت أحس بالعرق البارد داخل ردائي. و عندها تمنيت أن لا يتوقف القائد لفترة.

    أتدري؟ لا أعتقد أن القائد سيتوقف قريباً. أعتقد أن كل ما يهمه الآن هو أن نصل سريعاً قال هذا صادق و هو يهمس, فلما التفت كانت أنفاس الرجل في وجهي, ففزعت!.

    متى دنوت مني كل هذه المسافة؟

    لكنه لم يجبني, بل ظل يطرقني بنظرات استغراب, فقلت له حتى أهرب من هذه النظرات أكان يجب أن نقف قريباً؟

    كان من المفترض أن نقف منذ فترة ليست بالقصيرة

    إذن ما الذي تقترحه؟

    أنا لا أقترح شيئاً! لكن نظراته كانت تقول عكس ذلك.

    هل أنت معتاد على السفر؟

    لست معتاداً, لكني قد سافرت من قبل مرتين

    أمتزوجٌ أنت؟

    بالطبع أنا متزوج, و ما دفعني للسفر في هذه الرحلة أني بحاجة إلى أن أعيل أولادي

    لابد أنك قلقٌ بشأنهم عند سفرك

    من المؤكد هذا ثم صمت لبرهة, و تغيرت ملامح وجه ثم نظر إلي بحنق و قال بنبرة غضب اذهب و أخبر القائد بأننا نريد أن نتوقف الآن ثم مضى بعيداً عني و لم يسمع إجابتي. لكنه ظل يلتفت خلفه ناحيتي و يرمقني بنظرات بين الحين و الآخر.

    قد أصابني التعب و الحنق ليس من السفر فقط, و إنما من هذا الرجل الذي أصبح يتابعني بنظراته تارةً و تارةً بإطلاقه لكلماتٍ بعضها يُسمَع و البعض الآخر لا, كل ذلك حتى أخبر القائد بأنه قد تعب!. في الحقيقة كم وددت لو ذهبت إلى القائد لأخبره, لكني لم أرد لهذا المدعو صادق أن يعتقد أنه هو من دفعني لفعل ذلك, لذلك حاولت أن لا أعير بالاً لهذا الرجل. إلا أن أختي قد نادت علي من هودجها و سألت إن كان سيقف قريباً.

    لماذا ؟ أتعبت؟ أتريدين أن أخبر القائد أن يقف؟

    لا.., فقط أردت أن أعرف متى سنقف ...

    لا تستحي! سأذهب و أخبره بأننا نريد أن نقف الآن

    فأسرعت بدابتي إلى ناحية القائد, و لما اقتربت من راحلته قلت بصوت عالٍ قد أصابنا التعب و نحتاج إلى أن نقف و نستريح عندها تبينت من هيئته عن قرب, لكن أول ما انتبهت إليه هو صدره المرتفع الذي يشبه الديك قبل صياحه. كان وجهه دائرياً لكن أكثر ما يميزه هو ذلك الصوت الجهوري

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1