Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

الخلاص
الخلاص
الخلاص
Ebook468 pages5 hours

الخلاص

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

خلال فترة من الزمن عاصرت أحداث غيرت وجه الإنسانية من خلال وهج صرخة بوجه المعتقدات والعادات المتوارثة. على يد أخر الأنبياء والرسل
كيف لأنسان ضعيف مسلوب الإرادة في أسفل السلم الاجتماعي أن يوقد شعلة في روح الفارس ضرار الصفدي لتغير حياته لتضعه على طريق الخلاص الأبدي. خلال رحلة من الصحراء للمدتية ، من الحياه للموت وما بعد الموت

Languageالعربية
PublisherAdel yaser
Release dateOct 26, 2018
ISBN9780463877500
الخلاص

Related to الخلاص

Related ebooks

Related categories

Reviews for الخلاص

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    الخلاص - Adel yaser

    Redemption Arabic version

    Eng. Adel Yaser

    Published by Eng. Adel Yaser at Smashwords

    Copyright 2018 Eng. Adel Yaser

    Smashwords Edition

    , License Notes Thank you for downloading this ebook. This book remains the copyrighted property of the author, and may not be redistributed to others for commercial or non-commercial purposes. If you enjoyed this book, please encourage your friends to download their own copy from their favorite authorized retailer. Thank you for your support.

    الخـلاص

    رواية

    م. عادل ياسر

    الطبعة الأولى:2014

    رقم الإيداع:424-2014 ردمك: 978-99966-47-34-5

    الطبعة الثانية إلكترونية :2018

    Adelyaser@gmail.com

    Instagram: @2adelyaser

    Twitter: @Adelyaser

    الرواية مزيج من الاحداث والشخصيات التاريخية والمستحدثة الخيالية

    ولا علاقة للشخصيات الخيالية بأي طرف او اسم. وأبيات الشعر

    والأدعية المدونة فى الرواية من التراث العرب

    1

    سما المهند إلى أعلى يرنو للسماء الزرقاء الصافية، وكما تنص قوانين الطبيعة السرمدية يجب أن تأتي اللحظة التي يجب أن يهبط بها سيفنا هذا باتجاه الأرض، وبحركة خاطفة من رسغ ضرار الصفدي، بدأ السيف برشاقة هبوطه التنازلي. ولكن ما الذي سوف يهبط عليه السيف إلا القتل والدمار. منذ أن صنع الجنس البشري هذه القطعة الحديدية الطويلة المشحوذة المدببة النهاية استخدمت لقطع أمد الحياة من الإنسان لأخيه الإنسان. أحيانا باسم الشرف، وأحيانا للانتقام، أو السعي وراء القوة والجاه والنفوذ، وقطعا استخدم في لحظة من لحظات الغضب أو زلة لسان، فتسببت في سنوات بل مئات السنوات من سفك الدماء ودوامة الثأر ما بين قبائل وأمم وأعراق.

    واليوم لن يكون مختلفا عن المجري الطبيعي للأحداث، والسبب الذي صُنع من أجله السيف.

    كان سيف ضرار في طريقه المؤكد نحو هدفه المحتوم. هذه المرة سوف يعدم حياة بدوي يركض بأقصى سرعة تمده بها ساقاه النحيلتان. لقد بدأ في الركض منذ اللحظة الأولى التي رأى فيها الغبار يتصاعد عن بعد في الطرف الشرقي، عند أخر خيمة من مجموعة الخيام التي كونت مخيم قبيلته الصغيرة المؤقت. خلف الغبار كانت هناك صرخات الرعب التي بدأت تتصاعد وتزداد حدة من أقرانه من الرجال والنساء والأطفال. تلك الصرخات التي بدلت الأصوات العادية اليومية التي تسمع مع بداية أطلاله كل صباح، أصوات حيوانات القبيلة تنطلق بحثا عن أعشاب متناثرة هنا وهناك. لقد مر اقل من يوم عندما استقرت هذه القبيلة الصغيرة على هذه الأرض، بعدما أمضت مدة غير قصيرة تجول الصحراء بحثا عن الماء والعشب.

    كانوا يخوضون معركتهم الخاصة من أجل البقاء، ولكن هؤلاء البدو الرحل يدينون بحياتهم لمجموعة أخرى تقاتل من أجل الحياة. إنها حيواناتهم من الأغنام والماعز والطيور وقليل من الجمال. تلك الحيوانات تكافح من أجل الحياة لكي يعيش ويبقى الإنسان في الصحراء العربية المترامية الأطراف. فمن شعر الحيوانات تغزل الخيام والملابس وبيوت الشعر وأثاثها، ومن حليبها تطفأ القبيلة ظمأها وتصنع الطعام من مشتقاته. فحليب الناقة يحتوي على جميع المكونات التي يحتاجها البدوي الرحال للعيش عده أيام لا يشرب ولا يأكل أي شيء، إلا هذا الحليب، ويستخرج منه الجبن والزبد واللبن.

    وهناك الجمل، سفينة الصحراء، كيف للبدوي أن يعيش من دون هذه الهدية الإلهية الرائعة؟ فلقد زوده الخالق بخزان إضافي لتخزين الماء ليبقيه حيا لمدة أسبوع من دون شرب، ومعدتان لتخزين الطعام، وأرجل مصممة على المشي على حبيبات الرمال الصغيرة من دون أن تغوص بها مع ثقل الجمل الكبير وبما يحمل من متاع مالكه، لا عجب إذا أن يكون الجمل أغلى ما يملكه البدوي، ومقياسا لمدى ثراء المرء، فبعدد ما تملك من حيوانات، وخصوصا الجمال تتحدد مكانتك بين أفراد قبيلة والقبائل الأخرى. وإن كنت تملك أسرع وأقوى الخيول، فإنك بلا شك تتربع على قمة هرم المكانة الاجتماعية للقبيلة.

    لقد لا حظ أحد رعاة الأغنام من قبيلة ضرار وصول تلك القبيلة الصغيرة، التي لم تكن من أحد بطون قبيلة الصفدي أو حلفائها، وأسرع ليخبر الشيخ، القائد المطلق للقبيلة. ومن دون تأخير أرسل شيخ القبيلة في طلب ضرار للهجوم حالا على القبيلة الدخيلة، طردها من منطقة نفوذ آل الصفدي. لم يفعل الشيخ أي شي غير عادي أو غير متعارف عليه ما بين القبائل التي تقطن صحراء شبه الجزيرة العربية. إن القوي يهاجم الضعيف، ويقتل رجاله ويستعبد نساءه وأطفاله ويستولي على ممتلكاته وحيواناته. إن ضرار بالتأكيد قد كان الرجل المناسب لعملية التطهير المطلوبة. على غرار والده، كان ضرار فارسا عربيا متدربا على القتال من على صهوة الجياد العربية الأصيلة، التي تتطلب مهارة وقوة خاصة للبقاء فقط على ظهورها، عندما تسابق الرياح بسرعتها. فعندما كان السيف الذي A

    إن البيئة التي تحيط بضرار وقوانين البقاء أملت عليه أن يكون دائما مستعدا لمواجهتها في أصغر عمر ممكن. ففجرت في دمه تلك التيارات المختلفة التي تسري بدم كل عربي. فأحبَ قبيلته حباً عنيفا يسيطر على عقله الظاهر والباطن معا، وإلا كان البديل أن يدوس عليك منافسو قبيلتك أو الكثير، الكثير من الأعداء. إن قائمه أعدائك والأعداء المحتملين تأخذ في التبلور والازدياد في عددها، وتحمل بذور الحقد الدفينة التي تنتقل من جيل إلى آخر ومن جد إلى حفيد حتى قبل أن تولد. إن تلك القائمة تضم جميع الرجال والنساء من القبائل الأخرى التي تعاديها قبيلتك، أو القبائل المتحالفة معها التي جعلت منها قبيلتك أعداء لها. إن كل القوى التي جمعها ذلك البدوي المسكين لم تكن كافية للهروب من حصان ضرار العربي الأصيل. أكمل سيفنا رحلته القصيرة القاتلة ليسقط على هدفه، رأس البدوي المسكين، لقد أحس البدوي ببداية النهاية عندما شعر بحرارة سيف ضرار تشتعل في أعلى رأسه.

    يا ترى ماذا يدور أو يفكر فيه الإنسان صاحب الحظ العاثر، الذي جُعلَ في هذا اليوم في نهاية الطرف المدبب لسيف ضرار. إن السيف لم يعطه فرصة طويلة حتى للبدء في التفكير في أي شي سوى في حياته التي سوف تنتهي نهاية مأساوية. نحن لا نعرف حتى اسمه، ولكن نعرف أنه سوف يكون أحد ضحايا ضرار، روح أخرى سوف تُزهق، دفعت الثمن مقابل العيش في هذه البقعة من العالم.

    أنغمسَ سيف ضرار في دم البدوي، مُنهيا حياته وأحلامه، وتلطخ السيف وسيوف رجال ضرار بدماء تناثرت تسقي رمال الصحراء الحارة. لكن الصحراء لم تكن تتعطش لسائل الحياة هذا، إن سائل الحياة الذي تنشده البادية هو الماء، ولكن بسبب الماء واهب الحياة للصحراء، سائل آخر للحياة كان يسكب ويهدر لينهي حياة هذا البدوي وأجيال من النساء والرجال.

    هناك صحراء في قلب الإنسان، وفي هذه الصحراء لا توجد مشاعر الحب والحنان والتفهم من الإنسان لأخيه الإنسان، ومزروع في هذه الصحراء القاحلة الحقد والأنانية والانتقام، إنها أشواك المشاعر، مثلما للنباتات أشواك في الصحراء لتتمكن من البقاء والاستمرار، تتطور تلك المشاعر داخل القلب، لتتمكن من الاستمرار في الحياة في البيئة التي ولدت بها.

    استمر ضرار في البحث عن ضحية أخرى، شاهرا سيفه مرة أخرى نحو السماء، كما لو أن السيف عطشان للمزيد من إكسير الحياة الأحمر. فى نهاية المعركة القصيرة كان سيف ضرار وسيوف رجاله قد ثملت من دماء رجال ونساء وأطفال القبيلة الصغيرة. انتقل المنظر العام للقبيلة من مشروع بداية يوم حافل من الحركة والحياة ورعي للأغنام وحلبها، وغزل للأصواف، وأصوات الأغنام الممزوجة بأصوات الأطفال، الذي منذ لحظات معدودة كان مفعمة بفرح الطفولة الفطري وأحلام آباء وأمهات بمستقبل أبنائهم.

    لقد خطط عروه، على سبيل المثال لأبن أخيه سالم البالغ من العمر سبع عشرة سنة للزواج من ابنته هلالة، وكان مبتغاة أن تغزل أم سالم وأم هلالة خيمة صغيرة، لتكون أول بيت شعر للزوجين الجديدين، ويضربون أوتادها ما بين خيمته وخيمة أخيه أبو سالم، ليكونوا كجناحين عن اليمين والشمال، ليساعد الزوجين الجدد على البدء في التحليق في حياتهما الجديدة. كان على سالم أن يجد ويجتهد لكي يكمل تجميع مهرا لهلالة، لم يكن بذلك المهر الكبير، فهي بنت عمه، ولكن العادات والتقاليد فرضت أن يعطي الزوج لزوجته مهر تقاس قيمته مع مقامها ومكانته الاجتماعية في القبيلة، ولحسن الحظ، فإن عروة وأخاه كانا من أفراد القبيلة العاديين ولم يكونا من عليتهم. وذلك انعكس على قيمة مهر هلالة، حيث كان بسيطا متناسبا مع مكانتها الاجتماعية. وعروه لم يكن يملك الكثير في هذه الحياة من أملاك تذكر، إن كل ممتلكاته وممتلكات عائلته كان يحملها جملان على ظهريهما، يتنقلان في الصحراء من مكان إلى أخر تتبعه عدة رؤوس من الأغنام والماعز، وكلبه الوفي. كان مهر هلالة عشر رؤوس من الأغنام، وبيت شعر بفراشه. لقد بلغ قبل صباح هذا اليوم 7 رؤوس أغنام، وعندما يبلغ سالم الثامنة عشر قريبا، سوف يكتمل مهر هلالة، خصوصا أن أم سالم وأم هلالة قد بدآ في غزل خيمة الزوجية. في بداية صباح اليوم كان عروه قد بدأ حلم اليقظة، الذي رأى أو تمنى فيه أن يحمل بين يديه أحفاده من أولاد أبنته، ولكن ذلك الحلم لم يكتب له أن يبدأ، أو حتى أن يتحقق أبدا، حيث أنهت رحلة سيف ضرار القصيرة حلم عروة وحياته.

    انتهى المشهد، أو بداية يوم للقبيلة، إلى منظر دمار كامل، ونيران تشتعل في الخيام، وأشلاء القتلى من الرجال والنساء والأطفال متناثرة على مساحة المخيم، وتبدلت الأصوات التي صدحت في بداية الصباح، إلى أصوات ما تبقى من النساء والأطفال ينتحبون ويبكون على ما ألت إليه حالتهم في تلك الفترة القصيرة من الزمن. أعلى صوت في هذا اليوم الشؤم كان صوت حوافر خيول ضرار ورجاله يصولون ويجولون بحثا عن آخر مقاومة أو رمق قد بقي على قيد الحياة قد يبقى أو يفكر في المقاومة هنا أو هناك.

    أمر ضرار رجاله المزهوين بالنصر، أن يحملوا الأسلاب الجديدة التي تتكون من الأطفال والنساء والحيوانات، وكل ما ملك عروة وأفراد قبيلته، التي أصبحت الآن ملكا لقبيلة بني صفد. وجال بفرسه حول موقع المخيم للتأكد من عدم وجود أي شكل من المقاومة. لم يكن البحث ضروريا، وكان أولي بضرار ألا يجهد نفسه بذلك، فلقد سوى هو ورجاله المخيم بالأرض بعد أن أضرموا النار فيه.

    مما لا شك فيه أن ضرار أقبل على مضارب قبيلته كأبطال مع رجاله، وارتفعت في استقباله أصوات الترحيب والتهليل من الأطفال والنساء والرجال وهي تحوم حول السرية التي خرجت في الصباح الباكر لتعود بعد ساعات منتشيه بزهو النصر. حينما أحس ضرار أن الجموع التي حوله كونت معظم أفراد القبيلة، ليصبح لديه أكبر عدد من المشاهدين استل سيفه الملطخ بالدماء ورفعه نحو السماء مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم يكن ينوي أن يستعمل السيف كأداة قتل، هذه المرة كان السيف يستخدم كأداة للدعاية والإعلان، سيف ضرار هذه المرة خدم سيده ليعلن انتصاره في معركته، وليعزز مكانته فيما بين أفراد قبيلته، وربما في نفس الوقت ليضفي طابعا من الرهبة في قلوب جميع الرجال الذين يتطلعون للتبوء بمكانته ونفوذه. حينما بلغت يدا ضرار أعلى ارتفاع يمكن أن تصله اخذ يلوح بسيفه وفرسه من تحته تدور هي الأخرى بتناغم مع حركة سيف سيدها وأخذ ينشد:

    أنا الموت إلا أنني غير صابر على أنفس الأبطال والموت يصبر

    أنا الأسد الحامي حمى من يلوذ بي وفعلي له وصف إلى الدهر يذكر

    إذا ما لقيت الموت عممت رأسه بسيف على شرب الدما يتجوهر

    سلوا صرف هذا الدهر كم شن غارة ففرجتها والموت فيها مشمر

    ألا فليعش حليفي عزيزا وينثني عدوي ذليلا نادما يتحسر

    وكم من نذير قد أتانا محذرا فكان رسولا في السرور يبشر

    هزمت العدى ثم جندلتهم وعدت وسيفي من دم القوم أحمر

    ومن مظاهر الفرحة بالنصر هناك على مقربه من آخر فارس من بني صفد، عمت مشاعر الحزن والكرب والضياع للنساء والرجال والأطفال، المكبلين بالحبال من الأسلاب الجديدة من قبيلة عروة، محاولين بأقصى جهدهم الركض لكيلا تجرهم الحبال المربوطة بخيولهم وجمالهم، التي يقودها فرسان القبيلة المنتصرة، فيتمرغون في التراب ليسلموا حياتهم إلى سرعة الخيول والإبل، وما سوف يلاقيهم من صخور وأشواك تخترق أجسادهم. من المفارقات والسخرية التي تلقيها الحياة عليك بقسوتها، أن تقود هذه الخيول والإبل أصحابها بعد أن كانوا هم افرسانها وأسيادها. لم يكن اهتمام المتفرجين منصبا عليهم، فلقد كانوا أكثر اهتماما برؤية ما حمله المنتصرون من بهائم مختلفة، فهي أغلى وأثمن بالنسبة لهم من الأسلاب البشرية.

    أخذ ضرار طريقه إلى أن وصل إلى باب خيمة الرجل الذي في حوزته أكبر عدد من رؤوس الأغنام والخيول والجمال، شيخ قبيلة بني صفد. بالأحضان والفرح والابتسامة أستقبل شيخ القبيلة فارس قبيلة بني صفد المنتصر، وصحبه من باب الخيمة، وسط الهتافات والتهليل المستمر إلى داخل الخيمة، ليجلسه في مكان لا يجلس فيه أي شخص عادي من أفراد القبيلة، مكان يتمناه ويحلم به الصبيان منذ صغرهم، المكان نفسه ما هو إلا بساط ومسند مغزولان من صوف الأغنام، ولكن موقع هذا المجلس هو ما يحدد أهميته، إنه على يمين ضرغام الصفدي شيخ القبيلة، ولا يجلس في هذا المكان إلا أقرب المقربين إلى الشيخ ومن خلاله يتبوأ الرجل أعلى مرتبات السلم الاجتماعي في القبيلة. لم يخف ضرار مشاعر الفخر والخيلاء، وهو يجلس في هذا المكان، ووضع غمد سيفه أمامه، ولكن سرعان ما انتصب واقفا مرة أخرى، مستقبلا المهنئين من كبار رجالات القبيلة على النصر الجديد الذي سجله لهم. واستمرت الفرحة التي عمت أرجاء القبيلة، واستمر الرجال والنساء في التهليل والغناء، وتباروا في إلقاء الأشعار والقصائد.

    وبعد يوم حافل بنشوة النصر، جاء وقت توزيع الغنائم، وكان نصيب الأسد منها طبعا لشيخ القبيلة، الذي حتى لم يشارك في المعركة، فإنها العادات والتقاليد التي يلتزم بها الجميع، من دون أي سؤال أو اعتراض. لم تكن قبيلة عروة من القبائل الكبيرة، وانعكس هذا طبعا على الغنائم التي وزعها شيخ القبيلة على الرجال، فلقد كان نصيب ضرار سبع رؤوس من الأغنام، وجملين وسيفين وخنجرين وبيت شعر مع القليل من أثاثه. لكن غنيمة ضرار الكبرى لم تكن أداة حرب مثل السيف أو الخنجر، أو خيمة مع فراشها، ولم تكن شيئا ماديا بل كانت غنيمته الكبرى تنبض في المشاعر والحياة. كانت جائزته فتاة لفحت وجهها الشمس لتعطيه لونًا برونزيا ًرائعا، عيناها تغار منها عيون المها الواسعة، شعرها ينافس الليل الذي محق فيه القمر في دجاه، قوامها رشيق لم يمسه الزمن، ولم يعرج خطوطه المتناسقة حمل أو إرضاع أطفال. لكن في هذه الفترة العصيبة من حياتها لم تكن لتعرفها، فشعرها الذي حير الرجال في محاولة تخيله، كونه دائما متواريا تحت خمارها، كان في هذا اليوم منثورا دنسه التراب الذي تخلل من خلاله وأعطاه لونه البني القبيح، عيناها كانت غائرتين حائرتين تعكس الخوف والرهبة وضياع المستقبل.

    دفع ضرار ثمنا غاليا لتلك الفتاة ماديا ومعنويا. فبعد أن وهب شيخ القبيلة الغنائم للرجال أمر عبيده أن يقودوا غنائمه من الأغنام والجمال والخيول ليضموها إلى قطعانه، وان يحملوا الأسلاب الأخرى إلى بيته. وأن يأخذوا تلك الفتاة بعينها إلى أحد بيوت زوجاته لتكون عبده وخادمة لها.

    وقبل أن يهم الصبيان بذلك خاطبه ضرار:

    -عفوا يا طويل العمر، استميحك عذرا، إني طامع في كرمك يا أبو عزام. وجه ضرار كلامه إلى ضرغام بصوت فيه التردد. أكمل ضرار وهو يبل ريقه، مناديا ضرغام بأقرب عزيز على قلبه ولده البكر.

    التفت ضرغام إلى ضرار وقال:

    - أطلب يا فارس بني صفد فإن طلبك مجاب.

    استقبل ضرار رد ضرغام بارتياح ولكن لم يخفف من إطرابه لأنه لم يسأله طلبه بعد.

    - يا وجه الخير. قالها ضرار وتوقف للحظه مقتربا من ضرغام هامسا، لكيلا يسمعه أحد غيره وأردف:

    - اطلب من أبو الكرم أن يهبني تلك الفتاة. أنهى ضرار طلبه بأن رفع يديه مؤشرا بسبابته إلى الفتاة التي امسك أحد الصبيان بوثاقها، وكانت واقفة في وسط حصة شيخ القبيلة من الغنائم.

    تعجب ضرغام من طلب ضرار وإجابة بصوت فيه شي من الحدة:

    - ألم ننصفك فيما وهبناه لك يا ضرار؟

    - بلى يا سيدي. أنت الولي والوالي، والآمر الناهي، كلامك مطاع وقسمتك عادلة. أجابه ضرار بانحناء لرأسه أمام ضرغام، وأكمل:

    - ولكن لي في هذه الجارية حاجة، لكي تعمل لدي في بيتي. اقترب ضرار أكثر نحو شيخ القبيلة وأَسَره في أذنه:

    - لكي تعمل لدى إحدى زوجاتي التي تنتظر مولود قريبا. أعطى ضرار هذا التفسير رغم أنه لم يكن حقيقيا، ولكنه التفسير الوحيد الذي أهدته إلية قريحته في تلك اللحظة.

    طلب ضرار لم يكن غير عادي وغير مسبوق فقط بل كان فيه كثير من الجرأة أيضا. فرك ضرغام لحيته التي بدأ يغزوها الشيب، حيث أخفقت الحناء التي خضب بها لحيته من إخفائه كليا، ورفع حاجبه الأيمن وراح يفكر في طلب ضرار. جال الشيخ بنظره فيما حوله ورأى الرجال من أفراد قبيلته حوله، ثم إلى الجارية التي لا تساوي بالنسبة إليه شيئاً، ولديه ما يكفيه من الجواري والعبيد في خدمته. لم

    يكن شيخ القبيلة ليحرم ضرار من طلبه أمام الرجال، خصوصا وأنه عاد لتوه منتصرا، وتخليه عن الجارية يثبت للقبيلة مدى كرمه، وضرار سوف يكون ممتنا له ويأسره بهذه الفضيلة التي سوف يتفضل بها عليه.

    في تلك اللحظات التي كان الشيخ يفكر فيها بقراره، كان ضرار أيضا غارقا في أفكاره الخاصة، أفكار وخواطر كانت دائما تراوده، ولكنها لم تكن لتتبلور إلى أحرف وكلمات وجَمل ينطق بها لسانه، ليسمعها غيره، فلقد كانت ضد كل العادات والتقاليد والمبادئ التي نشأ عليها. أخطر هذه الخواطر هي امتعاضه من توزيع الغنام التي ظفر فيها هو ورجاله اليوم، وعلى مر السنين. فلماذا تكون أجود وأكثر الغنائم من نصيب شيخ القبيلة؟ الذي لم ير قتال، ولم تثخن جسمه الجراح، ولم يواجه الموت تحت ضربات السيوف، ولم يترمل أبناؤه مثل الكثير من رجاله، الذين قضوا في ساحات المعارك.

    توجه بنظره إلى الجارية، التي لم تبعد عن تفكيره، منذ اللحظة الأولى التي شاهدها تركض في أرجاء مخيم قبيلتها المنكوبة، تبحث عن طريق للهرب أو عن حام يحميها، أو مخبأ تستتر به منه ومن رجاله. شيء ما قد جذبه إليها، جعله يلجم فرسه ليتوقف برهة بسيطة، يتابع بعينه طريقها، في تلك اللحظة أحس ضرار أن لا شيء من حوله، إلا هو وتلك الفتاة، لم يسمع أصوات المعركة بكل جعجعتها من حوله، ومن كل الصرخات وصليل السيوف وصهيل الخيول ورغاء الجمال، لم يكن يسمع إلا صوت صراخها هي. شعر ضرار بأنه منفصل نهائيا عما يدور من حوله لدرجة أنها كادت تودي بحياته.

    إذ إنه وفي غمرة من اللاوعي التي كان عليها، انتبه فجأة إلى صوت بدأ يصله خفيفا، وثم وأخذ يرتفع إلى أن بلغ إلى حدا كاد يصم أذنه، وأخرجه بعنف من حالته الغريبة، ليلتفت في آخر لحظة إلى مصدر الصوت الآتي من فارس مقبل عليه، شاهراً سيفه مُصوباً إلى عنقه، وبحركة تكاد تكون لا إرادية، رفع ضرار سيفه في وقت بدأ به يسمع صراخ الفارس، وصرير سيفه قاطعا الهواء، محاولا أن يغير مجرى السيف الذي استهدف رقبته. عندما وصل ضرار إلى تلك اللحظة، انتبه بسرعة إلى الموقف الذي وضع نفسه فيه، الذي من خلاله قد يغير شيخ القبيلة رأيه فيه، ويخسر حظوته، وطبعا مجلسه إلى يمينه. ولكن أبو عزام لم يخيب أمل ضرار.

    - لك ما طلبت يا ضرار. أجابه الشيخ ولكنه أكمل:

    -ولكن ذلك سوف يكلفك نصيبك من الجمال.

    لم يكن الشيخ ليعطي ضرار ما يريد دون مقابل، لم يكن بحاجة هو إلى تلك الجمال، رغم أنه يقدرها أكثر من الجارية، ولكن أراد أن يكون لطلب ضرار غير الطبيعي ثمن يدفعه أمام أفراد القبيلة. انفرجت أسارير ضرار من الفرحة وقال في قلبه: لو إنك طلبت كل غنائمي لما ترددت لحظه في التخلي، عنها من اجل تلك الجارية. هذا ما قاله قلبه، ولكن لسانه تحرك بتلك الكلمات:

    - لقد غمرتنا بكرمك يا شيخ القبيلة أدامتك الآلهة لنا ذخرا وحمتك في حلك وترحالك.

    - هنيئا لك بها وفي غنائمك. كان رد الشيخ بإيماء بيده اليمنى على كتف ضرار، وأردف:

    - لابد إنك منهك بعد هذا اليوم الطويل، اذهب إلى بيتك للراحة يا فارس العرب. قالها الشيخ بصوت عال قاصدا أن يسمعه أفراد القبيلة، ثم قال بصوت جهوري:

    - هيا يا رجال، اذهبوا وإنحروا وقدموا الهدايا للآلهة، شكرا لها على هذا النصر.

    آلهة القبيلة كانت مجموعة من الأصنام، وكان أكبرها تقريبا صنم لم تصنعه يد صانعه بإتقان، يمثل إنسان منحوت من الحجر يداه على جانبيه، بعينيين كبيرتين فارغتين تنظران إلى الأفق البعيد. به تُقسم القبيلة وتشكره وتمجده على النصر، إذا انتصرت، وتقدم له الهدايا والعطايا لتحقيق النذور، أو لطلب امرأة أن يكون حملها القادم من الذكور، أو للطلب منه أن ينزل من السماء مطرا من بعد جفاف طويل. له في السنة أعياد تحتفل بها القبيلة، وله هيبة ومكانه عالية ذاته مصونة. اسم هذا الصنم بالذات، رب قبيلة صفد الخاص، أرام.

    مثل تلك الأصنام بجميع منصوبة في أرجاء الجزيرة العربية، حيث كان لكل قبيلة صنم، أو أصنام كبيرة وصغيرة، يؤلهونها ويضعون نماذج مصغرة منها في بيوتهم، وأصغر منها على رواحيلهم، ويدلونها من أعناقهم، طلبا للبركة والحماية من الأخطار.

    2

    -لا ....لا.

    دوت صرخات في أرجاء بيت الشعر، ممزقة سكون الليل.

    قام ضرار على أثرها من نومه، بعد أن أفزع زوجته التي كانت نائمة بجواره، حبات عرق تكورت وتساقطت على جبهته وصدره، وبدا شعره الطويل، الذي كان يغطي رقبته، وكأنه قد غمس في بركة من الماء البارد.

    -هون عليك... هون عليك، حمتك الآلهة.

    حاولت زوجته أن تهدئ من روعه وسط نباح كلاب البيت، التي كما بدا أن صرخات ضرار أيقظتها من نومها هي أيضا، مستشعرة شيئا

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1