Discover millions of ebooks, audiobooks, and so much more with a free trial

Only $11.99/month after trial. Cancel anytime.

أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا: مسرحيات
أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا: مسرحيات
أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا: مسرحيات
Ebook424 pages2 hours

أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا: مسرحيات

Rating: 0 out of 5 stars

()

Read preview

About this ebook

مارس ميغيل دي أونامونو الكتابة المسرحية مثل بقية فنون الكتابة الفكرية والأدبية الأخرى، وجعلها مختبرا لشواغله ولأفكاره الفلسفية والسياسية والوجودية. ويقف القارئ على هذا القلق والاهتمام في هذه المسرحيات الثلاث: أبوالهول والضمادة وفيدرا، بما فيها من رغبة أكيدة في تجديد كلي للمسرح وللمشهد الثقافي والإجتماعي والسياسي في إسبانيا، اعتمادا على البساطة في الديكور والحوار وبناء الأفكار، ومن خلال رؤية للعالم تهتم بالقبض على جوهر الإنسان.
مشروع كلمة
أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا: مسرحيات

Related to أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا

Related ebooks

Reviews for أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا

Rating: 0 out of 5 stars
0 ratings

0 ratings0 reviews

What did you think?

Tap to rate

Review must be at least 10 words

    Book preview

    أبو الهول؛ الضمادة؛ فيدرا - ميغيل دي أونامونو

    أونامونو

    أبو الهول

    الضِّمادة

    فِيدْرا

    مسرحيات

    ترجمة: مزوار الإدريسي

    مراجعة: د. طلعت شاهين

    © هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - مشروع «كلمة»

    بيانات الفهرسة أثناء النشر

    PQ6639. N3 A612 2016

    Unamuno, Miguel de, 1864- 1936

    [La Esfinge, La Venda, Fedra]

    أبو الهول؛ الضّمادة؛ فيدرا: مسرحيات / تأليف ميغيل دي أونامونو؛ ترجمة مزوار الإدريسي؛ مراجعة طلعت شاهين. - ط. 1. - أبوظبي: هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كلمة، 2016.

    ³⁸⁴ ص.؛ ¹¹ * ¹⁷.⁵ سم.

    ترجمة كتاب: La Esfinge, La Venda, Fedra

    ¹- المسرحيات الإسبانية- القرن ²⁰.

    أ- إدريسي، مزوار. ب- شاهين، طلعت. ج- العنوان.

    يتضمن هذا الكتاب ترجمة الأصل الإسباني:

    Miguel De Unamuno

    La Esfinge (1898), La Venda (1899), Fedra (1910)

    ص. ب: 2380 أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، هاتف: 300 6215 2 971+ فاكس: 127 6433 2 971+

    إن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - مشروع «كلمة» غير مسؤولة عن آراء المؤلف وأفكاره، وتعبر وجهات النظر الواردة في هذا الكتاب عن آراء المؤلف وليس بالضرورة عن رأي الهيئة.

    حقوق الترجمة العربية محفوظة لمشروع «كلمة»

    يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأي وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية بما فيه التسجيل الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مقروءة أو بأي وسيلة نشر أخرى بما فيه حفظ المعلومات واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر.

    أبو الهول

    الضّمادة

    فِيدْرا

    مدخل

    I- المسرح في سيرة أونامونو

    على الرّغم من الإخفاق الذريع والمعترَف به لميغيل دِي أونامونو في محاولاته لعرض مسرحياته، التي لم تحظَ أبدًا بنجاج جماهيري ونقدي على امتداد عُقود من الزمن، تلك الأعمال التي تمثَّلت في أحد عشر أثَرًا أصليًّا، إضافةً إلى اقتباس، عَبْرَ آخَرَ، لإحدى رواياته، وتصرُّف في سينِكا ومَشْهَد مسرحي قصير يعود لأيام الشباب، وهي نصوص لا يمكن اعتبارها، بأي حال، عملًا قليل الأهمية، أو أنها كانتْ مظهرًا عَرَضيًّا كان يُسلّيه عن مهمة ثقافية أخرى أجَدَّ، على العكس، فلقد كانت تلك النصوص تعبيرًا عن إصرار المؤلِّف على الكتابة المسرحية، وإذا أخذنا في الاعتبار الحِقبَ التي أُنجِزَتْ فيها الأخيرةُ وتركَّزتْ فيها، فإنَّ كل ذلك يجعلها تستحق، على الأقل، سطورًا تقديمية.

    نَعْلَمُ عن ولع مُبكّر لدى أونامونو بالمسرح، وقد تُوِّجه بكتابة مَشْهَد مسرحي قصير هزلِيٍّ- عاداتيّ، مسألة الغَلاباسا El Custion del Galabasa، ذي صبغة ريفيّة، يُمكن أن يعود تاريخ كتابته إلى 1880، وربما، إذا ما راعينا الملاحظات المنطقية التي أبداها إِمِيلْيُو سَالْثِيدُو، فإن كتابة المشهد المسرحي القصير تكون قد أُنجِزتْ ست سنوات أو سبع سنوات بعد ذلك¹. إن علاقة أونامونو بهذا الجنس الأدبي تُعرَف باعتباره دارسًا للمسرح فقط، وأحيانًا بصفته متفرِّجا، من خلال سلسلة قصيرة من المقالات التي يحظى المقال الأول منها باهتمام خاص، والذي يُعيِّن، بصيغة ما، طريقةَ تفكيره النظري داخلَ المنظور الإصلاحي لمنتصف عَقْدِ 1890- 1900. هنالك، نعثر على أفكار مثل المعروضة في هذه الكلمات:

    المسرح، في الحقيقة، هو التعبير الأكثر سذاجة عن الوعي الجماعي للشعب: لقد وُلِدَ مع الملحمة والشعر الغنائي الشعبي، لما كانا لا يزالان يَظهَران في وحدة غير مُبالية، وكان يَعرض على الخشبة الحياةَ المأساوية للشعب، وعاداته ومجْدَ تاريخه.²

    هنالك نقد مُصيب كفايةً بصدد الأثر السلبي، الذي يُمثله بالنسبة إلى المسرحِ تمَّت أقْلَمَتُه مع احتياجات الجمهور البورجوازي، وبعض المقترحات للإصلاح والتغيير، التي لا تنزل عن التجريدات الإيديولوجية، حيث تمتزج أفكارٌ ذات أصل ماركسي بأخرى ذات طبيعة دينية³: «يوجد في عمق كل مشكلة أدبيّة، بل وجماليّة، مثلما الأمر في عمق كل ما هو إنساني، أساسٌ اقتصادي وروح دينية...»⁴

    لأفكار هذه الدراسة شَبَهٌ بتلك التي، في الزمان نفسه، رسَمَها في كتابه حول النزوع الأصليِّ، وهكذا يقول خيسوس روبْيُو: «في تلك الأعوام التي كان فيها الإيمان ببعض مُثُل الأُخوَّةِ والعدالة، يَلْزَمُ إدراجُ تفكيره في المسرح ضمن تفكير آخَرَ أعَمَّ حولَ الوظيفة الاجتماعية للفنّ.»

    في النص التالي، مسرح المسرح، الذي يعود تاريخه إلى 1899، والذي نقرأ فيه نقدًا عادلًا للمسرح التّكراري، الذي يُقلِّدُ نفسَه، وهو بتلك الصيغة يُصيبُ نفسَه بالعُقم أمامَ مسرح آخرَ ذي أفكار، ورمزيٍّ، ويكون نموذجه الإسباني هو المسرح الديني. ولذاك النص أهمية أخرى، عدا أنْ يُبيِّنَ لنا صورةَ أونامونو المنتبِه إلى التجديدات المسرحية لأوروبا، وإلى آثار إِيبْسِن على الخصوص، ذلك أنه يُمكن أن يُظهِرَ علاقةً ما بعمليْهِ الأوَّليْن، وبأفكار رمزية ودينية هي انعكاس لأزمة 1897، أبو الهول La Esfinge التي كان قد انتهى توًّا من تأليفها، والضمادة La Venda، التي تخيَّلها في غضون تلك الأشهر.

    في الواقع، إن عودة أونامونو إلى الجنس المسرحي، إنْ كان بالإمكان تسميتها عودة هكذا، والتي تُميِّزُ مرحلةً أولى وقصيرة من إنتاجه (1898- 1901)، هي احتمالًا نتيجة للأزمة الدينية ولشكل رؤيةِ العالَم التي تركتْها فيه مثلَ أثر دائم. وبالفعل، فإنّ المسرحيّتيْن تُمثِّلان، بصيغة مختلفة، تجربتيْن شخصيتين، مثلما سنوضِّح لاحقًا.

    كان يلزم أن تمرّ تسعُ سنواتٍ، تقريبًا، كي نعثر على مرحلة ثانية من الإنتاج المسرحي في حياة أونامونو، تتصادف مع عرض أبو الهول في جُزر لاسْ كَنارْياس، في غضون 1909.⁶ لقد كتب وقتئذ مسرحيّتين قصيرتيْن، هزْليَّتيِ الطابَع، مسرحية عن الزمان والأجيال، الماضي الذي يعود، وأخيرًا فِيدْرا، التي تُغلق بنجاح تلك المرحلة التي اعتُبِرتْ من قِبَل إيريس م. ثابالا بمثابة مرحلة تَكَوُّنِه في فنّ المسرح. ويُغْلِقها أيضًا بنص آخر جديد ونظري له قيمة في التَّعرُّف، في ذلك الوقت، على تطور الأفكار الأونامونية بصدد المسرح: إنَّ التمهيد الذي بعثه لأجل تقديم فيدرا في ¹⁹¹⁸؛ كان قد قُدّمَ جُزئيًّا في رسائل وأبحاث سابقة مثل «السيدات والمسرح» (¹⁹¹²)، و«عودة إلى المسرح» (¹⁹¹³)، و«انطباعات عن المسرح» (¹⁹¹³). وكانت لأونامونو من قَبلُ مجموعة من المسرحيات ونظريّة ليستْ طرحًا خالصًا لأفكار تجريدية، وإنما هي أفكار مُسبَقَة هي خلاصةُ مسيرِه وللنتيجة التي انتهى إليها. إنها نتيجةٌ ومَسِيرٌ وتدبُّر، كانت تأمُّلًا في منحى توافقي مع باقي آثاره الأدبية.

    في نظرية المسرح تلك أهمية خاصة للتعارض بين ما هو درامي، مِمَّا يُسْمَعُ وهو، تبعًا لذلك، مِلْكٌ للكلمة وللفكرة وللعاطفة وما يُرى، وما هو تمثيلي إيمائي، أو مسرحي، الذي هو إعادةُ تغطية للسابق، ولا يطمح سوى إلى إعادة إنتاج، هي بالأحرى خاصّةٌ ونادرة، بحيث إنها تُمثَّل. إنه تمييز سيُحافظ عليه، وسيُفسِّرُه، إلى حدود العام 1918 كي يُبرِّرَ هكذا فكرتَه عن الشعر الدّرامي -عُرْيٌ وحِدَّة- وقرارُه بأنْ يجعل فِيدْرا تموت خارج خشبة المسرح، كي يتفادى أن يتشوَّهَ الجوهريُّ في ذلك الموت عبر التمثيل الإيمائي لإحدى المُمثِّلات.

    يكتب أونامونو في مارس 1913، بعد التجربة غير المألوفة بالنسبة إليه، المتمثِّلة من ستّ ليالٍ من المسرح في صَلَمَنْكَة:

    وبعد تلك الليالي، واصلْتُ الحلُمَ في مسرح بسيط، في منتهى البساطة الممكنة، عارٍ ومتواضع، حيث ما يُرَى فيه يُساعِدُ ويَصْلُحُ لِما يُسْمَع، لكنّه لا يُشوِّهه ولا يُعتِّمُه... ويَهْرُب، متى استطاعَ، من التمثيل الإيمائي ومن التصوير الهزلي، بمعنى التمييز المُبالَغُ فيه.

    يتعلَّق الأمر، إذن، بالدفاع عن النسبة الضرورية واندماجِ هذه المكوِّنات وتبعية الثاني المطلقة للأول. وهذا لأنه، بالنسبة إلى أونامونو، المسرح وسيلةٌ لإفراغ جهد داخلي، ولتعرية الرُّوح، فهذا هو الدراميُّ في الأمر،⁸ بينما الإيمائيّ و«المبالَغة» في التمييز يُخفِيانِ، لأنهما يتصنَّعان، بمعنى، أنهما يخْدَعان؛ إنهما يُظهِرانِ الخاصَّ أو اللاجوهريّ في الواقع. الآن، سنعثر لاحقًا على أنَّ المشكل الذي كان على أونامونو أنْ يُصارعه حيَويًّا، ومفهوميًّا، وفنِّيًّا هو مشكل الحياة باعتبارها مسرحًا. هكذا، عند مُطالَبته بمسرح جوهريّ، ومعتدل، وكلاسي، فإنه كان في الوقت نفسه يسعى إلى بلوغ أصالة وجودية ضرورية. إنّ الحياة باعتبارها مسرحًا يَلْزمُها أن يكون لها طابع المجاهدة هذا الجوهريُّ في الروح، لا أنْ تتحوّل إلى مسْرَحةٍ فارغة أمام الآخرين. إنّ المسرح مثل الحياة، ذلك أنْ الحياةَ مِثلُ المسرح.

    لكن، تحديدًا عقب إصداره فِيدْرا، وربما لإحساسه بالإحباط مجدَّدًا نظرًا لضعف الإقبال عليها في الأوساط المسرحية، عاد إلى التوقف فترة عن الكتابة المسرحية، مؤازَرا جيدًا، مع ذلك، بأعماله السرديّة الكُبرى، وأبحاثه، ودراساته الشاعرية التي تُعلن عنها مأساته الآن، والتي إلى جانبها يضع نفسه في عزّة كتقدُّم. تأخّر أونامونو عشر سنوات كي يعود إلى كتابة مسرحية، وسيكون اسمُها صُوليدادْ (1921) Soledad، وستُصادِف مجدّدًا النجاحات الصغيرة التي نالتْها الضِّمادة وفيدرا في عروض متنوّعة، بعضُها في صلمنكة، وقد تورَّط المؤلِّف في نزاعات ذات طبيعة قانونية وسياسية. إننا، إذن، في المرحلة الثالثة من إنتاجه المسرحيّ، والتي يعبِّر عنها عَمَلان، المذكورُ آنفا، وهو أساسيٌّ في المفهوم والتطور الأونامونياني للمسرح وللعالَم، مع نقط مهمة في التواصل مع مَسْرحه الأوَّل، ورَاكِيلْ المُصَفَّدَة، التي صدرتْ في السنة نفسِها.

    وسترى السنوات اللاحقة عَرْضَ فِيدْرا في روما، والماضي الذي يعود في بناية المسرح الإسباني، في مدريد،⁹ ومسرحية رجل بمعنى الكلمة، وهو اقتباس قام به خولْيُو دِي أُيُّوسْ لروايته لا أقلَّ من رجلٍ بمعنى الكلمة (1916)، والتي كانت من أكبر النجاحات المسرحية لأونامونو، مثلما يعترف هو نفسه، وإنْ لم يتمكَّنْ من مُشاهدتها لأنه كان في المنفى.¹⁰ وتحديدًا، في ذلك الظرف، عاد للمرّة الأخيرة، في لحظة رابعة ذات حِدّة خاصة سيريَّاً وعاطفيًا، إلى الكتابةِ للمسرح: إنها ثلاثية المنفى، ظلال الحلم، والآخر (كلتاهما في ¹⁹²⁶)، والأخ خوان (¹⁹²⁹).

    لقد أثَّرتْ عودتُه إلى إسبانيا سنة 1930، وشهرتُه، ونشاطُه العامُّ السابق واللاحق، بالتأكيد في أن يُفيد من أفضل الاستعدادت التي مكَّنَهُ منها مسرحٌ إسباني كان يتجدَّد وينمو على القلق: ظلال الحلم عُرِضتْ في صلمنكة، ومسرحية الآخر عُرضتْ في بناية المسرح الإسباني، في مدريد (1932)، بِمُشاركة مَرْغَريتا شيرْغو وإنْريكي بُورَّاسْ، اللذين عَرضا في مارِدَةً أيضًا، في السنة اللاحقة، اقتباسَ ميِدِيَا. وفي سنة ¹⁹³⁶، عُرِضتْ أيضًا مسرحية الأخ خْوانْ وأعادتْ ثانيةً لُولَا مِمْبْريبيس عرْضَ مسرحية الآخر، في مسرح سانْ مارْتين، في بْوِينُوسْ آيْرِيس.

    وباستثناء هذه السنوات الخمس القاسية، فإنَّ بقية آثار أونامونو المسرحية، مثلما رأينا، توافق مراحلَ مُعيّنةً من حياته وتجاربه الشخصية، التي أدْركتْ بالكادِ- دون انتظام وبفُرَص نادرة- أنْ تُعرَض على الخشبة. وبالطبع، يبدو أنه يُمكن أنْ نتحدّث عن أثر ما أو عن تأثير لأونامونو في مسرح زمانه. لقد اعْتُبِرَت المسرحياتُ هامشيةً مُقارَنةً بانشغالات ثقافية أخرى، ولمّا نُشِرتْ، كان ذلك في وقتٍ متأخِّرٍ جدًا عن تاريخ تأليفها. ومع كل هذا، لم تعزب الأصواتُ المطالِبةُ، منذ وقت مُبكِّر، مثل صوت مِلْشُورْ فرنانْديثْ أَلْماغْرو، الذي كتب عن فِيدْرا، لكن سنة 1930:

    بايِّ إنْكْلانْ وأونامونو- ويلزم إعلان الأمر هكذا لتعليم الرَّتيبين والمُتطيِّرين- يَعْنيانِ رأسَ مسرحِنا في الوقت الحاضر المنتصبَ في كماله وتحيط به هالة من الهيبة القُصوى.¹¹

    II- خصوصيّة مسرح أونامونو

    إن السؤال الأكثر تعميما الذي عنّ لي طرحه الآن، قبل أنْ أدخل في تحليل المسرحيات الأونامونية هو لماذا يكتُبُها صاحِبُها، ولو أن ذلك كان على فترات متقطِّعة على امتداد حياته الأدبية. وهناك جواب عن هذا السؤال يُلَوَّنُ حسبَ مختلف النُّقاد، لكنّه متَّحِدٌ في مكوِّنِه الأخير: إن أونامونو يكتب المسرح لأجل حاجة مقصودة ومُدْرَجة في أقصى أعماق وعيه. ليس لأن لديْه نوعًا أدبيًّا آخر يسعى به إلى أنْ يزيد من شهرته أو لكي يَتعاون على تحسين وضعه الاقتصادي غير المستقر، وهما سببان لا يُستَبْعَدان، وإنما لأن التعبير الملائم لمشكلته العامّة (المعيشية والفلسفية) لا يكتمل إلا بالشكل الخاص في الكتابة الذي هو المسرح، «مجهود (لأونامونو) يُقَلَّص به عَبْرَ العرض المسرحي الواقِعُ العامُّ.»¹²

    لكنْ علينا في هذه الواقعة العامّة أنْ نسعى لنرى بأكبر دقّةٍ الأسباب والسيرورة، عَبْر العناية بالمظهريْن المتداخليْن، المفهوم الفلسفي والمفهوم الأدبي الخالص. هكذا كان التوجيه الذي أعطاه إيّاه فرناندو لاثَرو عندما ربط المشكلةَ التيمية والفلسفية بالاستراتيجية الأدبية. يَرى في الأولى مطروحًا مشكل معنى الحياة الإنسانية بطريقة مؤثِّرة وملتزمة؛ وفي الثانية تُعرَض عليه كأنها صيغةٌ مُباشِرة وحدسية لتقديم تلك المشاكل، بوساطة شخصية (نُسخة إنسانية جوهرية) تعيش وتعمل. هكذا، إذن، حسبَ الناقد، فإن أونامونو لا يكتفي بكتابة المسرحيات، وإنما يختار بامتياز هذا الشَّكل لأن التمثيل يتوافر على الفوْريّة، والحضور المُباشر، والقدرة على التأثير.¹³

    بوضع هذا التمييز، وبوضع اصطلاحاته في ترابط وثيق، يُمكن القيام بخطوة التوحيد في الخطّيْن في واحد، وفي تبيُّن المظهر الأنطولوجي والقرار الأدبي، ذلك أنَّ أُنْطولوجيا أونامونو، هي تحديدًا، تصوُّرُه الدرامي للوجود، المُعَبَّر عنه مرارًا وتكرارًا بصور مفهومية للعالَمِ- المسرح وللإنسان- الشخصية. وتبدو لي هذه إحدى أفضل الصِّيغ التي أنجَزَتْها إِيرِيسْ م. ثابالا في دراستها، والتي تفتح لنا بها شُسوعًا متفرِّدًا، حاسمًا وعميقًا في العمل الدرامي لأونامونو:

    يمتلك أونامونو مفهومًا مسرحيًا عن الحياة. إنه يعتقد أن الشخص في جوهره تمثيلٌ، وقد ألحَّ على هذا المفهوم المسرحي للحياة بكتابته مسرحيات، لأن المسرح هو فن الكشف عن الشخص بامتياز.¹⁴

    ويتواصل خَطُّ هذا التشكيل الأنطولوجي- الدرامي منذ الحب والبيداغوجية (1902) إلى غاية ضباب (1914)، حيث يُصاغ بطريقة نهائية. لكن، يُمكن أن نستبق الأمر،¹⁵ لأنه يُعثَرُ على جذور قويّة في تفكيره في أزمة ¹⁸⁹⁷، وللتأكيد، يمكن التمديد إلى كتابه كيف تُكتبُ رواية والرؤية «ما بعد المسرحية» في صوليداد والأخ خْوان. وقد نبَّهتْ إيريس ثابالا أيضًا إلى ذلك التجريد الدرامي عندما كتبت:

    هنا يوجد أساس كل هذه السيرورة. أنْ يُرى الإنسانُ مثلما هو؛ باعتباره تمثيلًا لذاته وكشخصية لشخص آخر. بمعنى، أن الحقيقة الوحيدة التي نعرفها هي المُمَثَّلة؛ ومن تلك نحدَس الكينونة (الإله) ونستنتج أو نُعيِّنُ لاكينونة الوعي، وحقيقة المُشاهِد.¹⁶

    كل هذا يسوقُنا إلى أن نختصر، في الأخير، هذا التأمُّل الأولي قائلين إنه لو انصرف أونامونو إلى المسرح مُجبَرًا تقريبًا، فلأن المسرح يُحقِّقُ (باعتباره عرْضًا- خارِجيًّا) ما يكون عليه الشخصُ (في جوهره، داخِليًّا وتكوينِيًّا). ويسمح المسرح أو يُجبِر أن يكون، في الوقت ذاته، تخييلًا وواقعًا، مُمثِّلًا وشخصيّةً، مَظْهَرًا ومَخبَرًا، أنا وآخرُ، بطريقة امتيازية. الآن، هذه السيرورة هي طريق، مثلما قلنا، يقودُنا إلى آثاره في المنفى. لكنّ لحظةً أولية ذات أهمية خاصة- والتي علينا هنا أخذها بعين الاعتبار- تلك التي تُقابل عَمَلَه المسرحي الأوّل. في الواقع، عند قراءة أبو الهول هذه المظاهر هي:

    ¹- أنه إسقاط شخصي مُسلَّم به، يُرى بشكل رئيس ويُعلَّقُ عليه من قبل القُرّاء الأوائل والنُّقاد، لأنه يعرض على الخشبة شخصيّةً مهمومة وقلقة بسبب أزمة روحية. إنه يُتِمُّ، في هذا الاتجاه، أحَدَ المعاني المحتملة في عنوان دراسة إيريس م. ثابالا وهو، بالطبع، «مسرح الوعي»، في منظوره الخارجي.¹⁷

    ²- إضافة، فإن تلك الأزمة هي تخييل لإعادة صياغة (كعلامات) كثيرٍ من العناصر من قلقه الخاص وحلقات من حياته الواقعية، مثلما سنُبرْهِنُ عليه في التعليق القادم. لأجل ذلك يُقدَّمُ أيضًا عرْضٌ أوتوبيوغرافيٌّ ذو طبيعة نادرة.

    ³- في إِلْدِيارْيُو El Diario، التعبير الأول عن الأزمة، يبدو التَّوتُّر شخصًا/ شخصية تتُطوَّر مُستحوِذةً على عمله المسرحي، وكذلك التعارض الجدلي بين الكائن الخارجي/ الكائن الداخلي، الذي يُمفصِل المسرَح بشكل كامل.¹⁸

    عند اكتشافه بهذه الصيغة مَسِيرَ الحَمْل بعَمَله الأولي، يتجلّى لنا بالملموس أن أونامونو كان يكتب المسرح لأجل تطوُّر يكاد يكون ضروريًا، أو إذا أردنا، لأجل ميل طبيعي إلى تلك الممارسة الأدبية، مُعِينا ذاتَه تبادُليًّا، برؤيته للعالَم مسكوكةً من الباطن. لقد شعر، بأثر ونتيجة أزمته، وكيف «تُمَسْرَحُ» حياتُه، ومن هنا تصوَّر مسرحةً عامّة للحياة الإنسانية، التي سعتْ وقتئذ إلى التبيين عَبر الخشبة. إنَّ كل انشقاق يستدعي تصالُحًا هو مادة مسرحية كامنة؛ وهذا سيستغلُّه أونامونو جاعلًا من انشقاقه الشخصي مسرَحًا.

    والآن، فإنّ كتاب إِلْدِيارْيو إسْبِرِتُوال (اليوميات الروحية)¹⁹ هو الذي يساعد على تلوين ذلك المَسير، حَسَب ما نلاحظ في المظاهر التالية:

    ¹. إن مسرحة الحياة هي أثرٌ، مثلما قال، لتحوُّلِ الأنا إلى شخصية أو تحوّل وعْيِ مَعيشِه إلى نظير تمثيل. وهذا يَبرُزُ في إِلْدِيارْيُو بلمحتيْن متكاملتيْن:

    أ) القناعُ

    Enjoying the preview?
    Page 1 of 1