You are on page 1of 7

‫حكَم‪ ،‬أهداف‬

‫لحج دللت‪ِ ،‬‬

‫عبادات السلم وشعائره تهدف كلها إلى خير العباد في الدنيا والخرة‪ .‬وما من عبادة شرعها ال تعالى إل‬
‫وغايتها أن يفوز العبد بقرب ال ورضوانه‪ .‬ومن هنا كان الحج من أعظم العبادات والقُرُبات التي يتقرب بها‬
‫‪.‬الناس إلى خالقهم‪ ،‬فتصفو نفوسهم وتتطهر قلوبهم وبالتالي يحظون بالسمو الروحاني‬
‫تاريخ الحج‬
‫تاريخ الحج قديم ِقدَم الكعبة المشرفة‪ ،‬وتاريخ الكعبة قديم ِقدَم الزمن‪ .‬ول توجد روايات تذكر تاريخ إنشاء هذا‬
‫البيت‪ ،‬ومن بناه لول مرة‪ .‬أما الدلة على كون هذا البيت قديما وموجودًا حتى قبل سيدنا إبراهيم عليه السلم فهي‬
‫كالتالي‪ :‬قال ال تعالى ‪ :‬وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت(البقرة‪ .)128 :‬فهنا لم يقل ال تعالى‪ :‬وإذ يضع‬
‫إبراهيم القواعد‪ ،‬وإنما قال‪ :‬وإذ يرفع‪ ،‬وهذا يدل على أن بيت ال كان موجودًا من قبل ولكنه كان قد تهدّم‪ ،‬ورفع‬
‫‪.‬إبراهيم هذا الساس بإذن ال‪ ،‬وأقامه من جديد‬
‫وهناك آية قرآنية أخرى تؤكد هذا الموضوع أكثر‪ ،‬حيث تقول‪( :‬إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا‬
‫وهدًى للعالمين)(آل عمران‪ .. )97 :‬أي أن أول بيت بُني لصالح الناس ومنفعتهم هو ذلك الموجود في مكة‬
‫‪.‬المكرمة‬
‫وكذلك ورد في الدعية التي دعا بها إبراهيم عليه السلم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك‬
‫المحرّم(إبراهيم‪ .)38 :‬وجملة (عند بيتك المحرّم) تبين أن بيت ال الحرام كان موجودًا هناك من قبل‪ ،‬لن هذا‬
‫الدعاء صدر من سيدنا إبراهيم عندما كان ابنه إسماعيل طفل صغيرا وجاء به مع أمه هاجر وأسكنهما هناك‪،‬‬
‫‪.‬وأطلع ال إبراهيم بالوحي على هذا المكان وأخبره أن هذا هو أول بيت بُني ل تعالى‬
‫كذلك وصف القرآن بيت ال بأنه البيت العتيق في قوله تعالى‪ :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق(الحج‪ .. )30 :‬مما يبين أن‬
‫بيت ال موغلٌ في القدم‪ ،‬أو بعبارة أخرى إنه أول معبد بُني لعبادة ال في العالم‪ .‬فليس إبراهيم باني هذا البيت‪،‬‬
‫‪.‬وإنما جدد بناءه ورفعه على أسسه الصلية‬
‫وتؤكد الحاديث أيضًا وجودَ آثارٍ لبيت ال قبل قدوم إبراهيم إلى هذا المكان‪..‬فقد ورد أنه لما ترك إبراهيم هاجر‬
‫شيْءٌ؟‬
‫س فِيهِ ِإنْسٌ وَل َ‬
‫ن َتذْهَبُ َوتَتْ ُر ُكنَا ِب َهذَا الْوَادِي اّلذِي َليْ َ‬
‫ع قَاَلتْ‪" :‬يَا ِإبْرَاهِيمُ َأيْ َ‬
‫وإسماعيل في وا ٍد غير ذي زر ٍ‬
‫ضّيعُنَا‪ُ .‬ثمّ‬
‫ك ِب َهذَا؟ قَالَ‪َ :‬نعَمْ‪ .‬قَاَلتْ‪ِ :‬إذَنْ ل يُ َ‬
‫ل ل يَ ْلتَفِتُ إَِل ْيهَا‪َ .‬فقَاَلتْ لَهُ‪ :‬آلُّ اّلذِي َأمَ َر َ‬
‫جعَ َ‬
‫ك مِرَارًا‪ ،‬وَ َ‬
‫فَقَالَتْ لَ ُه ذَِل َ‬
‫جهِهِ ا ْل َبيْتَ ُث ّم دَعَا ِبهَؤُلءِ ا ْلكَِلمَاتِ‬
‫ل بِ َو ْ‬
‫ستَ ْقبَ َ‬
‫ث ل يَرَ ْونَهُ ‪ -‬ا ْ‬
‫حيْ ُ‬
‫ع ْندَ ال ّثنِيّةِ ‪َ -‬‬
‫حتّى ِإذَا كَانَ ِ‬
‫ج َعتْ‪ .‬فَانْطَلَقَ ِإبْرَاهِيمُ َ‬
‫رَ َ‬
‫ع ْندَ َب ْي ِتكَ ا ْل ُمحَرّمِ (صحيح البخاري‪ ،‬كتاب‬
‫غيْ ِر ذِي زَ ْرعٍ ِ‬
‫ن ذُ ّريّتِي بِوَادٍ َ‬
‫ت مِ ْ‬
‫س َكنْ ُ‬
‫وَ َرفَ َع َيدَيْ ِه فَقَالَ‪َ :‬ربّ ِإنّي أَ ْ‬
‫أحاديث النبياء)‪ .‬يؤكد هذا الحديث أيضًا على أن الكعبة لم َيبْنِها إبراهيمُ وإنما جدّد بناءها فقط‪ ،‬وأنها كانت‬
‫‪.‬موجودة من قبل‪ ،‬وكانت بدايتها في زمن ل يعلمه إل ال تعالى‪ ،‬ول يذكر التاريخ ذلك‬
‫ويعترف بذلك المستشرق المتعصب "وليم موير" ويقول‪" :‬إننا مضطرون إلى إرجاع المبادئ الكبيرة لدين مكة‬
‫‪....‬إلى زمن موغلٍ في القدم‬
‫ثم يقول وليم موير‪" :‬إن المؤرخ الشهير "ديودورس سكولس" قال وهو يتحدث عن ما قبل الميلد بنصف قرن‪:‬‬
‫هناك معبد من الحجر مشيد بالجزء المحاذي للبحر الحمر من الجزيرة العربية‪ ،‬وهو معبد قديم جدًا‪ ،‬يؤمه العرب‬
‫‪".‬من كل مكان لزيارته‬
‫بمكة‪ ،‬لنه ليس هناك مكان آخر اكتسب هذا الحترام ‪‬ثم يقول وليم موير‪" :‬إن هذه الكلمات تتعلق بالبيت المقدس‬
‫الكبير من العرب‪( ".‬حياة محمد‪ ،‬ديباجة‪ ،‬فصل ‪ 2‬ص ‪ )103 - 102‬بتصرف من التفسير الكبير لميرزا بشير‬
‫(الدين محمود أحمد الخليفة الثاني للمام المهدي عليه السلم ج ‪ ،2‬ص ‪168 -166‬‬
‫هذا‪ ،‬وثمة كشف للمام محيي الدين ابن عربي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬يسلّط الضوء على الموضوع الذي نحن بصدده‪،‬‬
‫فيقول حضرته‪" :‬أراني الحق تعالى فيما يراه النائم ‪..‬وأنا أطوف بالكعبة مع قوم من الناس ل أعرفهم بوجوههم‪.‬‬
‫‪:‬فأنشدونا بيتَين نسيت أحدهما وأذكر الثاني وهو‬
‫سنِينَا بهذا البيت طُرّا أجمعينا‬
‫طفْتم ِ‬
‫طفْنا كما ُ‬
‫لقد ُ‬
‫فتعجّبت من ذلك‪ .‬وتسمّى لي أحدهم باس ٍم ل أذكره‪ ،‬ثم قال لي‪ :‬أنا من أجدادك‪ .‬قلت‪ :‬كم لك منذ متّ؟ فقال‪ :‬لي‬
‫بضع وأربعون ألف سنة‪ .‬فقلت له‪ :‬فما لدم هذا القدر من السنين؟! فقال لي‪ :‬عن أي آدم تقول؟ عن هذا القرب‬
‫إليك أم عن غيرك؟ فتذكّرت حديثًا لرسول ال (ص) أن ال خلق ألف آدم‪ .‬وقلت‪ :‬قد يكون ذلك الجد الذي نسبني‬
‫(إليه من أولئك‪(".‬الفتوحات المكية‪ ،‬ج ‪ ،3‬الفصل الخامس في المنازلت‪ ،‬باب ‪309‬‬
‫ويدل ما سبق على أن الكعبة كانت موجودة من قبل وبالتالي كان الناس يحجون إليها حسب التقاليد المروّجة‬
‫بينهم‪ .‬أما المناسك التي قد أحياها السلم وأمر باتباعها فيرجع تاريخها إلى عهد نبي ال إبراهيم عليه السلم‪،‬‬
‫ل فَجّ‬
‫ن كُ ّ‬
‫ن مِ ْ‬
‫ج يَ ْأتُوكَ ِرجَالً وَعَلَى كُلّ ضَا ِم ٍر يَ ْأتِي َ‬
‫س بِالْحَ ّ‬
‫وفق ما قال تعالى لسيدنا إبراهيم‪ :‬وََأذّنْ فِي النّا ِ‬
‫عمِيقٍ(الحج‪28 :‬‬
‫‪َ (.‬‬
‫ولقد استمرت هذه المناسك في ذرية سيدنا إسماعيل عليه السلم إلى عهد السلم الحنيف‪ ،‬غير أن العرب لما‬
‫نسوا التوحيد وداخَلَهم الشركُ‪ ،‬تبع ذلك تحريف وتغيير في أعمال هذه العبادة‪ ،‬شأنهم في ذلك شأن المم‪ ،‬إذا‬
‫فسدت سرى الفساد في كل شيء منها‪ .‬فلما جاء السلم أزال الشوائب العالقة بهذه المناسك‪ ،‬وأحيا تلك السنن التي‬
‫كانت قد صارت مطمورة تحت أنواع من التقاليد السخيفة والعراف الباطلة‪ .‬فانجلى فضل الحج واتضحت‬
‫‪.‬أهميته‪ ،‬وانكشفت مكانته السامية بين العبادات‬

‫فضل الحج الحج أفضل العمال بعد اليمان والجهاد الحج أفضل الجهاد الحج المبرور جزاؤه الجنة الغاية‬
‫حكَم في مناسك الحج أهداف الحج عمومًا‬ ‫من الحج تعريف ببعض الماكن المقدسة وحكمة تسمياتها دللت و ِ‬
‫إعلن عملي لمبدأ المساواة بين الناس جمع الناس على مبدأ التوحيد توثيق لمبدأ التعارف والتعاون‬
‫فضل الحج‬

‫‪:‬لقد وردت نصوص كثيرة في فضل الحج‪ ،‬ونذكر طائفة منها فيما يلي‬
‫الحج يهدم ما قبله‬
‫ثمة رواية طويلة وردت في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي ال عنه قال‪":‬فلما جعل ال السلمَ في‬
‫ط يمينَك فلبايعك‪ .‬فبسط يمينه‪ .‬قال‪ :‬قبضتُ يدي‪ .‬قال‪ :‬ما لك يا عمرو؟ قال‪:‬‬
‫قلبي أتيتُ النبي (ص) فقلت‪ :‬ابْسُ ْ‬
‫قلت‪ :‬أردتُ أن أشترط‪ .‬قال‪ :‬تشترط بماذا؟ قلت‪ :‬أن يُغفر لي‪ .‬قال‪ :‬أما علمتَ أن السلم يهدم ما كان قبله‪ ،‬وأن‬
‫(الهجرة تهدم ما كان قبلها‪ ،‬وأن الحج يهدم ما كان قبله‪( ".‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‬

‫الحج أفضل العمال بعد اليمان والجهاد‬

‫عن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬سئل النبي (ص)‪ :‬أي العمال أفضل؟ قال‪" :‬إيمان بال ورسوله‪ ".‬قيل‪ :‬ثم‬
‫(ماذا؟ قال‪" :‬ثم جهاد في سبيل ال"‪ .‬قيل‪ :‬ثم ماذا؟ قال‪" :‬ثم حج مبرور"‪( .‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحج‬

‫الحج أفضل الجهاد‬

‫ل العمال‪ ،‬أفل نجاهد؟ قال‪" :‬ل‪ ،‬لكِنّ‬


‫عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قلت يا رسول ال‪ :‬نرى الجهاد أفض َ‬
‫ج مبرور‪( ".‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الحج‬
‫(أفضلَ الجهاد ح ّ‬

‫الحج المبرور جزاؤه الجنة‬


‫عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال (ص) قال‪":‬العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما‪ ،‬والحج المبرور ليس‬
‫(له جزاء إل الجنة‪( ".‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‬

‫الغاية من الحج‬

‫ن تَأَخّ َر فَل‬
‫ن فَل ِإثْمَ عََليْهِ َومَ ْ‬
‫ل فِي يَ ْو َميْ ِ‬
‫ت َفمَنْ َتعَجّ َ‬
‫لّ فِي َأيّا ٍم َمعْدُودَا ٍ‬
‫قال ال تعالى مبينا أحكام الحج‪( :‬وَا ْذكُرُوا ا َ‬
‫شرُونَ) (البقرة‪204 :‬‬
‫ن اتّقَى وَاتّقُوا الَّ وَاعَْلمُوا َأّنكُمْ إَِليْ ِه تُحْ َ‬
‫‪ِ(.‬إثْمَ عََليْهِ ِلمَ ْ‬
‫‪.‬هنا حدد ال الغاية من الحج وهي ‪ -‬كما نلحظ ‪ -‬أن ينال المؤمن التقوى‬
‫‪:‬يقول سيدنا المام المهدي عليه السلم‬
‫ليس المراد من الحج أن يخرج أح ٌد من بيته ويعبر البحار‪ ،‬ثم يرجع من هناك بعد ترديد بعض الكلمات بلسانه"‬
‫ترديدًا تقليديًا فارغًا فحسب‪ .‬الحق أن الحج عبادة عالية هي آخر درجة من درجات السلوك إلى الكمال‪ .‬اعلموا أن‬
‫انقطاع النسان عن نفسه يتطلب منه أن يتفانى في حب ال تعالى‪ ،‬وأن يبلغ به حب ال مبلغًا بحيث ل يتألم في‬
‫سبيل ذلك من وعثاء السفر‪ ،‬ول يكترث بحياته ول بماله‪ ،‬ول يبالي بفراق أعزته وأقاربه‪ ،‬ول يتردد عن‬
‫التضحية بحياته‪ ،‬شأن العاشق الولهان الذي يستعد دائما بفداء نفسه من أجل حبيبه‪ .‬وقد جعل ال تعالى في الحج‬
‫جعَلَ الُ في الحج الطوافَ‪ .‬وثمة نكتة لطيفة‪:‬‬
‫نماذج لكل هذه المور‪ .‬فكما أن العاشق يهوم حول معشوقه كذلك َ‬
‫كما أن هناك بيت ال‪ ،‬كذلك ثمة من هو فوقه‪ ،‬فما لم تطوفوا حوله ( ل يجديكم هذا الطواف الظاهري ول تثابون‬
‫عليه‪ .‬ينبغي أن تكون حال الذين يطوفون حوله ) مشابهة للتي تكون في الطواف الظاهري الذي يقتصرون فيه‬
‫على لباس يسير‪ .‬فعلى الطائفين حوله " أن يخلعوا ثياب حب الدنيا ويلبسوا كساء التواضع والخضوع‪ ،‬ثم يطوفوا‬
‫كالعاشقين‪ .‬الطواف أمارة من أمارات العشق اللهي ويهدف إلى أن يطوف النسان حول مرضاة ال تعالى‪".‬‬
‫((الملفوظات ج ‪ 9‬ص ‪124 - 123‬‬
‫ويقول سيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي ال عنه الخليفةُ الثاني للمام المهدي عليه السلم في تفسير‬
‫"‪.‬الية المذكورة أعله‪" :‬الغاية من عبادة الحج أن تتولد التقوى في قلوبكم‬
‫ثم يقول حضرته‪":‬كل مناسك الحج هدفها أن يتولد في قلبكم حب صادق ل تعالى‪( ".‬التفسير الكبير ج ‪ 2‬ص‬
‫(‪432‬‬
‫فالحج هجرة إلى ال استجابة لدعوته تعالى ( َففِرّوا ِإلَى الّ)‪ .‬كما إنه موسم دوري يلتقي فيه المسلمون كل عام‬
‫على أصفى العلقات وأتقاها‪ ،‬ويجتمعون على المحبة والمودة‪ ،‬يربط بينهم اليمان رغم تباين اللوان وتباعد‬
‫القطار واختلف الديار‪ .‬هكذا فإن الحج عظيمٌ في مظهره‪ ،‬وعظي ٌم في مناسكه‪ ،‬وعظيمٌ في نتائجه‪ ،‬وعظيمٌ في‬
‫منافعه وآثاره‪ ،‬إذ هو نوع من السلوك الرفيع‪ ،‬ولون من ألوان التدرب العملي على مجاهدة النفس من أجل‬
‫‪.‬الوصول إلى المثل العليا‬

‫تعريف ببعض الماكن المقدسة وحكمة تسمياتها‬

‫إن جميع الماكن الموجودة في الديار المقدسة ‪ -‬التي هي من شعائر ال ‪ -‬قد سميت بأسماء تنبه النسان إلى ال‬
‫‪.‬تعالى‪ ،‬وإليكم بيان ذلك‬
‫عرفات‪ :‬هو ذلك المكان الذي تجلى فيه ال تعالى لسيدنا إبراهيم عليه السلم‪ .‬وثمة دللة في تسميته وهي أننا‬
‫عرفنا ال‪ ،‬والتقينا به لدى وصولنا إلى هذا المكان‪ .‬وكأن هذا المكان ينطق بلسان حال الحاج‪ .‬وقد جاء في‬
‫ن يَوْمِ‬
‫ع ْبدًا مِنَ النّا ِر مِ ْ‬
‫لّ فِيهِ َ‬
‫ن ُي ْعتِقَ ا ُ‬
‫الحاديث ما يؤكد ذلك حيث قَالَ رسولُ ال (ص)‪":‬مَا مِنْ يَ ْومٍ َأ ْكثَرَ مِنْ أَ ْ‬
‫(عَ َرفَةَ‪ ،‬وَِإنّهُ َليَ ْدنُو ثُ ّم ُيبَاهِي ِبهِمُ ا ْلمَل ِئكَةَ َفيَقُولُ‪ :‬مَا أَرَادَ هَؤُلء‪( ".‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب المناسك‬
‫وفي رواية أخرى‪" :‬إن ال يباهي ملئكته عشيةَ عرفة بأهل عرفة فيقول‪ :‬انظروا إلى عبادي‪ ،‬أتوني شُعثًا غُبرًا‪".‬‬
‫((مسند أحمد بن حنبل‪ ،‬مسند المكثرين من الصحابة‬
‫مِنى‪ :‬وهو المقام الذي جرت فيه السيدة هاجر وراء سيدنا إبراهيم عليه السلم في فزع‪ ،‬ولما أخبرها أنه تركها‬
‫‪.‬بأمر ال قالت‪ :‬إذنْ ل يضّيعنا‬
‫واسم (مِنى) مشتق من المنية‪ .‬وفيه إشارة إلى أن الذي يتوكل على ال ويفوض أمره إليه‪ ،‬متبعا سنة سيدنا‬
‫‪.‬إبراهيم والسيدة هاجر‪ ،‬ينال أمنيته‪ .‬وأمنية الحاج لقاء ال تعالى‬
‫وهذا هو المكان الذي ت ّم فيه القضاء على الشيطان للبد‪ ،‬إذ نفدّ إبراهيم عليه السلم أوامر ال‪ ،‬وطاوعته في ذلك‬
‫‪.‬زوجته غير مبالَين بوساوس الشيطان تهديده بالفقر والهلك‪ .‬لذلك يقوم الحاج هناك برجم الشيطان بالجمرات‬
‫‪.‬المزدلفة‪ :‬وهو المقام الذي وعد ال فيه سيدنا إبراهيم برفع درجاته للتضحية الجليلة المذكورة آنفا‬
‫ولفظ (مزدلفة) فيه معنى القرب والزلفى‪ ،‬وفيه إشارة إلى أن غاية الحاج قد اقتربت منه‪ ،‬وهي الفوز بقرب ال‬
‫‪.‬تعالى‬

‫حكَم في مناسك الحج‬


‫دللت و ِ‬

‫يقول سيدنا المام المهدي والمسيح الموعود عليه السلم ما تعريبه‪ ":‬الخوف والحب شيئان يصعب اجتماعهما‬
‫بادئ الرأي‪ ،‬إذ كيف يمكن للمرء أن يحب أحدًا ويخاف منه أيضًا؟ ولكن خوف ال وحبّه لهما شأن آخر‪ ،‬لن‬
‫المرء بقدر ما يخاف ال بقدر ما يزداد حبّا له‪ ،‬وكلما تقدم في حبّ ال‪ ،‬استولت عليه خشيته تعالى‪ ،‬فنفّ َرتْه من‬
‫السيئات والموبقات‪ ،‬وأدّت به إلى العفّة والطهارة‪ .‬ولتحقيق هذَين المرَين فَ َرضَ السلمُ الصلةَ التي هي مظهرٌ‬
‫لخوف ال‪ ،‬وفرض الحجّ الذي هو مظهرٌ لحبّ ال تعالى‪ .‬وتتجلّى مظاهرُ الخوف كلّها في أركان الصلة التي هي‬
‫غاية في الخضوع والتذلّل والعتراف بالعبودية‪ .‬أما أعمال الحج فتكتنف جميع جوانب الحب‪( ".‬الملفوظات ج ‪3‬‬
‫(ص ‪300‬‬
‫الحرام‪ :‬الخليفة الثاني للمام المهدي عليه السلم يقول‪" :‬الحرام يرمز إلى أمر هام‪ ،‬وذلك أن يتراءى للنسان‬
‫مشهد يوم الحشر‪ .‬فكَفْنُ النسان قطعتان من القماش‪ ،‬واحدة لعلى الجسم وأخرى لسفله‪ ،‬ويكون الرأس حاسرًا؛‬
‫ونفس المشهد يكون في عرفات‪ ،‬حيث يتراءى للنسان مشهد كالحشر‪ .‬يجتمع هناك الناس باللف على هذه‬
‫الهيئة‪ ،‬ويخيل إلى النسان أنه أمام ال‪ ،‬وأن الناس قد خرجوا من قبورهم في أكفانهم ليمثلوا أمام ال تعالى‪".‬‬
‫((التفسير الكبير ج ‪ 2‬ص ‪448‬‬
‫حشَرُونَ(البقرة‪.)204 :‬‬
‫وهذا ما أشار إليه ال تعالى في قوله بعد ذكر أحكام الحج‪.. :‬وَاتّقُوا الَّ وَاعَْلمُوا َأّنكُمْ إَِليْ ِه تُ ْ‬
‫عدّته ويأخذ الزاد قبل لقاء ال‬
‫فينبغي أن تجول في خاطر الحاج مواقف سيتعرض لها بعد وفاته‪ ،‬حتى يعد لها ُ‬
‫‪.‬تعالى‬
‫الطواف‪ :‬مِن حِكمه أن يجعل كل من الطائفين ذاتَ ال تعالى محورَ حياته وجميع أعماله؛ أو بعبارة أخرى‪ ،‬ينبغي‬
‫‪:‬أن يكون الهدف من كل خطوة يخطوها وصالَ ال تعالى‪ .‬يقول سيدنا المام المهدي عليه السلم‬
‫جعَلَ الُ في الحج الطوافَ‪ .‬وثمة نكتة لطيفة‪ :‬كما أن هناك بيت ال‪"...،‬‬
‫كما أن العاشق يهوم حول معشوقه كذلك َ‬
‫كذلك ثمة من هو فوقه‪ ،‬فما لم تطوفوا حوله‬

‫ل يجديكم هذا الطواف الظاهري ول تثابون عليه‪ .‬ينبغي أن تكون حال الطائفين حوله ;‪61525‬‬
‫مشابهة للتي تكون في الطواف الظاهري الذي يقتصرون فيه على لباس يسير‪ .‬فعلى الطائفين حوله أن ;‪61525‬‬
‫يخلعوا ثياب حب الدنيا ويلبسوا كساء التواضع والخضوع‪ ،‬ثم يطوفوا كالعاشقين‪ .‬الطواف أمارة من أمارات‬
‫(العشق اللهي‪ ،‬ويهدف إلى أن يطوف النسان حول مرضاة ال تعالى‪( ".‬الملفوظات ج ‪ 9‬ص ‪124 - 123‬‬
‫يقول سيدنا الخليفة الثاني للمام المهدي رضي ال عنه وهو يبين حكمة كون الطواف والسعي كلهما سبع‬
‫مرات‪ ..." :‬وفي ذلك إشارة إلى تكميل المدارج الروحانية السبعة التي يجب أن يسعى النسان لنيلها‪ .‬وقد جاء‬
‫(تفصيل هذه الدرجات الروحانية في سورة (المؤمنون)‪( ".‬التفسير الكبير ج ‪ 2‬ص ‪449‬‬
‫الرمل والضطباع‪ :‬بعد أن يضطبع الطائف رداءه يرمل ويهرول في الشواط الثلثة الولى من طوافه‪ ،‬ثم يمشي‬
‫الهوينا في الربعة الخرى‪ .‬ولقد قام به رسول ال (ص) وأمر أصحابه بذلك لظهار القوة والجلد أمام كفار‬
‫قريش‪ .‬وطبعًا الحكمة فيه أبعد من ذلك وهي أن يتحلى المسلم بالقوة ضد أعدائه الذين يحولون دون وصوله إلى‬
‫‪.‬ال عز وجل‪ ،‬أو يعترضون سبيله‪ .‬فل يجوز له أن يضعف أمام أعدائه بحال وليكن دائما قويا‬
‫تقبيل الحجر السود‪ :‬ل شك في أن الحجر السود هو من جنس الحجار التي ل تضر ول تنفع‪ ،‬ولكن يكفي هذا‬
‫الحجر شرفًا أن سيد المرسلين (ص) قد قبّله‪ .‬وثمة أثر بهذا الخصوص ورد عن سيدنا عمر كرم ال وجهه‪ ،‬أنه‬
‫قال مشيرًا إلى الحجر السود‪" :‬إني أعلم أنك حجر ل تنفع ول تضر‪ ،‬ولول أني رأيت رسول ال قبّلك‪ ،‬ما‬
‫(قبّلتك‪( ".‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الحج‬
‫يكشف هذا التصريحُ الحكمةَ في تقبيل الحجر السود‪ ،‬وهي أن السِرّ في كل العبادات هو إذن ال وأمره بفعلها‪.‬‬
‫فإن كانت ثمة عبادة تخلو من أمر ال تعالى وإذنه فل ينتفع بها فاعلها‪ .‬فالعبرة كل العبرة بالنقياد لمر ال‪ .‬وإل‬
‫فمن المعلوم أن الحجر السود من جنس الحجار التي ل تنفع ول تضر‪ ،‬ولكن لما تعلّق بهذا الحجر إذنٌ إلهي‬
‫بتقبيله أصبح المؤمن ينظر إليه نظرة الجلل والحترام‪ ،‬لنه يتوصل بتقبيله إلى ما يصبو إليه من حب موله‬
‫‪ .‬ورضاه‬
‫السعي بين الصفا والمروة‪ :‬بعد أن يفرغ الحاج من الطواف يبدأ بالسعي بين الصفا والمروة‪ .‬والحكمة في السعي‬
‫هي إظهار العبد كاملَ خضوعه واستسلمه لموله بحيث لو كلّفه بما هو أشق من السعي لقام به بدون تردد أو‬
‫تساؤل‪ ،‬لن ذلك سوف يضمن له عون ال ونصرته فورًا كما حصل مع هاجر إذ إنها ما إن انتهت من جريِها بين‬
‫‪.‬الصفا والمروة بحثًا عن الماء لولدها حتى وجدت الماء ينفجر من تحت قدميه‬
‫رمي الجمرات‪ :‬يقول الخليفة الثاني للمام المهدي عليه السلم‪" :‬الغرض الحقيقي منها هو البراءة من الشيطان‪.‬‬
‫وهناك حكمة في أسماء هذه الجمرات‪ :‬الدنيا‪ ،‬والوسطى‪ ،‬والعقبة‪ ،‬وهذه الحكمة هي‪ :‬أن يعِد النسان أنه لن يسمح‬
‫للشيطان أن يقترب منها في الدنيا‪ ،‬وأنه سوف يدخل عالم البرزخ ثم العقبى خاليًا من أي تأثير للشيطان على‬
‫(روحه‪( ".‬التفسير الكبير ج ‪ 2‬ص ‪449‬‬
‫ذبح الهدي‪ :‬من المعلوم أن ال تعالى ليس بحاجة إلى لحوم الضاحي ول دمائها‪ .‬وإنما يريد ال تعالى من ذبح‬
‫العبد للضحية أن تنشأ في قلب العبد المؤمن روحُ التضحية في سبيل ال‪ .‬كما أن القيام بذبح الهدي إنما هو عبارة‬
‫عن استعداد الحاج لتقديم كل تضحية يطلبها ال منه‪ .‬وهذه الحالة إنما هي نتاج تقوى ال‪ .‬فقد نوّه ال تعالى إلى‬
‫‪:‬ذلك بقوله‬
‫ن َينَالَ الَّ ُلحُو ُمهَا وَل ِدمَاؤُهَا َوَلكِنْ َينَالُهُ التّقْوَى ِم ْنكُمْ(الحج‪61533;38 :‬‬ ‫‪(.‬لَ ْ‬
‫والخليفة الثاني للمام المهدي رضي ال عنه يقول‪ ..." :‬ثم بتقديم الذبائح وجّه النظار إلى أن على النسان أن‬
‫يكون دائمًا مستعدًا للتضحية بنفسه في سبيل ال‪ ،‬فكلما يناديه ربه يذعن له على الفور ويحني رأسه في سبيل ال‪،‬‬
‫(ول يتردد في أن يقدم رأسه في هذا السبيل‪( ".‬التفسير الكبير ج ‪ 2‬ص ‪449‬‬
‫ولقد بيّن سيدنا المام المهدي والمسيح الموعود عليه السلم فلسفة الضحية أيما بيان حيث قال في خطبته‬
‫ل ومؤّيدًا بإلهام من ال تعالى‬ ‫‪:‬اللهامية الشهيرة التي ألقاها مرتج ً‬
‫ضحَى‪ ،‬فَِإنّهُ أُو ِدعَ أَسْرَارًا لُولِي ال ّنهَى‪َ .‬و َتعَْلمُونَ أَنّ فيِ َهذَا ا ْليَوْمِ"‬ ‫ي يَ ْو ِمكُمْ َهذَا يَوْمِ الَ ْ‬ ‫عبَادَ الِ‪َ ..‬فكّرُوا ف ِ‬ ‫يَا ِ‬
‫ل مِنَ ا ْلبَ َقرَاتِ‪َ ،‬وُت ْذبَحُ َأقَاطِيعُ ( آبال وخناطيل‬ ‫خنَاطِي ُ‬ ‫جمَالِ وَ َ‬ ‫ل مِنَ ا ْل ِ‬ ‫جمَاوَاتِ‪َ ،‬و ُتنْحَ ُر آبَا ٌ‬ ‫يُضَحّى ِبكَثِي ٍر مِنَ ا ْلعَ ْ‬
‫ل مِنْ ا ْب ِتدَاءِ َزمَانِ‬ ‫ك يُ ْفعَ ُ‬‫وأقاطيع كلّها تعني القُطعان والجماعات) مِنَ ا ْل َغنَ ِم ا ْب ِتغَا َء مَ ْرضَاةِ رَبّ ا ْلكَا ِئنَاتِ‪َ .‬و َكذَِل َ‬
‫حصِاءِ‪َ ،‬وفَاقَتْ ضَحَايَا‬ ‫حدّ الِ ْ‬ ‫ت مِنْ َ‬ ‫ظنّي أَنّ الَضَاحِي فيِ شَرِي َعتِنَا ا ْلغَرّاءِ‪َ ،‬قدْ خَ َرجَ ْ‬ ‫ليّامِ‪ .‬وَ َ‬ ‫الِسْلمِ‪ ،‬إلى هذه ا َ‬
‫ج ِمعَتْ‬ ‫حتّى لَوْ ُ‬ ‫ن ال ّدمَاءِ‪َ .‬‬ ‫ض مِ َ‬ ‫لرْ ِ‬ ‫ي بِهِ وَجْهُ ا َ‬ ‫حدّ غُطّ َ‬ ‫ت َكثْرَةُ الذّبَائِحِ إِلَى َ‬ ‫لنْ ِبيَاءِ‪َ ،‬وبََلغَ ْ‬ ‫ل مِنْ ُأ َممِ ا َ‬ ‫ن َقبْ ُ‬‫اّلذِينَ خَلَوْا مِ ْ‬
‫ضتِ ا ْل ُغدْرُ وَالَ ْودِيَةُ ا ْل ِكبَارُ‬ ‫ل ْنهَارُ‪ ،‬وَسَالَتِ ا ْلبِحَارُ‪َ ،‬وفَا َ‬ ‫ت ِم ْنهَا ا َ‬ ‫جرَ ْ‬ ‫‪.‬دِمَاؤُهَا وَُأرِيدَ ِإجْرَاؤُها لَ َ‬
‫سيْرِ وَُل َمعَانَه‪ .‬فَلَجْلِ‬ ‫ب َكمَطِيئَةٍ تُحَاكِي ا ْلبَ ْرقَ في ال ّ‬ ‫حسِ َ‬ ‫سبْحَانَه‪ ،‬وَ ُ‬ ‫عدّ َهذَا ا ْل َعمَلُ في مِّل ِتنَا ِممّا يُقَرّبُ إِلَى الِ ُ‬ ‫َو َقدْ ُ‬
‫ل مَنْ َقرّبَ ِإخْلَصًا َوتَ َعّبدًا َوإِيمَانًا‪ .‬وَِإّنهَا مِنْ أَعْظَمِ‬ ‫سمّيَ الضّحَايَا قُ ْربَانًا‪ِ ،‬بمَا وَ َردَ َأّنهَا تَزِيدُ قُ ْربًا وَلُ ْقيَانًا كُ ّ‬ ‫ذَِلكَ ُ‬
‫ك ِب َمعْنَى‬ ‫سِ‬ ‫سكُ الطّاعَةُ وَا ْل ِعبَادَةُ في اللّسَانِ ا ْلعَ َر ِبيّةِ‪َ ،‬و َكذَِلكَ جَاءَ لَ ْفظُ النّ ُ‬ ‫ت بِالنّسِيكَةِ‪ .‬وَالنّ ُ‬ ‫س ّميَ ْ‬‫سكِ الشّرِيعَةِ‪ ،‬وَِلذَِلكَ ُ‬ ‫نُ ُ‬
‫صبَاهُ‪،‬‬‫ل مَنْ أَ ْ‬ ‫ح نَفْسَهُ َوقُوَاهُ‪َ ،‬وكُ ّ‬ ‫طعًا عَلَى أَنّ ا ْلعَابِدَ فيِ الْحَقِيقَةِ‪ُ ،‬هوَ اّلذِي ذَبَ َ‬ ‫ل قَ ْ‬ ‫ك يَدُ ّ‬‫شتِرَا ُ‬ ‫لْ‬ ‫ح ال ّذبِيحَةِ‪َ ،‬ف َهذَا ا ِ‬‫ذَبْ ِ‬
‫صفُ الْ َفنَاءِ‪،‬‬ ‫ختَفَى‪ ،‬وَ َهبّتْ عََليْهِ عَوَا ِ‬ ‫حتّى َتهَافَتَ وَا ْنمَحَى‪َ ،‬وذَابَ وَغَابَ وَا ْ‬ ‫لِ ِرضَى َربّ ا ْلخَلِيقَةِ‪َ ،‬وذَبّ ا ْلهَوَى‪َ ،‬‬
‫شدَائِدُ َهذِهِ ا ْلهَوْجَاءِ‬ ‫ت ذَرّاتِهِ َ‬ ‫سفَ ْ‬‫‪.‬وَ َ‬
‫ل مِرَاءٌ‪ ،‬في‬ ‫خفَاءٌ َو َ‬ ‫شتَ َر َكيْنِ‪َ ،‬و َت َدبّرَ ا ْلمَقَا َم ِب َتيَقّظِ ا ْلقَلْبِ َو َفتْحِ ا ْل َع ْي َنيْنِ‪ ،‬فل يَبْقَى لَهُ َ‬ ‫ن َفكّرَ في َه َذيْنِ ا ْل َم ْفهُومَيْنِ ا ْلمُ ْ‬ ‫َومَ ْ‬
‫ل ذِي‬ ‫حرُهَا ِبمُدَى النْ ِقطَاعِ إِلَى ا ِ‬ ‫لمّارَةِ‪َ ،‬ونَ ْ‬ ‫ي ذَبْحُ النّ ْفسِ ا َ‬ ‫جيَ َة مِنَ الْخَسَارَةِ‪ِ ،‬ه َ‬ ‫أَنّ َهذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنّ ا ْل ِعبَادَةَ ا ْل ُمنْ ِ‬
‫ن مَوْتِ ا ْلغَرَارَةِ‪ .‬وَ َهذَا هُ َو َم ْعنَى الِسْلَمِ‪َ ،‬وحَقِيقَةُ‬ ‫س مِ ْ‬ ‫حمّلِ َأنْوَاعِ الْمرَارَةِ‪ِ ،‬ل َتنْجُوَ النّفْ ُ‬ ‫لمَارَةِ‪ ،‬مَعَ تَ َ‬ ‫لمْرِ وَا ِ‬ ‫اللَءِ وَا َ‬
‫حيْنَ فيِ حِينٍ‬ ‫جبِينِ‪َ ،‬ومَا نَسِيَ الْ َ‬ ‫جهَهُ لِ رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ‪َ ،‬ولَ ُه نَحَ َر نَاقَ َة نَ ْفسِهِ َوتَّلهَا لِ ْل َ‬ ‫لنْ ِقيَادِ التّامّ‪ .‬وَا ْلمُسِْل ُم مَنْ َأسْلَمَ َو ْ‬ ‫‪.‬ا ِ‬
‫حصِيلِ َهذَا ا ْلمَقَامِ‪،‬‬ ‫حثّ عَلَى تَ ْ‬ ‫ي َتذْكِرَةٌ ِلهَذَا ا ْلمَرَامِ‪ ،‬وَ َ‬
‫لمِ‪ ،‬هِ َ‬ ‫سكَ وَالضّحَايَا في الِسْ َ‬ ‫فَحَاصِلُ ا ْلكَلَمِ‪ ..‬أَنّ النّ ُ‬
‫ن يّ ْفهَمَ‬‫ل مُ ْؤمِنٍ ّومُ ْو ِمنَةٍ كان َي ْب َتغِي رِضَاءَ الِ الْ َودُودِ‪ ،‬أَ ْ‬ ‫جبَ عَلَى كُ ّ‬ ‫ل َب ْعدَ السّلُوكِ التّامّ‪ .‬فَوَ َ‬ ‫حصُ ُ‬ ‫وَإِرْهَاصٌ ِلحَقِيقَ ٍة تَ ْ‬
‫ن َقبْلَ‬ ‫سكُ ْ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫ل َيهْدَأْ َو َ‬
‫ل ذَرّةِ الْ ُوجُودِ‪َ ،‬و َ‬ ‫حتّى تَسْرِيَ في كُ ّ‬ ‫عيْنَ ا ْلمَ ْقصُودِ‪َ ،‬وُيدْخَِلهَا في نَفْسِهِ َ‬ ‫جعََلهَا َ‬ ‫حقِيقَةَ َويَ ْ‬‫َهذِهِ الْ َ‬
‫ضحَاتِهِ‪َ ،‬ويَقْضِي‬ ‫حقِيقَةَ أَ ْ‬‫ل يُ َؤدّي َ‬ ‫جهَلَءِ وَا ْل ُعمْيَانِ‪ ،‬بَ ْ‬‫حيّةِ لِلرّبّ ا ْل َم ْعبُودِ‪َ ،‬ولَ َي ْقنَعْ ِب َنمُوذَجٍ َوقِشْ ٍر كَالْ ُ‬ ‫َأدَاءِ َهذِهِ الضّ ِ‬
‫خ َتتِمُ‬
‫صدِ ا ْلعَا ِرفِينَ‪ ،‬وَعََليْ ِه يَ ْ‬‫ح تُقَاتِهِ‪ ،‬رُوحَ الْقُ ْربَانِ‪َ .‬هذَا هُ َو ُم ْن َتهَى سُلُوكِ السّاِلكِينَ‪ ،‬وَغَايَ ُة مَقْ َ‬ ‫جمِيعِ حَصَاتِهِ َورُو ِ‬ ‫بِ َ‬
‫سيْرُ الَ ْوِليَاءِ‪( ".‬الخطبة‬ ‫صدّيقِينَ وَالَصْ ِفيَاءِ‪ ،‬وَإَِليْ ِه َينْ َتهِي َ‬ ‫لتْ ِقيَاءِ‪َ ،‬وبِ ِه َي ْكمُلُ سَائِ ُر مَرَاحِلِ ال ّ‬ ‫جمِي ُع مَدَا ِرجِ ا َ‬ ‫َ‬
‫(اللهامية‪ ،‬الخزائن الروحانية ج ‪ ،16‬ص ‪38-31‬‬
‫‪ :‬ثم يقول حضرته‬
‫جعَلُوا الضّحَايَا‪ ،‬لِ ُر ْؤيَةِ تِ ْلكَ"‬ ‫جدُ في الضّحَايَا‪ ،‬وَا ْ‬ ‫ل تَغْ َفلُوا عَنْ َهذَا ا ْلمَقَا ِم يَا كَافّةَ ا ْلبَرَايَا‪َ ،‬ولَ عَنِ السّرّ اّلذِي يُو َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل َتكُونُوا كَاّلذِينَ نَسُوا َرّبهُمْ وَا ْل َمنَايَا‬ ‫ل تَذْهَلُوا عَنْ َهذِهِ الْ َوصَايَا‪َ ،‬و َ‬ ‫حقِيقَ ِة كَا ْلمَرَايَا‪َ ،‬و َ‬ ‫‪.‬الْ َ‬
‫صدَقُ ا ْلقَائِلِينَ‬
‫ي كَلَمِ َرّبنَا ا ْل َقيّومِ‪ ،‬فَقَالَ وَهُوَ أَ ْ‬ ‫‪َ :‬و َقدْ أُشِيرَ ِإلَى َهذَا السّرّ ا ْل َم ْكتُومِ‪ ،‬ف ِ‬
‫حيَايَ َو َممَاتِي لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ;‪61533‬‬ ‫سكِي َومَ ْ‬ ‫لتِي َونُ ُ‬ ‫قُلْ إِنّ صَ َ‬
‫ضحَاةِ‪ ،‬فَ َفكّرُوا فِيهِ) ;‪61531‬‬ ‫حقِيقَةِ الَ ْ‬ ‫حيَا وَا ْل َممَاتِ‪ ،‬وَأَشَا َر بِهِ إِلَى َ‬ ‫ك بِلَفْظِ ا ْلمَ ْ‬ ‫سَ‬ ‫ف فَسّرَ النّ ُ‬ ‫النعام‪ .)163:‬فَانْظُ ْر َكيْ َ‬
‫جتِهِ‪،‬‬ ‫ضحّى ِبنَفْسِهِ َو ُمهْ َ‬ ‫ص ِنّيتِهِ‪ ،‬فَ َقدْ َ‬ ‫صدْقِ طَ ِوّيتِهِ‪َ ،‬وخُلُو ِ‬ ‫حّيتِهِ‪َ ،‬و ِ‬ ‫يَا ذَوِي ا ْلحَصَاةِ‪َ .‬ومَنْ ضَحّى مَعَ عِلْمِ حَقِيقَةِ ضَ ِ‬
‫ج َتبَى‪،‬‬ ‫صطَفَى‪ ،‬وَرَسُوُلنَا ا ْلمُ ْ‬ ‫سيّ ُدنَا ا ْلمُ ْ‬ ‫ع ْندَ َربّهِ ا ْلكَرِيمِ‪ .‬وَإَِليْهِ أَشَارَ َ‬
‫جرِ ِإبْرَاهِيمَ ِ‬ ‫جرٌ عَظِيمٌ‪ ،‬كَأَ ْ‬ ‫ح َفدَتِهِ‪ ،‬وَلَهُ أَ ْ‬‫وََأ ْبنَائِهِ وَ َ‬
‫صدَقُ الصّا ِدقِينَ‪ :‬إِنّ الضّحَايَا هِيَ ا ْلمَطَايَا‪ ،‬تُوصِلُ ِإلَى َربّ‬ ‫وَِإمَامُ ا ْل ُمتّقِينَ‪َ ،‬وخَاتَمُ ال ّنبِيّينَ‪َ ،‬وقَالَ وَهُ َو َب ْعدَ الِ أَ ْ‬
‫سنِيةُ‪ ،‬وَإنّهُ أَ ْومَأَ‬ ‫خيْرِ ا ْلبَ ِريّةِ‪ ،‬عليه صَلَواتُ الِ والبَرَكاتُ ال ّ‬ ‫ليَا‪َ .‬هذَا مَا بََل َغنَا مِنْ َ‬ ‫ا ْلبَرَايَا‪َ ،‬و َتمْحُو الْخَطَايَا‪ ،‬وَتدْفَعُ ا ْلبَ َ‬
‫ت كَالدّرَرِ ا ْل َب ِهيّةِ‬ ‫حيّةِ‪ِ ،‬بكَِلمَا ٍ‬ ‫ح َكمِ الضّ ِ‬ ‫‪.‬فِيهِ ِإلَى ِ‬
‫ع ْندَهُ ْم َم ْعنَى‬ ‫صيّةَ‪ ،‬وََليْسَ ِ‬ ‫ل َيّتبِعُونَ َهذِهِ الْ َو ِ‬ ‫خ ِفيّةَ‪َ ،‬و َ‬
‫ل َيعَْلمُونَ َهذِهِ ال ّنكَاتِ الْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ف كُلّ الَسَفِ أَنّ َأ ْكثَرَ النّا ِ‬ ‫س ُ‬ ‫فَالَ َ‬
‫خضْمِ وَا ْلقَضْم (ا ْلخَضْم وَالْ َقضْم بمعنى أكل اللحم بشهية بالغة) مَعَ الَهْلِ‬ ‫جدِيدِ‪ ،‬وَالْ َ‬ ‫سلِ وََلبْسِ ا ْل َ‬ ‫ا ْلعِيدِ‪ ،‬مِنْ دُونِ ا ْلغُ ْ‬
‫ط ِعمَةِ ُم ْنتَهَى طَ َر ِبهِمْ فيِ َهذَا ا ْليَوْمِ‪،‬‬ ‫ل ْ‬ ‫ب مِنَ ا َ‬ ‫صنَادِيدِ‪َ .‬وتَرَى الَطَائِ َ‬ ‫ج بِالزّينَةِ لِل ّت ْعيِي ِد كَال ّ‬ ‫خرُو ِ‬ ‫خدَمِ وَا ْل َعبِيدِ‪ ،‬ثُمّ الْ ُ‬
‫وَا ْل َ‬
‫ض ُي ْذبَحُ ا ْل َغنَمُ وَالبَقَرَاتُ‪".‬‬‫لضْحَاةُ‪َ ،‬ولَيّ غَرَ ٍ‬ ‫ن مَا ا َ‬ ‫س مِنَ الَ ْلبِسَةِ غَايَةَ أَ َر ِبهِ ْم لِرَاءَةِ ا ْلقَوْمِ‪َ .‬ولَ َيدْرُو َ‬ ‫وَالنّفَائِ َ‬
‫((الخطبة اللهامية‪ ،‬الخزائن الروحانية ج ‪ 16‬ص ‪46-42‬‬
‫أهداف الحج عمومًا‬

‫إذا تأملنا في نصوص الكتاب والسنة الخاصة بالحج‪ ،‬وجمعنا معها ما نلمسه في الواقع المشاهد خلل أداء فريضة‬
‫‪:‬الحج‪ ،‬تجلّت لنا أهداف كثيرة‪ ،‬نذكر بعضها فيما يلي‬
‫الحج فيه تأسي بأبينا إبراهيم عليه السلم‬
‫‪:‬لقد أمرنا ال تعالى بأن نتأسى بسيدنا إبراهيم عليه السلم والذين معه‪ ،‬وأن نجعلهم قدوة حسنةً لنا‪ .‬فيقول تعالى‬

‫ن كَانَ;‪61533‬‬‫سنَةٌ ِلمَ ْ‬
‫سنَ ٌة فِي ِإبْرَاهِيمَ وَاّلذِينَ َمعَهُ‪ ..‬إلى قوله تعالى‪َ :‬ل َقدْ كَانَ َلكُ ْم فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَ َ‬
‫َقدْ كَانَتْ َلكُمْ أُسْ َوةٌ حَ َ‬
‫يَرْجُوا الَّ وَا ْليَوْمَ الخِرَ‬
‫(الممتحنة‪ 5 :‬إلى ‪61531; )7‬‬
‫فإن الحاج ‪ -‬امتثال لمر ال ‪ -‬يقوم بأعمال كثيرة في أثناء حجه‪ ،‬متأسيا في ذلك بأسوة سيدنا إبراهيم عليه السلم‬
‫والذين معه‪ ،‬منها‪ :‬رميُ الجمرات‪ ،‬والسعي بين الصفا والمروة الذي يذكّرنا بحادث السيدة هاجر‪ ،‬ومنها ذبح‬
‫ن مَقَامِ ِإبْرَاهِي َم ُمصَلّى)‪ ،‬وما إلى‬
‫خذُوا مِ ْ‬ ‫الهدي‪ ،‬وصلة ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلم لقوله تعالى (وَاتّ ِ‬
‫‪.‬ذلك من أعمال أخرى كثيرة‬
‫وبالمناسبة‪ ،‬فهناك معنى آخر ذكره إمامنا الحالي أمير المؤمنين ‪ -‬نصره ال ‪ -‬في تفسير قوله تعالى "واتخِذوا من‬
‫مَقام إبراهيم مصلّى"‪ ،‬حيث قال ما معناه‪ :‬لم يقل ال تعالى هنا "مُقام" التي هي مِن أقام يقيم‪ ،‬وتعني حصرًا مكان‬
‫القيام‪ ،‬بل قال "مَقام" التي هي مِن قام يقوم‪ ،‬وتعني مكان القيام‪ ،‬كما تعني المرتبة والمنـزلة والدرجة أيضًا‪ .‬وعليه‬
‫ن مَقَامِ ِإبْرَاهِي َم مُصَلّى)‪ :‬عليكم بالسعي دائمًا لن تؤدوا الصلة من خلل ذلك‬ ‫خذُوا مِ ْ‬‫فالمراد من قوله تعالى‪( :‬وَاتّ ِ‬
‫المقام الروحاني الرفيع الذي كان إبراهيم يقف عليه أثناء صلته‪ ..‬بمعنى يجب أن تحاولوا دومًا أن تكون‬
‫صلواتكم مليئة برحيق الخشوع والبتهال والخلص والتفاني في ال تعالى مثلما كان إبراهيم يؤديها‪ ،‬عسى أن‬
‫تنالوا درجة ومقامًا عند ال كما حظي به إبراهيم‬
‫ولشك أن الوصول إلى ذلك المقام في الصلة يتطلب من النسان التحلي بتلك الخلق والصفات التي ‪61557;.‬‬
‫‪.‬قد ارتقت بإبراهيم عليه السلم إلى تلك الدرجات العلى‪ .‬المر الذي ل يحده حدود الزمان والمكان‬
‫والدليل على ذلك هو (أولً) إن المر الرباني باتخاذ مقام إبراهيم مصلىّ عام يشمل جميع المسلمين ول يخصّ‬
‫الحجاج وحدهم‪ .‬و(ثانيًا) أن "مقام إبراهيم" الموجود في الحرم الشريف مكان ضيق لدرجة ل يمكن للحجاج أن‬
‫يصلّوا كلهم‪ ،‬ولسيما في عصرنا هذا‪ ،‬عند هذا المقام أيام الحج‪ .‬فكيف يمكن أن يأمرنا ال تعالى بالقيام بشيء‬
‫يجد حتى الحجاج ‪ -‬الذين معظمهم وصلوا إلى بيت ال بعد انتظار طويل‪ ،‬وجهد جهيد‪ ،‬ومن أماكن نائية‪ ،‬ولول‬
‫‪.‬مرة ولربما الخيرة ‪ -‬في القيام به صعوبة وأية صعوبة‪ .‬بينما يقول ال تعالى‪ :‬ما جعل لكم في الدين من حرج‬
‫‪.‬وعليه فإن آية (واتخِذوا من مقام إبراهيم مصلّى) خاصة من ناحية‪ ،‬وعامة من ناحية أخرى على النحو الذي بيّنّاه‬
‫إعلن عملي لمبدأ المساواة بين الناس‬

‫ل بينهم لقوله تعالى‬


‫تتجلى المساواة بأسمى صورها في الحج حين يقف الناس موقفًا واحدًا بعرفات‪ ،‬بحيث ل تفاض َ‬
‫ف فيه والباد)(الحج‪ ،)25 :‬وإنما التفاضل بالتقوى فقط‪ .‬ولقد قال ال تعالى مؤ ّكدًا هذا المنهج السامي‬
‫(سواءً العا ِك ُ‬
‫ع ْندَ الِّ َأتْقَا ُكمْ} (الحجرات‪ .)14 :‬وقد ركز النبي (ص) على أهمية ذلك في خطبة حجة‬
‫في السلم {إِنّ َأكْ َر َمكُمْ ِ‬
‫جمِيّ عَلَى‬
‫ج ِميّ وَل ِلعَ َ‬
‫علَى أَعْ َ‬
‫حدٌ‪ .‬أَل ل فَضْلَ ِلعَ َربِيّ َ‬
‫حدٌ وَإِنّ َأبَا ُكمْ وَا ِ‬
‫الوداع قائل‪ " :‬يَا َأّيهَا النّاسُ أَل إِنّ َرّبكُمْ وَا ِ‬
‫حمَرَ‪ ،‬إِل بِالتّقْوَى‪َ .‬أبَّلغْتُ؟ قَالُوا‪ :‬بَلّغَ رَسُولُ الِّ (ص)‪( ".‬مسند أحمد‬
‫حمَرَ عَلَى أَسْ َودَ وَل أَسْ َودَ عَلَى َأ ْ‬
‫عَ َربِيّ‪ ،‬وَل ل ْ‬
‫(بن حنبل باقي مسند النصار‬

‫جمع الناس على مبدأ التوحيد‬

‫في الحج تتجلى صورة التوحيد لدى المسلمين حيث يتوافدون على الديار المقدسة من كل حدب وصوب‪،‬‬
‫ويجتمعون في مكان واحد‪ ،‬وينادون ربّا واحدا‪ ،‬ملبّين لندائه ومذعنين لمره ومردّدين كلمة التوحيد ومعتَصمين‬
‫‪.‬بالحبل المتين‬

‫توثيق لمبدأ التعارف والتعاون‬

‫يتجلى في الحج تحقيق مبدأ ( َو َتعَا َونُوا عَلَى ا ْلبِرّ وَالتّ ْقوَى) حيث يحصل التعارف ويقوى‪ ،‬وتنشأ الصلت وتتوثق‪،‬‬
‫ش َهدُوا َمنَافِعَ َلهُمْ)‬
‫ويتم التشاور‪ ،‬ويجري تبادل الراء والتجارب والخبرات‪ .‬وهكذا يتجلى عمليا قوله تعالى (ِليَ ْ‬
‫‪((.‬الحج‪29 :‬‬
‫وثمة أهداف أخرى كثيرة لكننا نكتفي بما ذكرنا‪ ،‬داعين ال تعالى لكل من قام بأداء فريضة الحج‪ ،‬حجا مبرورًا‬
‫‪.‬وسعيا مشكورا‪ .‬كما ندعو ال أن يفرج عنا‪ ،‬ويزيل جميع العقبات‪ ،‬فيوفقنا لزيارة الديار المقدسة‪ .‬آمين‬
‫اللهم‪ ،‬قد استبد بنا الحنين إلى بيتك المحرم‪ ،‬وقد بلغ بنا الشوق لرؤية الماكن المقدسة ذروتَه‪ ..‬اللهم اسقنا من‬
‫زلل رحمتك ونصرتك‪ ،‬وأيدّنا بتأييدات سماوية‪ .‬ربنا اشْفِ غليلَنا وهّيئْ لنا من أمرنا رشدا‪ ،‬لتكتحل عيونُنا برؤية‬
‫بيتك المحرم‪ ،‬ولتمتلئ قلوبنا بأنوارك المنتشرة وبركاتك الغزيرة وأفضالك العميمة‪ ..‬ربنا تقبّلْ منا إنك أنت السميع‬
‫‪.‬العليم‪ .‬اللهم آمين‬

‫محمد طاهر نديم‬


‫‪2008/12/5‬‬

You might also like