You are on page 1of 360

‫ق ضـايـا فق هيـة‬

‫معـا صـرة‬

‫د‪ .‬عبد الحق حميش‬


‫كلية الشريعة والدراسات السلمية‬
‫جامعة الشارقة‬

‫‪2003‬‬ ‫‪/‬‬ ‫‪2002‬‬


2
‫بسـم الله الـرحمـــن‬
‫الرحيـــم‬

‫‪3‬‬
‫المقدمة‬

‫إن الحمد ل نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا‬


‫وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬ونشهد أن‬
‫ل إله إل ال وحده ل شريك لـه‪ ،‬ونشهد أن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬أرسله ال‬
‫للناس كافة بشيرا ونذيرا‪ ،‬وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا‪ ،‬بلّغ الرسالة‪ ،‬وأدى‬

‫‪4‬‬
‫المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬وبين لها الحلل والحرام‪ ،‬القائل – عليه الصلة‬
‫والسلم – " من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين "‪ ،)(1‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا مقرر " قضايا فقهية معاصرة " يضم مجموعة أبحاث في مسائل‬
‫معاصرة‪ ،‬أعددتها لطلب وطالبات كلية الشريعة والدراسات السلمية بجامعة‬
‫الشارقة‪ :‬بعد أن بحثنا عن مرجع جامع لهذا المساق ولم نجد في المكتبة‬
‫السلمية على اتساعها وثرائها مؤلف يجمع المواضيع المقررة في المنهج‪.‬‬
‫وصحيح أن هناك كتبا ومؤلفات كثيرة بهذا العنوان " قضايا فقهية معاصرة‬
‫" لكن كل كتاب منها يحوي عددا محدودا جدا من القضايا والوقائع المستجدة‪،‬‬
‫إضافة إلى أن أهم ما يجب أن يحتوي عليه الكتاب‪ :‬وهي المقدمة المنهجية في‬
‫تعريف القضايا المعاصرة وأنواعها وخصائصها‪ ،‬والجتهاد شروطه‪ ،‬ضوابطه‪،‬‬
‫أهميته‪ ...‬كل هذه المواضيع وغيرها ل تذكر في مثل هذه الكتب والمؤلفات‬
‫المطبوعة والمتداولة اليوم‪...‬‬
‫‪ -‬أهمية الموضوع ‪:‬‬
‫لقد من ال على هذه المة بأن جعل الشريعة السلمية خالدة‪ :‬وأنها‬
‫صالحة لكل زمان ومكان‪ :‬فل ينضب معينها ول ينفذ عطاؤها فهي أبدا تفي‬
‫بحاجات كل عصر‪ ،‬وبمتطلبات كل دهر‪ ،‬فل تجد حادثة إل وللشريعة فيها حكم‪،‬‬
‫ول تنزل نازلة إل ولهل العلم والفقه رأي‪ ،‬استنادا إلى النصوص تارة‪ ،‬أو قياسا‬
‫واجتهادا تارة أخرى‪.‬‬
‫وهذا الكتاب يحوي قضايا ونوازل حيوية تمس حياة المة السلمية في‬
‫شتى مجالتها تم بحثها من خلل مصادر الشريعة السلمية الصلية واجتهادات‬
‫العلماء والمجامع الفقهية‪.‬‬
‫ول ينكر أحد أهمية هذه القضايا والنوازل بالنسبة لجمهور الناس ولطلبة‬
‫الشريعة خاصة‪.‬‬

‫‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري في كتاب العلم باب قول النبي ‪ :‬رب مبلغ أوعى من سامع (‪ ،1/39 )71‬ومسلم‬ ‫(‬

‫في كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة (‪ )2/718( )1037‬من حديث معاوية ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬الهداف العلمية والعملية في تدريس هذا المقرر ‪:‬‬
‫يسعى هذا المقرر لتحقيق الهداف التالية ‪:‬‬
‫‪-‬التعرف الدقيق على الحكام الشرعية في جملة مهمة من القضايا‬
‫والمسائل المستجدة‪.‬‬
‫‪-‬مزيد من الدراك لعظمة هذا الدين الذي جاء لتحقيق مصالح الناس‬
‫ودرء المفاسد عنهم‪.‬‬
‫‪-‬والتأكيد على صلحية الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪-‬معرفة الخطوات التي يتبعها المجتهد للنظر في القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫‪-‬تعليم الطالب فقه الموازنة والترجيح‪ ،‬وإكسابه الملكة الفقهية كيما‬
‫يكون رائدا من رواد الشريعة وداعية من دعاتها‪ :‬يستعمله ال في‬
‫تحقيق خلودها وإثبات أهليتها وعموم صلحيتها‪.‬‬
‫‪-‬وتزكية لهذا العلم بنشره وتعليمه لدى من يجهله‪.‬‬
‫منهج الكتاب ‪:‬‬
‫لقد كان منهجنا في كتابة هذا المقرر على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪-1‬القتصار على أهم المسائل والقضايا المعاصرة وخاصة التي تشغل‬
‫بال الناس ويكثر السؤال حولها‪ ،‬وأن تكون في أبواب الفقه المختلفة‬
‫(قضايا في العبادات‪ ،‬وأخرى في المعاملت‪ ،‬وبعض القضايا‬
‫الطبية‪ ،‬وغيرها‪.)...‬‬
‫‪-2‬الختصار قليلً في البحاث ما أمكن مع ملحظة عدم الخلل‬
‫بالموضوع‪ ،‬وذلك لن كل قضية تحتاج في الواقع إلى كتاب‬
‫مستقل‪...‬‬
‫‪-3‬الهتمام بالتعريفات وبيان ماهية كل قضية وذلك لن الحكم على‬
‫الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫‪-4‬عرض كل قضية بآرائها المختلفة مع ذكر الدلة من القرآن والسنة‬
‫أو أنواع التعليلت الخرى‪ ،‬وتوثيق ذلك دائما‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-5‬الرجوع والستعانة بفتاوى هيئات كبار العلماء‪ ،‬والمجامع ومراكز‬
‫البحوث الفقهية‪.‬‬
‫‪-6‬تقييد جميع المراجع التي استعنا بها في البحث لتكون ثبتا مرجعيا‬
‫للطلبة لعلهم يرجعون إليها لمن أراد التعمق أو الستزادة‬
‫والتفصيل‪...‬‬
‫هذا وقد كانت خطة البحث على النحو التالي‪:‬‬
‫خطة البحث ‪:‬‬
‫جعلت البحث في مقدمة وفصلين على النحو التالي‪:‬‬

‫الفصل الول ‪ :‬مدخل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫المبحث الول ‪ :‬صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان‬


‫‪-‬المطلب الول ‪ :‬صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثاني ‪ :‬عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثالث ‪ :‬دلئل صلحية الشريعة السلمية لكل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬حقيقة " القضايا الفقهية المعاصرة "‬


‫‪-‬المطلب الول ‪ :‬تعريف القضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثاني ‪ :‬اللفاظ ذات الصلة ‪.‬‬

‫موضوع " القضايا الفقهية المعاصرة "‬ ‫المبحث الثالث ‪ :‬أهمية‬


‫‪ :‬أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها‪.‬‬ ‫‪-‬المطلب الول‬
‫‪ :‬خصائص " القضايا الفقهية المعاصرة "‪.‬‬ ‫‪-‬المطلب الثاني‬
‫‪ :‬في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "‪.‬‬ ‫‪-‬المطلب الثالث‬

‫‪7‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬الجتهاد في القضايا المعاصرة‬
‫‪-‬المطلب الول ‪ :‬شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثاني ‪ :‬اجتهاد الصحابة في النوازل‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثالث ‪ :‬طريقة الجتهاد في السلم‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الرابع ‪ :‬ضوابط الجتهاد في القضايا المستجدة‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الخامس‪ :‬منهج دراسة القضايا المعاصرة‪.‬‬

‫المبحث الخامس ‪ :‬الجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬


‫‪-‬المطلب الول ‪ :‬تعريف الجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثاني ‪ :‬أهمية الجتهاد الجماعي في هذا العصر‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثالث ‪ :‬ظهور المجامع الفقهية‪.‬‬

‫المبحث السادس ‪ :‬مصادر " القضايا الفقهية المعاصرة "‬


‫‪-‬المطلب الول ‪ :‬أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثا ني ‪ :‬المجلت المتخ صصة في الدرا سات ال سلمية‬
‫وبأبحاث الفقه والجتهاد‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثالث ‪ :‬المواقع اللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية‬
‫المعاصرة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬دراسة بعض القضايا المعاصرة‬

‫‪-‬المبحث الول ‪ :‬اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور‬


‫القمرية‬
‫‪-‬المبحث الثاني ‪ :‬مصرف " في سبيل ال "‬
‫‪-‬المبحث الثالث ‪ :‬إجراء العقود بآلت التصال الحديثة‬
‫‪-‬المبحث الرابع ‪ :‬البطاقة الئتمانية‬
‫‪-‬المبحث الخامس ‪ :‬التأمين التعاوني‬
‫‪-‬المبحث السادس ‪ :‬زواج المسيار‬
‫‪-‬المبحث السابع ‪ :‬حكم التبرع بالعضاء‬
‫‪-‬المبحث الثامن ‪ :‬إجهاض الجنين المشوه‬
‫‪-‬المبحث التاسع ‪ :‬الستنساخ‬
‫‪-‬المبحث العاشر ‪ :‬قتل الرحمة‬
‫‪-‬المبحث الحادي عشر ‪ :‬مسائل من فقه القليات المسلمة‬
‫‪-‬المبحث الثاني عشر ‪ :‬حكم التجنس بالجنسية الجنبية‬
‫‪-‬المبحث الثالث عشر ‪ :‬اشتراك المرأة في النتخاب ومؤسسات‬
‫الشورى‬
‫‪-‬المبحث الرابع عشر ‪ :‬موقف السلم من السينما والتمثيل‬

‫أسأل ال تعالى أن أكون قد وفقت في تقديم هذا العمل لطلب الشريعة‬


‫السلمية وخدمة للشريعة السلمية راجيا عفوه وغفرانه عن كل تقصير أو‬
‫سهو بدر مني ‪ ،‬والحمد ل رب العالمين ‪.‬‬
‫د ‪ .‬عبد الحق حميش‬ ‫الشارقة في ‪ 13‬جمادى الثانية ‪1424‬هـ‬
‫كلية الشريعة والدراسات السلمية‬ ‫‪ 11‬أغسطس ‪2003‬م‬

‫‪9‬‬
10
‫الفصــل الول‬

‫مدخـل إلى " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫‪11‬‬
12
‫المبحث الول‬

‫‪13‬‬
‫بعد أن ذكرنا بصلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان نتطرق في‬
‫هذا المدخل لبعض المواضيع المهمة التي لها علقة بالقضايا الفقهية المعاصرة ‪:‬‬
‫حقيقتها ‪ ،‬أهمية الموضوع ‪ ،‬الجتهاد في القضايا المعاصرة ‪ ،‬الجتهاد‬
‫الجماعي ‪ ،‬ومصادر القضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬

‫المطلب الول‬
‫صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان‬

‫تتميز الشريعة السلمية بمرونتها وقابليتها لمواجهة التطور البشري‪،‬‬


‫والتغيّر الزماني والمكاني‪ ،‬مما يجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان‪،‬‬
‫وأنها – بمصادرها ونصوصها وقواعدها – لم تقف يوما من اليام مكتوفة‬
‫اليدين‪ ،‬أو مغلولة الرجلين‪ ،‬أمام وقائع الحياة المتغيرة‪ ،‬منذ عهد الصحابة فمن‬
‫بعدهم‪ ،‬وأنها ظلت القانون المقدس المعمول به في السلم حوالي ثلثة عشر‬
‫قرنا من الزمان إلى أن جاء عهد الستعمار الغربي الذي استبدل بها تشريعاته‬
‫الوضعية‪ ،‬فأحل بها ما حرم ال‪ ،‬وأبطل بها ما فرض ال‪.‬‬
‫وإنما استطاعت الشريعة السلمية أن تفي بحاجات كل المجتمعات التي‬
‫حكمتها‪ ،‬وأن تعالج كافة المشكلت في كافة البيئات التي حلت بها‪ ،‬بأعدل الحلول‬
‫وأصلحها‪ ،‬لنها ‪ -‬بجوار ما اشتملت عليه‪ ،‬من متانة الصول التي قامت على‬
‫مخاطبة العقل‪ ،‬والسمو بالفطرة‪ ،‬ومراعاة الواقع‪ ،‬والموازنة بين الحقوق‬
‫والواجبات‪ ،‬وبين الروح والمادة‪ ،‬وبين الدنيا والخرة‪ ،‬وإقامة القسط بين الناس‬
‫جميعا‪ ،‬وجلب المصالح والخيرات ودرء المفاسد والشرور بقدر المكان – قد‬
‫أودعها ال مرونة عجيبة جعلتها تتسع لمواجهة كل طريف‪ ،‬ومعالجة كل جديد‬
‫بغير عنت ول إرهاق‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ول قد خ يل لب عض الناس أن الشري عة ال سلمية شري عة جامدة صارمة ل‬
‫(‪)1‬‬
‫يتسع صدرها لمسايرة التطور ومواجهة ما يجد من أحداث الزمان!!‬
‫ومن الناس من يقول بأن الفقه السلمي مجرد أوامر محددة ونواه معددة‬
‫جامدة غير صالحة لمسايرة تطور المم والشعوب‪ ،‬ويبنون ظنونهم هذه على أن‬
‫التشريع السلمي تشريع جاء لمة بدائية بدوية بعيدة عن الرقي‪ ،‬جاء في أرض‬
‫صحراوية لحظ لها من المدنية أو التقدم‪ ،‬كما جاء في فترة معينة من الزمن‬
‫مضى عليها القرون الطويلة وأني لمثل هذا الفقه أن يساير الزمن أو يلئم تطور‬
‫المدنيات(‪.)2‬‬
‫إن الشريعة السلمية من وضع ال العليم الخبير بأحوال عباده الذين‬
‫استخلفهم في أرضه ليعمروها إلى أن يرثها سبحانه‪ ،‬ومنها خرج الفقه السلمي‬
‫بالجتهاد الذي أذن به رسول ال ودرّب أصحابه ليكونوا مصابيح تنير‬
‫الطريق لمن جاء بعدهم من الفقهاء الذين يبحثون عن حكم ال لكل واقعة بما‬
‫أقامه الشارع من أدلة وأمارات‪.‬‬
‫ولم يقف الفقه السلمي يوما من اليام أمام الحوادث ولم يضق عن حكم‬
‫لمعضلة أيا كان نوعها مدنية كانت أو جنائية أو عائلية بل كان وما يزال وإلى‬
‫قيام الساعة قابلً للقيام بأعباء الحياة وبالجابة عن كل حادثة أو نازلة تعترض‬
‫الناس في حياتهم المتطورة ‪ :‬إنه فقه متطور ل جمود فيه ول رجعية متى حسن‬
‫تطبيقه‪ ،‬ولقد تطور بسرعة مذهلة أيام الجتهاد الولى ثم ضعفت فيه هذه الحركة‬
‫بعد انتشار التقليد ولكنها لم تمت(‪.)3‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك‬

‫‪ )(1‬مدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.139‬‬


‫‪ )(2‬المدخل في الفقه السلمي‪ :‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬ص ‪.399‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.500‬‬

‫‪15‬‬
‫الشريعة السلمية عامة لجميع البشر في كل زمان ومكان‪ ،‬قال تعالى‪ :‬‬
‫قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا ‪[ ‬العراف‪ ،]158 :‬وقال تعالى‪  :‬وما‬
‫أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا ‪[ ‬سبأ‪.]28 :‬‬
‫وهي باقية ل يلحقها نسخ ول تغيير لن الناسخ يجب أن يكون بقوة‬
‫المنسوخ أو أقوى منه‪ ،‬فل ينسخ الشريعة السلمية من ال إل تشريع آخر من‬
‫ال‪ ،‬وحيث أن الشريعة السلمية خاتمة الشرائع ومحمد خاتم النبيين كما قال‬
‫تعالى‪  :‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال‪ ،‬وخاتم النبيين ‪‬‬
‫[الحزاب‪.]40 :‬‬
‫وعموم الشريعة وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل كل ذلك يستلزم عقلً‬
‫أن تكون قواعدها وأحكامها على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان‬
‫ويفي بحاجاتهم‪ ،‬ول يضيق بها ول يتخلف عن أي مستوى عال سيبلغه المجتمع‪،‬‬
‫وهذا كله متوفر في الشريعة السلمية لن ال تعالى إذ جعلها عامة في الزمان‬
‫والمكان وخاتمة لجميع الشرائع‪ ،‬وجعل قواعدها وأحكامها على النحو الذي‬
‫يجعلها صالحة لكل زمان ومكان وهذا ما يدل عليه واقع الشريعة ومصادرها‬
‫وطبيعية مبادئها وأحكامها وما ابتنيت عليه هذه الحكام(‪.)1‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫دلئل صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان‬

‫() التشريع السلمي‪ :‬شعبان محمد إسماعيل ص ‪ ،35 – 34‬المدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬عبد‬ ‫‪1‬‬

‫الكريم زيدان ص ‪.40 – 39‬‬

‫‪16‬‬
‫إن من ال سباب ال تي تدل على أن الشري عة ال سلمية صالحة ل كل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬وأنها ل يمكن أن تعجز عن الجابة عن أي نازلة تقع بالناس ما يلي‪:‬‬
‫أولًً‪ :‬أن نصوص الشريعة قد اقتصرت على الحكام التي ل تتغير بتغير‬
‫الزمنة والمكنة‪ ،‬وتركت ما وراء ذلك للمجتهدين والعلماء وأولي المر في‬
‫المة أهل الحل والعقد يجتهدون في تلك الوقائع والنوازل ويطبقون عليها ما‬
‫يناسبها من قواعد أصول الفقه المقتبسة من النصوص الشرعية الساسية‪.‬‬
‫إن الشريعة السلمية وضعت سبلً لعلج ما يجد من أحكام‪ :‬فقد شرعت‬
‫الجتهاد لتبين أحكام المور والمشكلت التي ليس لها حكم منصوص في‬
‫الشريعة‪ ،‬مثل ما شرعت التعزير لمعالجة الجرائم التي لم ينص الشارع على‬
‫عقوبة مقدرة فيها‪ ،‬ومقدار التعزيرات وأجناسها وصفاتها تتغير بحسب اقتضاء‬
‫المصلحة لها زمانا ومكانا(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬عوامل السعة والمرونة في الشريعة(‪ :)2‬ومن السباب أيضا سعة‬
‫الشريعة السلمية ومرونتها وقابليتها لملءمة كل وضع جديد‪ - ،‬وكما سبق وأن‬
‫أكدنا – فإن من الحقائق المسلمة أن الشريعة السلمية قد وسعت العالم السلمي‬
‫كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه وتنوع بيئاته الحضارية‪ ،‬وتجدد مشكلته‬
‫الزمنية‪.‬‬
‫إن السلم‪ ،‬الذي ختم ال به الشرائع والرسالت السماوية‪ ،‬أودع ال فيه‬
‫عنصر الثبات والخلود‪ ،‬وعنصر المرونة والتطور‪ ،‬معا‪ ،‬وهذا من روائع‬
‫العجاز في هذا الدين‪ ،‬وآية من آيات عمومه وخلوده‪ ،‬وصلحيته لكل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬
‫ونستطيع أن نحدد مجال الثبات‪ ،‬ومجال المرونة‪ ،‬في شريعة السلم‪،‬‬
‫ورسالته الشاملة الخالدة‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫إن الثبات على الهداف والغايات‪ ،‬والمرونة في الوسائل والساليب‪.‬‬

‫() خصائص الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان الشقر‪ ،‬ص ‪.63 – 62‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.151 – 149‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪17‬‬
‫الثبات على الصول والكليات‪ ،‬والمرونة في الفروع والجزئيات‪.‬‬
‫الثبات على القيم الدينية والخلقية‪ ،‬والمرونة في الشؤون الدنيوية‬
‫والعلمية‪.‬‬
‫وربما سأل سائل‪ :‬لماذا كان هذا هو شأن السلم؟! لماذا لم يودعه ال‬
‫المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟!‬
‫والجواب‪ :‬إن السلم بهذا‪ ،‬يتسق مع طبيعة الحياة النسانية خاصة‪ ،‬ومع‬
‫طبيعة الكون الكبير عامة‪ ،‬فقد جاء هذا الدين مسايرا لفطرة النسان وفطرة‬
‫الوجود‪.‬‬
‫أما طبيعة الحياة النسانية نفسها‪ ،‬ففيها عناصر ثابتة ما بقي النسان‪،‬‬
‫وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة‪ ،‬ما بقي‬
‫النسان‪ ،‬وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك من قبل‪.‬‬
‫وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة‪ ،‬تمضي ألوف‬
‫السنين وألوف اللوف‪ ،‬وهي‪ :‬أرض وسماء وجبال وبحار‪ ،‬وليل ونهار‪ ،‬وشمس‬
‫وقمر ونجوم ومسخرات بأمر ال‪ ،‬كل في فلك يسبحون‪.‬‬
‫وفيه أيضا‪ :‬عناصر جزئية متغيرة‪ ،‬جزر تنشأ‪ ،‬وبحيرات تجف‪ ،‬وأنهار‬
‫تحفر‪ ،‬وماء يطغي على اليابسة‪ ،‬ويبس يزحف على الماء‪ ،‬وأرض ميتة تحيا‪،‬‬
‫وصحار قفر تخضر‪ ،‬وبلد تعمر‪ ،‬وأمصار تخرب‪ ،‬وزرع ينبت وينمو‪ ،‬وآخر‬
‫يذوي‪ ،‬ويصبح هشيما تذروه الرياح‪ ،‬هذا هو شأن النسان‪ ،‬وشأن الكون‪ ،‬ثبات‬
‫وتغير في آن واحد‪ ،‬ولكنه ثبات في الكليات والجوهر‪ ،‬وتغير في الجزئيات‬
‫والمظهر‪.‬‬
‫فإذا كان التطور قانونا في الكون والحياة‪ ،‬فالثبات قانون قائم فيهما‬
‫– كذلك – بل مراء‪ ،‬وإذا كان من الفلسفة في القديم‪ ،‬من قال بمبدأ الصيرورة‬
‫والتغير‪ ،‬باعتباره القانون الزلي‪ ،‬الذي يسود الكون كله‪ ،‬فإن فيهم من نادى‬
‫بعكس ذلك‪ ،‬واعتبر الثبات هو الساس‪ ،‬والصل الكلي للكون كله‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملن معا في الكون‬
‫والحياة‪ ،‬كما هو مشاهد وملموس‪.‬‬
‫فل عجب أن تأتي شريعة السلم‪ ،‬ملئمة لفطرة النسان وفطرة الوجود‪،‬‬
‫جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة‪.‬‬
‫وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم‪ ،‬أن يعيش ويستمر ويرتقي‪ ،‬ثابتا‬
‫على أصوله وقيمه وغاياته‪ ،‬متطورا في معارفه وأساليبه وأدواته‪.‬‬
‫فبالثبات‪ ،‬يستعصي هذا على المجتمع عوامل النهيار والفناء أو الذوبان‬
‫في المجتمعات الخرى‪ ،‬أو التفكك على عدة مجتمعات‪ ،‬تتناقض في الحقيقة‪ ،‬وإن‬
‫ظلت داخل مجتمع واحد في الصورة‪.‬‬
‫بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة‪ ،‬وتبنى المعاملت والعلقات على‬
‫دعائم مكينة‪ ،‬وأسس راسخة‪ ،‬ل تعصف بها الهواء والتقلبات السياسية‬
‫والجتماعية ما بين يوم وآخر‪ ،‬وبالمرونة‪ ،‬يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه‬
‫وعلقاته‪ ،‬حسب تغير الزمن وتغير أوضاع الحياة‪ ،‬دون أن يفقد خصائصه‬
‫ومقوماته الذاتية‪.‬‬
‫وإن للثبات والمرونة مظاهر ودلئل شتى‪ ،‬نجدها في مصادر السلم‬
‫وشريعته وتاريخه‪ ،‬يتجلى هذا الثبات في‪:‬‬
‫المصادر الصلية النصيّة القطعية للتشريع‪ :‬من كتاب‪ ،‬وسنة رسوله‪،‬‬
‫فالقرآن هو الصل والدستور‪ ،‬والسنة هي الشرح النظري‪ ،‬والبيان العملي‬
‫للقرآن‪ ،‬وكلهما مصدر إلهي معصوم ول يسع مسلما أن يعرض عنه‪:‬‬
‫‪ ‬أطيعوا ال وأطيعوا الرسول ‪[ ‬النور‪  ,]54 :‬إنما كان قول المؤمنين إذا‬
‫دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ‪[ ‬النور‪.]51 :‬‬
‫وتتجلى في " المصادر الجتهادية " التي اختلف فقهاء المة في مدى‬
‫الحتجاج بها‪ ،‬ما بين موسع ومضيق‪ ،‬ومقل ومكثر‪ ،‬مثل الجماع والقياس‪،‬‬
‫والستحسان‪ ،‬والمصالح المرسلة‪ ،‬وأقوال الصحابة‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ...‬وغير‬
‫ذلك من مآخذ الجتهاد‪ ،‬وطرائق الستنباط‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ومن أحكام الشريعة التي نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين‪:‬‬
‫‪-‬قسم يمثل الثبات والخلود‪.‬‬
‫‪-‬وقسم يمثل المرونة والتطور‪.‬‬
‫نجد الثبات في العقائد الساسية‪ :‬من اليمان بال‪ ،‬وملئكته‪ ،‬وكتبه‪،‬‬
‫ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله‪  :‬ليس‬
‫البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم‬
‫الخر والملئكة والكتاب والنبيين ‪[ ‬البقرة‪  ,]177 :‬ومن يكفر بال وملئكته وكتبه‬
‫ل بعيدا ‪[ ‬النساء‪.]136 :‬‬
‫ورسله واليوم الخر فقد ضل ضل ً‬
‫وفي الركان العملية الخمسة‪ :‬من الشهادتين‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪،‬‬
‫وصوم رمضان‪ ،‬وحج البيت الحرام‪ ،‬وهي التي صح عن الرسول أن السلم‬
‫بني عليها‪.‬‬
‫وفي المحرمات اليقينية‪ :‬من السحر‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬والزنا‪ ،‬وأكل الربا‪،‬‬
‫وأكل مال اليتيم‪ ،‬وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪،‬‬
‫والغصب‪ ،‬والسرقة‪ ،‬والغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وغيرها مما ثبت بقطعي القرآن والسنة‪.‬‬
‫وفي أمهات الفضائل‪ :‬من الصدق‪ ،‬والمانة‪ ،‬والعفة‪ ،‬والصبر‪ ،‬والوفاء‬
‫بالعهد‪ ،‬والحياء‪ ،‬وغيرها من مكارم الخلق‪ ،‬التي اعتبرها القرآن والسنة من‬
‫شعب اليمان‪.‬‬
‫وفي شرائع السلم القطعية‪ :‬في شؤون الزواج‪ ،‬والطلق‪ ،‬والميراث‪،‬‬
‫والحدود والقصاص‪ ،‬ونحوها من نظم السلم‪ ،‬التي ثبتت بنصوص قطعية‬
‫الثبوت‪ ،‬قطعية الدللة‪ ،‬فهذه المور ثابتة‪ ،‬تزول الجبال ول تزول‪ ،‬نزل بها‬
‫القرآن‪ ،‬وتوافرت بها الحاديث‪ ،‬وأجمعت عليها المة‪ ،‬فليس من حق مجمع من‬
‫المجامع‪ ،‬ول من حق مؤتمر من المؤتمرات‪ ،‬ول من حق خليفة من الخلفاء‪ ،‬أو‬
‫رئيس من الرؤساء‪ ،‬أن يلغي أو يعطل شيئا منها‪ ،‬لنها كليات الدين وقواعده‬
‫وأسسه‪ ،‬أو كما قال الشاطبي‪ " :‬كلية أبدية‪ ،‬وضعت عليها الدنيا‪ ،‬وبها قامت‬

‫‪20‬‬
‫مصالحها في الخلق‪ ،‬حسبما بين ذلك الستقراء‪ ،‬على وفاق ذلك جاءت الشريعة‬
‫أيضا‪ ،‬فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث ال الرض وما عليها "(‪.)1‬‬
‫ونجد – في مقابل ذلك – القسم الخر‪ ،‬الذي يتمثل فيه المرونة‪ ،‬وهو ما‬
‫يتعلق بجزئيات الحكام وفروعها العملية‪ ،‬وخصوصا في مجال السياسة‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫يقول المام ا بن الق يم في كتا به‪ " :‬إغا ثة اللهفان " الحكام نوعان‪ :‬نوع ل‬
‫يتغيـر عن حالة واحدة مـر عليهـا‪ ،‬ول بحسـب الزمنـة ول المكنـة‪ ،‬ول اجتهاد‬
‫ـم المحرمات‪ ،‬والحدود المقدرة بالشرع على‬ ‫ـة‪ :‬كوجوب الواجبات‪ ،‬وتحريـ‬ ‫الئمـ‬
‫الجرائم‪ ،‬ونحو ذلك فهذا ل يتطرق إليه تغير‪ ،‬ول اجتهاد يخالف ما وضع عليه‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة لـه زمانا ومكانا وحالً‪:‬‬
‫كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها‪ ،‬فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة‪،‬‬
‫وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي وسنة خلفائه الراشدين‬
‫المهديين من بعده‪ ،‬ثم قال‪ " :‬وهذا باب واسع‪ ،‬اشتبه فيه على كثير من الناس‬
‫الحكام الثابتة اللزمة‪ ،‬التي ل تتغير‪ ،‬بالتغيرات التابعة للمصالح وجودا‬
‫وعدما "(‪.)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬كذلك من السباب التي جعلت الشريعة السلمية صالحة لكل زمان‬
‫ومكان أنها شريعة جاءت تهدف إلى تحقيق مصالح الخلق بأنواعها المختلفة‪ :‬ول‬
‫يمكن بأي حال من الحوال أن تقف في وجه أي مصلحة بشرية‪ :‬ولقد اقتصرت‬
‫نصوصها التفصيلية على الحكام التي ل تتغير بتغير الزمان والمكان‪ ،‬وتفتح‬
‫باب الجتهاد بل توجبه فيما ل نص فيه على أن يجري في ظل قواعد عامة تقر‬
‫مصالح العباد‪ ،‬وتسعى إلى إقرار الحق والعدل بين جميع الناس وتعترف‬
‫باختلف الحكام الجزئية باختلف البيئات مراعاة لختلف أعراف الناس‬

‫() الموافقات‪ :‬للشاطبي ‪.2/298‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إغاثة اللهفان‪ :‬لبن القيم الجوزية ‪.349 – 1/346‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪21‬‬
‫وأساليب حياتهم‪ :‬فالشريعة التي جمعت كل هذه الميزات لبد وأن تكون صالحة‬
‫لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬سعة المجال أمام السياسية الشرعية‪ :‬ومن الدلة على صلحية‬
‫الشريعة السلمية لكل زمان ومكان أن المام أو الحاكم ومن معه من أولي‬
‫المر وأهل الجتهاد في المة يجدون أمامهم مجالً فسيحا في باب السياسة‬
‫الشرعية – أي سياسة المة بأحكام الشرع – بحيث تستطيع الدولة تحقيق كل‬
‫مصلحة خالصة أو راجحة ودرء كل مفسدة خالصة أو غالبة وهي في ظل‬
‫الشريعة السمحة ل تخرج عنها ول تحتاج إلى غيرها‪.‬‬
‫إن الذي يحظر على الدولة المسلمة شيء واحد‪ ،‬هو أن تتبع هواها‪ ،‬أو‬
‫هوى البشر أيا كانوا‪ ،‬معرضة عما أنزل ال على رسوله من الهدى ودين الحق‪،‬‬
‫بحيث تخرج عن القواعد الشرعية‪ ،‬أو تخالف النصوص الدينية المعصومة‬
‫الصحيحة في ثبوتها‪ ،‬الصريحة في دللتها‪ ،‬أما ما كان موضع الجتهاد‪،‬‬
‫واختلف وجهات النظر في دللته‪ ،‬فهي في سعة من أن تأخذ من الراء المنقولة‬
‫في فهم النص الثابت بما تراه أرجح دينا‪ ،‬أو في تحقيق مقاصد الشرع الذي أنزل‬
‫لرعاية مصالح الخلق في الدارين‪ ،‬كما يستطيع أهل الجتهاد أن يفهموا النص‬
‫فهما جديدا لم ينقل عن السابقين‪ ،‬وأن يستنبطوا في ضوئه ما لم يستنبطه سلفهم‪،‬‬
‫مادام ذلك في دائرة الحدود والصول المجمع عليها في فهم النصوص وتفسيرها‪.‬‬
‫إن المهم في السياسة الشرعية إذا أل تعارض القواعد والنصوص‪ ،‬وإن لم‬
‫تجئ بتفصيلتها النصوص الجزئية‪ ،‬فليس المفروض في السياسة العادلة أن تأتي‬
‫بما نطق به الشرع‪ ،‬بل المفروض أل تأتي بما يخالف الشرع(‪.)1‬‬
‫لقد تركت الشريعة مجالً واسعا للعلماء والحكام كي يعالجوا بآرائهم‬
‫وحكمتهم في ضوء التوجيهات القرآنية والنبوية العامة أل وهو المباح‪ :‬فالقانون‬
‫الداري والقانون التجاري والبحري… أغلبها تدخل دائرة ما ترك لهل الرأي‬
‫من علماء المة وحكامها لتسييره وفق ما يرون أنه الفضل والصلح‪ ،‬ولكن ل‬

‫‪ )(1‬انظر‪ :‬التشريع السلمي‪ :‬د‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص ‪.38 – 37‬‬

‫‪22‬‬
‫يجعل هذا دينا يتعبد ال به فإذا ترقت الحياة عرف الناس طرق أفضل للدارة‬
‫والتجارة كان لهم أن يرقوا أنظمتهم وإدارتهم لن ذلك اجتهادات بشرية متروكة‬
‫للناس(‪.)1‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حقيقة " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫‪ )(1‬خصائص الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬عمر سليمان الشقر‪ ،‬ص ‪.63‬‬

‫‪23‬‬
‫المطلب الول‬

‫تعريف القضايا الفقهية المعاصرة ‪:‬‬


‫يشتمل التعريف عدة عناصر هي‪ -1 :‬قضايا‪ -2 ،‬فقهية‪ – 3 ،‬معاصرة‪.‬‬
‫أولً ‪ -‬تعريف مصطلح " القضايا " ‪:‬‬
‫القضايا‪ :‬جمع قضية‪ :‬وهي مأخوذة من قضى‪ :‬وهي المر المتنازع عليه‬
‫التي تعرض على القاضي أو المجتهد ليحكم أو يفتي فيها(‪.)1‬‬
‫جاء في المعجم الوسيط القضية‪ :‬الحكم‪ ،‬والقضية مسألة يتنازع فيها‬
‫وتعرض على القاضي أو القضاء للبحث والفصل(‪.)2‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الفقهية ‪:‬‬
‫من الفقه وهو لغة‪ :‬الفهم الدقيق ‪ ،‬أما اصطلحا‪ :‬فهو العلم بالحكام‬
‫(‪)3‬‬

‫الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية(‪.)4‬‬


‫ومعلوم أن الفقيه يبحث في فعل المكلف من حيث ما يثبت لـه من الحكام‬
‫الشرعية والفقه هو المرجع في معرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عن النسان أو‬
‫ما يعترضه من مسائل في حياته(‪.)5‬‬
‫ثالثا – المعاصرة ‪:‬‬
‫المعاصرة مأخوذة من العصر وهو لغة‪ :‬الدهر‪ ،‬وهو الزمن الذي نزلت‬
‫فيه هذه القضية‪ ،‬والمقصود به العصر الحالي أو الوقت الحاضر الذي ظهرت فيه‬
‫كثير من القضايا والمسائل المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي واجتهاد العلماء‬
‫المتخصصين فيها‪.‬‬

‫المصباح المنير‪ :‬للفيومي ‪.2/696‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المعجم الوسيط‪ :‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ ،‬مادة قضى‪ ،‬ص ‪.742‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫القاموس المحيط‪ :‬الفيروز آبادي‪ ،‬مادة فقه ‪.1/1714‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫البهاج‪ :‬السبكي ‪.1/28‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أصول الفقه‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي ‪.28 /1‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪24‬‬
‫فمصطلح قضايا فقهية معاصرة‪ :‬يعني أن هناك قضايا مستجدة تستحق‬
‫أن توجه إليها العناية في البحث والتأصيل والتقويم‪ ،‬والسلم هو الدين الذي‬
‫أنزله ال عز وجل لتقويم الحياة النسانية بما فيها من حركة ونشاط‪ :‬ومما يقطع‬
‫به أن له أحكاما وضوابط في كل ما يكتشفه النسان من حيث كيفية الستفادة منه‬
‫والتعامل معه‪ ،‬ول شك أن علماء الشرع مدعوون دائما إلى استنباط تلك الحكام‬
‫والبحث عن تلك الضوابط‪ ،‬مستنيرين بمقاصد شريعة ال وقواعدها العامة‬
‫ومناهج السلف الصالح التي اتخذوها في مواجهة المستجدات للحكم عليها وضبط‬
‫التعامل معها(‪ ،)1‬وإن حاجة العصر إلى الجتهاد حاجة أكيدة لما يعرض من‬
‫قضايا لم تعرض لمن تقدم عصرنا‪ ،‬وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة في‬
‫المستقبل(‪.)2‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫اللفاظ ذات الصلة‬

‫‪ )(1‬أبحاث فقهية في قضايا طيبة معاصرة‪ :‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ )(2‬قرار المجمع الفقهي في دورته الثامنة المنعقد عام ‪ 1405‬هـ بشأن موضوع الجتهاد‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫لقد أطلق الفقهاء على تلك المسائل التي استجدت بالناس في عصورهم‬
‫المتتالية عدة ألفاظ ومصطلحات‪ ،‬كما تعددت تعبيراتهم وتسمياتهم لهذا اللون من‬
‫التأليف في الفقه‪ :‬ومن التسميات التي ذكرت ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬الفتاوى ‪:‬‬
‫هي جمع فتوى‪ -‬بالواو – بفتح الفاء‪ ،‬وبالياء‪ ،‬فتضم وهي اسم من أفتى‬
‫العالم إذا بين الحكم(‪.)1‬‬
‫وفي الصطلح‪ " :‬هو إظهار الحكام الشرعية بالنتزاع من الكتاب‬
‫والسنة والجماع والقياس" (‪ ،)2‬وقيل‪ :‬هي الخبار بحكم ال تعالى عن دليل‬
‫شرعي(‪.)3‬‬
‫ولعل إطلق اسم الفتاوى على " القضايا الفقهية المعاصرة " هو الشهر‬
‫ل بين الناس‪ ،‬من أمثلتها‪ :‬الفتاوى الهندية‪ ،‬وفتاوى ابن حجر‬ ‫والكثر تداو ً‬
‫الهيثمي‪ ,‬وفتاوى شيخ السلم ابن تيمية …‬
‫‪ -2‬الفتاوى المعاصرة ‪:‬‬
‫بعضهم يسميها الفتاوى المعاصرة لنها تتعرض لمسائل الوقت الحاضر‬
‫وقضاياه أو العصر الحالي‪ ،‬فقد برزت في هذا العصر نوازل كثيرة تحتاج إلى‬
‫اجتهاد فقهي وحكم شرعي‪ ،‬لعل أشهر من ألف تحت هذا العنوان الشيخ يوسف‬
‫القرضاوي في كتابه المشهور في جزأين إلى الن‪ ،‬وهو من أنفس الكتب‪.‬‬
‫‪ -3‬القضايا المستجدة ‪:‬‬
‫القضايا جمع قضية وهي المر المتنازع عليه‪ ،‬وأضيف إليها المستجدة‬
‫لنها مسائل مستحدثة جديدة الوقوع‪.‬‬
‫‪ -4‬المسائل ‪ -‬أو السئلة ‪:‬‬

‫‪ )(1‬المصباح المنير باب الفتوى ‪.2/462‬‬


‫‪ )(2‬فتاوى ابن رشد ‪.3/1496‬‬
‫‪ )(3‬مباحث في أحكام الفتوى‪ :‬د‪ .‬عامر سعيد الزيباري‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪26‬‬
‫سماها بعض العلماء القدماء بالمسائل لنها تتناول قضايا مطلوبة تطلب‬
‫ل أو تطلب فتوى‪ ،‬وبعضهم يسميها بالسئلة لنها أسئلة يطرحها الناس ويتكفل‬ ‫حً‬
‫العلماء بالرد عليها‪ ،‬ومن أشهر من ألف بهذا السم‪ :‬مسائل‪ :‬القاضي أبو الوليد‬
‫بن رشد‪.‬‬
‫‪ -5‬الجوبة ‪ -‬أو الجوابات ‪:‬‬
‫كذلك سـماها بعـض علماء الندلس بالجوابات لنهـا مسـائل أجاب عنهـا‬
‫العلماء بطلب مـن الناس‪ ،‬وفـي اللغـة يقولون‪ :‬ل يسـمى جواب إل بعـد طلب(‪،)1‬‬
‫ومن أشهر من ألف تحت هذا السم‪ :‬أحمد بن محمد العباسي السمللي في كتابه‬
‫"الجوبة العباسية"‪.‬‬
‫‪ -6‬المشكلت‪:‬‬
‫كما عبر عنها المام شلتوت في كتابه الفتاوى حيث قال‪ " :‬مشكلت المسلم‬
‫المعاصر التي تعترضه في حياته اليومية "‪ ،‬وكذلك سماها محمد فاروق النبهان‬
‫في كتابه المدخل للتشريع السلمي(‪ ،)2‬والمشكلت جمع مشكلة وهي في اللغة‬
‫من أشكل‪ ،‬يقال أشكل المر‪ :‬إذا التبس(‪.)3‬‬
‫‪ -7‬الواقعات ‪:‬‬
‫وقال ابن عابدين‪ :‬الفتاوى أو الواقعات‪ :‬وهي مسائل استنبطها المجتهدون‬
‫المتأخرون لما سئلوا عن ذلك(‪ ،)4‬والواقعات جمع واقعة وهي لغة بمعنى نزل‪،‬‬
‫أما في الصطلح فهي الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها‪ ،‬وقيل‬
‫هي الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة(‪.)5‬‬

‫‪ -8‬المستجدات ‪:‬‬

‫رسالتان في اللغة‪ :‬أبو الحسن الرماني ‪.1/81‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المدخل للتشريع السلمي‪ :‬محمد فاروق النبهان‪ ،‬ص ‪.392‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور‪ ،‬مادة شكل ‪.11/357‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مجموعة رسائل بن عابدين‪ ،‬ص ‪.17‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫انظر‪ :‬المعاملت المالية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص ‪.13 -12‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪27‬‬
‫وهي المسائل الحادثة التي لم يكن لها وجود من قبل وهذه المسائل يكثر‬
‫السؤال عن حكمها الشرعي(‪.)1‬‬
‫‪ -9‬الحوادث ‪:‬‬
‫قال الشيخ محمد البركتي‪ " :‬الحوادث هي النوازل التي يستفتى فيها "(‪.)2‬‬
‫‪ -10‬فقه النوازل ‪:‬‬
‫ويسمي كثير من العلماء " القضايا الفقهية المعاصرة " فقه النوازل وذلك‬
‫لن النازلة هي المر الشديد الذي يقع بالناس(‪ ،)3‬وبيان حكمها الشرعي يعني فقه‬
‫النوازل فأطلق عليه هذا المصطلح‪ ،‬واشتهر استعماله عند فقهاء المغرب خاصة‪.‬‬

‫‪ )(1‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ :‬أسامة عمر سليمان الشقر‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ )(2‬قواعد الفقه‪ :‬محمد البركتي ‪.269 /1‬‬
‫‪ )(3‬لسان العرب‪ :‬مادة نزل ‪.5/1829‬‬

‫‪28‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫أهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫‪29‬‬
‫المطلب الول‬
‫أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها‬

‫سأذكر فيما يلي مجموعة كبيرة من القضايا والنوازل المعاصرة وأحيل في‬
‫(* )‬
‫الهامش على المجامع أو فتاوى العلماء الذين بحثوا هذه القضايا للستفادة منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قضايا في العبادات ‪:‬‬
‫الصلة في الطائرة(‪.)1‬‬
‫استئجار الكنائس للصلة فيها (في بلد الغرب)(‪.)2‬‬
‫أوقات الصلة والصيام في البلد ذات خطوط العرض العالية الدرجات(‪.)3‬‬
‫تحديد أوائل الشهور القمرية بالحساب(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫راكب الطائرة متى يفطر؟‬
‫(‪)6‬‬
‫الحقنة هل تفطر؟‬
‫زكاة السهم والسندات ‪.‬‬
‫(‪)7‬‬

‫استثمار أموال الزكاة(‪.)8‬‬


‫صرف الزكاة على الدعوة وعلى المراكز السلمية(‪.)9‬‬

‫‪ )*( 1‬تتنوع النوازل باعتبارات شتى‪ :‬بالنظر إلى أبواب الفقه‪ ،‬وبالنظر إلى الرجل والمرأة‪ ،‬وبالنظر إلى‬
‫الفراد والتركيب‪ ...‬واخترت الترتيب المثبت أعله اجتهادا مني ليس إل‪.‬‬
‫() فتاوى إسلمية‪ :‬الشيخ ابن باز ‪ ،1/271‬فتاوى شرعية وبحوث‪ :‬الشيخ حسنين هيكل ‪.1/22‬‬
‫‪ )( 2‬قرار رقم ‪ )11/3( 23‬مجمع الفقه السلمي‪.‬‬
‫‪ )( 3‬قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء)‪.‬‬
‫‪ )( 4‬فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي ‪ ،1/221‬الموسوعة الفقهية الكويتية مادة رؤية ‪ ،22/22‬فقه‬
‫النوازل‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬الجزء الول‪.‬‬
‫‪ )( 5‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء (رمضان ‪1420‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )( 6‬فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪(.www.islamonline.net‬‬
‫() انظر قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة ‪1419‬هـ‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ )( 8‬مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة ‪1419‬هـ القرار السادس‪.‬‬
‫‪ )( 9‬مجلة البحوث السلمية بالرياض (المجلد الول‪ ،‬العدد الثاني)‪ ،‬أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة‪:‬‬
‫لمجموعة من العلماء‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫صرف الزكاة على بناء المساجد(‪.)1‬‬
‫مشكلة لحوم الضاحي في الحج(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬قضايا في مجال السرة والمرأة ‪:‬‬
‫الزواج المدني(‪.)3‬‬
‫النكاح بإضمار نية الفرقة(‪.)4‬‬
‫زواج المسيار(‪.)5‬‬
‫التحريم بنقل الدم(‪.)6‬‬
‫تنظيم النسل(‪.)7‬‬
‫إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب(‪.)8‬‬
‫المشاركة السياسية للمرأة(‪.)9‬‬
‫وسائل تنظيم النسل(‪.)10‬‬

‫‪ -3‬قضايا اقتصادية ومالية (قضايا البيوع) ‪:‬‬


‫الورق النقدي(‪.)11‬‬

‫() انظر المراجع السابقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهلي‪ ،‬ص ‪( 101‬دار القلم)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتوى للدكتور وهبة الزحيلي (‪.)www.zuhayli.com‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والفتاء بالرياض‪ ،‬وفتوى للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه ال‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وآخر فتوى نشرت للشيخ ابن باز رحمه ال بتاريخ ‪ 5‬صفر ‪ 1420‬هـ‪.‬‬
‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪ ،)www.qaradawi.net‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫أسامة الشقر (دار النفائس)‪.‬‬


‫() المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي مكة المكرمة (رجب ‪ 1409‬هـ)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() فتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية ‪ 12‬ذو القعدة ‪1355‬هـ‪ ،‬قرار هيئة كبار العلماء‬ ‫‪7‬‬

‫بالمملكة العربية السعودية برقم ‪ 42‬وتاريخ ‪13/4/1396‬هـ‪.‬‬


‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (فتاوى معاصرة ‪.)2/674‬‬ ‫‪8‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪ ،1/165‬فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي‬ ‫‪9‬‬

‫‪.2/409‬‬
‫() قرار مجمع الفقه السلمي بجدة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت (‪ 6-1‬جمادى الولى ‪ 1409‬هـ)‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪31‬‬
‫البيع بالتقسيط(‪.)12‬‬
‫بيع الحقوق المجردة(‪.)2‬‬
‫بيع الخلو(‪.)3‬‬
‫الترخيص التجاري(‪.)4‬‬
‫التأمين(‪.)5‬‬
‫تغير قيمة العملة(‪.)6‬‬
‫اليجار المنتهي بالتمليك(‪.)7‬‬
‫إجراء العقود بآلت التصال الحديثة (الفاكس والنترنت)(‪.)8‬‬
‫السواق المالية – البورصة(‪.)9‬‬
‫بطاقات الئتمان(‪.)10‬‬

‫() انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الخامسة المنعقدة عام ‪ 1402‬هـ‪ ،‬ومجلس مجمع الفقه السلمي في‬ ‫‪11‬‬

‫دورته مؤتمره الخامس بالكويت (‪ 6-1‬جمادى الولى ‪ 1409‬هـ الموافق ‪15/12/1988‬م)‪ ،‬أبحاث هيئة‬
‫كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪.1/27‬‬
‫() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (‪12-7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ الموافق‬ ‫‪12‬‬

‫‪14/5/1992-9‬م)‪.‬‬
‫() قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي بجدة‪ ،‬بحوث فقهية في قضايا‬ ‫‪2‬‬

‫فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص ‪.77‬‬


‫() مجلة مجمع الفقه السلمي العدد الرابع‪ ،‬قرارات مجمع الفقه السلمي بجدة في دورة مؤتمره الرابع‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المعاملت المالية المعاصرة في الفقه السلمي‪ :‬د‪.‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص ‪.55‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مجلس مجمع الفقه السلمي الدورة الثانية بجدة (‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪1406‬هـ الموافق ‪-22‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪28/12/1985‬م)‪.‬‬
‫() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الردن (‪ 13-8‬صفر ‪1407‬هـ‬ ‫‪6‬‬

‫الموافق ‪16/10/1986-11‬م)‪.‬‬
‫() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ( ‪ 6-1‬جمادى الولى ‪1409‬هـ‬ ‫‪7‬‬

‫الموافق ‪15/12/1988 -10‬م)‪.‬‬


‫() مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السادس بجدة (‪ 23-17‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪-14‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪20/3/1990‬م)‪.‬‬
‫() مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السادس السابق‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫() البطاقات البنكية‪ :‬د‪.‬عبد الوهاب أبو سليمان (دار القلم‪ ،‬ومجمع الفقه السلمي بجدة)‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪32‬‬
‫عقد المزايدة(‪.)1‬‬
‫بيع الدم(‪.)2‬‬
‫البنوك الربوية والتعامل معها والعمل فيها(‪.)3‬‬
‫الفوائد المصرفية(‪.)4‬‬
‫الشرط الجزائي(‪.)5‬‬
‫‪ -4‬قضايا طبية ‪:‬‬
‫قتل الرحمة (تيسير الموت للمريض الميؤوس منه)(‪.)6‬‬
‫إجهاض الجنين المشوه(‪.)7‬‬
‫أطفال النابيب(‪.)8‬‬
‫بنوك الحليب(‪.)9‬‬
‫أجهزة النعاش(‪.)10‬‬
‫زراعة العضاء التناسلية(‪.)11‬‬

‫() مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن ببروناي (‪ 7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪27/6/1993‬م)‪.‬‬
‫() مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي العدد الول ‪ 1408‬هـ‪ ،‬وقرار المجمع المنعقد برجب‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1409‬هـ‪.‬‬
‫() مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي العدد الول ‪ 1408‬هـ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان السنبهنلي (دار القلم)‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أبحاث هيئة كبار العلماء ‪.1/99‬‬ ‫‪5‬‬

‫() فتاوى معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي ‪ ،2/577‬الندوة السنوية بكلية طب جامعة عين شمس ندوة قتل‬ ‫‪6‬‬

‫الرحمة (عام ‪ 2000‬م)‪.‬‬


‫() مجلس مجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي في دورته ‪( 12‬مكة المكرمة ‪ 15‬رجب‬ ‫‪7‬‬

‫‪1410‬هـ)‪.‬‬
‫() قرار المجمع الفقهي رقم ‪ ،17/4/3‬الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية‪ :‬د‪.‬عبد ال الجبرين ص ‪ ،7‬فقه‬ ‫‪8‬‬

‫النوازل‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬الجزء الول‪.‬‬


‫() مجلس مجمع الفقه السلمي الدورة الثانية جدة (‪ 16-10‬ربيع الثاني ‪ 1406‬هـ الموافق ‪/12/ 28-22‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 1985‬م)‪.‬‬
‫() انظر بحث موت الدماغ بين الطب والسلم‪ :‬ندى محمد نعيم (دار الفكر المعاصر)‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫() قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪1401‬هـ‪ ،‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪:‬‬ ‫‪11‬‬

‫د‪.‬محمد نعيم ياسين‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫استخدام الجنة مصدراً لزراعة العضاء(‪.)12‬‬
‫مداواة الرجل المرأة(‪.)2‬‬
‫مسؤوليات الطبيب وأخلقه وأدبه(‪.)3‬‬
‫مرض نقص المناعة المكتسبة (اليدز)(‪.)4‬‬
‫الستنساخ(‪.)5‬‬
‫الرتق العذري(‪.)6‬‬
‫زراعة خليا المخ والجهاز العصبي(‪.)7‬‬
‫حكم تشريح جسم النسان(‪ ،)8‬نقل الدم(‪.)9‬‬
‫إزالة الشحوم الزائدة (سحب الدهون)(‪.)10‬‬
‫العقاقير والدوية المحتوية على محرم(‪.)11‬‬
‫اختيار جنس الجنين(‪.)12‬‬

‫() المؤتمر السادس للمجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي ‪1410‬هـ‪ 1990 /‬م‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫() مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن (القرار ‪/85/12‬د ‪.)8‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المؤتمر العالمي الول للطب السلمي المنعقد بالكويت (‪ 10-6‬ربيع الول ‪1401‬هـ الموافق ‪-12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16/1/1981‬م)‪.‬‬
‫() مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن في بروناي (‪ 7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪27/6/1993‬م)‪.‬‬
‫() القرار رقم‪ )2/10( 94 :‬لمجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره العاشر بجدة (‪ 28 -23‬صفر‬ ‫‪5‬‬

‫‪1418‬هـ الموافق ‪28/6/1997‬م)‪.‬‬


‫() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد نعيم ياسين (دار النفائس)‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪6‬‬

‫() مجمع الفقه السلمي بجدة (‪ 2 -17 )56/5/6‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪3/1990/ 14 -10‬م‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫() أبحاث هيئة كبار العلماء ‪ ،2/5‬مجلس مجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي الدورة العاشرة مكة‬ ‫‪8‬‬

‫المكرمة (‪ 24‬صفر ‪1408‬هـ الموافق ‪17/10/1987‬م)‪ ،‬حكم تشريح النسان‪ :‬د‪.‬عبد العزيز خليفة القصار‬
‫(دار ابن حزم)‪.‬‬
‫() مجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي مكة المكرمة رجب ‪1409‬هـ‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫() فقه النوازل‪ :‬الجامعة المريكية المفتوحة‪ ،‬ص ‪.176 – 160‬‬ ‫‪10‬‬

‫() حكم التداوي بالمحرمات‪ :‬د‪.‬عبد الفتاح إدريس‪ ،‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪،‬‬ ‫‪11‬‬

‫ص ‪.340‬‬
‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪.)www.islamonline.net /fatwa‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪34‬‬
‫الحكام المتعلقة بالعلج الطبي(‪.)1‬‬
‫استئجار الرحم(‪ ،)2‬موت الدماغ(‪.)3‬‬
‫عمليات التجميل(‪.)4‬‬
‫‪ -5‬قضايا أخرى ‪:‬‬
‫التجنس بالجنسية الجنبية(‪.)5‬‬
‫الرياضات العنيفة (الملكمة‪ ،‬المصارعة)(‪.)6‬‬
‫المسرح والسينما(‪.)7‬‬
‫خطف الطائرات(‪.)8‬‬
‫حوادث السير(‪.)9‬‬
‫العمل في المحلت التي تبيع الخمر والخنزير(‪.)10‬‬

‫() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (‪ 12 -7‬ذي القعدة ‪1412‬هـ الموافق‬ ‫‪1‬‬

‫‪1992 /14/5 -9‬م)‪.‬‬


‫() راجع فتوى صادرة عن مجمع البحوث بمصر (ل تحضرني معلومات صدورها)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() موت الدماغ بين الطب والسلم‪ :‬ندى محمد نعيم الدقر (دار الفكر المعاصر)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه ال (فتاوى إسلمية ‪ ،)4/412‬العمليات التجميلية وحكمها في الشريعة‬ ‫‪4‬‬

‫السلمية‪ :‬د‪ .‬أسامة الدباغ‪.‬‬


‫() مجلة المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬العدد الرابع ص ‪ ،169‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد سعيد رمضان‬ ‫‪5‬‬

‫البوطي ‪.1/181‬‬
‫() قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي في دورته العاشرة مكة المكرمة ‪1408‬هـ‬ ‫‪6‬‬

‫‪1987 /‬م‪.‬‬
‫() حكم السلم في وسائل العلم‪ :‬عبد ال ناصح علوان‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (‪.)www.islamonline.net‬‬ ‫‪8‬‬

‫() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن بروناي ‪7-1‬محرم ‪1414‬هـ الموافق ‪-21‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ 27‬يونيو ‪1993‬م‪.‬‬
‫() فتوى للشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب (‪.)www.islamonline.net‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪35‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫خصائص القضايا الفقهية المعاصرة‬

‫يمتاز هذا النوع من الفقه بخصائص ومميزات أوجزها في النقاط التالية‪:‬‬


‫النوازل في معظم الحيان لون جديد من المسائل لم يسبق حدوثها‪ ،‬لهذا قد‬
‫تكون على الناس غريبة يصعب فهمها من أول وهلة فهي تحتاج إلى إمعان نظر‬
‫وإلى بصيرة ثاقبة‪.‬‬
‫وقليل منها نظري محض أو تعليمي خالص كما هو حال كتب الفقه بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬فهو في الغالب إجابات عن أسئلة يطرحها الناس‪ ،‬وحل لمشكلت تتعلق‬
‫بحياتهم اليومية لهذا يقبل عليه الناس ويتلهفون معرفة الجواب الصحيح المتعلق‬
‫به‪:‬‬
‫فكانت مدعاة إلى إثارة علم المتصدر لها واستجلب رأيه والتعرف على‬
‫اجتهاداته واختياراته‪.‬‬
‫كما أن المسائل التي بحثت في القضايا الفقهية المعاصرة عدت ثروة جيدة‪،‬‬
‫ومادة قانونية إسلمية صحيحة استطاعت أن تدخل في الكتب والمصنفات وأن‬
‫تستمر ويقبل عليها الناس بلهفة‪ ،‬دون أن تفقد صلحيتها وقابليتها للحياة‪.‬‬
‫لذا نرى كيف أن المفتين استندوا إليها في فتاواهم واستشهدوا بها في‬
‫كتبهم‪ ،‬وأيدوا أجوبتهم بمضمونها‪ ،‬أو باقتباس منها في عبارتها أو أجابوا بها‬
‫نفسها ناسبين أجوبتهم إلى صاحبها(‪.)1‬‬
‫إن فقه القضايا المعاصرة يختلف عن تلك الفتراضات النظرية فهي مسائل‬
‫واقعية تحدث للناس وكل متلهف لمعرفة حكمها الشرعي‪.‬‬
‫كما تتميز المسائل المتعرض لها في القضايا الفقهية المعاصرة بالتعقيد‬
‫وكثرة تشابكها ودقة فهمها وصعوبة حل معضلتها لذا فهي تحتاج إلى مزيد جهد‬
‫وإلى إمعان نظر وعدم التسرع في الحكم والجتهاد فيها‪.‬‬
‫كما أن أكثر هذه المشكلت والقضايا المطروحة قد سببت الحرج والضيق‬
‫بمن نزلت بهم وهم في حاجة ماسة إلى من يجيبهم عن تلك المسائل وإلى من‬
‫يرفع الحرج عنهم بالجتهاد والفتوى‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر مقدمة كتاب فتاوى ابن رشد ‪ 8 /1‬و ‪.34‬‬

‫‪36‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫للقضايا الفقهية المعاصرة فوائد تتعلق بصفة المسائل الواقعية التي تعرض‬
‫صوراً من المجتمع الذي نزلت فيه النازلة‪ ،‬وله فوائد تتعلق بالفتوى أو الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬وله فوائد تعود على الفقيه المجتهد الناظر في الواقعة وفيما يلي ذكر‬
‫لهذه الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم‪ ،‬لنه‬
‫يرد ويجيب عن مشكلت وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس‬
‫الحاجة لمعرفة الحكم الشرعي فيها‪:‬‬
‫ومن المعلوم أن الناس لم يكونوا علماء كلهم ل في عهد الرسول ول في‬
‫عهد الصحابة والتابعين والئمة المرضيين‪ ،‬ولقد أمر ال الجاهل أن يسأل العالم‬
‫عن الحكم فيما ينزل به من قضايا وواقعات‪ ،‬قال تعالى‪  :‬فاسألوا أهل الذكر إن‬
‫كنتم ل تعلمون ‪[ ‬النحل‪.]43 :‬‬
‫إذاً يهدف فقه القضايا المعاصرة إلى توليد البدائل الشرعية للمشكلت‬
‫المطروحة على الساحة المعاصرة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا…‬
‫‪ -2‬كما أن للقضايا الفقهية المعاصرة أهمية أخرى تتصل بصفة النوازل‬
‫الواقعية التي تعرض لنا صوراً من المجتمع الذي وقعت فيه تلك النوازل من‬
‫الناحية الفكرية والجتماعية والسياسية والقتصادية والتاريخية والدبية‪:‬‬
‫أ – فمن الناحية الفكرية‪ :‬يعرفنا فقه القضايا المعاصرة بالعلقة بين‬
‫المذاهب الفقهية والفرق الكلمية ويظهر ذلك من خلل المناظرات والمناقشات‬
‫العلمية التي كانت تدور بين علماء الفرق والمذاهب في أثناء التعرض لنازلة من‬
‫النوازل‪ ،‬كما يظهر ذلك من خلل مواجهة الفكار المنحرفة مثل ظاهرة الردة‬

‫‪37‬‬
‫والزندقة وكيف واجه العلماء هذه الظواهر بالقواعد الشرعية اللزمة في هذا‬
‫الميدان مع الجتهاد العادل(‪.)1‬‬
‫ب – ومن الناحية الجتماعية‪ :‬تقدم " النوازل " الكثير من الشارات إلى‬
‫أحوال المجتمع السلمي في منطقة النازلة من عادات في الفراح والتراح‪ ،‬كما‬
‫تقدم لنا صورة حية عن حياة الناس وعاداتهم في السلم والحرب والعمران وأنواع‬
‫الملبوسات والمطعومات وما إلى ذلك‪ ،‬المر الذي يجعل منها مصدراً وثيقا لعالم‬
‫الجتماع مثلما هو للفقيه والعالم‪.‬‬
‫وكل ذلك سوف يسجله التاريخ‪ ،‬وتتناقله الجيال‪ ،‬وتصبح كتب فقه النوازل‬
‫من المصادر والمراجع التي يرجع إليها‪ ،‬لذا نجد كثيراً من المؤرخين قد‬
‫انصرف إلى مصنفات النوازل والفتاوى لدراستها واستنباط ظواهر اجتماعية‬
‫منها واستنتاج إفادات تاريخية‪ ،‬ومن هؤلء المستشرق الفرنسي "جاك بارك" الذي‬
‫اعتنى بنوازل المازوني – الذي استفاد كثيراً من كتب فقه النوازل لبراز‬
‫جوانب اجتماعية للمغرب في عصر هذه النوازل‪.‬‬
‫ج – ومن الناحية الدبية‪ :‬فإن لفقه القضايا المعاصرة فوائد عظيمة‪ :‬فقد‬
‫تحتوي السئلة والجوبة عن تلك النوازل على قطع أدبية بليغة أو شعر نادر‬
‫استشهد به‪ ،‬كما أنها تحافظ لنا على لغة الفقه والفقهاء الدبية الرائعة‪.‬‬
‫د – ومن الناحية السياسية‪ :‬تنقل هذه النوازل صورة واقعية لحوادث‬
‫تاريخية تمس ذلك المجتمع الذي وقعت فيه النازلة في السلم والحرب مما قد يفيد‬
‫السياسي في دراسته ومما يعينه في فهم كثير من أحداث الزمان‪.‬‬
‫هـ – ومن الناحية القتصادية‪ :‬تقدم النوازل جملة من الصور عن الحالة‬
‫القتصادية التي تمر بها البلد السلمية‪ ،‬وعن الملكية والتجارة والبنوك وهذا‬
‫كله يمكن معرفته من خلل تلك النوازل والمسائل المتعلقة بالمواضيع‬
‫القتصادية‪ :‬كطغيان البنوك الربوية على واقع المسلمين اليوم وكثرة السئلة التي‬
‫يطرحها المسلمون ويطرحها الواقع المر الذي يتخبط فيه الجانب القتصادي في‬

‫‪ )(1‬مقدمة تحقيق كتاب المسائل‪ :‬ص ‪.103‬‬

‫‪38‬‬
‫المجتمعات المسلمة‪ ،‬ومشكلة الديون التي تتعب كاهل الدول السلمية وغيرها‬
‫من المواضيع القتصادية التي تحتاج إلى فقه واجتهاد في نوازلها وواقعاتها‬
‫المريرة‪.‬‬
‫و – ومن الناحية التاريخية‪ :‬تقدم " النوازل " أحداثا تاريخية وقعت للمة‬
‫السلمية ونزلت بها وتم الجواب عنها‪ ،‬وتقدم أحياناً أحداثا أغفلها المؤرخون‬
‫الذين ينصب اهتمامهم غالبا بالشؤون السياسية وما يتصل بالحكام والمراء‬
‫ومثال عن ذلك ما يحدث اليوم في أفغانستان من تقاتل بين الفصائل الفغانية‪ ،‬أو‬
‫مثل الحرب العراقية اليرانية التي وقعت في الثمانينات أو اجتياح العراق‬
‫للكويت وما ترتب عليه من استعانة بالكفار‪ ،‬وما حدث ويحدث لخواننا المسلمين‬
‫في يوغسلفيا من اضطهاد واغتصاب وما يستلزم ذلك من فقه واجتهاد يجيب‬
‫عن تلك الشدائد والنوازل التي تنزل بالمة السلمية في عصورها المتتالية‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن فوائد فقه القضايا المعاصرة ذلك الثر العلمي الذي تخلفه هذه‬
‫الجابات لنها تحفظ لنا مسائل واجتهادات العلماء بنصها لتكون سجلً للفتوى‬
‫والقضاء ومرجعاً مهما للمهتمين بها من أهل الختصاص ل يمكن الستغناء‬
‫عنها بحال‪.‬‬
‫‪ -4‬كما أن فقه القضايا المعاصرة يعرفنا بأسماء لمعة من العلماء‬
‫المجتهدين المفتيين‪ ،‬الذين تصدوا لهذه النوازل وأغاثوا المة‪ ،‬وكيف أنهم بذلوا‬
‫الجهد والوسع للوصول إلى الحكم الشرعي وذلك باتباع أصول الجتهاد دون‬
‫تعصب أو هوى‪.‬‬
‫‪ -5‬وإضافة للفائدة السابقة فإن فقه القضايا المعاصرة يلقي الضواء على‬
‫شخصية صاحب ذلك الفقه‪ ،‬وتدلنا على اتجاهه وموقفه وعلى أصوله التي اعتمد‬
‫عليها في اجتهاده وما إلى ذلك‪..‬‬
‫‪ -6‬كما أن لهذا الفقه فائدة أخرى‪ :‬وهي فيما إذا نوقشت هذه المسائل في‬
‫المجامع الفقهية التي يتم تشكيلها من علماء يمثلون جميع الدول السلمية‪ ،‬فإن‬
‫ذلك من شأنه تلقيح أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم البعض‪ ،‬وكذلك من‬

‫‪39‬‬
‫أجل التعاون والتكاتف للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح‪ ،‬وهذا يعصمهم من‬
‫الخطأ أو الختلف‪ ،‬كما يساعد على وضع الصول والضوابط الجتهادية مما‬
‫يسهل على الفقيه والمجتهد النوازلي عمله في استنباط الحكام الشرعية‪.‬‬
‫لهذا كله دونت أجوبة العلماء وفتاوى الفقهاء في تلك العصور الزاهرة‬
‫وكانت مرجعاً عظيما لمعرفة الحكام‪ ،‬وثروة فقهية واسعة‪ ،‬وكانت في الوقت‬
‫نفسه مصادر يرجع إليها مختصون في علم التاريخ والجتماع والقتصاد‬
‫والسياسة وينهلون منها ما يفيدهم ويعينهم على الفهم الصحيح والعلم الناجح‪.‬‬
‫وتدوين هذه النوازل ونشرها فيه الفائدة العظيمة ويكون وصلً لما انقطع‬
‫من سلسلة البحوث الفقهية التي بدأها سلفنا العلماء العلم‪.‬‬
‫‪ -7‬كسب الجر والمثوبة من ال عز وجل‪ ،‬فإن الدارس " للنازلة "‬
‫المتجرد الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشرعي إذا بذل جهده ووصل إلى حكم‬
‫فيها فهو مأجور‪ ،‬إن أصاب فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر واحد‪.‬‬
‫ل العلماءَ‪ :‬فقد أخذ الُ الميثاقَ‬
‫‪ -8‬الحرص على تأدية المانة التي حمّلها ا ُ‬
‫على العلماء ببيان الحكام الشرعية وعدم كتمانها‪ ،‬وقد حصر التكليف بهم‪ ،‬فكان‬
‫لزاما عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلً‪ ،‬وذلك إبراء‬
‫للذمة بالقيام بتكاليف إبلغ العلم وعدم كتمانه‪.‬‬
‫‪ -9‬كما أن هذه النوازل تثري الفقيه بعلم من سبقه من العلماء‪ ،‬ومن ثم‬
‫يستطيع الستفادة والفتاء بفتاوى من سبقه إذا كانت مطابقة ومتناسبة مع النازلة‪،‬‬
‫أو على القل أن يسلك مسالكهم ومناهجهم في دراسة نوازل عصرهم على نازلة‬
‫عصره حتى يصل إلى استنباط الحكم الشرعي المناسب لها‪ ،‬والناظر بعين‬
‫فاحصة ونظرة شمولية في هذا الجانب من الكتابة في النوازل والفتاوى الفقهية‬
‫وما كان فيها للعلماء والفقهاء من مؤلفات جليلة متكاملة مع بعضها واستفادة‬
‫اللحق من السابق فيها يجد تلك الحقيقة جلية بارزة للفكر والعيان(‪.)1‬‬

‫() مقدمة كتاب " النوازل الجديدة الكبرى‪ :‬للوزاني "‪ :‬تحقيق الستاذ عمر بن عباد (وزارة الوقاف والشؤون‬ ‫‪1‬‬

‫السلمية المغرب) ‪.1/3‬‬

‫‪40‬‬
41
‫المبحث الرابع‬
‫الجتهاد في القضايا المعاصرة‬

‫المطلب الول‬
‫شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة‬

‫من الضرورة أن يكون في المة عدد من العلماء المجتهدين الذين نسميهم‪:‬‬


‫بالعالم النوازلي أو الفقيـه النوازلي أو المجتهـد النوازلي‪ :‬الذي إلى جانـب توافـر‬
‫شروط الجتهاد فيـه ‪ -‬و التـي سـوف أذكرهـا بعـد قليـل ‪ -‬يجـب أن يكون ملما‬
‫بأمور أخرى مه مة أ صبحت ضرور ية خا صة في هذا الع صر بحواد ثه المعقدة‬
‫والمتشاب كة‪ :‬من ها فه مه وا قع ع صره وا ستيعابه للتكنولوج يا ال تي ما فتأت تتطور‬
‫وترتقي‪.‬‬
‫وليس كل أحد يصلح للفتوى والجتهاد بل ل بد من توافر شروط معينة‬
‫فيمن يتصدى للجتهاد‪ " :‬قال مالك‪ :‬وجاء رجل ابن هرمز فأرسل بعض‬
‫السلطين يستشيره في الفتوى فسأله أتراني أهلً لذلك؟‪ ،‬قال‪ :‬إن كنت عند الناس‬
‫ل لذلك فباشر‪.‬‬
‫كذلك ورأوك أه ً‬
‫قال محمد بن رشد‪ :‬زاد في هذه الحكاية في كتاب القضية أنه قال لـه‪:‬‬
‫ل لذلك فافعل‪ ،‬وهي زيادة صحيحة‬ ‫إن رأيت نفسك أهلً لذلك ورآك الناس أه ً‬
‫لنه هو أعرف بنفسه‪ ،‬فإن لم ير نفسه أهلً لذلك فل ينبغي له أن يفعل وإن رآه‬
‫ل لذلك‪ ،‬وأما إذا لم يره الناس أهلً لذلك فل ينبغي أن يفتي وإن رأى‬ ‫الناس أه ً‬
‫ل لذلك‪ ،‬لنه قد يغلط فيما يعتقده في نفسه من أنه أهل لذلك‪ ،‬ول‬ ‫هو نفسه أه ً‬
‫حرج عليه إن فعل إذا علم من نفسه أنه قد كملت لـه آلت الجتهاد بأن يكون‬
‫عالما بالقرآن وبالسنة‪ ،‬مميزا بين صحيحها وسقيمها‪ ،‬عالما بأقوال العلماء من‬
‫الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء المصار وما اتفقوا عليه وما اختلفوا‬

‫‪42‬‬
‫فيه من أهل النظر والجتهاد بصيرا بوجه القياس عارفا بوضع الدلة في‬
‫مواضعها‪ ،‬ويكون عنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلم‪ ،‬فإذا اجتمعت‬
‫فيه هذه الخصال مع العدالة والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من الحكام‬
‫وجاز للعاصي تقليده فيها "(‪.)1‬‬
‫إذا لبد وأن تتوافر في المجتهد الذي يبحث في حكم النوازل شروط‬
‫الجتهاد المطلوبة في العلماء المجتهدين لنه ل يتأتى اجتهاد بدون آلته‪ ،‬وحتى ل‬
‫تتعثر الجتهادات وتحيد عن أمر ال تعالى إذ ل يمكن فهم مقاصد الشرع في‬
‫الكتاب الكريم وسنة الرسول إل بها‪.‬‬
‫وشروط المجتهد كما نص عليها علماء الصول(‪ )2‬في كتبهم هي‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون بالغا‪ :‬لن غير البالغ لم يكمل عقله حتى يؤخذ بقوله‪.‬‬
‫‪-2‬أن يكون عاقلً‪ :‬لن غيره ل تمييز لـه يهتدي به إلى ما يريد فل‬
‫يعتبر قوله‪ ،‬والمراد من الشرط الول هو الوصول إلى مجرد العقل‬
‫بالبلوغ‪ ،‬أما الشرط الثاني فالمراد منه كماله‪.‬‬
‫‪-3‬أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة يقول ابن النجار‪ " :‬وليس‬
‫المراد أن يعرف سائر آيات القرآن وجميع أحاديث السنة وإنما‬
‫المراد ما يحتاج إلى معرفته … "‪ ،‬وليس المراد بعلمه بذلك حفظه‪،‬‬
‫بل المراد أن يكون بحيث يمكن استحضاره للحتجاج به ل حفظه(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬يشترط في المجتهد أيضا أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ منها‪-‬‬
‫أي من الكتاب والسنة ‪ -‬حتى ل يستدل بدليل منسوخ‪.‬‬
‫‪ -5‬العلم باللغة العربية‪ :‬من نحو وصرف وغيرهما من علوم اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وأن يكون عارفا بعلوم البلغة من معان وبيان وبديع وبذا‬

‫()البيان والتحصيل‪ :‬لبن رشد ‪.17/339‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر المراجع التالية في شروط المجتهد‪ :‬الرسالة ص ‪ ،509‬جمع الجوامع ‪ ،2/382‬الحكام للمدى‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،4/162‬المستصفى ‪ ،2/250‬شرح تنقيح الفصول ص ‪ ،437‬المحصول ‪ ،2/3/30‬تيسير التحرير ‪،4/180‬‬


‫الموافقات ‪ ،4/67‬فواتح الرحموت ‪ ،2/362‬إرشاد الفحول ص ‪.250‬‬
‫() شرح الكوكب المنير ‪.4/461‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪43‬‬
‫يستطيع النظر في الدليل نظرا صحيحا ويستخرج منه الحكام‬
‫استخراجا قويا‪ ،‬ويكفيه في ذلك الدرجة الوسطى ل أن يبلغ مبلغ‬
‫الئمة في اللغة العربية كالخليل وسيبويه والخفش(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬أن يكون عالما خبيرا بمواقع الجماع حتى ل يفتي ويجتهد بخلف‬
‫ما أجمع عليه فيكون قد خرق الجماع‪ ،‬وخرق الجماع حرام(‪.)2‬‬
‫‪-7‬أن يكون عالما بأسباب النزول في اليات والحاديث ليعرف المراد‬
‫من ذلك‪ ،‬وما يتعلق بهما من تخصيص أو تعميم‪ :‬ولن بعض‬
‫النصوص نزل عاما وقد أريد به الخصوص ول يفهم ذلك إل من‬
‫خلل العلم بسبب نزول النص‪.‬‬
‫‪ -8‬يشترط فيه أن يكون عالما بأصول الفقه‪ :‬أي بأن تكون لـه قدرة‬
‫على استخراج أحكام الفقه من أدلتها وذلك بمعرفة القواعد الصولية‪،‬‬
‫وعليه أن يطول الباع في هذا الشرط ويضطلع على مختصراته‬
‫ومطولته بما تبلغ به طاقته فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الجتهاد‬
‫وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه(‪.)3‬‬
‫‪ -9‬أن يكون عالما بمقاصد الشريعة وعارفا بمصالح الناس وعرفهم‬
‫حتى يستنبط الحكام التي توافق مقصد الشارع وحتى ل يوقع الناس‬
‫في الحرج والعسر‪ :‬يقول المام السيوطي نقلً عن الشافعي‪" :‬‬
‫مقاصد الشرع قبلة المجتهدين من توجه إلى جهة منها أصاب الحق‬
‫"(‪.)4‬‬
‫شروط أخرى ‪:‬‬

‫() انظر ضوابط الجتهاد والفتوى لستاذنا د‪ .‬أحمد طه ريان‪ ،‬ص ‪.44‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نهاية السول ‪ ،3/244‬إرشاد الفحول ص ‪.251‬‬ ‫‪2‬‬

‫() إرشاد الفحول ص ‪ ،252‬شرح الكوكب المنير ‪.4/459‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الجتهاد (الرد على من أخلد إلى الرض وجهل أن الجتهاد في كل عصر فرض)‪ :‬جلل الدين‬ ‫‪4‬‬

‫السيوطي‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪44‬‬
‫ويمكننا أن نضيف إلى تلك الشروط التي ذكرها العلماء في المجتهد‬
‫شروطا أخرى والتي ل بد وأن تتوافر في المجتهد النوازلي بصفة خاصة وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكة الفقهية ‪:‬‬
‫وذلك بأن يكون ذا ملكة فقهية‪ :‬وقد تكونت لديه من خلل ممارسته‬
‫لساليب الفقهاء واصطلحاتهم‪ ،‬وأن يكون شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلم لن‬
‫من دون هذه المرتبة لن تتأتى لديه القدرة على الستنباط المقصود بالجتهاد(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬سعة الفق ‪:‬‬
‫ويجب أن تتوفر في المجتهد النوازلي سعة الفق‪ ،‬وتتحقق سعة الفق بعدم‬
‫الجمود على ظواهر ألفاظ النص‪ ،‬وبالقدرة على تقليب وجوه النظر في المشكلة‪،‬‬
‫وإدراك تعدد وجوه القياس‪ ،‬وانتقاء القوى أثرا والكثر تحقيقا للمصلحة وإن‬
‫خفي مأخذه ودق تخريجه(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬الدربة على الفتوى والستنباط والتخريج ‪:‬‬
‫ل بد من التدريب على تخريج الحكام لن التدريب يكسب الفقيه المرونة‬
‫الفقهية اللزمة في معالجة المشكلت الحديثة‪ ،‬وضرورة التدريب على تخريج‬
‫الحكام كضرورة التدريب على حل مسائل الرياضيات‪ :‬فكما ل يكفي العلم‬
‫بالقوانين الرياضية دون التدرب عليها فكذلك ل يكفي العلم بالقواعد الصولية‬
‫دون التدرب على تطبيقها واستنباط وتخريج الحكام منها‪.‬‬
‫وقد تنبه المام أبو حنيفة – رحمه ال ‪ -‬قديما إلى أهمية التدريب على‬
‫تخريج الحكام فكان يدرب خواص تلميذه على ذلك‪ :‬بطرح المشكلة عليهم ثم‬
‫يتلقى الحكام والجابات منهم ثم يناقش هذه الجوبة معهم فيصحح منها ما‬
‫يصحح ويرد ما يرد ول يكره أحدا على قول(‪ ،)3‬والهدف من ذلك هو الدربة على‬
‫الفتوى والستنباط…‬

‫() انظر ضوابط الجتهاد والفتوى ص ‪ ،44‬وانظر الكتاب الذي أصدرته وزارة الوقاف والشؤون السلمية‬ ‫‪1‬‬

‫بقطر بعنوان " الملكة الفقهية " فهو كتاب نفيس‪.‬‬


‫() انظر بحث " منهج معالجة القضايا المعاصرة "‪ :‬د‪ .‬محمد راوس قلعجي‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ -4‬الفطنة والذكاء ‪:‬‬
‫لبد وأن يكون المجتهد النوازلي ذا فطنة وذكاء حادين يستطيع بهما فهم‬
‫المسائل من جميع جوانبها ليتوصل بذلك إلى الحكم الصحيح‪ ،‬ومن عُدم الفطنة‬
‫والذكاء فقد يغيب عليه فهم النازلة وقد يغيب عليه فهم الدليل فهما صحيحا فيكون‬
‫حكمه مجانبا للصواب‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة الناس ‪:‬‬
‫وهذا أصل عظيم يحتاج إليه الفقيه النوازلي‪ ،‬فإن لم يكن فقيها فيه‪ ،‬فقيها‬
‫في المر والنهي يطبق أحدهما على الخر‪ ،‬كان ما يفسد أكثر مما يصلح‪.‬‬
‫فإنه إذا لم يكن فقيها بمعرفة الناس فقد يتصور لـه الظالم بصورة المظلوم‬
‫وعكسه‪ ،‬والمحق بصورة المبطل وعكسه‪ ،‬وراج عليه المكر والخداع والحتيال‪،‬‬
‫وتصور لـه الزنديق في صورة الصديق‪ ،‬والكاذب في صورة الصادق‪ ،‬ولبس‬
‫كل مبطل ثوب زور تحتها الثم والكذب والفجور‪ ،‬وهو لجهله بالناس وأحوالهم‬
‫وعوائدهم وعرفياتهم‪ ،‬فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والحوال‬
‫وذلك كله من دين ال كما تقدم بيانه(‪.)1‬‬
‫فرع‪ :‬وجوب ضبط المتصدين للفتوى والجتهاد في القضايا‬
‫المعاصرة ‪:‬‬
‫يقول الراغـب الصـفهاني‪ " :‬لشيـء أوجـب على السـلطان مـن مراعاة‬
‫المتصدين للرياسة بالعلم فمن الخلل بها ينتشر الشر ويكثر الشرار‪ ،‬ويقع بين‬
‫الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة‪ :‬النبياء وحكمهم على الخاصة‬
‫والعامـة ظاهرهـم وباطنهـم‪ ،‬والولة وحكمهـم على ظاهـر الخاصـة والعامـة دون‬
‫باطن هم‪ ،‬والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة‪ ،‬والوعاظ وحكمهم على بوا طن‬
‫العامة‪.‬‬

‫() إعلم الموقعين ‪.3/472‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪46‬‬
‫وصلح العامة بمراعاة أمر هذه السياسات لتخدم العامة الخاصة‪ ،‬وتسوس‬
‫الخاصة العامة‪ ،‬وفساده في عكس ذلك ولما تركت مراعاة المتصدي للحكمة‬
‫والوعظ‪ ،‬وترشح قوم للزعامة في العلم من غير استحقاق منهم لها فأحدثوا‬
‫بجهلهم بدعا استغروا بها العامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة‪ ،‬ووجدوا من العامة‬
‫مساعدة لمشاكلتهم لهم وقرب جوهرهم منهم‪ ،‬فكل قرين إلى شكله كأنس الخنافس‬
‫بالعقرب وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا بها ستورا مسبلة وطلبوا منزلة‬
‫الخاصة فوصلوا إليها بالوقاحة وبما فيهم من الشرة‪ ،‬فبدّعوا العلماء وكفّروهم‬
‫اغتصابا لسلطانهم ومنازعة في مكانهم‪ ،‬فاغروا بهم أتباعهم حتى وطؤهم‬
‫بأخفافهم وأظلفهم فتولد من ذلك البوار والجور العام…"(‪.)1‬‬
‫إن أمر الدين عظيم وخطير‪ ،‬ومن أجل هذا حرّم ال القول فيه بغير علم‪،‬‬
‫قال تعالى‪  :‬قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي‬
‫بغير الحق‪ ،‬وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل‬
‫تعلمون ‪[ ‬العراف‪.]33 :‬‬
‫لذا يجب أن يتولى النظر في فقه النوازل من تحصّل على آلة الجتهاد‬
‫وتوفرت فيه شروط الجتهاد المعروفة والمذكورة في كتب أصول الفقه والتي‬
‫أشرنا إليها قريبا‪ " ،‬أما أدعياء الجتهاد الذين ل يملكون إل الجراءة على‬
‫النصوص بالصول وإتيان البيوت من غير أبوابها فهؤلء ينبغي أن يُرفضوا‬
‫حفاظا على قداسة الدين وحرمة الشريعة " (‪.)2‬‬
‫وينبغي لولياء المور القيام بواجبهم في هذا فل يسمحوا بالفتوى‬
‫ل لذلك‪ ،‬وأما من كان بعيدا عن الجتهاد ول يحمل آلته‬ ‫والجتهاد إل لمن كان أه ً‬
‫فينبغي منعه بقوة السلطان‪ :‬حفاظا على الدين وعلى أنفس وأرواح الناس…‬
‫فرع ‪ :‬ضرورة اللمام بعلم مقاصد الشريعة للمجتهدين في القضايا المعاصرة ‪:‬‬

‫() الذريعة إلى مكارم الشريعة‪ :‬أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الصفهاني‪ ،‬ص ‪.51‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مدخل لدراسة الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.281‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪47‬‬
‫أمر المقاصد الشرعية أمر في غاية الهمية بالنسبة لحملة العلم الشرعي‬
‫والمتفقهين والمجتهدين في النوازل والوقائع المستجدة ‪:‬‬
‫إذ إنها كالبوصلة التي تحدد للمسافر صحة اتجاهه من عدمه فهي بالضافة‬
‫– إلى شروط الجتهاد التي يجب توافرها في المجتهد – تساعد الباحث عن‬
‫أحكام الشريعة في تحديد صحة سيره‪ ،‬وسلمة طريقه في التعامل مع نصوص‬
‫الكتاب والسنة وعباراتها واستخراج واستنباط مدلولتها ومعانيها ومراميها‪.‬‬
‫إن اللتفات إلى فقه المقاصد يساعد على تجاوز كثير من المزالق التي قد‬
‫يقع فيها بعض الفقهاء والمجتهدين أو طلبة العلم حين يقصرون نظرهم على دليل‬
‫جزئي شرعي‪ ،‬غير ملتفتين إلى موقعه في سياقه العام من كليات الشريعة‬
‫ومقاصدها العامة‪ ،‬وما قد يترتب على تنزيله في الواقع بالكيفية التي ارتأوها غير‬
‫عابئين بالموازنة بين المصالح والمفاسد الذي هو ثمرة لفقه المقاصد والذي هو‬
‫في الحقيقة لب السياسة الشرعية وروحها وحقيقتها في التعامل مع الحداث‬
‫والوقائع والمستجدات في الحياة ببصيرة وهدى وفقه وعقل وما أقل من جمع ذلك‬
‫في زماننا…‬
‫وإن مثل من يتصدى للفتوى والجتهاد في النوازل من غير إلمام بمقاصد‬
‫الشرع ول معرفة حقيقية بالواقع مثل من يبحث عن الثمرة في غير شجرتها‪ ،‬أو‬
‫كمن يحاول استنبات البذرة في غير بيئتها ومكانها المناسب الذي ل تنمو وتنتج‬
‫(‪)1‬‬
‫إل فيه‪ ،‬وأنى لهذا أو لذاك أن يبلغ المراد أو يصل للغاية والهدف‪...‬‬
‫وإذا عرضت على الفقيه واقعة ليس فيها نص حكم للشارع فإنه يعطي هذه‬
‫الواقعة حكما يتفق مع مقاصد الشارع‪ ،‬وذلك بأن يكون الحكم محققا لمصلحة من‬
‫جنس المصالح التي دلت النصوص على اعتبارها‪ ،‬ومن ذلك أن الصحابة حكموا‬
‫بتضمين الصناع السلع التي تتلف بأيديهم‪ ،‬محافظة على الموال‪ ،‬وحكموا بقتل‬
‫الجماعة إذا اشتركوا في قتل الواحد‪ ،‬حفظا للرواح‪ ،‬وحفظ المال والنفس من‬
‫المصالح التي لحظها الشارع في تشريعه‪ ،‬وسار على وفقها في تشريع الحكام‪.‬‬

‫() المختصر الوجيز في مقاصد التشريع‪ :‬د‪ .‬عوض بن محمد القرني‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪48‬‬
‫وأخيرا فإن الفقيه يزن الدلة الجزئية الظنية بمقاصد الشارع التي قامت‬
‫أدلته على اعتبارها‪ ،‬فما كان منها مخالفا لهذه المقاصد رده ولم يعتمد عليه في‬
‫الستنباط‪ ،‬فقد ردت عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬حديث " إن الميت ليعذب ببكاء‬
‫أهله عليه " (‪ )1‬لنه يخالف مقصدا شرعيا دل عليه قوله تعالى‪  :‬أل تزر وازرة‬
‫وزر أخرى وأن ليس للنسان إل ما سعى ‪[ ‬النجم‪ ،]39-38 :‬وأهمل "مالك" اعتبار‬
‫حديث " من مات وعليه صوم صام وليه عنه " (‪ )2‬لمخالفته لهذا المقصد أيضا(‪.)3‬‬
‫إن المجتهد في حاجة إلى معرفة مقاصد الشارع وإلى الطرق التي بها‬
‫تعرف المقاصد حتى تكون مقاصده تابعة لمقاصد الشارع ومحكومة بها‪ ،‬وذلك‬
‫لن اجتهاده في المور التي ليست دللتها واضحة إنما يقع موقعه على فرض أن‬
‫يكون ما ظهر لـه هو القرب إلى قصد الشارع‪ ،‬والولى بأدلة الشريعة دون ما‬
‫ظهر لغيره من المجتهدين فيجب عليه اتباع ما هو القرب‪ ،‬وأما غير المجتهد‬
‫فهو بحاجة لعلم المقاصد للتعرف على أسرار التشريع وحكمه‪.‬‬
‫وكذلك لتنشيط العقل المسلم وتخليصه من المراض والعلل الناجمة عن‬
‫النظر الجزئي‪ ،‬وتناسي الغايات وتجاهل المقاصد والتشبث بالمور الشكلية‬
‫واللفظية والحالة على التعبد لدنى ملبسة وتجاهل الحكم أو الكسل عن طلبها‬
‫والتفتيش عنها‪.‬‬
‫وإن العلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها يساعد كثيرا على إخراج‬
‫العقل المسلم من تلك الوهدة ويعالجه من تلك المراض ويعيد إليه نقاءه وصفاءه‬
‫وتألقه وقدرته على العطاء والجتهاد وتوخي المقاصد والغايات(‪.)4‬‬

‫() البخاري في الجنائز باب قول النبي يعذب الميت (‪ ،1/432 )1226‬ومسلم في الجنائز باب الميت‬ ‫‪1‬‬

‫يعذب ببكاء أهله عليه (‪ 2/639 )926‬من حديث عبدال بن عمر وقول عائشة أخرجه البخاري (‪)3759‬‬
‫ومسلم (‪.)932‬‬
‫() أخرجه البخاري في الصوم باب من مات وعليه صوم (‪ ،2/690 )1851‬ومسلم في الصيام باب قضاء‬ ‫‪2‬‬

‫الصيام عن الميت (‪ 2/803 )1147‬من حديث عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪.-‬‬


‫() انظر أصول الفقه‪ :‬د‪ .‬حسين حامد ص ‪ 14‬و ‪ ،15‬ومقدمة لدراسة الفقه السلمي‪ :‬د‪ .‬محمد كمال الدين‬ ‫‪3‬‬

‫إمام ص ‪ 20‬و ‪.21‬‬


‫() راجع مذكرتنا " مقاصد الشريعة " نشر الجامعة المريكية المفتوحة بواشنطن‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪49‬‬
‫قال عبد الوهاب خلف‪ " :‬ومعرفة المقصد العام من التشريع من أهم ما‬
‫يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها‪ ،‬وتطبيقها على الوقائع‪ ،‬واستنباط‬
‫الحكم فيما ل نص فيه " (‪ )1‬لن دللة اللفاظ والعبارات على المعاني قد تحتمل‬
‫عدة وجوه‪ ،‬والذي يرجح واحدا من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع‪،‬‬
‫ولن بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها‪ ،‬والذي يرفع هذا التعارض ويوفق‬
‫بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع‪ ،‬ولن كثيرا من الوقائع‬
‫التي تحدث ربما ل تتناولها عبارات النصوص‪ ،‬وتمس الحاجة إلى معرفة‬
‫أحكامها بأي دليل من الدلة الشرعية‪ ،‬والهادي في هذا الستدلل هو معرفة‬
‫مقصد الشارع‪.‬‬
‫ولهذا يعنى رجال السلطة التشريعية في الحكومات الحاضرة بوضع‬
‫المذكرات التفسيرية‪ ،‬التي تبين المقصد من تشريع القانون بوجه عام‪ ،‬وتبين‬
‫المقصد الخاص من كل مادة من مواده‪ ،‬وهذه المذكرات التفسيرية وجميع‬
‫البحوث والمناقشات التي تبودلت أثناء تحضير القانون وتشريعه هي عون رجال‬
‫القضاء على فهم القانون وتطبيقه بنصوصه وروحه ومعقوله‪.‬‬
‫وكذلك نصوص الحكام الشرعية ل تفهم على وجهها الصحيح إل إذا‬
‫عرف المقصد العام للشارع من تشريع الحكام وعرفت الوقائع الجزئية التي من‬
‫أجلها نزلت الحكام القرآنية أو وردت السنة القولية أو العملية (‪.)2‬‬

‫() علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خلف‪ ،‬ص ‪.197‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ .198‬وهذا ل يعني إطلقا أننا نوافق على القوانين المخالفة للشريعة السلمية التي‬ ‫‪2‬‬

‫تصدرها بعض الحكومات‪ ،‬بل ندعو القانونيين دائما للرجوع إلى الشريعة السلمية وجعلها الساس في بناء‬
‫القوانين فهي ديننا وعقيدتنا ومنهج حياتنا الذي نسأل عنه يوم القيامة ‪...‬‬

‫‪50‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫اجتهاد الصحابة في النوازل‬

‫قال ابن القيم الجوزية في كتابه إعلم الموقعين‪ …" :‬وقد كان أصحاب‬
‫رسول ال يجتهدون في النوازل‪ ،‬ويقيسون بعض الحكام على بعض‪،‬‬
‫ويعتبرون النظير بنظيره "‪.‬‬
‫وقد اجتهد الصحابة ‪ -‬رضي ال عنهم جميعا ‪ -‬في زمن النبي في كثير‬
‫من الحكام ولم يعنّفهم‪ ،‬كما أمرهم يوم الحزاب أن يصلّوا العصر في بني‬
‫قريظة(‪ ،)1‬فاجتهد بعضهم وصلّها في الطريق‪ ،‬وقال‪ :‬لم يرد منا التأخير‪ ،‬وإنما‬
‫أراد سرعة النهوض‪ ،‬فنظروا إلى المعنى‪ ،‬واجتهد آخرون وأخّروها إلى بني‬
‫قريظة فصلوها ليلً‪ ،‬نظروا إلى اللفظ‪ ،‬وهؤلء سلف أهل الظاهر‪ ،‬وهؤلء سلف‬
‫أصحاب المعاني والقياس‪.‬‬
‫ولما كان علي باليمن أتاه ثلثة من نفر يختصمون في غلم‪ ،‬فقال كل‬
‫منهم‪ :‬هو ابني‪ ،‬فأقرع علي بينهم‪ ،‬فجعل الولد للقارع‪ ،‬وجعل عليه للرجلين ثلثي‬
‫الدية‪ ،‬فبلغ النبي فضحك حتى بدت نواذجه من قضاء علي (‪ ،)2‬واجتهد سعد‬
‫بن معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده‪ ،‬فصوبه النبي وقال‪ " :‬لقد‬
‫ح َكمْتَ فيهم بحكم ال من فوق سبع سماوات " (‪.)3‬‬
‫َ‬
‫واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر‪ ،‬فحضرت الصلة وليس معهما‬
‫ماء فصليّا‪ ،‬ثم وجدا الماء في الوقت‪ ،‬فأعاد أحدهما ولم يعد الخر‪ ،‬فصوبهما‬

‫() أخرجه البخاري في الجمعة باب صلة الطالب والمطلوب (‪ ،1/321 )904‬ومسلم في الجهاد والسير باب‬ ‫‪1‬‬

‫المبادرة بالغزو (‪ 1/1391 )1770‬من حديث ابن عمر – رضي ال عنهما ‪.-‬‬
‫() أخرجه البيهقي في السنن (‪ )10/276‬وقال‪ :‬فيه داود بن يزيد الودي غير محتج به‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري في الجهاد باب إذا نزل العدو على حكم رجل (‪ ،)2878‬ومسلم في الجهاد والسير باب‬ ‫‪3‬‬

‫جواز قتال من نقض العهد (‪ )1768‬من حديث أبي سعيد ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫النبي ‪ ،‬وقال للذي لم يعد‪ " :‬أصبت السنة‪ ،‬وأجزأتك صلتك " وقال للخر‪" :‬‬
‫لك الجر مرتين" (‪.)1‬‬
‫ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد‬
‫وأسامة – رضي ال عنهما ‪ -‬ابنه بعضها من بعض سرّ بذلك رسول ال حتى‬
‫برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق‪ ،‬وكان زيد أبيض وابنه‬
‫أسامة أسود‪ ،‬فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد‬
‫والبياض الذي ل تأثير له في الحكم(‪.)2‬‬
‫وقال أبو بكر الصديق في الكللة‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬فإن يكن صواباً‬
‫فمن ال‪ ،‬وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬أراه ما خل الوالد والولد(‪.)3‬‬
‫ستُخلِف عمر قال‪ :‬إني لستحيي من ال أن أردّ شيئا قاله أبو‬ ‫و لما ا ْ‬
‫بكر‪ ،‬وقال الشعبي عن شريح قال‪ :‬قال لي عمر‪ :‬اقض بما استبان لك من كتاب‬
‫ال‪ ،‬فإن لم تعلم كل كتاب ال فاقض بما استبان لك من قضاء رسول ال فإن‬
‫لم تعلم كل أقضية رسول ال فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين‪ ،‬فإن لم‬
‫تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك‪ ،‬واستشر أهل العلم والصلح ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وقد اجتهد ابن مسعود في المفوضة وقال‪ :‬أقول فيها برأيي‪ ،‬ووفّقه ال‬
‫للصواب‪ ،‬وقال سفيان عن عبد الرحمن الصبهاني عن عكرمة قال‪ :‬أرسلني ابن‬
‫عباس – رضي ال عنهما ‪ -‬إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫للزوج النصف‪ ،‬وللم ثلث ما بقي‪ ،‬وللب بقية المال‪ ،‬فقال‪ :‬تجده في كتاب ال‬
‫أو تقول برأيك؟ قال‪ :‬أقوله برأيي‪ ،‬ول أفضّل أماً على أب(‪.)5‬‬

‫‪ )( 1‬أخرجه الدارمي (‪ ،)771‬وأبو داود (‪ ،)338‬والنسائي (‪ ،)1/213‬والدارقطني (‪ ،)1/189‬قال أبو داود‪:‬‬


‫وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫‪ )( 2‬أخرجه البخاري في صفة النبي ‪ ، (3362( 3/1303‬ومسلم في الرضاع باب العمل بالحقاق القائف‬
‫(‪.2/1081 )1459‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه عبد الرزاق (‪ ،)19191‬وابن شيبة (‪ )11/415‬في مصنفيهما‪ ،‬والدارمي (‪ ،)3015‬وسعيد بن‬
‫منصور (‪ ،)591‬والبيهقي (‪ )6/224‬في سننهما ورجاله ثقات إل أنه منقطع‪ :‬الشعبي لم يدرك أبا بكر‪.‬‬
‫‪ )( 4‬أخرجه ابن عساكر في التاريخ (‪ )23/19‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )(5‬عون المعبود ‪ ،9/371‬إعلم الموقعين ‪.162 – 160 /1‬‬

‫‪52‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫طريقة الجتهاد في السلم‬
‫يقول تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر‬
‫منكم‪ ،‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال ورسوله ‪[ ‬النساء‪.]59 :‬‬
‫وبيّن رسول ال لمعاذ كيفية الجتهاد في النوازل في الحديث المشهور‪:‬‬
‫فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول ال لما أراد‬
‫أن يبعث معاذا إلى اليمن قال‪ " :‬كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ " قال‪:‬‬
‫أقضي بكتاب ال‪ ،‬وقال‪ " :‬فإن لم تجد في كتاب ال ؟ " قال‪ :‬فبسنة رسول ال‬
‫‪ ،‬قال‪ " :‬فإن لم تجد في سنة رسول ال ‪ ،‬ول في كتاب ال ؟ " قال‪ :‬اجتهد‬
‫رأيي ول آلو‪ ،‬فضرب رسول ال صدره وقال‪ " :‬الحمد ل الذي وفق رسول‬
‫رسول ال لما يرضي رسول ال " (‪.)1‬‬
‫وكذلك كان دأب الخلفاء إذا عرضت لهم نازلة‪ :‬فإنهم أول ما ينظرون فيه‬
‫كتاب ال‪ ،‬فإن لم يجدوا فيه حكما قضوا بالسنة فإن لم يكن في القرآن والسنة‬
‫حكم في ذلك المر‪ ،‬اجتمعوا ونظروا في المسألة بالجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه‪ " :‬إذا أتاك أمر فاقض فيه بما‬
‫في كتاب ال‪ ،‬فإن أتاك ما ليس في كتاب ال فاقض بما سن فيه رسول ال ‪،‬‬
‫فإن أتاك ما ليس في كتاب ال‪ ،‬ولم يسن فيه رسول ال فاقض بما اجتمع عليه‬
‫الناس إن أتاك ما ليس في كتاب ال ولم يسنه رسول ال ولم يتكلم فيه أحد فأي‬
‫المرين شئت فخذ به " (‪.)2‬‬

‫() أخرجه أحمد (‪ ،5/230 )22060‬وأبو داود في باب اجتهاد الرأي في القضاء (‪،3/303 )3592‬‬ ‫‪1‬‬

‫والترمذي باب ما جاء في القاضي كيف يقضي (‪ 3/616 )1327‬وقال‪ :‬وليس إسناده عندي بمتصل وصححه‬
‫ابن القيم وبسط القول فيه‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وعن عبيد ال بن أبي يزيد قال‪ " :‬سمعت ابن عباس إذا سئل عن شيء‪،‬‬
‫فإن كان في كتاب ال قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب ال وكان عن رسول ال‬
‫قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب ال ول عن رسول ال ‪ ،‬وكان عن أبي بكر‬
‫وعمر‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال به‪ ،‬فإن لم يكن في كتاب ال ول عن رسول ال‬
‫ول عن أبي بكر ول عن عمر اجتهد رأيه " (‪.)1‬‬

‫() أخرجه النسائي في سننه (‪ ،)5944‬والدارمي (‪ ،)167‬وابن أبي شيبة (‪ ،)7/241‬والبيهقي (‪،)10/110‬‬ ‫‪2‬‬

‫وصححه الضياء في المختارة (‪ ،)133‬والحافظ في موافقة الخبر الخبر (‪.)1/120‬‬


‫() أخرجه الدارمي (‪ )166‬وابن شيبة (‪ ،)7/242‬وابن سعد في الطبقات (‪ ،)2/366‬والحاكم (‪،)1/127‬‬ ‫‪1‬‬

‫والخطيب في الفقيه والمتفقه (‪ ،)2/202‬وجامع بيان العلم وفضله (‪ ،)2/849‬والبيهقي في السنن (‪)10/115‬‬
‫وصححه‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫ضوابط الجتهاد في النوازل‬

‫إن الجتهاد ضروري في هذا العصر‪ ،‬وأهميته واضحة لحياتنا السلمية‬


‫المعاصرة‪ ،‬وحتى يستطيع الفقه السلمي مواكبة العصر و يكون قادرا على‬
‫علج المشكلت والنوازل المتجددة وفقا لصول الشريعة السلمية ومقاصدها‬
‫" ل بد ونضع لـه المنهج القويم الذي يحكمه‪ ،‬ونوضح المعالم والضوابط التي‬
‫تنظم سيره وتحدد غايته وتضبط طريقه‪.)1( "...‬‬
‫إن الذي ينظر في النوازل لبد وأن يكون مسلحا بشروط الجتهاد التي‬
‫ذكرناها سابقا‪ ،‬كما أنه لبد وأن يكون مستحضرا لعدة أمور أخرى مثل‪ :‬فهم‬
‫واقع المسألة‪ ،‬و إعطاؤها حقها من الستيعاب والستيضاح‪ ،‬والستعانة بأهل‬
‫الخبرة والختصاص‪ ،‬و فهم مقاصد الشريعة في النازلة‪ ،‬وتحقيق المصالح التي‬
‫ل تصدم بالشرع‪ ،‬ومبدأ رعاية الضرورات والعذار وغير ذلك من القواعد‬
‫والمبادئ‪...‬‬
‫إن هذه القواعد التي سنذكر بعضا منها ستساعد المجتهد في الوصول‬
‫للحكم الصحيح للنازلة – بإذن ال وتوفيقه ‪ ،-‬وبالتالي نضمن فيما إذا التزم‬
‫المجتهد بها أن الجتهاد المعاصر يسير في الطريق الصحيح الذي رسمه السلم‬
‫للجتهاد والفقه والفتوى بعيدا عن الخطأ والزلل‪...‬‬
‫وفيما يلي أهم المعالم والضوابط للجتهاد والنظر في النوازل المعاصرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن ‪:‬‬

‫‪ )(1‬الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.87‬‬

‫‪55‬‬
‫إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة‪ :‬فعلى المجتهد إذا أراد النظر فيها أن‬
‫يستجمع كل ما يتعلق بها من‪ :‬آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار السلف‪ ،‬وأوجه‬
‫القياس الممكنة‪ ،‬ونواح لغوية‪ ،‬ويبحث عن حكم القضية المستجدة في اجتهادات‬
‫الئمة وكتب الفقه القديمة‪.‬‬
‫يقول المام الشافعي‪ ..." :‬ول يكون لحد أن يقيس حتى يكون عالما بما‬
‫مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلف العلماء ولسان‬
‫العرب ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات‪ ،‬ول يعجل‪ ،‬ول يمتنع من‬
‫الستماع ممن خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن كانت‪ ،‬وأن يبلغ غاية جهده‪،‬‬
‫وينصف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال‪.)1( "...‬‬
‫وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبدال بن المبارك يُسأل‪ :‬متى يسع‬
‫الرجل أن يفتي؟‪ ،‬قال‪ :‬إذا كان عالما بالثر بصيرا بالرأي " (‪.)2‬‬
‫قال ابن عبد البر‪ " :‬ل يكون فقيها في الحادث ما لم يكن عالما‬
‫بالماضي " (‪.)3‬‬
‫و كم من الم سائل والقضا يا يظن ها البا حث جديدة حاد ثة ف تبين ب عد الب حث‬
‫والتنقيب أنها ليست كذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬استفراغ الوسع ‪:‬‬
‫فل اجتهاد في أي قض ية من القضا يا إل ب عد ا ستفراغ الو سع‪ :‬وذلك بأن‬
‫يبذل المجتهد أقصى ما في وسعه في تتبع الدلة والبحث عنها في مظانّها وبيان‬
‫منزلتها‪ ،‬والموازنة بينها إذا تعارضت بالستفادة مما وضعه علماء الصول من‬
‫قواعد التعادل والترجيح(‪.)4‬‬
‫والتسـرع فـي إبداء الحكـم وعدم التثبـت والتروي فـي النازلة ممـا يوقـع‬
‫المجتهد في الخطأ‪.‬‬

‫الرسالة‪ :‬الشافعي‪ ،‬ص ‪.510‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫جامع بيان العلم وفضله ‪.2/47‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫إيقاظ الهمم‪ :‬صالح العمري‪ ،‬ص ‪.33‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪56‬‬
‫وإذا كانت النازلة غامضة أو غير مفهومة أو لم يعلم الفقيه حكمها فإنه ل‬
‫يحل لـه التسرع في إبداء الرأي فيها‪ ،‬بل لبد من سؤال أقرانه وطلب مساعدتهم‬
‫للوصول إلى الحق‪ ،‬ومتى أقدم على الفتوى وهو غير عالم فقد تعرض لعقوبة ال‬
‫ودخل تحت قوله تعالى‪  :‬إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم‬
‫والبغي بغير الحق‪ ،‬وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا‪ ،‬وأن تقولوا على ال‬
‫ما ل تعلمون ‪[ ‬العراف‪.]33:‬‬
‫وعن أبي هريرة قال النبي ‪ " :‬من أفتى بغير علم فإن إثمه على من‬
‫أفتاه " (‪ ،)1‬وعن ابن عباس قال‪ " :‬من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها‬
‫عليه " (‪.)2‬‬
‫إن الفتاوى تختلف في وزنها فمنها ما ل يحتاج إل قليل من التدبر‪ ،‬وهي‬
‫الفتاوى المطروقة الممهدة السبيل‪ ،‬التي أدلتها واضحة جلية يقع عليها النظر‬
‫بمجرد البحث عنها‪ ،‬ومنها ما يحتاج إلى تدقيق نظر وعمق بحث‪ :‬لنها تتطلب‬
‫وقتا‪ ،‬كما عرض للمام مالك – رحمه ال – فإنه روي أنه قال‪ :‬إني لفكر في‬
‫مسألة بضع عشرة سنة فما اتفق لي رأي إلى الن(‪.)3‬‬
‫لحَظ إذا توقف المام مالك وهو من هو في علمه وبعد نظره وسعة‬ ‫والمُ َ‬
‫مداركه‪:‬‬
‫قال عبد الرحمن بن مهدي‪ :‬جاء رجل إلى مالك‪ :‬فسأله عن شيء فمكث‬
‫أياما ما يجيبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا عبدال إني أريد الخروج‪ ،‬فأطرق طويلً ورفع رأسه‬
‫فقال‪ :‬ما شاء ال !‪ ،‬يا هذا إني أتكلم فيما احتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك‬
‫هذه(‪ ،)4‬وقال ابن وهب‪ :‬سمعت مالكا يقول‪ :‬العجلة في الفتوى نوع من الجهل‬
‫والخرق(‪.)5‬‬
‫() أخرجه أبو داود في كتاب العلم باب التوفي في الفتيا (‪ ،3/321 )3657‬وابن ماجة في أول كتاب منه باب‬ ‫‪1‬‬

‫اجتناب الرأي والقياس (‪ ،1/20 )53‬والحاكم ‪.1/102‬‬


‫جامع بيان العلم وفضله ‪ ،2/8‬سنن الدارمي ‪ ،1/58‬إعلم الموقعين ‪.2/199‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الموافقات ‪.4/286‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫إعلم الموقعين ‪.2/186‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المدخل إلى السنن الكبرى‪ :‬البيهقي ‪.1/437‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ -3‬التزام النصوص وعدم الجتهاد في المسائل القطعية ‪:‬‬
‫فعلى المجتهد في القضايا المستجدة اللتزام بما تدل عليه النصوص‬
‫الشرعية بحسب دللتها مباشرة أو بحسب ظواهرها العامة – أي بنصها أو‬
‫ظاهرها ‪: -‬‬
‫فإن أول ما يجب البحث فيه عن حكم المسألة هو في النصوص من كتاب‬
‫أو سنة‪ ،‬كما كان يفعل الصحابة الكرام في اجتهادهم بعد النبي صلى ال عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫وآله وسلم‪.‬‬
‫فل يجوز فتح باب الجتهاد في حكم ثبت بدللة القرآن القاطعة‪ ،‬مثل‬
‫فرضية الصيام على المة‪ ،‬أو تحريم الخمر‪ ،‬أو لحم الخنزير‪ ،‬أو أكل الربا‪ ،‬أو‬
‫إيجاب قطع يد السارق إذا انتفت الشبهات واستوفيت الشروط‪ ،‬ومثل توزيع تركة‬
‫الب الميت بين أولده للذكر مثل حظ النثيين‪ ،‬ونحو ذلك من أحكام القرآن‬
‫والسنة اليقينية‪ ،‬التي أجمعت عليها المة‪ ،‬وأصبحت معلومة من الدين‬
‫بالضرورة‪ ،‬وصارت هي عماد الوحدة الفكرية والسلوكية للمة‪.‬‬
‫ومقتضى هذا أل ننساق وراء المتلعبين الذين يريدون تحويل محكمات‬
‫النصوص إلى متشابهات‪ ،‬وقطعيات الحكام إلى ظنيات‪ ،‬قابلة للخذ والرد‪،‬‬
‫والرخاء والشد‪...‬‬
‫يجب أن نذكر أن مجال الجتهاد هو الحكام الظنية الدليل‪ ،‬أما ما كان‬
‫دليله قطعيا فل سبيل إلى الجتهاد فيه(‪ ،)2‬ويجب تطبيق الحكم الوارد فيه دون‬
‫تردد‪...‬‬
‫‪ -4‬مراعاة العراف والعادات ‪:‬‬
‫العرف‪ :‬هو ما اعتاده الناس‪ ،‬و ساروا عل يه‪ ،‬من كل ف عل شاع بين هم‪ ،‬أو‬
‫لفـظ تعارفوا إطلقـه على معنـى خاص ل تألفـه اللغـة‪ ،‬ول يتبادر غيره عنـد‬
‫سماعه‪ ،‬وهذا يشمل العرف العملي والعرف القولي‪.‬‬

‫‪ )(1‬سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪ )(2‬الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ ،‬ص ‪.92‬‬

‫‪58‬‬
‫والشارع الحكيم راعى الصحيح من عرف العرب في التشريع ففرض‬
‫الدية على العاقلة‪ ،‬وشرط الكفاءة في الزواج‪ ،‬واعتبر العصبية في الولية‬
‫والرث‪ ،‬والعرف حجة في الشريعة‪ ،‬فتفهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة‬
‫بدللة العرف القائم حين ورود النص‪ ،‬ول يلتفت لتبدل العراف‪ ،‬ويخصص‬
‫النص عند الحنفية والمالكية بالعرف العام العملي‪ ،‬فل تلزم المرأة الشريفة القدر‬
‫بإرضاع ولدها‪ ،‬ويقصد بالطعام الذي يحرم في الربا البُر‪ ،‬كما يخصص القياس‪،‬‬
‫ويترك النص المذهبي بالعرف الخاص المعارض له‪ ،‬فيحكم بطهارة خرء الحمام‬
‫(‪)1‬‬
‫في المسجد‪ ،‬وتصح الجارة المشروطة بشرط متعارف عليه‪...‬‬
‫ولهذا قال العلماء‪ :‬العادة محكمة‪ ،‬والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي‪،‬‬
‫وقالوا أيضا‪ :‬كل ما ورد به الشرع مطلقا ول ضابط له فيه ول في اللغة يرجع‬
‫فيه إلى العرف(‪ ،)2‬والمام مالك بنى كثيرا من أحكامه على عمل أهل المدينة‪،‬‬
‫والشافعي لما نزل بمصر غير بعض الحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في‬
‫العراق لتغير العرف وأصبح معروفا في المذهب الشافعي‪ :‬قال الشافعي في القديم‬
‫وقال الشافعي في الجديد‪ ،...‬وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف‬
‫منها‪ :‬إذا اختلف المتداعيان ول بينة لحدهما فالقول لمن يشهد له العرف(‪.)3‬‬
‫فعلينا ونحن نجتهد أن نعترف بما طرأ على حياتنا من تغيرات في الفكار‬
‫والعراف والعلقات والسلوك‪ ،‬وأن نقدر ظروف العصر وضروراته‪ ،‬وما عمت‬
‫به البلوى‪ ،‬وأن نطبّق على الواقع ما قرره علماؤنا من تغير الفتوى بتغير الزمان‬
‫والمكان والعرف والحال(‪.)4‬‬
‫ورحم ال ابن أبي زيد القيرواني صاحب " الرسالة " المشهورة في الفقه‬
‫المالكي‪ ,‬حيث كان يسكن في أطراف المدينة‪ ،‬فاتخذ كلبَا للحراسة فقيل لـه‪:‬‬

‫‪ )(1‬سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ )( 2‬الشباه والنظائر‪ :‬للسيوطي ‪ ،1/98‬حواشي الشرواني ‪ ،2/397‬القناع ‪ ،24/284‬المغني ‪ ،4/18‬التمهيد‬
‫للسنوي ‪.1/230‬‬
‫‪ )(3‬التلقين ‪ ،2/433‬النصاف ‪.9/383‬‬
‫‪ )(4‬الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ ،‬ص ‪.96‬‬

‫‪59‬‬
‫كيف تفعل ذلك ومالك يكرهه؟ فقال‪ :‬لو كان مالك في زماننا لتخذ أسدا ضاريا‬
‫!(‪.)1‬‬
‫يقول ابن القيم الجوزية‪ " :‬تتغير الفتوى لتغير العرف والعادة " (‪.)2‬‬
‫ثم نقل رحمه ال قول المالكية في العرف حيث قال‪ " :‬قالوا‪ :‬وعلى هذا‬
‫أبدا تجيء الفتاوى في طول اليام‪ ،‬فمهما تجدد في العرف فاعتبره ومهما سقط‬
‫فألغه ول تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك‪ ،‬بل إذا جاءك رجل من غير‬
‫إقليمك يستفتيك فل تجره على عرف بلدك‪ ،‬وسله عن عرف بلده فأجره عليه‬
‫وأفته به‪ ،‬دون عرف بلدك المذكور في كتبك‪ ،‬قالوا‪ :‬فهذا هو الحق الواضح‬
‫والجمود على المنقولت أبدا ضلل في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين‬
‫والسلف الماضين‪ ،‬قالوا‪ :‬وعلى هذه القاعدة تخرج أيمان الطلق والعتاق وصيغ‬
‫الصرائح والكنايات‪ ،‬فقد يصير الصحيح كناية يفتقر إلى النية‪ ،‬وقد تصير الكناية‬
‫صريحا تستغني عن النية‪...‬‬
‫ثم عقب ابن القيم على هذا بما يلي‪ " :‬وهذا محض الفقه‪ ،‬ومن أفتى الناس‬
‫بمجرد المنقول في الكتب على اختلف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم‬
‫وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من‬
‫طبب الناس كلهم على اختلف بلدهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في‬
‫كتاب من كتب الطب على أبدانهم‪ ،‬بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل‬
‫أضر ما على أديان الناس وأبدانهم وال المستعان(‪.)3‬‬
‫‪ -5‬مراعاة الضرورة أو الحاجة ‪:‬‬
‫ولقد عرف العلماء الضرورة‪ " :‬ما يترتب على عدم مراعاتها خطر أو‬
‫ضرر شديد محقق كالموت جوعا "‪.‬‬
‫أما الحاجة‪ " :‬فهي ما يترتب على تركها مشقة وحرج أو عسر وصعوبة "‪.‬‬

‫‪ )(1‬كفاية الطالب الرباني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ :‬لبي الحسن المالكي ‪.2/648‬‬
‫‪ )(2‬إعلم الموقعين ‪.3/41‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق ‪.3/78‬‬

‫‪60‬‬
‫من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشريعة السلمية والتي ينبغي للمجتهد‬
‫في النوازل مراعاتها والهتمام بها‪ :‬موضوع الضرورات والحاجة والظروف‬
‫الستثنائية التي قد تعترض الناس في حياتهم اليومية‪ ،‬وقد شرعت الشريعة‬
‫السلمية أحكاما استثنائية مناسبة لتلك الحالت وفقا لتجاه الشريعة العام في‬
‫التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم‪ ،‬ولكونها شريعة تهتم بالواقع البشري‪.‬‬
‫ولقد استثنت حالت الضرورة في كثير من تشريعاتها‪ ،‬حتى يبقى المكلف‬
‫دائما داخل إطار الشريعة في كل أعماله(‪.)1‬‬
‫ومن الدلة على مراعاة الشريعة للضرورة قوله تعالى‪ :‬فمن اضطر غير‬
‫باغ ول عاد فل إثم عليه إن ال غفور رحيم ‪[ ‬البقرة‪.]173 :‬‬
‫وقولـه سبحانه‪  :‬وقد فصل لكم ما حرم عليكم إل ما اضطررتم إليه ‪‬‬
‫[النعام‪.]119 :‬‬
‫غبوق‬ ‫وعن سمرة بن جندب قال ‪ " :‬يجزئ من الضرورة صبوح أو‬
‫" (‪.)2‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تميمة‪ " :‬ومن استقرأ الشريعة في مواردها‬
‫ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى‪  :‬فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم‬
‫عليه ‪[ ‬البقرة‪ ،]173 :‬و قوله‪  :‬فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لثم فإن ال‬
‫غفور رحيم ‪[ ‬المائدة‪ ،]3 :‬فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه‬
‫معصية وهي ترك واجب أو فعل محرم – لم يحرم عليهم لنهم في معنى‬
‫المضطر الذي ليس بباغ و ل عاد " (‪.)3‬‬
‫القاعدة الفقهية المقررة تقول‪ " :‬الضرورات تبيح المحظورات" (‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬نظرية الضرورة الشرعية‪ :‬جميل محمد بن مبارك‪ ،‬ص ‪.31‬‬


‫‪ )( 2‬أخرجه الحاكم في مستدركه كتاب الطعمة ‪ ،4/125‬والبيهقي في سننه (‪ ،9/356 )19422‬ومعنى‬
‫الحديث‪ :‬أي إنما يحل للمضطر من الميتة أن يأكل منها ما يسد الرمق غداء أو عشاء وليس لـه أن يجمع‬
‫بينهما (النهاية في غريب الثر ‪.)3/83‬‬
‫‪ )(3‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪.29/64‬‬
‫‪ )( 4‬الدر المختار ‪ ،3/532‬حاشية الدسوقي ‪ ،1/150‬كشاف القناع ‪ ،1/398‬مجلة الحكام العدلية المادة ‪،21‬‬
‫ص ‪.18‬‬

‫‪61‬‬
‫وتطبيقات الضرورة أو الحاجة من النوازل والفتاوي كثيرة فيما يلي بعض‬
‫المثلة عنها‪:‬‬
‫‪-‬تناول بعض المآكل أو المشارب المحظورة لنقاذ النفس من‬
‫الهلك أو الموت جوعا‪ ،‬فيباح تناول شيء من الميتة أو‬
‫الخنزير أو الخمر‪ ،‬أو أخذ مال شخص آخر غير مضطر‬
‫مثله‪ ،‬لدفع خطر الهلك‪ ،‬إما محققا‪ ،‬أو بظن غالب‪ ،‬أو الوقوع‬
‫في وهن ل يحتمل‪.‬‬
‫‪-‬كشف العورات أمام الطبيب للعلج والمداواة‪.‬‬
‫‪-‬كما يباح النظر لوجه المرأة للمعاملة والشهاد والخطبة‬
‫والتعليم ونحوها‪ ،‬للحاجة لذلك‪ ،‬ولكن بقدر الحاجة في كل ما‬
‫ذكر‪ ،‬لن (الضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها)(‪.)1‬‬
‫‪ -6‬مراعاة تحقيق مصالح الناس ‪:‬‬
‫الشريعة السلمية التي خصها ال بالعموم لجميع الناس في كل زمان‬
‫ومكان وجعلها خاتمة الشرائع السماوية يرى الباحث في أحكامها أنها تساير‬
‫وتراعي مصالح الناس وتهدف إلى تحقيق هذه المصالح‪ :‬ومن مظاهر هذا المر‬
‫تدرجها في تشريع الحكام‪ ،‬ووجود النسخ في عصر الرسالة‪ ،‬فقد يشرع الشارع‬
‫حكما لملءمته للناس وقت التشريع أو لمقصد خاص ثم تزول ملءمته أو ينتهي‬
‫الغرض المقصود منه(‪ ،)2‬فينسخ ذلك الحكم بحكم آخر‪.‬‬
‫يقول تعالى‪  :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ‪[ ‬البقرة‪:‬‬
‫‪.]106‬‬
‫ومعنى هذا أن ال سبحانه وتعالى قد شرع بعض الحكام ثم أبطلها‬
‫ونسخها لما اقتضت المصلحة ذلك‪.‬‬

‫‪ )(1‬حواشي الشرواني ‪.1/118‬‬


‫‪ )(2‬راجع‪ :‬المدخل في الفقه السلمي‪ :‬د‪ .‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬ص ‪ 89‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫أما بعد عصر النبوة فإن التشريع جاء ليراعي مصالح الناس لن أحكامه‬
‫شرعت لعلل وحكم صرحت النصوص ببعضها وهذا التعليل يفيد أن الحكم يدور‬
‫مع علته وجودا وعدما‪ ،‬فإذا كانت المصلحة التي شرع لها الحكم دائمة ل تتغير‬
‫فل يتغير الحكم أبدا لعدم وجود ما يقضي التغيير‪ ،‬وإذا ثبت أنها تتغير تبعا لتغير‬
‫الظروف والحوال تغير الحكم معها وإل لم تكن فائدة من شرعيته‪.‬‬
‫ومن هنا منع عمر بن الخطاب سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن كان رسول‬
‫ال يعطيهم لما زال السبب(‪.)1‬‬
‫ولتحقيق مصالح الناس اختلف أسلوب التشريع ففي الشياء التي ل تتغير‬
‫مصالحها فصلها وبينها أجلى بيان كالعبادات وبعض النظمة المتعلقة بالسرة من‬
‫زواج وطلق وميراث كما حدد عقوبات لبعض الجنايات التي ل تتغير مفسدتها‬
‫على مر اليام‪ :‬كالقتل والزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف‪.‬‬
‫أما الشياء التي تتغير مصالحها أو تختلف باختلف الزمان كالمعاملت‪،‬‬
‫وما يتعلق بالنظام الجتماعي أتى التشريع على صفة قواعد عامة صالحة‬
‫للتطبيق ليطبقها المجتهدون وأولو المر حسبما تقتضيه مصالح الناس(‪.)2‬‬
‫لذا لبد على الفقيه النوازلي أن يراعي مصلحة الناس في اجتهاده في‬
‫النوازل لكن شرط أن ل تتعارض مصلحتهم مع أصل شرعي أو قاعدة محكمة‪.‬‬
‫وقد ألف العلماء قديما وحديثا كتبا كثيرة تبين ضوابط العمل بالمصلحة لبد‬
‫من مراجعتها والستفادة منها(‪.)3‬‬
‫يقول ابن القيم‪ " :‬إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد‬
‫في المعاش والمعاد وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل‬

‫‪ )(1‬مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪.33/94‬‬


‫‪ )( 2‬أنظر المدخل إلى الفقه السلمي‪ :‬محمود محمد الطنطاوي ص ‪ ،51‬والمدخل في الفقه السلمي‪ :‬د‪.‬‬
‫محمد مصطفى شلبي ص ‪.94 – 91‬‬
‫‪ )( 3‬يراجع‪ :‬رعاية المصلحة في الشريعة السلمية‪ :‬علي الخفيف‪ ،‬المصلحة أساس التشريع السلمي‪ :‬زكريا‬
‫البري (المجلس العلى للشؤون السلمية)‪ ،‬نظرية المصلحة في الفقه السلمي‪ :‬حسين حامد حسان (مكتبة‬
‫المتنبي‪ :‬القاهرة)‪ ،‬ضوابط المصلحة في الشريعة السلمية‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي (مؤسسة الرسالة)‪،‬‬
‫المصلحة في التشريع السلمي ونجم الدين الطوفي (الزهر‪ ،‬العدد ‪ 10‬جمادى الولى ‪.)1374‬‬

‫‪63‬‬
‫مسألة خرجت عن العدل إلى الجور‪ ،‬وعن الرحمة إلى ضررها وعن المصلحة‬
‫إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة‪.)1( "...‬‬

‫‪ -7‬مراعاة أحوال التطور في روح العصر ‪:‬‬


‫يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي‪ " :‬يجب أل ننسى أننا في القرن‬
‫الخامس عشر الهجري‪ ،‬ل في القرن العاشر‪ ،‬ول ما قبله‪ ،‬وأن لنا حاجتنا‬
‫ومشكلتنا التي لم تعرض لمن قبلنا من سلف المة وخلفها‪ ،‬وأننا مطالبون بأن‬
‫نجتهد لنفسنا‪ ،‬ل أن يجتهد لنا قوم ماتوا قبلنا بعدة قرون‪ ،‬ولو أنهم عاشوا‬
‫عصرنا اليوم‪ ،‬وعانوا ما عانينا‪ ،‬لرجعوا عن كثير من أقوالهم‪ ،‬وغيروا كثيرا من‬
‫اجتهاداتهم‪ ،‬لنها قيلت لزمانهم‪ ،‬وليس لزماننا " (‪.)2‬‬
‫فل يجوز للمجتهد أن يتغافل عن روح العصر وحاجاته الذي تغير فيه كل‬
‫شيء‪ ،‬بعد عصر النقلب الصناعي‪ ،‬ثم عصر التقدم التكنولوجي‪ ،‬عصر غزو‬
‫الكواكب و"الكمبيوتر" وثورة البيولوجيا التي تكاد تغير مستقبل النسان؟!!‪.‬‬
‫ولمسايرة هذا التطور فل مانع من أن نقتبس من أنظمة الشرق أو الغرب‪،‬‬
‫ما ل يخالف عقيدتنا وشريعتنا‪ ،‬مما يحقق المصلحة لمجتمعنا‪ ،‬على أن نصبغه‬
‫بصبغتنا‪ ،‬ونضفي عليه من روحنا‪ ،‬حتى يغدو جزءا من نظامنا‪ ،‬ويفقد جنسيته‬
‫الولى‪ ،‬كما رأينا ذلك فيما اقتبسه المسلمون في العصور الذهبية من المم‬
‫الخرى(‪.)3‬‬
‫‪ -8‬الحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع ‪:‬‬
‫ففي الوقت الذي ندعو فيه إلى مراعاة أحوال التطور وروح العصر‬
‫والترحيب بالجديد النافع فإنه ينبغي أن نحذر من الوقوع تحت ضغط الواقع القائم‬
‫في مجتمعاتنا المعاصرة وهو واقع لم يصنعه السلم بعقيدته وشريعته وأخلقه‪،‬‬
‫‪ )( 1‬إعلم الموقعين ‪.3/3‬‬
‫‪ )(2‬الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪64‬‬
‫ولم يصنعه المسلمون بإرادتهم وعقولهم وأيديهم‪ ،‬إنما هو واقع صنع لهم‪ ،‬وفرض‬
‫عليهم‪ ،‬في زمن غفلة وضعف وتفكك منهم‪ ،‬وزمن قوة ويقظة وتمكن من عدوهم‬
‫المستعمر‪ ،‬فلم يملكوا أيامها أن يغيروه أو يتخلصوا منه‪ ،‬ثم ورثه البناء من‬
‫الباء‪ ،‬والحفاد من الجداد‪ ،‬وبقى المر كما كان‪.‬‬
‫فليس معنى الجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع على ما به‪ ،‬وجر‬
‫النصوص من تلبيبها لتأييده‪ ،‬وافتعال الفتاوى لضفاء الشرعية على وجوده‪،‬‬
‫والعتراف بنسبه مع أنه دعي زنيم‪.‬‬
‫إن ال جعلنا أمة وسطا لنكون شهداء على الناس‪ ،‬ولم يرض لنا أن نكون‬
‫ذيلً لغيرنا من المم‪ ،‬فل يسوغ لنا أن نلغي تميزنا ونتبع سنن من قبلنا شبرا‬
‫بشبر وذراعا بذراع‪.‬‬
‫وأدهى من ذلك أن نحاول تبرير هذا وتجويزه بأسانيد شرعية‪ ،‬أي أننا‬
‫نحاول الخروج على الشرع بمستندات من الشرع! وهذا غير مقبول(‪.)1‬‬

‫‪ )(1‬انظر الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط‪ ،‬ص ‪.93 – 92‬‬

‫‪65‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫منهج دراسة القضايا الفقهية‬

‫بعد أن عرفنا الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى للحكم في القضايا‬
‫المستجدة‪ :‬فيما يلي بيان للخطوات التي ينبغي أن يتبعها ذلك المتصدي ليكون‬
‫حكمه موفقا للصواب بإذن ال تعالى(‪.)1‬‬
‫‪ -1‬التجرد في دراسة النازلة‪ ،‬والخلص ل في ذلك‪ :‬وأن يكون الهدف من‬
‫وراء انشغاله بتلك النازلة هو إرضاء ال تعالى أولً وآخرا‪ ،‬ليس من أجل فلن‪،‬‬
‫أو لنصرة مذهب معين أو للوصول إلى مكانة أو رئاسة قال تعالى‪  :‬وما أمروا‬
‫إل ليعبدوا ال مخلصين لـه الدين ‪[ ‬البينة‪ ،]5 :‬يقول ابن القيم‪ " :‬فأما النية فهي‬
‫رأس المر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده‬
‫وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب‬
‫التوفيق وبعدمها يحصل الخذلن " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬على المجتهد إظهار الفتقار ل تعالى ملهم الصواب‪ :‬يقول ابن القيم‪:‬‬
‫" ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الفتقار الحقيقي ل‬
‫العلمي المجرد إلى ملهم الصواب‪ ،‬ومعلم الخير وهادي القلوب‪ :‬أن يلهمه‬
‫الصواب ويفتح لـه طريق السداد‪ ،‬ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه‬

‫() سيكون بحثي لهذا المنهج بشكل مختصر خشية التطويل‪ ،‬ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة المصادر‬ ‫‪1‬‬

‫التالية ( إعلم الموقعين لبن القيم الجوزية ‪ ،265 – 4/157‬منهج معالجة القضايا المعاصرة في ضوء‬
‫الفقه السلمي‪ :‬د‪ .‬محمد رواس قلعة جي ( مجلة كلية الدراسات السلمية والعربية العدد الخامس الصفحة‬
‫‪ ،)59‬المعاملت المالية المعاصرة في الفقه السلمي‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص ‪.)40‬‬
‫() إعلم الموقعين‪ :‬ابن القيم ‪.4/199‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫المسألة‪ ،‬فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق‪ ،)1( "...‬وكان سعيد بن‬
‫المسيب ل يفتي فتيا إل قال‪ " :‬اللهم سلمني " (‪.)2‬‬
‫‪ -3‬فقه حقيقة النازلة‪ :‬وذلك بتصورها تصورا واضحا‪ ،‬لن الحكم على الشيء‬
‫فرع عن تصوره‪ :‬وتحقق ذلك بثلثة أمور‪:‬‬
‫جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن‪ ،‬لتعرف حقيقتها وأقسامها‬ ‫أ‪-‬‬
‫ونشأتها والظروف المحيطة بها‪..‬‬
‫ب ‪ -‬سؤال أهل الختصاص والستعانة بهم في موضوع النازلة فإذا كانت‬
‫المسألة طبية فينبغي الرجوع للطباء والمختصين وهكذا‪...‬‬
‫ج ‪ -‬تحليل القضية المركبة إلى عناصرها الساسية التي تتكون منها‪:‬‬
‫فعلى المجتهد أن يتأمل النازلة تأملً شافيا حتى ولو بدت من أول وهلة‬
‫أنها سهلة ميسر الحكم فيها‪ ،‬وذلك لن التسرع في إبداء الحكم وعدم التثبت من‬
‫النازلة طويلً‪ ،‬كثيرا ما يوقع المجتهد في الخطأ‪ :‬فعن ابن عباس قال‪ " :‬من‬
‫أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه" (‪.)3‬‬
‫‪-4‬تكييف النازلة تكييفا فقهيا‪ :‬والمراد بالتكييف الفقهي للمسألة‪ :‬تحريرها‪،‬‬
‫وتصورها التصور الكامل‪ ،‬وتحرير الصل الذي تنتمي إليه(‪ ،)4‬وهذا التكييف يفيد‬
‫في تحرير مسار البحث بتعيين مصادره المعينة في معرفة الحكم‪ ،‬كما أنه يضيق‬
‫دائرة البحث في المصادر والمراجع الواسعة(‪.)5‬‬
‫‪ -5‬عرض النازلة على المصادر الشرعية من الكتاب والسنة والجماع‪ ،‬كما‬
‫فعل الصحابة والتابعين ‪ -‬رضي ال عنهم ‪ ،-‬وقد ل يجد الباحث نصا صريحا‬

‫‪ )(1‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ )( 2‬أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ‪ ،3/511‬والفسوي في المعرفة والتاريخ ‪ ،1/256‬والبيهقي في المدخل‬
‫(‪.)824‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه إسحاق في مسنده (‪ ،)335‬والدارمي في السنن (‪ ،)160‬والخطيب في الفقيه والمتفقه (‪،)2/155‬‬
‫وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ‪ ،2/8‬والبيهقي في المدخل (‪ )186‬وإسناده صحيح‪.‬‬
‫‪ )(4‬معجم لغة الفقهاء‪ :‬محمد رواس قلعه جي ود‪ .‬حامد قنيبي‪ ،‬ص ‪.143‬‬
‫‪ )(5‬مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪.‬ناصر العمر (‪.)www.almoslim.net‬‬

‫‪67‬‬
‫في المسألة لنها نازلة‪ ،‬ولكنه قد يجد دللة النصوص عليها باللتزام أو‬
‫(‪)1‬‬
‫التضمن‪...‬‬
‫‪ -6‬عرض النازلة على أقوال الصحابة واجتهاداتهم‪ :‬فقد كان عمر ينظر في‬
‫كتاب ال وسنة رسول ال فإن لم يجد‪ ،‬نظر في قضاء أبي بكر ‪ ،‬وكان‬
‫(‪)2‬‬
‫التابعون ينظرون في اجتهادات الصحابة‪...‬‬
‫‪ -7‬البحث في حكم النازلة في اجتهادات الئمة‪ :‬قال ابن البر‪ " :‬ل يكون فقيها‬
‫في الحادث ما لم يكن عالما بالماضي " (‪ ،)3‬وللباحث حين إذن حالن‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يجد نصها في النازلة ذاتها وذلك مثل بنوك الحليب‪ ،‬فقد تكلم‬
‫ابن قدامه في المغني في كتاب الرضاع عن مسألة مشابهة جدا لهذه النازلة‪،‬‬
‫وكذلك نازلة عقد التأمين فقد تكلم عليه ابن عابدين في معرض كلمه عن‬
‫السوكرة ‪.‬‬
‫الثانية أن ل يجد الباحث نصا في النازلة بذاتها ولكنه يجد نصا قريبا منها‬
‫فحينئذ يتمكن بواسطته من فهم النازلة‪ ،‬أو يخرجها على مسألة من المسائل التي‬
‫قد تتفرع عنها فيسهل الحكم عليها(‪.)4‬‬
‫‪ -8‬البحث في قرارات المجامع الفقهية والندوات الفقهية المتخصصة‪ :‬والتي‬
‫يصدر عنها قرارات وفتاوى فقهية تغني الباحث وترضيه‪.‬‬
‫‪ -9‬البحث في الرسائل العلمية المتخصصة كرسائل الدكتوراه والماجستير في‬
‫علوم الشريعة وخاصة فيما يتعلق بالنوازل المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -10‬إذا لم يجد الباحث حكما للنازلة فيما سبق من خطوات فإنه يعيد النظر في‬
‫النازلة‪ ،‬ثم يفترض فيها أقسام الحكم التكليفي من وجوب أو ندب أو إباحة أو‬
‫تحريم‪.‬‬

‫انظر المعاملت المالية المعاصرة‪ ،‬ص ‪.40‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫إعلم الموقعين ‪.4/119‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫جامع بيان العلم وفضله (‪.)2/47‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪ .‬ناصر العمر (‪.)www.almoslim.net‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪68‬‬
‫ويبحث في كل افتراض ما يترتب عليه مصالح ومفاسد ويوازن بينهما‬
‫مراعيا عند إجراء تلك الموازنة القواعد التالية‪:‬‬
‫‪-1‬عدم مصادمة النصوص الشرعية‪.‬‬
‫‪-2‬اعتبار مقاصد الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪-3‬درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض‪.‬‬
‫‪-4‬الضرورات تبيح المحظورات‪.‬‬
‫‪-5‬الضرورة تقدر بقدرها‪.‬‬
‫‪-6‬رفع الحرج‪.‬‬
‫‪ -11‬وإذا لم يتوصل الباحث إلى حكم شرعي في النازلة توقف فيها لعل ال‬
‫يهيئ من العلماء من يتصدى للفتاء فيها(‪.)1‬‬

‫() انظر‪ :‬المعاملت المعاصرة في الفقه السلمي ص ‪ ،46 – 44‬مقدمة في فقه النوازل‪ :‬د‪ .‬ناصر العمر‬ ‫‪1‬‬

‫(‪.)www.almoslim.net‬‬

‫‪69‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫الجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬

‫المطلب الول‬
‫تعريف الجتهاد الجماعي‬

‫الجتهاد الفردي‪ :‬أن يبذل أحد المجتهدين غاية وسعه في استنباط حكم‬
‫شرعي من أدلته في مسألة من المسائل‪ ،‬أما الجتهاد الجماعي فهو‪ " :‬اتفاق أكثر‬
‫من مجتهد بعد تشاور بينهم على حكم شرعي مع بذلهم غاية وسعهم في استنباطه‬
‫من أدلته" (‪.)1‬‬
‫وقال الدكتور شعبان محمد إسماعيل في تعريف الجتهاد الجماعي‪ " :‬وهو‬
‫الذي يتشاور فيه أهل العلم في القضايا المطروحة‪ ،‬وخصوصا فيما يكون لـه‬
‫طابع العموم يهم جمهور الناس " (‪.)2‬‬
‫ولقد كان الجتهاد الجماعي معروفا عند الصحابة فقد كانوا إذا نزلت بهم‬
‫نازلة اجتمع أهل العلم والرأي منهم وتشاوروا في حكم تلك المسألة وغالبا ما‬
‫كانوا يتفقون على رأي واحد فيها والمثلة على ذلك كثيرة‪.‬‬
‫ثم اتسم الجتهاد بالطابع الفردي بعد أن كان شورى بين الصحابة‪ :‬عن‬
‫ميمون بن مهران أنه قال‪ :‬كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم‪ :‬نظر في‬
‫كتاب ال فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به‪ ،‬وإن لم يكن في الكتاب‪ ،‬وعلم‬
‫من رسول ال في ذلك المر سنة قضى بها‪ ،‬فإن أعياه خرج فسأل المسلمين‬
‫وقال‪ :‬أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول ال قضى في ذلك بقضاء؟ فربما‬
‫اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول ال فيه قضاء‪ ،‬فيقول أبو بكر‪ :‬الحمد ل‬
‫() من كتاب خاص أصدرته جامعة المارات العربية المتحدة بعنوان‪ :‬الجتهاد الجماعي في العالم السلمي‬ ‫‪1‬‬

‫‪.1/31‬‬
‫() الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ :‬د‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪70‬‬
‫الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا‪ ،‬فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول ال ‪:‬‬
‫جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(‪.)1‬‬
‫ومما يؤيد ويدلل على الجتهاد الجماعي ما روي عن علي بن أبي طالب‬
‫قال‪ :‬قلت يا رسول ال‪ :‬إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره ول‬
‫سنة كيف تأمرني؟ قال‪ :‬تجعلونه شورى بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين‪،‬‬
‫ول تقضي فيه برأيك خاصة " (‪.)2‬‬
‫وكان عمر بن الخطاب إذا لم يجد في المسألة كتابا ول سنة ول قضاء‬
‫من أبي بكر دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على‬
‫أمر قضى به(‪.)3‬‬
‫وقد حرص عمر على أن يكون هذا المنهج الجماعي في الجتهاد هو‬
‫السلوب الذي ينبغي أن يسير عليه ولة المور في القاليم‪ :‬فقد كان يوصي‬
‫ولته باتباع هذا السلوب ومن ذلك ما قاله لشريح‪ ،..‬وروى الدارمي عن‬
‫المسيب بن رافع قال‪ :‬كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول ال أثر‬
‫اجتمعوا لها وأجمعوا فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا " (‪.)4‬‬
‫يقول المام مالك رحمه ال‪ :‬إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة‬
‫– رضي ال عنهم ‪ -‬كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم‬
‫(‪)5‬‬
‫النبي وكانوا يجمعون أصحاب النبي ويألون ثم حينئذ يفتون فيها بمعنى‬
‫أنه إذا نزلت نازلة أو واقعة ليس عندهم فيها نص عن ال تعالى ول عن سنة‬
‫رسول ال جمعوا لها الصحابة ثم جعلوها شورى بينهم عملً بقوله تعالى ‪ :‬‬

‫‪ )( 1‬أخرجه الدارمي (‪ ،)161‬والبيهقي في السنن (‪ ،)10/114‬وابن عساكر ‪ 30/327‬ورجاله ثقات إل أنه‬


‫منقطع‪ ،‬وميمون بن مهران لم يدرك أبا بكر‪.‬‬
‫‪ )( 2‬أخرجه الدارقطني في غرائب مالك والخطيب في كتاب الرواة عن مالك (لسان الميزان ‪ ،)3/78‬وفي‬
‫الفقيه والمتفقه (‪ ،)1/190‬وابن عيد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪ ،)2/852‬وقال الدارقطني‪ :‬ل يصح‬
‫تفرد به إبراهيم بن أبي الفياض عن سليمان ومن دون مالك ضعيف‪ ،‬وقال الخطيب‪ :‬ل يثبت عن مالك‪،‬‬
‫وقال ابن عبد البر وابن القيم‪ :‬فيه البرقي وسليمان بن الربيع ليسا بالقويين ول ممن يحتج بهما ول يعول‬
‫عليهما‪.‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه البيهقي في المدخل (‪.)803‬‬
‫‪ )(4‬أخرجه الدارمي (‪ )115‬وفي إسناده هشيم وهو مدلس وقد عنعنه وبقية رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪ )(5‬إعلم الموقعين ‪.1/84‬‬

‫‪71‬‬
‫المر ‪‬‬ ‫وأمرهم شورى بينهم ‪[ ‬الشورى‪ ،]38 :‬وقولـه سبحانه‪  :‬وشاورهم في‬
‫[آل عمران‪.]159 :‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أهمية الجتهاد الجماعي في هذا العصر‬

‫إذا كان الجتهاد ‪ -‬بصفة عامة – في هذا العصر ضرورة ملحة‪ ،‬فإن‬
‫الجتهاد الجماعي أشد حاجة وأكثر إلحاحا للسباب التالية ‪:‬‬
‫أولً‪ -‬الجتهاد الجماعي العلج المناسب للقضايا المعاصرة ‪:‬‬
‫ظهرت في هذا العصر العديد من القضايا التي صاحبت النمو وتطوير‬
‫الحياة‪ ،‬مثل التعامل مع المصارف‪ ،‬والعقود القتصادية الحديثة‪ ،‬ومسائل التأمين‬
‫بأنواعه المختلفة‪ ،‬وإجراء العقود بوسائل التصال الحديثة (النترنت‪ ،‬التلفون‪،‬‬
‫الفاكس ‪.)...‬‬
‫ومثل مسائل التبرع بالعضاء‪ ،‬وقتل الرحمة‪ ،‬والستنساخ ‪ ،‬والتجنس‬
‫بالجنسية الجنبية‪ ،‬ومشاركة المرأة السياسية‪...‬‬
‫وغير ذلك من المسائل المستحدثة التي ل يكفي فيها الجتهاد الفردي‪ ،‬بل‬
‫لبد فيها من التشاور(‪ )1‬والبحث العميق للوصول للحكم الصحيح فيها وذلك‪:‬‬
‫لن هذه المستجدات تكون في الغالب قضايا عامة يهم تنظيمها كل المجتمع‬
‫و يمس أثرها كل فرد في علقته بالخرين‪ ،‬والخطأ فيها يصيب أثره عموم‬
‫الناس‪ ،‬لذلك كان من الجدى أن يكون الجتهاد في مثل هذه القضايا جماعيا لما‬
‫فيه من دقة في البحث‪ ،‬وشمول في النظر وتمحيص للرأي‪ ،‬يتبلور ذلك من خلل‬
‫اشتراك جمع من العلماء في النقاش وتبادل الراء فيأتي حكمهم أكثر دقة في‬
‫الستنباط وأكثر قربا للصواب من الجتهاد الفردي‪.‬‬
‫ولن الكثير من هذه القضايا المستجدة قد يحيط بها الكثير من الملبسات‬
‫والتشعبات ممـا يجعـل القدرة على فهـم كـل جوانبهـا ومتعلقاتهـا ل يكتمـل إل أن‬

‫‪ )(1‬الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقيه في تطبيقه‪ :‬د ‪ .‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬ص ‪.120 – 119‬‬

‫‪72‬‬
‫يكون جماعيا‪ ،‬ح يث ي صعب على فرد ا ستيعاب كل ما تتطل به تلك القضا يا من‬
‫علوم ومعارف‪.‬‬
‫فالجتهاد الجماعي هو القدر على علج قضايا المة في زمن تعددت فيه‬
‫الخبرات وتشعبت فيه العلوم وتعقدت المعاملت أشد التعقيد‪ ،‬وتغيرت التصورات‬
‫الجتماعية للنظمة القانونية‪ ،‬وأصبح الفقير مهما كان علمه وجودة قريحته ل‬
‫مفر لـه من الستعانة بذوي الخبرة والختصاص في كل فن وفي كل علم(‪،)1‬‬
‫والستعانة بإخوانه من العلماء حتى في مجاله الشرعي فقد يتبدى لغيره ما يغيب‬
‫عنه فيسترشد بتلك الراء وتتلقح الفكار وتتجمع على رأي واحد صواب بإذن‬
‫ال تعالى‪.‬‬

‫ثانيا – تحقيق مبدأ الشورى ‪:‬‬


‫فمن خلل الجتهاد الجماعي نطبق المبدأ السلمي العظيم الذي أمرنا به‬
‫ال سبحانه وتعالى في قولـه‪  :‬وأمرهم شورى بينهم ‪[ ‬الشورى‪ ،]38 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ‬وشاورهم في المر ‪[ ‬آل عمران‪.]159 :‬‬
‫وبالتالي نحقق ما أرشد إليه المصطفى الكريم فيما رواه سعيد بن المسيب‬
‫عن علي بن أبي طالب قال‪ :‬قلت يا رسول ال المر ينزل بنا‪ ،‬لم ينزل فيه‬
‫قرآن ولم تمض فيه منك سنة ؟ قال‪ " :‬أجمعوا لـه العالمين – أو قال العابدين ‪-‬‬
‫من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم‪ ،‬و ل تقضوا فيه برأي واحد " (‪.)2‬‬
‫وهذا ما سار عليه الخلفاء والتابعون‪ ...‬ومما ل شك فيه أن الشورى بين‬
‫العلماء في المسائل المستجدة يحقق فوائد كثيرة أهمها‪ :‬تقريب وجهات النظر‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتقليل مساحة الخلف وتمحيص الراء و تلقح الفكار‪...‬‬

‫‪ )(1‬الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي‪ :‬الزميل د‪ .‬عبد المجيد السوسوة‪ ،‬ص ‪.88 – 87‬‬
‫‪ )(2‬سبق تخريج الحديث‪.‬‬
‫‪ )(3‬الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي‪ ،‬ص ‪.79 – 78‬‬

‫‪73‬‬
‫فالشورى فضيلة إنسانية‪ ،‬والطريق الصحيح لمعرفة أصوب الراء‪،‬‬
‫والوصول إلى الحقيقة وجلء المر‪ ،‬لن العقول كالمصابيح إذا اجتمعت ازداد‬
‫النور ووضح السبيل‪ ،‬ومبدأ الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن‬
‫يكون نظاما أساسيا للدولة إذ هو طابع أساسي للجماعة كلها(‪.)1‬‬

‫ثالثا ‪ -‬الدقة والصواب ‪:‬‬


‫يتميز الجتهاد الجماعي عن الجتهاد الفردي بأنه أكثر استيعابا وإلماما‬
‫بالقضية المطروحة للنظر والجتهاد‪ ،‬وأكثر شمولية في فهم كل جوانبها‬
‫وملبساتها‪...‬‬
‫كما أن عمق النقاش فيه ودقة التمحيص للراء والحجج يجعل استنباط‬
‫الحكم أكثر دقة وأقرب للصواب(‪.)2‬‬
‫يقول الشيخ القرضاوي‪ ..." :‬فرأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي‬
‫الفرد‪ :‬مهما عل كعبه في العلم‪ ،‬فقد يلمح شخصا جانبا في الموضوع ل ينتبه له‬
‫آخر‪ ،‬وقد يحفظ شخص ما يغيب عن غيره‪ ،‬وقد تبرز المناقشة نقاطا كانت‬
‫خافية‪ ،‬أو تجلى أمورا كانت غامضة‪ ،‬أو تذكر بأشياء كانت منسية وهذه من‬
‫بركات الشورى ومن ثمار العمل الجماعي " (‪.)3‬‬

‫رابعا – تعويض عن توقف الجماع ‪:‬‬


‫لتحقق الجماع شروط يقول بعض العلماء بعدم تحققها في هذا العصر‪ :‬لذا‬
‫نرى أن الجتهاد الجماعي يعوض في التشريع ما قد يتعذر تحققه لغياب الجماع‬
‫والجتهاد معا‪ ،‬وهو بذلك يعيد للفقه حيويته وقدرته على مواجهة المشكلت‬
‫بحلول شرعية صحيحة‪.‬‬

‫‪ )(1‬الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ )(2‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.79‬‬
‫‪ )(3‬لقاءات ومحاورات‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪74‬‬
‫ويرى بعض المفكرين أن الجتهاد الجماعي يمكن أن يكون هو الجسر‬
‫الذي يوصل إلى الجماع التام‪ ،‬وذلك أن الحكم الذي يتوصل إليه بالجتهاد‬
‫الجماعي يمكن عرضه على بقية العلماء المجتهدين فإن وافقوا عليه صراحة كان‬
‫ذلك إجماعا صريحا‪ ،‬وإن سكتوا بعد علمهم كان إجماعا سكوتيا(‪.)1‬‬
‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ ..." :‬وإذا اتفق علماء مجمع على رأي في‬
‫مسألة من المسائل الجتهادية اعتبر هذا إجماعا من مجتهدي العصر لـه حجيته‬
‫وإلزامه " (‪.)2‬‬

‫خامسا – الجتهاد الجماعي يوجد التكامل ‪:‬‬


‫يحقق لنا الجتهاد الجماعي التكامل في الجتهاد على مستويين‪ :‬مستوى‬
‫المجتهد‪ ،‬ومستوى النظر في القضية محل الجتهاد‪.‬‬
‫أما التكامل على مستوى المجتهد‪ :‬فإن مما ل شك فيه أن تحقق الشروط‬
‫الموضوعة لبلوغ درجة المجتهد المطلق صعبة المنال في عصرنا هذا‪ ،‬لذلك ففي‬
‫الجتهاد الجماعي يكمل العلماء بعضهم بعضا ويحققوا لنا بمجموعهم مستوى‬
‫المجتهد المطلق‪ ،‬وما أحوجنا إلى هذا النوع من الجتهاد التكاملي وخاصة صار‬
‫من المتعذر اليوم توافر المجتهد المطلق وكاد أن يتعذر المجتهد الجزئي‪ :‬فصار‬
‫الجتهاد الجماعي هو الذي يسد لنا هذا النقص‪...‬‬
‫أما التكامل على مستوى الموضوع فيتجلى في أن قضايانا اليوم قد شملها‬
‫الكثير من التداخل بين علوم متعددة وتتجاذبها علوم شتى من الجتماع والقتصاد‬
‫والسياسة والقانون والطب والتربية‪ :‬ول يمكن لعالم الشرع المتخصص النظر‬
‫فيها لوحده‪ :‬بل ل بد من النظر فيها من خلل كل العلوم المتصلة بتلك القضية‬
‫وهذا متعذر أن يقوم به فرد لنه ليس بالمكان أن يجمع شخص واحد بين‬
‫معارف كثيرة في آن واحد‪ ،‬فكان لبد من أن يكون الجتهاد في هذه القضايا من‬

‫‪ )(1‬الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي ص ‪ ،83‬فقه الشورى والستشارة‪ :‬توفيق الشاوي ص ‪.186‬‬
‫‪ )(2‬الجتهاد في الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.182‬‬

‫‪75‬‬
‫خلل مجموعة من العلماء المتخصصين تتكامل فيهم المعارف والثقافة‪ :‬فيكمل‬
‫أعضاء المجلس بعضهم بعضا وبالتالي تحدث الحاطة التامة بالمسألة من جميع‬
‫جوانبها وملبساتها ومتعلقاتها(‪.)1‬‬

‫سادسا – سبيل من سبل توحيد المة ‪:‬‬


‫الجتهاد الجماعي طريق إلى وحدة المة السلمية‪ ،‬ووحدة المشاعر‬
‫الجماعية من خلل عرض المشكلت العامة‪ ،‬وتبادل الرأي والحوار‪.‬‬
‫والمة السلمية أحوج ما تكون إلى اجتماع كلمتها واتحاد رؤيتها في ما‬
‫يحل مشاكلها‪ ،‬لتبني على ذاك توحدها في المواقف والتعاملت ولن يتأتى ذلك إل‬
‫إذا كانت حلولها لمشاكلها وقضاياها العامة نابعة من رؤية جماعية تسعى إلى‬
‫(‪)2‬‬
‫جمع الكلمة وتوحيد الصف بعيدا عن الرؤى الفردية المتنافرة‪...‬‬
‫ولقد أثبت التاريخ أن الفوضى التشريعية في الفقه السلمي كان من أكبر‬
‫أسبابها الجتهاد الفردي – المتضارب والمتناقض ‪ -‬حيث تشعبت الراء وكثرت‬
‫الختلفات التي فرقت المة إلى مذاهب وشيع‪.‬‬
‫وباجتهاد الجماعة التشريعية المتوافرة في أفرادها شرائط الجتهاد تُنفى‬
‫الفوضى التشريعية وتشعب الخلفات‪ ،‬وباستخدام الطرق والوسائل التي مهدها‬
‫الشرع السلمي للجتهاد الجماعي يؤمن الشطط ويسار على سنن الشرع في‬
‫(‪)3‬‬
‫تشريعه وتقنينه‪...‬‬

‫‪ )(1‬الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي‪ ،‬ص ‪.90‬‬


‫‪ )(2‬الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ )(3‬مصادر التشريع فيما ل نص فيه‪ :‬عبد الوهاب خلف‪ ،‬ص ‪.13‬‬

‫‪76‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫ظهور المجامع الفقهية‬

‫وتلبية لهذه الحاجة الماسة للجتهاد الجماعي ظهر في عصرنا الحالي ما‬
‫يسمى بالمجامع الفقهية‪ :‬وهي هيئات تجمع عددا ل بأس به من العلماء يدرسون‬
‫القضايا والنوازل المطروحة وبعد البحث والتمحيص والتنقيب والمناقشة‬
‫الجماعية يتم إصدار الحكم الشرعي في تلك القضايا‪ ،‬وفيما يلي نبذة مختصرة‬
‫عن أهم هذه المجامع‪:‬‬
‫‪ -1‬مجمع البحوث السلمية بمصر ‪:‬‬
‫أنشئ مجمع البحوث السلمية سنة ‪ 1961‬ليحل محل جماعة كبار العلماء‬
‫في مصر ويتألف من عدد ل يزيد على خمسين عضوا من كبار علماء السلم‬
‫يمثلون جميع المذاهب السلمية‪ ،‬ولهذا المجمع بحوثه الفقهية القيمة‪ ،‬وهي تعد‬
‫من المراجع المهمة في القضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -2‬مجمع الفقه السلمي الدولي بجدة ‪:‬‬
‫لما انعقد مؤتمر القمة السلمي الثالث بمكة المكرمة سنة ‪ 1401‬هـو‬
‫أصدر قراره التاريخي بإنشاء مجمع رسمي يطلق عليه‪" :‬مجمع الفقه السلمي"‬
‫يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين البارزين في شتى مجالت المعرفة‬
‫الفقهية والثقافية والعلمية من مختلف أنحاء العالم السلمي لدراسة مشكلت‬
‫الحياة المعاصرة‪ ،‬والجتهاد فيها اجتهادا أصيلً فعالً يهدف إلى تقديم الحلول‬
‫النابعة من التراث السلمي والمتفتحة على تطور الفكر النساني‪.‬‬
‫ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في مكة المكرمة في شعبان ‪ 1403‬هـو‬
‫ولقد نص على أن من الهداف التي أنشئ المجمع من أجلها‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫‪-1‬بيان الحكم الشرعي في القضايا الطارئة التي ل نص فيها ول إجماع‬
‫والتي اختلفت فيها الراء ولم يتبين الوجه السديد الذي تطمئن إليه‬
‫النفوس ويمكن اعتماده بشأنها‪.‬‬
‫‪ -2‬شد المة السلمية إلى شريعتها السمحة وتمكينها من حل مشاكلها‬
‫عن طريق المنهج الجيد للفقه السلمي والستخدام الصحيح لقواعده‬
‫والخضوع في ذلك كله لسرار التشريع السلمي ومقاصده‪.‬‬
‫‪ -3‬جمع كلمة المة السلمية بالهتمام بمشاكلها وتدبر أحوالها ودراسة‬
‫أوضاعها وفحص قضاياها‪ ،‬قصد إيجاد الحلول المناسبة لها عن‬
‫طريق الجتهاد الجماعي‪ :‬في مجمع فقهي يضم علماء ومجتهدين من‬
‫مختلف القطار السلمية كما يضم أصحاب الختصاص والخبرة‬
‫الذين يدعون للمشاركة في كل دورة أو ندوة‪.‬‬
‫‪ -3‬المجمع الفقهي السلمي التابع لرابطة العالم السلمي بمكة المكرمة ‪:‬‬
‫أوصت المانة العامة لرابطة العالم السلمي في عام ‪ 1383‬هـو بإنشاء‬
‫هيئة فقهية تضم جماعة من العلماء والفقهاء المحققين الجديرين بالفتاء‪ ،‬من‬
‫مختلف أنحاء العالم السلمي‪ ،‬يتولون دراسة أمور واقع المة السلمية‬
‫والمشكلت الطارئة التي تواجهها في أمور حياتها وإيجاد الحلول الصحيحة على‬
‫أساس كتاب ال العزيز والسنة النبوية المطهرة والجماع وبقية المصادر المعتمدة‬
‫في الفقه والتشريع السلمي العظيم‪.‬‬
‫ومن الهداف التي أنشئ من أجلها المجمع الفقهي برابطة العالم السلمي‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬إحياء التراث الفقهي ونشره‪.‬‬
‫‪-2‬إبراز تفوق الفقه السلمي على جميع القوانين الوضعية المنتشرة‬
‫في العالم‪.‬‬
‫‪-3‬درا سة جم يع ما يوا جه العالم ال سلمي من م سائل م ستجدة وبيان‬
‫حكم الشريعة فيها على هدي الكتاب والسنة والجماع والقياس‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ولقد عقد مجلس المجمع عددا ل بأس به من الدورات التي درس فيها‬
‫موضوعات كثيرة أصدر بعد إتمام دراستها القرارات والفتاوى المناسبة لها(‪.)1‬‬
‫‪ -4‬هيئة كبار العلماء بالرياض ‪:‬‬
‫أنشأت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بأمر ملكي عام ‪1391‬‬
‫هـ‪ :‬وتفرعت عن هذه الهيئة لجنة دائمة للبحوث والفتوى في الشؤون الفردية‪،‬‬
‫ومن مهمتها أيضا الجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات‬
‫والمعاملت الشخصية‪ ،‬وتصدر المانة العامة لهيئة كبار العلماء " مجلة البحوث‬
‫السلمية " التي تحوي بحوثا فقهية قيّمة‪.‬‬
‫‪ -5‬مجلس الفكر السلمي بباكستان ‪:‬‬
‫وهذا المجلس ذو مكانة عالية في باكستان وسلطاته واسعة في إصدار‬
‫القوانين ومراجعتها وتعديلها بما يتواءم مع أحكام الشريعة السلمية‪ ،‬ولقد أنجز‬
‫المجلس منذ تأسيسه عام ‪1973‬م أبحاثا جليلة في مسائل ونوازل شتى‪.‬‬
‫‪ -6‬مجمع الفقه السلمي بالهند ‪:‬‬
‫مؤسسة علمية إسلمية أسسها القاضي مجاهد السلم القاسمي‪ ،‬تقوم‬
‫بخدمات جليلة في مجال معالجة القضايا المعاصرة وتقديم حلولها الشرعية في‬
‫ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬من أهم أنشطتها‪ :‬الندوات الفقهية‪ ،‬ترجمة أوردوية‬
‫للموسوعة الفقهية الكويتية‪ ،‬ولقد استكمل المجمع عقد ثلثة عشر ندوة تم مناقشة‬
‫أربعين موضوعا متعلقا بالقضايا المستجدة(‪.)2‬‬

‫‪ )(1‬انظر قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي فأبحاثهم نفيسة ومفيدة‪.‬‬
‫‪ )(2‬راجع موقع المجلس على النترنت‪. /http://ifa-india.org :‬‬

‫‪79‬‬
‫المبحث السادس‬
‫مصادر القضايا الفقهية المعاصرة‬

‫المطلب الول‬
‫أهم الكتب التي تعرضت " للقضايا الفقهية المعاصرة "‬

‫فيما يلي ثبت شامل لهم الكتب والمصنفات القديمة والحديثة في موضوع‬
‫القضايا الفقهية المعاصرة‪ ،‬ول ندعي أنها احتوت فقط نوازل ومشكلت حديثة بل‬
‫لقـد شملت إجابات عـن أسـئلة متكررة الحدوث وأخرى تقـع لول مرة فاجتهـد‬
‫العلماء أصحاب هذه الكتب في الرد عليها‪.‬‬
‫ونبدأ بعرض مجموعة كبيرة من الكتب التي عنونت لهذا العلم بفقه‬
‫النوازل وهي كلها لمؤلفين ينتسبون للمذهب المالكي ولمنطقة المغرب العربي‬
‫والندلس بصفة خاصة‪ ،‬ومن ثم نذكر بقية الكتب المؤلفة عند المذاهب الفقهية‬
‫الخرى‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬كتب المالكية القديمة ‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم بنوازل الحكام‪ :‬عيسى بن سهل أبي الصبغ الجياني قاضي طنجة‬
‫ومكناس وغرناطة (ت ‪ 486‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬نوازل الحكام‪( :‬فتاوى أبي مطرف)‪ :‬عبد الرحمن بن قاسم (‪ 497‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -3‬معين الحكام في نوازل القضايا والحكام‪ :‬لبراهيم بن حسن المكنى بابن عبد‬
‫الرفيع (‪ 513‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -4‬فتاوى ابن رشد (‪ 520‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬
‫‪ -5‬نوازل ابن الحاج‪ :‬محمد بن أحمد بن خلف (‪ 529‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -6‬مذاهب الحكام في نوازل الحكام‪ :‬القاضي عياض اليحصبي (‪ 544‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -7‬مفيد الحكام فيما يعرض لهم من نوازل الحكام‪ :‬لبي الوليد بن هشام الزدي‬
‫(‪606‬هـ)‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -8‬نوازل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن القباب قاضي جبل طارق (‪ 799‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -9‬فتاوي ابن لب‪ :‬فرج بن قاسم الغرناطي (‪ 782‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -10‬الفتاوى‪ :‬المام أبو اسحق إبراهيم الشاطبي (ت ‪ 790‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬
‫(‬ ‫‪ – 11‬الدرة المكنونة في نوازل مازونة‪ :‬ليحيى بن أحمد المغيلي المازوني‬
‫‪883‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -12‬جامع مسائل الحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكام ‪ :‬أحمد بن‬
‫محمد الشهير بالبرزلي (‪ 844‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -13‬نوازل إبراهيم بن هلل الزلماطي مفتي سلجماسة (‪ 903‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -14‬المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية والندلس لبن‬
‫العباس أحمد ابن يحيى الونشريسي (‪ 914‬هـ) (طبع وزارة الوقاف‬
‫المغربية)‪.‬‬
‫‪ -15‬نوازل عيسى بن عبد الرحمن السجستاني (‪ 1062‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -16‬النوازل الكبرى‪ :‬لعبد القادر بن علي الفاسي الفهري (ت ‪1091‬هـ) طبعت‬
‫بفاس طبعة حجرية وسميت بالجوبة‪.‬‬
‫‪-17‬نوازل لمحمد التاودي بن الطالب بن سودة‪ :‬جمعها ولده القاضي أبو العباس‪:‬‬
‫طبعت طبعة حجرية بفاس عام ‪1301‬هـ ومعها النوازل الصغرى للشيخ‬
‫عبد القادر بن علي الفاسي‪.‬‬
‫‪ -18‬نوازل محمد بن أحمد المنساوي الدلئي (ت ‪1136‬هـ) جمعها تلميذه محمد‬
‫بن الخياط الدكالي‪.‬‬
‫‪ -19‬نوازل أحمد الشدادي القاضي النوازلي (ت ‪1146‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -20‬نوازل محمد بن محمد الورزازي (‪ 1176‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ -21‬مواهب ذي الجلل في نوازل البلد السائبة والجبال‪ :‬لمحمد بن عبد ال‬
‫بن عبد الرحمن الكيكي (‪1185‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -22‬نوازل العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني (ت ‪1260‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -23‬نوازل‪ :‬لمحمد بن محمد التامرادي (‪1285‬هـ)‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫نوازل عمر عبد القادر الرندي (ت ‪1290‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-24‬‬
‫الفتح العلي المالك‪ :‬الشيخ عليش (‪ 1299‬هـ) – مطبوع ‪.-‬‬ ‫‪-25‬‬
‫نوازل أبي الحسن علي بن عيسى بن علي بن أحمد الشريف العلمي‬ ‫‪-26‬‬
‫مطبوع طبعة حجرية‪.‬‬
‫النوازل الجديدة الكبرى في أجوبة أهل فاس وغيرهم من أهل المدن‬ ‫‪-27‬‬
‫الكبرى‪ :‬المهدي ابن محمد الوزاني (ت ‪1342‬هـ)‪.‬‬
‫النوازل‪ :‬للمهدي بن محمد الوزاني (ت ‪1342‬هـ) جمع فيه فتاوى‬ ‫‪-28‬‬
‫المتأخرين من علماء المغرب كالشيخ التاودي والرهوني وآخرين‪ ،‬حققه‬
‫عمر بن عباد في أحد عشر جزءا‪.‬‬
‫نوازل عبد الصمد بن التهامي بن المدني نزيل طنجة (‪1352‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-29‬‬
‫نوازل لمحمد بن أحمد العبادي قاضي الجماعة بمراكش‪.‬‬ ‫‪-30‬‬
‫نوازل محمد المختار بن العمش الشنقيطي‪.‬‬ ‫‪-31‬‬
‫النوازل‪ :‬للمكي بن عبدال البناني مفتي الرباط‪.‬‬ ‫‪-32‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كتب المذاهب الخرى ‪:‬‬


‫‪-1‬النوازل‪ :‬لبي الليث السمرقندي (‪ 376‬هـ)‪.‬‬
‫‪-2‬مختارا ت النوازل‪ :‬لصاحب الهداية العلمة المرغيناني الحنفي (‪593‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫‪-3‬الواقعات‪ :‬المام الصدر الشهيد الحنفي‪.‬‬
‫‪-4‬الفتاوى الهندية وتسمى أيضا بالفتاوى العالمكيرية‪ :‬للعلمة نظام وجماعة‬
‫من علماء الهند (دار إحياء التراث العربي ‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪-5‬فتاوى قاضيخان‪ :‬للمام فخر الدين حسن بن منصور الوزجندي‬
‫الفرغاني (‪ 295‬هـ) جاء في مقدمة الكتاب‪ " :‬ذكر في هذا الكتاب جملة‬
‫من المسائل التي يغلب وقوعها وتمس الحاجة إليها وتدور عليها واقعات‬
‫المة "‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪-6‬العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية‪ :‬للشيخ العلمة محمد أمين أفندي‬
‫(دار المعرفة – بيروت)‪.‬‬
‫‪-7‬الفتاوى الخيرية لنفع البرية على مذهب المام أبي حنيفة إبراهيم بن‬
‫سليمان بن محمد بن عبد العزيز‪.‬‬
‫‪-8‬فتاوى النووي (المسمى بالمسائل المنثورة)‪ :‬المام أبو زكريا محيي الدين‬
‫بن شرف النووي‪.‬‬
‫‪ -9‬الفتاوى الكبرى‪ :‬ابن حجر الهيثمي‪ ،‬بهامشه فتاوى العلمة شمس الدين‬
‫الرملي‪..‬‬
‫‪ -10‬النتف في الفتاوى‪ :‬لبي الحسن علي بن محمد المسعودي (‪ 461‬هـ)‬
‫تحقيق صلح الدين الناهي (مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪-11‬فتاوى ومسائل ابن الصلح‪ :‬تحقيق عبد المعطي أمين قلعه جي (دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪-12‬فتاوى السبكي‪ :‬أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي‪( :‬دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪-13‬الحاوي للفتاوى‪ :‬الحافظ جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي‬
‫(طبعت طبعات كثيرة متنوعة)‪.‬‬
‫‪-14‬مطلع النوار البهية ومنبع السرار الفقهية‪ :‬الشيخ محمد صالح بن محمد‬
‫الخزرجي الشافعي (‪1363‬هـ) ‪ -‬لجنة التراث و التاريخ بدولة‬
‫المارات‪.‬‬
‫‪-15‬الفتاوى الكبرى‪ :‬المام العلمة تقي الدين بن تيمية (طبعت طبعات‬
‫كثيرة)‪.‬‬
‫‪ -16‬القواعد النورانية الفقهية‪ :‬شيخ السلم أحمد بن عبد الحليم بن عبد‬
‫السلم ابن تيمية (طبعت كثيرا)‪.‬‬
‫‪ -17‬الختيارات الفقهية من فتاوى شيخ السلم ابن تيميه‪ :‬الشيخ علء الدين‬
‫أبو الحسن علي بن محمد ابن عباس البعلي (مكتبة الرياض الحديثة)‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الفتاوى السعدية‪ :‬عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي‪.‬‬ ‫‪-‬‬‫‪18‬‬

‫ثالثا ‪ :‬كتب النوازل الحديثة – المعاصرة‪:‬‬


‫‪ - 1‬فتاوى هيئة كبار العلماء‪ :‬بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪- 2‬فتاوى اللجنة الدائمة للفتاء بالرياض‪ :‬جمعها الشيخ أحمد بن عبد الرزاق‬
‫الدويش (مكتبة المعارف الرياض)‪.‬‬
‫‪ – 3‬فتاوى وقرارات مجمع البحوث السلمية بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ – 4‬أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية‪ :‬الرئاسة العامة لدارة‬
‫البحوث العلمية والفتاء‪.‬‬
‫‪ – 5‬السئلة والجوبة الفقهية المقرونة بالدلة الشرعية‪ :‬عبد العزيز محمد‬
‫السلمان (مطابع النصر الحديثة‪ :‬الرياض)‪.‬‬
‫‪ – 6‬مجموعة الرسائل والمسائل النجدية‪:‬لبعض علماء نجد العلم‪( :‬دار‬
‫العصمة ‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫‪ – 7‬مجموعة فتاوى ومقالت متنوعة‪ :‬عبد العزيز بن عبد ال بن عبد الرحمن‬
‫بن باز (مكتبة المعارف للنشر والتوزيع)‪.‬‬
‫‪ – 8‬فتاوى شرعية وبحوث إسلمية – حسنين محمد مخلوف (‪( – )602‬دار‬
‫العتصام ط الخامسة ‪.)1405‬‬
‫‪ – 9‬فتاوى إسلمية لمجموعة من العلماء ‪ -‬الشيخ ابن باز وابن عثيمين وابن‬
‫جرين (دار القلم ط الولى ‪.)1408‬‬
‫‪-10‬حل المشكلت ‪ -‬العلمة عبد ال بن محمد بن زريق ‪ -‬وزارة التراث‬
‫القومي والثقافة‪ :‬عمان‪.‬‬
‫‪ -11‬يسألونك في الدين والحياة ‪ -‬د‪.‬أحمد الشرباصي ‪ -‬دار الجيل بيروت ط‬
‫الثالثة ‪.1977‬‬
‫‪-12‬فتاوى شرعية ‪ -‬دائرة الوقاف والشؤون السلمية بدبي – إعداد قسم‬
‫الفتاء ط الولى ‪.1418/97‬‬

‫‪84‬‬
‫‪-13‬من هدى السلم‪ :‬فتاوى معاصرة ‪ -‬د‪.‬يوسف القرضاوي – دار القلم‪:‬‬
‫الكويت ط الثالثة‪.‬‬
‫‪ -14‬أنت تسأل والسلم يجيب ‪ -‬د‪.‬محمد سالم محيسن‪ ،‬دار الجيل بيروت ط‬
‫الولى ‪.1414‬‬
‫‪ -15‬الفتاوى‪ :‬كل ما هم المسلم في حياته ويومه وغده ‪ -‬الشيخ محمد متولي‬
‫الشعراوي ‪( -‬دار القلم)‪.‬‬
‫‪-16‬فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين ‪ -‬إعداد و ترتيب‪ :‬أشرف عبد‬
‫المقصود ‪( -‬دار عالم الكتب بالرياض ط الولى ‪.)1411‬‬
‫‪ -17‬مجموعة رسائل‪ :‬الشيخ عبد ال بن زيد آل حمود ‪ -‬رئيس المحاكم‬
‫الشرعية بقطر ‪ -‬نشرها زهير الشاويش ‪ -‬المكتب السلمي‪.‬‬
‫‪ -18‬من غريب ما سألوني ‪ -‬الشيخ عبد ال النوري ‪( -‬ذات السلسل‪ :‬الكويت‬
‫‪.)1984‬‬
‫‪ -19‬الفتاوى ‪ -‬المام الكبر محمود شلتوت ‪ -‬الشروق ط السادسة عشرة‬
‫‪.1411/1991‬‬
‫‪ -20‬المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق ‪ -‬جمع‬
‫وترتيب‪ :‬إسماعيل بن سعد بن عتيق ‪ -‬دار الهداية الرياض ‪.1403‬‬
‫‪ -21‬أنت تسأل والسلم يجيب – عبد اللطيف مشتهري – دار العتصام ط‬
‫الثانية ‪.1402/1982‬‬
‫‪ -22‬أسئلة طال حولها الجدل ‪ -‬عبد الرحمن عبد الصمد – دار الفتح‪ :‬الشارقة‬
‫ط الولى ‪.1414‬‬
‫‪ -23‬هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق – تقديم إسماعيل بن‬
‫سعد بن عتيق – دار الهداية الرياض‪.‬‬
‫‪ -24‬الفتاوى – المام الكبر حسن مأمون – المجلس العلى للشؤون السلمية‬
‫القاهرة ‪.1389‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -25‬بحوث فقهية في قضايا عصرية‪ :‬صالح بن فوزان بن عبد ال الفوزان –‬
‫دار العصمة – النشرة الولى ‪ – 1415‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -26‬فقه النوازل ‪ -‬بكر أبو زيد‪( :‬مكتبة الرسالة‪ :‬بيروت)‪.‬‬
‫‪ -27‬فتاوى إسلمية‪ :‬الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند‪( :‬دار الوطن الرياض)‪.‬‬
‫‪ -28‬مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (دار الثريا‬
‫الرياض)‪.‬‬
‫‪ -29‬رأي الدين بين السائل والمجيب‪ :‬د‪.‬محمد البهي (دار الفكر)‪.‬‬
‫‪ -30‬فتاوى نور على الدرب‪ :‬الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (مكتبة ابن تيميه‬
‫‪ -‬الكويت)‪.‬‬
‫‪ -31‬فتاوى وأحكام‪ :‬د‪.‬محمد إبراهيم الحفناوي (دار الحديث‪:‬مصر)‪.‬‬
‫‪ -32‬السلم والمشكلت السياسية المعاصرة‪ :‬جمال الدين محمد محمود (دار‬
‫الكتاب المصري‪ :‬القاهرة)‪.‬‬
‫‪ -33‬القتصاد السلمي والقضايا الفقهية المعاصرة‪ :‬أ‪.‬د‪.‬علي أحمد السالوس‬
‫(دار الثقافة‪:‬الدوحة)‪.‬‬
‫‪ -34‬مجموعة بحوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان (مؤسسة الرسالة)‪.‬‬
‫‪ -35‬قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي بمكة المكرمة‪.‬‬
‫‪ -36‬أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سليمان الشقر‪ :‬دار‬
‫النفائس ط الولى‪.‬‬
‫‪ -37‬بحوث في الفقه الطبي‪ :‬د‪ .‬عبد الستار أبو غدة‪ :‬نشر دار القصى ط‬
‫الولى ‪.1411‬‬
‫‪ -38‬فتاوى شرعية‪ :‬إدارة الوقاف والبحوث‪ :‬دبي‪ ،‬مطبعة البيان ط الولى‬
‫‪.1418‬‬
‫‪ -39‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي‪( :‬منظمة المؤتمر السلمي) دار‬
‫القلم ط الثانية ‪.1418‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -40‬الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية‪ :‬الشيخ الدكتور عبد ال بن عبد‬
‫الرحمن الجبرين‪ :‬دار الصميعي ط الولى ‪ 1418‬جزءان‪.‬‬
‫‪ -41‬الطبيب أدبه وفقهه‪ :‬د‪ .‬زهير السباعي ود‪ .‬محمد علي البار دار القلم ط‬
‫الثانية ‪.1418‬‬
‫‪ -42‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬ط الخامسة ‪1414‬‬
‫– مكتبة الفارابي‪.‬‬
‫‪ -43‬مسائل فكرية وفقهية‪ :‬هشام البدراني‪ ،‬دار البيارق ط الولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -44‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬دار النفائس‬
‫ط الثانية ‪1410‬هـ‪ .‬ز‬
‫‪ -45‬بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة‪ :‬د‪.‬محمد سليمان الشقر‬
‫وآخرون‪ :‬دار النفائس ط الولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -46‬المعاملت المالية المعاصرة‪:‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ :‬دار النفائس ط الولى‬
‫‪1416‬هـ‪.‬‬
‫‪ -47‬بحوث فقهية هامة‪ :‬د‪.‬عبد العزيز الخياط دار السلم ط الولى ‪ 1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -48‬الحكام السياسية للقليات المسلمة في الفقه السلمي‪ :‬سليمان توبولياك ‪-‬‬
‫دار النفائس ط الولى ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -49‬مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ :‬أسامة عمر سليمان الشقر‬
‫‪ -‬دار النفائس – الردن ‪ 1420‬هـ – ‪ 2000‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي دار القلم‪.‬‬
‫‪ -51‬إتحاف السائل بما ورد من المسائل‪ :‬محمد أديب كلكل ط الولى‪.‬‬
‫‪ -52‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ :‬دار القلم‪.‬‬
‫‪ -53‬بحوث فقهية معاصرة‪ :‬د‪.‬إبراهيم فاضل الدبو دار عمار‪.‬‬
‫‪ -54‬مع الناس‪ :‬مشورات وفتاوى‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي – دار الفكر‬
‫– دمشق ‪ -‬سورية‪ ،‬الطبعة الولى ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -55‬حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار‬
‫المكتبي‪ -‬دمشق – الطبعة الولى ‪1420‬هـ ‪2000 /‬م‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -56‬العمليات الستشهادية في الميزان الفقهي‪ :‬نواف هايل تكروري‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪1418‬هـ ‪1997 /‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار القلم – دمشق‬
‫‪ -‬الطبعة الولى ‪1419‬هـ ‪ 1998 /‬م‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫المجلت المتخصصة في الدراسات السلمية وبأبحاث الفقه والجتهاد‬

‫حاولت أن أرصد جميع المجلت ال سلمية والتي تهتم بالدراسات الفقه ية‬
‫والصـولية والشرعيـة وتجمّع عندي هذا العدد‪ ،‬وذكرت مـع كـل مجلة عنوانهـا‬
‫بالتفصيل لمن أراد المراسلة والشتراك أو حتى الكتابة‪:‬‬
‫‪ -1‬الحمدية‪ :‬مجلة علمية دورية محكمة تعنى بالدراسات السلمية وإحياء‬
‫التراث‪.‬‬
‫دار البحوث للدراسات السلمية وإحياء التراث‬
‫ص‪.‬ب ‪ - 25171 :‬دبي – دولة المارات العربية المتحدة‬
‫‪ -2‬الزهر‪ :‬مجلة شهرية جامعة‪ :‬يصدرها مجمع البحوث السلمية‪.‬‬
‫ت‪2638599 :‬‬ ‫إدارة الزهر – القاهرة‬
‫‪ -3‬القتصاد السلمي‪ :‬مجلة شهرية اقتصادية متخصصة يصدرها بنك دبي‬
‫السلمي‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ - 12988 :‬دبي – دولة المارات العربية المتحدة‬
‫‪ -4‬آفاق السلم‪ :‬مجلة ثقافية علمية تبحث في جوهر الدين ومكونات نهضة‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫تصدر عن الدار المتحدة للنشر والتوزيع‬
‫عمان‪ :‬الصويفية ‪ -‬شارع التباشير ‪ -‬رقم ‪4‬‬
‫ص‪.‬ب‪5229 – 11118 :‬‬
‫‪ -5‬التجديد‪ :‬مجلة علمية نصف سنوية محكمة‪ :‬تصدرها الجامعة السلمية‬
‫العالمية بماليزيا‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪Gombak , Selangor , Malaysia 53100‬‬
‫‪ -6‬الحق‪ :‬شريعة وقانون مجلة دورية محكمة تعنى بنشر الدراسات الشرعية‬
‫والقانونية‪ ،‬تصدر عن جمعية الحقوقيين بدولة المارات العربية المتحدة‪:‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 2233 :‬الشارقة‪ ،‬دولة المارات العربية المتحدة‬
‫هاتف‪009716 – 5354888 :‬‬
‫‪ -7‬منبر السلم‪ :‬يصدرها المجلس العلى للشؤون السلمية بوزارة الوقاف‬
‫بمصر‬
‫‪ 9‬ش النباتات بجاردن سيتي – القاهرة‬
‫هاتف‪7958664 - 7958659 :‬‬
‫‪ -8‬المجلة السلمية‪ :‬مجلة تعنى بالدراسات والبحوث السلمية‪ ،‬تصدرها‬
‫رابطة الجامعات السلمية‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 242 :‬الرباط ‪ ،‬المملكة المغربية‬
‫‪ -9‬مجلة البحوث السلمية‪ :‬مجلة دورية تصدر عن رئاسة إدارة البحوث‬
‫العلمية والفتاء‪ :‬الرياض‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ – 22571 :‬الرياض – الرمز البريدي ‪11416‬‬
‫‪ -10‬مجلة البحوث الفقهية المعاصرة‪ :‬مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه‬
‫السلمي‪.‬‬
‫المملكة العربية السعودية‬
‫الرياض‪ 11441 :‬هاتف‪4351872 :‬‬
‫‪ -11‬مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة ‪:‬‬
‫ص‪.‬ب ‪ 715 :‬مكة المكرمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫‪ -12‬مجلة جامعة المام محمد بن سعود السلمية ‪ :‬مجلة علمية محكمة‪.‬‬
‫الرياض‪ ،‬ص‪.‬ب‪18011 / 11415 :‬‬
‫الهاتف‪4358284 :‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ -13‬مجلة الشريعة والقانون‪ :‬حولية محكمة تصدرها كلية الشريعة والقانون‬
‫بجامعة المارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫العين ص‪.‬ب ‪15551 :‬‬
‫هاتف‪643998 :‬‬

‫‪ -14‬مجلة كلية الدراسات السلمية والعربية‪ :‬إسلمية فكرية ثقافية محكمة‪:‬‬


‫تصدر عن‪:‬‬
‫كلية الدراسات السلمية والعربية بدبي‬
‫ص‪.‬ب ‪ - 50106 :‬دبي‪ ،‬المارات العربية المتحدة‬
‫‪ -15‬مجلة كلية الدعوة السلمية‪ :‬مجلة إسلمية ثقافية جامعة محكمة‪ ،‬تصدر‬
‫عن كلية الدعوة السلمية بالجماهيرية الليبية‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ ،71771 :‬طرابلس‬
‫‪ -16‬مجلة الشريعة والدراسات السلمية ‪:‬‬
‫مجلة علمية محكمة تعنى بالبحوث والدراسات السلمية‬
‫تصدر عن مجلس النشر العلمي في جامعة الكويت كل أربعة أشهر‪.‬‬
‫ص‪.‬ب ‪ 17433 :‬الرمز البريدي ‪ 72455‬الخالدية الكويت‬
‫هاتف ‪ 481250 :‬فاكس ‪4812504 :‬‬
‫العنوان اللكتروني‪Josais@kuco1.kuniv.edu.kw :‬‬
‫‪ -17‬مجلة المجمع الفقهي‪ :‬مجلة دورية تصدرها أمانة مجمع الفقه السلمي‬
‫برابطة العالم السلمي – مكة المكرمة‪.‬‬
‫ص‪.‬ب‪ ،538 – 537 :‬مكة المكرمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‬
‫ت‪ 5445335 :‬فاكس‪5431176 :‬‬
‫‪ -18‬المسلم المعاصر‪ :‬مجلة فصلية فكرية ثقافية محكمة‪ ،‬تعالج قضايا الجتهاد‬
‫المعاصر في ضوء الصالة السلمية – تصدر عن مؤسسة المسلم المعاصر‬
‫المراسلت على عنوان‪ 3 :‬ش وزارة الزراعة – الدقي – القاهرة‬

‫‪90‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫المواقع اللكترونية المهتمة بفقه القضايا المعاصرة‬

‫لقد أصبح النترنت الوسيلة الكثر استخداما اليوم في جميع جوانب الحياة‪،‬‬
‫وذلك للسرعة في الحصول أو الوصول إلى أي معلومة وفي جميع التخصصات‪:‬‬
‫لذا اجتهدت في جمع عدد ل بأس به من المواقع السلمية المهتمة‬
‫بموضوع النوازل والفتاوى والقضايا المعاصرة‪ ،‬ولقد اخترت وانتقيت هذه‬
‫المواقع من مئات المواقع المتوفرة على شبكة النترنت‪:‬‬
‫كما يجب أن نحذر المستفتي من أخذ الفتوى من موقع دون معرفة‬
‫المشرفين عليه والكاتبين فيه وعلى من يعتمد في الفتوى عندهم ‪. .‬‬
‫‪ -‬موقع الشيخ ابن باز – رحمه ال – ‪http://www.binbaz.org.sa :‬‬
‫يحتوي الموقع على‪ :‬جامع لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه ال‬
‫تعالى‪ ،‬وعلى كتبه ورسائله‪ ،‬ومشاركاته في برنامج الفتاوى الشهير‪ " :‬نور على‬
‫الدرب "‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الشيخ ابن عثيمين – رحمه ال – ‪:‬‬
‫‪http://www.binothaimeen.com‬‬
‫يحتوي الموقـع على مجموع فتاوى الشيـخ محمـد بـن صـالح بـن عثيميـن‬
‫رح مه ال ال تي و صلت إلى عشر ين مجلدا يم كن تحميل ها وتنزيل ها من المو قع‪،‬‬
‫إضافة إلى حلقات برنامج " نور على الدرب " ‪.‬‬
‫‪ -‬موسوعة فتاوى الزهر ‪http://www.elazhar.com/ftawa.htm :‬‬

‫‪91‬‬
‫تشمل أولً‪ :‬الفتاوى السلمية من دار الفتاء المصرية منذ السابع من‬
‫جمادى الخرة ‪ 1313‬هجرية الموافق ‪ 21‬نوفمبر عام ‪ 1885‬ميلدية ‪ ،‬ثانيا‪:‬‬
‫الفتاوى الحكام لفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالزهر الشريف‪،‬‬
‫ثالثا‪ :‬الجامع للفتاوى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي‪ :‬يمكن البحث في‬
‫نصوص الفتاوى كما يمكن تصفح محتوى موسوعة الفتاوى بترتيب الحكام‬
‫والموضوعات‪.‬‬
‫‪ -‬موقع إسلم أون لين ‪http://islamonline.net :‬‬
‫تشرف عليه هيئة علمية من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم السلمي‬
‫برئاسة الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي مهمتها ضمان عدم مخالفة ما ينشر‬
‫في هذا الموقع لثوابت الشريعة السلمية‪ ،‬بالضافة إلى نخبة من الخبراء‬
‫والمختصين في السياسة والقتصاد والعلم والجتماع والتكنولوجيا والفنون‬
‫وغيرها من المجالت‪.‬‬
‫يحتوي الموقع على‪ :‬فتاوى مباشرة‪ ،‬اسألوا أهل الذكر‪ ،‬وبنك الفتوى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الشؤون السلمية بدبي ‪:‬‬
‫‪http://www.godubai.com/awqaaf/fatawa.asp‬‬
‫ومما جاء في مقدمة موقعهم هذا‪ :‬وإنه بحمد ال تعالى قد من ال علينا في‬
‫دائرة الوقاف والشؤون السلمية بثلة من هؤلء الفقهاء الحكماء العلماء تفخر‬
‫بهم الوقاف‪ ،‬وتزهو بهم دولتنا الحبيبة‪ ،‬لما هم عليه من مكانة في العلم‬
‫والصلح والسير على نهج السلف الصالح‪ ،‬وإن من عطائهم اليوم ما يتمثل بين‬
‫يديك أيها القارئ الكريم من هذه الفتاوى النافعة التي سيتوالى نشرها تباعا إن‬
‫شاء ال تعالى في هذه الصفحة ‪.‬‬
‫‪ -‬موقع فتوى أون لين ‪http://www.fatwa-online.com :‬‬
‫وهو باللغة النجليزية يعتمد فيه على فتاوى الشيخين‪ :‬عبد العزيز بن باز‬
‫ومحمد بن صالح العثيمين رحمهما ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع السلم‪www.al-islam.com :‬‬

‫‪92‬‬
‫يحوي الموقع القاموس السلمي والفقه وأصول الفقه والفتاوى‬
‫القتصادية‪ ،‬والزكاة للفراد وخدمات أخرى نافعة‪.‬‬
‫‪ -‬موقع وزارة الشؤون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد بالمملكة العربية‬
‫السعودية‪www.islam.org.sa :‬‬
‫موقع جيد في كل ما يخص الشريعة السلمية‪.‬‬
‫‪ -‬موقع القرضاوي‪www.qaradawi.net :‬‬
‫فيه صفحة للفتاوى والحكام في النوازل‪ ،‬إضافة إلى أبحاث وكتب وخطب‬
‫الشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫‪ -‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية بقطر‪www.islam.gov.qa :‬‬
‫موقع جيد ومرجع في الفتاوى والقضايا الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫‪ -‬موقع وزارة الوقاف والشؤون السلمية – دولة الكويت‪:‬‬
‫‪www.awkaf.net‬‬
‫يقدم خدمة الفتوى الهاتفية وخدمات أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬موقع الموسوعة السلمية المعاصرة ‪http://www.islampedia.com :‬‬
‫يحتوى هذا الموقع على مكان للقضايا الفقهية المعاصرة‪ :‬تجمع قرارات‬
‫المجامع الفقهية في المملكة العربية والسعودية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬موقع المنبر ‪http://www.fatwanet.net :‬‬
‫ُأسّس هذا الموقع العلمي المتميّز‪ ،‬لجمع واستيعاب الفتاوى الشرعية‬
‫المطبوعة لهل العلم المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وتلخيصها وفهرستها‪،‬‬
‫وتسهيل الفادة منها‪ ،‬مما يعين المفتين ويسدّ ثُلمةَ ف ْقدِ العلماء الربانيين‪ ،‬وهو في‬
‫ذلك ينتقي الفتاوى المعتمِدة على الصول العلمية الصحيحة‪ ،‬ويحذّر من التقليد‬
‫العمى‪ ،‬ويحارب التعصب المذهبي‪ ،‬ويدعو إلى الخذ بما ترجح دليله وبانت‬
‫حجته‪.‬‬
‫‪ -‬شبكة الفتوى الشرعية ‪http://www.islamic-fatwa.net :‬‬

‫‪93‬‬
‫يجيب على السئلة فضيلة الشيخ‪ :‬أ‪.‬د أحمد الحجي الكردي‪ ،‬خبير في‬
‫الموسوعة الفقهية‪ ،‬وعضو هيئة الفتاء في دولة الكويت‪.‬‬

‫الفصـل الثانـي‬

‫دراسة بعض القضايا المعاصرة‬

‫‪94‬‬
95
‫المبحث الول‬

‫اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية‬

‫في كل عام وكل ما قرب دخول ش هر رمضان‪ ،‬يك ثر الجدل والخلف ب ين‬
‫الم سلمين في قض ية كان الوا جب التفاق حول ها‪ ،‬ل كن لل سف غدت تلك الم سألة‬
‫سبب من أسباب الفرقة والخلف بينهم‪:‬‬
‫والقضية هي‪ :‬هل يجوز اعتماد الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر‬
‫رمضان وغيره من الشهور القمرية أم ل ؟ أم يجب الكتفاء برؤية الهلل كما‬
‫أمر ال تعالى ورسوله الكريم ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن قضية رؤية الهلل ليست مجرد قضية علمية فلكية‬
‫للمسلمين‪ ،‬بل الحقيقة أن تعلق أحكام شرعية متعددة بها جعلها مناسبة دينية‬
‫شرعية‪ :‬ومن المفروض الرجوع إلى الشريعة السلمية فيما يتعلق بمسألة رؤية‬
‫الهلل شأنها في ذلك كشأن سائر أحكام العبادات‪ :‬كالصلة والزكاة والصيام‬
‫والحج‪ ،...‬كما ل يجوز إهمال علم الفلك الذي له علقة وثيقة بالموضوع‪.‬‬
‫لذلك كان لدراسة حركة القمر أهمية كبيرة لتحديد ميلد الهلة التي تساعد‬
‫كثيرا في تحديد بدايات الشهر القمرية‪ ،‬وذلك لن أمر الهلل يثير اهتمام الكثير‬
‫من الناس وخاصة المسلمين الذين دأبوا في أقطارهم المختلفة للتطلع إلى الفق‬

‫‪96‬‬
‫لرؤيته بعد غروب الشمس للتثبت من بعض مناسباتهم الدينية‪ :‬فبعضهم قد يوفق‬
‫في رؤية الهلل‪ ،‬بينما يشتبه الخرون فيتوهمون رؤيته‪ ،‬ومنهم من ل يتمكن من‬
‫رؤيته البتة‪ ،‬وبذلك قد يحصل الختلف بين القطار العربية والسلمية في‬
‫تعيين موعد إقامة الشعائر الدينية‪.‬‬
‫ولبد من الشارة هنا إلى أن اعتماد بداية الشهور القمرية على رؤية‬
‫الهلل هو أمر استقر عليه العرب قبل السلم‪ ،‬وكانت القبائل العربية تعنى‬
‫بالرؤية من أجل تحديد الشهر الحرم في أوقات الخصومات والحروب‬
‫المستعمرة بينهم‪ ،‬ومن أجل مواسم الحج‪ ،‬ولم نقرأ وكذلك لم نسمع بوسيلة أخرى‬
‫أو معيار آخر لتحديد بداية الشهر العربي‪ ،‬ول يعقل أن تكون لهم غير هذه‬
‫الوسيلة الواضحة‪.‬‬
‫ولقد برز من الفلكيين المسلمين الذين تطرقوا إلى موضوع استخدام‬
‫الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور الهجرية العديد من العلماء‪ ،‬أشهرهم "البتاني"‬
‫‪929 – 850‬م‪ ،‬و"البيروني" ‪1048 – 973‬م‪ ،‬و"نصير الدين الطوسي" ‪– 1258‬‬
‫‪1274‬م‪ ،‬وفي القرن الماضي قام اللواء المصري "محمد مختار باشا" ‪– 1846‬‬
‫‪1897‬م بتأليف كتابه القيّم " التوفيقات اللهامية في مقارنة التواريخ الهجرية‬
‫بالسنين الفرنجية والقبطية من سنة ‪ 1‬إلى سنة ‪ 1500‬هجرية "‪.‬‬
‫وقد قام الدكتور" محمد عمارة " بدراسة وتحقيق وتكملة هذا الكتاب‪ ،‬وتم‬
‫نشر الطبعة الولى منه عام ‪1400‬هـ ‪1980 -‬م‪ ،‬عن طريق المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر في مجلدين‪.‬‬
‫أما في السنوات الخيرة‪ ،‬فقد برز اهتمام المسلمين بالموضوع‪ ،‬ولعل‬
‫السبب هو تطور طرق المواصلت والتصالت بين أرجاء العالم السلمي‬
‫المختلفة‪ ،‬في حين ل زال المسلمون يختلفون في أوقات أعيادهم وحتى في الدول‬
‫المتجاورة مما ل يمكن تفسيره !‬

‫‪97‬‬
‫لكن اليوم مع التقدم العلمي الكبير الحاصل‪ ،‬وبخاصة في مجال علوم‬
‫الحساب والفلك ولشدة دقتها‪ :‬فهل يجوز العتماد والخذ بالحساب الفلكي لتحديد‬
‫أوائل الشهور القمرية‪...‬؟ أم ل!‬
‫قديما نكاد نقول إن فقهاء السلم الوائل في المذاهب المختلفة متفقون‬
‫على عدم اعتبار الطرق الحسابية الفلكية في إثبات بداية الشهر الهجرية خاصة‬
‫وأن الحساب الفلكي في أزمنتهم كان مقرونا بالتنجيم وفيما يلي بعض المثلة‬
‫لقوالهم‪:‬‬
‫قال السرخسي‪ ..." :‬ومنهم من قال يرجع إلى أهل الحساب عند الشتباه‬
‫وهذا بعيد فإن النبي قال‪ " :‬من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر‬
‫بما أنزل على محمد " (‪.)1‬‬
‫قال ابن عابدين‪ " :‬مطلب‪ :‬ل عبرة بقول المؤقتين في الصوم‪ ،‬بل في‬
‫المعراج‪ :‬ل يعتبر قولهم بالجماع " (‪.)2‬‬
‫قال القرافي المالكي‪ ..." :‬وقاعدة رؤية الهلة في الرمضانات ل يجوز‬
‫إثباتها بالحساب " (‪.)3‬‬
‫قال المام سند المالكي‪ " :‬إن كان المام يرى الحساب فأثبت الهلل لم يتبع‬
‫لجماع السلف على خلفه " (‪.)4‬‬
‫قال النووي‪ ..." :‬لن النجوم والحساب ل مدخل لهما في العبادات " (‪.)5‬‬
‫وفي حواشي الشرواني‪ ..." :‬أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه‬
‫بالكلية‪.)6( "...‬‬

‫المبسوط ‪ 3/78‬وسيأتي تخريج الحديث‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪.2/387‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫مواهب الجليل ‪.2/388‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫مواهب الجليل ‪ ،2/388‬التاج والكليل ‪.2/391‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫المجموع‪ :‬للنووي ‪.6/282‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫حواشي الشرواني ‪.3/373‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫‪98‬‬
‫وقال الخطيب الشربيني‪ " :‬والمعتمد قبولها إذ ل عبرة بقول الحساب كما‬
‫مر " (‪.)1‬‬
‫قال ابن مفلح الحنبلي‪ ..." :‬ومن صام بنجوم أو حساب لم يجزئه وإن‬
‫أصاب ول يحكم بطلوع الهلل بهما ولو كثرت إصاباتهما " (‪.)2‬‬

‫اختلف العلماء المعاصرين في هذه القضية ‪:‬‬


‫أما في هذا العصر فلقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلفا كبيرا ولقد‬
‫انقسم الفقهاء في جواز إثبات الشهور القمرية بالحساب الفلكي إلى فريقين‪:‬‬
‫الفريق الول‪ :‬وهو لجمهور العلماء ويقول بعدم جواز اعتماد الحساب‬
‫الفلكي في إثبات دخول الشهور القمرية‪.‬‬
‫الفريق الثاني‪ :‬وهو للعلمة المحدث أحمد محمد شاكر – رحمه ال –‬
‫والفقيه الشيخ مصطفى الزرقا – رحمه ال – ومفتي تونس السبق المختار‬
‫السلمي‪ :‬ويقولون بجواز اعتماد الحساب الفلكي في إثبات الشهور القمرية‪.‬‬

‫أدلة الفريقين في المسألة ‪:‬‬


‫‪ -1‬أدلة الفريق الول ‪:‬‬
‫استدل المانعون اعتماد الحساب ووجوب الكتفاء بالرؤية بنوعين من‬
‫الدلة‪ :‬أمر ونهي‪.‬‬
‫أولً‪ :‬أدلة تعلق ثبوت الشهر بالرؤية فقط تعليق المشروط بشرطه‪ ،‬فيها‬
‫أمر بتعليق أحكام المواقيت برؤية الهلل‪.‬‬
‫والخرى تحريم الخذ بالحساب في هذه القضية تمييزا لهذه المة‬
‫ولستغنائها بما هو خير وأكمل‪ :‬وفيها نهي عن تعليقها بالكتابة والحساب‪.‬‬

‫() مغني المحتاج ‪.1/421‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الفروع‪ :‬لبن مفلح ‪.3/8‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪99‬‬
‫الطائفة الولى ‪:‬‬
‫فمنها قول ال تعالى‪  :‬يسألونك عن الهلة قل هي مواقيت للناس والحج‬
‫‪[ ‬البقرة‪.]189 :‬‬
‫ومنها قوله ال تعالى‪  :‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره‬
‫منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصّل اليات‬
‫لقوم يعلمون ‪[ ‬يونس‪.]5 :‬‬
‫دلت هاتين اليتين على أن الهلة هي المرجع في الصوم والفطار والحج‬
‫وغيرها من الحكام المتعلقة بها‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " أنه خطب في اليوم‬
‫الذي شك فيه‪ ،‬فقال‪ :‬إني جالست أصحاب رسول ال وساءلتهم وأنهم حدثوني‬
‫أن رسول ال قال‪ " :‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ,‬وانسكوا لها‪ ,‬فإن غم‬
‫عليكم فأتموا ثلثين يوما‪ ,‬فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (‪.)1‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ثبت عن أمير مكة الحرث بن حاطب قال‪ " :‬عهد إلينا رسول‬
‫ال أن ننسك للرؤية‪ ،‬فإن لم نره وشهد شاهدا عدل‪ ،‬نسكنا بشهادتهما " (‪.)2‬‬
‫والحديث يدل على أن المرجع في إثبات دخول الشهر هو الرؤية‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما ورد في الصحيح عن ابن عمر عن رسول ال قال‪ " :‬إذا‬
‫رأيتموه فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا " (‪.)3‬‬

‫() أخرجه المام أحمد (‪ ،4/321 )18915‬والنسائي في الصيام باب قبول شهادة الرجل الواحد (‪)2116‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،4/132‬وذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا وإسناده ل بأس به على اختلف فيه‪ ،‬كما أفاده‬
‫الشوكاني (نيل الوطار ‪.)4/261‬‬
‫() أخرجه أبو داود في الصوم باب شهادة رجلين على رؤية هلل شوال (‪ 2/301 )2338‬وسكت عنه‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والدار قطني في الصيام باب الشهادة على رؤية الهلل ‪ ،2/167‬وقال إسناد متصل صحيح وسكت عنه‬
‫المنذري ورجاله رجال الصحيح ( نيل الوطار ‪.)4/261‬‬
‫() أخرجه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان (‪ ،2/672 )1801‬ومسلم في الصيام‬ ‫‪3‬‬

‫باب وجوب صوم رمضان لرؤية (‪.2/760 )1080‬‬

‫‪100‬‬
‫وفي لفظ‪ " :‬الشهر تسع وعشرون ليلة‪ ،‬فل تصوموا حتى تروه‪ ،‬فإن غُم‬
‫عليكم فأكملوا العدة ثلثين " (‪.)4‬‬
‫وفي لفظ‪ " :‬أنه ذكر رمضان‪ ،‬فضرب بيديه فقال‪ :‬الشهر هكذا وهكذا‬
‫وهكذا‪ ،‬ثم عقد إبهامه في الثالثة‪ ،‬صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم‬
‫فأقدروا ثلثين " (‪.)2‬‬
‫ووجه الستدلل من هذه الحاديث‪ :‬أنه ليس من المطلوب الستعانة‬
‫بالجهزة الفلكية والقواعد الرياضية‪ ،‬كما أنه ليس من المطلوب تحمل المشقة‬
‫وتكلف رؤية الهلل بل المطلوب أن يصوم المسلمون إذا رئي الهلل بالعين‬
‫المجردة في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان‪ ،‬ويفطروا إذا رئي الهلل في‬
‫اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان‪ ،‬وأما إذا لم ير الهلل بالعين المجردة‬
‫فليكملوا العدة ثلثين (‪.)3‬‬
‫وأما الطائفة الخرى ‪:‬‬
‫فقول رسول ال ‪ " :‬إنا أمة أمية ل نحسب ول نكتب‪ ،‬الشهر هكذا‬
‫وهكذا‪ ،‬تارة تسعا وعشرين‪ ،‬وتارة ثلثين‪ ،‬فل تصوموا حتى تروا الهلل‪ ،‬ول‬
‫تفطروا حتى تروه‪ ،‬فإن غم عليكم فأقدروا لـه " (‪ ،)4‬ولمسلم‪ " :‬فأقدروا لـه‬
‫ثلثين " (‪.)5‬‬
‫وقال المام النووي‪ ..." :‬ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله‬
‫في الصحيحين‪ :‬إنا أمة أمية ل نحسب ول نكتب‪.)6( "...‬‬

‫() أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ‪. (1808( 2/674‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان ( ‪.2/759 )1079‬‬ ‫‪2‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬السنبهنلي‪ ,‬ص ‪.83‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ل نكتب ول نحسب (‪ ،2/675 )1814‬مسلم في الصيام‬ ‫‪4‬‬

‫باب وجوب صوم رمضان (‪.2/761 )1080‬‬


‫() أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان (‪.2/762 )1081‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المجموع ‪.6/271‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪101‬‬
‫وقول رسول ال ‪ " :‬إنه من يعش منكم فسيجد اختلفا كثيرا‪ ،‬فعليكم‬
‫بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها‬
‫بالنواجذ‪ ،‬وإياكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل بدعة ضللة " (‪.)1‬‬
‫فهذه النصوص هي رؤوس أصول المسألة‪ ،‬وعليها العمل عند سلفنا‬
‫الصالح‪ ،‬واستقر ذلك حتى المائة الثالثة‪ ،‬بل واستمر العمل به عند المذاهب‬
‫الربعة المعروفة عند المة‪ ،‬ل يعرف لهم مخالف يعتد بخلفه‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية‪ " :‬فإنا نعلم بالضطرار من دين السلم أن‬
‫العمل في رؤية هلل الصوم أو الحج أو العدة أو اليلء أو غير ذلك من الحكام‬
‫المتعلقة بالهلل بخبر الحاسب أنه يرى أو ل يرى‪ :‬ل يجوز‪ ،‬والنصوص‬
‫المستفيضة عن النبي بذلك كثيرة‪ ،‬وقد أجمع المسلون عليه‪ ،‬ول يُعرف فيه‬
‫خلفٌ قديم أصلً‪ ،‬ول خلف حديث‪ ،‬إل أن بعض المتأخرين من المتفقهة‬
‫الحادثين بعد المائة الثالثة‪ ،‬زعم أنه إذا غُم الهلل‪ ،‬جاز للحاسب أن يعمل في‬
‫حق نفسه بالحساب‪ ،‬فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإل فل‪ ،‬وهذا القول‬
‫وإن كان مقيدا بالغمام‪ ،‬ومختصا بالحاسب‪ :‬فهو قول شاذ‪ ،‬مسبوق بالجماع‬
‫على خلفه‪ ،‬فأما اتباع ذلك في الصحو‪ ،‬أو تعليق عموم الحكم العام به‪ :‬فما قال‬
‫به مسلم‪.)2( "...‬‬
‫واستدلوا بدليل عقلي ‪:‬‬
‫قال المام النووي‪ ..." :‬ولن الناس لو كلفوا بذلك – يعني بالحساب –‬
‫ضاق عليهم لنه ل يعرف الحساب إل أفراد من الناس في البلدان الكبار " (‪.)3‬‬

‫‪ -2‬أدلة الفريق الثاني ‪:‬‬

‫() أخرجه أبو داود في السنة باب في لزوم السنة (‪ ،4/200 )4607‬والترمذي في العلم عن رسول ال‬ ‫‪1‬‬

‫باب ما جاء في الخذ بالسنة (‪ ،5/44 )2676‬وابن ماجة في اتباع سنة الخلفاء الراشدين (‪،1/16 )43‬‬
‫وأحمد (‪ ،4/126 )17184‬وابن حبان في صحيحه (‪.)1/179‬‬
‫() مجموع فتاوي شيخ السلم ابن تيمية ‪.25/132‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المجموع ‪.6/271‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪102‬‬
‫قال العلمة الدكتور " مصطفى أحمد الزرقا "‪ " :‬ل أجد في اختلف علماء‬
‫الشريعة المعاصرين اختلفا يدعو إلى الستغراب بل إلى الدهشة أكثر من‬
‫اختلفهم من جواز العتماد شرعا على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور‬
‫القمرية في عصر ارتاد علماؤه أجزاء من الفضاء الكوني وأصبح من أصغر‬
‫إنجازاتهم النزول على القمر‪ ،‬وإذا كان الرصد الفلكي وحساباته من الزمن‬
‫الماضي لم يكن له من الدقة والصدق ما يكفي للثقة به والتعويل عليه‪ ،‬فهل يصح‬
‫أن ينسحب ذلك الحكم إلى يومنا هذا؟ "‪.‬‬
‫وقال أيضا‪ " :‬إن النظر إلى جميع الحاديث النبوية الصحيحة الواردة في‬
‫هذا الموضوع يبرز العلة السببية في أمر الرسول بأن يعتمد المسلمون في‬
‫بداية الشهر ونهايته رؤية الهلل بالبصر لبداية شهر الصوم ونهايته‪ ،‬ويبين أن‬
‫العلة هي كونهم أمة أمية ل تكتب ول تحسب‪ ،‬وهذا يدل بمفهومه أنه لو توافر‬
‫العلم بالنظام الفلكي المحكم الذي أقامه ال تعالى بصورة ل تختلف ول تتخلف‪،‬‬
‫وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلد الهلل في كل شهر‪،‬‬
‫وفي أي وقت تمكن رؤيته بالعين الباصرة إذا انتفت العوارض الجوية التي قد‬
‫تحجب الرؤية‪ ،‬فحينئذ ل يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج‬
‫بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلل‪ ،‬ومن الحالت التي أصبحت مخجلة بل مذهلة‬
‫حيث يبلغ فرق الثبات للصوم والفطار بين مختلف القطار السلمية ثلثة‬
‫أيام "‪.‬‬
‫ويضيف‪ " :‬أن الفقهاء الوائل لم يعتمدوا الحساب المبني على الحدس‬
‫والتخمين‪ ،‬ولم يكن في وقتهم علم للفلك قائما على رصد دقيق بوسائل‬
‫محكمة " (‪.)1‬‬
‫وقد لخص العلمة الشيخ الستاذ " المختار السلمي " رأيه في أن يعتبر‬
‫الحساب وسيلة يقينية لثبوت دخول الشهور القمرية ونهايتها‪ ،‬وأن العبرة بوضع‬
‫القمر وضعا تمكن رؤيته‪ ،‬وأن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى‬

‫‪ )(1‬نقلً عن الدكتور مسلم شلتوت‪ :‬الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية‪ :‬إسلم أون لين‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫مرفوضة يكذب صاحبها شأن الشهادة بما يخالف الواقع‪ ،‬وأن القصد هو العمل‬
‫على توحيد المسلمين في أعيادهم وفي صومهم ونسكهم‪.‬‬
‫هذا ولقد استدلوا على مذهبهم بما نقله ابن رشد من قول مطرف بن عبدال‬
‫بن الشخير وهو من كبار التابعين‪ ،‬وابن قتيبة من اللغويين‪:‬‬
‫" يعتبر الهلل إذا غم بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب "‪ :‬يريد‬
‫استدلوا عليه بمنازله‪ ,‬وقدروا إتمام الشهر بحسابه(‪ )1‬أخذا من الحديث "‪ ...‬فإن غم‬
‫عليكم فأقدروا له " يعني بالحساب‪.‬‬
‫وبقول من قال‪ :‬إذا دلّ الحساب على أن الهلل قد طلع من الفق على‬
‫وجه يرى لول وجود المانع كالغيم مثلً‪ :‬فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب‬
‫الشرعي " (‪ ,)2‬وللمام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى العتماد على‬
‫الحساب (‪.)3‬‬
‫واستدلوا أيضا بقولهم‪ " :‬أن الليات والدوات التي يعرف بها الحساب قد‬
‫تطورت حتى كادت نتيجته تكون قطعية‪ ،‬وهذا بخلف ما كان عليه المر في‬
‫عصر السلف‪ ,‬وهم إنما ردوا الخذ بالحساب في زمنهم لظنيته‪ ،‬قالوا‪ :‬وما دامت‬
‫الحسابات قد صارت قطعية‪ ،‬فإن الخذ بها مقدم على الشهادة برؤية الهلل‪،‬‬
‫وهي ظنية‪.‬‬
‫وقالوا أيضا‪ :‬إن الجهزة والقواعد الحسابية يؤخذ بها لتحديد دخول أوقات‬
‫الصلة والصوم وخروجها فلم ل تؤخذ بها في رؤية الهلل (‪.)4‬‬

‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬


‫رد أصحاب المذهب الول على أدلة المجيزون للعمل بالحساب بأن‬
‫الحديث " فأقدروا " يفسر بتفسيرين‪:‬‬

‫تفسير القرطبي ‪ ،2/293‬بداية المجتهد ‪.1/207‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫إحكام الحكام‪ :‬ابن دقيق العين ‪ ،2/206‬تلخيص الحبير ‪.2/188‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫إعانة الطالبين‪ :‬الدمياطي ‪ ،2/216‬مغني المحتاج ‪ ،1/421‬حاشية ابن عابدين ‪.2/387‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.86‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪104‬‬
‫الول‪ :‬حمل التقدير على إتمام الشهر ثلثين‪ ،‬ولقد اتبع المام البخاري‬
‫حديث ابن عمر هنا برواية أخرى عنه جاء فيها أن رسول ال قال‪ " :‬الشهر‬
‫تسع وعشرون ليلة فل تصوموا حتى تروه ‪،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة‬
‫ثلثين " (‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬قصد البخاري بذلك بيان المراد من قوله " فأقدروا له "‬
‫وأيد ابن رشد تفسير البخاري وعلله بأن التقدير يكون بمعنى التمام ودعم رأيه‬
‫بقوله تعالى‪  :‬قد جعل ال لكل شيء قدرا ‪ ‬أي تماما (‪.)3‬‬
‫الثاني‪ :‬حمل التقدير على تضييق عدد أيام الشهر بمعنى أن يجعل شعبان‬
‫تسعة وعشرين يوما‪ ،‬وأخذوا هذا التفسير من قوله تعالى‪  :‬ومن قدر عليه رزقه‬
‫‪ ‬أي ضيق عليه‪ ...‬وممن قال بهذا الرأي أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم‬
‫يوم الشك إن كانت السماء مغيمة (‪.)4‬‬
‫وقالوا بعدم جواز العتماد على الحساب كحساب الجداول وغيرها لكون‬
‫الحساب مبنيا على الظن والتخمين ل على العلم واليقين فهم في إجراء عملية‬
‫الحساب يجعلون شهرا كاملً وشهرا ناقصا إلى نهاية السنة ومن المعلوم أن تمام‬
‫الشهر ثلثين قد يتوالى في شهرين أو ثلثة والنقص في الشهر وكونه تسعا‬
‫وعشرين قد يتوالى في شهرين أو ثلثة‪.‬‬
‫وأنكروا العمل بالحساب لما رأوه من أناس يستنطقون النجوم بالحوادث‬
‫الغيبية ويوهمون العامة بأنهم يعرفون عن طريقها كل شيء لذلك كانت أقوالهم‬
‫مردودة لنها مبنية على ظنون وأوهام‪ ،‬ويؤيد هذا التفسير ما ذكره السرخسي‪:‬‬
‫" ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند الشتباه‪ ،‬وهذا بعيد فإن النبي‬

‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتح الباري ‪.4/121‬‬ ‫‪2‬‬

‫() بداية المجتهد ‪.208 – 1/207‬‬ ‫‪3‬‬

‫() النصاف ‪ ،3/349‬الفروع ‪ ،94 – 3/93‬فتح الباري ‪.4/122‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪105‬‬
‫قال‪ " :‬من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد‬
‫" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬إن الحساب ل يجوز أن يعتمد عليه في الصوم‬
‫لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب‬
‫على الرؤية بيوم أو يومين وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن به ال(‪.)2‬‬
‫أما الستدلل ببعض ما روي عن بعض التابعين فقد عد ابن العربي ذلك‬
‫من الزلل قال‪ ..." :‬وقد زل بعض المتقدمين فقال يعول على الحساب بتقدير‬
‫المنازل حتى يدل ما يجتمع حسابه على أنه لو كان صحو لرئي‪ ..‬وقد زل أيضا‬
‫بعض أصحابنا فحكي عن الشافعي أنه قال‪ :‬يعول على الحساب وهي عثرة ل لعا‬
‫لها(‪.)3‬‬
‫وجوابا على قياس العتماد على الجهزة والقواعد الحسابية في تحديد‬
‫دخول أوقات الصلة والصوم وخروجها‪:‬‬
‫الجواب‪ :‬أن هناك فرق بين أوقات الصلة وشهر رمضان فأوقات الصلة‬
‫إنما هي ظرف لها‪ ،‬أما شهر رمضان فهو معيار للصوم‪ ،‬ومعنى ذلك أن أوقات‬
‫الصلة تسعها وتزيد فيتبقى وقت زائد إذا صلى النسان على الطريقة المسنونة‬
‫في وقتها‪ ،‬فمن الممكن دائما الحتراز عن الخطأ الذي يحدث بسبب تعيين وقت‬
‫الصلة بالطريقة الحسابية بأن يؤخر أداء الصلة قليلً عن أول وقتها المعين‬
‫بالحساب‪ ،‬أما شهر رمضان فل يمكن أن يقدم عليه الصوم أو يؤخر عنه يوما‬
‫لنه يستلزم ترك فريضة أو إتيان حرام‪ ،‬ومن ثم فل يصح قياس أوقات الصلة‬
‫على دخول رمضان وخروجه‪.‬‬

‫() أخرجه أحمد في سنده (‪ ،2/429 )9532‬وأبو داود في الطب باب في الكاهن (‪ ،4/15 )3904‬والطبراني‬ ‫‪1‬‬

‫في الوسط (‪ ،6/378 )6670‬قال الهيثمي‪ :‬عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الدهري‪ ،‬ولم أعرفه‬
‫وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد ‪.)5/117‬‬
‫() إحكام الحكام ‪.2/206‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أحكام القرآن‪ :‬لبن العربي ‪.1/118‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪106‬‬
‫وعلوة على ذلك فإن مراد دخول شهر رمضان شرعا على رؤية الهلل‬
‫وهي أمر عملي خالص وليس فكريا‪ ،‬وذلك لن القواعد الرياضية أو الدوات‬
‫الفلكية ل يتجاوز دللتها إمكان الرؤية أما وقوع الرؤية عملً وعدم وقوعها فهذا‬
‫مما ل يتأتى في نطاق ما تدل عليه اللت والقواعد‪ ،‬هذا المر قد ثبت‬
‫بتصريحات خبراء هذا العلم‪ ،‬أما أوقات الصلة فإنها تقوم على حالت الشمس‬
‫وتأثيراتها وهي تظهر في كل سنة على مواعيدها المحددة بشكل ثابت يقيني ول‬
‫يحدث فيها أي تغيير ولذلك يكفي فيها تجارب سنة واحدة لضبط مواعيد الصلة‬
‫للعام كله(‪.)1‬‬

‫كما نوقشت أدلة الفريق الول بما يلي ‪:‬‬


‫الصل اعتماد الرؤية في دخول الشهر القمرية‪ ،‬لكن هل معنى ذلك أننا‬
‫نترك الحساب‪ ،‬وما يقوله علم الفلك؟!‪ ،‬مع العلم أن علم الفلك قد أضحى من‬
‫اليقينيات التي ل مجال للشك أو الرتياب فيه‪ ..‬إن الذي رفضه الفقهاء من علم‬
‫الهيئة أو الفلك هو ما كان يسمى " التنجيم " أو " علم النجوم " وهو ما يدعى فيه‬
‫معرفة بعض الغيوب المستقبلية عن طريق النجوم‪ ،‬وهذا هو الذي جاء فيه‬
‫الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره عن ابن عباس مرفوعا‪ " :‬من اقتبس علما‬
‫من النجوم اقتبس شعبة من السحر " (‪.)2‬‬
‫والستدلل بالحديث " نحن أمة أمية ل نكتب ول نحسب " لو صح على‬
‫نفي العمل بالحساب لكان الحديث يدل على نفي الكتابة وإسقاط اعتبارها فقد‬
‫تضمن الحديث أمرين دلل بهما على أمية المة وهما الكتابة والحساب‪ :‬ولم يقل‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.87 – 86‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الطب باب في النجوم (‪ ،4/15 )3905‬وابن ماجة في باب تعلم النجوم (‪)3726‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2/1228‬أحمد في سنده (‪ ،1/311 )2848‬قال الشوكاني‪ :‬حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري‬
‫رجال إسناده ثقات ( نيل الوطار ‪.) 7/369‬‬

‫‪107‬‬
‫أحد بذم الكتابة قديما ول حديثا بل دل القرآن والسنة والجماع على أهمية الكتابة‬
‫وضرورتها‪.‬‬
‫ومهما قيل في هذا الصدد أن الرسول لم يشرع لنا العمل بالحساب ولم‬
‫يأمرنا باعتباره وإنما أمرنا باعتبار " الرؤية " والخذ بها في إثبات الشهر وهذا‬
‫الكلم فيه شيء من الغلط لمرين‪ " :‬الول – أنه ل يعقل أن يأمر الرسول‬
‫بالعتداد بالحساب في وقت كانت المة ل تكتب ول تحسب فشرع لها الوسيلة‬
‫زمانا ومكانا وهي الرؤية المقدورة لجمهور الناس في عصره‪ ،‬ولكن إذا وجدت‬
‫وسيلة أدق وأضبط وأبعد عن الغلط والوهم فليس في السنة ما يمنع اعتبارها‪.‬‬
‫والثاني – أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالة الغيم‬
‫– كما عرفنا ذلك سابقا‪.-‬‬
‫ومن ينكر الحساب ويجعله من التخمين والظن فهو مخطئ ومردود عليه‬
‫بنصوص القرآن التي أتت متظافرة تخبرنا بأهمية علم الحساب وبأنه ليس من‬
‫ضروب الظن والتخمين‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬الشمس والقمر بحسبان ‪[ ‬الرحمن‪ ]5 :‬أي بحساب له قواعده‬
‫وأصوله يقف عليها من درسها وتمكن منها‪ ،‬قال الشوكاني‪ " :‬أي يجريان بحساب‬
‫ومنازل ل يعدوانها ول يحيدان عنها " (‪.)1‬‬
‫قوله‪  :‬والقمر قدرناه منازل ‪[ ...‬إبراهيم‪ ]33 :‬قال الشوكاني‪ " :‬أي قدر‬
‫مسيره في منازل‪ ،‬منازل القمر هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته‬
‫الخاصة " (‪.)2‬‬
‫وقال سبحانه‪  :‬هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل‬
‫لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم‬
‫يعلمون ‪[ ‬يونس‪.]5 :‬‬

‫() فتح القدير‪ :‬الشوكاني ‪.5/131‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتح القدير‪.2/425 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪108‬‬
‫‪ ‬وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة‪،‬‬
‫لتبتغوا فضلً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه‬
‫تفصيل ‪[ ‬السراء‪.]12 :‬‬
‫‪ ‬فالق الصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز‬
‫العليم ‪[ ‬النعام‪.]96 :‬‬
‫‪ ‬وسخر الشمس والقمر كل يجري لجل مسمى ‪[ ‬لقمان‪ ،]29 :‬فهذه اليات‬
‫الشريفة دليل على وجوب تعلم الحساب وأصوله وقواعده‪ ،‬ثم اعتماده بعد إفادة‬
‫اليقين في قضايا الكون الشاسعة وأبعاده الواسعة‪...‬‬
‫حتى أصبحت حركات الجرام السماوية معلومة بدقة ل يتسرب إليها‬
‫الشك‪.‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬
‫جمعا بين القوال وخاصة إذا كان الجمع بين النصوص الشرعية والعلم‬
‫الفلكي والحسابي‪ :‬فإننا نقول‪ :‬ل يجوز إثبات رؤية الهلل في اليوم الذي علم‬
‫وثبت بصراحة ويقين أنه ل يمكن فيه رؤية الهلل إطلقا‪.‬‬
‫إنـه مـن المعروف أن المسـتحيل عقلً وعادة ل تقبـل فيـه روايـة ثقـة ول‬
‫شهادته وخبره‪ ،‬بل يرد ذلك الخبر والشهادة إذا ثبت أنهما مستحيلن ومتصادمان‬
‫مع العقل والبداهة‪.‬‬
‫فمن ادعى رؤية الهلل في الوقت الذي تحيل القواعد الحسابية المبنية‬
‫على الدقة العلمية حملت دعواه على الوهم إن لم تحمل على الكذب(‪.)1‬‬
‫وكما قال الشيخ يوسف القرضاوي(‪ " :)2‬ويمكننا على القل أن نأخذ‬
‫بالحساب الفلكي القطعي في النفي ل في الثبات تقليلً للختلف الشاسع الذي‬
‫يحدث كل سنة في بدء الصيام وفي عيد الفطر‪ ،‬إلى حد يصل إلى ثلثة أيام بين‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬للسنبهنلي ص ‪.90 – 88‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.2/221‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪109‬‬
‫بعض البلد السلمية وبعض‪ ،‬ومعنى الخذ بالحساب في النفي أن نظل على‬
‫إثبات الهلل بالرؤية وفقاُ لرأي الكثرين من أهل الفقه في عصرنا‪ ،‬ولكن إذا‬
‫نفى الحساب إمكان الرؤية وقال‪ :‬إنها غير ممكنة‪ :‬لن الهلل لم يولد أصلً في‬
‫أي مكان من العالم السلمي كان الواجب أل تقبل شهادة الشهود بحال لن‬
‫الواقع الذي أثبته العلم الحسابي القطعي يكذبهم ويؤيد هذا ما ذكره السبكي في‬
‫فتاويه أن الحساب إذا نفى إمكان الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد‬
‫شهادة الشهود حيث قال‪ " :‬لن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان‪ ,‬والظني‬
‫ل يعارض القطعي‪ ,‬فضلً عن أن يقوم عليه " (‪.)1‬‬

‫قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي بجدة ‪:‬‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين‬
‫وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم‪)6/3( 18 :‬‬
‫(‪)2‬‬

‫بشأن‬
‫توحيد بدايات الشهور القمرية‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمّان‬
‫عاصمة المملكة الردنية الهاشمية من ‪ 13 – 8‬صفر ‪1407‬هـ ‪16 – 11/‬‬
‫تشرين الول (أكتوبر) ‪1986‬م ‪:‬‬
‫بعد استعراضه في قضية توحيد بدايات الشهور القمرية مسألتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬مدى تأثير اختلف المطالع على توحيد بداية الشهور‪.‬‬

‫() إعانة الطالبين‪ :‬للدمياطي ‪ ,2/216‬مغني المحتاج‪ :‬للشربيني ‪.1/421‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مجلة المجمع ( العدد الثالث‪ ,‬ج ‪ 2‬ص ‪.) 811‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪110‬‬
‫الثانيـة‪ :‬حكـم إثبات أوائل الشهور القمريـة بالحسـاب الفلكـي‪ ،‬وبعـد اسـتماعه إلى‬
‫الدراسات المقدمة من العضاء والخبراء حول هذه المسألة قرر ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف‬
‫المطالع لعموم الخطاب بالمر بالصوم والفطار‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يجب العتماد على الرؤية‪ ،‬ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد‪ ،‬ومراعاة‬
‫للحاديث النبوية‪ ،‬والحقائق العلمية‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫المبحث الثاني‬

‫مصرف ‪ ‬في سبيل ال ‪‬‬


‫وهل يجوز صرف الزكاة على المساجد‪ ،‬والمراكز السلمية الدعوية؟‬

‫من القضايا المطروحة على الساحة بقوة هذه اليام‪ :‬قضية صرف الزكاة‬
‫في بناء المساجد أو على المراكز السلمية والمدارس التعليمية وبصفة خاصة‬
‫بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون بالخارج‪:‬‬
‫فهذه القضية يسأل عنها الناس كثيرا لنها تتعلق بأمر عبادتهم لذا كان من‬
‫الواجب بحث هذه المسألة ضمن القضايا الفقهية المعاصرة وبيان الجواب الشافي‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫قال تعالى‪  :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة‬
‫قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل ال وابن السبيل فريضة من ال وال‬
‫عليم حكيم ‪[ ‬التوبة‪ :‬آية ‪.]60‬‬
‫فقد خصها ال تعالى بأصناف ثمانية بأداة حصر وقصر وهي " إنما " التي‬
‫تثبت المذكور وتنفي ما عداه‪.‬‬
‫وإذا صرفت لغير هؤلء كان صرفا غير شرعي ل يسقط الوجوب كما‬
‫قال القاضي عبد الوهاب(‪ ،)1‬فل يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر لقوله‬
‫للذي جاء يسأله الصدقة‪ " :‬إن ال لم يرض بحكم نبي ول غيره في الصدقات‬
‫حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك‬
‫حقك " (‪.)2‬‬
‫فهل بناء المساجد والمراكز السلمية والمدارس التعليمية والمستشفيات‬
‫وغيرها من أعمال البر مثل تكفين الموتى‪ ،‬أو تعليم اليتام ورعايتهم وتدريبهم‬
‫على مهنة من المهن ونحو ذلك يدخل في عموم قوله تعالى ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬في‬
‫الية الكريمة التي حددت مصارف الزكاة فتكون العمال الخيرية ضمن‬
‫مصارف الزكاة‪ ،‬أم أن ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬المراد بها الجهاد والغزو ليس إل ‪...‬‬

‫‪ -1‬معنى ‪ ‬وفي سبيل ال ‪: ‬‬


‫‪-‬السبيل‪ :‬لغة الطريق ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪-‬وسبيل ال‪ :‬هو الطريق الموصل إلى مرضاته‪ ،‬قال ابن الثير‪" :‬‬
‫السبيل في الصل الطريق‪ ،‬و"سبيل ال" عام يقع على كل عمل‬
‫خالص سلك به طريق التقرب إلى ال عزوجل بأداء الفرائض‬

‫() المعونة‪ :‬القاضي عبد الوهاب البغدادي ‪.1/84‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يعطى من الصدقة (‪ ،2/117 )1630‬قال المنذري في إسناده عبد‬ ‫‪2‬‬

‫الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي وقد تكلم فيه غير واحد (عون المعبود ‪.)5/27‬‬
‫() لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سبل ‪.11/319‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪113‬‬
‫والنوافل وأنواع الطاعات‪ ،‬وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على‬
‫الجهاد حتى صار لكثرة الستعمال كأنه مقصور عليه " (‪.)1‬‬

‫‪ -2‬أقوال العلماء في قوله تعالى ‪ ‬وفي سبيل ال ‪: ‬‬


‫‪ -‬المذهب الحنفي ‪:‬‬
‫‪-‬قال ابن الهمام‪  " :‬وفي سبيل ال ‪ ‬منقطع الغزاة عند أبي يوسف‬
‫رحمه ال لنه هو المتفاهم عند الطلق " (‪.)2‬‬
‫‪-‬وقال الجصاص‪ " :‬وروي عن أبي يوسف فيمن أوصى بثلث ماله في‬
‫سبيل ال أنه للفقراء الغزاة " (‪.)3‬‬
‫‪-‬وقال ابن قطلوبغا‪ " :‬فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل ال‪ :‬قال أبو‬
‫يوسف‪ :‬سبيل ال الغزو‪ ،‬فقيل لـه والحج‪ :‬قال سبيل ال الغزو‪"...‬‬
‫وهو كالخلف في قولـه تعالى ‪ ‬وفي سبيل ال ‪ ‬والفتوى على قول‬
‫أبي يوسف(‪.)4‬‬
‫‪-‬وفسره الكاساني‪ " :‬بجميع القرب والطاعات فيدخل فيه كل من سعى‬
‫في طاعة ال تعالى وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا " (‪.)5‬‬
‫‪-‬وقال محمد بن الحسن الشيباني‪ " :‬أن المراد بسبيل ال في آية‬
‫المصارف هم الغزاة والحجاج والعمار " (‪.)6‬‬
‫‪ -‬المذهب المالكي ‪:‬‬
‫‪-‬قال المام مالك‪ " :‬سبل ال كثيرة‪ ,‬ولكني ل أعلم خلفا في أن المراد‬
‫بسبيل ال ها هنا الغزو من جملة سبيل ال " (‪.)7‬‬

‫النهاية في غريب الحديث‪ :‬ابن الثير ‪.2/338‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫فتح القدير ‪.2/264‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أحكام القرآن ‪.3/126‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫موجبات الحكام وواقعات اليام‪ ،‬ص ‪.391‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫بدائع الصنائع ‪.2/45‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫المبسوط ‪ ،2/46‬تبيين الحقائق ‪.1/298‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫المدونة الكبرى ‪ ،3/97‬أحكام القرآن‪ :‬لبن العربي ‪.2/968‬‬ ‫()‬ ‫‪7‬‬

‫‪114‬‬
‫‪-‬و قال ابن عبد البر‪  " :‬وفـي سبيـل ال ‪ : ‬فهم الغزاة و موضع‬
‫الرباط " (‪.)1‬‬
‫‪-‬قال القرافي‪ " :‬الصنف السابع سبيل ال تعالى وفي الجواهر هو‬
‫الجهاد دون الحج " (‪.)2‬‬
‫‪-‬وقال العبدري المالكي‪ ..." :‬من الثمانية الصناف التي تصرف‬
‫الزكاة فيها‪ :‬سبيل ال ‪ -:‬أبو عمر– وذلك الجهاد والرباط " (‪.)3‬‬
‫‪-‬قال الدسوقي في حاشيته‪ ..." :‬ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن‬
‫يجب عليه لكونه حرا مسلما ذكرا بالغا قادرا ول بد أن يكون غير‬
‫هاشمي ويدخل فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها " (‪.)4‬‬
‫‪ -‬المذهب الشافعي ‪:‬‬
‫‪-‬قال النووي‪ " :‬ومذهبنا أن سهم سبيل ال المذكور في الية الكريمة‬
‫يصرف إلى الغزاة الذين ل حق لهم في الديوان بل يغزون‬
‫متطوعين‪.)5( "...‬‬
‫‪-‬وقال في روضة الطالبين‪ " :‬وفي سبيل ال‪ :‬وهم الغزاة الذين ل‬
‫رزق لهم في الفيء " (‪.)6‬‬
‫‪-‬وقال الغزالي‪ " :‬الصنف السابع المجاهدون في سبيل ال وهم‬
‫المطوعة من الغزاة الذين ل يأخذون من الفيء ول اسم لهم في‬
‫الديوان " (‪.)7‬‬
‫‪-‬قال الخطيب الشربيني‪ " :‬وسبيل ال تعالى غزاة ل فيء لهم أي ل‬
‫اسم لهم في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو " (‪.)8‬‬

‫الكافي‪ :‬لبن عبد البر ‪.1/326‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الذخيرة ‪.3/148‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫التاج والكليل ‪.2/351‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪.1/497‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫المجموع‪ :‬النووي ‪.6/200‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫روضة الطالبين ‪.2/321‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫الوسيط ‪.4/563‬‬ ‫()‬ ‫‪7‬‬

‫مغني المحتاج ‪.3/111‬‬ ‫()‬ ‫‪8‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ -‬المذهب الحنبلي ‪:‬‬
‫‪-‬قال ابن قدامة‪ " :‬الصنف السابع من أهل الزكاة‪ :‬ول خلف في‬
‫استحقاقهم وبقاء حكمهم ول خلف في أنهم الغزاة في سبيل ال " (‪.)1‬‬
‫‪-‬قال ابن مفلح‪ " :‬في سبيل ال وهم الغزاة الذين ل حق لهم في‬
‫الديوان " (‪.)2‬‬
‫‪-‬وقال الخرقي أيضا‪ " :‬ويعطى أيضا في الحج وهو من سبيل ال "‪.‬‬
‫‪-‬قال ابن قدامة‪ " :‬ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول‬
‫اسحق " (‪.)3‬‬
‫‪-‬وقال الشيخ منصور البهوتي‪ " :‬السابع في سبيل ال للنص وهم‬
‫الغزاة لن السبيل عند الطلق هو الغزو(‪ ,)4‬والحج من السبيل نصا‬
‫" (‪.)5‬‬

‫‪ -3‬حصر أقوال العلماء في المسألة ‪:‬‬


‫من العرض السابق للراء في مختلف المذاهب الفقهية نتبين أن في المسألة‬
‫القوال التالية‪:‬‬
‫‪-‬القول الول‪ :‬وهو لجمهور العلماء في المذاهب الربعة‪ ،‬والعلماء‬
‫السابقين واللحقين من عهد الصحابة إلى اليوم‪ :‬أن المراد من سبيل‬
‫ال هو الغزو والجهاد(‪.)6‬‬

‫() المغني ‪.6/333‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الفروع‪ :‬لبن مفلح ‪.2/470‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المغني ‪.6/334‬‬ ‫‪3‬‬

‫() كشاف القناع ‪.2/283‬‬ ‫‪4‬‬

‫() المرجع السابق ‪.2/284‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المبسوط ‪ ،2/46‬تبيين الحقائق ‪ ،1/298‬شرح فتح القدير ‪ ،2/264‬المدونة الكبرى ‪ ،3/97‬الكافي‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،1/326‬التاج والكليل ‪ ،2/351‬الذخيرة ‪ ،3/148‬حاشية الدسوقي ‪ ،1/497‬المجموع ‪ ،6/200‬روضة‬

‫‪116‬‬
‫‪-‬القول الثاني‪ :‬وهو لمحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية وأحمد بن‬
‫حنبل في إحدى الروايتين عنه وإسحاق وجمع من الصحابة منهم‬
‫عبدال بن عمر وابن عباس – رضي ال عنهما ‪ :-‬أن المراد بـ ‪‬‬
‫سبيل ال ‪‬هم الغزاة والحجاج والعمار(‪.)1‬‬
‫‪-‬القول الثالث‪ :‬للكاساني من الحنفية وهو قول بعض المفسرين‬
‫والمحدثين والفقهاء وبعض العلماء المعاصرين منهم صديق خان‪،‬‬
‫المراغي‪ ،‬رشيد رضا‪ ,‬جمال الدين القاسمي‪ ،‬الشيخ شلتوت‪ ،‬والشيخ‬
‫مخلوف‪ :‬فسروا ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬بالمعنى الواسع‪ :‬وقالوا بأن المراد‬
‫به جميع وجوه البر(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬سبب اختلف العلماء في هذه المسألة ‪:‬‬
‫وسبب اختلف العلماء في هذا‪ :‬هو اختلفهم في تفسير قوله تعالى في‬
‫مصارف الصدقات ‪ ‬وفي سبيل ال ‪ ،‬وكذلك اختلفهم في ثبوت الحاديث من‬
‫عدم ثبوتها‪ ،‬واختلفهم في الوضع اللغوي للية(‪.)3‬‬

‫‪ -‬أدلتهم ‪:‬‬
‫استدل أصحاب القول الول‪ :‬على أن المراد بسبيل ال الغزو بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن المفهوم المتبادر في معنى ‪ ‬وفي سبيل ال ‪ ‬إذا أطلق في الكتاب والسنة‬
‫ولسان الصحابة‪ :‬الغزو والجهاد‪.‬‬

‫الطالبين ‪ ،2/321‬الوسيط ‪ ،4/563‬مغني المحتاج ‪ ،3/111‬المغني ‪ ،6/334‬الفروع ‪ ،2/470‬كشاف القناع‬


‫‪.2/283‬‬
‫() المبسوط‪ :‬للسرخسي ‪ ،3/10‬تبيين الحقائق ‪ ،1/298‬شرح فتح القدير‪ :‬لبن الهمام ‪ ،2/17‬المغني‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،6/334‬كشاف القناع ‪ ،2/283‬المجموع ‪ ،6/200‬بداية المجتهد ‪.1/202‬‬


‫() بدائع الصنائع ‪ :‬الكاساني ‪ ،2/45‬روح المعاني‪ :‬لللوسي ‪ ،9/123‬تفسير الرازي ‪ ،16/113‬سبل السلم‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2/198‬تفسير المراغبي ‪ ،4/142‬تفسير المنار ‪ ،10/585‬السلم عقيدة وشريعة لشلتوت ص ‪،98 – 97‬‬
‫فتاوي شرعية‪ :‬الشيخ مخلوف ‪.1/255‬‬
‫() مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة‪ :‬د‪ .‬خالد عبد الرزاق العاني ص ‪.357‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪117‬‬
‫يقول ابن جرير الطبري‪ " :‬وأما قوله ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬فإنه يعني‪ :‬النفقة في‬
‫نصرة دين ال‪ ،‬وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو‬
‫الغزو " (‪.)1‬‬
‫ويقول ابن الثير‪ " :‬السبيل في الصل الطريق‪ ،‬ويذكر ويؤنث والتأنيث‬
‫فيها أغلب‪ ،‬وسبيل ال عام يقع على كل عمل خالص‪ ،‬سلك به طريق التقرب إلى‬
‫ال تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات‪.‬‬
‫وإذا أطلق سبيل ال فهو في الغالب واقع على الجهاد‪ ،‬حتى صار لكثرة‬
‫الستعمال كأنه مقصور عليه " (‪.)2‬‬
‫قال الخطيب الشربيني(‪ ..." :)3‬وإنما فسر سبيل ال بالغزاة لن استعماله‬
‫في الجهاد أغلب عرفا بدليل قوله تعالى في غير موضع ‪ ‬يقاتلون في سبيل ال ‪‬‬
‫[النساء‪ ،]76 :‬ولقوله تعالى‪  :‬إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا ‪[ ‬الصف‪:‬‬
‫‪ ،]4‬وقوله تعالى‪  :‬وقاتلوا في سبيل ال ‪[ ‬البقرة‪ ،]190 :‬وغير ذلك من اليات‪...‬‬
‫ويقول ابن الجوزي‪ " :‬إذا أطلق ذكر ‪ ‬سبيل ال ‪ ‬فالمراد به الجهاد " (‪.)4‬‬

‫‪ -2‬واستدلوا بالحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري أنه قال‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ " :‬ل تحل الصدقة لغني إل لخمسة لغاز في سبيل ال‪ ،‬أو لعامل عليها أو‬
‫لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فأهدى المسكين إليه " (‪.)5‬‬
‫ووجه الستدلل من الحديث‪:‬‬

‫() تفسير الطبري ‪.10/165‬‬ ‫‪1‬‬

‫() النهاية في غريب الحديث ‪.2/338‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مغني المحتاج ‪.3/111‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح الباري ‪ ،6/48‬تحفة الحوذي ‪.5/207‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني (‪ ،2/119 )1636‬وابن ماجة في‬ ‫‪5‬‬

‫الزكاة باب من تحل له الصدقة (‪ ،1/590 )1841‬ومالك في موطئه (‪ ،1/268 )604‬وأحمد (‪)11286‬‬
‫‪ ،3/31‬والحاكم (‪ 1/566 )1480‬وقال صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ف قد ذُكـر فـي الحد يث م من ت حل ال صدقة‪ :‬الغازي‪ ،‬ول يس في ال صناف‬
‫الثمانية من يعطى باسم الغزاة إل الذين نعطيهم من سبيل ال‪.‬‬
‫قال العيني‪ :‬هو حديث صريح مفسر لقوله تعالى ‪ ‬وفي سبيل ال ‪ ‬فيجب‬
‫حمله عليه(‪.)1‬‬
‫قال ابن حزم‪ " :‬وقد روى هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم‬
‫ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر‪ ،‬وزيادة العدل ل يحل تركها‪ "..‬ثم قال‪..." :‬‬
‫فلم يجز أن توضع إل حيث بين النص وهو الذي ذكرنا وبال تعالى التوفيق " (‪.)2‬‬
‫‪ -3‬ومما يؤيد رأيهم ما روى كعب بن عجرة قال‪ :‬مرّ رجل على النبي‬
‫فرأى أصحاب رسول ال من جلده ونشاطه فقالوا‪ " :‬لو كان هذا في سبيل ال‬
‫‪.)3( " ...‬‬
‫يريدون في الجهاد ونصرة السلم(‪.)4‬‬
‫‪ -4‬كما استدلوا ببعض الثار الدالة على أن المقصود من " سبيل ال " في الية‬
‫هو الغزو والجهاد منها‪:‬‬
‫‪.1‬ما ساقه الطبري بسنده في تفسيره قال‪ :‬حدثني يونس قال‪ :‬أخبرنا‬
‫ابن وهب قال‪ :‬قال ابن زيد في قوله ‪ ‬وفي سبيل ال ‪ ‬قال‪ :‬الغازي‬
‫في سبيل ال (‪.)5‬‬
‫‪.2‬ما ذكره السيوطي في تفسيره‪ :‬قال‪ :‬أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل‬
‫في قوله‪  :‬وفي سبيل ال ‪ ‬قال‪ :‬هم المجاهدون(‪.)6‬‬
‫ج‪ .‬وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله ‪ ‬وفي سبيل ال‬
‫‪ ‬قال‪ :‬الغازي في سبيل ال(‪.)7‬‬
‫() عمدة القاري ‪.9/45‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المحلى ‪.6/151‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،19/129 )282‬وقال المنذري رجاله رجال الصحيح ( الترغيب‬ ‫‪3‬‬

‫والترهيب ‪.) 2/335‬‬


‫() فتاوي معاصرة‪ :‬الشيخ يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪4‬‬

‫() تفسير الطبري ‪.14/320‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الدر المنثور ‪.3/252‬‬ ‫‪6‬‬

‫() المرجع السابق ‪.3/252‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ -‬وأدلة أصحاب القول الثاني‪:‬‬
‫فبالضا فة إلى الدلة ال تي ا ستدل ب ها الجمهور على أن المراد ب سبيل ال‬
‫الجهاد والغزو فلقد استدلوا على أن المراد به الحج والعمرة أيضا بما يلي‪:‬‬
‫‪ -2‬أما تفسيرهم بالحجاج والعمار فقد استدلوا على ذلك بما يلي‪:‬‬
‫‪.1‬حديث أم معقل‪ :‬قالت لما حج رسول ال حجة الوداع وكان لنا‬
‫جمل فجعله أبو معقل في سبيل ال وأصابنا مرض وهلك أبو معقل‬
‫وخرج النبي فلما فرغ من حجته جئته فقال‪ " :‬يا أم معقل ما منعك‬
‫أن تخرجي " قالت‪ :‬لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي‬
‫نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل ال‪ ،‬قال‪ " :‬فهل خرجت‬
‫عليه فإن الحج من سبيل ال " (‪.)1‬‬
‫‪.2‬وعن ابن عباس – رضي ال عنهما – أن امرأة قالت لزوجها‪:‬‬
‫احججني مع رسول ال على جملك الفلني‪ ،‬قال ذلك حبيس في‬
‫سبيل ال‪ ،‬الحديث‪ ،‬وفيه أن رسول ال قال‪ " :‬أما أنك لو أحججتها‬
‫عليه كان في سبيل ال " (‪.)2‬‬
‫ج‪ .‬واحتجوا كذلك بما روى عن أبي لس قال‪ " :‬حملنا النبي على إبل‬
‫الصدقة للحج "(‪ .)3‬قال الشوكاني‪ " :‬حديث أم معقل وحديث أبي لس‬
‫يدلن على أن الحج من سبيل ال وأن من جعل شيئا من ماله في سبيل‬
‫ال جاز لـه صرفه في تجهيز الحجاج وإذا كان شيئا مركوبا جاز حمل‬
‫الحاج عليه ويدلن أيضا على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل ال‬
‫من الزكاة على قاصدين الحج(‪.)4‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة (‪ ،2/204 )1988‬والترمذي في الحج باب ما جاء في عمرة‬ ‫‪1‬‬

‫رمضان (‪ ،3/276 )939‬وأحمد في مسنده (‪ ،4/210 )17875‬وفي إسناده رجل مجهول‪ ،‬وفي إسناده أيضا‬
‫إبراهيم من مهاجر البجلي متكلم فيه (نيل الوطار ‪.)4/238‬‬
‫() أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة (‪ ،2/205 )1990‬وقال النووي‪ :‬إسناده صحيح (المجموع‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)6/213‬وكذلك قال ابن حجر (الدراية ‪.)1/266‬‬


‫() أخرجه أحمد (‪ ،4/221 )17968‬وابن خزيمة (‪ ،4/73 )2377‬والحاكم (‪ ،1/612 )1625‬وقال‪:‬هذا‬ ‫‪3‬‬

‫حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح‪.‬‬
‫() نيل الوطار ‪.4/238‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪120‬‬
‫‪.8‬وبما روى أبو عبيد في الموال عن أبي معاوية‪ ،‬عن أبي جعفر عن‬
‫العمش عن حسان أبي الشرس عن مجاهد عن ابن عباس‪ :‬أنه كان‬
‫ل يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج(‪.)1‬‬
‫هـ‪.‬وبما روي عن ابن عمر – رضي ال عنهما – أنه سئل عن امرأة‬
‫أوصت بثلثين درهما في سبيل ال فقيل لـه‪ :‬أتجعل في الحج فقال‪:‬‬
‫أما أنه في سبيل ال (‪.)2‬‬
‫و‪ .‬وبما روى القرطبي في تفسيره قال‪ :‬خرّج أبو محمد عبد الغني الحافظ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد‬
‫بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال‪ :‬كنت جالسا مع عبدال بن عمر‬
‫فأتته امرأة فقالت لـه‪ :‬يا أبا عبد الرحمن أن زوجي أوصى بماله في‬
‫سبيل ال‪ ,‬قال ابن عمر‪ :‬فهو كما قال في سبيل ال‪ ،‬فقلت أما زدتها فيما‬
‫سألت عنه إل غما‪ ,‬قال‪ :‬فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى‬
‫هؤلء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الرض ويقطعون السبيل؟‬
‫قال‪ :‬قلت فما تأمرها قال‪ :‬آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج‬
‫بيت ال الحرام أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن‬
‫ليسوا كوفد الشيطان ثلثا يقولها قلت‪ :‬يا أبا عبد الرحمن وما وفد‬
‫الشيطان؟ قال‪ :‬قوم يدخلون على هؤلء المراء فيمنون إليهم الحديث‬
‫ويسعون في المسلمين بالكذب فيجازون الجوائز ويعطون عليها‬
‫العطايا(‪.)3‬‬

‫() الموال لبي عبيد ‪.1/722‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو عبيدة في الموال ‪.1/723‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تفسير القرطبي ‪ ،8/185‬التمهيد‪ :‬لبن عبد البر ‪.5/102‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪121‬‬
‫ز‪ .‬وبما روى البخاري عن الحسن قال‪ :‬إن اشترى أباه من الزكاة جاز‬
‫ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج ثم تل ‪ ‬إنما الصدقات للفقراء ‪ ‬الية‬
‫في أيهما أعطيت أجزأت(‪.)4‬‬
‫‪ -‬أمـا أصسحاب القول الثالث فلقسد اسستدلوا على مـا ذهبوا إليـه مـن التوسـع فـي‬
‫مصرف " في سبيل ال " على جميع أنواع القرب والبر‪:‬‬
‫‪ -1‬أن لفظ ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬عام فل يجوز قصره على بعض أفراده دون‬
‫سائرها إل بدليل‪ ،‬ول دليل على ذلك‪.‬‬
‫وعند ما ق يل ل هم‪ :‬إن ل فظ ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬إذا ذ كر في الكتاب وال سنة‬
‫ـره على الجهاد‬ ‫ـرف إلى الجهاد دون غيره أبوا ذلك‪ ،‬ورفضوا قصـ‬ ‫انصـ‬
‫دون سـواه يقول صـديق حسـن خان‪ " :‬وأمـا ‪ ‬سـبيل ال ‪ ‬فالمراد بـه هنـا‬
‫الطر يق إل يه عزو جل‪ ،‬والجهاد وإن كان أع ظم الطرق إلى ال عزو جل‪،‬‬
‫لكن ل دليل على اختصاص هذا السهم به‪ ،‬بل يصح صرف ذلك في كل‬
‫ما كان طريقا إلى ال عزو جل‪ ،‬هذا مع نى ال ية ل غة‪ ،‬والوا جب الوقوف‬
‫على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعا " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬ويدل على أن المراد بـ ‪ ‬سبيل ال ‪ ‬في آية الصدقات العموم نصوص‬
‫وآثار جاءت دالة على جواز صرف الزكاة في بعض القربات‪.‬‬
‫‪ -3‬كما استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في باب القسامة أن الرسول‬
‫ودى الصحابي الذي قتله اليهود في خيبر عندما لم يُعرف قاتله من إبل‬
‫الصدقة‪ ،‬وذلك لن الرسول كره أن يبطل دمه(‪.)3‬‬
‫‪ -4‬واسـتدل صـديق حسـن خان على صـحة دفـع الزكاة فـي جميـع القرب " بأن‬
‫ال صحابة كانوا يأخذون من أموال ال ال تي كان من جملت ها الزكاة في كل‬

‫() أخرجه البخاري معلقا في الزكاة باب قول ال تعالى وفي الرقاب وفي سبيل ال ويذكر عن ابن عباس‬ ‫‪4‬‬

‫– رضي ال عنهما – يعتق من زكاة ويعطي في الحج وقال الحسن إن اشترى أباه‪.2/534 ...‬‬
‫() الروضة الندية‪ ،‬ص ‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫() راجع الحديث في صحيح البخاري في الديات باب القسامة (‪ ،6/2528 )6502‬ومسلم في القسامة باب‬ ‫‪3‬‬

‫القسامة (‪ ،3/1294 )1669‬وانظر فتح الباري ‪ ،12/229‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.11/151‬‬

‫‪122‬‬
‫عام‪ ،‬ويسمون ذلك عطاء‪ ،‬وفيهم الغنياء والفقراء‪ ،‬وكان عطاء الواحد منهم‬
‫يبلغ إلى ألوف متعددة " (‪.)1‬‬
‫وقال في موضع آخر‪ " :‬وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما‬
‫يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من‬
‫يرد عليهم من الفقراء وغيرهم‪ ،‬والمر في ذلك مشهور‪ ،‬ومنهم من كان‬
‫يأخذ زيادة على مائة ألف درهم‪ ،‬ومن جملة هذه الموال التي كانت تفرق‬
‫بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة‪ ،‬وقد قال لعمر لما قال لـه‪ :‬يعطي‬
‫من هو أحوج منه‪ :‬ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ول سائل‬
‫فخذه‪ ،‬وما ل فل تتبعه نفسك‪ ،‬كما في الصحيح‪ ،‬والمر ظاهر(‪.)2‬‬

‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬


‫ُردّ على ما استدل به أصحاب القول الثاني والثالث‪:‬‬
‫بأن المتبادر إلى الفهام من كلمة سبيل ال في آية المصارف هو الغزو فل‬
‫يصار إلى ما سواه لقوة الدلة في ذلك‪ :‬قال ابن قدامة في المقنع‪ " :‬لن سبيل ال‬
‫حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالبا والزكاة ل تصرف إل لمحتاج إليها كالفقير‬
‫أو من يحتاجه المسلمون كالعامل‪ :‬والحج ل نفع منه للمسلمين ول حاجة بهم إليه‬
‫والفقير ل فرض في ذمته فيسقطه‪ ،‬وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على‬
‫ذوي الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى " (‪.)3‬‬
‫وقال ابن حزم‪ " :‬فإن قيل قد روي عن رسول ال أن الحج من سبيل ال‬
‫وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج‪ ،‬قلنا‪ :‬نعم‪ ,‬وكل فعل خير من‬
‫سبيل ال إل أنه ل خلف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة‬
‫الصدقات فلم يجز أن توضع إل حيث بيّن النص وهو الذي ذكرنا " (‪.)4‬‬

‫الروضة الندية ‪.1/206‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق ‪.1/207‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫المقنع ‪ ،1/249‬المغني ‪.6/437‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫المحلى ‪.6/151‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪123‬‬
‫والحاديث التي استدلوا بها على أن المراد هو الحج والعمرة فمعظمها‬
‫متكلم فيه(‪.)1‬‬
‫كما أجاب العلمة المباركفوري عن القول بعموم اللفظ بأجوبة كثيرة‬
‫(‪)2‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪-‬أن هذا القول هو أبعد القوال لنه ل دليل عليه من كتاب أو سنة‪.‬‬
‫‪-‬وأنه لم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إل ما حكى القفال في‬
‫تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل‪...‬‬
‫‪-‬وما يذكر للحتجاج بذلك من رواية البخاري في دية النصاري الذي‬
‫قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضا‬
‫في قصته أنه وداه من عنده‪ ،‬وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من‬
‫أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل حكاه‬
‫النووي عن الجمهور وعلى هذا فل حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم‬
‫" وحديث أي سعيد ينافي التعميم لكونه كالنص في‬ ‫إلى أن قال‪:‬‬
‫أن المراد بسبيل ال المطلق في الية هم الغزاة والمجاهدون خاصة‬
‫فيجب الوقوف عنده " (‪.)3‬‬
‫فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من " سبيل ال " في آية‬
‫المصارف هو الجهاد كما ذهب إلى ذلك جمهور علماء المة من السلف والخلف‪.‬‬

‫‪ -5‬فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في الموضوع ‪:‬‬


‫لكن هناك رأي أو فتوى لفضيلة الشيخ يوسف القرضاوي يقول فيها‪..." :‬‬
‫ولهذا أوثر عدم التوسع في مدلول " سبيل ال " بحيث يشمل كل المصالح‬

‫() انظر المجموع ‪ ،6/213‬شرح فتح القدير‪ :‬لبن الهمام ‪ ،2/264‬فتح الباري ‪ ،6/269‬نيل الوطار‬ ‫‪1‬‬

‫‪.4/192‬‬
‫() مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ‪.119 – 3/117‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المرجع السابق ‪.119 –3/118‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪124‬‬
‫والقربات‪ ،‬ولكني أرجح عدم التضييق فيه بحيث ل يقصر على الجهاد بمعناه‬
‫العسكري المحض‪.‬‬
‫لن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان‪ ،‬كما يكون بالسيف والسنان‪ ،‬قد يكون‬
‫الجهاد فكريا أو تربويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا كما يكون عسكريا‪.‬‬
‫وكل هذه النواع من الجهاد تحتاج إلى المداد والتمويل‪ ،‬المهم أن يتحقق‬
‫الشرط الساسي لذلك كله‪ ،‬وهو أن يكون " في سبيل ال " أي في نصرة السلم‬
‫وإعلء كلمته في الرض‪ ،‬فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة ال هي العليا فهو‬
‫في سبيل ال أيا كان نوع هذا الجهاد وسلحه " (‪.)1‬‬
‫وقال أيضا‪ " :‬والذي أراه أن مصرف " في سبيل ال " يتسع على الرأيين‬
‫جميعا لينفق منه على إنشاء مراكز إسلمية للدعوة والتوجيه والتعليم في البلد‬
‫التي يهدد فيها وجود المسلمين بالغزو التنصيري أو الشيوعي أو العلماني‪ ،‬أو‬
‫غير ذلك من الملل والنحل‪ ،‬التي تعمل على سلخ المسلمين من عقيدتهم أو‬
‫تضليلهم عن حقيقة دينهم‪ ،‬وذلك مثل وضع المسلمين خارج العالم السلمي‪،‬‬
‫حيث يكونون أقلية محدودة المكانات في مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان‬
‫والمال‪.‬‬
‫وأما على الرأي الخر‪ ،‬فل شك أن إنشاء هذه المراكز هو ضرب من‬
‫الجهاد السلمي في عصرنا‪ ،‬وهو الجهاد باللسان والقلم والدعوة والتربية‪...‬‬
‫وهو جهاد ل يستغني عنه اليوم لمقاومة الغزو المكثف من قبل القوى المعادية‬
‫للسلم‪.‬‬
‫وكما أن من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال‪ ،‬فكذلك من‬
‫دعا وعلّم ووجّه لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال‪.‬‬
‫إن المركز السلمي اليوم بمثابة قلعة للدفاع عن السلم‪ ،‬وإنما لكل امرئ‬
‫ما نوى " (‪.)2‬‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.291 – 1/286‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.234 – 2/233‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪125‬‬
‫" إن إنشاء مراكز إسلمية واعية للدعوة إلى السلم الصحيح وتبليغ‬
‫رسالته إلى غير المسلمين في كافة القارات في هذا العالم الذي تتصارع فيه‬
‫الديان والمذاهب جهاد في سبيل ال وإن الصرف في هذه المجالت لهو أولى ما‬
‫ينبغي أن يدفع فيه المسلم زكاته‪ ،‬وفوق زكاته فليس للسلم – بعد ال – إل‬
‫أبناء السلم وخاصة في عصر غربة السلم " (‪.)1‬‬

‫‪ -6‬فتوى وتوصية للندوة الولى لقضايا الزكاة المعاصرة المنعقدة‬


‫بالقاهرة‬
‫ومن الفتاوى والتوصيات التي أصدرتها الندوة الولى لقضايا الزكاة‬
‫المعاصرة المنعقدة بالقاهرة في ‪ 16 – 14‬ربيع الول ‪1409‬هـ الموافق ‪– 25‬‬
‫‪ 27‬أكتوبر ‪1988‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مصرف ‪ ‬في سبيل ال ‪: ‬‬
‫إن مصرف ‪ ‬في سبيل ال ‪ ‬يراد به الجهاد بمعناه الواسع الذي قرره الفقهاء‬
‫بما مفاده حفظ الدين وإعلء كلمة ال ويشمل مع القتال الدعوة إلى السلم‬
‫والعمل على تحكيم شريعته ودفع الشبهات التي يثيرها خصومه عليه وصد‬
‫التيارات المعادية له‪.‬‬
‫وبهذا ل يقتصر الجهاد على النشاط العسكري وحده‪.‬‬
‫ويدخل تحت الجهاد بهذا المعنى الشامل ما يلي‪- :‬‬
‫‪-1‬تمويل الحركات العسكرية الجهادية التي ترفع راية‬
‫السلم وتصد العدوان على المسلمين في شتى ديارهم‬
‫مثل حركات الجهاد في فلسطين وأفغانستان والفلبين‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم الجهود الفردية والجماعية الهادفة لعادة حكم‬
‫السلم وإقامة شريعة ال في ديار المسلمين ومقاومة‬

‫() فقه الزكاة‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي ‪.669 – 2/668‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪126‬‬
‫خطط خصوم السلم لزاحة عقيدته وتنحية شريعته‬
‫عن الحكم‪.‬‬
‫ج‪ -‬تمويل مراكز الدعوة إلى السلم التي يقوم عليها رجال صادقون في البلد‬
‫غيـر السـلمية بهدف نشـر السـلم بمختلف الطرق الصـحيحة التـي تلئم‬
‫العصـر وينطبـق هذا على كـل مسـجد يقام فـي بلد غيـر إسـلمي يكون مقرا‬
‫للدعوة السلمية‪.‬‬
‫‪-8‬تمويل الجهود الجادة التي تثبت السلم بين القليات السلمية في الديار‬
‫التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين‪ ،‬والتي تتعرض لخطط‬
‫تذويب البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ‪:‬‬


‫الحمد ل وحده‪ ،‬والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪ ،‬محمد وأله‬
‫وصحبه‪ ،‬وبعد‪ :‬فقد جرى اطلع هيئة كبار العلماء في دورتها الخامسة‪ ،‬المعقودة‬
‫بمدينة الطائف من يوم ‪ 5/8/94‬ويوم ‪22/8/94‬هـ على ما أعدته اللجنة للبحوث‬
‫العلمية والفتاء من بحث في المراد بقول ال تعالى في آية مصارف الزكاة ‪ ‬وفي‬
‫سبيل ال ‪ ،‬هل المراد بذلك الغزاة في سبيل ال وما يلزم لهم؟ أم عام في كل‬
‫وجه من وجوه الخير؟‬
‫وبعد دراسة البحث المعد والطلع على ما تضمنه من أقوال أهل العلم في‬
‫هذا الصدد‪ ،‬وأدلة من فسر المراد بسبيل ال في الية بأنهم الغزاة‪ ،‬وما يلزم لهم‬
‫وأدلة من توسع في المراد بالية‪ ،‬ولم يحصرها في الغزاة فأدخل فيها بناء‬
‫المساجد‪ ،‬والقناطر‪ ،‬وتعليم العلم وتعلمه‪ ،‬وبث الدعاة والمرشدين وغير ذلك من‬
‫أعمال البر‪ ،‬رأى أكثرية أعضاء المجلس الخذ بقول جمهور العلماء‪ ،‬من‬
‫مفسرين ومحدثين‪ ،‬وفقهاء‪ ،‬من أن المراد بقوله في سبيل ال الغزاة والمتطوعون‬
‫بغزوهم وما يلزم لهم من استعداد‪.‬‬

‫() أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة ‪.878 – 2/877‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪127‬‬
‫وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها للصناف الخرى‪ ،‬ول يجوز صرفها‬
‫في شيء من المرافق العامة‪ ،‬إل إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء‪ ،‬والمساكين‪،‬‬
‫وبقية الصناف المنصوص عليهم في الية الكريمة(‪.)2‬‬

‫المبحث الثالث‬

‫إجراء العقود بآلت التصال الحديثة‬

‫() مجلة البحوث السلمية‪ :‬المجلد الول العدد الثاني ‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪128‬‬
‫من المسائل التي أصبحت واقعا ملموسا يتعامل به الناس آناء الليل‬
‫وأطراف النهار‪ ،‬تلك الوسائل التي تمخض عنها فكر النسان في عصرنا‪ ،‬لتيسير‬
‫التصال بين أرجاء المعمورة‪ ،‬فاختصرت المسافات‪ ،‬وتخطت حواجز الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬وجعلت من البعيد قريبا ومن هذه الوسائل الهاتف سلكيا كان أم لسلكيا‬
‫والتلكس والبرق والفاكس والنترنت‪.‬‬
‫لقد أضحى التعامل بهذه المخترعات في إبرام العقود المالية والتجارية‬
‫وحتى الشخصية كالزواج أمرا متاحا من خلل هذه الوسائل وفي ذلك من التيسير‬
‫على النسان وتوفير الجهد والوقت الشيء الكثير‪ ،‬وهو ما يتجاوب مع رُوح‬
‫شريعتنا الغراء المتسمة بالسماحة ورفع الحرج والمرونة(‪.)1‬‬
‫إن بيان الحكـم الشرعـي فـي عمليـة إجراء العقود عـبر أجهزة التصـال‬
‫الحدي ثة من القضا يا الطارئة المعا صرة وال تي يحتاج الناس إلى معر فة ح كم ال‬
‫فيها‪.‬‬
‫وسنعتمد في بحث هذا الموضوع على ما ورد في كتب الفقه من آراء أئمة‬
‫المذاهب‪ ،‬وما قرروه عند الكلم على صيغة العقد‪ ،‬وشروط اليجاب والقبول‪،‬‬
‫وشروط تحقيق معنى اتصال القبول باليجاب ليكون شطرا العقد في مجلس‬
‫واحد(‪.)2‬‬

‫التعريف بأجهزة التصال الحديثة ‪:‬‬


‫‪ -1‬الها تف‪ :‬و هو من الجهزة الناقلة لل صوات‪ ،‬والذي ي تم الت صال من خلله‬
‫عن طر يق الخطوط (الكابلت) الكهربائ ية عبر الرض أو الب حر أو عن طر يق‬
‫القمار الصناعية(‪.)3‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬محمد عقلة البراهيم‪ ،‬ص ‪.80‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق رحيم الهيتي‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -2‬التل كس‪ :‬ف هو عمل ية ات صال ت تم من خلل جهاز ين مرتبط ين بوحدة تح كم‬
‫دولي ينقـل كـل واحـد منهمـا إلى الخـر المعلومات المكتوبـة دون وجود وسـيط‬
‫بينهما‪.‬‬
‫ولكل مشترك في هذا رقم خاص يميزه عن بقية المشتركين‪ ،‬ولهذا الجهاز‬
‫مفاتيح شبيهة باللة الكاتبة‪ ،‬ولكل مفتاح من مفاتيحه رقم يرمز إلى حرف‬
‫متعارف عليه دوليا وحينما تجمع فيه الرقام – أي الحروف المقصودة ‪ -‬يقوم‬
‫الجهاز بتحويلها إلى إشارات كهربائية ليتلقاها جهاز التلكس المرسل إليه‪.‬‬
‫والمشترك في التلكس بعد إكمال الجراءات الفنية الخاصة بالجهاز‪ ،‬فإنه‬
‫يبدأ بإرسال المطلوب على شريط تثقيب خاص عن طريق جهاز الرسال اللي‬
‫حيث يقوم الجهاز بدوره بنقل كل ما كتب إلى الجهاز المرسل إليه ليظهر‬
‫المكتوب كما هو(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬الفاكس‪ :‬والرسال عن طريق البريد المصور (الفاكس) فإنه يتم من خلل‬
‫جهازين مرتبطين بالخطوط الهاتفية‪ ،‬حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في‬
‫الجهاز ويضرب الرقام الخاصة بالجهاز الثاني‪ ،‬حيث يقوم بفتح الخط ليطبع‬
‫صورة الورقة المرسلة على ورقة خاصة موجودة فيه لتظهر الورقة للمرسل إليه‬
‫كما هو دون تغيير أو تبديل(‪.)2‬‬
‫‪ -4‬النترنت‪ :‬هو عبارة عن عدد كبير من شبكات الحاسوب المترابطة‬
‫والموزعة في أنحاء كثيرة من العالم وتتصل هذه الشبكات ويحكمها نظام موحد‪،‬‬
‫وعن طريق هذه الشبكة يمكن للمشترك من خلل جهاز حاسوبه الخاص‬
‫الحصول على مزايا ل حصر لها من المعلومات والخدمات في جميع أنواع‬
‫المعرفة‪ ،‬كما يمكن للمشترك من خلل النترنت الشراء والبيع وإجراء العقود‬
‫المختلفة(‪.)3‬‬
‫المطلب الول‪ :‬في العقد‬

‫‪ -1‬تعريف العقد ‪:‬‬

‫() المرجع الساق‪ ،‬ص ‪.11-10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() النترنت تقنيات وخدمات‪ :‬د‪ .‬عبد القادر بن عبدال الفتوح‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪130‬‬
‫لغة‪ :‬العقد هو الشد والربط والجمع بين أطراف الشيء‪ ،‬وضده الحل‪ ،‬كما‬
‫يطلق على إحكام الشيء وتقويته(‪.)1‬‬
‫أما في الصطلح‪ :‬فيطلق الفقهاء كلمة العقد في اصطلحهم على معنيين‪:‬‬
‫أحدهما – وهو المشهور – " الربط بين كلمين أو ما يقوم مقامهما ينشأ‬
‫عن أثره الشرعي " (‪.)2‬‬
‫وهذا معنى خاص للعقد يخصه بالتصرف الذي يتوقف على رضا الطرفين‬
‫ول يصح إل بإيجاب وقبول كالبيع والزواج‪ ،‬وهذا هو المعنى الشائع في كتب‬
‫الفقه‪.‬‬
‫الثاني‪ " :‬وهو كل ما عزم المرء على فعله سواء صدر بإرادة منفردة أو‬
‫احتاج إلى إرادتين في إنشائه " (‪.)3‬‬
‫وهذا هو المعنى العام للعقد والذي يتناول كل تصرف شرعي يفيد التزاما‬
‫سواء تم هذا التصرف برضا طرف واحد – مثل الوقف والطلق والبراء‪ ،‬أو‬
‫كان ل ينعقد إل بتوافق إرادتين – كالبيع والزواج والجارة‪.‬‬

‫‪ -2‬تكوين العقد ‪:‬‬


‫إنما يقوم العقد على أركانه وعناصره الساسية التي يتكون منها والتي ل‬
‫(‪)4‬‬
‫يتحقق إل بها‪ :‬ولقد اختلف الجمهور مع الحنفية في أركان العقد‪:‬‬
‫فالحنفية يقولون بأن ركن العقد الوحيد هو اليجاب والقبول‪ ،‬أما بقية‬
‫العناصر التي يقوم عليها العقد من محل العقد والعاقدين فهي لوازم ل بد منها‬
‫لتكوين العقد لنه يلزم من وجود اليجاب والقبول وجود عاقدين ول يتحقق‬
‫ارتباط العاقدين إل بوجود محل يظهر فيه أثر الرتباط (‪.)5‬‬

‫() الصحاح‪ :‬مادة عقد ‪ ,2/510‬المصباح المنير‪ :‬مادة عقد ‪.2/71‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الملكية ونظرية العقد‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نظرية العقد‪ :‬لبن تيمية‪ ،‬ص ‪ 18‬و ‪.78‬‬ ‫‪3‬‬

‫() راجع كتابنا‪ :‬فقه العقود المالية‪ ،‬ص ‪.28 – 27‬‬ ‫‪4‬‬

‫() بدائع الصنائع ‪ ،5/133‬البحر الرائق ‪ ،5/258‬الشباه والنظائر‪ :‬لبن نجيم‪ ،‬ص ‪ ،337‬حاشية ابن‬ ‫‪5‬‬

‫عابدين ‪.3/9‬‬

‫‪131‬‬
‫والجمهور يرون بأن للعقد ثلثة أركان ل يقوم العقود إل بها وهي عاقدان‪،‬‬
‫ومعقود عليه‪ ،‬وصيغة(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬صيغة العقد ‪:‬‬


‫يراد باليجاب والقبول ال صيغة ال صادرة من المتعاقد ين والدالة على تو جه‬
‫إرادتهما الباطنة لنشاء العقد وإبرامه‪.‬‬
‫لنه لما كان الرضا أمرا نفسيا وأثرا خفيا داخليا ل يستطيع أحد الطلع‬
‫عليه أقيم مقامه ما يدل عليه ويترجم عنه من مظهر مادي محسوس سواء كان‬
‫ذلك بالقول أو الكتابة المستبينة أو الشارة المفهمة أو الفعل كما في التعاطي‪.‬‬
‫وهذه الصيغة هي التي تدل على التراضي من كل الجانبين على إنشاء‬
‫العقد(‪.)2‬‬
‫قال الشربيني‪ " :‬وإنما احتيج إلى الصيغة لن العقد منوط بالرضا لقوله‬
‫سبحانه‪  :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة‬
‫عن تراضٍ منكم ‪[ ‬النساء‪ ,]29 :‬ولقوله ‪ ":‬إنما البيع عن تراض ٍ" (‪ )3‬والرضا‬
‫أمر خفي ل يُطلع عليه‪ ،‬فأنيط الحكم بسبب ظاهر من الصيغة " (‪.)4‬‬
‫وقال الدسوقي في حاشيته‪ " :‬وينعقد العقد بما يدل على الرضا من قول أو‬
‫كتابة أو إشارة منها أو من أحدهما " (‪.)5‬‬
‫‪ -4‬معنى اليجاب والقبول ‪:‬‬
‫وعند الحنفية‪ :‬اليجاب‪ :‬هو ما صدر أولً من أحد العاقدين‪ ،‬والقبول‪ :‬ما‬
‫ل على موافقته ورضاه بما أوجبه الول(‪.)6‬‬ ‫صدر عن العاقد الخر دا ً‬
‫() المجموع ‪ ،9/149‬مغني المحتاج ‪ ،2/3‬بداية المجتهد ‪ ،2/129‬القوانين الفقهية ص ‪ ،212‬المبدع ‪،4/4‬‬ ‫‪1‬‬

‫كشاف القناع ‪.3/146‬‬


‫() فقه العقود المالية ص ‪ ،28‬حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة ص ‪.91 – 90‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب بيع الخيار (‪ ،2/727 )2185‬وابن حبان في كتاب البيوع‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ ،11/340 )4967‬قال الكناني‪ :‬هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة ‪.)3/17‬‬
‫() مغني المحتاج ‪.2/3‬‬ ‫‪4‬‬

‫() حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪.3/3‬‬ ‫‪5‬‬

‫() البحر الرائق ‪ ،5/278‬بدائع الصنائع ‪ ،5/134‬شرح فتح القدير ‪.3/190‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪132‬‬
‫وعند الجمهور‪ :‬اليجاب‪ :‬هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء‬
‫متأخرا‪ ،‬والقبول‪ :‬هو ما صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولً (‪.)1‬‬
‫ففي عقد البيع مثلً‪ :‬إذا قال المشتري اشتريت منك هذه البضاعة بكذا‪،‬‬
‫وقال البائع بعته لك بهذا الثمن‪ :‬انعقد البيع‪ ،‬وكان اليجاب ما صدر عن البائع‬
‫لنه المملك‪ ،‬والقبول ما صدر من المشتري وإن صدر أولً (‪.)2‬‬

‫‪ -5‬شروط اليجاب والقبول ‪:‬‬


‫يشترط لرتباط اليجاب بالقبول على نحو معتبر يترتب عليه انعقاد العقد‬
‫(‪)3‬‬
‫ولكي ينتج آثاره الشروط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬وضوح دللة اليجاب والقبول والعلم بمضمون العقد‪ :‬وذلك بأن‬
‫يكون كل منهما واضح الدللة على مراد المتعاقدين‪ ،‬وإن كان في‬
‫الدللة شك أو عدم وضوح أو أن ل يفهم كل منهما مقصود الخر لم‬
‫ينعقد العقد‪.‬‬
‫‪-2‬موافقة القبول لليجاب‪ :‬وذلك بأن يتحد موضوعهما‪ ،‬فإذا لم يوافق‬
‫القبول اليجاب‪ :‬كأن يرد اليجاب على شيء والقبول على شيء‬
‫آخر لم يتم العقد لعدم توافق اليجاب والقبول‪.‬‬
‫‪-3‬اتصال القبول باليجاب‪ :‬وذلك بأن يكون اليجاب والقبول في مجلس‬
‫واحد إن كان الطرفان حاضرين معا‪ ،‬أو في مجلس علم الطرف‬
‫الغائب باليجاب‪.‬‬
‫جاء في الفتاوي الهندية‪ " :‬ومنها أن يكون اليجاب والقبول في مجلس‬
‫واحد حتى لو اختلف المجلس " (‪.)4‬‬

‫() حاشية الدسوقي ‪ ،3/3‬حاشية العدوي ‪ ،2/180‬المجموع ‪ ،9/162‬مغني المحتاج ‪ ،2/3‬المغني ‪،4/4‬‬ ‫‪1‬‬

‫كشاف القناع ‪.3/146‬‬


‫() فقه العقود المالية‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر الفتاوي الهندية ‪ ،1/269‬القوانين الفقهية ص ‪ ،212‬نهاية المحتاج ‪ ،3/381‬الروض المربع‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،2/184‬كشاف القناع ‪ ،3/148‬الملكية ونظرية العقد ص ‪ ،203‬فقه العقود المالية ص ‪.29‬‬


‫() الفتاوي الهندية ‪.1/269‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪133‬‬
‫مجلس العقد بين الغائبين ‪:‬‬
‫التعاقد بين الغائبين كالتعاقد بين الحاضرين يجب أن يتم في مجلس واحد‬
‫ولكن نظرا للفرق الناتج عن اختلف طبيعة العقدين فإن مجلس العقد في التعاقد‬
‫بين الغائبين غير مجلسه في التعاقد بين الحاضرين‪ ،‬فالول هو مجلس بلوغ‬
‫الكتاب أو أداء الرسالة‪ ،‬أي المجلس الذي يكون فيه القبول‪ ،‬وأما الثاني فهو‬
‫مجلس صدور اليجاب‪.‬‬
‫والول يبدأ منذ وصول اليجاب إلى علم الموجه إليه – من خلل الرسول‬
‫أو الكتاب أو البرقية ويمتد المدة المعتادة للجابة بحسب طبيعة العقد وعرف‬
‫التعامل حتى إذا صدر القبول اتصل باليجاب حكما‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يبدأ من سماع اليجاب في المجلس وينتهي بانتهاء المجلس أو‬
‫بالقبول أو بالعراض الصريح أو الضمني(‪.)1‬‬

‫التعاقد بالكتابة ‪:‬‬


‫ويصح التعاقد بالكتابة بين طرفين في رأي الحنفية والمالكية سواء أكانا‬
‫ناطقين أو عاجزين عن النطق‪ ،‬حاضرين في مجلس واحد أم غائبين‪ ،‬وبأي لغة‬
‫يفهمها المتعاقدان‪ ،‬بشرط أن تكون الكتابة مستبينة (بأن تبقى صورتها بعد‬
‫النتهاء منها) ومرسومة (مسطرة بالطريقة المعتادة بين الناس بذكر المرسل إليه‬
‫وتوقيع المرسل) فإذا كانت غير مستبينة كالكتابة على الماء أو في الهواء‪ ،‬أو‬
‫غير مرسومة كالرسالة الخالية من التوقيع مثلً‪ ،‬لم ينعقد بها العقد(‪ ،)2‬وعليه‬
‫نصت القاعدة الفقهية‪ " :‬الكتاب كالخطاب " (‪.)3‬‬
‫مثل أن يرسل شخص خطابا لخر يقول فيه‪ " :‬بعتك سيارتي بكذا " فإذا‬
‫وصله الكتاب‪ ،‬وقال في مجلس قراءة الكتاب‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد البيع‪ ،‬أما إن ترك‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة‪ ،‬ص ‪.101 – 100‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الدر المختار ورد المحتار‪ :‬لبن عابدين ‪ 4/10‬وما بعدها‪ ،‬شرح فتح القدير ‪ ،5/79‬البدائع ‪،5/137‬‬ ‫‪2‬‬

‫الشرح الكبير للدردير مع الدسوقي‪ ،3/3 :‬الخرشي على خليل ‪.5/5‬‬


‫() مجلة الحكام العدلية المادة ‪.69‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪134‬‬
‫المجلس أو صدر منه ما يدل على العراض عن اليجاب‪ ،‬كان قبوله غير‬
‫معتبر(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقد استدل هؤلء إلى ما ذهبوا إليه بالمور التية‪:‬‬
‫‪-1‬قالوا‪ :‬إن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرادة كالخطاب‪.‬‬
‫‪-2‬ما ثبت في الدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول ال قد استعمل‬
‫الكتابة كوسيلة من وسائل نشر الدعوة‪ ،‬فلقد خاطب الرؤساء‬
‫والملوك ودعاهم إل الدخول في السلم عن طريق الكتابة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وإذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة‪ ،‬فكيف ل تكون صالحة‬
‫لنشاء العقود‪.‬‬

‫التعاقد بالمراسلة ‪:‬‬


‫وإرسال رسول إلى آخر حامل مضمون اليجاب مثل إرسال الكتاب‪،‬‬
‫يعتبر مجلس وصول الرسول هو مجلس العقد‪ ،‬فيلتزم أن يقبل فيه‪ ،‬فإن قام من‬
‫المجلس قبل أن يقبل‪ ،‬انتهى مفعول اليجاب‪ ،‬ويكون المعول عليه هو مجلس‬
‫بلوغ الرسالة أو الكتابة‪ ،‬كأن يقول شخص‪ :‬بعت لفلن كذا‪ ،‬فاذهب يا فلن وقل‬
‫لـه‪ ،‬فذهب فأخبره‪ ،‬فقبل المشتري في مجلسه ذلك‪ ،‬صح العقد‪.‬‬
‫ول ينعقد عقد الزواج بالكتابة إذا كان العاقدان حاضرين في مجلس واحد‪،‬‬
‫إل في حال العجز عن النطق كالخرس‪ ،‬لن الزواج يشترط لصحة حضور‬
‫الشهود العدول وسماعهم كلم العاقدين‪ ،‬وهذا ل يتيسر في حال الكتابة‪.‬‬
‫وقيد الشافعية والحنابلة صحة التعاقد مطلقا بالكتابة أو الرسالة فيما كان‬
‫العاقدان غائبين‪ ،‬أما في حال الحضور فل حاجة إلى الكتابة‪ ،‬العاقد قادر على‬
‫النطق‪ ،‬فل ينعقد العقد بغيره(‪.)3‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة في الشريعة السلمية‪ ،‬ص ‪.54‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المهذب ‪ ،1/257‬غاية المنتهى ‪.2/4‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪135‬‬
‫فورية القبول ‪:‬‬
‫ل يشترط عند الجمهور غير الشافعية(‪ )1‬الفور في القبول‪ ،‬لن القابل يحتاج‬
‫إلى فترة للتأمل‪ ،‬فلو اشترطت الفورية ل يمكنه التأمل‪ ،‬وإنما يكفي القبول في‬
‫مجلس واحد‪ ،‬ولو طال الوقت إلى آخر المجلس‪ ،‬لن المجلس الواحد يجمع‬
‫المتفرقات للضرورة‪ ،‬وفي اشتراط الفورية تضييق على القابل‪ ،‬أو تفويت للصفقة‬
‫من غير مصلحة راجحة‪ ،‬فإن رفض فورا‪ ،‬فتضيع عليه الصفقة‪ ،‬وإن قبل فورا‪,‬‬
‫فربما كان في العقد ضرر له‪ ،‬فيحتاج لفترة تأمل‪ ,‬للموازنة بين ما يأخذ أو يغنم‪,‬‬
‫وبين ما يعطي أو يغرم في سبيل العقد‪ ،‬لن المجلس جامع للمتفرقات‪ ،‬فتعتبر‬
‫ساعاته وحدة زمنية تيسيرا على الناس‪ ،‬ومنعا للمضايقة والحرج‪ ،‬ودفعا للضرر‬
‫عن العاقدين قدر المكان‪.‬‬
‫وقال الرملي من الشافعية‪ :‬يشترط أن يكون القبول فور اليجاب‪ ،‬فلو تخلل‬
‫لفظ أجنبي ل تعلق لـه بالعقد‪ ،‬ولو يسيرا‪ ،‬بأن لم يكن من مقتضاه ول من‬
‫مصالحه ول من مستحباته‪ ،‬ل يتحقق التصال بين القبول واليجاب‪ ،‬فل ينعقد‬
‫العقد(‪.)2‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫حكم التعاقد بواسطة وسائل التصال الحديثة‬
‫(الهاتف‪ ،‬التلكس‪ ،‬الفاكس‪ ،‬النترنت)‬

‫() بدائع الصنائع ‪ ،5/137‬شرح فتح القدير ‪ ،5/78‬مواهب الجليل‪ :‬للحطاب ‪ ،4/240‬الشرح الكبير مع‬ ‫‪1‬‬

‫الدسوقي ‪ ،3/5‬الشرح الصغير وحاشية الصاوي ‪ ،3/17‬الشرح الكبير مع المغني ‪ ،4/4‬غاية المنتهى ‪.2/4‬‬
‫() نهاية المحتاج ‪ ،3/8‬مغني المحتاج ‪.2/6‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪136‬‬
‫لمـا كان السـلم منهـج حياة ودسـتور أمـة‪ ،‬ونظاما صـالحا لكـل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬ومصادر التشريع فيه تتناسب والتطور الحضاري والزمنة‪ ،‬وبما فيه من‬
‫التيسير على الناس ورعاية مصالحهم‪.‬‬
‫كان مـن الطـبيعي أن تسـتوعب تعاليمـه وقواعده الكليـة توظيـف الهاتـف‬
‫والبرق ية والتل كس والنترنت وسائر ما أحد ثه العلم من و سائل التصال الحدي ثة‬
‫بح يث تكون و سيلة لجراء العقود لن هذه الو سائل هي عبارة عن صورة ل ما‬
‫حرره المرسل بنفسه ووقع عليه فيعلم منها رغبته في إنشاء العقد‪.‬‬
‫والتعا قد بالبرق ية ل يختلف في ش يء عن التعا قد بالر سالة – الل هم إل في‬
‫و سيلة ن قل اليجاب والقبول – فاليجاب ي تم في زمان ومكان يختلفان عن زمان‬
‫ومكان القبول‪ ،‬وهنالك فا صل زم ني ب ين صدور القبول وب ين علم المو جب به‪،‬‬
‫وبالتالي ينط بق عل يه أحكام التعا قد ب ين الغائب ين في جم يع تف صيلتها ال تي سبق‬
‫ذكرها‪ ،‬سواء من حيث زمان تمام العقد أو مكانه وما يبنى على الختلف بينهما‬
‫من آثار‪.‬‬
‫أما بالنسبة للتعاقد بواسطة الهاتف والتلكس والراديو‪ ...‬فهي كما أسلفنا من‬
‫وسـائل اليجاب الصـريحة‪ ،‬وإن كانـت وسـيلة الهاتـف هـي اللفـظ المباشـر‪ ،‬أمـا‬
‫التلكـس فالرموز المكتوبـة‪ ،‬لذا فإن هذه الوسـائل ينطبـق عليهـا مـا ينطبـق على‬
‫التلفون من حيث أحكام التعاقد به(‪.)1‬‬
‫ليس المراد من اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد كما بيّنا كون‬
‫المتعاقدين في مكان واحد‪ ،‬لنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان الخر‪ ،‬إذا وجد‬
‫بينهما واسطة اتصال‪ ،‬كالتعاقد بالهاتف أو اللسلكي أو بالمراسلة (الكتابة) وإنما‬
‫المراد باتحاد المجلس‪ :‬اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة‪ ،‬ص ‪.129‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪137‬‬
‫بالتعاقد‪ ،‬فمجلس العقد‪ :‬هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض‬
‫في العقد(‪ ،)1‬وعن هذا قال الفقهاء‪ " :‬إن المجلس يجمع المتفرقات " (‪.)2‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية أو اللسلكية‪ :‬هو زمن‬
‫التصال مادام الكلم في شأن العقد‪ ،‬فإن انتقل المتحدثان إلى حديث آخر‪ ،‬انتهى‬
‫المجلس‪.‬‬
‫ومجلس التعاقد بإرسال رسول أو بتوجيه خطاب أو بالبرقية أو التلكس أو‬
‫الفاكس ونحوهما‪ :‬هو مجلس تبليغ الرسالة‪ ،‬أو وصول الخطاب أو البرقية أو‬
‫إشعار التلكس والفاكس‪ ،‬لن الرسول سفير ومعبر عن كلم المرسل‪ ،‬فكأنه‬
‫حضر بنفسه وخوطب باليجاب فقبل‪ ،‬فينعقد العقد‪ ،‬وفي مكاتبة الغائب بخطاب‬
‫أو برقية ونحوهما يجعله كأنه حضر بنفسه‪ ،‬وخوطب باليجاب‪ ،‬فقبل في‬
‫المجلس‪.‬‬
‫فإن تأخر القبول إلى مجلس ثانٍ‪ ،‬لم ينعقد العقد‪ ،‬وبه تبين أن مجلس التعاقد‬
‫بين حاضرين‪ :‬هو محل صدور اليجاب‪ ،‬ومجلس التعاقد بين غائبين‪ :‬هو محل‬
‫وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة‪ ،‬أو المحادثة الهاتفية‪.‬‬
‫لكن للمرسل أو للكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود‪ ،‬بشرط أن يكون‬
‫قبل قبول الخر ووصول الرسالة أو الخطاب ونحوه من البراق والتلكس‬
‫والفاكس‪ ،‬ويرى جمهور المالكية‪ :‬أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة‬
‫للقابل يقرر العرف مداها‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫هذا وإن بقية شروط اليجاب والقبول عدا اتحاد المجلس‪ ،‬لبد من توافرها‬
‫في وسائط التصال الحديثة(‪.)3‬‬

‫() المدخل الفقهي العام‪ :‬للستاذ مصطفى الزرقاء‪ :‬ف ‪.349 – 1/348 ،171‬‬ ‫‪1‬‬

‫() بدائع الصنائع‪.5/137 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪138‬‬
‫والدلة على جواز هذا النوع من التعاقد ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬

‫لقد بحث فقهاؤنا ‪ -‬رحمهم ال – مسائل شبيهة بمسألتنا هذه‪ ،‬يمكننا‬


‫العتماد عليها في تقرير الحكم‪ ،‬وهي حكم التعاقد بين المتعاقدين المتباعدين‬
‫اللذين ل يرى أحدهما الخر‪ ،‬لكنه يسمعه‪ ،‬وحكم التعاقد بين الغائبين‪ ،‬وحكم‬
‫التعاقد بين متعاقدين يفصل بينهما ساتر‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمسألة الولى‪ :‬فيذكرها فقهاء الشافعية – رحمهم ال – جاء‬
‫في المجموع‪ " :‬لو تناديا وهما متباعدان‪ ،‬وتبايعا؟؟ صح البيع بل خلف " (‪,)2‬‬
‫وجاء في مغني المحتاج أيضا‪ " :‬لو تناديا من بعيد‪ ،‬ثبت لهما الخيار وامتد ما لم‬
‫يفارق أحدهما مكانه " (‪.)3‬‬
‫فهذان النصان صريحان في صحة إبرام العقد بين المتباعدين‪ ،‬ويمكننا‬
‫العتماد عليهما في القول بصحة العقد المبرم من خلل جهاز الهاتف‪.‬‬
‫وهناك مسألة أخرى شبيهة بمسألتنا هذه يذكرها فقهاء الشافعية أيضا وهي‪:‬‬
‫حكم التعاقد بين الغائبين‪ ،‬يقول المام النووي‪ " :‬لو قال‪ :‬بعت داري فلن‬
‫وهو غائب‪ ،‬فلما بلغه الخبر قال‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد البيع‪ ،‬لن النطق أقوى من‬
‫الكتب " (‪.)4‬‬
‫وهذا يعني أن هناك فاصلً زمانيا بين صدور اليجاب وقبوله‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الفاصـل المكانـي بيـن المتعاقديـن‪ ،‬ومـع ذلك فقـد ذهـب المام النووي إلى القول‬
‫بصحة هذا العقد‪.‬‬
‫وهناك أيضا مسألة أخرى ‪ -‬قريبة من مسألتنا هذه يذكرها بعض الفقهاء ‪-‬‬
‫رحمهم ال ‪ ،-‬فقد ذكروا أن وجود ساتر بين المتعاقدين‪ ،‬بل وحتى إقامة وإنشاء‬

‫() انظر‪ :‬حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة في الشريعة السلمية‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق الهيتي‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪4‬‬

‫– ‪.19‬‬
‫() المجموع ‪ ،9/171‬روضة الطالبين ‪.3/438‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مغني المحتاج ‪ ،2/45‬حاشية البجيرمي ‪.2/235‬‬ ‫‪3‬‬

‫() لمجموع ‪ ،9/159‬فتح العزيز‪ :‬للرافعي ‪ ،8/103‬روضة الطالبين ‪.3/339‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪139‬‬
‫هذا الساتر أثناء التعاقد‪ ،‬ل يؤثر على خيار المجلس‪ ،‬فعدم تأثيره على صحة‬
‫العقد من باب أولى‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ " :‬ولو أقاما المجلس وسدل بينهما ساترا‪ ،‬أو بنيا بينهما‬
‫حاجزا‪ ...‬فالخيار بحاله وإن طالت المدة " (‪.)1‬‬
‫وجاء في المجموع ‪ " :‬قال أصحابنا‪ :‬فلو لم يتفرقا‪ ،‬ولكن جعل بينهما حائل‬
‫من ستر أو نحوه‪ ،‬أو شق بينهما نهر لم يحصل التفرق بل خلف‪ ،‬وإن بُني‬
‫بينهما جدار‪ ،‬فوجهان‪ ...‬إلى أن يقول‪( :‬أصحهما) ل يحصل التفرق كما لو جعل‬
‫بينهما ستر " (‪.)2‬‬
‫فجميع هذه النصوص التي ذكرها هؤلء الفقهاء لمعالجة مسائل تتعلق‬
‫بالتعاقد بين متعاقدين ل يرى أحدهما الخر‪،‬تنص على أن عدم رؤية أحد‬
‫المتعاقدين للخر ل تؤثر على إبرام العقد وصحته‪ ،‬وإن كان للفقهاء الحنفية رأي‬
‫يختلف في الحكم في هذه المسألة عما ذهب إليه هؤلء الفقهاء(‪.)3‬‬
‫ومن ناحية أخرى‪ :‬فإن الفقهاء مجمعون على أن الساس في صحة العقود‬
‫هو تحقيق الرضا‪ ،‬كما تدل على ذلك نصوصهم(‪.)4‬‬
‫وإن مما ل شك فيه هو‪ :‬أن ذلك الشرط متحقق في المكالمة الهاتفية ذلك‬
‫لن التعبير إنما يتم من خلل اللفظ الصادر من كل المتعاقدين ‪ -‬وهذا محل‬
‫اتفاق بين الفقهاء ‪ -‬وما الهاتف وبقية وسائل التصال إل وسيلة إيصال وتبليغ‬
‫لصوت اللفظ الصادر‪ ،‬وليس هو وسيلة جديدة للتعبير عن الرادة‪.‬‬
‫وبقياس التلكس والفاكس والنترنت لصورة خاصة على ما ذكرناه من‬
‫جواز التعاقد بالكتابة عند جميع العلماء بين الغائبين‪.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق كله‪ ،‬فإن الفقهاء مجمعون على أن العرف هو الساس‬
‫في تحديد كيفية البيع وصحة انعقاده‪ ،‬ما دام أنه لم يرد في ذلك نص‪.‬‬

‫() المغني‪ :‬ابن قدامة ‪.4/6‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المجموع ‪.4/171‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فقد جاء في الفتاوى الهندية ما نصه‪ " :‬ل يجوز أن ينادي من بعيد‪ ،‬أو من وراء جدار " الفتاوي ‪.3/5‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح القدير ‪ ،3/4‬الفروق‪ :‬للقرافي ‪ ،1/44‬المجموع ‪ ،9/154‬كشاف القناع ‪ ،3/151‬المغني ‪.4/4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪140‬‬
‫يقول ابن نجيم‪ " :‬واعلم أن اعتبار العادة والعرف‪ ،‬يرجع إليه في الفقه في‬
‫مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلً‪ ،‬فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة‪ :‬تترك‬
‫الحقيقة بدللة الستعمال والعادة " (‪.)1‬‬
‫ويقول الدسوقي‪ " :‬والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على‬
‫الرضا عرفا " (‪.)2‬‬
‫وجاء في المجموع‪ " :‬ولم يثبت في الشرع لفظ لـه ‪ -‬أي العقد – فوجب‬
‫الرجوع إلى العرف‪ ،‬فكل ما عده الناس بيعا كان بيعا " (‪.)3‬‬
‫ويقول ابن قدامة‪ " :‬إن ال أحل البيع‪ ،‬ولم يبين كيفيته‪ ،‬فوجب الرجوع فيه‬
‫إلى العرف " (‪.)4‬‬
‫ب عد كل ما سبق يمكن نا القول‪ :‬إن عدم رؤ ية أ حد المتعاقد ين لل خر أثناء‬
‫التعاقد ل يؤثر على صحة العقد‪ ،‬قياسا على التعاقد بين المتباعدين أو الغائبين أو‬
‫اللذين يفصل بينهما ساتر‪.‬‬
‫وإذا كان عدم رؤ ية كل المتعاقد ين لل خر ل تؤ ثر على صحة الع قد فإ نه‬
‫يمكننا القطع بصحة التعاقد من خلل أجهزة التصال الحديثة‪.‬‬

‫زمن إتمام العقد في التعاقد بين غائبين ‪:‬‬


‫أجمع الفقهاء على أن العقد ينعقد بين الغائبين كما في آلت التصال‬
‫الحديثة بمجرد إعلن القبول‪ ،‬ول يشترط العلم بالقبول بالنسبة للطرف الموجب‬
‫الذي وجّه اليجاب(‪.)5‬‬

‫() الشباه والنظائر‪ :‬لبن نجيم‪ ،‬ص ‪.93‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‪ :‬للدسوقي ‪.3/4‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المجموع ‪.9/154‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المغني ‪.4/4‬‬ ‫‪4‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ ،‬ص ‪.30 – 29‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪141‬‬
‫فلو كان المتعاقدان يتحدثان بالهاتف أو باللسلكي‪ ،‬وقال أحدهما للخر‪:‬‬
‫بعتك الدار أو السيارة الفلنية‪ ،‬وقال الخر‪ :‬قبلت‪ ،‬انعقد العقد‪ ،‬بمجرد إعلن‬
‫القبول‪ ،‬ولو لم يعلم الموجب بالقبول‪ ،‬بأن انقطع التصال بينهما‪.‬‬
‫ولو وجّه أحد العاقدين خطابا أو برقية إلى آخر أو تلكسا أو فاكسا أو عن‬
‫طر يق النتر نت‪ ,‬وفي ها إيجاب ببيع ش يء‪ ،‬أو بإبرام ع قد زواج‪ ،‬انع قد الع قد ب عد‬
‫و صول البرق ية أو الخطاب ونحوه ما‪ ،‬وإعلن ال خر قبوله‪ ،‬دون حا جة إلى علم‬
‫الموجب أو سماعه بالقبول‪.‬‬
‫لكن إبعادا لكل لبس أو غموض‪ ،‬وتمكينا من إثبات العقد‪ ،‬وتأكيدا لبرامه‪،‬‬
‫جرى العرف الحاضر في التلكس مثلً ونحوه على إرسال تلكس العرض‪ ،‬ثم‬
‫تلكس القبول‪ ،‬ثم تلكس البيع‪ ،‬وساعد على ترسيخ هذا العرف ما تنص عليه‬
‫بعض القوانين الوضعية كالقانون المدني المصري‪ ،‬فإنه نص على ما يلي‪:‬‬
‫في التعاقد بين حاضرين‪ :‬تنص المادة (‪ )91‬على أن " التعبير عن الرادة‬
‫ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه‪ ،‬ويعتبر وصول التعبير‬
‫قرينة على العلم به‪ ،‬ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " واشتراط السماع أو العلم‬
‫بالقبول حتى بين الحاضرين أخذ به بعض فقهاء الحنفية مثل النسفي وابن كمال‬
‫باشا‪.‬‬
‫في التعاقد بين غائبين‪ :‬تنص المادة (‪ )97‬على ما يلي‪ " :‬يعتبر التعاقد ما‬
‫بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول‪ ،‬ما‬
‫لم يوجد اتفاق أو نص قانوني بغير ذلك‪ ،‬ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول‬
‫في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول "‪.‬‬
‫وأرى الخذ بضرورة العلم بالقبول بالنسبة للموجب في التعاقد بين غائبين‬
‫بسبب تقدم وسائل التصال الحديثة وتعقّد المعاملت‪ ،‬وتحقيقا لستقرار التعامل‬
‫ومنع إيقاع الموجب في القلق‪ ،‬وتمكينا من إثبات العقد وإلزام القابل‪ ،‬فإن جهْل‬

‫‪142‬‬
‫الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد‪ ،‬وهذا رأي الستاذ الدكتور عبد الرزاق‬
‫السنهوري(‪.)1‬‬

‫إجراء عقد الزواج بوسائل التصال الحديثة ‪:‬‬


‫عقد الزواج كسائر العقود قد يتم بين حاضرين في المجلس أو غائبين عنه‪،‬‬
‫وفي حالة انعقاده بين غائبين ينطبق عليه ما سبق ذكرناه عن إجراء عقد البيع‬
‫بين غائبين‪ ،‬فإجراؤه جائز – من حيث المبدأ – بالهاتف وما إليه…‬
‫يقول د‪ .‬بدران أبو العينين‪ " :‬والزواج بالهاتف جائز وتعتبر المحادثة‬
‫مجلس العقد مادام الكلم من المتعاقدين في شأن الزواج‪ ،‬فإذا انتقل من حديث‬
‫الزواج إلى حديث في موضوع آخر انتهى مجلس العقد ويبطل اليجاب(‪.)2‬‬
‫ولكن عقد الزواج يتميز بشرط خاص يخالف به سائر العقود وهو اشتراط‬
‫الشهود‪ ،‬وبالتالي حتى نجيز انعقاد الزواج بواسطة التلفون فل بد من مراعاة هذا‬
‫الشرط‪ ،‬فإذا كان هناك شهود يسمعون كل من اليجاب والقبول مباشرة ومن‬
‫ل أن يتحقق هذا الشرط إذا كان هنالك أكثر من هاتف فاستمع الشهود‬ ‫الممكن فع ً‬
‫وشهدوا على العقد فبذلك ينعقد عقد الزواج مباشرة ول يكون هناك أي غضاضة‬
‫وذلك لتوفر شروط العقد وأركانه اللزمة لنعقاده(‪.)3‬‬
‫وقال د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ " :‬ولكن عقد الزواج بالجماع ل ينعقد ول يصح‬
‫بالفعل أو بالمعاطاة كإعطاء المهر مثلً‪ ،‬ول يصح أيضا بوسائل التصال الحديثة‬
‫أمام الشاهدين بل لبد فيه من النطق باليجاب والقبول لخطورته وأهميته وتأثيره‬
‫الدائم على المرأة وحفاظا على حرمات العراض المصونة شرعا(‪.)4‬‬
‫وأرجح هذا الرأي الخير‪.‬‬

‫() مصادر الحق‪.2/57 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الزواج والطلق في السلم‪ :‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬ص ‪.41‬‬ ‫‪2‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬محمد عقله‪ ،‬ص ‪.137‬‬ ‫‪3‬‬

‫() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬ص ‪.8 – 7‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪143‬‬
‫فتوى مجمع الفقه السلمي ‪:‬‬
‫الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين‬
‫وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫إجراء العقود بآلت التصال الحديثة(‪.)1‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في‬
‫المملكة العربية السعودية من ‪ 23 – 17‬شعبان ‪1410‬هـ‪ ،‬الموافق ‪20 – 14‬‬
‫آزار (مارس) ‪1990‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع‪( :‬إجراء‬
‫العقود بآلت التصال الحديثة)‪.‬‬
‫ونظرا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل التصال وجرايان العمل‬
‫بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملت المالية والتصرفات‪.‬‬
‫وباستحضار ما تعرض لـه الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة‬
‫وبالشارة وبالرسول‪ ،‬وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط لـه اتحاد‬
‫المجلس (عدا الوصية واليصاء والوكالة) وتطابق اليجاب والقبول‪ ،‬وعدم‬
‫صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد‪ ،‬والموالة بين اليجاب‬
‫والقبول بحسب العرف‪:‬‬
‫قرر‪:‬‬
‫‪-1‬إذا تم التعاقد بين غائبين ل يجمعهما مكان واحد‪ ،‬ول يرى أحدهما‬
‫الخر معاينة‪ ،‬ول يسمع كلمه‪ ،‬وكانت وسيلة التصال بينهما الكتابة‬
‫أو الرسالة أو السفارة (الرسول)‪ ،‬وينطبق ذلك على البرق والتلكس‬
‫والفاكس وشاشات الحاسب اللي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد‬
‫عند وصول اليجاب إلى الموجه إليه وقبوله‪.‬‬

‫() القرار رقم ‪ 54/3/6‬في دورة المؤتمر السادس لمجلس مجمع الفقه السلمي في منظمة المؤتمر‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي المنعقد في جدة في المملكة العربية السعودية ‪ 23 – 17‬شعبان ‪1410‬هـ الموافق ‪20 – 14‬‬
‫مارس ‪1990‬م‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪-2‬إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين‪،‬‬
‫وينطبق هذا على الهاتف واللسلكي‪ ،‬فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين‬
‫حاضرين وتطبق على هذه الحالة الحكام الصلية المقررة لدى الفقهاء‬
‫المشار إليها في الديباجة‪.‬‬
‫‪-3‬إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء‬
‫على إيجابه خلل تلك المدة‪ ،‬وليس له‪ :‬الرجوع عنه‪.‬‬
‫‪-4‬إن القواعد السابقة ل تشمل النكاح لشتراط الشهاد فيه‪ ،‬ول الصرف‬
‫لشتراط التقابض‪ ،‬ول السلم لشتراط تعجيل رأس المال‪.‬‬
‫‪-5‬ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد‬
‫العامة للثبات‪.‬‬

‫‪145‬‬
146
‫المبحث الرابع‬

‫البطاقات الئتمانية‬

‫انتشرت البطاقات الئتمانية في وقتنا الحاضر انتشارا واسعا في مجالت‬


‫الحياة كافة‪ ،‬وبلغ عدد المتعاملين بها حدا ل يوصف‪ ،‬وعدد الموال المستفادة من‬
‫هذه البطاقات أرقاما ل يمكن تخيلها‪ ،‬مما جعل لهذه البطاقات الهمية القصوى‬
‫في تعاملت البنوك التي بدأت تجني أرباحا هائلة من وراء التعامل بها‪.‬‬
‫وقد كثرت أنواعها‪ ،‬وأوصافها‪ ،‬تبعا لملءمة المستخدم‪ ،‬ومدى حجم نشاطه‬
‫ومكانته المالية‪.‬‬
‫فكان من الضروري التوقف عند هذه البطاقة لمعرفتها‪ ،‬ولمعرفة أطرافها‪،‬‬
‫وبيان أنواعها والفوائد المترتبة على استخدامها‪ ،‬ومدى موافقتها للقواعد الشرعية‬
‫في المعاملت المالية السلمية‪ ،‬ل سيما ونحن نرى تزايد استخدام وانتشار هذه‬
‫البطاقات في بلد المسلمين بشتى أنواعها وصورها‪.‬‬

‫‪ -1‬تعريف بطاقة الئتمان ‪:‬‬


‫قبل أن نبدأ في تعريف " بطاقات الئتمان " نشير هنا إلى ملحظة هامة‬
‫ذكرها أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان في كتابه القيّم عن بطاقات‬
‫الئتمان‪ :‬عنوانها بـ " تصحيح العنوان " حيث قال‪ " :‬بطاقات الئتمان‪ :‬عنوان‬
‫غير صحيح‪ :‬لنه جرت عادة القتصاديين والمصرفين تقديم هذا النوع من‬
‫البطاقات بعنوان (البطاقات الئتمانية) سواء في هذا البحوث العلمية‪ ،‬أو‬
‫العلنات المصرفية وهي في نظر هؤلء ترجمة لكلمة (‪ )Credit cards‬في‬
‫اللغة النجليزية‪.‬‬
‫لكن بالرجوع إلى معنى هذه الكلمة (‪ )Credit‬في المعجم النجليزي نجد‬
‫أن لها عدة معان‪ :‬تطلق غالبا على شرف الشخص واعتزازه وانتماءه‪،‬‬

‫‪147‬‬
‫والعتراف بكفاءته وسمعته الطيبة‪ ،‬المبدأ والثقة‪ ،‬ملءته ورصيده في البنك‪،‬‬
‫قدرته على الحصول على حاجياته قبل دفع الثمن بناء على الثقة بوفائه بالدفع‪.‬‬
‫أما كلمة (‪ )Card‬فمعناها المعروف هو تلك الرقعة الصغيرة من الورق أو‬
‫البلستيك يصدرها البنك أو غيره لحاملها وعليها بعض البيانات الخاصة بالبنك‬
‫وبحاملها ‪.)1( "...‬‬
‫وفي العرف القتصادي تطلق كلمة ‪ CREDIT‬على معنى القراض‪،‬‬
‫وهو من قبيل افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجلً‬
‫للوفاء بدينه‪.‬‬
‫ولهذا يقول الدكتور عبد الوهاب‪ " :‬فالعنوان السليم المناسب لهذا النوع من‬
‫البطاقات هو‪ :‬بطاقات القراض" (‪.)2‬‬
‫ومادام هذا ال سم (بطاقات الئتمان) قد انت شر وشاع ا ستخدامه نب قي عل يه‬
‫مع تسليمنا صحة ما ذهب إليه فضيلة الستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان‪.‬‬

‫‪ -2‬التعريف الصطلحي ‪:‬‬


‫بطاقـة الئتمان هـي‪ :‬البطاقسة الصسادرة مسن بنسك أو غيره تخول حاملهسا‬
‫الحصول على حاجياته من السلع أو الخدمات دينا (‪.)3‬‬
‫وعرفها المعجم القتصادي العربي بأنها‪ " :‬بطاقة خاصة يصدرها‬
‫المصرف لعميله تمكنه من الحصول على السلع والخدمات من أماكن ومحلت‬
‫معينة عند تقديمه لهذه البطاقة‪ ،‬ويقوم بائع السلع أو الخدمات بتقديم الفاتورة‬
‫الموقعة من العميل إلى المصرف – مصدر الئتمان – فيسدد قيمتها لـه‪ ،‬ويقدم‬
‫المصرف للعميل كشفا شهريا بإجمالي القيمة لتسديدها‪ ،‬أو لخصمها من حسابه‬
‫الجاري لطرفه " (‪.)4‬‬

‫() البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ ،‬ص ‪.24 – 23‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫() هذا هو تعريف معجم أكسفورد مع إضافة يسيرة‪The concise oxford Dictionary (Credit.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Card( P.277‬‬
‫() معجم المصطلحات التجارية والتعاونية‪ :‬د‪ .‬أحمد زكي بدوي‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪148‬‬
‫كما عرفها مجمع الفقه السلمي بأنها‪ " :‬مستند يعطيه مصدره‪ ،‬لشخص‬
‫طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع‪ ,‬أو الخدمات‬
‫ممن يعتمد المستند‪ ،‬دون دفع الثمن حالً‪ ،‬لتضمنه التزام المصدر بالدفع‪ ،‬ويكون‬
‫الدفع من حساب المصدر‪ ،‬ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية ‪.)1( "...‬‬
‫وعرف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان البطاقات البنكية القراضية‬
‫والسحب المباشر من الرصيد تعريفا يبين حقيقتها وأقسامها بأنها‪ " :‬أداة يصدرها‬
‫بنك أو تاجر‪ ،‬أو مؤسسة تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات‪ ،‬سحبا‬
‫لثمانها من رصيده‪ ،‬أو قرضا مدفوعا من قبل مصدرها ضامنا لصحاب‬
‫الحقوق ما يتعلق بذمة حاملها‪ ،‬الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خلل مدة‬
‫معينة من دون زيادة على القرض إل في حالة عدم الوفاء‪ ،‬أو بزيادة ربوية‬
‫لدى اختياره الدفع على أقساط‪ ،‬مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته‬
‫في جميع الحالت " (‪.)2‬‬

‫‪ -3‬تاريخها ونشأتها ‪:‬‬


‫في ظل التنامي التجاري والتطور القتصادي وتنافس البنوك لكسب أكبر‬
‫قدر ممكن من الموال مع التيسير على العملء في الدفع ظهر ما يسمى بـ‬
‫" بطاقات الئتمان " " ‪." CREDIT CARD‬‬
‫وكان أول ظهور لها عام (‪1914‬م) حيث قامت شركة وسترن يونين‬
‫‪ Western Union‬في أمريكا بإصدار بطاقة عادية لتسديد المدفوعات لزبائنها‬
‫المتميزين وذلك للتيسير عليهم ولعطائهم الشعور بالمان أثناء التنقل‪.‬‬
‫ثم بدأ التعامل بالبطاقة يزداد شيوعا مرورا بمحطات الوقود وبعض‬
‫المؤسسات التجارية إلى أن وصل إلى البنوك‪.‬‬

‫() مجلة المجمع الفقه السلمي العدد الثاني عشر (‪.)676 – 3/675‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البطاقات البنكية‪ :‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪149‬‬
‫‪ -4‬أنواع بطاقات الئتمان ‪:‬‬
‫تتعدد أنواع البطاقات لعدة اعتبارات‪:‬‬
‫‪-‬فمن حيث المزايا‪ :‬توجد البطاقات العادية أو الفضية أو الذهبية وتختلف‬
‫فيما بينها في حدود الئتمان والمزايا الضافية التي يتمتع بها حاملها‪.‬‬
‫‪-‬وبحسب الجهة المصدرة‪ :‬توجد البطاقات التي ترعاها منظمة عالمية‬
‫ويشارك في إصدارها جميع البنوك على مستوى العالم مثل الفيزا‬
‫وماستر كارد‪ ،‬وبطاقات ترعاها وتصدرها مؤسسة مالية واحدة مثل‬
‫بطاقة أمريكان اكسبرس‪ ،‬وبطاقات تصدرها مؤسسات تجارية لعملئها‬
‫ليشتروا منها فقط دون وجود بنك وسيط‪.‬‬
‫‪-‬ومن حيث نطاق التعامل بها‪ :‬توجد البطاقات المحلية والقليمية‬
‫والعالمية‪.‬‬
‫‪-‬وأخيرا بحسب طبيعة العلقة وكيفية التعامل بالبطاقة توجد ثلثة أنواع‬
‫منها‪ ،‬وهذا التقسيم الخير هو المهم لن التقسيمات الخرى تندرج تحته‬
‫ول تؤثر على ماهيتها‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬بطاقة الخصم أو القيد المباشر والفوري ‪Debit Card‬‬
‫ويشترط لصدار هذه البطاقة أن يكون للعميل حساب في البنك‪ :‬فيه رصيد‬
‫يستطيع البنك مصدر البطاقة أن يخصم منه ما يحصل عليه حامل البطاقة عند‬
‫استعمالها‪ ،‬والبنك ل يقدم قرضا لحامل هذه البطاقة ول يسمح لـه باستعمال‬
‫البطاقة إل في حدود رصيده بالبنك‪ ،‬ولهذه البطاقة نفس استخدامات بطاقة الخصم‬
‫الشهري ‪ Charge Card‬وبطاقة الئتمان القرضية ‪ Credit Card‬في الحصول‬
‫على السلع والخدمات والنقد(‪.)1‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بطاقة الخصم الشهري أو الدفع المؤجل (‪)Charge Card‬‬
‫وهي بطاقة تتيح لحاملها أن يستخدمها في عمليات الشراء المختلفة والحصول‬

‫() بطاقة الئتمان‪ :‬الصديق محمد المين الضرير ‪( 2/640‬ضمن بحوث مؤتمر العمال المصرفية‬ ‫‪1‬‬

‫اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات)‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫على الخدمات في شتى أنحاء العالم بالضافة إلى صلحيتها في عمليات السحب‬
‫النقدي ومن خلل الجهزة التابعة للبنوك التي أصدرتها في كافة أنحاء العالم‪.‬‬
‫وإصدارها ل يتطلب من حاملها الدفع المسبق للبنك المصدر في صورة‬
‫حساب جاري وإنما يطالب البنك المصدر حامل البطاقة بقيمة مشترياته‬
‫ومسحوباته في نهاية كل شهر على أن يسددها في مدة تالية تتراوح بين ‪– 25‬‬
‫‪ 40‬يوما وإذا تأخر عن السداد يحمل بفائدة معدولها بين ‪%1.75 – 1.5‬‬
‫شهريا(‪ :)1‬أي من ‪ - %18‬إلى ‪ %21‬سنويا‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬بطاقة الئتمان القرضية أو السداد على فترات لحقة‬
‫(‪ )Credit Card‬وهي الكثر انتشارا في الدول المتقدمة وهذه يخير صاحبها بين‬
‫سداد مسحوباته عليها بالكامل خلل فترة السماح أو سداد جزء منها وتأجيل‬
‫الباقي إلى أقساط على شهور تالية مع حساب فائدة بنفس المعدلت التي ذكرناها‬
‫في النوع الثاني‪.‬‬
‫وليس للمسحوبات عليها حد أعلى مادام صاحبها مستمرا في السداد‬
‫الجزئي للديون والفوائد(‪.)2‬‬

‫‪ -5‬خطوات إصدار البطاقة والعلقة بين الطراف التي لها صلة بالبطاقة ‪:‬‬
‫أولً‪ :‬يقوم البنك بإصدار البطاقة لطالبها‪ ،‬وقد فرض البنك رسما للصدار‪،‬‬
‫ورسـما للشتراك‪ ،‬أي مقابلً ماليا نظيـر هذيـن المريـن فيسـتوفي البنـك ممـن‬
‫صدرت له البطاقة رسم الصدار‪ ،‬ورسم الشتراك‪ ،‬وقد يعفيه من أحدهما أو من‬
‫كليهما‪.‬‬
‫والعلقة المتمثلة في هذا العمل هي تقديم خدمة يقوم بها البنك تعريفا‬
‫وتمهيدا لستخدام البطاقة‪ ،‬وهي خدمة يجوز للبنك أن يحصل على مقابل مالي‬
‫نظير تقديمها لعميله‪.‬‬

‫() بحث بطاقات الئتمان‪ :‬دكتور محمد عبد الحليم عمر ‪( 2/666‬ضمن بحوث مؤتمر العمال المصرفية‬ ‫‪1‬‬

‫اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات)‪.‬‬


‫() فقه النوازل‪ :‬الجامعة المريكية المفتوحة‪ ،‬ص ‪.12 – 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪151‬‬
‫وهذا اللتزام المالي من العميل قابل البطاقة للبنك مصدر البطاقة يحدث‬
‫قبل الستخدام الفعلي للبطاقة فيما أصدرت من أجله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يتفق البنك مصدر البطاقة مع التاجر على أن يقبل البيع لحامل‬
‫بطاقته مداينة‪ ،‬ويضع تحت تصرفه الوسائل التي يستلزمها ذلك‪ ،‬فتنشأ علقة‬
‫تقديم خدمة أيضا‪ ،‬وهي مما يجوز أخذ الجرة عليه‪.‬‬
‫وهذا اللتزام المالي من التاجر قابل البطاقة للبنك هو أيضا قبل الستخدام‬
‫الفعلي للبطاقة فيما خصصت له‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يشتري حامل البطاقة سلعة من التاجر أو يحصل على خدمة ذات‬
‫قيمة مالية‪ ،‬ول يدفع ثمنا لذلك لمن باع له السلعة أو أدى له هذه الخدمة‪ ،‬وإنما‬
‫يوقع على مستند خاص يمكن التاجر قابل البطاقة من أن يحصل على الثمن من‬
‫البنك مصدر البطاقة‪ ،‬وتنشأ هنا علقة بين حامل البطاقة والبنك المصدر لها‪،‬‬
‫ويترتب على هذه العلقة التزام مالي من جهة حامل البطاقة للبنك الذي أصدرها‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬يقدم التاجر أو مقدم الخدمة الذي قبل التعامل ببطاقة الئتمان‪ ،‬إلى‬
‫البنك مصدر البطاقة‪ ،‬نسخة من مستند الدفع الذي وقع عليه حامل البطاقة‪ ،‬وهنا‬
‫تنشأ علقة تعاقدية بين البنك والتاجر الذي قبل التعامل بالبطاقة‪ ،‬إسنادا إلى ما‬
‫اتفق عليه بين الجانبين‪ ،‬تجاه أي حالة قبول للبطاقة‪.‬‬
‫كما ينشأ مع هذه العلقة التزام مالي على البنك للتاجر الذي قبل التعامل‬
‫ببطاقة الئتمان‪.‬‬
‫وينشأ أيضا التزام مالي مقابل للبنك على حامل البطاقة‪ ،‬وهو قيمة ما‬
‫حصل عليه حامل البطاقة من سلع أو ما أدى إليه من خدمات‪ ،‬لنه لم يدفع‬
‫أثمانها‪ ،‬وإنما اكتفى بالتوقيع على مستند الدفع(‪.)1‬‬

‫‪ -6‬الهيكل التنظيمي لصدار البطاقة البنكية ‪:‬‬


‫() بحث ماهية بطاقة الئتمان‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان ‪( 627 – 2/626‬ضمن بحوث مؤتمر العمال‬ ‫‪1‬‬

‫المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫الراعي لصدار البطاقة‬

‫أمريكان اكسبرس‬ ‫فيـزا‬

‫البنوك المحلية‬
‫المخولة بإصدار البطاقة من قبل (فيزا)‬

‫التاجر‬ ‫حامل البطاقة‬

‫‪ -7‬أطراف اتفاقيات البطاقات البنكية ‪:‬‬


‫يتكون عقد بطاقات المعاملت غالبا من ثلثة أطراف رئيسين‪:‬‬
‫‪-1‬مصدر البطاقة‪ :‬هو بالنسبة لبطاقات القراض يسمى (مقرضا)‪.‬‬
‫‪-2‬حامل البطاقة‪ :‬هو في بطاقات القراض يسمى (مقترضا)‪.‬‬
‫‪-3‬التاجر‪ :‬الممول للسلع والخدمات‪.‬‬
‫‪-4‬البنك الوسيط‪ :‬قد يزداد عدد أطراف العقد إلى أربعة‪ ،‬مثل البنك‬
‫الوسيط بين المصدر الرئيس للبطاقة وحاملها‪ ،‬فيصدر هذا البطاقة‬
‫بحكم الوكالة عنه‪ ،‬وقد ينحسر عدد أطراف العقد إلى اثنين‪ ،‬كما‬
‫هو المر في البطاقات الخاصة بالمحلت التجارية الكبيرة‪.‬‬
‫وفيما يلي تعريف بالطراف الرئيسين لهذه البطاقات‪:‬‬
‫الطرف الول‪ :‬مصدر البطاقة (‪ )Issuing Bank‬هو المخول قانونا‬
‫بإصدار البطاقة لحاملها‪ ،‬ويقوم وكالة عنه بتسديد قيمة المشتريات للتاجر‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الطرف الثاني‪ :‬حامل البطاقة (‪ )Card Holder‬هو الشخص الذي صدرت‬
‫البطاقة باسمه‪ ،‬أو خوّل باستخدامها‪ ،‬وأخذ على نفسه اللتزام أمام مصدر البطاقة‬
‫الوفاء بكل الواجبات التي تنشأ عن استعمال البطاقة‪.‬‬
‫الطرف الثالث‪ :‬التاجر (‪ )Merchant or Supplier‬هو الذي يبرم عقدا‬
‫مع مصدر البطاقة بتقديم السلع والخدمات المتوافرة لديه‪ ،‬المطلوبة من قبل‬
‫العملء حاملي بطاقة البنك الذي تمّ التفاق معه(‪.)1‬‬

‫‪ -8‬التكييف الفقهي لبطاقات الئتمان ‪:‬‬


‫عقد البطاقات البنكية‪ ،‬بأقسامه وأنواعه وإجراءاته وأهدافه عقد جديد على‬
‫الفقه السلمي‪ ،‬ل يندرج في صورته الكلية تحت عقد واحد من عقود المعاملت‬
‫الشرعية المعروفة في المدونات الفقهية‪ ،‬حيث تتعدد الطراف‪ ،‬وتتنوع العلقات‬
‫واللتزامات‪ ،‬وتتباين القسام والنواع‪.‬‬
‫من الصعب تكييفه في صورته الكلية بعقد واحد‪ :‬حوالة‪ ،‬أو جعالة‪ ،‬أو‬
‫ضمان‪ ،‬أو وكالة‪ ،‬أو عقدين معا‪ :‬كالوكالة والكفالة‪ ،‬الوكالة والجعالة‪ ..‬إلى آخر‬
‫ما ذهب إليه خبراء مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي‬
‫بجدة(‪.)2‬‬
‫إذا صح تصوير عقد بطاقة القراض وتكييفها بواحد من تلك العقود من‬
‫جانب‪ ،‬فإنه يختل من طرف وجانب آخر ل يسلم لصاحبه‪ ،‬إذ من غير الممكن‬
‫تنزيل صورة كلّية مركبة متشعبة متعددة الطراف والتفاقات والغراض على‬
‫عقد واحد له تكوين معين‪ ،‬وشكل ل يختلف‪ ،‬وما يقال عن عقد بطاقة القراض‬
‫(‪ )Credit Card‬يقال بالمثل عن غيره من عقود البطاقات الخرى‪.‬‬

‫() انظر البطاقات البنكية‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب أبو سليمان‪ ،‬ص ‪.45 – 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر البحوث والمناقشات حول هذا الموضوع في‪ :‬مجلة مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر‬ ‫‪2‬‬

‫السلمي‪ ،‬الدورة السابعة‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬عام ‪1412‬هـ‪1992/‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.382 – 359‬‬

‫‪154‬‬
‫أصبح من الضروري تصنيف أقسامه حسب تنوع مضامين كل قسم ونوع‬
‫فيه‪ ،‬ثم تحليل كل واحد منها وتركيبه‪ ،‬واتفاقاته المتعددة في داخله‪ ،‬فمن ثم‬
‫تتكشف جوانب كل عقد‪ ،‬وتتضح رؤيته‪ ،‬فيسلم تكييف(‪.)1‬‬

‫‪ -9‬التخريجات الفقهية لبطاقات الئتمان ‪:‬‬


‫ل يخفـى أن الحكـم على الشيـء فرع عـن تصـوره‪ ،‬وعلى قدر دقـة فهمنـا‬
‫للعلقات التـي تنشئهـا بطاقات الئتمان تكون دقتنـا فـي تخريجهـا على العقود‬
‫المعروفـة فـي الفقـه السـلمي‪ ،‬وبيان أحكامهـا الشرعيـة حلً وحرمـة‪ ،‬وتحديـد‬
‫البدائل الشرعية فيما ينتهي النظر إلى تحريمه منها‪.‬‬
‫وبطاقات الئتمان تنشئ ثلث علقات نتحدث عنها على التوالي فيما يأتي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬العلقات بين مصدر البطاقة وحاملها " عقد إصدار البطاقة " ‪:‬‬
‫وقد كثرت التخريجات الفقهية لهذه العلقة وتشعب النظر فيها داخل أروقة‬
‫المجامع الفقهية من كونها قرضَ كفالة من المصدر لحاملها أو وكالة عنه في أداء‬
‫التزاماته قِبل الغير أو كفالة له قبل الخرين‪.‬‬
‫أ‪ -‬العلقة بينهما ضمان (كفالة) ‪:‬‬
‫من المقرر أن العم يل عند ما يتقدم بطلب إ صدار بطا قة ائتمان ف هو يهدف‬
‫إلى اللتجاء إلى المصـدر ليعينـه على تحمـل أعباء المشتريات والخدمات التـي‬
‫يرغب في الحصول عليها وهذا ما نصت عليه سواء التفاقية المبرمة بين طرفي‬
‫عقد (بطاقة الئتمان‪ :‬المصدر وحامل البطاقة)‪.‬‬
‫وهذا المعنى هو ما يسمى في الفقه السلمي بعقد الضمان (الكفالة) كما‬
‫عرفه الفقهاء‪ " :‬هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام‬
‫الحق " (‪.)2‬‬

‫() البطاقات البنكية‪ :‬ص ‪.140 – 139‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المبدع ‪ ،4/248‬والمغني ‪ ،4/344‬مغني المحتاج ‪ ،2/198‬البحر الرائق ‪ ،6/221‬الشرح الكبير‪ :‬للدردير‬ ‫‪2‬‬

‫‪.3/329‬‬

‫‪155‬‬
‫ب‪ -‬العلقة بينهما وكالة ‪:‬‬
‫فإن حا مل البطا قة و كل الم صدر بت سديد ديو نه لدى التجار الذي سيشتري‬
‫منهـم لن الوكالة يعرفهـا الفقهاء‪ " :‬اسـتنابة جائز التصـرف مثله فـي الحياة فيمـا‬
‫تدخله النيابة " (‪.)1‬‬
‫والوكالة من العقود الجائزة‪ ،‬وات فق الفقهاء على جواز الوكالة ب سداد الد ين‬
‫وقبضه‪ ،‬كما أجازوا أخذ الجرة على الوكالة(‪.)2‬‬
‫ج‪ -‬وقيل بأن العلقة بينهما هي إقراض ‪:‬‬
‫وعقد القرض هو ما تعطيه غيرك من مال على أن يرده إليك(‪.)3‬‬
‫وتخريج بطاقة الئتمان على القرض يتضح من خلل تمكين المصدر‬
‫الحامل من الحصول على السلع والخدمات بواسطة الخط الئتماني المحدد بسقف‬
‫معين‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق البطاقة‪ ،‬وقبض هذا القرض هو قبضا حكميا يتمثل‬
‫في تمكين الحامل من الستفادة ثم تسديد المال عنه(‪.)4‬‬
‫ولعل الجمع بين الكفالة والقراض والوكالة هو القرب إلى النظر في‬
‫تخريج هذا العقد‪ ،‬لن هذا هو المقصود الصلي لهذه البطاقة فهي قبل الستخدام‬
‫كفالة ووعد بالقرض والوكالة فإذا ما استخدمت فعلً وقام المصرف بالسداد نيابة‬
‫عن العميل فقد تحقق هذا الوعد وأصبح القرض والوكالة حقيقة واقعة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر ‪:‬‬
‫لقد كثرت التخريجات الفقهية لهذه العلقة بين كونها شبيهة بخصم الوراق‬
‫التجارية‪ ،‬إلى كونها علقة كفالة‪ :‬أي أن الجهة المصدرة قد كفلت للتاجر أن تدفع‬
‫لـه قيمة المبيعات بهذه البطاقة‪ ،‬إلى كونها وكالة بأجر‪ ،‬إلى كونها علقة‬
‫سمسرة‪ ،‬بل إن من الناس من خرجها على أنها علقة بيع فجعل مصدر البطاقة‬
‫() كشاف القناع ‪ ،3/461‬التعاريف‪ :‬للمناوي ‪.1/733‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر تبيين الحقائق ‪ ،4/288‬مواهب الجليل ‪ ،5/188‬روضة الطالبين ‪ ،4/330‬المغني ‪ ،4/391‬كشاف‬ ‫‪2‬‬

‫القناع ‪.3/489‬‬
‫‪ )(3‬الدر المختار ‪ ،5/161‬التعاريف ‪.1/580‬‬
‫‪ )( 4‬بحث " بطاقة الئتمان "‪ :‬د‪.‬مبارك جزاء الحربي ‪( 5/2174‬ضمن أوراق مؤتمر العمال المصرفية‬
‫اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات‪ ،‬ربيع الولى ‪1424‬هـ‪/‬مايو ‪2003‬م)‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫هو المشتري الحقيقي لهذه البضائع ثم يعيد بيعها للعميل فتكون قريبة الشبه ببيع‬
‫المرابحة للمر بالشراء‪.‬‬
‫ولعل أظهر هذه التخريجات هو تخريجها على أساس الكفالة والوكالة وهو‬
‫تخريج يفتح الباب لمشروعية العمولة أو نسبة الخصم التي يتقاضاها البنك في‬
‫هذه الحالة لن الجرة الممنوعة في الكفالة هي التي تكون من المكفول عنه إلى‬
‫الكفيل‪ ،‬وهي هنا من المكفول لـه وهو التاجر إلى الكفيل‪ ،‬أما الجرة في الوكالة‬
‫فهي جائزة في جميع الحوال‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العلقة بين حامل البطاقة والتاجر ‪:‬‬
‫ترددت التخريجات الفقهية لهذه العلقة بين كونها علقة‪:‬‬
‫‪-1‬حوالة حيث أحال حاملها التاجر على مليء وهو الجهة المصدرة‪،‬‬
‫وتتحقق هذه الحوالة بتوقيعه على فاتورة الشراء‪.‬‬
‫‪-2‬أو كونها علقة بيع أو إجارة عادية بحيث تصنف العقود بحسبها‬
‫بيعا أو إجارة بحسب المعقود عليه ثم تنتقل مسؤولية المطالبة بالقيمة‬
‫إلى مصدر البطاقة الذي ضمن تسديد ما يسحب عليها من أثمان أو‬
‫أجور‪.‬‬
‫‪-3‬أو العلقة بينهما وكالة بأجر‪ :‬وهذا المعنى يتضح من خلل توكيل‬
‫التاجر للمصدر بأن يحصل المبلغ المستحق له في ذمة العميل لقاء‬
‫مبلغ يحصل عليه المصدر محدد بنسبة معينة من فاتورة الشراء‪.‬‬

‫‪ -10‬التكييف الجمالي لبطاقات الئتمان ‪:‬‬


‫لعـل أقرب تخريـج إجمالي لبطاقات الئتمان أنهـا عقـد مركـب مـن جملة‬
‫(‪)1‬‬
‫عقود‪:‬‬
‫العلقة الولى ‪:‬‬

‫() فقه النوازل‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪157‬‬
‫فهـي في العل قة ب ين م صدرها وحامل ها تتكون من ثل ثة عقود‪ :‬الكفالة‪،‬‬
‫والقراض‪ ،‬والوكالة‪ :‬فالجهـة المصـدرة قـد كفلت حامـل البطاقـة أمام التجار‬
‫وأقرضتـه قيمـة مسـحوباته على البطاقـة‪ ،‬وحامـل البطاقـة وكلهـا فـي الوفاء بهذه‬
‫القيمة إلى التاجر‪.‬‬
‫العلقة الثانية ‪:‬‬
‫وفـي العلقـة بيـن مصـدرها والتاجـر تتكون مـن عقديـن أيضا‪ :‬الضمان‬
‫والوكالة‪ ،‬فالجهة المصدرة قد ضمنت للتاجر الوفاء بمستحقاته قبل حامل البطاقة‪،‬‬
‫كمـا أنهـا قامـت بتحصـيل هذه المسـتحقات للتاجـر مـن قبـل حاملي هذه البطاقات‬
‫ووضعها في حسابه بعد خصم نسبة العمولة المتفق عليها‪.‬‬
‫العلقة الثالثة ‪:‬‬
‫و في العل قة ب ين حا مل البطا قة والتا جر يحكم ها الب يع أو الجارة بح سب‬
‫طبي عة المعقود عل يه بينه ما بالضا فة إلى الحوالة ح يث أحال حامل ها التا جر على‬
‫جهة إصدار البطاقة‪.‬‬

‫‪ -11‬الحكام الشرعية المتعلقة بالبطاقات الئتمانية ‪:‬‬


‫‪ -1‬الحكم الشرعي على بطاقات الئتمان ‪:‬‬
‫بناء على تكييفنـا الفقهـي لبطاقـة الئتمان فمدى توافـر أركان وشروط عقـد‬
‫الضمان أو الكفالة (باعتبار أن العلقـة التـي تجمـع أطراف البطاقـة الئتمانيـة‬
‫كذلك) في بطاقة الئتمان؟‬
‫شأن أي عقـد فإن أركان العقـد الثلثـة إجمالً هـي‪ :‬العاقـد والمعقود عليـه‬
‫والصيغة ومدى توفرها في بطاقة الئتمان بصفتها عقد ضمان يتضح التي‪:‬‬
‫‪-1‬العاقسد‪ :‬عقـد الضمان ثلثـي الطراف هـم الضامـن والمضمون عنـه‬
‫والمضمون له‪ ،‬وهو ما يتوفر في البطاقة‪:‬‬
‫‪-‬فالم صدر هو الضا من وشر طه الر شد أو الهل ية و هو متو فر ل ـه‬
‫بصفته الشخصية المعنوية‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫‪-‬والمضمون عنه وهو حامل البطاقة ومن أهم شروطه معرفته ليعلم‬
‫هو موسرا أم ل ؟ وهو ما يتم في بطاقة الئتمان حيث يصدر البنك‬
‫لـه البطاقة بعد دراسة حالة العميل الئتمانية‪.‬‬
‫‪-‬والمضمون له وهو التاجر ويستفيد بضمان حقه‪.‬‬
‫‪-2‬المضمون‪ :‬و هو مبلغ الد ين النا شئ في ذ مة حا مل البطا قة للتا جر أو‬
‫البنوك الخرى عن مشتريا ته أو م سحوباته وأ هم شرط ف يه كو نه ثابتا‬
‫لزما و مع أن د ين البطا قة ل يكون موجودا ع ند إ صدارها الذي يم ثل‬
‫عقد الضمان فإن جميع المذاهب الفقهية تجيز ضمان ما يسحب‪.‬‬
‫‪-3‬الصسيغة‪ :‬وتتمثـل فـي اليجاب والقبول الذي يدل على رضـا أطراف‬
‫البطاقة وإصدار البنك للبطاقة بناء على طلب حاملها‪ ،‬وكذا اتفاقية البنك‬
‫مع التجار يحقق ركن الصيغة(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬عرف نا في ما سبق أن بطاقات الئتمان أنواع ف ما هو النوع المن سجم مع‬


‫أحكام الشريعة السلمية والخالي من الربا يا ترى؟‬
‫يجيـب فضيلة الدكتور عبـد الوهاب أبـو سـليمان عـن هذا التسـاؤل ويقول‪:‬‬
‫" بطاقة السحب المباشر من الرصيد (‪ )Debit Card‬هي الصح والسلم شرعا‬
‫ب ين جم يع أنواع البطاقات‪ ،‬و هي ال تي تن سجم مع القوا عد الشرع ية‪ ،‬و في ن فس‬
‫الوقـت تحقـق ربحا إسـلميا حللً للبنوك‪ ،‬خصـوصا إذا طورت واتخـذ رصـيد‬
‫حاملها في البنك أداة استثمارية بالمضاربة والمشاركة مع البنك‪ ،‬يتحقق به العدل‬
‫للطرفين‪ ،‬إذ يستفيد حامل البطاقة من تنمية رصيده‪ ،‬فل يجمد بالنسبة لـه‪ ،‬ول‬
‫يكون الم ستفيد الوح يد من الر صيد الب نك فح سب‪ ،‬بل ي صبح الر بح مشار كة ب ين‬
‫الطرفين حسب التفاق دون غبن‪ ،‬أو شطط " (‪.)2‬‬

‫()بطاقة الئتمان‪ :‬ماهيتها والعلقات الناشئة عن استخدامها بين الشريعة والقانون‪ :‬د‪ .‬محمد عبد الحليم‬ ‫‪1‬‬

‫عمر ‪( 688 – 2/687‬بحوث مؤتمر العمال المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة‬
‫المارات)‪.‬‬
‫() البطاقات البنكية‪ ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪159‬‬
‫‪ -3‬الشرط الربوي ‪:‬‬
‫فعقود إصـدار هذه البطاقات تتضمـن فـي الغالب نصـوصا ربويـة تقضـي‬
‫بوجوب دفع فوائد ربو ية أو غرامات مال ية عند التأ خر عن السداد‪ ،‬ف ما أ ثر هذه‬
‫العقود على صحة ومشروعية بطاقات الئتمان ؟‬
‫(‪)1‬‬
‫انقسم الفقه المعاصر عند نظره في هذه البطاقات إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم الول‪:‬‬
‫قسـم يرى الجواز (صـحة العقـد وبطلن الشرط) متـى غلب على ظـن‬
‫المتعامل قدرته على التحوط من الوقوع تحت طائلة هذا الشرط‪ ،‬لن هذا الشرط‬
‫الفاسـد فـي معرض اللغاء شرعا‪ ،‬وهـو مسـتنكر ومعمول على اسـتبعاد مفعوله‪،‬‬
‫ومستند هؤلء ما يأتي‪:‬‬
‫قول ال نبي لعائ شة عند ما أرادت أن تشتري بريرة فأ بى أ صحابها بيع ها‬
‫إل بشرط أن يكون الولء لهم – وهو شرط على خلف الشرع لن الولء شرعا‬
‫لمن أعتق – فقال النبي لعائشة‪ " :‬خذيها واشترطي لهم الولء فإن الولء لمن‬
‫أعتـق "‪ ،‬وفـي روايـة " اشتريهـا واعتقيهـا واشترطـي لهـم الولء " (‪ ،)2‬ومعنـى‬
‫الحديـث ل تبالي لن اشتراطهـم مخالف للحـق‪ ،‬فل يكون ذلك للباحـة‪ ،‬بـل‬
‫المقصود الهانة وعدم المبالة بالشتراط لن وجوده كعدمه‪.‬‬
‫وجه الدللة‪:‬‬
‫ويفهـم مـن هذا أنـه إذا تعنـت أحـد بفرض شرط مخالف للشرع فيمـا تعـم‬
‫الحا جة إل يه من العقود وأ بى إبرام الع قد إلى على هذا الشرط الفا سد فل تتع طل‬
‫هذه العقود بسبب التعنت‪ ،‬ول يفتى بعدم مشروعيتها بل تجري رغم ذلك ويجتهد‬
‫على إبطال هذا الشرط الفاسـد مـن خلل السـلطان‪ ،‬أو التحوط فـي عدم الوقوع‬
‫تحت طائلته عند خلو الزمان من السلطان القائم على أمر ال‪.‬‬

‫() فقه النوازل‪ ،‬ص ‪.17 – 14‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في البيوع باب منتهى التلقي (‪.2/759 )2060‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪160‬‬
‫تنزيل الحاجيات منزلة الضروريات ‪:‬‬
‫ما عمت به البلوى في كثير من البلد من تضمن عقود الكهرباء والهاتف‬
‫وغير ها ن صوصا مماثلة‪ ،‬بح يث إذا تخلف المشترك عن ال سداد تعرض لت طبيق‬
‫هذه الغرامات عليه‪ ،‬ولم يقل أحد بحرمة الشتراك في هذه المرافق نظرا لوجود‬
‫هذه الشروط‪.‬‬
‫إن القرض ل يفسد بفساد الشروط‪ ،‬بل تبطل الشروط ويصح عقد القرض‬
‫أقوامـ يشترطون شروطا ليسـت فـي كتاب ال ؟! مـن‬ ‫ٍ‬ ‫لقول النـبي ‪ " :‬مـا بال‬
‫اشترط شرطا ليس في كتاب ال فليس له وإن اشترط مائة شرط " (‪.)1‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫يرى المنع (بطلن العقد) وهو صريح مذهب المالكية والشافعية(‪.)2‬‬

‫مناقشة أدلة القسم الول ‪:‬‬


‫‪ -1‬مناقشة الحتجاج بحديث بريرة ‪:‬‬
‫ويناقشون اسـتدلل الفريـق الول بحادثـة بريرة بأن القياس فيـه مـع الفارق‬
‫لوجود القدرة على إبطال هذا الشرط في واق عة بريرة لمخالف ته للشري عة في وا قع‬
‫قام على سيادة الشريعة وتتولى دولته حراسة الدين وسياسة الدنيا به‪ ،‬فأين هذا من‬
‫واقـع الشرط الربوي فـي بطاقات الئتمان وهـو اشتراط يعتمـد على مرجعيـة‬
‫علمانيـة قامـت ابتدا ًء على فصـل الديـن عـن الدولة والكفـر بمرجعيـة الشريعـة‬
‫المطهرة في علقة الدين بالحياة!‬
‫‪ -2‬مناقشسة القياس على مسا عمست بسه البلوى مسن عقود الكهرباء والهاتسف‬
‫ونحوها‪:‬‬
‫كمـا ناقشوا القياس على عقود الكهرباء والهاتـف التـي تتضمـن شروطا‬
‫مماثلة الحاجة إلى هذه المرافق وتعلق مصالح المة الحيوية بها‪.‬‬
‫() أخرجه البخاري في الصلة باب ذكر البيع والشراء على المنبر (‪.1/174 )444‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المجموع ‪ ،9/350‬روضة الطالبين ‪ ،3/403‬المدونة ‪ ،10/345‬نيل الوطار ‪.5/282‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪161‬‬
‫وال مر في بطاقات الئتمان أد نى من ذلك‪ ،‬ف قد ي ستطيع الن سان أن يح يا‬
‫حياته بصورة طبيعية أو شبه طبيعية بدون بطاقات الئتمان‪ ،‬ولكنه ل يستطيع أن‬
‫يفعل ذلك بدون هاتف وكهرباء‪.‬‬
‫القول المختار ‪:‬‬
‫والذي يترجـح لدينـا انتفاء الحرج ع من غلب على ظنـه قدرتـه على الوفاء‬
‫في مدة السماح وبالتالي عدم الوقوع تحت طائلة هذا الشرط وبذل من السباب ما‬
‫يمكنه من ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬النسبة التي يقتطعها مصدر البطاقة من التاجر وتخريجها ‪:‬‬


‫فمن المعلوم من هذه البطاقات أن الجهة المصدرة لها ل تدفع للتاجر نفس‬
‫القي مة المثب تة في فواتير هم‪ ،‬وإن ما تقت طع من ها ن سبة يكون متفقا علي ها في الع قد‬
‫المبرم بينها وبين التاجر‪ ،‬فما التخريج الشرعي المناسب لهذه النسبة المقتطعة ؟‬
‫لقد اختلف الفقه المعاصر في تخريجه لهذه النسبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬تخريجها على أنها عمولة ‪:‬‬
‫فمن هم من خرج ها على أن ها عمولة مقا بل تح صيل الث من من العم يل‪ ،‬ول‬
‫بأس بأخذ أجر على تحصيل الدين أو توصيله‪.‬‬
‫‪ -2‬تخريجها على أنها مقابل الخدمات ‪:‬‬
‫ومنهـم مـن خرجهـا على أنهـا أجرة مقابـل الخدمات التـي يقوم بهـا البنـك‬
‫للتا جر كالدعا ية والعلن والتح صيل ونحوه‪ ،‬أو باعتبار ها أمور سمسرة فالب نك‬
‫قد جلب الزبائن للتاجر وأخذ أجرة مقابل ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬تخريجها على أنها مصالحة مع الدائن ‪:‬‬
‫ومنهم من اعتبرها من قبيل المصالحة مع الدائن بأقل من المبلغ الذي التزم‬
‫به المكفول باعتبار أن العل قة ب ين م صدر البطا قة وحامل ها عل قة كفالة‪ ،‬وم ثل‬
‫ذلك منصوص على جوازه عند الحناف‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ -4‬تخريجها على أنها ل تلحق بالربا ‪:‬‬
‫ومنهـم مـن رأى أنـه ل ترد على هذه النسـبة شبهـة الربـا ابتداءً لننـا أمام‬
‫خصم ولسنا أمام زيادة فليس فيها ما يلحقها بالربا‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫وأيا كان التخريج المختار فإن الفقه المعاصر مستقر على رفع الحرج عن‬
‫هذه النسـبة على أن تحدد هذه النسـبة لتكون مقابـل الخدمات المقدمـة للتاجـر‪،‬‬
‫والمتمثلة في تحصيل فواتير الشراء‪ ،‬وجذب العملء إليه‪ ،‬وتسهيل تعامله معهم‪،‬‬
‫ويمكن لمصدر البطاقة وبنك التاجر أن يتقاسما هذه العمولة‪ ،‬لشتراكهما في تقديم‬
‫الخدمة للتاجر(‪.)1‬‬
‫المجيزون لهذه النسبة ‪:‬‬
‫‪ -1‬الهيئة الشرعية لشركة الراجحي ‪:‬‬
‫و قد أجازت هذه العمولة الهيئة الشرع ية لشر كة الراج حي في فتوا ها ر قم‬
‫(‪ )47‬فقد قررت أنها " ل ترى مانعا من الحصول على نسبة من قيمة ما يشتريه‬
‫حا مل البطا قة‪ ،‬مادا مت هذه النسـبة تسـتقطع من ث من خد مة أو سـلعة‪ ،‬و قد تـم‬
‫التعارف على اسـتقطاعها مـن البائع لصـالح البنـك الذي أصـدر البطاقـة وشركـة‬
‫الفيزا العالمية "‪.‬‬
‫‪ -2‬الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي وللبنك السلمي الردني ‪:‬‬
‫ك ما ذ هب إلى الجواز أيضا الفتوى ال صادرة عن الهيئة الشرع ية ل كل من‬
‫بيـت التمويـل الكويتـي والبنـك السـلمي الردنـي‪ ،‬حيـث عدت " العمولة التـي‬
‫يأخذ ها البنك من التا جر المتعامل بالبطا قة أ جر وكالة على الو ساطة بين التا جر‬
‫وحامـل البطاقـة ومـا ينتـج بسـببها مـن‪ :‬ترويـج التعامـل معـه‪ ،‬وتأميـن الزبائن‬
‫وتح صيل الديون‪ ،‬ك ما أ نه ل يو جد أ ثر للضمان الذي يو جد في ب عض الحالت‪،‬‬
‫لن العمولة ل تزداد مقابله‪ ،‬ول ينظر للمبلغ المضمون "‪.‬‬

‫() البطاقات البنكية‪ ,‬ص ‪.228‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪163‬‬
‫‪ -5‬الغرامات التأخيرية والفوائد الربوية ‪:‬‬
‫يفرض مصدرو بطاقات الئتمان غرامات مالية على التأخير في السداد أو‬
‫تأج يل أو تق سيط الم سحوبات الم ستحقة على البطا قة‪ ،‬وهذه الغرامات من الربـا‬
‫ال صريح الذي ل يختلف ف يه ول يختلف عل يه‪ ،‬ف هو ر با الن سيئة الذي نزل القرآن‬
‫لتحريمه وآذن أصحابه بحرب من ال ورسوله‪.‬‬
‫كيف نعالج مشكلة التأخر عن السداد ؟‬
‫لقد سبق القول بأن الفوائد والغرامات التأخيرية على القروض هي صريح‬
‫الربـا الجاهلي المحرم‪ ،‬وأنـه ل سـبيل للمصـارف السـلمية إليهـا بحال مـن‬
‫الحوال‪ ،‬فكيف يمكن أن تعالج مشكلة التأخر عن السداد في الطار السلمي؟‬
‫الحلول المقترحة ‪:‬‬
‫تو جد ب عض الحلول البديلة من الفوائد الربو ية والغرامات التأخير ية نذ كر‬
‫منها‪:‬‬
‫إنظار المدين إذا كان معسرا‪ ،‬أو إلغاء العضوية وسحب البطاقة ثم اللجوء‬
‫إلى القضاء وتحميله مصروفات الخصومة‪ ،‬أو نشر اسم العميل في قائمة سوداء‬
‫تعمم على المصارف ردعا له وزجرا لمثاله‪...‬الخ(‪.)1‬‬

‫‪ -6‬هل يجوز شراء الذهب والفضة ببطاقات الئتمان ؟‬


‫الذهب والفضة ل يباعان إل مناجزة " يدا بيد " فالتقابض الفوري شرط في‬
‫صحة هذه المعاملة لقوله ‪ " :‬الذ هب بالذ هب والف ضة بالف ضة سواءً ب سواء يدا‬
‫بيد‪ ...‬فإذا اختلفت هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " (‪ )2‬فهل يجوز‬
‫شراء الذهب والفضة ببطاقات الئتمان ؟‬

‫() فقه النوازل‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الذهب بالذهب (‪ ،2/761 )2066‬ومسلم في المساقاة باب الصرف‬ ‫‪2‬‬

‫وبيع الذهب بالورق نقدا (‪.3/1211 )1583‬‬

‫‪164‬‬
‫أجمـع مجمـع الفقـه السـلمي بجواز شراء الذهـب والفضـة بالشيكات‬
‫المصدقة على أن يتم التقابض في المجلس‪ ،‬واعتبر تسليم الشيك المصدق بمثابة‬
‫الت سليم الفوري للمبلغ‪ ،‬ول ما كا نت ق سيمة الد فع تخول للتا جر الح صول الفوري‬
‫على المبلغ ع ند تقديم ها للب نك الذي يتعا مل به التا جر فإن ق بض الق سيمة يح قق‬
‫التقابض المنشود في بيع الذهب والفضة‪.‬‬
‫وعلى هذا فالبطا قة ال تي يتح قق في ها الق بض الفوري يم كن ا ستخدامها في‬
‫شراء الذهب والفضة‪ ،‬والتي ل يتحقق فيها ذلك ل يشرع استخدامها(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬الصرف في بطاقات الئتمان ‪:‬‬


‫الصـل فـي بطاقات الئتمان أنهـا بطاقات عالميـة وأن حاملهـا يسـتطيع‬
‫اسـتخدامها فـي أي دولة مـن الدول‪ ,‬فإذا قام بالسـحب بعملة أجنبيـة تختلف عـن‬
‫العملة التـي نـص العقـد على التحاسـب بهـا فإن مصـدر البطاقـة يسـدد بالعملة‬
‫الجنب ية ثم يرجع على عميله بالعملة المحل ية باستخدام سعر صرف ي نص عل يه‬
‫في التفاقية‪ ،‬فهل يجوز استيفاء الدين بعملة خلف العملة التي حدث بها ؟‬
‫ل يخفـى أن التقابـض الفوري شرط فـي صـحة الصـرف لقوله ‪ " :‬فإذا‬
‫اختل فت هذه ال صناف فبيعوا ك يف شئ تم إذا كان يدا ب يد " (‪ ،)2‬وتجوز الم صارف‬
‫على ما في الذمة إذا كان بالسعر الحاضر إذا تفرق الطرفان وليس بينهما شيء‪،‬‬
‫أي بشرط أل يبقى شيء في الذمة لحدهما‪.‬‬
‫والمصارفة على ما في الذمة قد تكون بين بدل في الذمة وبين حاضر‪ ,‬أو‬
‫ب ين بدل ين في الذ مة وت سمى في هذه الحالة " مقا صة أو تطارح الدين ين " فتكون‬

‫لبائع الذهب طريقان لتحصيل قيمة الذهب من العميل صاحب البطاقة‪:‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫استخدام الجهاز اللي " الدفع السريع " وذلك بتمرير البطاقة في هذا الجهاز الذي يقوم على الفور‬ ‫‪-1‬‬
‫بسلسلة من العمليات الفورية اللية التي تنتهي بتحويل قيمة هذه المبيعات إلى حساب التاجر‪.‬‬
‫استعمال الجهاز اليدوي ويستغرق قيامه بهذه العمليات وقتا ل يقل عن ثلثة أيام‪ ،‬كما أن تحويل المبلغ‬ ‫‪-2‬‬
‫إلى حساب التاجر مرهون بتقديمه لفواتير البيع إلى الجهة المصدرة للبطاقة‪.‬‬
‫سبق تخريج الحديث قريبا‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫‪165‬‬
‫المقا صة في حدود البدل ال صغر وي سدد البا قي بالعملة الخرى على أن يتفر قا‬
‫وليس بينهما شيء‪.‬‬
‫والصـل فـي ذلك حديـث ابـن عمـر ‪ " :‬كنـت أبيـع البـل بالبقيـع‪ ،‬فأبيـع‬
‫بالذهب وأقضي بالورق‪ ،‬أو أبيع بالورق وأقضي بالذهب‪ ،‬فسألت في ذلك رسول‬
‫ال فقال‪ " :‬ل بأس إذا كان بسعر يومكما إذا تفرقتما وليس بينكما شيء " (‪.)1‬‬
‫وعلى هذا فل بأس بهذه العمليـة على أن تتـم المحاسـبة على أسـاس سـعر‬
‫ال صرف يوم الت سوية أو المقا صة‪ ،‬أي‪ :‬يوم الخ صم من الح ساب الجاري لحا مل‬
‫البطاقة‪.‬‬

‫‪ -8‬عمولت السحب النقدي ‪:‬‬


‫من البطاقات ما يمكن العميل من السحب النقدي من حسابه لدى البنك‪ ،‬وقد‬
‫جرت عادة البنوك على احت ساب عمولة ل ها من هذه العمليات‪ ،‬ف ما مدى شرع ية‬
‫هذه العمولت ؟‬
‫ل قد اختلف الف قه المعا صر في حك مه على هذه العمولت بناء على اختل فه‬
‫في كونها مجرد سحب من حساب العميل أم إقراضا‪.‬‬

‫المجيزون ‪:‬‬
‫فمنهـم مـن يرى جواز هذه العمولت لنهـا ل تعدو أن تكون أجرا مقابـل‬
‫توصيل العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة وما يقتضيه ذلك‬
‫من نفقات ومصروفات‪ ،‬فهي أجر تحويل العمولت من بلد إلى بلد إل أنه تحويل‬
‫معكوس ح يث تقوم البنوك الوكيلة لشر كة البطا قة بد فع النقود أولً ثم ت سترد من‬
‫العميل ثانيا تحقيقا للفورية المطلوبة في هذه العملية‪ ،‬والجل المتخلل بين القبض‬

‫() أخرجه أبو داود في البيوع باب في اقتضاء الذهب من الورق (‪ ،3/250 )3354‬والترمذي في البيوع‬ ‫‪1‬‬

‫باب في الصرف (‪ ،3/544 )1242‬والنسائي (المجتبى) في البيوع باب بيع الفضة بالذهب (‪،7/281 )4582‬‬
‫وأحمد في مسنده (‪.2/139 )6239‬‬

‫‪166‬‬
‫والت سديد ل يس مق صودا في هذه العمل ية ول هو من صميمها‪ ،‬وهذا الذي أخذ به‬
‫بنك التمويل الكويتي والبنك السلمي الردني‪.‬‬
‫المانعون ‪:‬‬
‫ومن هم من يرى حر مة هذه العمولت لن عمل ية ال سحب ت عد إقراضا من‬
‫قبل جهة البطاقة أو البنك الوكيل لحامل البطاقة فما يؤخذ مقابلها يكون من الربا‬
‫المحرم‪ ،‬وهذا الذي أخذت به الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية‪.‬‬
‫الرأي الراجح ‪:‬‬
‫والذي يترجح هو التفرقة بين وضعين ‪:‬‬
‫‪-‬عندمـا تكون العمليـة سـحبا من ح ساب العميـل ف ما يؤ خذ مقابلهـا‬
‫يكون عمولة مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬وعندما تكون إقراضا له فما يؤخذ مقابلها يكون ربا محرما‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ول يخ فى أن الحر مة في هذه الحالة إن ما تتعلق بالج هة الم صدرة للبطا قة‬
‫وبين البنك الوكيل‪ ،‬أما العميل فهو في كل حالته يسحب من أمواله المودعة لدى‬
‫جهة البطاقة‪ ،‬والعمولة التي يتحملها إنما تكون مقابل ما تتجشمه هذه الجهة من‬
‫جهد وما تتكلفه من نفقة بمناسبة قيامها بهذا العمل‪ ،‬ول علقة لـه بما يدور بين‬
‫الجهة المصدرة وبين البنك الوكيل(‪.)1‬‬

‫() فقه النوازل‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪167‬‬
168
‫المبحث الخامس‬

‫التأمين التعاوني‬

‫أصبح التأمين في عصرنا من المعاملت المنتشرة في جميع مجالت الحياة‬


‫النسانية‪ :‬دخل عالم التجارة والصناعة والزراعة والنقل البري والبحري‬
‫والجوي‪ ،‬كما دخل حياة النسان الخاصة‪ :‬فصار النسان يؤمن على سيارته‬
‫وعلى بيته وعلى صحته وحياته وحتى ما بعد موته‪.‬‬

‫تعريف نظام التأمين ‪:‬‬


‫التأمين لغة‪ :‬من أمّن بمعنى اطمأن‪ ،‬يُقال أمنت الرجل أمنا وأمانا وأمانة‪:‬‬
‫اطمأن ولم يخف‪ ،‬وأمنه على الشيء جعله في ضمانه(‪.)1‬‬
‫أما اصطلحا فقد عرف الستاذ مصطفى الزرقاء نظام التأمين في نظر‬
‫علماء القانون بأنه‪ " :‬نظام تعاقدي يقوم على أساس المعاوضة‪ ،‬غايته التعاون‬
‫على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بواسطة هيئات منظمة تزاول عقوده‬
‫بصورة فنية على أسس وقواعد إحصائية " (‪.)2‬‬

‫‪ -1‬أهداف التأمين ووظائفه ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫يهدف التأمين إلى تحقيق عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪-1‬تحصين المجتمع من آثار المصائب والنكبات‪ :‬فبدلً أن يتحملها فرد‬
‫بعينه أو مجموعة بعينها‪ ،‬فإن أفراد المة جميعهم يهبّون لنصرة‬
‫المصاب وتخفيف أثر المصيبة عليه‪.‬‬

‫‪ )(1‬لسان العرب‪ :‬مادة أمن ‪ ،1/107‬المعجم الوسيط‪ :‬مادة أمن ‪.1/28‬‬


‫‪ )(2‬نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه‪ :‬مصطفى أحمد الزرقاء‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ )(3‬المعاملت المالية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬ص ‪.93‬‬

‫‪169‬‬
‫‪-2‬وهذا من شأنه تحقيق التحابب والتواد والخوة وتماسك المجتمع‪.‬‬
‫‪-3‬تحقيق طمأنينة النفس والسعادة في الدنيا‪ :‬فحينما يشعر الفرد أن كل‬
‫حاجاته مؤمنة في حالت الطوارئ ترتاح نفسه ويطمئن على حياته‪.‬‬
‫‪-4‬توفير الموال وادخارها‪ ،‬فالمشترك في نظام من نظم التأمين يدفع‬
‫ل جدا يكون ذا أثر كبير عند وقوع الخطر‪.‬‬ ‫قسطا شهريا قلي ً‬
‫‪-5‬والنسان في حاجة إلى التأمين لنه محاط بالخطار وهو يعاني منها‬
‫ويتحمل أعباء جسيمة وإن الخوف من هذه المخاطر – كغرق البواخر‬
‫في البحر – يوقف كثيرا من رجال العمال عن بعض الفعاليات‬
‫القتصادية التي كان بإمكانها أن تنفع البلد والعباد‪ ،‬وإن وقوع هذه‬
‫المخاطر يسبب كوارث اقتصادية واجتماعية كحريق مصنع وموت‬
‫(‪)1‬‬
‫عامل وهو يعيل أسرة‪...‬‬

‫‪ -2‬نشأة التأمين ‪:‬‬


‫عقد التأمين بتنظيمه الحديث غربي المنشأ‪ ،‬حديث النشأة لم يكن معروفا‬
‫منذ القدم‪ ،‬ويذكر علماء القانون أن أول ظهوره كان في القرن الرابع عشر‬
‫الميلدي في إيطاليا حيث وجد بعض الشخاص الذين يتعهدون بتحمل الخطار‬
‫البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين‪ ،‬ثم ظهر بعده‬
‫التأمين على الحياة في بريطانيا عام ‪1583‬م‪ ،‬أما التأمين على النقل البري فقد‬
‫تأخر تنظيمه القانوني حتى القرن العشرين‪ ،‬حيث جاء القانون الفرنسي المؤرخ‬
‫في ‪13/7/1930‬م منظما لحكامه تنظيما شاملً مما جعله قانونا رائدا في هذا‬
‫الموضوع(‪.)2‬‬

‫() المعاملت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة‪ :‬أ‪.‬د محمد رواس قلعه جي‪ ،‬ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فقه العقود المالية‪ :‬د‪ .‬عبد الحق حميش ود‪ .‬الحسين شواط ص ‪ ،126‬المعاملت المالية المعاصرة في‬ ‫‪2‬‬

‫ضوء الفقه والشريعة ص ‪.150‬‬

‫‪170‬‬
‫ويعد العلمة محمد أمين الشهير بابن عابدين (‪1252‬هـ) أول من تكلم‬
‫عن التأمين وسماه " السوكرة " وأفتى بحرمة التأمين البحري(‪.)3‬‬
‫‪ -3‬أنواع التأمين ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬التأمين التعاوني‪ :‬بحيث يجتمع مجموعة من الشخاص‬
‫المعرضين للخطر المشابه ويدفع كل منهم اشتراكا معينا وتصرف هذه‬
‫الشتراكات لداء التعويض لمن يُصيبه الضرر‪ ،‬وإذا زادت الشتراكات على ما‬
‫صرف من تعويض كان للعضاء حق استردادها‪ ،‬وإن نقصت طولب العضاء‬
‫باشتراك إضافي لتغطية العجز وأعضاء شركة التأمين التعاوني ل يسعون إلى‬
‫تحقيق الرباح ولكن يسعون إلى تخفيف الخسائر وتحمل المصائب وتدار الشركة‬
‫بواسطة أعضائها فكل واحد يكون مؤمنا ومؤمنا لـه (وهذا النوع قليل التطبيق‬
‫اليوم)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التأمين بقسط ثابت‪ :‬وهو أن يلتزم المؤمن لـه بدفع قسط محدد‬
‫إلى المؤمن وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين غير المؤمن لهم‬
‫وهؤلء هم الذين يستفيدون من أرباح الشركة (وهذا النوع هو السائد الن)‪.‬‬
‫الفرق بين النوعين‪ :‬أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن‬
‫المؤمن لهم ول يسعى أعضاؤه إلى تحقيق الربح وإنما يسعون إلى تخفيف‬
‫الخسائر التي تلحق ببعض العضاء‪ ،‬فالغرض اجتماعي إنساني‪.‬‬
‫أما التأمين بقسط ثابت فيتوله المؤمن (الشركة المساهمة) الذي يهدف إلى‬
‫تحقيق الربح على حساب المشتركين المؤمن لهم‪.‬‬
‫وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ )(3‬رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين) ‪.4/170‬‬


‫‪ )(2‬انظر كتابنا‪ :‬فقه العقود المالية‪ ،‬ص ‪.128 – 126‬‬

‫‪171‬‬
‫أحدهما‪ :‬تأمين الضرار‪ :‬وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في مال أو ذمة‬
‫المؤمن لـه والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث‬
‫وهو ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪-1‬تأمين على الشياء‪ :‬تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في‬
‫ماله مثل‪ :‬التأمين على الحريق‪ ،‬والسرقة والغرق‪ ،‬وموت الحيوانات‪،‬‬
‫وسقوط الطائرات‪.‬‬
‫‪-2‬التأمين من المسؤولية‪ :‬ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد‬
‫يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابهم بسببه‪ :‬حوادث‬
‫السيارات‪ ،‬حوادث العمل‪...‬‬
‫الثا ني‪ :‬تأم ين الشخاص‪ :‬و هو يتناول كل أنواع التأم ين المتعل قة بش خص‬
‫المؤمن لـه ويقصد به دفع مبلغ معين إذا وقع خطر معين للنسان في وجوده أو‬
‫سلمته ويشمل تأمين الشخاص نوعين أساسين‪:‬‬
‫أ‪ -‬التأمين لحال الوفاة‪ :‬وهو أن يتعهد المؤمن في مقابل أقساط أن يدفع مبلغا‬
‫معينا عند وفاة المؤمن عليه لورثته أو لي شخص آخر‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ب‪ -‬التأمين لحال البقاء ويسمى التأمين المضاد‪ :‬وهو التزام من المؤمن‬
‫بدفع مبلغ من المال إلى المؤمن له إذا ظل حيا في تاريخ معين وإذا مات‬
‫قبل التاريخ المحدد لها يدفع المؤمن شيئا مع احتفاظه بالقساط‪.‬‬
‫ج‪ -‬التأمين المختلط والذي يجمع بين النوعين السابقين‪ :‬حيث يلتزم فيه‬
‫المؤمن بأداء المبلغ المؤمن به إما في تاريخ معين للمؤمن لـه نفسه إذا‬
‫ظل حيا في هذا التاريخ‪ ،‬وإما إلى المستفيد المعين أو إلى ورثة المؤمن له‬
‫إذا مات قبل ذلك التاريخ ويكون القسط في هذا النوع أكبر منه في‬
‫النوعين السابقين‪.‬‬
‫د‪ -‬التأمين من الحوادث الجسمانية‪ :‬ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ معين‬
‫إلى المؤمن لـه إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني أو‬
‫إلى المستفيد المعين إذا مات المؤمن له من الحادث‪.‬‬
‫وينقسم التأمين إلى‪:‬‬
‫‪-1‬تأمين خاص‪ :‬وهو ما عقد المؤمن لـه ليؤمن عن نفسه من خطر‬
‫معين ويكون الدافع إلى هذا التأمين الصالح الشخصي‪.‬‬
‫‪-2‬تأمين اجتماعي‪ :‬وهو ما كان الغرض منه تأمين الشخاص – الذين‬
‫يعتمدون في معايشهم على كسب عملهم – من بعض الخطار التي‬
‫يتعرضون لها فتعجزهم أو تعطلهم عن العمل كالمرض والشيخوخة‬
‫والعجز‪...‬‬

‫‪ -4‬حكم التأمين التجاري (التأمين بقسط ثابت) ‪:‬‬


‫فإن مجمع الفقه السلمي قد نظر في موضوع التأمين بأنواعه المختلفة‬
‫بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضا على ما‬
‫قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة‬
‫المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ ‪4/4/1397‬هـ من التحريم للتأمين بأنواعه‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرّر المجلس بالكثرية تحريم‬
‫التأمين بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك من‬
‫الموال‪.‬‬
‫كما قرر مجلس المجمع بالجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار‬
‫العلماء من جواز التأمين التعاوني بدلً من التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه‬
‫آنفا وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة‪.‬‬
‫تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين ‪:‬‬
‫بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الربعاء ‪ 14‬شعبان‬
‫‪1398‬هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة العلماء الشيخ عبد العزيز‬
‫بن عبدال بن باز‪ ،‬والشيخ محمد محمود الصواف‪ ،‬والشيخ محمد بن عبدال‬
‫السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله‪.‬‬
‫وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي‪:‬‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى‬
‫بهداه‪ ..‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن المجمع الفقهي السلمي في دورته الولى المنعقدة في ‪ 10‬شعبان‬
‫‪1398‬هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم السلمي نظر في موضوع التأمين‬
‫بأنواعه بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضا على‬
‫ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته‬
‫العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ ‪4/4/1397‬هـ بقراره رقم (‪ )55‬من التحريم‬
‫للتأمين التجاري بأنواعه‪.‬‬
‫وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي‬
‫بالجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه‬
‫سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للدلة التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الحتمالية‬
‫المشتملة على الغرر الفاحش‪ ،‬لن المستأمن ل يستطيع أن يعرف وقت العقد‬

‫‪174‬‬
‫مقدار ما يعطي أو يأخذ‪ ،‬فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما‬
‫التزم به المؤمن‪ ،‬وقد ل تقع الكارثة أصلً فيدفع جميع القساط ول يأخذ شيئا‪،‬‬
‫وكذلك المؤمن ل يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده‪ ،‬وقد‬
‫ورد في الحديث الصحيح عن النبي النهي عن بيع الغرر(‪.)1‬‬
‫الثاني‪ :‬عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة (الميسر)‪ ،‬لما‬
‫فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بل جناية أو تسبب فيها ومن‬
‫الغنم بل مقابل أو مقابل غير مكافئ‪ ،‬فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين ثم‬
‫يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين‪ ،‬وقد ل يقع الخطر ومع ذلك يغنم‬
‫المؤمن أقساط التأمين بل مقابل‪ ،‬وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارا ودخل في‬
‫عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر‬
‫والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ‪[ ‬المائدة‪:‬‬
‫‪.]91‬‬
‫الثالث‪ :‬عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة‪ ,‬فإن الشركة‬
‫إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا‬
‫فضل‪ ،‬والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة يكون ربا النسيئة‪ ،‬وإذا دفعت‬
‫الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا النسيئة فقط‪ ،‬وكلهما محرم بالنص‬
‫والجماع(‪.)2‬‬
‫الرابع‪ :‬عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم‪ ،‬لن كل منهما فيه جهالة‬
‫وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إل ما فيه نصرة للسلم وظهور‬
‫لعلمه بالحجة والسنان‪ ،‬وقد حصر النبي رخصة الرهان بعوض في ثلثة‬

‫‪ )( 1‬أخرجه مسلم في البيوع باب بطلن بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر (‪ ،3/1153 )1513‬وأبو داود في‬
‫البيوع باب في بيع الغرر (‪ ،3/254 )3376‬ومالك في موطئه في كتاب البيوع باب بيع الغرر (‪)1345‬‬
‫‪ ،2/664‬وأحمد (‪.2/376 )8871‬‬
‫‪ )(2‬المغني ‪ ،4/127‬مغني المحتاج ‪ ،2/21‬تبيين الحقائق ‪ ،4/3‬الثمر الداني ‪.1/495‬‬

‫‪175‬‬
‫بقوله ‪ " :‬ل سبق إل في خف أو حافر أو نصل " (‪ ,)3‬وليس التأمين من ذلك ول‬
‫شبيها به فكان محرما‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بل مقابل‪ ،‬وأخذ بل‬
‫مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله‬
‫تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن‬
‫تراض منكم ‪[ ‬النساء‪.]29 :‬‬
‫السادس‪ :‬في عقد التأمين التجاري اللزام بما ل يلزم شرعا‪ ،‬فإن المؤمن‬
‫لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه‪ ،‬وإنما كان منه مجرد التعاقد مع‬
‫المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن لـه‪،‬‬
‫ل للمستأمن فكان حراما‪.‬‬
‫والمؤمن لم يبذل عم ً‬
‫وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقا أو في بعض أنواعه‬
‫فالجواب عنه ما يلي‪:‬‬
‫(أ) الستدلل بالستصلح غير صحيح‪ ،‬فإن المصالح في الشريعة‬
‫السلمية ثلثة أقسام‪ :‬قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة‪ ،‬وقسم سكت عنه‬
‫الشرع فلم يشهد لـه بإلغاء ول اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد‬
‫المجتهدين‪ ،‬والقسم الثالث‪ :‬ما شهد الشرع بإلغائه‪ ،‬وعقود التأمين التجاري فيها‬
‫جهالة وغرر وقمار وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة‬
‫فيه على جانب المصلحة‪.‬‬
‫(ب) الباحة الصلية ل تصلح دليلً هنا‪ ،‬لن عقود التأمين التجاري قامت‬
‫الدلة على مناقضتها لدلة الكتاب والسنة‪ ،‬والعمل بالباحة الصلية مشروط بعدم‬
‫الناقل عنها وقد وجد فبطل الستدلل بها‪.‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الجهاد باب المسابقة (‪ ،1/395 )1638‬وابن ماجه في الجهاد باب السبق والرهان‬ ‫‪3‬‬

‫(‪ ،2/960 )2878‬والنسائي في الخيل باب السبق (‪ ،6/227 )3589‬وصححه ابن القطان وابن دقيق العين‬
‫(تلخيص الحبير ‪)4/161‬‬

‫‪176‬‬
‫(ج) الضرورات تبيح المحظورات ل يصح الستدلل به هنا‪ ،‬فإن ما أباحه‬
‫ال من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافا مضاعفة مما حرمه عليهم‪ ،‬فليس هناك‬
‫ضرورة معتبرة شرعا تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين‪.‬‬
‫(د) ل يصح الستدلل بالعرف‪ ،‬فإن العرف ليس من أدلة تشريع الحكام‬
‫وإنما يبنى عليه في تطبيق الحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات‬
‫الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه‬
‫من الفعال والقوال فل تأثير لـه فيما تبين أمره وتعين المقصود منه‪ ،‬وقد دلت‬
‫الدلة دللة واضحة على منع التأمين فل اعتبار به معها‪.‬‬
‫(هـ) الستدلل بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في‬
‫معناه غير صحيح‪ :‬فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه وما‬
‫يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به‬
‫نظام التأمين‪ ،‬وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته‪ ،‬وفي‬
‫التأمين قد يستحق الورثة نظاما مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إل قسطا واحدا‪،‬‬
‫وقد ل يستحقون شيئا إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته‪ ،‬وأن الربح في‬
‫المضاربة يكون بين الشريكين نسبا مئوية مثلً بخلف التأمين فربح رأس المال‬
‫وخسارته للشركة وليس للمستأمن إل مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد‪.‬‬
‫(و) قياس عقود التأمين على ولء الموالة عند من يقول به غير صحيح‪،‬‬
‫فإنه قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق بينهما‪ :‬أن عقود التأمين هدفها الربح المادي‬
‫المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخلف عقد ولء الموالة فالقصد الول‬
‫فيه التآخي في السلم والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الحوال وما‬
‫يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع‪.‬‬
‫(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به ل‬
‫يصح‪ ،‬لنه قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل‬
‫خسارة مثلً من باب المعروف المحض‪ ،‬فكان الوفاء به واجبا أو من مكارم‬

‫‪177‬‬
‫الخلق‪ ،‬بخلف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي فل‬
‫يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر‪.‬‬
‫(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب‬
‫قياس غير صحيح‪ ،‬لنه قياس مع الفارق أيضا‪ ،‬ومن الفروق أن الضمان نوع‬
‫من التبرع يقصد به الحسان المحض بخلف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية‬
‫يقصد منها أولً الكسب المادي فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود‬
‫إليه والحكام يراعى فيها الصل ل التابع ما دام تابعا غير مقصود إليه‪.‬‬
‫(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق ل يصح‪ ،‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله‪.‬‬
‫(ي) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح‪ ،‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق أيضا لن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي المر باعتباره‬
‫مسؤولً عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة المة ووضع‬
‫له نظاما راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف‪ ،‬ونظر إلى مظنة الحاجة‬
‫فيهم‪ ،‬فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها‪ ،‬وعلى‬
‫هذا ل شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي‬
‫يقصدها بها استغلل الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير‬
‫مشروعة‪ ،‬لن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقا التزم به من حكومات‬
‫مسؤولة عن رعيتها وتصرفها لمن قام بخدمة المة كفاء لمعروفه وتعاونا معه‬
‫جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها‬
‫بالمة‪.‬‬
‫(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة ل يصح‪ :‬فإنه‬
‫قياس مع الفارق‪ ،‬ومن الفروق أن الصل في تحمل العاقلة لديه الخطأ وشبه‬
‫العمد ما بينها وبين القاتل خطأ أو شبه العمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى‬
‫النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ولو دون مقابل‪ ،‬وعقود التأمين‬
‫التجارية استغللية تقوم على معاوضات مالية محضة ل تمت إلى عاطفة‬
‫الحسان وبواعث المعروف بصلة‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح‪ :‬لنه‬
‫قياس مع الفارق أيضا‪ ،‬ومن الفروق أن المان ليس محلً للعقد في المسألتين‪،‬‬
‫وإنما محله في التأمين القساط ومبلغ التأمين‪ ،‬وفي الحراسة الجرة وعمل‬
‫الحارس‪ ،‬أما المان فغاية ونتيجة وإل لما استحق الحارس الجرة عند ضياع‬
‫المحروس‪.‬‬
‫(م) قياس التأمين على اليداع ل يصح‪ :‬لنه قياس مع الفارق أيضا‪ ،‬فإن‬
‫الجرة في اليداع عوض عن قيام المين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلف‬
‫التأمين‪ ،‬فإن ما يدفعه المستأمن ل يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن‬
‫بمنفعة وإنما هو ضمان المن والطمأنينة‪ ،‬وشرط العوض عن الضمان ل يصح‬
‫بل هو مفسد للعقد‪ ،‬وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة القساط كان معاوضة‬
‫تجارية جعل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف في عقد اليداع بأجر‪.‬‬
‫(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة ل يصح‪،‬‬
‫والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض والمقيس‬
‫تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فل يصح القياس‪.‬‬

‫‪ -5‬حكم التأمين التعاوني ‪:‬‬


‫كما قرر مجلس المجمع بالجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار‬
‫العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (‪ )51‬وتاريخ ‪4/4/1397‬هـ من جواز‬
‫التأمين التعاوني بدلً عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفا للدلة التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون‬
‫على تفتيت الخطار والشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث‪ ،‬وذلك‬
‫عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر‪،‬‬
‫فجماعة التأمين التعاوني ل يستهدفون تجارة ول ربحا من أموال غيرهم‪ ،‬وإنما‬
‫يقصدون توزيع الخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫الثاني‪ :‬خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه‪ :‬ربا الفضل وربا النسيئة‪,‬‬
‫فليس عقود المساهمين ربوية ول يستغلون ما جمع من القساط في معاملت‬
‫ربوية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إنه ل يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود‬
‫عليهم من النفع‪ ،‬لنهم متبرعون فل مخاطرة ول غرر ول مقامرة بخلف‬
‫التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من‬
‫القساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك‬
‫تبرعا أو مقابل أجر معين‪.‬‬
‫ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية‬
‫مختلطة للمور التية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬اللتزام بالفكر القتصادي السلمي الذي يترك للفراد مسؤولية‬
‫القيام بمختلف المشروعات القتصادية ول يأتي دور الدولة إل كعنصر مكمل لما‬
‫عجز الفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات‬
‫وسلمة عملياتها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اللتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون‬
‫بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسؤولية إدارة‬
‫المشروع‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تدريب الهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإيجاد المبادرات‬
‫الفردية والستفادة من البواعث الشخصية‪ ،‬فل شك أن مشاركة الهالي في‬
‫الدارة تجعلهم أكثر حرصا ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون‬
‫مجتمعين تكلفة تعويضها مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين‬
‫التعاوني‪ ،‬إذا أن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل‪ ،‬كما أن‬
‫وقوعها قد يحملهم أقساطا أكبر في المستقبل‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫رابعا‪ :‬إن صورة الشركة المختلطة ل تجعل التأمين كما لو كان هبة أو‬
‫منحة من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم‬
‫باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية‪ ،‬وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه‬
‫المتعاونون بدور الدولة ول يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية‪.‬‬
‫ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين‬
‫التعاوني على السس التية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز لـه فروع في كافة المدن‪،‬‬
‫وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الخطار المراد تغطيتها وبحسب‬
‫مختلف فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي‪ ،‬وثانٍ‬
‫للتأمين ضد العجز والشيخوخة ‪ ...‬الخ‪ ،‬أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة‬
‫المتجولين‪ ،‬وآخر للتجار‪ ،‬وثالث للطلبة‪ ،‬ورابع لصحاب المهن الحرة‬
‫كالمهندسين والطباء والمحامين‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة‬
‫والبعد عن الساليب المعقدة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل ويقترح ما‬
‫يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬يمثل الحكومة في هذا المجلس تختاره من العضاء ويمثل‬
‫المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف‬
‫الحكومة عليها واطمئنانها على سلمة سيرها وحفظها من التلعب والفشل‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة‬
‫القساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة‪.‬‬
‫ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره‬
‫المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من‬
‫الخبراء المختصين في هذا الشأن‪.‬‬
‫وال ولي التوفيق‪ ،‬وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه‪.‬‬
‫توقيع نائب الرئيس‬ ‫توقيع الرئيس‬
‫محمد علي الحركان‬ ‫عبـدال بن حميـد‬

‫‪181‬‬
‫المين العام لرابطة العالم السلمي‬ ‫رئيس مجلس القضاء العلى في السعودية‬

‫العضاء‪ :‬عبد العزيز بن باز ‪ /‬محمد محمود صواف ‪ /‬محمد بن صالح‬


‫بن عثيمين ‪ /‬مصطفى الزرقاء ‪ /‬محمد بن عبدال السبيل ‪ /‬محمد رشيد قباني ‪/‬‬
‫أبوبكر جومي ‪ /‬محمد رشيدي ‪ /‬عبد القدوس الهاشمي الندوي‪.‬‬

‫‪ -6‬حكم اللزام بالتأمين التعاوني‪:‬‬


‫أما إلزام الناس به فحرام‪ ،‬ومن الستيلء على مال الغير بغير حق‪ ،‬وهو‬
‫ظلم وعدوان ويدل عليه‪ :‬أ‪ -‬ما روى ابن عباس – رضي ال عنهما – أن رسول‬
‫ال خطب الناس يوم النحر فقال‪ " :‬يا أيها الناس فإن دماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا " ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ب‪ -‬ولحديث عمرو بن يثربي قال شهدت رسول ال في حجة الوداع بمنى‪،‬‬
‫فسمعته يقول " ل يحل لمرئ من مال أخيه شيء إل ما طابت به نفسه " (‪.)2‬‬
‫وعن أبي حميد الساعدي أن رسول ال قال‪ " :‬ل يحل لمرئ أن يأخذ عصا‬
‫أخيه بغير طيب نفسه‪ ،‬وذلك لشدة ما حرم ال عزوجل مال المسلم على‬
‫المسلم "(‪ .)3‬قال ابن حزم في مراتب الجماع في باب الغصب‪ :‬واتفقوا أن أخذ‬
‫أموال الناس كلها ظلما ل يحل(‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬أخرجه البخاري في الحج باب الخطبة أيام منى (‪.2/619 )1652‬‬


‫‪ )( 2‬أخرجه المام أحمد (‪ ,5/113 )21119‬والدار قطني في البيوع (‪ ,3/25 )89‬والبيهقي (‪6/97 )11306‬‬
‫وإسناده جيد (نصب الراية ‪.)4/169‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه البيهقي (‪ ،6/100 )11322‬وابن حبان في صحيحه (‪ ،13/316 )5978‬وأحمد (‪)23654‬‬
‫‪ ،5/425‬والبزار (‪ 9/167 )3717‬ورجال الجميع رجال الصحيح ( مجمع الزوائد ‪.)4/171‬‬
‫‪ )(4‬مراتب الجماع ‪.1/59‬‬

‫‪182‬‬
‫المبحث السادس‬

‫زواج المسيار‬

‫من الم سائل الم ستجدة في هذا الع صر " زواج الم سيار " الذي انت شر في‬
‫بعض بلد المسلمين‪ ،‬وسأتناول هذه القضية في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪183‬‬
‫‪-1‬تعريف زواج المسيار لغة واصطلحا‪.‬‬
‫‪-2‬نشأة زواج المسيار‪.‬‬
‫‪-3‬الفرق بينه وبين النكحة الخرى‪.‬‬
‫‪-4‬أسباب ظهور زواج المسيار‪.‬‬
‫‪-5‬موقف الفقه من زواج المسيار (أقوال العلماء في زواج المسيار)‪.‬‬

‫‪ –1‬تعريف زواج المسيار ‪:‬‬


‫لغة‪ :‬السير في لغة العرب‪ :‬المضي في الرض ‪ ،‬تقول العرب‪ :‬سار‬
‫(‪)1‬‬

‫الرجل يسير سيرا ومسيرا إذا ذهب‪ ،‬وسار القوم يسيرون سيرا ومسيرا إذا امتد‬
‫بهم السير في جهة توجهوا إليها(‪.)2‬‬
‫والمسيار‪ :‬صيغة مبالغة يوصف بها الرجل الكثير السير(‪.)3‬‬
‫اصطلحا‪ :‬ليس لهذا الزواج أصل في الفقه‪ ،‬فهو مأخوذ من الواقع‪،‬‬
‫والفقهاء القدامى لم يتطرقوا إليه‪.‬‬
‫ومن أشهر من عرف هذا الزواج اصطلحا الشيخ يوسف القرضاوي حيث‬
‫قال في تعريفه اصطلحا‪ " :‬أنه زواج شرعي يتميز عن الزواج العادي بتنازل‬
‫الزوجة فيه عن بعض حقوقها على الزوج‪ :‬مثل أل تطالبه بالنفقة‪ ،‬والمبيت الليلي‬
‫إن كان متزوجا‪.)4( "...‬‬
‫فيلحظ على هذا الزواج أنه نوع من أنواع تعدد الزوجات‪ ،‬وأنه زواج‬
‫مستكمل لجميع الركان والشروط‪ ،‬وفيه اتفاق بين الزوجين على أل يكون‬
‫للزوجة حق المبيت أو القسم وإنما المر راجع للزوج متى رغب زيارة زوجته‬
‫في أي وقت فله ذلك‪ ،‬كما أن الزوجة ل تطالبه بالنفقة لغناها واكتفائها‪.‬‬
‫العلقة بين التعريف اللغوي والتعريف الصطلحي ‪:‬‬

‫المفردات في غريب القرآن‪ :‬الصفهاني‪ ،‬ص ‪.247‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫لسان العرب‪ :‬ابن منظور مادة سير ‪.2/252‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ :‬أسامة عمر سليمان الشقر‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫حلقة " الشريعة والحياة "‪3/5/1998 :‬م ( ‪) http://www.aljazeera.net‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪184‬‬
‫سمي هذا النوع من الزواج بزواج المسيار لن المتزوج ل يلتزم بالحقوق‬
‫الزوجية التي يلزمه بها الشرع‪ :‬فكأنه زواج السائر الماشي الذي يتخفف في‬
‫سيره من الثقال والمتاع‪ ،‬ولعدم التزامه بالحقوق التي يقتضيها الزواج من النفقة‬
‫والمبيت ل زواج المقيم الذي يشبه الملتزم بكل مقتضيات الزواج(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬نشأة زواج المسيار‪:‬‬


‫لم يمض وقت طويل على نشأة وظهور هذا النوع من الزواج بهذه‬
‫الصورة فقد عرف هذا الزواج بهذا السم منذ عدة سنوات‪ ،‬وقد ظهر لول مرة‬
‫في منطقة القصيم بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ثم انتشر هناك بالمنطقة الوسطى‬
‫ويبدو أن الذي ابتدع الفكرة وسيط زواج يدعى " فهد الغنيم " وقد لجأ إليه لتزويج‬
‫النسوة اللتي فاتهن قطار الزواج الطبيعي‪ ،‬أو المطلقات اللتي أخفقن في زواج‬
‫سابق‪ ،‬ولكن يبدو أن هذا الزواج كان له صورة مشابهة منذ عشرات السنين‪.‬‬
‫وقيل بأن زواج المسيار كلمة اخترعتها جريدة " المسلمون " بخصوص‬
‫زواج الطباء‪ :‬أنهم يتزوجون بشرط أن تتنازل المرأة عن حقوقها فل يأتيها‬
‫ل هذا وقد أنكر الطباء ذلك!!‬
‫الزوج إل لي ً‬
‫في العصر الحاضر صاحب هذا الزواج إشاعة الناس لـه وخلطوه ببعض‬
‫النكحة الخرى كالنكاح السري والعرفي والمتعة والزواج بنية الطلق وما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬بل وضعوا لـه عدة تعريفات من عندهم وعلى حسب أهوائهم‪ ،‬وذلك إما‬
‫لجهلهم به وإما لخذ السمسرة عليه‪.‬‬
‫وعلى هذا يتضح أن هذا الزواج كان حديثا في السم إل أنه قديم بالفعل‪،‬‬
‫فإن له صورا قد تكون مشابهة في الزمن الماضي‪.‬‬

‫‪ -3‬الفرق بين زواج المسيار وبعض النكحة الخرى ‪:‬‬


‫الفرق بين زواج المسيار وبين النكاح الشرعي‪:‬‬

‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.162 – 161‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪185‬‬
‫بناء على تعريفنا السابق لنكاح المسيار نتبين أن الفرق بينه وبين الزواج‬
‫الشرعي هو وجود شرط يقتضي بإسقاط حق النفقة والسكن للزوجة‪ ،‬كما أن‬
‫طبيعته تقتضي بعدم وجود قوامة من الزوج على المرأة‪ :‬فهي تتصرف في‬
‫حياتها إقامة في منزلها وخروجا منه وفق رأيها(‪.)1‬‬
‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح السر‪:‬‬
‫نكاح السر نوعان‪ :‬نوع باطل بإجماع المة‪ ،‬وهو النكاح الذي ل شهود فيه‬
‫ول إعلن‪ ،‬والنوع الثاني هو الذي فيه إيجاب وقبول ويشهد عليه شاهدان‪ ،‬وقد‬
‫يكون فيه ولي‪ ،‬ولكن يتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم‬
‫إعلنه ويثبت في هذا النوع من الزواج حقي النفقة والمبيت‪ ،‬ول يسقطا كما هو‬
‫الحال في زواج المسيار‪ ،‬وهذا الزواج مختلف فيه‪ ،‬كما سبق بيانه‪.‬‬
‫فإن كان زواج المسيار من النوع الول فهو باطل جزما‪ ،‬وإن كان من‬
‫النوع الثاني فإنه يضاف إلى العيوب التي يتصف بها‪ ،‬عيب آخر وهو السرية‬
‫والكتمان‪ ،‬وهذا مما يزيد في سلبياته(‪.)2‬‬
‫وسنبيّن حكم زواج المسيار لحقا‪ ،‬خاصة إذا ما انضاف له عيب آخر وهو‬
‫السرية والكتمان‪.‬‬

‫الفرق بين زواج المسيار ونكاح المتعة‪:‬‬


‫نكاح المتعة هو‪ :‬أن يتزوج الرجل المرأة إلى مدة(‪ ،)3‬سمي بذلك لنه‬
‫يتزوجها ليتمتع بها إلى أمد(‪.)4‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.165‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الفروع ‪.5/164‬‬ ‫‪3‬‬

‫()كشاف القناع ‪.5/96‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪186‬‬
‫وهو منهي عنه‪ :‬لما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي أنه حدث‬
‫أن رسول ال نهى عنه في حجة الوداع(‪.)5‬‬
‫أما زواج المسيار فليس كذلك‪ :‬فهو غير مؤقت إلى أمد‪ ,‬ولم يرد فيه نص‬
‫بالتحليل أو التحليل‪.‬‬

‫‪ -4‬أسباب ظهور زواج المسيار ‪:‬‬


‫أولً‪ :‬أسباب تتعلق بالنساء ومنها‪:‬‬
‫‪-1‬عنوسة المرأة أو طلقها أو ترملها‪ :‬بحيث وجد عدد كبير من النساء‬
‫في المجتمعات السلمية ‪ -‬وخاصة الخليجية – بلغن سن الزواج ولم‬
‫يتزوجن بعد‪ ،‬أو تزوجن وفارقن الزواج لموت أو طلق ونحو ذلك‪،‬‬
‫ولقد أصبحت العنوسة ظاهرة اجتماعية مؤرقة أفرزتها الحياة‬
‫المعاصرة‪ ،‬والنفس البشرية‪ :‬يساورها القلق عندما تمكث المرأة من‬
‫دون زواج‪ ،‬مما يدفع المرأة أو وليها إلى تقديم تنازلت من أجل‬
‫الحصول على زوج يعف المرأة ويكون لها منه الولد تستأنس به بإذن‬
‫ال‪.‬‬
‫‪-2‬رفض كثير من النساء لفكرة التعدد‪ :‬حيث إن كثيرا من النساء ل يقبلن‬
‫بالتعدد‪ ،‬مع تسليمهن بأن هذا هو شرع ال – عزوجل – إل أمر الغيرة‬
‫الطبيعية لدى المرأة تجعلها ل تقبل به كواقع عملي‪ ،‬وهذا الرفض أدى‬
‫إلى زيادة نسبة العنوسة‪ ،‬وكذلك أدى هذا الرفض إلى لجوء الرجال إلى‬
‫الزواج عن طريق المسيار بدافع الحرص على عدم علم الزوجة‬
‫الولى‪ ،‬وكذلك الخوف على كيان أسرته من الهتزاز‪.‬‬
‫‪-3‬حاجة بعض النساء إلى المكث في بيت أهلها لرعاية أبويها‪ ،‬فربما ل‬
‫يوجد عائل لهما إل هي أو يكون عندها بعض العاقة التي تمنعها من‬

‫() أخرجه أبو داود في النكاح باب في نكاح المتعة (‪ ،2/226 )2072‬وابن ماجة في النكاح باب النهي عن‬ ‫‪5‬‬

‫نكاح المتعة (‪ ،1/631 )1962‬والمام أحمد في مسنده ( ‪.3/404 )15374‬‬

‫‪187‬‬
‫تحمل مسؤولية البيت‪ ،‬ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على‬
‫الذرية ول يكلفون الزوج شيئا‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أسباب تتعلق بالرجال‪:‬‬


‫‪-1‬رغبة بعض الرجال في المتعة‪ :‬يرغب بعض الرجال في التعدد من‬
‫أجل المتعة التي ربما ل يجدها مع زوجته الولى وهذا حق مشروع‬
‫ولكن خوفهم من علمها‪ ،‬وحرصا على شعورها وعلى كيان السرة‪،‬‬
‫أدى إلى ظهور هذا النوع من الزواج‪.‬‬
‫‪-2‬عدم رغبة الرجال في تحمل المزيد من العباء‪.‬‬
‫‪-3‬عدم استقرار الرجل بسبب العمل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أسباب تتعلق بالمجتمع‪:‬‬
‫‪-1‬غلء المهور وارتفاع تكاليف الزواج‪.‬‬
‫‪-2‬نظرة المجتمع بشيء من الزدراء للرجل الذي يرغب في التعدد‪.‬‬

‫‪ -5‬موقف الفقه السلمي من زواج المسيار‪:‬‬


‫اختلف العلماء في حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬ويمكن حصر أقوالهم في‬
‫ثلثة أراء‪:‬‬
‫الرأي الول‪ :‬القول بالباحة – أو الباحة مع الكراهة‪.‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬القول بالمنع وعدم الباحة‪.‬‬
‫الرأي الثالث‪ :‬التوقف‪.‬‬
‫وفيما يلي أدلة هذه القوال مع الشارة إلى قائليها‪:‬‬
‫الرأي الول‪ :‬القائلون بالباحة – أو الباحة مع الكراهة ‪ -‬وهم‪ :‬الشيخ ابن‬
‫باز ‪ -‬رحمه ال ‪ ،-‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬الشيخ عبدال بن منيع – عضو‬
‫هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ‪ ،-‬الشيخ عبدال بن عبد الرحمن‪،‬‬

‫‪188‬‬
‫الشيخ يوسف المطلق‪ ،‬الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري‪ ،‬شيخ الزهر محمد‬
‫سيد طنطاوي(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه‪:‬‬
‫السؤال‪ :‬قرأت في إحدى الجرائد تحقيقا عما يسمى زواج المسيار وهذا‬
‫الزواج هو أن يتزوج النسان ثانية أو ثالثة أو رابعة‪ ،‬وهذه الزوجة يكون عندها‬
‫ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتهما فيذهب إليها زوجها‬
‫في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما‪ :‬فما حكم الشريعة الغراء في مثل‬
‫هذا الزواج أفتونا مأجورين؟‬
‫الجواب‪ :‬ل حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعا وهي‬
‫وجود الولي‪ ،‬ورضا الزوجين‪ ،‬وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد‬
‫وسلمة الزوجية من الموانع لعموم قول النبي ‪ " :‬إن أحق الشروط أن يوفى به‬
‫ما استحللتم به الفروج " (‪ ،)2‬وقوله ‪ " :‬المسلمون على شروطهم " (‪ :)3‬فإذا اتفق‬
‫الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم يكون لها نهارا أو ليلً‬
‫أو في أيام معينة أو ليالي معينة‪ ،‬فل بأس بذلك بشرط إعلن النكاح وعدم‬
‫إخفائه‪ ،‬وال ولي التوفيق(‪.)4‬‬

‫ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من الباحة بالدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه زواج مستكمل لجميع الركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحا‬
‫ومباحا‪.‬‬

‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.176 – 174‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في المهر (‪ ،2/970 )2572‬ومسلم في النكاح باب‬ ‫‪2‬‬

‫الوفاء بالشروط في النكاح (‪.2/1035 )1418‬‬


‫() أخرجه الحاكم في مستدركه (‪ ،2/57 )2309‬والطبراني في الكبير (‪ ،4/275 )4404‬قال الهيثمي‪ :‬فيه‬ ‫‪3‬‬

‫حكيم بن جبير وهو متروك‪ ،‬وقال أبو زرعه محله الصدق (مجمع الزوائد ‪.)4/205‬‬
‫() فتاوي علماء البلد الحرام‪ ،‬ص ‪.671 – 670‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪189‬‬
‫‪ -2‬ثبت في السنة أن أم المؤمنين سودة – رضي ال عنها ‪ -‬وهبت يومها‬
‫من رسول ال إلى ضرتها أم المؤمنين عائشة – رضي ال عنها ‪ ،-‬وحديث‬
‫هبة سودة يومها لعائشة رواه البخاري ومسلم عن عائشة‪ " :‬قالت‪ :‬ما رأيت امرأة‬
‫أحب إلي أن أكون في مسلخها(‪ )1‬من سودة بنت زمعة‪ ،‬من امرأة فيها حدة‪،‬‬
‫قالت‪ :‬فلما كبرت جعلت يومها من رسول ال لعائشة‪ ،‬قالت‪ :‬يا رسول ال! قد‬
‫جعلت يومي منك لعائشة‪ ،‬فكان رسول ال يقسم لعائشة يومين‪ :‬يومها‪ ،‬ويوم‬
‫سودة " (‪.)2‬‬
‫ووجه الستدلل بالحديث أن سودة بهبتها يومها لعائشة وقبول الرسول بذلك‬
‫ما يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع لها‪ ،‬كالمبيت‬
‫والنفقة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن في هذا النوع من النكاح مصالح كثيرة‪ ،‬فهو يشبع غريزة الفطرة عند‬
‫المرأة‪ ،‬وقد كف من تزوجن عن الفاحشة‪ ،‬وقد ترزق المرأة منه بالولد‪ ،‬وهو‬
‫بدون شك يقلل من العوانس اللتي فاتهن قطار الزواج‪.‬‬
‫يقول الستاذ وهبة الزحيلي‪ " :‬إن إعفاف المرأة مطلب فطري واجتماعي‬
‫وإنساني‪ ،‬فإذا أمكن لرجل أن يسهم في ذلك كان مقصده مشروعا وعمله مأجورا‬
‫مبرورا " (‪.)3‬‬
‫‪ -4‬وجود أنواع من الزواج مشابهة لهذا النوع من الزواج‪ ،‬كزواج النهاريات‬
‫وزواج الليليات‪ ،‬احتج بهذا الشيخ القرضاوي‪.‬‬
‫يذكر الفقهاء قديما نوعا من الزيجات سموه بزواج النهاريات والليليات‪،‬‬
‫وصورة هذا النوع من الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزلها في‬
‫الليل‪ ،‬وترجع إلى زوجها في النهار‪ ،‬أو تعمل في النهار وترجع إلى المنزل الذي‬

‫() مسلخ الحية جلدها‪ ،‬وكأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها (النهاية في غريب الحديث‪ :‬لبن‬ ‫‪1‬‬

‫الثير ‪.)5/283‬‬
‫() أخرجه البخاري في النكاح باب المرأة تهب يومها (‪ ،5/1999 )4914‬ومسلم في الرضاع باب جواز هبة‬ ‫‪2‬‬

‫نوبتها لضرتها (‪.2/1085 )1463‬‬


‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.179 – 178‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪190‬‬
‫فيه زوجها ليلً‪ ،‬وقد بحث الفقهاء في حكم هذا النوع من الزواج‪ ،‬كما بحثوا في‬
‫مدى استحقاق الزوجات النفقة في هذا النوع من الزواج على القول بصحته(‪.)1‬‬
‫ويرى المالكية وجوب فسخ نكاح الليليات والنهاريات قبل الدخول ل بعده‪،‬‬
‫وفي ذلك يقول الفقيه الدردير المالكي‪ " :‬يفسخ النكاح قبل الدخول ل بعده إن‬
‫تزوجها على شرط أن ل تأتيه الزوجة أو ل يأتيها إل نهارا أو ليلً‪ ،‬لنه مما‬
‫يناقض مقتضى النكاح‪ ،‬لما فيه من الخلل في الصداق‪ ،‬ولذا كان يثبت بعد‬
‫الدخول بصداق المثل‪ ،‬لن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط " (‪.)2‬‬
‫ويرى بعض أهل العلم القول بإباحته وإن اختلفوا في لزوم النفقة فيه‪ ،‬يقول‬
‫علء الدين الحصكفي الحنفي‪ " :‬قال في المجتبى‪ :‬وبه عرف جواب واقعة في‬
‫زماننا أنّه لو تزوج من المحترفات التي تكون في النهار في مصالحها وبالليل‬
‫عنده فل نفقة لها قال في النهر‪ :‬وفيه نظر " (‪.)3‬‬
‫وفي سنن سعيد بن منصور قال‪ :‬حدثنا سعيد قال نا هشيم قال‪ :‬أن يونس‬
‫عن الحسن أنه كان ل يرى بتزويج النهاريات بأسا‪ ،‬وكان ابن سيرين يكره‬
‫ذلك(‪.)4‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬القائلون بالمنع وعدم الباحة‪ :‬ومنهم الشيخ محمد بن ناصر‬
‫الدين اللباني‪ -‬رحمه ال ‪ ،-‬والستاذ الدكتور علي القرة داغي‪ ،‬والستاذ‬
‫الدكتور إبراهيم فاضل الدبو‪ ،‬والدكتور جبر الفضيلت‪ ،‬والستاذ الدكتور عمر‬
‫سليمان الشقر‪ ،‬والستاذ الدكتور محمد الزحيلي والستاذ الدكتور عبدال‬
‫الجبوري‪ ،‬والشيخ عبد العزيز المسند(‪.)5‬‬
‫(‪)6‬‬
‫استدل القائلون بالتحريم بالدلة التالية ‪:‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.171‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الشرح الصغير‪ :‬للدردير ‪.2/384‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪.3/577‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫سنن سعيد بن منصور ‪ ،1/216‬مصنف ابن أبي شيبه ‪.3/508‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.179‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ -1‬إن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج فليس المقصود من الزواج في السلم‬
‫قضاء الوطر الجنسي‪ ،‬بل الغرض أسمى من ذلك‪ ،‬فقد اعتبر الرسول سنة‬
‫السلم فقال‪ " :‬وإن من سنتنا النكاح " (‪ ،)1‬وقد شرع لمعان ومقاصد اجتماعية‬
‫ونفسية ودينية‪ ،‬وزواج المسيار ل يحقق شيئا من مقاصد الزواج الشرعية‪،‬‬
‫من المودة والرحمة‪ ،‬والسكن‪ ،‬وحفظ النوع النساني‪ ،‬وتعهده على أكمل‬
‫"‬ ‫وجه‪ ،‬ورعاية الحقوق والواجبات التي يولدها عقد الزواج الصحيح‪،‬‬
‫والعبرة في العقود للمقاصد والمعاني‪ ،‬ل لللفاظ والمباني " (‪.)2‬‬
‫‪ -2‬مخالفة طريقة هذا الزواج لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة السلمية‪،‬‬
‫فعندما ندقق النظر فيه ل نجده موافقا للنظام الشرعي في الزواج‪ ،‬ولم يكن‬
‫المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم‪.‬‬
‫‪ -3‬يقترن به بعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد‪ ،‬وتنافي مقاصد الشريعة‬
‫في الزواج من السكن والمودة‪ ،‬ورعاية الزوجة أولً‪ ،‬والسرة ثانيا‪،‬‬
‫والنجاب‪ ،‬وتربية الولد‪ ،‬ووجوب العدل بين الزوجات‪ ،‬كما يتضمن عقد‬
‫الزواج تنازل المرأة عن حق الوطء والنفاق‪ ...‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وإن الزوجة التي تنازلت عن حقها اليوم‪ ،‬في المبيت والمعاشرة‪ ،‬كثيرا ما‬
‫تغير رأيها‪ ،‬وخاصة بعد أن تدرك أسرار الحياة الزوجية‪ ،‬وتتعرف من‬
‫الشرع والواقع والناس على الحقوق التي تتمتع بها الزوجة عادة‪.‬‬
‫‪ -4‬هذا النوع من الزواج سيكون مدخلً للفساد والفساد‪ ،‬فإنه يتساهل فيه تقدير‬
‫المهر‪ ،‬ول يتحمل الزوج مسؤولية السرة‪ ،‬وإذا سهل عليه أن يتزوج سهل‬
‫عليه أن يطلق‪ ،‬وقد يعقد سرا‪ ،‬وقد يكون بغير ولي‪ ،‬وكل هذا يجعل الزواج‬
‫لعبة في أيدي أصحاب الهواء‪.‬‬
‫‪ -5‬في هذا الزواج استغلل من الرجل للمرأة‪ ،‬فهو يلبي رغباته الجنسية ل هدف‬
‫له إل ذلك‪ ،‬من غير أن يتكلف شيئا في هذا الزواج‪.‬‬
‫() أخرجه عبد الرزاق (‪ ،6/171 )10387‬والطبراني في الكبير (‪ ،18/85 )158‬وأبو يعلى ‪ ،‬قال الهيثمي‬ ‫‪1‬‬

‫فيه أبو معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف (مجمع الزوائد ‪.)4/251‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الفقه‪ :‬للبركتي ‪ ،1/91‬مجلة الحكام العدلية ‪ ،1/16‬المبسوط ‪ ،22/23‬البحر الرائق ‪ ،3/94‬بدائع‬ ‫‪2‬‬

‫الصنائع ‪ ،4/134‬مغني المحتاج ‪ ،2/68‬أعلم الموقعين ‪.3/119‬‬

‫‪192‬‬
‫‪ -6‬قد يقدر للزوج أولد من هذه المرأة‪ ،‬وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها‬
‫سينعكس ذلك سلبا على أولده في تربيتهم وخلقهم‪.‬‬
‫‪ -7‬اشتراط إسقاط النفقة والمبيت على الزوجة يبطل العقد‪ ،‬ذهب هذا المذهب‬
‫الدكتور علي القرة داغي‪ ،‬والقول ببطلن النكاح باشتراط إسقاط المبيت أحد‬
‫وجهين عند الشافعية‪ ،‬كما يقول الدكتور القرة داغي نقلً عن الماوردي في‬
‫كتابه الحاوي(‪.)1‬‬
‫القول الثالث‪ :‬المتوقفون في المسألة ‪:‬‬
‫توقف بعض أهل العلم في الحكم على هذا النوع من الزواج‪ ،‬وتوقفهم هذا‬
‫يدل على أن حكمه لم يظهر لهم‪ ،‬فهم يحتاجون إلى مزيد من النظر والتأمل‪.‬‬
‫من هؤلء فضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين(‪ – )2‬رحمه ال ‪,-‬‬
‫والدكتور عمر بن سعود العيد الستاذ بكلية أصول الدين في جامعة المام محمد‬
‫بن سعود‪ ،‬فإنه ذكر شيئا من مساوئه‪ ،‬وأورد بعض أدلة المجيزين باختصار‪ ،‬كما‬
‫ذكر أن عددا من كبار العلماء توقف في جوازه‪ ،‬ودعا في الختام إلى دراسة هذا‬
‫الزواج دراسة تفصيلية دقيقة‪ ،‬لن محاذيره كثيرة‪ ،‬وقد يكون ظاهرة مرضية‪،‬‬
‫ولم يعطِ حكما بيّنا فيه مما يدل على توقفه في الحكم عليه(‪.)3‬‬
‫ويذكر إحسان عايش أن سبب توقف بعض أهل العلم بالجواز " أن بعض‬
‫الناس تجاوزا فيه الحد‪ ،‬واستغل من قبل بعض ضعاف النفوس‪ ،‬وتبنته مكاتب‬
‫حددت أسعارا لهذا الزواج (يعني عمولة)‪.‬‬
‫هذا ولقد وقفت على مواقع في النترنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريق "‬
‫زواج المسيار " (‪.)4‬‬
‫المناقشة والترجيح ‪:‬‬

‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.183 – 182‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نقله عنه إحسان بن محمد بن عايش في كتابه‪ :‬أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ص ‪.28‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مجلة السرة‪ ،‬العدد (‪ ،)46‬ص ‪.15‬‬ ‫‪3‬‬

‫()‪http://www.misiar.com‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪193‬‬
‫‪ -1‬أقوى ما احتج به الفريق المجيز لزواج المسيار أنه عقد شرعي‬
‫استكمل شروطه وأركانه‪ ،‬وإن الذي يجري في هذا الزواج ليس اشتراط الزوج‬
‫على زوجته إسقاط النفقة والمبيت وإنما من باب إسقاط المرأة حقوقها التي تجب‬
‫لها بالعقد‪.‬‬
‫الجواب أن بعض نكاح المسيار تتنازل المرأة عن حقها من غير شرط‬
‫وبعضا منه يشترط الزوج هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن سمح‬
‫له القاضي‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة‪ :‬القسم الثاني‪ :‬ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط‬
‫أن ل مهر لها أو أن ل ينفق عليها‪ ...‬أو ل يكون عندها في الجمعة إل ليلة أو‬
‫شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه‬
‫الشروط كلها باطلة في نفسها لنها تنافي مقتضى العقد ولنها تتضمن إسقاط‬
‫حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع(‪.)1‬‬
‫فحتى على افتراض أن المرأة هي التي تنازلت فيه عن حقها فهذا ل يجعل‬
‫تنازلها مشروعا كما قال ابن قدامة‪.‬‬
‫حجّة لهم فيه‪ ،‬لن حق‬ ‫‪ -2‬استدللهم بحديث هبة سودة يومها لعائشة‪ ،‬ول ُ‬
‫المبيت ملكته سودة‪ ،‬وكان الرسول يقسم لها حقها‪ ،‬ولم يشترط عليها إسقاطه‬
‫قبل الزواج ول مع العقد‪ ،‬فلما كانت مالكة له جاز لها هبته‪ ،‬مثله مثل المهر‪ ،‬فإذا‬
‫ملكته المرأة جاز لها أن تهبه للزوج أو جزء منه‪ ،‬قال تعالى‪  :‬فإن طبن لكم عن‬
‫شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ‪[ ‬النساء‪.]4 :‬‬
‫‪ -3‬دعواهم أن هذا النوع من الزواج يحقق مصالح كثيرة‪ ،‬وأكثر ما‬
‫يتحدثون عنه من المصالح هو تقليل نسبة النساء العوانس‪ ،‬وإشباع الرغبة‬
‫الجنسية عند المتزوجات منهن‪ ،‬وهذا الستدلل فيه نظر‪ ،‬فكم نسبة العوانس‬
‫الغنيات اللواتي يستطعن أن ينفقن على أنفسهن من غير حاجة نفقة الزوج‪ ،‬إن‬

‫() المغني ‪.7/72‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪194‬‬
‫هذه النسبة قليلة‪ ،‬وإذا عالجنا مشكلة العدد القليل من العوانس علجا جزئيا‬
‫مبتورا‪ ،‬فمن للعدد الكبر من العوانس اللتي ل يجدن المال!!‬
‫وإذا كان في هذا النوع من الزواج هذه المصالح‪ ،‬فما بال المفاسد الكثيرة‬
‫التي تترتب على هذا النوع من الزواج‪ ،‬ومنها فتح باب شرّ لفريق من أصحاب‬
‫النفوس الضعيفة من الرجال والنساء الذين يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء‬
‫أهواؤهم بعيدا عن الرقابة الشرعية‪.‬‬
‫‪ -4‬الستدلل بزواج النهاريات والليليات‪ ،‬وقد استدل بهذا القائلون بالجواز‬
‫والقائلون بالمنع‪ ،‬وكل الستدللين غير صحيح‪ ،‬لن العلماء اختلفوا في صحته‬
‫اختلف الفقهاء المعاصرين في زواج المسيار(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أما الدلة التي استدل بها المانعون لزواج المسيار فهي أدلة صحيحة‬
‫واقعية‪ :‬وقفت على المشاكل والمفاسد التي تنتج عن هذا الزواج‪ ،‬فحتى وإن‬
‫تراءى لنا بأن الزواج مكتمل الركان والشروط إل أنه في مجمله ل يجري على‬
‫النحو الذي قام عليه الزواج في السلم من السكن والمودة والتعاون على القيام‬
‫بأعبائه ومسؤولياته‪.‬‬
‫‪ -‬وأرى أن ما أبداه المانعون من أسباب ومخاوف في تحريم ومنع هذا‬
‫الزواج وجيهة وتدعو للتوقف والتأمل‪ :‬لذا أدعو إلى مزيد بحث واستقراء‬
‫ودراسة لهذه القضية المستجدة من جميع جوانبها ولعل هذا السبب الذي أخر‬
‫المجامع الفقهية في عدم إصدارها لفتوى في هذا الشأن‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق‪ ،‬ص ‪.195 – 192‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪195‬‬
‫المبحث السابع‬

‫حكم التبرع بالعضاء‬

‫التبرع بالعضاء من المسائل الحادثة‪ ،‬التي لم يتعرض لها فقهاء المسلمين‬


‫القدامى‪ :‬ذلك لن هذه المسألة وليدة التقدم العلمي الذي توصل إليه الطباء في‬
‫مجال غرس العضاء‪ :‬فلقد حققوا نتائج باهرة في نقل وزراعة العضاء من‬
‫الحياء والموات وغرسها فيمن فقدوا أعضاءهم أو تلفت بسبب مرض أو‬
‫غيره‪..‬‬
‫ولن هذه القضية من المسائل المستجدة‪ ،‬والتي لم يتكلم فيها الفقهاء‬
‫السابقون فلقد اختلفت أراء العلماء المعاصرين فيها‪ :‬وقبل البدء في سرد القوال‬
‫وأدلتها‪ ،‬يفضل بيان القواعد الفقهية الكلية التي تندرج تحتها هذه القضية‪،‬‬
‫وجذورها في التراث الفقهي القديم ثم نأتي لحكم التبرع بالعضاء‪.‬‬

‫‪ -1‬القواعد الفقهية الكلية والتي تندرج تحتها هذه القضية ‪:‬‬


‫وم ما ل ر يب ف يه أن هذا الب حث يت صل ات صالً مباشرا ووثيقا بجملة من‬
‫القواعد الفقهية الكلية من شأنها أن تنير السبيل بوضوح أمام تلمس حكم الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬أو أحكامها‪ ،‬في هذا الموضوع الهام‪.‬‬
‫ول عل من المنا سب أن نبدأ فنتعرف على هذه القوا عد أولً‪ ،‬ثم نت خذ من ها‬
‫الدليـل الهادي على طريـق دراسـة هذا البحـث الذي سـنجد أنـه يتصـل ببعـض‬
‫المسـائل الجزئيـة ممـا قـد تناوله الفقهاء وفرغوا مـن دراسـته وبيان حكمـه‪ ،‬بـل‬
‫أبرمت السنة المطهرة بشأن بعض منها‪.‬‬
‫‪-‬أو سع هذه القوا عد شمولً‪ ،‬وأر سخها في البيان الفق هي‪ ،‬قاعدة المقا صد‬
‫الخمسة‪ ،‬والترتيب الذي صنفت – من حيث الهمية – على وفقه‪ ،‬وهي‬
‫كما نعلم‪ :‬مقاصد الدين‪ ،‬فالحياة‪ ،‬فالعقل‪ ،‬فالنسل‪ ،‬فالمال‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪-‬القاعدة الثانيـة‪ :‬انقسـام جملة الحقوق الشرعيـة إلى قسـمين‪ :‬حـق ال‪،‬‬
‫وحق للعباد‪ ،‬وإنما يجوز التصرف بما هو حق للعباد أو غلب عليه حق‬
‫العباد‪ ،‬ثـم إنـه يكون حقا أصـيلً ومباشرا بالنسـبة لمـن أعطـي له هذا‬
‫ال حق أ صالة‪ ،‬سواء أكان على و جه التمل يك أو التمت يع‪ ،‬أو يكون حقا‬
‫فرعيا ومقيدا بالنسبة للولي أو الوكيل‪.‬‬
‫‪-‬القاعدة الثالثـة‪ :‬تنهـض مشروعيـة اليثار على سـائر الحقوق البدنيـة‬
‫والدنيويـة الداخليـة فـي حقوق العباد‪ ،‬دون مـا سـواها مـن حقوق ال‬
‫عزو جل‪ ،‬و من الثا بت أن المحاف ظة على أ صل الحياة ومقومات ها من‬
‫حقوق ال عزوجل‪.‬‬
‫‪-‬القاعدة الرابعــة‪ :‬الحقوق المعنويــة الداخلة فــي حقوق العباد تورث‬
‫بالموت كما تورث الحقوق العينية‪ ،‬دون خلف في ذلك‪ ،‬وإنما ينعكس‬
‫الخلف إلى مسـائل بعـض هذه الحقوق‪ ،‬مـن الخلف بيـن الفقهاء فـي‪:‬‬
‫هـل هـي داخلة فـي حقوق ال‪ ،‬أم فـي حقوق العباد‪ :‬كالقذف وحـق‬
‫المعاقبة عليه(‪.)1‬‬
‫فهذه القواعد الربع تشكل جسرا ممتدا بين ينبوع الشريعة السلمية‪ ،‬إلى‬
‫هذا العصـر والعصـور التاليـة‪ ،‬مـن شأنـه أن يكشـف لنـا عـن موقـف الشريعـة‬
‫السلمية في حكم التبرع بالعضاء‪.‬‬

‫‪ -2‬جذور غرس العضاء في التراث الفقهي القديم ‪:‬‬


‫لجذور هذه الم سألة م ستند أ صيل من ال سنة النبو ية الشري فة بالضا فة إلى‬
‫القوا عد الفقه ية ال تي تش كل ال ساس الجتهادي في ها‪ :‬و هو حد يث عرف جة قط عت‬
‫أنفه فاتخذ أنفا من فضة فأنتن عليه فأمره الرسول أن يتخذه من ذهب وقد قرر‬
‫الفقهاء بالتفاق جواز اتخاذ سن أو أنملة أو أنف من ذهب إن اقتضت الضرورة‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪.111 – 1/110‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪197‬‬
‫أن يكون ذهبا(‪ ،)1‬أ ما الطراف كال يد والر جل وال صبع الكاملة ف قد ذ هب الحنف ية‬
‫والشافعية إلى عدم جواز اتخاذها من ذهب أو فضة وذلك لنها لن تكون أعضاء‬
‫عاملة بـل لمجرد الزينـة فل ضرورة فـي تركيبهـا أي ل ضرورة فـي ارتكاب‬
‫المحظور وهذا يعنـي أن اتخاذ طرف صـناعي مـن غيـر الذهـب والفضـة جائز‬
‫بالتفاق(‪ ،)2‬وقد عرف هذا المر من العصر البرونزي مرورا بقدماء المصريين‬
‫ثم اليونان وب عد ذلك الرومان ثم ع صر النبوة و ما بعده انتهاءً بالع صر الحد يث‬
‫والتطور الهائل الذي حصل في هذا الميدان‪.‬‬
‫أما كتب الفقه القديمة‪ :‬فل يكاد يجد الباحث نصا مباشرا تناول مسألة حكم‬
‫التـبرع بالعضاء الدميـة لنقلهـا إلى جسـم إنسـان آخـر‪ ،‬وإنمـا توجـد بعـض‬
‫الن صوص في أحكام صو ٍر من الت صرف بالج سد الن ساني ذكرت في باب الب يع‬
‫عند تحديد شروط المبيع‪ ،‬وفي باب التداوي وعن الكلم عن حالة الضطرار وما‬
‫يجوز للمض طر و ما ل يجوز‪ ،‬وع ند الكلم عن ب عض القوا عد الفقه ية وبخا صة‬
‫قاعدة " ارتكاب أخف الضررين " وغير ذلك(‪.)3‬‬
‫وفيما يلي بعض المثلة عن أقوال العلماء تلك‪:‬‬
‫‪-‬قال المرغينانـي‪ " :‬ل يجوز بيـع شعور النسـان ول النتفاع بهـا لن‬
‫ـن أجزائه مهانا‬‫ـء مـ‬ ‫ـي مكرم ل مبتذل‪ ،‬فل يجوز أن يكون شيـ‬ ‫الدمـ‬
‫ومبتذلً " (‪.)4‬‬
‫‪-‬وفـي الفتاوي الهنديـة‪ " :‬النتفاع بأجزاء الدمـي ل يجوز‪ :‬قيـل للنجاسـة‬
‫وقيل للكرامة هو الصحيح " (‪.)5‬‬

‫() أخرجه أبو داود في كتاب الخاتم باب ما جاء في ربط السنان بالذهب (‪ ،4/92 )4232‬والنسائي‬ ‫‪1‬‬

‫(المجتبى) في الزينة باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب (‪ ،8/163 )5161‬والترمذي في اللباس‬
‫باب ما جاء في شد السنان بالذهب (‪ 4/240 )1770‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬البوطي ‪.1/113‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص ‪.138‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الهداية شرح البداية‪ :‬المرغيناني ‪.3/46‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الفتاوي الهندية ‪.5/345‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪198‬‬
‫‪-‬وقال الدرد ير‪ ..." :‬وكذا جلد الد مي – ل ير خص ف يه مطلقا – لشر فه‬
‫كما يعلم من وجوب دفنه " (‪.)1‬‬
‫‪-‬و في حاشيـة الدسـوقي‪ ..." :‬أن مـا أب ين م نه حيا ل يختلف فـي نجاسـته‬
‫ول يس كذلك بل ف يه الخلف ت نبيه على المعت مد من طهارة ما أب ين من‬
‫الدمي مطلقا يجوز رد سن قلعت لمحلها ل على مقابلة ‪.)2( "...‬‬
‫‪-‬قال الشربينـي الشافعـي‪ ..." :‬والدمـي يحرم النتفاع بـه وبسـائر أجزائه‬
‫لكرامته " (‪.)3‬‬
‫‪-‬قال ابن مفلح‪ ..." :‬وحرم بيع العضو المقطوع لنه ل نفع فيه " (‪.)4‬‬
‫وهذه النصـوص وأشبابهـا تدل على أن الصـل تحريـم النتفاع بأجزاء‬
‫النسان‪ :‬إما لكرامته‪ ،‬وإما لعدم إمكان النتفاع بها على وجه مشروع " (‪.)5‬‬
‫وإن كان بعـض الفقهاء قـد أورد اسـتثناءات على هذا الصـل أباحوا فيهـا‬
‫النتفاع بأجزاء الدمـي ببعـض وجوه النتفاع ومعظمهـا مقيـد بحالة الضرورة‬
‫م ثل‪ :‬ب يع ل بن الدم ية(‪ ،)6‬وأ كل المض طر من بدن إن سان حي م ستحق الق تل(‪،)7‬‬
‫وإجازة فقهاء الشافع ية للمض طر أن يق طع قط عة من نف سه ليأكل ها(‪ ،)8‬ك ما أجاز‬
‫به‬ ‫بعض فقهاء الشافعية وصل عظم النسان الحي بعظم الميت إذا كان ينجبر‬
‫" (‪.)9‬‬

‫‪ -3‬حكم التبرع بالعضاء ‪:‬‬


‫حديثا اختلفت آراء الفقهاء في هذه القضية على قولين‪:‬‬
‫() الشرح الكبير ‪.1/55‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حاشية الدسوقي ‪.1/54‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مغني المحتاج ‪.1/191‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المبدع‪.4/12 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ‪ K‬ص ‪.139‬‬ ‫‪5‬‬

‫() بداية المجتهد ‪ ،2/138‬مواهب الجليل ‪ ،4/265‬روضة الطالبين ‪ ،3/353‬المغني ‪.4/304‬‬ ‫‪6‬‬

‫() المجموع ‪ ،9/36‬حاشية قليوبي وعميرة ‪ ،264 – 4/263‬المغني ‪.11/79‬‬ ‫‪7‬‬

‫()المجموع ‪ ،9/37‬حاشية قليوبي وعميرة ‪.4/264‬‬ ‫‪8‬‬

‫()حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج ‪.126 – 2/125‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪199‬‬
‫القول الول‪ :‬ويرى م نع ال تبرع ل ستقطاع ون قل وزرع العضاء ويذ هب‬
‫إلى هذا القول عدد من العلماء المعاصرين منهم‪:‬‬
‫الش يخ أ بو العلى المودودي‪ ،‬والش يخ محمود ع بد الدا يم(‪ ،)1‬الش يخ متولي‬
‫الشعراوي‪ ،‬الش يخ مح مد العثيم ين‪ ،‬الش يخ محمـد برهان الد ين ال سنبهنلي الش يخ‬
‫(‪)2‬‬
‫الغماري عبدال الصديق‪...‬‬
‫القول الثانسي‪ :‬يُجوّز عمليـة التـبرع باسـتقطاع ونقـل وزرع العضاء‬
‫النسانية وذهب إلى هذا الرأي جمهور العلماء المعاصرين وجل المجامع الفقهية‬
‫ومؤسسات البحوث والهيئات الفقهية وكبار العلماء‪ :‬منها‪:‬‬
‫‪-‬هيئة كبار العلماء بالسعودية‪.‬‬
‫‪-‬المجلس الردني العلى للفتوى‪.‬‬
‫‪-‬المجلس العلى للفتوى بالجزائر‪.‬‬
‫‪-‬وزارة الوقاف الكويتية‪.‬‬
‫‪-‬المجمع الفقهي السلمي‪.‬‬
‫‪-‬الشيخ مخلوف المفتي السبق لجمهورية مصر العربية‪ ،‬والشيخ جاد‬
‫الحق المفتى الكبر لمصر‪.‬‬
‫‪-‬الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫‪-‬الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫أدلة المانعين‪:‬‬
‫استدل المانعون للتبرع بأعضاء الدمي بالدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الجسد الذي بين جنبينا ليس ملكا لنا وإنما هو ملك ل تعالى‪  :‬أمن يملك‬
‫السمع والبصار ‪[ ‬يونس‪ ،]10 :‬فل يصح من النسان التصرف بجسمه(‪.)3‬‬
‫ومما يجدر بالذكر هنا أن النسان مع أنه أشرف من الجميع لكنه ليس‬
‫بمالك لجسـمه وروحـه‪ ،‬بـل النسـان إنمـا هـو أميـن (كمسـتعير) فـي ماله‬
‫() أستاذنا الفقيه الشافعي الزهري فلقد كان عالما بحرا وبخاصة في المذهب الشافعي‪..‬‬ ‫‪1‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.68 – 61‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطبيب أدبه وفقهه‪ ،‬ص ‪.205‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪200‬‬
‫وجسمه‪ ,‬فل يجوز له أن يستعمله في محل نهى ال عنه‪ ،‬فالتصرف فيه من‬
‫غيـر إذن المالك الحقيقـي يعتـبر خيانـة‪ ،‬والمالك الحقيقـي هـو ال سـبحانه‬
‫وتعالى(‪.)1‬‬
‫ـن‬‫ـلها عـ‬ ‫ـان – حيا كان أو ميتا – وفصـ‬ ‫ـع أعضاء النسـ‬ ‫على أن قطـ‬ ‫‪-2‬‬
‫موضع ها " مثلة " (‪ )2‬و هو حرام – أو مكروه تحريما – ع ند عا مة العلماء‬
‫والفقهاء‪ ،‬كما بينه غير واحد من العلماء الكبار‪ ،‬منهم شيخ السلم العلمة‬
‫ا بن تيم ية الحرا ني في " فتاواه " (‪ ،)3‬والمام النووي في " شرح الصـحيح‬
‫لمسلم " (‪ ،)4‬وا بن قدا مة في " المغ ني " (‪ ،)5‬ل ما روى البخاري في صحيحه‬
‫عن قتادة‪ " :‬بلغنا أن النبي بعد ذلك – بعد وقعة عكل وعرينة – كان‬
‫يحث على الصدقة وينهى عن المثلة " (‪ ،)6‬ولما روى مسلم في صحيحه‪" :‬‬
‫كان رسول ال إذا أمر أميرا‪ ...‬أوصاه في خاصته بتقوى ال‪...‬ثم قال‪:‬‬
‫ــن ذلك كله أن‬ ‫ــت مـ‬ ‫"‪ ...‬ل تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا " (‪ )7‬فثبـ‬
‫اســتعمال أعضاء النســان – حيا كان أو ميتا – ل يجوز عنــد عامــة‬
‫الفقهاء(‪.)8‬‬
‫ثم إن العلماء الذ ين أباحوا ا ستعمال المحرمات في حالة الضطرار هم‬ ‫‪-3‬‬
‫أنفسـهم حرموا أكـل وقطـع جسـم النسـان وأعضائه واسـتعمالها لغيره‪ ،‬ولم‬
‫يسـمح أحـد باسـتعمال عضـو مـن أعضائه‪ ،‬قال الفقيـه الحنفـي الشهيـر ابـن‬
‫عابد ين‪ " :‬وإن قال ل ـه آ خر اق طع يدي وكل ها ل ي حل لن ل حم الن سان ل‬
‫يباح في الضطرار " (‪ ،)9‬وقال ابن نجيم في " الشباه والنظائر"‪ " :‬ل يأكل‬
‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫عمدة القاري‪ :‬بدر الدين ‪.8/296‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫مجموع فتاوى شيخ السلم ‪.28/314‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫شرح صحيح مسلم‪ :‬النووي ‪.2/82‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫المغني ‪.10/565‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة (‪.4/1535 )3956‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب تأمير المير السراء (‪.3/1357 )1731‬‬ ‫()‬ ‫‪7‬‬

‫قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬ص ‪.62 – 61‬‬ ‫()‬ ‫‪8‬‬

‫حاشية ابن عابدين ‪.5/215‬‬ ‫()‬ ‫‪9‬‬

‫‪201‬‬
‫المضطـر طعام آخـر ول شيئا مـن بدنـه " (‪ ،)1‬وعلى هذا ل يباح للمكره‬
‫– حتى المكره بالكراه التام – أن يقطع عضو رجل لنقاذ حياته وإن سمح‬
‫ذلك الرجل بذلك‪ ،‬كما قال الكاساني في " بدائع الصنائع "‪ " :‬أما النوع الذي‬
‫ل يباح ول ير خص بالكراه أ صلً ف هو ق تل الم سلم بغ ير حق سواء كان‬
‫الكراه ناقصا أو تاما‪ ..‬وكذا قطع عضو من أعضائه‪ ...‬ولو أذن له المكره‬
‫عل يه‪ ...‬فقال للمكره‪ :‬اف عل‪ ،‬ل يباح له‪ ،‬لن هذا م ما ل يباح بالبا حة " (‪,)2‬‬
‫وهذا الحكـم يسـتفاد أيضا ممـا قاله الفقيـه المحدث المام موفـق الديـن ابـن‬
‫قدامـة الحنبلي فـي كتابـه القيـم " المغنـي " حيـث قال‪ ..." :‬لنـا على وجوبـه‬
‫– القصـاص – على المكره – بالفتـح – أنـه قتله عمدا ظلما لسـتبقاء نفسـه‬
‫فأشبه ما لو قتله في المخم صة ليأكله‪ ...‬ولذلك أثم بقتله وحرم عليه‪ ،‬وإنما‬
‫قتله ع ند الكراه ظنا م نه أن في قتله نجاة نف سه وخل صه من شر المكره‬
‫– بالكسر‪ -‬فأشبه القاتل في المخمصة ليأكله " (‪ ،)3‬وأصرح من ذلك ما قاله‬
‫فـي موضـع آخـر فـي نفـس المصـدر – فـي بحـث المضطـر‪ ،‬مـن كتاب‬
‫الذبائح – هذا نصـه‪ " :‬فإن لم يجـد المضطـر شيئا لم يبـح لــه أكـل بعـض‬
‫أعضائه‪ ...‬وإن لم ي جد إل آدميا محقون الدم لم ي بح أن يب قي نف سه بإتل فه‬
‫وهذا ل خلف فيه‪ ...‬وإن وجد معصوما ميتا لم يبح أكله " (‪.)4‬‬
‫الصل التحريم فل يجوز إتلف النفس المعصومة إل بحق وهنا ل يوجد‬ ‫‪-4‬‬
‫الحـق الذي يبيـح إتلفهـا أو إتلف جزء منهـا وقـد قال تعالى‪  :‬ول تقتلوا‬
‫أنفسـكم ‪[ ‬النسساء‪ ،]29 :‬وقال‪  :‬ول تقتلوا النفـس التـي حرم ال إل بالحـق ‪‬‬
‫ـة ‪[ ‬البقرة‪]195 :‬‬‫[النعام‪ ،]151 :‬وقال تعالى‪  :‬ول تلقوا بأيديكــم إلى التهلكـ‬
‫وغير ذلك من اليات‪.‬‬

‫الشباه والنظائر‪ :‬ابن نجيم‪ ،‬ص ‪.124‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫بدائع الصنائع ‪.7/177‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫المغني ‪.9/331‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق ‪.11/79‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪202‬‬
‫وأ ما الحاد يث ف قد روى م سلم وأ صحاب ال سنن عن جابر بن سمرة أن‬ ‫‪-5‬‬
‫رجلً قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه النبي (‪ ،)1‬وقال المام أحمد‪ :‬ما‬
‫نعلم أن النبي ترك الصلة على أحد إل على الغال وقاتل نفسه(‪.)2‬‬
‫بل قد جاء النهي عن تمني الموت فقد جاء في الصحيحين عن أنس أن‬
‫ر سول ال قال‪ " :‬ل يتمن ين أحد كم الموت ل ضر نزل به فإن كان ل بد متمنيا‬
‫فليقـل‪ :‬اللهـم أحينـي مـا كانـت الحياة خيرا لي وتوفنـي إذا كانـت الوفاة خيرا‬
‫لي " (‪ ،)3‬فإتلف النفـس بغيـر حـق يتعلق بـه ثلثـة حقوق‪ :‬حـق ل تعالى وحـق‬
‫للمقتول وحق لورثة المقتول‪ ،‬أما أقوال العلماء في هذا الباب فكثيرة منها ما قاله‬
‫في شرح القناع‪ " :‬وكما يحرم قتل نفسه فإنه يحرم عليه إباحة قتلها " (‪.)4‬‬
‫وبناء على ما تقدم من الن صوص فإن ن فس الن سان لي ست ملكا خال صا له‬
‫وإن ما هي أما نة عنده ل تعالى الذي خلق ها وأوجد ها وأمد ها ب ما تتم كن به من‬
‫إعمار الكون وخل فة الرض فل يباح للن سان أن يت صرف بنف سه ول يتلف ها أو‬
‫يلقيهـا فيمـا يهلكهـا بـل يجـب عليـه الحفاظ عليهـا واجتناب كـل مـا يضرهـا أو‬
‫يعرضها للخطر والهلك‪.‬‬
‫هذا هو الصل في النفس التي حرم ال تعالى‪:‬‬
‫وإن بذل جزء من هذا البدن وإيثار إنسان آخر به لهو تصرف من النسان‬
‫فيما ل يملك وافتيات على أمانة لديه بغير مبرر‪ ،‬وال أمر بحفظ المانات وأعظم‬
‫المانات هي أمانة النفس والدماء فقد جاء في الحديث‪ " :‬إن أول ما يقضي يوم‬
‫القيامة هي الدماء " (‪ )5‬لعظم حرمتها وجسامة خطرها‪ ،‬هذا هو ما يمكن عرضه‬
‫– الن – من عدم جواز اليثار بالنفس أو بطرف منها لخر‪ ،‬وال أعلم(‪.)6‬‬
‫أدلة المجوزين ‪:‬‬
‫() أخرجه مسلم في الجنائز باب ترك الصلة على القاتل نفسه (‪.2/672 )978‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المبدع ‪ ،2/262‬كشاف القناع ‪ ،2/123‬السيل الجرار ‪.1/354‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري في المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في الذكر‬ ‫‪3‬‬

‫والدعاء باب تمني كراهة الموت (‪.4/2064 )2680‬‬


‫() شرح منتهى الرادات‪ :‬البهوتي ‪ ،3/385‬وكشاف القناع ‪.6/155‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه ابن حبان في صحيحه (‪.16/338 )7344‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪203‬‬
‫واستدل المجوزون للتبرع بالعضاء بالدلة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬زرع العضاء يعتـبر نوعا مـن التداوي‪ ،‬وحفـظ النفـس الذي حـث عليـه‬
‫الشارع الحكيـم‪ ،‬وفيـه إنقاذ للنفوس مـن الهلكـة‪ :‬لقوله تعالى‪  :‬ول تلقوا‬
‫بأيديكم إلى التهلكة ‪[ ‬البقرة‪ ,]195 :‬وقوله عزوجل‪  :‬ومن أحياها فكأنما أحيا‬
‫الناس جميعا ‪[ ‬المائدة‪.]32 :‬‬
‫‪ -2‬و في ن قل العضاء تفر يج للكربات‪ ،‬وتأك يد على مبدأ الترا حم والتكا فل‬
‫والتعاطف بين أفراد المجتمع‪ ،‬والحسان إلى المحتاجين والمضطرين‪ :‬فمن‬
‫الحاديث الواردة في ذلك‪:‬‬
‫" من فرج عن مسلم كربة فرج ال عنه كربة من كرب يوم القيامة " (‪.)1‬‬
‫" من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل " (‪.)2‬‬
‫" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " (‪.)3‬‬
‫" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (‪.)4‬‬
‫" ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه " (‪.)5‬‬
‫‪ -3‬وال سـبحانه وتعالى قـد مدح النصـار رضوان ال عليهـم لنهـم كانوا‬
‫ـهم‪ ،‬قال تعالى‪  :‬ويؤثرون على‬ ‫ـن على أنفسـ‬ ‫ـم المهاجريـ‬ ‫يؤثرون إخوانهـ‬
‫أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ‪[ ‬الحشر‪ ،]9 :‬وما الخصاصة إل بشدة الحاجة‬
‫وهـي تتمثـل فـي أجزاء البدن أكثـر منـه فـي غيره مـن المنافـع الدنيويـة‪،‬‬
‫() بحث‪ :‬زراعة العضاء النسانية في جسم النسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة‬ ‫‪6‬‬

‫المجمع الفقهي السنة الولى العدد الول‪ ،‬ص ‪.)16‬‬


‫() أخرجه البخاري في المظالم باب ل يظلم المسلم المسلم ول يسلمه (‪.2/863 )2310‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه المام أحمد في مسنده (‪ ،3/302 )14269‬والحاكم في مستدركه (‪ 4/460 )7277‬وقال حديث‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه‪ ،‬والبيهقي (‪.4/366 )7540‬‬


‫() أخرجه البخاري في الصلة باب تشبيك الصابع في المسجد (‪ ،1/182 )467‬ومسلم في البر والصلة‬ ‫‪3‬‬

‫باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2585‬‬


‫() أخرجه مسلم في البر والصلة باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2586‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب اليمان باب من اليمان أن يحب لخيه (‪ ،1/14 )13‬ومسلم في اليمان باب‬ ‫‪5‬‬

‫الدليل على أن من خصال اليمان (‪.1/67 )45‬‬

‫‪204‬‬
‫واليثار يكون بالمال وغيره‪ ،‬بشرط أن ل يؤدي إلى هلك المؤثـــر‪ ،‬أو‬
‫حصول ضرر بالغ به‪ ،‬لن قتل النفس محرم أشد التحريم في السلم‪.‬‬
‫ولقد جرى بين الصحابة من ضروب اليثار بالنفس بعضهم لبعض في‬
‫حالت تفقد فيها الحياة ويتوقع فيها الموت ف قد أصيب معركة اليرموك كل‬
‫من عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة فجيء‬
‫بشربة ماء وحياة كل منهم مرهونة فيها فما زالوا يتدافعونها كل واحد منهم‬
‫يؤثـر بهـا صـاحبه حتـى ماتوا جميعا رضـي ال عنهـم(‪ ،)1‬وأوجـب العلماء‬
‫رحم هم ال المداف عة عن محارم الن سان إذا صيل علي ها ولو أدت المداف عة‬
‫إلى قتله قال في القناع وشر حه‪ " :‬وإن كان الد فع لل صائل عن ن سائه ف هو‬
‫لزم لما فيه من حق ال وهو منعه من الفاحشة " (‪ ،)2‬وقال في حق المدافع‬
‫عن نفسه‪ " :‬وإن قتل المصول عليه فهو شهيد لحديث أبي هريرة قال‪ :‬جاء‬
‫رجـل فقال يـا رسـول ال‪ :‬أرأيـت أن جاء رجـل يريـد أخـذ مالي؟ قال‪ :‬ل‬
‫تعطيه‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قاتلني؟ قال‪ :‬قاتله‪ ،‬قال‪ :‬أرأيت إن قتلني؟ قال‪ :‬فأنت‬
‫شه يد " (‪ ،)3‬وغ ير ذلك من الحاد يث الشاهدة بجواز إيثار الن فس وبذل ها إذا‬
‫تحققت مصالح ذلك‪.‬‬
‫‪ -4‬هذه هـي الدلة النقليـة فـي جواز اليثار بأجزاء مـن البدن عنـد الضرورة‪،‬‬
‫وقـد أباح الشرع ارتكاب بعـض المحرمات لحفـظ النفـس وصـيانتها عـن‬
‫التلف‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إنمـا حرم عليكـم الميتـة والدم ولحـم الخنزيـر ومـا أهـل‬
‫لغير ال به فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه ‪[ ‬البقرة‪ ،]173 :‬فهذه‬
‫المحرمات أبيحت لضرورة حفظ النفس عن الهلك‪.‬‬

‫() أخرجه البيهقي في شعب اليمان (‪ ،3/260 )3484‬والطبراني في الكبير (‪ ،3/259 )3342‬والحاكم في‬ ‫‪1‬‬

‫مستدركه (‪ ،3/270 )5058‬تاريخ دمشق ‪.11/504‬‬


‫() كشاف القناع ‪.6/155‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم في اليمان باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق (‪.1/124 )140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪205‬‬
‫وقد أبيح مال الغير بغير إذنه‪ ،‬كما أبيح جرعة من الخمر إذا كان فيه‬
‫حياة إنسان في وقت ل يوجد فيه غير الخمر‪.‬‬
‫كل هذه المور أبيحت وسومح فيها حفاظا على النفس وصيانة لها عن‬
‫التلف والهلك‪ :‬فهذه النصـوص وتحليلهـا وتطبيقهـا على الواقـع سـيقت مـن‬
‫أجل إصدار حكم في إباحة حق ال تعالى من النفس البشرية التي هي ملكه‬
‫وخلقهـا لعبادتـه وطاعتـه وأوجدهـا لخلفتـه فـي أرضـه وإعمار هذا الكون‬
‫وا ستمرار نوعي ته في ها‪ ،‬و هي ن صوص في إبا حة اليثار تقا بل الن صوص‬
‫التي تحرم ذلك فتعتبر هذه النصوص المبيحة مخصصة لتلك المحرمة‪.‬‬
‫‪ -5‬فإن القاعدة الشرع ية أ نه إذا أش كل علي نا ح كم أ مر من المور نظر نا إلى‬
‫آثاره ونتائ جه وإلى مفا سده ومضاره أو م صالحه ومنافعه فإذا تجلت نتائ جه‬
‫وعرفت عواقبه أمكننا تصوره والحكم على الشيء فرع عن تصوره وحينئذ‬
‫أمكن نا الح كم الشر عي ف يه من الحلل أو الحر مة و من الوجوب أو المتناع‬
‫بحسب أحواله فإن الدين السلمي جاء لتحقيق المصالح ودفع المضار فمتى‬
‫تحققت المصلحة خالصة أو رجحت على المفسدة فهناك الباحة والجواز‪.‬‬
‫وإن تحققـت المفسـدة خالصـة أو رجحـت على المصـلحة فهناك المنـع‬
‫والتحر يم وهذه قاعدة شرع ية عا مة ت سندها الن صوص الكري مة ويدعم ها المع نى‬
‫العام الذي جاء من أجله هذا الدين القيم‪.‬‬
‫قال تعالى في المصالح الخالصة‪  :‬قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده‬
‫والطيبات من الرزق ‪[ ‬العراف‪ ,]32 :‬وقال تعالى في المفاسد الخال صة‪  :‬قل إن ما‬
‫حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪[ ‬العراف‪.]33 :‬‬
‫وقال في ما ترج حت م صلحته‪  :‬ول تجعلوا ال عر ضة ليمان كم أن تبروا‬
‫وتتقوا وت صلحوا ب ين الناس ‪[ ‬البقرة‪ ،]224 :‬وقال في ما ترج حت مف سدته‪:‬‬
‫ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من‬
‫نفعهما ‪[ ‬البقرة‪.]219 :‬‬
‫وبمثل هذه النصوص الكريمة والقواعد العامة نستطيع بكل طمأنينة وبكل‬
‫ثقـة أن نحكـم على الشياء بالحـل والحرمـة والوجوب والمنـع‪ :‬فإذا علمنـا رضـا‬

‫‪206‬‬
‫صاحب العضو المنزوع وموافق ته في حال هو متصرف بنف سه وعلمنا ضرورة‬
‫المر يض إلى ذلك الع ضو وقال الطباء الثقات أ نه بالمكان نزع ع ضو من هذا‬
‫الن سان وتركي به في هذا الن سان ال خر بل ضرر كبير يل حق المنزوع وبنجاح‬
‫محقـق أو مترجـح فـي حـق الذي سـيركب فيـه وإن المعدات والجهزة موجودة‬
‫علم نا من الن صوص الكري مة و من القوا عد الشرع ية العا مة أن الشرع الشر يف‬
‫يب يح ن قل ع ضو إن سان غ ير متضرر من نقله م نه كثيرا إلى آ خر في ضرورة‬
‫ماسة إلى ذلك العضو وأنه عمل مباح ل إثم فيه ول حرج‪.‬‬
‫وأنـه صـار فيـه إيثار كـبير مـن المعطـي سـينال مـن أجله إذا دخلتـه النيـة‬
‫الصـالحة لنقاذ هذا النسـان أجرا كـبيرا وثوابا عظيما وإن كان قريبـه فهذا هـو‬
‫أرقى مراتب البر والحسان‪ ،‬أما الخر المعطي ففي تقدير ال تعالى وتدبيره قد‬
‫أنقذت حياته المهددة واطمأنت نفسه وقد تكون هذه الحياة الباقية أفضل أيام حياته‬
‫صلحا وت قى‪ ،‬وح صل للقائم ين على ذلك والمنفذ ين ل ـه محمدة كبيرة ومفخرة‬
‫عال ية وإح سانا إلى هذا الن سان الوا قف ب ين الحياة والموت وال ل يض يع أ جر‬
‫المحسنين(‪.)1‬‬

‫أمثلة في اعتبار الشرع مصلحة حفظ الروح والعضاء مقدمة على ما سواهما‪:‬‬
‫قال المام المحدث الفقيه سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلم السلمي‪:‬‬
‫‪ "-‬وأمـا مـا ل يمكـن تحصـيل مصـلحته إل بإفسـاد بعضـه فكقطـع اليـد‬
‫المتآكلة حفظا للروح إذا كان الغالب السـلمة‪ ،‬فأنـه يجوز قطعهـا وإن‬
‫كان إفساد لها‪ ،‬لما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح‬
‫" (‪.)2‬‬
‫‪ "-‬ولو اض طر إلى أ كل النجا سات و جب عل يه أكل ها‪ ،‬لن مف سدة فوات‬
‫النفس والعضاء أعظم من مفسدة أكل النجاسات "‪.‬‬

‫() بحث‪ :‬زراعة العضاء النسانية في جسم النسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة‬ ‫‪1‬‬

‫المجمع الفقهي السنة الولى العدد الول‪ ،‬ص ‪.)19 – 16‬‬


‫() قواعد الحكام‪ :‬للعز بن عبد السلم ‪.1/87‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ "-‬وإذا و جد المض طر إن سانا ميتا أ كل لح مه‪ ،‬لن المف سدة في أ كل ل حم‬
‫ميت النسان أقل من المفسدة في فوت حياة النسان " (‪.)1‬‬
‫‪ "-‬وجاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها‪ ،‬لن م صلحة‬
‫العافية والسلمة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة " (‪.)2‬‬
‫‪ "-‬ولو كان فـي السـفينة مال أو حيوان محترم‪ ،‬لوجـب إلقاء المال‪ ،‬ثـم‬
‫الحيوان المحترم‪ ،‬لن المف سدة في فوات الموال والحيوانات المحتر مة‬
‫أخف من المفسدة في فوات أرواح الناس " (‪.)3‬‬
‫‪ "-‬نبش الموات مفسدة محرمة لما فيه من انتهاك حرمتهم‪ ،‬لكنه واجب‬
‫إذا دفنوا بغيـر غسـل أو وجهوا إلى غيـر القبلة‪ ،‬لن مصـلحة غسـلهم‬
‫وتوجههم إلى القبلة أعظم من توقيرهم بترك نبشهم " (‪.)4‬‬
‫‪ "-‬وإن دفنوا في أرض مغ صوبة جاز نقل هم‪ ،‬لن حر مة مال ال حي أ كد‬
‫من حرمة الميت " (‪.)5‬‬
‫‪ "-‬وكذلك شق جوف المرأة على الجن ين المر جو حيا ته‪ ،‬لن ح فظ حيا ته‬
‫أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه " (‪.)6‬‬
‫‪ "-‬ذبح الحيوان المأكول للتغذية مفسدة في حق الحيوان‪ ،‬لكنه جاز تقديما‬
‫لمصلحة بقاء النسان على مصلحة بقاء الحيوان " (‪.)7‬‬
‫وهكذا نجـد أن قواعـد الشريعـة تنظـر إلى مصـلحة حفـظ الروح والنفـس‬
‫والعضاء والعافية والسلمة‪ ،‬ومصلحة بقاء النسان‪ ،‬كمصلحة راجحة‪ ،‬كما هو‬
‫مقرر في المثلة السابقة وأشباهها‪.‬‬

‫() المرجع السابق ‪.1/89‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع السابق ‪.1/90‬‬ ‫‪2‬‬

‫) ) المرجع السابق ‪.1/91‬‬ ‫‪3‬‬

‫) ) المرجع السابق ‪.1/96‬‬ ‫‪4‬‬

‫) ) المرجع السابق ‪/1‬نفس الموضع‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المرجع السابق ‪.1/97‬‬ ‫‪6‬‬

‫() المرجع السابق ‪.1/98‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪208‬‬
‫اعتراضات والرد عليها ‪:‬‬
‫‪ -‬ما الحكم مع وجود التمثيل ‪:‬‬
‫قد يعارض بعض الناس فيقول‪ :‬إن نقل عضو من إنسان لخر ما هو إل‬
‫تمثيل ويستدل على منعه بما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬التمث يل من هي ع نه فالن صوص الكري مة تحر مه قال في و صاياه لقواده‬
‫فـي الحرب‪ " :‬ول تمثلوا " (‪ )1‬يعنـي فـي قتلى المشركيـن‪ ،‬ولمّاـ مثّلـ‬
‫المشركون يوم أحــد بعمــه حمزة وقتلى المســلمين قال‪ " :‬وال لمثلن‬
‫بسـبعين سـيدا منهـم " (‪ )2‬فأنزل ال تعالى‪  :‬ولئن صـبرتم لهـو خيـر‬
‫للصابرين ‪[ ‬النحل‪.]126 :‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن فيـه تغييـر لخلق ال تعالى وال يقول فـي حـق وسـوسة الشيطان‪:‬‬
‫‪ ‬ولمرنهـم فليغيرن خلق ال ‪[ ‬النسساء‪ ]119 :‬وال تعالى ذكـر أنـه خلق‬
‫الن سان في أح سن تقو يم‪ ،‬وأ نه فضله على كث ير من خلق تفضيلً‪ ،‬وأ نه‬
‫سواه فعدله‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إن هذا الع مل ما هو إل تغي ير لهذا الخلق ال سوي والترك يب الحك يم وإن‬
‫كل جزء من أجزاء البدن وعضوا من أعضائه له وظائفه وله دوره الهام‬
‫في حياة الن سان وانتظام صحته وبقاء عافي ته وأ نه إذا ف قد شيئا من ذلك‬
‫اختلت صحته وساءت عافيته فالحكيم الخبير خلق النسان وصوره وشد‬
‫أسـره وخلقـه ‪ ‬وفـي أنفسـكم أفل تبصـرون ‪[ ‬الذاريات‪ ]21 :‬فالعتداء على‬
‫هذا الخلق المحكم ما هو إل هدم لهذا البناء المتقن وتخريب لذلك التصميم‬
‫الوثيق‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬إن في هذا إيلما وتعذيبا للمأخوذ منه والمعطى وكل تصرف في البدان‬
‫يؤذي ويؤلم فإنه من المور المحرمة المنهي عنها فال تعالى حرم الدماء‬
‫إل بحقها‪.‬‬

‫() سبق تخريج الحديث قريبا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البزار والبيهقي في شعب اليمان (‪ ،7/120 )9703‬والطبراني (‪ ،3/143 )2937‬رفعه صالح‬ ‫‪2‬‬

‫بن بشير المزني وهو ضعيف (مجمع الزوائد ‪.)6/119‬‬

‫‪209‬‬
‫ويجاب عن تلك الدلة المعارضة بما يلي‪:‬‬
‫إن نا ن سلم أن هذا نوع من التمث يل من هي ع نه شرعا ون سلم – أيضا – بأن‬
‫فيـه شيئا مـن تغييـر خلق ال تعالى وال تعالى ذكـر أن هذا مـن عمـل الشيطان‬
‫وإيحاءا ته الخبي ثة ول شك أيضا أن في ذلك إيلما شديدا ل من أ خذ م نه الع ضو‬
‫ولمن ركب ف يه الع ضو‪ ،‬كل هذا صحيح مسلم فيه إل أننا ن ستطيع الجا بة على‬
‫هذه العتراضات بالمور التية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬إن هذا التمث يل ل يم كن أن يقارن ب ما يع مل في الحروب والمعارك فإن‬
‫ذلك يختلف عـن هذا تمام المخالفـة ذلك أن تمثيـل الحروب يكون بجدع‬
‫النوف والذان وشـق البطون وقطـع الجهزة التناسـلية وتشويـه الجثـة‬
‫وإبقاء ذلك التشو يه الشن يع والتمث يل الفظ يع أ ما ن قل ع ضو من البدن ف هو‬
‫يتبع بعمليات التجميل وإخفاء الثار بحيث ل يحس ول يرى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إن دوافع التمثيل في الحروب هو النتقام والتشفي والبغضاء والعداء‪ ،‬أما‬
‫هذا فدافعه الرحمة والعطف والحنان من شخص محب مؤثر لنقاذ قريب‬
‫أو صديق أو حبيب مهددة حياته بالتلف‪ :‬ففرق بين الدافعين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن هذا الم سمى تمثيلً جار – الن – ب ين الطباء في عموم الم ستشفيات‬
‫ال تي ت حت إشراف الم سلمين أو ت حت إشراف غير هم‪ ،‬إل أ نه يكون بن قل‬
‫جزء من البدن إلى موضع آخر منه فكثيرا ما تؤخذ الشرايين من الساق‬
‫أو مـن غيره لسـعاف القلب أو غيره بـه ولم يعتـبر هذا عنـد عموم‬
‫المسلمين تمثيلً وتشويها يتحاشاه الناس‪ ،‬وإنما اعتبر ذلك نجاحا كبيرا في‬
‫عالم الطب وغوثا مفيدا لحياة المرضى المقعدين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬أن علماء المسـلمين قـد أجازوا شـق بطـن المرأة الميتـة فـي حالة وجود‬
‫م صلحة محق قة أو راج حة و من ذلك ما قاله العلماء في الحا مل إذا ما تت‬
‫وفي بطنها جنين حي فإنه يشق بطن أمه لخراجه حيا والتمثيل بالميت‬
‫كالتمثيل بالحي من حيث الحرمة والمنع‪.‬‬
‫قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه ال تعالى‪:‬‬

‫‪210‬‬
‫" ويغلب على الظن أن الفقهاء لو شاهدوا ترقى الطب وفن الجراحة‬
‫لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإخراجه " ويريد رحمه ال‬
‫– ب طن الحا مل الح ية – أ ما المي تة قالوه و صرحوا به‪ ،‬و قد أ صبح الن‬
‫شق ب طن الحا مل الح ية – عادة – يجري لمجرد التخلص من ألم الولدة‬
‫أو البقاء على المتعة الجنسية لسهولة أمر الشق وتحقق نجاحه ومع هذا‬
‫فإننا ل نحبذه ول نجيزه بدون عرض صحيح ومصلحة ظاهرة‪.‬‬
‫خام سا‪ :‬نعود في م ثل هذا ال مر إلى القوا عد الشرع ية ال تي قد مت الشارة إلي ها‬
‫من وزن المور‪ ،‬والحوال بميزان المصالح والمفاسد خالصة أو راجحة‪.‬‬
‫فإذا نصـبنا هذا الميزان الشرعـي واسـتعرضنا المفاسـد المترتبـة على نقـل‬
‫العضـو وجدنـا أن دعوى التمثيـل وتغييـر خلق ال الذي أتقنـه ونزع أعضاء لم‬
‫توضع إل لمنافعها الخاصة ووظائفها اللزمة‪ ،‬وأن في هذا إيلما وتعذيبا‪.‬‬
‫فهذه هي المفاسد والمضار التي يمكن أن يعارض النقل ولكننا نستطيع أن‬
‫نجيب على هذه المفاسد المتوهمة بأن هذا التمثيل الخفيف داعية الرحمة ولم يكن‬
‫داع ية الح قد المن هي ع نه وإن هذا التمث يل يجري بعده عمل ية التجم يل والتح سين‬
‫بما ل تدع له أثرا ول عاقبة‪.‬‬
‫وأ ما أ نه تغي ير لخلق فالتغي ير المن هي هو ما كان يعتقده أ هل الجاهلة من‬
‫أن هم إذا علموه في أنعام هم بتخر يق آذان ها وجدع أنوف ها وتحر يم ركوب ها تمويها‬
‫من الشيطان لتكون سائبة لت سلم بق ية أنعام هم من الع ين ويكتفون بهذا عن ح سد‬
‫الحا سد ون حو ذلك من العتقادات الفا سدة‪ ،‬و هي بعيدة عن هذا المع نى الذي لم‬
‫يق صد به تغي ير خلق ولم ي كن من إيحاء الشيطان وو سوسته‪ ،‬وإن ما يق صد م نه‬
‫ال صلح وإنقاذ الن فس البشر ية الوا جب إنقاذ ها ثم ل يس هو من تمو يه كهان أو‬
‫دجاجلة وإنمـا جاء ذلك مـن ثمار العلوم وإعمال العقول ونتائج التجارب وتحقـق‬
‫المصالح‪.‬‬
‫ثم إن إجراء ها بوا سطة الطباء المهرة والجهزة الفن ية الدقي قة م ما يد عو‬
‫بقينا إلى سلمة العاقبة وحصول المطلوب‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫وبما تقدم علمنا انتفاء المفاسد أو ضآلتها وتحقق المصالح الكبيرة الراجحة‬
‫وتيسير التنفيذ وسهولته‪.‬‬
‫وبهذا يعت قد ب كل ث قة واطمئنان على أن المشرع الحك يم ل ي قف في سبيل‬
‫تحقق مصالح عظيمة بدون مضار تذكر وإنما الشرع المطهر الخالد سيحث على‬
‫إنقاذ حياة المتضررين وإسعاف المحتاجين‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪ -‬قد يعارض أحد في نجاسة العضو المنزوع بما يلي‪:‬‬


‫أولً‪ :‬ب عض العلماء يرى نجا سة مي تة الد مي وهذا الجزء منزوع م نه و ما أب ين‬
‫من حي فهو كميته طهارة ونجاسة فكيف يوضع عضو نجس العين ل يمكن‬
‫تطهيره وكيف تؤدى العبادات التي من شرط أدائها الطهارة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬قد يكون الع ضو المنزوع من كا فر وب عض العلماء ومن هم الظاهر ية يرون‬
‫نجاسـة الدمـي الكافـر نجاسـة عينيـة فـي حال الحياة وفـي حال الممات‬
‫مستدلين بقوله تعالى‪  :‬إنما المشركون نجس ‪[ ‬التوبة‪.]28 :‬‬
‫ثالثا‪ :‬جاء في معالم التنزيل أن المسلمين لما قتلوا يوم الخندق نوفل بن عبدال بن‬
‫المغيرة المخزومـي فطلب المشركون جيفتـه بالثمـن فقال رسـول ال ‪:‬‬
‫" خذوه فإ نه ح يث الجي فة خبيث الد ية " (‪ ،)1‬م ما يدل على أن ج سد الكا فر‬
‫نجس ل يباح نزعه ووضعه في غيره إن كان مسلما فظاهر وإن كان كافرا‬
‫فالنجاسات منهي عن ملبسها واقترابها‪.‬‬

‫وللجابة على هذه العتراضات والشكالت نقول ‪:‬‬


‫أولً‪ :‬أن المسـلم ليـس بنجـس ل حيا ول ميتا فقـد جاء فـي الصـحيحين عـن أبـي‬
‫هريرة أن النبي لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب قال فانخنست‬
‫منـه فذهبـت فاغتسـلت ثـم جئت فقال‪ " :‬أيـن كنـت يـا أبـا هريرة قال جنبا‬

‫() أخرجه المام أحمد (‪.1/248 )2230‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪212‬‬
‫فكر هت أن أجال سك وأ نا على غ ير طهارة فقال‪ :‬سبحان ال أن المؤ من ل‬
‫ين جس " (‪ ،)1‬وقال البخاري‪ :‬قال‪ :‬قال ا بن عباس‪ :‬الم سلم ل ين جس حيا ول‬
‫ميتا(‪ ،)2‬وأما تغسيله بعد وفاته فليس عن نجاسة ببدنه ول عن حدث قام به‬
‫إذ لو كان تغ سيله عن وا حد منه ما لم ي فد غ سله ذلك لن الموت لزم ل ـه‬
‫مقيم معه فكيف يطهر عن الحدث أو النجس وإنما تغسيله أمر تعبدي ولعل‬
‫من الحك مة الشرع ية أن يكون الم يت في حالة نظا فة‪ ،‬فظ هر أن الم سلم ل‬
‫ين جس حيا ول ميتا‪ ،‬وإذا علم نا أن بدن الم سلم طا هر في حال الحياة و في‬
‫حال الممات فإن جزءه البائن م نه طا هر ف قد قال العلماء رحم هم ال‪ " :‬و ما‬
‫أبين من حي فهو كميتته طهارة ونجاسة " (‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬ما تقدم عن ح كم طهارة الم سلم حيا أو ميتا‪ ،‬أ ما الكا فر ف هو أيضا طا هر‬
‫البدن حيا وميتا ولذا أب يح للم سلم الزواج بالكتاب ية و هو يخالط ها ويجامع ها‬
‫وتباشـر أشياءه وأمور طهارتـه ولم يؤمـر بالتحرز منهـا ممـا يدل على‬
‫طهارتها‪.‬‬
‫أما وصفهم بأنهم نجس بالية الكريمة والحديث فإنها نجاسة معنوية بالكفر‬
‫والشرك والعتقاد وليست نجاسة مادة عينية‪ ،.‬قال ابن عباس وغيره‪ :‬الشرك هو‬
‫الذي نجسه‪.‬‬
‫وأما اغتسال الكافر إذا أسلم فأمر ثابت في إسلم قيس بن عاصم وإسلم‬
‫ثمامة بن آثال فقد أمرهما النبي بالغتسال لما أسلما(‪ ،)4‬ولكن العلماء لم يروا‬
‫أن هذا عن نجاسة أو عن حدث وإنما قال في شرح القناع وغيره‪ " :‬لن الكافر‬
‫ل يسلم غالبا من جنابة فأقيمت المظنة مقام الحقيقة " (‪.)5‬‬

‫() أخرجه البخاري في الغسل باب عرق الجنب (‪ ،1/109 )281‬ومسلم في الحيض باب الدليل على أن‬ ‫‪1‬‬

‫المسلم ل ينجس (‪.1/282 )371‬‬


‫() صحيح البخاري ‪.1/422‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الروض المربع ‪ ،1/152‬كشاف القناع ‪.1/293‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر‪ :‬سنن النسائي (المجتبى) ‪ ،1/109‬عمدة القاري ‪.12/261‬‬ ‫‪4‬‬

‫() المغني‪ :‬ابن قدامة ‪.1/133‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪213‬‬
‫وبهذا ظهر النسان مسلما كان أو كافرا ليس بنجس ل في حال الحياة ول‬
‫في حال الممات وإن ما أب ين م نه وق طع من أعضائه ف هو طا هر بطهارة أ صله‪،‬‬
‫على ما صرح به العلماء رحمهم ال تعالى وبهذا خرجنا من جميع العتراضات‬
‫ال تي قد تو جه إلى عدم إمكان ن قل ع ضو إن سان إلى إن سان آ خر ح ين ضرور ته‬
‫إليه وأنه عمل سليم من حيث اليثار به أو عدمه‪ ،‬ومن حيث حق ال فيه ومن‬
‫حيث كونه تمثيلً وتشويها ومن حيث اللم والتعذيب‪ ،‬ومن حيث طهارة العضو‬
‫مـن المسـلم أو مـن الكافـر‪ ،‬وأصـبح الحكـم بحمـد ال واضحا يطمئن القلب إلى‬
‫جوازه ويرتاح من عدم الثم والحرج فيه إن شاء ال(‪.)1‬‬
‫‪ -‬اعتراض آخر‪:‬‬
‫وهـو أن فتـح هذا الباب وهـو التـبرع بالعضاء يؤدي إلى مفاسـد كثيرة‬
‫ويعرض حياة الناس لل ستغلل والمتاجرة ب ها و قد يذ كر في هذا ال صدد حوادث‬
‫وقعت في بعض البلد ونشرتها الصحف اقترنت بالنصب والحتيال والستغلل‬
‫إما من المتبرعين باستغلل حاجة المرضى‪ ،‬وإما من المحتاجين الطالبين للتبرع‬
‫باسـتغلل فقـر المتـبرعين وحاجتهـم الماديـة فيقتضـي القول بتحريـم التـبرع أخذا‬
‫بمبدأ سد الذرائع‪.‬‬

‫والجواب‪:‬‬
‫بأن أغلب الظـن أن كثرة الفسـاد فـي باب التـبرع بالعضاء إنمـا يعود إلى‬
‫الفوضى وعدم التحديد والوضوح ونقص الرقابة والذي يقطع الشر في هذا الباب‬
‫أو يخففه إلى الدرجة التي تكون فيها مصالحه أكثر من مفاسده إنما هو تسييجه‬

‫() بحث‪ :‬زراعة العضاء النسانية في جسم النسان‪ :‬فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة‬ ‫‪1‬‬

‫المجمع الفقهي السنة الولى العدد الول‪ ،‬ص ‪.)22‬‬

‫‪214‬‬
‫بسـياج مـن القيود(‪ )2‬والشروط فالجواز ليـس مطلقا بـل هـو مقيـد بشروط كثيرة‬
‫نذكرها فيما يلي‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫شروط جواز التبرع بالعضاء‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون هذا العضو قد استقطع لعلة أصابت صاحبه‪ ،‬مثل عين تقرر‬
‫طبيا إزالت ها لمرض ها‪ ،‬و مع ذلك يم كن ال ستفادة من القرن ية لش خص‬
‫آ خر‪ ،‬فل شك في إبا حة ذلك‪ ،‬لن ف يه منف عة لن سان بدل ذهاب الع ين‬
‫دون فائدة لتدفن في التراب‪.‬‬
‫‪-2‬أن يكون المتـبرع (المعطـي) كامـل الهليـة‪ ،‬أي بالغا عاقلً‪ ،‬وكانـت‬
‫ـخ‬‫‪ 4/08/88‬بتاريـ‬ ‫ـم (‪ )1‬د‬ ‫ـلمي رقـ‬ ‫ـه السـ‬ ‫ـع الفقـ‬
‫فتوى مجمـ‬
‫‪23/5/1408‬هــ هـي التـي نصـت صـراحة على كون الباذل كامـل‬
‫الهلية‪.‬‬
‫‪-3‬ن صت جم يع الفتاوى على وجوب أن يكون البذل بدون مقا بل‪ ،‬احت سابا‬
‫لو جه ال تعالى‪ ،‬و مع هذا لم تما نع في إعطاء مبلغ من المال من قب يل‬
‫الهبـة ل المعاوضـة‪ ،‬وقـد نصـت القوانيـن الوضعيـة أيضا إلى وجوب‬
‫التـبرع‪ ،‬ومـع هذا فقـد سـمحت بإعطاء هبـة تشجيعا‪ ،‬كمـا أن تكاليـف‬
‫الفحوصات وإجراء العملية لـه ينبغي أن تتكفل بها الجهة المستفيدة أو‬
‫الدولة‪ ،‬بالضافة إلى ذلك فإن إضاعة وقت المتبرع ودخوله المستشفى‪،‬‬
‫وبقاءه فـي المنزل دون عمـل‪ ،‬ينبغـي أن يحسـب‪ ،‬وأن يعوض عنـه‬
‫تعويضا عادلً‪ ،‬ويجوز للمضطـر (المريـض) أن يبذل المال للحصـول‬
‫على دم أو عضو إذا لم يجد من يتبرع له‪.‬‬
‫‪-4‬أن ل يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية‪ ،‬لن‬
‫القاعدة الشرعية أن الضرر ل يزال بضرر مثله ول بأشد منه‪.‬‬

‫() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص ‪.184 – 181‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر‪ :‬الطبيب أدبه وفقهه ص ‪ ،218 – 216‬أبحاث فقهية طبية معاصرة‪ :‬محمد نعيم ياسين ص ‪– 160‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،163‬موت الدماغ بين الطب والشريعة ص ‪.205‬‬

‫‪215‬‬
‫‪-5‬يحرم ن قل ع ضو من إن سان حي يؤدي إلى هل كه‪ ،‬م ثل ن قل القلب أو‬
‫الكبد‪ ...‬الخ‪ ،‬لن ذلك انتحار وقتل نفس‪ ،‬وكلهما من أبشع الجرائم في‬
‫السلم‪.‬‬
‫‪-6‬أباح بعض الفقهاء نقل قرينة واحدة من إنسان حي إلى شخص أعمى‪،‬‬
‫بحيـث يسـتطيع أن يبصـر‪ ،‬وتوقـف بعـض الفقهاء فـي ذلك‪ ،‬ومنعـه‬
‫بعضهم‪ ،‬لن فيه ضررا بالغا بالمتبرع‪.‬‬
‫‪-7‬أن يكون زرع العضـو هـو الوسـيلة الطبيـة الوحيدة الممكنـة لمعالجـة‬
‫المضطـر‪ ،‬وهذا الشرط قـد ل يتحقـق فـي زرع الكلى‪ ،‬فالفشـل الكلوي‬
‫يعالج بطريقتين‪:‬‬
‫‪-1‬الديلزة (الغسيل الكلوي)‪.‬‬
‫‪-2‬زرع الكلى‪.‬‬
‫وزرع الكلى أف ضل في نتائ جه في الغالب من الديلزة‪ ،‬وإن كا نت‬
‫الديلزة ضروريـة جدا قبـل إجراء العمليـة‪ ،‬ويحتاج إليهـا بعـد إجرائهـا‬
‫لفترات متقط عة في كث ير من الحالت‪ ،‬ك ما يحتاج إلي ها ع ند ف شل عميلة‬
‫زرع الكلى بسبب الرفض أو لغير ذلك من السباب‪.‬‬
‫‪-8‬أن يكون المستقبل (‪( )Recepient‬أي الخذ للعضو أو الدم) مضطرا‪،‬‬
‫لخـذ العضـو‪ ،‬والمضطـر مـن تكون حياتـه مهددة بالموت‪ ،‬إن لم يقـم‬
‫بذلك الفعل‪.‬‬
‫‪-9‬أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققا في العادة أو غالبا‪،‬‬
‫ولذا ل يجوز إجراء زرع العضاء في المور التجريبية على النسان‪،‬‬
‫ول بـد أن تتـم هذه العمليات على حيوانات التجارب حتـى تحقـق نسـبة‬
‫نجاح عالية‪.‬‬
‫‪-10‬أن يكون إعطاء العضــو طوعا مــن المتــبرع دون إكراه مادي أو‬
‫معنوي‪.‬‬
‫‪-11‬أل يؤدي الستقطاع إلى فتنة‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫‪-12‬أن يكون تنفيذ عمليات غرس العضاء تحت إشراف مؤسسات رسمية‬
‫مؤهلة علميا وخلقيا للتحقق من الشروط والمسوغات‪.‬‬
‫‪-13‬أن ل يكون التبرع سبب أكيد للساءة إلى الكرامة مثل‪ :‬إذا كان التبرع‬
‫بالعضـو لجهـة يغلب على ظـن المتـبرع أنهـا تتجـر بأجزاء الجسـد‬
‫النساني وتستغل حاجة المرضى وتتخذ ذلك أسلوبا للربح‪.‬‬

‫‪ -4‬مسائل متعلقة بموضوع التبرع بالعضاء ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬

‫حكم بيع العضاء ‪:‬‬


‫ونحب أن ننبه هنا على أن القول بجواز التبرع بالعضاء ل يقتضي القول‬
‫بجواز بيعهـا‪ ،‬لن البيـع كمـا عرفـه الفقهاء مبادلة مال بمال بالتراضـي‪ ،‬وبدن‬
‫النسـان ليـس بمال‪ ،‬حتـى يدخـل دائرة المعاوضـة والمسـاومة‪ ،‬وتصـبح أعضاء‬
‫الج سد الن ساني محلً للتجارة والب يع والشراء‪ ،‬و هو ما حدث لل سف في ب عض‬
‫القطار الفقيرة‪ ،‬ح يث قا مت سوق أش به ب سوق النخا سين‪ ،‬لشراء أعضاء الفقراء‬
‫والمسـتضعفين مـن الناس‪ ،‬لحسـاب الغنياء‪ ،‬ونفقـت هذه التجارة الخسـيسة التـي‬
‫دخلتها " مافيا " جديدة تنافس " مافيا " المخدرات‪.‬‬
‫ولكـن لو بذل المنتفـع بالتـبرع للشخـص المتـبرع مبلغا مـن المال غيـر‬
‫مشروط ول مسمى من قبل‪ ،‬على سبيل الهبة والهدية والمساعدة‪ ،‬فهو جائز‪ ،‬بل‬
‫هـو محمود ومـن مكارم الخلق‪ ،‬وهذا نظيـر إعطاء المقرض عنـد رد القرض‬
‫أز يد من قر ضه دون اشتراط سابق‪ ،‬ف هو مشروع ومحمود‪ ،‬و قد فعله ال نبي ‪،‬‬
‫حيث رد أفضل مما أخذ‪ ،‬وقال‪ " :‬إن خياركم أحسنكم قضاء " (‪.)2‬‬

‫هل تجوز الوصية بجزء من البدن بعد الموت؟‬

‫() أجاب وأفتى في هذه المسائل فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم‪ :‬فتاوي معاصرة ‪2/534‬‬ ‫‪1‬‬

‫– ‪.540‬‬
‫() أخرجه البخاري في الوكالة باب وكالة الشاهد والغائب (‪.2/809 )2182‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪217‬‬
‫وإذا جاز للمسـلم التـبرع بجزء مـن بدنـه ممـا ينفـع غيره ول يضره‪ ،‬فهـل‬
‫يجوز له أن يوصي بالتبرع بمثل ذلك بعد موته؟‬
‫والذي يت ضح لي أ نه إذا جاز ل ـه ال تبرع بذلك في حيا ته‪ ،‬مع احتمال أن‬
‫يتضرر بذلك وإن كان احتمالً مرجوحا فل مانع أن يوصي بذلك بعد موته‪ ،‬لن‬
‫فـي ذلك منفعـة خالصـة للغيـر‪ ،‬دون احتمال أي ضرر عليـه‪ ،‬فإن هذه العضاء‬
‫تتحلل بعد أيام ويأكلها التراب‪ ،‬فإذا أوصى ببذلها للغير قربة إلى ال تعالى‪ ،‬فهو‬
‫مثاب ومأجور على ني ته وعمله‪ ،‬ول دل يل من الشرع على تحر يم ذلك‪ ،‬وال صل‬
‫الباحة‪ ،‬إل ما منع منه دليل صحيح صريح‪ ،‬ولم يوجد‪.‬‬
‫و قد قال ع مر في ب عض القضا يا لب عض ال صحابة‪ " :‬لم تم نع أخاك ما‬
‫ينفعه وهو لك نافع ؟ " (‪ )1‬وهذا ما يمكن أن يقال مثله هنا لمن منع ذلك‪.‬‬
‫و قد يقال‪ :‬إن هذا يتنا فى مع حر مة الم يت ال تي يرعا ها الشرع ال سلمي‪،‬‬
‫وقد جاء في الحديث‪ " :‬كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " (‪.)2‬‬
‫ونقول‪ :‬إن أخذ عضو من جسم الميت ل يتنافى مع ما هو مقرر لحرمته‬
‫شرعا‪ ،‬فإن حر مة الج سم م صونة غ ير منته كة‪ ،‬والعمل ية تجري ل ـه ك ما تجري‬
‫للحي بكل عناية واحترام دون مساس بحرمة جسده‪.‬‬
‫على أن الحديـث إنمـا جاء فـي كسـر العظـم‪ ،‬وهنـا ل مسـاس بالعظـم‪،‬‬
‫والمقصود منه هو النهي عن التمثيل بالجثة‪ ،‬والتشويه لها‪ ،‬والعبث بها‪ ،‬كما كان‬
‫يفعل أهل الجاهلية في الحروب‪ ،‬ول زال بعضهم يفعلها إلى اليوم‪ ،‬وهو ما ينكره‬
‫السلم ول يرضاه‪.‬‬
‫ول يعترض معترض بأن ال سلف لم يؤ ثر عن هم ف عل ش يء من ذلك‪ ،‬و كل‬
‫خيـر فـي اتباعهـم‪ ...‬فهذا صـحيح لو ظهرت لهـم حاجـة إلى هذا المـر‪ ،‬وقدروا‬

‫() أخرجه مالك في الموطأ (‪.2/746 )1431‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الجنائز باب في الصلة على المسلم (‪ ,3/212 )3207‬وابن ماجة في الجنائز باب‬ ‫‪2‬‬

‫في النهي عن كسر عظام الميت (‪ ,1/516 )1616‬والمام أحمد (‪ ,6/100 )24730‬وابن حبان في‬
‫صحيحه (‪.7/437 )3167‬‬

‫‪218‬‬
‫عليه‪ ،‬ولم يفعلوه‪ ،‬وكثير من العمال التي نمارسها اليوم لم يفعلها السلف‪ ،‬لنها‬
‫لم تكن في زمنهم‪.‬‬
‫والفتوى تتغيـر بتغيـر الزمان والمكان والعرف والحال‪ ،‬كمـا قرر ذلك‬
‫المحققون‪ ،‬وكل ما يمكن وضعه هنا من قيد هو أل يكون التبرع بالجسم كله‪ ،‬أو‬
‫بأكثر أو بما دون ذلك‪ ،‬مما يتنافى مع ما هو مقرر للميت من أحكام‪ ،‬من وجوب‬
‫تغسيله وتكفينه والصلة عليه‪ ،‬ودفنه في مقابر المسلمين‪ ...‬الخ‪ ،‬والتبرع ببعض‬
‫العضاء ل يتنافى مع شيء من ذلك بيقين (‪.)1‬‬
‫هل يجوز للولياء والورثة التبرع بجزء من ميتهم ؟‬
‫وإذا جاز تـبرع الميـت ببعـض أعضائه عـن طريـق الوصـية‪ ،‬فهـل يجوز‬
‫لورثته وأوليائه أن يتبرعوا عنه بمثل ذلك؟‬
‫قد يقال‪ :‬إن الج سم الم يت ملك صاحبه‪ ،‬ول يس ملك أوليائه وورث ته‪ ،‬ح تى‬
‫يكون لهم حق التصرف فيه أو التبرع ببعضه‪ ،‬ولكن الميت بعد موته لم يعد أهلً‬
‫للملك‪ ،‬فك ما أن ماله انت قل مل كه إلى ورث ته كذلك يم كن القول بأم ج سم الم يت قد‬
‫أ صبح من حق الولياء أو الور ثة‪ ،‬ول عل م نع الشرع من ك سر ع ظم الم يت أو‬
‫انتهاك حرمة جثته‪ ،‬إنما هو رعاية لحق الحي أكثر مما هو رعاية لحق الميت‪.‬‬
‫وقـد جعـل الشارع للولياء الحـق فـي القصـاص أو العفـو فـي حالة القتـل‬
‫العمد‪ ،‬كما قال تعالى‪  :‬ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في‬
‫القتل إنه كان منصورا ‪[ ‬السراء‪.]33 :‬‬
‫وكما أن لهم حق القصاص عنه إن شاءوا‪ ،‬أو المصالحة على الدية أو ما‬
‫هو أقل أو أكثر منها‪ ،‬أو العفو المطلق لوجه ال تعالى‪ ،‬عفوا كليا أو جزئيا‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪  :‬ف من ع في له من أخ يه ش يء فاتباع بالمعروف وأداء إل يه بإح سان ‪‬‬
‫[البقرة‪.]178 :‬‬
‫ل يبعد أن يكون لهم حق التصرف في شيء من بدنه‪ ،‬بما ينفع الغير ول‬
‫يضـر الميـت‪ ،‬بـل قـد يسـتفيد منـه ثوابا‪ ،‬بقدر مـا أفاد الخريـن مـن المرضـى‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.2/535‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪219‬‬
‫والمتضرر ين وإن لم يكون ل ـه ف يه ن ية‪ ،‬ك ما يثاب في حيا ته على ما أ كل من‬
‫زرعه من إنسان أو طير أو بهيمة‪ ،‬وما أصابه من نصب أو وصب أو حزن أو‬
‫أذى حتـى الشوكـة يشاكهـا‪ ...‬وكمـا ينتفـع بعـد موتـه بدعاء ولده خاصـة ودعاء‬
‫المسلمين عامة وبصدقتهم عنه‪ ..‬وقد ذكرنا أن الصدقة ببعض البدن أعظم أجرا‬
‫من الصدقة بالمال‪.‬‬
‫و من ه نا أرى أ نه ل ما نع من تبرع الور ثة بب عض أعضاء الم يت‪ ،‬م ما‬
‫يحتاج إليه بعض المرضى لعلجهم كالكلية والقلب ونحوهما‪ ،‬بنية الصدقة بذلك‬
‫عن الميت‪ ،‬وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعا بها(‪.)1‬‬
‫زرع عضو من كافر لمسلم ‪:‬‬
‫أمـا زرع عضـو مـن غيـر مسـلم فـي جسـم إنسـان مسـلم فل مانـع منـه‪،‬‬
‫وأعضاء النسان ل توصف بإسلم ول كفر‪ ،‬وإنما هي آلت للنسان‪ ،‬يستخدمها‬
‫وفقا لعقيدته ومنهاجه في الحياة‪ ،‬فإذا انتقل العضو من كافر إلى مسلم‪ ،‬فقد اصبح‬
‫جزءا من كيانه‪ ،‬وأداة له في القيام برسالته‪ ،‬كما أمر ال تعالى‪ ،‬فهذا كما لو أخذ‬
‫المسلم سلح الكافر وقاتل به في سبيل ال‪.‬‬
‫بل قد نقول‪ :‬إن العضاء في بدن الكا فر م سلمة م سبحة ساجدة ل تعالى‪،‬‬
‫و فق المفهوم القرآ ني‪ ،‬أن كل ما في ال سماوات والرض ساجد م سبح ل تعالى‪،‬‬
‫ولكن ل تفقهون تسبيحهم‪ ،‬فالصواب إذن أن كفر الشخص أو إسلمه ل يؤثر في‬
‫أعضاء بدنه‪ ،‬حتى القلب نفسه‪ ،‬الذي ورد وصفه في القرآن بالسلمة والمرض‪،‬‬
‫واليمان والريب‪ ،‬والموت والحياة‪ ،‬فالمقصود بهذا ليس هو العضو المحس الذي‬
‫يدخـل فـي اختصـاص الطباء والمحلليـن‪ ،‬فإن هذا ل يختلف باختلف اليمان‬
‫والكفر والطاعة والمعصية‪ ،‬إنما المقصود به (المعنى) الروحي‪ ،‬الذي به يشعر‬
‫النسان ويعقل ويفقه‪ ،‬كما قال تعالى‪  :‬فتكون لهم قلوب يعقلون بها ‪[ ‬الحج‪،]46 :‬‬
‫‪ ‬ل هم قلوب ل يفقهون ب ها ‪[ ‬العراف‪ ،]179 :‬وقوله تعالى‪  :‬إن ما المشركون ن جس‬
‫[التوبة‪ ،]28 :‬ل يراد به النجاسة الحسية التي تتصل بالبدان بل النجاسة المعنوية‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.2/536‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪220‬‬
‫التي تتصل بالقلوب والعقول ولهذا ل يوجد حرج شرعي من انتفاع المسلم بعضو‬
‫من جسد غير المسلم(‪.)1‬‬

‫المبحث الثامن‬

‫إجهاض الجنين المشوه‪ ،‬أو الناتج عن اغتصاب‬

‫‪ -1‬تعريف الجنين ‪:‬‬


‫‪-‬في اللغة‪ :‬الجنين مشتق من جن أي استتر ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫() فتاوي معاصرة ‪.2/538‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ )(2‬لسان العرب‪ :‬مادة جنن ‪ ،13/94‬القاموس المحيط‪ :‬مادة جن ‪.1/1532‬‬

‫‪221‬‬
‫‪-‬قال ابن منظور‪ :‬كل مستور جنين(‪.)1‬‬
‫‪-‬والجنين‪ :‬الولد في البطن‪ ،‬من الجنان وهو الستر لنه أجنه بطن أمه‬
‫أي ستره‪ ،‬والجمع أجنة وأجنن(‪ ،)2‬قال تعالى‪  :‬وإذا أنتم أجنة في‬
‫بطون أمهاتكم ‪[ ‬النجم‪.]32 :‬‬
‫‪-‬ويعرف الفقهاء الجنين بنفس تعريف علماء اللغة‪:‬‬
‫قال الشيخ منصور البهوتي‪ " :‬الجنين‪ :‬الولد في البطن " (‪.)3‬‬
‫وقال ابن عابدين‪ " :‬الجنين‪ :‬فعيل لمعنى مفعول من جنة إذا ستره وهو الولد‬
‫ما دام في الرحم " (‪.)4‬‬
‫‪-‬وجنين الدمي‪ :‬هو المخلوق الذي يتكون في رحم المرأة نتيجة تلقح‬
‫بويضتها مع الحيوان المنوي الذي يحتوي عليه ماء الرجل‪ ،‬ويطلق‬
‫اسم الجنين على هذا المخلوق ما دام في رحم أمه لتحقق استتاره فيه‪،‬‬
‫فيشمل جميع مراحله من حين تكونه إلى وقت ولدته(‪.)5‬‬

‫‪ -2‬تعريف الجهاض ‪:‬‬


‫لغة‪ :‬قال ابن منظور‪ :‬جهض أجهض الناقة إجهاضا وهي مجهض‪ :‬ألقت‬
‫ولدها(‪.)6‬‬
‫والجهاض‪ :‬الزلق‪ ،‬ومنه الحديث " فأجهضت جنينها " أي أسقطت‬
‫حملها‪ ،‬والسقط جهيض(‪.)7‬‬

‫‪ )(1‬لسان العرب‪ :‬مادة جنين ‪.13/94‬‬


‫‪ )(2‬القاموس المحيط‪ :‬مادة جن ‪.1/1532‬‬
‫‪ )(3‬شرح منتهى الرادة ‪ ،3/304‬كشاف القناع ‪.6/23‬‬
‫‪ )(4‬حاشية ابن عابدين ‪.6/587‬‬
‫‪ )(5‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ )(6‬لسان العرب‪ :‬مادة جهض ‪.7/131‬‬
‫‪ )(7‬النهاية في غريب الثر‪ :‬مادة جهض ‪.1/322‬‬

‫‪222‬‬
‫أما اصطلحا فقد عرف ابن عابدين الجهاض بقوله‪ :‬هو إنزال الجنين قبل‬
‫أن يستكمل مدة الحمل‪ ،‬وقال ابن حزم‪ :‬السقاط‪ :‬المرأة تتعمد قتل جنينها(‪.)1‬‬
‫هذا وقد عبر الفقهاء عن الجهاض بألفاظ متعددة منها‪ :‬النزال‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الملص‪ ،‬الخراج‪ ،‬السقاط‪ ،‬اللقاء‪ ،‬الطرح‪...‬‬

‫‪ -3‬أسباب الجهاض ‪:‬‬


‫أسـباب الجهاض كثيرة‪ :‬منهـا مـا يتعلق بالحامـل (تشوهات الرحـم‪،‬‬
‫الضطرابات الهرمونية‪ ،‬قصور القلب‪ ،‬الفات العصبية وغيرها)‪.‬‬
‫ومنها أسباب تتعلق بالجنين نفسه كأن يكون مصابا بتشوهات خلقية‪.‬‬
‫ومعظم حالت الجهاض تحصل بصورة عفوية دون تحريض خارجي‬
‫وسببها في الغالب وجود تشوهات خَلقيّة في الجنين‪ ،‬وبهذا يكون الجهاض‬
‫العفوي رحمة كبيرة من الخالق عزوجل‪ ،‬لن الجنين المشوه إذا ولد حيا كان‬
‫عالة على أهله وعلى المجتمع‪.‬‬
‫وقد يحصل الجهاض عمدا بطريقة مصطنعة باستعمال أدوية أو بعض‬
‫المواد المجهضة أو بالضرب على البطن‪.‬‬
‫ودوافع الجهاض المتعمد قد تكون مشروعة تستهدف سلمة الم ودفع‬
‫الخطر الذي يسببه بقاء الحمل في بطنها‪ ،‬وقد يكون الدافع للجهاض غير‬
‫شرعي‪ ،‬أو جنائي كأن ينتج عن العتداء على الحامل‪ ،‬أو يكون لستر جريمة‬
‫الزنا أو غير ذلك من الغراض غير المشروعة‪.‬‬
‫والجهاض المتعمد منتشر جدا في البلدان الصناعية التي تبيح الجهاض‬
‫أو تتساهل به‪ ،‬بينما تتدنى نسبته في البيئات التي تحرم الجهاض لسباب دينية‬
‫مثل معظم البلدان السلمية(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬المحلى ‪ ،11/29‬حاشية ابن عابدين ‪.6/587‬‬


‫‪ )(2‬الموسوعة الطبية الفقهية‪ :‬أحمد محمد كنعان ص ‪ ،42‬والموسوعة الفقهية الكويتية ‪.2/52‬‬
‫‪ )(3‬الموسوعة الطبية الفقهية‪ ،‬ص ‪.43 – 42‬‬

‫‪223‬‬
‫‪ -4‬نفخ الروح في الجنين ‪:‬‬
‫تتعاقـب على الجنيـن مراحـل فـي تطوره‪ ،‬وكـل مرحلة تتميـز بخصـائص‬
‫ومؤهلت جديدة‪:‬‬
‫ولقد قسم العلماء المراحل التي يمر الجنين إلى نوعين من التطور أحدهما‪:‬‬
‫تطور مادي محسوس‪ :‬وموضوعه العناصر المادية التي يتكون منها الجنين وما‬
‫يتعاقب عليها من نمو وتخليق وتسوية وتعديل وغير ذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬تطور غير محسوس موضوعه مخلوق روحاني جمع ال تعالى‬
‫بينه وبين تلك العناصر المادية من النسان في لحظة من اللحظات وجعله‬
‫مصدرا للنشطة النسانية المتميزة التي ميز بها النسان عن سائر الحياء‬
‫كالتصور والتعقل والتخيل والرادة والتفكير وقد سمى ال تعالى ورسوله هذا‬
‫المخلوق بالروح(‪.)1‬‬
‫ولقد وردت الشارة إلى كل النوعين من التطور في كتاب ال عزوجل‬
‫وفي سنة رسوله ‪.‬‬
‫يقول تعالى‪  :‬يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من‬
‫تراب‪ ،‬ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر‬
‫ل ثم لتبلغوا أشدكم‪ ،‬ومنكم‬
‫في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طف ً‬
‫من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئا ‪‬‬
‫[الحج‪.]5 :‬‬
‫وقال سبحانه‪  :‬ولقد خلقنا النسان من سللة من طين‪ ،‬ثم جعلناه نطفة في‬
‫قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما‬
‫فكسونا العظام لحما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن‬
‫الخالقين ‪[ ‬المؤمنين‪ ،]14 -12 :‬قال ابن كثير‪ :‬ثم أنشأناه خلقا آخر ‪ ‬أي نفخنا فيه‬
‫الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب‬
‫فتبارك ال أحسن الخالقين‪ ،‬وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعبدال بن‬

‫‪ )(1‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص ‪.53‬‬

‫‪224‬‬
‫عباس وأبي سعيد الخدري – رضي ال عنهم – ورواه عن التابعين ومن بعدهم‬
‫مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن البصري والضحاك والربيع بن أنس‬
‫والسدي(‪ ..)1‬وقال ابن جرير الطبري‪ :‬وأجمع أهل التفسير على ذلك ل نعلم أحدا‬
‫شذ منهم عن ذلك(‪.)2‬‬
‫وقال عزوجل‪  :‬الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين ثم‬
‫جعل نسله من سللة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع‬
‫والبصار والفئدة قليلً ما تشكرون ‪] ‬السجدة‪.[9 – 6 :‬‬
‫وعن عبدال بن مسعود قال‪ :‬حدثنا رسول ال وهو الصادق‬
‫المصدوق‪ " :‬إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما‪ ،‬ثم يكون علقة مثل‬
‫ذلك‪ ،‬ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح‪ ،‬ويؤمر‬
‫بأربع كلمات‪ :‬بكتب رزقه‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله وشقي أو سعيد " (‪.)3‬‬

‫‪ -5‬متى تنفخ الروح ؟‬


‫اتفقت كلمة الفقهاء على وقت حدوث نفخ الروح لحديث عبدال بن مسعود‬
‫الذي ذكرناه قريبا حيث حدد فيه رسول ال ذلك اليوم وأنه يكون بعد مائة‬
‫وعشرين يوم من تكون الجنين‪.‬‬
‫قال ابـن عابديـن‪ " :‬نقـل بعضهـم أن اتفـق العلماء على أن نفـخ الروح ل‬
‫يكون إل ب عد أرب عة أش هر أي عقب ها‪ ..‬ول ينا في ذلك ظهور الخلق ق بل ذلك لن‬
‫نفخ الروح إنما يكون بعد الخلق " (‪.)4‬‬
‫وقال القرافي المالكي‪ " :‬ل خلف أن الجنين في بطن أمه هي بعد الربعة‬
‫أشهر ويدل على ذلك الحديث الصحيح الوارد في نفخ الروح فيه " (‪.)5‬‬

‫تفسير ابن كثير‪ :‬لبن كثير ‪.3/242‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫جامع البيان‪ :‬للطبري ‪.10 – 18/9‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫() أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملئكة (‪ 3/1174K )3036‬ومسلم في كتاب القدر باب‬ ‫‪3‬‬

‫كيفية خلق الدمي (‪.4/2036 )2643‬‬


‫حاشية ابن عابدين ‪.1/302‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫الذخيرة ‪.2/470‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪225‬‬
‫وقال النووي‪ " :‬واتفق العلماء على أن نفخ الروح ل يكون إل بعد أربعة‬
‫أشهر " (‪.)1‬‬
‫وقال ابن رجب الحنبلي‪ " :‬فأما نفخ الروح فقد روي صريحا عن الصحابة‬
‫– رضي ال عنهم ‪ :-‬أنه إنما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما دلّ عليه‬
‫ظاهر حديث ابن مسعود " (‪.)2‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة‬
‫وعشرين يوما وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الناس " (‪.)3‬‬
‫‪ -6‬حكم إجهاض الجنين في الفقه السلمي ‪:‬‬
‫عندما جاء السلم لم يكن الجهاض المتعمد شائعا في المجتمع كما هو‬
‫شائع اليوم‪ :‬بل كانت عندهم في أيام الجاهلية عادة قتل الولد الصغار بعد‬
‫ولدتهم وهو يعرف باسم الوأد فكانوا يئدون أولدهم للتخفف من نفقاتهم وخشية‬
‫الفقر‪ ،‬أما البنات فكانوا يئدونهن خوفا من السبي والفضيحة‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬وإذا الموءودة سئلت‪ ،‬بأي ذنب قتلت ‪] ‬التكوير‪.[9 – 8 :‬‬
‫وقال عز من قال‪  :‬ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن‬
‫قتلهم كان خطئا كبيرا ‪[ ‬السراء‪.]31 :‬‬
‫أما في العصور المتأخرة عادت عادة الوأد بصورة جديدة أل وهي‬
‫الجهاض بعد أن ضعف وازع الدين في القلوب وأصبحت وسائل الجهاض‬
‫المختلفة ميسورة بين أيدي الناس‪.‬‬
‫ونظرا لما ينطوى عليه الجهاض المتعمد من أضرار بالغة على الم‬
‫والجنين‪ ،‬ولن الجنين يعد حيا من بداية الحمل وحياته محترمة في كافة أدوارها‬
‫وبخاصة بعد نفخ الروح عند نهاية الشهر الرابع‪ :‬فقد ذهب معظم الفقهاء إلى‬
‫حرمة الجهاض المتعمد إل لعذر شرعي سواء قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد‬
‫نفخ الروح‪ ،‬ورأى قلة منهم جواز الجهاض قبل نفخ الروح‪ ،‬وأجازه آخرون فقط‬
‫‪ )(1‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.16/191‬‬
‫‪ )(2‬جامع العلوم والحكم‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ )(3‬تفسير القرطبي ‪.12/8‬‬

‫‪226‬‬
‫قبل الربعين يوما من عمر الجنين اعتمادا على بعض الحاديث التي ورد فيها‬
‫أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد الربعين يوما(‪.)1‬‬
‫وفيما يلي تفصيل لهذه القوال حسب المراحل الجنينية‪:‬‬
‫‪-1‬مرحلة الربعين الولى (النطفة)‪ :‬يرى إباحة إسقاط الجنين فيها معظم‬
‫فقهاء الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء الشافعية‪ ،‬ومعظم فقهاء الحنابلة‪ ،‬واللخمي‬
‫من فقهاء المالكية‪ ،‬ويرى تحريمه معظم فقهاء المالكية‪ ،‬ويعض فقهاء‬
‫الحنفية‪ ،‬والغزالي من فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن الجوزي من فقهاء‬
‫الحنابلة(‪.)2‬‬
‫‪-2‬مرحلة الربعين الثانية (العلقة)‪ :‬يرى إباحة الجهاض فيها معظم فقهاء‬
‫الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن عقيل من فقهاء الحنابلة‪ ،‬ويرى‬
‫تحريم ذلك جميع فقهاء المالكية‪ ،‬وبعض فقهاء الحنفية‪ ،‬ومعظم فقهاء‬
‫الحنابلة‪ ،‬والغزالي من فقهاء الشافعية(‪.)3‬‬
‫‪-3‬مرحلة الربعين الثالثة (المضغة)‪ :‬يرى إباحة الجهاض فيها معظم‬
‫فقهاء الحنفية‪ ،‬وجمهور فقهاء الشافعية‪ ،‬وابن عقيل من الحنابلة‪ ،‬ويرى‬
‫تحريمه جميع فقهاء المالكية‪ ،‬ومعظم فقهاء الحنابلة‪ ،‬وبعض الحنفية‪،‬‬
‫والغزالي من فقهاء الشافعية‪ ،‬وتابعه في ذلك اثنان آخران منهم‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن هذه المرحلة تعتبر حريما لنفخ الروح(‪.)4‬‬
‫‪-4‬يتفق جميع الفقهاء على أن الجهاض قبل تمام الشهر الربعة الولى‬
‫من عمر الجنين يختلف في حقيقته وحكمه الشرعي الدقيق‪ ،‬عن‬

‫‪ )(1‬فتح الباري ‪.11/484‬‬


‫() الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪ ،2/267‬فتح العلي المالك ‪ ،1/399‬حاشية ابن عابدين ‪،591 – 6/590‬‬ ‫‪2‬‬

‫إحياء علوم الدين ‪ ،2/53‬النصاف ‪.1/386‬‬


‫() البحر الرائق ‪ ،8/387‬شرح فتح القدير ‪ ،2/495‬حاشية ابن عابدين ‪ ،6/591‬نهاية المحتاج ‪،8/416‬‬ ‫‪3‬‬

‫حاشية قليوبي وعميرة ‪ ،160 – 3/159‬النصاف ‪ ،1/386‬الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪.2/267‬‬
‫() شرح فتح القدير ‪ ،2/495‬حاشية ابن عابدين ‪ ،1/302‬شرح الكبير مع حاشية الدسوقي ‪ ،2/267‬فتح‬ ‫‪4‬‬

‫العلي المالك ‪ ،400 – 1/399‬بداية المجتهد ‪ ،2/416‬نهاية المحتاج ‪ ،8/416‬حاشية قليوبي ‪ 3/160‬و‬
‫‪ ،5/490‬المغني ‪ ،9/539 ،2/398‬الفروع ‪ ،6/191‬النصاف ‪.1/386‬‬

‫‪227‬‬
‫الجهاض بعدها‪ ،‬ول يساويه‪ ،‬فهم ل يعدونه قتلً لدمي‪ ،‬ول يرتبون‬
‫عليه إثم القتل‪ ،‬قال ابن قدامة‪ " :‬وأما قبل نفخ الروح فل يكون الجنين‬
‫نسمة فل يصلى عليه‪ ،‬كالجمادات والدم " (‪ ،)1‬وأكد ابن حزم على هذه‬
‫الحقيقة‪ :‬وأن إسقاط الجنين قبل الربعة الشهر ل يعد إزهاقا لروح‬
‫آدمي‪ ،‬ول نقلً من الحياة إل الموت(‪ ،)2‬ومثل ذلك نقل الشوكاني عن‬
‫المام الشافعي قوله‪ " :‬إنما يغسل لربعة أشهر إذ يكتب في الربعين‬
‫الرابعة رزقه وأجله‪ ،‬و إنما ذلك للحي " (‪.)3‬‬
‫ونقل عن غيره قوله‪ " :‬إنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح‪ ،‬وهو أن‬
‫يستكمل أربعة أشهر‪ ،‬فأما إن سقط لدونها فل‪ ،‬لنه ليس بميت‪ ،‬إذ لم ينفخ‬
‫فيه روح " (‪.)4‬‬

‫المغني ‪.2/398‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫المحلى ‪.8/33‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫نيل الوطار ‪.4/83‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪228‬‬
‫‪-5‬وإذا كان المر كذلك‪ ،‬وأن إسقاط الجنين قبل نفخ الروح ل يعتبر قتلً‬
‫لدمي باتفاق الفقهاء‪ ،‬فإنا نرى‪ :‬أن جواز السقاط في هذه المرحلة‬
‫لعذر معقول ل تأباه مختلف المذاهب الفقهية‪.‬‬
‫أما على مذهب القائلين بالباحة فالمر واضح‪ ،‬وأما على مذهب القائلين بالتحريم‬
‫فأغلب الظن أنهم ل يقصدون شمول التحريم لحالة العذر‪ ،‬حتى عند المالكية الذي‬
‫تشددوا في هذه المسألة وجد من علمائهم من رأى ضرورة تقييد التحريم الذي‬
‫اعتمده المذهب بأن ل يكون الحمل نتيجة الزنى‪ ،‬فإن كان كذلك فل تحريم‪،‬‬
‫وبخاصة إذا خافت المرأة على نفسها عند ظهور الحمل(‪.)1‬‬
‫وإذا كان الفقهاء لم يذكروا إل قليلً من العذار‪ ،‬كالخوف على الرضيع من‬
‫الهلك بانقطاع لبن أمه بالحمل مع تعذر البديل‪ ،‬فإنما كان ذلك منهم متناسبا مع‬
‫معارفهم الطبية‪ ،‬ولم يكن عندهم من العلم في هذا المجال ما يمكنهم من معرفة‬
‫كثير من الفات التي قد تصيب الجنين‪ ،‬أو تصيب أمه إذا بقي في بطنها حتى‬
‫الولدة‪.‬‬
‫واليوم حيث تقدمت العلوم الطبية‪ ،‬صار في مقدور الطبيب أن يدرك‬
‫أنواعا من المخاطر على الحمل إذا بقي‪ ،‬وأنواعا من المخاطر على الحامل إذا‬
‫ترك الجنين إلى آخر أشهر الحمل‪ ،‬وهي أعذار ل تقل في أهميتها عما ذكر‬
‫الفقهاء‪ ،‬فينبغي أن تحمل مذاهبهم على اعتبارها(‪.)2‬‬
‫على أن العذار الشرعية التي يباح لها الجهاض قبل نفخ الروح ل ينبغي‬
‫فتح الباب فيها على مصراعيه حتى ل يحشر فيها ما ليس منها‪.‬‬
‫والحتياط في ذلك ينصح بأن ل تجري عمليات الجهاض إل في‬
‫مستشفيات محددة‪ ،‬ول يجريها أي طبيب بل تعرض الحالت على لجنة من‬
‫الطباء المسلمين العدول وبعض أهل الختصاص الشرعي لتقدير العذار‬
‫وكفايتها من الناحية الصحية والشريعة(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬فتح العلي المالك ‪.1/399‬‬


‫‪ )(2‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫‪ )(3‬المرجع السابق‪.223 ،‬‬

‫‪229‬‬
‫وهل تشوه الجنين‪ ،‬أو حالة الغتصاب عذر شرعي فهذا ما سنبينه فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -7‬حكم إجهاض الجنين المشوه ‪:‬‬
‫بناء على ما أوردناه من كلم الفقهاء في موضوع إجهاض الجنين عموما‬
‫والتفريق عندهم بين أن يكون الجهاض بعذر أو بغير عذر‪ ،‬ومتى يكون ذلك‬
‫قبل نفخ الروح أو بعده فالذي ذهب إليه كثير من العلماء‪ :‬أن إجهاض الجنين في‬
‫مرحلة قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوما على الحمل – إذا‬
‫ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية موثوقة مختصة أن الجنين مشوه تشويها خطيرا‬
‫غير قابل للعلج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلما عليه‬
‫وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين(‪.)1‬‬
‫أما بعد نفخ الروح فيه فإن إجهاض الجنين المشوه ل يزال باقٍ على عموم‬
‫(‪)2‬‬
‫تحريم الجهاض فل يجوز ول يحل لما يأتي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬عموم النهي من كتاب ال وسنة رسول ال عن قتل النفس التي حرم‬
‫ال إل بالحق‪ ،‬وهذه نفس قد اكتسبت الحياة وأصبح لها حكم نفس الدميين‬
‫المعصومين ولذا لو جني عليه في بطن أمه ثم سقط حيا ومات ففيه دية كاملة‬
‫فإن سقط ميتا ففيه غرة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يوجد نصوص تشمل مثل هذه الحالة بالتحريم وتتناولها بالحكم فمن‬
‫ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول ال ‪ " :‬ل‬
‫يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به فإن كان لبد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت‬
‫الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي " (‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬انظر فتوى المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي في دورته الثانية عشرة‪.‬‬
‫‪ )( 2‬بحث لفضيلة الشيخ عبدال آل عبدالرحمن البسام عضوا لمجلس المجمع الفقهي وعضو التمييز بالمنطقة‬
‫الغربية بالمملكة العربية السعودية (الجنين المشوه والمراض الوراثية‪ :‬د‪ .‬محمد علي البار‪ ،‬ص ‪.)471‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في كتاب‬
‫الذكر والدعاء باب تمني كراهة الموت (‪.4/2064 )2680‬‬

‫‪230‬‬
‫من الصلة على‬ ‫وقصة الذي جرح نفسه فعجل بنفسه إلى النار وامتنع‬
‫الذي قتل نفسه بمشاقص(‪.)1‬‬
‫مما يدل على أن قتل النفس جريمة كبيرة‪ ،‬هذا في حق من قتل نفسه وهو‬
‫صاحب الحق فيها فكيف بمن يعتدي عليه ويقتله غيره استضعافا له‪.‬‬
‫أما كلم العلماء في ذلك فقد قال فقهاؤنا واللفظ لشرح القناع (ول يجوز‬
‫قتل البهيمة للراحة كالدمي المتألم بالمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد‬
‫لنه معصوم ما دام حيا)(‪.)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬بعد أن اكتسب الجنين الحياة وصار إنسانا فإن له الحق في بقائه حيا‬
‫على أي حال يكون ول يحل لحد أن ينزع منه هذه الحياة التي وهبه ال إياها‪،‬‬
‫وتقدم أنه يتعلق بالقتل العمد ثلثة حقوق‪ :‬حق ل وحق للورثة وحق للمقتول‪،‬‬
‫وإذا كان ال تعالى حرّم علينا قرب أموال الضعفاء إل بالتي هي أحسن فكيف‬
‫يحل لنا القضاء على حياتهم؟! وكم رأينا من مشوهين ل يستطيع النسان أن‬
‫يثبت نظره إلى خلقتهم وهم راضون بخلقتهم بل لقد سمعنا أن كثيرا منهم عرض‬
‫عليهم إزالة هذا التشويه فلم يرضوا بذلك لنهم وجدوا في هذه العاهات مصدر‬
‫ثروة لهم لما يلقونه من العطف والشفقة والحسان من الناس‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬في ولدتهم على هذه الحالة عظة للمعافين ففي الحديث‪ " :‬اللهم كما‬
‫حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار " (‪ ،)3‬وعن عمر أن رسول‬
‫ال قال‪ " :‬من رأى صاحب بلء فقال‪ :‬الحمد ل الذي عافاني مما ابتلك به‬
‫وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلً لم يصبه ذلك البلء أبدا كائنا ما كان ما‬
‫عاش " (‪.)4‬‬

‫‪ )(1‬أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ترك الصلة على القاتل نفسه (‪.2/672 )978‬‬
‫‪ )(2‬كشاف القناع ‪.5/495‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه أحمد (‪ ،6/68 )24441‬والبيهقي في شعب اليمان (‪ ،6/364 )8543‬وصححه ابن حبان (‪)959‬‬
‫‪( ،3/239‬فتح الباري ‪.)10/456‬‬
‫‪ )( 4‬أخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب ما يدعو به الرجل إذا نظر إلى أهل البلء (‪،2/1281 )3892‬‬
‫والترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول إذا رأى مبتلى (‪ ،5/493 )3431‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث‬
‫غريب‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫خامسا‪ :‬فيه معرفة لقدرة ال تعالى وتحقيقا لقوله تعالى‪  :‬هو الذي‬
‫يصوركم في الرحام كيف يشاء ‪[ ‬آل عمران‪ ]6 :‬فال تعالى يري خلقه مظاهر‬
‫قدرته وعجائب صنعه وحين ولد عيسى بل أب قال تعالى‪  :‬ولنجعله آية‬
‫للناس ‪[ ‬مريم‪ ،]21 :‬أي برهانا على كمال القدرة اللهية‪ ،‬فإجهاضه محادة لهذه‬
‫الرادة‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬إن قتلهم ثم إجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر المور المعنوية‬
‫أي نظرة‪.‬‬
‫ومن الغلط والخطاء أن الباحث والمحقق ل ينظر إلى الشيء إل من‬
‫زاوية واحدة ول يدرسه من جميع جوانبه ويتحقق عن المقاصد والمور‬
‫والهداف المرادة من هذه الشياء‪ ،‬فكثير من المور منوطة بنتائجها ومرهونة‬
‫بثمراتها‪.‬‬
‫ن سامية ومقامات‬ ‫ونحن إذا تدبرنا المراد من خلق النسان فنجده خلق لمعا ٍ‬
‫عالية هي أعز وأغلى من هذه الحياة الدنيا وما فيها من ملذات ومتع فقد خلقه ال‬
‫لعبادته قال تعالى‪  :‬وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون ‪[ ‬الذاريات‪.]56 :‬‬
‫وينتج عن تحقيق عبادته وإنفاذ إرادته الشرعية السعادة البدية في الدار‬
‫الخرة وإجهاض هذا الدمي البريء حرمان له من كمال سعادته الخروية‪.‬‬
‫فإننا إذا أخذنا هذا المعنى السامي في حق الخلق وجدنا أن هذا التشويه مما‬
‫يزيده تحقيقا لهذه الغاية المرادة منه والرادة المتعلقة بإيجاده فوجودها فيه أدعى‬
‫إلى ذله ومسكنته لربه وصبره عليها احتسابا منه الجر الكبير‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬م سألة تشوه الجن ين لي ست متق نة ف قد ي ظن أن الجن ين مشوّه ويولد‬
‫سليما‪ ،‬كما حدث ذلك مرات عديدة‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫‪ -8‬قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط الجنين المشوّه ‪:‬‬
‫الحمد ل وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده سيدنا ونبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وسلم‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي في دورته‬
‫الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت ‪ 15‬رجب‬
‫‪1410‬هـ الموافق ‪ 10‬فبراير ‪1990‬م إلى يوم السبت ‪ 22‬رجب ‪1410‬هـ‬
‫الموافق ‪ 17‬فبراير ‪1990‬م قد نظر في هذا الموضوع وبعد مناقشته من قبل هيئة‬
‫المجلس الموقرة ومن قبل أصحاب السعادة الطباء المختصين الذي حضروا لهذا‬
‫الغرض‪ ،‬قرر بالكثر ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما ‪:‬‬
‫إذا كان الحمـل قـد بلغ مائة وعشريـن يوما ل يجوز إسـقاطه ولو كان‬
‫التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إل إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الطباء‬
‫الثقات المختصـين أن بقاء الحمـل فيـه خطـر مؤكـد على حياة الم يجوز إسـقاطه‬
‫سواء كان مشوها أو ل دفعا لعظم الضررين‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما ‪:‬‬
‫قبل مرور مائة وعشرين يوما على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية‬
‫من الطباء المختصين الثقات‪ ،‬وبناء على الفحوص الفنية بالجهزة والوسائل‬
‫المختبرة أن الجنين مشوّه تشويها خطيرا غير قابل للعلج وأنه إذا بقي وولد في‬
‫موعده ستكون حياته سيئة وآلما عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على‬
‫طلب الوالدين‪.‬‬
‫والمجلس إذا يقرر ذلك يوصي الطباء والوالدين بتقوى ال والتثبت في‬
‫هذا المر‪ ،‬وال ولي التوفيق‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫‪ -9‬حكم إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يقول فضيلة الشيـخ الدكتور يوسـف القرضاوي مجيبا عـن هذا السـؤال‪:‬‬
‫" لقد سُئلتُ مثل هذا السؤال من قبل من أخوة في أرتيريا فعل ببناتهم وأخواتهم‬
‫الجنود الن صارى في ج يش ما ي سمى الجب هة الشعب ية لتحر ير أرتير يا‪ ،‬ما يف عل‬
‫جنود الصرب اليوم بشعب البوسنا الحرائر‪.‬‬
‫وقبل ذلك بسنوات أرسلت جماعة من النساء المؤمنات المعتقلت ظلما‪،‬‬
‫من داخل سجون الظلمة الطغاة في بعض البلد بنفس السؤال إلى عدد من‬
‫العلماء في البلد العربية‪ :‬ماذا يصنعن فيما تحمله أرحامهن من حمل حرام ل‬
‫ذنب لهن فيه‪ ،‬ول اختيار لهن فيه؟‬
‫وأحب أن أؤكد أولً‪ :‬أن هؤلء النسوة من أخواتنا وبناتنا‪ ،‬ليس عليهن أي‬
‫ذنب فيما حدث لهن‪ ،‬ما دمن قد رفضن وقاومن في أولى المر‪ ،‬ثم أكرهن عليه‬
‫تحت أسنة الرماح‪ ،‬وضغط القوة الباطشة‪ ،‬وماذا تصنع أسيرة أو سجينة مهيضة‬
‫الجناح‪ ،‬أمام آسر أو سجان مدجج بالسلح؟ ل يخشى خالقا‪ ،‬ول يرحم مخلوقا؟!‬
‫وال تعالى قد رفع الثم عن المكره فيما هو أشد من الزنى‪ ،‬وهو الكفر‪،‬‬
‫والنطق به‪ ،‬قال تعالى‪  :‬إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان ‪[ ‬النحل‪.]106 :‬‬
‫بل رفع القرآن الثم عن النسان في حالة الضرورة القاهرة‪ ،‬وإن بقي لـه‬
‫شيء من الختيار الظاهري‪ ،‬وما ذاك إل لن ضغط الضرورة أقوى منه‪ ،‬قال‬
‫تعالى بعد أن ذكر الطعمة المحرمة‪  :‬فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه‬
‫إن ال غفور رحيم ‪[ ‬البقرة‪.]173 :‬‬
‫والنبي قال‪ " :‬إن ال وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا‬
‫عليه " (‪ ،)2‬بل إن هؤلء البنات والخوات يؤجرن على ما أصابهن من بلء‪ ،‬إذا‬
‫تمسكن بإسلمهن الذي ابتلين وامتحن من أجله‪ ،‬واحتسبن ما نالهن من الذى عند‬
‫ال عزوجل‪ ،‬وقد قال رسول ال ‪ " :‬ما يصيب المسلم من نصب ول وصب‪،‬‬
‫‪ )(1‬فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.612 – 2/610‬‬
‫‪ )( 2‬ابن ماجة في الطلق باب طلق المكره (‪ ،1/659 )2045‬وصححه الحاكم ‪ ،2/198‬ووافقه الذهبي‬
‫والبيهقي في سننه ‪.7/356‬‬

‫‪234‬‬
‫ول هم ول حزن‪ ،‬ول أذى ول غم – حتى الشوكة يشاكها – إلى كفّر ال بها من‬
‫خطاياه " (‪.)1‬‬
‫فإذا كان المسلم يثاب في الشوكة يشاكها‪ ،‬فكيف إذا انتهك عرضه أو لوث‬
‫شرفه؟!‬
‫ومن أجل هذا أنصح للشباب المسلم أن يتقرب إلى ال تعالى بالزواج من‬
‫إحدى هؤلء الفتيات‪ ،‬رفقا بحالهن‪ ،‬ومداواة لجرحهن‪ ،‬وهو جرح نفسي قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬ناشئ عن إحساسهن بأنهن فقدن أعز ما تملكه فتاة شريفة طاهرة‪ ،‬وهو‬
‫عذريتها‪.‬‬
‫أما إجهاض الحمل‪ ،‬فقد بينا في فتوى سابقة أن الصل في الجهاض هو‬
‫المنع‪ ،‬منذ يتم العلوق‪ ،‬أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبويضة النثوية‪،‬‬
‫وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد‪ ،‬ويستقر في قراره المكين في الرحم‪.‬‬
‫فهذا الكائن لـه احترامه وإن جاء نتيجة اتصال محرم كالزنى‪ ،‬وقد أمر‬
‫الرسول المرأة الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم‪ ،‬أن تذهب بجنينها‬
‫حتى تلد‪ ،‬ثم بعد الولدة تذهب به حتى يفطم‪.‬‬
‫وهذا ما أختاره للفتوى في الحالت العادية‪ ،‬وإن كان هناك من الفقهاء من‬
‫يجيز الجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يوما على الحمل‪ ،‬عملً ببعض‬
‫الروايات التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين‬
‫يوما‪.‬‬
‫بل من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثلث أربعينات أي قبل‬
‫مائة وعشرين يوما‪ ،‬عملً بالرواية الشهر بأن نفخ الروح يتم بعد ذلك‪.‬‬
‫والذي نرجحه هو ما ذكرناه أولً‪ ،‬ولكن في حالت العذار ل بأس بالخذ‬
‫بأحد القولين الخرين‪ ،‬وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر‪ ،‬وكلما كان‬
‫ذلك قبل الربعين الولى كان أقرب إلى الرخصة‪.‬‬

‫‪ )(1‬أخرجه البخاري في المرضى باب ما جاء في كفارة المرض (‪.5/2137 )5318‬‬

‫‪235‬‬
‫ول ريب أن الغتصاب من عدو كافر فاجر‪ ،‬معتد أثيم‪ ،‬لمسلمة عذراء‬
‫طاهرة‪ ،‬عذر قوي‪ ،‬لدى المسلمة ولدى أهلها‪ ،‬وهي تكره هذا الجنين – ثمرة‬
‫العتداء الغشوم – وتريد التخلص منه‪ ،‬فهذه رخصة يفتى بها للضرورة‪ ،‬التي‬
‫تقدر بقدرها‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا في المر‪ ،‬ومنعوا السقاط ولو‬
‫بعد يوم واحد من الحمل‪ ،‬بل هناك من حرموا مجرد المتناع الختياري عن‬
‫النجاب‪ ،‬بمنع الحمل من قبل الرجل أو المرأة أو كليهما‪ ،‬مستدلين بما جاء في‬
‫بعض الحاديث من تسمية (العزل) بـ (الوأد الخفي)‪ ،‬فل غرو أن يحرم‬
‫الجهاض بعد الحمل‪.‬‬
‫والرجح هو التوسط بين المتوسعين في الجازة‪ ،‬والمتشددين في المنع‪،‬‬
‫والقول بأن (البيضة) منذ يلقحها المنوي أصبحت (إنسانا) إنما هو لون من‬
‫(المجاز) في التعبير‪ ،‬فالواقع أنها (مشروع إنسان)‪.‬‬
‫صحيح أن هذا الكائن يحمل الحياة‪ ،‬ولكن الحياة درجات ومراتب‪،‬‬
‫والحيوان المنوي نفسه يحمل الحياة‪ ،‬والبيضة قبل تلقيحها أيضا تحمل الحياة‪،‬‬
‫ولكن هذه وتلك ليست هي الحياة النسانية التي تترتب عليها الحكام‪.‬‬
‫ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر‪ ،‬الذي يقدره أهل الرأي‬
‫من الشرعيين والطباء والعقلء من الناس‪ ،‬وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع‪.‬‬
‫وخاصة إذا علمنا أن النبي لم يأمر الغامدية التي زنت بإسقاط حملها‬
‫بل قال لها ‪ " :‬ارجعي حتى تضعي ما في بطنك " (‪.)1‬‬
‫على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها‪ ،‬أن تحتفظ‬
‫بهذا الجنين‪ ،‬ول حرج عليها شرعا‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬ول تجبر على إسقاطه‪ ،‬وإذا‬
‫قدر لـه أن يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل ووضعته‪ ،‬فهو طفل مسلم‪ ،‬كما‬

‫‪ )(1‬أخرجه البزار ورجاله ثقات إل أن العمش لم يسمع من أنس (مجمع الزوائد ‪.)6/252‬‬

‫‪236‬‬
‫والفطرة هي التوحيد وهي‬ ‫قال النبي ‪ " :‬كل مولود يولد على الفطرة "‬
‫(‪)2‬‬

‫السلم‪.‬‬
‫ومن المقرر فقها‪ :‬أن الولد إذا اختلف دين أبويه‪ ،‬يتبع خير البوين دينا‪،‬‬
‫وهذا فيمن له أب يعرف‪ ،‬فكيف بمن ل أب له؟ إنه طفل مسلم بل ريب‪.‬‬
‫وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته والنفاق عليه‪ ،‬وحسن تربيته‪ ،‬ول‬
‫يدع العبء على الم المسكينة المبتلة‪ ،‬والدولة في السلم مسئولة عن هذه‬
‫الرعاية بواسطة الوزارة أو المؤسسة المختصة‪ ،‬وفي الحديث المتفق عليه‪:‬‬
‫" كلكم راع‪ ،‬وكلكم مسئول عن رعيته " (‪.)1‬‬

‫‪ )(2‬أخرجه البخاري في الجنائز باب ما قيل في أولد المشركين (‪.1/465 )1317‬‬


‫‪ )(1‬أخرجه البخاري في الستقراض باب العبد راع في مال سيده (‪.2/848 )2278‬‬

‫‪237‬‬
‫المبحث التاسع‬

‫الستنساخ‬

‫‪ -1‬تعريف الستنساخ ‪:‬‬


‫الستنساخ لغةً‪ :‬نسخ الشيء ينسخه نسخا وانتسخه واستنسخه اكتتبه عن‬
‫معارضة‪ ،‬والنسخ اكتتابك كتابا عن كتاب حرفٍ بحرف‪ ،‬والصل نسخة‬
‫والمكتوب عنه نسخة لنه قام مقامه وال سبحانه وتعالى يقول‪  :‬إنا كنا نستنسخ‬
‫ما كنتم تعملون ‪[ ‬الجاثية‪ ]29 :‬أي نستنسخ ما تكتب الحفظة فيثبت عند ال(‪.)1‬‬
‫والستنساخ اصطلحا وفق قرار مجمع الفقه السلمي الدولي‪ :‬من المعلوم‬
‫أن سنة ال في الخلق أن ينشأ المخلوق البشري من اجتماع نطفتين اثنتين تشتمل‬
‫نواة كل منهما على عدد من الصبغيات (الكروموسومات) يبلغ نصف عدد‬
‫الصبغيات التي في الخليا الجسدية للنسان‪ ،‬فإذا اتحدت نطفة الب (الزوج)‬
‫التي تسمى الحيوان المنوي بنطفة الم (الزوجة) التي تسمى البييضة‪ ،‬تحولتا معا‬
‫إلى نطفة أمشاج أو لقيحة‪ ،‬تشتمل على حقيبة وراثية كاملة وتمتلك طاقة التكاثر‪،‬‬
‫فإذا انغرست في رحم الم تنامت وتكاملت وولدت مخلوقا مكتملً بإذن ال‪ ،‬وهي‬
‫في مسيرتها تلك تتضاعف فتصير خليتين متماثلتين فأربعا فثمانية‪ ...‬ثم تواصل‬
‫تضاعفها حتى تبلغ مرحلة تبدأ عندها بالتمايز والتخصص‪ ،‬فإذا انشطرت إحدى‬
‫خليا اللقيحة في مرحلة ما قبل التمايز إلى شطرين متماثلين تولد منهما توأمان‬
‫متماثلن‪ ،‬وقد أمكن في الحيوان إجراء فصل اصطناعي لمثال هذه اللقائح‬
‫فتولدت منها توائم متماثلة‪ ،‬ولم يبلغ بعد عن حدوث مثل ذلك في النسان‪ ،‬وقد‬
‫عدّ ذلك نوعا من الستنساخ أو التنسيل‪ ،‬لنه يولد نسخا أو نسائل متماثلة‪ ،‬وأطلق‬ ‫ُ‬
‫عليه اسم الستنساخ بالتشطير‪.‬‬

‫() لسان العرب‪ :‬مادة نسخ ‪.3/68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪238‬‬
‫وثمة طريقة أخرى لستنساخ مخلوق كامل‪ ،‬تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية‬
‫الكاملة على شكل نواة من خلية من الخليا الجسدية‪ ،‬وإيداعها في خلية بييضة‬
‫منزوعة النواة فتتألف بذلك لقيحة تشمل على حقيبة وراثية كاملة‪ ،‬وهي في‬
‫الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر‪ ،‬فإذا غرست في رحم الم تنامت وتكاملت‬
‫وولدت مخلوقا مكتملً بإذن ال‪ ،‬وهذا النمط من الستنساخ الذي يعرف باسم‬
‫(النقل النووي) أو (الحلل النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة‬
‫استنساخ إذا أطلقت‪ ،‬وهو الذي حدث في النعجة "دولي"‪ ،‬على أن هذا المخلوق‬
‫الجديد ليس نسخة طبق الصل‪ ،‬لن بييضة الم المنزوعة النواة تظل مشتملة‬
‫على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة‪ ،‬ولهذه البقايا أثر ملحوظ‬
‫في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية‪ ،‬ولم يبلغ أيضا عن حصول‬
‫ذلك في النسان‪.‬‬
‫فالستنساخ إذا هو‪ :‬توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية‬
‫جسدية إلى بييضة منزوعة‪ ،‬وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق‬
‫(‪)1‬‬
‫تمايز النسجة والعضاء‪.‬‬
‫فهو إيجاد نسخة طبق الصل عن شيء ما من الكائنات الحية نباتا أو‬
‫حيوانا أو إنسانا‪.‬‬

‫‪ -2‬أنواع الستنساخ ‪:‬‬


‫ممـا سـبق يتضـح لنـا أن السـتنساخ يكون فـي ثلثـة مـن الكائنات الحيـة‪:‬‬
‫النبات‪ ،‬الحيوان‪ ،‬النسان‪.‬‬
‫فأنواع الستنساخ ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬الستنساخ النباتي‪.‬‬
‫‪ -2‬الستنساخ الحيواني‪.‬‬
‫‪ -3‬الستنساخ البشري‪.‬‬

‫() من نص قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في هر صفر‬ ‫‪1‬‬

‫‪1418‬هـ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫‪ -3‬الهندسة الوراثية والستنساخ ‪:‬‬
‫تعريف الهندسة الوراثية ‪:‬‬
‫تعتمد ترجمة المادة الوراثية على نسخ جزيئات الحمض النووي (‪)DNA‬‬
‫وقد ثبت أن الحماض النووية هي المادة الساسية للوراثة التي يتم عبرها انتقال‬
‫المادة الوراثية‪ ،‬وإن تتابع القواعد في الحماض النووية هو الشفرة الساسية‬
‫للحماض المينية المختلفة التي تكون البروتين‪ ،‬وقد دعم كل هذا باكتشاف‬
‫النزيمات التي تشطر الحمض النووي (‪ )DNA‬عند متواليات معينة مما ساعد‬
‫في ظهور علم الهندسة الوراثية‪.‬‬
‫ويمكن اعتبار تجارب الهندسة الوراثية‪ :‬عمليات جراحية تتم بواسطة‬
‫إنزيمات محددة تقطع الحمض النووي من أجزاء معينة تحمل صفة وراثية محددة‬
‫وإدخالها في خلية أخرى بكتيرية أو خلية خميرة أو خلية إنسانية أو حيوانية أو‬
‫نباتية بطرق مختلفة منها الحقن المباشر تحت الميكروسكوب‪ ،‬ومنها استخدام‬
‫محاليل خاصة توضع فيها الخليا ويسلط عليها تيار كهربائي‪ ،‬وبعد ذلك توضع‬
‫الخليا الجديدة الحاملة للمورث المطلوب في تفاعلت خاصة لتساعد على نموها‬
‫وتكاثرها وبذلك يمكن الحصول على أكبر قدر ممكن من البروتين المطلوب‬
‫المشفر في المورث أو صفة أخرى من الصفات لستخدامها على نطاق كبير في‬
‫شتى المجالت الطبية والعلجية والصناعية والقتصادية(‪.)1‬‬
‫لكن فرق هام جدا بين " الهندسة الوراثية " و " الستنساخ "‪ :‬فالهندسة‬
‫الوراثية في النبات والحيوان تهدف إلى التعرف على المورثات وعلقتها‬
‫بالمراض الوراثية ومن ثم معالجتها‪ ،‬وهذا عمل جيد ومحمود‪ ،‬كما أنه يمكن‬
‫بواسطة الهندسة الوراثية الحصول على عقاقير جديدة ومفيدة للنسان‪،‬‬
‫كالنسولين البشري الذي تم الحصول عليه وغيره من الدوية كالسوماتاستاتين‪،‬‬
‫والنترفيرون المستخدم في علج السرطان والمراض الفيروسية وغيرها(‪.)2‬‬
‫() الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع‪ :‬د‪ .‬إياد أحمد إبراهيم‪ ،‬ص ‪.30 – 29‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الستنساخ البشري هل هو قادم؟‪ :‬د‪ .‬حسان شمسي باشا‬ ‫‪2‬‬

‫‪( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm‬‬

‫‪240‬‬
‫أما الستنساخ فهو يهدف إلى الستفادة من الهندسة الوراثية – كما سبق‬
‫وأن شرحناها – ليجاد كائن حي بشري بناء على هذا العلم الخطير‪.‬‬

‫‪ -4‬حكم الستنساخ في الفقه السلمي ‪:‬‬


‫سنبين فيما يلي حكم الستنساخ في أنواع الستنساخ الثلثة‪:‬‬
‫أولً‪ :‬الستنساخ النباتي‬
‫تمتاز النباتات بتكاثرها الخضري‪ ،‬ويعتبر التكاثر الخضري استنساخا في‬
‫حد ذاته لكن العلماء طوروا طريقة لتكاثر النباتات عن طريق زرع خليا من‬
‫نسيج نباتي في ظروف معقمة على وسط مغذٍ‪ ،‬مما يؤدي إلى نمو هذه الخليا (ل‬
‫جنسيا) منتجة نباتات يمكن تقسيمها واستنساخها مرات عديدة‪ ،‬وعندما تعالج هذه‬
‫النباتات المهجنة المتماثلة بهرمونات نباتية معينة‪ ،‬تتمايز إلى نباتات كاملة تحمل‬
‫خصائص النبات الصلي كلها‪ ،‬وبهذه الطريقة استطاع العلماء الحصول في فترة‬
‫مدتها ثمانية أشهر على ملياري درنة بطاطا مشتقة من درنة واحدة‪ ،‬ويمثل ذلك‬
‫معدل تكاثر يفوق معدل التكاثر الجنسي مئة ألف مرة‪.‬‬
‫إن هذا الستنساخ يحقق للبشرية مصالح عظيمة في توفير الغذاء وزيادته‬
‫وتحسين نوعيته بما يتناسب مع النمو السكاني وما يحتاجونه من طعام وغذاء بما‬
‫يحفظ نفوس الكثيرين من الناس من الهلك والجوع المميت‪ ،‬وهذا ل شك في‬
‫جوازه لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ أنفس الناس والتوسعة عليهم في معايشهم‬
‫وتيسير سبل حياتهم(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪ :‬الستنساخ الحيواني‬


‫يقسم الستنساخ الحيواني إلى نوعين‪:‬‬
‫‪-1‬الستنساخ الجنيني‪.‬‬
‫‪-2‬الستنساخ الجسدي‪.‬‬
‫() الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع ص ‪ ،136‬قضايا طبية معاصرة‪ :‬جمعية العلوم‬ ‫‪1‬‬

‫الطبية المعاصرة ‪.103 – 2/102‬‬

‫‪241‬‬
‫الستنساخ الجنيني ‪:‬‬
‫يتكون الفرد من التقاء الحيوان المنوي الذكري مع البييضة المؤنثة‪ ،‬ثم‬
‫تشرع البييضة في النقسام إلى خليتين ثم إلى أربع وهكذا‪ ،‬فإذا انفصلت الخليتان‬
‫عن بعضهما تكون منهما جنينان متطابقان وراثيا وشكليا‪ ،‬وهو ما يعرف بالتوائم‬
‫المتطابقة‪.‬‬
‫وقد نجح العلماء بإجراء عملية فصل الخليتين أو الخليا الربع عن مماثلة‬
‫بعضهما البعض ليتكون عندهم أجنة متطابقة وراثيا‪ ،‬وهذا النجاح لم يقتصر على‬
‫إنتاج الغنام والبقار فحسب‪ ،‬بل نجح على النسان‪.‬‬
‫الستنساخ الجسدي ‪:‬‬
‫تنقسم الخليا من حيث التمايز وعدمه إلى خليا متمايزة وخليا غير‬
‫متمايزة‪ ،‬ومن الخليا المتمايزة خليا المعاء والكبد والقلب وغيرها‪ ،‬والخليا‬
‫غير المتمايزة كالخليا الجنينية عند بدء تكوينها‪ ،‬والتمايز هو تخصص الخلية‬
‫بعمل معين‪ ،‬ويستلزم تمايز الخليا تغيرات معينة في بنية الخلية‪ ،‬وتختلف هذه‬
‫التغيرات بين خلية عصبية أو خلية عضلية أو قلبية أو غيرها‪ ،‬والخليا المتمايزة‬
‫ل يمكنها العودة إلى الحالة الجنينية (الخليا الجنينية)‪ ،‬وهذا كان أمرا مسلما‬
‫علميا إلى أن استطاع د‪ .‬ويلموت‪ ،‬صاحب النعجة دوللي‪ ،‬إعادة خلية ناضجة‬
‫ومتخصصة لتقوم بوظيفة الخليا الجنينية‪ ،‬وهي العودة إلى مرحلة البداية لتكوين‬
‫كائن جديد متكامل‪ ،‬حيث إن الخليا الجنينية ل يتخصص طاقمها الوراثي‪ ،‬فهي‬
‫تستطيع أن توجه جميع العمليات الحيوية داخل الخلية بما في ذلك عمليات‬
‫التكوين الجنيني‪ ،‬خلفا للخليا الجسدية التي يتخصص طاقمها الوراثي لتأدية‬
‫مهام محددة‪.‬‬
‫لقد ولدت دوللي بطريقة الستنساخ الجسدي نتيجة إجراء ‪ 277‬تجربة‬
‫اندماج‪ ،‬من تجربة مجراة على ألف بييضة تم الحصول عليها من عدد كبير من‬
‫الناث‪ ،‬وأنتجت حالت الندماج ثلثة عشر حملً فقط‪ ،‬نجح منها واحد فقط بقي‬

‫‪242‬‬
‫عند الولدة وبعدها‪ ،‬أي بنسبة تصل إلى واحد باللف‪ ،‬ووصلت كلفة إنتاج دوللي‬
‫إلى ‪ 750‬ألف دولر(‪.)1‬‬
‫الحكم الشرعي للستنساخ الحيواني ‪:‬‬
‫يذهب معظم الفقهاء إلى جواز الستنساخ الحيواني بنوعيه الجنيني‬
‫والجسدي لما يحقق من مصالح عظيمة للبشرية كالحصول على نخبة من حيوان‬
‫المزرعة (أغنام‪ ،‬أبقار‪ ،‬خيول) تمتلك خصائص وراثية متميزة‪ ،‬وصناعة أدوية‬
‫لعلج الكثير من المراض الوراثية مثل صناعة بروتينات آدمية ضرورية لعلج‬
‫الطفال ناقص النمو كي يكملوا حياتهم دون عنان‪.‬‬
‫يقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ " :‬الستنساخ في النبات ل مانع منه‪ ،‬وأيضا‬
‫في الحيوان وهو نوع من تحسين السللة أو نحو ذلك! " (‪.)2‬‬
‫ثالثا‪ :‬الستنساخ البشري‬
‫قبل أن نبين الحكم الشرعي للستنساخ البشري أود فيما يلي تذكير‬
‫بالستخدامات التي يقترحها أنصار الستنساخ البشري ثم نعرض بعض مخاطر‬
‫الستنساخ‪:‬‬
‫ما هي الستخدامات التي يقترحها أنصار الستنساخ البشري ؟‬
‫يقول أن صار ال ستنساخ البشري بأن هناك ا ستخدامات متوق فة لل ستنساخ‬
‫البشري ومنها‪:‬‬
‫‪.1‬زوجان مصابان بالعقم ول يصلحان لطفل النابيب‪.‬‬
‫‪.2‬أبوان لهما طفل واحد أصيب بمرض خطير وتوفي‪ ،‬أو سنهما ل‬
‫يسمح بالنجاب بعد ذلك‪.‬‬
‫‪.3‬زوجان مصابان بمرض وراثي واحتمال حدوثه عال جدا عند البناء‪.‬‬
‫‪.4‬طفل أصيب بمرض خطير ويلزمه نقل نخاع عظمي (مثلً) دون أي‬
‫فرصة أن يرفض جسمه النخاع الجديد‪.‬‬
‫() الستنساخ قنبلة العصر‪ :‬صبري الدمرداش ص ‪ ،27 – 24‬الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط‬ ‫‪1‬‬

‫الشرع ص ‪.143 – 141‬‬


‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول الستنساخ على النترنت‪) http://www.islam-online.net ( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪243‬‬
‫وهذه بعـض المثلة للسـتخدامات المحتملة للسـتنساخ البشري‪ ،‬وبمـا كان‬
‫هناك الكثير من الستخدامات الخرى والخطيرة(‪.)1‬‬
‫ما هي مخاطر الستنساخ البشري ؟‬
‫إذا قدر للستنساخ البشري أن يظهر للوجود‪ ،‬وهو أمر محتمل جدا‪ ،‬وربما‬
‫في وقت قريب‪ ،‬فإن ذلك سيترافق بمشاكل عديدة اجتماعية وإنسانية ونفسية‪.‬‬
‫فسيكون هناك اضطراب في النساب‪ ،‬وما يتبعه من اضطراب في‬
‫المجتمع‪ ،‬وقد يضطرب أعداد الذكور أو الناث‪ ،‬فتخيلوا مثلً أن المستنسخين‬
‫كلهم كانوا جميعا من الذكور‪ ،‬فماذا سيحدث؟ ولن يكون هناك مفهوم الفرد بذاته‪،‬‬
‫بل ستميع ذاتية الفرد‪ ،‬وتختل المواريث‪ ،‬ويتزلزل كيان السرة‪ ،‬وقد يلجأ في‬
‫الستنساخ إلى طرق إجرامية كاستنساخ شخص بدون إذنه‪ ،‬أو بيع أجنة‬
‫مستنسخة‪ ،‬أو الحصول على نسخ متماثلة من أشد المجرمين عنوة ووحشية‪ ،‬أو‬
‫اختيار سللة متميزة تعتبر هي الجنس الرقى‪ ،‬وسللة أخرى من العبيد‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهكذا‪..‬‬
‫هذا ولقد أصدر المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر‬
‫بجدة في المملكة العربية السعودية في شهر صفر ‪1418‬هـ الموافق ‪ 28‬يونيو‬
‫‪1997‬م بناء على ما استمعه من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي‬
‫طرحت على المجلس قرر ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬تحريم الستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى‬
‫تؤدي إلى التكاثر البشري‪.‬‬
‫‪-2‬إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (‪ )1‬فإن آثار تلك‬
‫الحالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية‪.‬‬

‫() الستنساخ البشري هل هو قادم؟ د‪ .‬حسان شمسي باشا‬ ‫‪1‬‬

‫‪( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm‬‬
‫() المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪244‬‬
‫‪-3‬تحريم كل الحالت التي يقحم فيها طرفٌ ثالث على العلقة الزوجية‬
‫سواء أكان رحما أو بييضة أو حيوانا منويا أو خلية جسدية‬
‫للستنساخ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ يوسف القرضاوي‪ ..." :‬أما دخول الستنساخ في عالم‬
‫النسان فهو ممنوع ‪.)1( "...‬‬
‫ولقد جاء تحريم العلماء للستنساخ للدلة التالية‪:‬‬
‫يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي‪ " :‬إن منطق الشرع السلم‬
‫بنصوصه المطلقة وقواعد الكلية ومقاصده العامة يمنع دخول هذا الستنساخ في‬
‫عالم البشر لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة منها‪:‬‬
‫‪-1‬مناقضة سنة ال في خلقه القائمة على مبدأ الزوجية وأن الولد يأتي من‬
‫الزوجين فل يجوز مناقضة السنة اللهية قال تعالى‪  :‬وخلقناكم أزواجا ‪‬‬
‫[النبأ‪ ،]8 :‬وقال‪  :‬وأنه خلق الزوجين الذكر والنثى من نطفة إذا تُمنى ‪‬‬
‫ج نبتليه فجعلناه‬
‫[النجم‪ ،]45 :‬وقال‪  :‬إنا خلقنا النسان من نطف ٍة أمشا ٍ‬
‫سميعا بصيرا ‪[ ‬النسان‪ ،]2 :‬وجعل الزوجية من دلئل قدرته سبحانه‬
‫وعلمة على وجوده فقال تعالى‪  :‬ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم‬
‫أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لياتٍ لقومٍ‬
‫يتفكرون ‪[ ‬الروم‪ ،]21 :‬بل ويقسم ال بخلقه الذكر والنثى ليدلل على‬
‫عظمة هذا الخلق فيقول‪  :‬وما خلق الذكر والنثى ‪[ ‬الليل‪.]3 :‬‬
‫‪-2‬تغيير خلق ال‪ ،‬حيث إن نزع محتويات البييضة منها والتدخل في الخلية‬
‫النسانية يعد تغييرا لخلق ال‪ ،‬فإذا كان السلم حرم النمص والوصل‬
‫والوشم لما فيها من تغيير خلق ال ظاهريا‪ ،‬فمن باب أولى تحريم التدخل‬
‫في محتويات البييضة ونزع ما فيها من المادة الوراثية التي تعبر عن‬
‫الصفات الشكلية وغيرها‪.‬‬

‫() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي حول الستنساخ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪245‬‬
‫‪-3‬امتهان كرامة النسان الذي كرمه ال ورفع درجته وأعلى منزلته بسجود‬
‫الملئكة المقربين لـه‪ ،‬وعلّمه من علمِه‪ ،‬وسخر لـه ما في السماوات‬
‫والرض‪ ،‬فهو سيد الكون وكل ما فيه مسخر لـه‪ ،‬فل يصح أن يتساوى‬
‫مع الحيوان والنبات في وسائل التكاثر أو إخضاعه للتجارب العلمية‬
‫واللعب في مورّثاته بما ل تؤمن عواقبه‪.‬‬
‫‪-4‬تشويه الجنة وقتلها‪ ،‬حيث يقرر علماء الجنة والوراثة أن الستنساخ‬
‫يؤدي إلى حدوث تشوهات في صبغيات الخلية الجسدية التي خضعت‬
‫لعملية إعادة الخليا الجسدية إلى خليا جنينية‪ ،‬حيث سجل العلماء نقصا‬
‫في قدرة الصبغيات على تكوين الحماض المينية اللزمة لنمو الكائن‬
‫الجديد‪ ،‬مما يؤدي إلى ظهور التشوهات في أعضاء الجنين الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬فالمُورّثات على درجة عالية من التأثر بالعوامل الخارجية‪،‬‬
‫وليس أدل على صحة هذا الكلم ما حدث في تجربة النعجة دوللي حيث‬
‫كانت نسبة النجاح واحدا باللف‪.‬‬
‫‪-5‬أن ال خلق هذا الكون على قاعدة التنويع والستنساخ يناقض التنوع لنه‬
‫يقوم على تخليق نسخة مكررة من الشخص الواحد وهذا يترتب عليه‬
‫مفاسد كثيرة في الحياة البشرية والجتماعية بعضها ندركه وبعضها ل‬
‫ندركه إلى حين‪ ،‬كيف يعرف الرجل زوجته من غيرها والخرى نسخة‬
‫مطابقة لها؟ إن الحياة ستضطرب وتفسد إذا انتفت ظاهرة التنوع‬
‫واختلف اللوان التي خلق ال عليها الناس‪.‬‬
‫‪-6‬ما علقة المستنسخ بالشخص المستنسخ منه هل هو نفس الشخص‬
‫باعتباره نسخة مطابقة منه أو هو أب أو أخ توأم لـه‪ ،‬وعدم وجود آباء‬
‫للولد المستنسخين من إناث دون أن يكون معهن ذكر وعدم وجود‬
‫أمهات لهم عندما توضع البويضة المندمجة في نواة الخلية في رحم أنثى‬
‫غير النثى التي وضعت البويضة في رحمها وهو إضاعة للنساب فل‬

‫‪246‬‬
‫أب أو أم وهو مناقض لقول ال تعالى‪  :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من‬
‫ذكر وأنثى ‪[ ‬الحجرات‪ ،]13 :‬والسلم أوجب حفظ النساب وصيانتها‪.‬‬
‫‪-7‬إن الستنساخ يشكل تلعبا جذريا في صلت القرابة المتعارف عليها‬
‫والتي هي أساس التناسل البشري‪ ،‬إذ أن الستنساخ ل يستدعي وجود‬
‫ذكر من أجل تحقيق عملية الخصاب بحيث تصبح النثى هي المصدر‬
‫وسبب الوجود للمواليد‪ ،‬وإن الستنساخ سيؤدي إلى إيجاد مشاكل‬
‫اجتماعية كبيرة ويتم بسببه إفساد الصلت الساسية للشخصية النسانية‬
‫وعلقات البوة والنسب وقرابة الدم‪ :‬مثل حق التوارث وحق الرضاعة‬
‫والحضانة والنفقات وتحديد المحرمات من النساء‪ ،‬ولقد اهتم السلم‬
‫بوضوح النساب وحذر من جهالتها‪.‬‬
‫‪-8‬القضاء على تمايز الناس‪ ،‬فال سبحانه وتعالى خلق الناس متمايزين‬
‫متفاوتين لتستمر الحياة على وجه الرض في علقة تكاملية يخدم الناس‬
‫بعضهم بعضا‪ ،‬قال تعالى‪  :‬نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا‬
‫ت ليتّخذ بعضهم بعضا سُخريا ورحمت‬ ‫ض درجا ٍ‬‫ورفعنا بعضهم فوق بع ٍ‬
‫ربك خير مما يجمعون ‪[ ‬الزخرف‪.]32 :‬‬
‫‪-9‬إن الفراد المستنسخين سيشعرون بفقدان ذاتيتهم وشخصيتهم لن‬
‫الخرين سيعتبرونهم نسخا مطابقة لغيرهم‪ ،‬وينظرون إليهم نظرة نقص‪،‬‬
‫وهذا مما يؤثر في نفسيتهم وبالتالي سلوكهم‪.‬‬
‫‪-10‬انتشار الجريمة وصعوبة التعرف على المجرم من بين المئات من‬
‫الفراد المستنسخين فل يستطاع كشف المجرم لتحاد المستنسخين في‬
‫بصماتهم الوراثية‪ ،‬وفي ذلك أخطار جسيمة على النسانية‪ ،‬حيث ينعدم‬
‫المن ويعظم الجرام‪ ،‬مما ل يجوز غض النظر عنه‪ ،‬وال سبحانه‬
‫وتعالى يقول‪  :‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها ‪[ ‬العراف‪.]56 :‬‬

‫‪247‬‬
‫وفيمـا يلي قرار مجمسع الفقسه السسلمي المنبثسق مسن منظمسة المؤتمسر‬
‫السلمي بجدة حول موضوع الستنساخ البشري‪:‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الح مد ل رب العالم ين‪ ،‬وال صلة وال سلم على سيدنا مح مد خا تم ال نبيين‬
‫وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫قرار رقم‪)2/10( 94 :‬‬
‫بشأن‬
‫الستنساخ البشري‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمر العاشر بجدة‬
‫بالمملكة العربية السعودية خلل الفترة من ‪ 28 – 23‬صفر ‪1418‬هـ الموافق‬
‫‪ 28‬حزيران (يونيو) – ‪ 3‬تموز (يوليو) ‪1997‬م‪.‬‬
‫بعد اطلعه على البحوث المقدمة في موضوع الستنساخ البشري‪،‬‬
‫والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي‬
‫عقدتها المنظمة السلمية للعلوم الطبية‪ ،‬بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى‪ ،‬في‬
‫الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من ‪ 12 – 9‬صفر ‪1418‬هـ الموافق‬
‫‪ 17 – 14‬حزيران (يونيو) ‪1997‬م‪ ،‬واستماعه للمناقشات التي دارت حول‬
‫الموضوع بمشاركة الفقهاء والطباء‪ ،‬انتهى إلى ما يلي‪:‬‬
‫وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي‬
‫طرحت على مجلس المجمع‪ ،‬قرر ما يلي‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تحريم الستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى‬
‫تؤدي إلى التكاثر البشري‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولً) فإن آثار تلك‬
‫الحالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحريم كل الحالت التي يقحم فيها طرف ثالث على العلقة الزوجية‬
‫سواء أكان رحما أم بييضة أو حيوانا منويا أو خلية جسدية للستنساخ‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫رابعا‪ :‬يجوز شرعا الخذ بتقنيات الستنساخ والهندسة الوراثية في مجالت‬
‫الجراثيم وسائر الحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط‬
‫الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬مناشدة الدول السلمية إصدار القوانين والنظمة اللزمة لغلق البواب‬
‫المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الجنبية والمؤسسات‬
‫البحثية والخبراء الجانب للحيلولة دون اتخاذ البلد السلمية ميدانا‬
‫لتجارب الستنساخ البشري والترويج لها‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬المتابعة المشتركة من قبل كل مجمع الفقه السلمي والمنظمة السلمية‬
‫للعلوم الطبية لموضوع الستنساخ ومستجداته العلمية‪ ،‬وضبط‬
‫مصطلحاته‪ ،‬وعقد الندوات واللقاءات اللزمة لبيان الحكام الشرعية‬
‫المتعلقة به‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع‬
‫الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم الحياء (البيولوجيا) لعتمادها‬
‫في الدول السلمية‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء‬
‫البحوث في مجال علوم الحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير‬
‫مجال الستنساخ البشري‪ ،‬وفق الضوابط الشرعية‪ ،‬حتى ل يظل العالم‬
‫السلمي عالة على غيره‪ ،‬وتبعا في هذا المجال‪.‬‬
‫تاسعا‪ :‬تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلمية‪ ،‬ودعوة أجهزة‬
‫العلم لعتماد النظرة اليمانية في التعامل مع هذه القضايا‪ ،‬وتجنب‬
‫توظيفها بما يناقض السلم‪ ،‬وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي‬
‫موقف‪ ،‬استجابة لقول ال تعالى‪  :‬وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف‬
‫أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين‬
‫يستنبطونه منهم ‪[ ‬النساء‪.]83 :‬‬

‫‪249‬‬
‫(‪)1‬‬
‫نص فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في الستنساخ‬
‫عنوان الفتوى‪ :‬الستنساخ‪.‬‬
‫تاريخ الفتوى‪/14 :‬أكتوبر‪.99/‬‬
‫نص السؤال‪ :‬ما حكم الستنساخ؟‬
‫اسم المفتي‪ :‬يوسف عبدال القرضاوي‪.‬‬
‫نص الجابة‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم بالنسبة للستنساخ‪ ،‬الستنساخ في النبات ل‬
‫مانع منه‪ ،‬وأيضا حتى في الحيوان‪ ،‬وهو نوع من تحسين السللة أو نحو ذلك‪..‬‬
‫إنما دخول الستنساخ في عالم النسان هو الممنوع‪ ،‬لن معنى الستنساخ أخذ‬
‫خلية وتحويلها بطريقة ما إلى البشر المأخوذة منه هذه الخلية ويمكن استحداث‬
‫صور عديدة لهذا الشخص‪ ،‬فهذا مرفوض دينا لن ال سبحانه وتعالى خلق الكون‬
‫على أساس التنوع‪ ،‬مختلفا ألوانه‪ ،‬أما أن نعمل من النسان نسخ فهذا مفسدة‬
‫للحياة‪ ،‬كيف يستطيع النسان لو كان مدرس في فصل أن يفرّق بين زيد وعبيد‪،‬‬
‫وفي المتحان كيف يفرّق هذا من ذاك كيف يفرّق بين أولده‪ ،‬كيف تفرّق المرأة‬
‫زوجها من غيره‪ ،‬وكيف يفرق الزوج بين امرأته من غيرها‪ ،‬كيف يفرق القاضي‬
‫بين المتهمين‪ ،‬هذه مفسدة وهذا يدخل أيضا فيه نوع من التغيير في خلق ال‪،‬‬
‫الشيطان جعل من وسائله تغيير الفطرة قال‪  :‬ولمرنهم فليغيرن خلق ال ‪ ‬والناس‬
‫إذا غيروا فطرة ال فسدت الحياة‪ ،‬الولى أن تبقى الحياة كما فطرها ال عليه‪،‬‬
‫تدخّل النسان في الفطرة يفسدها‪ ،‬خصوصا التدخل في الحياة النسانية‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى إنهم يقولون أن النسان ممكن أن يستغني بجنس واحد عن الجنس‬
‫الخر‪ ،‬ربنا جعل الزواج وهو اللقاء بين الرجل والمرأة هو أساس التناسل‪ ،‬وهم‬
‫يقولون إننا ل نحتاج الزواج ول التناسل لبقاء النوع وهذه مفسدة كبرى لن ال‬
‫خلق الكون على أساس ظاهرة الزوجية‪ ،‬سنة الزوجية ‪ ‬ومن كل شيء خلقننا‬
‫زوجين لعلكم تذكرون ‪ ، ‬سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض‪،‬‬

‫() ‪http://www.islam-online.net‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪250‬‬
‫ومن أنفسهم ومما ل يعلمون ‪ ،‬حتى في الكهرباء يوجد موجب وسالب‪ ،‬حتى في‬
‫الذرة التي هي أساس البناء الكوني يوجد بروتون وإلكترون أي شحنة كهربائية‬
‫موجبة وشحنة كهربائية سالبة‪ ،‬فهذا الزدواج هو الساس وهؤلء يريدون أن‬
‫ل بل نساء أو نساءً بل رجال‪ ،‬ومن‬
‫يمنعوا هذا الزدواج‪ ،‬كيف يعيش الناس رجا ً‬
‫الممكن أن يستغلها بعض الناس فيما يضر الحياة البشرية‪ ،‬ممكن بعض الدول‬
‫الكبرى مثل أمريكا كما حظروا على الدول الصغيرة أن تملك السلحة النووية‪،‬‬
‫تأتي دولة وتحظر على الناس أن تستعمل الستنساخ وهي تستنسخ جيش قوي‬
‫من العمالقة‪ ،‬تحضر أناس أقوياء وتستنسخ منهم وال أعلم‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫المبحث العاشر‬

‫قتل الرحمة‬
‫تيسير الموت للمرضى الميؤوس من شفائهم‬

‫‪ -1‬المحافظة على النفس النسانية في السلم ‪:‬‬


‫حـق الحياة مقدس فـي نظـر الشريعـة‪ :‬فلقـد خلق ال النسـان وألبسـه ثوب‬
‫الكرامـة وفضله على كثيـر ممـن خلق بالعقـل والعلم والبيان والنطـق والصـورة‬
‫الح سنة والهيئة الشري فة والقا مة المعتدلة وشمله بالرعا ية والعنا ية و هو نط فة في‬
‫داخـل الرحـم وفـي جميـع أطواره إلى أن صـار خلقا آخـر فتبارك ال أحسـن‬
‫الخالقين‪.‬‬

‫‪ -2‬تحريم العتداء على النفس ‪:‬‬


‫حر مت الشري عة ال سلمية العتداء على الن فس بغ ير حق واع تبرت هذا‬
‫الف عل من أع ظم المفا سد على ظ هر الرض و من أ كبر الكبائر وأن كر المنكرات‬
‫بعد الكفر بال‪.‬‬
‫وجاء ذلك التحريم في آيات كثيرة وأحاديث متنوعة نذكر منها‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪  :‬ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ‪[ ‬السراء‪ ،]33 :‬وقول عزوجل‪ :‬‬
‫ول تقتلوا أولدكم ‪[ ‬النعام‪ ،]151 :‬كما قال تعالى‪  :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا‬
‫فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه وأعد له عذابا عظيما ‪[ ‬النساء‪،]93 :‬‬
‫وقال سبحانه‪  :‬إن ال ل يحب المعتدين ‪[ ‬البقرة‪.]190 :‬‬
‫وقال عليه الصلة والسلم‪ " :‬ل يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثلث‪:‬‬
‫الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة " (‪.)1‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب الديات باب إذا قتل بحجر أو بعصا (‪ ،6/2521 )6484‬ومسلم في القسامة باب‬ ‫‪1‬‬

‫ما يباح به دم المسلم (‪.3/1302 )1676‬‬

‫‪252‬‬
‫‪ -3‬تشريع القصاص ‪:‬‬
‫وبعد أن أوضحت الشريعة السلمية جريمة العتداء على النفس وحرمتها‬
‫تحريما قاطعا – حتى صار ذلك معلوما بالضرورة للجميع – وثبتت بعد ذلك‬
‫العقوبات المناسبة لكل فعل مع ملحظة الدوافع والثار‪:‬‬
‫قال تعالى‪  :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب ‪[ ‬البقرة‪ ،]179 :‬وقال‬
‫سبحانه‪  :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ‪[ ‬البقرة‪ ،]178 :‬وقال‬
‫عزوجل‪  :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف‬
‫والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص ‪[ ‬المائدة‪.]45 :‬‬
‫فهذه اليات بينت حكم القصاص في النفس والطراف والجروح فكان‬
‫القصاص دفعا لمفسدة التعدي على الدماء بالجناية‪.‬‬

‫‪ -4‬تحريم النتحار ‪:‬‬


‫ل يخفى أن حق الحياة حق خالص ل تعالى‪ ،‬ومن هنا حرم السلم على‬
‫الفرد أن يعرض نفسه للتهلكة‪ ،‬كما حرم النتحار لن حياة النسان ليست ملكا‬
‫خالصا له وإنما هي حق لباريها وخالقها‪.‬‬
‫ولقد جاءت اليات والحاديث بتحريم جميع وسائل النتحار مع التهديد‬
‫والوعيد الشديد لمن يلجأ إليه‪.‬‬
‫قال تعالى‪  :‬ول تقتلوا أنفسكم ‪[ ‬النساء‪ ،]29 :‬وقال تعالى‪  :‬ول تلقوا بأيديكم‬
‫إلى التهلكة ‪[ ‬البقرة‪.]195 :‬‬
‫وقوله ‪ " :‬من ترد من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا‬
‫مخلدً فيها أبدا‪ ،‬ومن وجأ بطنه بحديدة فحديدته في يده يجأ به بطنه في نار جهنم‬
‫خالدا مخلدا فيها أبدا‪ ،‬ومن تحس سما فسمه بيده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا‬
‫فيها أبدا " (‪.)1‬‬

‫() أخرجه البخاري في الطب باب شرب السم والدواء به (‪ ،5/2179 )5442‬ومسلم في اليمان باب غلظ‬ ‫‪1‬‬

‫تحريم قتل النسان (‪.1/103 )109‬‬

‫‪253‬‬
‫فهذا الحديث يدل على حرمة قتل النسان نفسه‪ ،‬ويدل على الوعيد الشديد‬
‫المترتب على قتل النفس‪ ،‬قال المام الشاطبي‪ " :‬ونفس المكلف داخلة في هذا‬
‫الحق أي حق ال الخالص إذ ليس لـه التسليط على نفسه ول على عضو من‬
‫أعضائه بالتلف " (‪.)1‬‬

‫‪ -5‬أدب السلم في المرض والطب ‪:‬‬


‫إن تعاليم السلم في المرض والطب‪ ،‬تشكل جانبا من التربية الروحية‬
‫والسلوكية‪ ،‬والتي من شأنها أن تقوي معنوية المريض وتحسن رعايته داخل‬
‫السرة والمجتمع‪.‬‬
‫فالسلم يرشد من يدخل على المريض ولو كان مرضه ل أمل من شفائه‬
‫أن ينفس لـه في الجل‪ ،‬أي أن يبعث في نفسه المل بالشفاء‪ :‬يقول ‪ " :‬إذا‬
‫دخلتم على المريض فنفسوا لـه في الجل فإن ذلك ل يرد شيئا وهو يطيب نفس‬
‫المريض " (‪.)2‬‬
‫وأن يدعوا العائد للمريض بالشفاء والعافية وأن يوصيه بالصبر والحتمال‪,‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كما يستحب تسلية المرض بما يحب من حلل في القول أو الفعل‪.‬‬
‫أما كتب السنة فتزخر بالحاديث حول المرض ومفهومه وبعده الروحي‬
‫والفلسفي‪ ،‬وكيف يمكن التعامل معه‪ ،‬فقد جاءت الحاديث مصرحة بأن المرض‬
‫يكفر السيئات و يمحو الذنوب‪ :‬فقد روي عن النبي أنه قال‪ " :‬ما يصيب المسلم‬
‫من نصب ول وصب ول هم ول حزن ول أذى‪ ،‬حتى الشوكة يشاكها إل كفر ال‬
‫بها من خطاياه " (‪.)4‬‬
‫ينبغي للمريض أن يصبر على ما ينزل به من ضر‪ ،‬فما أعطي العبد‬
‫عطاء خيرا وأوسع لـه من الصبر‪ :‬روى مسلم عن صهيب بن سنان أن‬
‫() الموافقات‪ :‬للشاطبي ‪.2/322‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه الترمذي في كتاب الطب (‪ ،4/413 )2087‬وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض‬ ‫‪2‬‬

‫(‪ ،1/462 )1438‬وفي سنده لين (فتح الباري ‪)10/121‬‬


‫() المرشد السلمي في الفقه الطبي‪ :‬توفيق الواعد وآخرون‪ ،‬ص ‪.198‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض (‪.5/2127 )5318‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪254‬‬
‫النبي قال‪ " :‬عجبا لمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك لحد إل‬
‫للمؤمن – إن أصابته سراء شكر فكان خيرا لـه وإن أصابته ضراء صبر فكان‬
‫خيرا لـه " (‪ ،)1‬وروى البخاري عن أنس قال‪ :‬سمعت رسول ال يقول‪" :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إن ال تعالى قال " إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة "‬
‫يريد عينيه‪.‬‬

‫‪ -6‬كراهة تمني الموت ‪:‬‬


‫يكره للمرء أن يتمنى الموت أو يدعو به‪ ،‬لفقر أو مرض أو محنة أو نحو‬
‫ذلك‪ ،‬لما رواه الجماعة عن أنس أن النبي قال‪ " :‬ل يتمنين أحدكم الموت‬
‫لضر نزل به‪ ،‬فإن كان لبد متمنيا للموت فليقل‪ :‬اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا‬
‫لي‪ ،‬وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " (‪ ،)3‬وحكمة النهي عن تمني الموت ما‬
‫جاء من حديث أم الفضل أن النبي دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى‬
‫الموت فقال‪ " :‬يا عباس يا عم رسول ال ل تتمن الموت إن كنت محسنا تزداد‬
‫إحسانا إلى إحسانك خير لك‪ ،‬وإن كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب خيرا لك ل‬
‫تتمن الموت " (‪( ،)4‬تستعتب‪ :‬تسترضي ال بالقلع عن الساءة والستغفار منها‪،‬‬
‫والستعتاب‪ :‬طلب إزالة العتاب)‪.‬‬

‫‪ -7‬تعريف قتل الرحمة ‪:‬‬


‫ويسمى القتل شفقة‪ ،‬ويسمى تيسير الموت ومصطلحه العلمي باللغة‬
‫الجنبية (‪ )Euthanasia‬وهي كلمة يونانية تعني في الصل الموت الجيد‬
‫() أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب المؤمن أمره كله خير (‪.4/2295 )2999‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب فضل من ذهب بصره (‪.5/2140 )5329‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت (‪ ،5/2146 )5347‬ومسلم في الذكر‬ ‫‪3‬‬

‫والدعاء باب تمني كراهة الموت لضر نزل به (‪.4/2064 )2679‬‬


‫() أخرجه المام أحمد (‪ ،6/339 )26916‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/489 )1254‬وقال حديث صحيح على‬ ‫‪4‬‬

‫شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫(‪ )Good Death‬أو الموت اليسير (‪ )Easy Death‬أو الموت الكريم (‪With‬‬
‫‪ )Dignity Death‬ثم استعملت في هذا الزمان على ما يعرف بقتل الرحمة أو‬
‫القتل الرحيم(‪.)1‬‬
‫ويراد به تسهيل موت الشخص بدون ألم بسبب الرحمة لتخفيف معاناة‬
‫المريض سواء بطرق فعالة أو منفعلة‪.‬‬

‫‪ -8‬صور قتل الرحمة ‪:‬‬


‫لقتل الرحمة ثلث صور‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪-‬إعطاء المريض جرعة كبيرة من دوا ٍء قويّ مضاد لللم لتضع هذه‬
‫الجرعة المفرطة حدا لحياته‪.‬‬
‫‪-‬أن يكون المريض غير قادر على التنفس إل بواسطة المنفاس‬
‫(‪ )Respirator‬فإذا فصل عنه الجهاز توقف تنفسه ومات‪.‬‬
‫‪-‬أن يكون علج المريض سببا في استمرار حياته دون شفائه‪ ،‬فإذا‬
‫أوقف عنه العلج مات‪.‬‬
‫ومن الواضح أن الحالتين الوليين تقتضيان تدخّلً إيجابيا من الطبيب‪ ،‬أما‬
‫الحالة الثالثـة فل تقتضـي إل موقفا سـلبيا يتمثـل بامتناع الطـبيب عـن علج‬
‫المريض‪ ،‬غير أن موت المريض هو النتيجة العملية في الحالت الثلث(‪.)2‬‬

‫‪ -9‬تاريخ قتل الرحمة ‪:‬‬


‫تعود فكرة (القتل شفقة) أو القتل رحمة إلى فلسفة اليونان القدماء‪ ،‬فقد‬
‫ذكر أفلطون في كتابه الشهير (الجمهورية) أن الذين تنقصهم سلمة الجسام‬

‫() قالوا‪ :‬القتل رحمه‪ :‬د‪ .‬عبد الجبار دية‬ ‫‪1‬‬

‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬
‫() انظر الموسوعة الطبية الفقهية‪ :‬د‪ .‬أحمد محمد كنعان‪ ،‬ص ‪.780‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪256‬‬
‫يجب أن يتركوا للموت! وسقراط الذي أطلق على هذا الشكل من الموت اسم‬
‫(التدبير الذاتي للموت بشرف) وكان سقراط قد تناول السم عن طواعية عندما‬
‫حكموا عليه بالموت‪ ،‬ورفض الهروب من السجن الذي دبره تلميذه! وينسب‬
‫اصطلح القتل بدافع الشفقة للفيلسوف النجليزي (روجيه بيكون ‪– 1214‬‬
‫‪ )1294‬الذي كان يرى (أن على الطباء أن يعملوا على إعادة الصحة للمرضى‬
‫ويخففوا آلمهم‪ ،‬ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم ل أمل فيه فيجب عليهم أن يهيئوا‬
‫لهم موتا هادئا وسهلً) وفي عام ‪ 1823‬عرضت على القضاء المريكي أول‬
‫قضية في قتل الرحمة‪ ،‬حيث أقدم أب على إغراق أطفاله الثلثة ليذهبوا – حسب‬
‫اعتقاده – إلى الجنة مباشرة!‬
‫وفي أوائل القرن العشرين الميلدي قامت في ألمانيا حركة تنادي بإباحة‬
‫قتل الرحمة‪ ،‬وفي عام ‪ 1930‬أنشئت الجمعية المريكية لقتل الرحمة‪ ،‬وقد عدلت‬
‫اسمها في عام ‪ 1970‬إلى جمعية حق النسان في الموت‪ ،‬وفي عام ‪ 1936‬أباح‬
‫بعض أساقفة الكنيسة في الوليات المتحدة قتل الرحمة في حدود معقولة ومقبولة!‬
‫وفي العام نفسه عقدت الجمعية البريطانية لقتل الرحمة أول اجتماع لها‪ ،‬وقدمت‬
‫مشروعا إلى مجلس اللوردات يجعل قتل الرحمة أمرا يبيحه القانون‪ ،‬ولكن‬
‫المجلس رفضه‪.‬‬
‫وفي عام ‪ 1939‬أصدر الزعيم اللماني النازي (هتلر) أمرا أباح فيه قتل‬
‫المرضى العقليين والمعتوهين والشيوخ الذين أصيبوا بالخرف! وفي عام ‪1966‬‬
‫وضعت إحدى المحاكم المريكية قانونا يجرّم الطبيب الذي يمارس قتل الرحمة‬
‫(لن التعجيل بموت المريض تخليصا لـه من آلمه يعد فعلً معاقبا عليه قانونا)‬
‫وفي عام ‪ 1970‬ظهرت في بريطانيا حركة نشطة تنادي بالسماح بقتل الرحمة‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫وفي عام ‪ 1977‬أعطى القانون في ولية كاليفورنيا الحق لكل شخص أن‬
‫يحدد موعد موته بأن يكون سهلً وبل معاناة‪ ،‬وفي عام ‪ 1982‬تأسست في‬
‫بريطانيا جمعية لتيسير الموت وتسهيله(‪.)1‬‬

‫‪ -10‬الموقف الشرعي من قتل الرحمة ‪:‬‬


‫لقد ثارت مناقشات طويلة بين أهل الشريعة وأهل القانون حول مسألة القتل‬
‫شفقة الذي يبدو أن الدافع الظاهر فيه هو دافع إنساني يستهدف تخليص المريض‬
‫من آلمه التي ل أمل بالخلص منها إل بالموت! وما زالت جل القوانين‬
‫الوضعية حتى الن ل تبيح قتل الشفقة خشية اتخاذه ذريعة لجريمة القتل العمد‪،‬‬
‫مع العلم بأن كثيرا من البلد الوروبية باتت تفرّق في قوانينها الجنائية بين القتل‬
‫جنْحةٍ‪.‬‬
‫الجنائي وقتل الرحمة وتجعل من هذا الخير مجرد ُ‬
‫وفيما يلي أهم الحجج التي يستدل بها المؤيدون لقتل الرحمة (اليوثنيزيا)‪:‬‬
‫أ‪ -‬في مصلحة المريض ‪:‬‬
‫ويقدم المؤيدون المنطلقون من هذه النقطة تلك السباب لتدعيهم موقفهم‪.‬‬
‫‪ -1‬الحرية الستقللية ‪:Autonomy‬‬
‫يقولون‪ :‬النسان في رأيه حر في تقرير مصيره‪ ،‬ويقولون‪ :‬للنسان حق‬
‫التصرف في جسده كما يشاء‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن اليوثنيزيا بمثابة مساعدة على النتحار المشروع ‪Assisted‬‬
‫‪.Suicide‬‬
‫ويقولون‪ :‬ل بأس من أن يكتب المريض وصية الحياة قبل دخوله‬
‫المستشفى‪ ،‬وقبل تعرضه لي داء عضال‪ ،‬فيقر أنه إذا كان في وضع يعاني منه‬
‫معاناة شديدة‪ ،‬على الطبيب المعالج أن يرفع يديه عنه‪ ،‬وأن ل يحاول البقاء على‬
‫الحياة بأي ثمن‪.‬‬

‫() انظر مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد ‪ 42‬عام ‪1420‬هـ‪ ،1999/‬مقالة د‪ .‬بلحاج العربي بن احمد‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫الحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه السلمي ص ‪ ،67 – 62‬وانظر أيضا المنظمة السلمية للعلوم‬
‫الطبية‪ :‬السياسة الصحية الخلقيات والقيم النسانية من منظور إسلمي‪ ،‬مقالة د‪ .‬عصام الشربيني‪ :‬قتل‬
‫الرحمة ص ‪ 171‬وما بعدها‪ ,‬الكويت ‪.1997‬‬

‫‪258‬‬
‫‪ -2‬الحقوق ‪:Rights‬‬
‫ويقولون‪ :‬للنسان حق الموت!‬
‫ويقولون‪ :‬للمريض حق أن يُقتل إن هو طلب ذلك‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬للنسان حق الحياة وحق الموت‪.‬‬
‫‪ -3‬الرحمة ‪:Compassion‬‬
‫يقولون‪ :‬اليوثنيزيا من شأنها أن تريح المريض من معاناته وآلمه‪!..‬‬
‫‪ -4‬نوعية الحياة ‪:Quality Of Life‬‬
‫يقولون‪ :‬إن حياة بعض المرضى ل تساوي عدمها‪ ،‬وخير لهم أن يموتوا‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬إن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة النسان إبداعا وإنتاجا‪.‬‬
‫ويقولون‪ :‬ما قيمة الحياة عندما يصبح النسان يعتمد على غيره في قضاء‬
‫حوائجه‪.‬‬
‫ب‪ -‬لمصلحة الخرين (القارب‪/‬الصدقاء‪/‬المجتمع العام) ‪:‬‬
‫‪ -1‬الرحمة ‪:Compassion‬‬
‫يقولون‪ :‬إن أقارب المريض وأصدقائه يعانون نتيجة معاناة المريض‪ ،‬وفي‬
‫اليوثنيزيا وضع حد لهذه المعاناة رحمة بهم‪.‬‬
‫‪ -2‬العامل القتصادي (المادي) ‪:Economics‬‬
‫يقولون‪ :‬إن التخلص من بعض المرضى فيه توفير مادي على المجتمع‬
‫والدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬منطق العقوبة ‪:Punishment‬‬
‫يقولون‪ :‬من الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة‪ ،‬ويستدلون‬
‫على ذلك بمرض اليدز(‪.)1‬‬
‫أما من الوجهة الشرعية فقد أجمع أهل العلم ممن تعرضوا لهذه المسألة‬
‫على حرمة القتل شفقةً لنه اعتدا ٌء على حقّ ال تعالى في الحياة التي وهبها‬
‫للنسان‪ ،‬ولن الصبر على اللم مطلوبٌ شرعا‪ ،‬وهو تعبي ٌر عن رضى العبد‬

‫()‪http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪259‬‬
‫بقضاء ال وقدره‪ ،‬وقد ضرب القرآن الكريم مثلً على هذا من صبر نبي ال‬
‫أيوب عليه السلم الذي ابتله ال عزوجل بالمرض واللم المبرحة لفترة طويلة‬
‫من الزمن فصبر على مرضه وآلمه حتى جاءه الفرج من عند ال عزوجل وقد‬
‫بحث الفقهاء القدامى ما يسمى في القوانين الحديثة بالجريمة السّلبية‪ ،‬وذلك عند‬
‫بحثهم الحالة التي يمتنع فيها شخصٌ عن إرشاد شخص أعمى‪ ،‬ويتركه ليقع في‬
‫بئر فيموت‪ ،‬واعتبر بعضُهم هذا الشخص قاتلً بالرغم من عدم قيامه بأي دور‬
‫إيجابي‪ ،‬وكذلك فعلوا تجاه الشخص الذي يترك اللقيطَ فيموت‪.‬‬
‫وفي العصر الحاضر فإن المجمع الفقهي السلمي في دورته السابعة‬
‫المنعقدة في جدة من ‪ 14 – 9‬أيار‪/‬مايو ‪1992‬م في قراره (رقم ‪ )67/5/17‬قد‬
‫قرر رفضه بشدة لما يسمى قتل الرحمة‪ ،‬بأي حال من الحوال‪ ،‬وأن العلج في‬
‫الحالت الميئوس منها يخضع للتداوي والعلج والخذ بالسباب التي أودعها ال‬
‫عزوجل في الكون‪ ،‬ول يجوز شرعا اليأس من روح ال أو القنوط من رحمته‪،‬‬
‫بل ينبغي بقاء المل بالشفاء بإذن ال تعالى‪ ،‬وعلى الطباء وذوي المرضى تقوية‬
‫معنويات المريض ورعايته وتخفيف آلمه النفسية والبدنية‪ ،‬بصرف النظر عن‬
‫توقع الشفاء أو عدمه‪.‬‬
‫وعلى هذا فل يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه لنه ُي َعدّ منتحرا‪ ،‬ول‬
‫يجوز لـه أن يطلب ذلك من الطبيب كما أن الطبيب الذي يساعد المريض على‬
‫إنهاء حياته يكون آثما‪ ،‬وتطبّق بحقّه أحكام القتل العمد كما ذكرنا آنفا‪ ..‬هذا مع‬
‫تذكير الطباء بضرورة الجتهاد في خدمة المريض وفق القواعد الطبية‬
‫المتعارف عليها‪ ،‬مع تقوى ال في ذلك كله‪ ،‬واستحضار النية الخالصة بمنفعة‬
‫المريض وتخفيف آلمه حتى آخر رمق من حياته‪ ،‬وإذا غلب على ظن الطبيب‬
‫أن حجب الدواء أو العلج عن المريض ل يقدم له نفعا ول يدفع عنه ضرا جاز‬
‫له ذلك‪ ،‬وأمره إلى ال‪ ،‬وأما من الوجهة القانونية فعليه أن يدون في ملف‬
‫المريض حيثيات اجتهاده‪..‬‬

‫‪260‬‬
‫الرّد على من يقول بجواز قتل الرحمة ‪:‬‬
‫وللرد على الدلة ال تي ا ستدل ب ها المجيزون لق تل الرح مة‪ ،‬نقول بأن هناك‬
‫آثار سيئة في تقنين القتل الرحيم على مهنتي الطب والتمريض منها‪:‬‬
‫‪-1‬فقدان المصداقية (الثقة) بين المريض من جهة وأسرة الطب والتمريض‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬فمثلً‪ :‬قد يمانع المريض في دخول المستشفى‪ ،‬وقد‬
‫يشك في ما يقدم إليه من علج‪.‬‬
‫‪-2‬تحول دور الطبيب من البقاء (الحفاظ) على الحياة إلى التحكم في‬
‫الوفاة‪.‬‬
‫‪-3‬تقويض فلسفة التعليم الطبي من الساس‪ ،‬فتفقد مهنة الطب قيمتها إذا‬
‫أصبح قتل المريض هو الحل المثل‪.‬‬
‫‪-4‬التقليل والضعاف من قيمة الحياة‪.‬‬
‫ويكون البديل لقتل الرحمة بس ‪:‬‬
‫‪-1‬التوسع في إنشاء أمكنة الستضياف ‪ Hospics‬وإحياء دورها وتحويلها‬
‫مبان من الطوب إلى أماكن تحوي كفاءات ومهارات تخصصية تقصد‬
‫إلى رفع الذى عن أصحاب العلل المستعصية والتخفيف عنهم ما‬
‫أمكن‪.‬‬
‫وكذلك دورها من أماكن يقصدها الناس قبيل موتهم‪ ،‬إلى أماكن يكتشف‬
‫فيها النسان كوامن نفسه وطاقاته وعلقاته مع الخلق والخالق‪.‬‬
‫‪-2‬إعداد فريق من المتخصصين في شتى المجالت ‪Multidisciplinary‬‬
‫‪ Approach‬للشراف والقيام بأعباء العناية في أماكن الستضافة هذه‪.‬‬
‫‪-3‬تطوير العلج التسكيني ‪ :Palliative Care‬كالدوية والعلج الطبيعي‬
‫والبر الصينية‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫‪-4‬التعامل مع اللم بشمولية ‪ Holistic Approach‬ولللم أبعاد جسدية‬
‫ونفسية واجتماعية وروحية‪.‬‬

‫‪261‬‬
‫‪-5‬مراعاة أن يكون العلج المقدم مما ل يشكل عبئا فيزيقيّا طبيعيّا أو ماليّا‬
‫على المريض‪.Burdensome ..‬‬
‫‪-6‬التواصل والمشورة ‪ :Communication / Counseling‬ضرورة‬
‫التحدث إلى المرضى وذويهم وشرح عللهم ودور الدواء في التعامل مع‬
‫العراض واللم التي تؤرقهم‪ ،‬وهذا من شأنه تنمية شخصياتهم وإعادة‬
‫الثقة بالنفس ‪ Self Esteem‬وتقوية عامل الثقة بين المريض وطبيبه‬
‫وطرد الكثير من الوهام والخرافات‪.‬‬
‫‪-7‬عدم إكراههم على الطعام والشراب‪ ،‬فيكفيهم في العادة القليل من هذا‬
‫وذاك‪ ،‬عن عقبة بن عامر قال‪ :‬قال رسول ال ‪ " :‬ل تكرهوا‬
‫مرضاكم على الطعام والشراب فإن ال يطعمهم ويسقيهم " (‪.)1‬‬
‫‪ -8‬الدعم المعنوي والروحي ‪ :Moral/Spiritual Support‬وذلك بإعطاء‬
‫المريض فسحة من المل‪ ،‬فحتى مرضى السرطان المنتشر في مراحله‬
‫الخيرة أحيانا يفاجئون الطبيب المعالج بما لم يكون في حسبانه من تحسن‪،‬‬
‫وربما عاشوا شهورا أو أعواما على غير المتوقع‪.‬‬
‫قال رسول ال ‪ " :‬إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الجل‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ل يرد شيئا‪ ،‬وهو يطيب نفس المريض " (‪.)2‬‬
‫‪ -9‬الهتمام بأقارب المريض وأصدقائه‪ ،‬وذلك بالتحدث إليهم وشرح الغامض‬
‫ما أمكن وإظهار التعاطف الوجداني‪ ،‬وكذلك المساعدة المادية ما أمكن‪،‬‬
‫وكل ما من شأنه أن يخفف عنهم ويجبر خاطرهم ويعزيهم في مصابهم(‪.)3‬‬

‫() أخرجه ابن ماجة في الطب باب ل تكرهوا المريض على الطعام (‪ ،2/1140 )3444‬والترمذي في الطب‬ ‫‪1‬‬

‫باب ما جاء ل تكرهوا مرضاكم‪ ،4/384 )2040( ...‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/501 )1296‬وقال هذا‬
‫حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه‪.‬‬
‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() قالوا القتل رحمة‪ :‬د‪ .‬عبد الجبار دية‬ ‫‪3‬‬

‫( ‪) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp‬‬

‫‪262‬‬
‫فتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ولفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي فتوى في موضوع قتل الرحمة‬


‫نوردها كما جاءت ففيها تفصيل ل يجوز لنا اختصاره أو حذف بعض عباراته‬
‫فيقول حفظه ال ‪:‬‬
‫تيسير الموت الفعال‪:‬‬
‫يتخذ الطبيب إجراءات فعالة لنهاء حياة المريض‪.‬‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫‪-1‬مريض مصاب بالسرطان يعاني من اللم والغماء ويعتقد الطبيب بأنه‬
‫سيموت بأي حال من الحوال ويعطيه جرعة عالية من علج قاتل‬
‫لللم الذي يوقف تنفسه‪.‬‬
‫ل بعد إصابته بالتهاب السحايا أو‬ ‫‪-2‬مريض في حالة إغماء لفترة طويلة مث ً‬
‫بإصابة شديدة في رأسه‪ ،‬ومن الممكن أن يبقى حيا باستعمال منفسة‬
‫(جهاز إنعاش) ويعتقد الطبيب بعدم وجود أي أمل بشفائه‪ ،‬والمنفسة‬
‫تضخ الهواء للرئتين‪ ،‬وتديم تنفسه " أتوماتيكيا "‪ ،‬فإذا ما أوقف المنفسة‬
‫لن يتمكن المريض من إدامة تنفسه‪ ،‬فمن الممكن إبقاء هذا المريض حيا‬
‫بواسطة هذه المنفسة الصناعية التي تديم فعالياته الحيوية‪ ،‬ولكن لكل‬
‫العتبارات الخرى يعتبر مثل هذا المريض " ميتا " وغير قادر على‬
‫السيطرة على وظائفه وإيقاف هذه المنفسة يعتبر تيسيرا فعالً للموت‪.‬‬
‫تيسير الموت المنفعل‪:‬‬
‫هنا ل تتخذ خطوات فعالة لنهاء حياة المريض بل يترك للمرض أن يأخذ‬
‫أدواره بدون إعطاء المريض أي علج لطالة حياته‪.‬‬

‫() فتاوي معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.529 – 2/525‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪263‬‬
‫أمثلة ‪:‬‬
‫‪-1‬مريض نهائي بالسرطان أو الغماء من إصابة بالرأس أو التهاب‬
‫سحائي ول يرجى شفاؤه منه‪ ،‬ومصاب بالتهاب الرئة التي إن لم تعالج‬
‫– وهي ممكنة العلج – يمكن أن تقتل المريض وإيقاف العلج من‬
‫الممكن أن يعجل بموت المريض‪.‬‬
‫‪-2‬طفل مشوه تشويها شديدا بتصلب أشرم – شوكة مشقوقة – أو بشلل‬
‫مخي يمكن أن يترك من دون علج إذا أصيب بالتهاب الرئتين أو‬
‫بالتهاب السحايا‪ ،‬ويمكن يموت الطفل من هذه اللتهابات‪.‬‬
‫والتصلب الشرم – الشوكة المشقوقة – هي حالة غير طبيعية للعمود‬
‫الفقري تؤدي إلى شلل الساقيين وفقدان السيطرة على المثانة والمعاء الغليظة‬
‫والطفل المريض بهذا الداء يكون مشلولً يحتاج إلى عناية خاصة طيلة حياته‪.‬‬
‫أما الشلل المخي فهي حالة تلف في المخ خلل الولدة تسبب تخلفا عقليا‬
‫ل في الطراف بدرجات متفاوتة‪ ،‬ومثل هذا الطفل يكون مشلولً جسميا‬ ‫وشل ً‬
‫وعقليا ويحتاج لعناية خاصة طيلة حياته‪.‬‬
‫في المثلة السابقة " إيقاف العلج " هو نوع من أنواع تيسير الموت‬
‫المنفعل وبصورة عامة ل يعيش هؤلء الطفال عمرا طويلً‪ ،‬وإيقاف العلج‬
‫وتيسير الموت المنفعل يمنع إطالة معاناة الطفل المريض أو والديه‪.‬‬
‫السئلة ‪:‬‬
‫‪-1‬هل تيسير الموت الفعال مسموح به في السلم ؟‬
‫‪-2‬هل تيسير الموت المنفعل مسموح به في السلم ؟‬
‫تيسير الموت الفعال‪:‬‬
‫‪ -1‬تيسير الموت الفعال في المثال رقم (‪ )1‬ل يجوز شرعا‪ ،‬لن فيه عملً‬
‫إيجابيا من الطبيب بقصد قتل المريض‪ ،‬والتعجيل بموته‪ ،‬بإعطائه تلك الجرعة‬
‫العالية من الدواء المتسبب في الموت‪ ،‬فهو قتل على أي حال‪ ،‬سواء كان بهذه‬

‫‪264‬‬
‫الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير‪ ،‬أم بصعقة كهربائية أم بآلة حادة‪،‬‬
‫كله قتل‪ ،‬وهو محرم‪ ،‬بل هو من الكبائر الموبقة‪ ،‬ول يزيل عنه صفة القتل أن‬
‫دافعه هو الرحمة بالمريض‪ ،‬وتخفيف المعانة عنه‪ ،‬فليس الطبيب أرحم به ممن‬
‫خلقه‪ ،‬وليترك أمره إلى ال تعالى‪ ،‬فهو الذي وهب الحياة للنسان وهو الذي‬
‫يسلبها في أجلها المسمى عنده‪.‬‬
‫أما المثال رقم (‪ )2‬من أمثلة تيسير الموت الفعال‪ ،‬فنؤخر الحديث عنه بعد‬
‫الحديث عن تيسير الموت المنفعل‪.‬‬
‫تيسير الموت المنفعل (بإيقاف العلج)‪:‬‬
‫وأ ما تي سير الموت " بالطرق المنفعلة " ك ما في ال سؤال‪ ،‬فإن ها تدور كل ها‬
‫سواء في المثال (‪ )1‬أم ( ‪ )2‬على " إيقاف العلج " عن المريض‪ ،‬والمتناع عن‬
‫إعطائه الدواء‪ ،‬الذي يو قن ال طبيب أ نه ل جدوى م نه‪ ،‬ول رجاء ف يه للمر يض‪،‬‬
‫وفق سنن ال تعالى‪ ،‬وقانون السباب والمسببات‪.‬‬
‫ومن المعروف لدى علماء الشرع‪ :‬أن العلج أو التداوي من المراض‬
‫ليس بواجب عند جماهير الفقهاء‪ ،‬وأئمة المذاهب‪ ،‬بل هو في دائرة المباح‬
‫عندهم‪ ،‬وإنما أوجبه طائفة قليلة‪ ،‬كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد‪ ،‬كما‬
‫ذكر شيخ السلم ابن تيمية(‪ ,)1‬وبعضهم استحبه(‪.)2‬‬
‫بل قد تنازع العلماء‪ :‬أيهما أفضل‪ :‬التداوي أم الصبر؟ فمنهم من قال‪:‬‬
‫الصبر أفضل‪ ،‬لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع –‬
‫يصيبها الصرع – وسألت النبي أن يدعو لها‪ ،‬فقال‪ " :‬إن أحببت أن تصبري‬
‫ولك الجنة‪ ،‬وإن أحببت دعوت ال أن يشفيك " فقالت‪ :‬بل أصبر‪ ،‬ولكني أتكشف‪،‬‬
‫فادع ال لي أل أتكشف‪ ،‬فدعا لها أل تتكشف(‪.)3‬‬

‫() الفتاوي الكبرى لبن تيمية ‪4/260‬ط‪ ،‬مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر المراجع التالية‪ :‬البحر الرائق ‪ ،8/237‬تبيين الحقائق ‪ ،6/32‬حاشية ابن عابدين ‪ ،4/399‬الفواكه‬ ‫‪2‬‬

‫الدواني ‪ ،2/294‬مواهب الجليل ‪ ،2/425‬القناع ‪ ،1/209‬حاشية البجيرمي ‪ ،1/448‬مغني المحتاج ‪،1/357‬‬


‫المغني ‪ ،9/106‬شرح منتهى الرادات ‪.1/341‬‬
‫() رواه البخاري في كتاب المرضى باب ما فضل من يصرع من الريح (‪.5/2140 )5328‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪265‬‬
‫ولن خلقا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون‪ ،‬بل فيهم من اختار‬
‫المرض‪ ،‬كأبي بن كعب‪ ،‬وأبي ذر – رضي ال عنهما – ومع هذا فلم ينكر‬
‫عليهم ترك التداوي(‪.)1‬‬
‫وقد عقد المام أبو حامد الغزالي في " كتاب التوكل " من " الحياء " بابا‬
‫في الرد على من قال‪ :‬ترك التداوي أفضل بكل حال(‪.)2‬‬
‫هذا هو رأي فقهاء المة في العلج أو التداوي للمريض‪ ،‬فأكثرهم يجعلونه‬
‫من قسم المباح‪ ،‬وأقلهم يجعلونه من المستحب‪ ،‬والقل منهم يجعلونه واجبا‪.‬‬
‫وأنا مع الذين يوجبونه في حالة ما إذا كان اللم شديدا‪ ،‬والدواء ناجعا‪،‬‬
‫والشفاء مرجوا منه وفق سنة ال تعالى‪.‬‬
‫وهو الموافق لهدي النبي الذي تداوى وأمر أصحابه بالتداوي‪ ،‬كما ذكر‬
‫ذلك ابن القيم في هديه " في زاد المعاد " (‪ )3‬وأدنى ما يدل عليه ذلك هو السنية‬
‫والستحباب‪.‬‬
‫ومن هنا يكون العلج أو التداوي حيث يرجى للمريض الشفاء مستحبا أو‬
‫واجبا‪ ،‬أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء‪ ،‬وفق سنن ال في السباب والمسببات التي‬
‫يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب والختصاص‪ ،‬فل يقول أحد باستحباب‬
‫ذلك فضلً عن وجوبه‪.‬‬
‫وإذا كان تعريض المريض للعلج بأي صورة كانت – شربا أو حقنا أو‬
‫تغذية بالجلوكوز ونحوه‪ ،‬أو توصيلً بأجهزة التنفس والنعاش الصناعي‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك مما وصل إليه الطب الحديث‪ ،‬ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة‬
‫المرض‪ ،‬ويبقى عليه اللم زمنا أطول‪ ،‬فمن باب أولى أل يكون ذلك واجبا ول‬
‫مستحبا‪ ،‬بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب‪.‬‬

‫() الفتاوي الكبرى لبن تيمية ‪4/260‬ط‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر‪ :‬إحياء علوم الدين ‪ 4/290‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() زاد المعاد في هدي خير العباد‪ :‬ابن القيم الجوزية ‪.4/10‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪266‬‬
‫فهذا النوع من تيسير الموت – إن صحت التسمية – ل ينبغي أن يدخل في‬
‫مسمى " قتل الرحمة "‪ ,‬لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب‪ ،‬إنما هو ترك‬
‫لمر ليس بواجب ول مندوب‪ ،‬حتى يكون مؤاخذا على تركه‪.‬‬
‫وهو إذن أمر جائز ومشروع‪ ،‬إن لم يكن مطلوبا‪ ،‬وللطبيب أن يمارسه‪،‬‬
‫طلبا لراحة المريض وراحة أهله‪ ،‬ل حرج عليه إن شاء ال‪.‬‬
‫تيسير الموت بإيقاف أجهزة النعاش‪:‬‬
‫بقى الجواب عن المثال الثاني في النوع الول‪ ،‬الذي اعتبره السؤال من‬
‫تيسير الموت بالطرق الفعالة ل المنفعلة‪ ،‬وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية‬
‫أو ما يسمونه " أجهزة النعاش الصناعي " عن المريض‪ ،‬الذي يعتبر في نظر‬
‫الطب " ميتا ً" أو في " حكم الميت " وذلك لتلف جذع الدماغ‪ ،‬أو المخ‪ ،‬الذي به‬
‫يحيا النسان ويحس ويشعر‪.‬‬
‫وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلج‪ ،‬فل يخرج عن كونه‬
‫تركا للتداوي‪ ،‬شأنه شأن الحالت الخرى‪ ،‬الذي سماها " الطرق المنفعلة "‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع الول‬
‫" تيسير الموت بالطرق الفعالة " وإدخالها في النوع الخر‪.‬‬
‫وبناء على ذلك يكون هذا أمرا مشروعا ول حرج فيه أيضا‪ ،‬وبخاصة أن‬
‫هذه الجهزة تبقى عليه هذه الحياة الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة‬
‫الدموية – وإن كان المريض ميتا بالفعل‪ ،‬فهو ل يعي ول يحس ول يشعر‪ ،‬نظرا‬
‫لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ‪.‬‬
‫وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل‪ ،‬ويحجز‬
‫أجهزة يحتاج إليها غيره‪ ،‬ممن يجدي معه العلج‪ ،‬وهو – وإن كان ل يحس –‬
‫فإن أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة‪ ،‬التي قد تطول إلى‬
‫عشر سنوات أو أكثر!‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫وقد ذكرت هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء والطباء في أحد‬
‫اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين " المنظمة السلمية للعلوم‬
‫الطبية " بالكويت‪ ،‬فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب‪.‬‬
‫والحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪.‬‬
‫فتوى بشأن أجهزة النعاش رقم القرار (‪ )5‬د ‪3/07/86‬‬
‫إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان‬
‫عاصمة المملكة الردنية الهاشمية من ‪ 8‬إلى ‪ 13‬صفر ‪1407‬هـ ‪ 11‬إلى‬
‫‪16‬أكتوبر ‪1986‬م‪ ،‬بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع‬
‫أجهزة النعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الطباء المختصين قرر ما‬
‫يلي‪-:‬‬
‫يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع الحكام المقررة‬
‫شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلمتين التاليتين‪:‬‬
‫‪-1‬إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الطباء بأن هذا التوقف‬
‫ل رجعة فيه‪.‬‬
‫‪-2‬إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلً نهائيا وحكم الطباء‬
‫الختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل ل رجعة فيه‪ ،‬وأخذ‬
‫دماغه في التحلل‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة النعاش المركبة على الشخص وإن كان‬
‫بعض العضاء كالقلب مثلً ل يزال يعمل آليا بفعل الجهزة المركبة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬

‫‪268‬‬
269
‫المبحث الحادي عشر‬

‫مسائل من فقه القليات المسلمة‬

‫تعترض القليات المسلمة في البلد غير السلمية قضايا ومسائل في‬


‫مجالت متعددة‪ :‬العبادات‪ ،‬المعاملت‪ ،‬العلقات الجتماعية‪ ،‬قضية الولء‬
‫والبراء‪.‬‬
‫مما يستوجب النظر والجتهاد في هذه القضايا لمد إخواننا المسلمين في‬
‫هذه البلد التي يعيشون فيها كأقلية‪ ،‬بالحكام الشرعية المناسبة‪ :‬مما يحفظهم‬
‫ويحفظ دينهم‪.‬‬
‫فما يصلح لقلية في مجتمع ما من الحكام والتشريعات قد ل يصلح لقلية‬
‫في مجتمع ذي طبيعة أخرى‪ ،‬وما يصلح للمسلم في بلد العالم السلمي قد ل‬
‫يصلح للمسلم في مجتمعات غير إسلمية‪.‬‬
‫لذا نقول بأن أحكام القليات السلمية في البلد غير السلمية تحتاج إلى‬
‫مزيد عناية ودراسة وبحث واجتهاد على جميع المستويات الفكرية والجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية ومن ثم الفقهية‪.‬‬
‫وإن كثيرا من الحكام التي أعطيت لتلك القلية تحتاج إلى إعادة نظر‬
‫واجتهاد وذلك لنها كانت أحكام متسرعة لم تدرس واقع تلك القليات على أكمل‬
‫وجه مما أعطى أحكاما مجانبة للصواب أحيانا‪.‬‬
‫هذا ولقد اخترت أهم المسائل والقضايا التي تشغل بال القليات السلمية‬
‫في البلد غير السلمية‪ ،‬واستعنت بقرارات المجامع الفقهية وفتاوى العلماء‬
‫لبيان الحكام الشرعية لتلك المسائل‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫تعريف القليات المسلمة ‪:‬‬
‫أما كلمة " القليات " فهي مصطلح سياسي جرى في العرف الدولي‪ ،‬يُقصد‬
‫به مجموعة أو فئات من رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث العِرق أو اللغة أو‬
‫الدين إلى غير ما تنتمي إليه الغلبية‪.‬‬
‫وتشمل مطالب القليات عادة المساواة مع الغلبية في الحقوق المدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬مع العتراف لها بحق الختلف والتميز في مجال العتقاد والقيم(‪.)1‬‬
‫بناء عل يه يمكن نا القول بأن المراد بالقليات الم سلمة‪ :‬هي تلك المجموعات‬
‫ال صغيرة من الم سلمين ال تي تع يش ض من رعا يا دولة من الدول الغلب ية في ها‬
‫لغير المسلمين‪.‬‬

‫فقه القليات المسلمة ‪:‬‬


‫هناك من العلماء من يدعو إلى إيجاد فقه خاص بالقليات المسلمة نتيجة‬
‫للخصوصية الجتماعية والسياسية والثقافية التي تنتمي إليها تلك القليات(‪.)2‬‬
‫لكن في نفس الوقت هناك من يتوجس خيفة من هذه الدعوة ويحذر منها‪:‬‬
‫ومن هؤلء فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪.‬‬
‫وفيما يلي عرض موجز لرأيه في هذا الموضوع والذي كان عنوانه‪:‬‬
‫" ليس صدفة‪ :‬تلقي الدعوة إلى فقه القليات مع الخطة الرامية إلى تجزئة‬
‫السلم "‪.‬‬
‫" في الوقت الذي يخطط أئمة الغزو الفكري في العالم‪ ،‬لتجزيء السلم‬
‫العالمي الواحد إلى " إسلميات " إقليمية متعددة‪ ،‬ومن ثم مختلفة فمتصارعة‪،‬‬
‫تتعاظم وتتلحق الصوات الداعية إلى إيجاد ما يسمونه بـ " فقه القليات "‬

‫() نظرات تأسيسية في فقه القليات‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني (موقع السلم أون لين‪.‬نت‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪( http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/politic/2001/article1-1.shtml‬‬
‫() مثل‪ :‬د‪ .‬طه جابر العلواني وفضيلة الشيخ د‪ .‬يوسف القرضاوي وغيرهما‪..‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪271‬‬
‫وتفصيله كسوةً إسلمية مناسبة للسلم الذي يتنامى اليوم في الغرب بشطريه‬
‫الوروبي والمريكي‪ ،‬دون السلم الخر المنتشر في الوطان السلمية عامة‪.‬‬
‫ولقد قلت سائلً‪ :‬ما هي المستندات أو السس التي ينبغي أن يستولد منها‬
‫" فقه القليات " هذا؟‬
‫فقيل لي‪ :‬إنها كثيرة‪ :‬قاعدة المصالح‪ ..‬الضرورات تبيح المحظورات‪..‬‬
‫المشقة تجلب التيسير‪ ..‬ما جعل عليكم من الدين من حرج‪.‬‬
‫ن هذه المستندات ليست خاصة للمسلمين المقيمين في أوروبا‬ ‫قلت‪ :‬ولك ّ‬
‫وأمريكا‪ ..‬إنها مستندات لفقه إسلمي عالمي ل وطن لـه‪ ،‬ولم تكن يوما ما‬
‫مستندات لما تسمونه " فقه القليات " دون غيره‪ ،‬فحيثما وجدت الضرورة بمعناها‬
‫الشرعي المعروف ارتفع الحظر المسبب لها‪ ،‬وأينما وجدت المشقة التي تتجاوز‬
‫الحد المعتاد‪ ،‬تثبت الرخصة الشرعية المتكلفة برفعها‪ ،‬وحيثما تعارضت‬
‫المصلحتان في سلّم المقاصد الشرعية‪ ،‬قدّمت الَوْلَى منهما‪ ..‬ولم نجد في قرآن‬
‫أو سنة‪ ،‬ول في كلم أحد من أئمة الشريعة السلمية‪ ،‬أن هذه المستندات خاصة‬
‫بحال القليات التي تقيم في ديار الكفر‪ ،‬فل يجوز لغيرهم من المسلمين في العالم‬
‫السلمي الخذ بها والستناد إليها‪.‬‬
‫قيل لي‪ :‬إن الضرورات التي تنبثق منها الحاجة الماسة إلى فقه خاص بتلك‬
‫القليات‪ ،‬نابعة من وجودهم في مجتمعات غير إسلمية‪ ،‬لها خصوصيتها‬
‫المتميزة عن المجتمعات السلمية!‬
‫قلت‪ :‬أي إسلم هذا الذي يقرر أن مجرد وجود المسلم في دار الكفر يعدّ‬
‫ضرورة تبرر تشريع فقه إسلمي خاصٍ به ينسجم مع ما يحيط به من تيارات‬
‫الكفر والفسوق والعصيان؟!‪ ..‬إذا فلماذا شرع ال الهجرة وأمر بها‪ ،‬من دار‬
‫الكفر (إن لم يتح للمسلم تطبيق أحكام السلم فيها) إلى دار السلم‪ ،‬وهلّ أقام‬
‫رسول ال وصحبه بين ظهراني المشركين في مكة‪ ،‬مستندين في ذلك إلى هذا‬
‫الذي لم يكن يعرفه مما تسمونه " فقه القليات " ؟‬

‫‪272‬‬
‫وإذا كان مجرد وجود المسلمين في دار الكفر مصدرا لضرورة تب ّررُ‬
‫ابتداع فقه جديد يناسب حال تلك الدار ومن فيها‪ ،‬فمن هم الذي عناهم ال تعالى‬
‫بقوله‪  :‬إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا‬
‫مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها فأولئك‬
‫مأواهم جهنم وساءت مصيرا ‪[ ‬النساء‪.]4 :‬‬
‫لقد كنا نستبشر بأن تزايد المسلمين في الغرب مع التزامهم بالسلم‬
‫وانضباطهم بأحكامه‪ ،‬يبعث على ذوبان الحضارة الغربية الجانحة في تيار‬
‫الحضارة السلمية‪.‬‬
‫ولكنا اليوم‪ ،‬وفي ظل الدعوة الملحة إلى ما يسمى بـ " فقه القليات " نعلم‬
‫أننا مهددون بنقيض ما كنا نستبشر به‪ ،‬إننا مهددون بذوبان الوجود السلمي في‬
‫تيار الحضارة الغربية الجانحة‪ ،‬بضمانة من هذا الفقه‪.‬‬
‫أل فليتق ال أئمة هذه الدعوة التي ل عهد لنا بها قبل اليوم‪ ،‬وليعلموا أن‬
‫ثمرتها تحقيق ما يراد بالسلم اليوم‪ ،‬من تحويله إلى إسلمات إقليمية متنوعة‪،‬‬
‫وإن لنا في المجامع الفقهية الكثيرة في عالمنا العربي والسلمي ما يغني عن‬
‫ابتداع مرجعيات خاصة‪ ،‬متخصصة بهذا الفقه السلمي الجديد الذي ل عهد‬
‫للشريعة السلمية به(‪.)1‬‬
‫والحقيقة أن تخوف فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مبالغ فيه‪،‬‬
‫وإل فإن القليات المسلمة في حاجة إلى بيان كثير من الحكام الشرعية المتعلقة‬
‫بمعاملتها وعباداتها‪ ،‬ول يعني ذلك مطلقا الدعوة إلى تجزئة السلم أو التفريق‬
‫بين فقهه واجتهاده الموحد أصلً بوحدة أصوله وتشريعاته وال أعلم‪.‬‬
‫وفيما يلي مجموعات مختارة من تلك القضايا والمسائل التي تهم القليات‬
‫المسلمة‪:‬‬

‫‪ )(1‬موقع الدكتور البوطي على النترنت‪) http://www.bouti.net/bouti_monthly15.htm ( :‬‬

‫‪273‬‬
‫‪ -1‬ح كم و ضع ال يد على التوراة أو النج يل أو كليه ما ح ين أداء اليم ين أمام‬
‫القضاء‪:‬‬
‫الحمد ل والصلة والسلم على من ل نبي بعده‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي(‪ )1‬قد اطلع على السؤال الوارد حول‬
‫حكم وضع المسلم يده على التوراة والنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية‬
‫أمام المحاكم في البلد غير السلمية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك‬
‫على الحالف‪.‬‬
‫واستعرض المجلس آراء فقهاء المذاهب حول ما يجوز الحلف به وما ل‬
‫يجوز في القسم بوجه عام وفي اليمين القضائية أمام القاضي(‪ ،)2‬وانتهى المجلس‬
‫إلى القرار التالي‪:‬‬
‫‪-1‬ل يجوز الحلف إل بال تعالى دون شيء آخر‪ ،‬لقول الرسول ‪ " :‬من‬
‫كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت " (‪.)3‬‬
‫‪-2‬وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو النجيل أو‬
‫غيرها ليس بلزم لصحة القسم‪ ،‬لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين‬
‫ليتهيّب الحالف من الكذب‪.‬‬
‫‪-3‬ل يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو النجيل‪ ،‬لن‬
‫النسخ المتداولة منهما الن محرّفة وليست الصل المنزل على موسى‬
‫‪ )(1‬القرار رقم ‪ 1‬في دورته الخامسة‪.‬‬
‫‪ )( 2‬انظر المراجع التالية‪ :‬البحر الرائق ‪ ،4/301‬حاشية ابن عابدين ‪ ،3/705‬شرح فتح القدير ‪ ،5/59‬الثمر‬
‫الداني ‪ ،1/421‬الفواكه الدواني ‪ ،1/408‬مواهب الجليل ‪ ،3/264‬المهذب ‪ ،2/129‬مغني المحتاج ‪،4/320‬‬
‫المبدع ‪ ،9/263‬شرح منتهى الرادات ‪ ،3/441‬كشاف القناع ‪ ،64/234‬المغني ‪.9/405‬‬
‫‪ )( 3‬أخرجه البخاري في الشهادات باب كيف يستحلف (‪ ،2/951 )2533‬ومسلم في اليمان باب النهي عن‬
‫الحلف بغير ال (‪.3/1267 )1646‬‬

‫‪274‬‬
‫وعيسى عليهما السلم‪ ،‬ولن الشريعة التي بعث ال تعالى بها نبيه‬
‫محمدا قد نسخت ما قبلها من الشرائع‪.‬‬
‫‪-4‬إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسلمي يوجب على من توجهت‬
‫عليه اليمين وضع يده على التوراة أو النجيل أو كليهما على المسلم أن‬
‫يطلب من المحكمة وضع يده على القرآن‪ ،‬فإن لم يستجب لطلبه يعتبر‬
‫مكرها‪ ،‬ول بأس عليه في أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن‬
‫ينوي بذلك تعظيما‪ ،‬وال ولي التوفيق‪.‬‬
‫وصلى ال على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫نائب الرئيس‬ ‫رئيس مجلس المجمع الفقهي‬
‫محمد علي الحركان‬ ‫عبدال بن حميد‬

‫‪ -2‬حكم الصلة في معابد الكفار ‪:‬‬


‫اختلفت آراء الفقهاء قديما في المسألة إلى عدة أقوال ‪:‬‬
‫‪.1‬ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة الصلة في الكنائس وغيرها من معابد‬
‫أهل الشرك‪ ،‬وعللوا الكراهة بوجود الصور فيها‪ ،‬ولنها ملعونة‪ ،‬ولنه‬
‫ل يتعبد ال في بيوت أعدائه‪ ،‬ولنها مأوى الشياطين كالحمّام(‪.)1‬‬
‫وقد روى البخاري عن عمر أنه قال‪ " :‬إنا ل ندخل كنائسكم من أجل‬
‫التماثيل التي فيها الصور " (‪ ،)2‬ول فرق بين أن تكون المعابد عامرة أو‬
‫دارسة (أي تقادم عهدها)‪.‬‬
‫‪.2‬وذهب المام مالك إلى القول بالمنع مطلقا‪ ،‬وهو رواية عن أحمد(‪.)3‬‬
‫‪.3‬وذهب بعض أصحاب أحمد إلى الجواز مطلقا‪ ،‬قال ابن تيمية‪ " :‬قال‬
‫أكثر أصحابنا‪ :‬ل تكره الصلة في الكنيسة والبيعة النظيفة " (‪.)4‬‬
‫() انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ،3/161‬المجموع ‪ ،3/161‬نيل الوطار ‪.2/143‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري معلقا في الصلة باب الصلة في البيعة ‪ ،1/167‬والطبراني في الوسط ‪،2/193‬‬ ‫‪2‬‬

‫والبيهقي في سننه (‪ ،7/268 )14341‬وعبد الرزاق (‪.1/411 )1610‬‬


‫() المدونة الكبرى ‪ ،1/90‬كفاية الطالب الرباني ‪.1/211‬‬ ‫‪3‬‬

‫() شرح العمدة ‪.4/502‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪275‬‬
‫قال ابن تيمية‪ " :‬والصحيح أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها‪ ،‬لن‬
‫الملئكة (ملئكة الرحمة ل الحفظة)‪ ،‬ل تدخل بيتا فيه صورة(‪ ،)1‬وأما إذا لم يكن‬
‫فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة " (‪.)2‬‬
‫وإذا جازت الصلة في كنيسة مع خلوها عن الصور‪ ،‬جازت في أي معبد‬
‫آخر ل يوجد فيه صور‪ :‬فلقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة‬
‫إذا لم يكن فيها تماثيل(‪.)3‬‬
‫ويظهر من كلم الجمهور أن من صلى فيها مع وجود التماثيل فصلته‬
‫صحيحة مع الكراهة(‪ ،)4‬وإن كان الولى أن ينأى المسلم في صلته عن مثل هذه‬
‫الماكن إذا توفرت لـه أماكن أخرى ولم يحتج إليها‪ ..‬أما إذا اضطر إلى الصلة‬
‫فيها كخوف برد‪ ،‬أو عدم توفر محل آخر‪ ،‬جازت بل كراهة‪ ،‬ول إعادة عليه‪،‬‬
‫فكل أرض مصلى للمسلمين " إل ما تيقنا نجاسته " (‪ ،)5‬لقول النبي ‪ " :‬وجُعلت‬
‫لي الرض مسجدا وطهورا‪ ،‬فأيما رجل أدركته الصلة فليصل " (‪.)6‬‬
‫ولقد أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬استئجار‬
‫الكنائس للصلة‪ ،‬ولكن أوصى بتجنّب استقبال التماثيل‪ ،‬فإن لم يمكن فإنها تستر‬
‫بحائل إذا كانت باتجاه القبلة(‪.)7‬‬
‫وهنا أهيب بالمسلمين أن يوفروا ما يحتاجون إليه من مساجد ليستغنوا عن‬
‫معابد أهل الشرك‪ ،‬وأن يبذلوا في سبيل ذلك ما يقدرون عليه‪.‬‬

‫() للحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين (‪ ،3/1179 )3054‬ومسلم في‬ ‫‪1‬‬

‫اللباس والزينة باب تحريم تصوير الحيوان (‪.3/1666 )2105‬‬


‫() مجموع فتاوى شيخ السلم ابن تيمية ‪ 22/162‬و ‪.27/14‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري في كتاب الصلة باب الصلة في البيعة‪ :‬معلقا ‪.1/167‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ ،1/115‬المدونة ‪ ،1/91‬فتح الباري ‪ ،1/532‬نيل الوطار ‪.2/151‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫من فقه القليات المسلمة‪ ،‬ص ‪.101 – 100‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫أخرجه البخاري في التيمم (‪.1/128 )328‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫القرار رقم ‪ )11/3( 23‬في دورة مؤتمره الثالث‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫‪276‬‬
‫‪ -3‬الدفن في التابوت ‪:‬‬
‫أجمع الفقهاء على أن الدفن في التابوت مكروه(‪ ،)1‬ول يستعمل إل في حالة‬
‫العذر فقط(‪ ،)2‬واعتمدوا في ذلك على أنه لم يصح أن أحدا في زمن النبي أو‬
‫أن النبي نفسه قد دفن في تابوت‪ ،‬بل كانوا يوضعون على التراب‪ ،‬ولم يصح أن‬
‫النبي رخص فيه أيضا أو منع منه‪.‬‬
‫وقد أجاز الفقهاء اتخاذ التابوت إذا كانت التربة رخوة وغير متماسكة‪ ،‬أو‬
‫كان جسد الميت مهترئا بالحتراق‪ ،‬أو مقطعا‪ ،‬أو أشلء بحيث ل يضبطه إلى‬
‫الصندوق‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬والسنة أن يفترش في التابوت التراب(‪.)3‬‬
‫وعليه فمن أجبرته سلطات بلده‪ ،‬على أن يضع متوفاه في صندوق خشبي‬
‫أو حديدي‪ ،‬فل شيء في ذلك – إن شاء ال – للعذر‪ ،‬وإل فل يفعله‪.‬‬

‫‪ -4‬هل يصح دفن مسلم في مقابر الكفار ؟‬


‫اتفق الفقهاء على أنه ل يدفن مسلم بمقابر الكفار‪ ،‬ول كافر في مقابر‬
‫المسلمين‪ ،‬وإذا دفن أحدهما في مقبرة الخر نبش وجوبا ما لم يتغير(‪ ،)4‬لن‬
‫الكفار يُعذبون في قبورهم‪ ،‬والمسلم يتأذى بمجاورتهم‪.‬‬
‫فإذا لم تكن في بعض البلد التي يسكنها مسلمون مقابر خاصة بهم‪ ،‬فإنه‬
‫ينقل وجوبا إلى بلد المسلمين‪ ،‬إن أمكن ذلك ماديا وسمحت سلطات بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يخف تغير جثة الميت‪ ،‬وإل جاز دفنه في مقابر الكفار على أن‬
‫يخصص للمسلمين جانبا منها لهم‪ ،‬ل يشاركهم فيه غيرهم‪ ،‬فإن لم يكن جاز دفنه‬
‫للضرورة‪ ،‬وبه أفتى مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي حيث‬

‫‪ )( 1‬البحر الرائق ‪ ،2/208‬التاج والكليل ‪ ،2/234‬المجموع ‪ ،5/253,246‬الكافي في فقه ابن حنبل‪ :‬ابن‬
‫قدامة ‪.1/269‬‬
‫‪ )(2‬الفقه السلمي وأدلته‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي ‪.2/538‬‬
‫‪ )(3‬البحر الرائق ‪.2/208‬‬
‫‪ )( 4‬بدائع الصنائع ‪ ،1/303‬المجموع ‪ ،5/285‬إعانة الطالبين ‪ ،2/117‬كشاف القناع ‪2/146‬و مطالب أولى‬
‫النهى ‪.1/922‬‬

‫‪277‬‬
‫جاء في القرار رقم ‪ " :)11/3( 23‬إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في‬
‫بلد غير إسلمية جائز للضرورة " (‪.)1‬‬

‫‪ -5‬شراء المنازل بواسطة البنوك ‪:‬‬


‫يسأل المسلمون الذي يقيمون في بلد الغرب عن حكم شراء منزل السكنى‬
‫وسيارة الستعمال الشخصي وأثاث المنزل بواسطة البنوك والمؤسسات التي‬
‫تفرض ربحا محددا على تلك القروض لقاء رهن تلك الصول علما بأنه في حالة‬
‫البيوت والسيارات والثاث عموما يعتبر البديل هو اليجار بقسط شهري يزيد في‬
‫الغالب عن قسط الشراء الذي تستوفيه البنوك ؟‬
‫إن المعاملة المذكورة غير جائزة لشتمالها على الربا الحرام شرعا‪،‬‬
‫وينبغي للمسلمين – وعددهم غير قليل أن يجتهدوا ليجاد بدائل هذه المعاملة‬
‫الموافقة للشريعة السلمية‪ ،‬كأن يكون البنك نفسه هو البائع بتقسيط ويزيد في‬
‫ثمن البيوت وغيرها عن الثمن المعروف‪ ،‬فيشتريها من الباعة‪ ،‬ويبيعها إلى‬
‫زبائنها بربح مناسب‪.‬‬
‫كما ينبغي أن تطرح هذه المسألة على لجنة مستقلة ُت َكوّن لتخطيط نظام‬
‫البنوك اللربوية لتنظر في تفاصيلها(‪ ،)2‬وتريح المسلمين من الوقوع في الربا‬
‫المجمع على تحريمه‪.‬‬

‫‪ -6‬هل للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر فيما هو معصية عندنا؟‬


‫صورة هذا التساؤل‪ :‬أن يؤجر المسلم نفسه لكافر‪ ،‬لبناء معبد للشرك‪ ،‬أو‬
‫حمل محرم كخمر‪ ،‬أو ميتة‪ ،‬أو خنزير‪ ،‬أو بيعه‪ ،‬أو أن يعمل عنده في معاملت‬
‫ربوية‪ ،‬أو في مصانع تنتج محرمات‪ ،‬أو ما شاكل ذلك‪.‬‬

‫‪ )(1‬مجلة المجمع (العدد الثالث ‪ ،2/1087‬العدد الثاني ‪.)1/199‬‬


‫‪ )(2‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص ‪ 328‬و ‪.346‬‬

‫‪278‬‬
‫فقد ذهب الجمهور إلى حُرمة أن يؤجر المسلم نفسه لكافر في عمل‬
‫كهذا(‪ :)1‬فقد سئل المام مالك‪ :‬المسلم يؤجر نفسه للكافر يحمل له خمرا‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫" ل تصلح هذه الجارة "‪ ،‬وقال‪ " :‬بل ل يعطى عليها إجارة " (‪.)2‬‬
‫وسئل المام أحمد‪ :‬أيبني مسلما للمجوس ناووسا – والناووس‪ :‬حجر ينقر‬
‫ويوضع فيه الميت ‪-‬؟ فقال‪ " :‬ل يبني لهم "‪ ،‬وقاله المدي‪ ،‬وكرهه الشافعي(‪،)3‬‬
‫ومثله الكنيسة‪ ،‬وما يماثلها عند أهل الكفر(‪.)4‬‬
‫وأما العمل في معاملت ربوية فمحرم‪ ،‬لحديث جابر‪ " :‬لعن رسول ال‬
‫آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه "‪ ،‬وقال‪ " :‬وهم فيه سواء " (‪.)5‬‬
‫قال النووي‪ " :‬هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المرابين والشهادة‬
‫عليهما " (‪ ،)6‬وفي الحديث أيضا تحريم العانة على الباطل أيّا كان نوعه‪.‬‬
‫والنص هنا عام مطلق‪ ،‬بل فرق بين من عمل بذلك في دار السلم أم في‬
‫دار الكفر‪.‬‬
‫نخلص من هذا إلى أنه يحرم على المسلم أن يبني للمشركين دارا للكفر‪،‬‬
‫أو أن يعمل لديهم ببيع خمر‪ ،‬أو بيع خنزير أو أي محرم آخر‪ ،‬لنها أفعال‬
‫محرمة‪.‬‬
‫أما إذا اضطر إلى ذلك جاز‪ ،‬ولكن فليعمل بقاعدة‪ " :‬الضرورة تقدر‬
‫بقدرها " فل يتجاوز قدر الحاجة‪ ،‬ول يتوسع في ذلك‪ ،‬وليكتف بالكفاف‪ ،‬وليعمل‬
‫جاهدا للخروج من هذا الواقع متى وجد مكانا حللً خالصا‪.‬‬
‫وقد أفتى المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬بحرمة العمل‬
‫في المطاعم من غير ضرورة (أي المطاعم التي تقدم الخمر والخنزير)‪ ،‬وبحرمة‬
‫تصميم معابد شركية‪ ،‬أو السهام فيها‪.‬‬
‫نيل الوطار ‪ ،6/19‬الكافي في فقه أحمد بن حنبل ‪.2/304‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫المدونة ‪.1/425‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫أحكام أهل الذمة‪ :‬للزرعي ‪.1/562‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫الم ‪.4/212‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫أخرجه مسلم في المساقاة باب لعن آكل الربا ومؤكله (‪.3/1219 )1598‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫شرح النووي على صحيح مسلم ‪.11/26‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪279‬‬
‫وأما إذا اضطر للعمل في تلك المطاعم فيجوز‪ ،‬بشرط أل يباشر نفسه سقي‬
‫الخمر أو حملها‪ ،‬أو صناعتها‪ ،‬أو التجار بها‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم‬
‫الخنزير‪ ،‬ونحوها من المحرمات(‪.)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعلى ذلك يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر بشروط منها‪:‬‬
‫‪.1‬أن يكون عمله مباحا‪.‬‬
‫‪.2‬أن ل يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين‪.‬‬
‫‪.3‬أل يشتمل على مذلة وإهانة‪.‬‬

‫‪ -7‬حكم مصافحة الكفار ومعانقتهم ‪:‬‬


‫ذهب جماعة من الئمة إلى كراهية مصافحة الكفار(‪ ،)3‬منهم النخعي وأحمد‬
‫وأبو يوسف‪.‬‬
‫قال النخعي‪ " :‬كانوا يكرهون أن يصافحوا اليهود " (‪ ،)4‬يقصد بذلك السلف‬
‫الصالح‪.‬‬
‫وذهب آخرون وعلى رأسهم الثوري وعبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬إلى أنه ل‬
‫بأس بأن يصافح المسلم اليهودي والنصراني(‪.)5‬‬
‫وهو الراجح‪ ،‬الذي يقتضيه قوله تعالى‪  :‬ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم‬
‫في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن ال يحب‬
‫المقسطين ‪[ ‬الممتحنة‪.]8 :‬‬
‫أما معانقتهم فلم أرَ من صرّح بجوازها ول بمنعها‪ ،‬مع أنني أميل إلى‬
‫القول بكراهيتها‪ ،‬لنها تعبير عن الرضا التام‪ ،‬والمحبة الفياضة‪ ،‬وهذا الشعور ل‬
‫ينبغي أن يُعامل به الكافر‪ ،‬إل أن يكون الكافر أبا أو ابنا أو جدّا‪ ،‬أو ما شابه‬
‫ذلك‪ ،‬فل بأس به‪ ،‬وليكن في المناسبات فقط‪.‬‬

‫قرار رقم ‪ )11/3( 23‬في دورة مؤتمره الثالث‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫من فقه القليات المسلمة‪ ،‬ص ‪.136 – 134‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المغني ‪ ،9/290‬الدر المختار ‪ ،6/412‬حاشية ابن عابدين ‪ ،6/412‬حاشية العدوي ‪.2/619‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫انظر مصنف عبد الرزاق ‪.6/117‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫المرجع السابق ‪.6/117‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫‪280‬‬
‫أما تقبيلهم فقد كرهه بعض العلماء‪ ،‬وبه أقول للسبب الذي ذُكر في كراهية‬
‫معانقتهم‪ ،‬وإن حدث ذلك فل إثم إن شاء ال لعدم النص‪ ،‬إن لم يترتب عليه‬
‫المحبة والرضا‪ ،‬التي قد تجر إلى الموالة المحظورة(‪.)1‬‬

‫‪ -8‬حكم تهنئتهم ‪:‬‬


‫إذا كانت التهنئة في المور المشتركة كزواج‪ ،‬أو قدوم مولود‪ ،‬أو غائب‪،‬‬
‫أو عافية ونحوها‪ ،‬لم أرَ أحدا قد صرّح بالمنع إل رواية عن أحمد(‪ ،)2‬ولكن لما‬
‫جازت عيادتهم (على ما سيأتي)‪ ،‬جازت تهنئتهم‪ ،‬قال ابن القيم‪ " :‬ولكن فليحذر‬
‫الوقوع في اللفاظ التي تدل على رضاه بدينه‪ ،‬مثل " أعزك ال "‪ ،‬وما قاربها‪..‬‬
‫أما إذا كانت التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالتفاق‪ ،‬مثل أن يهنئهم‬
‫بأعيادهم وصومهم‪ ،‬فيقول‪ " :‬عيد مبارك " (‪.)3‬‬

‫‪ -9‬حكم شهود أعيادهم ومشاركتهم فيها ‪:‬‬


‫ل يجوز للمسلم ممالة الكفار على أعيادهم‪ ،‬ول مساعدتهم‪ ،‬ول الحضور‬
‫معهم‪ ،‬باتفاق أهل العلم(‪ ،)4‬لنهم على منكر وزور‪ ،‬وإذا خالط أهل المعروف أهل‬
‫المنكر بغير النكار عليهم‪ ،‬كانوا كالراضين المؤثرين لـه‪ ،‬فيخشى من نزول‬
‫سخط ال على جماعتهم فيعم الجميع‪.‬‬
‫وقد صح عن عمر أنه قال‪ " :‬ل تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم‬
‫عيدهم‪ ،‬فإن السخطة (اللعنة) تنزل عليهم " (‪.)5‬‬
‫وروى البخاري عنه قوله‪ " :‬اجتنبوا أعداء ال في عيدهم " (‪.)6‬‬

‫من فقه القليات المسلمة‪ ،‬ص ‪.153 – 152‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أحكام أهل الذمة‪ :‬محمد بن أيوب الزرعي ‪ ،1/441‬الروض المربع ‪.2/18‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المرجع السابق ‪.1/441‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫() مواهب الجليل ‪ ،6/289‬أحكام أهل الذمة ‪ ،3/1245‬إعانة الطالبين ‪ ،4/166‬مغني المحتاج ‪،4/194‬‬ ‫‪4‬‬

‫الروض المربع ‪ ،2/18‬شرح منتهى الرادات ‪.1/664‬‬


‫أخرجه البيهقي (‪ ،9/2234 )18640‬وعبد الرزاق (‪.1/411 )1609‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫التاريخ الكبير‪ :‬للبخاري (‪ ،4/14 )1804‬والبيهقي (‪.9/234 )18641‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪281‬‬
‫وعن عبدال بن عمرو قوله‪" :‬من بنى ببلد العاجم‪ ،‬وصنع نيروزهم‬
‫ومهرجانهم‪ ،‬وتشبّه بهم حتى يموت وهو على ذلك‪ ،‬حشر معهم " (‪.)1‬‬
‫ومن هنا أجمع العلماء على حرمة أن يُباع لهم شيء من مصلحة دينهم في‬
‫يوم عيدهم‪ ،‬أو الهداء إليهم " (‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬لكن إذا خاف المسلم أن يترتب على عدم تهنئتهم ضرر عليه ل‬
‫يمكن تحمله عادة‪ ،‬رخص له في مجاملتهم في الظاهر مع النكار القلبي(‪.)3‬‬

‫‪ -10‬حكم عيادة مرضاهم ‪:‬‬


‫الصل في ذلك ما رواه البخاري وغيره‪ ،‬أنه كان للنبي غلم يهودي‬
‫يخدمه فمرض فأتاه فعاده‪ ...‬الحديث(‪.)4‬‬
‫قال ابن حجر‪ " :‬وفي الحديث جواز عيادة المشرك إذا مرض " (‪.)5‬‬
‫وقال الماوردي‪ " :‬عيادة الذمي جائزة‪ ،‬والقربة موقوفة على نوع حرمة‬
‫تقترن بها من جوار أو قرابة " (‪ ،)6‬قلت‪ :‬أو صحبة‪.‬‬
‫وقد عاد النبي أيضا عمه أبا طالب في مرض وفاته‪ ،‬وعرض عليه‬
‫السلم(‪.)7‬‬
‫كل ذلك دل على جواز عيادة مرضى المشركين‪ ،‬لنها نوع من البر‪ ،‬وهي‬
‫من محاسن السلم ول بأس بها(‪ ،)8‬ولنها من مكارم الخلق‪.‬‬
‫وذهب قوم على أن عيادة مرضى المشركين جائزة بشرط دعوتهم إلى‬
‫السلم وإل فل‪.‬‬

‫أخرجه البيهقي بإسناد صحيح (‪.9/234 )18642‬‬ ‫‪)(1‬‬


‫أحكام أهل الذمة ‪.3/1245‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫من فقه القليات المسلمة‪ ،‬ص ‪.154‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أخرجه البخاري في الجنائز باب إذا أسلم الصبي فمات (‪.1/455 )1290‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫فتح الباري ‪.3/263‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫نيل الوطار ‪.8/228‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب عيادة المشرك (‪.5/2142 )5333‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫البحر الرائق ‪ ،8/232‬تبيين الحقائق ‪.6/30‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫‪282‬‬
‫قال ابن بطال‪ " :‬إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في‬
‫السلم‪ ،‬فإذا لم يطمع في ذلك فل " (‪.)1‬‬

‫‪ -11‬زواج المسلمة بغير المسلم ‪:‬‬


‫ل يجوز لمسلمة أن تنكح غير مسلم في حال من الحوال‪ ،‬وهذا أمر مجمع‬
‫عليه(‪ ،)2‬لقوله تعالى‪  :‬ول تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا‪ ،‬ولعبد مؤمن خير من‬
‫مشرك ولو أعجبكم ‪[ ‬البقرة‪ ،]221 :‬وقال تعالى‪  :‬ل هنّ حل لهم ول هم يحلون‬
‫لهن ‪[ ‬الممتحنة‪.]10 :‬‬
‫وإن الطمع في إسلم أحد ل يبرر لمسلمة أن تعقد معه الزواج فإن مثل‬
‫هذا الطمع الموهوم ل يحل حراما‪.‬‬
‫وكذلك لو أسلمت المرأة وزوجها كافر‪ ،‬فإن النكاح ينقطع بينهما بمجرد‬
‫إسلمها عند الجمهور(‪ ،)3‬وبإنكار الزوج عن السلم بعد العرض عليه عند‬
‫الحنفية(‪ :)4‬أما لو أسلم الزوج وهي في عدته رجع النكاح الول ولو لم يسلم إلى‬
‫بعد العدة ل ترجع إليه الزوجة المسلمة إل بنكاح جديد بينهما‪.‬‬
‫وهذا أمر قد اتفق عليه الفقهاء قديما وحديثا‪ ،‬وإن الطمع الموهوم في إسلم‬
‫الزوج ل يغير حكم الشرع(‪.)5‬‬
‫وجاء في قرار مج مع الف قه ال سلمي ر قم ‪ )11/4 ( 23‬جوابا على ن فس‬
‫السؤال ما يلي‪:‬‬
‫" زواج المسلمة بغير المسلم ممنوعا شرعا بالكتاب والسنة والجماع وإذا‬
‫وقع فهو باطل‪ ،‬ول يترتب عليه الثار الشرعية المترتبة على النكاح والولد‬
‫المولودون عن هذا الزواج أولد غير شرعيين‪ ،‬ورجاء زواج إسلم الزواج ل‬
‫يغير هذا الحكم شيئا " (‪.)6‬‬
‫فتح الباري ‪.10/119‬‬ ‫‪)(1‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬وأجمعت المة على أن المشرك ل يطأ المؤمنة بوجه " (تفسير القرطبي ‪.)3/72‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫الفروع ‪ ،5/187‬المغني ‪ ،4/224‬حاشية البجيرمي ‪ ،3/301‬الفواكه الدواني ‪.2/26‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أحكام القرآن للجصاص ‪ ،5/329‬تبيين الحقائق ‪.2/62‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص ‪.332‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫مجلة المجمع (العدد الثالث ‪ ،2/1087‬والعدد الثاني ‪.)1/199‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫‪283‬‬
‫المبحث الثاني عشر‬

‫حكم التجنس بالجنسية الجنبية‬

‫إن تواجد المسلمين في البلدان الغربية يطرح عدة مشاكل شرعية أمام‬
‫القليات السلمية المقيمة‪ ،‬و بعض هذه المشاكل تتعلق مباشرة بوضعيتهم‬
‫واندماجهم في المجتمعات الغربية‪ ،‬كالتجنس والمشاركة في الحياة السياسية‪،‬‬
‫ويرى بعض المسلمين أن الحصول على جنسية تلك البلدان يسهل الحياة في تلك‬
‫المجتمعات‪ ،‬إذ أنه يفتح أمامه البواب في المشاركة في القضايا العامة والتدرج‬
‫في الوظائف الحكومية‪ ،‬بل وتمثيل الشعب الغربي ودخول برلمانات هذه الدول‪،‬‬
‫كما هو حاصل في بعض الحيان‪ ،‬كما أن بعض فئات المسلمين قدمت إلى‬
‫البلدان الغربية طلبا للجوء السياسي‪ ،‬وبسبب أوضاع بلدانها‪ ،‬فقدت كل وثائقها‬
‫القانونية وأوراقها الثبوتية‪ ،‬إضافة إلى أن حكومات تلك الدول ل تمنحها وثائق‬
‫جديدة أو تزود أولد المهاجرين بوثائق قانونية كجوازات السفر أو شهادات‬
‫الجنسية‪ ،‬كل ذلك يجعل الحصول على جنسية البلد الغربي أمرا مطلوبا في ذاته‪،‬‬
‫وكذلك لحل العديد من المشاكل القانونية‪.‬‬
‫وللعلماء المسلمين وجهات نظر مختلفة حول التجنس بجنسية غربية‪:‬‬
‫بعض العلماء يرى أن الجنسية ل تحمل بعدا عقائديا بل هي مجرد إثبات للنتماء‬
‫القانوني إلى بلد ما‪ ،‬إل أن البعض الخر يعتبرها معيارا للعقيدة والدين‪ ،‬فيعد‬
‫حصول المسلم على جنسية دولة غير مسلمة بمثابة ترك المسلم لدينه‪ ،‬وفك‬
‫ارتباطه بالعالم السلمي‪ ،‬وهذا معيار يتضمن العديد من الشكالت‪ :‬منها أن‬
‫هناك أقليات غير إسلمية تعيش في البلدان السلمية وتحمل جنسيتها‪ ،‬فهل يدل‬
‫ذلك على أنها تركت دينها وأصبحت مسلمة ؟ وهناك أقليات إسلمية تعيش في‬
‫بلدان كافرة‪ ،‬كتابية أو وثنية‪ ،‬وتحمل جنسيتها‪ ،‬فهل يعني أنها غير مسلمة ؟‬
‫وهناك من يعتنق السلم من الغربيين‪ ،‬وبالطبع فهم يحملون جنسية بلدانهم‪ ،‬فهل‬
‫يُطعن في إسلمهم إذا بقوا حاملين لها ؟‬

‫‪284‬‬
‫‪ -1‬تعريف الجنسية ‪:‬‬
‫الجنسية مصطلح سياسي جديد يرجع تاريخه إلى قيام الدولة بمفهومها‬
‫الحديث‪ ،‬لذا فإن هذا المصطلح غير موجود في استعمال فقهائنا القدامى‪.‬‬
‫والجنسية لغة‪ :‬من الجنس وهو ضرب من كل شيء‪ ،‬وهي الصفة التي‬
‫تلحق بالشخص من جهة انتسابه إلى دولة معينة(‪.)1‬‬
‫واصطلحا‪ :‬الجنسية هي رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة‬
‫معينة تجعله عضوا فيها وتقيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها(‪.)2‬‬
‫فهي علقة سياسية تنشئها الدولة بمحض إرادتها‪ ،‬علقة سياسية‬
‫ضرورية تربطها برعاياها فتمنحها لمن تشاء وتحرمها ممن تشاء وفق ظروفها‬
‫السياسية والقتصادية والجتماعية‪ ،‬فهذه الظروف مجتمعة أو منفردة تملي عليها‬
‫سياسة معينة في مسائل الجنسية‪ :‬فقد تكون راغبة في كثرة شعبها فتأخذ حينئذ‬
‫بحق القليم بالضافة إلى حق الدم‪ ،‬فتعتبر كل من ولد في إقليمها متمتعا‬
‫بجنسيتها ول تكتفي فقط بحق الدم‪ ،‬وبجانب هذين الساسين تذهب أكثر من ذلك‬
‫فتشجع الدخول في شعبها من الجانب وذلك بفتح باب التجنس وتخفيف شروطه‬
‫وإجراءاته‪ ،‬وعلى العكس من ذلك تضيق في سبيل الحصول على جنسيتها متى‬
‫كانت غير راغبة في تزايد شعبها فتقتصر في منح جنسيتها لمن ولد لصل يحمل‬
‫هذه الجنسية أي تقتصر على الخذ بالدم‪ ،‬والجنسية في القانون هوية خاصة لكل‬
‫دولة‪ ،‬وهي ترجمة للفظ ‪.Nationality‬‬
‫وهي علقة قانونية حيث يرتبط طرفاها بروابط قانونية‪ ،‬إذ تفرض على‬
‫كل منهما التزامات للخر وتقرر لـه حقوقا قبله‪ ،‬فهي علقة قانونية متبادلة أي‬
‫مزدوجة الثر‪ ،‬فللشخص حق الحماية لشخصه ولماله ولعرضه وتهيئ لـه سبل‬

‫() القاموس المحيط‪ :‬مادة جنس ‪.1/691‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الوسيط في القانون الدولي الخاص‪ :‬د‪ .‬سامي بديع منصور ص ‪ ،230‬أصول القانون الدولي الخاص‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫د‪ .‬محمد كمال فهمي ص ‪.71‬‬

‫‪285‬‬
‫الحياة لتقيه بالوسائل المتاحة لها شر الفقر والمرض والجهل‪ ،‬ولها عليه مقابل‬
‫ذلك واجب الولء والطاعة وتنفيذ أوامرها المشروعة‪.‬‬
‫وتعتبر الجنسية المعيار لتحديد صفة الجنبي داخل كل دولة وما يترتب‬
‫على هذه الصفة من آثار من حيث التمتع بالحقوق داخل الدولة‪ ،‬حيث ل يتمتع‬
‫الجنبي بالكثير من الحقوق العامة وخاصة الحقوق السياسية(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬أركان الجنسية ‪:‬‬


‫(‪)2‬‬

‫‪.1‬الشخص – الفرد – ‪ :‬والمراد به النسان الذي يعيش على هذه البلد‬


‫ويحمل جنسيتها‪.‬‬
‫‪.2‬الدّولة‪ :‬وهي الركن الكثر أهمية في رابطة الجنسية‪ ،‬ولها وحدها‬
‫حق منح الجنسية‪ ،‬ول يثبت هذا الحق لبقية أشخاص القانون الدولي‬
‫العام كالمنظمات الدولية مهما علت منزلتها في المجتمع الدولي‪.‬‬
‫‪.3‬الثار (الحقوق والواجبات)‪ :‬وذلك لن الجنسية تقوم على اعتبارات‬
‫سياسية وقانونية مما ينتج عنه حقوق والتزامات متبادلة على كل‬
‫طرف‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ -3‬كيفية الحصول على الجنسية‪:‬‬
‫‪.1‬التجنس‪.‬‬
‫‪.2‬الولدة‪.‬‬

‫‪ -4‬حقوق الجنسية ‪:‬‬


‫(‪)4‬‬

‫‪)1‬المواطنة العادية بحيث يصبح مواطنا في تلك الدولة‪.‬‬

‫() العالم السلمي والغرب‪ :‬صلح عبد الرزاق (موقع دار السلم‪.) http://www.darislam.com :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الموجز في القانون الدولي الخاص‪ :‬بدر الدين الشوقي ‪ ،5/26‬اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب‬ ‫‪2‬‬

‫وطني‪ :‬د‪ .‬هشام خالد ص ‪.23‬‬


‫() الوسيط في القانون الدولي الخاص‪ ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪3‬‬

‫() اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب وطني‪ :‬د‪ .‬هشام خالد‪ ،‬ص ‪.21 – 20‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪286‬‬
‫‪)2‬القامة الدائمة في تلك الدولة‪.‬‬
‫‪)3‬الستفادة من المرافق العامة في الدولة‪.‬‬
‫‪)4‬تولي الوظائف العامة‪ :‬كالقضاء والمناصب العسكرية‪.‬‬
‫‪)5‬حق ممارسة الحريات الساسية‪.‬‬
‫‪)6‬الحماية الدبلوماسية لشخصه وأمواله في حالة وجوده في دولة‬
‫أجنبية (بالخارج)‪.‬‬

‫‪ -5‬الواجبات التي تجب على الشخص المتجنس ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬

‫‪)1‬اللتزام بقانون البلد في كل مجالت حياته (السياسية‬


‫والقتصادية والجتماعية)‪.‬‬
‫‪)2‬المشاركة في بناء الدولة بما يسعه من تقديم ضمان ومواهب‬
‫وقدرات‪.‬‬
‫‪)3‬الدفاع عن البلد والذود عنه وحماية مصالحه وينفذ أغراضه‬
‫وهذا يتطلب الخدمة بالجيش‪ ،‬وبالتالي إذا وقعت حرب بين‬
‫الدولة التي ينتسب إليها ودولة أخرى‪ :‬فإنه يجب عليه أن‬
‫يدافع على بلده المتجنس بجنسيتها‪.‬‬

‫‪ -6‬نظرة تاريخية لموضوع التجنس بالجنسية الجنبية بالنسبة للمسلم ‪:‬‬


‫وهناك بعض الحالت التاريخية اعتبر فيها الحصول على الجنسية بمثابة‬
‫مغادرة السلم والرتباط بالجنبي المحتل‪ ،‬كما حدث في تونس والجزائر حيث‬
‫كانت الحكومة الفرنسية المستعمرة تشجع المسلمين هناك على الحصول على‬
‫الجنسية الفرنسية لسباب سياسية وقانونية من خلل ضم تلك البلدان إلى الدولة‬
‫الفرنسية باعتبارهم مواطنين فرنسيين‪ ،‬وكانت السلطات الفرنسية تجند اليهود‬
‫الجزائريين لتكثير عدد الفرنسيين وللعتماد عليهم في إدارة البلد والهيمنة على‬
‫تجارتها‪ ،‬ولما كانت حركة الجهاد السلمي موجهة ضد الحتلل الجنبي ومن‬

‫() دروس في القانون الدولي الخاص‪ :‬د‪ .‬هشام صادق ود‪ .‬حفيظة الحداد‪ ،‬ص ‪.131 – 130‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪287‬‬
‫يتعاون معه‪ ،‬فجرى اعتبار من يتجنس بالجنسية الفرنسية ملتحقا بخدمة الكفار‪،‬‬
‫ومرتدا عن الدين السلمي‪ ،‬ورفض دفنه في مقابر المسلمين‪ ،‬من جانب آخر‬
‫فإن المتجنس يطبق عليه القانون الفرنسي حتى في الحوال الشخصية كالنكاح‬
‫والطلق والمواريث‪.‬‬
‫وبقيت نظرة الفقهاء التونسيين والجزائريين والمغاربة سلبية نحو التجنس‬
‫بسبب الخلفية التاريخية والتجربة السياسية‪ ،‬وبسبب فهمهم الخاص للمسألة‬
‫للسباب التي ذكرناها‪.‬‬
‫لقد طرحت مسألة التجنس بجنسية غير إسلمية في وقت مبكر من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬فقد سأل بعض التونسيين علماء الزهر حول " تجنس رجل مسلم‬
‫بجنسية أمة غير مسلمة اختيارا منه‪ ،‬والتزم أن تجري عليه قوانينها بدل أحكام‬
‫الشريعة الغراء " فأجابه الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء بالزهر‬
‫الشريف بما يلي‪ " :‬إن التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون في‬
‫كل شيء حتى النكحة والمواريث والطلق ومحاربة المسلمين والنضمام إلى‬
‫صفوفهم معناه النسلخ من جميع شرائع السلم ومبايعة أعدائه‪ ...‬وأما حليف‬
‫الفرنسيين الخارج من صفوف المسلمين طوعا واختيارا مستبدلً لشريعة بشريعة‪،‬‬
‫وأمة بأُمة مقدما ذلك على اتباع الرسول بل قاسر ول ضرورة فلبد أن يكون‬
‫في اعتقاده خلل‪ ،‬وفي إيمانه دخل‪ ...‬فلسنا نشك في أن هؤلء المتجنسين‬
‫بالجنسية الفرنسية على أبواب الكفر وقد سلكوا أقرب طريق إليه "‪.‬‬
‫وأوضح أن ظروف التجنس ونتائجه تستدعي ذلك الرأي خاصة إذا ذكر‬
‫أن المتجنس بجنسية غير إسلمية ينسلخ عن الشريعة السلمية‪ ،‬فمما ل شك فيه‬
‫أن أي فقيه مسلم سيكون ذلك رأيه‪ ،‬كما أن الظروف السياسية واضحة في‬
‫مضمون الفتوى وغايتها التي تهدف مساعدة حركة الجهاد وقطع الطريق أمام‬
‫السلطات المحتلة باستخدامها هذه الوسيلة لغراء المسلمين للنضمام إليها وخدمة‬

‫‪288‬‬
‫مخططاتها وأغراضها في تغيير هوية البلد السلمي‪ ،‬واعتبار الجنسية جسرا‬
‫لعبور أبناء البلد إلى الخندق الخر(‪.)1‬‬

‫‪ -7‬حكم التجنس بالجنسية الجنبية ‪:‬‬


‫تعرض بعض الفقهاء المعاصرين إلى موضوع التجنس‪ ،‬بعد تغير‬
‫الظروف وتطور الوضاع السياسية للبلدان السلمية والغربية معا‪ ،‬وبعد ما‬
‫أخذت أعداد هائلة من المسلمين تذهب إلى الغرب طلبا للرزق والعمل والقامة‪،‬‬
‫فأصبحت قضية التجنس واحدة من القضايا المهمة التي لبد وأن يتصدى لها‬
‫العلماء ببيان الحكم الشرعي فيها‪.‬‬
‫وإنني أرى عدم الميل إلى من يعطي حكما واحدا قطعيا في مسألة التجنس‬
‫بالجنسية الجنبية‪.‬‬
‫وذلك لن حالت التجنس مختلفة ومتنوعة‪ ،‬والحكم يختلف مع كل حالة‬
‫على حدى‪ ،‬فل يجوز التعميم في الحكم بالجواز مطلقا أو المنع مطلقا‪.‬‬
‫لذا أرى التفصيل في القضية‪ :‬حتى نُعطي كل حالة حكمها المناسب على‬
‫حسب ظروف المتجنسين‪.‬‬
‫أقسام التجنس وحكم كل قسم ‪:‬‬
‫يمكننا تقسيم التجنس إلى قسمين رئيسين‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬التجنس الضطراري ‪:‬‬
‫‪ -1‬مثل القليات المسلمة التي تقيم في دول غير إسلمية‪ ،‬وهي بالصل‬
‫من سكان تلك المناطق‪ ،‬كالمسلمين في الجمهوريات المسلمة التابعة للتحاد‬
‫السوفياتي السابق‪ " :‬وهي أمم تعد من العالم السلمي ول يمكن أن تنفصل عن‬
‫العالم السلمي‪ ،‬كما أنها جادة في المحافظة على إسلميتها رغم عوامل اللحاد‬
‫الكثيرة " (‪.)2‬‬

‫() العالم السلمي والغرب‪ :‬صلح عبد الرزاق (موقع دار السلم‪( www.darislam.com :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪289‬‬
‫فهؤلء ممن ابتلي من المسلمين بالكفار في بلده وهم الغلبية الكاره لهم‬
‫والمبغض لدينهم‪.‬‬
‫وحكموه بغير رضاه وأرغموه على التجنس أو مغادرة بلده وأهله‬
‫وأولده‪ ،‬فقبلها للبقاء في بلده‪ ،‬على ماله وأهله وولده‪ ،‬ومع ذلك هو مقيم لشرائع‬
‫الدين‪ ،‬مظهر لدينه‪ ،‬معلن العداء لهم‪ ،‬مصارح لهم بكفرهم‪ ،‬وأنهم على باطل‪،‬‬
‫وأن دينه هو الحق‪ ،‬فمثل هذا ل شك أنه على خطر في بقائه‪ ...‬لكن ل نحكم‬
‫عليه بالكفر ما دام أنه عمل ما في وسعه من عدم اتباعهم وموافقتهم على باطلهم‬
‫ومن إظهار دينه‪ ،‬ولكن بقاءه بين أظهر الكفار فيه خطر عليه وعلى أولده ومن‬
‫تحت يده " (‪.)1‬‬
‫وفي نفس الوقت ل نستطيع أن نحرم عليهم الجنسية التي ولدوا بها‪ ،‬لنهم‬
‫لم يأتوا باختيارهم لهذه البلد‪ ،‬وإنما رغما عنهم‪ ،‬وبناء عليه فل إثم عليهم إذا‬
‫حملوا هذه الجنسية‪ ،‬بل ل يجوز لهم ترك هذه الجنسية حتى ل يضيعوا‪ ،‬ولكن‬
‫بشرط أن يكون في نياتهم وأذهانهم أنهم مكروهون‪ ،‬وأن التجنس بهذه الجنسية‬
‫هو الطريق الوحيد للحصول على الحياة الكريمة‪ ،‬وأن يحاولوا بكل الوسائل‬
‫المتاحة نشر السلم‪ ،‬وأن يكون عندهم الستعداد التام في حال ما إذا وجدت‬
‫الفرصة السانحة لهم للنتقال إلى دولة إسلمية الهجرة إليها(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬كما أن هناك حالة اضطرار أخرى‪ :‬وهي عندما يترك المسلم وطنه‬
‫بسبب الضطهاد والضطراب كالمجموعات السلمية التي تضطر على الهجرة‬
‫الجماعية إلى الدول الجنبية الكافرة‪ ،‬وهناك من يضطر للخروج عن بلده من‬
‫أجل قوته فيحتاج إلى الجنسية لتأمين قوته وقوت أولده بصورة أفضل‪.‬‬

‫() التجنس بجنسية غير إسلمية‪ :‬محمد الشاذلي النيفر (بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي السلمي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد الرابع‪ ،‬ص ‪.)226‬‬


‫() بحث التجنس بجنسية دول غير إسلمية‪ :‬الشيخ محمد بن عبدال بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص ‪)165 – 164‬‬


‫() الحكام السياسية للقليات المسلمة‪ :‬سليمان محمد‪ ،‬ص ‪.83‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪290‬‬
‫قال بجواز ذلك بعض العلماء لن إقامة الدين واجب على كل مسلم‪ ،‬فإذا‬
‫لم يستطع ذلك إل بالتجنس بالجنسية الجنبية فيكون ذلك جائزا(‪.)1‬‬
‫وإنما يجوز للمسلم ترك وطنه بسبب الضطهاد والضطراب بشروط‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪.1‬أن يختار البلد الذي يكون آمنا فيه على دينه وأهله‪.‬‬
‫‪.2‬أن يكون الرجوع إلى بلده الصلي متى سنحت لـه‬
‫الفرصة وعند زوال الضطرار‪.‬‬
‫‪.3‬أن ينكر المنكر ولو بقلبه‪.‬‬
‫والدليل على ذلك‪ :‬أن الصحابة – رضي ال عنهم – هاجروا إلى الحبشة‬
‫بعد ما اضطهدوا من قبل أهل مكة‪ ،‬والحبشة يومئذ يسودها الكفار‪ ،‬وأقاموا بها‬
‫حتى أن بعض الصحابة لم يزالوا مقيمين بها بعد ما هاجر رسول ال إلى‬
‫المدينة‪ ،‬فإنما رجع أبو موسى الشعري عند غزوة خيبر يعني في السنة‬
‫السابعة من الهجرة‪.‬‬
‫ثم من حقوق النفس أن يصونها المرء من كل نوع من أنواع الظلم فإذا لم‬
‫يجد النسان مأمنا لنفسه إل في بلد الكفار‪ ،‬فل مانع من هجرته إليها‪ ،‬مادام‬
‫يحتفظ بفرائضه الدينية‪ ،‬والبتعاد عن المنكرات المحرمة(‪.)2‬‬
‫وكذلك إن اضطر إليه المسلم بسبب أنه لم تتيسر له في بلده وسائل المعاش‬
‫الضرورية التي لبد لـه منها ولم يجدها إل في مثل هذه البلد‪ ،‬فإنه يجوز لـه‬
‫الخروج عن بلده من أجل قوته‪ :‬لن كسب الرزق فريضة والشرع لم يقيد ذلك‬
‫بمكان‪ ،‬يقول تعالى‪  :‬هو الذي جعل لكم الرض ذلولً فامشوا في مناكبها وكلوا‬
‫من رزقه ‪[ ‬الملك‪ ،]15 :‬والعمل في بلد الكفر والحصول على جنسية يكون‬
‫بشروط‪:‬‬
‫‪.1‬أن يكون المسلم مضطرا‪.‬‬

‫() بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني ص ‪ ،329‬الحكام السياسية للقليات المسلمة‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫سليمان محمد ص ‪.85 - 84‬‬


‫() بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص ‪.329‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪291‬‬
‫‪.2‬أن ل تكون الدولة السلمية بحاجة إليهم‪.‬‬
‫‪.3‬أن ل يعمل في ما حرم ال‪.‬‬
‫‪.4‬أل يضر بعمله السلم أو المسلمين ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التجنس الختياري ‪:‬‬


‫‪ -1‬ويقصد به أولئك المتجنسين المقيمين في البلد الجنبية دعتهم أعمالهم‬
‫ووجودهـم فـي بلد اسـتوطنوه فاختاروا جنسـيته لكنهـم لم ينسـوا إسـلمهم وعملوا‬
‫لبقائه في أنفسهم وتقدموا في ذلك فأنشأوا مؤسسات إسلمية‪.‬‬
‫ومثل هؤلء اختلفت أراء العلماء في حكم تجنسهم‪ :‬فمنهم من يكره ذلك‬
‫ويتخوف على من يقدم على ذلك الردة والكفرة‪ ،‬يقول فضيلة الشيخ عبدال بن‬
‫(‪)2‬‬
‫سبيل إمام الحرم المكي وعضو المجمع الفقهي السلمي‪:‬‬
‫" القسم الثاني‪ :‬راض بالنتماء إليهم لمصالحه الدنيوية ومعاملتهم‬
‫التجارية‪ ،‬فأخذ الجنسية منهم ليتم مقصوده من حصول الدنيا والتسهيلت التي‬
‫تحصل للمنتمين إليهم‪ ،‬وهو مؤ ّد لشرائع السلم‪ ،‬مظهر لدينه‪ ،‬ول يترافع إليهم‬
‫باختياره‪ ،‬فإذا صدر بما ل يخالف الشريعة قبله‪ ،‬وإن صدر بما يخالف الشريعة‬
‫رفضه‪ ،‬فأرى أن مثل هذا على خطر عظيم من تناول بعض اليات حيث آثر‬
‫دنياه على آخرته‪ ،‬وقد ارتكب منكرا عظيما‪ ،‬فهو على خطر من الردة عن دين‬
‫السلم لركونه إليهم وبقائه بين أظهرهم‪ ،‬لكن ل أجزم بالحكم عليه بالردة‪،‬‬
‫فأتوقف في ذلك‪ ،‬ولكنه بأخذ الجنسية أظهر الميل والمحبة لهم وعرض نفسه‬
‫للدخول تحت قوله ‪ ‬ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال‬
‫ورسوله ‪[ ‬المجادلة‪.]22 :‬‬
‫ولما فيه من عرض النفس على المنكرات الشائعة هناك وتحمل خطر‬
‫النهيار الخلقي والديني من غير ضرورة داعية لذلك‪ ،‬والتجربة شاهدة على أن‬

‫() بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬محمد تقي العثماني‪ ،‬ص ‪.330 – 329‬‬ ‫‪1‬‬

‫() وأيضا الشيخ محمد تقي العثماني (بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ ،‬ص ‪.)330‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪292‬‬
‫الذين يتجنسون بهذه الجنسيات الجنبية لمجرد الترفه ينتقص فيهم الوازع الديني‪،‬‬
‫فيذوبون أمام الغراءات الكافرة ذوبانا ذريعا‪.)1( "...‬‬
‫وهناك من العلماء من أباح لهؤلء الذين تجنسوا بناء على مصالحهم‬
‫الدنيوية – غير الضرورية – لكنهم محافظون على دينهم ويدعون له ويبذلون في‬
‫سبيل نشره بين تلك البلد الجهد الكبير‪.‬‬
‫فيقول الشيخ الشاذلي النيفر مفتي الديار التونسية سابقا(‪ " :)2‬بأن هؤلء ل‬
‫يحكم بكفر من دخل تحت أحكام غير إسلمية لنه غير مشمول بما ورد في قوله‬
‫تعالى‪  :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون ‪[ ‬المائدة‪.]44 :‬‬
‫ويضع الشيخ النيفر شروطا يجب استيفاؤها من قبل أولئك المقيمين في‬
‫الدول الغربية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪.1‬أن ل تكون إقامة المسلم في الرض المحكومة لغير المسلمين إقامة‬
‫هوان وذلة‪.‬‬
‫‪.2‬حرية إقامة الشعائر السلمية (الصلة والزكاة والصيام والحج)‪.‬‬
‫‪.3‬المن على النفس والولد والمال‪.‬‬
‫‪.4‬الحتراز من الفتنة في الدين‪.‬‬
‫ويعلق بمرارة‪ " :‬على أن الذي يخشـى منـه هـو الن موجود فـي البلدان‬
‫السلمية مما يؤسف لـه‪ ,‬فل فرق بين البلدان السلمية وبين هؤلء المتساكنين‬
‫مع غير المسلمين " (‪.)3‬‬
‫‪ -2‬وهناك نوع آخر يد خل تحت هذا القسم وهو التجنس الختياري لكن‬
‫حكمه مختلف‪:‬‬

‫() بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص ‪ ،330‬وبحث الشيخ عبدال بن سبيل التجنس بجنسية دولة غير‬ ‫‪1‬‬

‫إسلمية (بمجلة المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص ‪.)165‬‬


‫() بحث‪ :‬التجنس بجنسية غير إسلمية‪ :‬محمد الشاذلي النيفر (مجلة المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬العدد الرابع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.)246‬‬
‫() بحث‪ :‬التجنس بالجنسية غير إسلمية (مجلو المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص ‪.)247‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪293‬‬
‫و هو من يتج نس للعتزاز والفتخار ولتفض يل تلك الجن سية الجنب ية على‬
‫جن سية الدول ال سلمية و هو ير غب في بلد الكفار ويحب هم وي حب البقاء بين هم‪،‬‬
‫ويرى أن معاملتهـم والنتماء إليهـم أفضـل مـن المسـلمين‪ ،‬وأنـه راض بإجراء‬
‫أحكامهـم عليـه مـن الحكـم بغيـر مـا أنزل ال فـي الحكام والنكاح والطلق‬
‫والميراث‪ ،‬فهذا ل شك في كفره‪ ،‬وهو مرتد عن دين السلم ردة صريحة‪ ،‬حتى‬
‫لو قال أنه مسلم‪ ،‬ولو شهد الشهادتين وصلى وعمل ببعض شرائع السلم(‪.)1‬‬
‫ل إليهم‪ ،‬ومحبة في القرب‬ ‫وذلك لن من يطلب الجنسية من دولة كافرة مي ً‬
‫منهـم‪ ،‬والنضمام إليهـم‪ ،‬والدخول فـي سـلكهم‪ ،‬والرضـا بسـيطرتهم عليـه وعلى‬
‫ذريتـه فإنـه داخـل تحـت قوله تعالى‪  :‬ل تجـد قوما يؤمنون بال واليوم الخـر‬
‫يوادون من حاد ال ورسوله ‪[ ‬المجادلة‪ ]22 :‬وقوله‪  :‬ومن يتولهم منكم فإنه منهم ‪‬‬
‫[المائدة‪.]51 :‬‬

‫ويحرم التجنس بالجنسية الجنبية في مثل هذه الحالت للدلة التالية‪:‬‬


‫‪.1‬الجنسـية تعـبير عـن الولء‪ ،‬وولء المسـلم يجـب أن يكون للسـلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬قال تعالى‪  :‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى‬
‫أولياء بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ومن يتولهم منكم فإن هُ منهم ‪[ ‬المائدة‪،]51 :‬‬
‫وقال عزوجـل‪  :‬الذيـن يتخذون الكافريـن أولياء مـن دون المؤمنيـن‪،‬‬
‫أيبتغون عندهم العزة‪ ،‬فإن العزة ل جميعا ‪[ ‬النساء‪.]139 :‬‬
‫و من الواضح أن تجنس الم سلم بجن سية دولة من دول الك فر‪ ،‬مع مك ثه‬
‫في تلك الدولة‪ ،‬من أبرز مظاهر هذه المولة التي شدد ال في التحذير منها‬
‫كمـا قـد رأيـت‪ ،‬بـل إن التجنـس ل يزيـد على القامـة إل العلن عـن هذا‬
‫الولء‪ ،‬فهـو إذا مـن المحرمات المقطوع بحرمتهـا بدللة هذه النصـوص‬
‫وأمثالها(‪.)2‬‬
‫() انظر‪ :‬قضايا فقهية معاصرة‪ :‬للبوطي ‪ ،1/198‬بحوث في قضايا فقهية معاصرة‪ :‬العثماني ص ‪،331‬‬ ‫‪1‬‬

‫التجنس بجنسية دولة غير إسلمية‪ :‬الشيخ محمد بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي السلمي‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬ص‬
‫‪.)165 – 164‬‬
‫() قضايا فقهية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي ‪.1/199‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪294‬‬
‫‪.2‬قوله ‪ " :‬من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " (‪.)1‬‬
‫‪.3‬وقوله ‪ " :‬أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (‪.)2‬‬
‫وجه الستدلل من هذين الحديثين أن الرسول أعلن براءته من الذين‬
‫يقيمون بيـن أظهـر المشركيـن‪ ،‬وفـي ذلك دليـل على تحريـم مسـاكنة الكفار‬
‫ووجوب مفارقتهم‪.‬‬
‫فك يف الحال ب من ترك دار ال سلم وض حى ب كل غالٍ ونف يس من أ جل‬
‫الحصول على جنسية دولة غير إسلمية‪ ،‬ول شك في أن ذلك خطر وخوف‬
‫على إيمانه وعقيدته‪.‬‬
‫‪.4‬قوله ‪ " :‬ل تتركوا الذر ية إزاء العدو " ‪ ،‬والخوف ال كبير من تنشئة‬
‫(‪)3‬‬

‫الولد في مجتمع كافر يحمي انحرافهم ووقوعهم في المحرمات وعدم‬


‫التزامهم بأمور دينهم ولذا نجد كيف أن رسول ال يمنع المسلمين من‬
‫ترك الولد بيـن الكفار لخطورة تنشئتهـم فـي مثـل هذه المجتمعات‬
‫الكافرة‪.‬‬

‫رأي فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‪:‬‬


‫للبوطـي حفظـه ال رأي متشدد فـي مسـألة القامـة والتجنـس بالجنسـية‬
‫الجنبية‪ ،‬وفي رأيه وجاهة لبد وأن تؤخذ بعين العتبار‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫يقول ملخصا لنا رأيه في هذه القضية‪:‬‬
‫" والخل صة‪ :‬أن انتماء الم سلم إلى جن سية بلد أو دولة غ ير م سلمة‪ ،‬مع‬
‫القامة فيها‪ ،‬محرّم حرمة ذاتية‪ ،‬والحرمة الذاتية ل يعارضها ول يغالبها أي من‬
‫المـبررات العارضـة التـي قـد يسـميها بعـض الناس ضرورة‪ ،‬وكمـا أن الماء ل‬

‫() أخرجه أبو داود في الجهاد باب في القامة بأرض الشرك (‪.3/93 )2787‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود ي الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود (‪ ،3/45 )2645‬والترمذي في السير‬ ‫‪2‬‬

‫باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين (‪.4/155 )1604‬‬


‫() في مراسيل أبي داود عن مكحول (حاشية ابن القيم ‪.)7/219‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قضايا فقهية معاصرة‪.1/204 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪295‬‬
‫يط هر النجس العي ني كالدم ولحم الخنزير والمي تة‪ ،‬مه ما غُ سِلَ به‪ ،‬ومهما سرى‬
‫فـي أجزائه‪ ،‬فكذلك عوارض المـبررات المتصـوّرة ل تقوى على إزالة الحرمـة‬
‫الذاتية السارية في جوهر هذا النتماء وذاته‪.‬‬
‫ومع أن هذا الحكم واضح ل مجال لي لبس فيه‪ ،‬فإن الخطورة الكبرى ل‬
‫تك من في تورط ب عض الناس في هذا ال مر‪ ،‬عند ما يدركون أن هم قد انزلقوا إلى‬
‫عمل محرم ل يرضى عنه ال عزوجل‪ ،‬وإنما تكمن الخطورة الكبرى فيمن يقدم‬
‫على هذا الع مل و هو يع طي لنف سه ال مبررات‪ ،‬ويح مل في جي به بطا قة التج نس‬
‫بالجنسية المريكية أو البريطانية أو الفرنسية مثلً‪ ،‬وهو قرير العين بذلك ل يرى‬
‫أنه ارتكب في جنب ال أي محظور!‪..‬‬
‫وقد آل المر اليوم بكثير من الناس إلى هذه النهاية المؤلمة المردية‪ ،‬دون‬
‫أن يستوقفهم أي تخوّف أو ر يب‪ ،‬بل ربما كانوا يعدّون أنفسهم من رع يل الدعاة‬
‫والمجاهد ين!‪ ..‬أ سأل ال عزوجـل أن يكرم نا بمراقبـة النفـس واتهامهـا‪ ..‬وأن ل‬
‫يجعلنا ممن قال عنهم‪  :‬أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا‪[  ..‬فاطر‪.]8 :‬‬

‫فتوى للشيخ يوسف القرضاوي في موضوع التجنس بالجنسية الجنبية ‪:‬‬


‫فلقد سأله مقدم برنامج " الشريعة والحياة " في الحلقة المخصصة للقليات‬
‫المسلمة السؤال التالي‪:‬‬
‫المقدم‪ :‬في ظل هجرة هؤلء‪ ،‬يأخذ الكثير منهم جنسية البلد التي يعيشون فيها‪،‬‬
‫والبعض يحرم هذا‪ ،‬فما رأي فضيلتكم في حصول المسلم على جنسية بلد‬
‫غير مسلمة ؟‬
‫وكان جواب الشيخ القرضاوي‪:‬‬
‫في بعض الوقات أصدر علماء المسلمون في تونس والجزائر وتلك البلد‬
‫فتوى تحريم الحصول على جنسية فرنسا (المحتلة لهم في ذلك الوقت)‪ ،‬وأن من‬
‫يتجنس بجنسيتهم يكون كافرا باعتبار أن هذه خيانة ل والوطن ‪ ‬ومن يتولهم منكم‬
‫ف هو من هم ‪[ ‬المائدة‪ ،]51 :‬هذه الفتوى في ذلك الو قت وبهذه الملب سات صحيحة‪،‬‬
‫ول كن عند ما يتغ ير الو ضع والزمان والحال‪ ،‬فل ما نع من تج نس الم سلم بجن سية‬

‫‪296‬‬
‫البلد التي يعيش فيها‪ ،‬فالجنسية هذه أعطته القوة والصلبة والقدرة على المطالبة‬
‫بحقوقـه‪ ،‬وإبداء رأيـه والتصـويت فـي النتخابات‪ ،‬دون أن يتنازل عـن دينـه‪،‬‬
‫ويعايش من حوله بالمعروف ويحسن معاملتهم ‪ ‬أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن ال‬
‫يحب المقسطين ‪[ ‬الممتحنة‪ ،]8 :‬فيستفيد بها لدينه ودنياه وجاليته(‪.)1‬‬

‫() برنامج الشريعة والحياة‪ ,‬الحلقة بعنوان‪ :‬فقه القليات‪/14 ،‬سبتمبر‪.2001/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪297‬‬
‫المبحث الثالث عشر‬

‫اشتراك المرأة في النتخاب ومؤسسات الشورى‬

‫من القضايا المعاصرة التي نالت قسطا كبيرا من اهتمام الباحثين والناس‪:‬‬
‫قضية الحقوق السياسية للمرأة في السلم‪.‬‬
‫ولقد اختلفت أراء الناس في هذه المسألة اختلفا كبيرا‪ ،‬مما استوجب‬
‫الوقوف عندها وبحثها مع استعراض الدلة لجميع الطراف عسانا نصل إلى‬
‫رأي سديد في هذا الموضوع‪:‬‬

‫تعريف الحقوق السياسية ‪:‬‬


‫من أهم التعريفات للحقوق السياسية – أو الحق السياسي – ما عرفه‬
‫الستاذ سالم البهنساوي حيث قال‪ " :‬الحق السياسي يمكن تعريفه بأنه‪ :‬حق‬
‫المواطن في أن يشترك في إدارة شؤون الدولة‪ ،‬ويكون ذلك بطريق مباشر كما‬
‫هو الحال بالنسبة لمنصب رئيس الدولة ومنصب الوزير‪ ،‬وقد يكون بطريق غير‬
‫مباشر‪ ،‬أي يشترك المواطن في إدارة شؤون البلد عن طريق ممثلين عنه هم‬
‫أعضاء المجالس المختلفة‪ ،‬كمجلس المة‪ ،‬والمجلس البلدي‪ ،‬وسائر المجالس‬
‫المحلية‪.‬‬
‫فالحق السياسي بالمفهوم العام هو النتخاب والترشيح‪ ،‬وحق تولي‬
‫الوظائف العامة " (‪.)1‬‬

‫() مكانة المرأة بين السلم والقوانين العالمية‪ :‬سالم البهنساوي‪ ،‬ص ‪.133‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪298‬‬
‫ويطلق عليها علماء الشريعة الولية العامة(‪ ،)1‬وسنقصر بحثنا في مسألتين‬
‫فقط لنهما مدار الخلف‪:‬‬
‫‪-1‬حكم ممارسة المرأة للنتخاب‪.‬‬
‫‪-2‬حكم ترشيح المرأة للبرلمان كونها عضوا في مجلس الشورى أو‬
‫المجلس البلدي وسائر المجالس المحلية‪.‬‬
‫أما الوليات الخرى مثل رئاسة الدولة والقضاء فمعروف الحكم فيها وهو‬
‫أن المرأة ممنوعة بإطلق عن تولي الوليات العامة‪.‬‬
‫المطلب الول‪ :‬حكم اشتراك المرأة في النتخاب‬

‫تعريف النتخاب ‪:‬‬


‫النتخاب‪ :‬لغة‪ :‬هو الختيار والنتقاء(‪.)2‬‬
‫أما في الصطلح‪ :‬فالنتخاب مصطلح سياسي حديث يعني‪ :‬اختيار‬
‫الناخبين لشخص أو أكثر من بين عدد من المرشحين لتمثيلهم في حكم البلد(‪.)3‬‬

‫أقوال العلماء في مشاركة المرأة في النتخاب ‪:‬‬


‫اختلف العلماء في اشتراك المرأة في النتخابات من حيث كونها ناخبة‬
‫لغيرها‪ ،‬وهل لها حق التصويت لحد المرشحين أم ل؟ على رأيين‪:‬‬
‫الرأي الول‪ :‬ذهب إلى عدم جواز أن تكون المرأة ناخبة(‪.)4‬‬
‫الرأي الثاني‪ :‬ذهب إلى جواز كون المرأة ناخبة فلها أن تشترك في‬
‫النتخاب والختيار(‪.)5‬‬
‫أدلة الفريق الول ‪:‬‬
‫() الحقوق السياسية للمرأة‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد الشواربي‪ ،‬ص ‪.52‬‬ ‫‪1‬‬

‫() لسان العرب‪ :‬مادة نخب ‪.752 – 1/751‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الستفتاء الشعبي بين النظمة الوضعية والشريعة السلمية‪ :‬د‪.‬ماجد راغب الحلو‪ ،‬ص ‪.103‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتوى لجنة الزهر الصادرة في عام ‪1952‬م‪ ،‬المرأة في السلم‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف ص ‪،140‬‬ ‫‪4‬‬

‫أصول الدعوة‪ :‬د‪ .‬عبد الكريم زيدان ص ‪ ،126‬حقوق المرأة في السلم‪ :‬د‪ .‬محمد عرفة ص ‪.202‬‬
‫() المرأة بين الفقه والقانون‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي ص ‪ ،155‬المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‬ ‫‪5‬‬

‫ص ‪ ،76 – 70‬من هدى القرآن‪ :‬الشيخ محمود شلتوت ص ‪ ،292‬الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي‬
‫‪.1091 – 3/1087‬‬

‫‪299‬‬
‫استدل المانعون لكون المرأة ناخبة بالدلة التالية ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬القرآن الكريم‬
‫‪-1‬قال تعالى‪  :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن‬
‫درجة وال عزيز حكيم ‪[ ‬البقرة‪.]228 :‬‬
‫‪-2‬قال تعالى‪  :‬الرجال قوّامون على النساء بما فضل ال بعضهم على‬
‫بعض وبما أنفقوا من أموالهم ‪[ ‬النساء‪.]34 :‬‬
‫‪-3‬قال تعالى‪  :‬وقرن في بيوتكن ول تبرّجن تبرّج الجاهلية الولى ‪‬‬
‫[الحزاب‪.]33 :‬‬
‫قال القرطبي‪ " :‬معنى هذه الية المر بلزوم البيت‪ ،‬وإن كان الخطاب‬
‫لنساء النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى‪ ،‬هذا لو لم يرد دليل يخص جميع‬
‫النساء‪ ،‬كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء في بيوتهن والنكفاف عن الخروج‬
‫منها إل لضرورة " (‪.)1‬‬
‫فتدل هذه اليات على أن القوامة والقيادة للرجل‪ ،‬وعلى أن القاعدة في أمر‬
‫المرأة هو قرارها في دارها وتفرغها لبيتها وأولدها‪ ،‬وأما خروجها إلى المجتمع‬
‫فهو من باب الستثناء أو الضرورة وهي تقدر بقدرها‪ ،‬فخروج المرأة للنتخاب‬
‫واشتراكها في النشاطات السياسية ل تدعو إليه ضرورة‪ ،‬ول تتوقف عليه‬
‫مصلحة حقيقية كلية‪ ،‬ويتناقض مع قوامة الرجل وعلو درجته في القيادة عليها(‪.)2‬‬

‫ثانيا‪ :‬من السنة‬


‫‪-1‬لما بلغ النبي أن فارسا ملّكوا ابنة كسرى قال‪ " :‬لن يفلح قوم ولوا‬
‫أمرهم امرأة " (‪.)3‬‬

‫() الجامع لحكام القرآن‪ :‬القرطبي ‪.14/179‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1085‬‬ ‫‪2‬‬

‫إلى كسرى (‪.4/1610 )4163‬‬ ‫() أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب كتاب النبي‬ ‫‪3‬‬

‫‪300‬‬
‫فهذا الحديث يدل على أن مناط عدم الفلح هو النوثة‪ ،‬وهو نص في‬
‫منع المرأة من تولي أي من الوليات العامة‪ ،‬وكونها ناخبة إنما هو من‬
‫الوليات العامة(‪.)1‬‬
‫‪-2‬يقول النبي ‪ -‬من حديث طويل ‪ " :-‬والمرأة راعية على بيت بعلها‬
‫وولده‪ ،‬وهي مسؤولة عنهم " (‪.)2‬‬
‫هذا الحديث جعل رعاية السرة من أهم واجبات المرأة وهو‬
‫واجب ل يمكن للمرأة الوفاء به إذا انشغلت بأمور النتخابات أو انغمست‬
‫بميادين العمل في السياسة(‪.)3‬‬
‫‪-3‬الحديث الذي رواه الترمذي‪ " :‬المرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت استشرفها‬
‫الشيطان " (‪.)4‬‬
‫‪-4‬الحديث الذي رواه الترمذي من حديث طويل‪ " :‬وإذا كانت أمراؤكم‬
‫شراركم‪ ،‬وأغنياؤكم بخلءكم‪ ،‬وأموركم إلى نسائكم فبطن الرض خير‬
‫لكم من ظهرها " (‪ ،)5‬فهذه الحاديث تمنع المرأة من تولي النتخاب‪..‬‬
‫ثالثا‪ :‬الواقع الشرعي والتاريخ‬
‫قالت لجنة كبار علماء فتوى الزهر‪ " :‬هذه قصة سقيفة بني ساعدة في‬
‫اختيار الخليفة الول بعد الرسول قد بلغ فيها الخلف أشده ثم استقر المر‬
‫لبي بكر وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد‪ ،‬ولم تشترك امرأة مع الرجال‬
‫في مداولة الرأي في السقيفة ولم تدع لذلك‪ ،‬كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك‬
‫البيعة العامة " (‪.)6‬‬

‫() الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1086‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في كتاب الحكام (‪ ،6/2611 )6719‬ومسلم في الجهاد والسير باب فضيلة المام‬ ‫‪2‬‬

‫العادل (‪.3/1459 )1828‬‬


‫() الشورى في السلم ‪.3/1086‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه الترمذي في الرضاع باب منه (‪ ،3/476 )1173‬وقال هذا حديث حسن غريب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه الترمذي في الفتن باب منه (‪ ،4/929 )2266‬قال أبو عيسى هذا غريب‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الحركات النسائية‪ :‬محمد عطية خميس‪ ،‬ص ‪.109‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪301‬‬
‫إن الختيار والنتخاب للمرشح لعضوية المجالس النيابية كالختيار للحاكم‬
‫والنساء لم يشاركن في اختيار المام ل في مبايعة الخلفاء في العصور الولى‬
‫من السلم ول سيما عصر الخلفاء الراشدين(‪.)1‬‬
‫رابعا‪ :‬المعقول‬
‫قالوا إن عملية النتخاب والترشيح تستلزم اختلط المرأة بالرجال مما قد‬
‫يعرض المرأة فيه لنواع من الشر والذى‪ :‬وإن هذا يقتضي عم جواز إسناد‬
‫الولية العامة لها كالقتراع في النتخابات لنه ل ضرورة لخروج المرأة للقيام‬
‫بذلك(‪.)2‬‬
‫أدلة الفريق الثاني‪:‬‬
‫استدل القائلون بجواز كون المرأة ناخبة بالدلة التالية‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫‪-1‬قال تعالى‪  :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن‬
‫بال شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان‬
‫ن واستغفر‬ ‫يفترينه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ول يعصينك في معروف فبايعه ّ‬
‫ن ال إن ال غفورٌ رحي ٌم ‪[ ‬الممتحنة‪.]12 :‬‬ ‫له ّ‬
‫فدلت هذه الية‪ :‬على مشروعية مبايعة النساء كالرجال‪ ،‬وفي تفسير‬
‫هذه الية يقول الشيخ محمود شلتوت‪ " :‬وقد كانت هذه المبايعة من فروع‬
‫استقلل النساء في المسؤولية‪ ،‬بايعهن على خصوص وعموم " (‪.)3‬‬
‫‪-2‬قال تعالى‪  :‬فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ‪[ ‬البقرة‪.]282 :‬‬
‫وجه الدللة من الية‪ :‬إنّ النتخاب (شهادة) من الناخب بصلحية من‬
‫انتخبه للقيام بما سيعهد إليه من وظيفة الدولة‪ ،‬والمرأة قبل القرآن الكريم‬
‫شهادتها بالجملة في الية(‪.)4‬‬

‫حقوق المرأة في السلم‪ :‬محمد عرفة‪ ،‬ص ‪.205‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ :‬مجيد محمود أبو حجير‪ ،‬ص ‪.451 – 450‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫من توجيهات السلم‪ :‬د‪ .‬محمود شلتوت‪ ،‬ص ‪.196‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫المرأة والحقوق السياسية‪ :‬مجيد أبو حجير‪ ،‬ص ‪.440‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪302‬‬
‫ثانيا ‪ :‬من السنة النبوية‬
‫‪-1‬ما ورد من السنة الفعلية من مبايعة النبي للنساء‪ ،‬وكان رسول ال‬
‫إذا أقررن بما بايعهن عليه(‪ ،)1‬قال‪ " :‬انطلقن فقد بايعتكن " (‪.)2‬‬
‫‪-2‬ما ورد من اشتراك المرأة في بيعتي العقبة(‪.)3‬‬

‫ثالثا ‪ :‬بالقياس‬
‫‪-1‬قياس كون المرأة ناخبة على شهادتها‪ :‬قال الدكتور حمد الكبيسي‪ " :‬إن‬
‫كون المرأة ناخبة أشبه ما يكون بأنّها تشهد بصلح هذا النائب لهذه‬
‫المهمّة‪ ،‬وهي أهل للشهادة " (‪.)4‬‬
‫‪-2‬قياس كون المرأة ناخبة على مبايعة النساء للنبي ‪ :‬قال الستاذ محمد‬
‫الحجوي(‪ " :)5‬نقيس على بيعة النساء للنبي بيعتهنّ لغيره قياسا‬
‫ن الرسول العظم فمن باب‬ ‫ن أن يبايع ّ‬
‫ن إذا شرع له ّ‬ ‫أحرويا‪ ،‬حيث إنه ّ‬
‫أولى وأحرى أن يبايعن من هو دونه‪ ،‬وال يقول‪  :‬أطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم ‪[ ‬النساء‪ ,]59 :‬والنبي يقول‪ " :‬من يطع‬
‫أميري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع ال " (‪.)6‬‬
‫رابعا ‪ :‬قالوا بأن عملية النتخاب عملية توكيل وللمرأة حق التوكيل‬
‫النتخاب هو اختيار المة لوكلء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة‬
‫الحكومة‪ ،‬فعملية النتخاب عملية توكيل‪ ...‬والمرأة في السلم ليست ممنوعة من‬

‫() الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1089‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في الطلق باب إذا أسلمت المشركة (‪ ،5/2025 )4983‬ومسلم في المارة باب كيفية‬ ‫‪2‬‬

‫بيعة النساء (‪.3/1489 )1865‬‬


‫() كما هو ثابت في كتب السيرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الشورى في السلم ‪.3/1090‬‬ ‫‪4‬‬

‫() المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬ص ‪.76 – 75‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري في الوصايا باب السمع والطاعة (‪ ،3/1080 )2797‬ومسلم في المارة باب وجود‬ ‫‪6‬‬

‫طاعة المراء (‪.3/1466 )1835‬‬

‫‪303‬‬
‫أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في‬
‫المجتمع " (‪.)1‬‬
‫خامسا ‪ :‬استدلوا ببعض الثار مثل‬
‫‪-1‬ما أُثر من استشارة عبد الرحمن بن عوف النساء في أمر انتخاب‬
‫(‪)2‬‬
‫الخليفة والبيعة له بعد وفاة عمر ‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن تيمية رحمه ال تعالى‪ " :‬بقي عبد الرحمن يشاور‬
‫ثلثة أيام وأخبر أن الناس ل يعدلون بعثمان‪ ،‬وأنه شاور‬
‫حتى العذارى في خدورهن " (‪.)3‬‬
‫‪ -‬وعبارة ابن كثير‪ " :‬حتى خلص إلى النساء المخدرات في‬
‫حجابهن " (‪.)4‬‬
‫‪-2‬دخول عائشة أم المؤمنين – رضي ال عنها – معركة الجمل يدل على‬
‫أن للمرأة رأيا في بيعة الخليفة(‪.)5‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬
‫لقد نوقشت أدلة الفريقين بإجابات كثيرة يرجع إليها في مظانها – أهملناها‬
‫خشية التطويل – لكن يمكننا القول بعد عرض أدلة كل فريق‪ ،‬وبالنظر فيها‪:‬‬
‫يظهر أنه ل يوجد نص صريح في حكم اشتراك المرأة في النتخابات إل ما ثبت‬
‫من مشاركتها بيعة الرسول ‪ ،‬ومن ناحية أخرى عدم مشاركتها في اختيار‬
‫الخلفاء ومبايعتهم في عهد الصحابة والتابعين – رضي ال عنهم – جميعا‪.‬‬

‫() المرأة بين الفقه والقانون‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬ص ‪.155‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الشورى بين النظرية والتطبيق‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬ص ‪.107‬‬ ‫‪2‬‬

‫() منهاج السنة‪ :‬ابن تيمية ‪.3/233‬‬ ‫‪3‬‬

‫() البداية والنهاية ‪.7/146‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الشورى بين النظرية والتطبيق‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬ص ‪.130‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪304‬‬
‫والرأي الذي نرجحه هو جواز كون المرأة ناخبة لكن بشرط التزامها‬
‫بالحكام الشرعية الخرى من عدم الخلوة أو الختلط أو أن يؤدي ذلك إلى‬
‫تفريطها في واجبات مقدمة عليها‪ ...‬وال أعلم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬حكم ترشح المرأة لعضوية الهيئات النيابية والمجالس‬


‫البلدية والمحلية‬

‫كذلك اختلف العلماء في هذه القضية على قولين ‪:‬‬


‫القول الول‪ :‬فلقد ذهب أكثر العلماء إلى عدم جواز اشتراك المرأة في‬
‫الحقوق السياسية فليست من أهل الحل والعقد ول تعتبر عضوا من أعضاء‬
‫مجلس الشورى أو المجالس البلدية والمحلية‪ ،‬وإنما هذه العضوية مقصورة على‬
‫الرجال فقط‪ ،‬والذكورة شرط لكل عضو من أعضاء هذه المجالس(‪.)1‬‬

‫() لجنة الفتوى بالزهر في فتوى نشرتها عام ‪1952‬م‪ ،‬أبو العلى المودودي في كتابه‪ :‬تدوين الدستور‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي ص ‪ ،54‬النظام السياسي في السلم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس ص ‪ ،120‬فتاوي شرعية‪ :‬د‪ .‬حسنين‬
‫مخلوف ‪ ،1/117‬الشورى‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري ص ‪ ،205‬المامة العظمى عند أهل السنة والجماعة‪ :‬عبدال‬
‫الدميجي ص ‪.164‬‬

‫‪305‬‬
‫القول الثاني‪ :‬ويرى بعض الباحثين إلى أنه ل يشترط الذكورة في عضوية‬
‫مجلس الشورى‪ ،‬أو الحل والعقد‪ :‬فالمرأة أهل لممارسة العمال السياسية فيجوز‬
‫لها أن تكون عضوا من أعضاء البرلمان والمجالس النيابية والبلدية والمحلية(‪.)1‬‬
‫أدلة الفريق الول ‪:‬‬
‫استدلوا بجملة من الدلة من الكتاب والسنة والجماع والقياس والمعقول‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫‪-1‬قال تعالى‪  :‬الرجال قوّامون على النساء بما فضّل ال بعضهم على‬
‫بعض وبما أنفقوا من أموالهم ‪[ ‬النساء‪.]34 :‬‬
‫وجه الدللة من الية‪ :‬ل تكون المرأة من أهل الشورى‪ ،‬لن الرجل‬
‫أكفأ من النساء‪ ،‬فكانت القوامة له‪ ،‬فل تقدم المرأة على الرجال ول تؤمّر‪.‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن الية متعلقة بالمسؤولية في السرة وليست عامة‪،‬‬
‫فالحجة تبقى قائمة كذلك‪ ،‬فإن كانت المرأة عاجزة عن إدارة أسرة تتكون‬
‫من مجموعة أفراد ل تعدو أصابع اليدين‪ ،‬فمن باب أولى أن تكون أكثر‬
‫عجزا في إدارة شؤون الناس(‪.)2‬‬
‫قال أبو العلى المودودي‪ " :‬هذا النص يقطع بأن المناصب الرئيسية‬
‫في الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى‪ -...‬ل‬
‫ض إلى النساء " (‪.)3‬‬
‫تُ َفوّ ُ‬
‫ن ول تبرّجن تبرّج الجاهلية الولى ‪‬‬ ‫‪-2‬قال تعالى‪  :‬وقرن في بيوتك ّ‬
‫[الحزاب‪.]33 :‬‬

‫() مبادئ نظام الحكم في السلم‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد المتولي ص ‪ ،452‬الشورى بين الصالة والمعاصرة‪ :‬عز‬ ‫‪1‬‬

‫الدين التميمي ص ‪ ،54‬المرأة في القرآن والسنة‪ :‬محمد عزه دروزة ص ‪ ،45‬النظرية السلمية في الدولة‪:‬‬
‫حازم عبد المتعال الصعيدي ص ‪ ،232‬المشاركة السياسية للمرأة‪ :‬د‪ .‬سامية صالح ص ‪ ،52‬المرأة بين‬
‫الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي ص ‪ ،33‬الحريات العامة‪ :‬د‪ .‬عبد الحكيم عبدال ص ‪ ،301‬الشورى في‬
‫السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪ ،3/1091‬مبدأ المساواة‪ :‬د‪ .‬فؤاد أحمد ص ‪ ،242‬فتاوي معاصرة‪ :‬د‪ .‬يوسف‬
‫القرضاوي ‪.389 – 2/372‬‬
‫() النظام السياسي في السلم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص ‪.120‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نظرية السلم وهديه‪ :‬أبو العلى المودودي‪ ،‬ص ‪.318‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪306‬‬
‫‪-3‬قال تعالى‪  :‬وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ‪[ ‬الحزاب‪:‬‬
‫‪.]53‬‬
‫وجه الستدلل من اليتين‪ :‬إن القرآن كلّف المرأة بالبقاء في بيتها‪ ،‬ول‬
‫تخرج منه إل لضرورة‪ ،‬وهي مأمورة بالحتجاب عن الرجال وعدم‬
‫الختلط بهم‪ ،‬فيجب أن تبعد عن زحمة الحياة السياسية وهذه اليات ليست‬
‫مقصورة على نساء النبي وإل لكان لسائر المسلمات أن يتبرجن‪ ،‬كما ل‬
‫يمكن الدعاء بأن نساء النبي بهن عجزٌ دون سائر النساء حتى ل يقمن‬
‫بالمور خارج البيت(‪.)1‬‬
‫‪-4‬قوله تعالى‪  :‬وللرجال عليهن درجة ‪[ ‬البقرة‪.]228 :‬‬
‫وهذه الية تدل على أن للرجال مزية على النساء وقيل إن هذه الدرجة‬
‫هي المرة والطاعة(‪.)2‬‬

‫ثانيا ‪ :‬من السنة النبوية‬


‫‪-1‬ما روي عن النبي قوله‪ " :‬لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " (‪.)3‬‬
‫وجه الدللة من الحديث‪ :‬الحديث فيه إخبار من النبي بعدم الفلح لقوم‬
‫يسندون إلى امرأة منهم أمرا من أمورهم كعضوية مجلس الشورى‪،‬‬
‫والمسلمون مأمورون باكتساب ما يكون سببا للفلح‪ ،‬ومنهيون عن كل عمل‬
‫يجلب الخسران المبين(‪.)4‬‬
‫‪-2‬ما روي عن الرسول ‪ ..." :‬وإذا كانت أمراؤكم شراركم‪ ،‬وأغنياؤكم‬
‫بخلءكم‪ ،‬وأموركم إلى نسائكم‪ ،‬فبطن الرض خير لكم من ظهرها " (‪.)5‬‬

‫() نظرية السلم وهديه‪ :‬المودودي‪ ،‬ص ‪.320‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جامع البيان‪ :‬الطبري ‪.2/454‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() النظام السياسي في السلم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪307‬‬
‫وهذا الحديث يدل دللة واضحة على عدم جواز إسناد المور إلى النساء‪،‬‬
‫لن النبي أشار إلى ما يحدث من شرار المراء وبخل الغنياء وإسناد‬
‫المور إلى النساء وذلك من الفتن وعلى المسلم اجتنابها(‪.)1‬‬
‫‪-3‬ما روي أن النبي قال‪ " :‬هلكت الرجال حين أطاعت النساء " (‪.)2‬‬
‫وإذا كانت المرأة في مجلس من المجالس فهي تشارك في أخذ القرار‬
‫والمة رجالً ونسا ًء يجب عليها طاعة أعضاء هذه المجالس وفيهم امرأة في‬
‫تطبيق هذا القرار فأطاع الرجال النساء والحديث يخبر عن هلك وخسران‬
‫الرجال الذين أطاعوا النساء(‪.)3‬‬
‫‪-4‬قال ‪ " :‬المرأة راعية أهل بيت زوجها وولده‪ ،‬وهي مسؤولة عنهم " (‪.)4‬‬
‫إن المرأة مأمورة بلزوم البيت ورعاية الولد(‪ ،)5‬فلو زاحمت المرأة‬
‫الرجل في عمله وشاركته‪ ،‬وهي المرهقة بالحيض‪ ،‬والنفاس‪ ،‬والحمل‪،‬‬
‫والوضع‪ ،‬والتربية مع نقصان خلقتها – فخرجت على فطرتها‪ ،‬وانحرفت عن‬
‫طبيعتها‪ ،‬وخالطت الرجال‪ ،‬لختل نظام السرة‪ ،‬وانحلت رابطتها‪ ،‬وانعدمت‬
‫اللفة والمودة والرحمة بينهما – وهي من لوازم الزوجية لقوله تعالى‪  :‬ومن‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً‬
‫ورحم ًة ‪[ ‬الروم‪.]21 :‬‬
‫‪-5‬قال في حديث طويل‪ " :‬ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي‬
‫ب منكن " (‪.)6‬‬ ‫لُ ّ‬
‫وجه الدللة من الحديث‪ :‬وصف رسول ال – في هذا الحديث – النساء‬
‫بنقصان عقولهن ودينهن‪ ،‬والنيابة العامة عن المة في البرلمان تقتضي أن‬

‫() ولية المرأة في الفقه السلمي‪ :‬حافظ محمد أنور‪ ،‬ص ‪.382‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أحمد (‪ ،5/45 )20473‬والحاكم (‪ 4/291 )7789‬وقال صحيح السناد ولم يخرجاه ووافقه‬ ‫‪2‬‬

‫الذهبي‪.‬‬
‫() ولية المرأة في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.383‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مبدأ المساواة‪ :‬د‪ .‬فؤاد أحمد‪ ،‬ص ‪.191‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري في الحيض باب ترك الحائض الصوم (‪ ،1/116 )298‬ومسلم في اليمان باب بيان‬ ‫‪6‬‬

‫نقصان اليمان بنقص الطاعات (‪.1/86 )79‬‬

‫‪308‬‬
‫يكون النائب عنها كاملً في عقله ودينه‪ ،‬فل تولى المرأة النيابة العامة مع‬
‫ل ودينا من الرجال(‪.)1‬‬ ‫وجود من هو أكمل منها عق ً‬
‫‪-6‬ما روي عن النبي قال‪ " :‬ما تركت بعدي في الناس فتن ًة أضرّ على‬
‫الرجال من النساء " (‪.)2‬‬
‫‪-7‬وما رواه الترمذي عن عبدال عن النبي ‪ " :‬المرأة عورة‪ ،‬فإذا خرجت‬
‫استشرفها الشيطان " (‪.)3‬‬
‫وجه الدللة من الحديثين‪ :‬أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة‬
‫للرجال‪ ،‬والمرأة ممنوعة من الختلط بالرجال والبروز إلى مجالسهم‪ ،‬ومن‬
‫تلك المجالس‪ :‬المجالس التشريعية(‪.)4‬‬
‫ن رجل بامرأة إل كان ثالثهما‬ ‫‪-8‬عن عمر عن النبي قال‪" :‬ل يَخلُوَ ّ‬
‫الشيطان " (‪.)5‬‬
‫وجه الدللة من الحديث‪ :‬إن الرجل ممنوع من الخلوة بالمرأة‪ ،‬والبرلمان‬
‫من الماكن التي تحدث فيها الخلوة حتما بينهما‪ ،‬فل تتولّى المرأة النيابة‬
‫العامة فيها منعا من إلحاق الحرج والثم بالرجال النواب المأمورين بنص‬
‫الحديث بعدم الختلء بالنساء(‪.)6‬‬
‫ثالثاُ ‪ :‬الجماع‬
‫قال الدكتور محمد أبو فارس‪ " :‬إن الرسول والخلفاء لم يجعلوا المرأة‬
‫من أهل الشورى " (‪.)7‬‬
‫فكان ذلك إجماعا منهم على عدم جواز تولي المرأة عضوية المجالس‬
‫النيابية وغيرها‪.‬‬
‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ :‬مجيد أبو حجير‪ ،‬ص ‪.486‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء (‪.4/2098 )2741‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سبق تخريج الحديث‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ ،‬ص ‪.487‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه أحمد (‪ ،1/26 )177‬الترمذي في الرضاع باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات (‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،3/474 )1171‬والحاكم في مستدركه (‪ 1/197 )387‬وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه‪.‬‬
‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ ،‬ص ‪.487‬‬ ‫‪6‬‬

‫() النظام السياسي في السلم‪ :‬د‪ .‬محمد أبو فارس‪ ،‬ص ‪.121‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪309‬‬
‫رابعا ‪ :‬بالقياس‬
‫تقول لجنة فتوى كبار علماء الزهر(‪ " :)1‬إذا حكمنا القياس وهو إلحاق‬
‫النظير بالنظير لشتراكهما في علة الحكم‪ ،‬لكان الوجب هو حرمان المرأة من‬
‫الولية والوظائف العامة‪ ،‬لن كثيرا من الحكام في الشريعة السلمية تميز بين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬وعلتها هي ضعة النوثة‪ ،‬لن مهمة المومة حضانة النشء‬
‫وتربيته‪ ،‬وهذه قد جعلتها ذات تأثير خاص بدواعي العاطفة‪ ،‬وهي مع ذلك‬
‫تعرض لها عوارض طبيعية‪ ،‬تتكرر عليها في الشهر والعوام من شأنها أن‬
‫تضعف قوتها المعنوية‪ ،‬وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به والقدرة‬
‫على الكفاح‪ ،‬لذلك جعلت القوامة على النساء للرجال‪ ،‬وجعل حق الطلق للرجل‬
‫دونها‪ ،‬ومنعتها الشريعة من السفر من غير محرم‪ ،‬أو زوج‪ ،‬أو رفقة مأمونة‪،‬‬
‫ولو كان سفرها لداء فريضة الحج‪.‬‬
‫فإذا كان الفارق الطبيعي بينهما قد أدى في نظر السلم إلى التفرقة بينهما‬
‫في هذه الحكام التي ل تتعلق بالشؤون العامة للمة‪ ،‬فإن التفرقة بمقتضاه في‬
‫الوليات العامة تكون من باب أولى أحق وأوجب‪ ،‬لن كثيرا من الحكام تعفي‬
‫المرأة من معالجة ما هو دون السياسة والحكم من أمور وواجبات خارج البيت‪،‬‬
‫منها‪ :‬قول الرسول ‪ " :‬الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إل أربعة‪:‬‬
‫عبد مملوك‪ ،‬أو امرأة‪ ،‬أو صبي‪ ،‬أو مريض " (‪.)2‬‬
‫خامسا ‪ :‬المعقول‬
‫إن الساس في الوليات والوظائف العامة هو الكفاءة الدائمة‪ ،‬فالمرأة‬
‫– كما أثبت علماء الحياء – تتميز بخصائص جسمانية ونفسية معينة تجعلها أقل‬

‫() نقلً من كتاب مبدأ المساواة ص ‪ ،192‬الحركات النسائية‪ :‬محمد عطية خميس ص ‪.115 – 112‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الصلة باب الجمعة للمملوك والمرأة (‪ ،1/280 )1067‬والبيهقي (‪،3/172 )5368‬‬ ‫‪2‬‬

‫والحاكم في مستدركه (‪ 1/425 )1062‬وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال ابن حجر‪:‬‬
‫صححه غير واحد (تلخيص الجبير ‪.)2/65‬‬

‫‪310‬‬
‫كفاءة من الرجل‪ ،‬فضلً عن أنها تمر بعوارض تتكرر من شأنها – على فرض‬
‫أنها لو تساوت مع الرجل – أن تعدمها أو تقلل من كفاءتها(‪.)1‬‬
‫كما أن المرأة شديدة التأثر بالعاطفة وشدة النفعال‪ ،‬وعدم قدرتها على‬
‫تحمل المشاق الكبيرة فكيف تستطيع أن تزاول العمل السياسي بما فيه من أعباء‬
‫ومصائب ومشكلت‪ ،‬فعضوية الشورى ليست من وظائف المرأة وإنما خلقها ال‬
‫لداء وظيفة أسمى تناسب فطرتها وخلقتها وهي أهم من اشتغالها بالسياسة‪ :‬وهو‬
‫اشتغالها بأسرتها وزوجها وأولدها‪.‬‬

‫أدلة الفريق الثاني ‪:‬‬


‫استدل أصحاب الرأي الثاني القائلون بجواز كون المرأة نائبة في البرلمان‬
‫أو المجالس الخرى بأدلة مختلفــة مــن الكتاب والســنة والجماع والقياس‬
‫والمعقول‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬من القرآن الكريم‬
‫‪-1‬قال تعالى‪  :‬يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ل‬
‫يشركن بال شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين‬
‫ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ول يعصينك في معروف فبايعهن‬
‫واستغفر لهن ال إن ال غفو ٌر رحيمٌ ‪[ ‬الممتحنة‪.]12 :‬‬
‫وجه الدللة من الية‪ :‬أكد القرآن مشاركة المؤمنات في الحياة العامة‬
‫بمبايعة النبي (‪.)2‬‬
‫‪-2‬قال تعالى‪  :‬فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع‬
‫أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة‬
‫ال على الكاذبين ‪[ ‬آل عمران‪.]61 :‬‬

‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ ،‬ص ‪.496‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المسؤولية الوزارية‪ :‬د‪ .‬سيد رجب‪ ،‬ص ‪.767‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪311‬‬
‫ففي هذه الية دللة على مشاركة النساء للرجال في الجتماع للمور‬
‫المهمة العامة(‪.)3‬‬
‫‪-3‬قال تعالى‪  :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون‬
‫بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة‬
‫ويطيعون ال ورسوله أولئك سيرحمهم ال إن ال عزيز حكيم ‪[ ‬التوبة‪:‬‬
‫‪.]71‬‬
‫وفي هذا يقول الشيخ محمود شلتوت‪ " :‬إن مسؤولية المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر هي أكبر مسؤولية في نظر السلم‪ ،‬وقد سوّى السلم‬
‫فيها بصريح هذه اليات بين الرجل والمرأة " (‪.)2‬‬
‫‪-4‬قال تعالى‪  :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحد ٍة وخلق‬
‫منها زوجها وبثّ منهما رجالً كثيرا ونساءً واتقوا ال ‪[ ‬النساء‪.]1 :‬‬
‫‪-5‬وقال تعالى‪  :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذك ٍر وأنثى وجعلناكم شعوبا‬
‫وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم ‪[ ‬الحجرات‪.]13 :‬‬
‫حيث تقرر هاتان اليتان‪ :‬أن المرأة شقيقة الرجل‪ ،‬وأنهما من أصل‬
‫واحد‪ ،‬وبمقتضى هذه النصوص يثبت كمال إنسانية المرأة‪ ،‬ويتقرر لها ما‬
‫يتعلق بهذه النسانية من حقوق وما تتحمل من تكاليف وتبعات‪ ،‬وأن مناط‬
‫هذا التكليف فيهما واحد هو العقل(‪.)3‬‬

‫ثانيا ‪ :‬من السنة النبوية‬


‫‪-1‬استدلوا بما روى المسور بن مخرمة ومروان في ذكر خروج النبي‬
‫زمن الحديبية وما جرى من صلح الحديبية وفيه‪ :‬قال‪ :‬فلما فرغ من‬
‫قضية الكتاب‪ ،‬قال رسول ال لصحابه‪ " :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا‬
‫"‪ ،‬قال‪ :‬فوال ما قام منهم رجل‪ ،‬حتى قال ذلك ثلث مرات‪ ،‬فلم يقم‬
‫() الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1088‬‬ ‫‪3‬‬

‫() السلم عقيدة وشريعة‪ ،‬ص ‪.227‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ ،‬ص ‪.466‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪312‬‬
‫منهم أحد‪ ،‬دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس‪ ،‬فقالت أم‬
‫سلمة‪ :‬يا نبي ال أتحب ذلك؟ اخرج ثم ل تكلم أحدا منهم كلمة حتى‬
‫تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك‪ ،‬فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل‬
‫ذلك‪ ،‬نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل‬
‫بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما " (‪.)1‬‬
‫وهذا دليل على جواز مشاورة المرأة الفاضلة(‪ ،)2‬وأن رسول ال كان‬
‫يشاور النساء ويأخذ برأيهن فيجوز للمرأة أن تكون عضوا في مجلس‬
‫الشورى(‪.)3‬‬
‫‪-2‬قول النبي ‪ " :‬إنما النساء شقائق الرجال " (‪.)4‬‬
‫‪-3‬وقوله ‪ " :‬كلكم لدم‪ ،‬وآدم من تراب " (‪.)5‬‬
‫ففي هذين الحديثين دليل على المساواة بين الرجال والنساء‪ ،‬فالرجل‬
‫والمرأة من آدم وهو مخلوق من تراب‪ ،‬فللمرأة حق الشتراك في المجالس‬
‫النيابية بحكم المساواة " (‪.)6‬‬
‫‪-4‬واستدلوا بما ثبت من السنة في ذهاب النساء إلى المسجد وحضورهن‬
‫الجماعة مع النبي فعن ابن عمر – رضي ال عنهما – قال‪ :‬قال رسول‬
‫ال ‪ " :‬ل تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " (‪.)7‬‬
‫فقد ثبت أن من حق المرأة أن تؤم المسجد‪ ،‬والمسجد كان بمثابة قاعة‬
‫مجلس الشورى أو بعبارة أخرى برلمان الدولة السلمية في عهد النبي‬
‫() أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد (‪.2/974 )258‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتح الباري‪ :‬ابن حجر ‪.5/409‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ولية المرأة في الفقه السلمي‪ :‬حافظ أنور‪ ،‬ص ‪.428‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه (‪ ،1/61 )236‬والترمذي في أبواب‬ ‫‪4‬‬

‫الطهارة باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللً (‪ ،1/190 )113‬وأخرجه أحمد (‪ ،6/256 )26238‬والبيهقي‬
‫في سننه (‪ 1/168 )767‬والحديث‪ :‬رجاله رجال الصحيح إل عبدال بن عمر العمري اختلف فيه (نيل‬
‫الوطار ‪.)1/281‬‬
‫() مسند الربيع (‪.1/170 )419‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المرأة والحقوق السياسية في السلم‪ ،‬ص ‪.469‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه أبو داود في سننه في أبواب الصلة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (‪،1/155 )567‬‬ ‫‪7‬‬

‫وقريب منه في مسلم في الصلة باب خروج النساء إلى المساجد (‪.1/327 )442‬‬

‫‪313‬‬
‫‪ ،‬وإن انفصلت قاعة مجلس الشورى عن المسجد اليوم وأصبحت مستقلة‬
‫فللمرأة أن تحضرها وتشارك في أعمال المجلس(‪.)1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬الجماع‬
‫قال الستاذ محمد الحجوي‪ " :‬وقع الجماع بعد النبي على أن المرأة ل‬
‫تتولى شأن الخلفة العظمى‪ ،‬فكان إجماعا ضمنيا – أي سكوتيا – على أن تكون‬
‫المرأة تتولى ما عدا ذلك " (‪ ،)2‬وبنا ًء على هذا فإنه يجوز أن تكون المرأة‬
‫منتخبة(‪.)3‬‬

‫رابعا ‪ :‬فعل الصحابة‬


‫فلقد اعترضت امرأة من قريش على عمر لما قال‪ :‬يا أيها الناس ما‬
‫صدُقات فيما‬‫ق النساء(‪ ،)4‬وقد كان رسول ال وأصحابه وإنما ال َ‬ ‫صدُ ِ‬
‫أكاثركم في َ‬
‫بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك فلو كان الكثار في ذلك تقوى عند ال أو‬
‫مكرمة لم تسبقوهم إليها‪ ،‬فل أعرفن ما زاد رجل على أربعمائة درهم‪ ،‬ثم نزل‬
‫من على المنبر فاعترضته امرأة من قريش فقالت‪ :‬يا أمير المؤمنين نهيت الناس‬
‫أن يزيدوا النساء في صدقاتهم على أربعمائة درهم قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬أما سمعت‬
‫ال عزوجل يقول‪  :‬وآتيتم إحداهن قنطارا فل تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا‬
‫وإثما مبينا ‪[ ‬النساء‪ ،]20 :‬فقال‪ :‬اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر‪ ،‬قال‪ :‬ثم رجع‬
‫فركب المنبر فقال‪ :‬أيها الناس إن كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن‬
‫على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب(‪.)5‬‬

‫ولية المرأة في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.433‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫المرأة بين الشرع والقانون‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬ص ‪.230‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1087‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫ما أكاثركم‪ :‬أي كيف تنافسكم في الكثار في مهور النساء‪ :‬أي ل تكثروا فيها‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه أبو يعلى في الوسط (‪ ،1/179 )570‬والبيهقي (‪ ،7/233 )14114‬وعبد الرزاق في مصنفه‬ ‫‪5‬‬

‫(‪ ،6/180 )10420‬وسعيد بن منصور (‪ ،1/193 )595‬قال الهيثمي‪ :‬وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد‬
‫وُثق (مجمع الزوائد ‪.)4/238‬‬

‫‪314‬‬
‫فهذه المرأة من قريش راجعت عمر فتراجع وقبل قولها وسكت الناس‬
‫(‪)1‬‬
‫عليها وهذا دليل على حق المرأة في عضوية المجالس وفي الحياة السياسية‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬القياس‬
‫قال المجيزون لنيابـة المرأة فـي البرلمان‪ :‬كون المرأة منتخبـة ل يعدو أن‬
‫تكون وكيلة عـن الشخاص الذيـن تمثلهـم‪ ،‬ووكالة المرأة جائزة كمـا جاز نصـبها‬
‫وصية وناظرة وقف‪.‬‬
‫ومن يستعرض أقوال الفقهاء في شروط أهل الشورى أو أهل الحل والعقد‬
‫يجد أنها تدور على العدالة والعلم والرأي‪ ،‬ولم نجد أحدا منهم يجعل الذكورة‬
‫شرطا في هذا الباب‪ ،‬بل شرطهم صفة الشهود(‪.)2‬‬
‫يقول الماوردي‪ " :‬كل من صح أن يفتي في الشرع جاز أن يشاوره‬
‫القاضي في الحكام‪ ،‬فتعتبر فيه شروط المفتي‪ ،‬فيجوز أن يشاور العمى والعبد‬
‫والمرأة " (‪.)3‬‬
‫سادسا ‪ :‬المعقول‬
‫اشتراك المرأة في المجالس النيابية مما يتفق مع أهليتها وحقوقها السياسية‬
‫والجتماعية واستقلل شخصيتها‪ ،‬وكل ذلك مما قرره لها القرآن نصا صريحا‬
‫وضمنا‪.‬‬
‫وإلى هذا فإنها نصف المجتمع وكل ما يتقرر في هذه المجالس يتناولها كما‬
‫يتناول الرجل على السواء‪ ،‬فمن حقها أن يكون لها رأي فيه مثله(‪.)4‬‬

‫الترجيح ‪:‬‬

‫ولية المرأة في الفقه السلمي‪ ،‬ص ‪.435 – 434‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫الشورى في السلم‪ :‬د‪ .‬حمد الكبيسي ‪.3/1090‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أدب القاضي‪ :‬الماوردي ‪.1/264‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫المرأة في القرآن والسنة‪ :‬محمد دروزة ص ‪ ،51‬المرأة والحقوق السياسية في السلم ص ‪.473‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪315‬‬
‫وب عد أن نوق شت أدلة الفريق ين بأجو بة ومناقشات كثيرة يمكن نا ا ستخلص‬
‫النتائج التالية ‪:‬‬
‫‪-‬أن السلم يقرر المساواة بين الرجل والمرأة‪.‬‬
‫‪-‬أن السلم أعلى من شأن المرأة وأكرمها وأخرجها من ظلم‬
‫الجاهلية إلى نور الهداية‪.‬‬
‫‪-‬البيت هو مملكة المرأة المسلمة وهي ملكته‪.‬‬
‫‪-‬السلم صان المرأة من كل شر وفساد‪.‬‬
‫‪-‬أن المرأة على مر التاريخ السلمي لم تشارك مشاركة مباشرة‬
‫وحيوية في الحياة السياسية‪.‬‬
‫‪-‬إن مهمة المجالس الشورية ليست مجرد سن القوانين ومراقبة‬
‫السلطة التنفيذية‪ ،‬وإنما هي التي تسير دفة سياسة البلد‪ ،‬فهي‬
‫بمثابة القوامة والولية وهي ممنوعة عن المرأة‪.‬‬
‫فالراجح إذا وال أعلم القول بعدم جواز عضوية المرأة لمجلس الشورى أو‬
‫البرلمان أو كونها من أهل الحل والعقد وهو قول أكثر العلماء‪ ،‬وذلك لقوة أدلته‬
‫ولو كان في بعضها ضعف فيعضد بعضها بعضا‪ ،‬ولن فيه درء المفاسد العظيمة‬
‫التي قد تنجم عن تقدير عضوية المرأة لهذه المجالس‪ ،‬ولن أدلة القائلين بالجواز‬
‫لم تسلم من المناقشات التي أوردها المعترضون عليهم(‪.)1‬‬

‫وقبل أن أختم هذا البحث أريد أن أذكر برأي وسط للشيخ عبد المجيد‬
‫الزنداني يقول فيه‪:‬‬
‫كيف نحل المشكلة ‪:‬‬
‫إذا أردنا إنصاف المرأة‪ ،‬ومنحها حقها كاملً غير منقوص‪ ،‬وإذا أردنا‬
‫الستقامة على هدى ال تعالى‪ ،‬وإذا أردنا الستقامة على الفطرة اللهية التي خلق‬
‫ال الناس عليها‪ ،‬فإن الطريق لذلك هو أن ننشئ هيئة سياسية خاصة بالمرأة‬

‫() ولية المرأة في الفقه السلم‪ ،‬ص ‪.443 – 442‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪316‬‬
‫تكون موازية لمجلس النواب‪ ،‬وتمنح المرأة من الحقوق السياسية ما يتناسب مع‬
‫فطرتها ومسؤوليتها نحو بيتها وزوجها وأولدها‪ ،‬وتستقيم مع أحكام ديننا الذي ل‬
‫يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه‪ ،‬وال تعالى يقول‪  :‬وما كان لمؤمنٍ ول‬
‫مؤمنةٍ إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‪[ ‬الحزاب‪:‬‬
‫‪.]36‬‬
‫" دعوة ‪:‬‬
‫هذه دعوة ل كل من ير يد للمرأة أن تنال حقوق ها في ظل دين ها‪ ،‬وأن ت صل‬
‫إلى حقوق ها المنا سبة لفطرت ها كاملة غ ير منقو صة‪ ،‬وأن ت سهم في تدب ير شؤون‬
‫المجتمع بما يحفظ لها دينها وأسرتها وبيتها وخصائصها التي فطرها ال عليها‪.‬‬
‫وإذا كنا نطالب بهذا المجلس على مستوى الدولة فنحن نطالب به على‬
‫مستوى التنظيمات السياسية بأن يجعلوا للمرأة مجلسا للشورى خاصا بها‪ ،‬يمثلها‬
‫تمثيلً كاملً‪ ،‬ويمكنها من ممارسة أنشطتها الفكرية والسياسية والجتماعية‪،‬‬
‫ويجنبها ويلت الصراع على السلطة التي قد تكون فادحة بالنسبة للمرأة سواء‬
‫كانت بنتا أو زوجة أم أما‪.‬‬
‫نحسب أن هذا المقترح يؤدي الحقوق إلى أهلها‪ ،‬وينزل كلً من الرجال‬
‫والنساء منازلهم الدينية والفطرية‪ ،‬ويجعلنا أكثر المم إنصافا للمرأة ورعاية‬
‫لحقها وحفاظا عليها‪ ،‬ويخرجنا من التخبط والضلل والضياع الذي يجرنا إليه‬
‫التقليد العمى لغير المسلمين " (‪.)1‬‬

‫فتوى للجنة الفتاء بكلية الشريعة والدراسات السلمية جامعة الكويت‬


‫عن موضوع مشاركة المرأة سياسيا أصدرت لجنة الفتاء بكلية الشريعة‬
‫والدراسات السلمية بجامعة الكويت الفتوى التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬بالنسبة لموافقة الشرع على مبدأ مشاركة المرأة سياسيا ‪:‬‬

‫() المرأة وحقوقها السياسية في السلم‪ :‬عبد المجيد الزنداني‪ ،‬ص ‪.158 – 157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪317‬‬
‫رأت اللجنة‪ :‬أنه ل توجد في الشريعة السلمية نصوص تحرم مبدأ‬
‫اشتراك المرأة في الحقوق السياسية‪ ،‬فيبقى المر على الباحة‪ ،‬كما هو‬
‫للرجل‪ ،‬لقوله تعالى‪  :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ‪[ ‬البقرة‪ ،]228 :‬وقد‬
‫بايع النبي النساء في بيعة العقبة الثانية‪ ،‬وكذا بايعهن في بيعة الرضوان‪.‬‬
‫‪ -2‬وفي مدى حق المرأة في المشاركة السياسية‪:‬‬
‫ترى اللجنة‪ :‬أن مشاركة المرأة في الحقوق السياسية‪ ،‬مطلقة – بوجه‬
‫عام – ول تقيّد إل بالتزام النصوص والداب الشرعية‪ ،‬ومقتضيات العرف‬
‫العام السليم‪.‬‬
‫‪ -3‬أما ورود نص قطعي في المشاركة السياسية‪ ،‬فل تعرف اللجنة نصا قطعيا‬
‫في هذا الخصوص‪.‬‬
‫ول يشترط في الشريعة ورود نص قطعي في كل مسألة‪ ،‬لنه في حيز‬
‫الستحالة‪ ،‬وإنما يكتفى بالنصوص العامة‪ ،‬مما يفيد غلبة الظن‪ ،‬التي هي مناط‬
‫الحكام‪.‬‬

‫‪ -4‬أما عن التفريق بين المشاركة في النتخاب‪ ،‬والمشاركة في الترشيح ‪:‬‬


‫فترى اللجنة‪ - :‬بناء على ما تقدم – أن المشاركة في النتخاب ل مانع‬
‫منها‪ ،‬وقد حدث أن طلحة كان يستشير الصحابة والصحابيات في الرأي‪ ،‬في‬
‫اختيار الخليفة من الستة الذين رشحهم للخلفة سيدنا عمر – رضي ال عنهم‬
‫أجمعين ‪.-‬‬
‫وأما المشاركة في الترشيح‪ ،‬فقد رأت اللجنة وبعد دراسة هذا الموضوع‬
‫خلل السبوع الماضي من جوانبه كلها‪ ،‬رأت اللجنة أن ترشيحها لعضوية هذا‬
‫المجلس‪ ،‬ل يخلو من أحد الوجه الثلثة التالية‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون بمثابة وكالة عمن ينتخبها‪ ،‬للقيام بأعمال محددة ونيابة عنه‪.‬‬
‫‪-2‬أن يكون بمثابة تزكية منها لمن سواها من الجمهور‪ ،‬ممن يرشحون‬
‫لمناصب مهمة‪ ،‬كمنح الثقة للوزراء‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫‪-3‬أن يكون الترشيح بمثابة ولية لها على غيرها‪ ،‬في ممارسة إصدار‬
‫القوانين والنظمة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ورأت اللجنة ترجيح الوجه الول‪ ،‬وهو المقرر في العرف العام‪ ،‬وفي‬
‫نظر القانون‪ ،‬فتسمى نائبا‪ ،‬فتمارس أعمالها من خلل وكالتها‪ ،‬نيابة عن‬
‫الخرين‪ ،‬ومن المقرر في الفقه جواز وكالة المرأة في الشرعيات – بوجه عام –‬
‫ول سيما ما يتصل منها بشئون النساء على التخصيص‪.‬‬
‫لكن اللجنة تؤكد على ضرورة اللتزام بالداب الشرعية في أداء عملها‪،‬‬
‫من مثل‪:‬‬
‫‪-1‬اللتزام بالحجاب الشرعي‪.‬‬
‫‪-2‬عدم الختلط بالجانب‪ ،‬وعدم الختلء بأحد منهم‪.‬‬
‫‪-3‬عدم السفر منفردة في سبيل أداء بعض أعمالها‪ ،‬إل مع زوج أو ذي‬
‫رحم محرم‪.‬‬
‫‪-4‬عدم إبداء زينتها لحد‪ ،‬أو ارتداء الملبس المنافية للحشمة‪.‬‬
‫‪-5‬أن تتقيد في وكالتها بالحدود الشرعية الممنوحة للوكيل‪ ،‬فل‬
‫تتجاوزها إلى ما ل يحل لوكيل أن يفعله‪ ،‬من التجاوزات والمخالفات‬
‫والمحظورات التي ترفضها الشريعة‪.‬‬
‫‪-6‬أن تكون مهمتها في هذا المجلس‪ ،‬الحرص على أن تكون إنجازاتها‬
‫كلها وفق الشريعة السلمية‪ ،‬وخدمة الدعوة إلى الدين الحنيف‪.‬‬
‫وبهذا التجاه الذي رأته اللجنة يتضح أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم‪،‬‬
‫من اعتبار ترشيح المرأة لهذا المنصب هو من باب الولية‪ ،‬غير سليم من الناحية‬
‫الشرعية والقانونية‪ ،‬والعراف المعلومة في جميع القاليم‪ ،‬ول يدخل في عموم‬
‫حديث‪ " :‬ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة "‪.‬‬
‫هذا من الناحية الفقهية النظرية‪ ،‬أما من حيث الواقع‪ ،‬والناحية العملية‪ ،‬فإن‬
‫النتخابات تخالطها مفاسد وشرور كثيرة‪ ،‬ويتعرض فيه المرشحون لكثير من‬

‫‪319‬‬
‫التجريح والطعن في العراض‪ ،‬وكشف الستار‪ ،‬وفضح العيوب‪ ،‬والتشهير بها‪،‬‬
‫ومواجهة الصطدامات العنيفة التي ل تليق بالرجال فضلً عن النساء‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أنه ل ضرورة ماسة‪ ،‬ول حاجة تدعو إلى قذف المرأة‬
‫نفسها في هذا المعترك‪ ،‬وخوض هذه المعارك الجانبية‪.‬‬
‫لهذا ترى اللجنة أنه يجب أن تنأى المرأة المسلمة عن ترشيح نفسها لهذا‬
‫المنصب الخطير حفاظا على مركزها ومكانتها الدقيقة في المجتمع المسلم‪ ،‬وفي‬
‫عملها في السرة والمجتمع‪ ،‬مندوحة لها عن الشتغال بهذه المجالس وملبساتها‬
‫السياسية‪ ،‬وذلك سدا للذرائع والتزاما بخط السلف العريض في التاريخ السلمي‪،‬‬
‫وهو تجنب المرأة الشتغال بالمور السياسية‪ ،‬إل في الضرورة الملحة‪ ،‬وليس‬
‫هذا منها‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه(‪.)1‬‬

‫المبحث الرابع عشر‬

‫موقف السلم من السينما والتمثيل‬

‫‪ -1‬المفهوم السلمي للفن ‪:‬‬


‫إن ملخص القول عن المفهوم السلمي للفن هو ذلك المفهوم الذي يغاير‬
‫مفهوم الغرب للفن‪ ،‬من حيث الشكل والمضمون والهداف والغايات‪ ،‬ولذلك‬
‫فالتصور السلمي للفن‪ ،‬إنما يبدأ من ال تعالى إلى الوجود في كل صوره‪،‬‬
‫وأشكاله‪ ،‬وكائناته‪ ،‬وموجوداته‪ ،‬ويُعنى عناية خاصة بالنسان خليفة ال في‬
‫أرضه‪ ،‬ثم يعود إلى الحقيقة اللهية التي صدر عنها‪ ،‬فيكوّن تصورا سليما كاملً‬
‫شاملً في خشوع ل تعالى‪ ،‬وتقوى ومراقبة للمولى عزوجل‪ ،‬وفيه حبه والتطلع‬

‫() فتاوي لجنة الفتاء بكلية الشريعة والدراسات السلمية جامعة الكويت‪ ،‬ص ‪.82 – 79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪320‬‬
‫إليه‪ ،‬والطمئنان إلى قدره‪ ،‬على حين صحت أوروبا على الموروث الغريقي‬
‫الذي يصور اللهة في صراع دائم مع البشر‪ ،‬أو صراع فيما بينهما‪ ،‬وصراع‬
‫النسان مع الكون‪ ،‬جماده ونباته وحيوانه‪.‬‬
‫فإنتاج الفنان في مثل هذا الجو القاتم يا ترى ماذا يعكس لنا على شخصية‬
‫الفنان ذاته‪ ،‬وعلى شخصية الخرين‪ ،‬تاريخيا وسيكولوجيا ؟‬
‫لذلك لما انفصل الفنان عن شخصيته النسانية‪ ،‬أصبح الفن في وادٍ‪،‬‬
‫والنسان في وادٍ آخر‪ ،‬هذا النفصال دفع الكثير من الفنانين إلى أن يجعلوا‬
‫أعمالهم أعمالً مبتذلة يراد منها ومن خلفياتها‪ ،‬إشباع فضول كثير من الناس‪،‬‬
‫وإرضاء حبهم للستطلع ليس غير!‬
‫بينما الفنان المسلم وصلته بالكائنات وبالحياة‪ ،‬صلة القربى والمودة‬
‫والعطف والتعاون في ناموس ال أكبر فالنسان في السلم قبضة من طين‬
‫ونفخة من روح ال غير منفصل بأحد عنصريه عن عنصره الخر في أية لحظة‬
‫من اللحظات فل هو حيوان الداروينية‪ ،‬ول هو ملك الهندوكية والبوذية‪.‬‬
‫ل رسالة الحياة غير هارب منها ول‬ ‫إنه إنسان خليفة ال في أرضه‪ :‬حام ً‬
‫متنصل فهذه الشخصية المنهجية تعكس لنا بصورة واضحة منهجية الفن الذي‬
‫يسلكه وإذا أردنا الوقوف على حقيقة هذا الفن‪ ،‬لبد لنا من العودة إلى الصول‬
‫المنهجية التي ارتكزت عليها شخصية الفنان(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬واقع السينما اليوم ‪:‬‬


‫السينما هي واحدة من أدوات التسلية والترفيه العصرية‪ ،‬التي أصبح لها‬
‫بعد المسرح مكان واسع في المجتمعات العالمية‪ ،‬وقد استطاعت القوى المسيطرة‬
‫أن توجهها توجيها خطيرا يستهدف بها دفع الشباب والفتيات إلى مفاهيم خطيرة‬
‫في العلقات الجتماعية‪ ،‬وخاصة في شؤون الزواج والحب والتعامل يتعارض‬
‫تماما مع كل القيم والمقررات والضوابط التي حملت لواءها رسالت السماء وما‬

‫() السلم وقضايا الفن المعاصر‪ :‬د‪ .‬ياسين محمد حسن‪ ،‬ص ‪.34 – 33‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪321‬‬
‫يتصل بها من أخلقيات وفضائل‪ ،‬فكان لها أبعد الثر في إيجاد طابع من‬
‫الشرعية على الفساد والنحراف وأساليب الغتصاب‪ ،‬وخاصة فيما يتصل بمجال‬
‫الجريمة والجنس‪.‬‬
‫لقد استطاع اليهود في النصف الول من هذا القرن أن يسيطروا على‬
‫صناعة السينما في العالم الغربي‪ ،‬والمدينة السينمائية في أمريكا (هوليوود)‬
‫غارقة في بحر اليهود‪ ،‬ل تحرك ساكنا‪ ،‬ول تجري لقطة سينمائية واحدة دون‬
‫رقابة اليهود الصارمة‪ ،‬التي ل تسمح بإخراج أي فيلم ل يخدم أهداف اليهود من‬
‫زاوية معينة‪ ،‬فهم في هوليوود من وراء أفلم الجرام التي تساعد على خلق جيل‬
‫من الشباب متشبع بالروح الجرامية‪ ،‬وهم من وراء أفلم الدعارة السافرة‪،‬‬
‫وأفلم الجنس‪ ،‬وهم من وراء أفلم الدعاية اليهودية التي تخدع الشعوب وتبعدهم‬
‫عن إدراك حقيقة المشكلة اليهودية التي تسبب الصداع المزمن للعالم كله‪ ،‬ولم‬
‫يكتف اليهود بإدارة صناعة السينما في أوروبا وأمريكا‪ ،‬وإنما شرعوا في غزو‬
‫تلك الصناعة في هوليوود خاصة‪ ،‬وأخذوا يزودون أمريكا بالممثلين والممثلت‬
‫اليهود الذين يسهمون في صنع الفلم المدمرة‪ ،‬ويشرفون في الوقت نفسه على‬
‫جمع المليين وتحويلها لدولتهم المجرمة‪ ،‬وسيطرة اليهود على صناع السينما في‬
‫العالم‪ ،‬وإشرافهم الكامل على المسارح والملهي‪ ،‬تتم كلها تنفيذا لوصايا حكمائهم‬
‫في محاضرات الجلسات السرية المسماة ببروتوكولت حكماء صهيون‪ ،‬فهدفهم‬
‫الساسي هدم المجتمع القائم‪ ،‬والتقليل من هيبة الحكومات‪ ،‬وإشاعة التدهور‬
‫الخلقي‪ ،‬وحل الروابط العائلية بقصد انتشار النحلل الجتماعي‪.‬‬
‫واليهود يعلمون أن أغلب رواد السينما والملهي من صغار السن أو من‬
‫طبقة العمال والفقراء‪ ،‬لذا فإنهم يعمدون إلى إثارة غرائزهم الجنسية بما يقدمون‬
‫إليهم من مواقف عاطفية مثيرة ورقصات خليعة‪ ،‬وحيل تنير الذهان إلى الخيانة‬
‫الزوجية واغتصاب الفتيات والحتيال وكسر الخزائن والنصب والغتيال‪ ،‬وكلها‬
‫تظهر بأفلم اليهود‪ ،‬أعمالً بطولية بارعة(‪.)1‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.281 – 280‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪322‬‬
‫‪ -3‬موقف السلم من السينما ‪:‬‬
‫لقد تطور أدب العصر عن بعض أهله إلى ما يوصف‪ :‬البورنوجرافيا‬
‫(الكتابة الداعرة) ول ريب أن أسوأ ما انتهى إليه كتّاب السينما اليوم هو قولهم‪:‬‬
‫إن أهم عنصر في السينما هو الجنس والجريمة‪.‬‬
‫وإن التصوير السينمائي تحول من التصوير الجانبي إلى التصوير‬
‫المكشوف للعلقات الجنسية‪ ،‬وأصبحت المناظر الداعرة شيئا عاديا‪ ،‬حتى أصبح‬
‫ل يمكن التمييز بين دور السينما وبيوت الدعارة‪ ،‬وتؤكد البحاث أن وراء هذه‬
‫الظاهرة الخطيرة‪ ،‬تحقيق الرباح الخيالية‪ ،‬وتنفيذ الستراتيجية التي ترمي إلى‬
‫تدمير القيم النسانية والخلقية في الشعوب والمم‪ ،‬وخاصة الشعوب السلمية‪.‬‬
‫ول ريب أن هناك أفلما تخصص للعالم السلمي‪ ،‬تستهدف أمرا خطيرا‬
‫هو إلهاء هذه المة عن حقيقة واقعها وظروفها‪ ،‬والتحديات التي تواجهها‪.‬‬
‫ول ريب أن أخطر ما في هذا العمل هو عمل المخرج‪ ،‬الذي تثقف ثقافة‬
‫الغرب‪ ،‬واحتوته المفاهيم التلمودية والباطنية‪ ،‬والمفاهيم التي تقدمها الدراما‬
‫الغربية واليونانية‪ ،‬والمفاهيم المسمومة التي تطرحها عن العلقة بين الخالق‬
‫تبارك وتعالى وبين الناس(‪.)1‬‬
‫ولما كانت السينما أداة نفسية بالدرجة الولى علمنا إلى أي حد يكون أثر‬
‫ما يعرض فيها على النسان‪ ،‬فهي قادرة على أن تجتاح كل قيمه التي تعلمها‬
‫وقرأها وآمن بها‪ ،‬بذلك الطراز البديل من الفكر والنظرة ووجهة النظر المغايرة‪.‬‬
‫ولما كانت السينما في أساسها منشأة اقتصادية لها قوانينها وأحكامها‪ ،‬ولما‬
‫كانت هناك قوى خطيرة تسيطر عليها وتوجهها‪ ،‬عرفنا إلى أي مدى يكون أثرها‬
‫على النسان المعاصر وعلى المجتمعات وعلى الطفال والشباب والفتيات‪.‬‬
‫من هنا يتشكل ذلك الثر الخطير الذي يغمر النفس البشرية بتقبل فكر‬
‫وطابع حياة جماعية من الباحيين الذي يتصورون الحياة كلها سوقا للرقيق‬

‫() المجتمع السلمي المعاصر‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬ص ‪ 182‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪323‬‬
‫وأماكن للدعارة‪ ،‬وقد توصف هذه الفلم بأنها ترفيهية‪ ،‬وقد تعالج قضايا‬
‫اجتماعية خطيرة فيما يتصل بالعلقة بين الرجل والمرأة‪ ،‬والرجل والخليلة‪،‬‬
‫والزوجة وصديق العائلة على نحو مغاير للحياة نفسها‪ ،‬وتقديم مبادئ جديدة‬
‫ومصطلحات وشعارات ل تلبث أن تستشري في المجتمع الواقعي فتؤثر فيه‬
‫أخطر الثار‪.‬‬
‫ول ريب أن السينما كذلك ُتسْتغل لحساب الدعوات والمذاهب الجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،‬ولكنها ُتسْتغل أيضا لهدف أبعد من ذلك بكثير أل وهو تطوير‬
‫المجتمعات لتكون مهيئة لتحقيق المخططات التلمودية الصهيونية التي حوتها‬
‫بروتوكولت حكماء صهيون‪.‬‬
‫والفكر السلمي لـه منهجه وأسلوبه في معالجة القضايا الجتماعية‬
‫والنفسية‪ ،‬وهو ل يقر هذا السلوب الغربي‪ ،‬في أن ذكر المسائل وتسويغها هو‬
‫وجه من وجوه حلها‪ ،‬ولكنه يعمد أساسا إلى النسانية فيدفعها إلى أصالتها‬
‫ومقوماتها الساسية‪ ،‬ويرفع أمامها الضوابط والحدود والمسؤولية الفردية‬
‫والجزاء‪ ،‬ولما كان المجتمع السلمي بطبيعته‪ ،‬مجتمع حياء وخلق‪ ،‬فإن هذه‬
‫الموجة التي تحاول أن تسيطر عليه من عري وكشف وإباحة‪ ،‬والكشف عما‬
‫يدور في غرف النوم‪ ،‬كل ذلك إنما وجد دائما في غفلة من إرادة الممارسة‬
‫الحقيقية للسلوب السلمي الحقيقي‪ ،‬ول ريب أن الفكر السلمي يحمي المجتمع‬
‫السلمي من عرض الشهوات والثام‪ ،‬ويقاوم كل الوسائل المؤدية إلى كشفها أو‬
‫إعلنها أو تسويغها‪ ،‬إيمانا منه بأن هذا العرض الذي تقدمه السينما إنما يثير‬
‫الرغبات إلى إجراء التجربة والتطبيق‪ ،‬مما يكون بعيد الثر في نفوس الشباب‬
‫في إيجاد جو الصراع أو الشعور الغامض بالنفعال‪.‬‬
‫ولهذا فإن السلم يقف من السينما اليوم كواقع موقف المحارب‪ ،‬لن‬
‫السلم له من قيمه ومفاهيمه ومذاهبه ما يدفع عنه هذه الموجة الخطيرة‪ ،‬ويمكنه‬
‫من التحرر منها بعد أن ثبت إخفاق فلسفات الباحية والعري في بلدنا وبلدها‪،‬‬

‫‪324‬‬
‫وبعد أن وصلت إليه أنباء النتائج الخطيرة لمجتمعات الرعب والتحلل في أمريكا‬
‫وأوروبا وفي هذا بيان لمن اهتدى وتبصر طريق الحق(‪.)1‬‬

‫‪ -4‬حكم التمثيل في السلم ‪:‬‬


‫التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذات أحداث وقعت‪ ،‬أو أحداث متخيّلة‬
‫في الماضي أو الحاضر أو المستقبل‪ ،‬وهو أسلوب للتثقيف والترفيه‪ ،‬وليس هو‬
‫الوسيلة الوحيدة لذلك‪ ،‬والتمثيل فن‪ ،‬أصله مشروع وذلك لنه وسيلة إيضاح وآلية‬
‫تعليم وتبيان‪ :‬إن التمثيل معناه تجسيد الحادثة التاريخية أو الواقعة الجتماعية‪ ،‬أو‬
‫الموقف السياسي‪ ،‬أو الفكرة التوجيهية‪ ،‬بشرية‪ ،‬أو صور مادية حسية‪ ،‬لتوضح‬
‫للناس حقيقة هذه الحادثة‪ ،‬وتبلور لديهم ماهية هذه الواقعة‪ ،‬أو معالم هذا الموقف‪،‬‬
‫أو تجسيد هذه الفكرة‪ ،‬وهذه الناحية تناولها القرآن الكريم بكل وضوح‪ ،‬وفيما يلي‬
‫بعض المثلة على ذلك‪:‬‬
‫من القرآن الكريم‬
‫‪-1‬قال ال تعالى‪  :‬مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ال كمثل حبةٍ أنبتت‬
‫سبع سنابل في كل سنبل ٍة مائة حبةٍ وال يضاعف لمن يشاء وال واسعٌ‬
‫عليمٌ ‪[ ‬البقرة‪.]261 :‬‬
‫إذا قضية التجسيد واضحة في هذه الية الكريمة من أجل استثارة‬
‫مشاعر النسان لكي ينفق من ماله في سبيل ال‪.‬‬
‫‪-2‬قال ال تعالى‪  :‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كما ٍء أنزلناه من السماء‬
‫فاختلط به نبات الرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان ال على كل‬
‫شيء مقتدرا ‪[‬الكهف‪.]45 :‬‬
‫إذا تشبيه الدنيا بزوالها وفنائها بحقيقة النبات الحي واضح تماما من هذه‬
‫الية‪ ،‬والمغزى منه استثارة المؤمن حتى يعمل جاهدا لذلك اليوم الباقي‬
‫والنعيم الخالد‪.‬‬

‫() السلم وقضايا الفن‪ ،‬ص ‪.285‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪325‬‬
‫حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار‬
‫‪-3‬قال ال تعالى‪  :‬مثل الذين ُ‬
‫يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات ال وال ل يهدي القوم‬
‫الظالمين ‪[ ‬الجمعة‪.]5 :‬‬
‫نلحظ في هذه الية‪ ،‬تمثيل اليهود وحالهم الذين أوتوا التوراة وكُلّفوا‬
‫العمل بها‪ ،‬ولكنهم أعرضوا عن التوراة‪ ،‬فكانوا كمثل الحمار يحمل على‬
‫ظهره أحمالً من الكتب ل ينتفع بها ول يعقل‪.‬‬
‫هذا غيض من فيض مما ورد في القرآن الكريم من المثلة(‪.)1‬‬

‫وكذلك السنة النبوية تناولت هذا الجانب ‪:‬‬


‫فلقـد كان النـبي يسـتخدم التمثيـل فـي بعـض الحيان‪ ،‬لتقريـر الحكام‪،‬‬
‫وتقريـب المعانـي‪ ،‬كقوله ‪ " :‬أنـا وكافـل اليتيـم فـي الجنـة كهاتيـن " (‪ ،)2‬وأشار‬
‫بإصبعيه‪ ،‬وقوله ‪" :‬مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد‬
‫الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (‪ )3‬وشبك‬
‫بين يديه‪.‬‬
‫و عن النعمان بن بش ير – ر ضي ال عنه ما – عن ر سول ال أ نه قال‪:‬‬
‫" م ثل القائم على حدود ال‪ ،‬والوا قع في ها‪ ،‬كم ثل قوم ا ستهموا – اقترعوا – على‬
‫سفينة‪ ،‬فأصاب بعضهم أعلها‪ ،‬وبعضهم أسفلها‪ ،‬فكان الذي في أسفلها إذا استقوا‬
‫من الماء مرّوا على من فوقهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من‬
‫فوق نا‪ ،‬فإن تركو هم و ما أرادوا هلكوا جميعا‪ ،‬وإن أخذوا على أيدي هم نجَوْا ونجُوا‬
‫جميعا " (‪.)4‬‬
‫وعن جابر بن عبدال‪ ،‬قال‪ :‬قال النبي ‪ " :‬إنما مثلي وم ثل النبياء قبلي‪،‬‬
‫كرجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إل موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون‬

‫السلم وقضايا الفن المعاصر‪ ،‬ص ‪.266‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري في كتاب الطلق باب اللعان (‪.5/2032 )4998‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫أخرجه مسلم في البر والصلة والداب باب تراحم المؤمنين (‪.4/1999 )2586‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه البخاري في الشركة باب هل يقرع في القسمة (‪.2/882 )2361‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪326‬‬
‫منهـا يقولون‪ :‬لول موضـع اللبنـة "‪ ،‬وفـي روايـة‪ " :‬فأنـا اللبنـة وأنـا خاتـم‬
‫المرسلين " (‪.)1‬‬
‫وعن أبي موسى الشعري قال‪ :‬قال رسول ال ‪ " :‬م ثل المؤ من الذي‬
‫يقرأ القرآن كمثل الترجة ريحها طيب وطعمها طيب‪ ،‬ومثل المؤمن الذي ل يقرأ‬
‫القرآن كمثـل التمرة ل ريـح لهـا وطعمهـا حلو‪ ،‬ومثـل المنافـق الذي يقرأ القرآن‬
‫كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر‪ ،‬ومثل المنافق الذي ل يقرأ القرآن كمثل‬
‫الحنظلة ريحها مرّ وطعمها مرّ " (‪.)2‬‬
‫مـن هذه النصـوص التـي أوردناهـا يتـبين لنـا أن توضيـح الفكرة بشيـء‬
‫محسوس وتجسيد الموقف بصورة مادية هو من أسلوب القرآن الكريم والحديث‬
‫النبوي الشريف‪ ،‬في الموعظة والتأثير والقناع‪ ،‬والمُحاجّة‪ ،‬واستجاشة العاط فة‪،‬‬
‫وش حذ اله مم‪ ،‬وتر سيخ الفكرة وهدا ية الناس إلى الخ ير‪ ،‬وت ثبيت دعائم ال صلح‬
‫في المجتمع‪.‬‬
‫وما التمثيل في المسرح إل من هذا القبيل‪ ،‬حيث تجسيد حادثة تاريخية‪ ،‬أو‬
‫إبراز فكرة‪ ،‬أو غير ذلك مما يكون الهدف منه الصلح والهداية ليس غير‪ ،‬وإن‬
‫التمثيل بالشخصيات ورد ذكره في كثير من الحاديث الشريفة وإليك بعضها‪:‬‬
‫‪-1‬أخرج ابن حبان في صحيحه‪ ،‬أنه مر – أي‪ :‬الرسول في أثناء معراجه‬
‫إلى ال سماء – برجال تقرض شفاه هم بمقار يض من النار‪ ،‬فقال‪ " :‬من‬
‫هؤلء يـا جبريـل ؟ "‪ ،‬فقال‪ :‬الخطباء مـن أمتـك‪ ،‬يأمرون الناس بالبر‬
‫وينسون أنفسهم‪ ،‬وهم يتلون الكتاب أفل يعقلون " (‪.)3‬‬
‫‪-2‬وفي حديث آخر‪ :‬ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر – تكسر –‬
‫كلما رضخت عادت كما كانت‪ ،‬ول يفتّر عنهم من ذلك شيء فقال‪ " :‬ما‬

‫() أخرجه الترمذي في المثال باب ما جاء في مثل النبي والنبياء قبله (‪ ،5/147 )2862‬قال أبو عيسى‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه‪ ،‬وابن حبان في صحيحه (‪.14/317 )6407‬‬
‫() أخرجه البخاري في الطعمة باب ذكر الطعام (‪ ،5/2070 )5111‬ومسلم في صلة المسافرين باب فضيلة‬ ‫‪2‬‬

‫حافظ القرآن (‪.1/549 )797‬‬


‫() صحيح ابن حبان (‪ ،1/249 )53‬والمام أحمد في مسنده (‪.3/231 )13445‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪327‬‬
‫هذا يـا جبريـل؟ "‪ ،‬قال‪ :‬هؤلء الذيـن تتثاقـل رؤوسـهم عـن الصـلة‬
‫المكتوبة(‪.)1‬‬
‫وخل صة القول‪ :‬إن التمث يل مباح شرعا‪ ،‬ول يس ف يه أي ش يء من التحر يم‬
‫أو الكراهة والمور بمقاصدها(‪.)2‬‬

‫‪ -5‬ضوابط التمثيل ‪:‬‬


‫هذا ول قد سئلت لج نة الفتاء بكل ية الشري عة والدرا سات ال سلمية بجام عة‬
‫الكويت‪ :‬عن حكم التمثيل‪ ،‬وما هي الضوابط لجوازه والموانع عند عدم جوازه؟‬
‫(‪)3‬‬
‫فكان جوابهم‪:‬‬
‫الجواب‪ :‬رأت اللجنـة أن التمثيـل مـن أسـاليب الدعوة والتصـوير‪ ،‬ومحاكاة‬
‫الحداث التاريخية والمعاصرة‪ ،‬بالتصوير الحركي‪ ،‬وهو وسيلة من وسائل البيان‬
‫والدعوة العامة لجميع الفكار‪ ،‬وله تأثيره على المجتمع في سائر طبقاته‪.‬‬
‫ولهذا ترى اللجنـة أنـه ل بأس مـن اتخاذه وسـيلة للدعوة السـلمية‪،‬‬
‫والصلحية‪ ،‬والتوعية الدينية‪ ،‬ضمن الضوابط الشرعية التالية‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون التمث يل‪ ،‬سواء كان للتار يخ أو للوا قع‪ ،‬صحيحا سليما موافقا‬
‫للحقيقة‪ ،‬من غير تزوير‪ ،‬ل بالزيادة ول بالتحريف أو التشويه‪.‬‬
‫‪-2‬أن يكون خاليا مـن الثارة ضـد العقيدة‪ ،‬والعمـل والخلق والفكـر‬
‫الصحيح‪ ،‬والنواحي الجنسية‪ ،‬والمخالفات الدينية‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون خاليا مـن الختلط‪ ،‬وملبسـات الجنـس‪ ،‬وإغراء الشباب‪ ،‬وإغواء‬
‫الفتيات‪ ،‬و كل ما يخدش الحياء‪ ،‬ويح طم الق يم‪ ،‬ويش يع الرذائل‪ ،‬ويعوّد على‬
‫استمراء المنكر وإقراره‪ ،‬بحيث يصير المعروف منكرا‪ ،‬والمنكر معروفا‪.‬‬
‫د‪ -‬أن ل يت خذ و سيلة لن شر الفكار الفا سدة‪ ،‬والمذا هب الهدا مة‪ ،‬و بث ال سموم‬
‫والدسائس الرخيصة‪ ،‬مما يشيع الفرقة في المجتمع المسلم‪ ،‬ويحول اتجاهه‬

‫() تهذيب الثار‪ :‬الطبري (‪ ،1/433 )727‬تفسير ابن كثير ‪.3/18‬‬ ‫‪1‬‬

‫() السلم وقضايا الفن‪ ،‬ص ‪.268‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتاوي لجنة الفتاء‪ :‬كلية الشريعة والدراسات السلمية (جامعة الكويت)‪ ،‬ص ‪.90 – 86‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪328‬‬
‫من الوجهة السليمة نحو الضطراب والخراب والتدمير وأن ل يخدم التمثيل‬
‫نظاما أجنبيا أو مبدأ هداما‪.‬‬
‫ه ـ‪-‬العتدال في اتخاذ الحركات والض حك والنفعالت‪ ،‬بح يث ل تخرج عن‬
‫حدود آداب اللياقـة‪ ،‬ونسـتأنس بهذا بأن جـل ضحـك النـبي التبسـم(‪،)1‬‬
‫ومزاحه ل يكون إل قول الحق‪ ،‬ومداعبته للطفال‪ ،‬وتقبيله لهم‪ ،‬والمباسطة‬
‫ل هم‪ ،‬كقوله ‪ " :‬يا أ با عم ير ما ف عل النف ير؟ " (‪ ،)2‬و ما إلى ذلك‪ ،‬وتؤ كد‬
‫اللجنة على اعتبار التمثيل وسيلة من وسائل الصلح الجانبي‪ ،‬وتركز على‬
‫الجا نب العملي والعل مي بالقدوة الح سنة‪ ،‬ك ما أشار إلى ذلك القرآن في قوله‬
‫تعالى‪  :‬لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة ‪[ ‬الحزاب‪.]21 :‬‬
‫و‪ -‬أن ي ستهدف التمث يل م صلحة الد ين والعلم والمجت مع والن سانية‪ ،‬م ما يعود‬
‫بالخير لصالح الفرد والمجتمع والسرة‪.‬‬
‫ز‪ -‬أن يقوم على التمثيـل والخراج رجال صـالحون واعون لقضايـا المـة‬
‫ومتطلباتهـا‪ ،‬يتخذون منهجا إيجابيا للصـلح والتوجيـه فـي بناء المجتمـع‬
‫الفاضل(‪.)3‬‬
‫أما إذا خالف التمثيل هذه الضوابط غدا انحطاطا وفحشا وال عزوجل نهانا‬
‫عن الفحش والسوء‪ ،‬نحن مع تمثيل فكرة نافعة تحمل قيمة رفيعة اجتماعية‪ ،‬ومع‬
‫تمثيل قصة واقعية أو متخيلة ذات مضمون إنساني بنّاء تحمل أيضا قيمة إنسانية‬
‫ناف عة ناج عة‪ ،‬أ ما إذا ات جه ال مر إلى سوى ذلك أو إلى ع كس هذا فال مر خ طر‬
‫وجلل وف تن شريرة‪ ،‬ال سلم لم ي قف ضد ال فن بل يش جع ال فن‪ ،‬ول كن هيهات أن‬
‫نخلط ب ين ال فن وب ين الترهات والف ساد‪ ،‬وعند ها ي قف ال سلم ضده‪ ،‬لن ال سلم‬
‫خير كله(‪.)4‬‬

‫المعجم الكبير (‪ ،22/155 )414‬شعب اليمان (‪ ،2/154 )1430‬الشمائل المحمدية (‪.1/184 )226‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه البخاري في الدب باب النبساط إلى الناس (‪.5/2270 )5778‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫السلم وقضايا الفن‪ ،‬ص ‪.269‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫حوار مع الشيخ محمود عكام‪ :‬مجلة لها الصادرة في لندن العدد ‪ 113‬تاريخ ‪.13/11/2002‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫‪329‬‬
‫‪ -6‬الختلط في التمثيل ‪:‬‬
‫ال سؤال‪ :‬هل يجوز للمرأة أن تم ثل – من ح يث أن تختلط بالرجال – مع‬
‫محرم أو بدون محرم ؟‬
‫الجواب‪ :‬رأت اللجنة أن الختلط بالرجال عامة جائز شرعا‪ ،‬عند الحاجة‬
‫العلم ية أو الدين ية أو الجتماع ية أو الحا جة الداع ية لذلك‪ ،‬سواء كا نت تربو ية أو‬
‫تعليميـة‪ ،‬وفـي التمثيـل أغراض نـبيلة‪ ،‬مـن أهمهـا توصـيل المعلومات السـليمة‬
‫والصحيحة إلى الجمهور‪.‬‬
‫فترى اللجنة أنه ل مانع من أن تقوم المرأة بتمثيل أدوار هادفة‪ ،‬وتوجيهية‬
‫لغراض نـبيلة وشريفـة‪ ،‬لكنهـا تشترط فـي ذلك المحافظـة على الداب والحكام‬
‫الشرع ية‪ ،‬وبخا صة ما يت صل بالحجاب‪ ،‬وامتناع الخلوة بالرجال‪ ،‬والمتناع عن‬
‫ا ستعمال ال صبغة‪ ،‬وأدوات الزي نة‪ ،‬والمثيرات المغر ية‪ ،‬و ما يت صل بذلك‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)1‬‬
‫وهناك مـن العلماء مـن يحرم اختلط المرأة مـع الجانـب وخاصـة فـي‬
‫موضوع التمثيل‪ :‬ومن هؤلء الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه ال تعالى – لما‬
‫في ذلك من أخطار ومحاذير شرعية(‪.)2‬‬
‫وقال‪ " :‬والكتاب وال سنة دل على تحر يم الختلط وتحر يم جم يع الو سائل‬
‫المؤدية إليه قال جل وعل‪  :‬وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى‬
‫وأقمـن الصـلة وآتيـن الزكاة وأطعـن ال ورسـوله إنمـا يريـد ال ليذهـب عنكـم‬
‫الر جس أ هل الب يت ويطهر كم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوت كن من آيات ال‬
‫والحكمة إن ال كان لطيفا خبيرا ‪[ ‬الحزاب‪.]33 :‬‬
‫فأمـر ال أمهات المؤمنيـن – وجميـع المسـلمات والمؤمنات داخلت فـي‬
‫ذلك – بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد‬
‫لن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى ثم‬

‫() فتاوي لجنة الفتاء‪ :‬كلية الشريعة والدراسات السلمية (جامعة الكويت)‪ ،‬ص ‪.89‬‬ ‫‪1‬‬

‫() موقع الشيخ ابن باز – رحمه ال – على النترنت‪www.BinBaz.org.sa :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪330‬‬
‫أمرهـن بالعمال الصـالحة التـي تنهاهـن عـن الفحشاء والمنكـر وذلك بإقامتهـن‬
‫الصلة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن ل ولرسوله ‪.‬‬
‫ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والخرة وذلك بأن يكن على‬
‫ات صال دائم بالقرآن الكر يم وبال سنة النبو ية المطهرة اللذ ين فيه ما ما يجلو صدأ‬
‫القلوب ويطهرها من الرجاس والنجاس ويرشد إلى الحق والصواب‪.‬‬
‫وقال ال تعالى‪  :‬يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين‬
‫عليهـن مـن جلبيبهـن ذلك أدنـى أن يعرفـن فل يؤذيـن وكان ال غفورا رحيما ‪‬‬
‫[الحزاب‪.]59 :‬‬
‫فأمـر ال نـبيه عليـه الصـلة والسـلم وهـو المبلغ عـن ربـه – أن يقول‬
‫لزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن وذلك يتضمن‬
‫ستر با قي أج سامهم بالجلب يب وذلك إذا أردن الخروج لحا جة لئل تح صل ل هن‬
‫الذية من مرضى القلوب‪.‬‬
‫فإذا كان المر بهذه المثابة ف ما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلطها‬
‫معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في‬
‫مستواهم وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك النسجام بين الجنسين المختلفين‬
‫معنى وصورة‪.‬‬
‫قال ال جل وعل‪  :‬قل للمؤمن ين يغضوا من أب صارهم ويحفظوا فروج هم‬
‫ذلك أزكى لهم إن ال خبيرٌ بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن‬
‫ويحف ظن فروج هن ول يبد ين زينت هن إل ما ظ هر من ها وليضر بن بخمر هن على‬
‫جيوبهن ‪ ‬الخ الية [النور‪.]31 :‬‬
‫يأمر ال نبيه عليه الصلة والسلم أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا‬
‫بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا المر أزكى لهم‪.‬‬
‫ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ول شك أن‬
‫إطلق البصـر واختلط النسـاء بالرجال والرجال بالنسـاء فـي مياديـن العمـل‬
‫وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫وهذان المران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع‬
‫المرأة الجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له‪.‬‬
‫فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها ل شك أنه من المور‬
‫ال تي ي ستحيل مع ها غض الب صر وإح صان الفرج والح صول على زكاة الن فس‬
‫وطهارتها‪.‬‬
‫وهكذا أ مر ال المؤمنات ب غض الب صر وح فظ الفرج وعدم إبداء الزي نة إل‬
‫ما ظ هر من ها‪ ،‬وأمر هن ال بإ سدال الخمار على الجيوب المتض من ستر رأ سها‬
‫ووجهها‪ ،‬لن الجيب محل الرأس والوجه‪.‬‬
‫فكيـف يحصـل غـض البصـر وحفـظ الفرج وعدم إبداء الزينـة عنـد نزول‬
‫المرأة ميدان الرجال واختلط ها مع هم في العمال؟ والختلط كف يل بالوقوع في‬
‫هذه المحاذير‪.‬‬
‫وك يف يح صل للمرأة الم سلمة أن ت غض ب صرها و هي ت سير مع الر جل‬
‫الج نبي جنبا إلى ج نب بح جة أن ها تشار كه في العمال أو ت ساويه في جم يع ما‬
‫يقوم به ؟‬

‫‪ -7‬حركات المرأة في التمثيل ‪:‬‬


‫السـؤال‪ :‬مـا هـي الحركات التـي تسـتطيع المرأة القيام بهـا‪ ،‬مثـل البكاء‬
‫والضحك والصراخ ؟‬
‫الجواب‪ :‬رأت اللج نة أن للمرأة في التمث يل أن تقوم بدور البكاء والض حك‬
‫وال صراخ ونحوها في الحدود المقبولة شرعا‪ ،‬والتي ل يستنكرها العرف السليم‪،‬‬
‫و قد جاء في الحد يث عند ما ب كى ال نبي وقال‪ " :‬تد مع الع ين ويحزن القلب ول‬
‫نقول إل ما يرضي ربنا إنا بك يا إبراهيم لمحزونون " (‪ ،)1‬وأنه ضحك حتى‬
‫بدت نواجذه(‪ ،)2‬وكان يبتسم عن مثل حب الغمام(‪ ،)3‬وكان إذا خطب احمر وجهه‪،‬‬

‫() أخرجه أبو داود في الجنائز باب في البكاء على الميت (‪.3/193 )3126‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري في التفسير باب وما قدروا ال حق قدره (‪.4/1812 )4533‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه الطبراني في الكبير (‪.22/155 )414‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪332‬‬
‫وانتفخت أوداجه‪ ،‬ورفع صوته(‪ ،)1‬ولنا في رسول ال أسوة حسنة‪ ،‬وال أعلم‪،‬‬
‫وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)2‬‬

‫‪ -8‬مشاهدة تمثيل المرأة ‪:‬‬


‫السؤال‪ :‬من هو الجمهور الذي يجوز له أن يشاهد المرأة ؟‬
‫الجواب‪ :‬رأت اللجنـة أن طالمـا التزمـت المرأة الممثلة بالطار الشرعـي‬
‫والحكام والداب‪ ،‬فل مانـع مـن أن يشاركهـا الجمهور عامـة‪ ،‬لخـذ العـبرة‪ ،‬أو‬
‫التوجيه من الموقف الذي تقوم بتمثيله وأدائه‪ ،‬وأن يكون نظر الجمهور لها نظرة‬
‫بريئة‪ ،‬تقصد التقاط المعلومة‪ ،‬ل إلى حظوظ النفس‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وصلى ال وسلم‬
‫على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(‪.)3‬‬

‫‪ -9‬تمثيل دور نبي أو صحابي ‪:‬‬


‫السؤال‪ :‬هل يجوز تمثيل دور صحابي أو نبي؟ فإن كان غير جائز فما هي‬
‫الموانع؟ وإن كان جائزا فما هي الضوابط؟‬
‫ـلين‪ ،‬وكذلك كبار‬‫ـبياء والمرسـ‬‫ـل أدوار النـ‬ ‫الجواب‪ :‬ل يجوز قطعا تمثيـ‬
‫الصـحابة‪ ،‬كالخلفاء الربعـة‪ ،‬والمبشريـن بالجنـة‪ ،‬وأمهات المؤمنيـن‪ ،‬والقراء‪،‬‬
‫وفقهاء الصحابة وعلمائهم‪ ،‬وذلك للسباب التالية‪:‬‬
‫‪-1‬تقديرا واحتراما لشخاصهم‪ ،‬فإن النبياء نخبة البشر‪ ،‬وهم معصومون‪،‬‬
‫وكبار ال صحابة من خ ير القرون المشهور ل هم بالخير ية والف ضل في‬
‫الحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫‪-2‬إن أعمال هم المجيدة‪ ،‬ومآثر هم ومواقف هم‪ ،‬م سجلة في التار يخ‪ ،‬ومتمثلة‬
‫في القلوب‪ ،‬وراسخة في الذهان‪ ،‬من غير تمثيل‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري في العلم باب الغضب في الموعظة (‪.1/46 )90‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتاوى لجنة الفتاء بكلية الشريعة‪ ،‬ص ‪.92‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المرجع السابق‪ ،‬ص ‪93‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪333‬‬
‫ج‪ -‬يخ شى من تمث يل أدوار هم الم ساس بأشخا صهم‪ ،‬وإل صاق ما ل يل يق ب هم‪،‬‬
‫فيتخـذ أهـل الحقـد والغراض مـن التمثيـل سـبيلً إلى النيـل منهـم‪ ،‬والدس‬
‫عليهـم‪ ،‬والحـط مـن أقدارهـم‪ ،‬والفتراء على سـيرتهم وأعمالهـم‪ ،‬وتشويـه‬
‫سمعتهم‪ ،‬والتشغيب عليهم في التاريخ‪.‬‬
‫د‪ -‬إن الممثل ين عادة يمثلون أدوارا ش تى‪ ،‬من ها الرف يع ومن ها الوض يع‪ ،‬فيخ شى‬
‫من تمثيلهم أدوار النبياء والصحابة أن يبث السامع من الدوار الخبيثة ما‬
‫ل يليق بالنبياء وكبار الصحابة‪.‬‬
‫أ ما سائر ال صحابة فل ترى اللج نة‪ ،‬مانعا من تمثيل هم‪ ،‬شري طة أن يكون‬
‫الغرض من التمثيل شريفا ونبيلً‪ ،‬وأن يكون مطابقا للواقع التاريخي‪ ،‬وخاليا من‬
‫الشوائب التي تمس مكانتهم ورفعتهم‪ ،‬وأن تسيطر على أدوارهم التمثيلية المانة‬
‫الحقيقية والتاريخية والعلمية‪ ،‬وال أعلم‪ ،‬وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه(‪.)1‬‬

‫‪ -10‬دخول السينما ‪:‬‬


‫ويتساءل كثير من المسلمين عن موقف السلم من دور السينما والمسرح‬
‫وما شابهها‪ ،‬وهل يجوز للمسلم ارتيادها أم يحرم عليه؟ ول شك أن السينما وما‬
‫ماثل ها أداة ها مة من أدوات التوج يه والترف يه‪ ،‬وشأن ها شأن كل أداة ف هي إ ما أن‬
‫تستعمل في الخير أو تستعمل في الشر‪ ،‬فهي بذاتها ل بأس بها ول شيء في ها‪،‬‬
‫والحكم في شأنها يكون بحسب ما تؤديه وتقوم به‪.‬‬
‫وهكذا نرى فـي السـينما‪ :‬هـي حلل طيـب‪ ،‬بـل قـد تسـتوجب وتطلب إذا‬
‫(‪)2‬‬
‫توفرت لها الشروط التية‪:‬‬
‫أولً‪ :‬أن تتتره موضوعاتهـا التـي تعرض فيهـا عـن المجون والفسـق وكـل مـا‬
‫ينافـي عقائد السـلم وشرائعـه وآدابـه‪ ،‬فأمـا الروايات التـي تثيـر الغرائز‬

‫() فتاوي لجنة الفتاء‪ ،‬ص ‪.91 – 90‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الحلل والحرام في السلم‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬ص ‪.287‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪334‬‬
‫الدن يا أو تحرض على ال ثم أو تغري بالجري مة أو تد عو لفكار منحر فة‪،‬‬
‫أو تروج لعقائد باطلة‪ ،‬إلى آ خر ما نعرف‪ ،‬ف هي حرام ل ي حل للم سلم أن‬
‫يشاهدها أو يشجعها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن ل تشغله عن واجب ديني أو دنيوي‪ .‬وفي طليعة الواجبات الصلوات‬
‫الخمس التي فرضها ال كل يوم على المسلم‪ ،‬فل يجوز للمسلم أن يضيع‬
‫صلة مكتوبة – كصلة المغرب – من أجل رواية يشاهدها‪ :‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬فو يل للم صلين‪ .‬الذ ين هم عن صلتهم ساهون ‪[ ‬الماعون‪ ،]5-4 :‬وف سر‬
‫السهو عنها بتأخيرها حتى يفوت وقتها‪ ،‬وقد جعل القرآن من جملة أسباب‬
‫تحريم الخمر والميسر أنها تصد عن ذكر ال وعن الصلة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن يتجنـب مرتادهـا الملصـقة والختلط المثيـر بيـن الرجال والنسـاء‬
‫الجنبيات منهم‪ ،‬منعا للفتنة‪ ،‬ودرءا للشبهة‪ ،‬ول سيما المشاهدة ل تتم إل‬
‫تحـت سـتار الظلم وقـد مـر بنـا الحديـث‪ " :‬لن يطعـن فـي رأس أحدكـم‬
‫بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة ل تحل له " (‪.)1‬‬
‫ويضيف الستاذ عبدال علوان – رحمه ال – على هذا الشرط‪ " :‬أن تكون‬
‫صالة العرض خالصة مما يشوبها من منكر‪ ،‬وبريئة مما يحيط بها من فساد‪...‬‬
‫أما إذا شاب الصالة منكر‪ ،‬أو لحق بها إثم‪ ،‬كوجود اختلط بين نساء ورجال‪ ،‬أو‬
‫سماع عزف على آلت الن غم‪ ،‬أو إظهار لقطات جاهل ية من ر قص فا جر وغناء‬
‫خليـع‪ ،‬أو عرض أشياء بيـن فترة وفترة تهيـج الغريزة‪ ،‬وتثيـر الفتنـة‪ ،‬فل يجوز‬
‫شرعا ارتياد هذه الصـالة مهمـا كان عرض التمثيليـة سـليما ومهمـا كان الفيلم ذا‬
‫توجيه وموضوعية(‪.)2‬‬
‫ويرى بعض العلماء المنع من ارتياد دور السينما مطلقا ويجيب عما سبق‬
‫ذكره من شروط‪ ،‬ومدار النقض عند هؤلء المانعين على وجهين‪:‬‬

‫() أخرجه الطبراني في الكبير (‪ ،20/211 )486‬والمنذري في الترغيب والترهيب وقال‪ :‬أخرجه الطبراني‬ ‫‪1‬‬

‫ورجاله ثقات رجال الصحيح (الترغيب والترهيب للمنذري (‪.)3/26 )2938‬‬


‫() حكم السلم في وسائل العلم‪ :‬عبدال علوان‪ ،‬ص ‪.39 – 38‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪335‬‬
‫الول‪ :‬اسـتحالة توفـر هذه الشروط التـي ذكرهـا كـل مـن د‪ .‬القرضاوي‬
‫ود‪ .‬عبدال علوان في السينما وخلوها من المحاذير المذكورة فيها‪.‬‬
‫الثانسي‪ :‬اشتمالهـا على الصـور المتحركـة ومشاهدتهـا‪ ،‬وفـي نظرهـم أن‬
‫التصوير لذوات الرواح واستعمال الصور محرم مطلقا‪ ،‬وكذا مشاهدتها(‪.)1‬‬
‫ونرجح القول بالتفصيل فالسينما ل تحرم لذاتها وإنما بما يعرض فيها وال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫قائمة المراجع‬

‫‪ -1‬أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ‪ :‬محمد نعيم ياسين‪ ،‬دار النفائس‬
‫ط ‪ ،2‬الردن ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪-2‬الجتهاد‪ :‬جلل الدين السيوطي‪ ،‬تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد‪ ،‬مؤسسة‬
‫شباب الجامعة ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -3‬الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي ‪ :‬د‪ .‬عبد المجيد السوسوه‬
‫الشرفي‪ ،‬كتاب المة‪ ،‬قطر ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -4‬الجتهاد الجماعي في العالم السلمي‪ :‬جامعة المارات العربية المتحدة‪.‬‬
‫‪ -5‬الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه ‪ :‬د‪.‬شعبان محمد‬
‫شعبان‪ ،‬دار البشائر السلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت لبنان ‪ 1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -6‬الجتهاد في الشريعة السلمية ‪ :‬محمد صالح موسى‪ ،‬دار طلس دمشق‬
‫‪ 1989‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬إحكام الحكام ‪ :‬تقي الدين ابن دقيق العيد( ‪702‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت ‪.‬‬
‫() قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية‪ :‬مادون رشيد‪ ،‬ص ‪.249‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪336‬‬
‫‪ -8‬الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط ‪ :‬د ‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار‬
‫التوزيع والنشر‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬أحكام أهل الذمة ‪ :‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ( ‪751‬هـ) رمادي‬
‫للنشرط ‪ ،1‬الدمام ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -10‬أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة ‪ :‬إحسان بن محمد بن عايش‬
‫العتيبي‪.‬‬
‫‪ -11‬الحكام السياسية للقليات المسلمة في الفقه السلمي ‪ :‬سليمان محمد‬
‫توبولياك دار البيارق‪ ،‬ط ‪ 1418 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -12‬أحكام القرآن ‪ :‬محمد بن عبد ال ابن العربي ( ‪453‬هـ) دار الفكر‬
‫للطباعة‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -13‬أحكام القرآن ‪ :‬أحمد بن علي الرازي الجصاص ( ‪370‬هـ) دار إحياء‬
‫التراث‪ ،‬بيروت ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -14‬الحكام في أصول الحكام ‪ :‬علي بن محمد المدي‪ ،‬المكتب السلمي‬
‫‪ 1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -15‬إحياء علوم الدين ‪ :‬محمد بن محمد الغزالي ( ‪505‬هـ) دار القلم ط‬
‫‪ ،3‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -16‬أدب القاضي ‪ :‬علي بن محمد بن حبيب الماوردي (‪450‬هـ) تحقيق ‪:‬‬
‫يحي هلل السرحان‪ ،‬مطبعة الرشاد‪ ،‬بغداد ‪1391‬هـ‪.‬‬
‫‪ -17‬إرشاد الفحول‪ :‬محمد بن علي الشوكاني ( ‪1250‬هـ) مؤسسة الكتب‬
‫الثقافية‪.‬‬
‫‪ -18‬الستفتاء الشعبي بين النظمة الوضعية والشريعة السلمية ‪ :‬د‪ .‬ماجد‬
‫راغب الحلو‪ ،‬مكتبة المنار السلمية ط ‪ ،1‬الكويت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -19‬الستنساخ قنبلة العصر ‪ :‬صبري الدمرداش‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫الرياض ‪ 1997‬م‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫السلم عقيدة وشريعة ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت‪ ،‬ط ‪ ،12‬دار الشروق‪،‬‬ ‫‪-20‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫السلم وقضايا الفن المعاصر ‪ :‬د‪ .‬ياسين محمد حسن‪ ،‬دار اللباب‪ ،‬ط‬ ‫‪-21‬‬
‫‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫الشباه والنظائر ‪ :‬زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (‪970‬هـ) دار الكتب‬ ‫‪-22‬‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت ‪ 1400‬هـ‪.‬‬
‫أصول الدعوة ‪ :‬د ‪ .‬عبد الكريم زيدان‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪1996‬م‪.‬‬ ‫‪-23‬‬
‫أصول الفقه السلمي‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر ط الولى ‪1406‬‬ ‫‪-24‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫أصول القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬محمد كمال فهمي‪ ،‬مؤسسة الثقافة‬ ‫‪-25‬‬
‫الجامعية‪ ،‬السكندرية ‪1992‬م‪.‬‬
‫إعلم الموقعين‪ :‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬تحقيق محمد محيي الدين عبد‬ ‫‪-26‬‬
‫الحميد المكتبة العصرية‪.‬‬
‫إعانة الطالبين‪ :‬أبو بكر بن السيد محمد شطا الدمياطي‪ ،‬دار الفكر‬ ‫‪-27‬‬
‫للطباعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫القناع ‪ :‬أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (‪450‬هـ) مكتبة العروبة‪،‬‬ ‫‪-28‬‬
‫ط ‪1402 ،1‬هـ‪.‬‬
‫اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب وطني ‪ :‬د ‪ .‬هشام خالد‪ ،‬دار‬ ‫‪-29‬‬
‫الفكر الجامعي‪ ،‬السكندرية ‪2000‬م‪.‬‬
‫النصاف ‪ :‬علي بن سليمان المرداوي (‪885‬هـ) دار إحياء التراث‪،‬‬ ‫‪-30‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫الم ‪ :‬المام محمد بن إدريس الشافعي ( ‪ 204‬هـ) الهيئة المصرية‬ ‫‪-31‬‬
‫العامة للكتاب ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫الموال ‪ :‬أبو عبيد القاسم بن سلم (‪224‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‬ ‫‪-32‬‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫النترنت تقنيات وخدمات ‪ :‬د‪.‬عبد القادر بن عبد ال الفتوح‪ ،‬كتيب من‬ ‫‪-33‬‬
‫إصدار " المجلة العربية " شوال ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫البحر الرائق ‪ :‬زين الدين بن نجيم (‪970‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫‪-34‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫بدائع الصنائع ‪ :‬علء الدين الكاساني ( ‪587‬هـ) دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‬ ‫‪-35‬‬
‫‪ ،2‬بيروت ‪1982‬م‪.‬‬
‫بداية المجتهد ‪ :‬محمد بن أحمد بن رشد ( ‪595‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-36‬‬
‫البداية والنهاية ‪ :‬إسماعيل بن كثير( ‪774‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-37‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫البطاقات البنكية ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان‪ ،‬دار القلم ط ‪،1‬‬ ‫‪-39‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫بطاقة الئتمان ‪ :‬الصديق محمد الضرير ( بحوث مؤتمر العمال‬ ‫‪-40‬‬
‫المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات )‪.‬‬
‫بطاقات الئتمان ‪ :‬د‪ .‬محمد عبد الحليم عمر ( بحوث مؤتمر العمال‬ ‫‪-41‬‬
‫المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات )‪.‬‬
‫بطاقة الئتمان ‪ :‬د‪.‬مبارك جزاء الحربي ( بحوث مؤتمر العمال‬ ‫‪-42‬‬
‫المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة المارات )‪.‬‬
‫البيان والتحصيل‪ :‬ابن رشد القرطبي‪ ،‬دار المغرب السلمي ‪ 1406‬هـ‬ ‫‪-43‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫التاريخ الكبير‪ :‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-44‬‬
‫التاج والكليل ‪:‬محمد بن يوسف العبدري المواق (‪897‬هـ) دار الفكر‪،‬‬ ‫‪-45‬‬
‫ط ‪ ،2‬بيروت ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫تبيين الحقائق ‪ :‬فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي (‪743‬هـ) بولق‪ ،‬ط‬ ‫‪-46‬‬
‫‪1315 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫‪ -47‬تحفة الحوذي ‪ :‬محمد عبد الرحيم المباركفوري (‪1353‬هـ) دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -48‬تدوين الدستور السلمي ‪ :‬أبو العلى المودودي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪1975‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬الترغيب والترهيب ‪ :‬عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( ‪656‬هـ) دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -50‬التشريع السلمي‪ :‬شعبان محمد إسماعيل‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية ط‬
‫الولى‪.‬‬
‫‪ -51‬تفسير الرازي (التفسير الكبير) ‪ :‬فخر الدين محمد بن عمر الرازي (‬
‫‪606‬هـ) ط ‪.3‬‬
‫‪ -52‬تفسير الطبري ( جامع البيان ) ‪ :‬محمد بن جرير الطبري (‪310‬هـ)‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -53‬تفسير القرطبي ‪ ( :‬الجامع في أحكام القرآن ) محمد بمن أحمد‬
‫النصاري القرطبي ( ‪671‬هـ) دار الشعب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -54‬تفسير ابن كثير ‪ :‬إسماعيل بن كثير الدمشقي (‪774‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫‪ -55‬تفسير المراغي ‪ :‬أحمد مصطفى المراغي‪ ،‬المكتبة التجارية‪.‬‬
‫‪ -56‬تفسير المنار ‪ :‬محمد رشيد رضا‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -57‬التعاريف ‪ :‬محمد عبد الرؤوف المناوي ( ‪1031‬هـ) دار الفكر‬
‫المعاصر‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -58‬التعريفات‪ :‬علي بن محمد بن علي الجرجاني‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‬
‫‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -59‬تلخيص الحبير ‪ :‬أحمد بن حجر العسقلني (‪852‬هـ) المدينة المنورة‬
‫‪1384‬هـ‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫‪ -60‬التمهيد ‪ :‬يوسف بن عبد ال بن عبد البر النمري (‪463‬هـ) وزارة‬
‫الوقاف والشؤون السلمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬المغرب‪.‬‬
‫‪ -61‬تهذيب الثار ‪ :‬محمد بن جرير الطبري ( ‪310‬هـ) مطبعة المدني‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -62‬تيسير التحرير‪ :‬محمد أمين بادشاه‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -63‬الثمر الداني ‪ :‬صالح عبد السميع البي‪ ،‬المكتبة الثقافية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪-64‬جامع بيان العلم وفضله‪ :‬ابن عبد البر تحقيق أبي الشبال الزهيري‪ ،‬دار‬
‫ابن الجوزي‪ ،‬الدمام ‪ 1994‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬جامع العلوم والحكم ‪ :‬عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (‪795‬هـ)‬
‫الرسالة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -66‬جامع مسائل الحكام ‪ :‬للبرزلي – مجلة كلية الداب والعلوم النسانية‬
‫بالرباط العدد ‪.5‬‬
‫‪ -67‬جمع الجوامع ‪ :‬عبد الوهاب ابن السبكي‪ ،‬دار إحياء الكتب العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -68‬الجنين المشوه والمراض الوراثية ‪ :‬د‪ .‬محمد علي البار‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬دمشق‪1411 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -69‬حاشية البجيرمي ‪ :‬سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي‪ ،‬المكتبة‬
‫السلمية‪ ،‬ديار بكر‪ ،‬تركيا‪.‬‬
‫‪ -70‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ :‬محمد بن أحمد عرفة الدسوقي‬
‫(‪1230‬هـ) عيسى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -71‬حاشية ابن عابدين ‪ ( :‬رد المحتار ) محمد أمين الشهير بابن عابدين (‬
‫‪1252‬هـ) دار الفكر للطباعة‪ ،‬بيروت ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -72‬حاشية العدوي ‪ :‬الشيخ علي العدوي (‪1189‬هـ) دار صادر‪.‬‬
‫(‬ ‫‪ -73‬حاشية قليوبي وعميرة ‪ :‬أحمد قليوبي (‪1069‬هـ) وأحمد عميرة‬
‫‪957‬هـ) مصطفى البابي الحلبي‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاهرة ‪ 1375‬هـ‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫‪ -74‬الحركات النسائية وصلتها بالستعمار ‪ :‬محمد عطية خميس‪ ،‬دار‬
‫النصار‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -75‬الحريات العامة ‪ :‬د ‪ .‬عبد الحكيم عبد ال‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة عين‬
‫شمس‪.‬‬
‫(‬ ‫‪ -76‬الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية ‪ :‬د‪ .‬مسلم شلتوت‬
‫إسلم أون لين )‪.‬‬
‫‪ -77‬الحقوق السياسية للمرأة ‪ :‬د‪ .‬عبد الحميد الشواربي‪ ،‬منشأة المعارف‪،‬‬
‫السكندرية‪.‬‬
‫‪ -78‬حقوق المرأة في السلم ‪ :‬د ‪ .‬محمد عرفة‪ ،‬مطابع الفرزدق التجارية‪.‬‬
‫‪ -79‬حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة ‪ :‬محمد عقلة البراهيم (‬
‫مجلة كلية الشريعة والدراسات السلمية جامعة الكويت‪ ،‬العدد‬
‫الخامس )‪.‬‬
‫‪ -80‬حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة ‪ :‬د‪.‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار‬
‫المكتبي‪ ،‬ط ‪ ،1‬دمشق ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -81‬حكم السلم في وسائل العلم ‪ :‬الشيخ عبد ال علوان‪ ،‬دار السلم‪.‬‬
‫‪ -82‬حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة ‪ :‬د‪.‬عبد الرزاق رحيم الهيتي‪،‬‬
‫دار البيارق‪ ،‬ط ‪ ،1‬الردن ‪1421‬هـ‪.‬‬
‫‪ -83‬الحلل والحرام ‪ :‬د ‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة‪.‬‬
‫‪ -84‬حواشي الشرواني ‪ :‬عبد الحميد الشرواني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -85‬الخرشي على خليل ‪ :‬محمد بن عبد ال بن علي الخرشي‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -86‬الدر المختار ‪ :‬محمد بن علي الحصكفي (‪911‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫بيروت ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ -87‬الدر المنثور ‪ :‬جلل الدين السيوطي (‪911‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫‪ -88‬الدراية في تخريج أحاديث الهداية ‪ :‬أحمد بن علي بن حجر العسقلني‬
‫( ‪852‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -89‬دروس في القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬هشام صادق و د‪ .‬حفيظة‬
‫الحداد‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬السكندرية ‪1999‬م‪.‬‬
‫‪ -90‬الذخيرة ‪ :‬شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (‪684‬هـ) دار الغرب‪،‬‬
‫بيروت ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -91‬الذريعة إلى مكارم الشريعة ‪ :‬لبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل‬
‫المعروف بالراغب الصفهاني‪ :‬تحقيق ‪ :‬د‪ .‬أبو اليزيد العجمي‪ ،‬دار‬
‫الوفاء‪ ،‬المنصورة‪.‬‬
‫‪ -92‬الرسالة ‪ :‬محمد بن إدريس الشافعي‪ :‬تحقيق أحمد شاكر دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -93‬روح المعاني ‪ :‬شهاب الدين اللوسي ( ‪1270‬هـ) دار الفكر للطباعة‪،‬‬
‫بيروت ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬روضة الطالبين ‪ :‬يحي بن شرف النووي (‪676‬هـ) المكتب السلمي‪،‬‬
‫بيروت ‪ 1386‬هـ‪.‬‬
‫‪ -95‬الروضة الندية ‪ :‬محمد صديق حسن خان (‪1307‬هـ) دار الجيل‪ ،‬بيروت‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -96‬الروض المربع ‪ :‬الشيخ منصور بن يونس البهوتي (‪1051‬هـ) مكتبة‬
‫الرياض الحديثة‪ ،‬الرياض ‪ 1390‬هـ‪.‬‬
‫‪ -97‬زاد المعاد في هدي خير العباد ‪ :‬شمس الدين ابن القيم الجوزية (‬
‫‪751‬هـ) دار الفرقان‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫‪ -98‬الزواج والطلق في السلم ‪ :‬بدران أبو العينين بدران‪ ،‬دار النهضة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -99‬سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات‬
‫المعاصرة ‪ :‬د ‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار المكتبي‪ ،‬ط ‪ 1421 ،1‬هـ‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫‪-100‬سنن البيهقي ‪ ( :‬السنن الكبرى ) أحمد بن الحسين البيهقي ( ‪458‬هـ)‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -101‬سنن الترمذي ‪ :‬أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة‪ :‬تحقيق أحمد‬
‫شاكر‪ :‬دار الكتب العلمية – بيروت‪.‬‬
‫‪ -102‬سنن الدارمي ‪ :‬عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي ( ‪ 181‬هـ ) دار‬
‫الكتاب العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -103‬سنن أبي داود ‪ :‬المام الحافظ أبو داود سليمان السجستاني‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -104‬سنن سعيد بن منصور ‪ :‬بن شعبة الخراساني (‪227‬هـ) دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬ط ‪1405 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -105‬سنن ابن ماجة ‪ :‬محمد بن يزيد القزويني ( ‪227‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -106‬سنن النسائي ‪ :‬للحافظ عبد الرحمن بن شعيب النسائي (‪303‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫القلم بيروت‪.‬‬
‫‪ -107‬شرح تنقيح الفصول ‪ :‬شهاب الدين القرافي تحقيق طه عبد الرؤوف‪:‬‬
‫مكتبات الكليات الزهرية ط أولى ‪.1393‬‬
‫‪ -108‬شرح صحيح مسلم ‪ :‬يحي بن شرف النووي (‪676‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫‪ -109‬الشرح الصغير ‪ :‬أحمد بن محمد الدردير (‪1201‬هـ) دار المعارف‪،‬‬
‫القاهرة ‪1392‬هـ‪.‬‬
‫‪ -110‬شرح العمدة ‪ :‬أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (‪727‬هـ) مكتبة العبيكان‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬الرياض ‪1413‬هـ‪.‬‬
‫‪ -111‬شرح فتح القدير ‪ :‬كمال الدين بن الهمام (‪681‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -112‬الشرح الكبير ‪ :‬أحمد بن محمد الدردير ( ‪1201‬هـ) دار الفكر‪.‬‬
‫‪ -113‬شرح الكوكب المنير‪ :‬الشيخ محمد بن أحمد … المعروف بابن النجار‪:‬‬
‫مكتبة العبيكان ‪ 1413‬هـ‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫‪ -114‬شرح منتهى الرادات ‪ :‬الشيخ منصور البهوتي ( ‪1051‬هـ) دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -115‬شعب اليمان ‪ :‬أحمد بن الحسين البيهقي (‪458‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬بيروت ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -116‬الشمائل المحمدية ‪ :‬محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (‪279‬هـ)‬
‫مؤسسة الكتب‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -117‬الشورى بين الصالة والمعاصرة ‪ :‬عز الدين التميمي‪ ،‬دار البشير‪،‬‬
‫عمان ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬الشورى بين النظرية والتطبيق ‪ :‬د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬مطبعة المة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بغداد‪.‬‬
‫‪ -119‬الشورى في السلم ‪ :‬د ‪ .‬حمد الكبيسي‪ ،‬المجمع الملكي لبحوث‬
‫الحضارة السلمية‪ ،‬الردن‪.‬‬
‫‪ -120‬الصحاح ‪ :‬إسماعيل بن حماد الجوهري‪ :‬تحقيق أحمد عبد الغفار‬
‫عطار‪ ،‬دار العلم للمليين‪ ،‬ط ‪ 1990 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬صحيح البخاري ‪ :‬محمد بن إسماعيل البخاري ( ‪256‬هـ) دار ابن‬
‫كثير‪ ،‬ط ‪ ،3‬بيروت ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -122‬صحيح ابن حبان ‪ :‬محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ( ‪354‬هـ)‬
‫الرسالة‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت ‪1414‬هـ‪.‬‬
‫‪ -123‬صحيح مسلم ‪ :‬مسلم بن الحجاج القشيري (‪256‬هـ) دار إحياء التراث‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -124‬ضوابط الجتهاد والفتوى‪ :‬أستاذنا د‪ .‬أحمد طه ريان ‪ :‬دار الوفاء ط‬
‫‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -125‬ضوابط للدراسات الفقهية ‪ :‬الشيخ سلمان العودة‪ ،‬دار العاصمة‬
‫الرياض‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ -126‬الطبيب أدبه وفقهه ‪ :‬د‪ .‬زهير السباعي و د‪ .‬محمد على البار‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬ط ‪ ،2‬دمشق ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -127‬علم أصول الفقه‪ :‬عبد الوهاب خلف‪ :‬دار القلم‪ ،‬الكويت ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -128‬عمدة القارئ ‪ :‬بدر الدين محمود بن أحمد العيني (‪855‬هـ) دار إحياء‬
‫التراث بيروت‪.‬‬
‫‪ -129‬عون المعبود ‪ :‬محمد شمس الحق العظيم آبادي‪ ،‬دار الكتب العلمية‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -130‬غاية المنتهى ‪ :‬مرعي بن يوسف الحنبلي (‪1033‬هـ) المؤسسة‬
‫السعيدية‪ ،‬ط ‪ 2‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -131‬الفتاوى ‪ :‬الشيخ محمد شلتوت ‪ :‬دار الشروق‪.‬‬
‫‪ -132‬الفتاوى ‪ :‬أبو اسحق إبراهيم الشاطبي‪ :‬جمعها وحققها محمد أبو‬
‫الجفان ط الولى ‪ 1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -133‬فتاوى ابن رشد (الجد) ‪ :‬دار الغرب السلمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -134‬فتاوى شرعية ‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف‪ ،‬دار العتصام‪ ،‬القاهرة ‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -135‬فتاوى علماء البلد الحرام ‪ :‬سعد بن عبد ال البريك‪ ،‬مؤسسة‬
‫الجريسي‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -136‬الفتاوى الكبرى ‪ :‬شيخ السلم ابن تيمية (‪738‬هـ) دار الكتب الحديثة‪،‬‬
‫القاهرة ‪1906‬م‪.‬‬
‫‪ -137‬فتاوى لجنة الفتاء ‪ :‬بكلية الشريعة والدراسات السلمية ‪ :‬جامعة‬
‫الكويت‪.‬‬
‫‪ -138‬الفتاوى الهندية ‪ :‬الشيخ نظام‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط ‪،4‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -139‬الفتاوى والتاريخ ‪ :‬محمد المختار ولد السعد‪ :‬دار الغرب الطبعة‬
‫الولى ‪2000‬م‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫فتاوى معاصرة ‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‬ ‫‪-140‬‬
‫‪1414‬هـ‪.‬‬
‫فتح الباري ‪ :‬أحمد بن علي بن حجر العسقلني (‪852‬هـ) دار‬ ‫‪-141‬‬
‫المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫فتح العزيز ‪ :‬الرافعي‪ ،‬المكتبة السلفية‪ ،‬المدينة المنورة‪.‬‬ ‫‪-142‬‬
‫فتح العلي المالك ‪ :‬الشيخ محمد عليش‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي‪ ،‬مصر‬ ‫‪-143‬‬
‫‪1378‬هـ‪.‬‬
‫فتح القدير ‪ :‬محمد علي الشوكاني (‪1250‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-144‬‬
‫الفروع ‪ :‬شمس الدين محمد بن مفلح (‪763‬هـ) عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-145‬‬
‫الفروق ‪ :‬أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (‪684‬هـ) عالم الكتب‪.‬‬ ‫‪-146‬‬
‫الفقه السلمي وأدلته ‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحيلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪ ،3‬دمشق‬ ‫‪-147‬‬
‫‪1409‬هـ‪.‬‬
‫فقه الزكاة ‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت ‪1985‬م‪.‬‬ ‫‪-148‬‬
‫فقه العقود المالية ‪ :‬د‪.‬الحسين شواط و د‪.‬عبد الحق حميش‪ ،‬دار‬ ‫‪-149‬‬
‫البيارق‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫فقه النوازل ‪ :‬إعداد ونشر ‪ :‬الجامعة المريكية المفتوحة‪.‬‬ ‫‪-150‬‬
‫فقه النوازل ‪ :‬بكر أبو زيد‪ ،‬دار العاصمة‪.‬‬ ‫‪-151‬‬
‫الفقيه والمتفقه ‪ :‬الخطيب البغدادي‪ :‬تحقيق عادل العزازي‪ :‬دار ابن‬ ‫‪-152‬‬
‫الجوزي‪.‬‬
‫فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ‪ :‬عبد العلي الكلنوي‪ :‬دار صادر‬ ‫‪-153‬‬
‫ط الولى‪.‬‬
‫الفواكه الدواني ‪ :‬أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (‪1120‬هـ) دار‬ ‫‪-154‬‬
‫الفكر‪ ،‬بيروت ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫القاموس المحيط ‪ :‬مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي ( ‪817‬هـ)‬ ‫‪-155‬‬
‫الرسالة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪ 1406‬هـ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫‪ -156‬قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي ‪ :‬المانة العامة‬
‫لرابطة العالم السلمي‪ ،‬ط الرابعة ‪ 1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -157‬قضايا طبية معاصرة ‪ :‬جمعية العلوم الطبية المعاصرة‪ ،‬دار البشير‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬عمان ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -158‬قضايا فقهية معاصرة ‪ :‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬مكتبة الفارابي‪،‬‬
‫ط ‪ ،1‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -159‬قضايا فقهية معاصرة ‪ :‬محمد برهان الدين السنبهنلي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬دمشق ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -160‬قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية ‪:‬‬
‫مادون رشيد‪ ،‬قطر‪.‬‬
‫‪ -161‬قواعد الحكام ‪ :‬العز بن عبد السلم‪ ،‬دار الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -162‬قواعد الفقه ‪ :‬محمد عميم الحسان المجددي البركتي‪ ،‬كراتشي‬
‫‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -163‬القوانين الفقهية ‪ :‬محمد بن جزي الغرناطي (‪741‬هـ) دار العلم‬
‫للمليين ‪1979‬م‪.‬‬
‫‪ -164‬الكافي ‪ :‬يوسف ابن عبد البر النمري (‪463‬هـ) دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بيروت ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -165‬الكافي في فقه الحنابلة ‪ :‬عبد ال بن قدامة المقدسي ( ‪620‬هـ) المكتب‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ -166‬كشاف القناع ‪ :‬الشيخ منصور البهوتي (‪1051‬هـ) مكتبة النصر‬
‫الحديثة‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -167‬الكليات ‪ :‬أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي ‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪1412‬هـ‪.‬‬
‫‪ -168‬لسان العرب ‪ :‬جمال الدين محمد بن كرم بن منظور‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫لقاءات ومحاورات حول قضايا السلم والعصر‪ :‬د‪ .‬يوسف‬ ‫‪-169‬‬
‫القرضاوي‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة ‪1992‬م‪.‬‬
‫ماهية بطاقة الئتمان ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد رأفت عثمان ( بحوث مؤتمر‬ ‫‪-170‬‬
‫العمال المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون ‪ /‬جامعة‬
‫المارات )‪.‬‬
‫مبادىء نظام الحكم في السلم ‪ :‬د ‪ .‬عبد الحميد المتولي‪ ،‬منشأة‬ ‫‪-171‬‬
‫المعارف‪ ،‬ط ‪ ،4‬السكندرية ‪1978‬هـ‪.‬‬
‫مبدأ المساواة في السلم ‪ :‬د ‪ .‬فؤاد أحمد‪ ،‬المكتب العربي الحديث‪.‬‬ ‫‪-172‬‬
‫المبدع ‪ :‬إبراهيم بن محمد بن مفلح (‪884‬هـ) المكتب السلمي‪،‬‬ ‫‪-173‬‬
‫بيروت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫المبسوط ‪ :‬شمس الدين السرخسي (‪490‬هـ) دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-174‬‬
‫المجتمع السلمي المعاصر ‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬دار النصار‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪-175‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫مجلة الحكام العدلية ‪ :‬علماء الدولة العثمانية ( كازخانة تجارت كتب‬ ‫‪-176‬‬
‫)‪.‬‬
‫مجمع الزوائد ‪ :‬نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (‪807‬هـ) دار‬ ‫‪-177‬‬
‫الريان للتراث‪ ،‬القاهرة ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫المجموع ‪ :‬يحي بن شرف النووي ( ‪676‬هـ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‬ ‫‪-178‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫مجموع الفتاوى ‪ :‬لشيخ السلم ابن تيميه‪ :‬جمع عبد الرحمن بن قاسم‬ ‫‪-179‬‬
‫وابنه‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫مجموعة رسائل ابن عابدين ‪ :‬محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين‪:‬‬ ‫‪-180‬‬
‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫المحصول في علم أصول الفقه ‪ :‬فخر الدين الرازي‪ ،‬تحقيق طه جابر‬ ‫‪-181‬‬
‫العلواني‪ :‬جامعة المام ط الولى ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫المحلى ‪ :‬علي بن أحمد بن حزم (‪456‬هـ) دار الفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-182‬‬
‫المختصر الوجيز في مقاصد التشريع ‪ :‬د‪ .‬عوض بن محمد القرني‪،‬‬ ‫‪-183‬‬
‫دار الندلس الخضراء‪ -‬جدة‪ ،‬الطبعة الولى ‪.1416/1998‬‬
‫المدخل إلى الفقه السلمي ‪ :‬محمود محمد الطنطاوي‪ ،‬مطابع البيان‪،‬‬ ‫‪-184‬‬
‫دبي ‪.1988‬‬
‫المدخل في الفقه السلمي ‪ :‬محمد مصطفى شلبي‪ ،‬دار النهضة‪،‬‬ ‫‪-185‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫المدخل الفقهي العام ‪ :‬الشيخ مصطفي الزرقاء‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‬ ‫‪-186‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫مدخل لدراسة الفقه السلمي ‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ :‬مكتبة وهبة‪،‬‬ ‫‪-187‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫مراتب الجماع ‪ :‬علي بن أحمد بن حزم (‪456‬هـ) دار الكتب العلمية‪،‬‬ ‫‪-188‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ‪ :‬عبيد ال المباركفوري‪،‬‬ ‫‪-189‬‬
‫بنارس الهند ط ‪.3‬‬
‫المرأة بين الفقه والقانون ‪ :‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب السلمي‪،‬‬ ‫‪-190‬‬
‫ط ‪ ،6‬بيروت ‪1984‬م‪.‬‬
‫المرأة بين الشرع والقانون ‪ :‬محمد الحجوي‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬المغرب‪.‬‬ ‫‪-191‬‬
‫المرأة في السلم ‪ :‬الشيخ حسنين مخلوف‪ ،‬دار النصار‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪-192‬‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫المرأة في القرآن والسنة ‪ :‬محمد عزة دروزة‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫‪-193‬‬
‫دمشق ‪1985‬م‪.‬‬
‫المرأة والحقوق السياسية ‪ :‬مجيد محمود أبو حجير‪ ،‬مكتبة الرشد‪ ،‬ط‬ ‫‪-194‬‬
‫‪ ،1‬الرياض ‪1421‬هـ‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫المرأة وحقوقها السياسية ‪ :‬الشيخ عبد المجيد الزنداني‪ ،‬مؤسسة‬ ‫‪-195‬‬
‫الريان‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‪.‬‬
‫المرشد السلمي في الفقه الطبي ‪ :‬توفيق الواعي وآخرون‪ :‬دار‬ ‫‪-196‬‬
‫الوفاء‪ ،‬ط ‪1410 4‬هـ‪.‬‬
‫المدونة الكبرى ‪ :‬مالك بن أنس (‪179‬هـ) دار إحياء التراث العربي‪.‬‬ ‫‪-197‬‬
‫مسائل أبي الوليد ابن رشد (الجد) تحقيق‪ :‬محمد الحبيب التجاني دار‬ ‫‪-198‬‬
‫الجيل – بيروت‪.‬‬
‫المسؤولية الوزارية ‪ :‬د ‪ .‬سيد رجب السيد‪ ،‬القاهرة ‪1987‬م‪.‬‬ ‫‪-199‬‬
‫مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق ‪ :‬أسامة عمر سليمان‬ ‫‪-200‬‬
‫الشقر‪ :‬دار النفائس‪ ،‬الردن ‪ 1420‬هـ ‪ 2000 /‬م‪.‬‬
‫المستدرك ‪ :‬لبي عبد ال محمد عبد ال الحاكم‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-201‬‬
‫المستصفى من علم الصول لبي حامد الغزالي ‪ :‬دار صادر‪ ،‬ط ‪،1‬‬ ‫‪-202‬‬
‫‪ 1322‬هـ‪.‬‬
‫المسند ‪ :‬المام أحمد بن حنبل ( ‪204‬هـ) مؤسسة قرطبة‪ ،‬مصر‪.‬‬ ‫‪-203‬‬
‫المشاركة السياسية للمرأة ‪ :‬د ‪ .‬سامية خضر صالح‪ ،‬الصدر لخدمات‬ ‫‪-204‬‬
‫الطباعة‪ ،‬القاهرة ‪1989‬م‪.‬‬
‫مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة ‪ :‬د‪.‬خالد عبد‬ ‫‪-205‬‬
‫الرزاق العاني‪.‬‬
‫مصادر الحق ‪ :‬د‪ .‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬دار الهنا للطباعة‪ ،‬ط ‪،2‬‬ ‫‪-206‬‬
‫‪ 1960‬م‪.‬‬
‫مصباح الزجاجة ‪ :‬أحمد بن أبي بكر إسماعيل الكناني (‪840‬هـ) دار‬ ‫‪-207‬‬
‫العربية‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫المصباح المنير‪ :‬أحمد بن محمد بن علي الفيومي‪ :‬المكتبة العلمية‪،‬‬ ‫‪-208‬‬
‫بيروت‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫‪ -209‬مصنف ابن أبي شيبة ‪:‬عبد ال بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (‬
‫‪235‬هـ) مكتبة الرشد‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرياض‪ 1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -210‬مصنف عبد الرزاق ‪ :‬عبد الرزاق بن همام الصنعاني (‪211‬هـ)‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬ط ‪ ،2‬بيروت ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ -211‬مطالب أولي النهى ‪ :‬مصطفى السيوطي الرحيباني (‪1243‬هـ) المكتب‬
‫السلمي‪ ،‬دمشق ‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -212‬المعاملت المالية المعاصرة ‪ :‬د‪.‬محمد عثمان شبير دار النفائس‪ ،‬ط‬
‫‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -213‬المعاملت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬محمد‬
‫رواس قلعه جي‪.‬‬
‫‪ -214‬المعجم الوسط ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ) دار‬
‫الحرمين‪ ،‬القاهرة ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -215‬المعجم الصغير ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ)‬
‫المكتب السلمي‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ -216‬المعجم الكبير ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (‪360‬هـ) مكتبة‬
‫العلوم والحكم‪ ،‬ط ‪ ،2‬الموصل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫‪ -217‬معجم المصطلحات التجارية والتعاونية ‪ :‬د‪.‬أحمد زكي بدوي‪ ،‬دار‬
‫الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -218‬معجم لغة الفقهاء ‪ :‬محمد رواس قلعه جي و د‪ .‬حامد قنيبي‪ ،‬دار‬
‫النفائس‪ ،‬بيروت ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ -219‬المعجم الوسيط ‪ :‬إبراهيم أنيس وآخرون‪ :‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -220‬معلمة الفقه المالكي ‪ :‬عبد العزيز بن عبد ال‪ :‬دار الغرب السلمي‬
‫ط الولى ‪1403‬هـ‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫المعونة ‪ :‬القاضي عبد الوهاب البغدادي ( ‪ 422‬هـ) تحقيق ‪ :‬عبد‬ ‫‪-221‬‬
‫الحق حميش‪ ،‬مكتبة الباز التجارية‪ ،‬مكة المكرمة ‪1995‬م‪.‬‬
‫المغني ‪ :‬عبد ال بن أحمد بن قدامة (‪620‬هـ) دار الفكر‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيروت‬ ‫‪-222‬‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬
‫مغني المحتاج ‪ :‬محمد الخطيب الشربيني ( ) دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪-223‬‬
‫المفردات في غريب القرآن ‪ :‬الحسين بن محمد الصفهاني (‪502‬هـ)‬ ‫‪-224‬‬
‫دار المعرفة بيروت ‪1998‬م‪.‬‬
‫مقاصد الشريعة السلمية‪ :‬الشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور الشركة‬ ‫‪-225‬‬
‫التونسية للتوزيع‪.‬‬
‫المقاصد العامة للشريعة السلمية ‪ :‬د‪ .‬يوسف حامد العالم – دار‬ ‫‪-226‬‬
‫الحديث بالقاهرة‪.‬‬
‫مقدمة لدراسة الفقه السلمي ‪ :‬د‪ .‬محمد كمال الدين إمام – المؤسسة‬ ‫‪-227‬‬
‫الجامعية للدراسات والنشر‪.‬‬
‫المقنع ‪ :‬عبد ال بن أحمد بن قدامة (‪620‬هـ) مكتبة الرياض الحديثة‬ ‫‪-228‬‬
‫‪1400‬هـ‪.‬‬
‫مكانة المرأة بين السلم والقوانين العالمية ‪ :‬سالم البهنساوي‪ ،‬دار‬ ‫‪-229‬‬
‫القلم‪ ،‬الكويت ‪1986‬م‪.‬‬
‫مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة ‪ :‬د‪.‬محمد بلتاجي‪ ،‬دار السلم‪،‬‬ ‫‪-230‬‬
‫ط ‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫الملكية ونظرية العقد ‪ :‬الشيخ محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬ ‫‪-231‬‬
‫من توجيهات السلم ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط ‪،7‬‬ ‫‪-232‬‬
‫مصر ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫من فقه القليات المسلمة ‪ :‬خالد محمد عبد القادر‪ ،‬كتاب المة‪ ،‬قطر‬ ‫‪-233‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫من هدي القرآن ‪ :‬الشيخ محمود شلتوت دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫‪-234‬‬

‫‪353‬‬
‫‪-235‬منهاج السنة ‪ :‬شيخ السلم ابن تيمية (‪728‬هـ) تحقيق ‪ :‬محمد رشاد‬
‫سالم‪ ،‬جامعة المام محمد بن سعود السلمية‪ ،‬الرياض ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -236‬المهذب ‪ :‬إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -237‬الموافقات في أصول الشريعة ‪ :‬لبي اسحق الشاطبي‪ :‬دار المعرفة‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ -238‬مواهب الجليل ‪ :‬محمد بن عبد الرحمن المغربي الحطاب ( ‪954‬هـ)‬
‫دار الفكر‪ ،‬بيروت ‪1398‬هـ‪.‬‬
‫‪ -239‬موت الدماغ بين الطب والشريعة ‪ :‬ندى محمد نعيم الدقر‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -240‬موجبات الحكام وواقعات اليام ‪ :‬قاسم بن عبد ال الجمالي ابن‬
‫قطلوبغا‪ ،‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية‪ ،‬بغداد ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -241‬الموجز في القانون الدولي الخاص‪ :‬بدر الدين عبد المنعم شوقي‪،‬‬
‫مكتبة الخدمات الحديثة‪ ،‬جدة‪.‬‬
‫‪ -242‬الموسوعة الفقهية ‪ :‬وزارة الوقاف والشؤون السلمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -243‬الموسوعة الطبية الفقهية ‪ :‬أحمد محمد كنعان‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫بيروت ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫‪ -244‬الموطأ ‪ :‬المام مالك بن أنس ( ‪ 179‬هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -245‬نصب الراية ‪ :‬لجمال الدين عبد ال بن يوسف الزيلعي‪ :‬دار الحديث‪،‬‬
‫الهند‪.‬‬
‫‪ -246‬نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه ‪ :‬الشيخ مصطفى أحمد‬
‫الزرقاء‪.‬‬
‫‪ -247‬النظام السياسي في السلم ‪ :‬د‪.‬محمد أبو فارس‪ ،‬دار الفرقان ط ‪،2‬‬
‫عمان ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -248‬النظرية السلمية في الدولة ‪ :‬حازم عبد المتعال الصعيدي‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية ط ‪1977 ،1‬م‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪ -249‬نظرية السلم وهديه ‪ :‬أبو العلى المودودي‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بيروت ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ -250‬نظرية الضرورة الشرعية ‪ :‬جميل محمد مبارك‪ ،‬دار الوفاء‪ ،‬القاهرة‬
‫‪.1988‬‬
‫‪ -251‬نهاية السول في شرح منهاج الصول ‪ :‬جمال الدين السنوي‪ ،‬عالم‬
‫الكتب القاهرة‪.‬‬
‫‪ -252‬النهاية في غريب الحديث ‪ :‬مجد الدين المبارك بن الثير (‪606‬هـ)‬
‫تحقيق‪ :‬طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي‪ ،‬دار إحياء الكتب‬
‫العربية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -253‬نهاية المحتاج ‪ :‬محمد بن أحمد الرملي (‪1004‬هـ) دار إحياء التراث‬
‫العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -254‬نيل الوطار ‪ :‬محمد بن علي الشوكاني (‪1250‬هـ) دار الجيل‪ ،‬بيروت‬
‫‪1973‬م‪.‬‬
‫‪ -255‬الهداية في شرح البداية ‪ :‬علي بن أبي بكر المرغيناني (‪593‬هـ)‬
‫المكتبة السلمية‪.‬‬
‫‪ -256‬الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع ‪ :‬د‪.‬إياد أحمد‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار الفتح للدراسات والنشر ط ‪ ،1‬الردن‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -257‬الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ‪ :‬محمد صدقي البورنو‪ :‬مكتبة‬
‫المعارف‪ :‬ط الثانية الرياض ‪ 1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ -258‬الوسيط ‪:‬محمد بن محمد الغزالي (‪505‬هـ) دار السلم‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -259‬الوسيط في القانون الدولي الخاص ‪ :‬د‪ .‬سامي بديع منصور‪ ،‬دار‬
‫العلوم‪ ،‬بيروت ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪ -260‬ولية المرأة في الفقه السلمي ‪ :‬حافظ محمد أنور‪ ،‬دار بلنسية ط‬
‫‪ ،1‬الرياض ‪1999‬م‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫المجلت ‪:‬‬
‫‪-‬مجلة السرة ‪ :‬العدد ‪.46‬‬
‫‪-‬مجلة البحوث السلمية ‪ :‬الرئاسة العامة للبحوث والفتاء (المجلد‬
‫الول‪ ،‬العدد الثاني)‪.‬‬
‫‪-‬مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ( العدد ‪.) 42‬‬
‫‪-‬مجلة كلية الدراسات السلمية والعربية (بدبي)‪ :‬العدد الخامس‬
‫‪1413‬هـ‪1992/‬م‪.‬‬
‫‪-‬مجلة الشريعة والدراسات السلمية‪ ،‬جامعة الكويت (العدد الخامس‪،‬‬
‫يوليو ‪1986‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬مجلة المجمع الفقه السلمي – التابع لمنظمة المؤتمر السلمي ( العدد‬
‫الول والعدد الثالث والعدد السابع والعدد الثاني عشر )‪.‬‬
‫‪-‬مجلة المجمع الفقهي السلمي – التابع لرابطة العالم السلمي ( العدد‬
‫الول )‪.‬‬
‫‪-‬مجلة لها اللندنية ( العدد ‪13/11/2002 ) 113‬م‪.‬‬

‫المواقع اللكترونية ‪:‬‬


‫‪www.missiar.com‬‬
‫‪www.khayma.com‬‬
‫‪www.islam-online.net‬‬
‫‪www.bouti.net‬‬
‫‪www.darislam.com‬‬
‫‪www.binbaz.org.sa‬‬
‫‪www.almoslim.net‬‬

‫‪356‬‬
357
‫فهرس الموضوعات‬

‫الصفحة‬ ‫الوضوع‬
‫‪5‬‬ ‫‪)1‬القدمة‬
‫‪92 -11‬‬ ‫الفصل الول ‪ :‬مدخل إل " القضايا الفقهية العاصرة "‬
‫‪22 -13‬‬
‫‪.Article I‬البحث الول ‪ :‬صلحية الشريعة لكل زمان ومكان‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك ‪.‬‬
‫‪16‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬دلئل صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان‬
‫‪.‬‬
‫‪27 -23‬‬
‫(‪ )i‬البحث الثان ‪ :‬حقيقة " القضايا العاصرة "‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬تعريف القضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬اللفاظ ذات الصلة‬
‫‪39 -29‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬أهمية موضوع " القضايا الفقهية المعاصرة "‬
‫‪29‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها ‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫المطلب الثاني ‪ :‬خصائص ‪ :‬القضايا الفقهية المعاصرة " ‪.‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة " ‪.‬‬
‫‪68 -41‬‬
‫(‪ )ii‬البحث الرابع ‪ :‬الجتهاد ف القضايا‬
‫العاصرة‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة ‪.‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬اجتهاد الصحابة في النوازل ‪.‬‬
‫‪52‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث ‪ :‬طريقة الجتهاد في السلم ‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫‪54‬‬ ‫‪ -‬المطلب الرابع ‪ :‬ضوابط الجتهاد في القضايا المستجدة ‪.‬‬
‫‪65‬‬ ‫‪ -‬المطلب الخامس‪ :‬منهج دراسة القضايا المعاصرة ‪.‬‬
‫‪78 -69‬‬ ‫المبحث الخامس ‪ :‬الجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة‬
‫‪69‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬تعريف الجتهاد الجامعي ‪.‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬أهمية الجتهاد الجامعي في هذا العصر ‪.‬‬
‫‪76‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثالث‪ :‬ظهور المجامع الفقهية ‪.‬‬
‫‪92 -79‬‬ ‫‪)a‬البحث السادس ‪ :‬مصادر ‪ :‬القضايا لفقهية العاصرة "‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -‬المطلب الول ‪ :‬أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪87‬‬ ‫‪ -‬المطلب الثاني ‪ :‬المجلت المتخصصة في الدراسات السلمية‬
‫بأبحاث الفقه والجتهاد ‪.‬‬
‫‪90‬‬ ‫المطلب الثالث‪ :‬المواقع اللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة ‪.‬‬
‫‪332 -93‬‬ ‫الفصل الثان ‪ :‬دراسة بعض القضايا العاصرة‬
‫‪95‬‬ ‫‪ -‬المبحث الول ‪ :‬اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور‬
‫القمرية‬
‫‪111‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني ‪ :‬مصرف " في سبيل ال " ‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثالث‪ :‬إجراء العقود بآلت التصال الحديثة ‪.‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ -‬المبحث الرابع ‪ :‬البطاقة الئتمانية ‪. .‬‬
‫‪167‬‬ ‫‪ -‬المبحث الخامس‪ :‬التأمين التعاوني ‪.‬‬
‫‪181‬‬ ‫‪ -‬المبحث السادس‪ :‬زواج المسيار ‪.‬‬
‫‪193‬‬ ‫‪ -‬المبحث السابع ‪ :‬حكم التبرع بالعضاء ‪.‬‬
‫‪219‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثامن ‪ :‬إجهاض الجنين المشوه ‪.‬‬
‫‪235‬‬ ‫‪ -‬المبحث التاسع ‪ :‬الستنساخ ‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫‪ -‬المبحث العاشر‪ :‬قتل الرحمة ‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -‬المبحث الحادي عشر ‪ :‬مسائل من فقه القليات المسلمة ‪.‬‬
‫‪281‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثاني عشر ‪ :‬حكم التجنس بالجنسية الجنبية ‪.‬‬
‫‪295‬‬ ‫‪ -‬المبحث الثالث عشر‪ :‬اشتراك المرأة في النتخابات ‪.‬‬
‫‪317‬‬ ‫‪ -‬المبحث الرابع عشر‪ :‬موقف السلم من السينما والتمثيل ‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫‪ -‬قائمة المراجع ‪.‬‬
‫‪355‬‬ ‫‪ -‬فهرس الموضوعات ‪.‬‬

‫‪360‬‬

You might also like