Professional Documents
Culture Documents
معـا صـرة
3
المقدمة
4
المانة ،ونصح المة ،وبين لها الحلل والحرام ،القائل – عليه الصلة
والسلم – " من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين " ،)(1أما بعد:
فهذا مقرر " قضايا فقهية معاصرة " يضم مجموعة أبحاث في مسائل
معاصرة ،أعددتها لطلب وطالبات كلية الشريعة والدراسات السلمية بجامعة
الشارقة :بعد أن بحثنا عن مرجع جامع لهذا المساق ولم نجد في المكتبة
السلمية على اتساعها وثرائها مؤلف يجمع المواضيع المقررة في المنهج.
وصحيح أن هناك كتبا ومؤلفات كثيرة بهذا العنوان " قضايا فقهية معاصرة
" لكن كل كتاب منها يحوي عددا محدودا جدا من القضايا والوقائع المستجدة،
إضافة إلى أن أهم ما يجب أن يحتوي عليه الكتاب :وهي المقدمة المنهجية في
تعريف القضايا المعاصرة وأنواعها وخصائصها ،والجتهاد شروطه ،ضوابطه،
أهميته ...كل هذه المواضيع وغيرها ل تذكر في مثل هذه الكتب والمؤلفات
المطبوعة والمتداولة اليوم...
-أهمية الموضوع :
لقد من ال على هذه المة بأن جعل الشريعة السلمية خالدة :وأنها
صالحة لكل زمان ومكان :فل ينضب معينها ول ينفذ عطاؤها فهي أبدا تفي
بحاجات كل عصر ،وبمتطلبات كل دهر ،فل تجد حادثة إل وللشريعة فيها حكم،
ول تنزل نازلة إل ولهل العلم والفقه رأي ،استنادا إلى النصوص تارة ،أو قياسا
واجتهادا تارة أخرى.
وهذا الكتاب يحوي قضايا ونوازل حيوية تمس حياة المة السلمية في
شتى مجالتها تم بحثها من خلل مصادر الشريعة السلمية الصلية واجتهادات
العلماء والمجامع الفقهية.
ول ينكر أحد أهمية هذه القضايا والنوازل بالنسبة لجمهور الناس ولطلبة
الشريعة خاصة.
)1متفق عليه :البخاري في كتاب العلم باب قول النبي :رب مبلغ أوعى من سامع ( ،1/39 )71ومسلم (
في كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة ( )2/718( )1037من حديث معاوية .
5
-الهداف العلمية والعملية في تدريس هذا المقرر :
يسعى هذا المقرر لتحقيق الهداف التالية :
-التعرف الدقيق على الحكام الشرعية في جملة مهمة من القضايا
والمسائل المستجدة.
-مزيد من الدراك لعظمة هذا الدين الذي جاء لتحقيق مصالح الناس
ودرء المفاسد عنهم.
-والتأكيد على صلحية الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان.
-معرفة الخطوات التي يتبعها المجتهد للنظر في القضايا المعاصرة.
-تعليم الطالب فقه الموازنة والترجيح ،وإكسابه الملكة الفقهية كيما
يكون رائدا من رواد الشريعة وداعية من دعاتها :يستعمله ال في
تحقيق خلودها وإثبات أهليتها وعموم صلحيتها.
-وتزكية لهذا العلم بنشره وتعليمه لدى من يجهله.
منهج الكتاب :
لقد كان منهجنا في كتابة هذا المقرر على النحو التالي :
-1القتصار على أهم المسائل والقضايا المعاصرة وخاصة التي تشغل
بال الناس ويكثر السؤال حولها ،وأن تكون في أبواب الفقه المختلفة
(قضايا في العبادات ،وأخرى في المعاملت ،وبعض القضايا
الطبية ،وغيرها.)...
-2الختصار قليلً في البحاث ما أمكن مع ملحظة عدم الخلل
بالموضوع ،وذلك لن كل قضية تحتاج في الواقع إلى كتاب
مستقل...
-3الهتمام بالتعريفات وبيان ماهية كل قضية وذلك لن الحكم على
الشيء فرع عن تصوره.
-4عرض كل قضية بآرائها المختلفة مع ذكر الدلة من القرآن والسنة
أو أنواع التعليلت الخرى ،وتوثيق ذلك دائما.
6
-5الرجوع والستعانة بفتاوى هيئات كبار العلماء ،والمجامع ومراكز
البحوث الفقهية.
-6تقييد جميع المراجع التي استعنا بها في البحث لتكون ثبتا مرجعيا
للطلبة لعلهم يرجعون إليها لمن أراد التعمق أو الستزادة
والتفصيل...
هذا وقد كانت خطة البحث على النحو التالي:
خطة البحث :
جعلت البحث في مقدمة وفصلين على النحو التالي:
7
المبحث الرابع :الجتهاد في القضايا المعاصرة
-المطلب الول :شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة.
-المطلب الثاني :اجتهاد الصحابة في النوازل.
-المطلب الثالث :طريقة الجتهاد في السلم.
-المطلب الرابع :ضوابط الجتهاد في القضايا المستجدة.
-المطلب الخامس :منهج دراسة القضايا المعاصرة.
8
الفصل الثاني :دراسة بعض القضايا المعاصرة
9
10
الفصــل الول
11
12
المبحث الول
13
بعد أن ذكرنا بصلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان نتطرق في
هذا المدخل لبعض المواضيع المهمة التي لها علقة بالقضايا الفقهية المعاصرة :
حقيقتها ،أهمية الموضوع ،الجتهاد في القضايا المعاصرة ،الجتهاد
الجماعي ،ومصادر القضايا الفقهية المعاصرة .
المطلب الول
صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان
14
ول قد خ يل لب عض الناس أن الشري عة ال سلمية شري عة جامدة صارمة ل
()1
يتسع صدرها لمسايرة التطور ومواجهة ما يجد من أحداث الزمان!!
ومن الناس من يقول بأن الفقه السلمي مجرد أوامر محددة ونواه معددة
جامدة غير صالحة لمسايرة تطور المم والشعوب ،ويبنون ظنونهم هذه على أن
التشريع السلمي تشريع جاء لمة بدائية بدوية بعيدة عن الرقي ،جاء في أرض
صحراوية لحظ لها من المدنية أو التقدم ،كما جاء في فترة معينة من الزمن
مضى عليها القرون الطويلة وأني لمثل هذا الفقه أن يساير الزمن أو يلئم تطور
المدنيات(.)2
إن الشريعة السلمية من وضع ال العليم الخبير بأحوال عباده الذين
استخلفهم في أرضه ليعمروها إلى أن يرثها سبحانه ،ومنها خرج الفقه السلمي
بالجتهاد الذي أذن به رسول ال ودرّب أصحابه ليكونوا مصابيح تنير
الطريق لمن جاء بعدهم من الفقهاء الذين يبحثون عن حكم ال لكل واقعة بما
أقامه الشارع من أدلة وأمارات.
ولم يقف الفقه السلمي يوما من اليام أمام الحوادث ولم يضق عن حكم
لمعضلة أيا كان نوعها مدنية كانت أو جنائية أو عائلية بل كان وما يزال وإلى
قيام الساعة قابلً للقيام بأعباء الحياة وبالجابة عن كل حادثة أو نازلة تعترض
الناس في حياتهم المتطورة :إنه فقه متطور ل جمود فيه ول رجعية متى حسن
تطبيقه ،ولقد تطور بسرعة مذهلة أيام الجتهاد الولى ثم ضعفت فيه هذه الحركة
بعد انتشار التقليد ولكنها لم تمت(.)3
المطلب الثاني
عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك
15
الشريعة السلمية عامة لجميع البشر في كل زمان ومكان ،قال تعالى :
قل يا أيها الناس إني رسول ال إليكم جميعا [ العراف ،]158 :وقال تعالى :وما
أرسلناك إل كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سبأ.]28 :
وهي باقية ل يلحقها نسخ ول تغيير لن الناسخ يجب أن يكون بقوة
المنسوخ أو أقوى منه ،فل ينسخ الشريعة السلمية من ال إل تشريع آخر من
ال ،وحيث أن الشريعة السلمية خاتمة الشرائع ومحمد خاتم النبيين كما قال
تعالى :ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال ،وخاتم النبيين
[الحزاب.]40 :
وعموم الشريعة وبقاؤها وعدم قابليتها للنسخ والتبديل كل ذلك يستلزم عقلً
أن تكون قواعدها وأحكامها على نحو يحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان
ويفي بحاجاتهم ،ول يضيق بها ول يتخلف عن أي مستوى عال سيبلغه المجتمع،
وهذا كله متوفر في الشريعة السلمية لن ال تعالى إذ جعلها عامة في الزمان
والمكان وخاتمة لجميع الشرائع ،وجعل قواعدها وأحكامها على النحو الذي
يجعلها صالحة لكل زمان ومكان وهذا ما يدل عليه واقع الشريعة ومصادرها
وطبيعية مبادئها وأحكامها وما ابتنيت عليه هذه الحكام(.)1
المطلب الثالث
دلئل صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان
() التشريع السلمي :شعبان محمد إسماعيل ص ،35 – 34المدخل لدراسة الشريعة السلمية :د .عبد 1
16
إن من ال سباب ال تي تدل على أن الشري عة ال سلمية صالحة ل كل زمان
ومكان ،وأنها ل يمكن أن تعجز عن الجابة عن أي نازلة تقع بالناس ما يلي:
أولًً :أن نصوص الشريعة قد اقتصرت على الحكام التي ل تتغير بتغير
الزمنة والمكنة ،وتركت ما وراء ذلك للمجتهدين والعلماء وأولي المر في
المة أهل الحل والعقد يجتهدون في تلك الوقائع والنوازل ويطبقون عليها ما
يناسبها من قواعد أصول الفقه المقتبسة من النصوص الشرعية الساسية.
إن الشريعة السلمية وضعت سبلً لعلج ما يجد من أحكام :فقد شرعت
الجتهاد لتبين أحكام المور والمشكلت التي ليس لها حكم منصوص في
الشريعة ،مثل ما شرعت التعزير لمعالجة الجرائم التي لم ينص الشارع على
عقوبة مقدرة فيها ،ومقدار التعزيرات وأجناسها وصفاتها تتغير بحسب اقتضاء
المصلحة لها زمانا ومكانا(.)1
ثانيا :عوامل السعة والمرونة في الشريعة( :)2ومن السباب أيضا سعة
الشريعة السلمية ومرونتها وقابليتها لملءمة كل وضع جديد - ،وكما سبق وأن
أكدنا – فإن من الحقائق المسلمة أن الشريعة السلمية قد وسعت العالم السلمي
كله على تنائي أطرافه وتعدد أجناسه وتنوع بيئاته الحضارية ،وتجدد مشكلته
الزمنية.
إن السلم ،الذي ختم ال به الشرائع والرسالت السماوية ،أودع ال فيه
عنصر الثبات والخلود ،وعنصر المرونة والتطور ،معا ،وهذا من روائع
العجاز في هذا الدين ،وآية من آيات عمومه وخلوده ،وصلحيته لكل زمان
ومكان.
ونستطيع أن نحدد مجال الثبات ،ومجال المرونة ،في شريعة السلم،
ورسالته الشاملة الخالدة ،فنقول:
إن الثبات على الهداف والغايات ،والمرونة في الوسائل والساليب.
() خصائص الشريعة السلمية :د .عمر سليمان الشقر ،ص .63 – 62 1
() مدخل لدراسة الشريعة السلمية :د .يوسف القرضاوي ،ص .151 – 149 2
17
الثبات على الصول والكليات ،والمرونة في الفروع والجزئيات.
الثبات على القيم الدينية والخلقية ،والمرونة في الشؤون الدنيوية
والعلمية.
وربما سأل سائل :لماذا كان هذا هو شأن السلم؟! لماذا لم يودعه ال
المرونة المطلقة أو الثبات المطلق؟!
والجواب :إن السلم بهذا ،يتسق مع طبيعة الحياة النسانية خاصة ،ومع
طبيعة الكون الكبير عامة ،فقد جاء هذا الدين مسايرا لفطرة النسان وفطرة
الوجود.
أما طبيعة الحياة النسانية نفسها ،ففيها عناصر ثابتة ما بقي النسان،
وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور ،كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة ،ما بقي
النسان ،وعناصر مرنة قابلة للتغيير والتطور ،كما أشرنا إلى ذلك من قبل.
وإذا نظرنا إلى الكون من حولنا وجدناه يحوي أشياء ثابتة ،تمضي ألوف
السنين وألوف اللوف ،وهي :أرض وسماء وجبال وبحار ،وليل ونهار ،وشمس
وقمر ونجوم ومسخرات بأمر ال ،كل في فلك يسبحون.
وفيه أيضا :عناصر جزئية متغيرة ،جزر تنشأ ،وبحيرات تجف ،وأنهار
تحفر ،وماء يطغي على اليابسة ،ويبس يزحف على الماء ،وأرض ميتة تحيا،
وصحار قفر تخضر ،وبلد تعمر ،وأمصار تخرب ،وزرع ينبت وينمو ،وآخر
يذوي ،ويصبح هشيما تذروه الرياح ،هذا هو شأن النسان ،وشأن الكون ،ثبات
وتغير في آن واحد ،ولكنه ثبات في الكليات والجوهر ،وتغير في الجزئيات
والمظهر.
فإذا كان التطور قانونا في الكون والحياة ،فالثبات قانون قائم فيهما
– كذلك – بل مراء ،وإذا كان من الفلسفة في القديم ،من قال بمبدأ الصيرورة
والتغير ،باعتباره القانون الزلي ،الذي يسود الكون كله ،فإن فيهم من نادى
بعكس ذلك ،واعتبر الثبات هو الساس ،والصل الكلي للكون كله.
18
والحق أن المبدأين كليهما من الثبات والتغير يعملن معا في الكون
والحياة ،كما هو مشاهد وملموس.
فل عجب أن تأتي شريعة السلم ،ملئمة لفطرة النسان وفطرة الوجود،
جامعة بين عنصر الثبات وعنصر المرونة.
وبهذه المزية يستطيع المجتمع المسلم ،أن يعيش ويستمر ويرتقي ،ثابتا
على أصوله وقيمه وغاياته ،متطورا في معارفه وأساليبه وأدواته.
فبالثبات ،يستعصي هذا على المجتمع عوامل النهيار والفناء أو الذوبان
في المجتمعات الخرى ،أو التفكك على عدة مجتمعات ،تتناقض في الحقيقة ،وإن
ظلت داخل مجتمع واحد في الصورة.
بالثبات يستقر التشريع وتتبادل الثقة ،وتبنى المعاملت والعلقات على
دعائم مكينة ،وأسس راسخة ،ل تعصف بها الهواء والتقلبات السياسية
والجتماعية ما بين يوم وآخر ،وبالمرونة ،يستطيع هذا المجتمع أن يكيف نفسه
وعلقاته ،حسب تغير الزمن وتغير أوضاع الحياة ،دون أن يفقد خصائصه
ومقوماته الذاتية.
وإن للثبات والمرونة مظاهر ودلئل شتى ،نجدها في مصادر السلم
وشريعته وتاريخه ،يتجلى هذا الثبات في:
المصادر الصلية النصيّة القطعية للتشريع :من كتاب ،وسنة رسوله،
فالقرآن هو الصل والدستور ،والسنة هي الشرح النظري ،والبيان العملي
للقرآن ،وكلهما مصدر إلهي معصوم ول يسع مسلما أن يعرض عنه:
أطيعوا ال وأطيعوا الرسول [ النور ,]54 :إنما كان قول المؤمنين إذا
دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا [ النور.]51 :
وتتجلى في " المصادر الجتهادية " التي اختلف فقهاء المة في مدى
الحتجاج بها ،ما بين موسع ومضيق ،ومقل ومكثر ،مثل الجماع والقياس،
والستحسان ،والمصالح المرسلة ،وأقوال الصحابة ،وشرع من قبلنا ...وغير
ذلك من مآخذ الجتهاد ،وطرائق الستنباط.
19
ومن أحكام الشريعة التي نجدها تنقسم إلى قسمين بارزين:
-قسم يمثل الثبات والخلود.
-وقسم يمثل المرونة والتطور.
نجد الثبات في العقائد الساسية :من اليمان بال ،وملئكته ،وكتبه،
ورسله ،واليوم الخر ،وهي التي ذكرها القرآن في غير موضع كقوله :ليس
البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بال واليوم
الخر والملئكة والكتاب والنبيين [ البقرة ,]177 :ومن يكفر بال وملئكته وكتبه
ل بعيدا [ النساء.]136 :
ورسله واليوم الخر فقد ضل ضل ً
وفي الركان العملية الخمسة :من الشهادتين ،وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة،
وصوم رمضان ،وحج البيت الحرام ،وهي التي صح عن الرسول أن السلم
بني عليها.
وفي المحرمات اليقينية :من السحر ،وقتل النفس ،والزنا ،وأكل الربا،
وأكل مال اليتيم ،وقذف المحصنات الغافلت المؤمنات ،والتولي يوم الزحف،
والغصب ،والسرقة ،والغيبة ،والنميمة ،وغيرها مما ثبت بقطعي القرآن والسنة.
وفي أمهات الفضائل :من الصدق ،والمانة ،والعفة ،والصبر ،والوفاء
بالعهد ،والحياء ،وغيرها من مكارم الخلق ،التي اعتبرها القرآن والسنة من
شعب اليمان.
وفي شرائع السلم القطعية :في شؤون الزواج ،والطلق ،والميراث،
والحدود والقصاص ،ونحوها من نظم السلم ،التي ثبتت بنصوص قطعية
الثبوت ،قطعية الدللة ،فهذه المور ثابتة ،تزول الجبال ول تزول ،نزل بها
القرآن ،وتوافرت بها الحاديث ،وأجمعت عليها المة ،فليس من حق مجمع من
المجامع ،ول من حق مؤتمر من المؤتمرات ،ول من حق خليفة من الخلفاء ،أو
رئيس من الرؤساء ،أن يلغي أو يعطل شيئا منها ،لنها كليات الدين وقواعده
وأسسه ،أو كما قال الشاطبي " :كلية أبدية ،وضعت عليها الدنيا ،وبها قامت
20
مصالحها في الخلق ،حسبما بين ذلك الستقراء ،على وفاق ذلك جاءت الشريعة
أيضا ،فذلك الحكم الكلي باق إلى أن يرث ال الرض وما عليها "(.)1
ونجد – في مقابل ذلك – القسم الخر ،الذي يتمثل فيه المرونة ،وهو ما
يتعلق بجزئيات الحكام وفروعها العملية ،وخصوصا في مجال السياسة
الشرعية.
يقول المام ا بن الق يم في كتا به " :إغا ثة اللهفان " الحكام نوعان :نوع ل
يتغيـر عن حالة واحدة مـر عليهـا ،ول بحسـب الزمنـة ول المكنـة ،ول اجتهاد
ـم المحرمات ،والحدود المقدرة بالشرع على ـة :كوجوب الواجبات ،وتحريـ الئمـ
الجرائم ،ونحو ذلك فهذا ل يتطرق إليه تغير ،ول اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني :ما يتميز بحسب اقتضاء المصلحة لـه زمانا ومكانا وحالً:
كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها ،فإن الشارع ينوع فيها حسب المصلحة،
وقد ضرب ابن القيم لذلك عدة أمثلة من سنة النبي وسنة خلفائه الراشدين
المهديين من بعده ،ثم قال " :وهذا باب واسع ،اشتبه فيه على كثير من الناس
الحكام الثابتة اللزمة ،التي ل تتغير ،بالتغيرات التابعة للمصالح وجودا
وعدما "(.)2
ثالثا :كذلك من السباب التي جعلت الشريعة السلمية صالحة لكل زمان
ومكان أنها شريعة جاءت تهدف إلى تحقيق مصالح الخلق بأنواعها المختلفة :ول
يمكن بأي حال من الحوال أن تقف في وجه أي مصلحة بشرية :ولقد اقتصرت
نصوصها التفصيلية على الحكام التي ل تتغير بتغير الزمان والمكان ،وتفتح
باب الجتهاد بل توجبه فيما ل نص فيه على أن يجري في ظل قواعد عامة تقر
مصالح العباد ،وتسعى إلى إقرار الحق والعدل بين جميع الناس وتعترف
باختلف الحكام الجزئية باختلف البيئات مراعاة لختلف أعراف الناس
21
وأساليب حياتهم :فالشريعة التي جمعت كل هذه الميزات لبد وأن تكون صالحة
لكل زمان ومكان.
رابعا :سعة المجال أمام السياسية الشرعية :ومن الدلة على صلحية
الشريعة السلمية لكل زمان ومكان أن المام أو الحاكم ومن معه من أولي
المر وأهل الجتهاد في المة يجدون أمامهم مجالً فسيحا في باب السياسة
الشرعية – أي سياسة المة بأحكام الشرع – بحيث تستطيع الدولة تحقيق كل
مصلحة خالصة أو راجحة ودرء كل مفسدة خالصة أو غالبة وهي في ظل
الشريعة السمحة ل تخرج عنها ول تحتاج إلى غيرها.
إن الذي يحظر على الدولة المسلمة شيء واحد ،هو أن تتبع هواها ،أو
هوى البشر أيا كانوا ،معرضة عما أنزل ال على رسوله من الهدى ودين الحق،
بحيث تخرج عن القواعد الشرعية ،أو تخالف النصوص الدينية المعصومة
الصحيحة في ثبوتها ،الصريحة في دللتها ،أما ما كان موضع الجتهاد،
واختلف وجهات النظر في دللته ،فهي في سعة من أن تأخذ من الراء المنقولة
في فهم النص الثابت بما تراه أرجح دينا ،أو في تحقيق مقاصد الشرع الذي أنزل
لرعاية مصالح الخلق في الدارين ،كما يستطيع أهل الجتهاد أن يفهموا النص
فهما جديدا لم ينقل عن السابقين ،وأن يستنبطوا في ضوئه ما لم يستنبطه سلفهم،
مادام ذلك في دائرة الحدود والصول المجمع عليها في فهم النصوص وتفسيرها.
إن المهم في السياسة الشرعية إذا أل تعارض القواعد والنصوص ،وإن لم
تجئ بتفصيلتها النصوص الجزئية ،فليس المفروض في السياسة العادلة أن تأتي
بما نطق به الشرع ،بل المفروض أل تأتي بما يخالف الشرع(.)1
لقد تركت الشريعة مجالً واسعا للعلماء والحكام كي يعالجوا بآرائهم
وحكمتهم في ضوء التوجيهات القرآنية والنبوية العامة أل وهو المباح :فالقانون
الداري والقانون التجاري والبحري… أغلبها تدخل دائرة ما ترك لهل الرأي
من علماء المة وحكامها لتسييره وفق ما يرون أنه الفضل والصلح ،ولكن ل
)(1انظر :التشريع السلمي :د .شعبان محمد إسماعيل ،ص .38 – 37
22
يجعل هذا دينا يتعبد ال به فإذا ترقت الحياة عرف الناس طرق أفضل للدارة
والتجارة كان لهم أن يرقوا أنظمتهم وإدارتهم لن ذلك اجتهادات بشرية متروكة
للناس(.)1
المبحث الثاني
حقيقة " القضايا الفقهية المعاصرة "
23
المطلب الول
24
فمصطلح قضايا فقهية معاصرة :يعني أن هناك قضايا مستجدة تستحق
أن توجه إليها العناية في البحث والتأصيل والتقويم ،والسلم هو الدين الذي
أنزله ال عز وجل لتقويم الحياة النسانية بما فيها من حركة ونشاط :ومما يقطع
به أن له أحكاما وضوابط في كل ما يكتشفه النسان من حيث كيفية الستفادة منه
والتعامل معه ،ول شك أن علماء الشرع مدعوون دائما إلى استنباط تلك الحكام
والبحث عن تلك الضوابط ،مستنيرين بمقاصد شريعة ال وقواعدها العامة
ومناهج السلف الصالح التي اتخذوها في مواجهة المستجدات للحكم عليها وضبط
التعامل معها( ،)1وإن حاجة العصر إلى الجتهاد حاجة أكيدة لما يعرض من
قضايا لم تعرض لمن تقدم عصرنا ،وكذلك ما سيحدث من قضايا جديدة في
المستقبل(.)2
المطلب الثاني
اللفاظ ذات الصلة
)(1أبحاث فقهية في قضايا طيبة معاصرة :محمد نعيم ياسين ،ص .6
)(2قرار المجمع الفقهي في دورته الثامنة المنعقد عام 1405هـ بشأن موضوع الجتهاد.
25
لقد أطلق الفقهاء على تلك المسائل التي استجدت بالناس في عصورهم
المتتالية عدة ألفاظ ومصطلحات ،كما تعددت تعبيراتهم وتسمياتهم لهذا اللون من
التأليف في الفقه :ومن التسميات التي ذكرت ما يلي:
-1الفتاوى :
هي جمع فتوى -بالواو – بفتح الفاء ،وبالياء ،فتضم وهي اسم من أفتى
العالم إذا بين الحكم(.)1
وفي الصطلح " :هو إظهار الحكام الشرعية بالنتزاع من الكتاب
والسنة والجماع والقياس" ( ،)2وقيل :هي الخبار بحكم ال تعالى عن دليل
شرعي(.)3
ولعل إطلق اسم الفتاوى على " القضايا الفقهية المعاصرة " هو الشهر
ل بين الناس ،من أمثلتها :الفتاوى الهندية ،وفتاوى ابن حجر والكثر تداو ً
الهيثمي ,وفتاوى شيخ السلم ابن تيمية …
-2الفتاوى المعاصرة :
بعضهم يسميها الفتاوى المعاصرة لنها تتعرض لمسائل الوقت الحاضر
وقضاياه أو العصر الحالي ،فقد برزت في هذا العصر نوازل كثيرة تحتاج إلى
اجتهاد فقهي وحكم شرعي ،لعل أشهر من ألف تحت هذا العنوان الشيخ يوسف
القرضاوي في كتابه المشهور في جزأين إلى الن ،وهو من أنفس الكتب.
-3القضايا المستجدة :
القضايا جمع قضية وهي المر المتنازع عليه ،وأضيف إليها المستجدة
لنها مسائل مستحدثة جديدة الوقوع.
-4المسائل -أو السئلة :
26
سماها بعض العلماء القدماء بالمسائل لنها تتناول قضايا مطلوبة تطلب
ل أو تطلب فتوى ،وبعضهم يسميها بالسئلة لنها أسئلة يطرحها الناس ويتكفل حً
العلماء بالرد عليها ،ومن أشهر من ألف بهذا السم :مسائل :القاضي أبو الوليد
بن رشد.
-5الجوبة -أو الجوابات :
كذلك سـماها بعـض علماء الندلس بالجوابات لنهـا مسـائل أجاب عنهـا
العلماء بطلب مـن الناس ،وفـي اللغـة يقولون :ل يسـمى جواب إل بعـد طلب(،)1
ومن أشهر من ألف تحت هذا السم :أحمد بن محمد العباسي السمللي في كتابه
"الجوبة العباسية".
-6المشكلت:
كما عبر عنها المام شلتوت في كتابه الفتاوى حيث قال " :مشكلت المسلم
المعاصر التي تعترضه في حياته اليومية " ،وكذلك سماها محمد فاروق النبهان
في كتابه المدخل للتشريع السلمي( ،)2والمشكلت جمع مشكلة وهي في اللغة
من أشكل ،يقال أشكل المر :إذا التبس(.)3
-7الواقعات :
وقال ابن عابدين :الفتاوى أو الواقعات :وهي مسائل استنبطها المجتهدون
المتأخرون لما سئلوا عن ذلك( ،)4والواقعات جمع واقعة وهي لغة بمعنى نزل،
أما في الصطلح فهي الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها ،وقيل
هي الفتاوى المستنبطة للحوادث المستجدة(.)5
-8المستجدات :
27
وهي المسائل الحادثة التي لم يكن لها وجود من قبل وهذه المسائل يكثر
السؤال عن حكمها الشرعي(.)1
-9الحوادث :
قال الشيخ محمد البركتي " :الحوادث هي النوازل التي يستفتى فيها "(.)2
-10فقه النوازل :
ويسمي كثير من العلماء " القضايا الفقهية المعاصرة " فقه النوازل وذلك
لن النازلة هي المر الشديد الذي يقع بالناس( ،)3وبيان حكمها الشرعي يعني فقه
النوازل فأطلق عليه هذا المصطلح ،واشتهر استعماله عند فقهاء المغرب خاصة.
)(1مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق :أسامة عمر سليمان الشقر ،ص .27
)(2قواعد الفقه :محمد البركتي .269 /1
)(3لسان العرب :مادة نزل .5/1829
28
المبحث الثالث
أهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "
29
المطلب الول
أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها
سأذكر فيما يلي مجموعة كبيرة من القضايا والنوازل المعاصرة وأحيل في
(* )
الهامش على المجامع أو فتاوى العلماء الذين بحثوا هذه القضايا للستفادة منها:
-1قضايا في العبادات :
الصلة في الطائرة(.)1
استئجار الكنائس للصلة فيها (في بلد الغرب)(.)2
أوقات الصلة والصيام في البلد ذات خطوط العرض العالية الدرجات(.)3
تحديد أوائل الشهور القمرية بالحساب(.)4
()5
راكب الطائرة متى يفطر؟
()6
الحقنة هل تفطر؟
زكاة السهم والسندات .
()7
)*( 1تتنوع النوازل باعتبارات شتى :بالنظر إلى أبواب الفقه ،وبالنظر إلى الرجل والمرأة ،وبالنظر إلى
الفراد والتركيب ...واخترت الترتيب المثبت أعله اجتهادا مني ليس إل.
() فتاوى إسلمية :الشيخ ابن باز ،1/271فتاوى شرعية وبحوث :الشيخ حسنين هيكل .1/22
)( 2قرار رقم )11/3( 23مجمع الفقه السلمي.
)( 3قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء).
)( 4فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي ،1/221الموسوعة الفقهية الكويتية مادة رؤية ،22/22فقه
النوازل :بكر أبو زيد ،الجزء الول.
)( 5اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء (رمضان 1420هـ).
)( 6فتوى للشيخ يوسف القرضاوي ((.www.islamonline.net
() انظر قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة 1419هـ. 7
)( 8مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورته الخامسة مكة المكرمة 1419هـ القرار السادس.
)( 9مجلة البحوث السلمية بالرياض (المجلد الول ،العدد الثاني) ،أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة:
لمجموعة من العلماء.
30
صرف الزكاة على بناء المساجد(.)1
مشكلة لحوم الضاحي في الحج(.)2
-2قضايا في مجال السرة والمرأة :
الزواج المدني(.)3
النكاح بإضمار نية الفرقة(.)4
زواج المسيار(.)5
التحريم بنقل الدم(.)6
تنظيم النسل(.)7
إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب(.)8
المشاركة السياسية للمرأة(.)9
وسائل تنظيم النسل(.)10
() قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهلي ،ص ( 101دار القلم). 2
() فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والفتاء بالرياض ،وفتوى للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه ال، 4
وآخر فتوى نشرت للشيخ ابن باز رحمه ال بتاريخ 5صفر 1420هـ.
() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي ( ،)www.qaradawi.netمستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق: 5
() فتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية 12ذو القعدة 1355هـ ،قرار هيئة كبار العلماء 7
() قضايا فقهية معاصرة :د.محمد سعيد رمضان البوطي ،1/165فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي 9
.2/409
() قرار مجمع الفقه السلمي بجدة في دورته الخامسة المنعقدة بالكويت ( 6-1جمادى الولى 1409هـ). 10
31
البيع بالتقسيط(.)12
بيع الحقوق المجردة(.)2
بيع الخلو(.)3
الترخيص التجاري(.)4
التأمين(.)5
تغير قيمة العملة(.)6
اليجار المنتهي بالتمليك(.)7
إجراء العقود بآلت التصال الحديثة (الفاكس والنترنت)(.)8
السواق المالية – البورصة(.)9
بطاقات الئتمان(.)10
() انظر قرار المجمع الفقهي في دورته الخامسة المنعقدة عام 1402هـ ،ومجلس مجمع الفقه السلمي في 11
دورته مؤتمره الخامس بالكويت ( 6-1جمادى الولى 1409هـ الموافق 15/12/1988م) ،أبحاث هيئة
كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .1/27
() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة (12-7ذي القعدة 1412هـ الموافق 12
14/5/1992-9م).
() قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي بجدة ،بحوث فقهية في قضايا 2
() المعاملت المالية المعاصرة في الفقه السلمي :د.محمد عثمان شبير ،ص .55 4
() مجلس مجمع الفقه السلمي الدورة الثانية بجدة ( 16-10ربيع الثاني 1406هـ الموافق -22 5
28/12/1985م).
() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان الردن ( 13-8صفر 1407هـ 6
الموافق 16/10/1986-11م).
() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ( 6-1جمادى الولى 1409هـ 7
20/3/1990م).
() مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره السادس السابق. 9
() البطاقات البنكية :د.عبد الوهاب أبو سليمان (دار القلم ،ومجمع الفقه السلمي بجدة). 10
32
عقد المزايدة(.)1
بيع الدم(.)2
البنوك الربوية والتعامل معها والعمل فيها(.)3
الفوائد المصرفية(.)4
الشرط الجزائي(.)5
-4قضايا طبية :
قتل الرحمة (تيسير الموت للمريض الميؤوس منه)(.)6
إجهاض الجنين المشوه(.)7
أطفال النابيب(.)8
بنوك الحليب(.)9
أجهزة النعاش(.)10
زراعة العضاء التناسلية(.)11
() مجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن ببروناي ( 7-1محرم 1414هـ الموافق -21 1
27/6/1993م).
() مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي العدد الول 1408هـ ،وقرار المجمع المنعقد برجب 2
1409هـ.
() مجلة المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي العدد الول 1408هـ. 3
() قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان السنبهنلي (دار القلم) ،ص .9 4
() فتاوى معاصرة :الشيخ يوسف القرضاوي ،2/577الندوة السنوية بكلية طب جامعة عين شمس ندوة قتل 6
1410هـ).
() قرار المجمع الفقهي رقم ،17/4/3الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية :د.عبد ال الجبرين ص ،7فقه 8
1985م).
() انظر بحث موت الدماغ بين الطب والسلم :ندى محمد نعيم (دار الفكر المعاصر). 10
() قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية 1401هـ ،أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة: 11
33
استخدام الجنة مصدراً لزراعة العضاء(.)12
مداواة الرجل المرأة(.)2
مسؤوليات الطبيب وأخلقه وأدبه(.)3
مرض نقص المناعة المكتسبة (اليدز)(.)4
الستنساخ(.)5
الرتق العذري(.)6
زراعة خليا المخ والجهاز العصبي(.)7
حكم تشريح جسم النسان( ،)8نقل الدم(.)9
إزالة الشحوم الزائدة (سحب الدهون)(.)10
العقاقير والدوية المحتوية على محرم(.)11
اختيار جنس الجنين(.)12
() المؤتمر السادس للمجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي 1410هـ 1990 /م. 12
() مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن (القرار /85/12د .)8 2
() المؤتمر العالمي الول للطب السلمي المنعقد بالكويت ( 10-6ربيع الول 1401هـ الموافق -12 3
16/1/1981م).
() مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره الثامن في بروناي ( 7-1محرم 1414هـ الموافق -21 4
27/6/1993م).
() القرار رقم )2/10( 94 :لمجلس مجمع الفقه السلمي في دورة مؤتمره العاشر بجدة ( 28 -23صفر 5
() مجمع الفقه السلمي بجدة ( 2 -17 )56/5/6شعبان 1410هـ الموافق 3/1990/ 14 -10م. 7
() أبحاث هيئة كبار العلماء ،2/5مجلس مجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي الدورة العاشرة مكة 8
المكرمة ( 24صفر 1408هـ الموافق 17/10/1987م) ،حكم تشريح النسان :د.عبد العزيز خليفة القصار
(دار ابن حزم).
() مجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي مكة المكرمة رجب 1409هـ. 9
() فقه النوازل :الجامعة المريكية المفتوحة ،ص .176 – 160 10
() حكم التداوي بالمحرمات :د.عبد الفتاح إدريس ،بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني، 11
ص .340
() فتوى للشيخ يوسف القرضاوي (.)www.islamonline.net /fatwa 12
34
الحكام المتعلقة بالعلج الطبي(.)1
استئجار الرحم( ،)2موت الدماغ(.)3
عمليات التجميل(.)4
-5قضايا أخرى :
التجنس بالجنسية الجنبية(.)5
الرياضات العنيفة (الملكمة ،المصارعة)(.)6
المسرح والسينما(.)7
خطف الطائرات(.)8
حوادث السير(.)9
العمل في المحلت التي تبيع الخمر والخنزير(.)10
() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة ( 12 -7ذي القعدة 1412هـ الموافق 1
() موت الدماغ بين الطب والسلم :ندى محمد نعيم الدقر (دار الفكر المعاصر). 3
() فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه ال (فتاوى إسلمية ،)4/412العمليات التجميلية وحكمها في الشريعة 4
البوطي .1/181
() قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي رابطة العالم السلمي في دورته العاشرة مكة المكرمة 1408هـ 6
1987 /م.
() حكم السلم في وسائل العلم :عبد ال ناصح علوان. 7
() مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن بروناي 7-1محرم 1414هـ الموافق -21 9
27يونيو 1993م.
() فتوى للشيخ عبد الباري الزمزمي عضو رابطة علماء المغرب (.)www.islamonline.net 10
35
المطلب الثاني
خصائص القضايا الفقهية المعاصرة
36
المطلب الثالث
في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة "
للقضايا الفقهية المعاصرة فوائد تتعلق بصفة المسائل الواقعية التي تعرض
صوراً من المجتمع الذي نزلت فيه النازلة ،وله فوائد تتعلق بالفتوى أو الحكم
الشرعي ،وله فوائد تعود على الفقيه المجتهد الناظر في الواقعة وفيما يلي ذكر
لهذه الفوائد:
-1أنه من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم ،لنه
يرد ويجيب عن مشكلت وقضايا مستجدة وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس
الحاجة لمعرفة الحكم الشرعي فيها:
ومن المعلوم أن الناس لم يكونوا علماء كلهم ل في عهد الرسول ول في
عهد الصحابة والتابعين والئمة المرضيين ،ولقد أمر ال الجاهل أن يسأل العالم
عن الحكم فيما ينزل به من قضايا وواقعات ،قال تعالى :فاسألوا أهل الذكر إن
كنتم ل تعلمون [ النحل.]43 :
إذاً يهدف فقه القضايا المعاصرة إلى توليد البدائل الشرعية للمشكلت
المطروحة على الساحة المعاصرة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وقانونيا…
-2كما أن للقضايا الفقهية المعاصرة أهمية أخرى تتصل بصفة النوازل
الواقعية التي تعرض لنا صوراً من المجتمع الذي وقعت فيه تلك النوازل من
الناحية الفكرية والجتماعية والسياسية والقتصادية والتاريخية والدبية:
أ – فمن الناحية الفكرية :يعرفنا فقه القضايا المعاصرة بالعلقة بين
المذاهب الفقهية والفرق الكلمية ويظهر ذلك من خلل المناظرات والمناقشات
العلمية التي كانت تدور بين علماء الفرق والمذاهب في أثناء التعرض لنازلة من
النوازل ،كما يظهر ذلك من خلل مواجهة الفكار المنحرفة مثل ظاهرة الردة
37
والزندقة وكيف واجه العلماء هذه الظواهر بالقواعد الشرعية اللزمة في هذا
الميدان مع الجتهاد العادل(.)1
ب – ومن الناحية الجتماعية :تقدم " النوازل " الكثير من الشارات إلى
أحوال المجتمع السلمي في منطقة النازلة من عادات في الفراح والتراح ،كما
تقدم لنا صورة حية عن حياة الناس وعاداتهم في السلم والحرب والعمران وأنواع
الملبوسات والمطعومات وما إلى ذلك ،المر الذي يجعل منها مصدراً وثيقا لعالم
الجتماع مثلما هو للفقيه والعالم.
وكل ذلك سوف يسجله التاريخ ،وتتناقله الجيال ،وتصبح كتب فقه النوازل
من المصادر والمراجع التي يرجع إليها ،لذا نجد كثيراً من المؤرخين قد
انصرف إلى مصنفات النوازل والفتاوى لدراستها واستنباط ظواهر اجتماعية
منها واستنتاج إفادات تاريخية ،ومن هؤلء المستشرق الفرنسي "جاك بارك" الذي
اعتنى بنوازل المازوني – الذي استفاد كثيراً من كتب فقه النوازل لبراز
جوانب اجتماعية للمغرب في عصر هذه النوازل.
ج – ومن الناحية الدبية :فإن لفقه القضايا المعاصرة فوائد عظيمة :فقد
تحتوي السئلة والجوبة عن تلك النوازل على قطع أدبية بليغة أو شعر نادر
استشهد به ،كما أنها تحافظ لنا على لغة الفقه والفقهاء الدبية الرائعة.
د – ومن الناحية السياسية :تنقل هذه النوازل صورة واقعية لحوادث
تاريخية تمس ذلك المجتمع الذي وقعت فيه النازلة في السلم والحرب مما قد يفيد
السياسي في دراسته ومما يعينه في فهم كثير من أحداث الزمان.
هـ – ومن الناحية القتصادية :تقدم النوازل جملة من الصور عن الحالة
القتصادية التي تمر بها البلد السلمية ،وعن الملكية والتجارة والبنوك وهذا
كله يمكن معرفته من خلل تلك النوازل والمسائل المتعلقة بالمواضيع
القتصادية :كطغيان البنوك الربوية على واقع المسلمين اليوم وكثرة السئلة التي
يطرحها المسلمون ويطرحها الواقع المر الذي يتخبط فيه الجانب القتصادي في
38
المجتمعات المسلمة ،ومشكلة الديون التي تتعب كاهل الدول السلمية وغيرها
من المواضيع القتصادية التي تحتاج إلى فقه واجتهاد في نوازلها وواقعاتها
المريرة.
و – ومن الناحية التاريخية :تقدم " النوازل " أحداثا تاريخية وقعت للمة
السلمية ونزلت بها وتم الجواب عنها ،وتقدم أحياناً أحداثا أغفلها المؤرخون
الذين ينصب اهتمامهم غالبا بالشؤون السياسية وما يتصل بالحكام والمراء
ومثال عن ذلك ما يحدث اليوم في أفغانستان من تقاتل بين الفصائل الفغانية ،أو
مثل الحرب العراقية اليرانية التي وقعت في الثمانينات أو اجتياح العراق
للكويت وما ترتب عليه من استعانة بالكفار ،وما حدث ويحدث لخواننا المسلمين
في يوغسلفيا من اضطهاد واغتصاب وما يستلزم ذلك من فقه واجتهاد يجيب
عن تلك الشدائد والنوازل التي تنزل بالمة السلمية في عصورها المتتالية.
-3ومن فوائد فقه القضايا المعاصرة ذلك الثر العلمي الذي تخلفه هذه
الجابات لنها تحفظ لنا مسائل واجتهادات العلماء بنصها لتكون سجلً للفتوى
والقضاء ومرجعاً مهما للمهتمين بها من أهل الختصاص ل يمكن الستغناء
عنها بحال.
-4كما أن فقه القضايا المعاصرة يعرفنا بأسماء لمعة من العلماء
المجتهدين المفتيين ،الذين تصدوا لهذه النوازل وأغاثوا المة ،وكيف أنهم بذلوا
الجهد والوسع للوصول إلى الحكم الشرعي وذلك باتباع أصول الجتهاد دون
تعصب أو هوى.
-5وإضافة للفائدة السابقة فإن فقه القضايا المعاصرة يلقي الضواء على
شخصية صاحب ذلك الفقه ،وتدلنا على اتجاهه وموقفه وعلى أصوله التي اعتمد
عليها في اجتهاده وما إلى ذلك..
-6كما أن لهذا الفقه فائدة أخرى :وهي فيما إذا نوقشت هذه المسائل في
المجامع الفقهية التي يتم تشكيلها من علماء يمثلون جميع الدول السلمية ،فإن
ذلك من شأنه تلقيح أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم البعض ،وكذلك من
39
أجل التعاون والتكاتف للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح ،وهذا يعصمهم من
الخطأ أو الختلف ،كما يساعد على وضع الصول والضوابط الجتهادية مما
يسهل على الفقيه والمجتهد النوازلي عمله في استنباط الحكام الشرعية.
لهذا كله دونت أجوبة العلماء وفتاوى الفقهاء في تلك العصور الزاهرة
وكانت مرجعاً عظيما لمعرفة الحكام ،وثروة فقهية واسعة ،وكانت في الوقت
نفسه مصادر يرجع إليها مختصون في علم التاريخ والجتماع والقتصاد
والسياسة وينهلون منها ما يفيدهم ويعينهم على الفهم الصحيح والعلم الناجح.
وتدوين هذه النوازل ونشرها فيه الفائدة العظيمة ويكون وصلً لما انقطع
من سلسلة البحوث الفقهية التي بدأها سلفنا العلماء العلم.
-7كسب الجر والمثوبة من ال عز وجل ،فإن الدارس " للنازلة "
المتجرد الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشرعي إذا بذل جهده ووصل إلى حكم
فيها فهو مأجور ،إن أصاب فله أجران ،وإن أخطأ فله أجر واحد.
ل العلماءَ :فقد أخذ الُ الميثاقَ
-8الحرص على تأدية المانة التي حمّلها ا ُ
على العلماء ببيان الحكام الشرعية وعدم كتمانها ،وقد حصر التكليف بهم ،فكان
لزاما عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلً ،وذلك إبراء
للذمة بالقيام بتكاليف إبلغ العلم وعدم كتمانه.
-9كما أن هذه النوازل تثري الفقيه بعلم من سبقه من العلماء ،ومن ثم
يستطيع الستفادة والفتاء بفتاوى من سبقه إذا كانت مطابقة ومتناسبة مع النازلة،
أو على القل أن يسلك مسالكهم ومناهجهم في دراسة نوازل عصرهم على نازلة
عصره حتى يصل إلى استنباط الحكم الشرعي المناسب لها ،والناظر بعين
فاحصة ونظرة شمولية في هذا الجانب من الكتابة في النوازل والفتاوى الفقهية
وما كان فيها للعلماء والفقهاء من مؤلفات جليلة متكاملة مع بعضها واستفادة
اللحق من السابق فيها يجد تلك الحقيقة جلية بارزة للفكر والعيان(.)1
() مقدمة كتاب " النوازل الجديدة الكبرى :للوزاني " :تحقيق الستاذ عمر بن عباد (وزارة الوقاف والشؤون 1
40
41
المبحث الرابع
الجتهاد في القضايا المعاصرة
المطلب الول
شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة
42
فيه من أهل النظر والجتهاد بصيرا بوجه القياس عارفا بوضع الدلة في
مواضعها ،ويكون عنده من علم اللسان ما يفهم به معاني الكلم ،فإذا اجتمعت
فيه هذه الخصال مع العدالة والخير والدين صح استفتاؤه فيما ينزل من الحكام
وجاز للعاصي تقليده فيها "(.)1
إذا لبد وأن تتوافر في المجتهد الذي يبحث في حكم النوازل شروط
الجتهاد المطلوبة في العلماء المجتهدين لنه ل يتأتى اجتهاد بدون آلته ،وحتى ل
تتعثر الجتهادات وتحيد عن أمر ال تعالى إذ ل يمكن فهم مقاصد الشرع في
الكتاب الكريم وسنة الرسول إل بها.
وشروط المجتهد كما نص عليها علماء الصول( )2في كتبهم هي:
-1أن يكون بالغا :لن غير البالغ لم يكمل عقله حتى يؤخذ بقوله.
-2أن يكون عاقلً :لن غيره ل تمييز لـه يهتدي به إلى ما يريد فل
يعتبر قوله ،والمراد من الشرط الول هو الوصول إلى مجرد العقل
بالبلوغ ،أما الشرط الثاني فالمراد منه كماله.
-3أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة يقول ابن النجار " :وليس
المراد أن يعرف سائر آيات القرآن وجميع أحاديث السنة وإنما
المراد ما يحتاج إلى معرفته … " ،وليس المراد بعلمه بذلك حفظه،
بل المراد أن يكون بحيث يمكن استحضاره للحتجاج به ل حفظه(.)3
-4يشترط في المجتهد أيضا أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ منها-
أي من الكتاب والسنة -حتى ل يستدل بدليل منسوخ.
-5العلم باللغة العربية :من نحو وصرف وغيرهما من علوم اللغة
العربية ،وأن يكون عارفا بعلوم البلغة من معان وبيان وبديع وبذا
() انظر المراجع التالية في شروط المجتهد :الرسالة ص ،509جمع الجوامع ،2/382الحكام للمدى 2
43
يستطيع النظر في الدليل نظرا صحيحا ويستخرج منه الحكام
استخراجا قويا ،ويكفيه في ذلك الدرجة الوسطى ل أن يبلغ مبلغ
الئمة في اللغة العربية كالخليل وسيبويه والخفش(.)1
-6أن يكون عالما خبيرا بمواقع الجماع حتى ل يفتي ويجتهد بخلف
ما أجمع عليه فيكون قد خرق الجماع ،وخرق الجماع حرام(.)2
-7أن يكون عالما بأسباب النزول في اليات والحاديث ليعرف المراد
من ذلك ،وما يتعلق بهما من تخصيص أو تعميم :ولن بعض
النصوص نزل عاما وقد أريد به الخصوص ول يفهم ذلك إل من
خلل العلم بسبب نزول النص.
-8يشترط فيه أن يكون عالما بأصول الفقه :أي بأن تكون لـه قدرة
على استخراج أحكام الفقه من أدلتها وذلك بمعرفة القواعد الصولية،
وعليه أن يطول الباع في هذا الشرط ويضطلع على مختصراته
ومطولته بما تبلغ به طاقته فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الجتهاد
وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه(.)3
-9أن يكون عالما بمقاصد الشريعة وعارفا بمصالح الناس وعرفهم
حتى يستنبط الحكام التي توافق مقصد الشارع وحتى ل يوقع الناس
في الحرج والعسر :يقول المام السيوطي نقلً عن الشافعي" :
مقاصد الشرع قبلة المجتهدين من توجه إلى جهة منها أصاب الحق
"(.)4
شروط أخرى :
() انظر ضوابط الجتهاد والفتوى لستاذنا د .أحمد طه ريان ،ص .44 1
() الجتهاد (الرد على من أخلد إلى الرض وجهل أن الجتهاد في كل عصر فرض) :جلل الدين 4
44
ويمكننا أن نضيف إلى تلك الشروط التي ذكرها العلماء في المجتهد
شروطا أخرى والتي ل بد وأن تتوافر في المجتهد النوازلي بصفة خاصة وهي:
-1الملكة الفقهية :
وذلك بأن يكون ذا ملكة فقهية :وقد تكونت لديه من خلل ممارسته
لساليب الفقهاء واصطلحاتهم ،وأن يكون شديد الفهم بالطبع لمقاصد الكلم لن
من دون هذه المرتبة لن تتأتى لديه القدرة على الستنباط المقصود بالجتهاد(.)1
-2سعة الفق :
ويجب أن تتوفر في المجتهد النوازلي سعة الفق ،وتتحقق سعة الفق بعدم
الجمود على ظواهر ألفاظ النص ،وبالقدرة على تقليب وجوه النظر في المشكلة،
وإدراك تعدد وجوه القياس ،وانتقاء القوى أثرا والكثر تحقيقا للمصلحة وإن
خفي مأخذه ودق تخريجه(.)2
-3الدربة على الفتوى والستنباط والتخريج :
ل بد من التدريب على تخريج الحكام لن التدريب يكسب الفقيه المرونة
الفقهية اللزمة في معالجة المشكلت الحديثة ،وضرورة التدريب على تخريج
الحكام كضرورة التدريب على حل مسائل الرياضيات :فكما ل يكفي العلم
بالقوانين الرياضية دون التدرب عليها فكذلك ل يكفي العلم بالقواعد الصولية
دون التدرب على تطبيقها واستنباط وتخريج الحكام منها.
وقد تنبه المام أبو حنيفة – رحمه ال -قديما إلى أهمية التدريب على
تخريج الحكام فكان يدرب خواص تلميذه على ذلك :بطرح المشكلة عليهم ثم
يتلقى الحكام والجابات منهم ثم يناقش هذه الجوبة معهم فيصحح منها ما
يصحح ويرد ما يرد ول يكره أحدا على قول( ،)3والهدف من ذلك هو الدربة على
الفتوى والستنباط…
() انظر ضوابط الجتهاد والفتوى ص ،44وانظر الكتاب الذي أصدرته وزارة الوقاف والشؤون السلمية 1
45
-4الفطنة والذكاء :
لبد وأن يكون المجتهد النوازلي ذا فطنة وذكاء حادين يستطيع بهما فهم
المسائل من جميع جوانبها ليتوصل بذلك إلى الحكم الصحيح ،ومن عُدم الفطنة
والذكاء فقد يغيب عليه فهم النازلة وقد يغيب عليه فهم الدليل فهما صحيحا فيكون
حكمه مجانبا للصواب.
-5معرفة الناس :
وهذا أصل عظيم يحتاج إليه الفقيه النوازلي ،فإن لم يكن فقيها فيه ،فقيها
في المر والنهي يطبق أحدهما على الخر ،كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
فإنه إذا لم يكن فقيها بمعرفة الناس فقد يتصور لـه الظالم بصورة المظلوم
وعكسه ،والمحق بصورة المبطل وعكسه ،وراج عليه المكر والخداع والحتيال،
وتصور لـه الزنديق في صورة الصديق ،والكاذب في صورة الصادق ،ولبس
كل مبطل ثوب زور تحتها الثم والكذب والفجور ،وهو لجهله بالناس وأحوالهم
وعوائدهم وعرفياتهم ،فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والحوال
وذلك كله من دين ال كما تقدم بيانه(.)1
فرع :وجوب ضبط المتصدين للفتوى والجتهاد في القضايا
المعاصرة :
يقول الراغـب الصـفهاني " :لشيـء أوجـب على السـلطان مـن مراعاة
المتصدين للرياسة بالعلم فمن الخلل بها ينتشر الشر ويكثر الشرار ،ويقع بين
الناس التباغض والتنافر وذلك أن السواس أربعة :النبياء وحكمهم على الخاصة
والعامـة ظاهرهـم وباطنهـم ،والولة وحكمهـم على ظاهـر الخاصـة والعامـة دون
باطن هم ،والحكماء وحكمهم على بواطن الخاصة ،والوعاظ وحكمهم على بوا طن
العامة.
46
وصلح العامة بمراعاة أمر هذه السياسات لتخدم العامة الخاصة ،وتسوس
الخاصة العامة ،وفساده في عكس ذلك ولما تركت مراعاة المتصدي للحكمة
والوعظ ،وترشح قوم للزعامة في العلم من غير استحقاق منهم لها فأحدثوا
بجهلهم بدعا استغروا بها العامة واستجلبوا بها منفعة ورياسة ،ووجدوا من العامة
مساعدة لمشاكلتهم لهم وقرب جوهرهم منهم ،فكل قرين إلى شكله كأنس الخنافس
بالعقرب وفتحوا بذلك طرقا منسدة ورفعوا بها ستورا مسبلة وطلبوا منزلة
الخاصة فوصلوا إليها بالوقاحة وبما فيهم من الشرة ،فبدّعوا العلماء وكفّروهم
اغتصابا لسلطانهم ومنازعة في مكانهم ،فاغروا بهم أتباعهم حتى وطؤهم
بأخفافهم وأظلفهم فتولد من ذلك البوار والجور العام…"(.)1
إن أمر الدين عظيم وخطير ،ومن أجل هذا حرّم ال القول فيه بغير علم،
قال تعالى :قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي
بغير الحق ،وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل
تعلمون [ العراف.]33 :
لذا يجب أن يتولى النظر في فقه النوازل من تحصّل على آلة الجتهاد
وتوفرت فيه شروط الجتهاد المعروفة والمذكورة في كتب أصول الفقه والتي
أشرنا إليها قريبا " ،أما أدعياء الجتهاد الذين ل يملكون إل الجراءة على
النصوص بالصول وإتيان البيوت من غير أبوابها فهؤلء ينبغي أن يُرفضوا
حفاظا على قداسة الدين وحرمة الشريعة " (.)2
وينبغي لولياء المور القيام بواجبهم في هذا فل يسمحوا بالفتوى
ل لذلك ،وأما من كان بعيدا عن الجتهاد ول يحمل آلته والجتهاد إل لمن كان أه ً
فينبغي منعه بقوة السلطان :حفاظا على الدين وعلى أنفس وأرواح الناس…
فرع :ضرورة اللمام بعلم مقاصد الشريعة للمجتهدين في القضايا المعاصرة :
() الذريعة إلى مكارم الشريعة :أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الصفهاني ،ص .51 1
() مدخل لدراسة الشريعة السلمية :د .يوسف القرضاوي ،ص .281 2
47
أمر المقاصد الشرعية أمر في غاية الهمية بالنسبة لحملة العلم الشرعي
والمتفقهين والمجتهدين في النوازل والوقائع المستجدة :
إذ إنها كالبوصلة التي تحدد للمسافر صحة اتجاهه من عدمه فهي بالضافة
– إلى شروط الجتهاد التي يجب توافرها في المجتهد – تساعد الباحث عن
أحكام الشريعة في تحديد صحة سيره ،وسلمة طريقه في التعامل مع نصوص
الكتاب والسنة وعباراتها واستخراج واستنباط مدلولتها ومعانيها ومراميها.
إن اللتفات إلى فقه المقاصد يساعد على تجاوز كثير من المزالق التي قد
يقع فيها بعض الفقهاء والمجتهدين أو طلبة العلم حين يقصرون نظرهم على دليل
جزئي شرعي ،غير ملتفتين إلى موقعه في سياقه العام من كليات الشريعة
ومقاصدها العامة ،وما قد يترتب على تنزيله في الواقع بالكيفية التي ارتأوها غير
عابئين بالموازنة بين المصالح والمفاسد الذي هو ثمرة لفقه المقاصد والذي هو
في الحقيقة لب السياسة الشرعية وروحها وحقيقتها في التعامل مع الحداث
والوقائع والمستجدات في الحياة ببصيرة وهدى وفقه وعقل وما أقل من جمع ذلك
في زماننا…
وإن مثل من يتصدى للفتوى والجتهاد في النوازل من غير إلمام بمقاصد
الشرع ول معرفة حقيقية بالواقع مثل من يبحث عن الثمرة في غير شجرتها ،أو
كمن يحاول استنبات البذرة في غير بيئتها ومكانها المناسب الذي ل تنمو وتنتج
()1
إل فيه ،وأنى لهذا أو لذاك أن يبلغ المراد أو يصل للغاية والهدف...
وإذا عرضت على الفقيه واقعة ليس فيها نص حكم للشارع فإنه يعطي هذه
الواقعة حكما يتفق مع مقاصد الشارع ،وذلك بأن يكون الحكم محققا لمصلحة من
جنس المصالح التي دلت النصوص على اعتبارها ،ومن ذلك أن الصحابة حكموا
بتضمين الصناع السلع التي تتلف بأيديهم ،محافظة على الموال ،وحكموا بقتل
الجماعة إذا اشتركوا في قتل الواحد ،حفظا للرواح ،وحفظ المال والنفس من
المصالح التي لحظها الشارع في تشريعه ،وسار على وفقها في تشريع الحكام.
() المختصر الوجيز في مقاصد التشريع :د .عوض بن محمد القرني ،ص .13 1
48
وأخيرا فإن الفقيه يزن الدلة الجزئية الظنية بمقاصد الشارع التي قامت
أدلته على اعتبارها ،فما كان منها مخالفا لهذه المقاصد رده ولم يعتمد عليه في
الستنباط ،فقد ردت عائشة -رضي ال عنها -حديث " إن الميت ليعذب ببكاء
أهله عليه " ( )1لنه يخالف مقصدا شرعيا دل عليه قوله تعالى :أل تزر وازرة
وزر أخرى وأن ليس للنسان إل ما سعى [ النجم ،]39-38 :وأهمل "مالك" اعتبار
حديث " من مات وعليه صوم صام وليه عنه " ( )2لمخالفته لهذا المقصد أيضا(.)3
إن المجتهد في حاجة إلى معرفة مقاصد الشارع وإلى الطرق التي بها
تعرف المقاصد حتى تكون مقاصده تابعة لمقاصد الشارع ومحكومة بها ،وذلك
لن اجتهاده في المور التي ليست دللتها واضحة إنما يقع موقعه على فرض أن
يكون ما ظهر لـه هو القرب إلى قصد الشارع ،والولى بأدلة الشريعة دون ما
ظهر لغيره من المجتهدين فيجب عليه اتباع ما هو القرب ،وأما غير المجتهد
فهو بحاجة لعلم المقاصد للتعرف على أسرار التشريع وحكمه.
وكذلك لتنشيط العقل المسلم وتخليصه من المراض والعلل الناجمة عن
النظر الجزئي ،وتناسي الغايات وتجاهل المقاصد والتشبث بالمور الشكلية
واللفظية والحالة على التعبد لدنى ملبسة وتجاهل الحكم أو الكسل عن طلبها
والتفتيش عنها.
وإن العلم بمقاصد الشريعة وأهدافها وغاياتها يساعد كثيرا على إخراج
العقل المسلم من تلك الوهدة ويعالجه من تلك المراض ويعيد إليه نقاءه وصفاءه
وتألقه وقدرته على العطاء والجتهاد وتوخي المقاصد والغايات(.)4
() البخاري في الجنائز باب قول النبي يعذب الميت ( ،1/432 )1226ومسلم في الجنائز باب الميت 1
يعذب ببكاء أهله عليه ( 2/639 )926من حديث عبدال بن عمر وقول عائشة أخرجه البخاري ()3759
ومسلم (.)932
() أخرجه البخاري في الصوم باب من مات وعليه صوم ( ،2/690 )1851ومسلم في الصيام باب قضاء 2
49
قال عبد الوهاب خلف " :ومعرفة المقصد العام من التشريع من أهم ما
يستعان به على فهم نصوصه حق فهمها ،وتطبيقها على الوقائع ،واستنباط
الحكم فيما ل نص فيه " ( )1لن دللة اللفاظ والعبارات على المعاني قد تحتمل
عدة وجوه ،والذي يرجح واحدا من هذه الوجوه هو الوقوف على مقصد الشارع،
ولن بعض النصوص قد تتعارض ظواهرها ،والذي يرفع هذا التعارض ويوفق
بينها أو يرجح أحدها هو الوقوف على مقصد الشارع ،ولن كثيرا من الوقائع
التي تحدث ربما ل تتناولها عبارات النصوص ،وتمس الحاجة إلى معرفة
أحكامها بأي دليل من الدلة الشرعية ،والهادي في هذا الستدلل هو معرفة
مقصد الشارع.
ولهذا يعنى رجال السلطة التشريعية في الحكومات الحاضرة بوضع
المذكرات التفسيرية ،التي تبين المقصد من تشريع القانون بوجه عام ،وتبين
المقصد الخاص من كل مادة من مواده ،وهذه المذكرات التفسيرية وجميع
البحوث والمناقشات التي تبودلت أثناء تحضير القانون وتشريعه هي عون رجال
القضاء على فهم القانون وتطبيقه بنصوصه وروحه ومعقوله.
وكذلك نصوص الحكام الشرعية ل تفهم على وجهها الصحيح إل إذا
عرف المقصد العام للشارع من تشريع الحكام وعرفت الوقائع الجزئية التي من
أجلها نزلت الحكام القرآنية أو وردت السنة القولية أو العملية (.)2
() علم أصول الفقه :عبد الوهاب خلف ،ص .197 1
() المرجع السابق ،ص .198وهذا ل يعني إطلقا أننا نوافق على القوانين المخالفة للشريعة السلمية التي 2
تصدرها بعض الحكومات ،بل ندعو القانونيين دائما للرجوع إلى الشريعة السلمية وجعلها الساس في بناء
القوانين فهي ديننا وعقيدتنا ومنهج حياتنا الذي نسأل عنه يوم القيامة ...
50
المطلب الثاني
اجتهاد الصحابة في النوازل
قال ابن القيم الجوزية في كتابه إعلم الموقعين …" :وقد كان أصحاب
رسول ال يجتهدون في النوازل ،ويقيسون بعض الحكام على بعض،
ويعتبرون النظير بنظيره ".
وقد اجتهد الصحابة -رضي ال عنهم جميعا -في زمن النبي في كثير
من الحكام ولم يعنّفهم ،كما أمرهم يوم الحزاب أن يصلّوا العصر في بني
قريظة( ،)1فاجتهد بعضهم وصلّها في الطريق ،وقال :لم يرد منا التأخير ،وإنما
أراد سرعة النهوض ،فنظروا إلى المعنى ،واجتهد آخرون وأخّروها إلى بني
قريظة فصلوها ليلً ،نظروا إلى اللفظ ،وهؤلء سلف أهل الظاهر ،وهؤلء سلف
أصحاب المعاني والقياس.
ولما كان علي باليمن أتاه ثلثة من نفر يختصمون في غلم ،فقال كل
منهم :هو ابني ،فأقرع علي بينهم ،فجعل الولد للقارع ،وجعل عليه للرجلين ثلثي
الدية ،فبلغ النبي فضحك حتى بدت نواذجه من قضاء علي ( ،)2واجتهد سعد
بن معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده ،فصوبه النبي وقال " :لقد
ح َكمْتَ فيهم بحكم ال من فوق سبع سماوات " (.)3
َ
واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر ،فحضرت الصلة وليس معهما
ماء فصليّا ،ثم وجدا الماء في الوقت ،فأعاد أحدهما ولم يعد الخر ،فصوبهما
() أخرجه البخاري في الجمعة باب صلة الطالب والمطلوب ( ،1/321 )904ومسلم في الجهاد والسير باب 1
المبادرة بالغزو ( 1/1391 )1770من حديث ابن عمر – رضي ال عنهما .-
() أخرجه البيهقي في السنن ( )10/276وقال :فيه داود بن يزيد الودي غير محتج به. 2
() أخرجه البخاري في الجهاد باب إذا نزل العدو على حكم رجل ( ،)2878ومسلم في الجهاد والسير باب 3
51
النبي ،وقال للذي لم يعد " :أصبت السنة ،وأجزأتك صلتك " وقال للخر" :
لك الجر مرتين" (.)1
ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد
وأسامة – رضي ال عنهما -ابنه بعضها من بعض سرّ بذلك رسول ال حتى
برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق ،وكان زيد أبيض وابنه
أسامة أسود ،فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد
والبياض الذي ل تأثير له في الحكم(.)2
وقال أبو بكر الصديق في الكللة :أقول فيها برأيي ،فإن يكن صواباً
فمن ال ،وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان ،أراه ما خل الوالد والولد(.)3
ستُخلِف عمر قال :إني لستحيي من ال أن أردّ شيئا قاله أبو و لما ا ْ
بكر ،وقال الشعبي عن شريح قال :قال لي عمر :اقض بما استبان لك من كتاب
ال ،فإن لم تعلم كل كتاب ال فاقض بما استبان لك من قضاء رسول ال فإن
لم تعلم كل أقضية رسول ال فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين ،فإن لم
تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك ،واستشر أهل العلم والصلح .
()4
وقد اجتهد ابن مسعود في المفوضة وقال :أقول فيها برأيي ،ووفّقه ال
للصواب ،وقال سفيان عن عبد الرحمن الصبهاني عن عكرمة قال :أرسلني ابن
عباس – رضي ال عنهما -إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ،فقال:
للزوج النصف ،وللم ثلث ما بقي ،وللب بقية المال ،فقال :تجده في كتاب ال
أو تقول برأيك؟ قال :أقوله برأيي ،ول أفضّل أماً على أب(.)5
52
المطلب الثالث
طريقة الجتهاد في السلم
يقول تعالى :يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر
منكم ،فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال ورسوله [ النساء.]59 :
وبيّن رسول ال لمعاذ كيفية الجتهاد في النوازل في الحديث المشهور:
فعن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول ال لما أراد
أن يبعث معاذا إلى اليمن قال " :كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ " قال:
أقضي بكتاب ال ،وقال " :فإن لم تجد في كتاب ال ؟ " قال :فبسنة رسول ال
،قال " :فإن لم تجد في سنة رسول ال ،ول في كتاب ال ؟ " قال :اجتهد
رأيي ول آلو ،فضرب رسول ال صدره وقال " :الحمد ل الذي وفق رسول
رسول ال لما يرضي رسول ال " (.)1
وكذلك كان دأب الخلفاء إذا عرضت لهم نازلة :فإنهم أول ما ينظرون فيه
كتاب ال ،فإن لم يجدوا فيه حكما قضوا بالسنة فإن لم يكن في القرآن والسنة
حكم في ذلك المر ،اجتمعوا ونظروا في المسألة بالجتهاد الجماعي.
وعن شريح أن عمر بن الخطاب كتب إليه " :إذا أتاك أمر فاقض فيه بما
في كتاب ال ،فإن أتاك ما ليس في كتاب ال فاقض بما سن فيه رسول ال ،
فإن أتاك ما ليس في كتاب ال ،ولم يسن فيه رسول ال فاقض بما اجتمع عليه
الناس إن أتاك ما ليس في كتاب ال ولم يسنه رسول ال ولم يتكلم فيه أحد فأي
المرين شئت فخذ به " (.)2
() أخرجه أحمد ( ،5/230 )22060وأبو داود في باب اجتهاد الرأي في القضاء (،3/303 )3592 1
والترمذي باب ما جاء في القاضي كيف يقضي ( 3/616 )1327وقال :وليس إسناده عندي بمتصل وصححه
ابن القيم وبسط القول فيه.
53
وعن عبيد ال بن أبي يزيد قال " :سمعت ابن عباس إذا سئل عن شيء،
فإن كان في كتاب ال قال به ،فإن لم يكن في كتاب ال وكان عن رسول ال
قال به ،فإن لم يكن في كتاب ال ول عن رسول ال ،وكان عن أبي بكر
وعمر -رضي ال عنهما -قال به ،فإن لم يكن في كتاب ال ول عن رسول ال
ول عن أبي بكر ول عن عمر اجتهد رأيه " (.)1
() أخرجه النسائي في سننه ( ،)5944والدارمي ( ،)167وابن أبي شيبة ( ،)7/241والبيهقي (،)10/110 2
والخطيب في الفقيه والمتفقه ( ،)2/202وجامع بيان العلم وفضله ( ،)2/849والبيهقي في السنن ()10/115
وصححه.
54
المطلب الرابع
ضوابط الجتهاد في النوازل
)(1الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط :د .يوسف القرضاوي ،ص .87
55
إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة :فعلى المجتهد إذا أراد النظر فيها أن
يستجمع كل ما يتعلق بها من :آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآثار السلف ،وأوجه
القياس الممكنة ،ونواح لغوية ،ويبحث عن حكم القضية المستجدة في اجتهادات
الئمة وكتب الفقه القديمة.
يقول المام الشافعي ..." :ول يكون لحد أن يقيس حتى يكون عالما بما
مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلف العلماء ولسان
العرب ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات ،ول يعجل ،ول يمتنع من
الستماع ممن خالفه ليتنبه بذلك على غفلة إن كانت ،وأن يبلغ غاية جهده،
وينصف من نفسه حتى يعرف من أين قال ما قال.)1( "...
وقال علي بن الحسن بن شقيق سمعت عبدال بن المبارك يُسأل :متى يسع
الرجل أن يفتي؟ ،قال :إذا كان عالما بالثر بصيرا بالرأي " (.)2
قال ابن عبد البر " :ل يكون فقيها في الحادث ما لم يكن عالما
بالماضي " (.)3
و كم من الم سائل والقضا يا يظن ها البا حث جديدة حاد ثة ف تبين ب عد الب حث
والتنقيب أنها ليست كذلك.
-2استفراغ الوسع :
فل اجتهاد في أي قض ية من القضا يا إل ب عد ا ستفراغ الو سع :وذلك بأن
يبذل المجتهد أقصى ما في وسعه في تتبع الدلة والبحث عنها في مظانّها وبيان
منزلتها ،والموازنة بينها إذا تعارضت بالستفادة مما وضعه علماء الصول من
قواعد التعادل والترجيح(.)4
والتسـرع فـي إبداء الحكـم وعدم التثبـت والتروي فـي النازلة ممـا يوقـع
المجتهد في الخطأ.
56
وإذا كانت النازلة غامضة أو غير مفهومة أو لم يعلم الفقيه حكمها فإنه ل
يحل لـه التسرع في إبداء الرأي فيها ،بل لبد من سؤال أقرانه وطلب مساعدتهم
للوصول إلى الحق ،ومتى أقدم على الفتوى وهو غير عالم فقد تعرض لعقوبة ال
ودخل تحت قوله تعالى :إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم
والبغي بغير الحق ،وأن تشركوا بال ما لم ينزل به سلطانا ،وأن تقولوا على ال
ما ل تعلمون [ العراف.]33:
وعن أبي هريرة قال النبي " :من أفتى بغير علم فإن إثمه على من
أفتاه " ( ،)1وعن ابن عباس قال " :من أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها
عليه " (.)2
إن الفتاوى تختلف في وزنها فمنها ما ل يحتاج إل قليل من التدبر ،وهي
الفتاوى المطروقة الممهدة السبيل ،التي أدلتها واضحة جلية يقع عليها النظر
بمجرد البحث عنها ،ومنها ما يحتاج إلى تدقيق نظر وعمق بحث :لنها تتطلب
وقتا ،كما عرض للمام مالك – رحمه ال – فإنه روي أنه قال :إني لفكر في
مسألة بضع عشرة سنة فما اتفق لي رأي إلى الن(.)3
لحَظ إذا توقف المام مالك وهو من هو في علمه وبعد نظره وسعة والمُ َ
مداركه:
قال عبد الرحمن بن مهدي :جاء رجل إلى مالك :فسأله عن شيء فمكث
أياما ما يجيبه ،فقال :يا أبا عبدال إني أريد الخروج ،فأطرق طويلً ورفع رأسه
فقال :ما شاء ال ! ،يا هذا إني أتكلم فيما احتسب فيه الخير ولست أحسن مسألتك
هذه( ،)4وقال ابن وهب :سمعت مالكا يقول :العجلة في الفتوى نوع من الجهل
والخرق(.)5
() أخرجه أبو داود في كتاب العلم باب التوفي في الفتيا ( ،3/321 )3657وابن ماجة في أول كتاب منه باب 1
57
-3التزام النصوص وعدم الجتهاد في المسائل القطعية :
فعلى المجتهد في القضايا المستجدة اللتزام بما تدل عليه النصوص
الشرعية بحسب دللتها مباشرة أو بحسب ظواهرها العامة – أي بنصها أو
ظاهرها : -
فإن أول ما يجب البحث فيه عن حكم المسألة هو في النصوص من كتاب
أو سنة ،كما كان يفعل الصحابة الكرام في اجتهادهم بعد النبي صلى ال عليه
()1
وآله وسلم.
فل يجوز فتح باب الجتهاد في حكم ثبت بدللة القرآن القاطعة ،مثل
فرضية الصيام على المة ،أو تحريم الخمر ،أو لحم الخنزير ،أو أكل الربا ،أو
إيجاب قطع يد السارق إذا انتفت الشبهات واستوفيت الشروط ،ومثل توزيع تركة
الب الميت بين أولده للذكر مثل حظ النثيين ،ونحو ذلك من أحكام القرآن
والسنة اليقينية ،التي أجمعت عليها المة ،وأصبحت معلومة من الدين
بالضرورة ،وصارت هي عماد الوحدة الفكرية والسلوكية للمة.
ومقتضى هذا أل ننساق وراء المتلعبين الذين يريدون تحويل محكمات
النصوص إلى متشابهات ،وقطعيات الحكام إلى ظنيات ،قابلة للخذ والرد،
والرخاء والشد...
يجب أن نذكر أن مجال الجتهاد هو الحكام الظنية الدليل ،أما ما كان
دليله قطعيا فل سبيل إلى الجتهاد فيه( ،)2ويجب تطبيق الحكم الوارد فيه دون
تردد...
-4مراعاة العراف والعادات :
العرف :هو ما اعتاده الناس ،و ساروا عل يه ،من كل ف عل شاع بين هم ،أو
لفـظ تعارفوا إطلقـه على معنـى خاص ل تألفـه اللغـة ،ول يتبادر غيره عنـد
سماعه ،وهذا يشمل العرف العملي والعرف القولي.
)(1سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة :أ.د .وهبة الزحيلي ،ص .63
)(2الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط ،ص .92
58
والشارع الحكيم راعى الصحيح من عرف العرب في التشريع ففرض
الدية على العاقلة ،وشرط الكفاءة في الزواج ،واعتبر العصبية في الولية
والرث ،والعرف حجة في الشريعة ،فتفهم النصوص الشرعية من القرآن والسنة
بدللة العرف القائم حين ورود النص ،ول يلتفت لتبدل العراف ،ويخصص
النص عند الحنفية والمالكية بالعرف العام العملي ،فل تلزم المرأة الشريفة القدر
بإرضاع ولدها ،ويقصد بالطعام الذي يحرم في الربا البُر ،كما يخصص القياس،
ويترك النص المذهبي بالعرف الخاص المعارض له ،فيحكم بطهارة خرء الحمام
()1
في المسجد ،وتصح الجارة المشروطة بشرط متعارف عليه...
ولهذا قال العلماء :العادة محكمة ،والثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي،
وقالوا أيضا :كل ما ورد به الشرع مطلقا ول ضابط له فيه ول في اللغة يرجع
فيه إلى العرف( ،)2والمام مالك بنى كثيرا من أحكامه على عمل أهل المدينة،
والشافعي لما نزل بمصر غير بعض الحكام التي كان قد ذهب إليها وهو في
العراق لتغير العرف وأصبح معروفا في المذهب الشافعي :قال الشافعي في القديم
وقال الشافعي في الجديد ،...وفي فقه الحنفية أحكام كثيرة مبنية على العرف
منها :إذا اختلف المتداعيان ول بينة لحدهما فالقول لمن يشهد له العرف(.)3
فعلينا ونحن نجتهد أن نعترف بما طرأ على حياتنا من تغيرات في الفكار
والعراف والعلقات والسلوك ،وأن نقدر ظروف العصر وضروراته ،وما عمت
به البلوى ،وأن نطبّق على الواقع ما قرره علماؤنا من تغير الفتوى بتغير الزمان
والمكان والعرف والحال(.)4
ورحم ال ابن أبي زيد القيرواني صاحب " الرسالة " المشهورة في الفقه
المالكي ,حيث كان يسكن في أطراف المدينة ،فاتخذ كلبَا للحراسة فقيل لـه:
)(1سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات المعاصرة ،ص .49
)( 2الشباه والنظائر :للسيوطي ،1/98حواشي الشرواني ،2/397القناع ،24/284المغني ،4/18التمهيد
للسنوي .1/230
)(3التلقين ،2/433النصاف .9/383
)(4الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط ،ص .96
59
كيف تفعل ذلك ومالك يكرهه؟ فقال :لو كان مالك في زماننا لتخذ أسدا ضاريا
!(.)1
يقول ابن القيم الجوزية " :تتغير الفتوى لتغير العرف والعادة " (.)2
ثم نقل رحمه ال قول المالكية في العرف حيث قال " :قالوا :وعلى هذا
أبدا تجيء الفتاوى في طول اليام ،فمهما تجدد في العرف فاعتبره ومهما سقط
فألغه ول تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك ،بل إذا جاءك رجل من غير
إقليمك يستفتيك فل تجره على عرف بلدك ،وسله عن عرف بلده فأجره عليه
وأفته به ،دون عرف بلدك المذكور في كتبك ،قالوا :فهذا هو الحق الواضح
والجمود على المنقولت أبدا ضلل في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين
والسلف الماضين ،قالوا :وعلى هذه القاعدة تخرج أيمان الطلق والعتاق وصيغ
الصرائح والكنايات ،فقد يصير الصحيح كناية يفتقر إلى النية ،وقد تصير الكناية
صريحا تستغني عن النية...
ثم عقب ابن القيم على هذا بما يلي " :وهذا محض الفقه ،ومن أفتى الناس
بمجرد المنقول في الكتب على اختلف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم
وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين أعظم من
طبب الناس كلهم على اختلف بلدهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في
كتاب من كتب الطب على أبدانهم ،بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل
أضر ما على أديان الناس وأبدانهم وال المستعان(.)3
-5مراعاة الضرورة أو الحاجة :
ولقد عرف العلماء الضرورة " :ما يترتب على عدم مراعاتها خطر أو
ضرر شديد محقق كالموت جوعا ".
أما الحاجة " :فهي ما يترتب على تركها مشقة وحرج أو عسر وصعوبة ".
)(1كفاية الطالب الرباني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني :لبي الحسن المالكي .2/648
)(2إعلم الموقعين .3/41
)(3المرجع السابق .3/78
60
من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشريعة السلمية والتي ينبغي للمجتهد
في النوازل مراعاتها والهتمام بها :موضوع الضرورات والحاجة والظروف
الستثنائية التي قد تعترض الناس في حياتهم اليومية ،وقد شرعت الشريعة
السلمية أحكاما استثنائية مناسبة لتلك الحالت وفقا لتجاه الشريعة العام في
التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم ،ولكونها شريعة تهتم بالواقع البشري.
ولقد استثنت حالت الضرورة في كثير من تشريعاتها ،حتى يبقى المكلف
دائما داخل إطار الشريعة في كل أعماله(.)1
ومن الدلة على مراعاة الشريعة للضرورة قوله تعالى :فمن اضطر غير
باغ ول عاد فل إثم عليه إن ال غفور رحيم [ البقرة.]173 :
وقولـه سبحانه :وقد فصل لكم ما حرم عليكم إل ما اضطررتم إليه
[النعام.]119 :
غبوق وعن سمرة بن جندب قال " :يجزئ من الضرورة صبوح أو
" (.)2
يقول شيخ السلم ابن تميمة " :ومن استقرأ الشريعة في مواردها
ومصادرها وجدها مبنية على قوله تعالى :فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم
عليه [ البقرة ،]173 :و قوله :فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لثم فإن ال
غفور رحيم [ المائدة ،]3 :فكل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه
معصية وهي ترك واجب أو فعل محرم – لم يحرم عليهم لنهم في معنى
المضطر الذي ليس بباغ و ل عاد " (.)3
القاعدة الفقهية المقررة تقول " :الضرورات تبيح المحظورات" (.)4
61
وتطبيقات الضرورة أو الحاجة من النوازل والفتاوي كثيرة فيما يلي بعض
المثلة عنها:
-تناول بعض المآكل أو المشارب المحظورة لنقاذ النفس من
الهلك أو الموت جوعا ،فيباح تناول شيء من الميتة أو
الخنزير أو الخمر ،أو أخذ مال شخص آخر غير مضطر
مثله ،لدفع خطر الهلك ،إما محققا ،أو بظن غالب ،أو الوقوع
في وهن ل يحتمل.
-كشف العورات أمام الطبيب للعلج والمداواة.
-كما يباح النظر لوجه المرأة للمعاملة والشهاد والخطبة
والتعليم ونحوها ،للحاجة لذلك ،ولكن بقدر الحاجة في كل ما
ذكر ،لن (الضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها)(.)1
-6مراعاة تحقيق مصالح الناس :
الشريعة السلمية التي خصها ال بالعموم لجميع الناس في كل زمان
ومكان وجعلها خاتمة الشرائع السماوية يرى الباحث في أحكامها أنها تساير
وتراعي مصالح الناس وتهدف إلى تحقيق هذه المصالح :ومن مظاهر هذا المر
تدرجها في تشريع الحكام ،ووجود النسخ في عصر الرسالة ،فقد يشرع الشارع
حكما لملءمته للناس وقت التشريع أو لمقصد خاص ثم تزول ملءمته أو ينتهي
الغرض المقصود منه( ،)2فينسخ ذلك الحكم بحكم آخر.
يقول تعالى :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها [ البقرة:
.]106
ومعنى هذا أن ال سبحانه وتعالى قد شرع بعض الحكام ثم أبطلها
ونسخها لما اقتضت المصلحة ذلك.
62
أما بعد عصر النبوة فإن التشريع جاء ليراعي مصالح الناس لن أحكامه
شرعت لعلل وحكم صرحت النصوص ببعضها وهذا التعليل يفيد أن الحكم يدور
مع علته وجودا وعدما ،فإذا كانت المصلحة التي شرع لها الحكم دائمة ل تتغير
فل يتغير الحكم أبدا لعدم وجود ما يقضي التغيير ،وإذا ثبت أنها تتغير تبعا لتغير
الظروف والحوال تغير الحكم معها وإل لم تكن فائدة من شرعيته.
ومن هنا منع عمر بن الخطاب سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن كان رسول
ال يعطيهم لما زال السبب(.)1
ولتحقيق مصالح الناس اختلف أسلوب التشريع ففي الشياء التي ل تتغير
مصالحها فصلها وبينها أجلى بيان كالعبادات وبعض النظمة المتعلقة بالسرة من
زواج وطلق وميراث كما حدد عقوبات لبعض الجنايات التي ل تتغير مفسدتها
على مر اليام :كالقتل والزنا والسرقة وقطع الطريق والقذف.
أما الشياء التي تتغير مصالحها أو تختلف باختلف الزمان كالمعاملت،
وما يتعلق بالنظام الجتماعي أتى التشريع على صفة قواعد عامة صالحة
للتطبيق ليطبقها المجتهدون وأولو المر حسبما تقتضيه مصالح الناس(.)2
لذا لبد على الفقيه النوازلي أن يراعي مصلحة الناس في اجتهاده في
النوازل لكن شرط أن ل تتعارض مصلحتهم مع أصل شرعي أو قاعدة محكمة.
وقد ألف العلماء قديما وحديثا كتبا كثيرة تبين ضوابط العمل بالمصلحة لبد
من مراجعتها والستفادة منها(.)3
يقول ابن القيم " :إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد
في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها فكل
63
مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ،وعن الرحمة إلى ضررها وعن المصلحة
إلى المفسدة ،وعن الحكمة إلى العبث فهي ليست من الشريعة.)1( "...
64
ولم يصنعه المسلمون بإرادتهم وعقولهم وأيديهم ،إنما هو واقع صنع لهم ،وفرض
عليهم ،في زمن غفلة وضعف وتفكك منهم ،وزمن قوة ويقظة وتمكن من عدوهم
المستعمر ،فلم يملكوا أيامها أن يغيروه أو يتخلصوا منه ،ثم ورثه البناء من
الباء ،والحفاد من الجداد ،وبقى المر كما كان.
فليس معنى الجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع على ما به ،وجر
النصوص من تلبيبها لتأييده ،وافتعال الفتاوى لضفاء الشرعية على وجوده،
والعتراف بنسبه مع أنه دعي زنيم.
إن ال جعلنا أمة وسطا لنكون شهداء على الناس ،ولم يرض لنا أن نكون
ذيلً لغيرنا من المم ،فل يسوغ لنا أن نلغي تميزنا ونتبع سنن من قبلنا شبرا
بشبر وذراعا بذراع.
وأدهى من ذلك أن نحاول تبرير هذا وتجويزه بأسانيد شرعية ،أي أننا
نحاول الخروج على الشرع بمستندات من الشرع! وهذا غير مقبول(.)1
65
المطلب الخامس
منهج دراسة القضايا الفقهية
بعد أن عرفنا الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى للحكم في القضايا
المستجدة :فيما يلي بيان للخطوات التي ينبغي أن يتبعها ذلك المتصدي ليكون
حكمه موفقا للصواب بإذن ال تعالى(.)1
-1التجرد في دراسة النازلة ،والخلص ل في ذلك :وأن يكون الهدف من
وراء انشغاله بتلك النازلة هو إرضاء ال تعالى أولً وآخرا ،ليس من أجل فلن،
أو لنصرة مذهب معين أو للوصول إلى مكانة أو رئاسة قال تعالى :وما أمروا
إل ليعبدوا ال مخلصين لـه الدين [ البينة ،]5 :يقول ابن القيم " :فأما النية فهي
رأس المر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده
وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب
التوفيق وبعدمها يحصل الخذلن " (.)2
-2على المجتهد إظهار الفتقار ل تعالى ملهم الصواب :يقول ابن القيم:
" ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الفتقار الحقيقي ل
العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ،ومعلم الخير وهادي القلوب :أن يلهمه
الصواب ويفتح لـه طريق السداد ،ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه
() سيكون بحثي لهذا المنهج بشكل مختصر خشية التطويل ،ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة المصادر 1
التالية ( إعلم الموقعين لبن القيم الجوزية ،265 – 4/157منهج معالجة القضايا المعاصرة في ضوء
الفقه السلمي :د .محمد رواس قلعة جي ( مجلة كلية الدراسات السلمية والعربية العدد الخامس الصفحة
،)59المعاملت المالية المعاصرة في الفقه السلمي :د .محمد عثمان شبير ،ص .)40
() إعلم الموقعين :ابن القيم .4/199 2
66
المسألة ،فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق ،)1( "...وكان سعيد بن
المسيب ل يفتي فتيا إل قال " :اللهم سلمني " (.)2
-3فقه حقيقة النازلة :وذلك بتصورها تصورا واضحا ،لن الحكم على الشيء
فرع عن تصوره :وتحقق ذلك بثلثة أمور:
جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن ،لتعرف حقيقتها وأقسامها أ-
ونشأتها والظروف المحيطة بها..
ب -سؤال أهل الختصاص والستعانة بهم في موضوع النازلة فإذا كانت
المسألة طبية فينبغي الرجوع للطباء والمختصين وهكذا...
ج -تحليل القضية المركبة إلى عناصرها الساسية التي تتكون منها:
فعلى المجتهد أن يتأمل النازلة تأملً شافيا حتى ولو بدت من أول وهلة
أنها سهلة ميسر الحكم فيها ،وذلك لن التسرع في إبداء الحكم وعدم التثبت من
النازلة طويلً ،كثيرا ما يوقع المجتهد في الخطأ :فعن ابن عباس قال " :من
أفتى بفتيا وهو يعمى عنها كان إثمها عليه" (.)3
-4تكييف النازلة تكييفا فقهيا :والمراد بالتكييف الفقهي للمسألة :تحريرها،
وتصورها التصور الكامل ،وتحرير الصل الذي تنتمي إليه( ،)4وهذا التكييف يفيد
في تحرير مسار البحث بتعيين مصادره المعينة في معرفة الحكم ،كما أنه يضيق
دائرة البحث في المصادر والمراجع الواسعة(.)5
-5عرض النازلة على المصادر الشرعية من الكتاب والسنة والجماع ،كما
فعل الصحابة والتابعين -رضي ال عنهم ،-وقد ل يجد الباحث نصا صريحا
)(1المرجع السابق.
)( 2أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ،3/511والفسوي في المعرفة والتاريخ ،1/256والبيهقي في المدخل
(.)824
)( 3أخرجه إسحاق في مسنده ( ،)335والدارمي في السنن ( ،)160والخطيب في الفقيه والمتفقه (،)2/155
وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ،2/8والبيهقي في المدخل ( )186وإسناده صحيح.
)(4معجم لغة الفقهاء :محمد رواس قلعه جي ود .حامد قنيبي ،ص .143
)(5مقدمة في فقه النوازل :د.ناصر العمر (.)www.almoslim.net
67
في المسألة لنها نازلة ،ولكنه قد يجد دللة النصوص عليها باللتزام أو
()1
التضمن...
-6عرض النازلة على أقوال الصحابة واجتهاداتهم :فقد كان عمر ينظر في
كتاب ال وسنة رسول ال فإن لم يجد ،نظر في قضاء أبي بكر ،وكان
()2
التابعون ينظرون في اجتهادات الصحابة...
-7البحث في حكم النازلة في اجتهادات الئمة :قال ابن البر " :ل يكون فقيها
في الحادث ما لم يكن عالما بالماضي " ( ،)3وللباحث حين إذن حالن:
الولى :أن يجد نصها في النازلة ذاتها وذلك مثل بنوك الحليب ،فقد تكلم
ابن قدامه في المغني في كتاب الرضاع عن مسألة مشابهة جدا لهذه النازلة،
وكذلك نازلة عقد التأمين فقد تكلم عليه ابن عابدين في معرض كلمه عن
السوكرة .
الثانية أن ل يجد الباحث نصا في النازلة بذاتها ولكنه يجد نصا قريبا منها
فحينئذ يتمكن بواسطته من فهم النازلة ،أو يخرجها على مسألة من المسائل التي
قد تتفرع عنها فيسهل الحكم عليها(.)4
-8البحث في قرارات المجامع الفقهية والندوات الفقهية المتخصصة :والتي
يصدر عنها قرارات وفتاوى فقهية تغني الباحث وترضيه.
-9البحث في الرسائل العلمية المتخصصة كرسائل الدكتوراه والماجستير في
علوم الشريعة وخاصة فيما يتعلق بالنوازل المعاصرة.
-10إذا لم يجد الباحث حكما للنازلة فيما سبق من خطوات فإنه يعيد النظر في
النازلة ،ثم يفترض فيها أقسام الحكم التكليفي من وجوب أو ندب أو إباحة أو
تحريم.
68
ويبحث في كل افتراض ما يترتب عليه مصالح ومفاسد ويوازن بينهما
مراعيا عند إجراء تلك الموازنة القواعد التالية:
-1عدم مصادمة النصوص الشرعية.
-2اعتبار مقاصد الشريعة السلمية.
-3درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض.
-4الضرورات تبيح المحظورات.
-5الضرورة تقدر بقدرها.
-6رفع الحرج.
-11وإذا لم يتوصل الباحث إلى حكم شرعي في النازلة توقف فيها لعل ال
يهيئ من العلماء من يتصدى للفتاء فيها(.)1
() انظر :المعاملت المعاصرة في الفقه السلمي ص ،46 – 44مقدمة في فقه النوازل :د .ناصر العمر 1
(.)www.almoslim.net
69
المبحث الخامس
الجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة
المطلب الول
تعريف الجتهاد الجماعي
الجتهاد الفردي :أن يبذل أحد المجتهدين غاية وسعه في استنباط حكم
شرعي من أدلته في مسألة من المسائل ،أما الجتهاد الجماعي فهو " :اتفاق أكثر
من مجتهد بعد تشاور بينهم على حكم شرعي مع بذلهم غاية وسعهم في استنباطه
من أدلته" (.)1
وقال الدكتور شعبان محمد إسماعيل في تعريف الجتهاد الجماعي " :وهو
الذي يتشاور فيه أهل العلم في القضايا المطروحة ،وخصوصا فيما يكون لـه
طابع العموم يهم جمهور الناس " (.)2
ولقد كان الجتهاد الجماعي معروفا عند الصحابة فقد كانوا إذا نزلت بهم
نازلة اجتمع أهل العلم والرأي منهم وتشاوروا في حكم تلك المسألة وغالبا ما
كانوا يتفقون على رأي واحد فيها والمثلة على ذلك كثيرة.
ثم اتسم الجتهاد بالطابع الفردي بعد أن كان شورى بين الصحابة :عن
ميمون بن مهران أنه قال :كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم :نظر في
كتاب ال فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ،وإن لم يكن في الكتاب ،وعلم
من رسول ال في ذلك المر سنة قضى بها ،فإن أعياه خرج فسأل المسلمين
وقال :أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول ال قضى في ذلك بقضاء؟ فربما
اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول ال فيه قضاء ،فيقول أبو بكر :الحمد ل
() من كتاب خاص أصدرته جامعة المارات العربية المتحدة بعنوان :الجتهاد الجماعي في العالم السلمي 1
.1/31
() الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه :د .شعبان محمد إسماعيل ،ص .21 2
70
الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ،فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول ال :
جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(.)1
ومما يؤيد ويدلل على الجتهاد الجماعي ما روي عن علي بن أبي طالب
قال :قلت يا رسول ال :إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره ول
سنة كيف تأمرني؟ قال :تجعلونه شورى بين أهل الفقه والعابدين من المؤمنين،
ول تقضي فيه برأيك خاصة " (.)2
وكان عمر بن الخطاب إذا لم يجد في المسألة كتابا ول سنة ول قضاء
من أبي بكر دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم فاستشارهم فإذا اجتمع رأيهم على
أمر قضى به(.)3
وقد حرص عمر على أن يكون هذا المنهج الجماعي في الجتهاد هو
السلوب الذي ينبغي أن يسير عليه ولة المور في القاليم :فقد كان يوصي
ولته باتباع هذا السلوب ومن ذلك ما قاله لشريح ،..وروى الدارمي عن
المسيب بن رافع قال :كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول ال أثر
اجتمعوا لها وأجمعوا فالحق فيما رأوا فالحق فيما رأوا " (.)4
يقول المام مالك رحمه ال :إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة
– رضي ال عنهم -كانت ترد عليهم المسائل وهم خير القرن الذي بعث فيهم
()5
النبي وكانوا يجمعون أصحاب النبي ويألون ثم حينئذ يفتون فيها بمعنى
أنه إذا نزلت نازلة أو واقعة ليس عندهم فيها نص عن ال تعالى ول عن سنة
رسول ال جمعوا لها الصحابة ثم جعلوها شورى بينهم عملً بقوله تعالى :
71
المر وأمرهم شورى بينهم [ الشورى ،]38 :وقولـه سبحانه :وشاورهم في
[آل عمران.]159 :
المطلب الثاني
أهمية الجتهاد الجماعي في هذا العصر
إذا كان الجتهاد -بصفة عامة – في هذا العصر ضرورة ملحة ،فإن
الجتهاد الجماعي أشد حاجة وأكثر إلحاحا للسباب التالية :
أولً -الجتهاد الجماعي العلج المناسب للقضايا المعاصرة :
ظهرت في هذا العصر العديد من القضايا التي صاحبت النمو وتطوير
الحياة ،مثل التعامل مع المصارف ،والعقود القتصادية الحديثة ،ومسائل التأمين
بأنواعه المختلفة ،وإجراء العقود بوسائل التصال الحديثة (النترنت ،التلفون،
الفاكس .)...
ومثل مسائل التبرع بالعضاء ،وقتل الرحمة ،والستنساخ ،والتجنس
بالجنسية الجنبية ،ومشاركة المرأة السياسية...
وغير ذلك من المسائل المستحدثة التي ل يكفي فيها الجتهاد الفردي ،بل
لبد فيها من التشاور( )1والبحث العميق للوصول للحكم الصحيح فيها وذلك:
لن هذه المستجدات تكون في الغالب قضايا عامة يهم تنظيمها كل المجتمع
و يمس أثرها كل فرد في علقته بالخرين ،والخطأ فيها يصيب أثره عموم
الناس ،لذلك كان من الجدى أن يكون الجتهاد في مثل هذه القضايا جماعيا لما
فيه من دقة في البحث ،وشمول في النظر وتمحيص للرأي ،يتبلور ذلك من خلل
اشتراك جمع من العلماء في النقاش وتبادل الراء فيأتي حكمهم أكثر دقة في
الستنباط وأكثر قربا للصواب من الجتهاد الفردي.
ولن الكثير من هذه القضايا المستجدة قد يحيط بها الكثير من الملبسات
والتشعبات ممـا يجعـل القدرة على فهـم كـل جوانبهـا ومتعلقاتهـا ل يكتمـل إل أن
)(1الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقيه في تطبيقه :د .شعبان محمد إسماعيل ،ص .120 – 119
72
يكون جماعيا ،ح يث ي صعب على فرد ا ستيعاب كل ما تتطل به تلك القضا يا من
علوم ومعارف.
فالجتهاد الجماعي هو القدر على علج قضايا المة في زمن تعددت فيه
الخبرات وتشعبت فيه العلوم وتعقدت المعاملت أشد التعقيد ،وتغيرت التصورات
الجتماعية للنظمة القانونية ،وأصبح الفقير مهما كان علمه وجودة قريحته ل
مفر لـه من الستعانة بذوي الخبرة والختصاص في كل فن وفي كل علم(،)1
والستعانة بإخوانه من العلماء حتى في مجاله الشرعي فقد يتبدى لغيره ما يغيب
عنه فيسترشد بتلك الراء وتتلقح الفكار وتتجمع على رأي واحد صواب بإذن
ال تعالى.
)(1الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي :الزميل د .عبد المجيد السوسوة ،ص .88 – 87
)(2سبق تخريج الحديث.
)(3الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي ،ص .79 – 78
73
فالشورى فضيلة إنسانية ،والطريق الصحيح لمعرفة أصوب الراء،
والوصول إلى الحقيقة وجلء المر ،لن العقول كالمصابيح إذا اجتمعت ازداد
النور ووضح السبيل ،ومبدأ الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن
يكون نظاما أساسيا للدولة إذ هو طابع أساسي للجماعة كلها(.)1
74
ويرى بعض المفكرين أن الجتهاد الجماعي يمكن أن يكون هو الجسر
الذي يوصل إلى الجماع التام ،وذلك أن الحكم الذي يتوصل إليه بالجتهاد
الجماعي يمكن عرضه على بقية العلماء المجتهدين فإن وافقوا عليه صراحة كان
ذلك إجماعا صريحا ،وإن سكتوا بعد علمهم كان إجماعا سكوتيا(.)1
يقول الشيخ يوسف القرضاوي ..." :وإذا اتفق علماء مجمع على رأي في
مسألة من المسائل الجتهادية اعتبر هذا إجماعا من مجتهدي العصر لـه حجيته
وإلزامه " (.)2
)(1الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي ص ،83فقه الشورى والستشارة :توفيق الشاوي ص .186
)(2الجتهاد في الشريعة السلمية :د .يوسف القرضاوي ،ص .182
75
خلل مجموعة من العلماء المتخصصين تتكامل فيهم المعارف والثقافة :فيكمل
أعضاء المجلس بعضهم بعضا وبالتالي تحدث الحاطة التامة بالمسألة من جميع
جوانبها وملبساتها ومتعلقاتها(.)1
76
المطلب الثالث
وتلبية لهذه الحاجة الماسة للجتهاد الجماعي ظهر في عصرنا الحالي ما
يسمى بالمجامع الفقهية :وهي هيئات تجمع عددا ل بأس به من العلماء يدرسون
القضايا والنوازل المطروحة وبعد البحث والتمحيص والتنقيب والمناقشة
الجماعية يتم إصدار الحكم الشرعي في تلك القضايا ،وفيما يلي نبذة مختصرة
عن أهم هذه المجامع:
-1مجمع البحوث السلمية بمصر :
أنشئ مجمع البحوث السلمية سنة 1961ليحل محل جماعة كبار العلماء
في مصر ويتألف من عدد ل يزيد على خمسين عضوا من كبار علماء السلم
يمثلون جميع المذاهب السلمية ،ولهذا المجمع بحوثه الفقهية القيمة ،وهي تعد
من المراجع المهمة في القضايا الفقهية المعاصرة.
-2مجمع الفقه السلمي الدولي بجدة :
لما انعقد مؤتمر القمة السلمي الثالث بمكة المكرمة سنة 1401هـو
أصدر قراره التاريخي بإنشاء مجمع رسمي يطلق عليه" :مجمع الفقه السلمي"
يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين البارزين في شتى مجالت المعرفة
الفقهية والثقافية والعلمية من مختلف أنحاء العالم السلمي لدراسة مشكلت
الحياة المعاصرة ،والجتهاد فيها اجتهادا أصيلً فعالً يهدف إلى تقديم الحلول
النابعة من التراث السلمي والمتفتحة على تطور الفكر النساني.
ولقد انعقد المؤتمر التأسيسي للمجمع في مكة المكرمة في شعبان 1403هـو
ولقد نص على أن من الهداف التي أنشئ المجمع من أجلها:
77
-1بيان الحكم الشرعي في القضايا الطارئة التي ل نص فيها ول إجماع
والتي اختلفت فيها الراء ولم يتبين الوجه السديد الذي تطمئن إليه
النفوس ويمكن اعتماده بشأنها.
-2شد المة السلمية إلى شريعتها السمحة وتمكينها من حل مشاكلها
عن طريق المنهج الجيد للفقه السلمي والستخدام الصحيح لقواعده
والخضوع في ذلك كله لسرار التشريع السلمي ومقاصده.
-3جمع كلمة المة السلمية بالهتمام بمشاكلها وتدبر أحوالها ودراسة
أوضاعها وفحص قضاياها ،قصد إيجاد الحلول المناسبة لها عن
طريق الجتهاد الجماعي :في مجمع فقهي يضم علماء ومجتهدين من
مختلف القطار السلمية كما يضم أصحاب الختصاص والخبرة
الذين يدعون للمشاركة في كل دورة أو ندوة.
-3المجمع الفقهي السلمي التابع لرابطة العالم السلمي بمكة المكرمة :
أوصت المانة العامة لرابطة العالم السلمي في عام 1383هـو بإنشاء
هيئة فقهية تضم جماعة من العلماء والفقهاء المحققين الجديرين بالفتاء ،من
مختلف أنحاء العالم السلمي ،يتولون دراسة أمور واقع المة السلمية
والمشكلت الطارئة التي تواجهها في أمور حياتها وإيجاد الحلول الصحيحة على
أساس كتاب ال العزيز والسنة النبوية المطهرة والجماع وبقية المصادر المعتمدة
في الفقه والتشريع السلمي العظيم.
ومن الهداف التي أنشئ من أجلها المجمع الفقهي برابطة العالم السلمي
ما يلي:
-1إحياء التراث الفقهي ونشره.
-2إبراز تفوق الفقه السلمي على جميع القوانين الوضعية المنتشرة
في العالم.
-3درا سة جم يع ما يوا جه العالم ال سلمي من م سائل م ستجدة وبيان
حكم الشريعة فيها على هدي الكتاب والسنة والجماع والقياس.
78
ولقد عقد مجلس المجمع عددا ل بأس به من الدورات التي درس فيها
موضوعات كثيرة أصدر بعد إتمام دراستها القرارات والفتاوى المناسبة لها(.)1
-4هيئة كبار العلماء بالرياض :
أنشأت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بأمر ملكي عام 1391
هـ :وتفرعت عن هذه الهيئة لجنة دائمة للبحوث والفتوى في الشؤون الفردية،
ومن مهمتها أيضا الجابة عن أسئلة المستفتين في شؤون العقائد والعبادات
والمعاملت الشخصية ،وتصدر المانة العامة لهيئة كبار العلماء " مجلة البحوث
السلمية " التي تحوي بحوثا فقهية قيّمة.
-5مجلس الفكر السلمي بباكستان :
وهذا المجلس ذو مكانة عالية في باكستان وسلطاته واسعة في إصدار
القوانين ومراجعتها وتعديلها بما يتواءم مع أحكام الشريعة السلمية ،ولقد أنجز
المجلس منذ تأسيسه عام 1973م أبحاثا جليلة في مسائل ونوازل شتى.
-6مجمع الفقه السلمي بالهند :
مؤسسة علمية إسلمية أسسها القاضي مجاهد السلم القاسمي ،تقوم
بخدمات جليلة في مجال معالجة القضايا المعاصرة وتقديم حلولها الشرعية في
ضوء الكتاب والسنة ،من أهم أنشطتها :الندوات الفقهية ،ترجمة أوردوية
للموسوعة الفقهية الكويتية ،ولقد استكمل المجمع عقد ثلثة عشر ندوة تم مناقشة
أربعين موضوعا متعلقا بالقضايا المستجدة(.)2
)(1انظر قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي فأبحاثهم نفيسة ومفيدة.
)(2راجع موقع المجلس على النترنت. /http://ifa-india.org :
79
المبحث السادس
مصادر القضايا الفقهية المعاصرة
المطلب الول
أهم الكتب التي تعرضت " للقضايا الفقهية المعاصرة "
فيما يلي ثبت شامل لهم الكتب والمصنفات القديمة والحديثة في موضوع
القضايا الفقهية المعاصرة ،ول ندعي أنها احتوت فقط نوازل ومشكلت حديثة بل
لقـد شملت إجابات عـن أسـئلة متكررة الحدوث وأخرى تقـع لول مرة فاجتهـد
العلماء أصحاب هذه الكتب في الرد عليها.
ونبدأ بعرض مجموعة كبيرة من الكتب التي عنونت لهذا العلم بفقه
النوازل وهي كلها لمؤلفين ينتسبون للمذهب المالكي ولمنطقة المغرب العربي
والندلس بصفة خاصة ،ومن ثم نذكر بقية الكتب المؤلفة عند المذاهب الفقهية
الخرى:
أولً :كتب المالكية القديمة :
-1العلم بنوازل الحكام :عيسى بن سهل أبي الصبغ الجياني قاضي طنجة
ومكناس وغرناطة (ت 486هـ).
-2نوازل الحكام( :فتاوى أبي مطرف) :عبد الرحمن بن قاسم ( 497هـ).
-3معين الحكام في نوازل القضايا والحكام :لبراهيم بن حسن المكنى بابن عبد
الرفيع ( 513هـ).
-4فتاوى ابن رشد ( 520هـ) – مطبوع .-
-5نوازل ابن الحاج :محمد بن أحمد بن خلف ( 529هـ).
-6مذاهب الحكام في نوازل الحكام :القاضي عياض اليحصبي ( 544هـ) .
-7مفيد الحكام فيما يعرض لهم من نوازل الحكام :لبي الوليد بن هشام الزدي
(606هـ).
80
-8نوازل أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن القباب قاضي جبل طارق ( 799هـ).
-9فتاوي ابن لب :فرج بن قاسم الغرناطي ( 782هـ).
-10الفتاوى :المام أبو اسحق إبراهيم الشاطبي (ت 790هـ) – مطبوع .-
( – 11الدرة المكنونة في نوازل مازونة :ليحيى بن أحمد المغيلي المازوني
883هـ) .
-12جامع مسائل الحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكام :أحمد بن
محمد الشهير بالبرزلي ( 844هـ) .
-13نوازل إبراهيم بن هلل الزلماطي مفتي سلجماسة ( 903هـ).
-14المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل أفريقية والندلس لبن
العباس أحمد ابن يحيى الونشريسي ( 914هـ) (طبع وزارة الوقاف
المغربية).
-15نوازل عيسى بن عبد الرحمن السجستاني ( 1062هـ) .
-16النوازل الكبرى :لعبد القادر بن علي الفاسي الفهري (ت 1091هـ) طبعت
بفاس طبعة حجرية وسميت بالجوبة.
-17نوازل لمحمد التاودي بن الطالب بن سودة :جمعها ولده القاضي أبو العباس:
طبعت طبعة حجرية بفاس عام 1301هـ ومعها النوازل الصغرى للشيخ
عبد القادر بن علي الفاسي.
-18نوازل محمد بن أحمد المنساوي الدلئي (ت 1136هـ) جمعها تلميذه محمد
بن الخياط الدكالي.
-19نوازل أحمد الشدادي القاضي النوازلي (ت 1146هـ).
-20نوازل محمد بن محمد الورزازي ( 1176هـ) .
-21مواهب ذي الجلل في نوازل البلد السائبة والجبال :لمحمد بن عبد ال
بن عبد الرحمن الكيكي (1185هـ).
-22نوازل العربي بن محمد الهاشمي العزوزي الزرهوني (ت 1260هـ).
-23نوازل :لمحمد بن محمد التامرادي (1285هـ).
81
نوازل عمر عبد القادر الرندي (ت 1290هـ). -24
الفتح العلي المالك :الشيخ عليش ( 1299هـ) – مطبوع .- -25
نوازل أبي الحسن علي بن عيسى بن علي بن أحمد الشريف العلمي -26
مطبوع طبعة حجرية.
النوازل الجديدة الكبرى في أجوبة أهل فاس وغيرهم من أهل المدن -27
الكبرى :المهدي ابن محمد الوزاني (ت 1342هـ).
النوازل :للمهدي بن محمد الوزاني (ت 1342هـ) جمع فيه فتاوى -28
المتأخرين من علماء المغرب كالشيخ التاودي والرهوني وآخرين ،حققه
عمر بن عباد في أحد عشر جزءا.
نوازل عبد الصمد بن التهامي بن المدني نزيل طنجة (1352هـ). -29
نوازل لمحمد بن أحمد العبادي قاضي الجماعة بمراكش. -30
نوازل محمد المختار بن العمش الشنقيطي. -31
النوازل :للمكي بن عبدال البناني مفتي الرباط. -32
82
-6العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية :للشيخ العلمة محمد أمين أفندي
(دار المعرفة – بيروت).
-7الفتاوى الخيرية لنفع البرية على مذهب المام أبي حنيفة إبراهيم بن
سليمان بن محمد بن عبد العزيز.
-8فتاوى النووي (المسمى بالمسائل المنثورة) :المام أبو زكريا محيي الدين
بن شرف النووي.
-9الفتاوى الكبرى :ابن حجر الهيثمي ،بهامشه فتاوى العلمة شمس الدين
الرملي..
-10النتف في الفتاوى :لبي الحسن علي بن محمد المسعودي ( 461هـ)
تحقيق صلح الدين الناهي (مؤسسة الرسالة :بيروت).
-11فتاوى ومسائل ابن الصلح :تحقيق عبد المعطي أمين قلعه جي (دار
المعرفة :بيروت).
-12فتاوى السبكي :أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي( :دار
المعرفة :بيروت).
-13الحاوي للفتاوى :الحافظ جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
(طبعت طبعات كثيرة متنوعة).
-14مطلع النوار البهية ومنبع السرار الفقهية :الشيخ محمد صالح بن محمد
الخزرجي الشافعي (1363هـ) -لجنة التراث و التاريخ بدولة
المارات.
-15الفتاوى الكبرى :المام العلمة تقي الدين بن تيمية (طبعت طبعات
كثيرة).
-16القواعد النورانية الفقهية :شيخ السلم أحمد بن عبد الحليم بن عبد
السلم ابن تيمية (طبعت كثيرا).
-17الختيارات الفقهية من فتاوى شيخ السلم ابن تيميه :الشيخ علء الدين
أبو الحسن علي بن محمد ابن عباس البعلي (مكتبة الرياض الحديثة).
83
الفتاوى السعدية :عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي. -18
84
-13من هدى السلم :فتاوى معاصرة -د.يوسف القرضاوي – دار القلم:
الكويت ط الثالثة.
-14أنت تسأل والسلم يجيب -د.محمد سالم محيسن ،دار الجيل بيروت ط
الولى .1414
-15الفتاوى :كل ما هم المسلم في حياته ويومه وغده -الشيخ محمد متولي
الشعراوي ( -دار القلم).
-16فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين -إعداد و ترتيب :أشرف عبد
المقصود ( -دار عالم الكتب بالرياض ط الولى .)1411
-17مجموعة رسائل :الشيخ عبد ال بن زيد آل حمود -رئيس المحاكم
الشرعية بقطر -نشرها زهير الشاويش -المكتب السلمي.
-18من غريب ما سألوني -الشيخ عبد ال النوري ( -ذات السلسل :الكويت
.)1984
-19الفتاوى -المام الكبر محمود شلتوت -الشروق ط السادسة عشرة
.1411/1991
-20المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن حمد بن عتيق -جمع
وترتيب :إسماعيل بن سعد بن عتيق -دار الهداية الرياض .1403
-21أنت تسأل والسلم يجيب – عبد اللطيف مشتهري – دار العتصام ط
الثانية .1402/1982
-22أسئلة طال حولها الجدل -عبد الرحمن عبد الصمد – دار الفتح :الشارقة
ط الولى .1414
-23هداية الطريق من رسائل وفتاوى الشيخ حمد بن عتيق – تقديم إسماعيل بن
سعد بن عتيق – دار الهداية الرياض.
-24الفتاوى – المام الكبر حسن مأمون – المجلس العلى للشؤون السلمية
القاهرة .1389
85
-25بحوث فقهية في قضايا عصرية :صالح بن فوزان بن عبد ال الفوزان –
دار العصمة – النشرة الولى – 1415الرياض.
-26فقه النوازل -بكر أبو زيد( :مكتبة الرسالة :بيروت).
-27فتاوى إسلمية :الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند( :دار الوطن الرياض).
-28مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (دار الثريا
الرياض).
-29رأي الدين بين السائل والمجيب :د.محمد البهي (دار الفكر).
-30فتاوى نور على الدرب :الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (مكتبة ابن تيميه
-الكويت).
-31فتاوى وأحكام :د.محمد إبراهيم الحفناوي (دار الحديث:مصر).
-32السلم والمشكلت السياسية المعاصرة :جمال الدين محمد محمود (دار
الكتاب المصري :القاهرة).
-33القتصاد السلمي والقضايا الفقهية المعاصرة :أ.د.علي أحمد السالوس
(دار الثقافة:الدوحة).
-34مجموعة بحوث فقهية معاصرة :د .عبد الكريم زيدان (مؤسسة الرسالة).
-35قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي بمكة المكرمة.
-36أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة :د .محمد سليمان الشقر :دار
النفائس ط الولى.
-37بحوث في الفقه الطبي :د .عبد الستار أبو غدة :نشر دار القصى ط
الولى .1411
-38فتاوى شرعية :إدارة الوقاف والبحوث :دبي ،مطبعة البيان ط الولى
.1418
-39قرارات وتوصيات مجمع الفقه السلمي( :منظمة المؤتمر السلمي) دار
القلم ط الثانية .1418
86
-40الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية :الشيخ الدكتور عبد ال بن عبد
الرحمن الجبرين :دار الصميعي ط الولى 1418جزءان.
-41الطبيب أدبه وفقهه :د .زهير السباعي ود .محمد علي البار دار القلم ط
الثانية .1418
-42قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي ،ط الخامسة 1414
– مكتبة الفارابي.
-43مسائل فكرية وفقهية :هشام البدراني ،دار البيارق ط الولى 1418هـ.
-44أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د .محمد نعيم ياسين ،دار النفائس
ط الثانية 1410هـ .ز
-45بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة :د.محمد سليمان الشقر
وآخرون :دار النفائس ط الولى 1418هـ.
-46المعاملت المالية المعاصرة:د .محمد عثمان شبير :دار النفائس ط الولى
1416هـ.
-47بحوث فقهية هامة :د.عبد العزيز الخياط دار السلم ط الولى 1406هـ.
-48الحكام السياسية للقليات المسلمة في الفقه السلمي :سليمان توبولياك -
دار النفائس ط الولى 1418هـ.
-49مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق :أسامة عمر سليمان الشقر
-دار النفائس – الردن 1420هـ – 2000م.
-50قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي دار القلم.
-51إتحاف السائل بما ورد من المسائل :محمد أديب كلكل ط الولى.
-52بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني :دار القلم.
-53بحوث فقهية معاصرة :د.إبراهيم فاضل الدبو دار عمار.
-54مع الناس :مشورات وفتاوى :د .محمد سعيد رمضان البوطي – دار الفكر
– دمشق -سورية ،الطبعة الولى 1999م.
-55حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة :أ.د .وهبة الزحيلي ،دار
المكتبي -دمشق – الطبعة الولى 1420هـ 2000 /م.
87
-56العمليات الستشهادية في الميزان الفقهي :نواف هايل تكروري ،الطبعة
الثانية 1418هـ 1997 /م.
-57البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،دار القلم – دمشق
-الطبعة الولى 1419هـ 1998 /م.
المطلب الثاني
المجلت المتخصصة في الدراسات السلمية وبأبحاث الفقه والجتهاد
حاولت أن أرصد جميع المجلت ال سلمية والتي تهتم بالدراسات الفقه ية
والصـولية والشرعيـة وتجمّع عندي هذا العدد ،وذكرت مـع كـل مجلة عنوانهـا
بالتفصيل لمن أراد المراسلة والشتراك أو حتى الكتابة:
-1الحمدية :مجلة علمية دورية محكمة تعنى بالدراسات السلمية وإحياء
التراث.
دار البحوث للدراسات السلمية وإحياء التراث
ص.ب - 25171 :دبي – دولة المارات العربية المتحدة
-2الزهر :مجلة شهرية جامعة :يصدرها مجمع البحوث السلمية.
ت2638599 : إدارة الزهر – القاهرة
-3القتصاد السلمي :مجلة شهرية اقتصادية متخصصة يصدرها بنك دبي
السلمي.
ص.ب - 12988 :دبي – دولة المارات العربية المتحدة
-4آفاق السلم :مجلة ثقافية علمية تبحث في جوهر الدين ومكونات نهضة
المسلمين.
تصدر عن الدار المتحدة للنشر والتوزيع
عمان :الصويفية -شارع التباشير -رقم 4
ص.ب5229 – 11118 :
-5التجديد :مجلة علمية نصف سنوية محكمة :تصدرها الجامعة السلمية
العالمية بماليزيا.
88
Gombak , Selangor , Malaysia 53100
-6الحق :شريعة وقانون مجلة دورية محكمة تعنى بنشر الدراسات الشرعية
والقانونية ،تصدر عن جمعية الحقوقيين بدولة المارات العربية المتحدة:
ص.ب – 2233 :الشارقة ،دولة المارات العربية المتحدة
هاتف009716 – 5354888 :
-7منبر السلم :يصدرها المجلس العلى للشؤون السلمية بوزارة الوقاف
بمصر
9ش النباتات بجاردن سيتي – القاهرة
هاتف7958664 - 7958659 :
-8المجلة السلمية :مجلة تعنى بالدراسات والبحوث السلمية ،تصدرها
رابطة الجامعات السلمية.
ص.ب – 242 :الرباط ،المملكة المغربية
-9مجلة البحوث السلمية :مجلة دورية تصدر عن رئاسة إدارة البحوث
العلمية والفتاء :الرياض.
ص.ب – 22571 :الرياض – الرمز البريدي 11416
-10مجلة البحوث الفقهية المعاصرة :مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه
السلمي.
المملكة العربية السعودية
الرياض 11441 :هاتف4351872 :
-11مجلة جامعة أم القرى للبحوث العلمية المحكمة :
ص.ب 715 :مكة المكرمة ،المملكة العربية السعودية
-12مجلة جامعة المام محمد بن سعود السلمية :مجلة علمية محكمة.
الرياض ،ص.ب18011 / 11415 :
الهاتف4358284 :
89
-13مجلة الشريعة والقانون :حولية محكمة تصدرها كلية الشريعة والقانون
بجامعة المارات العربية المتحدة.
العين ص.ب 15551 :
هاتف643998 :
90
المطلب الثالث
المواقع اللكترونية المهتمة بفقه القضايا المعاصرة
لقد أصبح النترنت الوسيلة الكثر استخداما اليوم في جميع جوانب الحياة،
وذلك للسرعة في الحصول أو الوصول إلى أي معلومة وفي جميع التخصصات:
لذا اجتهدت في جمع عدد ل بأس به من المواقع السلمية المهتمة
بموضوع النوازل والفتاوى والقضايا المعاصرة ،ولقد اخترت وانتقيت هذه
المواقع من مئات المواقع المتوفرة على شبكة النترنت:
كما يجب أن نحذر المستفتي من أخذ الفتوى من موقع دون معرفة
المشرفين عليه والكاتبين فيه وعلى من يعتمد في الفتوى عندهم . .
-موقع الشيخ ابن باز – رحمه ال – http://www.binbaz.org.sa :
يحتوي الموقع على :جامع لفتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه ال
تعالى ،وعلى كتبه ورسائله ،ومشاركاته في برنامج الفتاوى الشهير " :نور على
الدرب ".
-موقع الشيخ ابن عثيمين – رحمه ال – :
http://www.binothaimeen.com
يحتوي الموقـع على مجموع فتاوى الشيـخ محمـد بـن صـالح بـن عثيميـن
رح مه ال ال تي و صلت إلى عشر ين مجلدا يم كن تحميل ها وتنزيل ها من المو قع،
إضافة إلى حلقات برنامج " نور على الدرب " .
-موسوعة فتاوى الزهر http://www.elazhar.com/ftawa.htm :
91
تشمل أولً :الفتاوى السلمية من دار الفتاء المصرية منذ السابع من
جمادى الخرة 1313هجرية الموافق 21نوفمبر عام 1885ميلدية ،ثانيا:
الفتاوى الحكام لفضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالزهر الشريف،
ثالثا :الجامع للفتاوى لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي :يمكن البحث في
نصوص الفتاوى كما يمكن تصفح محتوى موسوعة الفتاوى بترتيب الحكام
والموضوعات.
-موقع إسلم أون لين http://islamonline.net :
تشرف عليه هيئة علمية من كبار العلماء من مختلف أنحاء العالم السلمي
برئاسة الستاذ الدكتور يوسف القرضاوي مهمتها ضمان عدم مخالفة ما ينشر
في هذا الموقع لثوابت الشريعة السلمية ،بالضافة إلى نخبة من الخبراء
والمختصين في السياسة والقتصاد والعلم والجتماع والتكنولوجيا والفنون
وغيرها من المجالت.
يحتوي الموقع على :فتاوى مباشرة ،اسألوا أهل الذكر ،وبنك الفتوى.
-موقع الشؤون السلمية بدبي :
http://www.godubai.com/awqaaf/fatawa.asp
ومما جاء في مقدمة موقعهم هذا :وإنه بحمد ال تعالى قد من ال علينا في
دائرة الوقاف والشؤون السلمية بثلة من هؤلء الفقهاء الحكماء العلماء تفخر
بهم الوقاف ،وتزهو بهم دولتنا الحبيبة ،لما هم عليه من مكانة في العلم
والصلح والسير على نهج السلف الصالح ،وإن من عطائهم اليوم ما يتمثل بين
يديك أيها القارئ الكريم من هذه الفتاوى النافعة التي سيتوالى نشرها تباعا إن
شاء ال تعالى في هذه الصفحة .
-موقع فتوى أون لين http://www.fatwa-online.com :
وهو باللغة النجليزية يعتمد فيه على فتاوى الشيخين :عبد العزيز بن باز
ومحمد بن صالح العثيمين رحمهما ال تعالى.
-موقع السلمwww.al-islam.com :
92
يحوي الموقع القاموس السلمي والفقه وأصول الفقه والفتاوى
القتصادية ،والزكاة للفراد وخدمات أخرى نافعة.
-موقع وزارة الشؤون السلمية والوقاف والدعوة والرشاد بالمملكة العربية
السعوديةwww.islam.org.sa :
موقع جيد في كل ما يخص الشريعة السلمية.
-موقع القرضاويwww.qaradawi.net :
فيه صفحة للفتاوى والحكام في النوازل ،إضافة إلى أبحاث وكتب وخطب
الشيخ يوسف القرضاوي.
-وزارة الوقاف والشؤون السلمية بقطرwww.islam.gov.qa :
موقع جيد ومرجع في الفتاوى والقضايا الفقهية المعاصرة.
-موقع وزارة الوقاف والشؤون السلمية – دولة الكويت:
www.awkaf.net
يقدم خدمة الفتوى الهاتفية وخدمات أخرى.
-موقع الموسوعة السلمية المعاصرة http://www.islampedia.com :
يحتوى هذا الموقع على مكان للقضايا الفقهية المعاصرة :تجمع قرارات
المجامع الفقهية في المملكة العربية والسعودية وغيرها.
-موقع المنبر http://www.fatwanet.net :
ُأسّس هذا الموقع العلمي المتميّز ،لجمع واستيعاب الفتاوى الشرعية
المطبوعة لهل العلم المعتبرين من المتقدمين والمتأخرين ،وتلخيصها وفهرستها،
وتسهيل الفادة منها ،مما يعين المفتين ويسدّ ثُلمةَ ف ْقدِ العلماء الربانيين ،وهو في
ذلك ينتقي الفتاوى المعتمِدة على الصول العلمية الصحيحة ،ويحذّر من التقليد
العمى ،ويحارب التعصب المذهبي ،ويدعو إلى الخذ بما ترجح دليله وبانت
حجته.
-شبكة الفتوى الشرعية http://www.islamic-fatwa.net :
93
يجيب على السئلة فضيلة الشيخ :أ.د أحمد الحجي الكردي ،خبير في
الموسوعة الفقهية ،وعضو هيئة الفتاء في دولة الكويت.
الفصـل الثانـي
94
95
المبحث الول
في كل عام وكل ما قرب دخول ش هر رمضان ،يك ثر الجدل والخلف ب ين
الم سلمين في قض ية كان الوا جب التفاق حول ها ،ل كن لل سف غدت تلك الم سألة
سبب من أسباب الفرقة والخلف بينهم:
والقضية هي :هل يجوز اعتماد الحسابات الفلكية في إثبات دخول شهر
رمضان وغيره من الشهور القمرية أم ل ؟ أم يجب الكتفاء برؤية الهلل كما
أمر ال تعالى ورسوله الكريم .
ومن المعلوم أن قضية رؤية الهلل ليست مجرد قضية علمية فلكية
للمسلمين ،بل الحقيقة أن تعلق أحكام شرعية متعددة بها جعلها مناسبة دينية
شرعية :ومن المفروض الرجوع إلى الشريعة السلمية فيما يتعلق بمسألة رؤية
الهلل شأنها في ذلك كشأن سائر أحكام العبادات :كالصلة والزكاة والصيام
والحج ،...كما ل يجوز إهمال علم الفلك الذي له علقة وثيقة بالموضوع.
لذلك كان لدراسة حركة القمر أهمية كبيرة لتحديد ميلد الهلة التي تساعد
كثيرا في تحديد بدايات الشهر القمرية ،وذلك لن أمر الهلل يثير اهتمام الكثير
من الناس وخاصة المسلمين الذين دأبوا في أقطارهم المختلفة للتطلع إلى الفق
96
لرؤيته بعد غروب الشمس للتثبت من بعض مناسباتهم الدينية :فبعضهم قد يوفق
في رؤية الهلل ،بينما يشتبه الخرون فيتوهمون رؤيته ،ومنهم من ل يتمكن من
رؤيته البتة ،وبذلك قد يحصل الختلف بين القطار العربية والسلمية في
تعيين موعد إقامة الشعائر الدينية.
ولبد من الشارة هنا إلى أن اعتماد بداية الشهور القمرية على رؤية
الهلل هو أمر استقر عليه العرب قبل السلم ،وكانت القبائل العربية تعنى
بالرؤية من أجل تحديد الشهر الحرم في أوقات الخصومات والحروب
المستعمرة بينهم ،ومن أجل مواسم الحج ،ولم نقرأ وكذلك لم نسمع بوسيلة أخرى
أو معيار آخر لتحديد بداية الشهر العربي ،ول يعقل أن تكون لهم غير هذه
الوسيلة الواضحة.
ولقد برز من الفلكيين المسلمين الذين تطرقوا إلى موضوع استخدام
الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور الهجرية العديد من العلماء ،أشهرهم "البتاني"
929 – 850م ،و"البيروني" 1048 – 973م ،و"نصير الدين الطوسي" – 1258
1274م ،وفي القرن الماضي قام اللواء المصري "محمد مختار باشا" – 1846
1897م بتأليف كتابه القيّم " التوفيقات اللهامية في مقارنة التواريخ الهجرية
بالسنين الفرنجية والقبطية من سنة 1إلى سنة 1500هجرية ".
وقد قام الدكتور" محمد عمارة " بدراسة وتحقيق وتكملة هذا الكتاب ،وتم
نشر الطبعة الولى منه عام 1400هـ 1980 -م ،عن طريق المؤسسة العربية
للدراسات والنشر في مجلدين.
أما في السنوات الخيرة ،فقد برز اهتمام المسلمين بالموضوع ،ولعل
السبب هو تطور طرق المواصلت والتصالت بين أرجاء العالم السلمي
المختلفة ،في حين ل زال المسلمون يختلفون في أوقات أعيادهم وحتى في الدول
المتجاورة مما ل يمكن تفسيره !
97
لكن اليوم مع التقدم العلمي الكبير الحاصل ،وبخاصة في مجال علوم
الحساب والفلك ولشدة دقتها :فهل يجوز العتماد والخذ بالحساب الفلكي لتحديد
أوائل الشهور القمرية...؟ أم ل!
قديما نكاد نقول إن فقهاء السلم الوائل في المذاهب المختلفة متفقون
على عدم اعتبار الطرق الحسابية الفلكية في إثبات بداية الشهر الهجرية خاصة
وأن الحساب الفلكي في أزمنتهم كان مقرونا بالتنجيم وفيما يلي بعض المثلة
لقوالهم:
قال السرخسي ..." :ومنهم من قال يرجع إلى أهل الحساب عند الشتباه
وهذا بعيد فإن النبي قال " :من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل على محمد " (.)1
قال ابن عابدين " :مطلب :ل عبرة بقول المؤقتين في الصوم ،بل في
المعراج :ل يعتبر قولهم بالجماع " (.)2
قال القرافي المالكي ..." :وقاعدة رؤية الهلة في الرمضانات ل يجوز
إثباتها بالحساب " (.)3
قال المام سند المالكي " :إن كان المام يرى الحساب فأثبت الهلل لم يتبع
لجماع السلف على خلفه " (.)4
قال النووي ..." :لن النجوم والحساب ل مدخل لهما في العبادات " (.)5
وفي حواشي الشرواني ..." :أن الشارع لم يعتمد الحساب بل ألغاه
بالكلية.)6( "...
98
وقال الخطيب الشربيني " :والمعتمد قبولها إذ ل عبرة بقول الحساب كما
مر " (.)1
قال ابن مفلح الحنبلي ..." :ومن صام بنجوم أو حساب لم يجزئه وإن
أصاب ول يحكم بطلوع الهلل بهما ولو كثرت إصاباتهما " (.)2
99
الطائفة الولى :
فمنها قول ال تعالى :يسألونك عن الهلة قل هي مواقيت للناس والحج
[ البقرة.]189 :
ومنها قوله ال تعالى :هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدّره
منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصّل اليات
لقوم يعلمون [ يونس.]5 :
دلت هاتين اليتين على أن الهلة هي المرجع في الصوم والفطار والحج
وغيرها من الحكام المتعلقة بها.
ومنها :ما ثبت عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب " أنه خطب في اليوم
الذي شك فيه ،فقال :إني جالست أصحاب رسول ال وساءلتهم وأنهم حدثوني
أن رسول ال قال " :صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ,وانسكوا لها ,فإن غم
عليكم فأتموا ثلثين يوما ,فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا " (.)1
ومنها :ما ثبت عن أمير مكة الحرث بن حاطب قال " :عهد إلينا رسول
ال أن ننسك للرؤية ،فإن لم نره وشهد شاهدا عدل ،نسكنا بشهادتهما " (.)2
والحديث يدل على أن المرجع في إثبات دخول الشهر هو الرؤية.
ومنها :ما ورد في الصحيح عن ابن عمر عن رسول ال قال " :إذا
رأيتموه فصوموا ،وإذا رأيتموه فأفطروا ،فإن غم عليكم فأقدروا " (.)3
() أخرجه المام أحمد ( ،4/321 )18915والنسائي في الصيام باب قبول شهادة الرجل الواحد ()2116 1
،4/132وذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا وإسناده ل بأس به على اختلف فيه ،كما أفاده
الشوكاني (نيل الوطار .)4/261
() أخرجه أبو داود في الصوم باب شهادة رجلين على رؤية هلل شوال ( 2/301 )2338وسكت عنه، 2
والدار قطني في الصيام باب الشهادة على رؤية الهلل ،2/167وقال إسناد متصل صحيح وسكت عنه
المنذري ورجاله رجال الصحيح ( نيل الوطار .)4/261
() أخرجه البخاري في الصوم باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ( ،2/672 )1801ومسلم في الصيام 3
100
وفي لفظ " :الشهر تسع وعشرون ليلة ،فل تصوموا حتى تروه ،فإن غُم
عليكم فأكملوا العدة ثلثين " (.)4
وفي لفظ " :أنه ذكر رمضان ،فضرب بيديه فقال :الشهر هكذا وهكذا
وهكذا ،ثم عقد إبهامه في الثالثة ،صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم
فأقدروا ثلثين " (.)2
ووجه الستدلل من هذه الحاديث :أنه ليس من المطلوب الستعانة
بالجهزة الفلكية والقواعد الرياضية ،كما أنه ليس من المطلوب تحمل المشقة
وتكلف رؤية الهلل بل المطلوب أن يصوم المسلمون إذا رئي الهلل بالعين
المجردة في اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان ،ويفطروا إذا رئي الهلل في
اليوم التاسع والعشرين من شهر رمضان ،وأما إذا لم ير الهلل بالعين المجردة
فليكملوا العدة ثلثين (.)3
وأما الطائفة الخرى :
فقول رسول ال " :إنا أمة أمية ل نحسب ول نكتب ،الشهر هكذا
وهكذا ،تارة تسعا وعشرين ،وتارة ثلثين ،فل تصوموا حتى تروا الهلل ،ول
تفطروا حتى تروه ،فإن غم عليكم فأقدروا لـه " ( ،)4ولمسلم " :فأقدروا لـه
ثلثين " (.)5
وقال المام النووي ..." :ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله
في الصحيحين :إنا أمة أمية ل نحسب ول نكتب.)6( "...
() أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي . (1808( 2/674 4
() أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان ( .2/759 )1079 2
() أخرجه البخاري في الصوم باب قول النبي ل نكتب ول نحسب ( ،2/675 )1814مسلم في الصيام 4
101
وقول رسول ال " :إنه من يعش منكم فسيجد اختلفا كثيرا ،فعليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها
بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات المور ،فإن كل بدعة ضللة " (.)1
فهذه النصوص هي رؤوس أصول المسألة ،وعليها العمل عند سلفنا
الصالح ،واستقر ذلك حتى المائة الثالثة ،بل واستمر العمل به عند المذاهب
الربعة المعروفة عند المة ،ل يعرف لهم مخالف يعتد بخلفه.
قال شيخ السلم ابن تيمية " :فإنا نعلم بالضطرار من دين السلم أن
العمل في رؤية هلل الصوم أو الحج أو العدة أو اليلء أو غير ذلك من الحكام
المتعلقة بالهلل بخبر الحاسب أنه يرى أو ل يرى :ل يجوز ،والنصوص
المستفيضة عن النبي بذلك كثيرة ،وقد أجمع المسلون عليه ،ول يُعرف فيه
خلفٌ قديم أصلً ،ول خلف حديث ،إل أن بعض المتأخرين من المتفقهة
الحادثين بعد المائة الثالثة ،زعم أنه إذا غُم الهلل ،جاز للحاسب أن يعمل في
حق نفسه بالحساب ،فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإل فل ،وهذا القول
وإن كان مقيدا بالغمام ،ومختصا بالحاسب :فهو قول شاذ ،مسبوق بالجماع
على خلفه ،فأما اتباع ذلك في الصحو ،أو تعليق عموم الحكم العام به :فما قال
به مسلم.)2( "...
واستدلوا بدليل عقلي :
قال المام النووي ..." :ولن الناس لو كلفوا بذلك – يعني بالحساب –
ضاق عليهم لنه ل يعرف الحساب إل أفراد من الناس في البلدان الكبار " (.)3
() أخرجه أبو داود في السنة باب في لزوم السنة ( ،4/200 )4607والترمذي في العلم عن رسول ال 1
باب ما جاء في الخذ بالسنة ( ،5/44 )2676وابن ماجة في اتباع سنة الخلفاء الراشدين (،1/16 )43
وأحمد ( ،4/126 )17184وابن حبان في صحيحه (.)1/179
() مجموع فتاوي شيخ السلم ابن تيمية .25/132 2
102
قال العلمة الدكتور " مصطفى أحمد الزرقا " " :ل أجد في اختلف علماء
الشريعة المعاصرين اختلفا يدعو إلى الستغراب بل إلى الدهشة أكثر من
اختلفهم من جواز العتماد شرعا على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور
القمرية في عصر ارتاد علماؤه أجزاء من الفضاء الكوني وأصبح من أصغر
إنجازاتهم النزول على القمر ،وإذا كان الرصد الفلكي وحساباته من الزمن
الماضي لم يكن له من الدقة والصدق ما يكفي للثقة به والتعويل عليه ،فهل يصح
أن ينسحب ذلك الحكم إلى يومنا هذا؟ ".
وقال أيضا " :إن النظر إلى جميع الحاديث النبوية الصحيحة الواردة في
هذا الموضوع يبرز العلة السببية في أمر الرسول بأن يعتمد المسلمون في
بداية الشهر ونهايته رؤية الهلل بالبصر لبداية شهر الصوم ونهايته ،ويبين أن
العلة هي كونهم أمة أمية ل تكتب ول تحسب ،وهذا يدل بمفهومه أنه لو توافر
العلم بالنظام الفلكي المحكم الذي أقامه ال تعالى بصورة ل تختلف ول تتخلف،
وأصبح هذا العلم يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلد الهلل في كل شهر،
وفي أي وقت تمكن رؤيته بالعين الباصرة إذا انتفت العوارض الجوية التي قد
تحجب الرؤية ،فحينئذ ل يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج
بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلل ،ومن الحالت التي أصبحت مخجلة بل مذهلة
حيث يبلغ فرق الثبات للصوم والفطار بين مختلف القطار السلمية ثلثة
أيام ".
ويضيف " :أن الفقهاء الوائل لم يعتمدوا الحساب المبني على الحدس
والتخمين ،ولم يكن في وقتهم علم للفلك قائما على رصد دقيق بوسائل
محكمة " (.)1
وقد لخص العلمة الشيخ الستاذ " المختار السلمي " رأيه في أن يعتبر
الحساب وسيلة يقينية لثبوت دخول الشهور القمرية ونهايتها ،وأن العبرة بوضع
القمر وضعا تمكن رؤيته ،وأن كل دعوى رؤية تخالف الحساب هي دعوى
)(1نقلً عن الدكتور مسلم شلتوت :الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية :إسلم أون لين.
103
مرفوضة يكذب صاحبها شأن الشهادة بما يخالف الواقع ،وأن القصد هو العمل
على توحيد المسلمين في أعيادهم وفي صومهم ونسكهم.
هذا ولقد استدلوا على مذهبهم بما نقله ابن رشد من قول مطرف بن عبدال
بن الشخير وهو من كبار التابعين ،وابن قتيبة من اللغويين:
" يعتبر الهلل إذا غم بالنجوم ومنازل القمر وطريق الحساب " :يريد
استدلوا عليه بمنازله ,وقدروا إتمام الشهر بحسابه( )1أخذا من الحديث " ...فإن غم
عليكم فأقدروا له " يعني بالحساب.
وبقول من قال :إذا دلّ الحساب على أن الهلل قد طلع من الفق على
وجه يرى لول وجود المانع كالغيم مثلً :فهذا يقتضي الوجوب لوجود السبب
الشرعي " ( ,)2وللمام السبكي الشافعي تأليف مال فيه إلى العتماد على
الحساب (.)3
واستدلوا أيضا بقولهم " :أن الليات والدوات التي يعرف بها الحساب قد
تطورت حتى كادت نتيجته تكون قطعية ،وهذا بخلف ما كان عليه المر في
عصر السلف ,وهم إنما ردوا الخذ بالحساب في زمنهم لظنيته ،قالوا :وما دامت
الحسابات قد صارت قطعية ،فإن الخذ بها مقدم على الشهادة برؤية الهلل،
وهي ظنية.
وقالوا أيضا :إن الجهزة والقواعد الحسابية يؤخذ بها لتحديد دخول أوقات
الصلة والصوم وخروجها فلم ل تؤخذ بها في رؤية الهلل (.)4
إحكام الحكام :ابن دقيق العين ،2/206تلخيص الحبير .2/188 () 2
إعانة الطالبين :الدمياطي ،2/216مغني المحتاج ،1/421حاشية ابن عابدين .2/387 () 3
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص .86 () 4
104
الول :حمل التقدير على إتمام الشهر ثلثين ،ولقد اتبع المام البخاري
حديث ابن عمر هنا برواية أخرى عنه جاء فيها أن رسول ال قال " :الشهر
تسع وعشرون ليلة فل تصوموا حتى تروه ،فإن غم عليكم فأكملوا العدة
ثلثين " (.)1
()2
قال ابن حجر :قصد البخاري بذلك بيان المراد من قوله " فأقدروا له "
وأيد ابن رشد تفسير البخاري وعلله بأن التقدير يكون بمعنى التمام ودعم رأيه
بقوله تعالى :قد جعل ال لكل شيء قدرا أي تماما (.)3
الثاني :حمل التقدير على تضييق عدد أيام الشهر بمعنى أن يجعل شعبان
تسعة وعشرين يوما ،وأخذوا هذا التفسير من قوله تعالى :ومن قدر عليه رزقه
أي ضيق عليه ...وممن قال بهذا الرأي أحمد بن حنبل وغيره ممن يجوز صوم
يوم الشك إن كانت السماء مغيمة (.)4
وقالوا بعدم جواز العتماد على الحساب كحساب الجداول وغيرها لكون
الحساب مبنيا على الظن والتخمين ل على العلم واليقين فهم في إجراء عملية
الحساب يجعلون شهرا كاملً وشهرا ناقصا إلى نهاية السنة ومن المعلوم أن تمام
الشهر ثلثين قد يتوالى في شهرين أو ثلثة والنقص في الشهر وكونه تسعا
وعشرين قد يتوالى في شهرين أو ثلثة.
وأنكروا العمل بالحساب لما رأوه من أناس يستنطقون النجوم بالحوادث
الغيبية ويوهمون العامة بأنهم يعرفون عن طريقها كل شيء لذلك كانت أقوالهم
مردودة لنها مبنية على ظنون وأوهام ،ويؤيد هذا التفسير ما ذكره السرخسي:
" ومنهم من قال يرجع إلى قول أهل الحساب عند الشتباه ،وهذا بعيد فإن النبي
105
قال " :من أتى كاهنا أو عرافا وصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد
" (.)1
وقال ابن دقيق العيد :إن الحساب ل يجوز أن يعتمد عليه في الصوم
لمقارنة القمر للشمس على ما يراه المنجمون فإنهم قد يقدمون الشهر بالحساب
على الرؤية بيوم أو يومين وفي اعتبار ذلك إحداث شرع لم يأذن به ال(.)2
أما الستدلل ببعض ما روي عن بعض التابعين فقد عد ابن العربي ذلك
من الزلل قال ..." :وقد زل بعض المتقدمين فقال يعول على الحساب بتقدير
المنازل حتى يدل ما يجتمع حسابه على أنه لو كان صحو لرئي ..وقد زل أيضا
بعض أصحابنا فحكي عن الشافعي أنه قال :يعول على الحساب وهي عثرة ل لعا
لها(.)3
وجوابا على قياس العتماد على الجهزة والقواعد الحسابية في تحديد
دخول أوقات الصلة والصوم وخروجها:
الجواب :أن هناك فرق بين أوقات الصلة وشهر رمضان فأوقات الصلة
إنما هي ظرف لها ،أما شهر رمضان فهو معيار للصوم ،ومعنى ذلك أن أوقات
الصلة تسعها وتزيد فيتبقى وقت زائد إذا صلى النسان على الطريقة المسنونة
في وقتها ،فمن الممكن دائما الحتراز عن الخطأ الذي يحدث بسبب تعيين وقت
الصلة بالطريقة الحسابية بأن يؤخر أداء الصلة قليلً عن أول وقتها المعين
بالحساب ،أما شهر رمضان فل يمكن أن يقدم عليه الصوم أو يؤخر عنه يوما
لنه يستلزم ترك فريضة أو إتيان حرام ،ومن ثم فل يصح قياس أوقات الصلة
على دخول رمضان وخروجه.
() أخرجه أحمد في سنده ( ،2/429 )9532وأبو داود في الطب باب في الكاهن ( ،4/15 )3904والطبراني 1
في الوسط ( ،6/378 )6670قال الهيثمي :عن شيخه مصعب بن إبراهيم بن حمزة الدهري ،ولم أعرفه
وبقية رجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد .)5/117
() إحكام الحكام .2/206 2
106
وعلوة على ذلك فإن مراد دخول شهر رمضان شرعا على رؤية الهلل
وهي أمر عملي خالص وليس فكريا ،وذلك لن القواعد الرياضية أو الدوات
الفلكية ل يتجاوز دللتها إمكان الرؤية أما وقوع الرؤية عملً وعدم وقوعها فهذا
مما ل يتأتى في نطاق ما تدل عليه اللت والقواعد ،هذا المر قد ثبت
بتصريحات خبراء هذا العلم ،أما أوقات الصلة فإنها تقوم على حالت الشمس
وتأثيراتها وهي تظهر في كل سنة على مواعيدها المحددة بشكل ثابت يقيني ول
يحدث فيها أي تغيير ولذلك يكفي فيها تجارب سنة واحدة لضبط مواعيد الصلة
للعام كله(.)1
() قضايا فقهية معاصرة :محمد السنبهنلي ،ص .87 – 86 1
() أخرجه أبو داود في الطب باب في النجوم ( ،4/15 )3905وابن ماجة في باب تعلم النجوم ()3726 2
،2/1228أحمد في سنده ( ،1/311 )2848قال الشوكاني :حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري
رجال إسناده ثقات ( نيل الوطار .) 7/369
107
أحد بذم الكتابة قديما ول حديثا بل دل القرآن والسنة والجماع على أهمية الكتابة
وضرورتها.
ومهما قيل في هذا الصدد أن الرسول لم يشرع لنا العمل بالحساب ولم
يأمرنا باعتباره وإنما أمرنا باعتبار " الرؤية " والخذ بها في إثبات الشهر وهذا
الكلم فيه شيء من الغلط لمرين " :الول – أنه ل يعقل أن يأمر الرسول
بالعتداد بالحساب في وقت كانت المة ل تكتب ول تحسب فشرع لها الوسيلة
زمانا ومكانا وهي الرؤية المقدورة لجمهور الناس في عصره ،ولكن إذا وجدت
وسيلة أدق وأضبط وأبعد عن الغلط والوهم فليس في السنة ما يمنع اعتبارها.
والثاني – أن السنة أشارت بالفعل إلى اعتبار الحساب في حالة الغيم
– كما عرفنا ذلك سابقا.-
ومن ينكر الحساب ويجعله من التخمين والظن فهو مخطئ ومردود عليه
بنصوص القرآن التي أتت متظافرة تخبرنا بأهمية علم الحساب وبأنه ليس من
ضروب الظن والتخمين.
قال تعالى :الشمس والقمر بحسبان [ الرحمن ]5 :أي بحساب له قواعده
وأصوله يقف عليها من درسها وتمكن منها ،قال الشوكاني " :أي يجريان بحساب
ومنازل ل يعدوانها ول يحيدان عنها " (.)1
قوله :والقمر قدرناه منازل [ ...إبراهيم ]33 :قال الشوكاني " :أي قدر
مسيره في منازل ،منازل القمر هي المسافة التي يقطعها في يوم وليلة بحركته
الخاصة " (.)2
وقال سبحانه :هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل
لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم
يعلمون [ يونس.]5 :
108
وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة،
لتبتغوا فضلً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه
تفصيل [ السراء.]12 :
فالق الصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز
العليم [ النعام.]96 :
وسخر الشمس والقمر كل يجري لجل مسمى [ لقمان ،]29 :فهذه اليات
الشريفة دليل على وجوب تعلم الحساب وأصوله وقواعده ،ثم اعتماده بعد إفادة
اليقين في قضايا الكون الشاسعة وأبعاده الواسعة...
حتى أصبحت حركات الجرام السماوية معلومة بدقة ل يتسرب إليها
الشك.
الترجيح :
جمعا بين القوال وخاصة إذا كان الجمع بين النصوص الشرعية والعلم
الفلكي والحسابي :فإننا نقول :ل يجوز إثبات رؤية الهلل في اليوم الذي علم
وثبت بصراحة ويقين أنه ل يمكن فيه رؤية الهلل إطلقا.
إنـه مـن المعروف أن المسـتحيل عقلً وعادة ل تقبـل فيـه روايـة ثقـة ول
شهادته وخبره ،بل يرد ذلك الخبر والشهادة إذا ثبت أنهما مستحيلن ومتصادمان
مع العقل والبداهة.
فمن ادعى رؤية الهلل في الوقت الذي تحيل القواعد الحسابية المبنية
على الدقة العلمية حملت دعواه على الوهم إن لم تحمل على الكذب(.)1
وكما قال الشيخ يوسف القرضاوي( " :)2ويمكننا على القل أن نأخذ
بالحساب الفلكي القطعي في النفي ل في الثبات تقليلً للختلف الشاسع الذي
يحدث كل سنة في بدء الصيام وفي عيد الفطر ،إلى حد يصل إلى ثلثة أيام بين
109
بعض البلد السلمية وبعض ،ومعنى الخذ بالحساب في النفي أن نظل على
إثبات الهلل بالرؤية وفقاُ لرأي الكثرين من أهل الفقه في عصرنا ،ولكن إذا
نفى الحساب إمكان الرؤية وقال :إنها غير ممكنة :لن الهلل لم يولد أصلً في
أي مكان من العالم السلمي كان الواجب أل تقبل شهادة الشهود بحال لن
الواقع الذي أثبته العلم الحسابي القطعي يكذبهم ويؤيد هذا ما ذكره السبكي في
فتاويه أن الحساب إذا نفى إمكان الرؤية البصرية فالواجب على القاضي أن يرد
شهادة الشهود حيث قال " :لن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان ,والظني
ل يعارض القطعي ,فضلً عن أن يقوم عليه " (.)1
بشأن
توحيد بدايات الشهور القمرية
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمّان
عاصمة المملكة الردنية الهاشمية من 13 – 8صفر 1407هـ 16 – 11/
تشرين الول (أكتوبر) 1986م :
بعد استعراضه في قضية توحيد بدايات الشهور القمرية مسألتين:
الولى :مدى تأثير اختلف المطالع على توحيد بداية الشهور.
() مجلة المجمع ( العدد الثالث ,ج 2ص .) 811 2
110
الثانيـة :حكـم إثبات أوائل الشهور القمريـة بالحسـاب الفلكـي ،وبعـد اسـتماعه إلى
الدراسات المقدمة من العضاء والخبراء حول هذه المسألة قرر ما يلي:
أولً :إذا ثبتت الرؤية في بلد وجب على المسلمين اللتزام بها ول عبرة لختلف
المطالع لعموم الخطاب بالمر بالصوم والفطار.
ثانيا :يجب العتماد على الرؤية ،ويستعان بالحساب الفلكي والمراصد ،ومراعاة
للحاديث النبوية ،والحقائق العلمية ،وال أعلم.
111
المبحث الثاني
من القضايا المطروحة على الساحة بقوة هذه اليام :قضية صرف الزكاة
في بناء المساجد أو على المراكز السلمية والمدارس التعليمية وبصفة خاصة
بالنسبة للمسلمين الذين يعيشون بالخارج:
فهذه القضية يسأل عنها الناس كثيرا لنها تتعلق بأمر عبادتهم لذا كان من
الواجب بحث هذه المسألة ضمن القضايا الفقهية المعاصرة وبيان الجواب الشافي
فيها.
112
قال تعالى :إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة
قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل ال وابن السبيل فريضة من ال وال
عليم حكيم [ التوبة :آية .]60
فقد خصها ال تعالى بأصناف ثمانية بأداة حصر وقصر وهي " إنما " التي
تثبت المذكور وتنفي ما عداه.
وإذا صرفت لغير هؤلء كان صرفا غير شرعي ل يسقط الوجوب كما
قال القاضي عبد الوهاب( ،)1فل يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر لقوله
للذي جاء يسأله الصدقة " :إن ال لم يرض بحكم نبي ول غيره في الصدقات
حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك
حقك " (.)2
فهل بناء المساجد والمراكز السلمية والمدارس التعليمية والمستشفيات
وغيرها من أعمال البر مثل تكفين الموتى ،أو تعليم اليتام ورعايتهم وتدريبهم
على مهنة من المهن ونحو ذلك يدخل في عموم قوله تعالى في سبيل ال في
الية الكريمة التي حددت مصارف الزكاة فتكون العمال الخيرية ضمن
مصارف الزكاة ،أم أن في سبيل ال المراد بها الجهاد والغزو ليس إل ...
-وسبيل ال :هو الطريق الموصل إلى مرضاته ،قال ابن الثير" :
السبيل في الصل الطريق ،و"سبيل ال" عام يقع على كل عمل
خالص سلك به طريق التقرب إلى ال عزوجل بأداء الفرائض
() أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يعطى من الصدقة ( ،2/117 )1630قال المنذري في إسناده عبد 2
الرحمن بن زياد بن أنعم الفريقي وقد تكلم فيه غير واحد (عون المعبود .)5/27
() لسان العرب :ابن منظور مادة سبل .11/319 3
113
والنوافل وأنواع الطاعات ،وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على
الجهاد حتى صار لكثرة الستعمال كأنه مقصور عليه " (.)1
114
-و قال ابن عبد البر " :وفـي سبيـل ال : فهم الغزاة و موضع
الرباط " (.)1
-قال القرافي " :الصنف السابع سبيل ال تعالى وفي الجواهر هو
الجهاد دون الحج " (.)2
-وقال العبدري المالكي ..." :من الثمانية الصناف التي تصرف
الزكاة فيها :سبيل ال -:أبو عمر– وذلك الجهاد والرباط " (.)3
-قال الدسوقي في حاشيته ..." :ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن
يجب عليه لكونه حرا مسلما ذكرا بالغا قادرا ول بد أن يكون غير
هاشمي ويدخل فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها " (.)4
-المذهب الشافعي :
-قال النووي " :ومذهبنا أن سهم سبيل ال المذكور في الية الكريمة
يصرف إلى الغزاة الذين ل حق لهم في الديوان بل يغزون
متطوعين.)5( "...
-وقال في روضة الطالبين " :وفي سبيل ال :وهم الغزاة الذين ل
رزق لهم في الفيء " (.)6
-وقال الغزالي " :الصنف السابع المجاهدون في سبيل ال وهم
المطوعة من الغزاة الذين ل يأخذون من الفيء ول اسم لهم في
الديوان " (.)7
-قال الخطيب الشربيني " :وسبيل ال تعالى غزاة ل فيء لهم أي ل
اسم لهم في ديوان المرتزقة بل يتطوعون بالغزو " (.)8
115
-المذهب الحنبلي :
-قال ابن قدامة " :الصنف السابع من أهل الزكاة :ول خلف في
استحقاقهم وبقاء حكمهم ول خلف في أنهم الغزاة في سبيل ال " (.)1
-قال ابن مفلح " :في سبيل ال وهم الغزاة الذين ل حق لهم في
الديوان " (.)2
-وقال الخرقي أيضا " :ويعطى أيضا في الحج وهو من سبيل ال ".
-قال ابن قدامة " :ويروى هذا عن ابن عباس وابن عمر وهو قول
اسحق " (.)3
-وقال الشيخ منصور البهوتي " :السابع في سبيل ال للنص وهم
الغزاة لن السبيل عند الطلق هو الغزو( ,)4والحج من السبيل نصا
" (.)5
() المبسوط ،2/46تبيين الحقائق ،1/298شرح فتح القدير ،2/264المدونة الكبرى ،3/97الكافي 6
116
-القول الثاني :وهو لمحمد بن الحسن الشيباني من الحنفية وأحمد بن
حنبل في إحدى الروايتين عنه وإسحاق وجمع من الصحابة منهم
عبدال بن عمر وابن عباس – رضي ال عنهما :-أن المراد بـ
سبيل ال هم الغزاة والحجاج والعمار(.)1
-القول الثالث :للكاساني من الحنفية وهو قول بعض المفسرين
والمحدثين والفقهاء وبعض العلماء المعاصرين منهم صديق خان،
المراغي ،رشيد رضا ,جمال الدين القاسمي ،الشيخ شلتوت ،والشيخ
مخلوف :فسروا في سبيل ال بالمعنى الواسع :وقالوا بأن المراد
به جميع وجوه البر(.)2
-4سبب اختلف العلماء في هذه المسألة :
وسبب اختلف العلماء في هذا :هو اختلفهم في تفسير قوله تعالى في
مصارف الصدقات وفي سبيل ال ،وكذلك اختلفهم في ثبوت الحاديث من
عدم ثبوتها ،واختلفهم في الوضع اللغوي للية(.)3
-أدلتهم :
استدل أصحاب القول الول :على أن المراد بسبيل ال الغزو بما يلي:
-1أن المفهوم المتبادر في معنى وفي سبيل ال إذا أطلق في الكتاب والسنة
ولسان الصحابة :الغزو والجهاد.
،2/198تفسير المراغبي ،4/142تفسير المنار ،10/585السلم عقيدة وشريعة لشلتوت ص ،98 – 97
فتاوي شرعية :الشيخ مخلوف .1/255
() مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة :د .خالد عبد الرزاق العاني ص .357 3
117
يقول ابن جرير الطبري " :وأما قوله في سبيل ال فإنه يعني :النفقة في
نصرة دين ال ،وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو
الغزو " (.)1
ويقول ابن الثير " :السبيل في الصل الطريق ،ويذكر ويؤنث والتأنيث
فيها أغلب ،وسبيل ال عام يقع على كل عمل خالص ،سلك به طريق التقرب إلى
ال تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات.
وإذا أطلق سبيل ال فهو في الغالب واقع على الجهاد ،حتى صار لكثرة
الستعمال كأنه مقصور عليه " (.)2
قال الخطيب الشربيني( ..." :)3وإنما فسر سبيل ال بالغزاة لن استعماله
في الجهاد أغلب عرفا بدليل قوله تعالى في غير موضع يقاتلون في سبيل ال
[النساء ،]76 :ولقوله تعالى :إن ال يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا [ الصف:
،]4وقوله تعالى :وقاتلوا في سبيل ال [ البقرة ،]190 :وغير ذلك من اليات...
ويقول ابن الجوزي " :إذا أطلق ذكر سبيل ال فالمراد به الجهاد " (.)4
-2واستدلوا بالحديث الذي رواه أبي سعيد الخدري أنه قال :قال رسول ال
" :ل تحل الصدقة لغني إل لخمسة لغاز في سبيل ال ،أو لعامل عليها أو
لغارم أو لرجل اشتراها بماله أو لرجل له جار مسكين فأهدى المسكين إليه " (.)5
ووجه الستدلل من الحديث:
() أخرجه أبو داود في الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني ( ،2/119 )1636وابن ماجة في 5
الزكاة باب من تحل له الصدقة ( ،1/590 )1841ومالك في موطئه ( ،1/268 )604وأحمد ()11286
،3/31والحاكم ( 1/566 )1480وقال صحيح على شرط الشيخين.
118
ف قد ذُكـر فـي الحد يث م من ت حل ال صدقة :الغازي ،ول يس في ال صناف
الثمانية من يعطى باسم الغزاة إل الذين نعطيهم من سبيل ال.
قال العيني :هو حديث صريح مفسر لقوله تعالى وفي سبيل ال فيجب
حمله عليه(.)1
قال ابن حزم " :وقد روى هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم
ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر ،وزيادة العدل ل يحل تركها "..ثم قال..." :
فلم يجز أن توضع إل حيث بين النص وهو الذي ذكرنا وبال تعالى التوفيق " (.)2
-3ومما يؤيد رأيهم ما روى كعب بن عجرة قال :مرّ رجل على النبي
فرأى أصحاب رسول ال من جلده ونشاطه فقالوا " :لو كان هذا في سبيل ال
.)3( " ...
يريدون في الجهاد ونصرة السلم(.)4
-4كما استدلوا ببعض الثار الدالة على أن المقصود من " سبيل ال " في الية
هو الغزو والجهاد منها:
.1ما ساقه الطبري بسنده في تفسيره قال :حدثني يونس قال :أخبرنا
ابن وهب قال :قال ابن زيد في قوله وفي سبيل ال قال :الغازي
في سبيل ال (.)5
.2ما ذكره السيوطي في تفسيره :قال :أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل
في قوله :وفي سبيل ال قال :هم المجاهدون(.)6
ج .وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله وفي سبيل ال
قال :الغازي في سبيل ال(.)7
() عمدة القاري .9/45 1
() أخرجه الطبراني في الكبير ( ،19/129 )282وقال المنذري رجاله رجال الصحيح ( الترغيب 3
119
-وأدلة أصحاب القول الثاني:
فبالضا فة إلى الدلة ال تي ا ستدل ب ها الجمهور على أن المراد ب سبيل ال
الجهاد والغزو فلقد استدلوا على أن المراد به الحج والعمرة أيضا بما يلي:
-2أما تفسيرهم بالحجاج والعمار فقد استدلوا على ذلك بما يلي:
.1حديث أم معقل :قالت لما حج رسول ال حجة الوداع وكان لنا
جمل فجعله أبو معقل في سبيل ال وأصابنا مرض وهلك أبو معقل
وخرج النبي فلما فرغ من حجته جئته فقال " :يا أم معقل ما منعك
أن تخرجي " قالت :لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي
نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل ال ،قال " :فهل خرجت
عليه فإن الحج من سبيل ال " (.)1
.2وعن ابن عباس – رضي ال عنهما – أن امرأة قالت لزوجها:
احججني مع رسول ال على جملك الفلني ،قال ذلك حبيس في
سبيل ال ،الحديث ،وفيه أن رسول ال قال " :أما أنك لو أحججتها
عليه كان في سبيل ال " (.)2
ج .واحتجوا كذلك بما روى عن أبي لس قال " :حملنا النبي على إبل
الصدقة للحج "( .)3قال الشوكاني " :حديث أم معقل وحديث أبي لس
يدلن على أن الحج من سبيل ال وأن من جعل شيئا من ماله في سبيل
ال جاز لـه صرفه في تجهيز الحجاج وإذا كان شيئا مركوبا جاز حمل
الحاج عليه ويدلن أيضا على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل ال
من الزكاة على قاصدين الحج(.)4
() أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة ( ،2/204 )1988والترمذي في الحج باب ما جاء في عمرة 1
رمضان ( ،3/276 )939وأحمد في مسنده ( ،4/210 )17875وفي إسناده رجل مجهول ،وفي إسناده أيضا
إبراهيم من مهاجر البجلي متكلم فيه (نيل الوطار .)4/238
() أخرجه أبو داود في الحج باب العمرة ( ،2/205 )1990وقال النووي :إسناده صحيح (المجموع 2
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد صحيح.
() نيل الوطار .4/238 4
120
.8وبما روى أبو عبيد في الموال عن أبي معاوية ،عن أبي جعفر عن
العمش عن حسان أبي الشرس عن مجاهد عن ابن عباس :أنه كان
ل يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج(.)1
هـ.وبما روي عن ابن عمر – رضي ال عنهما – أنه سئل عن امرأة
أوصت بثلثين درهما في سبيل ال فقيل لـه :أتجعل في الحج فقال:
أما أنه في سبيل ال (.)2
و .وبما روى القرطبي في تفسيره قال :خرّج أبو محمد عبد الغني الحافظ:
حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد
بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد
الرحمن بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال :كنت جالسا مع عبدال بن عمر
فأتته امرأة فقالت لـه :يا أبا عبد الرحمن أن زوجي أوصى بماله في
سبيل ال ,قال ابن عمر :فهو كما قال في سبيل ال ،فقلت أما زدتها فيما
سألت عنه إل غما ,قال :فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى
هؤلء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الرض ويقطعون السبيل؟
قال :قلت فما تأمرها قال :آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج
بيت ال الحرام أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن أولئك وفد الرحمن
ليسوا كوفد الشيطان ثلثا يقولها قلت :يا أبا عبد الرحمن وما وفد
الشيطان؟ قال :قوم يدخلون على هؤلء المراء فيمنون إليهم الحديث
ويسعون في المسلمين بالكذب فيجازون الجوائز ويعطون عليها
العطايا(.)3
121
ز .وبما روى البخاري عن الحسن قال :إن اشترى أباه من الزكاة جاز
ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج ثم تل إنما الصدقات للفقراء الية
في أيهما أعطيت أجزأت(.)4
-أمـا أصسحاب القول الثالث فلقسد اسستدلوا على مـا ذهبوا إليـه مـن التوسـع فـي
مصرف " في سبيل ال " على جميع أنواع القرب والبر:
-1أن لفظ في سبيل ال عام فل يجوز قصره على بعض أفراده دون
سائرها إل بدليل ،ول دليل على ذلك.
وعند ما ق يل ل هم :إن ل فظ في سبيل ال إذا ذ كر في الكتاب وال سنة
ـره على الجهاد ـرف إلى الجهاد دون غيره أبوا ذلك ،ورفضوا قصـ انصـ
دون سـواه يقول صـديق حسـن خان " :وأمـا سـبيل ال فالمراد بـه هنـا
الطر يق إل يه عزو جل ،والجهاد وإن كان أع ظم الطرق إلى ال عزو جل،
لكن ل دليل على اختصاص هذا السهم به ،بل يصح صرف ذلك في كل
ما كان طريقا إلى ال عزو جل ،هذا مع نى ال ية ل غة ،والوا جب الوقوف
على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعا " (.)2
-2ويدل على أن المراد بـ سبيل ال في آية الصدقات العموم نصوص
وآثار جاءت دالة على جواز صرف الزكاة في بعض القربات.
-3كما استدلوا بما ثبت في صحيح البخاري في باب القسامة أن الرسول
ودى الصحابي الذي قتله اليهود في خيبر عندما لم يُعرف قاتله من إبل
الصدقة ،وذلك لن الرسول كره أن يبطل دمه(.)3
-4واسـتدل صـديق حسـن خان على صـحة دفـع الزكاة فـي جميـع القرب " بأن
ال صحابة كانوا يأخذون من أموال ال ال تي كان من جملت ها الزكاة في كل
() أخرجه البخاري معلقا في الزكاة باب قول ال تعالى وفي الرقاب وفي سبيل ال ويذكر عن ابن عباس 4
– رضي ال عنهما – يعتق من زكاة ويعطي في الحج وقال الحسن إن اشترى أباه.2/534 ...
() الروضة الندية ،ص .56 2
() راجع الحديث في صحيح البخاري في الديات باب القسامة ( ،6/2528 )6502ومسلم في القسامة باب 3
القسامة ( ،3/1294 )1669وانظر فتح الباري ،12/229شرح النووي على صحيح مسلم .11/151
122
عام ،ويسمون ذلك عطاء ،وفيهم الغنياء والفقراء ،وكان عطاء الواحد منهم
يبلغ إلى ألوف متعددة " (.)1
وقال في موضع آخر " :وقد كان علماء الصحابة يأخذون من العطاء ما
يقوم بما يحتاجون إليه مع زيادات كثيرة يتفوضون بها في قضاء حوائج من
يرد عليهم من الفقراء وغيرهم ،والمر في ذلك مشهور ،ومنهم من كان
يأخذ زيادة على مائة ألف درهم ،ومن جملة هذه الموال التي كانت تفرق
بين المسلمين على هذه الصفة الزكاة ،وقد قال لعمر لما قال لـه :يعطي
من هو أحوج منه :ما أتاك من هذا المال وأنت غير مستشرف ول سائل
فخذه ،وما ل فل تتبعه نفسك ،كما في الصحيح ،والمر ظاهر(.)2
123
والحاديث التي استدلوا بها على أن المراد هو الحج والعمرة فمعظمها
متكلم فيه(.)1
كما أجاب العلمة المباركفوري عن القول بعموم اللفظ بأجوبة كثيرة
()2
منها:
-أن هذا القول هو أبعد القوال لنه ل دليل عليه من كتاب أو سنة.
-وأنه لم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إل ما حكى القفال في
تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل...
-وما يذكر للحتجاج بذلك من رواية البخاري في دية النصاري الذي
قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضا
في قصته أنه وداه من عنده ،وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من
أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل حكاه
النووي عن الجمهور وعلى هذا فل حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم
" وحديث أي سعيد ينافي التعميم لكونه كالنص في إلى أن قال:
أن المراد بسبيل ال المطلق في الية هم الغزاة والمجاهدون خاصة
فيجب الوقوف عنده " (.)3
فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من " سبيل ال " في آية
المصارف هو الجهاد كما ذهب إلى ذلك جمهور علماء المة من السلف والخلف.
() انظر المجموع ،6/213شرح فتح القدير :لبن الهمام ،2/264فتح الباري ،6/269نيل الوطار 1
.4/192
() مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح .119 – 3/117 2
124
والقربات ،ولكني أرجح عدم التضييق فيه بحيث ل يقصر على الجهاد بمعناه
العسكري المحض.
لن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان ،كما يكون بالسيف والسنان ،قد يكون
الجهاد فكريا أو تربويا أو اجتماعيا أو اقتصاديا أو سياسيا كما يكون عسكريا.
وكل هذه النواع من الجهاد تحتاج إلى المداد والتمويل ،المهم أن يتحقق
الشرط الساسي لذلك كله ،وهو أن يكون " في سبيل ال " أي في نصرة السلم
وإعلء كلمته في الرض ،فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة ال هي العليا فهو
في سبيل ال أيا كان نوع هذا الجهاد وسلحه " (.)1
وقال أيضا " :والذي أراه أن مصرف " في سبيل ال " يتسع على الرأيين
جميعا لينفق منه على إنشاء مراكز إسلمية للدعوة والتوجيه والتعليم في البلد
التي يهدد فيها وجود المسلمين بالغزو التنصيري أو الشيوعي أو العلماني ،أو
غير ذلك من الملل والنحل ،التي تعمل على سلخ المسلمين من عقيدتهم أو
تضليلهم عن حقيقة دينهم ،وذلك مثل وضع المسلمين خارج العالم السلمي،
حيث يكونون أقلية محدودة المكانات في مواجهة الكثرة صاحبة النفوذ والسلطان
والمال.
وأما على الرأي الخر ،فل شك أن إنشاء هذه المراكز هو ضرب من
الجهاد السلمي في عصرنا ،وهو الجهاد باللسان والقلم والدعوة والتربية...
وهو جهاد ل يستغني عنه اليوم لمقاومة الغزو المكثف من قبل القوى المعادية
للسلم.
وكما أن من قاتل لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال ،فكذلك من
دعا وعلّم ووجّه لتكون كلمة ال هي العليا فهو في سبيل ال.
إن المركز السلمي اليوم بمثابة قلعة للدفاع عن السلم ،وإنما لكل امرئ
ما نوى " (.)2
125
" إن إنشاء مراكز إسلمية واعية للدعوة إلى السلم الصحيح وتبليغ
رسالته إلى غير المسلمين في كافة القارات في هذا العالم الذي تتصارع فيه
الديان والمذاهب جهاد في سبيل ال وإن الصرف في هذه المجالت لهو أولى ما
ينبغي أن يدفع فيه المسلم زكاته ،وفوق زكاته فليس للسلم – بعد ال – إل
أبناء السلم وخاصة في عصر غربة السلم " (.)1
126
خطط خصوم السلم لزاحة عقيدته وتنحية شريعته
عن الحكم.
ج -تمويل مراكز الدعوة إلى السلم التي يقوم عليها رجال صادقون في البلد
غيـر السـلمية بهدف نشـر السـلم بمختلف الطرق الصـحيحة التـي تلئم
العصـر وينطبـق هذا على كـل مسـجد يقام فـي بلد غيـر إسـلمي يكون مقرا
للدعوة السلمية.
-8تمويل الجهود الجادة التي تثبت السلم بين القليات السلمية في الديار
التي تسلط فيها غير المسلمين على رقاب المسلمين ،والتي تتعرض لخطط
تذويب البقية الباقية من المسلمين في تلك الديار(.)1
127
وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها للصناف الخرى ،ول يجوز صرفها
في شيء من المرافق العامة ،إل إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء ،والمساكين،
وبقية الصناف المنصوص عليهم في الية الكريمة(.)2
المبحث الثالث
() مجلة البحوث السلمية :المجلد الول العدد الثاني .56 2
128
من المسائل التي أصبحت واقعا ملموسا يتعامل به الناس آناء الليل
وأطراف النهار ،تلك الوسائل التي تمخض عنها فكر النسان في عصرنا ،لتيسير
التصال بين أرجاء المعمورة ،فاختصرت المسافات ،وتخطت حواجز الزمان
والمكان ،وجعلت من البعيد قريبا ومن هذه الوسائل الهاتف سلكيا كان أم لسلكيا
والتلكس والبرق والفاكس والنترنت.
لقد أضحى التعامل بهذه المخترعات في إبرام العقود المالية والتجارية
وحتى الشخصية كالزواج أمرا متاحا من خلل هذه الوسائل وفي ذلك من التيسير
على النسان وتوفير الجهد والوقت الشيء الكثير ،وهو ما يتجاوب مع رُوح
شريعتنا الغراء المتسمة بالسماحة ورفع الحرج والمرونة(.)1
إن بيان الحكـم الشرعـي فـي عمليـة إجراء العقود عـبر أجهزة التصـال
الحدي ثة من القضا يا الطارئة المعا صرة وال تي يحتاج الناس إلى معر فة ح كم ال
فيها.
وسنعتمد في بحث هذا الموضوع على ما ورد في كتب الفقه من آراء أئمة
المذاهب ،وما قرروه عند الكلم على صيغة العقد ،وشروط اليجاب والقبول،
وشروط تحقيق معنى اتصال القبول باليجاب ليكون شطرا العقد في مجلس
واحد(.)2
() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة :د .محمد عقلة البراهيم ،ص .80 1
() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص .5 2
() حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة :د .عبد الرزاق رحيم الهيتي ،ص .12 3
129
-2التل كس :ف هو عمل ية ات صال ت تم من خلل جهاز ين مرتبط ين بوحدة تح كم
دولي ينقـل كـل واحـد منهمـا إلى الخـر المعلومات المكتوبـة دون وجود وسـيط
بينهما.
ولكل مشترك في هذا رقم خاص يميزه عن بقية المشتركين ،ولهذا الجهاز
مفاتيح شبيهة باللة الكاتبة ،ولكل مفتاح من مفاتيحه رقم يرمز إلى حرف
متعارف عليه دوليا وحينما تجمع فيه الرقام – أي الحروف المقصودة -يقوم
الجهاز بتحويلها إلى إشارات كهربائية ليتلقاها جهاز التلكس المرسل إليه.
والمشترك في التلكس بعد إكمال الجراءات الفنية الخاصة بالجهاز ،فإنه
يبدأ بإرسال المطلوب على شريط تثقيب خاص عن طريق جهاز الرسال اللي
حيث يقوم الجهاز بدوره بنقل كل ما كتب إلى الجهاز المرسل إليه ليظهر
المكتوب كما هو(.)1
-3الفاكس :والرسال عن طريق البريد المصور (الفاكس) فإنه يتم من خلل
جهازين مرتبطين بالخطوط الهاتفية ،حيث يضع المرسل الورقة المكتوبة في
الجهاز ويضرب الرقام الخاصة بالجهاز الثاني ،حيث يقوم بفتح الخط ليطبع
صورة الورقة المرسلة على ورقة خاصة موجودة فيه لتظهر الورقة للمرسل إليه
كما هو دون تغيير أو تبديل(.)2
-4النترنت :هو عبارة عن عدد كبير من شبكات الحاسوب المترابطة
والموزعة في أنحاء كثيرة من العالم وتتصل هذه الشبكات ويحكمها نظام موحد،
وعن طريق هذه الشبكة يمكن للمشترك من خلل جهاز حاسوبه الخاص
الحصول على مزايا ل حصر لها من المعلومات والخدمات في جميع أنواع
المعرفة ،كما يمكن للمشترك من خلل النترنت الشراء والبيع وإجراء العقود
المختلفة(.)3
المطلب الول :في العقد
() النترنت تقنيات وخدمات :د .عبد القادر بن عبدال الفتوح ،ص .8 3
130
لغة :العقد هو الشد والربط والجمع بين أطراف الشيء ،وضده الحل ،كما
يطلق على إحكام الشيء وتقويته(.)1
أما في الصطلح :فيطلق الفقهاء كلمة العقد في اصطلحهم على معنيين:
أحدهما – وهو المشهور – " الربط بين كلمين أو ما يقوم مقامهما ينشأ
عن أثره الشرعي " (.)2
وهذا معنى خاص للعقد يخصه بالتصرف الذي يتوقف على رضا الطرفين
ول يصح إل بإيجاب وقبول كالبيع والزواج ،وهذا هو المعنى الشائع في كتب
الفقه.
الثاني " :وهو كل ما عزم المرء على فعله سواء صدر بإرادة منفردة أو
احتاج إلى إرادتين في إنشائه " (.)3
وهذا هو المعنى العام للعقد والذي يتناول كل تصرف شرعي يفيد التزاما
سواء تم هذا التصرف برضا طرف واحد – مثل الوقف والطلق والبراء ،أو
كان ل ينعقد إل بتوافق إرادتين – كالبيع والزواج والجارة.
() الصحاح :مادة عقد ,2/510المصباح المنير :مادة عقد .2/71 1
() الملكية ونظرية العقد :الشيخ محمد أبو زهرة ،ص .171 2
() راجع كتابنا :فقه العقود المالية ،ص .28 – 27 4
() بدائع الصنائع ،5/133البحر الرائق ،5/258الشباه والنظائر :لبن نجيم ،ص ،337حاشية ابن 5
عابدين .3/9
131
والجمهور يرون بأن للعقد ثلثة أركان ل يقوم العقود إل بها وهي عاقدان،
ومعقود عليه ،وصيغة(.)1
() أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب بيع الخيار ( ،2/727 )2185وابن حبان في كتاب البيوع 3
( ،11/340 )4967قال الكناني :هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (مصباح الزجاجة .)3/17
() مغني المحتاج .2/3 4
() البحر الرائق ،5/278بدائع الصنائع ،5/134شرح فتح القدير .3/190 6
132
وعند الجمهور :اليجاب :هو ما صدر ممن يكون منه التمليك وإن جاء
متأخرا ،والقبول :هو ما صدر ممن يصير له الملك وإن صدر أولً (.)1
ففي عقد البيع مثلً :إذا قال المشتري اشتريت منك هذه البضاعة بكذا،
وقال البائع بعته لك بهذا الثمن :انعقد البيع ،وكان اليجاب ما صدر عن البائع
لنه المملك ،والقبول ما صدر من المشتري وإن صدر أولً (.)2
() حاشية الدسوقي ،3/3حاشية العدوي ،2/180المجموع ،9/162مغني المحتاج ،2/3المغني ،4/4 1
() انظر الفتاوي الهندية ،1/269القوانين الفقهية ص ،212نهاية المحتاج ،3/381الروض المربع 3
133
مجلس العقد بين الغائبين :
التعاقد بين الغائبين كالتعاقد بين الحاضرين يجب أن يتم في مجلس واحد
ولكن نظرا للفرق الناتج عن اختلف طبيعة العقدين فإن مجلس العقد في التعاقد
بين الغائبين غير مجلسه في التعاقد بين الحاضرين ،فالول هو مجلس بلوغ
الكتاب أو أداء الرسالة ،أي المجلس الذي يكون فيه القبول ،وأما الثاني فهو
مجلس صدور اليجاب.
والول يبدأ منذ وصول اليجاب إلى علم الموجه إليه – من خلل الرسول
أو الكتاب أو البرقية ويمتد المدة المعتادة للجابة بحسب طبيعة العقد وعرف
التعامل حتى إذا صدر القبول اتصل باليجاب حكما.
والثاني :يبدأ من سماع اليجاب في المجلس وينتهي بانتهاء المجلس أو
بالقبول أو بالعراض الصريح أو الضمني(.)1
() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة ،ص .101 – 100 1
() الدر المختار ورد المحتار :لبن عابدين 4/10وما بعدها ،شرح فتح القدير ،5/79البدائع ،5/137 2
134
المجلس أو صدر منه ما يدل على العراض عن اليجاب ،كان قبوله غير
معتبر(.)1
()2
وقد استدل هؤلء إلى ما ذهبوا إليه بالمور التية:
-1قالوا :إن الكتابة هي وسيلة من وسائل التعبير عن الرادة كالخطاب.
-2ما ثبت في الدلة الصحيحة القاطعة من أن رسول ال قد استعمل
الكتابة كوسيلة من وسائل نشر الدعوة ،فلقد خاطب الرؤساء
والملوك ودعاهم إل الدخول في السلم عن طريق الكتابة.
قالوا :وإذا كانت الكتابة صالحة لنشر الدعوة ،فكيف ل تكون صالحة
لنشاء العقود.
() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة ،ص .9 1
() حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة في الشريعة السلمية ،ص .54 2
135
فورية القبول :
ل يشترط عند الجمهور غير الشافعية( )1الفور في القبول ،لن القابل يحتاج
إلى فترة للتأمل ،فلو اشترطت الفورية ل يمكنه التأمل ،وإنما يكفي القبول في
مجلس واحد ،ولو طال الوقت إلى آخر المجلس ،لن المجلس الواحد يجمع
المتفرقات للضرورة ،وفي اشتراط الفورية تضييق على القابل ،أو تفويت للصفقة
من غير مصلحة راجحة ،فإن رفض فورا ،فتضيع عليه الصفقة ،وإن قبل فورا,
فربما كان في العقد ضرر له ،فيحتاج لفترة تأمل ,للموازنة بين ما يأخذ أو يغنم,
وبين ما يعطي أو يغرم في سبيل العقد ،لن المجلس جامع للمتفرقات ،فتعتبر
ساعاته وحدة زمنية تيسيرا على الناس ،ومنعا للمضايقة والحرج ،ودفعا للضرر
عن العاقدين قدر المكان.
وقال الرملي من الشافعية :يشترط أن يكون القبول فور اليجاب ،فلو تخلل
لفظ أجنبي ل تعلق لـه بالعقد ،ولو يسيرا ،بأن لم يكن من مقتضاه ول من
مصالحه ول من مستحباته ،ل يتحقق التصال بين القبول واليجاب ،فل ينعقد
العقد(.)2
المطلب الثاني
حكم التعاقد بواسطة وسائل التصال الحديثة
(الهاتف ،التلكس ،الفاكس ،النترنت)
() بدائع الصنائع ،5/137شرح فتح القدير ،5/78مواهب الجليل :للحطاب ،4/240الشرح الكبير مع 1
الدسوقي ،3/5الشرح الصغير وحاشية الصاوي ،3/17الشرح الكبير مع المغني ،4/4غاية المنتهى .2/4
() نهاية المحتاج ،3/8مغني المحتاج .2/6 2
136
لمـا كان السـلم منهـج حياة ودسـتور أمـة ،ونظاما صـالحا لكـل زمان
ومكان ،ومصادر التشريع فيه تتناسب والتطور الحضاري والزمنة ،وبما فيه من
التيسير على الناس ورعاية مصالحهم.
كان مـن الطـبيعي أن تسـتوعب تعاليمـه وقواعده الكليـة توظيـف الهاتـف
والبرق ية والتل كس والنترنت وسائر ما أحد ثه العلم من و سائل التصال الحدي ثة
بح يث تكون و سيلة لجراء العقود لن هذه الو سائل هي عبارة عن صورة ل ما
حرره المرسل بنفسه ووقع عليه فيعلم منها رغبته في إنشاء العقد.
والتعا قد بالبرق ية ل يختلف في ش يء عن التعا قد بالر سالة – الل هم إل في
و سيلة ن قل اليجاب والقبول – فاليجاب ي تم في زمان ومكان يختلفان عن زمان
ومكان القبول ،وهنالك فا صل زم ني ب ين صدور القبول وب ين علم المو جب به،
وبالتالي ينط بق عل يه أحكام التعا قد ب ين الغائب ين في جم يع تف صيلتها ال تي سبق
ذكرها ،سواء من حيث زمان تمام العقد أو مكانه وما يبنى على الختلف بينهما
من آثار.
أما بالنسبة للتعاقد بواسطة الهاتف والتلكس والراديو ...فهي كما أسلفنا من
وسـائل اليجاب الصـريحة ،وإن كانـت وسـيلة الهاتـف هـي اللفـظ المباشـر ،أمـا
التلكـس فالرموز المكتوبـة ،لذا فإن هذه الوسـائل ينطبـق عليهـا مـا ينطبـق على
التلفون من حيث أحكام التعاقد به(.)1
ليس المراد من اتحاد المجلس المطلوب في كل عقد كما بيّنا كون
المتعاقدين في مكان واحد ،لنه قد يكون مكان أحدهما غير مكان الخر ،إذا وجد
بينهما واسطة اتصال ،كالتعاقد بالهاتف أو اللسلكي أو بالمراسلة (الكتابة) وإنما
المراد باتحاد المجلس :اتحاد الزمن أو الوقت الذي يكون المتعاقدان مشتغلين فيه
() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة ،ص .129 1
137
بالتعاقد ،فمجلس العقد :هو الحال التي يكون فيها المتعاقدان مقبلين على التفاوض
في العقد( ،)1وعن هذا قال الفقهاء " :إن المجلس يجمع المتفرقات " (.)2
وعلى هذا ،يكون مجلس العقد في المكالمة الهاتفية أو اللسلكية :هو زمن
التصال مادام الكلم في شأن العقد ،فإن انتقل المتحدثان إلى حديث آخر ،انتهى
المجلس.
ومجلس التعاقد بإرسال رسول أو بتوجيه خطاب أو بالبرقية أو التلكس أو
الفاكس ونحوهما :هو مجلس تبليغ الرسالة ،أو وصول الخطاب أو البرقية أو
إشعار التلكس والفاكس ،لن الرسول سفير ومعبر عن كلم المرسل ،فكأنه
حضر بنفسه وخوطب باليجاب فقبل ،فينعقد العقد ،وفي مكاتبة الغائب بخطاب
أو برقية ونحوهما يجعله كأنه حضر بنفسه ،وخوطب باليجاب ،فقبل في
المجلس.
فإن تأخر القبول إلى مجلس ثانٍ ،لم ينعقد العقد ،وبه تبين أن مجلس التعاقد
بين حاضرين :هو محل صدور اليجاب ،ومجلس التعاقد بين غائبين :هو محل
وصول الكتاب أو تبليغ الرسالة ،أو المحادثة الهاتفية.
لكن للمرسل أو للكاتب أن يرجع عن إيجابه أمام شهود ،بشرط أن يكون
قبل قبول الخر ووصول الرسالة أو الخطاب ونحوه من البراق والتلكس
والفاكس ،ويرى جمهور المالكية :أنه ليس للموجب الرجوع قبل أن يترك فرصة
للقابل يقرر العرف مداها ،كما تقدم.
هذا وإن بقية شروط اليجاب والقبول عدا اتحاد المجلس ،لبد من توافرها
في وسائط التصال الحديثة(.)3
() المدخل الفقهي العام :للستاذ مصطفى الزرقاء :ف .349 – 1/348 ،171 1
() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص .28 3
138
والدلة على جواز هذا النوع من التعاقد :
()4
() انظر :حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة في الشريعة السلمية :د .عبد الرزاق الهيتي ،ص 16 4
– .19
() المجموع ،9/171روضة الطالبين .3/438 2
139
هذا الساتر أثناء التعاقد ،ل يؤثر على خيار المجلس ،فعدم تأثيره على صحة
العقد من باب أولى.
يقول ابن قدامة " :ولو أقاما المجلس وسدل بينهما ساترا ،أو بنيا بينهما
حاجزا ...فالخيار بحاله وإن طالت المدة " (.)1
وجاء في المجموع " :قال أصحابنا :فلو لم يتفرقا ،ولكن جعل بينهما حائل
من ستر أو نحوه ،أو شق بينهما نهر لم يحصل التفرق بل خلف ،وإن بُني
بينهما جدار ،فوجهان ...إلى أن يقول( :أصحهما) ل يحصل التفرق كما لو جعل
بينهما ستر " (.)2
فجميع هذه النصوص التي ذكرها هؤلء الفقهاء لمعالجة مسائل تتعلق
بالتعاقد بين متعاقدين ل يرى أحدهما الخر،تنص على أن عدم رؤية أحد
المتعاقدين للخر ل تؤثر على إبرام العقد وصحته ،وإن كان للفقهاء الحنفية رأي
يختلف في الحكم في هذه المسألة عما ذهب إليه هؤلء الفقهاء(.)3
ومن ناحية أخرى :فإن الفقهاء مجمعون على أن الساس في صحة العقود
هو تحقيق الرضا ،كما تدل على ذلك نصوصهم(.)4
وإن مما ل شك فيه هو :أن ذلك الشرط متحقق في المكالمة الهاتفية ذلك
لن التعبير إنما يتم من خلل اللفظ الصادر من كل المتعاقدين -وهذا محل
اتفاق بين الفقهاء -وما الهاتف وبقية وسائل التصال إل وسيلة إيصال وتبليغ
لصوت اللفظ الصادر ،وليس هو وسيلة جديدة للتعبير عن الرادة.
وبقياس التلكس والفاكس والنترنت لصورة خاصة على ما ذكرناه من
جواز التعاقد بالكتابة عند جميع العلماء بين الغائبين.
إضافة إلى ما سبق كله ،فإن الفقهاء مجمعون على أن العرف هو الساس
في تحديد كيفية البيع وصحة انعقاده ،ما دام أنه لم يرد في ذلك نص.
() فقد جاء في الفتاوى الهندية ما نصه " :ل يجوز أن ينادي من بعيد ،أو من وراء جدار " الفتاوي .3/5 3
() فتح القدير ،3/4الفروق :للقرافي ،1/44المجموع ،9/154كشاف القناع ،3/151المغني .4/4 4
140
يقول ابن نجيم " :واعلم أن اعتبار العادة والعرف ،يرجع إليه في الفقه في
مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلً ،فقالوا في باب ما تترك به الحقيقة :تترك
الحقيقة بدللة الستعمال والعادة " (.)1
ويقول الدسوقي " :والحاصل أن المطلوب في انعقاد البيع ما يدل على
الرضا عرفا " (.)2
وجاء في المجموع " :ولم يثبت في الشرع لفظ لـه -أي العقد – فوجب
الرجوع إلى العرف ،فكل ما عده الناس بيعا كان بيعا " (.)3
ويقول ابن قدامة " :إن ال أحل البيع ،ولم يبين كيفيته ،فوجب الرجوع فيه
إلى العرف " (.)4
ب عد كل ما سبق يمكن نا القول :إن عدم رؤ ية أ حد المتعاقد ين لل خر أثناء
التعاقد ل يؤثر على صحة العقد ،قياسا على التعاقد بين المتباعدين أو الغائبين أو
اللذين يفصل بينهما ساتر.
وإذا كان عدم رؤ ية كل المتعاقد ين لل خر ل تؤ ثر على صحة الع قد فإ نه
يمكننا القطع بصحة التعاقد من خلل أجهزة التصال الحديثة.
() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة ،ص .30 – 29 5
141
فلو كان المتعاقدان يتحدثان بالهاتف أو باللسلكي ،وقال أحدهما للخر:
بعتك الدار أو السيارة الفلنية ،وقال الخر :قبلت ،انعقد العقد ،بمجرد إعلن
القبول ،ولو لم يعلم الموجب بالقبول ،بأن انقطع التصال بينهما.
ولو وجّه أحد العاقدين خطابا أو برقية إلى آخر أو تلكسا أو فاكسا أو عن
طر يق النتر نت ,وفي ها إيجاب ببيع ش يء ،أو بإبرام ع قد زواج ،انع قد الع قد ب عد
و صول البرق ية أو الخطاب ونحوه ما ،وإعلن ال خر قبوله ،دون حا جة إلى علم
الموجب أو سماعه بالقبول.
لكن إبعادا لكل لبس أو غموض ،وتمكينا من إثبات العقد ،وتأكيدا لبرامه،
جرى العرف الحاضر في التلكس مثلً ونحوه على إرسال تلكس العرض ،ثم
تلكس القبول ،ثم تلكس البيع ،وساعد على ترسيخ هذا العرف ما تنص عليه
بعض القوانين الوضعية كالقانون المدني المصري ،فإنه نص على ما يلي:
في التعاقد بين حاضرين :تنص المادة ( )91على أن " التعبير عن الرادة
ينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ،ويعتبر وصول التعبير
قرينة على العلم به ،ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " واشتراط السماع أو العلم
بالقبول حتى بين الحاضرين أخذ به بعض فقهاء الحنفية مثل النسفي وابن كمال
باشا.
في التعاقد بين غائبين :تنص المادة ( )97على ما يلي " :يعتبر التعاقد ما
بين الغائبين قد تم في المكان وفي الزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول ،ما
لم يوجد اتفاق أو نص قانوني بغير ذلك ،ويفترض أن الموجب قد علم بالقبول
في المكان والزمان اللذين وصل إليه فيهما هذا القبول ".
وأرى الخذ بضرورة العلم بالقبول بالنسبة للموجب في التعاقد بين غائبين
بسبب تقدم وسائل التصال الحديثة وتعقّد المعاملت ،وتحقيقا لستقرار التعامل
ومنع إيقاع الموجب في القلق ،وتمكينا من إثبات العقد وإلزام القابل ،فإن جهْل
142
الموجب بالقبول يوقعه في حرج شديد ،وهذا رأي الستاذ الدكتور عبد الرزاق
السنهوري(.)1
() الزواج والطلق في السلم :بدران أبو العينين بدران ،ص .41 2
() حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة :د .محمد عقله ،ص .137 3
() حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة :د .وهبة الزحيلي ،ص .8 – 7 4
143
فتوى مجمع الفقه السلمي :
الحمد ل رب العالمين والصلة والسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين
وعلى آله وصحبه.
إجراء العقود بآلت التصال الحديثة(.)1
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في
المملكة العربية السعودية من 23 – 17شعبان 1410هـ ،الموافق 20 – 14
آزار (مارس) 1990م.
بعد اطلعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع( :إجراء
العقود بآلت التصال الحديثة).
ونظرا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل التصال وجرايان العمل
بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملت المالية والتصرفات.
وباستحضار ما تعرض لـه الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة
وبالشارة وبالرسول ،وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط لـه اتحاد
المجلس (عدا الوصية واليصاء والوكالة) وتطابق اليجاب والقبول ،وعدم
صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد ،والموالة بين اليجاب
والقبول بحسب العرف:
قرر:
-1إذا تم التعاقد بين غائبين ل يجمعهما مكان واحد ،ول يرى أحدهما
الخر معاينة ،ول يسمع كلمه ،وكانت وسيلة التصال بينهما الكتابة
أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ،وينطبق ذلك على البرق والتلكس
والفاكس وشاشات الحاسب اللي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد
عند وصول اليجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
() القرار رقم 54/3/6في دورة المؤتمر السادس لمجلس مجمع الفقه السلمي في منظمة المؤتمر 1
السلمي المنعقد في جدة في المملكة العربية السعودية 23 – 17شعبان 1410هـ الموافق 20 – 14
مارس 1990م.
144
-2إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين،
وينطبق هذا على الهاتف واللسلكي ،فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدا بين
حاضرين وتطبق على هذه الحالة الحكام الصلية المقررة لدى الفقهاء
المشار إليها في الديباجة.
-3إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابا محدد المدة يكون ملزما بالبقاء
على إيجابه خلل تلك المدة ،وليس له :الرجوع عنه.
-4إن القواعد السابقة ل تشمل النكاح لشتراط الشهاد فيه ،ول الصرف
لشتراط التقابض ،ول السلم لشتراط تعجيل رأس المال.
-5ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد
العامة للثبات.
145
146
المبحث الرابع
البطاقات الئتمانية
147
والعتراف بكفاءته وسمعته الطيبة ،المبدأ والثقة ،ملءته ورصيده في البنك،
قدرته على الحصول على حاجياته قبل دفع الثمن بناء على الثقة بوفائه بالدفع.
أما كلمة ( )Cardفمعناها المعروف هو تلك الرقعة الصغيرة من الورق أو
البلستيك يصدرها البنك أو غيره لحاملها وعليها بعض البيانات الخاصة بالبنك
وبحاملها .)1( "...
وفي العرف القتصادي تطلق كلمة CREDITعلى معنى القراض،
وهو من قبيل افتراض ثقة المقرض في أمانة المقترض وصدقه ولذلك منحه أجلً
للوفاء بدينه.
ولهذا يقول الدكتور عبد الوهاب " :فالعنوان السليم المناسب لهذا النوع من
البطاقات هو :بطاقات القراض" (.)2
ومادام هذا ال سم (بطاقات الئتمان) قد انت شر وشاع ا ستخدامه نب قي عل يه
مع تسليمنا صحة ما ذهب إليه فضيلة الستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
() البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب أبو سليمان ،ص .24 – 23 1
() هذا هو تعريف معجم أكسفورد مع إضافة يسيرةThe concise oxford Dictionary (Credit. 3
Card( P.277
() معجم المصطلحات التجارية والتعاونية :د .أحمد زكي بدوي ،ص .62 4
148
كما عرفها مجمع الفقه السلمي بأنها " :مستند يعطيه مصدره ،لشخص
طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع ,أو الخدمات
ممن يعتمد المستند ،دون دفع الثمن حالً ،لتضمنه التزام المصدر بالدفع ،ويكون
الدفع من حساب المصدر ،ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية .)1( "...
وعرف الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان البطاقات البنكية القراضية
والسحب المباشر من الرصيد تعريفا يبين حقيقتها وأقسامها بأنها " :أداة يصدرها
بنك أو تاجر ،أو مؤسسة تخول حاملها الحصول على السلع والخدمات ،سحبا
لثمانها من رصيده ،أو قرضا مدفوعا من قبل مصدرها ضامنا لصحاب
الحقوق ما يتعلق بذمة حاملها ،الذي يتعهد بالوفاء والتسديد للقرض خلل مدة
معينة من دون زيادة على القرض إل في حالة عدم الوفاء ،أو بزيادة ربوية
لدى اختياره الدفع على أقساط ،مع حسم عمولة على التاجر من قيمة مبيعاته
في جميع الحالت " (.)2
() مجلة المجمع الفقه السلمي العدد الثاني عشر (.)676 – 3/675 1
() البطاقات البنكية :د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،ص .227 2
149
-4أنواع بطاقات الئتمان :
تتعدد أنواع البطاقات لعدة اعتبارات:
-فمن حيث المزايا :توجد البطاقات العادية أو الفضية أو الذهبية وتختلف
فيما بينها في حدود الئتمان والمزايا الضافية التي يتمتع بها حاملها.
-وبحسب الجهة المصدرة :توجد البطاقات التي ترعاها منظمة عالمية
ويشارك في إصدارها جميع البنوك على مستوى العالم مثل الفيزا
وماستر كارد ،وبطاقات ترعاها وتصدرها مؤسسة مالية واحدة مثل
بطاقة أمريكان اكسبرس ،وبطاقات تصدرها مؤسسات تجارية لعملئها
ليشتروا منها فقط دون وجود بنك وسيط.
-ومن حيث نطاق التعامل بها :توجد البطاقات المحلية والقليمية
والعالمية.
-وأخيرا بحسب طبيعة العلقة وكيفية التعامل بالبطاقة توجد ثلثة أنواع
منها ،وهذا التقسيم الخير هو المهم لن التقسيمات الخرى تندرج تحته
ول تؤثر على ماهيتها:
النوع الول :بطاقة الخصم أو القيد المباشر والفوري Debit Card
ويشترط لصدار هذه البطاقة أن يكون للعميل حساب في البنك :فيه رصيد
يستطيع البنك مصدر البطاقة أن يخصم منه ما يحصل عليه حامل البطاقة عند
استعمالها ،والبنك ل يقدم قرضا لحامل هذه البطاقة ول يسمح لـه باستعمال
البطاقة إل في حدود رصيده بالبنك ،ولهذه البطاقة نفس استخدامات بطاقة الخصم
الشهري Charge Cardوبطاقة الئتمان القرضية Credit Cardفي الحصول
على السلع والخدمات والنقد(.)1
النوع الثاني :بطاقة الخصم الشهري أو الدفع المؤجل ()Charge Card
وهي بطاقة تتيح لحاملها أن يستخدمها في عمليات الشراء المختلفة والحصول
() بطاقة الئتمان :الصديق محمد المين الضرير ( 2/640ضمن بحوث مؤتمر العمال المصرفية 1
150
على الخدمات في شتى أنحاء العالم بالضافة إلى صلحيتها في عمليات السحب
النقدي ومن خلل الجهزة التابعة للبنوك التي أصدرتها في كافة أنحاء العالم.
وإصدارها ل يتطلب من حاملها الدفع المسبق للبنك المصدر في صورة
حساب جاري وإنما يطالب البنك المصدر حامل البطاقة بقيمة مشترياته
ومسحوباته في نهاية كل شهر على أن يسددها في مدة تالية تتراوح بين – 25
40يوما وإذا تأخر عن السداد يحمل بفائدة معدولها بين %1.75 – 1.5
شهريا( :)1أي من - %18إلى %21سنويا.
النوع الثالث :بطاقة الئتمان القرضية أو السداد على فترات لحقة
( )Credit Cardوهي الكثر انتشارا في الدول المتقدمة وهذه يخير صاحبها بين
سداد مسحوباته عليها بالكامل خلل فترة السماح أو سداد جزء منها وتأجيل
الباقي إلى أقساط على شهور تالية مع حساب فائدة بنفس المعدلت التي ذكرناها
في النوع الثاني.
وليس للمسحوبات عليها حد أعلى مادام صاحبها مستمرا في السداد
الجزئي للديون والفوائد(.)2
-5خطوات إصدار البطاقة والعلقة بين الطراف التي لها صلة بالبطاقة :
أولً :يقوم البنك بإصدار البطاقة لطالبها ،وقد فرض البنك رسما للصدار،
ورسـما للشتراك ،أي مقابلً ماليا نظيـر هذيـن المريـن فيسـتوفي البنـك ممـن
صدرت له البطاقة رسم الصدار ،ورسم الشتراك ،وقد يعفيه من أحدهما أو من
كليهما.
والعلقة المتمثلة في هذا العمل هي تقديم خدمة يقوم بها البنك تعريفا
وتمهيدا لستخدام البطاقة ،وهي خدمة يجوز للبنك أن يحصل على مقابل مالي
نظير تقديمها لعميله.
() بحث بطاقات الئتمان :دكتور محمد عبد الحليم عمر ( 2/666ضمن بحوث مؤتمر العمال المصرفية 1
151
وهذا اللتزام المالي من العميل قابل البطاقة للبنك مصدر البطاقة يحدث
قبل الستخدام الفعلي للبطاقة فيما أصدرت من أجله.
ثانيا :يتفق البنك مصدر البطاقة مع التاجر على أن يقبل البيع لحامل
بطاقته مداينة ،ويضع تحت تصرفه الوسائل التي يستلزمها ذلك ،فتنشأ علقة
تقديم خدمة أيضا ،وهي مما يجوز أخذ الجرة عليه.
وهذا اللتزام المالي من التاجر قابل البطاقة للبنك هو أيضا قبل الستخدام
الفعلي للبطاقة فيما خصصت له.
ثالثا :يشتري حامل البطاقة سلعة من التاجر أو يحصل على خدمة ذات
قيمة مالية ،ول يدفع ثمنا لذلك لمن باع له السلعة أو أدى له هذه الخدمة ،وإنما
يوقع على مستند خاص يمكن التاجر قابل البطاقة من أن يحصل على الثمن من
البنك مصدر البطاقة ،وتنشأ هنا علقة بين حامل البطاقة والبنك المصدر لها،
ويترتب على هذه العلقة التزام مالي من جهة حامل البطاقة للبنك الذي أصدرها.
رابعا :يقدم التاجر أو مقدم الخدمة الذي قبل التعامل ببطاقة الئتمان ،إلى
البنك مصدر البطاقة ،نسخة من مستند الدفع الذي وقع عليه حامل البطاقة ،وهنا
تنشأ علقة تعاقدية بين البنك والتاجر الذي قبل التعامل بالبطاقة ،إسنادا إلى ما
اتفق عليه بين الجانبين ،تجاه أي حالة قبول للبطاقة.
كما ينشأ مع هذه العلقة التزام مالي على البنك للتاجر الذي قبل التعامل
ببطاقة الئتمان.
وينشأ أيضا التزام مالي مقابل للبنك على حامل البطاقة ،وهو قيمة ما
حصل عليه حامل البطاقة من سلع أو ما أدى إليه من خدمات ،لنه لم يدفع
أثمانها ،وإنما اكتفى بالتوقيع على مستند الدفع(.)1
152
الراعي لصدار البطاقة
البنوك المحلية
المخولة بإصدار البطاقة من قبل (فيزا)
153
الطرف الثاني :حامل البطاقة ( )Card Holderهو الشخص الذي صدرت
البطاقة باسمه ،أو خوّل باستخدامها ،وأخذ على نفسه اللتزام أمام مصدر البطاقة
الوفاء بكل الواجبات التي تنشأ عن استعمال البطاقة.
الطرف الثالث :التاجر ( )Merchant or Supplierهو الذي يبرم عقدا
مع مصدر البطاقة بتقديم السلع والخدمات المتوافرة لديه ،المطلوبة من قبل
العملء حاملي بطاقة البنك الذي تمّ التفاق معه(.)1
() انظر البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب أبو سليمان ،ص .45 – 44 1
() انظر البحوث والمناقشات حول هذا الموضوع في :مجلة مجمع الفقه السلمي التابع لمنظمة المؤتمر 2
السلمي ،الدورة السابعة ،العدد السابع ،عام 1412هـ1992/م ،ج ،1ص .382 – 359
154
أصبح من الضروري تصنيف أقسامه حسب تنوع مضامين كل قسم ونوع
فيه ،ثم تحليل كل واحد منها وتركيبه ،واتفاقاته المتعددة في داخله ،فمن ثم
تتكشف جوانب كل عقد ،وتتضح رؤيته ،فيسلم تكييف(.)1
() المبدع ،4/248والمغني ،4/344مغني المحتاج ،2/198البحر الرائق ،6/221الشرح الكبير :للدردير 2
.3/329
155
ب -العلقة بينهما وكالة :
فإن حا مل البطا قة و كل الم صدر بت سديد ديو نه لدى التجار الذي سيشتري
منهـم لن الوكالة يعرفهـا الفقهاء " :اسـتنابة جائز التصـرف مثله فـي الحياة فيمـا
تدخله النيابة " (.)1
والوكالة من العقود الجائزة ،وات فق الفقهاء على جواز الوكالة ب سداد الد ين
وقبضه ،كما أجازوا أخذ الجرة على الوكالة(.)2
ج -وقيل بأن العلقة بينهما هي إقراض :
وعقد القرض هو ما تعطيه غيرك من مال على أن يرده إليك(.)3
وتخريج بطاقة الئتمان على القرض يتضح من خلل تمكين المصدر
الحامل من الحصول على السلع والخدمات بواسطة الخط الئتماني المحدد بسقف
معين ،ويكون ذلك عن طريق البطاقة ،وقبض هذا القرض هو قبضا حكميا يتمثل
في تمكين الحامل من الستفادة ثم تسديد المال عنه(.)4
ولعل الجمع بين الكفالة والقراض والوكالة هو القرب إلى النظر في
تخريج هذا العقد ،لن هذا هو المقصود الصلي لهذه البطاقة فهي قبل الستخدام
كفالة ووعد بالقرض والوكالة فإذا ما استخدمت فعلً وقام المصرف بالسداد نيابة
عن العميل فقد تحقق هذا الوعد وأصبح القرض والوكالة حقيقة واقعة.
ثانيا :العلقة بين مصدر البطاقة والتاجر :
لقد كثرت التخريجات الفقهية لهذه العلقة بين كونها شبيهة بخصم الوراق
التجارية ،إلى كونها علقة كفالة :أي أن الجهة المصدرة قد كفلت للتاجر أن تدفع
لـه قيمة المبيعات بهذه البطاقة ،إلى كونها وكالة بأجر ،إلى كونها علقة
سمسرة ،بل إن من الناس من خرجها على أنها علقة بيع فجعل مصدر البطاقة
() كشاف القناع ،3/461التعاريف :للمناوي .1/733 1
() انظر تبيين الحقائق ،4/288مواهب الجليل ،5/188روضة الطالبين ،4/330المغني ،4/391كشاف 2
القناع .3/489
)(3الدر المختار ،5/161التعاريف .1/580
)( 4بحث " بطاقة الئتمان " :د.مبارك جزاء الحربي ( 5/2174ضمن أوراق مؤتمر العمال المصرفية
اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة المارات ،ربيع الولى 1424هـ/مايو 2003م).
156
هو المشتري الحقيقي لهذه البضائع ثم يعيد بيعها للعميل فتكون قريبة الشبه ببيع
المرابحة للمر بالشراء.
ولعل أظهر هذه التخريجات هو تخريجها على أساس الكفالة والوكالة وهو
تخريج يفتح الباب لمشروعية العمولة أو نسبة الخصم التي يتقاضاها البنك في
هذه الحالة لن الجرة الممنوعة في الكفالة هي التي تكون من المكفول عنه إلى
الكفيل ،وهي هنا من المكفول لـه وهو التاجر إلى الكفيل ،أما الجرة في الوكالة
فهي جائزة في جميع الحوال.
ثالثا :العلقة بين حامل البطاقة والتاجر :
ترددت التخريجات الفقهية لهذه العلقة بين كونها علقة:
-1حوالة حيث أحال حاملها التاجر على مليء وهو الجهة المصدرة،
وتتحقق هذه الحوالة بتوقيعه على فاتورة الشراء.
-2أو كونها علقة بيع أو إجارة عادية بحيث تصنف العقود بحسبها
بيعا أو إجارة بحسب المعقود عليه ثم تنتقل مسؤولية المطالبة بالقيمة
إلى مصدر البطاقة الذي ضمن تسديد ما يسحب عليها من أثمان أو
أجور.
-3أو العلقة بينهما وكالة بأجر :وهذا المعنى يتضح من خلل توكيل
التاجر للمصدر بأن يحصل المبلغ المستحق له في ذمة العميل لقاء
مبلغ يحصل عليه المصدر محدد بنسبة معينة من فاتورة الشراء.
157
فهـي في العل قة ب ين م صدرها وحامل ها تتكون من ثل ثة عقود :الكفالة،
والقراض ،والوكالة :فالجهـة المصـدرة قـد كفلت حامـل البطاقـة أمام التجار
وأقرضتـه قيمـة مسـحوباته على البطاقـة ،وحامـل البطاقـة وكلهـا فـي الوفاء بهذه
القيمة إلى التاجر.
العلقة الثانية :
وفـي العلقـة بيـن مصـدرها والتاجـر تتكون مـن عقديـن أيضا :الضمان
والوكالة ،فالجهة المصدرة قد ضمنت للتاجر الوفاء بمستحقاته قبل حامل البطاقة،
كمـا أنهـا قامـت بتحصـيل هذه المسـتحقات للتاجـر مـن قبـل حاملي هذه البطاقات
ووضعها في حسابه بعد خصم نسبة العمولة المتفق عليها.
العلقة الثالثة :
و في العل قة ب ين حا مل البطا قة والتا جر يحكم ها الب يع أو الجارة بح سب
طبي عة المعقود عل يه بينه ما بالضا فة إلى الحوالة ح يث أحال حامل ها التا جر على
جهة إصدار البطاقة.
158
-والمضمون عنه وهو حامل البطاقة ومن أهم شروطه معرفته ليعلم
هو موسرا أم ل ؟ وهو ما يتم في بطاقة الئتمان حيث يصدر البنك
لـه البطاقة بعد دراسة حالة العميل الئتمانية.
-والمضمون له وهو التاجر ويستفيد بضمان حقه.
-2المضمون :و هو مبلغ الد ين النا شئ في ذ مة حا مل البطا قة للتا جر أو
البنوك الخرى عن مشتريا ته أو م سحوباته وأ هم شرط ف يه كو نه ثابتا
لزما و مع أن د ين البطا قة ل يكون موجودا ع ند إ صدارها الذي يم ثل
عقد الضمان فإن جميع المذاهب الفقهية تجيز ضمان ما يسحب.
-3الصسيغة :وتتمثـل فـي اليجاب والقبول الذي يدل على رضـا أطراف
البطاقة وإصدار البنك للبطاقة بناء على طلب حاملها ،وكذا اتفاقية البنك
مع التجار يحقق ركن الصيغة(.)1
()بطاقة الئتمان :ماهيتها والعلقات الناشئة عن استخدامها بين الشريعة والقانون :د .محمد عبد الحليم 1
عمر ( 688 – 2/687بحوث مؤتمر العمال المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة
المارات).
() البطاقات البنكية ،ص .232 2
159
-3الشرط الربوي :
فعقود إصـدار هذه البطاقات تتضمـن فـي الغالب نصـوصا ربويـة تقضـي
بوجوب دفع فوائد ربو ية أو غرامات مال ية عند التأ خر عن السداد ،ف ما أ ثر هذه
العقود على صحة ومشروعية بطاقات الئتمان ؟
()1
انقسم الفقه المعاصر عند نظره في هذه البطاقات إلى قسمين:
القسم الول:
قسـم يرى الجواز (صـحة العقـد وبطلن الشرط) متـى غلب على ظـن
المتعامل قدرته على التحوط من الوقوع تحت طائلة هذا الشرط ،لن هذا الشرط
الفاسـد فـي معرض اللغاء شرعا ،وهـو مسـتنكر ومعمول على اسـتبعاد مفعوله،
ومستند هؤلء ما يأتي:
قول ال نبي لعائ شة عند ما أرادت أن تشتري بريرة فأ بى أ صحابها بيع ها
إل بشرط أن يكون الولء لهم – وهو شرط على خلف الشرع لن الولء شرعا
لمن أعتق – فقال النبي لعائشة " :خذيها واشترطي لهم الولء فإن الولء لمن
أعتـق " ،وفـي روايـة " اشتريهـا واعتقيهـا واشترطـي لهـم الولء " ( ،)2ومعنـى
الحديـث ل تبالي لن اشتراطهـم مخالف للحـق ،فل يكون ذلك للباحـة ،بـل
المقصود الهانة وعدم المبالة بالشتراط لن وجوده كعدمه.
وجه الدللة:
ويفهـم مـن هذا أنـه إذا تعنـت أحـد بفرض شرط مخالف للشرع فيمـا تعـم
الحا جة إل يه من العقود وأ بى إبرام الع قد إلى على هذا الشرط الفا سد فل تتع طل
هذه العقود بسبب التعنت ،ول يفتى بعدم مشروعيتها بل تجري رغم ذلك ويجتهد
على إبطال هذا الشرط الفاسـد مـن خلل السـلطان ،أو التحوط فـي عدم الوقوع
تحت طائلته عند خلو الزمان من السلطان القائم على أمر ال.
() أخرجه البخاري في البيوع باب منتهى التلقي (.2/759 )2060 2
160
تنزيل الحاجيات منزلة الضروريات :
ما عمت به البلوى في كثير من البلد من تضمن عقود الكهرباء والهاتف
وغير ها ن صوصا مماثلة ،بح يث إذا تخلف المشترك عن ال سداد تعرض لت طبيق
هذه الغرامات عليه ،ولم يقل أحد بحرمة الشتراك في هذه المرافق نظرا لوجود
هذه الشروط.
إن القرض ل يفسد بفساد الشروط ،بل تبطل الشروط ويصح عقد القرض
أقوامـ يشترطون شروطا ليسـت فـي كتاب ال ؟! مـن ٍ لقول النـبي " :مـا بال
اشترط شرطا ليس في كتاب ال فليس له وإن اشترط مائة شرط " (.)1
القسم الثاني:
يرى المنع (بطلن العقد) وهو صريح مذهب المالكية والشافعية(.)2
161
وال مر في بطاقات الئتمان أد نى من ذلك ،ف قد ي ستطيع الن سان أن يح يا
حياته بصورة طبيعية أو شبه طبيعية بدون بطاقات الئتمان ،ولكنه ل يستطيع أن
يفعل ذلك بدون هاتف وكهرباء.
القول المختار :
والذي يترجـح لدينـا انتفاء الحرج ع من غلب على ظنـه قدرتـه على الوفاء
في مدة السماح وبالتالي عدم الوقوع تحت طائلة هذا الشرط وبذل من السباب ما
يمكنه من ذلك.
162
-4تخريجها على أنها ل تلحق بالربا :
ومنهـم مـن رأى أنـه ل ترد على هذه النسـبة شبهـة الربـا ابتداءً لننـا أمام
خصم ولسنا أمام زيادة فليس فيها ما يلحقها بالربا.
الخلصة :
وأيا كان التخريج المختار فإن الفقه المعاصر مستقر على رفع الحرج عن
هذه النسـبة على أن تحدد هذه النسـبة لتكون مقابـل الخدمات المقدمـة للتاجـر،
والمتمثلة في تحصيل فواتير الشراء ،وجذب العملء إليه ،وتسهيل تعامله معهم،
ويمكن لمصدر البطاقة وبنك التاجر أن يتقاسما هذه العمولة ،لشتراكهما في تقديم
الخدمة للتاجر(.)1
المجيزون لهذه النسبة :
-1الهيئة الشرعية لشركة الراجحي :
و قد أجازت هذه العمولة الهيئة الشرع ية لشر كة الراج حي في فتوا ها ر قم
( )47فقد قررت أنها " ل ترى مانعا من الحصول على نسبة من قيمة ما يشتريه
حا مل البطا قة ،مادا مت هذه النسـبة تسـتقطع من ث من خد مة أو سـلعة ،و قد تـم
التعارف على اسـتقطاعها مـن البائع لصـالح البنـك الذي أصـدر البطاقـة وشركـة
الفيزا العالمية ".
-2الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي وللبنك السلمي الردني :
ك ما ذ هب إلى الجواز أيضا الفتوى ال صادرة عن الهيئة الشرع ية ل كل من
بيـت التمويـل الكويتـي والبنـك السـلمي الردنـي ،حيـث عدت " العمولة التـي
يأخذ ها البنك من التا جر المتعامل بالبطا قة أ جر وكالة على الو ساطة بين التا جر
وحامـل البطاقـة ومـا ينتـج بسـببها مـن :ترويـج التعامـل معـه ،وتأميـن الزبائن
وتح صيل الديون ،ك ما أ نه ل يو جد أ ثر للضمان الذي يو جد في ب عض الحالت،
لن العمولة ل تزداد مقابله ،ول ينظر للمبلغ المضمون ".
163
-5الغرامات التأخيرية والفوائد الربوية :
يفرض مصدرو بطاقات الئتمان غرامات مالية على التأخير في السداد أو
تأج يل أو تق سيط الم سحوبات الم ستحقة على البطا قة ،وهذه الغرامات من الربـا
ال صريح الذي ل يختلف ف يه ول يختلف عل يه ،ف هو ر با الن سيئة الذي نزل القرآن
لتحريمه وآذن أصحابه بحرب من ال ورسوله.
كيف نعالج مشكلة التأخر عن السداد ؟
لقد سبق القول بأن الفوائد والغرامات التأخيرية على القروض هي صريح
الربـا الجاهلي المحرم ،وأنـه ل سـبيل للمصـارف السـلمية إليهـا بحال مـن
الحوال ،فكيف يمكن أن تعالج مشكلة التأخر عن السداد في الطار السلمي؟
الحلول المقترحة :
تو جد ب عض الحلول البديلة من الفوائد الربو ية والغرامات التأخير ية نذ كر
منها:
إنظار المدين إذا كان معسرا ،أو إلغاء العضوية وسحب البطاقة ثم اللجوء
إلى القضاء وتحميله مصروفات الخصومة ،أو نشر اسم العميل في قائمة سوداء
تعمم على المصارف ردعا له وزجرا لمثاله...الخ(.)1
() أخرجه البخاري في البيوع باب بيع الذهب بالذهب ( ،2/761 )2066ومسلم في المساقاة باب الصرف 2
164
أجمـع مجمـع الفقـه السـلمي بجواز شراء الذهـب والفضـة بالشيكات
المصدقة على أن يتم التقابض في المجلس ،واعتبر تسليم الشيك المصدق بمثابة
الت سليم الفوري للمبلغ ،ول ما كا نت ق سيمة الد فع تخول للتا جر الح صول الفوري
على المبلغ ع ند تقديم ها للب نك الذي يتعا مل به التا جر فإن ق بض الق سيمة يح قق
التقابض المنشود في بيع الذهب والفضة.
وعلى هذا فالبطا قة ال تي يتح قق في ها الق بض الفوري يم كن ا ستخدامها في
شراء الذهب والفضة ،والتي ل يتحقق فيها ذلك ل يشرع استخدامها(.)1
لبائع الذهب طريقان لتحصيل قيمة الذهب من العميل صاحب البطاقة: () 1
استخدام الجهاز اللي " الدفع السريع " وذلك بتمرير البطاقة في هذا الجهاز الذي يقوم على الفور -1
بسلسلة من العمليات الفورية اللية التي تنتهي بتحويل قيمة هذه المبيعات إلى حساب التاجر.
استعمال الجهاز اليدوي ويستغرق قيامه بهذه العمليات وقتا ل يقل عن ثلثة أيام ،كما أن تحويل المبلغ -2
إلى حساب التاجر مرهون بتقديمه لفواتير البيع إلى الجهة المصدرة للبطاقة.
سبق تخريج الحديث قريبا. () 2
165
المقا صة في حدود البدل ال صغر وي سدد البا قي بالعملة الخرى على أن يتفر قا
وليس بينهما شيء.
والصـل فـي ذلك حديـث ابـن عمـر " :كنـت أبيـع البـل بالبقيـع ،فأبيـع
بالذهب وأقضي بالورق ،أو أبيع بالورق وأقضي بالذهب ،فسألت في ذلك رسول
ال فقال " :ل بأس إذا كان بسعر يومكما إذا تفرقتما وليس بينكما شيء " (.)1
وعلى هذا فل بأس بهذه العمليـة على أن تتـم المحاسـبة على أسـاس سـعر
ال صرف يوم الت سوية أو المقا صة ،أي :يوم الخ صم من الح ساب الجاري لحا مل
البطاقة.
المجيزون :
فمنهـم مـن يرى جواز هذه العمولت لنهـا ل تعدو أن تكون أجرا مقابـل
توصيل العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة وما يقتضيه ذلك
من نفقات ومصروفات ،فهي أجر تحويل العمولت من بلد إلى بلد إل أنه تحويل
معكوس ح يث تقوم البنوك الوكيلة لشر كة البطا قة بد فع النقود أولً ثم ت سترد من
العميل ثانيا تحقيقا للفورية المطلوبة في هذه العملية ،والجل المتخلل بين القبض
() أخرجه أبو داود في البيوع باب في اقتضاء الذهب من الورق ( ،3/250 )3354والترمذي في البيوع 1
باب في الصرف ( ،3/544 )1242والنسائي (المجتبى) في البيوع باب بيع الفضة بالذهب (،7/281 )4582
وأحمد في مسنده (.2/139 )6239
166
والت سديد ل يس مق صودا في هذه العمل ية ول هو من صميمها ،وهذا الذي أخذ به
بنك التمويل الكويتي والبنك السلمي الردني.
المانعون :
ومن هم من يرى حر مة هذه العمولت لن عمل ية ال سحب ت عد إقراضا من
قبل جهة البطاقة أو البنك الوكيل لحامل البطاقة فما يؤخذ مقابلها يكون من الربا
المحرم ،وهذا الذي أخذت به الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية.
الرأي الراجح :
والذي يترجح هو التفرقة بين وضعين :
-عندمـا تكون العمليـة سـحبا من ح ساب العميـل ف ما يؤ خذ مقابلهـا
يكون عمولة مشروعة.
-وعندما تكون إقراضا له فما يؤخذ مقابلها يكون ربا محرما ،وال
أعلم.
ول يخ فى أن الحر مة في هذه الحالة إن ما تتعلق بالج هة الم صدرة للبطا قة
وبين البنك الوكيل ،أما العميل فهو في كل حالته يسحب من أمواله المودعة لدى
جهة البطاقة ،والعمولة التي يتحملها إنما تكون مقابل ما تتجشمه هذه الجهة من
جهد وما تتكلفه من نفقة بمناسبة قيامها بهذا العمل ،ول علقة لـه بما يدور بين
الجهة المصدرة وبين البنك الوكيل(.)1
167
168
المبحث الخامس
التأمين التعاوني
169
-2وهذا من شأنه تحقيق التحابب والتواد والخوة وتماسك المجتمع.
-3تحقيق طمأنينة النفس والسعادة في الدنيا :فحينما يشعر الفرد أن كل
حاجاته مؤمنة في حالت الطوارئ ترتاح نفسه ويطمئن على حياته.
-4توفير الموال وادخارها ،فالمشترك في نظام من نظم التأمين يدفع
ل جدا يكون ذا أثر كبير عند وقوع الخطر. قسطا شهريا قلي ً
-5والنسان في حاجة إلى التأمين لنه محاط بالخطار وهو يعاني منها
ويتحمل أعباء جسيمة وإن الخوف من هذه المخاطر – كغرق البواخر
في البحر – يوقف كثيرا من رجال العمال عن بعض الفعاليات
القتصادية التي كان بإمكانها أن تنفع البلد والعباد ،وإن وقوع هذه
المخاطر يسبب كوارث اقتصادية واجتماعية كحريق مصنع وموت
()1
عامل وهو يعيل أسرة...
() المعاملت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة :أ.د محمد رواس قلعه جي ،ص .150 1
() فقه العقود المالية :د .عبد الحق حميش ود .الحسين شواط ص ،126المعاملت المالية المعاصرة في 2
170
ويعد العلمة محمد أمين الشهير بابن عابدين (1252هـ) أول من تكلم
عن التأمين وسماه " السوكرة " وأفتى بحرمة التأمين البحري(.)3
-3أنواع التأمين :
()2
ينقسم التأمين من حيث شكله إلى قسمين:
أحدهما :التأمين التعاوني :بحيث يجتمع مجموعة من الشخاص
المعرضين للخطر المشابه ويدفع كل منهم اشتراكا معينا وتصرف هذه
الشتراكات لداء التعويض لمن يُصيبه الضرر ،وإذا زادت الشتراكات على ما
صرف من تعويض كان للعضاء حق استردادها ،وإن نقصت طولب العضاء
باشتراك إضافي لتغطية العجز وأعضاء شركة التأمين التعاوني ل يسعون إلى
تحقيق الرباح ولكن يسعون إلى تخفيف الخسائر وتحمل المصائب وتدار الشركة
بواسطة أعضائها فكل واحد يكون مؤمنا ومؤمنا لـه (وهذا النوع قليل التطبيق
اليوم).
الثاني :التأمين بقسط ثابت :وهو أن يلتزم المؤمن لـه بدفع قسط محدد
إلى المؤمن وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين غير المؤمن لهم
وهؤلء هم الذين يستفيدون من أرباح الشركة (وهذا النوع هو السائد الن).
الفرق بين النوعين :أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن
المؤمن لهم ول يسعى أعضاؤه إلى تحقيق الربح وإنما يسعون إلى تخفيف
الخسائر التي تلحق ببعض العضاء ،فالغرض اجتماعي إنساني.
أما التأمين بقسط ثابت فيتوله المؤمن (الشركة المساهمة) الذي يهدف إلى
تحقيق الربح على حساب المشتركين المؤمن لهم.
وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلى قسمين:
171
أحدهما :تأمين الضرار :وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في مال أو ذمة
المؤمن لـه والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث
وهو ينقسم إلى قسمين:
-1تأمين على الشياء :تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في
ماله مثل :التأمين على الحريق ،والسرقة والغرق ،وموت الحيوانات،
وسقوط الطائرات.
-2التأمين من المسؤولية :ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد
يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابهم بسببه :حوادث
السيارات ،حوادث العمل...
الثا ني :تأم ين الشخاص :و هو يتناول كل أنواع التأم ين المتعل قة بش خص
المؤمن لـه ويقصد به دفع مبلغ معين إذا وقع خطر معين للنسان في وجوده أو
سلمته ويشمل تأمين الشخاص نوعين أساسين:
أ -التأمين لحال الوفاة :وهو أن يتعهد المؤمن في مقابل أقساط أن يدفع مبلغا
معينا عند وفاة المؤمن عليه لورثته أو لي شخص آخر.
172
ب -التأمين لحال البقاء ويسمى التأمين المضاد :وهو التزام من المؤمن
بدفع مبلغ من المال إلى المؤمن له إذا ظل حيا في تاريخ معين وإذا مات
قبل التاريخ المحدد لها يدفع المؤمن شيئا مع احتفاظه بالقساط.
ج -التأمين المختلط والذي يجمع بين النوعين السابقين :حيث يلتزم فيه
المؤمن بأداء المبلغ المؤمن به إما في تاريخ معين للمؤمن لـه نفسه إذا
ظل حيا في هذا التاريخ ،وإما إلى المستفيد المعين أو إلى ورثة المؤمن له
إذا مات قبل ذلك التاريخ ويكون القسط في هذا النوع أكبر منه في
النوعين السابقين.
د -التأمين من الحوادث الجسمانية :ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ معين
إلى المؤمن لـه إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني أو
إلى المستفيد المعين إذا مات المؤمن له من الحادث.
وينقسم التأمين إلى:
-1تأمين خاص :وهو ما عقد المؤمن لـه ليؤمن عن نفسه من خطر
معين ويكون الدافع إلى هذا التأمين الصالح الشخصي.
-2تأمين اجتماعي :وهو ما كان الغرض منه تأمين الشخاص – الذين
يعتمدون في معايشهم على كسب عملهم – من بعض الخطار التي
يتعرضون لها فتعجزهم أو تعطلهم عن العمل كالمرض والشيخوخة
والعجز...
173
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرّر المجلس بالكثرية تحريم
التأمين بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك من
الموال.
كما قرر مجلس المجمع بالجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار
العلماء من جواز التأمين التعاوني بدلً من التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه
آنفا وعهد بصياغة القرار إلى لجنة خاصة.
تقرير اللجنة المكلفة بإعداد قرار مجلس المجمع حول التأمين :
بناء على قرار مجلس المجمع المتخذ بجلسة الربعاء 14شعبان
1398هـ المتضمن تكليف كل من أصحاب الفضيلة العلماء الشيخ عبد العزيز
بن عبدال بن باز ،والشيخ محمد محمود الصواف ،والشيخ محمد بن عبدال
السبيل بصياغة قرار مجلس المجمع حول التأمين بشتى أنواعه وأشكاله.
وعليه فقد حضرت اللجنة المشار إليها وبعد المداولة أقرت ما يلي:
الحمد ل والصلة والسلم على رسول ال وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
بهداه ..أما بعد:
فإن المجمع الفقهي السلمي في دورته الولى المنعقدة في 10شعبان
1398هـ بمكة المكرمة بمقر رابطة العالم السلمي نظر في موضوع التأمين
بأنواعه بعد ما اطلع على كثير مما كتبه العلماء في ذلك وبعد ما اطلع أيضا على
ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته
العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1397هـ بقراره رقم ( )55من التحريم
للتأمين التجاري بأنواعه.
وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي
بالجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه
سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للدلة التية:
الول :عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الحتمالية
المشتملة على الغرر الفاحش ،لن المستأمن ل يستطيع أن يعرف وقت العقد
174
مقدار ما يعطي أو يأخذ ،فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما
التزم به المؤمن ،وقد ل تقع الكارثة أصلً فيدفع جميع القساط ول يأخذ شيئا،
وكذلك المؤمن ل يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده ،وقد
ورد في الحديث الصحيح عن النبي النهي عن بيع الغرر(.)1
الثاني :عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة (الميسر) ،لما
فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بل جناية أو تسبب فيها ومن
الغنم بل مقابل أو مقابل غير مكافئ ،فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين ثم
يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين ،وقد ل يقع الخطر ومع ذلك يغنم
المؤمن أقساط التأمين بل مقابل ،وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارا ودخل في
عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى :يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والنصاب والزلم رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون [ المائدة:
.]91
الثالث :عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة ,فإن الشركة
إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا
فضل ،والمؤمن يدفع ذلك للمستأمن بعد مدة يكون ربا النسيئة ،وإذا دفعت
الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا النسيئة فقط ،وكلهما محرم بالنص
والجماع(.)2
الرابع :عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم ،لن كل منهما فيه جهالة
وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إل ما فيه نصرة للسلم وظهور
لعلمه بالحجة والسنان ،وقد حصر النبي رخصة الرهان بعوض في ثلثة
)( 1أخرجه مسلم في البيوع باب بطلن بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر ( ،3/1153 )1513وأبو داود في
البيوع باب في بيع الغرر ( ،3/254 )3376ومالك في موطئه في كتاب البيوع باب بيع الغرر ()1345
،2/664وأحمد (.2/376 )8871
)(2المغني ،4/127مغني المحتاج ،2/21تبيين الحقائق ،4/3الثمر الداني .1/495
175
بقوله " :ل سبق إل في خف أو حافر أو نصل " ( ,)3وليس التأمين من ذلك ول
شبيها به فكان محرما.
الخامس :عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بل مقابل ،وأخذ بل
مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم لدخوله في عموم النهي في قوله
تعالى :يا أيها الذين آمنوا ل تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إل أن تكون تجارة عن
تراض منكم [ النساء.]29 :
السادس :في عقد التأمين التجاري اللزام بما ل يلزم شرعا ،فإن المؤمن
لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه ،وإنما كان منه مجرد التعاقد مع
المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن لـه،
ل للمستأمن فكان حراما.
والمؤمن لم يبذل عم ً
وأما ما استدل به المبيحون للتأمين التجاري مطلقا أو في بعض أنواعه
فالجواب عنه ما يلي:
(أ) الستدلل بالستصلح غير صحيح ،فإن المصالح في الشريعة
السلمية ثلثة أقسام :قسم شهد الشرع باعتباره فهو حجة ،وقسم سكت عنه
الشرع فلم يشهد لـه بإلغاء ول اعتبار فهو مصلحة مرسلة وهذا محل اجتهاد
المجتهدين ،والقسم الثالث :ما شهد الشرع بإلغائه ،وعقود التأمين التجاري فيها
جهالة وغرر وقمار وربا فكانت مما شهدت الشريعة بإلغائه لغلبة جانب المفسدة
فيه على جانب المصلحة.
(ب) الباحة الصلية ل تصلح دليلً هنا ،لن عقود التأمين التجاري قامت
الدلة على مناقضتها لدلة الكتاب والسنة ،والعمل بالباحة الصلية مشروط بعدم
الناقل عنها وقد وجد فبطل الستدلل بها.
() أخرجه أبو داود في الجهاد باب المسابقة ( ،1/395 )1638وابن ماجه في الجهاد باب السبق والرهان 3
( ،2/960 )2878والنسائي في الخيل باب السبق ( ،6/227 )3589وصححه ابن القطان وابن دقيق العين
(تلخيص الحبير )4/161
176
(ج) الضرورات تبيح المحظورات ل يصح الستدلل به هنا ،فإن ما أباحه
ال من طرق كسب الطيبات أكثر أضعافا مضاعفة مما حرمه عليهم ،فليس هناك
ضرورة معتبرة شرعا تلجئ إلى ما حرمته الشريعة من التأمين.
(د) ل يصح الستدلل بالعرف ،فإن العرف ليس من أدلة تشريع الحكام
وإنما يبنى عليه في تطبيق الحكام وفهم المراد من ألفاظ النصوص ومن عبارات
الناس في أيمانهم وتداعيهم وأخبارهم وسائر ما يحتاج إلى تحديد المقصود منه
من الفعال والقوال فل تأثير لـه فيما تبين أمره وتعين المقصود منه ،وقد دلت
الدلة دللة واضحة على منع التأمين فل اعتبار به معها.
(هـ) الستدلل بأن عقود التأمين التجاري من عقود المضاربة أو في
معناه غير صحيح :فإن رأس المال في المضاربة لم يخرج عن ملك صاحبه وما
يدفعه المستأمن يخرج بعقد التأمين من ملكه إلى ملك الشركة حسبما يقضي به
نظام التأمين ،وأن رأس مال المضاربة يستحقه ورثة مالكه عند موته ،وفي
التأمين قد يستحق الورثة نظاما مبلغ التأمين ولو لم يدفع مورثهم إل قسطا واحدا،
وقد ل يستحقون شيئا إذا جعل المستفيد سوى المستأمن وورثته ،وأن الربح في
المضاربة يكون بين الشريكين نسبا مئوية مثلً بخلف التأمين فربح رأس المال
وخسارته للشركة وليس للمستأمن إل مبلغ التأمين أو مبلغ غير محدد.
(و) قياس عقود التأمين على ولء الموالة عند من يقول به غير صحيح،
فإنه قياس مع الفارق ،ومن الفروق بينهما :أن عقود التأمين هدفها الربح المادي
المشوب بالغرر والقمار وفاحش الجهالة بخلف عقد ولء الموالة فالقصد الول
فيه التآخي في السلم والتناصر والتعاون في الشدة والرخاء وسائر الحوال وما
يكون من كسب مادي فالقصد إليه بالتبع.
(ز) قياس عقد التأمين التجاري على الوعد الملزم عند من يقول به ل
يصح ،لنه قياس مع الفارق ،ومن الفروق أن الوعد بقرض أو إعارة أو تحمل
خسارة مثلً من باب المعروف المحض ،فكان الوفاء به واجبا أو من مكارم
177
الخلق ،بخلف عقود التأمين فإنها معاوضة تجارية باعثها الربح المادي فل
يغتفر فيها ما يغتفر في التبرعات من الجهالة والغرر.
(ح) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان المجهول وضمان ما لم يجب
قياس غير صحيح ،لنه قياس مع الفارق أيضا ،ومن الفروق أن الضمان نوع
من التبرع يقصد به الحسان المحض بخلف التأمين فإنه عقد معاوضة تجارية
يقصد منها أولً الكسب المادي فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود
إليه والحكام يراعى فيها الصل ل التابع ما دام تابعا غير مقصود إليه.
(ط) قياس عقود التأمين التجاري على ضمان خطر الطريق ل يصح ،فإنه
قياس مع الفارق كما سبق في الدليل قبله.
(ي) قياس عقود التأمين التجاري على نظام التقاعد غير صحيح ،فإنه
قياس مع الفارق أيضا لن ما يعطى من التقاعد حق التزم به ولي المر باعتباره
مسؤولً عن رعيته وراعى في صرفه ما قام به الموظف من خدمة المة ووضع
له نظاما راعى فيه مصلحة أقرب الناس إلى الموظف ،ونظر إلى مظنة الحاجة
فيهم ،فليس نظام التقاعد من باب المعاوضات المالية بين الدولة وموظفيها ،وعلى
هذا ل شبه بينه وبين التأمين الذي هو من عقود المعاوضات المالية التجارية التي
يقصدها بها استغلل الشركات للمستأمنين والكسب من ورائهم بطرق غير
مشروعة ،لن ما يعطى في حالة التقاعد يعتبر حقا التزم به من حكومات
مسؤولة عن رعيتها وتصرفها لمن قام بخدمة المة كفاء لمعروفه وتعاونا معه
جزاء تعاونه معها ببدنه وفكره وقطع الكثير من فراغه في سبيل النهوض معها
بالمة.
(ك) قياس نظام التأمين التجاري وعقوده على نظام العاقلة ل يصح :فإنه
قياس مع الفارق ،ومن الفروق أن الصل في تحمل العاقلة لديه الخطأ وشبه
العمد ما بينها وبين القاتل خطأ أو شبه العمد من الرحم والقرابة التي تدعو إلى
النصرة والتواصل والتعاون وإسداء المعروف ولو دون مقابل ،وعقود التأمين
التجارية استغللية تقوم على معاوضات مالية محضة ل تمت إلى عاطفة
الحسان وبواعث المعروف بصلة.
178
(ل) قياس عقود التأمين التجاري على عقود الحراسة غير صحيح :لنه
قياس مع الفارق أيضا ،ومن الفروق أن المان ليس محلً للعقد في المسألتين،
وإنما محله في التأمين القساط ومبلغ التأمين ،وفي الحراسة الجرة وعمل
الحارس ،أما المان فغاية ونتيجة وإل لما استحق الحارس الجرة عند ضياع
المحروس.
(م) قياس التأمين على اليداع ل يصح :لنه قياس مع الفارق أيضا ،فإن
الجرة في اليداع عوض عن قيام المين بحفظ شيء في حوزته يحوطه بخلف
التأمين ،فإن ما يدفعه المستأمن ل يقابله عمل من المؤمن يعود إلى المستأمن
بمنفعة وإنما هو ضمان المن والطمأنينة ،وشرط العوض عن الضمان ل يصح
بل هو مفسد للعقد ،وإن جعل مبلغ التأمين في مقابلة القساط كان معاوضة
تجارية جعل فيها مبلغ التأمين أو زمنه فاختلف في عقد اليداع بأجر.
(ن) قياس التأمين على ما عرف بقضية تجار البز مع الحاكة ل يصح،
والفرق بينهما أن المقيس عليه من التأمين التعاوني وهو تعاون محض والمقيس
تأمين تجاري وهو معاوضات تجارية فل يصح القياس.
179
الثاني :خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه :ربا الفضل وربا النسيئة,
فليس عقود المساهمين ربوية ول يستغلون ما جمع من القساط في معاملت
ربوية.
الثالث :إنه ل يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود
عليهم من النفع ،لنهم متبرعون فل مخاطرة ول غرر ول مقامرة بخلف
التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.
الرابع :قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من
القساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء كان القيام بذلك
تبرعا أو مقابل أجر معين.
ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية
مختلطة للمور التية:
أولً :اللتزام بالفكر القتصادي السلمي الذي يترك للفراد مسؤولية
القيام بمختلف المشروعات القتصادية ول يأتي دور الدولة إل كعنصر مكمل لما
عجز الفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات
وسلمة عملياتها.
ثانيا :اللتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون
بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسؤولية إدارة
المشروع.
ثالثا :تدريب الهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإيجاد المبادرات
الفردية والستفادة من البواعث الشخصية ،فل شك أن مشاركة الهالي في
الدارة تجعلهم أكثر حرصا ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون
مجتمعين تكلفة تعويضها مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين
التعاوني ،إذا أن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل ،كما أن
وقوعها قد يحملهم أقساطا أكبر في المستقبل.
180
رابعا :إن صورة الشركة المختلطة ل تجعل التأمين كما لو كان هبة أو
منحة من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم
باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية ،وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه
المتعاونون بدور الدولة ول يعفيهم في نفس الوقت من المسؤولية.
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين
التعاوني على السس التية:
الول :أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز لـه فروع في كافة المدن،
وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الخطار المراد تغطيتها وبحسب
مختلف فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي ،وثانٍ
للتأمين ضد العجز والشيخوخة ...الخ ،أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة
المتجولين ،وآخر للتجار ،وثالث للطلبة ،ورابع لصحاب المهن الحرة
كالمهندسين والطباء والمحامين ...الخ.
الثاني :أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة
والبعد عن الساليب المعقدة.
الثالث :أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل ويقترح ما
يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.
الرابع :يمثل الحكومة في هذا المجلس تختاره من العضاء ويمثل
المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف
الحكومة عليها واطمئنانها على سلمة سيرها وحفظها من التلعب والفشل.
الخامس :إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة
القساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة.
ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في قراره
المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من
الخبراء المختصين في هذا الشأن.
وال ولي التوفيق ،وصلى ال وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
توقيع نائب الرئيس توقيع الرئيس
محمد علي الحركان عبـدال بن حميـد
181
المين العام لرابطة العالم السلمي رئيس مجلس القضاء العلى في السعودية
ب -ولحديث عمرو بن يثربي قال شهدت رسول ال في حجة الوداع بمنى،
فسمعته يقول " ل يحل لمرئ من مال أخيه شيء إل ما طابت به نفسه " (.)2
وعن أبي حميد الساعدي أن رسول ال قال " :ل يحل لمرئ أن يأخذ عصا
أخيه بغير طيب نفسه ،وذلك لشدة ما حرم ال عزوجل مال المسلم على
المسلم "( .)3قال ابن حزم في مراتب الجماع في باب الغصب :واتفقوا أن أخذ
أموال الناس كلها ظلما ل يحل(.)4
182
المبحث السادس
زواج المسيار
من الم سائل الم ستجدة في هذا الع صر " زواج الم سيار " الذي انت شر في
بعض بلد المسلمين ،وسأتناول هذه القضية في النقاط التالية:
183
-1تعريف زواج المسيار لغة واصطلحا.
-2نشأة زواج المسيار.
-3الفرق بينه وبين النكحة الخرى.
-4أسباب ظهور زواج المسيار.
-5موقف الفقه من زواج المسيار (أقوال العلماء في زواج المسيار).
الرجل يسير سيرا ومسيرا إذا ذهب ،وسار القوم يسيرون سيرا ومسيرا إذا امتد
بهم السير في جهة توجهوا إليها(.)2
والمسيار :صيغة مبالغة يوصف بها الرجل الكثير السير(.)3
اصطلحا :ليس لهذا الزواج أصل في الفقه ،فهو مأخوذ من الواقع،
والفقهاء القدامى لم يتطرقوا إليه.
ومن أشهر من عرف هذا الزواج اصطلحا الشيخ يوسف القرضاوي حيث
قال في تعريفه اصطلحا " :أنه زواج شرعي يتميز عن الزواج العادي بتنازل
الزوجة فيه عن بعض حقوقها على الزوج :مثل أل تطالبه بالنفقة ،والمبيت الليلي
إن كان متزوجا.)4( "...
فيلحظ على هذا الزواج أنه نوع من أنواع تعدد الزوجات ،وأنه زواج
مستكمل لجميع الركان والشروط ،وفيه اتفاق بين الزوجين على أل يكون
للزوجة حق المبيت أو القسم وإنما المر راجع للزوج متى رغب زيارة زوجته
في أي وقت فله ذلك ،كما أن الزوجة ل تطالبه بالنفقة لغناها واكتفائها.
العلقة بين التعريف اللغوي والتعريف الصطلحي :
مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق :أسامة عمر سليمان الشقر ،ص .161 () 3
184
سمي هذا النوع من الزواج بزواج المسيار لن المتزوج ل يلتزم بالحقوق
الزوجية التي يلزمه بها الشرع :فكأنه زواج السائر الماشي الذي يتخفف في
سيره من الثقال والمتاع ،ولعدم التزامه بالحقوق التي يقتضيها الزواج من النفقة
والمبيت ل زواج المقيم الذي يشبه الملتزم بكل مقتضيات الزواج(.)1
() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق ،ص .162 – 161 1
185
بناء على تعريفنا السابق لنكاح المسيار نتبين أن الفرق بينه وبين الزواج
الشرعي هو وجود شرط يقتضي بإسقاط حق النفقة والسكن للزوجة ،كما أن
طبيعته تقتضي بعدم وجود قوامة من الزوج على المرأة :فهي تتصرف في
حياتها إقامة في منزلها وخروجا منه وفق رأيها(.)1
الفرق بين زواج المسيار ونكاح السر:
نكاح السر نوعان :نوع باطل بإجماع المة ،وهو النكاح الذي ل شهود فيه
ول إعلن ،والنوع الثاني هو الذي فيه إيجاب وقبول ويشهد عليه شاهدان ،وقد
يكون فيه ولي ،ولكن يتواصى الزوجان والولي والشهود على كتمانه وعدم
إعلنه ويثبت في هذا النوع من الزواج حقي النفقة والمبيت ،ول يسقطا كما هو
الحال في زواج المسيار ،وهذا الزواج مختلف فيه ،كما سبق بيانه.
فإن كان زواج المسيار من النوع الول فهو باطل جزما ،وإن كان من
النوع الثاني فإنه يضاف إلى العيوب التي يتصف بها ،عيب آخر وهو السرية
والكتمان ،وهذا مما يزيد في سلبياته(.)2
وسنبيّن حكم زواج المسيار لحقا ،خاصة إذا ما انضاف له عيب آخر وهو
السرية والكتمان.
186
وهو منهي عنه :لما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبي أنه حدث
أن رسول ال نهى عنه في حجة الوداع(.)5
أما زواج المسيار فليس كذلك :فهو غير مؤقت إلى أمد ,ولم يرد فيه نص
بالتحليل أو التحليل.
() أخرجه أبو داود في النكاح باب في نكاح المتعة ( ،2/226 )2072وابن ماجة في النكاح باب النهي عن 5
187
تحمل مسؤولية البيت ،ويرغب أولياؤها في إعفافها والحصول على
الذرية ول يكلفون الزوج شيئا.
188
الشيخ يوسف المطلق ،الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري ،شيخ الزهر محمد
سيد طنطاوي(.)1
وفيما يلي السؤال الذي طرح للشيخ عبد العزيز بن باز وجوابه عليه:
السؤال :قرأت في إحدى الجرائد تحقيقا عما يسمى زواج المسيار وهذا
الزواج هو أن يتزوج النسان ثانية أو ثالثة أو رابعة ،وهذه الزوجة يكون عندها
ظروف تجبرها على البقاء عند والديها أو أحدهما في بيتهما فيذهب إليها زوجها
في أوقات مختلفة تخضع لظروف كل منهما :فما حكم الشريعة الغراء في مثل
هذا الزواج أفتونا مأجورين؟
الجواب :ل حرج في ذلك إذا استوفى العقد الشروط المعتبرة شرعا وهي
وجود الولي ،ورضا الزوجين ،وحضور شاهدين عدلين على إجراء العقد
وسلمة الزوجية من الموانع لعموم قول النبي " :إن أحق الشروط أن يوفى به
ما استحللتم به الفروج " ( ،)2وقوله " :المسلمون على شروطهم " ( :)3فإذا اتفق
الزوجان على أن المرأة تبقى عند أهلها أو على أن القسم يكون لها نهارا أو ليلً
أو في أيام معينة أو ليالي معينة ،فل بأس بذلك بشرط إعلن النكاح وعدم
إخفائه ،وال ولي التوفيق(.)4
ولقد استدل هذا الفريق على ما ذهبوا إليه من الباحة بالدلة التالية:
-1أنه زواج مستكمل لجميع الركان والشروط وما كان كذلك كان صحيحا
ومباحا.
() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق ،ص .176 – 174 1
() أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في المهر ( ،2/970 )2572ومسلم في النكاح باب 2
حكيم بن جبير وهو متروك ،وقال أبو زرعه محله الصدق (مجمع الزوائد .)4/205
() فتاوي علماء البلد الحرام ،ص .671 – 670 4
189
-2ثبت في السنة أن أم المؤمنين سودة – رضي ال عنها -وهبت يومها
من رسول ال إلى ضرتها أم المؤمنين عائشة – رضي ال عنها ،-وحديث
هبة سودة يومها لعائشة رواه البخاري ومسلم عن عائشة " :قالت :ما رأيت امرأة
أحب إلي أن أكون في مسلخها( )1من سودة بنت زمعة ،من امرأة فيها حدة،
قالت :فلما كبرت جعلت يومها من رسول ال لعائشة ،قالت :يا رسول ال! قد
جعلت يومي منك لعائشة ،فكان رسول ال يقسم لعائشة يومين :يومها ،ويوم
سودة " (.)2
ووجه الستدلل بالحديث أن سودة بهبتها يومها لعائشة وقبول الرسول بذلك
ما يدل على أن من حق الزوجة أن تسقط حقها الذي جعله الشارع لها ،كالمبيت
والنفقة.
-3أن في هذا النوع من النكاح مصالح كثيرة ،فهو يشبع غريزة الفطرة عند
المرأة ،وقد كف من تزوجن عن الفاحشة ،وقد ترزق المرأة منه بالولد ،وهو
بدون شك يقلل من العوانس اللتي فاتهن قطار الزواج.
يقول الستاذ وهبة الزحيلي " :إن إعفاف المرأة مطلب فطري واجتماعي
وإنساني ،فإذا أمكن لرجل أن يسهم في ذلك كان مقصده مشروعا وعمله مأجورا
مبرورا " (.)3
-4وجود أنواع من الزواج مشابهة لهذا النوع من الزواج ،كزواج النهاريات
وزواج الليليات ،احتج بهذا الشيخ القرضاوي.
يذكر الفقهاء قديما نوعا من الزيجات سموه بزواج النهاريات والليليات،
وصورة هذا النوع من الزواج أن يتزوج رجل من امرأة تعمل خارج منزلها في
الليل ،وترجع إلى زوجها في النهار ،أو تعمل في النهار وترجع إلى المنزل الذي
() مسلخ الحية جلدها ،وكأنها تمنت أن تكون في مثل هديها وطريقتها (النهاية في غريب الحديث :لبن 1
الثير .)5/283
() أخرجه البخاري في النكاح باب المرأة تهب يومها ( ،5/1999 )4914ومسلم في الرضاع باب جواز هبة 2
190
فيه زوجها ليلً ،وقد بحث الفقهاء في حكم هذا النوع من الزواج ،كما بحثوا في
مدى استحقاق الزوجات النفقة في هذا النوع من الزواج على القول بصحته(.)1
ويرى المالكية وجوب فسخ نكاح الليليات والنهاريات قبل الدخول ل بعده،
وفي ذلك يقول الفقيه الدردير المالكي " :يفسخ النكاح قبل الدخول ل بعده إن
تزوجها على شرط أن ل تأتيه الزوجة أو ل يأتيها إل نهارا أو ليلً ،لنه مما
يناقض مقتضى النكاح ،لما فيه من الخلل في الصداق ،ولذا كان يثبت بعد
الدخول بصداق المثل ،لن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط " (.)2
ويرى بعض أهل العلم القول بإباحته وإن اختلفوا في لزوم النفقة فيه ،يقول
علء الدين الحصكفي الحنفي " :قال في المجتبى :وبه عرف جواب واقعة في
زماننا أنّه لو تزوج من المحترفات التي تكون في النهار في مصالحها وبالليل
عنده فل نفقة لها قال في النهر :وفيه نظر " (.)3
وفي سنن سعيد بن منصور قال :حدثنا سعيد قال نا هشيم قال :أن يونس
عن الحسن أنه كان ل يرى بتزويج النهاريات بأسا ،وكان ابن سيرين يكره
ذلك(.)4
الرأي الثاني :القائلون بالمنع وعدم الباحة :ومنهم الشيخ محمد بن ناصر
الدين اللباني -رحمه ال ،-والستاذ الدكتور علي القرة داغي ،والستاذ
الدكتور إبراهيم فاضل الدبو ،والدكتور جبر الفضيلت ،والستاذ الدكتور عمر
سليمان الشقر ،والستاذ الدكتور محمد الزحيلي والستاذ الدكتور عبدال
الجبوري ،والشيخ عبد العزيز المسند(.)5
()6
استدل القائلون بالتحريم بالدلة التالية :
سنن سعيد بن منصور ،1/216مصنف ابن أبي شيبه .3/508 () 4
191
-1إن هذا الزواج يتنافى ومقاصد الزواج فليس المقصود من الزواج في السلم
قضاء الوطر الجنسي ،بل الغرض أسمى من ذلك ،فقد اعتبر الرسول سنة
السلم فقال " :وإن من سنتنا النكاح " ( ،)1وقد شرع لمعان ومقاصد اجتماعية
ونفسية ودينية ،وزواج المسيار ل يحقق شيئا من مقاصد الزواج الشرعية،
من المودة والرحمة ،والسكن ،وحفظ النوع النساني ،وتعهده على أكمل
" وجه ،ورعاية الحقوق والواجبات التي يولدها عقد الزواج الصحيح،
والعبرة في العقود للمقاصد والمعاني ،ل لللفاظ والمباني " (.)2
-2مخالفة طريقة هذا الزواج لنظام الزواج الذي جاءت به الشريعة السلمية،
فعندما ندقق النظر فيه ل نجده موافقا للنظام الشرعي في الزواج ،ولم يكن
المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم.
-3يقترن به بعض الشروط التي تخالف مقتضى العقد ،وتنافي مقاصد الشريعة
في الزواج من السكن والمودة ،ورعاية الزوجة أولً ،والسرة ثانيا،
والنجاب ،وتربية الولد ،ووجوب العدل بين الزوجات ،كما يتضمن عقد
الزواج تنازل المرأة عن حق الوطء والنفاق ...وغير ذلك.
وإن الزوجة التي تنازلت عن حقها اليوم ،في المبيت والمعاشرة ،كثيرا ما
تغير رأيها ،وخاصة بعد أن تدرك أسرار الحياة الزوجية ،وتتعرف من
الشرع والواقع والناس على الحقوق التي تتمتع بها الزوجة عادة.
-4هذا النوع من الزواج سيكون مدخلً للفساد والفساد ،فإنه يتساهل فيه تقدير
المهر ،ول يتحمل الزوج مسؤولية السرة ،وإذا سهل عليه أن يتزوج سهل
عليه أن يطلق ،وقد يعقد سرا ،وقد يكون بغير ولي ،وكل هذا يجعل الزواج
لعبة في أيدي أصحاب الهواء.
-5في هذا الزواج استغلل من الرجل للمرأة ،فهو يلبي رغباته الجنسية ل هدف
له إل ذلك ،من غير أن يتكلف شيئا في هذا الزواج.
() أخرجه عبد الرزاق ( ،6/171 )10387والطبراني في الكبير ( ،18/85 )158وأبو يعلى ،قال الهيثمي 1
فيه أبو معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف (مجمع الزوائد .)4/251
( )3قواعد الفقه :للبركتي ،1/91مجلة الحكام العدلية ،1/16المبسوط ،22/23البحر الرائق ،3/94بدائع 2
192
-6قد يقدر للزوج أولد من هذه المرأة ،وبسبب البعد عنها وقلة مجيئه إليها
سينعكس ذلك سلبا على أولده في تربيتهم وخلقهم.
-7اشتراط إسقاط النفقة والمبيت على الزوجة يبطل العقد ،ذهب هذا المذهب
الدكتور علي القرة داغي ،والقول ببطلن النكاح باشتراط إسقاط المبيت أحد
وجهين عند الشافعية ،كما يقول الدكتور القرة داغي نقلً عن الماوردي في
كتابه الحاوي(.)1
القول الثالث :المتوقفون في المسألة :
توقف بعض أهل العلم في الحكم على هذا النوع من الزواج ،وتوقفهم هذا
يدل على أن حكمه لم يظهر لهم ،فهم يحتاجون إلى مزيد من النظر والتأمل.
من هؤلء فضيلة الشيخ محمد صالح بن عثيمين( – )2رحمه ال ,-
والدكتور عمر بن سعود العيد الستاذ بكلية أصول الدين في جامعة المام محمد
بن سعود ،فإنه ذكر شيئا من مساوئه ،وأورد بعض أدلة المجيزين باختصار ،كما
ذكر أن عددا من كبار العلماء توقف في جوازه ،ودعا في الختام إلى دراسة هذا
الزواج دراسة تفصيلية دقيقة ،لن محاذيره كثيرة ،وقد يكون ظاهرة مرضية،
ولم يعطِ حكما بيّنا فيه مما يدل على توقفه في الحكم عليه(.)3
ويذكر إحسان عايش أن سبب توقف بعض أهل العلم بالجواز " أن بعض
الناس تجاوزا فيه الحد ،واستغل من قبل بعض ضعاف النفوس ،وتبنته مكاتب
حددت أسعارا لهذا الزواج (يعني عمولة).
هذا ولقد وقفت على مواقع في النترنت عبارة عن مكاتب تزوج بطريق "
زواج المسيار " (.)4
المناقشة والترجيح :
() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق ،ص .183 – 182 1
() نقله عنه إحسان بن محمد بن عايش في كتابه :أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة ،ص .28 2
()http://www.misiar.com 4
193
-1أقوى ما احتج به الفريق المجيز لزواج المسيار أنه عقد شرعي
استكمل شروطه وأركانه ،وإن الذي يجري في هذا الزواج ليس اشتراط الزوج
على زوجته إسقاط النفقة والمبيت وإنما من باب إسقاط المرأة حقوقها التي تجب
لها بالعقد.
الجواب أن بعض نكاح المسيار تتنازل المرأة عن حقها من غير شرط
وبعضا منه يشترط الزوج هذا الشرط وقد يصر على تدوين هذا الشرط إن سمح
له القاضي.
يقول ابن قدامة :القسم الثاني :ما يبطل الشرط ويصح العقد مثل أن يشترط
أن ل مهر لها أو أن ل ينفق عليها ...أو ل يكون عندها في الجمعة إل ليلة أو
شرط لها النهار دون الليل أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا فهذه
الشروط كلها باطلة في نفسها لنها تنافي مقتضى العقد ولنها تتضمن إسقاط
حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده فلم يصح كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع(.)1
فحتى على افتراض أن المرأة هي التي تنازلت فيه عن حقها فهذا ل يجعل
تنازلها مشروعا كما قال ابن قدامة.
حجّة لهم فيه ،لن حق -2استدللهم بحديث هبة سودة يومها لعائشة ،ول ُ
المبيت ملكته سودة ،وكان الرسول يقسم لها حقها ،ولم يشترط عليها إسقاطه
قبل الزواج ول مع العقد ،فلما كانت مالكة له جاز لها هبته ،مثله مثل المهر ،فإذا
ملكته المرأة جاز لها أن تهبه للزوج أو جزء منه ،قال تعالى :فإن طبن لكم عن
شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا [ النساء.]4 :
-3دعواهم أن هذا النوع من الزواج يحقق مصالح كثيرة ،وأكثر ما
يتحدثون عنه من المصالح هو تقليل نسبة النساء العوانس ،وإشباع الرغبة
الجنسية عند المتزوجات منهن ،وهذا الستدلل فيه نظر ،فكم نسبة العوانس
الغنيات اللواتي يستطعن أن ينفقن على أنفسهن من غير حاجة نفقة الزوج ،إن
194
هذه النسبة قليلة ،وإذا عالجنا مشكلة العدد القليل من العوانس علجا جزئيا
مبتورا ،فمن للعدد الكبر من العوانس اللتي ل يجدن المال!!
وإذا كان في هذا النوع من الزواج هذه المصالح ،فما بال المفاسد الكثيرة
التي تترتب على هذا النوع من الزواج ،ومنها فتح باب شرّ لفريق من أصحاب
النفوس الضعيفة من الرجال والنساء الذين يريدون اللعب بالزواج كيف تشاء
أهواؤهم بعيدا عن الرقابة الشرعية.
-4الستدلل بزواج النهاريات والليليات ،وقد استدل بهذا القائلون بالجواز
والقائلون بالمنع ،وكل الستدللين غير صحيح ،لن العلماء اختلفوا في صحته
اختلف الفقهاء المعاصرين في زواج المسيار(.)1
-أما الدلة التي استدل بها المانعون لزواج المسيار فهي أدلة صحيحة
واقعية :وقفت على المشاكل والمفاسد التي تنتج عن هذا الزواج ،فحتى وإن
تراءى لنا بأن الزواج مكتمل الركان والشروط إل أنه في مجمله ل يجري على
النحو الذي قام عليه الزواج في السلم من السكن والمودة والتعاون على القيام
بأعبائه ومسؤولياته.
-وأرى أن ما أبداه المانعون من أسباب ومخاوف في تحريم ومنع هذا
الزواج وجيهة وتدعو للتوقف والتأمل :لذا أدعو إلى مزيد بحث واستقراء
ودراسة لهذه القضية المستجدة من جميع جوانبها ولعل هذا السبب الذي أخر
المجامع الفقهية في عدم إصدارها لفتوى في هذا الشأن ،وال أعلم.
() مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق ،ص .195 – 192 1
195
المبحث السابع
196
-القاعدة الثانيـة :انقسـام جملة الحقوق الشرعيـة إلى قسـمين :حـق ال،
وحق للعباد ،وإنما يجوز التصرف بما هو حق للعباد أو غلب عليه حق
العباد ،ثـم إنـه يكون حقا أصـيلً ومباشرا بالنسـبة لمـن أعطـي له هذا
ال حق أ صالة ،سواء أكان على و جه التمل يك أو التمت يع ،أو يكون حقا
فرعيا ومقيدا بالنسبة للولي أو الوكيل.
-القاعدة الثالثـة :تنهـض مشروعيـة اليثار على سـائر الحقوق البدنيـة
والدنيويـة الداخليـة فـي حقوق العباد ،دون مـا سـواها مـن حقوق ال
عزو جل ،و من الثا بت أن المحاف ظة على أ صل الحياة ومقومات ها من
حقوق ال عزوجل.
-القاعدة الرابعــة :الحقوق المعنويــة الداخلة فــي حقوق العباد تورث
بالموت كما تورث الحقوق العينية ،دون خلف في ذلك ،وإنما ينعكس
الخلف إلى مسـائل بعـض هذه الحقوق ،مـن الخلف بيـن الفقهاء فـي:
هـل هـي داخلة فـي حقوق ال ،أم فـي حقوق العباد :كالقذف وحـق
المعاقبة عليه(.)1
فهذه القواعد الربع تشكل جسرا ممتدا بين ينبوع الشريعة السلمية ،إلى
هذا العصـر والعصـور التاليـة ،مـن شأنـه أن يكشـف لنـا عـن موقـف الشريعـة
السلمية في حكم التبرع بالعضاء.
() قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي .111 – 1/110 1
197
أن يكون ذهبا( ،)1أ ما الطراف كال يد والر جل وال صبع الكاملة ف قد ذ هب الحنف ية
والشافعية إلى عدم جواز اتخاذها من ذهب أو فضة وذلك لنها لن تكون أعضاء
عاملة بـل لمجرد الزينـة فل ضرورة فـي تركيبهـا أي ل ضرورة فـي ارتكاب
المحظور وهذا يعنـي أن اتخاذ طرف صـناعي مـن غيـر الذهـب والفضـة جائز
بالتفاق( ،)2وقد عرف هذا المر من العصر البرونزي مرورا بقدماء المصريين
ثم اليونان وب عد ذلك الرومان ثم ع صر النبوة و ما بعده انتهاءً بالع صر الحد يث
والتطور الهائل الذي حصل في هذا الميدان.
أما كتب الفقه القديمة :فل يكاد يجد الباحث نصا مباشرا تناول مسألة حكم
التـبرع بالعضاء الدميـة لنقلهـا إلى جسـم إنسـان آخـر ،وإنمـا توجـد بعـض
الن صوص في أحكام صو ٍر من الت صرف بالج سد الن ساني ذكرت في باب الب يع
عند تحديد شروط المبيع ،وفي باب التداوي وعن الكلم عن حالة الضطرار وما
يجوز للمض طر و ما ل يجوز ،وع ند الكلم عن ب عض القوا عد الفقه ية وبخا صة
قاعدة " ارتكاب أخف الضررين " وغير ذلك(.)3
وفيما يلي بعض المثلة عن أقوال العلماء تلك:
-قال المرغينانـي " :ل يجوز بيـع شعور النسـان ول النتفاع بهـا لن
ـن أجزائه مهاناـء مـ ـي مكرم ل مبتذل ،فل يجوز أن يكون شيـ الدمـ
ومبتذلً " (.)4
-وفـي الفتاوي الهنديـة " :النتفاع بأجزاء الدمـي ل يجوز :قيـل للنجاسـة
وقيل للكرامة هو الصحيح " (.)5
() أخرجه أبو داود في كتاب الخاتم باب ما جاء في ربط السنان بالذهب ( ،4/92 )4232والنسائي 1
(المجتبى) في الزينة باب من أصيب أنفه هل يتخذ أنفا من ذهب ( ،8/163 )5161والترمذي في اللباس
باب ما جاء في شد السنان بالذهب ( 4/240 )1770وقال :هذا حديث حسن غريب.
() قضايا فقهية معاصرة :البوطي .1/113 2
() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :د .محمد نعيم ياسين ،ص .138 3
198
-وقال الدرد ير ..." :وكذا جلد الد مي – ل ير خص ف يه مطلقا – لشر فه
كما يعلم من وجوب دفنه " (.)1
-و في حاشيـة الدسـوقي ..." :أن مـا أب ين م نه حيا ل يختلف فـي نجاسـته
ول يس كذلك بل ف يه الخلف ت نبيه على المعت مد من طهارة ما أب ين من
الدمي مطلقا يجوز رد سن قلعت لمحلها ل على مقابلة .)2( "...
-قال الشربينـي الشافعـي ..." :والدمـي يحرم النتفاع بـه وبسـائر أجزائه
لكرامته " (.)3
-قال ابن مفلح ..." :وحرم بيع العضو المقطوع لنه ل نفع فيه " (.)4
وهذه النصـوص وأشبابهـا تدل على أن الصـل تحريـم النتفاع بأجزاء
النسان :إما لكرامته ،وإما لعدم إمكان النتفاع بها على وجه مشروع " (.)5
وإن كان بعـض الفقهاء قـد أورد اسـتثناءات على هذا الصـل أباحوا فيهـا
النتفاع بأجزاء الدمـي ببعـض وجوه النتفاع ومعظمهـا مقيـد بحالة الضرورة
م ثل :ب يع ل بن الدم ية( ،)6وأ كل المض طر من بدن إن سان حي م ستحق الق تل(،)7
وإجازة فقهاء الشافع ية للمض طر أن يق طع قط عة من نف سه ليأكل ها( ،)8ك ما أجاز
به بعض فقهاء الشافعية وصل عظم النسان الحي بعظم الميت إذا كان ينجبر
" (.)9
() بداية المجتهد ،2/138مواهب الجليل ،4/265روضة الطالبين ،3/353المغني .4/304 6
()حاشية الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج .126 – 2/125 9
199
القول الول :ويرى م نع ال تبرع ل ستقطاع ون قل وزرع العضاء ويذ هب
إلى هذا القول عدد من العلماء المعاصرين منهم:
الش يخ أ بو العلى المودودي ،والش يخ محمود ع بد الدا يم( ،)1الش يخ متولي
الشعراوي ،الش يخ مح مد العثيم ين ،الش يخ محمـد برهان الد ين ال سنبهنلي الش يخ
()2
الغماري عبدال الصديق...
القول الثانسي :يُجوّز عمليـة التـبرع باسـتقطاع ونقـل وزرع العضاء
النسانية وذهب إلى هذا الرأي جمهور العلماء المعاصرين وجل المجامع الفقهية
ومؤسسات البحوث والهيئات الفقهية وكبار العلماء :منها:
-هيئة كبار العلماء بالسعودية.
-المجلس الردني العلى للفتوى.
-المجلس العلى للفتوى بالجزائر.
-وزارة الوقاف الكويتية.
-المجمع الفقهي السلمي.
-الشيخ مخلوف المفتي السبق لجمهورية مصر العربية ،والشيخ جاد
الحق المفتى الكبر لمصر.
-الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي.
-الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي.
أدلة المانعين:
استدل المانعون للتبرع بأعضاء الدمي بالدلة التالية:
-1أن الجسد الذي بين جنبينا ليس ملكا لنا وإنما هو ملك ل تعالى :أمن يملك
السمع والبصار [ يونس ،]10 :فل يصح من النسان التصرف بجسمه(.)3
ومما يجدر بالذكر هنا أن النسان مع أنه أشرف من الجميع لكنه ليس
بمالك لجسـمه وروحـه ،بـل النسـان إنمـا هـو أميـن (كمسـتعير) فـي ماله
() أستاذنا الفقيه الشافعي الزهري فلقد كان عالما بحرا وبخاصة في المذهب الشافعي.. 1
() قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص .68 – 61 2
200
وجسمه ,فل يجوز له أن يستعمله في محل نهى ال عنه ،فالتصرف فيه من
غيـر إذن المالك الحقيقـي يعتـبر خيانـة ،والمالك الحقيقـي هـو ال سـبحانه
وتعالى(.)1
ـنـلها عـ ـان – حيا كان أو ميتا – وفصـ ـع أعضاء النسـ على أن قطـ -2
موضع ها " مثلة " ( )2و هو حرام – أو مكروه تحريما – ع ند عا مة العلماء
والفقهاء ،كما بينه غير واحد من العلماء الكبار ،منهم شيخ السلم العلمة
ا بن تيم ية الحرا ني في " فتاواه " ( ،)3والمام النووي في " شرح الصـحيح
لمسلم " ( ،)4وا بن قدا مة في " المغ ني " ( ،)5ل ما روى البخاري في صحيحه
عن قتادة " :بلغنا أن النبي بعد ذلك – بعد وقعة عكل وعرينة – كان
يحث على الصدقة وينهى عن المثلة " ( ،)6ولما روى مسلم في صحيحه" :
كان رسول ال إذا أمر أميرا ...أوصاه في خاصته بتقوى ال...ثم قال:
ــن ذلك كله أن ــت مـ " ...ل تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا " ( )7فثبـ
اســتعمال أعضاء النســان – حيا كان أو ميتا – ل يجوز عنــد عامــة
الفقهاء(.)8
ثم إن العلماء الذ ين أباحوا ا ستعمال المحرمات في حالة الضطرار هم -3
أنفسـهم حرموا أكـل وقطـع جسـم النسـان وأعضائه واسـتعمالها لغيره ،ولم
يسـمح أحـد باسـتعمال عضـو مـن أعضائه ،قال الفقيـه الحنفـي الشهيـر ابـن
عابد ين " :وإن قال ل ـه آ خر اق طع يدي وكل ها ل ي حل لن ل حم الن سان ل
يباح في الضطرار " ( ،)9وقال ابن نجيم في " الشباه والنظائر" " :ل يأكل
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص .62 () 1
أخرجه البخاري في المغازي باب قصة عكل وعرينة (.4/1535 )3956 () 6
أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب تأمير المير السراء (.3/1357 )1731 () 7
قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،ص .62 – 61 () 8
201
المضطـر طعام آخـر ول شيئا مـن بدنـه " ( ،)1وعلى هذا ل يباح للمكره
– حتى المكره بالكراه التام – أن يقطع عضو رجل لنقاذ حياته وإن سمح
ذلك الرجل بذلك ،كما قال الكاساني في " بدائع الصنائع " " :أما النوع الذي
ل يباح ول ير خص بالكراه أ صلً ف هو ق تل الم سلم بغ ير حق سواء كان
الكراه ناقصا أو تاما ..وكذا قطع عضو من أعضائه ...ولو أذن له المكره
عل يه ...فقال للمكره :اف عل ،ل يباح له ،لن هذا م ما ل يباح بالبا حة " (,)2
وهذا الحكـم يسـتفاد أيضا ممـا قاله الفقيـه المحدث المام موفـق الديـن ابـن
قدامـة الحنبلي فـي كتابـه القيـم " المغنـي " حيـث قال ..." :لنـا على وجوبـه
– القصـاص – على المكره – بالفتـح – أنـه قتله عمدا ظلما لسـتبقاء نفسـه
فأشبه ما لو قتله في المخم صة ليأكله ...ولذلك أثم بقتله وحرم عليه ،وإنما
قتله ع ند الكراه ظنا م نه أن في قتله نجاة نف سه وخل صه من شر المكره
– بالكسر -فأشبه القاتل في المخمصة ليأكله " ( ،)3وأصرح من ذلك ما قاله
فـي موضـع آخـر فـي نفـس المصـدر – فـي بحـث المضطـر ،مـن كتاب
الذبائح – هذا نصـه " :فإن لم يجـد المضطـر شيئا لم يبـح لــه أكـل بعـض
أعضائه ...وإن لم ي جد إل آدميا محقون الدم لم ي بح أن يب قي نف سه بإتل فه
وهذا ل خلف فيه ...وإن وجد معصوما ميتا لم يبح أكله " (.)4
الصل التحريم فل يجوز إتلف النفس المعصومة إل بحق وهنا ل يوجد -4
الحـق الذي يبيـح إتلفهـا أو إتلف جزء منهـا وقـد قال تعالى :ول تقتلوا
أنفسـكم [ النسساء ،]29 :وقال :ول تقتلوا النفـس التـي حرم ال إل بالحـق
ـة [ البقرة]195 :[النعام ،]151 :وقال تعالى :ول تلقوا بأيديكــم إلى التهلكـ
وغير ذلك من اليات.
202
وأ ما الحاد يث ف قد روى م سلم وأ صحاب ال سنن عن جابر بن سمرة أن -5
رجلً قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه النبي ( ،)1وقال المام أحمد :ما
نعلم أن النبي ترك الصلة على أحد إل على الغال وقاتل نفسه(.)2
بل قد جاء النهي عن تمني الموت فقد جاء في الصحيحين عن أنس أن
ر سول ال قال " :ل يتمن ين أحد كم الموت ل ضر نزل به فإن كان ل بد متمنيا
فليقـل :اللهـم أحينـي مـا كانـت الحياة خيرا لي وتوفنـي إذا كانـت الوفاة خيرا
لي " ( ،)3فإتلف النفـس بغيـر حـق يتعلق بـه ثلثـة حقوق :حـق ل تعالى وحـق
للمقتول وحق لورثة المقتول ،أما أقوال العلماء في هذا الباب فكثيرة منها ما قاله
في شرح القناع " :وكما يحرم قتل نفسه فإنه يحرم عليه إباحة قتلها " (.)4
وبناء على ما تقدم من الن صوص فإن ن فس الن سان لي ست ملكا خال صا له
وإن ما هي أما نة عنده ل تعالى الذي خلق ها وأوجد ها وأمد ها ب ما تتم كن به من
إعمار الكون وخل فة الرض فل يباح للن سان أن يت صرف بنف سه ول يتلف ها أو
يلقيهـا فيمـا يهلكهـا بـل يجـب عليـه الحفاظ عليهـا واجتناب كـل مـا يضرهـا أو
يعرضها للخطر والهلك.
هذا هو الصل في النفس التي حرم ال تعالى:
وإن بذل جزء من هذا البدن وإيثار إنسان آخر به لهو تصرف من النسان
فيما ل يملك وافتيات على أمانة لديه بغير مبرر ،وال أمر بحفظ المانات وأعظم
المانات هي أمانة النفس والدماء فقد جاء في الحديث " :إن أول ما يقضي يوم
القيامة هي الدماء " ( )5لعظم حرمتها وجسامة خطرها ،هذا هو ما يمكن عرضه
– الن – من عدم جواز اليثار بالنفس أو بطرف منها لخر ،وال أعلم(.)6
أدلة المجوزين :
() أخرجه مسلم في الجنائز باب ترك الصلة على القاتل نفسه (.2/672 )978 1
() أخرجه البخاري في المرضى باب نهي تمني المريض الموت ( ،5/2146 )5347ومسلم في الذكر 3
203
واستدل المجوزون للتبرع بالعضاء بالدلة التالية:
-1زرع العضاء يعتـبر نوعا مـن التداوي ،وحفـظ النفـس الذي حـث عليـه
الشارع الحكيـم ،وفيـه إنقاذ للنفوس مـن الهلكـة :لقوله تعالى :ول تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة [ البقرة ,]195 :وقوله عزوجل :ومن أحياها فكأنما أحيا
الناس جميعا [ المائدة.]32 :
-2و في ن قل العضاء تفر يج للكربات ،وتأك يد على مبدأ الترا حم والتكا فل
والتعاطف بين أفراد المجتمع ،والحسان إلى المحتاجين والمضطرين :فمن
الحاديث الواردة في ذلك:
" من فرج عن مسلم كربة فرج ال عنه كربة من كرب يوم القيامة " (.)1
" من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل " (.)2
" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " (.)3
" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " (.)4
" ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه " (.)5
-3وال سـبحانه وتعالى قـد مدح النصـار رضوان ال عليهـم لنهـم كانوا
ـهم ،قال تعالى :ويؤثرون على ـن على أنفسـ ـم المهاجريـ يؤثرون إخوانهـ
أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ الحشر ،]9 :وما الخصاصة إل بشدة الحاجة
وهـي تتمثـل فـي أجزاء البدن أكثـر منـه فـي غيره مـن المنافـع الدنيويـة،
() بحث :زراعة العضاء النسانية في جسم النسان :فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة 6
() أخرجه المام أحمد في مسنده ( ،3/302 )14269والحاكم في مستدركه ( 4/460 )7277وقال حديث 2
() أخرجه البخاري في كتاب اليمان باب من اليمان أن يحب لخيه ( ،1/14 )13ومسلم في اليمان باب 5
204
واليثار يكون بالمال وغيره ،بشرط أن ل يؤدي إلى هلك المؤثـــر ،أو
حصول ضرر بالغ به ،لن قتل النفس محرم أشد التحريم في السلم.
ولقد جرى بين الصحابة من ضروب اليثار بالنفس بعضهم لبعض في
حالت تفقد فيها الحياة ويتوقع فيها الموت ف قد أصيب معركة اليرموك كل
من عكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة فجيء
بشربة ماء وحياة كل منهم مرهونة فيها فما زالوا يتدافعونها كل واحد منهم
يؤثـر بهـا صـاحبه حتـى ماتوا جميعا رضـي ال عنهـم( ،)1وأوجـب العلماء
رحم هم ال المداف عة عن محارم الن سان إذا صيل علي ها ولو أدت المداف عة
إلى قتله قال في القناع وشر حه " :وإن كان الد فع لل صائل عن ن سائه ف هو
لزم لما فيه من حق ال وهو منعه من الفاحشة " ( ،)2وقال في حق المدافع
عن نفسه " :وإن قتل المصول عليه فهو شهيد لحديث أبي هريرة قال :جاء
رجـل فقال يـا رسـول ال :أرأيـت أن جاء رجـل يريـد أخـذ مالي؟ قال :ل
تعطيه ،قال :أرأيت إن قاتلني؟ قال :قاتله ،قال :أرأيت إن قتلني؟ قال :فأنت
شه يد " ( ،)3وغ ير ذلك من الحاد يث الشاهدة بجواز إيثار الن فس وبذل ها إذا
تحققت مصالح ذلك.
-4هذه هـي الدلة النقليـة فـي جواز اليثار بأجزاء مـن البدن عنـد الضرورة،
وقـد أباح الشرع ارتكاب بعـض المحرمات لحفـظ النفـس وصـيانتها عـن
التلف ،قال تعالى :إنمـا حرم عليكـم الميتـة والدم ولحـم الخنزيـر ومـا أهـل
لغير ال به فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه [ البقرة ،]173 :فهذه
المحرمات أبيحت لضرورة حفظ النفس عن الهلك.
() أخرجه البيهقي في شعب اليمان ( ،3/260 )3484والطبراني في الكبير ( ،3/259 )3342والحاكم في 1
() أخرجه مسلم في اليمان باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق (.1/124 )140 3
205
وقد أبيح مال الغير بغير إذنه ،كما أبيح جرعة من الخمر إذا كان فيه
حياة إنسان في وقت ل يوجد فيه غير الخمر.
كل هذه المور أبيحت وسومح فيها حفاظا على النفس وصيانة لها عن
التلف والهلك :فهذه النصـوص وتحليلهـا وتطبيقهـا على الواقـع سـيقت مـن
أجل إصدار حكم في إباحة حق ال تعالى من النفس البشرية التي هي ملكه
وخلقهـا لعبادتـه وطاعتـه وأوجدهـا لخلفتـه فـي أرضـه وإعمار هذا الكون
وا ستمرار نوعي ته في ها ،و هي ن صوص في إبا حة اليثار تقا بل الن صوص
التي تحرم ذلك فتعتبر هذه النصوص المبيحة مخصصة لتلك المحرمة.
-5فإن القاعدة الشرع ية أ نه إذا أش كل علي نا ح كم أ مر من المور نظر نا إلى
آثاره ونتائ جه وإلى مفا سده ومضاره أو م صالحه ومنافعه فإذا تجلت نتائ جه
وعرفت عواقبه أمكننا تصوره والحكم على الشيء فرع عن تصوره وحينئذ
أمكن نا الح كم الشر عي ف يه من الحلل أو الحر مة و من الوجوب أو المتناع
بحسب أحواله فإن الدين السلمي جاء لتحقيق المصالح ودفع المضار فمتى
تحققت المصلحة خالصة أو رجحت على المفسدة فهناك الباحة والجواز.
وإن تحققـت المفسـدة خالصـة أو رجحـت على المصـلحة فهناك المنـع
والتحر يم وهذه قاعدة شرع ية عا مة ت سندها الن صوص الكري مة ويدعم ها المع نى
العام الذي جاء من أجله هذا الدين القيم.
قال تعالى في المصالح الخالصة :قل من حرم زينة ال التي أخرج لعباده
والطيبات من الرزق [ العراف ,]32 :وقال تعالى في المفاسد الخال صة :قل إن ما
حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن [ العراف.]33 :
وقال في ما ترج حت م صلحته :ول تجعلوا ال عر ضة ليمان كم أن تبروا
وتتقوا وت صلحوا ب ين الناس [ البقرة ،]224 :وقال في ما ترج حت مف سدته:
ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما [ البقرة.]219 :
وبمثل هذه النصوص الكريمة والقواعد العامة نستطيع بكل طمأنينة وبكل
ثقـة أن نحكـم على الشياء بالحـل والحرمـة والوجوب والمنـع :فإذا علمنـا رضـا
206
صاحب العضو المنزوع وموافق ته في حال هو متصرف بنف سه وعلمنا ضرورة
المر يض إلى ذلك الع ضو وقال الطباء الثقات أ نه بالمكان نزع ع ضو من هذا
الن سان وتركي به في هذا الن سان ال خر بل ضرر كبير يل حق المنزوع وبنجاح
محقـق أو مترجـح فـي حـق الذي سـيركب فيـه وإن المعدات والجهزة موجودة
علم نا من الن صوص الكري مة و من القوا عد الشرع ية العا مة أن الشرع الشر يف
يب يح ن قل ع ضو إن سان غ ير متضرر من نقله م نه كثيرا إلى آ خر في ضرورة
ماسة إلى ذلك العضو وأنه عمل مباح ل إثم فيه ول حرج.
وأنـه صـار فيـه إيثار كـبير مـن المعطـي سـينال مـن أجله إذا دخلتـه النيـة
الصـالحة لنقاذ هذا النسـان أجرا كـبيرا وثوابا عظيما وإن كان قريبـه فهذا هـو
أرقى مراتب البر والحسان ،أما الخر المعطي ففي تقدير ال تعالى وتدبيره قد
أنقذت حياته المهددة واطمأنت نفسه وقد تكون هذه الحياة الباقية أفضل أيام حياته
صلحا وت قى ،وح صل للقائم ين على ذلك والمنفذ ين ل ـه محمدة كبيرة ومفخرة
عال ية وإح سانا إلى هذا الن سان الوا قف ب ين الحياة والموت وال ل يض يع أ جر
المحسنين(.)1
أمثلة في اعتبار الشرع مصلحة حفظ الروح والعضاء مقدمة على ما سواهما:
قال المام المحدث الفقيه سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلم السلمي:
"-وأمـا مـا ل يمكـن تحصـيل مصـلحته إل بإفسـاد بعضـه فكقطـع اليـد
المتآكلة حفظا للروح إذا كان الغالب السـلمة ،فأنـه يجوز قطعهـا وإن
كان إفساد لها ،لما فيه من تحصيل المصلحة الراجحة وهو حفظ الروح
" (.)2
"-ولو اض طر إلى أ كل النجا سات و جب عل يه أكل ها ،لن مف سدة فوات
النفس والعضاء أعظم من مفسدة أكل النجاسات ".
() بحث :زراعة العضاء النسانية في جسم النسان :فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة 1
207
"-وإذا و جد المض طر إن سانا ميتا أ كل لح مه ،لن المف سدة في أ كل ل حم
ميت النسان أقل من المفسدة في فوت حياة النسان " (.)1
"-وجاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها ،لن م صلحة
العافية والسلمة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة " (.)2
"-ولو كان فـي السـفينة مال أو حيوان محترم ،لوجـب إلقاء المال ،ثـم
الحيوان المحترم ،لن المف سدة في فوات الموال والحيوانات المحتر مة
أخف من المفسدة في فوات أرواح الناس " (.)3
"-نبش الموات مفسدة محرمة لما فيه من انتهاك حرمتهم ،لكنه واجب
إذا دفنوا بغيـر غسـل أو وجهوا إلى غيـر القبلة ،لن مصـلحة غسـلهم
وتوجههم إلى القبلة أعظم من توقيرهم بترك نبشهم " (.)4
"-وإن دفنوا في أرض مغ صوبة جاز نقل هم ،لن حر مة مال ال حي أ كد
من حرمة الميت " (.)5
"-وكذلك شق جوف المرأة على الجن ين المر جو حيا ته ،لن ح فظ حيا ته
أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه " (.)6
"-ذبح الحيوان المأكول للتغذية مفسدة في حق الحيوان ،لكنه جاز تقديما
لمصلحة بقاء النسان على مصلحة بقاء الحيوان " (.)7
وهكذا نجـد أن قواعـد الشريعـة تنظـر إلى مصـلحة حفـظ الروح والنفـس
والعضاء والعافية والسلمة ،ومصلحة بقاء النسان ،كمصلحة راجحة ،كما هو
مقرر في المثلة السابقة وأشباهها.
208
اعتراضات والرد عليها :
-ما الحكم مع وجود التمثيل :
قد يعارض بعض الناس فيقول :إن نقل عضو من إنسان لخر ما هو إل
تمثيل ويستدل على منعه بما يلي:
أولً :التمث يل من هي ع نه فالن صوص الكري مة تحر مه قال في و صاياه لقواده
فـي الحرب " :ول تمثلوا " ( )1يعنـي فـي قتلى المشركيـن ،ولمّاـ مثّلـ
المشركون يوم أحــد بعمــه حمزة وقتلى المســلمين قال " :وال لمثلن
بسـبعين سـيدا منهـم " ( )2فأنزل ال تعالى :ولئن صـبرتم لهـو خيـر
للصابرين [ النحل.]126 :
ثانيا :إن فيـه تغييـر لخلق ال تعالى وال يقول فـي حـق وسـوسة الشيطان:
ولمرنهـم فليغيرن خلق ال [ النسساء ]119 :وال تعالى ذكـر أنـه خلق
الن سان في أح سن تقو يم ،وأ نه فضله على كث ير من خلق تفضيلً ،وأ نه
سواه فعدله.
ثالثا :إن هذا الع مل ما هو إل تغي ير لهذا الخلق ال سوي والترك يب الحك يم وإن
كل جزء من أجزاء البدن وعضوا من أعضائه له وظائفه وله دوره الهام
في حياة الن سان وانتظام صحته وبقاء عافي ته وأ نه إذا ف قد شيئا من ذلك
اختلت صحته وساءت عافيته فالحكيم الخبير خلق النسان وصوره وشد
أسـره وخلقـه وفـي أنفسـكم أفل تبصـرون [ الذاريات ]21 :فالعتداء على
هذا الخلق المحكم ما هو إل هدم لهذا البناء المتقن وتخريب لذلك التصميم
الوثيق.
رابعا :إن في هذا إيلما وتعذيبا للمأخوذ منه والمعطى وكل تصرف في البدان
يؤذي ويؤلم فإنه من المور المحرمة المنهي عنها فال تعالى حرم الدماء
إل بحقها.
() أخرجه البزار والبيهقي في شعب اليمان ( ،7/120 )9703والطبراني ( ،3/143 )2937رفعه صالح 2
209
ويجاب عن تلك الدلة المعارضة بما يلي:
إن نا ن سلم أن هذا نوع من التمث يل من هي ع نه شرعا ون سلم – أيضا – بأن
فيـه شيئا مـن تغييـر خلق ال تعالى وال تعالى ذكـر أن هذا مـن عمـل الشيطان
وإيحاءا ته الخبي ثة ول شك أيضا أن في ذلك إيلما شديدا ل من أ خذ م نه الع ضو
ولمن ركب ف يه الع ضو ،كل هذا صحيح مسلم فيه إل أننا ن ستطيع الجا بة على
هذه العتراضات بالمور التية:
أولً :إن هذا التمث يل ل يم كن أن يقارن ب ما يع مل في الحروب والمعارك فإن
ذلك يختلف عـن هذا تمام المخالفـة ذلك أن تمثيـل الحروب يكون بجدع
النوف والذان وشـق البطون وقطـع الجهزة التناسـلية وتشويـه الجثـة
وإبقاء ذلك التشو يه الشن يع والتمث يل الفظ يع أ ما ن قل ع ضو من البدن ف هو
يتبع بعمليات التجميل وإخفاء الثار بحيث ل يحس ول يرى.
ثانيا :إن دوافع التمثيل في الحروب هو النتقام والتشفي والبغضاء والعداء ،أما
هذا فدافعه الرحمة والعطف والحنان من شخص محب مؤثر لنقاذ قريب
أو صديق أو حبيب مهددة حياته بالتلف :ففرق بين الدافعين.
ثالثا :أن هذا الم سمى تمثيلً جار – الن – ب ين الطباء في عموم الم ستشفيات
ال تي ت حت إشراف الم سلمين أو ت حت إشراف غير هم ،إل أ نه يكون بن قل
جزء من البدن إلى موضع آخر منه فكثيرا ما تؤخذ الشرايين من الساق
أو مـن غيره لسـعاف القلب أو غيره بـه ولم يعتـبر هذا عنـد عموم
المسلمين تمثيلً وتشويها يتحاشاه الناس ،وإنما اعتبر ذلك نجاحا كبيرا في
عالم الطب وغوثا مفيدا لحياة المرضى المقعدين.
رابعا :أن علماء المسـلمين قـد أجازوا شـق بطـن المرأة الميتـة فـي حالة وجود
م صلحة محق قة أو راج حة و من ذلك ما قاله العلماء في الحا مل إذا ما تت
وفي بطنها جنين حي فإنه يشق بطن أمه لخراجه حيا والتمثيل بالميت
كالتمثيل بالحي من حيث الحرمة والمنع.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه ال تعالى:
210
" ويغلب على الظن أن الفقهاء لو شاهدوا ترقى الطب وفن الجراحة
لحكموا بجواز شق بطن الحامل بمولود حي وإخراجه " ويريد رحمه ال
– ب طن الحا مل الح ية – أ ما المي تة قالوه و صرحوا به ،و قد أ صبح الن
شق ب طن الحا مل الح ية – عادة – يجري لمجرد التخلص من ألم الولدة
أو البقاء على المتعة الجنسية لسهولة أمر الشق وتحقق نجاحه ومع هذا
فإننا ل نحبذه ول نجيزه بدون عرض صحيح ومصلحة ظاهرة.
خام سا :نعود في م ثل هذا ال مر إلى القوا عد الشرع ية ال تي قد مت الشارة إلي ها
من وزن المور ،والحوال بميزان المصالح والمفاسد خالصة أو راجحة.
فإذا نصـبنا هذا الميزان الشرعـي واسـتعرضنا المفاسـد المترتبـة على نقـل
العضـو وجدنـا أن دعوى التمثيـل وتغييـر خلق ال الذي أتقنـه ونزع أعضاء لم
توضع إل لمنافعها الخاصة ووظائفها اللزمة ،وأن في هذا إيلما وتعذيبا.
فهذه هي المفاسد والمضار التي يمكن أن يعارض النقل ولكننا نستطيع أن
نجيب على هذه المفاسد المتوهمة بأن هذا التمثيل الخفيف داعية الرحمة ولم يكن
داع ية الح قد المن هي ع نه وإن هذا التمث يل يجري بعده عمل ية التجم يل والتح سين
بما ل تدع له أثرا ول عاقبة.
وأ ما أ نه تغي ير لخلق فالتغي ير المن هي هو ما كان يعتقده أ هل الجاهلة من
أن هم إذا علموه في أنعام هم بتخر يق آذان ها وجدع أنوف ها وتحر يم ركوب ها تمويها
من الشيطان لتكون سائبة لت سلم بق ية أنعام هم من الع ين ويكتفون بهذا عن ح سد
الحا سد ون حو ذلك من العتقادات الفا سدة ،و هي بعيدة عن هذا المع نى الذي لم
يق صد به تغي ير خلق ولم ي كن من إيحاء الشيطان وو سوسته ،وإن ما يق صد م نه
ال صلح وإنقاذ الن فس البشر ية الوا جب إنقاذ ها ثم ل يس هو من تمو يه كهان أو
دجاجلة وإنمـا جاء ذلك مـن ثمار العلوم وإعمال العقول ونتائج التجارب وتحقـق
المصالح.
ثم إن إجراء ها بوا سطة الطباء المهرة والجهزة الفن ية الدقي قة م ما يد عو
بقينا إلى سلمة العاقبة وحصول المطلوب.
211
وبما تقدم علمنا انتفاء المفاسد أو ضآلتها وتحقق المصالح الكبيرة الراجحة
وتيسير التنفيذ وسهولته.
وبهذا يعت قد ب كل ث قة واطمئنان على أن المشرع الحك يم ل ي قف في سبيل
تحقق مصالح عظيمة بدون مضار تذكر وإنما الشرع المطهر الخالد سيحث على
إنقاذ حياة المتضررين وإسعاف المحتاجين ،وال أعلم.
212
فكر هت أن أجال سك وأ نا على غ ير طهارة فقال :سبحان ال أن المؤ من ل
ين جس " ( ،)1وقال البخاري :قال :قال ا بن عباس :الم سلم ل ين جس حيا ول
ميتا( ،)2وأما تغسيله بعد وفاته فليس عن نجاسة ببدنه ول عن حدث قام به
إذ لو كان تغ سيله عن وا حد منه ما لم ي فد غ سله ذلك لن الموت لزم ل ـه
مقيم معه فكيف يطهر عن الحدث أو النجس وإنما تغسيله أمر تعبدي ولعل
من الحك مة الشرع ية أن يكون الم يت في حالة نظا فة ،فظ هر أن الم سلم ل
ين جس حيا ول ميتا ،وإذا علم نا أن بدن الم سلم طا هر في حال الحياة و في
حال الممات فإن جزءه البائن م نه طا هر ف قد قال العلماء رحم هم ال " :و ما
أبين من حي فهو كميتته طهارة ونجاسة " (.)3
ثانيا :ما تقدم عن ح كم طهارة الم سلم حيا أو ميتا ،أ ما الكا فر ف هو أيضا طا هر
البدن حيا وميتا ولذا أب يح للم سلم الزواج بالكتاب ية و هو يخالط ها ويجامع ها
وتباشـر أشياءه وأمور طهارتـه ولم يؤمـر بالتحرز منهـا ممـا يدل على
طهارتها.
أما وصفهم بأنهم نجس بالية الكريمة والحديث فإنها نجاسة معنوية بالكفر
والشرك والعتقاد وليست نجاسة مادة عينية ،.قال ابن عباس وغيره :الشرك هو
الذي نجسه.
وأما اغتسال الكافر إذا أسلم فأمر ثابت في إسلم قيس بن عاصم وإسلم
ثمامة بن آثال فقد أمرهما النبي بالغتسال لما أسلما( ،)4ولكن العلماء لم يروا
أن هذا عن نجاسة أو عن حدث وإنما قال في شرح القناع وغيره " :لن الكافر
ل يسلم غالبا من جنابة فأقيمت المظنة مقام الحقيقة " (.)5
() أخرجه البخاري في الغسل باب عرق الجنب ( ،1/109 )281ومسلم في الحيض باب الدليل على أن 1
213
وبهذا ظهر النسان مسلما كان أو كافرا ليس بنجس ل في حال الحياة ول
في حال الممات وإن ما أب ين م نه وق طع من أعضائه ف هو طا هر بطهارة أ صله،
على ما صرح به العلماء رحمهم ال تعالى وبهذا خرجنا من جميع العتراضات
ال تي قد تو جه إلى عدم إمكان ن قل ع ضو إن سان إلى إن سان آ خر ح ين ضرور ته
إليه وأنه عمل سليم من حيث اليثار به أو عدمه ،ومن حيث حق ال فيه ومن
حيث كونه تمثيلً وتشويها ومن حيث اللم والتعذيب ،ومن حيث طهارة العضو
مـن المسـلم أو مـن الكافـر ،وأصـبح الحكـم بحمـد ال واضحا يطمئن القلب إلى
جوازه ويرتاح من عدم الثم والحرج فيه إن شاء ال(.)1
-اعتراض آخر:
وهـو أن فتـح هذا الباب وهـو التـبرع بالعضاء يؤدي إلى مفاسـد كثيرة
ويعرض حياة الناس لل ستغلل والمتاجرة ب ها و قد يذ كر في هذا ال صدد حوادث
وقعت في بعض البلد ونشرتها الصحف اقترنت بالنصب والحتيال والستغلل
إما من المتبرعين باستغلل حاجة المرضى ،وإما من المحتاجين الطالبين للتبرع
باسـتغلل فقـر المتـبرعين وحاجتهـم الماديـة فيقتضـي القول بتحريـم التـبرع أخذا
بمبدأ سد الذرائع.
والجواب:
بأن أغلب الظـن أن كثرة الفسـاد فـي باب التـبرع بالعضاء إنمـا يعود إلى
الفوضى وعدم التحديد والوضوح ونقص الرقابة والذي يقطع الشر في هذا الباب
أو يخففه إلى الدرجة التي تكون فيها مصالحه أكثر من مفاسده إنما هو تسييجه
() بحث :زراعة العضاء النسانية في جسم النسان :فضيلة الشيخ عبدال العبد الرحمن البسام (مجلة 1
214
بسـياج مـن القيود( )2والشروط فالجواز ليـس مطلقا بـل هـو مقيـد بشروط كثيرة
نذكرها فيما يلي:
()1
شروط جواز التبرع بالعضاء:
-1أن يكون هذا العضو قد استقطع لعلة أصابت صاحبه ،مثل عين تقرر
طبيا إزالت ها لمرض ها ،و مع ذلك يم كن ال ستفادة من القرن ية لش خص
آ خر ،فل شك في إبا حة ذلك ،لن ف يه منف عة لن سان بدل ذهاب الع ين
دون فائدة لتدفن في التراب.
-2أن يكون المتـبرع (المعطـي) كامـل الهليـة ،أي بالغا عاقلً ،وكانـت
ـخ 4/08/88بتاريـ ـم ( )1د ـلمي رقـ ـه السـ ـع الفقـ
فتوى مجمـ
23/5/1408هــ هـي التـي نصـت صـراحة على كون الباذل كامـل
الهلية.
-3ن صت جم يع الفتاوى على وجوب أن يكون البذل بدون مقا بل ،احت سابا
لو جه ال تعالى ،و مع هذا لم تما نع في إعطاء مبلغ من المال من قب يل
الهبـة ل المعاوضـة ،وقـد نصـت القوانيـن الوضعيـة أيضا إلى وجوب
التـبرع ،ومـع هذا فقـد سـمحت بإعطاء هبـة تشجيعا ،كمـا أن تكاليـف
الفحوصات وإجراء العملية لـه ينبغي أن تتكفل بها الجهة المستفيدة أو
الدولة ،بالضافة إلى ذلك فإن إضاعة وقت المتبرع ودخوله المستشفى،
وبقاءه فـي المنزل دون عمـل ،ينبغـي أن يحسـب ،وأن يعوض عنـه
تعويضا عادلً ،ويجوز للمضطـر (المريـض) أن يبذل المال للحصـول
على دم أو عضو إذا لم يجد من يتبرع له.
-4أن ل يضر أخذ العضو من المتبرع به ضررا يخل بحياته العادية ،لن
القاعدة الشرعية أن الضرر ل يزال بضرر مثله ول بأشد منه.
() أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة ،ص .184 – 181 2
() انظر :الطبيب أدبه وفقهه ص ،218 – 216أبحاث فقهية طبية معاصرة :محمد نعيم ياسين ص – 160 1
215
-5يحرم ن قل ع ضو من إن سان حي يؤدي إلى هل كه ،م ثل ن قل القلب أو
الكبد ...الخ ،لن ذلك انتحار وقتل نفس ،وكلهما من أبشع الجرائم في
السلم.
-6أباح بعض الفقهاء نقل قرينة واحدة من إنسان حي إلى شخص أعمى،
بحيـث يسـتطيع أن يبصـر ،وتوقـف بعـض الفقهاء فـي ذلك ،ومنعـه
بعضهم ،لن فيه ضررا بالغا بالمتبرع.
-7أن يكون زرع العضـو هـو الوسـيلة الطبيـة الوحيدة الممكنـة لمعالجـة
المضطـر ،وهذا الشرط قـد ل يتحقـق فـي زرع الكلى ،فالفشـل الكلوي
يعالج بطريقتين:
-1الديلزة (الغسيل الكلوي).
-2زرع الكلى.
وزرع الكلى أف ضل في نتائ جه في الغالب من الديلزة ،وإن كا نت
الديلزة ضروريـة جدا قبـل إجراء العمليـة ،ويحتاج إليهـا بعـد إجرائهـا
لفترات متقط عة في كث ير من الحالت ،ك ما يحتاج إلي ها ع ند ف شل عميلة
زرع الكلى بسبب الرفض أو لغير ذلك من السباب.
-8أن يكون المستقبل (( )Recepientأي الخذ للعضو أو الدم) مضطرا،
لخـذ العضـو ،والمضطـر مـن تكون حياتـه مهددة بالموت ،إن لم يقـم
بذلك الفعل.
-9أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققا في العادة أو غالبا،
ولذا ل يجوز إجراء زرع العضاء في المور التجريبية على النسان،
ول بـد أن تتـم هذه العمليات على حيوانات التجارب حتـى تحقـق نسـبة
نجاح عالية.
-10أن يكون إعطاء العضــو طوعا مــن المتــبرع دون إكراه مادي أو
معنوي.
-11أل يؤدي الستقطاع إلى فتنة.
216
-12أن يكون تنفيذ عمليات غرس العضاء تحت إشراف مؤسسات رسمية
مؤهلة علميا وخلقيا للتحقق من الشروط والمسوغات.
-13أن ل يكون التبرع سبب أكيد للساءة إلى الكرامة مثل :إذا كان التبرع
بالعضـو لجهـة يغلب على ظـن المتـبرع أنهـا تتجـر بأجزاء الجسـد
النساني وتستغل حاجة المرضى وتتخذ ذلك أسلوبا للربح.
() أجاب وأفتى في هذه المسائل فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم :فتاوي معاصرة 2/534 1
– .540
() أخرجه البخاري في الوكالة باب وكالة الشاهد والغائب (.2/809 )2182 2
217
وإذا جاز للمسـلم التـبرع بجزء مـن بدنـه ممـا ينفـع غيره ول يضره ،فهـل
يجوز له أن يوصي بالتبرع بمثل ذلك بعد موته؟
والذي يت ضح لي أ نه إذا جاز ل ـه ال تبرع بذلك في حيا ته ،مع احتمال أن
يتضرر بذلك وإن كان احتمالً مرجوحا فل مانع أن يوصي بذلك بعد موته ،لن
فـي ذلك منفعـة خالصـة للغيـر ،دون احتمال أي ضرر عليـه ،فإن هذه العضاء
تتحلل بعد أيام ويأكلها التراب ،فإذا أوصى ببذلها للغير قربة إلى ال تعالى ،فهو
مثاب ومأجور على ني ته وعمله ،ول دل يل من الشرع على تحر يم ذلك ،وال صل
الباحة ،إل ما منع منه دليل صحيح صريح ،ولم يوجد.
و قد قال ع مر في ب عض القضا يا لب عض ال صحابة " :لم تم نع أخاك ما
ينفعه وهو لك نافع ؟ " ( )1وهذا ما يمكن أن يقال مثله هنا لمن منع ذلك.
و قد يقال :إن هذا يتنا فى مع حر مة الم يت ال تي يرعا ها الشرع ال سلمي،
وقد جاء في الحديث " :كسر عظم الميت ككسر عظم الحي " (.)2
ونقول :إن أخذ عضو من جسم الميت ل يتنافى مع ما هو مقرر لحرمته
شرعا ،فإن حر مة الج سم م صونة غ ير منته كة ،والعمل ية تجري ل ـه ك ما تجري
للحي بكل عناية واحترام دون مساس بحرمة جسده.
على أن الحديـث إنمـا جاء فـي كسـر العظـم ،وهنـا ل مسـاس بالعظـم،
والمقصود منه هو النهي عن التمثيل بالجثة ،والتشويه لها ،والعبث بها ،كما كان
يفعل أهل الجاهلية في الحروب ،ول زال بعضهم يفعلها إلى اليوم ،وهو ما ينكره
السلم ول يرضاه.
ول يعترض معترض بأن ال سلف لم يؤ ثر عن هم ف عل ش يء من ذلك ،و كل
خيـر فـي اتباعهـم ...فهذا صـحيح لو ظهرت لهـم حاجـة إلى هذا المـر ،وقدروا
() أخرجه أبو داود في الجنائز باب في الصلة على المسلم ( ,3/212 )3207وابن ماجة في الجنائز باب 2
في النهي عن كسر عظام الميت ( ,1/516 )1616والمام أحمد ( ,6/100 )24730وابن حبان في
صحيحه (.7/437 )3167
218
عليه ،ولم يفعلوه ،وكثير من العمال التي نمارسها اليوم لم يفعلها السلف ،لنها
لم تكن في زمنهم.
والفتوى تتغيـر بتغيـر الزمان والمكان والعرف والحال ،كمـا قرر ذلك
المحققون ،وكل ما يمكن وضعه هنا من قيد هو أل يكون التبرع بالجسم كله ،أو
بأكثر أو بما دون ذلك ،مما يتنافى مع ما هو مقرر للميت من أحكام ،من وجوب
تغسيله وتكفينه والصلة عليه ،ودفنه في مقابر المسلمين ...الخ ،والتبرع ببعض
العضاء ل يتنافى مع شيء من ذلك بيقين (.)1
هل يجوز للولياء والورثة التبرع بجزء من ميتهم ؟
وإذا جاز تـبرع الميـت ببعـض أعضائه عـن طريـق الوصـية ،فهـل يجوز
لورثته وأوليائه أن يتبرعوا عنه بمثل ذلك؟
قد يقال :إن الج سم الم يت ملك صاحبه ،ول يس ملك أوليائه وورث ته ،ح تى
يكون لهم حق التصرف فيه أو التبرع ببعضه ،ولكن الميت بعد موته لم يعد أهلً
للملك ،فك ما أن ماله انت قل مل كه إلى ورث ته كذلك يم كن القول بأم ج سم الم يت قد
أ صبح من حق الولياء أو الور ثة ،ول عل م نع الشرع من ك سر ع ظم الم يت أو
انتهاك حرمة جثته ،إنما هو رعاية لحق الحي أكثر مما هو رعاية لحق الميت.
وقـد جعـل الشارع للولياء الحـق فـي القصـاص أو العفـو فـي حالة القتـل
العمد ،كما قال تعالى :ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في
القتل إنه كان منصورا [ السراء.]33 :
وكما أن لهم حق القصاص عنه إن شاءوا ،أو المصالحة على الدية أو ما
هو أقل أو أكثر منها ،أو العفو المطلق لوجه ال تعالى ،عفوا كليا أو جزئيا ،كما
قال تعالى :ف من ع في له من أخ يه ش يء فاتباع بالمعروف وأداء إل يه بإح سان
[البقرة.]178 :
ل يبعد أن يكون لهم حق التصرف في شيء من بدنه ،بما ينفع الغير ول
يضـر الميـت ،بـل قـد يسـتفيد منـه ثوابا ،بقدر مـا أفاد الخريـن مـن المرضـى
219
والمتضرر ين وإن لم يكون ل ـه ف يه ن ية ،ك ما يثاب في حيا ته على ما أ كل من
زرعه من إنسان أو طير أو بهيمة ،وما أصابه من نصب أو وصب أو حزن أو
أذى حتـى الشوكـة يشاكهـا ...وكمـا ينتفـع بعـد موتـه بدعاء ولده خاصـة ودعاء
المسلمين عامة وبصدقتهم عنه ..وقد ذكرنا أن الصدقة ببعض البدن أعظم أجرا
من الصدقة بالمال.
و من ه نا أرى أ نه ل ما نع من تبرع الور ثة بب عض أعضاء الم يت ،م ما
يحتاج إليه بعض المرضى لعلجهم كالكلية والقلب ونحوهما ،بنية الصدقة بذلك
عن الميت ،وهي صدقة يستمر ثوابها ما دام المريض المتبرع له منتفعا بها(.)1
زرع عضو من كافر لمسلم :
أمـا زرع عضـو مـن غيـر مسـلم فـي جسـم إنسـان مسـلم فل مانـع منـه،
وأعضاء النسان ل توصف بإسلم ول كفر ،وإنما هي آلت للنسان ،يستخدمها
وفقا لعقيدته ومنهاجه في الحياة ،فإذا انتقل العضو من كافر إلى مسلم ،فقد اصبح
جزءا من كيانه ،وأداة له في القيام برسالته ،كما أمر ال تعالى ،فهذا كما لو أخذ
المسلم سلح الكافر وقاتل به في سبيل ال.
بل قد نقول :إن العضاء في بدن الكا فر م سلمة م سبحة ساجدة ل تعالى،
و فق المفهوم القرآ ني ،أن كل ما في ال سماوات والرض ساجد م سبح ل تعالى،
ولكن ل تفقهون تسبيحهم ،فالصواب إذن أن كفر الشخص أو إسلمه ل يؤثر في
أعضاء بدنه ،حتى القلب نفسه ،الذي ورد وصفه في القرآن بالسلمة والمرض،
واليمان والريب ،والموت والحياة ،فالمقصود بهذا ليس هو العضو المحس الذي
يدخـل فـي اختصـاص الطباء والمحلليـن ،فإن هذا ل يختلف باختلف اليمان
والكفر والطاعة والمعصية ،إنما المقصود به (المعنى) الروحي ،الذي به يشعر
النسان ويعقل ويفقه ،كما قال تعالى :فتكون لهم قلوب يعقلون بها [ الحج،]46 :
ل هم قلوب ل يفقهون ب ها [ العراف ،]179 :وقوله تعالى :إن ما المشركون ن جس
[التوبة ،]28 :ل يراد به النجاسة الحسية التي تتصل بالبدان بل النجاسة المعنوية
220
التي تتصل بالقلوب والعقول ولهذا ل يوجد حرج شرعي من انتفاع المسلم بعضو
من جسد غير المسلم(.)1
المبحث الثامن
221
-قال ابن منظور :كل مستور جنين(.)1
-والجنين :الولد في البطن ،من الجنان وهو الستر لنه أجنه بطن أمه
أي ستره ،والجمع أجنة وأجنن( ،)2قال تعالى :وإذا أنتم أجنة في
بطون أمهاتكم [ النجم.]32 :
-ويعرف الفقهاء الجنين بنفس تعريف علماء اللغة:
قال الشيخ منصور البهوتي " :الجنين :الولد في البطن " (.)3
وقال ابن عابدين " :الجنين :فعيل لمعنى مفعول من جنة إذا ستره وهو الولد
ما دام في الرحم " (.)4
-وجنين الدمي :هو المخلوق الذي يتكون في رحم المرأة نتيجة تلقح
بويضتها مع الحيوان المنوي الذي يحتوي عليه ماء الرجل ،ويطلق
اسم الجنين على هذا المخلوق ما دام في رحم أمه لتحقق استتاره فيه،
فيشمل جميع مراحله من حين تكونه إلى وقت ولدته(.)5
222
أما اصطلحا فقد عرف ابن عابدين الجهاض بقوله :هو إنزال الجنين قبل
أن يستكمل مدة الحمل ،وقال ابن حزم :السقاط :المرأة تتعمد قتل جنينها(.)1
هذا وقد عبر الفقهاء عن الجهاض بألفاظ متعددة منها :النزال،
()2
الملص ،الخراج ،السقاط ،اللقاء ،الطرح...
223
-4نفخ الروح في الجنين :
تتعاقـب على الجنيـن مراحـل فـي تطوره ،وكـل مرحلة تتميـز بخصـائص
ومؤهلت جديدة:
ولقد قسم العلماء المراحل التي يمر الجنين إلى نوعين من التطور أحدهما:
تطور مادي محسوس :وموضوعه العناصر المادية التي يتكون منها الجنين وما
يتعاقب عليها من نمو وتخليق وتسوية وتعديل وغير ذلك.
والثاني :تطور غير محسوس موضوعه مخلوق روحاني جمع ال تعالى
بينه وبين تلك العناصر المادية من النسان في لحظة من اللحظات وجعله
مصدرا للنشطة النسانية المتميزة التي ميز بها النسان عن سائر الحياء
كالتصور والتعقل والتخيل والرادة والتفكير وقد سمى ال تعالى ورسوله هذا
المخلوق بالروح(.)1
ولقد وردت الشارة إلى كل النوعين من التطور في كتاب ال عزوجل
وفي سنة رسوله .
يقول تعالى :يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من
تراب ،ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر
ل ثم لتبلغوا أشدكم ،ومنكم
في الرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طف ً
من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيل يعلم من بعد علم شيئا
[الحج.]5 :
وقال سبحانه :ولقد خلقنا النسان من سللة من طين ،ثم جعلناه نطفة في
قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما
فكسونا العظام لحما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك ال أحسن
الخالقين [ المؤمنين ،]14 -12 :قال ابن كثير :ثم أنشأناه خلقا آخر أي نفخنا فيه
الروح فتحرك وصار خلقا آخر ذا سمع وبصر وإدراك وحركة واضطراب
فتبارك ال أحسن الخالقين ،وروى ذلك عن علي بن أبي طالب وعبدال بن
224
عباس وأبي سعيد الخدري – رضي ال عنهم – ورواه عن التابعين ومن بعدهم
مجاهد وعكرمة والشعبي والحسن البصري والضحاك والربيع بن أنس
والسدي( ..)1وقال ابن جرير الطبري :وأجمع أهل التفسير على ذلك ل نعلم أحدا
شذ منهم عن ذلك(.)2
وقال عزوجل :الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين ثم
جعل نسله من سللة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع
والبصار والفئدة قليلً ما تشكرون ] السجدة.[9 – 6 :
وعن عبدال بن مسعود قال :حدثنا رسول ال وهو الصادق
المصدوق " :إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ،ثم يكون علقة مثل
ذلك ،ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ،ويؤمر
بأربع كلمات :بكتب رزقه ،وأجله ،وعمله وشقي أو سعيد " (.)3
225
وقال النووي " :واتفق العلماء على أن نفخ الروح ل يكون إل بعد أربعة
أشهر " (.)1
وقال ابن رجب الحنبلي " :فأما نفخ الروح فقد روي صريحا عن الصحابة
– رضي ال عنهم :-أنه إنما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر كما دلّ عليه
ظاهر حديث ابن مسعود " (.)2
قال القرطبي " :لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة
وعشرين يوما وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الناس " (.)3
-6حكم إجهاض الجنين في الفقه السلمي :
عندما جاء السلم لم يكن الجهاض المتعمد شائعا في المجتمع كما هو
شائع اليوم :بل كانت عندهم في أيام الجاهلية عادة قتل الولد الصغار بعد
ولدتهم وهو يعرف باسم الوأد فكانوا يئدون أولدهم للتخفف من نفقاتهم وخشية
الفقر ،أما البنات فكانوا يئدونهن خوفا من السبي والفضيحة.
قال تعالى :وإذا الموءودة سئلت ،بأي ذنب قتلت ] التكوير.[9 – 8 :
وقال عز من قال :ول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن
قتلهم كان خطئا كبيرا [ السراء.]31 :
أما في العصور المتأخرة عادت عادة الوأد بصورة جديدة أل وهي
الجهاض بعد أن ضعف وازع الدين في القلوب وأصبحت وسائل الجهاض
المختلفة ميسورة بين أيدي الناس.
ونظرا لما ينطوى عليه الجهاض المتعمد من أضرار بالغة على الم
والجنين ،ولن الجنين يعد حيا من بداية الحمل وحياته محترمة في كافة أدوارها
وبخاصة بعد نفخ الروح عند نهاية الشهر الرابع :فقد ذهب معظم الفقهاء إلى
حرمة الجهاض المتعمد إل لعذر شرعي سواء قبل نفخ الروح في الجنين أو بعد
نفخ الروح ،ورأى قلة منهم جواز الجهاض قبل نفخ الروح ،وأجازه آخرون فقط
)(1شرح النووي على صحيح مسلم .16/191
)(2جامع العلوم والحكم ،ص .49
)(3تفسير القرطبي .12/8
226
قبل الربعين يوما من عمر الجنين اعتمادا على بعض الحاديث التي ورد فيها
أن نفخ الروح في الجنين يكون بعد الربعين يوما(.)1
وفيما يلي تفصيل لهذه القوال حسب المراحل الجنينية:
-1مرحلة الربعين الولى (النطفة) :يرى إباحة إسقاط الجنين فيها معظم
فقهاء الحنفية ،ومعظم فقهاء الشافعية ،ومعظم فقهاء الحنابلة ،واللخمي
من فقهاء المالكية ،ويرى تحريمه معظم فقهاء المالكية ،ويعض فقهاء
الحنفية ،والغزالي من فقهاء الشافعية ،وابن الجوزي من فقهاء
الحنابلة(.)2
-2مرحلة الربعين الثانية (العلقة) :يرى إباحة الجهاض فيها معظم فقهاء
الحنفية ،ومعظم فقهاء الشافعية ،وابن عقيل من فقهاء الحنابلة ،ويرى
تحريم ذلك جميع فقهاء المالكية ،وبعض فقهاء الحنفية ،ومعظم فقهاء
الحنابلة ،والغزالي من فقهاء الشافعية(.)3
-3مرحلة الربعين الثالثة (المضغة) :يرى إباحة الجهاض فيها معظم
فقهاء الحنفية ،وجمهور فقهاء الشافعية ،وابن عقيل من الحنابلة ،ويرى
تحريمه جميع فقهاء المالكية ،ومعظم فقهاء الحنابلة ،وبعض الحنفية،
والغزالي من فقهاء الشافعية ،وتابعه في ذلك اثنان آخران منهم ،على
اعتبار أن هذه المرحلة تعتبر حريما لنفخ الروح(.)4
-4يتفق جميع الفقهاء على أن الجهاض قبل تمام الشهر الربعة الولى
من عمر الجنين يختلف في حقيقته وحكمه الشرعي الدقيق ،عن
حاشية قليوبي وعميرة ،160 – 3/159النصاف ،1/386الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي .2/267
() شرح فتح القدير ،2/495حاشية ابن عابدين ،1/302شرح الكبير مع حاشية الدسوقي ،2/267فتح 4
العلي المالك ،400 – 1/399بداية المجتهد ،2/416نهاية المحتاج ،8/416حاشية قليوبي 3/160و
،5/490المغني ،9/539 ،2/398الفروع ،6/191النصاف .1/386
227
الجهاض بعدها ،ول يساويه ،فهم ل يعدونه قتلً لدمي ،ول يرتبون
عليه إثم القتل ،قال ابن قدامة " :وأما قبل نفخ الروح فل يكون الجنين
نسمة فل يصلى عليه ،كالجمادات والدم " ( ،)1وأكد ابن حزم على هذه
الحقيقة :وأن إسقاط الجنين قبل الربعة الشهر ل يعد إزهاقا لروح
آدمي ،ول نقلً من الحياة إل الموت( ،)2ومثل ذلك نقل الشوكاني عن
المام الشافعي قوله " :إنما يغسل لربعة أشهر إذ يكتب في الربعين
الرابعة رزقه وأجله ،و إنما ذلك للحي " (.)3
ونقل عن غيره قوله " :إنما يصلى عليه إذا نفخت فيه الروح ،وهو أن
يستكمل أربعة أشهر ،فأما إن سقط لدونها فل ،لنه ليس بميت ،إذ لم ينفخ
فيه روح " (.)4
228
-5وإذا كان المر كذلك ،وأن إسقاط الجنين قبل نفخ الروح ل يعتبر قتلً
لدمي باتفاق الفقهاء ،فإنا نرى :أن جواز السقاط في هذه المرحلة
لعذر معقول ل تأباه مختلف المذاهب الفقهية.
أما على مذهب القائلين بالباحة فالمر واضح ،وأما على مذهب القائلين بالتحريم
فأغلب الظن أنهم ل يقصدون شمول التحريم لحالة العذر ،حتى عند المالكية الذي
تشددوا في هذه المسألة وجد من علمائهم من رأى ضرورة تقييد التحريم الذي
اعتمده المذهب بأن ل يكون الحمل نتيجة الزنى ،فإن كان كذلك فل تحريم،
وبخاصة إذا خافت المرأة على نفسها عند ظهور الحمل(.)1
وإذا كان الفقهاء لم يذكروا إل قليلً من العذار ،كالخوف على الرضيع من
الهلك بانقطاع لبن أمه بالحمل مع تعذر البديل ،فإنما كان ذلك منهم متناسبا مع
معارفهم الطبية ،ولم يكن عندهم من العلم في هذا المجال ما يمكنهم من معرفة
كثير من الفات التي قد تصيب الجنين ،أو تصيب أمه إذا بقي في بطنها حتى
الولدة.
واليوم حيث تقدمت العلوم الطبية ،صار في مقدور الطبيب أن يدرك
أنواعا من المخاطر على الحمل إذا بقي ،وأنواعا من المخاطر على الحامل إذا
ترك الجنين إلى آخر أشهر الحمل ،وهي أعذار ل تقل في أهميتها عما ذكر
الفقهاء ،فينبغي أن تحمل مذاهبهم على اعتبارها(.)2
على أن العذار الشرعية التي يباح لها الجهاض قبل نفخ الروح ل ينبغي
فتح الباب فيها على مصراعيه حتى ل يحشر فيها ما ليس منها.
والحتياط في ذلك ينصح بأن ل تجري عمليات الجهاض إل في
مستشفيات محددة ،ول يجريها أي طبيب بل تعرض الحالت على لجنة من
الطباء المسلمين العدول وبعض أهل الختصاص الشرعي لتقدير العذار
وكفايتها من الناحية الصحية والشريعة(.)3
229
وهل تشوه الجنين ،أو حالة الغتصاب عذر شرعي فهذا ما سنبينه فيما
يلي:
-7حكم إجهاض الجنين المشوه :
بناء على ما أوردناه من كلم الفقهاء في موضوع إجهاض الجنين عموما
والتفريق عندهم بين أن يكون الجهاض بعذر أو بغير عذر ،ومتى يكون ذلك
قبل نفخ الروح أو بعده فالذي ذهب إليه كثير من العلماء :أن إجهاض الجنين في
مرحلة قبل نفخ الروح – أي قبل مرور مائة وعشرين يوما على الحمل – إذا
ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية موثوقة مختصة أن الجنين مشوه تشويها خطيرا
غير قابل للعلج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلما عليه
وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين(.)1
أما بعد نفخ الروح فيه فإن إجهاض الجنين المشوه ل يزال باقٍ على عموم
()2
تحريم الجهاض فل يجوز ول يحل لما يأتي:
أولً :عموم النهي من كتاب ال وسنة رسول ال عن قتل النفس التي حرم
ال إل بالحق ،وهذه نفس قد اكتسبت الحياة وأصبح لها حكم نفس الدميين
المعصومين ولذا لو جني عليه في بطن أمه ثم سقط حيا ومات ففيه دية كاملة
فإن سقط ميتا ففيه غرة.
ثانيا :يوجد نصوص تشمل مثل هذه الحالة بالتحريم وتتناولها بالحكم فمن
ذلك ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال " :ل
يتمنين أحدكم الموت لضرٍ نزل به فإن كان لبد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت
الحياة خيرا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي " (.)3
)(1انظر فتوى المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي في دورته الثانية عشرة.
)( 2بحث لفضيلة الشيخ عبدال آل عبدالرحمن البسام عضوا لمجلس المجمع الفقهي وعضو التمييز بالمنطقة
الغربية بالمملكة العربية السعودية (الجنين المشوه والمراض الوراثية :د .محمد علي البار ،ص .)471
)( 3أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت ( ،5/2146 )5347ومسلم في كتاب
الذكر والدعاء باب تمني كراهة الموت (.4/2064 )2680
230
من الصلة على وقصة الذي جرح نفسه فعجل بنفسه إلى النار وامتنع
الذي قتل نفسه بمشاقص(.)1
مما يدل على أن قتل النفس جريمة كبيرة ،هذا في حق من قتل نفسه وهو
صاحب الحق فيها فكيف بمن يعتدي عليه ويقتله غيره استضعافا له.
أما كلم العلماء في ذلك فقد قال فقهاؤنا واللفظ لشرح القناع (ول يجوز
قتل البهيمة للراحة كالدمي المتألم بالمراض الصعبة أو المصلوب بنحو حديد
لنه معصوم ما دام حيا)(.)2
ثالثا :بعد أن اكتسب الجنين الحياة وصار إنسانا فإن له الحق في بقائه حيا
على أي حال يكون ول يحل لحد أن ينزع منه هذه الحياة التي وهبه ال إياها،
وتقدم أنه يتعلق بالقتل العمد ثلثة حقوق :حق ل وحق للورثة وحق للمقتول،
وإذا كان ال تعالى حرّم علينا قرب أموال الضعفاء إل بالتي هي أحسن فكيف
يحل لنا القضاء على حياتهم؟! وكم رأينا من مشوهين ل يستطيع النسان أن
يثبت نظره إلى خلقتهم وهم راضون بخلقتهم بل لقد سمعنا أن كثيرا منهم عرض
عليهم إزالة هذا التشويه فلم يرضوا بذلك لنهم وجدوا في هذه العاهات مصدر
ثروة لهم لما يلقونه من العطف والشفقة والحسان من الناس.
رابعا :في ولدتهم على هذه الحالة عظة للمعافين ففي الحديث " :اللهم كما
حسنت خلقي فحسن خلقي وحرم وجهي على النار " ( ،)3وعن عمر أن رسول
ال قال " :من رأى صاحب بلء فقال :الحمد ل الذي عافاني مما ابتلك به
وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلً لم يصبه ذلك البلء أبدا كائنا ما كان ما
عاش " (.)4
)(1أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ترك الصلة على القاتل نفسه (.2/672 )978
)(2كشاف القناع .5/495
)( 3أخرجه أحمد ( ،6/68 )24441والبيهقي في شعب اليمان ( ،6/364 )8543وصححه ابن حبان ()959
( ،3/239فتح الباري .)10/456
)( 4أخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء باب ما يدعو به الرجل إذا نظر إلى أهل البلء (،2/1281 )3892
والترمذي في كتاب الدعوات باب ما يقول إذا رأى مبتلى ( ،5/493 )3431قال أبو عيسى :هذا حديث
غريب.
231
خامسا :فيه معرفة لقدرة ال تعالى وتحقيقا لقوله تعالى :هو الذي
يصوركم في الرحام كيف يشاء [ آل عمران ]6 :فال تعالى يري خلقه مظاهر
قدرته وعجائب صنعه وحين ولد عيسى بل أب قال تعالى :ولنجعله آية
للناس [ مريم ،]21 :أي برهانا على كمال القدرة اللهية ،فإجهاضه محادة لهذه
الرادة.
سادسا :إن قتلهم ثم إجهاضهم نظرة مادية صرفة لم تعر المور المعنوية
أي نظرة.
ومن الغلط والخطاء أن الباحث والمحقق ل ينظر إلى الشيء إل من
زاوية واحدة ول يدرسه من جميع جوانبه ويتحقق عن المقاصد والمور
والهداف المرادة من هذه الشياء ،فكثير من المور منوطة بنتائجها ومرهونة
بثمراتها.
ن سامية ومقامات ونحن إذا تدبرنا المراد من خلق النسان فنجده خلق لمعا ٍ
عالية هي أعز وأغلى من هذه الحياة الدنيا وما فيها من ملذات ومتع فقد خلقه ال
لعبادته قال تعالى :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون [ الذاريات.]56 :
وينتج عن تحقيق عبادته وإنفاذ إرادته الشرعية السعادة البدية في الدار
الخرة وإجهاض هذا الدمي البريء حرمان له من كمال سعادته الخروية.
فإننا إذا أخذنا هذا المعنى السامي في حق الخلق وجدنا أن هذا التشويه مما
يزيده تحقيقا لهذه الغاية المرادة منه والرادة المتعلقة بإيجاده فوجودها فيه أدعى
إلى ذله ومسكنته لربه وصبره عليها احتسابا منه الجر الكبير.
سابعا :م سألة تشوه الجن ين لي ست متق نة ف قد ي ظن أن الجن ين مشوّه ويولد
سليما ،كما حدث ذلك مرات عديدة.
232
-8قرار المجمع الفقهي بشأن موضوع إسقاط الجنين المشوّه :
الحمد ل وحده والصلة والسلم على من ل نبي بعده سيدنا ونبينا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم ،أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي لرابطة العالم السلمي في دورته
الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 15رجب
1410هـ الموافق 10فبراير 1990م إلى يوم السبت 22رجب 1410هـ
الموافق 17فبراير 1990م قد نظر في هذا الموضوع وبعد مناقشته من قبل هيئة
المجلس الموقرة ومن قبل أصحاب السعادة الطباء المختصين الذي حضروا لهذا
الغرض ،قرر بالكثر ما يلي:
-1بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما :
إذا كان الحمـل قـد بلغ مائة وعشريـن يوما ل يجوز إسـقاطه ولو كان
التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إل إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الطباء
الثقات المختصـين أن بقاء الحمـل فيـه خطـر مؤكـد على حياة الم يجوز إسـقاطه
سواء كان مشوها أو ل دفعا لعظم الضررين.
-2عدم بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما :
قبل مرور مائة وعشرين يوما على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية
من الطباء المختصين الثقات ،وبناء على الفحوص الفنية بالجهزة والوسائل
المختبرة أن الجنين مشوّه تشويها خطيرا غير قابل للعلج وأنه إذا بقي وولد في
موعده ستكون حياته سيئة وآلما عليه وعلى أهله فعندئذٍ يجوز إسقاطه بناءً على
طلب الوالدين.
والمجلس إذا يقرر ذلك يوصي الطباء والوالدين بتقوى ال والتثبت في
هذا المر ،وال ولي التوفيق.
233
-9حكم إجهاض الجنين الناتج عن اغتصاب :
()1
يقول فضيلة الشيـخ الدكتور يوسـف القرضاوي مجيبا عـن هذا السـؤال:
" لقد سُئلتُ مثل هذا السؤال من قبل من أخوة في أرتيريا فعل ببناتهم وأخواتهم
الجنود الن صارى في ج يش ما ي سمى الجب هة الشعب ية لتحر ير أرتير يا ،ما يف عل
جنود الصرب اليوم بشعب البوسنا الحرائر.
وقبل ذلك بسنوات أرسلت جماعة من النساء المؤمنات المعتقلت ظلما،
من داخل سجون الظلمة الطغاة في بعض البلد بنفس السؤال إلى عدد من
العلماء في البلد العربية :ماذا يصنعن فيما تحمله أرحامهن من حمل حرام ل
ذنب لهن فيه ،ول اختيار لهن فيه؟
وأحب أن أؤكد أولً :أن هؤلء النسوة من أخواتنا وبناتنا ،ليس عليهن أي
ذنب فيما حدث لهن ،ما دمن قد رفضن وقاومن في أولى المر ،ثم أكرهن عليه
تحت أسنة الرماح ،وضغط القوة الباطشة ،وماذا تصنع أسيرة أو سجينة مهيضة
الجناح ،أمام آسر أو سجان مدجج بالسلح؟ ل يخشى خالقا ،ول يرحم مخلوقا؟!
وال تعالى قد رفع الثم عن المكره فيما هو أشد من الزنى ،وهو الكفر،
والنطق به ،قال تعالى :إل من أكره وقلبه مطمئن باليمان [ النحل.]106 :
بل رفع القرآن الثم عن النسان في حالة الضرورة القاهرة ،وإن بقي لـه
شيء من الختيار الظاهري ،وما ذاك إل لن ضغط الضرورة أقوى منه ،قال
تعالى بعد أن ذكر الطعمة المحرمة :فمن اضطر غير باغ ول عاد فل إثم عليه
إن ال غفور رحيم [ البقرة.]173 :
والنبي قال " :إن ال وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه " ( ،)2بل إن هؤلء البنات والخوات يؤجرن على ما أصابهن من بلء ،إذا
تمسكن بإسلمهن الذي ابتلين وامتحن من أجله ،واحتسبن ما نالهن من الذى عند
ال عزوجل ،وقد قال رسول ال " :ما يصيب المسلم من نصب ول وصب،
)(1فتاوي معاصرة :الدكتور يوسف القرضاوي .612 – 2/610
)( 2ابن ماجة في الطلق باب طلق المكره ( ،1/659 )2045وصححه الحاكم ،2/198ووافقه الذهبي
والبيهقي في سننه .7/356
234
ول هم ول حزن ،ول أذى ول غم – حتى الشوكة يشاكها – إلى كفّر ال بها من
خطاياه " (.)1
فإذا كان المسلم يثاب في الشوكة يشاكها ،فكيف إذا انتهك عرضه أو لوث
شرفه؟!
ومن أجل هذا أنصح للشباب المسلم أن يتقرب إلى ال تعالى بالزواج من
إحدى هؤلء الفتيات ،رفقا بحالهن ،ومداواة لجرحهن ،وهو جرح نفسي قبل كل
شيء ،ناشئ عن إحساسهن بأنهن فقدن أعز ما تملكه فتاة شريفة طاهرة ،وهو
عذريتها.
أما إجهاض الحمل ،فقد بينا في فتوى سابقة أن الصل في الجهاض هو
المنع ،منذ يتم العلوق ،أي منذ يلتقي الحيوان المنوي الذكر بالبويضة النثوية،
وينشأ منهما ذلك الكائن الجديد ،ويستقر في قراره المكين في الرحم.
فهذا الكائن لـه احترامه وإن جاء نتيجة اتصال محرم كالزنى ،وقد أمر
الرسول المرأة الغامدية التي أقرت بالزنى واستوجبت الرجم ،أن تذهب بجنينها
حتى تلد ،ثم بعد الولدة تذهب به حتى يفطم.
وهذا ما أختاره للفتوى في الحالت العادية ،وإن كان هناك من الفقهاء من
يجيز الجهاض إذا كان قبل مضي أربعين يوما على الحمل ،عملً ببعض
الروايات التي صحت بأن نفخ الروح في الجنين يتم بعد أربعين أو اثنين وأربعين
يوما.
بل من الفقهاء من يرى الجواز إذا كان قبل مضي ثلث أربعينات أي قبل
مائة وعشرين يوما ،عملً بالرواية الشهر بأن نفخ الروح يتم بعد ذلك.
والذي نرجحه هو ما ذكرناه أولً ،ولكن في حالت العذار ل بأس بالخذ
بأحد القولين الخرين ،وكلما كان العذر أقوى كانت الرخصة أظهر ،وكلما كان
ذلك قبل الربعين الولى كان أقرب إلى الرخصة.
235
ول ريب أن الغتصاب من عدو كافر فاجر ،معتد أثيم ،لمسلمة عذراء
طاهرة ،عذر قوي ،لدى المسلمة ولدى أهلها ،وهي تكره هذا الجنين – ثمرة
العتداء الغشوم – وتريد التخلص منه ،فهذه رخصة يفتى بها للضرورة ،التي
تقدر بقدرها.
ونحن نعلم أن هناك من الفقهاء من شددوا في المر ،ومنعوا السقاط ولو
بعد يوم واحد من الحمل ،بل هناك من حرموا مجرد المتناع الختياري عن
النجاب ،بمنع الحمل من قبل الرجل أو المرأة أو كليهما ،مستدلين بما جاء في
بعض الحاديث من تسمية (العزل) بـ (الوأد الخفي) ،فل غرو أن يحرم
الجهاض بعد الحمل.
والرجح هو التوسط بين المتوسعين في الجازة ،والمتشددين في المنع،
والقول بأن (البيضة) منذ يلقحها المنوي أصبحت (إنسانا) إنما هو لون من
(المجاز) في التعبير ،فالواقع أنها (مشروع إنسان).
صحيح أن هذا الكائن يحمل الحياة ،ولكن الحياة درجات ومراتب،
والحيوان المنوي نفسه يحمل الحياة ،والبيضة قبل تلقيحها أيضا تحمل الحياة،
ولكن هذه وتلك ليست هي الحياة النسانية التي تترتب عليها الحكام.
ومن ثم تكون الرخصة مقيدة بحالة العذر المعتبر ،الذي يقدره أهل الرأي
من الشرعيين والطباء والعقلء من الناس ،وما عدا ذلك يبقى على أصل المنع.
وخاصة إذا علمنا أن النبي لم يأمر الغامدية التي زنت بإسقاط حملها
بل قال لها " :ارجعي حتى تضعي ما في بطنك " (.)1
على أن من حق المسلمة التي ابتليت بهذه المصيبة في نفسها ،أن تحتفظ
بهذا الجنين ،ول حرج عليها شرعا ،كما ذكرت ،ول تجبر على إسقاطه ،وإذا
قدر لـه أن يبقى في بطنها المدة المعتادة للحمل ووضعته ،فهو طفل مسلم ،كما
)(1أخرجه البزار ورجاله ثقات إل أن العمش لم يسمع من أنس (مجمع الزوائد .)6/252
236
والفطرة هي التوحيد وهي قال النبي " :كل مولود يولد على الفطرة "
()2
السلم.
ومن المقرر فقها :أن الولد إذا اختلف دين أبويه ،يتبع خير البوين دينا،
وهذا فيمن له أب يعرف ،فكيف بمن ل أب له؟ إنه طفل مسلم بل ريب.
وعلى المجتمع المسلم أن يتولى رعايته والنفاق عليه ،وحسن تربيته ،ول
يدع العبء على الم المسكينة المبتلة ،والدولة في السلم مسئولة عن هذه
الرعاية بواسطة الوزارة أو المؤسسة المختصة ،وفي الحديث المتفق عليه:
" كلكم راع ،وكلكم مسئول عن رعيته " (.)1
237
المبحث التاسع
الستنساخ
238
وثمة طريقة أخرى لستنساخ مخلوق كامل ،تقوم على أخذ الحقيبة الوراثية
الكاملة على شكل نواة من خلية من الخليا الجسدية ،وإيداعها في خلية بييضة
منزوعة النواة فتتألف بذلك لقيحة تشمل على حقيبة وراثية كاملة ،وهي في
الوقت نفسه تمتلك طاقة التكاثر ،فإذا غرست في رحم الم تنامت وتكاملت
وولدت مخلوقا مكتملً بإذن ال ،وهذا النمط من الستنساخ الذي يعرف باسم
(النقل النووي) أو (الحلل النووي للخلية البييضية) وهو الذي يفهم من كلمة
استنساخ إذا أطلقت ،وهو الذي حدث في النعجة "دولي" ،على أن هذا المخلوق
الجديد ليس نسخة طبق الصل ،لن بييضة الم المنزوعة النواة تظل مشتملة
على بقايا نووية في الجزء الذي يحيط بالنواة المنزوعة ،ولهذه البقايا أثر ملحوظ
في تحوير الصفات التي ورثت من الخلية الجسدية ،ولم يبلغ أيضا عن حصول
ذلك في النسان.
فالستنساخ إذا هو :توليد كائن حي أو أكثر إما بنقل النواة من خلية
جسدية إلى بييضة منزوعة ،وإما بتشطير بييضة مخصبة في مرحلة تسبق
()1
تمايز النسجة والعضاء.
فهو إيجاد نسخة طبق الصل عن شيء ما من الكائنات الحية نباتا أو
حيوانا أو إنسانا.
() من نص قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر بجدة في هر صفر 1
1418هـ.
239
-3الهندسة الوراثية والستنساخ :
تعريف الهندسة الوراثية :
تعتمد ترجمة المادة الوراثية على نسخ جزيئات الحمض النووي ()DNA
وقد ثبت أن الحماض النووية هي المادة الساسية للوراثة التي يتم عبرها انتقال
المادة الوراثية ،وإن تتابع القواعد في الحماض النووية هو الشفرة الساسية
للحماض المينية المختلفة التي تكون البروتين ،وقد دعم كل هذا باكتشاف
النزيمات التي تشطر الحمض النووي ( )DNAعند متواليات معينة مما ساعد
في ظهور علم الهندسة الوراثية.
ويمكن اعتبار تجارب الهندسة الوراثية :عمليات جراحية تتم بواسطة
إنزيمات محددة تقطع الحمض النووي من أجزاء معينة تحمل صفة وراثية محددة
وإدخالها في خلية أخرى بكتيرية أو خلية خميرة أو خلية إنسانية أو حيوانية أو
نباتية بطرق مختلفة منها الحقن المباشر تحت الميكروسكوب ،ومنها استخدام
محاليل خاصة توضع فيها الخليا ويسلط عليها تيار كهربائي ،وبعد ذلك توضع
الخليا الجديدة الحاملة للمورث المطلوب في تفاعلت خاصة لتساعد على نموها
وتكاثرها وبذلك يمكن الحصول على أكبر قدر ممكن من البروتين المطلوب
المشفر في المورث أو صفة أخرى من الصفات لستخدامها على نطاق كبير في
شتى المجالت الطبية والعلجية والصناعية والقتصادية(.)1
لكن فرق هام جدا بين " الهندسة الوراثية " و " الستنساخ " :فالهندسة
الوراثية في النبات والحيوان تهدف إلى التعرف على المورثات وعلقتها
بالمراض الوراثية ومن ثم معالجتها ،وهذا عمل جيد ومحمود ،كما أنه يمكن
بواسطة الهندسة الوراثية الحصول على عقاقير جديدة ومفيدة للنسان،
كالنسولين البشري الذي تم الحصول عليه وغيره من الدوية كالسوماتاستاتين،
والنترفيرون المستخدم في علج السرطان والمراض الفيروسية وغيرها(.)2
() الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع :د .إياد أحمد إبراهيم ،ص .30 – 29 1
( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm
240
أما الستنساخ فهو يهدف إلى الستفادة من الهندسة الوراثية – كما سبق
وأن شرحناها – ليجاد كائن حي بشري بناء على هذا العلم الخطير.
241
الستنساخ الجنيني :
يتكون الفرد من التقاء الحيوان المنوي الذكري مع البييضة المؤنثة ،ثم
تشرع البييضة في النقسام إلى خليتين ثم إلى أربع وهكذا ،فإذا انفصلت الخليتان
عن بعضهما تكون منهما جنينان متطابقان وراثيا وشكليا ،وهو ما يعرف بالتوائم
المتطابقة.
وقد نجح العلماء بإجراء عملية فصل الخليتين أو الخليا الربع عن مماثلة
بعضهما البعض ليتكون عندهم أجنة متطابقة وراثيا ،وهذا النجاح لم يقتصر على
إنتاج الغنام والبقار فحسب ،بل نجح على النسان.
الستنساخ الجسدي :
تنقسم الخليا من حيث التمايز وعدمه إلى خليا متمايزة وخليا غير
متمايزة ،ومن الخليا المتمايزة خليا المعاء والكبد والقلب وغيرها ،والخليا
غير المتمايزة كالخليا الجنينية عند بدء تكوينها ،والتمايز هو تخصص الخلية
بعمل معين ،ويستلزم تمايز الخليا تغيرات معينة في بنية الخلية ،وتختلف هذه
التغيرات بين خلية عصبية أو خلية عضلية أو قلبية أو غيرها ،والخليا المتمايزة
ل يمكنها العودة إلى الحالة الجنينية (الخليا الجنينية) ،وهذا كان أمرا مسلما
علميا إلى أن استطاع د .ويلموت ،صاحب النعجة دوللي ،إعادة خلية ناضجة
ومتخصصة لتقوم بوظيفة الخليا الجنينية ،وهي العودة إلى مرحلة البداية لتكوين
كائن جديد متكامل ،حيث إن الخليا الجنينية ل يتخصص طاقمها الوراثي ،فهي
تستطيع أن توجه جميع العمليات الحيوية داخل الخلية بما في ذلك عمليات
التكوين الجنيني ،خلفا للخليا الجسدية التي يتخصص طاقمها الوراثي لتأدية
مهام محددة.
لقد ولدت دوللي بطريقة الستنساخ الجسدي نتيجة إجراء 277تجربة
اندماج ،من تجربة مجراة على ألف بييضة تم الحصول عليها من عدد كبير من
الناث ،وأنتجت حالت الندماج ثلثة عشر حملً فقط ،نجح منها واحد فقط بقي
242
عند الولدة وبعدها ،أي بنسبة تصل إلى واحد باللف ،ووصلت كلفة إنتاج دوللي
إلى 750ألف دولر(.)1
الحكم الشرعي للستنساخ الحيواني :
يذهب معظم الفقهاء إلى جواز الستنساخ الحيواني بنوعيه الجنيني
والجسدي لما يحقق من مصالح عظيمة للبشرية كالحصول على نخبة من حيوان
المزرعة (أغنام ،أبقار ،خيول) تمتلك خصائص وراثية متميزة ،وصناعة أدوية
لعلج الكثير من المراض الوراثية مثل صناعة بروتينات آدمية ضرورية لعلج
الطفال ناقص النمو كي يكملوا حياتهم دون عنان.
يقول الشيخ يوسف القرضاوي " :الستنساخ في النبات ل مانع منه ،وأيضا
في الحيوان وهو نوع من تحسين السللة أو نحو ذلك! " (.)2
ثالثا :الستنساخ البشري
قبل أن نبين الحكم الشرعي للستنساخ البشري أود فيما يلي تذكير
بالستخدامات التي يقترحها أنصار الستنساخ البشري ثم نعرض بعض مخاطر
الستنساخ:
ما هي الستخدامات التي يقترحها أنصار الستنساخ البشري ؟
يقول أن صار ال ستنساخ البشري بأن هناك ا ستخدامات متوق فة لل ستنساخ
البشري ومنها:
.1زوجان مصابان بالعقم ول يصلحان لطفل النابيب.
.2أبوان لهما طفل واحد أصيب بمرض خطير وتوفي ،أو سنهما ل
يسمح بالنجاب بعد ذلك.
.3زوجان مصابان بمرض وراثي واحتمال حدوثه عال جدا عند البناء.
.4طفل أصيب بمرض خطير ويلزمه نقل نخاع عظمي (مثلً) دون أي
فرصة أن يرفض جسمه النخاع الجديد.
() الستنساخ قنبلة العصر :صبري الدمرداش ص ،27 – 24الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط 1
243
وهذه بعـض المثلة للسـتخدامات المحتملة للسـتنساخ البشري ،وبمـا كان
هناك الكثير من الستخدامات الخرى والخطيرة(.)1
ما هي مخاطر الستنساخ البشري ؟
إذا قدر للستنساخ البشري أن يظهر للوجود ،وهو أمر محتمل جدا ،وربما
في وقت قريب ،فإن ذلك سيترافق بمشاكل عديدة اجتماعية وإنسانية ونفسية.
فسيكون هناك اضطراب في النساب ،وما يتبعه من اضطراب في
المجتمع ،وقد يضطرب أعداد الذكور أو الناث ،فتخيلوا مثلً أن المستنسخين
كلهم كانوا جميعا من الذكور ،فماذا سيحدث؟ ولن يكون هناك مفهوم الفرد بذاته،
بل ستميع ذاتية الفرد ،وتختل المواريث ،ويتزلزل كيان السرة ،وقد يلجأ في
الستنساخ إلى طرق إجرامية كاستنساخ شخص بدون إذنه ،أو بيع أجنة
مستنسخة ،أو الحصول على نسخ متماثلة من أشد المجرمين عنوة ووحشية ،أو
اختيار سللة متميزة تعتبر هي الجنس الرقى ،وسللة أخرى من العبيد،
()2
وهكذا..
هذا ولقد أصدر المجمع الفقهي السلمي المنعقد في دورة مؤتمره العاشر
بجدة في المملكة العربية السعودية في شهر صفر 1418هـ الموافق 28يونيو
1997م بناء على ما استمعه من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي
طرحت على المجلس قرر ما يلي:
-1تحريم الستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى
تؤدي إلى التكاثر البشري.
-2إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة ( )1فإن آثار تلك
الحالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
( ) http://www.khayma.com/chamsipasha/lstinsakh.htm
() المرجع السابق. 2
244
-3تحريم كل الحالت التي يقحم فيها طرفٌ ثالث على العلقة الزوجية
سواء أكان رحما أو بييضة أو حيوانا منويا أو خلية جسدية
للستنساخ.
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي ..." :أما دخول الستنساخ في عالم
النسان فهو ممنوع .)1( "...
ولقد جاء تحريم العلماء للستنساخ للدلة التالية:
يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي " :إن منطق الشرع السلم
بنصوصه المطلقة وقواعد الكلية ومقاصده العامة يمنع دخول هذا الستنساخ في
عالم البشر لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة منها:
-1مناقضة سنة ال في خلقه القائمة على مبدأ الزوجية وأن الولد يأتي من
الزوجين فل يجوز مناقضة السنة اللهية قال تعالى :وخلقناكم أزواجا
[النبأ ،]8 :وقال :وأنه خلق الزوجين الذكر والنثى من نطفة إذا تُمنى
ج نبتليه فجعلناه
[النجم ،]45 :وقال :إنا خلقنا النسان من نطف ٍة أمشا ٍ
سميعا بصيرا [ النسان ،]2 :وجعل الزوجية من دلئل قدرته سبحانه
وعلمة على وجوده فقال تعالى :ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم
أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إن في ذلك لياتٍ لقومٍ
يتفكرون [ الروم ،]21 :بل ويقسم ال بخلقه الذكر والنثى ليدلل على
عظمة هذا الخلق فيقول :وما خلق الذكر والنثى [ الليل.]3 :
-2تغيير خلق ال ،حيث إن نزع محتويات البييضة منها والتدخل في الخلية
النسانية يعد تغييرا لخلق ال ،فإذا كان السلم حرم النمص والوصل
والوشم لما فيها من تغيير خلق ال ظاهريا ،فمن باب أولى تحريم التدخل
في محتويات البييضة ونزع ما فيها من المادة الوراثية التي تعبر عن
الصفات الشكلية وغيرها.
245
-3امتهان كرامة النسان الذي كرمه ال ورفع درجته وأعلى منزلته بسجود
الملئكة المقربين لـه ،وعلّمه من علمِه ،وسخر لـه ما في السماوات
والرض ،فهو سيد الكون وكل ما فيه مسخر لـه ،فل يصح أن يتساوى
مع الحيوان والنبات في وسائل التكاثر أو إخضاعه للتجارب العلمية
واللعب في مورّثاته بما ل تؤمن عواقبه.
-4تشويه الجنة وقتلها ،حيث يقرر علماء الجنة والوراثة أن الستنساخ
يؤدي إلى حدوث تشوهات في صبغيات الخلية الجسدية التي خضعت
لعملية إعادة الخليا الجسدية إلى خليا جنينية ،حيث سجل العلماء نقصا
في قدرة الصبغيات على تكوين الحماض المينية اللزمة لنمو الكائن
الجديد ،مما يؤدي إلى ظهور التشوهات في أعضاء الجنين الداخلية
والخارجية ،فالمُورّثات على درجة عالية من التأثر بالعوامل الخارجية،
وليس أدل على صحة هذا الكلم ما حدث في تجربة النعجة دوللي حيث
كانت نسبة النجاح واحدا باللف.
-5أن ال خلق هذا الكون على قاعدة التنويع والستنساخ يناقض التنوع لنه
يقوم على تخليق نسخة مكررة من الشخص الواحد وهذا يترتب عليه
مفاسد كثيرة في الحياة البشرية والجتماعية بعضها ندركه وبعضها ل
ندركه إلى حين ،كيف يعرف الرجل زوجته من غيرها والخرى نسخة
مطابقة لها؟ إن الحياة ستضطرب وتفسد إذا انتفت ظاهرة التنوع
واختلف اللوان التي خلق ال عليها الناس.
-6ما علقة المستنسخ بالشخص المستنسخ منه هل هو نفس الشخص
باعتباره نسخة مطابقة منه أو هو أب أو أخ توأم لـه ،وعدم وجود آباء
للولد المستنسخين من إناث دون أن يكون معهن ذكر وعدم وجود
أمهات لهم عندما توضع البويضة المندمجة في نواة الخلية في رحم أنثى
غير النثى التي وضعت البويضة في رحمها وهو إضاعة للنساب فل
246
أب أو أم وهو مناقض لقول ال تعالى :يا أيها الناس إنا خلقناكم من
ذكر وأنثى [ الحجرات ،]13 :والسلم أوجب حفظ النساب وصيانتها.
-7إن الستنساخ يشكل تلعبا جذريا في صلت القرابة المتعارف عليها
والتي هي أساس التناسل البشري ،إذ أن الستنساخ ل يستدعي وجود
ذكر من أجل تحقيق عملية الخصاب بحيث تصبح النثى هي المصدر
وسبب الوجود للمواليد ،وإن الستنساخ سيؤدي إلى إيجاد مشاكل
اجتماعية كبيرة ويتم بسببه إفساد الصلت الساسية للشخصية النسانية
وعلقات البوة والنسب وقرابة الدم :مثل حق التوارث وحق الرضاعة
والحضانة والنفقات وتحديد المحرمات من النساء ،ولقد اهتم السلم
بوضوح النساب وحذر من جهالتها.
-8القضاء على تمايز الناس ،فال سبحانه وتعالى خلق الناس متمايزين
متفاوتين لتستمر الحياة على وجه الرض في علقة تكاملية يخدم الناس
بعضهم بعضا ،قال تعالى :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
ت ليتّخذ بعضهم بعضا سُخريا ورحمت ض درجا ٍورفعنا بعضهم فوق بع ٍ
ربك خير مما يجمعون [ الزخرف.]32 :
-9إن الفراد المستنسخين سيشعرون بفقدان ذاتيتهم وشخصيتهم لن
الخرين سيعتبرونهم نسخا مطابقة لغيرهم ،وينظرون إليهم نظرة نقص،
وهذا مما يؤثر في نفسيتهم وبالتالي سلوكهم.
-10انتشار الجريمة وصعوبة التعرف على المجرم من بين المئات من
الفراد المستنسخين فل يستطاع كشف المجرم لتحاد المستنسخين في
بصماتهم الوراثية ،وفي ذلك أخطار جسيمة على النسانية ،حيث ينعدم
المن ويعظم الجرام ،مما ل يجوز غض النظر عنه ،وال سبحانه
وتعالى يقول :ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها [ العراف.]56 :
247
وفيمـا يلي قرار مجمسع الفقسه السسلمي المنبثسق مسن منظمسة المؤتمسر
السلمي بجدة حول موضوع الستنساخ البشري:
بسم ال الرحمن الرحيم
الح مد ل رب العالم ين ،وال صلة وال سلم على سيدنا مح مد خا تم ال نبيين
وعلى آله وصحبه.
قرار رقم)2/10( 94 :
بشأن
الستنساخ البشري
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمر العاشر بجدة
بالمملكة العربية السعودية خلل الفترة من 28 – 23صفر 1418هـ الموافق
28حزيران (يونيو) – 3تموز (يوليو) 1997م.
بعد اطلعه على البحوث المقدمة في موضوع الستنساخ البشري،
والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي
عقدتها المنظمة السلمية للعلوم الطبية ،بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى ،في
الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 12 – 9صفر 1418هـ الموافق
17 – 14حزيران (يونيو) 1997م ،واستماعه للمناقشات التي دارت حول
الموضوع بمشاركة الفقهاء والطباء ،انتهى إلى ما يلي:
وبناء على ما سبق من البحوث والمناقشات والمبادئ الشرعية التي
طرحت على مجلس المجمع ،قرر ما يلي:
أولً :تحريم الستنساخ البشري بطريقتيه المذكورتين أو بأي طريقة أخرى
تؤدي إلى التكاثر البشري.
ثانيا :إذا حصل تجاوز للحكم الشرعي المبين في الفقرة (أولً) فإن آثار تلك
الحالت تعرض لبيان أحكامها الشرعية.
ثالثا :تحريم كل الحالت التي يقحم فيها طرف ثالث على العلقة الزوجية
سواء أكان رحما أم بييضة أو حيوانا منويا أو خلية جسدية للستنساخ.
248
رابعا :يجوز شرعا الخذ بتقنيات الستنساخ والهندسة الوراثية في مجالت
الجراثيم وسائر الحياء الدقيقة والنبات والحيوان في حدود الضوابط
الشرعية بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
خامسا :مناشدة الدول السلمية إصدار القوانين والنظمة اللزمة لغلق البواب
المباشرة وغير المباشرة أمام الجهات المحلية أو الجنبية والمؤسسات
البحثية والخبراء الجانب للحيلولة دون اتخاذ البلد السلمية ميدانا
لتجارب الستنساخ البشري والترويج لها.
سادسا :المتابعة المشتركة من قبل كل مجمع الفقه السلمي والمنظمة السلمية
للعلوم الطبية لموضوع الستنساخ ومستجداته العلمية ،وضبط
مصطلحاته ،وعقد الندوات واللقاءات اللزمة لبيان الحكام الشرعية
المتعلقة به.
سابعا :الدعوة إلى تشكيل لجان متخصصة تضم الخبراء وعلماء الشريعة لوضع
الضوابط الخلقية في مجال بحوث علوم الحياء (البيولوجيا) لعتمادها
في الدول السلمية.
ثامنا :الدعوة إلى إنشاء ودعم المعاهد والمؤسسات العلمية التي تقوم بإجراء
البحوث في مجال علوم الحياء (البيولوجيا) والهندسة الوراثية في غير
مجال الستنساخ البشري ،وفق الضوابط الشرعية ،حتى ل يظل العالم
السلمي عالة على غيره ،وتبعا في هذا المجال.
تاسعا :تأصيل التعامل مع المستجدات العلمية بنظرة إسلمية ،ودعوة أجهزة
العلم لعتماد النظرة اليمانية في التعامل مع هذه القضايا ،وتجنب
توظيفها بما يناقض السلم ،وتوعية الرأي العام للتثبت قبل اتخاذ أي
موقف ،استجابة لقول ال تعالى :وإذا جاءهم أمر من المن أو الخوف
أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين
يستنبطونه منهم [ النساء.]83 :
249
()1
نص فتوى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في الستنساخ
عنوان الفتوى :الستنساخ.
تاريخ الفتوى/14 :أكتوبر.99/
نص السؤال :ما حكم الستنساخ؟
اسم المفتي :يوسف عبدال القرضاوي.
نص الجابة :بسم ال الرحمن الرحيم بالنسبة للستنساخ ،الستنساخ في النبات ل
مانع منه ،وأيضا حتى في الحيوان ،وهو نوع من تحسين السللة أو نحو ذلك..
إنما دخول الستنساخ في عالم النسان هو الممنوع ،لن معنى الستنساخ أخذ
خلية وتحويلها بطريقة ما إلى البشر المأخوذة منه هذه الخلية ويمكن استحداث
صور عديدة لهذا الشخص ،فهذا مرفوض دينا لن ال سبحانه وتعالى خلق الكون
على أساس التنوع ،مختلفا ألوانه ،أما أن نعمل من النسان نسخ فهذا مفسدة
للحياة ،كيف يستطيع النسان لو كان مدرس في فصل أن يفرّق بين زيد وعبيد،
وفي المتحان كيف يفرّق هذا من ذاك كيف يفرّق بين أولده ،كيف تفرّق المرأة
زوجها من غيره ،وكيف يفرق الزوج بين امرأته من غيرها ،كيف يفرق القاضي
بين المتهمين ،هذه مفسدة وهذا يدخل أيضا فيه نوع من التغيير في خلق ال،
الشيطان جعل من وسائله تغيير الفطرة قال :ولمرنهم فليغيرن خلق ال والناس
إذا غيروا فطرة ال فسدت الحياة ،الولى أن تبقى الحياة كما فطرها ال عليه،
تدخّل النسان في الفطرة يفسدها ،خصوصا التدخل في الحياة النسانية ،ومن
ناحية أخرى إنهم يقولون أن النسان ممكن أن يستغني بجنس واحد عن الجنس
الخر ،ربنا جعل الزواج وهو اللقاء بين الرجل والمرأة هو أساس التناسل ،وهم
يقولون إننا ل نحتاج الزواج ول التناسل لبقاء النوع وهذه مفسدة كبرى لن ال
خلق الكون على أساس ظاهرة الزوجية ،سنة الزوجية ومن كل شيء خلقننا
زوجين لعلكم تذكرون ، سبحان الذي خلق الزواج كلها مما تنبت الرض،
250
ومن أنفسهم ومما ل يعلمون ،حتى في الكهرباء يوجد موجب وسالب ،حتى في
الذرة التي هي أساس البناء الكوني يوجد بروتون وإلكترون أي شحنة كهربائية
موجبة وشحنة كهربائية سالبة ،فهذا الزدواج هو الساس وهؤلء يريدون أن
ل بل نساء أو نساءً بل رجال ،ومن
يمنعوا هذا الزدواج ،كيف يعيش الناس رجا ً
الممكن أن يستغلها بعض الناس فيما يضر الحياة البشرية ،ممكن بعض الدول
الكبرى مثل أمريكا كما حظروا على الدول الصغيرة أن تملك السلحة النووية،
تأتي دولة وتحظر على الناس أن تستعمل الستنساخ وهي تستنسخ جيش قوي
من العمالقة ،تحضر أناس أقوياء وتستنسخ منهم وال أعلم.
251
المبحث العاشر
قتل الرحمة
تيسير الموت للمرضى الميؤوس من شفائهم
() أخرجه البخاري في كتاب الديات باب إذا قتل بحجر أو بعصا ( ،6/2521 )6484ومسلم في القسامة باب 1
252
-3تشريع القصاص :
وبعد أن أوضحت الشريعة السلمية جريمة العتداء على النفس وحرمتها
تحريما قاطعا – حتى صار ذلك معلوما بالضرورة للجميع – وثبتت بعد ذلك
العقوبات المناسبة لكل فعل مع ملحظة الدوافع والثار:
قال تعالى :ولكم في القصاص حياة يا أولي اللباب [ البقرة ،]179 :وقال
سبحانه :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى [ البقرة ،]178 :وقال
عزوجل :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والنف بالنف
والذن بالذن والسن بالسن والجروح قصاص [ المائدة.]45 :
فهذه اليات بينت حكم القصاص في النفس والطراف والجروح فكان
القصاص دفعا لمفسدة التعدي على الدماء بالجناية.
() أخرجه البخاري في الطب باب شرب السم والدواء به ( ،5/2179 )5442ومسلم في اليمان باب غلظ 1
253
فهذا الحديث يدل على حرمة قتل النسان نفسه ،ويدل على الوعيد الشديد
المترتب على قتل النفس ،قال المام الشاطبي " :ونفس المكلف داخلة في هذا
الحق أي حق ال الخالص إذ ليس لـه التسليط على نفسه ول على عضو من
أعضائه بالتلف " (.)1
() أخرجه الترمذي في كتاب الطب ( ،4/413 )2087وابن ماجة في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض 2
() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب ما جاء في كفارة المرض (.5/2127 )5318 4
254
النبي قال " :عجبا لمر المؤمن إن أمره كله خير – وليس ذلك لحد إل
للمؤمن – إن أصابته سراء شكر فكان خيرا لـه وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيرا لـه " ( ،)1وروى البخاري عن أنس قال :سمعت رسول ال يقول" :
()2
إن ال تعالى قال " إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة "
يريد عينيه.
() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب فضل من ذهب بصره (.5/2140 )5329 2
() أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب نهي تمني المريض الموت ( ،5/2146 )5347ومسلم في الذكر 3
255
( )Good Deathأو الموت اليسير ( )Easy Deathأو الموت الكريم (With
)Dignity Deathثم استعملت في هذا الزمان على ما يعرف بقتل الرحمة أو
القتل الرحيم(.)1
ويراد به تسهيل موت الشخص بدون ألم بسبب الرحمة لتخفيف معاناة
المريض سواء بطرق فعالة أو منفعلة.
( ) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp
() انظر الموسوعة الطبية الفقهية :د .أحمد محمد كنعان ،ص .780 2
256
يجب أن يتركوا للموت! وسقراط الذي أطلق على هذا الشكل من الموت اسم
(التدبير الذاتي للموت بشرف) وكان سقراط قد تناول السم عن طواعية عندما
حكموا عليه بالموت ،ورفض الهروب من السجن الذي دبره تلميذه! وينسب
اصطلح القتل بدافع الشفقة للفيلسوف النجليزي (روجيه بيكون – 1214
)1294الذي كان يرى (أن على الطباء أن يعملوا على إعادة الصحة للمرضى
ويخففوا آلمهم ،ولكن إذا وجدوا أن شفاءهم ل أمل فيه فيجب عليهم أن يهيئوا
لهم موتا هادئا وسهلً) وفي عام 1823عرضت على القضاء المريكي أول
قضية في قتل الرحمة ،حيث أقدم أب على إغراق أطفاله الثلثة ليذهبوا – حسب
اعتقاده – إلى الجنة مباشرة!
وفي أوائل القرن العشرين الميلدي قامت في ألمانيا حركة تنادي بإباحة
قتل الرحمة ،وفي عام 1930أنشئت الجمعية المريكية لقتل الرحمة ،وقد عدلت
اسمها في عام 1970إلى جمعية حق النسان في الموت ،وفي عام 1936أباح
بعض أساقفة الكنيسة في الوليات المتحدة قتل الرحمة في حدود معقولة ومقبولة!
وفي العام نفسه عقدت الجمعية البريطانية لقتل الرحمة أول اجتماع لها ،وقدمت
مشروعا إلى مجلس اللوردات يجعل قتل الرحمة أمرا يبيحه القانون ،ولكن
المجلس رفضه.
وفي عام 1939أصدر الزعيم اللماني النازي (هتلر) أمرا أباح فيه قتل
المرضى العقليين والمعتوهين والشيوخ الذين أصيبوا بالخرف! وفي عام 1966
وضعت إحدى المحاكم المريكية قانونا يجرّم الطبيب الذي يمارس قتل الرحمة
(لن التعجيل بموت المريض تخليصا لـه من آلمه يعد فعلً معاقبا عليه قانونا)
وفي عام 1970ظهرت في بريطانيا حركة نشطة تنادي بالسماح بقتل الرحمة.
257
وفي عام 1977أعطى القانون في ولية كاليفورنيا الحق لكل شخص أن
يحدد موعد موته بأن يكون سهلً وبل معاناة ،وفي عام 1982تأسست في
بريطانيا جمعية لتيسير الموت وتسهيله(.)1
() انظر مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 42عام 1420هـ ،1999/مقالة د .بلحاج العربي بن احمد: 1
الحكام الشرعية والطبية للمتوفى في الفقه السلمي ص ،67 – 62وانظر أيضا المنظمة السلمية للعلوم
الطبية :السياسة الصحية الخلقيات والقيم النسانية من منظور إسلمي ،مقالة د .عصام الشربيني :قتل
الرحمة ص 171وما بعدها ,الكويت .1997
258
-2الحقوق :Rights
ويقولون :للنسان حق الموت!
ويقولون :للمريض حق أن يُقتل إن هو طلب ذلك.
ويقولون :للنسان حق الحياة وحق الموت.
-3الرحمة :Compassion
يقولون :اليوثنيزيا من شأنها أن تريح المريض من معاناته وآلمه!..
-4نوعية الحياة :Quality Of Life
يقولون :إن حياة بعض المرضى ل تساوي عدمها ،وخير لهم أن يموتوا.
ويقولون :إن قيمة الحياة تقاس بمقدار مساهمة النسان إبداعا وإنتاجا.
ويقولون :ما قيمة الحياة عندما يصبح النسان يعتمد على غيره في قضاء
حوائجه.
ب -لمصلحة الخرين (القارب/الصدقاء/المجتمع العام) :
-1الرحمة :Compassion
يقولون :إن أقارب المريض وأصدقائه يعانون نتيجة معاناة المريض ،وفي
اليوثنيزيا وضع حد لهذه المعاناة رحمة بهم.
-2العامل القتصادي (المادي) :Economics
يقولون :إن التخلص من بعض المرضى فيه توفير مادي على المجتمع
والدولة.
-3منطق العقوبة :Punishment
يقولون :من الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة ،ويستدلون
على ذلك بمرض اليدز(.)1
أما من الوجهة الشرعية فقد أجمع أهل العلم ممن تعرضوا لهذه المسألة
على حرمة القتل شفقةً لنه اعتدا ٌء على حقّ ال تعالى في الحياة التي وهبها
للنسان ،ولن الصبر على اللم مطلوبٌ شرعا ،وهو تعبي ٌر عن رضى العبد
()http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp 1
259
بقضاء ال وقدره ،وقد ضرب القرآن الكريم مثلً على هذا من صبر نبي ال
أيوب عليه السلم الذي ابتله ال عزوجل بالمرض واللم المبرحة لفترة طويلة
من الزمن فصبر على مرضه وآلمه حتى جاءه الفرج من عند ال عزوجل وقد
بحث الفقهاء القدامى ما يسمى في القوانين الحديثة بالجريمة السّلبية ،وذلك عند
بحثهم الحالة التي يمتنع فيها شخصٌ عن إرشاد شخص أعمى ،ويتركه ليقع في
بئر فيموت ،واعتبر بعضُهم هذا الشخص قاتلً بالرغم من عدم قيامه بأي دور
إيجابي ،وكذلك فعلوا تجاه الشخص الذي يترك اللقيطَ فيموت.
وفي العصر الحاضر فإن المجمع الفقهي السلمي في دورته السابعة
المنعقدة في جدة من 14 – 9أيار/مايو 1992م في قراره (رقم )67/5/17قد
قرر رفضه بشدة لما يسمى قتل الرحمة ،بأي حال من الحوال ،وأن العلج في
الحالت الميئوس منها يخضع للتداوي والعلج والخذ بالسباب التي أودعها ال
عزوجل في الكون ،ول يجوز شرعا اليأس من روح ال أو القنوط من رحمته،
بل ينبغي بقاء المل بالشفاء بإذن ال تعالى ،وعلى الطباء وذوي المرضى تقوية
معنويات المريض ورعايته وتخفيف آلمه النفسية والبدنية ،بصرف النظر عن
توقع الشفاء أو عدمه.
وعلى هذا فل يجوز للمريض إنهاء حياته بنفسه لنه ُي َعدّ منتحرا ،ول
يجوز لـه أن يطلب ذلك من الطبيب كما أن الطبيب الذي يساعد المريض على
إنهاء حياته يكون آثما ،وتطبّق بحقّه أحكام القتل العمد كما ذكرنا آنفا ..هذا مع
تذكير الطباء بضرورة الجتهاد في خدمة المريض وفق القواعد الطبية
المتعارف عليها ،مع تقوى ال في ذلك كله ،واستحضار النية الخالصة بمنفعة
المريض وتخفيف آلمه حتى آخر رمق من حياته ،وإذا غلب على ظن الطبيب
أن حجب الدواء أو العلج عن المريض ل يقدم له نفعا ول يدفع عنه ضرا جاز
له ذلك ،وأمره إلى ال ،وأما من الوجهة القانونية فعليه أن يدون في ملف
المريض حيثيات اجتهاده..
260
الرّد على من يقول بجواز قتل الرحمة :
وللرد على الدلة ال تي ا ستدل ب ها المجيزون لق تل الرح مة ،نقول بأن هناك
آثار سيئة في تقنين القتل الرحيم على مهنتي الطب والتمريض منها:
-1فقدان المصداقية (الثقة) بين المريض من جهة وأسرة الطب والتمريض
من جهة أخرى ،فمثلً :قد يمانع المريض في دخول المستشفى ،وقد
يشك في ما يقدم إليه من علج.
-2تحول دور الطبيب من البقاء (الحفاظ) على الحياة إلى التحكم في
الوفاة.
-3تقويض فلسفة التعليم الطبي من الساس ،فتفقد مهنة الطب قيمتها إذا
أصبح قتل المريض هو الحل المثل.
-4التقليل والضعاف من قيمة الحياة.
ويكون البديل لقتل الرحمة بس :
-1التوسع في إنشاء أمكنة الستضياف Hospicsوإحياء دورها وتحويلها
مبان من الطوب إلى أماكن تحوي كفاءات ومهارات تخصصية تقصد
إلى رفع الذى عن أصحاب العلل المستعصية والتخفيف عنهم ما
أمكن.
وكذلك دورها من أماكن يقصدها الناس قبيل موتهم ،إلى أماكن يكتشف
فيها النسان كوامن نفسه وطاقاته وعلقاته مع الخلق والخالق.
-2إعداد فريق من المتخصصين في شتى المجالت Multidisciplinary
Approachللشراف والقيام بأعباء العناية في أماكن الستضافة هذه.
-3تطوير العلج التسكيني :Palliative Careكالدوية والعلج الطبيعي
والبر الصينية ...الخ.
-4التعامل مع اللم بشمولية Holistic Approachولللم أبعاد جسدية
ونفسية واجتماعية وروحية.
261
-5مراعاة أن يكون العلج المقدم مما ل يشكل عبئا فيزيقيّا طبيعيّا أو ماليّا
على المريض.Burdensome ..
-6التواصل والمشورة :Communication / Counselingضرورة
التحدث إلى المرضى وذويهم وشرح عللهم ودور الدواء في التعامل مع
العراض واللم التي تؤرقهم ،وهذا من شأنه تنمية شخصياتهم وإعادة
الثقة بالنفس Self Esteemوتقوية عامل الثقة بين المريض وطبيبه
وطرد الكثير من الوهام والخرافات.
-7عدم إكراههم على الطعام والشراب ،فيكفيهم في العادة القليل من هذا
وذاك ،عن عقبة بن عامر قال :قال رسول ال " :ل تكرهوا
مرضاكم على الطعام والشراب فإن ال يطعمهم ويسقيهم " (.)1
-8الدعم المعنوي والروحي :Moral/Spiritual Supportوذلك بإعطاء
المريض فسحة من المل ،فحتى مرضى السرطان المنتشر في مراحله
الخيرة أحيانا يفاجئون الطبيب المعالج بما لم يكون في حسبانه من تحسن،
وربما عاشوا شهورا أو أعواما على غير المتوقع.
قال رسول ال " :إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الجل ،فإن
ذلك ل يرد شيئا ،وهو يطيب نفس المريض " (.)2
-9الهتمام بأقارب المريض وأصدقائه ،وذلك بالتحدث إليهم وشرح الغامض
ما أمكن وإظهار التعاطف الوجداني ،وكذلك المساعدة المادية ما أمكن،
وكل ما من شأنه أن يخفف عنهم ويجبر خاطرهم ويعزيهم في مصابهم(.)3
() أخرجه ابن ماجة في الطب باب ل تكرهوا المريض على الطعام ( ،2/1140 )3444والترمذي في الطب 1
باب ما جاء ل تكرهوا مرضاكم ،4/384 )2040( ...والحاكم في مستدركه ( 1/501 )1296وقال هذا
حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
() سبق تخريج الحديث. 2
( ) http://www.islam-online.net/iol-arabic/dowalia/scince-26/scince3.asp
262
فتوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في الموضوع :
()1
263
أمثلة :
-1مريض نهائي بالسرطان أو الغماء من إصابة بالرأس أو التهاب
سحائي ول يرجى شفاؤه منه ،ومصاب بالتهاب الرئة التي إن لم تعالج
– وهي ممكنة العلج – يمكن أن تقتل المريض وإيقاف العلج من
الممكن أن يعجل بموت المريض.
-2طفل مشوه تشويها شديدا بتصلب أشرم – شوكة مشقوقة – أو بشلل
مخي يمكن أن يترك من دون علج إذا أصيب بالتهاب الرئتين أو
بالتهاب السحايا ،ويمكن يموت الطفل من هذه اللتهابات.
والتصلب الشرم – الشوكة المشقوقة – هي حالة غير طبيعية للعمود
الفقري تؤدي إلى شلل الساقيين وفقدان السيطرة على المثانة والمعاء الغليظة
والطفل المريض بهذا الداء يكون مشلولً يحتاج إلى عناية خاصة طيلة حياته.
أما الشلل المخي فهي حالة تلف في المخ خلل الولدة تسبب تخلفا عقليا
ل في الطراف بدرجات متفاوتة ،ومثل هذا الطفل يكون مشلولً جسميا وشل ً
وعقليا ويحتاج لعناية خاصة طيلة حياته.
في المثلة السابقة " إيقاف العلج " هو نوع من أنواع تيسير الموت
المنفعل وبصورة عامة ل يعيش هؤلء الطفال عمرا طويلً ،وإيقاف العلج
وتيسير الموت المنفعل يمنع إطالة معاناة الطفل المريض أو والديه.
السئلة :
-1هل تيسير الموت الفعال مسموح به في السلم ؟
-2هل تيسير الموت المنفعل مسموح به في السلم ؟
تيسير الموت الفعال:
-1تيسير الموت الفعال في المثال رقم ( )1ل يجوز شرعا ،لن فيه عملً
إيجابيا من الطبيب بقصد قتل المريض ،والتعجيل بموته ،بإعطائه تلك الجرعة
العالية من الدواء المتسبب في الموت ،فهو قتل على أي حال ،سواء كان بهذه
264
الوسيلة أم بإعطاء مادة سمية سريعة التأثير ،أم بصعقة كهربائية أم بآلة حادة،
كله قتل ،وهو محرم ،بل هو من الكبائر الموبقة ،ول يزيل عنه صفة القتل أن
دافعه هو الرحمة بالمريض ،وتخفيف المعانة عنه ،فليس الطبيب أرحم به ممن
خلقه ،وليترك أمره إلى ال تعالى ،فهو الذي وهب الحياة للنسان وهو الذي
يسلبها في أجلها المسمى عنده.
أما المثال رقم ( )2من أمثلة تيسير الموت الفعال ،فنؤخر الحديث عنه بعد
الحديث عن تيسير الموت المنفعل.
تيسير الموت المنفعل (بإيقاف العلج):
وأ ما تي سير الموت " بالطرق المنفعلة " ك ما في ال سؤال ،فإن ها تدور كل ها
سواء في المثال ( )1أم ( )2على " إيقاف العلج " عن المريض ،والمتناع عن
إعطائه الدواء ،الذي يو قن ال طبيب أ نه ل جدوى م نه ،ول رجاء ف يه للمر يض،
وفق سنن ال تعالى ،وقانون السباب والمسببات.
ومن المعروف لدى علماء الشرع :أن العلج أو التداوي من المراض
ليس بواجب عند جماهير الفقهاء ،وأئمة المذاهب ،بل هو في دائرة المباح
عندهم ،وإنما أوجبه طائفة قليلة ،كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد ،كما
ذكر شيخ السلم ابن تيمية( ,)1وبعضهم استحبه(.)2
بل قد تنازع العلماء :أيهما أفضل :التداوي أم الصبر؟ فمنهم من قال:
الصبر أفضل ،لحديث ابن عباس في الصحيح عن الجارية التي كانت تصرع –
يصيبها الصرع – وسألت النبي أن يدعو لها ،فقال " :إن أحببت أن تصبري
ولك الجنة ،وإن أحببت دعوت ال أن يشفيك " فقالت :بل أصبر ،ولكني أتكشف،
فادع ال لي أل أتكشف ،فدعا لها أل تتكشف(.)3
() الفتاوي الكبرى لبن تيمية 4/260ط ،مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة. 1
() انظر المراجع التالية :البحر الرائق ،8/237تبيين الحقائق ،6/32حاشية ابن عابدين ،4/399الفواكه 2
265
ولن خلقا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون ،بل فيهم من اختار
المرض ،كأبي بن كعب ،وأبي ذر – رضي ال عنهما – ومع هذا فلم ينكر
عليهم ترك التداوي(.)1
وقد عقد المام أبو حامد الغزالي في " كتاب التوكل " من " الحياء " بابا
في الرد على من قال :ترك التداوي أفضل بكل حال(.)2
هذا هو رأي فقهاء المة في العلج أو التداوي للمريض ،فأكثرهم يجعلونه
من قسم المباح ،وأقلهم يجعلونه من المستحب ،والقل منهم يجعلونه واجبا.
وأنا مع الذين يوجبونه في حالة ما إذا كان اللم شديدا ،والدواء ناجعا،
والشفاء مرجوا منه وفق سنة ال تعالى.
وهو الموافق لهدي النبي الذي تداوى وأمر أصحابه بالتداوي ،كما ذكر
ذلك ابن القيم في هديه " في زاد المعاد " ( )3وأدنى ما يدل عليه ذلك هو السنية
والستحباب.
ومن هنا يكون العلج أو التداوي حيث يرجى للمريض الشفاء مستحبا أو
واجبا ،أما إذا لم يكن يرجى له الشفاء ،وفق سنن ال في السباب والمسببات التي
يعرفها أهلها وخبراؤها من أرباب الطب والختصاص ،فل يقول أحد باستحباب
ذلك فضلً عن وجوبه.
وإذا كان تعريض المريض للعلج بأي صورة كانت – شربا أو حقنا أو
تغذية بالجلوكوز ونحوه ،أو توصيلً بأجهزة التنفس والنعاش الصناعي ،أو غير
ذلك مما وصل إليه الطب الحديث ،ومما قد يصل إليه بعد – يطيل عليه مدة
المرض ،ويبقى عليه اللم زمنا أطول ،فمن باب أولى أل يكون ذلك واجبا ول
مستحبا ،بل لعل عكسه هو الواجب أو المستحب.
() زاد المعاد في هدي خير العباد :ابن القيم الجوزية .4/10 3
266
فهذا النوع من تيسير الموت – إن صحت التسمية – ل ينبغي أن يدخل في
مسمى " قتل الرحمة " ,لعدم وجود فعل إيجابي من قبل الطبيب ،إنما هو ترك
لمر ليس بواجب ول مندوب ،حتى يكون مؤاخذا على تركه.
وهو إذن أمر جائز ومشروع ،إن لم يكن مطلوبا ،وللطبيب أن يمارسه،
طلبا لراحة المريض وراحة أهله ،ل حرج عليه إن شاء ال.
تيسير الموت بإيقاف أجهزة النعاش:
بقى الجواب عن المثال الثاني في النوع الول ،الذي اعتبره السؤال من
تيسير الموت بالطرق الفعالة ل المنفعلة ،وهو يقوم على إيقاف المنفسة الصناعية
أو ما يسمونه " أجهزة النعاش الصناعي " عن المريض ،الذي يعتبر في نظر
الطب " ميتا ً" أو في " حكم الميت " وذلك لتلف جذع الدماغ ،أو المخ ،الذي به
يحيا النسان ويحس ويشعر.
وإذا كان عمل الطبيب مجرد إيقاف أجهزة العلج ،فل يخرج عن كونه
تركا للتداوي ،شأنه شأن الحالت الخرى ،الذي سماها " الطرق المنفعلة ".
ومن أجل ذلك أرى إخراج هذه الحالة وأمثالها عن دائرة النوع الول
" تيسير الموت بالطرق الفعالة " وإدخالها في النوع الخر.
وبناء على ذلك يكون هذا أمرا مشروعا ول حرج فيه أيضا ،وبخاصة أن
هذه الجهزة تبقى عليه هذه الحياة الظاهرية – المتمثلة في التنفس والدورة
الدموية – وإن كان المريض ميتا بالفعل ،فهو ل يعي ول يحس ول يشعر ،نظرا
لتلف مصدر ذلك كله وهو المخ.
وبقاء المريض على هذه الحالة يتكلف نفقات كثيرة دون طائل ،ويحجز
أجهزة يحتاج إليها غيره ،ممن يجدي معه العلج ،وهو – وإن كان ل يحس –
فإن أهله وذويه يظلون في قلق وألم ما دام على هذه الحالة ،التي قد تطول إلى
عشر سنوات أو أكثر!.
267
وقد ذكرت هذا الرأي منذ سنوات أمام جمع من الفقهاء والطباء في أحد
اجتماعات الندوة التي تقيمها بين الحين والحين " المنظمة السلمية للعلوم
الطبية " بالكويت ،فلقي قبول الحاضرين من أهل الفقه وأهل الطب.
والحمد ل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال.
فتوى بشأن أجهزة النعاش رقم القرار ( )5د 3/07/86
إن مجلس مجمع الفقه السلمي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان
عاصمة المملكة الردنية الهاشمية من 8إلى 13صفر 1407هـ 11إلى
16أكتوبر 1986م ،بعد تداوله في سائر النواحي التي أثيرت حول موضوع
أجهزة النعاش واستماعه إلى شرح مستفيض من الطباء المختصين قرر ما
يلي-:
يعتبر شرعا أن الشخص قد مات وتترتب عليه جميع الحكام المقررة
شرعا للوفاة عند ذلك إذا تبينت فيه إحدى العلمتين التاليتين:
-1إذا توقف قلبه وتنفسه توقفا تاما وحكم الطباء بأن هذا التوقف
ل رجعة فيه.
-2إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلً نهائيا وحكم الطباء
الختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل ل رجعة فيه ،وأخذ
دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة النعاش المركبة على الشخص وإن كان
بعض العضاء كالقلب مثلً ل يزال يعمل آليا بفعل الجهزة المركبة ،وال أعلم.
268
269
المبحث الحادي عشر
270
تعريف القليات المسلمة :
أما كلمة " القليات " فهي مصطلح سياسي جرى في العرف الدولي ،يُقصد
به مجموعة أو فئات من رعايا دولة من الدول تنتمي من حيث العِرق أو اللغة أو
الدين إلى غير ما تنتمي إليه الغلبية.
وتشمل مطالب القليات عادة المساواة مع الغلبية في الحقوق المدنية
والسياسية ،مع العتراف لها بحق الختلف والتميز في مجال العتقاد والقيم(.)1
بناء عل يه يمكن نا القول بأن المراد بالقليات الم سلمة :هي تلك المجموعات
ال صغيرة من الم سلمين ال تي تع يش ض من رعا يا دولة من الدول الغلب ية في ها
لغير المسلمين.
() نظرات تأسيسية في فقه القليات :د .طه جابر العلواني (موقع السلم أون لين.نت: 1
( http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/politic/2001/article1-1.shtml
() مثل :د .طه جابر العلواني وفضيلة الشيخ د .يوسف القرضاوي وغيرهما.. 2
271
وتفصيله كسوةً إسلمية مناسبة للسلم الذي يتنامى اليوم في الغرب بشطريه
الوروبي والمريكي ،دون السلم الخر المنتشر في الوطان السلمية عامة.
ولقد قلت سائلً :ما هي المستندات أو السس التي ينبغي أن يستولد منها
" فقه القليات " هذا؟
فقيل لي :إنها كثيرة :قاعدة المصالح ..الضرورات تبيح المحظورات..
المشقة تجلب التيسير ..ما جعل عليكم من الدين من حرج.
ن هذه المستندات ليست خاصة للمسلمين المقيمين في أوروبا قلت :ولك ّ
وأمريكا ..إنها مستندات لفقه إسلمي عالمي ل وطن لـه ،ولم تكن يوما ما
مستندات لما تسمونه " فقه القليات " دون غيره ،فحيثما وجدت الضرورة بمعناها
الشرعي المعروف ارتفع الحظر المسبب لها ،وأينما وجدت المشقة التي تتجاوز
الحد المعتاد ،تثبت الرخصة الشرعية المتكلفة برفعها ،وحيثما تعارضت
المصلحتان في سلّم المقاصد الشرعية ،قدّمت الَوْلَى منهما ..ولم نجد في قرآن
أو سنة ،ول في كلم أحد من أئمة الشريعة السلمية ،أن هذه المستندات خاصة
بحال القليات التي تقيم في ديار الكفر ،فل يجوز لغيرهم من المسلمين في العالم
السلمي الخذ بها والستناد إليها.
قيل لي :إن الضرورات التي تنبثق منها الحاجة الماسة إلى فقه خاص بتلك
القليات ،نابعة من وجودهم في مجتمعات غير إسلمية ،لها خصوصيتها
المتميزة عن المجتمعات السلمية!
قلت :أي إسلم هذا الذي يقرر أن مجرد وجود المسلم في دار الكفر يعدّ
ضرورة تبرر تشريع فقه إسلمي خاصٍ به ينسجم مع ما يحيط به من تيارات
الكفر والفسوق والعصيان؟! ..إذا فلماذا شرع ال الهجرة وأمر بها ،من دار
الكفر (إن لم يتح للمسلم تطبيق أحكام السلم فيها) إلى دار السلم ،وهلّ أقام
رسول ال وصحبه بين ظهراني المشركين في مكة ،مستندين في ذلك إلى هذا
الذي لم يكن يعرفه مما تسمونه " فقه القليات " ؟
272
وإذا كان مجرد وجود المسلمين في دار الكفر مصدرا لضرورة تب ّررُ
ابتداع فقه جديد يناسب حال تلك الدار ومن فيها ،فمن هم الذي عناهم ال تعالى
بقوله :إن الذين توفاهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا
مستضعفين في الرض قالوا ألم تكن أرض ال واسعة فتهاجروا فيها فأولئك
مأواهم جهنم وساءت مصيرا [ النساء.]4 :
لقد كنا نستبشر بأن تزايد المسلمين في الغرب مع التزامهم بالسلم
وانضباطهم بأحكامه ،يبعث على ذوبان الحضارة الغربية الجانحة في تيار
الحضارة السلمية.
ولكنا اليوم ،وفي ظل الدعوة الملحة إلى ما يسمى بـ " فقه القليات " نعلم
أننا مهددون بنقيض ما كنا نستبشر به ،إننا مهددون بذوبان الوجود السلمي في
تيار الحضارة الغربية الجانحة ،بضمانة من هذا الفقه.
أل فليتق ال أئمة هذه الدعوة التي ل عهد لنا بها قبل اليوم ،وليعلموا أن
ثمرتها تحقيق ما يراد بالسلم اليوم ،من تحويله إلى إسلمات إقليمية متنوعة،
وإن لنا في المجامع الفقهية الكثيرة في عالمنا العربي والسلمي ما يغني عن
ابتداع مرجعيات خاصة ،متخصصة بهذا الفقه السلمي الجديد الذي ل عهد
للشريعة السلمية به(.)1
والحقيقة أن تخوف فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي مبالغ فيه،
وإل فإن القليات المسلمة في حاجة إلى بيان كثير من الحكام الشرعية المتعلقة
بمعاملتها وعباداتها ،ول يعني ذلك مطلقا الدعوة إلى تجزئة السلم أو التفريق
بين فقهه واجتهاده الموحد أصلً بوحدة أصوله وتشريعاته وال أعلم.
وفيما يلي مجموعات مختارة من تلك القضايا والمسائل التي تهم القليات
المسلمة:
273
-1ح كم و ضع ال يد على التوراة أو النج يل أو كليه ما ح ين أداء اليم ين أمام
القضاء:
الحمد ل والصلة والسلم على من ل نبي بعده.
أما بعد :
فإن مجلس المجمع الفقهي السلمي( )1قد اطلع على السؤال الوارد حول
حكم وضع المسلم يده على التوراة والنجيل أو كليهما عند أداء اليمين القضائية
أمام المحاكم في البلد غير السلمية إذا كان النظام القضائي فيها يوجب ذلك
على الحالف.
واستعرض المجلس آراء فقهاء المذاهب حول ما يجوز الحلف به وما ل
يجوز في القسم بوجه عام وفي اليمين القضائية أمام القاضي( ،)2وانتهى المجلس
إلى القرار التالي:
-1ل يجوز الحلف إل بال تعالى دون شيء آخر ،لقول الرسول " :من
كان حالفا فليحلف بال أو ليصمت " (.)3
-2وضع الحالف يده عند القسم على المصحف أو التوراة أو النجيل أو
غيرها ليس بلزم لصحة القسم ،لكن يجوز إذا رآه الحاكم لتغليظ اليمين
ليتهيّب الحالف من الكذب.
-3ل يجوز لمسلم أن يضع يده عند الحلف على التوراة أو النجيل ،لن
النسخ المتداولة منهما الن محرّفة وليست الصل المنزل على موسى
)(1القرار رقم 1في دورته الخامسة.
)( 2انظر المراجع التالية :البحر الرائق ،4/301حاشية ابن عابدين ،3/705شرح فتح القدير ،5/59الثمر
الداني ،1/421الفواكه الدواني ،1/408مواهب الجليل ،3/264المهذب ،2/129مغني المحتاج ،4/320
المبدع ،9/263شرح منتهى الرادات ،3/441كشاف القناع ،64/234المغني .9/405
)( 3أخرجه البخاري في الشهادات باب كيف يستحلف ( ،2/951 )2533ومسلم في اليمان باب النهي عن
الحلف بغير ال (.3/1267 )1646
274
وعيسى عليهما السلم ،ولن الشريعة التي بعث ال تعالى بها نبيه
محمدا قد نسخت ما قبلها من الشرائع.
-4إذا كان القضاء في بلد ما حكمه غير إسلمي يوجب على من توجهت
عليه اليمين وضع يده على التوراة أو النجيل أو كليهما على المسلم أن
يطلب من المحكمة وضع يده على القرآن ،فإن لم يستجب لطلبه يعتبر
مكرها ،ول بأس عليه في أن يضع يده عليهما أو على أحدهما دون أن
ينوي بذلك تعظيما ،وال ولي التوفيق.
وصلى ال على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نائب الرئيس رئيس مجلس المجمع الفقهي
محمد علي الحركان عبدال بن حميد
() أخرجه البخاري معلقا في الصلة باب الصلة في البيعة ،1/167والطبراني في الوسط ،2/193 2
275
قال ابن تيمية " :والصحيح أنه إن كان فيها صور لم يصل فيها ،لن
الملئكة (ملئكة الرحمة ل الحفظة) ،ل تدخل بيتا فيه صورة( ،)1وأما إذا لم يكن
فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة " (.)2
وإذا جازت الصلة في كنيسة مع خلوها عن الصور ،جازت في أي معبد
آخر ل يوجد فيه صور :فلقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة
إذا لم يكن فيها تماثيل(.)3
ويظهر من كلم الجمهور أن من صلى فيها مع وجود التماثيل فصلته
صحيحة مع الكراهة( ،)4وإن كان الولى أن ينأى المسلم في صلته عن مثل هذه
الماكن إذا توفرت لـه أماكن أخرى ولم يحتج إليها ..أما إذا اضطر إلى الصلة
فيها كخوف برد ،أو عدم توفر محل آخر ،جازت بل كراهة ،ول إعادة عليه،
فكل أرض مصلى للمسلمين " إل ما تيقنا نجاسته " ( ،)5لقول النبي " :وجُعلت
لي الرض مسجدا وطهورا ،فأيما رجل أدركته الصلة فليصل " (.)6
ولقد أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي ،استئجار
الكنائس للصلة ،ولكن أوصى بتجنّب استقبال التماثيل ،فإن لم يمكن فإنها تستر
بحائل إذا كانت باتجاه القبلة(.)7
وهنا أهيب بالمسلمين أن يوفروا ما يحتاجون إليه من مساجد ليستغنوا عن
معابد أهل الشرك ،وأن يبذلوا في سبيل ذلك ما يقدرون عليه.
() للحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم آمين ( ،3/1179 )3054ومسلم في 1
صحيح البخاري في كتاب الصلة باب الصلة في البيعة :معلقا .1/167 )(3
بدائع الصنائع ،1/115المدونة ،1/91فتح الباري ،1/532نيل الوطار .2/151 )(4
من فقه القليات المسلمة ،ص .101 – 100 )(5
أخرجه البخاري في التيمم (.1/128 )328 )(6
القرار رقم )11/3( 23في دورة مؤتمره الثالث. )(7
276
-3الدفن في التابوت :
أجمع الفقهاء على أن الدفن في التابوت مكروه( ،)1ول يستعمل إل في حالة
العذر فقط( ،)2واعتمدوا في ذلك على أنه لم يصح أن أحدا في زمن النبي أو
أن النبي نفسه قد دفن في تابوت ،بل كانوا يوضعون على التراب ،ولم يصح أن
النبي رخص فيه أيضا أو منع منه.
وقد أجاز الفقهاء اتخاذ التابوت إذا كانت التربة رخوة وغير متماسكة ،أو
كان جسد الميت مهترئا بالحتراق ،أو مقطعا ،أو أشلء بحيث ل يضبطه إلى
الصندوق.
وقالوا :والسنة أن يفترش في التابوت التراب(.)3
وعليه فمن أجبرته سلطات بلده ،على أن يضع متوفاه في صندوق خشبي
أو حديدي ،فل شيء في ذلك – إن شاء ال – للعذر ،وإل فل يفعله.
)( 1البحر الرائق ،2/208التاج والكليل ،2/234المجموع ،5/253,246الكافي في فقه ابن حنبل :ابن
قدامة .1/269
)(2الفقه السلمي وأدلته :د .وهبة الزحيلي .2/538
)(3البحر الرائق .2/208
)( 4بدائع الصنائع ،1/303المجموع ،5/285إعانة الطالبين ،2/117كشاف القناع 2/146و مطالب أولى
النهى .1/922
277
جاء في القرار رقم " :)11/3( 23إن دفن المسلم في مقابر غير المسلمين في
بلد غير إسلمية جائز للضرورة " (.)1
278
فقد ذهب الجمهور إلى حُرمة أن يؤجر المسلم نفسه لكافر في عمل
كهذا( :)1فقد سئل المام مالك :المسلم يؤجر نفسه للكافر يحمل له خمرا ،فقال:
" ل تصلح هذه الجارة " ،وقال " :بل ل يعطى عليها إجارة " (.)2
وسئل المام أحمد :أيبني مسلما للمجوس ناووسا – والناووس :حجر ينقر
ويوضع فيه الميت -؟ فقال " :ل يبني لهم " ،وقاله المدي ،وكرهه الشافعي(،)3
ومثله الكنيسة ،وما يماثلها عند أهل الكفر(.)4
وأما العمل في معاملت ربوية فمحرم ،لحديث جابر " :لعن رسول ال
آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " ،وقال " :وهم فيه سواء " (.)5
قال النووي " :هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المرابين والشهادة
عليهما " ( ،)6وفي الحديث أيضا تحريم العانة على الباطل أيّا كان نوعه.
والنص هنا عام مطلق ،بل فرق بين من عمل بذلك في دار السلم أم في
دار الكفر.
نخلص من هذا إلى أنه يحرم على المسلم أن يبني للمشركين دارا للكفر،
أو أن يعمل لديهم ببيع خمر ،أو بيع خنزير أو أي محرم آخر ،لنها أفعال
محرمة.
أما إذا اضطر إلى ذلك جاز ،ولكن فليعمل بقاعدة " :الضرورة تقدر
بقدرها " فل يتجاوز قدر الحاجة ،ول يتوسع في ذلك ،وليكتف بالكفاف ،وليعمل
جاهدا للخروج من هذا الواقع متى وجد مكانا حللً خالصا.
وقد أفتى المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر السلمي ،بحرمة العمل
في المطاعم من غير ضرورة (أي المطاعم التي تقدم الخمر والخنزير) ،وبحرمة
تصميم معابد شركية ،أو السهام فيها.
نيل الوطار ،6/19الكافي في فقه أحمد بن حنبل .2/304 )(1
المدونة .1/425 )(2
أحكام أهل الذمة :للزرعي .1/562 )(3
الم .4/212 )(4
أخرجه مسلم في المساقاة باب لعن آكل الربا ومؤكله (.3/1219 )1598 )(5
شرح النووي على صحيح مسلم .11/26 )(6
279
وأما إذا اضطر للعمل في تلك المطاعم فيجوز ،بشرط أل يباشر نفسه سقي
الخمر أو حملها ،أو صناعتها ،أو التجار بها ،وكذلك الحال بالنسبة لتقديم لحوم
الخنزير ،ونحوها من المحرمات(.)1
()2
وعلى ذلك يجوز للمسلم أن يؤجر نفسه للكافر بشروط منها:
.1أن يكون عمله مباحا.
.2أن ل يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.
.3أل يشتمل على مذلة وإهانة.
280
أما تقبيلهم فقد كرهه بعض العلماء ،وبه أقول للسبب الذي ذُكر في كراهية
معانقتهم ،وإن حدث ذلك فل إثم إن شاء ال لعدم النص ،إن لم يترتب عليه
المحبة والرضا ،التي قد تجر إلى الموالة المحظورة(.)1
281
وعن عبدال بن عمرو قوله" :من بنى ببلد العاجم ،وصنع نيروزهم
ومهرجانهم ،وتشبّه بهم حتى يموت وهو على ذلك ،حشر معهم " (.)1
ومن هنا أجمع العلماء على حرمة أن يُباع لهم شيء من مصلحة دينهم في
يوم عيدهم ،أو الهداء إليهم " (.)2
قلت :لكن إذا خاف المسلم أن يترتب على عدم تهنئتهم ضرر عليه ل
يمكن تحمله عادة ،رخص له في مجاملتهم في الظاهر مع النكار القلبي(.)3
282
قال ابن بطال " :إنما تشرع عيادته إذا رجي أن يجيب إلى الدخول في
السلم ،فإذا لم يطمع في ذلك فل " (.)1
283
المبحث الثاني عشر
إن تواجد المسلمين في البلدان الغربية يطرح عدة مشاكل شرعية أمام
القليات السلمية المقيمة ،و بعض هذه المشاكل تتعلق مباشرة بوضعيتهم
واندماجهم في المجتمعات الغربية ،كالتجنس والمشاركة في الحياة السياسية،
ويرى بعض المسلمين أن الحصول على جنسية تلك البلدان يسهل الحياة في تلك
المجتمعات ،إذ أنه يفتح أمامه البواب في المشاركة في القضايا العامة والتدرج
في الوظائف الحكومية ،بل وتمثيل الشعب الغربي ودخول برلمانات هذه الدول،
كما هو حاصل في بعض الحيان ،كما أن بعض فئات المسلمين قدمت إلى
البلدان الغربية طلبا للجوء السياسي ،وبسبب أوضاع بلدانها ،فقدت كل وثائقها
القانونية وأوراقها الثبوتية ،إضافة إلى أن حكومات تلك الدول ل تمنحها وثائق
جديدة أو تزود أولد المهاجرين بوثائق قانونية كجوازات السفر أو شهادات
الجنسية ،كل ذلك يجعل الحصول على جنسية البلد الغربي أمرا مطلوبا في ذاته،
وكذلك لحل العديد من المشاكل القانونية.
وللعلماء المسلمين وجهات نظر مختلفة حول التجنس بجنسية غربية:
بعض العلماء يرى أن الجنسية ل تحمل بعدا عقائديا بل هي مجرد إثبات للنتماء
القانوني إلى بلد ما ،إل أن البعض الخر يعتبرها معيارا للعقيدة والدين ،فيعد
حصول المسلم على جنسية دولة غير مسلمة بمثابة ترك المسلم لدينه ،وفك
ارتباطه بالعالم السلمي ،وهذا معيار يتضمن العديد من الشكالت :منها أن
هناك أقليات غير إسلمية تعيش في البلدان السلمية وتحمل جنسيتها ،فهل يدل
ذلك على أنها تركت دينها وأصبحت مسلمة ؟ وهناك أقليات إسلمية تعيش في
بلدان كافرة ،كتابية أو وثنية ،وتحمل جنسيتها ،فهل يعني أنها غير مسلمة ؟
وهناك من يعتنق السلم من الغربيين ،وبالطبع فهم يحملون جنسية بلدانهم ،فهل
يُطعن في إسلمهم إذا بقوا حاملين لها ؟
284
-1تعريف الجنسية :
الجنسية مصطلح سياسي جديد يرجع تاريخه إلى قيام الدولة بمفهومها
الحديث ،لذا فإن هذا المصطلح غير موجود في استعمال فقهائنا القدامى.
والجنسية لغة :من الجنس وهو ضرب من كل شيء ،وهي الصفة التي
تلحق بالشخص من جهة انتسابه إلى دولة معينة(.)1
واصطلحا :الجنسية هي رابطة سياسية وقانونية بين الشخص ودولة
معينة تجعله عضوا فيها وتقيد انتماءه إليها وتجعله في حالة تبعية سياسية لها(.)2
فهي علقة سياسية تنشئها الدولة بمحض إرادتها ،علقة سياسية
ضرورية تربطها برعاياها فتمنحها لمن تشاء وتحرمها ممن تشاء وفق ظروفها
السياسية والقتصادية والجتماعية ،فهذه الظروف مجتمعة أو منفردة تملي عليها
سياسة معينة في مسائل الجنسية :فقد تكون راغبة في كثرة شعبها فتأخذ حينئذ
بحق القليم بالضافة إلى حق الدم ،فتعتبر كل من ولد في إقليمها متمتعا
بجنسيتها ول تكتفي فقط بحق الدم ،وبجانب هذين الساسين تذهب أكثر من ذلك
فتشجع الدخول في شعبها من الجانب وذلك بفتح باب التجنس وتخفيف شروطه
وإجراءاته ،وعلى العكس من ذلك تضيق في سبيل الحصول على جنسيتها متى
كانت غير راغبة في تزايد شعبها فتقتصر في منح جنسيتها لمن ولد لصل يحمل
هذه الجنسية أي تقتصر على الخذ بالدم ،والجنسية في القانون هوية خاصة لكل
دولة ،وهي ترجمة للفظ .Nationality
وهي علقة قانونية حيث يرتبط طرفاها بروابط قانونية ،إذ تفرض على
كل منهما التزامات للخر وتقرر لـه حقوقا قبله ،فهي علقة قانونية متبادلة أي
مزدوجة الثر ،فللشخص حق الحماية لشخصه ولماله ولعرضه وتهيئ لـه سبل
() الوسيط في القانون الدولي الخاص :د .سامي بديع منصور ص ،230أصول القانون الدولي الخاص: 2
285
الحياة لتقيه بالوسائل المتاحة لها شر الفقر والمرض والجهل ،ولها عليه مقابل
ذلك واجب الولء والطاعة وتنفيذ أوامرها المشروعة.
وتعتبر الجنسية المعيار لتحديد صفة الجنبي داخل كل دولة وما يترتب
على هذه الصفة من آثار من حيث التمتع بالحقوق داخل الدولة ،حيث ل يتمتع
الجنبي بالكثير من الحقوق العامة وخاصة الحقوق السياسية(.)1
() العالم السلمي والغرب :صلح عبد الرزاق (موقع دار السلم.) http://www.darislam.com : 1
() الموجز في القانون الدولي الخاص :بدر الدين الشوقي ،5/26اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب 2
() اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب وطني :د .هشام خالد ،ص .21 – 20 4
286
)2القامة الدائمة في تلك الدولة.
)3الستفادة من المرافق العامة في الدولة.
)4تولي الوظائف العامة :كالقضاء والمناصب العسكرية.
)5حق ممارسة الحريات الساسية.
)6الحماية الدبلوماسية لشخصه وأمواله في حالة وجوده في دولة
أجنبية (بالخارج).
() دروس في القانون الدولي الخاص :د .هشام صادق ود .حفيظة الحداد ،ص .131 – 130 1
287
يتعاون معه ،فجرى اعتبار من يتجنس بالجنسية الفرنسية ملتحقا بخدمة الكفار،
ومرتدا عن الدين السلمي ،ورفض دفنه في مقابر المسلمين ،من جانب آخر
فإن المتجنس يطبق عليه القانون الفرنسي حتى في الحوال الشخصية كالنكاح
والطلق والمواريث.
وبقيت نظرة الفقهاء التونسيين والجزائريين والمغاربة سلبية نحو التجنس
بسبب الخلفية التاريخية والتجربة السياسية ،وبسبب فهمهم الخاص للمسألة
للسباب التي ذكرناها.
لقد طرحت مسألة التجنس بجنسية غير إسلمية في وقت مبكر من القرن
العشرين ،فقد سأل بعض التونسيين علماء الزهر حول " تجنس رجل مسلم
بجنسية أمة غير مسلمة اختيارا منه ،والتزم أن تجري عليه قوانينها بدل أحكام
الشريعة الغراء " فأجابه الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء بالزهر
الشريف بما يلي " :إن التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون في
كل شيء حتى النكحة والمواريث والطلق ومحاربة المسلمين والنضمام إلى
صفوفهم معناه النسلخ من جميع شرائع السلم ومبايعة أعدائه ...وأما حليف
الفرنسيين الخارج من صفوف المسلمين طوعا واختيارا مستبدلً لشريعة بشريعة،
وأمة بأُمة مقدما ذلك على اتباع الرسول بل قاسر ول ضرورة فلبد أن يكون
في اعتقاده خلل ،وفي إيمانه دخل ...فلسنا نشك في أن هؤلء المتجنسين
بالجنسية الفرنسية على أبواب الكفر وقد سلكوا أقرب طريق إليه ".
وأوضح أن ظروف التجنس ونتائجه تستدعي ذلك الرأي خاصة إذا ذكر
أن المتجنس بجنسية غير إسلمية ينسلخ عن الشريعة السلمية ،فمما ل شك فيه
أن أي فقيه مسلم سيكون ذلك رأيه ،كما أن الظروف السياسية واضحة في
مضمون الفتوى وغايتها التي تهدف مساعدة حركة الجهاد وقطع الطريق أمام
السلطات المحتلة باستخدامها هذه الوسيلة لغراء المسلمين للنضمام إليها وخدمة
288
مخططاتها وأغراضها في تغيير هوية البلد السلمي ،واعتبار الجنسية جسرا
لعبور أبناء البلد إلى الخندق الخر(.)1
() العالم السلمي والغرب :صلح عبد الرزاق (موقع دار السلم( www.darislam.com : 1
289
فهؤلء ممن ابتلي من المسلمين بالكفار في بلده وهم الغلبية الكاره لهم
والمبغض لدينهم.
وحكموه بغير رضاه وأرغموه على التجنس أو مغادرة بلده وأهله
وأولده ،فقبلها للبقاء في بلده ،على ماله وأهله وولده ،ومع ذلك هو مقيم لشرائع
الدين ،مظهر لدينه ،معلن العداء لهم ،مصارح لهم بكفرهم ،وأنهم على باطل،
وأن دينه هو الحق ،فمثل هذا ل شك أنه على خطر في بقائه ...لكن ل نحكم
عليه بالكفر ما دام أنه عمل ما في وسعه من عدم اتباعهم وموافقتهم على باطلهم
ومن إظهار دينه ،ولكن بقاءه بين أظهر الكفار فيه خطر عليه وعلى أولده ومن
تحت يده " (.)1
وفي نفس الوقت ل نستطيع أن نحرم عليهم الجنسية التي ولدوا بها ،لنهم
لم يأتوا باختيارهم لهذه البلد ،وإنما رغما عنهم ،وبناء عليه فل إثم عليهم إذا
حملوا هذه الجنسية ،بل ل يجوز لهم ترك هذه الجنسية حتى ل يضيعوا ،ولكن
بشرط أن يكون في نياتهم وأذهانهم أنهم مكروهون ،وأن التجنس بهذه الجنسية
هو الطريق الوحيد للحصول على الحياة الكريمة ،وأن يحاولوا بكل الوسائل
المتاحة نشر السلم ،وأن يكون عندهم الستعداد التام في حال ما إذا وجدت
الفرصة السانحة لهم للنتقال إلى دولة إسلمية الهجرة إليها(.)2
-2كما أن هناك حالة اضطرار أخرى :وهي عندما يترك المسلم وطنه
بسبب الضطهاد والضطراب كالمجموعات السلمية التي تضطر على الهجرة
الجماعية إلى الدول الجنبية الكافرة ،وهناك من يضطر للخروج عن بلده من
أجل قوته فيحتاج إلى الجنسية لتأمين قوته وقوت أولده بصورة أفضل.
() التجنس بجنسية غير إسلمية :محمد الشاذلي النيفر (بحث منشور في مجلة المجمع الفقهي السلمي، 2
290
قال بجواز ذلك بعض العلماء لن إقامة الدين واجب على كل مسلم ،فإذا
لم يستطع ذلك إل بالتجنس بالجنسية الجنبية فيكون ذلك جائزا(.)1
وإنما يجوز للمسلم ترك وطنه بسبب الضطهاد والضطراب بشروط
وهي:
.1أن يختار البلد الذي يكون آمنا فيه على دينه وأهله.
.2أن يكون الرجوع إلى بلده الصلي متى سنحت لـه
الفرصة وعند زوال الضطرار.
.3أن ينكر المنكر ولو بقلبه.
والدليل على ذلك :أن الصحابة – رضي ال عنهم – هاجروا إلى الحبشة
بعد ما اضطهدوا من قبل أهل مكة ،والحبشة يومئذ يسودها الكفار ،وأقاموا بها
حتى أن بعض الصحابة لم يزالوا مقيمين بها بعد ما هاجر رسول ال إلى
المدينة ،فإنما رجع أبو موسى الشعري عند غزوة خيبر يعني في السنة
السابعة من الهجرة.
ثم من حقوق النفس أن يصونها المرء من كل نوع من أنواع الظلم فإذا لم
يجد النسان مأمنا لنفسه إل في بلد الكفار ،فل مانع من هجرته إليها ،مادام
يحتفظ بفرائضه الدينية ،والبتعاد عن المنكرات المحرمة(.)2
وكذلك إن اضطر إليه المسلم بسبب أنه لم تتيسر له في بلده وسائل المعاش
الضرورية التي لبد لـه منها ولم يجدها إل في مثل هذه البلد ،فإنه يجوز لـه
الخروج عن بلده من أجل قوته :لن كسب الرزق فريضة والشرع لم يقيد ذلك
بمكان ،يقول تعالى :هو الذي جعل لكم الرض ذلولً فامشوا في مناكبها وكلوا
من رزقه [ الملك ،]15 :والعمل في بلد الكفر والحصول على جنسية يكون
بشروط:
.1أن يكون المسلم مضطرا.
() بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ص ،329الحكام السياسية للقليات المسلمة: 1
291
.2أن ل تكون الدولة السلمية بحاجة إليهم.
.3أن ل يعمل في ما حرم ال.
.4أل يضر بعمله السلم أو المسلمين .
()1
() بحوث في قضايا فقهية معاصرة :محمد تقي العثماني ،ص .330 – 329 1
() وأيضا الشيخ محمد تقي العثماني (بحوث في قضايا فقهية معاصرة ،ص .)330 2
292
الذين يتجنسون بهذه الجنسيات الجنبية لمجرد الترفه ينتقص فيهم الوازع الديني،
فيذوبون أمام الغراءات الكافرة ذوبانا ذريعا.)1( "...
وهناك من العلماء من أباح لهؤلء الذين تجنسوا بناء على مصالحهم
الدنيوية – غير الضرورية – لكنهم محافظون على دينهم ويدعون له ويبذلون في
سبيل نشره بين تلك البلد الجهد الكبير.
فيقول الشيخ الشاذلي النيفر مفتي الديار التونسية سابقا( " :)2بأن هؤلء ل
يحكم بكفر من دخل تحت أحكام غير إسلمية لنه غير مشمول بما ورد في قوله
تعالى :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون [ المائدة.]44 :
ويضع الشيخ النيفر شروطا يجب استيفاؤها من قبل أولئك المقيمين في
الدول الغربية ،وهي:
.1أن ل تكون إقامة المسلم في الرض المحكومة لغير المسلمين إقامة
هوان وذلة.
.2حرية إقامة الشعائر السلمية (الصلة والزكاة والصيام والحج).
.3المن على النفس والولد والمال.
.4الحتراز من الفتنة في الدين.
ويعلق بمرارة " :على أن الذي يخشـى منـه هـو الن موجود فـي البلدان
السلمية مما يؤسف لـه ,فل فرق بين البلدان السلمية وبين هؤلء المتساكنين
مع غير المسلمين " (.)3
-2وهناك نوع آخر يد خل تحت هذا القسم وهو التجنس الختياري لكن
حكمه مختلف:
() بحوث في قضايا فقهية معاصرة ص ،330وبحث الشيخ عبدال بن سبيل التجنس بجنسية دولة غير 1
ص .)246
() بحث :التجنس بالجنسية غير إسلمية (مجلو المجمع الفقهي السلمي ،العدد الرابع ،ص .)247 3
293
و هو من يتج نس للعتزاز والفتخار ولتفض يل تلك الجن سية الجنب ية على
جن سية الدول ال سلمية و هو ير غب في بلد الكفار ويحب هم وي حب البقاء بين هم،
ويرى أن معاملتهـم والنتماء إليهـم أفضـل مـن المسـلمين ،وأنـه راض بإجراء
أحكامهـم عليـه مـن الحكـم بغيـر مـا أنزل ال فـي الحكام والنكاح والطلق
والميراث ،فهذا ل شك في كفره ،وهو مرتد عن دين السلم ردة صريحة ،حتى
لو قال أنه مسلم ،ولو شهد الشهادتين وصلى وعمل ببعض شرائع السلم(.)1
ل إليهم ،ومحبة في القرب وذلك لن من يطلب الجنسية من دولة كافرة مي ً
منهـم ،والنضمام إليهـم ،والدخول فـي سـلكهم ،والرضـا بسـيطرتهم عليـه وعلى
ذريتـه فإنـه داخـل تحـت قوله تعالى :ل تجـد قوما يؤمنون بال واليوم الخـر
يوادون من حاد ال ورسوله [ المجادلة ]22 :وقوله :ومن يتولهم منكم فإنه منهم
[المائدة.]51 :
التجنس بجنسية دولة غير إسلمية :الشيخ محمد بن سبيل (مجلة المجمع الفقهي السلمي ،العدد الرابع ،ص
.)165 – 164
() قضايا فقهية معاصرة :د .محمد سعيد رمضان البوطي .1/199 2
294
.2قوله " :من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " (.)1
.3وقوله " :أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " (.)2
وجه الستدلل من هذين الحديثين أن الرسول أعلن براءته من الذين
يقيمون بيـن أظهـر المشركيـن ،وفـي ذلك دليـل على تحريـم مسـاكنة الكفار
ووجوب مفارقتهم.
فك يف الحال ب من ترك دار ال سلم وض حى ب كل غالٍ ونف يس من أ جل
الحصول على جنسية دولة غير إسلمية ،ول شك في أن ذلك خطر وخوف
على إيمانه وعقيدته.
.4قوله " :ل تتركوا الذر ية إزاء العدو " ،والخوف ال كبير من تنشئة
()3
() أخرجه أبو داود في الجهاد باب في القامة بأرض الشرك (.3/93 )2787 1
() أخرجه أبو داود ي الجهاد باب النهي عن قتل من اعتصم بالسجود ( ،3/45 )2645والترمذي في السير 2
295
يط هر النجس العي ني كالدم ولحم الخنزير والمي تة ،مه ما غُ سِلَ به ،ومهما سرى
فـي أجزائه ،فكذلك عوارض المـبررات المتصـوّرة ل تقوى على إزالة الحرمـة
الذاتية السارية في جوهر هذا النتماء وذاته.
ومع أن هذا الحكم واضح ل مجال لي لبس فيه ،فإن الخطورة الكبرى ل
تك من في تورط ب عض الناس في هذا ال مر ،عند ما يدركون أن هم قد انزلقوا إلى
عمل محرم ل يرضى عنه ال عزوجل ،وإنما تكمن الخطورة الكبرى فيمن يقدم
على هذا الع مل و هو يع طي لنف سه ال مبررات ،ويح مل في جي به بطا قة التج نس
بالجنسية المريكية أو البريطانية أو الفرنسية مثلً ،وهو قرير العين بذلك ل يرى
أنه ارتكب في جنب ال أي محظور!..
وقد آل المر اليوم بكثير من الناس إلى هذه النهاية المؤلمة المردية ،دون
أن يستوقفهم أي تخوّف أو ر يب ،بل ربما كانوا يعدّون أنفسهم من رع يل الدعاة
والمجاهد ين! ..أ سأل ال عزوجـل أن يكرم نا بمراقبـة النفـس واتهامهـا ..وأن ل
يجعلنا ممن قال عنهم :أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا[ ..فاطر.]8 :
296
البلد التي يعيش فيها ،فالجنسية هذه أعطته القوة والصلبة والقدرة على المطالبة
بحقوقـه ،وإبداء رأيـه والتصـويت فـي النتخابات ،دون أن يتنازل عـن دينـه،
ويعايش من حوله بالمعروف ويحسن معاملتهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن ال
يحب المقسطين [ الممتحنة ،]8 :فيستفيد بها لدينه ودنياه وجاليته(.)1
() برنامج الشريعة والحياة ,الحلقة بعنوان :فقه القليات/14 ،سبتمبر.2001/ 1
297
المبحث الثالث عشر
من القضايا المعاصرة التي نالت قسطا كبيرا من اهتمام الباحثين والناس:
قضية الحقوق السياسية للمرأة في السلم.
ولقد اختلفت أراء الناس في هذه المسألة اختلفا كبيرا ،مما استوجب
الوقوف عندها وبحثها مع استعراض الدلة لجميع الطراف عسانا نصل إلى
رأي سديد في هذا الموضوع:
() مكانة المرأة بين السلم والقوانين العالمية :سالم البهنساوي ،ص .133 1
298
ويطلق عليها علماء الشريعة الولية العامة( ،)1وسنقصر بحثنا في مسألتين
فقط لنهما مدار الخلف:
-1حكم ممارسة المرأة للنتخاب.
-2حكم ترشيح المرأة للبرلمان كونها عضوا في مجلس الشورى أو
المجلس البلدي وسائر المجالس المحلية.
أما الوليات الخرى مثل رئاسة الدولة والقضاء فمعروف الحكم فيها وهو
أن المرأة ممنوعة بإطلق عن تولي الوليات العامة.
المطلب الول :حكم اشتراك المرأة في النتخاب
() الستفتاء الشعبي بين النظمة الوضعية والشريعة السلمية :د.ماجد راغب الحلو ،ص .103 3
() فتوى لجنة الزهر الصادرة في عام 1952م ،المرأة في السلم :الشيخ حسنين مخلوف ص ،140 4
أصول الدعوة :د .عبد الكريم زيدان ص ،126حقوق المرأة في السلم :د .محمد عرفة ص .202
() المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ص ،155المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي 5
ص ،76 – 70من هدى القرآن :الشيخ محمود شلتوت ص ،292الشورى في السلم :د .حمد الكبيسي
.1091 – 3/1087
299
استدل المانعون لكون المرأة ناخبة بالدلة التالية :
أولً :القرآن الكريم
-1قال تعالى :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن
درجة وال عزيز حكيم [ البقرة.]228 :
-2قال تعالى :الرجال قوّامون على النساء بما فضل ال بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم [ النساء.]34 :
-3قال تعالى :وقرن في بيوتكن ول تبرّجن تبرّج الجاهلية الولى
[الحزاب.]33 :
قال القرطبي " :معنى هذه الية المر بلزوم البيت ،وإن كان الخطاب
لنساء النبي فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى ،هذا لو لم يرد دليل يخص جميع
النساء ،كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء في بيوتهن والنكفاف عن الخروج
منها إل لضرورة " (.)1
فتدل هذه اليات على أن القوامة والقيادة للرجل ،وعلى أن القاعدة في أمر
المرأة هو قرارها في دارها وتفرغها لبيتها وأولدها ،وأما خروجها إلى المجتمع
فهو من باب الستثناء أو الضرورة وهي تقدر بقدرها ،فخروج المرأة للنتخاب
واشتراكها في النشاطات السياسية ل تدعو إليه ضرورة ،ول تتوقف عليه
مصلحة حقيقية كلية ،ويتناقض مع قوامة الرجل وعلو درجته في القيادة عليها(.)2
إلى كسرى (.4/1610 )4163 () أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب كتاب النبي 3
300
فهذا الحديث يدل على أن مناط عدم الفلح هو النوثة ،وهو نص في
منع المرأة من تولي أي من الوليات العامة ،وكونها ناخبة إنما هو من
الوليات العامة(.)1
-2يقول النبي -من حديث طويل " :-والمرأة راعية على بيت بعلها
وولده ،وهي مسؤولة عنهم " (.)2
هذا الحديث جعل رعاية السرة من أهم واجبات المرأة وهو
واجب ل يمكن للمرأة الوفاء به إذا انشغلت بأمور النتخابات أو انغمست
بميادين العمل في السياسة(.)3
-3الحديث الذي رواه الترمذي " :المرأة عورة ،فإذا خرجت استشرفها
الشيطان " (.)4
-4الحديث الذي رواه الترمذي من حديث طويل " :وإذا كانت أمراؤكم
شراركم ،وأغنياؤكم بخلءكم ،وأموركم إلى نسائكم فبطن الرض خير
لكم من ظهرها " ( ،)5فهذه الحاديث تمنع المرأة من تولي النتخاب..
ثالثا :الواقع الشرعي والتاريخ
قالت لجنة كبار علماء فتوى الزهر " :هذه قصة سقيفة بني ساعدة في
اختيار الخليفة الول بعد الرسول قد بلغ فيها الخلف أشده ثم استقر المر
لبي بكر وبويع بعد ذلك البيعة العامة في المسجد ،ولم تشترك امرأة مع الرجال
في مداولة الرأي في السقيفة ولم تدع لذلك ،كما أنها لم تدع ولم تشترك في تلك
البيعة العامة " (.)6
() أخرجه البخاري في كتاب الحكام ( ،6/2611 )6719ومسلم في الجهاد والسير باب فضيلة المام 2
() أخرجه الترمذي في الرضاع باب منه ( ،3/476 )1173وقال هذا حديث حسن غريب. 4
() أخرجه الترمذي في الفتن باب منه ( ،4/929 )2266قال أبو عيسى هذا غريب. 5
301
إن الختيار والنتخاب للمرشح لعضوية المجالس النيابية كالختيار للحاكم
والنساء لم يشاركن في اختيار المام ل في مبايعة الخلفاء في العصور الولى
من السلم ول سيما عصر الخلفاء الراشدين(.)1
رابعا :المعقول
قالوا إن عملية النتخاب والترشيح تستلزم اختلط المرأة بالرجال مما قد
يعرض المرأة فيه لنواع من الشر والذى :وإن هذا يقتضي عم جواز إسناد
الولية العامة لها كالقتراع في النتخابات لنه ل ضرورة لخروج المرأة للقيام
بذلك(.)2
أدلة الفريق الثاني:
استدل القائلون بجواز كون المرأة ناخبة بالدلة التالية:
أولً :من القرآن الكريم
-1قال تعالى :يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن ل يشركن
بال شيئا ول يسرقن ول يزنين ول يقتلن أولدهن ول يأتين ببهتان
ن واستغفر يفترينه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ول يعصينك في معروف فبايعه ّ
ن ال إن ال غفورٌ رحي ٌم [ الممتحنة.]12 : له ّ
فدلت هذه الية :على مشروعية مبايعة النساء كالرجال ،وفي تفسير
هذه الية يقول الشيخ محمود شلتوت " :وقد كانت هذه المبايعة من فروع
استقلل النساء في المسؤولية ،بايعهن على خصوص وعموم " (.)3
-2قال تعالى :فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء [ البقرة.]282 :
وجه الدللة من الية :إنّ النتخاب (شهادة) من الناخب بصلحية من
انتخبه للقيام بما سيعهد إليه من وظيفة الدولة ،والمرأة قبل القرآن الكريم
شهادتها بالجملة في الية(.)4
المرأة والحقوق السياسية في السلم :مجيد محمود أبو حجير ،ص .451 – 450 () 2
من توجيهات السلم :د .محمود شلتوت ،ص .196 () 3
المرأة والحقوق السياسية :مجيد أبو حجير ،ص .440 () 4
302
ثانيا :من السنة النبوية
-1ما ورد من السنة الفعلية من مبايعة النبي للنساء ،وكان رسول ال
إذا أقررن بما بايعهن عليه( ،)1قال " :انطلقن فقد بايعتكن " (.)2
-2ما ورد من اشتراك المرأة في بيعتي العقبة(.)3
ثالثا :بالقياس
-1قياس كون المرأة ناخبة على شهادتها :قال الدكتور حمد الكبيسي " :إن
كون المرأة ناخبة أشبه ما يكون بأنّها تشهد بصلح هذا النائب لهذه
المهمّة ،وهي أهل للشهادة " (.)4
-2قياس كون المرأة ناخبة على مبايعة النساء للنبي :قال الستاذ محمد
الحجوي( " :)5نقيس على بيعة النساء للنبي بيعتهنّ لغيره قياسا
ن الرسول العظم فمن باب ن أن يبايع ّ
ن إذا شرع له ّ أحرويا ،حيث إنه ّ
أولى وأحرى أن يبايعن من هو دونه ،وال يقول :أطيعوا ال وأطيعوا
الرسول وأولي المر منكم [ النساء ,]59 :والنبي يقول " :من يطع
أميري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع ال " (.)6
رابعا :قالوا بأن عملية النتخاب عملية توكيل وللمرأة حق التوكيل
النتخاب هو اختيار المة لوكلء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة
الحكومة ،فعملية النتخاب عملية توكيل ...والمرأة في السلم ليست ممنوعة من
() أخرجه البخاري في الطلق باب إذا أسلمت المشركة ( ،5/2025 )4983ومسلم في المارة باب كيفية 2
() المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي ،ص .76 – 75 5
() أخرجه البخاري في الوصايا باب السمع والطاعة ( ،3/1080 )2797ومسلم في المارة باب وجود 6
303
أن توكل إنسانا بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها كمواطنة في
المجتمع " (.)1
خامسا :استدلوا ببعض الثار مثل
-1ما أُثر من استشارة عبد الرحمن بن عوف النساء في أمر انتخاب
()2
الخليفة والبيعة له بعد وفاة عمر :
-قال ابن تيمية رحمه ال تعالى " :بقي عبد الرحمن يشاور
ثلثة أيام وأخبر أن الناس ل يعدلون بعثمان ،وأنه شاور
حتى العذارى في خدورهن " (.)3
-وعبارة ابن كثير " :حتى خلص إلى النساء المخدرات في
حجابهن " (.)4
-2دخول عائشة أم المؤمنين – رضي ال عنها – معركة الجمل يدل على
أن للمرأة رأيا في بيعة الخليفة(.)5
الترجيح :
لقد نوقشت أدلة الفريقين بإجابات كثيرة يرجع إليها في مظانها – أهملناها
خشية التطويل – لكن يمكننا القول بعد عرض أدلة كل فريق ،وبالنظر فيها:
يظهر أنه ل يوجد نص صريح في حكم اشتراك المرأة في النتخابات إل ما ثبت
من مشاركتها بيعة الرسول ،ومن ناحية أخرى عدم مشاركتها في اختيار
الخلفاء ومبايعتهم في عهد الصحابة والتابعين – رضي ال عنهم – جميعا.
() المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ،ص .155 1
() الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،ص .107 2
() الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،ص .130 5
304
والرأي الذي نرجحه هو جواز كون المرأة ناخبة لكن بشرط التزامها
بالحكام الشرعية الخرى من عدم الخلوة أو الختلط أو أن يؤدي ذلك إلى
تفريطها في واجبات مقدمة عليها ...وال أعلم.
() لجنة الفتوى بالزهر في فتوى نشرتها عام 1952م ،أبو العلى المودودي في كتابه :تدوين الدستور 1
السلمي ص ،54النظام السياسي في السلم :د .محمد أبو فارس ص ،120فتاوي شرعية :د .حسنين
مخلوف ،1/117الشورى :د .قحطان الدوري ص ،205المامة العظمى عند أهل السنة والجماعة :عبدال
الدميجي ص .164
305
القول الثاني :ويرى بعض الباحثين إلى أنه ل يشترط الذكورة في عضوية
مجلس الشورى ،أو الحل والعقد :فالمرأة أهل لممارسة العمال السياسية فيجوز
لها أن تكون عضوا من أعضاء البرلمان والمجالس النيابية والبلدية والمحلية(.)1
أدلة الفريق الول :
استدلوا بجملة من الدلة من الكتاب والسنة والجماع والقياس والمعقول.
أولً :من القرآن الكريم
-1قال تعالى :الرجال قوّامون على النساء بما فضّل ال بعضهم على
بعض وبما أنفقوا من أموالهم [ النساء.]34 :
وجه الدللة من الية :ل تكون المرأة من أهل الشورى ،لن الرجل
أكفأ من النساء ،فكانت القوامة له ،فل تقدم المرأة على الرجال ول تؤمّر.
وقد يقول قائل :إن الية متعلقة بالمسؤولية في السرة وليست عامة،
فالحجة تبقى قائمة كذلك ،فإن كانت المرأة عاجزة عن إدارة أسرة تتكون
من مجموعة أفراد ل تعدو أصابع اليدين ،فمن باب أولى أن تكون أكثر
عجزا في إدارة شؤون الناس(.)2
قال أبو العلى المودودي " :هذا النص يقطع بأن المناصب الرئيسية
في الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس الشورى -...ل
ض إلى النساء " (.)3
تُ َفوّ ُ
ن ول تبرّجن تبرّج الجاهلية الولى -2قال تعالى :وقرن في بيوتك ّ
[الحزاب.]33 :
() مبادئ نظام الحكم في السلم :د .عبد الحميد المتولي ص ،452الشورى بين الصالة والمعاصرة :عز 1
الدين التميمي ص ،54المرأة في القرآن والسنة :محمد عزه دروزة ص ،45النظرية السلمية في الدولة:
حازم عبد المتعال الصعيدي ص ،232المشاركة السياسية للمرأة :د .سامية صالح ص ،52المرأة بين
الشرع والقانون :محمد الحجوي ص ،33الحريات العامة :د .عبد الحكيم عبدال ص ،301الشورى في
السلم :د .حمد الكبيسي ،3/1091مبدأ المساواة :د .فؤاد أحمد ص ،242فتاوي معاصرة :د .يوسف
القرضاوي .389 – 2/372
() النظام السياسي في السلم :د .محمد أبو فارس ،ص .120 2
() نظرية السلم وهديه :أبو العلى المودودي ،ص .318 3
306
-3قال تعالى :وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [ الحزاب:
.]53
وجه الستدلل من اليتين :إن القرآن كلّف المرأة بالبقاء في بيتها ،ول
تخرج منه إل لضرورة ،وهي مأمورة بالحتجاب عن الرجال وعدم
الختلط بهم ،فيجب أن تبعد عن زحمة الحياة السياسية وهذه اليات ليست
مقصورة على نساء النبي وإل لكان لسائر المسلمات أن يتبرجن ،كما ل
يمكن الدعاء بأن نساء النبي بهن عجزٌ دون سائر النساء حتى ل يقمن
بالمور خارج البيت(.)1
-4قوله تعالى :وللرجال عليهن درجة [ البقرة.]228 :
وهذه الية تدل على أن للرجال مزية على النساء وقيل إن هذه الدرجة
هي المرة والطاعة(.)2
() النظام السياسي في السلم :د .محمد أبو فارس ،ص .121 4
307
وهذا الحديث يدل دللة واضحة على عدم جواز إسناد المور إلى النساء،
لن النبي أشار إلى ما يحدث من شرار المراء وبخل الغنياء وإسناد
المور إلى النساء وذلك من الفتن وعلى المسلم اجتنابها(.)1
-3ما روي أن النبي قال " :هلكت الرجال حين أطاعت النساء " (.)2
وإذا كانت المرأة في مجلس من المجالس فهي تشارك في أخذ القرار
والمة رجالً ونسا ًء يجب عليها طاعة أعضاء هذه المجالس وفيهم امرأة في
تطبيق هذا القرار فأطاع الرجال النساء والحديث يخبر عن هلك وخسران
الرجال الذين أطاعوا النساء(.)3
-4قال " :المرأة راعية أهل بيت زوجها وولده ،وهي مسؤولة عنهم " (.)4
إن المرأة مأمورة بلزوم البيت ورعاية الولد( ،)5فلو زاحمت المرأة
الرجل في عمله وشاركته ،وهي المرهقة بالحيض ،والنفاس ،والحمل،
والوضع ،والتربية مع نقصان خلقتها – فخرجت على فطرتها ،وانحرفت عن
طبيعتها ،وخالطت الرجال ،لختل نظام السرة ،وانحلت رابطتها ،وانعدمت
اللفة والمودة والرحمة بينهما – وهي من لوازم الزوجية لقوله تعالى :ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً
ورحم ًة [ الروم.]21 :
-5قال في حديث طويل " :ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي
ب منكن " (.)6 لُ ّ
وجه الدللة من الحديث :وصف رسول ال – في هذا الحديث – النساء
بنقصان عقولهن ودينهن ،والنيابة العامة عن المة في البرلمان تقتضي أن
() ولية المرأة في الفقه السلمي :حافظ محمد أنور ،ص .382 1
() أخرجه أحمد ( ،5/45 )20473والحاكم ( 4/291 )7789وقال صحيح السناد ولم يخرجاه ووافقه 2
الذهبي.
() ولية المرأة في الفقه السلمي ،ص .383 3
() أخرجه البخاري في الحيض باب ترك الحائض الصوم ( ،1/116 )298ومسلم في اليمان باب بيان 6
308
يكون النائب عنها كاملً في عقله ودينه ،فل تولى المرأة النيابة العامة مع
ل ودينا من الرجال(.)1 وجود من هو أكمل منها عق ً
-6ما روي عن النبي قال " :ما تركت بعدي في الناس فتن ًة أضرّ على
الرجال من النساء " (.)2
-7وما رواه الترمذي عن عبدال عن النبي " :المرأة عورة ،فإذا خرجت
استشرفها الشيطان " (.)3
وجه الدللة من الحديثين :أن خروج المرأة إلى الحياة العامة فتنة
للرجال ،والمرأة ممنوعة من الختلط بالرجال والبروز إلى مجالسهم ،ومن
تلك المجالس :المجالس التشريعية(.)4
ن رجل بامرأة إل كان ثالثهما -8عن عمر عن النبي قال" :ل يَخلُوَ ّ
الشيطان " (.)5
وجه الدللة من الحديث :إن الرجل ممنوع من الخلوة بالمرأة ،والبرلمان
من الماكن التي تحدث فيها الخلوة حتما بينهما ،فل تتولّى المرأة النيابة
العامة فيها منعا من إلحاق الحرج والثم بالرجال النواب المأمورين بنص
الحديث بعدم الختلء بالنساء(.)6
ثالثاُ :الجماع
قال الدكتور محمد أبو فارس " :إن الرسول والخلفاء لم يجعلوا المرأة
من أهل الشورى " (.)7
فكان ذلك إجماعا منهم على عدم جواز تولي المرأة عضوية المجالس
النيابية وغيرها.
() المرأة والحقوق السياسية في السلم :مجيد أبو حجير ،ص .486 1
() أخرجه مسلم في الذكر والدعاء باب أكثر أهل الجنة الفقراء (.4/2098 )2741 2
() أخرجه أحمد ( ،1/26 )177الترمذي في الرضاع باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات ( 5
،3/474 )1171والحاكم في مستدركه ( 1/197 )387وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
() المرأة والحقوق السياسية في السلم ،ص .487 6
() النظام السياسي في السلم :د .محمد أبو فارس ،ص .121 7
309
رابعا :بالقياس
تقول لجنة فتوى كبار علماء الزهر( " :)1إذا حكمنا القياس وهو إلحاق
النظير بالنظير لشتراكهما في علة الحكم ،لكان الوجب هو حرمان المرأة من
الولية والوظائف العامة ،لن كثيرا من الحكام في الشريعة السلمية تميز بين
الرجل والمرأة ،وعلتها هي ضعة النوثة ،لن مهمة المومة حضانة النشء
وتربيته ،وهذه قد جعلتها ذات تأثير خاص بدواعي العاطفة ،وهي مع ذلك
تعرض لها عوارض طبيعية ،تتكرر عليها في الشهر والعوام من شأنها أن
تضعف قوتها المعنوية ،وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به والقدرة
على الكفاح ،لذلك جعلت القوامة على النساء للرجال ،وجعل حق الطلق للرجل
دونها ،ومنعتها الشريعة من السفر من غير محرم ،أو زوج ،أو رفقة مأمونة،
ولو كان سفرها لداء فريضة الحج.
فإذا كان الفارق الطبيعي بينهما قد أدى في نظر السلم إلى التفرقة بينهما
في هذه الحكام التي ل تتعلق بالشؤون العامة للمة ،فإن التفرقة بمقتضاه في
الوليات العامة تكون من باب أولى أحق وأوجب ،لن كثيرا من الحكام تعفي
المرأة من معالجة ما هو دون السياسة والحكم من أمور وواجبات خارج البيت،
منها :قول الرسول " :الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إل أربعة:
عبد مملوك ،أو امرأة ،أو صبي ،أو مريض " (.)2
خامسا :المعقول
إن الساس في الوليات والوظائف العامة هو الكفاءة الدائمة ،فالمرأة
– كما أثبت علماء الحياء – تتميز بخصائص جسمانية ونفسية معينة تجعلها أقل
() نقلً من كتاب مبدأ المساواة ص ،192الحركات النسائية :محمد عطية خميس ص .115 – 112 1
() أخرجه أبو داود في الصلة باب الجمعة للمملوك والمرأة ( ،1/280 )1067والبيهقي (،3/172 )5368 2
والحاكم في مستدركه ( 1/425 )1062وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال ابن حجر:
صححه غير واحد (تلخيص الجبير .)2/65
310
كفاءة من الرجل ،فضلً عن أنها تمر بعوارض تتكرر من شأنها – على فرض
أنها لو تساوت مع الرجل – أن تعدمها أو تقلل من كفاءتها(.)1
كما أن المرأة شديدة التأثر بالعاطفة وشدة النفعال ،وعدم قدرتها على
تحمل المشاق الكبيرة فكيف تستطيع أن تزاول العمل السياسي بما فيه من أعباء
ومصائب ومشكلت ،فعضوية الشورى ليست من وظائف المرأة وإنما خلقها ال
لداء وظيفة أسمى تناسب فطرتها وخلقتها وهي أهم من اشتغالها بالسياسة :وهو
اشتغالها بأسرتها وزوجها وأولدها.
311
ففي هذه الية دللة على مشاركة النساء للرجال في الجتماع للمور
المهمة العامة(.)3
-3قال تعالى :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة
ويطيعون ال ورسوله أولئك سيرحمهم ال إن ال عزيز حكيم [ التوبة:
.]71
وفي هذا يقول الشيخ محمود شلتوت " :إن مسؤولية المر بالمعروف
والنهي عن المنكر هي أكبر مسؤولية في نظر السلم ،وقد سوّى السلم
فيها بصريح هذه اليات بين الرجل والمرأة " (.)2
-4قال تعالى :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحد ٍة وخلق
منها زوجها وبثّ منهما رجالً كثيرا ونساءً واتقوا ال [ النساء.]1 :
-5وقال تعالى :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذك ٍر وأنثى وجعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم [ الحجرات.]13 :
حيث تقرر هاتان اليتان :أن المرأة شقيقة الرجل ،وأنهما من أصل
واحد ،وبمقتضى هذه النصوص يثبت كمال إنسانية المرأة ،ويتقرر لها ما
يتعلق بهذه النسانية من حقوق وما تتحمل من تكاليف وتبعات ،وأن مناط
هذا التكليف فيهما واحد هو العقل(.)3
312
منهم أحد ،دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ،فقالت أم
سلمة :يا نبي ال أتحب ذلك؟ اخرج ثم ل تكلم أحدا منهم كلمة حتى
تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ،فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل
ذلك ،نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ،فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل
بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما " (.)1
وهذا دليل على جواز مشاورة المرأة الفاضلة( ،)2وأن رسول ال كان
يشاور النساء ويأخذ برأيهن فيجوز للمرأة أن تكون عضوا في مجلس
الشورى(.)3
-2قول النبي " :إنما النساء شقائق الرجال " (.)4
-3وقوله " :كلكم لدم ،وآدم من تراب " (.)5
ففي هذين الحديثين دليل على المساواة بين الرجال والنساء ،فالرجل
والمرأة من آدم وهو مخلوق من تراب ،فللمرأة حق الشتراك في المجالس
النيابية بحكم المساواة " (.)6
-4واستدلوا بما ثبت من السنة في ذهاب النساء إلى المسجد وحضورهن
الجماعة مع النبي فعن ابن عمر – رضي ال عنهما – قال :قال رسول
ال " :ل تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن " (.)7
فقد ثبت أن من حق المرأة أن تؤم المسجد ،والمسجد كان بمثابة قاعة
مجلس الشورى أو بعبارة أخرى برلمان الدولة السلمية في عهد النبي
() أخرجه البخاري في كتاب الشروط باب الشروط في الجهاد (.2/974 )258 1
() ولية المرأة في الفقه السلمي :حافظ أنور ،ص .428 3
() أخرجه أبو داود في الطهارة باب في الرجل يجد البلة في منامه ( ،1/61 )236والترمذي في أبواب 4
الطهارة باب ما جاء فيمن يستيقظ فيرى بللً ( ،1/190 )113وأخرجه أحمد ( ،6/256 )26238والبيهقي
في سننه ( 1/168 )767والحديث :رجاله رجال الصحيح إل عبدال بن عمر العمري اختلف فيه (نيل
الوطار .)1/281
() مسند الربيع (.1/170 )419 5
() أخرجه أبو داود في سننه في أبواب الصلة باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (،1/155 )567 7
وقريب منه في مسلم في الصلة باب خروج النساء إلى المساجد (.1/327 )442
313
،وإن انفصلت قاعة مجلس الشورى عن المسجد اليوم وأصبحت مستقلة
فللمرأة أن تحضرها وتشارك في أعمال المجلس(.)1
ثالثا :الجماع
قال الستاذ محمد الحجوي " :وقع الجماع بعد النبي على أن المرأة ل
تتولى شأن الخلفة العظمى ،فكان إجماعا ضمنيا – أي سكوتيا – على أن تكون
المرأة تتولى ما عدا ذلك " ( ،)2وبنا ًء على هذا فإنه يجوز أن تكون المرأة
منتخبة(.)3
المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي ،ص .230 () 2
ما أكاثركم :أي كيف تنافسكم في الكثار في مهور النساء :أي ل تكثروا فيها. () 4
() أخرجه أبو يعلى في الوسط ( ،1/179 )570والبيهقي ( ،7/233 )14114وعبد الرزاق في مصنفه 5
( ،6/180 )10420وسعيد بن منصور ( ،1/193 )595قال الهيثمي :وفيه مجالد بن سعيد وفيه ضعف وقد
وُثق (مجمع الزوائد .)4/238
314
فهذه المرأة من قريش راجعت عمر فتراجع وقبل قولها وسكت الناس
()1
عليها وهذا دليل على حق المرأة في عضوية المجالس وفي الحياة السياسية.
خامسا :القياس
قال المجيزون لنيابـة المرأة فـي البرلمان :كون المرأة منتخبـة ل يعدو أن
تكون وكيلة عـن الشخاص الذيـن تمثلهـم ،ووكالة المرأة جائزة كمـا جاز نصـبها
وصية وناظرة وقف.
ومن يستعرض أقوال الفقهاء في شروط أهل الشورى أو أهل الحل والعقد
يجد أنها تدور على العدالة والعلم والرأي ،ولم نجد أحدا منهم يجعل الذكورة
شرطا في هذا الباب ،بل شرطهم صفة الشهود(.)2
يقول الماوردي " :كل من صح أن يفتي في الشرع جاز أن يشاوره
القاضي في الحكام ،فتعتبر فيه شروط المفتي ،فيجوز أن يشاور العمى والعبد
والمرأة " (.)3
سادسا :المعقول
اشتراك المرأة في المجالس النيابية مما يتفق مع أهليتها وحقوقها السياسية
والجتماعية واستقلل شخصيتها ،وكل ذلك مما قرره لها القرآن نصا صريحا
وضمنا.
وإلى هذا فإنها نصف المجتمع وكل ما يتقرر في هذه المجالس يتناولها كما
يتناول الرجل على السواء ،فمن حقها أن يكون لها رأي فيه مثله(.)4
الترجيح :
المرأة في القرآن والسنة :محمد دروزة ص ،51المرأة والحقوق السياسية في السلم ص .473 () 4
315
وب عد أن نوق شت أدلة الفريق ين بأجو بة ومناقشات كثيرة يمكن نا ا ستخلص
النتائج التالية :
-أن السلم يقرر المساواة بين الرجل والمرأة.
-أن السلم أعلى من شأن المرأة وأكرمها وأخرجها من ظلم
الجاهلية إلى نور الهداية.
-البيت هو مملكة المرأة المسلمة وهي ملكته.
-السلم صان المرأة من كل شر وفساد.
-أن المرأة على مر التاريخ السلمي لم تشارك مشاركة مباشرة
وحيوية في الحياة السياسية.
-إن مهمة المجالس الشورية ليست مجرد سن القوانين ومراقبة
السلطة التنفيذية ،وإنما هي التي تسير دفة سياسة البلد ،فهي
بمثابة القوامة والولية وهي ممنوعة عن المرأة.
فالراجح إذا وال أعلم القول بعدم جواز عضوية المرأة لمجلس الشورى أو
البرلمان أو كونها من أهل الحل والعقد وهو قول أكثر العلماء ،وذلك لقوة أدلته
ولو كان في بعضها ضعف فيعضد بعضها بعضا ،ولن فيه درء المفاسد العظيمة
التي قد تنجم عن تقدير عضوية المرأة لهذه المجالس ،ولن أدلة القائلين بالجواز
لم تسلم من المناقشات التي أوردها المعترضون عليهم(.)1
وقبل أن أختم هذا البحث أريد أن أذكر برأي وسط للشيخ عبد المجيد
الزنداني يقول فيه:
كيف نحل المشكلة :
إذا أردنا إنصاف المرأة ،ومنحها حقها كاملً غير منقوص ،وإذا أردنا
الستقامة على هدى ال تعالى ،وإذا أردنا الستقامة على الفطرة اللهية التي خلق
ال الناس عليها ،فإن الطريق لذلك هو أن ننشئ هيئة سياسية خاصة بالمرأة
316
تكون موازية لمجلس النواب ،وتمنح المرأة من الحقوق السياسية ما يتناسب مع
فطرتها ومسؤوليتها نحو بيتها وزوجها وأولدها ،وتستقيم مع أحكام ديننا الذي ل
يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ،وال تعالى يقول :وما كان لمؤمنٍ ول
مؤمنةٍ إذا قضى ال ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [ الحزاب:
.]36
" دعوة :
هذه دعوة ل كل من ير يد للمرأة أن تنال حقوق ها في ظل دين ها ،وأن ت صل
إلى حقوق ها المنا سبة لفطرت ها كاملة غ ير منقو صة ،وأن ت سهم في تدب ير شؤون
المجتمع بما يحفظ لها دينها وأسرتها وبيتها وخصائصها التي فطرها ال عليها.
وإذا كنا نطالب بهذا المجلس على مستوى الدولة فنحن نطالب به على
مستوى التنظيمات السياسية بأن يجعلوا للمرأة مجلسا للشورى خاصا بها ،يمثلها
تمثيلً كاملً ،ويمكنها من ممارسة أنشطتها الفكرية والسياسية والجتماعية،
ويجنبها ويلت الصراع على السلطة التي قد تكون فادحة بالنسبة للمرأة سواء
كانت بنتا أو زوجة أم أما.
نحسب أن هذا المقترح يؤدي الحقوق إلى أهلها ،وينزل كلً من الرجال
والنساء منازلهم الدينية والفطرية ،ويجعلنا أكثر المم إنصافا للمرأة ورعاية
لحقها وحفاظا عليها ،ويخرجنا من التخبط والضلل والضياع الذي يجرنا إليه
التقليد العمى لغير المسلمين " (.)1
() المرأة وحقوقها السياسية في السلم :عبد المجيد الزنداني ،ص .158 – 157 1
317
رأت اللجنة :أنه ل توجد في الشريعة السلمية نصوص تحرم مبدأ
اشتراك المرأة في الحقوق السياسية ،فيبقى المر على الباحة ،كما هو
للرجل ،لقوله تعالى :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة ،]228 :وقد
بايع النبي النساء في بيعة العقبة الثانية ،وكذا بايعهن في بيعة الرضوان.
-2وفي مدى حق المرأة في المشاركة السياسية:
ترى اللجنة :أن مشاركة المرأة في الحقوق السياسية ،مطلقة – بوجه
عام – ول تقيّد إل بالتزام النصوص والداب الشرعية ،ومقتضيات العرف
العام السليم.
-3أما ورود نص قطعي في المشاركة السياسية ،فل تعرف اللجنة نصا قطعيا
في هذا الخصوص.
ول يشترط في الشريعة ورود نص قطعي في كل مسألة ،لنه في حيز
الستحالة ،وإنما يكتفى بالنصوص العامة ،مما يفيد غلبة الظن ،التي هي مناط
الحكام.
318
-3أن يكون الترشيح بمثابة ولية لها على غيرها ،في ممارسة إصدار
القوانين والنظمة ،وغيرها.
ورأت اللجنة ترجيح الوجه الول ،وهو المقرر في العرف العام ،وفي
نظر القانون ،فتسمى نائبا ،فتمارس أعمالها من خلل وكالتها ،نيابة عن
الخرين ،ومن المقرر في الفقه جواز وكالة المرأة في الشرعيات – بوجه عام –
ول سيما ما يتصل منها بشئون النساء على التخصيص.
لكن اللجنة تؤكد على ضرورة اللتزام بالداب الشرعية في أداء عملها،
من مثل:
-1اللتزام بالحجاب الشرعي.
-2عدم الختلط بالجانب ،وعدم الختلء بأحد منهم.
-3عدم السفر منفردة في سبيل أداء بعض أعمالها ،إل مع زوج أو ذي
رحم محرم.
-4عدم إبداء زينتها لحد ،أو ارتداء الملبس المنافية للحشمة.
-5أن تتقيد في وكالتها بالحدود الشرعية الممنوحة للوكيل ،فل
تتجاوزها إلى ما ل يحل لوكيل أن يفعله ،من التجاوزات والمخالفات
والمحظورات التي ترفضها الشريعة.
-6أن تكون مهمتها في هذا المجلس ،الحرص على أن تكون إنجازاتها
كلها وفق الشريعة السلمية ،وخدمة الدعوة إلى الدين الحنيف.
وبهذا التجاه الذي رأته اللجنة يتضح أن ما ذهب إليه بعض أهل العلم،
من اعتبار ترشيح المرأة لهذا المنصب هو من باب الولية ،غير سليم من الناحية
الشرعية والقانونية ،والعراف المعلومة في جميع القاليم ،ول يدخل في عموم
حديث " :ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
هذا من الناحية الفقهية النظرية ،أما من حيث الواقع ،والناحية العملية ،فإن
النتخابات تخالطها مفاسد وشرور كثيرة ،ويتعرض فيه المرشحون لكثير من
319
التجريح والطعن في العراض ،وكشف الستار ،وفضح العيوب ،والتشهير بها،
ومواجهة الصطدامات العنيفة التي ل تليق بالرجال فضلً عن النساء.
ويضاف إلى ذلك أنه ل ضرورة ماسة ،ول حاجة تدعو إلى قذف المرأة
نفسها في هذا المعترك ،وخوض هذه المعارك الجانبية.
لهذا ترى اللجنة أنه يجب أن تنأى المرأة المسلمة عن ترشيح نفسها لهذا
المنصب الخطير حفاظا على مركزها ومكانتها الدقيقة في المجتمع المسلم ،وفي
عملها في السرة والمجتمع ،مندوحة لها عن الشتغال بهذه المجالس وملبساتها
السياسية ،وذلك سدا للذرائع والتزاما بخط السلف العريض في التاريخ السلمي،
وهو تجنب المرأة الشتغال بالمور السياسية ،إل في الضرورة الملحة ،وليس
هذا منها ،وال أعلم ،وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله
وصحبه(.)1
() فتاوي لجنة الفتاء بكلية الشريعة والدراسات السلمية جامعة الكويت ،ص .82 – 79 1
320
إليه ،والطمئنان إلى قدره ،على حين صحت أوروبا على الموروث الغريقي
الذي يصور اللهة في صراع دائم مع البشر ،أو صراع فيما بينهما ،وصراع
النسان مع الكون ،جماده ونباته وحيوانه.
فإنتاج الفنان في مثل هذا الجو القاتم يا ترى ماذا يعكس لنا على شخصية
الفنان ذاته ،وعلى شخصية الخرين ،تاريخيا وسيكولوجيا ؟
لذلك لما انفصل الفنان عن شخصيته النسانية ،أصبح الفن في وادٍ،
والنسان في وادٍ آخر ،هذا النفصال دفع الكثير من الفنانين إلى أن يجعلوا
أعمالهم أعمالً مبتذلة يراد منها ومن خلفياتها ،إشباع فضول كثير من الناس،
وإرضاء حبهم للستطلع ليس غير!
بينما الفنان المسلم وصلته بالكائنات وبالحياة ،صلة القربى والمودة
والعطف والتعاون في ناموس ال أكبر فالنسان في السلم قبضة من طين
ونفخة من روح ال غير منفصل بأحد عنصريه عن عنصره الخر في أية لحظة
من اللحظات فل هو حيوان الداروينية ،ول هو ملك الهندوكية والبوذية.
ل رسالة الحياة غير هارب منها ول إنه إنسان خليفة ال في أرضه :حام ً
متنصل فهذه الشخصية المنهجية تعكس لنا بصورة واضحة منهجية الفن الذي
يسلكه وإذا أردنا الوقوف على حقيقة هذا الفن ،لبد لنا من العودة إلى الصول
المنهجية التي ارتكزت عليها شخصية الفنان(.)1
() السلم وقضايا الفن المعاصر :د .ياسين محمد حسن ،ص .34 – 33 1
321
يتصل بها من أخلقيات وفضائل ،فكان لها أبعد الثر في إيجاد طابع من
الشرعية على الفساد والنحراف وأساليب الغتصاب ،وخاصة فيما يتصل بمجال
الجريمة والجنس.
لقد استطاع اليهود في النصف الول من هذا القرن أن يسيطروا على
صناعة السينما في العالم الغربي ،والمدينة السينمائية في أمريكا (هوليوود)
غارقة في بحر اليهود ،ل تحرك ساكنا ،ول تجري لقطة سينمائية واحدة دون
رقابة اليهود الصارمة ،التي ل تسمح بإخراج أي فيلم ل يخدم أهداف اليهود من
زاوية معينة ،فهم في هوليوود من وراء أفلم الجرام التي تساعد على خلق جيل
من الشباب متشبع بالروح الجرامية ،وهم من وراء أفلم الدعارة السافرة،
وأفلم الجنس ،وهم من وراء أفلم الدعاية اليهودية التي تخدع الشعوب وتبعدهم
عن إدراك حقيقة المشكلة اليهودية التي تسبب الصداع المزمن للعالم كله ،ولم
يكتف اليهود بإدارة صناعة السينما في أوروبا وأمريكا ،وإنما شرعوا في غزو
تلك الصناعة في هوليوود خاصة ،وأخذوا يزودون أمريكا بالممثلين والممثلت
اليهود الذين يسهمون في صنع الفلم المدمرة ،ويشرفون في الوقت نفسه على
جمع المليين وتحويلها لدولتهم المجرمة ،وسيطرة اليهود على صناع السينما في
العالم ،وإشرافهم الكامل على المسارح والملهي ،تتم كلها تنفيذا لوصايا حكمائهم
في محاضرات الجلسات السرية المسماة ببروتوكولت حكماء صهيون ،فهدفهم
الساسي هدم المجتمع القائم ،والتقليل من هيبة الحكومات ،وإشاعة التدهور
الخلقي ،وحل الروابط العائلية بقصد انتشار النحلل الجتماعي.
واليهود يعلمون أن أغلب رواد السينما والملهي من صغار السن أو من
طبقة العمال والفقراء ،لذا فإنهم يعمدون إلى إثارة غرائزهم الجنسية بما يقدمون
إليهم من مواقف عاطفية مثيرة ورقصات خليعة ،وحيل تنير الذهان إلى الخيانة
الزوجية واغتصاب الفتيات والحتيال وكسر الخزائن والنصب والغتيال ،وكلها
تظهر بأفلم اليهود ،أعمالً بطولية بارعة(.)1
322
-3موقف السلم من السينما :
لقد تطور أدب العصر عن بعض أهله إلى ما يوصف :البورنوجرافيا
(الكتابة الداعرة) ول ريب أن أسوأ ما انتهى إليه كتّاب السينما اليوم هو قولهم:
إن أهم عنصر في السينما هو الجنس والجريمة.
وإن التصوير السينمائي تحول من التصوير الجانبي إلى التصوير
المكشوف للعلقات الجنسية ،وأصبحت المناظر الداعرة شيئا عاديا ،حتى أصبح
ل يمكن التمييز بين دور السينما وبيوت الدعارة ،وتؤكد البحاث أن وراء هذه
الظاهرة الخطيرة ،تحقيق الرباح الخيالية ،وتنفيذ الستراتيجية التي ترمي إلى
تدمير القيم النسانية والخلقية في الشعوب والمم ،وخاصة الشعوب السلمية.
ول ريب أن هناك أفلما تخصص للعالم السلمي ،تستهدف أمرا خطيرا
هو إلهاء هذه المة عن حقيقة واقعها وظروفها ،والتحديات التي تواجهها.
ول ريب أن أخطر ما في هذا العمل هو عمل المخرج ،الذي تثقف ثقافة
الغرب ،واحتوته المفاهيم التلمودية والباطنية ،والمفاهيم التي تقدمها الدراما
الغربية واليونانية ،والمفاهيم المسمومة التي تطرحها عن العلقة بين الخالق
تبارك وتعالى وبين الناس(.)1
ولما كانت السينما أداة نفسية بالدرجة الولى علمنا إلى أي حد يكون أثر
ما يعرض فيها على النسان ،فهي قادرة على أن تجتاح كل قيمه التي تعلمها
وقرأها وآمن بها ،بذلك الطراز البديل من الفكر والنظرة ووجهة النظر المغايرة.
ولما كانت السينما في أساسها منشأة اقتصادية لها قوانينها وأحكامها ،ولما
كانت هناك قوى خطيرة تسيطر عليها وتوجهها ،عرفنا إلى أي مدى يكون أثرها
على النسان المعاصر وعلى المجتمعات وعلى الطفال والشباب والفتيات.
من هنا يتشكل ذلك الثر الخطير الذي يغمر النفس البشرية بتقبل فكر
وطابع حياة جماعية من الباحيين الذي يتصورون الحياة كلها سوقا للرقيق
() المجتمع السلمي المعاصر :أنور الجندي ،ص 182وما بعدها. 1
323
وأماكن للدعارة ،وقد توصف هذه الفلم بأنها ترفيهية ،وقد تعالج قضايا
اجتماعية خطيرة فيما يتصل بالعلقة بين الرجل والمرأة ،والرجل والخليلة،
والزوجة وصديق العائلة على نحو مغاير للحياة نفسها ،وتقديم مبادئ جديدة
ومصطلحات وشعارات ل تلبث أن تستشري في المجتمع الواقعي فتؤثر فيه
أخطر الثار.
ول ريب أن السينما كذلك ُتسْتغل لحساب الدعوات والمذاهب الجتماعية
والسياسية ،ولكنها ُتسْتغل أيضا لهدف أبعد من ذلك بكثير أل وهو تطوير
المجتمعات لتكون مهيئة لتحقيق المخططات التلمودية الصهيونية التي حوتها
بروتوكولت حكماء صهيون.
والفكر السلمي لـه منهجه وأسلوبه في معالجة القضايا الجتماعية
والنفسية ،وهو ل يقر هذا السلوب الغربي ،في أن ذكر المسائل وتسويغها هو
وجه من وجوه حلها ،ولكنه يعمد أساسا إلى النسانية فيدفعها إلى أصالتها
ومقوماتها الساسية ،ويرفع أمامها الضوابط والحدود والمسؤولية الفردية
والجزاء ،ولما كان المجتمع السلمي بطبيعته ،مجتمع حياء وخلق ،فإن هذه
الموجة التي تحاول أن تسيطر عليه من عري وكشف وإباحة ،والكشف عما
يدور في غرف النوم ،كل ذلك إنما وجد دائما في غفلة من إرادة الممارسة
الحقيقية للسلوب السلمي الحقيقي ،ول ريب أن الفكر السلمي يحمي المجتمع
السلمي من عرض الشهوات والثام ،ويقاوم كل الوسائل المؤدية إلى كشفها أو
إعلنها أو تسويغها ،إيمانا منه بأن هذا العرض الذي تقدمه السينما إنما يثير
الرغبات إلى إجراء التجربة والتطبيق ،مما يكون بعيد الثر في نفوس الشباب
في إيجاد جو الصراع أو الشعور الغامض بالنفعال.
ولهذا فإن السلم يقف من السينما اليوم كواقع موقف المحارب ،لن
السلم له من قيمه ومفاهيمه ومذاهبه ما يدفع عنه هذه الموجة الخطيرة ،ويمكنه
من التحرر منها بعد أن ثبت إخفاق فلسفات الباحية والعري في بلدنا وبلدها،
324
وبعد أن وصلت إليه أنباء النتائج الخطيرة لمجتمعات الرعب والتحلل في أمريكا
وأوروبا وفي هذا بيان لمن اهتدى وتبصر طريق الحق(.)1
325
حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار
-3قال ال تعالى :مثل الذين ُ
يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات ال وال ل يهدي القوم
الظالمين [ الجمعة.]5 :
نلحظ في هذه الية ،تمثيل اليهود وحالهم الذين أوتوا التوراة وكُلّفوا
العمل بها ،ولكنهم أعرضوا عن التوراة ،فكانوا كمثل الحمار يحمل على
ظهره أحمالً من الكتب ل ينتفع بها ول يعقل.
هذا غيض من فيض مما ورد في القرآن الكريم من المثلة(.)1
أخرجه البخاري في كتاب الطلق باب اللعان (.5/2032 )4998 () 2
أخرجه مسلم في البر والصلة والداب باب تراحم المؤمنين (.4/1999 )2586 () 3
أخرجه البخاري في الشركة باب هل يقرع في القسمة (.2/882 )2361 () 4
326
منهـا يقولون :لول موضـع اللبنـة " ،وفـي روايـة " :فأنـا اللبنـة وأنـا خاتـم
المرسلين " (.)1
وعن أبي موسى الشعري قال :قال رسول ال " :م ثل المؤ من الذي
يقرأ القرآن كمثل الترجة ريحها طيب وطعمها طيب ،ومثل المؤمن الذي ل يقرأ
القرآن كمثـل التمرة ل ريـح لهـا وطعمهـا حلو ،ومثـل المنافـق الذي يقرأ القرآن
كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ،ومثل المنافق الذي ل يقرأ القرآن كمثل
الحنظلة ريحها مرّ وطعمها مرّ " (.)2
مـن هذه النصـوص التـي أوردناهـا يتـبين لنـا أن توضيـح الفكرة بشيـء
محسوس وتجسيد الموقف بصورة مادية هو من أسلوب القرآن الكريم والحديث
النبوي الشريف ،في الموعظة والتأثير والقناع ،والمُحاجّة ،واستجاشة العاط فة،
وش حذ اله مم ،وتر سيخ الفكرة وهدا ية الناس إلى الخ ير ،وت ثبيت دعائم ال صلح
في المجتمع.
وما التمثيل في المسرح إل من هذا القبيل ،حيث تجسيد حادثة تاريخية ،أو
إبراز فكرة ،أو غير ذلك مما يكون الهدف منه الصلح والهداية ليس غير ،وإن
التمثيل بالشخصيات ورد ذكره في كثير من الحاديث الشريفة وإليك بعضها:
-1أخرج ابن حبان في صحيحه ،أنه مر – أي :الرسول في أثناء معراجه
إلى ال سماء – برجال تقرض شفاه هم بمقار يض من النار ،فقال " :من
هؤلء يـا جبريـل ؟ " ،فقال :الخطباء مـن أمتـك ،يأمرون الناس بالبر
وينسون أنفسهم ،وهم يتلون الكتاب أفل يعقلون " (.)3
-2وفي حديث آخر :ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر – تكسر –
كلما رضخت عادت كما كانت ،ول يفتّر عنهم من ذلك شيء فقال " :ما
() أخرجه الترمذي في المثال باب ما جاء في مثل النبي والنبياء قبله ( ،5/147 )2862قال أبو عيسى: 1
هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ،وابن حبان في صحيحه (.14/317 )6407
() أخرجه البخاري في الطعمة باب ذكر الطعام ( ،5/2070 )5111ومسلم في صلة المسافرين باب فضيلة 2
327
هذا يـا جبريـل؟ " ،قال :هؤلء الذيـن تتثاقـل رؤوسـهم عـن الصـلة
المكتوبة(.)1
وخل صة القول :إن التمث يل مباح شرعا ،ول يس ف يه أي ش يء من التحر يم
أو الكراهة والمور بمقاصدها(.)2
() تهذيب الثار :الطبري ( ،1/433 )727تفسير ابن كثير .3/18 1
() فتاوي لجنة الفتاء :كلية الشريعة والدراسات السلمية (جامعة الكويت) ،ص .90 – 86 3
328
من الوجهة السليمة نحو الضطراب والخراب والتدمير وأن ل يخدم التمثيل
نظاما أجنبيا أو مبدأ هداما.
ه ـ-العتدال في اتخاذ الحركات والض حك والنفعالت ،بح يث ل تخرج عن
حدود آداب اللياقـة ،ونسـتأنس بهذا بأن جـل ضحـك النـبي التبسـم(،)1
ومزاحه ل يكون إل قول الحق ،ومداعبته للطفال ،وتقبيله لهم ،والمباسطة
ل هم ،كقوله " :يا أ با عم ير ما ف عل النف ير؟ " ( ،)2و ما إلى ذلك ،وتؤ كد
اللجنة على اعتبار التمثيل وسيلة من وسائل الصلح الجانبي ،وتركز على
الجا نب العملي والعل مي بالقدوة الح سنة ،ك ما أشار إلى ذلك القرآن في قوله
تعالى :لقد كان لكم في رسول ال أسوة حسنة [ الحزاب.]21 :
و -أن ي ستهدف التمث يل م صلحة الد ين والعلم والمجت مع والن سانية ،م ما يعود
بالخير لصالح الفرد والمجتمع والسرة.
ز -أن يقوم على التمثيـل والخراج رجال صـالحون واعون لقضايـا المـة
ومتطلباتهـا ،يتخذون منهجا إيجابيا للصـلح والتوجيـه فـي بناء المجتمـع
الفاضل(.)3
أما إذا خالف التمثيل هذه الضوابط غدا انحطاطا وفحشا وال عزوجل نهانا
عن الفحش والسوء ،نحن مع تمثيل فكرة نافعة تحمل قيمة رفيعة اجتماعية ،ومع
تمثيل قصة واقعية أو متخيلة ذات مضمون إنساني بنّاء تحمل أيضا قيمة إنسانية
ناف عة ناج عة ،أ ما إذا ات جه ال مر إلى سوى ذلك أو إلى ع كس هذا فال مر خ طر
وجلل وف تن شريرة ،ال سلم لم ي قف ضد ال فن بل يش جع ال فن ،ول كن هيهات أن
نخلط ب ين ال فن وب ين الترهات والف ساد ،وعند ها ي قف ال سلم ضده ،لن ال سلم
خير كله(.)4
المعجم الكبير ( ،22/155 )414شعب اليمان ( ،2/154 )1430الشمائل المحمدية (.1/184 )226 () 1
أخرجه البخاري في الدب باب النبساط إلى الناس (.5/2270 )5778 () 2
حوار مع الشيخ محمود عكام :مجلة لها الصادرة في لندن العدد 113تاريخ .13/11/2002 () 4
329
-6الختلط في التمثيل :
ال سؤال :هل يجوز للمرأة أن تم ثل – من ح يث أن تختلط بالرجال – مع
محرم أو بدون محرم ؟
الجواب :رأت اللجنة أن الختلط بالرجال عامة جائز شرعا ،عند الحاجة
العلم ية أو الدين ية أو الجتماع ية أو الحا جة الداع ية لذلك ،سواء كا نت تربو ية أو
تعليميـة ،وفـي التمثيـل أغراض نـبيلة ،مـن أهمهـا توصـيل المعلومات السـليمة
والصحيحة إلى الجمهور.
فترى اللجنة أنه ل مانع من أن تقوم المرأة بتمثيل أدوار هادفة ،وتوجيهية
لغراض نـبيلة وشريفـة ،لكنهـا تشترط فـي ذلك المحافظـة على الداب والحكام
الشرع ية ،وبخا صة ما يت صل بالحجاب ،وامتناع الخلوة بالرجال ،والمتناع عن
ا ستعمال ال صبغة ،وأدوات الزي نة ،والمثيرات المغر ية ،و ما يت صل بذلك ،وال
أعلم ،وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(.)1
وهناك مـن العلماء مـن يحرم اختلط المرأة مـع الجانـب وخاصـة فـي
موضوع التمثيل :ومن هؤلء الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه ال تعالى – لما
في ذلك من أخطار ومحاذير شرعية(.)2
وقال " :والكتاب وال سنة دل على تحر يم الختلط وتحر يم جم يع الو سائل
المؤدية إليه قال جل وعل :وقرن في بيوتكن ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى
وأقمـن الصـلة وآتيـن الزكاة وأطعـن ال ورسـوله إنمـا يريـد ال ليذهـب عنكـم
الر جس أ هل الب يت ويطهر كم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوت كن من آيات ال
والحكمة إن ال كان لطيفا خبيرا [ الحزاب.]33 :
فأمـر ال أمهات المؤمنيـن – وجميـع المسـلمات والمؤمنات داخلت فـي
ذلك – بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد
لن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما قد يفضي إلى شرور أخرى ثم
() فتاوي لجنة الفتاء :كلية الشريعة والدراسات السلمية (جامعة الكويت) ،ص .89 1
() موقع الشيخ ابن باز – رحمه ال – على النترنتwww.BinBaz.org.sa : 2
330
أمرهـن بالعمال الصـالحة التـي تنهاهـن عـن الفحشاء والمنكـر وذلك بإقامتهـن
الصلة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن ل ولرسوله .
ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والخرة وذلك بأن يكن على
ات صال دائم بالقرآن الكر يم وبال سنة النبو ية المطهرة اللذ ين فيه ما ما يجلو صدأ
القلوب ويطهرها من الرجاس والنجاس ويرشد إلى الحق والصواب.
وقال ال تعالى :يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين
عليهـن مـن جلبيبهـن ذلك أدنـى أن يعرفـن فل يؤذيـن وكان ال غفورا رحيما
[الحزاب.]59 :
فأمـر ال نـبيه عليـه الصـلة والسـلم وهـو المبلغ عـن ربـه – أن يقول
لزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلبيبهن وذلك يتضمن
ستر با قي أج سامهم بالجلب يب وذلك إذا أردن الخروج لحا جة لئل تح صل ل هن
الذية من مرضى القلوب.
فإذا كان المر بهذه المثابة ف ما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلطها
معهم وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في
مستواهم وذهاب كثير من حيائها ليحصل بذلك النسجام بين الجنسين المختلفين
معنى وصورة.
قال ال جل وعل :قل للمؤمن ين يغضوا من أب صارهم ويحفظوا فروج هم
ذلك أزكى لهم إن ال خبيرٌ بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن
ويحف ظن فروج هن ول يبد ين زينت هن إل ما ظ هر من ها وليضر بن بخمر هن على
جيوبهن الخ الية [النور.]31 :
يأمر ال نبيه عليه الصلة والسلم أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا
بغض البصر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا المر أزكى لهم.
ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ول شك أن
إطلق البصـر واختلط النسـاء بالرجال والرجال بالنسـاء فـي مياديـن العمـل
وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة.
331
وهذان المران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع
المرأة الجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له.
فاقتحامها هذا الميدان معه أو اقتحامه الميدان معها ل شك أنه من المور
ال تي ي ستحيل مع ها غض الب صر وإح صان الفرج والح صول على زكاة الن فس
وطهارتها.
وهكذا أ مر ال المؤمنات ب غض الب صر وح فظ الفرج وعدم إبداء الزي نة إل
ما ظ هر من ها ،وأمر هن ال بإ سدال الخمار على الجيوب المتض من ستر رأ سها
ووجهها ،لن الجيب محل الرأس والوجه.
فكيـف يحصـل غـض البصـر وحفـظ الفرج وعدم إبداء الزينـة عنـد نزول
المرأة ميدان الرجال واختلط ها مع هم في العمال؟ والختلط كف يل بالوقوع في
هذه المحاذير.
وك يف يح صل للمرأة الم سلمة أن ت غض ب صرها و هي ت سير مع الر جل
الج نبي جنبا إلى ج نب بح جة أن ها تشار كه في العمال أو ت ساويه في جم يع ما
يقوم به ؟
() أخرجه أبو داود في الجنائز باب في البكاء على الميت (.3/193 )3126 1
() أخرجه البخاري في التفسير باب وما قدروا ال حق قدره (.4/1812 )4533 2
332
وانتفخت أوداجه ،ورفع صوته( ،)1ولنا في رسول ال أسوة حسنة ،وال أعلم،
وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه(.)2
() أخرجه البخاري في العلم باب الغضب في الموعظة (.1/46 )90 1
333
ج -يخ شى من تمث يل أدوار هم الم ساس بأشخا صهم ،وإل صاق ما ل يل يق ب هم،
فيتخـذ أهـل الحقـد والغراض مـن التمثيـل سـبيلً إلى النيـل منهـم ،والدس
عليهـم ،والحـط مـن أقدارهـم ،والفتراء على سـيرتهم وأعمالهـم ،وتشويـه
سمعتهم ،والتشغيب عليهم في التاريخ.
د -إن الممثل ين عادة يمثلون أدوارا ش تى ،من ها الرف يع ومن ها الوض يع ،فيخ شى
من تمثيلهم أدوار النبياء والصحابة أن يبث السامع من الدوار الخبيثة ما
ل يليق بالنبياء وكبار الصحابة.
أ ما سائر ال صحابة فل ترى اللج نة ،مانعا من تمثيل هم ،شري طة أن يكون
الغرض من التمثيل شريفا ونبيلً ،وأن يكون مطابقا للواقع التاريخي ،وخاليا من
الشوائب التي تمس مكانتهم ورفعتهم ،وأن تسيطر على أدوارهم التمثيلية المانة
الحقيقية والتاريخية والعلمية ،وال أعلم ،وصلى ال وسلم على سيدنا ونبينا محمد
وعلى آله وصحبه(.)1
() الحلل والحرام في السلم :د .يوسف القرضاوي ،ص .287 2
334
الدن يا أو تحرض على ال ثم أو تغري بالجري مة أو تد عو لفكار منحر فة،
أو تروج لعقائد باطلة ،إلى آ خر ما نعرف ،ف هي حرام ل ي حل للم سلم أن
يشاهدها أو يشجعها.
ثانيا :أن ل تشغله عن واجب ديني أو دنيوي .وفي طليعة الواجبات الصلوات
الخمس التي فرضها ال كل يوم على المسلم ،فل يجوز للمسلم أن يضيع
صلة مكتوبة – كصلة المغرب – من أجل رواية يشاهدها :قال تعالى:
فو يل للم صلين .الذ ين هم عن صلتهم ساهون [ الماعون ،]5-4 :وف سر
السهو عنها بتأخيرها حتى يفوت وقتها ،وقد جعل القرآن من جملة أسباب
تحريم الخمر والميسر أنها تصد عن ذكر ال وعن الصلة.
ثالثا :أن يتجنـب مرتادهـا الملصـقة والختلط المثيـر بيـن الرجال والنسـاء
الجنبيات منهم ،منعا للفتنة ،ودرءا للشبهة ،ول سيما المشاهدة ل تتم إل
تحـت سـتار الظلم وقـد مـر بنـا الحديـث " :لن يطعـن فـي رأس أحدكـم
بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة ل تحل له " (.)1
ويضيف الستاذ عبدال علوان – رحمه ال – على هذا الشرط " :أن تكون
صالة العرض خالصة مما يشوبها من منكر ،وبريئة مما يحيط بها من فساد...
أما إذا شاب الصالة منكر ،أو لحق بها إثم ،كوجود اختلط بين نساء ورجال ،أو
سماع عزف على آلت الن غم ،أو إظهار لقطات جاهل ية من ر قص فا جر وغناء
خليـع ،أو عرض أشياء بيـن فترة وفترة تهيـج الغريزة ،وتثيـر الفتنـة ،فل يجوز
شرعا ارتياد هذه الصـالة مهمـا كان عرض التمثيليـة سـليما ومهمـا كان الفيلم ذا
توجيه وموضوعية(.)2
ويرى بعض العلماء المنع من ارتياد دور السينما مطلقا ويجيب عما سبق
ذكره من شروط ،ومدار النقض عند هؤلء المانعين على وجهين:
() أخرجه الطبراني في الكبير ( ،20/211 )486والمنذري في الترغيب والترهيب وقال :أخرجه الطبراني 1
335
الول :اسـتحالة توفـر هذه الشروط التـي ذكرهـا كـل مـن د .القرضاوي
ود .عبدال علوان في السينما وخلوها من المحاذير المذكورة فيها.
الثانسي :اشتمالهـا على الصـور المتحركـة ومشاهدتهـا ،وفـي نظرهـم أن
التصوير لذوات الرواح واستعمال الصور محرم مطلقا ،وكذا مشاهدتها(.)1
ونرجح القول بالتفصيل فالسينما ل تحرم لذاتها وإنما بما يعرض فيها وال
أعلم.
قائمة المراجع
-1أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة :محمد نعيم ياسين ،دار النفائس
ط ،2الردن 1419هـ.
-2الجتهاد :جلل الدين السيوطي ،تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد ،مؤسسة
شباب الجامعة 1405هـ.
-3الجتهاد الجماعي في التشريع السلمي :د .عبد المجيد السوسوه
الشرفي ،كتاب المة ،قطر 1418هـ.
-4الجتهاد الجماعي في العالم السلمي :جامعة المارات العربية المتحدة.
-5الجتهاد الجماعي ودور المجامع الفقهية في تطبيقه :د.شعبان محمد
شعبان ،دار البشائر السلمية ،ط ،1بيروت لبنان 1418هـ.
-6الجتهاد في الشريعة السلمية :محمد صالح موسى ،دار طلس دمشق
1989م.
-7إحكام الحكام :تقي الدين ابن دقيق العيد( 702هـ) دار الكتب العلمية،
بيروت .
() قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية :مادون رشيد ،ص .249 1
336
-8الجتهاد المعاصر بين النضباط والنفراط :د .يوسف القرضاوي ،دار
التوزيع والنشر1414 ،هـ.
-9أحكام أهل الذمة :محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي ( 751هـ) رمادي
للنشرط ،1الدمام 1418هـ.
-10أحكام التعدد في ضوء الكتاب والسنة :إحسان بن محمد بن عايش
العتيبي.
-11الحكام السياسية للقليات المسلمة في الفقه السلمي :سليمان محمد
توبولياك دار البيارق ،ط 1418 ،1هـ.
-12أحكام القرآن :محمد بن عبد ال ابن العربي ( 453هـ) دار الفكر
للطباعة ،لبنان.
-13أحكام القرآن :أحمد بن علي الرازي الجصاص ( 370هـ) دار إحياء
التراث ،بيروت 1418هـ.
-14الحكام في أصول الحكام :علي بن محمد المدي ،المكتب السلمي
1402هـ.
-15إحياء علوم الدين :محمد بن محمد الغزالي ( 505هـ) دار القلم ط
،3بيروت.
-16أدب القاضي :علي بن محمد بن حبيب الماوردي (450هـ) تحقيق :
يحي هلل السرحان ،مطبعة الرشاد ،بغداد 1391هـ.
-17إرشاد الفحول :محمد بن علي الشوكاني ( 1250هـ) مؤسسة الكتب
الثقافية.
-18الستفتاء الشعبي بين النظمة الوضعية والشريعة السلمية :د .ماجد
راغب الحلو ،مكتبة المنار السلمية ط ،1الكويت 1400هـ.
-19الستنساخ قنبلة العصر :صبري الدمرداش ،مكتبة العبيكان ،ط ،1
الرياض 1997م.
337
السلم عقيدة وشريعة :الشيخ محمود شلتوت ،ط ،12دار الشروق، -20
بيروت.
السلم وقضايا الفن المعاصر :د .ياسين محمد حسن ،دار اللباب ،ط -21
1410 ،1هـ.
الشباه والنظائر :زين الدين بن إبراهيم بن نجيم (970هـ) دار الكتب -22
العلمية ،بيروت 1400هـ.
أصول الدعوة :د .عبد الكريم زيدان ،مؤسسة الرسالة ،بيروت 1996م. -23
أصول الفقه السلمي :د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر ط الولى 1406 -24
هـ.
أصول القانون الدولي الخاص :د .محمد كمال فهمي ،مؤسسة الثقافة -25
الجامعية ،السكندرية 1992م.
إعلم الموقعين :ابن القيم الجوزية ،تحقيق محمد محيي الدين عبد -26
الحميد المكتبة العصرية.
إعانة الطالبين :أبو بكر بن السيد محمد شطا الدمياطي ،دار الفكر -27
للطباعة ،بيروت.
القناع :أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (450هـ) مكتبة العروبة، -28
ط 1402 ،1هـ.
اكتساب الجنسية الصلية بالميلد لب وطني :د .هشام خالد ،دار -29
الفكر الجامعي ،السكندرية 2000م.
النصاف :علي بن سليمان المرداوي (885هـ) دار إحياء التراث، -30
بيروت.
الم :المام محمد بن إدريس الشافعي ( 204هـ) الهيئة المصرية -31
العامة للكتاب 1407هـ.
الموال :أبو عبيد القاسم بن سلم (224هـ) دار الفكر ،بيروت -32
1408هـ.
338
النترنت تقنيات وخدمات :د.عبد القادر بن عبد ال الفتوح ،كتيب من -33
إصدار " المجلة العربية " شوال 1418هـ.
البحر الرائق :زين الدين بن نجيم (970هـ) دار المعرفة ،ط ،2 -34
بيروت.
بدائع الصنائع :علء الدين الكاساني ( 587هـ) دار الكتاب العربي ،ط -35
،2بيروت 1982م.
بداية المجتهد :محمد بن أحمد بن رشد ( 595هـ) دار الفكر ،بيروت. -36
البداية والنهاية :إسماعيل بن كثير( 774هـ) دار الكتب العلمية، -37
1405هـ.
البطاقات البنكية :أ.د .عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،دار القلم ط ،1 -39
1419هـ.
بطاقة الئتمان :الصديق محمد الضرير ( بحوث مؤتمر العمال -40
المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة المارات ).
بطاقات الئتمان :د .محمد عبد الحليم عمر ( بحوث مؤتمر العمال -41
المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة المارات ).
بطاقة الئتمان :د.مبارك جزاء الحربي ( بحوث مؤتمر العمال -42
المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة المارات ).
البيان والتحصيل :ابن رشد القرطبي ،دار المغرب السلمي 1406هـ -43
بيروت.
التاريخ الكبير :محمد بن إسماعيل البخاري ،دار الفكر ،بيروت. -44
التاج والكليل :محمد بن يوسف العبدري المواق (897هـ) دار الفكر، -45
ط ،2بيروت 1398هـ.
تبيين الحقائق :فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي (743هـ) بولق ،ط -46
1315 ،1هـ.
339
-47تحفة الحوذي :محمد عبد الرحيم المباركفوري (1353هـ) دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-48تدوين الدستور السلمي :أبو العلى المودودي ،مؤسسة الرسالة
1975م.
-49الترغيب والترهيب :عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ( 656هـ) دار
الكتب العلمية ،ط ،1بيروت 1417هـ.
-50التشريع السلمي :شعبان محمد إسماعيل ،مكتبة النهضة المصرية ط
الولى.
-51تفسير الرازي (التفسير الكبير) :فخر الدين محمد بن عمر الرازي (
606هـ) ط .3
-52تفسير الطبري ( جامع البيان ) :محمد بن جرير الطبري (310هـ)
دار الفكر ،بيروت 1405هـ.
-53تفسير القرطبي ( :الجامع في أحكام القرآن ) محمد بمن أحمد
النصاري القرطبي ( 671هـ) دار الشعب ،القاهرة.
-54تفسير ابن كثير :إسماعيل بن كثير الدمشقي (774هـ) دار الفكر،
بيروت 1401هـ.
-55تفسير المراغي :أحمد مصطفى المراغي ،المكتبة التجارية.
-56تفسير المنار :محمد رشيد رضا ،دار الفكر للطباعة ،بيروت.
-57التعاريف :محمد عبد الرؤوف المناوي ( 1031هـ) دار الفكر
المعاصر ،ط ،1بيروت 1410هـ.
-58التعريفات :علي بن محمد بن علي الجرجاني ،دار الكتاب العربي ،ط
1405 ،1هـ.
-59تلخيص الحبير :أحمد بن حجر العسقلني (852هـ) المدينة المنورة
1384هـ.
340
-60التمهيد :يوسف بن عبد ال بن عبد البر النمري (463هـ) وزارة
الوقاف والشؤون السلمية ،ط ،1المغرب.
-61تهذيب الثار :محمد بن جرير الطبري ( 310هـ) مطبعة المدني،
القاهرة.
-62تيسير التحرير :محمد أمين بادشاه ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-63الثمر الداني :صالح عبد السميع البي ،المكتبة الثقافية ،بيروت.
-64جامع بيان العلم وفضله :ابن عبد البر تحقيق أبي الشبال الزهيري ،دار
ابن الجوزي ،الدمام 1994م.
-65جامع العلوم والحكم :عبد الرحمن بن رجب الحنبلي (795هـ)
الرسالة ،ط ،1بيروت1411 ،هـ.
-66جامع مسائل الحكام :للبرزلي – مجلة كلية الداب والعلوم النسانية
بالرباط العدد .5
-67جمع الجوامع :عبد الوهاب ابن السبكي ،دار إحياء الكتب العربية،
القاهرة.
-68الجنين المشوه والمراض الوراثية :د .محمد علي البار ،دار القلم ،ط
،1دمشق1411 ،هـ.
-69حاشية البجيرمي :سليمان بن عمر بن محمد البجيرمي ،المكتبة
السلمية ،ديار بكر ،تركيا.
-70حاشية الدسوقي على الشرح الكبير :محمد بن أحمد عرفة الدسوقي
(1230هـ) عيسى البابي الحلبي ،القاهرة.
-71حاشية ابن عابدين ( :رد المحتار ) محمد أمين الشهير بابن عابدين (
1252هـ) دار الفكر للطباعة ،بيروت 1421هـ.
-72حاشية العدوي :الشيخ علي العدوي (1189هـ) دار صادر.
( -73حاشية قليوبي وعميرة :أحمد قليوبي (1069هـ) وأحمد عميرة
957هـ) مصطفى البابي الحلبي ،ط ،3القاهرة 1375هـ.
341
-74الحركات النسائية وصلتها بالستعمار :محمد عطية خميس ،دار
النصار ،القاهرة.
-75الحريات العامة :د .عبد الحكيم عبد ال ،رسالة دكتوراه ،جامعة عين
شمس.
( -76الحساب الفلكي لتحديد أوائل الشهور العربية :د .مسلم شلتوت
إسلم أون لين ).
-77الحقوق السياسية للمرأة :د .عبد الحميد الشواربي ،منشأة المعارف،
السكندرية.
-78حقوق المرأة في السلم :د .محمد عرفة ،مطابع الفرزدق التجارية.
-79حكم إجراء العقود بوسائل التصال الحديثة :محمد عقلة البراهيم (
مجلة كلية الشريعة والدراسات السلمية جامعة الكويت ،العدد
الخامس ).
-80حكم إجراء العقود بوسائط التصال الحديثة :د.وهبة الزحيلي ،دار
المكتبي ،ط ،1دمشق 1420هـ.
-81حكم السلم في وسائل العلم :الشيخ عبد ال علوان ،دار السلم.
-82حكم التعاقد عبر أجهزة التصال الحديثة :د.عبد الرزاق رحيم الهيتي،
دار البيارق ،ط ،1الردن 1421هـ.
-83الحلل والحرام :د .يوسف القرضاوي ،مكتبة وهبة.
-84حواشي الشرواني :عبد الحميد الشرواني ،دار الفكر ،بيروت.
-85الخرشي على خليل :محمد بن عبد ال بن علي الخرشي ،دار صادر،
بيروت.
-86الدر المختار :محمد بن علي الحصكفي (911هـ) دار الفكر ،ط ،2
بيروت 1403هـ.
-87الدر المنثور :جلل الدين السيوطي (911هـ) دار الفكر ،ط ،1بيروت
1403هـ.
342
-88الدراية في تخريج أحاديث الهداية :أحمد بن علي بن حجر العسقلني
( 852هـ) دار المعرفة ،بيروت.
-89دروس في القانون الدولي الخاص :د .هشام صادق و د .حفيظة
الحداد ،دار الفكر الجامعي ،السكندرية 1999م.
-90الذخيرة :شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي (684هـ) دار الغرب،
بيروت 1994م.
-91الذريعة إلى مكارم الشريعة :لبي القاسم الحسين بن محمد بن المفضل
المعروف بالراغب الصفهاني :تحقيق :د .أبو اليزيد العجمي ،دار
الوفاء ،المنصورة.
-92الرسالة :محمد بن إدريس الشافعي :تحقيق أحمد شاكر دار الكتب
العلمية ،بيروت.
-93روح المعاني :شهاب الدين اللوسي ( 1270هـ) دار الفكر للطباعة،
بيروت 1997م.
-94روضة الطالبين :يحي بن شرف النووي (676هـ) المكتب السلمي،
بيروت 1386هـ.
-95الروضة الندية :محمد صديق حسن خان (1307هـ) دار الجيل ،بيروت
1986م.
-96الروض المربع :الشيخ منصور بن يونس البهوتي (1051هـ) مكتبة
الرياض الحديثة ،الرياض 1390هـ.
-97زاد المعاد في هدي خير العباد :شمس الدين ابن القيم الجوزية (
751هـ) دار الفرقان ،عمان.
-98الزواج والطلق في السلم :بدران أبو العينين بدران ،دار النهضة
العربية.
-99سبل الستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي في التطبيقات
المعاصرة :د .وهبة الزحيلي ،دار المكتبي ،ط 1421 ،1هـ.
343
-100سنن البيهقي ( :السنن الكبرى ) أحمد بن الحسين البيهقي ( 458هـ)
دار المعرفة ،بيروت.
-101سنن الترمذي :أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة :تحقيق أحمد
شاكر :دار الكتب العلمية – بيروت.
-102سنن الدارمي :عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي ( 181هـ ) دار
الكتاب العربي بيروت.
-103سنن أبي داود :المام الحافظ أبو داود سليمان السجستاني :دار الفكر.
-104سنن سعيد بن منصور :بن شعبة الخراساني (227هـ) دار الكتب
العلمية ،ط 1405 ،1هـ.
-105سنن ابن ماجة :محمد بن يزيد القزويني ( 227هـ) دار الفكر،
بيروت.
-106سنن النسائي :للحافظ عبد الرحمن بن شعيب النسائي (303هـ) ،دار
القلم بيروت.
-107شرح تنقيح الفصول :شهاب الدين القرافي تحقيق طه عبد الرؤوف:
مكتبات الكليات الزهرية ط أولى .1393
-108شرح صحيح مسلم :يحي بن شرف النووي (676هـ) دار الفكر،
بيروت 1402هـ.
-109الشرح الصغير :أحمد بن محمد الدردير (1201هـ) دار المعارف،
القاهرة 1392هـ.
-110شرح العمدة :أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (727هـ) مكتبة العبيكان،
ط ،1الرياض 1413هـ.
-111شرح فتح القدير :كمال الدين بن الهمام (681هـ) دار الفكر ،بيروت.
-112الشرح الكبير :أحمد بن محمد الدردير ( 1201هـ) دار الفكر.
-113شرح الكوكب المنير :الشيخ محمد بن أحمد … المعروف بابن النجار:
مكتبة العبيكان 1413هـ.
344
-114شرح منتهى الرادات :الشيخ منصور البهوتي ( 1051هـ) دار الفكر،
بيروت.
-115شعب اليمان :أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ) دار الكتب العلمية،
ط ،1بيروت 1410هـ.
-116الشمائل المحمدية :محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (279هـ)
مؤسسة الكتب ،ط ،1بيروت 1412هـ.
-117الشورى بين الصالة والمعاصرة :عز الدين التميمي ،دار البشير،
عمان 1985م.
-118الشورى بين النظرية والتطبيق :د .قحطان الدوري ،مطبعة المة ،ط
،1بغداد.
-119الشورى في السلم :د .حمد الكبيسي ،المجمع الملكي لبحوث
الحضارة السلمية ،الردن.
-120الصحاح :إسماعيل بن حماد الجوهري :تحقيق أحمد عبد الغفار
عطار ،دار العلم للمليين ،ط 1990 ،4م.
-121صحيح البخاري :محمد بن إسماعيل البخاري ( 256هـ) دار ابن
كثير ،ط ،3بيروت 1407هـ.
-122صحيح ابن حبان :محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي ( 354هـ)
الرسالة ،ط ،2بيروت 1414هـ.
-123صحيح مسلم :مسلم بن الحجاج القشيري (256هـ) دار إحياء التراث،
بيروت.
-124ضوابط الجتهاد والفتوى :أستاذنا د .أحمد طه ريان :دار الوفاء ط
1415 ،1هـ.
-125ضوابط للدراسات الفقهية :الشيخ سلمان العودة ،دار العاصمة
الرياض.
345
-126الطبيب أدبه وفقهه :د .زهير السباعي و د .محمد على البار ،دار
القلم ،ط ،2دمشق 1418هـ.
-127علم أصول الفقه :عبد الوهاب خلف :دار القلم ،الكويت 1986م.
-128عمدة القارئ :بدر الدين محمود بن أحمد العيني (855هـ) دار إحياء
التراث بيروت.
-129عون المعبود :محمد شمس الحق العظيم آبادي ،دار الكتب العلمية
بيروت.
-130غاية المنتهى :مرعي بن يوسف الحنبلي (1033هـ) المؤسسة
السعيدية ،ط 2الرياض.
-131الفتاوى :الشيخ محمد شلتوت :دار الشروق.
-132الفتاوى :أبو اسحق إبراهيم الشاطبي :جمعها وحققها محمد أبو
الجفان ط الولى 1405هـ.
-133فتاوى ابن رشد (الجد) :دار الغرب السلمي ،بيروت.
-134فتاوى شرعية :الشيخ حسنين مخلوف ،دار العتصام ،القاهرة 1985م.
-135فتاوى علماء البلد الحرام :سعد بن عبد ال البريك ،مؤسسة
الجريسي ،الرياض.
-136الفتاوى الكبرى :شيخ السلم ابن تيمية (738هـ) دار الكتب الحديثة،
القاهرة 1906م.
-137فتاوى لجنة الفتاء :بكلية الشريعة والدراسات السلمية :جامعة
الكويت.
-138الفتاوى الهندية :الشيخ نظام ،دار إحياء التراث العربي ،ط ،4
بيروت.
-139الفتاوى والتاريخ :محمد المختار ولد السعد :دار الغرب الطبعة
الولى 2000م.
346
فتاوى معاصرة :الدكتور يوسف القرضاوي ،دار الوفاء ،ط ،2القاهرة -140
1414هـ.
فتح الباري :أحمد بن علي بن حجر العسقلني (852هـ) دار -141
المعرفة ،بيروت.
فتح العزيز :الرافعي ،المكتبة السلفية ،المدينة المنورة. -142
فتح العلي المالك :الشيخ محمد عليش ،مطبعة مصطفى البابي ،مصر -143
1378هـ.
فتح القدير :محمد علي الشوكاني (1250هـ) دار الفكر ،بيروت. -144
الفروع :شمس الدين محمد بن مفلح (763هـ) عالم الكتب ،بيروت. -145
الفروق :أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي (684هـ) عالم الكتب. -146
الفقه السلمي وأدلته :د .وهبة الزحيلي ،دار الفكر ،ط ،3دمشق -147
1409هـ.
فقه الزكاة :د .يوسف القرضاوي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت 1985م. -148
فقه العقود المالية :د.الحسين شواط و د.عبد الحق حميش ،دار -149
البيارق ،عمان.
فقه النوازل :إعداد ونشر :الجامعة المريكية المفتوحة. -150
فقه النوازل :بكر أبو زيد ،دار العاصمة. -151
الفقيه والمتفقه :الخطيب البغدادي :تحقيق عادل العزازي :دار ابن -152
الجوزي.
فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت :عبد العلي الكلنوي :دار صادر -153
ط الولى.
الفواكه الدواني :أحمد بن غنيم بن سالم النفراوي (1120هـ) دار -154
الفكر ،بيروت 1415هـ.
القاموس المحيط :مجد الدين بن يعقوب الفيروز آبادي ( 817هـ) -155
الرسالة ،ط ،1بيروت 1406هـ.
347
-156قرارات المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم السلمي :المانة العامة
لرابطة العالم السلمي ،ط الرابعة 1411هـ.
-157قضايا طبية معاصرة :جمعية العلوم الطبية المعاصرة ،دار البشير ،ط
،1عمان 1415هـ.
-158قضايا فقهية معاصرة :محمد سعيد رمضان البوطي ،مكتبة الفارابي،
ط ،1دمشق.
-159قضايا فقهية معاصرة :محمد برهان الدين السنبهنلي ،دار القلم ،ط
،1دمشق 1408هـ.
-160قضايا اللهو والترفيه بين الحاجة النفسية والضوابط الشرعية :
مادون رشيد ،قطر.
-161قواعد الحكام :العز بن عبد السلم ،دار الكتب العلمية.
-162قواعد الفقه :محمد عميم الحسان المجددي البركتي ،كراتشي
1407هـ.
-163القوانين الفقهية :محمد بن جزي الغرناطي (741هـ) دار العلم
للمليين 1979م.
-164الكافي :يوسف ابن عبد البر النمري (463هـ) دار الكتب العلمية ،ط
،1بيروت 1407هـ.
-165الكافي في فقه الحنابلة :عبد ال بن قدامة المقدسي ( 620هـ) المكتب
السلمي.
-166كشاف القناع :الشيخ منصور البهوتي (1051هـ) مكتبة النصر
الحديثة ،الرياض.
-167الكليات :أبو البقاء أيوب بن موسى الكفوي :مؤسسة الرسالة ،ط ،1
1412هـ.
-168لسان العرب :جمال الدين محمد بن كرم بن منظور ،دار صادر،
بيروت.
348
لقاءات ومحاورات حول قضايا السلم والعصر :د .يوسف -169
القرضاوي ،مكتبة وهبة ،القاهرة 1992م.
ماهية بطاقة الئتمان :أ.د .محمد رأفت عثمان ( بحوث مؤتمر -170
العمال المصرفية اللكترونية بين الشريعة والقانون /جامعة
المارات ).
مبادىء نظام الحكم في السلم :د .عبد الحميد المتولي ،منشأة -171
المعارف ،ط ،4السكندرية 1978هـ.
مبدأ المساواة في السلم :د .فؤاد أحمد ،المكتب العربي الحديث. -172
المبدع :إبراهيم بن محمد بن مفلح (884هـ) المكتب السلمي، -173
بيروت 1400هـ.
المبسوط :شمس الدين السرخسي (490هـ) دار المعرفة ،بيروت. -174
المجتمع السلمي المعاصر :أنور الجندي ،دار النصار ،القاهرة -175
1985م.
مجلة الحكام العدلية :علماء الدولة العثمانية ( كازخانة تجارت كتب -176
).
مجمع الزوائد :نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (807هـ) دار -177
الريان للتراث ،القاهرة 1407هـ.
المجموع :يحي بن شرف النووي ( 676هـ) دار الفكر ،بيروت -178
1997م.
مجموع الفتاوى :لشيخ السلم ابن تيميه :جمع عبد الرحمن بن قاسم -179
وابنه ،الرياض.
مجموعة رسائل ابن عابدين :محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين: -180
دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
المحصول في علم أصول الفقه :فخر الدين الرازي ،تحقيق طه جابر -181
العلواني :جامعة المام ط الولى 1999م.
349
المحلى :علي بن أحمد بن حزم (456هـ) دار الفاق الجديدة ،بيروت. -182
المختصر الوجيز في مقاصد التشريع :د .عوض بن محمد القرني، -183
دار الندلس الخضراء -جدة ،الطبعة الولى .1416/1998
المدخل إلى الفقه السلمي :محمود محمد الطنطاوي ،مطابع البيان، -184
دبي .1988
المدخل في الفقه السلمي :محمد مصطفى شلبي ،دار النهضة، -185
مصر.
المدخل الفقهي العام :الشيخ مصطفي الزرقاء ،دار القلم ،دمشق -186
1998م.
مدخل لدراسة الفقه السلمي :د .يوسف القرضاوي :مكتبة وهبة، -187
مصر.
مراتب الجماع :علي بن أحمد بن حزم (456هـ) دار الكتب العلمية، -188
بيروت.
مراعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح :عبيد ال المباركفوري، -189
بنارس الهند ط .3
المرأة بين الفقه والقانون :د .مصطفى السباعي ،المكتب السلمي، -190
ط ،6بيروت 1984م.
المرأة بين الشرع والقانون :محمد الحجوي ،دار الكتاب ،المغرب. -191
المرأة في السلم :الشيخ حسنين مخلوف ،دار النصار ،القاهرة -192
1978م.
المرأة في القرآن والسنة :محمد عزة دروزة ،دار الجيل ،ط ،2 -193
دمشق 1985م.
المرأة والحقوق السياسية :مجيد محمود أبو حجير ،مكتبة الرشد ،ط -194
،1الرياض 1421هـ.
350
المرأة وحقوقها السياسية :الشيخ عبد المجيد الزنداني ،مؤسسة -195
الريان ،ط ،1بيروت.
المرشد السلمي في الفقه الطبي :توفيق الواعي وآخرون :دار -196
الوفاء ،ط 1410 4هـ.
المدونة الكبرى :مالك بن أنس (179هـ) دار إحياء التراث العربي. -197
مسائل أبي الوليد ابن رشد (الجد) تحقيق :محمد الحبيب التجاني دار -198
الجيل – بيروت.
المسؤولية الوزارية :د .سيد رجب السيد ،القاهرة 1987م. -199
مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلق :أسامة عمر سليمان -200
الشقر :دار النفائس ،الردن 1420هـ 2000 /م.
المستدرك :لبي عبد ال محمد عبد ال الحاكم ،دار المعرفة ،بيروت. -201
المستصفى من علم الصول لبي حامد الغزالي :دار صادر ،ط ،1 -202
1322هـ.
المسند :المام أحمد بن حنبل ( 204هـ) مؤسسة قرطبة ،مصر. -203
المشاركة السياسية للمرأة :د .سامية خضر صالح ،الصدر لخدمات -204
الطباعة ،القاهرة 1989م.
مصارف الزكاة وتمليكها في ضوء الكتاب والسنة :د.خالد عبد -205
الرزاق العاني.
مصادر الحق :د .عبد الرزاق السنهوري ،دار الهنا للطباعة ،ط ،2 -206
1960م.
مصباح الزجاجة :أحمد بن أبي بكر إسماعيل الكناني (840هـ) دار -207
العربية ،ط ،2بيروت 1403هـ.
المصباح المنير :أحمد بن محمد بن علي الفيومي :المكتبة العلمية، -208
بيروت.
351
-209مصنف ابن أبي شيبة :عبد ال بن محمد بن أبي شيبة الكوفي (
235هـ) مكتبة الرشد ،ط ،1الرياض 1409 ،هـ.
-210مصنف عبد الرزاق :عبد الرزاق بن همام الصنعاني (211هـ)
المكتب السلمي ،ط ،2بيروت 1409هـ.
-211مطالب أولي النهى :مصطفى السيوطي الرحيباني (1243هـ) المكتب
السلمي ،دمشق 1961م.
-212المعاملت المالية المعاصرة :د.محمد عثمان شبير دار النفائس ،ط
1416 ،1هـ.
-213المعاملت المالية المعاصرة في ضوء الفقه والشريعة :أ.د .محمد
رواس قلعه جي.
-214المعجم الوسط :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ) دار
الحرمين ،القاهرة 1415هـ.
-215المعجم الصغير :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ)
المكتب السلمي ،ط ،1بيروت 1405هـ.
-216المعجم الكبير :أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (360هـ) مكتبة
العلوم والحكم ،ط ،2الموصل 1404هـ.
-217معجم المصطلحات التجارية والتعاونية :د.أحمد زكي بدوي ،دار
الكتاب المصري ،القاهرة.
-218معجم لغة الفقهاء :محمد رواس قلعه جي و د .حامد قنيبي ،دار
النفائس ،بيروت 1996م.
-219المعجم الوسيط :إبراهيم أنيس وآخرون :مجمع اللغة العربية ،القاهرة
1961م.
-220معلمة الفقه المالكي :عبد العزيز بن عبد ال :دار الغرب السلمي
ط الولى 1403هـ.
352
المعونة :القاضي عبد الوهاب البغدادي ( 422هـ) تحقيق :عبد -221
الحق حميش ،مكتبة الباز التجارية ،مكة المكرمة 1995م.
المغني :عبد ال بن أحمد بن قدامة (620هـ) دار الفكر ،ط ،1بيروت -222
1405هـ.
مغني المحتاج :محمد الخطيب الشربيني ( ) دار الفكر ،بيروت. -223
المفردات في غريب القرآن :الحسين بن محمد الصفهاني (502هـ) -224
دار المعرفة بيروت 1998م.
مقاصد الشريعة السلمية :الشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور الشركة -225
التونسية للتوزيع.
المقاصد العامة للشريعة السلمية :د .يوسف حامد العالم – دار -226
الحديث بالقاهرة.
مقدمة لدراسة الفقه السلمي :د .محمد كمال الدين إمام – المؤسسة -227
الجامعية للدراسات والنشر.
المقنع :عبد ال بن أحمد بن قدامة (620هـ) مكتبة الرياض الحديثة -228
1400هـ.
مكانة المرأة بين السلم والقوانين العالمية :سالم البهنساوي ،دار -229
القلم ،الكويت 1986م.
مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة :د.محمد بلتاجي ،دار السلم، -230
ط 1420 ،1هـ.
الملكية ونظرية العقد :الشيخ محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي. -231
من توجيهات السلم :الشيخ محمود شلتوت ،دار الشروق ،ط ،7 -232
مصر 1407هـ.
من فقه القليات المسلمة :خالد محمد عبد القادر ،كتاب المة ،قطر -233
1418هـ.
من هدي القرآن :الشيخ محمود شلتوت دار الكتاب العربي ،القاهرة. -234
353
-235منهاج السنة :شيخ السلم ابن تيمية (728هـ) تحقيق :محمد رشاد
سالم ،جامعة المام محمد بن سعود السلمية ،الرياض 1406هـ.
-236المهذب :إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي ،دار الفكر ،بيروت.
-237الموافقات في أصول الشريعة :لبي اسحق الشاطبي :دار المعرفة،
بيروت.
-238مواهب الجليل :محمد بن عبد الرحمن المغربي الحطاب ( 954هـ)
دار الفكر ،بيروت 1398هـ.
-239موت الدماغ بين الطب والشريعة :ندى محمد نعيم الدقر ،دار الفكر،
دمشق 1997م.
-240موجبات الحكام وواقعات اليام :قاسم بن عبد ال الجمالي ابن
قطلوبغا ،وزارة الوقاف والشؤون السلمية ،بغداد 1983م.
-241الموجز في القانون الدولي الخاص :بدر الدين عبد المنعم شوقي،
مكتبة الخدمات الحديثة ،جدة.
-242الموسوعة الفقهية :وزارة الوقاف والشؤون السلمية ،الكويت.
-243الموسوعة الطبية الفقهية :أحمد محمد كنعان ،دار النفائس ،ط ،1
بيروت 1420هـ.
-244الموطأ :المام مالك بن أنس ( 179هـ) تحقيق محمد فؤاد عبد
الباقي ،دار الكتاب المصري ،بيروت.
-245نصب الراية :لجمال الدين عبد ال بن يوسف الزيلعي :دار الحديث،
الهند.
-246نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه :الشيخ مصطفى أحمد
الزرقاء.
-247النظام السياسي في السلم :د.محمد أبو فارس ،دار الفرقان ط ،2
عمان 1986م.
-248النظرية السلمية في الدولة :حازم عبد المتعال الصعيدي ،دار
النهضة العربية ط 1977 ،1م.
354
-249نظرية السلم وهديه :أبو العلى المودودي ،مؤسسة الرسالة،
بيروت 1400هـ.
-250نظرية الضرورة الشرعية :جميل محمد مبارك ،دار الوفاء ،القاهرة
.1988
-251نهاية السول في شرح منهاج الصول :جمال الدين السنوي ،عالم
الكتب القاهرة.
-252النهاية في غريب الحديث :مجد الدين المبارك بن الثير (606هـ)
تحقيق :طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي ،دار إحياء الكتب
العربية ،القاهرة.
-253نهاية المحتاج :محمد بن أحمد الرملي (1004هـ) دار إحياء التراث
العربي بيروت.
-254نيل الوطار :محمد بن علي الشوكاني (1250هـ) دار الجيل ،بيروت
1973م.
-255الهداية في شرح البداية :علي بن أبي بكر المرغيناني (593هـ)
المكتبة السلمية.
-256الهندسة الوراثية بين معطيات العلم وضوابط الشرع :د.إياد أحمد
إبراهيم ،دار الفتح للدراسات والنشر ط ،1الردن1423 ،هـ.
-257الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية :محمد صدقي البورنو :مكتبة
المعارف :ط الثانية الرياض 1410هـ.
-258الوسيط :محمد بن محمد الغزالي (505هـ) دار السلم ،ط ،1القاهرة
1417هـ.
-259الوسيط في القانون الدولي الخاص :د .سامي بديع منصور ،دار
العلوم ،بيروت 1994م.
-260ولية المرأة في الفقه السلمي :حافظ محمد أنور ،دار بلنسية ط
،1الرياض 1999م.
355
المجلت :
-مجلة السرة :العدد .46
-مجلة البحوث السلمية :الرئاسة العامة للبحوث والفتاء (المجلد
الول ،العدد الثاني).
-مجلة البحوث الفقهية المعاصرة ( العدد .) 42
-مجلة كلية الدراسات السلمية والعربية (بدبي) :العدد الخامس
1413هـ1992/م.
-مجلة الشريعة والدراسات السلمية ،جامعة الكويت (العدد الخامس،
يوليو 1986م).
-مجلة المجمع الفقه السلمي – التابع لمنظمة المؤتمر السلمي ( العدد
الول والعدد الثالث والعدد السابع والعدد الثاني عشر ).
-مجلة المجمع الفقهي السلمي – التابع لرابطة العالم السلمي ( العدد
الول ).
-مجلة لها اللندنية ( العدد 13/11/2002 ) 113م.
356
357
فهرس الموضوعات
الصفحة الوضوع
5 )1القدمة
92 -11 الفصل الول :مدخل إل " القضايا الفقهية العاصرة "
22 -13
.Article Iالبحث الول :صلحية الشريعة لكل زمان ومكان
13 -المطلب الول :صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان .
15 -المطلب الثاني :عموم الشريعة وبقاؤها وما يستلزم ذلك .
16 -المطلب الثالث :دلئل صلحية الشريعة السلمية لكل زمان ومكان
.
27 -23
( )iالبحث الثان :حقيقة " القضايا العاصرة "
23 -المطلب الول :تعريف القضايا الفقهية المعاصرة .
25 -المطلب الثاني :اللفاظ ذات الصلة
39 -29 المبحث الثالث :أهمية موضوع " القضايا الفقهية المعاصرة "
29 -المطلب الول :أنواع القضايا المعاصرة وأمثلتها .
35 المطلب الثاني :خصائص :القضايا الفقهية المعاصرة " .
36 -المطلب الثالث :في فوائد وأهمية " القضايا الفقهية المعاصرة " .
68 -41
( )iiالبحث الرابع :الجتهاد ف القضايا
العاصرة
41 -المطلب الول :شروط المتصدر للفتوى في القضايا المعاصرة .
50 -المطلب الثاني :اجتهاد الصحابة في النوازل .
52 -المطلب الثالث :طريقة الجتهاد في السلم .
358
54 -المطلب الرابع :ضوابط الجتهاد في القضايا المستجدة .
65 -المطلب الخامس :منهج دراسة القضايا المعاصرة .
78 -69 المبحث الخامس :الجتهاد الجماعي في القضايا المعاصرة
69 -المطلب الول :تعريف الجتهاد الجامعي .
71 -المطلب الثاني :أهمية الجتهاد الجامعي في هذا العصر .
76 -المطلب الثالث :ظهور المجامع الفقهية .
92 -79 )aالبحث السادس :مصادر :القضايا لفقهية العاصرة "
79 -المطلب الول :أهم الكتب التي تعرضت للقضايا الفقهية المعاصرة .
87 -المطلب الثاني :المجلت المتخصصة في الدراسات السلمية
بأبحاث الفقه والجتهاد .
90 المطلب الثالث :المواقع اللكترونية المهتمة بالقضايا الفقهية المعاصرة .
332 -93 الفصل الثان :دراسة بعض القضايا العاصرة
95 -المبحث الول :اعتماد الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور
القمرية
111 -المبحث الثاني :مصرف " في سبيل ال " .
127 -المبحث الثالث :إجراء العقود بآلت التصال الحديثة .
145 -المبحث الرابع :البطاقة الئتمانية . .
167 -المبحث الخامس :التأمين التعاوني .
181 -المبحث السادس :زواج المسيار .
193 -المبحث السابع :حكم التبرع بالعضاء .
219 -المبحث الثامن :إجهاض الجنين المشوه .
235 -المبحث التاسع :الستنساخ .
249 -المبحث العاشر :قتل الرحمة .
359
267 -المبحث الحادي عشر :مسائل من فقه القليات المسلمة .
281 -المبحث الثاني عشر :حكم التجنس بالجنسية الجنبية .
295 -المبحث الثالث عشر :اشتراك المرأة في النتخابات .
317 -المبحث الرابع عشر :موقف السلم من السينما والتمثيل .
333 -قائمة المراجع .
355 -فهرس الموضوعات .
360