Professional Documents
Culture Documents
دراسات عن الباضية
بقلم الدكتور
عمرو خليفة النامي
ترجمة مراجعه
ميخائيل خوري د .ماهر جرار
أصوله وعلق عليه ودقق وراجع
د .محمد صالح ناصر د .مصطفى صالح باجو
[*]مقدمه (واقع التراث الباضي)
[*]واقع التراث الباضي في العصر الحاضر)
[*]مكانة هذه الدراسة)
[*]مؤلف هذه الدراسة)
[*]نماذج من رسائله)
[*]نماذج من شعره أماه ( )) 1
[*]كلمة شكر)
[*]تمهيد)
[*]الفصل الول نشأة الباضية ،آراء الباضية في الخوارج)
[*]آراء الباضية في الخوارج)
[*]الفصل الثاني جابر بن زيد ،المام الول للمذهب الباضي)
[*]الفصل الثالث :أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمةالمام الثاني للجماعة الباضيةفي البصرة)
[*]انتشار الباضية في شمالي إفريقية)
[*]حملة العلم)
[*]الفصل الرابع الفقه الباضي)
[*]مقدمه (السهام الباضي في حقل الحديث)
[*]الجامع الصحيح)
[*] -1المدونة لبي غانم بشر بن غانم الخراساني ):
[*] -2الديوان المعروض على علماء الباضية ):
[*] -3كتاب نكاح الشغار لبي سعيد عبد ال بن عبد العزيز ):
[*]الخصائص البارزة في الفقه الباضي)
[*]الفصل الخامس علم الكلم الباضي)
[*]وضع العقيدة الباضية بالنسبة للفرق السلمية الكبرى)
[*]فروع المذهب الباضي)
[*]الديانات( العقيدة الباضية الوهبية ))
[*]كتابات الباضية في علم العقيدة)
[*]تعليقات لحقة :موجز المراجع)
[*]الفصل السادس نظام الولية والبراءة)
[*]قواعد الولية ):
[*]قواعد البراءة ):
[*]الوقوف ):
[*]منشأ نظام الولية والبراءة ):
[*]أمثلة على تأثير نظام الولية والبراءة على الفقه الباضي)
[*]الفصل السابع مسالك الدين)
[*]الخلصة)
[*]البيبليوغرافيا (المراجع))
---
( )1/2
( )1/3
وكان هذا الواقع المؤلم مصاحبا للمذهب ،وتراثه في المشرق والمغرب ،منذ نشأته في منتصف
القرن الثاني الهجري إلى حين قيام أول دولة قوية للباضية وهي الدولة الرستمية ،أو بعبارة
أدق نستخدم فيها مصطلحا طالما استخدمة أصحاب هذا الفكر ،من مرحلة الكتمان إلى مرحلة
الظهور .ففي ظل الدولة الرستمية التي وفرت الحماية لحرية الفكر والتعبير لمذهبها الذي اعتنقته
ولغيرها من المذاهب والطوائف الخرى ،وبفضل العدالة السلمية التي انتهجتها الدولة
الرستمية كطريقة حكم ازدهر التأليف ،وكثرت حلق المذاكرة ،وشاعت أسواق الجدال والمناظرة
،وأنتجت هذه السياسة الرشيدة مكتبة المعصومة التي أشاد بتراثها المؤرخون ،ولكنها والسف
ملء الجوانح ،احترقت أثناء هجوم عبيد ال الشيعي على تاهرت ،وكانت شاهدة لئمة الدولة
الرستمية بالنزاهة والعدل ،بقدر ما ستبقى شاهدة على أعدائهم الفاطميين على التعصب المقيت ،
ومعاداة أنوار العلم والمعرفة .
وشهد الفكر الباضي مرحلة أخرى من الضطهاد والظلم ،وعاد أصحابه مرة أخرى إلى مرحلة
الكتمان ،متسترين بالشعاب والمسالك الصحراوية ،لئذين بعقيدتهم إلى واد غير ذي زرع ،
وكان ذلك حالهم إلى حين استقرارهم بوادي ميزاب في بداية القرن الخامس الهجري .
( )1/4
وأحب أن أوكد على أن هذه المرحلة رغم قساوتها السياسية ،فإنها لم تعرف نضوبا فكريا ،إذ
أن المصادر الخاصة بدراسة سير العلماء والمشايخ والئمة تدل على أن الباضية كانوا مثل
غيرهم من المذاهب الخرى أصحاب عناية بالتأليف ،والتحقيق والتدوين ،ول سيما في الشريعة
والتاريخ .فالذي يرجع إلى سير الشماخي ،أو جواهر البرادي ،أو ملحق السير لبي اليقظان
يتأكد من هذا التراث المعرفي الواسع ،فمن خلل عناوين هذه المؤلفات يدرك أن الباضية ألفوا
في مختلف العلوم النسانية ،وأنهم كتبوا في شتى ضروب المعرفة ،ولعل بعض البيبلوغرافيات
الحديثة مثل تلك التي قام بإعدادهما لفتسكي ،أو شاخت أو غيرهما من الوروبيين تساعد على
تصور نصيب الباضية ومكانتهم في هذا المجال .على أنه لو قام احد بإحصاء جميع الكتب التي
ألفها أصحاب هذا الفكر ونسبتها المئوية إلى عددهم ،ثم فعل مثل ذلك في بقية المذاهب ،ثم
قارن بين نسب الجميع ،لوجد نسبتهم من أعلى النسب إن لم تكن أعلها ،على أن الكثير منها
ضاع للملحقة السياسية التي لم تتوقف في أي زمان عن مطاردتهم ومضايقتهم بشتى الساليب
والصور ،حتى بلغت في مداها أحيانا حرق الكتب والمكتبات ،وفي أحيان كثيرة تكون أصابع
الفقهاء المتعصبين وراء أجهزة السلطة ....وإلى الن ل تزال أكثر كتب هذا الفكر وأهمها
مجهولة حتى عند أصحابها أنفسهم .
ولكن الذي يؤسف له حقا هو أن هذا التراث ضاع أكثره إذ جنت عليه الظروف الخارجية ،من
حروب وملحقات ،وأودى ببعضه الخر الظروف الجتماعية والقتصادية الصعبة التي لم
تساعد أهل العلم على الستقرار النفسي لمتابعة المسيرة ،بل إنهم زهدوا في نشر هذا التراث
وطبعه .
---
( )1/5
( )1/6
وما من شك في أن التعاون السلمي بين أبي إسحق إبراهيم أطفيش وبين صديقه الداعية الكبير
محب الدين الخطيب ،صاحب المطبعة السلفية ،قد ساعد على إخراج الكثير من هذه الكنوز
إخراجا جيدا ،وكان لمجلة المناهج التي كانت تطبع بهذه المطبعة دور الداعية الذي كان همه
الول وهاجسه الوحيد إيقاظ المسلمين إلى واقعهم المرير تحت وطأة الحتلل الغربي ،وما
يتهددهم من غزو فكري ،وما يستخدم من وسائل إعلمية حاقدة على رأسها الرساليات
التنصيرية هذا من جهة ،ومن جهة أخرى فإنها كانت -أي المناهج -تعرف بالفكر السلمي
وتراثه وحضارته وتصحح المفاهيم التي علقت بأذهان المسلمين من رواسب عصور التخلف
والنحطاط .وبما أن أبا إسحق إباضي فإنه لم يأل جهدا في التعريف بهذا المذهب وتراثه
الحضاري .
وفي أوائل الستينيات برز إلى عالم الفكر السلمي كاتبان إباضيان ،أحدهما هو الشيخ علي بن
يحيى معمر الليبي النفوسي ،وثانيهما هو الشيخ محمد علي دبوز الجزائري الميزابي .وإذا اتجه
محمد علي دبوز إلى تاريخ المغرب السلمي ،ثم إلى الحركة الصلحية يصحح ما فيها من
مواقف ومعلومات خاطئة ،في وقفات طويلة ،فإن الشيخ علي يحيى معمر اتجه إلى تاريخ
الباضية قديما وحديثا ،فأصدر سلسلته الرائعة القيمة الباضية في موكب التاريخ ،وهي تشتمل
على حلقات ،كانت الحلقة الولى عن النشأة التاريخية للباضية ،فالحلقة الثانية والثالثة عن
الباضية في ليبيا ،فالرابعة عن الباضية في تونس ،ثم الخامسة عن الباضية في الجزائر .
ولقد كشف بمنهجه الدعوي ،وذكائه الوقاد ،وورعه الشديد ،وحبه العارم لمته السلمية عن
كنوز عرفت القارئ المسلم بشخصيات وزعماء وعلماء لم يكن يعرف عنهم شيء من قبل .
( )1/7
ولكن الكتاب الذي يصب في قناة التوحيد بين المسلمين ،وجمع كلمتهم هو كتبه الرائد في منهجه
وفحواه الباضية بين الفرق السلمية ،وقد هداه فكره النير ،وذهنه السلمي الثاقب إلى وضع
نظرية يعلي عليها المسلمون المعاصرون بناء وحدتهم ،وعبد طريقا يسلكونه إلى جمع كلمتهم
ولم شملهم ،وقد لخص هذه النظرية في المبادئ الثلثة :المعرفة ،التعارف ،العتراف .
والشيخ علي يحيى معمر بمؤلفاته القيمة تلك يعد من أهم الدعاة السلميين الداعين إلى وحدة
المسلمين في هذه العقود الخيرة .
وأحسب أن أغلب الكتابات التي أخذت تنتشر هنا وهناك عربية أو أجنبية في محاولة منها
لنصاف الباضية تتخذ كتب الشيخ علي يحيى معمر من مصادرها الساسية .
أما في المشرق فقد برز الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان ،فتحمل مسؤولية
الدعوة إلى التقارب ونبذ الخلف ،وقد وهبه ال صفات أهلته لذلك عن جدارة واستحقاق ،فهو
علم راسخ القدم في الشريعة السلمية ،حباه ال ذاكرة فياضة ،تسعفه بالدلة من القرآن
والسنة ،إلى تواضع جم يحببه من النفوس ،ويقربه منها ،وهو في سبيل هذه الرسالة ما فتئ
مشاركا في المؤتمرات السلمية يدعو إلى ال على المنابر ،وإذا سمع أو رأى باطل أو تهجما
إنبرى إلى الرد غير هياب ول وجل ..يجادل بالتي هي أحسن ،ويحاور بالعقل والمنطق والدلة
العقلية والنقلية .وعسى أن يجتهد الناشرون في نشر كتاباته القيمة ،ومؤلفاته الهامة فإنها من أهم
وسائل التقريب بين المذاهب السلمية ،وقد وضحت آثار جهوده تلك في منطقة الخليج
والمشرق العربي بما سيدخره ال له في صالح العمال إن شاء ال .
---
( )1/8
( )1/9
وظلت أطروحة الدكتور عمرو النامي حبيسة لغتها النجليزية منذ سنة 1971إلى أن قيض ال
لها الفاضل الحاج حبيب اللمسي صاحب دار الغرب السلمي لنشرها مترجمة إلى اللغة
العربية ،حتى يطلع عليها الباحثون والدارسون في الوطن العربي ،ليعم بها النتفاع ،ويحصل
القصد النبيل الذي من أجله ألفت وترجمت ،فيضيف بذلك مؤلفا هاما إلى قائمة المنشورات التي
ما فتئت دار الغرب السلمي تقدمها إلى القارئ العربي مشكورة مأجورة .ولست في حاجة إلى
تقديم هذه الطروحة العلمية الهامة إلى القارئ الكريم لن مثل هذا العمل القيم في غنى عن ذلك ،
وإنما أرغب في أن أشير إلى أننا حاولنا قدر المستطاع أن نقدم للقارئ النصوص المعتمدة في
الطروحة من مظانها بلغتها العربية التي كانت كتبت بها أصل ،ولذا فقد يلحظ اختلف بين
النسخ التي جاءت في الصل النجليزي وبين الصل المترجم إلى اللغة العربية ،لننا لم نستطع
التوصل إليها لندرتها ،وأغلبها مخطوطات رجع إليها الباحث الدكتور عمرو النامي هنا وهناك
من المكتبات الخاصة والعامة وخصوصا ،وأن الكثير مما كان مخطوطا أثناء كتابة الطروحة
أصبح اليوم مطبوعا وهو ما يسهل للباحثين الرجوع إلى النصوص في مظانها الصلية إن هم
رغبوا في ذلك ،والمهم على كل حال هو ذكر النص المعتمد كما هو موجود في أصله .
وحسبنا أننا اجتهدنا في العودة بالقارئ الكريم إلى النصوص الصلية كلما وجدنا إلى ذلك سبيل ،
ونعتذر عما تعذر الوصول إليه .
نسأل ال أ ،يجعل هذا العمل ذخرا في ميزان حسنات الدكتور عمرو النامي حيثما كان ،ونسأل
ال أن يجمع قلوب المؤمنين على حب شريعته ودينه ويوحد صفوفهم لنصرته وتمكينه .
---
( )1/10
( )1/11
في هذه الثناء كانت عودة الشيخ علي من الجزائر حيث قضى حوالي عشر سنوات ينهل من
معين معهد الشباب على يد شيخ الحركة الصلحية المام الشيخ إبراهيم بيوض ،عاد الشيخ
علي متحمسا للنهضة والصلح وبعث ما أذبلته اليام من نضارة المجاد السالفة ،وكان ل بد
أن يتأثر الشاب الذكي عمرو النامي بكل ما يجري حوله ويدور من مناقشات ودروس ووعظ
وإرشاد ،ويتطلع إلى أن يتبوأ منزلة مرموقة في هذه الصفوف العلمية تستشرف غدا أفضل
للمسلمين ول سيما تلك الربوع التي ران عليها الجهل والتخلف والفقر .
ول نكاد نصل سنة 1957حتى يلتحق الطالب الذكي الجاد بجامعة بنغازي هذه الجامعة التي تعد
أول جامعة في ليبيا إذ افتتحت سنة 1955وتمكنت هذه الجامعة في عقدي الخمسينات والستينات
من استقدام عدد من الساتذة الجامعيين اللمعين وجلهم من جامعتي القاهرة والسكندرية ،وكانت
لعمرو علقات حميمة مع أستاذة الدكتور محمد محمد حسين الذي ربطته به علقة بنوة عميقة ،
وكان الدكتور معجبا بذكاء عمرو ونجابته وأخلقه وسلوكه .
ونحسب أن التقاء عمرو النامي بالشيخ الدكتور محمد محمد حسين كان توجيها إلهيا وتوفيقا ربانيا
إذ وجد على يد الدكتور الملتزم الجاد ،المربي والموجه وكأن ال سخر له الدكتور الصيل بفكرة
وثقافته وأخلقه وسلوكه ليكمل ما وجده في شيخه علي يحيى معمر في مرحلته البتدائية والثانوية
.
يقول زميله الناكوع عن تلك العلقة :
(( كان الدكتور محمد محمد حسين مولعا شديد العجاب بذكاء عمرو النامي فاهتم به وشجعه
على المضي في طريق البحث والدراسة حتى يصبح يوما ما أستاذا جامعيا ،وجمعت بين الستاذ
وتلميذه رابطة المنطلق والتوجيه السلمي )) ( . ) 1
-الدراسات العليا :
( )1/12
وما لبث عمرو حتى أظهر تفوقا وذكاء مميزين أهله ليكون من بين الطلب المتفوقين الذين
اختارتهم الجامعة ليزاولوا دراستهم العليا خارج ليبيا ،وراح يستعد لمرحلة الدراسات العليا ،
وتوجه في بداية المر إلى مصر .
-تعرفي عليه :
في هذه الونة كان تعرفي اللو على عمرو النامي عن طريق أستاذي الشيخ محمد علي دبوز ،
فقد حظينا ببعض اللقاءات القليلة معه ومع الشيخ علي معمر الذي كان يزور القاهرة عندئذ لطبع
كتابه الهام ( الباضية في موكب التاريخ ) وقد ترك عمرو النامي في ذاكرتي انطباعا ملؤه
العجاب برصانته وذكائه ،واجتهاده ،وتطلعه إلى المشاركة بقلمه في الدرس والبحث في مجال
العلوم السلمية ،وعرفت فيه أيضا شاعرا حساسا وتقديرا عظيما لتاريخ السلف ،وشغفا
واضحا بالتراث فكرا ورجال ،وكان النامي يستروح هذه الروحانية من جلساته المتكررة إلى أبي
إسحاق إبراهيم اطفيش بقية السلف الصالح .
وبينما كان في تلك المرحلة وقعت أحداث 1965وهي أحداث اعتقالت الخوان وإعدامهم وكان
على رأسهم الشهيد سيد قطب ،ونظرا لن عمرو النامي يقع في نفس الدائرة من حيث التوجه
الفكري ولعلقته الحميمة بسيد قطب وخشيته من أن تمتد إليه يد العتقال ترك مصر ،وترك
شأن الدراسات العليا بها وعاد إلى ليبيا لبعض الوقت ( . ) 2
لم يستسلم عمرو لحظة العاثر في مصر إذ سرعان ما تجهت به همته نحو الغرب وإلى جامعة
كمبردج بالذات وبموافقة الجامعة الليبية وبمنحه منها بفضل مديرها الستاذ مصطفى بعيو الذي
قدر ظروف عمرو النامي ووافق على إجراءات التغيير .
سافر عمرو إلى بريطانيا سنة 1967وأمضى في رحاب جامعة كمبردج خمس سنوات ،باحثا
منقبا مستفيدا من الثقافة النجليزية التي تفوق تفوقا ظاهرا حتى بات يكتب بها أبحاثه ومقالته
بكل اقتدار وهي التي كتب بها أطروحته التي نال بها الدكتوراه تحت عنون :دراسات عن
الباضية .
( )1/13
وكان لقائي الثاني به في رحلة قمت بها أنا وصديقي المرحوم أحمد فرصوص إلى كمبردج نزلنا
أثناءها ضيفين مكرمين عليه ( ) 3واستطعت في هذه المدة القصيرة أن أتعرف على عمرو
النامي عن قرب ،واكتشفت فيه جانبا جديدا من اهتماماته السلمية في أوساط الغرب ،وأطلعني
على بعض مقالته التي كان يكتبها ضد التيار اليساري في البلد العربية بعامة وفي ليبيا
بخاصة ،كما كان ينتقد بمرارة لذعة مواقف المنبهرين بالمدارسة الغربية ويوضح بأسلوب
علمي رصين تهافت الحضارة الغربية وسلبياتها .
والحق إن الفترة التي قضاها في كمبردج كانت كلها عطاء سخيا ،وفكرا نيرا ،يقول عنها
صديقه محمود الناكوع :
(( كان حصادها التعليمي الدكتوراه في الدراسات العربية السلمية ،وحصادها العام ثقافة واسعة
،وتجربة حضارية وعلقات متنوعة مع أهل العلم والفكر ورواد الحركات السلمية من مختلف
الجناس واللغات والقارات )) ( . ) 4
-كتاباته :
كان عمرو النامي في هذه المرحلة في أوج نشاطه عطاء وفكرا وإنتاجا كان يمثل في كتاباته ذلك
النموذج من الشباب المسلم الملتزم دون جمود أو تزمت المتفتح دون انحلل أو تسيب ،كانت
أغلب اهتماماته تحوم حلو الفكر السلمي ورؤاه في جميع الموضوعات التي كانت يعالجها
منطلقا من منظور إسلمي ثابت ،سواء في مقالته الدبية النقدية ،أم في بحوثه الكاديمية ،أم
في متابعاته السياسية ،وشمل بنظرته مجريات الحداث داخل الوطن العربي وخارجه ،كان
يتابع أخبار وطنه وما يجري فيه من تفاعلت ثقافية وسياسية ،وظل يرصد بعض ما تنشره
الصحف الليبية من مقالت فكرية وأدبية ،أو ما تنشره من شعر ،ول يفوته أن يقيمها ،وأن
يعبر عن موقفه من اتجاهاتها ،وما تعكس من دللت ل يرضى عنها في بعض الوقات ،وفي
بعض ذلك النتاج .
يقول صديقه وزميله محمود الناكوع الذي عرفه في الجامعة وفي محنة السجن عن هذه المرحلة :
( )1/14
(( كنت أنا في تلك السنوات صحافيا في صحفية العلم أكتب عادة عمودا يوميا وأكتب أحيانا
مقالت في بعض الصحف والمجالت الخرى ، ...ونظرا لعلقة الصداقة بيني وبين عمرو
النامي ،ونظرا لهتماماتنا بالفكر والثقافة ،وحواراتنا المتواصلة أحيانا والمتقطعة أحيانا أخرى
منذ كنا في الجامعة ،فقد اتفقنا أن يكتب المقالت تنشر بصحيفة العلم وكان من بين ما نشر له
بين ( ) 1969 - 1968عددا من المقالت النقدية التي كانت تدور حول ( :الحضارة الغربية
وموقفها من السلم والعالم السلمي ) ( والشعر الحديث ،نماذج ليبية ) ( واختار لها عنوانا )
( فصول من الجد الهازل ) .
وعكست نقدا ساخرا ولذعا لبعض النتاج الشعري الليبي الذي انفلت من موازين الشعر
العربي ،وانفلت من ثقافة وقيم وصورة البنية العربية السلمية ،وكثرت فيه على حد إشارات
النامي ( النواقيس ،والصلبان ) وأشياء أخرى ،وهي ثقافة تعلمها الشباب الليبيون من مجالت :
الطليعة ،و
( )1/15
الكاتب المصريتين ،والداب البيروتية ،وغيرها ،أما المقالت التي أثارت دويا هائل فهي
المقالت التي أنشأها بعنوان ( :رمز أم غمز في القرآن ) وفيها رد على كتابات الصادق النيهوم
التي نشرها في صحيفة :الحقيقة ،ونشر بعضها الخر في صحيفة :الرائد وكانت عن الرمز
في القرآن ،ومن أكثرها جدل مقالته بعنوان ( :إلى متى يظل المسيح بدون أب ) حيث أحدثت
ردود أفعال في عدة دوائر دينية وصحافية وأدبية ،ومن بين ردود الفعل تلك كانت مقالة عمرو
النامي التي أرسلها من مدينة كمبردج ونشرت بالعلم بتاريخ ( ) 1969 / 4 / 18وجاء فيها :
(( لول أنني كنت أعرف الصادق النيهوم جيدا -كان زميل له في الجامعة -لكتبت غير هذا
عن المر ،فأنا أعرف الصادق شخصا ل ينطلق من أسس واضحة فيما يفعل أو يكتب ،وهو
يصنع ذلك استجابة لما يقرأ أو ما يطرأ عليه من أحوال تكتنف حياته التي ل يحكمها تصور
واضح للحياة ،أو سلوك ثابت محدود ولذلك فعندما نشر بعض فصوله عن الرمز في القرآن
حسبت ذلك على ما قدمته من أحواله ،وقلت نوبة وستمضي بما جاءت ،وهو شيء غير ذي
قيمة في الواقع ل من ناحية الجهل والدراسة ،والبحث العلمي السليم ،ول من حيث آثاره
ونتائجه )) .
وكتف النامي أن ما يردده النيهوم قد سبقه إليه الباطنية نظريا وتطبيقيا ( . ) 5
هكذا ظل النامي يتفيأ ظلل الحرية الفكرية في أجواء كمبردج ،وانتهت السنوات الخمس محملة
بالعلم والفكر والتجربة ،وعاد إلى ليبيا سنة 1971وفي نفسه حلم يتطلع إلى تحقيقه وهو أن
يصبح أستاذا جامعيا إسلميا مرموقا يعالج قضايا مجتمعه وأمته السلمية بفكر نير وبصيرة نافذة
ويقف بالمرصاد للنحرافات الزائغة في ميادين الفكر والسياسة ( ، ) 6ولعله كان حسن الظن في
نظام القذافي الذي أحل النظام الجمهوري بديل للنظام الملكي إثر ( ثورة الفاتح ) في / 9 / 1
، 1969وسارع
( )1/16
الكاتب المسلم إلى إسداء النصائح لقادة الثورة في مسيرة خيل للناس أنها تبشر بالخير والعطاء ،
والرفاهية والرخاء فكتب مقالة بعنوان كلمات للثورة نشرت بصحيفة الثورة في / 11 / 4
، 1969وسنشير إلى مضمونها لحقا في هذا المقال .
هكذا وفي صيف 1971حزم الستاذ المؤمن بدينه ووطنه وأمته أمتعته متجها صوب ليبيا
ليشارك في معركة البناء وليقف على منابر الكلمة الطيبة فيها صادعا بالحق ،مشاركا بالقلم في
ميادينه التي وفق فيها باحثا ،وأستاذا جامعيا ،وأديبا ناقدا ،وشاعرا مبدعا ،وبدل أن تفتح أمامه
أبواب هذه المنابر استقبلته ظلمات العنابر ،فمن مراكز الشرطة ،إلى غرفات التحقيق وزنازن
السجون والمعتقلت ،وتبدأ رحلة شاقة من المحن والعذاب والنفي والغتراب .
-رحلة المعانات والعذاب :
إن شخصا مثل عمرو النامي ما كان ليكون مجهول لدى السلطات الليبية الحاكمة ،فهو معروف
في الوساط الثقافية والعلمية والجامعية بفكره السلمي النير ،وموقفه الثابت الواضح شأن
المسلم المخلص الذي يخلص النصح لمته ووطنه ،وقد دخل عمرو النامي هذا المعترك عن نية
صافية ،وتوقع أن يأتي عهد الثورة بما هو أجدى نفعا ،وأحسن استقرار ،وأوفر أمنا من العهد
الملكي السابق ،ومن منطلق هذا التصور كتب مقالة ( كلمات للثورة ) نشرت بصحيفة الثورة
بتاريخ 1969 / 11 / 4وكان يومئذ بكمبودج طالبا ،وقد حدد في ذلك المقال ،مبررات الثورة
ومهمة الجيش ،وهي مهمة استثنائية ضرورية محدودة يعقبها تسليم السلطة إلى الشعب ،وهو
الذي يختار أسلوب حياته السياسي والجتماعي في الفترة القادمة ،وتناولت المقالة التجاهات
الفكرية السياسية القائمة في ليبيا في ذلك الوقت ورتبها على النحو التالي :
-1القوميون العرب .
-2البعثيون .
-3الناصريون .
-4الشيوعيون .
-5السلميون .
( )1/17
ووصفها بأنها تجمعات عقدية ولذلك حسب تعبيره (( فغالب الظن لن تتخلى عن اتجاهاتها
القائمة ،بل ستستمر في ارتباطها بهذه التجاهات والدعوة إليها ،ونحن نعتقد أن لها جميعا حقا
في اعتناق أفكارها ،وعرضها في إطار الخلق العامة للشعب بعيدا عن التراشق بالتهم ،
والكذب والرجاف ....
ويجب أن تتاح الفرصة الكاملة لهذه التجمعات للتعبير عن أفكارها وعرضها بكل الصور
المشروعة التي تختارها ،كما يجب الستفادة من خبرات هذه الفئات جميعا على النطاق الفردي
في الجهاز الداري للدولة مع تجنب تمكين أي فئة منها من كل المراكز الحيوية التي تجعلها
تستغل نرافق الدولة في سبيل أهدافها الخاصة . )) ....
كما تحدث في مقالته الطويلة عن الثورة والسلم ،وأكد أن السلم هو الصل وهو الساس في
أحداث الصلح المنشود في ليبيا ،فل توجد في ليبيا عقيدة غير عقيدة السلم ( . ) 7
ومن الواضح أن الفكار التي دعا إليها عمرو النامي ل تعجب النظام الذي كان همه أن يحكم
ويتسلط ،ونظام شأنه هذا كيف يؤمن بالديمقراطية أو الشورى أو إعطاء الفرص لكل الفئات
والطوائف والراء والفكار ،وهو ينطلق من أيديولوجية معينة منذ البداية .
ومن الواضح أيضا أن عمرو النامي يدعو صراحة إلى التجاه السلمي باعتباره العامل القوى
لتوحيد الشعب الليبي انطلقا من تاريخه وواقعه وحضارته .
وقد صدقت في أولئك الحكام فراسة شيخه علي يحيى معمر إلى قال عنهم أنهم حفنة من الطفال
وتخوف من مصير ليبيا في ظل حكمهم ( . ) 8
ومن هنا ما إن وطأت رجله أرض ليبيا حتى زج به إلى التحقيق ووضع في قائمة الشخاص
المشبوهين الذين يعارضون السلطة الحاكمة وكان أول اعتقال له إنذارا وتحذيرا ولم يستغرق
سوى بضعة أيام .
( )1/18
واستأنف عمرو النامي نشاطه العادي أستاذا بالجامعة في بنغازي ثم ما لبث أن نقل إلة جامعة
طرابلس لسباب نجهلها وإن كنا نرجح أنها ليست ذات طابع أكادمي بقدر ما هي ذات طابع
سياسي .
وجاءت الحملة الواسعة التي تفجرت سنة 1973تحت شعارات :الثورة الثقافية ومن تحزب خان
،والثورة الدارية ،وغير ذلك من الشعارات التي يكتظ بها الكتاب الخضر ،وهكذا طالت هذه
الحملة فئات المثقفين والطلبة من ذوي الفكر الحر والشخصيات المتميزة ،فكان من بين من ألقي
عليهم القبض الدكتور عمرو النامي ،والشيخ علي يحيى معمر أبنائه وكثير من أستاذة وشيوخ
وأصدقاء النامي ومن بينهم صديقه الحميم محمود الناكوع ،ودامت محنة السجن قرابة سنتين .
وبعد أن أفرج عن المسجونين طلب من الدكتور النامي أن يغادر البلد وهو تعبير مهذب يراد به
( النفي ) وأعطى حق اختيار منفاه في اليابان أو أمريكا اللتينية أو إفريقيا والنفي الختياري هنا
بعناية فكل من اليابان ،وأمريكا ،وإفريقيا ،تنفي المرء جسدا لبعدها وروحا لغربتها ،ولكن
عمرو النامي -ربما لثقافته النجليزية -سافر إلى الوليات المتحدة لتدريس اللغة العربية
والسلم في جامعة أمريكية وكان إلى جانب ذلك يعمل بنشاط كبير في مجال الدعوة إلى دين ال
الحق ونشره بين المتعطشين إلى روحانية الرسالة الخالدة ،وقد استغل ما أتاه ال من فصاحة
وذكاء وحيوية في هذا المجال مما خلد له السمعة الحسنة في الوساط السلمية بتلك الديار .
ولكن ما لبث أن طلب منه الذهاب إلى اليابان وكان ذلك سنة 1979وهنالك رغم ما قدمه من
خدمات جلي للحركة السلمية ول سيما في الميدان الطلبي والشبابي السلمي شعر بالغربة
القاسية تعصره وتؤلمه ،واستبد به الشوق والحنين إلى مرابع الطفولة ومرابع الشباب وقد أودع
تلك الحاسيس الجياشة في قصيدة كتبها في هذه الونة وهو باليابان يقول فيها :
( )1/19
وهكذا لم يطق حياة الغتراب ،وهمه وهواه أن يصلح أمته ووطنه ،وأن يكون قريبا من أهله
وذويه ،وأقاربه فعاد إلى ليبيا قبل دوران حول عن مفارقتها .
بعد هذه التجربة المريرة ما بين نفي واغتراب واعتقال أيقن عمرو النامي أن النظام الليبي لن
يسكت عنه وأنه سيختلق المبررات لملحقته واضطهاده كلما حلى له أن يفعل ذلك ،وآمن أن
حرية الكلمة والحركة التي هي حق من حقوق النسان ،وأن الصدع بالحق وأداء النصيحة التي
هي واجب على كل مسلم ،ل يمكن أن تجد مكانها في ظل حكم دكتاتوري ولو تظاهر
بالديموقراطية ،ومن هنا قرر النسحاب من المدن الكبيرة آوايا إلى جبل نفوسة بعيدا عن أعين
المخابرات والجواسيس ،وقرر أن ينفذ قرارا مريرا يتحول به من حياة إلى حياة ،قرر الستاذ
الجامعي أن يترك مهنة التدريس إلى مهنة الرعي ،ويودع أبهاء الجامعة إلى قمة الجبل ،
ويستبدل بأضواء المدن والعواصم ،سكون الصحراء وهدوء الجبل ويكتفي بشظف العيش
وخشونة الملبس عن رفاهية المدينة ورقة حواشيها ،فاشترى قطيعا من الغنام فذهب إلى ظاهر
( نالوت ) مسقط رأسه ومرابع ذكرياته ومقر أسرته وأهله ،وفي هذا القرار الصعب احتجاج
صارخ وإدانة موخزة للنظام الليبي الذي كان يبلغه بعمله هذا أن ل مكان للثقافة وحرية الرأي في
هذه البلد .
وأحسب أن عمرو النامي اختار هذه المهنة أسوة بالنبياء والرسل فمن شأن هذه الحياة الهادئة
البعيدة عن صخب المدينة وبريقها الزائف أن تقرب المرء من نفسه وتجعله يعيش في روحانية
مطلقة ،كان ذلك اختيار عمرو النامي على الرغم من أنه يمثل المسلم الحركي والمثقف
الجتماعي ،والديب صاحب الرسالة الصادقة .
غير أن أعين الجواسيس لحقته وهو في عزلته ،وطاردته وهو في صحرائه ومع شويهاته ،ولم
يسالموه حتى يحقق مشروعه ،أو يعيش عزا كريما كما كان يمني نفسه بذلك دوما .
-في مواجهة الطغيان :
( )1/20
وفي سنة 1981فوجئ عمرو مرة أخرى بقبضة شرطة القذافي تلقي عليه القبض وتزج به في
السجن وتوصد دونه البواب ،بعيدا عن أهله وذويه ،وأغنامه وأحلمه وظل بين جدران السجن
ل يسمح له بمغادرته أو محاكمته ،ومنذ 1986انقطعت أخباره عن أهله وذويه وغاص النامي
في ظلمة النسيان ن وامتدت هذه الظلمة ثقيلة مريرة على أنفس ذويه ومحبيه وعارفي فضله في
مصير مجهول ل يدرك مداه سوى ال سبحانه وتعالى ،ولم يبق من الدكتور النامي الذي كان
ملء السمع والبصر سوى أعماله الصالحة تشهد له بالتقوى والصلح ،ولم يعد يهو النفس عند
تذكره سوى أبياته المشجية المؤثرة الحزينة أو دمعة حرى تسلل في حيرة وصمت عميقين .
وكأن النامي كان واعيا مصيره المحتوم هذا الذي عبر عنه تعبيرا تصويريا مؤثرا في قصيدته
التي سارت بأبياتها الركبان حيث يخاطب أمه من خلف القضبان قائل :
-في طي النسيان :
هكذا يطوي النسيان علما بارزا من أعلم ليبيا المعاصرة وتستمر مؤامرة الصمت مرعبة قاتلة ،
ول أحد يحرك ساكنا من ذوي قرابته الوطنية أو العقدية وكأن شيئا لم يكن ولكن الذي ل يستطيع
الطاغوت فعله هو أن يمحو أثر النامي الوضيء في النفوس المسلمة سواء تلك التي علمها ذات
يوم من اليام في اليابان أو أمريكا آية من آيات القرآن أو حرك مشاعرها ببيت من أبياته
الشعرية الملتهبة ،أو أفادها معرفة وعلما بتحقيقاته العلمية التراثية الرصينة .
فأنى اتجهت تجد للدكتور النامي آثارا في النفوس وفي مختلف الميادين العلمية في ميدان التحقيق
العلمي ،وفي مجال النشاط السلمي ،وفي فضاءات الشعر السلمي الصادق ،وكفاه فخرا أن
له في هذه الميادين حضورا وخلودا أحب الطاغوت ذاك أم كره .
وكأن النامي كان يتحدث صادقا عما سيؤول إليه أمره مع الظلمة حيث يقول :
رحمك ال يا عمرو حيث تكون صابرا محتسبا أو شهيدا منعما .
نسأل ال التوفيق في البداية والنهاية
د .محمد صالح ناصر
( )1/21
( )1/22
نماذج من رسائله
بسم ال الرحمن الرحيم
أستاذنا المام الجليل المجاهد الصابر أبو اليقظان حفظه ال وأدام فضله وعزه .
وعليكم السلم ورحمة ال وبركاته ،وأما بعد :
فأحمد إليك ال الذي ل إله إل هو وأصلي وأسلم على سيدنا محمد رسول ال وعلى من تبع هداه
ونهج سبيله من المؤمنين .وأبتهل إلى ال سبحانه أن يجنبنا العجز والكسل ويعيننا على الخير من
العمل ،وأعتذر إليك من تقصير كبير هو شهادة على ضعف هذه النفس التي ما تزال تعيش في
متاهات من العجز والتواني والضعف مما يحضها من صور الخمول والجمود في كل ناحية بهذه
الديار ....
وكيف أعتذر إليك بالتقصير وقد أقام ال علي حجته وأمضى علي حجتك ولكن ل حول ول قوة
إل بال ...فلقد وصلتني كتبك ،وهي حيث هي من نفسي ومن نفوس الخوان إعزازا وإكبارا
وإجلل واعتبارا واستفادة ثم ل أزال أؤامر نفسي في الكتابة إليك وتسوف يوما بعد يوم حتى
تطاولت اليام فصارت شهورا وامتدت الشهور فصارت أعواما ...وقد كان ف يكل تلك المدة
من الحوال والحداث ما يكون له شأن فيما أكتب ..ولقد هيأت من نفسي أكثر من مرة بعض ما
أريد أن أسطره إلى مقامك الجليل وهممت مرات كذلك بالكتابة إلى الستاذ العلمة المجاهد الشيخ
بيوض في شؤون لها بعض الهمية ثم ل يتهيأ لي ذلك ول أنفذ ما نويت ،وأنا أصبحت أخشى
هذه الحال من نفسي ولعلي أستطيع التغلب عليها بعون ال سبحانه ...
( )1/23
أثلج صدري دعائكم المبارك بالتوفيق لنا في نهضتنا التي نعتزمها والتي رأيت صورة منها في
القسم اللو المطبوع من كتاب القناطر ،وأمن الخوان على الدعاء المبارك وكان لنا من حسن
ظنكم وجميل تشجيعكم حافزا جديدا ودافعا على مواصلة العمل ،أما بالنسبة لبقية القسام فقد
تأخرت عن العمل فيها لن مكتبتي بقيت في مصر ،ول سبيل إليها الن ،ونحن في موطن ل
مكتبات به ولم تتهيأ لي فرصة الستقرار حتى الن ،زد على ذلك أنني أتطلع في الحصول على
بعض النسخ المخطوطة من الخوان بميزاب أو جربة لعلكم تستحثون الخوان في موافاتنا ببعض
النسخ الخطية التي سبقت بتاريخ نسخها تاريخ طبع المطبوعة البارونية فما لدي من مخطوطات
الكتاب للجزء الول فقط ...وحبذا لو يتيسر الحصول على بقية كتب الجيطالي المخطوطة
الخرى :الفرائض ،وكتاب الحج ،ورسائل الئمة ،وشرح نونية أبي نصر فإنني أعزم إخراج
كتاب خاص عن هذا العالم الجليل ،ويستدعي ذلك الطلع الكامل على كامل مؤلفاته إن أمكن
فلعل إخواننا بوادي ميزاب يعينون في هذا المر .
أنا مقيم هذه المدة في نالوت وسوف أسافر إلى لندن بعد مدة لتمام الدراسة إذا تيسرت
الجراءات المتعلقة بالسفر والحصول على مكان في إحدى الجامعات البريطانية ....وسأوافيكم
بخبر ذلك إذا كان .
كان لزيارة الخوان للجبل هذا الصيف الماضي أثر عظيم في تحريك النفوس وإحيائها وقد كانت
جولتهم كالهزة الكهربائية جعلت الجبل بكامله ينتفض لها فاختلفت المشاعر ف ينفسه بين ماض
رائع وواقع سائب وأمل غائم ونسأل ال التوفيق إلى الطريق ...وزيارة الشيخ بيوض حفظه ال
سوف سكون لها أعظم الثر إذا تمت فلعلكم تستعجلونه بها .
( )1/24
كل الخوان بخير ن ولعلكم لحظتم أثر الزيارة في استجابة الناس بإرسال أبنائهم للدراسة
بمعاهدكم وقد كان لزواره في هذا السبق والفضل ،والستاذ الفاضل الشيخ علي معمر يخشى أن
يكون لكثرة الموفدين أثر في تكوين وحدة تستعصي على الذوبان في المعهد ،ويرى أهمية
التركيز على هذه الناحية حتى يكون في تخلصهم من الحتفاظ بوحدة الطابع انطباع بالخلق
السلمية الصحيحة في ميزاب ،وحتى يساهم ذلك في تخليصهم من رواسب أخلقهم هنا ،المهم
هو يرى ضرورة التركيز على تربية هذه المجموعة تركيزا خاصا حتى تكون فاتحة الخير
ومبعث المل ول حاجة للتنويه بمثل هذا ولكن ذلك ما أشار إليه أستاذنا الجليل فأحببت إطلعكم
عليه ومثلكم ل ينبه لهذا ....
منتصف رمضان 1386هـ
بسم ال الرحمن الرحيم
وصلى ال على سيدنا محمد وسلم :
الستاذ الجليل العلمة المجاهد بقية السلف وبركة المذهب الشريف شيخنا أبو اليقظان إبراهيم
حفظه ال تعالى وزاده رفعة .السلم عليكم ورحمة ال وبركاته والسلم على من يلوذ بكم من
البناء والخوان والسادة المشايخ .والسلم على رياض ذلك الوادي المبارك الذي انكشف عبابة
عن رجالت السلم الفذاذ فكنتم فيهم غرة الزمان وكنتم أنفة الذي يعطس عنه ،وفخره الذي
يشمخ به .وبعد ..
ها أنا ذا أفرغ إلى القلم مترددا بين إلحاح الشوق وعقال العجز ،يحفزني الول ويعلقني الخر ،
وتقف الكلمات حيرى أمام ما يتتابع في أيامنا من حوادث هي كلها باهت عابر ،ولكنها تبتلع
اليام فتطويها طيا سريعا أجدني كلما أفقت على حقيقة غارقا في بحار التقصير تدفعني موجة إلى
أخرى ،ويقودني أمر ذلك إلى حال من الخجل أهرب منها إلى تقصير أكبر ،فهذه طويلة قد
مضت أعجب اليوم كيف انقطعت فيها عنك .
( )1/25
...ويعلم ال أن القلب موصول بك ،ولكن كما قلت ل تطاوعني نفسي بالكتابة إليك كما أكتب
لغيرك ،فيقطعني عنك هذا الشعور بأن ما أقوله لك أو ما أريد أن أقوله وأن أعبر هو خارج عن
نطاق الكلمات ومما يعجز أن يستقر في حروف على قرطاس ،ولكنه من مناجاة الروح التي تأبى
إل أن تحلق في أجوائها الطليقة المرفرفة ...ويعلم ال أن في القلب من ذلك ما فيه وأن ما يلج
علي به من اللوم والتأنيب أشد علي مما يحمل من مشاعر الشوق التي يقر بالعجز عن وفاء حقها
في مجال البيان والمواصلة ويتداخل المران فيأخذان على النفس مسارها بما يكون أشد من كل
ذلك ...
أسأل ال لك الهناء والعافية وأسألك الدعاء لنا فأنت وسيلتنا إلى ربنا فيما يحوط بنا من أهوال هذا
الزمان الذي اشتدت ضرباته على السلم والمسلمين فنشأ فيه أجيالنا على مصيبتين ،مصيبة
الضياع والذلة التي يعيشها المسلمون ،ومصيبة النسان التي تعقل ألسنتهم عن نداء الصلح
..أما أنا فماض بحول ال في عملي ،وبالرغم من وجود الحقيبة الضائعة في تونس كما أخبرني
الخ فرحات إل أنها لم تصلني بعد ( ... ) 1ول زال بعدها يقيدني عن بعض عملي ..وإذا
يسر ال تعالى فسوف أنتهي من أمر هذه الدراسة قبل هذا الوقت من العام القادم فإذا تم ذلك ،
فسيكون طريق عودتي بإذن ال وادي ميزاب حتى أسعد بإمضاء وقت معكم فأسألكم دعواتكم
حتى ييسر ال تعالى هذا ...
لقد شغلت نفسي فترة من الوقت بكتابة عدة فصول في النقد الدبي نشرت في الجريدة الرسمية
في طرابلس سميتها فصول من الجد الهازل .
( )1/26
عرضت فيها لقضية الشعر الحر وتتبعت بعض دعاته وأوضحت خطره على اللغة والفكر
السلمي بما يحمله من سم زعاف في طياته من الفكار المسمومة والمبادئ الهدامة ،وكان
للمقالت صدى طيب .كما نشرت فصل طويل في الرد على أحد الكتاب الليبيين قام يردد أفكارا
ضالة حول تفسير القرآن يدعو فيها إلى تفسير القرآن حسب الرمز ويبطل بذلك المعجزات
الربانية ،وكان للرد الذي كتبته أيضا صدى حسن وقد توقفت عن هذا النشاط الثقافي العام للتفرغ
النهائي لعملي ،وآخر ما ساهمت به في ذلك النشاط فصل طويل ضاف عن ( نوادي الروتاري )
ناقشت فيها نشأة هذه النوادي وفكرتها وسيطرة اليهود عليها وما يجره وجودها من مصائب على
بلد المسلمين وذلك بمناسبة إنشاء فرع لهذا النادي في ليبيا وسوف أبعث إليكم نسخة من الجريدة
التي نشر فيها هذا الفصل عند حصولي عليها ..
أما في نطاق العلم النافع ،فقد فرغت من طباعة ومقابلة رسالة الشيخ يوسف بن خلفون وبعثت
بنسخة منها للشيخ الجليل الستاذ بيوض إبراهيم حفظه ال لمراجعتها فهي عنده ،وفرغت حتى
الن من طباعة رسائل المام جابر بن زيد على اللة الراقنة من نسخة قديمة رديئة وسوف أطبع
منها عدة نسخ لبعث لكم منها لتصحيحها ،لن هناك بع العبارات صعب علي تخريجها جدا ،
وعلمت أن نسخة منها في مكتبة الشيخ صالح بن عمر ( ) 2فلعل أحد منكم يظفر بفرصة
لمقابلتها بذلك الصل ،وسوف يتم إرسالها في حدود نصف شهر بحول ال تعالى ...
( )1/27
انقطعت عني رسائل الشيخ علي يحيى معمر لمدة طويلة ولكني علمت أنه بخير وأنه انتقل
واستقر بطرابلس وهذا أمر استبشرت به كثيرا فإن كتابه الباضية في موكب التاريخ قد أحيا في
نفوس الناس هنا بعض نعاني العتزاز بالمهذب والتعلق به فإقامته بطرابلس سوف تكون طورا
آخر في هذا الصدد ...كما علمت أن الرسالة الثالثة التي نفحتم بها رسالة المسجد قد تم طبعها
وأنها وصلت الميناء بطرابلس ولكن لم تصلنا منها نسخة بعد ...ز وهذه كلها طلئع خير وبركة
فنحمد ال كثيرا ،سلمي الكثير إلى شيخنا الجليل الشيخ بيوض وإلى السادة المشايخ وأساتذة
المعهد وجماعة العزابة وجميع أحبابنا هناك ..
ابنكم المتحنن إليكم
عمرو خليفة النامي
4أغسطس 1969
==============================
( ) 1ذكر في رسالة أخرى ضياع حقيبة مؤلفاته ومخطوطاته وأطروحته ،وفرحات هو د /
فرحات الجعبيري الجربي التونسي .
( ) 2توجد هذه المكتبة ببني يزفن ولية غرداية ( الجزائر ) .
---
( )1/28
( )1/29
كلمة شكر
أتقدم بصادق شكري إلى الستاذ ر .ب .سرجنت على ما وفره لي من المقترحات والمناقشات
والنتقادات المفيدة الكثيرة أثناء الفترة التي أشرف فيها على كتابة هذا البحث .
كذلك أتقدم بشكري الخاص إلى الكثيرين من الصدقاء والباحثين الباضية في الوساط الباضية
في شمالي إفريقية على ضيافتهم وعلى مساعدتهم التي جاءت بل حدود .وإنني ممتن أشد
المتنان لصحاب المجموعات المختصة من المخطوطات لتمكيني من استعمال مكتباتهم القيمة ؛
بدون ذلك كان هذا العمل مستحيل .وأشكر أيضا الشيخ محمد السالمي ،وسالم الحارثي من
عمان لعارتي العديد من المخطوطات القيمة ؛ كما أتوجه بشكري إلى جميع الصدقاء الذين مدوا
لي يد العون بصورة أو بأخرى .
وأود أن أتقدم بالشكر أيضا إلى وزارة التربية الليبية لنها زودتني بمنحة مالية خلل هذا البحث ،
كما أشكر معهد الداب في الجامعة الليبية لعطائي الجازة الدراسية للقيام بهذا العمل .ثم إن
علي واجب الشكر للستاذ عمر الشيباني ،رئيس الجامعة الليبية ،والدكتور منصور كيخيا ،
عميد معهد الداب ،والسيد عبد الرحمن الشريدي ،رئيس الطبع والنشر ،وإليه يعود نشر هذا
العمل بهذا الشكل الممتاز .
---
( )1/30
تمهيد
الباضية أو الباضية هي إحدى أقدم الفرق السلمية ،التي تعود نشأتها إلى النصف الول من
القرن الهجري الول ؛ وقد أخذت اسمها من عبد ال بن إباض أحد فقهائها الولين .
ويشمل اسم الباضية مجموعة إسلمية اعتبرت من قبل معظم الكتاب فرعا معتدل من حركة
الخوارج .ويشكل أنصار هذا المذهب عددا من الوساط المستقلة التي ل تزال تتمسك بتعاليمها
بقوة ؛ وأكبر هذه المجموعات تعيش حاليا في عمان في جنوبي شرقي شبه الجزيرة العربية ؛ ثم
إن هنالك أقليات أخرى في زنجبار ،مقابل شاطئ أفريقية الشرقي ،وفي جبل نفوسه وزواره في
ليبيا ،وفي جزيرة جربة في تونس ،وفي وادي مزاب في الجزائر .
ل يعرف إل القليل جدا المعلومات عن الباضية ،وتعاليمها ،وأصولها ،وتطورها .وهنالك
باحثون أوربيون حديثون حققوا إسهامات مفيدة في ميدان الدراسات الباضية ،غير أن دراساتهم
جاءت موجهة بالدرجة الولى إلى تاريخ الجماعات الباضية ،أو إلى بعض نواحي حياتهم
الدينية والجتماعية الحالية .وباستثناء عدد قليل من المقالت عن الفقه الباضي ،بقيت التعاليم
الباضية بوجه عام غير معالجة بصورة جادة .والدراسات التي قام بها البحاثة الوربيون عن
الباضية تعتمد بالدرجة الولى مصادر تاريخية .أما الكتابات الباضية الغزيرة في الفقه والكلم
فلم تستخدم بالطريقة الملئمة ؛ ومرد ذلك ،ول ريب ،إلى صعوبة الوصول إلى مثل هذه
المصادر .
( )1/31
وأقدم ورقة تناولت مصادر الباضية ومرجعها ،قدمها موتيلنسكي في مقال له عن (( بيبوغرافيا
مزاب )) ( * ) ( ) 1سرد فيها العمال الباضية التي ذكرها البرادي ،مضيفا إلى ذلك
ملحظاته والنتائج التي توصل إليها .غير أنه ،على أي حال ،لم يحدد بدقة مواضع
المخطوطات التي ذكرها ،ولم يعط وصفا مرضيا لها ،باستثناء العمال التاريخية ،وتكمن قيمة
هذه الدراسة في كونها خطوة تمهيدية سهلت البحاث اللحقة .أما الجدول الحداث والكثر فائدة
للعمال الباضية في مزاب فهو من وضع الستاذ جوزيف شاخت في مقال له عن (( مصادر
ومراجع ومخطوطات أباضية )) سرد فيه المخطوطات الباضية الموجودة في المكتبات الخاصة
بميزاب ،مرتبة وفق موضوعاتها ،ذاكرا أسماء المكتبات وأرقام المخطوطات .ثم إن هنالك
مجموعات أخرى لمخطوطات إباضية جمعها بحاثة معاصرون آخرون :لئحة المخطوطات
الباضية في كركوفيا في بولندا جمعها فلديسلف كوبياك في مقال له عنوانه (( المخطوطات
العربية في بولونيا )) في (( مجلة معهد المخطوطات العربية )) ؛ وقائمة المخطوطات الباضية
في المعهد الشرقي في نابولي ،من إعداد روبيناتشي ؛ وهنالك وصف للمخطوطات الباضية في
دار الكتب في القاهرة ،من إعداد فؤاد سيد في فهرس دار الكتب .
( )1/32
وخلل إعداد هذه الدراسة قمت بجولتين بين الجامعات الباضية في شمالي إفريقية بحثا عن
مخطوطات ومواد لعملي .كانت الجولة الولى في حزيران /يونيو -أيلول /سبتمبر 1968؛
وكانت الثانية في تشرين /نوفمبر -كانون الول /ديسمبر . 1969وقد كان من السهل علي
بما أنني إباضي بعكس غير الباضيين أن أطلع على المكتبات والمكتبات الخاصة بالمخطوطات .
ووجدت لدهشتي أن غالبية العمال المغربية الهامة ،بما في ذلك التي كان يظن أنها مفقودة ،ل
تزال موجودة وفي حالة جيدة .يضاف إلى ذلك أن هنالك أمل كبيرا باحتمال تحيقي اكتشافات
هامة في المستقبل في هذا الميدان .ونشرت وصفا لبعض المخطوطات الجديدة التي اكتشفت في
جولتي الولى في (( مجلة الدراسات السامية )) وآمل أن يصار في المستقبل القريب إلى إعداد
جدول كامل يتضمن وصفا شامل لجميع المخطوطات التي تفحصتها .
أما المنطقة التي لم تستكشف كليا وهي ،ول ريب ،مكان يحتمل أن توجد فيه مخطوطات
إباضية أكثر قيمة ،فهي عمان ويتطلب ذلك اهتماما خاصا من دارسي الشؤون الباضية .ولم
أستطع أن أزور عمان شخصيا ،لكنني زودت من بعض الصدقاء العمانيين بمخطوطات إباضية
قيمة عن بعض أعمال قديمة في الفقه وفي السير لعلماء الباضية الوائل ؛ وقد كانت ذات فائدة
كبيرة في دراسة أصول المذهب الباضي وعلقته بحركات المعارضة الولى في السلم .
( )1/33
ولما كانت عمان مركزا رئيسا للباضية وللمامة الباضية فإنها حظيت باهتمام وثيق من
الباحثين الوربيين ،وقد عرض ج .ويلكنسون ذلك في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان
(( الستيطان العربي في عمان )) من أوكسفورد ،سنة ، 1969وهو ما لن أعالجه هنا .غير
أن الذي ل يزال مطلوبا بالنسبة لعمان هو -على صعوبة احتمال إنجازه -اكتشاف المزيد من
المواد مما يسهم ول ريب في تكوين صورة أكثر وضوحا لمذهب الباضية وتطوره في جميع
المناطق الباضية .انتقلت غالبية المراجع الباضية الولى من البصرة إلى عمان حيث جرى
تأسيس إمامة قوية وتوفر جو أكثر ملءمة لولئك العلماء لتطوير وجهات نظرهم ،والسهام
بصورة أكبر في الدب الباضي ؛ ومنه ما انتقل إلى بلدان إباضية أخرى ،لكن المواد الصلية
للعقيدة الباضية في فترتها الولى ربما كانت محفوظة في عمان ؛ والتوصل إلى اكتشافات هامة
هناك هو أمر محتمل جدا .
( )1/34
كذلك أبدى الباحثون الوربيون اهتماما وثيقا بالباضية في إفريقية الشمالية .لقد بدأت دراساتهم
بواسطة ماسكوراي الذي ترجم سيرة أبي زكريا الوارجلني إلى الفرنسية .ولفت عمله انتباه
علماء آخرين أسهموا بالدراسات الباضية في ميادين مختلفة .ففي ميدان التاريخ ،قدم
موتيلنسكي في مقالة عن الكتب الباضية جداول كاملة عن محتويات العمال الباضية بخصوص
سير شيوخ الباضية :سيرة أبي زكريا و (( طبقات الدرجيني )) ؛ و (( الجواهر )) للبرادي ،
وسير الشماخي .ثم حقق بعد ذلك ،وترجم إلى اللغة الفرنسية ،تاريخ ابن الصغير المالكي عن
الئمة الرستميين .وفي وقت لحق ظهرت مراجعات كاملة لهذه المصادر الباضية :فقد راجع
ليفتسكي (( طبقات الدرجيني )) وسير الشماخي معا ؛ وراجع روبيناتشي (( كتاب الجواهر ))
للبرادي ؛ كذلك نشر ليفتسكي ،وهو يملك نسخة من سير الوسياني ،سلسة من مقالت مستفيدا
من مواد ذكرها الوسياني والعمال الباضية التاريخية الخرى ،وهي تغطي عددا من
الموضوعات المعنية بالدراسات الباضية وبالجماعات الباضية في بلدانها المختلفة ،ل سيما في
شمالي إفريقية ،من حيث حياتهم الفكرية ونشاطاتهم التجارية والسياسية .والظاهر أن دراساته
تبدو أكثر قبول من تلك ذكرت من قبل برغم ما فيها من نقاط ثانوية قليلة ضللة فيها بالدرجة
الولى نقص المواد .وعن الباضية في شمالي إفريقية قدم إشتروتمان أول عروضا تاريخية
موجزة في مقال له عنوانه (( البربر والباضية )) ليقدم شيخ بكري بعده في وقت لحق عرضا
أكمل عن الباضية وغيرهم من الخوارج في شمالي إفريقية في مقال له عنوانه (( الخوارج
والبربر )) ثم إن المصادر الباضية استخدمت منذ وقت وجيز من قبل العلماء اليطاليين في
دراسة النزاع السياسي الباكر في السلم ،ل سيما من قبل فالييري لعرض الصراع بين علي
ومعاوية ،ومن قبل روبيناتشي لعرض العلقة بين الخليفة الموي عبد الملك بن
( )1/35
( )1/36
وثمة عدد قليل من المقالت الخرى عنيت بدراسة التنظيم الباضي للعزابة ،كما أن هنالك مقال
لليفتسكي عن (( الحلقة )) ،و (( مقال آخر لروبيناتشي عنوانه Un antico documento di
vita cenobitica musulmanaيتناول أصول (( الحلقة )) .هذه هي العمال الساسية
باللغات الوروبية حول الدراسات التي تتعلق بالباضية في المغرب .وقليلة هي الملحظات التي
تتوفر حين تكون الحركات المذهبية الولى في السلم هي موضوع البحث لن جميع البحاثة
الوروبيين يضعون الباضية بين الخوارج .
( )1/37
أما بالنسبة للعلماء المسلمين غير الباضية ،فإنهم كانوا باستمرار ينظرون إلى الباضية
باعتبارهم خوارج متطرفين ومبتدعة .ولم يعيروا أي اهتمام جدي للدراسة العقيدة الباضية وإلى
تكوين صورة أوضح للمذهب الباضي .ومنذ وقت وجيز فقط أدخل المذهب بين المذاهب
السلمية ،ممثلة في الموسوعتين الجديدتين حول الفقه السلمي في مصر والكويت .وقد تحقق
هذا الحدث السار نتيجة النشاطات الباضية المستمرة التي تهدف إلى الحصول على فهم أفضل
لها من قبل المسلمين المجاورين .لقد بدأ بهذه النشاطات سليمان باشا الباروني من جبل نفوسة ،
وهو سياسي مسلم نشط لعب دورا رئسا في محاربة الغزاة اليطاليين لليبيا سنة . 1911وقد أثير
اهتمام المسلمين بشؤون الباضية بفعل الدور الذي لعبه الباروني وإباضيو جبل نفوسة في
محاربة إيطاليا ،وبولئه الراسخ للمبراطورية العثمانية وبكفاحه الصلب في سبيل قضية السلم
،إذ كان يدعو إلى التفاهم الفضل بين المسلمين ؛ وكان أحد أول من دعا المسلمين لنسيان
الخلفات التي نشأت عن خلفات في الرأي بين الئمة الولين لمذاهبهم ،وللعودة إلى الحكم
المباشر للقرآن والسنة .وإن المكانة التي رسخها الباروني لنفسه في الوساط السلمية الدولية
بفضل نضاله البطولي في وجه الغزو الستعماري الغربي وفرت التقدير للسهام الباضي في
سبيل الوحدة السلمية التي كانت شعار غالبية القادة المسلمين آنذاك ،ومهدت السبيل لسماع
وجهات نظر الباضية .وبالضافة إلى المطبعة الحجرية البارونية التي أنشئت في القاهرة قبل
بداية القرن الحالي ،أنشأ سليمان الباروني مطبعته الخاصة به في وقت باكر من هذا القرن ،
وأصدر صحيفته (( السد السلمي )) التي بث فيها آراءه وسعى إلى إعطاء صورة للباضية
أكثر وضوحا .وكذلك نشر عددا قليل من الكتب الباضية لمؤلفين عمانيين ومغاربة ،بما في
ذلك كتابه الخاص عن تاريخ الباضية (( الزهار الرياضية )) .ثم
( )1/38
واصل إبراهيم أطفيش من مزاب ،الذي نفاه الفرنسيون من الجزائر فاستقر ف يمصر ،حيث
أصدر صحيفته (( المنهاج )) وشارك في تحرير ونشر أعمال العالم الباضي المعاصر محمد بن
يوسف أطفيش وبعض أعمال العلمة العماني السالمي .وكان خلل المدة الطويلة التي بقيها في
مصر ،الممثل غير الرسمي للمذهب الباضي يدافع عن الراء الباضية وينشرها .كما كان
باستمرار على استعداد لسداء المشورة بشأن الدراسات الباضية .ول مجال للشك بأن إسهامه
من أجل تقديم عرض أوضح للمذهب الباضي ذو أهمية كبيرة .وتجلى هذا بوضوح شديد في
مجلته (( المنهاج )) وفي ملحظاته على المؤلفات التي حررها ،وفي ملحظاته على أجزاء من
(( دائرة المعارف السلمية )) المترجمة إلى العربية ،وفيها حاول أن يصحح آراء خاطئة عن
الباضية .
( )1/39
وفي تونس والجزائر جرت نشاطات مماثله من قبل قادة حزب الصلح في مزاب المشاركة
بنشاطات جمعية العلماء في الجزائر ،ومن قبل علماء وقادة إباضية في تونس شاركوا في
نشاطات الحزب الدستوري لعبد العزيز الثعالبي .ومن الشخصيات الباضية البارزة التي لعبت
دورا هاما في تونس ،المغفور له محمد الثميني ؛ وهو في الصل من مزاب وقد أسس مكتبة في
تونس ،وشارك في نشر وتوزيع المؤلفات الباضية ؛ والمغفور له الشيخ سليمان الجادوي من
جربة ،وكان محرر الصحيفة الشهيرة (( مرشد المة )) .ومن الشخصيات البارزة في مثل هذه
النشاطات المماثلة في الجزائر أبو اليقظان إبراهيم الذي أصدر نحو ثماني صحف مختلفة ف يظل
العهد الفرنسي ؛ والشيخ بيوض إبراهيم بن عمر الذي كان مسؤول عن الحركة الصلحية
الحديثة في مزاب ،وعن مدارسها ومؤسساتها .وقد كان الرجلن عضوين ناشطين في
(( جمعية العلماء )) ،وصديقين شخصيين لعلماء السنة البارزين في (( الجمعية )) .وكانوا
جميعا مخلصين في استهداف تفاهم أفضل مع جيرانهم من السنة .وأسفرت هذه الحركة التي
كانت بالدرجة الولى من وحي الباروني ومقاربته ،عن تلطيف موقف المعارضة المرير من
الباضية في مختلف أوساطهم ،ووفرت جوا أفضل للباضين لعرض وجهات نظرهم بطريقة
معتدلة .والسهام الخير في هذا الميدان قدمه علي بن معمر من جبل نفوسة ،في ليبيا ،وهو
الذي نشر حديثا عددا من المؤلفات تحت عنوان (( الباضية في موكب التاريخ )) هادفا بذلك إلى
تقديم دراسة عامة عن الباضيين في بلدانهم المختلفة .كما نشر أعمال أخرى تتناول قضايا
شرعية ودينية .والعالم الخر هو محمد علي دبوز من القرارة في مزاب ؛ وقد تعهد بإعادة كتابة
تاريخ المغرب من وجهة النظر الباضية ،ونشر حتى الن سبعة مجلدات من عشرة ،ينوي فيها
أن يكمل عمله .وفي المجلدات الثلثة الولى تناول تاريخ المغرب الكبير فيما كانت المجلدات
التالية مخصصه لدارسة
( )1/40
الجزائر في العصر الحديث -ثورة الجزائر ونهضتها المباركة -وكل المؤلفين هما من طلب
الشيخ بيوض ،وقد تأثرا إلى حد كبير بآرائه الصلحية ،وهما يدعوان المسلمين في مؤلفاتهما
بصورة مقنعة وبقوة إلى أن عليهم أن يعودوا إلى القرآن والسنة وأن يتركوا جانبا أساب النقسام
الناشئ عن إتباع العلماء المتأخرين الذي تأثروا بالخلفات السياسية .وذلك هو إسهام الباضية
في المسعى السلمي الحديث للعودة إلى السلم الصيل كما هو عليه في الكتاب والسنة .وكان
من شأن هذا التجاه الذي دعا إليه محمد عبده وتلميذه رشيد رضا ،ثم واصله تلميذتهما قاموا به
من نشاطات تالية ،أن أمن للباضية أمل جديدا بفهمهم على وجه أفضل لقد بدأ لهم أن خصومهم
المسلمين بدأوا في النهاية يدركون ما مثلته الباضية ودعت إليه منذ البداية .وقد لعب الباضية
دورا في هذه الحركة بواسطة النضال السياسي في سبيل الستقلل الوطني في ديارهم المختلفة ،
ووقفوا جنبا إلى جنب مع جيرانهم السنة في وجه الدول الغازية وحاولوا دائما أن يعرضوا
آراءهم وعقائدهم لتوضيح سوء الفهم القديم والتخلص من العزلة التقليدية التي عاشوا فيها
باستمرار حيال جيرانهم المسلمين .وقد اتخذت المساهمة الباضية في الدراسات الباضية
اتجاهين اثنين هما :
أ -توفير إنتاجهم الخاص بهم عن طريق تحقيق ونشر أعمالهم الباضية السابقة ،وإضافة
مساهمات جديدة بكتابات جديدة لتلبية المتطلبات الحالية .
ب -عرض آراءهم وتاريخهم بصورة أوضح لتحقيق فهم أفضل لهم من قبل المسلمين غير
الباضيين .
( )1/41
أما بالنسبة للمسلمين غير الباضية ،فليست هنالك حتى الن أية محاولة جادة من جانبهم لدراسة
الباضية بعمق عبر مصادرها الخاصة بها ،غير أن علمات على مثل هذا الهتمام بالدراسات
الباضية بدأت تظهر في الجامعات الحديثة عبر علماء معاصرين توجهوا ول ريب إلى الدراسات
الباضية بفعل اهتمام العلماء الوروبيين وإسهامهم .وفي طليعة هذا التجاه تأتي جامعة القاهرة
حيث يقوم طالب إباضي هو محمد حنبولة بدراسة مقارنة لقوانين الملكية في الفقه الباضي
والقانون الحديث في ليبيا ،بإشراف محمد سلم مدكور .ول شك أن أصالة هذا الموضوع
والمكانات التي يفتحها في سبيل اتجاهات جديدة في البحث ستشجع على إجراء المزيد من
الدراسات في المستقبل . ) 2 ( .
إن الغرض من الدراسة الحالية هو عرض صورة أكثر وضوحا للمذهب الباضي مبنية على
مواد إباضية لكنها مكتشفة حديثا .وإذا كانت هذه الدراسة معنية بالباضية في شمال إفريقية من
حيث المنطقة ،إل أنه كان ل بد لنا من أن ندرس أصول الحركة الباضية ومؤسسيها الوائل في
البصرة ،وعلقتها بحركة الخوارج ،وصلتها بالحداث الولى للتاريخ السلمي والتطور
السياسي ،والتأثير الذي كان لهاتين الناحيتين الخيرتين على المذهب الباضي بالنسبة لرائه
الفقهية والكلمية ،ثم توسعه في شمالي إفريقية .ونهدف أيضا إلى تقديم نظرة واضحة للفقه
وعلم الكلم الباضيين ؛ ونقاط التفاق والختلف مع حركات المعارضة المعاصرة لها
والمدارس الفقهية وبعض الخصائص المميزة للعقيدة الباضية :وتحديدا (( ،نظام الولية
والبراءة )) ومراحل تطور الجماعة الباضية ،أي (( مسالك الدين )) .وقد حررت كجزء من
هذه الطروحة ثلثة نصوص أباضية لتقديم نماذج من النتاج الباضي تغطي ميادين الفقه
والشرع ،وموضوع الولية والبراءة الذي يدخل في الميدانين معا ( . ) 3
( )1/42
تعتبر هذه الدارسة حتى الن ،الولى المبنية على أساس واسع من مواد أصلية مكتشفة حديثا
للمصادر الباضية الولى وعلى دراسة تامة شاملة لغالبية العمال الباضية الموجودة في مختلف
حقول الدارسة .وأرجو أن يؤدي ذلك إلى فتح أفق جديد في ميدان الدراسات السلمية وإلى
التشجيع على المزيد من التحقيق في ضوء المواد الجديدة المستخدمة هنا ،والراء التي توصلنا
إليها .وهي على كل حال ليست غير الخطوة الولى في دراسة الباضية .ول ريب أن هنالك
الكثير مما يبقى عمله ولو أن
( )1/43
الكاتب يثق بأن الطريق قد مهدت بفضل النتائج التي تحققت بفضل هذا البحث .
=========================
( ) 1بخصوص المقالت والعمال المذكورة هنا ،انظر المصادر والمراجع ص 295وما يليها
.
( ) 2ظهرت رسائل أكاديمية كثيرة في هذا التجاه لباحثين إباضيين وغير إباضيين .في
جامعات عربية وأجنبية ،ساعدت كلها على تقريب الفهم بين المسلمين ( .محمد ناصر ) .
( ) 3سننشر هذه النصوص منفصلة .
---
( )1/44
الفصل الول نشأة الباضية ،آراء الباضية في الخوارج
عبد ال بن إباض
أخذ المذهب الباضي اسمه عن عبد ال بن إباض المري التميمي ؛ وقد سمي المذهب على اسم
أبيه لنه كان أ/ثر من ابنه شهرة ،كما هي الحال في علم النساب عند العرب ( ) 1والملطي
هو الوحيد الذي ذكر أن هذه الفرقة سميت على اسم مؤسسها ،وهو كما قال ،إباض بن عمرو (
. )2على أن هذه المعلومة ل يمكن أن تؤخذ بالعتبار لن الملطي أورد في كتابه معلومات عن
الخوارج مناقضة لجميع المراجع الموثوقة التي تناولت الموضوع ( . )3
( )1/45
ما نعلمه عن عبد ال بن إباض قليل جدا ،سواء في المصادر الباضية أم غير الباضية ؛ وهو
من بنى صريم بن الحارث بن مقاعس من بني تميم ،إحدى قبائل مضر الرئيسة ( . ) 4ول
يعرف شيء عن حياته الولى ،ويرى العالم الباضي الحديث محمد بن يوسف اطفيش أن ابن
إباض انتقل من نجد ،موطن قبيلته ،إلى البصرة ( ) 5كذلك ذكر أن هنالك روايات معنية تفيد
أنه كان صحابيا لفترة قصيرة ( ) 6؛ إل أن رواة إباضيين أوردوا ابن إباضي طبقة التابعين
الذين عاشوا في أثناء النصف الثاني من القرن الهجري الول ( . ) 7ول يعرف هل اشترك في
الحروب الهلية التي وقعت بين المسلمين قبل خلفة بني أمية ،ويبدو أنه لم يكن راضيا عن حكم
معاوية ،وقد انتقد مخالفته للقرآن وللسنة ( . ) 8وترد أول معلومة أكيدة حلو نشاطاته العامة
عن دوره في الدفاع عن مكة بوجه القائد الموي حصين بن نمير السكوني ،الذي خلف مسلم بن
عقبة ( ) 9 ( ) 682 / 63؛ كما كان أحد زعماء فريق المحكمة الذين حاولوا أن يكسبوا عبد ال
بن الزبير إلى جانبهم ،وقدموا له دعمهم الكامل إذا وافق على آرائهم وانفصل عن عثمان ،
وطلحة ،ووالده بالذات الزبير بن العوام ؛ غير أن عبد ال بن الزبير رفض الموافقة على آرائهم
فتركوه وعاد بعضهم إلى البصرة ،ومن بين هؤلء عبد ال بن إباض ( . ) 10والظاهر أن
موقف ابن الزبير دفعهم إلى اليأس من تأمين قيادة بارزة من القرشيين وهو ما كانوا يسعون إليه
باتصالهم بابن الزبير .وفي أثناء هذه الفترة دخلت حركتهم مرحلة حرجة بالنسبة لمسألة قيادتها
فقد ظهر عدد من الشخصيات البارزة التي حاولت الفوز بقيادة الحركة عبر العمل العسكري ،
وأول هؤلء أبو راشد نافع بن الزرق الذي اتخذ منحى متطرفا في انتفاضته وانسحب هو
وأنصاره من الجماعة السلمية على أساس أن دارهم دار حرب وأنهم جميعا مشركون ( . ) 11
في هذه المرحلة برز عبد ال بن إباض شخصية قائدة تعارض موقف
( )1/46
نافع وسواه من القادة الخوارج ودعا إلى مقاومتهم علنا ( . ) 12وترى المصادر غير الباضية
أن ذلك كان بداية المذهب الباضي ،وتنسب تأسيسه إلى عبد ال بن إباض الذي كان ،وفقا
لغالبية تلك المصادر (( رأس )) المذهب الباضي ( . ) 13
والمعلومات الواردة في المصادر الباضية تبين أن عبد ال بن إباض لعب دورا ثانويا في تأسيس
الحركة الباضية وقيادتها بالمقارنة مع إمامها الول ومؤسسها جابر بن زيد .ويقال إن ابن
إباض كان يعمل في كل نشاطاته وفقا لوامر جابر بن زيد ( ) 14ويذكر كذلك أن ابن إباض
كان الفقيه البرز في زمن جابر بن زيد ،وأنه كان الشخص الذي رفض علنا آراء المجموعات
المعارضة من القدرية ،والمعتزلة ،والمرجئة ،والشيعة ،والخوارج المتطرفين ( . ) 15
والمعتقد أن ابن إباض دعا علنا إلى آراء مذهبه مع أن نشاطات المذهب الباضي كانت آنذاك
تنفذ سرا ،لنه كان يتمتع بحماية قبيلته .وهنالك سبب آخر هو أن الحركة الباضية كانت بعد
انتفاضة نافع بن الزرق ،مضطرة للعلن عن آرائها تجاه الزارقة أمام الناس للحتفاظ بدعم
المسلمين العاديين ،وأمام السلطات لتتجنب ملحقتها .وكانت نشاطات ابن إباض موجهة من قبل
جابر بن زيد الذي كان إمام الحركة الباضية آنذاك .وأخذ المذهب اسم ابن إباض لنه اعتاد أن
يبشر علنا بآراء المذهب ،كما كان معروفا بين غير الباضيين برفض آرائهم ،وبسبب موقفه
الواضح الحازم من الخوارج المتطرفين أيضا .ولعل السبب الخر الذي جعل المذهب الباضي
يحمل اسمه هو نشاطاته السياسية واتصالته بالخليفة الموي عبد الملك بن مروان الذي كان
يتبادل وإياه الرسائل ( . ) 16ولم يكن الباضيون في البداية يستخدمون اسم الباضية ؛ بل
استخدموا عبارات (( المسلمين )) و (( أمة المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )) و (( أهل
الدعوة )) .ولم يرد ذكر اسم (( الباضية )) في العمال الباضية الولى مثل (( مدونة )) أبي
غانم
( )1/47
أو أي عمل آخر مبكر ،إل أنهم ،عادوا في وقت لحق ،فاعترفوا بهذا السم وقبلوه .وقد ظهر
لول مرة في العمال الباضية المغربية في رسالة عمروس بن فتح ت . ) 17 ( 893 / 280
ويظهر أن عبد ال بن إباض أصبح شخصية معروفة بسبب آرائه ونشاطاته ،حتى إن هنالك
مجموعات أخرى غير إباضية ،كالمعمرية ،على سبيل المثال ( ، ) 18زعمت أنه قائدها ،
ويقال أيضا إن الحارثية ،أتباع الحارث بن مزيد الباضي أعلنوا بعد وفاة أبي بلل مرداس أنهم
ل يعترفون بغير إمامة عبد ال بن إباض . ) 19( .
وليس من الواضح أن عبد ال بن إباض لعب أي دور نشيط في النتفاضات العسكرية التي جرت
في حياته ،في حين أن الكدمي ذكره في نفس القائمة مع أبي بلل وعبد ال بن يحيى الكندي
ووصفهما بأنهما من الخوارج ( . ) 20وبناء على ما ذكره القزويني فقد ثار ابن إباض بتبالة في
أثناء عهد مروان بن محمد بن عطية ( . ) 21كذلك ذكر الشهرستاني أن عبد ال بن يحيى كان
إلى جانب ابن إباض في انتفاضته ،وكان رفيقا له في جميع أحواله وأقواله ( ) 22الذي كتب إليه
رسائله الشهيرة ( ، ) 23إل أنهما ،كغيرهما من المؤلفين الباضيين ،لم يذكرا هل بقي حيا
بعده ،أو هل لعب دورا في انتفاضة عبد ال بن يحيى الكندي ؟ وليس من المحتمل أن يكون ابن
إباض لعب أي دور في تلك الحروب من غير أن يذكره المؤلفون الباضيون أو المؤرخون
الخرون الذين رووا أخبار هذه الحروب كالطبري والصفهاني وسواهما ( . ) 24
( )1/48
وتدل لئحة المراجع الباضية القديمة التي أوردها القلهاني أن عبد ال بن إباض وعروة بن جدير
هما من تلمذة جابر بن زيد ،وعبد ال بن وهب الراسبي وزيد بن صوحان ؛ وتدل كذلك على
أن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،وفروة بن نوفل ،ووداع بن حوثرة هم من تلمذة عبد ال بن
إباض ،ومعاصرون له ،فيما كان عبد ال بن يحيى الكندي والمختار بن عوف معدودين بين
طلبة أبي عبيدة مسلم ( . ) 25والظاهر أن ابن إباض كان قد توفي حين توفي جابر بن زيد
وخلفه أبو عبيدة أو أنه لم يكن مهما إلى درجة كافية لستلم قيادة الحركة .ويبدو أن الرأي
الول أكثر إقناعا ؛ ثم إنه مدعوم بمعلومة ترد عند البغدادي هي أن الحارث الباضي ترأس
مجموعته خلفا لعبد ال بن إباض .ووفقا لذلك ل بد أن ابن إباض كان قد توفي حين بدأ الحارث
بنشر آراءه بشأن القدر والتي عارض فيها القيادات الباضية .ومن الصعب أن نصدق أن ابن
إباض كان ل يزال حيا ،إذ أنه لو كان ل زال على قيد الحياة ،لكان رفض آراء الحارث ،وقد
ذكرت المراجع هذه الحقائق تؤيد رأي ليفتسكي الذي أشار إلى أن المعلومات التي أوردها
الشهرستاني والقزويني معا بالنسبة لدور ابن إباض في النتفاضات في وجه مروان بن محمد
ليست مقنعة جيدا ( . ) 26على أن المعلومات المقدمة عن ابن إباض محدودة ومربكة جدا كذلك
،وكان ابن حزم من بين المؤلفين الوائل الذين لحظوا هذه الحقيقة إذ يذكر أن أكثر الباضيين
علما في الندلس لم يكونوا يعرفون شيئا عن عبد ال بن إباض ( . ) 27والسبب كما رآه ابن
حزم ،هو أن ابن إباض تنكر آرائه وانضم إلى مجوعة الثعالبة من الخوارج ( . ) 28كذلك ذكر
الذهبي أن ابن إباض تراجع عن بدعته الباضية ( ، ) 29غير أن هذه المعلومات ل تؤيدها
المراجع الباضية .وهنالك مثل آخر عن المعلومات المشوشة وغير الموثوقة ذكرها ابن حوقل
إذ قال :إن كل من عبد ال بن إباض وعبد بن وهب الراسبي قدما إلى
( )1/49
( )1/51
( ) 24الطبري ،تاريخ 402 - 399 ، 76 - 374 ، 348 / 7 ،؛ أبو الفرج الصفهاني ،
الغاني ،تحقيق فراج . 158 - 111 / 23 ،
( ) 254القلهاتي ،مصدر مذكور سابقا - 230 ،أ -ب .
( ) 26الدرجيني ،طبقات 232 - 231 ،؛ الشماخي ،السير 85؛ وللمزيد من التفاصيل انظر
ما يلي .
( ) 27ليفتسكي ،مادة الباضية ،في :الموسوعة السلمية ،طبعة . 649 / 2
( ) 28ابن حزم ،الفصل في الملل والنحل . 191 / 4 ،
( ) 29المصدر نفسه .
( ) 30الذهبي ،لسان . 248 ، 3 ،
( ) 31ابن حوقل ،صورة الرض . 95 ، 1 ،
( ) 32ليفتسكي ،مصدر مذكور سابقا ،ص . 648
( ) 33الجناوني ،كتاب الوضع ،تحقيق أبي إسحق ( القاهرة ل .ت ) 22؛ عمرو بن جميع ،
مقدمة التوحيد ،تحقيق أبي إسحق ( القاهرة . 54 ، ) 1353 ،
---
( )1/52
( )1/53
وذكر البرادي أنه شاهد جميع الوثائق والعمال أعله وقرأها باستثناء سيرة محمد بن محبوب (
. ) 3ويقال إن هنالك نسخة كاملة من هذه السيرة مؤلفة من سبعين جزءا كانت موجودة في جبل
نفوسة حوالي نهاية القرن الرابع الهجري ؛ وإن الجزء السادس فقط من هذا الكتاب كان موجودا
في جزيرة جربة أثناء هذه الفترة ( . ) 4إن معظم هذه العمال والوثائق ل يزال موجودا
باستثناء أعمال أبي سفيان وابنه محمد بن محبوب ،وكتاب سالم بن حطيئة الهللي ،ورسالة
جابر بن زيد إلى شيعي ،ورسالة أبي بلل مرداس .على أن البرادي احتفظ لنا في
(( جواهره )) بمعلومات مفيدة عن بعض هذه العمال المفقودة ( ) 5فيما احتفظ الدرجيني في ((
طبقاته )) بمعلومات مفيدة عن علماء الباضية الوائل من كتاب أبي سفيان محبوب ( . ) 6
وهنالك وثائق إباضية أخرى قديمة تناولت الموضوع ،ل تزال موجودة وبالمكان العودة إليها :
-1سيرة سالم بن ذكوان ،وهو عالم إباضي معاصر لجابر بن زيد ( . ) 7
-2سيرة شبيب بن عطية العماني ( . ) 8
-3سيرة أبي قحطان خالد بن قحطان الهجاري ( . ) 9
يضاف إلى ذلك أيضا خطب لعبد ال بن يحيى وخطب للمختار بن عوف ،ألقاها بنفسه في مكة
والمدينة ،وقد كانت مسجلة ومحفوظة ( . ) 10
وجميع هذه العمال التي ترد في مراجع إباضية قديمة ( ) 11تحتوي على النظرة الباضية
للتغييرات الباكرة التي حدثت في المجتمع السلمي ؛ وهي التي بدأت بمعارضة سياسة الخليفة
الثالث عثمان بن عفان ،وعلى العرض الباضي للفرق المختلفة التي نشأت في أوائل التاريخ
السلمي ،وعلى موقف الباضية منها .والعرض التالي لنظرة الباضية للتطور السياسي الباكر
للمة السلمية ،ولرأيها بالخوارج بني على هذه المواد المذكورة أعله .
( )1/54
اعتبر الباضية حركتهم استمرارا للمعارضة التي أسقطت الخليفة الثالث عثمان بن عفان وسببت
وفاته .ونظروا إلى تلك المعارضة باعتبارها رفضا إسلميا صرفا (( للحداث )) التي أدخلها
عثمان وحاشيته الموية ؛ ثم إن هذه (( الحداث )) معروضة في كتاب (( صفة أحداث عثمان ))
ورسالة عبد ال بن إباض ،وسيرة سالم بن ذكوان .ول ذكر في المصادر الباضية لدور عبد
ال بن سبأ في النتفاضة الولى بوجه عثمان ؛ وتلك حقيقة تشير إلى أن الباضية رأوا في تلك
النتفاضة واجبا إسلميا يقوم به صحابة النبي الذين أرادوا أن يتقيدوا بسنة الرسول ومثال خليفتيه
الولين ،ل نتيجة أي نفوذ خارجي أو غريب .وقد وافق الباضية على خلفة علي بن أبي
طالب ونظروا إلى طلحة بن الزبير وعائشة وأنصارهما باعتبارهما (( الفئة الباغية )) ( . ) 12
وهنا يذكر أن جابر بن زيد وأبا بلل مرداس ناقشا عائشة بموفقها من معركة الجمل ،ووجها
إليها اللوم على مقاومتها لعلي الذي كان الخليفة الشرعي آنذاك ،و (( تابت مما كانت قد دخلت
فيه )) ( . ) 13كذلك وافقوا عليا في حروبه مع معاوية ونظروا إلى معاوية وعمرو بن العاص
معا ومناصريهما باعتبارهم الفئة الباغية التي يجب محاربتها حتى تخضع لمر ال ( . ) 14
لكنهم لم يوافقوا على قبول علي بالتحكيم معتبرين أن الذين رفضوا التحكيم هم المسلمون
الحقيقيون وأن زعيمهم عبد ال بن وهب الراسبي هو الخليفة الشرعي الخامس ( . ) 15
وهاجموا عليا بن أبي طالب لنه فتك بأهل النهر وحجتهم أنه لم يكن يحق له على الطلق بأن
يقاتلهم .وعلق أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة على ما أعلنه علي بالنسبة لشعار أهل النهر (( ل
حكم إل ل )) بأنها كلمة حق أريد بها باطل ؛ قال أبو عبيدة (( :لقد علم علي أن شعارهم هو
الحق ،فمن أخبره أنهم يريدون به باطل )) ؟ ( . ) 16
( )1/55
وبناء على ما قاله جابر بن زيد يذكر أن عليا بن أبي طالب ،حين لحظ أن مناصريه قلقوا لمقتل
المسلمين التقياء في معركة النهروان ،وندموا على ما فعلوه ،طلب منهم في اليوم التالي
للمعركة أن يبحثوا عن شيطان بين قتلى أهل النهر ؛ جاءوه برجل كان قد عضه الجمل في
صدره ،فقال لهم علي :ذاك هو الشيطان .وحين نبهه ابنه السحن إلى أن هذا الرجل هو
الصحابي نافع ،مولى الصحابي ثرملة ،أسهم بالجهاد ،أسكته علي وقال له (( :إن الحرب
خدعة )) ( . ) 17ومن شأن هذه المعلومات أن تدل على أن المراجع الباضية الولى اعتقدت
أن عليا بن أبي طالب لم يكن على حق في محاربة أهل النهر ،وأن موقفه آنذاك كان مبنيا على
طموحات دنيوية ،ل على أسس دينية كما هي الحال بالنسبة لهل النهر ( . ) 18
هكذا كانت نظرة الباضية بالنسبة للتطورات السياسية الولى كما فهموها .وعندهم أن المحكمة
هم المجموعة الوحيدة التي كانت تكافح من أجل العودة بالمامة السلمية إلى ما كانت عليه أثناء
عهدي أبي بكر وعمر ،والسنوات الست الولى من خلفة عثمان والسنوات الولى من خلفة
علي قبل أن يرضى بالتحكيم .ثم انتهى جهاد هذه الجماعة في مقتله أهل النهر على يدي علي بن
أبي طالب وجيشه ( ، ) 658 / 27ومقتله أهل النخيلة على أيدي عسكريي معاوية والحسن بن
علي معا ( . ) 19
( )1/56
بعد هذه المرحلة ترسخت الخلفة الموية وجعلت همها أن تضرب أي مقاومة .وهكذا فإن
مؤيدي مجموعة المحكمة ،أو (( المسلمين )) أو (( جماعة المسلمين )) كما كانوا يدعون في
الدب الباضي القديم ،اضطروا لخفاء عقيدتهم والقيام بنشاطاتهم سرا ( . ) 20ومن الذين
نجوا من معركة النهروان ،عروة بن أدية وشقيقه أوب بلل مرداس ( . ) 21وقد واصل
نشاطاتهما في البصرة ،وهما المعروفان بتفانيهما في واجباتهما الدينية ،وكانا بارزين بين
جماعة المسلمين هناك .ويبدو أن أبا بلل كان زعيما في البصرة لنه كان أحد ثلثة رجال
علقوا على خطبة زياد بن أبيه الولى في جامع البصرة حين عين هذا الخير من قبل معاوية
حاكما على البصرة وخرسان وسجستان ( . ) 22ويذكر أيضا أن أبا بلل وجابر بن زيد كانا
على صلة وثيقة خلل هذه الفترة ،وأنه كان ينفق وقتا طويل مع جابر بن زيد .ويقال إنهما
دخل على عائشة فعاتباها على ما كان منها يوم الجمل فاستغفرت وتابت ( . ) 23وفي أثناء هذه
الفترة ترسخت قيادة جابر لمجوعة المحكمة ؛ وهو رجل تقي عالم من الزد ،من قبيلة عبد ال
بن وهب الراسبي ،وآخر زعيم منتخب للمجموعة .وبوجه عام كانت نشاطات جابر فكرية ،
بحيث أنه استطاع الدعوة للسلم والحفاظ على تعاليمه بطريقة لم تثر شك السلطات الموية .ثم
إن منصبه كمفت بارز في البصرة أمن له غطاء مفيدا ومكنه من إقامة صلت واسعة مع
شخصيات بارزة في مختلف أنحاء البلدان السلمية ( . ) 24
وقامت سياسة جابر على اللجوء إلى جميع الوسائل لضمان أمن حركته وسلمة أباعه ،حتى
ذهب إلى حد المر بمقتل شخص يدعى خردلة أبلغ السلطات الموية عن أسماء أفراد الحركة
الباضية في البصرة وجعل يطعن فيهم ويدل على عوراتهم ويفضح أسرارهم ( . ) 25كذلك
سمح جابر بأخذ التاوة لتفادي العراقيل مع السلطات في عهد عبيد ال بن زياد ) 26 ( .
( )1/57
وأدى الضطهاد المتزايد المتواصل ،لعضاء مجموعة المحكمة في البصرة على يد عبيد ال بن
زياد إلى حمل العضاء أن يتصرفوا حيال ذلك بعنف ،كما دفع بالسلطات لمتابعة اضطهاد
إخوانهم المسلمين ( . ) 27
وقد واجهوا أنواع التنكيلت مما يتراوح بين السجن والموت ( ) 28؛ حتى إن النساء تعرضن
للعقوبة القاسية ( . ) 29وفي هذا الوضع تعذر على الشخصيات البارزة في المجموعة أن
يعيشوا حياة هادئة ،إن لم نقل أنه حال دون احتمال نشر آرائهم وتعليمها .وفي هذه المرحلة
أدخل مبدأ (( الشراء )) ،أي التضحية بالذات في الحركة بموجب أصول محددة ،ثم نفذ من قبل
أربعين عضوا في الحركة بقيادة أبي بلل مرداس الذي أوضح أنه ل ينوي أن يقاتل إل الذين
يقاتلونه ،وأنه لن يأخذ من الغنائم إل نصيبه ،أي العطيات التي هي من حقه ( . ) 30وكان
ذلك بالفعل رفضا مكشوفا لسياسة (( الستعراض )) التي كان يمارسها بعض الخوارج قبل أبي
بلل ،ممن كانوا معروفين بتعاطفهم مع جماعة المحكمة ( , ) 31تلك كانت تنفيذا عمليا لسياسة
(( الشراء )) أي التضحية بالذات ،و (( القعود )) أي البقاء في حالة هدوء في عهد الطغاة وعدم
الخروج إلى الجهاد ضدهم في أثناء (( مرحلة الكتمان )) وبذلك لم يرفض أبو بلل مبدأ القعود أو
التقية .والواقع أنه وافق على مبدأ التقية ونصح البلجاء بأن تتكتم في معتقداتها حين علم أن عبيد
ال بن زياد قرر أن يعاقبها ( . ) 32وفي أي حال فإن أبا بلل وأنصاره ،بعد أن هزموا جيشا
من ألفي شخص ،قتلوا في معركة تالية فيما كانوا يؤيدون صلواتهم ( . ) 33وتقول المراجع
الباضية إن هذه النتفاضة من قبل أبي بلل كانت قد خططت من قبل جابر بن زيد إمام
الباضية آنذاك وبموافقته ( . ) 34ويقال كذلك إن أبا بلل طلب من جابر عند مغادرة البصرة ،
أن ينضم إليه ( ) 35ولكن جابرا بقي في البصرة وتابع سياسته القائمة على تجنب العنف .
( )1/58
وتقوم العلقة بين الباضية وخصومهم المسلمين على أساس المبادئ التالية :
أ -على الباضية أل يقاتلوا أحدا إل الذين يقاتلونهم ؛ وليس لهم أن ينهجوا سياسة الستعراض .
ب -ل يجوز أن تؤخذ ممتلكات المسلمين غنائم ؛ ول يجوز قتل نسائهم وأولدهم أو أن يؤخذوا
سبايا .ويعتمد هذا المبدأ على سيرة المسلمين الوائل في قتالهم لعثمان وأنصاره ،وعلى سيرة
علي في حربة ضد طلحة والزبير حين كان علي الخليفة الشرعي ( . )36
ج -ليس (( الخروج )) واجبا ؛ ويمكن للمسلمين أن يعيشوا ف يظل الطغاة لجئين إلى التقية ،
عند اللزوم .
د -الشراء ،أو التضحية بالذات ،واجب اختياري على من اكتمل عددهم أربعين شخصا أو أكثر
حين يكونون هم الذين اختاروا الخروج .
وأصبحت هذه المبادئ سيرة للمسلمين متبعة ل يجوز تغييرها ؛ وأيدت المراجع الباضية هذه
المبادئ قياسا على سيرة الرسول طوال كفاحه في سبيل المة السلمية والدولة السلمية وفقا
لشريعة ال ( . ) 37كذلك زعموا أن هذه المبادئ لم تخرق قبل انتفاضة نافع بن الزرق الذي
تصرف خلفا لذلك ،أو كما قال ابن إباض نفسه ... (( :ولكننا باسم ال نختلف مع ابن الزرق
وأنصاره :حين ثاروا بدا لنا أنهم كانوا على دين المسلمين ،لكنهم تركوه بعد ذلك وأصبحوا
كافرين )) ( . ) 38
وكانت حركة ابن الزرق أول انشقاق جاد خطير في جماعة المحكمة ( ) 39؛ وقد أدت التعاليم
التي أدخلها نافع بن الزرق إلى ردود فعل مختلفة وقد عارض جابر بن زيد وعبد ال بن إباض
آراء نافع ودافعا عن مبادئ المحكمة الولى وعمل على نشرها .
( )1/59
ويدل هذا العرض لتطور جماعة المحكمة على أن زعماء المذهب الباضي لم يدخلوا أي عقائد
جديدة على مسألة (( الخروج )) أو على العلقة بين العضاء وبقية المسلمين في زمن السلم
والحرب ،وكل ما فعلوه هو مواصلة نشر العقائد الموضوعة من قبل سواء في أثناء الحروب بين
علي وطلحة ،أم تلك التي أرسها أبو بلل في وقت لحق .ورفضوا من ناحية أخرى ،آراء
نافع بن الزرق وسواه من زعماء الخوارج المتطرفين كنجدة وداود ،لخرقهم تلك الصول
الموضوعة من قبل أسلفهم .وقد عبر سالم بن ذكوان عن الموقف الباضي بالعبارات التالية :
فأمرنا تبع لئمة المسلمين قبل نزول للمسلمين يوم قتلوا عثمان ،ويوم الجمل ،ويوم أنكروا
تحكيم الرجال في دينهم .وأرينا اليوم لرأيهم تبع يومئذ ،وتأويلنا القرآن اليوم لتأويلهم يومئذ تبع
.لسنا ممن يزعم أنه أفاد علما في القرآن والسنة حتى غلبهم )) ( . ) 40هكذا فهم الباضية
حكمهم الذي لم يكن بالنسبة لهم سوى استمرار لحكم المحكمة قبل انفصال نافع والخوارج
المتطرفين .ولذلك نظروا إلى الخوارج المتطرفين بأنهم (( المارقة )) أي الذين تجاوزوا الدين ،
وطبقوا عليهم الوصف المعروف المذكور في حديث شهير للرسول ( ، ) 41وهو (( :يخرج
فيكم قوم تحقرون صلتكم مع صلتهم ،وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم ،يقرؤون
القرآن ول يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل فل
ترى شيئا ثم تنظر في القدح فل ترى شيئا ثم تنظر في الريش فل ترى شيئا وتتمارى في
الفوق )) ( . ) 42
( )1/60
أما بالنسبة لكلمتي (( الخوارج )) و (( الخروج )) فقد استعملها الباضية بمعنى (( الخروج ))
إلى الجهاد ( . ) 43وفي وقت لحق ،حصر بعض المؤلفين الباضية هذا السم في مجوعات
متطرفة من الخوارج تصرفت على النقيض لمبادئ المحكمة ( . ) 44غير أن غالبية المراجع
الباضية القديمة ،وبعض المؤلفين العمانيين المتأخرين كذلك ،استعملوا كلمتي (( خروج )) و
(( الخوارج )) مشيرين بذلك للباضية ،وميزوا الخوارج المتطرفين بعبارة (( خروج الجور ))
( . ) 45واستعملوا كذلك (( شراء )) و (( شراة )) بدل من كلمتي (( خروج )) و ((خوارج
)) ،مع أنه كان لكلمتي (( شراء )) و (( شراة )) معناهما الخاص بهما في العقيدة الباضية (
. ) 46وبالنسبة للمحكمة ولهل النهر ،والنخيلة ،وأبي بلل وأنصاره ،فقد استعملت عادة
عبارتا (( المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )) .وكان هذان السمان بالضافة إلى اسم (( أهل
الدعوة )) يستعملن من قبل الباضية للشارة إلى مذهبهم .
وفيما يلي النقاط التي اختلف عليها الباضية والخوارج :
-1مسألة الخروج :
( )1/61
إن العقيدة التي أدخلها نافع بن الزرق هي أن (( الخروج )) أو (( الهجرة )) إلى معسكرهم أمر
إلزامي .وقد اعتبر بلد خصومهم من المسلمين ( المخالفين ) دار حرب ،ونظر إلى أولئك
الذين ل يقومون بأي عمل ( القعدة ) باعتبارهم مشركين على أساس الية القرآنية ( :وأن
أطعتموهم إنكم لمشركون ) ( . ) 47وهذه العقيدة مناقضة للعقيدة التي قال بها المحكمة وهي إن
معارضيهم من المسلمين هم محض (( كفار نعمة )) ( ) 48ل مشركون ،وإن إخوانهم المسلمين
قادرون على الحياة بين خصومهم ،وسمحوا بالقعود ،إذ إن الخروج أو الهجرة ليسا إلزاميين .
والواقع أن المحكمة الولين كانوا واضحين كثيرا بشأن القعود باعتباره شرعيا بالنسبة لخوانهم
المسلمين حتى أنهم انتخبوا عبد ال بن وهب الراسبي إماما ،وآثروه على معدان اليادي لنه قال
( . ) 49
لقد تمسك الباضية بعقيدة المحكمة الوائل ورفضوا نافع ،وقالوا إن كل من المجاهدين والقعدة ،
هم مسلمون ؛ (( يخرج من يخرج ويتخلف من يتخلف ،فيتولى الخارج القاعد والقاعد الخارج ،
على ذلك مضوا وانقرضوا ،رحمهم ال وغفر لهم )) ( . )50وقد جرى التعبير عن هذه العقيدة
في وقت لحق بالقول التالي (( :ل هجرة بعد الفتح )) ،وهو في الواقع جزء من حديث للرسول
( ، ) 51وقد ورد في جميع المعتقدات الباضية للتعبير عن رأيهم بمسألة الهجرة أو الخروج (
. ) 52
-2والمسألة الثانية هي موقفهم بالنسبة لخصومهم المسلمين (( المخالفين )) ( . ) 53
لقد اعتقد الزارقة أن خصومهم المسلمين كفار .ونظروا بالتالي إلى بلدهم باعتبارها دار
حرب ،وآمنوا بشرعية قتل نسائهم وأولدهم ،أو بسبيهم ،وبالستيلء على ممتلكاتهم .ومن
ناحية أخرى فإنهم منعوا أتباعهم من أن يرثوا منهم ومن أن يتزوجوا من نسائهم .كذلك رأوا
شرعية الحتفاظ بما أمنهم عليه من خالفهم من المسلمين ،وأن ينكروا عليهم حقهم فيه ( . ) 54
( )1/62
إن جميع هذه العقائد عن علقتهم بخصومهم المسلمين نظر إليها الباضية (( كضللت )) لنها
معارضة لراء المسلمين مناقضة لسيرتهم .ورفض الزعيمان الباضيان ،جابر بن زيد وعبد
ال بن إباض آراء الزارقة وأنكروها ( . ) 55كذلك اتخذ الموقف نفسه من مجموعات أخرى
من الخوارج كالصفرية والنجدات وغيرهما ،مع أن هذه المجموعة الخيرة اختلفت عن الزارقة
حول بعض المسائل ( . ) 56
واعتبر الباضية هذه العقائد الجديدة التي أدخلها نافع وخوارج آخرون ،بأنها (( بدع )) ،
وانفصلوا عن حركاتهم ورفضوا آرائهم ،حتى أنهم خاضوا حروبا ضدهم ( , )57وتعد سيرة
سالم بن ذكوان من بين الوثائق الباضية القديمة التي ناقشت مشكلة متطرفي الخوارج وآرائهم .
ولعله من المفيد أن ننقل هنا آراءه حول هذه المسألة لنها تمثل الرأي المعاصر لعلمة إباضي
بارز ،وتعكس الموقف الباضي العام نحو الخوارج .
==========================================
()1
الشماخي ،السير 77 ،؛ القطب ،الرسالة الشافية 43 ،؛ جميل بن خميس ،قاموس الشريعة ،
مخطوطة قسم ، 88الصفحة التي تتعلق بالموضوع .
( ) 2ابن النديم ،الفهرست . 329 - 258 ،
( ) 3البرادي ،البحث الصادق والستكشاف في شرح كتاب العدل والنصاف ،مخطوطة ، 1 ،
. 29
( ) 4المصدر نفسه .
( ) 5الوسياني ،أبو الربيع سليمان بن عبد السلم ،السير ،مخطوطة . 15
( ) 6البرادي ،الجواهر ( طبعة حجرية ،القاهرة . ) 1302 ،
( ) 7ذكرت المعلومات نفسها تقريبا عن أبي سفيان في سير الشماخي ،غير أنه لسنا نعلم :هل
يستخدم الدرجيني فقط أم أنه استطاع الحصول على عمل أبي سفيان الصلي .
( )1/63
( ) 8هنالك نسخة كاملة لهذه السيرة في مخطوطة عمانية متعددة المحتويات ،والمعتقد أنها جزء
من (( تاريخ البسياني )) أو (( السيرة الكبيرة )) له ( انظر السالمي ،اللمعة . ) 84 ،وهنالك
نسخة مصورة لهذه المخطوطة العمانية أعطيت لي من قبل صديق عماني ،هي في حوزة مكتبة
معهد الدراسات الشرقية في كمبريدج .
( ) 9هنالك نسخة كاملة لهذه السيرة في القلهاتي ،الكشف والبيان ،مخطوطة 160أ 195 -ب
؛ المخطوطة العمانية ذات المحتويات المختلطة 161 - 125؛ وهنالك مخطوطة عمانية مختلطة
المحتويات تتضمن سيرة أبي المؤثر الصلت بن خميس ،وسيرة منير بن النير الجعلني ،وسيرة
شبيب بن عطية العماني ( .أعطيت هذه المخطوطة لي من قبل صديق عماني ) .
( ) 10استعمل مخطوطة هذه السيرة التي أرسلها لي صديق عماني .وهي تحتل أول سبعين
صفحة من مخطوطة مختلفة المحتويات [ انظر الن :السير والجوابات لعلماء وأئمة عمان ،
تحقيق سيدة إسماعيل كاشف ،القاهرة ، 1986 ،ص ] 15 - 86؛ وفي سيرة أبي قحطان انظر
ابن مداد ،صفة نسب العلماء وموتهم . 35 ،
( ) 11حول نصوص خطب أبي حمزة وعبد ال بن يحيى الكندي ،انظر :الصفهاني ،
الغاني ؛ = الجاحظ ،البيان والتبيين ؛ ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلغة .وانظر ما يلي (
، 53ملحوظة .) 115
( ) 12مختصر صفة أحداث عثمان ( قسم من مخطوطة عمانية ( . ) 176 - 161 ،انظر
أيضا البرادي ،جواهر 219 ،؛ موتيلنسكي ،مادة (( مصادر مزاب )) في Bull. de
، Corresp. Afric 3ص 16؛ روبيناتشي "II K. Gawahir di al Barradi " ،في
، A.I.U.O.N; NS. 4روما - 1952 ،ولرسالة ابن إباض ،البرادي ،الجواهر - 161 ،
167؛ سالم بن ذكوان ،سيرة . 201 - 195
( ) 13البرادي ،مصدر مذكور سابقا 102 ،؛ أبو قحطان ،سيرة ،مخطوطة 21وما بعدها
[ السير والجوابات . ] 107 - 106سالم بن ذكوان ،سيرة ،مخطوطة . 202
( )1/64
( ) 14الدرجيني ،طبقات ،مخطوطة [ 198اطلي ] 206 ،؛ البرادي ،مصدر مذكور سابقا
، 105 ،الشماخي ،السير 72؛ أبو قحطان ،سيرة . 23
( ) 15المصدر السابق 25 ،وما يليه ؛ سالم بن ذكوان ،مصدر مذكور سابقا . 202 ،
( ) 16المصدر السابق 204 - 203؛ أبو قحطان ،مصدر مذكور سابقا ، 29 ،وما يليها .
( ) 17أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،مسائل أبي عبيدة ،مخطوطة . 25
( ) 18البرادي ،الجواهر . 141 ،
( ) 19سالم بن ذكوان . 204 - 203 ،
( ) 20البرادي ؛ مصدر مذكور سابقا 147 - 146 ،؛ أبو قحطان ،سيرة 32؛ الطبري ،
تاريخ 166 - 165 / 5 ،؛ المبرد ،الكامل . 978 / 3 ،
( ) 21أبو قحطان ،مصدر مذكور سابقا . 33 ،
( ) 22الطبري ،تاريخ 314 - 312 / 5 ،؛ المبرد الكامل 991 / 3 ،؛ ابن أبي الحديد ،
شرح نهج البلغة ،تحقيق هارون 84 / 5 ،؛ الدرجيني ،طبقات . 213 - 206
( ) 23الجاحظ ،البيان والتبيين ،تحقيق هارون ( القاهرة 65 ، ) 1367 / 1948 ،؛ المبرد
الكامل 949 / 3 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 207 ،
( ) 24الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا 198 ،؛ البرادي ،الجواهر 105 ،؛ الشماخي ،السير
. 72 ،
( ) 25الوارجلني ،أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم ،الدليل ،مخطوطة 150 ،ب ،وما يليه ؛
الجيطالي ،قواعد ؛ انظر القسم ، 2النص رقم 28 ، 1؛ الشماخي ،السير 76 ،؛ القطب ،
الذهب الخالص ظن تحقيق أبي إسحق ( القاهرة 48 ، ) 1343؛ شرح النيل ،تحقيق أبي
إسحق ،القاهرة ( . 29 - 428 / 10 ، ) 1343
( ) 26أقوال قتادة ،مخطوطة 189 ، 6؛ الوسياني ،السير ،مخطوطة . 31
( ) 27المبرد ،الكامل . 990 / 3 ،
( ) 28المصدر السابق . 1004 ، 1001 ، 989 / 3 ،
( ) 29المصدر السابق . 989 ، 985 / 3 ،
( ) 30المصدر السابق 992 / 3 ،؛ ابن أبي الحديد ،مصدر مذكور سابقا . 85 / 5 ،
( ) 31المبرد ،مصدر مذكور سابقا . 984 / 3 ،
( )1/65
( )1/66
( )1/67
( ) 57هنالك على سبيل المثال ،حروب الباضية في عمان على شيبان ،زعيم الصفريين .
السالمي ،النفحة 77 / 1 ،؛ وحرب أبي الخطاب عبد العلى الباضي إمام أفريقية الشمالية ،
ضد الصفريين في ورفجومة في القيروان ،ابن عذاري ،البيان 82 ،؛ ابن = خلدون ،تاريخ 4
191 /؛ النويري ،نهاية الرب 44 ،؛ وقد جرت الحربان لسباب دينية .
تابع بقية الموضوع >>>>>>
---
( )1/68
( )1/69
بعد ذلك راح ابن ذكوان يشرح موقف الزارقة كما يلي (( :ثم خرج من بعدهم ابن الزرق
وأصحابه ،فمكثوا ما شاء ال يسيرون بسيرة من كان قبلهم من الخوارج ،ثم إنهم حرمهم شنآن
قوم أن أنزلوهم بمنازل عبدة الوثان ،فقطعوا الميراث منهم وحرموا مناكحتهم ،وقد ناكحهم من
يتولون ووارثهم ،فإن يكن ذلك هدى وعمل به من يتولون فقد خالفوهم فيه ودانوا اليوم بالبراءة
ممن عمل به ،وإن يكون ذلك ضللة ضلوا بتوليهم من عمل به ،واستحوا سبي قوم واستنكاح
نسائهم وخمس أموالهم وقتل ذراريهم واستعراضهم ،ولك يكن من يتولون يستحلون شيئا من ذلك
من قومهم ،فإن يكن الذي عمل به من يتولون من قومهم هدى ،فقد خالفوهم عليه وأبوا أن
يجيروا من استجارهم من قومهم حتى يسمع كلم ال ،وهم يشهدون أنهم بمنزل عبدة الوثان .
وقال ال لنبيه ( ( : )2وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ثم أبلغه مأمنه
)(.)3
وجعلوا للقوم محبة ،وأبوا أن يقبلوا ممن أتاهم إقامة الصلة وإيتاء الزكاة وإقرارهم بحكمهم ،
وهم يزعمون أنه حكم ال ...ويرثون من كل أعرابي وإن كان يتولهم ويسأل ال أن يرزقهم
مثل الذي رزقهم من جهاد أعدائه .
وقد قال ال ( :ومن العراب من يؤمن بال واليوم الخر ويتخذ ما ينفق قربات عند ال
وصلوات الرسول أل إنها قربة لهم ،سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم ) ( . ) 4
(( وكفروا قعدتهم واستحلوا دمائهم وأموالهم وحرموا وليتهم والستغفار لهم وقد علموا ذلك منهم
،فإن يكن ذلك هدى عمل به من يتولون فقد خالفوهم فيه وكفروا من يتولى اليوم عليه ،وإن يكن
من يتولون تولى كافرا فقد كفروا ،وكفروا هم بوليتهم إياهم على تولي الكفار ،فزعموا أنما
يكفرون فعذبهم بكفرهم إياهم دونهم وقد أمر ال أن يتوبوا )) ( . ) 5
( )1/70
وبعد ذلك يتابع ابن ذكوان مناقشة رأي الزارقة بخصوص (( التقية )) كما يلي :فقد مكث مؤمن
آل فرعون ( ) 6ما شاء ال أن يمكث كاتما إيمانه فلم يرده ال عليه بكتمانه إياه ،
وقد قال ال ( :ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من ال
في شيء إل أن تتقوا منهم تقاة ) ( .آل عمران ، ) 28 :فحرض ال المؤمنين في التقية ،
وكيف يتقي المؤمنون الكفار إل بأن يظهروا لهم ما يحبون ويكتمون دينهم مع أنهم إذا خرجوا
( الزارقة ) كانوا أكتم ما كانوا قط لدينهم ،وذلك أن الرجل يأتيهم فيقول :اعرضوا علي
دينكم ،فيقولون (( :ل ،إنا إذا فعلنا كنا من الكافرين ،ولكن أخبرنا أنت به .فإن أخطأ في
شيء مما في أنفسهم قتلوه .وغيرها من المعاصي ليس كلها تحصى ،من استحلل أكل المانات
التي أمر ال بالوفاء بها ،وأوفى بها المؤمنون ،ويشهدون أن النفاق قد رفع ،وأن أحدا ل
يستطيع أن يكون منافقا ،ويشهدون أن ال يغفر للزاني والسارق إذا كان فيهم ) 7 ( )) ..
بعد ذلك واصل ابن ذكوان عرض آراء نجدة وأنصاره ،مبينا عقائدهم الزائفة ومنها :
[]COLOR=Greenأ -اعتبار من خالفهم من المسلمين كفارا ،إل أنهم سمحوا في الوقت ذاته
بالزواج من نسائهم وبأكل ذبائحهم .كذلك منعوا أخذ الجزية منهم للحماية ،وقاموا بواجبات
خصومهم المسلمين نحو أهل الذمة ،مع أنهم اعتبروا خصومهم المسلمين مشركين .
ب -رأوا أن عليهم أن يهاجروا من بلد خصومهم المسلمين كما هاجر الرسول من مكة .
( )1/71
بعد ذلك أوضح أن نجدة واجه معارضة من قبل داود وأنصاره ،وعطية وأنصاره ،وأبي فديك
وأنصاره .إذ كانوا يختلفون معه بخصوص مسائل معينة زعموا أنه انحرف فيها (( :ثم فارقه
داود وأصحابه وعطية وأصحابه وأبو فديك وأصحابه في أمور نقموها عليه وزعموا أنه قد ضل
بها ،وليس الذي فارقوه فيه بأكثر من الذي جامعوه عليه من سبي أهل القبلة وقتل ذراريهم
واستنكاح نسائهم وخمس أموالهم واستعراضهم وقطع الميراث منهم ،فكلهم بحمد ال ضال تارك
للحق متبع لهواه بغير هدى من ال .وهم في ذلك معترفون فيما بينهم )) ( . ) 8ثم أشار إلى
عقائد أخرى خاطئة تميز أولئك الخوارج .نافع ،داود ،عطية ،أبا فديك وأنصارهم ( . ) 9
وهناك شروح مماثلة لعقائد الخوارج وردت في مصادر إباضية أخرى مرفقة بحجة قوية
ضدهم ،مبينة على القرآن والسنة ،ومثال المسلمين الوائل والمحكمة القدماء ( . ) 10وإلى
جانب رفض آراء الخوارج المتطرفين ،فقد جعل الئمة الباضية الوائل سياستهم شديدة
الوضوح حول هذه القضايا .وحين استشار عبد ال يحيى الكندي قادة الباضية في البصرة بشأن
النتفاضة ،كتب أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة المام الثاني للجماعة الباضية في البصرة ،
وزملءه ،ويقولون له (( :إذا خرجتم فل تغلوا ول تغدروا واقتدوا بسلفكم الصالحين ،وسيروا
سيرتهم ،فقد علمتم أن الذي أخرجهم على السلطان العيب لعمالهم )) ( . ) 11
وقد عبر عبد ال بن إباض بشكل موجز عن موقف الباضية تجاه علقاتهم ببقية المة السلمية
بقوله الشهير (( :ل نقول فيمن خالفنا إنه مشرك لن معهم التوحيد والقرار بالكتاب والرسول ،
وإنما هم كفار بالنعم ومواريثهم ومناكيحهم والقامة معهم حل ،ودعوة السلم تجمعهم )) (
. ) 12ثم إن هذا القول أكدته وكررته المراجع الباضية ،التالية المعاصرة ،واللحقة ،أمثال
سالم بن ذكوان ،وعبد ال بن يحيى الكندي ،وأبي حمزة المختار بن عوف .
( )1/72
وكتب عبد ال بن يحيى الكندي ،أول إمام إباضي في حضرموت واليمن في رسالته التفويضية
إلى حاكمة عبد الرحمن بن محمد :قول عبد ال بن يحيى طالب الحق لعبد الرحمن بن محمد :
(( إننا ل نقطع الطريق على الناس ونقتلهم لمجرد رؤيتهم من غير أن ندعوهم أول إلى إدراك
الحقيقة ،إننا ندعوهم إلى الحقيقة .إن ذلك الذي يقبل بها يتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها
المسلمون ( الباضية ) وهو خاضع لجميع التزاماتهم .أما ذاك الذي ينكر الحقيقة ويقاتلنا فنقاتله
ونسأل ال أن يؤيدنا ضده )) ( . ) 13
مثل هذا الموقف ،أي دعوة الناس وإعطائهم الفرصة لفهم آراء الباضية ،وانتظارهم لتقرير
موقفهم أول ،طالما كرره الباضية .وطالما أوضحوا باستمرار أنهم سيقاتلون خصومهم فقط ،
عندما يهاجمهم هؤلء أول .والمثلة العملية على هذا الموقف الباضي تظهر باستمرار خلل
تاريخهم ف يحين أن سياسة قتل الخصوم بدون النذار المسبق -وهي المعروفة بالستعراض -
كانت العلمة المميزة للزارقة في كل الزمنة .تلك كانت إحدى القضايا الرئيسة التي جعلت
الباضية يقاومون الزارقة وسواهم من الخوارج المتطرفين ،بالضافة إلى مقاومة المواقف
الخرى المتطرفة الناشئة عن النظر إلى خصومهم المسلمين كمشركين .والموقف الباضي من
هذه القضايا عبر عنه بصور مختلفة عبد ال بن يحيى ،وأبو حمزة وسالم بن ذكوان .وكتب عبد
ال بن يحيى يقول .... (( :هذه سيرتنا ،نحن ل نروع المسالمين أو نكمن لهم ،نحن ل نعاقب
البرياء عن المجرمين ،ول الطيبين عن الشرار ،ول المرأة عن الرجل ،ول الصغير عن
الكبير ،نحن ل نقتل الناس لمجرد الرؤية بدون دعوتهم إلى الحقيقة أول وإيضاحها لهم )) (
. ) 14
( )1/73
وفي الرسالة نفسها كتب :قول عبد ال بن يحيى ،طالب الحق ... (( :إن من يقاتلنا نقاتله ،
ونبحث في ممتلكاته لنرد إلى أصحابها تلك الحقوق التي استولى عليها ،ونعيد إليه ما هو حق له
من غير أن يكون قد أذى بسببها أي إنسان آخر ،ونسلمها إلى أبنائه وورثتهم ،ل غنيمة ول
أسى يمكن أن تؤخذ من أهل القبلة ( المسلمين ) لنهم ليسوا بالمشركين الذين تنهب أموالهم
وتؤسر نساؤهم وأبناؤهم .على أن أهل القبلة فئتان إحداهما تمتثل لما هو حق ،وتتمسك به
والثانية تفعل الجور وتصر عليه )) ( . ) 15
وقال أبو حمزة المختار بن عوف ،أحد الباضية البارزين في البصرة ،والزعيم الهم في
حروب عبد ال بن يحيى الكندي (( :أيها الناس ،إنا نخيركم في ثلث خلل ،أيما شئتم فخذوا
لنفسكم .رحم ال امرأ أخذ الخيار لنفسه .إما قائل بقولنا ودائن بالذي قلناه ،حملته نيته على أن
يجاهد معنا بنفسه ،فيكون للمجاهد منا ومن قسم هذا الفيء ما له ،وعارف بهذا المر مقيم ف
يداره يدعو إليه بقلبه ولسانه ،فعسى أن يكون أحسن منزلة منا ،وثالث كره قولنا فليخرج آمنا
على أهله وماله ،ويكف عناده ولسانه ،فإن ظفرنا ولم يعرض نفسه لم نفسك دمه ،وإن نحن
قتلنا كان قد كفي مؤنتنا ،وعسى أن ل يعمر في كفره إل قليل )) ( . ) 16
( )1/74
والعرض القدم والكثر تفصيل لسياسات الباضية نحو هذه القضايا ،وهي سياسات خرقها
متطرفة الخوارج ،ويرد في سيرة سالم بن ذكوان ،ومنها المقتطفات التالية (( :نرى حق
الوالدين وحق ذي القربى وحق اليتامى وحق المساكين وحق أبناء السبيل وحق الصاحب وحق
الجار وحق ما ملكت أيماننا علينا حقا ،أبرارا كانوا أم فجارا .ونؤدي المانة إلى من استأمننا
عليها من الناس كلهم من قومنا أو غيرهم ن ونوفي بعهود قومنا من أهل الذمة ،ونرد على أهل
الذمة إن استطعنا الذي يأخذونهم به من الظلم من قومنا أو من غيرهم ،ونجير من استجارنا من
قومنا ومن أن نكون نشك في ضللتهم ولتخاذهم بين الحق والباطل منزلة ( :فماذا بعد الحق إل
الضلل ) ( . ) 17فإذا أخلى إليهم المر دعوناهم إلى كتاب ال معرفة الحق وموالة أهله
ومفارقة الباطل ومعاداة أهله ،فمن عرف منهم الحق وأقر به وتولنا عليه توليناه وحرمنا دمه ،
وإن ينفر معنا ،ومن أنكر حق ال منهم واستحب العمى على الهدى ومفارقة المسلمين على
مجامعتهم فارقناه وقاتلناه حتى يفيء إلى أمر ال أو يهلك على ضللته ،من غير أن يكون نراهم
نزلوا منازل عبدة الوثان ،فنستحل سباهم وقتل ذراريهم وخمس أموالهم وقطع الميراث منهم .
ول نرى الفتك بقومنا وقتلهم في السر وإن كانوا ضلل ما دمنا بين ظهرانيهم نظهر لهم الرضى
بالذي هم عليه ،وذلك أن ال لم يأمر به في كتابه ،ول نعلم أحدا ممن مضى من أولياء ال في
المم الماضية استحل شيئا من ذلك ،وهو بمثل منزلتنا فقتدى بسنتهم في ذلك ،ولم يفعله أحد من
المسلمين ممن كانوا بمكة بأحد من المشركين فنفعله نحن بأهل القبلة .
وقد أمر ال نبيه أن ينبذ إلى من خاف منه خيانة فقال ( :وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم
على سواء إن ال ل يحب الخائنين ) ( . ) 18
( )1/75
ويكره أن يتكلف أحد من المسلمين مع ملوك قومه ما كانوا على ضللتهم ،وذلك أن الرجل
المسلم إذا هو غزا معهم ...فإنما يصير المقاتل معهم على أحد منزلتين :إما على وليتهم
ورضى بأمرهم ،وإما نصرهم وتسديد سلطانهم .
ونرى مناكحة قومنا وموارثتهم ل تحرم علينا ما داموا يستقبلون قبلتنا ،لن المسلمين قد كانوا
يناكحون المنافقين ويوارثوهم وهم يعلمون ويظهر منهم من المعاصي أكثر ما يظهر اليوم من
كثير من قومنا .
ول نرى أن نقذف أحدا ممن يستقبل قبلتنا ،ثم ل علم لنا به ،فإن كثيرا من الخوارج يستحلون
في دينهم قذف من يعلمون أنه بريء من الزنا من قومهم بفراقهم ،زعموا إياه ولعلهم ل يكونوا
كلموه قط ،ول أخبرهم أحد ممن يتولون أنه كلمه ول يدرون على ما هو .قال ال تعالى ( :إن
ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) ( النحل . ) 125 :وقال له ( :قل هذه
سبيلي أدعو إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان ال وما أنا من المشركين ) ( يوسف :
. ) 108وقال ( :ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
وأولئك هم المفلحون ) ( آل عمران ، ) 104 :ثم قال ( :ومن أحسن قول ممن دعا إلى ال
وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ( فصلت . ) 33 :
ول نرى قتل صغير من أهل قبلتنا ل ذنب له ولم يعمل مما اختلف فيه ممن يستقبل القبلة بينهم
بذنب آخر كبير قد غفل عما أمر ال وعلم المر الذي اختلف الناس فيه ثم جهل بعد العلم وعمي
بعد البينة ،وإنما ذرية من يستقبل القبلة اليوم في ذلك بمنزلتهم ،ولو كان عليهم إمام هدى يحكم
عليهم بطاعة ال ففارقه بعض آبائهم .
ول نرى أن يستحل فرج امرأة رجل تزوجها بكتاب ال وسنة نبيه حتى يطلقها زوجها أو يتوفى
عنها ثم تعتد عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها .
( )1/76
ونبرأ ممن ظهر لنا منه عمل هو ل معصية منه أو وعد ال عليه العذاب وأمر بفراق من عمل
بذلك العمل والبراءة منه أو يتولى عليه حتى ينزع ويحدث منه توبة ( . ) 18
(( ول نرى أن يتولى أحدا من الناس أحد إل أظهر لنا منه معرفة حق ال وعمل بطاعة ال
وموالة لوليائه ومفارقة لعدائه )) .
ول نرى انتحال الهجرة من دار قومنا كهجرة النبي ( صلى ال عليه وسلم ) وأصحابه من دار
قومهم .ولكن يخرج منا مجاهدا في سبيل ال على طاعته ،فإن هو رجع إلى دار قومه توليناه
إذا كان عرافا لحق ال مقرا به في نفسه وماله .
ونرى أن نتولى المرأة والمملوك على الخروج إذا ما نحن علمنا منهما قبل الخروج الرضا بالحق
والمعرفة له والموالة عليه ،ولم يخرجهما إل الرغبة في السلم والثرة على ما سواه ،لن ال
يقول ( :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
ويقيمون الصلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسوله أولئك سيرحمهم ال إن ال عزيز حكيم ) (
التوبة . ) 71 :
ول نرى النفر من المسلمين أن يبايعوا إمامهم إل على الجهاد في سبيل ال والطاعة بالمعروف
حتى يهلكوا على ذلك أو يظهروا على عدوهم ،فيولوا المر أفضالهم وفقهائهم .
ونتولى ماضينا وقاعدنا ،ويعرف قاعدنا لماضينا الفضيلة التي أعطاه ال ( . ) 19
إن هذه المسائل التي ناقشها سالم بن ذكوان ،لم تعرض فقط وجهات نظر الباضية بخصوص
القضايا التي تناولها ،بل عرضت أيضا رفضا قويا لجميع وجهات نظر الخوارج بشأن هذه
القضايا .
وواضح من هذه المناقشات والمقتطفات من الدبيات الباضية القديمة أنه يكاد ل يوجد أي اتفاق
بين الباضية والخوارج على أية مسألة .والواقع أن الباضية اختلفوا مع الخوارج في جميع
معتقداتهم وعارضوهم نظريا وممارسة ،والمسألة الوحيدة التي يشتركون فيها مع الخوارج هي
رأيهم في المحكمة .
( )1/77
بعد مناقشة الرأي الباضي في الخوارج وحركتهم ،لعله من الهمية بمكان أن نذكر بإيجاز رأيهم
في المويين المعاصرين والشيعة ,فقد عبر أبو حمزة المختار بن عوف في خطبته في المدينة
بوضوح عن رأي الباضية في المويين وفي الشيعة معا .وبعد أن تكلم عن أعمال الخلفاء
المويين واحدا فواحدا ،بدءا بمعاوية وانتهاء بيزيد بن عبد الملك ،تكلم أبو حمزة عن حكم
سللة بني أمية عموما في العبارات التالية :
(( وأما بنو أمية ففرقة الضللة ،بطشهم بطش جبرية ،يأخذون بالظنة ،ويقضون بالهوى ،
ويقتلون على الغضب ،ويحكمون بالشفاعة ،ويأخذون الفريضة من غير موضعها ،ويضعونها
في غير أهلها ،وقد بين ال أهلها فجعلهم ثمانية أصناف فقال إنما الصدقات للفقراء والمساكين
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل ال وابن السبيل ( التوبة 60 :
) ،فأقبل صنف تاسع ليس منها فأخذها كلها ،تلكم الفرقة الحاكمة بغير ما أنزل ال )) .
وبخصوص الشيعة قال أبو حمزة (( :وأما هذه الشيع فشيع ظاهرت بكتاب ال ،وأعلنت الفرية
على ال ،لم يفارقوا الناس ببصر نافذ في الدين ول بعلم نافذ في القرآن ،وينقمون المعصية على
أهلها ويعملون إذا ولوا بها ،يصرون على الفتنة ول يعرفون المخرج منها ،جفاة عن القرآن ،
أتباع كهان ،ويؤملون الدول في بعث الموتى ،ويعتقدون الرجعة إلى الدنيا ،قلدوا دينهم رجل ل
ينظر لهم ،قاتلهم ال أنى يؤفكون )) ( . ) 20
وفي هذه الخطبة تكلم أبو حمزة أيضا عن فئة عن الباضية ،وقضيتهم ودوافعهم .وجه أبو
حمزة كلمه إلى أهل المدينة ،قائل (( :ندعوكم إلى كتاب ال ،وسنة نبيه ،والقسم بالسوية ،
والعدل في الرعية ،ووضع الخماس مواضعها التي أمر ال بها )) .ثم راح يصف فئته
وأهدافها ودوافعها ،وأسبابها للثورة )) ( . ) 21
( )1/78
وعلى أي حال (( ،ل يمكن الشك )) كما قال مكدونالد (( :بأن هؤلء الرجال كانوا الممثلين
الحقيقيين للسلم السالف .لقد ادعوا لنفسهم أنهم يرثون أبا بكر وعمر ؛ ولقد كانوا في ادعائهم
على حق .لقد جرى تحويل السلم إلى دنيوي ؛ الطمع الدنيوي ،والنزاع الخوي ،والترف ،
والخطيئة دمرت رابطة الخاء القديمة .ولذلك انسحبوا جانبا ومضوا في سبيلهم ،وهي السبيل
التي ل يزال المتحدرون منهم ينهجونها في عمان ،وإفريقية الشرقية ،وفي الجزائر )) ( . ) 22
ولعله يجب علينا أن نذكر أن الستاذ مكدونالد لم يكن ،حين كتب هذا الكلم ،يملك تمييزا
واضحا بين الباضية والخوارج ،على أنه واضح أن وصفه ل يمكن أن يكون صحيحا إل إذا
طبق على الباضية .
================================
( ) 1سالم بن ذكوان ،سيرة . 204 ،
( ) 2المصدر السابق . 205 ،
( ) 3سورة التوبة . 6 ،
( ) 4سورة التوبة . 99 ،
( ) 5سالم بن ذكوان ،مصدر مذكور سابقا . 206 ،
( ) 6انظر سورة آل عمران ن 28وما يليها .
( ) 7سالم بن ذكوان ،مصدر مذكور سابقا . 206 ،
( ) 8المصدر السابق . 210 ،
( ) 9المصدر السابق . 211 ،
( ) 10البسياني ،سيرة ،مخطوطة 17؛ الوارجلني ،الدليل 13 ،ب 14 -أ ؛ العدل
والنصاف ،مخطوطة 310 / 11وما يليها ؛ القلهاتي ،الكشف 197 ،أ 204 -أ .
( ) 11الصفهاني ،الغاني 112 / 13 ،؛ جميل بن خميس ،قاموس الشريعة ،قسم ، 88
الصفحة التي تتعلق بالموضوع .
( ) 12ابن عبد ربه ،العقد الفريد 261 / 1 ،؛ المبرد ،الكامل . 1041 / 3 ،
( ) 13جميل بن خميس ،المصدر نفسه .
( ) 14المصدر نفسه .
( ) 120المصدر نقسه .
( ) 15المصدر نفسه .
( ) 16سورة يونس . 32 ،
( ) 17سورة النفال . 58 ،
( ) 18المصدر نفسه . 223
( ) 19المصدر السابق . 224
( ) 20وليمز ،جون ألدن ،السلم ،نيويورك . 218 ، 1961 ،
( ) 21المصدر السابق . 219 - 218 ،
( )1/79
( ) 22المصدر السابق 216؛ وللنصوص المختلفة والنصوص الكاملة لخطب أبي حمزة ،انظر
:الجاحظ ،البيان 25 - 121 / 2؛ الصفهاني ،الغاني 139 - 130 / 23 ،؛ ابن عبد
ربه ،العقد الفريد 47 - 144 / 4 ،؛ ابن أبي الحديد ،شرح تهج البلغة 114 / 5 ،وما يليها
.الدرجيني ،طبقات 55 - 251؛ ابن سلم ،بدء السلم ،مخطوطة [ 46 - 45بتحقيق
شفارتس وابن يعقوب . ] 112 ،
---
( )1/80
( )1/81
( )1/82
وحفظ جابر أحاديث الرسول عن الصحابة الذين التقاهم بالبصرة ،والمدينة ،ومكة .واستغل
مناسبة الحج للقاء الصحابة الذين كانوا يأتون إلى مكة في وقت الحج من شتئ أنحاء البلدان
السلمية .ويقال إن جابرا تنقل بين البصرة ومكة حاجا ما ل يقل عن أربعين مرة ( ) 14ولقد
دفعه توقه إلى معرفة أحاديث الرسول إلى بذل كل الجهود لجمع هذه الحاديث .وقد قدم إلى
المدينة بصورة خاصة ،وقصد بني عمرو بن حزم النصاري وطلب منهم أن يروه الرسالة التي
بعث بها الرسول مع والدهم عمرو بن حزم إلى أهل اليمن بخصوص الزكاة ،واستجابوا إلى
طلبه ( . ) 15لقد حصل جابر على معرفة واسعة بالقرآن والحاديث والفتاوى .وكان شيخه
ابن عباس راضيا عنه تمام الرضى ،ويروي عن ابن عباس أنه قال (( :لو أن أهل البصرة
نزلوا عند قول جابر بن زيد لوسعهم علما في كتاب ال )) ( . )16ثم وصف جابرا بأنه (( من
العلماء )) ؛ واعتقد أن جابرا بلغ مرتبة عالية من العلم ،حتى أنه ل حاجة للعودة إلى أحد بعده ،
ولو إلى ابن عباس نفسه ،لصدار أية أحكام شرعية إذا كان جابر قد عبر عن رأيه في ذلك .
وسأل الربيع -وهو أحد أبناء البصرة -ابن عباس عن رأيه الشرعي في مسائل معينة ،فرد
عليه ابن عباس (( :تسألونني وفيكم جابر بن زيد ؟ )) ( . ) 17وكان لصحابة آخرين ،كعبد
ال بن عمر ،وجابر بن عبد ال النصاري مثل رأي ابن عباس في جابر .وقد نقل البخاري
عن جابر بن زيد أنه قال (( :مر بي ابن عمر بينما كنت في الطواف ،وقال لي (( :يا جابر
إنك من فقهاء أهل البصرة وإنك ستستفتى ،فل تفتين إل بقرآن ناطق أو سنة ماضية ،فإنك إن
فعلت غير ذلك هلكت وأهلكت )) ( . ) 18ويقال أيضا إن سعيد بن جبير سأل الصحابي جابر
بن عبد ال النصاري عن رأيه في قضية معينة ،وبعد أن أعطى الصحابي رأيه قال :
(( تسألونني وفيكم أبو الشعثاء ؟ )) ( ) 19وهكذا فإن جابرا كان أحد علماء البصرة البارزين
( )1/83
؛ وبناء على ما قاله محمد بن محبوب ،فإن جابرا كان أوسع علما من الحسن البصري ( . ) 20
ثم أصبح جابر مفتيا للبصرة ( ) 21وقضى حياته يصدر الفتاوى ،ويدرس أحاديث الرسول ،
وينقل علمه الواسع بالسلم إلى طلبته .ولما كان جابر تابعيا بارزا ،فإن إسهامه للمة
السلمية النامية يمكن إدراكه في إطار الدور الذي لعبته طبقة التابعين الذين ورثوا العلم وتطبيق
السلم عن الصحابة مباشرة ،ثم نقلوه إلى طلبهم .وبما أنه كان طالبا وثيق الصلة بابن عباس
الذي أسهم في معظم النشاطات السياسية للمة السلمية منذ شبابه ،فقد تمكن جابر من أن
يتعرف إلى المواقف المتناقضة في النشاطات السياسية التي بدأت مع النزاع الهلي في خلفة
عثمان وانتهت بانتصار معاوية .
وبعيشه في البصرة ،إحدى أهم مراكز النشاطات السياسية ،وبمعاصرته لحداث تلك الفترة
المفعمة بالحيوية ( 28هـ 684 /م 93 -هـ 701 /م ) استطاع جابر أن يكون فهما واضحا
للسير المعقد للشؤون الدينية والسياسية في المة السلمية النامية .ونتيجة لذلك اختار السبيل
المثل لتحقيق أهدافه ،إذ بقي بعيدا عن جميع النشاطات السياسية ونهج نهجا يتسم بالحذر الشديد
في علقاته برجال الحكم المويين .ومن ناحية أخرى فقد كرس وقته لتعليم السلم للناس
وصياغة الحكام الشرعية بشأن المشاكل الدينية .
( )1/84
وبالنسبة لطريقة حياته ،فقد عاش جابر حياة تقوى وزهد ،وهو الذي قال ذات مرة (( :طلبت
من ربي ثلثة أشياء ،وقد منحها لي :زوجة مؤمنة ،وراحلة صالحة ،ورزقا حلل كفافا يوما
بيوم )) ( . ) 22وفي حديث له إلى أصحابه عن ثروته قال (( :ليس منكم أحد أغنى مني ،
ليس عندي درهم وليس علي دين )) ( . ) 23وقال الحجاج بن عيينة (( :لقد عتاد جابر بن زيد
أن يأتينا في جامعنا ؛ وذات يوم أتانا يحتذي حذاء قديما وقال (( :مضى من أجلي ستون سنة ،
قال :فأصبت فيها ونعمت فنعلي الن أعز علي من ذلك كله إل خيرا قدمته )) ( . ) 24وعن
محمد بن سيرين أنه قال (( :رحم ال جابرا كان مسلما عند الدراهم )) وهو يعني بذلك أنه كان
ورعا تقيا ( ) 25؛ فالبساطة والتقوى هما الصفتان الرئيستان في حياة جابر .
( )1/85
ومعرفة جابر الواسعة بتفسير القرآن وبالسنة جعلت منه شخصية بارزة في هذا الميدان من
العلم ،وروايته لحاديث الرسول مقبولة بوجه عام ؛ وهو يوصف (( بالثقة )) ( ) 26من قبل
المحدثين .والستثناء الوحيد لذلك هو الصيلي الذي نعته بالمحدث (( الضعيف )) ورد ابن حجر
العسقلني رأيه هذا ( . ) 27وبالضافة إلى طلبه العاديين الذين درسوا عليه الحديث والفقه ،
فقد كان الناس يأتون إليه يطلبون منه آراءه الشرعية بخصوص القضايا الدينية .وكان بعض هذه
الراء مكتوبا على صورة أسئلة مرسلة إليه من الصدقاء خارج البصرة ؛ وكان يوصف بأنه
أكثر الناس علما في حقل الفتا ( . ) 28واعتاد الكثير من طلبه أن يسجلوا آراءه الشرعية كتابة
،غير أن جابرا لم يكن مؤيدا لتدوين آرائه بهذه الطريقة وحين علم بأن طلبه يفعلون ذلك ،علق
على ذلك بقوله (( :إنا ل ،يكتبون عني آراء وقد أرجع عنها غدا )) ( . )29على أن غالبية
آرائه ورواياته دونت ،برغم ذلك ،من قبل طلبه .وقد نقل علمه إلى الجيال التالية عبر قناتين
:الولى الساسية مبنية على ما دونه طلبه الباضية أمثال ضمام بن السائب ،وأبي عبيدة مسلم
بن أبي كريمة ،وأبي نوح صالح الدهان ،وحيان العرج ،وسواهم ؛ والثانية قائمة على ما
دونه طلبه غير الباضية ،وبينهم عمرو بن دينار ،وعمرو بن هرم ،وقتادة بن دعامة
السدوسي ،وأيوب السختياني وآخرون ( . ) 30
ومن العمال الباقية التي دونت فيها فتاوى جابر ورواياته نذكر :
)1روايات ضمام :رواها أبو صفرة عبد الملك بن صفرة ،عن الربيع بن حبيب ،عن ضمام
عن جابر بن زيد ( . ) 31
)2مسند الربيع بن حبيب :وقد ضم بالدرجة الولى أحاديث رواها الربيع بن حبيب الفراهيدي
عن أبي عبيدة ،و ضمام عن جابر بن زيد ( . ) 32
(( )3جوابات )) جابر :وفيها بعض فتاويه مرسلة إلى بعض أصدقائه وأتباعه .
( )1/86
وهذه كلها من مدونات الباضية ،على أن هنالك العمال التالية أيضا :
-1كتاب النكاح :وهو يضم أحكاما بخصوص الزواج ،نقل عن جابر .
ول زلنا نجهل من هو الذي روى هذا الكتاب ،لكن وجوده في مخطوطة كتاب (( نكاح
الشغار )) لعبد ال بن عبد العزيز يشير إلى احتمال روايته من قبل مؤلف (( كتاب نكاح
الشغار )) نفسه ( . ) 33
-2كتاب الصلة ( : ) 34رواه حبيب بن أبي حبيب الحرمي عن عمرو بن هرم عن جابر بن
زيد ( . ) 35
-3روايتان عن عمرو بن دينار وعمرو بن هرم ،موجودتان في القسمين الخامس والسادس من
(( كتاب أقوال قتادة )) ( ) 36وفيهما أحاديث وفتاوى تتناول بالدرجة الولى مواضيع الزواج ،
والزكاة ،والصلة إلى جانب فتاويه وأحاديثه المنقولة عنه بواسطة قتادة ) 37 ( .
ويقال إن كتب جابر كانت في حوزة أبي عبيد مسلم بن أبي كريمة ،ثم انتلقت إلى الربيع بن
حبيب ،فإلى أبي سفيان محبوب بن الرحيل ،ثم ابنه محمد بم محبوب ،وعنه نسخت في مكة (
. ) 38
ويقول بعض المؤرخين الباضيين إن جابرا نفسه جمع كتابا كبيرا من الحاديث والفتاوى يعرف
بديوان جابر بن زيد ،وإن نسخة من الديوان كانت موجودة في مكتبة الخليفة العباسي هارون
الرشيد ( 170هـ . ) 809 - 786 /ويقال أيضا إن العالم الباضي في جبل نفوسة ،نفاث
( فرج ) بن نصر تمكن من نسخ الديوان وجاء به إلى جبل نفوسة ،لكن نفاثا ،وهو المعارض
لحاكم الجبل وللمامة الرستمية ،أتلف نسخة الديوان كي ل يتمكن خصومه ( أهل الدعوة ) من
الحصول عليها ( . ) 39وعلى أي حال فإن الفقه الباضي قام بالدرجة الولى على أساس
الحاديث والفتاوى التي رواها جابر إلى طلبه الباضيين .وقال أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة :
(( كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال .ولول أن ال تعالى من علينا بجابر بن
زيد لضللنا )) (. )40
( )1/87
ولقد حاول العلماء غير الباضيين أن يثبتوا أن جابرا لم تكن له علقة بالباضية ؛ وهنالك
قصص مختلفة تروى للدللة على أن جابرا نفسه أنكر مثل هذه العلقة ( . ) 41وقد نقل قتادة
وداود أبي هند عنه عزرة أنه قال (( :قلت لجابر إن الباضية يزعمون أنك منهم )) فقال :
(( أبرأ إلى ال منهم )) ( . ) 42كذلك يقال إن هند بنت المهلب قالت (( :كان جابر بن زيد أشد
الناس انقطاعا إلي وإلى أمي ،فما أعلم شيئا كان يقربني إلى ال إل أمرني به ،ول شيئا يباعدني
عن ال عز وجل إل نهاني عنه ،وما دعاني إلى الباضية قط ول أمرني بها . ) 43 ( )) ...
====================================
( ) 1ماكدونالد ،دنكان ب ،تطور الفقه السلمي والشرع والنظرية الدستورية ،بيروت ،
. 24 ، 1956
( ) 2ابن مداد ،صفة نسب العلماء ،مخطوطة 4؛ ووفقا لبن حبان ،ولد جابر في مكان
يدعى الحرقة بجوار عمان ،ولعله تصحيف لـ (( فرق )) .انظر ابن حبان كتاب مشاهير
علماء المصار ،تحقيق م .فليشهامر ( القاهرة . 89 ، ) 1959
( ) 3البخاري ،تاريخ 203 / 1 / 2 ،هامش . 1
( ) 4ياقوت ،معجم البلدان ( ،القاهرة 175 / 3 ، ) 1906؛ ووفقا للصمعي ،فالجوف هو
في اليمن ؛ انظر ابن قتيبة كتاب المعارف ،تحقيق محمد الصاوي ( القاهرة . 200 ، ) 1934
( ) 5السالمي ،التحفة ( ،ط 2 .القاهرة . 57 - 55 ) 1347
( ) 6المصدر السابق . 56 ،
( ) 7السالمي ،حاشية الجامع الصحيح . 8 ، 1 ،
( ) 8البرادي ،الجواهر 155 ،؛ القطب :شرح العقيدة . 132 ،
( ) 9الوارجلني ،العدل ،مخطوطة 197 ، 1؛ الشماخي ،سير . 77 ،
( ) 10مجهول ،كتاب نوازل نفوسة ،مخطوطة 208ب ؛ المصعبي ،حاشية على المصرح ،
مخطوطة 147أ .
( ) 11المصدر نفسه 147 ،ب ؛ ابن مداد مصدر مذكور سابقا . 4 ،
( )1/88
( ) 12عبد ال بن عبد العزيز كتاب نكاح الشغار مخطوطة .هذه المعلومة موجودة كذلك في
مخطوطة أخرى محلقة بهذا الكتاب الذي يحتوي روايات إباضية ،بعنوان باب فضائل جابر بن
زيد 22 ،؛ انظر القطب ،شرح النيل ، 233 ، 9 ،وهامش 34 - 232؛ ابن سلم = بدء
السلم ،مخطوطة [ 42بتحقيق شفارتس وابن يعقوب . ] 108 ،
( ) 13الشماخي ،سير . 67
( ) 14أبو نعيم ،حلية الولياء 90 / 3 ،؛ الذهبي ،تذكرة الحافظ 62 / 1 ،؛ ابن حجر ،
تهذيب 39 - 38 / 2 ،؛ ابن مداد ،مصدر مذكور سابقا ص . 4
( ) 15أبو نعيم ،حلية 6 - 85 / 3؛ الذهبي ،تذكرة . 62 / 1
( ) 16البغطوري ،سير مشايخ نفوسة ،مخطوطة . 3
( ) 17الوارجلني ،الدليل ،مخطوطة 38أ ؛ العدل مخطوطة . 72 ، 1نقل عن ابن عبد البر
.
( ) 18ابن سعد ،طبقات ن 180 - 179 / 7؛ البخاري ،تاريخ 204 / 1 / 2 ،؛ الذهبي ،
مصدر مذكور سابقا 62 / 1 ،؛ أبو نعيم مصدر مذكور سابقا 85 / 3 ،؛ ابن حجر ،مصدر
مذكور سابقا . 38 / 2 ،
( ) 19المصدر نفسه .
( ) 20البخاري ،مصدر مذكور سابقا 204 / 1 / 2 ،؛ أبو نعيم ،حلية 86 / 3 ،؛ ابن
حزم ،ملخص إبطال القياس والرأي والستحسان والتقليد والتعليل ،تحقيق سعيد الفغاني ،
دمشق . 69 ، 1960 ،
( ) 21أبو نعيم ،مصدر مذكور سابقا . 86 / 3 ،
( ) 22السالمي ،حاشية الجامع الصحيح . 7 / 1 ،
( ) 23ابن سعد ،طبقات 131 / 7 ،؛ أبو نعيم ،مصدر مذكور سابقا 86 / 3 ،؛ ابن حجر ،
تهذيب . 39 - 38 / 2 ،
( ) 24روايات الباضية مخطوطة محلقة بكتاب نكاح الشغار . 21 ،
( ) 25المصدر نفسه .
( ) 26ابن سعد ،طبقات 180 / 7 ،؛ أبو نعيم ،حلية . 88 / 3 ،
( ) 27ابن سعد ،طبقات 187 / 7 ،؛ أبو نعيم ،حلية . 88 / 3 ،
( ) 28ابن حجر ،تهذيب . 38 / 2 ،
( ) 29المصدر السابق . 39 / 2 ،
( ) 30الذهبي ،تذكرة 62 / 1 ،؛ أبو نعيم ،حلية . 86 /3 ،
( )1/89
( )1/91
ب -إذا كان جابر يعتقد هذا العتقاد ،ل سيما بخصوص هذه المسائل المهمة ،فإن ذلك كان
ينبغي أن يكون معروفا عنه قبل أن يصبح على وشك الموت .
ج -ل يبدو أن المناسبة كانت ملئمة فعل لطرح مثل هذه السئلة على جابر .
- IIوهنالك معلومات منقولة عن العلماء السنة ينفون فيها أن يكون لجابر أية علقات بالباضية
( . )3مثل هذه المعلومات ،بالضافة إلى تلك المنسوبة إلى جابر نفسه ،بالنسبة لنكاره أية
علقة مختلفة بالباضية ،على ما يبدو ،تسمح لعلماء الحديث من أهل السنة بقبول الحاديث
التي يرويها جابر .ووفقا للقواعد التي وضعها بعض المحدثين السنة ،فإن الحاديث التي تروى
عن أهل (( البدع )) ليست مقبولة .فإذا كان الشخص شيعيا ،أو خارجيا ،أو إباضيا ،فإن هذا
كاف لتجريحه ( . ) 4ولذلك يعتقد أن المعلومات المذكورة آنفا مختلفة من قبل بعض المحدثين
السنة بقصد تبرئة جابر من تهمة الباضية .
- IIIوالطبقة الثالثة من المعلومات تعتمد على خبر لهند بنت المهلب تذكر فيه أن جابرا لم
يدعها إلى الباضية أبدا ( . ) 5لعل صحيح ،لن جابرا كان يعلمها السلم ،ثم إن مصطلحي
الباضيين والباضية بالذات لم يكونا يستعملن بين الباضيين الوائل حتى بعد وفاة جابر ،
وبدل منهما كانوا يستعملون مصطلحي (( المسلمين )) و (( جماعة المسلمين )) .
ومن ناحية أخرى ،فإن ابن حجر العسقلني ذكر اعتمادا على ما نقله عن (( ضعفاء ))
الساجي ،أن جابر بن زيد كان إباضيا ( ) 6وذكر أبو الحسن الشعري ،حين عدد معتقدات
الخوارج ،وقد ضم الباضيين إليهم (( ،ويدعون من السلف جابر بن زيد )) ( . ) 7ثم إن هذا
الرأي نفسه يرويه ابن أبي الحديد ( . ) 8والسؤال هنا هو :هل كانت هنالك حركة إباضية بهذا
السم ف يزمن جابر بن زيد ؟ وأي دور لعبه جابر في تلك الحركة ؟
وللرد على هذين السؤالين يجب أن نذكر أوضاع المة السلمية آنذاك ،تحت ثلثة عناوين :
( )1/92
( )1/93
وكان عبد ال بن إباض بين هؤلء القادة ( ) 12؛ لكن ثورة نافع بن الزرق زعيم حركة
الخوارج المتطرفين الذين حملوا اسمه ،الزارقة ،جاءت حدثا جديدا غير مسار فئة المحكمة
وطبيعة علقة جابر بها .لقد كان جابر معارضا بقوة لراء نافع ونهجه ولنصاره ورفض
آراءهم بالنسبة لمعارضيهم المسلمين الذين اعتبروهم مشركين ،وارتأوا شرعية قتلهم وتجريدهم
من ممتلكاتهم ،بالضافة إلى سبي نسائهم وأولدهم وهذا ما رفضه جابر .وقد حفظت المصادر
الباضية عرضا للنقاش التالي بين جابر والخوارج ،منقول عن ضمام ؛ جاء فيه (( :كان جابر
يأتي الخوارج فيقول لهم :أليس قد حرم ال دماء المسلمين بدين ؟ فيقولون :نعم ؛ وحرم ال
البراءة منهم بدين ؟ فيقولون :نعم ؛ فيقول :أوليس قد أحل ال دماء أهل الحرب بدين بعد
تحريمها بدين ؟ فيقولون :بلى ؛ فيقول :وحرم ال وليتهم بدين بعد المر بها بدين ؟ فيقولون :
نعم ؛ فيقول :هل أحل ما بعد هذا بدين ؟ ( مشيرا بذلك إلى تجريد المسلمين من ممتلكاتهم والفتك
بنسائهم وأولدهم ) فيسكتون )) ( . ) 13ويمكن القول إنه عند هذا المنعطف بدأ انقسام جدي
داخل فئة المحكمة بسبب الخطوة التي اتخذها نافع بن الزرق الذي اعتبر المسلمين المعارضين
كفارا وعاملهم كمشركين ،وجعل الخروج إلزاميا على زملئه المسلمين .كل هذه الراء كانت
مناقضة لمعتقدات أهل النهروان وممارساتهم ،وقدماء المحكمة ،وأتباعهم ،أبي بلل مرداس
وصحبه .وهكذا أصبح إلزاما على الزعماء البارزين في هذه الفئة أمثال زيد بن جابر أن
يرفضوا خطة نافع وغيره ممن اعتقدوا آراءه وأن يوضحوا ذلك للجميع ،أفرادا ومجوعات ،
ليحتفظوا بعطفهم .وكان عبد ال بن إباض بين القادة الذين هموا بالنضمام إلى نافع ،غير أنه
حين كان ف يجامع البصرة ينتظر الصلة ويستمع للناس وهم يتلون القرآن ،ويسمع الدعوة إلى
الصلة ،غير رأيه وقرر معارضة الخروج ( . ) 14و (( آمن
( )1/94
بشرعية القامة بين المسلمين والختلط بهم على أساس التسامح المتبادل )) ( . ) 15فقد آمن
بآراء أهل النهروان وأنصارهم كما وصته ،ورفض بقوة آراء نافع وأعلن انفصاله عنه ( . ) 16
وهنا يمكن القول إن جابرا ،بعد ثورة نافع ،كلف ابن إباض برفض آراء نافع والدعوة علنا
لراء جماعة المسلمين ( أي الباضية ) .والواقع أنه بسبب الدور الناجح الذي لعبه عبد ال بن
إباض في تلك المرحلة ،حملت الحركة بكليتها اسمه وعرفت بين المسلمين باسم الباضية .
وثمة حوادث عديدة تشير إلى أنه كانت لجابر علقة وثيقة وفاعلة بالحركة الباضية في مرحلة
باكرة جدا .ويقال إن جابرا اعتاد أن يذهب إلى مكة برفقة عضو آخر من (( جماعة المسلمين ))
يدعى أبو الفقاس السود بن قيس ،وكانا يلتقيان بابن عباس في مكة .وفي إحدى المواسم جاء
جابر ابن عباس وحده ،فقال له ابن عباس :أين صاحبك ؟ قال :أخذه عبيد ال بن زياد ،فقال
ابن عباس :وإنه لمتهم ،فقال جابر :نعم ،فقال ابن عباس :أو ما أنت متهم ،قال :أجل )) (
. )17ويضيف الشماخي أن هنالك شيخا كبيرا من جماعة المسلمين هو أبو سفيان قنبر أخذ وجلد
مائة جلدة لحمله على إفشاء المعلومات عن عضو آخر من جماعة المسلمين ،لكنه رفض
الفضاء بأسمائهم ؛ قال جابر بن زيد (( :وكنت قريبا منه وما كنت أتنظر إل أن يقول هذا هو
فعصمه ال )) ( ، ) 18والحديث الخر الذي يدل على أنه كانت لجابر صلة قوية بالحركة
الباضية هو أنه أمر أحد شبان الباضية بالفتك بخردلة وهو عضو سابق بالحركة أفشى أسماء
بعض أعضاء الباضية مما أدى إلى قتلهم على أيدي الطغاة ( . ) 19وقد رويت هذه الحادثة ف
يوقت لحق كبرهان على وجوب قتل من يشهر بالباضية ( الطاعن في الدين ) في الشرع
الباضي . )20
( )1/95
على أي حال ،بعد ثورة نافع والخوارج الخرين ،انكشف بوضوح طابع الفئة التي عرفت فيما
بعد بالباضية ،أو أهل الدعوة ،أو بجماعة المسلمين ،وأصبح جابر رئيس هذه الحركة أو
إمامها .
ويمكننا الن أن ننتقل إلى دراسة نهج جابر كإمام للحركة الباضية ،ولنا أن نميز فيه أربعة
اتجاهات رئيسة :
أول :تجنب أي صدام علني مع السلطات والحفاظ على علقات ودية مع الحكام ( الولة ) .
ثانيا :عدم عزل أعضاء الحركة عن المة السلمية .
ثالثا :الستمرار بتدريس الحاديث والفتاوى للناس بصرف النظر عن كونهم أعضاء في الحركة
أم ل .
رابعا :لما كان جابر مصمما على المحافظة على سلمة الحركة بتنفيذ بعض نشاطاته سرا ،
وبإبقاء أفراد المنظمة مجهولين لدى الحكام ،فقد اتخذ موقفا متشددا ممن يفشون أسماء العضاء
(( للطغاة )) ( . ) 21وينظر الباضية إلى جابر باعتباره أول إمام لمذهبهم ،ويعتبرون فترة
إمامة جابر مثال على حالة الكتمان . ) 22 ( .
قليلة هي معلوماتنا عن نشاطات جابر في أثناء ولية زياد بن أبي سفيان وابنه عبيد ال بن زياد .
ومع أن الحركة واجهت الضطهاد في تلك الفترة ،وقد قتل أصدقاء مقربون من جابر ،مثل أبي
بلل ،وشقيقه عروة ،وسجن آخرون مثل أبي فقاس ،وقنبر فإنه ل توجد معلومات مؤكدة على
أن جابرا واجه مثل هذه المعاملة .وقد قدرت المصادر الباضية أن جابرا قال (( :لم يبق شيء
أنفع لنا في تلك العهد -عهد عبيد ال -إل الرشوة )) ( . ) 23وهكذا فإن جابرا بلغ حد
استخدام الرشوة لتجنب أي اضطهاد ينزله الطغاة به وبأنصاره .
( )1/96
وفي أثناء حكم الحجاج ،حافظ جابر على صلت طيبة معه عبر كاتبه يزيد بن مسلم الذي كان
صديقا مقربا لجابر ( . ) 24كان بنو المهلب ،وهم أقاربه ،من بين العائلت القوية التي أقام
جابر معها علقات طيبة .على أن الهم من رابطة القربى هو أن جابرا كان المعلم الديني لعائلته
. .إذ اعتاد أن يزورهم ويلقنهم تعاليم السلم و (( يأمرهم بالعمل الصالح )) ( . ) 25ومن
رسائل جابر الباقية هنالك ثلث أرسها ردا على رسائل من أفراد عائلة المهلب .اثنتان منها
أرسلتا إلى عبد الملك بن المهلب والثالثة إلى خيرة بنت ضمرة القشيرية ،زوجة المهلب .ومن
مراسلته الخرى نلحظ أنه كانت لجابر عدة اتصالت مع أناس في مناصب رسمية في مواقع
مختلفة .ومن هؤلء النعمان بن سلمة الذي وجه رسالة إلى جابر يسأله نصيحته بحيث يتمكن من
جمع المبلغ المالي اللزم كضريبة الخراج وكضريبة الحماية من غير أن يجور على الرعية ،أو
أن يتصرف بما يخالف التعاليم السلمية .وفي الرسالة التي وجهها جابر إلى النعمان حول هذه
القضية معلومات طريفة عن الوسائل المتبعة لجمع الضرائب ،ودللة على أنه من اصل ثلثمائة
درهم ،ل يصل بيت المال إل ما هو دون المائة ،فيما يأخذ الباقي الدهاقين ( أسياد المزارعين )
وجامعوا الضرائب ( . ) 26والشخص الخر يدعى يزيد بن يسار ،وقد أرسل رسالة إلى جابر
يبلغه فيها أنه عين مسؤول عن بعض المراكز في عمان ويطلب منه رأيه حول عدد من القضايا
( . ) 27ومن أهل عمان الخرين الذين كانت لهم صلت بجابر هنالك مالك بن أسيد ( أو
أسيد ) وهو الذي وجه رسالة إلى جابر يعرض فيها عليه شراء ناقة من عمان ؛ ووافق جابر
على ذلك ،كما جاء في رسالة منه إلى مالك بن أسيد ( . ) 28
وبالضافة إلى توجيه الفتاوى إلى أصدقائه ف يتلك المكنة النائية ،كان جابر يطلب منهم أن
يبعثوا إليه بتقارير حول الوضاع في بلدانهم ،وأن يذكروا له كل شيء يحدث فيها ( . ) 29
( )1/97
وكان من شأن هذه التصالت الواسعة بأناس نافذين ،وبعائلت ذات مكانة ،وهذا التقدير العام
لمعارف جابر ،أن يثير حذر الحجاج بن ويسف منه .فقد حاول أن يستميله إلى جانبه وعرض
عليه منصب القضاء ،غير أن جابرا رفض هذا العرض ( . )30وتقول المصادر إن جابرا
أظهر في حالت كثيرة معارضته للحجاج ؛ ويقال أن جابرا رفض تسليم قلم للحجاج قائل له أن
النبي قال (( :لعن ال الظالمين وأعوانهم وأعوان أعوانهم ولو بمد قلم )) ( . ) 31
كذلك رفض أن يوافق الحجاج على مسألة المسح على الخفين في الوضوء وقال :أدركت جماعة
من صحابة النبي ( صلى ال عليه وسلم ) فسألتهم :هل يمسح رسول ال على خفيه ؟ فقالوا :ل
( ) 32
وكان جابر نفسه حذرا ،متيقظا في اتصالته بأصدقائه وأنصاره ،هذا ما يمكن أن نلحظه
بوضوح من مراسلته ،إذ طلب إتلف خمس من رسائله وأعطى السباب لذلك في ثلث منها -
( أ ) في رسالته إلى الحارث بن عمرو ،أحد قدماء (( التباع )) في الكوفة ( ، ) 33كتب جابر
:أعلم ،أصلحك ال ،أنك في بلد ل أحب أن تذكر فيها اسمي ولذلك ل تنقل أي شيء مما كتبته
لك ( . ) 34
ولعل ذلك وقع في عهد زياد لن الحارث توفي في أثناء خلفة يزيد بن معاوية ( .ب ) في
رسالته إلى عبد الملك بن المهلب ،كتب جابر :اكتب لي ما تحتاجه وأرسله لي سرا مع من تثق
به ؛ إنك تعرف وضعنا ،والذي نخشاه هو أولئك الذين يبحثون عن أسباب ليذائنا ،ولذلك ل
تخاطر بما قد تسبب لنا به زوالنا .أصلح ال أمورك )) ( . ) 35
وفي رسالة أخرى وصف شؤون المراء ( الحكام ) بما يلي (( :أنتم تعلمون شؤون المراء ؛
أننا نخشاهم ؛ وهم يبحثون عن أعذار ضدنا )) ( . ) 36إن جميع هذه المقتطفات من المعلومات
تبين أن جابرا كان دائما يخاف المراء ،الحكام ،وأنه كان حذرا في نشاطاته .
( )1/98
وفي إحدى رسائله إلى عبد الملك بن المهلب ،عبر جابر ن شكره ل لنه حمى عبد الملك
ووقاه ،وتوسل إلى الخالق كي ينقذه ويحميه (( إلى أن يظهر لكم ولنا في شؤونكم وشؤوننا ما
يجعلنا سعداء ،ويسحق أعدائنا )) ( . ) 37ويحتمل أن جابرا كان بهذه الكلمات الخيرة يشير
إلى الحجاج .
ولما اصطدم الحجاج بآل المهلب ،اعتقلهم وسجنهم .ويحتمل أن الحجاج نفى جابرا وأحد مؤيديه
،هبيرة ؛ إلى عمان ( ) 38بحيث ل يستطيع أن يقدم أية مساعدة لل المهلب .وفي الفترة
اعتقل الحجاج وسجن ثلثة من الشخصيات البارزة في الحركة الباضية ،وهم أبو عبيدة وضمام
،وأبو سلمة ( . ) 39ذلك هو أول عمل قمع جدي واجه قادة الحركة الباضية ،بمن فيهم جابر
نفسه ،في عهد الحجاج .والظاهر أن السبب الرئيس الذي دفع الحجاج إلى تغيير سياسته نحو
الباضية هو صراعه مع آل المهلب .وهنا يمكن القول أن الحجاج ،بسبب العلقات القوية بين
جابر وهذه العائلة ،ظن أن جابرا قد يقوم بعمل ما ضده لمساعدة آل المهلب .وسوى ذلك ،ل
تمكن الشارة إلى أي سبب آخر لتفسير هذا التغيير في سياسة الحجاج نحو جابر والحركة
الباضية .إل أن آل المهلب تمكنوا من الهرب من السجن واللجوء إلى سليمان بن عبد الملك في
دمشق ،ونالوا منه الحماية ( . ) 40وبناء على رواية الذين يقولون إن جابرا توفي سنة 93هـ
، 711 /فإنه من المحتمل أنه عاد إلى البصرة بسبب الموقف الودي نحو آل المهلب من قبل
سليمان والوليد بن عبد الملك .
ذلك هو موجز عن سياسة جابر ونشاطاته العامة ؛ على أن الدور الهم الذي لعبه جابر كان
إسهامه في الفقه السلمي ،وبتأسيس فقه المذهب الباضي .
( )1/99
من المفروض على كل مسلم أن يحفظ عددا من اليات القرآنية وبعض الحاديث النبوية لكي يقوم
بالواجبات الدينية كالصلة وغيرها من الواجبات الدينية .وقد أدى تطور المة السلمية
وتوسعها السريع ،إلى نشوء مراكز جديدة استقرت فيها جماعات من الصحابة .وكانت مدينة
البصرة أحد هذه المراكز الرئيسة إذ نشأت في أثناء خلفة عمر بن الخطاب كقاعدة عسكرية ،ثم
سرعان ما أصبحت إحدى العواصم الفكرية في السلم .وفي هذه المدينة نشأ جابر ،وهنا التقى
بعدد كبير من الصحابة الذين كانوا تواقين لتعليم الناس دين السلم .ونشأن طبقة جديدة في
المجتمع السلمي مؤلفة من تابعي الصحابة ،وهم الجيل الثاني الذين ورثوا تعاليم السلم كما
قدمها لهم (( الصحابة )) وأصبحوا دعاة للدين ،وعلموا الناس القرآن ،وأحاديث الرسول ،
وقدموا لهم مثال حقيقيا للمسلمين من خلل حياتهم العملية ،وكان جابر بن زيد بين قدماء التابعين
في البصرة ممن كرسوا حياتهم لهذه المهمة .وقد سبق أن ذكرنا أنه أصبح أحد أكثر أهل البصرة
علما ؛ ونتيجة لذلك أصبح مفتي البصرة .وقد ذكر إياس بن معاوية أن جابرا كان (( مفتي
البصرة )) ( . ) 41والمرجح أن ذلك كان لفترة محدودة لن هنالك مصادر أخرى تذكر أن
هنالك علماء آخرين شاركوه عبء الفتوى في البصرة ،ومنهم الحسن البصري ،وعمرو بن
سلمة الجرمي ،وأبو مريم الحنفي ،وكعب بن سور ( . ) 42وكان لعمرو بن دينار تلميذ
جابر ،رأي رفيع جدا بجابر حتى أنه ذهب إلى حد القول (( :ما رأيت أحدا أعلم بالفتيا من
جابر بن زيد )) ( . ) 43
( )1/100
ومن شأن دراسة موجزة للطريقة التي نهجها جابر في إصدار فتاويه أن تساعد على فهم طبيعة
الفقه الباضي .فهو محدث ؛ وكانت معرفته الواسعة بالحديث وبفتاوى الصحابة هي ميزة
طريقته في الستنباط .وعنده أن أي فتوى يجب أن تستند إلى القرآن والسنة وآراء الصحابة ؛ ثم
يلي برأيه .والمصدر الثاني لفتاويه ،بعد القرآن هو السنة ،وهو القائل (( :ما كان من أمر
خوالف فيه السنة نقض )) ( . ) 44بانتهاج هذه الطريقة كان جابر يتقيد بالحكم الذي وضعه
الصحابة .ولقد حذره معلمه عبد ال بن عمر من أن يصدر فتوى إل بكتاب ناطق أو سنة ماضية
( . ) 45ويقال أيضا إن جابرا قال (( :أدركت ناسا من الصحابة ،أكثر فتياهم أحاديث رسول
ال ( صلى ال عليه وسلم ) ( . )) )46وبعد السنة يأتي (( الرأي )) .وبالنسبة لهذا المصدر
الثالث للشرع ،اعتقد جابر بأن حكمه ينبغي أن يأتي بعد حكم الصحابة ،ل قبله ؛ فقال :
(( ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى ،لم يزل الخر يعرف للول فضله ،وكانوا أحق
بذلك من المهاجرين مع رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان ،فقد شهدوا
وعملوا ،فالحق علينا وطء أقدامهم وأتباع آثارهم )) ( . ) 47ثم يقول بعد ذلك (( :فلعمري ما
أنا إل متعلم متبع آثار قد وطئت قبلي ،وما عندي من ذلك ثقة ول دللة إل رواية عسى أن
نختلف فيها )) ( . ) 48
( )1/101
وفي رسالته إلى عنيفة ،عبر جابر عن هذا المبدأ نفسه كما يلي (( :ليس من ذلك شيء إل ما
يروي الناس عن الناس ،وأما رأي من عندنا فنحن في ذلك أنقض رأيا )) ( . ) 49وفيما يلي
قصة تبين مدى تمسك جابر بهذا المبدأ .وهي قصة امرأة طلقها زوجها المريض .فكان رأي
ابن عباس ،أن عليها أن تنتظر زوال خطر مرض زوجها كي تحتفظ بحقها بالمهر وبالرث ؛
أما إذا تزوجت رجل آخر قبل ذلك ،فإنها تفقد حقها بالمهر وبالرث .وبعد رواية هذا الرأي
لبن عباس ،قال جابر (( :ولول قول ابن عباس في ذلك لسرني -وإن تزوجت -إذا عرف
الضرر ،أن تستوجب المر كله ما لم يذهب ميراثها )) ( . ) 50على أن جابرا كان يفضل رأي
ابن عباس على رأيه تأكيدا على المبدأ المذكور أعله ،ولو أنه كان يرى أن رأيه في هذه الحالة
هو الفضل .وهكذا يمكن القول أن مصادر الفقه الباضي هي القرآن والسنة والرأي .إل أن
الرأي ل يلجأ إليه إل إذا لم يتوفر الحديث .وكخلصة لهذه الدراسة الموجزة يمكن القول أن
المذهب الفقهي الذي أنشأه جابر بن زيد كان متأثرا إلى حد كبير بالحديث ( . ) 51ثم إن طريقة
جابر هذه اتبعها بعد وفاته طلبه الباضيون الذين بنوا فقههم على الثار بالدرجة الولى .ويقال
إن أبا عبيدة مسلم ،الذي خلف جابرا ،قبل له إن أهل عمان يفتون بالرأي في أحكامهم
الشرعية ،فقال أبو عبيدة (( :لن تسلموا من الفروج والدماء )) ( . ) 52
( )1/102
لقد ذكر كتاب سيرة جابر خمسة تواريخ مختلفة لوفاته .إن أولئك الذين يقولون إن جابرا توفي
في نفس السبوع الذي توفي فيه الصحابي أنس بن مالك ،يذكرون تاريخين أولهما 91هـ /
709كما يقول ابن حبان ( ، ) 53وثانيهما 93هـ 711 /وهذا التاريخ الخير يذكره الربيع بن
حبيب ،والبخاري ،وأحمد بن حنبل ،والفلس ،والنجار ،وأبو نعيم ،وابن حبان ( . ) 54
هؤلء جميعا محدثون ،وقد كانوا ملزمين بالدقة في إعطاء التاريخ المضبوط لوفاة المحدث ،لن
ذلك ذو أهمية كبيرة بالنسبة لهم ،فيما يتعلق بصحة السناد .
ويؤرخ ابن سلم ،وابن سعد ،والواقدي ،والمسعودي ،والصمعي ،وبن مداد وفاته في سنة
103هـ ) 55 ( 721 /؛ في حين أن الشماخي وحده يذكر تاريخ وفاته سنة 96هـ ( 714 /
) 56؛ ونقل ابن حجر عن ابن عدي أن جابرا توفي سنة 104هـ . ) 57 ( 722 /ولمحاولة
تقرير التاريخ المضبوط لوفاة جابر ،ينبغي أن نأخذ الحقائق التالية بعين العتبار :
أ ) إن غالبية المصادر تقول إن جابرا أراد ليلة وفاته ،أن يرى الحسن البصري الذي كان آنذاك
مختفيا يتجنب الحجاج .وبناء على ذلك لبد أن وفاة جابر حصلت قبل وفاة الحجاج 95هـ /
. 713
ب ) إن غالبية المصادر ذكرت أن جابرا توفي قبل وفاة الصحابي أنس بن مالك الذي قال عند
السماع بنبأ وفاة جابر (( :اليوم قضى أعلم أهل الرض )) ( . ) 58
( )1/103
ج ) في أثناء خلفة عمر بن عبد العزيز ( 99هـ ) 101 /كانت للباضية صلت ناشطة به ،
وبعث إليه وفد إباضي .ثم إن المصادر الباضية ل تذكر غير تعليق أبي عبيدة على نتائج ذلك
الوفد .ول يروي شيء عن جابر بخصوص هذه الحادثة .ومن الصعب أن نعتقد أن جابرا لم
يكن ليعلق لو أنه كان حيا ،مما يوحي بأنه توفي قبل سنة ، 719 / 101ل سنة 103كما يقول
المؤرخون ،أو 104كما يقول ابن عدي .ولئن كان يستحيل التوصل إلى التاريخ الدقيق في
حالة كهذه ،فإن سنة 93التي يذكرها المحدثون وتؤيدها المراجع الباضية يمكن أن تعتبر في
رأيي قريبة جدا من الحقيقة .
---------------------------------------------------
(
( ) 1ابن سعد ،مصدر مذكور سابقا . 181 / 7 ،
( ) 2أبو نعيم ،مصدر مذكور سابقا . 89 / 3 ،
( ) 3سورة النعام . 158 / 6 ،
( ) 4روايات إباضية ،مخطوطة محلقة بكتاب نكاح الشغار 20 ،؛ البغطوري ،السير ،
مخطوطة ، 4الدرجيني ،طبقات . 199 ،
( )5ابن سعد ن طبقات . 181 / 7 ،
( ) 6القاسمي ،قواعد التحديث . 195 - 192 ،
( )7أبو نعيم ،حلية 98 / 3 ،
( ) 8ابن حجر ،تهذيب التهذيب . 39 / 2 ،
( ) 9الشعري ،مقالت ،تحقيق ريتر . 109 ،
( ) 10ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلغة . 76 / 5 ،
( ) 11الشماخي ،سير 67؛ انظر ما تقدم ص . 54 ،
( ) 12جميل بن خميس ،قاموس الشريعة ،مخطوطة ،مجلد ، 88 ،الصفحة التي تتعلق
بالموضوع ؛ القطب ،الرسالة الشافية 43 ،؛ الرقيشي ،المصباح ،مخطوطة . 38
( ) 13البغطوري ،سير ،مخطوطة . 3
( ) 14الطبري ،تاريخ 563 / 5وما يليه .
( ) 15أبو صفرة ،عبد الملك بن صفرة ،روايات ضمام ،مخطوطة . 8
( ) 16الوارجلني ،الدليل 99 ،ب .
( ) 17نيكولسون ، Literary history of the Arabs A ، 211انظر ( ما تقدم ص . ) 30
( ) 18انظر ما تقدم ص 44وما يليها .
( )1/104
( ) 19الدرجيني ،الطبقات [ 224 - 223وفيه ،ط .طلي (( : 235 ،أو ما أنت منهم ؟
قال :اللهم ل ] ؛ الشماخي ،سير . 96 ،
( ) 20الشماخي ،سير . 93
( ) 21الجيطالي ،قواعد . 28 ،
( ( ) 22انظر ما يلي ،ص . ) 239 ،
( )23كما فعل بالنسبة لخردلة ،مثل .
( ) 24عمرو بن جميع ،عقيدة التوحيد 54 ،؛ الجناوني ،عقيدة التوحيد ( ،طبعة حجرية ،
. 20 ، ) 1325
( ) 25أقوال قتادة مخطوطة . 189
( ) 26الشماخي ،سير . 74 ،
( ) 27أبو نعيم ،حلية . 89 / 3 ،
( ) 28جابر بن زيد ،جوابات جابر ،تحقيقي ( المؤلف ) ،مخطوطة . 31
( ) 29المصدر السابق . 22 ،
( ) 30المصدر السابق . 36
( ) 31المصدر السابق . 24
( ) 32الشماخي ،سير . 74 ،
( ) 33الوارجلني ،الدليل 108 ،أ .
( ) 34ابن خلفون ،أجوبة 39 ،؛ انظر أيضا الربيع بن حبيب ،مسند . 16 - 15 / 4 ،
( ) 35ابن جبان ،مشاهير علماء المصار . 105 ،
( ) 36جابر بن زيد ،جوابات . 15 ،
( ) 37المصدر السابق . 40 ،
( ) 38المصدر السابق . 33 ،
( ) 39المصدر السابق . 37 ،
( ) 40الشماخي ،سير . 81
( ) 41المصدر السابق 96؛ الدرجيني ،طبقات . 224 ،
( ) 42الطبري ،تاريخ . 452 - 448 / 6 ،
( ) 43ابن سعد ،طبقات 131 / 7 ،؛ ابن سلم ،بدء السلم . 42 ،
( ) 44ابن القيم ،أعلم الموقعين . 9 ،
( ) 45الذهبي ،تذكرة . 62 / 1 ،
( ) 46جابر بن زيد ،جوابات . 19 ،
( ) 47المصدر السابق . 14 ،
( ) 48البخاري ،تاريخ . 2 / 1 ،
( ) 49الربيع بن حبيب ،مسند . 14 - 13 / 1 ،
( ) 50جابر بن زيد ،جوابات . 42 ،
( ) 51المصدر السابق . 38 ،
( ) 52المصدر السابق . 18 ،
( ) 53المصدر السابق . 42 ،
( ( ) 54انظر ما يلي 142 ،وما يليه ) .
( ) 55أبو المؤثر الصلت بن خميس ،سيرة ،مخطوطة [ 20 ،السير والجوابات 271 - 270
].
( ) 56ابن حبان ،مشاهير علماء المصار . 37 ،
( )1/105
( ) 57المصدر السابق 89 ،؛ الربيع بن حبيب ،مسند 103 / 2 ،؛ البخاري ،تاريخ 1 / 2 ،
204 /؛ ابن حجر ،تهذيب 39 - 38 / 11 ،؛ الذهبي ،تذكرة . 63 / 1
( ) 58ابن سعد ،طبقات 133 / 7؛ ابن سلم بدء السلم [ 42 ،بتحقيق شفارتس وابن
يعقوب ] 108 ،؛ المسعودي ،مروج الذهب ( القاهرة 141 / 2 ، ) 1283 ،؛ الذهبي ،تذكرة
63 / 1 ،؛ ابن قتيبة ،كتاب المعارف . 200 ،
---
( )1/106
الفصل الثالث :أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمةالمام الثاني للجماعة الباضيةفي البصرة
هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ،مولى بني تميم ( . ) 1ذكر الجاحظ أنه كان مولى
عروة بن أدية ،شقيق أبي بلل مرداس ( . ) 2عاش في البصرة ودرس على جابر بن زيد ،
وصحار العبدي وجعفر بن السماك ( . )3يقول بعض العلماء إن أبا عبيدة التقى بالصحابة الذين
التقى بهم شيخه جابر ،وروى الحديث عن :جابر بن عبد ال ،وأنس بن مالك ،وأبي هريرة ،
وابن عباس ،وأبي سعيد الخدري ،وعائشة ( . ) 4
ويحتمل أنه التقى ببعض هؤلء الصحابة ،أو جميعهم ،لكنه لم يصحبهم طويل كما فعل جابر
بن زيد .أما شيوخه فهم جعفر بن السماك ،وصحار العبدي ،وجاب بن زيد ،إل أنه أخذ القسم
الكبر من علمه على أيدي جعفر بن السماك وصحار ( ) 5ثم كرس حياته للتعلم والتعليم .
ويقال إنه أنفق أربعين سنة من حياته يتعلم ،ثم أنفق أربعين سنة أخرى في التعليم ( . ) 6ول
شك أن تطور الحركة الباضية ونمو تنظيمها ،وانتشار حركتها السريعة في اليمن ،وعمان ،
وخرسان ،وشمالي إفريقية ،ويعود إلى أبي عبيدة وقدراته الطبيعية كعالم وكرجل سياسة معا (
. ) 7وقد لعب الدور الكبر باعتباره القائد الكثر نجاحا للحركة الباضية في أثناء الفترة
الخيرة من العهد الموي وبداية العهد العباسي .وقد ذكر الشماخي أن أبا عبيدة توفي في خلفة
أبي جعفر المنصور ( . ) 8 ( ) 774 / 158 - 735 / 136وسبق أن ذكرنا أنه عاش ثمانين
سنة قضاها في التعلم والتعليم ،ولذلك يمكن القول إن أبا عبيدة عاش في الفترة التي تبدأ بنهاية
النصف الول من القرن الول حتى نهاية النصف الول من القرن الثاني .ثم يشار أيضا إلى أنه
أصبح زعيم الحركة الباضية بعد أن أطلق سراحه من السجن سنة ، 713 / 95بعد سنتين من
وفاة جابر بن زيد ( . ) 9
( )1/107
ولدراك الطابع المميز لبي عبيدة والناحية الخاصة التي ميزت شخصيته ،ل بد لنا من الشارة
إلى تأثير شيوخه .فهناك أول عروة بن أدية ؛ وهو رجل قوي وتقي ذو خبرة واسعة بالنزاع
السياسي والديني الذي وقع في أثناء الحروب الهلية بين علي ومعاوية .وكان أول من رفض
التحكيم وحارب عليا في معركة النهروان ،ثم قتله عبيد ال بن زياد في وقت لحق .ووصفه
خادم عروة إلى عبيد ال كما يلي (( :ما أتيته بطعام بنهار قط ،ول فرشت له فراشا بليل قط ))
( ، ) 10وقد قصد بذلك أنه كان يصوم باستمرار في أثناء النهار ،وينفق الليالي في الصلوات .
ولبد أن أباب عبيدة ،وهو مولى عروة ،قد تأثر به إلى حد بعيد .وكان شيخه الخر صحار
العبدي خطيبا مفوها ،ونسابة عظيما ،وهو مؤلف كتاب في المثال ( ، ) 11وكان فقيها كذلك
( . ) 12وكان شيخه جابر بن زيد ضليعا في الشرع ،ومحدثا بارزا .ولما كان أبو عبيدة قد
درس على هؤلء العظام فإنه امتلك صفاتهم جميعا ؛ كان زاهدا ،وعابدا تقيا ( ، ) 13وخطيبا
مفوها ( ، ) 14ومدرسا ممتازا ،وعالما كبيرا ،وسع ميادين الفقه والكلم والحديث .وأخيرا ،
فإنه كان ذا قدرة تنظيمية ممتازة .
( )1/108
وفي ميدان العقيدة الباضية ،نهج أبو عبيدة نهج جابر بن زيد نفسه ،إل أنه إسهامه بالراء
الفقهية كان أكبر لكي يواجه المشاكل في هذا الميدان .ولعل ذلك عائد إلى تأثير مدرسة صحار
العبدي أيضا .وسار أبو عبيدة في فتاويه على نفس نهج سلفه ،جابر بن زيد ،وهو الذي كان
فخورا به جدا ،وقد قال (( :كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه ،فهو في ضلل .ولول
أن ال أنعم عليما بجابر بن زيد ،لضللنا ( . ) 15وكان مثل شيخه يحترم الصحابة وآراءهم
بنفس الدرجة .من أمثال عبد ال بن مسعود وعبد ال بن سلم ،وهم الراسخون في العلم وهو
القائل عنهم :وعلة آثارهم اقتفينا وبقولهم اقتدينا وعلى سيرتهم اعتمدنا وعلى مناهجهم سلكنا )) (
. ) 16
والطريقة التي نهجها أبو عبيدة هي أن يتمسك بقوة بتعاليم الصحابة والتابعين ،ل أن يتبع أي
مسار قد يبعده عنهم .وعنده أن أتباع السنة دليل على تقوى المسلم .وقد نقل عن ابن عباس أنه
قال (( :من روى حديثا يدعو إلى الصلح ،ثم بذل جهده في إتباعه ،كما رواه فإنه له أجرين ،
أجر الحفظ ،وأجر العمل ؛ وإذا لم يكن الحديث كمما رواه ،فهو ينال الجر نفسه ،لن ال ل
يضيع أجر من عمل صالحا ؛ ولن يضيع ال أجر العمل الصالح والعبادة إل إذا كان العمل بدعة
( ) 17وبعد عرض هذا الرأي لبن عباس ،علق أبو عبيدة قائل (( :اعلموا أن المسلم ،إذا
كان ال قد وهبه نفسا صالحة موجهة إلى عبادة ال ،حين يسمع ما يقربه من ال يبذل وسعه في
إتباعه ،فهو سيؤجر كما ذكر من قبل .أما إذا كان هذا الشخص ذا نفس شريرة فهو يمل عبادة
ال ويكره العبادة .همه كله عند ذاك في الجدل والشك .وإذا ما سمع حديثا يدعوه إلى العمل ،
عارضه بالقياس وقال :هذا الحديث ليس صحيحا ،لن رأيه الذي يلئم رغبته ل صلة له بطاعة
ال ( . ) 18
( )1/109
وعلى أي حال ،فقد كان أبو عبيدة محدثا ،وكان إلى حد كبير ،متأثرا بالحديث بصفته ضليعا
في الشرع وفقيها ،وكان يعارض اللجوء إلى الرأي .ولما قيل له أن أهل عمان يلجأون إلى
الرأي لصدار الفتاوى ،قال (( :ما نجوا من الفروج والدماء )) ( . ) 19ثم إنه قال لنصاره
أن ل يقبلوا أي رأي إذا كان رواية ،أو (( آثارا )) من شيوخ المذهب الباضي .ويروي أن أم
شهاب ،وهي امرأة إباضية ،زارها عبد ال بن عبد العزيز وصالح بن كثير ،وكانا طالبين لدى
أبي عبيدة ،فسألتهما فتوى في قضية فأجابها صالح ،فقالت له :عمن أخذتها ؟ فقال (( :هو
رأيي ؛ فقالت له :اضرب برأيك عرض الحائط .ل حاجة لي فيه )) ( . ) 20وزاد في زمنه
الهتمام بنظام الولية والبراءة ،من الناحيتين النظرية والعملية ،عما كان علي في وقت جابر
بن زيد .والحالتان التاليتان تبينان الفارق في الموقف بين المامين:
-Iقيل إن إباضيا يدعى الحسن بن عبد الرحمن طلب يد أن عفان وهي إباضية كوالدها ،
فستأمرها أبوها ذلك فنهاه جابر أن يزوجها وهي كارهة ،وحين تقدم مسلم غير إباضي منها
يطلب يدها رضيت به ،فأمره جابر أن يزوجها إياه ( . ) 21
( )1/110
- IIوفي حالة مماثلة اتخذ أبو عبيدة موقفا مغايرا .يقال إنه هاجم رجل إباضيا زوج ابنته من
مسلم غير إباضي وأبدى استياء شديدا .ويذكر تلميذه أبو المؤرخ (( :وكره أبو عبيدة نكاح
المنافق المسلمة ،وهو ممن أحل ال نكاحه من المسلمات ،كما كره عمر نكاح من أحل ال
نكاحه من المشركات ،وكره الخذ بالرخصة في ذلك مخافة الفتنة لهن ،والردة عن بصيرتهن
من غير أن يكون ذلك حراما )) ( . ) 22والظاهر أن أبا عبيدة أخذ هذا الموقف الحازم لعزل
الباضيين عن الفئات الخرى من المسلمين بحيث ل يتأثرون بالراء المختلفة الناشئة آنذاك .
ولعل هنالك سببا آخر هو أن أبا عبيدة أراد في تصميمه على إقامة المامة الباضية أن يضمن
سلمة مخططاته وحركته بحيث ل يستطيع أي غريب أن يؤثر فيها .فقد كان نظام الولية
والبراءة آنذاك ذا أهمية كبيرة من هذه الناحية ( . ) 23
وقد غطت نشاطات أبي عبيدة اتجاهين أساسيين :
أ -العناية بتنظيم الفرقة الباضية .
ب -تعليم العقيدة الباضية للطلبة الذين يتلقون العلم .
وفي مؤسسته السرية هذه التي لم يكن أكثر من سرداب عميق في مكان ما في البصرة ( ، ) 24
علم الرجال الذين لعبوا الدور الهم في تطوير العقيدة الباضية وفي نجاحها السياسي .
وقد ظلت البصرة مركز الحركة الباضية حتى نهاية القرن الثاني لسباب مختلفة .
أ -فزعماء الحركة الدينيون كانوا يعيشون في البصرة ويقومون بنشاطاتهم التعليمية كلها هناك .
ب -وفي البصرة نالت الحركة الدعم الكامل من العدد الكبير من أقارب جابر من الزد ،ومن
عائلة آل المهلب البارزة .
ج -وكانت البصرة إحدى عواصم السلم الفكرية تشكل ،إلى جانب الكوفة ،مركزا ثقافيا
للدراسات السلمية والعربية .
د -وأخيرا ،تقع البصرة في قلب بلدان آسيا السلمية مما سهل التصالت بين مركز الحركة
في البصرة والفروع الخرى في خراسان ،وعمان ،واليمن ،ومكة .
( )1/111
وفي البصرة كانت المنظمة الباضية بزعامة أبي عبيدة ومجلس الشيوخ ،تقوم بمسؤولية تصميم
سياسة الحركة وإعداد المتعلمين للقيام بالدعوة لرسالهم إلى البلدان السلمية لنشر العقيدة
الباضية .وأحد هؤلء الدعاة الباضيين المبعوثين من البصرة هو سلمة بن سعد وقد أرسل إلى
شمالي إفريقية مع نهاية القرن الول وبداية القرن الثاني الهجري ( . ) 251ويروي عن المام
عبد الوهاب عن والده عبد الرحمن بن رستم أنه قال (( :أول من جاء يطلب مذهب الباضية
ونحن بقيروان إفريقية سلمة بن سعد قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن عباس ،
متعاقبين على بعير فكان [ سلمة ] يدعو إلى مذهب الباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب
الصفرية ،فسمعت [ سلمة ] يقول :وددت لو ظهر هذا المر ،يعني مذهب الباضية ،يوما
واحدا من أول النهار إلى آخره فل آسف على (( الحياة بعده )) ( . ) 25
وكانت مهمة سلمة بن سعد في شمالي إفريقية تتوخى ثلث غايات :
-1نشر عقيدة المذهب الباضية .
-2اختيار أفراد بارزين من البلدان المقصودة و إرسالهم للتدريب في البصرة .
-3القيام بدراسة دقيقة لتلك البلدان وتقديم تقرير عنها للمام الباضي في البصرة .
ونتيجة لرحلة سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية في 725 / 107 - 723 / 105تقريبا ،بعث
حملة العلم إلى البصرة ودرسوا على أبي عبيدة مدة خمس سنوات ( . ) 26ثم إن العديد من
الدعاة كانوا قد بعثوا إلى مختلف البلدان للغراض ذاتها التي استهدفها سلمة بن سعد ؛ فتوجه
حملة العلم إلى اليمن ،وحضرموت ،وخرسان ،وعمان ( . ) 27
( )1/112
وكانت نشاطات الحركة الباضية في البصرة تجري كلها سرا ؛ وهي حالة خاصة في العقيدة
الباضية معروفة بحالة الكتمان ( . ) 28ولقد كان من شأن القمع الموي للمعارضة أن أرغم
الباضيين على القيام بنشاطاتهم سرا للحفاظ على سلمتهم وسلمة الدعوة ؛ وقد تحقق لهم ذلك
بإنشاء مجالس خاصة في أماكن سرية حيث كانوا يمارسون نشاطاتهم الدينية والثقافية .
والظاهر أن فكرة المجالس السرية نشأت منذ أيام زياد بن أبي سفيان إذ يروي أن عروة بن أدية
قبض عليه في (( سرب )) ( نفق سري ) كان يتعبد فيه ( . ) 29ولقد كانت هذه الملجئ
السرية تستخدم لجتماعات أعضاء الحركة حيث يذكرون ال ويناقشون أمور الدعوة .وقد ذكر
أبو بلل مرداس مثل هذه المجالس أيضا ( . ) 30والظاهر من المعلومات المتوفرة أنه كانت
هنالك ثلثة أنواع من المجالس :
( )1/113
-1مجالس الشيوخ ،أو قادة الحركة .وفي هذه المجالس كان الشيوخ يبحثون مخططات التنظيم
.ثم إن اجتماعات هذه المجالس كانت تحدث أثناء الليل عادة ؛ ولم يسمح للعضاء الصغار في
السن بحضور هذه الجتماعات ما لم يكونوا موثوقا بهم كل الثقة .قال أبو سفيان محبوب ابن
الرحيل (( :بلغنا ذات ليلة أن في منزل حاجب مجلسا للذكر ،وكان المشايخ ل يحضرون معهم
بالليل الفتيان ،قال المليح فقلت لرجل من أهل عمان :انطلق بنا إلى منزل حاجب فلعلهم يأذنون
لنا ،قال فسرنا حتى جئنا المنزل ،فأذن لنا ،فوجدنا عنده المختار بن عوف ورجلين أو ثلثة
من المشايخ ،قال ،فقال لي حاجب :يا مليح اذهب أنت وهذا العماني إلى بلج بن عقبة فأخبره
بمكاننا وقول له يأتينا ،قال فسرنا إليه فأعلمناه فجاء .قال المليح ،فصلينا العتمة ثم أخذنا في
المذاكرة ،قال :ربما قام أحدهم قائما فيتكلم ما شاء ال ثم يجلس ،فيقوم الخر كذلك حتى أضاء
الصبح ،قال المليح :فما رأيت أحدا بعد تلك الليلة ،ول رأيت قبلها متكلما قائما في مجلس .قال
:وكان شعيب بن عمر من أفاضل الفتيان يومئذ ،وكانت أخته تحت حاجب ،قال فجاءه تلك
الليلة فأخذ به حاجب فقال :ردوه ،قالوا له :يا أبا مودود سبحان ال جاء من السماح في هذه
الساعة وترده ؟ فقال :ردوه ،فردوه ؛ قال :وكان بين منزله ومنزل حاجب نحو ثلثة أميال ))
( . ) 31
( )1/114
-2والنوع الثاني من المجالس هو المجالس العامة يأتون إليها لسماع خطابات الشيوخ حول
الموضوعات الدينية بوجه عام .وليس لهذه المجالس أي برنامج خاص ؛ إذ يتوقف ذلك على
الشخاص المسئولين عهنا ،وعلى قدراتهم وميولهم (( .وإذا ما شوهد شخص وعلى وجهه أثر
الخشوع ،فذلك يعني أنه قريب العهد بمجالس أبي سفيان قنبر ،إذ إن مجالسه كانت ذكرا ل ،
وتلوة للقرآن وتخويفا للناس من النار وعقاب ال ( . ) 32وفي بعض الحيان يطلب منظم
المجالس من المتكلمين أن يؤدوا على موضوع معين للفت انتباه أعضاء معينين إليه ( . ) 33
وفي هذه الفترة عقدت مجالس كثيرة في البصرة ؛ ويذكر المؤرخون الباضيون مجالس أبي الحر
علي بن الحصين التي كانت تعقد أيام الثنين والخميس ( ، ) 34ومجالس أبي سفيان قنبر ،
ومجالس عبد الملك الطويل ( . ) 35وفي هذه المجالس كانت للنساء غرف خاصة ؛ كان يؤذن
لهن بحضور هذا النوع من المجالس ( . ) 36ثم إن بعض النساء كن يقدمن منازلهن لعقد مثل
هذه المجالس ( . ) 37
( )1/115
-3والنوع الثالث من المجالس هو تلك التي كانت تعقد للطلبة العاديين الذين كانوا يريدون دراسة
العقيدة الباضية ،أو التدرب على بث الدعوة .ويقال إن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة ألف تعليم
طلبه في سرب سري ؛ وكان يقف حارس على المدخل لتحذيرهم إذا شاهد غريبا يأتي ،بتحريك
سلسلة حديدية كي يتوقف أبو عبيدة عن خطبته ويواصل عمله صنع القفاف ،وهي العملية التي
كان يتستر بها ،ومنها نال لقب القفاف ،أي صانع السلل ( . ) 38ويؤذن فقط لعضاء الحركة
بالنضمام إلى هذه المجالس ،إل أنهم كانوا يطردون منها إذا ما أبدوا أي انحراف ( . ) 39
وخلل زمن جابر وأبي عبيدة كان الفراد شديدي الحذر في نشاطاتهم ؛ وفي بعض المناسبات
كانوا يحضرون هذا الجتماعات مرتدين ملبس نسائية ،أو متخفين كتجار وعمال بحيث ل ينتبه
إليهم أحد من الخصوم ( . ) 40وفي عهد زياد وابنه ،كانت المساكن التي تستخدم للمجالس
تقتحم في مناسبات عديدة وكان الفراد يعتقلون .على أن نشاطات الباضيين كانت برغم هذه
المصاعب كلها ،تجري في هذه المجالس بالدرجة الولى . ) 41 ( .
ويبدو أن فكرة المجالس نقلها الطلب الباضيون من البصرة إلى شمالي إفريقية .ويروي أن أبا
خليل الدركلي ،أول من أخذ عن (( حملة العلم )) قال لطلبه (( :سيروا إلى الحلقة واقصدوها
حيثما كانت يا كسالى فإن رجل قد سار من الجبل إلى فزان وإلى غدامس وإلى الساحل رغبة في
الحلقة )) ( ، ) 42ويقال إنه كان بذلك يقصد نفسه .على أن هذه المجالس نشأت خلل مرحلة
الكتمان لضمان سلمة الباضيين ،ثم أصبحت بعد ذلك إحدى الضرورات الساسية للجماعة
الباضية أثناء فترة الكتمان .
( )1/116
ويمكن القول إن الحركة الباضية بقيادة أبي عبيدة مسلم كانت حركة دينية وفكرية ،وإن
نشاطاتها في البصرة كانت ثقافية بالدرجة الولى .وكان نهج أبي عبيدة أن يثقف العضاء وأن
يعلمهم العقيدة الباضية ،وأن يكون له العدد الكبر الممكن من مختلف أقاليم البلدان السلمية ،
لكي ينشيء إمامة عالمية شاملة كل العالم السلمي ( . ) 43ولكي يقوم بنشاطاته في البصرة ،
فقد انقطع أبو عبيدة كليا عن الحكام ( الولة ) ليبقى سليما ،وكانت سياسته في هذه الناحية
مناقضة لسياسة سلفه جابر بن زيد .ولقد أوصى أتباعه بأن ل تكون لهم أية علقة مع الحكام .
وقد روى عبد ال بن عبد العزيز ،أحد طلب أبي عبيدة ،أن أحد العمال ( الحكام ) قال لعضو
إباضي (( :دعني أسجل اسمك في الديوان ،واقتسم معك مرتبك .شقيقي سيكفيك مشكلة
البيعة ،وأنت تأخذ المال للحال )) هنا قال عبد ال :ذهبت إلى أبي عبيدة أسأله عن رأيه بهذا
العرض ،فقال :ل تذهب إليهم ،ول تكن قريبا منهم ،ل خير لك ف يذلك )) ( . ) 44وهنالك
رواية أخرى مشابهة لها رواها الربيع بن حبيب ،وهو طالب آخر لبي عبيدة ،جاء بعده قائدا
للجماعة الباضية في البصرة .قال (( :أراد فرد إباضي أن يرافق حاكما معينا منذ فترة وجيزة
وأن يخرج معه .سألنا الرجل :من طلب منك أن ترافق هذا الحاكم ؟ فرد رجل آخر يقول إن أبا
عبيدة سمح له بذلك ،فقال الربيع :قصدت أبا عبيدة وسألته هل سمح لذلك الشخص بأن يرافق
الحاكم ؟ فقال (( :لم اقل له شيئا من ذلك .لقد جاء في المثل :الثعلب يقول لدي تسع وتسعون
خدعة ؛ ولكنه ليس بينها ما هو أنفع لي من أن ل يراني الكلب ،وأن ل أراه )) والشيء ذاته هو
بالنسبة للمسلم ،ل شيء أفضل له من أن ل يراهم ( الحكام ) وأن ل يدعهم يرونه .وحق ال
أنني أخشى على المؤذن أن ل يكون مأمونا في الدعوة لهم للصلة فكيف بالخرين )) ( . ) 45
مثل هذا الموقف الحاسم المتخذ
( )1/117
من قبل أبي عبيدة نحو الحكام هو الميزة الرئيسة لسياسته ،ول استثناء لذلك غير عمر بن عبد
العزيز الذي أرسل إليه وفد باسم الحركة الباضية ( . ) 46
وفي زمن جابر ،ذكر أن مجموعة من الزعماء البارزين في فريق المحكمة ،بمن فيهم عبد ال
بن إباض ،اتصلت بعبد ال بن الزبير وعرضت عليه المساعدة بأمل أن يوافق على آرائها ( 47
) .إل أن أبا عبيدة نهج سياسة أخرى مناقضة .إذ كان يريد باستمرار حركة إباضية خالصة
تتمكن من تحقيق أهدافها بدون أي ارتباك .ويقال إن عبد ال بن الحسن ،حين أراد الخروج
على بني أمية بعث إلى أبي عبيدة ومشايخ آخرين في المجموعة الباضية في البصرة يطلب
مناقشة مخططاته معهم ،ووافق المشايخ على إيفاد صالح بن كثير إليه ،غير أن أبا عبيدة رفض
الموافقة على رأيهم ،وقال (( :أترون رجل يخاف على نفسه ويطلب الملك ل يعطيكم كل ما
سألتموه ،وإذا طاوعكم على ما تدعونه إليه قال :أنا مقر بدعوتكم ولكن الناس إلي أسرع وأنا
أحق ؛ فما عسى تقول له يا صالح وقد صدق ؟ فإن أراد الدين كما يزعم فليلحق بصاحبنا
بحضرموت عبد ال بن يحيى فليقاتل بين يديه حتى الموت )) ( . ) 48وهكذا فقد غيروا آراءهم
بسبب أبي عبيدة .ومثل هذا الموقف الحازم لبي عبيدة ضد أي اتصالت بمسلمين غير إباضيين
كان شديد الوضوح ؛ كان يغطي نواحي أخرى في الحياة كالزواج ( ) 49بالضافة إلى
النشاطات السياسية والدينية .وقد تأكدت هذه السياسة مع مبدأ الولية والبراءة ومع نظام المجالس
.وفي البصرة حافظت الحركة الباضية على سياسة الكتمان بقيادة أبي عبيدة .والظاهر أن
جماعة الشيوخ في البصرة كانوا بمثابة اللجنة التنفيذية للحركة الباضية .وكان أبو عبيدة هو
القائد أو المام وهو المسؤول عن الشؤون الدينية وعن السياسة العامة للجماعة كلها ،وكان
يستشار من قبل الباضيين في جميع البلدان السلمية بخصوص مشاكلهم ومخططاتهم .وفي
اليمن ،لم يعلن
( )1/118
عبد ال بن يحيى المامة حتى نال موافقة أبي عبيدة ( . ) 50كذلك كانت إمامة أبي الخطاب في
شمالي إفريقية مقررة من قبل أبي عبيدة ( . ) 51
وكان هنالك عدد من الشيوخ البارزين الذين يلعبون دورا هاما إلى جانب أبي عبيدة في مهمته .
وبين هؤلء نذكر ) 1 ( :أباب مودود حاجب الطائي ،ومن بني هلل ،وهو مولى عمان ولد
في البصرة ( ) 52؛ وانضم إلى الحركة الباضية بعد موت جابر بن زيد ( ، ) 53وأصبح اليد
اليمنى لبي عبيدة فكان مسؤول عن الشؤون المالية والعسكرية ( ) 54؛ وكان منزله أحد
المراكز المهمة للحركة في البصرة ،وكانت تقام فيه الصلة في أثناء رمضان ( ، ) 55وتعقد
اجتماعات مهمة للشيوخ ( . ) 56وحين أعلن عبد ال بن يحيى الكندي ،وأبو حمزة المامة ،
جمع حاجب مبلغا كبيرا من المال لمساعدتهما ،واشترى السلحة لهما ( . ) 57وحين توفي
ترك دينا بلغ خمسين ألف درهم ؛ وباع زميله الفضل بن جندب منزله في صحار لتسديد ذلك
الدين ( . ) 58كذلك أرسل إلى مكة في أثناء الحج لعقد الصلح بين إباضيي حضرموت في عهد
عبد ال بن سعيد ( . ) 59وكذلك اعتاد أن يشرف على نشاطات المنظمة في البصرة وأن يدعو
إلى الجتماعات العامة ( . ) 60وتوفي حاجب قبل أبي عبيدة في أثناء خلفة أبي جعفر
المنصور ( . ) 61
( ) 2وحيان العرج ،وهو محدث مشهور ،عاش في البصرة في نفس المنطقة التي عاش فيها
معلمه جابر بن زيد ( . ) 62وكان أكبر سنا من أبي عبيدة ( ، )63درس مع جابر بن زيد ،
ونقل الحاديث عن جابر إلى الطلبة الباضيين ،حتى أولئك الذين كانوا يدرسون على يدي جابر
،كأبي نوح صالح الدهان ( . ) 64
( )1/119
( ) 3وأبا نوح صالح بن نوح الدهان ؛ وهو من البصرة ،كان ينزل في طيء ( ) 295ودرس
على جابر بن زيد ( ) 65وشارك أبا عبيدة في تعليم العقيدة الباضية .ويروي أن الربيع بن
حبيب قال :أخذت الفقه عن ثلثة رجال (( :أبي عبيدة ،وضمام ،وأبي نوح )) ( . ) 66ومن
العمال الباقية التي رويت عن أبي عبيدة وأبي نوح كتاب (( نكاح الشغار )) لعبد ال بن
العزيز ،وهو تمليذهما ( . ) 67
( ) 4وضمام بن السائب ،وهو في الصل من الندب في عمان ( . ) 68ولد في البصرة ،
ودرس على جابر بن زيد ،وروى الحديث عنه بالدرجة الولى ( . ) 69ويروي ضمام أن أبا
عبيدة نفسه أخذ الحديث عن جابر بن زيد والدور الهم الذي لعبه ضمام هو تعليم العقيدة
الباضية والحاديث وغالبيتها دونها أبو صفرة عن أبي عمرو الربيع بن حبيب .وسجن ضمام
مع أبي عبيدة وشيخ إباضي آخر ،يدعى أبو سالم ،في عهد الحجاج بن يوسف ،ثم أفرج عنه
بعد وفاة الحجاج ( . ) 70وهنالك شيوخ آخرون كأبي الحر علي بن الحصين ،وأبي حمزة
المختار بن عوف ،وبلج بن عقبة ،وسواهم .
( ) 5وبين صغار طلبة أبي عبيدة ،ممن لعب دورا كبيرا في المنظمة الباضية في البصرة في
أثناء حياة أبي عبيدة ثم في وقت لحق ،نذكر أبا عمرو الربيع بن حبيب بن عمرو الفراهيدي ،
وكان ينزل الخريبة من البصرة ( . ) 71وغادر البصرة في وقت لحق إلى عمان وسكن في
غضفان في الباطنة ( ) 72وكان معاصرا لجابر بن زيد ،ودرس على يديه ،كما درس أيضا
على ضمام بن السائب ،وأبي عبيدة ،وأبي نوح صالح بن نوح الدهان ( . ) 73وكان في زمن
أبي عبيدة ،إلى جانب أعضاء آخرين ،مسؤول عن المجالس ( ) 74؛ ثم إن أبا عبيدة عينه
مفتيا للباضيين في أثناء حياته ،ووصفه بأنه (( فقيهنا وإمامنا وتقينا )) ( . ) 75
( )1/120
وبمعونة هؤلء الرجال استطاع أبو عبيدة أن ينفذ سياسته بنجاح ،وتمكن من إنشاء دولتين
إباضيتين كانتا خطرا حقيقيا على المويين ثم على العباسيين من بعدهم في شبه الجزيرة العربية
وفي شمالي إفريقية .
ولصح أن البصرة كانت المركز الرئيسي للنشاطات الباضية في العراق .على أن هنالك دليل
على وجود جماعات إباضية أخرى ناشطة في الكوفة ،والموصل ،ومكة ،والمدينة وبعض
أنحاء خرسان حيث برز عدد كبير من كبار العلماء وأسهموا في المذهب الباضي .وعرضت
آراء هؤلء جنبن إلى جنب مع آراء جابر بن زيد ،وأبي عبيدة مسلم ،كما هو واضح في
العمال الباضية الولى مثل (( مدونة )) أبي غانم ،والديوان المعروض (( ،وروايات ))
ضمام .باستثناء هذه الحقيقة ،فإن معلوماتنا قليلة جدا عن الجماعات وإسهامها في الحركة
الباضية من حيث النشاطات السياسية والثقافية ( . ) 76وعلى أي حال ،لقد كان للقادة
الباضيين الوائل سياسة واضحة قائمة على توجيه نشاطاتهم نحو الصقاع النائية في
المبراطورية السلمية بحيث ل يكون القضاء عليهم سهل .كما تجنبوا بحذر محاولة أية ثورة
علنية في العراق ،وركزوا على جنوبي شبه الجزيرة العربية ( ) 77وشمالي إفريقية .وننوي
في الصفحات التالية إلقاء الضوء على انتشار التعاليم الباضية في شمالي إفريقية .
=================================
(]COLOR=Green
( )1الشماخي ،سير . 77
( ) 2ابن حجر تهذيب . 39 / 2 ،
( )3روايات إباضية ،مخطوطة 20؛ الشماخي ،سير . 70 ،
( ) 4الشماخي ،سير . 83 ،
( ) 5الجاحظ ،البيان والتبيين ،تحقيق السندوبي . 227 / 3 ،
( ) 6ابن مداد ،صفة . 28 ،
( ) 7السالمي ،حاشية الجامع الصحيح . 6 / 1 ،
( ) 8المصدر السابق .
( ) 9البغطوري ،سير . 3 ،
( ) 10ليفتسكي ،مادة الباضية ،الموسوعة السلمية ،ط . 2
( ) 11الشماخي ،سير . 91 ،
( ) 12انظر ما تقدم . 68
( )1/121
( )1/122
( )1/123
( )1/124
( )1/125
وثمة شخص يدعى سلمة بن سعد الحضرمي ( ) 5له صلة بالبصرة وبشمالي إفريقية ف ينشر
تعاليم المذهب .ل يذكر تاريخ محدد لهذه المهمة ول لوصول سلمة إلى شمالي إفريقية ؛ على أن
قول مراجع إباضية موثوقة بأن سلمة جاء القيروان برفقة عكرمة ،مولى ابن عباس ( ) 6يشير
إلى أن هذه المهمة جرت قبل ، 725 / 107 - 723 / 105وهو التاريخ الذي يذكر لوفاة
عكرمة ( . ) 7وقد شبه العلماء الباضيون دور سلمة بن سعد في المغرب بدور عبد ال بن
إباض في المشرق ( . )8وربطوا انتشار المذهب الباضي بزيارته إلى شمالي إفريقية ،وهي
التي أسفرت عن إيفاد الطلبة المعروفين في وقت لحق بـ (( حملة العلم )) إلى البصرة لدراسة
التعاليم الباضية على يدي المام الثاني للمذهب الباضي ،أي أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة .
والحقيقة التي ينبغي أن ل تنسى هي أنه عند قدوم سلمة بن سعد إلى شمالي إفريقية كانت هنالك
مجموعات إباضية كبيرة موجودة من قبل في بعض المناطق الوسطى في شمالي إفريقية ،أي في
القسم الغربي من ليبيا .ولعل ذلك عائد إلى أن المبادئ الباضية كسبت لها أول أنصارا بين
المفاتحين العرب الذين قدموا في مجموعات قبلية لحتلل شمالي إفريقية ،واستوطنوا بعد ذلك
في البلد الجديدة .ثم وجدت لها دعما بين قبائل نفوسة ،وهوارة ،ولواته ،وزهانه ،وزناته ،
المحلية التي رأت في المبادئ الباضية تمثيل حقيقيا لدين السلم ل يخضعها لي حكم استبدادي
،ويعطيها المبرر لنضالها من أجل الحكم الذاتي في إطار الدين الجديد على قدم المساواة مع
العرب .ويعتقد أيضا أن السكان المحليين وجدوا في التعاليم الباضية الحافز الديني لمقاومة
الحكم الستبدادي للمويين والعباسيين .وواضح هنا أيضا أن الدور الهم في الصراع الباضي
الول في شمالي إفريقية لعبه العرب الذين كانوا من أصول حضرمية ويمنية .
( )1/126
والظاهر أن مهمة سلمة بن سعد كانت تستهدف اختيار شخصيات محلية لرسالها إلى البصرة
لتدريبها بحيث تستطيع تحمل عبء القيادة الباضية في شمالي إفريقية .ولمثل هذا التوجه أن
يجعل السكان المحليين ينظرون إلى التعاليم الباضية باعتبارها شيئا خاصا بهم ،مما يؤمن دعم
البربر الكامل للقضية الباضية .
ومن الطموحات الرئيسة لسلمة بن سعد رغبته في أن يرى إمامة الباضية سائدة في شمالي
إفريقية .ويروي عن المام عبد الرحمن بن رستم أنه قال (( :سمعت سلمة بن سعد يقول في
القيروان )) وددت لو ظهر هذا المر ،يعني مذهب الباضية ،يوما واحدا من أول النهار إلى
آخره ثم ل آسف على الحياة بعده )) ( ) 9ولعل في هذه الكلمات إشارة محتملة إلى وجود
مجموعة إباضية في شمالي إفريقية قبل مجيء سلمة بن سعد ،لكنها ل تزال في حالة الكتمان ،
وإلى أنه لم تكن آنذاك قد جرت أية محاولة لترسيخ المامة الباضية علنا .
والمحاولة الولى من قبل الباضيين لنشاء إمامتهم في شمالي إفريقية بدأت حين عين إلياس بن
حبيب واليا على طرابلس بعد سنة . 744 / 127ويروي أن إلياس صرع عبد ال بن مسعود
التجيبي ،من أصل حضرمي ،وهو أحد زعماء الجماعة الباضية في طرابلس ( . ) 10ول
نعرف سبب مصرع هذا الزعيم الباضي .ولكن علي معمر وإحسان عباس يوحيان بأن إلياس
أراد بذلك تخويف الباضيين ( ، ) 11وهي حقيقة تشير إلى أن الباضيين كانوا آنذاك قوة ذات
أثر كبير في طرابلس وما جاورها .على أنني أعتقد أن هذا العمل ربما كان نتيجة مباشرة
للثورات الناجحة التي قام بها إباضيو حضرموت واليمن في نحو ذلك الوقت في وجه بني أمية
لنشاء إمامة مستقلة .وطبيعي أن يكون بنو أمية حريصين على منع أي تكرار لهذه الثورات في
أية معاقل أخرى للباضية باتخاذ تدابير رادعة .
( )1/127
والظاهر أن إلياس بن حبيب أساء تقدير قوة الباضية ،وكان من شأن عمله هذا ،أن لم يكرههم
على الرضوخ ،بل أثار غضبهم ووفر السبب المباشر لثورتهم ؛ فانتخبوا الحارث بن تليد
الحضرمي إماما ؛ وبمساعدة قاضيه عبد الجبار بن قيس المرادي ،استطاع الحارث أن يستولي
على طرابلس وأن يقتل شخصا يدعى قيس بن نصير بن راشد ،مولى النصار ،ثأرا لعبد ال
بن مسعود التجيبي ( . ) 12وحكم الحارث كامل المنطقة الواقعة بين قابس وسرت ،غير أن
الحارث وعبد الجبار معا قتل على يدي شعيب بن عثمان أحد القادة الذين عينهم عبد الرحمن بن
حبيب لخماد الثورة الباضية ( . ) 13عند ذاك اختار الباضيون أبا الزاخر إسماعيل بن زياد
النفوسي قائدا لهم في صراعهم ،واستطاع أن يسيطر على مناطق طرابلس ( . ) 14وقد جاء
في المصادر الباضية أن أبا الزاخر كان (( إمام دفاع )) ( ) 15وهي حقيقة تشير إلى أن هذه
الفترة بقيادته كانت فترة كفاح عسكري متواصل ف يوجه أعدائه ،وإلى أنه لم يستطع أن ينشيء
دولة مستقرة .
ولقد وقع هذا الصراع الول من أجل المامة في شمالي إفريقية ،في السنوات الواقعة بين 127
744 /و . 749 / 132وعادت بعد ذلك الجماعة الباضية إلى الكتمان طوال ثمانية أعوام .
وفي سنة 757 / 140انتخب أبو الخطاب عبد العلى بن السمح المعافري ،أحد (( حملة
العلم )) لمنصب المام في طرابلس ،فحكم المنطقة الواقعة بين سرت والقيروان وزويلة ؛ غير
أن هذه المامة الباضية لم تتمكن من مقاومة جيش الخليفة العباسي الجديد .وفي سنة / 144
761قتل أبو الخطاب ونحو 14000من أتباعه على أيدي القوات العباسية بقيادة محمد بن
الشعث ،والي مصر من قبل أبي جعفر المنصور ( . ) 16
---------------------------------------------------
( ) 1المصدر السابق : 651الباضيون في جنوب الجزيرة العربية في العصر الوسيط or .
. Folia ، 1 ، ( 1959 ) ، 3 -17
( )1/128
( )1/129
حملة العلم
نرى لزاما علينا هنا أن نقدم عرضا لدور (( حملة العلم )) في نشر العقيدة الباضية في شمالي
إفريقية .والظاهر أن نشاطاتهم الثقافية بدأت خلل العقود الولى من القرن الثاني للهجرة .لقد
سبق أن ذكرنا أن اتصالهم بعلماء الباضية في البصرة كان بعد زيارة سلمة بن سعد إلى شمالي
إفريقية .وقد جرى اختيارهم من مناطق مختلفة بحيث أن أ:ثر المراكز أهمية في شمالي إفريقية
الوسط كانت ممثلة لكي يكون بالتالي لكل منطقة زعيمها الديني من السكان الصليين .وهؤلء
الطلبة هم :أبو دارا إسماعيل بن دار الغدامسي ،من غدامس ؛ وعبد الرحمن بن رستم ،وهو
فارسي الصل ،من القيروان ؛ وعاصم السدراتي من سدراته .وأبو داود القبلي النفزاوي ،من
نفزاوة ( جنوبي تونس ) ثم انضم إليهم أبو الخطاب عبد العلى ،اليمني الصل ،في البصرة (
)1حيث ميزه شيخهم أبو عبيدة مسلم بأنه المام الول للباضية المرتقبة في شمالي إفريقية .
ومن شأن ذلك أن يبين أن القوة التي كانت ل تزال البرز بالنسبة لمسألة القيادة هي قوة
المستوطنين العرب ؛ وقد أرسل أبو الخطاب إلى شمالي إفريقية لسد هذه الحاجة .ولم يكن بين
أفراد هذه البعثة أي نفوسي لن ممثل نفوسة في بعثة مماثلة ،ابن مغطير الجناوني كان قد ذهب
إلى البصرة ثم عاد في وقت باكر ( . ) 2
( )1/130
وقام أبو عبيدة نفسه بتدريب هؤلء الطلبة فقضوا معه خمس سنوات ،وكان راضيا عن المستوى
الذي بلغوه .وبالضافة إلى كفاحهم السياسي الذي بدأ سنة 757 / 140بقيادة أبي الخطاب ،ثم
استمر بقيادة زميله عبد الرحمن بن رستم الذي تمكن من الفرار إلى وسط الجزائر بعد وفاة أبي
الخطاب حيث أنشأ المامة الرستمية سنة 776 / 160ودامت حتى ، 980 / 296وأدى (( حملة
العلم )) دورا هاما في نقل التعاليم التي تلقوها في البصرة إلى رفاقهم الباضيين في شمالي
إفريقية .ولسنا نعرف هل أتوا بهذه التعاليم خطية ،والواقع أن العمل الخطي الوحيد الذي ينسب
إلى أحد (( حملة العلم )) هو (( تفسير )) عبد الرحمن بن رستم ( . ) 3ويروي أن العقيدة
الباضية بالشكل المكتوب من قبل أبي عبيدة مسلم كانت موجودة في فزان في ليبيا في منتصف
القرن الثاني للهجرة .وفي رسالة إلى العالم الفزاني عبد القهار بن خلف ،كتب جناو بن فتى
المديوني ،من قبيلة مديونة من البربر يرغبه في القدوم عليه لدراسة كتب أبي عبيدة (( لعل ال
أن يحيى بك أهل هذه الدعوة ،وأحب تعجيل ذلك لني على آخر أيامي واقترب أجلي )) ( . ) 4
لسنا نعلم كيف انتقلت كتب أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة إلى يدي العالم الفزاني ؛ ولعله درس
على أبي عبيدة في البصرة وعاد بها معه .
والمسألة التي ينبغي أن نؤكد عليها هنا هي أن الشكل النهائي للعقيدة الباضية ترسخ في
البصرة ،ونقل إلى شمالي إفريقية بواسطة الطلبة الدعاة وهم ،على ما يبدو ،أكثر من الخمسة
الذين ذكرناهم فيما مضى ؛ وهم معروفون في المصادر الباضية باسم (( حملة العلم )) .
والواضح أيضا أن التصالت بين مركز الحركة الباضية في البصرة وشمالي إفريقية ترسخت
في مرحلة باكرة من تاريخ هذه الخيرة .
( )1/131
ول دليل على وجود علماء إباضيين بين البربر قبل عهد أبي عبيدة مسلم .وأول عالم إباضي من
البربر ذكر في المصادر الباضية هو ابن مغطير الجناوني الذي درس على أبي عبيدة في
البصرة قبل أن يحدد هذا الخير آراءه النهائية بشأن نظام الفقه الباضي ( . ) 5ولقد كان ابن
مغطير مفتي جبل نفوسة قبل عودة (( حملة العلم )) الخمسة .وتذكر المصادر الباضية كذلك
عمرو بن يمكتن بأنه أول عالم إباضي من نفوسة بدأ بتدريس القرآن في مسجد قريته إفاطمان .
وصار بعد ذلك أحد القادة المهمين في نفوسة ن واشترك في حروب أبي الخطاب بوجه الجيش
العباسي ( . ) 6
وبناء على المعلومات المتوفرة يتضح أن إباضيي شمالي إفريقية كانوا على صلة راسخة بالبصرة
لدراسة التعاليم الباضية منذ البداية .كذلك من الثابت أيضا أن مثل هذه التصالت كانت قائمة
حوالي نهاية القرن الول للهجرة .
وكان إباضيو شمالي إفريقية يعتمدون إلى حد كبير على علماء البصرة ،ل سيما أبي عبيدة مسلم
،في أية مشكلة يواجهونها في المسائل الشرعية والفقهية .ومن بين العمال الباقية مما كتبه أبو
عبيدة إلى أهل المغرب (( رسالة عن الزكاة )) كتبها إلى شخص يدعى إسماعيل بن سليمان
المغربي ( . ) 7كذلك روى الجيطالي أن أبا عبيدة وجه (( جوابات )) على مسائل فقهية لهل
المغرب ( ) 8لكن هذه الجوابات ل تزال مفقودة .والمفترض أن هذه التصالت كانت شديدة
الفعالية في عهد أبي عبيدة قبل عودة الطلبة الخمسة (( حملة العلم )) إلى إفريقية وقد تحملوا
عبء نشر التعاليم الباضية وتعميق جذورها بين أهل المغرب .والقسم الهم من هذه المهمة قام
به أبو درار الغدامسي ،وأبو داود القبلي وعبد الرحمن بن رستم .وأما الخران ،أي أبو
الخطاب عبد العلى وعاصم السدراتي فوجها نشاطاتهما نحو الكفاح السياسي والعسكري ،وتوفيا
قبل أن يستطيعا الستقرار للسهام في النشاطات الثقافية .
( )1/132
وتواصلت التصالت بين الجماعتين الباضيتين في المشرق وفي المغرب طوال الوقت .وحين
انتخب عبد الرحمن بن رستم لمامة تاهرت ،أرسل إباضيو المشرق وفدا خاصا لفحص مسلكه ،
حتى إذا ما اقتنع الوفد به ،منحوه الدعم الكامل أدبيا وماليا .بعد ذلك كلما حدث أي نزاع بين
إباضيي شمالي إفريقية سعى هؤلء إلى احل لدى زملئهم في المشرق .وهنالك عدد من
(( الرسائل )) كتبها علماء المشرق يعرضون فيها آراءهم حول القضايا الدينية والسياسية التي
كانت تنشأ بين الباضيين في المغرب ( . ) 9
وكانت المؤلفات الباضية التي يكتبها علماء المشرق تقدم إلى الباضيين في المغرب ( . ) 10
وطلب عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في عهده كتبا من المشرق ،ونسخ زملؤه
الباضيون في المشرق حمولة أربعين جمل من المواد على ورق قيمته ألف دينار دفعها المام
عبد الوهاب وأرسلوها إليه ( . ) 11وفي عهد عبد الوهاب أيضا ذهب أبو غانم بشر غانم
الخرساني إلى تاهرت لعرض أعماله على المام .وظلت التصالت الثقافية بين الجماعتين قائمة
مترسخة ،وكان المؤتمر السنوي للباضيين يعقد في أثناء الحد فكانوا يلتقون في مكة لتبادل
الخبار ومقارنة الملحظات .
( )1/133
وبوجه عام كان الدور الذي لعبه إباضيو شمالي إفريقية في تطوير الفكر الباضي ضئيل ،لكنهم
حافظوا عليه من الناحيتين النظرية والعملية .وبعد رجوع (( حملة العلم )) ،برز عدد من
العلماء الكبار بين إباضيي المغرب عرفوا بطلبة (( حملة العلم )) ،ومنهم :عبد الوهاب بن عبد
الرحمن بن رستم ،وعبد الخليل الدركلي ،ومحمد بن يانس ،وآخرون ( . ) 12وبعد تأسيس
مدينة تاهرت ،عاصمة المامة الباضية ،تحولت هذه المدينة إلى أحد أهم المراكز لبث التعاليم
الباضية .وكان الئمة أنفسهم يؤدون دورا في التعليم وكتابة الكتب ؛ وكانت هنالك مراكز
أخرى في نفوسة وفي أماكن أخرى في المغرب .وبعد انهيار إمامة تاهرت انتقلت نشاطات
الباضية الفكرية إلى وارجلن ووادي ريغ .كذلك أصبحت جزيرة جربة أحد المراكز الثقافية
الرئيسة نتيجة نشاطات مجلس العزابة في المنطقة ( . ) 13ولعب جبل نفوسة ،برغم ضعف
اتصالته بإمامة تاهرت بعد معركة مانوا بوجه الغالبة سنة 896 / 283دورا مستقل تقريبا في
الحفاظ على التعاليم الباضية ؛ ونشأت مراكز ومدارس عديدة في مناطق مختلفة في الجبل لتعليم
العقيدة الباضية .ونشأ عدد كبير من العلماء الباضيين الكبار بين الجماعات الثلث في جبل
نفوسة ،وجزيرة جربة ،ووسط شمالي إفريقية أي جنوبي تونس والجزائر ،وأسهموا في
الدراسات الباضية إسهاما كبيرا .ول تزال الغالبية من هذه العمال الهامة التي كتبها هؤلء
العلماء عبر القرون موجودة وهي تستحق اهتماما أكاديميا خاصا بها.
==================================================
( ) 1ابن عذاري ،البيان 72 / 1 ،؛ أبو زكريا ،سير 10ب .
( ) 2الدرجيني ،طبقات 33؛ البغطوري ،سير . 4 - 3
( ) 3الوسياني ،سير 76؛ ليفتسكي ،مصدر سابق . 17 ،
( ) 4ما يلي ( ، 191 ، 141هامش . ) 10
( ) 5أجوبة علماء فزان مخطوطة 3؛ الشماخي ،سير . 191 ،
( )1/134
( )1/135
( )1/136
يعد الفقه الباضي أحد أقدم المذاهب الباقية بين مذاهب الفقه السلمي ،إن لم نقل أقدمها .ويعود
قيامه إلى التابعي جابر بن زيد الزدي وزميله المعاصر له ،وتلميذه ،أبي عبيدة مسلم بن أبي
كريمة .فقول مكدونالد (( بأن الفقه الباضي لبد أنه جمع وصنف ،إلى هذا الحد أو ذاك ،على
يدي عبد ال بن إباض )) ( ) 5غير صحيح .فقد دل البحث الدقيق بأن عبد ال بن إباض لم
يقدم أي إسهام للفقه الباضي ،وإن دوره الرئيس انحصر في الكلم وفي العقيدة السياسية
للباضية .
والرجل الذي كان مسؤول فعليا عن تأسيس مدرسة للفقه الباضي هو جابر بن زيد .وهو محدث
،وفقيه ؛ وبسبب معرفته الواسعة بالقرآن وبأحاديث الرسول ( صلى ال عليه وسلم ) ،فقد كان
قادرا أن ينشيء مذهبا مستقل ،وأن يجذب إليه عددا من المتعلمين .وفي وقت لحق راح هؤلء
يطورون آراء وينشرونها .
واتخذ الفقه الباضي شكله النهائي على يدي تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في سنواته
الخيرة ،وعلى يدي الربيع بن حبيب ،تلميذ جابر بن زيد وأبي عبيدة معا .غير أن جابر بن
زيد يظل الشخصية ذات الهمية الكبرى في تأسيس هذا المذهب .وبالضافة إلى مهارته مفتيا
صرف معظم حياته لصدار الحكام الشرعية وضبط آرائه باستشارة صحابة الرسول الحياء ،
والتابعين البارزين ،وكان كذلك صلة الوصل الساسية يبن أتباع مذهبه وأولئك الصحابة الذين
لعبوا الدور الرئيس في صياغة الراء حول الشؤون الدينية والشرعية ونشرها .
( )1/137
والدور الطليعي الذي لعبه جابر في تأسيس المذهب الباضي معترف له به بوضوح من قبل
المام الثاني للباضية ،أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة .كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه
فهو ضال .ولول أن ال من علينا بجابر بن زيد لضللنا ( . ) 6وحقيقة كون جابر صاحب
مذهب فقهي مستقل أمر اعترفت له به المرجعيات السنية أيضا .يقول أبو زكريا النووي ( ت
) 1277 / 676في كتابه (( تهذيب السماء )) بعد الحديث عن جابر بن زيد ،ومدرسيه ،
وتلميذه (( اتفقوا على توثيقه وجللته وهو معدود في أئمة التابعين وفقهائهم وله مذهب يتفرد
به )) ( . ) 7
لقد سبق أن ذكرت قصة حياة جابر ونشاطاته مفتيا ( . ) 8أما هنا فإننا بالدرجة الولى معنيون
بإسهامه وبمقاربته فقهيا .وقد سجلت فتاويه أو أحكامه الشرعية من قبل كلبه الباضيين وهي
تشكل جزءا هاما من أساس المذهب الباضي في الفقه .
وقد كانت مصادر الحكام الشرعية المعروفة لدى جابر والتي استخدمها هي القرآن والسنة ،
وآراء الصحابة ( الثار ) ،ثم رأيه الخاص .
بالنسبة للقرآن ،كان جابر يملك معرفة تامة بتفسيره من شيخه ابن عباس الذي يعتبر خير مرجع
في تفسير القرآن .والثقتان اللذان نقل عنهما القسم الكبر من المعلومات في التفسير ،أي مجاهد
وقتادة ،كانا على صلة وثيقة بجابر .والواقع أن قتادة كان أحد تلمذة جابر ( . ) 9
( )1/138
ومن الطريف أن نؤكد هنا أنه لم توجد أية أعمال إباضية خاصة بالتفسير خلل المائة والخمسين
سنة الولى من الهجرة .ولقد ذكرت المصادر الباضية تفسير عبد الرحمن بن رستم ( ) 10
أحد تلمذة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،وأول إمام في إمامة تاهرت الباضية .والتفسير
الثاني الكامل هو لهود بن محكم الهواري الذي وضع خلل القرن الثالث للهجرة ( . ) 11وأهم
وأكبر تفسير وضعه مؤلف إباضي هو تفسير أبي يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني ( ت .
. ) 11 ( ) 1174 / 570على أن هذا العمل ل يزال مفقودا ؛ والعثور على هذا الكتاب يشكل
قيمة كبيرة للدراسات السلمية والباضية .
وتفسير اليات القرآنية التي تتناول القضايا الفقهية والدينية موجود في تلك العمال التي تضم
الفتاوى والروايات المنقولة عن جابر وأبي عبيدة .أما اليات التي تتناول المسائل الشعرية
فمعالجة في عمل خاص للشيخ أبي المؤثر الصلت بن خميس وهو أعمى ( .ت 278 :هـ ) .
وعنوان مؤلفه (( تفسير آيات الحكام )) أو (( تفسير الخمسمائة آية )) ( . ) 13
وأما بالنسبة لدراسات جابر بن زيد ،فقد اكتسب معرفته بالسلم ونظامه الديني والفقهي عبر
عدد من الصحابة ،ل سيما ابن عباس ،وابن عمرو ،وعبد ال بن مسعود ،وعائشة .ثم إن
المام الباضي أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة يزعم أنه تتلمذ في المذهب الباضي على الصحابة
عبد ال بن عباس وعبد ال بن مسعود ،وعبد ال بن سلم ووصفهم بأنهم (( راسخون في
العلم )) .ثم أضاف قائل (( :لقد اقتفينا خطاهم ،وتبعنا أقوالهم ،واعتمدنا على تصرفهم وقلدنا
أساليبهم )) ( . ) 14
وقد سبق أن ذكرنا أن المصادر الساسية التي استخدمها جابر بن زيد لتكوين الحكام الشرعية
هي القرآن ،والسنة ،والثار ،والرأي .
( )1/139
والسنة ،وهي أقوال الرسول ( صلى ال عليه وسلم ) وأعماله ،وموافقته على أعمال وأقوال
معينة من قبل صحابته ،ومعروفة لدى الثقات الباضية الولين بأوسع معانيها .وفي ذلك قال
شاخت (( :أول دليل موثوق بالطبع ،على استعمال عبارة (( سنة الرسول )) بالشارة إلى
استعمالها السياسي الصلي الذي مثل رابطة عقائدية بين (( سنة الرسول )) وسنة أبي بكر ،
وعمر ،والقرآن ،وردت في رسالة وجهها عبد ال بن إباض إلى عبد الملك بن مروان نحو 76
. ) 15 ( 695 /على أن المراجع الباضية استعملت هذه العبارة بمعناها التقني منذ الفترة
الباكرة لتأسيس مذهبهم .وقد استعمل جابر بن زيد هذه العبارة في رسالتين من رسائله .وفي
رسالة إلى عثمان بن ياسر ،كتب جابر ( :فأما الذي كتبت تسألني عنه من المملوك هل يصلي
ولم يختتن ،فإن الختان من المسلمين سنة واجبة ل ينبغي تركها ،ويكره أن تتركوا لكم مملوكا
غير مختون ،ول يصلي حتى يختتن )) ( . ) 16وفي رسالة أخرى للحارث بن عمرو ،كتب
جابر مرة أخرى (( :وأما ما ذكرت من رجل يصلي المغرب والعشاء والصبح لم يقرأ فيهن
بشيء من القرآن ،فإنه أحب إلي أن يعيد صلته فيقرأ منها ،فإنه قد ترك سنة فيها ،إل أن
يكون رجل أميا ل يقرآ واغتم ،فإن ال ل يكلف نفسا إل وسعها )) ( . ) 17
كذلك ذكر جابر كلمة (( السنة )) في رسالته إلى طريف بن خليد بالقول التالي (( :وأما الذي
ذكرت من أن إماما يؤم الناس في الصلة الواجبة ،ولكنه ترك فيها الركوع وتبعه في ذلك
المأمومون ،فالفضل لهم إعادة صلتهم تلك لنهم بذلك قد خالفوا السنة )) ( . ) 18ثم إن هذين
الخبرين الخيرين مذكوران في كتاب جابر بن زيد كما رواه حبيب بن أبي حبيب عن عمرو بن
هرم عن جابر بن زيد ( . ) 19
( )1/140
وعند مناقشة الخوارج المتطرفين ،قال سالم بن ذكوان ،وهو معاصر لجابر بن زيد (( :لسنا
ممن يزعم أنه أفاد اليوم علما في القرآن والسنة حتى غلبهم )) ( . ) 20إن دور السنة كمصدر
ثان للفقه الباضي ذكره بصراحة أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،خليفة جابر بن زيد ،في عدد
من القوال :
( ) 1إن إمام المسلم هو القرآن ،ودليله هو سنة رسول ال ،يحب فقط ما يحبه ال ورسوله .
( ) 2بالنسبة لحكم المام :هل يمكن لعلماء المة أن يغيروه أم ل ،قال أبو عبيدة مسلم :إذا
كان حكمه معارضا لما في الكتاب والسنة ،وكان الحكم على هذه القضية معروفا في القرآن وفي
السنة ،فإن عليهم أن يغروا ما هو مناقض للكتاب وللسنة ( . ) 21
( ) 3الخير فيما اختار ال ورسوله ،والضرر في معارضتهما ؛ ل يمكن لحد أن يكون مصيبا
إل إذا كان موافقا لهما ( . ) 22
وتمسك تلمذة أبي عبيدة بهذا النهج نفسه ،وقد ذهب بعضهم إلى حد رفض أحكام المراجع
الباضية الولى كجابر بن زيد ،وأبي عبيدة ،حين نقلت أحاديث موثوقة بالنسبة لقضية معينة ،
حتى من قبل مراجع غير إباضية ( . ) 23وبالنسبة لمسألة (( الحيازة )) قيل إن جابر بن زيد ،
أضاف ،على سبيل الحتياط ،عشر سنوات أخرى على السنوات العشر التي حددها الرسول
كمدة قصوى للستيلء على حق حيازة الرض أو الممتلكات ،إذا لم يتقدم المالك الصلي بدعاء
ملكيته خلل تلك السنوات العشرين .غير أن عبد ال بن عبد العزيز ،تلميذ أبي عبيدة ،رفض
رأي جابر على أساس حديث الرسول كما روته المراجع المدنية والكوفية معا وهو أنه حدد مدة
الحيازة بعشر سنوات فقط ( . ) 24وختم قوله بما يلي (( :إن ما قاله الرسول هو وحده الحقيقة
.والسنة أول ،شرط أن تكون سنة موثوقة عن الرسول .أما القياس ،ولو كان قديما ،فل يمكن
له أن يحل محل السنة )) ( . ) 25
============================
( )1/141
( ) 1عن إباضية جربة انظر علي معمر (( الباضية في تونس )) ،بيروت . 1966 ،
( ) 2مكدونالد (( :تطور الفقه ،والشرع والنظرية الدستورية في السلم )) ،بيروت 1965 ،
. 116 ،
( ) 3شاخت ،ج .نشأة الفقه السلمي . 261 ،
( ) 4المصدر نفسه .
( ) 5المصدر السابق . 260 ،
( ) 6مكدونالد ،مصدر مذكور سابقا . 116 ،
( ) 7أبو عبيدة مسلم ،مسائل 37 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية . 47 / 1
( ) 8النووي ،تهذيب السماء ؛ تحقيق ر .دوزي ،القاهرة ،لت ) . 140 ،
( ) 9أنظر ما تقدم .
( ) 10أبو نعيم ،حلية . 90 / 3 ،
( ) 11الوسياني ،سير ،مخطوطة 44؛ الشماخي ،سير 139 ،؛ انظر ابن الصغير 17 ،
[ ط دار الغرب السلمي ، ] 45 ،حيث ينفي أن يكون عبد الرحمن قد كتب أي كتب .انظر
كذلك :موتيلنسكي Bibliographie du Mzab" Bulletin de Corresp Afric" ، 1885" ،
. ، 23 - 24
( ) 12يعد شريفي بالحاج من القرارة مزاب ،نسخة علمية محققة للتفسير .انظر الذهبي ،
محمد حسين ،التفسير والمفسرون ،القاهرة [ ، 11 ، 1961 ،وقد صدر عن دار الغرب
السلمي سنة . ] 1995
( ) 13البرادي ،الجواهر ، 221 - 220 ،نسب إيلي أديب سالم في كتابه (( النظرية
والمؤسسة السياسية لدى الخوارج )) ، 68 ،هذا التفسير للربيع بن حبيب ،لكن ذلك خطأ .
( ) 14البرادي ،الجواهر 219 ،؛ أخبرني الشيخ بيوض إبراهيم بن عمر من القرارة مزاب ،
أن مخطوطات هذا التفسير للصلت بن خميس موجودة في مزاب .
( ) 15أبو عبيدة ،مسائل 37 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية . 47 / 1 ،
( ) 16شاخت (( مدخل إلى الشرع السلمي )) ( أوكسفورد . 18 ، ) 1964 ،
( ) 17جابر بن زيد ،جوابات جابر ،تحقيق المؤلف مخطوطة ،رقم . 4 ، 2
( ) 18المصدر السابق ،رقم . 14 ، 5
( ) 19المصدر نفسه .
( ) 20جابر بن زيد ،كتاب الصلة ، 5 ،انظر البخاري ،تاريخ . 204 / 1 / 2
( )1/142
( )1/143
( )1/144
القول بأن جابر بن زيد دون الحاديث وأنواعا أخرى من الحكام الشرعية نقل عن الصحابة
وبعض زملئه :قال أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي ،عن الشيخ يخلفتن بن أيوب ،عن أبي
محمد :إن ديوان جابر كان في عهدة أبي عبيدة ،ثم في عهدة الربيع بن حبيب ،ثم في عهدة
أبي سفيان محبوب ،ثم في عهدة ابنه محمد بن محبوب ،وهنه نسخت ( كتب أو مجلدات الديوان
) في مكة ( . ) 9ولعله جدير بالذكر هنا أن كلمة ديوان تستعمل في أماكن كثيرة في الخبار
الباضية بمعنى أنها مجموعة كتب ،ل مجرد كتاب معين بالذات ( . ) 10
وحفظت المصادر الباضية الولى عددا من الملحظات بخصوص أصول سرد الحاديث
وتدوينها .وقال أبو عبيدة :ل يؤثر تغيير موقع كلمات في أحاديث الرسول أو الثار ،بأن
نقدمها أو نؤخرها إذا بقي المعنى واحدا .ثم سئل (( :ماذا بشأن إضافة أو حذف حروف كالواو
أو اللف المهموزة إذا لم يغير ذلك المعنى ؟ )) فقال (( :أرجو أن ل حرج في ذلك )) .
وفي كلم له عمن يؤخذ الدين ،قال أبو عبيدة (( :ل ينبغي أن تأخذ العلم من مبتدع لنه يدعو
إلى بدعته ،ول من سفيه يدعو إلى سفهه ،ول ممن يكذب وإن كان يصدق في فتواه ،ول ممن
يفرز مذهبه من مذهب غيره )) ( . ) 11
والظاهر أن معرفة الحاديث ليست ضرورية للعلماء لتدريس العلم ،أي الفقه ،أو معرفة الحكام
الشرعية .وقد سئل أبو عبيدة عن الشخص الذي ل يحفظ أحاديث الرسول :هل هو ثقة ،هل
يستطيع أن يدرس العلم ؟ فقال ( :سبحان ال ،أكل الناس يحفظون الحديث ؟ بل يؤخذ العلم عن
الثقات ،وإن كانوا ل يعلمون حديثا واحدا )) ( . ) 12
( )1/145
وبالنسبة لعتماد الحاديث ،هنالك قولن :الول يرد في مسائل أبي عبيدة .وقد سئل :هل
على السائل أن يتبع فتوى الشخص الموثوق إذا كان قد بناها على حديث منقول عن صحابي ؟
فقال (( :إذا عرفت الحق كان عليك أن تتبعه ،وإل فل )) .ثم أضاف (( :ينبغي أن ل تصغي
لرجل يروي لك كل ما سمعه ؛ إنما يجب عليك أن تميز الحكام الموثوقة ،وأن تسأل عمن هو
أعلم منه ( . ) 13أما بالنسبة للعودة إلى الكتب لصدار الحكام الفقهية ،فقد سئل أبو عبيدة عن
تلك الحالة التي قال فيها رجل عالم لرجل آخر :هذا هو كتابي ،خذه وانشره ؛ وأصدر الفتاوى
معتمدا ما فيه .فقال :ل يحق للرجل أن يفتي إل بما كان قد سمعه من الرجل العالم ،أو قال إنه
رآه في كتاب كذا وكذا ( . ) 14وذكر عبد ال بن عبد العزيز أن الحاديث التي كانت مشهورة
بين الصحابة و (( التابعين )) هي التي يجب أن تعتمد ،أما الشواذ فينبغي أل تؤخذ بعين العتبار
( . ) 15
على أي حال ،ظهرت في وقت لحق أصول أخرى تتعلق بالحديث في عمل لبي يعقوب
الوارجلني هو (( العدل والنصاف )) ،وغالبية تلك الصول معروفة في كتب السنة عن علم
الحديث .ولعل أبا يعقوب جمع بعضها من مدرسية السنة في قرطبة ،أو لعل عددا من تلك
الصول انتقل إليه من مراجع إباضية تعود إلى عهود سابقة ،أمثال محمد بن محبوب ،ووالده
أبي سفيان ،إذ يقال أن كتبهما وقعت في يديه ( . ) 16ولعله من الهمية بمكان هنا أن نذكر
الصول التي وضعها الباضيون لتدوين ونسخ كتب الحكام الفقهية التي منها يمكن إصدار
الحكام الشرعية .والصول هي أن الناسخ ينبغي أن يكون وليا ،وأن الرجل الذي يملي عليه
ينبغي كذلك أن يكون وليا .ثم إنه ينبغي لوليين أن يراقبا الملء ،فيما يراقب وليان آخران
الكتابة ( . ) 17
====================================
( ) 1المصدر نفسه .
( ) 2المصدر نفسه .
( )1/146
( )1/147
الجامع الصحيح
إن العمل الذي يضم المجوعة الباضية للحاديث ،بالمعنى الدقيق للكلمة ،هو الجامع الصحيح ،
أو مسند الربيع بن حبيب ؛ والنص الصلي للكتاب كما وضعه الربيع بن حبيب ،ليس بشائع
الستعمال ؛ أما النسخة الشائعة فهي التي أعاد أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني تنظيمها
بعنوان (( ترتيب المسند )) ( . ) 1وفي هذه النسخة الخيرة روايات إباضية زادها أبو يعقوب
وهي تحتل القسمين الثالث والرابع من الطبقات الحالية وتضم روايات الربيع في المسائل الفقهية ،
وهي كلها في القسم الثالث .أما في القسم الرابع هنالك راويات أبي سفيان محبوب بم الرحيل عن
الربيع ،وروايات المام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم عن أبي غانم الخراساني ،
مراسيل جابر بن زيد .وفي هذه المراسيل ل يذكر حلقات السند بين جابر والرسول .
وأما بالنسبة للقسمين الولين من المسند ،فإنهما يضمان الحاديث التي تتناول القضايا الشرعية
والدينية ،مرتبة وفق مجموعات السنة للحديث .والسناد بين القسمين الولين هو كما يلي :
الربيع بن حبيب -أبو عبيدة -جابر بن زيد -صحابي -الرسول .والصحابة هم بالدرجة
الولى ابن عباس ،أبو هريرة ،وأبو سعيد الخدري ،وأنس بن مالك ،وعائشة وآخرون ،ووفقا
للربيع ،فإن الحاديث المنقولة عن :
عائشة 68
ابن عباس 150
أنس بن مالك 40
أبي سعيد الخدري 60
أبي هريرة 72
أما الحاديث (( المراسيل )) عن جابر بن زيد فهي ، 180وتلك التي عن أبي عبيدة هي . 88
وترد الحاديث عبر السانيد التالية :
أ -الربيع -أبو أيوب النصاري -الرسول .
ب -الربيع -عبادة بن الصامت -الرسول .
( )1/148
ج -الربيع -ابن مسعود -الرسول ،وعددها . 92وبقية الحاديث التي أضافها أبو يعقوب في
القسمين الثالث والرابع هي . ) 2 ( 261أما مجموعة الحاديث الباضية فهي أقل بكثير من
مجموعات الحاديث السنية .وقد أكد الربيع نفسه القول الشهير حول مجموع الحاديث الموثوقة
المنقولة عن الرسول بأنها ، 4000منها 900حول الصول ،والباقي حول الداب والخبار ( 3
) .أما المجموعة الباضية بما في ذلك إضافات أبي يعقوب فتضم 1005أحاديث .
ومواد مسند الربيع بن حبيب هي المواد المذكورة في مجموعات السنة نفسها ؛ وغالبية الحاديث
التي رواها الربيع بن حبيب مذكورة في المراجع السنية الخرى بالنص نفسه ،أو بفروق طفيفة
.وفي التعليق على المسند أبرز السالمي الحاديث المذكورة بشكل فريد غير الشكل الوارد في
المجموعات السنية ،إل أن هنالك أحاديث أخرى مماثلة تعبر عن الراء نفسها ،تمسى اصطلحا
بالشواهد .على أن هنالك ،من ناحية أخرى ،في المجموعة الباضية عددا من الحاديث
المنقولة بإسناد السنية ،إذ وصف بعضها بأنه موضوع .والمر نفسه يقال بالنسبة لعدد من
الحاديث التي تعتبرها المراجع السنية موثوقة ،لكنها بالنسبة للمراجع الباضية ليست أكثر من
كذب صريح أو (( بدع )) ( . ) 4
( )1/149
ولم يعتمد الفقه الباضي خلل تاريخه الطويل إل على مواد إباضية مروية من قبل علماء
إباضيين .أما مجموعات الحاديث السنية الخرى فلم تستخدم في أية مرحلة .والواقع أن أول
عالم إباضي في شمالي إفريقية ذكر بعض مجموعات الحاديث السنية في أعماله هو أبو يعقوب
الوارجلني من القرن السادس للهجرة ( . ) 5وحتى زمن البرادي كان الباضيون ل يزالون
يثبطون استخدام مجموعات الحاديث السنية .ونصح البرادي في رسالته (( الحقائق )) الطلبة
الباضيين أن يمتنعوا عن قراءتها ما أمكن ( ) 6وهكذا فإن النظام الفقهي الباضي كان قائما
على مواد ترويها المصادر الباضية فقط .وتطور ،خلل تاريخه ،في إطار هذه المواد .ول
يمكن فهم طبيعة التشريع الباضي إل بدراسة مواده ومراجعه الصلية ،والظروف التي أدت إلى
تأسيس الحركة الباضية ووجهت نموها وتطورها .ونظر الباضيون إلى الفترة الولى في عهد
الخليفتين الولين بعتبارها العصر المثالي الذي بعده أخذت البدع والشهوات الدنيوية تسبب في
فساد المجتمع السلمي من حيث الحياة الدينية والسياسية ؛ فهدفهم هو التمسك بالمثال الذي سنة
الرسول ،وخليفتاه والصحابة المستقيمون ،وإعادة ترسيخ المجتمع على نفس أسس المجتمع
السلمي أول .ولذلك اختار الباضيون مصادرهم من الصحابة و التابعين الذين عاصروهم
ورووا الحاديث والثار عن أولئك الذين اعتبروهم من وجهة نظرهم ،مسلمين حقيقيين .
( )1/150
وقد جرح الباضية عددا من الصحابة ؛ والحجة الباضية لهذا الموقف مذكورة في (( العدل
والنصاف )) للوارجلني ( ) 7وهنالك عمل آخر خاص بهذا الموضوع ،هو (( كتاب
التخصيص )) للعلمة العماني أحمد بن عبد ال النزوي ( ت . ) 1161 / 557وبالنسبة للتابعين
ولتابعيهم ،حتى زمن قيام المذاهب الشرعية المختلفة ،فقد كانوا جميعا متأثرين بالفتنة الولى ،
وكانوا إما شيعة لعلي أو مؤيدين لمعاوية وسللة بني أمية ،أو مناصرين لفئة المحكمة ؛ وكان
كل فريق يرعى مجموعة خاصة به ،ويتجنب الخرين ( . )8هكذا صنف الباضيون المجتمع
السلمي واختاروا بعناية مراجعهم التي تلقوا منها المعلومات عن سنة الرسول وآثار الصحابة ،
وعليها بنوا فقههم .
والمادة الصلية للفقه الباضي محفوظة في العمال التالية :
-1الجامع الصحيح ،للربيع بن حبيب .
-2المدونة لبي غانم بشر بن غانم الخراساني .
-3الديوان المعروض على علماء الباضية .
-4روايات ضمام ( . ) 9ألفه صفرة عبد الملك بن صفرة .
-5فتيا الربيع بن حبيب ( . ) 10
-6كتاب نكاح الشغار لعبد ال بن عبد العزيز .
-7كتب ورسائل المامين الولين للمذهب الباضي ،جابر بن زيد ،وأبي عبيدة مسلم ( . ) 11
وجميع العمال الباضية التالية جاءت -إلى حد ما -مبنية بالدرجة الولى على المواد
المحفوظة في العمال المذكورة أعله .ورغم أن مخطوطاتها ل تزال موجودة فإنها لم تخضع
لدراسة أكاديمية حتى الن .إن نشرة علمية دقيقة وأكاديمية لهذه العمال ستكون ذات قيمة كبيرة
.ولعله من المفيد أن نقدم هنا ملحظات موجزة عن بعضها ،على أمل أني صار في وقت لحق
إلى دراية تفصيلية لها .
====================================
( ) 1الديوان المعروض ،كتاب أيواب البيوع ،مخطوطة . 5
( ) 2سليمان بن يخلف ،سير ( مطبعة حجرية ،تونس . 91 ، ) 1321
( ) 3الوسياني ،سير . 120
( )1/151
( )1/152
( )1/153
تحتوي المدونة على آراء العلماء الباضيين التالية أسماؤهم ورواياتهم :الربيع بن حبيب ؛ أبو
المهاجر هاشم بن المهاجر ؛ أبو المؤرخ عمرو بن محمد ؛ أبو سعيد عبد ال بن عبد العزيز ؛ أبو
غسان مخلد بن العمرد ؛ أبو أيوب وائل بن أيوب ؛ حاتم بن منصور ؛ ابن بعاد المصري ،وأبو
سفيان محبوب بن الرحيل .وكان هؤلء جميعا قد درسوا على يدي أبي عبيدة في البصرة ؛ وهم
من أصول مختلفة ؛ ثم استقروا في وقت لحق في أماكن مختلفة .كان أبو المؤرخ من قدام في
اليمن ( ) 5؛ وأبو عباد المصري ،مصري الصل لكنه عاد ،بعد إكمال دراساته في البصرة
إلى مصر ،واستقر فيها ( . ) 6وفي الطريق إلى تاهرت دون أبو غانم بعض الراء التي تنسب
إلى ابن عباد ،عن الباضيين في مصر ،ثم ضمها في المدونة ( . ) 7وأبو أيوب وائل بن
أيوب من حضرموت ( ) 8؛ شارك في حروب عبد ال بن يحيى الكندي في اليمن ،وفي إقامة
المامة الباضية في حضرموت ؛ وكان عضوا في الوفد الذي أرسل إلى مكة باسم المجموعة
الباضية التي عارضت عبد ال بن سعيد ،إمام حضرموت ،للتفاوض بشأن النشقاق بين
المجموعتين الباضيتين في حضرموت مع الئمة الباضيين في البصرة ( . ) 9واستقر في
وقت لحق في البصرة ،ثم أصبح رئيس شيوخ الباضيين في العراق ،بعد أن ذهب الربيع بن
حبيب إلى عمان ( . ) 10أما بالنسبة لحاتم بن منصور ،وعبد ال بن عبد العزيز وأبي غسان
مخلد بن العمرد ،فل يعرف شيء عن أصولهم ،ولكنهم عاشوا في البصرة ،ودرسوا على يدي
أبي عبيدة وقدموا الكثير ،ول سيما عبد ال بن عبد العزيز منهم من أجل تطوير الفقه الباضي .
ودون أبو غانم المدونة عن العلماء المذكورة أسماؤهم أعله إما بسماع آرائهم مباشرة ،أو بنقلها
عمن قد سمعها عنهم ( . ) 11والمدونة مقسومة إلى اثنى عشر كتابا ( ) 12؛ وكل كتاب
يحتوي على عدد من البواب .وفيما يلي جدول بكتب (( المدونة )) :
-1كتاب الصلة .
( )1/154
( ) 5أبو غانم ،مدونة ،مخطوطة 26 ،؛ ابن مداد :مصدر مذكور سابقا 14 ،؛ كذلك تذكر
المصادر الباضية شخصا باسم محمود بن نصر الخراساني الذي سجل العقيدة الباضية عن طلبة
أبي عبيدة.
( ) 6الوسياني ،سير ، 3 ،الشماخي ،سير . 228 ،
( ) 7رأيت عددا من المخطوطات المدونة في جربة ،البارونية ؛ ليبيا ،وزاره مجموعة
مصطفى العزابي ؛ ومزاب ،بني يزفن ،مجموعة محمد بابانو .وهناك نسخة أخرى في دار
الكتب ،القاهرة ؛ انظر جدول القاهرة .والمخطوطة التي استعملها في هذه الدراسة قدمت لي من
قبل العالم العماني محمد السالمي .كذلك أعطاني نسخة أخرى من المدونة بتعليق للقطب .
وزودني بمخطوطة كتاب الستقامة والجزء الثالث من كتاب بيان الشرع .
( ) 8السالمي ،عبد ال ،ملحظات على المدونة .مخطوطة . 1لقدام انظر البكري ،معجم ،
. 1052 / 3
( ) 9ابن سلم ،بدء السلم مخطوطة 47؛ ابن مداد ن صفة . 14
( ) 10السوفي ،أبو عثمان ،سؤالت ،مخطوطة 70؛ ابن سلم ،مصدر مذكور سابقا 44 ،
.
( ) 11أبو غانم ،المدونة . 87 ،
( ) 12ابن مداد ،صفة . 29 ،
( ) 13الدرجيني ،طبقات 263 - 262؛ الشماخي ،سير . 105 ، 92 ،
( ) 14الكندي ،بيان الشرع ،مخطوطة ، 111الصفحة المتعلقة بالمسألة .
( ) 15المدونة . 2 ،
( ) 16الوسياني ،سير 3 ،؛ الدرجيني ،طبقات 303 ،؛ الشماخي ،سير . 228
---
( )1/156
( )1/157
يتلو القسم السابع كتاب جابر بن زيد عن الصلة ،كما رواه حبيب بن أبي حبيب ( ) 3وفي
بعض النسخ نجد كتاب جابر في القسم السابع من أقوال قتادة .
ويختلف ترتيب الكتب بين هذه المخطوطات للديوان المعروض .وفيما يلي العمال الموجودة
فيها ،أو في بعضها ،بصرف النظر عن ترتيبها في كل مخطوطة من المخطوطات .
-1القسم اللو من آثار الربيع ( ،روايات ضمام ) ( . ) 4
-2القسم الثاني من فتيا الربيع بن حبيب ( . ) 5
-3كتاب نكاح الشغار لعبد ال بن عبد العزيز ؛ أربعة أجزاء .
-4كتاب النكاح لجابر بن زيد ( . ) 6
-5كتاب الصيام ،وهو يبدأ بروايات أبي المؤرخ عن شيخه أبي عبيدة على شكل أسئلة وإجابات
.وبعد العنوان التالي (( :باب اختلف العلماء في الصيام )) ترد آراء مختلف العلماء حول
الموضوع ،منوهة بالراء التي يعتمدها الئمة الباضيون ،لسيما أبو عبيدة .
(( -6كتاب الممتنعين من الحدود من المام )) .وفي مخطوطة القاهرة (( كتاب العمال ومن
يلي على الناس )) .والكتاب يتناول بالدرجة الولى موضوع الدارة وواجبات الئمة والحكام
وعلقاتهم برعيتهم .والظاهر أن هذا الكتاب هو جزء من كتاب المامة الذي يتناول موضوعات
مماثلة ،لكنه غير موجود في مخطوطة القاهرة ،وهو غير كامل في مخطوطة البارونية .
-7كتاب كفارات اليمان ،أحكام تنسب للكوفيين .
-8كتاب الوصايا ،روايات عن أبي عبيدة مسلم .
-9كتاب الديات .
-10كتاب القسمة وتفنين أصولها ،أحكام تعزى إلى الكوفيين .
-11كتاب البيوع .
-12أبواب الحدود .
-13الحكام .
-14كتاب الشفعة وتفنين أصولها .
-15كتاب الجعل والجارات ،آراء تعزى إلى أهل المدينة .
-16كتاب القضاء في القراض ،أقوال تنسب إلى أهل المدينة .
-17كتاب القضاء في التفليس والعيوب .
-18كتاب الديات ،آراء تعزى إلى الكوفيين .
-19كتاب الكفالت .
-20كتاب الودائع والعارية ،أقوال تنسب إلى الكوفيين .
( )1/158
( )1/159
( )1/160
لقد تكلمنا عن دور السنة باعتبارها المصدر الثاني للفقه .أما الرأي فقد ذكره جابر بن زيد في
مناسبات متعددة .وهنالك العديد من الثباتات على أنه لجأ إلى الرأي في إصدار الحكام الشرعية
.وقد ذكر عدد من المصادر الباضية والسنية قول له يتعلق بتسجيل آرائه ،هو كما يلي :
(( إنا ل ،يكتبون ما قد أرجع عنه غدا )) ( . ) 3كذلك أنكر جابر على نفسه حق الرأي في
مسألة سبق للصحابة أن أصدروا آرائهم فيها . ) 4 ( .وتدل هذه المقتطفات ،على أي حال ،أن
جابرا لجأ إلى رأيه الخاص حين لم يرو عن الصحابة أي رأي .إن أسبقية الحكام التي أصدرها
الصحابة مبدأ معترف به بين المراجع الباضية .وقد عبر جابر بن زيد عن هذا الرأي في إحدى
رسائله كما يلي :
(( ورأي من قبلنا أفضل من رأينا الذي نرى ،لم يزل الخر يعرف للول فضله ،وكانوا أحق
بذلك المهاجرين مع رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) والتابعين لهم بإحسان ،فقد شهدوا
وعلموا ،فالحق علينا وطء أقدامهم وإتباع آثارهم ( . ) 5وهنالك المزيد من الثباتات التي يمكن
ذكرها هنا لتبرير هذا الموقف لجابر ( . ) 6وإذا ما اختلف الصحابة فيما بينهم ،احتفظ جابر
لنفسه بحق اختيار ما يفضله من أحكامهم .وفي مثل هذه الحالت يتبع عادة رأي شيخه ابن
عباس .
أما بالنسبة لبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ( ) 7فقد سبق أن ذكرنا أنه عزا آراء مذهبه إلى
الصحابة عبد ال بن مسعود ،وعبد ال بن عباس ،وعبد ال بن سلم ،وهؤلء هم الذين
وصفهم بأنهم (( الراسخون في العلم )) .كذلك ذكر (( أن أولئك الذين يملكون الذكاء والفهم ل
يهتمون بالراء ووجهات النظر التي ظهرت بعد عهد الصحابة .هدف الذين في عبادتهم فقط أن
يعنوا بما حدث بعد الصحابة )) ( . )8
( )1/161
ومع أن جابر بن زيد كره تسجيل أحكامه خشية أن يغيرها ،فإنه لم يعارض استعمال الرأي
لتكوين الحكم الشرعي حول قضايا لم يتناولها القرآن أو السنة .غير أن خلفه أبا عبيدة نهى عن
استعمال الرأي في تكوين الحكام الشرعية .وحين قيل له إن أهل عمان يصدرون أحكاما
شرعية على أساس الرأي ،قال معلقا (( :ما نجوا من الفروج والدماء )) ( . ) 9
و والطريفة المقبولة بين المراجع الباضية الولى بخصوص تكوين الحكام الفقهية هي أن الحكم
في أية مسألة شرعية يجب أن يكون مبنيا بالدرجة الولى على القرآن .وإذا لم يكن هنالك حكم
مستمد من القرآن ،فالواجب العودة إلى السنة .وإذا لم تعالج السنة ذلك ،فإنه يجب الرجوع إلى
(( إجماع الصحابة )) ؛ أما إذا اختلف الصحابة فيما بينهم في أحكامهم ،فيجب إذ ذاك ممارسة
أقصى الحذر في اختيار أفضل أحكام الصحابة .وعلى أي حال ،فحين ل يمكن أن يستمد أي
حكم سابق حول القضية من القرآن ،أو السنة ،أو آراء الصحابة ،فيجب إذ ذاك أن يستمد من
آراء المراجع الولى في المذهب الباضي ،ويجب إتباع الرأي الفضل ( . ) 10وهنا يذكر أن
الراء السابقة للصحابة أو للمراجع الولى ل يجوز أن تمهل ( . ) 11وقد مارست المراجع
الباضية الولى اهتماما شديدا في إتباع الراء السابقة حين تكون سليمة .وقد قال عبد ال بن
عبد العزيز المعروف بولعه بالقياس وبالرأي ،في مناسبات عدة أنه لن يلجأ إلى رأيه الخاص
حيث يروي رأي سليم عن أسلفه ( . ) 12
( )1/162
وبانقضاء ثلثة عقود من القرن الثاني للهجرة كانت الراء الباضية بخصوص معظم المسائل
الشرعية والدينية قد استقرت ،وقد وقعت هذه المرحلة خلل السنوات الخيرة لبي عبيدة مسلم
بن أبي كريمة .ويقال إن العمال النفوسي ،ابن مغطير الجناوني الذي درس على يدي أبي مسلم
في البصرة قبل (( حملة العلم )) الخمسة ،امتنع عن إصدار الحكام الشرعية عند وصول هؤلء
من البصرة .وسبب اتخاذه هذا الموقف هو أنه درس على أبي عبيدة قبل أن يحدد هذا الخير
رأيه النهائي بخصوص الراء المختلفة التي درسه إياها ،فيما كان (( حملة العلم )) قد درسوا
على أبي عبيدة بعد أن حرر المختار عنده من القوال )) ( . ) 13
ومن طلب أبي عبيدة ،أبو المؤرخ وعبد ال بن عبد العزيز وقد دأبا على معارضة شيخهما في
آرائه المؤسسة على القياس ( . )14وكان من شأن هذا الموقف من قبل العالمين الباضيين أن
أثار زملءهما عليهما ( . ) 15وقبل انقسام المذهب الباضي ،كانت آراء الربيع بن حبيب هي
التي تتبع ( ، ) 16عند اختلف طلب أبي عبيدة .أما في وقت لحق فقد وجد عبد ال بن عبد
العزيز وأبو المؤرخ أتباعا لهما في المجموعة النكارية التي تبنت وجهة نظرهما في الفقه ( ) 17
.
( )1/163
وبرغم الختلف بين المراجع الباضية الولى حول الرأي والقياس ،فإن هذه المبادئ أصبحت
جزاء من أساليب معترف بها في الفقه أو الجراء الباضي .وقاموا بقوة العتماد على التقليد ،
فعلى الذين يبلغون المستوى المطلوب من العلم أن يستخدموا الرأي .وبين أقدم العمال
للباضيين في شمال إفريقية حيث جمعت أصول الجتهاد وبوبت ،وكتاب (( التحف )) لبي
الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ( . ) 18وفي كلم عن مسألة اجتهاد الرأي ،قال أبو الربيع
بعد الشارة إلى وجهات النظر المختلفة الناشئة بسبب الرأي ،إن الباضيين يعتقدون أن هنالك
رأيا واحدا فقط يمكن له أن يكون الصواب ؛ وإذا ما بذل المسلمون جهدهم للوصول إلى الحكم
الصائب لكنهم أخفقوا ،فإنهم يكافأون على جهودهم ول يحاسبون على الحكم الخاطئ .والقضايا
التي يسمح فيها بالرأي هي التي لم تعالج في القرآن أو السنة أو من قبل المراجع السابقة ( ) 19
.والشخص الذي يسمح له باستخدام رأيه ينبغي له أن يكون عالما بالقرآن وبالسنة وبآراء
المراجع السابقة .مثل هذا الشخص له الحق باستعمال الرأي وتكوين الحكام الشرعية ومن ينكر
عليه هذا الحق يكون كافرا .أما الشخص غير المؤهل فليس له أن يلجأ إلى الرأي ؛ والذي يبيح
له مثل هذا الحق يكون (( كافر نعمة )) والشخص الذي يلجأ إلى رأيه في حالت تناولها القرآن
أو السنة ،أو إجماع المسلمين ،وعارضها ،فإنه ضال ( . ) 20وختم أبو الربيع سليمان بن
يخلف ملحظاته حول هذا الموضوع بالقول التالي :
(( الرأي مسموح به لكل عالم في كل حين ،ومحظور على مل جاهل في كل حين )) ( . ) 21
وأبواب الجتهاد مفتوحة دائما عند الباضية ؛ وهي لم توصد في أية مرحلة على أي شخص
مؤهل.
( )1/164
وبالنسبة للختلف حول الراء نتيجة الرأي في حالت ذات صلة بالفروع ،يرى الباضيون ،
أن رأيا واحدا فقط يمكن له أن يكون صوابا ،ومباح للمسلمين أن يتبنوا آراء أخرى إذا رأوها
محقة ،إل أن ذلك ،في الواقع غير مباح ما لم يبذلوا جهدهم لبلوغ الرأي الصحيح ( . ) 22
مثل هذا المبدأ رواجه في وقت لحق معارضة من قبل عالمين إباضيين أسسا مجموعتين
خاصتين بهما :نفاث بن نصر مؤسس النفاثية وأحمد بن حسين مؤسس الحسينية ( . ) 23فهما
يعتبران أن الرأي الصواب فقط هو الذي يجب أن يتبع ،وأن أولئك الذين يتبعون أية آراء أخرى
هم آثمون ( . ) 24هذه النظرة من قبل نفاث وابن الحسين مرفوضة من قبل بقية علماء الباضية
على أساس أن الخلف في الرأي في حالت الفروع وقعت بين الصحابة ،وقد اعتبروا أنه
شرعي لكل واحد أن يحتفظ برأيه بصرف النظر عن كونه الرأي المصيب ،أم ل ؛ ولم يختلف
الصحابة فيما بينهم على ذلك ( . ) 25
واحتل القياس مكانة باعتباره أسلوبا مسلما به بين المراجع الباضية لصدار الحكام الشرعية
منذ النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .وقد مورس إلى حد كبير من قبل طلبة أبي عبيدة ،
ل سيما من قبل عبد ال بن عبد العزيز وأبي المؤرخ .ومع أن الربيع بن حبيب وفئته عارضوا
القياس وعرفوا بتمسكهم الشديد بالثار ( ، ) 26فإن أسلوب القياس اعترف به في وقت لحق
من قبل جميع الباضيين واعتمد بصورة واسعة .
وذكر الوارجلني أن علماء الباضية كانوا عارفين بمختلف أنواع القياس ،بما فيها الستحسان
الذي مارسته المراجع الباضية في عدد من الحالت ( . ) 27وأشار الوارجلني إلى أهمية
الرأي والقياس في المذهب الباضي في (( العدل والنصاف )) .ولقد كان مبدأ مسلما به بين
الباضيين .وقد ظهر تطبيق هذا المبدأ في الصول والشرائع التي وضعها المراجع الباضية
لمسلك الكتمان في مجتمعهم ( . ) 28
( )1/165
وعلى أساس القياس كان الباضيون ينظرون إلى مسلك الكتمان في حركتهم باعتباره مماثل
للمرحلة الموازية في حياة الرسول والمجتمع السلمي أثناء الفترة المكية ،ولذلك علقوا جميع
الحدود وحصروا تنفيذها بسلطة إمام (( الدولة القائمة )) ( . ) 29
وكذلك علقت صلة يوم الجمعة في غير (( المصار السبعة )) ( . ) 30وهنالك خلف في
الرأي حول الجهاد إذ سمح به البعض وحظره آخرون ( . ) 31
وكانت عقوبة الموت بغير الرجم صحيحة أثناء مرحلتي الكتمان والظهور .وكانت هذه العقوبة
تشمل ) 1 ( :المرتد ( )2والطاعن في الدين ( ) 3والجناة ( ) 4وأولئك الذين يرفضون
سلطان الشريعة ومانعي الحق أو الذين يرفضون للخرين استعادة حقوقهم .هؤلء جميعا يجب
قتلهم بالجلد أو بالسلح ،باستثناء سافكي الدماء ،وكان لولي الجاني القرب ( ولي الدم ) أن
يقرر كيف يجب تنفيذ العقوبة .
ثم إن الزعم غير المثبت بأن الزوجة زانية ( اللعان ) ،وإنكار الزوج لبوة الطفل الذي تلده
امرأة متهمة باللعان بسبب اللعان معلق ل يعمل به أثناء فترة الكتمان .
وبالنسبة لواجب الولية ،فقد كانت ولية الشخاص وولية البيضة ( أي عاصمة الحكم ) معلقين
أثناء مرحلة الكتمان .
وجميع هذه الصول والحكام التي كانت توقف تنفيذ تشريعات كثيرة مستمدة من القرآن والسنة ،
كانت تستند إلى الرأي والقياس فقط ( . ) 32ووفقا للوارجلني فـ (( إن جميع أو غالبية أحكام
الكتمان مبنية على الستحسان )) ( . ) 33
وبعض المثلة على الفوارق بين المذهب الباضي والمذاهب السلمية الخرى في الحكام
الفقهية :
ذكر الستاذ شاخت (( أن الفروق المعترف بها في الشرع السلمي من قبل الفرق السلمية
السابقة ،كالخوارج ،والشيعة ،ل تختلف عن عقيدة مدارس الفقه والسنة بأكثر مما تختلف هي
فيما بينها )) ( . ) 34
( )1/166
كذلك لحظ أن (( النتيجة المترتبة على عقائد الخوارج الول لم تكن ،على ما هو واضح ،جزءا
من النظام الشرعي المعترف به من قبل الباضيين ) 35 ( )) ...ثم أضاف (( :وفيما يعود
التاريخ السياسي للباضيين إلى منتصف القرن الول للهجرة ،فإن فقههم مستمد من المذاهب
السنية في وقت لحق بعد ذلك بزمن طويل )) ( . ) 36
ل ريب أن الستنتاج الخير متسرع فالباضيون لم يتبنوا عقيدة الخوارج الولى لكنهم طوروا
عقيدتهم الخاصة بهم بعيد عن مجموعات الخوارج التي انفصلت عن الصل نفسه لفئة المحكمة
القديمة .كذلك لم يستمد الباضيون شرعهم من المذاهب السنية لن شرعهم كان قد ترسخ قبل أن
تظهر المذاهب السنية إلة الوجود .وحين توفي جابر بن زيد مؤسس المذهب الباضي ،كان
مالك بن أنس ،صاحب المذهب المالكي في نحو الثالثة من العمر ( . ) 37ويعود التشابه في
الراء بين جميع المذاهب السلمية إلى أصلها الواحد الذي استمدت منه أنظمتها الشرعية :
القرآن والسنة ،والجماع .
وأشار كولسون إلى أن فقه الخوارج نظام متماسك بروحيته وطابعه ( . ) 38ثم وافق على
وجهة نظر شاخت بما يتعلق بالفروق بين النظامين الفقهيين السني والباضي ،قائل إن (( القسم
الكبر من فقه الخوارج ( بما في ذلك الباضية ) وعقائده الساسية بالطبع ،يمكن أن يجد دعما
وافيا له بين فقهاء السنة )) ( . ) 39
ولما كان الباضيون قد استمدوا نظامهم الفقهي من المصادر ذاتها للمذاهب الخرى ،أي من
القرآن ،والسنة ،والجماع ،استعملوا نفس الساليب تقريبا للجتهاد في تكوين الحكام التي لم
تناولها المصادر السابقة ؛ فإن الفروق التي ظهرت بين نظامهم الفقهي وأنظمة المذاهب السلمية
الخرى محصورة في الفروع .وقد نشأت هذه الفروق في حالت كانت فيها للباضيين أحاديث
ورتها مراجعهم ولم توافق في الرأي في تفسير المصدرين الرئيسين ،القرآن والسنة .
( )1/167
=============================================
( ) 1المصدر السابق .
( ) 2المصدر السابق .
( ) 3المصدر السابق .
( ) 4انظر لكاتب الكتاب :وصفي للمخطوطات الباضية الجديدة ،في Jour. Semitic Stud.
. ، 15 / 1 / 66 - 69
( ) 5عبد ال بن عبد العزيز ،نكاح الشغار ،مخطوطة . 69 ، 4
( ) 6المصدر السابق .
( ) 7ابن سعد ،طبقات 181 / 7؛ ابن حزم ؛ ملخص 64 ،؛ الوارجلني ،الدليل 58 ،ب.
( ) 8راجع ما تقدم . 63 - 62 ، 52
( ) 9جابر بن زيد ،جوابات ،رقم . 42 ، 17
( ) 10المصدر السابق ،رقم 18 ، 6؛ رقم . 38 ، 16
( ) 11السالمي ،حاشية الجامع الصحيح . 168 / 1 ،
( ) 12أبو عبيدة مسلم ،مسائل . 37 ،
( ) 13المصدر السابق . 11 - 10
( ) 14أبو المؤثر الصلت بن خميس ،سيرة ،مخطوطة . 20
( ) 15الديوان المعروض ؛ كتاب الممتنعين من الحدود ( باب الرأي مع إمام الهدى ) ،
مخطوطة . 6 - 4
( ) 16المصدر السابق . 6 ،
( ) 17المصدر السابق . 11 ، 4 ،
( ) 18البغطوري ،سير ،مخطوطة 120؛ الشماخي ،سير . 143 ،
( ) 19الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 120 - 119 ،؛ ابن سلم ،بدء السلم ،مخطوطة
47؛ [ كتاب فيه بدء السلم . ] 114 ،
( ) 20الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 119 ،
( ) 21ابن سلم ،مصدر مذكور سابقا 47 ،؛ [ كتاب فيه بدء السلم . ] 114 ،
( ) 22انظر الشماخي ،ص . 263 ،
( ) 23انظر :وصف مخطوطات إباضية جديدة (( للكاتب . J.S.S )) 15 / 1 / 72
( ) 24سليمان بن يخلف ،تحف ،مخطوطة 28أ .
( ) 25سليمان بن يخلف ،تحف ،مخطوطة 28ب .
( ) 26المصدر نفسه .
( ) 27المصدر نفسه ؛ الوارجلني ،العدل ،مخطوطة 218 ، 11؛ ابن خلفون ،أجوبة .
( ) 28لهذه المجموعات راجع ما يلي . 281 - 272
( ) 29الوارجلني ،المصدر السابق . 219 - 218 / 2 ،
( )1/168
( ) 30المصدر السابق 222 / 2؛ سليمان بن يخلف ،مصدر مذكور سابقا 29 ،أ -ب .
للمزيد من التفاصيل حول الموضوع انظر :الوارجلني ،الدليل ،مخطوطة 58أ 64 -ب ؛
السالمي :شرح طلعة الشمس 280 - 279 / 2 ،؛ مشارق أنوار العقول ( القاهرة 1314 ،هـ
) 71 ،وما يليه .
( ) 31مؤلف مجهول ،ذكر أسماء بعض شيوخ الوهبية ( مطبعة حجرية مع سير الشماخي ) ،
. 590
( ) 32الوارجلني ،العدل ،مخطوطة . 43 - 42 / 3
( ) 33المصدر السابق 17 - 1 / 3؛ الدليل 64 ،أ .
( ) 34الوارجلني ،العدل 293 / 2 ،وما يليه .
( ) 35المصدر السابق . 293 / 2 ،
( ) 36المصدر السابق . 294 / 2 ،
( ) 37المصدر نفسه . 294 / 2 ،
( ) 38الوارجلني ،مصدر مذكور سابقا . 297 - 295 / 2 ،
( ) 39المصدر السابق 295 / 2 ،
---
( )1/169
( )1/170
-4أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال (( :أدركت جماعة من أصحاب رسول ال ( صلى ال عليه
وسلم ) فسألتهم هل يمسح رسول ال عليه السلم ،على خفيه ،فقالوا :ل ؛ قال جابر :كيف
يمسح الرجل على خفيه وال تعالى يخاطبنا في كتبه بنفس الوضوء ؛ وال أعلم بما يرويه
مخالفونا في أحاديثهم ؟ )) ( . ) 8
ورأي الباضيون بخصوص مسألة المسح على الخفين ،مختلف كل الختلف عن رأي السنة
الذين أجازوا المسح ،أثناء السفر عند البعض ،وأثناء القامة والسفر عند البعض الخر .وقد
تبنى المذهب الشيعي ...رأي الباضيين حول هذه المسألة . ) 9 ( .
نقاط الختلف الرئيسة حول هذا الموضوع ثلث :
-1تتعلق النقطة الولى بقراءة القرآن في صلة الظهر والعصر .وفي فقه الباضية أن سورة
(( الفاتحة )) هي التي يجب أن تقرأ في الركعتين الوليين معا ،وفي الركعتين التاليتين ،وهو
رأي يعزى إلى جابر بن زيد ( . ) 10وهذا الموقف مدعوم بحقيقة أنه في جميع الركعات السرية
من الصلوات الخرى كالركعة الثالثة من صلة المغرب ،وفي الركعتين التاليتين من صلة
العشاء ،ل تقرأ غير سورة الفاتحة فقط ،وأن كل صلة أو ركعة من صلة ل تقرأ فيه غير
سورة الفاتحة تقرأ بصمت سواء كانت الصلة في الليل أو في النهار ؛ أما في صلة الجمعة
والعيد فإن القراءة فيهما ،برغم أنها في النهار ،يجب أن تكون جهرية بسبب قراءة السور
الخرى فيها إلى جانب الفاتحة .وبما أن صلوات العصر والظهر سرية فإن الصول ذاتها هي
التي يجب أن تطبق .وهكذا فقد اتبع الباضيون رأي الذين رفضوا قراءة السورة إلى جانب
الفاتحة في صلوات الظهر والعصر ( . ) 11
( )1/171
-2ونقطة الخلف الثانية هي القنوت ( أي لعن الخصوم السياسيين أثناء الصلوات ) ( . ) 12
وتقر مذاهب السنة والشيعة بصحة ذلك .أما الباضيون فإنهم يرفضون القنوت ويرون أن
الصلة مع الئمة الذين يمارسون القنوت ل تصح وأن تلك الصلة ينبغي لها أن تعاد ( . ) 13
ويروي عن عمرو بن هرم أنه قال (( :سئل جابر بن زيد عن القنوت في صلة الفجر والوتر
فقال :إنها بدعة ابتدعها الناس ،إن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) لم يقنت قط في صلته ول
الخليفتين بعده ( . ) 14
-3ونقطة الخلف الثالثة هي بشأن صلة السفر .هنالك عدد من النقاط التي يختلف فيها
الباضيون عن بعض مذاهب السنة أو عن كلها .
أ -يعتبر قصر الصلة أثناء السفر فرضا من قبل الباضية ،وعتمدا الكوفيون والحنفية هذه
النظرة نفسها ،وعد المالكية القصر في السفر سنة .على أن هنالك رأيين آخرين حول هذه
المسألة :الول هو أن القصر رخصة ،والمفضل أن تكون الصلة كاملة تامة .والثاني هو أن
القصر الصلة في السفر مسألة اختيارية .وكل الصلة نظر مما ذكر أعله مبنية على أحاديث
منسوبة إلى الرسول عليه السلم ( . ) 15
ب -المسافة التي يبدأ بها تنفيذ القصر .قال الباضيون وبعض الكوفيين والظاهرية بأنها
فرسخان ،أي نحو ستة أميال .ويستند هذا الرأي إلى حديث يرويه أنس بن مالك عن الرسول ؛
ثم إن الصحابيين علي بن أبي طالب وعبد ال بن عباس قال بهذا الرأي أيضا .أما مالك
والشافعي وأهل المدينة فقالوا إن المسافة ينبغي أن ل تنقص عن أربع رحلت ،أي ما يعادل
مسيرة يوم ،ف يحين أن بعض الكوفيين وأبا حنيفة قالوا بأن السفر ينبغي أن ل يقل عن ثلثة
أيام ،ونسبوا رأيهم هذا إلى ابن مسعود ( . ) 16
ج -الوقت الذي بعده ينبغي (( للمسافر )) أن يصلي الصلة التامة .
( )1/172
في رأي الباضيون أن (( المسافر )) ينبغي أن يواصل قصر صلته حتى ولو بقي إلى البد في
المكان الذي سافر إليه ،ما لم يتخذه وطنا له ،أو ما لم يملك -كما قال ا[و عبيدة مسلم بن أبي
كريمة -منزل له فيه .غير أن المالكية والشافعية ارتأوا أن على (( المسافر )) أن يكمل صلته
إذا قرر المقام أربعة أيام أو أكثر ؛ أما أبو حنيفة وسفيان الثوري فقال إنه عليه أن يكمل صلته
إذا قرر البقاء مدة خمسة عشرة يوما .وحكم الباضيين مبني على ممارسة عدد من الصحابة ،
كابن عمر الذي يروي عنه أنه بقي في أذربيجان ستة أشهر ،أو بناء على رواية أخرى ،سبعة
عشر شهرا ،وهو يقصر في صلته .ويروي أيضا عن إبراهيم النخعي أن علقمة بن قيس ،
صاحب ابن مسعود ،بقي في خوارزم سنتين وهو يقصر في صلته ،وأن الصحابي سعد بن
أبي وقاص وعددا من صحابة الرسول بقوا في القادسية مدة طويلة وهم يقصرون .وفي رأي
الجيطالي أن الفرق في هذه القضية يعود إلى أن الرسول لم يحدد وقتا معينا لذلك ( . ) 17
-3الصوم :
( )1/173
نقطة الخلف الرئيسة حول هذا الموضوع تتعلق بغسل الجنابة بالنسبة للصوم .يرى الباضية أن
التطهر من الجنابة ضروري للصوم كما هو ضروري للصلة .وموفقهم هذا مبني على أحاديث
تروى عن أبي هريرة والفضل بن عباس معا بأن النبي قال (( :من أصبح جنبنا أصبح مفطرا ))
( . ) 18ويقول الباضيون إن أسلفهم في هذا الموقف هم أبو هريرة ،وطاووس ،وعروة بن
الزبير ،وإبراهيم النخعي .أما المذاهب السلمية الخرى كلها فقالت إن الغسل من الجنابة ليس
ضروريا في حالة الصوم وإن إهمال ذلك حتى الصباح ول يضر بالصوم .وموقفهم هذا مبني
على أحاديث تروى عن عائشة وأم سلمة ،وهي أن الرسول استيقظ في الصباح جنبنا من جماع
غير احتلم في رمضان ثم صام ( . ) 19وبناء على ذلك فإنهم قالوا بأن إهمال الغسل من
الجنابة خلل رمضان حتى صلة الظهر ل يؤثر في الصوم ،إذ إنه ضروري للصلة فقط ل
للصوم .
ويقول الباضية ،دعما لوجهة نظرهم ،إن أقوال الرسول تنقض أعماله .وبالنسبة للحاديث
المنقولة عن عائشة وأم سلمة بخصوص عمله في هذه الحالة فلعل ذلك كان عمل خاصا بالرسول
،أو لعله قد نسي ،أو كان نائما .غير أن الحاديث المروية عنه عن طريق أبي هريرة والفضل
بن عباس ،تشير إلى قرار واضح ،ول تترك مجال لي تكهن ( . ) 20
والنقطة الخرى التي تميز المذهب الباضي في قضية الصوم هي تأثير الذنوب المعنوية على
الصوم .ورأيهم أن جميع الذنوب الكبيرة تبطل الصوم .وهذه النظرة معتمدة على القياس بناء
على حديث الرسول بأن الغيبة تفطر الصائم وتنقض الوضوء ( . ) 21وبناء على ذلك ،إن
رواية الكذب ،والنميمة ،والحنث باليمين والذنوب المماثلة تبطل الصوم ( . ) 22
( )1/174
وهنا يمكن أن نضيف نقطة أخرى في الفرق بين الباضية والمذاهب السلمية الخرى ؛ وهي
تتعلق بقضاء اليام التي لم يصمها المرء في رمضان السابق .وقد قال الباضيون إنه لبد من
قضاء الصوم بصورة متوالية أياما بدل عن اليام التي لم تصم خلل رمضان ؛ ولكن المذاهب
السلمية الخرى قالت إن التتابع ليس ضروريا في مثل هذه الحالة ؛ على المرء أن يصوم العدد
المطلوب من اليام بصرف النظر عن تتابعها أو عدمه ( . ) 23
-4الزكاة :
بالنسبة للزكاة هنالك نقطتان :
-1اعتبر الباضيون الغنم كالبل .فحد النصاب الدنى للزكاة هو نفسه للغنم والبل ( . )24
في خمس بقرات ،شاة واحدة ؛ في عشر ،شاتان في خمس عشرة ،ثلث شياه ؛ في عشرين ،
أربع شياه ؛ في خمس وعشرين ،بقرة عمرها سنة واحدة .في ست وثلثين ،بقرة عمرها
سنتان ( ثنية ) ؛ في ست وأربعين ،بقرة واحدة عمرها خمس سنوات ( رباعية ) في إحدى
وستين ،بقرة واحدة عمرها ست سنوات الخ ...وبالنسبة لمذاهب السنة ،فقد رأت أن النصاب
الدنى للماشية هو :في ثلثين بقرة ،عجل عمره سنة واحدة ؛ وفي أربعين ،بقرة عمرها سنتان
الخ ....وهذا الرأي الخير مبني على عدد من أحاديث تروى عن الرسول تتعلق بالحد الدنى
من النصاب للماشية ( . ) 25وسأل أبو غانم أبا المؤرخ عن حديث لمعاذ ترويه مراجع السنة
دعما لوجهة نظرها .وكان جوابه (( :الثر عند فقهائنا الذين نأخذ عنهم ونعتمد عليهم أن السنة
في زكاة البقر كالسنة في زكاة البل ،فيؤخذ منها ما يؤخذ من البل ،ويعمل فيها ما يعمل في
البل ،وليس بينهم اختلف ....وأما حديث معاذ عن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) فال أعلم به
،ولو نعلم أن ذلك عن معاذ عن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) لخذنا به واعتمدنا عليه ،غير
أن أصحابنا وأبيا عبيدة وجابر بن زيد لم يأخذوا به ،وقد بلغهم قول من وصفت )) ( . ) 26
( )1/175
وفي محاولة لشرح سبب الفرق والدليل الباضي على موقفهم ،قال الجيطالي (( :وأظن أنهم
قاسوا ذلك على نصاب البل ،أو صح عندهم فيه حديث لم أقف أنا عليه )) ( . ) 27على أن
هنالك مجموعات سنية للحاديث تروى أحاديث يبدو أنها أساس الرأي ( الباضي ) ( . ) 28
-2والنقطة الثانية تتعلق بالشخاص الذين ينبغي أن تعطي الزكاة لهم .الباضيون يشترطون أن
يكون هذا الشخص في حالة (( ولية )) .وبناء على ذلك وينبغي للزكاة أن ل تعطى إل لهل
الولية .وإذا لم يكن هنالك فقراء بين هؤلء فإنه يجب أن تعطي لفقراء الباضية حتى ولو لم
يكونوا من أهل (( الولية )) .وإذا لم يوجد مثل هؤلء عندئذ تعطى للمسلمين الضعاف الفقراء
من غير الباضية ممن ل يخشى أن يسببوا أذى للباضية ( . ) 29
-5النكاح :
تتناول نقطة الخلف هنا حالة الطرفين اللذين يرتكبان فاحشة الزنى .قال الباضيون إن مثل هذه
العلقة تشكل عائقا دائما يمنع الزواج بين هذين الطرفين المذنبين .ويروي ابن خلفون أن سائر
فقهاء الباضية مجمعون على هذه النقطة وأسلفهم في هذا الموقف هم الصحابة :عبد ال بن
مسعود ،وعائشة ،والبراء بن عازب ،وعلي بن أبي طالب ،وأبو هريرة ،وجابر بن عبد
ال ،وكان عالما البصرة الحسن بن أبي الحسن ومحمد بن سيرين على هذا الرأي أيضا ( ) 30
.وكذلك قال به الشيعة الثناء عشرية ( . ) 313أما مذاهب السنة الخرى فقالت إنه يجوز
للطرفين اللذين ارتكبا فاحشة الزنى أن يتزوج أحدهما الخر ،إنما اشترط البعض عليهما التوبة
والحياة الصالحة فيما لم يضع البعض الخر أي شرط .
وقدم ابن خلفون في رسالته عرضا مفصل لهذه القضية ولحجج سائر الطراف ( . ) 32
-6الرث :
( )1/176
بالنسبة للمولى ،قال علماء الباضية -باستثناء أبي نوح الدهان -إن أموال المولى الذي ل
أنسباء له يرثها أهله ل موله ( . ) 33وإذا كان للمولى المتوفى أقرباء ،فإن أمواله يجب أن
تعطى لهم ؛ وأما إذا لم يكن هنالك وريث له ينتسب إلى قبيلته فالموال يجب أن تعطى لبناء
جنسه الحاضرين في بلده يوم وفاته ،على أن يتساوى نصيب النثى والذكر .وإذا كان والداه
من عرقين مختلفين فإن بعض علماء الباضية قالوا بإعطاء أمواله لهل والده .وبناء على ما
قاله أبو الحوارني ،فإن أمواله يجب أن تقسم ثلثة أنصبة ،ثلثين لهل والده ،وثلث لهل والدته
.وقال شيوخ جبل نفوسة أن من حضر أول من أهل المتوفى فهو أحق بالميراث ( . ) 34وقالت
المذاهب السلمية الخرى أنه إذا لم تكن للمولى (( عصبة )) ،فإن موله الذي كان قد أعتقه هو
وريثه .وإذا لم يكن موله حيا ،فإن (( عصبته )) ينبغي لها أن ترث أملك المولى .وعند عدم
وجود أحد من هؤلء ،فإن أموال المولى تؤول إلى بيت المال ( .) 35
-7الحدود والقصاص :
إن الخاصة الرئيسة المميزة للمذهب الباضي في هذا المجال هي التعطيل المؤقت للحدود باستثناء
عقوبة العدام ( ما عدا الرجم ) خلل فترة الكتمان ( . ) 36وبالضافة إلى هذه الخاصة ،يمكن
لنا هنا أن نذكر نقطتين أخريين :
( )1/177
-1بين المذاهب السلمية كلها ،كان الباضيون وحدهم هم الذين حددوا الجراءات التي
بموجبها ينبغي أن تدفع مبالغ محددة تعويضا عن إنزال الضرار الجسدية ،دون الدامية
خطورة ،في حين أنه لم يحدد لذلك أي مبلغ من قبل السنة .لقد تركت المذاهب السلمية
الخرى مثل هذه الحالت لقرار (( الحكومة )) التي تقدر العقوبة ،أي مقدار ما يخفضه الضرر
المشار إليه بقيمة الرقيق ،وهو ما يحدد نسبة الدية التي تدفع ( . ) 37وقد وضع علماء
الباضية ،بغية اجتناب القرارات غير العادلة من قبل الحكومة ،مقياسا لتقدير الضرار وتحديد
المبلغ الذي يجب أن يدفع تعويضا عنها .ووحده تقدير الضرار هي (( الراجبة )) ،أو عقدة
الطرف في البهام ،أي ما يقرب من بوصة واحدة ( . ) 38
-2وفي القصاص ،إذا كان ينبغي قتل الرجل عقوبة له لقتله امرأة متعمدا ،فإنه يجب على ولي
المرأة أن يعيد نصف دية الرجل إلى أقارب الرجل ( . ) 39وهذا هو الموقف نفسه الذي اتخذه
الثناء عشرية ( . ) 40
وباستثناء المثلة التي ذكرناها أعله ،قد يختلف الباضيون أو يتفقون في نواح عديدة من نظامهم
الفقهي مع هذا المذهب السلمي أو ذاك .وما عدا ذلك فل فارق كبيرا بين الفقه الباضي والفقه
السني بوجه عام .وإذا كان الباضيون يرون نفس الرأي كالشيعة الثنى عشرية في بعض
المسائل ،فإنهم يختلفون عنهم أيضا في نقاط أخرى .ونكاح المتعة ،على سبيل المثال ،هي
إحدى المسائل التي يرى فيها الباضيون رأي السنة والفرع الزيدي ،لكن الشيعة الثنى عشرية
يعتبرونها شرعية ( . ) 41
( )1/178
على أي حال ،فقد نوقش بعض هذه المسائل في وقت باكر من قبل المصادر الباضية كمدونة
أبي غانم .وفي عدد من الحالت واجه أبو غانم شيوخه برأي العلماء غير الباضيين ،لكن
ردهم كان عادة (( ل شيء فيما يقولونه ؛ هم رووا الكاذيب و أخطأوا في الرواية ؛ إننا ل نتبع
هذا الخبر .فقهاؤنا ل يعترفون بهذه الرواية الخ ، ) 42 ( ...من غير إيراد أي حجج دعما لهذه
الدعاءات .وفي حالت معينة ،كحالة أن الولد ،وحالة المكاتب عرضوا حججهم وبراهينهم
بالتفصيل ( . ) 43والعلماء المسلمون الخرون يشار إليهم بعبارة (( فقهاء قومنا .وعند سماع
أبي المؤرخ شخصيا بأن أبا عبيدة قال (( :وكل صلة ل يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ،فقلت
( أبو غانم ) له حينئذ :يا أبا المؤرخ إن هذا قول قومنا ،قال :قومك يقولون حقا كثيرا لم
يخالفهم المسلمون فيما أصابوا ،ولكن إنما خالفوهم فيما أخطأوا فيه وكذبوا )) ( . ) 44
كان الباضيون ينظرون إلى أنفسهم باستمرار بأنهم المسلمون الحقيقيون ؛ وبأن شرعهم هو الدين
السلمي الصحيح معتبرين أن مذهبهم هو الممثل الحث للسنة الصحيحة والمتفوق على المذاهب
السلمية الخرى .وقد عبر الشيخ الباضي محمد يوسف اطفيش في العصر الحديث عن هذا
الرأي بالكلمات التالية :
(( قولنا صواب ويحتمل الخطأ ،وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب )) ( . ) 45
على أن هذه النظرة الباضية إلى المذاهب الفقهية غير الباضية لم تمنع أحد علمائهم البارزين
من إدخال مبدأ جديد على الفقه الباضي بقوله أنه مسموح للمفتين الباضيين أن يستعينوا بآراء
المذاهب غير الباضية إذا لم يوجد لعلماء الباضية آراء في تلك المسائل ( . ) 46
==================================
.
( ) 1شاخت ،نشأة الفقه السلمي . 261 ،
( ) 2المصدر السابق .
( ) 3المصدر السابق .
( )1/179
( ) 4توفي جابر سنة 93هـ .وولد مالك بين 90و 97هـ .انظر :أبو زهرة ،مالك ( ط
، 2القاهرة . 24 ، ) 1952 ،
( ) 5ولد أبو حنيفة نحو 700 / 81؛ انظر محمد أبو زهرة ،أبو حنيفة ( ،ط ، 2القاهرة ،
. 12 ، ) 1955
( ) 6كولسون ،تاريخ الشرع السلمي . 109 ،
( ) 7المصدر نفسه .
( ) 8شاخت ،نشأة . 237 - 236 ،
( ) 9ابن خلفون ،أجوبة 39؛ السالمي ،حاشية الجامع الصحيح . 179 - 177 / 1 ،
( ) 10القرآن . 6 ، 5 ،
( ) 11ابن خلفون ن المصدر نفسه 39؛ أبو غانم ،المدونة 18 - 17 ،؛ الجيطالي :قواعد ،
مخطوطة . 67
( ) 12ابن خلفون ،أجوبة . 39 ،
( ) 13الربيع بن حبيب ،مسند . 36 / 1 ،
( ) 14المصدر نفسه .
( ) 15المصدر السابق . 37 - 36 / 1 ،
( ) 16المصدر السابق . 36 / 1 ،
( ) 17شاخت ،نشأة 263 ،؛ المام زيد بن علي ،مسند . 82 - 80 ،
( ) 18جابر بن زيد ،كتاب الصلة ،مخطوطة . 3
( ) 19الجيطالي ،قواعد مخطوطة 120 - 199؛ علي معمر أجوبة وفتاوى ( ليبيا ،نالوت ،
. 23 - 18 ، ) 1970
( ) 20شاخت ،نشأة 267 ،وما يليها .
( ) 21الشماخي ،سير . 92 - 91 ،
( ) 22جابر ،كتاب الصلة 6 - 5؛ الربيع بن حبيب ،مسند 81 / 1؛ أبو غانم ،المدونة ،
. 26
( ) 23الجيطالي ،قواعد . 112 - 111 ،
( ) 24المصدر السابق . 112
( ) 25المصدر السابق 114 - 113؛ أبو غانم ،المدونة 26 ،؛ للمزيد من التفاصيل عن
الموضوع انظر علي معمر :أحكام السفر في السلم ،بيروت . 1966 ،
( ) 26الربيع بن حبيب ،مسند . 85 - 84 / 1 ،
( ) 27مالك ،الموطأ . 213 / 1البخاري ،صحيح 249 / 1؛ مسلم ،صحيح - 137 / 3
. 38
( ) 28أبو غانم ،المدونة 71؛ الجيطالي ،قواعد . 196 ،
( ) 29الربيع بن حبيب ،مسند . 85 ، 33 / 1 ،
( ) 30الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 198 ،؛ الجناوني :الوضع . 156 ،
( ) 31الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا . 206 ،
( )1/180
( ) 32المصدر السابق . 164 ،
( ) 33الزيلعي ،نصب الراية ( . 353 - 346 / 2 ، ) 1357 / 1938
( ) 34أبو غانم ،المدونة . 69 - 68 ،
( ) 35الجيطالي ،قواعد . 164 ،
( ) 36الزيلعي ،نصب الراية . 348 - 347 / 2 ،
( ) 37الجيطالي ،قواعد 180؛ أبو ساكن الشماخي ،إيضاح ،مخطوطة . 46 / 2
( ) 38ابن خلفون ،أجوبة . 9 ،
( ) 39شاخت ،نشأة . 268 ،
( ) 40ابن خلفون ،أجوبة . 14 - 9
( ) 41أبو غانم ،المدونة . 337
( ) 42السالمي ،شرح الجامع الصحيح 441 / 3 ،؛ الجيطالي ،فرائض مخطوطة 12ب -
13أ.
( ) 43شاخت ،مدخل . 170 ،
( ) 44انظر أعله 174 - 172وما يلي . 412
( ) 45شاخت مصدر مذكور سابقا . 186
( ) 46للمزيد من التفاصيل انظر :عبد العزيز الثميني ،النيل ( تحقيق بكلي عبد الرحمن بن
عمر ن الجزائر ، 987 - 980 / 3 ، ) 1969 ،والوامش ص . 90 - 987 ، 982 - 981
---
( )1/181
( )1/182
ولتقييم الراء التي تكونت لدى العلماء الوروبيين حول علم الكلم الباضي ،ل سيما آراء
الباحثين غولدزيهر ونلينو ،ينبغي للمرء أن يبدأ بدراسة علم الكلم الباضي من المرحلة الولى
للحركة ،ثم أن يتتبع تطور أصوله لكي يحدد وجهة نظر المذهب الباضي ويميزها بالنسبة
للفرق الخرى .
وفي الصفحات التالية سأتناول بالدراسة تطور علم الكلم الباضي بدءا من مراحله الولى ،
مقدما عرضا واضحا للمشاكل التي نشأت آنذاك ،ثم يتبع ذلك بدراسة للنقسامات الفرعية التي
نشأت في الحركة الباضية نتيجة لفروق قامت على أسس كلمية ،ثم بمراجعة عامة للعمال
الباضية حول الكلم ،وأخيرا يصار إلى تقديم دراسة موجزة لوجهات النظر الكلمية الباضية
بالمقارنة مع وجهات نظر الفرق السلمية الخرى حول قضايا أساسية .
القرآن هو المصدر الساسي لعلم الكلم الباضي ( . ) 7والصحابة الذين نصبوا أنفسهم
مدرسين للقرآن ولتفسيره للمسلمين يمكن اعتبارهم الفئة الولى من علماء الكلم المسلمين .ولقد
كانت مناقشتهم للمشاكل الكلمية التي عالجها القرآن أو نشأت عن التعابير القرآنية ،مبنية
بالدرجة الولى على أحاديث سمعوها من الرسول ،أو نقلت عن مراجع موثوقة تعود بسندها إلى
الرسول .
وبالنسبة للباضية ،فإن إمامهم الول ،مؤسس مذهبهم ،جابر بن زيد حمل وجهات نزره عن
عدد كبير من الصحابة ،ل سيما ابن عباس ،الصحابي الذي روى عنه القسم الكبر من
المعلومات بشأن التفسير ( . ) 8ومن شأن هذه الحقيقة الكبيرة الهمية أن تكون دليل على صحة
وجهة نظر الباضيين في ما يتعلق بالمسائل الكلمية التي تصل بالقرآن .وقد دونت غالبية هذه
الراء في المجموعة الباضية للحديث بعنوان (( مسند الربيع بن حبيب )) ( . ) 9
( )1/183
وهنالك حقيقة أخرى هي أن الحركة الباضية انطلقت كحركة فكرية ،ومكنت نشاطاتها التي
كانت تجري بالسر ،قادتها الذين راقبوا عن كثب وبعناية تطور المجتمع السلمي دينيا
وسياسيا ،من أن يطوروا ،بصورة طبيعية ،وجهات نظرهم حول موضوعات مختلفة .
يمكن أن تصنف المسائل الكلمية التي ظهرت في المصادر الباضية في وقت باكر في ثلث
مجموعات :
-1مسائل تتعلق بالخالق .
-2مسائل تتعلق بالعلقات بين النسان والخالق .
-3مسائل تتعلق بين النسان والنسان .
-1تحت العنوان الول تأتي مسألة التشبيه ،التي نشأت عن العبارات القرآنية التي تتناول
التجسيم ( . ) 10ودرست هذه المسألة في وقت لحق كبند في إطار مبدأ التوحيد في العقيدة
الباضية .غير أن المراجع الباضية الولى نقلت تفسير عبارات من هذا النوع عن الصحابة ،
وحافظت عليها كما هي .وفيما يلي بعض المثلة من التأويلت المورية عن هذه اليات :
القبضة وهي التي ترد في الية التالية ( :والرض جميعا قبضته يوم القيامة ) ( . ) 11
فتفسير القبضة هنا هو أنها القدرة والملك ،وقال جابر بن زيد أن ابن عباس أعلن أن الذين
يعتقدون بأن القبضة هي شيء غير الملك والقدرة هم مشركون .ولقد قال ال تعالى ( :وال
يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) ( ) 12قاصدا بذلك أنه يعطي ويمنع .ثم قال كذلك في آية الظل
( :ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ) ( . )13بعد ذلك أورد ابن عباس أمثلة على قبضة يعني بها
الحيازة والحماية في اللغة العربية ( . ) 14
واليد تفسير كذلك بأنها قدرة ال وملكه في قوله تعالى ( :قل إن الفضل بيد ال ) ( آل عمران :
. ) 15 ( ) 73ويد ال تفسير بالرزق ( ) 16في قوله تعالى ( :وقالت اليهود يد ال مغلولة ) .
وفي قوله تعالى ( :يد ال فوق أيديهم ) تفسير اليد بأنها المكافأة والهبة من الخالق ( 17
) .مثل هذا السلوب طبق على عبارات أخرى مشابهة وردت في القرآن ،أمثال :
( )1/184
أ -العين في قوله تعالى ( :ولتصنع على عيني ) ( طه . ) 39 :وهي تعني العلم والحفظ ( 18
).
ب -النور في قوله تعالى ( :ال نور السموات والرض ) ( النور . ) 35 :يعني أن الخالق هو
العدل في السموات وعلى الرض ،وهادي من في السموات والرض ( . ) 19
ج -وجه الخالق يعني الخالق وحده ( . ) 20
د -الساق يعني المر الشديد .
هـ -النفس التي تنسب إلى الخالق تعني العلم ( . ) 21
و -مجيء الخالق مع ملئكته في يوم القيامة فسر باعتباره مجيء ملكه ( . ) 22
ز -استواء ال على العرش يعني أمره وقدرته على الكون ( . ) 23
الرؤية :
تحت المجموعة الولى من المسائل الكلمية التي ظهرت في المرحلة الولى لعلم الكلم الباضي
،تقع مسألة الرؤية وهي الصلة بالتشبيه .قال الباضيون إن الخالق ل يرى في الدنيا ول في
الخرة .وهنالك حديثان للرسول رويا في مسند الربيع يؤكدان على هذه النظرة .الحديث الول
يروى بطريق مسروق عن عائشة أنها قالت (( :من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم على ال
الفرية )) ( . ) 24والحديث الثاني يروى عن محمد الشيباني ،وهو أن رسول ال سئل (( :هل
ترى ربك ؟ فقال :سبحان ال وأنى أراه )) ( . ) 25أما بالنسبة لليات القرآنية التي توحي بأن
الخالق سوف يرى ،فقد لجأ الباضيون إلى التأويل وفسروها بطريقة ل تتناقض مع وجهة
نظرهم .
وكلمة (( ناظرة )) في سورة النسان الية () 26فسرت بأنها انتظار الذن من الخالق لدخول
الجنة .وقد نقل هذا التفسير عن الصحابيين علي بن أبي طالب وابن عباس معا ( . ) 27ثم إن
مسألة الرؤية مناقشة بصورة كاملة في مسند الربيع بن حبيب ( . ) 28
( )1/185
والثار التي تورى في المجموعة الباضية للحاديث تبين بوضوح أن التشبيه كان مرفوضا بقوة
من قبل الصحابة .ويروي أن ابن مسعود وعبد ال بن عمر ارتعدا فرقا حين سمعا أن المسلمين
في الشام يقولون بأن الخالق صعد إلى السماء من بيت المقدس ؛ ووضع قدمه على الصخرة (
. ) 29ورأى أن اليهود كانوا وراء هذه الراء التشبيهية ( ) 30؛ قال ابن مسعود (( :ل تسألوا
أهل الكتاب عن شيء ؛ فلن يهدوكم وقد ضلوا )) ( . ) 31
وتحت عنوان (( السنة في تعظيم ال عز وجل )) ( ) 32يروى عدد كبير من الحاديث
والثار ،وهي كلها تعبر عن وجهات نظر تنفي التشبيه عن الخالق .ومن الصحابة الذي رويت
عنهم هذه الحاديث يذكر عمر بن الخطاب ،وعلي بن أبي طالب ،وعبد ال بن عباس ،وعبد
ال بن مسعود ،وعبد ال بن عمر .وبين التابعين هنالك ،باستثناء جابر بن زيد المام الباضي
،مجاهد ،والحسن البصري ،وسعيد بن جبير ،والضحاك ،وسواهم .
وقد اعتمد المعتزلة أيضا التفسير التأويلي لعبارات التشبيه الواردة في القرآن ،على أنه من
الواضح أن هذه الطريقة مبنية على أحاديث الرسول وطبيعة اللغة العربية التي تتيح مثل هذه
التفسيرات .وهنالك حالت كثيرة استشهد فيها بآيات أخرى من القرآن لمعارضة التفسيرات
التشبيهية في إطار القرآن حيث إن التعابير المعنية نجدها مستعملة في معان واضحة ل لبس فيها
تأييدا للتفسيرات التي وضعها العلماء الباضيون .
وفي ما يتعلق بمسألة وجود ال أو عدم وجوده في مكان ما ،أي على العرش ؛ أو قادما مع
الملئكة يوم القيامة الخ ....فقد نقل جابر بن زيد عن ابن عباس نقاشا مفصل حول هذه المسألة
رافضا جميع أشكال التشبيه المبنية على عدد من اليات القرآنية ( . ) 33وختم ابن عباس
عرضه بالقول التالي :
( )1/186
(( لقد أخبر ( القرآن ) عنه أنه تعالى ل يخلو منه مكان في السموات العلى والرضين السفلى
ول يجوز أن يأخذوا ببعض القرآن دون بعض لنه يصدق بعضه بعضا ،وهو على العرش
استوى وهو على مل شيء شهيد ،وهو بكل شيء محيط بل تكيف ول تحديد ،ول تمثيل ول
تشبيه ول توهيم )) ( . ) 34
ومن المشاكل الولى التي تتعلق بمسألة التشبيه مسألة ولية الخالق للمسلمين .وبما أن هذه
العقيدة تتعلق بمسلك المسلم الذي ل يستحق ولية ال ما لم يكن مسلما صالحا ،فإن بعض علماء
الباضية رأوا أ ،ولية الخالق تتغير وفقا لحالة الشخص ؛ على أن غالبية علماء الباضية قالوا
إن ولية الخالق ثابتة ل تتغير ( . ) 35
ونتيجة معارضتهم لي نوع من التشبيه ،فقد أصر الباضيون على أن الصفات التي تنسب إلى
ال هي عين ذاته ( . ) 36
إن هذه الطريقة التأويلية التي استخدمت لتفسير التعابير التشبيهية في القرآن استخدمت كذلك
لمسائل تتعلق باليوم الخر ،كالميزان والصراط ( . ) 37
-2مسائل تتعلق بالعلقة بين ال والنسان :
تقع تحت هذه المجموعة الثانية مسألتان :مسألة القدر ومسألة حرية الدارة والقضاء والقدر .هنا
أيضا كانت الحاديث المروية عن الرسول أساس الموقف الباضي من المسائل .وفي ما يلي
بعض الحاديث الواردة في المجموعة الباضية للحاديث مما يتعلق بالقدر .
) 1قال رسول ال عليه السلم (( :أبرأ إلى ال من القدرية ،أبرأ من المرجئة ،برئ ال منهما
ورسوله )) ( . )38
(( ) 2القدرية مجوس هذه المة ،إن مرضوا فل تعودوهم ،وإن ماتوا فل تصلوا عليهم )) (
. ) 39
( )1/187
(( ) 3صنفان من أمتي ل تنالهم شفاعتي يوم القيامة ،لعنهم ال على لسان سبعين نبيا قبلي ،
قيل :فمن هم يا رسول ال ؟ قال القدرية والمرجئة ،قيل :فمن المرجئة ؟ قال :الذين يقولون
اليمان قول بل عمل ،والقدرية الذين يعملون بالمعاصي ويقولون هن من ال إجبار أما لو شاء
اله ما أشركنا ول عصينا )) ( . ) 40
(( ) 4ما كان كفر إل مفتاحه تكذيبا بالقدر )) ( . ) 41
(( ) 5أول ما خلق ال القلم فقال له :اكتب ،فقال :يا رب وما أكتب ،قال :اكتب القدر فجرى
بما هو كائن إلى يوم القيامة )) ( . ) 42
(( ) 6إذا وقعت النطفة في الرحم أوصى ال إلى ملك الرحام أن يكتب ،فيقول :يا رب وما
أكتب ؟ فيقول :اكتبه سعيدا أو شقيا بعمله ،واكتب أثره وعمله وأجله ورزقه )) ( . ) 43
) 7قال جابر بن زيد :سئل ابن عباس عمن قال :إنه يستطيع أن يعمل بما أمر ال به ويكف
عما نهاه ال عنه من غير أن يخلق ال فعله ،فقال :سأل سراقة بن جشعم رسول ال ( صلى ال
عليه وسلم ) فقال :ما العمل يا رسول ال في أمر مبتدأ مستأنف أم في شيء قد فرغ منه ؟ فقال
:بل في شيء قد فرغ منه ثم قال :ففيم العمل إذا يا رسول ال ؟ فقال :اعملوا فكل ميسر لما
خلق له ( . ) 44
( )1/188
وكان القول بأن النسان يخلق أعماله قد ظهر في البصرة .وكان شخص يدعى معبد الجهني أول
من استهل النقاش حول القدر هنا ( . ) 45ثم إن هذا الرأي نشره تلميذه غيلن الدمشقي .
والظاهر أن هذا الرأي وجد سبيله إلى الوساط الباضية في البصرة وسواها من المكنة .
ويروى أنه جرى مناقشات حول هذه المسألة بين غيلن والمام الباضي الثاني ،أبي عبيدة مسلم
بن أبي كريمة ( . ) 46على أن بعض الباضيين اعتمدوا وجهة نظر القدرية لكن أبا عبيدة كان
معارضا لهم بقوة .وبين الذين اعتمدوا وجهات نظر القدرية ذكرت المصادر الباضية حمزة
الكوفي ،والحارث الباضي وعطية وهو من خراسان .ورفض أبو عبيدة وجهة نظرهم وقال
لحمزة (( :يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن )) وعمد الباضيون إلى هجر حمزة
وزملئه ،وطردوهم من المجالس الباضية ولم يقربهم أحد )) ( . ) 47
وكانت مسألة القدر إحدى المسائل الساسية التي جرى الجدال والنقاش حولها بين الباضية
وخصومهم ،القدرية أول ،ثم المعتزلة من بعدهم .ولقد كانت هذه النقاشات قائمة قبل أبي عبيدة
.وقال أبن سفيان محبوب بن الرحيل إن صحار العبدي ،شيخ أبي عبيدة ،كان يقول :كلموهم (
القدرية ) في العلم ،فإن أقروا به نقضوا أقوالهم وإن أنكروه كفروا )) ( . ) 48
وكان أبو عبيدة نفسه قد اعتاد مناقشة مسألة القدر ،متبعا السلوب نفسه الذي استنه أستاذه
صحار .ويقال إن رجل جاء أبا عبيدة وتكلم إليه في القرد ،فقال له أبو عبيدة (( :هل علم ال
ما العباد عاملون ،وإلى ما هو إليه صائرون قبل أن يخلقهم ؟ فقال الرجل :ما أسرع ما استعنت
بالعلم يا أبا عبيدة ،وإنما هذه مسائل الضعفاء .فقال له :أجب هذا الضعيف )) فلم يجبه فافترقا
( . ) 49
ويروى أيضا أن معتزليا يدعى ابن الشيخ البصري ،فيما كان يقوم بالسعي وهو في الحج في
مكة ،سأل أبا عبيدة (( :أأنت الذي يزعم أن ال يعصى بزعم إرادته )) ( . ) 50
( )1/189
والظاهر أن المراجع الباضية الولى نظرت إلى مسألة القدر باعتبارها أقل أهمية بالمقارنة مع
مواقف الخوارج الذين جاؤوا ببدع جديدة خطيرة بخصوص علقاتهم بالمجتمع السلمي ،
وبالحكام الطغاة الذين ينفذون شرائع غير ما أنزله ال .
وقال المرجع الباضي ،أبو سفيان محبوب أن (( :أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة كان يضعف
من أمر القدر ويقول (( :وال ما فيه نكاح ذات بعل ،ول انتحال هجرة ،ول حكم بغير ما أنزل
ال ،إنما هو رأي أحدثه الناس فيما بينهم ،فمن أقر بأن ال علم الشياء قبل أن تكون فقد أقر
بالقدر )) ( . ) 51
والمسألة الخرى هي مسألة الجبر والختيار .وقد حفظت المصادر الباضية وجهات نظر تعزى
إلى أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة متعلقة بهذه المسألة .ولم يكن موقفه إقرارا واضحا بالدارة
الحرة ول بالجبر .قال أبو سفيان :التقى أبو عبيدة وابن الشيخ البصري في منى ؛ فسأل ابن
الشيخ أبا عبيدة :يا أبا عبيدة هل جبر ال أحدا على طاعته أو معصيته ؟ قال :ما أعلم أن ال
جبر العباد على طاعته أو معصيته ،ولو كنت قائل أن ال جبر أحدا لقلت :جبر أهل التقوى
على التقوى لعظم تخويفه لهم وشدة ترغيبهم به إياه ،قال :يا أبا عبيدة ،فالعلم هو الذي قاد
العباد إلى ما عملوا ؟ قال :ل لكن سولت لهم أنفسهم وزين لهم الشيطان أعمالهم ،وكان منهم ما
علم ال )) ( . ) 52
( )1/190
ويروى أيضا أن أبا عبيدة سئل (( :ل يستطيع الكافر اليمان ؟ فقال :ل أقول إن من يستطيع أن
يأتي بحزمة حطب من حل إلى حرم ( ) 53ل يستطيع أن يصلي ركعتين ،ول أقول إنه يستطيع
ذلك إل أن يوفقه ال تعالى )) ( . ) 54ويعبر أبو عبيدة عن رأيه بشأن حرية الرادة كما يلي :
(( ال أمر الناس بالطاعة .لقد أحب ال ذلك وزينه .ومن يفعل وفقا لذلك فهو بعلم ال ،وهو
ينظر إليه بعين العطف )) ( . ) 55وكان هذا الرأي لبي عبيدة أساس نظرة الباضية للكتساب
،أي أن العمال هي من ال خلق ،ومن العبد اكتساب ( . ) 56
والظاهر أن رأي العلماء الباضيين الوائل حول هذه المسألة لم يكن واضحا ومحددا بما فيه
الكفاية بسبب النزاع في الرأي حول هذه القضية بين إباضيي جبل نفوسة وإباضيي إفريقيا أي
تونس والجزائر .فهؤلء قالوا إن النسان حر (( في اكتساب أعماله )) ( . ) 57بينما اعتقد
النفوسيون بـ (( الجبل )) ،أي بأنهم خلقوا بميل طبيعي لتنفيذ ما يعلمه ال من عمل النسان (
. ) 58على أن إباضيي شمالي إفريقيا كلهم أقروا بالكتساب واستثنوا مسألتي (( الجبل )) ,
(( الختيار )) .وحاول الجيطالي في (( شرح النونية )) تفسير كلمة (( جبل )) بطريقة تميزها
عن الجبر وهي تعني الكراه ول تترك وجها مفتوحا للكتساب ( . ) 59ووفقا للعلماء النفوسيين
،لم ترو أية آراء حول هذه المسألة عن الئمة الباضيين الوائل في البصرة ،ول عن
تلمذتهم (( ،حملة العلم )) ،ول عن الئمة الرستميين ( . ) 60
غير أن فكرة (( الجبل )) اختفت في الكتابات الباضية في نفوسة منذ وقت أبي ساكن عامر بن
علي الشماخي ،المعاصر للجيطالي الذي عبر في عقيدته (( الديانات )) عن أن الناس يكتسبون
أعمالهم ويقومون بها وهم غير مرغمين عليها ( . ) 61
-3مسائل تتعلق بالعلقة بين النسان والنسان :
( )1/191
إن العلقات بين المسلمين وغير المسلمين محددة في القرآن .وقد ذكر القرآن ثلث مجموعات
مختلفة من الناس هي :المشركون ،وأهل الكتاب ،والمنافقون .وبالنسبة للمجموعتين الوليين
أوضح القرآن علقة المسلمين بكل مجموعة منهما في الحرب والسلم ،وتمسك الرسول بذلك .ثم
إن الحروب الهلية بين المسلمين سببت مشاكل جديدة للمجتمع السلمي .وقد بدأت هذه
الحروب حين قتل عثمان بن عفان على أيدي رفاقه المسلمين ،ثم استمرت بين علي ،الخليفة
الرابع من ناحية ،وطلحة والزبير من ناحية أخرى ،ثم بين علي ومعاوية ،فبين علي وأهل
النهر كذلك .وكانت كل مجموعة في هذه الفتن تدعى ما يبرر لها محاربة المجموعة الخرى
على أسس دينية ؛ وكان لكل مجموعة حججها وبراهينها .المعلومات عن هذه الفترة شديدة
الضطراب وقد يكون الكثير منها صيغ في وقت لحق لدعم مزاعم كل مجموعة من المجموعات
المتصارعة .ثم إن المراجع الباضية روت خمسة مواقف مختلفة للصحابة في ما يتعلق بمسألة
عثمان :
أ ) أولئك الذين ارتأوا أن عثمان استحق أن يقتله المسلمون لما أتى به من بدع .وعلى مدى ست
سنوات ظل المسمون يحاولون حمله على تغييرها والسير على نهج أسلفه ،أو أ ،يستقيل .
وحين رفض أن يقبل بذلك ،قتلوه .فسفك دمه مشروع لنه كان جائزا وفظا ،ووصفوه بالجائر
وبالفاسق والظالم ،والكافر كفر نعمة .ومن هؤلء الصحابة عبد ال بن مسعود ،وعمار بن
ياسر ،وأبو ذر الغفاري ،وعبد الرحمن بن عوف ،وعمرو بن محمد بن مسلمة ،وزيد بن
ثابت وغالبية النصار .
ب ) أولئك الذين اعتبروا مسألة الفتنة بين الصحابة هي قضية اجتهاد شخصية ؛ والمحق ينبغي
له أن يكافأ ،والمخطئ يجب أن يسامح .حتى إن هنالك من يقول إ ،الجانبين كانا على حق ؛
وهذا الرأي الخير ينسب إلى علي بن أبي طالب .
( )1/192
ج ) أولئك الذين يقولون إن عثمان تاب عن بدعه ،وأنه قتل بعد توبته ،وبذلك يكون خصومه
مخطئين .وهذا هو رأي الصحابة طلحة والزبير وعائشة .
د ) أولئك الذين احتفظوا لنفسهم برأيهم حول الفتنة واعتزلوهم ،كانوا في ريبة من الوضع
برمته ؛ وبين هؤلء سعد بن أبي وقاص ،وعبد ال بن عمر ومحمد بن مسلمة وآخرون .
هـ ) وأخيرا هنالك موقف معاوية وعمرو بن العاص اللذين قال بأن عثمان محق كل الحق
وطالبا بالثأر لمقتله ( . ) 62
على أن الحروب الهلية تركت أثرها على تاريخ السلم حتى زمننا الحالي .وتلونت حياة
المسلمين السياسية والعقلية والدينية بتلك الراء الولى التي تكونت لدى المجموعات والمراجع
المختلفة .وباستثناء شيعة علي التي أصبحت المذهب الشيعي ،وأنصار معاوية ،هنالك فريق
ثالث رفض قيادة الثنين وأبيد بالكامل من قبل الثنين معا ،قي النهروان من قبل علي ،ثم في
النخيلة من قبل معاوية .كان هؤلء في جيش علي لكنهم انشقوا عنه حين قبل بالتحكيم لنه تخلى
عن حكم القرآن لصالح حكم البشر .وبما أن إمامهم السابق علي بن أبي طالب تخلى عن حقه
بالمامة بقبوله التحكيم ،فقد قرروا مبايعة إمام جديد ،ولول مرة بويع زعيم من غير قريش
أميرا للمؤمنين ،هو الصحابي الزدي عبد ال بن وهب الراسبي ،فقاد رجاله في المعركة بوجه
علي بن أبي طالب ؛ فأبيد أفرا جيش عبد ال بن وهب ،وهو أكثر نم ألفي مسلم أتقياء من
(( أهل الصلة والصوم )) عن بكرة أبيهم على يد جيش علي في معركة النهروان .
( )1/193
وقد عرفت هذه المجموعة بأسماء أربعة مختلفة :المحكمة ؛ وأهل النهر ؛ والحرورة ؛ والخوارج
.والسم الول منشق من شعارهم (( ل حكم إل ل )) .وبالنسبة للسمين الخرين ،فإن اسم
الحرورية منشق من موقع حوراء حيث احتشد بعضهم بجوار الكوفة ،والسم الخر ،أهل النهر
،مرده إلى اسم ساحة المعركة -النهروان .أما بالنسبة للسم الخير ،الخوارج ،فهنالك من
يقول أن السم مشتق من كلمة (( خرج )) ،عن المة ،كما يحب خصومهم أن يفسروا هذا
السم ،أو من منازلهم كمهاجرين إلى ال كما يحب المتعاطفون معهم أن يفسروا هذا السم على
أساس الية القرآنية ( :ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ( ) ....النساء . ) 100 :
ويشار أيضا إلى أن هذا السم استخدام لهذه المجموعة من قبل خصومهم كإشارة إلى الكلمة
الولى من حديث معروف للرسول يصف فيه مجموعة من الناس تظهر في المة السلمية :
(( إنه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب ال رطبا ل يجاوز حناجرهم ،يمرقون من الدين
كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لقتلنهم قتل ثمود )) ( . ) 63
وأدى هذا الموقف السياسي إلى نشوء عدة مسائل ظهرت حولها آراء متناقضة .ومن هذه
المسائل موقف المسلمين من الطغيان ،أو الحكام الجائرين الذي ل يتبعون الشريعة .قال
الخوارج بوجه عام بأن خصومهم (( مشركون )) ثم اختلفوا بشأن مبدأ التقية الدينية .فقال
الزارقة ،أتباع نافع بن الزرق إن الخروج أو الهجرة إلى صفوفهم واجب إلزامي ونظروا إلى
بلد خصومهم باعتبارها دار الحرب .
ومن ناحية أخرى ،رفض الباضيون أن ينظروا إلى أهل (( القبلة )) ( المسلمين ) كمشركين ،
ودعوهم بالموحدين ،أو كفار النعمة ،ورأوا أن العيش بين ظهرانيهم على أساس التسامح
المتبادل أمر مشروع ( . ) 64وعبر عبد ال بن إباض بوضوح عن هذه العقيدة ،ولذلك
عارضه زعماء الخوارج ( . ) 65
( )1/194
فقد أعلن عبد ال بن إباض البراءة من نافع بن الزرق فهو مرتد عن السلم مشرك لنه قتل
نساء وأطفال مسلمين واستولى على أمولهم غنيمة ( . ) 66واتخذ جابر بن زيد نفس موقف عبد
ال بن إباض ،وراح يناقش الخوارج ويرفض وجهة نظرهم فيما يتعلق بموقفهم من خصومهم
المسلمين ( , ) 67ويروي أن جابر بن زيد عرف بأن زيد بن العشم الذي كان يعتقد أنه مسلم
صالح ،كان ينظر إلى خصومه المسلمين كمشركين .فأرسل إليه جابر وسأله رأيه في
(( الهدي )) التي يضحي بها المسلمون الخصوم .وجاء رده (( :اذبحها وآكل أكبادها وسنامها ؛
ل هدي لهم )) .ومعنى هذا القول الموجز أن زيد بن العشم كان يرفض أن يعتبر الضاحي
التي يضحي بها المسلمون الخصوم للخوارج تضحية ل لنه يعتبر هؤلء مشركين ،ويرى أن
ذبحها شرعي إذا ما وقعت في يده ،بحرية ،لنه ليست مما أهل به ال ،والكباد والسنام هي
أفضل لحم الجمال ؛ فرفضه جابر وشجبه ( . ) 68
ولم يتخل الباضية عن هذا المبدأ خلل تاريخهم ،فلم يقتلوا نساء خصومهم ول أطفالهم ،ول
أجهزوا على الجرحى ،ول تعقبوا عدوا لهم مهزوما ،ول غنموا أموالهم ( . ) 69ومن أشهر
المثلة على هذا الموقف عمل مشهور لبي منصور إلياس ،حاكم جبل نفوسة باسم المام
الرستمي الرابع محمد بن افلح .فقد قام أبو منصور إلياس بمحاربة العباس بن طولون الذي هاجم
طرابلس سنة 267هـ ،وانتظر عليه ،لكنه ترك في أرض المعركة ستين حمل من الذهب لم
يأخذ منها قطعة واحدة ( . ) 70ويقول العلمة الباضي أبو يعقوب الوارجلني في تعليق له
على هذا الحدث (( :يا هل من خسارة كبيرة ! )) ( . ) 71
( )1/195
والمسألة الخرى هي :من هم المسلمون الحقيقيون بين الفرق المتنازعة ؟ وماذا كان الخرون ؟
هل هم مسلمون أيضا أم أنهم كفار ؟ ل إنكار في أن هذه المجموعات كلها تؤمن بال ربا
وبالرسول نبيا ؛ فالمسألة تتعلق إذا بتطبيق الدين ؛ وكان حل الباضيين لهذه المشكلة قائما على
تحديدهم للخطيئة ؛ وللذنب ،وللكبائر ،أي الخطايا الخطيرة ،وهي تنقسم إلى مجموعتين (
: ) 72
أ ) الخطايا الكبيرة ( الكبائر ) التي تقع في إطار الشرك ( كبائر الشرك ) وهي تشمل :
-1إنكار ما ل يسع جهله من أمور الدين كوحدانية ال ،ومعرفة ال ،والنبياء والملئكة .
-2تحليل ما حرمه القرآن كالميتة ،والدم ،ولحم الخنزير ،وقتل النفس بغير حق ،والتعامل
بالربا الخ ...إن أولئك الذين يرتكبون هذه الكبائر يعدون مشركين .
ب ) كبائر النفاق ،وهي تتألف من :
-1استحلل ما حرمه ال عن طريق التأويل الخاطئ ( الستحلل بتأويل الخطأ ) .
-2ارتكاب ما هدد ال بالمعاقبة عليه في هذه الدنيا وبالتأديب له في الخرة أو ما عاقب ال عليه
أمما سابقة .فمرتكب ذنب من هذا النوع ليس (( مؤمنا )) ول (( مشركا )) لكنه (( منافق )) و
(( كافر كفر نعمة )) ( . ) 73
وقد استعمل هذا التعبير لتمييز هذا النوع من المعاصي عن المشركين الذين تستعمل لهم كلمة
كافر أيضا .وتتكلم المصادر الباضية عن نوعين من الكفر ( ) 1كفر جحود أو كفر مساواة
وهو يعني عدم اليمان بال أو مساواة ال بغيره .وبهذا المعنى يكون تعبير الكافر معادل
للمشرك ( . ) 74
( ) 2كفر نعمة وهو إنكار نعم ال ،وهو تعبير الكافر معادل المسلمين الذين يقترفون كبائر نفاق
خطيرة والذين يعتنقون السلم لكنهم ل يطبقونه ( . )75والكلمات نفاق ،وكفر نفاق وكفر نعمة
تستخدم بالمعنى نفسه لن الباضيين اعتقدوا أن النفاق هو في العمال ل في اليمان ( .) 76
( )1/196
وأورد الربيع بن حبيب في مجموعته الحديثية 25 ،دعما للعقيدة الباضية التي تطبق كلمة الكفر
على المسلمين ( . ) 77والستعمال الباضي لهذه العبارة بهذا المعنى مبني على استعمالها في
القرآن والحاديث ( ) 78ويستند هذا التمييز بالعبارات ( السماء ) إلى وجهة النظر الباضية
في اليمان الذي يجمع بين اليمان بالكلم وممارسة الواجبات المطلوبة .وأولئك الذين يوفون
بالتزامات اليمان بالكلم والممارسة معا هم مسلمون أو مؤمنون ( مسلمون موفون أو مؤمنون
موفون ) .ثم إن العقائد الباضية تذكر مادتين لشرح عقائدها بالنسبة لحالة (( الموحدين ))
الخرين .
أ -المنزلة بين المنزلتين أي حالة النفاق بين اليمان الشرك .
ب -ل منزلة بين المنزلتين ؛ أي ل حالة بين اليمان والكفر ( . ) 79وهذا الموقف الخير
موجه إلى المعتزلة الذين قالوا بأن الذي يرتكب إحدى الكبائر هو في منزلة متوسطة ؛ ل هو
مؤمن ول هو مشرك ،ولكنه فاسق ورفضوا نعته بالكافر ،أما الفسق والكفر في العقيدة الباضية
فشيء واحد .
وبالعودة إلى وجهة النظر الباضية حول العلقة بين جماعتهم وبقية المة السلمية ،فقد قالوا
إن المسلمين الحقيقية هم الذين يتممون واجبات اليمان قول وعمل .هؤلء هم المسلمون
الموفون ،وهم الذين يشكلون (( جماعة المسلمين )) أو أهل الدعوة ،أي المة الباضية .وتقسم
بقية المة السلمية إلى ثلث فئات :الطغاة ،و أهل البدع ،وهيئة المسلمين عامة .هؤلء كلهم
عدوا كفار نعمة ولذلك يمكن للباضيين أن يختلطوا بهم ويعيشوا تحت حكمهم على أساس التقية
الدينية ( ) 80في حالة الكتمان .أما تغيير حكم الجور ،أ ,الدعوة إلى الصلح ومنع الشر
فينصح به في ظل أصول معينة ( . ) 81
( )1/197
ووافق الباضيون على المبدأ الذي يقول بأنه (( ل هجرة بعد الفتح )) ؛ وهو موجه ضد الزارقة
وسواهم من الخوارج الذين قالوا إن مكان إقامتهم فقط هو دار السلم وإن القعدة الذين ل يقومون
بعمل ول يقومون بالهجرة إلى معسكرهم هم خطاة وغير مؤمنين ( . ) 82وفي موعظة له في
المدينة ،قال أبو حمزة المختار بن عوف (( :الناس منا ونحن منهم ،إل مشركا عابد وثن ،أو
كافر من أهل الكتاب ،أو إماما جائرا ،أو مبتدعا يدعو الناس إلى بدعته )) ( . ) 83
وفي زمن الربيع بن حبيب حاول زعماء فرع النكار من الحركة الباضية أن يقنعوا الربيع بأن
ينظر إلة خصومهم المسلمين المخالفين باعتبارهم مشركين بسبب آرائهم التشبيهية غير أن الربيع
رفض التفاق معهم مشيرا إلى أ ،مثل هذه الراء ل يؤمن بها إل الجهلة ،ل المتعلمون
المخلصون ( . ) 84وروى مثل هذا الموقف عن سلفه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة .ويروى
أنه قيل له إن مقاتل يقول (( :إن ال خلق آدم على مثاله فرد أبو عبيدة قائل (( :كذب مقاتل
)) ،لكنه لم يعتبره مشركا ( . ) 85
والمسألة الخرى تتعلق بالمسلمين العصاة مرتكبي الكبائر ،وبعقوبتهم في اليوم الخر ورأى
الباضيون أن على مرتكب الكبيرة أن يتوب ليتمتع بحق الشفاعة ،ولينجو من العقوبة على
الكبيرة ،وهي الخلود في جهنم إلى البد ( . ) 86وإذا كانت المعصية تتصل بالتزامات نحو
ال ،فالتوبة وحدها كافية ،لكنها إذا كانت تؤثر على حقوق الخرين ،فعلى العاصي أن يعيد
لولئك الناس حقوقهم لتكتمل توبته ( . ) 87
( )1/198
وكان هذا الموقف ،في الواقع ،أساس العقيدة الباضية في الوعد والوعيد وهي الموجهة ضد
المرجئة الذين قالوا بأن اعتناق السلم ( الشهادة ) هو كل ما مطلوب من المؤمن لكي يدخل
الجنة .إن الحاديث المروية عن الرسول حددت المرجئة بأنهم أولئك الذين يقولون إن اليمان
هو بالقول فقط ل بالعمل ( . ) 88ويقال إن جابر بن زيد قال (( :المرجئة هم يهود أهل القبلة
لنهم يعدون أهل المعصية بالجنة وقالوا (( :لمن تمسنا النار إل أياما معدودة كما قالت اليهود
والنصارى )) ( . ) 89
ووضع نظام الولية والبراءة في مرحلة باكرة من الحركة الباضية لتنظيم العلقات بين المؤمنين
و العصاة ،بحيث يصار إلى تذكير المسلمين باستمرار بأن ممارسة التعاليم السلمية فقط هي
التي تستحق المحبة والتآلف من خلل الممارسة الكاملة للتعاليم السلمية ،وأن الذين يهملون
واجباتهم الدينية ويصرون على العصيان ينبغي هجرهم وإقصاؤهم إلى أن يتوبوا .
وكانت عقيدة الولية والبراءة من الموضوعات الرئيسة في العقيدة الباضية .وضعت قواعدها
في زمن جابر بن زيد مؤسس الحركة الباضية .وبالضافة إلى العدد الكبير من اليات القرآنية
التي بنيت عليها هذه العقيدة ،هنالك أيضا عدد كبير من الحاديث التي اعتبرت كتوجيهات في
هذا النظام .ووفقا للربيع بن حبيب ،فإن أي حديث يشير إلى شخص بعبارة (( ليس منا )) فلذلك
يعني أن هذا الشخص ينبغي أ ،يعتبر في حالة (( براءة )) ( . ) 90
وقد شرحنا عقيدة الولية والبراءة بتفصيل في فصل خاص في هذا الكتاب ( . ) 91ونذكرها هنا
للدللة على أنها كانت إحدى العقائد الولى التي ظهرت في الفقه الباضي .
القرآن :
( )1/199
من المسائل الرئيسة التي أثارت خلفا كبيرا في علم الكلم السلمي بوجه عام ،مسائل خلق
القرآن ،وكلم ال .وتشير الروايات عن بدايات علم الكلم الباضي إلى أن هذه المسألة نوقشت
بطريقة محدودة .والخبر الوحيد عن هذه القضية يتصل بمسألة الزيادة على القرآن أو الحذف منه
.وقد قال جابر بن زيد (( :سئل ابن عباس عن القرآن :أيزاد فيه أو ينقص منه ؟ فقال :قال
رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) :لعن ال الزائد في كتاب ال ،قال :ومن كفر بحرف فقد
كفر بالقرآن أجمع )) ( . ) 92كذلك روى جابر أن عقبة بن عامر الجهني قال (( :صلى بنا
رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ،صلة الغداة فقرأ بالمعوذتين فقال :يا عقبة إن هاتين أفضل
سورة في القرآن والزبور والنجيل والتوراة ،وقد قال قوم :إنهما ليستا من القرآن فقد كذبوا
وأثموا )) ( . ) 93
ويروى أيضا أن ابن عباس قال (( :لو أن أحدا زاد فيه أو نقص منه كان عند المة كافرا ...
وهو كلمه وحجته على عبده وإمام عباده الذي يكون يوم القيامة عليهم شهيدا )) ( . ) 94
ول ذكر لمسألة خلق القرآن أو أزليته ؛ وقد وصفه ابن عباس بأنه كلم ال ،والحجة والمام .
وقد عولجت مسألة الزيادة في القرآن أو الحذف منه لترسيخ موقف الباضية المعارض لفرع
الميمونية الخارجي ،أنصار ميمون بن عمران ،الذي قال أن سورة يوسف ليست من القرآن ،
وأنكر أن تكون قصة حب جزءا من كتاب ال ( . ) 95وبالنسبة لسورتي (( الفلق )) و (( الناس
)) يقال إن الصحابي المعروف عبد ال بن مسعود رفض لبعض الوقت أن يضمهما في جمعه
للقرآن ،لكنه عاد بعد ذلك فأدخلهما فيه ( . ) 96
( )1/200
ومن ناحية أخرى يقال إن أبي بن كعب قال إن الدعاء الذي يتلى بعد صلة الوتر هو جزء من
القرآن ( . )97ومن المحتمل أن بعض الناس ممن تأثروا بموقف ابن مسعود قالوا إن السورتين
الخيرتين في القرآن ليستا إل دعاء .ولتجنب أي ارتباك يحصل عن الراء التي تنسب إلى ابن
مسعود وأبي بن كعب ،فقد جمعت المراجع الباضية تلك الحاديث التي تروى عن ابن عباس
وعقبة بن عامر للحسم في القضية .
أما بالنسبة لمسألة خلق القرآن ،فليس معروفا أن الربيع بن حبيب أو خليفته وائل بن أيوب ،قد
خلصا إلى رأي حولها .وبالنسبة لعبد ال بن يزيد الفزاري ،الفقيه النكاري ،فقد قارب
الموضوع بنفس طريقة جابر بن زيد وناقش فقط مسألة الضافة للقرآن أو الحذف منه ( . ) 98
وجرت مناقشة خلق القرآن لول مرة في الوساط الباضية في عمان في العقود الولى من القرن
الهجري الثالث .ولقد قال الفضل بن الحواري ( ت ) 891 / 278إن شيوخ الباضية ومنهم
الوضاح بن عقبة ،وسعيد بن محرز ،ومحمد بن هاشم ،ومحمد بن محبوب وآخرون ،التقوا
في منزل في ( دما ) في عمان وتناقشوا في القرآن .محمد بن محبوب قال (( :إنني أقول أن
القرآن مخلوق )) ؛ فغضب محمد بن هاشم وقال (( :سأترك عمان ولن أبقى فيها أبدا )) ،وظن
ابن محبوب أن ابن هاشم يشير إليه فقال (( :أنا أولى بالخروج من عمان ؛ فأنا غريب عنها )) (
. ) 99
وعلى أي حال يروى أن هؤلء الشيوخ أنفسهم اجتمعوا ثانية ،ورجع محمد بن وحبوب عن
موقفه السابق لتجنب النشقاق ( . ) 100
ويرى أبو يعقوب الوارجلني أن مسألة خلق القرآن أثارها أبو ساكن الديصاني وهو من أصل
فارسي جاء البصرة بغية إفساد المجتمع السلمي .وهو الذي أثرا هذه المسألة ( . ) 101وقد
تكون هذه القصة التي يرويها الوارجلني غير صحيحة لكنها تبين أن مثل هذه المناقشات التي
تؤدي إلى النزاع لم تكن محببة ،ولم تكن متوقعة من المسلمين .
( )1/201
وللباضية وجهات نظر مختلفة حول هذه المسألة .وفي عمان كانت هنالك ثلث وجهات نزر
يقول بها كبار علماء القرن الثالث للهجرة :
أ -من قال بأن القرآن هو كلمة ال ؛ هو ليس صفة له ،ول لذاته ول لعلمه .هذه وجهة نظر
قال بها أبو علي موسى بن علي ( ت ) 844 / 230وآخرون .
ب -من لم يتوصل إلى أي موقف حاسم من المسألة ،كلنهم قالوا بأن القرآن هو كلمة ال ووحيه
إلى الرسول ،وقالوا بأنها قضية قد يبقى المسلمون جاهلين لها ،منقسمين حولها ( مما يسع جهله
) .هذا هو موقف محمد بن محبوب .
ج -ومن رفض وجهة النظر القائلة بأن القرآن مخلوق واتخذوا موقف (( الوقوف )) ( التحفظ )
بالنسبة للذين قالوا بأن القرآن مخلوق .هذا هو موقف سليمان بن الحكم ،والوضاح بن عقبة ،
ومحمد بن هاشم ،وسواهم ( . ) 102وبقيت هذه القضية مسألة قام حولها الخلف بين إباضيي
(( الشرق )) حتى وقت لحق وقال أبو يعقوب الوارجلني ( ت 750هـ ) أنه سأل أحمد
الحضرمي في مكة عن القرآن ،فرد عليه (( :إن أهل عمان يقولون أنه غير مخلوق ،فيما
يقول أهل شرق أباض إنه مخلوق .أما بالنسبة لنا ،أهل حضرموت ،فإننا بين بين ،ل مع
هؤلء ول مع الخرين )) ( . ) 103على أ ،هذه الراء كانت تعتبر نتيجة الرأي الشخصي الذي
يسمح بالخلف من غير أن يؤثر على اليمان ( . ) 104
أما بالنسبة للباضية في شمالي إفريقيا فكانوا جميعا على رأي واحد يقولون إن القرآن مخلوق .
وأقدم وثيقة تعالج هذه المسألة هي رسالة ألفها المام الرستمي ،أبو اليقظان محمد بن أفلح ( ت
) 281ناقش المسألة بتفصيل مقدما حججا قوية لدعم عقيدة خلق القرآن ( . ) 105
( )1/202
وكانت العمال اللحقة لمؤلفين من إفريقيا الشمالية تتبنى الموقف نفسه كالمام محمد بن أفلح .
كيف حدث أن الباضية في شمالي إفريقيا تبنوا وجهة نظر واحدة واضحة حول هذه المسألة فيما
كان إباضيو الشرق مرتبكين بهذا الخصوص ؟ هل كان ذلك بسبب تأثير المعتزلة ،كما يقول
بعض العلماء الوروبيين ؟ وإذا صح ذلك فلماذا كان النفوذ في شمالي إفريقيا بالغ الفعالية فيما
هو أقل فعالية في الشرق ؟ ودعما لوجهة نظر نلينو القائلة بأن الباضية في شمالي إفريقيا تأثروا
بالمعتزلة بالنسبة لعقيدة خلق القرآن ،فالمرجح أن هذا التأثير وجد طريقة إلى علم الكلم
الباضي في شمالي إفريقيا بواسطة محمد بن أفلح ،المام الرستمي الذي وضع أول عمل حول
هذه المسألة .والمحتمل نه اقتنع بهذه العقيدة أثناء سجنه في بغداد في عهد أحد الخلفاء العباسيين
( . ) 106
ولما لم يكن أحد من الئمة الباضيين قبله في شمالي إفريقيا قد ناقش هذه المسألة فقد استطاع أبو
اليقظان أن يدخل وجهة نظره لول مرة ؛ ولكونه إمام الدولة الباضية كلها في شمالي إفريقيا فإن
أنصاره ارتضوا وجهة نظهر بالجماع .
ومن ناحية ثانية يحتمل أن تكون عقيدة خلق القرآن قد تطورت ،بصورة طبيعية ومستقلة ،على
أيدي علماء الباضيين على أساس نظريتهم في ذات ال وصفاته .على أنه برغم ذلك فإن
الباضية في مرحلتهم الولى لم يعالجوا هذه المسألة من هذه الناحية ؛ وحين عالجوها كانت
وجهة نظر المعتزلة حول خلق القرآن قد انتشرت في أوساطهم انتشارا واسعا .
المامة :
( )1/203
كانت مسألة المامة من الموضوعات التي عولجت في المرحلة الولى من تطور علم الكلم
الباضي .والحاديث التي رواها جابر بن زيد حول هذه المسألة قليلة جدا ؛ وحكم القرشيين
مذكور في أحدها كما يلي (( :ل يزال المر -يعني الولية -في قريش ما دام رجلن -
وأشار بإصبعيه -ولكن الويل لمن افتتن بالملك )) ( . ) 107غير أن هذا الحديث ل يذكر أن
للقرشيين حقا خاصا بالمامة .ومن ناحية أخرى هنالك عدد من الحاديث تتعلق بواجب الطاعة
للحكام ،وهي تذكر بوضوح أن طاعة أولي المر من أمر ال ورسوله ( . ) 108
ومن ناحية العملة ،لم يعترف الباضيون بإمامة أي شخص آخر غير أئمتهم ،مستثنين إمامة
عمر الثاني فقط .وقد قامت حركتهم على حافز العودة إلى الخلفة السلمية كما كانت في عهد
الخليفتين الراشدين الولين ،أبي بكر الصديق وعمر .ووجهوا نشاطاتهم منذ البداية نحو هذا
الهدف ،وأنشأوا أصول خاصة لمثل هذه النشاطات .ونقشت هذه الصول في باب خاص
بمراحل المجتمع السلمي -مسالك الدين . ) 109 ( -
من الراء الولى التي تكونت على أساس أحاديث الرسول هنالك رأيان إضافيان يجب أن
نذكرهما هنا :
- 1الشفاعة :وقد روى جابر بن زيد أن الرسول قال (( :ما منكم أحد يدخل الجنة إل بعمل
صالح ،وبرحمة ال وشفاعتي )) ( . ) 10ووفقا لحاديث أخرى رواها جابر بن زيد ،لم تكن
الشفاعة تحق لمن راتكبوا الكبائر .وروى أن الرسول قال (( :ليست الشفاعة لهل الكبائر من
أمتي )) ( . ) 111عند ذاك يحلف جابر أن ليس لهل الكبائر شفاعة لن ال قد أوعد أهل
الكبائر في كتابه وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لهل الكبائر ،فو ال ما عنى
القتل والزنى والسحر وما أوعد ال عليه النار ،وذكر أ ،أنس بن مالك يقول (( :إنكم لتعملون
أعمال هي أدق في أعينكم من الشعر ما كنا نعدها على عهد رسول ال ( صلى ال عليه وسلم ) ،
إل من الكبائر )) ( . ) 112
( )1/204
( )1/205
( ) 1أبو جعفر محمد بن جعفر ،الجامع ،مخطوطة ،جزء الديات 23؛ شرح الجامع الصحيح
. 432 / 3 ،
( ) 2الشوكاني ،نيل الوطار 17 - 16 ، 7 ،؛ الكليني ،الكافي 300 - 298 / 7 ،؛ شاخت
،مادة (( قصاص )) ،الموسوعة السلمية .
( ) 3شاخت نشأة . 264 ،
( ) 4أبو غانم ،المدونة ، 195 ، 134 ، 127 ، 119 ، 117 ، 116 ، 93 ، 50 ، 5 ،
، 364 ، 198الخ .
( ) 5المصدر السابق . 212 - 211 ، 198 ،
( ) 6المصدر السابق . 12
( ) 7القطب ،شرح النيل . 323 / 10 ،
( )8مقتطفات من روضة الشراق للطلعاتي ،مخطوطة 2؛ ذكر أن هذا الرأي أعطى من قبل
أبي ستة في حواشي ترتيب المسند ( .وهذا العمل الخير لبي ستة في زنجبار ،غير أنني لم
أستطع أن لطلع عليه ل مطبوعا ول مخطوطا ) [ .وهو رأي الشيخ بيوض ( ت 1981 :م ) ]
.
( ) 9ماسكيراي إي ،سيرة أبي زكريا ،الجزائر . 1878 ،
( ) 10موتيلنسكي ،عقيدة الباضية ،الجزائر . 1905 ،
( ) 11غولدزيهر في ، Revue de l'historie des Religionsعدد ، ) 1905 ( ، 52ص
232وما يليها ؛ نلينو Rapporti fra dogmatica Mu'tazilita e quella Ibaditi dell'" :
"Africa Settentrionaleفي ( ، R.S.O ، 7روما . 60 - 455 ، ) 18 - 1916 ،
الترجمة العربية بقلم عبد الرحمن بدوي ،التراث اليوناني ( ،القاهرة 210 - 204 ، ) 1946 ،
.
( ) 12تومبسون والخارجية والخوارج .في ، The Macdonald Presentaion Volum
برنستون ( . 386 ، ) 193
( ) 13مارينو " ، "Note di Teologia ibaditaفي A.I.O.N. ، 3 ، ( 1949 ) ، 299 -
. 313
( ) 14روبرتو روبيناتشي ، "La Professione di feda di al-Gannawuni" :في
. A.I.O.N. 14 ، ( 1964 ) ، 552 - 92
( ) 15ترتيون ،الفقه السلمي ،لندن ( . 7 ، ) 1947
( ) 16انظر ما تقدم . 57 ،
( ) 17الربيع بن حبيب ،المسند ،المجلدان 3و . 4
( )1/206
( ) 18توجد مناقشة تفصيلية للموضوع في كتاب الموجز لبي عمار عبد الكافي ،المخطوطة 1
[ 92 - 48 ،ط .عمار طالبي 351 / 1وما يليها ] .
( ) 19البقرة . 245 /
( ) 20البقرة . 245 /
( ) 21الفرقان . 46 /
( ) 22الربيع بن حبيب ،المسند . 43 - 42 / 3
( ) 23الربيع بن حبيب ،مسند . 44 / 3
( ) 24المصدر السابق . 45
( ) 25المصدر السابق . 51وللمزيد من التفاصيل ،انظر أبا عمار ،الموجز 92 - 48 / 1 ،
[ 351 / 1وما يليها ] ؛ البرادي ،البحث الصادق والستكشاف ،مخطوطة 155 / 2ب -
168أ ؛ الجيطالي ،شرح النونية ،مخطوطة . 168 - 151 / 1
( ) 26الربيع بن حبيب المسند . 50 / 3 ،
( ) 27المصدر السابق . 46 - 45 / 3 ،
( ) 28المصدر السابق . 50 - 49 / 3 ،
( ) 29المصدر السابق . 52 / 3 ،
( ) 30المصدر السابق . 50 / 3 ،
( )31المصدر السابق . 46 / 3 ،
( ) 32المصدر السابق . 49 / 3 ،
( ) 33المصدر السابق . 22 / 1 ،
( ) 34المصدر السابق . 37 / 3 ،
( ) 35المصدر السابق . 35 / 3 ،
( ) 36المصدر السابق 42 - 35 / 3 ،؛ وللمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع انظر
الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 181 - 170 / 1 ،؛ تبغورين بن عيسى ،أصول الدين 65 ،
. 69 -
( ) 37الربيع بن حبيب ،مصدر مذكور سابقا . 53 / 3 ،
( ) 38المصدر نفسه .
( ) 39المصدر نفسه .
( ) 40المصدر السابق . 60 - 19 / 3
( ) 41المصدر السابق . 39 - 38 / 3
( ) 42الربيع بن حبيب ،مصدر مذكور سابقا . 39 / 3 ،
( ) 43للمزيد من التفاصيل راجع ما يلي . 337
( ) 44التلتي ،شرح الديانات ،مخطوطة 4وما يليه .
( ) 45تبغوربن بن عيسى ،أصول الدين . 72 ، 69 - 68 ،
( ) 46الربيع بن حبيب ،المسند . 25 / 4 ،
( ) 47المصدر السابق . 13 / 3 ،
( ) 48المصدر السابق . 15 / 3 ،
( ) 49المصدر السابق . 13 / 3 ،
( ) 50المصدر السابق . 14 - 3 / 3 ،
( )1/207
( ) 51المصدر السابق . 14 / 3 ،
( ) 52المصدر السابق . 13 / 3 ،
( ) 53فنسينك ،أ .ج ، Concordanee et indices de la tradition Musulmane .
( لندن . 18 - 317 / 4 ، ) 1965 ،
( ) 54الربيع بن حبيب ،مصدر مذكور سابقا . 14 / 3 ،
( ) 55وات ،م Free Will and Predestination in Early Islam ، ( 1946 ) ، 40 .
وما يليها ؛ البرادي ،شفاء الحائم ،مخطوطة . 206 ،
( ) 56الدرجيني ،طبقات مخطوطة [ 32 - 231 ،ط .طلي ] 244 - 241 ،؛ الشماخي ،
سير . 85 ،
( ) 57المصدر السابق [ 85 ،ط .طلي . ] 244 ، 241 ،
( ) 58الدرجيني ،طبقات 222 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية . 74 / 2 ،
( ) 59الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا . 74 / 2 ،
( ) 60المصدر ذاته ؛ البرادي ،شفاء الحائم . 25 - 224 ،
( ) 61الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 222 ،ط .طلي . ] 233 ،
( ) 62الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 228 ،ط .طلي ] 241 ،؛ الجيطالي ،مصدر
مذكور سابقا . 75 - 74 / 2 ،
( ) 63النص الصلي (( من حل إلى حرم )) والترجمة "From a profane territory to a
. "sacred enclave
( ) 64الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 229 ،ط .طلي . ] 241 ،
( ) 65الجيطالي ،شرح النونية . 62 / 2 ،
( ) 66التلتي ،شرح الديانات ،مخطوطة . 9 - 7 ،
( ) 67الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا . 70 / 2 ،
( ) 68المصدر السابق نفسه .
( ) 69المصدر السابق . 68 / 2 ،
( ) 70مقتطفات إباضية ،البارونية ،جربة .
( ) 71انظر ما يلي . 256 ،
( ) 72الوارجلني ،العدل والنصاف ،مخطوطة 307 - 297 / 1؛ البرادي ،جواهر 96 ،
. 97 -
( ) 73فنسينك Muslim Creed 41 - 42؛ وللنص الباضي لهذا الحديث انظر الربيع بن
حبيب ،المسند . 15 / 1 ،
( ) 74نكولسون . Literary History of the Arabs ، 211 ،
( ) 75المبرد ،الكامل ( القاهرة . 179 / 2 ) 1364 ،
( )1/208
( ) 76رسالة عبد ال بن إباض إلى عبد الملك بن مروان ؛ البرادي ،جواهر . 165 ،
( ) 77انظر هذا البحث ،ص . 84 ،
( ) 78الكندي ،بيان الشرع ،مخطوطة . 484 - 483 / 3
( ) 79البغدادي ،الفرق بين الفرق . 87 - 86 ،
( ) 80سليمان الباروني ،أزهار . 58 - 255 ،
( ) 81الوارجلني ،الدليل 103 ،ب .
( ) 82الجيطالي ،شرح النونية . 39 - 238 / 2 ،
( ) 83المصدر السابق . 221 / 2 ،
( ) 84أبو عمار ،شرح الجهالت 28 ،أ 39 ،أ 41 -ب ؛ الجيطالي مصدر مذكور سابقا ،
. 213 / 2
( ) 85المصدر السابق 214 - 213 / 2 ،؛ أبو عمار الموجز 65 - 58 / 2 ،؛ شرح
الجهالت 90 ،أ 91 -ب .
( ) 86الجيطالي ،قناطر الخيرات ( طبعة كاتب هذا الكتاب ) . 371 / 1
( ) 87الربيع بن حبيب ،المسند . 6 - 2 / 3 ،
( ) 88الجيطالي ،شرح النونية . 223 - 222 / 2 ،
( ) 89تبغورين بن عيسى ،أصول الدين ، 34 - 21 ،انظر أدناه . 275
( ) 90الجيطالي ،قواعد ،انظر أدناه ،النصوص المحققة . 25 / 1 ،
( ) 91انظر أدناه 275وما يليها .
( ) 92وات ،م . Islamic Philosophy and Theology ، 12 .
( ) 93أبو الفرج الصفهاني ،الغاني [ 132 / 23 ،ولم أجد فيه قوله :أو مبتدعا . ]....
( ) 94الوارجلني ،الدليل 66 ،أ .
( ) 95الكندي ،بيان الشرع ،مخطوطة . 485 / 3
( ) 96الربيع بن حبيب ،المسند . 31 / 4 ،
( ) 97المصدر السابق . 90 / 2 ،
( ) 98المصدر السابق . 15 ، 6 / 3 ،
( ) 99المصدر السابق . 19 / 4 ،
( ) 100المصدر السابق . 40 / 3 ،
( ) 101انظر أدناه 239وما يليها .
( ) 102الربيع بن حبيب ،مصدر مذكور سابقا . 16 / 3 ،
( ) 103المصدر السابق . 16 / 3 ،
( ) 104المصدر السابق . 17 - 16 / 3 ،
( )1/209
( )105القطب ،شرح النيل ، 383 / 10انظر أيضا الشهرستاني ،الملل [ 176 / 1 ،وفيه :
ميمون بن خالد ] .يعزو وربيناتشي في Religion in the Middle East ، 11 ، 309هذه
النظرة إلى الباضيين .
( ) 106ابن النديم ،الفهرست ( القاهرة ) . 40 ، 1348
( ) 107صبحي الصالح ،مباحث في علوم القرآن . 159 ،
( ) 108عبد ال بن يزيد الفزاري ،كتاب الردود ،مخطوطة . 33
( ) 109الخميس بن سعيد ،المناهج ،البارونية ،مخطوطة ، 1القول السادس عشر ؛
البرادي ،شفاء الحائم ،مخطوطة 86 - 285؛ السالمي ،تحفة العيان . 129 - 128 / 1 ،
( ) 110المصدر السابق نفسه .
( ) 111الوارجلني ،الدليل 7 ،أ .
( ) 112البرادي ،شفاء الحائم . 285 ،
( ) 113المصدر السابق 286؛ الوارجلني ،الدليل 149 ،أ .
( ) 114المصدر السابق نفسه .
( ) 115هذه الرسالة موجودة في كتاب الجواهر للبرادي . 201 - 182 ،
( ) 116ابن الصغير [ Chronique sur les Imams Rostemides ، 27 - 30 ،ط .دار
الغرب السلمي 65 - 64 ،تحقيق د .محمد ناصر وإبراهيم بحاز ] .
( ) 117الربيع بن حبيب ،المسند . 18 / 1 ،
( ) 118المصدر السابق 19 - 18 / 1 ،؛ . 10 / 3وللمزيد من التفاصيل انظر ج .
ولكنسون ،عمان ( أطروحة دكتوراه ،اوكسفورد 88 - 64 ، ) 1969 ،والملحق : Fالمام
وصلحياته .
( ) 119انظر أدناه 275وما يليها .
( ) 120الربيع ،مصدر مذكور سابقا . 31 / 4 ،
---
( )1/210
( )1/211
من الصعب أن تقرر بالنسبة لوجهات نظر معينة :هل جاءت نتيجة تطور طبيعي داخل الفرقة
بالذات ،أم نتيجة تأثير خارجي .إن غالبية المناقشات الولى للمسائل الكلمية من قبل العلماء
المسلمين كانت مبنية بطريقة أو بأخرى على أساس القرآن وسنة الرسول ،وعلى تفسير هذا
المصدر أو ذاك ،وعلى درجة المنطق الذي استخدمه هؤلء الفقهاء في تفسيرهم .
هنالك فارق أساسي بين الباضية والمعتزلة هو أن المعتزلة معروفون باستخدام الساليب
العقلنية في الكلم ( ) 5وبقلة مراعاة الحديث ( ) 6في حين أن الباضية لم يأخذوا بالمنطق
عند توفر الحديث الموثوق .أما بالنسبة للنشأة فإن غالبية وجهات النظر الباضية كانت قد
استقرت وقت طويل من وجهات نظر المعتزلة .
وإذا أخذنا هاتين النقطتين بعين العتبار ،بقي احتمال بقاء نقطة واحدة فقط من النقاط الست
المذكورة أعله خاضعة لتأثير المعتزلة على الكلم الباضي ،وهي خلق القرآن .إن جميع
النقاط الخرى كانت المراجع الباضية قد حددتها في مرحلة باكرة .والواقع أنها كانت قد
تحددت من قبل الصحابة على أساس أحاديث منقولة عن الرسول بتسلسل السناد .ولم يكن دور
المرجع الباضية غير سرد هذه الراء واعتمادها .
وقد سبق أن ذكرنا أن عددا كبيرا من الحاديث المدونة في المجموعات الباضية للحاديث تذكر
بوضوح استحالة رؤية الخالق في اليوم الخر وترفض جميع أشكال التشبيه أما بالنسبة لكون
صفات ال غير إضافية ،فإن هذا الموقف اتخذ للتأكيد على وحدانية ال وهي أساس في العقيدة
السلمية .
وبالنسبة للمسألتين الخريين اللتين تتعلقان بدوام العقوبة للمسلمين الذين يرتكبون الكبائر ،
بالشفاعة وغفران ال لولئك الذين اقترفوا الكبائر ،فقد عالجهما جابر بن زيد أول إمام للمذهب
الباضي ،على أساس اليات القرآنية وأحاديث الرسول .
( )1/212
لقد نشأت المسألة من الية التالية ( :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخل كريما ) ( . ) 7ووفقا لبن عباس أن ارتكاب ما ينهون عنه في القرآن هو إحدى
الكبائر ،وارتكاب ما تنهى عنه السنة يعتبر معصية .والغفران المذكور في الية السابقة متعلق
بالسيئات فقط ،أي بالمعاصي ،وبذلك تبقى جميع الكبائر سببا للوعيد ( . ) 8
وهنالك آيات أخرى تتناول هذه المسألة :
( - 1إن ال يغفر الذنوب جميعا ،إنه هو الغفور الرحيم ) ( . ) 9
( - 2إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ( . ) 10
( - 3إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما ) ( . ) 11
( - 4ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ) ( . ) 12
في الية الولى لم يحدد ال شرطا للغفران ،وفي الية الرابعة لم يشترط أي شرط للعقوبة
الدائمة للذين يعصون ال ورسوله ،وهكذا فإن اليتين هما بمثابة قول عام حول المسألة .أما في
الية الثانية وفي الية الثالثة فقد فرض التوبة شرطا لغفرانه ؛ ولقد قال أيضا ( :وإني لغفار لمن
تاب ) ( . ) 13
ونشأ الخلف في الرأي حول هذه المسألة بالنسبة لرادة ال في ما يتعلق بغفران الذنوب التي هي
دون الشرك .وكان رأي جابر بن زيد أن (( ال أبلغنا مشيئته بالنسبة للمغفرة .إذ قال أنه يريد
أن يغفر على التوبة (.وإني لغفار لمن تاب ) ( . ) 14وبما أن القرآن يذكر أن الذين يعصون
الخالق ورسوله يخلدون في نار جهنم إلى البد ،فل مبرر لعدم تنفيذ ذلك إل إذا تابوا ،كما هو
مبين في القرآن فالتوبة فقط هي التي تنقذهم من الخلود في النار .
وبالنسبة للشفاعة فقد روى جابر بن زيد عددا من الحاديث عن الرسول بخصوص أولئك الذين
يستحقون الشفاعة .وقد ذكر جابر بوضوح أن الشفاعة ليست للخاطئين الذين لم يتوبوا قبل أن
يموتوا ( . ) 15
( )1/213
أما بالنسبة لخلق القرآن ،فقد كانت للباضية كما سبق أن شرحنا ،ثلثة آراء مختلفة ،أحدها أن
القرآن مخلوق .ولقد نظروا إلى هذه المسألة كواحدة من تلك المسائل التي يمكنهم أن يختلفوا
حولها بناء على حكم شخصي أو اجتهاد .وهي لذلك ليست من العقائد الساسية التي ينبغي اتخاذ
نظرة معينة بشأنها ،كما هي الحال بالنسبة للمعتزلة .إن احتمال تأثير المعتزلة في هذه القضية
ذكر من قبل .والظاهر أن هذا الحتمال ل يمكن إنكاره لن الباضية لم يناقشوا المسألة من هذه
الزاوية قبل أن أثارها المعتزلة .
ومع أن الباضية والمعتزلة اعتمدوا وجهات النظر نفسها حول هذه العقائد المذكورة أعله ،
فالحقيقة هي أ ،الباضية كانوا قد صاغوا وجهات نظرهم حول هذه المسائل في مرحلة سابقة ؛
وقد كانت قائمة على أحاديث مروية عن الرسول أو على آراء بعض الصحابة بالنسبة لتفسير
آيات قرآنية معينة عالجت بعض تلك العقائد .
ومن ناحية أخرى ،عارض الباضية بقوة بعض وجهات نظر المعتزلة الساسية ،حول القدر ،
والرادة اللهية والمنزلة بين المنزلتين .
وبالنسبة للمسألتين الوليين ،أي القدر والرادة اللهية ،قال الباضية إن ال هو خالق النسان
وأعماله ،وأن النسان هو الذي يقوم بعمله .وبالنسبة للرادة اللهية ،قال الباضية إن كل
شيء يحدث في هذا العالم ،سواء كان صالحا أم سيئا ،هو بإرادة ال ،ثم إن هذين الرأيين
تبناهما الشاعرة .
وطور المعتزلة بين المنزلتين للحالة التي تقع بين اليمان والشرك ؛ ورفضوا أن يعتبروا مرتكب
الكبيرة ،مؤمنا كما فعل المرجئة ،وكذلك رفضوا أ ،يعتبروه كافرا كفر نعمة ،وعتبروه فاسقا
في منزلة بين المنزلتين ،قاصدين بذلك أنه ل هو بمؤمن ول هو بكافر .وميز الباضية موقفهم
حيال هذه المسألة بالمبدأين التاليين :
( )1/214
) 1إن المنزلة بين المنزلتين تفترض منزلة نفاق بين اليمان والشرك .وهو موقف معارض
للمرجئة الذين رفضوا النظر إلى مرتكب الكبيرة بأنه غير مؤمن ؛ وهو معارض للخوارج الذين
نظروا إلى كل من يرتكب الكبائر أنه مشرك .
) 2ل منزلة بين المنزلتين ،أي أنه ل منزلة بين اليمان والكفر .وعندهم أن أولئك الذين ل
يمارسون تعاليم الدين هم (( كفار النعم )) .وهو موقف موجه ضد نظرة المعتزلة إلى هذه
القضية .وبالنسبة للباضية إن عبارات الفسق والنفاق وكفر النعمة واحدة وهي تعني نفاقا .إن
الذي يقع في هذه الفئة ل هو بمؤمن ول هو بمشرك لكنه كافر نعمة ،أو منافق كالمنافقين في
زمن الرسول عليه السلم .
=========================================
( ) 1المصدر السابق . 32 - 31 / 4 ،
( ) 2المصدر السابق . 32 - 31 / 4 ،
( ) 3المصدر السابق نفسه .
( ) 4المصدر السابق نفسه .
( ) 5الفتح . 2 /
( ) 6الربيع بن حبيب ،مصدر مذكور سابقا . 34 - 32 / 4 ،
( ) 7المصدر السابق 33 - 31 / 2 ،الحاديث . 490 ، 487 ، 483
( ) 8المصدر السابق . 32 / 2 ،
( ) 9الجيطالي ،قناطر الخيرات ( تحقيق كاتب الكتاب ) . 490 - 316 / 1 ،
( ) 10الربيع بن حبيب ،المسند . 37 - 26 / 4 ،
( ) 11غولدزيهر في . Revue de l'Histoire des Religions ، 52 ، 232
( ) 12نلينو Rapporti far la dogmatica Mu'tazilita e quella degli Ibaditi dell :
، Africa Settentrionaleفي . Revista degli Studi Orientali ، 7 / 955 - 60
( ) 13اربري ،محقق عام ، Religion in the Middle East ،روبيناتشي Ibadis )) (( ،
. ، 2 / 309
( ) 14تومسون (( :الخارجية والخوارج )) . Macdonald Presentstion ، 386 ،
( ) 15وات . Islamic Philosophy and Theology ، 61 ،
---
( )1/215
( )1/216
وكانت مسألة القدر تربك بعض الباحثين الباضية ،وتبنى البعض منهم وجهات نظر القدرية .
وبين هؤلء حمزة الكوفي ،والحارث بن مزيد الباضي ،وعالم آخر يدعى عطية من خراسان (
. ) 4لقد كانوا جميعا متأثرين بوجهة نظر القدرية بشأن خلق العمال ،أي أن النسان هو خالق
أعماله ،ل ال ؛ وعارضهم أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة بقوة ،ومن ثم نبذهم الباضية ( ) 5
.
والمسألة الثانية التي ظهرت حولها الخلفات بين الباضية في هذه المرحلة هي عقيدة الولية
والبراءة .ويروى أن شابا إباضيا يدعى عبد الرحمن بن المؤسر قال إن جميع الناس هم أهل
ولية ،إل من ظهر لي منه ما أبر به منه .وحاول والده وعلماء آخرون أن يحملوه على تغيير
آرائه وتصحيحها ،لكنه رفض تغييرها .فخلعوه وبرؤا منه وأعملوا الناس أنه ليس منهم ( . ) 6
وهنالك حادثة أخرى ذات طبيعة مماثلة جرت خلل هذه المرحلة .فقد وجد الحارث بن تليد إمام
طرابلس الباضي ،وقاضيه عبد الجبار بن قيس المرادي قتيلين ،وسيف كل واحد منهم مغروس
في جسم الخر ؛ لم يعلم أحد هل كان أحدهما هو الذي قتل الخر ؛ وإذا كان المر كذلك ،فمن
المخطئ منهما ؟ وكانت المسألة :هل يبقيان في حالة الولية أم ينقلن إلى حالتي الوقوف أو
البراءة ( . ) 7ونشأت بالتالي آراء متناقضة حول الموضوع بين الباضية في شمالي إفريقيا ثم
عرضت القضية على أبي عبيدة في البصرة للحسم فيها ( . ) 8
( )1/217
وهنالك مسألة أخرى يورى أنها نشأت خلل النقاش في المجتمع الباضي حول مسألة ثبوت
الحجة .ولقد دار النقاش فيها حول قضية افتراضية عن مسيحي لم يكن قد سمع بنبي السلم ،
وهدى مجوسيا إلى اعتناق المسيحية .وجاء عدد من الشبان الباضيين إلى أبي عبيدة برأي
غريب هو أن المسيحي مسلم لنه لم يكن قد سمع بالنبي محمد ،وأن المجوسي كافر برغم
اعتناقه المسيحية .ولكن أبا عبيدة رفض وجهة نظرهم هذه وبرئ منهم ( . ) 9وهذه النظرة
أثيرت من قبل الفرقة الحسينية في وقت لحق ( . ) 10
بعد وفاة أبي عبيدة نشأ مجال نزاع واختلف في الرأي ؛ إذ فقدت الحركة الباضية بموته قيادة
قوية حافظت على وحدة الحركة وأمنت قرارات حاسمة حول المسائل التي كانت تنشأ بين الحين
والخر .وتوسعت الحركة ،ولكن الربيع بن حبيب الذي خلف أبا عبيدة بصفته قائدها الديني ،
أخفق في كسب الدعم له والقبول به من قبل جميع معاصريه .وفي هذه الفترة بدأ ظهور الفئات
الباضية المنشقة .
سنعالج هنا أول الحركة الصلية أو التيار الساسي في المذهب الباضي ،وهو الذي عرف
بالوهبية .وبعد عرض وجهات نظرهم الساسية يمكن بالتالي فهم طبيعة الخلف بين
المجموعات الباضية .
-1الوهبية :
تميز التيار الساسي في الحركة الباضية في شمالي إفريقيا باسم الوهبية ،وهنالك آراء متعددة
حول نشأة هذه التسمية .ويقول ابن الدقيق إنها سميت بذلك على اسم عبد الوهاب ،المام
الرستمي الثاني ( ) 11وهذا الرأي نفسه رواه ابن الصغير على أنه أنكر المعرفة بمصدره ( 12
).
( )1/218
واستعمل القلهاتي في كتابه (( الكشف والبيان )) اسم الوهبية للباضيين بوجه عام وذكر أن
التسمية هي على اسم عبد ال بن وهب الراسبي ( . ) 13واعتمد الباحثان الباضيان المعاصران
في شمالي إفريقيا ،محمد يوسف اطفيش وعبد ال الباروني ،هذا الرأي نفسه وقال بأن الوهبية
هي على اسم عبد ال بن وهب ل عبد الوهاب .وحجة اطفيش أن التسمية لو كانت على اسم عبد
الوهاب ،لكان يجب أن تكون وهابية ل وهبية ( . ) 14ولكن هذا الرأي يستند إلى قواعد اللغة
العربية فقط .
يجدر بنا أن نذكر هنا أن السم استعمل بالدرجة الولى من قبل البربر في شمالي إفريقيا ،ومن
الممكن أن الشكل الصحيح للسم حور لتسهيله على النطق البربري ،فأصبح الوهبية بدل من
الشكل الصحيح وهو الوهابية .والحقيقة الخرى التي تدعم القول بأن اسم الوهبية مشتق من عبد
الوهاب هو أن السم لم يظهر قبل معارضة النكار لمامة عبد الوهاب ،وهي المعارضة التي
شقت المة الباضية في شمالي إفريقيا إلى فريقين ،أتباع يزيد بن فندين الذين سموا بالنكار
وأتباع عبد الوهاب الذين كان يجب أن يسموا بالوهابية ،على اسمه ،كما أشير من قبل ،ولكن
السم عدل فأصبح الوهبية .
( )1/219
وتمثل الوهبية التيار الرئيس للباضية في شمالي إفريقيا .وقد لعبت الدور الهم في الميدانين
السياسي والفكري ،وهي المجموعة الوحيدة التي تمكنت من أن تستمر بوجودها حتى الونة
الحاضرة .نحن مدينون إلى هذه المجموعة وإلى أدبها بخصوص كل المعلومات هن المجتمعات
الباضية ونشاطاتها في الماضي .وبما أن هذا الفصل معني بالدرجة الولى بالفروق الكلمية
بين المجموعات الباضية المختلفة ،فإنه من المفيد أن نقدم هنا ترجمة (( للعقيدة )) الوهبية كما
كتبها أبو ساكن عامر بن علي الشماخي ( ت 592هـ ) .وللمزيد من التفاصيل عن الراء
الكلمية للوهبية وعقائدها تتوفر دراسات اختصاصية للطلع عليها باللغتين الفرنسية واليطالية
( . ) 15
=============================
( ) 1شاخت . Origins of Mohammadan Jurisprudence ، 258 ،
( ) 2النساء . 31 /
( ) 3الوارجلني ،الدليل 84 ،ب .
( ) 4الزمر . 53 /
( ) 5النساء . 48 /
( ) 6النساء . 31 /
( ) 7الجن . 23 /
( ) 8طه . 82 /
( ) 9الوارجلني ،مصدر مذكور سابقا 48 ،ب .
( ) 10انظر ص ، 185 ،من هذا البحث .
( . Studia Islamic ( 9 ) ، 71 - 82 ) 11
( ) 12الشماخي ،سير . 83 ،
( ) 13المصدر السابق نفسه .
( ) 14الدرجيني ،طبقات ،مخطوطة [ 32 - 231ط .طلي ] 244 - 243 ،؛ الشماخي ،
مصدر مذكور سابقا . 85 ،
( ) 15المصدر السابق نفسه .
---
( )1/220
( )1/221
( )1/222
وندين بأن ال يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر .ول يغفر الكبائر إل بالتوبة .
وندين بتكفير المرأة الفاسقة التي تؤتي فيما دون فرجها .
وندين بتكفير أهل التأويل المخطئين في تأويلهم .
- 9السماء والحكام :
وندين بأن السماء تابعة للحكام .
وندين بأن أحكام الموحدين ليست كأحكام المشركين ،وأحكام المشركين ليست كأحكام الموحدين .
وندين بأن أحكام الموحدين بينهم واحدة إل في الولية والتسمية باليمان فإنها ل يستحقها إل
المؤمن الموفي بدينه .
وندين بأن أهل الكتاب اليهود والنصارى والصابئين ليسوا بمؤمنين ولكنهم مشركون .
وندين بتكفير من بدل أحكام ال وأحكام رسوله .
وندين بتكفير من أنكر الرأي والسنة .
وندين بأن حجة ال على عباده الكتب والرسل .
وندين بأن ل هجرة بعد فتح مكة .
وندين بأن معرفة ال ل تنال بالتكفير ول بالضطراب ،وإنما تنال بالكتاب والتعليم .وذلك يصح
بعد مخبر منبه على ذلك .
- 2النكار :
تعود بذور مجموعة النكار المنشقة إلى زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وهم عدد من تلمذته
الفكريين الذين امتلكوا أو طوروا جهات نظر معينة حول المسائل العقدية والفقهية وهم عبد ال بن
عبد العزيز ،وأبو المعروف شعيب ،وأبو المؤرخ عمرو بن محمد ،وحاتم بن منصور ،وعبد
ال بن يزيد الفزاري .لقد عبر هؤلء عن بعض أفكارهم أثناء حياة أبي عبيدة ،لكنه أنركها
عليهم وطردهم من المجالس ( . ) 7ويقال إنهم ندموا وتابوا ،وسمح لهم بالعودة إلى مجالس
الباضية والسهام في نشاطات المجموعة الباضية في البصرة ( . ) 8لكنهم عادوا بعد وفاة أبي
عبيدة فأكدوا على وجهات نظرهم .وترك المر للربيع بن حبيب ،خليفة أبي عبيدة ،كي يرفض
وجهات نظرهم ويشجبهم ( . ) 9
( )1/223
هؤلء أنفسهم هم الذين أسسوا أهم مجموعة إباضية إلى جانب المذهب الباضي الصلي والرئيس
،أي الوهبية .وقد بدأ أساس حركتهم كمعارضة سياسية للوهبية في شمالي إفريقيا ،لكن الجانب
الفكري للحركة بدأ وتطور على أيدي هؤلء العلماء في البصرة .
عرفت هذه المجموعة المنشقة بالنكار لنكارهم إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ( 10
) .وعرفوا كذلك بأسماء أخرى :الناكثة ،أو النكاثة ،أو النكاث ،من كلمة (( نكث )) أي
(( نكر )) لنهم نكثوا اليمين التي قطعوها لعبد الوهاب ( ) 11؛ أو بالنجوية من كلمة نجوى ،
أي الخديعة السرية التي عرفت عنهم عند مناقشة مسألة المامة بعد وفاة المام الرستمي الول
واختيار ابنه عبد الوهاب ( . ) 12وكذلك أطلق عليهم اسم الملحدة لنهم الحدوا بالنسبة لسماء
ال ( ) 13؛ أو باليزيدية على اسم فقيههم عبد ال بن يزيد الفزاري ،أو ربما على اسم زعيمهم
السياسي في تاهرت ،يزيد بن فندين ( ) 14؛ أو بالشغبية بسبب الشغب الذي أحدثوه ( ، ) 15
وبالمستاوة نسبة إلى اسم إحدى قبائل البربر الرئيسة المؤيدة لهم ( . ) 16
والواقع أن فرع النكار في المذهب الباضي كان حركة متكاملة متماسكة ،حاولت أن تكون
مستقلة عن حركة الباضية الم .لقد طوروا آراءهم العقدية واتبعوا رأي أئمتهم الخاصة في الفقه
.ووفقا للمؤرخين الباضيين ،فقد كان النكار يتبعون عبد ال بن عبد العزيز ،وأبا المؤرخ ،
وحاتم بن منصور في الفقه ،وعبد ال بن يزيد الفزاري في الكلم ( . ) 17
( )1/224
كان عبد ال بن يزيد الذي وضع السس الكلمية للمجوعة الباضية يعيش في الكوفة ( القرن
الثاني -القرن الثالث للهجرة ) .ويقول المسعودي أنه كان (( جرازا )) أي صانع أحذية ،
اختصاصيا في صناعة الجلد ،كما كان شريكا تجاريا للحكم بن هشام .وكان أتباعه يأتون إليه
في محله في الكوفة ليتعلموا منه ( ، ) 18وكتب عددا من الكتب في الكلم .ونسب ابن النديم
إليه المؤلفات التالية :كتاب التوحيد ؛ كتاب الرد على المعتزلة ؛ كتاب الرد على الرافضة ؛
وكتاب الستطاعة ( . ) 19
وحين كنت أبحث في مجموعات خاصة من المخطوطات الباضية في شمالي إفريقيا ،عثرت
على أحد الكتب المنسوبة إلى عبد ال بن يزيد عنوانه :كتاب الردود ( . ) 20وهذا الكتاب ،
على ما هو معلوم حتى الن ،هو العمل الوحيد الباقي لفقيه نكاري ،غير أن هنالك أمل كبيرا
باكتشاف المزيد من مخطوطات آدابهم في زواره ( ليبيا ) وجربة .
لقد سبق أن ذكرنا أن الزعماء النكاريين بدأوا حركتهم بمعارضة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة
حول بعض القضايا ،ومنها أ ،المسلمين الذين يؤمنون بآراء تشبيهية حول الخالق هم مشركون (
. ) 21كذلك قالوا أن ولية ال تتغير وفقا لحالة الشخص ؛ فإذا ما قام بأعمال صالحة نال ولية
ال ،وإذا ما ارتكب الذنوب فقد تلك الحالة ( . ) 22كذلك كان لهم رأي مغاير حول مسألة
الحارث وعبد الجبار وأعلنوهما في حالة (( وقوف )) ( . )23ولقد واجهوا معارضة قوية على
هذه الراء وعلى غيرها من الراء الفقهية من قبل أبي عبيدة ثم خليفته الربيع بن حبيب .
( )1/225
وعند وفاة المام الرستمي الول في تاهرت واختيار ابنه عبد الوهاب خليفة له ،تكشفت الهداف
السياسية للنكار ،وقامت التصالت بين النكار في المغرب وأنصارهم في الشرق .وكان أبو
قدامة يزيد بن فندين من بني يفرن ،أحد فروع قبيلة زناية من البربر ،وأحد القادة الباضيين في
شمالي إفريقيا وأحد الرجال الستة الذين منهم اختير إمام تاهرت الثاني عبد الوهاب ،قد رفض أن
يعلن ولءه للمام الجديد ما لم يوافق على شرط عدم اتخاذ أي قرار إل بموافقة جماعة معينة (
. )24ورفض بقية قادة الباضية في شمالي إفريقيا هذا النذار وأصبح عبد الوهاب المام الثاني
للدولة الباضية .وأنكر يزيد بن فندين وأنصاره إمامة عبد الوهاب ،وحاول بعضهم اغتياله .
وبسبب إخفاقهم اضطروا أن يقاوموه علنا خشية أن يعاقبهم على محاولتهم الفاشلة ( . )25وبعد
فترة من القتال ،اتفق الطرفان على الكتابة إلى العلماء الباضيين في الشرق بخصوص نزاعهم
وانتظار ردهم لتحديد المخطئ .
وفي الطريق ،قصد الموفدون أبا المعروف شعيب الذي كان في مصر آنذاك وشرحوا له الوضع
في تاهرت ،ثم قصدوا مكة حيث اجتمعوا بالربيع بن حبيب ،ووائل بن أيوب ،وأبي غسان
مخلد بن العمرد ،وسواهم .وقدم الوفد لهم الرسائل التي يحملونها من شمالي إفريقيا ،وعرضوا
لهم الوضع ثم عادوا بردهم ( . )26
ويتبين من رد الشيوخ الباضيين في الشرق ،أي الربيع وزملئه ،أن النزاع بين الباضيين في
شمالي إفريقيا قام على المسألتين التاليتين :
) 1الشروط المفروضة على المام .
) 2إمامة المفضول مع وجود الفضل ( . ) 27
وجاء حكم الربيع وزملئه حول هاتين المسألتين لصالح عبد الوهاب وفريقه .لقد تقرر أنه ل
يجوز وع شروط على المام ،وأنه يمكن لكل شخص مناسب أن ينتخب إماما حتى ولو توفر
آخرون متفوقون بصفاتهم عليه ( . ) 28
( )1/226
أما شعيب بن المعروف فتوجه إلى تاهرت وانضم إلى المتمردين الذين كانوا يقاومون عبد
الوهاب قبل وصول الرد من العلماء الباضيين في (( الشرق )) .وقتل يزيد بن فندين وهزم
فريقه ،وعاد شعيب إلى طرابلس حيث واصل معارضته الدبية لعبد الوهاب ( . )29ولدى
سماع النبأ بموقف شعيب ونشاطاته المعادية للمام عبد الوهاب ،عمد الربيع بن حبيب وزملؤه
إلى التنصل منه ( . ) 30وكان من شأن هذا الموقف الذي اتخذه الربيع أن يدفع بقية فريق ابن
فندين إلى التعاطف مع خصوم الربيع بين العلماء الباضيين في الشرق ومنهم شعيب بن
المعروف ن وعبد ال بن عبد العزيز ،وعبد ال بن يزيد وسواهم .هكذا وقع التلحم بين طرفي
الحركة النكارية ،الشرقي والغربي .
ونمت المجموعة النكارية في شمالي إفريقيا وكونت هيئاتها ومجالسها العزابة ( . ) 31ومع بداية
القرن الرابع للهجرة حاولت إقامة إمامتها بقيادة أبي يزيد مخلد بن كيداد من بني يفرن ،وهي
نفس قبيلة البربر التي منها يزيد بن فندين مؤسس الحركة النكارية .وبين 336 - 316هـ
تغلب أبو يزيد على القسم الكبر من وسط شمالي إفريقيا لكنه هزم وصرع على يدي الحاكم
الفاطمي المنصور بن القاسم سنة 336هـ ( . )32
وانتشرت النكارية في مختلف أنحاء شمالي إفريقيا ثم وجدت طريقها إلى الندلس أيضا حيث
كانت قوية إلى حد كاف لتؤسس لها دولها الخاصة بها في بعض المدن ( . ) 33ووفقا لما قاله
ابن حزم كان غالبية الخوارج في الندلس ينتسبون إلى الفرع النكاري من الباضية ( . )34
( )1/227
إن أدب النكار المتوفر لنا محدود جدا ول يمكن له أني غطي جميع نواحي وجهات نظرهم .
ولذلك يجد المرء نفسه ملزما بدارسة وجهات نظرهم كما يقدمها لنا الباضيون الوهبيون .إن
وجهات نظرهم موجودة بالدرجة الولى في عملين صغيرين مخصصين لموضوع الفرق
السلمية .والعمل الول رسالة صغيرة لبي عمرو عثمان بن خليفة السوفي ( في النصف
الول من القرن السادس للهجرة ) عنوانها (( رسالة في بيان كل فرقة )) ( ، ) 35وهي تحتوي
على عرض مفيد لراء الفرق السلمية .والعمل الثاني هو قصيدة ( أرجوزة ) من 11بيتا من
تأليف الشيخ صالح بن إبراهيم بن أبي صالح المصعبي ( ) 36وهي في نفس موضوع رسالة
أبي عمرو .ثم إن شروح وجهات نظر النكار معروضة في العمال التاريخية العقدية للباضية
في شمالي إفريقيا .
وقد قدم أبو يعقوب الوارجلني العرض التالي للنكار (( :ليس في جميع المذاهب من هو أقرب
إلينا ،وهو في الوقت نفسه أيضا أبعد ما يكون عن السوء والكبرياء ،والجهل ،والنكد )) (
. ) 37
أما أبو عمرو عثمان بن خليفة فوصفهم كما يلي (( :هم فئة بعيدة جدا عن الحق ،بطبيعة
مريبة ،وآراء ذميمة )) ( . ) 38
وعلى أية حال فقد اعتبر الباضية الوهبية النكار كفار نعمة ،وكانت العلقة بين الفريقين ذات
طبيعة عدائية .وفيما يلي معتقدات النكار التي اختلفوا بشأنها عن الباضية الوهبية :
) 1أسماء ال مخلوقة .
) 2حجة ال ليست ملزمة .
) 3ولية ال للمسلمين متقلبة .
) 4قالوا بالوقوف في مسألة الحارث وعبد الجبار .
) 5اتخذوا موقف الوقوف بالنسبة لجميع الطفال .
) 6ل يلزم العلم بالفرائض عدا التوحيد .ولكن يلزم العمل بتلك الفرائض .
) 7ال لم يأمر الناس بالنوافل .أو أن النوافل غير مأمور بها .
) 8المسلمون الذين يؤمنون بالتشبيه في حق ال هم مشركون .
) 9النساء اللواتي يؤتين بما دون الفرج ،والرجال الذين يرتكبون فاحشة المفاخذة ليسوا كفارا .
( )1/228
) 10إن الذي يسرق ما دون ربع دينار ل يعاقب ول يعتبر كافرا لنه لم يسرق المبلغ الذي
يجعله معرضا للعقوبة الشرعية .
) 11النظر بشهوة من النساء والرجال والقبلة ودخول الحمامات من غير إزار وإهانة الخرين ؛
هذه كلها صغائر ل كبائر .
) 12صلة الجمعة في عهد الحاكم الجائر غير جائزة .
) 13عطايا الحكام الجائرين غير جائزة .
) 14الحرام المجهول مباح .
) 15تناول الخمرة بسبب التقية مباح .
) 16ل تجوز إمامة رجل إذا كان في المسلمين من هو أعلم منه .
) 17المامة ليست واجبة .
) 18يجب دعوة المشركين إلى الشهادة ،وإعلن البراءة من أهل البدع .
) 19المرأة المرتدة ل يجوز أن تقتل .
) 20بالنسبة للقضايا التي تختلف فيها آراء الفقهاء ،يكون الصواب مع واحد ويحظر على الناس
أن يختلفوا معه ( . ) 39
هذه هي غالبية نقاط الخلف بين النكار والباضية الوهبية كما يعرضها هؤلء .ويتوقع لكتشاف
أعمال النكار أنفسهم ولعمال وهبية أخرى أن يسهم في تكوين فكرة أوضح عن النكار وآرائهم .
وإلى جانب النكار تذكر المصادر الباضية ست مجموعات أخرى منشقة كانت لها آراء مختلفة
عن آراء الوهبيين ....ثم إن اثنين منها تأسستا لسباب سياسية هما الخلفية والنفاثية .
- 3الخلفية :
الخلفية هم أتباع خلف بن السمح ،حفيد أبي الخطاب عبد العلى المعافري ،أول إمام للدولة
الباضية في شمالي إفريقيا ( . ) 40والسمح ،والد خلف كان وزيرا لعبد الوهاب بن عبد
الرحمن بن رستم .وبناء على طلب أهل جبل نفوسة عينه عبد الوهاب حاكما على الجبل ( ) 41
وبعد وفاة والده ،حاول خلف أن ينشيء إمامة مستقلة في جبل نفوسة والمناطق المجاورة ( ) 42
.ورأيه هو أن المسافة بين الجبل وعاصمة المامة في تاهرت طويلة جدا مفصولة بمناطق كبيرة
يحكمها الغالبة مما يجعل الدارة غير فعالة ( . ) 43
( )1/229
ووفقا لبي عمرو عثمان بن خليفة ،تلك كانت نقطة الخلف الوحيدة بين الباضية الخلفية
والباضية الوهبية :الخلفية كانت ترى أنه ينبغي أن يكون لكل حوزة إمام مستقل ،وأنه ليس
للئمة الخرين أن يتدخلوا في شؤونها ( ) 44وبدأ خلف حركته هذه في السنوات الخيرة من
إمامة عبد الوهاب ( نهاية القرن الثاني للهجرة ) ،وحكم القسم الشرقي من المنطقة الباضية بين
جادوا وطرابلس ،وحظي بتأييد بني يفرن وزواغة معا ( . ) 45وخاض معركتين كبيرتين ضد
أبي عبيدة عبد الحميد الجناوني ،حاكم الجبل ،وكانت ثانيهما في سنة . ) 46 ( 835 / 221
كذلك حارب العباس بن أيوب ،خليفة أبي عبيدة ( . )47وبعد وفاته واصل أتباعه معارضتهم
لحاكم الجبل ولمامة تاهرت حتى قائد نفوسة القوي ،أبو منصور إلياس وأجبرهم على الفرار
إلى جزيرة جربة حيث طوق قواهم وأسر قائدهم الطيب بن خلف ( . ) 48ويقال إن الطيب تاب
وقضى بقية حياته في الجبل ( . ) 49
وتمسكت أقلية من أتباع خلف بوجهة نظرها فيما كانت تعيش مع مجموعات أخرى من النكار
والحسينية في القسم الشرقي من جبل نفوسة في يفرن ،وبابل ،وتكبال وككلة ( . ) 50حتى
زمن أبي يحيى زكريا بن إبراهيم الباروني ( النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة ) ،وهو
الذي استردها إلى المذهب الوهبي ( . ) 51
النفاثية :
والمجموعة الخرى المنشقة التي ظهرت لسباب ذات طبيعة سياسية هي الفناثية ،أتباع نفاث (
)52بفرج بن نصر .وكان هؤلء يدعون بالكتمانية أيضا ( . ) 53
( )1/230
والنفاث نفوسي المنشأ ،درس في تاهرت على أيدي الئمة الرستميين وغيرهم من العلماء
الباضيين في تاهرت ( . ) 54ومن التلمذة المعاصرين له سعد بن أبي يونس ،ابن حاكم
قنطراره ( . ) 55قصدا تاهرت معا للدراسة ،وبعد وفاة أبي يونس قرر ابنه سعد أن يعود إلى
قنطراره ،فيما عاد نفاث برفقته ( . ) 56وبما أن نفاثا كان قد نال مستوى عاليا من العلم فقد
توقع أن يعينه المام أفلح حاكما على قنطراره وهو المنصب الذي شغر بوفاة أبي يونس .غير
أن أفلح عين سعدا في مكان أبيه .ويقول المؤرخون الباضيون أن ذلك هو السبب الذي حمل
نفاثا على أن يحقد على المام أفلح ،وأن يباشر بنشر التهامات في حقه .
وتدل المراسلت بين أفلح وعماله بالنسبة لقضية نفاث أنه كان يحمل وجهات نظر تعتبر بدعة .
وقد وصف بأنه شاب جاهل ل خبرة لديه .وأشير إلى إحدى بدعه في إحدى رسائل المام أفلح .
وفي رسالته الخيرة إلى نفاث ،اتهمه أفلح بأنه أحد الذي اعتقدوا بأن عمال الدولة الرستمية الذي
كانوا في حالة (( كتمان )) لم يكونوا غير أساقفة ،ولذلك ل تجوز طاعتهم لنهم ل يملكون قوة
إدارية ( .) 57
وفيما يلي عرض لوجهة نظره كما ذكرها أبو عمرو السوفي :
- 1إن ال هو الدهر الدائم .حين سئل ما معنى ذلك أجاب :وجدته في (( الدفتر )) .
_ 2الخطبة في صلة الجمعة بدعة .
( )1/231
_ 3المام الذي يعجز عن أن يحمي رعيته من ظلم الحاكم الجائر ،ل يحق له أن يجمع الزكاة
منهم لنه ضعيف غير قادر على القتال والدفاع عنهم .ويبدو أن ذلك موجه ضد المام أفلح .
ويقال إن نفاثا قال (( :دفع الزكاة لفلح هي كدفعها إلى نوبار ملك السودان )) ( . ) 58ومن
انتقاداته الخرى لفلح ،ذكر نفاث أن افلح أصبح مولعا بالصيد وأهمل الهتمام بمصالح
المسلمين ؛ وعين ابنه في المامة وهو ل يزال على قيد الحياة ؛ واستخدم العمال لجمع الزكاة مع
أن ذلك لم يكن من عادة رسول ال .وزعم نفاث أيضا أن افلح عمد إلى تزيين هيئته :فوجهه
كان ذراعا ( ) 59؛ وعمامته كانت ذراعا ؛ وكذلك كانت لحيته ذراعا .
وبالنسبة لراء نفاث الفقهية هنالك ثلثة آراء كان الوهبيون يعتبرونها زائفة وهي :
- 1ابن الخ الشقيق أحق بالميراث من الخ لب ( . ) 60
- 2ليس لمالك شيء ذي قيمة أن يبيعه بسبب الجوع ،لن الذي يملك شيئا ذا قيمة ل يمكن أن
يكون في حالة اضطرار .
- 3افتراض موت الزوج الغائب أي الحكم بالفقد ل يصح إل في حالت السفر إلى ما وراء
البحار فقط ( . ) 709
والظاهر أن الموقف الذي اتخذه نفاث وأربك إمام تاهرت وعماله أشد الرباك هو رأيه الذي
يتصل بالعلقة بين الباضية والولة الباضية أثناء حالة الكتمان ولعله بسبب هذا الموقف دعي
نفاث وأتباعه بالكتمانية .
( )1/232
ول معلومات لدينا عن أن نفاث أو أن أيا من أتباعه وضعوا أية أعمال لعرض وجهات نظرهم .
والعمل الوحيد الباقي المعروف لنفاث هو رسالة قصيرة مخطوطة ،تحتوي على عدد من رسائل
متبادلة بين المراجع الباضية القديمة ( . ) 61وهذه الرسالة كتبها نفاث إلى أبي القاسم سدرات
بن الحسن البغطوري ( 333 - 163هـ ) أحد كبار العلماء في نفوسة ( . ) 62وهي تبين كيف
تصور نفاث المجتمع الباضي في نفوسة وقادته .وفيها يذكر نفاث أن معظم فتاوى الحكام لم
تكن صادرة عن علم صحيح ،لنهم ل يخافون ال ؛ أما سائر العلماء فقد قمعوا بسبب غرور
الحكام .ثم ختم رسالته بالكلمات التالية (( :نسأل ال أن يمنحنا الصبر الجميل ؛ فمن استطاع
الصبر فليصبر ،ومن لم يستطع فعليه أن يكتم إيمانه وأن يبتعد عن الناس وشؤونهم )) .
وحسب بعض العلماء ( ) 63فقد تخلى نفاث عن وجهات نظره وتاب بعد عودته من المشرق ،
غير أ،ه ل دليل يدعم هذا القول .ومع أ ،نفاثا انطلق بمعارضته للدولة الباضية من أسباب
سياسية ،كالنكار والخلفية تماما فإنه لم يتحول إلى العنف في معارضته .وآراؤه الفقهية
والشرعية رفضت بقوة من قبل عمروس بن فتح وزميله مهدي الويغوي ( . ) 64
ولقد تأسست هذه المجمعات الخيرة في الصل لسباب سياسية .وواجهت المامة في تاهرت
معارضة سياسية في مناسبات مختلفة ،غير أن دراستنا هنا في هذا الفصل معنية فقط بتلك التي
طورت آراءها الكلمية والفقهية .
أما المجموعات التالية فكانت لها آراء كلمية وفقهية مغايرة آراء الحركة الباضية الصلية ،
غير أنها لم تتدخل في النشاطات السياسية .
- 6 - 5الحسينية والعميرية :
( )1/233
الحسينية هم أتباع أحمد بن الحسين الطرابلسي بن أبي زياد ( . ) 65ووفقا للشيخ محمد بن
يوسف اطفيش -رحمه ال -فإن :ابن الحسين هو من طرابلس الشام إل أ،ه ل دليل يؤيد هذا
القول .هنالك من ناحية أخرى دليل قوي على أ ،ابن الحين من طرابلس في ليبيا ،لن أتباعه
كانوا هناك ؛ يضاف إلى ذلك أنه لم تكن في سوريا أية مجموعات إباضية في أي وقت .إن أقدم
مصدر إباضي ذكر ابن الحسين هو كتاب ابن سلم ؛ وعند كلمه عن علماء الباضية في
المغرب قال ابن سلم (( :وفي مدينة طرابلس عمار وأخوه الحسن بن أحمد بن الحسين
الطرابلسي بن أبي زياد .لقيته في أجدابية بعد سنة ستين ومائتين منصرفا من الحج )) .ثم
أضاف بعد ذلك (( :وابن الحسين أحمد وشيعته وأصحابه يتناولون في مسائلهم القياس )) ( ) 66
.والواضح في هذه العبارة المقتطفة أن ابن الحسين هو من العلماء الباضيين في طرابلس ،ليبيا
-وإنه عاش حتى نهاية القرن الثالث للهجرة .
ووفقا للشماخي ،فإن أحمد بن الحسين وابن عمار يأخذان مسائل القياس وأخذا بقول عيسى عمير
في الكلم وبقول ابن علية في الفقه ( . ) 67وروى الشماخي أيضا أنه رأى عددا من الكتب
مكتوبة من قبل ابن الحسين ،وأضاف أن أفضلها جميعا هو (( كتاب المقالت )) في الكلم ،و
(( كتاب المختصر )) في الفقه ( . ) 68على أنه من سوء الحظ أن هذين الكتابين غير موجودين
حاليا .وآخر مؤلف ذكر وجودهما هو الشماخي في العبارة المقتطفة أعله .ويورى أن كتب ابن
الحسين كانت ل تزال موجودة في وارجلن في بداية القرن الهجرة الرابع ( . ) 69ومن
المؤلفين الباصيين في نفوسة ،ممن نقلوا عن (( كتاب المقالت )) أبو طاهر إسماعيل بن
موسى الجيطالي في كتابه (( قواعد السلم )) ( . ) 70
( )1/234
ويروى عن أحد أقدم علماء الباضيين أنه قال (( :لول عمروس بن فتح وأفلح بن عبد الوهاب
اللذان رفضا آراء نفاث بن نصر وأحمد بن الحسين ،لتبعتهم المذاهب )) ( . )71
إن غالبية المصادر التي تعالج هذا الموضوع تتناول الحسينية والعميرية معا .وقد نظر ابن
الصغير المالكي إلى الحسينية باعتبارها استمرارية للعميرية ،أتباع عيسى بن عمير ( . )72
وهذا رأي يؤيده أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي الذي عرض آراء المجموعتين معا (. )73
كما يؤيده الشماخي الذي ذكر أن ابن الحسين تبنى نظرة ابن عمير الكلمية ( . ) 74ووفقا لبي
زكريا ،فإن العميرية فئة مستقلة منذ البداية ،ول علقة لها بالمذهب الباضي ،ولو أنهم يدعون
أنهم إباضيون ( . ) 75كذلك ذكر أنهم كثيرا ما يسندون مذهبهم إلى عبد ال بن مسعود ،أحد
صحابة النبي عليه السلم ( . ) 76أما بالنسبة لعيسى بن عمير فل نعرف عنه الكثير ،وقد ذكر
الشماخي أن خلفه مع شيوخ الباصية وقع في زمن أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في زمن عبد
ال بن يزيد ( . ) 77
وفيما يلي وجهات النظر التي اختلفت فيها المجموعتان عن الحركة الباضية في الساس ( ) 78
:
- 1من أنكر ما سوى ال فليس بمشرك .
- 2يسع جهل معرفة محمد عليه السلم وليس على الناس إل معرفة المعبر عنه هكذا !
- 3المتأولون المخطئون مشركون .
- 4حجة ال تنال بالتفكر .
- 5لم يأمر ال المشركين بغير التوحيد ،ولم يمنعهم عن أي شيء غير الشرك .فإذا ما آمنوا
به لزمهم جميع الفرائض ونهوا عن جميع المعاصي .
- 6الحب ،والرضا ،والولية ،والبراءة والبغض والسخط هي أفعال ل ،ل صفات .
- 7اليهود منافقون ،والمسلمون المتأولون تأويل خاطئا مشركون .
- 8كل رسول يبعث به ال بعلمة خاصة ،يعرف بها ويميز بها عن الخرين .
- 9الحرام المجهول العين معاقب عليه .
- 10الحرام المجهول العين مباح ما لم يثبت تحريمه بالفعل .
( )1/235
- 11يجوز الزنى وأخذ أموال الناس لمن أكره على ذلك تقية ثم يغرمها فيما بعد .
وباستثناء النقاط المذكورة أعله ،هنالك خمس نقاط أخرى طورها أحمد بن الحسين وقال بها :
) 1الحسنة الكبرى بين الناس تقوم على الستطاعة ،وعلى القيام باللتزامات الدينية فقط ل على
الذكاء .
) 2خوف الرسول من ال هو خوف إجلل ل خوف عقاب .
) 3إن سكان الجنة يعيشون في خوف أبدي ،ورجاء أبدي .
) 4الجسام الميتة تستهلكها الرض ،إل العصعص ،ومنه تخلق من جديد .
) 5الولية والبراءة شريطة التقيد بشروط معينة شرعيتان .
وكانت مجموعة الحسينية موجودة في القسم الشرقي من جبل نفوسة ؛ ثم استمالهم أبو يحيى
زكريا بن إبراهيم الباروني إلى المذهب الوهبي ( . ) 79
- 7السكاكية :
إن أتباع عبد ال السكاك ،الصائغ ،هم من البربر من قبيلة لواته ( . ) 80عاش في قنطرة في
جنوبي تونس ؛ واختلف تفكيره عن بقية الباضية حول سبع نقاط ( . ) 81
- 1أبطل السنة ورأي المسلمين ،وأن ال تعالى أغنى بكتابه أهل العقول عن غيره .
- 2الصلة في الجماعة بدعة .
- 3الذان بدعة .
- 4ل تجوز الصلة بثوب فيه قمل .
- 5ل تجوز الصلة بشيء من القرآن إل ما عرف معناه وتفسيره .
- 6الحبوب إذا بالت فيها الدواب التي تدرس نجسه ،والقمح ل يطهر إل بالغسل ،والخضار
من بساتين يستعمل لها الروث نجسه .
واجهت هذه المجموعة معارضة قوية من علماء الباضية ،كما أن أتباعها كانوا معتبرين
مشركين .ويروى أن الباضيين يدفنون موتى المسلمين غير الباضيين على الطريقة السلمية ،
لكن هذه المجموعة تجرهم إلى الحفر جرا ( . )82على أن آراء هذه المجموعة لم تنتشر خارج
قنطرة ،ثم تلشت كليا في نهاية القرن الخامس للهجرة ( . )83
- 8الفرثية :
( )1/236
وكالسكاكية ،كان الخلف بين هذه المجموعة والمذهب الوهبي حول النقاط الشرعية بالدرجة
الولى .وقد تأسست على يدي أبي ليسمان يعقوب بن محمد بن أفلح ،ابن إمام تاهرت الباضي
.كان يعيش في وارجلن مع والده ،وكان والده يحذر الباضيين من ابنه ويقول لهم إنه درس
من ديوان أحمد بن الحسين ( . ) 84
وبعد موت والده ،أخذ أبو سليمان الطريقة بإصدار الحكام الشرعية وحدد نقاط معينة ،كان فيها
على خلف مع المذهب الباضي ( . ) 85
- 1نجاسة ( الفرث ) والطعام الذي يعطي فيه الفرث نجس .وبسبب هذا الرأي نالت هذه
المجموعة اسمها الفرثية .
- 2نجاسة الدماء في عروق الحيوان المذبوح حتى بعد غسل المذبح .وكذلك دم الحشاء .
- 3نجاسة عرق المرأة وهي في الحيض ،وعرق الجنب من الرجال والنساء .
- 4تحريم الجنين بعد ذبح أمه .
- 5الزكاة ل تدفع إل للقارب .
وكانت هذه الفئة تواجه معارضة قوية من علماء الوهبية .وتوفي مؤسسها بعد أن بنى أتباعها
المساجد في وارجلن وتال ( . ) 86وفي أية حال ،كانت هذه الفئة قد تلشت كليا في نهاية
القرن السادس للهجرة ( . ) 87
يبدو من الدراسة السابقة أن المجموعة الباصية الهم بعد والوهبية هي النكار .والفئات الخرى
لم تدم طويل ،فيما بقيت فئة النكار موجودة حتى بداية القرن الحالي في جزيرة جربة وفي
زواره في ليبيا .
والعلقة التاريخية بين الفئتين هي علقة بغض وعداء ،حتى أن الحروب كانت تقع بينهما ،ولو
أنهما حاولتا في بعض الحالت أن تعيشا معا في سلم .
هذه هي الفئات الباضية التي عرفها المؤلفون الباضيون ،ولكن مصادر غير إباضية تذكر فئات
أخرى ( )88لم تكن معروفة للمصادر الباضية الولى في شمالي إفريقيا .والمحتمل أنها فئات
تأسست في المرحلة الولى من الحركة في الشرق ثم تلشت في وقت باكر .
============================================
( ) 1الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 116 ،
( )1/237
( )1/238
( ) 21المصدر السابق 53 ،؛ أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 16 ،ب .
( ) 22المصدر السابق 16 ،أ ؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 53 ،
( ) 23أبو عمرو السوفي ،الفرق . 53 ،
( ) 24المصدر السابق .
( ) 25أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 16 ،أ [ ط .أيوب . ] 95 ،
( ) 26القطب ،الرسالة الشافية .
( ) 27الشماخي ،سير 280 ،؛ سوفي ،الفرق . 53 ،
( ) 28المسعودي ،مروج الذهب 137 / 2؛ ابن جزم ،الملل . 112 / 2
( ) 29ابن النديم ،الفهرست 258 ،؛ ابن سلم ،بدء السلم [ 13 ،كتاب فيه بدء السلم ،
. ] 72
( ) 30مخطوطة هذا الكتاب هي في حوزة عياد العزابي في زواره ،ليبيا ؛ وقد تلطف بإعارتي
المخطوطة لستخدامها لهذه الدراسة .
( ) 31الوارجلني ،الدليل 66 ،أ ؛ السوفي ،الفرق ،مخطوطة . 3 - 2
( ) 32السوفي ،مصدر مذكور سابقا . 2 ،
( ) 33المصدر السابق . 3
( ) 34أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 15 ،أ [ ط .أيوب ] 92 ،؛ الدرجيني ،مصدر
مذكور سابقا . 50 ،
( ) 35المصدر السابق 55 - 53 ،؛ أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 16 ،أ 17 -أ .
( ) 36الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا 51 ،أ ؛ أبو زكريا ،مصدر مذكرو سابقا 15 ،أ .
( ) 37نص رد العلماء الباضيين في البصرة منقول في (( سير )) أبي زكريا 15 ،ب 16 -أ
؛ والدرجيني ،طبقات 52 - 51 ،؛ والشماخي ،سير . 147 ،
( ) 38الحجة النكارية حول هذه النقطة موجودة في الديوان المعروض ن كتاب الممتنعين من
الحدود ،مخطوطة . 8 - 6 ،
( ) 39الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا 57 ،؛ الشماخي ،سير . 135 ،
( )40المصدر السابق 153 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا 57 ،؛ وقد أعطى ابن الصفير
المالكي عرضا مغايرا للحرب بين عبد الوهاب وابن فندين وسببها Chronique sur les
[ Imama Rostemides ، 17 - 20ط .دار الغرب السلمي 43 ،وما يليها ] .
( )1/239
( )1/240
( )1/241
( ) 71القاعدة في هذه الحالة ،كما هو متفق عليه ،بين العلماء الباضيين ،هي أن الشقاء
والشقيقات من جهة الب يرقون حين ل يوجد أشقاء أو شقيقات كاملون للحيلولة دون ذلك .
والبناء والبنات للشقاء الكاملين ل يرثون مع الشقاء والشقيقات لجهة الب .انظر السوفي :
مختصر الفرائض 8 ،؛ الجيطالي ،الفرائض ،مخطوطة 4ب .
( ) 72لهذه الراء عند نفاث ،انظر السوفي ،الفرق 57 - 56 ،؛ أبا زكريا ،مصدر مذكور
سابقا 30 ،أ -ب ؛ البغطوري ،سير ،مخطوطة 97؛ الباروني ،الزهار . 196 - 195 ،
( ) 73انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب في ) J.S.S. ، ( 15
. ، 1 / 65
( ) 74الشماخي ،سير . 235 ،
( ) 75الباروني ،الزهار . 210 ،
( ) 76البغطوري ،مصدر مذكور سابقا . 97 ،
( ) 77ابن سلم ،بدء السلم ،مخطوطة [ 60كتاب فيه بدء السلم . ] 135 - 134 ،
( ) 78المصدر السابق .
( ) 79الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 262 ،
( ) 80المصدر السابق . 366 ،
( )81الجيطالي ،قواعد ،مخطوطة .
( ) 82الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 262 ،
( ) 83ابن الصغير [ Chronique ، 16 ،ط .دار الغرب السلمي . ] 44 ،
( ) 84السوفي ،الفرق . 58 ،
( ) 85الشماخي ،مصدر مذكرو سابقا . 262 ،
( ) 86أبو زكريا ،سير 14 ،ب [ ط .أيوب . ] 91 ،
( ) 87المصدر السابق 14 ،ب ؛ الدرجيني ،طبقات [ 49 ،ط .طري . ] 47 ،
( ) 88الشماخي ،مصدر مذكرو سابقا . 105 ،
( ) 89السوفي ،مصدر مذكور سابقا . 59 - 58 ،
---
( )1/242
( )1/243
ومع أن إباضي شمالي إفريقيا واجهوا معارضة قوية من الفرق المنشقة المجاورة ،أي المعتزلة
أثناء إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ( 190 - 168هـ ) إلى حد أن المام أرغم
على طلب مساعدة من علماء جبل نفوسة لدحض آراء المعتزلة في تاهرت ( ) 5إل أنه ليست
لدينا معلومات عن أعمال خاصة كلمية مكتوبة من قبل إباضية شمالي إفريقيا في هذه الفترة .
وفي أثناء إمامة أفلح بن عبد الوهاب ( 240 - 190هـ ) نشأت بين الباضية قضايا جدلية
جديدة في هذا الميدان كانت بحاجة إلى حسم .خلل هذه الفترة نشأت مجموعات الخلفية والنفاثية
والحسينية المذكورة آنفا ،وكان لبد من الرد على حججها ( . ) 6وبما أن هذه الفرق المنشقة قد
تكونت في مناطق حول جبل نفوسة ،فإن الفقهاء النفوسيين أخذوا على عاتقهم عبء مناقشة ما
قالته هذه الفرق وإثبات بطلنه ( . ) 7ومن العمال الباقية التي وضعت في هذه الفترة ،
رسالتان قصيرتان لعمروس بن فتح هما:
( ) 1الدينونة الصافية ،
( ) 2والرد على الناكثة وأحمد بن الحسين ( . ) 8وهنالك عملن آخران كانا معروفين بصورة
جيدة جدا في تلك الفترة وكلهما حول الفقه ،كتبها عبد الخالق الفزاني .على أنه مما يؤسف له
أن العملين ل يزالن مفقودين ( . ) 9
وبين فقهاء المجموعات الباضية الخرى ،كان أحمد بن الحسين الوحيد الذي كتب كتابا حول
الفقه عنوانه (( كتاب المقالت )) ( . ) 10وفي أثناء إمامته ( 281 - 240هـ ) كتب أبو
اليقظان محمد بن أفلح رسالته عن خلق القرآن ( . ) 11ويروى أنه كان فقيها كبيرا ،كتب
أربعين كتابا في موضوع (( الستطاعة )) فقط ،بالضافة إلى عدد من الرسائل والردود ( ) 12
.
( )1/244
ول يعرف هل كتبت أعمال أخرى بعد هذه الفترة حتى زمن أبي خزر يغلي بن زلتاف ( ت 380
هـ ) الذي ألف كتابه المعروف (( بكتاب أبي خزر يغلي بن زلتاف )) ( ، ) 13ردا على أسئلة
موجهة إليه من بعض علماء الباضية بعد أن استقر في صر ( . ) 14
وهنالك يخص معاصر وتلميذ لبي خزر هو أبو نوح سعيد بن زنغيل قدم إسهامات في هذا
الميدان وكتابه معروف في المصادر الباضية (( بكتاب سعيد بن زنغيل )) .إل أن هذا الكتاب
ل يزال مفقودا ( ) 15؛ على أنه من مقتطفات البرادي في تعليقه على قصيدة أبي بكر أحمد بن
النظر العماني (( ،شفاء الحائم في شرح بعض الدعائم )) ،يبدو أن كتاب ابن زنغيل عالج
المسائل الكلمية المركزية مثل (( ما ل يسع جهله من الدين )) ،الرؤية ،والستطاعة ،وخلق
القرآن .و(( الكلم ال )) الخ ( . ) 16وقد لعب العالمان أبو خزر وأبو نوح معا دورا فعال في
المحاولة الخيرة لحياء المامة الباضية في شمالي إفريقيا ( . ) 17
( )1/245
وفي فترات لحقة جرت إسهامات إضافية في هذا الميدان .فقد بذل اهتمام كبير بالكلم التأملي
وكتب في ذلك عدد ملحوظ من العمال الهامة ،وذلك بتحريض من العالم الباضي أبي محمد
عبد ال بن محمد بن بكر ( ت 440هـ ) بالدرجة الولى .وهو في الصل من فرسطاء في
جبل نفوسة .انتقل إلى أجلو في جنوبي الجزائر وشكل مجالس الحلقة والعزابة ( . ) 18ودأب
على تشجيع طلبه لدارسة الكلم .ومع أنه ل وجود لمؤلفات كاملة تنسب إليه في الكلم ،فإن
بعض آرائه ترد في (( كتاب التحف )) لتمليذه سليمان بن يخلف .لقد بدأ أبو الربيع سليمان بن
يخلف تعليم الكلم في جربة حيث كان يدرس الفقه مع أبي محمد وسلن .واجتمع حوله عدد
كبير من الطلبة الباضيين من أنحاء مختلفة من بلدان شمالي إفريقيا الباضية ،لدارسة الفقه .
وبعد العام 450هـ طلب منه تلمذته أن يكتب كتابا في الكلم .تردد في البداية لكنه عاد فوافق
على رغبتهم وأذن لهم بتسجيل محاضراته التي عاد فنقحها في وقت لحق ووافق عليها ( . ) 19
واتخذ هذا العمل شكل كتاب مفصل من مجلدين ،وعرف باسم (( كتاب التحف )) ( . ) 20
وبمقارنة هذا الكتاب بأعمال سابقة باقية ،نجد أنه العمل الكثر شمول ،وهو يحتوي على نقاش
مفصل للموضوعات التالية :
( )1/246
القسم الول :ما ل يسع جهله من الدين ؛ الولية والبراءة ؛ المر والنهي ؛ كلم ال ؛ اليمان
والكفر ؛ إباحة الطيبات وتحريم الخبائث ؛ العلم والجهل ؛ والنبوة والرسالة ؛ الحرام المجهول
العين ؛ الرأي ،ومتى يكون شرعيا ؛ براهين على وجود العالم الخر ؛ مسالك الدين ؛ اعتبار
المسلمين المعارضين مشركين و فساقا ؛ الخلود في جهنم ؛ الرؤية ؛ رأي الباضيين في أهل
النهر ؛ القدر ؛ أسماء ال وصفاته ؛ نصرة ال وعداوته ؛ المباشرة المحرمة في ما دون الفرج ؛
القضية غير المبتوتة بخصوص المسلمين المتهمين بقتل كل منهما للخر ؛ الدليل على ال ؛
المامة ؛ صلة الجمعة ؛ عطايا الحكام ؛ العون والعصمة ؛ مناقشة عقيدة ابن الحسين حول المر
والنهي بالنسبة للمشركين .والموضوعات الحدى عشرة الخيرة هي المسائل التي اختلف
الباضية الوهبية عن بقية الفئات الباضية .
وفي القسم الثاني نوقشت الموضوعات التالية :
وجوب التوبة ؛ الفرائض ؛ الهجرة ؛ الموقف من المرتد ؛ شهادة المسلمين المنشقين ؛ حكمة ال ؛
الجوهر والعرض ؛ المشاعر ؛ الصفات ؛ الحواس ؛ وأخيرا وحدانية ال ورفض التشبيه
والمساواة بين الشياء وال .
وتدل محتويات الكتاب على أنه مصمم لتغطية جميع الموضوعات الكلمية المعروفة ومناقشة
آراء المخالفين من المجموعات الخرى كالقدرية ،والمرجئة ،والصفرية ،والحشوية بالضافة
إلى آراء الفرق الباضية الخرى المنشقة .
وفيما يلي لئحة بالعمال التي أسهم بها طلب أبي الربيع :
(( - 1مسائل التوحيد )) لبي العباس أحمد بن محمد بن بكر ( ت 504هـ ) ( . ) 21
(( - 2كتاب أصول الدين )) لتبغورين بن داود عيسى الملشوطي ( عاش في النصف الثاني من
القرن الهجري الخامس ) ( . ) 22
( )1/247
- 3والعمل الثالث كتبه أيضا تبغورين بن داود بن عيسى وهو يعرف (( بكتاب الجهالت )) .
وفي هذا الكتاب يضع المؤلف السئلة عن مختلف المسائل الكلمية الخاضعة للنقاش ويجيب عنها
تباعا .ويروى أن السئلة حول النسان ،والتمييز بين الكفر والشرك ،والدلئل ،وأضيف إلى
النص بواسطة أبي إسماعيل إبراهيم بن ملل ( ، ) 23أما مؤلف (( شرح الجهالت )) ،أبو
عمار عبد الكافي ،فيقول أن الضافات تنسب إلى عدد من الشيوخ ،غير أنه ليس بواثق ممن
أضافها بالفعل ( . ) 24
بعد هذه المرحلة ،راح علم الكلم المدرسي يجذب انتباه عدد من كبار العلماء الباضيين في
شمالي إفريقيا .وظهرت مجموعة من الفقهاء في مجتمع وارجلن الباضي والمناطق المحيطة
به وترك كل منهم أعمال هامة .والواقع أن العمال التي وضعت في هذه الفترة بلغت درجة
عالية لم يتجاوزها العلماء الباضيون في شمالي إفريقيا في أي وقت آخر .
وكان العالم البرز في هذه المجموعة هو أبو عمار عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي ( النصف
الول من القرن السادس للهجرة ) ( . ) 25درس الفقه والكلم الباضيين على يدي مدرسة أبي
يحيى زكريا بن أبي بكر في وارجلن ،ثم قصد تونس حيث درس الدب العربي وقواعد
الصرف والنحو في جامع الزيتونه ( . ) 26
كتب ثلثة كتب عن الفقه :
) 1شرح الجهالت .
) 2كتاب الموجز .
) 3كتاب الستطاعة .
ول يزال الكتاب الخير مفقودا .كذلك ألف كتابين آخرين مختصرين (( :مختصر في
الفرائض )) ؛ و (( مختصر طبقات المشايخ )) ( . ) 27ووضع بعض القواعد للحلقة ( . ) 28
وهذا الفصل معنى فقط بأعماله العقدية .كتابه الول (( شرح الجهالت )) تعليق على (( كتاب
الجهالت )) للملشوطي وفي (( شرح الجهالت )) وسع أبو عمار الجابات التي أعطاها تبعورين
بن عيسى في (( الجهالت )) كمناقشات تفصيلية ،ناسبا الراء إلى مصادرها الصلية ومدعما
الراء الباضية بالمزيد من الثباتات .
( )1/248
ويمثل كتابه الثاني (( كتاب الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال في الرد على أهل
الخلف )) دراسة مفصلة للنظرة إلى العقائد الكلمية السلمية وغير السلمية .والكتاب مصمم
للدفاع عن الراء الباضية ورفض ما عداها ؛ة وهو ينقسم إلى قسمين :القسم الول :يتناول
آراء الملحدين بالدرجة الولى وهو مرتب كما يلي :
الجزء الول ( ) 1الدهرية الذين يقولون بأدبية الدهر وخلود المادة وهو مقسم إلى ثلثة أبواب -
المنجمين ،والطبيعيين ،والرسطوطاليسيين .
والجزء الثاني ( ) 2عقيدة الثبوية التي تقول بأن النور والظلم هما المبدآن الخلفان المتساويان
الخالدان ( . ) 29وهو كذلك مقسوم إلى ثلثة أبواب -المانوية ،والديصانية ،والمزدكية .
والجزء الثالث :الذين ينكرون رسالة الرسل ،وهو يتناول البراهمة ،والمجوس وأهل الكتاب .
وقد شمل الكتاب هذه الفئة الخيرة لنكارها رسالة محمد ونبوته .والجزء الرابع :التشبيه ؛ ثم
يقسم المؤلف أنصار هذه العقيدة إلى ثلث مجموعات ويناقش كل مجموعة في فصل خاص :
أ -أولئك الذين ينظرون إلى التشبيه كحقيقة طبيعية ويقولون أن ال جسم بالمعنى الحقيق الطبيعي
بشكل بشري ،ومن لحم ودم ،الخ .
ب -أولئك الذين يدعون للتشبيه من غير الحقيقة الطبيعية المباشرة ،ويقولون بأن ال جسم ليس
كالجسام الخرى ،وهو نور ل يشبه النور المعروف الخ .
ج -أولئك الذين يدخلون التفسيرات التشبيهية خطأ على العبارات القرآنية .
والجزء الثاني من الكتاب مخصص لمناقشة عقيدة (( أهل القبلة أي المسلمين )) .ويرفض
المؤلف آراءهم الخاطئة أي الراء المناقضة لراء الباضية ،ويبرر موقف هؤلء الخيرين .ثم
أن آراء القدرية ،والمرجئة ،والخوارج ،والزارقة ،والصفرية ،ولمعتزلة ،والجبرية ،
والجهمية ،والحشوية ،بالضافة إلى المجموعات الباضية الخرى المنشقة ،تناقش في هذا
الكتاب حيث تختلف عن آراء الباضية الوهبية .
( )1/249
وفي هذا القسم تناول الموضوعات التالية ) 1 ( :القدرية ) 2 ( .الرادة اللهية ) 3 ( .العدل .
( ) 4اليمان ) 5 ( .الوعد والوعيد ) 6 ( .التسمية لهل الكبائر من أهل الملة ) 7 ( .خلق
القرآن ) 8 ( .البرهان حجة ال على الخلق ) 9 ( .الديانات الخرى غير السلم ) 10 ( .
أسماء ال ) 11 ( .نصرة ال وعداوته ) 12 ( .المرأة المأتية فيما دون الفرج ) 13 ( .المامة
) 14 ( .نقض رأي المعتزلة في سفك دماء عثمان ) 25 ( .نقض وجهة نظر الزيدية حول
مسألة التحكيم ) 16 ( .نقض قول النكار بشأن مسألة المام المفضول ) 17 ( .مشكلة الذين
يؤمنون بالقرآن ،لكنهم يخطئون التأويل.
والعلمة الثاني في هذه المجموعة هو أبو عمرو بن عثمان بن خليفة السوفي ،من واد سوف في
جنوبي الجزائر .عاش في النصف الول من القرن السادس للهجرة ( . ) 30وأهم عمل فقهي
له هو (( كتاب السؤالت )) ( . ) 31ووضع كذلك رسالة مختصرة حول الفرق السلمية ،
(( رسالة في بيان كل فرقة )) .وفي هذا العمل الخير عالج أبو عمرو الفرق الباضية بالدرجة
الولى وقدم عرضا موجزا لرائها ،على أنه ذكر كذلك فرقا إسلمية أخرى .
( )1/250
و (( كتاب السؤالت )) عمل كلمي كبير ؛ وهو خليط من تفسيرات أدبية لتعابير كلمية على
أساس القرآن ،والحديث ،والشعر العربي القديم .وهو عمل غني بالمعطيات حول اللغة العربية
بالضافة إلى الراء والعبارات الكلمية التي تستعمل في أوساط العلماء والطلب الباضيين .
وهذا الكتاب الذي ينسب إليه هو في الواقع لردود على عدد كبير من السئلة رواها أبو عمرو
عن طلب أبي الربيع عن مدرسهم أبي الربيع سليمان بن يخلف .وقد أمله أبو يعقوب يوسف
بن محمد ودونه أبو عيسى بن عيسى النفوسي وراجعه طلب أبي عمرو ،وقوبل بالمراجع
الباضية والمصادر العربية الصلية .بعد ذلك روجع مرتين بواسطة أبي محمد عبد ال بن
سجميمان والعمز بن جنانون وأبي الفتوح أول ،ثم ورجع للمرة الخيرة بواسطة أبي نوح صالح
بن إبراهيم ( , ) 32ويحتوي الكتاب على أجوبة مفصلة ودقيقة لكثر من تسعين سؤال تغطي
موضوعات منها وحدانية ال ،وإظهار اليمان ،والولية والبراءة ،والمر والنهي ،وقضايا ل
يسع جهلها ،بالضافة إلى أصول الدين ،ومنها إبراز تسعة بنود في المذهب الباضي ( . ) 33
والعلمة الثالث في هذه المجموعة هو أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني ( ت 570هـ )
:درس في قرطبة في الندلس وأصبح أحد العلماء البارزين في عدد من مختلف ميادين المعرفة
( . ) 34
وفي الفقه المدرسي ،كان إسهامه الرئيس كتابه المعروف باسم (( كتاب الدليل لهل العقول )) (
) 35وهو مؤلف م مدخل عام حول الفرق في المجتمع السلمي ،ثم من ثلثة أقسام كالتالي :
في القسم الول أورد المؤلف البراهين على صحة مذهبه ،وناقش آراء الشعري حول الصفات ،
والوعد والوعيد ،وخلق القرآن .وفي هذا القسم أورد إجابات على سؤال موجه من عبد الوهاب
النصاري إلى أبي عمار الكافي الذي توفي قبل أن يتمكن من الرد عليه .
( )1/251
ويحتوي القسم الثاني على مناقشة موضوع (( ما ل يسع جهله )) في الدين .وبعد تفسير الراء
المروية حول هذا الموضوع عن أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ،انتقل المؤلف إلى مناقشة
الراء المتمايزة حول قضايا متعددة كما ارتآها عشرة أئمة إباضيين ،بالترتيب التالي :جابر بن
زيد ؛ وعزان بن الصقر ؛ لواب بن سلم ؛ الربيع بن حبيب ؛ أفلح بن عبد الوهاب ؛ عمروس
بن فتح ؛ أبو القاسم يزيد بن مخلد ؛ أبو خزر يغلي بن زلتاف ؛ محمد بن محبوب ،ومصالة بن
يحيى ؛ ثم ختم هذا القسم بدراسة موجزة عن المنطق ،وببعض الملحظات حول الحساب
والهندسة .
ويتألف القسم الثالث من ستة ردود طويلة على أسئلة طرحت على المؤلف .الرد الول متعلق
بالسؤال عن رضى ال وسخطه .
- 2قبول علي بالتحكيم ؛ هل هو عائد إلى حوافز دينية أو دنيوية ؟
- 3سؤال عن وعد ال بالستجابة للدعاء ؛ هل يتعلق ذلك بالمسلمين فقط أم ينطبق على الكفار
أيضا؟
- 4رد يتصل بحديث مروي في كتاب زهر العيون لبن قتيبة .
- 5رد على سؤال :هل الصوت جسم ؟
- 6وأخيرا رد على أهل جبل نفوسة حول الموضوعات الثلثة التالية :
أ -الولية والبراءة .
ب -الطعن في إيمان الباضية .
ج -صفات ال .
( )1/252
وبالضافة إلى هذا الكتاب ،دون المؤلف معلومات عن آراء ومحاجات فقهية في (( كتاب العدل
والنصاف في أصول الفقه والختلف )) له ،في ثلثة مجلدات ( . ) 36ومع أن هذا الكتاب
مخصص بالدرجة الولى لدراسة أصول الفقه ،فإن المؤلف عالج كذلك بعض المسائل الكلمية .
ولعل مرد ذلك إلى أن هذا الكتاب كتب قبل (( كتاب الدليل )) ؛ ثم إنه أراد أن يكون واضحا
حول قضايا كلمية معينة ،عرضت آراؤه حولها في القسمين الول والثالث بالدرجة الولى .
وفي القسم الول نقاش مفصل عن سؤال حول الدليل والدعوة لرسالة ال ( ) 37وعرض مفصل
في نقض آراء الباطنية ،غلة الشيعة والقرامطة ( . ) 38وفي القسم الثالث عرض تفصيلي
لراء الباضة حول اليمان ،والسلم ( . ) 39والكفر ،والنفاق ،والشرك ( ) 40والخروج (
، ) 41والبدع ( . ) 42
=============================
( ) 1الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 546 ،
( ) 2أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 46 ،أ [ ط .أيوب ] 192 ،؛ الدرجيني ،مصدر
مذكور سابقا . 118 ،
( ) 3المصدر السابق .
( ) 4المصدر السابق .
( ) 5السوفي ،مصدر مذكور سابقا 60 ،؛ أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 46 ،أ .
( ) 6المصدر السابق 24 ،ب ؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 107 ،
( ) 7المصدر السابق 109 - 107 ،؛ السوفي ،الفرق . 60 ،
( ) 8المصدر السابق 60 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 119 ،
( ) 9السوفي ،مصدر مذكور سابقا . 60 ،
( ) 10للمزيد من المعلومات عن هذه المجموعات انظر الشعري :مقالت السلميين (،تحقيق
ريتر ) 111 - 102؛ البغدادي ،الفرق 56 - 16 ،؛ الشهرستاني ،الملل 184 - 180 ،؛
ابن حزم ،الفصل . 192 - 188 ،
( ) 11الجيطالي ،سرح النونية . 305 / 2 ،
( ) 12انظر السابق . 261 ،
( ) 13الشماخي ،سير . 122 ،
( ) 14أبو عمار عبد الكافي ،الموجز . 99 / 2 ،
( )1/253
( ) 15أبو زكريا ،سير 19 ،أ [ ط .أيوب ] 104 ،؛ الدرجيني ،كبقات 59 ،وما يليها [ ط
.طلي . ] 57 ،
( ) 16انظر السابق . 281 - 271 ،
( ) 17البغطوري ،سير 97 ،؛ الوسياني ،سير ،مخطوطة ، 2انظر السابق .
( ) 18انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب في J.S.S. ( 15 ) ،
. 1 / 80 - 81
( ) 19الشماخي ،سير . 229 - 190 ،
( ) 20انظر السابق . 278 ،
( ) 21هذه الرسالة موجودة في (( كتاب الجواهر )) للبرادي ص . 201 - 182
( ) 22الوسياني ،سير ،مخطوطة . 20
( ) 23انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب ،مصدر مذكور
سابقا . 82 ،
( ) 24لسيرة أبي خزر ،انظر أبا زكريا ،سير 94 ،أ وما يليها [ ط .أيوب ، 194 ،وما
بعدها ] ؛ الدرجيني ،طبقات 143 - 119 ،؛ والشماخي ،سير 346 ،وما يليها .
( ) 25انظر موتيلتسكي (( ،بيبليوغرافيا مزاب )) في III, Bulletin de Correspondence
( ، Africaineالجزائر ، 24 ، ) 1885رقم . 53
( ) 26البرادي ،شفاء الحائم ،مخطوطة . 305 ، 298 ، 276 ، 181 ، 53 ، 48 ،
( ) 27انظر ملحوظة . 257
( ) 28لسيرة أبي عبد ال محمد بن بكر أنظر أبا زكريا ،مصدر مذكور سابقا 56 ،أ 68 -أ [
ط .أيوب 320 ، 268 - 252 ،وما يليها ] ؛ الدرحيني ،مصدر مذكور سابقا - 168 ،
188؛ الوسياني ،سير ،مخطوطة 33 - 30؛ الشماخي ،سير 384 ،وما يليها .
( ) 29أبو زكريا ،مصدر مذكور سابقا 68 ،أ وما يليها [ ط .أيوب ] 269 ،؛ الدرجيني ،
مصدر مذكور سابقا 193 - 190 ،؛ الشماخي ،سير 412 ،وما يليها .
( ) 30انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب ،مصدر مذكور
سابقا . 73 - 72 ،
( )1/254
( ) 31المصدر السابق . 73 ،لسيرة أحمد بن محمد بن بكر انظر الوسياني ،سير 34 - 33 ،
؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 411 - 408 ،ط .طلي ] 446 - 442 ،؛ الشماخي ،
سير . 25 - 423 ،
( ) 32انظر أدناه ،قسم ، 2رقم ، 2وهو أحد النصوص التي تم تحريرها كجزء من هذه
الطروحة .
( ) 33الوسياني ،سير . 27 ،
( ) 34أبو عمار ،شرح الجهالت 122 ،ب .
( ) 35الدرجيني ،طبقات 10 ،؛ أبو زكريا الباروني ،طبقات . 15 ،
( ) 36الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 446 - 442 ،ط .طلي ] 491 - 485 ،؛
الشماخي ،سير 428 - 427 ،؛ . 443 - 441
( ) 37المصدر السابق 441 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 50 ،
( ) 38انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب ،مصدر مذكور
سابقا . 86 ،
( ) 39أبو الربيع سليمان بن يخلف ،سير . 105 - 91 ،
( ، Sh ) 40الموسوعة السلمية . 592 ،
( ) 41الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا 9 ،؛ الباروني ،مصدر مذكرو سابقا . 15 ،ولسيرته
انظر الدرجيني مصدر مذكور سابقا [ 441 - 440 ،ط .طلي ] 485 - 483 ،؛ الشماخي ،
مصدر مذكور سابقا . 441 - 440 ،
( ) 42هنالك عدد من المخطوطات الموجودة من هذا العمل في نفوسة ،ومزاب وجربة .
استخدم في هذه الدراسة مخطوطة علي ميلود المرساوني من رحيبات نفوسة .
---
( )1/255
( )1/256
أما العمال التي أضافها علماء إباضيون آخرون في وقت لحق فهي في الغالب تعليقات على
بعض هذه العقائد .وأولها وأكثرها أهمية تعليق على قصيدة أبي نصر لبي طاهر إسماعيل بن
موسى الجيطالي بعنوان شرح النونية ( . ) 7وفي عملية الخرين (( قواعد السلم )) و
(( قناطر الخيرات )) ،وأدخل الجيطالي فهمه الخاص به للراء الكلمية الباضية ( ) 8لكنه
موجز إلى درجة كبيرة بالمقارنة مع تعليقه الطويل على النونية وهو الذي يتألف من ثلثة
مجلدات كبيرة تضم دراسة مفصلة في علم الكلم السلمي .
وقب النتقال إلى فترات لحقة ،هنالك مؤلف آخر ينبغي أن نذكره هنا ،وإذا كان إسهامه في
ميدان الفقه غير كبير ،فإنه حفظ في أعماله آراء فقهية كثيرة ،من مراجع سابقة ل يزال بعضها
مفقودا .والمؤلف هو أبو الفضل أبو القاسم بن إبراهيم البرادي ( . ) 9ويحتوي اثنين من أعماله
على مواد عن الكلم ،أولهما (( شفاء الحائم بشرح بعض الدعائم )) في تعلقيه على أول خمس
قصائد وعلى جزء من القصيدة السادسة في (( ديوان )) أبي بكر أحمد بن النظر العماني .
وتتناول القصائد الربع الولى موضوعات الوحدانية ورفض التشبيه ،والدليل على معرفة ال ،
وخلق العمال ،وخلق القرآن .ثم أتم التعليق على القصيدة الخامسة حول الوضوء ،وعلى ثلثة
عشر بيتا من القصيدة السادسة حول صلة العيدين ،لكنه لم يتعلق على ما تبقى من الديوان .أما
عمله الخر فرسالة مختصرة بقصد إعطاء تحديدات إباضية لعدد من المصطلحات المفيدة واسمها
(( رسالة في الحقائق )) ( . ) 10
( )1/257
حوالي نهاية القرن الثامن للهجرة ترجم ابن جميع (( عقيدة التوحيد )) إلى العربية ،وفي عام
904هـ أكمل أبو العباس أحمد بن سعيد الشماخي ( ت 928هـ ) تعليقه على العقيدة .وكتب
التعليق الثاني عليه أبو سليمان داود بن إبراهيم التلتي ( ت 967هـ ) ( . ) 11وبين العمال
الكلمية المبنية على (( عقيدة )) ابن جميع هنالك (( اللؤلؤة في علم التوحيد )) وهي أرجوزة
للقاسم بن سليمان بن محمد الشماخي ( ت 1275هـ ) ،وهو الذي وضع أيضا تعليقا مطول
على هذه القضية ( )12ثم إن الشيخ أبا ستة كتب تعليقا بالغ الضخامة باسم (( الحاشية )) على
تعليق الشماخي السابق الذكر ( . ) 13وآخر تعليق على (( عقيدة التوحيد )) لبن جميع كتبه
الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ( ت 1336هـ ) وطبع طبعة حجرية في الجزائر سنة 1326
هـ .
وبخصوص قصيدة النونية لبي نصر ،فقد كتب عدد من الشروح عليها بالضافة إلى تعليق
إسماعيل الجيطالي الذي سبق أن ذكرناه .الول كتبه عمر الويراني ( قرن 11 - 10هـ ) .
وعنوانه (( المصرح )) ؛ ثم كتب تلميذه يوسف المصعبي ( ت 1187هـ ) ( ) 14
(( حاشية )) كبيرة على هذا التعليق ؛ وهنالك تعليق آخر على النونية كتبه أبو العباس عمر بن
رمضان التلتي ،واختصره عبد العزيز بن إبراهيم المصعبي ( ت 1223هـ 1808 /م ) باسم
(( النور )) ( . ) 15
وكتب تعليقان على (( الديانات )) لبي ساكن عامر الشماخي ؛ الول بدأ به أبو محمد عبد ال بن
سعيد السدويكشي ( ت 1056هـ ) وأئمة يوسف المصعبي ( ) 16؛ والثاني كتبه عمر التلتي
سنة 1179هـ وطبع بالمطيع الحجرية بالقاهرة سنة 1304هـ .
( )1/258
تغطي هذه التعليقات الضافية المطولة في هذه الفترة الخيرة أيضا بعض العمال الكبيرة الولى
.وبين هذه التعليقات الضافية المطولة هالك تعليقان كتبهما محمد بن عمرو أبو ستة ( : ) 17
أحدهما ( ) 1حاشية على شرح الجهالت ) 2 ( ،وحاشية على السؤالت .ثم أن هنالك إسهاما
آخر في هذا المجال قدمه القطب محمد بن يوسف اطفيش في (( تفسيره )) للقرآن (( :هميان
الزاد إلى دار المعاد )) و (( تيسير التفسير )) وفيهما يؤيد الراء الباضية ويدافع عن معتقداتهم
( . ) 18وهل إسهام في شرحه الكبير على (( ديوان )) أبي بكر أحمد بن النظر العماني ( ) 19
.
ومن هذا المسح السابق للعمال الباضية في ميدان الكلم في الفترة التي تبدأ بالنصف الول من
القرن الثامن حتى بداية القرن الحالي للهجرة ،يتضح أن العمال الرئيسة التي كتبت في هذه
الفترة كانت شروحا أو حواشي على العمال السابقة ،والستثناء الوحيد هو (( كتاب معالم الدين
)) لعبد العزيز الثميني المصعبي وهو ل يندرج ضمن أي من الفئتين ( . ) 20
وكان النهج الخر الذي اتخذته الكتابات الباضية اللحقة في الكلم موجها للرد على هجمات
السنة على المذهب الباضي .واجه الباضيون في مجتمعاتهم الثلثة في شمالي إفريقيا ،أي في
مزاب ،وجزيرة جربة ،وجبل نفوسة ،هجمات كتابية على مذهبهم ومعتقداتهم من قبل الخصوم
السنة أثناء العهد العثماني .
في ما يتعلق بجبل نفوسة ،فقد كتبت ثلثة ردود على اتهامات سنيين من غريان وغدامس
وهجماتهم وتساؤلتهم .الول كتبه المؤرخ الباضي الشهير أحمد بن سعيد الشماخي ردا على
رسالة كتبها صولة بن إبراهيم الغدامسي ( ) 21وذكر صولة الغدامسي في مقدمة رسالته أنه
كتبها ردا على أوراق معينة وصلته من إباضيين وهبيين تحتوي على آراء وجد نفسه مضطرا
لرفضها ( . ) 22كذلك ذكر أن
( )1/259
الكاتب الباضي أشار إلى خمس عشرة نقطة يختلف حولها الباضية مع السنة ( . ) 23غير أن
صولة اختصر هذه النقاط في تسع وناقشها كلها معطيا آراء السنة في كل واحدة منها ،ورفضها
ما اعتبره آراء خاطئة من قبل الباضية .
وفيما يلي سرد النقاط التسع التي ناقشها صولة الغدامسي في رسالته :
- 1كون القرآن مخلوقا .
- 2الرؤية .
- 3التشبيه :استواء ال على العرش ،وجهه ،ويده .
- 4حقيقة اليمان .
- 5عدم خلود مرتكبي الكبائر في النار .
- 6الرأي السني القائل بأن من مات على الكبائر سيدخل الجنة بعد دخوله النار .
- 7رأي السنة في احتمال الغفران للذين ارتكبوا الكبائر .
- 8مرتكب الكبيرة :هل يعتبر مؤمنا أم ل .
- 9الشفاعة .
وفي نقده لرسالة دافع الشماخي عن الراء الباضية وناقش جميع تلك النقاط بتفصيل عارضا
آراء جميع المذاهب السلمية المتعددة تقريبا لثبات أن هنالك مذاهب كثيرة غير الباضية
تختلف عن المالكية في نظرتها .
وهنالك أعمال أخرى مشابهة كتبها سنة 1210هـ عيسى بن أبي القاسم الباروني ردا على
رسالة لمؤلف مجهول من غدامس .والظاهر أن مؤلف هذه الرسالة الخيرة كتبها ردا على
رسالة أخرى كتبها إباضيون من للوت ( نالوت ) ( . ) 24ومع أن الرسالة تناولت بالدرجة
الولى اتهامات للباضية ليست ذات طبيعة كلمية ،متصلة بقضايا كصلة الجمعة والذبيحة
الخ ،فإنها ضمت أيضا حججا كلمية ،وعلى سبيل المثال ،زعمت أن عددا من الباضيين ل
يؤمنون بالقيامة ( . ) 25
وقبل رفض التهامات الموجهة من قبل المؤلف الغدامسي بدأ عيسى الباروني عمله بإيجاز العقيدة
الباضية ( . ) 26
وكتب الجواب الثالث ردا على سؤال مرسل من غريان إلى علماء جبل نفوسة ( . )27وقد كتب
أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجادوي .وهو من الناحية الكلمية ،يتناول موضوعين فقط هما
خلق القرآن والرؤية .
( )1/260
وجاء العمل الرابع والخير دحضا لفتوى أصدرها مفتي طرابلس ،محمد بن مصطفى ،وفيها
اعتبر أهل جبل نفوسة من (( الجماعات الضالة )) .وواضع هذا العمل هو سعيد التعاريتي من
جربة وعنوانه (( :المسلك المحمود في معرفة الردود )) ( . ) 28
وبالنسبة لمزاب وجزيرة جربة ،فإن أول عمل من طبيعة مماثلة هو جواب أبي مهدي عيسى بن
إسماعيل المصعبي ( ت 971هـ ) ( ) 29الذي بالنيابة عن الميزابيين ردا على (( جواب ))
للشيخ المالكي أبي علي بن أبي الحسن البهلولي .وفي جوابه دافع أبو مهدي عن الراء الباضية
ورفض التهامات التي وجهها الشيخ المالكي للباضية ( . ) 30وفي وقت لحق قاد مهمة الدفاع
عن الراء الباضية الشيخ محمد بن أبي القاسم المصعبي وابنه يوسف بن محمد ( ت 1187هـ
) ( . ) 31ووضع الول عددا من الردود على هجمات السنة ،وأحدها رد على أسئلة أثارها
مؤلف سني مجهول وجدت في محراب جامع غرداية .ومن جواب المصعبي يبدو أن السائل
اعتبر الباضية معتزلة ،وذكر الراء الباضية على مسألة (( الرؤية )) وخلود المسلمين -
الذين لم يتوبوا عن كبائر ارتكبوها -في جهنم .
وفي رده رفض المصعبي تصنيف الباضيين كمعتزلة ،وناقش نقطتين أخريين حول الرؤية
والخلود في جهنم وأعطى أجوبته على السئلة اللغوية والصرفية والنحوية التي طرحها السائل (
. ) 32
وكان الجواب الثاني على رسالة من مدينة الجزائر موجهة كذلك من سني لم يذكر اسمه .
والظاهر أن
( )1/261
الكاتب السني أشار إلى الباضية ،في رسالته ،كمعتزلة حينا ،وكمارقة حينا آخر ،وكرافضة
حينا ثالثا .واتهمهم بكره أبي بكر وعمر وعلي وزعم أنهم يسمون حيواناتهم التي يضحون بها
بأسماء أبي بكر وعمر وعلي ثم يذبحونها .وهنا أيضا ،وقبل أن يفند هذه التهامات ،يوجز
المصعبي العقيدة الباضية .
وكتب ابنه أبو يعقوب يوسف بن محمد المصعبي رسالة مطولة إلى أحمد باشا والي طرابلس (
1158 - 1123هـ ) ( ) 33تتناول شهادة الباضية .ويروى أن هذا الحدث وقع سنة 1155
هـ .وفي مقدمة رسالته ذكر المصعبي أن سبب كتابتها هو أن مجموعة من الباضيين من
جزيرة جربة أدلوا بشهادة في إحدى الحالت في بلط أحمد باشا ،لمن أحد العلماء قال له إن
شهادتهم ل تقبل ،مما أثار القلق والرتباك ولذلك عرض العقيدة الباضية وناقش مسألة الشهادة
معتمدا المصادر السنية والمالكية ( . ) 34
والعقيدة كما وردت في جواب محمد المصعبي هي نفسها كما وردت في ردود ابنه يوسف بن
محمد المصعبي .على أ،ه ليس معروفا هل محمد المصعبي هو كاتب هذه العقيدة أو أنها كتبت
في وقت سابق ؛ إل أنه من المؤكد أنها ليست إحدى العقائد المذكورة من قبل ( . ) 35
ثم إن عددا من هذه العمال ذو طبيعة مشابهة كتب بواسطة محمد بن يوسف اطفيش وغيره من
العلماء الباضيين المتأخرين أمثال قاسم بن سعيد الشماخي ،وعبد ال الباروني ،وسعيد بن
تعاريت
==================================
) 1أبو عمرو عثمان بن خليفة ،سؤالت ،مخطوطة . 142 - 10 ،
( ) 2المصدر السابق 252 ،وما يليها .
( ) 3لسيرة أبي يعقوب الوارجلني ،انظر الدرجيني ،طبقات [ 450 - 447 ،ط .طلي ،
] 495 - 491؛ الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 445 - 443 ،
( )1/262
( ) 4طبع هذا العمل على المطبعة الحجرية في القاهرة ،البارونية 1306 ،؛ ومن هذا الكتاب
ترجم آي .إس .علوش فصلين إلى الفرنسية Deux epitres de theologie abadite -
. Hesp ، 22 ( 1936 ) 57 - 88على أنني لهذه الدراسة أستخدم مخطوطة الكتاب في المتحف
البريطاني رقم . OR / 6564
( ) 5انظر شاخت Bibliotheque et manuscripts abadits :في Rev. Afri ، 100 ،
، 1056 ، 380إنني أستخدم مخطوطة بحوزتي ،وأعد طبعة محققة لهذا العمل .
( ) 6الوارجلني ،العدل والنصاف ،مخطوطة . 128 ، 1
( ) 7المصدر السابق . 235 ، 222 / 1 ،
( ) 8المصدر السابق . 145 ، 95 / 3 ،
( ) 9المصدر السابق . 109 / 3 ،
( ) 10المصدر السابق . 77 / 3 ،
( ) 11المصدر السابق . 124 / 3 ،
( ) 12المصدر السابق . 291 ،
( ) 13شاخت ،مصدر مذكور سابقا 391 ،؛ لم أر هذه (( العقيدة )) .
( ) 14لسيرة ابن جميع انظر الشماخي ،سير 62 - 561 ،؛ أبو إسحاق إبراهيم اطفيش :
مقدمة التوحيد وشروحها ،القاهرة ، 1353 ،مقدمة . 4 - 2
( ) 15بالنسبة (( للديوان )) انظر (( النيل وشفاء العليل )) تحرير بكلي عبد الرحمن بن عمر ،
الجزائر . 81 - 1080 / 3 ، 1969 ،
( )16طبع على المطبعة الحجرية في الجزائر 1325 ،هـ .
( ) 17الشماخي ،سير 49 - 548 ،؛ وتملوشايت .انظر ليفتسكي Etudes Ibadites :
. Nord Africaine ، 1 / 61
( ) 18انظر أدناه ،جزء ، 2المقدمة . 9 ،
( ) 19الجيطالي ،قناطر الخيرات ،تحقيق كاتب هذا الكتاب 287 / 1 ،وما يليها .
( ) 20للمؤلف وأعماله انظر وربيناتشي (( :كتاب الجواهر للبرادي )) A.I.O.N. ، / 4 ،
. ( 1952 ) ، 97
( ) 21طبعت هذه الرسالة ( بل تاريخ طبع ) مع أعمال أخرى .وقد أعددت تحقيقا نقديا لها .
( ) 22علي يحيى معمر ،الباضية في تونس . 161 - 157 ،وقد حقق أبو إسحاق اطفيش ((
العقيدة )) والتعليقين ونشرا في القاهرة . 1353
( )1/263
( ) 23سالم بن يعقوب ( مقابلة خاصة ،غيزن ،جربة . ) 1968 ،
( ) 24مخطوطات هذا العمل موجودة في مجموعة سالم بن يعقوب ،جربة ،ومكتبة القطب ،
مزاب .انظر شاخت ،مصدر مذكور سابقا . 393 ،إنني أستعمل مخطوطة سالم بن يعقوب .
( ) 25معمر ،مصدر مذكور سابقا . 192 ،
( ) 26المصدر السابق . 200 - 199 ،
( ) 27طبع المختصر الذي أعده عبد العزيز المصعبي الثميني على المطبعة الحجرية بالقاهرة ،
البارونية 1306 ،هـ .ومخطوطة التلتي الصلية موجودة في جربة ،البارونية .
( ) 28لسيرة السدويكشي ،انظر معمر ،مصدر مذكور سابقا . 187 - 183 ،مخطوطة هذا
العمل موجودة في جربة ،نفوسة .
( ) 29لسيرة أبي سنة ،انظر معمر ،مصدر مذكور سابقا . 192 - 189 ،
( ) 30محمد بن حسين الذهبي :التفسير والمفسرون ،القاهرة . 336 - 319 / 2 ، 1961 ،
( ) 31طبع هذا العمل على المطبعة الحجرية بالجزائر 1326 ،هـ .
( (( ) 32شرح النيل )) القاهرة ، 1343 ،سيرة مؤلف (( كتاب النيل )) ،عبد العزيز
المصعبي ،هي بقلم أبي إسحق الذي يقدم لئحة بأعمال المؤلف في نهاية المجلد العاشر ( ص
.)9
( ) 33في (( بيبليوغرافيا مزاب )) رقم ، 38ذكر موتيلنسكي العمل التالي (( :كتاب من وضع
أبي إبراهيم الغدامسي في رد على من ل يقول بخلق القرآن )) ،أحسب أنه ربما خلط بينه وبين
عمل صولة المذكور هنا .
( ) 34جواب صولة ،مخطوطة . 1
( ) 35المصدر السابق . 3
---
( )1/264
( )1/265
( )1/266
ويشكل مفهوما الولية والبراءة أحد أبرز أسس العقيدة الباضية .وقد خصص علماء الباضية
اهتماما كبيرا لهذا الموضوع ،كما أن العديد من الكتب كتبت حوله لشرح نظام الولية والبراءة
هذا ( . ) 21
ولم تعالج الدبيات الباضية في شمالي إفريقيا هذين الموضوعين بتفصيل تام حتى نهاية الرابع
للهجرة .وعلى وجه الدقة ،فإن أول عمل عرض دراسة مستقلة لهذا الموضوع هو (( كتاب
التحف المخزونة والجواهر المكنونة )) ( ) 22لبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي ( ت 471
. ) 1078 /على أن هنالك أحكاما صدرت حول هذا الموضوع في الدبيات الباضية قبل أبي
الربيع ،كما أن أعمال السير ضمت مواد موزعة حول هذا الموضوع في الراء المدونة عن
الئمة الباضيين والعلماء أثناء القرون الربعة الولى .
=========================================
(( ) 1جواب عيسى الباروني لبعض فقهاء غدامس )) ،مخطوطة . 18
( ) 2المصدر السابق . 38 ،
( ) 3المصدر السابق . 14 - 3 ،
( ) 4انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لمؤلف هذا الكتاب ،مصدر مذكور سابقا
. 73 ،
( ) 5طبع هذا العمل على المطبعة الحجرية في تونس ( 1331هـ ) ،ص . 265
( ) 6أبو زكريا الباروني ،طبقات 19 ،؛ القطب ،رسالة شافية . 128 ،
( ) 7طبع هذا الجواب على المطبعة الحجرية مع العمال الخرى في تونس 1321 ،هـ .
. 187 - 106
( ) 8انظر علي معمر ،مصدر مذكور سابقا . 394 ، 393 ، 391 ، 200 - 199 ،
( ) 9المصدر السابق .
( ) 10نشر هذا العمل مع أعمال أخرى ،ولم يذكر عليه تاريخ ول مكان النشر ،مخطوطة هذا
العمل متوفرة أبضا .
( ) 11زمباور Manuel de genealogie et de chronologie pour l'histoire de -
. l'Islam ، 1955 ، 85
( ) 12جواب أهل جزيرة جربة لخوانهم العمانيين ،مخطوطة . 7 ،
( )1/267
( ) 13الجيطالي ،شرح النونية مخطوطة 2 ، 11 ،؛ ابن منظور ،لسان العرب ( بولق نم
1307هـ ) . 97 - 287 / 20 ،
( ) 14أبو الربيع سليمان بن يخلف ،تحف 4 ،ب ؛ الملشوطي ،مخطوطة 41؛ أبو عمار عبد
الكافي ،شرح الجهالت ،مخطوطة 58 ،ب ؛ السوفي ،عثمان بن خليفة ،سؤالت ،مخطوطة
108 ،؛ أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد ،مخطوطة 4 ،؛ الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 11 ،
.2،
( ) 15عمرو بن جميع ،عقيدة التوحيد ،القاهرة 1353 ،هـ . 69 ،
( ) 16الشماخي ،شرح عقيدة التوحيد ( القاهرة 1353 ،هـ ) . 64 ،
( ) 17المصدر السابق . 83
( ) 18المصدر السابق 48 ،؛ المام أفلح بن عبد الوهاب ،جوابات ،مخطوطة . 2 ،
( ) 19المصدر السابق . 2 ،
( ) 20التلتي ،نخبة المتين ،مخطوطة 10 ،؛ الشماخي مصدر مذكور سابقا . 69 ،
( ) 21التلتي ،شرح عقيدة التوحيد ( القاهرة 1353 ،هـ ) . 69 ،
( ) 22أحمد بن عبد ال الكندي ،كتاب التخصيص ،مخطوطة . 5 ،
---
( )1/268
( )1/269
( )1/270
) 7حبيب النجار الذي ورد ذكره في اليات التالية ( :وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى
قال ،يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من ل يسألكم أجرا وهم مهتدون ومالي ل أعبد الذي فطرني
وإليه ترجعون أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر ل تغن عني شفاعتهم شيئا ول ينقذون
إني إذا لفي ضلل مبين أني آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما
غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) ( . ) 15
) 8مؤمن آل فرعون ،وقد وصف في القرآن بأنه ( ...وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم
إيمانه ) ( . ) 16
والنساء المعصومات ،واللواتي أوصى بهن ال في القرآن هن :
) 1حواء أم البشر هي وآدم ( قال ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من
الخاسرين ) ( . ) 17
) 2سارة امرأة إبراهيم .
) 3رحمة امرأة أيوب .
) 4حنة أم مريم .
) 5منة أم يوحنا .
) 6آسيه ،امرأة فرعون .
) 7زليخاء امرأة يوسف .
) 8مريم بنت عمران وأم عيسى .
) 9عائشة زوجة النبي محمد ( . ) 18
والوجه الثاني من نظام الولية هو المعروف بولية الشخاص أو ولية المخصوصين ؛ وهي
تعتبر جزءا من الحقوق المتبادلة بين المؤمنين ( ) 19والحاديث التالية عن النبي ،والثار عن
صحابته ،بالضافة إلى اليات القرآنية التي تدعو المسلمين إلى اعتزال الشرار ( ) 20هي
الدلة التي اعتمدها علماء الباضية للقول بوجوب ولية الشخاص .
) 1يروى أن النبي قال (( :من أحب ل ،وأبغض ل ،وأعطى ل ،ومنع ل ،فقد استكمل
اليمان )) ( . ) 21
) 2وقال ( صلى ال عليه وسلم ) (( :رحم ال أبا ذر ،يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده
)) ( . ) 22
) 3يروى أن عمرا ابن الخطاب قال (( :من علمنا فيه خيرا قلنا فيه خيرا وظننا فيه خيرا
وتوليناه ومن علمنا فيه شرا قلنا فيه شرا وظننا فيه شرا وتبرأنا منه )) ( . ) 23
( )1/271
) 4ويروى أيضا أن عبد ال بن عمر قال (( :وال لم صمت النهار ل أفطره وأقمت الليل ل
أنامه ،وأنفقت مالي في سبيل ال ،ومت يوم أموت وليس في قلبي حب لهل طاعة ال ،
وبغض لهل معصية ال ،ما نفعني ذلك شيئا )) ( . ) 24واعتمادا على هذه الحاديث المذكورة
،يقدم علماء الباضية الدليل على أن ولية الشخاص واجب إلزامي ( . ) 25
ويستحق المرء الولية في الحوال التالية وهي ( : ) 26
أ -إذا تصرف وسلك -حتى بالنسبة لمظهره الخارجي -بطريقة تناسب المؤمنين .
ب -ل تسمع عه إل الخبار المرضية بالنسبة لقيامه بواجباته الدينية .
ج -المؤمن يحب أن يكون مقتنعا في قلبه بما يسمعه ويراه عن ذلك الشخص .
د -أن تكون آراؤه منسجمة مع آراء المذهب الباضي .
إن الشخص يستحق الولية من المؤمنين إذا لوحظ أنه :
) 1عرف بالخبرة الشخصية بصورة مشهورة أنه على وفاق مع المسلمين ( الباضية ) قول
وفعل ؛
) 2إذا كان معروفا بصورة مشتهرة أنه يقوم بواجباته الدينية بإخلص ؛
) 3إذا كان معروفا بأنه مخلص بقيامه بواجباته الدينية وفقا لشهادة شخصين عدلين ؛
) 4إذا كان معروفا أنه مخلص في القيام بواجباته الدينية بأن يشهد بذلك شخص عدل ،حتى ولو
كان هذا الشاهد امرأة أو رقيقا ( . ) 27وكل شخص يعرف عنه الوفاء بالشروط المذكورة أعله
يستحق الولية من المؤمنين .
وهنالك أيضا أربعة أجزاء أخرى تنسجم مع هذا القسم من الولية :
( )1/272
أ -الولية للئمة وقادة المة الباضية الذين ينشرون التعاليم السلمية الحقة ويرفضون التعاليم
الزائفة .والولية لهؤلء إلزامية على أهل بلدهم ،وعلى جميع المسلمين الخرين الذين يسمعون
بهم ؛ فهم يستحقون الولية لنهم معرفون على نطاق واسع بنشاطهم في نشر الدين الصحيح
والدفاع عنه .مثل هذه الولية ل يمكن تغييرها حتى إذا تكلم فيهم عدد كبير من الناس ( . ) 28
ووفقا لولئك العلماء الذين يقولون بأن أئمة (( مرحلة الظهور )) ( /مسلك الظهور )) ينبغي أن
ل يظلوا مجهولين لدى المؤمنين ،فيجب أن يقصدوا بالولية أيضا ( . ) 29والمصادر الباضية
تذكر القائمة التالية من أئمة مسلك الظهور ( . ) 30
- 1أبو بكر بن أبي قحافة التيمي ،الخليفة الول .
- 2عمر بن الخطاب من بني عدي ،الخليفة الثاني .
- 3عبد ال بن يحيى الكندي ،مؤسس أول دولة إباضية في جنوبي شبه الجزيرة العربية -
اليمن وحضرموت .
- 4أبو الخطاب عبد العلى بن السمح المعافري ،أول إمام للدولة الباضية في شمالي إفريقيا (
ليبيا وتونس ) .
- 5عبد الرحمن بن رستم الفارسي ،مؤسس الدولة الباضية في تاهرت ،وخلفاؤه :
- 6ابنه عبد الوهاب .
- 7أفلح بن عبد الوهاب .
- 8محمد بن أفلح .
- 9يوسف بن محمد .
ومن العلماء من يضيف الجلندي بن مسعود إمام الدولة الباضية في عمان ( . ) 31
ب -الولية للمام العادل ،أو السلطان العادل .
( )1/273
هذه الولية يجب توجيهها إلى الولة ،والعمال الذين يساعدونهم على حكم البلد ،وإلى جميع
المسلمين الخاضعين لهم .وهي تعرف في الكتابات الباضية ،بصورة تقنية (( ،بولية
البيضة )) ( حيث تعني البيضة العاصمة ) ( . ) 32ففي كل بلد يحكمها أولئك الذين يسيرون
وفق تعاليم القرآن ،ويتبعون شرع النبي ،ويوصون بممارسة السنة ،ويرفضون البدع ،ول
يتعصبون لقاربهم ،ول ضد الغراب ،يجب أن يعتبروا أولياء ؛ ويجب أن تدعى بلدهم
(( دار العدل والحسان )) ،وكل شخص في تلك البلد يستحق الولية ( . ) 33
ج -الولية للذين اعتنقوا السلم بعد أن كانوا مشركين ؛ هي حق لهم لقبولهم السلم واليمان
بأنه ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال .ومن العلماء من يشترط على معتنق السلم أن يعلن
براءته من الحكام الجائرين ( ) 34بصرف النظر عن أنه اعتنق السلم على يدي مسلم مخالف
أو إباضي ،إل حين يوضح المسلم المعارض لمعتنق السلم أنه ( أي المسلم المخالف ) ،
مخطئ ،ومع ذلك فقد تبنى معتنق السلم الخطأ نفسه ( . ) 35
د -الولية للذين رجعوا عن آراءهم الخاطئة وأصبحوا إباضيين .وفي هذا القسم نوعان من
الفراد :
أ ) أولئك الذين يتبعون العلماء في دينهم ،أي مقلدون ،أو عامة .والمطلوب من المقلدين أن
يتوبوا وأن يقولوا (( :أنا واحد منكم وليكم هو وليي وعدوكم عدوي )) بذاك يصبح عضوا في
المجتمع الباضي ( . ) 36
ب ) أولئك القادرون على اتخاذ أحكام مستقلة بخصوص قضايا شرعية أو فقهية ،أي المجتهدون
؛ وعلى المجتهد أن يتوب من كل آرائه الخاطئة ،وأن يعدها واحدا واحدا ،معلنا تراجعه عنها ،
ومؤكدا على اعتناق العقائد الحقة ( . ) 37
وعلى المبتدع ،الذي نشر بدعة أن يتصل بأولئك الذين تبعوه في بدعة وأن يعلمهم بتوبته حيثما
كانوا ؛ وبعد أن يفعل ذلك يقبل عضوا في المجتمع الباضي ووليا ( . ) 38
( )1/274
( )1/275
? حين يبلغ أبناء المسلمين المخالفين سن الرشد ،يجب اعتبارهم في حالة (( الوقوف )) ؛ وإذا
ما ثبت بعد ذلك أنهم مستقيمون فإنه تجب إعادتهم إلى حالة الولية ؛ وإذا لم يثبت ذلك كان على
المؤمنين أن يتنصلوا منهم .
? الشخص غير العاقل الذي يفقد عقله أثناء طفولته يبقى متمتعا بالولية ( . ) 44
==========================================
) 1أبو عمار ،شرح الجهالت 59 ،ب ؛ الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا . 1 ، 11 ،
( ) 2الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 48 ،
( ) 3سليمان بن يخلف ،تحف 5 ،ب .
( ) 4الكندي ،مصدر مذكور سابقا . 5 ،
( ) 5الجيطالي ،القواعد . 47 ،
( ) 6أبو عمار ،مصدر مذكور سابقا 58 ،ب ؛ الكندي ،مصدر مذكور سابقا 7 ،؛
الوارجلني ،الدليل ،مخطوطة .
( ) 7الكندي ،مصدر مذكور سابقا 7 ،؛ السالمي ،مشارق . 347 ،
( ) 8الممتحنة . 12 / 60 ،
( ) 9السالمي ،مصدر مذكور سابقا . 347 ،
( ) 10الجناوني ،الوضع 32؛ الشماخي ،شرح عقيدة التوحيد . 74 ،
( ) 11هنالك على سبيل المثال (( ،كتاب الستقامة )) لبي سعيد أحمد بن سعيد الكدمي ،و
(( كتاب التخصيص )) ،لجمد بن عبد ال الكندي ؛ ويندر وجود مؤلف في العقيدة الباضية لم
يناقش الموضوع بطريقة أو بأخرى ،والنظام يعتبر واحدا م البنود الساسية للتوحيد وقد كان
يعالج باستمرار من قبل المؤلفين الباضيين الذين أسهموا في هذا الميدان من الدراسة .
( ) 12انظر (( وصف المخطوطات الباضية الجديدة )) لكاتب هذا الكتاب J.S.S. ، ( 15 ) ، ،
. 1 / 72 - 73
( ) 13الجيطالي ،القواعد 40 ،؛ السالمي ،المشارق . 338 - 337 ،
( ) 14الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 5؛ الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 65 - 64 ،
( ) 15أفلح بن عبد الوهاب ،الجوبة . 3 - 2 ،
( ) 16عمرو بن جميع ،عقيدة التوحيد . 72 ،
( ) 17الجيطالي ،القواعد 39 ،؛ السالمي ،مصدر مذكور سابقا . 338 - 337 ،
( )1/276
( ) 18أبو عمار ،الموجز ،مخطوطة 197 - 191 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية ، 42 / 2 ،
وكان النكار يرون رأيا معاكسا لرأي الوهبيين ،راجع ما تقدم .
( ) 19المصدر السابق 64 ،؛ الجيطالي ،القواعد . 5 ،
( ) 20المصدر نفسه ،شرح النونية 3 / 2 ،وما يليها .
( ) 21الجيطالي ،القواعد . 5 ،
( ) 22المائدة . 85 - 82 /
( ) 23الكهف . 10 /
( ) 24الكهف . 14 - 13 /
( ) 25يونس . 98 /
( ) 26العراف . 122 - 120 /
( ) 27يس . 27 - 20 /
( ) 28غافر . 28 /
( ) 29العراف . 23 /للمزيد من التفاصيل انظر الجيطالي ،سرح النونية 4 - 3 / 2 ،؛
القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 234 - 170 ،
( ) 30السالمي ،مشارق . 343 ،
( ) 31التوبة 114 /؛ / 11الحقاف ؛ / 6النساء . 13
( ) 32أبو داود ،سنن 523 / 2 ،؛ الترمذي ،سنن 223 / 9؛ أحمد بن حنبل ،مسند / 1
. 440 ، 439 ، 430
( ) 33انظر غيوم (( ،حياة محمد )) 606 ، 1967؛ ابن هشام ،السيرة النبوية ،تحقيق السقا
وآخرين . 524 / 2
( ) 34الربيع بن حبيب ،المسند . 92 / 2 ،
( ) 35القطب ،سرح النيل . 407 ، 9 ،
( ) 36الجيطالي ،سرح النونية 12 / 2 ،وما يليها ؛ القواعد . 12 - 11
( ) 37الشماخي ،شرح عقيدة التوحيد 72 ،؛ الجيطالي ،القواعد 17 ،؛ الكندي ،كتاب
التخصيص . 8- 7 ،
( ) 38الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 72 ،؛ سير 228 ،؛ الوسياني ،سير . 4 ،
( ) 39الجيطالي ،القواعد 19؛ شرح النونية . 35 / 2 ،
( ) 40المصدر السابق . 36 - 35 / 2 ،
( ) 41المصدر السابق 36 / 2 ،؛ السوفي ،سؤالت . 201 ،
( ) 42الجيطالي ،القواعد . 19 - 18 ،
( ) 43المصدر السابق ، 6 ،عمرو بن جميع ،عقيدة التوحيد . 72 ،
( ) 44الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 7 - 6 ،؛ سرح النونية . 8 / 2 ،
---
( )1/277
( )1/278
لقد كانت هذه الشخصيات الواردة في القرآن هي المهددة ؛ وقد ميزها عمرو بن جميع في عقيدة
التوحيد ( . ) 11ثم أضاف الشيخ محمد بن يوسف اطفيش أشخاصا آخرين ( . ) 12
والوجه الثاني هو البراءة من الفراد ،براءة الشخاص .وتتميز هنا أربع فئات :
- 1البراءة من كل شخص تشتهر أعماله السيئة لدى المؤمنين ،وهؤلء فئتان :
أ ) مرتكبوا الكبائر .والكبيرة هي التي تعاقب بالحد في هذه الدنيا وبالعذاب في الخرة .
السرقة ،والزنى ،وشرب الخمر ،والفرار أمام العدو ،هي بعض الكبائر ( . ) 13
ب ) البراءة من الذين يضرون على ارتكاب الصغائر من الذنوب كالمخادعة التي ل تؤذي نظر
الشهوة إلى النساء الجنبيات ،وأخذ شيء من صديق بدون إذنه الخ ( . ) 14وفي رأي الباضية
في المغرب أن صغائر الذنوب غير محددة ولكن هنالك كبائر معروفة هي التي حددها القرآن
والحاديث .ولذلك ينبغي على المؤمنين أن ينتبهوا لكل ذنب لتجنب الكبائر ( . ) 15وصغائر
الذنوب تصبح كبائر بتكرارها المتواصل ( ، ) 16وهذا ما يحتم على المؤمنين أن يعلونا البراءة
من المذنب .
والبراءة من الشخاص تحدث في إحدى الحالت التية :
أ ) حين يعترف الشخص أنه ارتكب كبيرة ،أو أصر على ارتكاب صغيرة ( . ) 17وحين
يعتبر الشخص أن آراءه الخاطئة هي دين ال الصحيح ،معتبرا المسلمين الذين يخالفونه مشركين
( . ) 18
ب ) حين يتولى المؤن شخصا يرتكب الكبيرة ؛ أو يصر على الذنوب الثانوية .
ج ) شهادة شخصين عدلين على أ ،شخصا ما يستحق البراءة تفرض على المؤمنين أن يعلنوا
البراءة منه .هذا المبدأ قال به ،ووضعه موضع التنفيذ جابر بن زيد ،أول أئمة الباضية (
. ) 19
( )1/279
إن شهادة شخص واحد ل تكفي للبراءة من المؤمن ؛ يلي المر عكس ذلك ،أي أنها تدعو
المؤمنين إلى التنصل من ذلك الشاهد إذا لم يستطع تأييد اتهامه للمؤمن بشهادة شخص آخر عدل
( . ) 20هكذا فإذا ما قال ولي إن وليا آخر ارتكب كبيرة كان على المؤمنين أن يعلنوا البراءة
من المتهم ( بكسر الهاء ) .وكذلك المر مع المسلمين غير الباضية ،إذا ما أقدم شخص ل بل
مجموعة منهم على نسبة ارتكاب كبيرة لولي ،فإن على المؤمنين أن يرفضوا التهمة وأن
يتنصلوا منهم ( . ) 21
د ) على المؤمنين أن يعلنوا البراءة من أعمال المسيء ( . ) 22
) 2البراءة من السلطان الجائر :على المؤمنين أن يعلنوا البراءة منه ومن كل من يؤيدون حكمه
.لكن ذلك ل ينبغي له أن يشمل جميع من هم تحت حكمه لن المؤمنين قد يخضعون لحكم جائر
من غير أن يعارضوه بسبب التقية .وأي بلد يحكمها الجائرون والظالمون يجب أن تعلن دار
جور وظلم .وبالضافة إلى إعلن البراءة من هؤلء الحكام ومن أتباعهم وليس للمؤمنين أن
يتخذوا أيا منهم وليا ( . ) 23
) 3البراءة من المرتدين ،لقوله تعالى ( :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك
حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ( . ) 24وقول
الرسول ( صلى ال عليه وسلم ) (( :من بدل دينه فاقتلوه )) ( ) 25والمجمع عليه بين العلماء
المسلمين أن النبي في هذا الحديث يشير إلى المرتد ( . ) 26ووفقا لهذا الحديث آمن الباضية
بأن الشخص الذي يرتد عن السلم ويتبنى الشرك يستحق (( البراءة والسيف )) ( . ) 27على
أنه يروى أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أعطى المرتدين مهلة ثلثة أيام للتوبة ،فإذا ما
رفضوها فقد وجب قتلهم وإلغاء حقوقهم كمسلمين من ولية ،وزواج ،ودفن إسلمي ،وإرث .
( )1/280
) 4البراءة ممن يرتدون عن آرائهم الباضية ويتبنون آراء مذاهب أخرى ،ويتخذون من زعماء
تلك المذاهب (( أولياء )) لهم ويعلنون (( البراءة )) من الئمة الباضية ،فعلى المؤمنين أن
يتبرؤوا من أمثال هؤلء المرتدين إلى أن يتوبوا .والذين يتخلون عن الباضية ويؤذون
الباضيين ينبغي أن يقتلوا أو أ ،يصار إلى اغتيالهم بأية وسيلة ممكنة ( . ) 28
والولي الذي يرتكب إحدى الكبائر ،ينبغي للمؤمنين أن يطلبوا منه التوبة ؛ وإذا رفض ذلك ،كان
عليهم إعلن البراءة منه .ومن العلماء من يقول إن على المؤمنين أن يعلنوا البراءة منه أول ،ثم
أن يطلبوا منه أني يتوب .وفي مثل هذه الحالت يمكن أن تطلب منه التوبة ثلث مرات ،بعد
ذلك ل يعود لزاما على المؤمن أن يطلب من المذنب أن يتوب .ووفقا لمام الباضيين الثاني ،
أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ،ينبغي تنفيذ هذه القاعدة (( حتى يكون الشيطان هو الخاسر )) (
. ) 29ثم إن هذا الرأي يروى أيضا عن علي بن أبي طالب .
==============================
( ( ) 1ابن جميع ،العقيدة 73 ،؛ الشماخي ،شرح العقيدة 73 ،؛ الجيطالي ،القواعد . 9 ،
( ) 2الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 73 ،؛ الجيطالي ،القواعد . 9
( ) 3المصدر السابق . 10 ،
( ) 4الجيطالي ،شرح النونية 12 - 11 / 2 ،؛ القواعد 9 ،؛ السوفي ،سؤالت 70 - 68 ،
.
( ) 5الجيطالي ،شرح النونية . 26 - 24 / 2 ،
( ) 6ابن حزم ،الفصل . 191 / 4 ،
( ) 7عمروس بن فتح ،الرد على الناكثة ،مخطوطة . 20 - 19 ،
( ) 8السوفي ،سؤالت 331 - 330 ، 310 - 301 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية - 24 / 2 ،
. 26
( ) 9المصدر السابق 27 - 26 ،؛ القواعد . 16 - 15 ،
( ) 10الجيطالي ،القواعد . 16 ،
( ) 11الجيطالي ،شرح النونية ن 8 / 2؛ القواعد . 23 ،
( )1/281
( ) 12الكندي ،التخصيص 9 ،؛ السالمي ،مشارق 341 ،؛ الجيطالي ،شرح النونية / 2 ،
9؛ الشماخي ،شرح العقيدة . 75 ،
( ) 13ابن جميع ،عقيدة التوحيد . 75 ،
( ) 14القصص . 40 /
( ) 15غافر . 47 /
( ) 16القصص . ) 83 - 77 ( 82 /
( ) 17طه . 43 ، 24 /
( ) 18البقرة . 58 /
( ) 19التحريم . 11 - 10 /
( ) 20عمرو بن جميع ،عقيدة التوحيد . 76 - 75 ،
( ) 21القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 278 - 269 ،
( ) 22السالمي ،مشارق . 278 - 269 ،
( ) 23المصدر السابق . 379 ،
( ) 24أبو عمار ،شرح الجهالت 64 ،أ 65 -ب ؛ البرادي ،حقائق ،مخطوطة . 12،
( ) 25السالمي ،مصدر مذكور سابقا . 380 ،
( ) 26الجيطالي ،شرح النونية 34 - 33 ،؛ القواعد . 33 ،
( ) 27المصدر نفسه .
( ) 28يروى أن جابر سمع اثنين من أتباعه يلعنان رجل ل يعرفه ؛ فقال :لعن ال من لعنتما ،
فقال :ما علمنا بمكانك وكيف تلعن رجل لم يثبت عندك أمره ؟ قال :وأي تثبيت أثبت منكما وقد
اجتمعتما على لعنه ؟ الجيطالي ،شرح النونية 39 / 2 ،؛ الدرجيني ،طبقات [ 205 ،ط .
طلي ] 213 ،؛ الشماخي ،سير . 73 ،
( ) 29يروى أن ضمام بن السائب أحمد أوائل كبار علماء المذهب الباضي ،كان يجلس إلى
مؤمن ( ولي ) حين ذكر رجل من المسلمين فنقصه ،فقال له ضمام ،صه ،ل تفعل ،فعاد
فانتهره فقال :تبرأ ال منه ؟ فقال ضمام :تبرأ ال منك ....ثم تاب الرجل وسأل المغفرة )) .
المصدر السابق 88 - 87 ،؛ الشماخي ،طبقات . 235
.
---
( )1/282
الوقوف :
و (( الوقوف )) واجب آخر لزم ،متصل بالولية والبراءة .فإذا لم يكن الشخص يستحق
الولية أو البراءة فإن حالته ينبغي أن تكون حالة (( وقوف )) وهي حالة ضرورية طالما أن حالة
الشخص غير واضحة .ومثل هذا الموقف يستند إلى اليتين القرآنيتين التاليتين :
( - 1ول تقف ما ليس لك به علم ،إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول )) (
.)1
( - 2يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أ ،تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما
فعلتهم نادمين ) ( . ) 2
ويستشهد بالحاديث التالية لتعزيز هذا الرأي :
يروى أن النبي ( صلى ال عليه وسلم ) قال :
(( - 1إن المور ثلثة ،أمر بأن لكم رشده فاتبعوه ،وأمر بأن لكم غيه فاجتنبوه ،وأمر أشكل
عليكم فكلوه إلى ال )) ( . ) 3
- 2قال النبي ( :المؤمن وقاف والمنافق وثاب )) ( . ) 4
وذكر السالمي خمسة أنواع في الوقوف ( : ) 5الول هو (( وقوف الدين )) أ ,كما يسميه
آخرون (( وقوف السلمة )) .وهو وقوف بالنسبة لشخص مكلف شرعا لكن حالته مجهولة عد
المؤمنين .واتفق جميع العلماء الباضيين بخصوص هذا القسم لكنهم لم يتفقوا بالنسبة للقسام
الخرى .والثاني هو الوقوف بخصوص الولي الذي ينسب إليه عمل لم يكن المؤمنين مطلعين
عليه إلى حد كاف يمكنهم من إصدار حكم بشأنه ومن العلماء من يقول إن موقف المؤمنين في
هذه الحالة يجب أن يكون (( الوقوف )).
والقسم الثالث من الوقوف هو وقوف السؤال وهو شبيه بالقسم الثاني إل أنه يشترط فيه أن يسأل
المؤمن العلماء بشأن الفعل المجهول ( . ) 6
( )1/283
والقسم الرابع هو (( وقوف )) الشكال بالنسبة للقضايا المشكوك فيها .وهو ينطبق على الوليين
اللذين يلعن أحدهما الخر أو يقتله ،ويظل المسيء الفعلي غير معروف للمؤمنين .هنا تذكر
المصادر الباضية حالة الحارث وعبد الجبار وقد وجدا قتيلين وسيق كل منهما في جسد الخر ؛
فكلهما في حالة ولية لكن موتهما ترك شكا في أذهان المؤمنين حول المسيء الحقيقي .من
العلماء بمن فيهم النكار ،من يقول بشرعية الوقوف منهما لكن آخرين ( علماء الوهبية في
المغرب ) يرون أنه ينبغي إبقاؤهما في حالة الولية السابقة ( . ) 7
والقسم الخامس ،كما يقول السالمي ،هو (( وقوف الشك )) ،أي الوقوف من جميع الناس ،
وعدم اتخاذ أولياء إل ممن يتخذون مثل هذا الموقف .مثل هذا الوقوف يعتبر غير شرعي لنه
يهمل واجب الولية لمن هم أهل لها ( . ) 8
===============================
:
) 1الحجرات . 6 /
( ) 2الجيطالي ،القواعد . 46 ،
( ) 3السالمي ،مشارق . 372 ،
( ) 4المصدر ذاته .
( ) 5المصدر ذاته .
( ) 6الشماخي ،سير 125 ،؛ الدرجيني ،طبقات [ 27 - 25 ،ط .طلي ] 26 - 24 ،؛
البرادي ،الجواهر . 171 - 170 ،
( ) 7السالمي ،مصدر مذكور سابقا . 373 ،
( ) 8نيكلسون ،تاريخ الدب العربي ( . 83 ، ) 1962
---
( )1/284
مثل هذا الشخص الذي جرى التبرؤ منه يعرف بالخليع أو اللعين ،أو الطريد ( . ) 5والصفتان
الوليان تردان في أشعار الشماخ بن ضرار وامرئ القيس ( ) 6ومن المساوئ التي تجعل القبيلة
أو العائلة تتخلى عن أحد أفرادها هي الدمان على الخمور ،والتبذير بالموال ،كما هو مذكور
في قصيدة لطرفة بن العبد ( . ) 7
مثل هذه المعاملة للعضو الثم أو المجرم في القبيلة في الفترة السابقة للسلم هي ،على ما
يبدو ،حذر هذا النظام الذي أصبح يعرف بالبراءة فيما بعد .وقد لجأ القرشيون إلى هذا النوع
من المعاملة مع بني هاشم وبني المطلب في مكة لنهم حموا النبي .و (( الصحيفة )) التي كتبها
المشركون لهذه الغاية تذكر أن الذين يتعاقدون على هذه الوثيقة (( ....على أن ل ينكحوا إليهم
ول ينكحوهم ،ول يبيعوهم شيئا ول يبتاعون منهم )) ( . ) 8ودامت هذه المقاطعة للمسلمين
ولحمايتهم أكثر من سنتين أو ثلث سنوات ؛ ثم جعل السلم من هذا النظام سلحا مفيدا .وأول
استعمال لهذا المبدأ جرى لخلق شعور بالتجانس بين أفراد المجتمع السلمي الجديد النشأة ،
ولبقائهم منعزلين عن المجتمعات المحيطة بهم من الوثنيين وأهل الكتاب .ثم جرى تعديل هذا
النظام للتعاطي مع الذين ل ينفذون واجبات الدين الجديد واللتزامات نحو المة الجديدة .
وأول حادثة في تنفيذ نظام البراءة كانت بحق بعض أفراد المجتمع السلمي برغم أمر النبي
الواضح لهم ؛ ونزلت الية التالية لنهاء النقاش الذي نشأ بين المسلمين في المدينة في ما يتصل
بزملئهم المسلمين الذي لم ينضموا إليهم بعد الهجرة ( ( ) 9والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم
من وليتهم من شيء حتى يهاجروا ) ( . ) 10
( )1/286
والحادثة الخرى تتناول الرجال الثلثة الذين امتنعوا عن المشاركة في غزوة تبوك أي كعب بن
مالك ،ومرارة بن الربيع ،وهلل بن أبي أمية ،فقد حظر النبي على جميع المسلمين أن
يكلموهم ؛ ثم أمرهم بعد فترة أسبوعين أن يعتزلوا نساءهم .واستمر ذلك خمسين ليلة حتى أنزل
ال كلمته بشأنهم ( لقد تاب ال على النبي والمهاجرين والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة
من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ،ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم وعلى الثلثة الذين
خلفوا . ) 11 ( ) ....وهكذا أعيدوا إلى المجتمع السلمي ( . ) 12
وليس غرض هذا الكتاب أن ندرس نظام الولية والبراءة في حياة النبي ؛ بل أن نبين نشأة هذا
النظام مما أدى إلى تأسيسه في العقيدة الباضية في وقت لحق .لقد درس الباضية هذا النظام
على أساس القرآن والسنة والجماع .ولئن كانت هذه المصادر الولية للشرع هي المتبعة من
قبل المذاهب السلمية الخرى ،فإن الباضيين فقط هم الذين طوروا نظام الولية والبراءة هذا
وأعطوه أهمية كبيرة من الناحيتين النظرية والعملية .ومرد ذلك إلى طبيعة الحركة الباضية
والظروف التي تأسست فيها .
لقد تأسست الحركة الباضية في أوائل عهد بني أمية وكان عليها آنذاك أن ترسخ جذورها في
البلدان السلمية وأن تتجنب قمع الولة المويين .وكانت البصرة مركز هذه الحركة النامية مما
جعل الباضيين يواجهون محاكمات عديدة في ظل (( أقسى الولة في زمانهم )) ،أي زياد بن
أبيه ،وابنه عبيد ال ،والحجاج بن يوسف ؛ وكانت الحركة الباضية آنذاك في مرحلة الكتمان
ووفقا لحاجات هذه المرحلة ،قامت منظمة سرية لنشر تعاليم السلم الصحيحة بعيدا عن أنظار
(( الطغاة )) .وأنشئت عدة مجالس لجتماعات علماء الباضية ،وللتعليم الديني لعضاء هذه
الفئة لتحقيق متطلبات المنظمة .
( )1/287
وقدم نظام الولية والبراءة خدمة جليلة في تأمين الحركة في التجاه الصحيح ،وكان أحد
الصول الساسية للعضو الجديد الذي يريد النضمام إلى الباضيين أن يعلن براءته من أعداء ال
والنبي ( أي خصوم الحركة الباضية ) وأن يؤمن بالولية لولياء ال ونبيه ( أي العضاء
المناء في المجتمع الباضي ).
ويروى أن الباضيين دعوا بسطام أبي النظر الذي كان صفريا كي ينضم إلى حركتهم ،قال
بسطام :حين دعوني قالوا (( :ندعوك إلى ولية من قد علمته يقول بالحق ويعمل به ،وإلى
براءة من قد علمته يقول بخلف الحق ويعمل به ،والوقوف فيمن ل تعلم حتى تعلم )) .قال (( :
هذا كان في عهد الكتمان )) ( . ) 13والظاهر أن ذلك هو أحد المبادئ الساسية في الحركة
الباضية ،لن أول إمام للدولة الباضية في اليمن عبد ال بن يحيى الكندي قال بعد فتح اليمن
مخاطبا للناس (( :ندعو إلى توحيد الرب ...والولية لهل ولية ال والعداوة لعداء ال )) (
. ) 14وكان العضاء الذين لم يتبعوا تعاليم السلم يعاملون بطرق مختلفة بالنسبة لخطورة
أخطائهم وطبيعتها .ويروى عن جابر بن زيد أنه قال (( :إذا رأى أحدكم خطأ من وأخيه ،فقد
وجب عليه أن يمنعه من تكراره ؛ أ ،هذا يجب أن يتم بينهما فقط .وإذا رفض التخلي عن
خطئه ،فإنه يجب عليه أن يطلب المعونة من عضو آخر ،إلى أن يكون لديه شاهدان على الواقع
.فإذا ما امتنع المخطئ عن ارتكاب الخطيئة ،فإنه يجب إخفاء خطيئته .أما إذا أصر على ذنبه
فعليهم أن يعلنوا البراءة منه )) ( . ) 15وهنالك رأي مشابه ويروى عن حاجب الطائي ،أحد
أوائل قادة الباضيين ( . ) 16ويقسم حاجب هذه المخالفات إلى نوعين ( .أ ) ذاك الذي يتعلق
بواجبات النسان نحو ال ؛ على المسلمين أن يخفوا هذه الخطاء وأن يقدموا النصح لرفيقهم
المؤمن ،وأن يسمحوا له بحضور مجالسهم لن ال قد يتوب عليه ؛ ( ب ) أما إذا كانت المخالفة
ذات صلة باليمان
( )1/288
بالتمسك بآراء مناقضة لما يؤمن به الباضيون ،فإن عليهم في مثل هذه الحالة أن يعلنوا البراءة
منه وأن يمنعوه من حضور مجالسهم وأن يبلغوا جميع العضاء بذلك ليكونوا حذرين منه ( 944
) .ولشرح هذه العقيدة نذكر الحالت التالية :
قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل (( :جاء حمزة الكوفي إلى أبي عبيدة في منزله ليناقش معه
قضية القدر ،فذهبا إلى نزل حاجب وتكلما كلما كثيرا ،فكان آخر ما سمع من أبي عبيدة أن
قال :يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن ،فخرج أبو عبيدة ثم كلمه حاجب ،قال (( :إنما
أخذت هذا الكلم من عند المسلمين ( الباضية ) ،فقال له حاجب :لم تدرك أحدا إل وقد أدركته
ولقيته إل جابرا ،فعن من أخذت هذا القول ؟ قال :منك أخذته .قال فقال له حاجب :فإني
أرجع عنه ،فارجع عنه كما رجعت .قال فقال :أرفق بي يا أبا مودود وأقبل مني ما أقول لك .
قال :هات .قال :أقول (( :ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك ))
فالحسنات من ال والسيئات من العباد )) .ولم يقبل حاجب ذلك منه ،فغادر حمزة المكان .
وحين سئل حاجب عنه ،قال (( :عاملوا حمزة برفق )) بعد ذلك سمعوا أن حمزة اتصل بالنساء
والرجال من ذوي المعرفة القليلة ليعلمهم آراءه .فأمر أبو عبيدة حاجب أن يدعو أعضاء الحركة
إلى اجتماع عام لطلعهم على البدع التي جاء بها حمزة .وختم حاجب كلمه في ذلك اللقاء بأن
قال (( :إن حمزة وعطية ،والحارث أتونا ببدع ،فمن آواهم ،أو استقبلهم أو جالسهم ،فليس
بولي لنا )) .وأعلن أبو عبيدة البراءة منهم وأمر بأن يكونوا في حالة البراءة وطردوا من
المجلس ( . ) 17واعتاد حمزة أن يزور هبيلة أم سعيد .وحين سمعت أن الباضية تبرأوا منه ،
رفضت أن تستقبله بعد ذلك .ولذلك غادر البصرة إلى الموصل .ثم راح أبو محفوظ يتبعه من
قرية إلى أخرى لتحذير المسلمين منه ( . ) 18والحادثة الثانية في عهد أبي عبيدة هي الحادثة
( )1/289
الفتيان الذين جاؤوا أبا عبيدة وسألوه عن حالة النصراني الذي لم يسمع بنبي السلم ،ودعا
المجوسي إلى النصرانية ؛ فسألهم أبو عبيدة رأيهم وكان جوابهم أن المسيحي الذي لم يسمع بنبي
السلم هو مسلم وأن المجوسي الذي وافق على النصياع له كافر .ورفض أبو عبيدة فرادوه
الكلم ،فبرئ منهم وجاء الفتيان إلى حاجب منكسرين (( فقالوا له أغثنا ،فإنه عجل علينا
بالبراءة إنما أردنا أن نستفهمه ،قال :فركب إليه حاجب فأعلمه أنهم تائبون ...فقبل منهم وأمر
بهم فدخلوا المجالس ) ) ( . ) 19
واتبعت هذه الصول خلل تاريخ الباضية إلى حد كبير بحيث أنه لم يكن يمكن لية آراء
مناقضة أن تنو في المجتمع الباضي .إل أنه حدث بعد ذلك أن انشق عدد من المؤيدين لهذه
الفئة عن الحركة الصلية وشكلوا مجموعاتهم الخاصة ( . ) 20
وإذا كان هذا النشقاق يعني النفصال عن التنظيم والطعن في الراء الباضية أو إفشاء أسرارهم
،فإن الموقف من هؤلء الشخاص لم يكن يكتفي بالبتعاد عنهم فقط بل بالقضاء عليهم بأية
وسيلة ( . ) 21ويقال إن شابا إباضيا جاء جابر بن زيد وسأله عن أفضل أشكال الجهاد ،ف رد
جابر بأنه (( قتل خردلة )) .وطلب الشاب من رجل آخر أن يدله على خردلة وطعنه بخنجر
مسموم داخل الجامع .ووفقا للجيطالي ،كان خردلة عضوا في الحركة الباضية لكنه تركها
وأفشى أسماء أفراد المجتمع الباضي إلى خصومهم ،ودل على مواقعهم التي كان الباضيون
يعقدون فيها اجتماعاتهم ( . ) 22
وحدد الباضية مراحل المجتمع السلمي على الشكل التي ) 23 ( :
الكتمان ،والظهور ،والدفاع ،والشراء ( التضحية بالنفس ) ( . ) 24
( )1/290
يدل سير التاريخ السلمي كما يعرضه الباضيون على أ ،المجتمع السلمي الصحيح الذي
مثلوه في نضالهم ،هو في واحد من المراحل الربع المذكورة أعله .وسادت حالة الظهور في
السلم ،كما أقامها النبي في المدينة خلل خلفة أبي بكر وعمر والسنوات الست الولى من
خلفة عثمان ،وفي ظل علي حتى رضي بالتحكيم .بعد ذلك انقسم المجتمع السلمي إلى ثلث
مجموعات رئيسة (( :صنف يزينون أمر عثمان ول يفرطون في الرجاء ،وصنف يزينون أمر
علي ول يفرطون في التشيع ،والمسلمون بعد على هوامهم وما رزقهم ال من العون والتوفيق
وإصابة الحق )) ( . ) 25
وهب الباضيون لحياء (( دولة الظهور )) حين فشل المسلمون الراشدون في إحيائها ؛ وأبيدوا
في معركة النهروان .وبدأوا بمنظمة سرية علموا فيها أعضاءها الدين الحقيق .وكان ضروريا
لعضاء الحركة أن يعرفوا الخطاء التي أدت إلى إفساد تعاليم القرآن كما شرحها ومارسها النبي
وخليفتاه الولن .أما بالنسبة للذين كانوا مسئولين عن الخطاء فأعلن الباضيون البراءة منهم .
وكان من شأن هذا المبدأ أن حرر الباضيين من النفوذ الشخصي لصحابة النبي الذين لعبوا الدور
الهم في الحروب الهلية بين المسلمين وحكموا عليهم وفقا لمقياس التقوى والصلح كما هو
معروض في القرآن والسنة ،وعرضت أخطاؤهم بوضوح في الكتابات الولى للباضية .وفي
رسالته إلى الخليفة الموي عبد الملك بن مروان أشار عبد ال بن إباض إلى أخطاء عثمان التي
تسببت في قيام المسلمين عليه ( . ) 26قال (( :فلما رأى المؤمنون الذي نزل به عثمان من
معية ال تبرؤوا منه والمؤمنون شهداء ال )) ( . ) 27ثم تابع معلقا (( :فمن يتولى عثمان ومن
معه فإنا نشهد ال وملئكته بأنا منهم براء ولهم أعداء بأيدينا و ألسنتنا وقلوبنا ،ونعيش على ذلك
ما عشنا ونموت عليه إذا متنا ونبعث عليه إذا بعثنا ونحاسب بذلك عند ال )) ( . ) 28
( )1/291
ومن الصحابة الذين عوموا وفقا لمبدأ البراءة طلحة بن عبيد ال والزبير بن العوام .استحقا
البراءة لنقضهما العهد بالولء والقتال ضد الخليفة الشرعي علي بن أبي طالب ( . ) 29أما
عائشة زوجة النبي ،لنها برغم القيام بدور في القتال وحضورها معركة الجمل ،لم يتبرأ منها
لنها استغفرت ال ورجعت عن فعلها وتولها المسلمون ( . ) 30ويروى جابر بن زيد أول إمام
للباضية ،وأحد تلمذة عائشة أنها ،لعتابه لها ولعتاب صديقة أبي بلل مرداس لها على ما كان
منها يوم الجمل ،تابت مما كانت قد دخلت فيه ورجت الغفران من ال ( . ) 31كذلك عومل
علي بن أبي طالب بالبراءة لقبلوه بتحكيم الناس في قضية بت فيها القرآن .والقرآن يقول
بوضوح ( :وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال ) ( . ) 32ووفقا للباضية فإن معاوية وأنصاره كانوا
الفئة الباغية وكان على علي أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى أمر ال ،أي ساء حكم الخليفة الشرعي .
وقبول علي للتحكيم معناه إقالته من الخلفة ،وهذا شيء ساء مجموعة من المسلمين وفرض
عليهم أن يختاروا إماما جديدا هو عبد ال بن وهب الراسبي .ويعتقد الباضية إن عبد ال بن
وهب وأهل النهروان على حق ،وأن عليا بن أبي طالب مخطئ لقبوله بالتحكيم بالدرجة الولى ،
ثم لمقاتلته أهل النهروان ثانيا ( . ) 33
وبالنسبة لمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص فقد عومل بالبراءة باستمرار لتمردهما على
علي (( ،الخليفة الشرعي )) ( . ) 34ووصف عبد ال بن إباض معاوية بالكلمات التالية :
(( ول نعلم من الناس أحدا أترك للقسمة التي قسم ال ،ول لحكم حكمه ال ،ول أسفك لدم حرام
مننه )) ( .) 35
( )1/292
ول حاجى بنا إلى القول إن براءة الباضية من مثل هؤلء الصحابة لم تكن تتناول غير نشاطاتهم
والسياسية فقط ل علمهم بالدين .فآراؤهم الفقهية مقبولة من قبل الفقهاء الباضية كما هو واضح
من المصادر الباضية التي تقدم لنا الراء الدينية والفقهية لعلي بن أبي طالب ،وعثمان بن عفان
،وسواهما ،حتى معاوية الذي يعارضه الباضية بقوة كان أحد الشخاص الذين روى عنهم
جابر بن زيد أحاديث للنبي عليه السلم ( . ) 36
وبالنسبة للصحابة الذين احتفظوا بآرائهم بشأن الفتنة ورفضوا أن يحاربوا إلى جانب علي ،كسعد
بن أبي وقاص ،وعبد ال بن عمر ،ومحمد بن مسلم ،وزيد بن ثابت ،فقد كان للباضية فيهم
رأيان :أحدهما البراءة منهم والثاني (( الوقوف )) بشأنهم ( . ) 37وجميع الخلفاء وولتهم بدءا
من معاوية اعتبروا سلطين جور وأعلن الباضية البراءة منهم باستثناء عمر بن عبد العزيز ،
الخليفة الموي .ومن العلماء الباضيين من يقول إنه كان إماما شرعيا بسبب إجماع المة عليه
لقبوله إماما ( . ) 38ويقول علماء آخرون إن أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة سأل ال أن يرحم
عمر بن عبد العزيز ،مما يعني أن عمر كان يستحق الولية ( . ) 39ويروي أيضا أن أبا عبيدة
أرسل وفدا إلى عمر يدعوه لقبول العقيدة الباضية .وبعد نقاش طويل وافقهم عمر على أكثر
آرائهم ،غير أنه رفض الطعن بعثمان وقال (( :تلك دماء ظهر ال منها أيدينا ،فلنطهر منها
ألسنتنا )) ( ، ) 40ورفضوا القبول برأيه ،وقال رئيس الوفد الباضي ،أبو الحر علي بن
الحصين لعمر (( :اعلم أنا ل نتولك )) ( . ) 41ولدى سماع هذا النقاش قال أبو عبيدة :
(( كنت أتمنى لو أنهم قبلوا رأي عمر )) ( . ) 42ويقال أيضا إن الفضل بن الحواري قال إن
عمرا بن عبد العزيز وافق على العقيدة الباضية ،والبراءة من الطغاة وقبل أن يتخذ الباضية
أولياء .وطلب منه الوفد أن يعلن ذلك ،إذ إن التقية الدينية ،وفقا
( )1/293
للباضية ،ليست واجبة على الحاكم العادل ؛ ولم يستطع عمر أن يوافقهم على ذلك ووعدهم بأن
يحيي كل يوم سنة ويميت بدعة ،لكنهم رفضوا اقتراحه ( . ) 43واعتقد الباضية في المغرب
أن عمر بن عبد العزيز كان أقرب إلى البراءة .وسئل عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،
المام الثاني لدولة تاهرت الباضية عن رأيه في عمر بن عبد العزيز ،فأجاب (( :هو ليس
جديرا بالثناء بين المسلمين ( أي الباضيين ) فهم لم يتخذوه وليا وهو أقرب إلى البراءة )) (
. ) 44
لقد بدأت المصادر الباضية بمناقشة مشكلة الطغيان والطغاة بتفصيل ،والموقف الذي ينبغي أن
يتخذه الباضيون في ظلهم .وفيما يلي وصف الطغاة كما يقدمه لنا أبو يعقوب بن يوسف
الوارجلني (( :وأما السلطين الجورة فهم الذين تغلبوا على الناس ،ل يراعون شرعا ول
يدعون إليه ،ول يعملون به ،وعطلوا الزكاة والصدقات والعشور والخراجات ،ول يهتمون
بالقضية والحكومات ،ول بإقامة الحدود والقصاصات ،وشرعوا لنفسهم طرقا في إقامة
ملكهم ،خلف طرائق الشرائع ،وشيدوا القصور وبنوا الدور ،وحصنوها بالحرس والعوان ،
ويغيرون على البلدان ،واستعملوا في جميع الموال المغارم والقبالت ،واتخذوا العوان والكفاة
،وأظهروا شرب الخمور ولباس الحرير والمعازف والستور والجور في كل المور)) ( . ) 45
وتشير المراجع الباضية ،على سبيل المثال ،إلى زياد بن ا[ي سفيان والحجاج بن يوسف
كسلطاني جور .وهنالك لئحة بأسماء الطغاة الجائرين في المغرب والندلس ذكرها أبو يعقوب
الوارجلني في كتابه (( الدليل والبرهان )) ( . ) 46وجميع علماء الباضية متفقون على أن
مثل هؤلء الحكام ل حق لهم في الولية ،فهم وأنصارهم يجب أن يكونوا في حالة البراءة .
( )1/294
ويبدو أن مبدأ الولية والبراءة كان معروفا لدى جميع المسلمين بوجه عام في النصف الول من
القرن الول ،مارسه علي ومعاوية وأنصارهما .وتقول المصادر الباضية إن المسلمين أعطوا
عليا بن أبي طالب عهد الولء الذي أعطوه لبي بكر وعمر ،وأعلنوا البراءة من عثمان وفريقه
( . ) 47وروى الجاحظ أن معاوية جلس في الكوفة يتلقى يمين الولء من الناس شريطة البراءة
من علي بن أبي طالب ،فجاء رجل من بني تميم فأراده معاوية على ذلك ،فقال الرجل (( :يا
أمير المؤمنين ،نطيع أحياءكم ول نبرأ من موتاكم )) ( . ) 48ويروى أيضا أن حجر بن عدي
وأنصاره ( فريق علي ) كانوا يظهرون لعن معاوية والبراءة منه ( . ) 49وأمر معاوية باعتقالهم
وبعث إليهم برسوله إلى السجن لعلن البراءة من علي إذا أرادوا أن يطلق سراحهم .أما إذا
رفضوا فإنهم سيقتلون .ورفض ثمانية من أربعة عشر ،بينهم حجر ،إعلن البراءة من علي ،
فقتلوا ( . ) 50وكان الخوارج أيضا من الذين دعوا إلى مبدأ الولية والبراءة ( . ) 51وفي
رسالته إلى سماك بن عبيد ،كتب المستورد بن علقة ... (( :وندعوك إلى كتاب ال عز وجل
وسنة رسوله ونبيه ( صلى ال عليه وسلم ) ،وولية أبي بكر وعمر رضوان ال عليهما ،
والبراءة من عثمان وعلي لحداثهما في الدين وتركهما حكم الكتاب )) ( . ) 52ويورى أيضا أن
زعماء المحكمة الذين انضموا إلى عبد ال بن الزبير للدفاع عن مكة من هجوم الجيش الموي ،
طلبوا من عبد ال بن الزبير أن يتبرأ من عثمان والزبير وطلحة ( . ) 53والشيء نفسه يروى
عن عروة بن أدية الذي سأله عبيد ال بن زياد رأيه في عثمان وعلي فكان جوابه أنه تولى عثمان
ست سنين من خلفته ثم شهد عليه بالكفر وفعل في أمر علي مثل ذلك إلى أ ،حكم ثم شهد عليه
بالكفر ( . ) 54
( )1/295
وفي وقت لحق ،اتبع الباضية عقيدة الولية والبراءة كالتزام ديني أكثر منه موقفا سياسيا .
وظهرت اللتزامات في الشرع الباضي منذ البدايات الولى ،ثم مورست في المجتمع الباضي
كما شرحنا من قبل ،فيما ل نجد هذا المبدأ لدى المسلمين غير الباضيين بالشكل نفسه الذي وجد
فيه لدى الباضية.
===============================
( ( ) 1المصدر السابق . 84 ،
( ) 2غولدزيهر ،دراسات إسلمية ( الترجمة النكليزية ) . 55 / 1 ، 1967
( ) 3الزوزني ،شرح المعلقات ( تحقيق محمد علي حمد ال ،دمشق 111 - 110 ، ) 1963 ،
.
( ) 4ابن منظور ،لسان ( بيروت 374 / 4 ، ) 1956؛ 490 / 9؛ 261 / 20؛ جواد
علي ،تاريخ العرب ( بغداد . 366 / 1 ، ) 1950 ،
( ) 5محمد شكري اللوسي ،بلوغ الرب في معرفة أحوال العرب ( ط ، 2القاهرة ) 1924 ،
. 29 - 27 / 3 ،
( ) 6البيتان ترجمهما الستاذ أربري في المعلقات السبع ( . 86 ، ) 1957
( ) 7ابن هشام ،السيرة ( ،ط ، 2مصطفى السقا وآخرون ،القاهرة 350 / 1 ، ) 1955 ،؛
وانظر غيوم ،حياة محمد 159 ،وما يليها .
( ) 8الكندي ،تخصيص . 29 ،
( ) 9النفال 72 /؛ النساء . 89 /
( ) 10التوبة . 118 - 117 /
( ) 11ابن هشام ،السيرة . 534 / 3
( ) 12الدرجيني ،طبقات [ 272 ،ط .طلي ] 289 ،؛ الشماخي ،سير . 12 - 111
( ) 13الصفهاني ،الغاني . 115 / 23 ،
( ) 14مجهول ،مجموع أجوبة ،مخطوطة . 38 ،
( ) 15الجيطالي ،قناطر الخيرات ( تحقيق مؤلف هذا الكتاب ،القاهرة 164 / 1 ، ) 1965 ،
.
( ) 16الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا 165 ،؛ الدرجيني ،طبقات . 239 ،
( ) 17الشماخي ،سير 85 ،؛ الدرجيني ،كصدر مذكور سابقا [ 32 - 231 ،ط .طلي ،
. ] 244 - 243
( ) 18الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 120 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا [ 231 ،ط .
طلي ] 243 ،؛ الوسياني ،سير . 62 ،
( )1/296
( ) 19الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 86 ،؛ الدرجيني ،كصدر مذكرو سابقا 230 - 229 ،
[ ط .طلي . ] 242 ،
( ) 20انظر السابق 249 ،وما يليها .
( ) 21انظر السابق . 356 ،
( ) 22الجيطالي ،القواعد 28 ،؛ الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 76 ،؛ الوارجلني ،
الدليل 150 ،أ وما يليها .ووفقا لما جاء فيه فقد كان جابر هو الذي أصدر التعليمات بقتل خردلة
.ويقول إن خردلة كان إباضيا وقد قتله لهذا السبب .
( ) 23للمزيد من التفاصيل انظر أدناه 397وما يليها .
( ) 24انظر السابق 406وما يليها .
( ) 25الشماخي ،سير . 89
( ) 26البرادي ،الجواهر 158 ،وما يليها .
( ) 27المصدر السابق . 161 ،إن عبارة (( تبرأ منه )) مذكورة فقط في نص رسالة ابن
إباض في (( شرح عقيدة التوحيد )) للقطب ، 245 ،ول ترد في (( جواهر )) البرادي ( راجعت
أيضا مخطوطة (( الجواهر )) ) ول في النص الموجود في المخطوطة العمانية .
( ) 28البرادي ،مصدر مذكور سابقا . 164 ،
) 956أبو قحطان السيرة ،مخطوطة [ 2 - 18 ،السير والجوابات . ] 107 ،
( ) 29المصدر السابق . 23 ،
( ) 30الدرجيني ،طبقات [ 198 ،ط .طلي . ] 206 ،
( ) 31الحجرات . 10 /
( ) 32محمد بن محبوب ،السيرة ،مخطوطة ( ،جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات ) 199
.
( ) 33أبو قحطان ،السيرة . 26 ،
( ) 34البرادي ،جواهر 163 ،؛ انظر الرقيشي ،مصباح ،مخطوطة . 28 - 14 ،
( ) 35الربيع بن حبيب ،المسند . 13 - 12 / 1 ،
( ) 36الوارجلني ،العدل 307 - 270 / 2؛ أبو قحطان ،سيرة ،مخطوطة [ 26 ،السير
والجوابات ] 110 ،؛ البرادي ،جواهر . 97 ،
( ) 37البسياني ،سير . 24 ،
( ) 38المصدر السابق . 24 ،
( ) 39مقدمة التوحيد وشروحها ( تحقيق أبي إسحق ،القاهرة . 53 - 52 ، ) 1353 ،
( ) 40ابن مداد ،سيرة ،مخطوطة . 9 ،
( ) 41البسياني ،سيرة . 24 ،
( ) 42المصدر السابق . 19 ،
( )1/297
( )1/298
( )1/299
- IIبخصوص القيام بالحج بالنيابة عن شخص آخر ،يرى بعض علماء الباضية أنه ليس
للباضي أن يقوم بالحج عن شخص آخر إل إذا كان وليا .ولكن علماء آخرين اعتبروا ذلك
مشروعا شريطة أن ل يدعو له ( . ) 10ويقال إن والدة أبي ميمون النفوسي سئلت قبل وفاتها
عن رغبتها في من يقومون بالحج بدل عنها ،أشارت إلى ابنها ميمون وقالت (( :هذا الذي في
المهد )) .فلما بلغ أبو ميمون وأراد أن يحج عنها فسأل عن وليتها فلم يجد من يتولها إل امرأة
واحدة متقية .عند ذاك قرر جميع علماء نفوسة أنه ل يستطيع أن يقوم بالحج عن والدته ،لنها
لم تكن تعتبر وليه بشهادة امرأة واحدة فقط .أما ابن عباد المصري فرخص له بالحج بالنيابة
عنها وقال إن شهادة امرأة واحدة تقية في هذه الحالة كافية ( . ) 11وهنالك قصة أخرى مماثلة
تروى عن عمروس بن فتح ( . ) 12
- IIIبالنسبة لمسألة العدالة ( الستقامة الدينية والمانة الخلقية اللتين ينبغي للشاهد أن يتحلى
بهما كي تكون شهادته مقبولة ) ( ، ) 13فالولي وحده هو العدل وشهادته مقبولة في جميع
الحالت .والشخص الذي يكون في حالة البراءة ليس عدل ،وشهادته غير موثوقة .والشخص
الذي يكون في حالة الوقوف يعتبر واحدا من المسلمين عامة ،من أهل الجملة .وشهادة أفراد
الحد ،بحالت يعتقدون فيها أن الباضيين كافرون ( ، ) 14وبحالت تتعلق بأموال المسلمين
حين يعتقدون شرعية الستيلء عليها غنيمة أثناء الحرب بين المسلمين ( ) 15؛ ويروى عن أبي
المؤثر أنه قال (( :إذا كانوا ( المسلمون غير الباضيين ) في السلطة ،فشهادتهم مقبولة ،أما
إذا كنا نحن في السلطة فل تقبل شهادتهم )) ( . ) 16
( )1/300
- IVوالمتفق عليه بين غالبية علماء المسلمين أن الشخص الذي يرى الهلل في أول رمضان
وحده ،عليه أن يصوم .أما إذا رأى هلل أول شوال وحده فإنه ليس له ،على حد قول مالك بن
أنس وأبي حنيفة أن يفطر .ويقول علماء الباضية ،والشافعي ،وأبو بكر بن المنذر إنه يمكن له
أن يفطر ،ولكن الباضية قالوا :له أن يفعل ذلك سرا كي ل يضطر المسلمون إلى إعلن
البراءة منه ( . ) 17
ويمكن للبحث الدقيق في الفقه الباضي أن يكشف عن أمثلة أخرى في هذا المجال .
==============================
( ) 1المصدر السابق 28 ،؛ الجيطالي ،القواعد ،مخطوطة . 180
( ) 2المصدر السابق 180 ،؛ ابن خلفون ،أجوبة . 28 ،
( ) 3الجيطالي ،المصدر السابق 180 ،؛ أبو ساكن ،عامر بن علي الشماخي ،اليضاح 2 ،
. 46 /
( ) 4المصدر نفسه .
( ) 5الجيطالي ،المصدر السابق 180 ،؛ أبو ساكن ،اليضاح . 64 / 2 ،
( ) 6المصدر نفسه .
( ) 7الجيطالي ،مصدر مذكور سابقا . 180 ،
( ) 8المصدر نفسه .
( ) 9أبو ساكن ،اليضاح ،مخطوطة . 100 / 2 ،
( ) 10الشماخي ،سير . 232 ، 122 ،
( ) 11المصدر السابق 228 ،؛ الوسياني ،سير . 4 ،
( ) 12كولسون :تاريخ الشرع السلمي . 235 ،
( ) 13ديوان الشياخ ؛ كتاب الحكام ،مخطوطة 48 ،ب .الجناوني ،أحكام ،مخطوطة 7 ،
.
( ) 14الديوان ،أحكام 48 ،ب ؛ المصعبي ،حاشية على المصرح ،مخطوطة 101 ،ب .
( ) 15المصدر ذاته ،الديوان ،أحكام 48 ،ب ؛ لسؤال الشهادة انظر سليمان بن يخلف ،
التحق 52 ،أ ؛ الوارجلني ،العدل 87 / 3وما يليها ،القطب ،شرح النيل ،مخطوطة 44 ،أ
وما يليها .
( ) 16الجيطالي ،القواعد . 191 ،
( ) 17أبو زكريا الجناوني ،الوضع 29 ،؛ عقيدة التوحيد 17 ،وما يليها ؛ عمرو بن جميع ،
عقيدة التوحيد 54 - 50 ،؛ أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد ،تحقيق كاتب هذه الدراسة ،ص
. 24
---
( )1/301
يعني الظهور إعلن المامة المستقلة ؛ وفي أثناء مرحلة الظهور كان الباضيون يختالون إمامهم
الذي يجب أن يحكمهم وفقا للقرآن ،والسنة ،وسيرة الخلفاء الراشدين ( . ) 4وهذه هي المرحلة
الرئيسة التي ينبغي أن يحافظ عليها المسلمون .وقد توفي النبي تاركا المسلمين في مرحلة
الظهور ( ) 5فالواجب على المسلمين أن يحافظوا على هذه المرحلة لتنفيذ أوامر ال :إقامة
الحدود ؛ وصلة الجمعة ؛ وجمع الزكاة والجزية ؛ ومحاربة العداء كالمشركين والبغاة ،وتوزيع
الغنائم والزكاة توزيعا عادل ول يمكن القيام بأي التزام من هذه اللتزامات بدون سلطة المام ( 6
) .ويورد علماء الباضية خلفتي أبي بكر وعمر كمثلين على مرحلة الظهور في أوائل السلم
(.)7
وحين يحقق المسلمون ظروفا ملئمة من السلطة والثروة ،والعلم بالدين ،بحيث يستطيعون تنفيذ
أوامر ال ،وحينما يبلغ عددهم نحو نصف العداء من حولهم ،ينبغي لهم أن يعلنوا المامة
وينتخبوا إمامهم من بين رجالهم البارزين ( . ) 8وعلى المام أن ينفذ أوامر ال طالما أن أتباعه
يعدون أكثر من أربعين ،أما إذا صار عددهم دون ذلك فإنه يجب عليه أن يحل المامة ( . ) 9
مرحلة الدفاع :
( )1/303
يصبح الدفاع واجبا ضروريا في غياب مرحلة الظهور ( ) 10؛ وحين يتعرضون للهجوم ،أو
يشكون في احتمال هجوم ما ،ينبغي على المسلمين أن يختاروا قائدا ليقودهم في قتال عدوهم .
مثل هذا المام يعرف بإمام الدفاع ؛ وينبغي أن يكون عالما ذا مقدرة عسكرية رفيعة ( ) 11؛ له
السلطة الكاملة ذاتها كإمام الظهور إلى أن تبلغ الحرب نهايتها ( ) 12؛ وبنهاية الحرب تنحل
إمامته تلقائيا ،بحيث ل يكون لدى المسلمين أية صعوبة في إزاحته من منصبه .بعد ذلك ينتخب
المسلمون إمامهم الجديد كما هو بحسب طبيعة المرحلة -فإما الظهور أو الكتمان ( . ) 13وأول
إمام دفاع ذكرته المصادر الباضية هو عبد ال بن وهب الراسبي الذي اختير قبل معركة
النهروان ( . ) 14ومن أئمة الدفاع الخرين في شمالي إفريقية أبو حاتم الملزوزي الذي حاول
إحياء إمامة الظهور التي أنشأها أبو الخطاب عبد العلى بن السمح المعافري ( ، ) 15وأبو
خزر يغلي بن زلتاف الذي حاول إحياء المامة الرستمية وحارب الفاطميين لهذا الغرض ( ) 16
.
ويمكن اعتبار الدفاع ثورة عامة على حكم الطاغية الجائر أو على العداء الخارجيين .وإذا ما
فشلت الثورة العامة في تحقيق هدفها ،وقمعت ،ودخل المجتمع السلمي مرحلة جديدة تعرف
بمرحلة الكتمان .
ويمكن للكتمان والشراء أن يوجدا في نفس الوقت .والشراء عمل تطوعي من التضحية بالنفس ؛
وتنفيذه يتم من قبل مجموعة ل تقل عن أربعين رجل يضحون بحياتهم في سبيل ال لحث بقية
المة على تغيير الحكم الجائر من أعداء ال ( . ) 17
الشراء ( التضحية بالذات ) :
( )1/304
تعني كلمة الشراء ،الشراء والبيع ،وهي كلمة تستخدم في الكتابات الباضية تعبيرا عن التضحية
بحياة المرء في سبيل ال لبلوغ الجنة .والشراء ( بالجمع ) (( هم الذين باعوا أنفسهم في سبيل
ال )) ( . ) 18وعبارة الشراء مشقته من اليات القرآنية التالية ( :إن ال اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة
والنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من ال فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ) 19 ( ) ...و
( فليقاتل في سبيل ال الذين يشرون الحياة الدنيا بالخرة ،ومن يقاتل في سبيل ال فيقتل أو يغلب
فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) 20 ( ) ...والية التالية ( :ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء
مرضات ال ) ( . ) 21
وكان أبو بلل مرداس بن حدير هو أول من مارس الشراء ،وفكرة الشراء أو الخروج جاءته
حين رأى الضرر الذي يسببه عبيد ال بن زياد للمسلمين ( ) 22فكان تعليقه على الوضع :
(( إنه وال ل يسعنا المقام بين هؤلء الظالمين ...وال إن الصبر على هذا لعظيم ...إننا للم
نخرج لنفسد في الرض ،ول لنروع أحدا ،ولكن هربا من الظلم ولسنا نقاتل إل من يقاتلنا
. ) 23 ( )) ....واعتاد أبو بلل أن يختار من المسلمين أكثرهم ثقة وتفوقا (( في واجب الشراء
)) .وشرح شروط الشراء بالكلمات التالية التي اعتاد أن يخاطب بها كل من يود أن ينضم إليه :
(( إنك تخرج جهادا في سبيل ال وابتغاء مرضاته ل تريد شيئا من أعراض الدنيا ول لك في
الدنيا حاجة ول لك إليها رجعة ،أنت الزاهد في الدنيا المبغض لها الراغب في الخرة الجاهد في
طلبها الخارج إلى القتال ل غيره ،فاعلم أنك مقتول وأنك ل رجعة لك إلى الدنيا فارجع إلى ما
وراءك فاقض من الدنيا حاجتك ولبانتك ،وراقب دينك استر نفسك وجد في أمرك بالفراغ وودع
أهلك وأعلمهم أنه ل رجعة لك إليهم ،فإذا فرغت بايعتك )) ( .) 24
( )1/305
ومن العلماء من يقول إن حالة الشراء هذه طبقت لول مرة أثناء الفترة المكية من حياة النبي ،
فيرون أن النبي أعلن السلم حين بلغ عدد أتباعه الربعين ( . ) 25هنا أوحي إليه أن يترك
منزل الرقم بن أبي الرقم الذي (( كان مركز نشاطاته الدعوية )) ( . ) 26وحين اجتاز مرحلة
السرية أوحى ال إليه ( :يا أيها النبي حسبك ال ومن اتبعك من المؤمنين ) ( . ) 27ووفقا
للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ،فقد نزلت هذه الية في مكة ،ثم أدخلت في وقت لحق في
سورة النفال التي نزلت في المدينة ( . ) 28على أنه من الصعب أن نوافق على هذا القول بأن
تكون مرحلة الشراء في العقيدة الباضية مستمدة من الحدث المذكور أعله في حياة النبي عليه
السلم .ولئن كانت الظروف مشابهة ،وهي غير متشابهة في الواقع ،فإن هنالك فارقا كبيرا في
أن توقيت هذه العمال في حياة النبي كان محددا مباشرة بالوحي .والشيء الثاني هو أن جميع
المسلمين كان عليهم أن يتبعوا نهج النبي ،ل سيما إذا كان منصوصا عليه في القرآن ،غير أن
الباضيين لم يعتبروا الشراء التزاما فرديا ؛ إنه واجب اختياري فقط وكان ذلك أحد المبادئ
الرئيسة التي اختلفوا فيها مع الزارقة الذين اعتبروا الخروج واجبا فرديا ( . ) 29
( )1/306
وفيما يلي توضيح نظام الشراء كما شرحه أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر (( :هم ،أي
الشراة ،يوافقون على أنهم يبيعون أنفسهم ابتغاء مرضاة ال ،ول يبدون مطالبة بالحكم ،بل
بإنهاء الجور وإحياء الصواب ؛ وليس لهم أن يثوروا إذا كانوا دون الربعين ؛ بوسعهم استكمال
العدد بامرأة واحدة .وإذا كانوا ينوون أن ل يعودوا قبل القضاء على الباطل ،فليس لهم أ،
يعودوا إلى منازلهم قبل إنهاء الباطل أو قبل أن يموتوا .وإذا خرجوا على نية العودة إذا شاءوا
فإنه يمكنهم أن يعودوا في أي وقت ؛ منازلهم سيوفهم ؛ فإذا ما عادوا إلى منازلهم الصلية لية
غاية ،فعليهم أن يصلوا صلة سفر ،وأن يصلوا صلة الفجر في أثناء ثورتهم حتى ولو كانوا
بعيدين عن منازلهم الصلية )) ( . ) 30
والشراء هو النوع الفضل من الجهاد في غياب إمام الظهور ،والواقع فإن الباضية استعملوا
الشراء في بعض الحالت كجسر لنشاء (( المامة الظاهرة )) ( . ) 31
وفيما يلي المبادئ الساسية للشراء :
( ) 1الشراء واجب اختياري بالنسبة للباضية بوجه عام ،وواجب على من ألزموا به أنفسهم .
( ) 2ينبغي أن ل يقل عدد أهل الشراء عن أربعين رجل .
( ) 3عليهم أن يختاروا قائدهم منهم ،وسلطته ملزمة لتباعه فقط ( . ) 32
( ) 4التقية الدينية غير ملئمة للشراء ؛ وعليهم أن يحاربوا حتى ينتهي الجور أو يقتلوا ( ) 33
ويقول بعض العلماء إنه بوسعهم أن يعودوا إذا لم يبق منهم غير ثلثة فقط ( . ) 34
( ) 5ل منزل لهم إل المكان الذي اجتمعوا فيه لمقابلة أعدائهم ،وإذا عادوا إلى بيوتهم الصلية
للحصول على مؤونة ،أو معلومات ،أو لية غاية أخرى ،وجب عليهم أن يعتبروا أنفسهم
مسافرين وأن يصلوا صلة سفر وهم في منازلهم الصلية .
( )1/307
( )1/308
يعني (( الكتمان )) إخفاء الشخص لمعتقداته وفي هذه الحالة يحتفظ المؤمنون بمعتقداتهم سرا
لتجنب القمع من قبل أعدائهم الذين لن يسمحوا للباضيين بأن يعلنوا معتقداتهم إذا كشفوهم (
. ) 37وفي هذا المعنى يكون إخفاء المعتقدات أفضل طريقة للحفاظ عليها .وهكذا تصبح
(( السرية )) لزاما في مثل هذه الحالة .لقد بدأ الباضيون حركتهم سرا لتجنب القمع من قبل
الحكام المويين .وعمل الزعيمان الباضيان جابر بن زيد وخليفته أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة
في مرحلة الكتمان .وكانت نشاطاتهم تجري بتكتم وخلل هذا الوقت كان التكتم مستحسنا في كل
شيء .ويقال إن ضمام بن السائب ،تلميذ جابر ،وأحد كبار شيوخ المجتمع الباضي في
البصرة قال (( :ما بال أحدكم يصر ديناره ودرهمه ويدي دينه على كفيه ولعله يلقاه من يسلبه
إياه )) ( . ) 38ويقول علماء الباضية إن مرحلة الكتمان في عقيدتهم مستمدة من حياة النبي ؛
لكنهم يختلفون في تحديد فترة التكتم في حياة النبي .ووفقا للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ،فإنها
الفترة الواقعة بين بداية الوحي حتى وقت وصول عدد المسلمين أربعين ،حين أعلن عمر بن
الخطاب دخوله في السلم ( . ) 39ويعتبر أبو سليمان داود بن إبراهيم التلتي أن الفترة التي
سبقت هجرة النبي عليه السلم إلى المدينة هي كلها فترة كتمان ( ) 40أما أبو عمار عبد الكافي
فيقول (( :إن النبي بقي متكتما في مكة بعض الوقت بعد نزول الوحي )) ( ) 41والظاهر أنه
قصد بذلك فترة سنوات ثلث من النبوة قبل نزول الية التالية ( :فاصدع بما تؤمر وأعرض عن
المشركين ) ( . ) 42وعلى أي حال ذلك كان الساس الذي قدمه الباضيون دليل على الكتمان
كواجب ديني في القرآن .
( )1/309
وبعد انهيار المامة الرستمية في تاهرت سنة 296هـ 909 /م حاول إباضيو شمالي إفريقية أن
يحيوا إمامتهم بقيادة أبي خزر يغلي بن زلتاف .لكنهم خسروا معركة باغاي التي حاربوا فيها
الفاطميين سنة . ) 43 ( 968 / 358ثم دخل الباضيون مرحلة السرية حتى وقتنا الحاضر ولم
يحاولوا بعد ذلك إنشاء إمامة جديدة .وأنظمة مرحلة السرية كما شرحها أبو العباس أحمد بن بكر
هي (( أن على الباضية أن يجتمعوا ويعينوا قائدا يدفعون له زكاتهم وحقوقهم ( ، ) 44يجمعها
من التقياء منهم ويوزعها بين التقياء ،ينبغي لهم أن يزور بعضهم بعضا وأن يشكلوا المجالس
لتعليم عقيدتهم وعبادة ال .كذلك ينبغي لهم أن يقيموا الصلة الجماعية وأن ينفذوا كل ما
يستطيعون منة واجب عمل الصالح والحيلولة دون الشر )) ( . ) 45وفي أثناء عهد السرية
تتحول المجتمعات الباضية إلى منظمات سرية تعمل سرا للبقاء على وحدة المجتمع وتعاليم
المذهب الباضي .
وأدت مرحلة السرية التي بدأت في شمالي إفريقية بعد هزيمة الباضيين في باغاي إلى إنشاء
نظام العزابة وهو في كثير من نواحيه يشبه منظمة شيوخ البصرة في زمن جابر بن زيد وأبي
عبيدة مسلم بن أبي كريمة ( . ) 46ففي كل تجمع إباضي كانت تشكل هيئات عزابة للهتمام
بشؤون الناس وهي هيئات كان ينبغي أن تتشكل من خيرة الناس في المجتمع ،من ذوي الصفات
الخاصة ولمهمات خاصة .وخلل عهد الكتمان تمارس هيئات العزابة السلطة الكاملة التي للمام
في حكم المجتمع الباضي في شؤونه الدينية والجتماعية .وفي تزال هذه الهيئات منذ تأسيسها
تعمل في واد مزاب ؛ أما في المجتمعين الباضيين في جبل نفوسة وجزيرة جربة فقد حلت أثناء
الحكم العثماني .ومن شأن دراسة تفصيلية لنظام العزابة ،وأصوله وأنظمته ،والدور الذي لعبه
في المجتمعات الباضية وحركة التعليم ،أن تكون ممتعة ،وذات قيمة كبيرة ( . ) 47
( )1/310
وهدفنا في الصفحات التالية أن نبرز القوانين التي انبثقت عن النقسام السابق لمراحل المجتمع
الباضي ( مسالك الدين ) في الشرع الباضي .
ليس لنا الكثير مما نقوله هنا حول مرحلتي الدفاع والظهور ،غير أن التقية الدينية ل تتلءم مع
أئمة الدفاع والظهور ( ) 48؛ مثل هذه القاعدة تنطبق على الشراء أيضا ( . ) 49وبين علماء
الباضية في العصر الحديث ،يعترض الشيخ محمد بن يوسف اطفيش على هذا الرأي الذي
يتعلق بإمام الظهور لنه ،كما يقول (( :إذا كانت التقية شرعية للفراد لنقاذ حياتهم فإن مسألة
المامة ل بد أنها أكثر أهمية )) ( . ) 50
وبالنسبة لمرحلة الدفاع فقد سبق أن ذكرنا أن إمامة الدفاع تنحل تلقائيا بعد انتهاء الحرب ،غير
أن بعض العلماء يقولون إن إمامة الدفاع يمكن لها أ ،تستمر بعد انتهاء الحرب ( . ) 51
وبالنسبة لمرحلة الشراء ،فقد سبق أن ذكرنا أنها واجب اختياري لكثر من أربعين شخصا وأن
عليهم أن يصلوا صلتهم حاضرة خلل الثورة ولو كانوا بعيدين عن بيوتهم الصلية .وإذا شاء
الشراة أن يتسلموا المور خلل إمامة الدفاع ،فإن لهم كل الحق في ذلك لن إمام الشراء ،بما
له من نية التضحية بحياته من أجل المجتمع الباضي ،أحق بالقيادة من إمام الدفاع ( . ) 52
وباستثناء ذلك ،فإن جميع أصول الشراة هي نفسها كأصول المجتمع الباضي في عهد الكتمان (
. ) 53
( )1/311
وبين المراحل الربع كانت مرحلة الكتمان عظيمة التأثير على الفقه الباضي في شمالي إفريقية .
وقد ناقش أبو يعقوب الوارجلني بالتفصيل أحكام الكتمان في كتابيه (( الدليل )) و (( العدل
والنصاف )) ؛ والناحية الهم هي تعليق العمل بعقوبة الحد في أثناء فترة الكتمان .ووفقا
للوارجلني ،فقد نظر الباضية إلى مرحلة الكتمان في مجتمعهم على أنها مشابهة للمرحلة التي
قضاها النبي في مكة قبل الهجرة حين لم يكن الوحي قد نزل بأية عقوبات للحد ( . ) 54وعلى
أي حال فإن بعض علماء الباضية تصرفوا خلفا لهذه القاعدة في مناسبات معينة على أساس أن
السرية ( الكتمان ) أخذ أحكام الظهور كلما كان ذلك ممكنا ،ولو أنه ليس للظهور أن يأخذ أحكام
الكتمان ( . ) 55والستثناء الوحيد لحكم تعليق تنفيذ الحدود هو قتل الذين يطعنون في الباضية
فمثل هؤلء الناس ينبغي أن يقتلوا بأية وسيلة في أي وقت في أثناء المراحل الربع ( . ) 56
( )1/312
وفي عهد الكتمان يكون على الباضية أن يعيشوا في ظل الطغاة .وقد وضعت لذلك أصول
معينة للباضية بشأن علقتهم بالطغاة في عهد الكتمان .والمبدأ الرئيس هو أ ،الباضية ل ينبغي
لهم أ ،يقدموا أي معونة للطغاة ،في حكمهم ؛ ول يجوز لهم استلم أي مناصب في عهدهم ( 57
) .والستثناء لهذه القاعدة هو أن أعضاء المجتمع الباضي المعروفين بمعارضتهم للطغاة إذا
كان بوسعهم أ ،يأمروهم بالمعروف وأن ينهوهم عن المنكر ،كان لهم أن يتسلموا المناصب ف
يظل الطغاة ؛ ولهم أن يقودوا القوات في الجهاد ،وأن يكونوا مسؤولين عن الغنائم والقضاء ،أو
الفتيا .وفي هذا الموقف يتبع الباضية ...مثل ابن عباس ،وجابر بن زيد ،والحسن البصري ،
وشريح القاضي ،فهؤلء العلماء الكبار جميعا عرفوا بمعارضتهم لحكم الطغاة ولكنهم تسلموا
المناصب في ظلهم .ويشترط في مثل هذا الموقف أن تدار هذه المناصب وفقا للشريعة ،وعدم
الخشية من أحد في ممارسة العدالة ( . ) 58
وإذا لم يكن العضاء يتحلون بنفس الصفات التي سبق ذكرها ،فليس لهم أ ،يتسلموا أي منصب
يتصل بالمصلحة العامة لنهم قد يسيئون إلى الناس ،كالمسؤولية عن السوق ،أو الشرط ،أو
الحسبة الخ .على أن هنالك وظائف معينة يمكن لهم أ ،يقوموا بها كالذان وإمامة الصلة ،
والخطبة في المساجد والتعليم في المدارس ( . ) 59
( )1/313
وهنالك حالت محددة يعمد فيها الطغاة إلى إكراه الباضية على الكلم أو التصرف بعكس
معتقداتهم ،ففي مثل هذه الظروف يسمح المذهب الباضي لتباعه أن يستخدموا (( رخصة ))
خاصة في ظل مبدأ التقية الدينية لتجنب عقوبة الموت .وعلى سبيل المثال ،بوسعهم أن يقولوا أ،
هنالك أكثر من إله واحد ،أ ,أن يدعوا الولية لعداء ال ،والبراءة من المؤمنين الحقيقيين ،أو
أن يدلوا بشهادة زائفة ،أو أن يرووا الكذب ،وذلك كله باللسان فقط دون اليمان به .وبوسعهم
أيضا أ ،يأكلوا في النهار خلل رمضان ،أ ,أن يأكلوا الميتة ،أ ,الدم ،ولحم الخنزير ،وذلك
لتجنب عقوبة الموت .وإذا كانت العقوبة ،مثل سجنا ،وهم يعرفون أنهم لن يموتوا في السجن
من الجوع أو العطش ،أ ,أي عقوبة أخرى قاسية ،فليس لهم أ ،يستفيدوا من هذه (( الرخصة ))
الخاصة لتجنب السجن لنها شرعية فقط في حال تجنب الموت ( . ) 60على أ ،هنالك في كل
حال أعمال معينة ل يجوز لهم أ ،يعملوها حتى ولو انتهى بهم ذلك إلى فقد حياتهم ،كقتل البريء
،أو الستيلء على أملك الناس ،أو هدرها ،أو تسليم أسلحتهم لعدائهم ،أو شرب الخمر ،أو
ارتكاب الزنى ،أو أكل وشرب ما هو نجس ( . ) 61
ومع أن الباضية اعتبروا العيش في ظل الطغاة ف يعهد الكتمان مشروعا ،فإن الموقف المفضل
لعضاء المجتمع الباضي هو البتعاد عن الطغاة وعدم تقديم أي معونة لهم ( . ) 62
ومن ناحية أخرى على الباضية أن يقيموا صلة الجمعة مع الطغاة ،وأن ينضموا إليهم في
الصلوات اليومية للمحافظة على الصلوات الجماعية ( . ) 63
( )1/314
كذلك يجوز شرعا للباضية أن يتلقوا الهبات من الطغاة إذا ما هم أعطوهم إياها ،لكنه ل يجوز
لهم طلبها منهم ( . ) 64أما النكار فاعترضوا على ذلك ؛ وكان هذا هو أحد الموضوعات التي
اختلفوا فيها عن علماء الباضية الخرين ( . ) 65وإلى جانب ذلك ،يجب على الباضية ولو
كانوا يعيشون في ظل الطغاة ،أن تكون لهم منظماتهم الخاصة للهتمام بشؤونهم ،وللتخطيط
لسلمة مجتمعهم وللحفاظ على تعاليم مذهبهم .وبكلم آخر ،لمنع الباضية من الذوبان في
مجموعة خصومهم الكبيرة ،ولقصد الستعداد لمرحلة الظهور .
=========================================
( ) 1الشماخي ،سير 372 ،؛ الدرجيني ،طبقات [ 340 ،ط .طلي ] 364 ،
( ) 2المصدر نفسه ،أحمد بن بكر ،مصدر مذكور سابقا 24 ،؛ أبو الربيع سليمان بن يخلف ،
تحق . 32 ،
( ) 3الدرجيني ،طبقات 5 ،؛ أحمد لن بكر ،مصدر مذكور سابقا . 25 ،
( ) 4الشماخي ،شرح عقيدة التوحيد . 50 ،
( ) 5المصدر ذاته .
( ) 6المصدر ذاته ؛ القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 114 - 113 ،
( ) 7أبو عمار عبد الكافي ،الموجز ،مخطوطة . 214 - 213
( ) 8أجوبة علماء فزان ،مخطوطة 98 ،؛ الشماخي ،مصدر مذكور سابقا 54 ،؛ أبو عامر
موسى بن عامر ،اللقط ،انظر الوارجلني ،الدليل ،مخطوطة 103 ،أ وما يليها .ومن علماء
العصر الحديث ،عالج الدكتور ج .ولكنسون الموضوع بصورة وافية في الملحق ( ف ) من
رسالته عن عمان (( :المام وصلحياته )) ،المجلد الثاني ،ملحق ف . 12 - 1 .
( ) 9الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 52 ،
( ) 10أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد . 25 ،
( ) 11الشماخي ،مصدر مذكور سابقا . 53 ،
( ) 12علي معمر ،نشأة المذهب الباضي . 94 ،
( ) 13الشماخي ،سير 372 ،؛ شرح عقيدة التوحيد 53 ،؛ وملحظة أبي إسحاق .55 - 54
( )1/315
( ) 14ابن سلم ،بدء السلم 59 - 56 ،؛ [ كتاب فيه بدء السلم ] 131 - 128 ،وقد
رفض الشماخي وأبو إسحاق الرأي بأن أبا حاتم كان أمير دفاع ،واقترحا أنه كان (( إمام
ظهور )) .شرح عقيدة التوحيد ،تحقيق أبي إسحاق ن . 53
( ) 15الدرجيني ،طبقات [ 29 ،ط .طلي ] 126 ،؛ أبو زكريا ،سير 49 ،أو ما يليها
[ ط .أيوب 194 ،وما بعدها ] ؛ الشماخي ،سير . 350 ،
( ) 16علي معمر ،نشأة المذهب الباضي . 95 - 94 ،
( ) 17ديلفيدا :مادة الخوارج ،الموسوعة السلمية . 246 ،
( ) 18التوبة . 111 / 9
( ) 19النساء . 74 / 4
( ) 20البقرة . 207 / 2
( ) 21انظر البغطوري ،سير . 17 - 16 ،
( ) 22البغطوري ،سير . 3 ،
( ) 23منير بن النير الجعلني ،سير ،مخطوطة . 9 ،
( ) 24القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 114 ،
( ) 25وات :محمد :نبي ورجل سياسي . 57 ، ) 1967 ( ،
( ) 26النفال . 64 / 8
( ) 27القطب ،مصدر مذكور سابقا . 114 ،
( ) 28انظر أعله . 23 - 21 ،
( ) 29أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد 25 ،؛ الجامع ( ،أبو مسألة ) . 26 ،
( ) 30السالمي ،تحفة . 91 / 1
( ) 31أبو زكريا الجناوني ،عقيدة 19 ،؛ أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد 25 ،؛ الوارجلني ،
الدليل 149 :ب ؛ أبو عمار ،الموجز . 126 / 2 ،
( ) 32أحمد بن بكر ،مصدر مذكور سابقا . 25 ،
( ) 33أبو زكريا الجناوني ،عقيدة 17؛ موسى بن عامر لقط ،مخطوطة . 8 ، 3 ،
( ) 34الحارثي ،صالح بن علي ،عبن المصالح في جوابات الشيخ صالح ( تحقيق التنوخي ،
دمشق ،لت . 412 ، ) .
( ) 35الوارجلني ،الدليل 99 ،ب .
( ) 36القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 113 ،
( ) 37الشماخي ،سير . 88 ،
( )8القطب ،مصدر مذكور سابقا . 115 ،
( ) 39التلتي ،شرح عقيدة التوحيد . 54 ،
( ) 40أبو عمار ،الموجز ،مخطوطة في حوزة محمد اليوبي . 224 ،
( )1/316
) 41الحجر 94 /؛ انظر غيوم :حياة محمد ( أوكسفورد . 117 ، ) 1967 ،
( ) 42الدرجيني ،طبقات . 129 ،
( ) 43انظر الجيطالي ،قواعد ،مخطوطة . 184 ،
( ) 44أحمد بن بكر ،مسائل التوحيد . 24 ،
( ) 45انظر ليفتسكي ،مادة (( حلقة )) في الموسوعة السلمية ،ط . 2 .
( ) 46انظر روبيناتشي Un antico documanto di vita cenabitica musulmana" ،" :
( ، .ِA.I.O.Nمجلد . 78 - 37 ، ) 10
( ) 47أبو عمار ،الموجز ،مخطوطة 124 / 2؛ انظر السابق . 377 ،
( ) 48انظر الشماخي ،قاسم بن سليمان ،شرح اللؤلؤة ،مخطوطة . 420 ،
( ) 49القطب ،جوابات ،مخطوطة ( مقتطفات في مجموعتي ) ؛ الحارثي ،عيسى بن صالح ،
خلصة الوسائل في ترتيب المسائل . 466 / 2
( ) 50القطب ،شرح عقيدة التوحيد . 113 ،
( ) 51الشماخي ،سير 92 ،؛ الدرجيني ،طبقات [ 39 - 238 ،ط .طلي - 251 ،
. ] 252
( ) 52الوارجلني ،الدليل 149 ،ب 150 -أ .
( ) 53الوارجلني ،العدل ،مخطوطة . 93 - 292 / 2 ،
( ) 54الوسياني ،سير 106 ،؛ الدرجيني ،مصدر مذكور سابقا . 378 ،
( ) 55الوارجلني ،العدل . 296 / 2 ،
( ) 56سالم بن ذكوان ،سيرة ،مخطوطة . 222 ،
( ) 57الوارجلني ،الدليل 108 ،أ -ب ؛ العدل . 322 - 314 / 2
( ) 58المصدر ذاته .
( ) 59أحمد بن محمد بن بكر ،الجامع ( أبو مسألة ) . 108 ،
( ) 60المصدر السابق . 109 ،وللمزيد من التفاصيل عن مفهوم الباضية للتقية الدينية
والشرائع المتعلقة بها ،انظر ابن بركة ،الجامع ،مخطوطة 65 - 61 ،؛ المصعبي ،الحاشية
على المصرح ،مخطوطة 109 ،ب 111 -أ ؛ و السالمي ،مشارق أنوار العقول ( القاهرة ) ،
. 461 - 456
( ) 61المصدر السابق . 14 - 413
( ) 61أحمد بن محمد بن بكر ،مسائل التوحيد . 25 ،
( ) 63أبو الربيع سليمان بن يخلف ،التحف ،مخطوطة 39 ،أ .
( ) 64انظر السابق . 269 ،
( )1/317
( ) 65المبرد ،الكامل ( تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ،القاهرة ) . 215 / 3
---
( )1/318
الخلصة
مر الدين السلمي خلل تاريخه عبر مراحل متعددة تركت أثرها بشكل أو بآخر على بنية الدين
وشرائعه وحضارته .والخصائص الولى للدين كما ظهر لول مرة في المجتمع السلمي الول
مرت بتغيرات معينة ( بطرق مختلفة ) أثرت على شكله الولي .غير أن ذلك ل ينطبق على أي
حال على سائر النواحي .إذا هنالك حالت قليلة من المجتمعات السلمية ل تزال قائمة حتى
الن ،وثيقة القرب من شكل السلم الول وقد كافحت بكد واجتهاد خلل التاريخ للحفاظ على
الطابع الول المميز .وهذا واضح في إحدى أقدم الفرق السلمية ،أي الباضية .
وخلفا لما يعتقد بوجه عام ،لم يكن الباضية فرعا من حركة الخوارج ،المعتدلة أو غير
المعتدلة ،بل هم ،كما يظهر لي من دراسة السنة والمذاهب السلمية ،كانوا على ما يبدو ،
يمثلون الروح النقية الصلية لدين السلم ،في مواجهة التغيرات السياسية ،والجتماعية بفعل
التوسع السريع للمبراطورية السلمية .
( )1/319
لقد حتم بنا المبراطورية الجديدة أن يحتل دور السلطة في أشكالها المادية المكانة الولى ،ثم
أخذت الجراءات السابقة للسلم للوصول إلى السلطة تعود إلى الظهور وتحل محل القيم التي
أتى بها دين السلم الجديد .وفي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ،شق بنو أمية طريقهم إلى
المنصب الهام في الحكم .إذ أعيد مروان بن الحكم الذي نفاه النبي وبقي في المنفى طوال خلفتي
أبي بكر وعمر ،إلى المدينة بواسطة عثمان ،وأصبح إحدى أقرب الشخصيات وأكثرها نفوذا في
بلطه .كذلك أصبح عبد ال بن سعد بن أبي سرح -الذي كان النبي قد أمر بإعدامه يوم فتح
مكة ،لكنه حظي بحماية عثمان وإيوائه له -واليه على مصر .وكان من شأن هذه الطريقة في
السيطرة على شؤون الدولة خلل السنوات الست الخيرة من عهد عثمان أن وضعت المزيد من
السلطة في أيدي أقاربه ،وأثارت ،إلى حد ما غضب وحقد المسلمين في أماكن متعددة ،
فتجمعوا من أقاصي المبراطورية وأتوا المدينة ن عاصمة الخلفة آنذاك لتغيير ما رأوا فيه
سياسة خاطئة .على أن هذه الخطوة أدت إلى مقتل عثمان وسرعان ما بويع علي بن أبي طالب
كخليفة رابع في المدينة ؛ فبدأت الحروب الهلية التي لم تنته بين المسلمين .ومع أن الطراف
التي هبت فور مقتل عثمان حاولت تبرير صراعها على السلطة بحجج دينية ،فإنه سرعان ما
أتضح أن المسألة كانت صرعا مباشرا على منصب الخلفة باعتبارها المنصب العلى في
المبراطورية الجديدة ،أو كما قال مالك بن أنس في عبارته الساخرة (( :وال ما اقتتلوا إل على
الثريد العفر )) ( ثريد ملون بالزعفران ) ( . ) 1
( )1/320
وبعد أن صفى علي حسابه مع طلحة والزبير ،وجد نفسه أمام معاوية بن أبي سفيان الذي كان
يطالب الثأر لمقتل عثمان .وفي البداية بدأ لمؤيدي علي أن مطالبة معاوية ليست سوى عذر
لمعارضة الخليفة الجديد ،فكان على علي أن يحارب معاوية ومؤيديه حتى يرضخوا لسلطته .و
حين قبل علي بالتحكيم تخلى عنه عدد كبير من مؤيديه وبايعوا أميرا جديدا هو عبد ال بن وهب
الراسبي ،وتبرأوا من علي كخليفة .على أن هؤلء الناس الذين قتل معظمهم في النهروان
وعرفوا باسم أهل النهر أو المحكمة ،كانوا أول فريق يحاول أن يؤسس دورا قياديا في المجتمع
السلمي الجديد خارج قريش الذين كانوا يعتبرون من قبل بقية القبائل العربية قبل السلم حماة
للبيت الحرام في مكة ،ثم احتفظوا بعد السلم بوسيلة السلطة في أيديهم .وبعد موت علي كان
ابنه الحسن على استعداد للتفاهم على تسوية مع بني أمية بعد أن تلقى تأكيدا بأنه سيكون الخليفة
بعد وفاة معاوية ،ورسخ المويون حكمهم القوي على العالم السلمي واستطاعوا قمع المعارضة
القرشية بقيادة الشيعة أي حزب علي ،أو بقيادة ابن الزبير .وانحصر الصراع على السلطة بين
قريش في بيتي بني أمية وبني هاشم .وحين ضعفت سلطة المويين في المبراطورية الخذة في
التساع الهائل ،تسلم العباسيون السلطة ،ثم استمر الصراع على السلطة بأقل ما يكون من التقيد
بمبادئ السلم ،و باستخدام جميع الوسائل للوصول إلى السلطة .
( )1/321
كان المحكمة أ,ل مثال عملي لغير القرشيين كي يأخذوا دورهم في الصراع من اجل قيم الٍسلم
الجديدة ولتنفيذها في الحياة السياسية .ولما ثبت معاوية سيطرته الراسخة على المناطق السلمية
بواسطة قادة أقوياء ،استحال شن أي هجوم ناجح يمكن له تغيير الوضع بمجمله .وجرت
تحركات عسكرية كردة فعل على أحدث معاصرة ،وأخذت شكل حروب خاضها الخوارج
بالدرجة الولى .في هذه الثناء تأسست الحركة الباضية في البصرة ومرت في مرحلة تخطيط
دقيق وواع لتقليد سياسة النبي في مكة وهو محاط بأعداء أقوياء بهدف استعادة المامة السلمية
العادلة وإعادة بناء المجتمع السلمي الحق على أساس ديني .هذه الحركة أسسها جابر بن زيد ،
التابعي البارز الذي درس على أيدي عدد كبير من صحابة النبي المشهورين .وبذلك كان
المجتمع الباضي نتيجة حركة فكرية ثقافية كان عليها أن تعمق جذورها وأن تحصل على الدعم
في العالم السلمي آنذاك ،عبر تدريب مبني على تبن دقيق للتعاليم السلمية كما حفظها قادة
الحركة نظريا وعمليا .مثل هذا الموقف الباضي لم يمكن الباضية ،من تكوين رأي واضح
للوضع السياسي الديني في أوائل السلم فقط ،بل مكنهم من معارضة ما اعتبروه آراء خاطئة
للخوارج ،وأن يقاوموهم في بداية حركتهم .وهكذا فقد استمر الباضية يحتفظون بالشكل العلمي
القرب للسلم في المجتمع الحي .ولسباب متعددة كسب الباضية تأييدا واسعا بين الزد
والقبائل العربية في حضرموت واليمن وبين بعض قبائل البربر الكبيرة في شمالي إفريقية .وفي
العقود الولى من القرن الثاني للهجرة تمكن الباضية من إنشاء دولهم في جنوبي شيبه الجزيرة
العربية وفي شمالي إفريقية .
( )1/322
وبعد وفاة جابر بن زيد سنة 93انسحب الباضية من بين السكان الذين يحيطون بهم في منطقة
سرية راحت تتطور وتحتفظ بعقيدتها .ومنذ ذلك الوقت احتفظ المذهب الباضي بخصائصه
المستقلة التي تعرض التعاليم السلمية في الحاديث والثار التي رواها تابعون عن صحابة النبي
عليه السلم .وقال الستاذ سرجنت في حديثه عن الزيدية إن (( :الزيدية ،على ما يبدو ،
يمثلون في المراحل الولى من تطورهم شكل من السلم أقرب ما يكون إلى الشكل التيوقراطي
البدائي لليمان )) ( . ) 2ولكن هذا الوصف أكثر انطباعا على الباضية منه على الزيديين لن
نظامهم التشريعي وعقائدهم وضعت في فترة سابقة .ثم إن المراجع الباضية تؤيد هذا الرأي
وتعترف بأن الزيدية ،بين المذاهب السلمية ،هي القرب إليها .ويشير أبو عمار عبد الكافي
إلى ثلثة فروق فقط بين المذهبين ،هي قولهم بمسألة المامة ؛ والموافقة على قبول علي للتحكيم
،واعتبارهم القائلين بأن ال سوف يرى في اليوم الخر مشركين ( . ) 3
( )1/323
إن تأسيس المدرسة الباضية على يد جابر بن زيد ،المحدث البارز ،وتطورها بفضل جهود أبي
عبيدة مسلم بن أبي كريمة ورفاقه ،كمؤسسة ثقافية ،حال دون وقوع قيادتها إل في يدي من هم
الكثر استقامة وعلما ،سواء في عهد السرية أم في هد الظهور .ثم إن الفقه الباضي الذي بني
على حصيلة مواد روتها المراجع الباضية فقط ،استخدم الساليب نفسها كبقية المدارس
السلمية في تكوين الراء .على أنه يسهل تمييز المدرسة الباضية من حيث إن نظامها
التشريعي ،شديد الهتمام بتصرف أتباعها الخلقي ؛ أو بكلم آخر ،من حيث التقييد بروح
الشرع وبحرفيته .والمثال على ذلك ،يظهر في الفعال التي تنقض الصيام والوضوء ،وهي
التي يتفرد الباضية فيها باعتبار جميع الفعال المنافية للخلق كالكذب ،والقذف وما أشبه ،
والصغاء للقذف أو الموسيقى ،الخ ،والنظر إلى منازل الخرين ،أو النظر إلى النساء
الجنبيات الخ .وفي هذا المجال كان نظام الولية والبراءة الذي طوره الباضية مبنيا على التقيد
التام باللتزامات الدينية ليتخذ الرجل وليا وبالتالي جميع الحقوق التي يستحقها من إخوانه
الباضية .ومثل هذا الموقف بالنسبة للسلوك الخلقي للشخص كان يغطي نواحي أخرى من
اليمان كاستثناء مرتكبي الكبائر من حق شفاعة النبي في اليوم الخر ،والعتقاد بأن مرتكبي
الكبائر خالدون في جهنم ما لم يتوبوا قبل الموت .وهنالك أيضا مميزات خاصة أخرى للمذهب
الباضي كتعطيل عقوبات الحد في أثناء مرحلة الكتمان ،ثم القوانين الموضوعة لهذه المرحلة
السياسية الدينية .وفي المنظومة التشريعية والدينية هنالك عدد من النقاط التي تختلف فيها
المدرسة الباضية عن بقية المدارس الفقهية السلمية أو عن بعضها ،مرد هذا إلى النصوص
التي تستند إليها النقاط .وهنالك حالت أخرى كانت المواد المعتمدة من قبل الباضية غير
معروفة للسنة أو للمراجع الشيعية ،والعكس صحيح .
( )1/324
والخاصة الساسية الخرى هي أن الباضية فهموا أن الدين وحدة واحدة في نواحيه السياسية ،
والروحية ،والفقهية يجب تنفيذها في الحياة في وقت واحد .وحين يصار إلى تعطيل إحدى هذه
النواحي في مرحلة معينة من المجتمع الباضي ،فليس ذلك عن إهمال ،ولكن كعمل مقصود
تتطلبه المرحلة الحالية التي يمر فيها المجتمع تشبها بحياة النبي العملية وهي التي يجب أن تؤدي
إلى الخطوة التالية في تنفيذ جميع تعاليم الدين في ظروف مناسبة .والظاهر أن ذلك هو السبب
الذي من أجله ،على سبيل المثال ،لم يقبل الباضيون بالصوفية ،لنها توجه نشاطات المسلمين
بصورة رئيسة إلى الجانب الروحي ول تعني كثيرا بنواحي الدين الخرى .ومن أولى التعليقات
على هذه المسألة ما قاله محمد بن محبوب ( ت 262 .هـ ) في سيرته إلى الباضيين في
حضرموت (( :عرفنا أن هنالك أناسا في بلدكم يتعبدون بلباس الصوف في الصيف ويتشككون
في قتال أهل البغي بالسيف )) .
وبما أن الباضية كانوا باستمرار يعيشون في مجتمعات بسيطة نائية ،فإن تشريعاتهم لم تتأثر
بتغيرات البنية أو الزمن ،وبقيت في شكلها الصلي .لقد حاول الباضية باستمرار أن يعيشوا
وفقا للشرع اللهي ،وأن يكيفوه حيث هم في كل الوقات .وفي مرحلة باكرة وضعت أصول
خاصة للمراحل المختلفة من الوضاع السياسية والدينية ،وبموجبها كان على المجتمع الباضي
أن يحافظ على وجوده .
( )1/325
على أنه يبقى الشيء الكثير ل بد منه لتكوين صورة أ:ثر وضوحا للمجتمعات الباضية ولتطورها
في مختلف ميادين النشاطات .ول يعرف غير القليل عن الوضع الحالي في البلدان الباضية
المتعددة ؛ وهي مجتمعات إباضية بحاجة إلى دراسة دقيقة .ثم إن هنالك كم هائل من العمال
الباضية الصلية في الحديث ،والكلم ،والفقه ،والتاريخ أو غير ذلك من ميادين العلم التي
تحاج إلى اهتمام ؛ وهنالك قدر كبير جدا من المواد الجديدة بانتظار البحث المتأني والنظر العميق
بحيث تحقق نظرة أكثر اكتمال للمدرسة الباضية .
================================
( ) 1آربري ( محقق ) ،الدين في الشرق الوسط ،مادة (( الزيديين )) [ 285 / 2 ،انظر في
نقضه على الزيدية ط .عمار طالبي 250 / 2وما بعدها ] .
( ) 2أبو عمار عبد الكافي ،الموجز ،مخطوطة . 124 / 2
( ) 3محمد بن محبوب ،سيرة ،مخطوطة . 279 ،
---
( )1/326
البيبليوغرافيا (المراجع)
المخطوطات
* ابن بركه ،أبو محمد عبد ال بن محمد ،كتاب الجامع ،خمسة أجزاء ( ،مجموعتي ) -
كتاب الموازنة ( ،جزء من مخطوطة ذات محتويات متعددة ) .
* ابن بكر ،أبو العباس أحمد بن محمد ،كتاب اللواح ،أيوب محمد ،جناون ،جادو .
-كتاب الجامع ( أبو مسألة ) ( مجموعتي ) .
-كتاب تبيين أفعال العباد 3 ،مجلدات ( ،سالم بن يعقوب ) .
-كتاب أصول الرضيين ( ،مرساوني ،رحيبات ،ماليو ،جادو ) .
-كتاب أصول القسمة ( ،مرساوني ،رحيبات ،بارونية )
-كتاب مسائل الموات ( ،البارونية ،جربة ) .
-كتاب مسائل التوحيد ( تحقيق كاتب الكتاب ) .
* ابن بيان ،علي ،شرح النونية 26 ،ورقه ( أمحمد الباروني ،جادو ) .
* ابن عبد الحكم ،فتوح إفريقية والندلس ،النص العربي بترجمة فرنسية ( ألبرت غاتو ،ط
) 2الجزائر . 1947 ،
* ابن مداد محمد بن عبد ال ،صفة نسب العلماء ونموتهم وبلدانهم ( مجموعتي ) .
* ابن سلم بن عمرو بن تومطنين اللواتي ،بدء السلم وشرائع الدين ( سالم بن يعقوب ،جربة
).
* أبو جعفر محمد بن جعفر ،الجامع ،مجلدان ( ،ق .يني يزفن وبكلي عبد الرحمن ،بريان
مزاب .ونسخة غير كاملة .البارونية ،جربة ؛ النسخة غير الكاملة مؤلفة من :باب في الديات
والحدود 77 ،ص ؛ ومرساوني ،رحيبات ) .
* أبو خزر يغلي بن زلتاف ،كتاب الرد على جامع المخالفين .انظر . J. S. S ، 15 ، 1 ، 82
* أبو الربيع سليمان بن يخلف ،سير سليمان بن يخلف .
* أبو زكريا ؛ سير أبو زكريا ،يحيى بن أبي بكر ،السيرة وأخبار الئمة ( ،دار الكتب ،
القاهرة ) .
* أبو ستة ،عمرو بن محمد ،شرح ترتيب المسند 321 ،ورقة ( المقصي ،جادو ) .
-حاشية البيوع 148 ،ورقة ( مرساوني ،رحيبات ) .
-حاشية الوضع 179 ،ورقة ( مرساوني ،رحيبات ) .
( )1/327
* أبو ستة ،محمد بن عمرو ،حاشية على كتاب الشفعة والهبة والوصايا ( ،أمحمد الباروني ،
جادو ) .
* أبو سليمان داود بن أبي يوسف الجامع ( نسخة غير كاملة ؛ 120صفحة في حوزة مسعود
الدبلي ،وانزيرف ،الرحيبات ) .
* أبو صفرة عبد الملك بن صفرة ،روايات ضمام ( ،بارونية ،جربة ،دار الكتب ،القاهرة )
.
* أبو طاهر ،إسماعيل بن موسى -الجيطالي .
* أبو عبيدة ،مسلم بن أبي كريمة ،مسائل أبي عبيدة 38ص ( .غير كاملة ،في حوزة الشيخ
يوسف العطفاوي ،العطف ،مزاب ) .
-رسالة في الزكاة ولمن تعطى ( البارونية ،جربة ،أعد كاتب هذه الدراسة نسخة محققة منها )
.
* أبو قحطان خالد بن قحطان الهاجري ،سيرة ( جزء من مخطوطة متعددة المحتويات من عمان
).
* أبو نصر ،فتح بن نوح الملوشائي :ديوان أبي نصر ( .مجموعة أشعار أبي نصر في حوزة
علي ميلود المرساوني ،رحيبات ) .
* أبو اليقظان ،إبراهيم بن عيسى .قصيدة في العزابة ( مجموعتي ) .
* أبو عمار عبد الكافي بن أبي يعقوب التناوتي :شرح الجهالت 106 ،ص ( .أمحمد
الباروني ،جادو ؛ وهنالك نسخ أخرى في حوزة سالم بن يعقوب ،جربة ؛ البارونية ،جربة ،
مرساوي ،رحيبات ؛ وفي مزاب أيضا ) .
-الموجز في تحصيل السؤال وتلخيص المقال 11 ،جزءا ( ،محفوظ علي الباروني ،جربة ،
أيوب محمد ،جنوان ،جادو ) .
-مختصر طبقات المشايخ ( ،الباروني ،كاباو ) .
-سيرة الحلقة ( ،البارونية ،جربة ) .
* أبو غانم بشر بن غانم الخراساني ،المدونة 495 ،ص ( .مجموعة السالمي ؛ وأنا أملك
نسخة مصورة من هذه المخطوطة ) .
-المدونة الكبرى ،مجلدان ،ترتيب محمد بن يوسف اطفيش ( في مجموعتي نسخة منها ) .
-الديوان المعروض على علماء الباضية ( البارونية ،جربة ،دار الكتب ،القاهرة ) .
* الشياخ ،ديوان الشياخ 24 ،جزءا ( جربة ،البارونية وجبل نفوسة ) .
( )1/328
* أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،جوابات المام أفلح 3 ،مجموعات ،
( البارونية ،جربة ) .
* أبو المؤثر ،الصلت بن خميس ،سيرة ( جزء من مخطوطة مختلفة المحتويات من عمان ) .
* الباروني ،أو عزيز بن إبراهيم بن يحيى :اللقط ؛ ( باروني ،كاباو ) .
* الباروني ،عيسى بن أبي القاسم ،جواب لبعض فقهاء بلد غدامس ( جزء من مخطوطة
متعددة المحتويات ،الورقات 77ب 23 -أ ،الباروني ،كاباو ) .
* الباروني ،محمد بن زكريا ،كتاب طبقات العلماء ،وتاريخهم ( سالم بن يعقوب ،جربة ) .
* البرادي ،أبو القاسم بن إبراهيم :البحث الصادق والستكشاف عن معاني كتاب العدل
والنصاف 3 ،مجلدات ( الباروني ،كاباو ،البارونية ،جربة ) ،جوابات ( جوابان ،كجزء
من جوابات مشايخ جربة ) .
-الجواهر المنتقاة في ما أخل به الكتاب الطبقات ( مجموعتي ) .
-رسالة الحقائق ( ،عدد من النسخ من جربة وجبل نفوسة ) .
-شفاء الحائم في شرح بعض الدعائم ( عدد من المخطوطات في البارونية ،جربة ؛ مزاب ،
وجبل نفوسة ) .
* البسياني ،أبو الحسن علي بن محمد ،الجامع 139 ،ورقة ،نسخة غير كاملة ( الباروني ،
كاباو ) .
* سيرة ،حجة على من يبطل الواقع بعمان ( سالم بني يعقوب ،جربة ) .
* سيرة البسياني ؟ 426ص .هذه المخطوطة أرسلت إلي من عمان ،وهي غير كاملة ،واسم
المؤلف غير ظاهر عليها .غير أن صديقي الذي أرسها إلي يؤكد أنها (( السيرة الكبيرة ))
للبسياني .وهي في أية حال تحتوي على عدد مفيد من السير لعلماء عمانيين في وقت باكر كانت
ذات أهمية لدراسة العقيدة الولى للمذهب الباضي .وعند النقل عنها في هذا العمل ،أشرت إلى
السيرة ومؤلفها ،ل إلى البسياني.
( )1/329
* البغطوري ،محمد بن مقران ،سير مشايخ نفوسة ( البغطور ،جربا ،سالم بن يعقوب ،
جربة ) كتبت اسمه في مكان آخر محمد بن مقرن ،لكن الشكل الصحيح هو مقران أو مقران ،
من كلمة بربرية تعني العظيم الكبير ،الحسن .بلفظ مقران ،أو مقران .
* التلتي ،أبو سليمان بن داود ،شرح عقيدة التوحيد ،في مقدمة التوحيد وشروحها تحقيق أبي
إسحاق ،القاهرة . 1353 ،
* التلتي ،عمرو بن رمضان ،شرح الديانات ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1304 ،
-الزهار الرياضية على المنظومة الراثية ( بارونية ،جربة ) .
-الللي المنظومة في عقود الديانات ( أم حمد ،البارونية ،جادو ،بارونية ،جربة ) .
-الللي الميمونية على المنظومة النونية ( بارونية ،جربة )
-النخبة المتين من أصول تبغورين ( باروني ،كاباو ) .
* الثميني ،عبد العزيز بن إبراهيم ،كتاب النيل ( 3مجلدات ،ط ، 2تحقيق بكلي عبد الرحمن
بن عمر ،الجزائر . 1389 / 1969
-عقد الجواهر من بحر القناطر ،جزءان ( شيخ محمد الثميني ،تونس ) .
-معالم الدين جزء ( 1البارونية ،جربة ) .
-السرار النورانية على المنظومة الرائية ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1306 ،
-النور ،شرح القصيدة النونية ،طبعة حجرية ن القاهرة . 1306 ،
-التكميل لما أخل به كتاب النيل ،تونس . 1344 / 1925 ،
-الورد البسام في رياض الحكام ،تونس ، 1315 ،وارجلني ،أبو يعقوب ،يوسف بن
إبراهيم ،الدليل والبرهان ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1306 ،
-ترتيب المسند ،طبعات متعددة ،انظر الربيع بن حبيب .
* جابر بن زيد ،كتاب الصلة ( البارونية ،جربة ،دار الكتب ،القاهرة )
-كتاب النكاح ( البارونية ،جربة ) .
-جوابات جابر بن زيد ( البارونية ن جربة ) .
* الجادوي ،أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب ،جواب سؤال لبعض المالكية من غريان 18 ،ص
( .الباروني ،كاباو ) .
* الجادوي ،صالح ،القصيدة الجادوية ( مجموعتي ) .
( )1/330
( )1/331
( )1/332
* الشماخي ،أبو عامر موسى بن عامر ،اللقط 165 ،ورقة ( .نسخة غير كاملة ،الباروني ،
كاباو ).
* الشماخي ،أبو ساكن عامر بن علي .
-إيضاح .إيضاح أدلة أبواب الفقه ( ، 4 ،مرساوني ،رحيبات ) .
-الديانات ( مجموعتي ) .
-مسائل البغطور ( ،جربة ) .
* الشماخي ،أحمد بن سعيد ،السير ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1301 ،
-شرح عقيدة التوحيد في مقدمة التوحيد وشروحها ،تحقيق أبي إسحق ،القاهرة . 1353 ،
* الشماخي ،عامر بن علي :كتاب اليضاح 4 ،مجلدات ،طبعة حجرية ،القاهرة ،ط ، 2
جزء ، 1بيروت . 1970 / 1390 ،
* الشماخي ،قاسم بن سعيد بن قاسم :القول المتين في الرد على المخالفين ،القاهرة . 1324 ،
-شرح أرجوزة اللؤلؤ في علم التوحيد 464ص ( سالم بن يعقوب ،جربة ) .
* الصائغي ،سالم بن سعيد ،كنز الديب وسلفة اللبيب ( مكتبة جامعة كمبريدج رقم ) 02896
.
* عبد ال بن عبد العزيز ،كتاب نكاح الشغار 4 ،ج ( .البارونية ،جربة ،دار الكتب ،
القاهرة ) .
* عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،جوابات ( البارونية ،جربة ) انظر مقال لي في J . S
. . S ، 15 ، 1 ، 1970 ، 69 - 70
* عمرو بن فتح المساكني ،أبو حفص ،أصول الدينونة الصافية ( البارونية ،جربة ،بابانو ،
مزاب ) .
-الرد على الناكثة وأحمد بن الحسين ( ،بغطوري ،جربة ،عزابي ،جناون ،جادو ) .
* الفزاري ،عبد ال بن يزيد ،كتاب الردود 40 ،ص غير كاملة ( عياد العزابي ،زواره ) .
* الفزاني ،بكار بن محمد ،جوابات ( ،البارونية ،جربة ) .
* قتادة بن دعامة السدوسي ،أقوال قتادة ،سبعة أجزاء ( جزء من مخطوطة الديوان المعروض
.انظر أبو غانم ) .
* القطب ،محمد بن يوسف اطفيش ،جوابات وفتاوى ( مكتبة القطب ،بني يزفن ،مزاب ،
صورة في مجموعتي ) .
-شرح تبغورين ( القطب بن يزفن ،مزاب ) .
-شرح لمية ابن النظر ( ،البارونية ،جربة ) .
( )1/333
( )1/334
( )1/335
)1/336 (
Ennami , A.K ' Description of New Ibadi Mss. from North Africa . Journal -
. of semitic Studies. , Vol . 15 , I, 1970 , 63 - 87
Gabrieli, F. ' Sulle Origini del Movimento Harigita ' . Rend . Accad . -
. Lincei, ser . 7 , 3 ( 1941 ) , 110 - 117
Goichon , A.M. 'Le vie feminine au Mzab ' . Revue du monde Musulmane -
. ., Vol . 62 , 1925
Heggoy , Willy N . ‚ The Mozabites of Algeria ‚ Muslim World , Vol . -
. XXXVII , 192 - 207
Kubiak , Wladyslaw ' . al - arabiyah fi Bulunia ' Majallat Ma'had al -
. -Makhtutat al- ' Arabiyah ., Vol. V , I ( Cairo 1959 ) , 17 - 22
Kubiak Wladyslaw ' . al - Makhtutat al - arabiyah fi Bulunia .' Majallat -
. Ma'had al- Makhtutat al- ' Arabiyah ., Vol. V , I ( Cairo 1959 ) , 17 - 22
Kafali , Muh , 'The rise of Kharijisme according to abu Sa'id Muhammad -
b. Sa'id al - Azdi al- Qalhati' . The bulletin of the Faculty of Arts . Cairo ,
. XIV . 1 , 1952 , 29 - 48
Kumar , Ravinder , ' British attiude towards the Ibadiyya revivalist -
. movement in East Africa '. Int . Stud ., 3 , ( 1962 ) , 443 - 450
Lewicki, T. ' Note sur la chronique ibadite d'ad-Dargini' . Rocznik -
. Orientalistyesm, t XI , 1936 , 146 - 172
Une chronique ibadite 'Kitab al-Siyar d'Abu'l-Abbas Ahmad as-Sammahi" -
. ". Revue etud. Ist., 1934, 59 - 78
. Les subdivisions de I'Ibadiyya" . Studia Islamica., IX, ( 1958 ) , 71 - 82" -
Les historiens, biographes et traditionistes ibadites - wahbites de " -
. I'Afrique du Nord du VIII' au XVI' siecles". Folia Or ., 3 ( 1961 ) , 1 - 134
)1/337 (
)1/338 (
( )1/339
* أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر ،الجامع ( أبو مسألة ) زنجبار . 1318 ،
* أبو عمار عبد الكافي ،كتاب اختصار الفرائض ،ل تاريخ ،وأعمال أخرى .
* أبن بكر أحمد بن النظر العماني ،كتاب الدعائم ،ط ، 2دمشق . 1966
* أبو مهدي عيسى بن إسماعيل المصعبي ،جواب لبي علي البهلولي ،طبعة حجر ،تونس
، 1321وأعمال أخرى .
* أبو مصر ،فتح بن نوح الملوشاتي ،القصيدة النونية ،الجزائر 1933 / 1352 ،وأيضا
كتاب الدعائم لبي بكر بن النظر ؛ ودمشق 1966ص . 203 - 193
-المنظومة الرائية في الصلة ،وأيضا في كتاب الدعائم ص . 211 - 203
* أبو راس ،محمد بن مؤنس الحبة في أخبار جربة ،تحري محمد المرزوتي ،تونس 1960 ،
.
* أبو ستة ،محمد بن عمرو ،حاشية القواعد ،طبعة حجرية ،القاهرة 1297هـ .
-حاشية كتاب النكاح للجناوني ،طبعة حجرية القاهرة . 1343 ،
-حاشية على الجزاء 3و 4من كتاب اليضاح للشماخي ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1309 ،
-جوابات ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1315 ،
-شرح ترتيب المسند 3 ،أجزاء ،زنجبار ، 1304 ،مجهول .ذكر أسماء يعض شيوخ
الوهبية ،طبعة حجرية مع سير الشماخي .
* الشياخ ديوان :
أ -كتاب الصوم ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1315 ،
ب -كتاب الطهارات ،طبعة حجرية ،القاهرة . 1315 ،
* البرادي ،أبو الفضل ،أبو القاسم بن إبراهيم ،الجواهر المنتقاة فيما أخل به الكتاب الطبقات ،
طبعة حجرية ،القاهرة . 1302 ،
* الباروني ،عبد ال بن يحيى ،سلم العامة والمبتدئين لمعرفة أئمة الدين ،القاهرة . 1324 ،
* الباروني ،أبو الربيع سليمان ،مختصر تاريخ الباضية ،تونس . 1357 / 1938 ،
* الباروني ،محمد بن زكريا ،نسبة دين المسلمين ،طبعة حجرية مع سير الشماخي ،القاهرة ،
. 1301
* الباروني ،سليمان باشا ،الزهار الرياضية في تاريخ أئمة وملوك الباضية ،القاهرة ،لت .
( نحو 1326 - 1324هـ ) جـ 2فقط .
( )1/340
* الحناوني ،أبو زكريا يحيى بن الخير ،عقيدة التوحيد ،طبعة حجرية ،الجزائر . 1325 ،
-كتاب النكاح ،طبعة حجرية ،القاهرة ، 1343 ،مع (( حاشية )) أبي ستة .
-كتاب الصوم ،طبعة حجرية ،القاهرة ، 1320 ،تحضر حاليا طبعة جديدة لهذا الكتاب .
-كتاب الوضع ،تحقيق أبي إسحق إبراهيم اطفيش ،القاهرة ،لت .
* الجيطالي ،أبو طاهر إسماعيل بن موسى .
-كتاب قواعد السلم ،طبعة حجرية ،القاهرة ، 1297 ،مع (( حاشية )) أبي ستة .
-كتاب الفرائض والمقاييس :الجروح ،طبعة حجرية ،القاهرة لت .
-كتاب قناطر الخيرات 3 ،مجلدات ،طبعة حجرية ،القاهرة 1307 ،؛ الجزء الول من هذا
الكتاب ،تحقيق كاتب هذه الدراسة ،طبع في القاهرة . 1964 ،
* دبوز ،محمد علي ،تاريخ المغرب الكبير 3 ،أجزاء القاهرة . 1963 ،
* ثورة الجزائر ونهضتها المباركة 3أجزاء ،القاهرة . 1965 ،
* الحضرمي ،إبراهيم بن قيس :
( أ ) كتاب مختصر الخصال ،جزءان ،طبعة حجرية . 1893 / 1310 ،
( ب ) ديوان السيف النقاد ،ط 2دمشق لت .
* الحارثي ،عيسى بن صالح ،خلصة الوسائل في ترتيب المسائل ،جزءان ،تحرير عز الدين
التنوخي ،دمشق ،لت .
* الحارثي ،صالح بن علي ،عين المصالح في جوابات الشيخ صالح ،تحرير عز الدين
التنوخي ،دمشق .
ب -مصادر عامة باللغة العربية :
* أبن أبي حاتم الرازي ،عبد الرحمن ،الجرح والتعديل ،مقدمة 8مجلدات ،حيدر أباد ،
. 1373 - 1360
* ابن الثير علي بن محمد ،أسد الغابة 5 ،مجلدات ن القاهرة . 7 - 1285 ،
* ابن الثير ،مبارك بن محمد ،النهاية في غريب الحديث 4 ،مجلدات ،القاهرة / 1311 ،
. 1893
* ابن الجوزي ،عبد الرحمن بن علي ،صفة الصفوة ،حيدر أباد . 1356 ،
* ابن حبان البستي ،محمد ،مشاهير علماء المصار ،تحقيق مانفريد فليشهامر ،القاهرة ،
1379 / 1959هـ .
* ابن حجر ،أحمد بن علي .
( )1/341
( )1/342
* ابن عبد الحكم ،فتوح إفريقية والندلس ،النص العربي مع ترجمة فرنسية ومقدمة للبرت
غاتو ،ط ، 2الجزائر . 1947 ،
* ابن عبد ربه ،أحمد بن محمد ،العقد الفريد ،تحقيق أحمد أمين وآخرين ،القاهرة / 1359 ،
. 1940
* ابن عذاري المراكشي ،كتاب البيان المغرب ،تحقيق ج .س .كولين وإي .ليفي
بروفنسال ،ليدن . 1948 ،
* ابن العماد ،عبد الحي ،شذرات الذهب في أخبار من ذهب ،القاهرة . 1350 ،
* ابن قتيبة ،عبد ال بن مسلم ،المعارف ،تحقيق محمد الصاوي ،القاهرة . 1934 ،
* ابن القيسراني ،محمد بن طاهر ،الجامع بين رجال الصحيحين ،حيدر أباد . 1323 ،
* ابن القيم ،إعلم الموقعين عن رب العالمين 4 ،مجلدات ،القاهرة ،لت .
* ابن كثير ،إسماعيل بن عمر ،البداية والنهاية 14 ،مجلدا ،القاهرة . 1932 ،
* ابن ماجة ،محمد بن يزيد ،سنن ،مجلدان ،تحقيق م .ف .عبد الباقي ،القاهرة / 1373 ،
. 1954
* ابن مسكوية ،تجارب المم ،تحقيق ل .كايتاني . 1909 ،
* ابن منظور ،محمد بن مكرم لسان العرب 20 ،مجلدا ،بولق . 8 - 1300 ،
* ابن النديم ،الفهرست ،تحقيق ج .فلوغيل ،ليبزيغ 1871 ،؛ والقاهرة . 1348 ،
* ابن هشام ،محمد السيرة النبوية ،تحقيق مصطفى السقا وآخرين ،القاهرة . 1955 ،
* أبو داود ،سنن 4 ،مجلدات ،تحقيق م .م .عبد الحميد ،القاهرة . 1950 / 1369 ،
* أبو زهرة ،محمد -مالك ،ط ، 2القاهرة . 1952 ،
-أبو حنيفة ،ط ، 2القاهرة . 1955 ،
-الشافعي ،القاهرة . 1954 / 1364 ،
* أبو زهرة ،محمد ،الحديث والمحدثون ،القاهرة . 1958 ،
* أبو عوانة ،يعقوب بن إسحق ،مسند ،حيدر أباد 1362 ،هـ .
* أبو الفرج الصفهاني ،علي بن الحسين ،كتاب الغاني ن 24مجلدا ،تحقيق عبد الستار
أحمد فراج ،بيروت . 1961 / 1380 ،
( )1/343
* أبو الفضل عبد الرحمن بن الحسين العراقي ،المغني عن حمل السفار في تخريج ما في
الحياء من الخبار مع (( إحياء علوم الدين )) للغزالي ،القاهرة . 1939 / 1353 ،
* أبو نعيم ،أحمد بن عبد ال الصبهاني ،حلية الولياء وطبقات الصفياء 10 ،مجلدات ،
القاهرة . 1932 ،
* السفراييني ،أبو المظفر طاهر بن محمد ،التبصير في الدين القاهرة . 1940 ،
* الشعري ،علي بن إسماعيل ،مقالت السلميين واختلف المصلين ،تحقيق هيلموت ريتر ،
اسطنبول . 1929 ،
* الصطخري إبراهيم بن محمد ،مسالك الممالك ،ليدن . 1870 ،
* اللوسي ،محمد شكري ،بلوغ الرب في معرفة أحوال العرب ،ط ، 2القاهرة . 1942 ،
* البخاري ،محمد بن إسماعيل ،الجامع الصحيح ،طبقات متعددة .
-التاريخ الكبير 4 ،مجلدات ،حيدر أباد . 1361 ،
* البرهانفوري ،علي المتقي المهندي ،كنز العمال في سنن القوال والفعال 8 ،مجلدات ،
حيدر أباد . 14 - 1312 ،
* البصري ،محمد بن علي ،المعتمد في أصول الفقه ،مجلدان ،تحقيق حميد ال وآخرين ،
دمشق . 65 - 1964 / 1348 / 5 ،
* البلذري ،أحمد بن يحيى ،فتوح البلدان ،تحقيق المنجد ،القاهرة . 1956 ،
* البغدادي ،أبو منصور ،عبد القادر بن طاهر :الفرق بين الفرق ،تحقيق زاهد الكوثري ،
القاهرة 1948 ،؛ ترجمة إنكليزية مع مقدمة وملحظات بقلم إبراهام س .هالكين . 1935 ،
* الترمذي ،محمد بن عيسى ،السنن ( الجامع الصحيح ) ،تحقيق أحمد حمد شاكر ،المجلدان
1و . 2المجلد الثالث ،تحقيق محمد ف .عبد الباقي ،القاهرة . 1937 / 1356
* صحيح الترمذي مع تعليق ابن العربي المالكي 13 ،مجلدا ،القاهرة 1931 / 52 - 1350 ،
. 34 -
* الطيالسي ،سليمان بن داود ،مسند ،حيدر أباد ن . 1321
* الجاحظ ،أبو عثمان عمرو بن بحر ،البيان والتبيين 4 ،مجلدات ،تحقيق محمد عبد السلم
هارون ،القاهرة . 1369 - 1367 / 1950 - 1948 ،
( )1/344
( )1/345
* السباعي ،مصطفى ،السنة ومكانتها في التشريع السلمي ،القاهرة . 1961 / 1380 ،
* سحنون ،المدونة الكبرى 16 ،مجلدا ،القاهرة . 24 - 1323 ،
* السرخسي ،المبسوط 30 ،مجلدا ،القاهرة . 31 - 1324 ،
* السمعاني ،عبد الكريم محمد بن منصور ،النساب 6 ،مجلدات ،تحقيق اليماني ،حيدر
أباد . 1966 - 1963 ،
* السيوطي ،جلل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ،الجامع الصغير ،مجلدان ،القاهرة ،لت
.
-تنوير الحوالك شرح موطأ المام مالك ،مجلدان ،القاهرة . 1348 ،
* الشافعي ،محمد بن إدريس ،الم 7 ،مجلدات ،القاهرة . 5 - 1321 ،
* الشوكاني ،محمد بن علي ،نيل الوطار 8 ،مجلدات ،القاهرة . 1357 ،
* الشيباني ،محمد بن الحسن ،الجامع الصغير .
* الصالح ،صبحي ،علوم الحديث ،ط ، 3بيروت . 1965 / 1384 ،
* الطبري ،محمد بن جرير ،التفسير ،تحقيق شاكر 15 ،مجلدا ،القاهرة .
-تاريخ الرسل والملوك ،تحقيق أبي الفضل إبراهيم 10 ،مجلدات ، 69 - 1960 ،القاهرة .
* عجاج الخطيب ،السنة قبل التدوين ،القاهرة . 1383 / 1963 ،
* علي حسن عبد القادر ،نظرة عامة في تاريخ الفقه السلمي ،القاهرة . 1942 / 1361 ،
* الفتني ،محمد طاهر بن علي ،تذكرة الموضوعات وقانون الموضوعات والضعفاء ،
بيروت . 1968 ،
* فؤاد عبد الباقي ،مفاتيح كنوز السنة ،القاهرة . 1933 / 1352 ،
-المعجم المفهرس للفاظ القرآن ،القاهرة . 1378 ،
-تيسير المنفعة ،القاهرة 1935 ،هـ .
* الفيروزآبادي ،مجد الدين محمد بن يعقوب ،القاموس المحيط 4 ،مجلدات ،القاهرة 1952 ،
1371 /هـ .
* القاسمي ،محمد جمال الدين ،قواعد التحديث ،تحقيق محمد بهجة البيطار ،ط ، 2القاهرة ،
. 1961 / 1380
* القرطبي ،ابن حيان ،المقتبس في أخبار الندلس ،تحقيق عبد الرحمن الحجي ،بيروت ،
. 1965
( )1/346
* القرطبي ،محمد بن أحمد النصاري ،الجامع لحكام القرآن 20 ،مجلدا ،تحقيق دار الكتب
القاهرة 1369 - 1351 / 50 - 1933 ،هـ .
* القزويني ،زكريا بن محمد ،كتاب آثار البلد وأخبار العباد ،تحقيق وستنفلد ،غوتنغن ،
. 1848
* القيرواني ،الرقيق ،تاريخ إفريقية والمغرب ،تحقيق المنجي الكعبي ،تونس . 1968 ،
* الكليني ،محمد بن يعقوب ،الكافي 8 ،مجلدات ،طهران . 1381 ،
* مالك بن أنس ،الموطأ مع شرح السيوطي ،القاهرة . 1348 ،
-المدونة ،رواية سحنون ،القاهرة 16 ، 24 - 1323 ،مجلدا .
* المبرد ،أبو العباس محمد بن يزيد الكامل 3 ،مجلدات ،تحقيق أحمد شاكر وزكي مبارك ،
القاهرة 1302 ،هـ .
* محمد بن الحسن ،الجامع الصغير ،القاهرة 1302 ،هـ .
* المسعودي ،علي بن الحسن ،مروج الذهب ،مجلدان ،القاهرة . 1867 / 1283 ،
* مسلم بن الحجاج القشيري ،الصحيح ،عدة طبعات .
* المقدسي ،أبو عبد ال محمد بن أحمد ،أحسن التقاسيم في معرفة القاليم ،تحقيق م .ج دي
غويي ،ليدن . 1877 ،
* الملطي ،أبو الحسن محمد بن أحمد ،التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع ،تحقيق الكوثري
،القاهرة . 1368 / 1949 ،
* المنقري ،نصر بن مزاحم ،وقعة صفين ،القاهرة 1365 ،هـ .
* النسائي ،أحمد بن شعيب ،السنن تعليق من السيوطي ،القاهرة ،لت .
* النووي ،محي الدين بن شرف ،تهذيب السماء ،تحقيق ر .دزوي ،القاهرة ،لت ،وأيضا
غوتنغن . 1842 ،
* الهمذاني ،صفة جزيرة العرب .
* الهمذاني ،أبو بكر أحمد بن محمد ،كتاب البلدان ،ليدن . 1302 ،
* اليعقوبي ،أحمد بن أبي يعقوب بن واضح ،كتاب البلدان ،تحقيق م .ج .دي غويي ،
ليدن . 1892 ،
===
مصادر عامة باللغة الجنبية
* .Arberry , A.J. The Koran Interpreted, Oford UnIversity Press, 1964
( . General Editor , Religion in the Middl East , 2 vols., Cambridge, 1969
( )1/347
. 1964 ، مطبعة جامعة أوكسفورد، تفسير القرآن. ج. أية، * آربري
. 1969 ، كمبريدج، مجلدان، ( محرر عام ) الدين في الشرق الوسط-
م، * عزمي. Azmi, M.M. Studies in Early Hadith Literature, Beirut, 1968 *
. 1968 ، بيروت، دراسات في أدب الحديث القديم. م.
.Bosworth, C.E., The Islamic Dynasties, Edinburgh, 1967 *
. 1967 ، أدنبرة، السللت السلمية. إي، سي، * بوزورث
Brockelman, C. Geschichte der Aradischen Litteratur ( Brill reprint 1943, *
1949. Supplement band I, II, and III, Leiden, 1947-1942 ) 3 parts of the
. Arabic translation by al-Najjar were published in Cairo , 1959
، 3 ، 2 ، 1 ؛ الملحق1949 ، 1934 ، ( طبع بريل، تاريخ الدب العربي. * بروكلمان ج
. 1959 ، ) نشرت أجزاء من الترجمة العربية بقلم النجار في القاهرة1942 - 1937 ، ليدن
.Coulson, N.J. A History of Islamic Law., Edinburgh, 1964 *
. 1964 ، ادنبره، تاريخ الشريعة السلمية. ج. ن، * كولسون
. Cowan , J.M. A Dictionary of Modern Written Arabic, Wieslbaden, 1966 *
. 1966 ، وايزبادن، قاموس اللغة العربية الحديثة المكتوبة. م. ج، * كوان
. Despois, Jean . Le Djebel Nefousa ., ( Etude geographique ) , Paris, 1935 *
. 1935 ، ( دراسة جغرافية ) باريس، جان حبل نفوسة، * ديوان
Fyzee, A.A.A. A Shiite Creed., atranslation of Risalat al-I'tiqad . of *
Muhammad b . 'Ali b . Babawayhi al-Qummi . Oxford University Press,
. 1942
لمحمد بن علي بن بابوية القمي، ترجمة رسالة العتدال، عقيدة شيعية. أيو. أية. * فيزي أية
. 1942 ، مطبعة جامعة أوكسفورد،
. Gibb, H.A.R. Mohammedanism., 2nd ed. London, 1964 *
. 1964 ، لندن، 2 ط، السلم. ر. أية. هـ، * جب
)1/348 (
)1/349 (
النصوص العربية لكتاب اللمع ورسالة استحسان، فقه الشعري. ريتشارد ج، * ماكارثي
. 1953 ، بيروت، مع ترجمة بتعليقات مختصرة، الخوض في الكلم
Mothylinski, A. de C. "L" "Aqida des Abadhitse" ., Recueil de Memoires *
et Textes publies en l'honneur du XIV Congres des Orientalistes, Algiers,
. 1905
Recueil de memoires et de ، )) (( العقيدة الباضية. سي. إية. * موتيلنسكي أية
1905 ، الجزائر، Tetes publies en I'honneur du XIV Congres des Orientalistes
.
. Le Djebel Nefosa, Paris, 1899 -
. 1899 ، باريس، جبل نفوسة-
. Nicholson, R.A. A Literart History of the Arabs., Cambridge, 1962 *
. 1962 ، كمريدج، تاريخ الدب العربي. أية. ر، * نيكولسون
Pearson, J.D. Index Islamicus, ( 1906 - 1965 ) , III vols., Combridge, *
.1985-1967
1985 ، كمريدج، مجلدات3 ، ) 1967 - 1906 ( فهرس السلميات. د. ج، * بيرسون
. 1967 -
Pickthal, Mohammed Marmaduke, The Meaning of the Glorius Koran, *
. 1956
. 1956 ، معنى القرآن المجيد، محمد مرمدوك، * بكثال
.Ramadan, Said: Islamic law, its scope and aquity., 2nd edition, 1970 *
. 1970 ، 2 ط، مداه وعدالته، القانون السلمي، سعيد، * رمضان
Rodwell, J.M. Rodwell's Translaion of the Koarn, Everyman's Library , *
. 1968
. 1968 ، مكتبة إفري مان، ترجمة رودويل للقرآن. م. ج، رودويل
Salem, Elie Adib . Political theory and instiutions of the Khawarij, *
.Baltimore, 1956
. 1956 ، بلتيمور، النظرية والمؤسسات السياسية عند الخوارج، * سالم ـ تيلي أديب
.Schact, J.a ) An Introduction to Islamic law, Oxford, 1961 *
. b) The Origins of Muhammadan Jurisprudence., 4th imp. Oxford, 1967
. 1964 ، أكسفورد، ( أ ) تمهيد للقانون السلمي: ج، * شاخت
)1/350 (
)1/351 (