You are on page 1of 267

‫تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫(اضغط هنا للنتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على النترنت)‬

‫الكتاب ‪ :‬البعد الحضاري للعقيدة الباضية‬

‫المؤلف ‪:‬الشيخ الدكتور فرحات بن علي الجعبيري‬


‫تنسيق ‪:‬هلل بن مصبح الكلباني‬
‫‪hilalmusabah@gmail.com‬‬

‫وقد نقلنا هذا التحليل بأكمله لنتبين أن جل ما جاء في الموضوع كان تابعا لنقطة النطلق أي‬
‫رسالة أبي اليقظان إل أن المر لم يخل من بعض الضافات التي تدعم الموقف ذلك الستشهاد‬
‫بما ذكره ابن عطية‪.‬‬
‫والمتأمل في هذا النص‪ ،‬يدرك أن منطقه لغوي بحت إذ عبر بعبارتي الحكاية والمحكي‪ ،‬والحقيقة‬
‫هي اللفظ والمعنى‪ ،‬والتحليل بني على أساس أل سبيل إلى الفصل بين الدال والمدلول بينما يفصل‬
‫بينهما بعض القائلين بالقدم مثل الرازي حيث يعتبر أن المعنى أو المعنى النفسي قديم وأن اللفظ‬
‫محدث وهذا منهجه دائما في الرد على المعتزلة وهذا أيضا موقف من مواقف الباضية وإن لم‬
‫يعبروا عنه بهذه الصيغة وإنما قالوا الكلم صفة ذات من حيث إن ال ليس بأخرس فهو صفة فعل‬
‫من جهة أن ال خالق كلمه‪.‬‬
‫موقف الباضية من الكلم النفسي‪:‬‬
‫لقد حلل يوسف المصعبي هذه القضية تحليل متكامل وقد استفاد مما جاء في الموضوع عند غير‬
‫الباضية وعند الباضية وقد سبقه في ذلك أبو يعقوب الورارجلني لذلك وسننطلق من تحليل‬
‫الوارجلني لنبين ما أضافه المصعبي وعمله من صلب هذا البحث‪.‬‬
‫يقول أبو يعقوب الوارجلني‪ ":‬فإن عورضنا"‪ ،‬وقال‪ " :‬إذا جعلتم القول في النفس من غير صوت‬
‫فقولوا في الكلم كذلك فهذا دليل على أن الكلم كلم ال عز وجل صفة له في ذاته أزلية‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫لبد في الكلم والقول من نظم الحروف فيتعدى ذلك النفس فإن لم تكن حروف ول نظم كان ذلك‬
‫علما‪ ،‬والعلم اعتقاد في النفس والكلم والقول معنى جاوز النفس إلى نظم الحروف المعنوية فهذا‬
‫الفرق بين العلم وبين الكلم في النفس وبين القول أيضا‪ ،‬ولبد من معنى زائد على العلم وهو‬
‫تصوير المعنى في النفوس وهذا الزائد هو القول ويكون بغير صوت‪ ،‬ول يتوجه إلى الغير" (‬
‫‪. )110‬‬
‫وينقل يوسف المصعبي ما جاء في رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي وهاك نصه‪ ":‬قوله‬
‫(الغدامسي)‪ :‬المعنى النفسي صفة غير العلم والرادة‪.‬‬
‫( ‪)1/364‬‬

‫قلت‪ (:‬احمد الشماخي)‪ ":‬دعوى مجردة عن الدليل لن ما في النفس‪:‬‬


‫‪ -‬إما العلم سواء تعلق بمفرد ويسمى معرفة وتصورا ويدخل فيه الشك والوهم لنه تصور النسبة‬
‫بغير حكم أو تعلق بمركب ويسمى تصديقا واعتقادا ويدخل فيه الظن والعتقاد الجازم الثابت‬
‫المطابق للواقع ويدخل في التصور العلم باللفاظ أي حفظها وأنها وضعت لكذا من المعاني‪.‬‬
‫‪ -‬وإما الفكر‪ :‬وهو ترتيب المعاني في النفس على وجه مخصوص والقدرة عليها تسمى القوة‬
‫المفكرة وإرادة شيء من الفعال فليس في النفس إل هذه الوجه ومن ادعى غيرها فعليه البيان" (‬
‫‪. )111‬‬
‫كما ينقل عن عبدال بن محمد النزوي العماني (‪ )112‬ما يلي‪ ":‬ثبت أن القرآن من علم ال عز‬
‫وجل لم يزل عالما ولم يزل متكلما وأن علمه وكلمه من صفاته الذاتية وأنهما ليسا بمحدثين مع‬
‫عدم الجوارح من الكلم والعلم والسمع‪. )113( "....‬‬
‫ثم يختم المصعبي بموقفه الخاص فيقول‪ ":‬فعلى ما يفهم‪ ...‬من صريح كلم بعض المشارقة (‬
‫‪ )114‬ل يبقى نزاع إل في اللفظ والعتبار بخلف ما هو المشهور عن القوم من إثبات الكلم‬
‫النفسي غير العلمي فإن الخلف حينئذ حقيقي ولكن ل دليل لهم على إثباته مع ما يلزم من‬
‫الفساد‪. )115( "...‬‬
‫فموقف الباضية حينئذ يتمثل في رفض الكلم النفسي إل أنهم اعتبروا الزلية متمثلة في العلم أو‬
‫في ما عبروا عنه بقولهم‪ :‬كلمه صفة ذات من جهة وكل ذلك رغبة منهم في البتعاد عن تشبيه‬
‫الغائب بالشاهد لن ذلك يوحي بشيء من التجسيم والتشبيه‪.‬‬
‫وبعد أن حددنا مفهوم القرآن والكلم‪ ،‬وضبطنا مواقف جل الفرق في هذه القضايا وعرضنا أدلة‬
‫الباضية والنقلية على أن القرآن مخلوق وإن كان البعض منهم يرى غير ذلك‪ ،‬يجدر أن نخلص‬
‫إلى الحوصلة التالية وفيها نتبين بعد القضية الحضاري‪:‬‬

‫( ‪)1/365‬‬

‫‪ -1‬إن اختلف المنطلقات الساسية كلف علماء الصول عناء كبيرا في هذه القضية‪ ،‬وأبرزها‬
‫وجهة نظر كل فرقة إلى صفات البارئ سبحانه وتعالى ولذلك كثيرا ما يكون الجدل مفتعل من‬
‫البداية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن هذه القضية ظلت تتأرجح بين ثلثة أسس‪ :‬الساس البلغي‪ ،‬والساس الفلسفي‪ ،‬والساس‬
‫العقائدي‪.‬‬
‫أ?) أما بالنسبة إلى الساس البلغي‪ ،‬وهو أبرز المحاور لن معجزة القرآن في بلغته قبل كل‬
‫شيء‪ ،‬فالقضية تتمثل في علقة اللفظ بالمعنى فمن ربط بينهما قال بقدم المعنى مع اختلف في أنه‬
‫كلم نفسي أو علم وبحدوث اللفظ‪ .‬وقد جاءت أثناء الجدل عبارات الدال والمدلول والحكاية‬
‫والمحكي وكذلك النظم وكل فرقة تجاذبت هذه العلقة حسب تصورها الخاص داخل نظامها‬
‫الفكري الذي تبنته حتى ل يقع تضارب بين عناصر ذلك النظام‪.‬‬
‫وأثيرت قضية أقسام الكلم بين النشاء والخبر‪ ،‬أو المر والنهي والخبر والستخبار‪ ،‬فإن صح‬
‫القدم في الخبر فإنه ل يصح في المر إذ ل يجوز آمر بدون مأمور‪.‬‬
‫والملحظ في كثير من مواطن الجدل أنك تخال أنك مع درس في البلغة بعيدا عن الصول لكن‬
‫تدرك بعد حين أن البلغة خادمة للغرض‪.‬‬
‫ب) أما الساس الفلسفي‪ -‬إن صح التعبير‪ -‬فيتضح في قضية الكلم النفسي فالقائلون بالقدم‬
‫انطلقوا من نصوص من القرآن والحديث واللغة ورأوا أن ما يدور في النفس من المعاني يمكن‬
‫أن يعتبر كلما بدليل ما يحدث في النفس من حوار داخلي واتخاذ مواقف وما إلى ذلك إل أن‬
‫المنكرين للكلم النفسي اعتبروا أن كل ذلك من باب العلم وانعكس هذا المفهوم البشري على‬
‫الكلم اللهي‪ ،‬فال أيضا له كلم نفسي ويذهب هؤلء إلى أنه يمكن أن يسمع وإن رأى آخرون‬
‫أنه ل يمكن أن يسمع‪ .‬فالقضية حينئذ فلسفية نظرية ول يمكن أن تحل بموقف واحد بل لبد من‬
‫أن تتعدد فيها المواقف فل عجب إذا لحظنا ذلك التشعب الجزئي أحيانا والكلي أحيانا أخرى‪.‬‬
‫والقضية ليست تجريبية حتى في المستوى البشري فكيف بها في المستوى الغيبي‪.‬‬

‫( ‪)1/366‬‬

‫ج)أما الساس العقائدي فيتمثل في محاولة إدراك كنه كلم ال تعالى لنه عليه مدار العمل ومدار‬
‫الجزاء ولذلك يتحول الجدل في هذه القضية إلى أنه تكفر الفرق بعضها البعض‪ ،‬ول تسامح في‬
‫مثل هذه القضايا الصولية وما منحه القائلين بالقدم مع المأمون أول ثم القائلين بالخلق في ما بعد‬
‫إل صورة لرتباط العقيدة بالواقع المعاش ومدار كل الفرق أساسه الحرص على تنزيه ال تعالى‬
‫ونسبة جميع صفات الكمال إليه‪ ،‬ولذلك لم يختلفوا في نسبة الكلم إلى ال وإنما اختلفوا في نوعية‬
‫هذا الكلم وفي قدمه وحدوثه‪ .‬وما دام القرآن قسما من كلم ال تعالى فقد انصب الجدل حوله‬
‫وإن كانت الشارات كثيرة إلى بقية الوحي اللهي ولعل أكثرها كان يدور حول كلم ال لموسى‬
‫عليه السلم ونحن نعلم أنه كليم ال‪.‬‬
‫وفي النهاية فالقرآن كلم ال قديم عند البعض معنى ولفظا ومحدث عند آخرين معنى ولفظا وقديم‬
‫المعنى محدث اللفظ عند جماعة أخرى‪.‬‬
‫ومهما يكن أمر هذا الجدل فإن المسلمين ل يختلفون في أن القرآن هدى للمتقين فاستمدوا منه‬
‫عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية‪.‬‬
‫أما عن النصوص الباضية فالغالب عليها بعد مناظرة بقية الفرق والتعايش معها جنبا إلى جنب‬
‫في نفس الطار المكاني والزماني ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬الطلق العام في المختصرات‪:‬‬
‫‪ " -‬وندين بأن ال خالق كلمه ووحيه‪ ،‬ومحدثه وجاعله ومنزله" (‪. )116‬‬
‫‪ " -‬ليس منا من يقول‪ :‬إن القرآن ليس بمخلوق" (‪. )117‬‬
‫‪ )2‬التفصيل في الشروح‪.‬‬
‫كلم ال‪ - :‬صفة ذات‪ :‬من جهة أنه متكلم ليس بأخرس‪.‬‬
‫‪ -‬صفة فعل‪ :‬من حيث إنه خالق الكلم‪.‬‬
‫ويقول عبدال السدويكشي في ذلك ما يلي‪ ":‬وعندنا معشر الباضية الوهبية أن كلم ال تعالى له‬
‫معنيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه صفة ذاتية كالعلم والقدرة منافية للفة مثل الخرس‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه صفة فعلية بمعنى خلق الكلم حيث شاء‪.‬‬

‫( ‪)1/367‬‬

‫فمعنى كونه متكلما على الول أنه ليس بأخرس وعلى الثاني أنه خالق الكلم" (‪)118‬‬
‫وقد حلل أبو يعقوب الوارجلني قضية نفي الخرس عن ال تعالى كما يلي‪ ":‬فمن أين ارتباط‬
‫الكلم بالحي ل ارتباط له به‪.‬‬
‫فإن قالوا لستحالة حدوث الكلم لكان أخرس قبل حدوثه والخرس ضد الكلم ونقيضه ‪.‬‬
‫قلنا وبال التوفيق‪ ":‬إن هذا الحكم وهذا التحكم ل يلزم لنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا ل‬
‫أخرس ليس كالعلم لن من لم يكن عالما فهو جاهل‪ ،‬ومن لم يكن قادرا كان عاجزا‪ ،‬ليس الخرس‬
‫بنقيض الكلم‪ ،‬بل السكوت نقيضه (‪. )119‬‬
‫ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل لنه لو أحدث ال الخلق لكان قبل حدوثه عاجزا ويلزمهم‬
‫أيضا أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمة بالذات كالكلم ولعمري لهو أشبه بمذهبهم‪.‬‬
‫وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق‪ ،‬فليس الخرس بنقيض الكلم غير أن الخرس زمانه ل يستقيم‬
‫معه الكلم‪.‬‬
‫وكذلك العجز آفة ل يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة وقد يكون الحي ساكتا ل متكلما‬
‫ول أخرس‪ .‬وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أو‬
‫ساخط؟ فهاتيك مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة وليس ذلك في الكلم البتة وال ولي‬
‫التوفيق" (‪. )120‬‬
‫وبهذا نتبين أن الباضية يختلفون في هذه النقطة عن المعتزلة إذ يعتبر الباضية أن السكوت‬
‫نقيض الكلم‪ ،‬بينما يرى المعتزلة أن الكلم ل نقيض له (‪. )121‬‬
‫فواضح أن موقف علماء المرحلة المقررة امتداد لما جاء من قبل كما بينا ذلك من كلم‬
‫الوارجلني واستمر نفس الموقف في ما بعد كما جاء ذلك عند محمد اطفيش إذ يقول‪ ":‬وال متكلم‬
‫ومعناه ل يوصف بالخرس " (‪. )122‬‬
‫لقد غلب على جمهور الباضية بالمغرب والمشرق القول بالخلق لكن ذكرنا أن من المشارقة من‬
‫قال بالقدم فكيف كان موقف الباضية من هؤلء؟‬
‫=========================‬

‫( ‪)1/368‬‬

‫(‪ )107‬والتحليل مستوحي من رسالة المام أبي اليقظان " الجواهر" ‪ 190 -189‬مع بعض‬
‫الضافات ‪.‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني ط ‪ 52 -1/51 1‬ويصل إلى نفس النتيجة إل أنه يستعمل‬
‫كلمة " العبارة" عوضا عن الحكاية وقد استعملها أبو مهدي في آخر كلمه ‪.‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪:‬‬
‫شرح الدعائم ‪ 1/227‬سلك نفس المسلك ومن ذلك يقول ‪ ":‬ال سمى هذه اللفاظ قرآنا ول ترجمة‬
‫عن الكلم النفسي‪".‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما سبق‪.356 :‬‬
‫(‪ )109‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل ‪ :‬جواب لهل عمان ‪ . 8 -6 :‬ثم ختم الجواب بما ذكر آنفا‬
‫من الحجج العقلية‪ .‬انظر ما سبق ‪354:‬‬
‫(‪ )110‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪2/159 ، 2‬‬
‫(‪ )111‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .94 :‬ويشير القاضي عبد الجبار إلى أن‬
‫ابن فروك ذهب إلى أن المرجح بالكلم إلى الفكر ورد عليه بأن مثل هذا القول نابع من المجوسية‬
‫التي تقوم بأن ال تعالى فكر فكرة رديئة فتولد من فكرته الشيطان‪ .‬الصول الخمسة‪533 :‬‬
‫(‪ )112‬لم نتمكن من التعريف به‬
‫(‪ )113‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .95 :‬ونذكر بأننا بينا في ما سبق ‪: 352‬‬
‫أن من إباضية عمان من يقوم بالقدم لكنهم لم يقولوا بالكلم النفسي وغنما قالوا بالعلم‪.‬‬
‫(‪ )114‬يقصد الباضية بالمشرق وخاصة بعمان‪.‬‬
‫(‪ )115‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪95:‬‬
‫(‪ )116‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 44 :‬والملحظ هنا أن عامر الشماخي حشر هذه القضية‬
‫ضمن القدر وخلق الفعال كما يفعل المعتزلة ( ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ :‬يقول‬
‫‪ ":‬ووجه اتصاله بباب العدل هو أن القرآن فعل أفعال ال ‪ ، "527:‬إل أن بقية النصوص ضمن‬
‫الحديث عن الصفات‪.‬‬
‫(‪ )117‬أحمد الشماخي‪:‬شرح عقيدة التوحيد ‪.152 :‬‬
‫(‪ )118‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪14 :‬‬
‫(‪ )119‬هذه حجة الطرف المقابل أوردها ليرد عليها‪.‬‬
‫(‪ )120‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.51 -50 /1،1‬‬

‫( ‪)1/369‬‬

‫(‪ )121‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ ".‬فإن الكلم ل ضد له من جنسه ول من غيره‬
‫جنسه"‪557 :‬‬
‫(‪ )122‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/236‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/370‬‬

‫تابع الفصل الثاني الباضية والمتشابه‬


‫) تفهم مواقف الباضية الخرى‪:‬‬
‫أما السالمي فيلتمس العذر لمن يقول بالقدم كما يلي‪ ":‬اعلم أنه ل وجه لقول من قال من أهل‬
‫المذهب إن القرآن قديم إل أن يريدوا أن ال تعالى ليس بأخرس فيعتبرون بهذه العبارة القاصرة‬
‫عن ذلك المعنى المطلوب فتنتفي عنهم البراءة بهذا الحتمال حسن ظن بالمسلمين ‪ ،‬ولكون‬
‫مذهبهم معروفا في قولهم إن صفات الذات عين الذات فيجيب رد تلك العبارة منهم إلى هذه‬
‫القاعدة المنيعة" (‪. )123‬‬
‫أما محمد اطفيش فيشدد اللهجة على من يجيز عدم النكار على القائلين بالقدم وهاك موقفه بعد‬
‫عرض موقفين من مواقف أهل عمان ملتمسا مخرجا للموقف الول‪.‬‬
‫" إن من أهل عمان من أصحابنا من يقول بقدمه ( القرآن) على معنى العلم به إجمال وتفصيل‬
‫لفظا ومعنى على ما سيكون إذا خلقه وهذا ل بأس به إل أن التلفظ بقدمه هكذا ل يجوز لنه يوهم‬
‫ما ل يجوز‪.‬‬
‫ومنهم من يقول‪ -‬كما يقول سائر أهل المذهب‪ -‬إنه مخلوق حادث ول يسمى قديما‪ ،‬وعلم ال قديم‬
‫قطعا‪.‬‬
‫‪ ...‬وفي بعض الثر أنه لم ينكر سائر أصحابنا على من يقول بقدمه من أصحابنا لئل ينتشر‬
‫الخلف والفتن وهو ضعيف لن المسألة من الصول عند التحقيق لن مرجعها إلى الكلم النفسي‬
‫وفي العقيدة " ليس منا من قال إن القرآن ليس بمخلوق"‪ ،‬فكيف يسوغ فيها السكوت عن النكار‬
‫" (‪. )124‬‬
‫هذا ما أورده المتأخرون من الباضية في شأن القضية أما علماء المرحلة المقررة فلم نعثر لديهم‬
‫على نص يبسط المسألة على أساس التماس العذر أو التشديد ولعل مرجع ذلك إلى أن الموقف‬
‫استقر عند الكل على القول بخلق القرآن‪.‬‬
‫وبعد هذا يحسن أن نشير إلى مسألة تتصل بالخلق‪ ،‬فبما أنه مخلوق فهل هو جسم أو عرض؟‬
‫الكلم شيء وعرض‪:‬‬

‫( ‪)1/371‬‬

‫وإن بينت المصادر الباضية أن القرآن مخلوق فإنها لم تعتبره جسما لنه لو كان جسما لكان قائما‬
‫بنفسه ومحتمل للصفات بل تعتبره شيئا مصدقا لقوله تعالى‪... ( :‬إذ قالوا ما أنزل ال على بشر‬
‫من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى‪ 6( )..‬النعام ‪.)91‬‬
‫كما تعتبره عرضا فهذا الوارجلني يقول‪ ":‬وقوله‪ :‬عرض فعله تعالى في غيره وذلك ل يؤدي إلى‬
‫حدوثه تعالى‪ )125( "...‬كما أن محمد اطفيش يعبر عن نفس المعنى بقوله‪ ":‬وأي ضرر في أن‬
‫القرآن عرض يفنى ويتجدد تقيده القلوب والوراق‪ ...‬وليس كل محدث سريع الفناء فهل العرش‬
‫والكرسي والسماوات والرض ونحوهم سريعو الفناء‪. )126( "....‬‬
‫فالقرآن حينئذ كلم ال مخلوق ليس بجسم (‪ )127‬إل أنه شيء وعرض‪.‬‬
‫وما دام القرآن فإن له وجودا في العيان ووجودا في الذهان ووجودا في العبارات‪ ،‬ووجودا في‬
‫الكتابة‪ ،‬لكن عند التأمل يثبت أن ما في الخارج ليس مدلول ما في الذهن بل مدلول اللفظ‪ ،‬وعلم‬
‫ال يتعلق بجميع ذلك ومن هذا المنطلق صح التفسير والتأويل (‪. )128‬‬
‫فالكلم على الطلق صفة ذاتية من جهة وصفة فعلية من جهة أخرى بينما القرآن هو غير ال‬
‫وليس بصفة إذ ما يصح فيه من إنزال وتفصيل ل يجوز على ال تعالى‪.‬‬
‫ويحسن أن نختم بما وصل إليه أبو إسحاق في تعليقه على مقدمة التوحيد‪:‬‬
‫" اعلم أن هذه المسألة مما احتدم الخلف فيها بين المة فارتطم فيها من ارتطم‪ ...‬مما ليس في‬
‫شيء من الحق وإنما جرت فيها مغالطة‪ ،‬والجهتان مختلفتان‪.‬‬
‫فذهب المشنعون بسوء الفهم شر مذهب والحق كما وضحه المام شمس الدين أبو يعقوب في‬
‫الدليل وبين طريق كل من الفريقين القائلين بخلق القرآن والقائلين بقدمه‪.‬‬
‫فالولون قصروا على القرآن المتلو المحفوظ في الصدور والمصحف الموصوف من ال بالمحدث‬
‫والمنزل والجعل والذهاب الخ‪ .‬ولم ينظروا الى القرآن الذي هو علم ال إذ ل ريب في قدمه‪.‬‬
‫( ‪)1/372‬‬

‫والخرون قصروا على القرآن القديم الذي هو علم ال وصفته وكلمه فقالوا بقدمه وبالسكوت عن‬
‫المحفوظ في المصحف والصدور الخ‪.‬‬
‫هذا مع إعراضنا عن الفريقين الغالي الزاعم بقدم المكتوب في المصحف بل المصحف وما إلى‬
‫ذلك من سخف القول البعيد عن المعقول‪.‬‬
‫فأنت ترى الختلف لفظيا بين الفريقين ل غير" (‪. )129‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬إن كلم ال قديم من حيث هو علم عند الباضية والمعتزلة والمامية والزيدية‬
‫والخوارج‪ ،‬ومن حيث هو كلم نفسي عند الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ومحدث من حيث هو لفظ منزل‬
‫عند هؤلء جميعا باستثناء الحنابلة الذين يرون قدم هذا الجانب أيضا ومن يقفون في القضية من‬
‫السلف الول‪.‬‬
‫والمهم أن هذه القضية وإن بدت عديمة الجدوى فإنها قد أثرت المكتبة السلمية في شتى الفنون‬
‫من فلسفة وبلغة وعقيدة وأسفرت عن إنتاج غزير وإن سالت من أجلها دماء وقامت دونها أحقاد‬
‫ذلك شأن الفكر إذا سخر لغراض سياسية ومنافع آنية‪.‬‬
‫وهكذا مع هذه القضية ننتهي من باب اللهيات لنتحول إلى باب النسانيات حيث سنكتفي بالنظر‬
‫في قضيتي القدر‪ ،‬والوعد والوعيد‪.‬‬
‫=======================================‬
‫(‪ )123‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪246 -245 :‬‬
‫(‪ )124‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪224 -1/2323‬‬
‫(‪ )125‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1،1/69‬‬
‫(‪ )126‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/273‬‬
‫(‪ )127‬وفي هذا رد على بعض المعتزلة وعلى عبدال بن يزيد الفزاري من الباضية‪ .‬انظر ما‬
‫سبق ‪ 350 :‬و ‪.361‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪15 -14 :‬‬
‫(‪ )129‬إبراهيم اطفيش‪ :‬تعليق عدد ‪ 3‬على مقدمة التوحيد وشروحها ط القاهرة ‪.112 :1353‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/373‬‬
‫االباب الثالث النسانيات الفصل الول القضاء والقدر‬
‫تميهد‪:‬‬
‫قال تعالى‪( :‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) (‪ 21‬النبياء ‪ )23‬وجاء في سياق الحوار بين موسى‬
‫عليه السلم والذي آتاه ال علما من لديه قوله تعالى‪( :‬قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف‬
‫تصبر على ما لم تحط به خبرا) ( ‪ 18‬الكهف ‪ )1( )67‬وأنى لموسى أن يصبر على سفينة تخرق‬
‫بدون سبب ظاهر‪ ،‬وعلى فتى يقتل عبثا‪ ،‬وعلى جدار يبنى مقابل رفض للضيافة‪.‬‬
‫ولقد ثار موسى على الرجل الذي عاهدة بأن يلتزم بالصمت‪ ،‬وكان الفراق بينهما بعد أن فسر له‬
‫سر تصرفه بأمر ال تعالى‪ ،‬فالسفينة حرقت لتبقى لصحابها‪ ،‬والغلم قتل حتى يبدل ال والديه‬
‫من هو أقرب منه رحما‪ ،‬والجدار بني حفاظا على كنز ولدي الرجل الصالح‪ ،‬تحير موسى‬
‫واستفسر لنه حكم على الحداث اعتمادا على الظاهر فجاء التفسير يدل على أن وراء الظاهر‬
‫باطنا ل يعلمه إل ال أو من آتاه ال من لدنه علما (‪. )2‬‬
‫ول يخفي على أي عاقل أن علم النسان محدود مهما بلغ ( وما أوتيتم من العلم إل قليل) (‪17‬‬
‫السراء ‪ )85‬لن العقل إذا سخر في المحسوسات التي في دائرته يمكن أن يصنع العجائب‪ ،‬أما إذا‬
‫تحول إلى عالم الماوراء أو الغيب فإنه ل يدرك إل تخمينات تتضارب فيها آراء الفلسفة من‬
‫النقيض إلى النقيض‪.‬‬
‫وما عرفنا عالما يعتبر قضية القضاء والقدر من مشمولت العالم المادي فهي حتما قضية ما‬
‫ورائية غيبية‪.‬‬
‫والناظر في الثقافات العالمية عبر العصور يتبين أن النسان عبر عن وجهة نظره في هذه القضية‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬وتجاوز التساؤل عن فعله إلى التساؤل عن فعل ال عيسى أن يدرك حقيقة‬
‫مصيره بعد الموت‪.‬‬
‫إن الذين يقرون أن آدم أول البشر يتساءلون لم أكل آدم من الشجرة؟ فأنزل إلى الرض (‪، )3‬‬
‫ولم عصى إبليس ربه ولم يسجد لدم (‪)4‬‬

‫( ‪)1/374‬‬

‫أما المتتبع للقصص القرآني فيجد أن قضية المصير من المحاور الساسية التي يستند إليها‬
‫المعارضون للنبياء عامة وخذ لك مثالين‪:‬‬
‫‪ -1‬فليس بدعا أن يكون احتجاج إبراهيم قائما على نفي اللوهية عن النجوم والقمر والشمس لنها‬
‫زائلة ثم ليثبتها للذي فطر السماوات والرض(‪ 6‬النعام ‪ )79 -73‬إذ نعلم أن الحضارة البابلية‬
‫كانت تعتبر أن المصائر مرتبطة بالنجوم وأنها مصدر الخير والشر‪)5( .‬‬
‫وما دام إبراهيم حول مفهومهم للمصير وربط ذلك بال تعالى وكسر أصنامهم ألقوه في الجحيم (‬
‫‪ 21‬النبياء ‪ )70 -50‬فكانت النار عليه بردا وسلما‪.‬‬
‫‪ -2‬أما فرعون فتلمس من مجادلته لموسى أنه يريد أن يجعل مصائر الناس بيده فادعى اللوهية‬
‫وما يزال موسى يقنعه بالمعجزات (‪ )6‬أن مصير الناس بيد ال إلى أن آمن من آمنت به بنو‬
‫إسرائيل حين أدركه الغرق فنجاه ال ببدنه ليكون آية للعالمين (‪ 10‬يونس ‪.)92‬‬
‫ثم إن الناظر في الكتاب المقدس يجد أن المصادر بيد ال وأن القضية شغلت اليهود والنصارى‬
‫وتحيروا فيها كما تحير غيرهم (‪ )7‬وما يزالون‪.‬‬
‫كما أن الناظر إلى الحضارات العالمية الخرى يتبين أن قضية الخير والشر تجسمت عند المانوية‬
‫الفارسية في اتخاذ آلهة لكل منهما (‪ )8‬أما الفكر اليوناني فقد طرحت فيه قضية القدر طرحا عنيفا‬
‫على المستوى الفلسفي (‪ )9‬ول ينبغي أن نغفل عن الوثنية الجاهلية في الجزيرة العربية التي‬
‫تجسمت فيها القضية في الشكوى من الدهر واليام‪)10( .‬‬
‫فواضح أن قضية القدر ليست وليدة الفكر الباضي أو وليدة ظرف من ظروف الحضارة‬
‫السلمية وإنما هي قضية إنسانية ل سبيل إلى تحديد تاريخ مضبوط لنشأتها فتبقى القضية بالنسبة‬
‫إلى بحثنا متمثلة في التعرف على طرح الباضية لموضوع القدر وبصفة خاصة في المرحلة‬
‫المقررة في البحث‪.‬‬
‫وقبل أن نحلل هذه القضية حسب محاور ثلثة‪:‬‬

‫( ‪)1/375‬‬

‫‪ :-1‬قضية القضاء والقدر‪ :2 ،‬قضية الجبر والختبار‪ :3 ،‬ما يرتبط بهما من قضايا ‪ :‬مثل‬
‫الستطاعة والعون يحسن أن ننبه إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن تراث الباضية في القرون التي تعنينا قد جاء ملما بالتراث الذي سبقه إعادة (‪ )11‬وتلخيصا‬
‫وتوجيها مع التعايش مع بقية التراث السلمي عامة سواء من أجل التفاق في وجهة النظر أو‬
‫من أجل الختلف وذلك في منطق الرد والدفاع فضروري حينئذ أن نبني التحليل على مراعاة‬
‫التطور التاريخي للموضوع من زمن الرسالة فصاعدا‪.‬‬
‫‪ -‬إن القضايا المشار إليها في مراحل متداخلة تداخل جوهريا فرأينا أن نفصل بينهما فصل‬
‫منهجيا وذلك رغبة في زيادة التوضيح‪.‬‬
‫وبعد هذا نأتي إلى قضية القضاء والقدر‪.‬‬
‫====================================‬
‫(‪ )1‬انظر هذه القصة في سورة الكهف من الية ‪ 59‬إلى ‪ .82‬لم يرد في القران الكريم اسم‬
‫الرجل الذي آتاه ال تعالى علما لدنيا ذكر المفسرون أنه الخضر ‪ ،‬ولذلك عرفت القصة بقصة‬
‫موسى الخضر ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 363‬وجه إلى ورقة‬
‫‪ 365‬وجه ‪.‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪. 107 -81 /21‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‬
‫والبرهان ط ‪.256 /2 2‬‬
‫(‪ )2‬العلم اللدني‪ :‬علم رباني يصل لصاحبه عن طريق اللهام ‪.‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار‬
‫الجوهر ‪1/6‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬متولي الشعراوي‪ :‬محاضرة في تحليل قصة آدم ضمن المحاضرة العامة التي لقيت‬
‫بالندوة العالمية للشباب السلمي‪ ،‬وقد نشرت بمجلدات تحت عنوان " قضايا الفكر السلمي‬
‫المعاصر" مع المحاضرات التي القيت في الندوة‪ .‬الرياض المملكة العربية السعودية ط‬
‫‪.1396/1976‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬صادق جلل العظم‪ :‬نقد الفكر الديني ط ‪ 3‬دار الطليعة بيروت ‪.135 -79 :1972‬‬
‫(‪ )5‬ر‪ .‬محمد الطالبي ‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪.390 :‬‬
‫(‪ )6‬تسع آيات ‪ :‬السراء ‪ ،101‬النمل ‪.12‬‬

‫( ‪)1/376‬‬

‫(‪ )7‬انظر ما جاء في إنجيل لوقا‪ ...:‬ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديئا‪ ،‬ول شجرة رديئة تثمر‬
‫ثمرا جيدا لن كل شجرة تعرف من ثمرها فإنهم ل يجتنون من الشوك تينا ول يقطفون من العليق‬
‫عنبا‪ .‬النسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلح والنسان الشرير من كنز قلبه الشرير‬
‫يخرج الشر فإنه من فضلة نصائح يسوع عندما شبه الملكوت بملك البشر‪ ":‬لن كثيرين يدعون‬
‫وقليلين ينتخبون" الصحاح ‪ .14 -22‬يبدو من خلل هذه النصوص أن نزعة الجبر هي الغالبة ‪،‬‬
‫إل أن الكنيسة جنحت إلى الحرية دون الغفلة عن المدد اللهي ‪.‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في‬
‫تاريخ إفريقية ‪ 392 -391 :‬تعليق ‪.2‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية‪ 386 :‬تأمل تعليق عدد ‪ 4‬تجد إحالت عن‬
‫المراجع التي تتعلق بتأثير الفكر الفارسي في الحضارة السلمية في موضوع القدر‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية‪ 389 :‬تعليق عدد ‪ 3‬يذكر مرجعا يقارن بين‬
‫الفكر اليوناني والمسيحي في قضية القدر‪.‬‬
‫(‪ )10‬يقول لبيد‪:‬‬
‫يوم إذا أتى عليّ وليلة‬
‫وكلهما بعد المضاء يعود‬
‫وأراه يأتي مثل يوم لقيته‬
‫لم ينصرم‪ ،‬وضعفت وهو شهيد‬
‫فؤاد أفرام البستاني ‪ :‬المجاني الحديثة ط ‪ 3.‬ا لكاثوليكية بيروت ‪. 1/139 :1966‬‬
‫(‪ )11‬سنضطر أحيانا إلى اعتماد مصادر متقدمة عن المرحلة المقررة بعض القضايا لن هذه‬
‫المصادر تكتفي بالتذكير بما جاء عند سبق وسننبه إلى ذلك في إبانه ‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/377‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫‪ -1‬قضية القضاء والقدر‪:‬‬
‫جاء في النونية ‪ ( :‬طويل)‬
‫(‪)12‬‬
‫وجاء في كتاب الديانات‪ ":‬وندين بأن القدر خيره وشره كله من ال" (‪. )13‬‬
‫أردنا أن ننطلق من هذين النصين لنهما مصب لما جاء قبل القرن السابع والثامن‪ /‬الثالث عشر‬
‫والرابع عشر ومنبع لما جاء بعدهما (‪ )14‬كما أنهما يصوران موقف الباضية بوضوح واختصار‬
‫وهو وجوب اليمان بأن القدر خيره وشره من ال فما معنى القدر؟ وما معنى القضاء؟ وكيف‬
‫يكون القدر خيره وشره من ال؟ وما هو موقف المسلمين من ذلك؟‬
‫المفهوم اللغوي (‪ : )15‬القدر‪:‬‬
‫من قدر يقدر ويقال بفتح الدال والقدر بسكونها ويجمع على أقدار‪.‬‬
‫يورد لسان العرب مال يقل عن ثمانية عشر تفسيرا نذكر منها‪ :‬قضى‪ ،‬حكم‪ ،‬يسر‪ ،‬علم‪ ،‬دبّر‪،‬‬
‫قسم‪ ،‬وكلها تحوم حول قدرة ال تعالى المطلقة وقد جاء القسم الول من الشرح عقائديا ول يمكن‬
‫لبن منظور أن يسكت عن ذلك إل أنه اكتفى بذكر مواقف دون أخرى وكان من الولى أن يذكر‬
‫مواقف فرق أخرى غير القدرية‪ -‬ويقصد المعتزلة‪ -‬وأهل السنة ونكتفي من بين هذه القوال‬
‫بذكر قول أبي منصور‪ :‬وتقدير ال الخلق تيسيره كل منهم لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة‬
‫والشقاء وذلك أنه علم منهم قبل خلقه فكتب علمه الزلي المسابق فيهم وقدره تقديرا" (‪ )16‬وفيه‪:‬‬
‫نموذج واضح للتداخل بين الجانب اللغوي والجانب العقائدي‪.‬‬
‫القضاء‪ :‬الحكم‪ ...‬ويقال قضى يقضي قضاء‪ ،‬ويورد لها ما يقارب عن ثلثين معنى نذكر منها ‪:‬‬
‫حكم‪ ،‬فصل‪ ،‬أحكم‪ ،‬أمضى‪ ،‬خلق‪ ،‬أتم‪ ،‬قدر‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه وكل ما أحكم عمله‬
‫أو أتم ختم أو أدى أداء أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد مضي وجاءت هذه الوجوه كلها‬
‫في الحديث‪.‬‬

‫( ‪)1/378‬‬
‫وقد غلبت الصبغة العقائدية على الصبغة اللغوية ولم يسند هذه الصبغة إلى فرقة دون فرقة بل‬
‫جاءت في سياق عام ويربطها ربطا محكما بالقدر فيقول‪ :‬ومنه القضاء المقرون بالقدر‪ ،‬والمراد‬
‫بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات) (‪ 41‬فصلت ‪ )12‬أي خلقهن‪.‬‬
‫فالقضاء والقدر أمران متلزمان ل ينفك أحدهما عن الخر لن أحدهما بمنزلة الساس وهو القدر‬
‫والخر بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام البناء بنقضه‪.‬‬
‫فواضح إذن من خلل الشرح اللغوي أن هاتين اللفظتين من اللفاظ المشتركة ذات اللفظ الواحد‬
‫والمعاني الكثيرة (‪ )17‬وهذا يزيد القضية تعقيدا عند تأويل أهل الفرق للنصوص التي وردت فيها‬
‫الكلمتان في القرآن والسنة ومواقف الصحابة‪.‬‬
‫ويقول المحشي في العلقة بين اللفظين‪ ":‬فعلى هذا الشرح الذي ورد بين القضاء والقدر عموم‬
‫وخصوص من وجه يجتمعان في الخلق وينفرد كل واحد منهما في بقية معانيه كما هو ظاهر" (‬
‫‪. )18‬‬
‫كما تجدر الملحظة أن اللفظتين لم تردا مقرونتين في الكتاب على الطريقة التي ألفها المتكلمون‬
‫والفلسفة من جعلها مرادفتين لـ" الجبر والختيار" أو ما أطلق عليه " حرية النسان"‪)19( .‬‬
‫ليس معنى ذلك أن اللفظتين لم تستعمل في هذه النصوص وإنما جاءت كل منهما على حدة لتدل‬
‫على معان مختلفة حسب السياق فهل أحدثت كل منهما بعضا من الشكال زمن الرسالة؟‬
‫===============================================‬
‫(‪ )12‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ 3 :‬البيتان عدد ‪.37 , 36‬‬
‫(‪ )13‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪.43 :‬‬
‫(‪ )14‬انظر ما سبق عن شروح النونية وكتاب الديانات‪.‬‬

‫( ‪)1/379‬‬

‫(‪ )15‬نترك ذكر المفهوم الصطلحي أثناء التحليل إذ نجد أنه يختلف من فرقة إلى أخرى ‪.‬‬
‫ملحظة أحببنا أن نعتمد لسان العرب لن كل التحاليل اللغوية الواردة في مصادر الباضية ل‬
‫تخرج عن هذا التفسير ولنذكر على سبيل المثال ما جاء في شرح النونية‪ ":‬والقدر يتصرف على‬
‫ثمانية أوجه‪:‬‬
‫‪ -1‬يخرج على ( ‪87‬العلى ‪ )3‬أي خلق وبثق لهم ما يأتون وما( والذي قدر فهدى(الخلق كقوله‬
‫تعالى يدرون‪ ،‬وقيل قدر‪ :‬خلق فهدى إلى سبيل التغذية‪ ،‬وهدى الذكر إلى النثى ‪ ،‬وقيل هدى‬
‫الرضيع الثدي‪.‬‬
‫وأنزلنا من السماء ماء(‪ -2‬ويخرج على التقدير كقوله تعالى‪( :‬المؤمنون ‪ )18‬أي بتقدير‪(.‬بقدر‬
‫إل امرأته قدرنا إنها من(‪ -3‬ويخرج على الوجود (‪ 15‬الحجر ‪ )60‬أي وجدناها من الباقين في‬
‫العقوبة والعذاب‪(.‬الغابرين‬
‫‪ -4‬ويخرج على (‪ 77‬المرسلت ‪ (.)23‬فقدرنا فنعم القادرون(التصوير‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ -5‬ويخرج على (‪ 54‬القمر ‪ )12‬أي قضي‪ (.‬فالتقى الماء على أمر قد قدر(القضاء‬
‫‪ -6‬ويخرج على الضيق (‪ (21‬فظن أن لن نقدر عليه( (‪ 65‬الطلق ‪ )7‬وقوله‪ (:‬ومن قدر عليه‬
‫رزقه(كقوله تعالى‪ :‬النبياء ‪ )87‬أي نضيق عليه الرض ‪.‬‬
‫نحن(‪ -7‬ويخرج على التسوية‪ ،‬قال تعالى‪ 56( :‬الواقعة ‪ )60‬أي سوينا‪ .‬وال أعلم ‪.‬ر‪ .‬عمرو‬
‫خليفة السوفي‪(:‬قدرنا بينكم الموت كتاب السؤالت‪. 202 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية‬
‫ورقة ‪ 126‬وجه وقفا‪ .‬وقد أخذ كتاب السؤالت ‪.‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 50‬قفا‪ ،‬لم‬
‫يتوسع في الشرح اللغوي ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/114‬وقد نظم السالمي سبعة منها في‬
‫ما يلي‪ ( :‬هزج)‬
‫معاني القدر سبع هاك نظما‬
‫حواها وهي خلق فيه يحلو‬
‫وتقدير وتصوير وجود‬
‫قضاءثم تضييق ومثل‬
‫عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪311:‬‬
‫(‪ )16‬ثم يذكر بقية المعاني التي تبعد عن قضيتنا ويدعمها بأمثلة‪.‬‬
‫(‪ )17‬ر‪ .‬عبد الحليم محمد قنبس وخالد عبد الرحمن العك‪ :‬مسألة القضاء والقدر‪ ...‬دار الكتاب‬
‫العربي للطباعة والنشر والتوزيع حلب‪ ،‬دمشق ‪ 1979‬ص ‪.82 - 81‬‬

‫( ‪)1/380‬‬

‫(‪ )18‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪1/114 :‬‬


‫(‪ )19‬عبد الحليم محمد قنبس‪ :‬مسألة القضاء والقدر‪ 11 :‬و ‪.104‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/381‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫التطور التاريخي وظهور المعنى الصطلحي‪:‬‬
‫إن التراث الباضي كبقية التراث السلمي يقرأ الحداث من منطلقات عقائدية تبلورت عبر‬
‫السنين فيفهم منه بوضوح أن قضية القدر أثيرت في حياة الرسول عليه السلم لكن لم يكن وراء‬
‫إثارتها خلفيات سياسية أو فلسفية أو اجتماعية بل كان الصحابة يسألون ليزدادوا إيمانا وكفى كما‬
‫أنه عليه السلم ذكر القدر في مواقف شتى دون أن يسأله سائل ويمكن أن نضع هذه الحاديث‬
‫تحت العناوين التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬أحاديث توجب اليمان بالقدر والرضاء به (مكرر ‪. )19‬‬
‫‪ )2‬أحاديث تبين أن كل شيء بقدر وأنه علم ال الزلي (‪)20‬‬
‫‪ )3‬أحاديث تنهى عن الخوض في القدر (‪)21‬‬
‫‪ )4‬أحاديث تتوعد من يخوض في القدر (‪)22‬‬
‫والملحظ أن هذه الحاديث مهما وقع الطعن في صحة البعض منها فإنها تبقى معبرة عن تساؤل‬
‫هؤلء الصحابة الذين كانوا يقرون بالجبر قبل السلم عن القضية عسى أن يدركوا هذا السر إل‬
‫أنهم سرعان ما تطمئن قلوبهم لن الرسول عليه السلم ل ينطق عن الهوى‪.‬‬
‫ويتواصل الحوار بين أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم مع اتساع دائرته فهذا أبو بكر يقول‬
‫في شيء سئل عنه‪ ":‬أقول برأيي فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان" (‬
‫‪ )23‬وهذا ابن عباس له عدة مواقف نكتفي بذكر اثنين منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬سئل ابن عباس عن القدر فقال‪ ":‬الناس فيه ثلثة منازل من جعل للعباد في المر مشيئة‬
‫فقد ضاد ال في أمره ومن أضاف إلى ال شيئا مما يتنزه عنه فقد افترى على ال إثما عظيما‬
‫ومن قال‪ :‬إني رحمت بفضل ال فذلك الذي سلم له دينه ودنياه جميعا‪ ،‬ولم يعلم ال في خلقه ولم‬
‫يجهله في حكمه" (‪. )24‬‬

‫( ‪)1/382‬‬

‫الثاني‪ :‬وقال ابن عباس‪ ":‬ل يأتيني رجل من هؤلء الذين يتكلمون في القدر ويزعمون أن أفعال‬
‫العباد مفوضة إليهم أما يقرأون هذه الية ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) (‪ 76‬النسان ‪ )30‬وقوله‬
‫تعالى ( يدخل من يشاء في رحمته) (‪ 42‬الشورى ‪ 79 .8‬النسان ‪ )31‬أي في دينه وقوله ( من‬
‫يشاء ال يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) (‪ 6‬النعام ‪ ( )39‬وكل صغير وكبير‬
‫مستطر) (‪ 54‬القمر ‪( )53‬إنا كل شيء خلقناه بقدر) (‪ 54‬القمر ‪ )49‬وقال ( ما أنتم عليه بفاتنين‬
‫إل من هو صال الجحيم) (‪ 37‬الصافات ‪ )163‬أي ما أنتم بمضلين إل من سبقت عليه الشقوة ومن‬
‫هو صال الجحيم (‪. )25‬‬
‫ول يفوتنا أن نذكر بموقف عمر عندما تحير مع جمع من الصحابة أيحلون بقرية عم فيها الوباء‪،‬‬
‫وكيف فر عمر اجتنابها فانتقد انه فار من قضاء ال فأجاب‪ :‬فررنا من قدر ال إلى قدر ال‪)26( .‬‬
‫ثم تنطلق الفتنة الكبرى بقتل عثمان وتبدأ المعارك الدامية بين المسلمين فتطوع كل طائفة‬
‫النصوص لوجهة نظرها وتذكر المصادر خبرا طريفا يصور حيرة الناس في التوفيق بين اليمان‬
‫بالقدر والحصول على الثواب‪.‬‬
‫روي عن الصبع بن نباتة أنه قال‪ :‬لما رجع علي بن أبي طالب من صفين قام له شيخ فقال‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين أخبرنا عن سيرنا إلى الشام أهو بقضاء وقدر‪ ،‬فقال علي‪ :‬والذي خلق الجنة وبرأ‬
‫النسمة ما وطئنا موطنا ول هبطنا واديا ول علونا تلعة إل بقضاء وقدر‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬أحتسب‬
‫عنائي فل أرى من الجر شيئا‪ ،‬فقال له علي‪ :‬بل أيها الشيخ لقد عظم ال أجركم في مسيركم‬
‫وأنتم سائرون وفي مصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالتكم مكرهين ول إليها‬
‫مضطرين‪.‬‬

‫( ‪)1/383‬‬

‫فقال الشيخ‪ :‬كيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقنا وعنهما كان مسيرنا وانصرفنا ‪ ،‬فقال‬
‫علي‪ :‬ويلك أيها الشيخ لعلك ظننت قضاء لزما وقدرا حاتما لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب‬
‫والوعد والوعيد والمر والنهي ولم تكن لئمة على مذهب ول محمد لمحسن تلك مقالة عبدة‬
‫الوثان‪ ،‬وجند الشيطان واعداء الرحمان وشهود الرفة وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية المة‬
‫ومجوسها‪.‬‬
‫إن ال تعالى‪ ،‬أم تخييرا ونهي تحذيرا وكلف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل‬
‫الرسل عبثا ولم يخلق السماوات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين‬
‫كفروا من النار فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول‪ (:‬بسيط)‬
‫فواضح حينئذ أن عليا نفى نفيا مطلقا ما شعر به الشيخ من جبر يجعل عمله عبثا قضاء لزما‬
‫وقدرا حاتما وبين أنه لو كان المر كذلك لبطل الشرع وأوضح أن ذلك من قول أهل العمى‬
‫وسماهم القدرية( وهنا ترادف الجبر)‪.‬‬
‫ثم ما أن استقر المر لمعاوية الذي حول الخلفة إلى ملك عضوض حتى تسيّست القضية بصفة‬
‫نهائية وتباينت المواقف بين الدولة الحاكمة والكتل المعارضة‪.‬‬
‫أما معاوية وأنصاره فقد اعتبروا القضاء ضربا من الجبر لقناع الناس بوجوب طاعتهم مبينين أن‬
‫المنكر لفعال الخليفة ظالم فانظر إلى معاوية يقول في إحدى خطبه‪ " :‬إنما أنا خازن من خزان‬
‫ال أعطي من أعطاه ال‪ ،‬وأمنع من منعه ال" فقام إليه أبو الدرداء فقال له‪ :‬كذبت يا معاوية وال‬
‫إنك لتعطي من منعه ال وتمنع من أعطاه وكذبه أيضا عبادة بن الصامت‪)28( .‬‬
‫وسيجد المحكمة وأنصار علي في هذين الموقفين أحسن سند لقناع الناس بأن معاوية اغتصب‬
‫الحكم إل أن معاوية مصر على ذلك‪ ،‬ومدرك لمرامي ما يقول إذ يعلم أن مثل هذا اليهام من‬
‫شأنه أن يستهوي عامة الناس ومن يركنون إلى الحياد وهاهو يقول في مقام آخر ‪ ":‬لو لم يرني‬
‫ربي أهل لهذا المر ما تركني وإياه ولو كره ال تعالى ما نحن فيه لغيره" (‪. )29‬‬

‫( ‪)1/384‬‬

‫وقد درج على ذلك خلفاء بني أمية وولتهم باستثناء الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز (‪)30‬‬
‫فدسوا له السم لما أحسوا أنه سيفسد عليهم ما ألفوه من الظلم‪.‬‬
‫ولقد سبق أن أشرنا إلى أن جذور الباضية تنطلق من المحكمة الولى (‪ )31‬والجدير بالملحظة‬
‫انه لم يؤثر عن عبدال بن وهب الراسبي موقف من القدر وكذلك الشراة الول (‪ )32‬لنهم ردوا‬
‫الفعل بالفعل الى أن استقر رأي الباضية على الكتمان ويفهم من رسالة عبدال بن إباض لعبد‬
‫الملك رفضه لعتبار أن ال قام مع معاوية وعجل نصره وبين له إن ذلك من باب البتلء‬
‫وضرب مثال فرعون والذي حاج إبراهيم فقد أعطى ال فرعون ملكا وظهر في الرض وأعطى‬
‫الذي حاج إبراهيم في ربه ملكا (‪ )33‬معنى ذلك أن ملك معاوية ومن تبعه مغتصب وطاعته‬
‫ليست واجبة‪.‬‬
‫==============================‬
‫(‪ 19‬مكرر) مثل حديث جبريل عليه السلم ‪ :‬قال ‪ :‬يا رسول ال ما اليمان‪ :‬قال‪ ":‬أن تؤمن‬
‫بال ‪ ،‬وتؤمن بالقدر كله" ‪.‬ر‪ .‬تخريجه في ما سبق‪ 98 :‬تعليق ‪ 18‬وما رواه الربيع قال‪ ": :‬إنك‬
‫لن تجد ولن تؤمن وتبلغ حقيقة(بلغني عن عبادة بن الصامت قال‪ :‬قال رسول ال اليمان حتى‬
‫تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال‪ "...‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 1/19‬عدد ‪ 72‬وقد‬
‫ورد الحديث بعده روايات والمهم جمله" تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال " ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان‬
‫‪ 1.7‬أبو داود ‪ :‬سنة ‪ ،16‬الترمذي‪ :‬قدر ‪ ، 10‬إيمان النسائي‪ :‬إيمان ‪ 6 .5‬ابن ماجه مقدمة ‪10 ،9‬‬
‫أحمد بن حنبل ‪. 317 . 5/185... 4/129 ...2/107، 28 .1/27‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪ 5/317‬وعبادة بن الصامت صحابي(ت ‪ )34/654‬ر‪ .‬الزركلي‪ /‬العلم ‪4/30‬‬
‫(‪ )20‬ويتواصل الحديث المذكور كما يلي‪ ...:‬قال ( عبادة بن الصامت) ‪ :‬قلت يا رسول ال‪:‬‬
‫كيف لي أنا أعلم خيره وشره قال‪ :‬تعلم أن ما أخطأكم يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك لم يكن‬
‫ليخطئك ‪ ،‬فان مت على غير ذلك دخلت النار‪.‬‬

‫( ‪)1/385‬‬

‫‪ -‬ومثل قوله عليه السلم ‪ ":‬كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع‬
‫الصحيح ‪ 1/19‬عدد ‪. 71‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪. 1/119 :‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬قدر ‪ ،18‬الطبراني‪:‬‬
‫قدر ‪ ،4‬أحمد بن حنبل ‪. 2/11‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪. 5/317‬‬
‫‪ -‬ومثل ما رواه جابر فقال‪ :‬سئل عباس عمن قال إنه يستطيع أن يعمل بما أمر ال به ويكف عما‬
‫نهاه ال عنه من غير أن يخلق ال فعله‪ ،‬فقال‪ :‬سأل سراقة ما العمل يا رسول ال في أمر مبتدأ‬
‫مستأنف أم في شيء قد فرغ منه" قال‪ " :‬بل في شيء قد فرغ منه"‪ .‬ثم قال ففيهم العمل إذا يا‬
‫رسول ال؟ فقال‪ :‬اعملوا فكل ميسر لما خلق له"‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/10‬عدد‬
‫‪. 796‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬قدر ‪ ،4‬تفسير سورة الليل‪ .‬أحمد بن حنبل ‪. 4/67‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪.4/375‬‬
‫‪ ":‬القدر سر ال فل تفشوا سر ال"((‪ )21‬مثل قوله رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر ‪.‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ .‬المنهج ‪ 1/428‬وتخريج الحديث للمحقق‪ .‬ولم يرد الحديث عند ونسنك‬
‫في المعجم المفهرس ول عند الربيع بن حبيب‪.‬‬
‫ومثل‪ ":‬إذا ذكر القدر فأمسكوا " أخرجه الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه ‪.‬ر‪.‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .7/115‬لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫‪ ":‬ما كان مفر إل كان مفتاحه تكذيبا بالقدر" ‪.‬ر‪ )22((.‬مثل قوله الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع‬
‫الصحيح ‪3/10‬عدد ‪. 796‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .7/113‬لم يخرجه ونسنك في المعجم‬
‫المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )23‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/11‬عدد ‪ .807‬نلحظ دخول عنصر جديد‪ ،‬وهو أن‬
‫الصواب من ال بينمات الخطأ فمن أبي بكر ومن الشيطان‪ ,‬وهذا سيكون منطلقا لمواقف في‬
‫المستقبل ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.150 /7‬‬
‫(‪ )24‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪1/117 :‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ .‬المنهج ‪.424 -1/423‬‬

‫( ‪)1/386‬‬

‫(‪ )25‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ .‬المنهج ‪ .1/427‬واضح من موقفي ابن عباس أن القدر بدأ‬
‫يحير الناس فها هم ثلثة أصناف كما يشير إلى ذلك يتكلمون في القدر ومنطلقهم من متشابه‬
‫القرآن ولذلك جاء الرد مدعما بالقرآن مع شيء من التفسير‪.‬‬
‫((‪ )26‬وللرسول عليه السلم موقف يمكن أن يقاس عليه موقف عمر وهو أنه كان إذا مر بهدف‬
‫مائل أسرع المشي فقيل‪ :‬يا رسول ال أتفر من قضاء ال؟ قال ‪ :‬أفر من قضاء ال وقدره ‪ .‬ر‪.‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/118‬وقال في هذا الحديث إشارة إلى اخذ الحذر ‪.‬ر‪ .‬خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/424‬‬
‫ويقول الغزالي في ذلك‪ ...:‬فلذلك أمسك عمر لما سئل عن القدر فقال للسائل‪ :‬بحر عميق ل تلجه‪،‬‬
‫ولما كرر السؤال قالك طريق مظلم ل تسلكه ولما كرر ثالثا قال‪ ":‬سر ال قد خفي عليك فل تفشه"‬
‫‪ .‬كتاب الربعين في أصول الدين‪ 11:‬والملحظ أن ذكر مثل هذه المواقف يجب أن يستفاد منها‬
‫بحذر‪.‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 115 -1/114‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‬
‫‪426 -1/425‬‬
‫وقد أورد المحشي مواقف أخرى لعلي أين أبي طالب من هذا القبيل ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب ‪-7/132‬‬
‫‪.134‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬كتاب فضل العتزال‪.144 :‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬كتاب فضل العتزال‪.143 :‬‬
‫(‪ )30‬عمرو بن عبد العزيز( ‪. )720 -681 /101 -61‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.5/209‬‬
‫(‪ )31‬انظر ما سبق‪48 :‬‬
‫(‪ )32‬انظر ما سبق‪48 :‬‬
‫(‪ )33‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجوهر‪.163 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/387‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫أما جابر بن زيد فموقفه من القدر هو موقف الصحابة ولم يؤثر عنه تحليل خاص للقضية رغم أن‬
‫الشقة بدأت تتسع بين من كانت آراؤهم منطلقا للقائلين بالجبر والحرية (‪ )34‬ونجد في الجامع‬
‫الصحيح أنه يلجأ الى الحديث عندما تطرح عليه القضية مع الملحظة أن جل الحاديث الواردة‬
‫هناك لم يمر سندها بجابر ومثال ذلك الحديث عدد ‪ )35( 796‬حيث يؤكد الرسول عليه السلم‬
‫على العمل رغم أن كل ميسر لما خلق له‪.‬‬
‫كما يتجلى موقفه السلفي (‪ )36‬في رده على الحجاج (‪ )714 -660 /95 -40‬حين استعان به‬
‫يزيد ابن أبي مسلم (‪ )38‬ليخفف عن الحجاج ما ألم به من حيرة في شأن القدر فما كان منه إل‬
‫أن يأمره بترديد خطبة الرسالة فتفطن عند ذلك إلى انه ورد فيها قوله عليه السلم " من يهد ال‬
‫فل مضل له ومن يضلل فل هادي له" (‪. )39‬‬
‫وفي طبقة جابر بن زيد ممن أخذ عنهم أبو عبيدة صحار العبدي (‪ )40‬فإنه كان يقول في‬
‫القدرية‪ ":‬كلموهم في العلم فإن أقروا به نقضوا وإن أنكروا كفروا" (‪. )41‬‬
‫وما يكاد يتولى إمامة الباضية أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة حتى يحس بوطأة الصراع حول‬
‫القدر من بعض اتباعه من الداخل ومن واصل بن عطاء (‪ )42‬واتباعه الذين افصلوا عن شيخهم‬
‫الحسن البصري (‪ )43‬من الخارج‪.‬‬
‫أما الصراع الخارجي فتذكر كتب الطبقات لبي عبيدة مسلم مواقف على واصل بن عطاء وعلى‬
‫القائلين بالقدر (‪. )44‬‬
‫فأما موقفه مع واصل فقد جاء كما يلي‪:‬‬

‫( ‪)1/388‬‬

‫" وحكى بعض أصحابنا أن واصل بن عطاء المعتزلي صاحب عمرو بن عبيد(‪)45( )761 /144‬‬
‫كان يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول‪ :‬لو قطعته قطعت الباضية قال فبينما هو في المسجد الحرام‬
‫ومعه أصحابه إذ أقبل أبو عبيدة ومعه أصحابه فقيل لواصل هذا أبو عبيدة قال نعم‪ ،‬قال أنت الذي‬
‫بلغني أنك تقول‪ :‬إن ال يعذب على القدر‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬ما هكذا قلت لكن قلت إن ال يعذب‬
‫على المقدور‪ ،‬فقال أبو عبيدة وأنت واصل ابن عطاء قال نعم‪ :‬قال أنت الذي بلغني عنك أنك‬
‫تقول إن ال يعصي بالستكراه قال فنكس واصل رأسه فلم يجب بشيء‪ .‬ومضى أبو عبيدة وأقبل‬
‫أصحاب واصل على واصل يلومونه ويقولون كنت تتمنى لقاء أبي عبيدة فسألته فخرج وسألك فلم‬
‫تجب فقال واصل‪ :‬ويحكم بنين بناء منذ أربعين سنة فهدمه وأنا قائم فلم اٌعد ولم أبرح مكاني" (‬
‫‪. )46‬‬
‫ويروي أبو سفيان محبوب بن الرحيل‪ :‬بلغنا أن أبا عبيدة رحمه ال جاءه رجل فكلمه في القدر‬
‫فقال له أبو عبيدة ‪ :‬هل علم ال ما العباد عاملون‪ ،‬وإلى ما هم صائرون قبل أن يخلقهم‪ .‬فقال له‬
‫الرجل‪ :‬ما أسرع ما استعنت بالعلم يا أبا عبيدة وإنما هذه مسائل الضعفاء فقال له‪ :‬أجب هذا‬
‫الضعيف فلم يجبه وافترقا" (‪. )47‬‬
‫وقال أبو سفيان‪ :‬سمعت الربيع يقول‪ :‬إن عبد السلم بن عبد القدوس (‪ )48‬عظم أم القدر وقال‬
‫فيه قول شديدا وكره الكلم فيه فقال الربيع فأخبرت بذلك أبا عبيدة فقال‪ :‬ما قال عبد السلم شيئا‬
‫ما القدر إل رأي من رأي الناس اختلفوا فيه ليس فيه نكاح ول انتحال هجرة ول سباء ول غنيمة‬
‫وصغر أمر القدر (‪. )49‬‬

‫( ‪)1/389‬‬

‫من هذا نتبين أن المواقف ما يزال سلفيا بحتا يجتنب تحليل القضية والتصرف فيها فأبو عبيدة‬
‫يثبت لواصل الفرق بين القدر والمقدور (‪ )50‬ويرد عليه بأن موقف واصل القائل بأن المعصية‬
‫من خلق النسان يؤدي إلى أن ال يعصي بالستكراه (‪ )51‬كما أن رده على الرجل الذي سأله‬
‫عن القدر يثبت تمسكه برأي شيخه صحار الذي يعتبر أن أقوى حجة على القائلين بالقدر هي‬
‫الحالة على علم ال تعالى‪ .‬وواضح في النهاية من خلل نصيحة للربيع أنه يدعو أنصاره إلى‬
‫التقليل من الخوض في القدر امتثال لوامر الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫هذا عن الصراع مع من يقولون من غير الباضية بالقدر ورد الباضية عليهم كما بينا كان‬
‫واضحا إل أن الزمة ستشتد داخل المذهب وسيفرض الواقع على أبي عبيدة أن يتخذ موقفا‬
‫مضبوطا سيكون له بعيد الثر في ما بعد‪.‬‬
‫يروي أبو سفيان ما دار بين حمزة الكوفي (‪ )52‬وأبي عبيدة من جدل حاد حول قضية القدر‬
‫انتهى بقول أبي عبيدة ‪ ":‬يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن" (‪ )53‬وحاول حاجب الطائي (‬
‫‪ )54‬أن يستصلح من أمر حمزة لكنه أصر وظل يستدرج النساء والضعفاء الى القول بأن السيئات‬
‫من العباد فهنالك اجتمع الناس عند حاجب بمحضر أبي عبيدة وتمت البراءة منه‪)55( .‬‬
‫وسيكون لحمزة هذا أثر فعال في اشعال نار الفتنة مع شعيب وأبي المؤرج وعبدال بن زيد‬
‫الفزاري (‪ )56‬عندما أنكر يزيد بن فندين (‪ )57‬إمامه المام عبد الوهاب بن عبد الرحمان‬
‫الرستمي‪)58( .‬‬
‫والمهم حينئذ أن أبا عبيدة وجمهور الباضية في القرن الثاني هجري‪ /‬الثامن ميلدي استقروا‬
‫على أن القدر كله من ال تعالى وقد سلك الربيع ابن حبيب نفس المسلك‪.‬‬

‫( ‪)1/390‬‬

‫ويجدر أن نشير هنا إلى نصين يثبتان الحتكاك بين المعتزلة والباضية في المشرق والمغرب‬
‫فهذا وائل بن أيوب الحضرمي (‪ )59‬يناظر كهلن المعتزلي وأصحابه وهذا مهدي النفوسي يتقدم‬
‫الى الفتى المعتزلي فيرتفع مستوى الجدل بينهما حتى يشبهه أبو زكريا بالصفق بين الحجرين‪،‬‬
‫لكن هذا النص ل يذكر مواضيع هذه المناظرة‪)60( .‬‬
‫نلمس أن هذه المرحلة لم تكن مرحلة تنظير في باب القدر وإنما هي مناظرات قل أن تكون مع‬
‫الجبرية بل مدارها مع القائلين بالقدر لذلك لم نعثر على تعريف نظري دقيق لكلمتي قضاء وقدر‬
‫إل أن الحوار تحول مع أبي خزر (‪ )101 /4‬وأبي الربيع سليمان ابن يخلف(‪ )11 /5‬وأبي‬
‫العباس أحمد ابن بكر(‪ )5/11‬حول قضايا متصلة بالقضاء والقدر مثل‪ ":‬الجبر والختبار" " خلق‬
‫الفعال" " الستطاعة"‪.‬‬
‫ويجب أن ننتظر القرن ‪ 6/12‬خاصة مع كتاب السؤالت لتجد تعريفات نظرية ظل يعتمدها علماء‬
‫الباضية في ما بعد وحتى أبو عمار عبد الكافي (‪ )6/12‬وخاصة الموجز فقد سلك مسلكا جدليا‬
‫دفاعيا‪.‬‬
‫ول يفوتنا هنا أن ننبه إلى نشأة المدرسة الشعرية والماتريدية في القرن الرابع‪ ،10 /‬فبلورتا ما‬
‫جاء من إشارات من قبل لهذا الموضوع عند أبي حنيفة وغيره وواصلتا مناظرة أهل العتزال‬
‫وبهذا تركز الجدل حول " خلق الفعال" بعد أن كان المر تسليما إيمانيا خالصا بان القدر كله من‬
‫ال تعالى وسيبقى هذا القرار العقائدي ثابتا في منطلق كل تحليل وسنبين تقارب التحاليل بين‬
‫هاتين المدرستين وبين تحاليل الباضية ولننظر الن في أهم التعريفات الصطلحية لكلمتي‬
‫القضاء والقدر‪.‬‬
‫========================================‬

‫( ‪)1/391‬‬

‫(‪ )34‬أن البيئة السلمية في البصرة وغيرها كانت تعج آنذاك بمختلف العناصر الدخيلة على‬
‫السلم من أهل الكتاب ومن بلد فارس ومن بلد الهند‪ ،‬وهذا من شأنه أن يزيد الجدل حدة حول‬
‫قضية القدر وغيرها من القضايا العقائدية التي تشترك فيها جميع الملل‪ ،‬وفي هذا الصدد تذكر‬
‫كتب المقالت أن مرجع القول بالقدر يعود إلى سوسن النصراني الذي اظهر السلم فصحبه معبد‬
‫بن عبدال الجهني الذي ظل التابعون يحذرون منه إلى أن أخذه هشام بن عبد الملك بن مروان(‬
‫‪ )743 -125/690 -71‬فأمر بقطع يديه ورجليه‪.‬‬
‫أما القول بالجبر فيرجع إلى الجهم بن صفوان (‪ )128/745‬من موالي بني راسب راس الجهمية‪.‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬الضال المبتدع هلك في زمان صغار التابعين‪ ،‬وقد زرع شرا عظيما وأمر نصر بن‬
‫سيار بقتله فقتل ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ .1/138‬وقد اخذ هذا المذهب عن الجعد بن درهم‪ .‬انظر‬
‫ما سبق ‪ 100‬تعليق ‪. 25‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ص ‪.229‬‬
‫وقد تأرجحت مواقف جميع الفرق السلمية بين هذين الموقفين‪ ،‬وقد يقع التردد بين الموقفين حتى‬
‫داخل كل فرقة نتيجة فويرقات في الفهم بين علمائها‪.‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما سبق ص ‪ 98‬تعليق ‪.18‬‬
‫(‪ )36‬ونعني بذلك عدم تجاوز قول الرسول عليه السلم في التسليم بالقضاء‪.‬‬
‫(‪ )38‬الحجاج بن يوسف الثقفي (‪. )714 -95/660 -40‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.1/175‬‬
‫(‪ )39‬ل يوجد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )40‬صحار العبدي‪ ( :‬ق ‪ )1/7‬من طبقة جابر بن زيد ومن شيوخ أبي عبيدة مسلم ابن أبي‬
‫كريمة ينسب إليه بحث في القدر ‪.‬ر‪.‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪.2/223‬‬
‫ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪. 81‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.418 :‬‬
‫(‪ )41‬الشماخي‪ :‬السير‪.81 :‬‬

‫( ‪)1/392‬‬
‫(‪ )42‬واصل بن عطاء(‪ )797 -80/181/700‬تعتبر كتب الفرق أنه مؤسس فرقة المعتزلة‬
‫والمعتزلة تبنوا هذا السم رغم أنهم يفضلون عليه" أهل العدل والتوحيد"‪ .‬يرجعون جذور مذهبهم‬
‫إلى الصحابة ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال وطبقات المعتزلة ص ‪ 214‬انظر ترجمته‬
‫بنفس المصدر‪ 234 :‬ويختلف تاريخ الوفاة عما ذكره الزركلي وقد حدده ب ‪. 748 /131‬ر‪.‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم ‪ ( 19/121‬انظر ما سبق ‪)110‬‬
‫(‪ )43‬الحسن البصري( ‪ :)728 -110/642-21‬تابعي كان إمام أهل البصرة ولد بالمدينة سنة‬
‫‪21‬هـ وشب في كنف علي ابن أبي طالب وسكن البصرة ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل‬
‫العتزال‪ 229 -215 :‬وتعليق ‪ 168‬ص ‪ 215‬بتنازعه أهل السنة والمعتزلة‪ ،‬ويختلفان في قوله‬
‫في القدر إل أنه يقول بالقدر على رأي المعتزلة‪ .‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية‬
‫تعليق ‪ 2‬ص ‪ .398‬والباضية رغم أنهم ل ينسبونه إليهم يبرئونه من القول بالقدر‪ .‬وقال أبو‬
‫محمد النهدي( من علماء الباضية ) هو ( الحسن البصري) أبعد الناس عن القدر‪.‬‬
‫(‪ )44‬إن كل الفرق تتبرأ من أن تكون قدرية فالمعتزلة يقولون‪ :‬القدرية هم الذين يزعمون أنه‬
‫تعالى قدر المعاصي‪ ،‬وجعل ذلك كالعذر للعاصي حتى اعتقد بعضهم أنه ل يقدر ول يصلح منه‬
‫غير ما قدر ال‪ ...‬وأصحابنا نفوا المعاصي عن ال وهم أثبتوها فيجب أن يكون اللقب لزما لهم‬
‫‪ "...‬ويعتبرون هؤلء أن القدرية لقب للذم فمن حمل ذنبه على ال أولى بالذم ممن برأ ال وحمل‬
‫ذنبه على نفسه" ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال‪167 :‬‬

‫( ‪)1/393‬‬

‫إل أن الباضية يتفقون مع الشاعرة في اعتبار المعتزلة قدرية وفي ذلك يقول أبو عمار عبد‬
‫الكافي‪ "...‬سموا المعتزلة" مجوسا لنهم يضيقون على أنفسهم‪ ،‬وغيرهم يجعله ال دون نفسه‪،‬‬
‫ومدعي الشيء أولى بأن يسمى به‪ ،‬دون من جعله لغيره‪ ،‬ولنهم ضارعوا المجوس بل زادوا‬
‫على المجوس وذلك أن المجوس نفت عن ال خلق الشرور‪ ،‬وزادت القدرية ( المعتزلة) نفي خلق‬
‫الخير عن ال عز وجل‪ :‬الموجز ‪. 2/62‬ر‪.‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.149 :‬‬
‫أما الشيعة فمنهم من يعتبر المعتزلة قدرية ومنهم من يرى خلف ذلك وفي ذلك يقول الجعفري‬
‫بعد أن يبين أن الشاعرة يتهمون المعتزلة بالقدرية والعكس بالعكس‪ :‬والذي يظهر من أخبار‬
‫أئمتنا أن القدرية هم المعتزلة كما يصرح بذلك كثير من المتكلمين‪ ،‬غير أن الذي يظهر من كلم‬
‫أمير المؤمنين"ع" في نهج البلغة وبعض الخبار عن أئمتنا‪ .‬خلف ذلك " أصول الدين السلمي‬
‫‪."34‬‬
‫والناظر في كتب الفرق السلمية يتبين أن كلمة قدرية غلبت على تسمية المعتزلة بينهم وبين‬
‫المجبرة والنسب أن يسموا أهل العدل والتوحيد‪.‬‬
‫(‪ )45‬عمرو بن عبيد( ‪ )144/761‬يعده المعتزلة من الطبقة الرابعة انظر ما سبق‪. 110 :‬ر‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ‪ 242 :‬تعليق ‪ 308‬ومن ‪.250 -242 :‬‬
‫(‪ )46‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪ ،2/246‬أن النقد الداخلي للنص يدفع القارئ إلى الستفادة منه بحذر‬
‫ذلك لن النص يستعمل كلمة إباضية للحديث عن إتباع أبي عبيدة وقد بينا في ما سبق أن هذه‬
‫التسمية لم تستعمل في النصوص إل من القرن الرابع ‪( 4/10‬انظر ص ‪ )56‬لواصل بن عطاء أن‬
‫التسمية الغالبة هي المحكمة أو "أهل الستقامة"‪.‬‬
‫هذا من جهة‪ .‬أما جهة أخرى فيصعب أن نتصور أن مثل هذين العلمين يتم تعارفهما في الحج‬
‫وهما يعيشان معا في مدينة البصرة‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر يبقى النص معبرا عن مدى الختلف من البداية بين المعتزلة والباضية في‬
‫شأن القدر رغم أنهما يلتقيان في قضايا أخرى كما رأينا ‪.‬‬

‫( ‪)1/394‬‬

‫وقد ظلت المصادر الباضية تعتمد هذا النص ‪ ،‬وقل أن تذكر مسألة القدر دون أن يستشهد بهذه‬
‫المناظرة‪.‬‬
‫(‪ )47‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 1/429‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ‪ /1‬ورقة‬
‫‪.137‬‬
‫(‪ )48‬لم نتمكن من التعريف به‪.‬‬
‫(‪ )49‬ويعلق خميس بن سعيد الرستاقي صاحب المنهج على الموقف كما يلي‪ :‬قال المؤلف رحمه‬
‫ال ‪ :‬إن ذلك قاله لترك البحث عن أمر القدر والخوض فيه وإل فهو عظيم عنده لن النسان‬
‫يخرج عن دين السلم بأقل شيء منه‪ ،‬وقد غضب ال على عزير لجل سؤاله عن كلمة القدر ‪،‬‬
‫وضل كثير من أهل المذاهب بسبب القدر‪ ،‬فالقدر بحر عميق قد هلك في بشر كثير ‪.‬ر‪ .‬خميس بن‬
‫سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪. 1/430‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪.2/233‬‬
‫ويضيف عمرو التلتي في شرح النونية ما يلي منسوبا إلى أبي عبيدة ‪ :‬فمن أقر بكون ال عالما‬
‫بالشياء قبل وجودها فقد أقر بالقدر ‪ .‬شرح النونية ‪ :‬ورقة ‪ 79‬وجه ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪:‬‬
‫النور ص ‪.212‬‬
‫(‪ )50‬وهذا سيكون نواة لتطور الموضوع في المستقبل‪ :‬القدر من خلق ال والمقدور من كسب‬
‫النسان‪.‬‬
‫(‪ )51‬وقد كان أبو عبيدة في خضم المعركة كما سنبين بعد حين‪ ،‬فمن أتباعه من كان على اتصال‬
‫بغيلن الدمشقي أنظر ما سبق ‪ 106 :‬تعليق ‪ 43‬ول نستبعد أن يكون أبو عبيدة قد عرف غيلن‬
‫هذا‪.‬‬
‫(‪ )52‬انظر ما سبق ‪ 106‬تعليق ‪43‬‬
‫(‪ )53‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ 2/244‬وغيلن الدمشقي‪.‬‬
‫(‪ )54‬حاجب الطائي ( ق ‪ )2/8‬من طبقة أبي عبيدة‪ .‬دعم الحركة الباضية تدعيما ماليا‪ .‬وكانت‬
‫تعقد المجالس السرية بمنزله ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 253 -2/248‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪-90 :‬‬
‫‪.92‬‬
‫(‪ )55‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 2/244‬ر‪ .‬السير‪. 85 -84 :‬ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ص ‪. 213‬ر‪.‬‬
‫علي يحي معمر‪ :‬الباضية بين الفرق السلمية‪.256 -254 :‬‬
‫(‪ )56‬انظر ما سبق ‪ 106‬تعليق ‪ 43‬للتعرف على الشخصيات المذكورة‪.‬‬

‫( ‪)1/395‬‬

‫(‪ )57‬يزيد بن فندين( ق ‪ )2/8‬كان ضمن السبعة الذين جعل المام عبد الرحمان بن رستم المامة‬
‫شورى بينهم‪ .‬وثار على المام عبد الوهاب بن رستم ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 1/46‬ر‪.‬‬
‫الشماخي‪ :‬السير‪ .154 :‬سليمان الباروني الزهار الرياضية في أئمة وملوك الباضية المطبعة‬
‫البارونية مصر د‪.‬ت ‪. 2/99‬ر‪ .‬بحاز إبراهيم باكير‪ :‬الدولة الرستمية‪ ،‬دراسة في الوضاع‬
‫القتصادية والحياة الفكرية‪ -‬مجستر في التاريخ السلمي‪ .‬نوقشت بكلية الداب بجامعة بغداد‬
‫‪ ( 1404/1983‬مرقونة بمكتبتي)‪.121 -119 :‬‬
‫(‪ )58‬انظر ما سبق ‪ 56 .‬تعليق ‪68‬‬
‫(‪ )59‬وائل بن أيوب الحضرمي من علماء النصف الثاني من القرن الثاني‪ 8 /‬يقول عنه‬
‫الشماخي‪ :‬هو من أفاضل أصحابنا علما وزهدا وتقى وأمرا ونهيا ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪2/278‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪.105:‬‬
‫وقد ذكر الشماخي هذه المناظرة عندما ترجم له لكنه لم يوردها‪ ،‬وقد جاءت كاملة في حاشية‬
‫يوسف المصعبي على أصول تبغورين ص ‪ 81‬انظر ما يلي ص ‪ 452‬من البحث لن الجدل قام‬
‫حول الستطاعة ‪ ،‬وخلل هذه المناظرة سئل وائل بن أيوب عن القدر انتهاء المور إلى أوقاتها‬
‫وبلوغها إلى آجالها وإرجاعها إلى أقدارها‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ص‬
‫‪.81‬‬
‫(‪ )60‬ثم جاءت بينهما (مهدي والفتى المعتزل) وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولن‪ ،‬فلم‬
‫يفلح أحد على صاحبه‪ ،‬ثم إنهما دخل في فنون العلم فخفي ذلك عمن حضرهما‪ ،‬غير أن المام‬
‫يعلم ما يقولن‪ ،‬حتى صار كلمهما عند جماعة من حضرهما كالصفق بين الحجر عند ألمام‬
‫وعند غيره‪ ،‬فما كان بأوشك (كذا) أن غلبه المهدي ‪.‬ر‪ .‬أبو زكرياء يحي بن أبي بكر‪ :‬كتاب‬
‫السيرة وأخبار الئمة ‪ ،‬تحقيق إسماعيل العربي إصدارات المكتبة الوطنية الجزائر ‪1399/1979‬‬
‫‪. 71 :‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪.61 -1/61‬‬

‫( ‪)1/396‬‬

‫ومهدي النفوسة (أواخر ق ‪ )2/9‬من علماء الكلم هو المقوم في الجدال الذي له اليد العليا في‬
‫البرهان والستدلل ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪ 2/513‬واشتهر باستعانة المام عبد الوهاب به‬
‫( وهو من نفوسة) لمناظرة المعتزلة ‪ .‬ر‪ .‬أبو زكرياء يحي بن أبي بكر‪ :‬كتاب السيرة وأخبار‬
‫الئمة ص ‪. 67‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪. 314 -2/313‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ص ‪.170‬‬
‫ر‪ .‬بحاز إبراهيم ‪ :‬الدولة الرستمية‪367 -365 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/397‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫التعريف الصطلحي للقضاء والقدر‬
‫جاء في كتاب السؤالت‪ ":‬القدر هو انتها المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها (‪." )61‬‬
‫وجاء في شرح كتاب الديانات‪ ":‬القدر معناه أن ال تبارك وتعالى قدر الشياء في الزل وعلم‬
‫سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي‬
‫تقع بحسب ما قدره سبحانه وتعالى"‪)62( .‬‬
‫ويقول عمر والتلتي‪ ":‬القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة ويقول‬
‫أيضا‪ :‬القضاء هو انتهاء المور إلى أوقاتها (‪ )63‬وارتجاعها إلى مقدوراتها"‪)64( .‬‬
‫وأوجز تعريف أورده محمد اطفيش كما يلي‪ ":‬القدر هو إيجاد ال الجسام والعراض والقضاء‬
‫هو الحاكم بها في الزل فهو صفة ذات أو إثبات في اللوح فهو صفة فعل"‪)65( .‬‬
‫وبهذا يجمع هذا التعريف بين موقف الشاعرة_ (‪ )66‬الذين يعتبرون التقدير صفة فعل بمعنى‬
‫إيجاد ال تعالى الشياء في الخارج على قدر مخصوص وبين قول الماتريدية (‪ )67‬الذين‬
‫يعتبرونه صفة ذات بمعنى تقدير المور في الزل أي إحاطة علمه به‪ ،‬مع العلم أن الموقف العام‬
‫يلح على انه صفة ذات ‪.‬‬
‫نكتفي بهذه التعريفات مع الشارة إلى ورود تعريفات أخرى جمعها التلتي في شرح النونية (‪)68‬‬
‫لنلخص من هذا إلى النتائج الثلث التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬إن هذه التعريفات يكتنفها ضرب من الغموض وكأنها قد مسها شيء من سر القدر‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫اللغة التي تواضع عليها الناس يصعب أن تحد القضايا الغيبية حدا دقيقا كحدها لما يتعلق بعالم‬
‫الشهادة‪.‬‬
‫‪ )2‬كثيرا ما يتداخل التعريفات ومرجع ذلك إلى أن اللفظين تشتركان في الحقل الدللي لغة فل‬
‫غرابة إن وجدنا مثل هذا التشابك‪.‬‬

‫( ‪)1/398‬‬

‫‪ )3‬نقر العلقة التي جعلها بينهما ابن منظور في لسان العرب وهي علقة الساس بالبناء فمن‬
‫يعتبر القدر أساسا أي كان في الزل لبد أن يعتبر القضاء بناء وهو ما يحدث في الوجود بعد أن‬
‫لم يكن‪ ،‬والعكس بالعكس والنتيجة في النهاية واحدة وهي العلقة بين القدر والمقدور والقضاء‬
‫والمقتضي‪.‬‬
‫وخلصة القول إن الساس المجمع عليه هو وجوب اليمان بأن القدر من ال تعالى (‪ )69‬مع‬
‫اختلفات بعد ذلك في الفهم والتأويل تتأرجح بين الجبر المطلق والحرية المطلقة‪.‬‬
‫كما يجدر أن نلحظ أن هذه التعريفات الصطلحية خرجت عن دائرة الصراع السياسي والخلقي‬
‫الذي عرفته القضية خاصة في القرن الول والثاني للهجرة ‪ /7‬و ‪ 8‬حيث كان اتخاذ المواقف‬
‫العقائدية يؤدي إلى السجن أو الى المشنقة في كثير من الحيان وكأن القضية ضربا من الترف‬
‫الفكري والجدل العقائدي لكن كل النصوص التعليمية ل تغفل عن التذكير بهذا الصل من أصول‬
‫الدين‪)70( .‬‬
‫كما أن التراث الباضي وهو جزء من التراث السلمي لم يعتبر اليمان بالقضاء والقدر مصدرا‬
‫من مصادر التواكل كما يبدو ذلك على ألسنة بعض العوام وكما يبدو في الشبهات التي تثيرها‬
‫الفلسفات الغربية عادة حول الديانات عامة وحول السلم خاصة وذلك لن هذا التراث لم يشعر‬
‫أهله بعد بما يشعر به الناس الن من تبعية الرقعة التي تدين بالسلم للقوى العالمية الخرى التي‬
‫ل تدين بالقدر وليس لنا في هذا المقام أن نحلل هذه القضية وإنما ننبه إلى أن المسلمين الذين‬
‫آمنوا بالقدر حق اليمان كانوا سادة العالم‪ ،‬ولم يكونوا في آخر القافلة‪.‬‬
‫وبعد النظر في المحور الول نتدبر أمر المحور الثاني وهو الجبر والختيار‪.‬‬
‫==========================================‬
‫(‪ ) 61‬عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .202 :‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ‪/1‬‬
‫ورقة ‪ 126‬وجه ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.1/114‬‬
‫(‪ )62‬عبدال السدويكشي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪13 :‬‬

‫( ‪)1/399‬‬
‫(‪ )63‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.151 :‬‬
‫(‪ )64‬وأضاف التفسير التالي‪ ":‬أي علمه تعالى بانتهاء المور أي بلوغها ووصولها إلى أوقاتها‬
‫التي قدرها أي عينها لها‪ ،‬وبرجوعها بعد ذلك العلم إلى ما قدرها لها من نحو موت وبعث بعده‬
‫سعادة وشقاوة‪ ،‬أو إنهاؤه المر وإيصاله إياها بالتربية المحكمة إلى أوقاتها وإرجاعه إياها إلى ما‬
‫قدره لها‪.‬‬
‫عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.151 :‬‬
‫(‪ )65‬امحمد اطفيش‪ :‬الذهب الخالص بالعلم القالص‪ .‬تحقيق أبي إسحاق اطفيش ‪.‬ط ‪ 2‬دار البعث‬
‫الجزائر قسنطينة ‪.22 : 1400/1980‬‬
‫_(‪ )66‬القضاء يتمثل في إرادة ال الزلية المقتضية الموجودات على ترتيب خاص والقدر‪ :‬تعلق‬
‫الرادة بالشياء في أوقاتها المخصوصة‪.‬‬
‫الشيخ زادة‪ :‬نظم الفرائد وجمع الفوائد ط ‪ 1‬القاهرة ‪ .1317/22‬أحمد أمين‪ :‬ظهر السلم ‪.4/92‬‬
‫(‪ )67‬القضاء‪ ":‬هو المر اللهي الزلي‪ ".‬الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪ 306 :‬القدر‪ :‬هو تحديد ال‬
‫أزل كل شيء بحده الذي سيوجه به من نفع‪ ،‬وما يحيط به من زمان ومكان"‪ .‬بلقاسم بن حسن‪:‬‬
‫آراء الماتريدي الكلمية‪ .315 :‬وهذا نص للبيجوري فيه مقارنة بين موقف الماتريدي والشاعرة‬
‫‪ ":‬اعلم أن الشاعرة والماتريدية اختلفوا في كل من القضاء والقدر‪ ،‬فالقدر عند الشاعرة ‪ :‬إيجاد‬
‫الشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده تعالى‪ ،‬فيرجع عندهم لصفة فعل لنه عبارة عن‬
‫اليجاد وهو من صفات الفعال‪.‬‬
‫وعند الماتريدية نتحديد ال أزل كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه من حسن وقبح ونفع وضر إلى‬
‫غير ذلك أي علمه تعالى أزل صفات المخلوقات فيرجع عندهم لصفة العلم وهي من صفات‬
‫الذات‪.‬‬
‫القضاء عند الشاعرة ‪ :‬إرادة ال الشياء في الزل على ما هي عليه في ما ل يزال ‪ ،‬فهو من‬
‫صفات الذات عندهم‪.‬‬

‫( ‪)1/400‬‬

‫وعند الماتريدية‪ :‬إيجاد ال الشياء مع زيادة الحكام والتقان فهو صفة فعل عندهم فالقدر حادث‬
‫والقضاء قديم عند الشاعرة ول كذلك عند الماتريدية ‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ص‬
‫‪.113‬‬
‫(‪ )68‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬و ‪.53‬‬
‫(‪ )69‬يقول أبو عمار في هذا الصدد ‪ ":‬وإنما عمدت إلى هذا النوع من المسائل في باب التوحيد‬
‫مع كثرة ما يدخل على القدرية من المسائل من الدلئل ليتبين للناظر أنه أصل في هذا المعنى من‬
‫أصول التوحيد الذي ل يتم إل به‪ ،‬ول يقوم إل عليه" الموجز ‪.2/28:‬‬
‫(‪ )70‬ومن ذلك ما جاء في عقيدة عمان‪ :‬وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ‪.‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة م‬
‫‪ 3‬الملحق‪ 17 :‬وكذلك ما جاء عند أبي الربيع سليمان بن يخلف في كتاب التحف وندين باثبات‬
‫القدر‪ .1/36 .‬وما جاء عند عامر الشماخي " وندين بأن القدر خيره وشره من ال" كتاب الديانات‪:‬‬
‫‪ .43‬وقد وقف علماء المرحلة المقررة مع كتاب الديانات عند هذه القضية طويل‪ :‬ر‪ .‬عبدال‬
‫السدويكشي حاشية على كتاب الديانات‪ 13 :‬وعمرو التلتي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪-58 :‬‬
‫‪.59‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/401‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫)‪ -2‬الجبر والختبار‬
‫إن الخوض في قضية القدر أثار عدة قضايا كثيرا ما تطغى على المناظرات وتنسى القضية‬
‫الصل‪.‬‬
‫من ذلك هل للنسان دخل في اختيار أفعاله أو هو مجبر عليها؟ أو بعبارة أخرى هل له القدرة‬
‫على خلق أفعاله أو هو مخلوق وما فعل؟ وينبني على ذلك مدى تحديد مسؤولية النسان التي‬
‫تربط بها المر والنهي وما ينتج عنهما من ثواب وعقاب‪.‬‬
‫ومن ذلك من خالق المعصية؟ وما دخل إبليس فيها؟‬
‫ومن ذلك قضية العلقة بين العلم والقدرة والرادة‪.‬‬
‫ومن ذلك قضية الستطاعة والعصمة‪.‬‬
‫ومن ذلك العلقة بين مشيئة ال ومشيئة النسان‪.‬‬
‫فلننظر أول في قضية الجبر والختيار لنبين موقف الباضية منها؟‬
‫إن التراث الذي يعنينا ككل التراث السلمي يستمد جذوره من مواقف العلماء الول من كتاب ال‬
‫تعالى وسنة رسوله عليه السلم وبذلك تتبلور كل قضية عبر امتداد هذا التراث الزمني‪.‬‬
‫وما دام الباضية يقرون أن النصوص التي تتعلق بالقضية من المتشابه (‪ )71‬فقد عملوا على‬
‫تأويلها مستعينين بالمحكم من القرآن الكريم وبسنة الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫وإنك لتحس وأنت تتأمل في هذا التراث شعور أصحابه بأن من اليات ما يغلب عليها جانب‬
‫الجبر ومنها ما يغلب عليها جانب تخيير النسان‪.‬‬
‫فمن اليات التي توحي بالختيار‪ :‬قوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (‪42‬‬
‫الشورى ‪.)30‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (‪ 18‬الكهف ‪.)29‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (‪ 2‬البقرة ‪.)286‬‬
‫ومن اليات التي توحي بالجبر‪ :‬قوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال رب العالمين) (‪76‬‬
‫النسان ‪.)30‬‬
‫وقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها‬
‫إن ذلك على ال يسير) (‪ 57‬الحديد ‪.)22‬‬

‫( ‪)1/402‬‬

‫وقوله تعالى ( ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال) (‪ 18‬الكهف ‪)24 -23‬‬
‫كما أن هذا التراث يرجع بالقضية إلى زمن الرسول عليه السلم والصحابة وأئمة المذهب ليستقي‬
‫من مواقفهم الحل المناسب‪.‬‬
‫ومن ذلك ما روي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬سيكون قوم في هذه المة يعملون‬
‫بالمعاصي فيقولون‪ :‬هي من ال قضاء وقدر‪ ،‬فإذا لقيتموهم فأعلموهم أني بريء منهم" (‪ )72‬فقال‬
‫رجل منهم‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول ال متى يرحم ال العباد؟ ومتى يعذبهم؟ فقال‪ ":‬يرحم عباده‬
‫إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي منا ويعذب ال عباده إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي من ال قضاء‬
‫وقدر فالطاعة والمعصية هما من خلق ال‪ ،‬ومن العباد عمل" (‪. )73‬‬
‫ومن ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب عندما سئل عن أفعال العباد أنه قال‪ ":‬هي من ال خلق‬
‫ومن العباد فعل" (‪. )74‬‬
‫ومن ذلك ما جاء في الجامع الصحيح من كلم الربيع تعليقا على مجموعة من الحاديث في القدر‬
‫قوله‪ (:‬فهذه الروايات تدل على أن ال خلق فعل العبد ة وأن العبد لم يفعله دون ال إذ قدره وعلمه‬
‫وعلم ما هو صائر إليه" (‪. )75‬‬
‫فواضح إذن من خلل هذه المواقف أنها كانت منطلق الكتساب لدى الباضية وقبل أن نتبين‬
‫مفهوم الكسب يحسن أن نورد حجج الباضية النقلية والعقلية في الرد على القائلين بالجبر وعلى‬
‫القائلين بالختيار‪.‬‬
‫ويحسن أن نلحظ هنا أننا بعد نظرنا في كل ما بين أيدينا من التراث الباضي قديمة وحديثه لم‬
‫نجد أكثر دقة وشمول من الفصول التي خصصها أبو عمار عبد الكافي في كتاب الموجز للرد‬
‫على المجبرة والقدرية فما جاء قبله كان في غاية الختصار وما جاء بعده كان عالة عليه (‪)76‬‬
‫ودونه استيفاء للقضية ولعل مرجع ذلك إلى اعتماد المتأخرين (‪ )77‬على شرح المتون مما يجعل‬
‫ما يوردون من معلومات مبعثرا هنا وهناك‪.‬‬
‫( ‪)1/403‬‬

‫لذلك سنعمد إلى حوصلة هذه الحجج بقدر المكان إذ نرى أنها تصور موقف الباضية من‬
‫التجاهين المتناقضين المر الذي أدى إلى اتخاذ موقف وسط‪.‬‬
‫الحجج النقلية‪:‬‬
‫تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من النصوص القرآنية‬
‫تأويل ما اعتمده القدرية‪:‬‬
‫‪ -1‬نسبة الفعال إلى العباد دون ال تعالى في قوله تعالى‪ ( :‬فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) (‪5‬‬
‫المائدة ‪ .)30‬وقوله ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا) (‪ 12‬يوسف ‪ )18‬وقوله‪ ( :‬وقل اعملوا فسيرى‬
‫ال عملكم ورسوله) (‪ 9‬التوبة ‪ )105‬وقوله‪ ( :‬جزاء بما كانوا يعملون) (‪ 32‬السجدة ‪.)17‬‬
‫إن في هذا ردا على الجهمية الذين ل يقولون بالختيار للعباد ول يثبتون الكتساب لهم‪ .‬أما عند‬
‫الباضية فتخرج اليات من باب الكسب‪)78( .‬‬
‫‪ -2‬تفسير القرآن بالقرآن‪ :‬وذلك بمقارنة السياقات ببعضها‪.‬‬
‫قال تعالى في شأن تحريف اليهود للتوراة‪ ( :‬يقولون هو من عند ال وما هو من عند ال) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )78‬يقول المعتزلة اعتمادا على النفي إن في الية دليل على خلق النسان فعله‪ .‬ويقول‬
‫أبو عمار بعد استدلله بقوله تعالى‪ ( :‬فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة) (‪24‬‬
‫النور ‪)79( )61‬‬
‫توضيحه أن " من عند" ل تدل على الخلق وإنما تدل على المر ما يلي‪:‬‬
‫" يريد تحريف اليهود للكتاب ليس هو من الكتاب ول من عند ال نزل ردا عليهم في قولهم‪ :‬إنه‬
‫من الكتاب ومن عند ال نزل‪ ،‬ولم تكن اليهود تذهب في قولهم ذلك إلى خلق ال الفعل فيكون ال‬
‫قدر عليهم في ذلك (‪)80‬‬
‫‪ ،‬فعبارة " من عند" ل تعني الخلق وإنما قد تعني المر كما جاء في سورة النور الية ‪.61‬‬

‫( ‪)1/404‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام) (‪ 5‬المائدة ‪ )81( )103‬يقول‬
‫القدرية إن ال نفى عن نفسه أن يكون جعل ( بمعنى خلق) شيئا من فعل المشركين والية حسب‬
‫أبي عمار يجب أن تفهم على ضوء اليتين التاليتين‪ ( :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما‬
‫لعبين ) (‪ 21‬النبياء ‪ )16‬و ( وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل) (‪ 38‬ص ‪ )27‬اللتين‬
‫تدلن على أن ال لم يخلق ما خلق عبثا كما يدعي أهل التكذيب بال وإنما خلقها ليحق الحق‬
‫ويبطل الباطل‪ ( .‬ما خلقناهما إل بالحق) (‪ 44‬الدخان ‪ )39‬فكذلك مدلول آية المائدة أن ال لم‬
‫يجعل هذه النعام لن تبحر ول أن تسيب ول أن تتخذ وصيلة ول حاما كما قالوا وإنما جعلها‬
‫حمولة مأكولة (‪. )82‬‬
‫‪ -3‬أل يعلم من خلق‪:‬‬
‫يرى أبو عمار أن قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور أل يعلم من‬
‫خلق) (‪ )83‬أقوى دليل على أن ما أسر العباد وما أظهروه من خلق ال تعالى‪ ،‬ويؤكد على أن‬
‫فيها احتجاجا على من قالوا ل يكون الفعل مخلوقا (‪. )84‬‬
‫‪ -4‬ل تخصيص لقوله تعالى‪ (:‬خالق كل شيء) (‪)85‬‬
‫ومن أقوى الدلة التي أطنب فيها أبو عمار ووقع ترديدها أكثر من غيرها في بقية المصادر دللة‬
‫قوله تعالى (خالق كل شيء) و ( خلق كل شيء) (‪ 6‬النعام ‪)101‬؟ حيثما وجدنا في القرآن على‬
‫المتداح والعموم رغم محاولة القدرية اعتبارها مخصصة بآيات أخرى (‪ ، )86‬ويقول أبو عمار‬
‫في آخر التحليل ‪ ":‬وقد امتدح عز وجل بقوله ( خالق كل شيء) بإجماع لو جاز لحد أن يقول‬
‫هي خاصة لجاز لمن يزعم أن إبليس ليس بمخلوق‪)87( "...‬‬

‫( ‪)1/405‬‬

‫وعلى هذا النسق يفسر أبو عمار قوله تعالى ( وال خلقكم وما تعلمون) (‪ 37‬الصافات ‪ )96‬بأنه‬
‫يدل على أفعال العباد ل على الصنام كما ذهب إلى ذلك المعتزلة وكذلك بين أن في قوله عز‬
‫وجل ( خلق السماوات والرض وما بينهما) (‪ 25‬الفرقان ‪ )59‬دللة على أن ال خالق أفعال‬
‫العباد لنها تقع بين السماوات والرض‪)88( .‬‬
‫هذا تأويل ما اعتمده القدرية فماذا عن تأويل ما حمله الجبرية على ظاهره (‪)89‬‬
‫==========================================‬
‫(‪ )71‬انظر موقف الباضية من المتشابه في ما سبق‪ ، 271 :‬والمر ليس خاصة بالباضية إذ‬
‫يقول علي الشابي‪ ":‬فآيات الجبر عند المعتزلة وآيات الختيار عند المجبرة من المتشابه ل حتياج‬
‫الطرفين إلى تأويلها‪ ".‬المعتزلة بين الفكر والعمل‪ :‬الشركة التونسية للتوزيع تونس ‪70 :1979‬‬
‫(‪ )72‬غير وارد في المعجم المفهرس حسب ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )73‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/117‬وقد توقف عند قوله عليه السلم‪ :‬أنا برئ منهم" وقد نقلنا‬
‫النص عن خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/424‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ .63 -2/63‬ويورد المحشي عدة أقوال منسوبة إلى‬
‫المام علي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/132‬وكذلك لبن عباس ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/135‬‬
‫(‪ )75‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 11 -3/10‬عدد ‪ 802‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‬
‫‪ 7/132‬ويشرح كما يلي‪ ":‬فيه إشارة على أن فعل العبد له جهتان‪ :‬جهة خلق تضاف إلى ال ‪،‬‬
‫وجهة كسب‪ ،‬بحركة وسكون‪ ،‬تضاف إلى العبد" ‪ .‬انظر ما يلي‪442 :‬‬
‫(‪ )76‬أشير إلى المشارق للسالمي وإلى شرح الدعائم لمحمد اطفيش لما لهما من الهمية لكنهما‬
‫في رأيي دون تحليل الموجز من حيث الوضوح والستيعاب والتكامل‬

‫( ‪)1/406‬‬

‫(‪ )77‬اقصد خاصة علماء المرحلة المقررة في البحث‪ ،‬ومن أدلة اعتماد هؤلء العلماء على كتاب‬
‫الموجز‪ :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .21 :‬وبهذا يبرا اعتمادنا أحيانا على‬
‫أبي عمار عبد الكافي لنه وإن لم يكن من المرحلة المقررة فإن نصوصه اعتمدت اعتمادا كليا‬
‫وخاصة إذا علمنا أن للمحشي حاشية على كتاب الموجز إل أننا لم نحصل عليها‪ .‬والملحظ أننا‬
‫ل نلجأ 'إلى هذا إل عند الضرورة لستيفاء جوانب الموضوع‪.‬‬
‫(‪ )78‬والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض لهذه القضية عند تتبعه لهذه اليات في حاشية‬
‫على تفسير الجللين ‪.‬ر‪ .‬ورقة ‪ 194‬وجه ورقة ‪ 310‬وجه ورقة ‪ 265‬قفا‪ .‬لذلك اعتمدنا أبا عمار‬
‫عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.2/53‬‬
‫(‪ )79‬ونقل يوسف المصعبي ما جاء عند البيضاوي في شأن آية آل عمران ‪ 76‬فقال‪ " :‬أي ليس‬
‫هو نازل من عنده‪ ،‬وهذا ل يقتضي أن يكون( وما هو من عند ال(قوله تعالى فعل العبد فعل ال‬
‫تعالى"‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل ‪. 1/66‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة‬
‫‪ 129‬وجه‪ .‬ولم يتعرض المصعبي للقضية في سورة النور ورقة ‪ 618‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )80‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/54 :‬‬
‫(‪ )81‬روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬البحيرة التي يمنح ذرها للطواغيت فل يحلبها أحد‬
‫من الناس‪ ،‬والسائبة التي يسيبونها للهتهم فل يحمل عليها شيء‪ ،‬والوصيلة الناقة البكر تبكر في‬
‫أول نتاج البل لنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسمونها لطواغيتهم أن وصلت إحداها بأخرى ليس‬
‫بينهما ذكر‪ ،‬والحام فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضي ضرابه ودعوه للطواغيت‬
‫وأعفوه من الحمل عليه وسموه الحامي‪ .‬جلل الدين السيوطي‪ :‬تفسير الجللين ‪ .‬دار العربية‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ‪.164 :1388/1968‬‬
‫والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض للقضية عند تفسيره لهذه الية ر‪ .‬حاشية على تفسير‬
‫الجللين ‪ 208‬وجه وإنما اكتفى بالستدلل على الشرح اللغوي الذي نقله الجللن عن البخاري‪.‬‬

‫( ‪)1/407‬‬
‫(‪ )82‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/55 :‬‬
‫(‪ )83‬الملك ‪ 14 -13‬أن ما بين أيدينا من حاشية يوسف المصعبي على تفسير الجللين لم يصل‬
‫إلى التفسير تفسير هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )84‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.60 -2/59 :‬‬
‫(‪ )85‬وقد جاءت في النعام ‪ 102‬والرعد ‪ 16‬والزمر ‪ 62‬والمؤمنون ‪.62‬‬
‫تدمر كل شيء بأمر((‪ )86‬مثل وأوتيت من كل( (النعام ‪ ( )44‬وفتحنا عليهم أبواب كل شيء(‬
‫(الحقاف ‪( ،)25‬ربها ( النمل ‪ )23‬يفسرها أبو عمار حسب رأي المعتزلة‪(.‬شيء‬
‫(‪ )87‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ .2/59 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪130‬‬
‫قفا‪ .‬أما يوسف المصعبي فلم يتعرض للقضية في حاشيته على شرح الجللين ‪.‬ر‪ .‬ورقة ‪220‬‬
‫وجه وورقة ‪ 321‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/60 :‬‬
‫(‪ )89‬ل يمكن استيفاء جميع اليات لذلك نكتفي ببعض النماذج المعبرة‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/408‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫‪ )1‬الطبع على القلب والختم على السمع‪:‬‬
‫لقد جاءت آيات كثيرة بهذه الصيغ نذكر منها قوله تعالى‪ ( :‬ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم) (‬
‫‪. )90‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬بل طبع ال عليها بكفرهم فل يؤمنون إل قليل) (‪ 4‬النساء ‪)91( )155‬‬
‫يعتبر الجبرية أن النسان مجبر على الكفر ويأتي رد الباضية كما يلي‪ ":‬إن ال ختم على قلوبهم‬
‫وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وطبع عليها بكفرهم الذي اكتسبوه واختاروه فجعل الكفر في نفسه‬
‫خاتما وطابعا على قلوبهم حيث خلقه في عينه خلفا لعين اليمان ومضادا له فهما ل يجتمعان في‬
‫قلب ول في سمع ول في بصر ول في جارحة فاختيار الكافر والكفر هو المانع له والطابع على‬
‫قلبه والخاتم على سمعه وبصره حتى ل يكون يفعل ضده من اليمان في حال فعله الكفر" (‪. )92‬‬
‫‪ )2‬مشيئة ال‬
‫كثيرا ما يحتج أهل الشرك على شركهم بمشيئة ال ومن ذلك ما جاء على لسانهم في قوله تعالى‪:‬‬
‫( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم) (‪ 43‬الزخرف ‪ ... )93( )20‬عبادتنا‬
‫للملئكة بمشيئة ال تعالى إذ لو لم يشأ لم نعبدهم بل يجبرنا على ترك عبادتهم أو يهلكنا إن لم‬
‫يرض عبادتهم فعبادتنا لهم واجبة أو حسنة أو أحسن أو جائزة‪.‬‬
‫وذلك باطل لن ال خلق الطاعة والمعصية وشاء المعصية كما شاء الطاعة فل يلزم من صدور‬
‫المعصية منهم أنه أباحها أو استحسنها أو أوجبها‪.‬‬
‫( ما لهم بذلك من علم)‪ ...‬فإن المشيئة ل تقتضي رضى بشيء ول قبحا ول نهيا بل تقتضي أنها‬
‫ليست أمرا بمعصية ول نهيا عن طاعة (‪. )94‬‬
‫ويزيد هذا الموقف توضيحا ما جاء في كتاب المنهج ‪ ":‬والذي نقوله إن ل تعالى مشيئتين في‬
‫خلقه‪.‬‬
‫إحدهما مشيئة المر الذي أرسل به الرسل وهدى به السبل‪.‬‬

‫( ‪)1/409‬‬

‫والمشيئة الخرى مشيئة في خلق الخلق وقسم الرزاق وما أراد في إنفاذ ما قد سبق عنده في‬
‫علمه من المور وما به الخلق عاملون وإليه صائرون‪.‬‬
‫ولو كانت المشيئة من أمر ال تعالى واحدة كما قالت القدرية (‪ )95‬لم يختلف على ال في ما أراد‬
‫من الخلق كما لم يختلف إرادته في خلق السماوات والرض وغير ذلك وكان العباد في أمرهم به‬
‫مطيعين كما أطاعته السماوات والرض إذا أجابتا حين قال للسماوات والرض ( ائتيا طوعا أو‬
‫كرها قالتا أتينا طائعين) (‪ 41‬فصلت ‪." )96( )11‬‬
‫بهذه الطريقة وجد الباضية مخرجا لما جاء في القرآن بصيغة المشيئة يوحي بالجبر فيميزوا بين‬
‫مشيئتين مشيئة لمر ومشيئة إرادة‪.‬‬
‫كما يحتج الجبرية بقوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) (‪ 81‬التكوير ‪ )29‬فيخرجها‬
‫الباضية بهذا المسلك‪.‬‬
‫" وما تشاؤون شيئا أو اتخاذ سبيل إل أن يشاء ال‪ :‬إل وقت مشيئة ال لمشيئتكم‪...‬وال عز وجل‬
‫شاء كفر الكافرين وإيمان المؤمنين بل إجبار وخلق الكفر والطاعة وللكافر والمؤمن اختيار‬
‫مخلوق ل عز وجل " (‪. )97‬‬
‫فكل هذه المواقف من السياق القرآني تبعد التصور الباضي عن القول بالجبر وإن بدت في بعض‬
‫الحيان غامضة‪.‬‬
‫أما ربط الهداية والضلل بالمشيئة كما جاء في قوله تعالى ( فيضل ال من يشاء) (‪ 14‬إبراهيم‬
‫‪.)4‬‬
‫فلم يطل كل من عمر والتلتي (‪ )98‬ويوسف المصعبي (‪ )99‬الوقوف عنده وإنما اكتفيا بالحالة‬
‫على تحليل إسماعيل الجيطالي (‪ )100‬وقد عبر عن ذلك بصفة أوضح محمد اطفيش كما يلي‪" :‬‬
‫وإضلل ال خذلن وهدايته توفيق‪ ،‬ول إجبار وهما أزليان ول يتخلفان" (‪. )101‬‬
‫( ‪)1/410‬‬

‫كما جاء في تفسير قوله تعالى ( ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من‬
‫يشاء) (‪ 16‬النحل ‪ )93‬ما يلي‪ ( :‬ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة) على السلم بالجبار وليس‬
‫الجبار حكمة إذ ل يمدح المجبر ول يذم فهو ل يستحق ثوابا ول عقابا أو لو شاء ال لجعلكم‬
‫على السلم باختياركم ولكن يضل من يشاء بالخذلن عن الهدى لختيار الضلل بالكسب‬
‫الختياري‪ ،‬ويهدي من يشاء بالتوفيق إليه لختيار المهدي‪ ،‬وكل الختيارين مخلوق ل سبحانه‬
‫ومع خلقه ل إجبار هذا مذهبنا فللعبد قدرة مؤثرة بإذن ال عز وجل مخلوقة له تعالى ول واجب‬
‫على ال عز وجل وتوفيقه لمن يشاء فضل وإحسان " (‪. )102‬‬
‫فل خلص حينئذ من قضية الجبر حسب الباضية إل عن طريق العون والخذلن (‪ )103‬مع‬
‫تحديد القدرة المؤثرة التي تجعل النسان مسؤول على كسبه‪.‬‬
‫وقد سلك الباضية نفس المسلك مع ربط الغفران والتعذيب بالمشيئة‪)104( .‬‬
‫وبعد عرضنا نماذج من الستدلل بالقرآن يحسن أن نقف عند نماذج من الحديث الشريف‪.‬‬
‫تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من نصوص الحديث الشريف‬
‫‪ -‬أحاديث يحتج بها على القدرية‪:‬‬
‫‪ )1‬ما جاء في لعن القدرية واعتبارهم مجوس المة‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬القدرية مجوس‬
‫هذه المة إن مرضوا فل تعودوهم وإن ماتوا فل تصلوا عليهم" ‪)105( .‬‬
‫وما شبه هؤلء بالمجوس إل لنهم يضيفون الخلق لنفسهم بل تجاوزوا إلى أن هؤلء ل ينسبون‬
‫إلى أنفسهم إل خلق الشرور والقدرية ينسبون لنفسهم خلق الخير والشر‪)106( .‬‬
‫ويزيد صاحب التيسير تشنيعا على القدرية حيث ينقل عن علماء ما وراء النهي‪ ":‬القدرية شر من‬
‫المجوس لن للمجوس آلة تعدّ والمعتزلة ل تعدّ آلهتهم لن كل فاعل عندهم خالق لفعله حتى‬
‫الدواب‪)107( .‬‬
‫‪ )2‬نسبة الخلق إلى ال مع أن الفعل فعل النسان‬

‫( ‪)1/411‬‬

‫‪ -‬روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل ‪ " :‬إن ال لم يخلق شيئا أحب إليه من‬
‫العتاق" (‪ " )108‬ولم يخلق شيئا أبغض إليه من الطلق" (‪ . )109‬وقد علمنا أن العتاق والطلق‬
‫فعل العباد "‪)110( .‬‬
‫‪ -‬روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قيل له‪ " :‬يا رسول ال لو سعرت لنا سعرا فقال‪ :‬إن ال هو‬
‫المسعر (‪ )111‬والعباد يحمدون على أن يرخصوا السعار ويذمون إذا غلوها‪.‬‬
‫‪ -‬وروي عنه عليه السلم مر على جنازة رجل من النصار فقال‪ " :‬اللهم نقه من الذنوب‬
‫والخطايا كما تنقي الثوب البيض من الدنس" (‪ . )112‬والعباد هم الذين يقصرون الثياب وأضاف‬
‫رسول ال ذلك إلى ال لنه المقدر لذلك المجري له على أيدي العباد (‪. )113‬‬
‫‪ )3‬نسبة خلق الخير والشر إلى ال صراحة‬
‫جاء في الحديث القدسي‪ (" :‬أنا ال الذي ل إله إل أنا خالق الخير والشر فطوبى لمن خلقته ليكون‬
‫الخير على يديه‪ ،‬وويل لمن خلقته ليكون الشر على يديه" (‪. )114‬‬
‫‪ )4‬نسبة خلق أفعال العباد إلى ال‬
‫جاء في الحديث‪ " :‬خلق ال العالمين وأفعالهم" كما جاء أيضا‪ " :‬خلق ال كل صانع وصنعته" (‬
‫‪. )115‬‬
‫تلك هي بعض النصوص النبوية التي يحتج بها الباضية عامة على القدرية‬
‫فماذا عن الحاديث على الجبرية؟‬
‫========================‬
‫(‪ )90‬البقرة ‪ 7‬اكتفى يوسف المصعبي هنا بالعتناء بالجانب البلغي وبالمقارنة بين موقف‬
‫المعتزلة والشاعرة في ما يتعلق بالمجاز دون أن يشير إلى موقف الجبرية من الية ‪.‬ر‪ .‬حاشية‬
‫على تفسير الجللين ورقة ‪ 7‬وجه وقفا‪.‬‬

‫( ‪)1/412‬‬

‫(‪ )91‬لقد أورد يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري في شأن الية وهو ‪ "...‬وذلك أنهم‬
‫أرادوا بقولهم قلوبنا غلف أن ال خلق قلوبنا غلفا أي في أكنة ل يتوصل إليها شيء من الذكر‬
‫والموعظة‪ ...‬كمذهب المجبرة أخزاهم ال‪ ،‬فقيل لهم بل خذلها ال ومنعها اللطاف بسبب كفرهم‬
‫فصارت كالمطبوع عليها ل أن تخلق غلفا غير قابلة للذكر ول متمكنة من قبوله( ر‪ .‬الكشاف‬
‫‪. )1/578‬ر‪ .‬فبما(حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 183‬قفا ‪ .‬وبداية الية في سورة النساء هي‪:‬‬
‫نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات ال وقتلهم النبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع (ال عليها‬
‫بكفرهم فل يؤمنون إل قليل‬
‫(‪ )92‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/88 :‬‬
‫(‪ )93‬لم يبلغ ما بين أيدينا من حاشية المصعبي إلى هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.1:5/240‬‬
‫(‪ )95‬القدرية الذين يثبتون القدر وجاءت مرادفة للجبرية‪.‬‬
‫(‪ )96‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪.455-1/454‬‬
‫(‪ )97‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.6/449 ،1‬‬
‫(‪ )98‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 69‬وجه إلى ورقة ‪ 76‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )99‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على الجللين ورقة ‪ 341‬وجه وورقة ‪ 347‬وجه لم يشر إلى‬
‫القضية تماما وإنما تعرض لها في ورقة ‪ 341‬وجه فاكتفى بنقل شيء من كلم البضاوي‪.‬‬
‫(‪ )100‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 152‬وجه إلى ‪ 167‬قفا ‪ .‬وملخص ما جاء عند‬
‫أبي نصر في النونية من بيت ‪ 45‬إلى بيت ‪ 57‬يتمثل في نفي القول بالجبر مع تبيين أن الهداية‬
‫هدايتان هداية بيان وهداية توفيق‪ ،‬وأن النسان محاسب على كسبه‪.‬ر‪ .‬أبو نصر فتح بن نوح‬
‫الملوشائي‪ :‬النونية ‪5-4‬‬
‫(‪ )101‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.5/458 ،1‬‬
‫(‪ )102‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.5/641 ،1‬‬
‫(‪ )103‬انظر ما يلي‪477 :‬‬

‫( ‪)1/413‬‬

‫(‪3‬ال عمران ‪ )129‬فالغفران له بالتوفيق( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء((‪ )104‬إلى التوبة‪،‬‬
‫ويعذب من يشاء تعذيبه بالخذلن ‪.‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ .2:2/166‬والملحظ أن‬
‫يوسف المصعبي لم يشر إلى الية تماما ‪.‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 139‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )105‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪ .789‬رواه أبو داود في سننه عن حذيفة‬
‫ولفظه‪ ":‬لكل أمة مجوس ومجوس هذه المة الذين يقولون ل قدر الخ‪...‬‬
‫ومثل حديث المسند في سنن أبي داود عن أبي عمر مع لفظ وإن مرضوا فل تشهدوهم وذلك في‬
‫باب القدر من السنن‪ ،‬وانكر ابن حزم صحة هذا الحديث لطريق السناد لن في سنده عن أبي‬
‫داود جعفر بن الحارث وهو مطعون فيه‪ .‬وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ( مقدمة التبصير‬
‫في الدين لزاهد الكوثري‪ )5-4 :‬أخذ عن تعليق عدد ‪ 9‬الموجز ‪.2/62‬‬
‫(‪ )106‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/117‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/62 :‬‬
‫(‪ )107‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.3/114 1‬‬
‫(‪ )108‬يعني مما رغب فيه من غير فرض‪.‬‬
‫(‪ )109‬يعني مما هو دون ما نهى عنه من المعصية‬
‫(‪ )110‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 2/63 :‬والملحظ أن الحدثين لم يردا عند ونسنك في‬
‫المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )111‬رواه مسلم في باب التسعير عن قتادة وحميد عن أنس ولفظه‪ ":‬قال ‪ :‬إن ال هو‬
‫المسعر(الناس يا رسول ال غل السعر‪ ،‬فسعر لنا فقال رسول ال القابض الباسط الرزاق‪ ،‬وإني‬
‫لرجو أن القي ال وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ول في مال" ‪.‬ر‪ .‬أبو عمار الكافي‪:‬‬
‫الموجز ‪ 2/63‬تعليق ‪. 8‬ر‪ .‬الترمذي‪ :‬البيوع ‪ ،72‬أبو داود‪ :‬يبوع‪ 50 -49 :‬ابن ماجة‪ :‬تجارات‬
‫‪ ،27‬الدرامي‪ :‬بيوع ‪ ،12‬أحمد بن حنبل ‪. 287 ،156 ،3/85 272 -2/227‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪.2/463‬‬

‫( ‪)1/414‬‬

‫(‪ )112‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬آذان ‪ ،89‬دعوات ‪ ،46 ،44 ،39‬مسلم ‪ :‬مساجد ‪ ،147‬جنائز ‪،867 -85‬‬
‫ذكر ‪ .49‬أبو داود ‪ :‬صلة ‪ .121‬الترمذي‪ :‬دعاء‪ 101 ،76 :‬النسائي‪ :‬طهارة ‪ 49 .48‬مياه ‪،6‬‬
‫غسل ‪ ، 3‬افتتاح ‪ .15‬جنائز ‪ ،77‬استعاذة ‪ .26 ،18‬ابن ماجة‪ :‬إقامة ‪ 1‬جنائز ‪ 23‬دعاء ‪،3‬‬
‫الدارمي‪ :‬صلة ‪ 37‬أحمد بن حنبل ‪.207 ،57 ،28 ،6/23 ،3/354 ،2/494‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪6/544‬‬
‫(‪ )113‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/63 :‬‬
‫(‪ )114‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 54‬قفا‪ ،‬وأورده الجيطالي في شرح النونية ورقة ‪27‬‬
‫ورواه عن وهب بن منبه‪ .‬أما صاحب المنهج فذكر النص بطريقة أخرى قائل‪ :‬ويوجد في بعض‬
‫الثار أن ال تعالى قال‪ ":‬ل إله إل أنا‪ ،‬خلقت الشر وقدرته‪ ،‬فويل لمن خلقته للشر وقدرته على‬
‫يديه فإني ل أسأل عما أفعل وهم يسألون" خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ 1/433‬ولم يرد‬
‫الحديث عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ويورد أبو عمار عن وهب بن منبه على أنه نقله عن‬
‫بعض الكتب‪ ،‬الموجز ‪.2/64‬‬
‫(‪ )115‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪ 1/165‬ولم يرد الحديثان عند ونسنك في المعجم المفهرس‬
‫ويعتبر أبو عمار النص الثاني من أقوال حذيفة بن اليمان ويورده كما يلي‪ " :‬إن ال خلق كل‬
‫صانع وصنعته" ر‪ .‬الموجز ‪.2/64‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/415‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫‪ -‬أحاديث يحتج بها على الجبرية‪:‬‬
‫‪ )1‬توعّد من يحملون ذنوبهم على ال‪:‬‬
‫‪ -‬سئل صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬متى يرحم ال عباده؟" فقال‪ ":‬ما لم يعملوا بالمعاصي ثم يقولوا‬
‫إنها من عند ال جبر ولو شاء ال ما أشركوا" ‪.‬‬
‫‪ -‬وبلغنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬خمسة ل تطفأ نيرانهم يوم‬
‫القيامة‪...‬ورجل حمل ذنبه على ال مثل من قال هو مجبر ليس له فعل"‬
‫‪ -‬وأنه قال‪ " :‬خصلتان ل تنفع معهما صلة ول صوم الشرك بال وأن يزعم أن ال جبره على‬
‫معصيته " (‪. )116‬‬
‫ويقول الرسول عليه السلم‪ " :‬سيكون في هذه المة قوم يعملون المعاصي ثم يقولون هي من ال‬
‫قضاء وقدر فإذا أدركتموهم فأعلموهم أني برئ منهم " ‪)117( .‬‬
‫‪ )1‬تأويل أحاديث توحي بالجبر‪:‬‬
‫يسأل الجبرية عن معنى قوله عليه السلم‪ ":‬إن السعيد من بطن أمه والشقي من بطن أمه فيجيب‬
‫الباضية بما يلي‪ ":‬والشقي في بطن أمه" بما علم ال أنه سيشقى به من فعله وسوء اختياره لنفسه‬
‫وجرأته على ربه وكذلك السعيد سعيد في بطن أمه بما علم ال أنه سيسعد به من فعله ولتباعه‬
‫لمر ربه وحسن نظره لنفسه (‪. )118‬‬
‫فإن قالوا ما معنى قول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لن يدخل الجنة أحد بعمله"‪ ،‬قيل‪ ":‬ول‬
‫أنت يا رسول ال"‪ ،‬قال‪ ":‬ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" (‪. )119‬‬

‫( ‪)1/416‬‬

‫قيل إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم ل حول ول قوة إل‬
‫بال أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ول‬
‫يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ويغمده‬
‫برحمته التي ل تخيب من تغمد بها‪ ،‬وعلى هذا المعنى أمر ال المؤمنين بأن يقولوا‪ ( :‬اهدنا‬
‫الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين) (‪ ، )120‬وهذا‬
‫من باب العون من ال لوليائه ‪ ،‬والهداية لهل دينه‪ .‬وليس هذا من معنى ما ذهبتم إليه في شيء‬
‫من أنه يضطر العباد على أفعالهم ويجبرهم عليها فل يذمون ول يحمدون" (‪. )121‬‬
‫ويحسن أن نذكر هنا بتعليق الربيع على مجموعة الحاديث الواردة في القدر (‪ )122‬من ذلك قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لما خلق ال آدم عليه السلم أخرج من ظهره ذريته كالذر فأخذ مواثيقهم‬
‫وأمرهم بالسجود فأبت طائفة وأجابت طائفة‪ ،‬فمن أجاب يومئذ فهم المؤمنون وهم السعداء‪ ،‬ومن‬
‫أبى يومئذ فهم الكافرون وهم الشقياء" (‪. )123‬‬
‫والملحظ غالبا أنه كثيرا ما يقع استغلل ما يعتمده الجبرية للرد على القدرية والعكس بالعكس‪.‬‬
‫ويقول أبو خزر في هذا الصدد‪ ":‬وذلك أنا نظرنا الى اليات التي احتجت بها المعتزلة واليات‬
‫التي احتجت بها المجبرة والمجبلة فضربنا بعضها بعض" (‪. )124‬‬
‫وتعتبر النصوص الباضية أن مرجع الخطأ لدى الفريقين اعتبارهما أن الفعل ل تكون له إل علة‬
‫واحدة والصواب أن للفعل جهتين مفترقتين إحداهما جهة خلق ل والتدبير والتقدير‪ ،‬والخرى جهة‬
‫التحرك للعبد والسكون والطاعة والمعصية‪ ،‬فجعلتم هاتين الجهتين المختلفتين جهة واحدة فأبطلت‬
‫المجبرة واحدة وأبطلت القدرية واحدة فضللتم بعد ذلك جميعا عن سبيل ال ضلل بعيد (‪. )125‬‬

‫( ‪)1/417‬‬

‫وقبل أن نتحول إلى عرض الحجج العقلية يحسن أن نلحظ أننا جمعنا بين النصوص القرآنية‬
‫ونصوص الحديث لما رأينا بينهما من تقارب في معالجة القضية وكان يمكن أن نسلك مسلكا آخر‬
‫وهو الجمع بين القرآن والحديث هنا هناك‪ ،‬كما تجدر الشارة إلى أن كثيرا من الحاديث المتعمدة‬
‫ينبغي أن تؤخذ باحتراز لن عددا منها كما نبهنا الى ذلك لم يرد ل عند الربيع في الجامع‬
‫الصحيح ول في بقية الصحاح والمساند التي اعتمدها ونسنك في المعجم المفهرس‪ ،‬وقد أوردناها‬
‫من باب المانة العلمية لنها كثر ترددها في التراث الذي نحن بصدد تحليله‪.‬‬
‫ومن الحجج النقلية على القدرية والجبرية إلى الحجج العقلية؟‬
‫الحجج العقلية‪:‬‬
‫الحتجاج العقلي في الرد على القدرية‪:‬‬
‫يضع أبو عمار مقدمة يسميها مسألة الجهات ويعتبرها في غاية الهمية في حل قضية القدر‪":‬‬
‫والعلم بالجهات هو عمود هذا الباب الذي يرفع عليه سمكة وأسه الذي تقوم عليه دعائمه" (‪)126‬‬
‫‪.‬‬
‫وضبط في هذه المقدمة أن للفعل جهات كثيرة فهو محدث وطاعة ومعصية‪ ،‬ويكون حسنا وقبيحا‪،‬‬
‫والساس أن له جهة خلق وهي ال‪ ،‬وجهة كسب وهي للنسان‪.‬‬
‫أما المعتزلة فيعتبرون القائلين بنفي خلق أفعال العباد عن ال ثلث طوائف قبل أن يردوا عليهم‪:‬‬
‫‪ -1‬طائفة تقول‪:‬الفعال والحركات كلها من الطبائع‪ :‬الطبيعة‪.‬‬
‫‪ -2‬والثانية تقول‪ :‬أفعال الضطرار ل فاعل لها‪.‬‬
‫‪3‬ـ والثالثة تقول‪ :‬كل شيء خلق ال ما عدا أفعال المكتسبين (‪. )127‬‬
‫وسنختار من بين الحجج التي اعتمدها أبو عمار ثلثا جدلية نظرية واثنتين تقومان على الصيغ‬
‫اللغوية‪.‬‬
‫أ) الحجج النظرية‪:‬‬
‫‪ -1‬حجة الحركة والسكون‪:‬‬
‫ينطلق أبو عمار بطرح سؤال على القدرية الذين زعموا أن الفعال غير مخلوقة ل وهو‪ ":‬هل‬
‫تخلو هذه الفعال من أن تكون حركة أو سكونا؟" وعندما يقرون أنها إما حركة أو سكون يتدرج‬
‫بهم تدريجا جدليا مزدوجا يفرض اختيار أحد موقفين‪:‬‬
‫‪ -‬محدثة أو غير محدثة‪.‬‬

‫( ‪)1/418‬‬

‫فإن كانت غير محدثة فقد أبطلوا وإن كانت محدثة فمن أحدثها؟ وهل تدل بحدوثها على حدوث‬
‫من حلت به ووصف بها؟‬
‫ويصل بهم في النهاية الى السؤال التالي‪ ":‬من جعلها إذن تدل على حدوث ما قامت به ووصف‬
‫بها؟" فيفضي إلى جواب حتمي فل يجدون إل أن يقولوا إن ال جعل هذه الفعال من حركات‬
‫العباد وسكونهم واجتماعهم وافتراقهم دالة على حدوث أجسامهم وجعل ذلك دللة على وحدانيته‬
‫جل ثناؤه وربوبيته كما جعل سائر الفعال من الشياء كذلك كانت الشياء متساوية في وجه‬
‫الدللة على ال جل جلله (‪. )128‬‬
‫‪ -2‬حجة عجز الفعال عن أن تقوم بنفسها‪:‬‬
‫يفضي الجدل إن نسبوا ذلك الى العباد الى انقلب القيم وأن يصير العصاة ممدوحين على‬
‫معاصيهم وبذلك يتحتم نسبة ذلك إلى ال تعالى فهو الذي جعل الفعال عاجزة محتاجة ملزمة‬
‫للفناء مستحيل عنها البقاء وجعلها محدثة غير قديمة كائنة بعد أن لم تكن‪ ،‬وجعلها دالة على قدم‬
‫محدث جميع ذلك وثبوت ربوبيته ووحدانيته (‪. )129‬‬
‫‪ -3‬رد ادعاء الشركة في الفعل بين ال والنسان‪:‬‬
‫وتعتبر هذه الحجة أقوى حجج القدرية إذ ما دام الفعل ل وللعبد وهو ل يتجزأ فهو شركة بينهما‬
‫والشركة عن ال منفية‪.‬‬
‫ويمهد أبو عمار للرد بالتمييز بين الشركة الحقيقية والمجازية‪ ،‬فالشركة الحقيقية كاشتراك رجلين‬
‫في مال تجارة على قدر النسب والمجازية كتعاون رجلين على عمل ما‪ .‬وفي كل الحالين ل‬
‫يجوز أن يقال إن ال شاركهما‪ ،‬وإن كان المال ملك ال ( وآتوهم من مال ال الذي آتاكم) (‪24‬‬
‫النور ‪ )33‬في الولى‪ ،‬وكان ال قواهما على التعاون في الثانية‪ ،‬وذلك لختلف جهات الضافة‬
‫في الفعل ومعانيه‪.‬‬
‫فسبيل خلق ال لفعل كسبيل ملك ال المال وتقويته للرجلين‪.‬‬
‫وسبيل اختيار العبد لفعله واكتسابه كسبيل المشتركين في المال والمتعاونين على عمل‪.‬‬

‫( ‪)1/419‬‬
‫فالمهم حينئذ أن أبا عمار يعتبر أن هذه المسألة التي يعتد بها المعتزلة " هي عند المبتدءين من‬
‫أهل الثبات المثبتين للقدر مسألة ساقطة ومعارضة واهية فضل عن حذاق متكلميهم" (‪. )130‬‬
‫أ?) حجتان تقومان على الصيغ اللغوية‪:‬‬
‫يعتمد المعتزلة على صيغتين هما‪ ":‬لو جاز كذا‪...‬لكان كذا" و" هل ثمّ إل ال وما خلق" يفضيان‬
‫الى ضرب من المستحيل فيسعى أبو عمار إلى الرد عليهما‪.‬‬
‫‪ )1‬معارضة القدرية بلو جاز‪:‬‬
‫يعتبر المعتزلة أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون من فاعلين لذلك لو جاز أن يكون الفعل‬
‫واحدا من فاعلين لجاز أن يكون حركة واحدة من متحركين وسكون واحد من ساكنين‪.‬‬
‫فيرد أبو عمار القاعدة التي انطلق منها المعتزلة ويعتبرها حكما بغير حجة ثم يعتمد على مبدأ‬
‫تعدد الجهات ليبرهن على جواز أن يكون فعل واحد من فاعلين مثل جواز إضافة اللون الى اثنين‬
‫على وجهين مختلفين أحدهما الخلق والخر الحلول‪ .‬فيقال هو خلق ال حل في جسد فلن‪ ،‬كذلك‬
‫بالنسبة إلى الفعل الواحد فهو من ال خلق ومن النسان كسب (‪. )131‬‬
‫‪ )2‬معارضة القدرية بهل ثمّ؟‬
‫يعتبر المعتزلة ما دام ليس ثمّ إل ال وما خلق ينبغي أن تنتفي الوامر والنواهي والثواب‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫فيرد أبو عمار بقوله‪ ":‬ليس ثمّ إل ال وما خلق ل على نفي الكتساب ول يجوز إرسال الجواب‬
‫حتى يوصل بالصلة التي تبين بها الجواب"‪ .‬فإن قالوا مماذا غضب ال من نفسه أو من‬
‫خلقه‪...‬قيل لهم‪ :‬غضب من فعل العبد الذي هو ل خلق ول يقال غضب من خلقه‪.‬‬
‫وترجع ردود أبي عمار على كل الصيغتين الى ما قرره من لمكان تعدد الجهات المر الذي‬
‫يرفضه المعتزلة (‪. )132‬‬
‫وقبل أن نتحول الى تعريف الكسب يحسن أن نذكر حجتين عقليتين في الرد على الجبرية‪.‬‬
‫الحتجاج العقلي في الرد على الجبرية‪:‬‬
‫يعتبر الجبرية أن ال فعال ول يجوز أن يكون فعال غيره‪ ،‬فلذلك ل يكون الثواب والعقاب إل‬
‫عطاء من ال ول دخل للعبد فيه‪.‬‬

‫( ‪)1/420‬‬

‫يعتبر أبو عمار أن الجبرية أخطأوا من الجهة التي أخطأ منها القدرية وذلك بنسبتهم الفعل الى‬
‫جهة واحدة فنسب الجبرية الفعل إلى ال بينما نسبه القدرية إلى النسان والجواب حسب أبي عمار‬
‫واضح مما ذكر من قبل‪.‬‬
‫ومن بين الحجج التي يذكرها على الجبرية‪:‬‬
‫‪ -1‬الفرق بين السّالمين وأهل الزمانات‬
‫لو كان الناس جميعا مجبرين فلم التمييز بين السالمين وأهل الزمانان‪ ،‬ونحن نعلم أن ال أسقط‬
‫أمورا على أهل الزمانات وبسط لهم المعذرة‪ ( .‬ليس على العمى حرج‪ ،‬ول على العرج حرج‪،‬‬
‫ول على المريض حرج) (‪ 48‬الفتح ‪ )17‬من ذلك إسقاط القرار بالتوحيد قول على الخرس‬
‫وإبطال فرض الحج والجهاد على المقعد‪ ،‬بينما أوجب ذلك على الصحاء السّالمين‪.‬‬
‫ثم يتدرج بهذا التحليل إلى اعتبار أن مثل هذا التصور دفع الملحدين إلى أن يعيبوا على ضعفه‬
‫المة فعملوا على السعي إلى إبطال التوحيد والمر والنهي (‪. )133‬‬
‫‪-2‬حجة المشيئة (‪)134‬‬
‫يعتبر الجبرية أن مشيئة ال وعلمه ل يبقيان معنى للكسب والختيار فيجيب أبو عمار" الذي‬
‫سألتمونا عنه من هذا أنه ليس في قولنا ال شاء لجميع ما يكون من الخلق عمل العباد وغيره‪،‬‬
‫وأنه عالم بجميع ذلك وليس شيء بخارج من علمه‪ ،‬ول مجاوز لرادته ومشيئته مما يوجب أن‬
‫يكون ال مكرها للعالمين على أعمالهم ول جابرا لهم على ما يكون منهم من اختيارهم كما أنا‬
‫وإياكم جميعا نقول‪ :‬إن ال عالم بجميع ما يحدثه في خلقه ومريد لما يقدره عليهم‪ ،‬ول يكون من‬
‫ذلك إل ما علم وأورد وليس في ذلك أيضا ما يوجب أن يكون ال جل جلله مجبورا على أفعاله‬
‫في خلقه‪ ،‬ول مضطرا عليها إذا كان ل يجاوز شيء من ذلك علمه ول إرادته وليس العلم‬
‫والرادة باللذين يجبران أحدا على فعل ما فعل ول بمانعين له عن فعل ما لم يفعل (‪." )135‬‬

‫( ‪)1/421‬‬

‫بهذا نتبين أن الفكر الباضي يميز بين المشيئة وبين الجبر تمييزا قطعيا وبهذا يترك المجال‬
‫للختيار البشري لتتجلى الحكمة من المر والنهي والثواب والعقاب وبذلك يتميز فعل الختيار‬
‫عن حركات الضطرار‪.‬‬
‫وواضح إذن من خلل هذه الردود على المعتزلة والجبرية أن الباضية سلكوا مسلكا آخر عبروا‬
‫عنه بالكسب فمتى نشأ هذا المصطلح وما مدلوله؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )116‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 57‬وجه ‪.‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية‬
‫ورقة ‪ 137‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )117‬البرادي‪ :‬شفاء الحائم ‪ .‬نقل عن سالم العدالي‪ :‬البرادي حياته وآثاره ‪ 312 :‬مع الملحظ‬
‫أن كل هذه الحاديث لم ترد عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )118‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪. 87 -2/86 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة‬
‫‪ 133‬قفا‪.‬‬
‫فعلم ال ليس معناه الجبر وعلى هذا المعنى تحمل بقية الحاديث الواردة في هذا المعنى‪ .‬وجاء‬
‫الحديث بصيغة‪ ":‬الشقي من شقي في بطن أمه"‪ .‬عند مسلم قدر ‪ ،3‬ابن ماجة مقدمة ‪ ،7‬ونسنك‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪.1/192‬‬
‫(‪ )119‬البخاري‪ :‬رقاق ‪ 18 :‬مرضى ‪ ،19‬مسلم‪ :‬منافقين‪ .78 .76 .75 .73 .71 :‬ابن ماجه‪:‬‬
‫زهد ‪ ،20‬الدرامي‪ :‬رقاق ‪ ،24‬أحمد بن حنبل‪...256 .2/235 :‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪:‬‬
‫‪.4/559‬‬
‫(‪ )120‬الفاتحة ‪.7‬‬
‫(‪ )121‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪. 2/86 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪133‬‬
‫قفا‪.‬‬
‫(‪ )122‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪ 802‬انظر ما سبق‪ 427 :‬يفهم أل جبر إذ‬
‫الخلق من ال والفعل من العبد‪.‬‬
‫(‪ )123‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪.802‬‬

‫( ‪)1/422‬‬

‫والملحظ أن المحشي ختم شرحه لهذا الحديث ولتعليق الربيع عليه بمجموعة من القوال منسوبة‬
‫إلى علي ابن أبي طالب مفادها أل جبر وأن المدار على توفيق ال تعالى ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية‬
‫الترتيب ‪ 135 -7/132‬وجاء بصيغة ‪ ":‬فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها‪ "...‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‬
‫‪ 272 /1‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪2/174‬و ‪(134/ 7‬كلمة ميثاق)‪.‬‬
‫(‪ )124‬ر‪ .‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪.36 :‬‬
‫(‪ )125‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/132‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/90 :‬‬
‫(‪ )126‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 42 -2/41 :‬وقد تعرض لمثل هذه القضية في التعريفات‬
‫العامة بنفس العنوان تقريبا" في الجهات" ر‪ .‬الموجز ‪ 20 -2/19‬ونجد صدى لهذا في المرحلة‬
‫المقررة عند المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/117‬لكنه لم يتوسع في القضية ولعل مرجع ذلك إلى‬
‫الكتفاء بما جاء عند سلف الباضية ‪ ،‬كما أن القضية لم تعد قائمة الذات لن البيئة التي يعايشها‬
‫الباضية أشعرية ‪ ،‬والطرفان يقولن بالكسب مع وجود فويرقات بسيطة‪.‬‬
‫وإتماما للفائدة سيكون منطلقنا من كتاب أبي عمار‪ :‬الموجز‪ .‬لنه أشبع القضية بحثا‪ ،‬وعلماء‬
‫المرحلة المقررة عالة عليه خاصة في هذا الجانب من الحتجاج العقلي‪.‬‬
‫(‪ )127‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.24 -23 /2 :‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.27 -2/26 :‬‬
‫(‪ )129‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.28 -2/27 :‬‬
‫(‪ )130‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ :2/48 :‬والسبب في الخلف هو اختلف منطلق البحث‬
‫فالمعتزلة يعتبرون أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون له إل جهة واحدة‪ ،‬بينما يعتبر الباضية‬
‫كما رأينا أن للفعل عدة جهات‪ .‬انظر تحليل للقضية نفسها عند البرادي‪ :‬فيذكر مثال البناء‪ ،‬ففعله‬
‫في الترصيف‪ ،‬والحجارة والطين من خلق ال تعالى فل شركة ‪.‬ر‪ .‬سالم العدالي‪ ،‬حياته وآثاره‪:‬‬
‫‪.325 -321‬‬
‫(‪ )131‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/36 :‬‬
‫(‪ )132‬نفس المصدر ‪.2/44‬‬

‫( ‪)1/423‬‬

‫(‪ )133‬وهذا ما أشرنا إليه من قبل من الشبهات التي يثيرها كثير من أهل الفلسفة حول السلم‬
‫معتبرين القضاء بمثابة ما جاء في قول القائل‪ ( :‬البسيط)‬
‫ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء‬
‫(‪ )134‬انظر ما سبق‪ 432 :‬وقد كان المنطلق نقليا وخلصت النصوص إلى التمييز بين مشيئتين‪.‬‬
‫(‪ )135‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/85 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/424‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫الكسب‬
‫نشأة المصطلح‬
‫إن الناظر في ما بقي من نصوص عن الئمة الول أمثال جابر بن زيد وأبي عبيدة والربيع (‪)1‬‬
‫ل يجد أثرا لستعمال كلمة الكسب بالمفهوم الصطلحي الذي اصطبغت به في ما بعد‪ ،‬وإنما‬
‫نلمس أن المفهوم سابق للمصطلح ذلك أن هؤلء الئمة لم يجنح واحد منهم الى طرفي القضية‬
‫وإنما وقفوا بشدة ضد أصحابهم الذين نزعوا نزعة غيلن الدمشقي وتبرأوا منهم وأطردوهم من‬
‫حلقاتهم (‪. )2‬‬
‫وقد جاء التصريح واضحا في عقيدة عمان بالبراءة من المعتزلة ومن الجبرية‪:‬‬
‫" والبراءة ممن زعم أن‪ ...:‬ليس ل مشيئة في أعمال العباد وأنهم عملوا خلف ما شاء ال‪...‬‬
‫وهم القدرية والمعتزلة‪"...‬‬
‫" والبراءة ممن زعم أن ال جبر العباد على الطاعة والمعصية‪ ...‬وهم الجهمية وأشياعهم" (‪. )3‬‬
‫أما النصوص المغربية التي وصلتنا قبل رسالة أبي خزر وحتى بعدها فإنها تذكر كلمة الكسب أو‬
‫الكتساب ذكرا عابرا مما يدل على أن المصطلح لم يتبلور بعد‪.‬‬
‫ومن ذلك ما جاء في كتاب مسائل التوحيد في صدد الحديث عن التمييز بين الطبع والجبر‬
‫والختيار‪ ":‬وذلك أن الختيار كل ما اختاره النسان واكتسبه من غير كره ول ضرورة في الخذ‬
‫والترك وما يقوم عنها من قصده واختياره" (‪. )4‬‬
‫ومنع أيضا ما جاء في عقيدة نفوسة‪ ":‬وقيل إن الجن والنس مكلفون مأمورون مكتسبون‪...‬‬
‫والحركة على وجهين حركة مضطرة ما يتحرك من غير قصد ول اكتساب وهو مثل المرتعش‬
‫والكائن في السفينة وحركة مكتسبة بالقصد والكتساب" (‪. )5‬‬
‫لكن الناظر في ردود أبي خزر على المعتزلة والجبرية معا يتبين بوضوح أن الباضية وقفوا‬
‫موقفا وسطا وليس الكسب في النهاية إل منزلة بين الجبرية المطلقة والقدرية المطلقة قد يقترب‬
‫منن هذا الجانب حينا ومن الجانب الثاني حينا آخر كما سنحاول أن نتبين ذلك بعد حين (‪. )6‬‬

‫( ‪)1/425‬‬

‫وهذا قوله جاء صريحا في ذلك‪ ":‬فأخذنا من ذلك (‪ )7‬بالوسط وهو أعدل القولين وأصوبهما فنفينا‬
‫عن النسان ما ليس من فعله وأضفنا ذلك الى ال بالمعنى الذي يحسن به الضافة إليه‪. )8( "...‬‬
‫ويميز أبو خزر بوضوح بين حركة المضطر وحركة المكتسب ويثبت لحركة المكتسب وفعله‬
‫طرفين فيقول‪ ":‬ونسبنا الفعل الى النسان بمعنى ما فعل‪ ،‬ونسبنا الخلق إلى ال بمعنى ما خلق" (‬
‫‪ )9‬ويقول أيضا‪ ":‬والذي أضفنا إلى النسان من الفعل فهو كله من الجهة التي أضفنا إليه أنه‬
‫تحرك وسكن وكفر وآمن‪ ،‬لم شاركه من هذه الجهة أحد‪ .‬والذي يضاف إلى ال أنه خلق فعل‬
‫العباد‪ ،‬فالفعل كله مخلوق ولم يشترك مع ال في خلقه أحد" (‪. )10‬‬
‫وبهذا يتضح مفهوم الكسب الصطلحي وإن لم يسلك أبو خزر في ذلك مسلكا نظريا وإنما يستفاد‬
‫ذلك كما رأينا من خلل ردوده على المعتزلة والمجبرة وضرب حجج بعضهم ببعض‪.‬‬
‫ويحسن أن نشير هنا إلى موقف من مواقف الباضية تفرد به مشائخ جبل نفوسة (‪ )11‬ولم يمح‬
‫إل بعد ظهور النونية في القرن السابع هـ‪ /‬الثالث عشر م‪ ،‬وهو المعبر عنه بالجبل باللم‬
‫وسكون الباء واستمرت الشارة إليه إلى يومنا هذا على سبيل الذكر فقط‪.‬‬
‫القول بالجبل‪:‬‬
‫والجبل لغة من جَبَل ال الخلق‪ :‬خلقهم ويقال جبله على كذا طبعه‪ .‬وفي الثر‪ ":‬جبلت القلوب على‬
‫حب من أحسن إليها"‪)12( .‬‬

‫( ‪)1/426‬‬
‫أما في الصطلح حسب ما اتفق عليه المشائخ من أهل الجبل مثل أبي هارون الجللمي (‪)13‬‬
‫وأبي يحيى الفرسطائي (‪ )14‬وغيرهما" (‪ )15‬فهو‪ ":‬ومعنى كونهم مجبولين على أفعالهم أنهم‬
‫مخلوقون على أن يفعلوا ما علم ال أنهم يفعلونه قبل أن يخلقهم ل أنهم مجبورون عليه ول دخل‬
‫لهم فيه ولو بالكتساب كما تقول الجبرية‪ ،‬ومما يستدلون به على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬واتقوا ال‬
‫الذي خلقكم والجبلة الولين) (‪ 26‬الشعراء ‪ )184‬وقوله تعالى في الفطرة إنها الخلق‪ ( :‬فاطر‬
‫السماوات والرض) (‪ 6‬النعام ‪ )14‬أي خالقهما وقوله‪ ( :‬فطرة ال التي فطر الناس عليها) (‪30‬‬
‫الروم ‪ )30‬أي خلق الناس عليها وقوله في الطبع‪ ( :‬بل طبع ال عليها بكفرهم) (‪ 4‬النساء ‪)155‬‬
‫فالقلوب مطبوع عليها بالكفر الذي فعلوه واكتسبوه ل على ما قالت الجهمية إنهم مجبورون" (‪)16‬‬
‫‪.‬‬
‫ومن أدلتهم في الحديث قوله عليه السلم‪ " :‬جبلت هذه القلوب على حب من أحسن إليها وبغض‬
‫ما أساء إليها" ‪)17( .‬‬
‫أما في الدلة العقلية فهم يميزون بين هذا الجبل وما يسمونه بجبل الطبيعة ذاك أن المجبول بهذا‬
‫المعنى ينتقل من الحب الى البغض أما فعل الطبيعة فل تغير فيه فالثلج لن يتحول عن البرودة إلى‬
‫ضدها من الحرارة أبدا كما أن الجبل الطبيعي ل يجري عليه ذم ول مدح فل يقال للبيض لم‬
‫كنت أبيض؟‬
‫ومشائخ جبل نفوسة يحتجون بكل هذه الدلة على أصحابهم من أهل المغرب (‪ )18‬الذين يقولون‬
‫بالختيار ويعتبرون أن موقفهم أفضل لورود ذكره في القرآن والسنة كما ذكر بينما الختيار لم‬
‫يرد ذكره ل في القرآن ول في السنة وإنما قال تعالى‪ ( :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم‬
‫الخيرة من أمرهم) (‪ 28‬القصص ‪. )19( )68‬‬
‫والناظر في حجج مشائخ أهل المغرب يتبين أنها الحجج التي يستدل بها على الكسب إذ ل يذهب‬
‫هؤلء إلى نفي الفعل عن ال تعالى كما يقول المعتزلة‪.‬‬

‫( ‪)1/427‬‬

‫فواضح من هذا التحليل أن الخلف بين الطرفين يتمثل في نسبة القتراب من الجبر والختيار إذ‬
‫نحس أن منزلة القائلين بالجبل أقرب الى الجبر وإن لم يقل أصحابها به بينما منزلة القائلين‬
‫بالختيار أقرب الى موقف المعتزلة وإن لم تصل إلى درجتهم في تخصيص العبد بالفعل‪،‬‬
‫والموقف الذي سيغلب على الفكر الباضي هو موقف مشائخ أهل المغرب كما اتضحت معالمه‬
‫عند أبي خزر الذي أشرنا إليه من قبل (‪)20‬‬
‫======================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪104 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر ما سبق‪ 106 :‬تعليق ‪43‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬سرحان بن سعيد الزكوي‪ :‬كتاب كشف الغمة عن‪ :‬كوبرلي‪ :‬الطروحة م ‪ 3‬الملحق‪:‬‬
‫‪.22‬‬
‫(‪ )4‬أبو العباس أحمد ابن أبي بكر‪ :‬كتاب مسائل التوحيد‪.6 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬عقيدة نفوسة ‪.‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.3/22 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر ما يلي‪ 453 :‬عرض مواقف بعض الفرق من الكسب‪.‬‬
‫(‪ )7‬يشير إلى حجج المعتزلة والجبرية من القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )8‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪.37 :‬‬
‫(‪ )9‬نفس المصدر‪.41 :‬‬
‫(‪ )10‬نفس المصدر‪.42 :‬‬
‫(‪ )11‬لقد ذكر الجيطالي بعضا منهم وسنعرف بهما مباشرة‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ )13‬أبو هارون الجللي( موسى بن يونس النفوسي)‪ :‬النصف الثاني من القرن ‪ 3/9‬من مشاهير‬
‫فقهاء جبل نفوسة من آجللم ر‪ .‬محمد حسن ‪ :‬تحقيق سير الشماخي‪.664 :‬‬
‫(‪ )14‬ابن يحيى بن أبي القاسم الفرسطائي‪ .‬أواخر القرن ‪3‬هـ بداية ‪4‬هـ ‪ 9/‬و ‪10‬م فقيه إباضي‬
‫وتاجر‪ ،‬دعا إلى السلم في السودان وقد أسلم ملكها على يده له مسجده في فرسطاء‪ .‬ر‪ .‬محمد‬
‫حسن ‪ :‬تحقيق سير الشماخي‪.670:‬‬
‫(‪ )15‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪135‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )16‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪135‬وجه‪.‬‬

‫( ‪)1/428‬‬

‫(‪ )17‬لم يرد الحديث بهذه الصيغة عند ونسنك في المعجم المفهرس وأنما جاءت أحاديث أخرى‬
‫ورد فيها ذكر الجبل مثل‪ ":‬وإنه يصير إلى ما جبل عليه" ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.206 /4‬ر‪ .‬ونسنك‪:‬‬
‫في المعجم المفهرس ‪ .1/318‬والنص من نفس المصدر السابق ورقة ‪ 134‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )18‬يقصد الجنوب التونسي ومنطقة الجريد وأريغ ببلد الجزائر التي تقابل تقرت حاليا‪.‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪134‬و ‪.135‬‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق ‪449‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/429‬‬

‫تابع‪ :‬الفصل الول‪ :‬الباضية والمحكم‬


‫تحليل مفهوم الكسب‬
‫وقبل أن يزيد موقف الكسب توضيحا يحسن أن نشير إلى ظهور موقفين جديدين يتماشيان مع ما‬
‫أشرنا إليه عند الباضية من توسط وهما رأي الشعري والماتريدي وهذان الرأيان تبلورا في ما‬
‫بعد في المدرستين الشعرية والماتريدية‪.‬‬
‫أما الشعري" فالكسب عنده ينتهي إلى أن للعبد إرادة وقدرة حادثة فإذا توجهت إرادة العبد نحو‬
‫عمل ما خلق ال قدرة العبد وخلق معها الفعل‪ ،‬فقدرة العبد مهمتها كسب الفعل وقدرة ال مهمتها‬
‫خلق الفعل وهكذا فإن النسان قد منحه ال قدرة كاسبة ليس لها تأثير في خلق الفعل وإنما يفيض‬
‫ال عليها هذه القدرة الحادثة فتكتسب الفعل بقدرة ال وهذا القصد أو الجزم هو مناط التكليف‬
‫والثواب والعقاب" (‪)21‬‬
‫وبما أن هذه القدرة ل أثر لها في إيجاد الفعل فإن عنصر الختيار ينتفي وبعبارة أخرى فإن كان‬
‫الكسب نفسه مخلوقا ل تعالى مثل الفعل نفسه فذلك يؤدي حتما إلى الجبر ولهذا صار كسب‬
‫الشعري مضرب المثال في الخلفاء فيقال‪ :‬أخفى من كسب الشعري ومهما يكن من أمر يبقى‬
‫الفرق بين الخلق والكسب في أن الخلق يحيط بالمخلوق من كل وجه بينما الكسب ل يفرض‬
‫إحاطة الكاسب بالمكسوب من كل وجه‪)22( .‬‬
‫أما الماتريدي فهو أيضا قد قال بالكسب ومن ذلك ما جاء في كتاب التوحيد‪ ":‬وليس في إضافتنا‬
‫(الفعال) ل سبحانه نفي لمشاركة النسان بل هي ل خلقا وإيجادا وللنسان كسبا واختيارا" (‪)23‬‬
‫‪.‬‬
‫ويرى الماتريدي أن المؤثر في أصل الفعل قدرته تعالى‪ ،‬وفي وصفه قدرة العبد فإذا ضرب زيد‬
‫يتيما تأديبا أو ظلما فأصل الفعل وهو الحركة المشتركة بين الضربين مخلوق بقدرته تعالى‪،‬‬
‫وكون الضرب طاعة وحسنا في الول ومعصية وقبحا في الثاني حاصل بتأثير قدرة العبد وهذا‬
‫التأثير يسميه الماتريدية الختيار وسماه أحيانا الكسب (‪. )24‬‬

‫( ‪)1/430‬‬

‫والمقارنة بين الكسبين تثبت أن نسبة الختيار أوسع عند الماتريدي‪.‬‬


‫ومعلوم أن تحليل المدرستين للكسب بلور هذا المفهوم عبر الزمن (‪ )25‬وليس لنا أن نتوسع في‬
‫ذلك لكن قد نشير إلى مواقف بعض العلم من المدرستين خلل تفاعلها مع الفكر الباضي‬
‫وتجدر الملحظة أن التعايش الفكري ظل واضحا بين هاتين المدرستين والفكر الباضي على‬
‫خلف ما كان بينه وبينهما من تنافر في قضية الذات والصفات وقضية خلق القرآن‪)26( .‬‬
‫وبعد هذه اللمحة التي تساعد على تفهم تفاعل المدارس السلمية في ما بينها وكيف أنها تخدم‬
‫بعضها البعض حتى وإن تنافرت‪ ،‬يحسن أن نذكر بأن مفهوم الكسب اتضح عند الباضية في‬
‫القرن السادس هـ ‪12/‬م (‪ )27‬ونكتفي ما جاء في كتاب الموجز عند الرد على القدرية والمجبرة‬
‫للتدليل على ذلك‪ ":‬قال جميع الفرق من أهل القبلة الخوارج والباضية والشيعة والمرجئة‪ :‬إن‬
‫العالم وما فيه من جوهر وعرض وخير وشر وطاعة ومعصية ما يرى من ذلك وما ل يرى مما‬
‫كان منه ومما سيكون‪ -‬وما يتوهم كونه‪ -‬أن لو كان كيف كان يكون‪ ،‬فهو خلق ال وتدبير له‪،‬‬
‫وال المقدر لجميع ذلك والمدبر له‪ ،‬وهو الصانع له‪ ،‬والمالك وليس شيء منه بخارج من تدبير‬
‫ال‪ ،‬وتقديره وملكه وسلطانه وإرادته وعلمه ما يضاف إلى العباد من ذلك وما ل يضاف إليهم‬
‫وليس في أنه مضاف إلى العباد بأنهم إكتسبوه واختاروه وتحركوا به‪ ،‬وسكنوا وأطاعوا به‬
‫وعصوا ما يزيل تدبير ال عنه‪ ،‬ول ما يخرجه من خلقه وتقديره وقدرته‪ ،‬وسلطانه وعلمه‪ ،‬كما‬
‫انه ليس تدبير ال لذلك وخلقه له‪ ،‬وجعله على ما هو له من كيفية في عينه‪ ،‬وبالذي يزيل عنه أن‬
‫يكون كسبا للعباد واختيارا لهم‪ ،‬وهذا الذي ذكرناه من هذا القول هو ما عليه جمهور المة وصدر‬
‫السلم" (‪. )28‬‬

‫( ‪)1/431‬‬

‫وجاء فيه أيضا أثناء الرد على الجهمية المجبرة‪ ":‬وقال أهل الحق‪ :‬إن ال قدر جميع الفعال‬
‫وخلقها‪ ،‬وقضاها من فاعليها ولسنا نقول إنه جبر أحدا على ما كان منه من طاعة أو معصية‪ ،‬ول‬
‫نقول إن أحدا أوتي في شيء من التقصير عن طاعة ربه من قبل ال في تقديره لما كان منه من‬
‫فعله ول قضائه‪ ،‬ول علمه أنه سيكون منه‪ ،‬والجبر منع واستكراه ولم نر أحدا من العاملين‬
‫للطاعة والمعصية مستكرهين على شيء من فعلهم وهم لكل ما فعلوه من ذلك مريدون ولجميع ما‬
‫أتوا من الفعل المفعول عن المتروك مختارون وإليه قاصدون فبطل بذلك قول جهم من قال بقوله‬
‫من أصناف المجبرة" (‪. )29‬‬
‫من خلل هذين النصين وقد أوردناهما على طولهما لما رأينا فيهما من احتراز وتدقيق نتبين أن‬
‫نسبة الختيار في الكسب جلية في الفكر الباضي وفي ذلك بيان للحكمة من المر والنهي‪،‬‬
‫والثواب والعقاب‪ ،‬وقد جاء في كتاب السؤالت ما يلي‪ ":‬ستة مبطلة للجبل والجبر مثبتة للختيار‬
‫والكتساب‪ ":‬المر والنهي‪ ،‬والحمد والذم‪ ،‬والثواب والعقاب" (‪. )30‬‬
‫ويتضح مبدأ تبني مفهوم الكسب في القرن السابع هـ‪13 /‬م مع أبي نصر القائل في نونيته التي‬
‫ما يزال صداها الى اليوم في الوساط الباضية فهي من المتون التي تحفظ من الصغر على نغم‬
‫أشبه ما يكون بنغم المدائح‪(:‬طويل)‬
‫(‪)31‬‬
‫وكذلك في القرن الثامن هـ‪14/‬م مع عامر الشماخي في كتاب الديانات حيث يقول‪ ":‬وندين بأن‬
‫أفعال العباد اكتسبوها وعملوها ولم يجبروا عليها ولم يضطروا إليها" (‪ ، )32‬والملحظ أنه أورد‬
‫هذا في باب العدل لنفي الظلم عن ال ولم يذكره في باب القدر إل أنه لم يغفل في باب القدر عن‬
‫نسبة خلق أفعال العباد الى ال‪...":‬وندين بأن ال خالق أفعال العباد ومحدثها ومريدها" (‪. )33‬‬

‫( ‪)1/432‬‬

‫والحاصل من النصين كما ألفنا ذلك اعتبار جهتين للفعل الواحد‪ ،‬الخلق ل والكسب للنسان‪ ،‬أما‬
‫الجيطالي في القرن الثامن هـ= ‪14‬م وإن بدا مدافعا عن نظرية الجبل في شرح النونية فقد غلب‬
‫(القول بالكسب) على تحاليله ومواقفه خاصة أثناء الرد على المعتزلة وقد تبنى في ذلك نصوصا‬
‫كاملة من كتاب الموجز الذي يدافع بشدة عن القول بالكسب والختيار (‪)34‬‬
‫أما القرن التاسع هـ = ‪ 15‬م فيتسم بهذا التحليل الموجز الذي نسبه يوسف المصعبي الى البرادي‬
‫ويتمثل في ما يلي‪ :‬ما للنسان في فعله‪ :‬القصد إليه‪ ،‬الكتساب‪ ،‬الختيار له‪ ،‬التحرك‪ ،‬السكون‪،‬‬
‫مطيع إن أمر ال‪ ،‬عاص إن نهى ال‪ .‬ما ل من فعل النسان‪ :‬التقدير‪ ،‬التفكير‪ ،‬الرادة‪ ،‬الخلق‪،‬‬
‫الحداث العلم به على ما هو عليه في كيفيته وفي حينه الذي يقع فيه" (‪34‬مكرر) ‪.‬‬
‫إل أن البرادي رغم تخصيصه رسالة لتعريف مفهوم الباضية لعديد من المصطلحات فإنه لم‬
‫يضبط تعريفا للكسب‪.‬‬
‫أما القرون الثلثة التي تعنينا أكثر فقد اهتم فيها بتحليل القضية كل من عبدال السدويكشي ومحمد‬
‫ابن أبي ستة المحشي وقاسم الويراني‪ ،‬ويوسف المصعبي وعمرو التلتي‪.‬‬
‫أما عبدال السدويكشي فيثبت بوضوح أن مسألة الكسب من غوامض علم الكلم ويصرح بأن‬
‫الكسب يخلص من مضيق ويتدرج الى هذه النتيجة بعد عدة تحاليل ينطلق فيها من تحديد الفعل‬
‫فيذكر في ذلك أنه " عرض يوجد مع الستطاعة" أو " ما وجد بعد عدم" ثم يبين أن الكسب تبرير‬
‫للتكليف لن ال وحده هو المنفرد بالخلق وهو أثر القدرة الحادثة وإن كانت حقيقته غير معلومة‬
‫وهنا يقرر أن القدرة الحادثة (‪34‬مكرر) تتعلق ببعض أفعال النسان كالصعود دون البعض‬
‫كالسقوط‪.‬‬

‫( ‪)1/433‬‬
‫ثم يفضي به التحليل إلى تقرير ما عبر عنه باختلف الضافات وهو شبيه بما رأينا من قبل‬
‫باختلف الجهات (‪ )35‬فيقول‪ ...":‬فالكسب ل يوجب وجود المقدور ولجل اتصاف الفاعل بذلك‬
‫كان مرجعا لختلف الضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن التصاف بالقبح‬
‫بالقصد والرادة قبيح بخلف خلق القبيح فإنه ل ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما اشتمل‬
‫عليهما"‪)36( .‬‬
‫وبعد أن يوضح حكمة ال في الخلق حتى في ما بدا لنا خبيثا يثبت أن المر يختلف بالنسبة إلى‬
‫كسب النسان" فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل القبيح فجعلنا كسبه للقبيح بعد ورود النهي عنه قبيحا‬
‫سفها موجبا لستحقاق الذم والعقاب" (‪. )37‬‬
‫وبعد أن يرد على المعتزلة بإثباته إمكانية وقوع المقدور الواحد تحت قدرتين (‪ )38‬يقول‪ ":‬لما‬
‫ثبت بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وبالضرورة أن لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال‬
‫كحركة البطش واحتجنا في التخلص من هذا المضيق الى القول بأن ال تعالى خالق والعبد‬
‫كاسب‪ ،‬وتحقيقه أن صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل كسب‪ ،‬وإيجاد ال الفعل عقب ذلك‬
‫الصرف خلق (‪. )39‬‬
‫ثم يختم بقوله‪ ":‬وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أن نزيد في تلخيص العبارة‬
‫المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق ال وإيجاده مع ما للعبد من القدرة والختيار وإن‬
‫عبروا عن الفرق بينهما بمثل‪ :‬الكسب ما وقع بآلة‪ ،‬والخلق ما وقع بل آلة " (‪. )40‬‬
‫وبعد أن ميز بين الحركة الرادية والضرورية للرد على الجبرية تخلص إلى ما يلي‪ ":‬ل يقال‬
‫الجبر لزم لكم حيث لم يجعلوا للعبد تأثيرا في أفعاله لنا نقول بأن الجبر المحظور هو الحسي‬
‫وأما العقلي وهو سلب الخالقية عن العبد‪ ،‬فهو متوجه على جميع الفرق بل هو محض اليمان كما‬
‫أن ما أراده تعالى من العبد لبد من وقعه باختياره فإن الوجوب بالختيار هو محقق الختيار ل‬
‫مناف له" (‪. )41‬‬

‫( ‪)1/434‬‬

‫فتحاليل السدويكشي قد استفادت ول شك من كل ما سبق إل أن نزعته في التحليل ل تعتمد على‬


‫نقل النصوص وإنما على استيعاب القضية ثم تحرير مراحلها تحريرا ذاتيا ومصل هذا المنهج‬
‫مكن السدويكشي من السيطرة على القضية نسبيا ودفعه إلى أن يبوح بصراحة بدقة القضية‬
‫وصعوبة التمكن منها إذ يشعر أن العبارة عاجزة عن تحمل المعاني الخفية التي يحس بها من‬
‫يحلل مثل هذه القضية‪.‬‬
‫فتحاليل السدويكشي قد استفادت ول شك من كل ما سبق إل أن نزعته في التحليل ل تعتمد على‬
‫نقل النصوص وإنما على استيعاب القضية ثم تحرير مراحلها ذاتيا ومثل هذا المنهج مكن‬
‫السدويكشي من السيطرة على القضية نسبيا ودفعه الى أن يبوح بصراحة بدقة القضية وصعوبة‬
‫التمكن منها‪ ،‬إذ يشعر أن العبارة عاجزة عن تحمل المعاني الخفية التي يحس بها من يحلل مثل‬
‫هذه القضية‪.‬‬
‫ونلخص من تحليله هذا إلى تعريفين واضحين لمصطلح الكسب وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل‪.‬‬
‫‪ -2‬ما وقع بآلة‪)42( .‬‬
‫========================‬
‫(‪ )21‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪. 304 -303 :‬ر‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة‬
‫التوحيد‪ .104 :‬والظاهر أنه يغلب مفهوم الجبر ومن ذلك يقول‪ " :‬وبالجملة فليس للعبد تأثير ما‬
‫فهو مجبور باطنا ومختار ظاهرا‪ ،‬فإن قيل إذا كان مجبورا باطنا فل معنى للختيار الظاهري لن‬
‫ال قد علم وقوع الفعل ول بد ‪ ،‬وخلق في العبد القدرة عليه‪ .‬وأجيب بأنه تعالى ل يسأل عما‬
‫يفعل‪ .‬ولذلك قال سيدي إبراهيم الدسوقي‪ ":‬من نظر للخلق بعين الحقيقةعذرهم‪ ،‬ومن نظر لهم‬
‫بعين الشريعة مقتهم فالعبد مجبور في صورة مختار"‪ .‬شرح جوهرة التوحيد‪. 105 :‬ر‪ .‬الغزالي‪:‬‬
‫كتاب الربعين‪ :13 :‬وقد رجح التوسط بين الجبر والختيار‪.‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬حمودة غرابة‪ :‬الشعري( أبو الحسن) مكتبة الخانجي القاهرة ‪.115 :1953‬‬
‫(‪ )23‬أبو منصور الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪.39:‬‬

‫( ‪)1/435‬‬

‫(‪ )24‬ر‪ .‬أبو منصور الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪. 257 -228 :‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء‬
‫الماتريدي الكلمية‪.303 :‬‬
‫(‪cf. Gimaret. Theories de I acte humain en theologie musulmane, )25‬‬
‫‪ParisVrin , 1980. p61- 234, 361‬‬
‫(‪ )26‬انظر ما سبق ‪ 240:‬و ‪354‬و ‪364‬‬
‫ملحظة‪:‬‬
‫ويحسن أن نشير هنا إلى ما جاء عند الشيعة والمعتزلة‪ :‬أما عن الشيعة فينسب المحشي إلى جعفر‬
‫الصادق ما يلي‪ ...:‬أمر بين أمرين ل جبر ول تفويض ( حاشية الترتيب ‪ ،1/117‬ر‪ .‬محمد علي‬
‫ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪)40 :‬‬
‫وهؤلء يقولون بالمنزلة بين المنزلتين( يختلف المصطلح عن الستعمال العتزالي) ولهم في‬
‫ثلثة تفاسير‪:‬‬
‫‪ -1‬أن للفعل الصادر عن إرادة العبد سببين بعيدا وقريبا‪ ،‬فالبعيد إرادة ال والقريب إرادة العبد ‪،‬‬
‫فبالنظر إلى السبب القريب ل جبر‪ ،‬وبالنظر إلى السبب البعيد ل تفويض‪ ،‬فالشاعرة قصروا‬
‫نظرهم على السبب البعيد فقالوا بالجبر والمعتزلة قصروا نظرهم على السبب القريب فقالوا‬
‫بالتفويض‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه‪ ،‬وباعتبار تأثير إرادة ال فيه تكوينا‪ ،‬إذ‬
‫هو خالق العبد وإرادته‪ ،‬وإن كان الجزء الخير للسبب الكافي إرادة العبد فهو ال فل تفويض فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه‪ ،‬وباعتبار إن ال أقدره على ذلك فهو‬
‫ل فل تفويض فيه"‪ .‬محمد علي ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪.41 :‬‬
‫أما المعتزلة فل يقولون بالكسب ولكنهم يفسرون اللفظة تفسيرهم الخاص وفي ذلك يقول القاضي‬
‫عبد الجبار‪ ":‬كل فعل يستجلب به نفع أو يستجلب به ضرر يدلك على ذلك هو أن العرب إذا‬
‫اعتقدوا في فعل أنه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سموه كسبا ولهذا سموا هذه الحرف‬
‫مكاسب والمحترف بها كاسبا والجوارح من الطير كواسب" شرح الصول الخمسة‪.364 -363 :‬‬
‫(‪ )27‬إن ما جاء في مصادر هذا القرن( ‪ )6/12‬يحوم حول هذا التعريف‪.‬‬
‫(‪ )28‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.26 -2/25 :‬‬

‫( ‪)1/436‬‬

‫(‪ )29‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.81 -2/80 :‬‬


‫(‪ )30‬عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .158 :‬كما يقول السوفي في نفس الصفحة‪ ":‬وحد‬
‫الكتساب وجود الرادة والختيار‪ ...‬وحد الضطرار عدم الرادة" ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية‬
‫على أصول تبغورين‪ .18 :‬وقد نقل النص عن كتاب السؤالت ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‬
‫‪.1/116‬‬
‫(‪ )31‬أبو نصر فتح الملوشائي‪ :‬النونية البيت عدد (‪)32‬‬
‫(‪ )32‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 43 :‬و ‪.44‬‬
‫(‪ )33‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 43 :‬و ‪.44‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 130‬وجه ‪ 153‬قفا‪.‬‬
‫(‪ 34‬مكرر) ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ص ‪.21‬‬
‫(‪ 34‬مكرر) هذا التعبير مقتبس من المدرسة الشعرية مع الجويني‪ .‬انظر الرشاد ‪ .97‬انظر‬
‫أطروحة كوبرلي‪ 432 :‬تعليق ‪.50‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما سبق‪442:‬‬
‫(‪ )36‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.7:‬‬
‫(‪ )37‬نفس المصدر‪8:‬‬
‫(‪ )38‬قدرة ال بجهة الخلق ‪ ،‬وقدرة العبد بجهة الكسب‪.‬‬
‫(‪ )39‬نفس العبارة تقريبا نجدها في شرح جوهرة التوحيد " أما ثبت بالبرهان أن الخالق هو ال‬
‫سبحانه وتعالى وبالضرورة أن لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال كحركة البطش دون البعض‬
‫كحركة الرتعاش احتجنا في التخلص من هذا المضيق بأن ال خالق للفعل لكن للعبد في الختيار‬
‫منه كسبن والمقدور الواحد يدخل تحت قدرتين بجهتين مختلفتين فيدخل العبد بجهة الكسب"‪.‬‬
‫البيجوري شرح جوهرة التوحيد‪ .104 :‬وفي هذا دللة على التفاعل بين المدرستين‪.‬‬
‫(‪ )40‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.8:‬‬
‫(‪ )41‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.8:‬‬
‫(‪ )42‬وقد جاء في المنهج ما يلي‪ ":‬وحقيقة الكسب كل فعل وقع باستطاعة محدثة مع الفعل"‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/469‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/437‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫أما محمد ابن أبي ستة‪ -‬المحشي‪ -‬فقد تبنى موقف كتاب السؤالت (‪ )43‬وقد أشرنا إليه من قبل‪.‬‬
‫(‪)44‬‬
‫أما تحاليل قاسم الويراني فتبدو طريفة إذ بين اختلف الباضية في القضية‪ ،‬وبين ما ينتابها من‬
‫غموض فقال‪ ":‬ومال بهم المر في ذلك إلى أن قالوا ليس كونه كسبا من العبد ما يخرجه عن‬
‫كونه خلقا من ال وأنت خبير بأن هذا ل يشفي الغليل‪ ،‬ثم قرر أن حقيقة المر في ذلك‪ :‬أن ال‬
‫تعالى خلق العبد ليبلوه وجعل له الختيار في ما يجترحه‪ .‬ومعنى الختيار إذ سنح بباله فعل شيء‬
‫وتردد في فعله وتركه نشأ عن تردده الميل إلى أحد الجانبين وترجيحه فالميل هو المعبر عنه‬
‫بالرادة والترجيح هو المعبر أحد الجانبين ويسمى كسبا بإعتبار أنه مبنى ما يصدر عنه فإذا طفق‬
‫في إخراج ذلك من العدم إلى الوجود فالمخرج هو ل تعالى وتقدس والعقاب المترتب على الفاعل‬
‫باختيار الفعل وإرادته إياه" (‪. )45‬‬
‫والساس بالنسبة إلى الويراني أنه حاول أن يتخلص مما ل يشفي الغليل فلم يصل هو أيضا إلى‬
‫ذلك‪ ،‬إل أنه أضاف فكرة الميل والترجيح واتضح أن الكسب حسب رأيه هو الترجيح المعبر عنه‬
‫بالختيار لنه منطلق كل ما يصدر عنه‪.‬‬
‫أما عمرو التلتي فقد تعرض للقضية في مواطن عدة في شروحه ومختصراته والناظر في هذه‬
‫النصوص يتبين نزعته الى المقارنة مع ما جاء خاصة عند الشاعرة والماتريدية إلى أن يوشك‬
‫أن يختلط المر على القارئ ول غرابة في ذلك لن المواقف متفقة غالبا وإن بدت فيها فويرقات‬
‫في نسبة القتراب من الجبر المطلق والختيار المطلق والبتعاد عنهما‪ .‬ونكتفي بما أورده في‬
‫شرحه على كتاب الديانات من التعاريف وهي‪:‬‬
‫‪ " -‬عند غير الباضية‪ :‬الكسب هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور‪ .‬وقيل‪ :‬هو صرف العبد قدرته‬
‫وإرادته الى المقدور‪.‬‬
‫ويستشهد بما جاء في جوهرة التوحيد ويذكر من ذلك‪ (:‬رجز)‪.‬‬
‫(‪)46‬‬

‫( ‪)1/438‬‬

‫‪ -‬والذي في كتبنا أن الكسب‪:‬‬


‫صرف العبد قدرته وإرادته للفعل‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو ترجيح العبد الفعل على غيره‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الحركة والسكون وهذا القول الثالث غير ظاهر‪ ،‬لن كل من الحركة والسكون فعل ل‬
‫كسب"‪)47( .‬‬
‫وطرافة التلتي تتمثل في ما يوفره بين يدي القارئ من نصوص تمكنه من المقارنة بيسر‪ ،‬وتكثر‬
‫في هذه القضية صيغة " وأصحابنا" و" الشاعرة" وعبارة " كما تقول الئمة الماتريدية" وفي هذا‬
‫دللة على تقارب وجهات النظر‪.‬‬
‫والملحظ أن مدار هذه التعاريف واحد لنها تتفق على تحميل الفاعل المسؤولية في إتيان الفعل‬
‫ليستقيم التكليف‪.‬‬
‫أما يوسف المصعبي فقد سلك مسلك النقل هو أيضا‪ ،‬إل أنه اكتفى بإيراد النصوص الباضية مع‬
‫شيء من الحذف الذي ل يخل بالمعنى ثم خلص إلى النتيجة التالية‪ ":‬فتحصل من كلمهم رحمهم‬
‫ال اختلف في تحقيق مسمى الكسب‪.‬‬
‫فالشيخ عبدال( يعني السدويكشي) ذكر أنه صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل‪.‬‬
‫والشيخ إسماعيل(أي الجيطالي) رحمه ال ذكر أنه الحركة والسكون‪ ،‬وهو المتبادر من كلم‬
‫صاحب الموجز (أي أبا عمار عبد الكافي) والشيخ قاسم( الويراني) ذكر أن الترجيح يسمى كسبا‬
‫واختيارا" (‪. )48‬‬
‫وما يزال الموقف هو نفسه إلى الن ذاك أن الكسب باب من أبواب نفي الجبر وتمكين النسان‬
‫من الختيار وفي ذلك يقول السالمي‪( :‬رجز)‬
‫(‪)49‬‬
‫ثم يقول‪:‬‬
‫(‪)50‬‬
‫ويقول أيضا في جوهر النظام‪(:‬رجز)‬
‫(‪)51‬‬
‫ويعلق ناثر جوهر النظام معرفا الكسب كما يلي‪ ":‬والمنسوب منها (الفعال) إلى الخلق مجرد‬
‫كسب يسمى القدرة الحادثة في العبد مقترنة بالفعل المخلوق ل فيه" (‪. )52‬‬

‫( ‪)1/439‬‬

‫إن هذا العرض لنشأة فكرة الكسب وتطورها تدريجيا الى مصطلح تبين أن الفكر الباضي ظل‬
‫وفيا لموقف الئمة الول الذين أخذوا عن أصحاب الرسول عليه السلم إل أن الحداث السياسية‪،‬‬
‫وقد قلبت الوضاع في القرن الول هـ‪17/‬م من جراء أحداث الفتنة الكبرى التي أسفرت عن‬
‫معتقدين متناقضين أحدهما مواكب للدولة يفهم القدر على أنه جبر‪ ،‬والثاني معارض للدولة يفهم‬
‫القدر على أنه فعل العبد فحسب ليبرهن على اغتصاب الحكم من المويين ‪ ،‬دفعت بالباضية إلى‬
‫إتخاذ موقف معتدل من القضية رغم معارضتهم للحكم الموي لن هذا الموقف ل يبرئ ساحة‬
‫المويين ول يتعارض مع علم ال في الزل وإرادته وتجلى ذلك صريحا على لسان الربيع ابن‬
‫حبيب الذي بين أن الخلق من ال والفعل من العبد‪)53( .‬‬
‫ومهما بدت مواقف الباضية التي ذكرنا متباينة في الظاهر من الكسب فهي لم تخرج عن هذا‬
‫النطاق‪ ،‬إذ لم يقل واحد من هؤلء العلماء ل بالجبر المطلق ول بالختيار المطلق‪ ،‬وحتى ما بدا‬
‫قريبا من الجبر من قول مشائخ جبل نفوسة ما قبل القرن السابع هـ‪13/‬م فقد ميزوه عن الجبر‬
‫وكذلك بالنسبة إلى مشائخ المغرب فإن قالوا بالختيار فكان ذلك من باب التعبير عن الكسب‪.‬‬
‫وإن كان التيار الجبري والعتزالي دفعا الباضية الى ضرب حجج بعضهم ببعض فإنهم وجدوا‬
‫في المدارس الشعرية والماتريدية والشيعية‪ -‬الزيدية خاصة‪ -‬أحسن مساندة لبلورة مفهوم‬
‫الكسب‪.‬‬
‫والملحظ أن القضية بقيت في نطاق الصراع الفكري خاصة بعد انقراض المعتزلة واندماجهم في‬
‫تيارات أخرى ولذلك ل نجد في رسائل الردود لهذه القضية أثرا ‪ ،‬ذلك لن المحيط الذي يتعايش‬
‫معه إباضية المغرب أشعري ويغلب عليه الطابع المالكي والكل يقول بالكسب وإن وجدت بعض‬
‫الفويرقات كما أشرنا إلى ذلك سابقا‪.‬‬

‫( ‪)1/440‬‬

‫وهكذا تمضي القرون فيتبلور المفهوم شيئا فشيئا ليصاغ في متون أحيانا ومحلل أحيانا أخرى في‬
‫دراسات مستقلة‪ ،‬أو في شروح لهذه المتون فتتضح ناحية التنظير ويذكر هؤلء العلماء تعاريف‬
‫للكسب تمكن من التعبير عن الفكر الباضي في القضية في قالب نظري ميسر‪ ،‬لكن هذه‬
‫التعاريف مهما بلغت فإنها ل تشفي الغليل كما ذكر قاسم الويراني‪ ،‬إل أنها تقرب المعنى للنسان‪.‬‬
‫والواضح من خلل هذه التعاريف أنها تجعل مفهوم الكسب عند الباضية أقرب إلى مفهوم الكسب‬
‫عند الماتريدي حيث يستركان في توسيع نسبة الختيار بينما يظل الكسب عند الشعري أقرب إلى‬
‫الجبر‪ ،‬وإنك لتجد ذلك واضحا في اللفاظ المختارة للتحديد مثل الصرف‪ ،‬والميل ‪ ،‬والترجيح‪،‬‬
‫وفي كل هذا سعى الفكر الباضي إلى أن يجعل للنسان مسؤوليته مع تأدب مع ال تعالى في‬
‫إرادته وعلمه وقدرته‪.‬‬
‫ول يمكن أن نقف عند هذا الحد إذ ارتبطت بقضية القدر والكسب قضايا أخرى‪ ،‬فلنحاول أن نثبت‬
‫كيف نظر الباضية إلى هذا الرتباط‪.‬‬
‫==========================‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.73 -70 :‬‬
‫(‪ )44‬انظر ما سبق‪456 :‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ :‬ص ‪ ،21‬وقد نقل عن قاسم الويراني‪:‬‬
‫شرح النونية‪ ،‬وقد ذكرنا أننا لم نتمكن من الحصول على هذا الشرح‪.‬‬
‫(‪ )46‬إبراهيم اللقاني‪ :‬جوهر التوحيد‪.104 :‬‬
‫(‪ )47‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪.57 :‬‬
‫(‪ )48‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.21 :‬‬
‫(‪ )49‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 313 :‬و ‪.326‬‬
‫(‪ )50‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 313 :‬و ‪.326‬‬
‫(‪ )51‬عبد ال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪.11 :‬‬
‫(‪ )52‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪.1/38‬‬
‫(‪ )53‬انظر ما سبق‪427 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/441‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫تحليل قضايا تتعلق بالقضاء والقدر‬
‫تأتي على رأس هذه القضايا قضية الرادة اللهية وعلقتها بفعل النسان‪.‬‬
‫الرادة‪:‬‬
‫لم يقع التركيز على قضية الرادة في ما وقع بين أيدينا من تراث المرحلة المقررة وهذا عمرو‬
‫التلتي يكتفي بتلخيص الموضوع دون أن يدعمه بما يحتاج من الحجج على أساس أنها عرضت‬
‫من قبل لذلك سنورد تلخيصه هذا ثم نعتمد على ما جاء من تحاليل عند أبي عمار عبد الكافي‬
‫لستيفاء الغرض‪.‬‬
‫وملخص عمرو التلتي هو‪ ":‬وإن الرادة عندنا توجد مع المراد ل قبله ول بعده كالستطاعة لنها‬
‫علة فيه‪ ،‬والعلة ل تفارق معلولها‪ ،‬وقالت المعتزلة قبله ل معه ول بعده‪ ،‬وهي عندنا قسمان إرادة‬
‫العزم وإرادة التمني‪ ،‬فالولى توجد مع الفعل والثانية توجد قبله‪ ،‬وقد يتخلف المراد عنها كأن‬
‫توجد هي ول يوجد هو لنها ليست علة فيه‪ ،‬وإن إرادة العزم للشرك والمعاصي إرادة خلق ل‬
‫أمر‪ ،‬وإرادة اليمان والطاعة إرادة خلق ل أمر‪ ،‬وإن الكافر مكلف عندنا باليمان وسائر‬
‫الطاعات‪ ،‬وبالنكفاف عن الكفر وسائر المعاصي وإن العاجز والزمن غير مكلفين" (‪. )1‬‬
‫أما أبو عمار فيشبع القضية بحثا ويمكن أن نعرض تحليله كما يلي‪ :‬قال ال تعالى‪ ( :‬إنما قولنا‬
‫لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (‪ 16‬النحل ‪ )40‬ويقول أيضا‪ ( :‬فعال لما يريد) (‪ 11‬هود‬
‫‪.)107‬‬
‫ل خلف في أن ال فعال لما يريد لكن ما حقيقة هذه الرادة؟ وما صلتها بالمر؟‬
‫وما علقتها بأفعال العباد؟ وما علقتها بالخلق بصفة مطلقة؟ وما علقتها بالمراد؟‬
‫لقد حرص أبو عمار على أن يثبت موقف الباضية من هذه العلقات في نطاق مجادلة أهل‬
‫العتزال‪.‬‬

‫( ‪)1/442‬‬

‫فإن أقر المعتزلة أن الرادة صفة فعل فقد أثبت الباضية أنها صفة ذات أزلية واجبة له تعالى لن‬
‫الستكراه عن ال منفي‪ ،‬ل يجوز أن يوصف به في حين من الحيان (‪ )2‬فال تعالى ما يزال‬
‫مريدا (‪. )3‬هذا في ما يتعلق بتحقيقه الرادة‪.‬‬
‫أما عن صلتها بالمر فغن أقر المعتزلة أنها عين المر فقد بين الباضية أنها غير المر‪ ":‬ويقال‬
‫للمعتزلة في قولهم‪ :‬إن الرادة من ال فعل يفعله وهو عين المر بالطاعة‪ ،‬فإذا أحدث الرادة‬
‫لشيء فعله وإذا أحدث الرادة لليمان يأمر باليمان‪ ،‬ول يجوز أن يكون يأمر بالشيء وهو غير‬
‫مريد له‪ ،‬فإذا أراده أمر به‪ ،‬فالرادة غير المر" (‪. )4‬‬
‫وأما عن صلتها بأفعال العباد فيحددها عند ربطها بالطاعة والمعصية‪.‬‬
‫ففي ما يتعلق بالطاعة‪ ":‬فإنا ل ننكر أن يقال ‪:‬إن ال أراد طاعته من عباده على معنى أمرهم بها‬
‫ودعاهم إليها" (‪. )5‬‬
‫وتصطدم الرادة بمعاصي العباد فيطرح المشكل التالي‪ :‬هل أراد ال أن يعصى؟‬
‫ويجيب أبو عمار‪ :‬إن كنت تريد أراد ال أن يعصى بمعنى أمر بالمعصية فل‪ ،‬بل أراد ال أن‬
‫يطاع بهذا المعنى‪ ،‬وإن كنت تريد أراد المعصية أي جعلها خلفا للطاعة غير مستكره على أن‬
‫تكون المعصية من العصاة والكفر من الكافرين فهذا ما نقول‪ ،‬فالرادة في هذا الموضع نفي‬
‫الستكراه" (‪. )6‬‬
‫ويبين البرادي بوضوح هذا المعنى بما يلي‪ ":‬إن الفائدة في قولنا‪ ":‬أراد ال المعصية وشاءها ثلثة‬
‫أشياء‪:‬‬
‫‪ -1‬أحدها‪ :‬أراد خلقها وشاءها ل على معنى المر بها والدعاء إليها مثل ما هو في الطاعة‪.‬‬
‫‪ -2‬والثاني‪ :‬أراد النهي عنها والذم لها والمعاقبة عليها وجعلها مخالفة لطاعته‪.‬‬
‫‪ -1‬والثالث‪ :‬معنى أرادها وشاءها على نفي الستكراه عن ال عز وجل فيكون معنى أرادها‬
‫وشاءها لم يكن ال مغلوبا عليها ولم تقع من فاعلها على كره منه" (‪. )7‬‬

‫( ‪)1/443‬‬

‫وبهذا التأويل للرادة يكون الرد على المعتزلة في أسئلتهم التي هي ضرب من التعجيز والموقف‬
‫الباضي في الرادة يتمثل في اللحاح على نفي الستكراه عن ال تعالى‪ ،‬وكذلك في العلم نفي‬
‫الجهل عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫وأما عن علقة الرادة بالخلق فيفصح عنها أبو عمار في رده على المعتزلة أيضا الذين يقولون ‪:‬‬
‫عن الرادة لن يخلق الخلق هي خلقه له‪ :‬فبين أن الرادة مغايرة للخلق ومتقدمة عليه ودليله على‬
‫ذلك قوله تعالى‪ ( :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (‪ 16‬النحل ‪. )8( )40‬‬
‫ويختم أبو عمار تحليله لهذه القضية بما يلي‪ ":‬وهذا الذي قلنا به في الرادة هو قول الباضية‬
‫والزيدية والمرجئة والعامة وما عليه صدر السلم بنقلهم الجملة التي يتوارثونها عن الماضين من‬
‫السلف " إن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن"( تبارك ال رب العالمين) (‪)9‬‬
‫وأما في علقتها بالمراد فيقول أبو خزر ما يلي‪ ":‬والذي نقول من ذلك إن الرادة مع المراد ل‬
‫قبل ول بعد‪ ،‬وذلك أن الرادة علة للمراد ومحال أن تفارق العلة المعلول" (‪ )10‬ثم يميز بين إرادة‬
‫العزم ويؤكد أنها ل تكون إل مع الفعل‪ ،‬وبين إرادة التمني وهي تكون ول يكون المراد لنها‬
‫ليست بعلة له‪.‬‬
‫فالرادة حينئذ صفة ذات‪ ،‬وهي مغايرة للمر‪ ،‬كما أنها تتخلف عن الخلق وتتقدمه‪ ،‬ول ينكر‬
‫الباضية أن يريد ال المعصية لكن ل بمعنى المر بها وإنما بمعنى نفي الستكراه عن ال تعالى‪،‬‬
‫وبمعنى النهي عنها والمعاقبة عليها‪ ،‬وجعلها مخالفة للمعصية‪ ،‬كما يقرون أن إرادة العزم تكون‬
‫مع المراد بينهما تكون إرادة التمني ول يكون المراد‪.‬‬
‫وترتبط بهذه القضية مسألة الستطاعة‪.‬‬
‫==============================‬
‫(‪ )1‬عمر التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 70‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثمينيك النور‪193 :‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/73 :‬‬

‫( ‪)1/444‬‬

‫(‪ )3‬وهنا يحسن أن نذكر بان الباضية يرون أن ال ل يأمر بما ل يريد‪ ،‬وذلك من باب الحكمة‪،‬‬
‫بينما يرى الشعرية إمكانية أن يأمر ال بما ل يريد ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‬
‫ط ‪70 /1 2‬‬
‫(‪ )4‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/78 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪73 /2 :‬‬
‫(‪ )6‬نفس المصدر ‪ ، 76 :‬ويبين يوسف المصعبي موقف المعتزلة كما يلي‪ " :‬ويقول المعتزلة‪ :‬إن‬
‫المعاصي غير داخلة تحت إرادة ال تعالى لن الرادة تستلزم المر عندهم"‪ ،‬حاشية على أصول‬
‫تبغورين‪80 :‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬سالم العدالي‪ :‬البرادي‪ :‬حيلته وآثاره‪320 :‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما سبق‪374 :‬‬
‫(‪ )9‬أبو عمار عبد الكافي‪80 - 2/79 :‬‬
‫(‪ )10‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪55 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/445‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫الستطاعة وتكليف مال يطاق‪:‬‬
‫الستطاعة لغة مصدر استطاع الشيء بمعنى أطاقه وقدر عليه وأمكنه ‪)11( .‬‬
‫والقضية المطروحة في هذا الباب تمس علقة الستطاعة بفعل النسان‪ ،‬ويحسن أن نمهد‬
‫للموضوع بنقل المناظرة التي دارت بين إباضي ومعتزلي‪.‬‬
‫قال كهلن الواصلي لبي أيوب الباضي (‪ : )12‬أتنكر أن الستطاعة باقية‪.‬‬
‫فقال أبو أيوب‪ :‬نعم‪ ،‬وأدعي أنها فانية‪.‬‬
‫قال كهلن‪ :‬وال يكذبك إذ يقول‪ ( :‬فاتقوا ال ما استطعتم) (‪ 64‬التغابن ‪.)16‬‬
‫فقال أبو أيوب‪ :‬أرأيت هذه الية التي تلوت محكمة أو متشابهة فيكون تأويلها على خلف تنزيلها؟‬
‫قال كهلن‪ :‬بل أنها محكمة ل ينبغي لها من التأويل غير ما سمعت فيها من التنزيل‪.‬‬
‫قال أبو أيوب‪ :‬أليس وهي فرض أن تتقوا ال ما استطعتم والستطاعة باقية فيكم‪.‬‬
‫قال كهلن‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال أبو أيوب‪ :‬فكل ما استطعتم من تقوى قد كفرتم إن فرطتم‪.‬‬
‫قال كهلن‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال أبو أيوب‪ :‬فإنكم تستطيعون صدقة أموالكم‪ ،‬وعتق رقبتكم‪ ،‬وقيام ليلكم‪ ،‬وصيام نهاركم‪ ،‬فلو‬
‫كذبتم على هذه الية لكان خيرا لكم من أن لو صدقتم‪ ،‬أما شهدتم أنكم تستطيعون ما عددنا من‬
‫التقوى فضيعتم‪.‬‬
‫فتعجل كهلن لسأله عن غيرها‪)13( .‬‬
‫هذا النص دليل على أن القضية مطروحة من عهد مبكر‪ ،‬من النصف الثاني من القرن الثاني‪8/‬م‬
‫(‪ )14‬كما بين أن الجدل ثار حول الية المطروحة عن الستطاعة فإن اعتبرها المعتزلي محكمة‬
‫ليبرر موقفه من أن الستطاعة باقية فإن الباضي وضعها ضمن المتشابهة الذي يحتمل التأويل‬
‫ليبرز أنها فانية‪ ،‬إذ لو كانت باقية لوجب أل يتوقف النسان لحظة عما عدد من التقوى‪،‬‬
‫فالستطاعة تفنى بانتهاء الفعل لتتجدد استطاعة أخرى‪.‬‬
‫قم أن الجدل تركز بعد ذلك على تحديد مفهوم الستطاعة؟ وهل هي مع الفعل أو قبل الفعل؟ وهل‬
‫يكلف النسان بما ل يطاق؟‬

‫( ‪)1/446‬‬

‫وقد جاء تحليل يوسف المصعبي (‪ )15‬موسعا لهذه القضية وشامل لها لما جاء قبله من نصوص‬
‫خاصة عند أبي خزر وتبغورين والمحشي فماذا عن تحديد مفهوم الستطاعة؟‬
‫تحديد الستطاعة‪:‬‬
‫يعتبر الباضية أن الستطاعة هي صحة الجوارح وسلمتها من شوائب الفات ويعبرون عنها‬
‫أحيانا بالقوة (‪ )16‬ويشيرون إلى أنواع من الستطاعات مثل استطاعة المال‪ ،‬واستطاعة السبيل‪،‬‬
‫واستطاعة الخلقة (‪ ، )17‬واستطاعة الفعل‪ ،‬وينبهون إلى أن الجدل قائم حول استطاعة الفعل‬
‫ويشير تبغورين إلى أن معنى " يستطيع‪ ،‬ويمكن‪ ،‬ويفعل واحد عندنا" (‪. )18‬‬
‫صلة الستطاعة بالفعل وتكليف النسان بما ل يطاق‪:‬‬
‫بما إن المعتزلة يعتبرون الستطاعة باقية فإنهم يرون أنها سابقة للفعل بينما يلح الباضية على‬
‫أنها مع الفعل وتنتهي بانتهائه لتظهر استطاعة أخرى مع فعل آخر وهكذا ودليلهم على هذا ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬دللة الفعل على القوة‪:‬‬
‫"‪ ...‬إذ جومع (‪ )19‬على أن الفعل دل على القوة وأنه إذا فني الدليل فني المدلول وذلك أنه من‬
‫شأن القوة أنها ل تبقى حالين‪ ،‬وكذلك الفعل ل يبقى حالين‪ ،‬فكيف يكون أحدهما دليل والخر‬
‫مدلول عليه إذا لم يجتمعا" (‪. )20‬‬
‫‪ -2‬وجود الفعل بزوال الفة‪:‬‬
‫"‪ ...‬لما كانت الفة تمنع الفعل صحّ عندهم (الباضية) أن الفة إذا زالت وجد الفعل‪ ،‬لن الفة‬
‫ضد القوة‪ ،‬فالضد ثابت حتى يتأتى ضده فيزيله فاستدلوا بهذا المعنى على أن القوة مع الفعل إذا‬
‫زالت الفة التي تمنع من الفعل وإل بطلت الضداد ومناظرة الشيء بنظيره" (‪. )21‬‬
‫‪ -3‬العجز عن الجمع بين فعلين في وقت واحد‪:‬‬
‫" ول يستطع العبد إل فعل ما هو فيه لنه ل يستطيع أن يخلق خلقه يستطيع بها أن يكون فاعل‬
‫تاركا‪ ،‬ول مطيعا عاصيا‪ ،‬ول قائما قاعدا‪ ،‬ول قابضا باسطا‪ ،‬ول آخذا تاركا في حال واحدة‪ ،‬هذا‬
‫ما ل يصح"‪)22( .‬‬
‫‪4‬ـ تأويل قوله تعالى‪ ( :‬فاتقوا ال ما استطعتم) (‪ 64‬التغابن ‪)16‬‬

‫( ‪)1/447‬‬

‫في هذا قولن‪ ":‬اتقوا ال ما استطعتم فعل شيء من الشياء وهو الذي قدمناه أن ال ل يكلف أحدا‬
‫إل مستطيعا لخذ ما كلف أو تركه‪ ،‬وذلك أنه إذا أشغل قوته بما كلف لم يستطع تركه وإذا ترك‬
‫لم يستطع فعله بإشغال قوته في ترك ما كلف لنه ل يستطيع الخذ والترك جميعا‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬اتقوا ال ما استطعتم ما دمتم أحياء" (‪. )23‬‬
‫‪ -5‬تأويل قوله تعالى‪ ( :‬ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) (‪ 11‬هود ‪)20‬‬
‫" وليس المعنى في هذا أنهم ل يسمعون الصوات ول يبصرون اللوان ولكن هذا سمع القبول ل‬
‫يقبلون ما دعاهم إليه النبي عليه السلم إذ شغلوا قوتهم بترك القبول لما دعاهم إليه‪ ،‬وكذلك " ل‬
‫يبصرون" على معنى ل يفعلونه‪ ،‬فوصفهم ال أنهم ل يستطيعون فقلنا كما قال ال عز وجل إنهم‬
‫ل يستطيعون ل لزمانه حلت بهم ول لمانع من الفعل‪ ،‬وقال ال تعالى‪ ( :‬وما منع الناس أن‬
‫يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول) (‪ 17‬السراء ‪ )94‬فكان قولهم الذي‬
‫هو فعلهم هو المانع لهم‪ .‬وأجاز الناس بينهم‪ ،‬وهو قول الرجل ما أستطيع أن أنظر إليك لبغضه‬
‫له‪ ،‬فكان بغضه مشغل له شاغل من استعمال النظر إليه وهذا بين واضح أن يكون من أحد في‬
‫فعل شيء أنه غير مستطيع لضده لشغاله قوته بما قصد إليه وفعله ل لزمانه ول لمنع من الفعل"‬
‫(‪. )24‬‬

‫( ‪)1/448‬‬
‫تلك هي أبرز الدلة التي يعتمدها الباضية في الرد على المعتزلة ليؤكدوا أن الستطاعة مع‬
‫الفعل‪...‬وهم إلى جانب هذا يردون قول الجبرية الذين يعتبرون أن الستطاعة هي المستطيع أو‬
‫هي اللت والجوارح‪ .‬ويقول تبغورين في هذا الصدد ما يلي‪ ":‬ومن زعم أن الستطاعة هي‬
‫المستطيع أو هي اللت والجوارح أو غير ذلك ففي إثبات العراض (‪ )25‬ما يبطل قولهم‪،‬‬
‫ويدخل عليهم ما ذكرنا من البالغ في أول أحوال بلوغه ل يخلو من أن يكون آخذا أو تاركا‪ ،‬أو‬
‫متحركا أو ساكنا‪ ،‬كما قلنا في صدر الكتاب فأيما قالوا من ذلك ألزمهم أن تكون إرادته‬
‫واستطاعته معه إل أن يأتوا بمحال ل يفهم ول يعقل‪...‬‬
‫والجسم عندنا وعندهم ل يخلو من حركة أو سكون باكتساب أو ضرورة وما كان باكتساب‬
‫فباستطاعته وإرادة وما كان باضطرار فبزمانه وعجز‪ ،‬وهذا ل يخلو من الحياء والموات وقد‬
‫استحالت منهم الفعال والتكليف وليس فيهم الكلم‪ ،‬فلما كان هذا ثبت أن الستطاعة مع الفعل‬
‫والرادة مع المراد والتقرب مع المتقرب به كما قلنا‪ .‬وكذلك المر مع الفعل إما أمر به أو‬
‫تركه‪)26( "....‬‬
‫وبهذا يتجلى نزعة التوسط في رفض الموقفين‪.‬‬
‫والباضية يتفقون مع الشاعرة والماتريدية في أن الستطاعة مع الفعل (‪ )27‬وقد حرص يوسف‬
‫المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين أن يلم بالقضية من جميع جوانبها وتتجلى طرافته في‬
‫المقارنة بين النصوص والمقابلة بينها وقد جاءت استشهاداته في شرحه مكملة لما لم يتعرض إليه‬
‫تبغورين‪)28( .‬‬
‫وبقي أن نشير إلى أن هذا التراث يتلقى مع المعتزلة والماتريدية في أنه ل يجوز التكليف بما ل‬
‫يطاق وذلك بمنافاته للحكمة اللهية (‪ )29‬على عكس الشاعرة الذين يجيزون ذلك بناء على قدرة‬
‫ال المطلقة التي ل تحد (‪. )30‬‬

‫( ‪)1/449‬‬

‫وخلصة القول إن ما يتعلق بالستطاعة في القرآن يعتبر من المتشابه وإن الستطاعة مع الفعل‬
‫وإنها تفنى بانتهائه وإن حكمة ال تقتضي أل يكلف النسان بما ل يطاق‪ ،‬وهذا يبين أن صلة هذا‬
‫المبحث وثيقة بالكسب إذ رأينا أن من التعاريف الواردة للكسب أنه كل فعل وقع باستطاعته محدثة‬
‫مع الفعل‪.‬‬
‫وإن كانت الستطاعة مرتبطة بهذا المبحث فإننا كثيرا ما نجد أن التراث الباضي يعتمد على‬
‫معنى العصمة والعون والتوفيق والخذلن ليتخلص من المضائق المحرجة التي توحي بفكرة‬
‫الجبر‪.‬‬
‫=====================================‬
‫(‪ )11‬ابن منظور الفريقي‪ :‬لسان العرب‪ .‬وجاء في المنهج‪ ":‬الستطاعة في اللغة القدرة على‬
‫الشيء‪ ،‬قال ال تعالى‪ ]:‬فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا[ (‪ 58‬المجادلة ‪ .)4‬من لم يقدر أطعم‬
‫وزال عنه فرض الصوم لزوال اسم الستطاعة"‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/469‬‬
‫(‪ )12‬لم نتمكن من التعريف بكهلن‪ ،‬أما عن أبي أيوب فانظر‪ 419 :‬تعليق ‪59‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ . 80 :‬إن مثل هذه المناظرات تنتهي‬
‫دائما بتسليم الطرف المقابل بسهولة‪ .‬انظر ما سبق ص ‪ 470‬تعليق ‪ ( 46‬مناظرة أبي عبيدة مع‬
‫واصل بن عطاء)‪.‬‬
‫(‪ )14‬لقد كتب المام أبو اليقظان محمد بن أفلح الرستمي رسالة في الستطاعة‪ .‬ر‪ .‬الدريجني‪:‬‬
‫الطبقات ‪.2/319‬‬
‫ويذكر البرادي أن مناظرات كانت تقوم مع المعتزلة زمن المام المذكور أعله ر‪ .‬البرادي‪:‬‬
‫الجوهر ‪180 -179‬‬
‫وقد كتب أبو عمار عبد الكافي كتابا في الستطاعة ما يزال مفقودا ‪.‬ر‪ .‬الشماخي ‪ :‬السير ‪441‬‬
‫(‪ )15‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪85 -74 :‬‬
‫(‪ )16‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ ،74 :‬وقد ذكر تبغورين تعريفات أخرى‬
‫‪.‬ر‪ .‬كتاب أصول الدين‪ .51 :‬التعبير بالقوة مقتبس من أبي خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع‬
‫المخالفين‪.‬‬

‫( ‪)1/450‬‬

‫(‪ )17‬استطاع المال‪ :‬مثل القدرة على الزواج ‪ ،‬استطاع السبيل‪ :‬بالنسبة إلى الحج استطاعة‬
‫الخلقة‪ :‬ل يستطيع النسان الطيران‪.‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪52 :‬‬
‫(‪ )19‬نقطة اتفاق مع المعتزلة أن الفعل دليل على القوة‪.‬‬
‫(‪ )20‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )21‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )22‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/470‬‬
‫(‪ )23‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )24‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪ 51 :‬وهذا يفسر كيف أن الكفر يشغل‬
‫الكافر عن استطاعة اليمان‪ ،‬وأن اليمان يشغل المؤمن عن استطاعة الكفر‪.‬‬
‫(‪ )25‬لتعريف العرض انظر ما سبق‪ 280 :‬تعليق ‪57‬‬
‫(‪ )26‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪55:‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن ‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪304 :‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪85-74 :‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/208‬‬
‫(‪ )30‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن ‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪304 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/451‬‬

‫تابع الفصل الول القضاء والقدر‬


‫العصمة والخذلن‪:‬‬
‫جاءت في القرآن الكريم عدة آيات تثبت أن النسان ل يدرك اليمان إل بفضل من اله‪ .‬فمنها‬
‫(ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) (‪ 24‬النور ‪ )21‬كما جاء مثل ذلك في‬
‫عدة أحاديث نذكر منها قوله عليه السلم‪ " :‬لن يدخل الجنة أحد بعلمه‪ .‬قيل ول أنت يا رسول ال‬
‫قال‪ :‬ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" ‪)31( .‬‬
‫وتحاول المصادر الباضية أن توفق بين مسؤولية النسان في فعله‪ ،‬وبين هذا المدد اللهي الذي‬
‫يمن به على من يشاء من عباده فنقول‪ ":‬العون والعصمة (‪ )32‬والتوفيق والتسديد والتأييد‪ ،‬وشرح‬
‫الصدر الذي خص ال تعالى بها المؤمنين مترادفة على معنى واحد‪ ،‬وهو أمر يوجده ال تعالى‬
‫فيهم حال إيمانهم ووفائهم بدينه تعالى يحول بينهم وبين الكفر والضلل على أنه أفضل تفضل به‬
‫عليهم عاصم وحافظ لهم من الشيطان وطرقه وأعوانه وذلك المر كيفية نفسانية يجدها المؤمن‬
‫من نفسه إذا خل ونفسه حالة وافية بدينة عز وجل كما يجده الصائم من نفسه كيفية مانعه له من‬
‫إبطاله‪،‬وعلى أنه لول تفضل ال تعالى على المؤمنين بها ما زكا أحد منهم لقوله تعالى‪ ( :‬ولول‬
‫فضل ال عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) (‪ 2‬البقرة ‪." )33( )64‬‬
‫وقد جاءت الشارة إلى هذا المعنى من زمن مبكر مع أبي عبيدة عندما قيل له‪ :‬ل يستطيع الكافر‬
‫اليمان قال‪ :‬ما ازعم أن من يستطيع أن يأتي بحزمة حطب من الحل إلى الحرام ل يستطيع أن‬
‫يصلي ركعتين وما أزعم أنه يستطيع ذلك إل أن يوفقه ال (‪. )34‬‬
‫وتزيد النصوص تدقيق مسألة العون فتورد التساؤل التالي‪ :‬هل العون جزء واحد أو أجزاء‬
‫متغايرة؟ وتثبت قولين‪:‬‬
‫‪ -1‬لكل جزء من اليمان جزء من العون‪.‬‬
‫‪ -2‬العون جزء واحد موضوع لكل اليمان (‪. )35‬‬
‫( ‪)1/452‬‬

‫ومهما يكن هذا التفصيل فإن النتيجة واحدة ذاك أن اليمان بجميع شعبه ل يتم إل بعون ال‬
‫وتوفيقه‪.‬‬
‫ثم إلى جانب هذا تتعرض المصادر الى حقيقة الخذلن فتبين أنه" ليس بمعنى فيوصف لنه ترك‬
‫من ال للكافر إذا لم يعطه من فضله شيئا يعصمه به بل وكله إلى نفسه والوكلن في مثل هذا‬
‫ليس بشيء إذا لم يفعل ضده" (‪. )36‬‬
‫والترك من ال على وجهين‪ :‬فكل ترك ليس فيه فعل ضده فليس بفعل ول شيء‪ .‬وكل ترك فيه‬
‫فعل ضده فهو شيء ومثل ذلك ترك ال أن يميتك أي أحياك‪...‬هذا ليس بشيء‪...‬وذلك الترك ليس‬
‫بشيء إل صلة في الكلم وزيادة على ما وصفنا (‪. )37‬‬
‫فالخذلن حينئذ ضد العون وإن كان العون فعل والخذلن تركا‪.‬‬
‫ويبين هذا التراث في النهاية أن العون يكون للمؤمن في حال فعله اليمان والخذلن للكافر في‬
‫وقت فعله الكفر ل قبل ول بعد (‪ )38‬ول حجة لهم على ال أن يعينهم ول أن يهديهم إلى دينه بعد‬
‫أن جعل فيهم قوة يقدرون بها على فعل اليمان ومكن لهم بذلك ما يأتون من ذلك وما يتركون‪( .‬‬
‫‪)39‬‬
‫إن هذه التحاليل تثبت دائما الفرار من الجبر المطلق ومن الحرية المطلقة ول أن يعصم من يشاء‬
‫وأل يعصم من يشاء ل يسأل عما يفعل في خلقه وهم يسألون عما أوجبه عليهم‪.‬‬
‫بعد أن مررنا بسرعة على موضوع العصمة والخذلن يحسن أن ننظر في علقة الدعاء والرزق‬
‫والجل بالقدر‪ .‬فإن كان الرزق محددا من ال تعالى والجل مقدرا فلماذا الدعاء؟‬
‫الدعاء‪ :‬إن كان المعتزلة يرون أن الدعاء تعبير عن العبادة والخشوع فإن الباضية والشاعرة‬
‫يرون أن الدعاء من القدر وفي هذا الصدد يقول الجيطالي‪ ":‬فاعلم أن القدر والطلب ل يتنافيان‬
‫فرب أمر قدر ال وصوله إليك بعد الطلب فل يصل إليك إل بطلب‪ ،‬والطلب أيضا من القدر ول‬
‫فرق بين المر المطلوب وبين الطلب فإنهما مقدوران فمن هنا ثبت أنهما ل يتنافيان" (‪. )40‬‬
‫فالدعاء حينئذ باب من أبواب تيسير المطلوب ول يتنافى مع قدر ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)1/453‬‬

‫الرزق‪ )41( :‬إن ال هو الرزاق العليم فهو رازق لعباده‪ ،‬وتطرح المشكلة في مستوى ما يأكله‬
‫النسان من حرام وتأتي الجابات كما يلي‪ ":‬والظاهر أن الرزق هو ما ينتفع به حلل كان أو‬
‫حراما أو مكروها كما هو مذهب الشاعرة (‪ )42‬وقال تبغورين‪ ":‬وقال المسلمون ومن وافقهم من‬
‫الباضية والمرجئة‪ :‬من أكل الحرام فقد أكل رزقه وغذاء ولم يأكل رزقه ملكا"‪)43( .‬‬
‫فالرزق حينئذ نوعان‪ :‬رزق غذاء ويكون حلل أو حراما (‪ )44‬ورزق ملك ول يكون إل حلل‪.‬‬
‫كما أنه ل يأكل أحد رزق أحد‪ .‬والساس في الرزق أن ال يوسع لمن يشاء ويضيق عمن يشاء‬
‫وكل ذلك من باب البتلء إلى أجل معين‪.‬‬
‫الجل‪ :‬وتطرح المشكلة كما يلي‪ :‬من قتل مظلوما هل مات قبل أجله أو في أجله؟‬
‫والجواب كما يقرر تبغورين" وقول المسلمين في ذلك إن الناس ل يموتون قبل آجالهم ول يأكلون‬
‫غير أرزاقهم لقول ال عز وجل‪ ( :‬فقد جعل ال لكل شيء قدرا) (‪ 65‬الطلق ‪ )3‬يعني وقتا ل‬
‫يتقدمهم ول يتأخر عنهم كما قال‪ ( :‬ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) (‪ 15‬الحجر ‪( . )5‬‬
‫‪)45‬‬
‫ويثبت هذا التراث أل اعتداد بقول المعتزلة إن من مات مظلوما مات قبل أجله‪.‬‬
‫ويثبت عبدال السالمي في النهاية أن القضية ليست من المسائل الدينية(الصولية التي يفسق بها‬
‫من خالف فيها (‪. )46‬‬
‫وبعد عرض هذه القضايا المتعلقة بالقدر (‪ )47‬لم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذه‬
‫القضية‪:‬‬
‫إن لقضية القدر طرفين يتوغل أحدهما في عالم الغيب مع علم ال وقدرته وإرادته ويمتد الطرف‬
‫الثاني في عالم الشهادة حيث تتم حركات جميع المخلوقات وسكناتها بما في ذلك النسان ويبدو‬
‫أكثرها تعقيدا‪.‬‬

‫( ‪)1/454‬‬

‫والمتأمل في تاريخ البشرية يحس أن القضية انطلقت مع خلق النسان واستكبار إبليس عن‬
‫السجود لدم‪ ،‬وما أن هبط الجميع إلى الرض بعضهم لبعض عدو حتى ظلوا يتجاذبون طرفي‬
‫حبل القضاء والقدر‪ ،‬ول تكاد تخلو حضارة من إثارة هذه القضية سواء كانت وثنية أو قائمة على‬
‫الوحي المنزل من السماء‪.‬‬
‫وفي محيط عرف الخوض في هذه القضية انتشرت الحضارة السلمية بين العرب الذين كانوا‬
‫يقولون بالجبر وبين اليهود والنصارى ثم المجوس والهنود‪ ،‬وكان التفاعل وكان الخذ والعطاء‬
‫والقبول والرفض‪.‬‬
‫ومعلوم أن منطلق هذه الحضارة الوحي القرآني والنبوي وقد جاءا طافحين بتوضيح هذه القضية‬
‫وجعلها أسا من السس التي ل يتم اليمان إل بها‪ ،‬وألح النبي خاصة على أنها سر من أسرار‬
‫ال تعالى ونهى عن الخوض فيها‪.‬‬
‫لكن المسلمين لم ينتهوا عن الخوض فيها عدا الرعيل الول من الصحابة الذين غلب عليهم طابع‬
‫اليمان بما يرون من إعجاز في القرآن الكريم‪ ،‬وبما يلمسون في سيرة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫من قدوة حسنة وفي كلمه ما يغنيهم عن الجدل والعناد‪.‬‬
‫وما أن هبت عاصفة الفتنة الكبرى حتى ثارت قضية القدر وعاد تجاذب طرفي الحبل بشدة‬
‫فأصحاب السلطان ضغطوا على طرف الغيب فجنحوا إلى القول بالجبر حتى يقنعوا الناس أنهم‬
‫يستمدون نفوذهم من ال والقوى المعارضة ضغطت على طرف عالم الشهادة بقوة واعتبرت أن‬
‫هذا النفوذ عمل بشري محض واستبداد ل دخل لعالم الغيب فيه‪.‬‬

‫( ‪)1/455‬‬

‫ولم يغب الباضية عن هذا الغليان الحضاري بل كان لهم موقفهم من اللحظة الولى ورغم أنهم‬
‫من صف المعارضة‪ ،‬ومواقفهم من المويين معروفة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المعتزلة ول إلى‬
‫ما جنح إليه الجبرية بل كان موقفهم مع المام جابر موقف الرسول عليه السلم‪ ":‬من يهده ال فل‬
‫مضل له ومن يضلل فل هادي له" ثم إن الحتكاك الحضاري بسائر الفرق الناشئة في مدينة‬
‫البصرة حيث برزت حلقات المناظرات وتمازجي الحضارات وأثيرت القضايا العقائدية بقوة‪،‬‬
‫بحسن نية وبسوء نية‪ ،‬والبصرة هي منطلق دعوة الباضية ومركزها الول‪ ،‬دفع بأبي عبيدة إمام‬
‫الباضية الثاني إلى التمييز بين القدر والمقدور لتبكيت واصل بن عطاء‪ ،‬وبين أن القدر من ال‬
‫والمقدور من النسان‪ ،‬وإلى البراءة من بعض أتباعه الذين ولوا وجوههم شطر نزعة غيلن‬
‫الدمشقي‪ ،‬وعلى هذا المسلك درج الربيع بن حبيب حيث جمع كل ما وصله من أحاديث في هذا‬
‫الموضوع في الجامع الصحيح وعلق عليها بأن الخلق من ال والفعل من العبد‪.‬‬
‫وفي هذا المحيط المتموج تولدت عن قضية القدر مسائل كثيرة أبرزها قضية الجبر والختيار أو‬
‫ما عرف بخلق الفعال بل صارت مركز الجدل بين المتكلمين وكلما أثيرت قضية القدر تتجه‬
‫النظار إلى هذه المسألة مع مسائل أخرى مثل الستطاعة والرادة والعلم‪.‬‬
‫وبحكم التطور الحضاري وأثر الفكر اليوناني الفلسفي تحول الكفر السلمي تدريجيا من طور‬
‫الجدل المتحمس الدفاعي الى طور التعقيد والتنظير وسلك الباضية نفس المسلك فنشأت التعريفات‬
‫الصطلحية وقالوا إن القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة والقدر‬
‫هو انتهاء المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها وثبت أن اللفظتين تلتقيان في الحقل الدللي‬
‫وهذا ما جعل التمييز بينهما صعبا مما أدى إلى غموض في التعريفات‪.‬‬

‫( ‪)1/456‬‬
‫وما أن اعتزل الشعري المعتزلة وظهر على الناس بمقالته وإبانته وانطلق من وراء النهر‬
‫الماتريدي بلمعة وتوحيده حتى سرى في المة نبع جديد تسمى بأهل السنة صاغ صياغة جديدة‬
‫فكرا ساريا عند الناس وإن ثار على العتزال فلم يسلم من الجدل الكلمي‪.‬‬
‫والباضية على الساحة يتأملون ويقارنون بين مختلف التيارات وموقفهم ثابت فلم يذوبوا في الفكر‬
‫العتزالي رغم اللتقاء في عدة قضايا كما لم يبتلعهم هذا التيار الجديد وإن اتفقوا معه في بعض‬
‫القضايا ومن بينها قضية القضاء والقدر وما تفرع عنها من قضية خلق الفعال التي انصهرت في‬
‫القول بالكسب‪.‬‬
‫وثبت أن جذور مفهوم الكسب ترجع إلى بداية القرن الثاني‪ 8/‬مع أبي عبيدة والربيع إل أن‬
‫المصطلح لم يتبلور عند الباضية إل في ما بعد فقالوا هو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل‬
‫مع الشارة إلى الترجيح والختيار‪.‬‬
‫والباضية كبقية الفرق السلمية تلمس في تراثهم إدراكهم أن قضية القدر من غوامض علم‬
‫الكلم‪ ،‬وأن اللتجاء إلى تحديد جهتين للفعل الواحد‪ ،‬الخلق ل‪ ،‬والفعل للنسان ليس معناه‬
‫الشركة‪ ،‬وإنما هو مخرج من مضيق ولذا تجد أن هذا الفكر تفاعله مع الحداث تقوى فيه نسبة‬
‫القتراب من الجبر كما جاء عند علماء جبل نفوسة القائلين بالجبل وتقوى فيه نسبة القتراب من‬
‫الختيار كما جاء ذلك عند علماء المغرب‪ ،‬إل أن النزعة التي بقيت طاغية عند الباضية عامة‬
‫هي تقوية نسبة الختيار حتى يتحمل النسان مسؤوليته وتتجلى الحكمة في المر والنهي في ما‬
‫يترتب عنهما من الثواب والعقاب‪ ،‬وتتميز حركات الختيار عن حركات الضطرار مع اعتقاد أن‬
‫ال تعالى خالق كل شيء وأنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ويتلخص موقفهم في قولهم إن فعل العبد ل يوجد إل بخمسة‪:‬‬
‫‪ -1‬إرادة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ -2‬إرادة العبد‪.‬‬
‫‪ -3‬اكتساب العبد‪.‬‬
‫‪ -4‬إعانة ال إن كان طاعة وخذلنه إن كان معصية‬
‫‪ -5‬خلقه له في وقت الفعل ل قبله ول بعده‪)48( .‬‬

‫( ‪)1/457‬‬

‫والجدير بالملحظة أن المنهج المتبع في كل هذا الخصم هو منهج علم الكلم عامة إذ يكون‬
‫المنطلق من النصوص قرآنا وسنة ثم يأتي تأويلها وفهمها حسب مقتضيات اللغة‪ ،‬وملبسات‬
‫القضية‪ ،‬وارتباطها بسائر الفكر الباضي وهذا يتجلى بوضوح عند ربط القضية بإرادة ال مع‬
‫اعتبارها من صفات الذات وعند تبيين أن الستطاعة مع الفعل وأن الكسب ل يتم إل بعون ال إن‬
‫كان طاعة وبخذلن ال إن كان معصية‪.‬‬
‫وقد جاء المنهج العام في تقرير القضية في التحاليل النظرية وحتى في الشروح قائما على الرد‬
‫على المعتزلة وعلى الجبرية‪ ،‬وبعد استغلل حجج هذا الطرف على الطرف الثاني يستقر الموقف‬
‫الوسط ويدعم بحجج نقلية وعقلية‪ ،‬فتغلب النزعة العقلية عند البعض أمثال أبي عمار والسدويكشي‬
‫وتغلب النزعة النقلية عند البعض الخر مثل ما نجد عند الجيطالي ويوسف المصعبي‪.‬‬
‫فواضح إذن أن نزعة الباضية والزيدية والشاعرة والماتريدية جاءت توفيقية دون أن تغفل عن‬
‫أن النسان مجبر في ما هو خاضع للرادة الكونية مما سموه بالضطرار وأنه مكتسب في ما يقع‬
‫تحت دائرة الختيار ويبقى ال تعالى خالق كل شيء‪.‬‬
‫وبعد هذا ندرك أن القضاء سيظل سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول النسان أن يكشف هذا‬
‫السر وسيظل النسان لهثا وراء استكشاف هذا السر عسى أن يقف أمام الغيب وجها لوجه كما‬
‫يقف أمام قضايا أخرى‪.‬‬

‫( ‪)1/458‬‬

‫أما المؤمن الذي أيقن بعقله أن القرآن من ال‪ ،‬وآمن بأن القدر خيره وشره من ال تعالى‪ ،‬فإن هذا‬
‫القدر يتجلى له في كل حركاته وسكناته فكم من مرة يقدر أن يفعل كذا فل يتم إل ما قدر ال‪ ،‬وكم‬
‫من مرة يقدر أل يفعل كذا فل يتم إل ما قدر اله كما يتجلى في ما حوله من أحداث تدفع إلى‬
‫التسليم بالقدر فهذا يسقط من الطابق السادس فل يصاب بسوء وما يكاد يستبشر بوضعه فيذهب‬
‫ليأتي لصحابه بالمشروبات تعبيرا عن الفرح حتى تدوسه سيارة تقضي عليه وهذا قطار يكاد‬
‫يدوس رجل عابرا من سكته فيتحول في تلك اللحظة عن مجراه ليصطدم بمسكن مجاور فيقضي‬
‫عليه وعلى من فيه‪ ،‬وما إلى ذلك من الحداث التي يحار العقل أمامها‪.‬‬
‫ولعل من أحسن ما يمكن أن تفصل به المسألة أن تبقى قضية القدر في دائرة اليمان وأن يوضع‬
‫الفعل في دائرة الشرع وليجتهد النسان في العمل مع العلم أن كل ميسر لما خلق له‪.‬‬
‫كما أنه على النسان أل يخلط بين دائرتين ‪ ،‬دائرة مشيئة ال تعالى التي ل تحد‪ ،‬ودائرة مشيئة‬
‫النسان المحدودة الضيقة‪ ،‬وعليه أل يقيس هذه بتلك فيشتبه المر عليه ويبعد عن طريق الصواب‬
‫ومن يقارن بين المطلق والمحدود لن يصل إلى نتيجة ثابتة وسوف يبقى دائما يبحث في حندس ل‬
‫مخرج منه‪.‬‬
‫وإن تبين من خلل هذا المبحث أن النسان مسؤول فماذا عن الجزاء في الخرة أو ما عرف‬
‫بالوعد والوعيد؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 56‬وجه‪ .‬انظر ما سبق ‪ 440 :‬تعليق ‪119‬‬
‫(‪ )32‬جاء في المنهج ‪ :‬والعصمة هي الحراسة من مواقعة المعصية ‪ ،‬والقدرة على الطاعة‪.‬‬
‫والعاصم هو ال تعالى ‪ ،‬والمعصوم‪ :‬المكلف‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/467 :‬‬
‫(‪ )33‬والنص ليوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪78:‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )35‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة‪.‬‬

‫( ‪)1/459‬‬

‫(‪ )36‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪ .59:‬وتناقش المصادر القضية من جانب‬
‫آخر وهو إمكانية إطلق السماء على غير شيء‪ ،‬ويحتج الباضية لمكان ذلك باطلق السماء‬
‫على الزل والعدم والمحال وإن لم يكن واحدا منها موجودا ويعتمدون في ذلك على أن السماء ل‬
‫يشترط في التسمية بها وجود مسمياتها ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.89 :‬‬
‫ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 78‬وجه ‪.‬ر‪ .‬يوسف عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪-209 :‬‬
‫‪. 210‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على قواعد السلم‪16 :‬‬
‫(‪ )37‬وقد وقع اللحاح على هذه القضية أنها تختلف عن موقف الشاعرة الذين يقولون" إن‬
‫الخذلن هو خلق قدرة المعصية في العبد" ‪.‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬الباتة‪ 153:‬حيث يقول أثناء‬
‫الرد على المعتزلة " فل بد لهم أن يثبتوا لهم الخذلن للكفر الذي خلقه ال فيهم"‪.‬‬
‫(‪ )38‬لنه لو كان قبل لكان حجة للعبد على ال يوم القيامة ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‬
‫‪1/468‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.86 :‬‬
‫(‪ )40‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬كتاب قواعد السلم ‪1/31‬‬
‫(‪ " )41‬الرزق بكسر الراء بمعنى المرزوق‪ ،‬وهو ما ساقه ال تعالى إلى النسان لينتفع به سواء‬
‫كان بملكه أو بدون ملكه بأن كان ملكا للغير فظلمه إياه وانتفع به‪ ،‬سواء كان مما يؤكل أو مما‬
‫يلبس أو يتقى به من الحر والبرد أو نحو ذلك‪ ،‬كان المنتفع به عاقل أو غير عاقل‪ ،‬وهذا مذهبنا‬
‫ومذهب جمهور الشاعرة‪ ...‬وفي هذا اختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الرزق هو ما يملك‬
‫ل ما ينتفع به مطلقا" ‪.‬ر عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.268 :‬‬
‫(‪ )42‬لقد بين أبو الحسن الشعري أن من أكل حراما فقد أكل رزقه وميز بين رزق التغذية‬
‫ورزق التمليك ‪.‬ر‪ .‬البانة ط دمشق ‪ -‬بيروت‪152 -151 :‬‬
‫(‪ )43‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪. 74 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على‬
‫أصول تبغورين‪118:‬‬
‫( ‪)1/460‬‬

‫(‪ )44‬وقد يكون شبهة كما ذكر عبدال السالمي‪ ":‬والشبهة أن يتجاذب الشيء أصلن أصل يحله‪،‬‬
‫وأصل يحرمه ول مرجح لواحد منهما‪ ،‬والواجب فيه التوقف" المشارق‪269 :‬‬
‫(‪ )45‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪. 76 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على‬
‫أصول تبغورين‪.125 -124:‬‬
‫ر‪ .‬إبراهيم اللقاني‪ :‬جوهرة التوحيد مع الشرح‪191:‬‬
‫وموقف الباضية هو موقف الشاعرة ‪.‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬الباتة‪. 150 :‬ر‪ .‬إبراهيم‬
‫اللقاني‪ :‬جوهرة التوحيد مع الشرح‪ .160 :‬وفي ذلك يقول عبدال السالمي‪ ":‬كل من مات وفارقت‬
‫روحه جسده بأي سبب كان أو بل سبب فهو ميت بأجله‪ ...‬هذا مذهبنا ومذهب الشاعرة‪.‬‬
‫المشارق‪266 :‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪267:‬‬
‫(‪ )47‬وقد وقفنا عندها بشيء من الختصار لستيفاء المعنى لن كل قضية منها يمكن أن تفرد‬
‫ببحث موسع‪.‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪.1/183‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/461‬‬

‫الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫لقد انتهينا إلى أن القدر يبقى سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول علماء الكلم الجتهاد في حل‬
‫هذا اللغز الغيبي‪.‬‬
‫وقد بينا أن الشكال يتفاقم كلما حاول هؤلء العلماء الربط بين العمل وما يترتب عليه من ثواب‬
‫وعقاب‪ ،‬وجاءت النتائج متباينة بين الجبرية والقدرية وحاول القائلون بالكسب ومنهم الباضية‬
‫التوسط بين الطرفين فحملوا النسان طرفا من المسؤولية ليستقيم المر والنهي‪.‬‬
‫ومن البديهي أن المر والنهي ينبني عليهما المتثال أو عدم المتثال وبالتالي تطرح قضية الجزاء‬
‫أو ما اصطلح على تسميته عند علماء أصول الدين بالوعد والوعيد (‪. )1‬‬
‫وإن كانت صلة هذه القضية بالقضاء والقدر وثيقة فلعل صلتها أوثق بما اصطلح عليه بعنوان"‬
‫السماء والحكام" إشارة إلى المسميات التي تميز بها الفرق بين مستويات المتثال لوامر ال‬
‫تعالى ونواهيه‪ ،‬ومستويات عدم المتثال وما ينبني على ذلك من الحكام في الدنيا والخرة‪)2( .‬‬
‫والمتأمل في كتب أصول الدين يدرك يقينا أن سبب الخلف بين الفرق يرجع إلى الختلف في‬
‫تحديد المسميات وإذا كان المنطلقات متباينة فل يمكن أن تكون النتائج متفقة‪.‬‬
‫واضح إذن أن لقضية الوعد والوعيد طرفين‪ ،‬طرفا غيبيا وطرفا في علم الشهادة‪ ،‬وإذا علمنا أن‬
‫الحدود بين الرض والسماء ليست في منتهى الدقة ندرك أن القضية لبد من أن تحير المتكلمين‬
‫وقد حيرتهم فعل وجعلتهم بين متفائل تفاؤل مطلقا يحشر كل من قال ل إله إل ال وإن مات‬
‫مصرا على المعصية في الجنة بوجه من الوجوه‪ ،‬وبين متشائم تشائما مطلقا يعتبر أن المعصية‬
‫شرك ومن جزؤ عليها يحل دمه وماله وسبي ذراريه ول سبيل له إلى النجاة وكان منهم المتشائم‬
‫والمتفائل والمعتدل في شأن مصير من خلط عمل صالحا وآخر سيئا‪.‬‬
‫وقبل أن نحلل هذه القضية يحسن أن نقف عند مسألة السماء والحكام‪.‬‬

‫( ‪)1/462‬‬

‫قضية السماء والحكام‬


‫يقول الحق تبارك وتعالى‪ ( :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم‬
‫دينا) (‪ 5‬المائدة ‪.)3‬‬
‫انطلقا من هذا المفهوم الواضح السامي أشع السلم بفتوحاته على أطراف العالم‪ ،‬لكن ما كاد‬
‫ينتهي العقد الثالث من القرن الول هجري‪ /‬القرن السابع ميلدي‪ ،‬حتى جدت أحداث جسام (‪)3‬‬
‫أسالت الدماء واطالت اللسن وقدحت الذهان‪ ،‬وحركت القلم‪ ،‬وما تزال‪.‬‬
‫وقد أسفرت هذه الحداث عن تقسيم المسلمين إلى ثلث كتل (‪ )4‬استقلت كل منها بمفاهيم خاصة‬
‫تجاه بعض القضايا وعن هذه الكتل تولدت جميع الفرق السلمية‪.‬‬
‫ولقد حللنا موقف الباضية من تسمية الفرق وبينا رفضهم المطلق لسمة الخارجية (‪ )5‬فماذا الن‬
‫عن موقفهم من مرتكب الكبيرة؟ أمؤمن هو؟ أمسلم هو؟ أكافر هو؟ أم هو فاسق في منزلة بين‬
‫المنزلتين؟‬
‫وقبل أن نجيب عن هذه السئلة يحسن أن نحدد مفهوم كلمات تحولت عن مدلولها اللغوي الى‬
‫مصطلحات شرعية تعتبر مفاتيح ل سبيل إلى ولوج البناء الفكري لكل فرقة دون امتلكها ومعرفة‬
‫استعمالها بدقة‪ .‬وهذه المصطلحات هي‪ :‬اليمان والكفر‪ ،‬والنفاق والشرك‪.‬‬
‫ويحسن أن نلحظ ملحظتين قبل النطلق في التعريف‪:‬‬
‫الولى‪ :‬منهجية‪ :‬وتتمثل في أننا ل نعتبر البحث في المسألة فصل مستقل وإنما هو توطئة لفصل‬
‫الوعد والوعيد لذلك سيكون التحليل مختصرا‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬توضيحيه‪ ،‬وتتمثل في موقف الباضية من السماء عامة‪ ،‬يقول البرادي " واعلم أن‬
‫السماء على أصولنا تنقسم ثلثة أقسام‪ :‬أسماء دينية‪ ،‬وأسماء شرعية‪ ،‬وأسماء لغوية‪.‬‬
‫فالسماء الدينية تتعلق بها أحكام الدنيا والخرة‪ .‬والسماء الشرعية تتعلق بها‬
‫التكاليف مثل الصحة والفساد‪ ،‬والجزاء وعدمه والعادة والحتياط‪.‬‬
‫والسماء اللغوية هي المستعملة لموضوعها من غير نقل إلى شيء‪.‬‬

‫( ‪)1/463‬‬

‫فالسماء الدينية مثل اليمان‪ ،‬والكفر‪ ،‬والشرك والسلم‪ ،‬والدّين‪ ،‬والبّر‪ ،‬والحسان‪ ،‬والنفاق‬
‫والفسق والكبيرة والصغيرة‪ .‬فهذه أسماء جعلت أساسا للشريعة وعلق إليها الثواب والعقاب‬
‫والحدود والولية والبراءة‪ ،‬لم تكن العرب تعرفها قبل ورود الشرع بها‪ ،‬ول تتخاطب بها على‬
‫هذه الصفة حتى أوقفهم الشرع عليها‪ ،‬وخاطبهم بها‪ ...‬وجميع المعارف وأصول الديانات متعلقة‬
‫بهذه السماء راجعة إليها‪.‬‬
‫‪...‬وأكثر اختلفات المة إنما جاء من قبل هذه السماء الدينية‪)6( "...‬‬
‫فماذا حينئذ عن هذه السماء الدينية؟‬
‫حقيقة اليمان ‪)7( :‬‬
‫إن تعايش المسلمون الول مع هذه الكلمة بصفاء تام إذ هي التي حولتهم من ظلمات الجاهلية إلى‬
‫نور السلم (‪ ، )8‬فإن من جاء بعدهم‪ ،‬وبعد ظهور الفتن يقول لمن يدعي اليمان رويدك‪ ،‬أامنت‬
‫بقلبك‪ ،‬أم بلسانك‪ ،‬أم بهاما معا؟ وهل اعتبرت العمل من اليمان أم ل؟ وحسب الجواب يوضع‬
‫المسؤول في زمرة فرقة من الفرق‪ .‬وتتفق كتب الفرق والصول على ما لخصه ابن حزم في ما‬
‫يلي‪ ":‬قال أبو محمد‪ :‬اختلفت الناس في ماهية اليمان‪ -:‬فذهب قوم إلى أن اليمان إنما هو معرفة‬
‫ال تعالى بالقلب فقط‪ ،‬وإن ظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته‪ ،‬فإذا‬
‫عف ال تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة‪ ،‬وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي‬
‫الحسن الشعري البصري (‪ )9‬وأصحابهما‪.‬‬
‫‪ -‬وذهب قوم إلى أن اليمان بال هو إقرار باللسان وان اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن‬
‫من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السيجستاني وأصحابه‪.‬‬
‫‪ -‬وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج (‪ )10‬إلى أن‬
‫اليمان هو المعرفة بالقلب بالدّين والقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل‬
‫خير فرض كان أم نافلة فهي إيمان‪ ،‬وكلما ازداد النسان خير ازداد إيمانه وكلما عصى نقص‬
‫إيمانه " (‪ )11‬فتتلخص المواقف حينئذ في أربعة‪:‬‬
‫‪ )1‬اليمان بالقلب فقط‪.‬‬
‫( ‪)1/464‬‬

‫‪ )2‬اليمان باللسان فقط‪.‬‬


‫‪ )3‬اليمان بالقلب واللسان فقط‪.‬‬
‫‪ )4‬اليمان بالقلب واللسان والعمال‪.‬‬
‫وقد سلكت المصادر الباضية عند تعريف اليمان مسلك المقارنة أحيانا ومسلك الرد والدفاع‬
‫أحيانا أخرى‪)12( .‬‬
‫وهي تثبت أن اليمان في اللغة يعني التصديق (‪ )13‬بل ينقل المحشي عن كتاب السؤالت أنه‬
‫محصور في التصديق ‪)14( .‬‬
‫ويحلل الشماخي الصيغة الصرفية للكلمة كما يلي‪ ":‬فاليمان لغة أفعال من المن متعد إلى واحد ثم‬
‫نقل بالهمزة إلى الثاني أي أمنته التكذيب أي صدقته‪ ،‬أو بمعنى صرت ذا أمن منه أي وثقت به‪،‬‬
‫فمعناه إما التصديق مطلقا أو الوثوق فعدي بالباء لتضمنه معنى اعترف وأقر"‪)15( .‬‬
‫ويبين الشماخي أيضا التكامل بين المعنى اللغوي والشرعي‪ ":‬وأيضا ل ننكر استعمال اليمان في‬
‫معناه اللغوي‪ ،‬ول ينافي الستعمال الشرعي مع ثبوت النقل" (‪. )16‬‬
‫كما تلح المصادر على أن اليمان في الصطلح الديني اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل‬
‫بالركان (‪ )17‬ويتفاوت التوسع في تحليل هذا المفهوم من مصدر الى أخر فهذا الشماخي يقول‬
‫عن اليمان ‪ ":‬وفي الشرع أن تشهد ل بالوحدانية ولمحمد صلى ال عليه وسلم بالرسالة‪ ،‬وبأن ما‬
‫جاء به حق من جميع المأمورات ووظائف الدين التي كلف بها عباده "‪)18( .‬‬
‫كما يعبر عن ذلك بصيغة أخرى فيقول‪ ":‬وفي الشرع اليمان توحيد‪ :‬كمعرفة ال عز وجل‬
‫والرسول وما جاء به‪ ،‬وغير ذلك مما ل يسع جهله‪ .‬وغير التوحيد‪ :‬وهو جميع ما أمر ال به‬
‫سبحانه وتعالى ولو إماطة الذى وإذا حصلت الطاعة حصل وجوب الثواب واليمان" (‪. )19‬‬
‫ويقول البرادي‪ ":‬حقيقة اليمان على أصولنا التصديق ل عز وجل باللسان والقلب والجوارح "‪( .‬‬
‫‪)20‬‬
‫كما يقول محمد اطفيش" واليمان ‪ :‬التصديق في اللغة‪ ،‬وكذلك اليمان عندنا في الشرع التصديق‬
‫في القلب بما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم والقرار بالعمل وكل طاعة إيمان نفل أو‬
‫فرضا عندنا وعند الخوارج والعلف وعبد الجبار" (‪. )21‬‬

‫( ‪)1/465‬‬
‫وفي نطاق الرد على المرجئة والجهمية والكرامية الذين يعتبرون أن اليمان بسيط يثبت الباضية‬
‫أنه مركب وفي ذلك يقول المحشي‪:‬واليمان عندنا مركب من القول والعمل كما هو معلوم‪ .‬قال‬
‫الشيخ أبو نصر ‪(:‬طويل)‬
‫(‪)22‬‬
‫وجاءت الشارة الى هذا المعنى في حواش شرح الجهالت كما يلي‪ ":‬وأجزاء اليمان أكثر من‬
‫أجزاء التوحيد" (‪. )23‬‬
‫وقد عالج هذه القضية أبو خزر من قبل فقال مستدرجا المرجئة‪ ":‬نسأل المرجئة عن اليمان ما‬
‫هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار فقد أبطلوا أن تكون معرفة ال إيمانا‪ ،‬يقال لهم أخبرونا عن هذا‬
‫القرار ما هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار‪ ،‬فقد طلبوا أن تكون معرفة ال إيمانا يقال لهم أخبرونا عن‬
‫هذا القرار ما هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار أن ال واحد ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ما‬
‫جاء به حق‪ ،‬يقال لهم‪ :‬هذه ثلث خصلت بعضها غير بعض‪ ،‬القرار بال غير القرار بأن‬
‫محمدا رسول ال غير القرار بما جاء به حق‪ ،‬لنه يقر بهذا من ينكر هذا يقر بال أنه واحد من‬
‫أنكر أن يكون محمد رسول ال ‪ .‬فإن قال‪ :‬القرار بال إيمان أبطل أن يكون القرار بمحمد‬
‫إيمانا‪ .‬وكذلك بما جاء به حق غير القرار بأن محمدا رسول ال فإذا جاز عندكم أن يكون اليمان‬
‫ثلث خصال لم ل يجوز لغيركم أن يجعله أربع خصال أو أكثر فيجعل الصلة والزكاة وغير ذلك‬
‫من الفرائض من اليمان‪ .‬إذ أقررتم أن اليمان خصال" (‪. )24‬‬
‫========================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪.95:‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬تعريف المؤمن والكافر والمنافق والمشرك‪508 -474 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما سبق‪35 :‬و ‪36‬‬
‫(‪ )4‬انظر ما سبق‪35 :‬و ‪36‬‬
‫(‪ )5‬انظر ما سبق‪25 -24 :‬‬
‫(‪ )6‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪45-44 :‬‬
‫ويختلف هذا التقسيم عن تقسيم المعتزلة مثل إذ يقسمونها إلى شرعي وعرفي ولغوي‪ .‬وعند‬
‫التأمل ندرك أن ما اعتبره المعتزلة شرعيا يشمل الديني والشرعي عند الباضية ‪ :‬ر‪ .‬القاضي‬
‫عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪. 710 :‬‬

‫( ‪)1/466‬‬

‫(‪ )7‬ملحظة‪ :‬إن الباضية يعتبرون ‪ ":‬أن الدين والسلم واليمان تصدق شرعا على شيء‬
‫واحد‪ ،‬وإن اختلف مفهوماتها" ‪.‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ‪ .34‬وهذا يحتاج إلى‬
‫مبحث موسع يتجاوز حدود هذه التوطئة‪.‬‬
‫(‪ )8‬قال النبي ‪ e‬لحارثة‪ :‬كيف أصبحت يا حارثة؟ قال‪ :‬مؤمنا؟ قال‪ :‬فما حقيقة إيمانك ؟ قال‪:‬‬
‫عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها‪ ،‬وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا‪ ،‬وكأني‬
‫أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون‪ ،‬وكأني أسمع عواء أهل النار‪ .‬فقال له رسول ال ‪: e‬شهيدا‬
‫سعيدا"‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ .1/576‬لم يرد عند ونسنك‬
‫(‪ )9‬الحقيقة أن الشعري يقول في البانة غير ذلك‪ ":‬وندين أن اليمان قول وعمل يزيد‬
‫وينقص‪ "...‬البانة ط ‪24 :1981‬‬
‫(‪ )10‬مع العلم أن ابن حزم يحشر الباضية مع الخوارج‬
‫(‪ )11‬ابن حزم ‪ :‬الفصل ‪.189 -3/188‬‬
‫جاء مثل هذا التحليل عند‪ :‬عمروس بن فتح‪ :‬الدينونة الصافية‪5 :‬و ‪ .7‬أبي عمار عبد الكافي‪:‬‬
‫الموجز ‪ .104 -2/90‬السالمي‪ :‬المشارق‪ .332-331 :‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪:2‬‬
‫‪ .201‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ 454 /2‬مع شرح الجرجاني واخترنا نص ابن حزم لوضوح المنهجي‪.‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪. 87 ،84 ،54 ،52 :‬ر‪ .‬مجموعة من المحشين‪:‬‬
‫حاشية على شرح كتاب الجهالت ‪.58 -56‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ‪. 128 .33‬‬
‫الرد على صولة الغدامسي ‪.38 -29‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ‪38‬و ‪ .128‬الرد على صولة ‪38 -29 :‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪87 :‬‬
‫(‪ )15‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪29:‬‬
‫(‪ )16‬المصدر السابق‪35 :‬‬
‫‪ ))17‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37 :‬‬
‫المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪ .44:‬عمر أبو ستة المجموع المعول‪21 :‬‬

‫( ‪)1/467‬‬

‫(‪ )18‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد‪ 33:‬والملحظ أن صيغة اليمان في القرآن الكريم‬
‫جاءت دالة تارة على التصديق‪ ،‬وتارة عليه وعلى غيره من العمل والقرار‪ ،‬وتارة على غيره‪.‬‬
‫امحمد اطفيش‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ط ‪.201 :2‬‬
‫ملحظة‪ :‬يحسن أن نعرف بمفهوم اليمان عند الشاعرة والمعتزلة وفي ذلك يقول البيجوري‪":‬‬
‫وهذا شرط كمال على المختار عند أهل السنة‪ ،‬فمن أتى بالعمل فقد حصل الكمال‪ ،‬ومن تركه فهو‬
‫مؤمن لكنه فوت على نفسه الكمال إذا لم يكن مع ذلك انحلل‪ ،‬أو عناد للشارع‪ ،‬أو شك في‬
‫مشروعيته وإل فهو كافر في ما علم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطرا من اليمان لنهم يقولن بأنه العمل والنطق والعتقاد‪".‬‬
‫شرح جوهرة التوحيد‪45 :‬‬
‫ويلخص القاضي عبد الجبار مواقف المعتزلة من اليمان كما يلي‪ ":‬وجملة ذلك أن اليمان عند‬
‫أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات والفرائض دون النوافل‪ ،‬واجتناب المقبحات‪ .‬وعند‬
‫أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات‪ ،‬وهو الصحيح من‬
‫المذهب الذي اختاره قاضي القضاة‪ :‬الصول الخمسة‪.707 :‬‬
‫انظر في هذا الشأن أيضا ‪ :‬اليجي‪ :‬المواقف ‪ 2/454‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار الصول الخمسة‪:‬‬
‫‪705‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد‪33:‬‬
‫(‪ )20‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪37 :‬‬
‫(‪ )21‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ط ‪199 :2‬‬
‫(‪ )22‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ .‬البيتان ‪7 :98 ،97‬‬
‫ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪9:‬‬
‫(‪ )23‬مجموعة من المحشين‪ :‬حواش على كتاب الجهالت‪68:‬‬
‫(‪ )24‬أبو خرز ‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪57 -56 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/468‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫وفي هذا الصدد تسميت المصادر في اعتبار العمال داخلة في اليمان فيقول الشماخي في رده‬
‫على صولة الغدامسي‪ ":‬ودليل النقل‪:‬‬
‫‪( -‬وما كان ال ليضيع إيمانك) (‪ )25‬أي صلتكم‪.‬‬
‫‪( -‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم لياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم‬
‫يتوكلون الذين يقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند‬
‫ربهم ومغفرة ورق كريم) (‪ 8‬النفال ‪)2 ،4‬وإنما للحصر أولئك هم المؤمنون حقا يفيد الحصر‬
‫والتخصيص ومن ليس من أهل الية أولئك هو المؤمن كذبا أو ليسوا بمؤمنين‪.‬‬
‫‪( -‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) (‪ 32‬السجدة ‪ )18‬فإن قسيم الشيء ل يكون قسما منه‪ ،‬وهذه‬
‫الية ل وجوب لها إل تعنتا ‪...‬وقوله عليه السلم‪ " :‬اليمان نيف وسبعون شعبة أعلها شهادة أن‬
‫ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن الطريق" (‪. )26‬‬
‫وقوله‪ " :‬الحياء شعبة من اليمان" (‪. )27‬‬
‫‪ -‬وقوله لوفد عبد القيس‪ " :‬أتدرون ما اليمان؟ " ففسره بالشهادتين وذكر الصلة والصوم والزكاة‬
‫والحج" (‪. )28‬‬
‫‪ -‬وقوله‪ " :‬ل أمانة ل عهد له‪ ،‬ل إيمان ل أمانة له‪ ،‬ل إيمان لمن ل صلة له" (‪. )29‬‬
‫ومثل هذا كثير وسئل عليه السلم عن أفضل العمال فقال‪" :‬إيمان ل شك فيه" (‪" )30‬فجعله من‬
‫العمال"‪)31( .‬‬
‫ول يغفل الباضية عن صحة إيمان من اخترتهم المنية قبل وجوب العمل (‪ )32‬ويقول السالمي‬
‫في ذلك‪" :‬إن العمل ل يكون من اليمان إل إذا كان لزما فيخرج القول بأن جميع الطاعات‬
‫إيمان‪ ،‬وفيه تنبيه على أنه يأتي على المكلف حال وليس عليه من العمال البدينة مفترض‪ ،‬كما إذا‬
‫لم تبلغه الحجة بشيء من السمعيات أو كان ولم يأت عليه وقت يجب فيه عليه عمل" (‪. )33‬‬

‫( ‪)1/469‬‬

‫وقيل‪ :‬كل طاعة فهي من اليمان ول يقال كل طاعة ل هي إيمان وليس كل طاعة ل إيمانا لن‬
‫فيها الوسائل وترك الوسائل ل يكفر واليمان إذا ترك كان تركه كفرا (‪. )34‬‬
‫والمهم في إلحاح الباضية على اعتبار العمال الواجبة من اليمان وأن الخلل بشيء منها يفسد‬
‫اليمان كله‪ ،‬وهذا موقف من الصرامة بمكان كان له الثر الفعال في البعد الحضاري لهذه القضية‬
‫لدى الباضية (‪. )35‬‬
‫ثم إلى جانب هذا طرحت قضية الزيادة والنقصان وللباضية فيها ثلثة مواقف‪:‬‬
‫‪ )1‬اليمان يزيد وينقص‪.‬‬
‫‪ )2‬اليمان يزيد ول نقول ينقص وإنما يقال يضعف‪.‬‬
‫‪ )3‬اليمان يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫وتذكر المصادر عادة المواقف الثلثة‪ .‬أما عن الموقف الول فيقول أبو عمار عبد الكافي‪ ":‬وقال‬
‫عز وجل‪( :‬فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) (‪ 9‬التوبة ‪ )124‬أي يعملون بما في السورة من‬
‫الفرائض فيزدادوا بذلك إيمانا ‪ ،‬وقال‪( :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا‬
‫مع إيمانهم) (‪ 48‬الفتح ‪ )4‬فهؤلء قوم مؤمنون مستكملون اليمان قد أخبر ال عنهم أنهم مع ذلك‬
‫يزدادوا إيمانا مع إيمانهم فدل ذلك على أن اليمان خصائل كثيرة تزداد وتنقص" (‪. )36‬‬
‫ويستدل لذلك صاحب المنهج بحديث للرسول عليه السلم وبأثر لعلي ابن أبي طالب فيقول‪" :‬‬
‫وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬اليمان يزيد وينقص" (‪ )37‬وذلك بتأثير‬
‫الطاعات في القلب‪ .‬وقال علي ابن أبي طالب‪ " :‬إن اليمان يبدو لمعة بيضاء في القلب فإذا عمل‬
‫العبد بالطاعات الصالحات نمت وزادت حتى يبيض القلب كله‪)38( "...‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول أبو مهدي‪ ":‬واليمان يزداد وينقص وخصاله محدودة" (‪ )39‬وإلى مثل هذا‬
‫الرأي ذهب أبو حزر بعد الرد على المرجئة حيث أثبت أن اليمان خصال فقال‪ ":‬إن اليمان‬
‫يزداد وينقص"‪)40( .‬‬

‫( ‪)1/470‬‬

‫أما الموقف الثاني‪ :‬فتنسبه المصادر العمانية إلى أبي سعيد الكدمي وهو في الحقيقة نوع من‬
‫التحري في اختيار العبارة‪ ،‬ومواكبة للموقف العام القائل بأن اليمان كل إذا انتقص جزء منه فسد‬
‫كله‪ ،‬وهذا ما ينقله عنه صاحب المنهج‪ ":‬وقال أبو سعيد رحمه ال‪ :‬اليمان يزيد ول ينقص لنه‬
‫إذا انتقص منه شيء بطل كله‪ ،‬ويقال إن اليمان يضعف ول ينقص (‪. )41‬‬
‫أما صاحب القاموس فيضيف‪ ":‬ول يلحقه اسم النقصان هكذا في قول أصحابنا" (‪. )42‬‬
‫أما الموقف الثالث‪ :‬ويبدوا أنه الراجح عند المشارقة فيحلله أحمد الخليلي في تعليقه على قول‬
‫السالمي‪ ":‬في وجهة (اليمان) الشرعي ليس بنقس"‪ ،‬فيقول‪ ":‬ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن‬
‫اليمان يزيد ول ينقص‪ ،‬وهذا المذهب إذ تؤمل له أصالته في العقيدة سواء حملنا اليمان على‬
‫حقيقته اللغوية أو حقيقته الشرعية‪ .‬فإن حمل على حقيقته اللغوية وهو التصديق الذي هو قاعدة‬
‫اليمان تجلت صحة هذا المذهب من حيث إن أول واجب يخاطب به النسان التيان بالجملة التي‬
‫كان يدعو إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي تتألف من كليات تنطوي تحتها جزئيات‬
‫اليمان العتقادي‪ ،‬ول يلزمه أن يعتقد شيئا من تفاصيلها التي لم تقم بها الحجة عليه‪ ،‬فإذا قامت‬
‫عليه بشيء من هذه الجزئيات وجب اعتقاده‪ ،‬وتصبح بذلك دائرة اليمان أوسع من ذي قبل‪ ،‬فإن‬
‫معرفة الشيء إجمال تختلف عن معرفته تفصيل ول يمكن أن يرجع النسان من العلم إلى الجهل‪،‬‬
‫وعليه فإن إنكار شيء مما قامت عليه الحجة في تفسيرها إما أن يؤدي إلى الشرك وإما إلى كفر‬
‫النعمة وكل منهما مناف لليمان‪.‬‬

‫( ‪)1/471‬‬

‫وإن حمل على معناه الشرعي الذي يستمل العتقاد والقول والعمل‪ ،‬جلت صحة هذا المذهب حيث‬
‫إن أول ما يتعبد به النسان العتقاد‪ ،‬وإذا اعتقد ما لزمه اعتقاده ولم يحضره فرض قولي أو‬
‫عملي كان مؤمنا كان كامل اليمان‪ ،‬وإذا وجب عليه شيء من القوال أو الفعال وأداه كما وجب‬
‫عليه ازداد إيمانه‪ ،‬وإذا أخل بهذا الواجب إنهدم إيمانه كله وال أعلم" ‪)43( .‬‬
‫وينبه السالمي إلى أن القاعدة تتعلق بالشخص الواحد دون المقارنة بين شخص وآخر إذ اليمان‬
‫بهذا العتبار متفاوت (‪. )44‬‬
‫كما يعتبر أن تسمية ما رفع من الواجبات على النساء نقصانا من باب الخلف اللفظي (‪. )45‬‬
‫إن المتأمل في هذه المواقف الثلثة يتبين أن الول اعتمد على المنطق في تقرير النقصان إذ كل‬
‫ما يزيد ينقص إل أن الموقفين الخرين تبنيا ما هو أقرب إلى أسس الباضية في اليمان وتحري‬
‫الكدمي في العبارة يبدو أسلم إذ الضعف يختلف عن النقص‪ ،‬لن الطاعة تبقى قائمة مع الضعف‬
‫فل ينهدم اليمان‪ ،‬أما مع النقص فإن الطاعة تنهدم فيخشى من ذلك انهدام اليمان ‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫النسان يستحيل عليه أن يأتي بالطاعات دائما على الوجه الكمل إذ تعتريه حالت ضعف‬
‫وحالت قوة‪.‬‬
‫والتأمل في هذه النقطة يبدو في الظاهر كأنه من ترف القول‪ ،‬لكن ارتباطها خاصة بالعمل يعطيها‬
‫بعدا حضاريا يجعل المؤمن يسعى إلى المزيد من الطاعات والجادة فيها حتى يقترب من مصاف‬
‫الصديقين والشهداء والصالحين والنبياء‪ ،‬وبمثل هذا التنافس في طلب الزيادة والخشية من‬
‫النقصان يصلح المجتمع‪ ،‬وهذا له بعد حضاري في الحفاظ على توازن المجتمع الخلقي إذ المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات‪.‬‬
‫والملحظ أن الباضية لم يشيروا إلى قضية تعليق اليمان بالمشيئة لكن كانوا يتحرون الجواب‬
‫عندما يطرح عليهم السؤال التالي‪ ":‬أمؤمن أنت"؟‬

‫( ‪)1/472‬‬

‫ويقول صاحب المنهج في ذلك ‪ ":‬ومن سئل عن اليمان‪ -‬وهو مؤمن‪ -‬فقيل له‪ :‬أمؤمن أنت؟ فإنه‬
‫يقول‪ :‬إن كنت تريد أني من أهل القرار باليمان فنعم أنا مقر باليمان وبجميع أحكامه‪ ،‬وإن كنت‬
‫تريد باليمان اليمان الحقيقي الذي قال ال تعالى فيه‪ ( :‬أولئك هم المؤمنون حقا) (‪ 8‬النفال ‪)4‬‬
‫علم لي في ذلك ‪ ،‬وعلمه عند ال" (‪. )46‬‬
‫ثم يقول بعد تحليله للقضية‪ ":‬فل يجوز لحد أن يقول أنا مؤمن حقا‪ ،‬ول يكون هذا من الشك في‬
‫اليمان‪ ،‬ول يجوز لحد أن يقول‪ :‬إنه من أهل الجنة‪ ،‬لن ذلك من تكلف علم الغيب الذي لم‬
‫يجعله ال لحد من عباده إل النبياء والمرسلين" (‪. )47‬‬
‫ومعلوم أن هذه القضية أثارت نقاشا طويل في الوساط السلمية من وقت مبكر‪ ،‬إذ يرجعها‬
‫القائلون بها إلى ابن مسعود وفي ذلك يقول ابن حزم‪ ":‬واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن‬
‫فروينا عن ابن مسعود وجماعة من الفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك فكان يقول‪ :‬أنا‬
‫مؤمن إن شاء ال" (‪. )48‬‬
‫وينسب شارح جوهرة التوحيد أبياتا إلى بعض الفاضل تحوصل الخلف في هذه القضية فيقول‪:‬‬
‫(رجز)‬
‫(‪)49‬‬
‫ومار الخلف بين النزعتين في النظر إلى اليمان الحالي أو اليمان في المستقبل‪ ،‬فأما من نظر‬
‫إلى اليمان الحالي فلم يجز الستثناء لن ذلك يوحي بالشك في اليمان‪ ،‬وأما من نظر إلى اليمان‬
‫في المستقبل وإمكانية بقائه إلى النهاية‪ ،‬وإمكانية زواله قبل الموت‪ ،‬فقد أجاز الستثناء لن فيه‬
‫تفويضا إلى ال تعالى‪ ،‬والساس في النهاية هو ما قال به الغزالي وهو التعليق بالمشيئة للتبرك‬
‫لن النسان ل يعلم خاتمة أمره‪ ،‬والمدار على الخواتم‪)50( .‬‬

‫( ‪)1/473‬‬

‫ويذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا بالنسبة إلى من يعلم من نفسه أنه مؤمن فيقول‪ ":‬فواجب عليه‬
‫أن يقول إنه مؤمن مسلم قطعا عند ال تعالى في وقتي هذا‪ ،‬ول فرق في قوله أنا مؤمن مسلم‪،‬‬
‫وبين قوله أنا أسود أو أنا أبيض وهكذا سائر صفاته التي ل يشك فيها‪ ،‬وليس هذا من باب‬
‫المتداح والعجب في شيء" (‪. )51‬‬
‫إل أنه ل يغفل في نهاية الفصل عن التنبيه إلى تفويض أمر المستقبل إلى ال إذ ( وما تدري نفس‬
‫ماذا تكسب غدا" (‪ 31‬لقمان ‪.)34‬‬
‫هذا في ما يتعلق بقضية الستثناء فماذا عما بقي من ملحظات عن تعريف اليمان وما يترتب‬
‫على التوقية في الدنيا والخرة؟‬
‫==================================‬
‫(‪ )25‬البقرة ‪ ]:143‬وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على‬
‫عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرءوف‬
‫رحيم[‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬إيمان‪ .3 :‬أبو داود‪ :‬سنة ‪ 14‬الترمذ ي‪ :‬إيمان‪ . 6:‬النسائي‪ :‬إيمان‪ .16 :‬ابن‬
‫ماجة‪ :‬مقدمة‪.9 :‬أحمد بن حنبل ‪.445 .414 .2/379‬ر‪ . .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪1/109‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان‪ .58 ،57 :‬البخاري‪ :‬إيمان‪ .3 :‬أبو داود‪ :‬سنة ‪ 14‬النسائي‪ :‬إيمان‪.16 :‬‬
‫ابن ماجة‪ :‬مقدمة‪.9 :‬أحمد بن حنبل ‪ 442 .2/414‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪3/133‬‬
‫(‪ )28‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪. 251 ،210 ،154 ،3/135:‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪120 /1‬‬
‫(‪ )30‬النسائي‪ :‬إيمان ‪ .1‬الزكاة ‪ .49‬الدارمي‪ :‬صلة‪ .135 :‬رقاق‪ 28:‬أحمد بن حنبل‪.2/2589 :‬‬
‫‪.3/412‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪3/166 :‬‬
‫(‪ )31‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.36 -35:‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة‬
‫التوحيد ط ‪203 -201 2‬‬
‫(‪ )32‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪35:‬‬
‫(‪ )33‬السالمي‪ :‬المشارق‪333 :‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/57‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما يلي‪753 :‬‬
‫(‪ )36‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪98 -97 /2‬‬

‫( ‪)1/474‬‬

‫(‪ )37‬ر‪ .‬ابن ماجة‪ :‬مقدمة ‪. 9‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.2/371‬‬
‫(‪ )38‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 1/569‬ر‪ .‬ابن حزم ‪ :‬الفصل ‪ .3/194‬يبين أنه يزيد‬
‫وينقص حتى في التصديق حسب المتعلق إذ تصديق الرسل ليس كتصديق عامة الناس‪.‬‬
‫أما عن موقف الشاعرة فتأمل ما جاء عند البيجوري‪ ":‬فتلخص أن القسام ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬يزيد وينقص‪ :‬وهو إيمان المة إنسا وجنا‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يزيد ول ينقص‪ :‬وهو إيمان الملئكة على المشهور‪.‬‬
‫‪ -3‬يزيد ول ينقص‪ :‬وهو إيمان النبياء‬
‫وبعد أن بين الحجج العقلية عند القائلين إنه يزد وينقص ذكر أن أبا حنيفة يعتبر أنه ل يزيد ول‬
‫ينقص‪.‬‬
‫أما الخطاب فيبين أنه يزيد ول ينقص حيث قال‪ ":‬اليمان الكامل ثلثة أمور‪ :‬قول وهو ل يزيد‬
‫ول ينقص‪ ،‬وعمل هو يزيد وينقص‪ ،‬واعتقاد وهو يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫ويختم بقوله ‪ :‬إن اليمان يزيد وينقص كما هو التحقيق"‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪-50‬‬
‫‪.51‬‬
‫‪ )39‬أبو مهدي‪ :‬رسالة إلى عمان‪86 :‬‬
‫(‪ )40‬أبو خرز ‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪631 :‬‬
‫(‪ )41‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/574‬‬
‫(‪ )42‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪6/47 :‬‬
‫(‪ )43‬أحمد الخليلي‪ :‬تعليق ‪. 1‬ر‪ .‬السالمي‪ :‬المشارق ‪334‬‬
‫(‪ )44‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق ‪335-334‬‬
‫(‪ )45‬نفس المصدر‪335 :‬‬
‫(‪ )46‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪575 /1‬‬
‫(‪ )47‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/576‬‬
‫(‪ )48‬ابن حزم الفصل‪227 /3 :‬‬
‫(‪ )49‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪103 :‬‬
‫(‪ )50‬ر‪ .‬تعليق محمد الطالبي‪ :‬فصل الرجاء‪ ،‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪ 372 .‬عدد ‪1‬‬
‫(‪ )51‬ابن حزم الفصل‪228 /3 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/475‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫ول بأس هنا من التنبيه إلى أن الباضية يعتمدون في التعريف أحيانا في الضداد وفي هذا يقول‬
‫الشماخي‪ ":‬فاليمان توحيد يقابله الشرك‪ ،‬وغير توحيد يقابله كفر النعم" (‪. )52‬‬
‫هذا في مجال الرد على من اعتبر أن اليمان يقابله الكفر‪ ،‬ويعتبر الشماخي أن الكفر يقابله‬
‫الشكر‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬إما شاكرا وإما كفورا) (‪ 76‬النسان ‪ )3‬ويبين أن المقابلة في علة اليمان‬
‫وعلة الكفر إذ على اليمان المر‪ ،‬وعلة الكفر النهي‪ ،‬فكل مأمور به إيمان وكل منتهى عنه كفر (‬
‫‪. )53‬‬
‫وإلى جانب هذا يقع الحرص أحيانا على التمييز بين صيغة الفعل وصيغة اسم الفاعل إذ يصح أن‬
‫نقول آمن في شأن العصاة لكن ل يصح أن يقال مؤمن في شأنهم ‪ ،‬وفي ذلك يقول الشماخي‪":‬‬
‫يقال آمن ول يقال مؤمن لن معناه أقر ولم يوف‪ ،‬والمؤمن هو الموفي ولو كان من آمن يقال له‬
‫مؤمن لكان المذكورون في قوله‪ ( :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (‪ 2‬البقرة ‪) 85‬‬
‫مؤمنين" (‪. )54‬‬
‫ول ينبغي أن نغفل عن إشارة عمر أبن أبي ستة إلى التمييز بين إيمان المجتهد وإيمان المقلد‪ ،‬فإذا‬
‫كان إيمان المجتهد قائما على الدلة النقلية والعقلية‪ ،‬فإن إيمان المقلد (‪ )55‬هو الخذ بقول الغير‬
‫جزما ممن ثبت صلحه عند المقلد ‪ ،‬والساس في الجمع بين العقيدة والقول والعمل سواء أكان‬
‫ذلك عن اجتهاد أو تقليد‪.‬‬
‫كل هذا الحرص مداره حينئذ اللحاح على أن اليمان الحق ل يستحق إل بجميع خصاله من فعل‬
‫وترك‪ ،‬ومن تكاملت فيه هذه الخصال يكون مؤمنا موفيا‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول أبو نصر‪(:‬طويل)‬
‫(‪)56‬‬

‫( ‪)1/476‬‬

‫ويحلل الجيطالي المعنى كما يلي‪ ":‬البيت الثاني يقول من مات على غير الوفاء بجميع الفرائض‪،‬‬
‫وترك جميع الكبائر‪ ،‬فمصيره إلى النار والبوار‪ ،‬فإن قال القائل‪ :‬كيف أبطلتم جميع طاعات العبد‬
‫بترك خصلة واحدة؟ قيل له‪(:‬أوف بعهدكم) إن الثواب متعلق بالوفاء بجميع الدين‪ ،‬كما قال ال‬
‫تعالى‪ ( :‬وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) (‪ 2‬البقرة ‪ )40‬فمن لم يوف بعهد ال فل عهد له‪ ،‬ولن‬
‫الثواب فضل من ال تعالى من غير وجوب ول إيجاب لنه المالك القهار‪.‬‬
‫وأما في جوده وكرمه فنعم‪ ،‬فكما قال ال تعالى‪ ( :‬وكان حقا علينا نصر المؤمنين) (‪ 30‬الروم‬
‫‪ ،)47‬وله على عباده المر والنهي‪ ،‬فإن انزاحوا عن محارمه وامتثلوا أوامره‪ ،‬كان لهم عليه‬
‫الوفاء فضل وكرما‪ ،‬فإن تركوا خصلة منها كان عليهم العقاب فضل عن الثواب" (‪. )57‬‬
‫هكذا يتضح أن في موقف الباضية صرامة ل تصل إلى ما ينسب إلى الصفرية والزارقة من‬
‫شدة تتمثل في نفي عمن لم يهاجر إليهم‪ ،‬وتبعد بهم عن انحلل المرجئة الذين دفعوا المة‬
‫السلمية إلى الستهانة بالعمل أمرا ونهيا‪.‬‬
‫ومن هنا يتضح البعد الحضاري لهذا التصور الذي لم يتزحزح عنه الباضية العارفون بعقيدتهم‬
‫إلى يومنا هذا‪ ،‬ولن تتكامل الصورة إل بعد معرفة موقفهم من حقيقة الكفر‪.‬‬
‫ولعله يحسن‪ ،‬قبل أن نتحول إلى ذلك‪ ،‬أن نذكر ما يترتب على اليمان‪ ،‬وهو كما تبينا اعتقاد‬
‫وقول وعمل ل يتحقق إل إذا تكاملت أجزاؤه فإنه يزداد ويضعف ويقابله الشرك من حيث هو‬
‫توحيد‪ ،‬وكفر النعم من حيث هو عمل‪ ،‬قد يكون عن اجتهاد وقد يكون عن تقليد في الدنيا والخرة"‬
‫(‪. )58‬‬
‫أما في الدنيا فيلخص ذلك شارح النونية كما يلي‪ ":‬ولية الموفى منهم بالدين وحبه وطلب الغفران‬
‫له ونصيحته وإعانته على البر والتقوى‪ ،‬وترك ضره وبغضه واغتيابه‪ ،‬وغير ذلك من حقوقه‬
‫الواجبة له ظاهرا وباطنا‪.‬‬
‫وأما في الخرة فقد وعد ال تعالى بأن يفي بوعده أل وهو جنة النعيم‪.‬‬
‫وبعد تعريف اليمان فلنعرف الكفر‪.‬‬
‫حقيقة الكفر‪:‬‬

‫( ‪)1/477‬‬

‫رأينا في الباب الول عند الحديث عن افتراق المة كيف أن مختلف الفرق تسم بعضها البعض‬
‫بسمة الكفر‪ ،‬وتتأرجح المواقف في ذلك بين طرفين متناقضين‪ ،‬طرف من عرفوا بالخوارج هؤلء‬
‫الذين تروي عنهم مصادر الفرق الخرى أنهم يعتبرون كل من خالفهم كافرا مشركا‪ ،‬وإن صلى‬
‫وصام‪ ،‬وطرف عرفوا بأهل الرجاء هؤلء الذين اشتهروا بقولتهم‪ ":‬ل تضر مع اليمان‬
‫معصية"‪ .‬بين هؤلء وأولئك تتنزل جميع الفرق السلمية‪ ،‬فما هي منزلة الباضية في هذا‬
‫الخصم؟ وما هو مفهوم الكفر عندهم؟ وما هو حكم الكافر في الدنيا والخرة؟‬
‫لقد تبرأ عبدال بن إباض إمام الباضية من اللحظة الولى من نافع بن الزرق‪ ،‬وميز بين كفر‬
‫الشرك وبين كفر النعم‪ ،‬واستمر هذا الموقف إلى يومنا هذا إل أن بقية الفرق لم تنتبه إلى هذا‬
‫التمييز بوضوح لنها تحشر الباضية في زمرة الخوارج فماذا عن كفر النعم؟‬
‫أ?) الباضية وكفر النعم؟‬
‫إن هذا الموقف تأصل من وقت مبكر مع الئمة الول‪ ،‬ويتضح ذلك خاصة في ما جمعه الربيع‬
‫بن حبيب في الجامع الصحيح من أحاديث جاءت بعنوان‪ ":‬الحجة على من قال إن أهل الكبائر‬
‫ليسوا بكافرين" (‪. )59‬‬
‫وعوض أن أتتبع التطور التاريخي للقضية رأيت من الصلح أن أعتمد خاصة على مصادر‬
‫المرحلة المقررة في تعريف كفر النعم لن هذا المصطلح ظل نفسخ عبر الزمن‪)60( .‬‬
‫الكفر لغة‪:‬‬
‫يورد الشماخي (‪ )61‬والمحشي (‪ )62‬أن الكفر هو الستر والتغطية‪ ،‬وسمي الليل كافرا لنه يستر‬
‫كل شيء بظلمته (‪ )63‬وهو أيضا الجحود لقوله تعالى‪ ( :‬وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )115‬ويشير المحشي إلى أن كلمة كفر قد تعني البحر لنه يحجب كل شيء كما أن‬
‫الحارث يسمى كافرا باعتباره يستر البذر"‪)64( .‬‬
‫فالكفر لغو حينئذ هو الستر والتغطية (‪. )65‬‬
‫الكفر شرعا‪:‬‬

‫( ‪)1/478‬‬

‫ينقل المحشي عن عقيدة أبي سهل أن الكفر في الشرع " هو جميع ما أوجب ال عليه العقاب"‬
‫وذلك عند شرحه للتعريف الذي تبناه الجناوني وهو " الستفاد الى ولي النعمة" (‪)66‬‬
‫أما الشماخي فيقول‪ " :‬وأطلقت كلمة الكفر في عرف الشرع على الشرك تارة وعلى النفاق‬
‫أخرى‪ ،‬وهو ضد اليمان والكفران جحود النعم" (‪. )67‬‬
‫فاتضح حينئذ أن الباضية يقسمون الكفر إلى قسمين هما كفر الشرك وكفر النعم‪ ،‬وقد كان هذا‬
‫التمييز مصدر إشكال للفرق الخرى‪ ،‬لن كلمة الكفر تطلق في أغلب النصوص بدون إضافة‬
‫الشرك أو النعم‪ ،‬ولهذا كثيرا ما تتهم الفرق الخرى الباضية بأنهم يكفرون غيرهم دون الوقوف‬
‫على هذا التمييز الصطلحي‪ -‬كفر النعم‪ -‬من القرآن الكريم والسنة الشريفة وقد جمع الشماخي‬
‫هذه الدلة في رده على صولة الغدامسي كما يلي‪:‬‬
‫" فإن قلت ضد اليمان الكفر كما تقدم‪ ،‬ولو كانت العبادات إيمانا لكان تاركها كافرا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬المر كذلك‪ ،‬ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج (‪ )68‬قال تعالى‪ ( :‬ول على الناس حج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني عن العالمين) (‪ 3‬آل عمران) والخطاب‬
‫للمصدقين‪ .‬وقال تعالى‪ ( :‬هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) (‪ 27‬النمل ‪ )40‬وقال‬
‫تعالى‪ ( :‬ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) (‪ 5‬المائدة ‪ ،)44‬وقال تعالى‪ ( :‬ومن‬
‫كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (‪ 24( )69‬النور ‪ )55‬وقال تعالى‪ ( :‬فكفرت بأنعم ال) (‪( )70‬‬
‫‪ 16‬النحل ‪. )71( )112‬‬

‫( ‪)1/479‬‬

‫وبعد هذا الستدلل بالقرآن الكريم يورد ما ل يقل عن عشرين حديثا محور بعضها إطلق الكفر‬
‫صراحة على المصدقين ونذكر منها قوله عليه السلم حين سأله الرجل عي فريضة الحج فقال‪" :‬‬
‫أفي كل عام يا رسول ال ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬لو قلت نعم لوجبت‪ ،‬ولو وجبت لم‬
‫تفعلوا‪ ،‬ولو لم تفعلوا لكفرتم‪ ،‬ولكن إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما‬
‫استطعتم" (‪ . )72‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ليس بين العبد والكفر إل تركه الصلة" (‪)73‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" (‪ ، )74‬ومحور البعض‬
‫الخر نفي العصاة من دائرة الجماعة المسلمة مثل قوله عليه السلم‪ " :‬من غشنا فليس منا" (‪)75‬‬
‫‪.‬‬
‫ثم يختم هذا الستدلل بقوله‪ ":‬وكثرة الدليل تمنع التأويل" (‪ )76‬وإن بدت لهجته قاطعة هنا لنه‬
‫كان في صدد الرد‪ ،‬فقد جاء موقفه أكثر احترازا عند معالجة نفس القضية في شرح عقيدة التوحيد‬
‫حيث يقول‪ ":‬وهو‪ -‬كفر النعم‪ -‬كثر وإن كان في بعضها احتمال الوجه الول‪ -‬الشرك‪ -‬وأستغفر‬
‫ال من حمل كتابه على غير معناه‪ ،‬وللمة في الكفر خلف وتشعيب" (‪. )77‬‬
‫ويحاول الشماخي أن يعلل هذا التقسيم في سياق جدلي فيقول‪ ":‬فإن قلت لي علة جعلت بعض‬
‫الكفر شركا وبعضه غير الشرك ‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن تذكر علة المخصوص فيقال لعلة المساواة‪ ،‬ولو‬
‫خصصت بالسؤال النفاق لكان الجواب بالخلف" (‪. )78‬‬
‫ويعتبر في سياق آخر أن المفهوم الثاني مجاز " أقول‪ :‬لم نقل إن كفرهم شرك بل كفر نعمة ‪،‬‬
‫وهو مجاز" (‪. )79‬‬
‫================================‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪34:‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪34:‬‬
‫(‪ )54( )54‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪44 :‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪24 :‬‬
‫(‪ )56‬أبو نصر فتح بن نوح ‪ :‬النونية البيتان ‪:89 .88‬‬

‫( ‪)1/480‬‬
‫(‪ )57‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 69 /6 :‬نقل عن شرح النونية للجيطالي‪.‬‬
‫(‪ )58‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 136‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪344‬‬
‫(‪ )59‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 5 -3/2‬والحاديث من عدد ‪ 743‬إلى عدد ‪ .767‬انظر‬
‫ما يلي حيث اعتمدنا هذه الحاديث في قضية الوعد والوعيد وقضية الخلود‪.‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.121 /2‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط‬
‫‪42 -1/37 ، 2‬‬
‫(‪ )61‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪127 :‬‬
‫(‪ )62‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37 :‬‬
‫(‪ )63‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪85 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪26 :‬‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬ابن منظور لسان العرب مادة كفر‬
‫(‪ )66‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪86:‬‬
‫(‪ )67‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪ 127 :‬وعن الشرك والنفاق انظر ما يلي‪ 518 :‬و ‪514‬‬
‫(‪ )68‬يعني الزارقة والصفرية‬
‫(‪ )69‬والسياق عن وعد ال للمؤمنين‪.‬‬
‫(‪ )70‬والسياق عن قرية مطمئنة كان يأتيها رزقها رغدا‪.‬‬
‫(‪ )71‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.37 :‬‬
‫(‪ )72‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪. 2/2‬ر‪.‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة المائدة ‪ .05‬النسائي‪:‬‬
‫مناسك ‪ .1‬ابن ماجة ‪ :‬مناسك ‪ 2:‬الدارمي‪ :‬مناسك ‪. 4‬أحمد بن حنبل ‪ 291 ،1/255‬ر‪ .‬ونسنك‬
‫المعجم المفهرس ‪ 7/138‬مع اختلف في الصيغة‪.‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬مسلم إيمان ‪ .134‬الدارمي سنة ‪ .15‬الترمذي إيمان ‪ .9‬ابن ماجة اقامة ‪ .77‬الدارمي‬
‫صلة ‪ ،29‬أحمد بن حنبل ‪.142 .60 .3/23‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.6/37‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .1/1‬أحمد بن حنبل ‪.142 .2/23.60‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.6/34‬‬
‫(‪ )75‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .164‬أبو داود‪ :‬بيوع ‪ .50‬الترمذي‪ :‬بيوع ‪ .72‬ابن ماجة‪ :‬تجارات ‪36‬‬
‫الدرامي‪ :‬بيوع ‪. 10‬أحمد ‪ 4/45 .3/466 .2/50‬ونسنك ‪4/515‬‬
‫(‪ )76‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪38:‬‬
‫(‪ )77‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪127 :‬‬
‫(‪ )78‬نفس المصدر‬

‫( ‪)1/481‬‬
‫(‪ )79‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪44:‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/482‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫ويزيد المحشي القضية توضيحا حيث يعتبر كفر النعمة فسقا فيقول‪ ":‬واعلم أن الكافر والفاسق‬
‫واحدا" كما يقول ‪ ":‬صاحب الكبيرة نسميه فاسقا كافرا"‪ ،‬ويستدل لذلك بقوله تعالى‪( :‬وأما الذين‬
‫فسقوا فمأواهم النار) (‪ 32‬السجدة ‪ )20‬وقوله‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪ 22‬الحج ‪)72‬‬
‫فالفاسق الذي جعل مأواه النار هو الكافر الذي وعده النار فثبت التساوي" (‪. )80‬‬
‫كما يستدل يوسف المصعبي بقول البرادي الذي يسوي بين الفسق وكفر النعمة حيث يقول" الفسق‬
‫أيضا الخروج من اليمان(جانب العمل)‪ .‬تقول العرب فسقت الرطبة أي نفينا عنها قشرتها‬
‫وخرجت منها‪ .‬وذلك بعد أن بين أثناء الرد على المعتزلة الذين يعتبرون الفسق منزلة بين‬
‫المنزلتين‪ ،‬أن الفسق والكفر مترادفان بدليل قوله تعالى‪ ( :‬وقو نوح من قبل إنهم كانوا قوما‬
‫فاسقين) (‪ 51‬الذاريات ‪ )46‬وقوله تعالى‪ ( :‬ففسق عن أمره ربه) (‪ 18‬الكهف ‪ .)50‬ثم يعلق على‬
‫كلم تبغورين بقوله‪":‬فالمناسب للمصنف رحمه ال أن يثبت التساوي بين الكفر والفسق بالقرآن" (‬
‫‪. )81‬‬
‫ويقول يوسف المصعبي أيضا في شأن التسوية بين كفر النعمة والنفاق ما يلي‪ ":‬وأما الباضية‪...‬‬
‫فصاحب الكبيرة عندهم بريء من الشرك واليمان موسوم بالكفر والنفاق كما قال تعالى‪( :‬مذبذبين‬
‫بين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء) (‪ 4‬النساء ‪)82( .)143‬‬
‫وقد وضح أبو عمار القضية من قبل بعد أن أورد هذه الية كما يلي‪ ":‬ل إلى المشركين في الحكم‬
‫والسيرة ‪ ،‬ول إلى المؤمنين في السم والثواب ‪ ،‬كما قال عز وجل‪ ( :‬ما هم منكم ول منهم) (‪58‬‬
‫المجادلة ‪ )83( )14‬نفاهم من المؤمنين أن يكونوا معهم في التسمية باليمان والمودة في الدين‪،‬‬
‫ونفاهم من المشركين أن يكونوا معهم في التسمية بالشرك وأحكام المشركين"‪)84( .‬‬

‫( ‪)1/483‬‬

‫ويشير الشماخي أيضا إلى أن كفر النعمة يرادف مفهوم الفجور والعصيان أيضا (‪. )85‬‬
‫وهكذا يتضح أن الباضية يعتبرون أن كفر النعمة مرادف للفسق والنفاق (‪ )86‬والفجور‬
‫والعصيان‪ ،‬فالكفر حينئذ أعم من الشرك ويقول يوسف المصعبي في ذلك‪":‬‬
‫وأما على أصلنا من كون الكفر أعم من الشرك فيصدق على المنافق والفاسق" (‪. )87‬‬
‫وقد حلل أبو عمار هذا التساوي في صدد الرد على المعتزلة فقال‪ ":‬قاسم الكافرين والفاسقين‬
‫والضالين والظالمين والفجار مشتمل على جميع أسماء أهل النار‪ ،‬كما أن اسم المؤمنين والمسلمين‬
‫والمهتدين والبارين مشتمل على جميع أسماء أهل الجنة‪ ،‬وستدل على ذلك بعديد من اليات مثل‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬واتقوا النار التي أعدت اللكافرين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )131‬حيث سمى أهل النار‬
‫كافرين وقوله تعالى‪ ( :‬وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم) (‪56‬‬
‫الواقعة ‪ )93‬حيث سماهم ضالين‪:‬‬
‫ويختم بقوله‪ ":‬فذل بهذا الذي قلنا أن هذه السماء كلها مقرونة بإثبات الوعيد‪ ،‬منوطة بوجوب‬
‫العقاب ‪ ،‬ولن يجوز أن يكون وجوب العقاب إل للكفر‪ ،‬كما ل يجوز أن يكون وجوب الثواب إل‬
‫لليمان"‪)88( .‬‬
‫وإن عتبرت المصادر الباضية أن كفر النعمة مرادف للفسق وما إلى ذلك فهي تجعله ضد‬
‫اليمان كما أشرنا إلى ذلك في التعريف الشرعي‪)89( .‬‬
‫ولتوضيح هذه الضدية ينقل يوسف المصعبي عبارة أبي عمار التالية‪ ":‬إنما يضاد المؤمن الكافر‬
‫ويضاد الكافر المؤمن" (‪ )90‬ويقول أيضا‪ ":‬إن اليمان والكفر ضدان فل يرتفعان معا كسائر‬
‫الضداد" (‪. )91‬‬
‫كما جاء الحديث عن هذه الضدية خلل تحليل مفهوم الستطاعة والعون‪ ،‬وفي ذلك يقول يوسف‬
‫المصعبي‪ ":‬والكافر ممنوع من اليمان يعني بالشتغال بالكفر ‪ ،‬فلذلك ل يكون معذورا لن منعه‪،‬‬
‫وعدم استطاعته إنما جاءا من قبله كما دل عليه قوله تعالى‪ ( :‬وما منع الناس أن يؤمنوا‪18( )...‬‬
‫الكهف ‪. )92( )93( )55‬‬

‫( ‪)1/484‬‬

‫فالمهم إذن أن الدخول في اليمان هو الخروج من الكفر كما أن الدخول في الكفر هو الخروج من‬
‫اليمان‪.‬‬
‫وتجدر الملحظة هنا أن هذه المصادر تجعل للكفر قواعد وأركانا‪ ،‬وقد تستعمل كلمة قوائم عوض‬
‫قواعد‪ ،‬وذلك للتحذير من كل ما يوصل إلى الكفر بنعم ال تعالى‪.‬‬
‫أما قواعده ‪ ،‬أو قوائمه فهي‪ :‬الجهل والحمية والكبر والحسد‪ .‬وأما أركانه فهي‪ :‬الرغبة والرهبة‬
‫والشهوة والغضب (‪ . )94‬وتكتفي هذه المصادر بتوضيح معاني هذه الكلمات بالعتماد على‬
‫نصوص من القرآن ومن الحديث لتبين مدى صلتها بالكفر‪.‬‬
‫ومن كفر النعمة إلى مرادفه النفاق‪.‬‬
‫==========================‬
‫(‪ )80‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.55 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‬
‫‪35‬‬
‫(‪ )81‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪36‬‬
‫(‪ )82‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تبغورين ‪26‬‬
‫(‪ )83‬وبقية الية ] ألم تر إلى تولوا قوما غضب ال عليهم‪[...‬‬
‫(‪ )84‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪2/117‬‬
‫(‪ )85‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪45:‬‬
‫(‪ )86‬انظر ما يلي‪514 :‬‬
‫(‪ )87‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )88‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪127 -2/126‬‬
‫(‪ )89‬انظر ما سبق‪.508 :‬‬
‫(‪ )90‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪32:‬‬
‫أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ 125 -2/124‬ويضيف مجموعة من الكلمات المتضادة بقوله‪":‬‬
‫ويضاد الموحد المشرك‪ ،‬كما أن المشرك يضاد المهتدي‪ ،‬كما أن المهتدي يضاد الضال‪ ...‬وكذلك‬
‫يضاد المؤمن الكافر‪ ،‬كما يضاد الكافر المؤمن‪ ،‬فمن تدبر ما قلنا من هذا وجده كما وصفنا إن‬
‫شاء ال "‪ .‬وهذا في صدود الرد على المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين‬
‫(‪ )91‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪35 :‬‬
‫(‪ )92‬وبقية الية ] إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إل أن تأتيهم سنة الولين أو يأتيهم العذاب‬
‫قبل[‪.‬‬
‫(‪ )93‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.79 :‬‬

‫( ‪)1/485‬‬

‫(‪ )94‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪.57 -54:‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‬
‫‪98.99‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/486‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الباضية والنفاق‪:‬‬
‫ذكرنا أن كلمة النفاق تأتي بمعنى كفر النعمة إل أن المصادر الباضية تتوسع في بسط مفهومها‬
‫فهي لغة‪ :‬كما جاء في الصبحاح‪ :‬والنافقاء إحدى حجرتي اليربوع يكتمها ويظهر غيرها‪ ،‬وهو‬
‫موضع يرققه فإذا أوتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فإنتفق‪ ،‬أي خرج‪ .‬والجمع النوافق‬
‫إلى أن قال ‪ :‬ونافق أي أخذ في نافقاء‪ ،‬ومنه اشتقاق المنافق في الدّين الخ‪. )95( "...‬‬
‫وقال صاحب كتاب العدل والنصاف‪ ":‬أبواب حجر اليربوع‪ :‬القاصعاء والرهطاء والنافقا‪ :‬باب‬
‫مستخف يخرج منه عند الضرورة إذا خاف‪ ،‬فأخفاه عن العيون" (‪. )96‬‬
‫النفاق شرعا‪ :‬قال في كتاب العدل والنصاف‪ ":‬هو اسم شرعي فسره أهل العلم فقالوا اختلف‬
‫السريرة والعلنية‪ ،‬واختلف القول والعمل‪ ،‬واختلف المدخل والمخرج‪ ،‬وهذه المقالة تروي عن‬
‫الحسن البصري ومعناه عن حذيفة بن اليمان (‪ )97‬وهو قول جل الصحابة" (‪. )98‬‬
‫ويقول المصعبي ‪ ":‬والذي عليه أصحابنا ومن وافقهم أن النفاق في الفعال ل في العتقاد فل فرق‬
‫بين منافق العصر وغيره من الموحدين" (‪. )99‬‬
‫ويلح المصعبي على أن النفاق يكون في الفعال عند شرحه لقوله تعالى‪ ( :‬ومنهم من عاهد ال‬
‫لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم‬
‫معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) (‪9‬‬
‫التوبة ‪ )77 -75‬فيقول‪ ":‬قلت فظاهر هذه القصة( قصة ثعلبة) يدل كما ذهب إليه الصحاب على‬
‫أن النفاق في الفعال لمن أنصف" (‪. )100‬‬
‫كما بين أن النفاق واليمان ل يجتمعان عند تعليقه على هذه اليات بقوله‪ ":‬فلما أخبرهم عن الوعد‬
‫باللسان وعقب بالنفاق في القلب عقوبة لهم‪ ،‬ولن يستقيم اليمان والنفاق في قلب واحد" (‪. )101‬‬

‫( ‪)1/487‬‬

‫ويقول الشماخي‪ ":‬اعلم أن أصل النفاق الخلف لقوله تعالى‪ ( :‬فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم‬
‫يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) (‪ 9‬التوبة ‪.)77‬‬
‫ويفسر ذلك المحشي كما يلي‪ ":‬يعني أن أصل النفاق الذي ينبني عليه هو الحلف والكذب لن‬
‫الصل ما يبنى عليه غيره كما يدل عليه ظاهر الية‪ ،‬وليس المراد أن الحلف والكذب هما عين‬
‫النفاق بل سببان له‪.‬‬
‫ويضيف الشماخي ذكر نوعين من أنواع النفاق‪:‬‬
‫أول‪ :‬نفاق الخيانة وهو ما ضيع من الفرائض وارتكاب الكبائر بشهوة‪ ،‬وقد قال عليه السلم‪ ":‬إذا‬
‫حدث كذب‪ ،‬وإذا ائتمن خان‪ ،‬وإذا وعد أخلف" (‪. )102‬‬
‫ثانيا‪ :‬نفاق التحليل والتحريم وهو ما يقوله أهل الخلف من غير الحق وما ارتكبوه بتأويل وديانة"‬
‫(‪. )103‬‬
‫وقد عدد الشماخي عند تعريفه للكبائر جميع كبائر النفاق فقال‪ ":‬وقال أصحابنا ‪ :‬الكبيرة كفر‬
‫وضلل وفسق‪ ...‬فمنه شرك‪ ،‬ومنه نفاق وهو جميع ما حرمه ال تعالى إن افتراقه غير محلل‪ ،‬أو‬
‫ترك شيئا مما أوجب عليه محرما له‪ ،‬ككسب الحرام‪ ،‬وأكله من أموال الناس‪ ،‬ومن الميتة‪ ،‬والدم‪،‬‬
‫ولحم الخنزير‪ ،‬والخمر‪ ،‬والنبيذ‪ ،‬والمسكر‪ ،‬والبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬وأنجاس أهل الشرك‪ ،‬وذبائحهم‪،‬‬
‫وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا ومقدماته‪ ،‬والربا ‪ ،‬والغش‪ ،‬والتطفيف‪ ،‬والبغي‪،‬‬
‫والسرقة‪ ،‬والخيانة‪ ،‬وقول الزور مطلقا‪ ،‬من الكذب‪ ،‬والقذف‪ ،‬والشهادة‪ ،‬وحكم الجور‪ ،‬والرشوة‬
‫عليه‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وفعل الميسر‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وقطيعة الرحم‪ ،‬ومنع الحق مطلقا ولو نفقة‬
‫عبدك وامرأتك‪ ،‬والسحر‪ ،‬والتنابز وكتمان الشهادة‪ ،‬وترك الصلة والصوم‪ ،‬ومنع الزكاة‪ ،‬وترك‬
‫الحج‪ ،‬والكبر والحسد‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬واليأس من الرحمة‪ ،‬وأمن مكر ال‪ ،‬والصرار على‬
‫الصغيرة والعصبية‪ ،‬والرغبة في الستحلل ‪ ،‬أو التحريم مع التحليل" (‪. )104‬‬
‫أما أصناف المنافقين فقد عددها المصعبي تبعا للصل الذي يشرحه (‪ )105‬فقال‪ ":‬وإنما كان أول‬
‫النفاق في أهل القبلة بتركهم الهجرة فسماهم ال منافقين‪.‬‬

‫( ‪)1/488‬‬

‫ومن المنافقين من أصاب النفاق بإيذاء الرسول صلى ال عليه وسلم في الصدقات‪.‬‬
‫ومنهم من نافق بمنعه الصدقة مثل ثعلبة وغيره‪.‬‬
‫ومنهم ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم) (‪9‬‬
‫التوبة ‪.)79‬‬
‫ومنهم المخلفون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في الجهاد‪.‬‬
‫ومنهم (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) (‪ 9‬التوبة ‪.)107‬‬
‫ذاك هو مفهوم النفاق‪ ،‬وتلك هي أصناف الكبائر التي تندرج تحته‪ ،‬وهؤلء هم أصناف المنافقين‬
‫حسب المصادر الباضية‪ ،‬فماذا عن الشرك ؟‬
‫==================================‬
‫(‪ )95‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪86:‬‬
‫(‪ )96‬نفس المصدر‬
‫(‪ )97‬حذيفة بن اليمان( ت ‪ )656 /36‬صحابي‪ .‬فاتح ‪ .‬صاحب سر النبي في المنافقين ر‪.‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم ‪181 -2/180‬‬
‫(‪ )98‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 17 :‬و حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )99‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 17 :‬و حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )100‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪29:‬‬
‫(‪ )101‬نفس المصدر‬
‫(‪ )102‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬شهادات ‪ .28‬وصايا ‪ 8‬مظالم ‪ .17‬أدب ‪ 63‬مسلم ليمان ‪ 108 ،107‬أبو‬
‫داود سنة ‪ 15‬الترمذي إيمان ‪ 14‬النسائي إيمان ‪ .20‬أحمد بن حنبل ‪ 198 -2/189‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪.5/549‬‬
‫(‪ )103‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪128:‬‬
‫(‪ )104‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪150 -145 :‬‬
‫(‪ )105‬والصل هم لتبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين ‪.24 .22‬ر‪ .‬يوسف‬
‫المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪32 -25‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/489‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الباضية والشرك‬
‫لقد ذكرنا أثناء تعريف الكفر أن الباضية يقسمونه إلى قسمين فحللنا ما يتعلق بالقسم الثاني وهو‬
‫كفر النعمة وبقي أن نقف عند القسم الول وهو الشرك فكيف عرفته المصادر؟‬
‫لم نلمس أي اهتمام بالمدلول اللغوي إل في إشارة عابرة عند المحشي عند المقابلة بين التوحيد‬
‫والشرك حيث بين أن التوحيد أوسع من الفراد كما أن الشرك أوسع من المساواة ثم قال في‬
‫صيغة جدلية‪ ":‬اللهم إل أن يقال مراد أصحابنا رحمهم ال أن ذلك معناهما بحسب اللغة" (‪. )106‬‬
‫أما المدلول الشرعي فقد حددته المصادر كما يلي‪ ":‬الشرك يكون جحودا كفعل أهل الدهر‬
‫والثنوية‪ ،‬ويكون مساواة كشرك من سواهم والصل فيه المساواة أي أن تساوي بين ال والخلق‬
‫في صفة أو فعل أو ذات" (‪. )107‬‬
‫فالشرك حينئذ نوعان‪ :‬شرك جحود ويفسر التلتي ذلك بقوله‪ ":‬إنكار ال رأسا" (‪ )108‬وتضيف‬
‫المصادر "إنكار رسول من الرسل أو كتاب من كتبه‪ ،‬أو آية أو كلمة أو حركة أو سكون من كتبه‪،‬‬
‫أو صفة من صفاته أو فعل من أفعاله" (‪. )109‬‬
‫وشرك مساواة أي جعل شريك ل تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫فالمشرك حينئذ هو الجاحد أو المساوي بين ال والخلق (‪. )110‬‬
‫وفعل الشرك أن يعبد غير ال أو يقرب إلى ال بمعصية أو باللسان خاصة (‪. )111‬‬
‫ول تطيل المصادر في الستدلل على الشرك من السياق القرآني بل تكتفي بالشارة إلى أن كلمة‬
‫كفر يغلب على استعمالها معنى الشرك في القرآن الكريم مثل قوله تعالى‪ ( :‬وإن الذين كفروا‬
‫سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) (‪ 2‬البقرة ‪.)6‬‬
‫وتتعرض المصادر إلى الحديث عن الشرك عند توضيح الصلة بين العلم والعمل فيقول أبو مهدي‬
‫مثل‪ ":‬والشرك يصح فيه العلم وإن عمل به بطل العلم" (‪. )112‬‬

‫( ‪)1/490‬‬

‫كما تعتبر أنه ل يسع جهل الشرك ويقول الشماخي في هذا الصدد‪ ":‬ول يسع جهل الشرك‪ ،‬لن‬
‫من جهله لم يعلم التوحيد‪ ،‬ومن لم يعلم التوحيد فهو مشرك فينتج من جهل الشرك مشرك" (‪)113‬‬
‫‪.‬‬
‫ويعدد الشماخي كبائر الشرك كما عدد كبائر النفاق‪ ":‬فمنه (الكبير) شرك وهو منا كان تكذيبا ل‬
‫وإنكارا لشيء مما أمر به نصا‪ ،‬كإنكار توحيد ال أو شبهه بخلقه أو سواه بغيره في ذات أو صفة‪،‬‬
‫أو ينكر وجوده أو يجهل معرفته أو ينكر حرفا من كتبه‪ ،‬أو نبيا أو رسول‪ ،‬أو ملكا أو جهل‬
‫البعث‪ ،‬أو شك في وجه من وجوه التوحيد التي ل يسع جهلها‪ ،‬أو وصف ال بصفات النقص كما‬
‫وصفت المشبهة‪ ،‬أو يتقرب إلى ال بمعصية منصوص عليها‪ ،‬أو يترك بعض الطاعات ويقول‬
‫أمر ال بذلك‪ ،‬أو يتقرب إلى الخلق بأفعاله من جميع الطاعات كالذبح والصلة‪ ،‬أو يدعو إلى‬
‫عبادة غير ال‪ ،‬ويدخل في ما ذكرنا الستحلل لما حرم ال تعالى نصا‪ ،‬أو يحرم ما أحل ال نصا‬
‫بغير تأويل‪ ،‬أو جهل الشرك ويدلك على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (‪6‬‬
‫النعام ‪. )114( ")121‬‬
‫وهكذا على هذا الساس من الفهم تقوم الحكام إذ الفرق واضح بين أحكام كبائر الشرك‪ ،‬وكبائر‬
‫النفاق فماذا عن صلة السماء بالحكام؟‬
‫الحكام المترتبة على هذه السماء‪:‬‬
‫يقول أبو عمار عبد الكافي‪ ":‬فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة‪:‬‬
‫‪ )1‬القتل للمشركين‪ ،‬والسبي‪ ،‬والغنيمة‪ ،‬وتحريم الذبائح‪ ،‬وتحريم المناكحة‪ ،‬والموارثة‪ ،‬والمدافنة‬
‫معهم إل ما يحل من أهل العهد من ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬وتحريم القتل للمنافقين (كفار النعم) إذا هم لم يظهروا نفاقهم‪ ،‬وتحريم السبي‪ ،‬والغنيمة منهم‪،‬‬
‫وتحليل الذبائح‪ ،‬والمناكحة والموارثة‪ ،‬والمدافنة معهم‪ ،‬وتجريح شهاداتهم‪ ،‬وإبطال عدالتهم‪ ،‬وإقامة‬
‫الحدود عليهم وفيهم‪ ،‬ولذلك يروى عن الحسن أنه قال‪ ":‬وإن الحدود في المنافقين" (‪. )115‬‬

‫( ‪)1/491‬‬

‫‪ )1‬وللمؤمنين وجوب الولية والمودة والمحبة في الدين‪ ،‬والستغفار لهم‪ ،‬وتجويز شهاداتهم‪،‬‬
‫وإثبات عدالتهم‪ ،‬والتزكية لهم‪.‬‬
‫فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة‪ ،‬قال ال عز وجل‪ (:‬إنا عرضنا المانة على السماوات والرض‬
‫والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول‪ ،‬ليعذب ال المنافقين‬
‫والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما)(‬
‫‪ 33‬الحزاب ‪ )73-72‬فجعلهم ثلث منازل معروفة غير مجهولة في كتاب ال عز وجل" (‪)116‬‬
‫‪.‬‬
‫وقد عبر عامر الشماخي عن هذا المعنى بقوله‪ ":‬ندين بأن منزلة النفاق (كفر النعمة) بين منزلة‬
‫اليمان ومنزلة الشرك‪ ،‬وندين بأن المنافقين ليسوا بمؤمنين ول بمشركين‪ ،‬وندين بأن المشركين‬
‫ليسوا بمؤمنين ول منافقين‪ ،‬وندين بان المؤمنين ليسوا بمنافقين ول بمشركين‪ ،‬ومن سمى كل‬
‫واحد منهم باسم صاحبه فقد كفر" (‪. )117‬‬
‫وبين صلة الحكام بهذه السماء كما يلي‪ ":‬وندين بأن السماء تابعة‪ ،‬أي موافقة للحكام"‪)118( .‬‬
‫هذا عن الصلة بين السماء والحكام ويحسن أن نبين صلة هذا بمواقف لبعض الفرق السلمية‬
‫الخرى قبل أن نتحول إلى قضية الوعد والوعيد والخلود‪.‬‬
‫واضح من خلل هذا العرض أن الباضية يتفقون وسائر الفرق السلمية في شأن المؤمن‬
‫الموفي وفي شأن المشرك إل أنهم يختلفون عن غيرهم في شأن كفر النعمة‪.‬‬
‫فإن قال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين واعتبروا مرتكب الكبيرة فاسقا ولم يطلقوا عليه تسمية‬
‫الكفر كما فعل ذلك الباضية مع إضافة " النعمة" فإن الختلف بينهما لفظي لن حكم الفاسق عند‬
‫المعتزلة هو حكم كافر النعم عند الباضية ‪ ،‬وفي ذلك يقول يوسف المصعبي" أما عند المعتزلة‬
‫فكلمة كفر مختصة بالشرك‪...‬والخلف بيننا وبينهم في الحقيقة لفظي بالنظر إلى إطلق لفظ الكفر‬
‫وعدمه أما أحكامه فهي متفقة عندنا وعندهم في الدنيا والخرة" (‪. )119‬‬

‫( ‪)1/492‬‬

‫أما عن موقف الزارقة والصفرية من اعتبار العصاة مشركين على أن الكفر ل يعتبر إل شركا‬
‫فإن رد الباضية كان عمليا كما أشرنا إلى ذلك من قبل وكانت القطيعة بين الطرفين من اجتماع‬
‫صومعة البصرة وقد أشار الشماخي إلى ذلك بقوله‪ ":‬ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج" (‬
‫‪ ، )120‬وقد توسع أبو عمار عبد الكافي من قبل في الرد على هؤلء (‪ )121‬فالخلف حينئذ‬
‫جذري بين الطرفين كما لحظنا أن الخلف جذري بين الباضية والمرجئة في شأن اليمان‪( .‬‬
‫‪)122‬‬
‫أما عن موقف الشاعرة من القضية فيقول المصعبي‪ ":‬وأصل الشعرية الكافر خاص بالشرك" (‬
‫‪ )123‬إل أن احمد الشماخي يشير في رده على الغدامسي إلى أن مفهوم كفر النعمة موجود عند‬
‫الشاعرة" (‪. )124‬‬
‫فالمفهوم الغالب حينئذ عند الشاعرة أن الكفر يعني الشرك ولذلك يكون الصدام بين الطرفين ‪،‬‬
‫لكن عند التأمل يثبت أن الخلف في البداية لفظي خاصة في ما يترتب عليه من أحكام الدنيا‪.‬‬
‫فالباضية متفقون والشاعرة على أن العصاة من أهل القبلة يحرم قتلهم‪ ،‬ويحرم سبيهم والغنيمة‬
‫منهم‪ ،‬ويحل دماؤهم‪ ،‬ومناكحتهم ‪ ،‬وموارثتهم‪ ،‬والمدافنة معهم‪ .‬وتجرّح شهادتهم‪ ،‬وتبطل عدالتهم‪،‬‬
‫وتقام عليهم الحدود عند ثبوت إدانتهم بالبينات الشرعية‪ ،‬إل أن الباضية يتجاوزون الشاعرة في‬
‫تبطيق البراءة الشخصية (‪ )125‬من هؤلء حتى يقلعوا عن معاصيهم التي يجاهرون بها‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق بأمر الخرة فالخلف جذري كما سنبين ذلك بعد حين (‪. )126‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )106‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪ .9‬لم يطل في المدلول اللغوي لنه لم يكن مثار جدل‬
‫(‪ )107‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪ 127 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل‬
‫عمان ‪91‬‬
‫(‪ )108‬أبو سليمان التلتي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪128 :‬‬
‫(‪ )109‬ر‪ .‬نفس المصدر‪.‬‬
‫(‪ )110‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان ‪91‬‬
‫(‪ )111‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪126 :‬‬

‫( ‪)1/493‬‬

‫(‪ )112‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان ‪91‬‬
‫(‪ )113‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪130 :‬‬
‫(‪ )114‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪148 :‬‬
‫(‪ )115‬ملحظة‪ :‬إن هذا الحكم يتعلق بمن ثبت عليه كفر النعمة من الباضية وغير الباضية‬
‫وهذا تغفل عنه كتب الفرق لنها تتصور أن هذا ل يطبق إل على المخالفين‪.‬‬
‫(‪ )116‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.118 -117 :‬‬
‫(‪ )117‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 45 -445 :‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ‪-68‬‬
‫‪70‬‬
‫(‪ )118‬نفس المصدرين السابقين‪ 45 :‬و ‪73‬‬
‫(‪ )119‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ 35 :‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول‬
‫الخمسة‪ :‬الصل الرابع ‪ :‬المنزلة بين المنزلتين ‪. 711 -696‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف‪2/459 :‬‬
‫ولزيادة تحليل ردود الباضية على المعتزلة ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪129-2/123 :‬‬
‫(‪ )120‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37:‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪122 -2/118‬‬
‫(‪ )122‬انظر ما سبق‪505 :‬‬
‫(‪ )123‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .26 :‬وهو قول الشيعة المامية أيضا ‪.‬ر‪.‬‬
‫محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف ‪.1/139‬‬
‫(‪ )124‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ 44 :‬وفي هذا الصدد فقد جاء عند يحي بن‬
‫سلم وهو من أسلف الشاعرة أن الكفر على أربعة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬الكفر يعني الكفر نفسه‪ ،‬يعني الكفر بتوحيد ال والنكار له‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬الكفر يعني الجحود‪.‬‬
‫والوجه الثالث ‪ :‬الكفر يعني كفر النعمة‪ .‬وذلك في البقرة] واشكروا لي ول تكفرون[(‪ ،)152‬ول‬
‫تكفروا نعمتي‪ .‬وقال في النمل‪ ]:‬أأشكر أم أكفر[ (‪ )40‬يعني أم أكفر النعمة‪ .‬وفي لقمان] ومن‬
‫كفر[(‪ )12‬يعني كفر النعمة‪ ،‬وقال فرعون‪ ]:‬وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين[‬
‫( الشعراء ‪ )19‬يعني الكافرين إذ ربيتك صغيرا وأحسنت إليك ‪ ،‬ونحوه كثير‪.‬‬
‫والوجه الرابع ‪ :‬الكفر يعني البراءة‬

‫( ‪)1/494‬‬

‫ر‪ .‬يحي بن سلم‪ :‬التصاريف‪ .‬قدمت له وحققته هند شلبي‪ .‬الشركة التونسية للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫تونس ‪ 1979‬ص ‪ .105 -104‬وعن ابن سلم‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪9/2‬‬
‫ويعدد سعيد بن تعاريت أسماء القائلين بكفر النعمة من غير الباضية فيقول‪ " :‬وهو مذهب الحسن‬
‫البصري وعليه ابن مجاهد والمحدثون والبخاري‪ ،‬وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم‪،‬‬
‫وهي رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه‪ ،‬وهي قول ابن حبيب من المالكية كما ذكر ذلك‬
‫أبو الفرج في شرح الربعين النونية وقال خليل في توضيحه‪ :‬أعلم أن ابن حبيب وافقه على تكفير‬
‫تارك الصلة كثير من المحدثين كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم‪ ،‬وكترك صوم رمضان اهـ‪.‬‬
‫ونقل الفاكهاني على رسالة في باب الصلة عن ابن حبيب وابن عبد الحكم وابن عيينة أن تارك‬
‫الصلة عامدا أو مفرطا كافر وكذا تارك الزكاة والصوم والحج" ‪ .‬المسلك المحمود‪65 -64 :‬‬
‫ملحظة ‪ :‬واضح أن كلمة كفر" استعملت عند هؤلء جميعا بمعنى كفر النعم لكنها لم تأخذ بعدا‬
‫اصطلحيا حضاريا كما هو المر عند الباضية إلى حد أنها صارت من خصائصهم العقائدية‬
‫التي يتميزون بها عن غيرهم‪.‬‬
‫(‪ )125‬وهذا المبدأ يكون قوي المفعول عند انعدام المام العادل الذي يقيم الحدود ويردع‬
‫المتمردين على حدود ال تعالى‪.‬‬
‫(‪ )126‬انظر ما يلي مبحث الوعد والوعيد والخلود‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)1/495‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الوعد والوعيد‬
‫لغة‪ :‬جاء في لسان العرب ما يلي‪ :‬وعده المر وبه عدة ووعدا وموعدا وموعدة‪ ،‬وهو من‬
‫المصادر التي جاءت على مفعول ومفعولة‪ ...‬قال ابن جني‪ :‬ومما جاء من المصادر مجموعا‬
‫معمل قوله‪ ":‬مواعيد عرقوب أخاه بيثرب" والوعد من المصادر المجموعة ‪ ،‬قالوا‪ :‬الوعد حكاه‬
‫ابن جني‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله تعالى‪( :‬ما أخلفنا موعدك بملكنا) (‪ 20‬طه ‪ )87‬قال‪ :‬الموعد العهد‪ ،‬وكذلك‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬فأخلفتم موعدي) (‪ 20‬طه ‪ )86‬قال‪ :‬عهدي‪ .‬وقوله عز وجل ( وفي السماء رزقكم‬
‫وما توعدون) (‪ 51‬الذاريات ‪ )22‬قال‪ :‬رزقكم المطر‪ ،‬وما توعدون‪ :‬الجنة‪ ،‬قال قتادة في قوله‬
‫تعالى‪( :‬واليوم الموعود) (‪ 58‬البروج ‪ )2‬إنه يوم القيامة‪.‬‬
‫وفرس واعد‪ :‬يعدك جريا بعد جري‪ ،‬وأرض واعدة‪ :‬كأنها تعد بالنبات‪ .‬وسحاب واعد‪ :‬كأنه يعد‬
‫بالمطر‪ .‬يوم واعد‪ :‬يعد بالحر‪ ...‬ويقال للدابة والماشية إذا رجي خيرها وإقبالها واعد‪ ،‬وقال‬
‫الراجز‪ (:‬رجز)‬
‫ويقال ‪ :‬هذا غلم تعد مخايله كرما‪ ،‬وشيمه تعد جلدا وصرامة‪.‬‬
‫والوعيد والتوعد‪ :‬التهدد‪ ،‬وقد أوعده وتوعده‪.‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬الوعد يستعمل في الخير والشر‪.‬‬
‫قال ابن سيده‪ :‬وفي الخير الوعد والعدة‪ ،‬وفي الشر اليعاد والوعيد فإذا قالوا أوعدته بالشر أثبتوا‬
‫اللف مع الباء‪ ،‬وأنشد لبعض الرجاز‪ (:‬رجز)‬
‫قال الجوهري‪ :‬تقديره أوعدني بالسجن ‪ ،‬وأوعد رجلي بالدهم‪ .‬ورجله شثنة أي قوية على القيد‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬كلم العرب وعدت الرجل خيرا‪ ،‬ووعدته شرا (‪)1‬‬
‫وأوعدته خيرا‪ ،‬وأوعدته شرا‪ ،‬فإذا لم يذكروا الخير قالوا‪ :‬وعدته ولم يدخلوا ألفا‪ ،‬وإذا لم يذكروا‬
‫الشر قالوا‪ :‬أوعدته ولم يسقطوا اللف‪ ،‬وأنشد لعامر بن طفيل‪(:‬طويل)‬
‫(‪)2‬‬
‫وإذا أدخلوا الباء لم يكن إل في الشر‪ ،‬كقولك أوعدته بالضرب‪ ،‬وقال ابن العرابي ‪ :‬أوعدته‬
‫خيرا‪ ،‬وهو نادر وأنشد(بسيط)‬
‫قال الزهري‪ :‬هو الوعد والعدة في الخير والشر‪...‬‬
‫( ‪)1/496‬‬

‫ويقال ‪ :‬اتعدت الرجل إذا أوعدته‪ ،‬قال العشى‪ :‬فإن تتعدني أتعد بمثلها‪...‬‬
‫أبو اليهثم ‪ :‬أوعدت الرجل أوعده إيعادا وتوعدته توعدا واتعدت اتعادا‪.‬‬
‫ووعيد الفحل‪ :‬هديره إذا هم أن يصول‪.‬‬
‫نتبين من خلل ما اورده ابن منظور من الشروح والشواهد أن مادة وعد تستعمل لمدلولت مادية‬
‫كجري مادية كجري الفرس ونبات الرض‪ ،‬ولمدلولت معنوية كمخايل الغلم التي تعد كرما‪.‬‬
‫كما نلحظ تداخل في الحق الدللي بين صيغة المجرد وعد وصيغة المزيد أوعد فكلهما‬
‫تستعملن للخير والشر‪ ،‬ويبدو أن مرور الزمن غلب دللة الخير لوعد ودللة الشر لوعد‪ ،‬ومن‬
‫هناك كان منطلق مصطلح الوعد والوعيد وإن لم يشر إلى ذلك ابن منظور كما رأينا في تفسيره‬
‫مادتي قضاء وقدر‪ ،‬حيث غلب الشرح الصطلحي العقائدي على الشرح اللغوي‪ ،‬ولعل ذلك‬
‫يرجع إلى أن موضوع الوعد والوعيد لم يقرح المتكلمين كما قرحهم موضوع القضاء والقدر‪.‬‬
‫اصطلحا‪ :‬معلوم أن الوعد والوعيد أصل من أصول المعتزلة لذلك نجدهم أكثر اعتناء من الفرق‬
‫الخرى بالتعريف الصطلحي‪.‬‬
‫وهذا القاضي عبد الجبار يعرف الوعد والوعيد كما يلي‪:‬‬
‫" أما الوعد فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير ‪ ،‬أو دفع ضر عنه في المستقبل‪ ،‬ول فرق‬
‫أن يكون حسنا مستحقا وبين أن ل يكون كذلك" (‪)3‬‬
‫‪.‬‬
‫وأما الوعيد‪ ،‬فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير‪ ،‬أو تفويت نفع عنه في المستقبل‪ ،‬ول‬
‫فرق بين أن يكون حسنا مستحقا‪ ،‬وبين أن ل يكون كذلك"‪.‬‬
‫أما الباضية فقد جاء تعريفهم كما يلي‪:‬‬
‫والوعد هو الخبار بالخير كما في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم‬
‫جنات الفردوس نزل) (‪ 18‬الكهف ‪.)107‬‬
‫والوعيد هو الخبار بالشر كما في قوله تعالى‪ ( :‬إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في‬
‫نار جهنم خالدين فيها) (‪ 98‬البينة ‪.)6‬‬

‫( ‪)1/497‬‬

‫ويذكر التلتي أن " الوعد يكون في الخير والشر لقوله تعالى‪ ( :‬وعد ال الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (‪ 48‬الفتح ‪ )29‬وقوله‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪22‬‬
‫الحج ‪ ، )72‬والوعيد ل يكون إل في الشر" (‪)4‬‬
‫‪ .‬وجاء في قاموس الشريعة ما يلي‪ ":‬الوعد هو ما وعد ال أهل طاعته من الثواب في الخرة‬
‫وهو حق‪ .‬والوعيد ما أوعد ال أهل الكفر والمعاصي من العقاب في الخرة وهو حق" (‪)5‬‬
‫‪.‬‬
‫فالتعريف الصطلحي بقي في مستوى التعريف اللغوي إل أن الخير والشر يقصد منهما الثواب‬
‫والعقاب في الخرة والستدلل القرآني شاهد على ذلك‪.‬‬
‫فالمهم حينئذ أن التعريف الصطلحي يربط العمل بالجزاء الخروي‪ ،‬وصارت الكلمتان مقترنتين‬
‫للدللة على أصل من الصول التي اختلفت الفرق في شأنها‪ ،‬وإن كان الختلف ل يتعلق إل‬
‫بالوعيد‪...‬‬
‫ذلك هو التعريف الصطلحي فماذا عن الطوار التاريخية التي مرت بها هذه القضية؟ وما هي‬
‫العوامل التي دفعت إلى قيام هذا الخلف بين المسلمين في شأن الوعيد بعد أن كانوا على رأي‬
‫واحد زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ وما هو موقف الباضية وسط هذا الخضم بصفة‬
‫عامة وبصفة أخص بالنسبة إلى المرحلة التي تعنينا؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )1‬من ذلك قوله تعالى‪ ]:‬وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار[(‪ 9‬التوبة‬
‫‪)72‬‬
‫وقوله تعالى‪ ]:‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم[(‪ 9‬التوبة ‪)68‬‬
‫(‪ )2‬هذا البيت يذكره القائلون بإخلف الوعيد‪ ،‬ويعتبرونه شاهدا لغويا يدعم موقفهم إل أن القائلين‬
‫باثبات الوعيد يعتبرون أن الحجاج بالنصوص النقلية قرآن أو حديثا أقوى‪.‬‬
‫(‪ )3‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪135 -134 :‬‬
‫(‪ )4‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ص ‪.277 -276‬‬

‫( ‪)1/498‬‬

‫نلحظ اتفاقا مع المعتزلة في أن الوعد والوعيد من السلوب الخيري وليس من السلوب‬


‫النشائي‪( .‬انظر ما يلي ص‪)633 :‬‬
‫(‪ )5‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ ،‬ط‪ .‬دار جريدة عمان للصحافة والنشر سلطنة‬
‫عمان ‪ .1983‬نشر وزارة التراث القومي بعمان‪. 6/5 .‬‬
‫والمؤلف من علماء الباضية بعمان(ق ‪ )13/19‬حسب ما ورد في تقديم الجزء الول من كتاب‬
‫قاموس الشريعة‪ 15 :‬للمحقق عبد الحفيظ شلبي‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)1/499‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫التطور التاريخي لقضية الوعد والوعيد‪:‬‬
‫إن السلم صريح في إطلق قضية الجزاء من بدء الخليقة إذ يربطها القرآن الكريم بهبوط آدم‬
‫من الجنة إذ يقول تعالى‪( :‬اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف‬
‫عليه ول هم يحزنون‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة‬
‫‪)39-38‬‬
‫ويتجدد التذكير بالوعيد قبيل ارتكاب أول جريمة على وجه الرض حيث يقول هابيل لخيه قابيل‪:‬‬
‫(لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني أخاف ال رب العالمين‪ ،‬إني أريد‬
‫أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) (‪ 5‬المائدة ‪.)29 -28‬‬
‫فمفهوم الوعد والوعيد‪ -‬وهو محور قضيتنا‪ -‬قديم حينئذ قدم وجود النسان على وجه البسيطة‪،‬‬
‫ولذلك يبين القرآن الكريم أن وظيفة النبياء والرسل تتمثل في التبشير بالثواب والنذار من سوء‬
‫المآب‪ .‬قال تعالى‪( :‬وما نرسل المرسلين إل مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فل خوف عليهم‬
‫ول هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) (النعام ‪.)49-48‬‬
‫كما أن الناظر في الديانات الوضيعة يلمس تأثرها من قريب أو من بعيد بما أنزل من رب‬
‫العالمين إذ لكل منها تصور خاص للثواب والعقاب‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال أن المزدكية تثبت‬
‫أن النسان إثر موته يحاسب‪ ،‬ثم توزن سيئاته وحسناته‪ ،‬فإن ثقلت حسناته فإلى النعيم البدي‪،‬‬
‫وإن استوت حسناته وسيئاته فإلى قرار هادئ ليس فيه إل الشعور بالبرودة والحرارة‪ ،‬وأما إن‬
‫ثقلت سيئاته فإلى جهنم حيث يسام سوء العذاب طيلة تسعة آلف سنة ثم تفتح جهنم ليكون بعث‬
‫جديد يجدد العالم ويطهر العصاة بصفة نهائية ويعيش الناس إلى البد في عالم ل شر فيه (‪)6‬‬

‫( ‪)1/500‬‬

‫واضح من خلل هذا التصور أثر الوحي السماوي الذي استمر مع جميع النبياء والرسل‪ ،‬والمهم‬
‫عند الفرس أن إنفاذ الوعيد مؤقت بزمن محدود وأل خلود في العذاب‪.‬‬
‫أما أهل الكتاب فقد أثيرت عندهم قضية الخلود في النار وعدمه‪ ،‬كما جاء ذلك في قوله تعالى‪:‬‬
‫( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )24‬وفي قوله تعالى‪ ( :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند اله عهدا فلن‬
‫يخلف ال عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون) (‪ 2‬البقرة ‪.)80‬‬
‫والرد القرآني صريح على هؤلء إذ اعتبر أن قولهم من باب الفتراء ومن باب أن يقول النسان‬
‫على ال ما ليس له به علم (‪)7‬‬
‫‪.‬‬
‫والمتأمل في كتاب ال يتبين قيام رسالة السلم كبقية الرسالت السابقة على التبشير والنذار‪،‬‬
‫وهاك على سبيل المثال آيتين جاء فيهما لفظ الوعد والوعيد صريحا‪ .‬الولى قوله تعالى ( لكن‬
‫الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار وعد ال ل يخلف ال‬
‫الميعاد) (‪ 39‬الزمر ‪ )20‬والثانية قوله تعالى‪ ( :‬وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد‬
‫لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا" (‪ 20‬طه ‪.)113‬‬
‫ومعلوم أن منطلقات كتب أصول الدين هي النصوص النقلية من قرآن كريم وحديث شريف (‪)8‬‬

‫( ‪)2/1‬‬

‫‪ ،‬ولذلك نحس أن قضية الوعد والوعيد وقعت إثارتها زمن الرسول عليه السلم والقرآن يتنزل إل‬
‫أن إجاباته عليه السلم لم تفسح المجال لي جدل كما سيقع في ما بعد‪ ،‬ومن ذلك ما جاء عن‬
‫جابر بن زيد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬هلك المصرون"‪ -‬ثلثا‪ -‬فقال رجل‪ :‬يا‬
‫رسول ال‪ ،‬فأين قول ال تعالى (إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(‪4‬‬
‫النساء) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬أفيكم أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب‪ :‬أنا‬
‫يا رسول ال‪ ،‬فقال اقرأ‪ (:‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (‪ 20‬طه ‪ )82‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا" (‪)9‬‬
‫فالسائل حينئذ استفسر عن المشيئة المتعلقة بمغفرة ما دون الشرك من المعاصي فجاء جواب‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم شافيا انطلقا من آية أخرى بينت أن المشيئة تتعلق بمن تاب وآمن‬
‫وعمل صالحا ‪ ،‬وبذلك فهي ل تشمل المصر على المعاصي‪.‬‬
‫ومن ذلك ما جاء في الحديث عند وقوف الرسول صلى ال عليه وسلم عند قبرين قوله‪ " :‬رجلن‬
‫يعذبان في القبر ول يعذبان على كبير‪ ،‬أما أحدهما فإنه ل يستبرئ من البول والغائط وأما الثاني‬
‫فالذي يمشي بين الناس بالنميمة" ‪)10( .‬‬
‫المهم أن المرحلة لم تكن مرحلة جدل وإنما هي مرحلة عمل‪ ،‬والقول الفصل الذي ل يرد للرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وما أن انتقل الرسول صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى وبويع أبي بكر الخلفة حتى أثار‬
‫النقاش حول معنى الزكاة وكان موقف الخليفة حازما حيث اعتبر أن مانع الزكاة مرتد‪ ،‬ويجب أن‬
‫يحارب رغم انه يتفوه بالشهادتين‪ ،‬ويؤدي الفرائض الخرى‪ ،‬وقولته في هذا شهيرة‪ ":‬وال لو‬
‫منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف"‪ .‬وهنالك‬
‫يسأله عمر‪ " :‬كيف تقاتل قوما يشهدون أن ل إله إل ال وقد أخبر الرسول أن من قالها فقد عصم‬
‫دمه وماله؟" (‪)11‬‬

‫( ‪)2/2‬‬

‫فيأتي جواب أبي بكر حاسما ودقيقا‪ ":‬ألم يقل الرسول " إل بحقها؟" أل إن الزكاة من حقها" (‪. )12‬‬
‫وبهد هذا الحوار الحاد بين موقفين متضاربين استقر المر على تكفير مانع الزكاة وانتهت حروب‬
‫الردة بعد حين واستقر الوضع‪ .‬وتستقر الخلفة زمن عمر وما كان للمسلمين وقت للجدل وهم‬
‫مشغولون بتبليغ رسالة السلم في أطراف البلد‪ ،‬ومع ذلك جاء في بعض أقوال عمر ما يوحي‬
‫بأن التساؤل حول الوعد والوعيد مطروح ومن ذلك قوله‪ ":‬الشاك في وعد ال كالشاك في ال‪،‬‬
‫وما شكوا في وعد ال حتى شكوا في ال" (‪)13‬‬
‫‪ .‬وكذلك ما جاء عن الحسن عن كعب (‪)14‬‬
‫قال‪ :‬وقف عمر بن الخطاب على كدية من رمل‪ ،‬فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ما يبكيك؟ قال ذكرت أهل النار فقلت‪ :‬لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل ستة‬
‫يعذبون على حسابها‪ ،‬ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر‪ ،‬لكن لم يجعل لهم‬
‫وقتا وما هم بخارجين منها أبدا" (‪. )15‬‬
‫وليس لنا أن نقتضي كل مواقف الصحابة وأقوالهم (‪)16‬‬
‫‪ ،‬والساس أن كل ما ذكر يوحي بأن قضية التمييز بين المعاصي وما يترتب عليها من الحكام‬
‫ومن الوعد والوعيد تثار مع حدوث وقائع لم يكن لها مثيل زمن الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫ويستفحل المر في أخريات حياة عثمان‪ ،‬وتختلف مواقف الصحابة تجاه بعض تصرفات الخليفة‬
‫فمن مخطئ ومصوب ومتوقف‪ ،‬إل أن مجرى الحداث ل ينتظر أحدا‪ ،‬وتكون القطرة التي تفيض‬
‫الكأس ويقتل عثمان‪ ،‬وينطلق النزاع الدموي ممزوجا بالجدل الكلمي خاصة حول حكم مرتكب‬
‫الكبيرة ومصيره‪ ،‬ويشير ابن تيمية إلى أن الخوارج هم أول من أثار هذه القضية (‪)17‬‬
‫فحكموا عليه بالشرك‪ -‬حسب ما ينسب إليهم‪)18( -‬‬
‫فحل دمه وسبيه وغنم ماله‪)19( .‬‬
‫إل أن المر في رأينا ل ينحصر في هؤلء‪ ،‬بل شملت القضية كل المسلمين خاصة وأن‬
‫النتماءات لم تكن واضحة كوضوحها الن‪ ،‬وعلى هذا الموقف من مرتكب الكبيرة سينبني القول‬
‫في الوعد والوعيد‪.‬‬

‫( ‪)2/3‬‬
‫ومن هنا ستأخذ القضية أبعادا سياسية وماورائية‪ ،‬فالمويون جنحوا إلى التسامح وإلى الرجاء أو‬
‫إلى القول بإخلف الوعيد وذلك لتجرئهم على ارتكاب الكبائر واستهانتهم بها‪ ،‬فغلبوا جانب‬
‫الرحمة اللهية على جانب العدل ‪ ،‬كما غلبوا الجبر على جانب الختيار ليوحوا للعامة أن خلفتهم‬
‫بقضاء وأن طاعتهم أمر واجب‪.‬‬
‫وأما العلويون فالزيدية منهم قد اشتركوا مع المعتزلة في سلب اليمان عن مرتكب الكبيرة‪ ،‬إل أن‬
‫المامية لم يخرجوه من السلم‪)20( .‬‬
‫وأما المحكمة الول فقد أدنوا عثمان في السنوات الست الخيرة من حكمه‪ ،‬وأوجبوا على علي‬
‫التوبة من قبوله التحكيم ثم اختلف موقفهم في شأن مرتكب الكبيرة من اجتماع البصرة (‪)21‬‬
‫فكثيرا منهم كفروه كفر شرك وأحلوا دمه وسبي ذراريه وغنم ماله (‪. )22‬‬
‫وهنا قعد عنهم عبدال بن إباض إمام الباضية ولم يجز الخروج ومن ذلك الحين سيتبلور موقف‬
‫الباضية تدريجيا ليتخذ من البداية خطأ واحد ستتوارثه الجيال جيل بعد جيل إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫ويتجلى هذا الموقف في العقيدة العمانية المنسوبة إلى عبدال ابن اباض‪ ،‬وجاء فيها ما‬
‫يلي‪....":‬وان يؤمن‪...‬أن ال ل يخلف وعده ول يبطل وعيده" (‪)23‬‬
‫‪.‬‬
‫وفي هذه الثناء بدأت تتبلور مدرسة العتزال مع غيلن الدمشقي وواصل ابن عطاء والحسن‬
‫البصري من قبل لن المعتزلة يعتبرونه من طبقاتهم ويتجلى موقفهم في هذه المحاور التي دارت‬
‫بين عمرو بن عبيد وأبي عمرو بن العلء النحوي‪)24( .‬‬
‫إن أبا عمرو بن العلء النحوي المعروف بالقرآن وإعرابه‪ ،‬التقى مع عمرو ابن عبيد المعتزلي‬
‫فقال له‪ :‬يا أبا عثمان‪ ،‬ما شيء بلغني عنك في الوعيد؟ فقال له‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬إن ال وعد وعدا‬
‫وأوعد وعيدا‪ ،‬فال منجز وعده ووعيده‪ .‬فقال يا أبا عثمان‪ ،‬إن ال وعد وعدا وأوعد وعيدا فال‬
‫منجز وعده ومؤخر وعيده‪ ،‬أما تعلم أن العرب ل تعد ترك الوعيد ذما‪ ،‬وإنما تعده تكرما‪ ،‬وفضل‬
‫أما سمعت الذي يقول ‪( :‬طويل)‬

‫( ‪)2/4‬‬

‫فقال هؤلء العرب يمتدحون بخلف الوعيد وإنجاز الوعد‪ ،‬ويرون أن هذا تكرم وفضل‪.‬‬
‫فقال عمرو بن عبيد‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬وشغلك العراب عن الصواب؟ أما سمعت أن الذي يقول‬
‫شعرا‪( :‬بسيط)‪.‬‬
‫فهذا ممدوح على هذه الصفة‪ ،‬إذ ل يخلف وعده‪ ،‬ول ما توعد به‪ ،‬وال تعالى أصدق القائلين‪ .‬وقد‬
‫قال‪ ( :‬ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم‬
‫ربكم حقا قالوا نعم) (‪ 7‬العراف ‪ )44‬وقال‪ ( :‬ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد) (‪ 50‬ق‬
‫‪ )29‬وقال‪ ( :‬ل تبديل لكلمات ال) ‪.‬‬
‫هذه المناظرة صورة لما كان يدور حول القضية من جدل وكل ينتصر لرأيه اعتمادا على القرآن‬
‫الكريم وعلى أشعار العرب‪.‬‬
‫وسبق أن روينا اعتماد جابر بن زيد على حديث الرسول عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‪)25‬‬
‫‪ ،‬وكذلك يروى عنه أنه سأله رجل قائل‪ ":‬يا أبا الشعثاء‪،‬أرأيت قول ال تعالى ( إن ال ل يغفر أن‬
‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )48‬فقال جابر‪ :‬أو أنبأك ال لمن يشاء أن‬
‫يغفر؟ قال‪ :‬وأين أنبأني يا أبا الشعثاء؟ قال‪ ( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)‬
‫(‪ 4‬النساء ‪)26( )31‬‬
‫فالوعيد حينئذ نافذ لمن مات مصرا على المعصية ولهذا نلمس التفاق بين الباضية والمعتزلة في‬
‫إنفاذ الوعيد‪.‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )6‬ر‪ .‬كريستوس‪367 -366 :‬‬
‫(‪ )7‬انظر ما يلي‪ 718 :‬كيف كانت اليتان مثار جدل بين الفرق السلمية ‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما يلي ‪ 600 :‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 22:‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة‬
‫الغدامسي‪ . 37:‬عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪. 52 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪:‬‬
‫قاموس الشريعة ‪ 6/9‬والحديث لم يرد عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )10‬جاء الحديث عند أحمد بن حنبل‪ ":‬إنهما ليعذبان في الغيبة والبول" ‪.39 -2/5‬ر‪ .‬ونسنك‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪. 1/234‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/25‬عدد ‪487‬‬

‫( ‪)2/5‬‬

‫(‪ )11‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬اعتصام ‪ ،2‬جهاد ‪ ،102‬زكاة ‪ ،1‬استتابة ‪.3‬‬


‫مسلم‪ :‬إيمان ‪ ،33 ،32‬أبو داود‪ :‬زكاة ‪ .1‬الترمذي‪ :‬إيمان النسائي‪ :‬زكاة ‪ .3‬جهاد ‪ .1‬تحريم ‪.1‬‬
‫ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث ‪.4/249‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جهاد ‪ ،102‬صلة ‪ ،28‬زكاة ‪ ،1‬حدود ‪ ،9‬اعتصام ‪ ،2‬مسلم‪ :‬إيمان ‪36 -32‬‬
‫الترمذي‪ :‬إيمان ‪ ،1‬تفسير سورة الغاشية ‪ .‬أبا داود ‪ :‬زكاة ‪ ،1‬جهاد ‪ .95‬النسائي‪ :‬زكاة ‪ .3‬جهاد‬
‫‪ ،1‬تحريم ‪ ، 1‬إيمان ‪ .15‬ابن ماجة‪ :‬فتن ‪ .1‬الدارمي‪ :‬سير ‪ .15‬ابن حنبل‪5/246 ، 9 ،4/8 :‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.1/485‬‬
‫(‪ )13‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/10‬‬
‫(‪ )14‬كعب الحبار(ت ‪ )32/652‬هو كعب بن ماتع الحميري من يهود اليمن‪ ،‬أسلم زمن أبي بكر‬
‫‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/85 :‬‬
‫(‪ )15‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/13‬‬
‫(‪ )16‬نذكر بما لحظناه من قبل أن مثل هذه المواقف ينبغي أن يحترز في شأنها‪.‬‬
‫(‪ )17‬ابن تيمية ‪ :‬الفتاوى الكبرى‪1/37 :‬‬
‫(‪ )18‬يشهد ابن تيمية بعدم الطلع المباشر على كتب الخوارج ويبين أن اطلعه كان عن طريق‬
‫خصومهم ‪.‬ر‪ .‬نفس المصدر السابق ‪1/37‬‬
‫(‪ )19‬انظر ما سبق‪53 -52 :‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬الشيخ المفيد ( محمد بن النعمان) (ت ‪ )413/1022‬أوائل المقالت في المذاهب‬
‫المختارات‪ ،‬تعليق السيد هبة الدين الشهرستاني‪ .‬تبريز ‪. 15 :1364‬ر‪ .‬عمارا لطالبي ‪ :‬آراء‬
‫الخوارج الكلمية ‪1/135‬‬
‫(‪ )21‬انظر ما سبق‪ 52 :‬تعليق ‪.48‬‬
‫(‪ )22‬حسب روايات خصومهم‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ 3 :‬الملحق العربية‪17 :‬‬
‫(‪ )24‬والمعتزلة لقبوا بالوعيدية لقولهم بإنفاذ الوعيد ‪.‬ر‪ .‬القاضيس عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪:‬‬
‫‪.672 -611‬‬
‫(‪ )25‬انظر ما سبق‪.531 :‬‬
‫(‪ )26‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪. 39:‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‬
‫والبرهان ط ‪. 2/45 ،2‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/9‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/6‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫ويأتي الربيع بن حبيب بعد حين ليجمع كل ما بلغه من أحاديث عن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫تثبت إنفاذ الوعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وذلك في ما اصطلح على تسميته بكفر النعمة (‬
‫‪)27‬‬
‫‪ ،‬ومن ذلك الحين جاء التدعيم في بقية التراث الباضي معتمدا اعتمادا كليا على هذه الحاديث‪.‬‬
‫وسنكتفي بذكر ما يلي منها‪:‬‬
‫‪ )1‬التوعد بجهنم صراحة لهل الكبائر‪.‬‬
‫‪ -‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لول أن أهل السماوات وأهل الرض اشتركوا في دم امرئ مسلم‬
‫حراما لكبهم ال جميعا على مناخرهم في النار" ‪)28( .‬‬
‫‪ -‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من آذى مؤمنا أو روعة أطال ال روعته في جهنم" (‪)29‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ )2‬النذير بالحرمان من الجنة‬
‫‪ --‬قال الربيع بن حبيب ‪ ،‬قال جابر بن زيد يروي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪" :‬‬
‫ل يدخل الجنة مخنث ول ديوث (‪ )30‬ول فحلة النساء ول الركاضة‪ ،‬قيل وما الركاضة يا رسول‬
‫ال قال‪ :‬التي ل تغار" (‪. )31‬‬
‫وينسج عمروس بن فتح على نفس النسق في معرض الرد على المرجئة فيقول‪ ...":‬وما ردوا من‬
‫تنفيذ وعيد ال‪ ،‬وهو أسبه بقول اليهود ( وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة) (‪ 2‬البقرة ‪( ")80‬‬
‫‪. )32‬‬
‫وكذلك يقول أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ ":‬وندين بإنفاذ الوعد والوعيد وأن ال ل يخلف الميعاد‪،‬‬
‫ول يبدل القول لديه وأنه منجز وعده ووعيده" (‪)33‬‬
‫‪ .‬ويعيد أو سهل العبارة تقريبا بقوله‪ ":‬اتفقت المة على أن ال صادق في وعده وأنه ل يبدل‬
‫القول لديه وانه ل يخلف الميعاد‪. )34( "...‬‬

‫( ‪)2/7‬‬

‫ول أراني مضطرا بأن أورد مثل هذه الصيغة من أقوال جميع من كتبوا في أصول الدين إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬فل اختلف عند الباضية في هذا الصل‪ .‬وأكتفي بما جاء عند عمرو التلتي في‬
‫كتاب نخبة المتين للتعبير عن رأي علماء المرحلة المقررة وهو‪ ":‬واتفقوا (أئمة الباضية) على أن‬
‫ال تعالى ل يخلف وعده ول وعيده‪. )35( "...‬‬
‫فالساس حينئذ أن الباضية ما يزالون منذ نشأتهم إلى يومنا هذا يتمسكون بموقف واحد أل وهو‬
‫صدق ال في وعده ووعيده‪ ،‬فكيف تتجلى العوامل التي دفعتهم إلى ذلك من خلل احتجاجهم‬
‫لموقفهم وردهم على القائلين بخلف الوعيد من الفرق السلمية؟‬
‫تحديد من ينفذ فيهم الوعيد‪:‬‬
‫قبل أن نعرض الدلة على إنفاذ الوعيد يحسن أن نحدد من يشملهم هذا النفاذ‪.‬‬
‫لقد سبق أن رأينا موقف الباضية من السماء وما يترتب عليها من الحكام (‪)36‬‬
‫وقولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة فهل أن جميع الذنوب تعتبر كبائر أم أن المعاصي‬
‫مستويات متفاوتة؟‪..‬‬
‫لقد كانت هذه القضية مثار جدل من زمن مبكر فهذا ابن عباس يعتبر أن المعاصي من الكبائر‬
‫باعتبار عظمة من يعصي‪)37( .‬‬
‫وعلى هذا الساس بني الزارقة موقفهم كما يذكر عنهم‪ ،‬بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا أن‬
‫كل عصيان شرك‪ ،‬وحجتهم في ذلك قوله تعالى‪ ( :‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (‪ 6‬النعام‬
‫‪)38( .)121‬‬
‫وما قعد عبدال بن إباض منذ إجتماع صومعة البصرة عن هؤلء إل لمخالفتهم في الحكم بالشرك‬
‫على جميع المسلمين واستحلل دمائهم وسبي ذراريهم وغنم متاعهم‪)39( .‬‬
‫ومن ذلك الحين اتضح لدى الباضية عدم الخلط بين الشرك وبين بقية الذنوب فماذا عن‬
‫المعاصي؟ وهل يترتب عليها دائما نفس الحكم؟‬

‫( ‪)2/8‬‬

‫إن المتأمل في كتاب ال تعالى مثل قوله عز وجل‪ ( :‬إن اله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون‬
‫ذلك لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )48‬ومثل قوله‪ (:‬إن تتجنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)(‬
‫‪ 4‬النساء ‪ )31‬ومثل قوله‪ ( :‬الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬وفي‬
‫حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مثل الحديث المذكور أعله في شأن اللذين يعذب أحدهما‬
‫من أجل إهمال الستبراء والخر من أجل ما كان يأتيه من النميمة بين الناس (‪)40‬‬
‫‪ ،‬وفي كتب الصول والفقه يتبين بوضوح أن الذنوب تتفاوت حسب عوامل متعددة فما هي أهم‬
‫تسميات الذنوب المنصوص عليها في القرآن الكريم؟‬
‫=================================‬
‫(‪ )27‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 5 -3/2‬الباب الول ‪ :‬الحجة على من قال إن أهل‬
‫الكبائر ليسوا بكافرين‪.‬‬
‫(‪ )28‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4 /3‬عدد ‪. 757‬ر‪ .‬الترمذي ديات ‪ .8‬ر‪ .‬ونسنك‪:‬‬
‫المعجم المفهرس‪146 /2 :‬‬
‫(‪ )29‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4 /3‬عدد ‪. 758‬ر‪ .‬الدارمي‪ :‬أدب ‪ .85‬الترمذي فتن ‪.3‬‬
‫أحمد بن حنبل ‪ 362 /5 :‬وجاء بصيغة ل يحل لمسلم أن يروع مسلما ‪ .‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس‪.320 /2 :‬‬
‫(‪ )30‬ديوث‪ :‬من داث فلن‪ :‬فقد الغيرة والخجل فهو ديوث (بدون شدة) ‪ .‬وتديث فلن‪ :‬قاد على‬
‫أهله ‪ ( .‬المعجم الوسيط)‬
‫(‪ )31‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2 /3‬عدد ‪. 743‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪.128 .2/69 :‬‬
‫‪ .134‬النسائي ‪ .2/162‬انظر ص ‪ .621‬لزيادة التوسع‬
‫(‪ )32‬عمروس بن فتح‪ :‬الدينوية الصافية‪60 :‬‬
‫(‪ )33‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف ‪1/35‬‬
‫(‪ )34‬أبو الربيع‪ :‬العقيدة‪ .‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ :‬الملحق العربية‪70 /3 :‬‬
‫(‪ )35‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪ ،154 :‬وانظر كذلك شرحه لكتاب الديانات حيث يقول‪ ":‬وندين‬
‫بأن ال ل يخلف وعده ول عيده‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ] :‬ما يبدل القول لدي[ ( ‪ 50‬قَ ‪67 :)29‬‬
‫(‪ )36‬انظر ‪520 :‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه‬

‫( ‪)2/9‬‬

‫(‪ )38‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬رسالة الفرق ط‪ .‬حجرية د‪.‬ت ‪6122 :‬‬
‫(‪ )39‬انظر ما سبق ‪22 -21 :‬‬
‫(‪ )40‬انظر ما سبق‪ .531 :‬وجاء في حاشية عبدال السدويكشي على كتاب اليضاح ما يلي‪ :‬قال‬
‫العلماء وما يعذبان في كبير‪ ،‬أي في ظنهما‪ ،‬أو كبير تركه عليهما‪ ،‬أو عند الناس وإن كان كبيرا‬
‫عند ال ‪ ،‬وبه يبطل ما توهم أن النميمة ليست من الكبائر وال أعلم‪ .‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب‬
‫اليضاح ‪ ،‬تحقيق لجنة من الساتذة ‪ ،‬مطبعة الوطن بيروت ‪ ،1970 /1390‬ط ‪ .1/9 .2‬وقد‬
‫أورد اليجي هذا الحديث للتدليل على عذاب القبر كما يلي‪ ":‬مر عليه السلم بقبرين فقال‪ :‬إنهما‬
‫يعذبان وما يعذبان في كبير بل لن أحدهما كان ل يستبرئ من البول‪ ،‬وأما الثاني فكان يمشي‬
‫بالنميمة"‪ .‬ولم يشر إلى أن المعصية من الكبائر أو الصغائر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف‪2/452 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/10‬‬

‫تابع الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫تسمية الذنوب‪:‬‬
‫إن امتنع آي القرآن الكريم ينتبه إلى وجود عدة أسماء لمدلول الخروج عن طاعة ال تعالى بوجه‬
‫من الوجوه عدا الشرك وهذه السماء هي‪ :‬السيئة ‪ ،‬الكفر (‪)41‬‬
‫‪ ،‬الجرام‪ ،‬الثم‪ ،‬الذنب‪ ،‬المعصية‪ ،‬الفاحشة ‪ ،‬الوزر‪ ،‬الخطيئة‪ ،‬الكبيرة‪ ،‬الصغيرة‪ ،‬اللمم (‪)42‬‬
‫‪.‬‬
‫ترتيب الذنوب‪:‬‬
‫نجد عند الباضية ترتيبين للذنوب‪:‬‬
‫أما الترتيب الول فقد روعي فيه صلة النسان بال وصلته بالخرين‪ ،‬واعتمادهم في ذلك ما صح‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم كما يرويه أبو عبيدة عن ناس من الصحابة أنه قال‪ ":‬الذنوب‬
‫على وجهين ‪ ،‬ذنب بين العبد وربه وذنب بين العبد وصاحبه ‪ ،‬فالذنب بين العبد وربه إذا تاب منه‬
‫كان كمن ل ذنب له‪ ،‬أما بينه وبين صاحبه فل توبة له حتى يرد المظالم الى أهلها"‪)43( .‬‬
‫وأما الترتيب الثاني فاجتهادي وهو تنازلي‪ ،‬وفي ذلك يقول الوارجلني " الشرك أعظم الذنوب‪،‬‬
‫والكبير دونه فوق المعصية‪ ،‬والمعصية دون الكبير وفوق السيئة‪ ،‬والسيئة دون المعصية وفوق‬
‫الخطيئة‪ ،‬والخطيئة دون السيئة وفوق الكراهية‪ ،‬والكراهية دون الخطيئة وفوق الباحة" (‪)44‬‬
‫‪.‬‬
‫تعريف الصوليين‪ :‬رغم كثرة استعمال الصوليين لهذه الكلمات فإنهم ل يعتنون غالبا بتحديدها‬
‫تحديدا ثابتا واضحا ذلك يرجع إلى تقاربها من حيث الستعمال في القرآن الكريم كما بينا ذلك‪.‬‬
‫وقد حاول البرادي مستعينا بما جاء قبله أن يضع لها تعاريف في رسالة الحقائق ومع ذلك فإنه‬
‫غفل عن تعريف الثم والفاحشة والوزر والخطيئة واللمم‪.‬‬
‫فما هي المعصية؟ يقول البرادي‪ ":‬المعصية هي فعل ما نهى عنه فاعله وكذلك الذنب"‪)45( .‬‬

‫( ‪)2/11‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي معرفا المعصية مع زيادة تدقيق" والمذهب‪...‬أن المعصية كل ما قارنه‬
‫النهي من شرك وغيره"‪ .‬ثم يبين مخالفة الخوارج كما يلي‪ ":‬وخالف في الصل الثاني أعني قولنا‬
‫وليست المعصية كلها شركا الخوارج حيث زعموا أن المعصية كلها شرك‪. )46( "....‬‬
‫ويورد أبو عمار في شرح الجهالت ما يلي‪ ":‬إن من المعصية استفسادا ومنها غير استفساد ‪،‬‬
‫فالكبائر كلها استفساد والصغائر ليست باستفساد ‪ ،‬ويقال كل كبيرة معصية‪ ،‬وليس كل معصية‬
‫كبيرة‪ ،‬كما يقال كل صغيرة معصية وليس كل معصية صغيرة‪ .‬ول يقال في المعصية إنها غير‬
‫كبيرة‪ ،‬ول في الكبيرة إنها غير معصية‪ ،‬كما ل يقال في المعصية إنها غير الصغيرة ول في‬
‫الصغيرة إنها غير المعصية‪ ،‬وإنما يقال ‪ :‬الكبيرة غير الصغيرة‪ ،‬والصغيرة غير الكبيرة‪ ،‬وكذلك‬
‫يقال إن من المعصية كبيرة وصغيرة‪ ،‬والكبيرة ما قارن العقاب والصغيرة ما قارن الستثناء" (‬
‫‪)47‬‬
‫‪.‬‬
‫وإن اعتبر أبو عمار المعصية اسما عاما (‪)48‬‬
‫فإن أبا يعقوب الوارجلني يعتبرها دون الكبيرة وفوق السيئة (‪. )49‬‬
‫ومن خلل هذه التعريفات نتبين أن الغالب على المعصية أنها اسم مرادف للذنب وهي كل ما‬
‫قارن النهي‪ ،‬وتنقسم إلى كبائر وصغائر‪.‬‬
‫فماذا عن السيئة؟ السيئة‪ ":‬ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (‪)50‬‬
‫وإن جاء تعريف البرادي لغويا جافا فإن الوارجلني اكتفى بترتيب السيئة واعتبرها دون المعصية‬
‫وفوق الخطيئة (‪ ، )51‬أما أبو عمار عبد الكافي فقد اعتبر السيئة اسما عاما مثل المعصية (‪)52‬‬
‫وكذلك فعل صاحب المنهج حيث يقول‪ ":‬والسيئات هي كل ما عصي ال به من صغير وكبير" (‬
‫‪)53‬‬
‫‪.‬‬
‫وإن لم تطل هذه المصادر في تعريف هذه التسميات فإنها توسعت أكثر عند تقسيمها إلى كبيرة‬
‫وصغيرة فما هي الكبيرة؟‬
‫الكبيرة‪:‬‬
‫" حقيقة الكبيرة على أصولنا ما أوجب ال عليه حدا في الدنيا وعقابا في الخرة‪ ،‬وهي ضربان‬
‫معلوم ومجهول" (‪)54‬‬
‫‪ ،‬ويكتفي أبو عمار باعتبار الكبيرة استفسادا وأنها ما قارنها العقاب‪)55( .‬‬

‫( ‪)2/12‬‬

‫ويقول عمرو التلتي‪ ":‬إن الكبائر جمع كبيرة‪ ،‬وهي عند بعضهم ما توعد عليه بخصوصه في‬
‫الكتاب أو السنة كالقتل والزنا وعند آخرين ما فيه حد كالقذف ‪ ،‬وعند قوم كل ذنب ول صغيرة‬
‫عندهم نظرا إلى عظمة من عصى‪ -‬تعالى‪ -‬وشدة عقابه وهذا هو اللئق بمذهبنا المبني على‬
‫اليقين والحتياط‪ .‬وعند آخرين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة ديانته كسرقة‬
‫لقمة والتطفيف بتمرة" (‪. )56‬‬
‫" وقال ابن عباس‪ :‬الكبائر ما ذكره ال في سورة النور من أولها إلى قوله‪ ( :‬وتوبوا إلى ال‬
‫جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (‪ 24‬النور ‪ )31‬فأوجب ال لهم الفلح بالتوبة من جميع‬
‫الذنوب بقوله‪ ( :‬قد أفلح المؤمنون) (‪ 23‬المؤمنون ‪.)1‬‬
‫وقال ابن مسعود رضي ال عنه " الكبائر ما ذكره ال في سورة النساء الى قوله‪ ( :‬إن تجتنبوا‬
‫كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما) (‪ 14‬النساء ‪)57( .")31‬‬
‫ويستوفي السالمي القضية تمحيصها بإيراد تحديدات ابن حجر ومناقشتها وهي سبع‪ ،‬وتحديدات‬
‫الغزالي ولسنا نرى من الضروري إيرادها كلها وإنما محورها ما ذكره عمرو التلتي‪ ،‬والساس‬
‫في أن السالمي عول على التحديد الخامس وهو عين ما ذكره البرادي‪ ،‬الحد في الدنيا والوعيد في‬
‫الخرة‪ .‬وقد جاء ذلك في قوله‪ ":‬ولما كان الحد الخامس(أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد)‬
‫من هذه الحدود هو الذي عول عليه جمهور الصحاب رحمهم ال وكان ما عداه من الحدود‬
‫مدخول عول عليه الناظم" (‪. )59( )58‬‬
‫ويضيف محمد اطفيش تقليدا آخر لحد الكبيرة ينسبه إلى ابن عباس ويتمثل في الصرار حيث‬
‫يقول‪ :‬قال ابن عباس‪ ":‬كل ذنب قام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة وكل ذنب تاب منه العبد قبل‬
‫أن يموت فليس بكبيرة" (‪. )60‬‬
‫ويلحظ التلتي أن كل ما صدق عليه أنه كبيرة يصدق عليه أنه كفر وأنه ذو عقاب ‪ ،‬وكل ما‬
‫صدق عليه أنه ذو عقاب يصدق عليه انه كبيرة وانه كفر كالزنا وترك الزكاة (‪)61‬‬

‫( ‪)2/13‬‬

‫وقد عبر صاحب النونية عن ذلك كما يلي‪(:‬طويل)‬


‫(‪)62‬‬
‫فللكبيرة من خلل هذه التعاريف طرفان‪ ،‬طرف في الدنيا وهو إقامة الحد‪ ،‬وإن كانت الكبائر‬
‫المذكورة في القرآن والسنة تشمل كثيرا مما ل حد فيه‪ ،‬وطرف في الخرة وهو الوعيد والعقاب‬
‫ويشمل الكل ولذلك عمم أبو عمار وقال ما يشمله العقاب مهما كان نوعه في الدنيا وعقاب الخرة‬
‫أشد‪.‬‬
‫ثم إلى جانب هذا تقسم المصادر الكبائر إلى معلومة ومجهولة معنى ذلك أنها ل يمكن أن تقع‬
‫تحت الحصر‪.‬‬
‫أما المعلومة منها فهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم (‪)63‬‬
‫وفي سنة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬اجتنبوا الكبائر السبع الموبقات‪ ،‬الشرك بال والقتل والسحر وأكل الربا وأكل‬
‫مال اليتامى‪ ،‬والفرار من الزحف وقذف المحصنات" (‪. )64‬‬
‫كما تقسمها إلى كبائر شرك وكبائر نفاق (‪ )65‬ويقول أبو عمار في هذا الشأن‪ ":‬فإن قال الكبائر‬
‫كلها معلومة ؟ فقل إن بعض الكبائر معلوم لما جاء فيه من النص وبعضها مجهول‪ :‬يريد أن كل‬
‫ما جاء فيه من ال وعيد فهو معلوم‪ ،‬وما لم يأت فيه من ال وعيد فمجهول غير معلوم ‪ .‬ومن‬
‫قول بعض العلماء إن لم يأت من ال فيه دليل يدل على انه كبير فإنهم يناظرونه بالذي أتى فيه‬
‫عنه وعيد‪ ،‬فما كان مثله وما هو أكبر منه فهو كبير وال أعلم" (‪. )66‬‬
‫وقد عبر عمرو التلتي عن هذا الموقف باختصار ونسبه إلى أصحابنا أي علماء الباضية‪)67( .‬‬
‫وقد حرص هؤلء العلماء على إحصاء ما علم من الكبائر (‪ )68‬مع شعورهم أنها ل يمكن أن تقع‬
‫تحت الحصر‪ ،‬وفي ذلك ينقل الشماخي ما جاء عن جابر بن زيد أن أنس يروي أشياء من الكبائر‬
‫لم يروها الناس أدق من الشعر" (‪ )69‬فماذا عن الصغائر؟‬
‫================================‬
‫(‪ )41‬انظر ما سبق‪506 :‬‬

‫( ‪)2/14‬‬
‫(‪ )42‬لم نجد ‪ -‬حسب مطالعتنا ‪ -‬تمييزا اصطلحيا دقيقا بين هذه السماء لذلك سنكتفي بالوقوف‬
‫عند خمسة تتردد أكثر من غيرها وهي‪ ":‬المعصية " السيئة ‪ ،‬الكبيرة ‪ ،‬الصغيرة‪ ،‬اللمم‪.‬‬
‫(‪ )43‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 66 /2 :‬عدد ‪691‬‬
‫ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 118 -115 /6‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح تحقيق‬
‫عز الدين التنوخي‪ ،‬المطبعة العمومية دمشق ‪ .496 /3 .1963 /1383‬لم يرد الحديث عند‬
‫ونسنك في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )44‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.‬ط ‪2/3، 1‬‬
‫(‪ )45‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )46‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪ .11 :‬ويحيل على عمرو بن خليفة السوفي‪:‬‬
‫رسالة في الفرق السلمية ‪61 .‬‬
‫ملحظة‪ :‬تعريف المعتزلة للمعصية‪ ":‬وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير مع نوع من الرتبة‪،‬‬
‫وهو أن يكون العاصي دون المعصي‪ ،‬ولهذا ل يقال عصى المير فلنا كما يقال عصى فلن‬
‫المير ‪ ،‬ول يفهم من إطلق هذه الكلمة غير معصية ال تعالى ‪ ،‬حتى إنك لو أردت غيرها لقيدت‬
‫فقلت‪ :‬عصى فلن أباه ‪ ،‬أو جده ‪ ،‬أو المير إلى غير ذلك‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول‬
‫الخمسة ‪.611 :‬‬
‫تعريف الشاعرة للذنب‪ ":‬عبارة عن كل ما هو مخالف لمر ال تعالى في ترك أو فعل‪ ".‬الغزالي‪:‬‬
‫الحياء‪11/2093 :‬‬
‫(‪ )47‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪ ،90 :‬وجاءت نفس الصيغ في الموجز ‪/2‬‬
‫‪121 -120‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪121 /2‬‬
‫(‪ )49‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪43 /2 ،1‬‬
‫(‪ )50‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )51‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪43 /2 ،1‬‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪91:‬‬
‫(‪ )53‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.2/252‬‬

‫( ‪)2/15‬‬

‫ويذهب الشاعرة نفس المذهب غذ يعرف البيجوري السيئة كما يلي‪ ":‬هي ما يذم فاعله شرعا‪،‬‬
‫صغيرة كانت أو كبيرة ‪ ،‬وسميت سيئة لن فاعلها يساء ( كذا ) عند المقابلة عليها يوم القيامة‪".‬‬
‫شرح جوهرة التوحيد‪173 :‬‬
‫(‪ )54‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪ ،38 :‬ر‪ .‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي حيث يقول في النونية ‪:‬‬
‫( ص ‪ 6‬عدد ‪ ( :)83‬طويل)‬
‫فحد الكبير الحد في عاجل الدنيا‬
‫وسوء العذاب يا شر مسكن‬
‫ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ . 2/206‬ويضيف على الحد والعقاب أو لعن ال عليه أو‬
‫رسوله‪ ...‬أو ما أجمع عليه أهل العلم أنه من الكبائر فهو كذلك ‪ ،‬وما أشبه الكبير فهو كبير"‬
‫المنهج ‪.2/217‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪ 90:‬ويقول أيضا ‪ ":‬لو سأل فقال لم كانت‬
‫الصغيرة غير الكبيرة؟ قيل للعقاب الذي ليس في الصغيرة‪ "...‬نفس المصدر ‪ .91‬ويقول أيضا ‪":‬‬
‫كل معصية جاءت فيها صفة زائدة على النهي في كتاب ال تعالى‪ ،‬وفي سنة رسوله وفي آثارهم‪،‬‬
‫إن ذلك دللة على وجوب العقاب وكونها كبيرة" ‪ .‬الموجز ‪2/278‬‬
‫(‪ )56‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 104‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.271 -270 :‬‬
‫(‪ )57‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 106‬وجه و قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪. 275 :‬ر‪.‬‬
‫ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪.1/74 :‬‬
‫(‪ )58‬عبدال السالمي نفسه‬
‫(‪ )59‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪375:‬‬
‫(‪ )60‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد إلى دار المعاد‪ ،‬مطابع سجل العرب عمان‪ .‬نشر وزارة التراث‬
‫القومي ط ‪281 /4 . 1402/1982 ،2‬‬
‫(‪ )61‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 112‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )62‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشاني‪ :‬النونية ‪ 6‬عدد ‪85‬‬
‫ملحظة‪ :‬يحسن أن نورد هنا تعريف المعتزلة للكبيرة‪ :‬يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬إن الكبيرة في‬
‫عرف الشرع هو ما يكون عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا أو مقدرا"‪ .‬الصول الخمسة ‪:‬‬
‫‪( . 232‬وانظر معنى محققا ومقدرا‪ 550 :‬تعليق ‪.78‬‬

‫( ‪)2/16‬‬

‫أما الشاعرة فالكبائر عندهم ‪ ":‬هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة " البيجوري‪ :‬شرح جوهرة‬
‫التوحيد ‪.174:‬‬
‫وهذا يبين اتفاق الباضية والشاعرة وإن اختلفت الصيغة فما عبر عنه الباضية بالعقاب عبر‬
‫عنه الشاعرة بالمؤاخذة‪ ،‬وهذا يختلف عن رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الموازنة بين الثواب‬
‫والعقاب‪.‬‬
‫(‪ )63‬انظر ما سبق ‪ 544‬سورة النساء وسورة النور‪.‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت ‪52 :‬‬
‫ر‪ .‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن ‪2 :‬‬
‫وقد جاء الحديث عند البخاري أدب ‪6‬ـ إيمان ‪ ،16‬ديات ‪ .2‬استتابة ‪ .1‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة‬
‫النساء ‪ .7 ،6 ،4‬النسائي‪ :‬تحريم قسامة ‪ .48‬الدارمي ‪ :‬ديات ‪ .9‬أحمد بن حنبل ‪.214 .2/201‬‬
‫‪ 495 /3‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ . 5/516‬والملحظ أن هذه السبع تختلف أثناء التعداد‬
‫فنجد مثل عقوق الوالدين واليمين الغموس وقول الزور ‪ ،‬والسحر‪.‬‬
‫وقد أورد البيجوري هذا الحديث ثم بين أن السبع ليست بقيد بل غير ذلك وهذا رأينا تصرف‬
‫طيب في فهم الحديث لن الكبائر ل تنحصر في هذا العدد ‪.‬ر‪ .‬شرح جوهرة التوحيد ‪174 :‬‬
‫(‪ )65‬انظر ما سبق‪514 :‬‬
‫(‪ )66‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪92:‬‬
‫(‪ )67‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 109‬قفا‪ ،‬ورقة ‪ 111‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪282 -287‬‬
‫وعن معنى قياس مالم يرد ذكره على ما جاء فيه نص يقول أبو نصر فتح ابن نوح الماوشائي ‪:‬‬
‫(طويل)‬
‫وما لم يجئ فيه الوعيد فإنه‬
‫النونية ‪ 6 :‬بيت ‪ .84‬يقاس إلى النصوص فيه المبين‬
‫(‪ )68‬أنظر اليات والحاديث التي اعتمدت‬
‫أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 279 -270 :‬عدد جملة من الكبائر بعنوان في وسم الكبائر بسمة‬
‫الوعيد ‪.‬ر‪ .‬أمحمد اطفيش‪ :‬جامع الشمل في حديث خاتم الرسشل‪ .‬المطبعة الشرقية عمان‪ .‬نشر‬
‫وزارة التراث القومي ‪ :1984 /1404‬ص ‪ " 239 -228‬ما جاء في الكبائر"‪.‬‬

‫( ‪)2/17‬‬

‫(‪ )69‬أحمد الشماخي ‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ .46 :‬وسيستغل النص بصفة أوسع في‬
‫موضوع الشفاعة ‪ .‬انظر ما يلي ‪679 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/18‬‬
‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬
‫الصغيرة‪:‬‬
‫جاء في رسالة الحقائق ما يلي‪ ":‬حقيقة الصغيرة في كتاب الجهالت ما جاء فيه من ال الستثناء‬
‫وليس بسديد عندي لن الستثناء جاء في الكبائر بعد التوبة منها فيلزم على قوله أن تدخل في‬
‫الصغائر ‪ ،‬والحد السديد عندي فيها هو ما يكفر باجتناب الكبائر‪ ،‬وهي كلها عندنا غير معلوم ول‬
‫معين ونعنيها في الحكم خاصة" (‪. )70‬‬
‫ويقول أبو عمار‪ ":‬فكل ما كان مغفورا لهله‪ ،‬متروك المؤاخذة عليه فهو صغير غير كبير‪ ،‬وغير‬
‫كفر"‬
‫(‪ )71‬ويضيف في شرح كتاب الجهالت أنها ليست استفسادا فإن قال‪ :‬لم ل تكون الصغيرة‬
‫استفسادا وهي منتهى عنها؟ قيل‪ :‬إنما لم تكن استفسادا لعلة أنها ليست الكفر‪ ،‬فإن قال‪ :‬وما العلة‬
‫التي لمن تكن بها الصغائر كفرا؟ فقل‪ :‬لن ال أوجب فيها الستثناء‪ ،‬فإن قال ما وجه النهي عن‬
‫الصغائر إذا لم تكن استفسادا؟ قيل‪ :‬لئل يكونوا مستخفين بحق ال في ما دون الكبائر‪ .‬فإن قال‪:‬‬
‫ولم حتى قضيت أن في المنهي عنه صغيرا؟ قيل له‪ :‬لما جاء في ذلك من الخبر الصادق" (‪. )72‬‬
‫وكذلك يذكر يوسف المصعبي أن الصغيرة معفو عنها في حق المؤمن (‪ )73‬فينقل عن محمد بن‬
‫محبوب في قوله تعالى‪ ( :‬إل اللمم) وهو ما دون الكبائر من الذنوب التي تكون بين ال وبين‬
‫عباده مثل الغمزة واللمزة والنظرة‪ ،‬وما كان أهله يدينون بالتوبة منه بالستغفار فذلك هو اللمم‪.‬‬
‫وكل ما لم بالقلب منة ذكر المعصية‪ ،‬أو هم بها العبد ‪ ،‬أو نوى فعلها‪ ،‬من غير شتم المؤمنين ول‬
‫وقوع في أعراضهم فهذا إذا نسي أن يستغفر ال منه‪ ،‬وال واسع المغفرة إذا كان الفاعل ممن‬
‫يدين ال تعالى بالتوبة منه‪ ،‬ومن جميع ما نهى ال عنه (‪. )74‬‬

‫( ‪)2/19‬‬

‫وسلك السالمي مع الصغيرة مسلكه مع الكبيرة فأورد عدة تعاريف وناقشها ‪ ،‬ومن ذلك ما ذهب‬
‫إليه مالك من أن الكبائر معاصي أهل البدع‪ ،‬والصغائر معاصي أهل السنة‪ .‬وهو باطل لن في‬
‫معاصي أهل السنة الزنا‪ ،‬وشرب الخمر وقتل النفس‪ ،‬إلى غيرها من الكبائر التي جاء النص بأنها‬
‫موبقات‪ .‬ومن ذلك ما قيل من أن الكبائر معاصي إبليس‪ ،‬والصغائر معاصي من سواه وهو باطل‬
‫أيضا لنه إما أن يريد بمعصية إبليس الستكبار والوسوسة للناس وبغض الحق وأهله فالكبائر‬
‫غير منحصرة في ما ذكر وإما أن يريد بها أن المعاصي التي تصدر من غير إبليس صغائر ول‬
‫تصدر الكبيرة إل من إبليس فيلزمه جهل الشرك‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬والزنا وشرب الخمر ونحوهما‪،‬‬
‫من غير إبليس صغائر ول يشك عاقل في بطلنه (‪. )75‬‬
‫ويجمع السالمي مختلف الراء الواردة عند الباضية في ما يلي‪ (":‬قوله وعكسه الصغيرة ) (‪)76‬‬
‫أي عكس الكبيرة من الذنوب هو الصغير ‪ ،‬والمراد بالعكس هنا مطلق المخالفة أي ما عدا الكبير‬
‫من الذنوب فهو صغير بناء على المذهب المشرقي أن الصغائر موجودة في الخارج وأنها معلومة‬
‫للعلماء وهو مذهب النكار (‪ )77‬وجمهور قومنا‪ ،‬وذهب أصحابنا من أهل المغرب وبعض أهل‬
‫المشرق إلى أنها موجودة لكنها غير معينة" (‪. )78‬‬
‫هذا ما جاء عند من يقرون بوجود الصغائر أو لم تعلم فماذا عمن ينفون الصغائر؟‬
‫يقول عمرو التلتي‪ ":‬وقد اختلف العلماء في وجود الصغيرة فقال بعض المرجئة ل وجود لها وإن‬
‫كل ما عصي ال به كبيرا نظرا إلى عظمة الرب جل جلله ل إلى الفعل الذي عصي به وهو‬
‫المشهور عن أئمة المذهب رحمهم ال تعالى وهو اللئق بأصولهم المبنية على التحقيق والحتياط‪،‬‬
‫ووفاقا لبن عباس رضي ال عنه حيث قال‪ ":‬ليس في ما عصى ال به صغيرة" (‪. )79‬‬

‫( ‪)2/20‬‬

‫واضح أن هذا الموقف مردود لنه يتعارض وما جاء في القرآن الكريم من نصوص صريحة‬
‫تثبت ذكر الصغائر من ذلك قوله تعالى‪ ( :‬كل صغير وكبير مستطر) (‪ 54‬القمر ‪ )53‬وقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها) (‪ 18‬الكهف ‪ )49‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫(الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪.)32‬‬
‫وقد انتبه التلتي إلى القضية فبين أن بعض الصحاب حمل كلم ابن عباس على خلف ظاهره ‪،‬‬
‫وهو أن المراد منه توفير المعاصي والترهيب منها ل عدم وجود الصغائر (‪ )80‬ويستشهد بكلم‬
‫ابن محبوب المذكور أعله (‪ )81‬في تعريف الصغائر‪.‬‬
‫فالساس في هذه التعاريف أن عند الباضية خلفا في وجود الصغيرة‪ ،‬فجاء قول ينفي وجودها‬
‫أصل بناء على حديث ابن عباس ونسب إلى أئمة المذهب بدون تحديد‪ ،‬وجاء قول يقر بوجودها‬
‫وهو ما عليه جمهور الباضية إل أن أهل المشرق منهم والنكار يعتبرون أنها معلومة لكن‬
‫المغاربة وبعض المشارق يرون أنها غير محددة وعلى هذا المعنى ألح كل من البرادي وأبا عمار‬
‫وعثمان بن خليفة السوفي‪)82( .‬‬
‫والملحظ أن الذين يعتبرون أن الصغائر معلومة يكتفون بذكر بعضها ومن ذلك ما ذكره ابن‬
‫محبوب‪ ،‬ويذكر السالمي منها الكذب إن خف والرقص واللعب (‪ )83‬إل أن الذين يتوقفون عن‬
‫تعدادها يبينون أن في ذلك حكمة‪ ،‬وهاك توضيح عمرو التلتي لهذه الحكمة‪ ":‬وقال أصحابنا‪...‬‬
‫وغيرهم الصغائر كلها غير معلومة لنه ليس من الحكمة أن يبينها ال تعالى لعباده لنه لو بينها‬
‫لهم لستخفوا بحقه تعالى‪ ،‬وعصوه بفعلها‪ ...‬فثبت أنها غير معلومة‪ ،‬وأن عدم علمها أولى للعباد‬
‫وأدخل في زجرهم عن عصيان ال تعالى بوجه من الوجوه لنهم كلما أرادوا ارتكاب ذنب خافوا‬
‫كونه كبيرة وتركوه" (‪. )84‬‬
‫نتبين من هذا حينئذ أن الموقف القائل بجهل الصغائر أقرب إلى الحكمة من التشريع الذي يورد‬
‫حكم الصغائر ‪ ،‬ويبين السالمي أن للصغائر حكمين‪:‬‬

‫( ‪)2/21‬‬

‫أ‪ -‬أنها مغفورة بفعل الحسنات بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى‪ ( :‬إن الحسنات يذهبن السيئات) (‬
‫‪ 11‬هود ‪ )114‬وقال تعالى‪ ( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (‪ 4‬النساء ‪)31‬‬
‫والمراد بالسيئات هنا الصغائر‪ .‬وقال تعالى‪ ( :‬والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم إن‬
‫ربك واسع المغفرة) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬والمراد باللمم الصغائر من الذنوب‪.‬‬
‫أ?‪ -‬أن الصرار عليها كبيرة قال تعالى‪ ( :‬ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فمدحهم بعدم‬
‫الصرار على المعصية وفي مدحه تعالى لهم بعدم الصرار ذم للصرار وما ذمه تعالى فهو‬
‫كبير‪ ،‬بيانه انه تعالى ل يذم شيئا وهو يرضاه لعباده وقد قال تعالى‪ ( :‬ول يرضى لعباده الكفر) (‬
‫‪ 39‬الزمر ‪ )7‬فاستنتج من اليتين أن الصرار كفر نعمة" (‪. )85‬‬
‫فالساس بالنسبة إلى المسلم أن يحرص على عدم اقتراف الذنوب صغيرها وكبيرها سواء استطاع‬
‫أن يميز بين الصغائر والكبائر أو لم يستطع ذلك‪ .‬وإن وقع فما عليه إل أن يسارع إلى التوبة‬
‫النصوح فماذا عن التوبة والصرار والحباط؟‬
‫=============================‬
‫(‪ )70‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪38 :‬‬
‫(‪ )71‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ .2/121 :‬ويوضح صاحب المنهج الفرق بين الكبائر‬
‫والصغائر كما يلي‪ ":‬والفرق بين ارتكاب الصغائر والكبائر من المؤدي للفرائض المجتنب‬
‫للمحارم أن المواقع للكبائر يكفر بمواقعتها في حين ذلك كان منه على العلم أو الجهل ‪ ،‬أو الرأي‬
‫أو الدين ‪ ،‬ول ينفس له ذلك طرفة عين دون التوبة من ذلك والرجوع عنه والقلع‪.‬‬
‫وبارتكاب الصغائر من الذنوب مع اجتناب الكبائر على الجهل للصغائر مع التوبة منه في الجملة‬
‫سالم بذلك لنه دائن بالتوبة من جميع الكبائر والصغائر ‪ ،‬ولنه غير كافر ول هالك بمواقعة‬
‫الصغير حتى يصر عليه ويعزم أنه ل يتوب منه‪ ".‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.2/222 :‬‬
‫(‪ )72‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪90:‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على الديانات‪12 :‬‬

‫( ‪)2/22‬‬
‫(‪ )74‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬قفا‪ .‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪:‬‬
‫‪ .2/198‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪284 :‬‬
‫(‪ )75‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪377:‬‬
‫(‪ )76‬يشير إلى المنظومة التي هو بصدد شرحها وهي من نظمه‪.‬‬
‫(‪ )77‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .66 :‬ويذكر نفس الموقف انظر تعريف‬
‫النكار‪ 213 :‬تعليق ‪4‬‬
‫(‪ )78‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .376 :‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.66 :‬‬
‫ملحظة‪:‬‬
‫تعريف المعتزلة‪ ":‬وأما الصغيرة فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه إما محققا أو مقدرا"‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ 632 :‬ثم يعلل الحتزاز بقوله إما محققا وأما مقدار كما‬
‫يلي‪ ":‬واحترزنا من الموضعين ( الموضع الثاني الكبيرة انظر ما سبق ‪ 545‬تعليسق ‪ )62‬بقولنا‬
‫إما محققا وإما مقدار عن كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية ‪ ،‬أو يكون‬
‫عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا من جنب ما يستحقه من الثواب" الصول الخمسة ‪.632 :‬‬
‫تعريف الشاعرة ‪ ":‬وكل ما خرج عن حد الكبيرة وضابطها فهو صغيرة" البيجوري‪ :‬شرح‬
‫جوهرة التوحيد‪196 :‬‬
‫أما المرجئة فينسب إليهم الشعري قولين‪ ،‬فمنهم من يقر بوجود الصغائر ومنهم من ل يقر إل‬
‫بالكبائر ‪.‬ر‪ .‬المقالت‪.1/5 :‬‬
‫(‪ )79‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪284 :‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪ 73 -1/72 :‬والنص مقتبس من أبو عمار عبد‬
‫الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪.92 :‬‬

‫( ‪)2/23‬‬

‫(‪ )80‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪284 :‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪.1/73 :‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬يناقش الختلف‬
‫الوارد حول وجود الصغيرة ثم يقرر أنه ل بد من صغير وكبير‪ ".‬الدليل والبرهان ط ‪/3 ،2‬‬
‫‪ .103‬أما عن المعتزلة فيعدد الشعري مواقفهم في شأن هذا الختلف إلى ثلثة أقاويل أساس‬
‫التمييز فيها قائم على ما جاء فيه الوعيد أو ما كان عمدا‪ ( .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت‬
‫‪ ،)1/332‬إل أن القاضي عبد الجبار يلح كما ذكرنا من قبل على التمييز بين الكبير والصغير لن‬
‫الدليل الشرعي يفرض ذلك ‪ ،‬بينما لو وكل المر إلى العقل لكانت المعاصي كبائر ‪.‬ر‪ .‬الصول‬
‫الخمسة ‪634 -633 :‬‬
‫أما الخوارج كما ينسب إليهم ذلك فغنهم ل يعترفون بالصغائر ويحلل القول في ذلك ‪ :‬الصول‬
‫الخمسة ‪633 :‬‬
‫أما الشاعرة فكما رأينا من تعريفهم يقرون بوجود الكبائر والصغائر ويحلل القول في ذلك‬
‫الغزالي في الحياء ‪.‬ر‪.2105 -2093/ 11 .‬‬
‫(‪ )81‬ويشير إلى قول ابن محبوب الذي أورده من قبل وهو ‪ ":‬ما دون الكبائر هي الذنوب التي‬
‫بين العبد وبين ال تعالى مثل الغمزة و الهمزة والنظرة وما كان أهله يتدينون بالتوبة منه‬
‫والستغفار فذلك هو اللمم وكل قائم بالقلب من ذكر المعصية والهم بها ونية العمل لها من غير‬
‫شتم المؤمنين ول وقوع في عراضهم فهو من اللمم ‪ ،‬ونسيان الستغفار منه ل يضر صاحبه إن‬
‫كان يدين بالتوبة منه ومن جميع ما نهى ال عنه" عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 10‬وجه قفا‬
‫‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪284 :‬‬
‫(‪ )82‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.66 :‬‬
‫(‪ )83‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪376:‬‬

‫( ‪)2/24‬‬

‫(‪ )84‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬قفا‪ 111 ،‬وجه ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪ .285‬وقد جاء هذا المعنى محلل بصفة أدق عند أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪:‬‬
‫‪. 93 -92 ،90‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 376:‬ةهذا مسلك المعتزلة إذا اعتبر القاضي عبد‬
‫الجبار أن معرفة الصغائر ضرب من الغراء بالقبيح وذلك ما ل يجوز على ال تعالى‪ ".‬الصول‬
‫الخمسة ‪.635 :‬‬
‫(‪ )85‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ ،378 :‬وقد جاء نفس المعنى عند عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية‬
‫ورقة ‪ 111‬وجه قفا ‪ .‬وقد خيرنا عبارة السالمي لدقتها ووضوحها‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪287‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/25‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫ما الذي ينفي إنفاذ الوعيد؟‬
‫قبل أن نتحول إلى إنفاذ الوعيد‪ ،‬وأدلة الباضية على أنه واجب وجوب حكمه يحسن أن نذكر ما‬
‫أتاح ال تعالى للعباد من فرص في هذه الحياة للنجاة من وعيد الخرة‪.‬‬
‫التوبة وفضل ال تعالى‬
‫إن قضية المعاصي تترتب عليها مسألة العقاب إل أن النسان قد يغفل عن هذا العقاب حينا‪ ،‬وقد‬
‫ينتبه أحيانا أخرى ‪ ،‬فجعل ال للنسان سبيل إلى الخلص مما اقترف من الكبائر‪ ،‬وهذا الباب هو‬
‫التوبة ‪ ،‬فما هي التوبة؟ ومتى تكون نافعة ومتى تكون غير نافعة؟ وهل تحبط أعمال المؤمن‬
‫باقتراف المعاصي والصرار عليها؟‬
‫حقيقة التوبة‪:‬‬
‫التوبة لغة من تاب توبا وتوبة ومتابا وتابة‪ :‬رجع عن المعصية‪.‬‬
‫والتوبة‪ :‬العتراف والندم والقلع ‪ ،‬والعزم على أل يعاود النسان ما اقترفه (‪)1‬‬
‫وقد عرف الرسول عليه السلم التوبة بقوله " التوبة من الذنب أل تعود إليه أبدا" (‪ )2‬وبقوله "‬
‫الندم التوبة" (‪ . )3‬وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ ":‬صفة التوبة النصوص أن يتوب العبد‬
‫من ذنب فعله‪ ،‬ويعتقد الندامة عليه والنقلع وأل يعود إلى عصيان ال بعد ذلك أبدا‪ ،‬ويردّ التبائع‬
‫على قدر ما كانت عليه ‪ ،‬فغن عاد بعد ذلك فليست الولى بتوبة نصوح" (‪. )4‬‬
‫ويقول البرادي في رسالة الحقائق‪ ":‬حقيقة التوبة الندم بالقلب والعزم على الترك مع المكان‪ .‬وقال‬
‫غيرنا الرجوع عن الطريق البعيد إلى الطريق القريب" (‪. )5‬‬
‫ويعرفها عمرو التلتي كما يلي‪ ":‬التوبة‪ :‬بمعنى القلع من الذنب‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬والعزم على عدم‬
‫العود إليه" (‪. )6‬‬

‫( ‪)2/26‬‬

‫ويقول التلتي أيضا‪ " :‬ل توجد التوبة إل بوجود ستة أشِياء‪ :‬الندم على الذنب الماضي‪ ،‬والعزم‬
‫على عدم العودة إليه‪ ،‬وأداء الحقوق لهلها‪ ،‬وقضاء الفرائض المضيقة كلها‪ ،‬والحزن المؤدي إلى‬
‫ضعف البدن بحيث يلتزق جلده على عظمه‪ ،‬وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما ذاقت حلوة‬
‫المعصية" (‪. )7‬‬
‫نلحظ من خلل هذه التعريفات أنها تتكامل ‪ ،‬فإن سكت البرادي عن العزم على عدم العودة فقد‬
‫ذكره التلتي‪ ،‬إل أن البرادي ألح على نقطة مهمة وهي العزم على الترك مع المكان‪ ،‬وكأنه بهذا‬
‫يخرج من عجز عن إتيان تلك المعصية لسبب ما‪ ،‬وفي هذا كلم سيأتي في ما بعد عند الكلم عن‬
‫توبة العاجز (‪ ، )8‬مع التنبيه إلى تدارك ما يمكن تداركه من قضاء فروض وأداء حقوق‪ .‬ول‬
‫نرى فائدة في زيادة التحليل لن التوبة متفق عليها عند جميع المسلمين وغن اختلفوا في بعض‬
‫جزئيات كما سنبين ذلك فماذا عن حكمها شرعا؟‬
‫حكم التوبة‪:‬‬
‫يقول عثمان بن خليفة السوفي في هذا الشأن‪ ":‬والكف عن الذنوب فرض‪ ،‬ومعرفة ذلك فرض" (‬
‫‪. )9‬‬
‫ويعبر عمرو التلتي عن نفس المعنى بقوله‪ ":‬واتفقوا (أئمة الباضية) على أن التوبة واجبة على‬
‫المسلمين (وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون ) (‪ 24‬النور ‪)10( .)31‬‬
‫ويزيد ذلك تحليل بقوله‪ ":‬وإنها (التوبة) واجبة على المكلف في أول أحوال بلوغه‪ ،‬وغن لم يعلم‬
‫لنفسه ذنبا لنه قل من يسلم منه‪ ،‬ولن حقوق ال أعظم واكثر من أن يقوم بها" (‪. )11‬‬
‫ويشبع عبدال السالمي القضية تحليل فيقول‪ ":‬فهي (التوبة) إما واجبة‪ ،‬وإما مندوبة‪ ،‬فالفور واجب‬
‫منها‪ ،‬وهو ما إذا عصى المكلف فإنه يجب عليه أن يرجع عن عصيانه في الفور فأما وجوبها‬
‫فمأخوذ من قوله تعالى‪ ( :‬وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون) (‪ 24‬النور ‪ )31‬وأما وجوب‬
‫الفورية فيها فلما في تأخيرها من الصرار المحرم قطعا (‪. )12‬‬

‫( ‪)2/27‬‬

‫وأما المندوب منها فهو تكرار توبة من عصى فتاب إذا تذكر ذنبه الذي تاب فإنه يندب له أن يعيد‬
‫توبته‪ ،‬ول يجب عليه إعادتها خلفا لبعضهم لن الصحابة ومن كان لسلم بعد كفره يتذاكرون ما‬
‫كان منهم في الجاهلية من الكفر ول يجددون له توبة" (‪. )13‬‬
‫ويلح محمد اطفيش على وجوب التوبة رغم صعوبة ترك الذنوب فيقول‪ ":‬والتوبة من الصغائر‬
‫والكبائر واجبة ولو كان ل طاقة للنسان على ترك الذنب لن التوبة حق ال وإجلل له واجب‬
‫على كل حال" (‪. )14‬‬
‫فالمسلمون يكادون يجمعون على وجوب التوبة والنصوص صريحة في ذلك من القرآن والسنة‬
‫فماذا عن القبول من ال تعالى؟‬
‫قبول التوبة من ال تعالى‪:‬‬
‫قبل أن ننظر في قضية قبول التوبة يحسن أن نحلل هنا موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل‪.‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )1‬ر‪ .‬ابن منظور ‪ :‬لسنان العرب‬
‫(‪ )2‬امحمد اطفيش‪ :‬جامع الشمل ‪ 239 :‬وذكر أنه رواه ابن مردوية والبيهقي في شعبة عن ابن‬
‫مسعود‪.‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬الغزالي‪ :‬الحياء ‪ .11/2073‬ويقول المحقق عن الحديث إنه جاء عند ابن ماجة وابن‬
‫حبان والحاكم‪ .‬أما ابن ماجة فصحح اسناده من حديث ابن مسعود ‪ .‬ورواه ابن حبان والحاكم من‬
‫حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين ‪.‬ر‪ .‬الحياء ‪ :‬تعليق ‪.2073 : 1‬‬
‫جاء بصيغة " التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم ‪ "...‬احمد ‪ .1/446‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫للفاظ الحديث ‪.1/284‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.216 :‬‬
‫ملحظة‪:‬لقد جاءت عدة تعريفات للتوبة كلها تحوم حول ما ذكرنا فلذلك نكتفي بالحالة على‬
‫مصادرها‪ .‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪215 :‬و ‪. 216‬ر‪ .‬أبو يعقوب‬
‫الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪. 3/106 ،2‬ر‪.‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪249 -2/245‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شامل الصل والفرع ‪( 1/68 :‬وقد نبه إلى أداء الكفارات)‪.‬‬

‫( ‪)2/28‬‬

‫أما الشاعرة فيعرفونها كما يلي‪ ":‬وفي الشرع ‪ :‬الندم على المعصية من حيث هي معصية مع‬
‫عزم أل يعود إليها إذا قدر عليها‪ ".‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ .2/450‬ويضيف البيجوري مبدأ إرجاع‬
‫حقوق العباد لكن المحقق بذكر أن الندم وحده كاف مع التفويض إلى ال تعالى كما وقع لدم عليه‬
‫السلم‪ .‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪.196 :‬ر‪ .‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحري والتنوير ط‬
‫‪ 1/438 :2‬حيث بين أن التوبة علم علم وحال وعمل‪.‬‬
‫(‪ )5‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪ 39 :‬وعن القول المنسوب إلى غير الباضية ر‪ .‬الغزاليك حديث‬
‫الربعين ‪143 :‬‬
‫(‪ )6‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬و‬
‫‪347‬‬
‫(‪ )7‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬و‬
‫‪347‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما يلي‪571 :‬‬
‫(‪ )9‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪219:‬‬
‫(‪ )10‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪159 :‬‬
‫(‪ )11‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.357 :‬‬
‫ويعبر الغزالي عن موقف الشاعرة كما يلي‪" :‬إذا عرفت حقيقة التوبة انكشفت لك أنها واجبة على‬
‫كل أحد وفي كل حال ‪ ".‬كتاب الربعين ‪ 144‬ر‪ .‬الحياء ‪ .11/2073 :‬أما البيجوري والقرطبي‬
‫فلم يكتفيا بذكر الوجوب بل ناقشا المعتزلة في قول بعضهم بعدم الوجوب‪.‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح‬
‫جوهرة التوحيد‪. 157 :‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬احكام القرآن ‪ .5/90‬وينقل اليجي عن المدي أن المر‬
‫ظاهر في الوجوب لكنه غير قاطع لجواز أن يكون رخصة إيذانا بقبولها ودفعا للقنوط ر‪ .‬اليجي‪:‬‬
‫المواقف ‪.2/451‬‬
‫أما موقف المعتزلة فيلخصه الشعري كما يلي‪ ":‬واختلفوا (المعتزلة) في وجوب التوبة ‪ :‬فقال‬
‫قائلون‪ :‬التوبة من المعاصي فريضة ‪ ،‬وأنكر ذلك آخرون"‪ .‬المقالت ‪.2/170‬‬
‫(‪ )12‬انظر ما يلي‪ 575 :‬و ‪.589‬‬

‫( ‪)2/29‬‬

‫(‪ )13‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .416 :‬ويناقش السالمي الجبائي من المعتزلة الذي يرى أل توبة‬
‫من الصغير لنه يكفر باجتناب الكبير فيقول‪:‬ط تكفيرها باجتناب الكبائر ل ينافي وجوب التوبة‬
‫منها على الجمال"‪ :‬المشارق‪.416 :‬‬
‫ويتفق الباضية والشاعرة في وجوب الفورية واعتبار التأخير ذنبا آخر‪ .‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح‬
‫جوهرة التوحيد‪ .196 :‬وينبه البيجوري إلى الختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الذنب يتعدد‬
‫الزمن بينما يعتبر الشاعرة أنه ذنب واحد ولو تراخي ‪ .‬والباضية في هذا يلحون على قضية‬
‫الصرار(انظر ما يلي‪)575 :‬‬
‫(‪ )14‬امحمد اطفيش‪ :‬شامل الصل والفرع‪1/77 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/30‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل‪:‬‬
‫بناء على التحسين والتقبيح العقليين يقرر المعتزلة وجوب الثواب على ال تعالى كما يوجبون عليه‬
‫قبول توبة التائبين‪.‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وأما الشروط في استحقاق الثواب والعقاب في الفعال فكالشروط في‬
‫استحقاق المدح والذم عليهما (‪ )15‬غير أنه لبد من اعتبار شرط آخر فيهما وهو أن يكون الفاعل‬
‫ممن يصح أن يثاب أو يعاقب‪ ،‬وإن شئت قلت الشرط هو أن يكون الفاعل ممن يفعله لشهوة أو‬
‫شبهة‪ ...‬وغنما لم يكن بد من اعتبار هذا الشرط لنه لو لم يعتبر للزم استحقاق القديم تعالى‬
‫العقوبة‪ ،‬ومعلوم أنه لو قدر وقوع القبيح من جهته لم يستحق العقوبة وإن استحق الذم‪ ،‬تعالى عن‬
‫ذلك علوا كبيرا" (‪. )16‬‬
‫ثم يبين أن المؤثر في استحقاق المدح والثواب"إنما هو فعل النسان للواجب واجتنابه للقبيح وما‬
‫يجري هذا المجرى" (‪ )17‬ويخلص إلى النتيجة التالية‪ ":‬وإذا قد عرفت هذه الجملة فاعلم أنه تعالى‬
‫إذا كلفنا الفعال الشاقة فلبد من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله‪ ،‬بل ل يكفي هذا القدر‬
‫حتى يبلغ في الكثرة حدا ل يجوز البتداء بمثله ول التفضل به وإل كان ل يحسن التكليف لجله"‬
‫(‪. )18‬‬
‫ويرد على من يعتبر أن ال يثيب على ما ليس فيه مشقة بقوله‪ ":‬إنا ل نوجب أن يكون في نفس‬
‫الفعل مشقة‪ ،‬بل يجوز أن يكون في سببه أو في مقدمته أو في ما يتبعه ويتصل به" (‪. )19‬‬
‫وهكذا يتناسق هذا الموقف مع قول المعتزلة بالعدل اللهي‪ ،‬وبهذا يتضح قولهم بأن الثواب‬
‫استحقاق وأنه ثمرة من ثمرات اليمان والعمل الصالح‪ ،‬وبالتالي فهو واجب على ال تعالى إذ‬
‫العدل اللهي يقتضي أن يجارى المحسن حسب ما قدمت يداه‪.‬‬

‫( ‪)2/31‬‬

‫وقبل أن نورد حجج مخالفيهم على هذا الموقف يحسن أن نشير إلى أن أبا القاسم خالف أصحابه‬
‫في هذا الرأي وذهب إلى أن الثواب جود من ال تعالى‪ ":‬عن القديم تعالى إنما كلفنا هذه الفعال‬
‫الشاقة لما له علينا من النعم العظيمة فإن ذلك غير ممتنع ‪ ،‬فمعلوم أن من أخذ غيره من قارعة‬
‫الطريق فرباه‪ ،‬وأحسن تربيته‪ ،‬وخوله وموله‪ ،‬وأنعم عليه بضروب النعم‪ ،‬جاز له أن يكلفه فعل‬
‫يلحقه بذلك مشقة‪ ،‬نحو أن يقول‪ :‬ناولني هذا الكوز أو تمم هذا السطر‪ ،‬ول يجب أن يغرم في‬
‫مقابل ذلك شيئا آخر‪ ،‬كذلك في القديم تعالى فنعمه عندنا ل تحصى وأياديه لدينا ل تحصى‪ ،‬ولما‬
‫ذهب في ذلك إلى ما ذكرناه قال‪ :‬إنه إنما يثيب المطيعين ل لنهم استحقوا ذلك بل للجود" (‪. )20‬‬
‫ويرد القاضي عبد الجبار على أبي القاسم ردا شديدا معتبرا أن في هذا القبول تناقضا وبمثابة من‬
‫قال‪ ":‬يجب أن تفعل ويجب أل تفعل وهذا محال" (‪. )21‬‬
‫تبين من هذه النصوص حينئذ أن جمهور المعتزلة يوجبون الثواب على ال تعالى فماذا عن‬
‫الشاعرة؟‬
‫يقول البيجوري‪ ":‬وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ل تنفعه طاعة ول تضرع معصية‪ ،‬والكل بخلقه‬
‫فليست الطاعة مستلزمة للثواب‪ ،‬وليست المعصية مستلزمة للعقاب‪ ،‬وإنما هما أمارتان تدلن على‬
‫الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى" (‪. )22‬‬
‫فالشاعرة يعتبرون أن الثواب وعد من ال وأنه تفضل وغنما يقع لخباره بذلك لن ال تعالى‬
‫يستحيل في حقه أن يحتم عليه المر (‪. )23‬‬
‫أما الباضية فيقول عنهم الشعري‪ ":‬وقالوا (يقصد جل الباضية) ‪ :‬جزاء ال في العباد أكثر من‬
‫تفضله‪ ،‬وعافيته أكثر من ابتدائه‪ ،‬والثواب واجب بالستخلف والتفضل والبتلء ابتداء"‪)24( .‬‬
‫فهل اتخذ الباضية فعل موقف المعتزلة في إيجاب الثواب بالستحقاق على ال كما يذكر‬
‫الشعري رغم مخالفتهم في وجوب الصلح والصلح على ال؟‬

‫( ‪)2/32‬‬
‫وفي هذا الشأن يقول عمرو التلتي‪ ":‬واتفقوا أيضا على أن ال تعالى ل يجب عليه لعباده شيء‬
‫من الصلح والصلح لنه لو وجب عليه ما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر وفي الخرة‬
‫بالعذاب الليم المخلد فيه‪ ،‬المبتلى في الدنيا بالسقام والمحن والفات‪ ،‬ولنه لو وجب عليه ما بقي‬
‫للتفضل محل‪ ،‬ولم يكن له خيرة في النعام‪ ،‬وهو باطل لقوله تعالى‪ ( :‬وربك يخلق ما يشاء‬
‫ويختار) (‪ 28‬القصص ‪ )68‬وقوله‪( :‬يختص برحمته من يشاء) (‪ 2‬البقرة ‪. )25( )105‬‬
‫وبما أن الباضية ل يقولون بوجوب الصلح والصلح على ال فإنهم يعتبرون أل موجب على‬
‫ال في شأن الثواب‪ ،‬وهذا الوارجلني‪ ،‬عند تحليل ما يتعلق بالوعد والوعيد ‪ ،‬يذكر ما يثبت أل‬
‫موجب على ال وأن الوجوب وجوب حكمة فيقول‪ ":‬ل موجب على ال وإنما الوجوب في حق‬
‫الحكمة" (‪ )26‬كما يرد على من قال بان الثواب حتم بقوله‪ ":‬فالذين قالوا إن الثواب حتم على ال‬
‫قد أساءوا الدب إنما كان ينبغي لهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا إنه‬
‫واجب" (‪. )27‬‬
‫ويؤيد هذا الموقف ما جاء في الموجز عند تفسير حديث الرسول عليه السلم (‪ )28‬حيث يقول‪":‬‬
‫إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪،‬‬
‫أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال‪ ،‬ول‬
‫يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له‪ ،‬ويغمده‬
‫برحمته التي ل يخيب من تغمد بها"‪)29( .‬‬
‫فموقف الباضية صريح في رفض موقف المعتزلة القائل بوجوب الستحقاق والفرق شاسع بين‬
‫الوجودي وجوب الحكمة ووجوب الستحقاق إذ وجوب الستحقاق إنما يتوجه من القوي إلى‬
‫الضعيف وذلك من علمات النقص التي تعالى ال عنها علوا كبيرا‪ ،‬بينما وجوب الحكمة فضل‬
‫من ال ورحمة‪.‬‬

‫( ‪)2/33‬‬

‫ولعل الشعري وقعت بين يديه بعض المتون المختصرة (‪ )30‬التي وردت فيها كلمة الوجوب‬
‫فأضاف الستحقاق رغم أنه أشار إلى التفضل‪ ،‬وتحول فيها كلمة الوجوب فأضاف الستحقاق‬
‫رغم أنه أشار إلى التفضل وتحول بذلك المعنى عن الصل وعن سياق مبادئ الباضية العامة‬
‫وأبرزها في هذا الشأن اعتبارهم أن التحسين والتقبيح شرعيان فالحسن ما حسنه الشرع ووعد‬
‫عليه حسن الثواب والقبيح ما قبحه الشرع وتوعد عليه سوء العقاب‪.‬‬
‫ونورد نصين متأخرين عن زمن الشعري لعلهما يشعران بما جاء قبلهما مما لم يصلنا من‬
‫النصوص‪.‬‬
‫الول في القرن الخامس‪ " 11 /‬وذلك أن وليته(ال) وجوب الثواب لوليائه وعداوته وجوب‬
‫العقاب لعدائه" (‪. )31‬‬
‫والثاني من القرن الثامن‪ ": 14 /‬ومما يجب على المكلف أن يعلم أن ال أمر بطاعته وأوجب‬
‫عليها ثوابا‪ ،‬ونهى عن معصيته وأوجب عليها عقابا" (‪. )32‬‬
‫وما كان يخفى على الجيطالي أن الوجوب وجوب الحكمة بعد تحليل الوارجلني للقضية في‬
‫الدليل والبرهان‪.‬‬
‫ويشير أحمد الشماخي كذلك إلى أن الثواب فضل من ال إل انه يضيف أنه خاص بالمتقين‪":‬‬
‫قولك‪ :‬بل يفضل ال" أقول‪ :‬المر كذلك لكنه أخبر أنه فضله ورحمته خاصان بالمتقين (فسأكتبها‬
‫للذين يتقون) (‪ 7‬العراف ‪ )156‬وكثر في القرآن ( بما كنتم تعملون) (‪ 5‬المائدة ‪ ( )105‬بما‬
‫أسلفتم) (‪ 69‬الحاقة ‪ )24‬وما شاكلها‪ .‬فإن حملنا أخبار ال تعالى على الصدق فقد أخبرنا بأنها‬
‫خالصة للمؤمنين(فسأكتبها للذين يتقون) كما هو مذهب كل مؤمن مسلم" (‪. )33‬‬
‫ويذكر عمرو التلتي أن " كل نعمة فضل من ال تعالى‪ ،‬وأن كل نقمة عدل منه عز وجل" (‪)34‬‬
‫‪.‬‬
‫وإذا تأملنا في المصادر الباضية المتأخرة نتبين بوضوح مناقشتها لهذه المقولة وردها لرأي‬
‫المعتزلة القائلين بوجوب الثواب على ال ومن ذلك ما جاء في كتاب المعارج‪:‬‬

‫( ‪)2/34‬‬

‫" ذهبت المعتزلة أيضا بناء على قولهم بتحكيم العقل إلى وجوب ثواب الطاعة عقل على ال‬
‫تعالى‪ ،‬واحتجوا على ذلك من الكتاب العزيز بقوله تعالى‪ ( :‬ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ال‬
‫ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما) (‪ 4‬النساء ‪ )100‬قالوا‪:‬‬
‫فهذه الية تدل على أن العمل يوجب الثواب على ال لنه تعالى قال‪( :‬فقد وقع أجره على ال)‬
‫وذلك يدل على قولنا من ثلثة أوجه‪ :‬أحدهما انه ذكر لفظ الوقوع‪ ،‬وحقيقة الوجوب هي الوقوع‬
‫والسقوط قال تعالى‪ ( :‬فإذا وجبت جنوبها) (‪ 22‬الحج ‪ )39‬أي وقعت وسقطت‪ .‬وثانيها‪ :‬أنه ذكر‬
‫بلفظ الجر والجر عبارة عن المنفعة المستحقة‪ ،‬فأما الذي ل يكون مستحقا فذلك ل يسمى أجرا‬
‫بل هبة‪ .‬وثالثها‪ :‬قوله(على ال) وكلمة(على) للوجوب قال تعالى‪ ( :‬ول على الناس حج البيت) (‪3‬‬
‫آل عمران ‪.)97‬‬
‫وأجيب بأنه ل نزاع في وجوب الثواب على الطاعة لكن ذلك بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم‬
‫ل بحكم الستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن اللهية‪...‬فهو سبحانه وتعالى يقبل توبة التائب‬
‫تفضل منه ووفاء بوعده ويثيب المطيع تفضل منه‪ ،‬ووفاء بوعده وال أعلم" (‪. )35‬‬
‫ويقول أيضا‪...":‬أهل الستقامة يقولون إن التعذيب بعدل ال والثواب بفضله والمعتزلة يقولون‬
‫بوجوب ذلك عليه‪ ،‬تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين" (‪. )36‬‬

‫( ‪)2/35‬‬

‫فالمهم حينئذ أن موقف الباضية جاء موقفا ذاتيا مستفيدا من هذا وذاك دون أن يكون تابعا تبعية‬
‫مطلقة لي طرف‪ ،‬فهم يرون أن الثواب واجب وجوب حكمة تتناسق والعدل اللهي‪ ،‬فال يوجب‬
‫على نفسه ما يشاء دون أن يوجب عليه أحد‪ ،‬وعبر الشاعرة عن ذلك بقولهم إنه يمكن أن يعكس‬
‫فيعاقب المحسن ويثيب المسيء‪ ،‬وفي موقفهم رد عنيف على المعتزلة‪ ،‬كما أن الباضية ألحوا‬
‫إلحاحا كبيرا على جانب الفضل والرحمة وهذا هو الموقف المستقر في الفكر الباضي عبر‬
‫القرون ( ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) (‪ 24‬النور ‪ )21‬لن عمل‬
‫النسان مهما كان ل يمكن أن يعادل ما يتمتع به من نعم‪ ،‬فالثواب حينئذ في مستوى صلته بعمل‬
‫النسان الموفي أقرب إلى الوجود لرتباط النتيجة بالسبب‪ ،‬وفي مستوى صلته بالمثيب إنما هو‬
‫تفضل ورحمة لن ال غني عن العالمين‪.‬‬
‫وعلى هذا ينبني موقف الباضية من قبول التوبة‪.‬‬
‫=============================‬
‫(‪ " )15‬فكذلك المدح أيضا قسمان على ما ذكرنا ‪ ،‬فقسم يتبعه الثواب من جهة ال تعالى والشرطة‬
‫في استحقاقه شرطان‪ :‬أحدهما يرجع إلى الفعل وهو أن تكون له منفعة زائدة على حسنة ‪ ،‬والخر‬
‫يرجع إلى الفاعل وهو أن يكون عالما بأن له صفة زائدة على حسنة ‪ ،‬فل بد من اعتبارهما معا‬
‫كما في الذم ‪ ،‬ولهذا قلنا‪ :‬إن الصبيان ل يستحقون على أفعالهم المدح‪ ،‬لما لم يعلموا أن لها صفة‬
‫زائدة على الحسن"‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪.613 :‬‬
‫(‪ )16‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )17‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )18‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )19‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪617-616 :‬‬
‫(‪ )20‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪618 :‬‬
‫(‪ )21‬نفس المصدر ‪619‬‬

‫( ‪)2/36‬‬
‫(‪ )22‬البيجوري ‪:‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .108 :‬بل يذهب إلى أكثر من ذلك وهو إمكانية‬
‫العكس ‪ ،‬فحتى لو عذب ال المطيع وأثاب العاصي لكان حسنا ‪ .‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪2/451‬‬
‫حيث يبين أل وجوب‬
‫(‪ )23‬انظر أدلتهم عند الجويني‪ :‬الرشاد ‪ ،‬تحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد‬
‫الحميد مطبعة السعادة مصر ‪ 381 : 1369‬وعند ابن تيمية‪ :‬مناهج السنة ط ‪ 1‬مصر ‪:1321‬‬
‫‪1/129‬‬
‫ومنها من النقل‪:‬‬
‫قوله تعالى ] ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله[ (الروم ‪ )45‬وقوله تعالى‪ ] :‬ولول‬
‫فضل ال عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا[ (النور ‪ .)21‬وقوله عليه السلم‪ " :‬لن يدخل‬
‫أحد منكم الجنة من أحد قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬ول أنا ‪ .‬إل أن يتغمد ني ال برحمته‬
‫منه وفضل" (انظر تخريج الحديث ‪ 440‬تعليق ‪.)119‬‬
‫ومن العقل‪:‬‬
‫يتحقق الوجوب في حق من لو فرض منه ترك الوجوب لستحق الذم أو العقاب‪ ،‬وال منزه عن‬
‫ذلك ‪ ،‬ولو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لحد منعه وقد قال تعالى ‪ ]:‬قل فمن يملك من ال شيئا[‬
‫( المائدة ‪ - )17‬عبادات العبد ل تفي بنعم ال تعالى عليه شكر له عليها ‪ ،‬فلم استحقاق الثواب في‬
‫أعمال وقعت عوضا عن جزء قليل من نعيم استوفاه العبد‪.‬‬
‫(‪ )24‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت‪1/188 :‬‬
‫(‪ )25‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪160:‬‬
‫(‪ )26‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1/58 :1‬‬
‫(‪ )27‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1/58 :1‬‬
‫(‪ )28‬يشير إلى الحديث الذي ورد فيه قوله عليه السلم‪ :‬إل أن يتغمد ني ال برحمته‪ .‬انظر‪562:‬‬
‫(‪ )29‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 2/87 :‬مع الملحظ أن أبا عمار لم يلح على قضية الثواب‬
‫لنه في صدد الرد على الجبرية‪.‬‬
‫(‪ )30‬ومعلوم أن الشعري ل يحيل على مصادره‪.‬‬
‫(‪ )31‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف ‪1/38 :‬‬
‫(‪ )32‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر‪327 -1/326 :‬‬
‫(‪ )33‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪41 :‬‬

‫( ‪)2/37‬‬
‫(‪ )34‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪160:‬‬
‫(‪ )35‬عبدال السالمي‪ :‬المعارج‪ .‬مطابع سجل العرب‪ ،‬عمان‪ ،‬نشر وزارة التراث القومي ‪1/174‬‬
‫(‪ )36‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .294 :‬وقد عبر امحمد اطفيش عن نفس المعنى ر‪ .‬تيسير‬
‫التفسير ط ‪ 2/482 ، 2‬وكذلك ط ‪.2/141 ، 2‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/38‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫قبول التوبة فضل أم استحقاق؟‬
‫إن أحسن ما يرجوه التائب أن يقبل ال توبته‪ ،‬وأن يعفو عن معاصيه وأن يبدل سيئاته حسنات‪،‬‬
‫وأن يدخله جنة النعيم‪ ،‬إل أن علماء الكلم أثاروا نقطة الستحقاق والفضل هنا كما فعلوا بالنسبة‬
‫إلى الثواب‪.‬‬
‫فالمعتزلة يرون انه يجب على ال قبول التوبة نقل وعقل‪ .‬أما النقل فاعتقادهم على قوله تعالى‪( :‬‬
‫إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب ال عليهم وكان‬
‫ال عليما حكيما) (‪ 4‬النساء ‪ )17‬حيث اعتبروا أن(على) بمعنى الوجوب ولول ذلك لكانت الية‬
‫مساوية لقوله تعالى (فأولئك يتوب ال عليهم) (‪ 4‬النساء ‪.)17‬‬
‫يرد السالمي بما يلي‪ ":‬وأجيب عن ذلك بأنه تعالى وعد بقبول التوبة من المؤمنين فإذا وعد ال‬
‫بشيء وكان الخلف في وعده محال كان ذلك شبيها بالواجب فبهذا التأويل صح إطلق كلمة(على)‬
‫وبهذا الطريق ظهر الفرق بين قوله( إنما التوبة على ال) وبين قوله( فأولئك يتوب ال عليهم)‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فلم أخبر عن قبول التوبة‪ ،‬وكل ما أخبر ال عن وقوعه كان واجب الوقوع فيلزمكم أل‬
‫يكون فاعل مختارا‪.‬‬
‫أجيب بأن الخبار عن الوقوع تبع للوقوع‪ ،‬والوقوع تبع لليقاع ‪ ،‬والتبع ل يغير الصل‪ ،‬فكان‬
‫فاعل مختارا في ذلك اليقاع فسقط احتجاجهم بالية" (‪. )37‬‬
‫ثم يرد على قولهم بوجوب قبولها عقل اعتمادا على تحليل الفخر الرازي الذي يدلي بأربعة حجج‬
‫نكتفي بذكر واحدة منها‪ ":‬إن التوبة فعل يحصل باختيار العبد على قولهم‪ ،‬فلو صار ذلك علة‬
‫للوجوب على ال لصار فعل العبد مؤثرا في ذات ال وفي صفاته‪ ،‬وذلك ل يقوله عاقل" (‪. )38‬‬

‫( ‪)2/39‬‬
‫ومن خلل هذه الردود نتبين اتحاد الموقف بين الباضية والشاعرة فالكل يرى أن قبول التوبة‬
‫أفضل من ال تعالى‪ .‬وهذا السالمي يقول‪ ":‬منتهى التوبة وثمرتها حط الوزار بمعنى إزالة الثام‬
‫عن المذنب وتلك الثمرة إنما هي بمحض تفضل منه تعالى ل بوجوب عليه" (‪. )39‬‬
‫فقبول التوبة حينئذ تفضل من ال تعالى وفضل ورحمة فمتى تقبل التوبة ومتى ل تقبل؟‬
‫متى تقبل توبة التائبين؟‬
‫يقول ال تعالى‪ ( :‬إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك‬
‫يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما) (‪ 4‬النساء ‪.)17‬‬
‫بين محمد اطفيش أن الجهالة تتمثل في السفه وتشمل من علم ومن لم يعلم‪ ،‬ويستدل بقول قتادة‪:‬إن‬
‫أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم أجمعوا على أن كل ما عصي ال به فهو جهالة ولو مع‬
‫علم وان كل من عصى ال فهو جاهل ولو كلن عالما (‪. )40‬‬
‫كما بين أن التوبة من قريب يفسرها حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬عن ال يقبل توبة‬
‫العبد ما لم يغرغر" (‪. )41‬‬
‫إن هذا المعنى ل ينفي المبادرة إلى التوبة حال الوقوع في المعصية إل أنه يجعل فسحة للتائب‬
‫ويؤازره هذا رد ال تعالى على إبليس حينما طلب المهال وأثبت أنه لن يخرج من قبل آدم ما دام‬
‫فيه الروح بما يلي‪ " :‬وعزتي ل احجب عنه التوبة ما دام فيه الروح" ‪ )42( .‬هذا في ما يتعلق‬
‫بالجهالة وسعة الزمن‪ ،‬بقي أن نذكر ببعض الشروط‪.‬‬
‫شروط التوبة‪:‬‬
‫سبق أن ذكرنا عند التعريف شروط التوبة فيستحسن أن نقف عندها بشيء من التحليل‪:‬‬
‫‪ )1‬الندم‪" :‬هو غم يصيب النسان ويتمنى أن ما وقع منه لم يقع وذلك حياء من ال تعالى وأسفا‬
‫على عدم رعاية حقه" (‪. )43‬‬
‫ومن أسباب الندم خوف عدم القبول‪ ،‬ومن علمات مخالفة الهوى‪ ،‬وكثرة البكاء‪ ،‬وقلة الكلم‬
‫والطعام والمقام (‪. )44‬‬

‫( ‪)2/40‬‬

‫‪ )2‬الستغفار‪:‬هو طلب الغفران للذنب سواء كان ذلك الطلب بالقول والقلب أو بالقلب فقط لقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم) (‪ 3‬آل عمران‬
‫‪ .)135‬ويرجع ذلك إلى أصل الذنب فالمعصية القلبية يناسبها الستغفار القلبي والجهرية يناسبها‬
‫الستغفار القولي (‪. )45‬‬
‫‪ )3‬العزم على أل يعود في المستقبل إليه أو إلى مثله‪ :‬والفرق واضح بين العاجز والقادر‪ ،‬أما‬
‫القادر على العودة فل تعتبر توبته نصوحا حتى يمكن من الذنب عشر مرات مع توفر السباب‬
‫الداعية له وامتناعه منه‪)46( .‬‬
‫وأما العاجز فالشرط في حقه عزمه على الترك لو عادات إليه قدرته على الذنب (‪. )47‬‬
‫‪ )1‬الرجوع بانكسار‪ :‬ول تتم التوبة إل بالقلع بصفة نهائية عن الذنب بتذلل وانكسار نفس لن‬
‫ما فات من العمر ل يمكن أن يرجع‪.‬‬
‫وإثبات هذتا الشرط يخرج المقلع اضطرارا خشية تعزيز من المام أو نتيجة فقدان جارحة وفي‬
‫نفسه لو يستطيع لفعل (‪. )48‬‬
‫بقي أن نشير إلى أمرين‪:‬‬
‫‪ )1‬فمن كانت معصيته في حق ال تعالى فهذه الشروط كافية لكن يتحدد الفرق بين المستحل‬
‫للمعاصي وبين المحرم لها‪.‬‬
‫أما المحرم (‪ )49‬لها‪ :‬أي الذي يعتقد أنه ينتهك حرمات ال فعليه مع التوبة استدراك ما فاته‬
‫بالقضاء مع أداء الكفارة‪.‬‬
‫وتجدر الشارة إلى الحج والزكاة بالنسبة إلى من كان موسرا حالة العصيان‪ ،‬وصار معسرا عند‬
‫التوبة ‪ ،‬والرأي الراجح أنه معفو عنه‪ ،‬ومنهم من يأمره بالوصية وإلى جانب هذا أداء الكفارة‬
‫وللباضية تحليل موسع للكفارات (‪. )50‬‬
‫وأما المستحل (‪ ّ )51‬فيعامل معاملة من أسلم بعد كفر‪ ،‬والسلم يجب ما قبله‪ ،‬والدينونية عليه‬
‫سوى الرجوع إلى الحق والدينونة ببطلن ما كان عليه (‪. )52‬‬
‫‪ )2‬ومن كانت معصيته تعلق بها حق من حقوق العباد فتوبته تكون حسب الستحلل والتحريم‪.‬‬

‫( ‪)2/41‬‬

‫أما المستحلّ‪ :‬فتجزيه التوبة من ذلك الشيء دون غرمه سواء كان قائما في يده أو كان قد أتلفه‬
‫وهذا القول ظاهر في المشركين لقوله تعالى‪ ( :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (‬
‫‪ 8‬النفال ‪ )38‬كما أن السيرة أيدت ذلك لن الرسول عليه السلم لم يسترجع الدور التي انتزعها‬
‫المشركون من المسلمين حتى بعد إسلمهم عند فتح مكة‪ .‬وقد قال عمر‪ :‬ولسنا بنازعين شيئا من‬
‫يد أحد إذ أسلم عليه‪ ،‬وعلى هذا اجتمعت المة المحمدية (‪. )53‬‬
‫بقي الخلف في المرتد (‪ )54‬والذمي (‪ )55‬وما اغتصبه المشركون من المسلمين (‪ )56‬والموحد‬
‫والمستحلّ بتأويل الخطأ (‪. )57‬‬
‫وأما المحرّم فعليه التنصل من حقوق العباد فيؤديها لصحابها إن كان قادرا‪ ،‬وإن كان غير قادر‪،‬‬
‫أو تعذر عليه وجود أصحابها أو تعذر عليه ما يتخلص به فإنه يجب عليه حينئذ أن يعتقد الخلص‬
‫عند القدرة عليه‪ ،‬فإن حضره الموت ولم يجد سبيل إلى الخلص وجبت عليه الوصية ول شيء‬
‫عليه فوق ذلك‪ .‬أما إذا عفا صاحب الحق فل غرم‪)58( .‬‬
‫أما إذا غفل عن ذلك في توبته فلبد من المقاصة وذلك بأن يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي‬
‫للمظلوم‪ ،‬فإذا نفذت حسنات الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم‪)59( .‬‬
‫واضح من خلل ما ذكرنا أن الباضية وسائر علماء السلم (‪ )60‬قالوا وأطالوا في موضوع‬
‫التوبة والتائبين ‪ ،‬لذلك نكتفي بهذا القدر مع اللحاح على أن المصادر الباضية تركز خاصة على‬
‫أن وعد ال تعالى خاص للتائب الذي ختم عمره بالتوبة وهذا ما سيتجلى بوضوح في المباحث‬
‫اللحقة‪.‬‬
‫وبعد أن علمنا إجمال متى تقبل التوبة فمتى ل تقبل هذه التوبة؟‬
‫=================================‬
‫(‪ )37‬عبدال السالمي‪ :‬المعارج ‪174 -1/172‬‬

‫( ‪)2/42‬‬

‫(‪ )38‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق ‪. 421 -420‬ر‪ .‬الفخر الرازي التفسير الكبير ‪. 3 -10/2‬ر‪.‬‬
‫البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪.198 -197 :‬وقد أورد مختلف الفويرقات بين علماء‬
‫الشاعرة ومحورها أن التوبة إما أن تقبل قطعا بدليل قطعي أو ظنا بدليل ظني‪.‬‬
‫ر‪ .‬القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪ .91 -5/90‬ويختم بقوله‪ :‬والعقيدة أنه ل يجب على ال شيء عقل‪،‬‬
‫فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب وذلك من فضل ال ورحمته"‪.‬‬
‫(‪ )39‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.420 :‬‬
‫ولم يتوسع يوسف المصعبي في القضية وإنما اكتفى بذكر عبارة البيضاوي أن قبول التوبة‬
‫كالمحتوم على ال بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته ‪ (.‬البيضاوي ‪ :‬أنوار التنزيل ‪)1/83‬‬
‫وذلك لتوضيح عبارة الجللين " التي كتب على نفسه قبولها بفضله"‪ .‬حاشية على تفسير الجللين‬
‫ورقة ‪ 158‬قفا‪ .‬ولذلك سنعتمد تفسير امحمد اطفيش رغم تأخره عن المرحلة المقررة لستكمال‬
‫القضية‪.‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/285 ، 2‬‬
‫(‪ )41‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة ‪ .‬وعن الحديث ر‪ .‬الترمذي ‪ :‬دعوات ‪ 98‬ابن ماجة ‪ :‬زهد ‪30‬‬
‫‪ ،‬أحمد بن حنبل ‪ .425 .3 .153 -2/132‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪4/480‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪ .282‬والحديث القدسي لم نجد ذكره عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )43‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ ،417 :‬واكتفى عمرو التلتي بذكر السف شرح النونية ورقة‬
‫‪ 142‬وجه‪ ،‬وكذلك عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬بينما يزيد السالمي فكرة الندم لوجه ال تعالى‬
‫لن الندم قد يكون لجل مصيبة حصلت له ‪.‬ر‪ .‬المشارق‪417 :‬‬
‫(‪ )44‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ :‬ص ‪357‬‬
‫( ‪)2/43‬‬

‫(‪ )45‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 144‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪362 :‬‬
‫‪ .‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 418 :‬وعن المعاصي القلبية مثل الحسد ‪ .‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪:‬‬
‫شرح النونية ورقة ‪ 202‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ .477 -476 :‬ر‪ .‬عبدال‬
‫السالمي‪ :‬المشارق‪431 -424 :‬‬
‫(‪)45‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 360 :‬وعن‬
‫موقف الشاعرة ر‪ .‬البيجوري ‪:‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .196:‬وأورد قولين أحدهما يقر ضرورة‬
‫العزم ‪ ،‬والخر يقر بعدم اشتراطه بل التفويض كاف‪.‬‬
‫(‪ )47‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪418 :‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪418 :‬‬
‫(‪ )49‬المحرم‪ :‬المنتهك هو ما يأتي الشياء المحرمة في دينه على غير اعتقاد لها باستحلل ‪ .‬ر‪.‬‬
‫عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪443:‬‬
‫(‪ )50‬ر‪ .‬فتاوي أبي النجاة يونس التعاريتي جمعها تلميذه سلمة الجناونيز البارونية بدون رقم ‪.‬‬
‫مجموع فتاوي عبدال السدويكشي ط‪ .‬بالبارونية ‪1315‬هـ مجموعة فتاوي المحشي ط‪ .‬بالبارونية‬
‫‪1315‬هـ وقد جمع القول في قضية الكفارات إبراهيم بيوض (ت ‪ )1401/1981‬نشأ بمدينة‬
‫القرارة وفيها حفظ القرآن الكريم‪ .‬عصامي في تكونه لنه تحمل المسؤولية من صغره ‪ .‬لم يدرس‬
‫في غير وادي ميزاب ‪ ،‬اهتم بالتدريس وبالصلح الجتماعي ومنطلقة في ذلك القرآن الكريم‪،‬‬
‫وقد فسره في حلقات متلحقة طيلة نصف قرن‪ ،‬ويسعى تلميذه الن إلى تخريجه من المسجلت‬
‫بعنوان " في رحاب القرآن" ‪ .‬ويعتبر رائد النهضة الميزابية واستمر إلى وفاته شيخا للمجلس‬
‫العلى لنظام العزابة بوادي ميزاب‪.‬‬
‫وإلى جانب هذا كان له نشاط علمي على مستوى القطر الجزائري إذ كان من العضاء الموسسين‬
‫لجمعية العلماء ‪ ،‬كما كانت له مواقف سياسية جرئية زمن الستعمار إذ رفض فكرة فصل‬
‫الجنوب عن الشمال ‪.‬ر‪ .‬محمد علي دبوز‪ :‬نهضة الجزائر الحديثة ‪81-6 /3 :‬‬

‫( ‪)2/44‬‬

‫وعن الكفارات ‪ :‬ر‪ .‬مخطوطة الفتوى بمكتبتي الخاصة بخط كاتبه الخاص وبإمضائه‪.‬‬
‫(‪ )51‬المستحل‪ :‬هو الذي يأتي الشياء المحرمة في دين ال اعتقادا منه أنها حلل معتمدا على‬
‫التأويل ‪.‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪443:‬‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬ص ‪.360‬‬
‫ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪438:‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬لم يتوسع في القضية التوسع المطلوب‬
‫وكذلك تبعه عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬ص ‪ .360‬لكن قد توسع في القضية عبدال السالمي‪:‬‬
‫المشارق‪ 450 -447 :‬ولذلك اعتمدنا تحاليله لستكمال الفائدة رغم أنه خارج عن مرحلتنا‪ ،‬وقد‬
‫اتضح استيعاب للموضوع حيث ذكر أقول أبرز علماء الباضية في المشرق والمغرب‪.‬‬
‫(‪ )54‬المرتد ‪ :‬إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين عند ارتداده هل يرد عند التوبة؟ أما الحنيفة‬
‫فيوجبون عليه لكن الباضية يعفونه منه اعتبارا أنه مثل المشركين‪.‬‬
‫(‪ )55‬الذمي‪ :‬إذا اغتصب من أموال المسلمين وهو تحت الذمة يرجعه عند إسلمه‪ ،‬يذهب‬
‫الزمخشري ويؤيده امحمد اطفيش إلى وجوب الرد لكن جمهور الباضية ل يفرقون بينه وبين‬
‫المشرك فل رد عليه‪.‬‬
‫(‪ )56‬ما اغتصبه المشركون من المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا وليس لصاحبه أن يأخذه‬
‫منهم وتجوز معاملتهم فيه أم ل ‪ :‬قولن‪:‬‬
‫أ‪ -‬ذهب إلى جواز معاملتهم فيه دون أخذه كل من الربيع بن حبيب وأبي يعقوب الوارجلني‬
‫والمحققين من أهل المغرب وصححه القطب (امحمد اطفيش)‬
‫ب‪ -‬وذهب إلى الخذ وعدم المعاملة كل من ابن بركة وصاحبه السؤالت (أبي عمرو السوفي)‬
‫والمام أفلح والمحقق الخليلي ولكل من الطرفين دليله الشرعي‪.‬‬
‫(‪ )57‬الموحد المستحيل بتأويل الخطأ أقوال‪:‬‬
‫أ) مثل المشركين ل إرجاع‪.‬‬
‫ب) عليه أن يرجع‪.‬‬

‫( ‪)2/45‬‬

‫ج) إن تاب ومعه عين ما أخذ يرجعه‪ ،‬وإن تاب وليس معه ما أخذ فل غرم‪ ،‬والدليل سرية أسامة‬
‫بن يزيد وموقفه مع الرجل الذي صرح بكلمة اليمان عندما حوصر فقتله أسامة على أساس أنه‬
‫تعوذ بها‪ ،‬فنهره الرسول عليه السلم ونزل قوله تعالى ‪ ]:‬ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست‬
‫مؤمنا[(‪ 4‬النساء ‪ )94‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪ ،‬تعليق أبي اساق اطفيش عدد ‪ 1‬ص ‪267‬‬
‫ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪ :‬ورقة ‪ 265‬وجه إلى ‪ 270‬قفا ر‪ .‬عبد ال‬
‫السلمي‪ :‬المشارق‪. 445 :‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ 232 -2/231 :‬وقد حلل‬
‫القضية تحليل موسعا‪.‬‬
‫وهذا الموقف هو ما قال به الشاعرة مع شيء من الفارق بين الشافعة والمالكية وفي ذلك يقول‬
‫البيجوري ‪ ":‬فان تعلقت المعصية به( حق آدمي) فلها شرط رابع وهو رد الظلمة إلى صاحبها‬
‫أو تحصيل البراءة منه تفصيل عندنا معاشر الشافعية وأما عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة‬
‫إجمال ‪ ،‬وفيه فسحة ‪ ،‬فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مستغرق الذمم فالمطلوب منه الخلص‬
‫وكثرة التضرع إلى ال تعالى لعله يرضي عنه خصماءه يوم القيامة " شرح جوهرة التوحيد‬
‫‪197 -196‬‬
‫(‪ )59‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/232 :‬‬
‫(‪ )60‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪. 104 -3/102 ،2‬ر‪ .‬ابن تيمية ‪ :‬الفتاوي‬
‫الكبرى ‪ .501 -7/487‬ويذكر عدة أسباب لدفع الذنوب مثل المصائب ويرد قول من يقول بأن‬
‫الذنوب ل تدفع إل بالتوبة ‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/46‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫متى ل تقبل التوبة؟‬
‫لقد بينا أن قبول التوبة فضل من ال تعالى لذلك ينبغي لمن ابتلى بشيء من المعاصي أل يتوانى‬
‫في التوبة‪ ،‬ويتوب في حال المكان قبل أن يغلق عليه باب التوبة (‪ )61‬فمتى يغلق باب التوبة؟‬
‫الصرار على الذنب‪:‬‬
‫تميز المصادر الباضية بين التمادي والصرار وفي ذلك يقول عمرو التلتي‪ ":‬إن الفرق بين‬
‫المصر والمتمادي أن المصر هو الناوي لعدم التوبة من عصيانه وللقاء ربه به كالمشرك‪.‬‬
‫والمتمادي هو الناوي للتوبة من عصيانه في وقت ما‪ ،‬وللقائه تعالى بها فهذا ترجى له النجاة من‬
‫النار دون الول" (‪. )62‬‬
‫ولسنا في حاجة إلى إطالة الحديث عن المتمادي فهو غافل يرجى أن ينتبه من غفلته ليرتقي في‬
‫مدارج التوبة‪ ،‬وإنما القضية مع المصر فقد جاءت في شأنه عدة آراء‪.‬‬
‫الصرار‪:‬‬
‫لغة‪ :‬أصررت على الشيء إذا أقمت ودمت عليه ومنه قوله تعالى‪ ( :‬ولم يصروا على ما فعلوا‬
‫وهم يعلمون) (‪ 3‬آل عمران ‪ )63( )135‬وقال أبو الهيثم‪ :‬أصرّي أي اعزمي كأنه يخاطب نفسه‬
‫من قولك‪ /‬أصرّ على فعله يصرّ إصرارا إذا عزم على أن يمضي فيه ول يرجع‪ ...‬وأصرّ على‬
‫الذنب لم يقلع عنه‪ .‬وفي الحديث‪ " :‬ما أصر من استغفر" (‪ )64‬أصر على الشيء يصر عليه‬
‫إصرارا إذا لزمه وداومه وثبت عليه‪ ،‬وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب يعني من أتبع الذنب‬
‫الستغفار فليس بمصر عليه وإن تكرر منه‪ .‬وفي الحديث ‪ " :‬ويل للمصرين الذين يصرون على‬
‫ما فعلوه وهم يعلمون" (‪. )65‬‬
‫أما المعنى الشرعي‪:‬فقد جاء ضمن الشروح اللغوية وفي استدلل ابن منظور بالقرآن والحديث‬
‫أحسن برهان على ذلك وقد غلب المعنى الصطلحي الشرعي على المفهوم اللغوي إلى أن‬
‫صارت كلمة الصرار أكثر ارتباطا بالذنب والعصيان‪.‬‬

‫( ‪)2/47‬‬

‫وتلح المصادر الباضية مع تغريف الصرار على أل سبيل للمصر إلى النجاة يوم القيامة لنه‬
‫معاند محاد ل ولرسوله وقد شمل الوعيد الذين يحادون ال ورسوله‪.‬‬
‫وهذا أبو نصر يصوغ هذا المعنى في ما يلي‪( :‬طويل)‬
‫وقد اعتبر أبو عمرو السوفي الصرار من الكبائر متشهدا بقوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‬
‫‪. )67‬‬
‫وسئل عثمان بن خلفة السوفي‪ ":‬هل يكون الصرار بالحديث أو بالشتغال بغير التوبة قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫حتى يقول ل أتوب‪ ،‬قال‪ :‬والصرار القامة على الذنب والعتقاد للعودة إليه"‪)68( .‬‬
‫ويلح الصدغياني على هلك المصرين بمناقشة الشاعرة في رجاء المغفرة لهل الكبائر‬
‫المصرين عليها فيقول بعد سرد عدة أدلة‪ ":‬ومثل هذا كثير في الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا‬
‫على كبائرهم مصرين" (‪ )69‬كما يقول في نفس الرسالة‪ ":‬وقلتم أنتم (الشاعرة) مؤمن ولي ال ل‬
‫يعذب مع الصرار على الذنب دون التوبة والستغفار‪ ...‬والكبائر ينوب بعضها عن بعض فمن‬
‫أصر على كبيرة فقد خرج من اليمان ودخل الكفر" (‪. )70‬‬
‫ويقول أبو مهدي أيضا بعد عرض الدلة حول إنفاذ الوعيد للمصرين‪ " :‬ومثل هذا كثير من‬
‫الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم مصرين"‪)71( .‬‬
‫وتعرض أحمد الشماخي للقضية في رده على صولة الغدامسي (‪ )72‬وفي شرح العقيدة ونكتفي‬
‫بذكر النص الثاني‪ ":‬كل مصر كافر‪ ،‬وإن المقام على الكبائر والصرار على الصغائر تصير‬
‫العمال هباء فتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط"‪)73( .‬‬
‫ويورد عمرو التلتي موقف الباضية كما يلي‪ ":‬وقال أصحابنا رحمهم ال تعالى‪ ":‬من عمل‬
‫صغيرة أو كبيرة وأصل عليها واستكبر وتهاون بها ولم يتب منها حتى مات عليها أدخله ال عز‬
‫وجل النار‪.‬‬

‫( ‪)2/48‬‬
‫وان من أصر ولو على أخذ حبة بغير حق وجبت له النار ولو أمضى عمره في طاعة ال عز‬
‫وجل وأنفق ماله في سبيل ال ول يقبل منه شيء من ذلك ولو مثقال ذرة حتى يتوب‪ ،‬فإن تاب‬
‫رجونا له أن يجدد ال له ثواب عمله السابق منه حال إصراره كما يدل لذلك نحو قوله صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ":‬من كذب وأصر فهو في النار مخلد" وقوله عز وجل في الحديث القدسي‪ ":‬ل أقبل‬
‫عثرة المصرين في الدنيا والخرة" (‪. )74‬‬
‫وإن الصرار على المعاصي ل شيء أعظم منه عند ال تعالى لما فيه من عدم مبالة صاحبه من‬
‫سخط ال واستخفافه به واستقلله به وبارتكاب المعاصي (‪. )75‬‬
‫وتطيل كتب إباضية المشرق التحليل في هذا الشأن ونكتفي بذكر شيء مما أورده خميس الرستاقي‬
‫حيث يقول‪ ":‬ومن الكبائر التي صحت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم الصرار على جميع‬
‫المعاصي وكذلك في كتاب ال تعالى وإجماع أهل العدل وكمن الكتاب قوله تعالى‪ (:‬ومن لم يتب‬
‫فأولئك هم الظالمون) (‪ 49‬الحجرات ‪ )11‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬هلك المصرون"‪...‬‬
‫والجماع من أهل العدل في ما دانوا به انه ل يكون الغفران من ال تعالى على الصرار على‬
‫الذنوب قلت أو كثرت صغرت أو كبرت" (‪. )76‬‬
‫هذا شيء من النصوص قديمها وحديثها يثبت إنفاذ الوعيد في المصرين وهم في الحقيقة ليسوا من‬
‫الذين ل تقبل توبتهم رغم توجههم للتوبة وإنما هم قوم أعرضوا عن التوبة إعراضا تاما عن وعي‬
‫وإدراك‪ ،‬فهؤلء ل يمكن بحال أن تهدي لهم التوبة رغم إعراضهم عنها‪ ،‬وقد اتضح أن الباضية‬
‫يستدلون لذلك بالنصوص قرآنية منها قوله تعالى أثناء عرض بعض صفات المتقين الذين يكرمهم‬
‫ال بجنة النعيم‪ ( :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا ومن يغفر‬
‫الذنوب إل ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (‪ 3‬آل عمران ‪.)135‬‬

‫( ‪)2/49‬‬

‫ويقول محمد اطفيش (‪ )77‬عند شرح هذه الية‪ ":‬يعلمون أني أعاقب على الصرار والصرار‬
‫على الذنب كبيرة في حق من علمه ذنبا ومن لم يعلمه لكنه في حق من علم أقبح وأكبر فقد يعذر‬
‫الجاهل في أمر ول يعذر العالم" (‪. )78‬‬
‫ثم يقول بعد قليل‪ ":‬وذكر الجر للعالمين ولم يبق للمصرين إل العقاب لحديث‪ ":‬هلك المصرون"‬
‫وغيره من الحاديث واليات الدالة على عقابه الملحقة الفاسق بالمشرك" (‪. )79‬‬
‫وقد جاءت آيات أخر في ذم المصرين إل أنها جاءت متعلقة بالكفار وببعض صفاتهم وهي قوله‬
‫تعالى في قوم نوح‪ ( :‬واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) (‪ 45‬الجاثية ‪ )8‬وقوله تعالى‬
‫في ذم أصحاب الشمال‪( :‬وكانوا يصرون على الحنث العظيم) (‪ 56‬الواقعة ‪.)46‬‬
‫ومن الحاديث المعتمدة في هذا الشأن قوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‪ )80‬وقوله‪ " :‬ل‬
‫صغير مع إصرار ول كبير يكبر مع توبة واستغفار" (‪ )81‬وقوله‪ " :‬ل توبة مع إصرار" (‪)82‬‬
‫وقوله‪ ... :‬والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه" (‪ )83‬وقوله‪ " :‬من كذب‬
‫وأصر فهو في النار مخلد" (‪. )84‬‬
‫من خلل ما ذكر يتضح أن الصرار من الكبائر ولعله من أكبرها الن المصر على المعصية ل‬
‫سبيل له إلى النجاة ولذلك ألحت المصادر الباضية على أن المصر حتى على الصغيرة يعتبر‬
‫كافرا كفر نعمة حكمة أن ينفذ فيه الوعيد فيخلد في النار كما على جماعة المسلمين أن يبرءوا منه‬
‫إن ثبت لديهم إصراره وعناده‪ ،‬وقد استدلوا على ذلك بالقرآن وبأحاديث منها ما ذكره غيرهم‬
‫ومنها ما لم يذكره غيرهم (‪. )85‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )61‬ر‪.‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/239 :‬‬
‫(‪ )62‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 116‬وجه ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 297 :‬ر‪ .‬أبو‬
‫يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪2/109‬‬
‫(‪ )63‬انظر ‪579 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬أبو داود‪ :‬وتر ‪ .26‬الترمذي‪ :‬دعوات ‪. 106‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 3/293‬ر‪.‬‬
‫ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬

‫( ‪)2/50‬‬

‫(‪ )65‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.219 .2/165 :‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪. 3/298‬ر‪ .‬ابن منظور‪:‬‬
‫لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ )66‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ 6 :‬بيت ‪86‬‬
‫(‪ )67‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪52 :‬‬
‫(‪ )68‬نفس المصدر ‪. 216 :‬ر امحمد اطفيش‪ :‬شرح النيل ( موسوعة فقهية) ط ‪ 2‬دار الفتح‬
‫بيروت ‪404 /17 ، 1972 -1392‬‬
‫(‪ )69‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة لهل وارجلن ‪4 -3 :‬‬
‫(‪ )70‬المصدر السابق‪2 :‬‬
‫(‪ )71‬أبو مهدي ‪ :‬الرد على البهلولي ‪140 :‬‬
‫(‪ )72‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪40 -39:‬‬
‫(‪ )73‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪51 :‬‬
‫(‪ )74‬وجاء عند ونسنك ما يشبهه " ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا" أحمد ‪...2/165‬‬
‫ونسنك‪ 3/298 :‬انظر ما يلي‪580 :‬و ‪588‬‬
‫(‪ )75‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 15‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪297 :‬‬
‫(‪ )76‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ 219 /2 :‬ر‪ .‬كذلك ‪ 253 -252 /2‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪:‬‬
‫المشارق‪378 -376 :‬‬
‫(‪ )77‬لقد اكتفى يوسف المصعبي بذكر قول الزمخشري وهو ‪ ":‬وفي هذه اليات بيان قاطع أن‬
‫الذين آمنوا على ثلث طبقات متقون وتائبون ومصرون‪ ،‬وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم‪ ،‬دون‬
‫المصرين‪ ،‬ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه‪ ".‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ ،1/465‬وهذا‬
‫القول معبر عن رأي الباضية ‪.‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 139‬وجه‬
‫(‪ )78‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد إلى دار المعاد ط ‪4/283، 2‬‬
‫(‪ )79‬نفس المصدر السابق ‪285‬‬
‫(‪ )80‬انظر ما سبق‪530 :‬‬
‫(‪ )81‬وجاء برواية أخرى ‪ ":‬ل كبيرة مع الستغفار ‪ ،‬ول صغيرة مع الصرار " أخرجه اسحاق‬
‫عن عائشة ورواه الطبراني عن أبي هريرة ‪ .‬ورواه الثعلبي أيضا عنه‪ .‬ر‪ .‬خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي‪ :‬المنهج‪ .2/212 :‬التعليق السابق ص ‪ ، 210‬تعليق ‪ 1‬للمحقق‪.‬‬
‫(‪ )82‬رواه القرطبي ولم أجد له سندا ‪.‬ر‪ .‬نفس المصدر السابق ص ‪ ، 210‬تعليق ‪ 1‬للمحقق‪.‬‬
‫(‪ )83‬امحمد اطفيش‪:‬جامع الشمل‪239 :‬‬

‫( ‪)2/51‬‬

‫والملحظ أن هذه الحاديث المذكورة لم ترد عند ونسنك في المعجم المفهرس ‪ .‬انظر ما سبق‬
‫‪577‬‬
‫(‪ )84‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪55 :2‬‬
‫(‪ )85‬والملحظ أن كل من القرطبي ومحمد عبده جواد مغنية يقتربون كثيرا من موقف الباضية‬
‫في هذه القضية ‪.‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ 4/215‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪ ،4/136 :‬محمد‬
‫جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف‪ .‬دار العلم للمليين بيروت ط ‪159 -158/ :1981 2‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/52‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الحباط‬
‫لغة‪ ":‬حبط حبطا وحبوطا‪ :‬عمل عمل ثم أفسده وال أحبطه‪ .‬وفي التنزيل‪ ( :‬فأحبط أعمالهم) (‪47‬‬
‫محمد ‪9‬و ‪ .)18‬الزهري‪ :‬إذا عمل الرجل عمل ثم أفسده قيل حبط عمله وأحبط صاحبه‪ ،‬وأحبط‬
‫ال أعمال من يشرك به‪ .‬وفي الحديث ‪ ":‬أحبط ال عمله" أي أبطله (‪. )86‬‬
‫قال الزهري‪ :‬ول أرى حبط العمل وبطلنه مأخوذا إل من حبط البطن لن صاحب البطن يهلك‬
‫وكذلك عمل المنافق يحبط غير أنهم سكنوا الباء من قولهم حبط عمله يحبط حبطا‪ ،‬وحركوها من‬
‫حبط بطنه يحبط حبطا ‪ ،‬كذلك ثبت لنا عن ابن السكيت وغيره‪ .‬ويقال حبط دم القتيل يحبط حبطا‬
‫إذ هدر‪ .‬وحبطت البئر حبطا إذا ذهب ماؤها‪ .‬وقال أبو عمرو الحباط أن تذهب ماء الركية فل‬
‫يعود كما كان" (‪. )87‬‬
‫ولقد أثار المعتزلة قضية الحباط من وقت مبكر وهذا تعريفهم له‪ ":‬وجملة القول في ذلك هو أنا‬
‫قد ذكرنا أن المكلف إما أن تخلص طاعاته أو معاصيه أو يجمع بينهما ويخلطه‪ ،‬فإذا أجمع بينهما‬
‫فل سبيل إلى التساوي على ما تقدم‪ ،‬فليس إل أن يكون أحدهما أكثر من الخر‪ ،‬والخر أقل منه‪،‬‬
‫فيسقط القل بالكثر وهذا هو الذي نعنيه بالحباط والتكفير" (‪. )88‬‬
‫ويختلف أبو علي وأبو هاشم في الموازنة بين الطاعات والمعاصي فيرى أبو علي أن المعصية‬
‫تحبط الطاعة تماما‪ ،‬بينما يرى أبو هاشم أن فعل الطاعات يخفف على المعاصي من العذاب ‪،‬‬
‫وينتصر الجبائي لبي هاشم ومن ردوده‪ ،‬على أبي علي قوله‪ ":‬أما ما ذكره (أبو علي) أول‪ ،‬وهو‬
‫أن الفاسق لقدامه على المعاصي وارتكاب الكبائر أخرج نفسه من أن يستحق الثواب فل يصح ‪،‬‬
‫لن الفاسق أتى بالطاعة على الوجه الذي كلف وامر به‪ ،‬وعلى حد(كذا) لو تفرد عن الكبيرة لكان‬
‫يستحق عليها الثواب وارتكابه الكبيرة بعد ذلك ل يخرجه من أن يكون مستحقا للثواب ففسد ما‬
‫ظنه" (‪. )89‬‬

‫( ‪)2/53‬‬

‫أما المرجئة فتركوا الباب مفتوحا ورجوا لمن يخلط بين الطاعات والمعاصي الغفران وخلود‬
‫الجنان‪ .‬ويقول أبو يعقوب الوارجلني " وهنا (بالنسبة الى المصر على ارتكاب الكبائر) اختلفنا‬
‫مع المرجئة‪ ،‬فرجوا له الجنة مع مناصبته ال تعالى بالفجور" (‪. )90‬‬
‫والملحظ أن المصادر الباضية لم تطل الكلم عن قضية الحباط إذ يقع التعرض عليها غالبا‬
‫عرضا عند الحديث عن توبة المرتد ولعل مرجع ذلك إلى ورود المسألة في آية البقرة في شأن‬
‫المرتد‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا‬
‫والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪.)217‬‬
‫والملحظ أن صيغة ح‪.‬ب‪.‬ط وردت في القرآن الكريم ست عشرة مرة جلها متعلقة بالمشركين‬
‫والمنافقين (‪ )91‬نذكر منها قوله تعالى‪ ( :‬ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد ال شاهدين على‬
‫أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) ( ‪ 9‬التوبة ‪)92( .)17‬‬
‫والبقية لها صلة بالكبائر يستشهد منها عادة بقوله تعالى في سوء الدب مع الرسول عليه السلم‪:‬‬
‫( يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم‬
‫لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل تشعرون) (‪ 49‬الحجرات ‪.)2‬‬
‫والساس حينئذ أل خلف بين المة في إحباط أعمال المشركين والمنافقين وغنما الخلف في ما‬
‫يتعلق بالمرتدين وبصالح أعمال مرتكبي الكبائر فما هو موقف الباضية من ذلك؟‬
‫الحباط والتائبون من الردة‪:‬‬
‫قال عثمان بن خليفة السوفي‪ ":‬وندين باستتابة المرتد وقتله إن أبي‪...‬وفي المرتد سنتان‪ ،‬سنة عمر‬
‫وسنة معاذ" (‪ )93‬وبين أن عمر أمر أن يستتاب ثلثا ثم يقتل إن امتنع بينما أمر معاذ بأن يقتل‬
‫مباشرة (‪. )94‬‬
‫ويورد المحشي مختلف القوال في المرتد مع إبراز موقف الباضية فيقول‪ ":‬وأما المرتد‬
‫فالحاصل أن فيه ثلثة أقوال إذا رجع إلى السلم ‪:‬‬

‫( ‪)2/54‬‬

‫أ‪ -‬منهم من يقول ل يبطل عمله ول ثوابه حتى يموت على ذلك‪ ،‬وهو مذهب الشافعي واستدل‬
‫بظاهر قوله تعالى‪ ( :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) (‪ 2‬البقرة ‪.)217‬‬
‫ب‪ -‬ومنهم من يقول‪ :‬بطل ثواب عمله ول يطالب بالعادة إل في الحج‪ ،‬وهو مذهب مالك‪.‬‬
‫جـ ومنهم من يقول بطل عمله وثوابه ويطالب بالعادة وهو الراجح عند أصحابنا على ما يفهم‬
‫من كلم السؤالت (‪ )95‬حيث صدر به وال أعلم لقوله تعالى‪ ( :‬لئن أشركت ليحبطن عملك) (‬
‫‪ 39‬الزمر ‪.)56‬‬
‫وأما الية التي استدل بها الشافعي فأجيب عنها بأنه سبحانه وتعالى رتب الردة والموت على الكفر‬
‫شيئين الحباط والخلود في النار فالول مرتب على الردة والثاني على الموت عليها‪ ،‬فل دليل في‬
‫الية على ما ذكره الشافعي‪.‬‬
‫فإن تاب أعاد ما مضى على التفصيل السابق في السؤالت فيمن ارتد زلة فكيف بمن ارتد‬
‫متعمدا‪ .‬نعم ظاهر الثر المحكمي عن بعض أصحابنا المشارقة في كيفية توبة المرتد يدل على‬
‫أنه كالشرك الصلي فيكون قول رابعا في المرتد‪ .‬ولعل الرخصة التي ذكرها في السؤالت تشير‬
‫إلى هذا‪ ،‬لكن ذكرها فيمن ارتد زلة" (‪. )96‬‬
‫وقد توسع كل من محمد اطفيش وعبدال السالمي (‪ )97‬في القضية وأقاما عدة مقارنات ل تخرج‬
‫عما ذكره المحشي عدا في بعض الجزئيات‪.‬‬
‫تلك هي مواقف عدد من العلماء في شأن الحباط والمرتد ويعجبنا منها تنبيه مغنية على ضرورة‬
‫إعادة ما فاته أثناء الرتداد وبالنسبة إلى البقية ففي خلف العلماء رحمة للمة ولكل دليله‪ ،‬ومن‬
‫رأى الحباط والعادة اختار ما هو اكثر احترازا وهذا شأن الباضية في جل اختياراتهم‪.‬‬
‫صاحبة بدعة يدعو إلى بدعته‪:‬‬
‫إن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه القضية (‪ )98‬في ما وقع بين أيدينا ولعل ذلك يرجع‬
‫إلى أن أبا يعقوب الوارجلني قد حللها تحليل موسعا‪.‬‬
‫ومنطلق ذلك ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬أبى ال أن يقبل عمل صاحب‬
‫بدعة حتى يدع بدعته" (‪. )99‬‬

‫( ‪)2/55‬‬

‫وقد ميز أبو يعقوب بين المجتهد المتأول الذي ل يقطع عذر الخرين وبين المبتدع الذي يقطع‬
‫عذر الخرين ويحول قوله إلى العمل‪ ،‬واستشهد بموقف أئمة الباضية من نافع بن الزرق كيف‬
‫أنهم ألحقوه بالمبتدعين لنه حمل السيف لحمل الناس على رأيه‪.‬‬
‫كما بين الرسول عليه السلم قطع في ثلث فرق القدرية والمرجئة والمارقة‪.‬‬
‫ثم صنف المبتدعين إلى ستة أصناف وقد تفاوت حكمه عليها (‪. )100‬‬
‫وأشار إشارة مهمة تبين يأس هؤلء من رحمة ال فيقول‪ ":‬وسعة رحمة ال كثيرة ول مطمع فيها‬
‫لصنفين‪ :‬مصر على معصية ال عازم أن يلقى ال عز وجل بها يوم القيامة ومبتدع في دين ال‬
‫عز وجل منعكس متنكس عن ال عز وجل" (‪. )101‬‬
‫فمن خلل ما جاء عند الوارجلني نتبين احتراز الباضية في شأن المبتدع فهم ل يخرجونه عن‬
‫الملة إل إذا ثبت لديهم تحريفه للنصوص وحمل الناس على ذلك (‪. )102‬‬
‫كما انهم يشترطون في توبته أن يخبر من كان يدعوهم بضللته فإن تابوا مثله فتلك بغيته وإن‬
‫واصلوا غيهم فهو معذور (‪. )103‬‬
‫والمهم حينئذ أننا رأينا أن الباضية قاسوا من نسبتهم إلى البدعة (‪ )104‬لذلك كان موقفهم من‬
‫المبتدعين من الحتراز بمكان‪.‬‬
‫ذلك هو موقف الباضية من المبتدع الداعي الى بدعته فماذا عن مرتكب الكبيرة؟‬
‫================================‬
‫(‪ )86‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )87‬لسان العرب مادة حبط‬
‫(‪ )88‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪625 :‬‬
‫(‪ )89‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪630 :‬‬
‫ويلخص الرازي موقف المعتزلة كما يلي‪ :‬فقال المثبتون للحباط والتفكير‪ :‬المراد أن عقاب الردة‬
‫الحادثة يزيل ثواب اليمان السابق إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم‪ ،‬وجمهور‬
‫المتأخرين من المعتزلة ‪ ،‬أول بشرط على ما هو مذهب أبي علي‪ :‬الفخر الرازي التفسير الكبير ‪:‬‬
‫‪6/38‬‬
‫(‪ )90‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪109 :‬‬

‫( ‪)2/56‬‬

‫(‪ )91‬ما يعبر عنه الباضية نفاق العصر أي المخرج من الملة ‪ ،‬أنظر ما سبق ‪514 :‬‬
‫(‪ )92‬ر‪ 6 .‬النعام ‪ ،81‬التوبة ‪ 18 .69‬الكهف ‪ 39 .105‬الزمر ‪ 33 .65‬الحزاب ‪47 .19‬‬
‫محمد ‪ 9‬و ‪28‬و ‪3 .32‬آل عمران ‪ 5 .22‬المائدة ‪ ( 53‬عن النفاق)‬
‫(‪ )93‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪258:‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة ‪.‬ر‪ .‬عن موقف معاذ القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪3/47 :‬‬
‫(‪ )95‬واختلفوا في من ارتد زلة عن دينه ثم رجع سريعا إلى دينه‪ ،‬قال يغسل ثيابه وجسده ويعيد‬
‫ما مضى من صلته وصيامه وقال بعض ل يعيد إل الحج ‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب‬
‫السؤالت‪26 :‬‬
‫(‪ )96‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ .1/94 :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪62:‬‬
‫(‪ )97‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪:‬شرح النيل ط ‪ ،14/786 :2‬هيميان الزاد إلى دار المعاد ط ‪-186 /4 2‬‬
‫‪ .187‬تيسير التفسير ط ‪ ،12/329‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.103 -1/102 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬ويتعرض كل من الزمخشري في الكشاف(‪ )1/357‬والرازي في التفسير الكبير (‪)6/38‬‬
‫والقرطبي في أحكام القرآن (‪ )49 -3/46‬ومحمد عبده في تفسير المنار( ‪ ،)2/318‬ومحمد جواد‬
‫مغنية في التفسير الكاشف( ‪ )1/326‬في تفسيرهم للية ‪ 217‬من سورة البقرة ‪ ،‬ول يبعد حديثهم‬
‫عن قول من ذكرنا من علماء الباضية ‪ ،‬مع ملحظة أن محمد عبده ألح على جانب الحباط‪.‬‬
‫(‪ )98‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .68 -8/65‬وقد حلل البدعة من وجه آخر حيث بين مفهومها‬
‫اللغوي ثم ميز بين البدعة السيئة والبدعة الحسنة‪.‬‬
‫(‪ )99‬امحمد اطفيش‪:‬جامع الشمل‪ .237 :‬وقد ذكر أنه رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم عن ابن‬
‫عباس‪.‬ر‪ .‬أبن ماجة ‪ :‬مقدمة ‪. 7‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪1/152‬‬
‫(‪ )100‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪34/112 ،2‬و ‪116 -115‬‬
‫(‪ )101‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬نفس المصدر ط ‪2/57 :1‬‬

‫( ‪)2/57‬‬
‫(‪ )102‬وقد بين ابن تيمية أن العلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والهواء وتخليدهم في النار‪،‬‬
‫وما من الئمة إل من حكي عنه قولن كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم‪.‬ر‪ .‬الفتاوي الكبرى‪:‬‬
‫‪ 619 -7/618‬كما يشير الغزالي إلى ثقل وزر المبتدع لنه يضل كثيرا من عباده ر‪ .‬كتاب‬
‫الربعين ‪.149 :‬‬
‫(‪ )103‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪266 :‬‬
‫(‪ )104‬انظر ما سبق‪ 57 :‬وما يليها ‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/58‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الحباط ومرتكب الكبيرة‪:‬‬
‫إذا لحظنا الخلف بالنسبة إلى المرتد فمن باب أولى أن يكون الخلف أشد بالنسبة إلى أصحاب‬
‫الكبائر فماذا عن موقف الباضية؟‬
‫يقول ابن جعفر (ق ‪ ":)3/9‬والمسيء من عباد ال من ختم عمره بالصرار ولو على مثقال ذرة‬
‫فالمسيء يوم القيامة ل يقبل ال منه حسنة ول ثواب له عليها يوم القيامة‪ ،‬إذ كان في حكم ال أن‬
‫حسنات المصر محبوطة" (‪. )105‬‬
‫كما يقول أيضا‪ ":‬وكذلك السيئات هي لهلها وغنما أهل السيئات فهم كل من مات مصرا‪ ،‬غير‬
‫تائب منيب وقد قال ال تعالى‪ ( :‬ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب) (‪ 4‬النساء ‪ )123‬يعني أمة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم (ول أماني أهل الكتاب) يعني الذين أتوا الكتاب من قبلهم‬
‫اليات_و_الحاديث (من يعمل سوء يجز به)(‪ 4‬النساء ‪ )123‬يعني من يعمل سوء ممن يموت‬
‫مصرا عليه يجز به‪ ( .‬ول يجد له وليا ول نصيرا) (‪ 4‬النساء ‪.)123‬‬
‫وقال ‪ ( :‬إن ال ل يظلم ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) (‪ 4‬النساء ‪)40‬‬
‫فإنما يضاعف مثقال ذرة من الحسنات لمن لقبه تائبا ل لمن لقبه مصرا على معصيته‪( ،‬وما ربك‬
‫بظلم للعبيد) (‪ 41‬فصلت ‪ )46‬كان في عدله أن المصر حسناته محبوطة وسيئاته غير مغفورة‬
‫وإذ كان في عدله بتعطفه وفضله أن سيئات التائب مغفورة وحسناته مقبولة مشكورة" (‪. )106‬‬

‫( ‪)2/59‬‬

‫ويسلك احمد الشماخي نفس المسلك فيقول‪ ":‬كل مصر كافر‪ ،‬وإن المقام على الكبائر والصرار‬
‫على الصغائر تصير العمال هباء (‪ ، )107‬وتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط‪ .‬ثم يستدل‬
‫بقوله تعالى‪( :‬ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) (‪ 2‬البقرة ‪ .)264‬وقوله (اتبعوا ما أسخط ال‬
‫وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)( ‪ 47‬محمد ‪ )28‬وقوله‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم‬
‫فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل‬
‫تشعرون) (‪ 49‬الحجرات ‪ )2‬وقول عائشة ‪ " :‬بلغوا زيدا أنه قد أبطل حجه وغزوه وجهاده مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إن لم يتب" وقوله عليه السلم‪ " :‬الرياء يحبط العمل" (‪)108‬‬
‫وعنه‪ " :‬من كذب وأصر في النار مخلد" (‪. )109‬‬
‫ويطالب صولة الغدامسي بالنص المثبت للحباط فيجيبه الشماخي كما يلي‪ ":‬أقول‪ :‬المر كما‬
‫ذكرت والنص قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬هلك المصرون" ‪. )110‬‬
‫وفي اليضاح في كتاب البيوع ما يدل على هذا حيث قال في فصل بيوع الذرائع‪ ":‬وحجة من‬
‫أبطلها ما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت لسرية زيد بن أرقم‪ )111( :‬أبلغني زيدا انه قد‬
‫أبطل غزوه وجهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبطل حجه وصلته وصيامه إن لم يتب‪،‬‬
‫وذلك أن زيدا ابتاع جارية من سريته بثمانمائة درهم إلى خروج العطايا فاشترتها منه السرية نقدا‬
‫بستمائة درهم وال أعلم‪ ...‬فظاهر هذا يقتضي أن إبطال العمل مشروط بعدم التوبة" (‪. )112‬‬
‫ويعيد محمد اطفيش نفس الدلة التي أوردها الشماخي وغيره‪ ،‬مثل قوله عليه السلم‪ " :‬هلك‬
‫المصرون" بعد أن قدم لها بقوله‪ ":‬أدلة الصرار المبطلة للعمل أدلة على أنه ل تعد الحسنات‬
‫والسيئات ويعتبر الكثر‪ ،‬وعلى أن الكبيرة تبطل العمال كقوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‬
‫‪. )113‬‬

‫( ‪)2/60‬‬

‫ويتخذ السالمي نفس الموقف بقوله‪ ":‬في اليتين‪ ( :‬ل ترفعوا أصواتكم) (‪ 49‬الحجرات ‪ ( )2‬ول‬
‫تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) (‪ 2‬البقرة ‪ )264‬أيضا دليل على إحباط العمل بالكبيرة من الذنوب‬
‫لن رفع الصوت والجهر به ليس بشرك إجمال وكذا المن والذى وكذلك قوله صلى ال عليه‬
‫وسلم في الحديث التي‪ " :‬الرياء يحبط العمل كما يحبطه الشرك (‪. )115( " )114‬‬
‫أما صاحب المنهج فقد تعرض لقضية الحباط وتوسع فيها ومن ذلك قوله‪ ":‬وقيل إن المقام على‬
‫الكبائر والصرار على الصغائر يصير العمل هباء ويسخط ال على أهلها وبالتوبة من الذنوب‬
‫والقلع عنها يتجاوز ال لهلها وعنها‪.‬‬
‫وهذه المسألة التي بان بها أصحابنا عن مخالفيهم فقال مخالفوهم‪ :‬إن كل من أقر بال وبالنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وصام وصلى وحج وعمل الفرائض وفي خلف ذلك يسرق ويزني ويكذب‬
‫ويرتكب أنواع المعاصي قالوا‪ ( :‬خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب عليهم) (‪9‬‬
‫التوبة ‪ ، )116( )102‬وغلبت حسناته سيئاته ‪ ،‬والسيئة واحدة والحسنة عشر أمثالها‪ ،‬والحسنات‬
‫يذهبن السيئات فبلغ من قولهم إن ال ل يعذب أحدا من أهل المعاصي بسيئات عملها وهو مقيم‬
‫عليها" (‪. )117‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قال أصحابنا‪ ":‬إن كل من عصى ال بصغير من الذنوب أو كبير وهو عالم به وأصر‬
‫عليه ولو حبة مما ظلم فقد وجبت له نار جهنم خالدا فيها وبطل عنه جميع إحسانه ولم ينتفع‬
‫بسالف إيمانه‪ ،‬ولو أذاب بدنه في عبادة ال وأتبعه‪ ،‬وأنفق ماله في سبيل ال وأذهبه‪ ،‬لم يقبل شيء‬
‫من عمله حتى يقلع عن تلك الذنوب والمعاصي السالفة ويتوب منها‪ ،‬ثم عند التوبة يقبل ال‬
‫حسناته ويشكره ويتجاوز عن سالف سيئاته ويغفرها له‪ ،‬لن ال يحب التوابين ويتقبل من المتقين"‬
‫(‪. )118‬‬

‫( ‪)2/61‬‬

‫ومن ذلك بالنسبة إلى التائب من الكبائر‪ ":‬وأما من تاب من الكبائر فقول يرد عليه عمله الصالح‬
‫وقول إنه يعوض في مستقبل عمره‪ ،‬ويضاعف له في عمله إذا صدق في توبته وإن عصى ال‬
‫المدة الطويلة ثم تاب محا ال عنه جميع ذنوبه ورضي عمله إذا مات على صدق اليمان" (‪)119‬‬
‫‪.‬‬
‫وهكذا إن بين الشماخي والمحشي(من المرحلة المقررة) موقف الباضية من القول بالحباط فإن‬
‫يوسف المصعبي اكتفى بالتلميح الى ذلك دون أن يحلل (‪. )120‬‬
‫أما من استوت سيئاته فرأي جمهور الباضية انه من أهل العراف إل أن يوسف المصعبي ينقل‬
‫عن عثمان السوفي بعدم إمكانية استواء الحسنات والسيئات لن من سبقت له الحسنى سيئاته‬
‫مغفورة له ومن سبقت له الشقاوة والعياذ بال أعماله محبطة فل يتصور استواء الحسنات‬
‫والسيئات (‪. )121‬‬
‫وعمدة موقف الباضية صريح الية‪ ( :‬وعلى العراف رجال يعرفون كل بسيماهم) (‪ 7‬العراف‬
‫‪ )46‬وتفسير ابن عباس الذي يقول‪ ":‬العراف حائط بين الجنة والنار ‪ ،‬عليه رجال يعرفون أهل‬
‫النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم‪ ،‬وأهل العراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم"‬
‫(‪. )122‬‬
‫من خلل ما عرضنا من نصوص مدى تضارب الراء في هذه القضية ونخلص بالنتيجة التالية‪،‬‬
‫وهي أن موقف الباضية جاء صلبا في شأن المصرين فمن مات على إصراره يخلد في النار وهم‬
‫ل يطالبون التائب بإعادة ما أتى من الواجبات عند عصيانه (‪ ، )123‬كما يرون مبدأ الموازنة بين‬
‫الحسنات والسيئات مع اعتقاد أن الحسنات تخفف من ثقل السيئات‪ ،‬لكن المدار في النهاية ل يقوم‬
‫على هذه الموازنة وإنما أساسه حسن الخاتمة (‪ ، )124‬وإلى جانب ذلك يقرون أن الستواء بين‬
‫الحسنات والسيئات ممكن‪ ،‬ومآل من استوت حسناتهم وسيئاتهم العراف حيث ل نعيم ول شقاء‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن تلح المصادر الباضية على أن يحرص المؤمن على التعديل بين الخوف والرجاء‬
‫حتى ل يغلب عليه المل فيجنح إلى التهاون ول يغلب عليه اليأس فيميل إلى العناد (‪. )125‬‬

‫( ‪)2/62‬‬

‫كل هذا طبعا قبل أن يغلق باب التوبة فمتى يغلق هذا الباب؟‪.‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )105‬ابن جعفر ‪ :‬الجامع‪ .1/86 :‬وابن جعفر(ق ‪ )10 -4/9 -3‬هو أبو جابر محمد جعفر‬
‫الزكوي من بلدة أزكى في داخلية عمان‪ .‬من أصحاب مدرسة الرستاق‪.‬ر‪ .‬تقديم كتاب الجامع‪:‬‬
‫‪.13 -1/10‬لعبد المنعم عامر‪.‬‬
‫(‪ )106‬ابن جعفر ‪ :‬الجامع‪87 -1/86 :‬‬
‫ويقول المعتزلة بسقوط الثواب‪ ،‬وقد جاء عند القاضي عبد الجبار ما يلي‪:‬‬
‫"وعلم أن الثواب يسقط بوجهين ‪:‬أحدهما بالندم على ما أتى به من الطاعات والثاني بمعصية هي‬
‫أعظم منه"‪ .‬الصول الخمسة‪643 :‬‬
‫(‪ )107‬قال تعالى‪ ] :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ (‪25‬الفرقان ‪)23‬‬
‫(‪ )108‬لم يرد النص بهذه الصيغة ولكن جاء بصيغة أخرى تفهم نفس المعنى وهي "اذهبوا إلى‬
‫الذين كنتم تراؤون في الدنيا" معنى ذلك أنهم ل أجر لهم في الخرة ‪.‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪5/428 :‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬المعجم المفهرس ‪ .2/202‬وقد جاء عند الربيع بن حبيب كما يلي‪":‬يدعى المرائي يوم‬
‫القيامة بأربعة أسماء على رؤوس الخلئق يا غادر‪ ،‬يا فاجر‪ ،‬يا خاسر بطل عملك‪ ،‬وخسر أجرك‬
‫فخذ أجرك ممن عملت له فل أجر لك عندي يا مرائي‪" .‬الجامع الصحيح‪ 4/20 :‬عدد ‪986‬‬
‫(‪ )109‬انظر ما سبق‪578 :‬و ‪ 580‬وما يلي ‪747‬‬
‫(‪ )110‬انظر ما سبق‪. 533 :‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪42 :‬‬
‫(‪ )111‬زيد بن أرقم (ت ‪ )68/687‬صحابي شهد صفين مع عليز ومات بالكوفة ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪3/95‬‬
‫(‪ )112‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/92‬وقد نقل النص عن عامر الشماخي‪ :‬كتاب اليضاح ط ‪-2‬‬
‫‪3/45‬‬
‫(‪ )113‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ 2‬ص ‪55‬‬
‫(‪ )114‬انظر ما سبق‪ 588 :‬وجاء حديث يقترب منه ونصه" أن الرياء شرك ر‪ .‬الترمذي‪ :‬نذور‬
‫‪ .9‬ابن ماجة‪ :‬فتن ‪ .16‬أحمد بن حنبل ‪.5/418‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪2/203‬‬
‫(‪ )115‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح ‪.103 -1/102‬‬
‫( ‪)2/63‬‬

‫(‪ )116‬قيل‪ :‬ألوئك قوم أساؤوا ثم تابوا إلى ال من ذنوبهم ‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذه نزلت في أبي لبابة‬
‫حين قال لبني قريضة إنه الذبح ورأى أنه قد خان ال ورسوله ‪ ،‬فندم وتاب وربط نفسه بسارية‬
‫المسجد حتى تاب ال عليه وعلى الثلثة الذين خلفوا‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/211 :‬‬
‫(‪ )117‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪210 /2 :‬‬
‫(‪ )118‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪211 -2/210 :‬‬
‫(‪ )119‬نفس المصدر ‪.215 :‬‬
‫وقفنا عند تفسير قوله تعالى‪ ]:‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلصوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال‬
‫يتوب عليهم إن ال غفور رحيم[ (‪9‬التوبة ‪ )102‬في عدة تفاسير‪.‬‬
‫أما ابن عباس (في المقباس)‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬والطاهر ابن عاشور فقد مروا على الية دون‬
‫التعرض لقضية الحباط ‪ .‬واكتفى الزمخشري بإثارة نكتة بلغية تتعلق بمفهوم الخلط بين التوبة‬
‫والثم (ر‪ .‬الكشاف ‪ )2/210‬أما الرازي فيعتبر أن القول بالحباط باطل (التفسير الكبير ‪16/174‬‬
‫‪ )177،‬وكذلك محمد جواد مغنية ( ر‪ .‬التفسير الكاشف ‪.)327 -2/326‬‬
‫ويشبع اليجي القضية تحليل حيث يرد على المعتزلة والخوارج القائلين بالحباط (ر‪ .‬المواقف‬
‫‪.)449 -2/448‬‬
‫وبهذا نتبين أن الشاعرة والمامية يتفقان في نفي إحباط العمال بينما يتفق الخوارج والمعتزلة‬
‫في القول بالحباط أما المرجئة فيرون أنه ل تضر مع اليمان معصية‪.‬‬
‫(‪ )120‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 280‬وجه وقفا‪.‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 231‬وجه‬
‫(‪ )122‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪. 217 -2/216 :‬ر‪ .‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس في‬
‫تفسير ابن عباس‪ .‬دار النوار المحمدية للطبع والنشر القاهرة ‪ 1393/1972‬ص ‪128‬‬

‫( ‪)2/64‬‬

‫ولزيادة التوضيح ر‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪ ،1/161 :‬الزمخشري ‪ :‬الكشاف ‪ ،2/81‬الرازي ‪:‬‬
‫التفسير الكبير ‪ .89 -14/86‬القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪.7/211‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‬
‫‪ .433 -8/431‬محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف ‪ .333 -8/331‬والطاهر ابن عاشور‪:‬‬
‫التحرير والتنوير‪143 -8/140 :‬‬
‫وتورد هذه التفاسير مختلف القوال في أصحاب العراف وتصل إلى اثني عشر والراجح عند‬
‫أغلبهم أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم‪.‬‬
‫(‪ )123‬ويقول المحشي في ذلك ‪ " :‬وأما مرتكب الكبيرة فالظاهر أنه ل يعيد" حاشية الترتيب‪:‬‬
‫‪1/93‬‬
‫(‪ )124‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ 225 :‬حيث عقد فصل للحديث عن أهوال الموت ‪.‬‬
‫(‪ )125‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح النيل ‪ 604 -16/586 :‬وقد حوصل أهم ما جاء في كتب‬
‫أصول الدين عند الباضية وعند غيرهم‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/65‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫قضية غلق باب التوبة‪:‬‬
‫إن هذه القضية غيبية ل مجال للعقل فيها وتشير النصوص الواردة في شأنها إلى أن الغلق يتم‬
‫في الحالت التالية‪ :‬عند غرغرة الموت ‪ ،‬عند نزول العذاب‪ ،‬عند طلوع الدابة التي تكلم الناس‪،‬‬
‫وعند طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬
‫‪ -‬الغرغرة‪:‬‬
‫من غرغرت الروح أي ترددت في الحلق عند الموت (‪. )126‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من تاب قبل أن يغرغر قبل ال منه" (‪. )127‬‬
‫وقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد الحديث المذكور دون أن يتوسع في الموضوع‪)128( .‬‬
‫وجاء في المنهج ما يلي‪ ":‬والتوبة مقبولة ما لم يحضر الموت‪ ،‬وأفر بما قيل إن ال يقبل توبة العبد‬
‫ما لم يتغرغر بالموت" (‪. )129‬‬
‫كما جاء فيه أيضا‪ ":‬وقال تعالى‪ ( :‬ثم يتوبون من قريب) (‪ 4‬النساء ‪ )17‬قبل أن تحبط الحسنات‬
‫بالسيئات فتحبطها ‪ ،‬وقيل ما دام العبد صحيحا قبل المرض والموت‪ .‬وقيل ما كان قبل الموت فهو‬
‫قريب وقيل ما كان قبل معانيه ملك الموت فهو قريب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لما هبط إبليس لعنه ال قال‪ :‬وعزتك وعظمتك ل‬
‫أفارق ابن آدم حتى تفارق روحه جسده‪ ،‬فقال ال عز وجل‪ :‬وعزتي وعظمتي ل أحجب التوبة‬
‫عن عبدي حتى يغرغر بها" (‪. )130‬‬
‫وهذا جاء مؤازرا لقوله تعالى في سورة النساء‪ ( :‬وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا‬
‫حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن) (‪ 4‬النساء ‪ )18‬ولقد فسر محمد اطفيش هذه الية متعمدا‬
‫على عدة أحاديث توحي بقبول التوبة قبيل الغرغرة مثل‪ ":‬قوله عليه السلم في آخر خطبة " من‬
‫تاب وقد بلغت روحه حلقه تاب ال عليه" (‪ )131‬وقوله‪ " :‬من تاب قبل الغرغرة قبلت توبته" (‬
‫‪ )132‬رواه الترمذي عن ابن عمر‪...‬ثم يقول‪ :‬ويجاب بأن الغرغرة أحط من الحلق وأن الموحد‬
‫تقبل عنه ما دام فيه الروح والعلم ل تعالى‪ .‬ثم يعلق بقوله‪ ":‬وظاهر الية العكس"‪.‬‬

‫( ‪)2/66‬‬

‫ثم يضيف ‪ ":‬وعن ابن عباس لو غرغر المشرك بالسلم لرجوت له خيرا كثيرا‪ .‬وعنه صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬يغفر ال لعبده ما لم يقع الحجاب" (‪ )133‬قيل وما وقوع الحجاب؟ قال‪ ":‬تخرج‬
‫نفسه وهي مشركة" ويجاب أيضا بأن معنى الية أن المسوف والمصر ل تتحقق توبتها‪ ،‬وقيل ل‬
‫تقبل توبة اليس" (‪. )134‬‬
‫والملحظ من كلم صاحب التيسير وما جمعه من نصوص الحديث أنه إلى القبول أميل إل أن‬
‫الية ل تحتمل ‪ ،‬فلذلك صرح بان ظاهر الية العكس‪.‬‬
‫وبهذا يتضح أن الباضية يعتبرون مثل الشاعرة أن الغرغرة تسد باب التوبة فما هو موقفهم من‬
‫التوبة عند نزول العذاب؟‬
‫‪ -‬ل توبة عند نزول العذاب‪:‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين‪ -84-‬فلم يك ينفعهم‬
‫إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت في عباده وخسر هنالك المبطلون) (‪ 40‬غافر ‪.)85‬‬
‫ول ترى ضرورة في زيادة تحليل إذ الية صريحة في أن هذا ناموس من نواميس الحياة لم‬
‫يستثن إل مرة واحدة مع قوم يونس عليه السلم ( فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم‬
‫يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين) (‪ 10‬يونس ‪.)98‬‬
‫وقد بين يوسف المصعبي أن توبتهم كانت نصوحا وان يونس اختفى قبل أن يأذن له ال لذلك‬
‫قبلت (‪. )135‬‬
‫‪ -‬خروج الدابة‪:‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ل‬
‫يوقنون) (‪ 27‬النمل ‪.)82‬‬
‫لقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد ما جاء عند البيضاوي والزمخشري في شأن هذه الدابة (‬
‫‪ ، )136‬وقد اختلف المفسرون في صفاتها اختلفا كثيرا (‪ )137‬والحسن الوقوف عند ظاهر‬
‫النص والعتبار والستعداد قبل حلول مثل هذه العلمة من علمات الساعة‪.‬‬
‫‪ -‬طلوع الشمس من مغربها‪:‬‬

‫( ‪)2/67‬‬
‫لقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن ومنها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إن للتوبة بابا عرض‬
‫ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ل يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (‪. )138‬‬
‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب ال عليه" (‪. )139‬‬
‫هذا في ما يتعلق بانقضاء فرصة التوبة بقي أن المصادر الباضية تشير إلى أن هناك ذنوبا ل‬
‫سبيل إلى التوبة منها وأخرى تغفر بدون فماذا عن هذا وذاك؟‬
‫‪ -‬ما ل سبيل إلى التوبة منه‪:‬‬
‫جاء في كتاب السؤالت‪ ":‬ومن أفعال المكتسب مال يمكن التوبة منها في قول جل أصحابنا وذلك‬
‫نحو ‪ :‬المتردي من الجبل والمهاوي التي يهلك فيها" (‪. )140‬‬
‫وهذا واضح لن المنتحر ليس في إمكانه أن يتدارك أمره وهو بالتالي أغلق باب التوبة على نفسه‬
‫بنفسه‪.‬‬
‫‪ -‬ما يغفر بدون توبة‪:‬‬
‫وذلك لعفو ال بمنه وكرمه عنها على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال‪ " :‬عن ال‬
‫تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (‪ )141‬وفي حديث آخر‪ " :‬إن ال‬
‫تعالى تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" (‪. )142‬‬
‫فدل هذان الحديثان على أن العفو والتجاوز منه تعالى إنما هو لربعة أمور‪ :‬الخطأ والنسيان‬
‫والستكراه وحديث النفس‪.‬‬
‫وبهذا تبينا الحالت التي يغلق فيها باب التوبة‪ ،‬وكيف أنه يستحيل على المنتحر أن يتدارك أمره‪،‬‬
‫إل أن ال رحيم بعباده حيث يتجاوز عنهم ما ارتكبوه خطأ أو نسيانا‪ ،‬وما بقي في مستوى الحديث‬
‫النفسي وما استكرهوا عليه‪ .‬ومع ذلك فإن النسان كثيرا ما يغفل عن أمر ربه فل يبادر إلى‬
‫التوبة بل يصر على الكبائر وهو بهذا يغلق باب التوبة على نفسه بنفسه وفي هؤلء يتم إنفاذ‬
‫الوعيد فما هي أدلة الباضية النقلية والعقلية على هذا النفاذ؟‬
‫===================================‬
‫(‪ )126‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬

‫( ‪)2/68‬‬

‫(‪ )127‬امحمد اطفيش‪ :‬جامع الشمل‪ 240 :‬ويذكر أنه رواه الحاكم ‪ .‬وجاء عند أحمد بن حنبل‬
‫‪ 5/362‬ونصه‪ ":‬من تاب قبل أن يغرغر نفسه قبل ال منه" ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪:‬‬
‫‪4/480‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 158‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )129‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/243 :‬‬
‫(‪ )130‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ .2/229 :‬حديث قدسي لم يرد عند ونسنك لكن جاء‬
‫ما يفيد معناه في حديث للرسول عليه السلم‪ :‬إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"‪ .‬ر‪ .‬الترمذي ‪:‬‬
‫دعوات ‪ 98‬أبن ماجة ‪ :‬زهد ‪ 30 :‬الموطأ‪ :‬حدود ‪2‬ز أحمد بن حنبل ‪.153 ،2/133‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪4/480‬‬
‫(‪ )131‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )132‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )133‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )134‬امحمد اطفيش ‪:‬تيسير التفسير ‪.2/286‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لقد استفدنا من الرستاقي و امحمد اطفيش لننا لم نجد بحثا موسعا في ما بين أيدينا من‬
‫نصوص المرحلة المقررة ‪.‬‬
‫ولزيادة التوضيح ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪،10/7‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار ‪..350 -4/449‬‬
‫والطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير ‪ .4/281‬والكل يلح على عدم قبول التوبة في حال الغرغرة‪ ،‬وفي‬
‫ذلك يقول صاحب المنار‪ " :‬وعلينا أن نأخذ بالحوط والسلم"‬
‫ويقارن البيجوري بين الشاعرة والماتريدية فيقول‪:‬ط ول فرق في عدم صحة التوبة في حال‬
‫الغرغرة عند الشاعرة بين الكافر والمؤمن العاصي وأما عند الماتريدية فل تصح من الكافر في‬
‫حال الغرغرة وتصح من المؤمن حينئذ‪ "..‬جوهرة التوحيد‪197 :‬‬
‫(‪ )135‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪293‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )136‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 648‬قفا‪ ،‬وورقة ‪ 649‬وجه‬
‫(‪ )137‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪. 24/218‬ر‪ .‬القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪ 238 -13/234‬ر‪.‬‬
‫محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف ‪6/40‬‬

‫( ‪)2/69‬‬

‫(‪ )138‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬جامع الشمل‪ .239 :‬الطبراني في كبيره‪ .‬لم يرد عند ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪13 -4/12‬‬
‫(‪ )"139‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬جامع الشمل‪.240 :‬ر‪ .‬مسلم عن أبي هريرة ‪ :‬الذكر ‪ .43‬ر‪ .‬أحمد‬
‫بن حنبل ‪. 2/275‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ .1/282‬وجاء نفس المر عند الشاعرة ر‪.‬‬
‫البيجوري‪ :‬جوهرة التوحيد ‪.197‬‬
‫(‪ )140‬عثمان السوفي ‪ :‬كتاب السؤالت‪ ،218 :‬وفي هذا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم‪":‬‬
‫من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم" انظر ما يلي‪.623 :‬‬
‫(‪ )141‬ر‪ .‬ابن ماجة ‪ :‬الطلق ‪ 16‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.6/443‬‬
‫(‪ )142‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬اليمان ‪ .15‬الطلق ‪ .11‬الترمذي‪ :‬الطلق ‪ .8‬تفسير سورة البقرة ‪ .27‬ابن‬
‫ماجة ‪ :‬طلق ‪ .14‬أحمد بن حنبل ‪.2/255‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬المعجم المفهرس ‪.1/433‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/70‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫أدلة الباضية على إنفاذ الوعيد‬
‫أجمع المسلمون على إنفاذ الوعيد في المشركين الذين يموتون على الشرك‪ ،‬والنصوص قطعية في‬
‫ذلك‪ ،‬منها قوله تعالى‪ ( :‬إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من‬
‫أنصار) (‪ 5‬المائدة ‪ )72‬وقوله تعالى ( ويوم نحشرهم ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم‬
‫وشركاؤكم فزيلنا بينهم‪ .‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) (‪ 10‬يونس ‪.)28‬‬
‫ثم اختلفوا في ما سوى الشرك من المعاصي وقد بينا موقف الباضية من السماء وموقفهم من‬
‫الحكام (‪ )1‬فما هي أدلتهم على موقفهم من إنفاذ الوعيد في كفار النعم؟‬
‫وكيف يحتجون على من يرى بإخلف الوعيد نقل وعقل؟‬
‫الحجج النقلية من القرآن الكريم‪:‬‬
‫لقد تجاوزت الفرق السلمية ما تشابه من اليات المتعلقة بالوعيد ويمكن أن نحصر المواقف في‬
‫ثلثة (‪: )2‬‬
‫‪ )1‬نفاة النفاذ على الطلق‪ ،‬وينسب هذا الموقف إلى بعض فرق المرجئة‪.‬‬
‫‪ )2‬مثبتو الوعيد على الطلق لمن يموت على المعصية من الكبائر وينسب هذا الموقف الى‬
‫المعتزلة والصفرية والزيديةوالباضية والماتريدية (‪. )3‬‬
‫‪ )3‬القائلون بالمشيئة بمعنى إن شاء ال أنفذ‪ ،‬وإن لم يشأ لم ينفذ‪ ،‬وينسب هذا الموقف إلى‬
‫الشاعرة والشيعة المامية‪.‬‬
‫وقد كان مدار الجدل حول عديد من اليات سنحاول أن نرتبها حسب أهميتها في الموضوع عسى‬
‫أن نوضح مدى تفاعل آراء الباضية مع آراء أبرز الفرق السلمية‪.‬‬
‫المجموعة الولى من اليات (‪: )4‬‬
‫‪ ( -‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (‪. )5‬‬
‫‪ ( -‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (‪ 20‬طه ‪)6( .)82‬‬
‫‪( -‬إن ال يغفر الذنوب جميعا) (‪ 39 )1‬الزمر) (‪)7‬‬

‫( ‪)2/71‬‬
‫إن ما اطلعنا عليه من كتب أصول الدين عند الباضية في المرحلة المقررة وما قبلها وما بعدها‬
‫لم تهتم في موقفها من هذه اليات بأسباب النزول وإنما أقامت هذا الموقف اعتمادا على السس‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬النقل عن الرسول والصحابة والسلف‪.‬‬
‫‪ -‬التأويل وعدم القتصار على الظاهر‪.‬‬
‫‪ -‬الربط بين الخصوص والعموم‪.‬‬
‫‪ -‬الستثناء والشريطة أو ما سمي بالمشيئة‪.‬‬
‫‪ -‬التحليل البلغي‪.‬‬
‫والملحظ أن نزعة التحليل جاءت جدلية تغلب عليها اللهجة الدفاعية‪ ،‬وهذا ناتج عن الحتكاك‬
‫الحضاري ببقية الفرق السلمية ‪ ،‬وتتفاوت اللهجة مرونة وحدة حسب العصور وتجدر الشارة‬
‫إلى أن هذا الموقف جاء ذاتيا لم يعول فيه أصحابه على تحليل المعتزلة وغيرهم ممن اتفقوا في‬
‫القول بإنفاذ الوعيد عدا ما جاء في العصر الحديث في تفسير محمد اطفيش وليس من الغريب أن‬
‫يأخذ هؤلء العلماء عن بعضهم البعض وقد غلب على المتأخرين مسلك الحالة على السابقين‬
‫ممن توفرت نصوصهم أكثر إل أنها كلها سكتت عن أول من ركز هذا الموقف بوضوح (‪، )8‬‬
‫وهو أبو خزر يغل بن زلتاف(ق ‪4‬هـ‪10/‬م) وسنورد هذا النص بعد حين (‪ )9‬لما له من أهميته‬
‫ولننظر الن في اعتماد المنهج النقلي‪.‬‬
‫أ?‪ -‬اعتماد المنهج النقلي (‪: )10‬‬
‫لقد تناقلت المصادر الباضية نصوصا عن المام جابر بن زيد يرفعها الى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وتتمثل في ما يلي‪ :‬روي عن جابر بن زيد رحمه ال أن رجل قال يا أبا الشعثاء‪،‬‬
‫أرأيت قول ال تعالى‪ ( :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به) الية فقاله جابر‪ :‬أوأنبأك ال لمن يشاء أن‬
‫يغفر؟ قال وأين أنبأني يا أبا الشعثاء‪ ،‬قال ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) (‪ 4‬النساء ‪.)31‬‬

‫( ‪)2/72‬‬

‫وذكر جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " هلك المصرون" ثلثا فقال رجل يا رسول‬
‫ال فأين قوله تعالى ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " أفيكم‬
‫أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب أنا يا رسول ال فقال اقرأ ( وإني لغفار لم تاب وآمن‬
‫وعمل صالحا ثم اهتدى)(‪ 20‬طه ‪ )82‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " لهؤلء وقعت‬
‫المشيئة ثلثا (‪ )11‬وكان جابر يذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم يقول " من أطمع في الجنة من‬
‫آيسه ال منها جمع ال بينهما في النهار" (‪. )12‬‬
‫أما الوارجلني فينقل عن جابر في الرد على من ربط المر بالمشيئة كما يلي‪ ":‬وقد عارضوا‬
‫بالمشيئة مشيئة الباري سبحانه حيث يقول ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) وقال جابر بن زيد‪ :‬قد‬
‫أخبرنا ال تعالى بمشيئته فيهم أولها التوبة قال ال عز وجل ( وإني لغفار لمن تاب) والثاني‬
‫الحسنات قال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (‪ 11‬هود ‪ )114‬والثالث‪:‬‬
‫السترجاع عند المعصية قال ال تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (‪ 2‬البقرة ‪.)156‬‬
‫فوعد أفضل من المغفرة وما وراء هذا معاند مصر طاغ مستكبر وقالب فروته يدعو الى بدعته‬
‫ول سبيل للمشيئة في هذين لبطال الحكمة فيهما" (‪. )13‬‬
‫هذه نصوص نقلية ل نجد لها أثر عند غير الباضية يتناقلها الباضية عن إمامهم جابر بن زيد‬
‫مسندة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تتظافر في ما بينها فتفسر قوله تعالى ( يغفر لمن‬
‫يشاء) تفسيرا واضحا ل تترك المشيئة مطلقة بل تربطها بضرورة التوبة‪ ،‬وعلة ذلك إقرار حكمة‬
‫ال تعالى إذ ليس من الحكمة أن يسوى بين التائب والمصر (‪. )14‬‬

‫( ‪)2/73‬‬

‫ومع ذلك لم تكتف كتب الصول بهذا التحليل النقلي بل لجأت الى التحليل العقلي اعتمادا على‬
‫مقارنة النصوص القرآنية والربط بينها حتى يتعزز موقفهم القائل بأن هذه الية ل تنفي إنفاذ‬
‫الوعيد كما يذكر ذلك غيرهم (‪. )15‬‬
‫ب‪ -‬التأويل وعدم الكتفاء بالظاهر (‪: )16‬‬
‫قال أبو خزر‪ :‬ومما تحتج به المرجئة ول نعلم لهم في كتاب ال حجة أوثق في أنفسهم منها قول‬
‫ال ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فقالوا إن الكبائر التي هي دون‬
‫الشرك فإن ال يغفرها بل توبة‪.‬‬
‫يقال لهم أخبرونا عن هذه الية أتحملونها على ظاهرها أو تحتها معنى؟ فإن قالوا ليس تحتها‬
‫معنى وحملوها على ظاهرها فإنما قال ال( عن ال ل يغفر أن يشرك به) فهو إذن ل يغفر الشرك‬
‫لمن تاب‪ ،‬وإن كان تحت الية معنى غير ظاهرها فينبغي أن يكون إنما يغفر لمن تاب من‬
‫الكبائر‪ ،‬ويغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر لن ذلك كله دون الشرك‪ ،‬ولو حمل القرآن على‬
‫ظاهره لتناقض ‪ .‬أل ترى أنه قال في هذا الموضع ل يغفر الشرك‪ ،‬فلو حمل القرآن على ظاهره‬
‫لم يغفر الشرك به لمن تاب منه‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر ( إن ال يغفر الذنوب جميعا) فدخل في الجميع الشرك وغيره من الذنوب‬
‫فلو حملت الية على ظاهرها لكان الشرك مغفورا بل توبة‪ ،‬لنه قال( يغفر الذنوب جميعا)‪.‬‬
‫( ‪)2/74‬‬

‫ومما يبين أنها في التائبين قول ال عز وجل ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل‬
‫فلم يعذبكم (أي ال) بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) (‪ 5‬المائدة‬
‫‪ )18‬ولو حمل هذا أيضا على ظاهره لغفر لليهود والنصارى بل توبة وكذلك المنافقين قوله‬
‫( ليعذب ال المنافقين والمنافقات إن شاء أو يتوب عليهم) (‪ 33‬الحزاب ‪ )73‬وفي إجماعهم أنه ل‬
‫يغفر لليهود والنصارى والمنافقين إل بتوبة ما يقضي على الية الخرى ( ل يغفر أن يشرك به‬
‫ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )116‬للتائبين ويغفر الصغائر للمجتنبين للكبائر لن ما‬
‫اجتمع عليه الخصمان قاض على ما اختلفوا فيه" (‪. )17‬‬
‫هذا ما جاء عن أبي خزر‪ ،‬أما أبو يعقوب الوارجلني فقد عبر عن هذا المعنى كما يلي‪ ":‬فإن‬
‫قيل‪ :‬تعلق التوبة بالية( إن ال ل يغفر‪ )...‬لم يوجد ظاهرا ول مضمرا قلنا بل وجد ظاهرا‬
‫ومضمرا‪ .‬أما الظاهر فقول ال تعالى( وإني لغفار لمن تاب) وأما المضمر فلن التوبة في إزاحة‬
‫المعاصي وبطلن العقاب عن المعاصي بل توبة ول رجوع يدل على إباحتها وليس لمغفرة‬
‫المعاصي بالمشيئة ل بالتوبة طائل‪،‬أشبه شيء بالباحة" (‪. )18‬‬

‫( ‪)2/75‬‬

‫ويسلك أبو عمار مسلكا قريبا من هذا التأويل إل أن تحليله أدق مما سبق‪ ،‬ولم يعرج على اليهود‬
‫والمنافقين وإنما اكتفى بالربط بين الصغائر والكبائر‪ .‬فيقول في صدد الرد على القائلين بعدم‬
‫النفاذ‪ ":‬فإن سألوا عن قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر)‪ ...‬قيل لهم فقد قال ال أيضا (إن ال‬
‫يغفر الذنوب جميعا) ولم يخص ذنبا من ذنب ول غير شرك من شرك فيجب بهذا من قول ال أن‬
‫يكون يغفر الشرك وغير الشرك والقرآن يصدق بعضه بعضا‪ .‬والذي قال أهل التفسير في تأويل‬
‫قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) يقول ل يتجاوز‬
‫عن شرك لقيه به عبده‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا‪ :‬إن ما دون الكبائر مغفور لهله‬
‫متروك لهم إذا هم اجتنبوا الكبائر فوقع الغفران على الصغائر التي يوجب عليها العقاب وأكد ذلك‬
‫بقوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم) (‪ 4‬النساء ‪ )31‬فدل على أنهم إن‬
‫اجتنبوا الكبائر كفرت عنهم سيئاتهم التي هي دون الكبائر فإن لم يجتنبوا فل‪ ،‬وقوله ( لمن يشاء)‬
‫فقد شاء أن يغفر لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا هو لقي ال بها‪.‬‬
‫وقال ال عز وجل ( الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬يريد من ألم‬
‫منهم بما دون الكبائر فقال ( إن ربك واسع المغفرة) (‪ 35‬النجم ‪ )32‬وهو تأويل سهل قريب‬
‫والحمد ل" (‪. )19‬‬

‫( ‪)2/76‬‬

‫نلمس من هذه التأويلت أنها لم تنتهج نهج الجدل العقلي في تحميل النصوص مال تحتمل وإنما‬
‫سلكت مسلكا مقارنا حصل منه تعزيز للقول بإنفاذ الوعيد في أهل الكبائر‪ .‬وواضح أنها نصوص‬
‫متكاملة تأخذ من بعضها البعض لتصل إلى نفس النتيجة والمدار في كل ذلك أنه كما يخرج‬
‫المشركون والمنافقون وأهل الكتاب من عموم الية ينبغي أن يخرج أهل الكبائر المصرون وتبقى‬
‫المشيئة مرتبطة بأهل الصغائر والمتأمل مليا يتبين أن هذه التخريجات ليست إل صياغة كلمية‬
‫لما نقله جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وسيبقى في هذا المحيط ما عبر عنه‬
‫بالخصوص والعموم‪.‬‬
‫================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ :‬ورقة ‪ 107‬وجه ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪.277‬ر‪.‬‬
‫جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/6‬‬
‫(‪ )3‬وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتنع تخلف الوعد ول يرد على ذلك أن‬
‫الوعيد يتخلف في المؤمن المغفور له لن اليات الواردة بعموم الوعيد مخرج منها المؤمن‬
‫المغفور له‪ ،‬من إنقاذ الوعيد ولو في واحد التي في قوله‪ :‬وواجب تعذيب ارتكب‪...‬كبيرة‪"...‬‬
‫البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪102 -101 :‬‬
‫(‪ )4‬وقد اخترنا هذا النسق لن هذه اليات يستدل بها في ما بينها وكلما تعرض موقف لواحدة قل‬
‫أن يسكت عن الخريات‪ ،‬وحجة الجميع في ذلك أن القرآن كلم واحد مواقفه ما يلي‪ ":‬لن القرآن‬
‫في حكم كلم واحد‪ "...‬الكشاف‪.3/403 :‬‬
‫وقد نبه محمد جواد مغنية إلى هذا التفاعل بين اليات بوضوح وصراحة في قوله ‪ ":‬وبعد أن‬
‫تمهد معنا هذا نقارن بين ثلث آيات ومن نتيجة المقارنة يتضح المراد من قوله تعالى] إن ال ل‬
‫يغفر أن يشرك به[‪ ،‬وهي آية ‪ 53‬الزمر‪,‬آية طه والثالثة هي الية المذكورة ‪ :‬النساء ‪48‬و ‪.116‬‬
‫التفسير الكاشف ‪.2/343‬‬

‫( ‪)2/77‬‬
‫وما صرح به مغنية جاء ضمنيا في جميع ما اطلعنا عليه من كتب الصول وكتب التفسير التي‬
‫سنحيل عليها أثناء التحليل‪.‬‬
‫(‪ )5‬قد تكررت مرتين في سورة النساء ويحسن أن نذكر ما جاء بعدها لنه تقع الشارة إليه أثناء‬
‫التحليل ‪ .‬والية ختمت بقوله تعالى] من يشرك بال فقد افترى إثما عظيما[(‪ 4‬النساء ‪ ،)48‬وقد‬
‫جاءت بعدها إشارة إلى الذين يزكون أنفسهم مع تبيين أن ال يزكي من يشاء‪.‬‬
‫وما الية ‪ 116‬فقد جاءت بعد توعد الذين يشاقون الرسول وختمت بقوله تعالى‪ ] :‬ومن يشرك بال‬
‫فقد ضل ضلل بعيدا[(‪ 4‬النساء ‪.)116‬‬
‫(‪ )6‬وقد جاءت آية كاملة في سياق تحذير بني إسرائيل من الطغيان في نعم ال تعالى والكفر بها‪.‬‬
‫(‪ )7‬هذه الجملة جزء من الية التالية‪ ]:‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من‬
‫رحمة ال إن ال يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[‪ .‬وقد جاءت مبشرة في سياق أساسه‬
‫التحذير من مغبة السيئات لما ينجر عنها من سوء العقاب ‪ .‬وقد جاء بعدها أمر بالنابة وهو قوله‬
‫تعالى‪ ] :‬وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون[ (‪ 39‬الزمر ‪.)54‬‬
‫(‪ )8‬هذا بناء على ما بين أيدينا من نصوص وإل فأن دقة النص ووضوحه تدلن على أن صاحبه‬
‫أخذ هو الخر عمن سبقه مثل كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري أو غيره‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر ما يلي‪605 :‬‬
‫(‪ )10‬وقد وردت هذه النقول عند كل من أبي يعقوب الوارجلني وأبي مهدي والشماخي والتلتي‬
‫والثميني وابن تعاريت وقد جمعها صاحب قاموس الشريعة مع اختصار لما أضافه الوارجلني‬
‫ولذلك سنجمع بين النصين مع العلم أن ما يسند إلى جابر مروي عن الرسول ‪ e‬وقد أشرنا إلى‬
‫ذلك باختصار في التمهيد ‪ .‬انظر ما سبق ‪487 :‬و ‪530‬‬
‫(‪ )11‬انظر ‪530 :‬‬

‫( ‪)2/78‬‬

‫(‪ )12‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 108‬وجه‪ ،‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد‬
‫على البهلولي‪ .158 :‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا و ‪ 167‬وجه‬
‫‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪ 279 -278‬جميل بن خميس السعدي ‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/9 :‬و‬
‫‪.10‬‬
‫والحديث ‪ :‬من أطمع في الجنة‪ "...‬لم يرد عند ونسنك‬
‫(‪ )13‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل ‪. 2/45‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪39 :‬‬
‫‪ .‬نقل نص أبي يعقوب مكتفيا بذكر اليات فاختصاره جاء وافيا ووددنا لو أحال أبي يعقوب‪.‬‬
‫(‪ )14‬إن تمسك الباضية بالحكمة فقد عولت الفرق الخرى على الفضل والرحمة‪.‬‬
‫(‪ )15‬يقول اليجي في المواقف‪ 2/449 :‬مع الشرح (الثاني اليات الدالة عليه) أي على العفو عن‬
‫الكبيرة قبل التوبة نحو قوله ‪ ]:‬ويغفر من دون ذلك لمن يشاء[(النساء ‪ )31‬فإن ما عدا الشرك‬
‫داخل فيه‪ ،‬ول يمكن التقييد بالتوبة لن الكفر مغفور معها‪ ،‬فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما‬
‫ثبت له وذلك مما ل يليق بكلم عاقل فضل عن كلم ال (و) قوله ] إن ال يغفر الذنوب جميعا[(‬
‫‪ 39‬الزمر ‪ )53‬فإن عام للكل فل يخرج عنه إل ما أجمع عليه (و) قوله ] وإن رك لذو مغفرة‬
‫للناس على ظلمهم[ والتقرير ما ذكرناه آنفا إلى غير ذلك من اليات الكثيرة ‪449 :‬‬
‫ويورد البيجوري وهو في صدد النتصار إلى قول الشاعرة بعدم إنقاذ الوعيد ما يلي‪ :‬قال ال‬
‫تعالى ‪ ]:‬إن ال ل يغفر أن يشرك به[ وهذه الية مقيدة لقوله تعالى ‪ ]:‬إن ال يغفر الذنوب‬
‫جميعا[‪ .‬كما ينقل حديثا عن الرسول عليه السلم‪ ":‬من وعده ال على عمل ثوابا فهو منجز له ‪،‬‬
‫ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"‪.‬‬
‫جوهرة التوحيد ‪ .101‬ولم يرد عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.7/255 :‬‬

‫( ‪)2/79‬‬

‫(‪ )16‬ر‪ .‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين ‪ 62 -61 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى‬
‫بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪.158 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي ‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/9 :‬ر‪.‬‬
‫عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.302 -301 :‬‬
‫(‪ )17‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين ‪.62 -61 :‬‬
‫لقد استفاد أبو عمار عبد الكافي من هذا النص إل أنه صاغه صياغة جدلية أدق ر‪ .‬الموجز‪:‬‬
‫‪ .2/115‬كما استغله عبدال السالمي استغلل ذكيا في ما قرره من ردود ‪.‬ر‪ .‬المشارق‪-301 :‬‬
‫‪ 302‬وكذلك فعل جميل ابن خميس السعدي مع تصرف واضح في صيغة الجدل‪.‬ر‪ .‬قاموس‬
‫الشريعة ‪6/9‬‬
‫(‪ )18‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ ، 159 -158 :‬ينقل أبو مهدي النص‬
‫عن أبي يعقوب الوارجلني ولم نتمكن من تحديده في ما بين أيدينا من مؤلفات أبي يعقوب‪.‬‬
‫(‪ )19‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪115 -2/113 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/80‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫جـ ) العلقة بين الخصوص والعموم‪:‬‬
‫يقول أبو مهدي بعد أن أورد ما نقل عن جابر بن زيد (‪ ": )20‬والعموم يحمل على الخصوص‬
‫عند الصوليين والعاقل ل يستدل بالعموم حتى يعلم أنه باق على عمومه لن اكثر العمومات قد‬
‫خصصت بل حكي عن بعضهم أنه قال‪ :‬ما من عام إل قد خص إل قوله تعالى ( وال بكل شيء‬
‫عليم) (‪ 2‬البقرة ‪ )282‬والية الكريمة (يغفر لمن يشاء) معناها إن تاب" (‪. )21‬‬
‫واضح أن أبا مهدي يعتبر قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء) نصا عاما يخصصه قوله تعالى ( إني‬
‫لغفار لمن تاب‪ )...‬فيترتب على ذلك أل غفران بدون توبة كما تقول طائفة من المرجئة وأل‬
‫إرجاء للمشيئة كما يقول الشاعرة فتفسير العام بالخاص يوجب تقييد المشيئة بالتوبة‪.‬‬
‫د‪ -‬عدم تعليق الغفران بالمشيئة فحسب‪:‬‬
‫إن يوسف المصعبي يكتفي بإيراد جملة مما جاء عند أبي يعقوب الوارجلني نقل عن جابر بن‬
‫زيد‪ ":‬شاء أن يغفر للتائب لقوله تعالى ( إني لغفار لمن تاب) ثم يحيل على كتاب الدليل والبرهان‬
‫(‪ )22‬والحقيقة أن هذه المسألة حللها كل من أبي عمار عبد الكافي وعبدال السالمي (‪ )23‬تحليل‬
‫وافيا‪ .‬وقد حرص السالمي على استيعاب كل ما سبقه من أقوال وصاغ ذلك في حلقات مترابطة‬
‫متدرجة متكاملة أقامها على حوار هادي أساسه (فإن قيل أو قالوا ‪ .‬قلنا) هدفه الوصول الى‬
‫تخصيص المشيئة بضرورة التوبة النصوح التي استوفت جميع الشروط" فمن شاء أن يغفر له‬
‫وقفه على تلك الشروط فوفى بها‪ ،‬فهذه فائدة التعليق بالمشيئة" (‪. )24‬‬
‫هـ‪ -‬التحليل البلغي (‪: )25‬‬

‫( ‪)2/81‬‬

‫ويورد يوسف المصعبي كلم الزمخشري حيث يقول‪ ":‬فإن قلت‪ :‬قد ثبت أن ال عز وجل يغفر‬
‫الشرك لمن تاب منه‪ ،‬وانه ل يغفر ما دون الشرك إل بالتوبة فما وجه قوله ( إن ال ل يغفر أن‬
‫يشرك به) قلت‪ :‬الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى‪ -‬لمن‬
‫يشاء‪ -‬كأنه قيل إن ال ل يغفر لمن يشاء الشرك‪ ،‬ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد‬
‫بالول من لم يتب وبالثاني من تاب ونظيره قولك‪ :‬إن المير ل يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن‬
‫يشاء‪ ،‬تريد ل يبذل الدينار لمن ل يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله" (‪. )26‬‬
‫وقد زاد كل من محمد اطفيش (‪ )27‬وسعيد بن تعاريت (‪ )28‬القضية تحليل في ما بعد‪.‬‬
‫فالباضية حينئذ استفادوا هذا الدليل من المعتزلة وتبنوه‪ ،‬ومهما يكن من أمر فإن هذا التخريج‬
‫البلغي ليس من التعسف في شيء كما ذهب إلى ذلك السيد علي بن محمد الجرجاني في حاشيته‬
‫على الكشاف حيث يختم انتقاده بقوله‪ ":‬وما هذا إل من جعل القرآن تبعا للرأي نعوذ بال من ذلك"‬
‫(‪ )29‬ما دامت اللغة العربية تتحمل ذلك‪ ،‬والزمخشري ل يشق له غبار في هذا الباب وهو من‬
‫أئمة اللغة قبل كل شيء‪.‬‬
‫والملحظ أن هذه الجملة تكررت بنفس الصيغة وفي نفس السورة ليس بينهما إل ثماني وستين‬
‫آية‪ ،‬وقد اعتبر يوسف المصعبي مثل الزمخشري أن ذلك من باب التأكيد (‪. )30‬‬
‫ذلك هو موقف الباضية من هذه اليات وقد جمعوا فيها بين العتماد على النقل وعلى التأويل‬
‫والربط بين الخصوص والعموم‪ ،‬والتحليل البلغي ليصلوا إلى أن المشيئة مرتبطة ارتباطا‬
‫جوهريا بالتوبة وهكذا يخرج المصرون من هذه المشيئة وهم في هذا يتفقون والمعتزلة بينما‬
‫يختلفون عن الشاعرة الذين يتركون المشيئة مطلقة فتشمل المصرين أيضا وقد نبه إلى ذلك‬
‫يوسف المصعبي (‪ )31‬بوضوح‪.‬‬
‫المجموعات الخرى من اليات‪:‬‬

‫( ‪)2/82‬‬

‫وإذا كان مثار الجدل شديدا مع اليات السابقة فإن آيات أخرى ل تخلو من مثل ذلك الجدل ‪،‬‬
‫ولذلك رأينا أن ننظر في بعض الجموعات الخرى مع العلم أننا ل يمكن أن نستوفيها عن آخرها‬
‫وإنما ننتخب ما جاء أكثر تعبيرا عن مسلك الباضية في الدفاع عن موقفهم وكذلك مسلك الفرق‬
‫الخرى في توظيف هذه اليات في الخط المغاير ومنها‪:‬‬
‫‪ )1‬آيات مفادها أل تبديل لكلمات ال‬
‫وما دام عنوان القضية إنفاذ الوعيد أو خلف الوعيد فللقائلين بالنفاذ أن يحتجوا بمثل هذه اليات‬
‫على عدم جواز الخلف وللخرين أن يردوا معتبرين الخلف من باب التفضل والرحمة وال ( ل‬
‫يسأل عما يفعل) (‪ 21‬النبياء ‪ )23‬ومن هذه اليات ما يلي‬
‫‪ ( -‬ما يبدل القول لدي) ‪)32( .‬‬
‫‪ ( -‬إن ال ل يخلف الميعاد) ‪)33( .‬‬
‫‪ ( -‬فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) ‪.‬‬
‫‪( -‬فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) (‪.)34 )34‬‬
‫‪ ( -‬ل تبديل لكلمات ال) (‪.)35 )35‬‬
‫يقول أبو عمار بعد الستشهاد بهذه اليات‪ " :‬وذلك أن ال عز وجل وعد قوما وتوعد آخرين‪،‬‬
‫فجعل وعده بالجنة لوليائه المؤمنين وجعل وعيده النار لعدائه الكافرين‪ ،‬ولن يجوز أن يكون‬
‫وعده أو وعيده مبدل ول محول ول مستثنى فيه‪ ،‬ول مرجوعا عنه إذ ل يجوز أن تكون أخباره‬
‫جل جلله متكاذبة ول متناقضة" (‪. )36‬‬
‫ويعتبر عمرو التلتي كذلك أن في عدم التعذيب تبديل القول وهو نقص في حقه تعالى ل يجوز‬
‫عليه (‪. )37‬‬
‫وجاءت اليات في قاموس الشريعة في سياق الرد على من يعتبر أن إخلف الوعيد أمر ممدوح‬
‫مع تبيين أن الممدوح بحق هو من ل يخلف وعده ووعيده (‪. )38‬‬
‫أما محمد اطفيش فبين أن (ما يبدل القول لدي) تحمل عدة تأويلت كلها توعد‪ ،‬وذلك منن بينها "‬
‫مطلق الوعد والوعيد" (‪ )39‬وجاء موقفه صريحا من قوله تعالى ( ل تبديل لكلمات ال) أي ل‬
‫تبديل ل لوعده ول لوعيده ول لشيء مما قضى وهذا لعمومه (‪. )40‬‬

‫( ‪)2/83‬‬

‫واضح أن هذه اليات فعل بها مثل اخوتها السابقة وكل وجهها وجهته واستدل بها على الطرف‬
‫المقابل والمهم أن الباضية ل سبيل لهم من أن يسلموا من هذا المسلك ما دام النص من المتشابه‬
‫ويتحمل التأويل ول لوم عليهم في ذلك لنهم يقرون بالتأويل من بداية الشوط كما رأينا (‪. )41‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق‪603 :‬‬
‫(‪ )21‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪158 :‬‬
‫ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا و ‪ 167‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )23‬لقد حرر هذه القضية كل من أبي عمار في الموجز ‪ 2/115‬والسالمي في المشارق ‪-301‬‬
‫‪ 302‬ونختار نص السالمي لنه جاء أكثر شمول ول شك أنه استفاد من كلم أبي عمار الذي جاء‬
‫واضحا دقيقا إل أنه مختصر‪.‬‬
‫(‪ )24‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪302:‬‬
‫(‪ )25‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪/1‬‬
‫‪532‬‬
‫(‪ )26‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪/1‬‬
‫‪532‬‬
‫(‪ )27‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/336 :2‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪128 -127 :‬‬
‫(‪ )29‬السيد علي الجرجاني‪ :‬حاشية على الكشاف‪1/533:‬‬
‫ولو تأمل الجرجاني نفسه في ما قاله لوجد هو أيضا أنه حمل النص على رأيه وهذا اتهام قل من‬
‫يسلم منه من أهل التفسير والتأويل‪.‬‬
‫ورأينا أنه ل حرج في ذلك ما دام النص يحتمل‪ ،‬وتلك قيمة المتشابهات في القرآن الكريم‪ .‬انظر‬
‫ما سبق‪ 271 :‬وما يليها‬
‫(‪ )30‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪177‬قفا‬
‫( ‪)2/84‬‬

‫ملحظة‪ :‬لقد نبه صاحب المنار إلى أن المفسرين ذهبوا إلى أن التكرار من باب التأكيد والولى‬
‫أن يعلل تعليل نفسيا ‪ ،‬ومحوره أن القصد من العادة إثارة النفوس حسب متطلبات السياق لن‬
‫القرآن كتاب هداية ‪.‬ر‪ .‬تفسير المنار‪ 5/418 :‬ويطرب محمد جواد مغنية لهذا التحليل وينقل نص‬
‫المنار بحذافره‪.‬ر‪ .‬التفسير الكاشف‪.2/440 :‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا ورقة ‪177 :‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )32‬لقد جاءت هذه الجملة في سياق تخاصم أهل النار ردا من ال تعالى والية هي‪ ]:‬قال ل‬
‫تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد(‪)28‬ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد[ (‪ 50‬قَ‪-28‬‬
‫‪.)29‬‬
‫(‪ )33‬جاء في سياق توعد الغافلين عن العذاب] ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة‬
‫أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد[(‪ 13‬الرعد ‪.)31‬‬
‫(‪ )34‬والسياق في حوار أهل الجنة وأهل النار والية هي‪ ]:‬ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار‬
‫أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم[(‪ 7‬العراف ‪)44‬‬
‫(‪ )35‬جاءت في سياق تبشير أولياء ال والية ] لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الخرة ل تبديل‬
‫لكلمات ال ذلك هو الفوز العظيم[(‪ 10‬يونس ‪.)64‬‬
‫(‪ )36‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ ،2/105 :‬انظر قضية أن الوعيد خبر أو إنشاء في ما بعد‪:‬‬
‫‪633‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬قفا ‪.‬ر عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪278‬‬
‫(‪ )38‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/10 :‬‬
‫(‪ )39‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪6/513 :1‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪.3/76‬‬
‫والملحظ أن يوسف المصعبي لم يقف عند القضية عند شرحه لهذه اليات إل وقفة عابرة ر‪.‬‬
‫حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 291‬وجه‪.‬‬

‫( ‪)2/85‬‬

‫ويذهب المعتزلة نفس المذهب فيقول القاضي عبد الجبار ما يلي‪ " :‬ويدل على أن الوعيد الوارد‬
‫عن ال ل يتبدل ول يتغير ‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يكون فيه إضمار وشرط ‪ ،‬ول أن يكون خارجا‬
‫عن وجه التعمية ول يجوز فيه الخلف لن كل ذلك يقتضي التبديل ‪ ،‬وقد أبى ال تعالى ذلك في‬
‫وعيده ‪ ،‬وبين أنه وإن فعل ما توعد به فليس بظلم للعبيد لن لم يفعل بهم إل ما استحقوه من‬
‫العقاب على ما كان منهم من المعاصي "‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/626‬‬
‫(‪ )41‬انظر ما سبق ‪.271‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/86‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫‪ )2‬آيات مفادها أن العذاب على من كذب وتولى‪:‬‬
‫‪ ( -‬فأنذرتكم نارا تلظى ل يصلها إل الشقى الذي كذب وتولى) (‪. )42‬‬
‫‪( -‬إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) ‪)43( .‬‬
‫‪ -‬فاتقوا النار التي وقودها والحجارة أعدت للكافرين) (‪. )44‬‬
‫وقد سلك السالمي مع هذه اليات مسلكا يتمثل في ذكر موقف من يرون القصر على صنف ‪ ،‬ثم‬
‫يجيب‪ :‬آية سورة الليل‪ :‬قال فقد قصر الرب تعالى النار على من كذب وتولى والفاسق يكذب‪.‬‬
‫الجواب (‪ : )45‬إن قصر إصلء النار إنما هو على الشقي وهو اسم شامل للمشترك والفاسق وما‬
‫بعد الشقي وهو وصف له‪ ،‬لم يتناوله القصر لكن فهم منه على سبيل الصفة وقد عرفت أن مفهوم‬
‫الصفة دليل ظني اختلف في وجوب العمل به فضل من أن يثبت به العلم العتقادي‪.‬‬
‫‪ -‬آية سورة طه‪ :‬وجوابه‬
‫" ليس في الية قصر العذاب على المكذب المتولي وغنما فيها إخبار عنه انه معذب وخص بالذكر‬
‫في الية لقتضاء المقام ذلك فإنه في خطاب فرعون لعنه ال فلو إن العذاب على من كذب وتولى‬
‫أو فعل كبيرة مع التصديق لم يناسب المقام"‪.‬‬
‫‪ -‬آية سورة البقرة‪ " :‬وصح استدلله بها لنه يخص اسم الكافر بالمشرك وجوابه‪ :‬ل نسلم‬
‫تخصيصه به فغن الفاسق كافر كفر نعمة ولو سلمنا اختصاص اسم الكافر بالمشرك لقلنا إن‬
‫جوابها كجواب التي قبلها" (‪. )46‬‬
‫ويقول صاحب قاموس الشريعة في شأن هذه الية ما يلي‪ ":‬الجواب هو إنا بينا أنه ل يجب أن‬
‫يحكم بأن المتروك حاله خلف المذكور وإذا كان كذلك لم يدل قوله تعالى ( أعدت للكافرين) أنها‬
‫لم تعد لغيره وذلك يسقط التعلق" (‪. )47‬‬

‫( ‪)2/87‬‬

‫ويمر محمد اطفيش على آية سورة البقرة دون أن يشير إلى القضية إل انه صرح في آية سورة‬
‫الليل بما يلي‪ ":‬والحصر إضافي أي إنما يدخل المشرك الشقي ل الموحد المطيع فيبقى الموحد‬
‫الفاسق لم يذكر فيؤخذ حكمه من الي الخر والحاديث وهو دخول النار وعدم الخروج" (‪. )48‬‬
‫وإنه لمن نفل القول أن نذكر أن المسلك واحد وأساسه استغلل الي لسياق الفكر العام لدى كل‬
‫جماعة والمتشابه يحتمل كل هذه الوجوه‪.‬‬
‫كما نلحظ أن حجج الباضية هي نفس حجج المعتزلة وما دام الموقف واحدا فل حرج في ذلك‪،‬‬
‫يبقى أن السالمي جعل كل هذه النصوص في سياق واحد مما جعل الموقف أكثر وضوحا‪ ،‬ول‬
‫يجب أن نغفل عن حقيقة أساسية وهي الختلف في السماء فمدلول كلمتي " كافر" و" فاسق"‬
‫يختلف كما رأينا (‪ )49‬من فرقة إلى أخرى‪.‬‬
‫وقبل أن نختم القول مع هذا المسلك من الحتجاج القرآني يحسن أن نذكر مجموعة أخرى من‬
‫اليات مفادها إنفاذ الوعيد في عصاة أهل الصلة‪.‬‬
‫‪ )3‬مرتكب الكبيرة وآيات الوعيد (‪: )50‬‬
‫‪ ( -‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (‪. )51‬‬
‫‪ ( -‬ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) ‪)52( .‬‬
‫‪ ( -‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما)‬
‫‪)53( .‬‬
‫هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن‬
‫عمدا‪.‬‬
‫هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن‬
‫عمدا‪.‬‬

‫( ‪)2/88‬‬

‫ويقول أبو عمار في شأن هذه اليات وآيات أخرى (‪ " : )54‬وهذا كله في كتاب ال عز وجل‬
‫وعيد لهل الكبائر من أهل الملة على كبائرهم‪ ،‬أو يقول قائل إنه وعيد للمشركين على هذه الكبائر‪،‬‬
‫وليس بوعيد لهل الكبائر من أهل التوحيد؟ ويقال عند ذلك فكذلك النهي عن هذه الكبائر إنما هو‬
‫نهي للمشركين‪ ،‬وليس هو لهل الكبائر من أهل التوحيد لما كان هذا الوعيد جاء مقرونا بالنهي‬
‫ول يجد في ذلك فرقا أبدا مع ما في قوله بذلك من الفساد الذي ل يتوهم غايته ول تكيف نهايته‬
‫إذا كان الوعيد للمشركين أن يكون ال غنما حض المشركين على أل يولوا أدبارهم للمسلمين‬
‫ويتوعدهم على أن يفعلوا ذلك فيقول‪ :‬ومن يولي دبره من المشركين للمؤمنين فقد باء بغضب من‬
‫ال ومأواه جهنم وبئس المصير‪...‬وهذا من الهذيان الذي ل يتكلم به المجنون المغلوبون على‬
‫عقولهم أو من هو في مثل حالهم" (‪. )55‬‬
‫وينقل يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري ومفاده أن الية من الدلة القطعية على إنفاذ‬
‫الوعيد في أهل الصلة ويختم السياق بتعجب ممن يرون خلف الوعيد كما يلي‪ ":‬والعجب من قوم‬
‫يقرأون هذه الية ويرون ما فيها‪ ...‬ثم ل تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما‬
‫يخيل إليهم مناهم‪ ،‬أن يطعموا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة‪)56( "...‬‬
‫ويذكر عمرو التلتي بعد إيراد مثل هذه النصوص أن " القول بحمل تلك النصوص على خلف‬
‫ظاهرها غير معول عليه" (‪. )57‬‬
‫وكذلك يبين السالمي أن الوعيد يشمل مرتكبي الكبائر وهم كفار نعمة حسب المصطلح الباضي (‬
‫‪. )58‬‬
‫ويتبنى جميل السعدي موقف أبي عمار في التحدي والتهكم إلى أن يقول‪ ":‬ولعمري إن من زعم‬
‫أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط الحساب صراحا لن المحارم‬
‫إنما تتقي من اجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقط أباحها" (‪. )59‬‬
‫ولم يشر محمد اطفيش إلى هذه القضية الكلمية عند تفسيره لهذه اليات (‪. )60‬‬

‫( ‪)2/89‬‬

‫واضح من خلل هذا التحليل أن حجج الباضية والمعتزلة أقرب إلى الظاهر في هذه اليات وان‬
‫الرازي اضطر في ردوده إلى أن يستعمل حجج المعتزلة في تفسيق المؤمن للرد عليهم فحمل‬
‫الية أكثر مما تتحمل‪.‬‬
‫والحق‪ -‬حسب ما رأينا‪ -‬وغن كانت المجموعتان السابقتان تحتملن مختلف وجوه التأويل لن‬
‫ظاهرها واضح فهي تستهل بنداء المؤمنين ثم تذكر المعصية وما ينتظرها من عذاب مبين‪ ،‬وغاية‬
‫القائلين بعدم إنفاذ الوعيد أن يرجعوا إلى القول بالعذاب المؤقت فالخروج من النار من طريق‬
‫الفضل أو الشفاعة وهو مال يقول به الباضية‪.‬‬
‫وبعد الستدلل بالقرآن الكريم يأتي الستدلل بالحديث الشريف؟‪.‬‬
‫الحجج النقلية من الحديث الشريف‪:‬‬
‫إن المتمتع لما عرضه الباضية وغيرهم من الدلة النقلية يلمس بوضوح وفرة النصوص القرآنية‬
‫وندرة الحتجاج بنصوص الحديث وذلك أن جل الحاديث المتعلقة بالموضوع لم تبلغ درجة‬
‫التواتر لكنه يلجا إليها من حين لخر لمؤازرة النص القرآني وتقويته‪.‬‬
‫وقدن أوردنا بعضا من الحاديث التي تتوعد مرتكبي الكبائر بالنار ونضيف إليها قول صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬القليل من أموال الناس يورث النار" (‪. )61‬‬
‫يذكر السالمي أن الحديث بهذا النص تفرد به الربيع وقد جاء معناه في عدة أحاديث ( منها ما‬
‫رواه البخاري في باب إثم من ظلم شيئا من الرض) عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬من أخذ من الرض ومصداقه في حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين"‬
‫ورواه أحمد أيضا ومصداقه في قوله تعالى‪ ( :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في‬
‫بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (‪ 4‬النساء ‪ .)10‬عن أبي برزة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا‪ ،‬فقيل يا رسول ال من هم؟ قال‪:‬‬
‫ألم تر أن ال يقول‪ (:‬إن الذين يأكلون)"‪. )62( . ..‬‬

‫( ‪)2/90‬‬

‫والمهم تعليق السالمي بعد شرح الحديث بقوله‪ ":‬وأحاديث الباب (‪ )63‬قاطعة بتعذيب الظالم إذا‬
‫مات على ظلمه فهي حجة على المرجئة مع اعترافهم بصحتها" (‪. )64‬‬
‫كما يمكن أن نذكر حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬من كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده‬
‫من النار" (‪. )65‬‬
‫ولم يلح المحشي كثيرا على قضية الوعيد إل انه نقل ما يدل على التمييز بين من كذب على‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ومن كذب على غيره ومن ذلك‪ :‬قال الطيبي‪ :‬والمعاصي توعد‬
‫عليها بالنار‪...‬‬
‫الجواب الثاني‪ ...:‬ول يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه وكذب على غيره أن يكون‬
‫مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء ‪ ،‬فدل قوله صلى ال عليه وسلم (فليتبوأ) على طول القامة‬
‫بل ظاهره انه ل يخرج منها لنه لم يجعل له منزل غيره‪.‬‬
‫ويعلق المحشي ‪ ":‬أقول هذا هو الحق‪ ،‬وما ذكره (أي الطيبي وهو ليس من الباضية) من خروج‬
‫العصاة باطل" (‪. )66‬‬
‫ويعلق السالمي على هذا الحديث المذكور بما يشبه ما علق به على الحديث السابق وبصيغة أعم‪،‬‬
‫" والحديث يدل على القطع بتعذيب أهل الكبائر وتخليدهم في النار‪ ،‬وهو حجة على من خالفنا في‬
‫ذلك وال أعلم"‪)67( .‬‬
‫وانظر إلى الوعيد القطعي الذي يصبه الرسول صلى ال عليه وسلم على من يدعي انه من أهل‬
‫الجنة‪ " :‬من قال أنا من أهل الجنة فهو من أهل النار" ‪.‬‬
‫ويعلل السالمي هذا الحكم بأنه حكم بالغيب وادعاء ما ليس له وذلك كبيرة توجب دخول النار‬
‫ويختم بما يلي‪ ":‬وفي الحديث وجوب الخوف والرجاء لن القطع بأحد الطرفين من غير وحي‬
‫كفر" (‪. )68‬‬
‫ويستشهد محمد اطفيش عند تفسيره لقوله تعالى‪ ( :‬ول تقتلوا أنفسكم) (‪ 4‬النساء ‪ )29‬بحديثي‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا (‪ . )69‬ومن‬
‫قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا (‪. )70‬‬
‫( ‪)2/91‬‬

‫ولم يعلق عليهما إل أن مواطن الستشهاد في تقرير إنفاذ الوعيد إذ الية تختم بقوله تعالى ( ومن‬
‫يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا) (‪. )71‬‬
‫ويورد المحشي في حاشية الترتيب ما يلي‪ ":‬قال الربيع بن حبيب قال جابر بن زيد يروي عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ل يدخل الجنة مخنث ول ديوث ول فحلة النساء ول‬
‫الركاضة‪.‬‬
‫قيل وما الركاضة يا رسول ال؟ قال التي ل تغار" (‪. )72‬‬
‫قوله ‪" :‬ل يدخل الجنة مخنث‪ "....‬وجه الدليل منه أن من لم يدخل الجنة كان من أهل النار ومن‬
‫كان من أهل النار فهو كافر لقوله تعالى‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪ 22‬الحج ‪ )72‬فعلم منه‬
‫انه ل يدخل النار إل كافر ولذلك قال الشيخ أبو نصر‪( :‬طويل)‬
‫وروي في الجامع الصغير من كتب قومنا في هذا عدة أحاديث منها " ل يدخل الجنة إل رحيم" (‬
‫‪ )73‬ومنها " ل يدخل الجنة قاطع رحم" (‪ )74‬ومنها " ل يدخل الجنة خب" (‪ " )75‬ول بخيل ول‬
‫منان‪)76( . ..‬‬
‫وتأولها الشارح على قاعدة مذهبهم الفاسد من انه محمول على المستحل ليكون شركا لن الكفر‬
‫عندهم هو الشرك أو ل يدخل الجنة مع السابقين إليها أو ل يدخلها حتى يعاقب إل أن يغفر اله له‬
‫ولول التأويل لشركوا" (‪. )77‬‬
‫كما يعلق المحشي على ما أورده ابن حجر من شروح لقول الرسول عليه السلم‪ " :‬إذا قال رجل‬
‫لرجل أنت عدوي فقد كفر أحدهما" (‪ )78‬بقوله " ثم لما كان الكفر عندهم خاصا بالشرك احتار في‬
‫تأويل هذه الحاديث المصرحة بكفر الموحد‪. )79( "...‬‬

‫( ‪)2/92‬‬

‫كما يعدد المحشي من ل يكلمهم ال يوم القيامة وهؤلء الذين غضب ال عليهم نفذ فيهم الوعيد‬
‫أقول‪ ":‬والذي يتحصل مما ذكره في الجامع فيمن ل يكلمهم ال يوم القيامة ول ينظر إليهم نحو‬
‫تسعة عشر صنفا‪ :‬وهم المسبل إزاره خيلء والمنان الذي ل يعطي شيئا إل منة‪ ،‬والمنفق سلعته‬
‫بالحلف الكاذب‪ ،‬ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال امرئ مسلم (‪، )80‬‬
‫ورجل بايع رجل سلعة بعد العصر حلف له بال لقد أعطي له فيها كذا وكذا الخ‪ ،‬ورجل حلف‬
‫على سلعته لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب‪ ،‬ورجل منع فضل مائه ورجل على فضل‬
‫ماء بالفلة يمنعه من ابن السبيل‪ ،‬ورجل بايع إماما ل يبايعه إل للدنيا وشيخ زان‪ ،‬وملك كذاب‪،‬‬
‫وعائل سكير‪ ،‬والعاق لوالديه‪ ،‬والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ‪ ،‬والديوث‪ ،‬ومدمن الخمر‪،‬‬
‫وحر باع حرا‪ ،‬وحر باع نفسه‪ ،‬ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه" (‪. )81‬‬
‫هذا وإن اعتمد الباضية أحاديث تعزز موقفهم فقد اعتمد غيرهم أحاديث تدعم رأيهم في عدم إنفاذ‬
‫الوعيد وفي ذلك يقول صاحب قاموس الشريعة‪ ":‬وقد صح في آيات الوعيد لفسقة المؤمنين‬
‫روايات معهم موافقة على ثبوته فيهم وروايات على العفو عنهم‪ ،‬وروايات بالشفاعة وروايات‬
‫بتعذيبهم على قدر أعمالهم فصح أن روايات كثيرة معهم غير صحيحة لنها روايات تناقض‬
‫بعضها بعضا متى صحت واحدة كذب ما خالفها ل محالة" (‪. )82‬‬
‫وتبقى القضية حينئذ محل أخذ ورد بالنسبة الى الحتجاج بالحديث وذلك لختلف الروايات‬
‫والباضية مثل غيرهم تجمع لديهم كما بينا رصيد من الحديث يدعم قولهم بإنفاذ الوعيد‪ .‬ومن‬
‫الدلة النقلية فإلى الدلة العقلية‪.‬‬
‫=======================‬
‫(‪ 92 )42‬الليل ‪ 16 -15 -14‬جاءت اليات متكاملة‪.‬‬
‫(‪ 20 )43‬طه ‪ 48‬جاءت في سياق تبليغ موسى وهارون الدعوة لفرعون‪.‬‬

‫( ‪)2/93‬‬

‫(‪ 2 )44‬البقرة ‪24‬جاءت في سياق يدعو الناس عامة إلى الخضوع إلى ال تعالى ولي النعم‬
‫ويتحدى المشركين بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم فإن عجزوا فل سبيل إل الخشية من‬
‫العذاب‪.‬‬
‫(‪ )45‬لقد ذكر ثلثة إجابات اكتفينا بذكر جواب منها‪.‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لم يتعرض يوسف المصعبي للقضية تماما عند تفسير هذه اليات ر‪ .‬حاشية على‬
‫تفسير الجللين ورقة ‪ 22‬قفا‪ ،‬ورقة ‪ 469‬وجه ‪ .‬لذلك اعتمدنا على السالمي‪ ،‬واخترناه للمامه‬
‫بالقضية وجمعه بين كل هذه اليات في سياق واحد‪.‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪300 :‬‬
‫(‪ )47‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/18 :‬‬
‫(‪ )48‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد ‪ 1/359 ،2‬ر‪ .‬تيسير التفسير ط ‪613 -6/612 ،1‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لم يهتم مغنية في تفسيره بهذه القضية في سورة البقرة م ‪ 1‬ص ‪ 65‬لكن الرازي رد‬
‫بوضوح على المعتزلة فقال‪ ]:‬أعدت للكافرين[ وليس فيه ما يدل على أن هناك نيرانا أخرى غير‬
‫موصوفة بهذه الصفات معدة لفساق أهل الصلة"‪ .‬التفسير الكبير‪2/122 :‬‬
‫أما آية سورة الليل فقد ألح كل من الزمخشري‪ 262 -4/261 :‬والقاضي عبد الجبار في تنزيه‬
‫القرآن عن المطاعن‪ ،466 -465 :‬وفي متشابه القرآن ‪ 2/692‬على أن السياق ل يخرج فساق‬
‫أهل الصلة‪.‬‬
‫ويتأول الرازي حجج القاضي حجة حجة فيضفها ثم يقرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يصلها ‪ :‬ل يلزمها في حقيقة اللغة‪ ،‬يقال صلى الكافر النار إذا لزمها مقاسيا شدتها‬
‫وحرها‪ ،‬وعندنا أن هذه الملزمة ل تثبت إل للكافر ‪ ،‬أما الفاسق فإما أل يدخلها ‪ ،‬أو إن دخلها‬
‫تخلص منها‪.‬‬

‫( ‪)2/94‬‬

‫‪ -2‬أن يخص عموم هذا الظاهر باليات التالية على وعيد الفاسق ‪ 29/204.‬إل أن جواد مغنية‬
‫‪ 7/575‬ينطلق من تفسير عبده ليقارن بين الشقي والشقى ثم يقول‪ " :‬والتفاوت بين الشقي‬
‫والشقى إنما هو في أليم العذاب وشدته ل في أصل العذاب‪ ،‬وعليه يكون المراد بالشقى هنا من‬
‫عصى ال وأعرض عن أمره سواء أعرض عنه لن ل يؤمن بال وشريعته أم آمن به وبشريعته‬
‫ولكنه قصر وتهاون‪ ،‬ل فرق بين الثنين لن اليمان وسيلة للعمل وليس غاية في نفسه‪ ،‬فقد ثبت‬
‫بنص القرآن أن من آمن ولم يعمل فهو والكفر بمنزلة سواء قال تعالى‪ ]:‬ل ينفع نفسا إيمانها لم‬
‫تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا[ (‪ 6‬النعام ‪ )158‬أي لم تؤمن إطلقا أو آمنت ولم‬
‫تعمل‪.‬‬
‫(‪ )49‬انظر ما سبق ‪506‬‬
‫(‪ )50‬ل يمكن أن نذكرها كلها وإنما نكتفي بذكر ما جاء في سورة النساء‪.‬‬
‫(‪ 4 )51‬النسائي ‪ 10‬جاءت الية في سياق توزيع الميراث والظلم في ذلك‪.‬‬
‫(‪ 4 )52‬النسائي ‪ 30‬والوعيد للذين يأكلون الموال بينهم بالباطل‪.‬‬
‫(‪ 4 )53‬النسائي ‪ 93‬والسياق في حكم كفارة من يقتل أخاه المؤمن خطأ‪.‬‬
‫(‪ )54‬مثل قوله تعلى‪ ] :‬يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فل تولوهم الدبار‪ ،‬ومن‬
‫يولهم يومئذ دبره إل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من ال ومأواه جهنم وبئس‬
‫المصير[(‪ 8‬النفال ‪.)16‬‬
‫(‪ )55‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪113 -2/122 :‬‬
‫(‪ )56‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 175‬وجه ر‪ .‬الزمخشري‪:‬‬
‫الكشاف‪ .1/554 :‬والملحظ أن المصعبي لم يتعرض للقضية مع اليتين ‪10‬و ‪ 30‬من سورة‬
‫النساء ‪.‬ر‪ .‬ورقة ‪ 156‬وجه وورقة ‪ 156‬وجه وورقة ‪ 162‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )57‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬قفا ‪.‬ر عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪278‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق ‪299‬‬
‫(‪ )59‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/7 :‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/272 ،2‬و ‪310‬و ‪.385‬‬

‫( ‪)2/95‬‬

‫والملحظ أن القاضي عبد الجبار لم يتعرض لقضية إنقاذ الوعيد في أهل الكبائر في تنزيه القرآن‬
‫عن المطاعن‪88 :‬و ‪93‬و ‪ 104‬وقد نقلنا رأي المعتزلة عن الزمخشري ‪ .‬وكذلك لم يقف محمد‬
‫جواد مغنية في تفسير الكاشف عند القضية ر‪2/260 .‬و ‪304‬و ‪.408‬‬
‫أما الرازي فقد رد على المعتزلة بشدة وبين أن الوعيد مختص بالكفار ر‪ .‬التفسير الكبير ‪.10/73‬‬
‫وكذلك سلك القرطبي نفس المسلك ر‪ .‬أحكام القرآن ‪5/154‬و ‪158‬و ‪.334‬‬
‫(‪ )61‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/66‬عدد ‪ .690‬لم يتعرض المحشي عند شرح هذا‬
‫الحديث لقضية الوعيد ر‪ .‬حاشية الترتيب ‪ .6/115‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم‬
‫المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )62‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ 32/494:‬تعليق ‪ 495‬والحديث المستشهد به لم يرد‬
‫عند ونسنك‬
‫(‪ )63‬وهو باب الوعيد في الموال‪.‬‬
‫(‪ )64‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪3/495:‬‬
‫(‪ )65‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ج ‪ 2‬عدد ‪. 639‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬علم ‪ ،38‬جنائز ‪ ،33‬أنبياء‬
‫‪ ،50‬أدب ‪ .109‬مسلم ‪ :‬زهد ‪ ،72‬أبو داود ‪ :‬علم ‪ .4‬الترمذي‪ :‬فتن ‪ ،70‬علم ‪ 13 ،8‬تفسير‬
‫الفاتحة ‪ ،1‬مناقب ‪ ،19‬ابن ماجة مقدمة ‪ .4‬الدارمي مقدمة ‪ 46 .25‬أحمد بن حنبل ‪ ...2/47‬ر‪.‬‬
‫ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪5/10 :‬‬
‫(‪ )66‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪6/256:‬‬
‫(‪ )67‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ .3/600:‬ويشير الشارح إلى أن هناك من حكم‬
‫بالشرك على من يكذب على رسول ال ‪ e‬ومن ها هنا اختلف قومنا في تشريك الكاذب على‬
‫رسول ال ‪ e‬وفي قبول توبته (أ) وعندنا أنه ل يشرك بل يكفر كفر نعمة‪ ،‬وأن توبته بشرطها‬
‫مقبولة"‪.‬‬

‫( ‪)2/96‬‬

‫أ) ويعلق المحقق ‪-‬التنوخي‪ -‬بما يلي ‪ :‬علينا أل نحسب أن تشريك المسلم هين بل هو عند ال‬
‫عظيم ‪ ،‬يفعل ذلك المتألون كما مر بنا (ب) على ال الرحيم الغفار يقولون هذا في الجنة وهذا في‬
‫النار فالذي يطمئن إليه القلب ويرضى عنه الرب أن نجعل هذا الكفر كفر نعمة ل كفر إلحاد برب‬
‫العباد‪ ،‬ولو شددنا في التفكير لخرجنا اكثر مسلمي هذا العصر من اليمان ‪ ،‬ولحجرنا واسعا على‬
‫المسلم في التشديد في الكذب‪ ،‬ول سيما بعد أن عم البلء‪ ،‬فلنرحم من في الرض يرحمنا من في‬
‫السماء‪.‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪ :‬شرح الجامع الصحيح ‪3/600 :‬‬
‫ب) (كما مر بنا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم" ويل للمتألين من أمتي الذين يقولون فلن‬
‫في الجنة وفلن في النار"‪.‬‬
‫" وجاء في اللسان(أل) وقد تأليت وائتليت وآليت على الشيء وآليته على حذف الحرف‪ :‬أقسمت‬
‫وفي الحديث‪ :‬ومن يتأل على ال يكذبه أي من حكم عليه وحلف كقولك وال ليدخلن ال فلنا‬
‫النار‪ ،‬وينجحن ال ويقولون ‪ :‬فلن في الجنة وفلن في النار‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع‬
‫الصحيح‪ 3/597 :‬تعليق عدد ‪ 1‬للتنوخي‪.‬‬
‫(‪ )68‬والحديث ‪ ":‬من قال أنا أهل الجنة فهو من أهل النار" جاء عند الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع‬
‫الصحيح ‪ 2/737‬ص ‪ .73‬ويذكر عبدال السالمي أنه الحديث الثاني في البخاري من باب‬
‫( الدخول على الميت بعد الموت إذا ادرج في كفنه) ‪.‬ر‪ .‬شرح الجامع الصحيح ‪597 -3/596‬‬
‫مع تعليق المحقق عدد ‪ 2‬ويصعب التمييز عند ونسنك بين هذا الحديث وغيره لنه جمع كل‬
‫الحاديث التي ورد فيها ذكر "أهل الجنة "‪ .‬تحت عنوان واحد ‪.‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪.1/377‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ .‬مسلم إيمان ‪ .175‬الترمذي طب ‪ .7‬النسائي‪ :‬جنائز ‪ ،68‬الدارمي الديانات ‪ . 10‬أحمد‬
‫بن حنبل ‪. 2/254‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.250 /2‬‬

‫( ‪)2/97‬‬

‫(‪ )70‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ .83‬أدب ‪ 73 .44‬مسلم إيمان ‪ 177 .175‬الترمذي‪:‬إيمان ‪ ،16‬طب‬
‫‪ .7‬النسائي إيمان ‪ .31 .7‬جنائز ‪ 68‬الدارمي‪ :‬ديات ‪ .10‬أحمد بن حنبل ‪. 2/254‬ر‪ .‬ونسنك‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪ 5/268‬انظر ما يلي ‪.746 :‬‬
‫(‪ )71‬النسائي ‪.30‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪. 310 -2/309 ،2‬‬
‫(‪ )72‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/2‬عدد ‪ .743‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك بهذه‬
‫الصيغة لكن جاء بصيغة اللعن" لعن النبي المخنثين من الرجال‪ ".‬البخاري‪ :‬لباس ‪ ،62‬حدود ‪33‬‬
‫الترمذي أدب ‪ .34‬الدارمي ‪ :‬استئذان ‪ ،21‬أحمد بن حنبل ‪. 225 /1‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪.86 /2‬‬
‫وجاء أن الديوث ممن ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.128 .69 ،134 /2‬‬
‫النسائي ‪. 69‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪ 162 /2 :‬انظر ما سبق‪.537 :‬‬
‫(‪ )73‬لم يذكره ونسنك لكن نجد نصا قريبا منه وهو "إنما يرحم ال من عباده الرحماء" ر‪.‬‬
‫البخاري‪ :‬جنائز ‪ ،32‬إيمان ‪ ،9‬مرضى ‪ ،9‬توحيد ‪...25‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪2/237‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬مسلم بر ‪ .19 .18‬أحمد بن حنبل ‪ 229 /4 .83 ,3/14 ،284 /2 :‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪2/237‬‬
‫(‪ )75‬الخب ‪ :‬من خب يخب خبا‪ :‬خدع وغش فهو خب‪(.‬المعجم الوسيط)‬
‫(‪ )76‬ر‪ .‬الترمذي‪ :‬بر ‪ .41‬أحمد بن حنبل ‪ 7 ،1/4‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪6/273‬‬
‫(‪ )77‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪7/1:‬و ‪2‬‬
‫(‪ )78‬ولفظه في البخاري‪ :‬إذا قال الرجل لخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ر‪ .‬البخاري أدب‬
‫‪ ،.73‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ ،111‬الموطأ‪ :‬كلم ‪ .1‬أحمد بن حنبل ‪ 60 .44 .2/18‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪6/41‬‬
‫(‪ )79‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪14 -7/13 :‬‬
‫(‪ )80‬قال الخطابي‪ :‬خص وقت العصر بتعظيم الثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل‬
‫وقت لن ال عظيم شأن هذا الوقت بأن جعل الملئكة تجتمع فيه وهو وقت ختام العمال والمور‬
‫بخواتمها ‪.‬‬
‫(‪ )81‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ .7/32:‬ويقصد بذلك من ماتوا على ذلك وإل فمن تاب تاب ال‬
‫عليه‪.‬‬

‫( ‪)2/98‬‬

‫(‪ )82‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 6/37 :‬ومن الحاديث المعتمدة عند القائلين‬
‫بعدم إنقاذ الوعيد قوله ‪ ": e‬من وعده ال على عمل ثوابا فهو منجز له‪ ،‬ومن أوعده على عمل‬
‫عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"‪ .‬ر‪ .‬البخاري ‪ :‬تفسير سورة الممتحنة ‪ ،3‬توحيد‬
‫‪ ،31‬حدود ‪ ،14 -8‬مسلم حدود ‪ ،16‬إيمان ‪ .11‬النسائي‪ :‬صلة ‪.6‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪4/163‬‬
‫ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال ‪ ": e‬أما أهل النار الذين‬
‫هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون فيها ول يحيون‪ ،‬ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم‬
‫فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل‬
‫يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل"‪( .‬الحبة بالكسر‪ :‬واحد الحب‬
‫وهو بزر ما ل يقتات كبزر الرياحين ‪ .‬حميل السيل‪ :‬ما يحمل من الغثاء والطين‪ .‬ضبر الشيء ‪:‬‬
‫جمعه ‪.‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪ )5/54 :‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .306‬ابن ماجة زهد ‪ . 37‬أحمد ‪/3‬‬
‫‪ 20‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.7/25 :‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)2/99‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الدلة العقلية‪:‬‬
‫يصعب أن نجد أدلة عقلية صرفا في علم الكلم وإنما هي في الحقيقة أدلة مركبة العقل والسمع‪.‬‬
‫جاء العقل فيها منطلقا من النقل مؤازرا له لذلك فبعد أن عرضنا الدلة النقلية الصرف يحسن أن‬
‫نقف عند الدلة التي يغلب عليها طابع العقل‪ ،‬ومنطلقنا في هذه القضية ما قاله اليجي في تلخيص‬
‫مواقف القائلين بإنفاذ الوعيد والرد عليهم‪":‬‬
‫وأما العقاب ففيه بحثان‪:‬‬
‫الول‪ :‬أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة (‪ )83‬لوجهين‪ :‬الول أنه أوعد‬
‫بالعقاب وأخبر به‪ ،‬فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره وأنه محال‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬غايته وقوع العقاب فأين وجوبه‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إذا علم المذنب أنه ل يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرا له على ذنبه وإغراء للغير‬
‫عليه وأنه قبيح مناف لمقصود الدعوة‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬منع تضمنه للتقرير والغراء إذ شمول الوعيد وتعريض الكل للعقاب وظن الوفاء‬
‫بالوعيد فيه من الزجر والردع ما ل يخفى واحتمال العفو عن البعض احتمال مرجوحا ل ينافي‬
‫ذلك" (‪. )84‬‬
‫لقد أفلح اليجي في تلخيص هذه المواقف واكتفى بإيراد دليلين ترجع إليهما بقية الدلة لذلك‬
‫سنسلك نفس المسلك ونتأمل في مدى قوة ردوده أمام حجج القائلين بإنفاذ الوعيد‪.‬‬
‫أول‪ :‬موقف الباضية من خلف الوعيد‬
‫‪ )1‬خلف الوعيد كذب وأمر قبيح‪:‬‬

‫( ‪)2/100‬‬

‫إن اعتبر القائلون بخلف الوعيد أنه مدح في حق ال تعالى فقد رد عليهم القائلون بإنفاذ الوعيد‪-‬‬
‫والباضية منهم‪ -‬بأنه من أكبر النقائض ومما جاء في هذا الصدد عند أبي عمار‪ ":‬فلو كان وعده‬
‫أو وعيده مبدل أو محول أو مستثنى فيه لكانت جميع أخباره جل جلله ذات تكاذب وتناقض وهل‬
‫الوعد والوعيد إل إخبار منه عز وجل بأنه اعد للفريقين ما وعدهم بع وتوعدهم بع وقال‪ ( :‬واتقوا‬
‫النار التي أعدت للكافرين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )131‬وقال‪ ( :‬قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها ال‬
‫الذين كفروا) (‪ 22‬الحج ‪ )72‬وكيف يخبر بأنه أوعد ما لم يوعد أو وعد ما لم يعد؟ أو يكون يعد‬
‫ويوعد ثم ل يفي بما وعد ما لم يوعد؟ ول يوجد شيء من ذلك على ما أخبر به‪ ،‬وهذا غاية‬
‫الوصف ل عز وجل جلله بالكذب تعالى ال عما يقول المبطلون علوا كبيرا‪ ،‬وقال ال عز وجل‬
‫في إبليس ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا) (‪ 4‬النساء ‪ )120‬فحاشا ل أن تكون‬
‫مواعيده كمواعيد الشيطان" (‪. )85‬‬
‫ويقول المحشي في هذا الشأن ما يلي‪ ":‬والحجة عليهم قوله تعالى‪ ( :‬ما يبدل القول لدي) (‪ 50‬ق‬
‫‪ )29‬يعني أن هذا إخبار من ال تعالى ولبد من وقوعه وإل لزم الكذب فإن لم يصدق فعله قوله‬
‫فهو كاذب" (‪ 85‬مكرر ‪.‬‬
‫ويورد صاحب قاموس الشريعة ما يلي‪ ":‬فإن قال قائل إن ال تعالى ينجز وعده ويبطل وعيده‪.‬‬
‫قيل له‪ :‬إنه قال‪ :‬إنه يجازي عصاة عبيده أعمالهم السيئة إذا لم يتوبوا منها وهو يعلم أنه يوقع بهم‬
‫الجزاء ولبد لهم من ذلك‪ ،‬أو يكون قال ذلك وهو ل يدري أنه يوقعه بهم أم ل‪ ،‬أو يكون قال ذلك‬
‫وهو يعلم أنه ل يوقعه‪ ،‬فإن كان قاله وهو يعلم أنه يوقعه بهم فهذا هو الكذب وال يتعالى عن ذلك‬
‫علوا كبيرا لن من هذه صفته مذموم وقد ذم ال قوما بقوله‪ ( :‬لم تقولون مال تفعلون كبر مقتا عند‬
‫ال أن تقولوا مال تفعلون) (‪ 61‬الصف ‪.)3‬‬

‫( ‪)2/101‬‬

‫فكيف يجوز أن يوصف ال تعالى بما ل يجوز أن يوصف به الكريم من خلقه وهو العز الكرم‬
‫الذي له الصفات العل والسماء الحسنى في الخرة والدنيا‪.‬‬
‫وإذا كان قال‪ :‬إني أفعل بهم وأعاقبهم على معاصيهم وهو ل يدري يعاقبهم عليها أم ل فهذه صفة‬
‫الجاهل الذي ل يعلم ما يكون وال سبحانه عالم بما يكون" (‪. )86‬‬
‫والملحظ أن وجه الخلف بين القائلين بالخلف وبين الباضية يتمثل في أن القائلين بالخلف يرون‬
‫أن الكذب ل يتعلق إل بالماضي (‪ )87‬بينما يرى الباضية أن ‪ ":‬الكذب في الحقيقة هو الخبر عن‬
‫الشيء على خلف ما هو به‪ ،‬أو هو الخبر غير المطابق للواقع سواء كان ذلك في الماضي أو‬
‫المستقبل" (‪. )88‬‬
‫وبهذا نتبين أن الباضية يعتبرون أن الخلف ضرب من الكذب وهو أمر قبيح ل يليق بال تعالى‬
‫كما يرفضون القول بالبداء‪.‬‬
‫‪ )2‬قضية البداء (‪: )89‬‬
‫ويرد أبو عمار على من يعتبر أن خلف الوعيد من الكرم والجود والفضال (‪ )90‬كما يلي‪ ":‬قيل‬
‫له‪ :‬ويحك قد ناظرت ما لم يكن نظيرا وشبهت ما ليس بشبيه‪ ،‬وذلك أن أحدا منا قد يعد ويوعد‬
‫وهو ل علم له بالذي تصير إليه عاقبة وعده وتوعده ثم يكون من بعد ذلك تبدو له أمور يتبين بها‬
‫أن عاقبة وعيده إذا هو أمضاه تصير إلى فساد وتنتهي إلى هلك فيرى أن الخلف للذي توعد به‬
‫أصلح من إمضائه وإتمامه فيقصر عندما بدا له من إنجاز ما توعد به وال عز وجل غير‬
‫موصوف بأن يكون يجهل عاقبة أمر من المور فيكون يبدو له ما لم يكن يعلم من ذلك" (‪. )91‬‬

‫( ‪)2/102‬‬

‫ويتعرض الصدغياني لهذه القضية بلهجة حادة مثل قوله‪ ":‬وانتم الشعرية أبطلتم الوعيد لهل‬
‫الكبائر وقلتم ذهب الوعيد في البيد" (‪ )92‬ومثل قوله‪ -‬وقد جمع بين المرجئة والشاعرة‪ :-‬وانتم‬
‫الشعرية والمرجئة اجترحتم واذهبتم الوعيد بالبيد‪ ،‬أقبح بهم من عبيد وصفوا ال بصفة الدميين‬
‫ومع ذلك ل يتقون ال ومعنى البداء ظهر وقد بدا أي ظهر لمعبودهم أمر قد خفي عنه وعجز‬
‫حتى ل ينفذ ما توعد به فحاشا ربنا من ذلك ومن وصف ال بالبدا قد وصفه بالجهل لنه خفي‬
‫عليه أمر حتى ظهر فرأى مصلحته في رجوعه كملوك الدنيا ربما يوعد ويرى أنه تدخل عليه‬
‫وعثة في ملكة فيقف ويرجع‪ ،‬ما أبعد مذهب من قال بهذا بعدما قلنا لهم‪)94( " )93( ...‬‬
‫كما يتعرض المحشي لهذه القضية بقوله‪ ":‬فما ذكروه من الخلف في الوعيد نوع من البداء تعالى‬
‫ال عن ذلك علوا كبيرا" (‪. )95‬‬
‫‪ )3‬قضية المدح والرحمة‪:‬‬
‫وإن حلت المصادر الباضية على قضية امتناع البداء عن ال تعالى فهي تعتبر خلف الوعيد أمرا‬
‫قبيحا وهي بذلك ترد بشدة على من اعتبر خلف الوعيد من باب الرحمة وبالتالي يمدح صاحبه‬
‫ويحمد على ذلك ومن ذلك ما جاء عند أبي عمار في ما يلي‪ ":‬ولعله يقول‪ :‬أوليس ال جل جلله‬
‫رحيما بخلقه غنيا عن عذابهم يمن برحمته ول يظلم بعذابه وهو قد وعد ثوابه على الطاعة وتوعد‬
‫بعقابه على المعاصي فلم جعلتم ما توعد به من العقاب أمضى وأنجز من الذي وعد به من‬
‫الثواب؟‬
‫قيل له‪ :‬لسنا ننكر بل نقول بأن ال عز وجل رحيم بخلقه لطيف بعباده يمن بالرحمة ول يظلم‬
‫بالعذاب ومعنى ذلك أنه متفضل على خلقه برحمته يصيب بها من يشاء من عباده على غير‬
‫استحقاق منهم ول استيجاب ول يظلم بالعذاب فيؤاخذهم على غير ما عملوا‪ ،‬أو يعذبهم على ما لم‬
‫يفعلوا‪ ،‬وليس هذا من الذي قلنا بأنه يثيب أولياءه بأعمالهم على ما وعدهم ويعاقب أعداءه على ما‬
‫توعدهم في شيء" (‪. )96‬‬

‫( ‪)2/103‬‬

‫وير جميل بن خميس على من يعتبر الخلف من الصفات المحمودة بما يلي‪ ":‬واتفق أهل المذاهب‬
‫الربعة إل من شاء تعالى منهم‪ ،‬على أن خلف ال لوعيده لفسقة المؤمنين من هذه المة من‬
‫الصفات المحمودة في ال تعالى لنها صفة في الناس وفي الملوك من أحمد الصفات وال تعالى‬
‫أحق لها ولم يفصلوه على ما في عقولهم من معرفتهم به أنه ل على الطلق هو محمود في‬
‫الناس وفي الملوك بل في مواضع هو من الصفات الذميمة لنه يكون على وجوه" (‪. )97‬‬
‫وبهذا نتبين أن الباضية لم يعتبروا خلف الوعيد من الرحمة وبالتالي ل يمكن أن يعتبروه من‬
‫الكرم‪.‬‬
‫‪ )4‬خلف الوعيد والكرم‪:‬‬
‫إن حجة الباضية في رفض مبدأ الكرم تتمثل في أن ال يكون أكرم لو عفا عن المشركين وفي‬
‫ذلك ينقل جميل بن خميس العدوي عن شرح النونية ما يلي‪ ":‬فإن قالوا أوليس خلف التوعد مما‬
‫يعد عند العرب من الجود‪ ،‬ويستحق به صاحبه لعلة فاعله المدح وحسن الثواب فلم ل يكون عند‬
‫ال عز وجل بهذا أولى إذ هو غني عن تعذيب العباد؟ قلنا أو ليس من عفا منا عن المر العظيم‬
‫والذنب الجسيم أبلغ له في المدح وحسن الثناء؟ فإن قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قلنا‪ :‬فلم أوجبتم الوعيد من ال‬
‫سبحانه في أهل الشرك؟ إذن أو ليس عفوه أعظم المدح له؟ فإن حاولوا فصل بينها فل يجدوه" (‬
‫‪. )98‬‬
‫لقد ثبت من هذا أن الباضية يرفضون أن يكون خلف الوعيد من باب الكرم وبهذا يستوفون الرد‬
‫على تعليلت القائلين بالخلف كما ل يغفلون عن المظهر البلغي للقضية فهل نصوص الوعيد‬
‫ضرب من الخبر أو النشاء؟‬
‫‪ )5‬قضية الخبر والنشاء‪:‬‬
‫وبما أن الكذب ل يمس إل السلوب الخبري هناك من تصرف في اعتبار آيات الوعد والوعيد من‬
‫السلوب النشائي الذي ل يحتمل الصدق والكذب‪.‬‬
‫وينقل يوسف المصعبي نص كلم هؤلء العلماء دون أن يسنده إلى أصحابه (‪ )99‬كما يلي‪ ":‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬الوعد إنشاء على الصح يعني إنشاء الضمان عند وجوب الوصف والكذب مخصوص‬
‫بالخبار‪.‬‬

‫( ‪)2/104‬‬

‫قال بعض الئمة مراده أن الوعد والوعيد كلهما إنشاء فالخلف في الوعيد ليس بكذب فل نقض‪،‬‬
‫فأما الوعد فلن مقتضى الكرم أل يتخلف عنه‪ ،‬فعدم جواز الخلف ل لنه كذب بل لن الكريم إذا‬
‫وعد وفي وإذا أوعد تجاوز‪.‬‬
‫ثم يرد فيقول‪ :‬والجواب وال أعلم‪ ":‬اعتماد النشاء مردود فغن علماء العربية نصوا على أن‬
‫الجملة الشرطية إذا كان جوابها خبرا تكون خبرية وهذه الية كذلك (‪. )100‬‬
‫وإن أراد أنها إنشائية باعتبار أمر لزم كما أشار إلى ذلك بقوله يعني إنشاء الضمان عند وجود‬
‫الوصف فتمويه ل يلتفت إليه لما يترتب عليه من الفساد مع لزوم تبديل القول على كل حال كما‬
‫أورده الخصم على نفسه ولم يجب عليه بما يصغي إليه" (‪. )101‬‬
‫فالباضية حينئذ يعتبرون نصوص الوعيد من الخبار الصادقة التي ل يصح الخلف فيها كما انهم‬
‫يرفضون مبدأ الخلف لما ينتج عنه من بطلن حكمة التشريع‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬موقف الباضية مما ينتج عن الخلف‪:‬‬
‫‪ -‬الغراء على القبيح وإبطال المر والنهي‪:‬‬

‫( ‪)2/105‬‬

‫إن النفس البشرية ميالة إلى الشهوات ول سبيل إلى إبعادها عنها إل بالردع والزجر فإذا بطل‬
‫الزجر وعلم النسان أل وعيد اتبع نفسه هواها وارتكب ما ل يتصور من النواهي والمصادر‬
‫الباضية تلح على هذا المعنى وتتفق في هذا مع المعتزلة (‪ )102‬ومن ذلك ما جاء في قاموس‬
‫الشريعة‪ ":‬وقال تعالى‪ ( :‬وأن تغفر أقرب للتقوى) (‪ 2‬البقرة ‪ )237‬والمراد لمن جاء طالبا للعفو‬
‫والمتعدي عليه قادر على الزجر والدب وإل كان ذلك مما يؤدي السفهاء الجراءة والظلم للنبلء‬
‫والعافي على هذا ليس من الصفات المحمودة بل هي من أشد صفات الذم فصح أن هذه الصفة‬
‫لذات ال ليست من الصفات المحمودة وانه تعالى منزه عن ذلك‪ ،‬ومنزه عن خلف الوعيد لكل من‬
‫توعده لنه مما يؤدي إلى فتح أبواب الجراءة على عصيانه وعصيان أولي المر من أوليائه من‬
‫العلماء والمراء والقضاة فيجوز إبطال وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر لمحمدة العفو‬
‫عن التين المنكر التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من‬
‫التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من صفات ال وصفات الناس‬
‫وهذا باطل ل يقول به إل ممسوخ العقل" (‪. )103‬‬
‫كما يقول أيضا‪ ":‬من زعم أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط‬
‫الحساب صراحا‪ ،‬لن المحارم إنما تتقى من أجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقد أباحها" (‪. )104‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول الوارجلني ما يلي‪ ":‬ولو وعد المغفرة والرحمة من وراء ذلك لرجعت‬
‫المعاصي بحال الباحة ولم يبق إل أن يأمرهم بها" (‪. )105‬‬
‫ويزيد المصعبي خطوة في توسيع القضية وبين أن القول بخلف الوعيد " يؤدي إلى إباحة‬
‫المعاصي وكل ما جازت إباحته جاز المر به فيكون فرض المعصية أمرا جائزا وهذا محال على‬
‫ال تعالى" (‪. )106‬‬

‫( ‪)2/106‬‬
‫وكذلك ل سبيل إلى اعتبار الوعيد مجرد تهديد لن مثل هذا الموقف يؤدي إلى الجرأءة على‬
‫المعاصي وانتهاك المحرمات فل تستقيم الدنيا قبل الخرة‪.‬‬
‫هكذا إن انطلقنا في التمهيد للحجج العقلية من تلخيص اليجي فيحسن أن نختم هذا الستدلل بما‬
‫ذكره محمد عبده في هذا الباب منطلقا من واقع المسلمين المرير القائم على مبادئ القائلين‬
‫بإخلف الوعيد حيث يقول‪ ":‬إن كثيرا ممن يدعون اتباع السنة جرأوا الناس على هدم الدين بناء‬
‫على أن مدار السعادة في الخرة والنجاة من النار هو العتراف بالدين الى حد أن بعض الكبراء‬
‫قال‪ :‬إنني ل أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بحرمته" (‪. )107‬‬
‫والمتأمل في واقع المسلمين عامة يدرك ما لهذا الرجاء العريض والمل الواسع في العفو عن‬
‫مرتكبي الكبائر المصرين عليها إلى الموت من أثر مقيت حيث استهان الناس بجميع الرذائل‬
‫وانتهكوا الحرمات جهارا‪ ،‬ويعتبر من نفل القول أن نستدل على هذا بما عرفه الدب من خلعة‬
‫ومجون واستهتار‪.‬‬
‫وإن قالت فرق إسلمية بإنفاذ الوعيد مثل المعتزلة والزارقة فإنهم انقرضوا مع مر الزمان فالفكر‬
‫العتزالي تسرب إلى كالفكر السلمي تقريبا وإن بقي أكثر نصاعة في الفكر الشيعي والفكر‬
‫الزرقي ل نستطيع أن نقول فيه القول الفصل إل انه متهم من قبل خصومه بأنه اعتبر الكبائر من‬
‫باب الشرك‪ ،‬فلم يبق حينئذ إل الباضية ممن يعتقدون إنفاذ الوعيد‪ ،‬وأنت إن تأملت في بيئتهم‬
‫زمن الزدهار في الظهور أو الكتمان (‪ )108‬تجد مجتمعا أقر ما يكون إلى السلم لن من يعتقد‬
‫أنه معاقب ل محالة إن هو لم يتب يكون أكثر احترازا ممن يعتقد انه معفو عنه‪ ،‬وفي أقصى‬
‫الحالت يعذب قليل ثم إلى النعيم البدي‪ ،‬ول أبالغ في شيء إذا قلت إن مجتمع ميزاب حيث‬
‫تطبق أصول الباضية من أن‬
‫نظف المجتمعات السلمية في هذا العصر‪.‬‬

‫( ‪)2/107‬‬

‫أما الباضية بجربة حيث غفل الناس عن أصولهم فقد دب إليهم الفساد ونهشهم الحرام وصار‬
‫الكثير منهم ل يتورع عن المجاهرة بالمعصية إذ ل رادع مع الجهل بالصل مثل ما حدث في‬
‫جل أطراف العالم السلمي‪.‬‬
‫أما جبل نفوسة فما يزال أهله أكثر غيرة على أصول مذهبهم‪.‬‬
‫إلى هذا الحد يقف تحليلنا لقضية الوعد والوعيد ويحسن أن ننظر في بعض القضايا المتفرعة عنها‬
‫قبل أن نقتحم قضية الخلود‪.‬‬
‫إن قضية الوعد والوعيد أو بعبارة أصح قضية الوعيد ترتبط بها قضايا أخرى كانت مثار جدل‬
‫بين المسلمين نختار ترتيبها حسب تدرجها الزمني عذاب القبر‪ ،‬الشفاعة ‪ ،‬وجود النار وفناؤها‪،‬‬
‫الورود والخلود‪.‬‬
‫===========================‬
‫(‪ )83‬ويضيف الشارح‪ -‬إذا لم يتب عنها ‪.‬ر‪ .‬المواقف‪.2/446 :‬‬
‫(‪ )84‬ويأتي الشرح كما يلي‪ ":‬يعني أن الوعيد عام تناول كل واحد من المذنبين فظاهره الذي‬
‫يقتضي ظن الوفاء به في حقه فيحصل لكل منهم الظن بكونه معاقبا بذنبه‪ ،‬وذلك كاف في زجر‬
‫العاقل عن استقراره على ذنبه بعدم التوبة عنه‪ ،‬وفي ردع غيره عن اقترافه‪.‬‬
‫وأما توهم العفو الناشيء عن عدم وجود العقاب فاحتمال مرجوع ل يعارض ظن العقاب المقتضي‬
‫للنزجار فقد ظهر أن المذنب ل علم له بأنه ل يعاقب بل ول يظن لذلك ظنا فل تقرير ول إغراء‬
‫"‪ .‬اليجي المواقف ‪.2/446‬‬
‫ويشير التفتازاني إلى مثل هذا المعنى حيث بين أن عموميات الوعيد ترجح جانب الوقوع وهذا ل‬
‫يؤدي إلى إبطال الحكام الشرعية ومثل هذا الترجيح كاف للبتعاد عن المعاصي ‪.‬ر‪ .‬التفتازاني‬
‫شرح العقائد النسفية ‪117:‬‬
‫(‪ )85‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪106 -2/105 :‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪81:‬‬
‫(‪ 85‬مكرر) المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪81:‬‬
‫(‪ )86‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ .6/5 :‬راجح أيضا‪ 8 :‬ويصرح أنه اخذ عن‬
‫الجيطالي شرح النونية‪.‬‬
‫(‪ )87‬ر‪ .‬محمد الدواني‪ :‬شرح العقائد العضدية‪59 :‬‬
‫(‪ )88‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪19:‬‬

‫( ‪)2/108‬‬

‫(‪ )89‬البداء ‪ :‬هو ظهور ما لم يعلم‪ ،‬وال تبارك وتعالى يتعالى عن البداء‪ .‬عثمان السوفي‪ :‬كتاب‬
‫السؤالت‪100:‬‬
‫(‪ )90‬وفي قياس البشر إذا توعدت ثم تبين لك خطأ موقفك فإنك تتراجع ويعد ذلك من الشيم‬
‫الحميدة‪.‬‬
‫(‪ )91‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/107 :‬‬
‫(‪ )92‬الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن‪4:‬‬
‫(‪ )93‬ذكر اليات من نوع] ل يبدل القول لدي[‬
‫(‪ )94‬الصدغيان ‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن‪ ،6 :‬ثم يورد في نفس الصفحة أدلة القائلين بالبداء‬
‫وينسب ذلك إلى مالك بن أنس وقد رأيت في تفسير الملكي ثلثة أقوال عن مالك بن أنس‪:‬‬
‫أحدهما قال‪ :‬ال تبدو له البداوات والدليل عنده قوله تعالى ] لئن لم ينته المنافقون والذين في‬
‫قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما‬
‫ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل[ (‪ 33‬الحزاب ‪ )60‬معنى لنغرينك بهم أي ليسلطن عليهم ثم ل‬
‫يجاورونك فيها إل قليل‪ .‬قال ‪ :‬وقد مات رسول ال ‪ e‬ولم يسلم عليهم ولم يقل لهم فهذا دليل على‬
‫أن ال تبدو له البدوات‪"...‬‬
‫(‪ )95‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪ 83 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪:‬‬
‫‪ 6/8‬ويذكر أنه اخذ عن الجيطالي شرح النونية‪.‬‬
‫(‪ )96‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪108 -2/107 :‬‬
‫(‪ )97‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ،6/24 :‬ويتلخص تعداد الوجوه في تبيين‬
‫مواطن الضعف في عفو السلطين مما ل يليق بال تعالى ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪:‬‬
‫‪126 -125‬‬
‫(‪ )98‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/8 :‬‬
‫ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪ 126 :‬وقد سلك التفتازاني في الوعيد مسلك الباضية‬
‫فاعتبر أن الخلف في الوعيد ليس من الكرم في شيء فيقول‪ " :‬زعم بعضهم أن الخلف في الوعيد‬
‫كرم والمحققون على خلف كيف وهو تبديل للقول وقد قال ال تعالى‪ ]:‬ما يبدل القول لدي[ (‪50‬‬
‫قَ‪ )29‬ر‪ .‬التفتازاني‪ :‬شرح العقائد النسفية ‪117‬‬

‫( ‪)2/109‬‬

‫(‪ )99‬وينسبه سعيد بن تعاريت إلى الشنواني وهو أيضا نقله عن بعضهم ‪ .‬المسلك المحمود‪126 :‬‬
‫(‪ )100‬يقصد بقوله تعالى‪ ] :‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[ (‪ 99‬الزلزلة ‪)8‬‬
‫(‪ )101‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪23 -22 :‬‬
‫(‪ " )102‬إن الفاسق إذا علم انه ل يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كأن يكون مغري على القبيح‪،‬‬
‫ويكون في الحكم كأن قيل له‪ ،‬افعل فل بأس عليك" القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪650 :‬‬
‫(‪ )103‬جميل بن خميس‪ :‬القاموس‪26 -6/25 :‬‬
‫(‪ )104‬نفس المصدر‪6/7 :‬‬
‫(‪ )105‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‪2/46 :‬‬
‫(‪ )106‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪25 :‬‬
‫(‪ )107‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪ 3/99 :‬وما استشهدنا بموقف محمد عبده إل لنبين اللتقاء بينه‬
‫وبين الفكر الباضي في هذه النقطة بالذات‪.‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما سبق‪ 54 :‬تعليق ‪57‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/110‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫القضايا المتفرقة عن الوعد والوعيد‬
‫عذاب القبر‬
‫قال تعالى‪( :‬فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتاي‬
‫أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) (‪ 5‬المائدة ‪.)31‬‬
‫إن هذا السياق القرآني يبين أن ال علم البشر كيف يحترمون موتاهم فيوارونهم في التراب حتى‬
‫ل تبقى جثثهم كجيف الكلب وما إليها‪ ،‬وفي هذا تكريم من ال تعالى يذكر به في قوله (ثم أماته‬
‫فأقبره) (‪ 80‬عبس ‪ )21‬فالقبر حينئذ هو الموضع الذي يدفن فيه الميت من بني آدم‪ ،‬وإن علم ال‬
‫البشرية هذا المسلك من أول ما عرف النسان الموت فإن البشر اختلفوا عبر الزمان في مواراة‬
‫موتاهم فعمد من عمد منهم إلى الحراق مع المحافظة على الرماد في قوارير تحفظ‪ ،‬وعمد من‬
‫عمد إلى تحنيط الموات قبل الدفن ولجأ البعض إلى الدفن الجماعي في سراديب تحت الرض‪،‬‬
‫وتفنن من تفنن في بناء القبور‪ ،‬وأهرام مصر أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬
‫وليس غرضنا في هذا الفصل أن نحلل هذه القضية وإنما المشكل المطروح ماذا عن أحوال أهل‬
‫القبور أو ما يسمى بالحياة البرزخية (‪ )1‬وما هو موقف الباضية من ذلك؟‬
‫إن المتتبع للقرآن الكريم ل يجد إشارات واضحة لتصوير أحوال أهل القبور‪ ،‬وإنما تأول‬
‫المفسرون بعض اليات (‪ )2‬ورأوا فيها دليل على ثبوت تنعم أصحاب القبور وتعذبهم‪ ،‬أما في‬
‫الحديث فقد جاءت نصوص عديدة في الصحاح وغيرها تقر ما ينظر الناس في قبورهم من سعادة‬
‫أو شقاء (‪. )3‬‬
‫ويكاد يجمع المسلمون (‪ )4‬على هذا التصور باستثناء بعض المعتزلة (‪ )5‬والنكار (‪ )6‬من‬
‫الباضية ولذلك أثيرت القضية في الكتب الشعرية كما أنهم ينكرون ما جاء من أحاديث في هذا‬
‫الشأن أو يتأولونها (‪ )7‬ومن أدلتهم العقلية أو إن أردنا الدلة المادية المخالفة للمعقول‪:‬‬

‫( ‪)2/111‬‬

‫أ) لو كان لعذاب القبر أصل لكان يجب في النباش أن ترى العقوبة المثوبة للمعاقب والمثاب فكأن‬
‫يشاهد عليه أثر الضرب وغيره لكن الواقع غير ذلك‪.‬‬
‫ب) لو كان في القبر عذاب لوجب أن يسمع أنين من لم يدفن مثل المصلوب وأن يشاهد‬
‫اضطرابه‪.‬‬
‫جـ ـ ويبدي هؤلء حيرة في شأن من يحرق أو تأكله السباع (‪. )8‬‬
‫كل هذه أدلة حسب هؤلء تؤكد حياة في القبر وأل عذاب ول ثواب‪ .‬لكن غفل هؤلء عن أن عالم‬
‫الغيب ل يقاس بمقياس العقل‪ ،‬ول يقارن بعالم الشهادة وإنما توضح بعض معالمه النصوص‬
‫المنزلة بالنسبة إلى من يؤمن بالتنزيل وعلى هذا الساس كان رد المثبتين للحياة في القبور بما في‬
‫ذلك من شقاء أو سعادة‪.‬‬
‫الدلة على ثبوت الحياة البرزخية‪:‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار وهو يعبر عن موقف المعتزلة الذين ألفنا أنهم معتدون بالعقل ويقدمونه‬
‫على النقل‪ ":‬فأما الكلم في أن ذلك كيف يكون ‪...‬فإن ذلك مما ل يهتدي إليه من جهة العقل وإنما‬
‫الطريق إليه السمع" (‪ )9‬وذلك للرد على هؤلء المنكرين من أهل العتزال وتناولتها مصادر‬
‫الباضية للرد على النكار وقد استوفى القضية الوارجلني بحثا من القرن السادس ‪ 12/ 6‬مما‬
‫أدى المصادر اللحقة إلى أن تكتفي بالحالة على تحليله‪.‬‬
‫فيحسن في البداية أن نتعرض لحجج منكري الحياة البرزخية ثم نعرض بعد ذلك حجج المثبتين‬
‫وردودهم‪.‬‬
‫حجج منكري الحياة البرزخية‪:‬‬
‫إن هؤلء المنكرين (‪ )10‬يحتجون بأدلة نقلية وعقلية‪:‬‬
‫ومن أدلتهم النقلية قوله تعالى ( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) (‪ 44‬الدخان ‪ )56‬ولو أحيوا في‬
‫القبر لذاقوا موتتين (‪ )11‬أي لزم إحياؤهم فيه ثم إماتتهم بعد التعذيب‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى‪ ( :‬يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) (‪ 36‬يس ‪ )52‬قالوا لو كانوا معذبين في القبر‬
‫ما سموه مرقدا‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) ‪ 30( :‬الروم ‪)55‬‬
‫قالوا لو كانوا معذبين لستطالوا المدة ولما أقسموا انهم لم يلبثوا إل ساعة (‪. )12‬‬

‫( ‪)2/112‬‬

‫ويورد السالمي نفس الرأي في الدعوة الى العتماد على النقل دون العقل وفي ذلك يقول‪ ":‬ول‬
‫سبيل إلى العدول من مقتضاها (الحاديث) الى محض القول بالرأي وليس شعري أي مدخل‬
‫للرأي في ما غاب عنا علمه ولم تصل إليه عقولنا بل الواجب في هذا ونحوه التسليم لخبار‬
‫الشارع فيه‪ ،‬وقبول ما جاء فيها من لسانه فمن بلغه التواتر في ذلك وجب عليه القطع بوقوعه‬
‫على حسب الخبار لنها جاءت من طرق صحيحة" (‪. )13‬‬
‫ردّ ما احتج به المنكرون من ادلة عقلية‪:‬‬
‫أ?) مسألة عدم مشاهدة أثر العذاب عند النبش‪:‬‬
‫" إن اكثر ما في هذا النباش وغيره ل يرون أثر العقوبة على الميت ومن المجوز أل يعذب ال‬
‫تعالى في هذه الحالت التي يطلع عليها النباش أو غيره أو يعذبه على وجه يستتر عنهم لوجه من‬
‫المصلحة يرى في ذلك" (‪. )14‬‬
‫ب?) مسألة عدم المشاهدة ليست حجة‪:‬‬
‫وفي ذلك يقول السالمي‪ ":‬وأجيب عن الول(من قتل فصلب) بأنه يحتمل أن يخلق فيه حياة ل‬
‫ندركها نحن" (‪. )15‬‬
‫ويتوسع صاحب قاموس الشريعة في ذلك كما يلي‪ ":‬إن ال تعالى ل يفوته الذي قبر ول الذي لم‬
‫يقبر‪ ،‬ول حجة لمن احتج بمن لم يقبر لن المخلوق الذي لم يملك الشيء الذي فاته‪..‬ولذلك ل يقدر‬
‫عليه لنه لم يوجده من بعد العدم‪. )16( "...‬‬
‫ج)مسالة من أكلته السباع‪:‬‬
‫يقول السالمي في ذلك‪ ":‬وأجيب عن الثاني(من أكلته السباع) انه مبني على انه يشترط في الحياة‬
‫وجود البنية بتمامها ونحن ل نقول به لمكان أن يخلق ال لكل جزء انفرد حياة يحس بها ألم‬
‫العذاب" (‪. )17‬‬
‫وقبل أن نتحول إلى الردود القائمة على الدلة النقلية يحسن أن نلحظ أننا لم نجد في المرحلة‬
‫المقررة من اهتم بالدلة العقلية والردود عليها من ذلك المحشي وهو أحد أقطاب هذه المرحلة‬
‫اكتفى بتحليل الحاديث دون أن يكترث بحجج المنكرين العقلية (‪. )18‬‬
‫الدلة النقلية من القرآن الكريم‪:‬‬

‫( ‪)2/113‬‬

‫يقول أبو يعقوب الوارجلني‪ ":‬وفي القرآن إشارة إليه على رأي المفسرين وهم القدوة في ذلك" (‬
‫‪ )19‬إل انهم لم يذكروا ولو آية واحدة وكذلك المحشي في حاشية الترتيب (‪ )20‬وكذلك السالمي (‬
‫‪ )21‬إل أننا إذا تتبعنا تيسير التفسير نجد أن محمد اطفيش تعرض إلى الموضوع في ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬قوله تعالى‪ ( :‬قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل)‬
‫(‪ 40‬غافر ‪.)11‬‬
‫فأورد أقوال لعدة علماء مفادها إثبات عذاب القبر وقال السدي (‪ " )22‬والحياء الولى إحياؤهم‬
‫في القبر للسؤال" (‪. )23‬‬
‫‪ )2‬قوله تعالى‪( :‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد‬
‫العذاب) (‪. )24‬‬
‫يذكر صاحب التيسير أن الية دليل على ثبوت عذاب البرزخ في ما قبل‪ ،‬ثم يزيد القضية تحليل‬
‫فيقول‪ ":‬لكن الية في الرواح" ووردت أخبار بثبوته للبدان وفيها أرواحها وذلك قبل قيام الساعة‬
‫(‪ )25‬ثم استشهد بعدة أحاديث (‪. )26‬‬
‫ويقول السالمي‪ ":‬ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه الية حتى خرج‬
‫بها عن أسلوب النظم الشريف فقال فيها‪ ":‬تقديم وتأخير والصل ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل‬
‫فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (‪" )27‬‬
‫‪ )3‬قوله تعالى‪( :‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا) (‪)28‬‬
‫يبين محمد اطفيش أنها نار البرزخ التي يحرق بها قبل البعث‪ ،‬يحرقون بها في الماء وفي ذلك‬
‫إثبات عذاب القبر (‪. )29‬‬
‫وأثناء الرد على المنكرين لعذاب القبر يقلب السالمي عليهم الحجة ويعتبر أن في اليتين المستشهد‬
‫بهما دللة على عذاب القبر‪:‬‬
‫( يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) (‪ 36‬يس ‪ )52‬واجيب بأنهم سموه مرقدا(مرحلة القبر) نظرا إلى‬
‫ما شاهدوا من هول الموقف حتى صار القبر بالنسبة إليهم كالمرقد‪ ،‬وكذلك في شأن عدم استطالة‬
‫مدة القبر فمدة البرزخ بالضافة الى ما بعدها من البد أقل من ساعة" (‪. )30‬‬

‫( ‪)2/114‬‬

‫( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) (‪ 44‬الدخان ‪ )56‬ويجاب بأن الخطاب لهل الجنة فإذا أحياهم‬
‫ال في القبر لما أراده منهم فل يسمى بعد تلك الحياة موتا بالضافة إليهم‪ .‬كيف وقد ورد في‬
‫الحديث أن المؤمن يرى منزله في النار إن لو عصى ومنزله في الجنة إن لو أطاع فيريد أن‬
‫ينهض إليه فيقال له‪ :‬لم يأت أوان ذلك‪ ،‬نم سعيدا نومة العروس" (‪. )31‬‬
‫تلك هي الدلة القرآنية وصدق أبو يعقوب الوارجلني في موقفه حيث اعتبر أنها إشارات على‬
‫رأي المفسرين إذ ل نلمس في هذه النصوص تصريحا ظاهرا ولذلك احتيج الى التأويل وقد عزز‬
‫المفسرون جميعا موقفهم بالحديث بينما رأينا من المفسرين من لم يقبلوا مثل هذا التأويل فسكتوا‬
‫عنه لنهم يقرون بعذاب القبر إل أنهم لم ينتبهوا مثل هذا التأويل ولهم ذلك‪.‬‬
‫==================================‬
‫(‪ ) )1‬البرزخ‪ :‬الحاجز بين شيئين‪ ،‬وما بين الموت والحياة‪ ،‬فمن مات فقد دخل البرزخ قال تعالى]‬
‫ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون[(‪ 23‬المؤمنون ‪.)100‬‬
‫(‪ )2‬انظر ما يلي‪643 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما يلي أثناء التحليل‪646 :‬‬
‫(‪ )4‬اعتبر الشعري أن الصحابة أجمعوا على القول بعذاب القبر ‪.‬ر‪ .‬البانة ‪.184 :‬‬
‫(‪ )5‬يقول اليجي ‪ :‬وأنكره ( إحياء الموتى في قبورهم ضرار بن عمرو ‪ ،‬وبشر المريسي‪ ،‬وأكثر‬
‫المتأخرين من المعتزلة)‪ .‬المواقف‪.2/451 :‬‬
‫ويذكر القاضي عبد الجبار أن ضرار بن عمرو كان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة‪،‬‬
‫ويرد تشنيع ابن الراوندي على المعتزلة في عذاب القبر ‪.‬ر‪ .‬الصول الخمسة ‪ .720 :‬والملحظ‬
‫أن الشعري قد بالغ عندما اعتبر أن كل المعتزلة أنكروا عذاب القبر‪ :‬البانة ص ‪ .181‬ويقول‬
‫جميل بن خميس السعدي في هذا الشأن " وأنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض لن الميت‬
‫جماد ل حركة له ول إدراك فتعذيبه محال" قاموس الشريعة‪.6/216 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر تعريف النكار في ما سبق‪213 :‬‬

‫( ‪)2/115‬‬

‫ويذكر صاحب قاموس الشريعة أن ناصر ابن أبي نبهان من إباضية عمان ممن ينكرون عذاب‬
‫القبر ‪.‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ . 219 .6/216 :‬وهذا موقف يعتبر شاذا‬
‫بالنسبة إلى رأي جمهور الباضية ‪.‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.2/358 :‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ .733‬اليجي‪ :‬المواقف‪.2/452 :‬‬
‫(‪ )9‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪.732 :‬‬
‫(‪ )10‬يتفاوتون في النكار‪ .‬لقد رأينا أن ضرار بن عمرو‪ ،‬معتزليا أو جبريا ‪ ،‬وبشر المريسي‬
‫ينكران القضية إطلقا‪.‬‬
‫بينما ل ينكر الجبائي والبلخي إل سوء تسمية الملكين بمنكر ونكير إذ ل يليق حسب رأيهما أن‬
‫تسند مثل هذه السماء القبيحة إلى الملئكة‪.‬‬
‫ويتصور أبو الهذيل العلف وبشر بن المعتمر أن تعذيب الكافر ل يتم إل بين النفختين‪ .‬أما‬
‫الصالحي وابن جرير الطبري وطائفة من الكرامية فييجزون التعذيب بدون إحياء‪.‬ر‪ .‬اليجي ‪:‬‬
‫المواقف‪.452 -451 /2 :‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 273 :‬ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف‪.2/452 :‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 273 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪:‬‬
‫‪.6/219‬‬
‫(‪ )13‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.2/358 :‬‬
‫(‪ )14‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪.733‬‬
‫ملحظة‪ :‬لقد ورد النهي عن انتهاك حرمات القبر إذ حرمة الميت كحرمة الحي‪ ،‬ويورد امحمد‬
‫اطفيش الحديث التالي وهو قوله عليه السلم‪ ":‬حرمة أحيائنا كحرمة موتانا"‪ .‬وفاء الضمانة‪:‬‬
‫‪( 1/294‬لم يرد هذا الحديث في معجم ونسنك) ‪.‬‬
‫(‪ )15‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.274 :‬‬
‫(‪ )16‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ،6/198 :‬واليجي يذهب إلى نفس الرأي بدليل‬
‫أن صاحب السكتة حي أنا ل نشاهد حياته ر‪ .‬المواقف‪.2/453 :‬‬
‫(‪ )17‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.274 :‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪82 -4/67 :‬‬
‫(‪ )19‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.2:2/318‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪82 -6/67 :‬‬

‫( ‪)2/116‬‬

‫(‪ )21‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.361 -2/348 :‬‬


‫(‪ )22‬السدي(ت ‪ )128/745‬إسماعيل بن عبد الرحمن‪ .‬تابعي حجازي الصل‪ .‬وهو صحاب‬
‫التفسير والمغازي والسير‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.1/313 :‬‬
‫(‪ )23‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ 5/107 :1‬ر‪ .‬السالمي ‪ :‬المشارق‪ 272 :‬وقد سلك كل من‬
‫الرازي ‪ .41 -27/40 :‬والقرطبي ‪ 298 -15/297 :‬في تفسيرهما نفس المسلك إل أن الرازي‬
‫ناقش حجج المنكرين بينما اعتبر ابن عاشور‪ 23/98 :‬أن الية بمعزل عن أن يستدل بها لثبوت‬
‫الحياة عن السؤال في القبر‪ .‬أما جواد مغنية ‪ 442 -6/441 :‬فإنه لم يشر البته إلى القضية‪.‬‬
‫(‪ 40 )24‬غافر ‪ 46‬والسياق يشير إلى آل فرعون‪.‬‬
‫(‪ )25‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪1:5/1273‬‬
‫(‪ )26‬سنوردها بعد قليل انظر ‪ .646:‬ويتفق الرازي ‪ 27/73:‬والقرطبي ‪ 319 -15/318:‬في‬
‫تفسيرهما على أن الية دليل على إثبات عذاب القبر‪ ،‬ويعدد القرطبي أسماء من قالوا بذلك وهم ‪:‬‬
‫مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب ‪ ،‬ويدعم موقفه بعدة أحاديث‪.‬‬
‫بينما ذكر ابن عاشور ‪ 23/58:‬القضية باحتراز فذكر أنه عذاب قبل عذاب يوم القيامة وأن‬
‫أرواحهم تشاهد المواضع التي أعدت لهم في جهنم ‪ .‬وسلك مغنية‪ 6/456 :‬نفس المسلك ‪ ":‬إن‬
‫ذلك بعد الموت وقبل يوم القيامة"‪.‬‬
‫ويقول الشعري تعليقا على هذه الية في "باب الكلم عن عذاب القبر"‪" .‬فجعل عذابهم يوم تقوم‬
‫الساعة بعد عرضهم على النار في الدنيا غدوا وعشيا" وقال‪ ":‬سنعذبهم مرتين ‪ ،‬مرة بالسيف‬
‫ومرة في قبورهم ‪ ،‬ثم يردون إلى عذاب غلظ في الخرة" البانة ‪.182:‬‬
‫(‪ )27‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 272 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/202 :‬‬
‫(‪ 71 )28‬نوح ‪ 25‬والسياق عن قوم نوح‪.‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪6/363 :1‬‬
‫ويقف الرازي في تفسيره‪ 145 /30 :‬نفس الموقف ‪ :‬تمسك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله‬
‫تعالى ‪ :‬ويذكر الية وينسب القرطبي‪ 311 -18/310:‬القول للقشيري‪.‬‬

‫( ‪)2/117‬‬

‫أما ابن عاشور ‪ 29/212 :‬ومغنية ‪ 7/431:‬فلم يشيرا إلى الموضوع عند تفسير هذه الية‬
‫والملحظ أن نفس هذه اليات هي التي يعتمدها القاضي عبد الجبار للتدليل على ثبوت عذاب‬
‫القبر فيقول ‪ ":‬أما ثبوته فالذي يدل عليه قوله تعالى ‪ ]:‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم‬
‫يجدوا‪ 71([..‬نوح ‪ )25‬فالفاء للتعقيب من غير مهلة‪ ،‬وإدخال النار ل وجه له إل التعذيب ‪ ،‬ويدل‬
‫عليه أيضا قوله تعالى‪ ]:‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا[(‪ 40‬غافر ‪ )46‬الية ووجه دللته‬
‫على عذاب القبر ظاهر غير أنه يختص بآل فرعون ول يعم جميع المكلفين‪.‬‬
‫والدللة التي تعم قوله تعالى‪ ]:‬ربنا أمتنا اثنين وأحيينا اثنين[(غافر ‪ )11‬ول تكون الماتة والحياء‬
‫مرتين إل وفي إحدى المرتين إما التعذيب في القبر أو التبشير على ما نقوله‪ .‬ثم ينفي قول من قال‬
‫إن الماتة الولى حال النسان وهو نطفة"‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة‪.731 :‬‬
‫(‪ )30‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪272 :‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬ابن ماجة‪ :‬جهاد ‪ ،16‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 2/201‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع‬
‫الصحيح ‪ 4/19‬عدد ‪.982‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/118‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الدلة النقلية من الحديث الشريف‪:‬‬
‫لقد خصص الربيع في الجامع الصحيح بابا لموضوع القبور في الجزء الثاني (‪ )33‬ورجع الى‬
‫ذلك في حديث طويل آخر الجزء الرابع (‪ )34‬ووقعت الشارة إلى ذلك في مطلع الجزء الول (‬
‫‪. )35‬‬
‫وقد جمع أبو يعقوب الوارجلني عشرة أحاديث في هذا الشأن (‪ )36‬ول يجب أن نغفل عن أنه‬
‫مرتب الجامع الصحيح‪ ،‬وإن كان من علماء الكلم فصلته بالحديث متينة‪ ،‬ولذلك لم يجد أبلغ من‬
‫الحاديث للرد على من ينكر عذاب القبر وسأكتفي بذكر‬
‫أحاديث واضحة الدللة على عذاب القبر وثوابه مستعينا بما جاء حولها من شروح للمحشي (‪)37‬‬
‫والسالمي (‪. )38‬‬
‫‪ )1‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬كان بعلم أصحابه هذا الدعاء‪ ،‬كما يعلمهم السورة من‬
‫القرآن وهو يقول‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر" (‪. )39‬‬
‫‪ )2‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن‬
‫أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان‬
‫من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك ال يوم القيامة" (‪. )40‬‬

‫( ‪)2/119‬‬

‫‪ )1‬جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وذكره عنه غيره‪ -‬انه عليه السلم قال‪:‬‬
‫إذا وضع الميت في قبره وسوي عليه فإنه يسمع نعال القوم حين ينصرفون عنه لنه حمل من‬
‫بيته وروحه مع الملئكة فإذا وضع في قبره يأتيه ملكان أصواتهما كالرعد القاصف‪ ،‬وأبصارهما‬
‫كالبرق الخاطف فيقعدان فيقولن له‪ ":‬يا هذا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " فإن كان مؤمنا‬
‫قال‪ :‬ال ربي والسلم ديني ومحمد نبي‪ "،‬فقال له‪ ":‬على هذا أحييت وعليه أمتّ وعليه تبعث‪،‬‬
‫انظر عن يسارك" فيفتح له باب في قبره إلى النار فيقال له‪ ":‬هذا منزلك لو عصيت ال فأما إذ‬
‫أطعته فأنظر عن يمينك" فيفتح له باب في قبره إلى الجنة فيدخل عليه برد منزله ولذته فيرد أن‬
‫ينهض‪ ،‬فيقال له‪ ":‬لم يأت أوان ذلك‪ ،‬نم سعيدا نومة العروس" فما شيء أحب إليه من قيام الساعة‬
‫حتى يصير إلى أهل ومال وإلى جنة النعيم‪ ،‬وأما إذا كان كافرا فيقعدانه فيقولن له‪ ":‬من ربك؟"‬
‫فيقول ل أدري‪ .‬فيقولن‪ ":‬ما تقول في هذا الرجل"‪ -‬يعني محمد صلى ال عليه وسلم فيقول‪":‬‬
‫كنت أقول فيه كما يقول الناس" فيقولن‪ ":‬ل دريت ول تليت على هذا عشت وعليه مت وعليه‬
‫تبعث‪ .‬انظر عن يمينك" فيفتح له باب من الجنة فيقال له‪ ":‬هذا منزلك لو أطعت ال فأما إذ‬
‫عصيته فانظر عن شمالك فيفتح له باب من قبره الى جهنم فيدخل عليه غم منزله وأذاه ما شيء‬
‫أبغض إليه من قيام الساعة فيصير إلى العذاب" (‪. )41‬‬
‫إن في هذه الحاديث ذكرا صريحا لعذاب القبر ففي الول دعوة إلى الستعاذة منه‪ ،‬وفي الحديثين‬
‫الخرين تصوير دقيق لما يقع للميت منذ أن يوضع في قبره فيسمع نعال القوم الى أن يترك إما‬
‫في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار‪.‬‬
‫وقد صعب على شارح هذه الحاديث وغيرها تصور هذا النوع من الحياة فلذلك تأولوا النصوص‬
‫بطرق مختلفة تتلخص في ما يلي‪:‬‬
‫أ) حياة حقيقية بالجسد والروح (‪)42‬‬
‫ب) حياة بالروح فقط (‪. )43‬‬
‫( ‪)2/120‬‬

‫ج)حياة الروح مع جزء أو أجزاء من الجسد (‪. )44‬‬


‫ويقول المحشي ملخصا هذه القضية‪ ":‬قوله‪ :‬وكان جابر ممن يثبت عذاب القبر" وهذا هو الصحيح‬
‫والمشهور بين العلماء وهل واقع على الروح فقط أو عليه وعلى سائر الجسد؟‬
‫قال ابن حجر (‪ )45‬في حق البخاري (‪ ": )46‬لم يتعرض المصنف لترجمة كون عذاب القبر يقع‬
‫على الروح فقط أو عليها وعلى سائر الجسد وفيه خلف شهير عند المتكلمين وكأنه تركه لن‬
‫الدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد المرين فلم يتقلد الحكم في ذلك‪.‬‬
‫وكفى بإثبات وجوده خلفا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو (‪)47‬‬
‫وبشر المريسي (‪ )48‬ومن وافقهما وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم‬
‫وأكثروا من الحتجاج له‪ .‬وذهب بعض المعتزلة كالجبائي إلى انه يقع على الكفار دون المؤمنين‬
‫وبعض الحاديث التية ترد عليهم" (‪. )49‬‬
‫والمهم أساسا أن هذه النصوص تثبت أن القبر جزء من عالم الجزاء بقي على أية صورة يتم هذا‬
‫الجزاء فذاك محط الخلف والتأويل إل أن هذا ل ينبغي أن يدفع إلى إنكار الصل إذ مهما كانت‬
‫الحال التي يكون عليها النسان فإنه يحس بهذا الجزاء وليس مجرد جثة تأكلها الحشرات‪.‬‬
‫ويجدر أن نشير أيضا إلى أن التأويل شمل قضية أخرى متصلة بالعمل فهل أن هذا الجزاء خاص‬
‫بالكفار دون المؤمنين كما يقول الجبائي أو انه خاص بالمؤمنين فقط؟ أو ل يشمل إل العصاة من‬
‫أهل الصلة؟‬
‫قال القرطبي (‪ : )50‬وهذا (العرض)( في حق المؤمن والكافر واضح فأما المؤمن المخلط فيحتمل‬
‫في حقه أيضا لنه يدخل الجنة في الجملة" (‪. )51‬‬
‫ويرد المحشي على القرطبي بقوله‪ ":‬الحتمال ل أصل له عندنا فإن المخلط كافر فيعرض عليه‬
‫مقعده من النار ول واسطة كما يدل عليه الحديث" (‪. )52‬‬

‫( ‪)2/121‬‬

‫فالقضية ترجع إلى موضوع السماء والحكام (‪ )53‬وبما أن الباضية اعتبروا كافر النعمة من‬
‫أهل الوعيد أثبتوا أنه من المعذبين في القبر أما من اعتبر العصاة مغفورا وإن لم يتوبوا فطبيعي‬
‫أن يعتبرهم من أهل السعادة في القبر‪.‬‬
‫ويلح تبغورين على أن عذاب القبر لهل الكفر والنفاق فيقول‪ ":‬إنما عذاب القبر في أهل الكفر‬
‫والنفاق وليس هو لهل التقى والخلص وهو الصحيح" (‪. )54‬‬
‫ول يغفل العلماء عن التنبيه إلى الشهداء فهؤلء أحياء عند ربهم يرزقون بصريح قوله تعالى‪:‬‬
‫( ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (‪ 3‬آل عمران ‪.)196‬‬
‫فهؤلء يقول فيهم القرطبي‪ ":‬ويحتمل أن يقال إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم‬
‫باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الن" (‪. )55‬‬
‫وفي آخر الفصل الذي يرد فيه أبو يعقوب الوارجلني على المنكرين يورد خطبة لعلي ابن أبي‬
‫طالب يقر بان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار‪ .‬كما يورد قصة مفادها أن‬
‫جماعة أتوا يستفتون عبدال بن عباس في أمر قبر رجل كلما حفروا له وجدوا أسود قد مل القبر‬
‫فقال ابن عباس" ذلك الغل الذي يغل به" وأمرهم أن يدفنوه قائل" فوال لو حفرتم الرض كلها‬
‫لوجدتموه فيها" وتبين من استفسار أهله أنه كان يأخذ قوته من متاع الناس‪.‬‬
‫ويلح بعد ذلك على ما شاع في أمة محمد مما أبصروه عيانا في المقابر ثم يقول أبو يعقوب‪ ":‬ولو‬
‫أردنا ذكر شيء من ذلك‪ .‬مما رأينا وعاينا وعاينوه هم بأنفسهم ل تسع الحال‪ ،‬وإنفسح المجال‪،‬‬
‫وفاق القيل والقال مما ل ينكره عاقل" (‪. )56‬‬
‫ويختم أبو يعقوب تحليل القضية بالتهوين من أمرها فيقول‪ ":‬ومسألة عذاب القبر ليست من مسائل‬
‫الديانات‪ ،‬فمن جهلها سلم ومن علمها غنم‪ ،‬ومن تورط فيها ندم" (‪. )57‬‬
‫واضح حينئذ أن الباضية يثبتون ما في القبر من ثواب أو عقاب ويجعلون من مات على كبيرة‬
‫دون أن يتوب في زمرة المعاقبين‪.‬‬

‫( ‪)2/122‬‬

‫وقد هون الوارجلني القضية فلم يعتبرها من مسائل الديانات وعذر فيها من جهل‪ .‬وكذلك‬
‫السالمي رأى أنه يصح الخلف في عذاب القبر (‪ )58‬وكذلك صاحب قاموس الشريعة‪":‬‬
‫والختلف في هذا جائز" ويقول أيضا" إن هذا كله في علم الغيب ل يصح فيه التحقيق" (‪. )59‬‬
‫=====================================‬
‫(‪ )32‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.273 :‬‬
‫(‪ )33‬الربيع بن حبيب‪ 25 -2/24 :‬وخاصة عدد ‪484‬و ‪ 487‬و ‪.488‬‬
‫(‪ )34‬نفس المصدر‪ 19 -4/18 :‬عدد ‪.982‬‬
‫(‪ )35‬نفس المصدر‪ 1/13 :‬عدد ‪.43‬‬
‫(‪ )36‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.321 -3/318 :2‬‬
‫(‪ )37‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪:‬‬
‫‪ 1/65‬أورد الحديث ولم يشر إلى القضية‪.‬‬
‫‪ 81 -4/67‬حلل القضية تحليل ضافيا‪.‬‬
‫‪ 112 -8/105‬تحليل مع الحالة إلى ج ‪ 4‬باستمرار‪.‬‬
‫(‪ )38‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪:‬‬
‫‪ 71 -1/70‬اكتفى بذكر بعض آداب زيارة القبور‪.‬‬
‫‪ 361 -348 /2‬تحليل مفصل واضح‪ ،‬أما الجزء الخير فلم يطبع بعد‪.‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬أبو داود‪:‬أدب ‪ 101‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.4/168‬‬
‫(‪ )40‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/24 :‬عدد ‪ 484‬ر‪.‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ ،90‬بدء الخلق‬
‫‪ ،8‬رقاق ‪، 42‬مسلم ‪ :‬جنة ‪ 65،66‬الترمذي‪ :‬جنائز ‪ .70‬النسائي‪ :‬جنائز ‪.116‬ابن ماجة‪ :‬زهد‬
‫‪ .32‬الموطأ‪ :‬جنائز ‪ . 48‬أحمد بن حنبل ‪...2/16‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.5/442‬‬
‫(‪ )41‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/18:‬عدد ‪. 982‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ .87 ،68‬مسلم‬
‫جنة ‪ 82 .81‬أبو داود‪ :‬جنائز ‪ 74‬سنة ‪ .24‬النسائي‪ :‬جنائز ‪ .110 .108‬أحمد بن حنبل ‪2/126‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.5/226‬‬

‫( ‪)2/123‬‬

‫ملحظة‪ :‬ويحسن أن نذكر بالختلف الوارد في شأن أن يعذب الميت ببكاء النائحين عليه‪،‬‬
‫ويفصل المحشي القضية كما يلي‪ :‬أقول ‪ ":‬وهذا ل يناسب ما هو المذعب من أن ال عدل ل‬
‫ينسب إليه الجور في حكم ول فعل ‪ ،‬وأنه ل يؤاخذ أحدا بما لم يصدر منه لقوله تعالى‪ ]:‬وما ربك‬
‫بظلم للعبيد[ (‪ 41‬فصلت ‪ ،)46‬وقوله‪ ]:‬ل يظلم ربك أحدا[ (‪ 18‬الكهف ‪ .)49‬وقوله‪ ]:‬وما‬
‫ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين[(‪ 43‬الزخرف ‪ )76‬أي ل يؤاخذهم بغير ما اكتسبوا ‪ ،‬ول يعذبهم‬
‫بغير ما اجترموا فإنه تعالى نفى عن نفسه هذه الصفة وجعل مؤاخذة النسان بما لم يصدر منه‬
‫ظلما‪...‬فالحق ما ذهبت إليه عائشة رضي ال عنها ] أل تزر وازرة وزر أخرى[(‪ 53‬النجم ‪)38‬‬
‫إل أن صح الحديث (أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيتأول بما يكون للميت فيه مدخل كأن‬
‫أوصى بذلك أو لم ينه أهله من قبل كما تقدم في بعض التأويلت وال اعلم بحقيقة الحال‪ ".‬حاشية‬
‫الترتيب‪.4/74 :‬‬
‫ويقف السالمي نفس الموقف ويختم بقوله‪ ":‬ومن سلم من ذلك كله فاحتاط فنهاهم ثم خالفوه فعذابه‬
‫تألمه بما يراه من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربه"‪ .‬عبدال السالمي ‪ :‬شرح الجامع‬
‫الصحيح‪.2/353 :‬‬
‫(‪ )42‬ويرجح جميل بن خميس السعدي هذه الصورة فيقول ‪ ":‬إن الروح ل تعقل إل في جسدها ‪،‬‬
‫وأظن أنه الصح"‪ .‬قاموس الشريعة ‪ .6/216:‬ويقول ابن حزم في ذلك ‪ ":‬ولم يرو أحد أن في‬
‫عذاب القبر رد الروح إل المنهال بن عمرو وليس بالقوي"‪ .‬المحلى‪.1/22 :‬‬
‫(‪ )43‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪ .4/75 :‬كما ينقل‬
‫المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر أن الرواح على أفنية القبور ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪.4/76 :‬‬
‫(‪ )44‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪ . 4/75 :‬كما ينقل‬
‫المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر أن الرواح على أفنية القبور‪ .‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪.4/76 :‬‬

‫( ‪)2/124‬‬

‫(‪ )45‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪4/75 :‬‬
‫ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/216 :‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لقد أورد جميل بن خميس السعدي كل هذه القوال في سياق واحد دون أن ينسبها إلى‬
‫أصحابها‪ .‬قاموس الشريعة‪.6/215 :‬‬
‫(‪ )46‬البخاري (‪. )870 -256/810 -194‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/258‬‬
‫(‪ )47‬انظر ما سبق‪.308 :‬‬
‫(‪ )48‬بشر المريسي (ت ‪ )218/833‬فقيه معتزلي عارف بالفلسفة ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.2/28‬‬
‫(‪ )49‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ 81 -4/80 :‬نقل عن ابن حجر‪.‬‬
‫(‪ )50‬القرطبي‪ :‬حاشية الترتيب(ت ‪ )1273 /671‬المفسر‪.‬‬
‫(‪ )51‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.4/75 :‬‬
‫(‪ )52‬نفس المصدر‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬لقد أثيرت قضية الختلف في شأن الكافر أيسأل في القبر أم ل؟ وقد جاء في ذلك ما‬
‫يلي عند المحشي‪ ":‬وأما إذا كان كافرا‪ ،‬هذا الكلم يدل على أن سؤال القبر عام في المؤمن‬
‫والمنافق خلفا لمن يزعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي اليمان محقا كان أو باطل‪ .‬قال ابن‬
‫حجر‪ :‬مستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبراء التابعين قال‪:‬‬
‫إنما يفتن رجلن مؤمن ومنافق وأما الكافر فل يسأل عن محمد ول يعرفه‪.‬‬
‫وهذا موقوف ‪ ،‬والحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي‬
‫ألوى بالقبول‪.‬‬
‫وجزم الترمذي بأن الكافر يسأل ‪...‬حاشية الترتيب‪ .110 -8/109 :‬يثبت من هذا أن الباضية‬
‫يتفقون مع ابن حجر والترمذي في أن الكافر كفر شرك أو كفر نعمة يسأل في قبره لما ثبت في‬
‫ذلك من الحاديث المرفوعة إلى رسول ال ‪. e‬‬
‫(‪ )53‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )54‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪.73 :‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.4/75 :‬‬
‫(‪ )56‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.323 -322 :‬‬
‫(‪ )57‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.3/322 :‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪274 :‬‬
‫(‪ )59‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/216 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/125‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الشفاعة‪:‬‬
‫الشفاعة من شفع والشفع هو الزوج‪ ،‬وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع‪ :‬طلب‪ .‬والشفاعة كلم الشفيع‬
‫للملك في حاجة يسألها لغيره‪ ،‬وشفع إليه‪ :‬في معنى طلب إليه‪ ،‬والشافع‪ :‬الطالب لغيره يتشفع به‬
‫إلى المطلوب‪.‬‬
‫هذا ما جاء في لسان العرب (‪ )1‬أما عمرو التلتي فيعرفها بأنها " سؤال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم من ال الذن للمؤمنين في دخول منازلهم في الجنة بعد الفراغ من الحساب وبعد سؤال‬
‫المؤمنين النبي أن يرسل لهم من ال تعالى ذلك الذن" (‪ )2‬ويشير إلى أنها تعني في اللغة‪ :‬الوسيلة‬
‫والطلب وفي العرف‪ :‬سؤال الخير للغير (‪ ، )3‬ويأتي تعريف السالمي أكثر شمول حيث يقول‪":‬‬
‫وشرعا‪ :‬طلب تعجيل دخول الجنة أو زيادة درجة فيها من الرب عز وجل لعباده المؤمنين فتكون‬
‫للنبياء وغيرهم‪ ،‬ويختص نبينا عليه السلم منها بخصلة هي تقدمه إليها قبل كل شافع‪ ،‬فل تفتح‬
‫بابها إل له‪ ،‬ثم من بعده يشفع من شاء ال أن يشفع‪ .‬قيل وهو المقام المحمود الذي في قوله تعالى‪:‬‬
‫( عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (‪ 17‬السراء ‪ )79‬أي يحمدك فيه الولون والخرون حيث‬
‫لم يجدوا قبلك شافعا" (‪. )4‬‬
‫إن المتأمل في هذه التعاريف يلمس بوضوح مدى اتصال القضية بموضوع الوعد والوعيد (‪)5‬‬
‫فالقائلون بإنفاذ الوعيد مثل الباضية ل يعتبرون أن في الشفاعة دفعا للضر إل في مستوى الدنيا‬
‫أما في مستوى الخرة فهي زيادة في جلب النفع ويقول القاضي عبد الجبار في هذا الصدد عند‬
‫مناقشة المرجئة (‪ ": )6‬بل لو جعل الصل في هذا الباب النفع ويرجع بدفع الضرر إليه لكان‬
‫أولى وأوجب" (‪ )7‬ومثل هذا التجاه واضح غاية الوضوح في تعريف التلتي والسالمي الذي جاء‬
‫معبرا عن موقف الباضية‪.‬‬

‫( ‪)2/126‬‬
‫أما التعاريف الخرى فقد عكست فكرة أصحابها في خلف الوعيد واعتبرت أن الشفاعة تتمثل في‬
‫جلب النفع ودفع الضر والضر هنا هو الكبائر إل أن صاحب المنار سلك مسلكا آخر في التعريف‬
‫اعتمد فيه على التمثيل وانتهى إلى أن إرادة ال حسب علمه‪ ،‬وعلمه أزلي فل سبيل إذن إلى فسخ‬
‫إرادة ال تعالى وإنما تكون الشفاعة إكراما للشافع حيث توافق شفاعته علم ال الزلي (‪. )8‬أما‬
‫مغنية فقد أكد على أن الشفاعة عند ال ل تكون إل بإذنه بهذا تختلف عن الشفاعة لدى المخلوقين‬
‫لنها قد تكون بإذنهم وقد تكون بدون إذن منهم (‪. )9‬‬
‫ويحسن هنا أن نشير إلى ما ألح عليه صاحب المنار من تأثر المسلمين بما كان عند الوثنين‬
‫واليهود من تصورات فاسدة في شأن الشفاعة مما غرس في المجتمعات السلمية بعض العادات‬
‫هي أبعد ما يكون عن السلم يذكر منها ما يعطي لغاسل الميت من النقد ويسمونه "أجرة المعدية"‬
‫أي أجرة نقله إلى الجنة (‪. )10‬‬
‫واضح إذن أن لتصور مفهوم الشفاعة تأثيرا حضاريا واضحا‪ ،‬لكن قبل أن نقف عند هذا التأثير‬
‫في المجتمع السلمي عامة وفي البيئة الباضية خاصة يحسن أن نتعرض لما اتفقت عليه الفرق‬
‫السلمية في شأن الشفاعة ولما اختلفت فيه‪.‬‬
‫الشفاعة المتفق عليها‪:‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬ل خلف بين المة في أن شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم ثابتة" (‬
‫‪ )11‬والمتفق عليه نقطتان‪)12( :‬‬
‫أ) الشفاعة العظمى‪ :‬أو المقام المحمود (‪ )13‬وتكون في المحشر عندما يطول النتظار (‪)14‬‬
‫فيلجأ الصالحون إلى النبياء واحدا بعد واحد فيعتذرون إلى أن يصلوا إلى محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم فيستجيب لهم ويدعو ربه فيأذن لهم بدخول منازلهم في الجنة (‪. )15‬‬

‫( ‪)2/127‬‬

‫ب)الشفاعة بمعنى رفع الدرجات في الجنة (‪ )16‬كما ذكر في تعريفها (‪ )17‬ويجيب القاضي عبد‬
‫الجبار على هذا السؤال‪ :‬انصح الشفاعة في مزيد التفضل لمن حالته موفورة في النعم؟ بما يلي‪":‬‬
‫قيل له نعم وقد ذكر ال تعالى ذلك في كتابه بقوله ( ل يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء‬
‫‪ )28‬فوصف ذلك شفاعة وإن كان لهل الجنة ويدل عليه قوله تعالى في حملة العرش‪( .‬يسبحون‬
‫بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) (‪ 40‬غافر ‪.)7‬‬
‫والستغفار يجري مجرى الشفاعة وقد ثبت في الشاهد أن الزيادة في النعم والحسان قد تطلب‬
‫بالشفاعات كما أن التخلص من الشدائد قد يطلب بذلك" (‪. )18‬‬
‫ويجيب المحشي على سؤال افتراضي من هذا النسق‪ ":‬فإن قال قائل‪ :‬إن المؤمنين قد وعدهم ال‬
‫في كتابه الجنة فما حاجتهم الى الشفاعة؟ بما يلي‪ :‬قيل له" إن الشفاعة زيادة في الثواب وتشريف‬
‫في المنازل وأيضا فإن المؤمنين تكون عليهم الذنوب والتبعات من قبل الرحام والقرابات ومن‬
‫حقوق الجيران والولد والزوجات وما أشبه ذلك‪ ،‬أل ترى إلى قول ال تعالى وحكاية عن‬
‫المؤمنين ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) (‪ 66‬التحريم ‪ )8‬فأخبر‬
‫أنهم يسألونه إتمام نورهم وغفران ذنوبهم وهم يمشون على قناطر جهنم قبل دخول الجنة‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬ما منكم من أحد يدخل الجنة إل‬
‫بعمل صالح وبرحمة ال وشفاعتي" (‪. )19‬‬
‫ويقول الجيطالي أيضا‪ ":‬والشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها إلى الثواب ولكن‬
‫الشفاعة زيادة لهم في الثواب وتشريف في المنازل" (‪. )20‬‬
‫والشاعرة أيضا يقولون بهذا المعنى إذ جاء عند البيجوري عند تعداد الشفاعات ما يلي‪ ":‬منها‬
‫شفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها" (‪. )21‬‬

‫( ‪)2/128‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي‪ ":‬وما صاحب الكشاف فقال‪ ":‬عن الشفاعة ثم في زيادة الفضل ل غير"‬
‫فيؤخذ منه أن المعتقد عندهم مساو لما هو عندنا من نفي الشفاعة في الكبائر وتخصصها برقع‬
‫الدرجات كما دل على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )28‬وغير‬
‫ذلك كما هو معلوم (‪. )22‬‬
‫أما جواد مغنية فإنه لم يشر إلى القضية وسلك مسلكا آخر فيه احتزاز كبير سنشير إليه بعد حين (‬
‫‪. )23‬‬
‫والملحظ أن في هذا التفاق حول هاتين النقطتين نظرا لنهما لمن تأتيا منفصلتين عن بقية‬
‫الموضوع‪ ،‬ودفاعا من اثبتوا الشفاعة للتائبين عن موقفهم يدل على صراع في النقطة الثانية‪ ،‬أما‬
‫في النقطة الولى فالتفصيل فيها واضح إذ يرى مثبتو الشفاعة لهل الكبائر أن الشفاعة عامة بينما‬
‫يرى الخرون أنها خاصة بالصالحين‪.‬‬
‫وقبل أن نبين حجج هؤلء وأولئك يحسن أن نشير إلى الحقيقة التالية وهي‪ :‬أن الباضية يعتبرون‬
‫أن الشفاعة واحدة ويقول يوسف المصعبي في ذلك نقل عن الجيطالي ما يلي‪ ":‬وكلمه أيضا في‬
‫شرح النونية صريح في أنها في المحشر والظاهر أنها قبل الحساب‪ ،‬ويستمر حكمها إلى الشفاعة‬
‫في زيادة الثواب وتشريف المنازل وأن ذلك كله في الموقف قبل دخول الجنة فل يدخل أحد الجنة‬
‫إل وقد علم منزله الذي صار إليه بالعمل الصالح ورحمة ال وشفاعة المصطفى وغيره ممن‬
‫تحصل منه الشفاعة فإذا دخل أحد منزله فل ينتقل منه بعد ذلك فل منافاة بين كونها في المحشر‬
‫للراحة من الموقف وكونها لزيادة الثواب ورفع المنازل فإن الشفاعة واحدة لكنها تتضمن ذلك‬
‫كله" (‪. )24‬‬
‫أما الشاعرة فيعتبرونها شفاعات يصلون بها إلى الثمانية ‪ :‬وانه صلى ال عليه وسلم له ثمان‬
‫شفاعات نذكر منها ثلثا على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ -1‬أعظمها شفاعته المختصة به للراحة من طول الموقف وهو أول المقام المحمود‪.‬‬
‫‪ -2‬وثانيها‪ :‬في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي مختصة به في قول النووي (‪. )25‬‬

‫( ‪)2/129‬‬

‫‪ -1‬وثالثها‪ :‬فيمن استحق دخول النار أل يدخلها وفي اختصاصها به أيضا تردد‪)26( ."...‬‬
‫إن هذا العرض يثبت اختلفا في تصور قضية الشفاعة وإن اتفق على ثبوتها فبم يستدل هؤلء‬
‫وأولئك؟‬
‫============================‬
‫(‪ )1‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة شفع‪.‬‬
‫(‪ )2‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪.165 :‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬وجه ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪. 299‬ر‪.‬‬
‫يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 33‬قفا‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫والملحظ أن الباضية اتجهوا هذا التجاه في تفسير الشفاعة من وقت مبكر اعتمادا على ما‬
‫جمعه الربيع بن حبيب من أحاديث ‪.‬ر‪ .‬النامي الطروحة ‪ 237:‬وتجدر الشارة إلى أن تبغورين‬
‫بن عيسى الملشوطي يقر بنفس المعنى إل أنه لم يعرف الشفاعة تعريفا اصطلحيا واضحا‪،‬‬
‫وكذلك فعل يوسف المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين (ر‪ .‬كتاب أصول الدين‪.71 -70 :‬‬
‫وحاشية المصعبي عليه‪ ,)116 -111 :‬كما أن البرادي لم يضبط التعريف الصطلحي في رسالة‬
‫الحقائق‪.‬‬
‫(‪ )4‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬وللتوسع في تعريف الشفاعة عند الشاعرة والمعتزلة والشيعة راجع ما يلي ‪ :‬القرطبي‪،‬‬
‫أحكام القرآن‪ .1/378 :‬الطاهر بن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير ‪ .1/486‬القاضي عبد الجبار‪:‬‬
‫الصول الخمسة ‪ .688:‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.1/97:‬‬
‫(‪ )5‬يقول القاضي عبد الجبار‪ " :‬ووجه اتصاله(فصل في الشفاعة) بباب الوعيد هو أن هذا أحد‬
‫شبه المرجئة الذين يوردون علينا طعنا في القول بدوام عقاب الفاسق"‪ .‬الصول الخمسة ‪.687 :‬‬
‫(‪ )6‬وقالت المرجئة‪ ":‬إن موضوع الشفاعة إنما هو لدفع الضرر عن المشفوع له ل غير‪".‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪69:‬‬
‫(‪ )7‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪.690 :‬‬
‫( ‪)2/130‬‬

‫(‪ )8‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار ‪ " 308 /1‬وإنما هي( الشفاعة) إظهار كرامة الشافع بتنفيذ الرادة‬
‫الزلية عقب دعائه"‪ .‬واضح أن صاحب المنار خالف الشاعرة رغم انتمائه إليهم‪ ،‬ورأى أن‬
‫الصواب حليف الذين ل يتوسعون في أمر الشفاعة‪ ،‬ويرى أنها ل يمكن أن تشمل أهل الكبائر‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.98 -1/97:‬‬
‫(‪ )10‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار ‪.1/306‬‬
‫(‪ )11‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪688 :‬‬
‫(‪ )12‬ويقول الطاهر بن عاشور‪ ":‬واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين‬
‫والتائبين لرفع الدرجات ولم يختلف في ذلك الشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم‬
‫ابتداء"‪ .‬التحرير والتنوير‪. 1/487 :‬‬
‫(‪ )13‬وعن المقام المحمود ينقل المحشي عن إسماعيل الجيطالي ما يلي‪ ":‬وقال أيضا في قنطرة‬
‫اليمان‪ :‬في ما يجب على النسان أن يعتقده ‪ :‬التاسعة ‪ :‬الشفاعة وهي حق‪ ،‬فمن كذب بها فقد‬
‫كذب القرآن‪ ،‬وهو المقام المحمود قال ال لنبيه عليه السلم‪ ] :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما‬
‫محمودا[( ‪17‬السراء ‪ )79‬أي يحمده فيه الولون والخرون‬
‫يحمده الخرون بما فتح لهم من الشفاعة ‪ ،‬وكانت مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها النبي‬
‫عليه السلم ‪.‬‬
‫ويحمده الخرون حيث نجاهم من هول المقام‪ ".‬إسماعيل الجيطالي كتاب قناطر الخيرات‪. 230 :‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.8/137 :‬‬
‫راجع في هذا الشأن القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ .312 -10/309 :‬ويورد في ذلك أربعة أقوال‪:‬‬
‫‪ )1‬الشفاعة العظمى‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يكون لواء الحمد بيد الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫‪ )3‬أن يجلس الرسول عليه السلم على الكرسي مع ال تعالى‪.‬‬

‫( ‪)2/131‬‬

‫‪ )4‬إخراج الرسول عليه السلم من يخرج بشفاعته من النار‪ .‬ويلح على أن أصحها القول الول‪،‬‬
‫ويدعم ذلك بما رواه البخاري عن جابر بن عبدال أن رسول ال ‪ e‬قال‪ " :‬من قال حين سمع‬
‫النداء (الذان) اللهم ربي هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمد ‪ e‬الوسيلة والفضيلة وابعثه‬
‫اللهم مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة"‪ .‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬آذان ‪ .8‬تفسير سورة‬
‫السراء ‪ .11‬مسلم‪ :‬صلة ‪ .43‬النسائي‪ :‬آذان ‪ .38 -37‬ابن ماجة‪ :‬آذان ‪ .4‬أحمد بن حنبل‬
‫‪.3/245 .2/168‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.3/151‬‬
‫(‪ )14‬هناك اختلف جزئي سنعود إليه عند ذكر الحديث وتحليله‪.‬‬
‫(‪ )15‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/23 :‬عدد ‪ .1004‬ويقول المحشي في شاشية‬
‫الترتيب‪ " ،8/139 :‬وقد طلبها المسلمون ليستريحوا كما ذكر في الحديث عندنا دون الكفار خلف‬
‫لما رواه قومنا من أن أهل الموقف جميعا يفزعون إلى من ذكر من المرسلين" ‪.‬ر‪ .‬اليجي‪:‬‬
‫المواقف‪. 2/449 :‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.64 -1/63 :‬‬
‫(‪ )16‬يقول القرطبي وهو يعدد أنواع الشفاعات‪ ":‬الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها‬
‫وترفيعها ‪ ،‬وهذه ل ينكرها المعتزلة‪ .‬وتنكر شفاعة الحشر الول "‪ .‬أحكام القرآن ‪.10/310:‬‬
‫ويقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬فأما قولنا في إثبات الشفاعة فهو معروف ‪ ،‬ونزعم أن من أنكره فقد‬
‫أخطأ الخطأ العظيم لكنا نقول لهل الثواب دون أهل العقاب‪ ،‬ولوليائه دون أعدائه‪ ،‬ويشفع ‪ e‬في‬
‫أن يزيدهم تفضيل عظيما"‪ .‬فضل العتزال ‪.207 :‬‬
‫(‪ )17‬انظر ما سبق ‪654 :‬‬
‫(‪ )18‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ‪.208 -207‬‬
‫(‪ )19‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 8/102‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 118‬وجه عبد‬
‫العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ .302‬وجاء الحديث بصيغة " فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفاعة من يشفع‬
‫"ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.2/400‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.3/152‬‬
‫(‪ )20‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪.1/321 :2‬‬

‫( ‪)2/132‬‬

‫(‪ )21‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .187 :‬أما الرازي فقد ناقش بقوة هذا الموقف وألح على‬
‫أن التائب ليس في حاجة إلى شفاعة وهو بذلك مخالف لما جاء عند الشاعرة ‪ :‬التفسير الكبير ‪:‬‬
‫‪ .62 -1/61‬أما اليجي فإنه لم يحلل القضية بل أشار إليها إجمال وأحال على تفسير الرازي ‪.‬‬
‫اليجي ‪ :‬المواقف‪.2/450 :‬‬
‫(‪ )22‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 91‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )23‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.98 -1/97:‬انظر ‪ 694‬تعليق‪ 120 :‬ملحظة‪.‬‬
‫(‪ )24‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪.112 -111:‬‬
‫(‪ )25‬النووي( ‪ )1277 -1233 /676 -631‬يحي بن شرف النووي الشافعي‪ .‬علمة بالفقه‬
‫والحديث ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.9/183 :‬‬
‫(‪ )26‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬وجه وقفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ 300‬ويورد‬
‫البيجوري ستة منها ثم يقول ‪ ":‬ومنها غير ذلك كما ذكره السيوطي"‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪:‬‬
‫‪.187‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/133‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫الشفاعة المختلف فيها‪:‬‬
‫أدلة مثبتي الشفاعة لهل الكبائر (‪)27‬‬
‫يقول جواد مغنية‪ ":‬والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول إيجابا أما من حيث‬
‫المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على‬
‫صحة النقل عن ال ورسوله" (‪. )28‬‬
‫أما محمد عبده فيرى أنه ليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة وما جاء متن آيات عديدة‬
‫تشير إلى الشفاعة ليس إل من المتشابهات (‪ )29‬وفعل نجد نفس اليات يتأولها الطرفان كل‬
‫حسب النفي أو الثبات‪.‬‬
‫أ) الدلة من القرآن الكريم (‪: )30‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ول يقبل منها شفاعة) (‪ )31‬يقول الرازي في تفسير هذه الية‪ ":‬هب أن العبرة‬
‫بعموم اللفظ ل بخصوص السبب إل إن تخصيص مثل هذا العام بذلك السبب المخصوص يكفي‬
‫فيه أدنى دليل فإذا قامت الدلئل على وجود الشفاعة وجب المصير الى تخصيصها"‪)32( .‬‬
‫ويقول أبو السعود‪ ":‬وقد تمسكت المعتزلة بهذه الية على نفي الشفاعة لهل الكبائر والجواب أنها‬
‫خاصة بالكفار لليات الواردة في الشفاعة والحاديث المروية فيها" (‪. )33‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ )34‬لقد جاء عند الرازي ما يلي‪ ":‬وجه‬
‫الستدلل به أن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى وكل من كان مرتضى عند ال تعالى‬
‫وجب أن يكون من أهل الشفاعة وغنما قلنا إن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى لنه‬
‫مرتضى عند ال بحسب إيمانه وتوحيده‪ ...‬وإذا ثبت أن صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملئكة‬
‫وجب دخوله في شفاعة النبياء وشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم ضرورة أنه ل قائل بالفرق" (‬
‫‪ )35‬ويقول الشعري إجابة عمن سأل عن هذه الية " فالجواب عن ذلك‪ (:‬إل لمن ارتضى) فهم‬
‫يشفعون له" (‪. )36‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) (‪)37‬‬

‫( ‪)2/134‬‬
‫يقول الرازي‪ ":‬والتقدير أن المجرمين ل يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إل إذا كانوا اتخذوا عند‬
‫الرحمن عهدا‪ ،‬فكل من اتخذ عند الرحمن عهدا وجب دخوله فيه‪ ،‬وصاحب الكبيرة اتخذ عند‬
‫الرحمن عهدا وهو التوحيد والسلم فوجب أن يكون داخل تحته" (‪. )38‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪( :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع) (‪ )39‬يقول الرازي فالجواب عنه أن قوله‬
‫( وما للظالمين من حميم ول شفيع) نقيض لقولنا للظالمين حميم وشفيع لكن قولنا للظالمين حميم‬
‫وشفيع موجبة كلية ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية والسالبة يكفي في صدقها تحقيق ذلك‬
‫السلب في بعض الصور‪ ،‬ول يحتاج فيه إلى تحقيق ذلك السلب في جميع الصور وعلى هذا نحن‬
‫نقول بموجبه عندنا لن عندنا أنه ليس لبعض الظالمين حميم ول شفيع يجاب وهم الكفار فأما أن‬
‫يحكم على كل واحد منهم بسلب الحميم والشفيع فل (‪." )40‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (‪ )41‬يقول الرازي " فهذا وارد في حق الكفار‬
‫وهو يدل بسبب التخصيص على ضد هذا الحكم في حق المؤمنين" (‪. )42‬‬
‫تلك بعض اليات التي رأى فيها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر دليل على موقفهم وقد اكتفينا بما جاء‬
‫عند الرازي لنه حلل القضية بحماس وكل من جاء بعده لم يخرج عن الدائرة التي رسمها (‪. )43‬‬
‫أ?) الدلة من الحديث الشريف‪:‬‬
‫واضح أن العمدة الساسية في قضية إثبات الشفاعة هي حديث الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫ويقول محمد عبده في هذا الشأن‪ ":‬ولكن ورد الحديث بإثباتها" (‪. )44‬‬
‫ومعلوم أن الستشهاد بالحديث يثير اكثر إشكال من القرآن الكريم ذاك لن التأويل مع القرآن‬
‫يتمثل نصا متفقا عليه عنه المسلمين بينما تتعلق بالحديث قضيتان فقضية السند وقضية المتن‬
‫ويكفي أن يضاف نفي لجملة ما فينقلب المعنى من الثبات الى عكسه وموضوع الشافعة تكدره‬
‫هذه النقطة بالذات كما سنرى‪.‬‬
‫وسنحاول أن ننتخب بعضا من الحاديث لنتبين كيف بتصرف مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ومن‬
‫ذلك‪:‬‬

‫( ‪)2/135‬‬

‫‪ -‬ما جاء عن أبي هريرة قال‪ " :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع‬
‫وكانت تعجبه فنهش ثم قال‪ :‬أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذلك؟ قالوا‪ ":‬ل يا رسول ال"‬
‫قال‪ ":‬يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس‬
‫فيبلغ الناس من الغم والكرب مال يطيقون فيقول بعض الناس لبعض‪ ":‬أل ترون ما أنتم فيه؟ أل‬
‫ترون ما قد بلغكم أل تذهبون إلى من يشفع لكم إلى ربكم"؟ فيقول بعض الناس لبعض‪ ":‬أبوكم آدم"‬
‫فيأتون آدم فيقولون ‪ ":‬يا آدم أنت أبو البشر خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملئكة‬
‫فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه‪ ،‬أل ترى ما قد بلغنا" فيقول لهم‪ ":‬إن ربي قد‬
‫غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته‪.‬‬
‫نفسي ‪ ،‬نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح"‪ .‬فياتون نوحا فيقولون‪ ":‬يا نوح أنت أول الرسل‬
‫إلى أهل الرض وسماك ال عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" فيقول لهم‪ ":‬إن‬
‫ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإن كانت لي دعوة دعوت‬
‫بها إلى قومي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم"‪ .‬فياتون إبراهيم عليه السلم فيقولون‪ ":‬أنت‬
‫إبراهيم نبي ال وخليله من أهل الرض اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه"‪ .‬فيقول لهم‬
‫إبراهيم‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وذكر كذباته‬
‫نفسي‪ ،‬نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى"‪ .‬فيأتون موسى ويقولون‪ ":‬يا موسى أنت رسول‬
‫ال فضلك ال برسالته وبكلمه على الناس اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه"‪ .‬فيقول لهم‬
‫موسى‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت‬
‫نفسا لم أؤمر بقتلها ‪،‬نفسي ‪ ،‬نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم"‪ .‬فيأتون عيسى‬
‫فيقولون‪ :‬أنت رسول ال وكلمته‬

‫( ‪)2/136‬‬

‫ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد‪ ،‬اشفع لنا الى ربك أل ترى ما نحن في؟"‬
‫فيقول لهم عيسى‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله ولم‬
‫يذكر له ذنبا ‪،‬نفسي‪ ،‬نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد" فيأتون فيقولون‪ ":‬يا محمد أنت‬
‫رسول ال وخاتم النبيين وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا الى ربك أل ترى ما‬
‫نحن فيه؟" فأنطلق وأستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء ال‬
‫أن يدعني ثم يقول لي‪ ":‬يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع‪ ،‬وسل تعطه واشفع تشفع" فأحمد ربي‬
‫بمحامد علمنيها‪ ،‬ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول‪ ":‬يا رب ما بقي في النار إل‬
‫من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" ‪)45( .‬‬
‫يقول الرازي بعد أن أثبت أن هذا واحد من الخبار‪ ":‬وغن كان مرويا بالحاد إل أنها (الخبار)‬
‫كثيرة جدا وبينها قدر مشترك واحد وهو خروج أهل العقاب من النار بسبب الشفاعة فيصير هذا‬
‫المعنى مرويا على سبيل التواتر فيكون حجة وال أعلم"‪)46( .‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ‪)47( .‬‬
‫رغم صراحة هذا النص فإن الرازي اضطر أمام مطاعن المنكرين من المعتزلة أن يقول‪ ":‬واعلم‬
‫أن النصاف أنه ل يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر ولكن بمجموع الخبار الواردة‬
‫في باب الشفاعة" (‪. )48‬‬
‫‪ -‬وما رواه أبو هريرة قال‪ " :‬لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي‬
‫شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء ال من مات من أمتي ل يشرك بال شيئا" قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪. )49( :‬‬
‫يقول الرازي‪ ":‬والستدلل به أن الحديث صريح في أن شفاعته صلى ال عليه وسلم تنال كل من‬
‫مات من أمته ل يشرك بال شيئا وصاحب الكبيرة كذلك فوجب أن تناله الشفاعة" (‪. )50‬‬

‫( ‪)2/137‬‬

‫‪ -‬وما جاء عن أبي سعيد الخدري قال‪ " :‬وأما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول‬
‫يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وقال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن‬
‫الشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على انهار الجنة‪ ،‬ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات‬
‫الحبّة تكون في حميل السيل" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪. )51( :‬‬
‫وقد اعتبره ابن حزم دليل على الشفاعة لهل الكبائر وإن لم تشر إليه الكتب الخرى التي وقفنا‬
‫عليها مثل تفسير الرازي وتفسير القرطبي وتفسير ابن عاشور‪.‬‬
‫‪ -‬وما جاء عند الشعري‪ ":‬ونقول إن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا (‪)52‬‬
‫بشفاعة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم " (‪. )53‬‬
‫هذه مجموعة الحاديث التي يستدل بها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ويناقش الشعري المعتزلة‬
‫بشدة لنفيهم مثل هذه الشفاعة الى أن يقول‪ ":‬وإنما الشفاعة المعقولة في من استحق عقابا أن‬
‫يوضع عنه عقابه أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل به عليه فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فل‬
‫وجه لهذا" (‪. )54‬‬
‫تلك هي الدلة النقلية التي أثبت بها هؤلء الشفاعة لهل الكبائر فكيف كان رد المنكرين لها على‬
‫هذا الصحيح؟‬
‫==========================‬
‫(‪ )27‬الشاعرة والمامية‪ ".‬والذي يذهب إليه أبو هاشم هو أنه تحسن الشفاعة مع إصرار المذنب‬
‫على الذنب كما في العفو"‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول‪.688 :‬‬
‫(‪ )28‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.1/97:‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )30‬ل نرى ضرورة بأن نورد كل ما استدل به وإنما ننتخب ما نراه أكثر تعبيرا عن الغرض‪.‬‬
‫(‪ 2 )31‬البقرة ‪ .48‬والخطاب موجه في السياق لبني إسرائيل والية هي‪ ]:‬واتقوا يوما ل تجزي‬
‫نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها شفاعة ول يؤخذ منها عدل ول هم ينصرون[‪.‬‬
‫(‪ )32‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65:‬‬

‫( ‪)2/138‬‬

‫(‪ )33‬أبو السعود ‪ :‬تفسير أبي المسعود ‪ 1/121‬وعن أبي السعود (‪ )1879 /1295‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪.3/142‬‬
‫(‪ 21 )34‬النبياء ‪ 28‬والحديث في السياق عن فضائل الملئكة والية ] يعلم ما بين أيديهم وما‬
‫خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون[‪.‬‬
‫(‪ )35‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.22/60‬‬
‫(‪ )36‬الشعرية ‪ :‬البانة ‪.178‬‬
‫(‪ 19 )37‬مريم ‪ 87‬والسياق يذكر حال المتقين والمجرمين يوم القيامة‪ ،‬وهو ‪ ]:‬يوم نحشر المتقين‬
‫إلى الرحمان وفدا(‪)85‬ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا(‪)86‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند‬
‫الرحمان عهدا[(‪ 19‬مريم ‪.)87 -85‬‬
‫(‪ )38‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.60 -3/59‬‬
‫(‪ 40 )39‬غافر ‪ 18‬والية ‪ ]:‬وأنذرهم يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من‬
‫حميم ول شفيع يطاع[‪.‬‬
‫(‪ )40‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫(‪ 74 )41‬المدثر ‪ 48‬والسياق يعرض الجواب عن تساؤل أصحاب اليمين عن السباب التي أدت‬
‫بالمجرمين إلى الجحيم‪ ].‬قالوا لم نك من المصلين(‪)43‬ولم نك نطعم المسكين(‪)44‬وكنا نخوض مع‬
‫الخائضين(‪)45‬وكنا نكذب بيوم الدين(‪)46‬حتى أتانا اليقين(‪)47‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين[‪.‬‬
‫(‪ )42‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪ .380 -1/379 :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪. 1/487 :‬ر‪.‬‬
‫اليجي ‪:‬المواقف‪.2/450 :‬‬
‫(‪ )44‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬أنبياء ‪ .3‬تفسير سورة السراء ‪ .5‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ 328 .327‬أبو داود‪ :‬اطعمه‬
‫‪ (6‬الترمذي‪ :‬طعمه ‪ ، 34‬قيامة ‪ ،10‬ابن ماجة طعمه ‪ 28‬أحمد ابن حنبل ‪...1/334‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪ .2/176‬ويقول الرازي بعد نقل الحديث‪ ":‬واكثر هذا الخبر مخرج بلفظة في‬
‫الصحيحين" ‪ .‬التفسير الكبير‪.3/65 :‬‬
‫(‪ )46‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫( ‪)2/139‬‬

‫(‪ )47‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪ .63 -3/62 :‬رواه أبو داود رقم ‪ 4739‬في السنة باب في الشفاعة‬
‫‪ ،‬والترمذي رقم ‪ )2438( 2437‬في الزهد باب رقم ‪ ، 12‬وأحمد في المسند‪ ،‬وابن حبان والحاكم‬
‫عن انس رضي ال عنه ‪ ،‬والترمذي وابن ماجة والحاكم عن جابر بن عبدال رضي ال عنهما‪،‬‬
‫وهو حديث صحيح ‪.‬ر‪ .‬تحقيق البانة تعليق ‪.178 :46‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.3/151‬‬
‫(‪ )48‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.3/63‬‬
‫(‪ )49‬نفس المصدر‪ .63 :‬وعن الحديث ر‪ .‬البخاري توحيد ‪ ،31‬دعوات ‪ .1‬مسلم‪ :‬إيمان ‪،334‬‬
‫‪ .345‬الترمذي ‪ :‬دعوات ‪ . 130‬ابن ماجة ‪ :‬زهد ‪ .37‬الدارمي ‪:‬سير ‪ ،28‬رقاق ‪ .85‬الموطأ ‪:‬‬
‫قرآن ‪ .26‬أحمد ابن حنبل ‪...1/281‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 3/152 :‬وقد أورده ابن حزم‬
‫في المحلى ‪ 1/17:‬إل أنه وقف عند قوله ‪ ":‬لمتي يوم القيامة" وكذلك فعل الطاهر بن عاشور‪:‬‬
‫التحرير والتنوير‪.1/487 :‬‬
‫(‪ )50‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.3/63‬‬
‫(‪ )51‬رواه ابن حزم بسنده في المحلى ‪ 1/17:‬وسنده هو‪ :‬حدثنا نصر بن علي حدثنا بشر يعني‬
‫ابن الفضل‪ -‬عن أبي سلمة‪ -‬هو سعيد بن زيد ‪ -‬عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري‪ .‬انظر ما‬
‫سبق‪.626 :‬‬
‫(‪ )52‬محشت النار جلده‪ :‬أحرقته‪ .‬ما يلي‪750 -749 :‬‬
‫(‪ )53‬حديث الخراج من النار أخرجه البخاري ‪ 11/399‬في الرقاق‪ ،‬باب الصراط جسر جهنم‪.‬‬
‫ومسلم رقم ‪ 182‬في اليمان باب معرفة طريق الرؤية من حديث أبي هريرة‪ .‬والدارمي‪-1/27 :‬‬
‫‪ 28‬باب ما اعطى النبي ‪ e‬من الفضل من حديث انس بن مالك‪.‬‬

‫( ‪)2/140‬‬

‫وحديث الشفاعة رواه البخاري ‪ 397 -13/395‬في التوحيد باب كلم الرب تعالى يوم القيامة مع‬
‫النبياء وغيرهم و ‪ 13/332‬باب قوله تعالى‪ ] :‬لما خلقت بيدي[(ص ‪ )75‬و ‪ 398 /13‬باب قوله‬
‫تعالى ‪ ] :‬وكلم موسى تكليما[(‪ 4‬النساء ‪ )164‬و ‪ 122 /8‬في تفسير سورة البقرة باب‪ ] :‬علم آدم‬
‫السماء كلها[(‪ 2‬البقرة ‪ )31‬ومسلم رقم ‪ 193‬من حديث انس بن مالك ‪ ،‬والبخاري ‪6/264‬و ‪265‬‬
‫ومسلم (‪ )194‬في اليمان‪ :‬باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها من حديث أبي هريرة ‪ .‬والبخاري‬
‫‪11/367‬و ‪ 371‬من حديث جابر‪ .‬الشعري‪ :‬البانة‪ 23 :‬وتخريج الحاديث عن نفس الكتاب‬
‫تعليق ‪ 2‬ص ‪ 14‬وتعليق ‪ 10‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )54‬الشعرية‪ :‬البانة‪.179 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/141‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫أدلة منكري الشفاعة لهل الكبائر (‪: )55‬‬
‫ذكرنا أن كل الفرق مقرة بوقوع الشفاعة إل أن الختلف بدا واضحا في من تكون هذه الشفاعة‬
‫والباضية والمعتزلة يعتبرون أنها خاصة بالمؤمنين الموفين فما أدلتهم على ذلك من كتاب ال‬
‫ومن سنة نبيه صلى ال عليه وسلم ؟‬
‫أ?) الدلة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫لقد جمع عمرو التلتي كل اليات التي احتج بها المثبتون في سياق واحد مع آيات أخر‪ ،‬واعتبرها‬
‫دليل على أن الشفاعة للمؤمنين فقط فقال‪ ":‬إن أصحابنا رحمهم ال تعالى قالوا إن الشفاعة حتى ل‬
‫شك فيه وإنها للمؤمنين ل لهل الكبائر العاصيين والفجار الفاسقين لقوله تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل‬
‫لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )56( )28‬وسنبين موقف المنكرين من نفس اليات التي اعتمدها‬
‫المثبتون لتبيين مدى قوة حجتهم‪.‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى ( ول يقبل منها شفاعة) (‪ 2‬البقرة ‪ )48‬لقد رد يوسف المصعبي على البيضاوي بأن‬
‫العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب (‪ )57‬ولقد نفى محمد اطفيش عن هذه الية التخصيص‬
‫الذي احتج به المثبتون فقال‪ ":‬ول يخفى أن النفس التي ذكر ال عز وجل أنها ل تجزي عنها نفس‬
‫ول يقبل شفاعة شافع لها‪ ،‬ول فداء ول تنصر هي التي أوبقتها معاصيها وماتت مصرة عن حق‬
‫لزمها فكل نفس بهذه الصفة ل شفاعة فيها مشركة أو فاسقة‪ ،‬فل شفاعة لهل الكبائر المصرين‬
‫والخطاب في قوله(واتقوا) ولو كان لبني إسرائيل لكن قوله( ول تجزي نفس عن نفس شيئا) الخ‬
‫عام ول يمكن أن يقال خاص" (‪ )58‬ثم يذكر كل الحاديث التي تدعم موقفه (‪. )59‬‬

‫( ‪)2/142‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ ( :‬ل يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )28‬يقول يوسف المصعبي‪ ":‬قوله أن لهم‬
‫ومثله قول البيضاوي أن يشفع له مهابة منه وفي هذا التفسير صرف للية عن ظاهرها لتكون‬
‫وفق معتقدهم من جواز الشفاعة للعصاة مع أن الية بظاهرها ناعية على بطلن ما ذهبوا إليه‪.‬‬
‫وأما صاحب الكشاف ففسرها على ظاهرها حيث قال‪ ":‬ومن تحفظهم انهم ل يحسرون أن يشفعوا‬
‫إل لمن ارتضاه ال وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم والحاصل أن الشفاعة تكون لراحة‬
‫الخلق من الوقوف وتمسى الشفاعة العظمى وتكون للمسلمين برفع الدرجات كما هو معلوم" (‪)60‬‬
‫‪.‬‬
‫ويقول السالمي ‪ ":‬ففي الولى (يشير الى هذه الية) تصريح بان الشفاعة مقصورة على من‬
‫ارتضاه ال تعالى (‪." )61‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) (‪ 19‬مريم ‪ )62( )87‬قال‬
‫تبغورين ‪ ":‬وعهده الوفاء بدينه" (‪ )63‬ويقول محشية‪ ":‬هذا أحد تفسيرين ذكرهما الشيخ هود‬
‫والثاني المحافظة على الصلوات الخمس وقال بعضهم إل من اتخذ عند الرحمن عهدا بعمل‬
‫صالح" (‪ )64‬كما يقول يوسف المصعبي‪ ":‬المناسب لما هو المعتقد عندنا ما فسر به العهد صاحب‬
‫الكشاف حيث قال‪ ":‬واتخاذ العهد الستظهار باليمان والعمل" (‪. )65‬‬
‫كما يرى أن في استدلل تبغورين بهذه الية نظرا " وذلك أن المقصود إنما هو الرد بهذه الدلة‬
‫على من يثبت الشفاعة للعصاة الموحدين كما دل سياق كلمه‪ .‬وظاهر هذه الية يدل على أن‬
‫الشافعي ل يأتيها‪ -‬الشفاعة‪ -‬إل إن كان ممن اتخذ عند الرحمن عهدا على ما سبق من تفسير‬
‫العهد‪ ،‬والكلم في المشفوع له ل في الشافع وال أعلم" (‪ . )66‬والحقيقة أن الية تحتمل المشفوع‬
‫له أيضا كما ذهب إلى ذلك الرازي وإن اتخذ موقفا آخر في التأويل (‪ )67‬وكما أشار إلى ذلك‬
‫الزمخشري كما ذكرنا ذلك في التعليق‪.‬‬

‫( ‪)2/143‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع) (‪ 40‬غافر ‪ :)18‬قال محمد اطفيش‪ ":‬أي‬
‫ل شفيع البتة فضل عن أن يطاع فل شفاعة ول طاعة شفيع قال الحسن‪ :‬وال ما يكون لهم البتة‬
‫شفيع (‪ )68‬وهذا هو المراد‪...‬ويجوز أن يراد الظالم مشركا أو موحدا" (‪. )69‬‬
‫ويقول السالمي ‪ :‬وفي الثالثة( يشير إلى هذه الية) دليل على نفيها (الشفاعة عن الظالم وهو اسم‬
‫لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره فل تخص المشركين كما زعموا فغنها وإن كان سبب نزولها فيهم‬
‫فل عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ" (‪. )70‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (‪ 74‬المدثر ‪)48‬‬
‫يقول محمد اطفيش ‪ ":‬أو المراد انتفاء الشافع فضل عن أن يشفع وذلك من نفي اللزم بانتفاء‬
‫الملزوم والسبب انتفاء المسبب كقولك‪ ":‬ل أراك هنا" أي ل تكن هنا فضل عن أن أراك" (‪. )71‬‬
‫هذه وقفات منكري الشفاعة لهل الكبائر عند بعض اليات ويحسن أن نذكر بقية اليات التي‬
‫يستشهدون بها كما جاءت في شرح النونية‪.‬‬
‫"‪ ...‬وقوله تعالى‪ ( :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة إل لمن أذن له الرحمن) (‪ 20‬طه ‪ )109‬وقوله تعالى‬
‫حكاية عن أهل الكبائر‪ ( :‬فما لنا من شافعين ول صديق حميم) (‪ 26‬الشعراء ‪ )100‬وقوله‪:‬‬
‫( واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا) (‪ 31‬لقمان ‪ )33‬أي ل‬
‫يجزي والد عن ولده المطيع أمر ال عز وجل ونهيه ول مولود عن والده المضيع لهما أيضا" (‬
‫‪. )72‬‬
‫وجاء ذكر آيات أخر في أصول تبغورين‪ :‬مثل (يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم‬
‫ينصرون) (‪ 44‬الدخان ‪.)41‬‬
‫كما يقول تبغورين" وكيف يشفع النبي صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر بعدما أخبر ال عنهم أنهم‬
‫أعداؤه في قوله ( الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين) (‪ 43‬الزخرف ‪ )67‬وفي قوله‪( :‬‬
‫فإن ال عدو للكافرين) (‪ 2‬البقرة ‪ )98‬وقالت الملئكة عليهم السلم (فاغفر للذين تابوا واتبعوا‬
‫سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (‪ 40‬غافر ‪...)7‬‬

‫( ‪)2/144‬‬

‫وقول ال‪ ( :‬ل ينال عهدي الظالمين) (‪ 2‬البقرة ‪ )124‬وقال ال في الزاني‪ ( :‬ول تأخذكم بهما‬
‫رأفة في دين ال) (‪ 24‬النور ‪ )3‬هذا في حدود الدنيا التي يتراحم فيها العباد بالترك والعفو‬
‫والعراض عنها وكيف بالخرة التي ل تواصل فيها ول تراحم" (‪ )73‬مع الستشهاد بما جاء في‬
‫آيات تثبيت الخلود لمرتكبي الكبائر (‪. )74‬‬
‫كما أورد أبو مهدي ما يلي‪ ":‬وقال ال تعالى‪ ( :‬يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة)‬
‫‪...‬الية (‪ )75‬وقال في امرأة نوح ولوط ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم‬
‫يغنيا عنهما من ال شيئا) (‪ 66‬التحريم ‪ )10‬فكيف طمع أهل الكبائر المصرين عليها مع هذا في‬
‫شفاعة الرسول صلى ال عليه وسلم " (‪. )76‬‬
‫وقبل أن نقارن بين الستدللت يحسن أن نورد احتجاج منكري الشفاعة لهل الكبائر بالحديث‬
‫الشريف‪.‬‬
‫==================‬
‫(‪ )55‬المعتزلة والباضية ‪.‬‬
‫(‪ )56‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني النور‪ 301 :‬وسلك‬
‫السالمي نفس المسلك ر‪ .‬المشارق ‪ .287‬وكذلك المحشي حاشية الترتيب‪ 4/102 :‬وكذلك‬
‫تبغورين‪ :‬أصول الدين ‪ 71 -70‬وكذلك القاضي عبد الجبار الصول‪ 689 :‬وفي كتاب فضل‬
‫العتزال ‪ .208 -207 :‬وأورد الرازي احتجاجهم بهذه اليات للرد عليها‪ .‬التفسير الكبير‪:‬‬
‫‪.1/63‬‬
‫(‪ )57‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 33‬قفا‬
‫(‪ )58‬امحمد اطفيش هيميان الزاد ط ‪.23 /2 :2‬‬
‫(‪ )59‬انظر ما يلي سنورد هذه الحاديث ‪.677‬‬
‫ويقول الزمخشري‪" :‬فان قلت هل فيه دليل على أن الشفاعة للعصاة؟" قلت ‪ ":‬نعم لنه نفى أن‬
‫تقضي نفس عن نفس حقا أخلت به من فعل أو ترك‪ ،‬ثم نفى ألن تقبل منها شفاعة شفيع‪ ،‬فعلم‬
‫أنها ل تقبل للعصاه"‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪.1/279‬‬
‫ويذكر الرازي عن المعتزلة في شأن هذه الية ما يلي‪ ":‬هذه الية قالوا إنها تدل على نفي الشفاعة‬
‫من ثلثة أوجه‪:‬‬

‫( ‪)2/145‬‬

‫الول ‪ :‬قوله تعالى‪ ] :‬ل تجزي نفس عن نفس شيئا[ ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكان قد‬
‫أجزت نفس عن نفس شيئا‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬قوله تعالى‪ ]:‬ول يقبل منها شفاعة[ وهذه نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الشفاعة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قوله تعالى‪ ]:‬وهم ل ينصرون[ (‪ 41‬فصلت ‪ )16‬ولو كان محمد ‪ e‬شفيعا لحد من العصاة‬
‫لكان ناصرا له وذلك على خلف الية"‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪ ..3/56‬ويقول القاضي عبد‬
‫الجبار ‪ ":‬إن من حكم ذلك اليوم أن المرء ينتفع بعمله دون هذه المور وأن العقاب ل يتخلصون‬
‫إل بما يكون منهم في الدنيا من التوبة وتلفي المعصية ‪ ".‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬تنزيه القرآن عن‬
‫المطاعن ‪.24 :‬‬
‫(‪ )60‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 580‬قفا و ‪ 581‬وجه ‪.‬ر‪.‬‬
‫الزمخشري‪ :‬الكشاف‪.2/569 :‬‬
‫(‪ )61‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫ويستدل القاضي عبد الجبار بالية في سياق نفي الشفاعة لهل الكبائر في الصول ‪ ،289:‬وفي‬
‫فضل أهل العتزال‪.207 :‬‬
‫ويورد الرازي قول المعتزلة فيها بما نصه‪ ":‬أخبر تعالى عن ملئكته أنهم ل يشفعون لحد إل أن‬
‫يرتضيه ال عز وجل ‪ ،‬والفاسق ليس بمرتضي عند ال تعالى ‪ :‬وإذا لم تشفع الملئكة فكذا‬
‫النبياء عليهم السلم لنه ل قائل بالفرق‪ "،‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪.3/57‬‬
‫(‪ )62‬قال الزمخشري ويجوز أن ينتصب (عهدا) على تقدير حذف المضاف أي إل شفاعة من‬
‫اتخذ‪ ،‬والمراد ل يملكون أن يشفع لهم‪ ،‬واتخاذ العهد الستظهار بالعمل الصالح ‪...‬وقيل كلمة‬
‫الشهادة أو يكون من عهد المير إلى فلن بكذا‪ ،‬إذا أمره به أي ل يشفع إل المأمور بالشفاعة‬
‫المأذون له فيها وتعضده مواضع في التنزيل‪ ].‬وكم من ملك في السماوات ل تغني شفاعتهم شيئا‬
‫إل من بعد أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى[ (‪ 53‬النجم ‪ )26‬الكشاف‪.2/525 :‬‬
‫(‪ )63‬تبغورين ‪ :‬أصول الدين‪.71 :‬‬
‫(‪ )64‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪115:‬‬

‫( ‪)2/146‬‬

‫(‪ )65‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 562‬قفا‪ .‬ثم نقل الحديث الذي ذكره‬
‫الكشاف‪ .‬واكتفى بذلك‪.‬‬
‫(‪ )66‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪116 :‬‬
‫(‪ )67‬انظر ما سبق‪664 :‬‬
‫(‪ )68‬وقد نقل الزمخشري نفس الرواية عن الحسن ‪ .‬الكشاف‪.3/421 :‬‬
‫(‪ )69‬محمد أطفيش تيسير التفسير ط ‪5/112 :1‬‬
‫ويستشهد القاضي عبد الجبار بالية في نفس السياق فيقول‪ ":‬فال تعالى نفى أن يكون للظالمين‬
‫شفيع البتة فلو كان النبي شفيعا للظالمين لكان ل أجل ول أعظم منه ‪ .‬الصول الخمسة ‪ .689‬كما‬
‫يقول ‪:‬ذلك‪ ( :‬أي ورود الية بعد قوله تعالى‪ ]:‬وأنذرهم يوم الزقة إذ القلوب لدى الحناجر‬
‫كاظمين[ يمنع من صرف قوله‪]:‬ما للظالمين[ إلى أن الراد بها للدنيا دون الخرة‪ .‬فضل العتزال‪:‬‬
‫‪ 208‬ويقول الزمخشري‪ :‬فان قلت‪ :‬ما معنى قوله تعالى‪ ]:‬ول شفيع يطاع[؟‬
‫قلت ‪ :‬يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا‪ ،‬وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة‪ ...‬فان‬
‫قلت‪ :‬فعلى أي الحتمالين يجب حمله؟ قلت‪ :‬على نفي المرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم‬
‫أولياء ال ل يحبون ول يرضون إل من أحبه ال ورضيه وإن ال ل يحب الظالمين فل يحبونهم‪،‬‬
‫وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم‪ .‬قال تعالى ‪ ] :‬وما للظالمين من أنصار[(‪ 2‬البقرة‬
‫‪ )270‬وقال‪ ]:‬ول يشفعون إل لمن ارتضى[(‪ 21‬النبياء ‪ )28‬ولن الشفاعة ل تكون إل في زيادة‬
‫التفضل‪ ،‬وأهل التفضل وزيادته إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى‪]:‬ويزيدهم من فضله[(‬
‫‪4‬النساء ‪ . )173‬الكشاف ‪421 -3/420‬‬
‫وينقل الرازي عن المعتزلة ما يلي‪ ":‬والظالم هو التي بالظلم وذلك يتناول الكافر وغيره"‪ .‬التفسير‬
‫الكبير‪.3/56 :‬‬
‫(‪ )70‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫(‪ )71‬محمد أطفيش تيسير التفسير ط ‪.6/415 :1‬‬

‫( ‪)2/147‬‬
‫يقول الزمخشري‪ :‬أي لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملئكة والنبيين وغيرهم لم تنفعهم‬
‫شفاعتهم لن الشفاعة لمن ارتضاه ال وهم مسخوط عليهم‪ ،‬وفيه دليل على أن الشفاعة تنفع لنها‬
‫تزيد درجات المرتضين‪ .‬الكشاف‪ .4/187 :‬ويختصر الرازي استدلل المعتزلة بالية كما يأتي‪":‬‬
‫ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت الشفاعة قد تنفعهم وذلك ضد الية ‪ .‬التفسير‪.3/57 :‬‬
‫ويعتبر محمد عبده الية ناطقة بنفي منفعة الشفاعة‪ .‬تفسير المنار‪ 1/307 :‬ويحسن هنا أن نورد‬
‫حوصلة مهمة لصاحب المنار حول عدة آيات في الشفاعة خلص منها إلى انتقاء وجود نص‬
‫قطعي الدللة على الشفاعة في القرآن الكريم" في القرآن آيات ناطقة بنفي الشفاعة مطلقا كقوله‬
‫تعالى في وصف يوم القيامة ] ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة[ (‪ 2‬البقرة ‪ )254‬وأخرى ناطقة بنفي‬
‫الشفاعة كقوله عز وجل ‪] :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ (‪74‬المدثر ‪ )48‬وآيات تفيد النفي بمثل‬
‫قوله‪ ]:‬إل بإذنه[(‪ 2‬البقرة ‪ )255‬وقوله‪ ]:‬إل لمن ارتضى[(‪ 21‬النبياء ‪ )28‬فمن الناس من يحكم‬
‫الثاني بالول ‪ ،‬ومنهم من يرى أنه ل منافاة بينهما فتحتاج إلى حمل أحدهما على الخر لن مثل‬
‫هذا الستثناء أي الستثناء بالذن والمشيئة معهود في أسلوب القرآن في مقام القطعي للشعار بأن‬
‫ذلك بإذنه ومشيئته عز وجل‪ .‬كقوله تعالى‪ ] :‬سنقرئك فل تنسى إل ما شاء ال[ (‪ 87‬العلى ‪)7‬‬
‫وقوله‪ ]:‬خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك[(‪11‬هود ‪ .)108‬فليس في‬
‫القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ولكن ورد الحديث بإثباتها في معناها‪ .‬تفسير المنار‪:‬‬
‫‪.1/307‬‬
‫(‪ )72‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪301 :‬‬
‫(‪ )73‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين‪.71 :‬‬
‫(‪ )74‬انظر ما يلي‪729 :‬‬
‫(‪ )75‬الحزاب ‪ ]30‬يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على ال يسيرا[‬
‫(‪ )76‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل ‪ :‬الرد على البهلولي‪.156 -155 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/148‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫ب) الحتجاج بالحديث الشريف‪:‬‬
‫إن المتأمل في احتجاج الطرفين يدرك حقيقة ما وصل إليه محمد عبده (‪ )77‬من أن الساس في‬
‫إثبات الشفاعة هو حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ذلك أن كل محتج إذا استعصى عليه‬
‫التأويل يفزع إلى الحديث ليدعم موقفه ومعلوم أن الحديث جاء مبينا لما جاء مجمل في كتاب ال‬
‫تعالى لكن هنا تختلف الروايات وباختلفها تتباين المواقف وتتباعد وسنقف عند نفس الحاديث‬
‫التي استدل بها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر كما يرويها المثبتون‪.‬‬

‫( ‪)2/149‬‬

‫‪ -‬جاء في الجامع الصحيح ما يلي‪ :‬ذكر لنا في حديث الشفاعة (‪ )78‬أن أهل اليمان يحبسون في‬
‫الموقف بعدما قد بشروا عند الموت وبعد ما أجابوا عند المحنة في القبور أن ال ربهم قد غفر لهم‬
‫وأخذهم كتبهم بأيمانهم وابيضت وجوههم وثقلت موازينهم وأراد ال أن يدخلهم الجنة بالشفاعة‬
‫والشفاعة مخزونة ل يصل إليها نبي ول ملك حتى يفتحها الرسول صلى ال عليه وسلم قال‬
‫والنبياء ومن اتبعهم محبوسون الولون والخرون‪ ،‬قال‪ :‬فينما هم كذلك فيقولون‪ ":‬لو استشفعنا‬
‫الى ربنا فيريحنا من هذا المقام" فيقول بعضهم لبعض‪ ":‬عليكم بآدم" فيأتونه فيقولون‪ ":‬أنت الذي‬
‫خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملئكته فلو استشفعت لنا الى ربك فيريحنا من هذا‬
‫المقام" فيقول‪ ":‬فني أكلت الشجرة التي نهاني ال عنها وإني استحيي من لقاء ربي ولكن عليكم‬
‫بنوح فإنه أول نبي أرسله" فيأتون نوحا فيقولون‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك" فيقول‪ ":‬غني سألت ربي‬
‫ما ليس لي به علم وأنا استحي من لقاء ربي لكن عليكم بإبراهيم خليل الرحمن" فيأتونه فيقولون‬
‫له‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك"‪ .‬فيقول إني استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بموسى كليم ال"‪ .‬فيأتونه‬
‫فيقولون له‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك" فيقول‪ ":‬غني قتلت نفسا فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم‬
‫بعيسى فإنه روح ال وكلمته" فيأتونه فيقولون له‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك" فيقول‪ ":‬إني عبدت من‬
‫دون ال فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم عبد قد غفر ال ما تقدم‬
‫من ذنبه وما تأخر" قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬فيأتوني فامشي بين سماطين من المؤمنين‬
‫فأقرع باب الجنة فإذا فتح لي (كذا) ثم يقال لي‪ ":‬يا محمد اشفع نشفعك فيقول‪ :‬يا رب ما بقي إل‬
‫من حبسه القرآن" يعني وجب عليه الخلود في النار" قال لهل العلم‪ :‬هو المقام المحمود الذي يحمده‬
‫فيه الولون والخرون حيث نجاهم ال من ذلك المقام ويحمده الولون بما فتح لهم من الشفاعة‬
‫وكانت‬

‫( ‪)2/150‬‬

‫مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا شفع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يشفع آدم في وقت له في ولده ثم يشفع النبياء كل نبي يشفع لمته ويشفع المؤمنون‬
‫وكذلك شاء ال أن يدخل المؤمنون الجنة بالشفاعة حتى بلغنا أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل‬
‫بيته إذا كانوا مؤمنين متقين" (‪ )79‬ويحلل المحشي هذا الحديث تحليل ضافيا ويستشهد بأقوال من‬
‫سبقه من علماء الباضية خاصة منهم الجيطالي وتبغورين ويتبنى مواقفهم كما يقارنها بأقوال‬
‫ورادة في الصحاح ويناقشها وتتمثل عصارة تحليله في قوله‪ :‬وهي (الشفاعة) عند أصحابنا في‬
‫الحساب بعد طول مقام على أرجلهم وبعد أن بشر أصحاب اليمان وأخذوا كتبهم بأيمانهم فشع لهم‬
‫حتى أراحهم ال من الموقف وهي تشريف منازلهم وترفيع لدرجاتهم لن من أوجب له القرآن‬
‫الخلود في النار ل شفاعة له" (‪79‬مكرر ) ‪.‬‬
‫كما يرد بشدة على القوال التي حشرت المتقين في عذاب أهوال يوم القيامة فيقول نقل عن‬
‫تبغورين‪ ":‬وهذا من تزيين الشيطان لهم في أحاديثهم وكيف يكون هذا في المسلمين بعد قول ال‬
‫عز وجل ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) (‪ 19‬مريم‬
‫‪ )86‬وقوله‪ ( :‬ل يسمعون حسيسها) (‪ 21‬النبياء ‪ )102‬أم كيف يكون المؤمن مضبطا على بطنه‬
‫وقد قال ال في كتابه ( ل خوف عليهم ول هم يحزنون) (‪ 46‬الحقاف ‪ )13‬وما وصفهم من‬
‫الغضارة والنضارة‪ ...‬ولكن الصراط المستقيم هو دين ال الذي افترضه ال على عباده والعدل‬
‫الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات ولذلك يشبهونه بحد السيف المرهف والشفرة‬
‫الرقيقة الدقيقة فل يميزها إل ذو الحجا والنهي والبصيرة النافذة مع عون ال وتوفيقه" (‪. )80‬‬

‫( ‪)2/151‬‬

‫ثم يقول مبينا موقفه الشخصي‪ ":‬أقول ‪ :‬ومما يدل على أن المسلمين ليس عليهم شيء من أهوال‬
‫الخرة وإن كانوا يشاهدونها قول عز وجل‪ ( :‬ل يحزنهم الفزع الكبر) (‪ 21‬النبياء ‪...)103‬‬
‫وقوله‪ ( :‬وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) (‪ 75‬القيامة ‪ )23‬أي منتظرة متى يؤذن لها في‬
‫دخول الجنة الى غير ذلك من اليات الدالة على أن المسلم ل حرج عليه يوم القيامة في موطن‬
‫من المواطن لن ال ل يجمع على شخص واحد آمنين أو خوفين بل من أمن في الدنيا خاف في‬
‫الخرة ‪ ،‬ومن خاف في الدنيا أمن في الخرة‪ ،‬وفي الحديث " ل راحة للمؤمن دون لقاء ربه" (‬
‫‪ )81‬الى غير ذلك من الحاديث فالظاهر أن معنى قول المسلمين عند طلب الشفاعة " فيريحنا من‬
‫هذا المقام" أي لما فيه من النظر إلى الهوال وأن يصل إليهم منها شيء لنهم آمنون مطمئنون‬
‫جعلنا ال منهم آمنين" (‪. )82‬‬
‫‪ -‬وما جاء عن جابر بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ليست شفاعتي لهل الكبائر من‬
‫أمتي" ‪ ...‬يحلف جابر عند ذلك ما لهل الكبائر شفاعة لن ال أوعد أهل الكبائر النار في كتابه‪،‬‬
‫وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لهل الكبائر فوال ما عن القتل والزنا والسحر‬
‫وما أوعد ال عليه النار‪ .‬وذكر عن أنس بن مالك يقول‪ :‬إنكم لتعملون أعمال هي أدق في أعينكم‬
‫من الشعر ما كنا نعدها على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل من الكبائر" (‪. )83‬‬
‫ويقول السالمي في شأن هذا الحديث‪ ":‬وخالفت الشاعرة فيها (الشفاعة) فأثبتوها لهل الكبائر‬
‫تعويل على حديث رووه‪ " :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" (‪ )84‬ويجاب بوجوه‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬انه خبر واحد ل يعارض القطعي‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬أنه لو لم يعارض قطعيا لما أوجب العلم‪.‬‬

‫( ‪)2/152‬‬

‫وثالثها‪ :‬انه عارضته رواية مثلها ونصها‪ " :‬ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي" فهذه بتلك على‬
‫أن هذه قد عضدها الكتاب وتلك قد خالفته فوجب إما القول بوضع تلك الرواية إذ لو كانت‬
‫الشفاعة لهل الكتاب لتقرب إليه المتقربون بالكبائر (‪. )85‬‬
‫وإما القول بأنها معلقة بشرط دل عليه الكتاب وهو ما إذا تابوا فإن من فعل كبيرة وتاب منها كان‬
‫مستحقا لن يشفع له غيره‪ ،‬ول يلزم من هذا تخصيص الشفاعة لمن أتى الكبيرة ثم تاب منها دون‬
‫من أوفى في طول عمره لتغليب من عصى فتاب على من لم يعص قط والفائدة في تخصيصهم‬
‫بالذكر دفع إياسهم من رحمة ال وتسهيل الطريق لهم ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل‬
‫تقنطوا من رحمة ال) (‪ 39‬الزمر ‪. )86( " )53‬‬
‫ويستدل المحشي بما أورده الجيطالي من أدلة من القرآن ومن الحديث الى أن يصل إلى ما نقله‬
‫منسوبا الى جابر بن زيد وهو قوله‪ ":‬وال ما شفاعة الملئكة والنبيين والمؤمنين إل للتائبين" وكان‬
‫يقول‪ ":‬ما نالت دعوة مؤمن منافقا قط" وقوله‪ ":‬الشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها‬
‫إلى الثواب‪ ،‬ولكن الشفاعة للمؤمنين زيادة لهم في الثواب وتشريف المنازل وبال التوفيق" (‪. )87‬‬
‫ثم ينقل المحشي نصوصا عن الجيطالي والغزالي أساسها أن ما كان يعتبر كبائر عند الصحابة‬
‫وعلماء الخرة صار يعتبر من الصغائر أو من المعروف أحيانا في العصور المتأخرة هذا‬
‫توضيحا لتعليق جابر بن زيد على رواية أنس بن مالك (‪. )88‬‬
‫ثم إلى جانب هذا الحديث تورد المصادر الباضية أحاديث أخرى في هذا النسق إل أنها ل تلتفت‬
‫إلى بقية الحاديث التي اعتمدها المثبتون (‪ . )89‬ومما ترويه هذه المصادر‪ :‬ما جاء عن جابر بن‬
‫زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل صالح وبرحمة ال‬
‫وشفاعتي" ‪.‬‬
‫‪ -‬وبنفس السند‪ " :‬ل تنال شفاعتي الغالي في الدين ول الجافي عنه" (‪. )90‬‬

‫( ‪)2/153‬‬

‫‪ -‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬صنفان من أمتي ل تنالهما شفاعتي يوم القيامة‪ ...‬قال‪ :‬القدرية‬
‫والمرجئة " (‪. )91‬‬
‫ويورد تبغورين أحاديث أخرى بدون سند وهي قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬يا فاطمة بنت‬
‫رسول ال ويا صفية عمة الرسول اعمل لنفسكما فإني ل أغني عنكما من ال شيئا" (‪. )92‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ل ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي ول ينال شفاعتي زان ول‬
‫سارق ول مدمن على الخمر ول قاتل النفس التي حرم ال إل بالحق" (‪. )93‬‬
‫وقوله عليه السلم‪ " :‬وليذاذن رجال عن حوضي كما يذاذ البعير الضال‪ ،‬وأقول‪ ":‬هلم هلمّ‬
‫أصحابي ‪ ،‬أصحابي" فيقال لي‪ ":‬قد غيروا بعدك ولم يزالوا مرتدين على أعقابهم‪ .‬فأقول سحقا‪،‬‬
‫سحقا‪ .‬فاختلجوا دوني فيمر بهم ذات الشمال" (‪. )94‬‬
‫ذلك تقريبا ما تجمع لدى الباضية من نصوص الحديث في باب الشفاعة‪ ،‬ونحن نرى أنها تتظافر‬
‫لتثبت أل شفاعة لهل الكبائر فكيف يمكن أن نقارن بينها وبين ما ورد عند غير الباضية؟‬
‫======================‬
‫(‪ )77‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )78‬جاء في التعليق‪ "...:‬والمخبر عن ذلك جابر بن زيد ‪ ...‬فالحديث مرسل وقد ثبت في‬
‫الصحاح المتفق عليها وال أعلم" انظر ما سبق‪ 665 :‬وما يلي‪.‬‬
‫(‪ )79‬الربيع بن حبيب‪ :‬المسند‪ 4/23 :‬عدد ‪ ،1004‬ونقلنا ما نسبه الربيع لهل العلم لنه يزيد‬
‫الموضوع توضيحا ‪.‬ر‪ .‬ابن ماجة‪ :‬زهد ‪ 37‬أحمد بن حنبل‪. 3/116 :‬ر‪ .‬ونسنك المعجم‬
‫المفهرس‪.2/536 :‬‬
‫(‪ 79‬مكرر) المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 8/137‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.289 :‬‬
‫(‪ )80‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ ،8/146‬نقل عن تبغورين‪ :‬أصول الدين‪.69 -68 :‬‬
‫(‪ )81‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )82‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.147 -8/146‬‬
‫(‪ )83‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/22:‬عدد ‪ . 1004‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على‬
‫صولة الغدامسي‪.46:‬‬
‫(‪ )84‬انظر ما سبق‪667 :‬‬

‫( ‪)2/154‬‬

‫(‪ )85‬يقو القاضي عبد الجبار ردا على المرجئة ‪ ":‬ثم يقال لهؤلء المرجئة‪ :‬أليس أن المة اتفقت‬
‫على قولهم‪ :‬اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة‪ ،‬فلو كان المر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون‬
‫هذا الدعاء لن يجعلهم ال تعالى من الفساق وذلك خلف"‪ .‬الصول الخمسة ‪ 692 :‬كما يقول‬
‫أيضا‪ ":‬وإنما تعلقوا بأخبار أكثرها مضطربة‪ ،‬وما يعرف منها فهو روي‪ :‬أن شفاعتي لهل‬
‫الكبائر من أمتي" وذلك إن صح فالمراد به إذا تابوا وأنابوا‪ ".‬فضل العتزال‪.208 :‬‬
‫كما يقول أيضا‪ ":‬والجواب أن هذا الخبر لم يثبت صحته أول ‪ ،‬ولو صح فإنه منطوق بطريق‬
‫الحاد عن النبي ومسألتنا طريقها العلم‪ ،‬فل يصح الحتجاج به‪ .‬ثم إنه معارض بأخبار رويت عن‬
‫النبي في باب الوعيد نحو قوله ‪ ":‬ول يدخل الجنة نمام ول مدمن خمر ول عاق"‪ ...‬فليس بان‬
‫يوجد بما أورده أولى من أن يوجد بما رويناه فيجب اطراحها جميعا أو حمل أحدها على الخر‬
‫فنحمله على ما يقتضيه كتاب ال وسنة رسوله‪ .‬ويقول المراد به شفاعتي لهل الكبائر من أمتي‬
‫إذا تابوا" الصول الخمسة ‪ .691‬وعن الحديث ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪ 7/1 :‬ر‪ .‬مسلم‪:‬‬
‫إيمان ‪ .168‬أحمد بن حنبل‪.391 .5/389 :‬‬
‫(‪ )86‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.288 :‬‬
‫(‪ )87‬اسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪.321 /1 :2‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .8/133‬ويورد الرازي تحليل طويل لحتجاج المعتزلة في‬
‫الرد على من نسب إلى النبي عليه السلم أن الشفاعة لهل الكبائر من المة السلمية عند‬
‫معارضة الرواية فيعتبرون أنها من الحاد مردودة إذا خالفت القرآن‪ ،‬ويرون أنه ل يصح أن‬
‫تخص أهل الكبائر لن في ذلك حرمانا لهل الثواب‪ ،‬ويلحون على أنه ظني والظني ل ينفع في‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫وعند التسليم بها جدل يؤولونها على أنها استفهامية للنكار من باب قوله‪ ":‬هذا ربي" ‪ ،‬كما‬
‫يفترضون أن كلمة لهل الكبائر قد تحتمل أهل اكبر الطاعات ‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.3/63 :‬‬

‫( ‪)2/155‬‬

‫(‪ )89‬وسنذكر ردهم على الحدثيين الخرين في قضية الخلود‪ .‬انظر ما يلي ص ‪.753‬‬
‫(‪ )90‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح‪ 4/22 :‬عدد ‪ 1003 -1002 -1001‬لم ترد في معجم‬
‫ونسنك‪ .‬هذا ما ينقله شارح النونية ورقة ‪ 117‬قفا وامحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد ط ‪-23 /1 :2‬‬
‫‪.24‬‬
‫(‪ )91‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/11‬عدد ‪ .806‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )92‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 118‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ .303‬ر‪ .‬عبدال‬
‫السالمي ر‪ .‬المشارق‪ .290 :‬وعن الحديث ر‪ .‬البخاري‪ :‬وصايا ‪ 11‬تفسير سورة الشعراء الية‬
‫‪ .2‬الدارمي رقاق ‪ .23‬أحمد بن حنبل ‪ . 1/206‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.5/15 :‬‬
‫(‪ )93‬ل يوجد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )94‬تبغورين‪ :‬أصول الدين ‪. 71 -70‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬طهارة ‪ .39‬ابن ماجة‪ :‬زهد ‪ .36‬الموطأ ‪:‬‬
‫طهارة ‪ 28‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.2/194‬‬
‫‪---‬‬
‫( ‪)2/156‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫تأملت في نصوص هذا وذاك من القرآن والسنة‪:‬‬
‫لقد تجاذب الطرفان النصوص القرآنية التي ل يأتيها الباطل منن بين يديها ول من خلفها وكل من‬
‫أحس بشيء من الضعف في التأويل والتوضيح يلجأ إلى التدعيم بالحديث الشريف‪ -‬ودائرة‬
‫الختلف واسعة بالنسبة إلى هذه النصوص بين التواتر لفظا ومعنى أو معنى فقط وبين الرسال‬
‫واليصال‪ -‬للوصول الى تقوية الموقف المتبني‪.‬‬
‫أما خلصة القول في الستدللت القرآنية فتتمثل في العتماد الكلي على التأويل عند الطرفين إذ‬
‫ل نجد نصا صريحا يحدد موضوع الشفاعة من جميع جوانبه‪ ،‬وغاية ما هنالك أن الشفاعة حق‪،‬‬
‫وان مردها كبقية المور إلى ال تعالى ولن تكون إل بإذنه ولهذا اختلف الناس في تعيين الشفعاء‬
‫والمشفوع لهم وهل هي شفاعة واحدة أو شفاعات؟ وهل هي يوم القيامة أو تمتد الى ما بعد‬
‫الجزاء لتنقل قوما من النار إلى الجنة (‪ )95‬؟‬
‫والمتأمل في مختلف التأويلت يلفت انتباهه أمر جلي وهو أن الشاعرة ومن سلك مسلكهم في‬
‫إثبات الشفاعة لهل الكبائر‪ -‬وهم عادة يحجمون عن التأويل بل يعيرون به المعتزلة‪ -‬كانوا أكثر‬
‫توغل في التأويل في موضوع الشفاعة ومواقف الرازي من اليات المذكورة أكبر دليل على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫معنى هذا انهم اعوزهم الظاهر فاضطروا للرد على خصومهم لستعمال نفس السلح لتقرير ما‬
‫جنحوا إليه مما يتماشى مع موقفهم العام من خلف الوعيد ومن القول بالخروج من النار‪.‬‬
‫أما الطرف المقابل‪ -‬الباضية والمعتزلة‪ -‬فليس من الغريب أن يعتمد على التأويل إذ أقر به من‬
‫البداية ورأى أل سبيل إلى فهم القرآن الكريم بدون اعتبار أن له ظاهرا وباطنا (‪. )96‬‬
‫وقد كان مدار التأويل على نقطتين هما الخصوص والعموم واحتمالت وظائف الكلمات‪.‬‬
‫أ?) الخصوص والعموم‪:‬‬

‫( ‪)2/157‬‬

‫فكل اليات النافية للشفاعة عن الظالمين اعتبرها المثبتون خاصة بالمشركين بينما اعتبرها‬
‫المنكرون عامة تشمل العصاة من أهل الصلة وفي الغالب يتقارب الحتجاج بين الطرفين إل أن‬
‫احتجاج الرازي كان معتمدا اعتمادا كليا على استنتاجات القياس المنطقي لتخصيص النص‬
‫بالمشركين‪.‬‬
‫أما في ما يتعلق بالسياقات التي تثبت الشفاعة ( لمن ارتضى) فقد وصل فيها تأويل الرازي إلى‬
‫حد اعتبار أن مرتكب الكبيرة‪ -‬الذي مات مصرا على كبيرته‪ -‬مرتضى عند ال تعالى على‬
‫أساس أنه تلفظ بكلمة اليمان (‪ )97‬والحقيقة أنه إذا كان مرتكب الكبيرة مرتضى فما الحكمة من‬
‫تحريمها ومن هنا تكتسب قضية الشفاعة مع الوعيد والخلود بعدها الحضاري العميق (‪ . )98‬وفي‬
‫تأويل مثل هذه السياقات تبدو حجج المنكرين مستساغة أكثر‪.‬‬
‫ب?) البلغة والعراب‪:‬‬
‫أما العزف على وتر البلغة والعراب فهذا طبيعي في فهم النصوص إل أنه لم يلجأ إليه إل‬
‫نادرا في مثل قوله تعالى‪ ( :‬ول شفيع يطاع) حيث يقول الزمخشري وينقل عنه محمد اطفيش‪":‬‬
‫المطاع مجاز في المشفع لن حقيقة الطاعة نحو حقيقة المر في أنها ل تكون إل لمن فوقك (فإن‬
‫قلت ما معنى قوله تعالى(ول شفيع يطاع)؟ قلت‪ :‬يحتمل أن يتناول نفي الشفاعة والطاعة معا وان‬
‫يتناول الطاعة دون الشفاعة (‪ ) )99‬كما تقول ما عندي كتاب يباع فهو محتمل نفي البيع وحده‬
‫وأن عندك كتابا إل انك ل تبيعه ونفيها جميعا وأل كتاب عندك ول كونه مبيعا ونحوه‪ ":‬ول ترى‬
‫الضب بها ينجحر" يريد نفي الضبّ وانجحاره" (‪. )100‬‬
‫والحقيقة أن القضية البلغية هنا تعلقت بنفي الشفيع أو إثباته ولم تتعلق بالمشفوع له حيث رجع‬
‫المر الى التخصيص والتعميم (‪. )101‬‬
‫فمدار التأويل حينئذ على التخصيص والتعميم ولذلك حلل الرازي الكلم في آيتين ثم أحال على‬
‫هذين التحليلين في ما جاء من آيات أخر‪.‬‬

‫( ‪)2/158‬‬

‫ذلك أهم ما يقام عن الستدللت القرآنية أما الستدللت بالحديث فهي أيضا رغم أنها جاءت‬
‫موضحة للقرآن الكريم فإنها لم تسلم من التأويل إذا لم يطعن في صحتها تماما والقرب لدى‬
‫هؤلء وهؤلء إذا تعارضت الحاديث وتضاربت أن يطعن كل في صحة الحديث الذي يحتج به‬
‫الخر‪.‬‬
‫والقضية تتلخص أيضا في نقطتين‪:‬‬
‫أولهما ‪ :‬ذلكم الحديث الطويل الذي أثبته الطرفان مع اختلف جوهري في النقط الحساسة واتفاق‬
‫في السياق العام (‪. )102‬‬
‫ويتمثل الختلف في بداية الحديث خاصة حيث إن الذاكرين للشفاعة عند الباضية هم أهل‬
‫اليمان من أتباع النبياء وهم الذين يطلبونها من ال ول دخل للبقية فيها‪ .‬أما عند البخاري ومسلم‬
‫فالطلب عام ويتقدم الناس جميعا كافرهم ومؤمنهم لطلب الشفاعة ومن هنا اختلف الموقفان‪.‬‬
‫كما يقع إشكال في ما يصيب المسلمين الموفين من تعب يوم القيامة مع أن النصوص صريحة في‬
‫أل تعب لهؤلء (‪. )103‬‬
‫أما قبيل الخر فقد ناقش الشاعرة قولة عليه السلم " ثم أخرجهم من النار فأدخلهم الجنة" (‪)104‬‬
‫والحال أنهم ما يزالون في الموقف فقال ابن حجر في قوله‪ :‬ثم أخرجهم من النار " قال الداودي‪:‬‬
‫كان راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في‬
‫الراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الخراج من النار‪ ،‬وذلك إنما يكون بعد‬
‫التحول من الموقف‪ ...‬وهو إشكال قوي" (‪. )105‬‬
‫أما خاتمة الحديث فمتفق عليها عند الطرفين" ما بقي من حبسه القرآن أي أوجب عليه الخلود"‬
‫وهنا يرجع المر إلى التأويل فمن الذين حبسهم القرآن عن الشفاعة المشركون فحسب أم يشمل‬
‫المر مرتكبي الكبائر المصرين؟‬
‫وهكذا رغم التفاق على إثبات الشفاعة اعتمادا على هذا الحديث بقي الخلف قائما في شأن‬
‫المشفوع لهم‪.‬‬
‫ثانيهما‪ ":‬النفي والثبات اعتمادا على نفس النص‪ " :‬ليست الشفاعة لهل الكبائر من أمتي" "‬
‫شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ‪.‬‬

‫( ‪)2/159‬‬

‫رغم لجوء المنكرين إلى تأويل هذا الحديث عند التسليم بصحته جدل على انه يخص التائبين فإن‬
‫الرازي لم يعتبره كافيا وحده بل يعتبر أنه في حاجة إلى الحاديث الخرى لتعاضده‪.‬‬
‫والمتأمل في النص يحار في أمر هذا الحديث فهل كان التحوير بالزيادة أو بالنقصان؟ هل وجد‬
‫النفي فحذف أو لم يوجد فأضيف ؟ ولبد من أحد الحتمالين لكن ل نستطيع أن نجزم جزما نهائيا‬
‫(‪ )106‬بهذا ول بذاك وغاية ما هنالك أن الباضية جزموا بان النفي دخيل وحتى إن وجد فإمامهم‬
‫جابر بن زيد يعفي أنس بن مالك من أن يكون قد استعمل كلمة كبائر بمفهومها الصطلحي وإنما‬
‫حمل ذلك الستعمال على التهويل بمفهوم أن حسنات الفجار سيئات عند البرار‪.‬‬
‫لكن لنا أن نتساءل لماذا لم يتفاوض جابر بن زيد مع أنس بن مالك مع ما بينهما من مودة (‪)107‬‬
‫في شأن هذا الحديث ولو فعل لراحا المة من داء الختلف ولكان القول فصل؟‬
‫أما بقية الحاديث المستشهد بها عند الطرفين فهي ل تزيد الهوة إل عمقا وكلما اتسعت رقعة‬
‫الختلف كان لها أثر أوسع في سلوك كل من الطرفين (‪. )108‬‬
‫وبعد التأمل في احتجاج (‪ )109‬كل من الطرفين‪ -‬المنكرين والمثبتين‪ -‬لم يبقى إل أن ننظر في‬
‫تحديد الشفعاء وكيف ل يشفعون إل بإذن ال تعالى‪.‬‬
‫الشفعاء وحدود شفاعتهم‪:‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين (‪ 74‬المدثر ‪.)48‬‬
‫وقال‪ ( :‬فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) (‪ 7‬العراف ‪ )53‬في اليتين إشارة إلى تعدد الشافعين فمن‬
‫هم هؤلء‪...‬؟‬
‫لقد أوردنا في آخر حديث الشفاعة العظمى ما نسب إلى أهل العلم (‪ )110‬ومفاده أن الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم يفتح الشفاعة المخزونة ثم يليه في الشفاعة بقية النبياء ويذكر النص بعد‬
‫ذلك الشهداء‪.‬‬
‫ويفهم من قوله تعالى على لسان الملئكة‪ ( :‬فاغفر للذين تابوا) (‪ 40‬غافر ‪ )4‬أن الملئكة يمكنهم‬
‫ال تعالى من الشفاعة وقد بين جابر بن زيد ذلك بقوله " ما شفاعة والنبياء إل للتائبين" (‪. )111‬‬

‫( ‪)2/160‬‬

‫ويفهم من كلم السالمي أن هناك شفعاء بعد الرسول عليه السلم حيث يقول‪ ":‬وغنما خص شفاعة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم (‪ )112‬بالذكر دون شفاعة غيره لن من لم تنفعه شفاعته لم تنفعه‬
‫شفاعة غيره بطريق الولى (‪. )113‬‬
‫فالشفاعة حينئذ حسب الباضية تكرم يمن به ال تعالى على الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ثم‬
‫على الملئكة والنبياء والصالحين من المؤمنين وليس معنى ذلك كما ذكرنا أن الشفاعة تبدل‬
‫إرادة ال الزلية بل هي مطابقة لما سطر في الزل (‪. )114‬‬
‫هؤلء هم أصناف الشفعاء فهل تكون شفاعتهم مطلقة؟ وغن لم تكن مطلقة فما هي حدودها؟‬
‫=================‬
‫(‪ )95‬عن المسائل المذكورة انظر ما يلي‪ 689 :‬وما يلي‪.‬‬
‫(‪ )96‬انظر ما سبق‪.655 :‬‬
‫(‪ )97‬وهنا يتحول الخلف الى موضوع السماء حيث تتفاوت الفرق السلمية في درجات‬
‫الرجاء ‪.‬أما الباضية فقولهم فصل وهو أل إرجاء ‪ .‬انظر ما سبق‪:‬‬
‫(‪ )98‬انظر ما يأتي‪.753 :‬‬
‫(‪ )99‬ما جاء بين القوسين ذكر في ما سبق وأعيد هنا ليتضح المعنى‪.‬‬
‫(‪ )100‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .421 -420 :‬محمد اطفيش تيسير التفسير ط ‪ 5/112 :1‬ويقول‬
‫محشي الكشاف في كتاب النتصاف ‪ :‬قوله تعالى ] ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع[ قال‬
‫فيه‪ :‬يحتمل أن يكون المنفي الشفيع الذي هو الموصوف وصفته وهي الطاعة‪ ،‬ويحتمل المنفي‬
‫الصفة وهي الطاعة والشفيع ثابت‪ .‬اهـ كلمه‪.‬‬
‫قلت إنما جاء الحتمال من حيث دخول النفي على مجموع الموصوف والصفة ونفي المجموع كما‬
‫يكون بنفي كل واحد من جزأيه كذلك يكون نفي أحدهما على أن المراد هنا كما قال نفي المرين‬
‫جميعا‪ .‬حاشية الكشاف‪.421 -3/420 :‬‬
‫(‪ )101‬ويقول الرازي في هذا الصدد‪ ":‬والجواب على جميع أدلة المعتزلة بحرف واحد وهو أن‬
‫أدلتهم على نفي الشفاعة تفيد نفي جميع أقسام الشفاعات‪ ،‬وأدلتنا على إثبات الشفاعة تفيد إثبات‬
‫شفاعة خاصة والخاص والعام إذا تعارضا قدم الخاص على العام‪ ،‬فكانت دلئلنا مقدمة على‬
‫دلئلهم"‪ .‬التفسير الكبير‪.3/65 :‬‬

‫( ‪)2/161‬‬

‫(‪ )102‬اما المعتزلة فينقل عنهم الرازي ما يلي‪:‬‬


‫أ) أن هذه الخبار طويلة فل يمكن ضبطها بلفظ الرسول ‪ ،e‬فالظاهر أن الرازي رواها بلفظ‬
‫نفسه‪ ،‬وعلى هذا التقدير ل يكون شيء منها حجة‪.‬‬
‫ب) وأنها خبر عن واقعة واحدة وأنها رويت على وجوه مختلفة مع الزيادات والنقصانات وذلك‬
‫أيضا مما يطرق التهمة إليها ‪...‬التفسير الكبير ‪.3/64‬‬
‫(‪ )103‬انظر ما سبق‪678 :‬و ‪679‬‬
‫(‪ )104‬الظاهر أن ابن حجر اعتمد رواية تختلف عن النص الذي أثبتناه‪ 667 -665 :‬إذا ل نجد‬
‫في هذا النص قوله‪ ":‬أخرجهم من النار" بل ل نجد إل قوله‪" :‬أدخلهم الجنة" ول غرابة في ذلك إذ‬
‫نبهنا الى كثرة الخلف في رواية هذا الحديث‪667 :‬‬
‫(‪ )105‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.8/148 :‬‬
‫(‪ )106‬هذا يحتاج الى عمل خاص وجهد طويل أوسع من هذا العمل‪.‬‬
‫(‪ )107‬ر‪.‬ترجمة حياة جابر ص ‪. 19‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪.2/205‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما يلي‪754 :‬‬
‫(‪ )109‬وقد جاءت الشارة إلى ضرب من الحتجاج العقلي عند عمرو التلتي حيث يقول‪ ":‬فمن‬
‫زعم أن الشفاعة تكون لهل الكبائر لزمه القول بأنهم يدخلون الجنة‪ ،‬وأن المة كلها في الجنة‪،‬‬
‫وذلك خلف ما في الكتاب والسنة من أن المة مخلدين في النار وهم أهل الكبائر الميتون عليها‬
‫غير التائبين منها‪ ،‬ولنها لو كانت لهم لم يجز سؤال الكون من أهلها لستلزامه سؤال الكون من‬
‫أهل النار غير الجائز‪ .‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ورقة ‪ 118‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪ 302‬وقد وقف عند مثل هذا الحتجاج عبد الجبار ‪.‬ر‪ .‬فضل العتزال‪ 209 -208 :‬والصول‬
‫الخمسة ‪ .688 :‬وقد رد الرازي بشدة على القفال القائل بأنه ل يجوز في حكمة ال تعالى التسوية‬
‫بين أهل الطاعة وأهل المعصية ‪ ،‬ولبين تأثره بالعتزال مع قلة نصيبه أن مثل هذا الحتجاج‬
‫ثانوي تماما في مثل هذه القضية الغيبية‪.‬‬
‫(‪ )110‬انظر ما سبق‪678 :‬‬
‫(‪ )111‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪.301‬‬
‫( ‪)2/162‬‬

‫(‪ )112‬يشير إلى قوله في المتن الذي شرحه‪( :‬رجز)‬


‫شفاعة الرسول للتقي‬
‫من الورى وليس للشقي‬
‫(‪ )113‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.288 :‬‬
‫(‪ )114‬يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وجملة ذلك أن فائدة الشفاعة رفع مرتبة الشفيع والدللة على‬
‫منزلته من المشفوع (كذا) الصول الخمسة‪.689 :‬‬
‫ويفهم من كلم الرازي في إثبات حجج المثبتين للشفاعة لهل الكبائر أنه ل خلف في تحديد‬
‫الشفعاء‪ .‬التفسير الكبير‪63 -1/59 :‬‬
‫أما القرطبي فيورد ما ذكره ابن عطية من أن العلماء والصالحين ل يشفعون إل لمن لم يصل‬
‫على النار وهو بين المنزلتين‪ ،‬أو وصل ولكن له أعمال صالحة‪ ،‬وينتقده بشدة ويتعجب كيف لم‬
‫يطلع ابن عطية على ما جاء في صحيح مسلم من أن المر أوسع من ذلك حيث تظل الشفاعة‬
‫تتكرر إلى أن يخرج من له مثقال ذرة من خير في قلبه‪.‬‬
‫ومما يذكر أيضا من تخريج ابن ماجة في سننه عن ابن مالك قال‪ ":‬قال رسول ال ‪ : e‬يصف‬
‫الناس يوم القيامة صفوفا‪ -‬وقال ابن النمير‪ -‬أهل الجنة ‪ -‬فيمر الرجل من أهل النار على الرجل‬
‫فيقول يا فلن أما تذكر يوم استقيت فسقيتك شربة! قال‪ :‬فيشفع له‪ ،‬ويمر الرجل على الرجل فيقول‬
‫أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له‪ ،‬قال ابن النمير ويقول‪ :‬يا فلن أما تذكر يوم بعثتني لحاجة‬
‫كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ .275 -3/273‬وعن الحديث المذكور‪:‬‬
‫ر‪ .‬ابن ماجة أدب ‪.8‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.3/318 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/163‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫حدود شفاعة الشافعين‪:‬‬
‫لقد بينا الختلف في ضبط حدودها بالنسبة إلى المشفوع لهم‪ ،‬وبقي أن نثبت حدودها بالنسبة الى‬
‫المشفوع عنده وهو ال تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫يختلف أمر الشفاعة اختلفا جوهريا بين الدنيا والخرة فغن كانت الشفاعة لدى العظماء في الدنيا‬
‫تكون بدون إذن منهم وبدون علم لديهم وقد تقلب مجرى الحقائق فالعادل يقبل الشفاعة لثبوت‬
‫خطئه والظالم يقبلها لرضاء الشفيع ولو كان ذلك على حساب المحكوم عليه‪ ،‬فهي عند ال أرفع‬
‫وأسمى ولن تكون إل بإذن ال تعالى ولمن ارتضاه تعالى ورفع مقامه‪ .‬قال عز وجل‪ ( :‬من ذا‬
‫الذي يشفع عنده إل بإذنه) (‪ 2‬البقرة ‪ )255‬وقال‪ ( :‬ما من شفيع إل من بعد إذنه) (‪ 10‬يونس ‪)3‬‬
‫وقال‪( :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن له الرحمن) (‪ 20‬طه ‪ )109‬وقال‪ ( :‬ول تنفع الشفاعة‬
‫عنده إل لمن أذن له) (‪ 34‬سبأ ‪.)23‬‬
‫وقال يوسف المصعبي في تفسير آية البقرة‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه) ‪ :‬أي ل حد‬
‫يشفع‪ .‬قال في الكشاف‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده) بيان لملوكته وكبريائه وأن أحدا ل يتمالك أن‬
‫يتكلم يوم القيامة إل إذ أذن له في الكلم كقوله‪ ( :‬ل يتكلمون إل من أذن له الرحمن) (‪ 78‬النبأ‬
‫‪)115( . )38‬‬
‫ويقول محمد اطفيش‪ ":‬الستفهام إنكاري فهو نفي بدليل إل أي انتفى لعظم شأنه تعالى وكبريائه أن‬
‫يخلص أحدا غيره منه تعالى بتوسل وخضوع إليه فكيف يخلصه عنادا أو محاربة إل بأن يأذن له‬
‫بالشفاعة‪...‬الية مخبرة أنه ل شفاعة لحد عنده إل بإذنه وإنما يشفع النبياء والمؤمنون‪.‬‬

‫( ‪)2/164‬‬

‫( وعنده) متعلق بشفيع أو بمحذوف حال من ضمير يشفع والمعنى على الول‪ :‬من ذا الذي يوقع‬
‫عنده الشفاعة وعلى الثاني من ذا الذي يشفع حال كونه قريبا إليه تعالى عن النسب‪ ،‬وقرب‬
‫المسافة وهذا أقوى فإنه إ ذا كان ل يشفع أحد عنده بأمر من المور إل بإذنه أو بمحذوف حال‬
‫من المستتر فيه أي ل يشفع في حال إل ثابتا بإذن ال" (‪. )116‬‬
‫واضح من خلل هذه التحاليل أن الفرق السلمية متفقة على أن شفاعة الشافعين ل تتم إل بإذن‬
‫ال إل أن دائرة هؤلء تضيق وتتسع حسب منطلق أهل الثبات وأهل النكار ويبدوا أن أحسن ما‬
‫قيل في هذا الباب هو قول محمد عبده بأن إذنه غير معروف (‪. )117‬‬
‫وفعل فإن تحديد هذا الذن يعتبر ضربا من التطاول على الغيب يحسن بالمسلمين أن يتساموا عنه‬
‫الحقيقة أن المر ل من بعد ومن قبل ويتجلى ذلك يوم القيامة في قوله عز من قائل ( والمر‬
‫يومئذ ل) (‪ 82‬النفطار ‪.)19‬‬
‫يبدو بعد هذه التأملت أنه لم يبق إل أن نختم الحديث عن الشفاعة وذلك بعرض مواقف العلماء‬
‫من صلتها بأصول الدين‪.‬‬
‫أما المصادر الباضية فتعتبر أن صلتها بعلم أصول الدين وثيقة فالجيطالي مثل يقول‪ ":‬إنها حق‬
‫فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن" (‪ )118‬ويميز السالمي بين المتأول فيعتبره كافرا كفر نعمة وبين‬
‫غير المتأول فيعتبره مشركا (‪. )119‬‬
‫وهذا موقف متأصل عند الباضية يرجع إلى إمامهم جابر بن زيد حيث كان يحلف انه ما لهل‬
‫الكبائر شفاعة لن ال قد أوعدهم النار في كتابه (‪ )120‬وما يزال مستمرا إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫( ‪)2/165‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإننا نتفق مع جواد مغنية في أن أحسن شفيع للنسان إنما هو عمله وبه يكون‬
‫من أولياء ال والملئكة والرسل والنبياء والحقيقة أن الشافع الحق إنما هو ال رب العالمين‪ ،‬إذ‬
‫يقول عز من قائل‪ ( :‬ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على‬
‫العرش ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون) (‪ 32‬السجدة ‪ )121( )4‬كما يقول‪ ( :‬قل‬
‫ل الشفاعة جميعا له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون) (‪ 39‬الزمر ‪ )122( )44‬فال حينئذ‬
‫هو " مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق" (‪. )123‬‬
‫والحقيقة فإن قضية الشفاعة تبقى وثيقة الصلة بالوعد والوعيد وقضية الخلود‪ ،‬ولنجمع الحديث‬
‫عن البعد الحضاري للكل في آخر المطاف ولعله يحسن الن أن نقف عند قضية متفرغة عن‬
‫موضوع الخلود وهي هل أن الجنة والنار مخلوقتان الن أم لم تخلقا بعد؟ وهل هما فانيتان في‬
‫النهاية أم ل؟‬
‫=================================‬
‫(‪ )115‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على الجللين‪ .72 :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ ،1/384‬ويسكت‬
‫القاضي في تنزيه القرآن عن الشفاعة في آية البقرة ويونس وطه إل أنه تعرض لها في سورة سبأ‬
‫كما تعرض لها في متشابه القرآن في سورة طه وهذا قوله في سورة طه‪ ":‬يدل على قولنا في‬
‫الشفاعة وأنها ل تكون لعداء ال لنه تعالى بين أنها ل تنفع إل من اختص بهذين الشرطين‪:‬‬
‫أحدهما أن يكون الذن واضحا في بابه‪.‬‬
‫والثاني أن يكون مرضي الطريقة في القول‪ ،‬فمن يقول الكذب ومال يجوز ل يجب أن يكون‬
‫داخل في الشفاعة على وجه ‪ .‬متشابه القرآن ‪ 2/494 :‬ويقول في سورة سبأ‪ ":‬من المراد بذلك"؟‬
‫وجوابنا أن المراد بذلك الملئكة ‪،‬بين تعالى أنهم ل يشفعون إل بإذنه وأنهم بخلف الشياطين فل‬
‫يقع منهم إل ما هو طاعة ل تعالى"‪ .‬تنزيه القرآن ‪.339 :‬‬
‫(‪ )116‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪.3/355 :2‬‬

‫( ‪)2/166‬‬

‫ويتبنى محمد عبده نفس الموقف حيث يقول ] من ذا الذي يشفع عنده[ منهم فيحمله على ترك‬
‫مقتضى ما مضت به سنته ‪ ،‬وقضت به حكمته وأوعدت به شريعته‪ ،‬ومن تعذيب من دسى نفسه‬
‫بالعقائد الباطلة‪ ،‬ودنسها بالخلق السافلة‪ ،‬وأفسد في الرض وأعرض عن السنة والفرض‪ ،‬من ذا‬
‫الذي يقدم على هذا من عبيده إل بإذنه والمر كله له صورة وحقيقة‪ ،‬وليس هذا الستثناء نصا في‬
‫أن الذن سيقع‪ ،‬وإنما هو كقوله‪ ]:‬يوم يأت ل تكلم نفس إل بإذنه[(‪ 11‬هود ‪ )105‬فهو تمثيل‬
‫لنفراده بالسلطان والملك في ذلك اليوم‪ ] :‬يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل[(‪82‬‬
‫النفطار ‪ )19‬ولهذا قال البضاوي في تفسير الجملة بيان لكبرياء شأنه وأنه ل أحد يساويه أو‬
‫يدانيه ويستقبل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضل عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبه‪.‬‬
‫وقال الستاذ المام ما محصلة‪ :‬إن في هذا الستثناء قطعا لمل الشافعين والمتكلمين على الشفاعة‬
‫المعروفة التي كان يقول بها المشركون وأهل الكتاب عامة ببيان انفراده تعالى بالسلطان والملك‬
‫وعدم جرأة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه وإذنه غير معروف لحد من خلقه‪.‬‬
‫تفسير المنار‪ 31 -3/30 :3/30 :‬راجع في هذا الشأن القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ 3/275‬والطاهر‬
‫ابن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪ .3/21 :‬وكل منها يوسع في إذن ال تعالى اعتمادا على نصوص‬
‫من الحديث‪.‬‬
‫(‪ )117‬ر‪ .‬محمد عبده تفسير المنار‪.3/31 :‬‬
‫(‪ )118‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قناطر الخيرات ط ‪1/230 :2‬‬
‫(‪ )119‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫(‪ )120‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‪ 4/22 :‬وانظر ما سبق‪679 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬يجدر أن نشير إلى أن كل من الطاهر بن عاشور وجواد مغنية قد اعتبر أن موضوع‬
‫الشفاعة ليس من القضايا الصولية الساسية ‪ .‬فيقول الطاعر ابن عاشور" والحق أن المسألة(‬
‫الشفاعة) أعلق بالفروع منها بالصول لنها لتتعلق بذات ال ول بصفاته" الطاهر بن عاشور‪:‬‬
‫التحرير والتنوير ‪.1/438‬‬

‫( ‪)2/167‬‬

‫ويقول جواد مغنية‪ ":‬والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول ايجابا‬
‫أما حيث المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها‬
‫على صحة النقل عن ال ورسوله فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن بالشفاعة وإل فهو‬
‫معذور ‪ ...‬وبهذا يتبين معنا أن الشفاعة ليست أصل من أصول الدين وأن من أنكرها مؤمن بال‬
‫ورسوله واليوم الخر‪ ،‬فهو مسلم بل ريب"‪ .‬التفسير الكاشف‪.1/97 :‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير‪.4/776 :‬‬
‫(‪ )122‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪5/74 :‬‬
‫(‪ )123‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪24/27 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/168‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫وجود الجنة والنار الن وفناؤهما‬
‫قبل أن نعرض موقف الباضية من الخلود في الجنة والنار يحسن أن نشير إلى قضيتين أثيرتا‬
‫على هامش قضية الخلود وهما‪ :‬هل الجنة والنار موجودتان الن‪ ،‬وهل ستفنيان؟‬
‫‪ )1‬قضية وجود الجنة والنار الن (‪)1‬‬
‫إن الفرق السلمية تجاذبت النصوص التي تثير هذه القضية وقد كان للباضية نصيب في هذا‬
‫التجاذب‪.‬‬
‫والحقيقة أن الموقف من القضية يمكن أن يكون باليجاب أو السلب أو الوقوف‪ .‬وقد قال بالوقوف‬
‫خميس الرستاقي ‪ ":‬ونحن نقول ‪ :‬عن الجنة والنار حق ونؤمن بذلك‪ ،‬ونرد علم ذلك إلى ال تعالى‬
‫وهو العالم بجميع خلقه" (‪. )2‬‬
‫أ?) القائلون بأن الجنة والنار قد خلقتا بعد‪:‬‬
‫يقول السالمي‪ ":‬ذهب جمهورنا (الباضية ) والشاعرة (‪ )3‬وبعض المعتزلة (‪ )4‬إلى أنهما‬
‫موجودان" (‪. )5‬‬
‫وتتلخص حجج هؤلء كما جاءت عند ابن محبوب وعثمان السوفي (‪ )6‬وعمر التلتي (‪)7‬‬
‫ويوسف المصعبي (‪ )8‬والسالمي (‪ )9‬ومحمد اطفيش (‪ )10‬كما يلي‪ ":‬الجنة والنار مخلوقتان‬
‫موجودتان الن لقصة آدم وحواء في الجنة وإخراجهما وكذا النار إذ ل قائل بالفرق لقوله تعالى (‬
‫أعدت للمتقين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )133‬وقوله ( أعدت للكافرين) (‪ 2‬البقرة ‪ )24‬وقوله‪ ( :‬ولقد رآه‬
‫نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) (‪ 53‬النجم ‪.)14‬‬
‫ومن الحاديث التي يحتج بها هؤلء ما جاء عنه عليه السلم " أن أرواح الشهداء تجعل في‬
‫حواصل طيور خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" (‪ . )11‬وقوله‪ ":‬الجنة‬
‫مخلوقة وهي في السماء والنار مخلوقة وهي في الرض" (‪ )13( . )12‬وقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬اطلعت على الجنة فوجدت أقل أهلها الغنياء والنساء‪ ،‬وأطلعت على النار فوجدت أكثر‬
‫أهلها الغنياء والنساء" (‪ )14‬ول يطلع إل على شيء قد خلق وفرغ منه (‪. )15‬‬
‫ب?) القائلون بعدم الوجود الن‪:‬‬

‫( ‪)2/169‬‬
‫إن كانت تلك حجج المثبتين فالمنكرون (‪ )16‬لم يقبلوا هذه الحجج وأقواها قصة آدم عليه السلم‬
‫فقالوا في شأنها‪ ":‬آدم كان رجل في الجنة أي بستان له على ربوة أي محل مرتفع‪ ،‬فعصى ربع‬
‫فأنزله لبطن الوادي" (‪. )17‬‬
‫وهؤلء يرون أنهما يخلقان ليوم الجزاء إذ ل حاجة إلى وجودهما الن ومن أدلتهم‪:‬‬
‫" قوله تعالى‪ ( :‬أكلها دائم) (‪ 13‬الرعد ‪ )35‬بمعنى مأكولها دائم أي ل ينقطع مع قوله تعالى‪:‬‬
‫( كل شيء هالك إل وجهه ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) (‪ 55‬الرحمن ‪ )27‬فلو كانت‬
‫الجنة مخلوقة الن لزم فناؤها وهلكها فل تكون دائمة والنار مثلها إذ ل قائل بالفرق‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬وجنة عرضها السماوات والرض) (‪ 3‬آل عمران ‪ )133‬فلو كانتا موجودتين للزم‬
‫تداخل الجسام لن الية صريحة في أن عرض الجنة هو عرض السماوات والرض" (‪. )18‬‬
‫ويقول أبو هاشم في باب الستدلل العقلي‪ ":‬لو وجدنا فل تكونان إل في عالم الفلك أو العناصر‬
‫أو في عالم آخر" (‪. )19‬‬
‫ج)الرد على القائلين بعدم الوجود الن‪:‬‬
‫وقد تصدى القائلون بوجودهما لهذه الحجج فبينوا أنه ل حاجة إلى تأويل قصة آدم وحواء في‬
‫الجنة‪ ،‬وتأويلها من غير ضرورة إلحاد في الدين (‪. )20‬‬
‫وأما الجمع بين الدوام والهلك للوصول إلى أنهما فانيتان فهو من باب التأويل المردود إذ كيف‬
‫تفنيان بفناء الدنيا وهنالك تبدأ وظيفتهما ويقول السالمي في هذا الصدد‪ ":‬وأجيب عنه بأن دوام‬
‫مأكول إنما هو على سبيل البدل بمعنى أنه إذا فني واحد جيء بآخر‪ ،‬أي ل يتصور دوام مأكول‬
‫واحد بعينه فل تنافي‪.‬‬
‫أو نقول‪ :‬إن فناءهما أن تتفرق أجزاؤهما وتبقى ذواتهما على ما هي عليه فتكونان فانيتين صورة‬
‫باقيتين ذاتا‪.‬‬
‫أو نقول‪ :‬إن كون ذاتيهما قابلتين للفناء كاف في كونهما فانيتين فإن ما أمكن فيه الفناء لذاته فإن‬
‫على الحقيقة ورفع الفناء عنه فعل لعارض عرض عليه من خارج ل يدفع ذلك المكان الذاتي‪.‬‬

‫( ‪)2/170‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا هو الجواب لن الول والثاني وإن أمكنا فهما يحتاجان إلى دليل يدل على أن ذات‬
‫الجنة والنار فانية فعل على الول وأن صورتهما دون ذاتهما فعل أيضا على الثاني " (‪. )21‬‬
‫أما اعتبار العرض دليل على وجوب التداخل فهذا دليل تمجه البلغة القرآنية لن الصورة من‬
‫أبلغ وجوه التشبيه يعاضدها التشبيه الصريح في الية الخرى ( كعرض السماء والرض) (‪57‬‬
‫الحديد ‪.)21‬‬
‫بقيت الدلة العقلية الثلث لقد جاء دحضها كما يلي‪:‬‬
‫أما الول‪ :‬فلن الفلك ل تقبل الخرق واللتئام فل يخالطها شيء من الكائنات الفاسدات وهو‬
‫باطل لن الفلك أجسام‪ ،‬وإذا كانت أجساما فلبد لها من صانع وكذا العراض فهي قابلة للتغير‬
‫وال عز وجل يغيرهما‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ ( :‬في العناصر) فلنه قول بالتناسخ‪....‬‬
‫وأما الثالث‪ ( :‬في عالم آخر) فلن العالم بسيط‪)22( ...‬‬
‫إن المتأمل في حجج الطرفين يجد أنها تمكن من الحتمالين إل أن حجة واحدة ترجح كفة القائلين‬
‫بوجودهما الن وهي قصة آدم عليه السلم إذ جاء فيها تأويل المنكرين في منتهى درجات‬
‫الضعف‪ .‬وما دام آدم قد سكن الجنة مع زوجته وهبطا منها بعد ذلك ليبتليهما ال في الدنيا فل‬
‫سبيل إلى إنكار وجودهما وما جاء من آيات تشير إلى الهلك يجب أن تتأول للتناسق مع السياق‬
‫السبق فاتضح من خلل ما ذكر أن القول بخلقهما الن هو الصح (‪. )23‬‬
‫ويندرج تحت هذا السياق أيضا التفكير في محلها الن إن وجدتا ويتفق جمهور الباضية‬
‫والشاعرة (‪ )24‬على تفضيل الوقوف (‪. )25‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )1‬أي في الحياة الدنيا قبل البعث‪.‬‬
‫(‪ )2‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 525 /1‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير‬
‫الجللين ورقة ‪ 22‬قفا وقد أشار إلى القول بالوقوف دون أن ينسبه إلى صاحبه‪.‬‬
‫(‪ )3‬يقول الشعري‪ ":‬ونقر أن الجنة والنار مخلوقان" ويقول أيضا ‪ " :‬ويقرون أن الجنة والنار‬
‫مخلوقتان"‪ .‬المقالت‪.1/349 :‬‬

‫( ‪)2/171‬‬

‫(‪ )4‬يذكر اليجي منهم أبا علي الجبائي وبشر بن المعتمر‪ .‬المواقف ‪ 2/445 :‬كما تذكر المصادر‬
‫الحسن البصري ومعلوم أن جل الفرق تتجاذبه‬
‫(‪ )5‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪335 -334 :‬‬
‫(‪ )6‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت ‪90 :‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬عمر التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪67 :‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪ . 17 -16 :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪22‬‬
‫قفا‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪279 -278:‬‬
‫(‪ )10‬امحمد اطفيش ‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪46 -45 :2‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬الترمذي ‪ .‬فضائل الجهاد ‪ .13‬الدارمي‪ :‬جهاد ‪ . 18‬أحمد بن حنبل ‪.6/386‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس‪3/201 :‬‬
‫(‪ )12‬جاءت أحاديث بعنوان ‪ ":‬ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة" ‪.‬ر‪ .‬البخاري بدء الخلق ‪،8‬‬
‫‪. 10‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪2/73:‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪. 17 :‬ر‪ .‬من المراجع الشعرية اليجي ‪:‬‬
‫المواقف ‪ 2/445‬واللقاني والبيجوري‪ :‬جوهرة التوحيد وشرحها‪182 :‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬البخاري ‪ :‬رقاق ‪ .16‬بدء الخلق ‪ .8‬الترمذي ‪ :‬جهنم ‪ .11‬أحمد بن حنبل ‪...1/234‬ر‪.‬‬
‫ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪4/14 :‬‬
‫(‪ )15‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪1/524 :‬‬
‫(‪ )16‬أبو سهل الفارسي‪ ،‬وأبو المؤثر الصلت بن خميس وابن أبي نبهان من الباضية ‪ ،‬وأبو‬
‫هاشم وعبد الجبار وضرار بن عمرو من المعتزلة‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪:‬‬
‫‪ .17‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ .45 :2‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪ .278 :‬اليجي ‪:‬‬
‫المواقف ‪ .2/445‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )17‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪ .17 :‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )18‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪278 :‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ .2/445‬امحمد اطفيش ‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪46 -45 :2‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )21‬عبدال السالمي ‪ .‬المشارق‪278 :‬‬

‫( ‪)2/172‬‬

‫(‪ )22‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ 46 .45 :2‬اليجي ‪ :‬المواقف‪.2/445 :‬‬
‫وواضح أن امحمد اطفيش استفاد استفادة كلية من كلم اليجي لن المقارنة بين النصين تبين‬
‫ذلك‪ ،‬ول حرج ما دام الموقف واحدا‪ .‬وكان ألوى لو أحال عليه لنه من عاداته يحيل على‬
‫مراجعه‪.‬‬
‫ويشير الجرجاني إلى أن في هذا الحتجاج ردا على من ينكر وجودها مطلقا ل على من ينكر‬
‫وجودهما في الحال فقط‪.‬ر‪ .‬شرح المواقف‪2/445 :‬‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪.279:‬‬
‫(‪ )24‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪ .182 :‬ولم يرد نص صريح في تعيين مكان الجنة والنار‬
‫كما شرح المقاصد ‪ ،‬والكثرون على أن الجنة فوق السماوات السبع وتحت العرس‪ ،‬وأن النار‬
‫تحت الراضين السبع‪ ،‬والحق تفويض علم ذلك إلى اللطيف الخبير كما في شرح المصنف ‪.‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/525 :‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪ .‬المشارق‪. 277:‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/173‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫‪ )1‬قضية فناء الجنة والنار أو دوامهما‪:‬‬
‫إن المتثبت في المصادر يتبين وجود موقفين متقابلين في هذه القضية وهما‪:‬‬
‫‪ -1‬موقف يقول بفنائهما وينسب إلى الجهمية‪.‬‬
‫‪2‬ـ وموقف يقول بعدم الفناء وتلتقي فيه بقية الفرق التي تقول بخلود المشركين فحسب والتي‬
‫تقول بخلود المشركين والعصاة من المصرين من المسلمين‪.‬‬
‫ولكل حججه وردوده وقد حوصل تفسير المنار هذه الحجج في ست وملخصها‪:‬‬
‫‪ )1‬إجماع الصحابة والتابعين على ذلك والمخالف مبتدع‪.‬‬
‫‪ )2‬دللة القرآن قطعية إذ أخبر سبحانه أن عذاب جهنم مقيم (‪ )26‬وانه ( ل يفتر عنهم) (‪)27‬‬
‫(الكفار) وانهم‪ ( ...‬ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف ‪.)40‬‬
‫‪ )3‬لو خرج الكفار من جهنم لم يختص الخروج بأهل اليمان ولكانوا بمنزلة واحدة والسنة شاهدة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫‪ )4‬من المعلوم بالضرورة‪.‬‬
‫‪ )5‬اتفاق عقائد السلف على ذلك ومن قال بغير ذلك مبتدع‪.‬‬
‫‪)6‬دوام تعذيب الكفار يقضي به العقل كما يقضي به السمع‪.‬‬
‫إل أن القائلين يرددون هذه الحجج واحدة وملخصها كما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬رفض الجماع على أساس أن هناك من الصحابة من قال بغير ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬النصوص القرآنية تقتضي خلود الكفار فيها ما دامت باقية ول يخرجون منها مع بقائها‪.‬‬
‫والفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله وبين من يبطل حبسه بخراب‬
‫الحبس وانتفاضه‪.‬‬
‫‪ )3‬نصوص السنة مثل القرآن ‪ :‬نفس الرد‪.‬‬
‫‪ )4‬ليس من المعلوم بالضرورة سوى خلود المشركين ما دامت باقية‪.‬‬
‫‪ )5‬التمييز بين الجنة والنار فالتفاق على الفناء للجنة أما النار فل ‪.‬‬
‫‪)6‬ل دخل للعقل في هذه المسألة (‪. )28‬‬
‫تلك وجوه الحتجاج كما نقلها صاحب المنار عن الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي فما‬
‫هو موقف الباضية في هذا المعترك؟‬

‫( ‪)2/174‬‬

‫الحقيقة أن الباضية يقبلون حجج القائلين بالدوام لكنهم يضيفون إليها خلود المصرين على‬
‫العصيان من المسلمين وبالتالي يردون الوجه الثلث من وجوه احتجاج القائلين بالدوام‪.‬‬
‫وقد جاءت نصوص العقيدة مصرحة بعدم فناء الجنة والنار معا فمن ذلك قول أبي الربيع سليمان‬
‫بن يخلف" وندين بأن الجنة والنار ل انقضاء لهما ول غاية لدوامهما" (‪)29‬‬
‫‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله عامر الشماخي‪ ":‬وندين بان الجنة والنار دائمتان ل يفنيان" (‪. )30‬‬
‫ومن ذلك شرح التلتي لقول عامر الشماخي " دائمتان " " باقيتان" "مستمرتان" ل يفنيان‪ :‬أي ل‬
‫يذهبان ول يزولن (‪ )31‬وكذلك يقول السالمي (‪. )32‬‬
‫ومما نقله صاحب قاموس الشريعة عن شرح النونية في الرد على القائلين بالفناء‪ ":‬وأما الجهمية‬
‫فالحجة عليهم قول ال تعالى في وصف الجنة‪( :‬أكلها دائم) (‪ 13‬الرعد ‪ )35‬وقوله ( ل يمسهم‬
‫فيها نصب وما هم منها بمخرجين) (‪ 15‬الحجر ‪ )48‬وقوله‪ ( :‬خالدين فيها) (‪ 2‬البقرة ‪3 -162‬‬
‫آل عمران ‪ )15‬وفي أمثالها من القرآن (‪." )33‬‬
‫واضح أن القضية لم تقع الشارة إليها إل عرضا في نصوص القرون المعنية بالدرس ولكن مدار‬
‫النقاش حول خلود أهل الكبائر غير التائبين أو عدم خلودهم وذلك لن الباضية يعيشون في محيط‬
‫أشعري يرميهم بالبتداع في هذا الشأن وهم يحاولون الدفاع عن موقفهم والتمسك بأقوال سلفهم‪.‬‬
‫ثم إلى جانب هذا تثير كتب أصول الدين قضية وثيقة الصلة بالوعيد والخلود واصطلح على‬
‫تسميتها بالورود انطلقا من استعمال مشتقات هذه الصيغة في عديد من اليات‪.‬‬
‫ورود النار‪:‬‬
‫جاء في لسان العرب عن ابن سيده‪ :‬ورد الماء وغيره وردا وورودا وورد عليه‪ :‬أشرف عليه‪،‬‬
‫دخله أو لم يدخله وعن الجوهري‪ :‬ورد فلن ورودا‪ :‬حضر‪.‬‬
‫هذا ما جاء تقريبا من المعاني اللغوية إل أن ابن منظور توغل في التفسير العقائدي أكثر من‬
‫الشرح اللغوي (‪. )34‬‬

‫( ‪)2/175‬‬
‫واضح من الروايات التي نقلها ابن منظور أن ابن إسحاق تحمس للقائلين بأن الورود ل يعني‬
‫الدخول فلنتبين حجج هؤلء وأولئك‪ .‬وما هذا الحتجاج إل ضرب من التأمل في النصوص‬
‫القرآنية وتفسير بعضها ببعض ليعزز كل من الطرفين الموقف الذي يتناسق مع الوجهة العامة‬
‫لتفكيره‪.‬‬
‫‪ )1‬حجج القائلين بان الورود يفيد الدخول‪:‬‬
‫جاء في التفسير الكبير‪ ":‬القول الثاني‪ :‬عن الورود هو الدخول ويدل عليه الية والخبر‪.‬‬
‫أما الية فيقول تعالى‪ ( :‬إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لها واردون) (‪ 21‬النبياء‬
‫‪ )98‬وقال‪ ( :‬فاوردهم النار وبئس الورد المورود) (‪ 11‬هود ‪ )98‬ويدل عليه قوله تعالى‪ ( :‬أولئك‬
‫عنها مبعدون) (‪ 21‬النبياء ‪ )101‬والمبعد هو الذي لول التبعيد لكان قريبا فهذا غنما يحصل لو‬
‫كانوا في النار ثم أنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى‪ ( :‬ونذر الظالمين فيها جثيا) (‪19‬‬
‫مريم ‪ )72‬وهذا يدل على انهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلبد‬
‫وأن يكونوا قد دخلوا النار‪.‬‬
‫أما الخبر فهو أن عبدال بن رواحة (‪)35‬‬
‫قال‪ :‬اخبر ال عن الورود ولم يخبر بالصدور‪ ،‬فقال عليه السلم‪ ":‬يا ابن رواحة ‪ .‬اقرأ ما بعدها (‬
‫ثم ننجي الذين اتقوا) (‪ )36‬وذلك يدل على ابن رواحة فهم من الورود الدخول والنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ما أنكر عليه في ذلك‪.‬‬
‫وعن جابر (‪ )37‬انه سئل عن هذه الية فقال‪ ":‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫الورود الدخول ل يبقى بر ول فاجر إل دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما حتى إن للناس‬
‫ضجيجا من بردها (‪. )39( " )38‬‬
‫ثم يورد تأويلت القائلين بهذا القول ومفادها أنه دخول بغير خوف ول ضرر أو أن يخمد ال‬
‫النار عند عبورهم أو أن يغير طبع النار كما كان في حق إبراهيم عليه السلم (‪. )40‬‬
‫=========================‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف‪35 :‬‬

‫( ‪)2/176‬‬

‫(‪ )27‬ر‪ .‬عامر الشماخي ‪ :‬كتاب الديانات‪ ،44:‬والية (الزخرف ‪)75‬‬


‫(‪ )28‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪81 .8/77 :‬‬
‫(‪ )29‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف‪35 :‬‬
‫(‪ )30‬عامر الشماخي ‪ :‬كتاب الديانات‪44:‬‬
‫(‪ )31‬عامر الشماخي ‪ :‬شرح كتاب الديانات‪67:‬‬
‫(‪ )32‬السالمي ‪ .‬المشارق‪305 :‬و ‪. 307‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ 1/525 :‬جميل‬
‫بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪. 6/12 :‬‬
‫(‪ )33‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ، 6/12 :‬وشرح النونية هو شرح إسماعيل‬
‫الجيطالي‪.‬‬
‫(‪ )34‬نرى من الصالح إيراد هذه الشروح فهي لغوية عقائدية‪ :‬وقوله تعالى‪ ]:‬وإن منكم إل‬
‫واردها[(‪ 19‬مريم ‪ )71‬فسره ثعلب فقال‪ :‬يردونها مع الكفار ول يدخلها المسلمون‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلك قوله عز وجل ‪ ]:‬إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[(‪ 21‬النبياء ‪)101‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬هذه آية كثر اختلف المفسرين فيها‪ ،‬وحكى كثير من الناس أن الخلق جميعا يردون‬
‫النار فينجو المتقي ويترك الظالم ‪ ،‬وكلهم يدخلها‪.‬‬
‫والورود خلف الصدر‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬قد علمنا الورود ولم نعلم الصدور‪ ،‬ودليل من قال هذا‬
‫قوله تعالى‪ ] :‬ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا[ (‪ 19‬مريم ‪ )72‬وقال قوم‪ :‬الخلق‬
‫يردونها فتكون على المؤمنين بردا وسلما‪ .‬وقال ابن مسعود والحسن وقتادة ‪ :‬إن ورودها ليس‬
‫دخولها وحجتهم في ذلك قوية جدا لن العرب تقول‪ :‬وردنا ماء كذا ولم يدخلوه‪ .‬قال ال عز‬
‫وجل‪ ]:‬ولما ورد ماء ماء مدين[(‪28‬القصص ‪ )23‬ويقال‪ ":‬إذا بلغت إلى البلد ولم تدخله‪ :‬قد وردت‬
‫بلد كذا وكذا‪.‬‬
‫قال أبو اسحاق‪ :‬والحجة قاطعة عندي في هذا ما قال ال تعالى‪ ]:‬إن الذين سبقت لهم منا الحسنى‬
‫أولئك عنها مبعدون ل يسمعون حسيسها[(‪ 21‬النبياء ‪ )101‬قال‪ :‬فهذا‪ ،‬وال أعلم دليل على أن‬
‫أهل الحسنى ل يدخلون النار‪ .‬وفي اللغة ورد بلد كذا وماء كذا إذا أشرف عليه دخله أو لم يدخله‬
‫قال‪ :‬فالورود بالجماع ليس بدخول‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة ورد‬

‫( ‪)2/177‬‬

‫(‪ )35‬عبدال بن رواحة (ت ‪ 8/629‬انصاري من الخزرج ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪21694‬‬


‫(‪ )36‬الية مريم ‪ :72‬لم يرد عند ونسنك وإنما ورد حديثا جاء فيه ذكر الصدور‪ " :‬يرد الناس‬
‫النار ثم يصدرون عنها"‪ .‬ر‪ .‬الترمذي تفسير سورة ‪ 5‬الدرامي‪ :‬رقاق ‪. 89‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪7/192‬‬
‫(‪ )37‬جابر بن عبدال (‪16‬ق‪ )697 -607 /78 -‬أنصاري من الخزرج ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‬
‫‪2/92‬‬
‫(‪ )38‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .316‬أحمد بن حنبل ‪ 3/383‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪7/192 :‬‬
‫(‪ )39‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪21/243 :‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪21/244 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/178‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫‪ )1‬حجج من اعتبروا أن الورود ليس بمعنى الدخول‪:‬‬
‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وربما قيل في قوله تعالى‪ ( :‬وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما‬
‫مقضيا) (‪ 19‬مريم ‪ )71‬بعد ذكر جهنم أليس يدل ذلك على أن كل من يحشر يرد النار فكيف‬
‫يصح ذلك في أهل الثواب؟‬
‫وجوابنا أنه بمعنى الوقوع فيها كقوله تعالى في قصة موسى ( ولما ورد ماء مدين) (‪ 28‬القصص‬
‫‪ )23‬وهذه طريقة العرب في الورود بمعنى القرب ولذلك قال بعده ( ثم ننجي الذين اتقوا) (‪19‬‬
‫مريم ‪ )72‬لنهم إذا قربوا سلك بأهل الثواب مسلك الجنة وأدخل أهل العقاب النار ول بد أن يتأول‬
‫على ما ذكرناه فإنه تعالى يبين أن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون ومن هذه حالته ل‬
‫يجوز أن يلقى في النار ويظن به ذلك وبين تعالى بعده بقوله ( ويزيد ال الذين اهتدوا هدى) (‪19‬‬
‫مريم ‪ )76‬أنه عز وجل يخص المهتدي بألطاف من حيث آمن واهتدى وأن ذلك يؤديه إلى‬
‫الباقيات الصالحات وذكر قبله ( قل من كان في الضللة فليمدد له الرحمن مدا) (‪ 19‬مريم ‪)75‬‬
‫انه تعالى يبقيهم ليزولوا عن الضللة ويفعل بالمهتدين الهدى ليثبتوا على اليمان" (‪. )41‬‬
‫كما يذكر الفائدة من هذا الدنو فيقول‪ ":‬غنما أراد تعالى بذلك أن المؤمنين إذا قربوا منها وعاينوها‬
‫وعلموا أن المخلص لهم منها ما فعلوه ن الطاعات في ما سلف وأن أعداءهم يقعون فيها لجل‬
‫معاصيهم السابقة عظم عند ذلك سرورهم فيكون ذلك زائدا في سرورهم فيكون ذلك زائدا في‬
‫سرورهم ونعيمهم" (‪)42‬‬
‫كما يقول‪ ":‬ولو لم يحمل على ما قلناه لوجب أن يقال في النبياء والمؤمنين إن ال يدخلهم النار‬
‫وليس ذلك بمذهب لحد ولو كان فيه خلف لم يمتنع أن يقال ‪ :‬إنهم يردون النار ويجنبهم تعالى‬
‫الضرر فيها كما نقوله في الملئكة الموكلة بالعذاب" (‪. )43‬‬

‫( ‪)2/179‬‬

‫وقد سلك الباضية نفس المسلك وفي ذلك يقول يوسف المصعبي بعد أن أورد أقوال القائلين‬
‫بالدخول‪ ":‬الورود عندنا محمول على ورود النظر دون الدخول قالوا ول يلزم الدخول بدليل قوله‬
‫تعالى في حق موسى عليه السلم‪ ( :‬ولما ورد ماء مدين) (‪ 28‬القصص ‪ )23‬فإنه من المعلوم أنه‬
‫لم يدخله واستدل أصحابنا على ذلك بقوله تعالى‪ ( :‬ل يمسهم السوء) (‪ 3‬آل عمران ‪ )174‬وبقوله‪:‬‬
‫( أولئك عنها مبعدون) ( ‪ 21‬النبياء ‪ )101‬بعدها (‪." )44‬‬
‫إن احتجاج هؤلء وأولئك أثبت أن اللغة‪ -‬وهي أساس الفهم‪ -‬آزرت الذين اعتبروا أن الورود هو‬
‫الدنو والقرب والوصول ولذلك التجأ الطرف الثاني إلى عديد من التأويلت فقد بين الطاهر ابن‬
‫عاشور (‪ - )45‬هو من هؤلء أقرب‪ -‬أنها غير مستساغة وبين بوضوح أل اعتداد بما ذكره‬
‫الرازي من فوائد تنجز للداخلين بشكل من الشكال" (‪. )46‬‬
‫الصراط‪:‬‬
‫كنا أشرنا إلى حقيقة الصراط عند استلل الباضية على عدم جواز تعذيب الموفين يوم القيامة (‬
‫‪ )47‬وقد وضح تبغورين موقف الباضية بقوله " الصراط المستقيم دين ال القيم الذي افترض ال‬
‫على عباده والعدل الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات" (‪. )48‬‬
‫واكتفى صاحب النونية بالشارة إلى هذا الموقف من الصراط حيث قال‪( :‬طويل)‬

‫( ‪)2/180‬‬

‫إل أن إسماعيل الجيطالي يقول‪ ":‬والذي عندي‪ -‬وال أعلم‪ -‬أن الصراط المذكور في القرآن على‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما طريق السلم كما قدمنا‪ .‬والثاني أنه الجسر الموضوع على متن جهنم المرتب‬
‫عليه القناطر السبع التي هي مراصد ومجالس للعباد حتى يسألوا عن السبع السؤالت المشهورة (‬
‫‪ )50‬هذا مشهور في كتب أصحابنا ويدل على هذا قوله تعالى ( فاهدوهم الى صراط الجحيم‬
‫وقفوهم إنهم مسؤولون) (‪ 37‬الصافات ‪ )23‬إذ يستحيل حمل الصراط المذكور هاهنا على طريق‬
‫السلم وال اعلم‪ ،‬فهذا ممكن في العقل لنه ليس فيه ما يحيله ول في الشرع ما يبطله فإن القادر‬
‫على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير النسان على الصراط وال أعلم بكيفيته" (‪)51‬‬
‫‪.‬‬
‫أما في الشرح النونية فلم يذكر إل الموقف الول وهو المعنى المجازي " وقال أصحابنا رحمهم‬
‫ال في الصراط ما قاله الناظم فيه من أنه دينه عز وجل الذي هو الطريق المستقيم المؤدي الى‬
‫دار النعيم ويوصف بالرقة والحدة على المجاز باعتبار الهلك المعتري للنسان بأقل حركة منه‬
‫على خلفه" (‪. )52‬‬
‫ويحوصل السالمي مبينا أسماء من ذهب من الباضية الى الجمع بين الموقفين فيقول‪ :‬فقد ذهب‬
‫مثل ما ذهبوا ( الشاعرة) إليه بعض أصحابنا منهم الشيخ هود بن محكم وأبو القاسم البرادي‬
‫والشيخ إسماعيل في القناطر وقطب الئمة في الهيميان وجامع الشمل" (‪. )53‬‬
‫ويقرر السالمي أن المسألة ليسن من باب الدين ويذكر بعض اليات استدل بها من اعتبروا‬
‫الصراط جسرا منها قوله تعالى‪ ( :‬فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) (‪ 36‬يس ‪ )66‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫( فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون) (‪ 37‬الصافات ‪ )23‬وقوله تعالى‪ ( :‬أفمن‬
‫يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) (‪ 67‬الملك ‪.)22‬‬
‫ويبين أنه أجيب بان الصراط في اليات بمعنى الطريق ول دللة فيهما على الجسر المذكور‪.‬‬

‫( ‪)2/181‬‬

‫كما يذكر أنهم استدلوا على ثبوت الجسرية بالحاديث المروية وأجيب أنها أحاديث أحادية ل‬
‫توجب المور العتقادية والذي يظهر لي إبقاء الحاديث على أصلها من غير تعرض لردها على‬
‫راويها وتفويض أمره إلى ال فمن صدقها من غير قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه‬
‫بالراوي ول بأس عليه إن شاء ال (‪. )54‬‬
‫والحقيقة أن المتأمل في ورود هذه الكلمة في القرآن الكريم يتبين أنها يغلب عليها مفهوم الدين‬
‫وطريق الهداية في ما عدا اليات المذكورة آنفا والتي استشهد بها القائلون على أن الصراط جسر‬
‫على جهنم فهي توحي بذلك إل أن تتأول عن طريق المجاز لتواكب بقية اليات‪.‬‬
‫وهنا تعترضنا الحاديث في هذا الشأن وهي ثروة عقائدية في حاجة إلى أن تمحص أكثر عن‬
‫طريق المقارنة المدققة بين مواقف مختلف الفرق السلمية‪.‬‬
‫والمهم أن القضية تبقى تبعية تامة لقضيتي الوعد والوعيد والخلود من حيث البعد الحضاري‬
‫والتأثير في الواقع الجتماعي ولذلك ذكر السالمي أنها ليست من قضايا أصول الدين الساسية‬
‫فالقائلون بإنفاذ الوعيد والخلود يغلب عليهم تفسير الصراط بالمنهج السلمي الموصل إلى النجاة‬
‫والقائلون يطهر بخلف الوعيد وعدم الخلود رجحوا تفسير الصراط بالجسر عسى أن يطهر المسلم‬
‫من ذنوبه مع القامة المؤقتة في الجحيم قبل أن يستقر نهائيا في الجنة‪.‬‬
‫وتبقى في النهاية أسرار يوم القيامة من علم الغيب الذي استأثر به المولى تعالى وأولى بالمؤمن‬
‫أن يختار المواقف الكثر احترازا ليكون من الناجين فيسلك مسلك الدين باعتباره المسلك القوم‪.‬‬
‫قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (‪ 17‬السراء ‪ )9‬فإن وجد الجسر بجميع‬
‫مواصفاته المبالغ في وصفها يكن من العابرين بسلم‪.‬‬

‫( ‪)2/182‬‬

‫وبالوقوف عند قضية الصراط نكون قد استوفينا المواضيع التي جاءت على هامش القضيتين الم‬
‫وهما الوعد والوعيد والخلود ولم يبق إل أن نقتحم معركة القائلين بالخلود في النار والقائلين بعدمه‬
‫والجدل فيها يشتد ويحتدم لن القضية قضية مصير أبدي وهي في الحقيقة محور حياة النسان‪.‬‬
‫==============================‬
‫(‪ )41‬القاضي عبد الجبار‪ :‬تنزيه القرآن عن المطاعن‪250 :‬‬
‫(‪ )42‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/486‬‬
‫(‪ )43‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/486‬‬
‫(‪ )44‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 560‬قفا‪ .‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪.‬‬
‫المشارق‪ 309 -308:‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ .522 /1‬فالورود عند أصحابنا‪:‬‬
‫النتهاء والمرور والجتياز‪.‬‬
‫وقد جاء مثل هذا عند الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪ .152 -16/151.‬وعند محمد جواد‬
‫مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف ‪5/193‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير ‪152-16/151‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪2/245 ،21/445 :‬‬
‫ويعدد ست فوائد نذكر منها واحدة‪ ":‬أن فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين‬
‫هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم يبقون فيها"‪ .‬التفسير الكبير ‪21/244 :‬‬
‫ولزيادة التوسع في القضية عامة ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ 2/520 :‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪:‬‬
‫‪ .2/19‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪.141 -11/135 :‬‬
‫(‪ )47‬انظر ما سبق‪ 678 :‬مكرر‪.‬‬
‫(‪ )48‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين‪69 :‬‬
‫(‪ )49‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية عدد ‪133:10 .132‬‬
‫لسان العرب‪ :‬اكتفى بذكر أن أصل الصاد سين أو زاي ولم يشر إلى الشرح اللغوي مادة صرط‪.‬‬
‫وجاء في المعجم الوسيط ‪ :‬الطريق ‪ ،‬قال تعالى‪ ]:‬ول تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن‬
‫سبيل ال[(‪7‬العراف ‪.)86‬‬

‫( ‪)2/183‬‬

‫ويقول القاضي عبد الجبار ‪ ":‬ومن جملة ما يجب القرار به واعتقاده الصراط وهو طريق بين‬
‫الجنة والنار يتسه على أهل الجنة ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه‪ ،‬وقد دل عليه‬
‫القرآن ‪:‬قال ال تعالى‪ ]:‬اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم[(‪ 1‬الفاتحة ‪ )7‬فلسنا‬
‫نقول في الصراط ما يقول الحشوية‪ ،‬أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف‪ ،‬وأن المكلفين‬
‫يكلفون اجتيازه والمرور به‪ ,‬فمن اجتازه فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل‬
‫النار‪ ،‬فإن تلك الدار ليست هي بدار تكليف‪ ،‬حتى يصح إيلم المؤمن وتكليفه المرور على ما هذا‬
‫سبيله في الدقة والحدة‪ ،‬وأيضا فقد ذكرنا أن الصراط هو الطريق وما وصفوه ليس من الطريق‬
‫بسبيل ففسد كلمهم فيه‪ ".‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ 728‬ر‪ .‬أيضا ‪738 -737 :‬‬
‫نفس المصدر‪.‬‬
‫(‪ )50‬إشارة إلى ما ينتظر النسان من أسئلة يوم القيامة عبر عنها الجيطالي بالقناطر ولذلك سمى‬
‫كتابه قناطر الخيرات‪.‬‬
‫(‪ )51‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪2:1/318.319‬‬
‫(‪ )52‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 186‬قفا و ‪ 187‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪.440‬‬
‫(‪ )53‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪ .286 :‬أما عن موقف الشاعرة فانظر البيجوري حيث يقول‪:‬‬
‫" الصراط‪ ...‬ومعناه لغة‪ :‬الطريق الواضح مأخوذ من صرطة إذا ابتلعه لنه يبتلع المارة‪.‬‬
‫وشرعا‪ :‬جسر ممدود على متن جهنم يرده الولون والخرون حتى الكفار ‪ ،‬خلفا للحليمي حيث‬
‫ذهب الى أنهم ل يمرون عليه ولعله أراد الطائفة التي ترمى في جهنم من الموقف بل صراط‪...‬‬
‫ثم ذكر مختلف القوال في أنواع العبور وطول المدة الزمنية وتفاوتها من شخص الى آخر ‪،‬‬
‫وذكر ما جاء في هذا الشأن من الحاديث من ذلك قوله عليه السلم" ويضرب الصراط بين‬
‫ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز"‪.‬‬

‫( ‪)2/184‬‬

‫وذكر في نهاية كلمه الحكمة من مرورهم على الصراط ‪ ،‬وهي ظهور النجاة من النار وأن‬
‫يتحسر الكفار بفوز المؤمنين بعد اشتراكهم في المرور"‪ .‬شرح جوهرة التوحيد ‪181 -180 :‬‬
‫وقد أورد عمرو التلتي هذا النص كله‪ .‬شرح النونية ورقة ‪ 186‬وجه وقفا ر‪ .‬عبد العزيز‬
‫الثميني ‪ :‬النور‪ ،440 -438 :‬وعن الحديث المذكور ر‪ .‬البخاري آذان ‪ .129‬توحيد ‪ 24‬مسلم ‪:‬‬
‫إيمان ‪ .299‬ابن ماجة زهد ‪ 33‬أحمد بن حنبل ‪. 17 -3/11 .2/293‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس‪3/300 :‬‬
‫(‪ )54‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪286 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/185‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫قضية الخلود أو عدمه‬
‫جاء في لسان العرب‪ :‬الخلد‪ :‬دوام البقاء في دار ل يخرج منها خالد يخلد خلدا وخلودا بقي وأقام‪.‬‬
‫ودار الخلد‪ :‬الخرة لبقاء أهلها فيها‪ ،‬وخلده ال وأخلده تخليدا‪ ،‬وقد أخلد ال أهل دار الخلد فيها‬
‫وخلدهم وأهل الجنة خالدون مخلدون آخر البد (‪. )1‬‬
‫إن كانت اللغة بينت أن الخلود دوام البقاء (‪ )2‬فإن أهل التفسير وجدوا من الشواهد في النصوص‬
‫ما يحول اللفظة عن معناها فكان هذا مصدر اختلف كبير في اتخاذ مواقف متضاربة متناقضة‪.‬‬
‫ومعلوم أن القرآن الكريم يشير إلى أن القضية طرحت عند اليهود وقد تدرعوا بأنهم شعب ال‬
‫المختار وأنهم أحباؤه فلذلك اعتقدوا أن النار ل يمكن أن تمسهم إل أياما معدودة إل أن القرآن رد‬
‫عليهم وبكتهم واتخذت اليتان الواردتان في القضية منطلقا للنقاش بين الفرق السلمية وخصصها‬
‫أغلبهم باليهود (‪. )3‬‬
‫كما أن الختلف الذي قام بين الفرق السلمية في شأن السماء (‪ )4‬كان له تأثير بالغ في تقرير‬
‫مصائر الناس‪ ،‬ذاك أن كل يفهم النص حسب تحديده الصطلحي ولهذا تكثر عبارة " وهذا الوجه‬
‫اللئق على أصولنا" (‪. )5‬‬
‫فل سبيل إلى التوفيق مثل بين من يعتبر أن اليمان مجرد اعتقاد بالقلب‪ ،‬وبين من يعتبر أن‬
‫العمل جزء ل يتجزأ منه‪.‬‬
‫والواضح في القضية أن الختلف لم يكن في شأن الخلود في الجنة كما لم يكن من قبل في شأن‬
‫الوعد ذاك لن الجنة كل يشتاق إليها ولم يقل واحد في شأنها بالمكث الطويل وإنما جاء الخلف‬
‫حادا عنيفا في شأن الخلود في النار وعدمه‪.‬‬

‫( ‪)2/186‬‬

‫ورغم مساس القضية بالغيبيات نجد من هون من شأنها على أساس أنها ليست من اللهيات ول‬
‫من الرساليات كما يشير إلى ذلك محمد اطفيش بقوله‪ ":‬عن خلود الموحد وعدمه ليس من الصول‬
‫التي يكون بها تفسيق معتقد أحدهما" (‪ )6‬والجلل الدواني حيث يقول بعد حديث عن الصفات‪":‬‬
‫والحال انه ل حرج على من قال فيها بخلف الصواب فأحرى أن يكون ذلك في ما ليس من‬
‫اللهيات ول من الرساليات كمسألة الخلود" (‪. )7‬‬
‫لكن إلى جانب هذا نجد من اعتبر أنها من القضايا العقائدية الساسية فهذا رشيد رضا يقول‪ ":‬فإن‬
‫هذه المسألة قديمة‪ ،‬وهي اكبر مشكلت الدين" (‪ )8‬وكذلك جواد مغنية فإنه يقول أثناء حديثه عن‬
‫هذه القضية‪ ":‬ونحن نتكلم في المور العقائدية القطعية ل في المسائل الفرعية الظنية" (‪ )9‬وكذلك‬
‫أحمد الخليلي في تعليقه على كتاب المشارق يقول‪ ":‬مسألة الخلود في النار من مسائل العتقاد‬
‫المهمة" (‪. )10‬‬
‫وكذلك محمد علي ناصر الجعفري يقول‪ ":‬وليعلم أن عقد القلب المعتبر في أصول الدين إنما هو‬
‫بالنسبة إلى الثار الخروية كالتخلص من الخلود في النار" (‪. )11‬‬
‫وكذلك يقول الرازي‪ ":‬واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل" (‪. )12‬‬
‫والراجح أنها من القضايا العقائدية الساسية لن كل حياة النسان مرتبطة بمصيره واعتقاد الخلود‬
‫وعدمه يجول مجرى حياة النسان تحويل جذريا ولول تصور عالم الجزاء لما استقام الدين بما‬
‫فيه من عقيدة وشريعة‪.‬‬
‫والمتأمل في النصوص السلمية قرآنا وسنة يتبين أنها خصصت الجانب الوفى منها للتعريف‬
‫بعالم الجزاء ول تكاد تخلو سورة تقريبا من التذكير بالدار الخرة وعدا أو وعيدا‪.‬‬

‫( ‪)2/187‬‬

‫وانطلقا من هذه النصوص التي جاء فيها ذكر الخلود مرات مشفوعا بالتأبيد ومرات غير مشفوع‬
‫به‪ ،‬ومرات صريحا للمشركين ومرات صريحا للعصاة من أهل الصلة كان الخلف بين‬
‫الصوليين فما هي أبرز المواقف في هذه القضية وما هي مكانة الباضية منها؟ وما هي الحجج‬
‫المعتمدة نقل وعقل عن صح للعقل أن يحكم؟ وما هي البعاد الحضارية لهذه المواقف؟‬
‫مختلف المواقف من قضية الخلود‪:‬‬
‫لقد لخصها السالمي في خمسة حيث يقول‪ ":‬والناس فيه على مذاهب‪ :‬أحدها‪ :‬وهو قول الشعرية‪:‬‬
‫إن أهل الشرك مخلدون في النار وأهل الكبائر مما عدا الشرك إما أن يعفى عنهم فل يدخلونها‬
‫وإما أن يعذبوا بقدر أعمالهم ثم يخرجون منها‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬عن أهل النار مشركهم وفاسقهم غير مخلدين فيها‪ ،‬ونسب هذا إلى طائفة خرجت‬
‫عن السلم‪.‬‬
‫المذهب الثالث‪ :‬إن أهل الكبائر غير معذبين قطعا وإنما العذاب لهل الشرك خاصة ونسب هذا‬
‫إلى مقاتل وبعض المفسرين‪.‬‬
‫المذهب الرابع‪ :‬إن الجنة والنار فانيان بعد دخول أهل كل واحد منهما فيها‪ ،‬ونسب هذا القول إلى‬
‫جهم بن صفوان‪.‬‬
‫المذهب الخامس‪ :‬وهو مذهب أهل الستقامة والمعتزلة‪ :‬إن أهل الكفر من معاصي ال كانوا‬
‫مشركين أو فاسقين مخلدون في النار دائما‪ ،‬لكن أهل الستقامة يقولون‪ ":‬إن التعذيب بعدل ال‬
‫والثواب بفضله‪ ،‬والمعتزلة يقولون بوجوب (‪ )13‬ذلك عليه تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد‬
‫في التحسين والتقبيح العقليين" (‪. )14‬‬
‫والمتأمل في كتب الصول يلمس أن الصراع بقي على أشده بين أصحاب الموقف الول (‪)15‬‬
‫وأصحاب الموقف الخامس (‪. )16‬‬
‫والملحظ أيضا أنه يصعب الوقوف عند كل النصوص القرآنية التي تجاذبها الطرفان ولذلك‬
‫سننتخب منها ما نرى أنه أكثر تعبيرا عن القضية إذ كل ما استشهد به يمس الموضوع من قريب‬
‫أو من بعيد‪ .‬وسنسلك في هذه المرة مسلك عرض حجج الطرفين في نفس الوقت لنلخص إلى‬
‫الستنتاجات العامة بعد ذلك ومنهجنا يقوم على عنصرين أساسيين‪:‬‬
‫( ‪)2/188‬‬

‫‪ )1‬القرآن الكريم ودحضه ادعاء اليهود‪.‬‬


‫‪ )2‬القرآن الكريم وقضية الخلود عامة‪.‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )1‬ر‪ .‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب مادة خلد مع الملحظ أنه لم يشر إلى النار‪.‬‬
‫(‪ )2‬عدا ما جاء في اللسان من باب المجاز حيث يقال للجبال والحجارة والصخور خوالد لطول‬
‫بقائها بعد دروس الطلل‪.‬ر‪ .‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب مادة خلد‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما يلي‪718 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )5‬الرازي‪ :‬تفسير الكبير ‪. 3/158‬ر‪ .‬جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف‪ 1/137 :‬يقول‪ ":‬يوافق‬
‫مذهبنا"‬
‫(‪ )6‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪ 130 :‬نقل عن‪ ":‬كتاب ازالة العتراض عن محقي أهل‬
‫أباض"‪.‬‬
‫(‪ )7‬نفس المصدر والصفحة‬
‫(‪ )8‬رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪1/401 :‬‬
‫(‪ )9‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/401 :‬‬
‫(‪ )10‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 219 :‬تعليق عدد ‪ 1‬وهو محقق الكتاب في طبعته الثانية ‪.‬‬
‫(‪ )11‬ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين‪50 :‬‬
‫(‪ )12‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬
‫(‪ )13‬انظر ما سبق‪559 :‬‬
‫(‪ )14‬السالمي ‪ :‬المشارق‪ .294 :‬وقد أورد ابن حزم التقسيم التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬أما من قال بأن صاحب الكبيرة يخلد‪..‬‬
‫‪ -2‬وأما من خص القاتل بالتخليد‪.‬‬
‫‪ -3‬وأما من قال أن ال تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‪.‬‬
‫‪ -4‬وأما من قال بمثل هذا أنه قال‪ :‬ال تعالى إن عذب واحدا منهم عذب الجميع‪.‬‬
‫‪ -5‬وأما من قال بالموازنة ‪.‬ر‪ .‬ابن حزم الفصل‪ 52 -4/46 :‬وابن حزم يقول بالقول الثالث‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬وإن النار حق دار مخلوق ل يخلد فيها مؤمن‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬يدخل النار من شاء ال تعالى من المسلمين الذين رجحت كبائرهم وسيئاتهم على حسناتهم‬
‫ثم يخرجون منها بالشفاعة ويدخلون الجنة ‪ .‬ابن حزم‪ :‬المحلى ‪1/10‬‬
‫( ‪)2/189‬‬

‫ويقول الرازي‪ ":‬اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر‪ :‬فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم‬
‫فريقان ‪ :‬ومنهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج‪ ،‬ومنهم من أثبت‬
‫وعيدا منقطعا وهو قول بشر المريسي والخالد‪ .‬ومن الناس من قطع بأنه ل وعيد لهم وهو قول‬
‫شاذ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر‪.‬‬
‫والقول الثالث إنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي‪ ،‬ولكنا نتوقف في حق كل‬
‫أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم ل ‪ ،‬ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحدا منهم مدة ف'نه ل‬
‫يعذبه أبدا بل يقطع عذابه‪ ،‬وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر‬
‫المامية"‪ .‬التفسير الكبير ‪3/145‬‬
‫(‪ )15‬وهو موقف الماتريدية حسب ما يذكر أبو السعود في تفسيره (‪ )1/147‬والشيعة الزبدية كما‬
‫ينقل ذلك عن إمامهم زيد أبو زهرة في كتابه‪ :‬المام زيد ص ‪ 204‬والشيعة المامية كما ينقل أبو‬
‫زهرة عن الشيخ المفيد في أوائل المقالت وكما ذكر ذلك الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.3/145 :‬‬
‫(‪ )16‬وهو موقف من وسموا بالخارجية جميعا ‪.‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/190‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫‪ -‬الدلة من القرآن الكريم ‪:‬‬
‫‪ )1‬القرآن الكريم يدحض ادعاء اليهود‪:‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل اتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال عهده‬
‫أم تقولون على ال ما ل تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم‬
‫فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪. )81 -80‬‬
‫وقال تعالى‪ ( :‬ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون‬
‫فكيف إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون) (‪ 3‬آل عمران‬
‫‪.)24‬‬
‫نحن أمام سياقين قرآنيين يتكرر فيهما ادعاء اليهود أن النار لن تمسهم إل أياما معدودة مع‬
‫اختلف جزئي في الجمع والفراد‪ ،‬والحقيقة أن هذا الختلف ل يغير المعنى في شيء (‪ )17‬إذ‬
‫سواء أكانت اليام قليلة أو كثيرة المهم في الخروج من النار كما أن جل المفسرين يتعرضون‬
‫لسياق سورة آل عمران عند تحليل السياق الول ويكتفون بالحالة على ما سبق عند تفسير‬
‫السياق الثاني (‪ )18‬وتتمثل مواطن الختلف‪ -‬وهي أساس البحث‪ -‬في ما يلي‪:‬‬
‫أ?‪ -‬تحديد السيئة والخطيئة وإحاطتها‪.‬‬
‫ب?‪ -‬هل يشمل الخلود أهل الكبائر أم هو خاص بأهل الكتاب‪.‬‬
‫ج‪ -‬الخلود بقاء مؤبد أم مكث مؤقت‪.‬‬
‫أ) تحديد السيئة وإحاطة الخطيئة‪:‬‬
‫‪ -‬السيئة عند منكري الخلود لهل الكبائر‪:‬‬
‫قال ابن عباس‪ ":‬من كسب سيئة أي أشرك بال وأحاطت به خطيئته أوبئة شركه أي مات عليه" (‬
‫‪. )19‬‬
‫ويورد محمد عبده ما يلي‪ ":‬وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك" (‪. )20‬‬
‫أما الرازي فلم يذهب إلى أنها تعني الشرك حيث قال‪ ":‬أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي قال‬
‫تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها) (‪ 42‬الشورى ‪ ( )40‬من يعمل سوء يجز به) (‪ 4‬النساء ‪. )123‬‬
‫(‪)21‬‬
‫وأما القرطبي فلم يشر إلى تفسير الكلمة تماما (‪. )22‬‬

‫( ‪)2/191‬‬

‫وأما أبو السعود فيقول‪ ":‬من كسب سيئة فاحشة من السيئات أي كبيرة من الكبائر كدأب هؤلء‬
‫الكفرة" (‪. )23‬‬
‫وأما جواد مغنية فيقول‪ ":‬السيئة تعم الشرك وغيره من الذنوب ولكن المراد منها هنا خصوص‬
‫الشرك بقرينه قوله تعالى‪ ( :‬فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ‪ .‬قال صاحب مجمع البيان إن‬
‫إرادة الشرك من السيئة يوافق مذهبنا أي مذهب المامية" (‪. )24‬‬
‫ويقول ابن عاشور‪ ":‬والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليه بقوله‪:‬‬
‫( وأحاطت به خطيئته) (‪. )25‬‬
‫‪ -‬السيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر‪:‬‬
‫يقول الزمخشري ‪ ( ":‬من كسب سيئة) من السيئات يعني كبيرة من الكبائر" (‪. )26‬‬
‫يقول أبو مهدي‪ ( ":‬من كسب سيئة) وهي الشرك في ما وجدنا في التفسير" (‪. )27‬‬
‫ويقول يوسف المصعبي‪ ":‬وما ذكره الكشاف هو الموافق لما عليه أصحابنا رحمهم ال كما هو‬
‫معلوم" (‪. )28‬‬
‫ويكتفي البرادي بقوله‪ ":‬حقيقة السيئة ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (‪. )29‬‬
‫ويقول محمد اطفيش ‪ ":‬سيئة خصلة قبيحة وهي الذنب الكبير‪ ،‬سواء كانا نفاقا أو شركا ومن‬
‫الذنوب الكبيرة الصرار فإنه نفسه كبيرة سواء على الصغيرة أو الكبيرة لقوله تعالى‪ ( :‬فأولئك‬
‫أصحاب النار) ويحتمل وجه آخر وهو أن السيئة ذنب صغير أو كبير‪...‬‬

‫( ‪)2/192‬‬

‫ثم يناقش قول من قال‪ :‬إن السيئة هنا بمعنى الشرك فيقول‪ :‬وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه ال إنها الشرك قلت‪ :‬ما ذكرته‬
‫أولى مما ذكراه فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ تلك تفسير منهما‪ ،‬ل حديث ول‬
‫سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار‪ ،‬ولم يحصروا دخولها على الشرك‬
‫ومعترفون بان لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدي وادعاء أن‬
‫الخلود في الموحدين بمعنى المكث الطويل وفي المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة في‬
‫حقيقتها ومجازها وهو ضعيف وأيضا ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب‬
‫بغيره لن الشرك أقوى" (‪. )30‬‬
‫وقال محمد عبده‪ ":‬للسيئة هنا إطلقها وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك ولو‬
‫صح هذا الوعيد لما كان لقوله‪ ( :‬وأحاطت به خطيئته) معنى فإن الشرك أكبر السيئات وهو‬
‫يستحق الوعيد لذاته كيفما كان" (‪. )31‬‬
‫‪ -‬الخطيئة عند منكري الخلود لهل الكبائر‪:‬‬
‫أما عن الخطيئة فقد قرأت بصيغة الفراد والجمع " خطيئاته" وجاء تفسيرها متأثرا بتفسير السيئة‬
‫فيقول فيها منكرو الخلود ما يلي‪:‬‬
‫لقد ذكرنا أن ابن عباس اعتبر الخطيئة أوبئة الشرك الذي يموت عليه صاحبه (‪. )32‬‬
‫وأما الرازي فيفهم من كلمه أنه يعتبر الخطيئة مرادفة للسيئة فيقول‪ ":‬ولما كان من الجائز أن‬
‫يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار بين تعالى أن الذي‬
‫يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به‪ ،‬ومعلوم أن لفظ الحاطة حقيقة في إحاطة جسم آخر‬
‫كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك هاهنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة"‪.‬‬
‫ثم بعد أن يبين لم حمل السيئة على الكبيرة يقول‪ ":‬فكأنه تعالى يقول بلى من كسب كبيرة وأحاطت‬
‫كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (‪. )33‬‬

‫( ‪)2/193‬‬

‫وأما البيضاوي فيحملها على الكفر بسبب الحاطة فيقول‪ ":‬ولذلك فسرها السلف بالكفر" (‪. )34‬‬
‫وأما أبو السعود فينقل عدة روايات في فهم الخطيئة حيث يقول‪ ".…:‬فسرها السلف بالكفرة" (‪)35‬‬
‫‪.‬‬
‫وقيل السيئة الكفر والخطيئة الكبيرة وقيل العكس وقيل الفرق بينهما أن الولى قد تطلق على ما‬
‫يقصد بالذات والثانية تغلب على ما يقصد بالعرض لنها من الخطأ " (‪ )36‬وأما كل من القرطبي‬
‫(‪ )37‬ومغنية (‪ )38‬فلم يقفا عند كلمة خطيئة‪.‬‬
‫وأما ابن عاشور فيتوسع في التحليل فيقول‪ ":‬وقوله وأحاطت به خطيئاته " الخطيئة اسم لما يقترفه‬
‫النسان من الجرائم وهي فعلية بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء والحاطة مستعارة لعدم الخلو‬
‫عن الشيء لن ما يحيط بالمرء ل يترك له منفذا للقبال على غير ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬وظنوا أنهم‬
‫أحيط بهم) (‪ 10‬يونس ‪ )22‬وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لنها تجري على جميع الخطايا ول‬
‫يعتبر مع الكفر عمل صالح‪)39( "....‬‬
‫تلك هي مواقف المنكرين والملحظ أنه وقع اللحاح على الحاطة أكثر من الطالة في تفسير‬
‫الخطيئة على أنه ورد فيها القول وعكسه بالنسبة إلى السيئة فواضح إذن أن السطح متموج‪ ،‬وكل‬
‫يجذب المفاهيم من طرف لتعزيز موقفه‪.‬‬
‫‪ -‬الخطيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر‪:‬‬
‫أما الزمخشري فيقول‪ ":‬وقيل في الحاطة كان ذنبه أغلب من طاعته وسأل رجل الحسن عن‬
‫الخطيئة فقال‪ :‬سبحان ال أل أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة؟ انظر في المصحف فكل آية‬
‫نهى فيها ال عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة" (‪. )40‬‬
‫وينقل يوسف المصعبي نفس النص (‪. )41‬‬
‫أما أبو مهدي فيقول‪ ":‬وأحاطت به خطيئاته وهي الكبائر في ما وجدنا أيضا" (‪ )42‬ولم يتعرض‬
‫البرادي لتعريف الخطيئة (‪. )43‬‬

‫( ‪)2/194‬‬

‫أما محمد اطفيش فيقول‪ ":‬ربطته وأوجبت له دخول النار فصار ل خلص له منها كمن أحاط به‬
‫العدو أو الحريق أو حائط السجن وذلك بان مات غير تائب وقيل معنى الحاطة أن ذنبه أغلب من‬
‫طاعته ومن مشارقة أصحابنا من يقول ذلك‪.‬‬
‫شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر في مضرة على شيء وأحاطت رمزا وشبه إيباق خطيئاته له‬
‫إلى النار وقصرها إياها على النار بدوران الشيء الضار على شيء‪....‬‬
‫والخطيئة في قراءة الفراد يحتمل أن تكون هي السيئة المذكورة أول ويحتمل أن يراد به الجنس‬
‫كما صرحت به قراءة الجمع‪....‬‬
‫ثم يورد أن السيئة ما يقصد بالذات والخطيئة ما يكون عرضا ويضرب لذلك أمثلة كما يورد‬
‫جواب الحسن إل انه يرد فيه بالتعليق التالي‪ ":‬وهذا الذي قال إنما هو في القرآن وليس متعينا في‬
‫جميعه أيضا وأما في غيره فالخطيئة تحتمل الصغيرة وكذا السيئة والذنب والمعصية وال أعلم " (‬
‫‪. )44‬‬
‫أما محمد عبده فيقول‪ ":‬ومعنى إحاطة الخطيئةهو حصرها لصاحبها وأخذها بجوانب إحاسه‬
‫ووجدانه كأنه محبوس فيها ل يجد لنفسه مخرجا منها يرى نفسه حرا مطلقا وهو أسير الشهوات‬
‫وسجين الموبقات ورهين الظلمات؟ وغنما تكون الحاطة بالسترسال في الذنوب والتمادي على‬
‫الصرار قال تعالى‪ ( :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) (‪ 83‬المطففين ‪ )14‬أي من‬
‫الخطايا والسيئات ففي كلمة يكسبون معنى السترسال والستمرار وران عليه غطاه وستره أي أن‬
‫قلوبهم قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه‪ .‬ثم‬
‫أورد حديثا يؤازر موقفه وختم بقوله‪ :‬لمثل هذا كان السلف يقولون‪ ":‬المعاصي بريد الكفر" (‪)45‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/195‬‬

‫من خلل ما ذكر من تفسير السيئة وإحاطة الخطيئة (‪ )46‬نتبين أنه سال مداد كثير نتيجة تأملت‬
‫العقول وكل ذلك إما لتيسير المر على أهل الكبائر المصرين لما في قلوبهم من إيمان أو لحشر‬
‫هؤلء مع المشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا‪ .‬فالسيئة والخطيئة تتأرجحان بين الشرك‬
‫والكبيرة والصغيرة واللغة تحتمل ذلك وإن كان الشرك مستبعدا ولذلك ناقشه حتى من باب‬
‫التعسف والتسلط على اللغة‪ .‬أما عن الحاطة فهذا يعتبر أل إحاطة إل بالشرك والخر يلح على‬
‫أن الذنوب هي الخرى تحجب القلب وتطمس ما تسرب إليه من نور اليمان‪.‬‬
‫والذي يقلبه العقل ول تلفظه اللغة أن السيئة وإحاطة الخطيئة أو الخطيئات إنما هي المعاصي‬
‫مهما كان نوعها ولذلك يترجح أن الخلود شامل للمشركين وللعصاة المصرين الذين ماتوا دون أن‬
‫يتوبوا وجاهروا خالقهم بما نهاهم عنه رغم البشير والنذير فهؤلء وغن آمنوا فإنهم لم ينتفعوا‬
‫بإيمانهم في الدنيا فكيف يمكن أن ينتفعوا به في الخرة‪.‬‬
‫===================‬
‫(‪ )17‬يقول الرازي‪ ":‬إن السم إن كان مذكرا فالصل في صفة جمعه التاء يقال كوز وكيزان‬
‫مكسورة وثياب مقطوعة‪ ،‬وإن كان مؤنثا كان الصل في صفة جمعه اللف والتاء يقال جرة‬
‫وجرار مكسورات وخابية وخواب مكسورات إل انه قد يوجد الجمع باللف والتاء في ما واحده‬
‫مذكر في بعض الصور نادرا محو حمام حمامات وحمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله‬
‫تعالى] في أيام معدودات[(‪3‬آل عمران ‪ )24‬و] في أيام معلومات[( ‪22‬الحج ‪ )28‬فال تعالى تكلم‬
‫في سورة البقرة بما هو الصل وهو قوله تعالى ] أياما معدودة[‪ ،‬وفي آل عمران بما هو الفرع"‪.‬‬
‫التفسير الكبير‪ ( 3/142 :‬وسبطر تفيد معنى الثقل أو السرعة)‪.‬‬
‫(‪ )18‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ " 7/233 :‬فالكلم في تفسيره قد تقدم في سورة البقرة" كذلك‬
‫القرطبي‪" 4/51 :‬وقد مضى الكلم في معنى قولهم‪ :‬لن تمسنا النار في البقرة ‪ ،‬مع العلم أنه لم‬
‫يستوف القضية تحليل حتى هنالك" ‪12 -2/10‬‬

‫( ‪)2/196‬‬

‫(‪ )19‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪ .12 :‬وقد نيه إلى ذلك امحمد اطفيش حيث قال ‪ ":‬روى قومنا‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك"‪ .‬هيمان الزاد ط ‪.2/140 :2‬‬
‫(‪ )20‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/144:‬‬
‫(‪ )21‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬
‫(‪ )22‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪1/12 :‬‬
‫(‪ )23‬تفسير أبي السعود ‪1/147‬‬
‫(‪ )24‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )25‬الطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )26‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/292 :‬‬
‫(‪ )27‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪144 :‬‬
‫(‪ )28‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )29‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40:‬‬
‫(‪ )30‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪2/140 :2‬‬
‫(‪ )31‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/363 :‬‬
‫(‪ )32‬انظر ما سبق‪719 :‬‬
‫(‪ )33‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬
‫(‪ )34‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/29 :‬‬
‫(‪ )35‬وقد حدد هذه التفسير‪ ،‬بينما لم يحدد سند بقية القوال‬
‫(‪ )36‬تفسير أبي مسعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )37‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪1/12 :‬‬
‫(‪ )38‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )39‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )40‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/929 :‬‬
‫(‪ )41‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )42‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪144 :‬‬
‫(‪ )43‬البرادي ‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )44‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪2/141 :2‬‬
‫(‪ )45‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/363:‬‬
‫(‪ )46‬وما لم يذكر أكثر‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/197‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫أ?) هل العبرة بالخصوص أم يمكن التعميم؟‬
‫ل شك أن آية تقرير الخلود جاءت في سياق محاجة اليهود الذين يزعمون انهم ل يبقون في النار‬
‫إل أياما معدودة والنكار عليهم لنهم يقولون مال يعلمون لذلك ذهب بعض إلى أن الخلود خاص‬
‫باليهود وذهب البعض الخر إلى إلحاق كل من أحاطت به خطيئاته من جميع المم بهم في‬
‫الخلود‪.‬‬
‫‪ -‬موقف المخصصين وحججهم‪:‬‬
‫إن ما جاء ضمنيا عند القرطبي (‪ )47‬ومغنية (‪ )48‬وأشار إليه الرازي عند ردوده على المعتزلة‬
‫(‪ )49‬عبر عنه بوضوح كل من أبي السعود وابن عاشور‪.‬‬
‫أما أبو السعود فيقول‪... ":‬أولئك الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات وإحاطة خطاياهم بهم‬
‫أصحاب النار أي ملزموها في الخرة حسب ملزمتهم في الدنيا لما يستوجبها من السباب التي‬
‫من جملتها ما هم عليه من تكذيب آيات ال وتحريف كلمه والفتراء عليه وغير ذلك إنما لم‬
‫يخص الجواب بحالهم بأن يقال مثل بلى إنهم أصحاب النار الخ‪ ،‬لما في التعميم من التهويل وبيان‬
‫حالهم بالبرهان والدليل مع ما مر من قصد الشعار بالتعليل‪.‬‬
‫(هم فيها خالدون) دائما أبدا فأني لهم التفصي عنها بعد سبعة أيام أو أربعين يوما كما زعموا فل‬
‫حجة في الية الكريمة على خلود صاحب الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر " (‪. )50‬‬
‫أما بان عاشور فقد جاءت صيغة أدق في ربط من كسب بما سبق من السياق حيث يقول‪ ":‬وقوله‬
‫بلى إبطال لقولهم لن تمسنا النار إل أياما معدودة وكلمات الجواب تدخل على الكلم السابق ل‬
‫على ما بعدها فمعنى بلى بل أنتم تمسكم النار مدة طويلة‪.‬‬

‫( ‪)2/198‬‬
‫وقوله (من كسب سيئة) سند لما تضمنته بلى من إبطال قولهم أي ما أنتم إل ممن كسب سيئة الخ‬
‫ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فأولئك أصحاب النار فأنتم منهم ل محالة‪ ....‬فمن في قوله‬
‫" من كسب سيئة" شرطية بدليل الفاء في جوابها وهي في الشرط من صيغ العموم‪...‬‬
‫ثم يمضي في تحديد السيئة والخطيئة (‪ )51‬إلى أن يقول‪ ":‬فذلك لم تكن في الية حجة للزاعمين‬
‫خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ ل يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو ل‬
‫يخلو من عمل صالح وحسبك من ذلك سلمة اعتقاده من الكفر وسلمة لسانه من النطق بكلمة‬
‫الكفر الخبيثة‪.‬‬
‫والقصر المستفاد من التعريف في قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قصر إضافي‬
‫لقلب اعتقادهم" (‪. )52‬‬
‫فالسياق حسب هؤلء خاص بالكفار واليهود جزء ل يتجزأ من هؤلء فماذا عن حجج الطرف‬
‫الخر الذي يعمم الخلود ويدخل فيه مرتكبي الكبائر المصرين على الموت؟‬
‫‪ -‬موقف المعممين وحججهم‪:‬‬
‫أما الزمخشري فلم يحلل قضية التعميم والتخصيص لكت يفهم من تفسيره للسيئة والخطيئة أنه‬
‫يعمم (‪ )53‬ولم يتعرض يوسف المصعبي للقضية (‪ . )54‬وقد أورد الرازي ضمن عرض حجج‬
‫المعتزلة تحليلهم لهذه الية وإثباتهم فيها دللتها على العموم‪ "....‬فثبت بما ذكرنا أن الستثناء‬
‫يخرج من الكلم ما لوله لوجب دخوله فيه وذلك يدل على أن صيغة " من" في معرض الشرط‬
‫للعموم" (‪. )55‬‬
‫وأما محمد اطفيش فيقول‪ ":‬فأولئك البعداء مقامات الخير وإنما عبر بإشارة البعيد تلويحا لهذا‬
‫المعنى‪ ...‬أصحاب النار أس مستحقوها بكسبهم أو ملزموها في الخرة كما لزموا موجباتها في‬
‫الدنيا وهي الذنوب‪.‬‬
‫( هم فيها خالدون) دائمون فيها لنهم وقد أحاطت بهم خطاياهم مصرون فلم يكن للبثهم فيها آخر‬
‫كما أن المصر ل آخر للمعصية وملزمتها عنده والناس إما مصر وإما غير مصر مرحوم يدخل‬
‫الجنة" (‪. )56‬‬

‫( ‪)2/199‬‬

‫أما صاحب المنار فيقول‪ ":‬قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خادون) " خبر" ( من كسب سيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته ) أي هم أصحاب دار العذاب في الخرة الحقاء بها دون من لم يصل الى‬
‫درجتهم في الدنيا وهو من في قلبه شيء من نور اليمان وتوحيد ال تعالى وما يتبعه من الخير" (‬
‫‪. )57‬‬
‫واضح من خلل هذه التحاليل أن كل من الطرفين حرص على تطويع التركيب لغرضه وكل‬
‫منهما بعد عرض أدلته يصل إلى النتيجة المقررة من البداية والراجح أن " من" هي أقرب إلى‬
‫التعميم منها إلى التخصيص ‪.‬‬
‫ج)الخلود بقاء مؤبد أو مكث طويل‪:‬‬
‫واضح من خلل ما بينا أن مخصصي الخلود الذين تأولوا السيئة بالشرك والكفر ليسوا في حاجة‬
‫الى القول بالمكث الطويل بالنسبة إلى الخلود‪ .‬ويقول أبو السعود في هذا الصدد‪ ":‬ول حاجة إلى‬
‫حمل الخلود على اللبث الطويل" (‪. )58‬‬
‫بينما البيضاوي وقد اعتبر السيئة من القبائح فإنه يقول في تفسير قوله تعالى ( هم فيها خالدون)‬
‫دائمون أو لبثون لبثا طويل (‪. )59‬‬
‫ويرد على القائلين باللبث الطويل محمد عبده بما يلي‪ ":‬ومن المفسرين من ترك السيئة في الية‬
‫على إطلقها فلم يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا إن المراد بالخلود طول مدة المكث‬
‫لن المؤمن ل يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها‬
‫طول حياته‪ .‬أولوا هذا التأويل هروبا من قول المعتزلة إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار‬
‫وتأييدا لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة والقرآن فوق المذهب يرشد الى أن من " تحيط به‬
‫خطيئته" ل يكون أو ل يبقى مؤمنا" (‪. )60‬‬
‫وتعليق محمد عبده على هؤلء يغني عن زيادة التحليل‪.‬‬
‫وموقف الباضية صريح من هذين السياقين إذ يعتبرون أنهما شاملن لصحاب الكبائر والكل‬
‫خالد في الجحيم أبد البدين وسنعود إلى الستنتاج عندما نحوصل الحديث عن بقية النصوص‪.‬‬
‫هذا وإن تأرجحت المواقف لصلة السياقين باليهود هنا فماذا عن اليات المتعلقة بالخلود بصفة‬
‫عامة؟‬

‫( ‪)2/200‬‬

‫القرآن الكريم وقضية الخلود عامة‪:‬‬


‫إن اليات الواردة في هذا المعنى يمكن أن نقسمها إلى ثلثة أقسام‪:‬‬
‫أ) آيات جاءت كلمة" خالدين مجردة من " أبدا" وأخرى متبوعة بها"‪.‬‬
‫ب) آيات علقت العذاب بالمشيئة‪.‬‬
‫ج) آيات حددت اللبث بالحقاب أو بدوام السماوات والرض‪.‬‬
‫================================‬
‫(‪ )47‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪2/7 :‬‬
‫(‪ )48‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )49‬الرازي‪ :‬التفسير‪ 3/153:‬حيث يقول‪ ":‬فأولئك أصحاب النار يقتضي أن أصحاب النار ليسوا‬
‫إل هم يقتضي وذلك يقتضي أن ل يكون صاحب الكبيرة من أهل النار"‪.‬‬
‫(‪ )50‬تفسير أبي السعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )51‬انظر ما سبق‪722 -721 :‬‬
‫(‪ )52‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/292 :‬‬
‫(‪ )54‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )55‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/147 :‬‬
‫(‪ )56‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد‪2/144 :‬‬
‫(‪ )57‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/368 :‬‬
‫(‪ )58‬تفسير أبي السعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )59‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪.1/29 :‬‬
‫(‪ )60‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪364 -1/363 :‬‬
‫==========================‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/201‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫أ?) آيات الخلود أو ما يفيد معناه‬
‫ل يمكن استيفاء كل اليات الواردة في هذا المعنى لكثرتها وسنكتفي بالوقوف عند بعضها لنتبين‬
‫كيف يدافع كل من الطرفين عن موقفه‪.‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له‬
‫عذابا مهينا) (‪ 4‬النساء ‪)61( .)93‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ال من عاصم‬
‫كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 10‬يونس‬
‫‪.)27‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى ( ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (‪4‬‬
‫النساء ‪.)14‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) (‪ 72‬الجن ‪.)23‬‬
‫أول ما يلحظ عند التأمل في هذه اليات ومثيلتها في كتاب ال تعالى يتبين أن سورة الجن‬
‫تفردت بإضافة التأبيد للخلود ومع ذلك يجد لها نفاة الخلود للعصاة مخرجا‪،‬أما بالنسبة إلى اليات‬
‫الخرى فالخطب أهون والتأويلت ل تبعد عما ذكر في آية سورة البقرة بل في أغلب الحيان تقع‬
‫الحالة على ما ذكر هناك (‪ )62‬لن القضية استوفاها جل المفسرين تحليل هنالك‪ ،‬وإنما وقع‬
‫التنبيه الى بعض النكت في ما بعد‪.‬‬
‫ويكن أن نلخصها عند منكري الخلود لهل الكبائر كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تأويل الخلود بطول المكث‪ :‬خاصة في آيتي سورة النساء حيث إن المر يتعلق بالقتل العمد‬
‫(الية ‪ )93‬والنص يحتمل أن يكون القاتل من أهل الصلة والمقتول كذلك‪ ،‬ويتعلق بتجاوز الحدود‬
‫في سياق يتحدث عن المواريث والنص يحتمل أيضا أن يتعلق الوعيد بمن يظلم في قسمة التركات‬
‫وما اكثر هؤلء في الوساط السلمية‪ ،‬وقد ذهب هذا المذهب كل من البيضاوي (‪ )63‬والقرطبي‬
‫(‪ )64‬وأبي مسعود (‪ )65‬وابن عاشور (‪. )66‬‬

‫( ‪)2/202‬‬

‫‪ -‬التعميم‪ :‬إن كان المر واضحا ‪ ،‬وكانت العبارة صريحة في المواقف السابقة فقد جاء المر‬
‫عاما في بعض الحيان وقد ظهر هذا خاصة عند ابن عباس (‪ )67‬وجواد مغنية (‪ )68‬في اليات‬
‫المشار إليها من سورة النساء والجن‪ .‬ومن صيغة التعميم الى السكوت عن القضية‪.‬‬
‫‪ -‬السكوت‪ :‬وقد يرى المفسرون أل فائدة في الرجوع الى ما ذكر فيمرون على قضية الخلود دون‬
‫الوقوف عندها‪ ،‬ومثال ذلك ما نجده عند البيضاوي (‪ )69‬وأبي مسعود (‪ )70‬ومغنية (‪ )71‬في آية‬
‫النساء ‪ 14‬عن المواريث والرازي (‪ )72‬وجواد مغنية (‪ )73‬مع آية سورة يونس وإن لم يقف‬
‫هؤلء مثل هذه المواقف فإنهم يلجئون الى تخصيص الخلود الدائم للكفار‪.‬‬
‫‪ -‬تخصيص الخلود للمشركين‪ :‬وهذا ما عبر عنه كل من أبي السعود (‪ )74‬وابن عاشور (‪)75‬‬
‫وفي آيتي سورة يونس وسورة الجن‪.‬‬
‫هذه تقريبا حوصلة عامة لمواقف المفسرين‪ -‬منكري الخلود لهل الكبائر‪ -‬من هذه اليات‬
‫ويواكبهم في ذلك الصوليون ونذكر منهم مثل اليجي حيث يقول ردا على المعتزلة‪ ":‬ول نسلم‬
‫(أن من اكتسب كبيرة فقد تعدى حدوده بل) تعدى (بعض حدوده والمراد من قتل مؤمنا لنه مؤمن‬
‫ول يكون ذلك القاتل إل كافرا) فاليات المذكورة ل تتناول صاحب الكبيرة (سلمنا) تناولها إياه‬
‫(لكن الخلود) المذكور (‪ )76‬فيها (هو المكث الطويل وما ذكرتم معارض بما يقال حبس مخلد‬
‫وخلد ال ملكه" (‪. )77‬‬
‫والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة‬
‫أهل الصلة في النار ‪ ،‬فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟‪.‬‬
‫والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة‬
‫أهل الصلة في النار (‪ ، )78‬فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟‬
‫موقف الباضية والمعتزلة من هذه اليات‪:‬‬

‫( ‪)2/203‬‬

‫يتفق الباضية والمعتزلة (‪ )79‬والموسومون بالخارجية ويساندهم في ذلك ممد عبده على أن هذه‬
‫اليات وأخواتها في القرآن الكريم أكبر دليل على ما ذهبوا إليه من اعتقاد الخلود البدي اللنهائي‬
‫الذي يشمل العصاة الذين ماتوا دون أن يتوبوا الى ال تعالى مع القول بتفاوت العذاب بينهم وبين‬
‫من ماتوا على الشرك ول يخلو تحليل أصولي في الموضوع من الستشهاد بهذه اليات وأخواتها‬
‫ونكتفي بذكر نص أبي مهدي لنه استوعب ما جاء قبله وعليه اعتمد من جاء بعده‪.‬‬

‫( ‪)2/204‬‬

‫يقول أبو مهدي بعد أن حلل آية البقرة (‪ )81‬التي وقفنا عندها‪ ( :‬وأحاطت به خطيئاته) وهي‬
‫الكبائر في ما وجدنا أيضا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪ )81‬وقوله‪:‬‬
‫( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (‪ 5‬المائدة ‪ )37‬وقال‪:‬‬
‫( وما هم بخارجين من النار) (‪ 2‬البقرة ‪ )167‬وقال‪ ( :‬ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم‬
‫ماكثون) (‪ 43‬الزخرف ‪ )77‬أي مقيمون‪ ،‬وقال‪ ( :‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم‬
‫خالدين فيها) ‪ -‬إلى قوله‪ ( -‬ولهم عذاب مقيم) (‪ 9‬التوبة ‪ )68‬فإن قال قائل هذه الية في أهل‬
‫الشرك خصوصا قيل له‪ ( :‬وكذلك قوله تعالى ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا‬
‫خالدا فيها وله عذاب مهين) (‪ 4‬النساء ‪ )14‬وقوله‪ ( :‬ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم‬
‫خالدين فيها أبدا) (‪ 72‬الجن ‪ )23‬وقال‪ ( :‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي‬
‫حرم ال إل بالحق) ‪ -‬الى قوله‪ ( -‬ويخلد فيها مهانا) (‪ 25‬الفرقان ‪ )69‬فإن قالوا هذه اليات كلها‬
‫في الشرك قيل لهم وكذلك النهي عن الكبائر إنما هو في أهل الشرك فل يجد في ذلك فرقا‪ .‬وقال‪:‬‬
‫( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (‪ 22‬الحج ‪ )22‬وقال‪ ( :‬عن البرار لفي نعيم وإن‬
‫الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين) (‪ 82‬النفطار ‪ )16 -13‬وقوله‪:‬‬
‫( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا محيض) ( ‪ 14‬إبراهيم ‪ )21‬أي من مذهب ومخرج" (‪)80‬‬
‫‪.‬‬

‫( ‪)2/205‬‬
‫ويقف تفسير المنار إلى نفس الموقف حيث يقول محمد عبده في شأن منتهك حدود ال‪ ":‬وظاهر‬
‫الية أن العاصي المتعدي للحدود يكون خالدا في النار" (‪ )81‬كما يقول في شأن القائل المتعمد "‬
‫فهو جدير بالخلود في النار والغضب واللعنة" (‪ )82‬ويضيف رشيد رضا فيقول‪ ":‬أقول وقد‬
‫استكبر الجمهور خلود القاتل في النار وأوله بعضهم بطول المكث فيها وهذا يفتح باب التأويل‬
‫لخلود الكفار فيقال إن المراد به طول المكث أيضا" (‪. )83‬‬
‫ثم أعطى صاحبا المنار بعدا حضاريا لهذا الموقف سنعود إليه في الستنتاجات (‪. )84‬‬
‫ب) اليات التي علقت العذاب بالمشيئة‪:‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من‬
‫النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا‪ .‬قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما‬
‫شاء ال إن ربك حكيم عليم) (‪ 6‬النعام ‪.)128‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات‬
‫والرض إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (‪. )85‬‬
‫لقد تضاربت الراء في شأن التعليق بالمشيئة (‪ )86‬كما تضاربت في شأن تعليق المغفرة بالمشيئة‬
‫وأطال المفسرون الكلم‪ ....‬وذكروا وجوها جعلت المعنى من الطلسم (‪ )87‬إل أن الجدل يدور‬
‫حول ثلثة محاور‪:‬‬
‫‪ )1‬تصور إمكانية خروج المشركين من النار‪ ،‬ومثل هذا التصور يرده المفسرون بسرعة وإنما‬
‫يذكرونه لتفنيده (‪. )88‬‬
‫‪ )1‬استثناء الموحدين العصاة‪ ،‬وهذا ما رجحه كل من قالوا بخروجهم من النار فاعتبروا الستثناء‬
‫من أدلتهم وهذا ما نقل عن ابن عباس ‪ ":‬وإل ما شاء ربك أن يخرجهم من أهل التوحيد من كانت‬
‫شقاوته بذنب دون الكفر فيدخله بإيمانه خالصا" (‪. )89‬‬

‫( ‪)2/206‬‬

‫وهذا ما ختم به الرازي مختلف الوجوه التي ذكرت في الستثناء قائل‪ ":‬إخراج أهل التوحيد من‬
‫النار‪....‬وهذا كلم قوي في هذا الباب" (‪ . )90‬وقاس على هذا النسق كل من أبي السعود (‪)91‬‬
‫ورشيد رضا (‪ )92‬وابن عاشور (‪ . )93‬وجواد مغنية (‪ )94‬والكل يلح على تركيز موقفهم‬
‫باختتام تفسير الية بقوله تعالى‪ ( :‬إن ربك فعال لما يريد) (‪11‬هود ‪ . )107‬وفي تحليل جواد‬
‫مغنية وضوح وتبسيط لنه اعتبر السياق من المحكم لذلك أجبنا أن نورده حيث يقول‪ ":‬ويتلخص‬
‫بان من يدخل جهنم بأي ذنب من الذنوب فل يستطيع الخروج منها بنفسه ول بشفيع ومعين‪ ،‬ول‬
‫بفداء فهو من هذه الجهة خالد فيها‪ ...‬ولكن إذا شاء ال أن يخرجه منها خرج‪ ،‬وانتفى عنه وصف‬
‫الخلود في النار لن إرادته تعالى ل يحدها شيء" ( إن ربك فعال لما يريد) وكل شيء يرجع في‬
‫النهاية إلى إرادته ول ترجع إرادته إل إليه وحده فسبب الخلود يؤثر أثره ما دام الخالق مريدا له‬
‫ذلك‪ ،‬وغن لم يشأ لم يكن عمل بمبدأ ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (‪ 36‬يس ‪)95( .)82‬‬
‫واضح حينئذ أن هؤلء يعتبرون " أن صاحب الكبيرة غير مخلد‪ ،‬وإن عذب فإنهم يقولون هو في‬
‫مشيئة ال إن شاء غفر وعفا عنه بل تعذيب‪ ،‬وإن شاء شفع فيه من شاء‪ ،‬وإن شاء عذبه في ناره‬
‫بقدر عمله أو إلى ما شاء ال من المدة ثم يقطعون بخروجه منها" (‪. )96‬‬
‫هذا عن المشيئة عند هؤلء فماذا عن هذه المشيئة عند من رأوا خلود العصاة المصرين الى‬
‫الموت؟‬
‫==========================‬
‫(‪ )61‬لقد أشرنا في ما سبق إلى مواقف العلماء من قاتل العمد‪ 623 :‬وما يلي ‪.746‬‬
‫(‪ )62‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ 240 /10 ،30/165 :‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪2/408 :‬‬
‫(‪ )63‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/98 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪5/335:‬و ‪ 82 /5‬إنه عبر بالستعارة في قوله‪" :‬فالخلود مستعار‬
‫لمدة ما"‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬تفسير أبي السعود‪1/567 :‬‬
‫(‪ )66‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪4/268 :‬و ‪5/164‬‬

‫( ‪)2/207‬‬

‫(‪ )67‬ر‪ .‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪173:‬‬


‫(‪ )68‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪ 7/442 ،2/408 :‬فيقول مثل ‪ " :‬وذكر ال سبحانه في‬
‫هذه الية (‪ 4‬النساء ‪ )93‬أن جزاءه في الخرة الخلود في جهنم والغضب واللعنة من ال والعذاب‬
‫العظيم"‪2/408 :‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/81 :‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬تفسير أبي السعود‪1/495 :‬‬
‫(‪ )71‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪2/269 :‬‬
‫(‪ )72‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪17/234 :‬‬
‫(‪ )73‬جواد مغنية‪ :‬ر‪.‬التفسير الكاشف‪2/152:‬‬
‫(‪ )74‬أبي السعود‪ :‬التفسير الكبير‪2/488 :‬و ‪4/780‬‬
‫(‪ )75‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪11/148 :‬و ‪245 /29‬‬
‫(‪ )76‬وقد ذكر معها آية البقرة ‪ 81‬إحاطة الخطيئة‪.‬‬
‫(‪ )77‬اليجي مع شرح للجرجاني‪ .2/447 :‬ما داخل قوسين لليجي ‪ ,‬والبقية لشارحه‪.‬‬
‫(‪ )78‬وقد حلل الرازي قضية الغفران والعفو والرحمة أثناء ردوده على المعتزلة‪ .‬التفسير الكبير‪:‬‬
‫‪ .159 -3/155‬وكذلك نقل صاحب المنار تحليل موسعا لهذا الموضوع ‪ .‬تفسير المنار‪-81 /8 :‬‬
‫‪ .98‬ألح فيه صاحبه كثيرا على أن العذاب من الرحمة وأن دخول النار تطهير وأنه من رحمة ال‬
‫أل يبقى في النهاية أحد في جهنم ‪ ،‬وذلك للرد عليه‪.‬‬
‫(‪ )79‬ر‪ .‬ابن حزم الفصل‪ 4/46 :‬يورد هذه اليات في سياق ذكر حجج من يقول إن صاحب‬
‫الكبيرة يخلد في النار ‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ :‬أنها تفيد العموم اعتمادا على صيغة (من ) في‬
‫معرض الشرط‪.‬‬
‫(‪ )80‬أبو مهدي ‪ :‬الرد على البهلولي‪ .145 -144 :‬ونفس هذه الية تقريبا نقلها صاحب قاموس‬
‫الشريعة عن شرح النونية للجيطالي ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ /‬قاموس الشريعة‪13 -6/12 :‬‬
‫والكل أخذ عن أبي عمار عبد الكافي ‪ :‬الموجز‪ 112 -2/110 :‬مع الملحظ أن امحمد اطفيش لم‬
‫يحلل المر في التفسير‪ :‬الهيميان ط ‪2/281 :2‬و ‪ 383‬واكتفى بما ذكره في آية سورة البقرة(‪)81‬‬
‫(‪ )81‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪4/432:‬‬
‫(‪ )82‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪4/432 :‬‬

‫( ‪)2/208‬‬

‫(‪ )83‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪ .5/341 :‬والغريب أن رشيد رضا بعد ذلك في آية سورة يونس‬
‫يقول‪ " :‬خالدون فيها ل يبرحونها لنه ليس لهم مأوى سواها كما تقدم في آية أخرى ‪ ،‬وقد يدخلها‬
‫بعض عصاة المؤمنين فيعاقبون على ما اجترحوا من سيئات ثم يخرجون منها‪ ".‬تفسير المنار‪:‬‬
‫‪11/352‬‬
‫(‪ )84‬انظر ما يلي‪758 :‬‬
‫(‪11 )85‬هود ‪ 107‬جاءت في سياق المقابلة بين مصير الشقياء والسعداء إذ تقول الية‬
‫الموالية‪ ] :‬وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك‬
‫عطاء غير مجذوذ[ ‪.108‬‬
‫(‪ )86‬انظر ما سبق‪608 :‬‬
‫(‪ )87‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/210 :‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.18/64 :‬‬
‫ويقول في ذلك القاضي عبد الجبار ‪ ":‬وربما قيل في قوله تعالى‪ ]:‬قال النار مثواكم خالدين فيها إل‬
‫ما شاء ال[ أو ليس في ذلك دللة على أن في الجن والنس من الكفار من ل يخلد في النار‪.‬‬
‫جوابنا أن المراد ما شاء ال ممن ل يبقى على كفره‪.‬‬
‫ولنه تعالى قال‪ ]:‬النار مثواكم خالدين فيها[ ومن الجائز أن نؤمن بعضهم فقال‪ ]:‬إل ما شاء ال[‪.‬‬
‫تنزيه القرآن ‪138‬‬
‫(‪ )89‬ابن عباس ‪ :‬تنوير المقباس‪191 :‬‬
‫(‪ )90‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪18/66 :‬‬
‫(‪ )91‬ر‪ .‬تفسير أبي مسعود‪3/69 :‬‬
‫(‪ )92‬ر‪ .‬رشيد رضا ‪ :‬تفسير المنار‪216 /12 :‬‬
‫(‪ )93‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪12/165 :‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/270 :‬‬
‫(‪ )95‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/270 :‬‬
‫(‪ )96‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪300 :‬‬
‫‪---‬‬

‫( ‪)2/209‬‬

‫تابع الفصل الثاني‪ :‬الوعد والوعيد وقضية الخلود‬


‫‪ )1‬ل دليل في الستثناء على خروج العصاة‬
‫يلتقي الباضية والمعتزلة في هذا الموقف وفي هذا الصدد ينقل أبو مهدي ما جاء عن الجيطالي‬
‫في شرح النونية كما يلي‪ ":‬وأما ما احتجوا به من قوله تعالى ( إل ما شاء ربك) فقالوا أن يخرج‬
‫أهل الكبائر من النار فإن هذا تقول وذهاب عن الظاهر بغير دليل‪.‬‬
‫وأيضا فإن أهل التفسير اختلفوا فيها‪ ،‬فقال بعضهم ( إل ما شاء ربك) من الزيادة في الخلود وقيل‬
‫في العذاب ونظيره قوله تعالى‪ ( :‬فلن نزيدكم إل عذابا) (‪ 78‬النبأ ‪ )30‬وقال آخرون‪ ( :‬إل ما شاء‬
‫ربك) من مكثهم في الدنيا وقيل‪ ":‬في البرزخ" وقيل‪ ":‬ما لبثوا في ظهور آبائهم" وقيل‪ ":‬في أرحام‬
‫أمهاتهم" وقيل‪ ":‬ما لبثوا في المحشر قبل أن يدخلوها"‪ ....‬فكل ذلك ما شاء ال وهو الذي استثناه‬
‫فمن زعم غير ذلك فعليه بالدليل ولو كان في هذا ما يدل على الخروج لدل على خروج النس‬
‫والجن أجمعين‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪ ( :‬يا معشر الجن قد استكثرتم من النس قال النار مثواكم‬
‫خالدين فيها إل ما شاء ال) (‪ 6‬النعام ‪. )97( )128‬‬

‫( ‪)2/210‬‬

‫كما ينقل عن البرادي ما يلي‪ ":‬الوجه الثاني (‪ )98‬أن الستثناء الكائن في الية مقرونة بمثله من‬
‫الستثناء أعني قوله تعالى‪ ( :‬وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات‬
‫والرض إل ما شاء ربك) (‪ 11‬هود ‪ )108‬فإن جاز أن يخرج أهل النار من النار بهذا الستثناء‬
‫جاز مثله في أهل الجنة ول فرق لن اليتين جاءتا مجيئا عاما‪ ،‬ول أظن عاقل يرد على ال‬
‫سبحانه في كتابه ول يكذب خبره‪ ،‬وقد قال سبحانه في غير ما موضع من كتابه‪ ( :‬خالدين فيها‬
‫أبدا) (‪ 2‬آل عمران ‪ )198 .136 .15‬وقال‪ ( :‬عطاء غير مجذوذ) (‪ 11‬هود ‪ )108‬وقال ( أكلها‬
‫دائم وظلها) (‪ 13‬الرعد ‪ )35‬فإذا بطل على أهل الجنة واستحال في حقهم الخروج منها بخبر ال‬
‫الصادق فقد بطل الستثناء الذي تعلقوا به وما صاروا إليه‪ ،‬قال سبحانه‪ ( :‬يريدون أن يخرجوا‬
‫من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (‪ 5‬المائدة ‪ )37‬وقال‪ ( :‬كلما أرادوا أن يخرجوا‬
‫منها أعيدوا فيها) (‪ 32‬السجدة ‪ )20‬وقال‪ ( :‬وما هم عنها بغائبين) (‪ 82‬النفطار ‪.)99 )1( )16‬‬
‫وإن كان الزمخشري خص آية سورة النعام بالمشركين وتأول المشيئة بتحويلهم من عذاب قصد‬
‫التشفي (‪ 1 )100‬فإنه يرفض أن يكون الستثناء دال على خروج أهل الكبائر فقال‪ ":‬ول يخدعنك‬
‫عنه قول المجبرة" عن المراد بالستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة فإن الستثناء الثاني‬
‫(‪ )101‬ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم" (‪.1 )102‬‬
‫أما محمد اطفيش فبعد أن يورد جل الراء الواردة في شأن الستثناء يقول‪ ":‬والولى في هذا جعل‬
‫الستثناء منقطعا وقيل المعنى إل ما شاء ربك لو فرض أنه تعالى وعز وجل يشاء إخراجهم فهو‬
‫تعليق بالمحال فيكون ذلك برهانا على البدية كقوله تعالى عز وجل‪ ( :‬حتى يلج الجمل في سم‬
‫الخياط) (‪ 7‬العراف ‪. )103( " )40‬‬

‫( ‪)2/211‬‬

‫فالباضية حينئذ كما فعلوا من زمن المام جابر في تعليق المغفرة بالمشيئة اعتبروا التعليق‬
‫بالمشيئة دليل على الخلود للمشركين والعصاة لن إرادة ال ل تتحول (‪ )104‬ول مبدل لكلماته‬
‫وهو الفعال لما يريد‪.‬‬
‫أما محمد اطفيش فيعتمد على التفسير المأثور ويختار التفويض في شأن المشيئة فيقول‪ ":‬أما ما‬
‫ورد في التفسير بالمأثور في الستثناء هنا فيؤيد ما جرينا عليه من تفويض المر الى ال تعالى‬
‫وعدم الحكم على مشيئته في هذا المر الغيبي وهو ما رواه ابن جرير (‪ )105‬عن ابن عباس‬
‫قال‪ :‬إن هذه الية آية ل ينبغي لحد أن يحكم على ال في خلقه أل ينزلهم جنة ول نارا" (‪. )106‬‬
‫ومن هذه المقارنات بين الراء المتقابلة نفهم شيئا فشيئا كيف يوجه السياق القرآني حسب منطلقات‬
‫محددة فتكون نفس اليات دليل لهؤلء وأولئك فهل تكون اليات التي تحدد المكث بالحقاب‬
‫وبدوام السماوات والرض هي الخرى في هذا النسق؟‬
‫ج) تحديد اللبث بدوام السماوات والرض‪:‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪ ( :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات‬
‫والرض إل ما شاء ربك) (‪ 11‬هود ‪.)107‬‬
‫‪ -‬وقال تعالى‪ ( :‬إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لبثين فيها أحقابا) (‪ 78‬النبأ ‪.)23 -21‬‬
‫فمن هم الشقاء والطغاة وما المقصود من هذين التحديدين بدوام السماوات والرض وبالحقاب؟‬
‫ذلك هو مثار الجدل في شأن هذه اليات‪.‬‬

‫( ‪)2/212‬‬

‫إن المتأمل في مواقف منكري خلود أهل الكبائر ومثبتيه يلمس بوضوح أن مركز الكلم كان قائما‬
‫على تحديد مفهوم الطغيان والشقاوة فمنكرو الخلود اعتبروا أن الشقاوة والطغيان بمعنى الكفر وقد‬
‫جاء هذا واضحا عند ابن عباس (‪ )107‬والبيضاوي (‪ )108‬وأبي السعود (‪ )109‬وابن عاشور (‬
‫‪ ، )110‬أما الرازي فلن يصرخ بمدلول الشرك إل أن السياق في التفسير يؤكد أنه يعتبر أن‬
‫اليتين متعلقتان بالمشركين فهو يقول‪":‬الشقي هو الذي يكون من أهل العقاب" (‪ )111‬كما يقول‪":‬‬
‫المراد بالطاغين من تكبر على ربه وطغى في مخالفته ومعارضته" (‪ )112‬ثم يتوغل في الرد‬
‫على من يعتبر أن عذاب الكفار منقطع‪)113( .‬‬
‫أما الباضية والمعتزلة فقد ذهبوا الى أن الطغيان والشقاوة يشملن المشركين والعصاة من أهل‬
‫الصلة فإن لم يفسر الزمخشري كلمة الطاغين (‪ )114‬فإنه يرى " أن الشقي هو الذي وجبت له‬
‫النار لساءته" (‪ )115‬وكذلك محمد اطفيش فإنه يقول‪ ":‬الشقي سيئ الحال في عذاب وتعب في‬
‫النار بعمله لموجب العذاب" (‪ . )116‬ويقول‪ ":‬الطاغين شامل للموحد الفاسق" (‪ )117‬وكذلك يقول‬
‫السالمي‪ ":‬فإن اسم الشقي شامل لهما (الفاسق والمشرك) (‪. )119( )118‬‬
‫فواضح إذن أن المشكلة ترجع الى تحديد السماء واختلف الفرق فيها (‪ )120‬أما في ما يتعلق‬
‫بمفهوم الحقاب ودوام السماوات والرض فهم مجمعون على أن القصد منها التأبيد‪.‬‬
‫‪ -‬أما قوله تعالى‪ ( :‬خالدين فيها ما دامت السماوات والرض) فقالوا إن المقصود من ذلك التأييد‬
‫على أحد وجهين‪:‬‬
‫‪ )1‬أن تراد سماوات الخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة إلى البد والدليل على أن لها سماوات‬
‫وأرضا قوله تعالى‪ ( :‬يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات) إبراهيم ‪ )48‬وقوله‪ ( :‬وأورثنا‬
‫الرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) (‪] 39‬الزمر ‪ )74‬ولنه لبد لهل الخرة مما يقلهم ويظلهم‬
‫سماء يخلقها ال أو يظلم العرش وكل ما أظلك فهو سماء‪.‬‬

‫( ‪)2/213‬‬

‫‪ )2‬أن يكون عبارة عن التأييد ونفي النقطاع كقول العرب‪ :‬ما دام تعار ‪ ،‬وأقام ثبير‪ ،‬وما لح‬
‫كوكب وغير ذلك من كلمات التأييد (‪. )121‬‬
‫‪ -‬أما قوله تعالى‪ ( :‬لبثين فيها أحقابا) فقد أجمعوا على أنها تعني التأييد ويقول ابن عباس في‬
‫ذلك‪ ":‬مقيمين في جهنم أحقابا بعد حقب‪ -‬ثم يقول بعد تحديد الحقب‪ -‬ويقال ول يعلم عدد تلك‬
‫الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (‪. )122‬‬
‫وتعددت المواقف من مدة الحقب ونكتفي بإيراد ما روي عن ابن عباس " والحقب الواحد ثمانون‬
‫سنة‪ ،‬والسنة ثلثمائة وستون يوما‪ ،‬واليوم الواحد ألف سنة مما يعد أهل الدنيا‪ ،‬ويقال ل يعلم عدد‬
‫تلك الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (‪. )123‬‬
‫ويورد الزمخشري وجها آخر وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره‪ ،‬وحقب فلن إذا‬
‫أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه فينتصب حال عنهم ‪ :‬يعني لبثين فيها حقبين جحدين (‪. )124‬‬
‫وإن وقع الجماع على التأييد عند الجمهور مع اختلف في شمول عصاة المسلمين المصرين على‬
‫عصيانهم إلى الموت فيشير الرازي الى من نفى الخلود المؤبد حتى عن المشركين (‪ )152‬مبينا‬
‫أن من حججهم هاتين اليتين‪ ،‬ثم يرد عليهم بنفس المعاني التي ذكرنا ملحا على أن القول بالتأييد‬
‫لهؤلء هو قول الجمهور العظم من المة ومعزوزا موقفه بأدلة أخرى قائمة على المنطق ل‬
‫نرى من الضروري إيرادها لننا لسنا في نطاق الرد على هؤلء (‪. )126‬‬

‫( ‪)2/214‬‬

‫والساس بالنسبة الى الفكر الباضي يتمثل في ما نقله أبو مهدي عن الجيطالي في سياق الرد‬
‫على القائلين بإخراج أهل الكبائر‪ ":‬وأما قوله ( لبثين فيها أحقابا) فليس فيه دليل على الخروج‬
‫أيضا لنه قال‪ ( :‬إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا) (‪ 78‬النبأ ‪ )22 .21‬الى آخرها‪ ،‬فهي‬
‫عامة لجميع من دخلها من أهل الشرك ومن أهل الكبائر فمن ادعى التخصيص فعليه بالدليل وإن‬
‫تفسيرها في ما وجدت في كتب التفسير ( لبثين فيها أحقابا) وهو حقب أي زمانا ل غاية له ويقال‬
‫الحقب ثمانون ألف سنة كل يوم منه ألف سنة كلما مضى حقب تبعه حقب إلى مال غاية له‪....‬‬
‫وجاء أيضا في نفس الرسالة‪ :‬وقوله تعالى‪ ( :‬لبثين فيها أحقابا) (‪ 78‬النبا ‪ )23‬قال قتادة أحقابا ل‬
‫انقطاع لها‪ ،‬وقيل الهاء من قوله فيها عائدة على الرض أي لبثين في الرض‪ ،‬وقال بعضهم‬
‫( لبثين فيها أحقابا ل يذوقون فيها بردا ول شرابا) أي يمكثون أزمنة يعذبون بهذا النوع من‬
‫العذاب ثم بعد ذلك يعذبون بغيره وروي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬الحقب‬
‫ثلثون ألف سنة" ‪)127( ...‬‬
‫قال قتادة‪ :‬هي أحقاب ل انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده آخر وقال الحسن‪ :‬أما الحقاب‬
‫فليس لها عدة إل الخلود في النار (‪." )128‬‬
‫ويقول السالمي‪ ":‬الية ( لبثين فيها أحقابا) في المشركين خاصة لقوله تعالى‪ ( :‬إنهم كانوا ل‬
‫يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا) فيلزمكم عدم تخليد أهل الشرك وأنتم ل تقولون به والكتاب‬
‫يرده فوجب حمل الحقاب على عدم الغاية أي مدة غير متناهية" (‪. )129‬‬
‫وجاء عند أبي مهدي في قوله تعالى‪ ( :‬ما دامت السموات والرض) إن ذلك على قطع الرجاء‬
‫كقوله تعالى‪ ( :‬حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف ‪ )40‬ومثله في كلم العرب " ل أفعل‬
‫ذلك حتى يؤوب القارظان" " ول أفعله سن الحسل" أي ل ترجو إتياني كما ل يرجع الموتى الى‬
‫الدنيا وحتى يقع أسنان الحسل (وهو ولد الضب) وأسنانه ل تقع أبدا في ما ذكروا‪.‬‬

‫( ‪)2/215‬‬

‫وقال الشاعر‪( :‬طويل)‬


‫وأمثاله هذا ما يتكلمون به على اليأس وقطع الطمع" (‪. )130‬‬
‫و " يقول الشيخ أبو القاسم (‪ )131‬رحمه ال‪ " :‬وما تعلقوا به من قوله تعالى ( خالدين فيها ما‬
‫دامت السماوات والرض) فباطل من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن هذا تقوله العرب على الستبعاد‬
‫والتأبيد كقولهم ل أفعل هذا ما اختلف الجديدان وما اختلف الليل والنهار‪ ،‬وما حنت البل وما أقام‬
‫الجبل وما طرق طارق وما دامت السماوات والرض وما طما البحر هذا كله يريدون به التأييد‬
‫فخاطبهم ال بما يعقلون من كلمهم بينهم‪ ،‬وعليه في العربية شواهد جاهلية وإسلمية" (‪. )132‬‬
‫ذلك أهم ما جاء من الستدللت بالقرآن الكريم ‪ ،‬منها ما جاء في سياق الرد على أهل الكتاب‬
‫ومنها ما جاء ذاكرا لكلمة الخلود‪ ،‬ومنها ما علق الخلود بالمشيئة ومنها ما حدده بدوام السماوات‬
‫والرض أو بالحقاب وقد بينا كيف تنازع الطرفان هذه اليات وتبين أن موقف الباضية منها‬
‫كلها تمثل في توجيهها وجهة الخلود المؤبد بالنسبة الى من لم يتب من أهل الصلة مع اللحاح‬
‫على تفاوت العذاب بين هؤلء وبين أهل الشرك‪.‬‬
‫ومما يثبت تفاوت العذاب بين المشركين والفساق ما أورده السالمي‪ ":‬فمن ذلك البيان ما روي عنه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه كان يقول‪ ":‬عن أهون أهل النار عذابا رجل أخمص قدميه جمرتان يغلي‬
‫منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم‪ ،‬ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وأنه لهونهم عذابا ومنهم‬
‫من هو في النار الى كعبيه مع أجزاء العذاب‪ ،‬ومنهم من هو في النار الى ركبتيه مع أجزاء‬
‫العذاب‪ ،‬ومنهم من قد اغتمر " (‪. )133‬‬
‫===========================‬
‫(‪ )97‬أبو مهدي‪ :‬الرد على البهلولي‪ 148 -147 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي قاموس الشريعة‪:‬‬
‫‪6/14‬‬
‫(‪ )98‬انظر ما يلي‪ :‬الوجه الول‪745 :‬‬
‫(‪ )99‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪149 :‬‬
‫(‪ )100‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪2/50 :‬‬
‫(‪ )101‬يشير إلى الستثناء الوارد في شأن أهل الجنة في الية الموالية‬

‫( ‪)2/216‬‬

‫(‪ )102‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪2/294 :‬‬


‫(‪ )103‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪3/269 :1‬‬
‫(‪ )104‬انظر ما سبق ‪ :‬الرادة والمشيئة في مبحث القضاء والقدر ‪465‬‬
‫(‪ )105‬الطبري( ‪ )923 -839 /310 -224‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪6/294 :‬‬
‫(‪ )106‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪8/68 :‬‬
‫(‪ )107‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪.499 :‬‬
‫(‪ )108‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/238 :‬و ‪2/293‬‬
‫(‪ )109‬ر‪.‬تفسير ابن مسعود‪3/68 :‬و ‪4/816‬‬
‫(‪ )110‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪12/164 :‬و ‪30/36‬‬
‫(‪ )111‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪18/61 :‬‬
‫(‪ )112‬نفس المصدر‪31/13 :‬‬
‫(‪ )113‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪18/61:‬‬
‫(‪ )114‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .4/209 :‬أما القاضي عبد الجبار فيختلف عن الزمخشري فيقول‬
‫‪ :‬الطاغين‪ :‬خاص بالمشركين ول يتأول لفساق أهل الصلة‪ :‬تنزيه القرآن‪ .466 :‬ويسكت في‬
‫شأن الشقي في التفسير ‪ :‬تنزيه القرآن‪184 :‬‬
‫(‪ )115‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪4/293 :‬‬
‫(‪ )116‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪3/268 :1‬‬
‫(‪ )117‬نفس المصدر ‪6/467 :‬‬
‫(‪ )118‬انظر ما سبق ‪514 :‬و ‪518‬‬
‫(‪ )119‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪303 :‬‬
‫(‪ )120‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )121‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ 294 -293 :2:‬و ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪.191 :‬‬
‫ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.18/64 :‬ر‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪ 1/238 :‬ر‪ .‬القاضي عبد‬
‫الجبار ‪:‬تنزيه القرآن‪. 184 :‬ر‪ .‬تفسير أبي السعود‪ 3/68 :‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪:‬‬
‫‪ :12/158‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪ 164 /12 :‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪:1‬‬
‫‪ .3/368‬والنص للزمخشري‪ .‬أما جواد مغنية فقد سكت عن المر‪ :‬التفسير الكاشف‪.4/269 :‬‬
‫(‪ )122‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪. 499 :‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .4/209 :‬لم يلح على قضية‬
‫الدوام لكن يفهم من السياق‪ .‬كذلك الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪31/13:‬‬

‫( ‪)2/217‬‬

You might also like