Professional Documents
Culture Documents
وقد نقلنا هذا التحليل بأكمله لنتبين أن جل ما جاء في الموضوع كان تابعا لنقطة النطلق أي
رسالة أبي اليقظان إل أن المر لم يخل من بعض الضافات التي تدعم الموقف ذلك الستشهاد
بما ذكره ابن عطية.
والمتأمل في هذا النص ،يدرك أن منطقه لغوي بحت إذ عبر بعبارتي الحكاية والمحكي ،والحقيقة
هي اللفظ والمعنى ،والتحليل بني على أساس أل سبيل إلى الفصل بين الدال والمدلول بينما يفصل
بينهما بعض القائلين بالقدم مثل الرازي حيث يعتبر أن المعنى أو المعنى النفسي قديم وأن اللفظ
محدث وهذا منهجه دائما في الرد على المعتزلة وهذا أيضا موقف من مواقف الباضية وإن لم
يعبروا عنه بهذه الصيغة وإنما قالوا الكلم صفة ذات من حيث إن ال ليس بأخرس فهو صفة فعل
من جهة أن ال خالق كلمه.
موقف الباضية من الكلم النفسي:
لقد حلل يوسف المصعبي هذه القضية تحليل متكامل وقد استفاد مما جاء في الموضوع عند غير
الباضية وعند الباضية وقد سبقه في ذلك أبو يعقوب الورارجلني لذلك وسننطلق من تحليل
الوارجلني لنبين ما أضافه المصعبي وعمله من صلب هذا البحث.
يقول أبو يعقوب الوارجلني ":فإن عورضنا" ،وقال " :إذا جعلتم القول في النفس من غير صوت
فقولوا في الكلم كذلك فهذا دليل على أن الكلم كلم ال عز وجل صفة له في ذاته أزلية .قلنا:
لبد في الكلم والقول من نظم الحروف فيتعدى ذلك النفس فإن لم تكن حروف ول نظم كان ذلك
علما ،والعلم اعتقاد في النفس والكلم والقول معنى جاوز النفس إلى نظم الحروف المعنوية فهذا
الفرق بين العلم وبين الكلم في النفس وبين القول أيضا ،ولبد من معنى زائد على العلم وهو
تصوير المعنى في النفوس وهذا الزائد هو القول ويكون بغير صوت ،ول يتوجه إلى الغير" (
. )110
وينقل يوسف المصعبي ما جاء في رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي وهاك نصه ":قوله
(الغدامسي) :المعنى النفسي صفة غير العلم والرادة.
( )1/364
( )1/365
-1إن اختلف المنطلقات الساسية كلف علماء الصول عناء كبيرا في هذه القضية ،وأبرزها
وجهة نظر كل فرقة إلى صفات البارئ سبحانه وتعالى ولذلك كثيرا ما يكون الجدل مفتعل من
البداية.
-2إن هذه القضية ظلت تتأرجح بين ثلثة أسس :الساس البلغي ،والساس الفلسفي ،والساس
العقائدي.
أ?) أما بالنسبة إلى الساس البلغي ،وهو أبرز المحاور لن معجزة القرآن في بلغته قبل كل
شيء ،فالقضية تتمثل في علقة اللفظ بالمعنى فمن ربط بينهما قال بقدم المعنى مع اختلف في أنه
كلم نفسي أو علم وبحدوث اللفظ .وقد جاءت أثناء الجدل عبارات الدال والمدلول والحكاية
والمحكي وكذلك النظم وكل فرقة تجاذبت هذه العلقة حسب تصورها الخاص داخل نظامها
الفكري الذي تبنته حتى ل يقع تضارب بين عناصر ذلك النظام.
وأثيرت قضية أقسام الكلم بين النشاء والخبر ،أو المر والنهي والخبر والستخبار ،فإن صح
القدم في الخبر فإنه ل يصح في المر إذ ل يجوز آمر بدون مأمور.
والملحظ في كثير من مواطن الجدل أنك تخال أنك مع درس في البلغة بعيدا عن الصول لكن
تدرك بعد حين أن البلغة خادمة للغرض.
ب) أما الساس الفلسفي -إن صح التعبير -فيتضح في قضية الكلم النفسي فالقائلون بالقدم
انطلقوا من نصوص من القرآن والحديث واللغة ورأوا أن ما يدور في النفس من المعاني يمكن
أن يعتبر كلما بدليل ما يحدث في النفس من حوار داخلي واتخاذ مواقف وما إلى ذلك إل أن
المنكرين للكلم النفسي اعتبروا أن كل ذلك من باب العلم وانعكس هذا المفهوم البشري على
الكلم اللهي ،فال أيضا له كلم نفسي ويذهب هؤلء إلى أنه يمكن أن يسمع وإن رأى آخرون
أنه ل يمكن أن يسمع .فالقضية حينئذ فلسفية نظرية ول يمكن أن تحل بموقف واحد بل لبد من
أن تتعدد فيها المواقف فل عجب إذا لحظنا ذلك التشعب الجزئي أحيانا والكلي أحيانا أخرى.
والقضية ليست تجريبية حتى في المستوى البشري فكيف بها في المستوى الغيبي.
( )1/366
ج)أما الساس العقائدي فيتمثل في محاولة إدراك كنه كلم ال تعالى لنه عليه مدار العمل ومدار
الجزاء ولذلك يتحول الجدل في هذه القضية إلى أنه تكفر الفرق بعضها البعض ،ول تسامح في
مثل هذه القضايا الصولية وما منحه القائلين بالقدم مع المأمون أول ثم القائلين بالخلق في ما بعد
إل صورة لرتباط العقيدة بالواقع المعاش ومدار كل الفرق أساسه الحرص على تنزيه ال تعالى
ونسبة جميع صفات الكمال إليه ،ولذلك لم يختلفوا في نسبة الكلم إلى ال وإنما اختلفوا في نوعية
هذا الكلم وفي قدمه وحدوثه .وما دام القرآن قسما من كلم ال تعالى فقد انصب الجدل حوله
وإن كانت الشارات كثيرة إلى بقية الوحي اللهي ولعل أكثرها كان يدور حول كلم ال لموسى
عليه السلم ونحن نعلم أنه كليم ال.
وفي النهاية فالقرآن كلم ال قديم عند البعض معنى ولفظا ومحدث عند آخرين معنى ولفظا وقديم
المعنى محدث اللفظ عند جماعة أخرى.
ومهما يكن أمر هذا الجدل فإن المسلمين ل يختلفون في أن القرآن هدى للمتقين فاستمدوا منه
عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية.
أما عن النصوص الباضية فالغالب عليها بعد مناظرة بقية الفرق والتعايش معها جنبا إلى جنب
في نفس الطار المكاني والزماني ما يلي:
)1الطلق العام في المختصرات:
" -وندين بأن ال خالق كلمه ووحيه ،ومحدثه وجاعله ومنزله" (. )116
" -ليس منا من يقول :إن القرآن ليس بمخلوق" (. )117
)2التفصيل في الشروح.
كلم ال - :صفة ذات :من جهة أنه متكلم ليس بأخرس.
-صفة فعل :من حيث إنه خالق الكلم.
ويقول عبدال السدويكشي في ذلك ما يلي ":وعندنا معشر الباضية الوهبية أن كلم ال تعالى له
معنيان:
الول :أنه صفة ذاتية كالعلم والقدرة منافية للفة مثل الخرس.
الثاني :أنه صفة فعلية بمعنى خلق الكلم حيث شاء.
( )1/367
فمعنى كونه متكلما على الول أنه ليس بأخرس وعلى الثاني أنه خالق الكلم" ()118
وقد حلل أبو يعقوب الوارجلني قضية نفي الخرس عن ال تعالى كما يلي ":فمن أين ارتباط
الكلم بالحي ل ارتباط له به.
فإن قالوا لستحالة حدوث الكلم لكان أخرس قبل حدوثه والخرس ضد الكلم ونقيضه .
قلنا وبال التوفيق ":إن هذا الحكم وهذا التحكم ل يلزم لنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا ل
أخرس ليس كالعلم لن من لم يكن عالما فهو جاهل ،ومن لم يكن قادرا كان عاجزا ،ليس الخرس
بنقيض الكلم ،بل السكوت نقيضه (. )119
ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل لنه لو أحدث ال الخلق لكان قبل حدوثه عاجزا ويلزمهم
أيضا أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمة بالذات كالكلم ولعمري لهو أشبه بمذهبهم.
وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق ،فليس الخرس بنقيض الكلم غير أن الخرس زمانه ل يستقيم
معه الكلم.
وكذلك العجز آفة ل يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة وقد يكون الحي ساكتا ل متكلما
ول أخرس .وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أو
ساخط؟ فهاتيك مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة وليس ذلك في الكلم البتة وال ولي
التوفيق" (. )120
وبهذا نتبين أن الباضية يختلفون في هذه النقطة عن المعتزلة إذ يعتبر الباضية أن السكوت
نقيض الكلم ،بينما يرى المعتزلة أن الكلم ل نقيض له (. )121
فواضح أن موقف علماء المرحلة المقررة امتداد لما جاء من قبل كما بينا ذلك من كلم
الوارجلني واستمر نفس الموقف في ما بعد كما جاء ذلك عند محمد اطفيش إذ يقول ":وال متكلم
ومعناه ل يوصف بالخرس " (. )122
لقد غلب على جمهور الباضية بالمغرب والمشرق القول بالخلق لكن ذكرنا أن من المشارقة من
قال بالقدم فكيف كان موقف الباضية من هؤلء؟
=========================
( )1/368
( )107والتحليل مستوحي من رسالة المام أبي اليقظان " الجواهر" 190 -189مع بعض
الضافات .ر .أبو يعقوب الوارجلني ط 52 -1/51 1ويصل إلى نفس النتيجة إل أنه يستعمل
كلمة " العبارة" عوضا عن الحكاية وقد استعملها أبو مهدي في آخر كلمه .ر .امحمد اطفيش:
شرح الدعائم 1/227سلك نفس المسلك ومن ذلك يقول ":ال سمى هذه اللفاظ قرآنا ول ترجمة
عن الكلم النفسي".
( )108انظر ما سبق.356 :
( )109أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان . 8 -6 :ثم ختم الجواب بما ذكر آنفا
من الحجج العقلية .انظر ما سبق 354:
( )110أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 2/159 ، 2
( )111يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .94 :ويشير القاضي عبد الجبار إلى أن
ابن فروك ذهب إلى أن المرجح بالكلم إلى الفكر ورد عليه بأن مثل هذا القول نابع من المجوسية
التي تقوم بأن ال تعالى فكر فكرة رديئة فتولد من فكرته الشيطان .الصول الخمسة533 :
( )112لم نتمكن من التعريف به
( )113يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .95 :ونذكر بأننا بينا في ما سبق : 352
أن من إباضية عمان من يقوم بالقدم لكنهم لم يقولوا بالكلم النفسي وغنما قالوا بالعلم.
( )114يقصد الباضية بالمشرق وخاصة بعمان.
( )115يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين95:
( )116عامر الشماخي :كتاب الديانات 44 :والملحظ هنا أن عامر الشماخي حشر هذه القضية
ضمن القدر وخلق الفعال كما يفعل المعتزلة ( ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة :يقول
":ووجه اتصاله بباب العدل هو أن القرآن فعل أفعال ال ، "527:إل أن بقية النصوص ضمن
الحديث عن الصفات.
( )117أحمد الشماخي:شرح عقيدة التوحيد .152 :
( )118عبد ال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات14 :
( )119هذه حجة الطرف المقابل أوردها ليرد عليها.
( )120أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .51 -50 /1،1
( )1/369
( )121ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة ".فإن الكلم ل ضد له من جنسه ول من غيره
جنسه"557 :
( )122امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/236
---
( )1/370
( )1/371
وإن بينت المصادر الباضية أن القرآن مخلوق فإنها لم تعتبره جسما لنه لو كان جسما لكان قائما
بنفسه ومحتمل للصفات بل تعتبره شيئا مصدقا لقوله تعالى... ( :إذ قالوا ما أنزل ال على بشر
من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى 6( )..النعام .)91
كما تعتبره عرضا فهذا الوارجلني يقول ":وقوله :عرض فعله تعالى في غيره وذلك ل يؤدي إلى
حدوثه تعالى )125( "...كما أن محمد اطفيش يعبر عن نفس المعنى بقوله ":وأي ضرر في أن
القرآن عرض يفنى ويتجدد تقيده القلوب والوراق ...وليس كل محدث سريع الفناء فهل العرش
والكرسي والسماوات والرض ونحوهم سريعو الفناء. )126( "....
فالقرآن حينئذ كلم ال مخلوق ليس بجسم ( )127إل أنه شيء وعرض.
وما دام القرآن فإن له وجودا في العيان ووجودا في الذهان ووجودا في العبارات ،ووجودا في
الكتابة ،لكن عند التأمل يثبت أن ما في الخارج ليس مدلول ما في الذهن بل مدلول اللفظ ،وعلم
ال يتعلق بجميع ذلك ومن هذا المنطلق صح التفسير والتأويل (. )128
فالكلم على الطلق صفة ذاتية من جهة وصفة فعلية من جهة أخرى بينما القرآن هو غير ال
وليس بصفة إذ ما يصح فيه من إنزال وتفصيل ل يجوز على ال تعالى.
ويحسن أن نختم بما وصل إليه أبو إسحاق في تعليقه على مقدمة التوحيد:
" اعلم أن هذه المسألة مما احتدم الخلف فيها بين المة فارتطم فيها من ارتطم ...مما ليس في
شيء من الحق وإنما جرت فيها مغالطة ،والجهتان مختلفتان.
فذهب المشنعون بسوء الفهم شر مذهب والحق كما وضحه المام شمس الدين أبو يعقوب في
الدليل وبين طريق كل من الفريقين القائلين بخلق القرآن والقائلين بقدمه.
فالولون قصروا على القرآن المتلو المحفوظ في الصدور والمصحف الموصوف من ال بالمحدث
والمنزل والجعل والذهاب الخ .ولم ينظروا الى القرآن الذي هو علم ال إذ ل ريب في قدمه.
( )1/372
والخرون قصروا على القرآن القديم الذي هو علم ال وصفته وكلمه فقالوا بقدمه وبالسكوت عن
المحفوظ في المصحف والصدور الخ.
هذا مع إعراضنا عن الفريقين الغالي الزاعم بقدم المكتوب في المصحف بل المصحف وما إلى
ذلك من سخف القول البعيد عن المعقول.
فأنت ترى الختلف لفظيا بين الفريقين ل غير" (. )129
وخلصة القول :إن كلم ال قديم من حيث هو علم عند الباضية والمعتزلة والمامية والزيدية
والخوارج ،ومن حيث هو كلم نفسي عند الشاعرة والماتريدية ،ومحدث من حيث هو لفظ منزل
عند هؤلء جميعا باستثناء الحنابلة الذين يرون قدم هذا الجانب أيضا ومن يقفون في القضية من
السلف الول.
والمهم أن هذه القضية وإن بدت عديمة الجدوى فإنها قد أثرت المكتبة السلمية في شتى الفنون
من فلسفة وبلغة وعقيدة وأسفرت عن إنتاج غزير وإن سالت من أجلها دماء وقامت دونها أحقاد
ذلك شأن الفكر إذا سخر لغراض سياسية ومنافع آنية.
وهكذا مع هذه القضية ننتهي من باب اللهيات لنتحول إلى باب النسانيات حيث سنكتفي بالنظر
في قضيتي القدر ،والوعد والوعيد.
=======================================
( )123عبدال السالمي :المشارق246 -245 :
( )124امحمد اطفيش :شرح الدعائم 224 -1/2323
( )125أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 1،1/69
( )126امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/273
( )127وفي هذا رد على بعض المعتزلة وعلى عبدال بن يزيد الفزاري من الباضية .انظر ما
سبق 350 :و .361
( )128ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي15 -14 :
( )129إبراهيم اطفيش :تعليق عدد 3على مقدمة التوحيد وشروحها ط القاهرة .112 :1353
---
( )1/373
االباب الثالث النسانيات الفصل الول القضاء والقدر
تميهد:
قال تعالى( :ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) ( 21النبياء )23وجاء في سياق الحوار بين موسى
عليه السلم والذي آتاه ال علما من لديه قوله تعالى( :قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف
تصبر على ما لم تحط به خبرا) ( 18الكهف )1( )67وأنى لموسى أن يصبر على سفينة تخرق
بدون سبب ظاهر ،وعلى فتى يقتل عبثا ،وعلى جدار يبنى مقابل رفض للضيافة.
ولقد ثار موسى على الرجل الذي عاهدة بأن يلتزم بالصمت ،وكان الفراق بينهما بعد أن فسر له
سر تصرفه بأمر ال تعالى ،فالسفينة حرقت لتبقى لصحابها ،والغلم قتل حتى يبدل ال والديه
من هو أقرب منه رحما ،والجدار بني حفاظا على كنز ولدي الرجل الصالح ،تحير موسى
واستفسر لنه حكم على الحداث اعتمادا على الظاهر فجاء التفسير يدل على أن وراء الظاهر
باطنا ل يعلمه إل ال أو من آتاه ال من لدنه علما (. )2
ول يخفي على أي عاقل أن علم النسان محدود مهما بلغ ( وما أوتيتم من العلم إل قليل) (17
السراء )85لن العقل إذا سخر في المحسوسات التي في دائرته يمكن أن يصنع العجائب ،أما إذا
تحول إلى عالم الماوراء أو الغيب فإنه ل يدرك إل تخمينات تتضارب فيها آراء الفلسفة من
النقيض إلى النقيض.
وما عرفنا عالما يعتبر قضية القضاء والقدر من مشمولت العالم المادي فهي حتما قضية ما
ورائية غيبية.
والناظر في الثقافات العالمية عبر العصور يتبين أن النسان عبر عن وجهة نظره في هذه القضية
بوجه من الوجوه ،وتجاوز التساؤل عن فعله إلى التساؤل عن فعل ال عيسى أن يدرك حقيقة
مصيره بعد الموت.
إن الذين يقرون أن آدم أول البشر يتساءلون لم أكل آدم من الشجرة؟ فأنزل إلى الرض (، )3
ولم عصى إبليس ربه ولم يسجد لدم ()4
( )1/374
أما المتتبع للقصص القرآني فيجد أن قضية المصير من المحاور الساسية التي يستند إليها
المعارضون للنبياء عامة وخذ لك مثالين:
-1فليس بدعا أن يكون احتجاج إبراهيم قائما على نفي اللوهية عن النجوم والقمر والشمس لنها
زائلة ثم ليثبتها للذي فطر السماوات والرض( 6النعام )79 -73إذ نعلم أن الحضارة البابلية
كانت تعتبر أن المصائر مرتبطة بالنجوم وأنها مصدر الخير والشر)5( .
وما دام إبراهيم حول مفهومهم للمصير وربط ذلك بال تعالى وكسر أصنامهم ألقوه في الجحيم (
21النبياء )70 -50فكانت النار عليه بردا وسلما.
-2أما فرعون فتلمس من مجادلته لموسى أنه يريد أن يجعل مصائر الناس بيده فادعى اللوهية
وما يزال موسى يقنعه بالمعجزات ( )6أن مصير الناس بيد ال إلى أن آمن من آمنت به بنو
إسرائيل حين أدركه الغرق فنجاه ال ببدنه ليكون آية للعالمين ( 10يونس .)92
ثم إن الناظر في الكتاب المقدس يجد أن المصادر بيد ال وأن القضية شغلت اليهود والنصارى
وتحيروا فيها كما تحير غيرهم ( )7وما يزالون.
كما أن الناظر إلى الحضارات العالمية الخرى يتبين أن قضية الخير والشر تجسمت عند المانوية
الفارسية في اتخاذ آلهة لكل منهما ( )8أما الفكر اليوناني فقد طرحت فيه قضية القدر طرحا عنيفا
على المستوى الفلسفي ( )9ول ينبغي أن نغفل عن الوثنية الجاهلية في الجزيرة العربية التي
تجسمت فيها القضية في الشكوى من الدهر واليام)10( .
فواضح أن قضية القدر ليست وليدة الفكر الباضي أو وليدة ظرف من ظروف الحضارة
السلمية وإنما هي قضية إنسانية ل سبيل إلى تحديد تاريخ مضبوط لنشأتها فتبقى القضية بالنسبة
إلى بحثنا متمثلة في التعرف على طرح الباضية لموضوع القدر وبصفة خاصة في المرحلة
المقررة في البحث.
وقبل أن نحلل هذه القضية حسب محاور ثلثة:
( )1/375
:-1قضية القضاء والقدر :2 ،قضية الجبر والختبار :3 ،ما يرتبط بهما من قضايا :مثل
الستطاعة والعون يحسن أن ننبه إلى ما يلي:
-إن تراث الباضية في القرون التي تعنينا قد جاء ملما بالتراث الذي سبقه إعادة ( )11وتلخيصا
وتوجيها مع التعايش مع بقية التراث السلمي عامة سواء من أجل التفاق في وجهة النظر أو
من أجل الختلف وذلك في منطق الرد والدفاع فضروري حينئذ أن نبني التحليل على مراعاة
التطور التاريخي للموضوع من زمن الرسالة فصاعدا.
-إن القضايا المشار إليها في مراحل متداخلة تداخل جوهريا فرأينا أن نفصل بينهما فصل
منهجيا وذلك رغبة في زيادة التوضيح.
وبعد هذا نأتي إلى قضية القضاء والقدر.
====================================
( )1انظر هذه القصة في سورة الكهف من الية 59إلى .82لم يرد في القران الكريم اسم
الرجل الذي آتاه ال تعالى علما لدنيا ذكر المفسرون أنه الخضر ،ولذلك عرفت القصة بقصة
موسى الخضر .ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 363وجه إلى ورقة
365وجه .ر .الفخر الرازي :التفسير الكبير . 107 -81 /21ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل
والبرهان ط .256 /2 2
( )2العلم اللدني :علم رباني يصل لصاحبه عن طريق اللهام .ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار
الجوهر 1/6
( )3ر .متولي الشعراوي :محاضرة في تحليل قصة آدم ضمن المحاضرة العامة التي لقيت
بالندوة العالمية للشباب السلمي ،وقد نشرت بمجلدات تحت عنوان " قضايا الفكر السلمي
المعاصر" مع المحاضرات التي القيت في الندوة .الرياض المملكة العربية السعودية ط
.1396/1976
( )4ر .صادق جلل العظم :نقد الفكر الديني ط 3دار الطليعة بيروت .135 -79 :1972
( )5ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية .390 :
( )6تسع آيات :السراء ،101النمل .12
( )1/376
( )7انظر ما جاء في إنجيل لوقا ...:ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديئا ،ول شجرة رديئة تثمر
ثمرا جيدا لن كل شجرة تعرف من ثمرها فإنهم ل يجتنون من الشوك تينا ول يقطفون من العليق
عنبا .النسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلح والنسان الشرير من كنز قلبه الشرير
يخرج الشر فإنه من فضلة نصائح يسوع عندما شبه الملكوت بملك البشر ":لن كثيرين يدعون
وقليلين ينتخبون" الصحاح .14 -22يبدو من خلل هذه النصوص أن نزعة الجبر هي الغالبة ،
إل أن الكنيسة جنحت إلى الحرية دون الغفلة عن المدد اللهي .ر .محمد الطالبي :دراسات في
تاريخ إفريقية 392 -391 :تعليق .2
( )8ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية 386 :تأمل تعليق عدد 4تجد إحالت عن
المراجع التي تتعلق بتأثير الفكر الفارسي في الحضارة السلمية في موضوع القدر.
( )9ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية 389 :تعليق عدد 3يذكر مرجعا يقارن بين
الفكر اليوناني والمسيحي في قضية القدر.
( )10يقول لبيد:
يوم إذا أتى عليّ وليلة
وكلهما بعد المضاء يعود
وأراه يأتي مثل يوم لقيته
لم ينصرم ،وضعفت وهو شهيد
فؤاد أفرام البستاني :المجاني الحديثة ط 3.ا لكاثوليكية بيروت . 1/139 :1966
( )11سنضطر أحيانا إلى اعتماد مصادر متقدمة عن المرحلة المقررة بعض القضايا لن هذه
المصادر تكتفي بالتذكير بما جاء عند سبق وسننبه إلى ذلك في إبانه .
---
( )1/377
( )1/378
وقد غلبت الصبغة العقائدية على الصبغة اللغوية ولم يسند هذه الصبغة إلى فرقة دون فرقة بل
جاءت في سياق عام ويربطها ربطا محكما بالقدر فيقول :ومنه القضاء المقرون بالقدر ،والمراد
بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات) ( 41فصلت )12أي خلقهن.
فالقضاء والقدر أمران متلزمان ل ينفك أحدهما عن الخر لن أحدهما بمنزلة الساس وهو القدر
والخر بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام البناء بنقضه.
فواضح إذن من خلل الشرح اللغوي أن هاتين اللفظتين من اللفاظ المشتركة ذات اللفظ الواحد
والمعاني الكثيرة ( )17وهذا يزيد القضية تعقيدا عند تأويل أهل الفرق للنصوص التي وردت فيها
الكلمتان في القرآن والسنة ومواقف الصحابة.
ويقول المحشي في العلقة بين اللفظين ":فعلى هذا الشرح الذي ورد بين القضاء والقدر عموم
وخصوص من وجه يجتمعان في الخلق وينفرد كل واحد منهما في بقية معانيه كما هو ظاهر" (
. )18
كما تجدر الملحظة أن اللفظتين لم تردا مقرونتين في الكتاب على الطريقة التي ألفها المتكلمون
والفلسفة من جعلها مرادفتين لـ" الجبر والختيار" أو ما أطلق عليه " حرية النسان")19( .
ليس معنى ذلك أن اللفظتين لم تستعمل في هذه النصوص وإنما جاءت كل منهما على حدة لتدل
على معان مختلفة حسب السياق فهل أحدثت كل منهما بعضا من الشكال زمن الرسالة؟
===============================================
( )12أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية 3 :البيتان عدد .37 , 36
( )13عامر الشماخي :كتاب الديانات.43 :
( )14انظر ما سبق عن شروح النونية وكتاب الديانات.
( )1/379
( )15نترك ذكر المفهوم الصطلحي أثناء التحليل إذ نجد أنه يختلف من فرقة إلى أخرى .
ملحظة أحببنا أن نعتمد لسان العرب لن كل التحاليل اللغوية الواردة في مصادر الباضية ل
تخرج عن هذا التفسير ولنذكر على سبيل المثال ما جاء في شرح النونية ":والقدر يتصرف على
ثمانية أوجه:
-1يخرج على ( 87العلى )3أي خلق وبثق لهم ما يأتون وما( والذي قدر فهدى(الخلق كقوله
تعالى يدرون ،وقيل قدر :خلق فهدى إلى سبيل التغذية ،وهدى الذكر إلى النثى ،وقيل هدى
الرضيع الثدي.
وأنزلنا من السماء ماء( -2ويخرج على التقدير كقوله تعالى( :المؤمنون )18أي بتقدير(.بقدر
إل امرأته قدرنا إنها من( -3ويخرج على الوجود ( 15الحجر )60أي وجدناها من الباقين في
العقوبة والعذاب(.الغابرين
-4ويخرج على ( 77المرسلت (.)23فقدرنا فنعم القادرون(التصوير ،قال تعالى:
-5ويخرج على ( 54القمر )12أي قضي (.فالتقى الماء على أمر قد قدر(القضاء
-6ويخرج على الضيق ( (21فظن أن لن نقدر عليه( ( 65الطلق )7وقوله (:ومن قدر عليه
رزقه(كقوله تعالى :النبياء )87أي نضيق عليه الرض .
نحن( -7ويخرج على التسوية ،قال تعالى 56( :الواقعة )60أي سوينا .وال أعلم .ر .عمرو
خليفة السوفي(:قدرنا بينكم الموت كتاب السؤالت. 202 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية
ورقة 126وجه وقفا .وقد أخذ كتاب السؤالت .ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 50قفا ،لم
يتوسع في الشرح اللغوي .ر .المحشي :حاشية الترتيب 1/114وقد نظم السالمي سبعة منها في
ما يلي ( :هزج)
معاني القدر سبع هاك نظما
حواها وهي خلق فيه يحلو
وتقدير وتصوير وجود
قضاءثم تضييق ومثل
عبد ال السالمي :المشارق311:
( )16ثم يذكر بقية المعاني التي تبعد عن قضيتنا ويدعمها بأمثلة.
( )17ر .عبد الحليم محمد قنبس وخالد عبد الرحمن العك :مسألة القضاء والقدر ...دار الكتاب
العربي للطباعة والنشر والتوزيع حلب ،دمشق 1979ص .82 - 81
( )1/380
( )1/381
( )1/382
الثاني :وقال ابن عباس ":ل يأتيني رجل من هؤلء الذين يتكلمون في القدر ويزعمون أن أفعال
العباد مفوضة إليهم أما يقرأون هذه الية ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) ( 76النسان )30وقوله
تعالى ( يدخل من يشاء في رحمته) ( 42الشورى 79 .8النسان )31أي في دينه وقوله ( من
يشاء ال يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( 6النعام ( )39وكل صغير وكبير
مستطر) ( 54القمر ( )53إنا كل شيء خلقناه بقدر) ( 54القمر )49وقال ( ما أنتم عليه بفاتنين
إل من هو صال الجحيم) ( 37الصافات )163أي ما أنتم بمضلين إل من سبقت عليه الشقوة ومن
هو صال الجحيم (. )25
ول يفوتنا أن نذكر بموقف عمر عندما تحير مع جمع من الصحابة أيحلون بقرية عم فيها الوباء،
وكيف فر عمر اجتنابها فانتقد انه فار من قضاء ال فأجاب :فررنا من قدر ال إلى قدر ال)26( .
ثم تنطلق الفتنة الكبرى بقتل عثمان وتبدأ المعارك الدامية بين المسلمين فتطوع كل طائفة
النصوص لوجهة نظرها وتذكر المصادر خبرا طريفا يصور حيرة الناس في التوفيق بين اليمان
بالقدر والحصول على الثواب.
روي عن الصبع بن نباتة أنه قال :لما رجع علي بن أبي طالب من صفين قام له شيخ فقال :يا
أمير المؤمنين أخبرنا عن سيرنا إلى الشام أهو بقضاء وقدر ،فقال علي :والذي خلق الجنة وبرأ
النسمة ما وطئنا موطنا ول هبطنا واديا ول علونا تلعة إل بقضاء وقدر ،فقال الشيخ :أحتسب
عنائي فل أرى من الجر شيئا ،فقال له علي :بل أيها الشيخ لقد عظم ال أجركم في مسيركم
وأنتم سائرون وفي مصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالتكم مكرهين ول إليها
مضطرين.
( )1/383
فقال الشيخ :كيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقنا وعنهما كان مسيرنا وانصرفنا ،فقال
علي :ويلك أيها الشيخ لعلك ظننت قضاء لزما وقدرا حاتما لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب
والوعد والوعيد والمر والنهي ولم تكن لئمة على مذهب ول محمد لمحسن تلك مقالة عبدة
الوثان ،وجند الشيطان واعداء الرحمان وشهود الرفة وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية المة
ومجوسها.
إن ال تعالى ،أم تخييرا ونهي تحذيرا وكلف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل
الرسل عبثا ولم يخلق السماوات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين
كفروا من النار فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول (:بسيط)
فواضح حينئذ أن عليا نفى نفيا مطلقا ما شعر به الشيخ من جبر يجعل عمله عبثا قضاء لزما
وقدرا حاتما وبين أنه لو كان المر كذلك لبطل الشرع وأوضح أن ذلك من قول أهل العمى
وسماهم القدرية( وهنا ترادف الجبر).
ثم ما أن استقر المر لمعاوية الذي حول الخلفة إلى ملك عضوض حتى تسيّست القضية بصفة
نهائية وتباينت المواقف بين الدولة الحاكمة والكتل المعارضة.
أما معاوية وأنصاره فقد اعتبروا القضاء ضربا من الجبر لقناع الناس بوجوب طاعتهم مبينين أن
المنكر لفعال الخليفة ظالم فانظر إلى معاوية يقول في إحدى خطبه " :إنما أنا خازن من خزان
ال أعطي من أعطاه ال ،وأمنع من منعه ال" فقام إليه أبو الدرداء فقال له :كذبت يا معاوية وال
إنك لتعطي من منعه ال وتمنع من أعطاه وكذبه أيضا عبادة بن الصامت)28( .
وسيجد المحكمة وأنصار علي في هذين الموقفين أحسن سند لقناع الناس بأن معاوية اغتصب
الحكم إل أن معاوية مصر على ذلك ،ومدرك لمرامي ما يقول إذ يعلم أن مثل هذا اليهام من
شأنه أن يستهوي عامة الناس ومن يركنون إلى الحياد وهاهو يقول في مقام آخر ":لو لم يرني
ربي أهل لهذا المر ما تركني وإياه ولو كره ال تعالى ما نحن فيه لغيره" (. )29
( )1/384
وقد درج على ذلك خلفاء بني أمية وولتهم باستثناء الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز ()30
فدسوا له السم لما أحسوا أنه سيفسد عليهم ما ألفوه من الظلم.
ولقد سبق أن أشرنا إلى أن جذور الباضية تنطلق من المحكمة الولى ( )31والجدير بالملحظة
انه لم يؤثر عن عبدال بن وهب الراسبي موقف من القدر وكذلك الشراة الول ( )32لنهم ردوا
الفعل بالفعل الى أن استقر رأي الباضية على الكتمان ويفهم من رسالة عبدال بن إباض لعبد
الملك رفضه لعتبار أن ال قام مع معاوية وعجل نصره وبين له إن ذلك من باب البتلء
وضرب مثال فرعون والذي حاج إبراهيم فقد أعطى ال فرعون ملكا وظهر في الرض وأعطى
الذي حاج إبراهيم في ربه ملكا ( )33معنى ذلك أن ملك معاوية ومن تبعه مغتصب وطاعته
ليست واجبة.
==============================
( 19مكرر) مثل حديث جبريل عليه السلم :قال :يا رسول ال ما اليمان :قال ":أن تؤمن
بال ،وتؤمن بالقدر كله" .ر .تخريجه في ما سبق 98 :تعليق 18وما رواه الربيع قال ": :إنك
لن تجد ولن تؤمن وتبلغ حقيقة(بلغني عن عبادة بن الصامت قال :قال رسول ال اليمان حتى
تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال "...الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 1/19عدد 72وقد
ورد الحديث بعده روايات والمهم جمله" تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال " ر .مسلم :إيمان
1.7أبو داود :سنة ،16الترمذي :قدر ، 10إيمان النسائي :إيمان 6 .5ابن ماجه مقدمة 10 ،9
أحمد بن حنبل . 317 . 5/185... 4/129 ...2/107، 28 .1/27ر .ونسنك :المعجم المفهرس
5/317وعبادة بن الصامت صحابي(ت )34/654ر .الزركلي /العلم 4/30
( )20ويتواصل الحديث المذكور كما يلي ...:قال ( عبادة بن الصامت) :قلت يا رسول ال:
كيف لي أنا أعلم خيره وشره قال :تعلم أن ما أخطأكم يكن ليصيبك ،وما أصابك لم يكن
ليخطئك ،فان مت على غير ذلك دخلت النار.
( )1/385
-ومثل قوله عليه السلم ":كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" الربيع بن حبيب :الجامع
الصحيح 1/19عدد . 71ر .المحشي :حاشية الترتيب. 1/119 :ر .مسلم :قدر ،18الطبراني:
قدر ،4أحمد بن حنبل . 2/11ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 5/317
-ومثل ما رواه جابر فقال :سئل عباس عمن قال إنه يستطيع أن يعمل بما أمر ال به ويكف عما
نهاه ال عنه من غير أن يخلق ال فعله ،فقال :سأل سراقة ما العمل يا رسول ال في أمر مبتدأ
مستأنف أم في شيء قد فرغ منه" قال " :بل في شيء قد فرغ منه" .ثم قال ففيهم العمل إذا يا
رسول ال؟ فقال :اعملوا فكل ميسر لما خلق له" .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد
. 796ر .البخاري :قدر ،4تفسير سورة الليل .أحمد بن حنبل . 4/67ر .ونسنك :المعجم
المفهرس .4/375
":القدر سر ال فل تفشوا سر ال"(( )21مثل قوله رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر .ر.
خميس بن سعيد الرستاقي .المنهج 1/428وتخريج الحديث للمحقق .ولم يرد الحديث عند ونسنك
في المعجم المفهرس ول عند الربيع بن حبيب.
ومثل ":إذا ذكر القدر فأمسكوا " أخرجه الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه .ر.
المحشي :حاشية الترتيب .7/115لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس.
":ما كان مفر إل كان مفتاحه تكذيبا بالقدر" .ر )22((.مثل قوله الربيع بن حبيب :الجامع
الصحيح 3/10عدد . 796ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/113لم يخرجه ونسنك في المعجم
المفهرس.
( )23الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/11عدد .807نلحظ دخول عنصر جديد ،وهو أن
الصواب من ال بينمات الخطأ فمن أبي بكر ومن الشيطان ,وهذا سيكون منطلقا لمواقف في
المستقبل .ر .المحشي :حاشية الترتيب .150 /7
( )24المحشي :حاشية الترتيب1/117 :
خميس بن سعيد الرستاقي .المنهج .424 -1/423
( )1/386
( )25خميس بن سعيد الرستاقي .المنهج .1/427واضح من موقفي ابن عباس أن القدر بدأ
يحير الناس فها هم ثلثة أصناف كما يشير إلى ذلك يتكلمون في القدر ومنطلقهم من متشابه
القرآن ولذلك جاء الرد مدعما بالقرآن مع شيء من التفسير.
(( )26وللرسول عليه السلم موقف يمكن أن يقاس عليه موقف عمر وهو أنه كان إذا مر بهدف
مائل أسرع المشي فقيل :يا رسول ال أتفر من قضاء ال؟ قال :أفر من قضاء ال وقدره .ر.
المحشي :حاشية الترتيب 1/118وقال في هذا الحديث إشارة إلى اخذ الحذر .ر .خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .1/424
ويقول الغزالي في ذلك ...:فلذلك أمسك عمر لما سئل عن القدر فقال للسائل :بحر عميق ل تلجه،
ولما كرر السؤال قالك طريق مظلم ل تسلكه ولما كرر ثالثا قال ":سر ال قد خفي عليك فل تفشه"
.كتاب الربعين في أصول الدين 11:والملحظ أن ذكر مثل هذه المواقف يجب أن يستفاد منها
بحذر.
( )27ر .المحشي :حاشية الترتيب . 115 -1/114ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج
426 -1/425
وقد أورد المحشي مواقف أخرى لعلي أين أبي طالب من هذا القبيل .ر .حاشية الترتيب -7/132
.134
( )28ر .القاضي عبد الجبار :كتاب فضل العتزال.144 :
( )29ر .القاضي عبد الجبار :كتاب فضل العتزال.143 :
( )30عمرو بن عبد العزيز( . )720 -681 /101 -61ر .الزركلي :العلم .5/209
( )31انظر ما سبق48 :
( )32انظر ما سبق48 :
( )33ر .البرادي :الجوهر.163 :
---
( )1/387
( )1/388
" وحكى بعض أصحابنا أن واصل بن عطاء المعتزلي صاحب عمرو بن عبيد()45( )761 /144
كان يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول :لو قطعته قطعت الباضية قال فبينما هو في المسجد الحرام
ومعه أصحابه إذ أقبل أبو عبيدة ومعه أصحابه فقيل لواصل هذا أبو عبيدة قال نعم ،قال أنت الذي
بلغني أنك تقول :إن ال يعذب على القدر .قال أبو عبيدة :ما هكذا قلت لكن قلت إن ال يعذب
على المقدور ،فقال أبو عبيدة وأنت واصل ابن عطاء قال نعم :قال أنت الذي بلغني عنك أنك
تقول إن ال يعصي بالستكراه قال فنكس واصل رأسه فلم يجب بشيء .ومضى أبو عبيدة وأقبل
أصحاب واصل على واصل يلومونه ويقولون كنت تتمنى لقاء أبي عبيدة فسألته فخرج وسألك فلم
تجب فقال واصل :ويحكم بنين بناء منذ أربعين سنة فهدمه وأنا قائم فلم اٌعد ولم أبرح مكاني" (
. )46
ويروي أبو سفيان محبوب بن الرحيل :بلغنا أن أبا عبيدة رحمه ال جاءه رجل فكلمه في القدر
فقال له أبو عبيدة :هل علم ال ما العباد عاملون ،وإلى ما هم صائرون قبل أن يخلقهم .فقال له
الرجل :ما أسرع ما استعنت بالعلم يا أبا عبيدة وإنما هذه مسائل الضعفاء فقال له :أجب هذا
الضعيف فلم يجبه وافترقا" (. )47
وقال أبو سفيان :سمعت الربيع يقول :إن عبد السلم بن عبد القدوس ( )48عظم أم القدر وقال
فيه قول شديدا وكره الكلم فيه فقال الربيع فأخبرت بذلك أبا عبيدة فقال :ما قال عبد السلم شيئا
ما القدر إل رأي من رأي الناس اختلفوا فيه ليس فيه نكاح ول انتحال هجرة ول سباء ول غنيمة
وصغر أمر القدر (. )49
( )1/389
من هذا نتبين أن المواقف ما يزال سلفيا بحتا يجتنب تحليل القضية والتصرف فيها فأبو عبيدة
يثبت لواصل الفرق بين القدر والمقدور ( )50ويرد عليه بأن موقف واصل القائل بأن المعصية
من خلق النسان يؤدي إلى أن ال يعصي بالستكراه ( )51كما أن رده على الرجل الذي سأله
عن القدر يثبت تمسكه برأي شيخه صحار الذي يعتبر أن أقوى حجة على القائلين بالقدر هي
الحالة على علم ال تعالى .وواضح في النهاية من خلل نصيحة للربيع أنه يدعو أنصاره إلى
التقليل من الخوض في القدر امتثال لوامر الرسول عليه السلم.
هذا عن الصراع مع من يقولون من غير الباضية بالقدر ورد الباضية عليهم كما بينا كان
واضحا إل أن الزمة ستشتد داخل المذهب وسيفرض الواقع على أبي عبيدة أن يتخذ موقفا
مضبوطا سيكون له بعيد الثر في ما بعد.
يروي أبو سفيان ما دار بين حمزة الكوفي ( )52وأبي عبيدة من جدل حاد حول قضية القدر
انتهى بقول أبي عبيدة ":يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن" ( )53وحاول حاجب الطائي (
)54أن يستصلح من أمر حمزة لكنه أصر وظل يستدرج النساء والضعفاء الى القول بأن السيئات
من العباد فهنالك اجتمع الناس عند حاجب بمحضر أبي عبيدة وتمت البراءة منه)55( .
وسيكون لحمزة هذا أثر فعال في اشعال نار الفتنة مع شعيب وأبي المؤرج وعبدال بن زيد
الفزاري ( )56عندما أنكر يزيد بن فندين ( )57إمامه المام عبد الوهاب بن عبد الرحمان
الرستمي)58( .
والمهم حينئذ أن أبا عبيدة وجمهور الباضية في القرن الثاني هجري /الثامن ميلدي استقروا
على أن القدر كله من ال تعالى وقد سلك الربيع ابن حبيب نفس المسلك.
( )1/390
ويجدر أن نشير هنا إلى نصين يثبتان الحتكاك بين المعتزلة والباضية في المشرق والمغرب
فهذا وائل بن أيوب الحضرمي ( )59يناظر كهلن المعتزلي وأصحابه وهذا مهدي النفوسي يتقدم
الى الفتى المعتزلي فيرتفع مستوى الجدل بينهما حتى يشبهه أبو زكريا بالصفق بين الحجرين،
لكن هذا النص ل يذكر مواضيع هذه المناظرة)60( .
نلمس أن هذه المرحلة لم تكن مرحلة تنظير في باب القدر وإنما هي مناظرات قل أن تكون مع
الجبرية بل مدارها مع القائلين بالقدر لذلك لم نعثر على تعريف نظري دقيق لكلمتي قضاء وقدر
إل أن الحوار تحول مع أبي خزر ( )101 /4وأبي الربيع سليمان ابن يخلف( )11 /5وأبي
العباس أحمد ابن بكر( )5/11حول قضايا متصلة بالقضاء والقدر مثل ":الجبر والختبار" " خلق
الفعال" " الستطاعة".
ويجب أن ننتظر القرن 6/12خاصة مع كتاب السؤالت لتجد تعريفات نظرية ظل يعتمدها علماء
الباضية في ما بعد وحتى أبو عمار عبد الكافي ( )6/12وخاصة الموجز فقد سلك مسلكا جدليا
دفاعيا.
ول يفوتنا هنا أن ننبه إلى نشأة المدرسة الشعرية والماتريدية في القرن الرابع ،10 /فبلورتا ما
جاء من إشارات من قبل لهذا الموضوع عند أبي حنيفة وغيره وواصلتا مناظرة أهل العتزال
وبهذا تركز الجدل حول " خلق الفعال" بعد أن كان المر تسليما إيمانيا خالصا بان القدر كله من
ال تعالى وسيبقى هذا القرار العقائدي ثابتا في منطلق كل تحليل وسنبين تقارب التحاليل بين
هاتين المدرستين وبين تحاليل الباضية ولننظر الن في أهم التعريفات الصطلحية لكلمتي
القضاء والقدر.
========================================
( )1/391
( )34أن البيئة السلمية في البصرة وغيرها كانت تعج آنذاك بمختلف العناصر الدخيلة على
السلم من أهل الكتاب ومن بلد فارس ومن بلد الهند ،وهذا من شأنه أن يزيد الجدل حدة حول
قضية القدر وغيرها من القضايا العقائدية التي تشترك فيها جميع الملل ،وفي هذا الصدد تذكر
كتب المقالت أن مرجع القول بالقدر يعود إلى سوسن النصراني الذي اظهر السلم فصحبه معبد
بن عبدال الجهني الذي ظل التابعون يحذرون منه إلى أن أخذه هشام بن عبد الملك بن مروان(
)743 -125/690 -71فأمر بقطع يديه ورجليه.
أما القول بالجبر فيرجع إلى الجهم بن صفوان ( )128/745من موالي بني راسب راس الجهمية.
قال الذهبي :الضال المبتدع هلك في زمان صغار التابعين ،وقد زرع شرا عظيما وأمر نصر بن
سيار بقتله فقتل .ر .الزركلي :العلم .1/138وقد اخذ هذا المذهب عن الجعد بن درهم .انظر
ما سبق 100تعليق . 25ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال ص .229
وقد تأرجحت مواقف جميع الفرق السلمية بين هذين الموقفين ،وقد يقع التردد بين الموقفين حتى
داخل كل فرقة نتيجة فويرقات في الفهم بين علمائها.
( )35انظر ما سبق ص 98تعليق .18
( )36ونعني بذلك عدم تجاوز قول الرسول عليه السلم في التسليم بالقضاء.
( )38الحجاج بن يوسف الثقفي (. )714 -95/660 -40ر .الزركلي :العلم .1/175
( )39ل يوجد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس.
( )40صحار العبدي ( :ق )1/7من طبقة جابر بن زيد ومن شيوخ أبي عبيدة مسلم ابن أبي
كريمة ينسب إليه بحث في القدر .ر.الدرجيني :الطبقات .2/223
ر .الشماخي :السير . 81ر .كوبرلي :الطروحة.418 :
( )41الشماخي :السير.81 :
( )1/392
( )42واصل بن عطاء( )797 -80/181/700تعتبر كتب الفرق أنه مؤسس فرقة المعتزلة
والمعتزلة تبنوا هذا السم رغم أنهم يفضلون عليه" أهل العدل والتوحيد" .يرجعون جذور مذهبهم
إلى الصحابة .ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال وطبقات المعتزلة ص 214انظر ترجمته
بنفس المصدر 234 :ويختلف تاريخ الوفاة عما ذكره الزركلي وقد حدده ب . 748 /131ر.
الزركلي :العلم ( 19/121انظر ما سبق )110
( )43الحسن البصري( :)728 -110/642-21تابعي كان إمام أهل البصرة ولد بالمدينة سنة
21هـ وشب في كنف علي ابن أبي طالب وسكن البصرة ر .القاضي عبد الجبار :فضل
العتزال 229 -215 :وتعليق 168ص 215بتنازعه أهل السنة والمعتزلة ،ويختلفان في قوله
في القدر إل أنه يقول بالقدر على رأي المعتزلة .ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية
تعليق 2ص .398والباضية رغم أنهم ل ينسبونه إليهم يبرئونه من القول بالقدر .وقال أبو
محمد النهدي( من علماء الباضية ) هو ( الحسن البصري) أبعد الناس عن القدر.
( )44إن كل الفرق تتبرأ من أن تكون قدرية فالمعتزلة يقولون :القدرية هم الذين يزعمون أنه
تعالى قدر المعاصي ،وجعل ذلك كالعذر للعاصي حتى اعتقد بعضهم أنه ل يقدر ول يصلح منه
غير ما قدر ال ...وأصحابنا نفوا المعاصي عن ال وهم أثبتوها فيجب أن يكون اللقب لزما لهم
"...ويعتبرون هؤلء أن القدرية لقب للذم فمن حمل ذنبه على ال أولى بالذم ممن برأ ال وحمل
ذنبه على نفسه" .ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال167 :
( )1/393
إل أن الباضية يتفقون مع الشاعرة في اعتبار المعتزلة قدرية وفي ذلك يقول أبو عمار عبد
الكافي "...سموا المعتزلة" مجوسا لنهم يضيقون على أنفسهم ،وغيرهم يجعله ال دون نفسه،
ومدعي الشيء أولى بأن يسمى به ،دون من جعله لغيره ،ولنهم ضارعوا المجوس بل زادوا
على المجوس وذلك أن المجوس نفت عن ال خلق الشرور ،وزادت القدرية ( المعتزلة) نفي خلق
الخير عن ال عز وجل :الموجز . 2/62ر.المحشي :حاشية الترتيب.149 :
أما الشيعة فمنهم من يعتبر المعتزلة قدرية ومنهم من يرى خلف ذلك وفي ذلك يقول الجعفري
بعد أن يبين أن الشاعرة يتهمون المعتزلة بالقدرية والعكس بالعكس :والذي يظهر من أخبار
أئمتنا أن القدرية هم المعتزلة كما يصرح بذلك كثير من المتكلمين ،غير أن الذي يظهر من كلم
أمير المؤمنين"ع" في نهج البلغة وبعض الخبار عن أئمتنا .خلف ذلك " أصول الدين السلمي
."34
والناظر في كتب الفرق السلمية يتبين أن كلمة قدرية غلبت على تسمية المعتزلة بينهم وبين
المجبرة والنسب أن يسموا أهل العدل والتوحيد.
( )45عمرو بن عبيد( )144/761يعده المعتزلة من الطبقة الرابعة انظر ما سبق. 110 :ر.
القاضي عبد الجبار :فضل العتزال 242 :تعليق 308ومن .250 -242 :
( )46الدرجيني :الطبقات ،2/246أن النقد الداخلي للنص يدفع القارئ إلى الستفادة منه بحذر
ذلك لن النص يستعمل كلمة إباضية للحديث عن إتباع أبي عبيدة وقد بينا في ما سبق أن هذه
التسمية لم تستعمل في النصوص إل من القرن الرابع ( 4/10انظر ص )56لواصل بن عطاء أن
التسمية الغالبة هي المحكمة أو "أهل الستقامة".
هذا من جهة .أما جهة أخرى فيصعب أن نتصور أن مثل هذين العلمين يتم تعارفهما في الحج
وهما يعيشان معا في مدينة البصرة.
ومهما يكن من أمر يبقى النص معبرا عن مدى الختلف من البداية بين المعتزلة والباضية في
شأن القدر رغم أنهما يلتقيان في قضايا أخرى كما رأينا .
( )1/394
وقد ظلت المصادر الباضية تعتمد هذا النص ،وقل أن تذكر مسألة القدر دون أن يستشهد بهذه
المناظرة.
( )47خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 1/429ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية /1ورقة
.137
( )48لم نتمكن من التعريف به.
( )49ويعلق خميس بن سعيد الرستاقي صاحب المنهج على الموقف كما يلي :قال المؤلف رحمه
ال :إن ذلك قاله لترك البحث عن أمر القدر والخوض فيه وإل فهو عظيم عنده لن النسان
يخرج عن دين السلم بأقل شيء منه ،وقد غضب ال على عزير لجل سؤاله عن كلمة القدر ،
وضل كثير من أهل المذاهب بسبب القدر ،فالقدر بحر عميق قد هلك في بشر كثير .ر .خميس بن
سعيد الرستاقي :المنهج . 1/430ر .الدرجيني :الطبقات .2/233
ويضيف عمرو التلتي في شرح النونية ما يلي منسوبا إلى أبي عبيدة :فمن أقر بكون ال عالما
بالشياء قبل وجودها فقد أقر بالقدر .شرح النونية :ورقة 79وجه .ر .عبد العزيز الثميني:
النور ص .212
( )50وهذا سيكون نواة لتطور الموضوع في المستقبل :القدر من خلق ال والمقدور من كسب
النسان.
( )51وقد كان أبو عبيدة في خضم المعركة كما سنبين بعد حين ،فمن أتباعه من كان على اتصال
بغيلن الدمشقي أنظر ما سبق 106 :تعليق 43ول نستبعد أن يكون أبو عبيدة قد عرف غيلن
هذا.
( )52انظر ما سبق 106تعليق 43
( )53الدرجيني :الطبقات 2/244وغيلن الدمشقي.
( )54حاجب الطائي ( ق )2/8من طبقة أبي عبيدة .دعم الحركة الباضية تدعيما ماليا .وكانت
تعقد المجالس السرية بمنزله .ر .الدرجيني :الطبقات . 253 -2/248ر .الشماخي :السير-90 :
.92
( )55الدرجيني :الطبقات . 2/244ر .السير. 85 -84 :ر .النامي :الطروحة ص . 213ر.
علي يحي معمر :الباضية بين الفرق السلمية.256 -254 :
( )56انظر ما سبق 106تعليق 43للتعرف على الشخصيات المذكورة.
( )1/395
( )57يزيد بن فندين( ق )2/8كان ضمن السبعة الذين جعل المام عبد الرحمان بن رستم المامة
شورى بينهم .وثار على المام عبد الوهاب بن رستم .ر .الدرجيني :الطبقات . 1/46ر.
الشماخي :السير .154 :سليمان الباروني الزهار الرياضية في أئمة وملوك الباضية المطبعة
البارونية مصر د.ت . 2/99ر .بحاز إبراهيم باكير :الدولة الرستمية ،دراسة في الوضاع
القتصادية والحياة الفكرية -مجستر في التاريخ السلمي .نوقشت بكلية الداب بجامعة بغداد
( 1404/1983مرقونة بمكتبتي).121 -119 :
( )58انظر ما سبق 56 .تعليق 68
( )59وائل بن أيوب الحضرمي من علماء النصف الثاني من القرن الثاني 8 /يقول عنه
الشماخي :هو من أفاضل أصحابنا علما وزهدا وتقى وأمرا ونهيا .ر .الدرجيني :الطبقات 2/278
.ر .الشماخي :السير.105:
وقد ذكر الشماخي هذه المناظرة عندما ترجم له لكنه لم يوردها ،وقد جاءت كاملة في حاشية
يوسف المصعبي على أصول تبغورين ص 81انظر ما يلي ص 452من البحث لن الجدل قام
حول الستطاعة ،وخلل هذه المناظرة سئل وائل بن أيوب عن القدر انتهاء المور إلى أوقاتها
وبلوغها إلى آجالها وإرجاعها إلى أقدارها .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ص
.81
( )60ثم جاءت بينهما (مهدي والفتى المعتزل) وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولن ،فلم
يفلح أحد على صاحبه ،ثم إنهما دخل في فنون العلم فخفي ذلك عمن حضرهما ،غير أن المام
يعلم ما يقولن ،حتى صار كلمهما عند جماعة من حضرهما كالصفق بين الحجر عند ألمام
وعند غيره ،فما كان بأوشك (كذا) أن غلبه المهدي .ر .أبو زكرياء يحي بن أبي بكر :كتاب
السيرة وأخبار الئمة ،تحقيق إسماعيل العربي إصدارات المكتبة الوطنية الجزائر 1399/1979
. 71 :ر .الدرجيني :الطبقات .61 -1/61
( )1/396
ومهدي النفوسة (أواخر ق )2/9من علماء الكلم هو المقوم في الجدال الذي له اليد العليا في
البرهان والستدلل .ر .الدرجيني :الطبقات 2/513واشتهر باستعانة المام عبد الوهاب به
( وهو من نفوسة) لمناظرة المعتزلة .ر .أبو زكرياء يحي بن أبي بكر :كتاب السيرة وأخبار
الئمة ص . 67ر .الدرجيني :الطبقات . 314 -2/313ر .الشماخي :السير ص .170
ر .بحاز إبراهيم :الدولة الرستمية367 -365 :
---
( )1/397
( )1/398
)3نقر العلقة التي جعلها بينهما ابن منظور في لسان العرب وهي علقة الساس بالبناء فمن
يعتبر القدر أساسا أي كان في الزل لبد أن يعتبر القضاء بناء وهو ما يحدث في الوجود بعد أن
لم يكن ،والعكس بالعكس والنتيجة في النهاية واحدة وهي العلقة بين القدر والمقدور والقضاء
والمقتضي.
وخلصة القول إن الساس المجمع عليه هو وجوب اليمان بأن القدر من ال تعالى ( )69مع
اختلفات بعد ذلك في الفهم والتأويل تتأرجح بين الجبر المطلق والحرية المطلقة.
كما يجدر أن نلحظ أن هذه التعريفات الصطلحية خرجت عن دائرة الصراع السياسي والخلقي
الذي عرفته القضية خاصة في القرن الول والثاني للهجرة /7و 8حيث كان اتخاذ المواقف
العقائدية يؤدي إلى السجن أو الى المشنقة في كثير من الحيان وكأن القضية ضربا من الترف
الفكري والجدل العقائدي لكن كل النصوص التعليمية ل تغفل عن التذكير بهذا الصل من أصول
الدين)70( .
كما أن التراث الباضي وهو جزء من التراث السلمي لم يعتبر اليمان بالقضاء والقدر مصدرا
من مصادر التواكل كما يبدو ذلك على ألسنة بعض العوام وكما يبدو في الشبهات التي تثيرها
الفلسفات الغربية عادة حول الديانات عامة وحول السلم خاصة وذلك لن هذا التراث لم يشعر
أهله بعد بما يشعر به الناس الن من تبعية الرقعة التي تدين بالسلم للقوى العالمية الخرى التي
ل تدين بالقدر وليس لنا في هذا المقام أن نحلل هذه القضية وإنما ننبه إلى أن المسلمين الذين
آمنوا بالقدر حق اليمان كانوا سادة العالم ،ولم يكونوا في آخر القافلة.
وبعد النظر في المحور الول نتدبر أمر المحور الثاني وهو الجبر والختيار.
==========================================
( ) 61عمرو بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت .202 :إسماعيل الجيطالي :شرح النونية /1
ورقة 126وجه ر .المحشي :حاشية الترتيب .1/114
( )62عبدال السدويكشي :شرح كتاب الديانات13 :
( )1/399
( )63عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 52قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.151 :
( )64وأضاف التفسير التالي ":أي علمه تعالى بانتهاء المور أي بلوغها ووصولها إلى أوقاتها
التي قدرها أي عينها لها ،وبرجوعها بعد ذلك العلم إلى ما قدرها لها من نحو موت وبعث بعده
سعادة وشقاوة ،أو إنهاؤه المر وإيصاله إياها بالتربية المحكمة إلى أوقاتها وإرجاعه إياها إلى ما
قدره لها.
عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 52قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.151 :
( )65امحمد اطفيش :الذهب الخالص بالعلم القالص .تحقيق أبي إسحاق اطفيش .ط 2دار البعث
الجزائر قسنطينة .22 : 1400/1980
_( )66القضاء يتمثل في إرادة ال الزلية المقتضية الموجودات على ترتيب خاص والقدر :تعلق
الرادة بالشياء في أوقاتها المخصوصة.
الشيخ زادة :نظم الفرائد وجمع الفوائد ط 1القاهرة .1317/22أحمد أمين :ظهر السلم .4/92
( )67القضاء ":هو المر اللهي الزلي ".الماتريدي :كتاب التوحيد 306 :القدر :هو تحديد ال
أزل كل شيء بحده الذي سيوجه به من نفع ،وما يحيط به من زمان ومكان" .بلقاسم بن حسن:
آراء الماتريدي الكلمية .315 :وهذا نص للبيجوري فيه مقارنة بين موقف الماتريدي والشاعرة
":اعلم أن الشاعرة والماتريدية اختلفوا في كل من القضاء والقدر ،فالقدر عند الشاعرة :إيجاد
الشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده تعالى ،فيرجع عندهم لصفة فعل لنه عبارة عن
اليجاد وهو من صفات الفعال.
وعند الماتريدية نتحديد ال أزل كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه من حسن وقبح ونفع وضر إلى
غير ذلك أي علمه تعالى أزل صفات المخلوقات فيرجع عندهم لصفة العلم وهي من صفات
الذات.
القضاء عند الشاعرة :إرادة ال الشياء في الزل على ما هي عليه في ما ل يزال ،فهو من
صفات الذات عندهم.
( )1/400
وعند الماتريدية :إيجاد ال الشياء مع زيادة الحكام والتقان فهو صفة فعل عندهم فالقدر حادث
والقضاء قديم عند الشاعرة ول كذلك عند الماتريدية .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد ص
.113
( )68ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 52و .53
( )69يقول أبو عمار في هذا الصدد ":وإنما عمدت إلى هذا النوع من المسائل في باب التوحيد
مع كثرة ما يدخل على القدرية من المسائل من الدلئل ليتبين للناظر أنه أصل في هذا المعنى من
أصول التوحيد الذي ل يتم إل به ،ول يقوم إل عليه" الموجز .2/28:
( )70ومن ذلك ما جاء في عقيدة عمان :وأن تؤمن بالقدر خيره وشره .ر .كوبرلي :الطروحة م
3الملحق 17 :وكذلك ما جاء عند أبي الربيع سليمان بن يخلف في كتاب التحف وندين باثبات
القدر .1/36 .وما جاء عند عامر الشماخي " وندين بأن القدر خيره وشره من ال" كتاب الديانات:
.43وقد وقف علماء المرحلة المقررة مع كتاب الديانات عند هذه القضية طويل :ر .عبدال
السدويكشي حاشية على كتاب الديانات 13 :وعمرو التلتي :حاشية على كتاب الديانات-58 :
.59
---
( )1/401
( )1/402
وقوله تعالى ( ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال) ( 18الكهف )24 -23
كما أن هذا التراث يرجع بالقضية إلى زمن الرسول عليه السلم والصحابة وأئمة المذهب ليستقي
من مواقفهم الحل المناسب.
ومن ذلك ما روي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال " :سيكون قوم في هذه المة يعملون
بالمعاصي فيقولون :هي من ال قضاء وقدر ،فإذا لقيتموهم فأعلموهم أني بريء منهم" ( )72فقال
رجل منهم :بأبي أنت وأمي يا رسول ال متى يرحم ال العباد؟ ومتى يعذبهم؟ فقال ":يرحم عباده
إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي منا ويعذب ال عباده إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي من ال قضاء
وقدر فالطاعة والمعصية هما من خلق ال ،ومن العباد عمل" (. )73
ومن ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب عندما سئل عن أفعال العباد أنه قال ":هي من ال خلق
ومن العباد فعل" (. )74
ومن ذلك ما جاء في الجامع الصحيح من كلم الربيع تعليقا على مجموعة من الحاديث في القدر
قوله (:فهذه الروايات تدل على أن ال خلق فعل العبد ة وأن العبد لم يفعله دون ال إذ قدره وعلمه
وعلم ما هو صائر إليه" (. )75
فواضح إذن من خلل هذه المواقف أنها كانت منطلق الكتساب لدى الباضية وقبل أن نتبين
مفهوم الكسب يحسن أن نورد حجج الباضية النقلية والعقلية في الرد على القائلين بالجبر وعلى
القائلين بالختيار.
ويحسن أن نلحظ هنا أننا بعد نظرنا في كل ما بين أيدينا من التراث الباضي قديمة وحديثه لم
نجد أكثر دقة وشمول من الفصول التي خصصها أبو عمار عبد الكافي في كتاب الموجز للرد
على المجبرة والقدرية فما جاء قبله كان في غاية الختصار وما جاء بعده كان عالة عليه ()76
ودونه استيفاء للقضية ولعل مرجع ذلك إلى اعتماد المتأخرين ( )77على شرح المتون مما يجعل
ما يوردون من معلومات مبعثرا هنا وهناك.
( )1/403
لذلك سنعمد إلى حوصلة هذه الحجج بقدر المكان إذ نرى أنها تصور موقف الباضية من
التجاهين المتناقضين المر الذي أدى إلى اتخاذ موقف وسط.
الحجج النقلية:
تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من النصوص القرآنية
تأويل ما اعتمده القدرية:
-1نسبة الفعال إلى العباد دون ال تعالى في قوله تعالى ( :فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) (5
المائدة .)30وقوله ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا) ( 12يوسف )18وقوله ( :وقل اعملوا فسيرى
ال عملكم ورسوله) ( 9التوبة )105وقوله ( :جزاء بما كانوا يعملون) ( 32السجدة .)17
إن في هذا ردا على الجهمية الذين ل يقولون بالختيار للعباد ول يثبتون الكتساب لهم .أما عند
الباضية فتخرج اليات من باب الكسب)78( .
-2تفسير القرآن بالقرآن :وذلك بمقارنة السياقات ببعضها.
قال تعالى في شأن تحريف اليهود للتوراة ( :يقولون هو من عند ال وما هو من عند ال) ( 3آل
عمران )78يقول المعتزلة اعتمادا على النفي إن في الية دليل على خلق النسان فعله .ويقول
أبو عمار بعد استدلله بقوله تعالى ( :فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة) (24
النور )79( )61
توضيحه أن " من عند" ل تدل على الخلق وإنما تدل على المر ما يلي:
" يريد تحريف اليهود للكتاب ليس هو من الكتاب ول من عند ال نزل ردا عليهم في قولهم :إنه
من الكتاب ومن عند ال نزل ،ولم تكن اليهود تذهب في قولهم ذلك إلى خلق ال الفعل فيكون ال
قدر عليهم في ذلك ()80
،فعبارة " من عند" ل تعني الخلق وإنما قد تعني المر كما جاء في سورة النور الية .61
( )1/404
قال تعالى ( :ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام) ( 5المائدة )81( )103يقول
القدرية إن ال نفى عن نفسه أن يكون جعل ( بمعنى خلق) شيئا من فعل المشركين والية حسب
أبي عمار يجب أن تفهم على ضوء اليتين التاليتين ( :وما خلقنا السماء والرض وما بينهما
لعبين ) ( 21النبياء )16و ( وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل) ( 38ص )27اللتين
تدلن على أن ال لم يخلق ما خلق عبثا كما يدعي أهل التكذيب بال وإنما خلقها ليحق الحق
ويبطل الباطل ( .ما خلقناهما إل بالحق) ( 44الدخان )39فكذلك مدلول آية المائدة أن ال لم
يجعل هذه النعام لن تبحر ول أن تسيب ول أن تتخذ وصيلة ول حاما كما قالوا وإنما جعلها
حمولة مأكولة (. )82
-3أل يعلم من خلق:
يرى أبو عمار أن قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور أل يعلم من
خلق) ( )83أقوى دليل على أن ما أسر العباد وما أظهروه من خلق ال تعالى ،ويؤكد على أن
فيها احتجاجا على من قالوا ل يكون الفعل مخلوقا (. )84
-4ل تخصيص لقوله تعالى (:خالق كل شيء) ()85
ومن أقوى الدلة التي أطنب فيها أبو عمار ووقع ترديدها أكثر من غيرها في بقية المصادر دللة
قوله تعالى (خالق كل شيء) و ( خلق كل شيء) ( 6النعام )101؟ حيثما وجدنا في القرآن على
المتداح والعموم رغم محاولة القدرية اعتبارها مخصصة بآيات أخرى ( ، )86ويقول أبو عمار
في آخر التحليل ":وقد امتدح عز وجل بقوله ( خالق كل شيء) بإجماع لو جاز لحد أن يقول
هي خاصة لجاز لمن يزعم أن إبليس ليس بمخلوق)87( "...
( )1/405
وعلى هذا النسق يفسر أبو عمار قوله تعالى ( وال خلقكم وما تعلمون) ( 37الصافات )96بأنه
يدل على أفعال العباد ل على الصنام كما ذهب إلى ذلك المعتزلة وكذلك بين أن في قوله عز
وجل ( خلق السماوات والرض وما بينهما) ( 25الفرقان )59دللة على أن ال خالق أفعال
العباد لنها تقع بين السماوات والرض)88( .
هذا تأويل ما اعتمده القدرية فماذا عن تأويل ما حمله الجبرية على ظاهره ()89
==========================================
( )71انظر موقف الباضية من المتشابه في ما سبق ، 271 :والمر ليس خاصة بالباضية إذ
يقول علي الشابي ":فآيات الجبر عند المعتزلة وآيات الختيار عند المجبرة من المتشابه ل حتياج
الطرفين إلى تأويلها ".المعتزلة بين الفكر والعمل :الشركة التونسية للتوزيع تونس 70 :1979
( )72غير وارد في المعجم المفهرس حسب ونسنك.
( )73المحشي :حاشية الترتيب 1/117وقد توقف عند قوله عليه السلم :أنا برئ منهم" وقد نقلنا
النص عن خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/424
( )74ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .63 -2/63ويورد المحشي عدة أقوال منسوبة إلى
المام علي :حاشية الترتيب 7/132وكذلك لبن عباس :حاشية الترتيب .7/135
( )75الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 11 -3/10عدد 802ر .المحشي :حاشية الترتيب
7/132ويشرح كما يلي ":فيه إشارة على أن فعل العبد له جهتان :جهة خلق تضاف إلى ال ،
وجهة كسب ،بحركة وسكون ،تضاف إلى العبد" .انظر ما يلي442 :
( )76أشير إلى المشارق للسالمي وإلى شرح الدعائم لمحمد اطفيش لما لهما من الهمية لكنهما
في رأيي دون تحليل الموجز من حيث الوضوح والستيعاب والتكامل
( )1/406
( )77اقصد خاصة علماء المرحلة المقررة في البحث ،ومن أدلة اعتماد هؤلء العلماء على كتاب
الموجز :ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .21 :وبهذا يبرا اعتمادنا أحيانا على
أبي عمار عبد الكافي لنه وإن لم يكن من المرحلة المقررة فإن نصوصه اعتمدت اعتمادا كليا
وخاصة إذا علمنا أن للمحشي حاشية على كتاب الموجز إل أننا لم نحصل عليها .والملحظ أننا
ل نلجأ 'إلى هذا إل عند الضرورة لستيفاء جوانب الموضوع.
( )78والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض لهذه القضية عند تتبعه لهذه اليات في حاشية
على تفسير الجللين .ر .ورقة 194وجه ورقة 310وجه ورقة 265قفا .لذلك اعتمدنا أبا عمار
عبد الكافي :الموجز .2/53
( )79ونقل يوسف المصعبي ما جاء عند البيضاوي في شأن آية آل عمران 76فقال " :أي ليس
هو نازل من عنده ،وهذا ل يقتضي أن يكون( وما هو من عند ال(قوله تعالى فعل العبد فعل ال
تعالى" .البيضاوي :أنوار التنزيل وأسرار التأويل . 1/66ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة
129وجه .ولم يتعرض المصعبي للقضية في سورة النور ورقة 618قفا.
( )80ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/54 :
( )81روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال :البحيرة التي يمنح ذرها للطواغيت فل يحلبها أحد
من الناس ،والسائبة التي يسيبونها للهتهم فل يحمل عليها شيء ،والوصيلة الناقة البكر تبكر في
أول نتاج البل لنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسمونها لطواغيتهم أن وصلت إحداها بأخرى ليس
بينهما ذكر ،والحام فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضي ضرابه ودعوه للطواغيت
وأعفوه من الحمل عليه وسموه الحامي .جلل الدين السيوطي :تفسير الجللين .دار العربية
للطباعة والنشر والتوزيع بيروت .164 :1388/1968
والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض للقضية عند تفسيره لهذه الية ر .حاشية على تفسير
الجللين 208وجه وإنما اكتفى بالستدلل على الشرح اللغوي الذي نقله الجللن عن البخاري.
( )1/407
( )82ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/55 :
( )83الملك 14 -13أن ما بين أيدينا من حاشية يوسف المصعبي على تفسير الجللين لم يصل
إلى التفسير تفسير هذه السورة.
( )84ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.60 -2/59 :
( )85وقد جاءت في النعام 102والرعد 16والزمر 62والمؤمنون .62
تدمر كل شيء بأمر(( )86مثل وأوتيت من كل( (النعام ( )44وفتحنا عليهم أبواب كل شيء(
(الحقاف ( ،)25ربها ( النمل )23يفسرها أبو عمار حسب رأي المعتزلة(.شيء
( )87أبو عمار عبد الكافي :الموجز .2/59 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 130
قفا .أما يوسف المصعبي فلم يتعرض للقضية في حاشيته على شرح الجللين .ر .ورقة 220
وجه وورقة 321وجه.
( )88ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/60 :
( )89ل يمكن استيفاء جميع اليات لذلك نكتفي ببعض النماذج المعبرة.
---
( )1/408
( )1/409
والمشيئة الخرى مشيئة في خلق الخلق وقسم الرزاق وما أراد في إنفاذ ما قد سبق عنده في
علمه من المور وما به الخلق عاملون وإليه صائرون.
ولو كانت المشيئة من أمر ال تعالى واحدة كما قالت القدرية ( )95لم يختلف على ال في ما أراد
من الخلق كما لم يختلف إرادته في خلق السماوات والرض وغير ذلك وكان العباد في أمرهم به
مطيعين كما أطاعته السماوات والرض إذا أجابتا حين قال للسماوات والرض ( ائتيا طوعا أو
كرها قالتا أتينا طائعين) ( 41فصلت ." )96( )11
بهذه الطريقة وجد الباضية مخرجا لما جاء في القرآن بصيغة المشيئة يوحي بالجبر فيميزوا بين
مشيئتين مشيئة لمر ومشيئة إرادة.
كما يحتج الجبرية بقوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) ( 81التكوير )29فيخرجها
الباضية بهذا المسلك.
" وما تشاؤون شيئا أو اتخاذ سبيل إل أن يشاء ال :إل وقت مشيئة ال لمشيئتكم...وال عز وجل
شاء كفر الكافرين وإيمان المؤمنين بل إجبار وخلق الكفر والطاعة وللكافر والمؤمن اختيار
مخلوق ل عز وجل " (. )97
فكل هذه المواقف من السياق القرآني تبعد التصور الباضي عن القول بالجبر وإن بدت في بعض
الحيان غامضة.
أما ربط الهداية والضلل بالمشيئة كما جاء في قوله تعالى ( فيضل ال من يشاء) ( 14إبراهيم
.)4
فلم يطل كل من عمر والتلتي ( )98ويوسف المصعبي ( )99الوقوف عنده وإنما اكتفيا بالحالة
على تحليل إسماعيل الجيطالي ( )100وقد عبر عن ذلك بصفة أوضح محمد اطفيش كما يلي" :
وإضلل ال خذلن وهدايته توفيق ،ول إجبار وهما أزليان ول يتخلفان" (. )101
( )1/410
كما جاء في تفسير قوله تعالى ( ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من
يشاء) ( 16النحل )93ما يلي ( :ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة) على السلم بالجبار وليس
الجبار حكمة إذ ل يمدح المجبر ول يذم فهو ل يستحق ثوابا ول عقابا أو لو شاء ال لجعلكم
على السلم باختياركم ولكن يضل من يشاء بالخذلن عن الهدى لختيار الضلل بالكسب
الختياري ،ويهدي من يشاء بالتوفيق إليه لختيار المهدي ،وكل الختيارين مخلوق ل سبحانه
ومع خلقه ل إجبار هذا مذهبنا فللعبد قدرة مؤثرة بإذن ال عز وجل مخلوقة له تعالى ول واجب
على ال عز وجل وتوفيقه لمن يشاء فضل وإحسان " (. )102
فل خلص حينئذ من قضية الجبر حسب الباضية إل عن طريق العون والخذلن ( )103مع
تحديد القدرة المؤثرة التي تجعل النسان مسؤول على كسبه.
وقد سلك الباضية نفس المسلك مع ربط الغفران والتعذيب بالمشيئة)104( .
وبعد عرضنا نماذج من الستدلل بالقرآن يحسن أن نقف عند نماذج من الحديث الشريف.
تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من نصوص الحديث الشريف
-أحاديث يحتج بها على القدرية:
)1ما جاء في لعن القدرية واعتبارهم مجوس المة :قال صلى ال عليه وسلم " :القدرية مجوس
هذه المة إن مرضوا فل تعودوهم وإن ماتوا فل تصلوا عليهم" )105( .
وما شبه هؤلء بالمجوس إل لنهم يضيفون الخلق لنفسهم بل تجاوزوا إلى أن هؤلء ل ينسبون
إلى أنفسهم إل خلق الشرور والقدرية ينسبون لنفسهم خلق الخير والشر)106( .
ويزيد صاحب التيسير تشنيعا على القدرية حيث ينقل عن علماء ما وراء النهي ":القدرية شر من
المجوس لن للمجوس آلة تعدّ والمعتزلة ل تعدّ آلهتهم لن كل فاعل عندهم خالق لفعله حتى
الدواب)107( .
)2نسبة الخلق إلى ال مع أن الفعل فعل النسان
( )1/411
-روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل " :إن ال لم يخلق شيئا أحب إليه من
العتاق" ( " )108ولم يخلق شيئا أبغض إليه من الطلق" ( . )109وقد علمنا أن العتاق والطلق
فعل العباد ")110( .
-روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قيل له " :يا رسول ال لو سعرت لنا سعرا فقال :إن ال هو
المسعر ( )111والعباد يحمدون على أن يرخصوا السعار ويذمون إذا غلوها.
-وروي عنه عليه السلم مر على جنازة رجل من النصار فقال " :اللهم نقه من الذنوب
والخطايا كما تنقي الثوب البيض من الدنس" ( . )112والعباد هم الذين يقصرون الثياب وأضاف
رسول ال ذلك إلى ال لنه المقدر لذلك المجري له على أيدي العباد (. )113
)3نسبة خلق الخير والشر إلى ال صراحة
جاء في الحديث القدسي (" :أنا ال الذي ل إله إل أنا خالق الخير والشر فطوبى لمن خلقته ليكون
الخير على يديه ،وويل لمن خلقته ليكون الشر على يديه" (. )114
)4نسبة خلق أفعال العباد إلى ال
جاء في الحديث " :خلق ال العالمين وأفعالهم" كما جاء أيضا " :خلق ال كل صانع وصنعته" (
. )115
تلك هي بعض النصوص النبوية التي يحتج بها الباضية عامة على القدرية
فماذا عن الحاديث على الجبرية؟
========================
( )90البقرة 7اكتفى يوسف المصعبي هنا بالعتناء بالجانب البلغي وبالمقارنة بين موقف
المعتزلة والشاعرة في ما يتعلق بالمجاز دون أن يشير إلى موقف الجبرية من الية .ر .حاشية
على تفسير الجللين ورقة 7وجه وقفا.
( )1/412
( )91لقد أورد يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري في شأن الية وهو "...وذلك أنهم
أرادوا بقولهم قلوبنا غلف أن ال خلق قلوبنا غلفا أي في أكنة ل يتوصل إليها شيء من الذكر
والموعظة ...كمذهب المجبرة أخزاهم ال ،فقيل لهم بل خذلها ال ومنعها اللطاف بسبب كفرهم
فصارت كالمطبوع عليها ل أن تخلق غلفا غير قابلة للذكر ول متمكنة من قبوله( ر .الكشاف
. )1/578ر .فبما(حاشية على تفسير الجللين ورقة 183قفا .وبداية الية في سورة النساء هي:
نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات ال وقتلهم النبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع (ال عليها
بكفرهم فل يؤمنون إل قليل
( )92أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/88 :
( )93لم يبلغ ما بين أيدينا من حاشية المصعبي إلى هذه السورة.
( )94ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .1:5/240
( )95القدرية الذين يثبتون القدر وجاءت مرادفة للجبرية.
( )96خميس بن سعيد الرستاقي .455-1/454
( )97امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .6/449 ،1
( )98عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 69وجه إلى ورقة 76وجه.
( )99يوسف المصعبي :حاشية على الجللين ورقة 341وجه وورقة 347وجه لم يشر إلى
القضية تماما وإنما تعرض لها في ورقة 341وجه فاكتفى بنقل شيء من كلم البضاوي.
( )100إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 152وجه إلى 167قفا .وملخص ما جاء عند
أبي نصر في النونية من بيت 45إلى بيت 57يتمثل في نفي القول بالجبر مع تبيين أن الهداية
هدايتان هداية بيان وهداية توفيق ،وأن النسان محاسب على كسبه.ر .أبو نصر فتح بن نوح
الملوشائي :النونية 5-4
( )101امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .5/458 ،1
( )102امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .5/641 ،1
( )103انظر ما يلي477 :
( )1/413
(3ال عمران )129فالغفران له بالتوفيق( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء(( )104إلى التوبة،
ويعذب من يشاء تعذيبه بالخذلن .ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .2:2/166والملحظ أن
يوسف المصعبي لم يشر إلى الية تماما .ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة 139وجه.
( )105الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد .789رواه أبو داود في سننه عن حذيفة
ولفظه ":لكل أمة مجوس ومجوس هذه المة الذين يقولون ل قدر الخ...
ومثل حديث المسند في سنن أبي داود عن أبي عمر مع لفظ وإن مرضوا فل تشهدوهم وذلك في
باب القدر من السنن ،وانكر ابن حزم صحة هذا الحديث لطريق السناد لن في سنده عن أبي
داود جعفر بن الحارث وهو مطعون فيه .وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ( مقدمة التبصير
في الدين لزاهد الكوثري )5-4 :أخذ عن تعليق عدد 9الموجز .2/62
( )106ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/117ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/62 :
( )107امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .3/114 1
( )108يعني مما رغب فيه من غير فرض.
( )109يعني مما هو دون ما نهى عنه من المعصية
( )110أبو عمار عبد الكافي :الموجز 2/63 :والملحظ أن الحدثين لم يردا عند ونسنك في
المعجم المفهرس.
( )111رواه مسلم في باب التسعير عن قتادة وحميد عن أنس ولفظه ":قال :إن ال هو
المسعر(الناس يا رسول ال غل السعر ،فسعر لنا فقال رسول ال القابض الباسط الرزاق ،وإني
لرجو أن القي ال وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ول في مال" .ر .أبو عمار الكافي:
الموجز 2/63تعليق . 8ر .الترمذي :البيوع ،72أبو داود :يبوع 50 -49 :ابن ماجة :تجارات
،27الدرامي :بيوع ،12أحمد بن حنبل . 287 ،156 ،3/85 272 -2/227ر .ونسنك :المعجم
المفهرس .2/463
( )1/414
( )112ر .البخاري :آذان ،89دعوات ،46 ،44 ،39مسلم :مساجد ،147جنائز ،867 -85
ذكر .49أبو داود :صلة .121الترمذي :دعاء 101 ،76 :النسائي :طهارة 49 .48مياه ،6
غسل ، 3افتتاح .15جنائز ،77استعاذة .26 ،18ابن ماجة :إقامة 1جنائز 23دعاء ،3
الدارمي :صلة 37أحمد بن حنبل .207 ،57 ،28 ،6/23 ،3/354 ،2/494ر .ونسنك :المعجم
المفهرس 6/544
( )113ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/63 :
( )114عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 54قفا ،وأورده الجيطالي في شرح النونية ورقة 27
ورواه عن وهب بن منبه .أما صاحب المنهج فذكر النص بطريقة أخرى قائل :ويوجد في بعض
الثار أن ال تعالى قال ":ل إله إل أنا ،خلقت الشر وقدرته ،فويل لمن خلقته للشر وقدرته على
يديه فإني ل أسأل عما أفعل وهم يسألون" خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/433ولم يرد
الحديث عند ونسنك :المعجم المفهرس ويورد أبو عمار عن وهب بن منبه على أنه نقله عن
بعض الكتب ،الموجز .2/64
( )115امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/165ولم يرد الحديثان عند ونسنك في المعجم المفهرس
ويعتبر أبو عمار النص الثاني من أقوال حذيفة بن اليمان ويورده كما يلي " :إن ال خلق كل
صانع وصنعته" ر .الموجز .2/64
---
( )1/415
( )1/416
قيل إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم ل حول ول قوة إل
بال أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ول
يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ويغمده
برحمته التي ل تخيب من تغمد بها ،وعلى هذا المعنى أمر ال المؤمنين بأن يقولوا ( :اهدنا
الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين) ( ، )120وهذا
من باب العون من ال لوليائه ،والهداية لهل دينه .وليس هذا من معنى ما ذهبتم إليه في شيء
من أنه يضطر العباد على أفعالهم ويجبرهم عليها فل يذمون ول يحمدون" (. )121
ويحسن أن نذكر هنا بتعليق الربيع على مجموعة الحاديث الواردة في القدر ( )122من ذلك قوله
صلى ال عليه وسلم " :لما خلق ال آدم عليه السلم أخرج من ظهره ذريته كالذر فأخذ مواثيقهم
وأمرهم بالسجود فأبت طائفة وأجابت طائفة ،فمن أجاب يومئذ فهم المؤمنون وهم السعداء ،ومن
أبى يومئذ فهم الكافرون وهم الشقياء" (. )123
والملحظ غالبا أنه كثيرا ما يقع استغلل ما يعتمده الجبرية للرد على القدرية والعكس بالعكس.
ويقول أبو خزر في هذا الصدد ":وذلك أنا نظرنا الى اليات التي احتجت بها المعتزلة واليات
التي احتجت بها المجبرة والمجبلة فضربنا بعضها بعض" (. )124
وتعتبر النصوص الباضية أن مرجع الخطأ لدى الفريقين اعتبارهما أن الفعل ل تكون له إل علة
واحدة والصواب أن للفعل جهتين مفترقتين إحداهما جهة خلق ل والتدبير والتقدير ،والخرى جهة
التحرك للعبد والسكون والطاعة والمعصية ،فجعلتم هاتين الجهتين المختلفتين جهة واحدة فأبطلت
المجبرة واحدة وأبطلت القدرية واحدة فضللتم بعد ذلك جميعا عن سبيل ال ضلل بعيد (. )125
( )1/417
وقبل أن نتحول إلى عرض الحجج العقلية يحسن أن نلحظ أننا جمعنا بين النصوص القرآنية
ونصوص الحديث لما رأينا بينهما من تقارب في معالجة القضية وكان يمكن أن نسلك مسلكا آخر
وهو الجمع بين القرآن والحديث هنا هناك ،كما تجدر الشارة إلى أن كثيرا من الحاديث المتعمدة
ينبغي أن تؤخذ باحتراز لن عددا منها كما نبهنا الى ذلك لم يرد ل عند الربيع في الجامع
الصحيح ول في بقية الصحاح والمساند التي اعتمدها ونسنك في المعجم المفهرس ،وقد أوردناها
من باب المانة العلمية لنها كثر ترددها في التراث الذي نحن بصدد تحليله.
ومن الحجج النقلية على القدرية والجبرية إلى الحجج العقلية؟
الحجج العقلية:
الحتجاج العقلي في الرد على القدرية:
يضع أبو عمار مقدمة يسميها مسألة الجهات ويعتبرها في غاية الهمية في حل قضية القدر":
والعلم بالجهات هو عمود هذا الباب الذي يرفع عليه سمكة وأسه الذي تقوم عليه دعائمه" ()126
.
وضبط في هذه المقدمة أن للفعل جهات كثيرة فهو محدث وطاعة ومعصية ،ويكون حسنا وقبيحا،
والساس أن له جهة خلق وهي ال ،وجهة كسب وهي للنسان.
أما المعتزلة فيعتبرون القائلين بنفي خلق أفعال العباد عن ال ثلث طوائف قبل أن يردوا عليهم:
-1طائفة تقول:الفعال والحركات كلها من الطبائع :الطبيعة.
-2والثانية تقول :أفعال الضطرار ل فاعل لها.
3ـ والثالثة تقول :كل شيء خلق ال ما عدا أفعال المكتسبين (. )127
وسنختار من بين الحجج التي اعتمدها أبو عمار ثلثا جدلية نظرية واثنتين تقومان على الصيغ
اللغوية.
أ) الحجج النظرية:
-1حجة الحركة والسكون:
ينطلق أبو عمار بطرح سؤال على القدرية الذين زعموا أن الفعال غير مخلوقة ل وهو ":هل
تخلو هذه الفعال من أن تكون حركة أو سكونا؟" وعندما يقرون أنها إما حركة أو سكون يتدرج
بهم تدريجا جدليا مزدوجا يفرض اختيار أحد موقفين:
-محدثة أو غير محدثة.
( )1/418
فإن كانت غير محدثة فقد أبطلوا وإن كانت محدثة فمن أحدثها؟ وهل تدل بحدوثها على حدوث
من حلت به ووصف بها؟
ويصل بهم في النهاية الى السؤال التالي ":من جعلها إذن تدل على حدوث ما قامت به ووصف
بها؟" فيفضي إلى جواب حتمي فل يجدون إل أن يقولوا إن ال جعل هذه الفعال من حركات
العباد وسكونهم واجتماعهم وافتراقهم دالة على حدوث أجسامهم وجعل ذلك دللة على وحدانيته
جل ثناؤه وربوبيته كما جعل سائر الفعال من الشياء كذلك كانت الشياء متساوية في وجه
الدللة على ال جل جلله (. )128
-2حجة عجز الفعال عن أن تقوم بنفسها:
يفضي الجدل إن نسبوا ذلك الى العباد الى انقلب القيم وأن يصير العصاة ممدوحين على
معاصيهم وبذلك يتحتم نسبة ذلك إلى ال تعالى فهو الذي جعل الفعال عاجزة محتاجة ملزمة
للفناء مستحيل عنها البقاء وجعلها محدثة غير قديمة كائنة بعد أن لم تكن ،وجعلها دالة على قدم
محدث جميع ذلك وثبوت ربوبيته ووحدانيته (. )129
-3رد ادعاء الشركة في الفعل بين ال والنسان:
وتعتبر هذه الحجة أقوى حجج القدرية إذ ما دام الفعل ل وللعبد وهو ل يتجزأ فهو شركة بينهما
والشركة عن ال منفية.
ويمهد أبو عمار للرد بالتمييز بين الشركة الحقيقية والمجازية ،فالشركة الحقيقية كاشتراك رجلين
في مال تجارة على قدر النسب والمجازية كتعاون رجلين على عمل ما .وفي كل الحالين ل
يجوز أن يقال إن ال شاركهما ،وإن كان المال ملك ال ( وآتوهم من مال ال الذي آتاكم) (24
النور )33في الولى ،وكان ال قواهما على التعاون في الثانية ،وذلك لختلف جهات الضافة
في الفعل ومعانيه.
فسبيل خلق ال لفعل كسبيل ملك ال المال وتقويته للرجلين.
وسبيل اختيار العبد لفعله واكتسابه كسبيل المشتركين في المال والمتعاونين على عمل.
( )1/419
فالمهم حينئذ أن أبا عمار يعتبر أن هذه المسألة التي يعتد بها المعتزلة " هي عند المبتدءين من
أهل الثبات المثبتين للقدر مسألة ساقطة ومعارضة واهية فضل عن حذاق متكلميهم" (. )130
أ?) حجتان تقومان على الصيغ اللغوية:
يعتمد المعتزلة على صيغتين هما ":لو جاز كذا...لكان كذا" و" هل ثمّ إل ال وما خلق" يفضيان
الى ضرب من المستحيل فيسعى أبو عمار إلى الرد عليهما.
)1معارضة القدرية بلو جاز:
يعتبر المعتزلة أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون من فاعلين لذلك لو جاز أن يكون الفعل
واحدا من فاعلين لجاز أن يكون حركة واحدة من متحركين وسكون واحد من ساكنين.
فيرد أبو عمار القاعدة التي انطلق منها المعتزلة ويعتبرها حكما بغير حجة ثم يعتمد على مبدأ
تعدد الجهات ليبرهن على جواز أن يكون فعل واحد من فاعلين مثل جواز إضافة اللون الى اثنين
على وجهين مختلفين أحدهما الخلق والخر الحلول .فيقال هو خلق ال حل في جسد فلن ،كذلك
بالنسبة إلى الفعل الواحد فهو من ال خلق ومن النسان كسب (. )131
)2معارضة القدرية بهل ثمّ؟
يعتبر المعتزلة ما دام ليس ثمّ إل ال وما خلق ينبغي أن تنتفي الوامر والنواهي والثواب
والعقاب.
فيرد أبو عمار بقوله ":ليس ثمّ إل ال وما خلق ل على نفي الكتساب ول يجوز إرسال الجواب
حتى يوصل بالصلة التي تبين بها الجواب" .فإن قالوا مماذا غضب ال من نفسه أو من
خلقه...قيل لهم :غضب من فعل العبد الذي هو ل خلق ول يقال غضب من خلقه.
وترجع ردود أبي عمار على كل الصيغتين الى ما قرره من لمكان تعدد الجهات المر الذي
يرفضه المعتزلة (. )132
وقبل أن نتحول الى تعريف الكسب يحسن أن نذكر حجتين عقليتين في الرد على الجبرية.
الحتجاج العقلي في الرد على الجبرية:
يعتبر الجبرية أن ال فعال ول يجوز أن يكون فعال غيره ،فلذلك ل يكون الثواب والعقاب إل
عطاء من ال ول دخل للعبد فيه.
( )1/420
يعتبر أبو عمار أن الجبرية أخطأوا من الجهة التي أخطأ منها القدرية وذلك بنسبتهم الفعل الى
جهة واحدة فنسب الجبرية الفعل إلى ال بينما نسبه القدرية إلى النسان والجواب حسب أبي عمار
واضح مما ذكر من قبل.
ومن بين الحجج التي يذكرها على الجبرية:
-1الفرق بين السّالمين وأهل الزمانات
لو كان الناس جميعا مجبرين فلم التمييز بين السالمين وأهل الزمانان ،ونحن نعلم أن ال أسقط
أمورا على أهل الزمانات وبسط لهم المعذرة ( .ليس على العمى حرج ،ول على العرج حرج،
ول على المريض حرج) ( 48الفتح )17من ذلك إسقاط القرار بالتوحيد قول على الخرس
وإبطال فرض الحج والجهاد على المقعد ،بينما أوجب ذلك على الصحاء السّالمين.
ثم يتدرج بهذا التحليل إلى اعتبار أن مثل هذا التصور دفع الملحدين إلى أن يعيبوا على ضعفه
المة فعملوا على السعي إلى إبطال التوحيد والمر والنهي (. )133
-2حجة المشيئة ()134
يعتبر الجبرية أن مشيئة ال وعلمه ل يبقيان معنى للكسب والختيار فيجيب أبو عمار" الذي
سألتمونا عنه من هذا أنه ليس في قولنا ال شاء لجميع ما يكون من الخلق عمل العباد وغيره،
وأنه عالم بجميع ذلك وليس شيء بخارج من علمه ،ول مجاوز لرادته ومشيئته مما يوجب أن
يكون ال مكرها للعالمين على أعمالهم ول جابرا لهم على ما يكون منهم من اختيارهم كما أنا
وإياكم جميعا نقول :إن ال عالم بجميع ما يحدثه في خلقه ومريد لما يقدره عليهم ،ول يكون من
ذلك إل ما علم وأورد وليس في ذلك أيضا ما يوجب أن يكون ال جل جلله مجبورا على أفعاله
في خلقه ،ول مضطرا عليها إذا كان ل يجاوز شيء من ذلك علمه ول إرادته وليس العلم
والرادة باللذين يجبران أحدا على فعل ما فعل ول بمانعين له عن فعل ما لم يفعل (." )135
( )1/421
بهذا نتبين أن الفكر الباضي يميز بين المشيئة وبين الجبر تمييزا قطعيا وبهذا يترك المجال
للختيار البشري لتتجلى الحكمة من المر والنهي والثواب والعقاب وبذلك يتميز فعل الختيار
عن حركات الضطرار.
وواضح إذن من خلل هذه الردود على المعتزلة والجبرية أن الباضية سلكوا مسلكا آخر عبروا
عنه بالكسب فمتى نشأ هذا المصطلح وما مدلوله؟
==============================
( )116ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 57وجه .ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية
ورقة 137قفا.
( )117البرادي :شفاء الحائم .نقل عن سالم العدالي :البرادي حياته وآثاره 312 :مع الملحظ
أن كل هذه الحاديث لم ترد عند ونسنك في المعجم المفهرس.
( )118أبو عمار عبد الكافي :الموجز. 87 -2/86 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة
133قفا.
فعلم ال ليس معناه الجبر وعلى هذا المعنى تحمل بقية الحاديث الواردة في هذا المعنى .وجاء
الحديث بصيغة ":الشقي من شقي في بطن أمه" .عند مسلم قدر ،3ابن ماجة مقدمة ،7ونسنك:
المعجم المفهرس .1/192
( )119البخاري :رقاق 18 :مرضى ،19مسلم :منافقين .78 .76 .75 .73 .71 :ابن ماجه:
زهد ،20الدرامي :رقاق ،24أحمد بن حنبل...256 .2/235 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس:
.4/559
( )120الفاتحة .7
( )121أبو عمار عبد الكافي :الموجز. 2/86 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 133
قفا.
( )122الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد 802انظر ما سبق 427 :يفهم أل جبر إذ
الخلق من ال والفعل من العبد.
( )123الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد .802
( )1/422
والملحظ أن المحشي ختم شرحه لهذا الحديث ولتعليق الربيع عليه بمجموعة من القوال منسوبة
إلى علي ابن أبي طالب مفادها أل جبر وأن المدار على توفيق ال تعالى .ر .المحشي :حاشية
الترتيب 135 -7/132وجاء بصيغة ":فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها "...ر .أحمد بن حنبل
272 /1ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/174و (134/ 7كلمة ميثاق).
( )124ر .أبو خرز يغل بن زلتاف :رسالة في الرد على جميع المخالفين.36 :
( )125ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/132ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/90 :
( )126أبو عمار عبد الكافي :الموجز 42 -2/41 :وقد تعرض لمثل هذه القضية في التعريفات
العامة بنفس العنوان تقريبا" في الجهات" ر .الموجز 20 -2/19ونجد صدى لهذا في المرحلة
المقررة عند المحشي :حاشية الترتيب 7/117لكنه لم يتوسع في القضية ولعل مرجع ذلك إلى
الكتفاء بما جاء عند سلف الباضية ،كما أن القضية لم تعد قائمة الذات لن البيئة التي يعايشها
الباضية أشعرية ،والطرفان يقولن بالكسب مع وجود فويرقات بسيطة.
وإتماما للفائدة سيكون منطلقنا من كتاب أبي عمار :الموجز .لنه أشبع القضية بحثا ،وعلماء
المرحلة المقررة عالة عليه خاصة في هذا الجانب من الحتجاج العقلي.
( )127ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.24 -23 /2 :
( )128ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.27 -2/26 :
( )129أبو عمار عبد الكافي :الموجز.28 -2/27 :
( )130أبو عمار عبد الكافي :الموجز :2/48 :والسبب في الخلف هو اختلف منطلق البحث
فالمعتزلة يعتبرون أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون له إل جهة واحدة ،بينما يعتبر الباضية
كما رأينا أن للفعل عدة جهات .انظر تحليل للقضية نفسها عند البرادي :فيذكر مثال البناء ،ففعله
في الترصيف ،والحجارة والطين من خلق ال تعالى فل شركة .ر .سالم العدالي ،حياته وآثاره:
.325 -321
( )131ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/36 :
( )132نفس المصدر .2/44
( )1/423
( )133وهذا ما أشرنا إليه من قبل من الشبهات التي يثيرها كثير من أهل الفلسفة حول السلم
معتبرين القضاء بمثابة ما جاء في قول القائل ( :البسيط)
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
( )134انظر ما سبق 432 :وقد كان المنطلق نقليا وخلصت النصوص إلى التمييز بين مشيئتين.
( )135أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/85 :
---
( )1/424
( )1/425
وهذا قوله جاء صريحا في ذلك ":فأخذنا من ذلك ( )7بالوسط وهو أعدل القولين وأصوبهما فنفينا
عن النسان ما ليس من فعله وأضفنا ذلك الى ال بالمعنى الذي يحسن به الضافة إليه. )8( "...
ويميز أبو خزر بوضوح بين حركة المضطر وحركة المكتسب ويثبت لحركة المكتسب وفعله
طرفين فيقول ":ونسبنا الفعل الى النسان بمعنى ما فعل ،ونسبنا الخلق إلى ال بمعنى ما خلق" (
)9ويقول أيضا ":والذي أضفنا إلى النسان من الفعل فهو كله من الجهة التي أضفنا إليه أنه
تحرك وسكن وكفر وآمن ،لم شاركه من هذه الجهة أحد .والذي يضاف إلى ال أنه خلق فعل
العباد ،فالفعل كله مخلوق ولم يشترك مع ال في خلقه أحد" (. )10
وبهذا يتضح مفهوم الكسب الصطلحي وإن لم يسلك أبو خزر في ذلك مسلكا نظريا وإنما يستفاد
ذلك كما رأينا من خلل ردوده على المعتزلة والمجبرة وضرب حجج بعضهم ببعض.
ويحسن أن نشير هنا إلى موقف من مواقف الباضية تفرد به مشائخ جبل نفوسة ( )11ولم يمح
إل بعد ظهور النونية في القرن السابع هـ /الثالث عشر م ،وهو المعبر عنه بالجبل باللم
وسكون الباء واستمرت الشارة إليه إلى يومنا هذا على سبيل الذكر فقط.
القول بالجبل:
والجبل لغة من جَبَل ال الخلق :خلقهم ويقال جبله على كذا طبعه .وفي الثر ":جبلت القلوب على
حب من أحسن إليها")12( .
( )1/426
أما في الصطلح حسب ما اتفق عليه المشائخ من أهل الجبل مثل أبي هارون الجللمي ()13
وأبي يحيى الفرسطائي ( )14وغيرهما" ( )15فهو ":ومعنى كونهم مجبولين على أفعالهم أنهم
مخلوقون على أن يفعلوا ما علم ال أنهم يفعلونه قبل أن يخلقهم ل أنهم مجبورون عليه ول دخل
لهم فيه ولو بالكتساب كما تقول الجبرية ،ومما يستدلون به على ذلك قوله تعالى ( :واتقوا ال
الذي خلقكم والجبلة الولين) ( 26الشعراء )184وقوله تعالى في الفطرة إنها الخلق ( :فاطر
السماوات والرض) ( 6النعام )14أي خالقهما وقوله ( :فطرة ال التي فطر الناس عليها) (30
الروم )30أي خلق الناس عليها وقوله في الطبع ( :بل طبع ال عليها بكفرهم) ( 4النساء )155
فالقلوب مطبوع عليها بالكفر الذي فعلوه واكتسبوه ل على ما قالت الجهمية إنهم مجبورون" ()16
.
ومن أدلتهم في الحديث قوله عليه السلم " :جبلت هذه القلوب على حب من أحسن إليها وبغض
ما أساء إليها" )17( .
أما في الدلة العقلية فهم يميزون بين هذا الجبل وما يسمونه بجبل الطبيعة ذاك أن المجبول بهذا
المعنى ينتقل من الحب الى البغض أما فعل الطبيعة فل تغير فيه فالثلج لن يتحول عن البرودة إلى
ضدها من الحرارة أبدا كما أن الجبل الطبيعي ل يجري عليه ذم ول مدح فل يقال للبيض لم
كنت أبيض؟
ومشائخ جبل نفوسة يحتجون بكل هذه الدلة على أصحابهم من أهل المغرب ( )18الذين يقولون
بالختيار ويعتبرون أن موقفهم أفضل لورود ذكره في القرآن والسنة كما ذكر بينما الختيار لم
يرد ذكره ل في القرآن ول في السنة وإنما قال تعالى ( :وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم
الخيرة من أمرهم) ( 28القصص . )19( )68
والناظر في حجج مشائخ أهل المغرب يتبين أنها الحجج التي يستدل بها على الكسب إذ ل يذهب
هؤلء إلى نفي الفعل عن ال تعالى كما يقول المعتزلة.
( )1/427
فواضح من هذا التحليل أن الخلف بين الطرفين يتمثل في نسبة القتراب من الجبر والختيار إذ
نحس أن منزلة القائلين بالجبل أقرب الى الجبر وإن لم يقل أصحابها به بينما منزلة القائلين
بالختيار أقرب الى موقف المعتزلة وإن لم تصل إلى درجتهم في تخصيص العبد بالفعل،
والموقف الذي سيغلب على الفكر الباضي هو موقف مشائخ أهل المغرب كما اتضحت معالمه
عند أبي خزر الذي أشرنا إليه من قبل ()20
======================================
( )1انظر ما سبق104 :
( )2انظر ما سبق 106 :تعليق 43
( )3ر .سرحان بن سعيد الزكوي :كتاب كشف الغمة عن :كوبرلي :الطروحة م 3الملحق:
.22
( )4أبو العباس أحمد ابن أبي بكر :كتاب مسائل التوحيد.6 :
( )5أبو زكرياء يحيى الجناوني :عقيدة نفوسة .ر .كوبرلي :الطروحة.3/22 :
( )6انظر ما يلي 453 :عرض مواقف بعض الفرق من الكسب.
( )7يشير إلى حجج المعتزلة والجبرية من القرآن الكريم.
( )8أبو خرز يغل بن زلتاف :رسالة في الرد على جميع المخالفين.37 :
( )9نفس المصدر.41 :
( )10نفس المصدر.42 :
( )11لقد ذكر الجيطالي بعضا منهم وسنعرف بهما مباشرة
( )12ر .ابن منظور :لسان العرب.
( )13أبو هارون الجللي( موسى بن يونس النفوسي) :النصف الثاني من القرن 3/9من مشاهير
فقهاء جبل نفوسة من آجللم ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي.664 :
( )14ابن يحيى بن أبي القاسم الفرسطائي .أواخر القرن 3هـ بداية 4هـ 9/و 10م فقيه إباضي
وتاجر ،دعا إلى السلم في السودان وقد أسلم ملكها على يده له مسجده في فرسطاء .ر .محمد
حسن :تحقيق سير الشماخي.670:
( )15إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 135وجه.
( )16إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 135وجه.
( )1/428
( )17لم يرد الحديث بهذه الصيغة عند ونسنك في المعجم المفهرس وأنما جاءت أحاديث أخرى
ورد فيها ذكر الجبل مثل ":وإنه يصير إلى ما جبل عليه" ر .أحمد بن حنبل .206 /4ر .ونسنك:
في المعجم المفهرس .1/318والنص من نفس المصدر السابق ورقة 134قفا.
( )18يقصد الجنوب التونسي ومنطقة الجريد وأريغ ببلد الجزائر التي تقابل تقرت حاليا.
( )19ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 134و .135
( )20انظر ما سبق 449
---
( )1/429
( )1/430
( )1/431
وجاء فيه أيضا أثناء الرد على الجهمية المجبرة ":وقال أهل الحق :إن ال قدر جميع الفعال
وخلقها ،وقضاها من فاعليها ولسنا نقول إنه جبر أحدا على ما كان منه من طاعة أو معصية ،ول
نقول إن أحدا أوتي في شيء من التقصير عن طاعة ربه من قبل ال في تقديره لما كان منه من
فعله ول قضائه ،ول علمه أنه سيكون منه ،والجبر منع واستكراه ولم نر أحدا من العاملين
للطاعة والمعصية مستكرهين على شيء من فعلهم وهم لكل ما فعلوه من ذلك مريدون ولجميع ما
أتوا من الفعل المفعول عن المتروك مختارون وإليه قاصدون فبطل بذلك قول جهم من قال بقوله
من أصناف المجبرة" (. )29
من خلل هذين النصين وقد أوردناهما على طولهما لما رأينا فيهما من احتراز وتدقيق نتبين أن
نسبة الختيار في الكسب جلية في الفكر الباضي وفي ذلك بيان للحكمة من المر والنهي،
والثواب والعقاب ،وقد جاء في كتاب السؤالت ما يلي ":ستة مبطلة للجبل والجبر مثبتة للختيار
والكتساب ":المر والنهي ،والحمد والذم ،والثواب والعقاب" (. )30
ويتضح مبدأ تبني مفهوم الكسب في القرن السابع هـ13 /م مع أبي نصر القائل في نونيته التي
ما يزال صداها الى اليوم في الوساط الباضية فهي من المتون التي تحفظ من الصغر على نغم
أشبه ما يكون بنغم المدائح(:طويل)
()31
وكذلك في القرن الثامن هـ14/م مع عامر الشماخي في كتاب الديانات حيث يقول ":وندين بأن
أفعال العباد اكتسبوها وعملوها ولم يجبروا عليها ولم يضطروا إليها" ( ، )32والملحظ أنه أورد
هذا في باب العدل لنفي الظلم عن ال ولم يذكره في باب القدر إل أنه لم يغفل في باب القدر عن
نسبة خلق أفعال العباد الى ال...":وندين بأن ال خالق أفعال العباد ومحدثها ومريدها" (. )33
( )1/432
والحاصل من النصين كما ألفنا ذلك اعتبار جهتين للفعل الواحد ،الخلق ل والكسب للنسان ،أما
الجيطالي في القرن الثامن هـ= 14م وإن بدا مدافعا عن نظرية الجبل في شرح النونية فقد غلب
(القول بالكسب) على تحاليله ومواقفه خاصة أثناء الرد على المعتزلة وقد تبنى في ذلك نصوصا
كاملة من كتاب الموجز الذي يدافع بشدة عن القول بالكسب والختيار ()34
أما القرن التاسع هـ = 15م فيتسم بهذا التحليل الموجز الذي نسبه يوسف المصعبي الى البرادي
ويتمثل في ما يلي :ما للنسان في فعله :القصد إليه ،الكتساب ،الختيار له ،التحرك ،السكون،
مطيع إن أمر ال ،عاص إن نهى ال .ما ل من فعل النسان :التقدير ،التفكير ،الرادة ،الخلق،
الحداث العلم به على ما هو عليه في كيفيته وفي حينه الذي يقع فيه" (34مكرر) .
إل أن البرادي رغم تخصيصه رسالة لتعريف مفهوم الباضية لعديد من المصطلحات فإنه لم
يضبط تعريفا للكسب.
أما القرون الثلثة التي تعنينا أكثر فقد اهتم فيها بتحليل القضية كل من عبدال السدويكشي ومحمد
ابن أبي ستة المحشي وقاسم الويراني ،ويوسف المصعبي وعمرو التلتي.
أما عبدال السدويكشي فيثبت بوضوح أن مسألة الكسب من غوامض علم الكلم ويصرح بأن
الكسب يخلص من مضيق ويتدرج الى هذه النتيجة بعد عدة تحاليل ينطلق فيها من تحديد الفعل
فيذكر في ذلك أنه " عرض يوجد مع الستطاعة" أو " ما وجد بعد عدم" ثم يبين أن الكسب تبرير
للتكليف لن ال وحده هو المنفرد بالخلق وهو أثر القدرة الحادثة وإن كانت حقيقته غير معلومة
وهنا يقرر أن القدرة الحادثة (34مكرر) تتعلق ببعض أفعال النسان كالصعود دون البعض
كالسقوط.
( )1/433
ثم يفضي به التحليل إلى تقرير ما عبر عنه باختلف الضافات وهو شبيه بما رأينا من قبل
باختلف الجهات ( )35فيقول ...":فالكسب ل يوجب وجود المقدور ولجل اتصاف الفاعل بذلك
كان مرجعا لختلف الضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن التصاف بالقبح
بالقصد والرادة قبيح بخلف خلق القبيح فإنه ل ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما اشتمل
عليهما")36( .
وبعد أن يوضح حكمة ال في الخلق حتى في ما بدا لنا خبيثا يثبت أن المر يختلف بالنسبة إلى
كسب النسان" فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل القبيح فجعلنا كسبه للقبيح بعد ورود النهي عنه قبيحا
سفها موجبا لستحقاق الذم والعقاب" (. )37
وبعد أن يرد على المعتزلة بإثباته إمكانية وقوع المقدور الواحد تحت قدرتين ( )38يقول ":لما
ثبت بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وبالضرورة أن لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال
كحركة البطش واحتجنا في التخلص من هذا المضيق الى القول بأن ال تعالى خالق والعبد
كاسب ،وتحقيقه أن صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل كسب ،وإيجاد ال الفعل عقب ذلك
الصرف خلق (. )39
ثم يختم بقوله ":وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أن نزيد في تلخيص العبارة
المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق ال وإيجاده مع ما للعبد من القدرة والختيار وإن
عبروا عن الفرق بينهما بمثل :الكسب ما وقع بآلة ،والخلق ما وقع بل آلة " (. )40
وبعد أن ميز بين الحركة الرادية والضرورية للرد على الجبرية تخلص إلى ما يلي ":ل يقال
الجبر لزم لكم حيث لم يجعلوا للعبد تأثيرا في أفعاله لنا نقول بأن الجبر المحظور هو الحسي
وأما العقلي وهو سلب الخالقية عن العبد ،فهو متوجه على جميع الفرق بل هو محض اليمان كما
أن ما أراده تعالى من العبد لبد من وقعه باختياره فإن الوجوب بالختيار هو محقق الختيار ل
مناف له" (. )41
( )1/434
( )1/435
( )24ر .أبو منصور الماتريدي :كتاب التوحيد. 257 -228 :ر .بلقاسم بن حسن :آراء
الماتريدي الكلمية.303 :
(cf. Gimaret. Theories de I acte humain en theologie musulmane, )25
ParisVrin , 1980. p61- 234, 361
( )26انظر ما سبق 240:و 354و 364
ملحظة:
ويحسن أن نشير هنا إلى ما جاء عند الشيعة والمعتزلة :أما عن الشيعة فينسب المحشي إلى جعفر
الصادق ما يلي ...:أمر بين أمرين ل جبر ول تفويض ( حاشية الترتيب ،1/117ر .محمد علي
ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي)40 :
وهؤلء يقولون بالمنزلة بين المنزلتين( يختلف المصطلح عن الستعمال العتزالي) ولهم في
ثلثة تفاسير:
-1أن للفعل الصادر عن إرادة العبد سببين بعيدا وقريبا ،فالبعيد إرادة ال والقريب إرادة العبد ،
فبالنظر إلى السبب القريب ل جبر ،وبالنظر إلى السبب البعيد ل تفويض ،فالشاعرة قصروا
نظرهم على السبب البعيد فقالوا بالجبر والمعتزلة قصروا نظرهم على السبب القريب فقالوا
بالتفويض.
-2إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه ،وباعتبار تأثير إرادة ال فيه تكوينا ،إذ
هو خالق العبد وإرادته ،وإن كان الجزء الخير للسبب الكافي إرادة العبد فهو ال فل تفويض فيه.
-3إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه ،وباعتبار إن ال أقدره على ذلك فهو
ل فل تفويض فيه" .محمد علي ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي.41 :
أما المعتزلة فل يقولون بالكسب ولكنهم يفسرون اللفظة تفسيرهم الخاص وفي ذلك يقول القاضي
عبد الجبار ":كل فعل يستجلب به نفع أو يستجلب به ضرر يدلك على ذلك هو أن العرب إذا
اعتقدوا في فعل أنه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سموه كسبا ولهذا سموا هذه الحرف
مكاسب والمحترف بها كاسبا والجوارح من الطير كواسب" شرح الصول الخمسة.364 -363 :
( )27إن ما جاء في مصادر هذا القرن( )6/12يحوم حول هذا التعريف.
( )28أبو عمار عبد الكافي :الموجز.26 -2/25 :
( )1/436
( )1/437
( )1/438
( )1/439
إن هذا العرض لنشأة فكرة الكسب وتطورها تدريجيا الى مصطلح تبين أن الفكر الباضي ظل
وفيا لموقف الئمة الول الذين أخذوا عن أصحاب الرسول عليه السلم إل أن الحداث السياسية،
وقد قلبت الوضاع في القرن الول هـ17/م من جراء أحداث الفتنة الكبرى التي أسفرت عن
معتقدين متناقضين أحدهما مواكب للدولة يفهم القدر على أنه جبر ،والثاني معارض للدولة يفهم
القدر على أنه فعل العبد فحسب ليبرهن على اغتصاب الحكم من المويين ،دفعت بالباضية إلى
إتخاذ موقف معتدل من القضية رغم معارضتهم للحكم الموي لن هذا الموقف ل يبرئ ساحة
المويين ول يتعارض مع علم ال في الزل وإرادته وتجلى ذلك صريحا على لسان الربيع ابن
حبيب الذي بين أن الخلق من ال والفعل من العبد)53( .
ومهما بدت مواقف الباضية التي ذكرنا متباينة في الظاهر من الكسب فهي لم تخرج عن هذا
النطاق ،إذ لم يقل واحد من هؤلء العلماء ل بالجبر المطلق ول بالختيار المطلق ،وحتى ما بدا
قريبا من الجبر من قول مشائخ جبل نفوسة ما قبل القرن السابع هـ13/م فقد ميزوه عن الجبر
وكذلك بالنسبة إلى مشائخ المغرب فإن قالوا بالختيار فكان ذلك من باب التعبير عن الكسب.
وإن كان التيار الجبري والعتزالي دفعا الباضية الى ضرب حجج بعضهم ببعض فإنهم وجدوا
في المدارس الشعرية والماتريدية والشيعية -الزيدية خاصة -أحسن مساندة لبلورة مفهوم
الكسب.
والملحظ أن القضية بقيت في نطاق الصراع الفكري خاصة بعد انقراض المعتزلة واندماجهم في
تيارات أخرى ولذلك ل نجد في رسائل الردود لهذه القضية أثرا ،ذلك لن المحيط الذي يتعايش
معه إباضية المغرب أشعري ويغلب عليه الطابع المالكي والكل يقول بالكسب وإن وجدت بعض
الفويرقات كما أشرنا إلى ذلك سابقا.
( )1/440
وهكذا تمضي القرون فيتبلور المفهوم شيئا فشيئا ليصاغ في متون أحيانا ومحلل أحيانا أخرى في
دراسات مستقلة ،أو في شروح لهذه المتون فتتضح ناحية التنظير ويذكر هؤلء العلماء تعاريف
للكسب تمكن من التعبير عن الفكر الباضي في القضية في قالب نظري ميسر ،لكن هذه
التعاريف مهما بلغت فإنها ل تشفي الغليل كما ذكر قاسم الويراني ،إل أنها تقرب المعنى للنسان.
والواضح من خلل هذه التعاريف أنها تجعل مفهوم الكسب عند الباضية أقرب إلى مفهوم الكسب
عند الماتريدي حيث يستركان في توسيع نسبة الختيار بينما يظل الكسب عند الشعري أقرب إلى
الجبر ،وإنك لتجد ذلك واضحا في اللفاظ المختارة للتحديد مثل الصرف ،والميل ،والترجيح،
وفي كل هذا سعى الفكر الباضي إلى أن يجعل للنسان مسؤوليته مع تأدب مع ال تعالى في
إرادته وعلمه وقدرته.
ول يمكن أن نقف عند هذا الحد إذ ارتبطت بقضية القدر والكسب قضايا أخرى ،فلنحاول أن نثبت
كيف نظر الباضية إلى هذا الرتباط.
==========================
( )43ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع.73 -70 :
( )44انظر ما سبق456 :
( )45ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين :ص ،21وقد نقل عن قاسم الويراني:
شرح النونية ،وقد ذكرنا أننا لم نتمكن من الحصول على هذا الشرح.
( )46إبراهيم اللقاني :جوهر التوحيد.104 :
( )47عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات.57 :
( )48يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.21 :
( )49عبدال السالمي :المشارق 313 :و .326
( )50عبدال السالمي :المشارق 313 :و .326
( )51عبد ال السالمي :جوهر النظام.11 :
( )52ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر .1/38
( )53انظر ما سبق427 :
---
( )1/441
( )1/442
فإن أقر المعتزلة أن الرادة صفة فعل فقد أثبت الباضية أنها صفة ذات أزلية واجبة له تعالى لن
الستكراه عن ال منفي ،ل يجوز أن يوصف به في حين من الحيان ( )2فال تعالى ما يزال
مريدا (. )3هذا في ما يتعلق بتحقيقه الرادة.
أما عن صلتها بالمر فغن أقر المعتزلة أنها عين المر فقد بين الباضية أنها غير المر ":ويقال
للمعتزلة في قولهم :إن الرادة من ال فعل يفعله وهو عين المر بالطاعة ،فإذا أحدث الرادة
لشيء فعله وإذا أحدث الرادة لليمان يأمر باليمان ،ول يجوز أن يكون يأمر بالشيء وهو غير
مريد له ،فإذا أراده أمر به ،فالرادة غير المر" (. )4
وأما عن صلتها بأفعال العباد فيحددها عند ربطها بالطاعة والمعصية.
ففي ما يتعلق بالطاعة ":فإنا ل ننكر أن يقال :إن ال أراد طاعته من عباده على معنى أمرهم بها
ودعاهم إليها" (. )5
وتصطدم الرادة بمعاصي العباد فيطرح المشكل التالي :هل أراد ال أن يعصى؟
ويجيب أبو عمار :إن كنت تريد أراد ال أن يعصى بمعنى أمر بالمعصية فل ،بل أراد ال أن
يطاع بهذا المعنى ،وإن كنت تريد أراد المعصية أي جعلها خلفا للطاعة غير مستكره على أن
تكون المعصية من العصاة والكفر من الكافرين فهذا ما نقول ،فالرادة في هذا الموضع نفي
الستكراه" (. )6
ويبين البرادي بوضوح هذا المعنى بما يلي ":إن الفائدة في قولنا ":أراد ال المعصية وشاءها ثلثة
أشياء:
-1أحدها :أراد خلقها وشاءها ل على معنى المر بها والدعاء إليها مثل ما هو في الطاعة.
-2والثاني :أراد النهي عنها والذم لها والمعاقبة عليها وجعلها مخالفة لطاعته.
-1والثالث :معنى أرادها وشاءها على نفي الستكراه عن ال عز وجل فيكون معنى أرادها
وشاءها لم يكن ال مغلوبا عليها ولم تقع من فاعلها على كره منه" (. )7
( )1/443
وبهذا التأويل للرادة يكون الرد على المعتزلة في أسئلتهم التي هي ضرب من التعجيز والموقف
الباضي في الرادة يتمثل في اللحاح على نفي الستكراه عن ال تعالى ،وكذلك في العلم نفي
الجهل عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما عن علقة الرادة بالخلق فيفصح عنها أبو عمار في رده على المعتزلة أيضا الذين يقولون :
عن الرادة لن يخلق الخلق هي خلقه له :فبين أن الرادة مغايرة للخلق ومتقدمة عليه ودليله على
ذلك قوله تعالى ( :إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) ( 16النحل . )8( )40
ويختم أبو عمار تحليله لهذه القضية بما يلي ":وهذا الذي قلنا به في الرادة هو قول الباضية
والزيدية والمرجئة والعامة وما عليه صدر السلم بنقلهم الجملة التي يتوارثونها عن الماضين من
السلف " إن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن"( تبارك ال رب العالمين) ()9
وأما في علقتها بالمراد فيقول أبو خزر ما يلي ":والذي نقول من ذلك إن الرادة مع المراد ل
قبل ول بعد ،وذلك أن الرادة علة للمراد ومحال أن تفارق العلة المعلول" ( )10ثم يميز بين إرادة
العزم ويؤكد أنها ل تكون إل مع الفعل ،وبين إرادة التمني وهي تكون ول يكون المراد لنها
ليست بعلة له.
فالرادة حينئذ صفة ذات ،وهي مغايرة للمر ،كما أنها تتخلف عن الخلق وتتقدمه ،ول ينكر
الباضية أن يريد ال المعصية لكن ل بمعنى المر بها وإنما بمعنى نفي الستكراه عن ال تعالى،
وبمعنى النهي عنها والمعاقبة عليها ،وجعلها مخالفة للمعصية ،كما يقرون أن إرادة العزم تكون
مع المراد بينهما تكون إرادة التمني ول يكون المراد.
وترتبط بهذه القضية مسألة الستطاعة.
==============================
( )1عمر التلتي :شرح النونية ورقة 70قفا .عبد العزيز الثمينيك النور193 :
( )2ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز2/73 :
( )1/444
( )3وهنا يحسن أن نذكر بان الباضية يرون أن ال ل يأمر بما ل يريد ،وذلك من باب الحكمة،
بينما يرى الشعرية إمكانية أن يأمر ال بما ل يريد ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان
ط 70 /1 2
( )4أبو عمار عبد الكافي :الموجز2/78 :
( )5أبو عمار عبد الكافي :الموجز73 /2 :
( )6نفس المصدر ، 76 :ويبين يوسف المصعبي موقف المعتزلة كما يلي " :ويقول المعتزلة :إن
المعاصي غير داخلة تحت إرادة ال تعالى لن الرادة تستلزم المر عندهم" ،حاشية على أصول
تبغورين80 :
( )7ر .سالم العدالي :البرادي :حيلته وآثاره320 :
( )8انظر ما سبق374 :
( )9أبو عمار عبد الكافي80 - 2/79 :
( )10أبو خرز يغل بن زلتاف :رسالة في الرد على جميع المخالفين55 :
---
( )1/445
( )1/446
وقد جاء تحليل يوسف المصعبي ( )15موسعا لهذه القضية وشامل لها لما جاء قبله من نصوص
خاصة عند أبي خزر وتبغورين والمحشي فماذا عن تحديد مفهوم الستطاعة؟
تحديد الستطاعة:
يعتبر الباضية أن الستطاعة هي صحة الجوارح وسلمتها من شوائب الفات ويعبرون عنها
أحيانا بالقوة ( )16ويشيرون إلى أنواع من الستطاعات مثل استطاعة المال ،واستطاعة السبيل،
واستطاعة الخلقة ( ، )17واستطاعة الفعل ،وينبهون إلى أن الجدل قائم حول استطاعة الفعل
ويشير تبغورين إلى أن معنى " يستطيع ،ويمكن ،ويفعل واحد عندنا" (. )18
صلة الستطاعة بالفعل وتكليف النسان بما ل يطاق:
بما إن المعتزلة يعتبرون الستطاعة باقية فإنهم يرون أنها سابقة للفعل بينما يلح الباضية على
أنها مع الفعل وتنتهي بانتهائه لتظهر استطاعة أخرى مع فعل آخر وهكذا ودليلهم على هذا ما
يلي:
-1دللة الفعل على القوة:
" ...إذ جومع ( )19على أن الفعل دل على القوة وأنه إذا فني الدليل فني المدلول وذلك أنه من
شأن القوة أنها ل تبقى حالين ،وكذلك الفعل ل يبقى حالين ،فكيف يكون أحدهما دليل والخر
مدلول عليه إذا لم يجتمعا" (. )20
-2وجود الفعل بزوال الفة:
" ...لما كانت الفة تمنع الفعل صحّ عندهم (الباضية) أن الفة إذا زالت وجد الفعل ،لن الفة
ضد القوة ،فالضد ثابت حتى يتأتى ضده فيزيله فاستدلوا بهذا المعنى على أن القوة مع الفعل إذا
زالت الفة التي تمنع من الفعل وإل بطلت الضداد ومناظرة الشيء بنظيره" (. )21
-3العجز عن الجمع بين فعلين في وقت واحد:
" ول يستطع العبد إل فعل ما هو فيه لنه ل يستطيع أن يخلق خلقه يستطيع بها أن يكون فاعل
تاركا ،ول مطيعا عاصيا ،ول قائما قاعدا ،ول قابضا باسطا ،ول آخذا تاركا في حال واحدة ،هذا
ما ل يصح")22( .
4ـ تأويل قوله تعالى ( :فاتقوا ال ما استطعتم) ( 64التغابن )16
( )1/447
في هذا قولن ":اتقوا ال ما استطعتم فعل شيء من الشياء وهو الذي قدمناه أن ال ل يكلف أحدا
إل مستطيعا لخذ ما كلف أو تركه ،وذلك أنه إذا أشغل قوته بما كلف لم يستطع تركه وإذا ترك
لم يستطع فعله بإشغال قوته في ترك ما كلف لنه ل يستطيع الخذ والترك جميعا.
والقول الثاني :اتقوا ال ما استطعتم ما دمتم أحياء" (. )23
-5تأويل قوله تعالى ( :ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ( 11هود )20
" وليس المعنى في هذا أنهم ل يسمعون الصوات ول يبصرون اللوان ولكن هذا سمع القبول ل
يقبلون ما دعاهم إليه النبي عليه السلم إذ شغلوا قوتهم بترك القبول لما دعاهم إليه ،وكذلك " ل
يبصرون" على معنى ل يفعلونه ،فوصفهم ال أنهم ل يستطيعون فقلنا كما قال ال عز وجل إنهم
ل يستطيعون ل لزمانه حلت بهم ول لمانع من الفعل ،وقال ال تعالى ( :وما منع الناس أن
يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول) ( 17السراء )94فكان قولهم الذي
هو فعلهم هو المانع لهم .وأجاز الناس بينهم ،وهو قول الرجل ما أستطيع أن أنظر إليك لبغضه
له ،فكان بغضه مشغل له شاغل من استعمال النظر إليه وهذا بين واضح أن يكون من أحد في
فعل شيء أنه غير مستطيع لضده لشغاله قوته بما قصد إليه وفعله ل لزمانه ول لمنع من الفعل"
(. )24
( )1/448
تلك هي أبرز الدلة التي يعتمدها الباضية في الرد على المعتزلة ليؤكدوا أن الستطاعة مع
الفعل...وهم إلى جانب هذا يردون قول الجبرية الذين يعتبرون أن الستطاعة هي المستطيع أو
هي اللت والجوارح .ويقول تبغورين في هذا الصدد ما يلي ":ومن زعم أن الستطاعة هي
المستطيع أو هي اللت والجوارح أو غير ذلك ففي إثبات العراض ( )25ما يبطل قولهم،
ويدخل عليهم ما ذكرنا من البالغ في أول أحوال بلوغه ل يخلو من أن يكون آخذا أو تاركا ،أو
متحركا أو ساكنا ،كما قلنا في صدر الكتاب فأيما قالوا من ذلك ألزمهم أن تكون إرادته
واستطاعته معه إل أن يأتوا بمحال ل يفهم ول يعقل...
والجسم عندنا وعندهم ل يخلو من حركة أو سكون باكتساب أو ضرورة وما كان باكتساب
فباستطاعته وإرادة وما كان باضطرار فبزمانه وعجز ،وهذا ل يخلو من الحياء والموات وقد
استحالت منهم الفعال والتكليف وليس فيهم الكلم ،فلما كان هذا ثبت أن الستطاعة مع الفعل
والرادة مع المراد والتقرب مع المتقرب به كما قلنا .وكذلك المر مع الفعل إما أمر به أو
تركه)26( "....
وبهذا يتجلى نزعة التوسط في رفض الموقفين.
والباضية يتفقون مع الشاعرة والماتريدية في أن الستطاعة مع الفعل ( )27وقد حرص يوسف
المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين أن يلم بالقضية من جميع جوانبها وتتجلى طرافته في
المقارنة بين النصوص والمقابلة بينها وقد جاءت استشهاداته في شرحه مكملة لما لم يتعرض إليه
تبغورين)28( .
وبقي أن نشير إلى أن هذا التراث يتلقى مع المعتزلة والماتريدية في أنه ل يجوز التكليف بما ل
يطاق وذلك بمنافاته للحكمة اللهية ( )29على عكس الشاعرة الذين يجيزون ذلك بناء على قدرة
ال المطلقة التي ل تحد (. )30
( )1/449
وخلصة القول إن ما يتعلق بالستطاعة في القرآن يعتبر من المتشابه وإن الستطاعة مع الفعل
وإنها تفنى بانتهائه وإن حكمة ال تقتضي أل يكلف النسان بما ل يطاق ،وهذا يبين أن صلة هذا
المبحث وثيقة بالكسب إذ رأينا أن من التعاريف الواردة للكسب أنه كل فعل وقع باستطاعته محدثة
مع الفعل.
وإن كانت الستطاعة مرتبطة بهذا المبحث فإننا كثيرا ما نجد أن التراث الباضي يعتمد على
معنى العصمة والعون والتوفيق والخذلن ليتخلص من المضائق المحرجة التي توحي بفكرة
الجبر.
=====================================
( )11ابن منظور الفريقي :لسان العرب .وجاء في المنهج ":الستطاعة في اللغة القدرة على
الشيء ،قال ال تعالى ]:فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا[ ( 58المجادلة .)4من لم يقدر أطعم
وزال عنه فرض الصوم لزوال اسم الستطاعة".
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/469
( )12لم نتمكن من التعريف بكهلن ،أما عن أبي أيوب فانظر 419 :تعليق 59
( )13ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين . 80 :إن مثل هذه المناظرات تنتهي
دائما بتسليم الطرف المقابل بسهولة .انظر ما سبق ص 470تعليق ( 46مناظرة أبي عبيدة مع
واصل بن عطاء).
( )14لقد كتب المام أبو اليقظان محمد بن أفلح الرستمي رسالة في الستطاعة .ر .الدريجني:
الطبقات .2/319
ويذكر البرادي أن مناظرات كانت تقوم مع المعتزلة زمن المام المذكور أعله ر .البرادي:
الجوهر 180 -179
وقد كتب أبو عمار عبد الكافي كتابا في الستطاعة ما يزال مفقودا .ر .الشماخي :السير 441
( )15يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين85 -74 :
( )16ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ،74 :وقد ذكر تبغورين تعريفات أخرى
.ر .كتاب أصول الدين .51 :التعبير بالقوة مقتبس من أبي خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع
المخالفين.
( )1/450
( )17استطاع المال :مثل القدرة على الزواج ،استطاع السبيل :بالنسبة إلى الحج استطاعة
الخلقة :ل يستطيع النسان الطيران.
( )18ر .تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين52 :
( )19نقطة اتفاق مع المعتزلة أن الفعل دليل على القوة.
( )20أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )21أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )22خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/470
( )23أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )24أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين 51 :وهذا يفسر كيف أن الكفر يشغل
الكافر عن استطاعة اليمان ،وأن اليمان يشغل المؤمن عن استطاعة الكفر.
( )25لتعريف العرض انظر ما سبق 280 :تعليق 57
( )26تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين55:
( )27ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية304 :
( )28ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين85-74 :
( )29ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/208
( )30ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية304 :
---
( )1/451
ومهما يكن هذا التفصيل فإن النتيجة واحدة ذاك أن اليمان بجميع شعبه ل يتم إل بعون ال
وتوفيقه.
ثم إلى جانب هذا تتعرض المصادر الى حقيقة الخذلن فتبين أنه" ليس بمعنى فيوصف لنه ترك
من ال للكافر إذا لم يعطه من فضله شيئا يعصمه به بل وكله إلى نفسه والوكلن في مثل هذا
ليس بشيء إذا لم يفعل ضده" (. )36
والترك من ال على وجهين :فكل ترك ليس فيه فعل ضده فليس بفعل ول شيء .وكل ترك فيه
فعل ضده فهو شيء ومثل ذلك ترك ال أن يميتك أي أحياك...هذا ليس بشيء...وذلك الترك ليس
بشيء إل صلة في الكلم وزيادة على ما وصفنا (. )37
فالخذلن حينئذ ضد العون وإن كان العون فعل والخذلن تركا.
ويبين هذا التراث في النهاية أن العون يكون للمؤمن في حال فعله اليمان والخذلن للكافر في
وقت فعله الكفر ل قبل ول بعد ( )38ول حجة لهم على ال أن يعينهم ول أن يهديهم إلى دينه بعد
أن جعل فيهم قوة يقدرون بها على فعل اليمان ومكن لهم بذلك ما يأتون من ذلك وما يتركون( .
)39
إن هذه التحاليل تثبت دائما الفرار من الجبر المطلق ومن الحرية المطلقة ول أن يعصم من يشاء
وأل يعصم من يشاء ل يسأل عما يفعل في خلقه وهم يسألون عما أوجبه عليهم.
بعد أن مررنا بسرعة على موضوع العصمة والخذلن يحسن أن ننظر في علقة الدعاء والرزق
والجل بالقدر .فإن كان الرزق محددا من ال تعالى والجل مقدرا فلماذا الدعاء؟
الدعاء :إن كان المعتزلة يرون أن الدعاء تعبير عن العبادة والخشوع فإن الباضية والشاعرة
يرون أن الدعاء من القدر وفي هذا الصدد يقول الجيطالي ":فاعلم أن القدر والطلب ل يتنافيان
فرب أمر قدر ال وصوله إليك بعد الطلب فل يصل إليك إل بطلب ،والطلب أيضا من القدر ول
فرق بين المر المطلوب وبين الطلب فإنهما مقدوران فمن هنا ثبت أنهما ل يتنافيان" (. )40
فالدعاء حينئذ باب من أبواب تيسير المطلوب ول يتنافى مع قدر ال تعالى.
( )1/453
الرزق )41( :إن ال هو الرزاق العليم فهو رازق لعباده ،وتطرح المشكلة في مستوى ما يأكله
النسان من حرام وتأتي الجابات كما يلي ":والظاهر أن الرزق هو ما ينتفع به حلل كان أو
حراما أو مكروها كما هو مذهب الشاعرة ( )42وقال تبغورين ":وقال المسلمون ومن وافقهم من
الباضية والمرجئة :من أكل الحرام فقد أكل رزقه وغذاء ولم يأكل رزقه ملكا")43( .
فالرزق حينئذ نوعان :رزق غذاء ويكون حلل أو حراما ( )44ورزق ملك ول يكون إل حلل.
كما أنه ل يأكل أحد رزق أحد .والساس في الرزق أن ال يوسع لمن يشاء ويضيق عمن يشاء
وكل ذلك من باب البتلء إلى أجل معين.
الجل :وتطرح المشكلة كما يلي :من قتل مظلوما هل مات قبل أجله أو في أجله؟
والجواب كما يقرر تبغورين" وقول المسلمين في ذلك إن الناس ل يموتون قبل آجالهم ول يأكلون
غير أرزاقهم لقول ال عز وجل ( :فقد جعل ال لكل شيء قدرا) ( 65الطلق )3يعني وقتا ل
يتقدمهم ول يتأخر عنهم كما قال ( :ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) ( 15الحجر ( . )5
)45
ويثبت هذا التراث أل اعتداد بقول المعتزلة إن من مات مظلوما مات قبل أجله.
ويثبت عبدال السالمي في النهاية أن القضية ليست من المسائل الدينية(الصولية التي يفسق بها
من خالف فيها (. )46
وبعد عرض هذه القضايا المتعلقة بالقدر ( )47لم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذه
القضية:
إن لقضية القدر طرفين يتوغل أحدهما في عالم الغيب مع علم ال وقدرته وإرادته ويمتد الطرف
الثاني في عالم الشهادة حيث تتم حركات جميع المخلوقات وسكناتها بما في ذلك النسان ويبدو
أكثرها تعقيدا.
( )1/454
والمتأمل في تاريخ البشرية يحس أن القضية انطلقت مع خلق النسان واستكبار إبليس عن
السجود لدم ،وما أن هبط الجميع إلى الرض بعضهم لبعض عدو حتى ظلوا يتجاذبون طرفي
حبل القضاء والقدر ،ول تكاد تخلو حضارة من إثارة هذه القضية سواء كانت وثنية أو قائمة على
الوحي المنزل من السماء.
وفي محيط عرف الخوض في هذه القضية انتشرت الحضارة السلمية بين العرب الذين كانوا
يقولون بالجبر وبين اليهود والنصارى ثم المجوس والهنود ،وكان التفاعل وكان الخذ والعطاء
والقبول والرفض.
ومعلوم أن منطلق هذه الحضارة الوحي القرآني والنبوي وقد جاءا طافحين بتوضيح هذه القضية
وجعلها أسا من السس التي ل يتم اليمان إل بها ،وألح النبي خاصة على أنها سر من أسرار
ال تعالى ونهى عن الخوض فيها.
لكن المسلمين لم ينتهوا عن الخوض فيها عدا الرعيل الول من الصحابة الذين غلب عليهم طابع
اليمان بما يرون من إعجاز في القرآن الكريم ،وبما يلمسون في سيرة النبي صلى ال عليه وسلم
من قدوة حسنة وفي كلمه ما يغنيهم عن الجدل والعناد.
وما أن هبت عاصفة الفتنة الكبرى حتى ثارت قضية القدر وعاد تجاذب طرفي الحبل بشدة
فأصحاب السلطان ضغطوا على طرف الغيب فجنحوا إلى القول بالجبر حتى يقنعوا الناس أنهم
يستمدون نفوذهم من ال والقوى المعارضة ضغطت على طرف عالم الشهادة بقوة واعتبرت أن
هذا النفوذ عمل بشري محض واستبداد ل دخل لعالم الغيب فيه.
( )1/455
ولم يغب الباضية عن هذا الغليان الحضاري بل كان لهم موقفهم من اللحظة الولى ورغم أنهم
من صف المعارضة ،ومواقفهم من المويين معروفة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المعتزلة ول إلى
ما جنح إليه الجبرية بل كان موقفهم مع المام جابر موقف الرسول عليه السلم ":من يهده ال فل
مضل له ومن يضلل فل هادي له" ثم إن الحتكاك الحضاري بسائر الفرق الناشئة في مدينة
البصرة حيث برزت حلقات المناظرات وتمازجي الحضارات وأثيرت القضايا العقائدية بقوة،
بحسن نية وبسوء نية ،والبصرة هي منطلق دعوة الباضية ومركزها الول ،دفع بأبي عبيدة إمام
الباضية الثاني إلى التمييز بين القدر والمقدور لتبكيت واصل بن عطاء ،وبين أن القدر من ال
والمقدور من النسان ،وإلى البراءة من بعض أتباعه الذين ولوا وجوههم شطر نزعة غيلن
الدمشقي ،وعلى هذا المسلك درج الربيع بن حبيب حيث جمع كل ما وصله من أحاديث في هذا
الموضوع في الجامع الصحيح وعلق عليها بأن الخلق من ال والفعل من العبد.
وفي هذا المحيط المتموج تولدت عن قضية القدر مسائل كثيرة أبرزها قضية الجبر والختيار أو
ما عرف بخلق الفعال بل صارت مركز الجدل بين المتكلمين وكلما أثيرت قضية القدر تتجه
النظار إلى هذه المسألة مع مسائل أخرى مثل الستطاعة والرادة والعلم.
وبحكم التطور الحضاري وأثر الفكر اليوناني الفلسفي تحول الكفر السلمي تدريجيا من طور
الجدل المتحمس الدفاعي الى طور التعقيد والتنظير وسلك الباضية نفس المسلك فنشأت التعريفات
الصطلحية وقالوا إن القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة والقدر
هو انتهاء المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها وثبت أن اللفظتين تلتقيان في الحقل الدللي
وهذا ما جعل التمييز بينهما صعبا مما أدى إلى غموض في التعريفات.
( )1/456
وما أن اعتزل الشعري المعتزلة وظهر على الناس بمقالته وإبانته وانطلق من وراء النهر
الماتريدي بلمعة وتوحيده حتى سرى في المة نبع جديد تسمى بأهل السنة صاغ صياغة جديدة
فكرا ساريا عند الناس وإن ثار على العتزال فلم يسلم من الجدل الكلمي.
والباضية على الساحة يتأملون ويقارنون بين مختلف التيارات وموقفهم ثابت فلم يذوبوا في الفكر
العتزالي رغم اللتقاء في عدة قضايا كما لم يبتلعهم هذا التيار الجديد وإن اتفقوا معه في بعض
القضايا ومن بينها قضية القضاء والقدر وما تفرع عنها من قضية خلق الفعال التي انصهرت في
القول بالكسب.
وثبت أن جذور مفهوم الكسب ترجع إلى بداية القرن الثاني 8/مع أبي عبيدة والربيع إل أن
المصطلح لم يتبلور عند الباضية إل في ما بعد فقالوا هو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل
مع الشارة إلى الترجيح والختيار.
والباضية كبقية الفرق السلمية تلمس في تراثهم إدراكهم أن قضية القدر من غوامض علم
الكلم ،وأن اللتجاء إلى تحديد جهتين للفعل الواحد ،الخلق ل ،والفعل للنسان ليس معناه
الشركة ،وإنما هو مخرج من مضيق ولذا تجد أن هذا الفكر تفاعله مع الحداث تقوى فيه نسبة
القتراب من الجبر كما جاء عند علماء جبل نفوسة القائلين بالجبل وتقوى فيه نسبة القتراب من
الختيار كما جاء ذلك عند علماء المغرب ،إل أن النزعة التي بقيت طاغية عند الباضية عامة
هي تقوية نسبة الختيار حتى يتحمل النسان مسؤوليته وتتجلى الحكمة في المر والنهي في ما
يترتب عنهما من الثواب والعقاب ،وتتميز حركات الختيار عن حركات الضطرار مع اعتقاد أن
ال تعالى خالق كل شيء وأنه على كل شيء قدير.
ويتلخص موقفهم في قولهم إن فعل العبد ل يوجد إل بخمسة:
-1إرادة ال تعالى.
-2إرادة العبد.
-3اكتساب العبد.
-4إعانة ال إن كان طاعة وخذلنه إن كان معصية
-5خلقه له في وقت الفعل ل قبله ول بعده)48( .
( )1/457
والجدير بالملحظة أن المنهج المتبع في كل هذا الخصم هو منهج علم الكلم عامة إذ يكون
المنطلق من النصوص قرآنا وسنة ثم يأتي تأويلها وفهمها حسب مقتضيات اللغة ،وملبسات
القضية ،وارتباطها بسائر الفكر الباضي وهذا يتجلى بوضوح عند ربط القضية بإرادة ال مع
اعتبارها من صفات الذات وعند تبيين أن الستطاعة مع الفعل وأن الكسب ل يتم إل بعون ال إن
كان طاعة وبخذلن ال إن كان معصية.
وقد جاء المنهج العام في تقرير القضية في التحاليل النظرية وحتى في الشروح قائما على الرد
على المعتزلة وعلى الجبرية ،وبعد استغلل حجج هذا الطرف على الطرف الثاني يستقر الموقف
الوسط ويدعم بحجج نقلية وعقلية ،فتغلب النزعة العقلية عند البعض أمثال أبي عمار والسدويكشي
وتغلب النزعة النقلية عند البعض الخر مثل ما نجد عند الجيطالي ويوسف المصعبي.
فواضح إذن أن نزعة الباضية والزيدية والشاعرة والماتريدية جاءت توفيقية دون أن تغفل عن
أن النسان مجبر في ما هو خاضع للرادة الكونية مما سموه بالضطرار وأنه مكتسب في ما يقع
تحت دائرة الختيار ويبقى ال تعالى خالق كل شيء.
وبعد هذا ندرك أن القضاء سيظل سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول النسان أن يكشف هذا
السر وسيظل النسان لهثا وراء استكشاف هذا السر عسى أن يقف أمام الغيب وجها لوجه كما
يقف أمام قضايا أخرى.
( )1/458
أما المؤمن الذي أيقن بعقله أن القرآن من ال ،وآمن بأن القدر خيره وشره من ال تعالى ،فإن هذا
القدر يتجلى له في كل حركاته وسكناته فكم من مرة يقدر أن يفعل كذا فل يتم إل ما قدر ال ،وكم
من مرة يقدر أل يفعل كذا فل يتم إل ما قدر اله كما يتجلى في ما حوله من أحداث تدفع إلى
التسليم بالقدر فهذا يسقط من الطابق السادس فل يصاب بسوء وما يكاد يستبشر بوضعه فيذهب
ليأتي لصحابه بالمشروبات تعبيرا عن الفرح حتى تدوسه سيارة تقضي عليه وهذا قطار يكاد
يدوس رجل عابرا من سكته فيتحول في تلك اللحظة عن مجراه ليصطدم بمسكن مجاور فيقضي
عليه وعلى من فيه ،وما إلى ذلك من الحداث التي يحار العقل أمامها.
ولعل من أحسن ما يمكن أن تفصل به المسألة أن تبقى قضية القدر في دائرة اليمان وأن يوضع
الفعل في دائرة الشرع وليجتهد النسان في العمل مع العلم أن كل ميسر لما خلق له.
كما أنه على النسان أل يخلط بين دائرتين ،دائرة مشيئة ال تعالى التي ل تحد ،ودائرة مشيئة
النسان المحدودة الضيقة ،وعليه أل يقيس هذه بتلك فيشتبه المر عليه ويبعد عن طريق الصواب
ومن يقارن بين المطلق والمحدود لن يصل إلى نتيجة ثابتة وسوف يبقى دائما يبحث في حندس ل
مخرج منه.
وإن تبين من خلل هذا المبحث أن النسان مسؤول فماذا عن الجزاء في الخرة أو ما عرف
بالوعد والوعيد؟
==============================
( )31ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 56وجه .انظر ما سبق 440 :تعليق 119
( )32جاء في المنهج :والعصمة هي الحراسة من مواقعة المعصية ،والقدرة على الطاعة.
والعاصم هو ال تعالى ،والمعصوم :المكلف
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/467 :
( )33والنص ليوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين78:
( )34ر .نفس المصدر والصفحة.
( )35ر .نفس المصدر والصفحة.
( )1/459
( )36تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين .59:وتناقش المصادر القضية من جانب
آخر وهو إمكانية إطلق السماء على غير شيء ،ويحتج الباضية لمكان ذلك باطلق السماء
على الزل والعدم والمحال وإن لم يكن واحدا منها موجودا ويعتمدون في ذلك على أن السماء ل
يشترط في التسمية بها وجود مسمياتها .ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.89 :
ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 78وجه .ر .يوسف عبد العزيز الثميني :النور-209 :
. 210ر .المحشي :حاشية على قواعد السلم16 :
( )37وقد وقع اللحاح على هذه القضية أنها تختلف عن موقف الشاعرة الذين يقولون" إن
الخذلن هو خلق قدرة المعصية في العبد" .ر .أبو الحسن الشعري :الباتة 153:حيث يقول أثناء
الرد على المعتزلة " فل بد لهم أن يثبتوا لهم الخذلن للكفر الذي خلقه ال فيهم".
( )38لنه لو كان قبل لكان حجة للعبد على ال يوم القيامة ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج
1/468
( )39ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.86 :
( )40إسماعيل الجيطالي :كتاب قواعد السلم 1/31
( " )41الرزق بكسر الراء بمعنى المرزوق ،وهو ما ساقه ال تعالى إلى النسان لينتفع به سواء
كان بملكه أو بدون ملكه بأن كان ملكا للغير فظلمه إياه وانتفع به ،سواء كان مما يؤكل أو مما
يلبس أو يتقى به من الحر والبرد أو نحو ذلك ،كان المنتفع به عاقل أو غير عاقل ،وهذا مذهبنا
ومذهب جمهور الشاعرة ...وفي هذا اختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الرزق هو ما يملك
ل ما ينتفع به مطلقا" .ر عبدال السالمي :المشارق.268 :
( )42لقد بين أبو الحسن الشعري أن من أكل حراما فقد أكل رزقه وميز بين رزق التغذية
ورزق التمليك .ر .البانة ط دمشق -بيروت152 -151 :
( )43تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين. 74 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على
أصول تبغورين118:
( )1/460
( )44وقد يكون شبهة كما ذكر عبدال السالمي ":والشبهة أن يتجاذب الشيء أصلن أصل يحله،
وأصل يحرمه ول مرجح لواحد منهما ،والواجب فيه التوقف" المشارق269 :
( )45تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين. 76 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على
أصول تبغورين.125 -124:
ر .إبراهيم اللقاني :جوهرة التوحيد مع الشرح191:
وموقف الباضية هو موقف الشاعرة .ر .أبو الحسن الشعري :الباتة. 150 :ر .إبراهيم
اللقاني :جوهرة التوحيد مع الشرح .160 :وفي ذلك يقول عبدال السالمي ":كل من مات وفارقت
روحه جسده بأي سبب كان أو بل سبب فهو ميت بأجله ...هذا مذهبنا ومذهب الشاعرة.
المشارق266 :
( )46ر .عبد ال السالمي :المشارق267:
( )47وقد وقفنا عندها بشيء من الختصار لستيفاء المعنى لن كل قضية منها يمكن أن تفرد
ببحث موسع.
( )48ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم .1/183
---
( )1/461
( )1/462
( )1/463
فالسماء الدينية مثل اليمان ،والكفر ،والشرك والسلم ،والدّين ،والبّر ،والحسان ،والنفاق
والفسق والكبيرة والصغيرة .فهذه أسماء جعلت أساسا للشريعة وعلق إليها الثواب والعقاب
والحدود والولية والبراءة ،لم تكن العرب تعرفها قبل ورود الشرع بها ،ول تتخاطب بها على
هذه الصفة حتى أوقفهم الشرع عليها ،وخاطبهم بها ...وجميع المعارف وأصول الديانات متعلقة
بهذه السماء راجعة إليها.
...وأكثر اختلفات المة إنما جاء من قبل هذه السماء الدينية)6( "...
فماذا حينئذ عن هذه السماء الدينية؟
حقيقة اليمان )7( :
إن تعايش المسلمون الول مع هذه الكلمة بصفاء تام إذ هي التي حولتهم من ظلمات الجاهلية إلى
نور السلم ( ، )8فإن من جاء بعدهم ،وبعد ظهور الفتن يقول لمن يدعي اليمان رويدك ،أامنت
بقلبك ،أم بلسانك ،أم بهاما معا؟ وهل اعتبرت العمل من اليمان أم ل؟ وحسب الجواب يوضع
المسؤول في زمرة فرقة من الفرق .وتتفق كتب الفرق والصول على ما لخصه ابن حزم في ما
يلي ":قال أبو محمد :اختلفت الناس في ماهية اليمان -:فذهب قوم إلى أن اليمان إنما هو معرفة
ال تعالى بالقلب فقط ،وإن ظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته ،فإذا
عف ال تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة ،وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي
الحسن الشعري البصري ( )9وأصحابهما.
-وذهب قوم إلى أن اليمان بال هو إقرار باللسان وان اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن
من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السيجستاني وأصحابه.
-وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج ( )10إلى أن
اليمان هو المعرفة بالقلب بالدّين والقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل
خير فرض كان أم نافلة فهي إيمان ،وكلما ازداد النسان خير ازداد إيمانه وكلما عصى نقص
إيمانه " ( )11فتتلخص المواقف حينئذ في أربعة:
)1اليمان بالقلب فقط.
( )1/464
( )1/465
وفي نطاق الرد على المرجئة والجهمية والكرامية الذين يعتبرون أن اليمان بسيط يثبت الباضية
أنه مركب وفي ذلك يقول المحشي:واليمان عندنا مركب من القول والعمل كما هو معلوم .قال
الشيخ أبو نصر (:طويل)
()22
وجاءت الشارة الى هذا المعنى في حواش شرح الجهالت كما يلي ":وأجزاء اليمان أكثر من
أجزاء التوحيد" (. )23
وقد عالج هذه القضية أبو خزر من قبل فقال مستدرجا المرجئة ":نسأل المرجئة عن اليمان ما
هو؟ فإن قالوا :هو القرار فقد أبطلوا أن تكون معرفة ال إيمانا ،يقال لهم أخبرونا عن هذا
القرار ما هو؟ فإن قالوا :هو القرار ،فقد طلبوا أن تكون معرفة ال إيمانا يقال لهم أخبرونا عن
هذا القرار ما هو؟ فإن قالوا :هو القرار أن ال واحد ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ،ما
جاء به حق ،يقال لهم :هذه ثلث خصلت بعضها غير بعض ،القرار بال غير القرار بأن
محمدا رسول ال غير القرار بما جاء به حق ،لنه يقر بهذا من ينكر هذا يقر بال أنه واحد من
أنكر أن يكون محمد رسول ال .فإن قال :القرار بال إيمان أبطل أن يكون القرار بمحمد
إيمانا .وكذلك بما جاء به حق غير القرار بأن محمدا رسول ال فإذا جاز عندكم أن يكون اليمان
ثلث خصال لم ل يجوز لغيركم أن يجعله أربع خصال أو أكثر فيجعل الصلة والزكاة وغير ذلك
من الفرائض من اليمان .إذ أقررتم أن اليمان خصال" (. )24
========================================
( )1انظر ما سبق.95:
( )2أنظر :تعريف المؤمن والكافر والمنافق والمشرك508 -474 :
( )3انظر ما سبق35 :و 36
( )4انظر ما سبق35 :و 36
( )5انظر ما سبق25 -24 :
( )6البرادي :رسالة الحقائق45-44 :
ويختلف هذا التقسيم عن تقسيم المعتزلة مثل إذ يقسمونها إلى شرعي وعرفي ولغوي .وعند
التأمل ندرك أن ما اعتبره المعتزلة شرعيا يشمل الديني والشرعي عند الباضية :ر .القاضي
عبد الجبار :الصول الخمسة. 710 :
( )1/466
( )7ملحظة :إن الباضية يعتبرون ":أن الدين والسلم واليمان تصدق شرعا على شيء
واحد ،وإن اختلف مفهوماتها" .ر .أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد .34وهذا يحتاج إلى
مبحث موسع يتجاوز حدود هذه التوطئة.
( )8قال النبي eلحارثة :كيف أصبحت يا حارثة؟ قال :مؤمنا؟ قال :فما حقيقة إيمانك ؟ قال:
عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها ،وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ،وكأني
أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون ،وكأني أسمع عواء أهل النار .فقال له رسول ال : eشهيدا
سعيدا" .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/576لم يرد عند ونسنك
( )9الحقيقة أن الشعري يقول في البانة غير ذلك ":وندين أن اليمان قول وعمل يزيد
وينقص "...البانة ط 24 :1981
( )10مع العلم أن ابن حزم يحشر الباضية مع الخوارج
( )11ابن حزم :الفصل .189 -3/188
جاء مثل هذا التحليل عند :عمروس بن فتح :الدينونة الصافية5 :و .7أبي عمار عبد الكافي:
الموجز .104 -2/90السالمي :المشارق .332-331 :امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط :2
.201اليجي :المواقف 454 /2مع شرح الجرجاني واخترنا نص ابن حزم لوضوح المنهجي.
( )12ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع. 87 ،84 ،54 ،52 :ر .مجموعة من المحشين:
حاشية على شرح كتاب الجهالت .58 -56ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد . 128 .33
الرد على صولة الغدامسي .38 -29
( )13ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد 38و .128الرد على صولة 38 -29 :
( )14ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع87 :
( )15أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي29:
( )16المصدر السابق35 :
))17ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي37 :
المحشي :حاشية على كتاب الوضع .44:عمر أبو ستة المجموع المعول21 :
( )1/467
( )18أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد 33:والملحظ أن صيغة اليمان في القرآن الكريم
جاءت دالة تارة على التصديق ،وتارة عليه وعلى غيره من العمل والقرار ،وتارة على غيره.
امحمد اطفيش :شرح مقدمة التوحيد ط .201 :2
ملحظة :يحسن أن نعرف بمفهوم اليمان عند الشاعرة والمعتزلة وفي ذلك يقول البيجوري":
وهذا شرط كمال على المختار عند أهل السنة ،فمن أتى بالعمل فقد حصل الكمال ،ومن تركه فهو
مؤمن لكنه فوت على نفسه الكمال إذا لم يكن مع ذلك انحلل ،أو عناد للشارع ،أو شك في
مشروعيته وإل فهو كافر في ما علم من الدين بالضرورة.
وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطرا من اليمان لنهم يقولن بأنه العمل والنطق والعتقاد".
شرح جوهرة التوحيد45 :
ويلخص القاضي عبد الجبار مواقف المعتزلة من اليمان كما يلي ":وجملة ذلك أن اليمان عند
أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات والفرائض دون النوافل ،واجتناب المقبحات .وعند
أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات ،وهو الصحيح من
المذهب الذي اختاره قاضي القضاة :الصول الخمسة.707 :
انظر في هذا الشأن أيضا :اليجي :المواقف 2/454ر .القاضي عبد الجبار الصول الخمسة:
705
( )19ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد33:
( )20البرادي :رسالة الحقائق37 :
( )21امحمد اطفيش :شرح مقدمة التوحيد ط 199 :2
( )22أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية .البيتان 7 :98 ،97
ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع9:
( )23مجموعة من المحشين :حواش على كتاب الجهالت68:
( )24أبو خرز :الرد على جميع المخالفين57 -56 :
---
( )1/468
( )1/469
وقيل :كل طاعة فهي من اليمان ول يقال كل طاعة ل هي إيمان وليس كل طاعة ل إيمانا لن
فيها الوسائل وترك الوسائل ل يكفر واليمان إذا ترك كان تركه كفرا (. )34
والمهم في إلحاح الباضية على اعتبار العمال الواجبة من اليمان وأن الخلل بشيء منها يفسد
اليمان كله ،وهذا موقف من الصرامة بمكان كان له الثر الفعال في البعد الحضاري لهذه القضية
لدى الباضية (. )35
ثم إلى جانب هذا طرحت قضية الزيادة والنقصان وللباضية فيها ثلثة مواقف:
)1اليمان يزيد وينقص.
)2اليمان يزيد ول نقول ينقص وإنما يقال يضعف.
)3اليمان يزيد ول ينقص.
وتذكر المصادر عادة المواقف الثلثة .أما عن الموقف الول فيقول أبو عمار عبد الكافي ":وقال
عز وجل( :فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) ( 9التوبة )124أي يعملون بما في السورة من
الفرائض فيزدادوا بذلك إيمانا ،وقال( :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا
مع إيمانهم) ( 48الفتح )4فهؤلء قوم مؤمنون مستكملون اليمان قد أخبر ال عنهم أنهم مع ذلك
يزدادوا إيمانا مع إيمانهم فدل ذلك على أن اليمان خصائل كثيرة تزداد وتنقص" (. )36
ويستدل لذلك صاحب المنهج بحديث للرسول عليه السلم وبأثر لعلي ابن أبي طالب فيقول" :
وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال " :اليمان يزيد وينقص" ( )37وذلك بتأثير
الطاعات في القلب .وقال علي ابن أبي طالب " :إن اليمان يبدو لمعة بيضاء في القلب فإذا عمل
العبد بالطاعات الصالحات نمت وزادت حتى يبيض القلب كله)38( "...
وفي هذا المعنى يقول أبو مهدي ":واليمان يزداد وينقص وخصاله محدودة" ( )39وإلى مثل هذا
الرأي ذهب أبو حزر بعد الرد على المرجئة حيث أثبت أن اليمان خصال فقال ":إن اليمان
يزداد وينقص")40( .
( )1/470
أما الموقف الثاني :فتنسبه المصادر العمانية إلى أبي سعيد الكدمي وهو في الحقيقة نوع من
التحري في اختيار العبارة ،ومواكبة للموقف العام القائل بأن اليمان كل إذا انتقص جزء منه فسد
كله ،وهذا ما ينقله عنه صاحب المنهج ":وقال أبو سعيد رحمه ال :اليمان يزيد ول ينقص لنه
إذا انتقص منه شيء بطل كله ،ويقال إن اليمان يضعف ول ينقص (. )41
أما صاحب القاموس فيضيف ":ول يلحقه اسم النقصان هكذا في قول أصحابنا" (. )42
أما الموقف الثالث :ويبدوا أنه الراجح عند المشارقة فيحلله أحمد الخليلي في تعليقه على قول
السالمي ":في وجهة (اليمان) الشرعي ليس بنقس" ،فيقول ":ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن
اليمان يزيد ول ينقص ،وهذا المذهب إذ تؤمل له أصالته في العقيدة سواء حملنا اليمان على
حقيقته اللغوية أو حقيقته الشرعية .فإن حمل على حقيقته اللغوية وهو التصديق الذي هو قاعدة
اليمان تجلت صحة هذا المذهب من حيث إن أول واجب يخاطب به النسان التيان بالجملة التي
كان يدعو إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي تتألف من كليات تنطوي تحتها جزئيات
اليمان العتقادي ،ول يلزمه أن يعتقد شيئا من تفاصيلها التي لم تقم بها الحجة عليه ،فإذا قامت
عليه بشيء من هذه الجزئيات وجب اعتقاده ،وتصبح بذلك دائرة اليمان أوسع من ذي قبل ،فإن
معرفة الشيء إجمال تختلف عن معرفته تفصيل ول يمكن أن يرجع النسان من العلم إلى الجهل،
وعليه فإن إنكار شيء مما قامت عليه الحجة في تفسيرها إما أن يؤدي إلى الشرك وإما إلى كفر
النعمة وكل منهما مناف لليمان.
( )1/471
وإن حمل على معناه الشرعي الذي يستمل العتقاد والقول والعمل ،جلت صحة هذا المذهب حيث
إن أول ما يتعبد به النسان العتقاد ،وإذا اعتقد ما لزمه اعتقاده ولم يحضره فرض قولي أو
عملي كان مؤمنا كان كامل اليمان ،وإذا وجب عليه شيء من القوال أو الفعال وأداه كما وجب
عليه ازداد إيمانه ،وإذا أخل بهذا الواجب إنهدم إيمانه كله وال أعلم" )43( .
وينبه السالمي إلى أن القاعدة تتعلق بالشخص الواحد دون المقارنة بين شخص وآخر إذ اليمان
بهذا العتبار متفاوت (. )44
كما يعتبر أن تسمية ما رفع من الواجبات على النساء نقصانا من باب الخلف اللفظي (. )45
إن المتأمل في هذه المواقف الثلثة يتبين أن الول اعتمد على المنطق في تقرير النقصان إذ كل
ما يزيد ينقص إل أن الموقفين الخرين تبنيا ما هو أقرب إلى أسس الباضية في اليمان وتحري
الكدمي في العبارة يبدو أسلم إذ الضعف يختلف عن النقص ،لن الطاعة تبقى قائمة مع الضعف
فل ينهدم اليمان ،أما مع النقص فإن الطاعة تنهدم فيخشى من ذلك انهدام اليمان ،ومعلوم أن
النسان يستحيل عليه أن يأتي بالطاعات دائما على الوجه الكمل إذ تعتريه حالت ضعف
وحالت قوة.
والتأمل في هذه النقطة يبدو في الظاهر كأنه من ترف القول ،لكن ارتباطها خاصة بالعمل يعطيها
بعدا حضاريا يجعل المؤمن يسعى إلى المزيد من الطاعات والجادة فيها حتى يقترب من مصاف
الصديقين والشهداء والصالحين والنبياء ،وبمثل هذا التنافس في طلب الزيادة والخشية من
النقصان يصلح المجتمع ،وهذا له بعد حضاري في الحفاظ على توازن المجتمع الخلقي إذ المر
بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات.
والملحظ أن الباضية لم يشيروا إلى قضية تعليق اليمان بالمشيئة لكن كانوا يتحرون الجواب
عندما يطرح عليهم السؤال التالي ":أمؤمن أنت"؟
( )1/472
ويقول صاحب المنهج في ذلك ":ومن سئل عن اليمان -وهو مؤمن -فقيل له :أمؤمن أنت؟ فإنه
يقول :إن كنت تريد أني من أهل القرار باليمان فنعم أنا مقر باليمان وبجميع أحكامه ،وإن كنت
تريد باليمان اليمان الحقيقي الذي قال ال تعالى فيه ( :أولئك هم المؤمنون حقا) ( 8النفال )4
علم لي في ذلك ،وعلمه عند ال" (. )46
ثم يقول بعد تحليله للقضية ":فل يجوز لحد أن يقول أنا مؤمن حقا ،ول يكون هذا من الشك في
اليمان ،ول يجوز لحد أن يقول :إنه من أهل الجنة ،لن ذلك من تكلف علم الغيب الذي لم
يجعله ال لحد من عباده إل النبياء والمرسلين" (. )47
ومعلوم أن هذه القضية أثارت نقاشا طويل في الوساط السلمية من وقت مبكر ،إذ يرجعها
القائلون بها إلى ابن مسعود وفي ذلك يقول ابن حزم ":واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن
فروينا عن ابن مسعود وجماعة من الفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك فكان يقول :أنا
مؤمن إن شاء ال" (. )48
وينسب شارح جوهرة التوحيد أبياتا إلى بعض الفاضل تحوصل الخلف في هذه القضية فيقول:
(رجز)
()49
ومار الخلف بين النزعتين في النظر إلى اليمان الحالي أو اليمان في المستقبل ،فأما من نظر
إلى اليمان الحالي فلم يجز الستثناء لن ذلك يوحي بالشك في اليمان ،وأما من نظر إلى اليمان
في المستقبل وإمكانية بقائه إلى النهاية ،وإمكانية زواله قبل الموت ،فقد أجاز الستثناء لن فيه
تفويضا إلى ال تعالى ،والساس في النهاية هو ما قال به الغزالي وهو التعليق بالمشيئة للتبرك
لن النسان ل يعلم خاتمة أمره ،والمدار على الخواتم)50( .
( )1/473
ويذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا بالنسبة إلى من يعلم من نفسه أنه مؤمن فيقول ":فواجب عليه
أن يقول إنه مؤمن مسلم قطعا عند ال تعالى في وقتي هذا ،ول فرق في قوله أنا مؤمن مسلم،
وبين قوله أنا أسود أو أنا أبيض وهكذا سائر صفاته التي ل يشك فيها ،وليس هذا من باب
المتداح والعجب في شيء" (. )51
إل أنه ل يغفل في نهاية الفصل عن التنبيه إلى تفويض أمر المستقبل إلى ال إذ ( وما تدري نفس
ماذا تكسب غدا" ( 31لقمان .)34
هذا في ما يتعلق بقضية الستثناء فماذا عما بقي من ملحظات عن تعريف اليمان وما يترتب
على التوقية في الدنيا والخرة؟
==================================
( )25البقرة ]:143وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على
عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرءوف
رحيم[
( )26ر .البخاري :إيمان .3 :أبو داود :سنة 14الترمذ ي :إيمان . 6:النسائي :إيمان .16 :ابن
ماجة :مقدمة.9 :أحمد بن حنبل .445 .414 .2/379ر . .ونسنك :المعجم المفهرس 1/109
( )27ر .مسلم :إيمان .58 ،57 :البخاري :إيمان .3 :أبو داود :سنة 14النسائي :إيمان.16 :
ابن ماجة :مقدمة.9 :أحمد بن حنبل 442 .2/414ر .ونسنك :المعجم المفهرس 3/133
( )28لم يرد في معجم ونسنك.
( )29ر .أحمد بن حنبل. 251 ،210 ،154 ،3/135:ر .ونسنك :المعجم المفهرس 120 /1
( )30النسائي :إيمان .1الزكاة .49الدارمي :صلة .135 :رقاق 28:أحمد بن حنبل.2/2589 :
.3/412ر .ونسنك :المعجم المفهرس3/166 :
( )31أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.36 -35:ر .امحمد اطفيش :شرح عقيدة
التوحيد ط 203 -201 2
( )32ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي35:
( )33السالمي :المشارق333 :
( )34ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/57
( )35انظر ما يلي753 :
( )36أبو عمار عبد الكافي :الموجز 98 -97 /2
( )1/474
( )37ر .ابن ماجة :مقدمة . 9ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/371
( )38خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 1/569ر .ابن حزم :الفصل .3/194يبين أنه يزيد
وينقص حتى في التصديق حسب المتعلق إذ تصديق الرسل ليس كتصديق عامة الناس.
أما عن موقف الشاعرة فتأمل ما جاء عند البيجوري ":فتلخص أن القسام ثلثة:
-1يزيد وينقص :وهو إيمان المة إنسا وجنا.
-2ل يزيد ول ينقص :وهو إيمان الملئكة على المشهور.
-3يزيد ول ينقص :وهو إيمان النبياء
وبعد أن بين الحجج العقلية عند القائلين إنه يزد وينقص ذكر أن أبا حنيفة يعتبر أنه ل يزيد ول
ينقص.
أما الخطاب فيبين أنه يزيد ول ينقص حيث قال ":اليمان الكامل ثلثة أمور :قول وهو ل يزيد
ول ينقص ،وعمل هو يزيد وينقص ،واعتقاد وهو يزيد ول ينقص.
ويختم بقوله :إن اليمان يزيد وينقص كما هو التحقيق" .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد -50
.51
)39أبو مهدي :رسالة إلى عمان86 :
( )40أبو خرز :الرد على جميع المخالفين631 :
( )41خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/574
( )42جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة6/47 :
( )43أحمد الخليلي :تعليق . 1ر .السالمي :المشارق 334
( )44ر .عبدال السالمي :المشارق 335-334
( )45نفس المصدر335 :
( )46خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 575 /1
( )47خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/576
( )48ابن حزم الفصل227 /3 :
( )49البيجوري :شرح جوهرة التوحيد103 :
( )50ر .تعليق محمد الطالبي :فصل الرجاء ،دراسات في تاريخ إفريقية 372 .عدد 1
( )51ابن حزم الفصل228 /3 :
---
( )1/475
( )1/476
ويحلل الجيطالي المعنى كما يلي ":البيت الثاني يقول من مات على غير الوفاء بجميع الفرائض،
وترك جميع الكبائر ،فمصيره إلى النار والبوار ،فإن قال القائل :كيف أبطلتم جميع طاعات العبد
بترك خصلة واحدة؟ قيل له(:أوف بعهدكم) إن الثواب متعلق بالوفاء بجميع الدين ،كما قال ال
تعالى ( :وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) ( 2البقرة )40فمن لم يوف بعهد ال فل عهد له ،ولن
الثواب فضل من ال تعالى من غير وجوب ول إيجاب لنه المالك القهار.
وأما في جوده وكرمه فنعم ،فكما قال ال تعالى ( :وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ( 30الروم
،)47وله على عباده المر والنهي ،فإن انزاحوا عن محارمه وامتثلوا أوامره ،كان لهم عليه
الوفاء فضل وكرما ،فإن تركوا خصلة منها كان عليهم العقاب فضل عن الثواب" (. )57
هكذا يتضح أن في موقف الباضية صرامة ل تصل إلى ما ينسب إلى الصفرية والزارقة من
شدة تتمثل في نفي عمن لم يهاجر إليهم ،وتبعد بهم عن انحلل المرجئة الذين دفعوا المة
السلمية إلى الستهانة بالعمل أمرا ونهيا.
ومن هنا يتضح البعد الحضاري لهذا التصور الذي لم يتزحزح عنه الباضية العارفون بعقيدتهم
إلى يومنا هذا ،ولن تتكامل الصورة إل بعد معرفة موقفهم من حقيقة الكفر.
ولعله يحسن ،قبل أن نتحول إلى ذلك ،أن نذكر ما يترتب على اليمان ،وهو كما تبينا اعتقاد
وقول وعمل ل يتحقق إل إذا تكاملت أجزاؤه فإنه يزداد ويضعف ويقابله الشرك من حيث هو
توحيد ،وكفر النعم من حيث هو عمل ،قد يكون عن اجتهاد وقد يكون عن تقليد في الدنيا والخرة"
(. )58
أما في الدنيا فيلخص ذلك شارح النونية كما يلي ":ولية الموفى منهم بالدين وحبه وطلب الغفران
له ونصيحته وإعانته على البر والتقوى ،وترك ضره وبغضه واغتيابه ،وغير ذلك من حقوقه
الواجبة له ظاهرا وباطنا.
وأما في الخرة فقد وعد ال تعالى بأن يفي بوعده أل وهو جنة النعيم.
وبعد تعريف اليمان فلنعرف الكفر.
حقيقة الكفر:
( )1/477
رأينا في الباب الول عند الحديث عن افتراق المة كيف أن مختلف الفرق تسم بعضها البعض
بسمة الكفر ،وتتأرجح المواقف في ذلك بين طرفين متناقضين ،طرف من عرفوا بالخوارج هؤلء
الذين تروي عنهم مصادر الفرق الخرى أنهم يعتبرون كل من خالفهم كافرا مشركا ،وإن صلى
وصام ،وطرف عرفوا بأهل الرجاء هؤلء الذين اشتهروا بقولتهم ":ل تضر مع اليمان
معصية" .بين هؤلء وأولئك تتنزل جميع الفرق السلمية ،فما هي منزلة الباضية في هذا
الخصم؟ وما هو مفهوم الكفر عندهم؟ وما هو حكم الكافر في الدنيا والخرة؟
لقد تبرأ عبدال بن إباض إمام الباضية من اللحظة الولى من نافع بن الزرق ،وميز بين كفر
الشرك وبين كفر النعم ،واستمر هذا الموقف إلى يومنا هذا إل أن بقية الفرق لم تنتبه إلى هذا
التمييز بوضوح لنها تحشر الباضية في زمرة الخوارج فماذا عن كفر النعم؟
أ?) الباضية وكفر النعم؟
إن هذا الموقف تأصل من وقت مبكر مع الئمة الول ،ويتضح ذلك خاصة في ما جمعه الربيع
بن حبيب في الجامع الصحيح من أحاديث جاءت بعنوان ":الحجة على من قال إن أهل الكبائر
ليسوا بكافرين" (. )59
وعوض أن أتتبع التطور التاريخي للقضية رأيت من الصلح أن أعتمد خاصة على مصادر
المرحلة المقررة في تعريف كفر النعم لن هذا المصطلح ظل نفسخ عبر الزمن)60( .
الكفر لغة:
يورد الشماخي ( )61والمحشي ( )62أن الكفر هو الستر والتغطية ،وسمي الليل كافرا لنه يستر
كل شيء بظلمته ( )63وهو أيضا الجحود لقوله تعالى ( :وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) ( 3آل
عمران )115ويشير المحشي إلى أن كلمة كفر قد تعني البحر لنه يحجب كل شيء كما أن
الحارث يسمى كافرا باعتباره يستر البذر")64( .
فالكفر لغو حينئذ هو الستر والتغطية (. )65
الكفر شرعا:
( )1/478
ينقل المحشي عن عقيدة أبي سهل أن الكفر في الشرع " هو جميع ما أوجب ال عليه العقاب"
وذلك عند شرحه للتعريف الذي تبناه الجناوني وهو " الستفاد الى ولي النعمة" ()66
أما الشماخي فيقول " :وأطلقت كلمة الكفر في عرف الشرع على الشرك تارة وعلى النفاق
أخرى ،وهو ضد اليمان والكفران جحود النعم" (. )67
فاتضح حينئذ أن الباضية يقسمون الكفر إلى قسمين هما كفر الشرك وكفر النعم ،وقد كان هذا
التمييز مصدر إشكال للفرق الخرى ،لن كلمة الكفر تطلق في أغلب النصوص بدون إضافة
الشرك أو النعم ،ولهذا كثيرا ما تتهم الفرق الخرى الباضية بأنهم يكفرون غيرهم دون الوقوف
على هذا التمييز الصطلحي -كفر النعم -من القرآن الكريم والسنة الشريفة وقد جمع الشماخي
هذه الدلة في رده على صولة الغدامسي كما يلي:
" فإن قلت ضد اليمان الكفر كما تقدم ،ولو كانت العبادات إيمانا لكان تاركها كافرا.
قلت :المر كذلك ،ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج ( )68قال تعالى ( :ول على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني عن العالمين) ( 3آل عمران) والخطاب
للمصدقين .وقال تعالى ( :هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) ( 27النمل )40وقال
تعالى ( :ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) ( 5المائدة ،)44وقال تعالى ( :ومن
كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) ( 24( )69النور )55وقال تعالى ( :فكفرت بأنعم ال) (( )70
16النحل . )71( )112
( )1/479
وبعد هذا الستدلل بالقرآن الكريم يورد ما ل يقل عن عشرين حديثا محور بعضها إطلق الكفر
صراحة على المصدقين ونذكر منها قوله عليه السلم حين سأله الرجل عي فريضة الحج فقال" :
أفي كل عام يا رسول ال ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ":لو قلت نعم لوجبت ،ولو وجبت لم
تفعلوا ،ولو لم تفعلوا لكفرتم ،ولكن إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما
استطعتم" ( . )72وقوله صلى ال عليه وسلم " :ليس بين العبد والكفر إل تركه الصلة" ()73
وقوله صلى ال عليه وسلم " :إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" ( ، )74ومحور البعض
الخر نفي العصاة من دائرة الجماعة المسلمة مثل قوله عليه السلم " :من غشنا فليس منا" ()75
.
ثم يختم هذا الستدلل بقوله ":وكثرة الدليل تمنع التأويل" ( )76وإن بدت لهجته قاطعة هنا لنه
كان في صدد الرد ،فقد جاء موقفه أكثر احترازا عند معالجة نفس القضية في شرح عقيدة التوحيد
حيث يقول ":وهو -كفر النعم -كثر وإن كان في بعضها احتمال الوجه الول -الشرك -وأستغفر
ال من حمل كتابه على غير معناه ،وللمة في الكفر خلف وتشعيب" (. )77
ويحاول الشماخي أن يعلل هذا التقسيم في سياق جدلي فيقول ":فإن قلت لي علة جعلت بعض
الكفر شركا وبعضه غير الشرك ،فالجواب :أن تذكر علة المخصوص فيقال لعلة المساواة ،ولو
خصصت بالسؤال النفاق لكان الجواب بالخلف" (. )78
ويعتبر في سياق آخر أن المفهوم الثاني مجاز " أقول :لم نقل إن كفرهم شرك بل كفر نعمة ،
وهو مجاز" (. )79
================================
( )52ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي34:
( )53ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي34:
( )54( )54أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي44 :
( )55ر .عمر أبو ستة :المجموع المعول24 :
( )56أبو نصر فتح بن نوح :النونية البيتان :89 .88
( )1/480
( )57جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 69 /6 :نقل عن شرح النونية للجيطالي.
( )58عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 136وجه .عبد العزيز الثميني :النور 344
( )59الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 5 -3/2والحاديث من عدد 743إلى عدد .767انظر
ما يلي حيث اعتمدنا هذه الحاديث في قضية الوعد والوعيد وقضية الخلود.
( )60ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .121 /2ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط
42 -1/37 ، 2
( )61ر .أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد127 :
( )62ر .المحشي :الرد على صولة الغدامسي37 :
( )63ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع85 :
( )64ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع26 :
( )65ر .ابن منظور لسان العرب مادة كفر
( )66ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع86:
( )67أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد 127 :وعن الشرك والنفاق انظر ما يلي 518 :و 514
( )68يعني الزارقة والصفرية
( )69والسياق عن وعد ال للمؤمنين.
( )70والسياق عن قرية مطمئنة كان يأتيها رزقها رغدا.
( )71أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.37 :
( )72الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح . 2/2ر.الترمذي :تفسير سورة المائدة .05النسائي:
مناسك .1ابن ماجة :مناسك 2:الدارمي :مناسك . 4أحمد بن حنبل 291 ،1/255ر .ونسنك
المعجم المفهرس 7/138مع اختلف في الصيغة.
( )73ر .مسلم إيمان .134الدارمي سنة .15الترمذي إيمان .9ابن ماجة اقامة .77الدارمي
صلة ،29أحمد بن حنبل .142 .60 .3/23ر .ونسنك المعجم المفهرس .6/37
( )74ر .مسلم :إيمان .1/1أحمد بن حنبل .142 .2/23.60ر .ونسنك :المعجم المفهرس .6/34
( )75مسلم :إيمان .164أبو داود :بيوع .50الترمذي :بيوع .72ابن ماجة :تجارات 36
الدرامي :بيوع . 10أحمد 4/45 .3/466 .2/50ونسنك 4/515
( )76أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي38:
( )77أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد127 :
( )78نفس المصدر
( )1/481
( )79أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي44:
---
( )1/482
( )1/483
ويشير الشماخي أيضا إلى أن كفر النعمة يرادف مفهوم الفجور والعصيان أيضا (. )85
وهكذا يتضح أن الباضية يعتبرون أن كفر النعمة مرادف للفسق والنفاق ( )86والفجور
والعصيان ،فالكفر حينئذ أعم من الشرك ويقول يوسف المصعبي في ذلك":
وأما على أصلنا من كون الكفر أعم من الشرك فيصدق على المنافق والفاسق" (. )87
وقد حلل أبو عمار هذا التساوي في صدد الرد على المعتزلة فقال ":قاسم الكافرين والفاسقين
والضالين والظالمين والفجار مشتمل على جميع أسماء أهل النار ،كما أن اسم المؤمنين والمسلمين
والمهتدين والبارين مشتمل على جميع أسماء أهل الجنة ،وستدل على ذلك بعديد من اليات مثل
قوله تعالى ( :واتقوا النار التي أعدت اللكافرين) ( 3آل عمران )131حيث سمى أهل النار
كافرين وقوله تعالى ( :وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم) (56
الواقعة )93حيث سماهم ضالين:
ويختم بقوله ":فذل بهذا الذي قلنا أن هذه السماء كلها مقرونة بإثبات الوعيد ،منوطة بوجوب
العقاب ،ولن يجوز أن يكون وجوب العقاب إل للكفر ،كما ل يجوز أن يكون وجوب الثواب إل
لليمان")88( .
وإن عتبرت المصادر الباضية أن كفر النعمة مرادف للفسق وما إلى ذلك فهي تجعله ضد
اليمان كما أشرنا إلى ذلك في التعريف الشرعي)89( .
ولتوضيح هذه الضدية ينقل يوسف المصعبي عبارة أبي عمار التالية ":إنما يضاد المؤمن الكافر
ويضاد الكافر المؤمن" ( )90ويقول أيضا ":إن اليمان والكفر ضدان فل يرتفعان معا كسائر
الضداد" (. )91
كما جاء الحديث عن هذه الضدية خلل تحليل مفهوم الستطاعة والعون ،وفي ذلك يقول يوسف
المصعبي ":والكافر ممنوع من اليمان يعني بالشتغال بالكفر ،فلذلك ل يكون معذورا لن منعه،
وعدم استطاعته إنما جاءا من قبله كما دل عليه قوله تعالى ( :وما منع الناس أن يؤمنوا18( )...
الكهف . )92( )93( )55
( )1/484
فالمهم إذن أن الدخول في اليمان هو الخروج من الكفر كما أن الدخول في الكفر هو الخروج من
اليمان.
وتجدر الملحظة هنا أن هذه المصادر تجعل للكفر قواعد وأركانا ،وقد تستعمل كلمة قوائم عوض
قواعد ،وذلك للتحذير من كل ما يوصل إلى الكفر بنعم ال تعالى.
أما قواعده ،أو قوائمه فهي :الجهل والحمية والكبر والحسد .وأما أركانه فهي :الرغبة والرهبة
والشهوة والغضب ( . )94وتكتفي هذه المصادر بتوضيح معاني هذه الكلمات بالعتماد على
نصوص من القرآن ومن الحديث لتبين مدى صلتها بالكفر.
ومن كفر النعمة إلى مرادفه النفاق.
==========================
( )80المحشي :حاشية على كتاب الوضع.55 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين
35
( )81يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين 36
( )82يوسف المصعبي :حاشية على تبغورين 26
( )83وبقية الية ] ألم تر إلى تولوا قوما غضب ال عليهم[...
( )84أبو عمار عبد الكافي :الموجز 2/117
( )85ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي45:
( )86انظر ما يلي514 :
( )87يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين26:
( )88أبو عمار عبد الكافي :الموجز 127 -2/126
( )89انظر ما سبق.508 :
( )90يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين32:
أبو عمار عبد الكافي :الموجز 125 -2/124ويضيف مجموعة من الكلمات المتضادة بقوله":
ويضاد الموحد المشرك ،كما أن المشرك يضاد المهتدي ،كما أن المهتدي يضاد الضال ...وكذلك
يضاد المؤمن الكافر ،كما يضاد الكافر المؤمن ،فمن تدبر ما قلنا من هذا وجده كما وصفنا إن
شاء ال " .وهذا في صدود الرد على المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين
( )91يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين35 :
( )92وبقية الية ] إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إل أن تأتيهم سنة الولين أو يأتيهم العذاب
قبل[.
( )93يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.79 :
( )1/485
( )94أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد.57 -54:ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع
98.99
---
( )1/486
( )1/487
ويقول الشماخي ":اعلم أن أصل النفاق الخلف لقوله تعالى ( :فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم
يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) ( 9التوبة .)77
ويفسر ذلك المحشي كما يلي ":يعني أن أصل النفاق الذي ينبني عليه هو الحلف والكذب لن
الصل ما يبنى عليه غيره كما يدل عليه ظاهر الية ،وليس المراد أن الحلف والكذب هما عين
النفاق بل سببان له.
ويضيف الشماخي ذكر نوعين من أنواع النفاق:
أول :نفاق الخيانة وهو ما ضيع من الفرائض وارتكاب الكبائر بشهوة ،وقد قال عليه السلم ":إذا
حدث كذب ،وإذا ائتمن خان ،وإذا وعد أخلف" (. )102
ثانيا :نفاق التحليل والتحريم وهو ما يقوله أهل الخلف من غير الحق وما ارتكبوه بتأويل وديانة"
(. )103
وقد عدد الشماخي عند تعريفه للكبائر جميع كبائر النفاق فقال ":وقال أصحابنا :الكبيرة كفر
وضلل وفسق ...فمنه شرك ،ومنه نفاق وهو جميع ما حرمه ال تعالى إن افتراقه غير محلل ،أو
ترك شيئا مما أوجب عليه محرما له ،ككسب الحرام ،وأكله من أموال الناس ،ومن الميتة ،والدم،
ولحم الخنزير ،والخمر ،والنبيذ ،والمسكر ،والبول ،والغائط ،وأنجاس أهل الشرك ،وذبائحهم،
وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا ومقدماته ،والربا ،والغش ،والتطفيف ،والبغي،
والسرقة ،والخيانة ،وقول الزور مطلقا ،من الكذب ،والقذف ،والشهادة ،وحكم الجور ،والرشوة
عليه ،وقتل النفس ،وفعل الميسر ،وعقوق الوالدين ،وقطيعة الرحم ،ومنع الحق مطلقا ولو نفقة
عبدك وامرأتك ،والسحر ،والتنابز وكتمان الشهادة ،وترك الصلة والصوم ،ومنع الزكاة ،وترك
الحج ،والكبر والحسد ،وسوء الظن ،واليأس من الرحمة ،وأمن مكر ال ،والصرار على
الصغيرة والعصبية ،والرغبة في الستحلل ،أو التحريم مع التحليل" (. )104
أما أصناف المنافقين فقد عددها المصعبي تبعا للصل الذي يشرحه ( )105فقال ":وإنما كان أول
النفاق في أهل القبلة بتركهم الهجرة فسماهم ال منافقين.
( )1/488
ومن المنافقين من أصاب النفاق بإيذاء الرسول صلى ال عليه وسلم في الصدقات.
ومنهم من نافق بمنعه الصدقة مثل ثعلبة وغيره.
ومنهم ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم) (9
التوبة .)79
ومنهم المخلفون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في الجهاد.
ومنهم (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) ( 9التوبة .)107
ذاك هو مفهوم النفاق ،وتلك هي أصناف الكبائر التي تندرج تحته ،وهؤلء هم أصناف المنافقين
حسب المصادر الباضية ،فماذا عن الشرك ؟
==================================
( )95المحشي :حاشية على كتاب الوضع86:
( )96نفس المصدر
( )97حذيفة بن اليمان( ت )656 /36صحابي .فاتح .صاحب سر النبي في المنافقين ر.
الزركلي :العلم 181 -2/180
( )98يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات 17 :و حاشية على أصول تبغورين26:
( )99يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات 17 :و حاشية على أصول تبغورين26:
( )100يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين29:
( )101نفس المصدر
( )102ر .البخاري :شهادات .28وصايا 8مظالم .17أدب 63مسلم ليمان 108 ،107أبو
داود سنة 15الترمذي إيمان 14النسائي إيمان .20أحمد بن حنبل 198 -2/189ر .ونسنك :
المعجم المفهرس .5/549
( )103أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد128:
( )104أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد150 -145 :
( )105والصل هم لتبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول تبغورين .24 .22ر .يوسف
المصعبي :حاشية على أصول تبغورين 32 -25
---
( )1/489
( )1/490
كما تعتبر أنه ل يسع جهل الشرك ويقول الشماخي في هذا الصدد ":ول يسع جهل الشرك ،لن
من جهله لم يعلم التوحيد ،ومن لم يعلم التوحيد فهو مشرك فينتج من جهل الشرك مشرك" ()113
.
ويعدد الشماخي كبائر الشرك كما عدد كبائر النفاق ":فمنه (الكبير) شرك وهو منا كان تكذيبا ل
وإنكارا لشيء مما أمر به نصا ،كإنكار توحيد ال أو شبهه بخلقه أو سواه بغيره في ذات أو صفة،
أو ينكر وجوده أو يجهل معرفته أو ينكر حرفا من كتبه ،أو نبيا أو رسول ،أو ملكا أو جهل
البعث ،أو شك في وجه من وجوه التوحيد التي ل يسع جهلها ،أو وصف ال بصفات النقص كما
وصفت المشبهة ،أو يتقرب إلى ال بمعصية منصوص عليها ،أو يترك بعض الطاعات ويقول
أمر ال بذلك ،أو يتقرب إلى الخلق بأفعاله من جميع الطاعات كالذبح والصلة ،أو يدعو إلى
عبادة غير ال ،ويدخل في ما ذكرنا الستحلل لما حرم ال تعالى نصا ،أو يحرم ما أحل ال نصا
بغير تأويل ،أو جهل الشرك ويدلك على ذلك قوله تعالى ( :وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (6
النعام . )114( ")121
وهكذا على هذا الساس من الفهم تقوم الحكام إذ الفرق واضح بين أحكام كبائر الشرك ،وكبائر
النفاق فماذا عن صلة السماء بالحكام؟
الحكام المترتبة على هذه السماء:
يقول أبو عمار عبد الكافي ":فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة:
)1القتل للمشركين ،والسبي ،والغنيمة ،وتحريم الذبائح ،وتحريم المناكحة ،والموارثة ،والمدافنة
معهم إل ما يحل من أهل العهد من ذلك.
)2وتحريم القتل للمنافقين (كفار النعم) إذا هم لم يظهروا نفاقهم ،وتحريم السبي ،والغنيمة منهم،
وتحليل الذبائح ،والمناكحة والموارثة ،والمدافنة معهم ،وتجريح شهاداتهم ،وإبطال عدالتهم ،وإقامة
الحدود عليهم وفيهم ،ولذلك يروى عن الحسن أنه قال ":وإن الحدود في المنافقين" (. )115
( )1/491
)1وللمؤمنين وجوب الولية والمودة والمحبة في الدين ،والستغفار لهم ،وتجويز شهاداتهم،
وإثبات عدالتهم ،والتزكية لهم.
فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة ،قال ال عز وجل (:إنا عرضنا المانة على السماوات والرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول ،ليعذب ال المنافقين
والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما)(
33الحزاب )73-72فجعلهم ثلث منازل معروفة غير مجهولة في كتاب ال عز وجل" ()116
.
وقد عبر عامر الشماخي عن هذا المعنى بقوله ":ندين بأن منزلة النفاق (كفر النعمة) بين منزلة
اليمان ومنزلة الشرك ،وندين بأن المنافقين ليسوا بمؤمنين ول بمشركين ،وندين بأن المشركين
ليسوا بمؤمنين ول منافقين ،وندين بان المؤمنين ليسوا بمنافقين ول بمشركين ،ومن سمى كل
واحد منهم باسم صاحبه فقد كفر" (. )117
وبين صلة الحكام بهذه السماء كما يلي ":وندين بأن السماء تابعة ،أي موافقة للحكام")118( .
هذا عن الصلة بين السماء والحكام ويحسن أن نبين صلة هذا بمواقف لبعض الفرق السلمية
الخرى قبل أن نتحول إلى قضية الوعد والوعيد والخلود.
واضح من خلل هذا العرض أن الباضية يتفقون وسائر الفرق السلمية في شأن المؤمن
الموفي وفي شأن المشرك إل أنهم يختلفون عن غيرهم في شأن كفر النعمة.
فإن قال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين واعتبروا مرتكب الكبيرة فاسقا ولم يطلقوا عليه تسمية
الكفر كما فعل ذلك الباضية مع إضافة " النعمة" فإن الختلف بينهما لفظي لن حكم الفاسق عند
المعتزلة هو حكم كافر النعم عند الباضية ،وفي ذلك يقول يوسف المصعبي" أما عند المعتزلة
فكلمة كفر مختصة بالشرك...والخلف بيننا وبينهم في الحقيقة لفظي بالنظر إلى إطلق لفظ الكفر
وعدمه أما أحكامه فهي متفقة عندنا وعندهم في الدنيا والخرة" (. )119
( )1/492
أما عن موقف الزارقة والصفرية من اعتبار العصاة مشركين على أن الكفر ل يعتبر إل شركا
فإن رد الباضية كان عمليا كما أشرنا إلى ذلك من قبل وكانت القطيعة بين الطرفين من اجتماع
صومعة البصرة وقد أشار الشماخي إلى ذلك بقوله ":ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج" (
، )120وقد توسع أبو عمار عبد الكافي من قبل في الرد على هؤلء ( )121فالخلف حينئذ
جذري بين الطرفين كما لحظنا أن الخلف جذري بين الباضية والمرجئة في شأن اليمان( .
)122
أما عن موقف الشاعرة من القضية فيقول المصعبي ":وأصل الشعرية الكافر خاص بالشرك" (
)123إل أن احمد الشماخي يشير في رده على الغدامسي إلى أن مفهوم كفر النعمة موجود عند
الشاعرة" (. )124
فالمفهوم الغالب حينئذ عند الشاعرة أن الكفر يعني الشرك ولذلك يكون الصدام بين الطرفين ،
لكن عند التأمل يثبت أن الخلف في البداية لفظي خاصة في ما يترتب عليه من أحكام الدنيا.
فالباضية متفقون والشاعرة على أن العصاة من أهل القبلة يحرم قتلهم ،ويحرم سبيهم والغنيمة
منهم ،ويحل دماؤهم ،ومناكحتهم ،وموارثتهم ،والمدافنة معهم .وتجرّح شهادتهم ،وتبطل عدالتهم،
وتقام عليهم الحدود عند ثبوت إدانتهم بالبينات الشرعية ،إل أن الباضية يتجاوزون الشاعرة في
تبطيق البراءة الشخصية ( )125من هؤلء حتى يقلعوا عن معاصيهم التي يجاهرون بها.
أما في ما يتعلق بأمر الخرة فالخلف جذري كما سنبين ذلك بعد حين (. )126
=============================
( )106المحشي :حاشية على كتاب الوضع .9لم يطل في المدلول اللغوي لنه لم يكن مثار جدل
( )107أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد 127 :ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل
عمان 91
( )108أبو سليمان التلتي :شرح عقيدة التوحيد128 :
( )109ر .نفس المصدر.
( )110ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل عمان 91
( )111ر .أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد126 :
( )1/493
( )112ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل عمان 91
( )113أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد130 :
( )114أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد148 :
( )115ملحظة :إن هذا الحكم يتعلق بمن ثبت عليه كفر النعمة من الباضية وغير الباضية
وهذا تغفل عنه كتب الفرق لنها تتصور أن هذا ل يطبق إل على المخالفين.
( )116أبو عمار عبد الكافي :الموجز.118 -117 :
( )117عامر الشماخي :كتاب الديانات 45 -445 :ر .عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات -68
70
( )118نفس المصدرين السابقين 45 :و 73
( )119يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين 35 :ر .القاضي عبد الجبار :الصول
الخمسة :الصل الرابع :المنزلة بين المنزلتين . 711 -696ر .اليجي :المواقف2/459 :
ولزيادة تحليل ردود الباضية على المعتزلة ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز129-2/123 :
( )120أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي37:
( )121ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 122 -2/118
( )122انظر ما سبق505 :
( )123يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .26 :وهو قول الشيعة المامية أيضا .ر.
محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف .1/139
( )124أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي 44 :وفي هذا الصدد فقد جاء عند يحي بن
سلم وهو من أسلف الشاعرة أن الكفر على أربعة وجوه:
الوجه الول :الكفر يعني الكفر نفسه ،يعني الكفر بتوحيد ال والنكار له.
والوجه الثاني :الكفر يعني الجحود.
والوجه الثالث :الكفر يعني كفر النعمة .وذلك في البقرة] واشكروا لي ول تكفرون[( ،)152ول
تكفروا نعمتي .وقال في النمل ]:أأشكر أم أكفر[ ( )40يعني أم أكفر النعمة .وفي لقمان] ومن
كفر[( )12يعني كفر النعمة ،وقال فرعون ]:وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين[
( الشعراء )19يعني الكافرين إذ ربيتك صغيرا وأحسنت إليك ،ونحوه كثير.
والوجه الرابع :الكفر يعني البراءة
( )1/494
ر .يحي بن سلم :التصاريف .قدمت له وحققته هند شلبي .الشركة التونسية للنشر والتوزيع.
تونس 1979ص .105 -104وعن ابن سلم .ر .الزركلي :العلم 9/2
ويعدد سعيد بن تعاريت أسماء القائلين بكفر النعمة من غير الباضية فيقول " :وهو مذهب الحسن
البصري وعليه ابن مجاهد والمحدثون والبخاري ،وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم،
وهي رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه ،وهي قول ابن حبيب من المالكية كما ذكر ذلك
أبو الفرج في شرح الربعين النونية وقال خليل في توضيحه :أعلم أن ابن حبيب وافقه على تكفير
تارك الصلة كثير من المحدثين كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم ،وكترك صوم رمضان اهـ.
ونقل الفاكهاني على رسالة في باب الصلة عن ابن حبيب وابن عبد الحكم وابن عيينة أن تارك
الصلة عامدا أو مفرطا كافر وكذا تارك الزكاة والصوم والحج" .المسلك المحمود65 -64 :
ملحظة :واضح أن كلمة كفر" استعملت عند هؤلء جميعا بمعنى كفر النعم لكنها لم تأخذ بعدا
اصطلحيا حضاريا كما هو المر عند الباضية إلى حد أنها صارت من خصائصهم العقائدية
التي يتميزون بها عن غيرهم.
( )125وهذا المبدأ يكون قوي المفعول عند انعدام المام العادل الذي يقيم الحدود ويردع
المتمردين على حدود ال تعالى.
( )126انظر ما يلي مبحث الوعد والوعيد والخلود.
---
( )1/495
ويقال :اتعدت الرجل إذا أوعدته ،قال العشى :فإن تتعدني أتعد بمثلها...
أبو اليهثم :أوعدت الرجل أوعده إيعادا وتوعدته توعدا واتعدت اتعادا.
ووعيد الفحل :هديره إذا هم أن يصول.
نتبين من خلل ما اورده ابن منظور من الشروح والشواهد أن مادة وعد تستعمل لمدلولت مادية
كجري مادية كجري الفرس ونبات الرض ،ولمدلولت معنوية كمخايل الغلم التي تعد كرما.
كما نلحظ تداخل في الحق الدللي بين صيغة المجرد وعد وصيغة المزيد أوعد فكلهما
تستعملن للخير والشر ،ويبدو أن مرور الزمن غلب دللة الخير لوعد ودللة الشر لوعد ،ومن
هناك كان منطلق مصطلح الوعد والوعيد وإن لم يشر إلى ذلك ابن منظور كما رأينا في تفسيره
مادتي قضاء وقدر ،حيث غلب الشرح الصطلحي العقائدي على الشرح اللغوي ،ولعل ذلك
يرجع إلى أن موضوع الوعد والوعيد لم يقرح المتكلمين كما قرحهم موضوع القضاء والقدر.
اصطلحا :معلوم أن الوعد والوعيد أصل من أصول المعتزلة لذلك نجدهم أكثر اعتناء من الفرق
الخرى بالتعريف الصطلحي.
وهذا القاضي عبد الجبار يعرف الوعد والوعيد كما يلي:
" أما الوعد فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير ،أو دفع ضر عنه في المستقبل ،ول فرق
أن يكون حسنا مستحقا وبين أن ل يكون كذلك" ()3
.
وأما الوعيد ،فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير ،أو تفويت نفع عنه في المستقبل ،ول
فرق بين أن يكون حسنا مستحقا ،وبين أن ل يكون كذلك".
أما الباضية فقد جاء تعريفهم كما يلي:
والوعد هو الخبار بالخير كما في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم
جنات الفردوس نزل) ( 18الكهف .)107
والوعيد هو الخبار بالشر كما في قوله تعالى ( :إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في
نار جهنم خالدين فيها) ( 98البينة .)6
( )1/497
ويذكر التلتي أن " الوعد يكون في الخير والشر لقوله تعالى ( :وعد ال الذين آمنوا وعملوا
الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) ( 48الفتح )29وقوله ( :النار وعدها ال الذين كفروا) (22
الحج ، )72والوعيد ل يكون إل في الشر" ()4
.وجاء في قاموس الشريعة ما يلي ":الوعد هو ما وعد ال أهل طاعته من الثواب في الخرة
وهو حق .والوعيد ما أوعد ال أهل الكفر والمعاصي من العقاب في الخرة وهو حق" ()5
.
فالتعريف الصطلحي بقي في مستوى التعريف اللغوي إل أن الخير والشر يقصد منهما الثواب
والعقاب في الخرة والستدلل القرآني شاهد على ذلك.
فالمهم حينئذ أن التعريف الصطلحي يربط العمل بالجزاء الخروي ،وصارت الكلمتان مقترنتين
للدللة على أصل من الصول التي اختلفت الفرق في شأنها ،وإن كان الختلف ل يتعلق إل
بالوعيد...
ذلك هو التعريف الصطلحي فماذا عن الطوار التاريخية التي مرت بها هذه القضية؟ وما هي
العوامل التي دفعت إلى قيام هذا الخلف بين المسلمين في شأن الوعيد بعد أن كانوا على رأي
واحد زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ وما هو موقف الباضية وسط هذا الخضم بصفة
عامة وبصفة أخص بالنسبة إلى المرحلة التي تعنينا؟
==============================
( )1من ذلك قوله تعالى ]:وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار[( 9التوبة
)72
وقوله تعالى ]:وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم[( 9التوبة )68
( )2هذا البيت يذكره القائلون بإخلف الوعيد ،ويعتبرونه شاهدا لغويا يدعم موقفهم إل أن القائلين
باثبات الوعيد يعتبرون أن الحجاج بالنصوص النقلية قرآن أو حديثا أقوى.
( )3القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة135 -134 :
( )4عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 107وجه .عبد العزيز الثميني :النور ص .277 -276
( )1/498
( )1/500
واضح من خلل هذا التصور أثر الوحي السماوي الذي استمر مع جميع النبياء والرسل ،والمهم
عند الفرس أن إنفاذ الوعيد مؤقت بزمن محدود وأل خلود في العذاب.
أما أهل الكتاب فقد أثيرت عندهم قضية الخلود في النار وعدمه ،كما جاء ذلك في قوله تعالى:
( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) ( 3آل
عمران )24وفي قوله تعالى ( :وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند اله عهدا فلن
يخلف ال عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون) ( 2البقرة .)80
والرد القرآني صريح على هؤلء إذ اعتبر أن قولهم من باب الفتراء ومن باب أن يقول النسان
على ال ما ليس له به علم ()7
.
والمتأمل في كتاب ال يتبين قيام رسالة السلم كبقية الرسالت السابقة على التبشير والنذار،
وهاك على سبيل المثال آيتين جاء فيهما لفظ الوعد والوعيد صريحا .الولى قوله تعالى ( لكن
الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار وعد ال ل يخلف ال
الميعاد) ( 39الزمر )20والثانية قوله تعالى ( :وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد
لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا" ( 20طه .)113
ومعلوم أن منطلقات كتب أصول الدين هي النصوص النقلية من قرآن كريم وحديث شريف ()8
( )2/1
،ولذلك نحس أن قضية الوعد والوعيد وقعت إثارتها زمن الرسول عليه السلم والقرآن يتنزل إل
أن إجاباته عليه السلم لم تفسح المجال لي جدل كما سيقع في ما بعد ،ومن ذلك ما جاء عن
جابر بن زيد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " :هلك المصرون" -ثلثا -فقال رجل :يا
رسول ال ،فأين قول ال تعالى (إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(4
النساء) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":أفيكم أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب :أنا
يا رسول ال ،فقال اقرأ (:وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ( 20طه )82فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ":لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا" ()9
فالسائل حينئذ استفسر عن المشيئة المتعلقة بمغفرة ما دون الشرك من المعاصي فجاء جواب
الرسول صلى ال عليه وسلم شافيا انطلقا من آية أخرى بينت أن المشيئة تتعلق بمن تاب وآمن
وعمل صالحا ،وبذلك فهي ل تشمل المصر على المعاصي.
ومن ذلك ما جاء في الحديث عند وقوف الرسول صلى ال عليه وسلم عند قبرين قوله " :رجلن
يعذبان في القبر ول يعذبان على كبير ،أما أحدهما فإنه ل يستبرئ من البول والغائط وأما الثاني
فالذي يمشي بين الناس بالنميمة" )10( .
المهم أن المرحلة لم تكن مرحلة جدل وإنما هي مرحلة عمل ،والقول الفصل الذي ل يرد للرسول
صلى ال عليه وسلم .
وما أن انتقل الرسول صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى وبويع أبي بكر الخلفة حتى أثار
النقاش حول معنى الزكاة وكان موقف الخليفة حازما حيث اعتبر أن مانع الزكاة مرتد ،ويجب أن
يحارب رغم انه يتفوه بالشهادتين ،ويؤدي الفرائض الخرى ،وقولته في هذا شهيرة ":وال لو
منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف" .وهنالك
يسأله عمر " :كيف تقاتل قوما يشهدون أن ل إله إل ال وقد أخبر الرسول أن من قالها فقد عصم
دمه وماله؟" ()11
( )2/2
فيأتي جواب أبي بكر حاسما ودقيقا ":ألم يقل الرسول " إل بحقها؟" أل إن الزكاة من حقها" (. )12
وبهد هذا الحوار الحاد بين موقفين متضاربين استقر المر على تكفير مانع الزكاة وانتهت حروب
الردة بعد حين واستقر الوضع .وتستقر الخلفة زمن عمر وما كان للمسلمين وقت للجدل وهم
مشغولون بتبليغ رسالة السلم في أطراف البلد ،ومع ذلك جاء في بعض أقوال عمر ما يوحي
بأن التساؤل حول الوعد والوعيد مطروح ومن ذلك قوله ":الشاك في وعد ال كالشاك في ال،
وما شكوا في وعد ال حتى شكوا في ال" ()13
.وكذلك ما جاء عن الحسن عن كعب ()14
قال :وقف عمر بن الخطاب على كدية من رمل ،فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت يا أمير
المؤمنين ،ما يبكيك؟ قال ذكرت أهل النار فقلت :لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل ستة
يعذبون على حسابها ،ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر ،لكن لم يجعل لهم
وقتا وما هم بخارجين منها أبدا" (. )15
وليس لنا أن نقتضي كل مواقف الصحابة وأقوالهم ()16
،والساس أن كل ما ذكر يوحي بأن قضية التمييز بين المعاصي وما يترتب عليها من الحكام
ومن الوعد والوعيد تثار مع حدوث وقائع لم يكن لها مثيل زمن الرسول عليه السلم.
ويستفحل المر في أخريات حياة عثمان ،وتختلف مواقف الصحابة تجاه بعض تصرفات الخليفة
فمن مخطئ ومصوب ومتوقف ،إل أن مجرى الحداث ل ينتظر أحدا ،وتكون القطرة التي تفيض
الكأس ويقتل عثمان ،وينطلق النزاع الدموي ممزوجا بالجدل الكلمي خاصة حول حكم مرتكب
الكبيرة ومصيره ،ويشير ابن تيمية إلى أن الخوارج هم أول من أثار هذه القضية ()17
فحكموا عليه بالشرك -حسب ما ينسب إليهم)18( -
فحل دمه وسبيه وغنم ماله)19( .
إل أن المر في رأينا ل ينحصر في هؤلء ،بل شملت القضية كل المسلمين خاصة وأن
النتماءات لم تكن واضحة كوضوحها الن ،وعلى هذا الموقف من مرتكب الكبيرة سينبني القول
في الوعد والوعيد.
( )2/3
ومن هنا ستأخذ القضية أبعادا سياسية وماورائية ،فالمويون جنحوا إلى التسامح وإلى الرجاء أو
إلى القول بإخلف الوعيد وذلك لتجرئهم على ارتكاب الكبائر واستهانتهم بها ،فغلبوا جانب
الرحمة اللهية على جانب العدل ،كما غلبوا الجبر على جانب الختيار ليوحوا للعامة أن خلفتهم
بقضاء وأن طاعتهم أمر واجب.
وأما العلويون فالزيدية منهم قد اشتركوا مع المعتزلة في سلب اليمان عن مرتكب الكبيرة ،إل أن
المامية لم يخرجوه من السلم)20( .
وأما المحكمة الول فقد أدنوا عثمان في السنوات الست الخيرة من حكمه ،وأوجبوا على علي
التوبة من قبوله التحكيم ثم اختلف موقفهم في شأن مرتكب الكبيرة من اجتماع البصرة ()21
فكثيرا منهم كفروه كفر شرك وأحلوا دمه وسبي ذراريه وغنم ماله (. )22
وهنا قعد عنهم عبدال بن إباض إمام الباضية ولم يجز الخروج ومن ذلك الحين سيتبلور موقف
الباضية تدريجيا ليتخذ من البداية خطأ واحد ستتوارثه الجيال جيل بعد جيل إلى يومنا هذا،
ويتجلى هذا الموقف في العقيدة العمانية المنسوبة إلى عبدال ابن اباض ،وجاء فيها ما
يلي....":وان يؤمن...أن ال ل يخلف وعده ول يبطل وعيده" ()23
.
وفي هذه الثناء بدأت تتبلور مدرسة العتزال مع غيلن الدمشقي وواصل ابن عطاء والحسن
البصري من قبل لن المعتزلة يعتبرونه من طبقاتهم ويتجلى موقفهم في هذه المحاور التي دارت
بين عمرو بن عبيد وأبي عمرو بن العلء النحوي)24( .
إن أبا عمرو بن العلء النحوي المعروف بالقرآن وإعرابه ،التقى مع عمرو ابن عبيد المعتزلي
فقال له :يا أبا عثمان ،ما شيء بلغني عنك في الوعيد؟ فقال له :يا أبا عمرو ،إن ال وعد وعدا
وأوعد وعيدا ،فال منجز وعده ووعيده .فقال يا أبا عثمان ،إن ال وعد وعدا وأوعد وعيدا فال
منجز وعده ومؤخر وعيده ،أما تعلم أن العرب ل تعد ترك الوعيد ذما ،وإنما تعده تكرما ،وفضل
أما سمعت الذي يقول ( :طويل)
( )2/4
فقال هؤلء العرب يمتدحون بخلف الوعيد وإنجاز الوعد ،ويرون أن هذا تكرم وفضل.
فقال عمرو بن عبيد :يا أبا عمرو ،وشغلك العراب عن الصواب؟ أما سمعت أن الذي يقول
شعرا( :بسيط).
فهذا ممدوح على هذه الصفة ،إذ ل يخلف وعده ،ول ما توعد به ،وال تعالى أصدق القائلين .وقد
قال ( :ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم
ربكم حقا قالوا نعم) ( 7العراف )44وقال ( :ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد) ( 50ق
)29وقال ( :ل تبديل لكلمات ال) .
هذه المناظرة صورة لما كان يدور حول القضية من جدل وكل ينتصر لرأيه اعتمادا على القرآن
الكريم وعلى أشعار العرب.
وسبق أن روينا اعتماد جابر بن زيد على حديث الرسول عليه السلم " :هلك المصرون" ()25
،وكذلك يروى عنه أنه سأله رجل قائل ":يا أبا الشعثاء،أرأيت قول ال تعالى ( إن ال ل يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ( 4النساء )48فقال جابر :أو أنبأك ال لمن يشاء أن
يغفر؟ قال :وأين أنبأني يا أبا الشعثاء؟ قال ( :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)
( 4النساء )26( )31
فالوعيد حينئذ نافذ لمن مات مصرا على المعصية ولهذا نلمس التفاق بين الباضية والمعتزلة في
إنفاذ الوعيد.
===============================
( )6ر .كريستوس367 -366 :
( )7انظر ما يلي 718 :كيف كانت اليتان مثار جدل بين الفرق السلمية .
( )8انظر ما يلي 600 :وما يليها.
( )9ر .يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات 22:ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة
الغدامسي . 37:عمرو بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت. 52 :ر .جميل بن خميس السعدي:
قاموس الشريعة 6/9والحديث لم يرد عند ونسنك في المعجم المفهرس.
( )10جاء الحديث عند أحمد بن حنبل ":إنهما ليعذبان في الغيبة والبول" .39 -2/5ر .ونسنك:
المعجم المفهرس . 1/234ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2/25عدد 487
( )2/5
( )2/6
( )2/7
ول أراني مضطرا بأن أورد مثل هذه الصيغة من أقوال جميع من كتبوا في أصول الدين إلى
يومنا هذا ،فل اختلف عند الباضية في هذا الصل .وأكتفي بما جاء عند عمرو التلتي في
كتاب نخبة المتين للتعبير عن رأي علماء المرحلة المقررة وهو ":واتفقوا (أئمة الباضية) على أن
ال تعالى ل يخلف وعده ول وعيده. )35( "...
فالساس حينئذ أن الباضية ما يزالون منذ نشأتهم إلى يومنا هذا يتمسكون بموقف واحد أل وهو
صدق ال في وعده ووعيده ،فكيف تتجلى العوامل التي دفعتهم إلى ذلك من خلل احتجاجهم
لموقفهم وردهم على القائلين بخلف الوعيد من الفرق السلمية؟
تحديد من ينفذ فيهم الوعيد:
قبل أن نعرض الدلة على إنفاذ الوعيد يحسن أن نحدد من يشملهم هذا النفاذ.
لقد سبق أن رأينا موقف الباضية من السماء وما يترتب عليها من الحكام ()36
وقولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة فهل أن جميع الذنوب تعتبر كبائر أم أن المعاصي
مستويات متفاوتة؟..
لقد كانت هذه القضية مثار جدل من زمن مبكر فهذا ابن عباس يعتبر أن المعاصي من الكبائر
باعتبار عظمة من يعصي)37( .
وعلى هذا الساس بني الزارقة موقفهم كما يذكر عنهم ،بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا أن
كل عصيان شرك ،وحجتهم في ذلك قوله تعالى ( :وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ( 6النعام
)38( .)121
وما قعد عبدال بن إباض منذ إجتماع صومعة البصرة عن هؤلء إل لمخالفتهم في الحكم بالشرك
على جميع المسلمين واستحلل دمائهم وسبي ذراريهم وغنم متاعهم)39( .
ومن ذلك الحين اتضح لدى الباضية عدم الخلط بين الشرك وبين بقية الذنوب فماذا عن
المعاصي؟ وهل يترتب عليها دائما نفس الحكم؟
( )2/8
إن المتأمل في كتاب ال تعالى مثل قوله عز وجل ( :إن اله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء) ( 4النساء )48ومثل قوله (:إن تتجنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)(
4النساء )31ومثل قوله ( :الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم )32وفي
حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،مثل الحديث المذكور أعله في شأن اللذين يعذب أحدهما
من أجل إهمال الستبراء والخر من أجل ما كان يأتيه من النميمة بين الناس ()40
،وفي كتب الصول والفقه يتبين بوضوح أن الذنوب تتفاوت حسب عوامل متعددة فما هي أهم
تسميات الذنوب المنصوص عليها في القرآن الكريم؟
=================================
( )27الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 5 -3/2الباب الول :الحجة على من قال إن أهل
الكبائر ليسوا بكافرين.
( )28الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4 /3عدد . 757ر .الترمذي ديات .8ر .ونسنك:
المعجم المفهرس146 /2 :
( )29الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4 /3عدد . 758ر .الدارمي :أدب .85الترمذي فتن .3
أحمد بن حنبل 362 /5 :وجاء بصيغة ل يحل لمسلم أن يروع مسلما .ر .ونسنك :المعجم
المفهرس.320 /2 :
( )30ديوث :من داث فلن :فقد الغيرة والخجل فهو ديوث (بدون شدة) .وتديث فلن :قاد على
أهله ( .المعجم الوسيط)
( )31الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2 /3عدد . 743ر .أحمد بن حنبل.128 .2/69 :
.134النسائي .2/162انظر ص .621لزيادة التوسع
( )32عمروس بن فتح :الدينوية الصافية60 :
( )33أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف 1/35
( )34أبو الربيع :العقيدة .ر .كوبرلي :الطروحة :الملحق العربية70 /3 :
( )35عمرو التلتي :نخبة المتين ،154 :وانظر كذلك شرحه لكتاب الديانات حيث يقول ":وندين
بأن ال ل يخلف وعده ول عيده ،كما في قوله تعالى ] :ما يبدل القول لدي[ ( 50قَ 67 :)29
( )36انظر 520 :
( )37ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه
( )2/9
( )38ر .عثمان بن خليفة السوفي :رسالة الفرق ط .حجرية د.ت 6122 :
( )39انظر ما سبق 22 -21 :
( )40انظر ما سبق .531 :وجاء في حاشية عبدال السدويكشي على كتاب اليضاح ما يلي :قال
العلماء وما يعذبان في كبير ،أي في ظنهما ،أو كبير تركه عليهما ،أو عند الناس وإن كان كبيرا
عند ال ،وبه يبطل ما توهم أن النميمة ليست من الكبائر وال أعلم .عامر الشماخي :كتاب
اليضاح ،تحقيق لجنة من الساتذة ،مطبعة الوطن بيروت ،1970 /1390ط .1/9 .2وقد
أورد اليجي هذا الحديث للتدليل على عذاب القبر كما يلي ":مر عليه السلم بقبرين فقال :إنهما
يعذبان وما يعذبان في كبير بل لن أحدهما كان ل يستبرئ من البول ،وأما الثاني فكان يمشي
بالنميمة" .ولم يشر إلى أن المعصية من الكبائر أو الصغائر .اليجي :المواقف2/452 :
---
( )2/10
( )2/11
ويقول يوسف المصعبي معرفا المعصية مع زيادة تدقيق" والمذهب...أن المعصية كل ما قارنه
النهي من شرك وغيره" .ثم يبين مخالفة الخوارج كما يلي ":وخالف في الصل الثاني أعني قولنا
وليست المعصية كلها شركا الخوارج حيث زعموا أن المعصية كلها شرك. )46( "....
ويورد أبو عمار في شرح الجهالت ما يلي ":إن من المعصية استفسادا ومنها غير استفساد ،
فالكبائر كلها استفساد والصغائر ليست باستفساد ،ويقال كل كبيرة معصية ،وليس كل معصية
كبيرة ،كما يقال كل صغيرة معصية وليس كل معصية صغيرة .ول يقال في المعصية إنها غير
كبيرة ،ول في الكبيرة إنها غير معصية ،كما ل يقال في المعصية إنها غير الصغيرة ول في
الصغيرة إنها غير المعصية ،وإنما يقال :الكبيرة غير الصغيرة ،والصغيرة غير الكبيرة ،وكذلك
يقال إن من المعصية كبيرة وصغيرة ،والكبيرة ما قارن العقاب والصغيرة ما قارن الستثناء" (
)47
.
وإن اعتبر أبو عمار المعصية اسما عاما ()48
فإن أبا يعقوب الوارجلني يعتبرها دون الكبيرة وفوق السيئة (. )49
ومن خلل هذه التعريفات نتبين أن الغالب على المعصية أنها اسم مرادف للذنب وهي كل ما
قارن النهي ،وتنقسم إلى كبائر وصغائر.
فماذا عن السيئة؟ السيئة ":ما أساء فيه المرء إلى نفسه" ()50
وإن جاء تعريف البرادي لغويا جافا فإن الوارجلني اكتفى بترتيب السيئة واعتبرها دون المعصية
وفوق الخطيئة ( ، )51أما أبو عمار عبد الكافي فقد اعتبر السيئة اسما عاما مثل المعصية ()52
وكذلك فعل صاحب المنهج حيث يقول ":والسيئات هي كل ما عصي ال به من صغير وكبير" (
)53
.
وإن لم تطل هذه المصادر في تعريف هذه التسميات فإنها توسعت أكثر عند تقسيمها إلى كبيرة
وصغيرة فما هي الكبيرة؟
الكبيرة:
" حقيقة الكبيرة على أصولنا ما أوجب ال عليه حدا في الدنيا وعقابا في الخرة ،وهي ضربان
معلوم ومجهول" ()54
،ويكتفي أبو عمار باعتبار الكبيرة استفسادا وأنها ما قارنها العقاب)55( .
( )2/12
ويقول عمرو التلتي ":إن الكبائر جمع كبيرة ،وهي عند بعضهم ما توعد عليه بخصوصه في
الكتاب أو السنة كالقتل والزنا وعند آخرين ما فيه حد كالقذف ،وعند قوم كل ذنب ول صغيرة
عندهم نظرا إلى عظمة من عصى -تعالى -وشدة عقابه وهذا هو اللئق بمذهبنا المبني على
اليقين والحتياط .وعند آخرين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة ديانته كسرقة
لقمة والتطفيف بتمرة" (. )56
" وقال ابن عباس :الكبائر ما ذكره ال في سورة النور من أولها إلى قوله ( :وتوبوا إلى ال
جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ( 24النور )31فأوجب ال لهم الفلح بالتوبة من جميع
الذنوب بقوله ( :قد أفلح المؤمنون) ( 23المؤمنون .)1
وقال ابن مسعود رضي ال عنه " الكبائر ما ذكره ال في سورة النساء الى قوله ( :إن تجتنبوا
كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما) ( 14النساء )57( .")31
ويستوفي السالمي القضية تمحيصها بإيراد تحديدات ابن حجر ومناقشتها وهي سبع ،وتحديدات
الغزالي ولسنا نرى من الضروري إيرادها كلها وإنما محورها ما ذكره عمرو التلتي ،والساس
في أن السالمي عول على التحديد الخامس وهو عين ما ذكره البرادي ،الحد في الدنيا والوعيد في
الخرة .وقد جاء ذلك في قوله ":ولما كان الحد الخامس(أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد)
من هذه الحدود هو الذي عول عليه جمهور الصحاب رحمهم ال وكان ما عداه من الحدود
مدخول عول عليه الناظم" (. )59( )58
ويضيف محمد اطفيش تقليدا آخر لحد الكبيرة ينسبه إلى ابن عباس ويتمثل في الصرار حيث
يقول :قال ابن عباس ":كل ذنب قام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة وكل ذنب تاب منه العبد قبل
أن يموت فليس بكبيرة" (. )60
ويلحظ التلتي أن كل ما صدق عليه أنه كبيرة يصدق عليه أنه كفر وأنه ذو عقاب ،وكل ما
صدق عليه أنه ذو عقاب يصدق عليه انه كبيرة وانه كفر كالزنا وترك الزكاة ()61
( )2/13
( )2/14
( )42لم نجد -حسب مطالعتنا -تمييزا اصطلحيا دقيقا بين هذه السماء لذلك سنكتفي بالوقوف
عند خمسة تتردد أكثر من غيرها وهي ":المعصية " السيئة ،الكبيرة ،الصغيرة ،اللمم.
( )43الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 66 /2 :عدد 691
ر .المحشي :حاشية الترتيب . 118 -115 /6ر .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح تحقيق
عز الدين التنوخي ،المطبعة العمومية دمشق .496 /3 .1963 /1383لم يرد الحديث عند
ونسنك في المعجم المفهرس
( )44أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.ط 2/3، 1
( )45البرادي :رسالة الحقائق40 :
( )46يوسف المصعبي :حاشية على كتاب الديانات .11 :ويحيل على عمرو بن خليفة السوفي:
رسالة في الفرق السلمية 61 .
ملحظة :تعريف المعتزلة للمعصية ":وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير مع نوع من الرتبة،
وهو أن يكون العاصي دون المعصي ،ولهذا ل يقال عصى المير فلنا كما يقال عصى فلن
المير ،ول يفهم من إطلق هذه الكلمة غير معصية ال تعالى ،حتى إنك لو أردت غيرها لقيدت
فقلت :عصى فلن أباه ،أو جده ،أو المير إلى غير ذلك .القاضي عبد الجبار :الصول
الخمسة .611 :
تعريف الشاعرة للذنب ":عبارة عن كل ما هو مخالف لمر ال تعالى في ترك أو فعل ".الغزالي:
الحياء11/2093 :
( )47أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت ،90 :وجاءت نفس الصيغ في الموجز /2
121 -120
( )48ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 121 /2
( )49ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 43 /2 ،1
( )50البرادي :رسالة الحقائق40 :
( )51ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 43 /2 ،1
( )52ر .أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت91:
( )53خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .2/252
( )2/15
ويذهب الشاعرة نفس المذهب غذ يعرف البيجوري السيئة كما يلي ":هي ما يذم فاعله شرعا،
صغيرة كانت أو كبيرة ،وسميت سيئة لن فاعلها يساء ( كذا ) عند المقابلة عليها يوم القيامة".
شرح جوهرة التوحيد173 :
( )54البرادي :رسالة الحقائق ،38 :ر .أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي حيث يقول في النونية :
( ص 6عدد ( :)83طويل)
فحد الكبير الحد في عاجل الدنيا
وسوء العذاب يا شر مسكن
ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 2/206ويضيف على الحد والعقاب أو لعن ال عليه أو
رسوله ...أو ما أجمع عليه أهل العلم أنه من الكبائر فهو كذلك ،وما أشبه الكبير فهو كبير"
المنهج .2/217
( )55ر .أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت 90:ويقول أيضا ":لو سأل فقال لم كانت
الصغيرة غير الكبيرة؟ قيل للعقاب الذي ليس في الصغيرة "...نفس المصدر .91ويقول أيضا ":
كل معصية جاءت فيها صفة زائدة على النهي في كتاب ال تعالى ،وفي سنة رسوله وفي آثارهم،
إن ذلك دللة على وجوب العقاب وكونها كبيرة" .الموجز 2/278
( )56عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 104قفا .عبد العزيز الثميني :النور.271 -270 :
( )57عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 106وجه و قفا .عبد العزيز الثميني :النور. 275 :ر.
ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر.1/74 :
( )58عبدال السالمي نفسه
( )59عبدال السالمي :المشارق375:
( )60امحمد اطفيش :هيميان الزاد إلى دار المعاد ،مطابع سجل العرب عمان .نشر وزارة التراث
القومي ط 281 /4 . 1402/1982 ،2
( )61ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 112قفا.
( )62أبو نصر فتح بن نوح الملوشاني :النونية 6عدد 85
ملحظة :يحسن أن نورد هنا تعريف المعتزلة للكبيرة :يقول القاضي عبد الجبار ":إن الكبيرة في
عرف الشرع هو ما يكون عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا أو مقدرا" .الصول الخمسة :
( . 232وانظر معنى محققا ومقدرا 550 :تعليق .78
( )2/16
أما الشاعرة فالكبائر عندهم ":هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة " البيجوري :شرح جوهرة
التوحيد .174:
وهذا يبين اتفاق الباضية والشاعرة وإن اختلفت الصيغة فما عبر عنه الباضية بالعقاب عبر
عنه الشاعرة بالمؤاخذة ،وهذا يختلف عن رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الموازنة بين الثواب
والعقاب.
( )63انظر ما سبق 544سورة النساء وسورة النور.
( )64ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت 52 :
ر .أبو عبدال الصدغياني :رسالة إلى أهل وارجلن 2 :
وقد جاء الحديث عند البخاري أدب 6ـ إيمان ،16ديات .2استتابة .1الترمذي :تفسير سورة
النساء .7 ،6 ،4النسائي :تحريم قسامة .48الدارمي :ديات .9أحمد بن حنبل .214 .2/201
495 /3ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 5/516والملحظ أن هذه السبع تختلف أثناء التعداد
فنجد مثل عقوق الوالدين واليمين الغموس وقول الزور ،والسحر.
وقد أورد البيجوري هذا الحديث ثم بين أن السبع ليست بقيد بل غير ذلك وهذا رأينا تصرف
طيب في فهم الحديث لن الكبائر ل تنحصر في هذا العدد .ر .شرح جوهرة التوحيد 174 :
( )65انظر ما سبق514 :
( )66أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت92:
( )67ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 109قفا ،ورقة 111قفا .عبد العزيز الثميني :النور:
282 -287
وعن معنى قياس مالم يرد ذكره على ما جاء فيه نص يقول أبو نصر فتح ابن نوح الماوشائي :
(طويل)
وما لم يجئ فيه الوعيد فإنه
النونية 6 :بيت .84يقاس إلى النصوص فيه المبين
( )68أنظر اليات والحاديث التي اعتمدت
أبو عمار عبد الكافي :الموجز 279 -270 :عدد جملة من الكبائر بعنوان في وسم الكبائر بسمة
الوعيد .ر .أمحمد اطفيش :جامع الشمل في حديث خاتم الرسشل .المطبعة الشرقية عمان .نشر
وزارة التراث القومي :1984 /1404ص " 239 -228ما جاء في الكبائر".
( )2/17
( )69أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي .46 :وسيستغل النص بصفة أوسع في
موضوع الشفاعة .انظر ما يلي 679 :
---
( )2/18
تابع الفصل الثاني :الوعد والوعيد وقضية الخلود
الصغيرة:
جاء في رسالة الحقائق ما يلي ":حقيقة الصغيرة في كتاب الجهالت ما جاء فيه من ال الستثناء
وليس بسديد عندي لن الستثناء جاء في الكبائر بعد التوبة منها فيلزم على قوله أن تدخل في
الصغائر ،والحد السديد عندي فيها هو ما يكفر باجتناب الكبائر ،وهي كلها عندنا غير معلوم ول
معين ونعنيها في الحكم خاصة" (. )70
ويقول أبو عمار ":فكل ما كان مغفورا لهله ،متروك المؤاخذة عليه فهو صغير غير كبير ،وغير
كفر"
( )71ويضيف في شرح كتاب الجهالت أنها ليست استفسادا فإن قال :لم ل تكون الصغيرة
استفسادا وهي منتهى عنها؟ قيل :إنما لم تكن استفسادا لعلة أنها ليست الكفر ،فإن قال :وما العلة
التي لمن تكن بها الصغائر كفرا؟ فقل :لن ال أوجب فيها الستثناء ،فإن قال ما وجه النهي عن
الصغائر إذا لم تكن استفسادا؟ قيل :لئل يكونوا مستخفين بحق ال في ما دون الكبائر .فإن قال:
ولم حتى قضيت أن في المنهي عنه صغيرا؟ قيل له :لما جاء في ذلك من الخبر الصادق" (. )72
وكذلك يذكر يوسف المصعبي أن الصغيرة معفو عنها في حق المؤمن ( )73فينقل عن محمد بن
محبوب في قوله تعالى ( :إل اللمم) وهو ما دون الكبائر من الذنوب التي تكون بين ال وبين
عباده مثل الغمزة واللمزة والنظرة ،وما كان أهله يدينون بالتوبة منه بالستغفار فذلك هو اللمم.
وكل ما لم بالقلب منة ذكر المعصية ،أو هم بها العبد ،أو نوى فعلها ،من غير شتم المؤمنين ول
وقوع في أعراضهم فهذا إذا نسي أن يستغفر ال منه ،وال واسع المغفرة إذا كان الفاعل ممن
يدين ال تعالى بالتوبة منه ،ومن جميع ما نهى ال عنه (. )74
( )2/19
وسلك السالمي مع الصغيرة مسلكه مع الكبيرة فأورد عدة تعاريف وناقشها ،ومن ذلك ما ذهب
إليه مالك من أن الكبائر معاصي أهل البدع ،والصغائر معاصي أهل السنة .وهو باطل لن في
معاصي أهل السنة الزنا ،وشرب الخمر وقتل النفس ،إلى غيرها من الكبائر التي جاء النص بأنها
موبقات .ومن ذلك ما قيل من أن الكبائر معاصي إبليس ،والصغائر معاصي من سواه وهو باطل
أيضا لنه إما أن يريد بمعصية إبليس الستكبار والوسوسة للناس وبغض الحق وأهله فالكبائر
غير منحصرة في ما ذكر وإما أن يريد بها أن المعاصي التي تصدر من غير إبليس صغائر ول
تصدر الكبيرة إل من إبليس فيلزمه جهل الشرك ،وقتل النفس ،والزنا وشرب الخمر ونحوهما،
من غير إبليس صغائر ول يشك عاقل في بطلنه (. )75
ويجمع السالمي مختلف الراء الواردة عند الباضية في ما يلي (":قوله وعكسه الصغيرة ) ()76
أي عكس الكبيرة من الذنوب هو الصغير ،والمراد بالعكس هنا مطلق المخالفة أي ما عدا الكبير
من الذنوب فهو صغير بناء على المذهب المشرقي أن الصغائر موجودة في الخارج وأنها معلومة
للعلماء وهو مذهب النكار ( )77وجمهور قومنا ،وذهب أصحابنا من أهل المغرب وبعض أهل
المشرق إلى أنها موجودة لكنها غير معينة" (. )78
هذا ما جاء عند من يقرون بوجود الصغائر أو لم تعلم فماذا عمن ينفون الصغائر؟
يقول عمرو التلتي ":وقد اختلف العلماء في وجود الصغيرة فقال بعض المرجئة ل وجود لها وإن
كل ما عصي ال به كبيرا نظرا إلى عظمة الرب جل جلله ل إلى الفعل الذي عصي به وهو
المشهور عن أئمة المذهب رحمهم ال تعالى وهو اللئق بأصولهم المبنية على التحقيق والحتياط،
ووفاقا لبن عباس رضي ال عنه حيث قال ":ليس في ما عصى ال به صغيرة" (. )79
( )2/20
واضح أن هذا الموقف مردود لنه يتعارض وما جاء في القرآن الكريم من نصوص صريحة
تثبت ذكر الصغائر من ذلك قوله تعالى ( :كل صغير وكبير مستطر) ( 54القمر )53وقوله
تعالى ( :ما لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها) ( 18الكهف )49وقوله تعالى:
(الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم .)32
وقد انتبه التلتي إلى القضية فبين أن بعض الصحاب حمل كلم ابن عباس على خلف ظاهره ،
وهو أن المراد منه توفير المعاصي والترهيب منها ل عدم وجود الصغائر ( )80ويستشهد بكلم
ابن محبوب المذكور أعله ( )81في تعريف الصغائر.
فالساس في هذه التعاريف أن عند الباضية خلفا في وجود الصغيرة ،فجاء قول ينفي وجودها
أصل بناء على حديث ابن عباس ونسب إلى أئمة المذهب بدون تحديد ،وجاء قول يقر بوجودها
وهو ما عليه جمهور الباضية إل أن أهل المشرق منهم والنكار يعتبرون أنها معلومة لكن
المغاربة وبعض المشارق يرون أنها غير محددة وعلى هذا المعنى ألح كل من البرادي وأبا عمار
وعثمان بن خليفة السوفي)82( .
والملحظ أن الذين يعتبرون أن الصغائر معلومة يكتفون بذكر بعضها ومن ذلك ما ذكره ابن
محبوب ،ويذكر السالمي منها الكذب إن خف والرقص واللعب ( )83إل أن الذين يتوقفون عن
تعدادها يبينون أن في ذلك حكمة ،وهاك توضيح عمرو التلتي لهذه الحكمة ":وقال أصحابنا...
وغيرهم الصغائر كلها غير معلومة لنه ليس من الحكمة أن يبينها ال تعالى لعباده لنه لو بينها
لهم لستخفوا بحقه تعالى ،وعصوه بفعلها ...فثبت أنها غير معلومة ،وأن عدم علمها أولى للعباد
وأدخل في زجرهم عن عصيان ال تعالى بوجه من الوجوه لنهم كلما أرادوا ارتكاب ذنب خافوا
كونه كبيرة وتركوه" (. )84
نتبين من هذا حينئذ أن الموقف القائل بجهل الصغائر أقرب إلى الحكمة من التشريع الذي يورد
حكم الصغائر ،ويبين السالمي أن للصغائر حكمين:
( )2/21
أ -أنها مغفورة بفعل الحسنات بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى ( :إن الحسنات يذهبن السيئات) (
11هود )114وقال تعالى ( :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) ( 4النساء )31
والمراد بالسيئات هنا الصغائر .وقال تعالى ( :والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم إن
ربك واسع المغفرة) ( 53النجم )32والمراد باللمم الصغائر من الذنوب.
أ? -أن الصرار عليها كبيرة قال تعالى ( :ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فمدحهم بعدم
الصرار على المعصية وفي مدحه تعالى لهم بعدم الصرار ذم للصرار وما ذمه تعالى فهو
كبير ،بيانه انه تعالى ل يذم شيئا وهو يرضاه لعباده وقد قال تعالى ( :ول يرضى لعباده الكفر) (
39الزمر )7فاستنتج من اليتين أن الصرار كفر نعمة" (. )85
فالساس بالنسبة إلى المسلم أن يحرص على عدم اقتراف الذنوب صغيرها وكبيرها سواء استطاع
أن يميز بين الصغائر والكبائر أو لم يستطع ذلك .وإن وقع فما عليه إل أن يسارع إلى التوبة
النصوح فماذا عن التوبة والصرار والحباط؟
=============================
( )70البرادي :رسالة الحقائق38 :
( )71أبو عمار عبد الكافي :الموجز .2/121 :ويوضح صاحب المنهج الفرق بين الكبائر
والصغائر كما يلي ":والفرق بين ارتكاب الصغائر والكبائر من المؤدي للفرائض المجتنب
للمحارم أن المواقع للكبائر يكفر بمواقعتها في حين ذلك كان منه على العلم أو الجهل ،أو الرأي
أو الدين ،ول ينفس له ذلك طرفة عين دون التوبة من ذلك والرجوع عنه والقلع.
وبارتكاب الصغائر من الذنوب مع اجتناب الكبائر على الجهل للصغائر مع التوبة منه في الجملة
سالم بذلك لنه دائن بالتوبة من جميع الكبائر والصغائر ،ولنه غير كافر ول هالك بمواقعة
الصغير حتى يصر عليه ويعزم أنه ل يتوب منه ".خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .2/222 :
( )72أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت90:
( )73ر .يوسف المصعبي :حاشية على الديانات12 :
( )2/22
( )74عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110قفا .ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج :
.2/198ر .عبد العزيز الثميني :النور284 :
( )75ر .عبدال السالمي :المشارق377:
( )76يشير إلى المنظومة التي هو بصدد شرحها وهي من نظمه.
( )77ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت .66 :ويذكر نفس الموقف انظر تعريف
النكار 213 :تعليق 4
( )78عبدال السالمي :المشارق .376 :ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.66 :
ملحظة:
تعريف المعتزلة ":وأما الصغيرة فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه إما محققا أو مقدرا".
القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 632 :ثم يعلل الحتزاز بقوله إما محققا وأما مقدار كما
يلي ":واحترزنا من الموضعين ( الموضع الثاني الكبيرة انظر ما سبق 545تعليسق )62بقولنا
إما محققا وإما مقدار عن كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية ،أو يكون
عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا من جنب ما يستحقه من الثواب" الصول الخمسة .632 :
تعريف الشاعرة ":وكل ما خرج عن حد الكبيرة وضابطها فهو صغيرة" البيجوري :شرح
جوهرة التوحيد196 :
أما المرجئة فينسب إليهم الشعري قولين ،فمنهم من يقر بوجود الصغائر ومنهم من ل يقر إل
بالكبائر .ر .المقالت.1/5 :
( )79عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور284 :
.ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر 73 -1/72 :والنص مقتبس من أبو عمار عبد
الكافي :شرح كتاب الجهالت.92 :
( )2/23
( )80ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور284 :
.ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر.1/73 :ر .أبو يعقوب الوارجلني :يناقش الختلف
الوارد حول وجود الصغيرة ثم يقرر أنه ل بد من صغير وكبير ".الدليل والبرهان ط /3 ،2
.103أما عن المعتزلة فيعدد الشعري مواقفهم في شأن هذا الختلف إلى ثلثة أقاويل أساس
التمييز فيها قائم على ما جاء فيه الوعيد أو ما كان عمدا ( .أبو الحسن الشعري :المقالت
،)1/332إل أن القاضي عبد الجبار يلح كما ذكرنا من قبل على التمييز بين الكبير والصغير لن
الدليل الشرعي يفرض ذلك ،بينما لو وكل المر إلى العقل لكانت المعاصي كبائر .ر .الصول
الخمسة 634 -633 :
أما الخوارج كما ينسب إليهم ذلك فغنهم ل يعترفون بالصغائر ويحلل القول في ذلك :الصول
الخمسة 633 :
أما الشاعرة فكما رأينا من تعريفهم يقرون بوجود الكبائر والصغائر ويحلل القول في ذلك
الغزالي في الحياء .ر.2105 -2093/ 11 .
( )81ويشير إلى قول ابن محبوب الذي أورده من قبل وهو ":ما دون الكبائر هي الذنوب التي
بين العبد وبين ال تعالى مثل الغمزة و الهمزة والنظرة وما كان أهله يتدينون بالتوبة منه
والستغفار فذلك هو اللمم وكل قائم بالقلب من ذكر المعصية والهم بها ونية العمل لها من غير
شتم المؤمنين ول وقوع في عراضهم فهو من اللمم ،ونسيان الستغفار منه ل يضر صاحبه إن
كان يدين بالتوبة منه ومن جميع ما نهى ال عنه" عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 10وجه قفا
.ر .عبد العزيز الثميني :النور284 :
( )82ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.66 :
( )83عبدال السالمي :المشارق376:
( )2/24
( )84عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110قفا 111 ،وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور:
.285وقد جاء هذا المعنى محلل بصفة أدق عند أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت:
. 93 -92 ،90ر .عبدال السالمي :المشارق 376:ةهذا مسلك المعتزلة إذا اعتبر القاضي عبد
الجبار أن معرفة الصغائر ضرب من الغراء بالقبيح وذلك ما ل يجوز على ال تعالى ".الصول
الخمسة .635 :
( )85عبدال السالمي :المشارق ،378 :وقد جاء نفس المعنى عند عمرو التلتي :شرح النونية
ورقة 111وجه قفا .وقد خيرنا عبارة السالمي لدقتها ووضوحها .ر .عبد العزيز الثميني :النور:
287
---
( )2/25
( )2/26
ويقول التلتي أيضا " :ل توجد التوبة إل بوجود ستة أشِياء :الندم على الذنب الماضي ،والعزم
على عدم العودة إليه ،وأداء الحقوق لهلها ،وقضاء الفرائض المضيقة كلها ،والحزن المؤدي إلى
ضعف البدن بحيث يلتزق جلده على عظمه ،وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما ذاقت حلوة
المعصية" (. )7
نلحظ من خلل هذه التعريفات أنها تتكامل ،فإن سكت البرادي عن العزم على عدم العودة فقد
ذكره التلتي ،إل أن البرادي ألح على نقطة مهمة وهي العزم على الترك مع المكان ،وكأنه بهذا
يخرج من عجز عن إتيان تلك المعصية لسبب ما ،وفي هذا كلم سيأتي في ما بعد عند الكلم عن
توبة العاجز ( ، )8مع التنبيه إلى تدارك ما يمكن تداركه من قضاء فروض وأداء حقوق .ول
نرى فائدة في زيادة التحليل لن التوبة متفق عليها عند جميع المسلمين وغن اختلفوا في بعض
جزئيات كما سنبين ذلك فماذا عن حكمها شرعا؟
حكم التوبة:
يقول عثمان بن خليفة السوفي في هذا الشأن ":والكف عن الذنوب فرض ،ومعرفة ذلك فرض" (
. )9
ويعبر عمرو التلتي عن نفس المعنى بقوله ":واتفقوا (أئمة الباضية) على أن التوبة واجبة على
المسلمين (وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون ) ( 24النور )10( .)31
ويزيد ذلك تحليل بقوله ":وإنها (التوبة) واجبة على المكلف في أول أحوال بلوغه ،وغن لم يعلم
لنفسه ذنبا لنه قل من يسلم منه ،ولن حقوق ال أعظم واكثر من أن يقوم بها" (. )11
ويشبع عبدال السالمي القضية تحليل فيقول ":فهي (التوبة) إما واجبة ،وإما مندوبة ،فالفور واجب
منها ،وهو ما إذا عصى المكلف فإنه يجب عليه أن يرجع عن عصيانه في الفور فأما وجوبها
فمأخوذ من قوله تعالى ( :وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون) ( 24النور )31وأما وجوب
الفورية فيها فلما في تأخيرها من الصرار المحرم قطعا (. )12
( )2/27
وأما المندوب منها فهو تكرار توبة من عصى فتاب إذا تذكر ذنبه الذي تاب فإنه يندب له أن يعيد
توبته ،ول يجب عليه إعادتها خلفا لبعضهم لن الصحابة ومن كان لسلم بعد كفره يتذاكرون ما
كان منهم في الجاهلية من الكفر ول يجددون له توبة" (. )13
ويلح محمد اطفيش على وجوب التوبة رغم صعوبة ترك الذنوب فيقول ":والتوبة من الصغائر
والكبائر واجبة ولو كان ل طاقة للنسان على ترك الذنب لن التوبة حق ال وإجلل له واجب
على كل حال" (. )14
فالمسلمون يكادون يجمعون على وجوب التوبة والنصوص صريحة في ذلك من القرآن والسنة
فماذا عن القبول من ال تعالى؟
قبول التوبة من ال تعالى:
قبل أن ننظر في قضية قبول التوبة يحسن أن نحلل هنا موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل.
===============================
( )1ر .ابن منظور :لسنان العرب
( )2امحمد اطفيش :جامع الشمل 239 :وذكر أنه رواه ابن مردوية والبيهقي في شعبة عن ابن
مسعود.
( )3ر .الغزالي :الحياء .11/2073ويقول المحقق عن الحديث إنه جاء عند ابن ماجة وابن
حبان والحاكم .أما ابن ماجة فصحح اسناده من حديث ابن مسعود .ورواه ابن حبان والحاكم من
حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين .ر .الحياء :تعليق .2073 : 1
جاء بصيغة " التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم "...احمد .1/446ر .ونسنك :المعجم المفهرس
للفاظ الحديث .1/284
( )4ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.216 :
ملحظة:لقد جاءت عدة تعريفات للتوبة كلها تحوم حول ما ذكرنا فلذلك نكتفي بالحالة على
مصادرها .ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت215 :و . 216ر .أبو يعقوب
الوارجلني :الدليل والبرهان ط . 3/106 ،2ر.خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 249 -2/245
.ر .امحمد اطفيش :شامل الصل والفرع ( 1/68 :وقد نبه إلى أداء الكفارات).
( )2/28
أما الشاعرة فيعرفونها كما يلي ":وفي الشرع :الندم على المعصية من حيث هي معصية مع
عزم أل يعود إليها إذا قدر عليها ".اليجي :المواقف .2/450ويضيف البيجوري مبدأ إرجاع
حقوق العباد لكن المحقق بذكر أن الندم وحده كاف مع التفويض إلى ال تعالى كما وقع لدم عليه
السلم .ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد.196 :ر .الطاهر بن عاشور :التحري والتنوير ط
1/438 :2حيث بين أن التوبة علم علم وحال وعمل.
( )5البرادي :رسالة الحقائق 39 :وعن القول المنسوب إلى غير الباضية ر .الغزاليك حديث
الربعين 143 :
( )6عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 356 :و
347
( )7عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 356 :و
347
( )8انظر ما يلي571 :
( )9عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت219:
( )10عمرو التلتي :نخبة المتين159 :
( )11عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.357 :
ويعبر الغزالي عن موقف الشاعرة كما يلي" :إذا عرفت حقيقة التوبة انكشفت لك أنها واجبة على
كل أحد وفي كل حال ".كتاب الربعين 144ر .الحياء .11/2073 :أما البيجوري والقرطبي
فلم يكتفيا بذكر الوجوب بل ناقشا المعتزلة في قول بعضهم بعدم الوجوب.ر .البيجوري :شرح
جوهرة التوحيد. 157 :ر .القرطبي :احكام القرآن .5/90وينقل اليجي عن المدي أن المر
ظاهر في الوجوب لكنه غير قاطع لجواز أن يكون رخصة إيذانا بقبولها ودفعا للقنوط ر .اليجي:
المواقف .2/451
أما موقف المعتزلة فيلخصه الشعري كما يلي ":واختلفوا (المعتزلة) في وجوب التوبة :فقال
قائلون :التوبة من المعاصي فريضة ،وأنكر ذلك آخرون" .المقالت .2/170
( )12انظر ما يلي 575 :و .589
( )2/29
( )13عبدال السالمي :المشارق .416 :ويناقش السالمي الجبائي من المعتزلة الذي يرى أل توبة
من الصغير لنه يكفر باجتناب الكبير فيقول:ط تكفيرها باجتناب الكبائر ل ينافي وجوب التوبة
منها على الجمال" :المشارق.416 :
ويتفق الباضية والشاعرة في وجوب الفورية واعتبار التأخير ذنبا آخر .ر .البيجوري :شرح
جوهرة التوحيد .196 :وينبه البيجوري إلى الختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الذنب يتعدد
الزمن بينما يعتبر الشاعرة أنه ذنب واحد ولو تراخي .والباضية في هذا يلحون على قضية
الصرار(انظر ما يلي)575 :
( )14امحمد اطفيش :شامل الصل والفرع1/77 :
---
( )2/30
( )2/31
وقبل أن نورد حجج مخالفيهم على هذا الموقف يحسن أن نشير إلى أن أبا القاسم خالف أصحابه
في هذا الرأي وذهب إلى أن الثواب جود من ال تعالى ":عن القديم تعالى إنما كلفنا هذه الفعال
الشاقة لما له علينا من النعم العظيمة فإن ذلك غير ممتنع ،فمعلوم أن من أخذ غيره من قارعة
الطريق فرباه ،وأحسن تربيته ،وخوله وموله ،وأنعم عليه بضروب النعم ،جاز له أن يكلفه فعل
يلحقه بذلك مشقة ،نحو أن يقول :ناولني هذا الكوز أو تمم هذا السطر ،ول يجب أن يغرم في
مقابل ذلك شيئا آخر ،كذلك في القديم تعالى فنعمه عندنا ل تحصى وأياديه لدينا ل تحصى ،ولما
ذهب في ذلك إلى ما ذكرناه قال :إنه إنما يثيب المطيعين ل لنهم استحقوا ذلك بل للجود" (. )20
ويرد القاضي عبد الجبار على أبي القاسم ردا شديدا معتبرا أن في هذا القبول تناقضا وبمثابة من
قال ":يجب أن تفعل ويجب أل تفعل وهذا محال" (. )21
تبين من هذه النصوص حينئذ أن جمهور المعتزلة يوجبون الثواب على ال تعالى فماذا عن
الشاعرة؟
يقول البيجوري ":وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ل تنفعه طاعة ول تضرع معصية ،والكل بخلقه
فليست الطاعة مستلزمة للثواب ،وليست المعصية مستلزمة للعقاب ،وإنما هما أمارتان تدلن على
الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى" (. )22
فالشاعرة يعتبرون أن الثواب وعد من ال وأنه تفضل وغنما يقع لخباره بذلك لن ال تعالى
يستحيل في حقه أن يحتم عليه المر (. )23
أما الباضية فيقول عنهم الشعري ":وقالوا (يقصد جل الباضية) :جزاء ال في العباد أكثر من
تفضله ،وعافيته أكثر من ابتدائه ،والثواب واجب بالستخلف والتفضل والبتلء ابتداء")24( .
فهل اتخذ الباضية فعل موقف المعتزلة في إيجاب الثواب بالستحقاق على ال كما يذكر
الشعري رغم مخالفتهم في وجوب الصلح والصلح على ال؟
( )2/32
وفي هذا الشأن يقول عمرو التلتي ":واتفقوا أيضا على أن ال تعالى ل يجب عليه لعباده شيء
من الصلح والصلح لنه لو وجب عليه ما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر وفي الخرة
بالعذاب الليم المخلد فيه ،المبتلى في الدنيا بالسقام والمحن والفات ،ولنه لو وجب عليه ما بقي
للتفضل محل ،ولم يكن له خيرة في النعام ،وهو باطل لقوله تعالى ( :وربك يخلق ما يشاء
ويختار) ( 28القصص )68وقوله( :يختص برحمته من يشاء) ( 2البقرة . )25( )105
وبما أن الباضية ل يقولون بوجوب الصلح والصلح على ال فإنهم يعتبرون أل موجب على
ال في شأن الثواب ،وهذا الوارجلني ،عند تحليل ما يتعلق بالوعد والوعيد ،يذكر ما يثبت أل
موجب على ال وأن الوجوب وجوب حكمة فيقول ":ل موجب على ال وإنما الوجوب في حق
الحكمة" ( )26كما يرد على من قال بان الثواب حتم بقوله ":فالذين قالوا إن الثواب حتم على ال
قد أساءوا الدب إنما كان ينبغي لهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا إنه
واجب" (. )27
ويؤيد هذا الموقف ما جاء في الموجز عند تفسير حديث الرسول عليه السلم ( )28حيث يقول":
إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم :ل حول ول قوة إل بال،
أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ،ول
يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ،ويغمده
برحمته التي ل يخيب من تغمد بها")29( .
فموقف الباضية صريح في رفض موقف المعتزلة القائل بوجوب الستحقاق والفرق شاسع بين
الوجودي وجوب الحكمة ووجوب الستحقاق إذ وجوب الستحقاق إنما يتوجه من القوي إلى
الضعيف وذلك من علمات النقص التي تعالى ال عنها علوا كبيرا ،بينما وجوب الحكمة فضل
من ال ورحمة.
( )2/33
ولعل الشعري وقعت بين يديه بعض المتون المختصرة ( )30التي وردت فيها كلمة الوجوب
فأضاف الستحقاق رغم أنه أشار إلى التفضل ،وتحول فيها كلمة الوجوب فأضاف الستحقاق
رغم أنه أشار إلى التفضل وتحول بذلك المعنى عن الصل وعن سياق مبادئ الباضية العامة
وأبرزها في هذا الشأن اعتبارهم أن التحسين والتقبيح شرعيان فالحسن ما حسنه الشرع ووعد
عليه حسن الثواب والقبيح ما قبحه الشرع وتوعد عليه سوء العقاب.
ونورد نصين متأخرين عن زمن الشعري لعلهما يشعران بما جاء قبلهما مما لم يصلنا من
النصوص.
الول في القرن الخامس " 11 /وذلك أن وليته(ال) وجوب الثواب لوليائه وعداوته وجوب
العقاب لعدائه" (. )31
والثاني من القرن الثامن ": 14 /ومما يجب على المكلف أن يعلم أن ال أمر بطاعته وأوجب
عليها ثوابا ،ونهى عن معصيته وأوجب عليها عقابا" (. )32
وما كان يخفى على الجيطالي أن الوجوب وجوب الحكمة بعد تحليل الوارجلني للقضية في
الدليل والبرهان.
ويشير أحمد الشماخي كذلك إلى أن الثواب فضل من ال إل انه يضيف أنه خاص بالمتقين":
قولك :بل يفضل ال" أقول :المر كذلك لكنه أخبر أنه فضله ورحمته خاصان بالمتقين (فسأكتبها
للذين يتقون) ( 7العراف )156وكثر في القرآن ( بما كنتم تعملون) ( 5المائدة ( )105بما
أسلفتم) ( 69الحاقة )24وما شاكلها .فإن حملنا أخبار ال تعالى على الصدق فقد أخبرنا بأنها
خالصة للمؤمنين(فسأكتبها للذين يتقون) كما هو مذهب كل مؤمن مسلم" (. )33
ويذكر عمرو التلتي أن " كل نعمة فضل من ال تعالى ،وأن كل نقمة عدل منه عز وجل" ()34
.
وإذا تأملنا في المصادر الباضية المتأخرة نتبين بوضوح مناقشتها لهذه المقولة وردها لرأي
المعتزلة القائلين بوجوب الثواب على ال ومن ذلك ما جاء في كتاب المعارج:
( )2/34
" ذهبت المعتزلة أيضا بناء على قولهم بتحكيم العقل إلى وجوب ثواب الطاعة عقل على ال
تعالى ،واحتجوا على ذلك من الكتاب العزيز بقوله تعالى ( :ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ال
ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما) ( 4النساء )100قالوا:
فهذه الية تدل على أن العمل يوجب الثواب على ال لنه تعالى قال( :فقد وقع أجره على ال)
وذلك يدل على قولنا من ثلثة أوجه :أحدهما انه ذكر لفظ الوقوع ،وحقيقة الوجوب هي الوقوع
والسقوط قال تعالى ( :فإذا وجبت جنوبها) ( 22الحج )39أي وقعت وسقطت .وثانيها :أنه ذكر
بلفظ الجر والجر عبارة عن المنفعة المستحقة ،فأما الذي ل يكون مستحقا فذلك ل يسمى أجرا
بل هبة .وثالثها :قوله(على ال) وكلمة(على) للوجوب قال تعالى ( :ول على الناس حج البيت) (3
آل عمران .)97
وأجيب بأنه ل نزاع في وجوب الثواب على الطاعة لكن ذلك بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم
ل بحكم الستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن اللهية...فهو سبحانه وتعالى يقبل توبة التائب
تفضل منه ووفاء بوعده ويثيب المطيع تفضل منه ،ووفاء بوعده وال أعلم" (. )35
ويقول أيضا...":أهل الستقامة يقولون إن التعذيب بعدل ال والثواب بفضله والمعتزلة يقولون
بوجوب ذلك عليه ،تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين" (. )36
( )2/35
فالمهم حينئذ أن موقف الباضية جاء موقفا ذاتيا مستفيدا من هذا وذاك دون أن يكون تابعا تبعية
مطلقة لي طرف ،فهم يرون أن الثواب واجب وجوب حكمة تتناسق والعدل اللهي ،فال يوجب
على نفسه ما يشاء دون أن يوجب عليه أحد ،وعبر الشاعرة عن ذلك بقولهم إنه يمكن أن يعكس
فيعاقب المحسن ويثيب المسيء ،وفي موقفهم رد عنيف على المعتزلة ،كما أن الباضية ألحوا
إلحاحا كبيرا على جانب الفضل والرحمة وهذا هو الموقف المستقر في الفكر الباضي عبر
القرون ( ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) ( 24النور )21لن عمل
النسان مهما كان ل يمكن أن يعادل ما يتمتع به من نعم ،فالثواب حينئذ في مستوى صلته بعمل
النسان الموفي أقرب إلى الوجود لرتباط النتيجة بالسبب ،وفي مستوى صلته بالمثيب إنما هو
تفضل ورحمة لن ال غني عن العالمين.
وعلى هذا ينبني موقف الباضية من قبول التوبة.
=============================
( " )15فكذلك المدح أيضا قسمان على ما ذكرنا ،فقسم يتبعه الثواب من جهة ال تعالى والشرطة
في استحقاقه شرطان :أحدهما يرجع إلى الفعل وهو أن تكون له منفعة زائدة على حسنة ،والخر
يرجع إلى الفاعل وهو أن يكون عالما بأن له صفة زائدة على حسنة ،فل بد من اعتبارهما معا
كما في الذم ،ولهذا قلنا :إن الصبيان ل يستحقون على أفعالهم المدح ،لما لم يعلموا أن لها صفة
زائدة على الحسن" .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.613 :
( )16القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )17القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )18القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )19القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة617-616 :
( )20القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة618 :
( )21نفس المصدر 619
( )2/36
( )22البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .108 :بل يذهب إلى أكثر من ذلك وهو إمكانية
العكس ،فحتى لو عذب ال المطيع وأثاب العاصي لكان حسنا .ر .اليجي :المواقف 2/451
حيث يبين أل وجوب
( )23انظر أدلتهم عند الجويني :الرشاد ،تحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد
الحميد مطبعة السعادة مصر 381 : 1369وعند ابن تيمية :مناهج السنة ط 1مصر :1321
1/129
ومنها من النقل:
قوله تعالى ] ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله[ (الروم )45وقوله تعالى ] :ولول
فضل ال عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا[ (النور .)21وقوله عليه السلم " :لن يدخل
أحد منكم الجنة من أحد قالوا :ول أنت يا رسول ال ،قال :ول أنا .إل أن يتغمد ني ال برحمته
منه وفضل" (انظر تخريج الحديث 440تعليق .)119
ومن العقل:
يتحقق الوجوب في حق من لو فرض منه ترك الوجوب لستحق الذم أو العقاب ،وال منزه عن
ذلك ،ولو قدر أنه عذب من يشاء لم يكن لحد منعه وقد قال تعالى ]:قل فمن يملك من ال شيئا[
( المائدة - )17عبادات العبد ل تفي بنعم ال تعالى عليه شكر له عليها ،فلم استحقاق الثواب في
أعمال وقعت عوضا عن جزء قليل من نعيم استوفاه العبد.
( )24أبو الحسن الشعري :المقالت1/188 :
( )25عمرو التلتي :نخبة المتين160:
( )26أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 1/58 :1
( )27أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 1/58 :1
( )28يشير إلى الحديث الذي ورد فيه قوله عليه السلم :إل أن يتغمد ني ال برحمته .انظر562:
( )29أبو عمار عبد الكافي :الموجز 2/87 :مع الملحظ أن أبا عمار لم يلح على قضية الثواب
لنه في صدد الرد على الجبرية.
( )30ومعلوم أن الشعري ل يحيل على مصادره.
( )31أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف 1/38 :
( )32إسماعيل الجيطالي :القناطر327 -1/326 :
( )33أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي41 :
( )2/37
( )34عمرو التلتي :نخبة المتين160:
( )35عبدال السالمي :المعارج .مطابع سجل العرب ،عمان ،نشر وزارة التراث القومي 1/174
( )36عبدال السالمي :المشارق .294 :وقد عبر امحمد اطفيش عن نفس المعنى ر .تيسير
التفسير ط 2/482 ، 2وكذلك ط .2/141 ، 2
---
( )2/38
( )2/39
ومن خلل هذه الردود نتبين اتحاد الموقف بين الباضية والشاعرة فالكل يرى أن قبول التوبة
أفضل من ال تعالى .وهذا السالمي يقول ":منتهى التوبة وثمرتها حط الوزار بمعنى إزالة الثام
عن المذنب وتلك الثمرة إنما هي بمحض تفضل منه تعالى ل بوجوب عليه" (. )39
فقبول التوبة حينئذ تفضل من ال تعالى وفضل ورحمة فمتى تقبل التوبة ومتى ل تقبل؟
متى تقبل توبة التائبين؟
يقول ال تعالى ( :إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك
يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما) ( 4النساء .)17
بين محمد اطفيش أن الجهالة تتمثل في السفه وتشمل من علم ومن لم يعلم ،ويستدل بقول قتادة:إن
أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم أجمعوا على أن كل ما عصي ال به فهو جهالة ولو مع
علم وان كل من عصى ال فهو جاهل ولو كلن عالما (. )40
كما بين أن التوبة من قريب يفسرها حديث الرسول صلى ال عليه وسلم " :عن ال يقبل توبة
العبد ما لم يغرغر" (. )41
إن هذا المعنى ل ينفي المبادرة إلى التوبة حال الوقوع في المعصية إل أنه يجعل فسحة للتائب
ويؤازره هذا رد ال تعالى على إبليس حينما طلب المهال وأثبت أنه لن يخرج من قبل آدم ما دام
فيه الروح بما يلي " :وعزتي ل احجب عنه التوبة ما دام فيه الروح" )42( .هذا في ما يتعلق
بالجهالة وسعة الزمن ،بقي أن نذكر ببعض الشروط.
شروط التوبة:
سبق أن ذكرنا عند التعريف شروط التوبة فيستحسن أن نقف عندها بشيء من التحليل:
)1الندم" :هو غم يصيب النسان ويتمنى أن ما وقع منه لم يقع وذلك حياء من ال تعالى وأسفا
على عدم رعاية حقه" (. )43
ومن أسباب الندم خوف عدم القبول ،ومن علمات مخالفة الهوى ،وكثرة البكاء ،وقلة الكلم
والطعام والمقام (. )44
( )2/40
)2الستغفار:هو طلب الغفران للذنب سواء كان ذلك الطلب بالقول والقلب أو بالقلب فقط لقوله
تعالى ( :والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم) ( 3آل عمران
.)135ويرجع ذلك إلى أصل الذنب فالمعصية القلبية يناسبها الستغفار القلبي والجهرية يناسبها
الستغفار القولي (. )45
)3العزم على أل يعود في المستقبل إليه أو إلى مثله :والفرق واضح بين العاجز والقادر ،أما
القادر على العودة فل تعتبر توبته نصوحا حتى يمكن من الذنب عشر مرات مع توفر السباب
الداعية له وامتناعه منه)46( .
وأما العاجز فالشرط في حقه عزمه على الترك لو عادات إليه قدرته على الذنب (. )47
)1الرجوع بانكسار :ول تتم التوبة إل بالقلع بصفة نهائية عن الذنب بتذلل وانكسار نفس لن
ما فات من العمر ل يمكن أن يرجع.
وإثبات هذتا الشرط يخرج المقلع اضطرارا خشية تعزيز من المام أو نتيجة فقدان جارحة وفي
نفسه لو يستطيع لفعل (. )48
بقي أن نشير إلى أمرين:
)1فمن كانت معصيته في حق ال تعالى فهذه الشروط كافية لكن يتحدد الفرق بين المستحل
للمعاصي وبين المحرم لها.
أما المحرم ( )49لها :أي الذي يعتقد أنه ينتهك حرمات ال فعليه مع التوبة استدراك ما فاته
بالقضاء مع أداء الكفارة.
وتجدر الشارة إلى الحج والزكاة بالنسبة إلى من كان موسرا حالة العصيان ،وصار معسرا عند
التوبة ،والرأي الراجح أنه معفو عنه ،ومنهم من يأمره بالوصية وإلى جانب هذا أداء الكفارة
وللباضية تحليل موسع للكفارات (. )50
وأما المستحل ( ّ )51فيعامل معاملة من أسلم بعد كفر ،والسلم يجب ما قبله ،والدينونية عليه
سوى الرجوع إلى الحق والدينونة ببطلن ما كان عليه (. )52
)2ومن كانت معصيته تعلق بها حق من حقوق العباد فتوبته تكون حسب الستحلل والتحريم.
( )2/41
أما المستحلّ :فتجزيه التوبة من ذلك الشيء دون غرمه سواء كان قائما في يده أو كان قد أتلفه
وهذا القول ظاهر في المشركين لقوله تعالى ( :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (
8النفال )38كما أن السيرة أيدت ذلك لن الرسول عليه السلم لم يسترجع الدور التي انتزعها
المشركون من المسلمين حتى بعد إسلمهم عند فتح مكة .وقد قال عمر :ولسنا بنازعين شيئا من
يد أحد إذ أسلم عليه ،وعلى هذا اجتمعت المة المحمدية (. )53
بقي الخلف في المرتد ( )54والذمي ( )55وما اغتصبه المشركون من المسلمين ( )56والموحد
والمستحلّ بتأويل الخطأ (. )57
وأما المحرّم فعليه التنصل من حقوق العباد فيؤديها لصحابها إن كان قادرا ،وإن كان غير قادر،
أو تعذر عليه وجود أصحابها أو تعذر عليه ما يتخلص به فإنه يجب عليه حينئذ أن يعتقد الخلص
عند القدرة عليه ،فإن حضره الموت ولم يجد سبيل إلى الخلص وجبت عليه الوصية ول شيء
عليه فوق ذلك .أما إذا عفا صاحب الحق فل غرم)58( .
أما إذا غفل عن ذلك في توبته فلبد من المقاصة وذلك بأن يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي
للمظلوم ،فإذا نفذت حسنات الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم)59( .
واضح من خلل ما ذكرنا أن الباضية وسائر علماء السلم ( )60قالوا وأطالوا في موضوع
التوبة والتائبين ،لذلك نكتفي بهذا القدر مع اللحاح على أن المصادر الباضية تركز خاصة على
أن وعد ال تعالى خاص للتائب الذي ختم عمره بالتوبة وهذا ما سيتجلى بوضوح في المباحث
اللحقة.
وبعد أن علمنا إجمال متى تقبل التوبة فمتى ل تقبل هذه التوبة؟
=================================
( )37عبدال السالمي :المعارج 174 -1/172
( )2/42
( )38عبدال السالمي :المشارق . 421 -420ر .الفخر الرازي التفسير الكبير . 3 -10/2ر.
البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .198 -197 :وقد أورد مختلف الفويرقات بين علماء
الشاعرة ومحورها أن التوبة إما أن تقبل قطعا بدليل قطعي أو ظنا بدليل ظني.
ر .القرطبي :أحكام القرآن .91 -5/90ويختم بقوله :والعقيدة أنه ل يجب على ال شيء عقل،
فأما السمع فظاهره قبول توبة التائب وذلك من فضل ال ورحمته".
( )39عبدال السالمي :المشارق.420 :
ولم يتوسع يوسف المصعبي في القضية وإنما اكتفى بذكر عبارة البيضاوي أن قبول التوبة
كالمحتوم على ال بمقتضى وعده من تاب عليه إذا قبل توبته (.البيضاوي :أنوار التنزيل )1/83
وذلك لتوضيح عبارة الجللين " التي كتب على نفسه قبولها بفضله" .حاشية على تفسير الجللين
ورقة 158قفا .ولذلك سنعتمد تفسير امحمد اطفيش رغم تأخره عن المرحلة المقررة لستكمال
القضية.
( )40ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 2/285 ، 2
( )41ر .نفس المصدر والصفحة .وعن الحديث ر .الترمذي :دعوات 98ابن ماجة :زهد 30
،أحمد بن حنبل .425 .3 .153 -2/132ر .ونسنك :المعجم المفهرس 4/480
( )42ر .نفس المصدر .282والحديث القدسي لم نجد ذكره عند ونسنك :المعجم المفهرس.
( )43عبدال السالمي :المشارق ،417 :واكتفى عمرو التلتي بذكر السف شرح النونية ورقة
142وجه ،وكذلك عبد العزيز الثميني :النور 356 :بينما يزيد السالمي فكرة الندم لوجه ال تعالى
لن الندم قد يكون لجل مصيبة حصلت له .ر .المشارق417 :
( )44ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور :ص 357
( )2/43
( )45ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 144وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور362 :
.ر .عبدال السالمي :المشارق 418 :وعن المعاصي القلبية مثل الحسد .ر .عمرو التلتي:
شرح النونية ورقة 202وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور .477 -476 :ر .عبدال
السالمي :المشارق431 -424 :
()45
( )46ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 360 :وعن
موقف الشاعرة ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .196:وأورد قولين أحدهما يقر ضرورة
العزم ،والخر يقر بعدم اشتراطه بل التفويض كاف.
( )47ر .عبدال السالمي :المشارق418 :
( )48ر .عبدال السالمي :المشارق418 :
( )49المحرم :المنتهك هو ما يأتي الشياء المحرمة في دينه على غير اعتقاد لها باستحلل .ر.
عبدال السالمي :المشارق443:
( )50ر .فتاوي أبي النجاة يونس التعاريتي جمعها تلميذه سلمة الجناونيز البارونية بدون رقم .
مجموع فتاوي عبدال السدويكشي ط .بالبارونية 1315هـ مجموعة فتاوي المحشي ط .بالبارونية
1315هـ وقد جمع القول في قضية الكفارات إبراهيم بيوض (ت )1401/1981نشأ بمدينة
القرارة وفيها حفظ القرآن الكريم .عصامي في تكونه لنه تحمل المسؤولية من صغره .لم يدرس
في غير وادي ميزاب ،اهتم بالتدريس وبالصلح الجتماعي ومنطلقة في ذلك القرآن الكريم،
وقد فسره في حلقات متلحقة طيلة نصف قرن ،ويسعى تلميذه الن إلى تخريجه من المسجلت
بعنوان " في رحاب القرآن" .ويعتبر رائد النهضة الميزابية واستمر إلى وفاته شيخا للمجلس
العلى لنظام العزابة بوادي ميزاب.
وإلى جانب هذا كان له نشاط علمي على مستوى القطر الجزائري إذ كان من العضاء الموسسين
لجمعية العلماء ،كما كانت له مواقف سياسية جرئية زمن الستعمار إذ رفض فكرة فصل
الجنوب عن الشمال .ر .محمد علي دبوز :نهضة الجزائر الحديثة 81-6 /3 :
( )2/44
وعن الكفارات :ر .مخطوطة الفتوى بمكتبتي الخاصة بخط كاتبه الخاص وبإمضائه.
( )51المستحل :هو الذي يأتي الشياء المحرمة في دين ال اعتقادا منه أنها حلل معتمدا على
التأويل .ر .عبدال السالمي :المشارق443:
( )52ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور:ص .360
ر .عبدال السالمي :المشارق438:
( )53ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا .لم يتوسع في القضية التوسع المطلوب
وكذلك تبعه عبد العزيز الثميني :النور:ص .360لكن قد توسع في القضية عبدال السالمي:
المشارق 450 -447 :ولذلك اعتمدنا تحاليله لستكمال الفائدة رغم أنه خارج عن مرحلتنا ،وقد
اتضح استيعاب للموضوع حيث ذكر أقول أبرز علماء الباضية في المشرق والمغرب.
( )54المرتد :إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين عند ارتداده هل يرد عند التوبة؟ أما الحنيفة
فيوجبون عليه لكن الباضية يعفونه منه اعتبارا أنه مثل المشركين.
( )55الذمي :إذا اغتصب من أموال المسلمين وهو تحت الذمة يرجعه عند إسلمه ،يذهب
الزمخشري ويؤيده امحمد اطفيش إلى وجوب الرد لكن جمهور الباضية ل يفرقون بينه وبين
المشرك فل رد عليه.
( )56ما اغتصبه المشركون من المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا وليس لصاحبه أن يأخذه
منهم وتجوز معاملتهم فيه أم ل :قولن:
أ -ذهب إلى جواز معاملتهم فيه دون أخذه كل من الربيع بن حبيب وأبي يعقوب الوارجلني
والمحققين من أهل المغرب وصححه القطب (امحمد اطفيش)
ب -وذهب إلى الخذ وعدم المعاملة كل من ابن بركة وصاحبه السؤالت (أبي عمرو السوفي)
والمام أفلح والمحقق الخليلي ولكل من الطرفين دليله الشرعي.
( )57الموحد المستحيل بتأويل الخطأ أقوال:
أ) مثل المشركين ل إرجاع.
ب) عليه أن يرجع.
( )2/45
ج) إن تاب ومعه عين ما أخذ يرجعه ،وإن تاب وليس معه ما أخذ فل غرم ،والدليل سرية أسامة
بن يزيد وموقفه مع الرجل الذي صرح بكلمة اليمان عندما حوصر فقتله أسامة على أساس أنه
تعوذ بها ،فنهره الرسول عليه السلم ونزل قوله تعالى ]:ول تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست
مؤمنا[( 4النساء )94ر .عبدال السالمي :جوهر النظام ،تعليق أبي اساق اطفيش عدد 1ص 267
ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا.
( )58ر .المحشي :حاشية على كتاب قواعد السلم :ورقة 265وجه إلى 270قفا ر .عبد ال
السلمي :المشارق. 445 :ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 232 -2/231 :وقد حلل
القضية تحليل موسعا.
وهذا الموقف هو ما قال به الشاعرة مع شيء من الفارق بين الشافعة والمالكية وفي ذلك يقول
البيجوري ":فان تعلقت المعصية به( حق آدمي) فلها شرط رابع وهو رد الظلمة إلى صاحبها
أو تحصيل البراءة منه تفصيل عندنا معاشر الشافعية وأما عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة
إجمال ،وفيه فسحة ،فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مستغرق الذمم فالمطلوب منه الخلص
وكثرة التضرع إلى ال تعالى لعله يرضي عنه خصماءه يوم القيامة " شرح جوهرة التوحيد
197 -196
( )59ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/232 :
( )60أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط . 104 -3/102 ،2ر .ابن تيمية :الفتاوي
الكبرى .501 -7/487ويذكر عدة أسباب لدفع الذنوب مثل المصائب ويرد قول من يقول بأن
الذنوب ل تدفع إل بالتوبة .
---
( )2/46
( )2/47
وتلح المصادر الباضية مع تغريف الصرار على أل سبيل للمصر إلى النجاة يوم القيامة لنه
معاند محاد ل ولرسوله وقد شمل الوعيد الذين يحادون ال ورسوله.
وهذا أبو نصر يصوغ هذا المعنى في ما يلي( :طويل)
وقد اعتبر أبو عمرو السوفي الصرار من الكبائر متشهدا بقوله عليه السلم " :هلك المصرون" (
. )67
وسئل عثمان بن خلفة السوفي ":هل يكون الصرار بالحديث أو بالشتغال بغير التوبة قال :ل،
حتى يقول ل أتوب ،قال :والصرار القامة على الذنب والعتقاد للعودة إليه")68( .
ويلح الصدغياني على هلك المصرين بمناقشة الشاعرة في رجاء المغفرة لهل الكبائر
المصرين عليها فيقول بعد سرد عدة أدلة ":ومثل هذا كثير في الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا
على كبائرهم مصرين" ( )69كما يقول في نفس الرسالة ":وقلتم أنتم (الشاعرة) مؤمن ولي ال ل
يعذب مع الصرار على الذنب دون التوبة والستغفار ...والكبائر ينوب بعضها عن بعض فمن
أصر على كبيرة فقد خرج من اليمان ودخل الكفر" (. )70
ويقول أبو مهدي أيضا بعد عرض الدلة حول إنفاذ الوعيد للمصرين " :ومثل هذا كثير من
الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم مصرين")71( .
وتعرض أحمد الشماخي للقضية في رده على صولة الغدامسي ( )72وفي شرح العقيدة ونكتفي
بذكر النص الثاني ":كل مصر كافر ،وإن المقام على الكبائر والصرار على الصغائر تصير
العمال هباء فتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط")73( .
ويورد عمرو التلتي موقف الباضية كما يلي ":وقال أصحابنا رحمهم ال تعالى ":من عمل
صغيرة أو كبيرة وأصل عليها واستكبر وتهاون بها ولم يتب منها حتى مات عليها أدخله ال عز
وجل النار.
( )2/48
وان من أصر ولو على أخذ حبة بغير حق وجبت له النار ولو أمضى عمره في طاعة ال عز
وجل وأنفق ماله في سبيل ال ول يقبل منه شيء من ذلك ولو مثقال ذرة حتى يتوب ،فإن تاب
رجونا له أن يجدد ال له ثواب عمله السابق منه حال إصراره كما يدل لذلك نحو قوله صلى ال
عليه وسلم ":من كذب وأصر فهو في النار مخلد" وقوله عز وجل في الحديث القدسي ":ل أقبل
عثرة المصرين في الدنيا والخرة" (. )74
وإن الصرار على المعاصي ل شيء أعظم منه عند ال تعالى لما فيه من عدم مبالة صاحبه من
سخط ال واستخفافه به واستقلله به وبارتكاب المعاصي (. )75
وتطيل كتب إباضية المشرق التحليل في هذا الشأن ونكتفي بذكر شيء مما أورده خميس الرستاقي
حيث يقول ":ومن الكبائر التي صحت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم الصرار على جميع
المعاصي وكذلك في كتاب ال تعالى وإجماع أهل العدل وكمن الكتاب قوله تعالى (:ومن لم يتب
فأولئك هم الظالمون) ( 49الحجرات )11وقال النبي صلى ال عليه وسلم ":هلك المصرون"...
والجماع من أهل العدل في ما دانوا به انه ل يكون الغفران من ال تعالى على الصرار على
الذنوب قلت أو كثرت صغرت أو كبرت" (. )76
هذا شيء من النصوص قديمها وحديثها يثبت إنفاذ الوعيد في المصرين وهم في الحقيقة ليسوا من
الذين ل تقبل توبتهم رغم توجههم للتوبة وإنما هم قوم أعرضوا عن التوبة إعراضا تاما عن وعي
وإدراك ،فهؤلء ل يمكن بحال أن تهدي لهم التوبة رغم إعراضهم عنها ،وقد اتضح أن الباضية
يستدلون لذلك بالنصوص قرآنية منها قوله تعالى أثناء عرض بعض صفات المتقين الذين يكرمهم
ال بجنة النعيم ( :والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا ومن يغفر
الذنوب إل ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) ( 3آل عمران .)135
( )2/49
ويقول محمد اطفيش ( )77عند شرح هذه الية ":يعلمون أني أعاقب على الصرار والصرار
على الذنب كبيرة في حق من علمه ذنبا ومن لم يعلمه لكنه في حق من علم أقبح وأكبر فقد يعذر
الجاهل في أمر ول يعذر العالم" (. )78
ثم يقول بعد قليل ":وذكر الجر للعالمين ولم يبق للمصرين إل العقاب لحديث ":هلك المصرون"
وغيره من الحاديث واليات الدالة على عقابه الملحقة الفاسق بالمشرك" (. )79
وقد جاءت آيات أخر في ذم المصرين إل أنها جاءت متعلقة بالكفار وببعض صفاتهم وهي قوله
تعالى في قوم نوح ( :واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) ( 45الجاثية )8وقوله تعالى
في ذم أصحاب الشمال( :وكانوا يصرون على الحنث العظيم) ( 56الواقعة .)46
ومن الحاديث المعتمدة في هذا الشأن قوله عليه السلم " :هلك المصرون" ( )80وقوله " :ل
صغير مع إصرار ول كبير يكبر مع توبة واستغفار" ( )81وقوله " :ل توبة مع إصرار" ()82
وقوله ... :والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه" ( )83وقوله " :من كذب
وأصر فهو في النار مخلد" (. )84
من خلل ما ذكر يتضح أن الصرار من الكبائر ولعله من أكبرها الن المصر على المعصية ل
سبيل له إلى النجاة ولذلك ألحت المصادر الباضية على أن المصر حتى على الصغيرة يعتبر
كافرا كفر نعمة حكمة أن ينفذ فيه الوعيد فيخلد في النار كما على جماعة المسلمين أن يبرءوا منه
إن ثبت لديهم إصراره وعناده ،وقد استدلوا على ذلك بالقرآن وبأحاديث منها ما ذكره غيرهم
ومنها ما لم يذكره غيرهم (. )85
=============================
( )61ر.خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/239 :
( )62عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 116وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور 297 :ر .أبو
يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 2/109
( )63انظر 579 :
( )64ر .أبو داود :وتر .26الترمذي :دعوات . 106ر .ونسنك :المعجم المفهرس 3/293ر.
ابن منظور :لسان العرب.
( )2/50
( )65ر .أحمد بن حنبل .219 .2/165 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 3/298ر .ابن منظور:
لسان العرب.
( )66أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية 6 :بيت 86
( )67عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت52 :
( )68نفس المصدر . 216 :ر امحمد اطفيش :شرح النيل ( موسوعة فقهية) ط 2دار الفتح
بيروت 404 /17 ، 1972 -1392
( )69أبو عبدال الصدغياني :رسالة لهل وارجلن 4 -3 :
( )70المصدر السابق2 :
( )71أبو مهدي :الرد على البهلولي 140 :
( )72أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي40 -39:
( )73أحمد الشماخي :شرح العقيدة51 :
( )74وجاء عند ونسنك ما يشبهه " ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا" أحمد ...2/165
ونسنك 3/298 :انظر ما يلي580 :و 588
( )75ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 15قفا .عبد العزيز الثميني :النور297 :
( )76خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 219 /2 :ر .كذلك 253 -252 /2ر .عبدال السالمي:
المشارق378 -376 :
( )77لقد اكتفى يوسف المصعبي بذكر قول الزمخشري وهو ":وفي هذه اليات بيان قاطع أن
الذين آمنوا على ثلث طبقات متقون وتائبون ومصرون ،وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم ،دون
المصرين ،ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه ".الزمخشري :الكشاف ،1/465وهذا
القول معبر عن رأي الباضية .ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة 139وجه
( )78امحمد اطفيش :هيميان الزاد إلى دار المعاد ط 4/283، 2
( )79نفس المصدر السابق 285
( )80انظر ما سبق530 :
( )81وجاء برواية أخرى ":ل كبيرة مع الستغفار ،ول صغيرة مع الصرار " أخرجه اسحاق
عن عائشة ورواه الطبراني عن أبي هريرة .ورواه الثعلبي أيضا عنه .ر .خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .2/212 :التعليق السابق ص ، 210تعليق 1للمحقق.
( )82رواه القرطبي ولم أجد له سندا .ر .نفس المصدر السابق ص ، 210تعليق 1للمحقق.
( )83امحمد اطفيش:جامع الشمل239 :
( )2/51
والملحظ أن هذه الحاديث المذكورة لم ترد عند ونسنك في المعجم المفهرس .انظر ما سبق
577
( )84امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 55 :2
( )85والملحظ أن كل من القرطبي ومحمد عبده جواد مغنية يقتربون كثيرا من موقف الباضية
في هذه القضية .ر .القرطبي :أحكام القرآن 4/215ر .محمد عبده :تفسير المنار ،4/136 :محمد
جواد مغنية :التفسير الكاشف .دار العلم للمليين بيروت ط 159 -158/ :1981 2
---
( )2/52
( )2/53
أما المرجئة فتركوا الباب مفتوحا ورجوا لمن يخلط بين الطاعات والمعاصي الغفران وخلود
الجنان .ويقول أبو يعقوب الوارجلني " وهنا (بالنسبة الى المصر على ارتكاب الكبائر) اختلفنا
مع المرجئة ،فرجوا له الجنة مع مناصبته ال تعالى بالفجور" (. )90
والملحظ أن المصادر الباضية لم تطل الكلم عن قضية الحباط إذ يقع التعرض عليها غالبا
عرضا عند الحديث عن توبة المرتد ولعل مرجع ذلك إلى ورود المسألة في آية البقرة في شأن
المرتد .قال تعالى ( :ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا
والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 2البقرة .)217
والملحظ أن صيغة ح.ب.ط وردت في القرآن الكريم ست عشرة مرة جلها متعلقة بالمشركين
والمنافقين ( )91نذكر منها قوله تعالى ( :ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد ال شاهدين على
أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) ( 9التوبة )92( .)17
والبقية لها صلة بالكبائر يستشهد منها عادة بقوله تعالى في سوء الدب مع الرسول عليه السلم:
( يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم
لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل تشعرون) ( 49الحجرات .)2
والساس حينئذ أل خلف بين المة في إحباط أعمال المشركين والمنافقين وغنما الخلف في ما
يتعلق بالمرتدين وبصالح أعمال مرتكبي الكبائر فما هو موقف الباضية من ذلك؟
الحباط والتائبون من الردة:
قال عثمان بن خليفة السوفي ":وندين باستتابة المرتد وقتله إن أبي...وفي المرتد سنتان ،سنة عمر
وسنة معاذ" ( )93وبين أن عمر أمر أن يستتاب ثلثا ثم يقتل إن امتنع بينما أمر معاذ بأن يقتل
مباشرة (. )94
ويورد المحشي مختلف القوال في المرتد مع إبراز موقف الباضية فيقول ":وأما المرتد
فالحاصل أن فيه ثلثة أقوال إذا رجع إلى السلم :
( )2/54
أ -منهم من يقول ل يبطل عمله ول ثوابه حتى يموت على ذلك ،وهو مذهب الشافعي واستدل
بظاهر قوله تعالى ( :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) ( 2البقرة .)217
ب -ومنهم من يقول :بطل ثواب عمله ول يطالب بالعادة إل في الحج ،وهو مذهب مالك.
جـ ومنهم من يقول بطل عمله وثوابه ويطالب بالعادة وهو الراجح عند أصحابنا على ما يفهم
من كلم السؤالت ( )95حيث صدر به وال أعلم لقوله تعالى ( :لئن أشركت ليحبطن عملك) (
39الزمر .)56
وأما الية التي استدل بها الشافعي فأجيب عنها بأنه سبحانه وتعالى رتب الردة والموت على الكفر
شيئين الحباط والخلود في النار فالول مرتب على الردة والثاني على الموت عليها ،فل دليل في
الية على ما ذكره الشافعي.
فإن تاب أعاد ما مضى على التفصيل السابق في السؤالت فيمن ارتد زلة فكيف بمن ارتد
متعمدا .نعم ظاهر الثر المحكمي عن بعض أصحابنا المشارقة في كيفية توبة المرتد يدل على
أنه كالشرك الصلي فيكون قول رابعا في المرتد .ولعل الرخصة التي ذكرها في السؤالت تشير
إلى هذا ،لكن ذكرها فيمن ارتد زلة" (. )96
وقد توسع كل من محمد اطفيش وعبدال السالمي ( )97في القضية وأقاما عدة مقارنات ل تخرج
عما ذكره المحشي عدا في بعض الجزئيات.
تلك هي مواقف عدد من العلماء في شأن الحباط والمرتد ويعجبنا منها تنبيه مغنية على ضرورة
إعادة ما فاته أثناء الرتداد وبالنسبة إلى البقية ففي خلف العلماء رحمة للمة ولكل دليله ،ومن
رأى الحباط والعادة اختار ما هو اكثر احترازا وهذا شأن الباضية في جل اختياراتهم.
صاحبة بدعة يدعو إلى بدعته:
إن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه القضية ( )98في ما وقع بين أيدينا ولعل ذلك يرجع
إلى أن أبا يعقوب الوارجلني قد حللها تحليل موسعا.
ومنطلق ذلك ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :أبى ال أن يقبل عمل صاحب
بدعة حتى يدع بدعته" (. )99
( )2/55
وقد ميز أبو يعقوب بين المجتهد المتأول الذي ل يقطع عذر الخرين وبين المبتدع الذي يقطع
عذر الخرين ويحول قوله إلى العمل ،واستشهد بموقف أئمة الباضية من نافع بن الزرق كيف
أنهم ألحقوه بالمبتدعين لنه حمل السيف لحمل الناس على رأيه.
كما بين الرسول عليه السلم قطع في ثلث فرق القدرية والمرجئة والمارقة.
ثم صنف المبتدعين إلى ستة أصناف وقد تفاوت حكمه عليها (. )100
وأشار إشارة مهمة تبين يأس هؤلء من رحمة ال فيقول ":وسعة رحمة ال كثيرة ول مطمع فيها
لصنفين :مصر على معصية ال عازم أن يلقى ال عز وجل بها يوم القيامة ومبتدع في دين ال
عز وجل منعكس متنكس عن ال عز وجل" (. )101
فمن خلل ما جاء عند الوارجلني نتبين احتراز الباضية في شأن المبتدع فهم ل يخرجونه عن
الملة إل إذا ثبت لديهم تحريفه للنصوص وحمل الناس على ذلك (. )102
كما انهم يشترطون في توبته أن يخبر من كان يدعوهم بضللته فإن تابوا مثله فتلك بغيته وإن
واصلوا غيهم فهو معذور (. )103
والمهم حينئذ أننا رأينا أن الباضية قاسوا من نسبتهم إلى البدعة ( )104لذلك كان موقفهم من
المبتدعين من الحتراز بمكان.
ذلك هو موقف الباضية من المبتدع الداعي الى بدعته فماذا عن مرتكب الكبيرة؟
================================
( )86لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس
( )87لسان العرب مادة حبط
( )88القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة625 :
( )89القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة630 :
ويلخص الرازي موقف المعتزلة كما يلي :فقال المثبتون للحباط والتفكير :المراد أن عقاب الردة
الحادثة يزيل ثواب اليمان السابق إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم ،وجمهور
المتأخرين من المعتزلة ،أول بشرط على ما هو مذهب أبي علي :الفخر الرازي التفسير الكبير :
6/38
( )90أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان109 :
( )2/56
( )91ما يعبر عنه الباضية نفاق العصر أي المخرج من الملة ،أنظر ما سبق 514 :
( )92ر 6 .النعام ،81التوبة 18 .69الكهف 39 .105الزمر 33 .65الحزاب 47 .19
محمد 9و 28و 3 .32آل عمران 5 .22المائدة ( 53عن النفاق)
( )93عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت258:
( )94ر .نفس المصدر والصفحة .ر .عن موقف معاذ القرطبي :أحكام القرآن3/47 :
( )95واختلفوا في من ارتد زلة عن دينه ثم رجع سريعا إلى دينه ،قال يغسل ثيابه وجسده ويعيد
ما مضى من صلته وصيامه وقال بعض ل يعيد إل الحج .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب
السؤالت26 :
( )96المحشي :حاشية الترتيب .1/94 :حاشية على كتاب قواعد السلم 62:
( )97ر .امحمد اطفيش:شرح النيل ط ،14/786 :2هيميان الزاد إلى دار المعاد ط -186 /4 2
.187تيسير التفسير ط ،12/329ر .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح.103 -1/102 :
ملحظة :ويتعرض كل من الزمخشري في الكشاف( )1/357والرازي في التفسير الكبير ()6/38
والقرطبي في أحكام القرآن ( )49 -3/46ومحمد عبده في تفسير المنار( ،)2/318ومحمد جواد
مغنية في التفسير الكاشف( )1/326في تفسيرهم للية 217من سورة البقرة ،ول يبعد حديثهم
عن قول من ذكرنا من علماء الباضية ،مع ملحظة أن محمد عبده ألح على جانب الحباط.
( )98ر .المحشي :حاشية الترتيب .68 -8/65وقد حلل البدعة من وجه آخر حيث بين مفهومها
اللغوي ثم ميز بين البدعة السيئة والبدعة الحسنة.
( )99امحمد اطفيش:جامع الشمل .237 :وقد ذكر أنه رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم عن ابن
عباس.ر .أبن ماجة :مقدمة . 7ر .ونسنك :المعجم المفهرس 1/152
( )100ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 34/112 ،2و 116 -115
( )101أبو يعقوب الوارجلني :نفس المصدر ط 2/57 :1
( )2/57
( )102وقد بين ابن تيمية أن العلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والهواء وتخليدهم في النار،
وما من الئمة إل من حكي عنه قولن كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم.ر .الفتاوي الكبرى:
619 -7/618كما يشير الغزالي إلى ثقل وزر المبتدع لنه يضل كثيرا من عباده ر .كتاب
الربعين .149 :
( )103ر .عبدال السالمي :جوهر النظام266 :
( )104انظر ما سبق 57 :وما يليها .
---
( )2/58
( )2/59
ويسلك احمد الشماخي نفس المسلك فيقول ":كل مصر كافر ،وإن المقام على الكبائر والصرار
على الصغائر تصير العمال هباء ( ، )107وتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط .ثم يستدل
بقوله تعالى( :ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) ( 2البقرة .)264وقوله (اتبعوا ما أسخط ال
وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)( 47محمد )28وقوله ( :يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم
فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل
تشعرون) ( 49الحجرات )2وقول عائشة " :بلغوا زيدا أنه قد أبطل حجه وغزوه وجهاده مع
رسول ال صلى ال عليه وسلم إن لم يتب" وقوله عليه السلم " :الرياء يحبط العمل" ()108
وعنه " :من كذب وأصر في النار مخلد" (. )109
ويطالب صولة الغدامسي بالنص المثبت للحباط فيجيبه الشماخي كما يلي ":أقول :المر كما
ذكرت والنص قوله صلى ال عليه وسلم " :هلك المصرون" . )110
وفي اليضاح في كتاب البيوع ما يدل على هذا حيث قال في فصل بيوع الذرائع ":وحجة من
أبطلها ما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت لسرية زيد بن أرقم )111( :أبلغني زيدا انه قد
أبطل غزوه وجهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبطل حجه وصلته وصيامه إن لم يتب،
وذلك أن زيدا ابتاع جارية من سريته بثمانمائة درهم إلى خروج العطايا فاشترتها منه السرية نقدا
بستمائة درهم وال أعلم ...فظاهر هذا يقتضي أن إبطال العمل مشروط بعدم التوبة" (. )112
ويعيد محمد اطفيش نفس الدلة التي أوردها الشماخي وغيره ،مثل قوله عليه السلم " :هلك
المصرون" بعد أن قدم لها بقوله ":أدلة الصرار المبطلة للعمل أدلة على أنه ل تعد الحسنات
والسيئات ويعتبر الكثر ،وعلى أن الكبيرة تبطل العمال كقوله عليه السلم " :هلك المصرون" (
. )113
( )2/60
ويتخذ السالمي نفس الموقف بقوله ":في اليتين ( :ل ترفعوا أصواتكم) ( 49الحجرات ( )2ول
تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) ( 2البقرة )264أيضا دليل على إحباط العمل بالكبيرة من الذنوب
لن رفع الصوت والجهر به ليس بشرك إجمال وكذا المن والذى وكذلك قوله صلى ال عليه
وسلم في الحديث التي " :الرياء يحبط العمل كما يحبطه الشرك (. )115( " )114
أما صاحب المنهج فقد تعرض لقضية الحباط وتوسع فيها ومن ذلك قوله ":وقيل إن المقام على
الكبائر والصرار على الصغائر يصير العمل هباء ويسخط ال على أهلها وبالتوبة من الذنوب
والقلع عنها يتجاوز ال لهلها وعنها.
وهذه المسألة التي بان بها أصحابنا عن مخالفيهم فقال مخالفوهم :إن كل من أقر بال وبالنبي
صلى ال عليه وسلم وصام وصلى وحج وعمل الفرائض وفي خلف ذلك يسرق ويزني ويكذب
ويرتكب أنواع المعاصي قالوا ( :خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب عليهم) (9
التوبة ، )116( )102وغلبت حسناته سيئاته ،والسيئة واحدة والحسنة عشر أمثالها ،والحسنات
يذهبن السيئات فبلغ من قولهم إن ال ل يعذب أحدا من أهل المعاصي بسيئات عملها وهو مقيم
عليها" (. )117
ومن ذلك :قال أصحابنا ":إن كل من عصى ال بصغير من الذنوب أو كبير وهو عالم به وأصر
عليه ولو حبة مما ظلم فقد وجبت له نار جهنم خالدا فيها وبطل عنه جميع إحسانه ولم ينتفع
بسالف إيمانه ،ولو أذاب بدنه في عبادة ال وأتبعه ،وأنفق ماله في سبيل ال وأذهبه ،لم يقبل شيء
من عمله حتى يقلع عن تلك الذنوب والمعاصي السالفة ويتوب منها ،ثم عند التوبة يقبل ال
حسناته ويشكره ويتجاوز عن سالف سيئاته ويغفرها له ،لن ال يحب التوابين ويتقبل من المتقين"
(. )118
( )2/61
ومن ذلك بالنسبة إلى التائب من الكبائر ":وأما من تاب من الكبائر فقول يرد عليه عمله الصالح
وقول إنه يعوض في مستقبل عمره ،ويضاعف له في عمله إذا صدق في توبته وإن عصى ال
المدة الطويلة ثم تاب محا ال عنه جميع ذنوبه ورضي عمله إذا مات على صدق اليمان" ()119
.
وهكذا إن بين الشماخي والمحشي(من المرحلة المقررة) موقف الباضية من القول بالحباط فإن
يوسف المصعبي اكتفى بالتلميح الى ذلك دون أن يحلل (. )120
أما من استوت سيئاته فرأي جمهور الباضية انه من أهل العراف إل أن يوسف المصعبي ينقل
عن عثمان السوفي بعدم إمكانية استواء الحسنات والسيئات لن من سبقت له الحسنى سيئاته
مغفورة له ومن سبقت له الشقاوة والعياذ بال أعماله محبطة فل يتصور استواء الحسنات
والسيئات (. )121
وعمدة موقف الباضية صريح الية ( :وعلى العراف رجال يعرفون كل بسيماهم) ( 7العراف
)46وتفسير ابن عباس الذي يقول ":العراف حائط بين الجنة والنار ،عليه رجال يعرفون أهل
النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ،وأهل العراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم"
(. )122
من خلل ما عرضنا من نصوص مدى تضارب الراء في هذه القضية ونخلص بالنتيجة التالية،
وهي أن موقف الباضية جاء صلبا في شأن المصرين فمن مات على إصراره يخلد في النار وهم
ل يطالبون التائب بإعادة ما أتى من الواجبات عند عصيانه ( ، )123كما يرون مبدأ الموازنة بين
الحسنات والسيئات مع اعتقاد أن الحسنات تخفف من ثقل السيئات ،لكن المدار في النهاية ل يقوم
على هذه الموازنة وإنما أساسه حسن الخاتمة ( ، )124وإلى جانب ذلك يقرون أن الستواء بين
الحسنات والسيئات ممكن ،ومآل من استوت حسناتهم وسيئاتهم العراف حيث ل نعيم ول شقاء.
وفي هذا الشأن تلح المصادر الباضية على أن يحرص المؤمن على التعديل بين الخوف والرجاء
حتى ل يغلب عليه المل فيجنح إلى التهاون ول يغلب عليه اليأس فيميل إلى العناد (. )125
( )2/62
كل هذا طبعا قبل أن يغلق باب التوبة فمتى يغلق هذا الباب؟.
=============================
( )105ابن جعفر :الجامع .1/86 :وابن جعفر(ق )10 -4/9 -3هو أبو جابر محمد جعفر
الزكوي من بلدة أزكى في داخلية عمان .من أصحاب مدرسة الرستاق.ر .تقديم كتاب الجامع:
.13 -1/10لعبد المنعم عامر.
( )106ابن جعفر :الجامع87 -1/86 :
ويقول المعتزلة بسقوط الثواب ،وقد جاء عند القاضي عبد الجبار ما يلي:
"وعلم أن الثواب يسقط بوجهين :أحدهما بالندم على ما أتى به من الطاعات والثاني بمعصية هي
أعظم منه" .الصول الخمسة643 :
( )107قال تعالى ] :وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ (25الفرقان )23
( )108لم يرد النص بهذه الصيغة ولكن جاء بصيغة أخرى تفهم نفس المعنى وهي "اذهبوا إلى
الذين كنتم تراؤون في الدنيا" معنى ذلك أنهم ل أجر لهم في الخرة .ر .أحمد بن حنبل5/428 :
.ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/202وقد جاء عند الربيع بن حبيب كما يلي":يدعى المرائي يوم
القيامة بأربعة أسماء على رؤوس الخلئق يا غادر ،يا فاجر ،يا خاسر بطل عملك ،وخسر أجرك
فخذ أجرك ممن عملت له فل أجر لك عندي يا مرائي" .الجامع الصحيح 4/20 :عدد 986
( )109انظر ما سبق578 :و 580وما يلي 747
( )110انظر ما سبق. 533 :ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي42 :
( )111زيد بن أرقم (ت )68/687صحابي شهد صفين مع عليز ومات بالكوفة ر .الزركلي:
العلم 3/95
( )112المحشي :حاشية الترتيب 1/92وقد نقل النص عن عامر الشماخي :كتاب اليضاح ط -2
3/45
( )113امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 2ص 55
( )114انظر ما سبق 588 :وجاء حديث يقترب منه ونصه" أن الرياء شرك ر .الترمذي :نذور
.9ابن ماجة :فتن .16أحمد بن حنبل .5/418ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/203
( )115عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح .103 -1/102
( )2/63
( )116قيل :ألوئك قوم أساؤوا ثم تابوا إلى ال من ذنوبهم .وقيل :إن هذه نزلت في أبي لبابة
حين قال لبني قريضة إنه الذبح ورأى أنه قد خان ال ورسوله ،فندم وتاب وربط نفسه بسارية
المسجد حتى تاب ال عليه وعلى الثلثة الذين خلفوا .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/211 :
( )117خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج210 /2 :
( )118خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج211 -2/210 :
( )119نفس المصدر .215 :
وقفنا عند تفسير قوله تعالى ]:وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلصوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال
يتوب عليهم إن ال غفور رحيم[ (9التوبة )102في عدة تفاسير.
أما ابن عباس (في المقباس) ،والبيضاوي ،والطاهر ابن عاشور فقد مروا على الية دون
التعرض لقضية الحباط .واكتفى الزمخشري بإثارة نكتة بلغية تتعلق بمفهوم الخلط بين التوبة
والثم (ر .الكشاف )2/210أما الرازي فيعتبر أن القول بالحباط باطل (التفسير الكبير 16/174
)177،وكذلك محمد جواد مغنية ( ر .التفسير الكاشف .)327 -2/326
ويشبع اليجي القضية تحليل حيث يرد على المعتزلة والخوارج القائلين بالحباط (ر .المواقف
.)449 -2/448
وبهذا نتبين أن الشاعرة والمامية يتفقان في نفي إحباط العمال بينما يتفق الخوارج والمعتزلة
في القول بالحباط أما المرجئة فيرون أنه ل تضر مع اليمان معصية.
( )120ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 280وجه وقفا.
( )121ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 231وجه
( )122خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج. 217 -2/216 :ر .ابن عباس :تنوير المقباس في
تفسير ابن عباس .دار النوار المحمدية للطبع والنشر القاهرة 1393/1972ص 128
( )2/64
ولزيادة التوضيح ر .البيضاوي :أنوار التنزيل ،1/161 :الزمخشري :الكشاف ،2/81الرازي :
التفسير الكبير .89 -14/86القرطبي :أحكام القرآن .7/211محمد عبده :تفسير المنار
.433 -8/431محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف .333 -8/331والطاهر ابن عاشور:
التحرير والتنوير143 -8/140 :
وتورد هذه التفاسير مختلف القوال في أصحاب العراف وتصل إلى اثني عشر والراجح عند
أغلبهم أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم.
( )123ويقول المحشي في ذلك " :وأما مرتكب الكبيرة فالظاهر أنه ل يعيد" حاشية الترتيب:
1/93
( )124ر .البرادي :الجواهر 225 :حيث عقد فصل للحديث عن أهوال الموت .
( )125ر .امحمد اطفيش :شرح النيل 604 -16/586 :وقد حوصل أهم ما جاء في كتب
أصول الدين عند الباضية وعند غيرهم.
---
( )2/65
( )2/66
ثم يضيف ":وعن ابن عباس لو غرغر المشرك بالسلم لرجوت له خيرا كثيرا .وعنه صلى ال
عليه وسلم " :يغفر ال لعبده ما لم يقع الحجاب" ( )133قيل وما وقوع الحجاب؟ قال ":تخرج
نفسه وهي مشركة" ويجاب أيضا بأن معنى الية أن المسوف والمصر ل تتحقق توبتها ،وقيل ل
تقبل توبة اليس" (. )134
والملحظ من كلم صاحب التيسير وما جمعه من نصوص الحديث أنه إلى القبول أميل إل أن
الية ل تحتمل ،فلذلك صرح بان ظاهر الية العكس.
وبهذا يتضح أن الباضية يعتبرون مثل الشاعرة أن الغرغرة تسد باب التوبة فما هو موقفهم من
التوبة عند نزول العذاب؟
-ل توبة عند نزول العذاب:
قال تعالى ( :فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين -84-فلم يك ينفعهم
إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت في عباده وخسر هنالك المبطلون) ( 40غافر .)85
ول ترى ضرورة في زيادة تحليل إذ الية صريحة في أن هذا ناموس من نواميس الحياة لم
يستثن إل مرة واحدة مع قوم يونس عليه السلم ( فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم
يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين) ( 10يونس .)98
وقد بين يوسف المصعبي أن توبتهم كانت نصوحا وان يونس اختفى قبل أن يأذن له ال لذلك
قبلت (. )135
-خروج الدابة:
قال تعالى ( :وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ل
يوقنون) ( 27النمل .)82
لقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد ما جاء عند البيضاوي والزمخشري في شأن هذه الدابة (
، )136وقد اختلف المفسرون في صفاتها اختلفا كثيرا ( )137والحسن الوقوف عند ظاهر
النص والعتبار والستعداد قبل حلول مثل هذه العلمة من علمات الساعة.
-طلوع الشمس من مغربها:
( )2/67
لقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن ومنها قوله صلى ال عليه وسلم " :إن للتوبة بابا عرض
ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ل يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (. )138
وقوله صلى ال عليه وسلم " :من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب ال عليه" (. )139
هذا في ما يتعلق بانقضاء فرصة التوبة بقي أن المصادر الباضية تشير إلى أن هناك ذنوبا ل
سبيل إلى التوبة منها وأخرى تغفر بدون فماذا عن هذا وذاك؟
-ما ل سبيل إلى التوبة منه:
جاء في كتاب السؤالت ":ومن أفعال المكتسب مال يمكن التوبة منها في قول جل أصحابنا وذلك
نحو :المتردي من الجبل والمهاوي التي يهلك فيها" (. )140
وهذا واضح لن المنتحر ليس في إمكانه أن يتدارك أمره وهو بالتالي أغلق باب التوبة على نفسه
بنفسه.
-ما يغفر بدون توبة:
وذلك لعفو ال بمنه وكرمه عنها على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال " :عن ال
تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ( )141وفي حديث آخر " :إن ال
تعالى تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" (. )142
فدل هذان الحديثان على أن العفو والتجاوز منه تعالى إنما هو لربعة أمور :الخطأ والنسيان
والستكراه وحديث النفس.
وبهذا تبينا الحالت التي يغلق فيها باب التوبة ،وكيف أنه يستحيل على المنتحر أن يتدارك أمره،
إل أن ال رحيم بعباده حيث يتجاوز عنهم ما ارتكبوه خطأ أو نسيانا ،وما بقي في مستوى الحديث
النفسي وما استكرهوا عليه .ومع ذلك فإن النسان كثيرا ما يغفل عن أمر ربه فل يبادر إلى
التوبة بل يصر على الكبائر وهو بهذا يغلق باب التوبة على نفسه بنفسه وفي هؤلء يتم إنفاذ
الوعيد فما هي أدلة الباضية النقلية والعقلية على هذا النفاذ؟
===================================
( )126ابن منظور :لسان العرب.
( )2/68
( )127امحمد اطفيش :جامع الشمل 240 :ويذكر أنه رواه الحاكم .وجاء عند أحمد بن حنبل
5/362ونصه ":من تاب قبل أن يغرغر نفسه قبل ال منه" ر .ونسنك :المعجم المفهرس:
4/480
( )128ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 158قفا.
( )129خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/243 :
( )130ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .2/229 :حديث قدسي لم يرد عند ونسنك لكن جاء
ما يفيد معناه في حديث للرسول عليه السلم :إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" .ر .الترمذي :
دعوات 98أبن ماجة :زهد 30 :الموطأ :حدود 2ز أحمد بن حنبل .153 ،2/133ر .ونسنك :
المعجم المفهرس 4/480
( )131غير وارد في المعجم المفهرس
( )132غير وارد في المعجم المفهرس
( )133غير وارد في المعجم المفهرس
( )134امحمد اطفيش :تيسير التفسير .2/286
ملحظة :لقد استفدنا من الرستاقي و امحمد اطفيش لننا لم نجد بحثا موسعا في ما بين أيدينا من
نصوص المرحلة المقررة .
ولزيادة التوضيح ر .الرازي :التفسير الكبير ،10/7محمد عبده :تفسير المنار ..350 -4/449
والطاهر ابن عاشور :التحرير .4/281والكل يلح على عدم قبول التوبة في حال الغرغرة ،وفي
ذلك يقول صاحب المنار " :وعلينا أن نأخذ بالحوط والسلم"
ويقارن البيجوري بين الشاعرة والماتريدية فيقول:ط ول فرق في عدم صحة التوبة في حال
الغرغرة عند الشاعرة بين الكافر والمؤمن العاصي وأما عند الماتريدية فل تصح من الكافر في
حال الغرغرة وتصح من المؤمن حينئذ "..جوهرة التوحيد197 :
( )135ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 293وجه.
( )136ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 648قفا ،وورقة 649وجه
( )137ر .الرازي :التفسير الكبير . 24/218ر .القرطبي :أحكام القرآن 238 -13/234ر.
محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف 6/40
( )2/69
( )138ر .امحمد اطفيش :جامع الشمل .239 :الطبراني في كبيره .لم يرد عند ونسنك :المعجم
المفهرس 13 -4/12
( )"139ر .امحمد اطفيش :جامع الشمل.240 :ر .مسلم عن أبي هريرة :الذكر .43ر .أحمد
بن حنبل . 2/275ر .ونسنك :المعجم المفهرس .1/282وجاء نفس المر عند الشاعرة ر.
البيجوري :جوهرة التوحيد .197
( )140عثمان السوفي :كتاب السؤالت ،218 :وفي هذا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم":
من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم" انظر ما يلي.623 :
( )141ر .ابن ماجة :الطلق 16ر .ونسنك المعجم المفهرس .6/443
( )142ر .البخاري :اليمان .15الطلق .11الترمذي :الطلق .8تفسير سورة البقرة .27ابن
ماجة :طلق .14أحمد بن حنبل .2/255ر .ونسنك :المعجم المفهرس .1/433
---
( )2/70
( )2/71
إن ما اطلعنا عليه من كتب أصول الدين عند الباضية في المرحلة المقررة وما قبلها وما بعدها
لم تهتم في موقفها من هذه اليات بأسباب النزول وإنما أقامت هذا الموقف اعتمادا على السس
التالية:
-النقل عن الرسول والصحابة والسلف.
-التأويل وعدم القتصار على الظاهر.
-الربط بين الخصوص والعموم.
-الستثناء والشريطة أو ما سمي بالمشيئة.
-التحليل البلغي.
والملحظ أن نزعة التحليل جاءت جدلية تغلب عليها اللهجة الدفاعية ،وهذا ناتج عن الحتكاك
الحضاري ببقية الفرق السلمية ،وتتفاوت اللهجة مرونة وحدة حسب العصور وتجدر الشارة
إلى أن هذا الموقف جاء ذاتيا لم يعول فيه أصحابه على تحليل المعتزلة وغيرهم ممن اتفقوا في
القول بإنفاذ الوعيد عدا ما جاء في العصر الحديث في تفسير محمد اطفيش وليس من الغريب أن
يأخذ هؤلء العلماء عن بعضهم البعض وقد غلب على المتأخرين مسلك الحالة على السابقين
ممن توفرت نصوصهم أكثر إل أنها كلها سكتت عن أول من ركز هذا الموقف بوضوح (، )8
وهو أبو خزر يغل بن زلتاف(ق 4هـ10/م) وسنورد هذا النص بعد حين ( )9لما له من أهميته
ولننظر الن في اعتماد المنهج النقلي.
أ? -اعتماد المنهج النقلي (: )10
لقد تناقلت المصادر الباضية نصوصا عن المام جابر بن زيد يرفعها الى رسول ال صلى ال
عليه وسلم وتتمثل في ما يلي :روي عن جابر بن زيد رحمه ال أن رجل قال يا أبا الشعثاء،
أرأيت قول ال تعالى ( :إن ال ل يغفر أن يشرك به) الية فقاله جابر :أوأنبأك ال لمن يشاء أن
يغفر؟ قال وأين أنبأني يا أبا الشعثاء ،قال ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) ( 4النساء .)31
( )2/72
وذكر جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " هلك المصرون" ثلثا فقال رجل يا رسول
ال فأين قوله تعالى ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " أفيكم
أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب أنا يا رسول ال فقال اقرأ ( وإني لغفار لم تاب وآمن
وعمل صالحا ثم اهتدى)( 20طه )82فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " لهؤلء وقعت
المشيئة ثلثا ( )11وكان جابر يذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم يقول " من أطمع في الجنة من
آيسه ال منها جمع ال بينهما في النهار" (. )12
أما الوارجلني فينقل عن جابر في الرد على من ربط المر بالمشيئة كما يلي ":وقد عارضوا
بالمشيئة مشيئة الباري سبحانه حيث يقول ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) وقال جابر بن زيد :قد
أخبرنا ال تعالى بمشيئته فيهم أولها التوبة قال ال عز وجل ( وإني لغفار لمن تاب) والثاني
الحسنات قال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ( 11هود )114والثالث:
السترجاع عند المعصية قال ال تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ( 2البقرة .)156
فوعد أفضل من المغفرة وما وراء هذا معاند مصر طاغ مستكبر وقالب فروته يدعو الى بدعته
ول سبيل للمشيئة في هذين لبطال الحكمة فيهما" (. )13
هذه نصوص نقلية ل نجد لها أثر عند غير الباضية يتناقلها الباضية عن إمامهم جابر بن زيد
مسندة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تتظافر في ما بينها فتفسر قوله تعالى ( يغفر لمن
يشاء) تفسيرا واضحا ل تترك المشيئة مطلقة بل تربطها بضرورة التوبة ،وعلة ذلك إقرار حكمة
ال تعالى إذ ليس من الحكمة أن يسوى بين التائب والمصر (. )14
( )2/73
ومع ذلك لم تكتف كتب الصول بهذا التحليل النقلي بل لجأت الى التحليل العقلي اعتمادا على
مقارنة النصوص القرآنية والربط بينها حتى يتعزز موقفهم القائل بأن هذه الية ل تنفي إنفاذ
الوعيد كما يذكر ذلك غيرهم (. )15
ب -التأويل وعدم الكتفاء بالظاهر (: )16
قال أبو خزر :ومما تحتج به المرجئة ول نعلم لهم في كتاب ال حجة أوثق في أنفسهم منها قول
ال ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فقالوا إن الكبائر التي هي دون
الشرك فإن ال يغفرها بل توبة.
يقال لهم أخبرونا عن هذه الية أتحملونها على ظاهرها أو تحتها معنى؟ فإن قالوا ليس تحتها
معنى وحملوها على ظاهرها فإنما قال ال( عن ال ل يغفر أن يشرك به) فهو إذن ل يغفر الشرك
لمن تاب ،وإن كان تحت الية معنى غير ظاهرها فينبغي أن يكون إنما يغفر لمن تاب من
الكبائر ،ويغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر لن ذلك كله دون الشرك ،ولو حمل القرآن على
ظاهره لتناقض .أل ترى أنه قال في هذا الموضع ل يغفر الشرك ،فلو حمل القرآن على ظاهره
لم يغفر الشرك به لمن تاب منه.
وقال في موضع آخر ( إن ال يغفر الذنوب جميعا) فدخل في الجميع الشرك وغيره من الذنوب
فلو حملت الية على ظاهرها لكان الشرك مغفورا بل توبة ،لنه قال( يغفر الذنوب جميعا).
( )2/74
ومما يبين أنها في التائبين قول ال عز وجل ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل
فلم يعذبكم (أي ال) بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ( 5المائدة
)18ولو حمل هذا أيضا على ظاهره لغفر لليهود والنصارى بل توبة وكذلك المنافقين قوله
( ليعذب ال المنافقين والمنافقات إن شاء أو يتوب عليهم) ( 33الحزاب )73وفي إجماعهم أنه ل
يغفر لليهود والنصارى والمنافقين إل بتوبة ما يقضي على الية الخرى ( ل يغفر أن يشرك به
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ( 4النساء )116للتائبين ويغفر الصغائر للمجتنبين للكبائر لن ما
اجتمع عليه الخصمان قاض على ما اختلفوا فيه" (. )17
هذا ما جاء عن أبي خزر ،أما أبو يعقوب الوارجلني فقد عبر عن هذا المعنى كما يلي ":فإن
قيل :تعلق التوبة بالية( إن ال ل يغفر )...لم يوجد ظاهرا ول مضمرا قلنا بل وجد ظاهرا
ومضمرا .أما الظاهر فقول ال تعالى( وإني لغفار لمن تاب) وأما المضمر فلن التوبة في إزاحة
المعاصي وبطلن العقاب عن المعاصي بل توبة ول رجوع يدل على إباحتها وليس لمغفرة
المعاصي بالمشيئة ل بالتوبة طائل،أشبه شيء بالباحة" (. )18
( )2/75
ويسلك أبو عمار مسلكا قريبا من هذا التأويل إل أن تحليله أدق مما سبق ،ولم يعرج على اليهود
والمنافقين وإنما اكتفى بالربط بين الصغائر والكبائر .فيقول في صدد الرد على القائلين بعدم
النفاذ ":فإن سألوا عن قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر) ...قيل لهم فقد قال ال أيضا (إن ال
يغفر الذنوب جميعا) ولم يخص ذنبا من ذنب ول غير شرك من شرك فيجب بهذا من قول ال أن
يكون يغفر الشرك وغير الشرك والقرآن يصدق بعضه بعضا .والذي قال أهل التفسير في تأويل
قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) يقول ل يتجاوز
عن شرك لقيه به عبده ،ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا :إن ما دون الكبائر مغفور لهله
متروك لهم إذا هم اجتنبوا الكبائر فوقع الغفران على الصغائر التي يوجب عليها العقاب وأكد ذلك
بقوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم) ( 4النساء )31فدل على أنهم إن
اجتنبوا الكبائر كفرت عنهم سيئاتهم التي هي دون الكبائر فإن لم يجتنبوا فل ،وقوله ( لمن يشاء)
فقد شاء أن يغفر لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا هو لقي ال بها.
وقال ال عز وجل ( الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم )32يريد من ألم
منهم بما دون الكبائر فقال ( إن ربك واسع المغفرة) ( 35النجم )32وهو تأويل سهل قريب
والحمد ل" (. )19
( )2/76
نلمس من هذه التأويلت أنها لم تنتهج نهج الجدل العقلي في تحميل النصوص مال تحتمل وإنما
سلكت مسلكا مقارنا حصل منه تعزيز للقول بإنفاذ الوعيد في أهل الكبائر .وواضح أنها نصوص
متكاملة تأخذ من بعضها البعض لتصل إلى نفس النتيجة والمدار في كل ذلك أنه كما يخرج
المشركون والمنافقون وأهل الكتاب من عموم الية ينبغي أن يخرج أهل الكبائر المصرون وتبقى
المشيئة مرتبطة بأهل الصغائر والمتأمل مليا يتبين أن هذه التخريجات ليست إل صياغة كلمية
لما نقله جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وسيبقى في هذا المحيط ما عبر عنه
بالخصوص والعموم.
================================
( )1انظر ما سبق488 :
( )2ر .عمرو التلتي :شرح النونية :ورقة 107وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور .277ر.
جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/6
( )3وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتنع تخلف الوعد ول يرد على ذلك أن
الوعيد يتخلف في المؤمن المغفور له لن اليات الواردة بعموم الوعيد مخرج منها المؤمن
المغفور له ،من إنقاذ الوعيد ولو في واحد التي في قوله :وواجب تعذيب ارتكب...كبيرة"...
البيجوري :شرح جوهرة التوحيد 102 -101 :
( )4وقد اخترنا هذا النسق لن هذه اليات يستدل بها في ما بينها وكلما تعرض موقف لواحدة قل
أن يسكت عن الخريات ،وحجة الجميع في ذلك أن القرآن كلم واحد مواقفه ما يلي ":لن القرآن
في حكم كلم واحد "...الكشاف.3/403 :
وقد نبه محمد جواد مغنية إلى هذا التفاعل بين اليات بوضوح وصراحة في قوله ":وبعد أن
تمهد معنا هذا نقارن بين ثلث آيات ومن نتيجة المقارنة يتضح المراد من قوله تعالى] إن ال ل
يغفر أن يشرك به[ ،وهي آية 53الزمر,آية طه والثالثة هي الية المذكورة :النساء 48و .116
التفسير الكاشف .2/343
( )2/77
وما صرح به مغنية جاء ضمنيا في جميع ما اطلعنا عليه من كتب الصول وكتب التفسير التي
سنحيل عليها أثناء التحليل.
( )5قد تكررت مرتين في سورة النساء ويحسن أن نذكر ما جاء بعدها لنه تقع الشارة إليه أثناء
التحليل .والية ختمت بقوله تعالى] من يشرك بال فقد افترى إثما عظيما[( 4النساء ،)48وقد
جاءت بعدها إشارة إلى الذين يزكون أنفسهم مع تبيين أن ال يزكي من يشاء.
وما الية 116فقد جاءت بعد توعد الذين يشاقون الرسول وختمت بقوله تعالى ] :ومن يشرك بال
فقد ضل ضلل بعيدا[( 4النساء .)116
( )6وقد جاءت آية كاملة في سياق تحذير بني إسرائيل من الطغيان في نعم ال تعالى والكفر بها.
( )7هذه الجملة جزء من الية التالية ]:قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من
رحمة ال إن ال يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم[ .وقد جاءت مبشرة في سياق أساسه
التحذير من مغبة السيئات لما ينجر عنها من سوء العقاب .وقد جاء بعدها أمر بالنابة وهو قوله
تعالى ] :وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون[ ( 39الزمر .)54
( )8هذا بناء على ما بين أيدينا من نصوص وإل فأن دقة النص ووضوحه تدلن على أن صاحبه
أخذ هو الخر عمن سبقه مثل كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري أو غيره.
( )9انظر ما يلي605 :
( )10وقد وردت هذه النقول عند كل من أبي يعقوب الوارجلني وأبي مهدي والشماخي والتلتي
والثميني وابن تعاريت وقد جمعها صاحب قاموس الشريعة مع اختصار لما أضافه الوارجلني
ولذلك سنجمع بين النصين مع العلم أن ما يسند إلى جابر مروي عن الرسول eوقد أشرنا إلى
ذلك باختصار في التمهيد .انظر ما سبق 487 :و 530
( )11انظر 530 :
( )2/78
( )12ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 108وجه ،أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد
على البهلولي .158 :يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا و 167وجه
.عبد العزيز الثميني :النور 279 -278جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/9 :و
.10
والحديث :من أطمع في الجنة "...لم يرد عند ونسنك
( )13أبو يعقوب الوارجلني :الدليل . 2/45ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي39 :
.نقل نص أبي يعقوب مكتفيا بذكر اليات فاختصاره جاء وافيا ووددنا لو أحال أبي يعقوب.
( )14إن تمسك الباضية بالحكمة فقد عولت الفرق الخرى على الفضل والرحمة.
( )15يقول اليجي في المواقف 2/449 :مع الشرح (الثاني اليات الدالة عليه) أي على العفو عن
الكبيرة قبل التوبة نحو قوله ]:ويغفر من دون ذلك لمن يشاء[(النساء )31فإن ما عدا الشرك
داخل فيه ،ول يمكن التقييد بالتوبة لن الكفر مغفور معها ،فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما
ثبت له وذلك مما ل يليق بكلم عاقل فضل عن كلم ال (و) قوله ] إن ال يغفر الذنوب جميعا[(
39الزمر )53فإن عام للكل فل يخرج عنه إل ما أجمع عليه (و) قوله ] وإن رك لذو مغفرة
للناس على ظلمهم[ والتقرير ما ذكرناه آنفا إلى غير ذلك من اليات الكثيرة 449 :
ويورد البيجوري وهو في صدد النتصار إلى قول الشاعرة بعدم إنقاذ الوعيد ما يلي :قال ال
تعالى ]:إن ال ل يغفر أن يشرك به[ وهذه الية مقيدة لقوله تعالى ]:إن ال يغفر الذنوب
جميعا[ .كما ينقل حديثا عن الرسول عليه السلم ":من وعده ال على عمل ثوابا فهو منجز له ،
ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
جوهرة التوحيد .101ولم يرد عند ونسنك :المعجم المفهرس.7/255 :
( )2/79
( )16ر .أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين 62 -61 :ر .أبو مهدي عيسى
بن إسماعيل :الرد على البهلولي.158 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/9 :ر.
عبدال السالمي :المشارق.302 -301 :
( )17أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين .62 -61 :
لقد استفاد أبو عمار عبد الكافي من هذا النص إل أنه صاغه صياغة جدلية أدق ر .الموجز:
.2/115كما استغله عبدال السالمي استغلل ذكيا في ما قرره من ردود .ر .المشارق-301 :
302وكذلك فعل جميل ابن خميس السعدي مع تصرف واضح في صيغة الجدل.ر .قاموس
الشريعة 6/9
( )18أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي ، 159 -158 :ينقل أبو مهدي النص
عن أبي يعقوب الوارجلني ولم نتمكن من تحديده في ما بين أيدينا من مؤلفات أبي يعقوب.
( )19أبو عمار عبد الكافي :الموجز115 -2/113 :
---
( )2/80
( )2/81
ويورد يوسف المصعبي كلم الزمخشري حيث يقول ":فإن قلت :قد ثبت أن ال عز وجل يغفر
الشرك لمن تاب منه ،وانه ل يغفر ما دون الشرك إل بالتوبة فما وجه قوله ( إن ال ل يغفر أن
يشرك به) قلت :الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى -لمن
يشاء -كأنه قيل إن ال ل يغفر لمن يشاء الشرك ،ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد
بالول من لم يتب وبالثاني من تاب ونظيره قولك :إن المير ل يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن
يشاء ،تريد ل يبذل الدينار لمن ل يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله" (. )26
وقد زاد كل من محمد اطفيش ( )27وسعيد بن تعاريت ( )28القضية تحليل في ما بعد.
فالباضية حينئذ استفادوا هذا الدليل من المعتزلة وتبنوه ،ومهما يكن من أمر فإن هذا التخريج
البلغي ليس من التعسف في شيء كما ذهب إلى ذلك السيد علي بن محمد الجرجاني في حاشيته
على الكشاف حيث يختم انتقاده بقوله ":وما هذا إل من جعل القرآن تبعا للرأي نعوذ بال من ذلك"
( )29ما دامت اللغة العربية تتحمل ذلك ،والزمخشري ل يشق له غبار في هذا الباب وهو من
أئمة اللغة قبل كل شيء.
والملحظ أن هذه الجملة تكررت بنفس الصيغة وفي نفس السورة ليس بينهما إل ثماني وستين
آية ،وقد اعتبر يوسف المصعبي مثل الزمخشري أن ذلك من باب التأكيد (. )30
ذلك هو موقف الباضية من هذه اليات وقد جمعوا فيها بين العتماد على النقل وعلى التأويل
والربط بين الخصوص والعموم ،والتحليل البلغي ليصلوا إلى أن المشيئة مرتبطة ارتباطا
جوهريا بالتوبة وهكذا يخرج المصرون من هذه المشيئة وهم في هذا يتفقون والمعتزلة بينما
يختلفون عن الشاعرة الذين يتركون المشيئة مطلقة فتشمل المصرين أيضا وقد نبه إلى ذلك
يوسف المصعبي ( )31بوضوح.
المجموعات الخرى من اليات:
( )2/82
وإذا كان مثار الجدل شديدا مع اليات السابقة فإن آيات أخرى ل تخلو من مثل ذلك الجدل ،
ولذلك رأينا أن ننظر في بعض الجموعات الخرى مع العلم أننا ل يمكن أن نستوفيها عن آخرها
وإنما ننتخب ما جاء أكثر تعبيرا عن مسلك الباضية في الدفاع عن موقفهم وكذلك مسلك الفرق
الخرى في توظيف هذه اليات في الخط المغاير ومنها:
)1آيات مفادها أل تبديل لكلمات ال
وما دام عنوان القضية إنفاذ الوعيد أو خلف الوعيد فللقائلين بالنفاذ أن يحتجوا بمثل هذه اليات
على عدم جواز الخلف وللخرين أن يردوا معتبرين الخلف من باب التفضل والرحمة وال ( ل
يسأل عما يفعل) ( 21النبياء )23ومن هذه اليات ما يلي
( -ما يبدل القول لدي) )32( .
( -إن ال ل يخلف الميعاد) )33( .
( -فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) .
( -فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) (.)34 )34
( -ل تبديل لكلمات ال) (.)35 )35
يقول أبو عمار بعد الستشهاد بهذه اليات " :وذلك أن ال عز وجل وعد قوما وتوعد آخرين،
فجعل وعده بالجنة لوليائه المؤمنين وجعل وعيده النار لعدائه الكافرين ،ولن يجوز أن يكون
وعده أو وعيده مبدل ول محول ول مستثنى فيه ،ول مرجوعا عنه إذ ل يجوز أن تكون أخباره
جل جلله متكاذبة ول متناقضة" (. )36
ويعتبر عمرو التلتي كذلك أن في عدم التعذيب تبديل القول وهو نقص في حقه تعالى ل يجوز
عليه (. )37
وجاءت اليات في قاموس الشريعة في سياق الرد على من يعتبر أن إخلف الوعيد أمر ممدوح
مع تبيين أن الممدوح بحق هو من ل يخلف وعده ووعيده (. )38
أما محمد اطفيش فبين أن (ما يبدل القول لدي) تحمل عدة تأويلت كلها توعد ،وذلك منن بينها "
مطلق الوعد والوعيد" ( )39وجاء موقفه صريحا من قوله تعالى ( ل تبديل لكلمات ال) أي ل
تبديل ل لوعده ول لوعيده ول لشيء مما قضى وهذا لعمومه (. )40
( )2/83
واضح أن هذه اليات فعل بها مثل اخوتها السابقة وكل وجهها وجهته واستدل بها على الطرف
المقابل والمهم أن الباضية ل سبيل لهم من أن يسلموا من هذا المسلك ما دام النص من المتشابه
ويتحمل التأويل ول لوم عليهم في ذلك لنهم يقرون بالتأويل من بداية الشوط كما رأينا (. )41
=============================
( )20انظر ما سبق603 :
( )21أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي158 :
ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا و 167وجه.
( )22ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه.
( )23لقد حرر هذه القضية كل من أبي عمار في الموجز 2/115والسالمي في المشارق -301
302ونختار نص السالمي لنه جاء أكثر شمول ول شك أنه استفاد من كلم أبي عمار الذي جاء
واضحا دقيقا إل أنه مختصر.
( )24ر .عبد ال السالمي :المشارق302:
( )25يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه .الزمخشري :الكشاف /1
532
( )26يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه .الزمخشري :الكشاف /1
532
( )27امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 2/336 :2
( )28ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود128 -127 :
( )29السيد علي الجرجاني :حاشية على الكشاف1/533:
ولو تأمل الجرجاني نفسه في ما قاله لوجد هو أيضا أنه حمل النص على رأيه وهذا اتهام قل من
يسلم منه من أهل التفسير والتأويل.
ورأينا أنه ل حرج في ذلك ما دام النص يحتمل ،وتلك قيمة المتشابهات في القرآن الكريم .انظر
ما سبق 271 :وما يليها
( )30يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 177قفا
( )2/84
ملحظة :لقد نبه صاحب المنار إلى أن المفسرين ذهبوا إلى أن التكرار من باب التأكيد والولى
أن يعلل تعليل نفسيا ،ومحوره أن القصد من العادة إثارة النفوس حسب متطلبات السياق لن
القرآن كتاب هداية .ر .تفسير المنار 5/418 :ويطرب محمد جواد مغنية لهذا التحليل وينقل نص
المنار بحذافره.ر .التفسير الكاشف.2/440 :
( )31ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا ورقة 177 :قفا.
( )32لقد جاءت هذه الجملة في سياق تخاصم أهل النار ردا من ال تعالى والية هي ]:قال ل
تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد()28ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد[ ( 50قَ-28
.)29
( )33جاء في سياق توعد الغافلين عن العذاب] ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة
أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد[( 13الرعد .)31
( )34والسياق في حوار أهل الجنة وأهل النار والية هي ]:ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار
أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم[( 7العراف )44
( )35جاءت في سياق تبشير أولياء ال والية ] لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الخرة ل تبديل
لكلمات ال ذلك هو الفوز العظيم[( 10يونس .)64
( )36أبو عمار عبد الكافي :الموجز ،2/105 :انظر قضية أن الوعيد خبر أو إنشاء في ما بعد:
633
( )37ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 107قفا .ر عبد العزيز الثميني :النور 278
( )38جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/10 :
( )39امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 6/513 :1
( )40ر .نفس المصدر .3/76
والملحظ أن يوسف المصعبي لم يقف عند القضية عند شرحه لهذه اليات إل وقفة عابرة ر.
حاشية على تفسير الجللين ورقة 291وجه.
( )2/85
ويذهب المعتزلة نفس المذهب فيقول القاضي عبد الجبار ما يلي " :ويدل على أن الوعيد الوارد
عن ال ل يتبدل ول يتغير ،وأنه ل يجوز أن يكون فيه إضمار وشرط ،ول أن يكون خارجا
عن وجه التعمية ول يجوز فيه الخلف لن كل ذلك يقتضي التبديل ،وقد أبى ال تعالى ذلك في
وعيده ،وبين أنه وإن فعل ما توعد به فليس بظلم للعبيد لن لم يفعل بهم إل ما استحقوه من
العقاب على ما كان منهم من المعاصي " .القاضي عبد الجبار :متشابه القرآن .2/626
( )41انظر ما سبق .271
---
( )2/86
( )2/87
ويمر محمد اطفيش على آية سورة البقرة دون أن يشير إلى القضية إل انه صرح في آية سورة
الليل بما يلي ":والحصر إضافي أي إنما يدخل المشرك الشقي ل الموحد المطيع فيبقى الموحد
الفاسق لم يذكر فيؤخذ حكمه من الي الخر والحاديث وهو دخول النار وعدم الخروج" (. )48
وإنه لمن نفل القول أن نذكر أن المسلك واحد وأساسه استغلل الي لسياق الفكر العام لدى كل
جماعة والمتشابه يحتمل كل هذه الوجوه.
كما نلحظ أن حجج الباضية هي نفس حجج المعتزلة وما دام الموقف واحدا فل حرج في ذلك،
يبقى أن السالمي جعل كل هذه النصوص في سياق واحد مما جعل الموقف أكثر وضوحا ،ول
يجب أن نغفل عن حقيقة أساسية وهي الختلف في السماء فمدلول كلمتي " كافر" و" فاسق"
يختلف كما رأينا ( )49من فرقة إلى أخرى.
وقبل أن نختم القول مع هذا المسلك من الحتجاج القرآني يحسن أن نذكر مجموعة أخرى من
اليات مفادها إنفاذ الوعيد في عصاة أهل الصلة.
)3مرتكب الكبيرة وآيات الوعيد (: )50
( -إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (. )51
( -ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) )52( .
( -ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما)
)53( .
هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن
عمدا.
هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن
عمدا.
( )2/88
ويقول أبو عمار في شأن هذه اليات وآيات أخرى ( " : )54وهذا كله في كتاب ال عز وجل
وعيد لهل الكبائر من أهل الملة على كبائرهم ،أو يقول قائل إنه وعيد للمشركين على هذه الكبائر،
وليس بوعيد لهل الكبائر من أهل التوحيد؟ ويقال عند ذلك فكذلك النهي عن هذه الكبائر إنما هو
نهي للمشركين ،وليس هو لهل الكبائر من أهل التوحيد لما كان هذا الوعيد جاء مقرونا بالنهي
ول يجد في ذلك فرقا أبدا مع ما في قوله بذلك من الفساد الذي ل يتوهم غايته ول تكيف نهايته
إذا كان الوعيد للمشركين أن يكون ال غنما حض المشركين على أل يولوا أدبارهم للمسلمين
ويتوعدهم على أن يفعلوا ذلك فيقول :ومن يولي دبره من المشركين للمؤمنين فقد باء بغضب من
ال ومأواه جهنم وبئس المصير...وهذا من الهذيان الذي ل يتكلم به المجنون المغلوبون على
عقولهم أو من هو في مثل حالهم" (. )55
وينقل يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري ومفاده أن الية من الدلة القطعية على إنفاذ
الوعيد في أهل الصلة ويختم السياق بتعجب ممن يرون خلف الوعيد كما يلي ":والعجب من قوم
يقرأون هذه الية ويرون ما فيها ...ثم ل تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما
يخيل إليهم مناهم ،أن يطعموا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة)56( "...
ويذكر عمرو التلتي بعد إيراد مثل هذه النصوص أن " القول بحمل تلك النصوص على خلف
ظاهرها غير معول عليه" (. )57
وكذلك يبين السالمي أن الوعيد يشمل مرتكبي الكبائر وهم كفار نعمة حسب المصطلح الباضي (
. )58
ويتبنى جميل السعدي موقف أبي عمار في التحدي والتهكم إلى أن يقول ":ولعمري إن من زعم
أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط الحساب صراحا لن المحارم
إنما تتقي من اجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقط أباحها" (. )59
ولم يشر محمد اطفيش إلى هذه القضية الكلمية عند تفسيره لهذه اليات (. )60
( )2/89
واضح من خلل هذا التحليل أن حجج الباضية والمعتزلة أقرب إلى الظاهر في هذه اليات وان
الرازي اضطر في ردوده إلى أن يستعمل حجج المعتزلة في تفسيق المؤمن للرد عليهم فحمل
الية أكثر مما تتحمل.
والحق -حسب ما رأينا -وغن كانت المجموعتان السابقتان تحتملن مختلف وجوه التأويل لن
ظاهرها واضح فهي تستهل بنداء المؤمنين ثم تذكر المعصية وما ينتظرها من عذاب مبين ،وغاية
القائلين بعدم إنفاذ الوعيد أن يرجعوا إلى القول بالعذاب المؤقت فالخروج من النار من طريق
الفضل أو الشفاعة وهو مال يقول به الباضية.
وبعد الستدلل بالقرآن الكريم يأتي الستدلل بالحديث الشريف؟.
الحجج النقلية من الحديث الشريف:
إن المتمتع لما عرضه الباضية وغيرهم من الدلة النقلية يلمس بوضوح وفرة النصوص القرآنية
وندرة الحتجاج بنصوص الحديث وذلك أن جل الحاديث المتعلقة بالموضوع لم تبلغ درجة
التواتر لكنه يلجا إليها من حين لخر لمؤازرة النص القرآني وتقويته.
وقدن أوردنا بعضا من الحاديث التي تتوعد مرتكبي الكبائر بالنار ونضيف إليها قول صلى ال
عليه وسلم " :القليل من أموال الناس يورث النار" (. )61
يذكر السالمي أن الحديث بهذا النص تفرد به الربيع وقد جاء معناه في عدة أحاديث ( منها ما
رواه البخاري في باب إثم من ظلم شيئا من الرض) عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم " :من أخذ من الرض ومصداقه في حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين"
ورواه أحمد أيضا ومصداقه في قوله تعالى ( :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في
بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) ( 4النساء .)10عن أبي برزة :أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال " :يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ،فقيل يا رسول ال من هم؟ قال:
ألم تر أن ال يقول (:إن الذين يأكلون)". )62( . ..
( )2/90
والمهم تعليق السالمي بعد شرح الحديث بقوله ":وأحاديث الباب ( )63قاطعة بتعذيب الظالم إذا
مات على ظلمه فهي حجة على المرجئة مع اعترافهم بصحتها" (. )64
كما يمكن أن نذكر حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ":من كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده
من النار" (. )65
ولم يلح المحشي كثيرا على قضية الوعيد إل انه نقل ما يدل على التمييز بين من كذب على
الرسول صلى ال عليه وسلم ومن كذب على غيره ومن ذلك :قال الطيبي :والمعاصي توعد
عليها بالنار...
الجواب الثاني ...:ول يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه وكذب على غيره أن يكون
مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء ،فدل قوله صلى ال عليه وسلم (فليتبوأ) على طول القامة
بل ظاهره انه ل يخرج منها لنه لم يجعل له منزل غيره.
ويعلق المحشي ":أقول هذا هو الحق ،وما ذكره (أي الطيبي وهو ليس من الباضية) من خروج
العصاة باطل" (. )66
ويعلق السالمي على هذا الحديث المذكور بما يشبه ما علق به على الحديث السابق وبصيغة أعم،
" والحديث يدل على القطع بتعذيب أهل الكبائر وتخليدهم في النار ،وهو حجة على من خالفنا في
ذلك وال أعلم")67( .
وانظر إلى الوعيد القطعي الذي يصبه الرسول صلى ال عليه وسلم على من يدعي انه من أهل
الجنة " :من قال أنا من أهل الجنة فهو من أهل النار" .
ويعلل السالمي هذا الحكم بأنه حكم بالغيب وادعاء ما ليس له وذلك كبيرة توجب دخول النار
ويختم بما يلي ":وفي الحديث وجوب الخوف والرجاء لن القطع بأحد الطرفين من غير وحي
كفر" (. )68
ويستشهد محمد اطفيش عند تفسيره لقوله تعالى ( :ول تقتلوا أنفسكم) ( 4النساء )29بحديثي
الرسول صلى ال عليه وسلم .
-من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ( . )69ومن
قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا (. )70
( )2/91
ولم يعلق عليهما إل أن مواطن الستشهاد في تقرير إنفاذ الوعيد إذ الية تختم بقوله تعالى ( ومن
يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا) (. )71
ويورد المحشي في حاشية الترتيب ما يلي ":قال الربيع بن حبيب قال جابر بن زيد يروي عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :ل يدخل الجنة مخنث ول ديوث ول فحلة النساء ول
الركاضة.
قيل وما الركاضة يا رسول ال؟ قال التي ل تغار" (. )72
قوله " :ل يدخل الجنة مخنث "....وجه الدليل منه أن من لم يدخل الجنة كان من أهل النار ومن
كان من أهل النار فهو كافر لقوله تعالى ( :النار وعدها ال الذين كفروا) ( 22الحج )72فعلم منه
انه ل يدخل النار إل كافر ولذلك قال الشيخ أبو نصر( :طويل)
وروي في الجامع الصغير من كتب قومنا في هذا عدة أحاديث منها " ل يدخل الجنة إل رحيم" (
)73ومنها " ل يدخل الجنة قاطع رحم" ( )74ومنها " ل يدخل الجنة خب" ( " )75ول بخيل ول
منان)76( . ..
وتأولها الشارح على قاعدة مذهبهم الفاسد من انه محمول على المستحل ليكون شركا لن الكفر
عندهم هو الشرك أو ل يدخل الجنة مع السابقين إليها أو ل يدخلها حتى يعاقب إل أن يغفر اله له
ولول التأويل لشركوا" (. )77
كما يعلق المحشي على ما أورده ابن حجر من شروح لقول الرسول عليه السلم " :إذا قال رجل
لرجل أنت عدوي فقد كفر أحدهما" ( )78بقوله " ثم لما كان الكفر عندهم خاصا بالشرك احتار في
تأويل هذه الحاديث المصرحة بكفر الموحد. )79( "...
( )2/92
كما يعدد المحشي من ل يكلمهم ال يوم القيامة وهؤلء الذين غضب ال عليهم نفذ فيهم الوعيد
أقول ":والذي يتحصل مما ذكره في الجامع فيمن ل يكلمهم ال يوم القيامة ول ينظر إليهم نحو
تسعة عشر صنفا :وهم المسبل إزاره خيلء والمنان الذي ل يعطي شيئا إل منة ،والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب ،ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال امرئ مسلم (، )80
ورجل بايع رجل سلعة بعد العصر حلف له بال لقد أعطي له فيها كذا وكذا الخ ،ورجل حلف
على سلعته لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب ،ورجل منع فضل مائه ورجل على فضل
ماء بالفلة يمنعه من ابن السبيل ،ورجل بايع إماما ل يبايعه إل للدنيا وشيخ زان ،وملك كذاب،
وعائل سكير ،والعاق لوالديه ،والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ،والديوث ،ومدمن الخمر،
وحر باع حرا ،وحر باع نفسه ،ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه" (. )81
هذا وإن اعتمد الباضية أحاديث تعزز موقفهم فقد اعتمد غيرهم أحاديث تدعم رأيهم في عدم إنفاذ
الوعيد وفي ذلك يقول صاحب قاموس الشريعة ":وقد صح في آيات الوعيد لفسقة المؤمنين
روايات معهم موافقة على ثبوته فيهم وروايات على العفو عنهم ،وروايات بالشفاعة وروايات
بتعذيبهم على قدر أعمالهم فصح أن روايات كثيرة معهم غير صحيحة لنها روايات تناقض
بعضها بعضا متى صحت واحدة كذب ما خالفها ل محالة" (. )82
وتبقى القضية حينئذ محل أخذ ورد بالنسبة الى الحتجاج بالحديث وذلك لختلف الروايات
والباضية مثل غيرهم تجمع لديهم كما بينا رصيد من الحديث يدعم قولهم بإنفاذ الوعيد .ومن
الدلة النقلية فإلى الدلة العقلية.
=======================
( 92 )42الليل 16 -15 -14جاءت اليات متكاملة.
( 20 )43طه 48جاءت في سياق تبليغ موسى وهارون الدعوة لفرعون.
( )2/93
( 2 )44البقرة 24جاءت في سياق يدعو الناس عامة إلى الخضوع إلى ال تعالى ولي النعم
ويتحدى المشركين بأن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم فإن عجزوا فل سبيل إل الخشية من
العذاب.
( )45لقد ذكر ثلثة إجابات اكتفينا بذكر جواب منها.
ملحظة :لم يتعرض يوسف المصعبي للقضية تماما عند تفسير هذه اليات ر .حاشية على
تفسير الجللين ورقة 22قفا ،ورقة 469وجه .لذلك اعتمدنا على السالمي ،واخترناه للمامه
بالقضية وجمعه بين كل هذه اليات في سياق واحد.
( )46ر .عبد ال السالمي :المشارق300 :
( )47جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/18 :
( )48امحمد اطفيش :هيميان الزاد 1/359 ،2ر .تيسير التفسير ط 613 -6/612 ،1
ملحظة :لم يهتم مغنية في تفسيره بهذه القضية في سورة البقرة م 1ص 65لكن الرازي رد
بوضوح على المعتزلة فقال ]:أعدت للكافرين[ وليس فيه ما يدل على أن هناك نيرانا أخرى غير
موصوفة بهذه الصفات معدة لفساق أهل الصلة" .التفسير الكبير2/122 :
أما آية سورة الليل فقد ألح كل من الزمخشري 262 -4/261 :والقاضي عبد الجبار في تنزيه
القرآن عن المطاعن ،466 -465 :وفي متشابه القرآن 2/692على أن السياق ل يخرج فساق
أهل الصلة.
ويتأول الرازي حجج القاضي حجة حجة فيضفها ثم يقرر ما يلي:
-1ل يصلها :ل يلزمها في حقيقة اللغة ،يقال صلى الكافر النار إذا لزمها مقاسيا شدتها
وحرها ،وعندنا أن هذه الملزمة ل تثبت إل للكافر ،أما الفاسق فإما أل يدخلها ،أو إن دخلها
تخلص منها.
( )2/94
-2أن يخص عموم هذا الظاهر باليات التالية على وعيد الفاسق 29/204.إل أن جواد مغنية
7/575ينطلق من تفسير عبده ليقارن بين الشقي والشقى ثم يقول " :والتفاوت بين الشقي
والشقى إنما هو في أليم العذاب وشدته ل في أصل العذاب ،وعليه يكون المراد بالشقى هنا من
عصى ال وأعرض عن أمره سواء أعرض عنه لن ل يؤمن بال وشريعته أم آمن به وبشريعته
ولكنه قصر وتهاون ،ل فرق بين الثنين لن اليمان وسيلة للعمل وليس غاية في نفسه ،فقد ثبت
بنص القرآن أن من آمن ولم يعمل فهو والكفر بمنزلة سواء قال تعالى ]:ل ينفع نفسا إيمانها لم
تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا[ ( 6النعام )158أي لم تؤمن إطلقا أو آمنت ولم
تعمل.
( )49انظر ما سبق 506
( )50ل يمكن أن نذكرها كلها وإنما نكتفي بذكر ما جاء في سورة النساء.
( 4 )51النسائي 10جاءت الية في سياق توزيع الميراث والظلم في ذلك.
( 4 )52النسائي 30والوعيد للذين يأكلون الموال بينهم بالباطل.
( 4 )53النسائي 93والسياق في حكم كفارة من يقتل أخاه المؤمن خطأ.
( )54مثل قوله تعلى ] :يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فل تولوهم الدبار ،ومن
يولهم يومئذ دبره إل متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من ال ومأواه جهنم وبئس
المصير[( 8النفال .)16
( )55أبو عمار عبد الكافي :الموجز113 -2/122 :
( )56ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 175وجه ر .الزمخشري:
الكشاف .1/554 :والملحظ أن المصعبي لم يتعرض للقضية مع اليتين 10و 30من سورة
النساء .ر .ورقة 156وجه وورقة 156وجه وورقة 162وجه.
( )57ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 107قفا .ر عبد العزيز الثميني :النور 278
( )58ر .عبد ال السالمي :المشارق 299
( )59جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/7 :
( )60ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 2/272 ،2و 310و .385
( )2/95
والملحظ أن القاضي عبد الجبار لم يتعرض لقضية إنقاذ الوعيد في أهل الكبائر في تنزيه القرآن
عن المطاعن88 :و 93و 104وقد نقلنا رأي المعتزلة عن الزمخشري .وكذلك لم يقف محمد
جواد مغنية في تفسير الكاشف عند القضية ر2/260 .و 304و .408
أما الرازي فقد رد على المعتزلة بشدة وبين أن الوعيد مختص بالكفار ر .التفسير الكبير .10/73
وكذلك سلك القرطبي نفس المسلك ر .أحكام القرآن 5/154و 158و .334
( )61الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2/66عدد .690لم يتعرض المحشي عند شرح هذا
الحديث لقضية الوعيد ر .حاشية الترتيب .6/115لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم
المفهرس.
( )62عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح 32/494:تعليق 495والحديث المستشهد به لم يرد
عند ونسنك
( )63وهو باب الوعيد في الموال.
( )64عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح3/495:
( )65الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح ج 2عدد . 639ر .البخاري :علم ،38جنائز ،33أنبياء
،50أدب .109مسلم :زهد ،72أبو داود :علم .4الترمذي :فتن ،70علم 13 ،8تفسير
الفاتحة ،1مناقب ،19ابن ماجة مقدمة .4الدارمي مقدمة 46 .25أحمد بن حنبل ...2/47ر.
ونسنك :المعجم المفهرس5/10 :
( )66المحشي :حاشية الترتيب6/256:
( )67عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح .3/600:ويشير الشارح إلى أن هناك من حكم
بالشرك على من يكذب على رسول ال eومن ها هنا اختلف قومنا في تشريك الكاذب على
رسول ال eوفي قبول توبته (أ) وعندنا أنه ل يشرك بل يكفر كفر نعمة ،وأن توبته بشرطها
مقبولة".
( )2/96
أ) ويعلق المحقق -التنوخي -بما يلي :علينا أل نحسب أن تشريك المسلم هين بل هو عند ال
عظيم ،يفعل ذلك المتألون كما مر بنا (ب) على ال الرحيم الغفار يقولون هذا في الجنة وهذا في
النار فالذي يطمئن إليه القلب ويرضى عنه الرب أن نجعل هذا الكفر كفر نعمة ل كفر إلحاد برب
العباد ،ولو شددنا في التفكير لخرجنا اكثر مسلمي هذا العصر من اليمان ،ولحجرنا واسعا على
المسلم في التشديد في الكذب ،ول سيما بعد أن عم البلء ،فلنرحم من في الرض يرحمنا من في
السماء.ر .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح 3/600 :
ب) (كما مر بنا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم" ويل للمتألين من أمتي الذين يقولون فلن
في الجنة وفلن في النار".
" وجاء في اللسان(أل) وقد تأليت وائتليت وآليت على الشيء وآليته على حذف الحرف :أقسمت
وفي الحديث :ومن يتأل على ال يكذبه أي من حكم عليه وحلف كقولك وال ليدخلن ال فلنا
النار ،وينجحن ال ويقولون :فلن في الجنة وفلن في النار .عبد ال السالمي :شرح الجامع
الصحيح 3/597 :تعليق عدد 1للتنوخي.
( )68والحديث ":من قال أنا أهل الجنة فهو من أهل النار" جاء عند الربيع بن حبيب :الجامع
الصحيح 2/737ص .73ويذكر عبدال السالمي أنه الحديث الثاني في البخاري من باب
( الدخول على الميت بعد الموت إذا ادرج في كفنه) .ر .شرح الجامع الصحيح 597 -3/596
مع تعليق المحقق عدد 2ويصعب التمييز عند ونسنك بين هذا الحديث وغيره لنه جمع كل
الحاديث التي ورد فيها ذكر "أهل الجنة " .تحت عنوان واحد .ر .المعجم المفهرس .1/377
( )69ر .مسلم إيمان .175الترمذي طب .7النسائي :جنائز ،68الدارمي الديانات . 10أحمد
بن حنبل . 2/254ر .ونسنك :المعجم المفهرس .250 /2
( )2/97
( )70ر .البخاري :جنائز .83أدب 73 .44مسلم إيمان 177 .175الترمذي:إيمان ،16طب
.7النسائي إيمان .31 .7جنائز 68الدارمي :ديات .10أحمد بن حنبل . 2/254ر .ونسنك:
المعجم المفهرس 5/268انظر ما يلي .746 :
( )71النسائي .30ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط . 310 -2/309 ،2
( )72الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/2عدد .743لم يرد هذا الحديث عند ونسنك بهذه
الصيغة لكن جاء بصيغة اللعن" لعن النبي المخنثين من الرجال ".البخاري :لباس ،62حدود 33
الترمذي أدب .34الدارمي :استئذان ،21أحمد بن حنبل . 225 /1ر .المعجم المفهرس .86 /2
وجاء أن الديوث ممن ل ينظر ال إليهم يوم القيامة .أحمد بن حنبل .128 .69 ،134 /2
النسائي . 69ر .المعجم المفهرس 162 /2 :انظر ما سبق.537 :
( )73لم يذكره ونسنك لكن نجد نصا قريبا منه وهو "إنما يرحم ال من عباده الرحماء" ر.
البخاري :جنائز ،32إيمان ،9مرضى ،9توحيد ...25ر .المعجم المفهرس 2/237
( )74ر .مسلم بر .19 .18أحمد بن حنبل 229 /4 .83 ,3/14 ،284 /2 :ر .ونسنك :
المعجم المفهرس 2/237
( )75الخب :من خب يخب خبا :خدع وغش فهو خب(.المعجم الوسيط)
( )76ر .الترمذي :بر .41أحمد بن حنبل 7 ،1/4ر .ونسنك :المعجم المفهرس 6/273
( )77المحشي :حاشية الترتيب7/1:و 2
( )78ولفظه في البخاري :إذا قال الرجل لخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ر .البخاري أدب
،.73مسلم :إيمان ،111الموطأ :كلم .1أحمد بن حنبل 60 .44 .2/18ر .ونسنك :المعجم
المفهرس 6/41
( )79المحشي :حاشية الترتيب14 -7/13 :
( )80قال الخطابي :خص وقت العصر بتعظيم الثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل
وقت لن ال عظيم شأن هذا الوقت بأن جعل الملئكة تجتمع فيه وهو وقت ختام العمال والمور
بخواتمها .
( )81المحشي :حاشية الترتيب .7/32:ويقصد بذلك من ماتوا على ذلك وإل فمن تاب تاب ال
عليه.
( )2/98
( )82جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/37 :ومن الحاديث المعتمدة عند القائلين
بعدم إنقاذ الوعيد قوله ": eمن وعده ال على عمل ثوابا فهو منجز له ،ومن أوعده على عمل
عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" .ر .البخاري :تفسير سورة الممتحنة ،3توحيد
،31حدود ،14 -8مسلم حدود ،16إيمان .11النسائي :صلة .6ر .ونسنك :المعجم المفهرس
4/163
ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري :قال :قال رسول ال ": eأما أهل النار الذين
هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون فيها ول يحيون ،ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم
فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل
يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل"( .الحبة بالكسر :واحد الحب
وهو بزر ما ل يقتات كبزر الرياحين .حميل السيل :ما يحمل من الغثاء والطين .ضبر الشيء :
جمعه .ر .القرطبي :أحكام القرآن )5/54 :ر .مسلم :إيمان .306ابن ماجة زهد . 37أحمد /3
20ر .ونسنك :المعجم المفهرس.7/25 :
---
( )2/99
( )2/100
إن اعتبر القائلون بخلف الوعيد أنه مدح في حق ال تعالى فقد رد عليهم القائلون بإنفاذ الوعيد-
والباضية منهم -بأنه من أكبر النقائض ومما جاء في هذا الصدد عند أبي عمار ":فلو كان وعده
أو وعيده مبدل أو محول أو مستثنى فيه لكانت جميع أخباره جل جلله ذات تكاذب وتناقض وهل
الوعد والوعيد إل إخبار منه عز وجل بأنه اعد للفريقين ما وعدهم بع وتوعدهم بع وقال ( :واتقوا
النار التي أعدت للكافرين) ( 3آل عمران )131وقال ( :قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها ال
الذين كفروا) ( 22الحج )72وكيف يخبر بأنه أوعد ما لم يوعد أو وعد ما لم يعد؟ أو يكون يعد
ويوعد ثم ل يفي بما وعد ما لم يوعد؟ ول يوجد شيء من ذلك على ما أخبر به ،وهذا غاية
الوصف ل عز وجل جلله بالكذب تعالى ال عما يقول المبطلون علوا كبيرا ،وقال ال عز وجل
في إبليس ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا) ( 4النساء )120فحاشا ل أن تكون
مواعيده كمواعيد الشيطان" (. )85
ويقول المحشي في هذا الشأن ما يلي ":والحجة عليهم قوله تعالى ( :ما يبدل القول لدي) ( 50ق
)29يعني أن هذا إخبار من ال تعالى ولبد من وقوعه وإل لزم الكذب فإن لم يصدق فعله قوله
فهو كاذب" ( 85مكرر .
ويورد صاحب قاموس الشريعة ما يلي ":فإن قال قائل إن ال تعالى ينجز وعده ويبطل وعيده.
قيل له :إنه قال :إنه يجازي عصاة عبيده أعمالهم السيئة إذا لم يتوبوا منها وهو يعلم أنه يوقع بهم
الجزاء ولبد لهم من ذلك ،أو يكون قال ذلك وهو ل يدري أنه يوقعه بهم أم ل ،أو يكون قال ذلك
وهو يعلم أنه ل يوقعه ،فإن كان قاله وهو يعلم أنه يوقعه بهم فهذا هو الكذب وال يتعالى عن ذلك
علوا كبيرا لن من هذه صفته مذموم وقد ذم ال قوما بقوله ( :لم تقولون مال تفعلون كبر مقتا عند
ال أن تقولوا مال تفعلون) ( 61الصف .)3
( )2/101
فكيف يجوز أن يوصف ال تعالى بما ل يجوز أن يوصف به الكريم من خلقه وهو العز الكرم
الذي له الصفات العل والسماء الحسنى في الخرة والدنيا.
وإذا كان قال :إني أفعل بهم وأعاقبهم على معاصيهم وهو ل يدري يعاقبهم عليها أم ل فهذه صفة
الجاهل الذي ل يعلم ما يكون وال سبحانه عالم بما يكون" (. )86
والملحظ أن وجه الخلف بين القائلين بالخلف وبين الباضية يتمثل في أن القائلين بالخلف يرون
أن الكذب ل يتعلق إل بالماضي ( )87بينما يرى الباضية أن ":الكذب في الحقيقة هو الخبر عن
الشيء على خلف ما هو به ،أو هو الخبر غير المطابق للواقع سواء كان ذلك في الماضي أو
المستقبل" (. )88
وبهذا نتبين أن الباضية يعتبرون أن الخلف ضرب من الكذب وهو أمر قبيح ل يليق بال تعالى
كما يرفضون القول بالبداء.
)2قضية البداء (: )89
ويرد أبو عمار على من يعتبر أن خلف الوعيد من الكرم والجود والفضال ( )90كما يلي ":قيل
له :ويحك قد ناظرت ما لم يكن نظيرا وشبهت ما ليس بشبيه ،وذلك أن أحدا منا قد يعد ويوعد
وهو ل علم له بالذي تصير إليه عاقبة وعده وتوعده ثم يكون من بعد ذلك تبدو له أمور يتبين بها
أن عاقبة وعيده إذا هو أمضاه تصير إلى فساد وتنتهي إلى هلك فيرى أن الخلف للذي توعد به
أصلح من إمضائه وإتمامه فيقصر عندما بدا له من إنجاز ما توعد به وال عز وجل غير
موصوف بأن يكون يجهل عاقبة أمر من المور فيكون يبدو له ما لم يكن يعلم من ذلك" (. )91
( )2/102
ويتعرض الصدغياني لهذه القضية بلهجة حادة مثل قوله ":وانتم الشعرية أبطلتم الوعيد لهل
الكبائر وقلتم ذهب الوعيد في البيد" ( )92ومثل قوله -وقد جمع بين المرجئة والشاعرة :-وانتم
الشعرية والمرجئة اجترحتم واذهبتم الوعيد بالبيد ،أقبح بهم من عبيد وصفوا ال بصفة الدميين
ومع ذلك ل يتقون ال ومعنى البداء ظهر وقد بدا أي ظهر لمعبودهم أمر قد خفي عنه وعجز
حتى ل ينفذ ما توعد به فحاشا ربنا من ذلك ومن وصف ال بالبدا قد وصفه بالجهل لنه خفي
عليه أمر حتى ظهر فرأى مصلحته في رجوعه كملوك الدنيا ربما يوعد ويرى أنه تدخل عليه
وعثة في ملكة فيقف ويرجع ،ما أبعد مذهب من قال بهذا بعدما قلنا لهم)94( " )93( ...
كما يتعرض المحشي لهذه القضية بقوله ":فما ذكروه من الخلف في الوعيد نوع من البداء تعالى
ال عن ذلك علوا كبيرا" (. )95
)3قضية المدح والرحمة:
وإن حلت المصادر الباضية على قضية امتناع البداء عن ال تعالى فهي تعتبر خلف الوعيد أمرا
قبيحا وهي بذلك ترد بشدة على من اعتبر خلف الوعيد من باب الرحمة وبالتالي يمدح صاحبه
ويحمد على ذلك ومن ذلك ما جاء عند أبي عمار في ما يلي ":ولعله يقول :أوليس ال جل جلله
رحيما بخلقه غنيا عن عذابهم يمن برحمته ول يظلم بعذابه وهو قد وعد ثوابه على الطاعة وتوعد
بعقابه على المعاصي فلم جعلتم ما توعد به من العقاب أمضى وأنجز من الذي وعد به من
الثواب؟
قيل له :لسنا ننكر بل نقول بأن ال عز وجل رحيم بخلقه لطيف بعباده يمن بالرحمة ول يظلم
بالعذاب ومعنى ذلك أنه متفضل على خلقه برحمته يصيب بها من يشاء من عباده على غير
استحقاق منهم ول استيجاب ول يظلم بالعذاب فيؤاخذهم على غير ما عملوا ،أو يعذبهم على ما لم
يفعلوا ،وليس هذا من الذي قلنا بأنه يثيب أولياءه بأعمالهم على ما وعدهم ويعاقب أعداءه على ما
توعدهم في شيء" (. )96
( )2/103
وير جميل بن خميس على من يعتبر الخلف من الصفات المحمودة بما يلي ":واتفق أهل المذاهب
الربعة إل من شاء تعالى منهم ،على أن خلف ال لوعيده لفسقة المؤمنين من هذه المة من
الصفات المحمودة في ال تعالى لنها صفة في الناس وفي الملوك من أحمد الصفات وال تعالى
أحق لها ولم يفصلوه على ما في عقولهم من معرفتهم به أنه ل على الطلق هو محمود في
الناس وفي الملوك بل في مواضع هو من الصفات الذميمة لنه يكون على وجوه" (. )97
وبهذا نتبين أن الباضية لم يعتبروا خلف الوعيد من الرحمة وبالتالي ل يمكن أن يعتبروه من
الكرم.
)4خلف الوعيد والكرم:
إن حجة الباضية في رفض مبدأ الكرم تتمثل في أن ال يكون أكرم لو عفا عن المشركين وفي
ذلك ينقل جميل بن خميس العدوي عن شرح النونية ما يلي ":فإن قالوا أوليس خلف التوعد مما
يعد عند العرب من الجود ،ويستحق به صاحبه لعلة فاعله المدح وحسن الثواب فلم ل يكون عند
ال عز وجل بهذا أولى إذ هو غني عن تعذيب العباد؟ قلنا أو ليس من عفا منا عن المر العظيم
والذنب الجسيم أبلغ له في المدح وحسن الثناء؟ فإن قالوا :بلى ،قلنا :فلم أوجبتم الوعيد من ال
سبحانه في أهل الشرك؟ إذن أو ليس عفوه أعظم المدح له؟ فإن حاولوا فصل بينها فل يجدوه" (
. )98
لقد ثبت من هذا أن الباضية يرفضون أن يكون خلف الوعيد من باب الكرم وبهذا يستوفون الرد
على تعليلت القائلين بالخلف كما ل يغفلون عن المظهر البلغي للقضية فهل نصوص الوعيد
ضرب من الخبر أو النشاء؟
)5قضية الخبر والنشاء:
وبما أن الكذب ل يمس إل السلوب الخبري هناك من تصرف في اعتبار آيات الوعد والوعيد من
السلوب النشائي الذي ل يحتمل الصدق والكذب.
وينقل يوسف المصعبي نص كلم هؤلء العلماء دون أن يسنده إلى أصحابه ( )99كما يلي ":وقال
بعضهم :الوعد إنشاء على الصح يعني إنشاء الضمان عند وجوب الوصف والكذب مخصوص
بالخبار.
( )2/104
قال بعض الئمة مراده أن الوعد والوعيد كلهما إنشاء فالخلف في الوعيد ليس بكذب فل نقض،
فأما الوعد فلن مقتضى الكرم أل يتخلف عنه ،فعدم جواز الخلف ل لنه كذب بل لن الكريم إذا
وعد وفي وإذا أوعد تجاوز.
ثم يرد فيقول :والجواب وال أعلم ":اعتماد النشاء مردود فغن علماء العربية نصوا على أن
الجملة الشرطية إذا كان جوابها خبرا تكون خبرية وهذه الية كذلك (. )100
وإن أراد أنها إنشائية باعتبار أمر لزم كما أشار إلى ذلك بقوله يعني إنشاء الضمان عند وجود
الوصف فتمويه ل يلتفت إليه لما يترتب عليه من الفساد مع لزوم تبديل القول على كل حال كما
أورده الخصم على نفسه ولم يجب عليه بما يصغي إليه" (. )101
فالباضية حينئذ يعتبرون نصوص الوعيد من الخبار الصادقة التي ل يصح الخلف فيها كما انهم
يرفضون مبدأ الخلف لما ينتج عنه من بطلن حكمة التشريع.
ثانيا :موقف الباضية مما ينتج عن الخلف:
-الغراء على القبيح وإبطال المر والنهي:
( )2/105
إن النفس البشرية ميالة إلى الشهوات ول سبيل إلى إبعادها عنها إل بالردع والزجر فإذا بطل
الزجر وعلم النسان أل وعيد اتبع نفسه هواها وارتكب ما ل يتصور من النواهي والمصادر
الباضية تلح على هذا المعنى وتتفق في هذا مع المعتزلة ( )102ومن ذلك ما جاء في قاموس
الشريعة ":وقال تعالى ( :وأن تغفر أقرب للتقوى) ( 2البقرة )237والمراد لمن جاء طالبا للعفو
والمتعدي عليه قادر على الزجر والدب وإل كان ذلك مما يؤدي السفهاء الجراءة والظلم للنبلء
والعافي على هذا ليس من الصفات المحمودة بل هي من أشد صفات الذم فصح أن هذه الصفة
لذات ال ليست من الصفات المحمودة وانه تعالى منزه عن ذلك ،ومنزه عن خلف الوعيد لكل من
توعده لنه مما يؤدي إلى فتح أبواب الجراءة على عصيانه وعصيان أولي المر من أوليائه من
العلماء والمراء والقضاة فيجوز إبطال وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر لمحمدة العفو
عن التين المنكر التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من
التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من صفات ال وصفات الناس
وهذا باطل ل يقول به إل ممسوخ العقل" (. )103
كما يقول أيضا ":من زعم أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط
الحساب صراحا ،لن المحارم إنما تتقى من أجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقد أباحها" (. )104
وفي هذا المعنى يقول الوارجلني ما يلي ":ولو وعد المغفرة والرحمة من وراء ذلك لرجعت
المعاصي بحال الباحة ولم يبق إل أن يأمرهم بها" (. )105
ويزيد المصعبي خطوة في توسيع القضية وبين أن القول بخلف الوعيد " يؤدي إلى إباحة
المعاصي وكل ما جازت إباحته جاز المر به فيكون فرض المعصية أمرا جائزا وهذا محال على
ال تعالى" (. )106
( )2/106
وكذلك ل سبيل إلى اعتبار الوعيد مجرد تهديد لن مثل هذا الموقف يؤدي إلى الجرأءة على
المعاصي وانتهاك المحرمات فل تستقيم الدنيا قبل الخرة.
هكذا إن انطلقنا في التمهيد للحجج العقلية من تلخيص اليجي فيحسن أن نختم هذا الستدلل بما
ذكره محمد عبده في هذا الباب منطلقا من واقع المسلمين المرير القائم على مبادئ القائلين
بإخلف الوعيد حيث يقول ":إن كثيرا ممن يدعون اتباع السنة جرأوا الناس على هدم الدين بناء
على أن مدار السعادة في الخرة والنجاة من النار هو العتراف بالدين الى حد أن بعض الكبراء
قال :إنني ل أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بحرمته" (. )107
والمتأمل في واقع المسلمين عامة يدرك ما لهذا الرجاء العريض والمل الواسع في العفو عن
مرتكبي الكبائر المصرين عليها إلى الموت من أثر مقيت حيث استهان الناس بجميع الرذائل
وانتهكوا الحرمات جهارا ،ويعتبر من نفل القول أن نستدل على هذا بما عرفه الدب من خلعة
ومجون واستهتار.
وإن قالت فرق إسلمية بإنفاذ الوعيد مثل المعتزلة والزارقة فإنهم انقرضوا مع مر الزمان فالفكر
العتزالي تسرب إلى كالفكر السلمي تقريبا وإن بقي أكثر نصاعة في الفكر الشيعي والفكر
الزرقي ل نستطيع أن نقول فيه القول الفصل إل انه متهم من قبل خصومه بأنه اعتبر الكبائر من
باب الشرك ،فلم يبق حينئذ إل الباضية ممن يعتقدون إنفاذ الوعيد ،وأنت إن تأملت في بيئتهم
زمن الزدهار في الظهور أو الكتمان ( )108تجد مجتمعا أقر ما يكون إلى السلم لن من يعتقد
أنه معاقب ل محالة إن هو لم يتب يكون أكثر احترازا ممن يعتقد انه معفو عنه ،وفي أقصى
الحالت يعذب قليل ثم إلى النعيم البدي ،ول أبالغ في شيء إذا قلت إن مجتمع ميزاب حيث
تطبق أصول الباضية من أن
نظف المجتمعات السلمية في هذا العصر.
( )2/107
أما الباضية بجربة حيث غفل الناس عن أصولهم فقد دب إليهم الفساد ونهشهم الحرام وصار
الكثير منهم ل يتورع عن المجاهرة بالمعصية إذ ل رادع مع الجهل بالصل مثل ما حدث في
جل أطراف العالم السلمي.
أما جبل نفوسة فما يزال أهله أكثر غيرة على أصول مذهبهم.
إلى هذا الحد يقف تحليلنا لقضية الوعد والوعيد ويحسن أن ننظر في بعض القضايا المتفرعة عنها
قبل أن نقتحم قضية الخلود.
إن قضية الوعد والوعيد أو بعبارة أصح قضية الوعيد ترتبط بها قضايا أخرى كانت مثار جدل
بين المسلمين نختار ترتيبها حسب تدرجها الزمني عذاب القبر ،الشفاعة ،وجود النار وفناؤها،
الورود والخلود.
===========================
( )83ويضيف الشارح -إذا لم يتب عنها .ر .المواقف.2/446 :
( )84ويأتي الشرح كما يلي ":يعني أن الوعيد عام تناول كل واحد من المذنبين فظاهره الذي
يقتضي ظن الوفاء به في حقه فيحصل لكل منهم الظن بكونه معاقبا بذنبه ،وذلك كاف في زجر
العاقل عن استقراره على ذنبه بعدم التوبة عنه ،وفي ردع غيره عن اقترافه.
وأما توهم العفو الناشيء عن عدم وجود العقاب فاحتمال مرجوع ل يعارض ظن العقاب المقتضي
للنزجار فقد ظهر أن المذنب ل علم له بأنه ل يعاقب بل ول يظن لذلك ظنا فل تقرير ول إغراء
" .اليجي المواقف .2/446
ويشير التفتازاني إلى مثل هذا المعنى حيث بين أن عموميات الوعيد ترجح جانب الوقوع وهذا ل
يؤدي إلى إبطال الحكام الشرعية ومثل هذا الترجيح كاف للبتعاد عن المعاصي .ر .التفتازاني
شرح العقائد النسفية 117:
( )85أبو عمار عبد الكافي :الموجز106 -2/105 :
المحشي :حاشية على كتاب الوضع81:
( 85مكرر) المحشي :حاشية على كتاب الوضع81:
( )86جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/5 :راجح أيضا 8 :ويصرح أنه اخذ عن
الجيطالي شرح النونية.
( )87ر .محمد الدواني :شرح العقائد العضدية59 :
( )88تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول الدين19:
( )2/108
( )89البداء :هو ظهور ما لم يعلم ،وال تبارك وتعالى يتعالى عن البداء .عثمان السوفي :كتاب
السؤالت100:
( )90وفي قياس البشر إذا توعدت ثم تبين لك خطأ موقفك فإنك تتراجع ويعد ذلك من الشيم
الحميدة.
( )91أبو عمار عبد الكافي :الموجز2/107 :
( )92الصدغياني :رسالة إلى أهل وارجلن4:
( )93ذكر اليات من نوع] ل يبدل القول لدي[
( )94الصدغيان :رسالة إلى أهل وارجلن ،6 :ثم يورد في نفس الصفحة أدلة القائلين بالبداء
وينسب ذلك إلى مالك بن أنس وقد رأيت في تفسير الملكي ثلثة أقوال عن مالك بن أنس:
أحدهما قال :ال تبدو له البداوات والدليل عنده قوله تعالى ] لئن لم ينته المنافقون والذين في
قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما
ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل[ ( 33الحزاب )60معنى لنغرينك بهم أي ليسلطن عليهم ثم ل
يجاورونك فيها إل قليل .قال :وقد مات رسول ال eولم يسلم عليهم ولم يقل لهم فهذا دليل على
أن ال تبدو له البدوات"...
( )95المحشي :حاشية على كتاب الوضع 83 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة :
6/8ويذكر أنه اخذ عن الجيطالي شرح النونية.
( )96أبو عمار عبد الكافي :الموجز108 -2/107 :
( )97جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ،6/24 :ويتلخص تعداد الوجوه في تبيين
مواطن الضعف في عفو السلطين مما ل يليق بال تعالى ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود:
126 -125
( )98جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/8 :
ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود 126 :وقد سلك التفتازاني في الوعيد مسلك الباضية
فاعتبر أن الخلف في الوعيد ليس من الكرم في شيء فيقول " :زعم بعضهم أن الخلف في الوعيد
كرم والمحققون على خلف كيف وهو تبديل للقول وقد قال ال تعالى ]:ما يبدل القول لدي[ (50
قَ )29ر .التفتازاني :شرح العقائد النسفية 117
( )2/109
( )99وينسبه سعيد بن تعاريت إلى الشنواني وهو أيضا نقله عن بعضهم .المسلك المحمود126 :
( )100يقصد بقوله تعالى ] :ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[ ( 99الزلزلة )8
( )101يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين23 -22 :
( " )102إن الفاسق إذا علم انه ل يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كأن يكون مغري على القبيح،
ويكون في الحكم كأن قيل له ،افعل فل بأس عليك" القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة650 :
( )103جميل بن خميس :القاموس26 -6/25 :
( )104نفس المصدر6/7 :
( )105أبو يعقوب الوارجلني :الدليل2/46 :
( )106يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين25 :
( )107محمد عبده :تفسير المنار 3/99 :وما استشهدنا بموقف محمد عبده إل لنبين اللتقاء بينه
وبين الفكر الباضي في هذه النقطة بالذات.
( )108انظر ما سبق 54 :تعليق 57
---
( )2/110
( )2/111
أ) لو كان لعذاب القبر أصل لكان يجب في النباش أن ترى العقوبة المثوبة للمعاقب والمثاب فكأن
يشاهد عليه أثر الضرب وغيره لكن الواقع غير ذلك.
ب) لو كان في القبر عذاب لوجب أن يسمع أنين من لم يدفن مثل المصلوب وأن يشاهد
اضطرابه.
جـ ـ ويبدي هؤلء حيرة في شأن من يحرق أو تأكله السباع (. )8
كل هذه أدلة حسب هؤلء تؤكد حياة في القبر وأل عذاب ول ثواب .لكن غفل هؤلء عن أن عالم
الغيب ل يقاس بمقياس العقل ،ول يقارن بعالم الشهادة وإنما توضح بعض معالمه النصوص
المنزلة بالنسبة إلى من يؤمن بالتنزيل وعلى هذا الساس كان رد المثبتين للحياة في القبور بما في
ذلك من شقاء أو سعادة.
الدلة على ثبوت الحياة البرزخية:
يقول القاضي عبد الجبار وهو يعبر عن موقف المعتزلة الذين ألفنا أنهم معتدون بالعقل ويقدمونه
على النقل ":فأما الكلم في أن ذلك كيف يكون ...فإن ذلك مما ل يهتدي إليه من جهة العقل وإنما
الطريق إليه السمع" ( )9وذلك للرد على هؤلء المنكرين من أهل العتزال وتناولتها مصادر
الباضية للرد على النكار وقد استوفى القضية الوارجلني بحثا من القرن السادس 12/ 6مما
أدى المصادر اللحقة إلى أن تكتفي بالحالة على تحليله.
فيحسن في البداية أن نتعرض لحجج منكري الحياة البرزخية ثم نعرض بعد ذلك حجج المثبتين
وردودهم.
حجج منكري الحياة البرزخية:
إن هؤلء المنكرين ( )10يحتجون بأدلة نقلية وعقلية:
ومن أدلتهم النقلية قوله تعالى ( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) ( 44الدخان )56ولو أحيوا في
القبر لذاقوا موتتين ( )11أي لزم إحياؤهم فيه ثم إماتتهم بعد التعذيب.
وكذلك قوله تعالى ( :يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) ( 36يس )52قالوا لو كانوا معذبين في القبر
ما سموه مرقدا.
وكذلك قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) 30( :الروم )55
قالوا لو كانوا معذبين لستطالوا المدة ولما أقسموا انهم لم يلبثوا إل ساعة (. )12
( )2/112
ويورد السالمي نفس الرأي في الدعوة الى العتماد على النقل دون العقل وفي ذلك يقول ":ول
سبيل إلى العدول من مقتضاها (الحاديث) الى محض القول بالرأي وليس شعري أي مدخل
للرأي في ما غاب عنا علمه ولم تصل إليه عقولنا بل الواجب في هذا ونحوه التسليم لخبار
الشارع فيه ،وقبول ما جاء فيها من لسانه فمن بلغه التواتر في ذلك وجب عليه القطع بوقوعه
على حسب الخبار لنها جاءت من طرق صحيحة" (. )13
ردّ ما احتج به المنكرون من ادلة عقلية:
أ?) مسألة عدم مشاهدة أثر العذاب عند النبش:
" إن اكثر ما في هذا النباش وغيره ل يرون أثر العقوبة على الميت ومن المجوز أل يعذب ال
تعالى في هذه الحالت التي يطلع عليها النباش أو غيره أو يعذبه على وجه يستتر عنهم لوجه من
المصلحة يرى في ذلك" (. )14
ب?) مسألة عدم المشاهدة ليست حجة:
وفي ذلك يقول السالمي ":وأجيب عن الول(من قتل فصلب) بأنه يحتمل أن يخلق فيه حياة ل
ندركها نحن" (. )15
ويتوسع صاحب قاموس الشريعة في ذلك كما يلي ":إن ال تعالى ل يفوته الذي قبر ول الذي لم
يقبر ،ول حجة لمن احتج بمن لم يقبر لن المخلوق الذي لم يملك الشيء الذي فاته..ولذلك ل يقدر
عليه لنه لم يوجده من بعد العدم. )16( "...
ج)مسالة من أكلته السباع:
يقول السالمي في ذلك ":وأجيب عن الثاني(من أكلته السباع) انه مبني على انه يشترط في الحياة
وجود البنية بتمامها ونحن ل نقول به لمكان أن يخلق ال لكل جزء انفرد حياة يحس بها ألم
العذاب" (. )17
وقبل أن نتحول إلى الردود القائمة على الدلة النقلية يحسن أن نلحظ أننا لم نجد في المرحلة
المقررة من اهتم بالدلة العقلية والردود عليها من ذلك المحشي وهو أحد أقطاب هذه المرحلة
اكتفى بتحليل الحاديث دون أن يكترث بحجج المنكرين العقلية (. )18
الدلة النقلية من القرآن الكريم:
( )2/113
يقول أبو يعقوب الوارجلني ":وفي القرآن إشارة إليه على رأي المفسرين وهم القدوة في ذلك" (
)19إل انهم لم يذكروا ولو آية واحدة وكذلك المحشي في حاشية الترتيب ( )20وكذلك السالمي (
)21إل أننا إذا تتبعنا تيسير التفسير نجد أن محمد اطفيش تعرض إلى الموضوع في ما يلي:
)1قوله تعالى ( :قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل)
( 40غافر .)11
فأورد أقوال لعدة علماء مفادها إثبات عذاب القبر وقال السدي ( " )22والحياء الولى إحياؤهم
في القبر للسؤال" (. )23
)2قوله تعالى( :النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب) (. )24
يذكر صاحب التيسير أن الية دليل على ثبوت عذاب البرزخ في ما قبل ،ثم يزيد القضية تحليل
فيقول ":لكن الية في الرواح" ووردت أخبار بثبوته للبدان وفيها أرواحها وذلك قبل قيام الساعة
( )25ثم استشهد بعدة أحاديث (. )26
ويقول السالمي ":ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه الية حتى خرج
بها عن أسلوب النظم الشريف فقال فيها ":تقديم وتأخير والصل ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل
فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (" )27
)3قوله تعالى( :مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا) ()28
يبين محمد اطفيش أنها نار البرزخ التي يحرق بها قبل البعث ،يحرقون بها في الماء وفي ذلك
إثبات عذاب القبر (. )29
وأثناء الرد على المنكرين لعذاب القبر يقلب السالمي عليهم الحجة ويعتبر أن في اليتين المستشهد
بهما دللة على عذاب القبر:
( يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) ( 36يس )52واجيب بأنهم سموه مرقدا(مرحلة القبر) نظرا إلى
ما شاهدوا من هول الموقف حتى صار القبر بالنسبة إليهم كالمرقد ،وكذلك في شأن عدم استطالة
مدة القبر فمدة البرزخ بالضافة الى ما بعدها من البد أقل من ساعة" (. )30
( )2/114
( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) ( 44الدخان )56ويجاب بأن الخطاب لهل الجنة فإذا أحياهم
ال في القبر لما أراده منهم فل يسمى بعد تلك الحياة موتا بالضافة إليهم .كيف وقد ورد في
الحديث أن المؤمن يرى منزله في النار إن لو عصى ومنزله في الجنة إن لو أطاع فيريد أن
ينهض إليه فيقال له :لم يأت أوان ذلك ،نم سعيدا نومة العروس" (. )31
تلك هي الدلة القرآنية وصدق أبو يعقوب الوارجلني في موقفه حيث اعتبر أنها إشارات على
رأي المفسرين إذ ل نلمس في هذه النصوص تصريحا ظاهرا ولذلك احتيج الى التأويل وقد عزز
المفسرون جميعا موقفهم بالحديث بينما رأينا من المفسرين من لم يقبلوا مثل هذا التأويل فسكتوا
عنه لنهم يقرون بعذاب القبر إل أنهم لم ينتبهوا مثل هذا التأويل ولهم ذلك.
==================================
( ) )1البرزخ :الحاجز بين شيئين ،وما بين الموت والحياة ،فمن مات فقد دخل البرزخ قال تعالى]
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون[( 23المؤمنون .)100
( )2انظر ما يلي643 :
( )3انظر ما يلي أثناء التحليل646 :
( )4اعتبر الشعري أن الصحابة أجمعوا على القول بعذاب القبر .ر .البانة .184 :
( )5يقول اليجي :وأنكره ( إحياء الموتى في قبورهم ضرار بن عمرو ،وبشر المريسي ،وأكثر
المتأخرين من المعتزلة) .المواقف.2/451 :
ويذكر القاضي عبد الجبار أن ضرار بن عمرو كان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة،
ويرد تشنيع ابن الراوندي على المعتزلة في عذاب القبر .ر .الصول الخمسة .720 :والملحظ
أن الشعري قد بالغ عندما اعتبر أن كل المعتزلة أنكروا عذاب القبر :البانة ص .181ويقول
جميل بن خميس السعدي في هذا الشأن " وأنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض لن الميت
جماد ل حركة له ول إدراك فتعذيبه محال" قاموس الشريعة.6/216 :
( )6انظر تعريف النكار في ما سبق213 :
( )2/115
ويذكر صاحب قاموس الشريعة أن ناصر ابن أبي نبهان من إباضية عمان ممن ينكرون عذاب
القبر .ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة . 219 .6/216 :وهذا موقف يعتبر شاذا
بالنسبة إلى رأي جمهور الباضية .
( )7ر .عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح.2/358 :
( )8ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .733اليجي :المواقف.2/452 :
( )9القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.732 :
( )10يتفاوتون في النكار .لقد رأينا أن ضرار بن عمرو ،معتزليا أو جبريا ،وبشر المريسي
ينكران القضية إطلقا.
بينما ل ينكر الجبائي والبلخي إل سوء تسمية الملكين بمنكر ونكير إذ ل يليق حسب رأيهما أن
تسند مثل هذه السماء القبيحة إلى الملئكة.
ويتصور أبو الهذيل العلف وبشر بن المعتمر أن تعذيب الكافر ل يتم إل بين النفختين .أما
الصالحي وابن جرير الطبري وطائفة من الكرامية فييجزون التعذيب بدون إحياء.ر .اليجي :
المواقف.452 -451 /2 :
( )11ر .عبد ال السالمي :المشارق 273 :ر .اليجي :المواقف.2/452 :
( )12ر .عبد ال السالمي :المشارق 273 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة :
.6/219
( )13عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح.2/358 :
( )14القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .733
ملحظة :لقد ورد النهي عن انتهاك حرمات القبر إذ حرمة الميت كحرمة الحي ،ويورد امحمد
اطفيش الحديث التالي وهو قوله عليه السلم ":حرمة أحيائنا كحرمة موتانا" .وفاء الضمانة:
( 1/294لم يرد هذا الحديث في معجم ونسنك) .
( )15عبد ال السالمي :المشارق.274 :
( )16جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ،6/198 :واليجي يذهب إلى نفس الرأي بدليل
أن صاحب السكتة حي أنا ل نشاهد حياته ر .المواقف.2/453 :
( )17عبد ال السالمي :المشارق.274 :
( )18ر .المحشي :حاشية الترتيب82 -4/67 :
( )19أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .2:2/318
( )20ر .المحشي :حاشية الترتيب82 -6/67 :
( )2/116
( )2/117
أما ابن عاشور 29/212 :ومغنية 7/431:فلم يشيرا إلى الموضوع عند تفسير هذه الية
والملحظ أن نفس هذه اليات هي التي يعتمدها القاضي عبد الجبار للتدليل على ثبوت عذاب
القبر فيقول ":أما ثبوته فالذي يدل عليه قوله تعالى ]:مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم
يجدوا 71([..نوح )25فالفاء للتعقيب من غير مهلة ،وإدخال النار ل وجه له إل التعذيب ،ويدل
عليه أيضا قوله تعالى ]:النار يعرضون عليها غدوا وعشيا[( 40غافر )46الية ووجه دللته
على عذاب القبر ظاهر غير أنه يختص بآل فرعون ول يعم جميع المكلفين.
والدللة التي تعم قوله تعالى ]:ربنا أمتنا اثنين وأحيينا اثنين[(غافر )11ول تكون الماتة والحياء
مرتين إل وفي إحدى المرتين إما التعذيب في القبر أو التبشير على ما نقوله .ثم ينفي قول من قال
إن الماتة الولى حال النسان وهو نطفة".
القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.731 :
( )30عبد ال السالمي :المشارق272 :
( )31ر .ابن ماجة :جهاد ،16ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/201الربيع بن حبيب :الجامع
الصحيح 4/19عدد .982
---
( )2/118
( )2/119
)1جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم -وذكره عنه غيره -انه عليه السلم قال:
إذا وضع الميت في قبره وسوي عليه فإنه يسمع نعال القوم حين ينصرفون عنه لنه حمل من
بيته وروحه مع الملئكة فإذا وضع في قبره يأتيه ملكان أصواتهما كالرعد القاصف ،وأبصارهما
كالبرق الخاطف فيقعدان فيقولن له ":يا هذا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " فإن كان مؤمنا
قال :ال ربي والسلم ديني ومحمد نبي "،فقال له ":على هذا أحييت وعليه أمتّ وعليه تبعث،
انظر عن يسارك" فيفتح له باب في قبره إلى النار فيقال له ":هذا منزلك لو عصيت ال فأما إذ
أطعته فأنظر عن يمينك" فيفتح له باب في قبره إلى الجنة فيدخل عليه برد منزله ولذته فيرد أن
ينهض ،فيقال له ":لم يأت أوان ذلك ،نم سعيدا نومة العروس" فما شيء أحب إليه من قيام الساعة
حتى يصير إلى أهل ومال وإلى جنة النعيم ،وأما إذا كان كافرا فيقعدانه فيقولن له ":من ربك؟"
فيقول ل أدري .فيقولن ":ما تقول في هذا الرجل" -يعني محمد صلى ال عليه وسلم فيقول":
كنت أقول فيه كما يقول الناس" فيقولن ":ل دريت ول تليت على هذا عشت وعليه مت وعليه
تبعث .انظر عن يمينك" فيفتح له باب من الجنة فيقال له ":هذا منزلك لو أطعت ال فأما إذ
عصيته فانظر عن شمالك فيفتح له باب من قبره الى جهنم فيدخل عليه غم منزله وأذاه ما شيء
أبغض إليه من قيام الساعة فيصير إلى العذاب" (. )41
إن في هذه الحاديث ذكرا صريحا لعذاب القبر ففي الول دعوة إلى الستعاذة منه ،وفي الحديثين
الخرين تصوير دقيق لما يقع للميت منذ أن يوضع في قبره فيسمع نعال القوم الى أن يترك إما
في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار.
وقد صعب على شارح هذه الحاديث وغيرها تصور هذا النوع من الحياة فلذلك تأولوا النصوص
بطرق مختلفة تتلخص في ما يلي:
أ) حياة حقيقية بالجسد والروح ()42
ب) حياة بالروح فقط (. )43
( )2/120
( )2/121
فالقضية ترجع إلى موضوع السماء والحكام ( )53وبما أن الباضية اعتبروا كافر النعمة من
أهل الوعيد أثبتوا أنه من المعذبين في القبر أما من اعتبر العصاة مغفورا وإن لم يتوبوا فطبيعي
أن يعتبرهم من أهل السعادة في القبر.
ويلح تبغورين على أن عذاب القبر لهل الكفر والنفاق فيقول ":إنما عذاب القبر في أهل الكفر
والنفاق وليس هو لهل التقى والخلص وهو الصحيح" (. )54
ول يغفل العلماء عن التنبيه إلى الشهداء فهؤلء أحياء عند ربهم يرزقون بصريح قوله تعالى:
( ول تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ( 3آل عمران .)196
فهؤلء يقول فيهم القرطبي ":ويحتمل أن يقال إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم
باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الن" (. )55
وفي آخر الفصل الذي يرد فيه أبو يعقوب الوارجلني على المنكرين يورد خطبة لعلي ابن أبي
طالب يقر بان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .كما يورد قصة مفادها أن
جماعة أتوا يستفتون عبدال بن عباس في أمر قبر رجل كلما حفروا له وجدوا أسود قد مل القبر
فقال ابن عباس" ذلك الغل الذي يغل به" وأمرهم أن يدفنوه قائل" فوال لو حفرتم الرض كلها
لوجدتموه فيها" وتبين من استفسار أهله أنه كان يأخذ قوته من متاع الناس.
ويلح بعد ذلك على ما شاع في أمة محمد مما أبصروه عيانا في المقابر ثم يقول أبو يعقوب ":ولو
أردنا ذكر شيء من ذلك .مما رأينا وعاينا وعاينوه هم بأنفسهم ل تسع الحال ،وإنفسح المجال،
وفاق القيل والقال مما ل ينكره عاقل" (. )56
ويختم أبو يعقوب تحليل القضية بالتهوين من أمرها فيقول ":ومسألة عذاب القبر ليست من مسائل
الديانات ،فمن جهلها سلم ومن علمها غنم ،ومن تورط فيها ندم" (. )57
واضح حينئذ أن الباضية يثبتون ما في القبر من ثواب أو عقاب ويجعلون من مات على كبيرة
دون أن يتوب في زمرة المعاقبين.
( )2/122
وقد هون الوارجلني القضية فلم يعتبرها من مسائل الديانات وعذر فيها من جهل .وكذلك
السالمي رأى أنه يصح الخلف في عذاب القبر ( )58وكذلك صاحب قاموس الشريعة":
والختلف في هذا جائز" ويقول أيضا" إن هذا كله في علم الغيب ل يصح فيه التحقيق" (. )59
=====================================
( )32عبد ال السالمي :المشارق.273 :
( )33الربيع بن حبيب 25 -2/24 :وخاصة عدد 484و 487و .488
( )34نفس المصدر 19 -4/18 :عدد .982
( )35نفس المصدر 1/13 :عدد .43
( )36أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .321 -3/318 :2
( )37المحشي :حاشية الترتيب:
1/65أورد الحديث ولم يشر إلى القضية.
81 -4/67حلل القضية تحليل ضافيا.
112 -8/105تحليل مع الحالة إلى ج 4باستمرار.
( )38السالمي :شرح الجامع الصحيح:
71 -1/70اكتفى بذكر بعض آداب زيارة القبور.
361 -348 /2تحليل مفصل واضح ،أما الجزء الخير فلم يطبع بعد.
( )39ر .أبو داود:أدب 101ر .ونسنك :المعجم المفهرس .4/168
( )40الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2/24 :عدد 484ر.البخاري :جنائز ،90بدء الخلق
،8رقاق ، 42مسلم :جنة 65،66الترمذي :جنائز .70النسائي :جنائز .116ابن ماجة :زهد
.32الموطأ :جنائز . 48أحمد بن حنبل ...2/16ر .ونسنك :المعجم المفهرس .5/442
( )41الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/18:عدد . 982ر .البخاري :جنائز .87 ،68مسلم
جنة 82 .81أبو داود :جنائز 74سنة .24النسائي :جنائز .110 .108أحمد بن حنبل 2/126
.ر .ونسنك :المعجم المفهرس .5/226
( )2/123
ملحظة :ويحسن أن نذكر بالختلف الوارد في شأن أن يعذب الميت ببكاء النائحين عليه،
ويفصل المحشي القضية كما يلي :أقول ":وهذا ل يناسب ما هو المذعب من أن ال عدل ل
ينسب إليه الجور في حكم ول فعل ،وأنه ل يؤاخذ أحدا بما لم يصدر منه لقوله تعالى ]:وما ربك
بظلم للعبيد[ ( 41فصلت ،)46وقوله ]:ل يظلم ربك أحدا[ ( 18الكهف .)49وقوله ]:وما
ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين[( 43الزخرف )76أي ل يؤاخذهم بغير ما اكتسبوا ،ول يعذبهم
بغير ما اجترموا فإنه تعالى نفى عن نفسه هذه الصفة وجعل مؤاخذة النسان بما لم يصدر منه
ظلما...فالحق ما ذهبت إليه عائشة رضي ال عنها ] أل تزر وازرة وزر أخرى[( 53النجم )38
إل أن صح الحديث (أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيتأول بما يكون للميت فيه مدخل كأن
أوصى بذلك أو لم ينه أهله من قبل كما تقدم في بعض التأويلت وال اعلم بحقيقة الحال ".حاشية
الترتيب.4/74 :
ويقف السالمي نفس الموقف ويختم بقوله ":ومن سلم من ذلك كله فاحتاط فنهاهم ثم خالفوه فعذابه
تألمه بما يراه من مخالفة أمره وإقدامهم على معصية ربه" .عبدال السالمي :شرح الجامع
الصحيح.2/353 :
( )42ويرجح جميل بن خميس السعدي هذه الصورة فيقول ":إن الروح ل تعقل إل في جسدها ،
وأظن أنه الصح" .قاموس الشريعة .6/216:ويقول ابن حزم في ذلك ":ولم يرو أحد أن في
عذاب القبر رد الروح إل المنهال بن عمرو وليس بالقوي" .المحلى.1/22 :
( )43ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي.ر .حاشية الترتيب .4/75 :كما ينقل
المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر أن الرواح على أفنية القبور .ر .حاشية الترتيب.4/76 :
( )44ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي .ر .حاشية الترتيب . 4/75 :كما ينقل
المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر أن الرواح على أفنية القبور .ر .حاشية الترتيب.4/76 :
( )2/124
( )45ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي .ر .حاشية الترتيب4/75 :
ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/216 :
ملحظة :لقد أورد جميل بن خميس السعدي كل هذه القوال في سياق واحد دون أن ينسبها إلى
أصحابها .قاموس الشريعة.6/215 :
( )46البخاري (. )870 -256/810 -194ر .الزركلي :العلم .6/258
( )47انظر ما سبق.308 :
( )48بشر المريسي (ت )218/833فقيه معتزلي عارف بالفلسفة .ر .الزركلي :العلم .2/28
( )49المحشي :حاشية الترتيب 81 -4/80 :نقل عن ابن حجر.
( )50القرطبي :حاشية الترتيب(ت )1273 /671المفسر.
( )51المحشي :حاشية الترتيب.4/75 :
( )52نفس المصدر.
ملحظة :لقد أثيرت قضية الختلف في شأن الكافر أيسأل في القبر أم ل؟ وقد جاء في ذلك ما
يلي عند المحشي ":وأما إذا كان كافرا ،هذا الكلم يدل على أن سؤال القبر عام في المؤمن
والمنافق خلفا لمن يزعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي اليمان محقا كان أو باطل .قال ابن
حجر :مستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبراء التابعين قال:
إنما يفتن رجلن مؤمن ومنافق وأما الكافر فل يسأل عن محمد ول يعرفه.
وهذا موقوف ،والحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي
ألوى بالقبول.
وجزم الترمذي بأن الكافر يسأل ...حاشية الترتيب .110 -8/109 :يثبت من هذا أن الباضية
يتفقون مع ابن حجر والترمذي في أن الكافر كفر شرك أو كفر نعمة يسأل في قبره لما ثبت في
ذلك من الحاديث المرفوعة إلى رسول ال . e
( )53انظر ما سبق488 :
( )54تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول الدين.73 :
( )55ر .المحشي :حاشية الترتيب.4/75 :
( )56أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.323 -322 :
( )57أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.3/322 :
( )58ر .عبد ال السالمي :المشارق274 :
( )59جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/216 :
---
( )2/125
( )2/126
أما التعاريف الخرى فقد عكست فكرة أصحابها في خلف الوعيد واعتبرت أن الشفاعة تتمثل في
جلب النفع ودفع الضر والضر هنا هو الكبائر إل أن صاحب المنار سلك مسلكا آخر في التعريف
اعتمد فيه على التمثيل وانتهى إلى أن إرادة ال حسب علمه ،وعلمه أزلي فل سبيل إذن إلى فسخ
إرادة ال تعالى وإنما تكون الشفاعة إكراما للشافع حيث توافق شفاعته علم ال الزلي (. )8أما
مغنية فقد أكد على أن الشفاعة عند ال ل تكون إل بإذنه بهذا تختلف عن الشفاعة لدى المخلوقين
لنها قد تكون بإذنهم وقد تكون بدون إذن منهم (. )9
ويحسن هنا أن نشير إلى ما ألح عليه صاحب المنار من تأثر المسلمين بما كان عند الوثنين
واليهود من تصورات فاسدة في شأن الشفاعة مما غرس في المجتمعات السلمية بعض العادات
هي أبعد ما يكون عن السلم يذكر منها ما يعطي لغاسل الميت من النقد ويسمونه "أجرة المعدية"
أي أجرة نقله إلى الجنة (. )10
واضح إذن أن لتصور مفهوم الشفاعة تأثيرا حضاريا واضحا ،لكن قبل أن نقف عند هذا التأثير
في المجتمع السلمي عامة وفي البيئة الباضية خاصة يحسن أن نتعرض لما اتفقت عليه الفرق
السلمية في شأن الشفاعة ولما اختلفت فيه.
الشفاعة المتفق عليها:
يقول القاضي عبد الجبار ":ل خلف بين المة في أن شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم ثابتة" (
)11والمتفق عليه نقطتان)12( :
أ) الشفاعة العظمى :أو المقام المحمود ( )13وتكون في المحشر عندما يطول النتظار ()14
فيلجأ الصالحون إلى النبياء واحدا بعد واحد فيعتذرون إلى أن يصلوا إلى محمد صلى ال عليه
وسلم فيستجيب لهم ويدعو ربه فيأذن لهم بدخول منازلهم في الجنة (. )15
( )2/127
ب)الشفاعة بمعنى رفع الدرجات في الجنة ( )16كما ذكر في تعريفها ( )17ويجيب القاضي عبد
الجبار على هذا السؤال :انصح الشفاعة في مزيد التفضل لمن حالته موفورة في النعم؟ بما يلي":
قيل له نعم وقد ذكر ال تعالى ذلك في كتابه بقوله ( ل يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء
)28فوصف ذلك شفاعة وإن كان لهل الجنة ويدل عليه قوله تعالى في حملة العرش( .يسبحون
بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) ( 40غافر .)7
والستغفار يجري مجرى الشفاعة وقد ثبت في الشاهد أن الزيادة في النعم والحسان قد تطلب
بالشفاعات كما أن التخلص من الشدائد قد يطلب بذلك" (. )18
ويجيب المحشي على سؤال افتراضي من هذا النسق ":فإن قال قائل :إن المؤمنين قد وعدهم ال
في كتابه الجنة فما حاجتهم الى الشفاعة؟ بما يلي :قيل له" إن الشفاعة زيادة في الثواب وتشريف
في المنازل وأيضا فإن المؤمنين تكون عليهم الذنوب والتبعات من قبل الرحام والقرابات ومن
حقوق الجيران والولد والزوجات وما أشبه ذلك ،أل ترى إلى قول ال تعالى وحكاية عن
المؤمنين ( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) ( 66التحريم )8فأخبر
أنهم يسألونه إتمام نورهم وغفران ذنوبهم وهم يمشون على قناطر جهنم قبل دخول الجنة ،ويدل
على ذلك ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :ما منكم من أحد يدخل الجنة إل
بعمل صالح وبرحمة ال وشفاعتي" (. )19
ويقول الجيطالي أيضا ":والشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها إلى الثواب ولكن
الشفاعة زيادة لهم في الثواب وتشريف في المنازل" (. )20
والشاعرة أيضا يقولون بهذا المعنى إذ جاء عند البيجوري عند تعداد الشفاعات ما يلي ":منها
شفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها" (. )21
( )2/128
ويقول يوسف المصعبي ":وما صاحب الكشاف فقال ":عن الشفاعة ثم في زيادة الفضل ل غير"
فيؤخذ منه أن المعتقد عندهم مساو لما هو عندنا من نفي الشفاعة في الكبائر وتخصصها برقع
الدرجات كما دل على ذلك قوله تعالى ( :ول يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء )28وغير
ذلك كما هو معلوم (. )22
أما جواد مغنية فإنه لم يشر إلى القضية وسلك مسلكا آخر فيه احتزاز كبير سنشير إليه بعد حين (
. )23
والملحظ أن في هذا التفاق حول هاتين النقطتين نظرا لنهما لمن تأتيا منفصلتين عن بقية
الموضوع ،ودفاعا من اثبتوا الشفاعة للتائبين عن موقفهم يدل على صراع في النقطة الثانية ،أما
في النقطة الولى فالتفصيل فيها واضح إذ يرى مثبتو الشفاعة لهل الكبائر أن الشفاعة عامة بينما
يرى الخرون أنها خاصة بالصالحين.
وقبل أن نبين حجج هؤلء وأولئك يحسن أن نشير إلى الحقيقة التالية وهي :أن الباضية يعتبرون
أن الشفاعة واحدة ويقول يوسف المصعبي في ذلك نقل عن الجيطالي ما يلي ":وكلمه أيضا في
شرح النونية صريح في أنها في المحشر والظاهر أنها قبل الحساب ،ويستمر حكمها إلى الشفاعة
في زيادة الثواب وتشريف المنازل وأن ذلك كله في الموقف قبل دخول الجنة فل يدخل أحد الجنة
إل وقد علم منزله الذي صار إليه بالعمل الصالح ورحمة ال وشفاعة المصطفى وغيره ممن
تحصل منه الشفاعة فإذا دخل أحد منزله فل ينتقل منه بعد ذلك فل منافاة بين كونها في المحشر
للراحة من الموقف وكونها لزيادة الثواب ورفع المنازل فإن الشفاعة واحدة لكنها تتضمن ذلك
كله" (. )24
أما الشاعرة فيعتبرونها شفاعات يصلون بها إلى الثمانية :وانه صلى ال عليه وسلم له ثمان
شفاعات نذكر منها ثلثا على سبيل المثال:
-1أعظمها شفاعته المختصة به للراحة من طول الموقف وهو أول المقام المحمود.
-2وثانيها :في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي مختصة به في قول النووي (. )25
( )2/129
-1وثالثها :فيمن استحق دخول النار أل يدخلها وفي اختصاصها به أيضا تردد)26( ."...
إن هذا العرض يثبت اختلفا في تصور قضية الشفاعة وإن اتفق على ثبوتها فبم يستدل هؤلء
وأولئك؟
============================
( )1ابن منظور :لسان العرب :مادة شفع.
( )2عمرو التلتي :نخبة المتين.165 :
( )3ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117وجه ر .عبد العزيز الثميني :النور . 299ر.
يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 33قفا .عبدال السالمي :المشارق.287 :
والملحظ أن الباضية اتجهوا هذا التجاه في تفسير الشفاعة من وقت مبكر اعتمادا على ما
جمعه الربيع بن حبيب من أحاديث .ر .النامي الطروحة 237:وتجدر الشارة إلى أن تبغورين
بن عيسى الملشوطي يقر بنفس المعنى إل أنه لم يعرف الشفاعة تعريفا اصطلحيا واضحا،
وكذلك فعل يوسف المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين (ر .كتاب أصول الدين.71 -70 :
وحاشية المصعبي عليه ,)116 -111 :كما أن البرادي لم يضبط التعريف الصطلحي في رسالة
الحقائق.
( )4عبدال السالمي :المشارق.287 :
ملحظة :وللتوسع في تعريف الشفاعة عند الشاعرة والمعتزلة والشيعة راجع ما يلي :القرطبي،
أحكام القرآن .1/378 :الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير .1/486القاضي عبد الجبار:
الصول الخمسة .688:محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.1/97:
( )5يقول القاضي عبد الجبار " :ووجه اتصاله(فصل في الشفاعة) بباب الوعيد هو أن هذا أحد
شبه المرجئة الذين يوردون علينا طعنا في القول بدوام عقاب الفاسق" .الصول الخمسة .687 :
( )6وقالت المرجئة ":إن موضوع الشفاعة إنما هو لدفع الضرر عن المشفوع له ل غير".
القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 69:
( )7القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .690 :
( )2/130
( )8محمد عبده :تفسير المنار " 308 /1وإنما هي( الشفاعة) إظهار كرامة الشافع بتنفيذ الرادة
الزلية عقب دعائه" .واضح أن صاحب المنار خالف الشاعرة رغم انتمائه إليهم ،ورأى أن
الصواب حليف الذين ل يتوسعون في أمر الشفاعة ،ويرى أنها ل يمكن أن تشمل أهل الكبائر.
( )9ر .محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.98 -1/97:
( )10ر .محمد عبده :تفسير المنار .1/306
( )11القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 688 :
( )12ويقول الطاهر بن عاشور ":واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين
والتائبين لرفع الدرجات ولم يختلف في ذلك الشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم
ابتداء" .التحرير والتنوير. 1/487 :
( )13وعن المقام المحمود ينقل المحشي عن إسماعيل الجيطالي ما يلي ":وقال أيضا في قنطرة
اليمان :في ما يجب على النسان أن يعتقده :التاسعة :الشفاعة وهي حق ،فمن كذب بها فقد
كذب القرآن ،وهو المقام المحمود قال ال لنبيه عليه السلم ] :عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا[( 17السراء )79أي يحمده فيه الولون والخرون
يحمده الخرون بما فتح لهم من الشفاعة ،وكانت مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها النبي
عليه السلم .
ويحمده الخرون حيث نجاهم من هول المقام ".إسماعيل الجيطالي كتاب قناطر الخيرات. 230 :
المحشي :حاشية الترتيب.8/137 :
راجع في هذا الشأن القرطبي :أحكام القرآن .312 -10/309 :ويورد في ذلك أربعة أقوال:
)1الشفاعة العظمى.
)2أن يكون لواء الحمد بيد الرسول عليه السلم.
)3أن يجلس الرسول عليه السلم على الكرسي مع ال تعالى.
( )2/131
)4إخراج الرسول عليه السلم من يخرج بشفاعته من النار .ويلح على أن أصحها القول الول،
ويدعم ذلك بما رواه البخاري عن جابر بن عبدال أن رسول ال eقال " :من قال حين سمع
النداء (الذان) اللهم ربي هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمد eالوسيلة والفضيلة وابعثه
اللهم مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" .ر .البخاري :آذان .8تفسير سورة
السراء .11مسلم :صلة .43النسائي :آذان .38 -37ابن ماجة :آذان .4أحمد بن حنبل
.3/245 .2/168ر .ونسنك المعجم المفهرس .3/151
( )14هناك اختلف جزئي سنعود إليه عند ذكر الحديث وتحليله.
( )15الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/23 :عدد .1004ويقول المحشي في شاشية
الترتيب " ،8/139 :وقد طلبها المسلمون ليستريحوا كما ذكر في الحديث عندنا دون الكفار خلف
لما رواه قومنا من أن أهل الموقف جميعا يفزعون إلى من ذكر من المرسلين" .ر .اليجي:
المواقف. 2/449 :ر .الرازي :التفسير الكبير.64 -1/63 :
( )16يقول القرطبي وهو يعدد أنواع الشفاعات ":الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها
وترفيعها ،وهذه ل ينكرها المعتزلة .وتنكر شفاعة الحشر الول " .أحكام القرآن .10/310:
ويقول القاضي عبد الجبار ":فأما قولنا في إثبات الشفاعة فهو معروف ،ونزعم أن من أنكره فقد
أخطأ الخطأ العظيم لكنا نقول لهل الثواب دون أهل العقاب ،ولوليائه دون أعدائه ،ويشفع eفي
أن يزيدهم تفضيل عظيما" .فضل العتزال .207 :
( )17انظر ما سبق 654 :
( )18القاضي عبد الجبار :فضل العتزال .208 -207
( )19المحشي :حاشية الترتيب 8/102ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 118وجه عبد
العزيز الثميني :النور .302وجاء الحديث بصيغة " فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفاعة من يشفع
"ر .أحمد بن حنبل .2/400ر .ونسنك :المعجم المفهرس .3/152
( )20إسماعيل الجيطالي :القناطر ط .1/321 :2
( )2/132
( )21البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .187 :أما الرازي فقد ناقش بقوة هذا الموقف وألح على
أن التائب ليس في حاجة إلى شفاعة وهو بذلك مخالف لما جاء عند الشاعرة :التفسير الكبير :
.62 -1/61أما اليجي فإنه لم يحلل القضية بل أشار إليها إجمال وأحال على تفسير الرازي .
اليجي :المواقف.2/450 :
( )22يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 91وجه.
( )23محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.98 -1/97:انظر 694تعليق 120 :ملحظة.
( )24يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .112 -111:
( )25النووي( )1277 -1233 /676 -631يحي بن شرف النووي الشافعي .علمة بالفقه
والحديث ر .الزركلي :العلم.9/183 :
( )26عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117وجه وقفا .عبد العزيز الثميني :النور 300ويورد
البيجوري ستة منها ثم يقول ":ومنها غير ذلك كما ذكره السيوطي" :شرح جوهرة التوحيد:
.187
---
( )2/133
( )2/134
يقول الرازي ":والتقدير أن المجرمين ل يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إل إذا كانوا اتخذوا عند
الرحمن عهدا ،فكل من اتخذ عند الرحمن عهدا وجب دخوله فيه ،وصاحب الكبيرة اتخذ عند
الرحمن عهدا وهو التوحيد والسلم فوجب أن يكون داخل تحته" (. )38
-وقوله تعالى( :ما للظالمين من حميم ول شفيع) ( )39يقول الرازي فالجواب عنه أن قوله
( وما للظالمين من حميم ول شفيع) نقيض لقولنا للظالمين حميم وشفيع لكن قولنا للظالمين حميم
وشفيع موجبة كلية ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية والسالبة يكفي في صدقها تحقيق ذلك
السلب في بعض الصور ،ول يحتاج فيه إلى تحقيق ذلك السلب في جميع الصور وعلى هذا نحن
نقول بموجبه عندنا لن عندنا أنه ليس لبعض الظالمين حميم ول شفيع يجاب وهم الكفار فأما أن
يحكم على كل واحد منهم بسلب الحميم والشفيع فل (." )40
-وقوله تعالى ( :فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ( )41يقول الرازي " فهذا وارد في حق الكفار
وهو يدل بسبب التخصيص على ضد هذا الحكم في حق المؤمنين" (. )42
تلك بعض اليات التي رأى فيها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر دليل على موقفهم وقد اكتفينا بما جاء
عند الرازي لنه حلل القضية بحماس وكل من جاء بعده لم يخرج عن الدائرة التي رسمها (. )43
أ?) الدلة من الحديث الشريف:
واضح أن العمدة الساسية في قضية إثبات الشفاعة هي حديث الرسول صلى ال عليه وسلم
ويقول محمد عبده في هذا الشأن ":ولكن ورد الحديث بإثباتها" (. )44
ومعلوم أن الستشهاد بالحديث يثير اكثر إشكال من القرآن الكريم ذاك لن التأويل مع القرآن
يتمثل نصا متفقا عليه عنه المسلمين بينما تتعلق بالحديث قضيتان فقضية السند وقضية المتن
ويكفي أن يضاف نفي لجملة ما فينقلب المعنى من الثبات الى عكسه وموضوع الشافعة تكدره
هذه النقطة بالذات كما سنرى.
وسنحاول أن ننتخب بعضا من الحاديث لنتبين كيف بتصرف مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ومن
ذلك:
( )2/135
-ما جاء عن أبي هريرة قال " :أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع
وكانت تعجبه فنهش ثم قال :أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذلك؟ قالوا ":ل يا رسول ال"
قال ":يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس
فيبلغ الناس من الغم والكرب مال يطيقون فيقول بعض الناس لبعض ":أل ترون ما أنتم فيه؟ أل
ترون ما قد بلغكم أل تذهبون إلى من يشفع لكم إلى ربكم"؟ فيقول بعض الناس لبعض ":أبوكم آدم"
فيأتون آدم فيقولون ":يا آدم أنت أبو البشر خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملئكة
فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا" فيقول لهم ":إن ربي قد
غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته.
نفسي ،نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح" .فياتون نوحا فيقولون ":يا نوح أنت أول الرسل
إلى أهل الرض وسماك ال عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" فيقول لهم ":إن
ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإن كانت لي دعوة دعوت
بها إلى قومي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم" .فياتون إبراهيم عليه السلم فيقولون ":أنت
إبراهيم نبي ال وخليله من أهل الرض اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" .فيقول لهم
إبراهيم ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وذكر كذباته
نفسي ،نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى" .فيأتون موسى ويقولون ":يا موسى أنت رسول
ال فضلك ال برسالته وبكلمه على الناس اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" .فيقول لهم
موسى ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت
نفسا لم أؤمر بقتلها ،نفسي ،نفسي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم" .فيأتون عيسى
فيقولون :أنت رسول ال وكلمته
( )2/136
ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد ،اشفع لنا الى ربك أل ترى ما نحن في؟"
فيقول لهم عيسى ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله ولم
يذكر له ذنبا ،نفسي ،نفسي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد" فيأتون فيقولون ":يا محمد أنت
رسول ال وخاتم النبيين وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا الى ربك أل ترى ما
نحن فيه؟" فأنطلق وأستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا فيدعني ما شاء ال
أن يدعني ثم يقول لي ":يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع ،وسل تعطه واشفع تشفع" فأحمد ربي
بمحامد علمنيها ،ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول ":يا رب ما بقي في النار إل
من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" )45( .
يقول الرازي بعد أن أثبت أن هذا واحد من الخبار ":وغن كان مرويا بالحاد إل أنها (الخبار)
كثيرة جدا وبينها قدر مشترك واحد وهو خروج أهل العقاب من النار بسبب الشفاعة فيصير هذا
المعنى مرويا على سبيل التواتر فيكون حجة وال أعلم")46( .
-وقوله صلى ال عليه وسلم " :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" )47( .
رغم صراحة هذا النص فإن الرازي اضطر أمام مطاعن المنكرين من المعتزلة أن يقول ":واعلم
أن النصاف أنه ل يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر ولكن بمجموع الخبار الواردة
في باب الشفاعة" (. )48
-وما رواه أبو هريرة قال " :لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي
شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء ال من مات من أمتي ل يشرك بال شيئا" قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم . )49( :
يقول الرازي ":والستدلل به أن الحديث صريح في أن شفاعته صلى ال عليه وسلم تنال كل من
مات من أمته ل يشرك بال شيئا وصاحب الكبيرة كذلك فوجب أن تناله الشفاعة" (. )50
( )2/137
-وما جاء عن أبي سعيد الخدري قال " :وأما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول
يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وقال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن
الشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على انهار الجنة ،ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات
الحبّة تكون في حميل السيل" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم . )51( :
وقد اعتبره ابن حزم دليل على الشفاعة لهل الكبائر وإن لم تشر إليه الكتب الخرى التي وقفنا
عليها مثل تفسير الرازي وتفسير القرطبي وتفسير ابن عاشور.
-وما جاء عند الشعري ":ونقول إن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا ()52
بشفاعة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم " (. )53
هذه مجموعة الحاديث التي يستدل بها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ويناقش الشعري المعتزلة
بشدة لنفيهم مثل هذه الشفاعة الى أن يقول ":وإنما الشفاعة المعقولة في من استحق عقابا أن
يوضع عنه عقابه أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل به عليه فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فل
وجه لهذا" (. )54
تلك هي الدلة النقلية التي أثبت بها هؤلء الشفاعة لهل الكبائر فكيف كان رد المنكرين لها على
هذا الصحيح؟
==========================
( )27الشاعرة والمامية ".والذي يذهب إليه أبو هاشم هو أنه تحسن الشفاعة مع إصرار المذنب
على الذنب كما في العفو" .القاضي عبد الجبار :الصول.688 :
( )28محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.1/97:
( )29ر .محمد عبده :تفسير المنار.1/307 :
( )30ل نرى ضرورة بأن نورد كل ما استدل به وإنما ننتخب ما نراه أكثر تعبيرا عن الغرض.
( 2 )31البقرة .48والخطاب موجه في السياق لبني إسرائيل والية هي ]:واتقوا يوما ل تجزي
نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها شفاعة ول يؤخذ منها عدل ول هم ينصرون[.
( )32الرازي :التفسير الكبير.1/65:
( )2/138
( )33أبو السعود :تفسير أبي المسعود 1/121وعن أبي السعود ( )1879 /1295ر .الزركلي:
العلم .3/142
( 21 )34النبياء 28والحديث في السياق عن فضائل الملئكة والية ] يعلم ما بين أيديهم وما
خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون[.
( )35الرازي :التفسير الكبير .22/60
( )36الشعرية :البانة .178
( 19 )37مريم 87والسياق يذكر حال المتقين والمجرمين يوم القيامة ،وهو ]:يوم نحشر المتقين
إلى الرحمان وفدا()85ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا()86ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند
الرحمان عهدا[( 19مريم .)87 -85
( )38الرازي :التفسير الكبير .60 -3/59
( 40 )39غافر 18والية ]:وأنذرهم يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من
حميم ول شفيع يطاع[.
( )40الرازي :التفسير الكبير.1/65 :
( 74 )41المدثر 48والسياق يعرض الجواب عن تساؤل أصحاب اليمين عن السباب التي أدت
بالمجرمين إلى الجحيم ].قالوا لم نك من المصلين()43ولم نك نطعم المسكين()44وكنا نخوض مع
الخائضين()45وكنا نكذب بيوم الدين()46حتى أتانا اليقين()47فما تنفعهم شفاعة الشافعين[.
( )42الرازي :التفسير الكبير.1/65 :
( )43ر .القرطبي :أحكام القرآن .380 -1/379 :ابن عاشور :التحرير والتنوير. 1/487 :ر.
اليجي :المواقف.2/450 :
( )44محمد عبده :تفسير المنار.1/307 :
( )45ر .البخاري :أنبياء .3تفسير سورة السراء .5مسلم :إيمان 328 .327أبو داود :اطعمه
(6الترمذي :طعمه ، 34قيامة ،10ابن ماجة طعمه 28أحمد ابن حنبل ...1/334ر .ونسنك :
المعجم المفهرس .2/176ويقول الرازي بعد نقل الحديث ":واكثر هذا الخبر مخرج بلفظة في
الصحيحين" .التفسير الكبير.3/65 :
( )46الرازي :التفسير الكبير.1/65 :
( )2/139
( )47الرازي :التفسير الكبير .63 -3/62 :رواه أبو داود رقم 4739في السنة باب في الشفاعة
،والترمذي رقم )2438( 2437في الزهد باب رقم ، 12وأحمد في المسند ،وابن حبان والحاكم
عن انس رضي ال عنه ،والترمذي وابن ماجة والحاكم عن جابر بن عبدال رضي ال عنهما،
وهو حديث صحيح .ر .تحقيق البانة تعليق .178 :46ر .ونسنك المعجم المفهرس .3/151
( )48الرازي :التفسير الكبير .3/63
( )49نفس المصدر .63 :وعن الحديث ر .البخاري توحيد ،31دعوات .1مسلم :إيمان ،334
.345الترمذي :دعوات . 130ابن ماجة :زهد .37الدارمي :سير ،28رقاق .85الموطأ :
قرآن .26أحمد ابن حنبل ...1/281ر .ونسنك :المعجم المفهرس 3/152 :وقد أورده ابن حزم
في المحلى 1/17:إل أنه وقف عند قوله ":لمتي يوم القيامة" وكذلك فعل الطاهر بن عاشور:
التحرير والتنوير.1/487 :
( )50الرازي :التفسير الكبير .3/63
( )51رواه ابن حزم بسنده في المحلى 1/17:وسنده هو :حدثنا نصر بن علي حدثنا بشر يعني
ابن الفضل -عن أبي سلمة -هو سعيد بن زيد -عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري .انظر ما
سبق.626 :
( )52محشت النار جلده :أحرقته .ما يلي750 -749 :
( )53حديث الخراج من النار أخرجه البخاري 11/399في الرقاق ،باب الصراط جسر جهنم.
ومسلم رقم 182في اليمان باب معرفة طريق الرؤية من حديث أبي هريرة .والدارمي-1/27 :
28باب ما اعطى النبي eمن الفضل من حديث انس بن مالك.
( )2/140
وحديث الشفاعة رواه البخاري 397 -13/395في التوحيد باب كلم الرب تعالى يوم القيامة مع
النبياء وغيرهم و 13/332باب قوله تعالى ] :لما خلقت بيدي[(ص )75و 398 /13باب قوله
تعالى ] :وكلم موسى تكليما[( 4النساء )164و 122 /8في تفسير سورة البقرة باب ] :علم آدم
السماء كلها[( 2البقرة )31ومسلم رقم 193من حديث انس بن مالك ،والبخاري 6/264و 265
ومسلم ( )194في اليمان :باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها من حديث أبي هريرة .والبخاري
11/367و 371من حديث جابر .الشعري :البانة 23 :وتخريج الحاديث عن نفس الكتاب
تعليق 2ص 14وتعليق 10ص .23
( )54الشعرية :البانة.179 :
---
( )2/141
( )2/142
-وقوله ( :ل يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء )28يقول يوسف المصعبي ":قوله أن لهم
ومثله قول البيضاوي أن يشفع له مهابة منه وفي هذا التفسير صرف للية عن ظاهرها لتكون
وفق معتقدهم من جواز الشفاعة للعصاة مع أن الية بظاهرها ناعية على بطلن ما ذهبوا إليه.
وأما صاحب الكشاف ففسرها على ظاهرها حيث قال ":ومن تحفظهم انهم ل يحسرون أن يشفعوا
إل لمن ارتضاه ال وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم والحاصل أن الشفاعة تكون لراحة
الخلق من الوقوف وتمسى الشفاعة العظمى وتكون للمسلمين برفع الدرجات كما هو معلوم" ()60
.
ويقول السالمي ":ففي الولى (يشير الى هذه الية) تصريح بان الشفاعة مقصورة على من
ارتضاه ال تعالى (." )61
-وقوله تعالى ( :ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) ( 19مريم )62( )87قال
تبغورين ":وعهده الوفاء بدينه" ( )63ويقول محشية ":هذا أحد تفسيرين ذكرهما الشيخ هود
والثاني المحافظة على الصلوات الخمس وقال بعضهم إل من اتخذ عند الرحمن عهدا بعمل
صالح" ( )64كما يقول يوسف المصعبي ":المناسب لما هو المعتقد عندنا ما فسر به العهد صاحب
الكشاف حيث قال ":واتخاذ العهد الستظهار باليمان والعمل" (. )65
كما يرى أن في استدلل تبغورين بهذه الية نظرا " وذلك أن المقصود إنما هو الرد بهذه الدلة
على من يثبت الشفاعة للعصاة الموحدين كما دل سياق كلمه .وظاهر هذه الية يدل على أن
الشافعي ل يأتيها -الشفاعة -إل إن كان ممن اتخذ عند الرحمن عهدا على ما سبق من تفسير
العهد ،والكلم في المشفوع له ل في الشافع وال أعلم" ( . )66والحقيقة أن الية تحتمل المشفوع
له أيضا كما ذهب إلى ذلك الرازي وإن اتخذ موقفا آخر في التأويل ( )67وكما أشار إلى ذلك
الزمخشري كما ذكرنا ذلك في التعليق.
( )2/143
-وقوله تعالى ( :ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع) ( 40غافر :)18قال محمد اطفيش ":أي
ل شفيع البتة فضل عن أن يطاع فل شفاعة ول طاعة شفيع قال الحسن :وال ما يكون لهم البتة
شفيع ( )68وهذا هو المراد...ويجوز أن يراد الظالم مشركا أو موحدا" (. )69
ويقول السالمي :وفي الثالثة( يشير إلى هذه الية) دليل على نفيها (الشفاعة عن الظالم وهو اسم
لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره فل تخص المشركين كما زعموا فغنها وإن كان سبب نزولها فيهم
فل عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ" (. )70
-وقوله تعالى ( :فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ( 74المدثر )48
يقول محمد اطفيش ":أو المراد انتفاء الشافع فضل عن أن يشفع وذلك من نفي اللزم بانتفاء
الملزوم والسبب انتفاء المسبب كقولك ":ل أراك هنا" أي ل تكن هنا فضل عن أن أراك" (. )71
هذه وقفات منكري الشفاعة لهل الكبائر عند بعض اليات ويحسن أن نذكر بقية اليات التي
يستشهدون بها كما جاءت في شرح النونية.
" ...وقوله تعالى ( :يومئذ ل تنفع الشفاعة إل لمن أذن له الرحمن) ( 20طه )109وقوله تعالى
حكاية عن أهل الكبائر ( :فما لنا من شافعين ول صديق حميم) ( 26الشعراء )100وقوله:
( واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا) ( 31لقمان )33أي ل
يجزي والد عن ولده المطيع أمر ال عز وجل ونهيه ول مولود عن والده المضيع لهما أيضا" (
. )72
وجاء ذكر آيات أخر في أصول تبغورين :مثل (يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم
ينصرون) ( 44الدخان .)41
كما يقول تبغورين" وكيف يشفع النبي صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر بعدما أخبر ال عنهم أنهم
أعداؤه في قوله ( الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين) ( 43الزخرف )67وفي قوله( :
فإن ال عدو للكافرين) ( 2البقرة )98وقالت الملئكة عليهم السلم (فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم) ( 40غافر ...)7
( )2/144
وقول ال ( :ل ينال عهدي الظالمين) ( 2البقرة )124وقال ال في الزاني ( :ول تأخذكم بهما
رأفة في دين ال) ( 24النور )3هذا في حدود الدنيا التي يتراحم فيها العباد بالترك والعفو
والعراض عنها وكيف بالخرة التي ل تواصل فيها ول تراحم" ( )73مع الستشهاد بما جاء في
آيات تثبيت الخلود لمرتكبي الكبائر (. )74
كما أورد أبو مهدي ما يلي ":وقال ال تعالى ( :يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة)
...الية ( )75وقال في امرأة نوح ولوط ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم
يغنيا عنهما من ال شيئا) ( 66التحريم )10فكيف طمع أهل الكبائر المصرين عليها مع هذا في
شفاعة الرسول صلى ال عليه وسلم " (. )76
وقبل أن نقارن بين الستدللت يحسن أن نورد احتجاج منكري الشفاعة لهل الكبائر بالحديث
الشريف.
==================
( )55المعتزلة والباضية .
( )56ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117قفا .ر .عبد العزيز الثميني النور 301 :وسلك
السالمي نفس المسلك ر .المشارق .287وكذلك المحشي حاشية الترتيب 4/102 :وكذلك
تبغورين :أصول الدين 71 -70وكذلك القاضي عبد الجبار الصول 689 :وفي كتاب فضل
العتزال .208 -207 :وأورد الرازي احتجاجهم بهذه اليات للرد عليها .التفسير الكبير:
.1/63
( )57ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 33قفا
( )58امحمد اطفيش هيميان الزاد ط .23 /2 :2
( )59انظر ما يلي سنورد هذه الحاديث .677
ويقول الزمخشري" :فان قلت هل فيه دليل على أن الشفاعة للعصاة؟" قلت ":نعم لنه نفى أن
تقضي نفس عن نفس حقا أخلت به من فعل أو ترك ،ثم نفى ألن تقبل منها شفاعة شفيع ،فعلم
أنها ل تقبل للعصاه" .الزمخشري :الكشاف .1/279
ويذكر الرازي عن المعتزلة في شأن هذه الية ما يلي ":هذه الية قالوا إنها تدل على نفي الشفاعة
من ثلثة أوجه:
( )2/145
الول :قوله تعالى ] :ل تجزي نفس عن نفس شيئا[ ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكان قد
أجزت نفس عن نفس شيئا.
الثاني :قوله تعالى ]:ول يقبل منها شفاعة[ وهذه نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الشفاعة.
الثالث :قوله تعالى ]:وهم ل ينصرون[ ( 41فصلت )16ولو كان محمد eشفيعا لحد من العصاة
لكان ناصرا له وذلك على خلف الية" .الرازي :التفسير الكبير ..3/56ويقول القاضي عبد
الجبار ":إن من حكم ذلك اليوم أن المرء ينتفع بعمله دون هذه المور وأن العقاب ل يتخلصون
إل بما يكون منهم في الدنيا من التوبة وتلفي المعصية ".القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن عن
المطاعن .24 :
( )60يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 580قفا و 581وجه .ر.
الزمخشري :الكشاف.2/569 :
( )61عبدال السالمي :المشارق.287 :
ويستدل القاضي عبد الجبار بالية في سياق نفي الشفاعة لهل الكبائر في الصول ،289:وفي
فضل أهل العتزال.207 :
ويورد الرازي قول المعتزلة فيها بما نصه ":أخبر تعالى عن ملئكته أنهم ل يشفعون لحد إل أن
يرتضيه ال عز وجل ،والفاسق ليس بمرتضي عند ال تعالى :وإذا لم تشفع الملئكة فكذا
النبياء عليهم السلم لنه ل قائل بالفرق "،الرازي :التفسير الكبير .3/57
( )62قال الزمخشري ويجوز أن ينتصب (عهدا) على تقدير حذف المضاف أي إل شفاعة من
اتخذ ،والمراد ل يملكون أن يشفع لهم ،واتخاذ العهد الستظهار بالعمل الصالح ...وقيل كلمة
الشهادة أو يكون من عهد المير إلى فلن بكذا ،إذا أمره به أي ل يشفع إل المأمور بالشفاعة
المأذون له فيها وتعضده مواضع في التنزيل ].وكم من ملك في السماوات ل تغني شفاعتهم شيئا
إل من بعد أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى[ ( 53النجم )26الكشاف.2/525 :
( )63تبغورين :أصول الدين.71 :
( )64يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين115:
( )2/146
( )65يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 562قفا .ثم نقل الحديث الذي ذكره
الكشاف .واكتفى بذلك.
( )66يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين116 :
( )67انظر ما سبق664 :
( )68وقد نقل الزمخشري نفس الرواية عن الحسن .الكشاف.3/421 :
( )69محمد أطفيش تيسير التفسير ط 5/112 :1
ويستشهد القاضي عبد الجبار بالية في نفس السياق فيقول ":فال تعالى نفى أن يكون للظالمين
شفيع البتة فلو كان النبي شفيعا للظالمين لكان ل أجل ول أعظم منه .الصول الخمسة .689كما
يقول :ذلك ( :أي ورود الية بعد قوله تعالى ]:وأنذرهم يوم الزقة إذ القلوب لدى الحناجر
كاظمين[ يمنع من صرف قوله]:ما للظالمين[ إلى أن الراد بها للدنيا دون الخرة .فضل العتزال:
208ويقول الزمخشري :فان قلت :ما معنى قوله تعالى ]:ول شفيع يطاع[؟
قلت :يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا ،وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة ...فان
قلت :فعلى أي الحتمالين يجب حمله؟ قلت :على نفي المرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم
أولياء ال ل يحبون ول يرضون إل من أحبه ال ورضيه وإن ال ل يحب الظالمين فل يحبونهم،
وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم .قال تعالى ] :وما للظالمين من أنصار[( 2البقرة
)270وقال ]:ول يشفعون إل لمن ارتضى[( 21النبياء )28ولن الشفاعة ل تكون إل في زيادة
التفضل ،وأهل التفضل وزيادته إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى]:ويزيدهم من فضله[(
4النساء . )173الكشاف 421 -3/420
وينقل الرازي عن المعتزلة ما يلي ":والظالم هو التي بالظلم وذلك يتناول الكافر وغيره" .التفسير
الكبير.3/56 :
( )70عبدال السالمي :المشارق.287 :
( )71محمد أطفيش تيسير التفسير ط .6/415 :1
( )2/147
يقول الزمخشري :أي لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملئكة والنبيين وغيرهم لم تنفعهم
شفاعتهم لن الشفاعة لمن ارتضاه ال وهم مسخوط عليهم ،وفيه دليل على أن الشفاعة تنفع لنها
تزيد درجات المرتضين .الكشاف .4/187 :ويختصر الرازي استدلل المعتزلة بالية كما يأتي":
ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت الشفاعة قد تنفعهم وذلك ضد الية .التفسير.3/57 :
ويعتبر محمد عبده الية ناطقة بنفي منفعة الشفاعة .تفسير المنار 1/307 :ويحسن هنا أن نورد
حوصلة مهمة لصاحب المنار حول عدة آيات في الشفاعة خلص منها إلى انتقاء وجود نص
قطعي الدللة على الشفاعة في القرآن الكريم" في القرآن آيات ناطقة بنفي الشفاعة مطلقا كقوله
تعالى في وصف يوم القيامة ] ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة[ ( 2البقرة )254وأخرى ناطقة بنفي
الشفاعة كقوله عز وجل ] :فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ (74المدثر )48وآيات تفيد النفي بمثل
قوله ]:إل بإذنه[( 2البقرة )255وقوله ]:إل لمن ارتضى[( 21النبياء )28فمن الناس من يحكم
الثاني بالول ،ومنهم من يرى أنه ل منافاة بينهما فتحتاج إلى حمل أحدهما على الخر لن مثل
هذا الستثناء أي الستثناء بالذن والمشيئة معهود في أسلوب القرآن في مقام القطعي للشعار بأن
ذلك بإذنه ومشيئته عز وجل .كقوله تعالى ] :سنقرئك فل تنسى إل ما شاء ال[ ( 87العلى )7
وقوله ]:خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك[(11هود .)108فليس في
القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ولكن ورد الحديث بإثباتها في معناها .تفسير المنار:
.1/307
( )72عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117قفا .عبد العزيز الثميني :النور301 :
( )73تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول تبغورين.71 :
( )74انظر ما يلي729 :
( )75الحزاب ]30يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على ال يسيرا[
( )76أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي.156 -155 :
---
( )2/148
( )2/149
-جاء في الجامع الصحيح ما يلي :ذكر لنا في حديث الشفاعة ( )78أن أهل اليمان يحبسون في
الموقف بعدما قد بشروا عند الموت وبعد ما أجابوا عند المحنة في القبور أن ال ربهم قد غفر لهم
وأخذهم كتبهم بأيمانهم وابيضت وجوههم وثقلت موازينهم وأراد ال أن يدخلهم الجنة بالشفاعة
والشفاعة مخزونة ل يصل إليها نبي ول ملك حتى يفتحها الرسول صلى ال عليه وسلم قال
والنبياء ومن اتبعهم محبوسون الولون والخرون ،قال :فينما هم كذلك فيقولون ":لو استشفعنا
الى ربنا فيريحنا من هذا المقام" فيقول بعضهم لبعض ":عليكم بآدم" فيأتونه فيقولون ":أنت الذي
خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملئكته فلو استشفعت لنا الى ربك فيريحنا من هذا
المقام" فيقول ":فني أكلت الشجرة التي نهاني ال عنها وإني استحيي من لقاء ربي ولكن عليكم
بنوح فإنه أول نبي أرسله" فيأتون نوحا فيقولون ":لو استشفعت لنا ربك" فيقول ":غني سألت ربي
ما ليس لي به علم وأنا استحي من لقاء ربي لكن عليكم بإبراهيم خليل الرحمن" فيأتونه فيقولون
له ":لو استشفعت لنا ربك" .فيقول إني استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بموسى كليم ال" .فيأتونه
فيقولون له ":لو استشفعت لنا ربك" فيقول ":غني قتلت نفسا فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم
بعيسى فإنه روح ال وكلمته" فيأتونه فيقولون له ":لو استشفعت لنا ربك" فيقول ":إني عبدت من
دون ال فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم عبد قد غفر ال ما تقدم
من ذنبه وما تأخر" قال النبي صلى ال عليه وسلم ":فيأتوني فامشي بين سماطين من المؤمنين
فأقرع باب الجنة فإذا فتح لي (كذا) ثم يقال لي ":يا محمد اشفع نشفعك فيقول :يا رب ما بقي إل
من حبسه القرآن" يعني وجب عليه الخلود في النار" قال لهل العلم :هو المقام المحمود الذي يحمده
فيه الولون والخرون حيث نجاهم ال من ذلك المقام ويحمده الولون بما فتح لهم من الشفاعة
وكانت
( )2/150
مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا شفع رسول ال صلى
ال عليه وسلم يشفع آدم في وقت له في ولده ثم يشفع النبياء كل نبي يشفع لمته ويشفع المؤمنون
وكذلك شاء ال أن يدخل المؤمنون الجنة بالشفاعة حتى بلغنا أن الشهيد يشفع في سبعين من أهل
بيته إذا كانوا مؤمنين متقين" ( )79ويحلل المحشي هذا الحديث تحليل ضافيا ويستشهد بأقوال من
سبقه من علماء الباضية خاصة منهم الجيطالي وتبغورين ويتبنى مواقفهم كما يقارنها بأقوال
ورادة في الصحاح ويناقشها وتتمثل عصارة تحليله في قوله :وهي (الشفاعة) عند أصحابنا في
الحساب بعد طول مقام على أرجلهم وبعد أن بشر أصحاب اليمان وأخذوا كتبهم بأيمانهم فشع لهم
حتى أراحهم ال من الموقف وهي تشريف منازلهم وترفيع لدرجاتهم لن من أوجب له القرآن
الخلود في النار ل شفاعة له" (79مكرر ) .
كما يرد بشدة على القوال التي حشرت المتقين في عذاب أهوال يوم القيامة فيقول نقل عن
تبغورين ":وهذا من تزيين الشيطان لهم في أحاديثهم وكيف يكون هذا في المسلمين بعد قول ال
عز وجل ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) ( 19مريم
)86وقوله ( :ل يسمعون حسيسها) ( 21النبياء )102أم كيف يكون المؤمن مضبطا على بطنه
وقد قال ال في كتابه ( ل خوف عليهم ول هم يحزنون) ( 46الحقاف )13وما وصفهم من
الغضارة والنضارة ...ولكن الصراط المستقيم هو دين ال الذي افترضه ال على عباده والعدل
الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات ولذلك يشبهونه بحد السيف المرهف والشفرة
الرقيقة الدقيقة فل يميزها إل ذو الحجا والنهي والبصيرة النافذة مع عون ال وتوفيقه" (. )80
( )2/151
ثم يقول مبينا موقفه الشخصي ":أقول :ومما يدل على أن المسلمين ليس عليهم شيء من أهوال
الخرة وإن كانوا يشاهدونها قول عز وجل ( :ل يحزنهم الفزع الكبر) ( 21النبياء ...)103
وقوله ( :وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) ( 75القيامة )23أي منتظرة متى يؤذن لها في
دخول الجنة الى غير ذلك من اليات الدالة على أن المسلم ل حرج عليه يوم القيامة في موطن
من المواطن لن ال ل يجمع على شخص واحد آمنين أو خوفين بل من أمن في الدنيا خاف في
الخرة ،ومن خاف في الدنيا أمن في الخرة ،وفي الحديث " ل راحة للمؤمن دون لقاء ربه" (
)81الى غير ذلك من الحاديث فالظاهر أن معنى قول المسلمين عند طلب الشفاعة " فيريحنا من
هذا المقام" أي لما فيه من النظر إلى الهوال وأن يصل إليهم منها شيء لنهم آمنون مطمئنون
جعلنا ال منهم آمنين" (. )82
-وما جاء عن جابر بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم " :ليست شفاعتي لهل الكبائر من
أمتي" ...يحلف جابر عند ذلك ما لهل الكبائر شفاعة لن ال أوعد أهل الكبائر النار في كتابه،
وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لهل الكبائر فوال ما عن القتل والزنا والسحر
وما أوعد ال عليه النار .وذكر عن أنس بن مالك يقول :إنكم لتعملون أعمال هي أدق في أعينكم
من الشعر ما كنا نعدها على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل من الكبائر" (. )83
ويقول السالمي في شأن هذا الحديث ":وخالفت الشاعرة فيها (الشفاعة) فأثبتوها لهل الكبائر
تعويل على حديث رووه " :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ( )84ويجاب بوجوه:
أحدهما :انه خبر واحد ل يعارض القطعي.
وثانيها :أنه لو لم يعارض قطعيا لما أوجب العلم.
( )2/152
وثالثها :انه عارضته رواية مثلها ونصها " :ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي" فهذه بتلك على
أن هذه قد عضدها الكتاب وتلك قد خالفته فوجب إما القول بوضع تلك الرواية إذ لو كانت
الشفاعة لهل الكتاب لتقرب إليه المتقربون بالكبائر (. )85
وإما القول بأنها معلقة بشرط دل عليه الكتاب وهو ما إذا تابوا فإن من فعل كبيرة وتاب منها كان
مستحقا لن يشفع له غيره ،ول يلزم من هذا تخصيص الشفاعة لمن أتى الكبيرة ثم تاب منها دون
من أوفى في طول عمره لتغليب من عصى فتاب على من لم يعص قط والفائدة في تخصيصهم
بالذكر دفع إياسهم من رحمة ال وتسهيل الطريق لهم ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل
تقنطوا من رحمة ال) ( 39الزمر . )86( " )53
ويستدل المحشي بما أورده الجيطالي من أدلة من القرآن ومن الحديث الى أن يصل إلى ما نقله
منسوبا الى جابر بن زيد وهو قوله ":وال ما شفاعة الملئكة والنبيين والمؤمنين إل للتائبين" وكان
يقول ":ما نالت دعوة مؤمن منافقا قط" وقوله ":الشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها
إلى الثواب ،ولكن الشفاعة للمؤمنين زيادة لهم في الثواب وتشريف المنازل وبال التوفيق" (. )87
ثم ينقل المحشي نصوصا عن الجيطالي والغزالي أساسها أن ما كان يعتبر كبائر عند الصحابة
وعلماء الخرة صار يعتبر من الصغائر أو من المعروف أحيانا في العصور المتأخرة هذا
توضيحا لتعليق جابر بن زيد على رواية أنس بن مالك (. )88
ثم إلى جانب هذا الحديث تورد المصادر الباضية أحاديث أخرى في هذا النسق إل أنها ل تلتفت
إلى بقية الحاديث التي اعتمدها المثبتون ( . )89ومما ترويه هذه المصادر :ما جاء عن جابر بن
زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم " :ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل صالح وبرحمة ال
وشفاعتي" .
-وبنفس السند " :ل تنال شفاعتي الغالي في الدين ول الجافي عنه" (. )90
( )2/153
-قال صلى ال عليه وسلم " :صنفان من أمتي ل تنالهما شفاعتي يوم القيامة ...قال :القدرية
والمرجئة " (. )91
ويورد تبغورين أحاديث أخرى بدون سند وهي قوله صلى ال عليه وسلم " :يا فاطمة بنت
رسول ال ويا صفية عمة الرسول اعمل لنفسكما فإني ل أغني عنكما من ال شيئا" (. )92
-وقوله صلى ال عليه وسلم " :ل ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي ول ينال شفاعتي زان ول
سارق ول مدمن على الخمر ول قاتل النفس التي حرم ال إل بالحق" (. )93
وقوله عليه السلم " :وليذاذن رجال عن حوضي كما يذاذ البعير الضال ،وأقول ":هلم هلمّ
أصحابي ،أصحابي" فيقال لي ":قد غيروا بعدك ولم يزالوا مرتدين على أعقابهم .فأقول سحقا،
سحقا .فاختلجوا دوني فيمر بهم ذات الشمال" (. )94
ذلك تقريبا ما تجمع لدى الباضية من نصوص الحديث في باب الشفاعة ،ونحن نرى أنها تتظافر
لتثبت أل شفاعة لهل الكبائر فكيف يمكن أن نقارن بينها وبين ما ورد عند غير الباضية؟
======================
( )77ر .محمد عبده :تفسير المنار.1/307 :
( )78جاء في التعليق "...:والمخبر عن ذلك جابر بن زيد ...فالحديث مرسل وقد ثبت في
الصحاح المتفق عليها وال أعلم" انظر ما سبق 665 :وما يلي.
( )79الربيع بن حبيب :المسند 4/23 :عدد ،1004ونقلنا ما نسبه الربيع لهل العلم لنه يزيد
الموضوع توضيحا .ر .ابن ماجة :زهد 37أحمد بن حنبل. 3/116 :ر .ونسنك المعجم
المفهرس.2/536 :
( 79مكرر) المحشي :حاشية الترتيب . 8/137ر .عبدال السالمي :المشارق.289 :
( )80المحشي :حاشية الترتيب ،8/146نقل عن تبغورين :أصول الدين.69 -68 :
( )81لم يرد في معجم ونسنك.
( )82المحشي :حاشية الترتيب .147 -8/146
( )83الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22:عدد . 1004ر .أحمد الشماخي :الرد على
صولة الغدامسي.46:
( )84انظر ما سبق667 :
( )2/154
( )85يقو القاضي عبد الجبار ردا على المرجئة ":ثم يقال لهؤلء المرجئة :أليس أن المة اتفقت
على قولهم :اللهم اجعلنا من أهل الشفاعة ،فلو كان المر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون
هذا الدعاء لن يجعلهم ال تعالى من الفساق وذلك خلف" .الصول الخمسة 692 :كما يقول
أيضا ":وإنما تعلقوا بأخبار أكثرها مضطربة ،وما يعرف منها فهو روي :أن شفاعتي لهل
الكبائر من أمتي" وذلك إن صح فالمراد به إذا تابوا وأنابوا ".فضل العتزال.208 :
كما يقول أيضا ":والجواب أن هذا الخبر لم يثبت صحته أول ،ولو صح فإنه منطوق بطريق
الحاد عن النبي ومسألتنا طريقها العلم ،فل يصح الحتجاج به .ثم إنه معارض بأخبار رويت عن
النبي في باب الوعيد نحو قوله ":ول يدخل الجنة نمام ول مدمن خمر ول عاق" ...فليس بان
يوجد بما أورده أولى من أن يوجد بما رويناه فيجب اطراحها جميعا أو حمل أحدها على الخر
فنحمله على ما يقتضيه كتاب ال وسنة رسوله .ويقول المراد به شفاعتي لهل الكبائر من أمتي
إذا تابوا" الصول الخمسة .691وعن الحديث ر .ونسنك :المعجم المفهرس 7/1 :ر .مسلم:
إيمان .168أحمد بن حنبل.391 .5/389 :
( )86عبدال السالمي :المشارق.288 :
( )87اسماعيل الجيطالي :القناطر ط .321 /1 :2
( )88ر .المحشي :حاشية الترتيب .8/133ويورد الرازي تحليل طويل لحتجاج المعتزلة في
الرد على من نسب إلى النبي عليه السلم أن الشفاعة لهل الكبائر من المة السلمية عند
معارضة الرواية فيعتبرون أنها من الحاد مردودة إذا خالفت القرآن ،ويرون أنه ل يصح أن
تخص أهل الكبائر لن في ذلك حرمانا لهل الثواب ،ويلحون على أنه ظني والظني ل ينفع في
العقيدة.
وعند التسليم بها جدل يؤولونها على أنها استفهامية للنكار من باب قوله ":هذا ربي" ،كما
يفترضون أن كلمة لهل الكبائر قد تحتمل أهل اكبر الطاعات .الرازي :التفسير الكبير.3/63 :
( )2/155
( )89وسنذكر ردهم على الحدثيين الخرين في قضية الخلود .انظر ما يلي ص .753
( )90الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22 :عدد 1003 -1002 -1001لم ترد في معجم
ونسنك .هذا ما ينقله شارح النونية ورقة 117قفا وامحمد اطفيش :هيميان الزاد ط -23 /1 :2
.24
( )91الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/11عدد .806لم يرد في معجم ونسنك.
( )92عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 118وجه .عبد العزيز الثميني :النور .303ر .عبدال
السالمي ر .المشارق .290 :وعن الحديث ر .البخاري :وصايا 11تفسير سورة الشعراء الية
.2الدارمي رقاق .23أحمد بن حنبل . 1/206ر .ونسنك :المعجم المفهرس.5/15 :
( )93ل يوجد في معجم ونسنك.
( )94تبغورين :أصول الدين . 71 -70ر .مسلم :طهارة .39ابن ماجة :زهد .36الموطأ :
طهارة 28ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/194
---
( )2/156
( )2/157
فكل اليات النافية للشفاعة عن الظالمين اعتبرها المثبتون خاصة بالمشركين بينما اعتبرها
المنكرون عامة تشمل العصاة من أهل الصلة وفي الغالب يتقارب الحتجاج بين الطرفين إل أن
احتجاج الرازي كان معتمدا اعتمادا كليا على استنتاجات القياس المنطقي لتخصيص النص
بالمشركين.
أما في ما يتعلق بالسياقات التي تثبت الشفاعة ( لمن ارتضى) فقد وصل فيها تأويل الرازي إلى
حد اعتبار أن مرتكب الكبيرة -الذي مات مصرا على كبيرته -مرتضى عند ال تعالى على
أساس أنه تلفظ بكلمة اليمان ( )97والحقيقة أنه إذا كان مرتكب الكبيرة مرتضى فما الحكمة من
تحريمها ومن هنا تكتسب قضية الشفاعة مع الوعيد والخلود بعدها الحضاري العميق ( . )98وفي
تأويل مثل هذه السياقات تبدو حجج المنكرين مستساغة أكثر.
ب?) البلغة والعراب:
أما العزف على وتر البلغة والعراب فهذا طبيعي في فهم النصوص إل أنه لم يلجأ إليه إل
نادرا في مثل قوله تعالى ( :ول شفيع يطاع) حيث يقول الزمخشري وينقل عنه محمد اطفيش":
المطاع مجاز في المشفع لن حقيقة الطاعة نحو حقيقة المر في أنها ل تكون إل لمن فوقك (فإن
قلت ما معنى قوله تعالى(ول شفيع يطاع)؟ قلت :يحتمل أن يتناول نفي الشفاعة والطاعة معا وان
يتناول الطاعة دون الشفاعة ( ) )99كما تقول ما عندي كتاب يباع فهو محتمل نفي البيع وحده
وأن عندك كتابا إل انك ل تبيعه ونفيها جميعا وأل كتاب عندك ول كونه مبيعا ونحوه ":ول ترى
الضب بها ينجحر" يريد نفي الضبّ وانجحاره" (. )100
والحقيقة أن القضية البلغية هنا تعلقت بنفي الشفيع أو إثباته ولم تتعلق بالمشفوع له حيث رجع
المر الى التخصيص والتعميم (. )101
فمدار التأويل حينئذ على التخصيص والتعميم ولذلك حلل الرازي الكلم في آيتين ثم أحال على
هذين التحليلين في ما جاء من آيات أخر.
( )2/158
ذلك أهم ما يقام عن الستدللت القرآنية أما الستدللت بالحديث فهي أيضا رغم أنها جاءت
موضحة للقرآن الكريم فإنها لم تسلم من التأويل إذا لم يطعن في صحتها تماما والقرب لدى
هؤلء وهؤلء إذا تعارضت الحاديث وتضاربت أن يطعن كل في صحة الحديث الذي يحتج به
الخر.
والقضية تتلخص أيضا في نقطتين:
أولهما :ذلكم الحديث الطويل الذي أثبته الطرفان مع اختلف جوهري في النقط الحساسة واتفاق
في السياق العام (. )102
ويتمثل الختلف في بداية الحديث خاصة حيث إن الذاكرين للشفاعة عند الباضية هم أهل
اليمان من أتباع النبياء وهم الذين يطلبونها من ال ول دخل للبقية فيها .أما عند البخاري ومسلم
فالطلب عام ويتقدم الناس جميعا كافرهم ومؤمنهم لطلب الشفاعة ومن هنا اختلف الموقفان.
كما يقع إشكال في ما يصيب المسلمين الموفين من تعب يوم القيامة مع أن النصوص صريحة في
أل تعب لهؤلء (. )103
أما قبيل الخر فقد ناقش الشاعرة قولة عليه السلم " ثم أخرجهم من النار فأدخلهم الجنة" ()104
والحال أنهم ما يزالون في الموقف فقال ابن حجر في قوله :ثم أخرجهم من النار " قال الداودي:
كان راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة في
الراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الخراج من النار ،وذلك إنما يكون بعد
التحول من الموقف ...وهو إشكال قوي" (. )105
أما خاتمة الحديث فمتفق عليها عند الطرفين" ما بقي من حبسه القرآن أي أوجب عليه الخلود"
وهنا يرجع المر إلى التأويل فمن الذين حبسهم القرآن عن الشفاعة المشركون فحسب أم يشمل
المر مرتكبي الكبائر المصرين؟
وهكذا رغم التفاق على إثبات الشفاعة اعتمادا على هذا الحديث بقي الخلف قائما في شأن
المشفوع لهم.
ثانيهما ":النفي والثبات اعتمادا على نفس النص " :ليست الشفاعة لهل الكبائر من أمتي" "
شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" .
( )2/159
رغم لجوء المنكرين إلى تأويل هذا الحديث عند التسليم بصحته جدل على انه يخص التائبين فإن
الرازي لم يعتبره كافيا وحده بل يعتبر أنه في حاجة إلى الحاديث الخرى لتعاضده.
والمتأمل في النص يحار في أمر هذا الحديث فهل كان التحوير بالزيادة أو بالنقصان؟ هل وجد
النفي فحذف أو لم يوجد فأضيف ؟ ولبد من أحد الحتمالين لكن ل نستطيع أن نجزم جزما نهائيا
( )106بهذا ول بذاك وغاية ما هنالك أن الباضية جزموا بان النفي دخيل وحتى إن وجد فإمامهم
جابر بن زيد يعفي أنس بن مالك من أن يكون قد استعمل كلمة كبائر بمفهومها الصطلحي وإنما
حمل ذلك الستعمال على التهويل بمفهوم أن حسنات الفجار سيئات عند البرار.
لكن لنا أن نتساءل لماذا لم يتفاوض جابر بن زيد مع أنس بن مالك مع ما بينهما من مودة ()107
في شأن هذا الحديث ولو فعل لراحا المة من داء الختلف ولكان القول فصل؟
أما بقية الحاديث المستشهد بها عند الطرفين فهي ل تزيد الهوة إل عمقا وكلما اتسعت رقعة
الختلف كان لها أثر أوسع في سلوك كل من الطرفين (. )108
وبعد التأمل في احتجاج ( )109كل من الطرفين -المنكرين والمثبتين -لم يبقى إل أن ننظر في
تحديد الشفعاء وكيف ل يشفعون إل بإذن ال تعالى.
الشفعاء وحدود شفاعتهم:
قال تعالى ( :فما تنفعهم شفاعة الشافعين ( 74المدثر .)48
وقال ( :فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) ( 7العراف )53في اليتين إشارة إلى تعدد الشافعين فمن
هم هؤلء...؟
لقد أوردنا في آخر حديث الشفاعة العظمى ما نسب إلى أهل العلم ( )110ومفاده أن الرسول
صلى ال عليه وسلم يفتح الشفاعة المخزونة ثم يليه في الشفاعة بقية النبياء ويذكر النص بعد
ذلك الشهداء.
ويفهم من قوله تعالى على لسان الملئكة ( :فاغفر للذين تابوا) ( 40غافر )4أن الملئكة يمكنهم
ال تعالى من الشفاعة وقد بين جابر بن زيد ذلك بقوله " ما شفاعة والنبياء إل للتائبين" (. )111
( )2/160
ويفهم من كلم السالمي أن هناك شفعاء بعد الرسول عليه السلم حيث يقول ":وغنما خص شفاعة
الرسول صلى ال عليه وسلم ( )112بالذكر دون شفاعة غيره لن من لم تنفعه شفاعته لم تنفعه
شفاعة غيره بطريق الولى (. )113
فالشفاعة حينئذ حسب الباضية تكرم يمن به ال تعالى على الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ثم
على الملئكة والنبياء والصالحين من المؤمنين وليس معنى ذلك كما ذكرنا أن الشفاعة تبدل
إرادة ال الزلية بل هي مطابقة لما سطر في الزل (. )114
هؤلء هم أصناف الشفعاء فهل تكون شفاعتهم مطلقة؟ وغن لم تكن مطلقة فما هي حدودها؟
=================
( )95عن المسائل المذكورة انظر ما يلي 689 :وما يلي.
( )96انظر ما سبق.655 :
( )97وهنا يتحول الخلف الى موضوع السماء حيث تتفاوت الفرق السلمية في درجات
الرجاء .أما الباضية فقولهم فصل وهو أل إرجاء .انظر ما سبق:
( )98انظر ما يأتي.753 :
( )99ما جاء بين القوسين ذكر في ما سبق وأعيد هنا ليتضح المعنى.
( )100الزمخشري :الكشاف .421 -420 :محمد اطفيش تيسير التفسير ط 5/112 :1ويقول
محشي الكشاف في كتاب النتصاف :قوله تعالى ] ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع[ قال
فيه :يحتمل أن يكون المنفي الشفيع الذي هو الموصوف وصفته وهي الطاعة ،ويحتمل المنفي
الصفة وهي الطاعة والشفيع ثابت .اهـ كلمه.
قلت إنما جاء الحتمال من حيث دخول النفي على مجموع الموصوف والصفة ونفي المجموع كما
يكون بنفي كل واحد من جزأيه كذلك يكون نفي أحدهما على أن المراد هنا كما قال نفي المرين
جميعا .حاشية الكشاف.421 -3/420 :
( )101ويقول الرازي في هذا الصدد ":والجواب على جميع أدلة المعتزلة بحرف واحد وهو أن
أدلتهم على نفي الشفاعة تفيد نفي جميع أقسام الشفاعات ،وأدلتنا على إثبات الشفاعة تفيد إثبات
شفاعة خاصة والخاص والعام إذا تعارضا قدم الخاص على العام ،فكانت دلئلنا مقدمة على
دلئلهم" .التفسير الكبير.3/65 :
( )2/161
( )2/163
( )2/164
( وعنده) متعلق بشفيع أو بمحذوف حال من ضمير يشفع والمعنى على الول :من ذا الذي يوقع
عنده الشفاعة وعلى الثاني من ذا الذي يشفع حال كونه قريبا إليه تعالى عن النسب ،وقرب
المسافة وهذا أقوى فإنه إ ذا كان ل يشفع أحد عنده بأمر من المور إل بإذنه أو بمحذوف حال
من المستتر فيه أي ل يشفع في حال إل ثابتا بإذن ال" (. )116
واضح من خلل هذه التحاليل أن الفرق السلمية متفقة على أن شفاعة الشافعين ل تتم إل بإذن
ال إل أن دائرة هؤلء تضيق وتتسع حسب منطلق أهل الثبات وأهل النكار ويبدوا أن أحسن ما
قيل في هذا الباب هو قول محمد عبده بأن إذنه غير معروف (. )117
وفعل فإن تحديد هذا الذن يعتبر ضربا من التطاول على الغيب يحسن بالمسلمين أن يتساموا عنه
الحقيقة أن المر ل من بعد ومن قبل ويتجلى ذلك يوم القيامة في قوله عز من قائل ( والمر
يومئذ ل) ( 82النفطار .)19
يبدو بعد هذه التأملت أنه لم يبق إل أن نختم الحديث عن الشفاعة وذلك بعرض مواقف العلماء
من صلتها بأصول الدين.
أما المصادر الباضية فتعتبر أن صلتها بعلم أصول الدين وثيقة فالجيطالي مثل يقول ":إنها حق
فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن" ( )118ويميز السالمي بين المتأول فيعتبره كافرا كفر نعمة وبين
غير المتأول فيعتبره مشركا (. )119
وهذا موقف متأصل عند الباضية يرجع إلى إمامهم جابر بن زيد حيث كان يحلف انه ما لهل
الكبائر شفاعة لن ال قد أوعدهم النار في كتابه ( )120وما يزال مستمرا إلى يومنا هذا.
( )2/165
ومهما يكن من أمر فإننا نتفق مع جواد مغنية في أن أحسن شفيع للنسان إنما هو عمله وبه يكون
من أولياء ال والملئكة والرسل والنبياء والحقيقة أن الشافع الحق إنما هو ال رب العالمين ،إذ
يقول عز من قائل ( :ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على
العرش ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون) ( 32السجدة )121( )4كما يقول ( :قل
ل الشفاعة جميعا له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون) ( 39الزمر )122( )44فال حينئذ
هو " مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق" (. )123
والحقيقة فإن قضية الشفاعة تبقى وثيقة الصلة بالوعد والوعيد وقضية الخلود ،ولنجمع الحديث
عن البعد الحضاري للكل في آخر المطاف ولعله يحسن الن أن نقف عند قضية متفرغة عن
موضوع الخلود وهي هل أن الجنة والنار مخلوقتان الن أم لم تخلقا بعد؟ وهل هما فانيتان في
النهاية أم ل؟
=================================
( )115يوسف المصعبي :حاشية على الجللين .72 :الزمخشري :الكشاف ،1/384ويسكت
القاضي في تنزيه القرآن عن الشفاعة في آية البقرة ويونس وطه إل أنه تعرض لها في سورة سبأ
كما تعرض لها في متشابه القرآن في سورة طه وهذا قوله في سورة طه ":يدل على قولنا في
الشفاعة وأنها ل تكون لعداء ال لنه تعالى بين أنها ل تنفع إل من اختص بهذين الشرطين:
أحدهما أن يكون الذن واضحا في بابه.
والثاني أن يكون مرضي الطريقة في القول ،فمن يقول الكذب ومال يجوز ل يجب أن يكون
داخل في الشفاعة على وجه .متشابه القرآن 2/494 :ويقول في سورة سبأ ":من المراد بذلك"؟
وجوابنا أن المراد بذلك الملئكة ،بين تعالى أنهم ل يشفعون إل بإذنه وأنهم بخلف الشياطين فل
يقع منهم إل ما هو طاعة ل تعالى" .تنزيه القرآن .339 :
( )116امحمد اطفيش :هيمان الزاد ط .3/355 :2
( )2/166
ويتبنى محمد عبده نفس الموقف حيث يقول ] من ذا الذي يشفع عنده[ منهم فيحمله على ترك
مقتضى ما مضت به سنته ،وقضت به حكمته وأوعدت به شريعته ،ومن تعذيب من دسى نفسه
بالعقائد الباطلة ،ودنسها بالخلق السافلة ،وأفسد في الرض وأعرض عن السنة والفرض ،من ذا
الذي يقدم على هذا من عبيده إل بإذنه والمر كله له صورة وحقيقة ،وليس هذا الستثناء نصا في
أن الذن سيقع ،وإنما هو كقوله ]:يوم يأت ل تكلم نفس إل بإذنه[( 11هود )105فهو تمثيل
لنفراده بالسلطان والملك في ذلك اليوم ] :يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل[(82
النفطار )19ولهذا قال البضاوي في تفسير الجملة بيان لكبرياء شأنه وأنه ل أحد يساويه أو
يدانيه ويستقبل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضل عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبه.
وقال الستاذ المام ما محصلة :إن في هذا الستثناء قطعا لمل الشافعين والمتكلمين على الشفاعة
المعروفة التي كان يقول بها المشركون وأهل الكتاب عامة ببيان انفراده تعالى بالسلطان والملك
وعدم جرأة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه وإذنه غير معروف لحد من خلقه.
تفسير المنار 31 -3/30 :3/30 :راجع في هذا الشأن القرطبي :أحكام القرآن 3/275والطاهر
ابن عاشور :التحرير والتنوير .3/21 :وكل منها يوسع في إذن ال تعالى اعتمادا على نصوص
من الحديث.
( )117ر .محمد عبده تفسير المنار.3/31 :
( )118إسماعيل الجيطالي :قناطر الخيرات ط 1/230 :2
( )119ر .عبدال السالمي :المشارق.287 :
( )120الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22 :وانظر ما سبق679 :
ملحظة :يجدر أن نشير إلى أن كل من الطاهر بن عاشور وجواد مغنية قد اعتبر أن موضوع
الشفاعة ليس من القضايا الصولية الساسية .فيقول الطاعر ابن عاشور" والحق أن المسألة(
الشفاعة) أعلق بالفروع منها بالصول لنها لتتعلق بذات ال ول بصفاته" الطاهر بن عاشور:
التحرير والتنوير .1/438
( )2/167
ويقول جواد مغنية ":والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول ايجابا
أما حيث المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها
على صحة النقل عن ال ورسوله فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن بالشفاعة وإل فهو
معذور ...وبهذا يتبين معنا أن الشفاعة ليست أصل من أصول الدين وأن من أنكرها مؤمن بال
ورسوله واليوم الخر ،فهو مسلم بل ريب" .التفسير الكاشف.1/97 :
( )121ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير.4/776 :
( )122ر .امحمد اطفيش5/74 :
( )123الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير24/27 :
---
( )2/168
( )2/169
إن كانت تلك حجج المثبتين فالمنكرون ( )16لم يقبلوا هذه الحجج وأقواها قصة آدم عليه السلم
فقالوا في شأنها ":آدم كان رجل في الجنة أي بستان له على ربوة أي محل مرتفع ،فعصى ربع
فأنزله لبطن الوادي" (. )17
وهؤلء يرون أنهما يخلقان ليوم الجزاء إذ ل حاجة إلى وجودهما الن ومن أدلتهم:
" قوله تعالى ( :أكلها دائم) ( 13الرعد )35بمعنى مأكولها دائم أي ل ينقطع مع قوله تعالى:
( كل شيء هالك إل وجهه ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) ( 55الرحمن )27فلو كانت
الجنة مخلوقة الن لزم فناؤها وهلكها فل تكون دائمة والنار مثلها إذ ل قائل بالفرق.
وقوله تعالى ( :وجنة عرضها السماوات والرض) ( 3آل عمران )133فلو كانتا موجودتين للزم
تداخل الجسام لن الية صريحة في أن عرض الجنة هو عرض السماوات والرض" (. )18
ويقول أبو هاشم في باب الستدلل العقلي ":لو وجدنا فل تكونان إل في عالم الفلك أو العناصر
أو في عالم آخر" (. )19
ج)الرد على القائلين بعدم الوجود الن:
وقد تصدى القائلون بوجودهما لهذه الحجج فبينوا أنه ل حاجة إلى تأويل قصة آدم وحواء في
الجنة ،وتأويلها من غير ضرورة إلحاد في الدين (. )20
وأما الجمع بين الدوام والهلك للوصول إلى أنهما فانيتان فهو من باب التأويل المردود إذ كيف
تفنيان بفناء الدنيا وهنالك تبدأ وظيفتهما ويقول السالمي في هذا الصدد ":وأجيب عنه بأن دوام
مأكول إنما هو على سبيل البدل بمعنى أنه إذا فني واحد جيء بآخر ،أي ل يتصور دوام مأكول
واحد بعينه فل تنافي.
أو نقول :إن فناءهما أن تتفرق أجزاؤهما وتبقى ذواتهما على ما هي عليه فتكونان فانيتين صورة
باقيتين ذاتا.
أو نقول :إن كون ذاتيهما قابلتين للفناء كاف في كونهما فانيتين فإن ما أمكن فيه الفناء لذاته فإن
على الحقيقة ورفع الفناء عنه فعل لعارض عرض عليه من خارج ل يدفع ذلك المكان الذاتي.
( )2/170
أقول :وهذا هو الجواب لن الول والثاني وإن أمكنا فهما يحتاجان إلى دليل يدل على أن ذات
الجنة والنار فانية فعل على الول وأن صورتهما دون ذاتهما فعل أيضا على الثاني " (. )21
أما اعتبار العرض دليل على وجوب التداخل فهذا دليل تمجه البلغة القرآنية لن الصورة من
أبلغ وجوه التشبيه يعاضدها التشبيه الصريح في الية الخرى ( كعرض السماء والرض) (57
الحديد .)21
بقيت الدلة العقلية الثلث لقد جاء دحضها كما يلي:
أما الول :فلن الفلك ل تقبل الخرق واللتئام فل يخالطها شيء من الكائنات الفاسدات وهو
باطل لن الفلك أجسام ،وإذا كانت أجساما فلبد لها من صانع وكذا العراض فهي قابلة للتغير
وال عز وجل يغيرهما.
وأما الثاني ( :في العناصر) فلنه قول بالتناسخ....
وأما الثالث ( :في عالم آخر) فلن العالم بسيط)22( ...
إن المتأمل في حجج الطرفين يجد أنها تمكن من الحتمالين إل أن حجة واحدة ترجح كفة القائلين
بوجودهما الن وهي قصة آدم عليه السلم إذ جاء فيها تأويل المنكرين في منتهى درجات
الضعف .وما دام آدم قد سكن الجنة مع زوجته وهبطا منها بعد ذلك ليبتليهما ال في الدنيا فل
سبيل إلى إنكار وجودهما وما جاء من آيات تشير إلى الهلك يجب أن تتأول للتناسق مع السياق
السبق فاتضح من خلل ما ذكر أن القول بخلقهما الن هو الصح (. )23
ويندرج تحت هذا السياق أيضا التفكير في محلها الن إن وجدتا ويتفق جمهور الباضية
والشاعرة ( )24على تفضيل الوقوف (. )25
===============================
( )1أي في الحياة الدنيا قبل البعث.
( )2خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 525 /1ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير
الجللين ورقة 22قفا وقد أشار إلى القول بالوقوف دون أن ينسبه إلى صاحبه.
( )3يقول الشعري ":ونقر أن الجنة والنار مخلوقان" ويقول أيضا " :ويقرون أن الجنة والنار
مخلوقتان" .المقالت.1/349 :
( )2/171
( )4يذكر اليجي منهم أبا علي الجبائي وبشر بن المعتمر .المواقف 2/445 :كما تذكر المصادر
الحسن البصري ومعلوم أن جل الفرق تتجاذبه
( )5ر .عبدال السالمي ر .المشارق335 -334 :
( )6ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت 90 :
( )7ر .عمر التلتي :شرح كتاب الديانات67 :
( )8ر .يوسف المصعبي :شرح كتاب الديانات . 17 -16 :حاشية على تفسير الجللين ورقة 22
قفا.
( )9ر .عبدال السالمي ر .المشارق279 -278:
( )10امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 46 -45 :2
( )11ر .الترمذي .فضائل الجهاد .13الدارمي :جهاد . 18أحمد بن حنبل .6/386ر .ونسنك :
المعجم المفهرس3/201 :
( )12جاءت أحاديث بعنوان ":ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة" .ر .البخاري بدء الخلق ،8
. 10ر .ونسنك :المعجم المفهرس2/73:
( )13ر .يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات. 17 :ر .من المراجع الشعرية اليجي :
المواقف 2/445واللقاني والبيجوري :جوهرة التوحيد وشرحها182 :
( )14ر .البخاري :رقاق .16بدء الخلق .8الترمذي :جهنم .11أحمد بن حنبل ...1/234ر.
ونسنك :المعجم المفهرس4/14 :
( )15ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج1/524 :
( )16أبو سهل الفارسي ،وأبو المؤثر الصلت بن خميس وابن أبي نبهان من الباضية ،وأبو
هاشم وعبد الجبار وضرار بن عمرو من المعتزلة.ر .يوسف المصعبي :شرح كتاب الديانات:
.17امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط .45 :2عبدال السالمي ر .المشارق .278 :اليجي :
المواقف .2/445البيجوري :شرح جوهرة التوحيد182 :
( )17ر .يوسف المصعبي :شرح كتاب الديانات .17 :البيجوري :شرح جوهرة التوحيد182 :
( )18عبدال السالمي ر .المشارق278 :
( )19ر .اليجي :المواقف .2/445امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 46 -45 :2
( )20ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد182 :
( )21عبدال السالمي .المشارق278 :
( )2/172
( )22ر .امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 46 .45 :2اليجي :المواقف.2/445 :
وواضح أن امحمد اطفيش استفاد استفادة كلية من كلم اليجي لن المقارنة بين النصين تبين
ذلك ،ول حرج ما دام الموقف واحدا .وكان ألوى لو أحال عليه لنه من عاداته يحيل على
مراجعه.
ويشير الجرجاني إلى أن في هذا الحتجاج ردا على من ينكر وجودها مطلقا ل على من ينكر
وجودهما في الحال فقط.ر .شرح المواقف2/445 :
( )23ر .عبدال السالمي ر .المشارق.279:
( )24البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .182 :ولم يرد نص صريح في تعيين مكان الجنة والنار
كما شرح المقاصد ،والكثرون على أن الجنة فوق السماوات السبع وتحت العرس ،وأن النار
تحت الراضين السبع ،والحق تفويض علم ذلك إلى اللطيف الخبير كما في شرح المصنف .ر.
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/525 :
( )25ر .عبدال السالمي .المشارق. 277:
---
( )2/173
( )2/174
الحقيقة أن الباضية يقبلون حجج القائلين بالدوام لكنهم يضيفون إليها خلود المصرين على
العصيان من المسلمين وبالتالي يردون الوجه الثلث من وجوه احتجاج القائلين بالدوام.
وقد جاءت نصوص العقيدة مصرحة بعدم فناء الجنة والنار معا فمن ذلك قول أبي الربيع سليمان
بن يخلف" وندين بأن الجنة والنار ل انقضاء لهما ول غاية لدوامهما" ()29
.
ومن ذلك قوله عامر الشماخي ":وندين بان الجنة والنار دائمتان ل يفنيان" (. )30
ومن ذلك شرح التلتي لقول عامر الشماخي " دائمتان " " باقيتان" "مستمرتان" ل يفنيان :أي ل
يذهبان ول يزولن ( )31وكذلك يقول السالمي (. )32
ومما نقله صاحب قاموس الشريعة عن شرح النونية في الرد على القائلين بالفناء ":وأما الجهمية
فالحجة عليهم قول ال تعالى في وصف الجنة( :أكلها دائم) ( 13الرعد )35وقوله ( ل يمسهم
فيها نصب وما هم منها بمخرجين) ( 15الحجر )48وقوله ( :خالدين فيها) ( 2البقرة 3 -162
آل عمران )15وفي أمثالها من القرآن (." )33
واضح أن القضية لم تقع الشارة إليها إل عرضا في نصوص القرون المعنية بالدرس ولكن مدار
النقاش حول خلود أهل الكبائر غير التائبين أو عدم خلودهم وذلك لن الباضية يعيشون في محيط
أشعري يرميهم بالبتداع في هذا الشأن وهم يحاولون الدفاع عن موقفهم والتمسك بأقوال سلفهم.
ثم إلى جانب هذا تثير كتب أصول الدين قضية وثيقة الصلة بالوعيد والخلود واصطلح على
تسميتها بالورود انطلقا من استعمال مشتقات هذه الصيغة في عديد من اليات.
ورود النار:
جاء في لسان العرب عن ابن سيده :ورد الماء وغيره وردا وورودا وورد عليه :أشرف عليه،
دخله أو لم يدخله وعن الجوهري :ورد فلن ورودا :حضر.
هذا ما جاء تقريبا من المعاني اللغوية إل أن ابن منظور توغل في التفسير العقائدي أكثر من
الشرح اللغوي (. )34
( )2/175
واضح من الروايات التي نقلها ابن منظور أن ابن إسحاق تحمس للقائلين بأن الورود ل يعني
الدخول فلنتبين حجج هؤلء وأولئك .وما هذا الحتجاج إل ضرب من التأمل في النصوص
القرآنية وتفسير بعضها ببعض ليعزز كل من الطرفين الموقف الذي يتناسق مع الوجهة العامة
لتفكيره.
)1حجج القائلين بان الورود يفيد الدخول:
جاء في التفسير الكبير ":القول الثاني :عن الورود هو الدخول ويدل عليه الية والخبر.
أما الية فيقول تعالى ( :إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لها واردون) ( 21النبياء
)98وقال ( :فاوردهم النار وبئس الورد المورود) ( 11هود )98ويدل عليه قوله تعالى ( :أولئك
عنها مبعدون) ( 21النبياء )101والمبعد هو الذي لول التبعيد لكان قريبا فهذا غنما يحصل لو
كانوا في النار ثم أنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى ( :ونذر الظالمين فيها جثيا) (19
مريم )72وهذا يدل على انهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلبد
وأن يكونوا قد دخلوا النار.
أما الخبر فهو أن عبدال بن رواحة ()35
قال :اخبر ال عن الورود ولم يخبر بالصدور ،فقال عليه السلم ":يا ابن رواحة .اقرأ ما بعدها (
ثم ننجي الذين اتقوا) ( )36وذلك يدل على ابن رواحة فهم من الورود الدخول والنبي صلى ال
عليه وسلم ما أنكر عليه في ذلك.
وعن جابر ( )37انه سئل عن هذه الية فقال ":سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :
الورود الدخول ل يبقى بر ول فاجر إل دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما حتى إن للناس
ضجيجا من بردها (. )39( " )38
ثم يورد تأويلت القائلين بهذا القول ومفادها أنه دخول بغير خوف ول ضرر أو أن يخمد ال
النار عند عبورهم أو أن يغير طبع النار كما كان في حق إبراهيم عليه السلم (. )40
=========================
( )26ر .أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف35 :
( )2/176
( )2/177
( )2/178
( )2/179
وقد سلك الباضية نفس المسلك وفي ذلك يقول يوسف المصعبي بعد أن أورد أقوال القائلين
بالدخول ":الورود عندنا محمول على ورود النظر دون الدخول قالوا ول يلزم الدخول بدليل قوله
تعالى في حق موسى عليه السلم ( :ولما ورد ماء مدين) ( 28القصص )23فإنه من المعلوم أنه
لم يدخله واستدل أصحابنا على ذلك بقوله تعالى ( :ل يمسهم السوء) ( 3آل عمران )174وبقوله:
( أولئك عنها مبعدون) ( 21النبياء )101بعدها (." )44
إن احتجاج هؤلء وأولئك أثبت أن اللغة -وهي أساس الفهم -آزرت الذين اعتبروا أن الورود هو
الدنو والقرب والوصول ولذلك التجأ الطرف الثاني إلى عديد من التأويلت فقد بين الطاهر ابن
عاشور ( - )45هو من هؤلء أقرب -أنها غير مستساغة وبين بوضوح أل اعتداد بما ذكره
الرازي من فوائد تنجز للداخلين بشكل من الشكال" (. )46
الصراط:
كنا أشرنا إلى حقيقة الصراط عند استلل الباضية على عدم جواز تعذيب الموفين يوم القيامة (
)47وقد وضح تبغورين موقف الباضية بقوله " الصراط المستقيم دين ال القيم الذي افترض ال
على عباده والعدل الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات" (. )48
واكتفى صاحب النونية بالشارة إلى هذا الموقف من الصراط حيث قال( :طويل)
( )2/180
إل أن إسماعيل الجيطالي يقول ":والذي عندي -وال أعلم -أن الصراط المذكور في القرآن على
وجهين :أحدهما طريق السلم كما قدمنا .والثاني أنه الجسر الموضوع على متن جهنم المرتب
عليه القناطر السبع التي هي مراصد ومجالس للعباد حتى يسألوا عن السبع السؤالت المشهورة (
)50هذا مشهور في كتب أصحابنا ويدل على هذا قوله تعالى ( فاهدوهم الى صراط الجحيم
وقفوهم إنهم مسؤولون) ( 37الصافات )23إذ يستحيل حمل الصراط المذكور هاهنا على طريق
السلم وال اعلم ،فهذا ممكن في العقل لنه ليس فيه ما يحيله ول في الشرع ما يبطله فإن القادر
على أن يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير النسان على الصراط وال أعلم بكيفيته" ()51
.
أما في الشرح النونية فلم يذكر إل الموقف الول وهو المعنى المجازي " وقال أصحابنا رحمهم
ال في الصراط ما قاله الناظم فيه من أنه دينه عز وجل الذي هو الطريق المستقيم المؤدي الى
دار النعيم ويوصف بالرقة والحدة على المجاز باعتبار الهلك المعتري للنسان بأقل حركة منه
على خلفه" (. )52
ويحوصل السالمي مبينا أسماء من ذهب من الباضية الى الجمع بين الموقفين فيقول :فقد ذهب
مثل ما ذهبوا ( الشاعرة) إليه بعض أصحابنا منهم الشيخ هود بن محكم وأبو القاسم البرادي
والشيخ إسماعيل في القناطر وقطب الئمة في الهيميان وجامع الشمل" (. )53
ويقرر السالمي أن المسألة ليسن من باب الدين ويذكر بعض اليات استدل بها من اعتبروا
الصراط جسرا منها قوله تعالى ( :فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) ( 36يس )66وقوله تعالى:
( فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون) ( 37الصافات )23وقوله تعالى ( :أفمن
يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) ( 67الملك .)22
ويبين أنه أجيب بان الصراط في اليات بمعنى الطريق ول دللة فيهما على الجسر المذكور.
( )2/181
كما يذكر أنهم استدلوا على ثبوت الجسرية بالحاديث المروية وأجيب أنها أحاديث أحادية ل
توجب المور العتقادية والذي يظهر لي إبقاء الحاديث على أصلها من غير تعرض لردها على
راويها وتفويض أمره إلى ال فمن صدقها من غير قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه
بالراوي ول بأس عليه إن شاء ال (. )54
والحقيقة أن المتأمل في ورود هذه الكلمة في القرآن الكريم يتبين أنها يغلب عليها مفهوم الدين
وطريق الهداية في ما عدا اليات المذكورة آنفا والتي استشهد بها القائلون على أن الصراط جسر
على جهنم فهي توحي بذلك إل أن تتأول عن طريق المجاز لتواكب بقية اليات.
وهنا تعترضنا الحاديث في هذا الشأن وهي ثروة عقائدية في حاجة إلى أن تمحص أكثر عن
طريق المقارنة المدققة بين مواقف مختلف الفرق السلمية.
والمهم أن القضية تبقى تبعية تامة لقضيتي الوعد والوعيد والخلود من حيث البعد الحضاري
والتأثير في الواقع الجتماعي ولذلك ذكر السالمي أنها ليست من قضايا أصول الدين الساسية
فالقائلون بإنفاذ الوعيد والخلود يغلب عليهم تفسير الصراط بالمنهج السلمي الموصل إلى النجاة
والقائلون يطهر بخلف الوعيد وعدم الخلود رجحوا تفسير الصراط بالجسر عسى أن يطهر المسلم
من ذنوبه مع القامة المؤقتة في الجحيم قبل أن يستقر نهائيا في الجنة.
وتبقى في النهاية أسرار يوم القيامة من علم الغيب الذي استأثر به المولى تعالى وأولى بالمؤمن
أن يختار المواقف الكثر احترازا ليكون من الناجين فيسلك مسلك الدين باعتباره المسلك القوم.
قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) ( 17السراء )9فإن وجد الجسر بجميع
مواصفاته المبالغ في وصفها يكن من العابرين بسلم.
( )2/182
وبالوقوف عند قضية الصراط نكون قد استوفينا المواضيع التي جاءت على هامش القضيتين الم
وهما الوعد والوعيد والخلود ولم يبق إل أن نقتحم معركة القائلين بالخلود في النار والقائلين بعدمه
والجدل فيها يشتد ويحتدم لن القضية قضية مصير أبدي وهي في الحقيقة محور حياة النسان.
==============================
( )41القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن عن المطاعن250 :
( )42القاضي عبد الجبار :متشابه القرآن .2/486
( )43القاضي عبد الجبار :متشابه القرآن .2/486
( )44يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 560قفا .ر .عبدال السالمي .
المشارق 309 -308:ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .522 /1فالورود عند أصحابنا:
النتهاء والمرور والجتياز.
وقد جاء مثل هذا عند الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير .152 -16/151.وعند محمد جواد
مغنية :التفسير الكاشف 5/193
( )45ر .الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير 152-16/151
( )46ر .الرازي :التفسير الكبير2/245 ،21/445 :
ويعدد ست فوائد نذكر منها واحدة ":أن فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين
هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم يبقون فيها" .التفسير الكبير 21/244 :
ولزيادة التوسع في القضية عامة ر .الزمخشري :الكشاف 2/520 :البيضاوي :أنوار التنزيل:
.2/19القرطبي :أحكام القرآن.141 -11/135 :
( )47انظر ما سبق 678 :مكرر.
( )48تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول تبغورين69 :
( )49أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية عدد 133:10 .132
لسان العرب :اكتفى بذكر أن أصل الصاد سين أو زاي ولم يشر إلى الشرح اللغوي مادة صرط.
وجاء في المعجم الوسيط :الطريق ،قال تعالى ]:ول تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن
سبيل ال[(7العراف .)86
( )2/183
ويقول القاضي عبد الجبار ":ومن جملة ما يجب القرار به واعتقاده الصراط وهو طريق بين
الجنة والنار يتسه على أهل الجنة ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه ،وقد دل عليه
القرآن :قال ال تعالى ]:اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم[( 1الفاتحة )7فلسنا
نقول في الصراط ما يقول الحشوية ،أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف ،وأن المكلفين
يكلفون اجتيازه والمرور به ,فمن اجتازه فهو من أهل الجنة ،ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل
النار ،فإن تلك الدار ليست هي بدار تكليف ،حتى يصح إيلم المؤمن وتكليفه المرور على ما هذا
سبيله في الدقة والحدة ،وأيضا فقد ذكرنا أن الصراط هو الطريق وما وصفوه ليس من الطريق
بسبيل ففسد كلمهم فيه ".القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 728ر .أيضا 738 -737 :
نفس المصدر.
( )50إشارة إلى ما ينتظر النسان من أسئلة يوم القيامة عبر عنها الجيطالي بالقناطر ولذلك سمى
كتابه قناطر الخيرات.
( )51إسماعيل الجيطالي :القناطر ط 2:1/318.319
( )52عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 186قفا و 187وجه .عبد العزيز الثميني :النور .440
( )53عبدال السالمي ر .المشارق .286 :أما عن موقف الشاعرة فانظر البيجوري حيث يقول:
" الصراط ...ومعناه لغة :الطريق الواضح مأخوذ من صرطة إذا ابتلعه لنه يبتلع المارة.
وشرعا :جسر ممدود على متن جهنم يرده الولون والخرون حتى الكفار ،خلفا للحليمي حيث
ذهب الى أنهم ل يمرون عليه ولعله أراد الطائفة التي ترمى في جهنم من الموقف بل صراط...
ثم ذكر مختلف القوال في أنواع العبور وطول المدة الزمنية وتفاوتها من شخص الى آخر ،
وذكر ما جاء في هذا الشأن من الحاديث من ذلك قوله عليه السلم" ويضرب الصراط بين
ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز".
( )2/184
وذكر في نهاية كلمه الحكمة من مرورهم على الصراط ،وهي ظهور النجاة من النار وأن
يتحسر الكفار بفوز المؤمنين بعد اشتراكهم في المرور" .شرح جوهرة التوحيد 181 -180 :
وقد أورد عمرو التلتي هذا النص كله .شرح النونية ورقة 186وجه وقفا ر .عبد العزيز
الثميني :النور ،440 -438 :وعن الحديث المذكور ر .البخاري آذان .129توحيد 24مسلم :
إيمان .299ابن ماجة زهد 33أحمد بن حنبل . 17 -3/11 .2/293ر .ونسنك :المعجم
المفهرس3/300 :
( )54ر .عبدال السالمي ر .المشارق286 :
---
( )2/185
( )2/186
ورغم مساس القضية بالغيبيات نجد من هون من شأنها على أساس أنها ليست من اللهيات ول
من الرساليات كما يشير إلى ذلك محمد اطفيش بقوله ":عن خلود الموحد وعدمه ليس من الصول
التي يكون بها تفسيق معتقد أحدهما" ( )6والجلل الدواني حيث يقول بعد حديث عن الصفات":
والحال انه ل حرج على من قال فيها بخلف الصواب فأحرى أن يكون ذلك في ما ليس من
اللهيات ول من الرساليات كمسألة الخلود" (. )7
لكن إلى جانب هذا نجد من اعتبر أنها من القضايا العقائدية الساسية فهذا رشيد رضا يقول ":فإن
هذه المسألة قديمة ،وهي اكبر مشكلت الدين" ( )8وكذلك جواد مغنية فإنه يقول أثناء حديثه عن
هذه القضية ":ونحن نتكلم في المور العقائدية القطعية ل في المسائل الفرعية الظنية" ( )9وكذلك
أحمد الخليلي في تعليقه على كتاب المشارق يقول ":مسألة الخلود في النار من مسائل العتقاد
المهمة" (. )10
وكذلك محمد علي ناصر الجعفري يقول ":وليعلم أن عقد القلب المعتبر في أصول الدين إنما هو
بالنسبة إلى الثار الخروية كالتخلص من الخلود في النار" (. )11
وكذلك يقول الرازي ":واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل" (. )12
والراجح أنها من القضايا العقائدية الساسية لن كل حياة النسان مرتبطة بمصيره واعتقاد الخلود
وعدمه يجول مجرى حياة النسان تحويل جذريا ولول تصور عالم الجزاء لما استقام الدين بما
فيه من عقيدة وشريعة.
والمتأمل في النصوص السلمية قرآنا وسنة يتبين أنها خصصت الجانب الوفى منها للتعريف
بعالم الجزاء ول تكاد تخلو سورة تقريبا من التذكير بالدار الخرة وعدا أو وعيدا.
( )2/187
وانطلقا من هذه النصوص التي جاء فيها ذكر الخلود مرات مشفوعا بالتأبيد ومرات غير مشفوع
به ،ومرات صريحا للمشركين ومرات صريحا للعصاة من أهل الصلة كان الخلف بين
الصوليين فما هي أبرز المواقف في هذه القضية وما هي مكانة الباضية منها؟ وما هي الحجج
المعتمدة نقل وعقل عن صح للعقل أن يحكم؟ وما هي البعاد الحضارية لهذه المواقف؟
مختلف المواقف من قضية الخلود:
لقد لخصها السالمي في خمسة حيث يقول ":والناس فيه على مذاهب :أحدها :وهو قول الشعرية:
إن أهل الشرك مخلدون في النار وأهل الكبائر مما عدا الشرك إما أن يعفى عنهم فل يدخلونها
وإما أن يعذبوا بقدر أعمالهم ثم يخرجون منها.
المذهب الثاني :عن أهل النار مشركهم وفاسقهم غير مخلدين فيها ،ونسب هذا إلى طائفة خرجت
عن السلم.
المذهب الثالث :إن أهل الكبائر غير معذبين قطعا وإنما العذاب لهل الشرك خاصة ونسب هذا
إلى مقاتل وبعض المفسرين.
المذهب الرابع :إن الجنة والنار فانيان بعد دخول أهل كل واحد منهما فيها ،ونسب هذا القول إلى
جهم بن صفوان.
المذهب الخامس :وهو مذهب أهل الستقامة والمعتزلة :إن أهل الكفر من معاصي ال كانوا
مشركين أو فاسقين مخلدون في النار دائما ،لكن أهل الستقامة يقولون ":إن التعذيب بعدل ال
والثواب بفضله ،والمعتزلة يقولون بوجوب ( )13ذلك عليه تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد
في التحسين والتقبيح العقليين" (. )14
والمتأمل في كتب الصول يلمس أن الصراع بقي على أشده بين أصحاب الموقف الول ()15
وأصحاب الموقف الخامس (. )16
والملحظ أيضا أنه يصعب الوقوف عند كل النصوص القرآنية التي تجاذبها الطرفان ولذلك
سننتخب منها ما نرى أنه أكثر تعبيرا عن القضية إذ كل ما استشهد به يمس الموضوع من قريب
أو من بعيد .وسنسلك في هذه المرة مسلك عرض حجج الطرفين في نفس الوقت لنلخص إلى
الستنتاجات العامة بعد ذلك ومنهجنا يقوم على عنصرين أساسيين:
( )2/188
ويقول الرازي ":اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر :فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم
فريقان :ومنهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج ،ومنهم من أثبت
وعيدا منقطعا وهو قول بشر المريسي والخالد .ومن الناس من قطع بأنه ل وعيد لهم وهو قول
شاذ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر.
والقول الثالث إنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي ،ولكنا نتوقف في حق كل
أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم ل ،ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحدا منهم مدة ف'نه ل
يعذبه أبدا بل يقطع عذابه ،وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر
المامية" .التفسير الكبير 3/145
( )15وهو موقف الماتريدية حسب ما يذكر أبو السعود في تفسيره ( )1/147والشيعة الزبدية كما
ينقل ذلك عن إمامهم زيد أبو زهرة في كتابه :المام زيد ص 204والشيعة المامية كما ينقل أبو
زهرة عن الشيخ المفيد في أوائل المقالت وكما ذكر ذلك الرازي :التفسير الكبير.3/145 :
( )16وهو موقف من وسموا بالخارجية جميعا .
---
( )2/190
( )2/191
وأما أبو السعود فيقول ":من كسب سيئة فاحشة من السيئات أي كبيرة من الكبائر كدأب هؤلء
الكفرة" (. )23
وأما جواد مغنية فيقول ":السيئة تعم الشرك وغيره من الذنوب ولكن المراد منها هنا خصوص
الشرك بقرينه قوله تعالى ( :فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .قال صاحب مجمع البيان إن
إرادة الشرك من السيئة يوافق مذهبنا أي مذهب المامية" (. )24
ويقول ابن عاشور ":والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليه بقوله:
( وأحاطت به خطيئته) (. )25
-السيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر:
يقول الزمخشري ( ":من كسب سيئة) من السيئات يعني كبيرة من الكبائر" (. )26
يقول أبو مهدي ( ":من كسب سيئة) وهي الشرك في ما وجدنا في التفسير" (. )27
ويقول يوسف المصعبي ":وما ذكره الكشاف هو الموافق لما عليه أصحابنا رحمهم ال كما هو
معلوم" (. )28
ويكتفي البرادي بقوله ":حقيقة السيئة ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (. )29
ويقول محمد اطفيش ":سيئة خصلة قبيحة وهي الذنب الكبير ،سواء كانا نفاقا أو شركا ومن
الذنوب الكبيرة الصرار فإنه نفسه كبيرة سواء على الصغيرة أو الكبيرة لقوله تعالى ( :فأولئك
أصحاب النار) ويحتمل وجه آخر وهو أن السيئة ذنب صغير أو كبير...
( )2/192
ثم يناقش قول من قال :إن السيئة هنا بمعنى الشرك فيقول :وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس
رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه ال إنها الشرك قلت :ما ذكرته
أولى مما ذكراه فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ تلك تفسير منهما ،ل حديث ول
سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار ،ولم يحصروا دخولها على الشرك
ومعترفون بان لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدي وادعاء أن
الخلود في الموحدين بمعنى المكث الطويل وفي المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة في
حقيقتها ومجازها وهو ضعيف وأيضا ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب
بغيره لن الشرك أقوى" (. )30
وقال محمد عبده ":للسيئة هنا إطلقها وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك ولو
صح هذا الوعيد لما كان لقوله ( :وأحاطت به خطيئته) معنى فإن الشرك أكبر السيئات وهو
يستحق الوعيد لذاته كيفما كان" (. )31
-الخطيئة عند منكري الخلود لهل الكبائر:
أما عن الخطيئة فقد قرأت بصيغة الفراد والجمع " خطيئاته" وجاء تفسيرها متأثرا بتفسير السيئة
فيقول فيها منكرو الخلود ما يلي:
لقد ذكرنا أن ابن عباس اعتبر الخطيئة أوبئة الشرك الذي يموت عليه صاحبه (. )32
وأما الرازي فيفهم من كلمه أنه يعتبر الخطيئة مرادفة للسيئة فيقول ":ولما كان من الجائز أن
يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار بين تعالى أن الذي
يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به ،ومعلوم أن لفظ الحاطة حقيقة في إحاطة جسم آخر
كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك هاهنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة".
ثم بعد أن يبين لم حمل السيئة على الكبيرة يقول ":فكأنه تعالى يقول بلى من كسب كبيرة وأحاطت
كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (. )33
( )2/193
وأما البيضاوي فيحملها على الكفر بسبب الحاطة فيقول ":ولذلك فسرها السلف بالكفر" (. )34
وأما أبو السعود فينقل عدة روايات في فهم الخطيئة حيث يقول ".…:فسرها السلف بالكفرة" ()35
.
وقيل السيئة الكفر والخطيئة الكبيرة وقيل العكس وقيل الفرق بينهما أن الولى قد تطلق على ما
يقصد بالذات والثانية تغلب على ما يقصد بالعرض لنها من الخطأ " ( )36وأما كل من القرطبي
( )37ومغنية ( )38فلم يقفا عند كلمة خطيئة.
وأما ابن عاشور فيتوسع في التحليل فيقول ":وقوله وأحاطت به خطيئاته " الخطيئة اسم لما يقترفه
النسان من الجرائم وهي فعلية بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء والحاطة مستعارة لعدم الخلو
عن الشيء لن ما يحيط بالمرء ل يترك له منفذا للقبال على غير ذلك ،قال تعالى ( :وظنوا أنهم
أحيط بهم) ( 10يونس )22وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لنها تجري على جميع الخطايا ول
يعتبر مع الكفر عمل صالح)39( "....
تلك هي مواقف المنكرين والملحظ أنه وقع اللحاح على الحاطة أكثر من الطالة في تفسير
الخطيئة على أنه ورد فيها القول وعكسه بالنسبة إلى السيئة فواضح إذن أن السطح متموج ،وكل
يجذب المفاهيم من طرف لتعزيز موقفه.
-الخطيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر:
أما الزمخشري فيقول ":وقيل في الحاطة كان ذنبه أغلب من طاعته وسأل رجل الحسن عن
الخطيئة فقال :سبحان ال أل أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة؟ انظر في المصحف فكل آية
نهى فيها ال عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة" (. )40
وينقل يوسف المصعبي نفس النص (. )41
أما أبو مهدي فيقول ":وأحاطت به خطيئاته وهي الكبائر في ما وجدنا أيضا" ( )42ولم يتعرض
البرادي لتعريف الخطيئة (. )43
( )2/194
أما محمد اطفيش فيقول ":ربطته وأوجبت له دخول النار فصار ل خلص له منها كمن أحاط به
العدو أو الحريق أو حائط السجن وذلك بان مات غير تائب وقيل معنى الحاطة أن ذنبه أغلب من
طاعته ومن مشارقة أصحابنا من يقول ذلك.
شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر في مضرة على شيء وأحاطت رمزا وشبه إيباق خطيئاته له
إلى النار وقصرها إياها على النار بدوران الشيء الضار على شيء....
والخطيئة في قراءة الفراد يحتمل أن تكون هي السيئة المذكورة أول ويحتمل أن يراد به الجنس
كما صرحت به قراءة الجمع....
ثم يورد أن السيئة ما يقصد بالذات والخطيئة ما يكون عرضا ويضرب لذلك أمثلة كما يورد
جواب الحسن إل انه يرد فيه بالتعليق التالي ":وهذا الذي قال إنما هو في القرآن وليس متعينا في
جميعه أيضا وأما في غيره فالخطيئة تحتمل الصغيرة وكذا السيئة والذنب والمعصية وال أعلم " (
. )44
أما محمد عبده فيقول ":ومعنى إحاطة الخطيئةهو حصرها لصاحبها وأخذها بجوانب إحاسه
ووجدانه كأنه محبوس فيها ل يجد لنفسه مخرجا منها يرى نفسه حرا مطلقا وهو أسير الشهوات
وسجين الموبقات ورهين الظلمات؟ وغنما تكون الحاطة بالسترسال في الذنوب والتمادي على
الصرار قال تعالى ( :كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) ( 83المطففين )14أي من
الخطايا والسيئات ففي كلمة يكسبون معنى السترسال والستمرار وران عليه غطاه وستره أي أن
قلوبهم قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه .ثم
أورد حديثا يؤازر موقفه وختم بقوله :لمثل هذا كان السلف يقولون ":المعاصي بريد الكفر" ()45
.
( )2/195
من خلل ما ذكر من تفسير السيئة وإحاطة الخطيئة ( )46نتبين أنه سال مداد كثير نتيجة تأملت
العقول وكل ذلك إما لتيسير المر على أهل الكبائر المصرين لما في قلوبهم من إيمان أو لحشر
هؤلء مع المشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا .فالسيئة والخطيئة تتأرجحان بين الشرك
والكبيرة والصغيرة واللغة تحتمل ذلك وإن كان الشرك مستبعدا ولذلك ناقشه حتى من باب
التعسف والتسلط على اللغة .أما عن الحاطة فهذا يعتبر أل إحاطة إل بالشرك والخر يلح على
أن الذنوب هي الخرى تحجب القلب وتطمس ما تسرب إليه من نور اليمان.
والذي يقلبه العقل ول تلفظه اللغة أن السيئة وإحاطة الخطيئة أو الخطيئات إنما هي المعاصي
مهما كان نوعها ولذلك يترجح أن الخلود شامل للمشركين وللعصاة المصرين الذين ماتوا دون أن
يتوبوا وجاهروا خالقهم بما نهاهم عنه رغم البشير والنذير فهؤلء وغن آمنوا فإنهم لم ينتفعوا
بإيمانهم في الدنيا فكيف يمكن أن ينتفعوا به في الخرة.
===================
( )17يقول الرازي ":إن السم إن كان مذكرا فالصل في صفة جمعه التاء يقال كوز وكيزان
مكسورة وثياب مقطوعة ،وإن كان مؤنثا كان الصل في صفة جمعه اللف والتاء يقال جرة
وجرار مكسورات وخابية وخواب مكسورات إل انه قد يوجد الجمع باللف والتاء في ما واحده
مذكر في بعض الصور نادرا محو حمام حمامات وحمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله
تعالى] في أيام معدودات[(3آل عمران )24و] في أيام معلومات[( 22الحج )28فال تعالى تكلم
في سورة البقرة بما هو الصل وهو قوله تعالى ] أياما معدودة[ ،وفي آل عمران بما هو الفرع".
التفسير الكبير ( 3/142 :وسبطر تفيد معنى الثقل أو السرعة).
( )18الرازي :التفسير الكبير " 7/233 :فالكلم في تفسيره قد تقدم في سورة البقرة" كذلك
القرطبي" 4/51 :وقد مضى الكلم في معنى قولهم :لن تمسنا النار في البقرة ،مع العلم أنه لم
يستوف القضية تحليل حتى هنالك" 12 -2/10
( )2/196
( )19ابن عباس :تنوير المقباس .12 :وقد نيه إلى ذلك امحمد اطفيش حيث قال ":روى قومنا
عن ابن عباس رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك" .هيمان الزاد ط .2/140 :2
( )20محمد عبده :تفسير المنار1/144:
( )21الرازي :التفسير الكبير3/144 :
( )22القرطبي :أحكام القرآن1/12 :
( )23تفسير أبي السعود 1/147
( )24جواد مغنية :التفسير الكاشف1/137 :
( )25الطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير1/581 :
( )26الزمخشري :الكشاف1/292 :
( )27أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي144 :
( )28يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 42قفا
( )29البرادي :رسالة الحقائق40:
( )30امحمد اطفيش :هيمان الزاد ط 2/140 :2
( )31محمد عبده :تفسير المنار1/363 :
( )32انظر ما سبق719 :
( )33الرازي :التفسير الكبير3/144 :
( )34البضاوي :أنوار التنزيل1/29 :
( )35وقد حدد هذه التفسير ،بينما لم يحدد سند بقية القوال
( )36تفسير أبي مسعود1/147 :
( )37القرطبي :أحكام القرآن1/12 :
( )38جواد مغنية :التفسير الكاشف1/137 :
( )39ابن عاشور :التحرير والتنوير1/581 :
( )40الزمخشري :الكشاف1/929 :
( )41يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 42قفا
( )42أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي144 :
( )43البرادي :رسالة الحقائق40 :
( )44امحمد اطفيش :هيمان الزاد ط 2/141 :2
( )45محمد عبده :تفسير المنار1/363:
( )46وما لم يذكر أكثر
---
( )2/197
( )2/198
وقوله (من كسب سيئة) سند لما تضمنته بلى من إبطال قولهم أي ما أنتم إل ممن كسب سيئة الخ
ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فأولئك أصحاب النار فأنتم منهم ل محالة ....فمن في قوله
" من كسب سيئة" شرطية بدليل الفاء في جوابها وهي في الشرط من صيغ العموم...
ثم يمضي في تحديد السيئة والخطيئة ( )51إلى أن يقول ":فذلك لم تكن في الية حجة للزاعمين
خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ ل يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو ل
يخلو من عمل صالح وحسبك من ذلك سلمة اعتقاده من الكفر وسلمة لسانه من النطق بكلمة
الكفر الخبيثة.
والقصر المستفاد من التعريف في قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قصر إضافي
لقلب اعتقادهم" (. )52
فالسياق حسب هؤلء خاص بالكفار واليهود جزء ل يتجزأ من هؤلء فماذا عن حجج الطرف
الخر الذي يعمم الخلود ويدخل فيه مرتكبي الكبائر المصرين على الموت؟
-موقف المعممين وحججهم:
أما الزمخشري فلم يحلل قضية التعميم والتخصيص لكت يفهم من تفسيره للسيئة والخطيئة أنه
يعمم ( )53ولم يتعرض يوسف المصعبي للقضية ( . )54وقد أورد الرازي ضمن عرض حجج
المعتزلة تحليلهم لهذه الية وإثباتهم فيها دللتها على العموم "....فثبت بما ذكرنا أن الستثناء
يخرج من الكلم ما لوله لوجب دخوله فيه وذلك يدل على أن صيغة " من" في معرض الشرط
للعموم" (. )55
وأما محمد اطفيش فيقول ":فأولئك البعداء مقامات الخير وإنما عبر بإشارة البعيد تلويحا لهذا
المعنى ...أصحاب النار أس مستحقوها بكسبهم أو ملزموها في الخرة كما لزموا موجباتها في
الدنيا وهي الذنوب.
( هم فيها خالدون) دائمون فيها لنهم وقد أحاطت بهم خطاياهم مصرون فلم يكن للبثهم فيها آخر
كما أن المصر ل آخر للمعصية وملزمتها عنده والناس إما مصر وإما غير مصر مرحوم يدخل
الجنة" (. )56
( )2/199
أما صاحب المنار فيقول ":قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خادون) " خبر" ( من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته ) أي هم أصحاب دار العذاب في الخرة الحقاء بها دون من لم يصل الى
درجتهم في الدنيا وهو من في قلبه شيء من نور اليمان وتوحيد ال تعالى وما يتبعه من الخير" (
. )57
واضح من خلل هذه التحاليل أن كل من الطرفين حرص على تطويع التركيب لغرضه وكل
منهما بعد عرض أدلته يصل إلى النتيجة المقررة من البداية والراجح أن " من" هي أقرب إلى
التعميم منها إلى التخصيص .
ج)الخلود بقاء مؤبد أو مكث طويل:
واضح من خلل ما بينا أن مخصصي الخلود الذين تأولوا السيئة بالشرك والكفر ليسوا في حاجة
الى القول بالمكث الطويل بالنسبة إلى الخلود .ويقول أبو السعود في هذا الصدد ":ول حاجة إلى
حمل الخلود على اللبث الطويل" (. )58
بينما البيضاوي وقد اعتبر السيئة من القبائح فإنه يقول في تفسير قوله تعالى ( هم فيها خالدون)
دائمون أو لبثون لبثا طويل (. )59
ويرد على القائلين باللبث الطويل محمد عبده بما يلي ":ومن المفسرين من ترك السيئة في الية
على إطلقها فلم يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا إن المراد بالخلود طول مدة المكث
لن المؤمن ل يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها
طول حياته .أولوا هذا التأويل هروبا من قول المعتزلة إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار
وتأييدا لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة والقرآن فوق المذهب يرشد الى أن من " تحيط به
خطيئته" ل يكون أو ل يبقى مؤمنا" (. )60
وتعليق محمد عبده على هؤلء يغني عن زيادة التحليل.
وموقف الباضية صريح من هذين السياقين إذ يعتبرون أنهما شاملن لصحاب الكبائر والكل
خالد في الجحيم أبد البدين وسنعود إلى الستنتاج عندما نحوصل الحديث عن بقية النصوص.
هذا وإن تأرجحت المواقف لصلة السياقين باليهود هنا فماذا عن اليات المتعلقة بالخلود بصفة
عامة؟
( )2/200
( )2/201
( )2/202
-التعميم :إن كان المر واضحا ،وكانت العبارة صريحة في المواقف السابقة فقد جاء المر
عاما في بعض الحيان وقد ظهر هذا خاصة عند ابن عباس ( )67وجواد مغنية ( )68في اليات
المشار إليها من سورة النساء والجن .ومن صيغة التعميم الى السكوت عن القضية.
-السكوت :وقد يرى المفسرون أل فائدة في الرجوع الى ما ذكر فيمرون على قضية الخلود دون
الوقوف عندها ،ومثال ذلك ما نجده عند البيضاوي ( )69وأبي مسعود ( )70ومغنية ( )71في آية
النساء 14عن المواريث والرازي ( )72وجواد مغنية ( )73مع آية سورة يونس وإن لم يقف
هؤلء مثل هذه المواقف فإنهم يلجئون الى تخصيص الخلود الدائم للكفار.
-تخصيص الخلود للمشركين :وهذا ما عبر عنه كل من أبي السعود ( )74وابن عاشور ()75
وفي آيتي سورة يونس وسورة الجن.
هذه تقريبا حوصلة عامة لمواقف المفسرين -منكري الخلود لهل الكبائر -من هذه اليات
ويواكبهم في ذلك الصوليون ونذكر منهم مثل اليجي حيث يقول ردا على المعتزلة ":ول نسلم
(أن من اكتسب كبيرة فقد تعدى حدوده بل) تعدى (بعض حدوده والمراد من قتل مؤمنا لنه مؤمن
ول يكون ذلك القاتل إل كافرا) فاليات المذكورة ل تتناول صاحب الكبيرة (سلمنا) تناولها إياه
(لكن الخلود) المذكور ( )76فيها (هو المكث الطويل وما ذكرتم معارض بما يقال حبس مخلد
وخلد ال ملكه" (. )77
والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة
أهل الصلة في النار ،فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟.
والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة
أهل الصلة في النار ( ، )78فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟
موقف الباضية والمعتزلة من هذه اليات:
( )2/203
يتفق الباضية والمعتزلة ( )79والموسومون بالخارجية ويساندهم في ذلك ممد عبده على أن هذه
اليات وأخواتها في القرآن الكريم أكبر دليل على ما ذهبوا إليه من اعتقاد الخلود البدي اللنهائي
الذي يشمل العصاة الذين ماتوا دون أن يتوبوا الى ال تعالى مع القول بتفاوت العذاب بينهم وبين
من ماتوا على الشرك ول يخلو تحليل أصولي في الموضوع من الستشهاد بهذه اليات وأخواتها
ونكتفي بذكر نص أبي مهدي لنه استوعب ما جاء قبله وعليه اعتمد من جاء بعده.
( )2/204
يقول أبو مهدي بعد أن حلل آية البقرة ( )81التي وقفنا عندها ( :وأحاطت به خطيئاته) وهي
الكبائر في ما وجدنا أيضا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 2البقرة )81وقوله:
( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ( 5المائدة )37وقال:
( وما هم بخارجين من النار) ( 2البقرة )167وقال ( :ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم
ماكثون) ( 43الزخرف )77أي مقيمون ،وقال ( :وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم
خالدين فيها) -إلى قوله ( -ولهم عذاب مقيم) ( 9التوبة )68فإن قال قائل هذه الية في أهل
الشرك خصوصا قيل له ( :وكذلك قوله تعالى ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا
خالدا فيها وله عذاب مهين) ( 4النساء )14وقوله ( :ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم
خالدين فيها أبدا) ( 72الجن )23وقال ( :والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي
حرم ال إل بالحق) -الى قوله ( -ويخلد فيها مهانا) ( 25الفرقان )69فإن قالوا هذه اليات كلها
في الشرك قيل لهم وكذلك النهي عن الكبائر إنما هو في أهل الشرك فل يجد في ذلك فرقا .وقال:
( كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) ( 22الحج )22وقال ( :عن البرار لفي نعيم وإن
الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين) ( 82النفطار )16 -13وقوله:
( سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا محيض) ( 14إبراهيم )21أي من مذهب ومخرج" ()80
.
( )2/205
ويقف تفسير المنار إلى نفس الموقف حيث يقول محمد عبده في شأن منتهك حدود ال ":وظاهر
الية أن العاصي المتعدي للحدود يكون خالدا في النار" ( )81كما يقول في شأن القائل المتعمد "
فهو جدير بالخلود في النار والغضب واللعنة" ( )82ويضيف رشيد رضا فيقول ":أقول وقد
استكبر الجمهور خلود القاتل في النار وأوله بعضهم بطول المكث فيها وهذا يفتح باب التأويل
لخلود الكفار فيقال إن المراد به طول المكث أيضا" (. )83
ثم أعطى صاحبا المنار بعدا حضاريا لهذا الموقف سنعود إليه في الستنتاجات (. )84
ب) اليات التي علقت العذاب بالمشيئة:
-قوله تعالى ( :ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من
النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا .قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما
شاء ال إن ربك حكيم عليم) ( 6النعام .)128
-وقوله تعالى ( :فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات
والرض إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (. )85
لقد تضاربت الراء في شأن التعليق بالمشيئة ( )86كما تضاربت في شأن تعليق المغفرة بالمشيئة
وأطال المفسرون الكلم ....وذكروا وجوها جعلت المعنى من الطلسم ( )87إل أن الجدل يدور
حول ثلثة محاور:
)1تصور إمكانية خروج المشركين من النار ،ومثل هذا التصور يرده المفسرون بسرعة وإنما
يذكرونه لتفنيده (. )88
)1استثناء الموحدين العصاة ،وهذا ما رجحه كل من قالوا بخروجهم من النار فاعتبروا الستثناء
من أدلتهم وهذا ما نقل عن ابن عباس ":وإل ما شاء ربك أن يخرجهم من أهل التوحيد من كانت
شقاوته بذنب دون الكفر فيدخله بإيمانه خالصا" (. )89
( )2/206
وهذا ما ختم به الرازي مختلف الوجوه التي ذكرت في الستثناء قائل ":إخراج أهل التوحيد من
النار....وهذا كلم قوي في هذا الباب" ( . )90وقاس على هذا النسق كل من أبي السعود ()91
ورشيد رضا ( )92وابن عاشور ( . )93وجواد مغنية ( )94والكل يلح على تركيز موقفهم
باختتام تفسير الية بقوله تعالى ( :إن ربك فعال لما يريد) (11هود . )107وفي تحليل جواد
مغنية وضوح وتبسيط لنه اعتبر السياق من المحكم لذلك أجبنا أن نورده حيث يقول ":ويتلخص
بان من يدخل جهنم بأي ذنب من الذنوب فل يستطيع الخروج منها بنفسه ول بشفيع ومعين ،ول
بفداء فهو من هذه الجهة خالد فيها ...ولكن إذا شاء ال أن يخرجه منها خرج ،وانتفى عنه وصف
الخلود في النار لن إرادته تعالى ل يحدها شيء" ( إن ربك فعال لما يريد) وكل شيء يرجع في
النهاية إلى إرادته ول ترجع إرادته إل إليه وحده فسبب الخلود يؤثر أثره ما دام الخالق مريدا له
ذلك ،وغن لم يشأ لم يكن عمل بمبدأ ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ( 36يس )95( .)82
واضح حينئذ أن هؤلء يعتبرون " أن صاحب الكبيرة غير مخلد ،وإن عذب فإنهم يقولون هو في
مشيئة ال إن شاء غفر وعفا عنه بل تعذيب ،وإن شاء شفع فيه من شاء ،وإن شاء عذبه في ناره
بقدر عمله أو إلى ما شاء ال من المدة ثم يقطعون بخروجه منها" (. )96
هذا عن المشيئة عند هؤلء فماذا عن هذه المشيئة عند من رأوا خلود العصاة المصرين الى
الموت؟
==========================
( )61لقد أشرنا في ما سبق إلى مواقف العلماء من قاتل العمد 623 :وما يلي .746
( )62ر .الرازي :التفسير الكبير 240 /10 ،30/165 :ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف2/408 :
( )63ر .البضاوي :أنوار التنزيل1/98 :
( )64ر .القرطبي :أحكام القرآن 5/335:و 82 /5إنه عبر بالستعارة في قوله" :فالخلود مستعار
لمدة ما"
( )65ر .تفسير أبي السعود1/567 :
( )66ر .ابن عاشور :التحرير والتنوير4/268 :و 5/164
( )2/207
( )2/208
( )83محمد عبده :تفسير المنار .5/341 :والغريب أن رشيد رضا بعد ذلك في آية سورة يونس
يقول " :خالدون فيها ل يبرحونها لنه ليس لهم مأوى سواها كما تقدم في آية أخرى ،وقد يدخلها
بعض عصاة المؤمنين فيعاقبون على ما اجترحوا من سيئات ثم يخرجون منها ".تفسير المنار:
11/352
( )84انظر ما يلي758 :
(11 )85هود 107جاءت في سياق المقابلة بين مصير الشقياء والسعداء إذ تقول الية
الموالية ] :وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك
عطاء غير مجذوذ[ .108
( )86انظر ما سبق608 :
( )87ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف4/210 :
( )88ر .الرازي :التفسير الكبير.18/64 :
ويقول في ذلك القاضي عبد الجبار ":وربما قيل في قوله تعالى ]:قال النار مثواكم خالدين فيها إل
ما شاء ال[ أو ليس في ذلك دللة على أن في الجن والنس من الكفار من ل يخلد في النار.
جوابنا أن المراد ما شاء ال ممن ل يبقى على كفره.
ولنه تعالى قال ]:النار مثواكم خالدين فيها[ ومن الجائز أن نؤمن بعضهم فقال ]:إل ما شاء ال[.
تنزيه القرآن 138
( )89ابن عباس :تنوير المقباس191 :
( )90الرازي :التفسير الكبير18/66 :
( )91ر .تفسير أبي مسعود3/69 :
( )92ر .رشيد رضا :تفسير المنار216 /12 :
( )93ر .ابن عاشور :التحرير والتنوير12/165 :
( )94ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف4/270 :
( )95جواد مغنية :التفسير الكاشف4/270 :
( )96عبدال السالمي :المشارق300 :
---
( )2/209
( )2/210
كما ينقل عن البرادي ما يلي ":الوجه الثاني ( )98أن الستثناء الكائن في الية مقرونة بمثله من
الستثناء أعني قوله تعالى ( :وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات
والرض إل ما شاء ربك) ( 11هود )108فإن جاز أن يخرج أهل النار من النار بهذا الستثناء
جاز مثله في أهل الجنة ول فرق لن اليتين جاءتا مجيئا عاما ،ول أظن عاقل يرد على ال
سبحانه في كتابه ول يكذب خبره ،وقد قال سبحانه في غير ما موضع من كتابه ( :خالدين فيها
أبدا) ( 2آل عمران )198 .136 .15وقال ( :عطاء غير مجذوذ) ( 11هود )108وقال ( أكلها
دائم وظلها) ( 13الرعد )35فإذا بطل على أهل الجنة واستحال في حقهم الخروج منها بخبر ال
الصادق فقد بطل الستثناء الذي تعلقوا به وما صاروا إليه ،قال سبحانه ( :يريدون أن يخرجوا
من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ( 5المائدة )37وقال ( :كلما أرادوا أن يخرجوا
منها أعيدوا فيها) ( 32السجدة )20وقال ( :وما هم عنها بغائبين) ( 82النفطار .)99 )1( )16
وإن كان الزمخشري خص آية سورة النعام بالمشركين وتأول المشيئة بتحويلهم من عذاب قصد
التشفي ( 1 )100فإنه يرفض أن يكون الستثناء دال على خروج أهل الكبائر فقال ":ول يخدعنك
عنه قول المجبرة" عن المراد بالستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة فإن الستثناء الثاني
( )101ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم" (.1 )102
أما محمد اطفيش فبعد أن يورد جل الراء الواردة في شأن الستثناء يقول ":والولى في هذا جعل
الستثناء منقطعا وقيل المعنى إل ما شاء ربك لو فرض أنه تعالى وعز وجل يشاء إخراجهم فهو
تعليق بالمحال فيكون ذلك برهانا على البدية كقوله تعالى عز وجل ( :حتى يلج الجمل في سم
الخياط) ( 7العراف . )103( " )40
( )2/211
فالباضية حينئذ كما فعلوا من زمن المام جابر في تعليق المغفرة بالمشيئة اعتبروا التعليق
بالمشيئة دليل على الخلود للمشركين والعصاة لن إرادة ال ل تتحول ( )104ول مبدل لكلماته
وهو الفعال لما يريد.
أما محمد اطفيش فيعتمد على التفسير المأثور ويختار التفويض في شأن المشيئة فيقول ":أما ما
ورد في التفسير بالمأثور في الستثناء هنا فيؤيد ما جرينا عليه من تفويض المر الى ال تعالى
وعدم الحكم على مشيئته في هذا المر الغيبي وهو ما رواه ابن جرير ( )105عن ابن عباس
قال :إن هذه الية آية ل ينبغي لحد أن يحكم على ال في خلقه أل ينزلهم جنة ول نارا" (. )106
ومن هذه المقارنات بين الراء المتقابلة نفهم شيئا فشيئا كيف يوجه السياق القرآني حسب منطلقات
محددة فتكون نفس اليات دليل لهؤلء وأولئك فهل تكون اليات التي تحدد المكث بالحقاب
وبدوام السماوات والرض هي الخرى في هذا النسق؟
ج) تحديد اللبث بدوام السماوات والرض:
-قال تعالى ( :فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات
والرض إل ما شاء ربك) ( 11هود .)107
-وقال تعالى ( :إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لبثين فيها أحقابا) ( 78النبأ .)23 -21
فمن هم الشقاء والطغاة وما المقصود من هذين التحديدين بدوام السماوات والرض وبالحقاب؟
ذلك هو مثار الجدل في شأن هذه اليات.
( )2/212
إن المتأمل في مواقف منكري خلود أهل الكبائر ومثبتيه يلمس بوضوح أن مركز الكلم كان قائما
على تحديد مفهوم الطغيان والشقاوة فمنكرو الخلود اعتبروا أن الشقاوة والطغيان بمعنى الكفر وقد
جاء هذا واضحا عند ابن عباس ( )107والبيضاوي ( )108وأبي السعود ( )109وابن عاشور (
، )110أما الرازي فلن يصرخ بمدلول الشرك إل أن السياق في التفسير يؤكد أنه يعتبر أن
اليتين متعلقتان بالمشركين فهو يقول":الشقي هو الذي يكون من أهل العقاب" ( )111كما يقول":
المراد بالطاغين من تكبر على ربه وطغى في مخالفته ومعارضته" ( )112ثم يتوغل في الرد
على من يعتبر أن عذاب الكفار منقطع)113( .
أما الباضية والمعتزلة فقد ذهبوا الى أن الطغيان والشقاوة يشملن المشركين والعصاة من أهل
الصلة فإن لم يفسر الزمخشري كلمة الطاغين ( )114فإنه يرى " أن الشقي هو الذي وجبت له
النار لساءته" ( )115وكذلك محمد اطفيش فإنه يقول ":الشقي سيئ الحال في عذاب وتعب في
النار بعمله لموجب العذاب" ( . )116ويقول ":الطاغين شامل للموحد الفاسق" ( )117وكذلك يقول
السالمي ":فإن اسم الشقي شامل لهما (الفاسق والمشرك) (. )119( )118
فواضح إذن أن المشكلة ترجع الى تحديد السماء واختلف الفرق فيها ( )120أما في ما يتعلق
بمفهوم الحقاب ودوام السماوات والرض فهم مجمعون على أن القصد منها التأبيد.
-أما قوله تعالى ( :خالدين فيها ما دامت السماوات والرض) فقالوا إن المقصود من ذلك التأييد
على أحد وجهين:
)1أن تراد سماوات الخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة إلى البد والدليل على أن لها سماوات
وأرضا قوله تعالى ( :يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات) إبراهيم )48وقوله ( :وأورثنا
الرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) (] 39الزمر )74ولنه لبد لهل الخرة مما يقلهم ويظلهم
سماء يخلقها ال أو يظلم العرش وكل ما أظلك فهو سماء.
( )2/213
)2أن يكون عبارة عن التأييد ونفي النقطاع كقول العرب :ما دام تعار ،وأقام ثبير ،وما لح
كوكب وغير ذلك من كلمات التأييد (. )121
-أما قوله تعالى ( :لبثين فيها أحقابا) فقد أجمعوا على أنها تعني التأييد ويقول ابن عباس في
ذلك ":مقيمين في جهنم أحقابا بعد حقب -ثم يقول بعد تحديد الحقب -ويقال ول يعلم عدد تلك
الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (. )122
وتعددت المواقف من مدة الحقب ونكتفي بإيراد ما روي عن ابن عباس " والحقب الواحد ثمانون
سنة ،والسنة ثلثمائة وستون يوما ،واليوم الواحد ألف سنة مما يعد أهل الدنيا ،ويقال ل يعلم عدد
تلك الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (. )123
ويورد الزمخشري وجها آخر وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ،وحقب فلن إذا
أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه فينتصب حال عنهم :يعني لبثين فيها حقبين جحدين (. )124
وإن وقع الجماع على التأييد عند الجمهور مع اختلف في شمول عصاة المسلمين المصرين على
عصيانهم إلى الموت فيشير الرازي الى من نفى الخلود المؤبد حتى عن المشركين ( )152مبينا
أن من حججهم هاتين اليتين ،ثم يرد عليهم بنفس المعاني التي ذكرنا ملحا على أن القول بالتأييد
لهؤلء هو قول الجمهور العظم من المة ومعزوزا موقفه بأدلة أخرى قائمة على المنطق ل
نرى من الضروري إيرادها لننا لسنا في نطاق الرد على هؤلء (. )126
( )2/214
والساس بالنسبة الى الفكر الباضي يتمثل في ما نقله أبو مهدي عن الجيطالي في سياق الرد
على القائلين بإخراج أهل الكبائر ":وأما قوله ( لبثين فيها أحقابا) فليس فيه دليل على الخروج
أيضا لنه قال ( :إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا) ( 78النبأ )22 .21الى آخرها ،فهي
عامة لجميع من دخلها من أهل الشرك ومن أهل الكبائر فمن ادعى التخصيص فعليه بالدليل وإن
تفسيرها في ما وجدت في كتب التفسير ( لبثين فيها أحقابا) وهو حقب أي زمانا ل غاية له ويقال
الحقب ثمانون ألف سنة كل يوم منه ألف سنة كلما مضى حقب تبعه حقب إلى مال غاية له....
وجاء أيضا في نفس الرسالة :وقوله تعالى ( :لبثين فيها أحقابا) ( 78النبا )23قال قتادة أحقابا ل
انقطاع لها ،وقيل الهاء من قوله فيها عائدة على الرض أي لبثين في الرض ،وقال بعضهم
( لبثين فيها أحقابا ل يذوقون فيها بردا ول شرابا) أي يمكثون أزمنة يعذبون بهذا النوع من
العذاب ثم بعد ذلك يعذبون بغيره وروي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال " :الحقب
ثلثون ألف سنة" )127( ...
قال قتادة :هي أحقاب ل انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده آخر وقال الحسن :أما الحقاب
فليس لها عدة إل الخلود في النار (." )128
ويقول السالمي ":الية ( لبثين فيها أحقابا) في المشركين خاصة لقوله تعالى ( :إنهم كانوا ل
يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا) فيلزمكم عدم تخليد أهل الشرك وأنتم ل تقولون به والكتاب
يرده فوجب حمل الحقاب على عدم الغاية أي مدة غير متناهية" (. )129
وجاء عند أبي مهدي في قوله تعالى ( :ما دامت السموات والرض) إن ذلك على قطع الرجاء
كقوله تعالى ( :حتى يلج الجمل في سم الخياط) ( 7العراف )40ومثله في كلم العرب " ل أفعل
ذلك حتى يؤوب القارظان" " ول أفعله سن الحسل" أي ل ترجو إتياني كما ل يرجع الموتى الى
الدنيا وحتى يقع أسنان الحسل (وهو ولد الضب) وأسنانه ل تقع أبدا في ما ذكروا.
( )2/215
( )2/216
( )2/217