Professional Documents
Culture Documents
أما القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن 446 :و البيضاوي :أنوار التنزيل. 2/293:وأبو السعود:
4/816امحمد اطفيش :تيسير التفسير 6/467 :ومغنية :التفسير الكاشف .7/501 :فقد صرحوا
بالتأبيد .وكذلك ابن عاشور ذهب الى نفس الرأي إل أنه يتميز باستثناء المسلمين المستخفين
بحقوق ال ،أو المعتدين على الناس بغير حق ،واحتقارا ل لمجرد غلبة الشهوة فهؤلء لهم حظ
من هذا الوعيد بمقدار اقترابهم من حال أهل الوعيد" .التحرير والتنوير . 30/30 :ويصرح امحمد
اطفيش بخلود الفساق من أهل القبلة ر .تيسير التفسير ط .6/467 :1
( )123ابن عباس :تنوير المقباس499 :
( )124ر .الزمخشري :الكشاف 4/209:وقد جاءت هذه المعاني بتحليل متفاوت قصرا وطول
عند كل من الرازي 31/14 :والبيضاوي .2/293 :القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن446 :
وأبي السعود .4/816امحمد اطفيش :تيسير التفسير 6/467 :وابن عاشور :التحرير والتنوير:
.30/36
( )125وقد رد اليجي على القائلين بهذا القول ردودا قائمة على التحليل المنطقي ر .المواقف:
448 -447 /2
( )126ر .الرازي :التفسير الكبير65 -18/63 :
( )127لقد أورد عدة أقوال في شأن سني الحقاب .والحديث لم يرد عند ونسنك :المعجم
المفهرس1/487 :
( )128أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي151 -150:
( )129عبد ال السالمي :المشارق301 :
( )130أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.148 :ر .جميل بن خميس السعدي:
قاموس الشريعة نقل عن شرح النونية للجيطالي6/15 .
( )131يعني البرادي
( )132أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي .149:والوجه الثاني انظر ما سبق عن
المشيئة والستثناء 735ر .عبد ال السالمي :المشارق303 :
( )133ر . .البخاري :رقاق .51مسلم :إيمان 363لترمذي جهنم .120أحمد بن حنبل 274 /4
ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/85:والنص لعبد ال السالمي :المشارق. 305 :ر .خميس بن
سعيد الرستاقي :المنهج1/524 :
---
( )2/218
وبعد أن أورد الرازي جميع اليات والحاديث التي استشهد بها المعتزلة في هذا السياق يرد
عليها بعدة أدلة نذكر منها ":إنا ل نسلم أن صيغة " من" في معرض الشرط للعموم ...والذي يدل
عليه أمور:
الول :انه يصح إدخال لفظتي الكل والبعض على " ...من" كل من دخل داري أكرمته ،وبعض
من دخل داري أكرمته ...ولو كانت لفظة " من" تفيد الستغراق لكان إدخال لفظ الكل عليها
تكريرا أو إدخال لفظ البعض عليها نقضا" (. )10
وبعد أن يذكر أدلة أخرى يقول ما معناه إن تقديم عمومات الوعد أولى من ترجيح عمومات
الوعيد لن الوفاء بالوعد أدخل في الكرم من الوفاء بالوعيد (. )11
ومهما حاول الرازي أن يلتمس من مخارج تبقى هذه الحاديث صريحة مرجحة جانب الخلود
خاصة وأنها تذكر معاصي بعينها هي معتبرة من الكبائر بإجماع المة السلمية ول حاجة لتوعد
المشرك وهو داخل النار بشركه ل محالة خالد مخلد فيها.
ول ينبغي أن نغفل عن حديث يعتمده الشعري اعتمادا كليا في البانة ليرد على المعتزلة في
قولهم بالخلود وهو " ونقول :عن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة
محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم -وذلك -لما جاءت به الرواية عن رسول ال صلى ال
عليه وسلم أن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا فيها وصاروا حمما" (. )12
ويقف القاضي عبد الجبار من هذا الحديث موقفين:
أما أولهما :فيتمثل في اعتباره من الحاد التي ل يمكن الستدلل بها في العقائد (. )13
( )2/220
وأما ثانيهما فيتمثل في تأويله كما يلي ":فأما ما يروى عنه صلى ال عليه وسلم " يخرج أقوام من
النار بعد أن امتحشوا وصاروا فحما وحمما" فإن صح فالمراد به يخرجون من الدنيا من استحقاق
العقاب بعد تحققه فيهم ،كما روى عنه عليه السلم للمؤذن وقد أتى بالشهادة قال " :خرج من
النار" يعني من حكم أهل النار وكقوله " :يتهافتون في النار تهافت الجرادة وهاأنا أخذ بحجزكم " (
)14من حيث يهديكم ويمنعهم من المعاصي.
وقد قيل في جوابهم ":إن المراد به التعبيد والمنع من خروجهم من النار حيث شرط أن يكونوا
فحما وما هذه حالة ل يقع فهو كقوله ( :ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (7
العراف ." )15( )40
ويورد صاحب قاموس الشريعة عن الجيطالي ما يلي ":وأما الحاديث التي ذكروها فهي مخالفة
لكتاب ال عز وجل مردودة لن ال تبارك وتعالى قال ( :وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي
يوحى) ( 53النجم )3وجاء عنه عليه السلم أنه قال " :وكيف أقول بخلف القرآن وبه هداني
ربي" (. )16
ومما يؤازر هذه الحاديث ما ترويه المصادر الباضية عن الحسن عن كعب قال ":وقف عمر بن
الخطاب رضي ال عنه على كدية من رمل ،فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت ":يا أمير
المؤمنين ما يبكيك؟" قال ":ذكرت أهل النار .فقلت :لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل سنة
يعذبون على حسابها ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر ولكن لم يجعل ال لهم
وقتا وما هم بخارجين منها أبدا" (. )17
الحتجاج العقلي:
إن قضية الخلود أو عدمه ليست مما يخضع للعقل المجرد وإنما هي المسائل السمعية لكن لم تخل
من بعض الحجج العقلية المنطلقة من النظر في الثواب والعقاب.
وذد نقل كل من أبي مهدي وخميس بن جميل السعدي عن كتاب الموجز نصا تفنن فيه صاحبه
في الرد على من يقول بعدم الخلود قد اعتمدناه في ما سبق عند ذكر حجج القائلين بالوعيد ل
نرى فائدة في إعادة ذكره (. )18
( )2/221
وبعد أن أوردنا أهم الحجج النقلية والعقلية يحسن قبل أن نصل إلى إبراز البعد الحضاري أن
نذكر ببعض المواقف التي وردت عند منكري الخلود لهل الكبائر وقد بدت في منتهى الغرابة.
===========================
( )2أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.145 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس
الشريعة 6/13 :وقد أورد قسما من هذا الحديث القاضي عبد الجبار كما يلي ":من قتل نفسه ،
فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا" فضل العتزال210 :
وقد أورد الرازي هذا الحديث أثناء عرض حجج المعتزلة من الحديث في شأن الخلود مع تغيير
طفيف في العبارة وع السكوت عمن يحتسي السم .ر .التفسير الكبير .3/150 :وعن تخريج
الحديث انظر ما سبق.623 :
( )3الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/4 :عدد .761واستدل به أبو مهدي عيسى بن
إسماعيل الرد على البهلولي.145 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة6/1 :ولم يرد
هذا الحديث عند ونسنك.
( )4ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة . 6/13 :انظر ما سبق 575
( )5الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 754ولم يرد بصفة صريحة عند ونسنك.
( )6الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 754ر .أحمد بن حنبل .399 -3/321
وصيغته ":ل يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت" ر .ونسنك :المعجم المفهرس6/339:
( )7ر .البخاري :توحيد .24مسلم :إيمان 218الترمذي تفسير سورة آل عمران 21النسائي :
قضاة -30الدارمي بيوع -62الموطا أقضية .11أحمد بن حنبل . 1/189ر .ونسنك :المعجم
المفهرس5/430 :
( )8الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 756
( )9الحديثان لم يردا عند ونسنك
( )10ما ذكر في الوجود الخرى يتعلق بنصوص قرآنية خاصة ومؤداه الخصوص والعموم .
والرازي يرجح جانب الخصوص ليربط الخلود بالمشركين.
( )11ر .الرازي التفسير الكبير3/153 :
( )12أبو الحسن الشعري :البانة ، 24 -14 :انظر ما سبق668 :
( )2/222
( )2/223
تابع الفصل الثاني :الوعد والوعيد وقضية الخلود
تنبيه:
ومما يستنكف الباضية عن قبوله مواقف يحتج بها القائلون بخروج العصاة تبدو غريبة كل
الغرابة ،ومن ذلك ما جاء عند شارح جوهرة التوحيد ":وقوله :للسعيد والشقي" أي فالجنة دار
خلود للسعيد وهو من مات على السلم وإن تقدم منه كفر ،ودخل في السعيد عصاة المؤمنين
فدار خلودهم الجنة فل يخلدون في النار إن دخلوها بل ل يدوم عذابهم فيها مدة بقائهم لنهم
يموتون بعد الدخول بلحظة ما يعلم إل ال مقدارها فل يحيون حتى يخرجوا منها ،والمراد بموتهم
أنهم يفقدون إحساس ألم العذاب ل أنهم يموتون موتا حقيقيا بخروج الروح ،وبعضهم اختار أنهم
يموتون حقيقة" (. )19
ومن الردود الواردة على هذا الكلم وما شابهه ما جاء في شرح النونية ...":وقال آخرون إنهم
(أمة محمد صلى ال عليه وسلم ) يعذبون فيها (النار) على قدر أعمالهم السيئة ثم يخرجون منها
بشفاعته صلى ال عليه وسلم فينجز ال ما وعده لهم من الثواب وتبقى في وجوههم سمة سوداء
من أثر النار يعرفهم بها أهل الجنة الذي لم يدخلوا النار أصل ويسمونهم الجهنميين ( ، )20وإنهم
يشكون إليه تعالى فيبعث إليهم جبريل عليه السلم ويمسح تلك العلمة من وجوههم ويخلق في
مكانها نورا يتلل حتى إن أهل الجنة يتمنون أن لو أدخلوا النار وفعل بهم ما فعل بأولئك ،وهذا
ل يقبله إل من قاله؟ ،وقد افتروا على الرسول صلى ال عليه وسلم في ما رواه عنه من ذلك.
وقال بعض المرجئة إن أهل الجنة يتنعمون فيها وأهل النار يتنعمون فيها كما أن دود النخل يتنعم
فيه ،ودود العسل يتنعم فيه" (. )21
إن مثل هذه المواقف من العذاب النعيم ل يقبله الشرع ول يستسيغه العقل وإل فكيف يتمنى أهل
الجنة لو ذاقوا النار ليشع عليهم نور الجهنميين.
( )2/224
إن مثل هذا يعتبر ضربا من الستخفاف بالدين ودفعا للناس الى إشباع الشهوات بالمحرمات وهذا
ما سنحاول تحليله في البعد الحضاري للقضية.
بعد حرصنا على استيفاء حجج الباضية في هذه القضية مع مقارنتها بحجج غيرهم من الفرق
القائلة بخلف الوعيد وبالخروج من النار نرى من الضروري -كما لمحنا الى ذلك مرات أثناء
التحليل -أن نبين البعد الحضاري لهذه المواقف في الوساط الباضية في المستوى النظري
والمستوى العملي.
المستوى النظري:
أما في المستوى النظري فقد بينا أثناء عرض حججهم أنهم يلحون على عظمة ال تعالى ،وأنه
ليس كمثله شيء ،وبالتالي فثوابه ليس يشبهه ثواب وكذلك عقابه ل يشابهه عقاب ،وفي ذلك يقول
صاحب المنهج ما يلي " :والحكمة من خلود أهل النار أن العاصي إذا عصى ال فقد عصى ربا
عظيما ل نهاية لعظمته ،فكذلك عذابه خلود ل نهاية له ،ولن ثواب ال ل يشبهه ثواب ،ول
ينقطع ،ول يزول ،وعقاب ال ل يشبهه عقاب ول يزول ول ينقطع فلو كان لثوابه وعقابه نهاية
وحدا ينتهي إليه ثم ينقطع لشبهه ثواب المخلوقين وعقابهم" (. )22
كما وقع اللحاح على أن القول بخلف الوعيد ينتج عنه فقدان الوامر والنواهي قيمتها في
النصوص الشرعية ذلك لن من يعتقد إمكانية الخلص في النهاية فل سبيل الى أن يرتدع أمام
الزواجر وتصير النواهي عنده غير مختلفة عن الوامر.
المستوى العلمي:
إن القائلين بإخلف الوعيد وبعدم الخلود يمكن أن يتلخص تبرير موقفهم في قول يحيى بن معاذ
الرازي ( ": )23إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة ،فتوحيد خمسين سنة كيف ل
يهدم معصية ساعة .إلهي لما كان الكفر ل ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العدل أن
اليمان ل يضر معه شيء من المعاصي وإل فالكفر أعظم من اليمان .فإن يكن كذلك فل أقل من
رجاء العفو" (. )24
( )2/225
فواضح أن يحيى بن معاذ انطلق من معادلة بين طرفين متناقضين دون أن ينبه إلى الفارق
الساسي بين هذين الطرفين ويتمثل في الول الذي جاء تائبا بحق وقد عاجلته المنية ،ومعلوم أن
السلم يجب ما قبله بينما الطرف الثاني فإنه قد انحرف عن التوحيد واستمرأ المعصية ،ولم
يبادر الى التوبة حال عصيانه وقد عاجلته المنية وهو بعيد عن اليمان إذ ل يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن.
فتبرير يحيى بن معاذ وإن بدا مقنعا في اللحظة الولى فإن المتأمل بين فساده.
وأما التبرير الثاني أقيم على المعادلة بين اليمان والكفر وبما أنه ل تنفع مع الكفر طاعة فالعدل
يقتضي أن ل تضر مع اليمان معصية معنى ذلك أن اليمان مطية للمعاصي ل للطاعات
واجتناب المعاصي .ويحيى بن معاذ نفسه لما أحس بأن في المعادلتين كلما ختم بالستناد الى
رجاء العفو،وهذا باب فيه نظر.
صحيح أن ال تعالى عفو -يحب العفو -لكنه بين في القرآن الكريم شروط العفو والغفران .ول
ينبغي أن ينقلب التكال على العفو سبيل من سبل انتهاك حرمات ال تعالى ،وهذا ما استند إليه
أهل الكتاب الى جانب تعويلهم على انهم شعب ال المختار وقد رد عليهم القرآن الكريم بشدة،
وبين أن قولهم بعدم الخلود من باب الماني التي يستحيل أن تتحقق.
ويقول ابن عاشور في هذا الصدد ":ووجه المناسبة أن قولهم لن تمسنا النار دل على اعتقاد مقرر
في نفوسهم يشيعونه بين الناس بألسنتهم قد أنبأ بغرور عظيم من شأنه أن يقدمهم على تلك
الجريمة أو غيرها إذ هم قد أمنوا من المؤاخذة إل أياما معدودة تعادل أيام عبادة العجل ،أو أياما
عن كل ألف سنة من العالم اليوم وأن ذلك عذاب مكتوب على جميعهم فهم ل يتوقون القدام على
المعاصي لجل ذلك" (. )25
واضح من خلل هذا النص أن اعتقاد عدم الخلود غرور عظيم يجعل النسان ل يتوقى القدام
على المعاصي مهما كانت.
( )2/226
ونحن نتساءل لم يعتبر نفس العتقاد دافعا الى العصيان عند أمة ول ينظر إليه بنفس العتبار عند
أمة أخرى مع العلم باشتراكها في عقيدة اليمان بال تعالى (. )26
صحيح أنه وقع العتماد على الشفاعة ولكن أتكون الشفاعة بمفهومها المطلق عامل من عوامل
دفع الناس الى العصيان أو حافزا من حوافز الشكر ل تعالى؟
الحقيقة أن المسلم الحق ل ينبغي أن يستغل جانب العفو اللهي وشفاعة المصطفى ليشبع شهواته
مما أراد وربك في النهاية غفور رحيم ،ول يمكن بحال أن يرد شفاعة النبي فيمن في قلبه دون
الذرة من اليمان إن كان ما دون الذرة موجودا ،بل يجب أن يزداد بذلك شكرا ل تعالى فيقبل
على طاعاته وينتهي عن نواهيه وبذلك ل يكون من الذين يأمنون مكر ال لنه ( ل يأمن مكر ال
إل القوم الخاسرون" ( 7العراف .)99
والباضية ومن يقول بقولهم في الوعيد والخلود كثيرا ما يتهمون بالغلو في الدين على أساس أن
مثل هذه المواقف من شأنها أن تنفر الناس من الدين.
والجواب أن الفرق كبير بين الغلو في الدين ومعناه تجاوز ما تتحماه النصوص من المعاني ،وبين
فهم النصوص بوجه معين ،وقد بينا في هذا الباب أن منطلقات الباضية من القرآن والسنة ،كما
أنهم لم يكن قصدهم تنفير الناس من الدين وإنما كان هدفهم السمى صلح المسلمين ومهما يكن
من أمر فمنتظر الخروج من النار وإخلف الوعيد يكون أجرا على العصيان ممن يعتقد إنفاذ
الوعيد والخلود في النار.
وقبل أن نحلل مدى انعكاس هذا المعتقد على البيئة الباضية يحسن أن ننبه الى أن الباضية ل
يميزون في موقفهم هذا بين مرتكب الكبيرة الباضي وغير الباضي على عكس ما ينسب الى
الزارقة -إن صح -أن من كان في حوزتهم مؤمن وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب والشبهة
دخلت لجمهور المة من هذه الناحية إذ يحشرون الباضية في زمرة الخوارج عامة وقد وسم
هؤلء الناس بسمات هم في أغلب الحيان منها براء (. )27
==========================
( )2/227
( )2/228
( )2/229
ومن ذلك شهادة ابن الصغير المالكي في ما تحلى به مؤسس الدولة الرستمية ورع حتى ل يأخذ
من حقوق الرعية شيئا أليس هو الذي يتولى إصلح جدران داره بنفسه ( ، )31وهل فعل مثل
ذلك خلفاء بني أمية -باستثناء عمر بن عبد العزيز -وخلفاء بني العباس؟
وانظر ما يقوله محمد عبده في ما تورثه عقيدة الخروج من النار منن الستبداد والقتل والستغلل
لدى أهل السياسة في كل عصر فهؤلء حسب صاحبي المنار -وإن استكبر الجمهور خلودهم في
النار -ل سبيل لهم إلى الخروج " نعم إن أمراء الجور الذين يسفكون دماء من يخالفون أهواءهم
وزعماء السياسة الذين يجعلون من قوانين جمعياتهم اغتيال المؤمن وغير المؤمن بغير الحق
لجل التمتع بماله ،كل أولئك الفجار الذين يقتلون مع التعمد وسبق الصرار ،جديرون بان ينالوا
الجزاء الذي توعدت به الية( 4النساء )93من الخلود في النار ولعنة ال وغضبه وعذابه العظيم
الذي ل يعرف كنهه سواه عز وجل لنهم -وإن كان فيهم من يعدون في كتب تقويم البلدان ودفاتر
الحصاء وسجلت الحكومة من المسلمين -ليسوا في الحقيقة من المؤمنين بال وبصدق كتابه
ورسوله في ما أخبرا به من وعيد على القتل وغيره ،فهم ل يراقبون ال في عمل ول يخافون
عقابه على ذنب" (. )32
( )2/230
كما بين صاحب المنار أن من أسباب انحلل المسلمين جرأتهم على قتل بعضهم البعض ومرجع
ذلك إلى اعتقاد عدم الخلود .ويقول في ذلك ":ومن نظر الى انحلل أمر السلم والمسلمين بعدما
أقدم بعضهم على سفك دم بعض من زمن طويل يظهر له وجه هذا ( ، )33وان القاتل ل يعذر
بهذه الجرأة على هذه الجريمة وهو لم تعرض له شبهة في أمر ال ،إذ ل رائحة للعذر في عمله
بل هو مرجح للغضب وحب النتقام وشهوة النفس على أمر ال تعالى ومن فضل شهوة نفسه
الخسيسة الضارة على نظر ال وعلى كتابه ودينه ومصلحة المؤمنين بغير شبهة ما فهو جدير
بالخلود في النار والغضب واللعنة ،ويدل على هذا قوله تعالى ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون) 3( :آل عمران )135وتأمل قوله ( يعلمون) ولو سمح ال أن يفضل أحد شهوته أو
حميته على ال ورسوله وكتابه ودينه والمؤمنين ،ووعده بالمغفرة لتجرأ الناس على كل شيء ولم
يكن للدين ول للشرع حرمة في قلوبهم " (. )34
نرى حينئذ مدى الضرر المتولد في مستوى قيادة المة عندما يعتقد هؤلء أن مجرد اليمان بال
تعالى يمسح كل شيء ولو ماتوا على الصرار ،وفي أسوأ الحوال أن يكونوا من الجهنميين
الذين يدخلون جهنم دخول شكليا ليفتخروا على أهل الجنة في ما بعد.
واضح حينئذ أن أكبر عامل لتخلي المسلمين عن الوامر والنواهي هو تسرب مثل هذه العقيدة عن
أهل الكتاب رغم أن القرآن الكريم تصدى لها وكما بينا ذلك في موضعه.
ومما بين حسن أثر هذه العقيدة عند الباضية القاعدة التي يقوم عليها فقه العبادات والمعاملت
والسلوك عندهم وهي ما يسمونه بالخذ والحوط ويعتبره غيرهم من باب التشدد والغلو في
الدين.
ففي باب العبادات أكتفى بذكر ثلثة أمثلة من الطهارة في الصلة والصوم ومن الزكاة.
( )2/231
أما في شأن الطهارة للصلة فحالما رأوا نصوص القرآن التي تمدح المتطهرين والوعيد بعذاب
القبر لمن ل يستبرئ من البول وفي ذلك إشارة الى عذاب النار في ما بعد أوجبوا الجمع بين
التنشيف والغسل (. )35
وأنت إذا دخلت ميضآت المساجد الباضية تحس بهذا التحري فهم يخصصون مواطن لقضاء
الحاجة ل يوفرون فيها إل الورق أو ما يقوم مقامه للتنشيف والتحري فيه ( ، )36كما يوفرون
مواطن للستنجاء بالماء ،ثم أما كن ثالثة للوضوء الصغر ،ول ترى أحدا منهم يخلط في
الستعمال بين هذه الماكن كما ترى عند غيرهم ممن ل يرون بأسا بالكتفاء بالماء حيث
يستنجئون في الماكن المخصصة للوضوء الصغر .كل هذا الحتياط لن الباضية اعتقدوا أل
خلف في الوعيد وما دام النص واضحا في توعد من ل يستبرئ من البول فليكن الحتياط على
ذلك الشكل.
أما في شأن اعتبار الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم فهم يرفضون الموقف الذي ينسب
الى الرسول عليه السلم أنه اغتسل في رمضان بعد طلوع الفجر ويقرون حديثا آخر وهو قوله
صلى ال عليه وسلم ":من أصبح جنبا أصبح مفطرا" ( )37وحتى في حالة صحة ورود الخبر
الول العملي فالخبر القولي أشمل واعم وأحوط ،والوعيد المسلط على المفطر عمدا في رمضان
مجمع عليه ،فلتكن الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم وهذا يخرج من الوعيد على أية حال
وأتى ذلك واضحا في هندسة بناء البيوت إذ لن تجد بيت إباضي خاليا من كان خاص للطهارة
الكبرى المر الذي ل تجده عند غيرهم حيث يتهافت الناس على الحمامات للغتسال.
أما في شأن الزكاة فتروى نصوص على أن الحلي ل يدخل في النصاب ( )38إل أن الباضية
رأوا غير ذلك واعتبروا أنه جزء من الممتلكات وأنه رصيد مدخر يستعمل عند الحاجة زيادة
على المتعة بالتزين به .أليس من الحوط أن يعتبر في النصاب وبذلك يخرج المسلم من الوعيد
المسلط على الذين يكنزون الذهب والفضة (. )39
( )2/232
أما أثر هذه العقيدة في باب الفتاوي فهو واضح في أوساط الباضية فمن ذلك انتشار مبدأ أداء
الكفارات ،فتجد الناس عند العزم على أداء فريضة الحج أو عند التوبة يتحرون التحري التام في
أداء حقوق ال تعالى والتنصل من حقوق العباد ،وقد أشرنا من قبل إلى قولهم بالكفارات
الحتياطية من باب أن الحسنات يذهبن السيئات وهي كفارات اجتهادية اعتمد فيها على القياس
على ما نص عليه الشرع.
ومن ذلك قولهم بتحريم استعمال الشمة والتبغ منذ دخول هاتين الفتين الى المجتمعات السلمية
ولم يقل واحد من الباضية فيها بالكراهة أو التحليل كما فعل كثير من فقهاء المذاهب الخرى.
ولن تجد في مساجد الباضية وحلقات القرآن عندهم فقهاء أو عامة يتهادون الشمة كما يفعل في
حلقات أخرى.
بقي أن ننبه إلى أثر هذه العقيدة في مستوى التعامل المادي والخلقي إذ من يعتقد أن القليل من
متاع الناس يورث الخلود في النار ل يمكن أن يقبل على أخذه وإن غلبت عليه شهوته سرعان ما
يبادر الى إرجاع الحق الى أهله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتجار الباضية مشهورون
بمحافظتهم على أمانات الناس ( )40إذ تجد ودائع أهل الحي غالبا محفوظة عندهم (. )41
لست بهذا التحليل أدعي أن الوساط الباضية خالية من النحارف بل إن انحراف البعض منهم
يتجاوز الحد ،لكنه ينتهك عن علم ل عن جهل وإن كان إثم هؤلء أكثر إل أن توبتهم تكون
نصوحا في ما بعد ،وكأن في ذلك التصرف نوعا من النفجار كثيرا ما يورث في أصحابه ندما
وإنابة يؤديان الى تفان بعد ذلك في العبادة .لكن كل ذلك يبقى عصيانا ذاتيا ل يتسرب شره الى
المجتمع الذي يصونه نظام الولية والبراءة ( )42المنبثق عن العقائد الصولية لتذكير الناس
بالزجر اللهي عندما ينعدم السلطان الذي يقيم الحد ويذكر الناس بعظمة ال عند الغفلة عنها.
( )2/233
وبهذا نتبين أن لقوانين الزجر تأثيرا كبيرا في حياة الناس ذلك أن النفوس البشرية متفاوتة في
مدى قدرتها على اللتزام ولكن ل يكون الزجر زجرا إل إذا كان حادا .وأكبر دليل على ذلك ما
أقره الشرع من الحدود وهذا مكمل لمفهوم الوعيد والعذاب الذي ينتظر من يعرض عن ذكر ال
تعالى ليس معنى ذلك أن جانب الرحمة معدوم من الشريعة في المفهوم الباضي وإنما يلح
الباضية على أل ترجح كفة على أخرى ،ونصوص العقيدة تلح كثيرا على التعادل بين الخوف
والرجاء لنه إن رجحت كفة الخوف يتحول المر كثيرا الى اليأس مما يورث التحدي والعناد
وإن رجحت كفة الرجاء فإن ذلك يؤدي الى النحلل والتواكل ولهذا جاءت المعادلة واضحة بين
القول بالخلود في الجنة وفي النار.
وأكاد أقول إن ما نلحظه من الحتراز الكامل في مواقف الباضية فيه شيء من الرهان الرابح
ل محالة ( )43ذاك أنه إن صح القبول بعدم الخلود في علم ال وال يفعل ما يشاء فلن يخسر
الباضي آخرته ،وإن صح الخلود فالباضي رابح ل محالة بينما يندم من قال بعكسه حيث ل ينفع
الندم.
وفي خاتمة هذا التحليل يحسن أن ننبه إلى تنبيهين أولهما الترابط الوثيق بين السس العقائدية
فقول الباضية بإنفاذ الوعيد مرتبط ارتباطا جوهريا بقولهم إن اليمان عقيدة وقول وعمل
وبتحريهم في مبدأ الولية والبراءة.
( )2/234
وثانيهما أننا حاولنا بقدر المكان أن نلح على بيان الحكمة من القول بإنفاذ الوعيد وبالخلود رغم
أن المصادر الباضية لم تلح على إبراز البعد الحضاري لهذه القضية بصفة مباشرة ،وغنما
الواقع العلمي المعاش أثبت الصلة الوثيقة بين السس العقائدية وبين الحياة العملية وذلك الغرض
السمى للعقيدة السلمية حيث ل تبقى النصوص حبرا على ورق فتتحول الى حيز التطبيق وفعل
فقد بدا لثر العقيدة الباضية واضحا في أوساطهم عندما كان الناس يخضعون لسلطان العقيدة وما
يزال هذا الثر واضحا في وادي ميزاب وإن انخرم في بقية الوساط الباضية بالمغرب.
=================================
( )28الدرجيني :الطبقات2/266 :
( )29الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح . 739 .738 /3 :انظر ما سبق 621
( )30الرقيق القيرواني :تاريخ إفريقية والمغرب ،مطبعة الوسط 142 -141 :1968ر.
الدرجيني :الطبقات1/30 :
( )31ر .ابن الصغير المالكي :أخبار الئمة الرستميين 5:
( )32محمد عبده :تفسير المنار345 -344 /5 :
( )33يشير إلى قول من يرى أن توبة القاتل عمدا ل تقبل مع أنه يخلد في النار انظر ما سبق:
624و 730و 746
( )34محمد عبده :تفسير المنار341 -5/340 :
( )35ر .عامر الشماخي :كتاب اليضاح 46 -1/29 :
( )36باستثناء الميضآت في المواطن التي يختلطون فيها بغيرهم فإنهم يوفرون الماء
( )37الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 1/63 :عدد .315لم يرد في معجم ونسنك.
( )38ر .السيوطي :تنوير الحوالك ،شرح علي موطا مالك ط .دار الكتب العلمية بيروت ،لبنان
د.ت1/243 :
( )39ر .إسماعيل الجيطالي :قواعد السلم2/32 :
( )40التجار بغانة وإسلم أهلها ر .الدرجيني :الطبقات2/517 :
( )41ليس معنا هذا أن هذه القيم فقدت في البيئات التي ل تعتقد الخلود.
( )2/235
( )42وعن موضوع الولية والبراءة ر .النامي :الطروحة 396 -331 :وهو باب من البواب
الساسية فيها .وتجد فيه الحالة على جميع المصادر .ر .بحثنا نظام العزابة 112 -98 :
( )43يقول فتح بن نوح الملوشائي في نونيته في هذا المعنى ما يلي( :طويل)
فيا ليت ما فاهت به لهواتعم
صحيح لكنا أسعد الناس بالمن
كما يقول جميل بن خميس السعدي ما يلي ":يا ليت الذي قالوه (المرجئة من أن اليمان قول ول
تضر معه معصية) حقا فنكون ممن سعد به ول يضرنا خلفهم ".قاموس الشريعة 6/48 :نقل
عن شرح النونية للجيطالي.
---
( )2/236
الخاتمة العامة
لقد تبين من خلل هذا البحث انه ل يمكن أن تتم دراسة مرحلة من مراحل تراث فكري إل
بتنزيله بين المراحل المهيئة والمراحل اللحقة دون الغفلة عن توضيح مدى تعايشه مع التراث
النساني عامة.
وهذا ما حاولنا أن نفي به طيلة هذه الدراسة حيث بينا في الباب الول أن جذور العقيدة الباضية
ضاربة في الصالة لن منطلقها كعقائد الفرق الٌسلمية الخرى كتاب ال تعالى وسنة رسوله
عليه السلم مع تميز واضح من وقت مبكر بالدعوة الى التأويل والجتهاد.
ومن هذا المنطلق عايش أئمة الباضية الول أحداث الفتنة الكبرى التي هزت أركان العالم
السلمي وما تزال لما خلفت بين المسلمين من إحن استحال عليهم أن يتخلصوا من مخلفاتها الى
يومنا هذا .فتبين حينئذ نشأة الفكر الباضي ترجع الى وقت مبكر في تيار الحضارة السلمية
نستطيع أن نحدده بالربع الول من النصف الثاني من القرن الول هـ.
وقد تبعت مرحلة النشأة مراحل ثلث هيأت للمرحلة المقررة في بثنا هذا.
-مرحلة تمتد من القرن الثاني الى الخامس هـ ناضل فيها الفكر الباضي التيارات التي بدت له
منحرفة ،وانسجم ما بدا له متماشيا وكتاب ال وسننه ورسوله عليه السلم ،فرفض فكرة الرجاء
رفضا قطعيا وبين أن اليمان عقيدة وقول وعمل ،كما رفض اعتبار الموحدين مشركين ،ووقف
موقفا وسطا بين الجبر والحرية وذلك إما أثناء رد مواقف خارجية أو مواقف داخلية وفي هذه
المرحلة بدأت تتجلى معالم المدرسة الباضية المغربية بمجموعة من المؤلفات لم تدرك مستوى
النضج وإنما تجلت فيها المواقف العقدية صريحة من جل القضايا.
فهذه المرحلة هي مرحلة مخاض واصلت توسيع ما جاء مختصرا في رسائل الئمة الول وفي
سيرهم وبينت أن العلقة بقيت بين إباضية المشرق وإباضية المغرب.
( )2/237
ول ينبغي أن نغفل هنا عن نشأة مدرستي الشعري والماتريدي في القرن الرابه هـ وإن لم
يتضح أثرهما في هذه المرحلة فإنه سيتجلى في المرحلة اللحقة.
-وتنحصر هذه المرحلة في القرن السادس هـ وفيها أدرك التراث العقدي مستوى النضج
فتصدى للرد على كل ما جد في البيئة السلمية من انحراف وإلحاد كما جد في إبراز مميزات
العقيدة الباضية بين الفرق السلمية الخرى وبصفة خاصة المدرسة الشعرية التي مدت نفوذها
على كامل بلد المغرب بعد انتهاء النفس الشيعي.
-ثم يليها المرحلة اللحقة من القرن السابع هـ الى القرن التاسع هـ وقد أحس أصحابها أنه
ليس في المكان أكثر مما كان عدا بعض الستثناء فوقع التركيز خاصة على المختصرات التي
يسهل حفظها على من ل يقدر الصبر على المطولت السابقة.
وبهذا نصل الى المرحلة المقررة في دراستنا من القرن العاشر الى الثاني عشر وقد تركزت
استنتاجاتنا في شأنها على النقاط التالية:
-1وفرة الشروح والحواشي على حساب النتاج الذاتي.
-2وفرة الجوبة والردود.
-3جربة قطب الدائرة.
-4ثراء المدرسة الباضية خاصة والمدرسة السلمية عامة.
-5استمرار النزعة المقارنة.
-6طغيان النزعة التعليمية.
-7تعاون بين مناطق الباضية.
-8دفاع مستميت عن العقيدة عن طريق الحجة والقناع.
والمهم أن تراث هذه المرحلة وإن لم يتميز بالبداع فإنه تميز بالفهم والستيعاب وتوفير ما يحتاج
إليه الدارس من نصوص حتى يتبين له نصاعة العقيدة الباضية بين عقائد مختلف الفرق
السلمية وخاصة منها المدرسة الشعرية.
-أما المرحلة الخيرة من القرن الثالث عشر هـ الى القرن الرابع عشر هـ فقد استطاع أقطابها
أن يعودوا الى النتاج الذاتي رغبة في زيادة التنظير والتوضيح.
والملحظ أن الباضية في كل هذه المراحل استمروا يصدرون نصوصهم في العقيدة برد تهمة
الخارجية وذلك لما نالهم منها من ضير من إخوانهم المسلمين.
( )2/238
تلك هي نشأة العقيدة الباضية ومختلف مراحل تطورها كما بيناها في الباب الول من هذا البحث
فماذا عن فحوى هذه العقيدة في اللهيات والنسانيات؟
لقد تمثل الحديث في الباب الثاني عن اللهيات في الوقوف عند المحكم والمتشابه.
وقد ثبت أن في محاولة علماء الكلم الربط بين المحكم والمتشابه عامل من اكبر عوامل إثراء
المكتبة السلمية ،وللباضية دور ل يستهان به في هذا الميدان ،ذلك لنهم لم يسلكوا مسلك
التفويض أو مسلك الكتفاء بالظاهر بل أقاموا تحاليلهم على التأويل ومعلوم ما في هذا المسلك من
سبل الجتهاد والبحث والتنقيب في كتاب ال تعالى وفي السنة وفي التراث الدبي عامة.
ولم يكن غرضهم من هذا التأويل تشويه العقيدة السلمية بل كانوا حريصين كل الحرص على
تحري النصوص المحكمة إن توفرت قبل الغوص في الستنباط والستنتاج.
وفعل فقد كان الساس الذي أقاموا عليه فهم المحكم هو نفسه في فهم المتشابه إل وهو الحرص
على تنزيه ال تعالى.
أنا في نطاق المحكم فقد برهنوا على وجود ال تعالى نقل وعقل ،وألحوا على تنزيه البارئ في
اعتبار الصفات عين الذات حتى اتهمهم غيرهم بالتعطيل إل أن ذلك كان رغبة منهم في نفي تعدد
القدماء.
( )2/239
وكم وددنا لو ألحت نصوص العقيدة عند الباضية وغيرهم على قيمة التحلي بأسماء ال الحسنى
عوض الغوص في متاهات ل طائل من ورائها ،مثل علقة السم بالمسمى وما تولد عنها من
تنافر داخل الباضية أنفسهم .وكان اولى لو اجتهد هؤلء العلماء وهم قادرون على ذلك ،في
توظيف دروس العقيدة لمصلحة المسلمين مثل التوسع في إبراز عظمة ال وقدرته من خلل
أسمائه وصفاته ،وهم عارفون من البداية أن العجز عن إدراكه إدراك فكان أحسن لو صبغت
نصوص العقيدة بصبغة وعظية عملية تحول مجرى حياة المسلمين الى محبة وانسجام وذوبان في
طاعة الواحد الديان لكن الباحث يفهم العوامل التي دفعت هؤلء الى مثل هذه المباحث وأهمها
رغبتهم في نفي التشبيه والتجسيم عن البارئ عز وجل.
وهذا يتجلى بصفة أوضح عند الباضية في إلحاحهم على التنزيه مع النصوص المتشابهة خاصة
في ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف موجبا بأن ل عينا ويدا وما إلى ذلك من
الجوارح ،وفعل فقد فهم الباضية من يومهم الول أن القرآن الكريم لو حمل على ظاهره في مثل
هذه المفاهيم لتناقض ،وأنى لكتاب ال أن يتناقض ،فعكفوا على كتاب ال تعالى وعلى الحديث
الشريف وعلى ما في اللغة من مجاز وأقروا تفاسير واضحة لكل هذه المفاهيمن وكان محط الثقل
خاصة عند قضيتي الستواء ونفي الرؤية فجاء الستواء بمعنى المر والسلطان ولهم في ذلك من
الدلة الكثير نقل وعقل أما الرؤية فأساس البحث فيها أن ال ل تدركه البصار وهو يدرك
البصار ،وقد مكنهم موقفهم الدفاعي ضد من يرون أن الستواء كاستواء المير على السرير أو
ينهون عن السؤال عن الكيفية أو يرون إمكانية الرؤية في الدنيا أو في الخرة من جولت موسعة
في أساليب اللغة وفنون البلغة مع من رأوا رأيهم من المعتزلة أثرت التراث السلمي أيما
إثراء.
( )2/240
والمدار هنا يتمثل في أنه كان أولى بالفرق السلمية أن تتفهم مواقف بعضها البعض حتى ل
يسفر ذلك عن بغضاء وعداوة وإن كانت هذه العداوة سببا من أسباب الحرص على البحث
والتحليل لن روح الخاء هو الخر له من المزايا ما ل يحصى ،حيث يجعل الطراف المتعايشة
تسعى الى إقامة أخوة إسلمية صادقة بدل عن التنابز بألقاب مثل أهل البدعة أو كفار النعمة أو ما
إلى ذلك ل لشيء إل من أجل خلف لجمد الفكري السلمي من زمان ،وكأني بالمتشابه في
القرآن الكريم حافز من حوافز إعمال الفكر ،ومعلوم أن إعمال الفكر ل يمكن أن يفضي المتأول
في تأويله وإن كانت أحكامهم في بعض الحيان قاسية على هؤلء سواء أكانوا من غير الباضية
أو من الباضية أما المستحلون لحرمات ال فما أظن أن المسلمين يختلفون في إيقافهم عند حدهم
واستتابتهم قبل اتخاذ الموقف النهائي في شأنهم.
ومهما يكن من أمر في شأن الستواء والرؤية فإن الخلف بين المسلمين بقي نظريا بالنسبة الى
ما عرف عن محنة خلق القرآن وإن لم يحترق الباضية مباشرة بنار هذه الفتنة مثل الحنابلة في
البداية والمعتزلة في ما بعد فإن شرار هذه الفتنة انعكس على بيئتهم العمانية في البداية فاضطرت
الى موقف عام ل يبت ل بالخلق ول بالقدم لكن اباضية المغرب سرعان ما ردوا الفعل على
الدولة العباسية والمارة الغلبية فأعلن إمامهم أبو اليقظان أن الصواب في رأي القائلين بخلق
القرآن ،وكتب رسالته في هذا الشأن تلكم الرسالة التي بقيت أساس كل بحث في هذه القضية،
والمهم أن هذا المبحث الذي بدا كأنه عديم الجدوى أثرى الفكر الباضي والسلمي في مستوى
التحليل البلغي والفلسفي والعقائدي ،وتجلى أن ثورة الباضية لم تكن عنيفة على القائلين بالقدم
لن نصيبا من علمائهم قال بذلك خاصة في عمان إلى القرن السادس هـ.
( )2/241
ومعلوم أننا نثور على مثل هذا الصراع الدامي في هذه القضية من الناحية الشرعية الخلقية أما
من حيث الستنتاج الحضاري فإنه قد مكننا من البحث عن أسباب هذا الحدث وعن حقيقته ،وعن
أبعاده ونتائجه ولو كان المر هادئا رصينا لما وقفنا عند كل ذلك ولما بحثنا عن آراء كل الفرق
في هذا الشأن ،وقد حرصنا على إثبات ما وقع بين أيدينا من نصوص لنتبين البون الشاسع بين
هذه المواقف رغم أن المنطلق واحد ،ومعلوم أن الحماس في الجدل يفضي الى حلول متطرفة
فمن متطرف في القول بقدم الجلد الى متطرف يقول بأنه مخلوق في الماكن بالتلوة والحفظ
والكتابة والباضية وقفوا في هذا موقفا معتدى جمعوا فيه بين القدم والخلق.
ومهما يكن من أمر فإن المعركة الدامية كانت آنية وإن بقيت آثارها في التحاليل الكلمية إلى
يومنا هذا ،وقد أردك المسلمون أن القضية تجاوزتها الحداث ونحن نقول كان أولى بهؤلء جميعا
أن يحافظوا على وحدة المة السلمية التي انقسمت الى معسكرين انتقم كل منهما من الخر
عندما تحولت السلطة بيديه فما كان من المأمون أن يجعل من الموضوع قضية وأن يفرض رأيه
على المة وما كان من المتوكل بعد ذلك أن يرد الكرة بشدة لكن نفوذ السلطان كثيرا ما يعمي
ويصم رغم أن الكل يعلم أل إكراه في الدين ،فكيف يكون الكراه على موقف هو مجرد اجتهاد
حول نصوص يمكن أن يصيب فيها المجتهد كما يمكن أن يخطئ.
وقد آن للمسلمين الن أن يعتبروا من مثل هذه المحن وإن كانوا لم يستفيقوا الى الن ،ونحن نرى
أن العنصر الجنبي قد دخل ليذكي مثل هذه الختلفات وقد أفلح في كثير من ربوع العالم
السلمي إن بقي هذا الجزء من العالم إسلميا بحق.
وغن كان هذا بالنسبة الى اللهيات فكيف سيكون بالنسبة الى النسانيات حيث يتنزل الجدل في
محيط حرية النسان ومصيره؟ وذلك كان محور الباب الثالث من هذا البحث.
( )2/242
لقد تبين من مبحث القدر أن الباضية لم يبقوا في معزل عن مجرى الحداث السياسية ولم يقفوا
عن الخوض في هذه القضية رغم انهم يعلمون كما يعلم بقية علماء الكلم ،أنها سر من أسرار ال
تعالى.
والواضح في كل هذا أن موقفهم كان ذاتيا فلم يكن متأثرا ل بالمعتزلة الذين أطلقوا عنان الحرية
المطلقة للنسان رغم اتفاقهم والمعتزلة في جل اللهيات كما رأينا ،ول بالجبرية الذين لم يميزوا
بين حركة المضطر وحركة المختار واعتبروا حركة النسان كحركة الشعرة في مهب الريح .وقد
ظهرت بوادر العتدال من وقت مبكر بعد التحول من موقف التفويض وذلك مع أمام الباضية
الثاني أبي عبيدة مسلم.
وفعل فقد وقفوا مناظرين للمعتزلة والجبرية قبل نشأة الشعرية والماتريدية مستعملين حجج هذا
على ذاك ملحين خاصة على إمكانية تعدد الجهات بالنسبة الى الحركة الواحدة.
ومع نشأة هاتين المدرستين تبلور مفهوم الكسب ،وهو مصطلح لمفهوم اتضحت معالمه من قبل
فالفعل من العبد والخلق من ال.
ولم يستقر هذا بصفة نهائية إل بعد أن تناست الجيال ما جد من خلف بين أهل جبل نفوسة
وبقية أهل المغرب في ما يتعلق بالجبل والختيار.
واستقر الوضع على مفهوم الكسب مع بلورة مفهوم الرادة والستطاعة والعون والخذلن.
والمهم في كل هذا أن الباضية بم يجدوا النسان من المسؤولية وهذا لعمري أساسي في مثل هذا
المبحث الكلمي وإن بدا لبعض الباحثين أن الكسب تعبير مقنع عن الجبر.
والحقيقة في ما نرى ليست كذلك وإنما القول بالكسب شعور من النسان أنه مسؤول أمام مشيئة
ال التي ل تحد ،والفرق كبير بين من يصرح بأنه مجبر ويحمل مسؤولية جميع أعماله على ال
تعالى فيفعل ما يطيب له وبين من يعتبر أن كل عمل هو من كسبه وأن له دورا فيه سيحاسب
عليه بين يدي ال.
( )2/243
والحقيقة أن فلسفة مثل هذا المبحث ،والبعد به من دائرة اليمان الى دائرة العقل المجرد أدت
علماء الكلم الى الوقوع في متاهات نتيجة التأثر بتحليلت يونانية وفارسية تختلف عن الفكر
السلمي من منطلقها.
والجدير بالملحظة هنا انه على المسلم المؤمن بالقضاء أن يؤمن إيمانا راسخا أن هذا اليمان ل
يزيده إل ثقة في ال تعالى ومضيا في فعل الخير المر الذي يعود على المة السلمية بالخير.
ومثل هذا اليمان الراسخ هو الذي عرفه أصحاب الرسول عليه السلم ،ففتح ال على أيديهم
أطراف العالم ،والحقيقة أن العقل مهما تمرد فإنه يركع خاشعا أمام عظمة ال التي ل تحد فإذا
استكبر ونأى فإنه يجني مرارة استكباره بعد حين ويبقى مدركا أنه لن يستطيع إزاحة الستار عن
كل الحقائق الكونية فكيف بعالم الغيب!.
وإذا ادرك النسان أن له جانبا من المسؤولية في كل ما يقوم به فلم يبق له إل أن يفكر في ثمرة
العمل في الدنيا والخرة.
أما عن ثمرة العمل في الدنيا فكثيرا ما يجنيها النسان كاملة ،وكثيرا مال يحصل إل على نصيب
منها ،وقد ل يحصل على أي نصيب منها وليعلم أنه في ذلك مبتلى من ال تعالى عسى أن يكون
من الفائزين في الدار الخرة.
ومن هنا مبحث الوعد والوعيد وما يرتبط به من خلود في الجنة أو في النار.
إن الضجة الكلمية لم تثر حول خلود الصالحين في الجنة أو خلود المشركين في النار وإنما
ثارت بعنف حول من خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا ،وقد ثارت في الوساط السلمية من مقتل
عثمان فتساءل الناس عن مرتكب الكبيرة ،وعن اليمان والكفر ،والنفاق ،والفسق وما يترتب
عليها من أحكام.
وكسائر المباحث الكلمية تأرجح المسلمون بين طرفين متناقضيين بين الرجاء القائل بأنه ل
تضر مع اليمان معصية ،وبين الحكم بالشرك على كل أنواع المعاصي.
( )2/244
ووقف الباضية من يومهم الول موقفا خالصا قالوا فيه بكفر النعم ،ثم ألحوا إلحاحا كبيرا على
قضية الصرار واعتبروا أل سبيل الى نجاة المصر على المعصية حتى الموت ولهذا اتهمهم
الطرف المتسامح بالشدة وبالغفلة عن رحمة ال إل أنهم ل يرفضون فضل ال لكن يربطون
القضية بالحكمة وليس من الحكمة أن يجمع بين المؤمن الموفي وبين من مات معاندا مستكبرا
على ال تعالى في مقام واحد وبهذا قالوا بإنفاذ الوعيد في هؤلء جميعا من الباضية ومن غير
الباضية.
وترتب على هذا القول بخلود كفار النعم المصرين في النار وعرضوا في ذلك من الدلة الكثير
وقد غلب على هذه الدلة طابع النقل من القرآن والسنة.
وارتبطت بهذين المبحثين قضايا أخرى مثل عذاب القبر والشفاعة وما إلى ذلك فكانت كلها خادمة
للموضوع الصلي وموجهة في اتجاهه فعذاب القبر ثابت لمن مات مصرا على المعصية ول
سبيل له إلى الشفاعة لن الشفعاء ل يشفعون إل بإذن ال وال ل يأذن بحكمته في أن يشفع في
من مات مستكبرا معرضا عن التوبة.
وفي مبحث التوبة ألح الباضية على ضرورة التحري في حقوق ال تعالى وفي حقوق العباد مع
أداء ما حدده الشرع من الكفارات.
والمهم أن مثل هذا المعتقد بين أثره الفعال في البيئة الباضية إذ دفعها الى مزيد من التحري
والمحافظة على أحكام الشريعة زمن المامة العادلة وزمن فقدانها حين أرسى علماؤها قواعد
للولية والبراءة تجعل المجتمع رقيبا على من ينتهك حرمات ال فيحرم من حقوقه المدنية حتى
يؤوب الى ال تعالى ويقلع عن المعصية التي تضر بمصلحة المة.
والمتأمل في واقع البيئة الباضية في وادي ميزاب اليوم حيث ما يزال نفوذ هذه العقيدة ساريا
يرجو لو سلك المسلمون في كل مكان مثل ذلك المسلك وبالتالي يلتقي الجميع على درب اليمان
لقامة دولة السلم.
---
( )2/245