Professional Documents
Culture Documents
النبوية
ح من سيرة رسول الله صلى الله ما ص ّ
عليه وسلم وذكر أيامه
وغزواته وسراياه والوفود إليه
للحافظ ابن كثير
بقلم
محمد ناصر الدين اللباني
(رحمه الله تعالى )
الطبعة الولى
المكتبة السلمية
عمان – الردن
بسم ال الرحن الرحيم
أما بعد؛ فقد كتب ال ل -لسباب شرحتها ف مقدمة ((كشف الستار لبطال أدلة القائلي
بفناء النار)) -أن أسافر من بيوت إل الشارقة صحبة أحد إخواننا فيها ،وأنزلن جزاه ال
خيا ف منله ،فوجدت ف مكتبته كتابا للشيخ ممد أبو زهرة بعنوان(( :خات النبيي صلى
ال عليه وسلم)) ف ملدين ،فقلبت فيه بعض الوراق ،وتصفحت فيه كثيا من الصفحات،
فرأيته قد [ ...ل يكمل شيخنا اللبان – رحة ال عليه -مقدمته هذه لـ((صحيح السية
)
النبوية)) ] .الناشر.
منهجي ف الكتاب
-1حذفت الطرق والشواهدالت يسوقها لتقوية الديث ،واعتمدت على الرواية الت
هي أكمل معن إذا ثبتت.
-2حذفت السند الذي يسوقه كاملً أو ناقصا ،واكتفيت منه بذكر اسم الصحاب
فقط؛ إل لفائدة أو ضرورة.
-3حذفت ما ل سند له أو كان مرسلً أو معضلً؛ إل ما صرح بأنه ممع عليه أو
نوه.
-4قد ألص أحيانا كلمه ليتناسب مع الختصار الذي يقتضيه اقتصارنا على ما صح
ما ذكره.
-5قد أستبدل بسياقه سياق الصدر الذي عزاه إليه؛ لنه ف كثي من الحيان يسوقه
بعناه أو قريبا منه؛ المر الذي حل مققه على أن يقول (ص :)226
-6استدركت بعض ما فاته تت عنوان[ :الستدرك].
باب ذكر نسبه الشريف وطيب أصله النيف
ولد صلوات ال علي وسلمه يوم الثني ؛ لا رواه مسلم ف ((صحيحه)) عن أب قتادة أن
أعرابيا قال :يا رسول ال! ما تقول ف صوم يوم الثني؟ فقال:
(صحيح)
((ذاك يوم ولدت فيه ،وأنزل علي فيه)).
وكان مولده عليه الصلة والسلم عام الفيل.
وقد رواه البيهقي عن ابن عباس .وهو الجمع عليه؛ كما قال خليفة بن خياط ،توف أبوه عبد
ال وهو حَمل ف بطن أمه على الشهور.
وف الديث الت (ص :)16
ابن إسحاق( )1/175وعنه الاكم( )2/600وقال(( :صحيح السناد))
(( ...ورؤيا أمي الذي رأت حي حلت ب كأنه خرج منها نور أضاءت لا قصور الشام)).
وقد رويت هذه القصة عن أب صرد زهي بن جرول -وكان رئيس قومه – قال:
لا أسرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حني؛ فبينا هو ييزالرجال والنساء ،وثبت حت
قعدت بي يديه ،وأسعته شعرا أذكرّه حي شب ونشأ ف (هوازن) حي أرضعوه:
فإنك الرء نرجوه وننتظر امنن علينا رسول ال ف دعة
مزق شلها ف دهرها غي امنن على بيضة قد عاقها قدر
على قلوبم الغمّاء والغمر أبقت لنا الرب هتّافا على حزن
يا أرجح الناس حلما حي يتب إن ل تداركها نعماء تنشرها
إذ فوك تلؤه من مضها الدرر امنن على نسوة قد كنت ترضعها
وإذ يزينك ما تأت وما تذر إذ أنت طفل صغي كنت ترضعها
واستبق منافإنا معشر زُهُرُ ل تعلنا كمن شالت نعامته
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت
من أمهاتك إن العفو مشتهر فألبس العفو من قد كنت ترضعه
هذا البية إذ تعفو وتنتصر إنا نؤمل عفوا منك تلبسه
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر فاغفر عفا ال عما أنت راهبه
فصل
ف تزويه عليه الصلة والسلم خدية بنت خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي
قال البيهقي باب ما كان يشتغل به رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يتزوج خدية)).
ث روى بإسناده عن أب هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((ما بعث ال نبيا إل راعي غنم)) .فقال له أصحابه :وأنت يا رسول ال؟ قال:
((وأنا رعيتها لهل مكة بالقراريط)).
ورواه البخاري.
[الستدرك]
عن عائشة رضي ال عنها قالت:
ما غرت على نساء النب صلى ال عليه وسلم إل على خدية ،وإن ل أدركها .قالت :وكان
رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول(( :أرسلوا با إل أصدقاء خدية )).
قالت :فأغضبته يوما فقلت :خدية؟ فقال(( :إن رزقت حبها)).
رواه مسلم ([ .)7/134انتهى الستدرك].
فصل
ف تديد قريش بناء الكعبة قبل البعث بمس سني
قال ال تعال ﴿ :إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالي .فيه آيات
بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلً﴾
[آل عمران 96 :و .]97
وثبت ف ((الصحيحي)) عن أب ذر قال:
قلت :يا رسول ال! أي مسجد وضع أول؟ قال(( :السجد الرام)) .قلت :ث أيّ؟ قال:
((السجد القصى)) .قلت :كم بينهما؟ قال(( :أربعون سنة)).
وقد تكلمنا على هذا وأن السجد القصى أسسه إسرائيل ،وهو يعقوب عليه السلم.
وف ((الصحيحي))(( :إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السماوات والرض ،فهو حرام برمة
ال إل يوم القيامة)).
وف ((صحيح البخاري)) من حديث ابن عباس قال:
((أول ما اتذ النساء النطق من قبل أم إساعيل ،اتذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة ،ث
جاء با إبراهيم وبابنها إساعيل وهي ترضعه حت وضعهما عند البيت؛ عند دوحة فوق زمزم
ف أعلى السجد ،وليس بكة يومئذ أحد ،وليس با ماء ،فوضعهما هنالك ،ووضع عندها
جرابا فيه تر ،وسقاءً فيه ماء .ث قفى إبراهيم منطلقا ،فتبعته أم إساعيل ،فقالت :يا إبراهيم!
أين تذهب وتتركنا بذا الوادي الذي ليس فيه إنس ول شيء ؟! فقالت له ذلك مرارا ،وجعل
ل يلتفت إليها .فقالت له :آل الذي أمرك بذا؟ قال :نعم .قالت :إذا ل يضيعنا .ث رجعت،
فانطلق إبراهيم ،حت إذا كان عند الثنية حيث ل يرونه استقبل بوجهه البيت ،ث دعا بؤلء
الكلمات ورفع يديه؛ فقال﴿ :ربنا إن أسكنت من ذريت بواد غي ذي زرع عند بيتك
الحرم ربنا ليقيموا الصلة فاجعل أفئدة من الناس توي إليه وارزقهم من الثمرات لعلهم
يشكرون ﴾[إبراهيم ،]37 :وجعلت أم إساعيل ترضع إساعيل وتشرب من ذلك الاء ،حت
إذا نفد ما ف السقاء عطشت وعطش ابنها ،وجعلت تنظر إليه يتلوى – أو قال :يتلبط –
فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ،فوجدت الصفا أقرب جبل ف الرض يليها ،فقامت عليه ،ث
استقبلت الوادي تنظر؛ هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا ،فهبطت من الصفا ،حت إذا بلغت
الوادي رفعت طرف درعها ث سعت سعي النسان الجهود ،حت جاوزت الوادي ،ث أتت
الروة فقامت عليها ونظرت؛ هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا ،ففعلت ذلك سبع مرات .قال ابن
عباس :قال النب صلى ال عليه وسلم:
((فلذلك سعى الناس بينهما)).
فلما أشرفت على الروة سعت صوتا؛ فقالت :صه! – تريد :نفسها – ث تسمعت ،فسمعت
أيضا ،فقالت :قد أسعت إن كان عندك غواثٌ .فإذا هي باللك عند موضع زمزم ،فبحث
بعقبه – أو قال :بناحه – حت ظهر الاء ،فجعلت توضه وتقول بيدها هكذا،وجعلت تغرف
من الاء ف سقائها ،وهو يفور بعدما تغرف .قال ابن عباس :قال النب صلى ال عليه وسلم :
((يرحم ال أم إساعيل ! لو تركت زمزم – أو قال :لو ل تغرف من الاء – لكانت زمزم
عينا معينا)).
[قال] :فشربت وأرضعت ولدها ،فقال لا اللك :ل تافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت ال ؛ يبن
هذا الغلم وأبوه ،فإن ال ل يُضيع أهله.
وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية؛ تأتيه السيول فتأخذ عن يينه وشاله.
فكانت كذلك حت مرت بم رُفقة من جرهم – أو :أهل بيت من جرهم -مقبلي من طريق
(كداء) ،فنلوا ف أسفل مكة ،فرأوا طائرا عائفا ،فقالوا :إن هذا الطائر ليدور على ماء!
لعهدنا بذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جريا أو جريي ،فإذا هم بالاء ،فرجعوا فأخبوهم
بالاء ،فأقبلوا – قال :وأم إساعيل عند الاء – فقالوا :أتأذني لنا أن ننل عندك؟ فقالت :نعم؛
ولكن ل حق لكم ف الاء .قالوا :نعم .قال عبد ال بن عباس :قال النب صلى ال عليه وسلم
:
((فألفى ذلك أمّ إساعيل وهي تب النس)).
فنلوا وأرسلوا إل أهليهم فنلوا معهم ،حت إذا كان با أهل أبيات منهم ،وشب الغلم وتعلم
العربية منهم ،وأنفسهم وأعجبهم حي شبّ؛ فلما أدرك زوجوه امرأةً منهم ،وماتت أم
إساعيل ،فجاء إبراهيم بعدما تزوج إساعيل يُطالع تركته ،فلم يد إساعيل ،فسأل امرأته
[عنه] ،فقالت :خرج يبتغي لنا .ث سألا عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت :نن بشر ،نن ف
ضيق وشدة .فشكت إليه ،قال :فإذا جاء زووجك فاقرئي عليه السلم ،وقول له :يُغي عتبة
بابه .فلما جاء إساعيل كأنه أنس شيئا ،فقال :هل جاءكم من أحد؟ قالت :نعم؛ جاءنا شيخ
كذا وكذا ،فسألنا عنك فأخبته ،وسألن:
كيف عيشنا؟ فأخبته أنا ف جهد وشدة .قال :فهل أوصاك بشيء؟ قالت :نعم؛ أمرن أن أقرأ
عليك السلم ،ويقول لك :غيّر عتبة بابك .قال :ذاك أب ،وقد أ/رن أن أفارقك ،القي
بأهلك .فطلقها وتزوج منهم أخرى.
فلبث عنهم إبراهيم ما شاء ال ،ث أتاهم بعد فلم يده ،فدخل على امرأته فسألا عنه؟ فقالت:
خرج يبتغي لنا .قال :كيف أنتم؟ وسألا عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت :نن بي وسعة.
وأثنت على ال عز وجل ،فقال :ما طعامكم؟ قالت :اللحم .قال :فما شرابكم؟ قالت :الاء.
قال :اللهم! بارك لم ف اللحم والاء .قال النب صلى ال عليه وسلم :
((ول يكن لم يوئذ حب ،ولو كان لم حب دعا لم فيه))[ .قال ]:فهما ل يلو عليهما
أحد بغي مكة إل ل يوافقاه .قال :فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلم ،ومريه يثبت عتبة
بابه .فلما جاء إساعيل قال :هل أتاكم من أحد؟ قالت :نعم ؛ أتانا شيخ حسن اليئة –
وأثنت عليه – فسألن عنك ،فأخبته ،فسألن كيف عيشنا؟ فأخبته أنا بي ،قال :فأوصاك
بشيء؟ قالت :نعم؛ هو يقرأ عليك السلم ،ويأمرك أن تثبت عتبة بابك .قال :ذاك أب وأنت
العتبة؛ أمرن أن أمسكك.
ث لبث عنهم ما شاء ال ،ث جاء بعد ذلك وإساعيل يبي نبلً له تت دوحة قريبا من زمزم،
فلما رآه قام إليه ،فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ،ث قال :يا إساعيل! إن ال
أمرن بأمر .قال :فاصنع ما أمرك ربك.
قال :وتعينن؟ قال :وأعينك .قال :فإن ال أمرن أن أبن ههنا بيتا .وأشار إل أكمة مرتفعة
على ما حولا .قال :فعند ذلك رفعا القواعد من البيت ،فجعل إساعيل يأت بالجارة وإبراهيم
يبن ،حت إذا ارتفع البناء؛ جاء بذا الجر فوضعه له ،فقام عليه وهو يبن ،وإساعيل يناوله
الجارة ،وها يقولن" :ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" [البقرة ،]127 :قال :فجعل
يبنيان ،حت يدورا حول البيت وها يقولن" :ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم".
وروى أبو داود الطيالسي عن علي رضي ال عنه قال:
لا اندم البيت بعد جرهم بنته قريش ،فلما أرادوا وضع الجر تشاجروا؛ من يضعه؟ فاتفقوا
أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب .فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم من باب بن
شيبة ،فأمر بثوب فوضع الجر ف وسطه ،وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب،
فرفعوه ،وأخذه رسول ال صلى ال عليه وسلم فوضعه.
وروى أحد عن ماهد عن موله – وهو السائب بن عبد ال – أنه حدثه:
أنه كان فيمن بن الكعبة ف الاهلية ،قال :وكان ل حجرا أنا تته [بيدي] أعبده من دون
ال ،قال :وكنت أجيء باللب الاثر الذي أنفسه على نفسه ،فأصبه عليه ،فيجيء الكلب
فيلحسه ،ث يشغر فيبول عليه ! قال:
فبينا حت بلغنا موضع الجر ،ول يرى الجر أحد ،فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل،
يكاد يتراءى منه وجه الرجل .فقال بطن من قريش :نن نضعه .وقال آخرون :نن نضعه.
فقالوا :اجعلوا بينكم حكما .فقالوا :أول رجل يطلع من الفجّ ،فجاء رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فقالوا :أتاكم المي .فقالوا له ،فوضعه ف ثوب ،ث دعا بطونم ،فرفعوا
نواحيه[معه] ،فوضعه هو صلى ال عليه وسلم.
قلت :وقد كانوا أخرجوا منها الجر – وهو ستة أذرع ،أو سبعة أذرع من ناحية الشام –
قصرت بم النفقة – أي :ل يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم – وجعلوا للكعبة بابا
واحدا من ناحية الشرق ،وجعلوه مرتفعا لئلً يدخل إليها كل أحد ،فيدخلوا من شاؤوا ،
وينعوا من شاؤوا.
وقد ثبت ف ((الصحيحي)) عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى الل عليه وسلم
قال لا:
((أل تري أن قومك قصرت بم النفقة؟ ولول حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ،وجعلت
لا بابا شرقيا وبابا غربيا ،وأدخلت فيها الجر)).
ولذا لا تكن ابن الزبي بناها على ما أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وجاءت ف غاية
البهاء والسن والسناء ،كاملة على قواعد الليل ،لا بابان ملتصقان بالرض شرقا وغربا،
يدخل الناس من هذا ويرجون من الخر.
فلما قتل الجاج ابن الزبي ؛ كتب إل عبد اللك بن مروان – وهو الليفة يومئذٍ -فيما
صنعه ابن الزبي – واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه – فأمر بإعادتا إل ما كانت عليه
...فهي إل الن كذلك .
وقد ذكرنا قصة بناء والحاديث الواردة ف ذلك ف تفسي (سورة البقرة) عند قوله﴿ :وإذ
يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإساعيل﴾ [البقرة .]127:وذكرنا ذلك مطولً مستقصى،
فمن شاء كتبه ها هنا ،ول المد والنة.
فصل
وذكر ابن إسحاق ما كانت قريش ابتدعوه ف تسميتهم المس ،وهو الشدة ف الدين
والصلبة.
وذلك لنم عظموا الرم تعظيما زائدا؛ بيث التزموا بسببه أن ل يرجوا منه ليلة عرفة،
وكانوا يقولون :نن أبناء الرم ،وقطان بيت ال .فكانوا ل يقفون بعرفات .مع علمهم أنا
من مشاعر إبراهيم عليه السلم – حت ل يرجوا عن نظام ما كانوا قرروه من البدعة
الفاسدة ،وكانوا ينعون اليج والعمّار – ما داموا مرمي – أن يأكلوا إل من طعام قريش،
ول يطوفوا إل ف ثياب قريش ،فإن ل يد أحد منهم ثوب أحد من المس؛ طاف عريانا ولو
كانت امرأة ،ولذا كانت الرأة إذا اتفق طوافها لذلك؛ وضعت يدها على فرجها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فل أحله
قال ابن إسحاق :فكانوا كذلك حت بعث ال ممدا صلى ال عليه وسلم ،وأنزل عليه القرآن
ردا عليهم فيما ابتدعوه ،فقال﴿ :ث أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾؛ أي :جهور العرب من
عرفات﴿ ،واستغفروا ال إن ال غفور رحيم﴾[البقرة.]199:
وقد قدمنا :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقف بعرفات قبل أن ينل عليه؛ توفيقا
من ال له.
وأنزل ال عليه ردّا عليهم فيما كانوا حرموا من اللباس والطعام على الناس ﴿يا بن آدم خذوا
زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يب السرفي .قل من حرم زينة ال
الت أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ الية [العراف31:و .]32
[الستدرك]
عن ابن عباس رضي ال عنهما قال:
كانت الرأة تطوف بالبيت وهي عريانة ،فتقول :من يعين تطوافا؟ تعله على فرجها،
وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فل أحله
فنلت هذه الية ﴿ :خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [العراف.]31 :
رواه مسلم (.)244-8/243
وقال عروة:
كان الناس يطوفون ف الاهلية عراة إل المس – والُمس :قريش وما ولدت – وكانت
المس يتسبون على الناس؛ يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها ،وتعطي الرأة الرأة
الثياب تطوف فيها ،فمن ل تعطه المس طاف بالبيت عريانا.
وكان يفيض جاعة الناس من (عرفات) ،وتفيض المس من (جع).
وعن عائشة رضي ال عنها:
أن هذه الية نزلت ف المس (وف رواية :كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالزدلفة ) ،
وكانوا يسمون المس ،وكان سائر العرب يقفون بـ(عرفات) ،فلما جاء السلم أمر ال
نبيه صلى ال عليه وسلم أن يأت (عرفات) ث يقف با ،ث يفيض منها ،فذلك قوله تعال )﴿ :
ث أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾ [البقرة ،]199 :قال :كانوا يقيضون من (جع) ،فدفعوا
إل (عرفات).
رواه البخاري بذا التمام ( – 818متصره) ومسلم ( )4/43بديث عائشة[ :انتهى
الستدرك].
كتاب مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليما كثيا
وذكر شيء من البشارات بذلك
فصل
قال ابن إسحاق :وحدثن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا:
إن ما دعانا إل السلم – مع رحة ال تعال وهداه لنا – لا كنا نسمع من رجال يهود ،كنا
أهل شرك أصحاب أوثان ،وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا ،وكانت ل تزال بيننا
وبنهم شرورو ،فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا :إنه قد تقارب زمان نب يبعث الن؛
نقتلكم معه قتل عاد وإرم .فكنا كثيا ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث ال رسول ال صلى ال عليه وسلم أجبناه حي دعانا إل ال ،وعرفنا ما كانوا
يتوعدوننا به ،فبادرناهم إليه ،فآمنا به وكفروا به ،ففينا وفيهم نزلت هذه الية َ ﴿ :ولَمّا
صدّقٌ لِمَا مَ َع ُهمْ َوكَانُوا مِنْ قَبْلُ َيسْتَفْتِحُونَ عَلَى اّلذِينَ كَفَرُوا
جَاءَ ُهمْ كِتَابٌ مِنْ عِْندِ اللّهِ ُم َ
فََلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا بِ ِه فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة.]89 :
وروى ابن إسحاق عن سلمة بن سلمة بن وقش – وكان من أهل بدر – قال:
كان لنا جار من يهود ف بن عبد الشهل ،قال :فخرج علينا يوما من بيته حت وقف على بن
عبد الشهل – قال سلمة :وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا ،عليّ فروة ل مضجع فيها بفناء
أهلي – فذكر القيامة والبعث ،والساب واليزان ،والنة والنار .قال :فقال ذلك لقوم أهل
شرك أصحاب أوثان ل يرون أن بعثا كائن بعد الوت .فقالوا له :ويك يا فلن! أو ترى هذا
كائنا ؛ أن الناس يبعثون بعد موتم إل دار فيها جنة ونار يزون فيها بأعمالم ؟! قال :نعم؛
والذي يلف به ،ويودّ أن له بظه من تلك النار أعظم تنور ف الدار يمونه ،ث يدخلونه إياه
فيطينونه عليه ،وأن ينجو من تلك النار غدا.
قالو له :ويك يا فلن! فما آية ذلك؟
قال :نب مبعوث من نو هذه البلد .وأشار بيده إل نو (مكة) واليمن.
قالوا :ومت تراه؟
قال :فنظر إلّ وأنا من أحدثهم سنا ،فقال :إن يستنفد هذا الغلم عمره يدركه.
قال سلمة :فوال؛ ما ذهب الليل والنهار حت بعث ال [ممدا] رسوله صلى ال عليه وسلم
وهو حي بي أظهرنا ،فآمنا به ،وكفر به بغيا وحسدا.
قال :فقلنا له :ويك يا فلن! ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟
قال :بلى ،ولكن ليس به!
رواه أحد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق.
ورواه البيهقي عن الاكم بإسناده من طريق يونس بن بكي.
وروى أبو نعيم ف ((الدلئل)) عن ممد بن سلمة قال:
ل يكن ف بن عبد الشهل إل يهودي واحد يقال له :يوشع ،فسمعته يقول -وإن لغلم ف
إزار : -قد أظلكم خروج نب يبعث من نو هذا البيت – ث أشار بيده إل بيت ال – فمن
أدركه فليصدقه.
فبُعث رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسلمنا ،وهو بي أظهرنا ل يسلم حسدا وبغيا.
قال ابن إسحاق :وحدثن عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بن قريظة قال ل:
هل تدري عم كان إسلم ثعلبة بن سعبة ،وأسيد بن سعيد ،وأسد بن عبيد؟ -نفر من بن
هدل إخوة بن قريظة كانوا معهم ف جاهليتهم ،ث كانوا ساداتم ف السلم – قال :قلت :ل
[وال] .قال:
فإن رجلً من اليهود من أرض الشام يقال له :ابن اليبان قدم علينا قبل السلم بسني ،فحل
ل قط ل يصلي المس أفضل منه ،فأقام عندنا ،فكنا إذا بي أظهرنا ،ل وال؛ ما رأينا رج ً
قحط عنا الطر قلنا له :اخرج يا ابن اليبان! فاستسق لنا .فيقول :ل وال؛ حت تقدموا بي
يدي مرجكم صدقة .فنقول :كم؟ فيقول :صاعا من تر ،أو مدّين من شعي .قال :فنخرجها،
ث يرج بنا إل ظاهر حرتنا فيستسقي لنا ،فوال؛ ما يبح ملسه حت ير السحاب ويسقي.
قد فعل ذلك غي مرة ول مرتي ول ثلث.
قال :ث حضرته الوفاة عندنا ،فلما عرف أنه ميت قال :يا معشر يهود! ما ترونه أخرجن من
أرض المر والمي إل أرض البؤس والوع؟ قال :قلنا :أنت أعلم.
قال :فإن إنا قدمت هذه البلدة أتوكّف خروج نب قد أظل زمانه ،هذه البلدة مهاجرة،
فكنت أرجو أن يبعث فاتبعه ،وقد أظلكم زمانه ،فل تسبَقنّ إليه يا معشر يهود! فإنه يبعث
بسفك الدماء وسب الذراري من خالفه ،فل ينعكم ذلك منه.
فلما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وحاصر بن قريظة؛ قال هؤلء الفتية – وكانوا
شبانا أحداثا : -يا بن قريظة ! وال ؛ إنه للنب الذي عهد إليكم فيه ابن اليبان .قالوا :ليس
به .قالوا :بلى وال؛ إنه لو بصفته .فنلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالم وأهليهم.
ث ذكر ابن إسحاق رحه ال إسلم الفارسي رضي ال عنه وأرضاه من حديث عبد ال بن
عباس قال :حدثن سلمان الفارسي – من فيه – قال:
ت رَجُلًا فَارِسِيّا مِنْ أَهْلِ َأصَْبهَانَ مِنْ َأهْ ِل قَرْيَةٍ مِْنهَا يُقَالُ لَهَا( :جَيّ) َوكَانَ أَبِي دِهْقَانَ كُنْ ُ
قَرْيَتِهِ َوكُنْتُ أَ َحبّ خَ ْلقِ اللّهِ ِإلَيْهِ ،فََلمْ يَزَلْ بِهِ حُبّهُ إِيّايَ حَتّى حََبسَنِي فِي بَيْتِهَِ ،كمَا ُتحْبَسُ
اْلجَارِيَةُ.
ت قَطَ َن النّارِ اّلذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْ ُر ُكهَا َتخْبُو سَاعَةً. ت فِي الْ َمجُوسِيّةِ حَتّى كُْن ُ وَأَ ْج َهدْ ُ
ت فِي قَالََ :وكَاَنتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ َعظِيمَةٌَ ،فشُغِ َل فِي بُنْيَانٍ لَهُ َيوْمًا ،فَقَالَ لِي :يَا بُنَيّ إِنّي َقدْ شُغِ ْل ُ
بُنْيَانٍ َهذَا الَْيوْمَ َع ْن ضَيْعَتِي فَاذْ َهبْ فَاطّلِ ْعهَا وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ،ث قال ل :ول تتبس
عن؛ فإنك إن احتسبت عن كنتم أهم إلّ من ضيعت ،وشغلتن عن كل شيء من أمري.
صوَاَتهُ ْم فِيهَا وَ ُهمْ
سمِعْتُ َأ َْفخَرَ ْجتُ ُأرِي ُد ضَيْعَتَهُ ،فَمَ َررْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ الّنصَارَى ،فَ َ
ي فِي بَيْتِهِ ،فََلمّا مَ َررْتُ ِب ِهمْ وَ َسمِعْتُ ُيصَلّونََ ،وكُْنتُ لَا َأ ْدرِي مَا أَمْرُ النّاسِ ِلحَبْسِ أَبِي إِيّا َ
صوَاتَ ُهمَْ ،دخَ ْلتُ عَلَْي ِهمْ أَنْ ُظرُ مَا َيصْنَعُونَ ،فََلمّا رَأَيُْت ُهمْ أَ ْعجَبَنِي صَلَاُت ُهمَْ ،ورَغِْبتُ فِي أَمْرِ ِهمْ،
َأ ْ
شمْسُ، َوقُلْتَُ :هذَا وَاللّهِ خَيْرٌ مِنْ الدّي ِن اّلذِي َنحْنُ َعلَيْهَِ .فوَاللّهِ مَا تَ َركُْت ُهمْ حَتّى غَرََبتْ ال ّ
ت ضَيْعَةَ أَبِي فََلمْ آِتهَا ،فَقُ ْلتُ َل ُهمْ :أَْينَ َأصْلُ َهذَا الدّينِ؟ قَالُوا :بِالشّامِ. وَتَ َركْ ُ
فرَجَ ْعتُ إل أَبِيَ ،وقَدْ بَ َعثَ فِي َطلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ كُلّهِ.
فََلمّا جِئْتُ ُه قَالََ :أيْ بُنَيّّ! أَْينَ كُنْتَ؟ َألَمْ َأكُنْ َع ِهدْتُ ِإلَيْكَ مَا َع ِهدْتُ؟ .قَالَ :قُ ْلتُ :يَا أََب ِ
ت
مَ َررْتُ بِنَاسٍ ُيصَلّو َن فِي كَنِيسَةٍ َلهُ ْم فَأَ ْعجَبَنِي مَا رَأَْيتُ مِنْ دِيِن ِهمَْ ،فوَاللّهِ؛ مَازِْلتُ عِْندَ ُهمْ حَتّى
شمْسُ. غَرََبتْ ال ّ
س فِي َذلِكَ الدّينِ خَيْرٌ ،دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِْنهُ. قَالََ :أيْ بُنَيّ لَيْ َ
قَالَ :قُ ْلتُ :كَلّا وَاللّهِ؛ إِنّهُ خَيْرٌ ِمنْ دِينِنَا.
قَالََ :فخَافَنِيَ ،فجَعَلَ فِي رِ ْجلَ ّي قَيْدًا ُثمّ حََبسَنِي فِي بَيِْتهِ.
قَالَ :وَبَعََثتْ ِإلَيّ الّنصَارَى .فَقُ ْلتُ َلهُمْ :إِذَا َقدِمَ َعلَيْ ُكمْ َر ْكبٌ مِنْ الشّامِ ُتجّارٌ مِ ْن الّنصَارَى،
فَأَخْبِرُونِي ِب ِهمْ ،قَالَ :فَ َقدِمَ عَلَْي ِهمْ رَ ْكبٌ ِمنْ الشّامِ ُتجّارٌ مِنْ الّنصَارَى ،فََأخْبَرُونِي ِب ِهمْ .فَقُلْتُ
ج ُهمْ َوَأرَادُوا الرّجْعَةَ إل بِلَادِ ِه ْم فَآذِنُونِي ِبهِمْ. ضوْا َحوَائِ َ َلهُمْ :إِذَا قَ َ
حدِيدَ مِنْ رِجْلَيُّ ،ثمّ خَرَ ْجتُ ت الْ َ
قَالَ :فََلمّا َأرَادُوا الرّجْعَةَ إل بِلَادِ ِهمْ َأخْبَرُونِي ِب ِهمْ ،فََألْقَيْ ُ
مَ َعهُمْ حَتّى َقدِ ْمتُ الشّامَ ،فََلمّا َقدِمْتُهَا قُ ْلتُ :مَنْ َأ ْفضَلُ أَ ْهلِ َهذَا الدّينِ عِ ْلمَا؟ قَالُوا :الْأَسْقُفّ
فِي الْكَنِيسَةِ.
ك فِيت فِي َهذَا الدّينِ .وَأَحْبَْبتُ أَنْ َأكُونَ مَعَكَ .وَأ ْخدُمُ َ قَالََ :فجِئْتُ ُه فَقُ ْلتُ له :إِنّي َقدْ رَغِْب ُ
كَنِيسَتِكَ ،وَأَتَعَّلمُ مِنْكَ ،وَُأصَلّي مَعَكَ ،قَالَ :ا ْدخُلْ.
ص َدقَةِ وَيُرَغُّب ُهمْ فِيهَا؛ فَإِذَا َجمَعُوا إليه مِْنهَا فَدَ َخ ْلتُ مَعَهُ ،قَا َل فَكَا َن رَجُلَ َسوْءٍ؛ َيأْمُرُ ُهمْ بِال ّ
أَشْيَاءَ كَنَزَهُ لِنَ ْفسِهِ َولَمْ يُعْ ِطهِ اْل َمسَاكِيَ ،حَتّى َجمَعَ سَْب َع قِلَالٍ ِمنْ ذَ َهبٍ َووَرِقٍ.
قَالَ :وَأَبْ َغضْتُهُ بُ ْغضًا َشدِيدًا ِلمَا رَأَيْتُهُ َيصَْنعُ.
ُثمّ مَاتَ ،فَاجَْتمَ َعتْ إليه النّصَارَى لَِي ْدفِنُوهُ ،فَقُ ْلتُ َل ُهمْ :إِنّ َهذَا كَا َن رَجُلَ َس ْوءٍ يَأْمُ ُر ُكمْ
بِالصّ َدقَةِ وَيُرَغّبُ ُكمْ فِيهَا ،فَإِذَا جِئُْتمُوهُ ِبهَا كَنَزَهَا لِنَ ْفسِهِ َولَمْ يُ ْعطِ اْل َمسَاكِيَ مِْنهَا شَيْئًا.
قَالُوا :وَمَا عِ ْلمُكَ ِب َذلِكَ؟ قَالَ :فَقُ ْلتُ َل ُهمْ :أَنَا أَ ُدلّ ُكمْ َعلَى كَنْزِهِ .قَالُوا :فَ ُدلّنَا .قَالَ :فََأرَيْتُ ُهمْ
َموْضِعَهُ ،قَا َل فَاسَْتخْرَجُوا سَْبعَ قِلَالٍ َممْلُوءَةٍ ذَهَبًا َووَ ِرقًا ،قَا َل فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا :وَاللّهِ لَا َندْفِنُهُ
حجَارَةِ. أََبدًا .قَاْلََ :فصَلَبُو ُه ورَمُوهُ بِاْل ِ
خمْسَ َأرَى أَنّهُ وجَاءُوا بِرَ ُجلٍ آخَ َر َفوَضَعُوهُ مَكَان .قَالَ سَ ْلمَانَُ :فمَا رَأَْيتُ رَ ُجلًا لَا ُيصَلّي الْ َ
َأ ْفضَلُ مِنْهَُ ،أزْ َه ُد فِي الدّنْيَاَ ،ولَا َأرْ َغبُ فِي الْآ ِخرَةِ ،وَلَا َأدْأَبُ لَيْلًا وََنهَارًا [مِنْهُ].
قَالَ :فََأحْبَبْتُهُ حُبّا لَمْ ُأ ِحبّ شيئا قَبْلَهُ مِثَْلهُ.
قالَ :فََأَقمْتُ مَعَ ُه زَمَانًاُ ،ثمّ َحضَرَْت ُه الْ َوفَاةُ ،فَقُ ْلتُ لَهُ :إِنّي َقدْ كُْنتُ مَعَكَ وََأحْبَبْتُكَ حُبّا لَمْ
ُأحِبّهُ شيئا قَبَْلكَ َ ،وَقدْ َحضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللّهِ تعال ،فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟
ك النّاسُ وََبدّلُوا ،وَتَ َركُوا قَالََ :أيْ بُنَيّ! وَاللّهِ مَا َأعَْلمُ الَْيوْمَ أَحَداَ عَلَى مَا كُْنتُ عَلَْيهِ ،لَ َقدْ هَلَ َ
َأكْثَرَ مَا كَانُوا َعلَيْهِ؛ ِإلّا رَجُلًا بِـ(اْلمَ ْوصِلِ) ،وَ ُهوَ فُلَانٌَ ،ف ُهوَ عَلَى مَا كُْنتُ عَلَيْهِ ،فَالْحَقْ ِبهِ.
قَالَ :فََلمّا مَاتَ وَغَّيبَ َلحِقْتُ ِبصَا ِحبِ (اْلمَ ْوصِلِ) ،فَقُ ْلتُ :يَا فُلَانُ! إِ ّن فُلَانًا َأ ْوصَانِي عِْندَ
َموْتِهِ أَنْ َأْلحَقَ بِكَ َوأَخْبَرَنِي أَنّكَ َعلَى أَمْ ِرهِ .فَقَالَ لِيَ :أِقمْ عِْندِي.
فََأقَ ْمتُ عِْندَهَُ ،فوَ َجدْتُهُ خَيْ َر رَجُلٍ عَلَى أَمْ ِر صَاحِبِهِ ،فََلمْ َيلَْبثْ أَنْ مَاتَ ،فََلمّا َحضَرَتْ ُه اْلوَفَاةُ
قُ ْلتُ لَهُ :يَا فُلَانُ! إِ ّن فُلَانًا َأ ْوصَى بِي ِإلَيْكََ ،وأَمَرَنِي بِالّلحُوقِ بِكََ ،وقَدْ َحضَرَكَ ِمنْ اللّهِ مَا
تَرَى ،فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَِبمَ َتأْمُرُنِي؟ قَالَ :يا بُنَيّ! وَاللّهِ؛ مَا أَعَْل ُم رَ ُجلًا عَلَى مِْثلِ مَا كُنّا
عَلَْيهِ ِإلّا بِـ(َنصِيبِيَ) ،وَ ُه َو فُلَانٌ ،فَاْلحَقْ بِهِ.
فََلمّا مَاتَ وَغُّيبَ َلحِ ْقتُ ِبصَا ِحبِ (َنصِيبِيَ) َفجِئْتُ ُه فَأَخَْبرْتُهُ خَبَرِي ،وَمَا أَمَرَنِي ِب ِه صَاحِبِي.
فَقَالََ :أقِمْ عِْندِي .فََأقَ ْمتُ عِْندَهَُ ،فوَ َجدْتُهُ َعلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ ،فَأََق ْمتُ َمعَ خَيْرِ رَجُ ٍل َفوَاللّهِ مَا
ت فََلمّا َحضَ َر قُ ْلتُ لَهُ :يَا فُلَانُ ! إِ ّن فُلَانًا كَانَ َأ ْوصَى بِي إل فُلَانٍُ ،ثمّ لَبِثَ أَنْ نَزَلَ ِب ِه الْ َموْ ُ
َأ ْوصَى بِي فُلَانٌ ِإلَيْكَ ،فَإل َمنْ تُوصِي بِي؟ وبِمَ تَأْمُرُنِي؟
قَالَ :يا بُنَيّ! وَاللّهِ مَا أ ْعَلمُ أَ َحدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتَِيهُ ِإلّا رَجُلًا بِـ( َعمّورِيّةَ) فَإِنّهُ ِبمِثْلِ
ت فائتِهِ؛ فَإِنّهُ عَلَى أَمْرِنَا.
مَا َنحْنُ َعلَيْهِ ،فَإِنْ أَحْبَْب َ
قَالَ :فََلمّا مَاتَ وَغَّيبَ َلحِقْتُ ِبصَا ِحبِ ( َعمّورِيّةَ) ،فَأَخْبَرُْتهُ خَبَرِي ،فَقَالََ :أِقمْ عِْندِي .فََأقَ ْمتُ
صحَابِهِ. عِْندَ خي رجلٍ على هديِ َأ ْ
قَالَ :وَاكْتَسَْبتُ حَتّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَْيمَةٌ.
قَالَُ :ثمّ نَ َزلَ بِهِ أَمْرُ اللّهِ ،فََلمّا ُحضِرَ قُ ْلتُ لَهُ :يَا فُلَان! إِنّي كُْنتُ َم َع فُلَا ٍن فََأ ْوصَى بِي إل فُلَانٍ،
ُثمّ َأ ْوصَى بِي فُلَانٌ إل فُلَانٍُ ،ثمّ َأوْصَى بِي فُلَانٌ ِإلَيْكَ ،فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَِبمَ تَأْمُرُنِي؟
قَالََ :أيْ بُنَيّ! وَاللّهِ؛ مَا أَعَْلمُ َأصْبَحَ أحدٌ َعلَى مثل مَا كُنّا َعلَيْهِ مِنْ النّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتَِيهُ،
ك زَمَانُ نَبِيّ ُهوَ مَبْعُوثٌ ِبدِينِ إِبْرَاهِيمَ َيخْ ُرجُ بَِأ ْرضِ الْعَرَبُِ .مهَاجِره إل َأ ْرضٍ َولَكِنّهُ قَدْ أَ َظلّ َ
صدَقَةَ ،بَيْنَ كَتِفَيْهِ بَيْنَ حَرّتَيْنِ بَيَْن ُهمَا َنخْلٌ ،بِهِ َعلَامَاتٌ لَا َتخْفَى :يَ ْأكُلُ اْل َهدِيّةََ ،ولَا َي ْأكُلُ ال ّ
ك الْبِلَادِ ،فَافْعَلْ.
خَاَت ُم النّبُوّةِ .فَإِنْ اسْتَطَ ْعتَ أَنْ تَ ْلحَقَ بِتِلْ َ
قَالَُ :ثمّ مَاتَ ،وَغَّيبَ ،ومَكَْثتُ بـ( َعمّورِيّةَ) مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ أَمْ ُكثَ.
ض الْعَرَبِ وَأُ ْعطِي ُكمْ بَقَرَاتِي َهذِهِ ُثمّ مَرّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَ ْلبٍ ُتجّار ،فَقُ ْلتُ َل ُهمْ :احِلُونِي إل َأرْ ِ
وَغُنَْيمَتِي َهذِهِ .قَالُوا :نَ َعمْ .فَأَ ْعطَيُْتهُمُوهَا وَ َحمَلُونِي معهم ،حَتّى إِذَا بلغوا وَادِي الْقُرَى
ت النّخْلَ ،فَرَ َجوْتُ أَنْ يكُونَ ظََلمُونِي؛ فَبَاعُونِي مِ ْن رَجُلٍ مِنْ َيهُودَ عَْبدًا فَكُْنتُ عِْندَهَُ ،ورَأَْي ُ
ح ْق فِي نَ ْفسِي. الْبََل َد الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي َوَلمْ َي ِ
فَبَيْنَمَا أَنَا عِْندَ ُه َقدِمَ َعلَيْهِ ابْنُ َعمّ لَهُ ِمنْ بَنِي قُرَيْ َظةَ مِنْ (اْلمَدِينَةِ) فَابْتَاعَنِي مِنْهُ ،فَاحَْتمَلَنِي إل
(الْ َمدِينَةِ)َ ،فوَاللّهِ؛ مَا ُهوَ ِإلّا أَ ْن رَأَيُْتهَا ،فَعَرَفُْتهَا ِبصِفَ ِة صَاحِبِي لا ،فََأَق ْمتُ ِبهَا.
ث رَسُو ُلَ ال صلى ال عليه وسلم ،فََأقَامَ بـ(مكة) مَا َأقَامَ ،لَا َأ ْسمَعُ لَهُ ِب ِذكْرٍ ِممَّا أَنَا فِيهِ وَبُعِ َ
مِنْ شُ ْغلِ الرّقُّ ،ثمّ هَا َجرَ إل (اْلمَدِينَةِ).
َفوَاللّهِ إِنّي لَفِي رَْأسِ َعذْقٍ ِلسَيّدِي أَ ْعمَ ُل فِيهِ بَعْضَ الْ َعمَلِ ،وَسَّيدِي جَالِسٌ تتِ ،إذْ َأقْبَلَ ابْنُ
َعمّ لَهُ حَتّى َوقَفَ َعلَيْ ِه فَقَالَ :يا فُلَا ُن قَاتَلَ اللّهُ بَنِي قَيَْلةَ ،وَاللّهِ؛ إِّن ُهمْ َل ُمجْتَمِعُونَ الْآنَ بِـ(قُبَاءَ)
عَلَى رَ ُج ٍل َقدِمَ مِنْ (مَكّةَ) الَْيوْمَ يَزْ ُعمُونَ أَنّهُ نَبِيّ.
قَا َل فََلمّا َسمِعْتُهَا َأ َخذَتْنِي الرّ ْعدَةُ ،حَتّى ظَنَْنتُ ساِقطٌ عَلَى سَّيدِي ،فَنَ َزْلتُ عَ ْن الّنخْلَةَِ ،فجَعَ ْلتُ
َأقُولُ لِابْنِ َعمّهَِ :ذلِكَ مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟
قَالَ:فَ َغضِبَ سَّيدِي ،فَلَ َكمَنِي لَكْمَةً َشدِيدَةًُ ،ثمّ قَالَ :مَا لَكَ َوِلهَذَا؟! َأقْبِلْ عَلَى َعمَلِكَ.
قَالَ :فقُ ْلتُ :لَا شَ ْيءَ؛ إِّنمَا َأرَدْتُ أَنْ أَسْتَثِْبتَ َعمّا قَالَ.
قالَ :وكَانَ عِْندِي شَيْ ٌء َقدْ َجمَعْتُهُ ،فََلمّا أَ ْمسَْيتُ أَ َخذْتُهُُ ،ثمّ ذَهَْبتُ إل رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ
عَلَْيهِ وَسَّلمَ وَ ُهوَ بِـ(قُبَاءَ) ،فَدَ َخ ْلتُ َعلَيْهِ ،فَقُ ْلتُ لَهُ :إِنّ ُه َقدْ َبلَغَنِي أَنّكَ رَجُ ٌل صَالِحٌ ،وَمَعَكَ
صدَقَةِ ،فَرَأَيْتُ ُكمْ َأحَقّ ِبهِ مِنْ غَيْ ِر ُكمْ. صحَابٌ لَكَ ُغرَبَاءُ َذوُو حَاجَةٍ ،وَ َهذَا شَ ْيءٌ كَانَ عِْندِي لِل ّ َأ ْ
قَالَ :فَقَرّبْتُهُ ِإلَيْهِ ،فَقَا َل رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ(( :كلوا)) ،وَأَ ْمسَكَ َيدَ ُه فََلمْ يَ ْأكُلْ.
فَقُ ْلتُ فِي نَ ْفسِيَ :هذِهِ وَا ِحدَةٌ.
جمَعْتُ شَيْئًا ،وََتحَوّلَ رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ إل اْلمَدِينَةُِ ،ثمّ ُثمّ اْنصَ َر ْفتُ عَْنهَُ ،ف َ
جِئْتُه فَقُ ْلتُ له :إِنّي رَأَيُْتكَ لَا تَ ْأكُ ُل الصّ َدقَةَ ،وَ َهذِهِ َهدِيّةٌ َأكْرَمْتُكَ ِبهَا .قَالَ :فََأكَ َل رَسُولُ اللّهِ
صحَابَ ُه فََأكَلُوا مَعَهُ. صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ مِْنهَا ،وَأَمَرَ َأ ْ
ت فِي نَ ْفسِي :هَاتَانِ اثْنَتَانِ. قَالَ :فَقُ ْل ُ
ت رَسُولَ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ وَ ُهوَ بِـ(بَقِي ِع الْغَرَْقدِ) َقدْ تَِبعَ جَنَازَةً مِنْ قالَُ :ثمّ جِْئ ُ
س فِي َأصْحَابِهَِ ،فسَّلمْتُ عَلَْيهُِ ،ثمّ اسَْتدَبرْتُه أَنْظُرُ إل َظهْرِهِ؛ صحَابِهِ ،و َعلَيْهِ َشمْلَتَانِ ،وَ ُهوَ جَالِ ٌ َأ ْ
هَلْ َأرَى اْلخَاتَ َم الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟ فََلمّا رَآنِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ
ت فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي ،فََألْقَى رِدَاءَهُ عَنْ َظهْرِهِ ،فَنَظَ ْرتُ إل اسْتَدبَرْتُهُ؛ َعرَفَ أَنّي أَسْتَثِْب ُ
اْلخَاَتمِ ،فَعَرَفْتُهُ فَاكَبَْبتُ عَلَيْهِ ُأقَبّلُهُ َوأَبْكِي ،فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ َعلَيْهِ وَ َسّلمَ:
جبَ صصْتُ عَلَْيهِ َحدِيثِي َكمَا َحدّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبّاسٍ! فَأَ ْع َ حوّلْ)) ،فََتحَ ّوْلتُ بي يديه ،فَ َق َ ((َت َ
صحَابُهُ. رَسُولَ اللّ ِه صَلّى اللّهُ َعلَيْهِ وَسَّلمَ أَنْ َيسْ َمعَ َذلِكَ َأ ْ
ُثمّ شَغَلَ َس ْلمَانَ الرّقّ حَتّى فَاتَهُ َمعَ رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ (َب ْدرٌ) وَ(أُ ُحدٌ).
قَالَ سلمانُ :ثمّ قَالَ لِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ:
((كَاِتبْ يَا َس ْلمَانُ!)).
ت صَاحِبِي َعلَى ثَلَاثِ مِائَةِ َنخَْلةٍ ُأحْيِيهَا لَهُ بِالْفَ ِقيِ ،وَأرْبَعِيَ أُوقِيّةً ،فَقَا َل رَسُولُ اللّ ِه صَلّى فَكَاتَبْ ُ
صحَابِهِ:
اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ لَِأ ْ
((أَعِينُوا أَخَا ُكمْ)).
فَأَعَانُونِي ف الّنخْلِ :الرّ ُجلُ بِثَلَاثِيَ وَدِيّةً ،وَالرّجُلُ بِ ِعشْرِينَ ودية ،وَالرّجُلُ ِبخَمْسَ َعشْرَةَ ودية،
وَالرّ ُجلُ بِ َعشْرة ،يعي الرّ ُجلُ بِ َق ْدرِ مَا عِْندَهُ حَتّى اجَْتمَ َعتْ لِي ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيّةٍ ،فَقَالَ لِي رَسُولُ
اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ:
ت فَأْتِنِي َأكُنُ أَنَا َأضَ ُعهَا بَِيدَيّ)). ((اذْ َهبْ يَا سَ ْلمَانُ! فَفَقّرْ لَهَا ،فَإِذَا فَرَ ْغ َ
ج رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ قال :فَفَقّرْتُ ،وَأَعَانَنِي َأصْحَابِي ،حَتّى إِذَا فَرَ ْغتُ جِئْتُ ُه فَأَخَْبرْتُهُ ،فَخَ َر َ
عَلَْيهِ وَسَّلمَ مَعِي ِإلَْيهَاَ ،فجَعَلْنَا نُقَرّبُ لَ ُه اْلوَ ِديّ ،وََيضَعُهُ رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ بَِيدِهِ،
حت إذا فرغناَ ،فوَالّذِي نَفْسُ َس ْلمَانَ بَِيدِهِ؛ مَا مَاَتتْ مِْنهَا وَدِيّةٌ وَا ِحدَةٌ.
فَأَدّْيتُ الّنخْلَ وَبَقِيَ عَلَ ّي اْلمَالُ ،فَأُتِ َي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ ِبمِثْلِ بَْيضَةِ الدّجَاجَةِ
مِنْ ذَ َهبٍ مِنْ بَعْضِ العادن ،فَقَالَ:
((مَا فَعَلَ الْفَارِسِيّ اْلمُكَاتَبُ؟)).
قَالََ :فدُعِيتُ لَهُ ،قَالَ:
(( ُخذْ َهذِ ِه فَأَدّ ِبهَا مَا َعلَيْكَ يَا سَ ْلمَان!)).
فَقُ ْلتُ :وَأَيْنَ تَ َقعُ َهذِهِ ِممّا عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ:
(( ُخذْهَا؛ فَإِنّ اللّهَ سَُيؤَدّي ِبهَا عَْنكَ)).
قَالَ :فََأ َخذْتُهَا َفوَزَْنتُ َلهُمْ مِْنهَا -وَالّذِي نَفْسُ َس ْلمَانَ بَِيدِهِ َ -أرْبَعِيَ أُوقِيّةً ،فََأ ْوفَيُْتهُمْ حَ ّق ُهمْ.
وَعُتِقَ سلمانَ .فشَ ِهدْتُ َمعَ رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ (اْلخَنْدَقَ) ُثمّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ
َمشْ َهدٌ.
وستأت قصة أب سفيان مع (هرقل) ملك الروم حي سأله عن صفات رسول ال صلى ال
عليه وسلم وأحواله ،واستدلله بذلك على صدقه ونبوته ورسالته ،وقال له :كنت أعلم أنه
خارج ،ولكن ل اكن أظن أنه فيكم ،ولو أعلم أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ،ولو كنت
عنده لغسلت عن قدميه ،ولئن كان ما تقول حقا ليملكن موضع قدمي هاتي .وكذلك وقع
ول المد والنة.
جدُونَهُ مَكْتُوبًا عِْندَهُ ْم فِي التّ ْورَاةِوقال ال تعال ﴿ :اّلذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِ ّي الْأُمّيّ اّلذِي َي ِ
وَالْإِْنجِيلِ يَأْمُرُ ُهمْ بِاْلمَعْرُوفِ وَيَْنهَاهُمْ َعنِ اْلمُنْكَرِ وَُيحِلّ َلهُمُ الطّيّبَاتِ وَُيحَرّمُ عَلَْي ِه ُم الْخَبَاِئثَ
وََيضَعُ عَْن ُهمْ ِإصْرَ ُهمْ وَالْأَغْلَا َل الّتِي كَاَنتْ عَلَْي ِهمْ فَاّلذِينَ ءَامَنُوا ِبهِ وَعَ ّزرُوهُ وََنصَرُوهُ وَاتّبَعُوا
النّورَ اّلذِي أُْنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ ُهمُ اْلمُفِْلحُونَ ﴾[العراف.]157:
روى المام أحد عن رجل من العراب قال:
جلبت جلوبة إل الدينة ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما فرغت من بيعي قلت:
للقي هذا الرجل فلسعن منه .قال :فتلقان بي أب بكر وعمر يشون ،فتعبتهم ،حت أتوا
على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها؛ يعزي با على نفسه عن ابن له ف الوت كأحسن
الفتيان وأجلهم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
((أنشدك بالذي أنزل التوراة؛ هل تدن ف كتابك ذا صفت ومرجي؟)).
فقال برأسه هكذا؛ أي :ل .فقال ابنه :إي والذي أنزل التوراة؛ إنا لنجد ف كتابنا صفتك
ومرجك ،وأشهد أن ل إله إل ال ،وأنك رسول ال.
فقال:
((أقيموا اليهودي عن أخيكم)) .ث ول كفنه والصلة عليه.
هذا إسناد جيد ،وله شاهد ف ((الصحيح)) عن أنس بن مالك رضي ال عنه.
روى أبو القاسم البغوي بإسناده عن الفلتان بن عاصم ،وذكر أن خاله قال :كنت جالسا عند
النب صلى ال عليه وسلم إذ شخص بصره إل رجل ،فإذا يهودي عليه قميص وسراويل
ونعلن .قال :فجعل النب صلى ال عليه وسلم يكلمه وهو يقول :يا رسول ال! فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم:
((أتشهد أن رسول ال ؟)).
قال :ل .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((أتقرأ التوراة)) .قال :نعم .قال:
((أتقرأ النيل)) .قال :نعم .قال:
((والقرآن)) .قال :ل .ولو تشاء قرأته.
فقال النب صلى ال عليه وسلم :
((فبم (!) تقرأ التوراة والنيل أتدن نبيا؟)) .قال :إنا ند نعتك ومرجك ،فلما خرجت
رجونا أن تكون فينا ،فلما رأيناك عرفناك أنك لست به.
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((ول يا يهودي؟)) .قال :إنا نده مكتوبا :يدخل من أمته النة سبعون ألفا بغي حساب .ول
نرى معك إل نفرا يسيا.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
((إن أمت لكثر من سبعي ألفا ،وسبعي ألفا)).
هذا حديث غريب من هذا الوجه ،ول يرجوه.
وثبت ف ((الصحيح)) أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بدارس اليهود ،فقال لم:
((يا معشر اليهود! أسلموا ،فوالذي نفسي بيده؛ إنكم لتجدون صفت ف كتبكم)) .الديث.
وروى أحد والبخاري عن عطاء بن يسار قال:
لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص فقلت :أخبن عن صفات رسول ال صلى ال عليه وسلم
ف التوراة .فقال:
أجل؛ وال إنه لوصوف ف التوراة بصفته ف القرآن :يا أيها النب! إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا ،وحرزا للميي ،أنت عبدي ورسول ،سيتك التوكل ،ل فظ ،ول غليظ ،ول
صخّاب ف السواق ،ول يدفع السيئة بالسيئة ،ولكن يعفو ويغفر ،ولن يقبضه ال حت يقيم به
اللة العوجاء؛ بأن يقولوا :ل إله إل ال ،فيفتح با أعينا عميا ،وآذانا صما ،وقلوبا غلفا.
ورواه ابن جرير ،وزاد:
قال عطاء :فلقيت كعبا ،فسألته عن ذلك؟ فما اختلفا [ف] حرف.
ورواه البيهقي من طريق أخرى عن عطاء يسار عن ابن سلم :أنه كان يقول:
إنا لنجد صفة رسول ال صلى ال عليه وسلم :إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ،وحرزا
للميي ،أنت عبدي ورسول ،سيته التوكل ،ليس بفظ ،ول غليظ ،ول صخاب ف السواق،
ول يزي السيئة بثلها ،ولكن يعفو ويتجاوز ،ولن يقبضه حت يقيم به اللة العوجاء؛ بأن
يشهدوا أن ل إله إل ال ،يفتح به أعينا عميا ،وآذانا صما ،وقلوبا غلفا.
وقال عطاء بن يسار :وأخبن الليثي :أنه سع كعب الحبار يقول مثلما قال ابن سلم.
قلت :وهذا عن عبد ال بن سلم أشبه ،ولكن الرواية عن عبد ال بن عمرو أكثر؛ مع أنه
كان قد وجد يوم (اليموك) زاملتي من كتب أهل الكتاب ،وكان يدث عنهما كثيا.
وليعلم أن كثيا من السلف كانوا يطلقون (التوراة) على كتب أهل الكتاب ،فهي عندهم أعم
من الت أنزلا ال على موسى ،وقد ثبت شاهد ذلك من الديث.
والعلم بأنه موجود ف كتب أهل الكتب معلوم من الدين ضرورة ،وقد دل على ذلك آيات
كثية ف الكتاب العزيز؛ تكلمنا عليها ف مواضعها ،ول المد.
فمن لك قوله ﴿ :الّذِينَ ءَاتَيْنَاهُ ُم الْكِتَابَ مِ ْن قَبِْلهِ ُهمْ بِهِ ُيؤْمِنُونَ َ .وإِذَا يُْتلَى عَلَْي ِه ْم قَالُوا ءَامَنّا
بِهِ إِنّ ُه اْلحَقّ مِ ْن رَبّنَا إِنّا كُنّا ِم ْن قَبْلِهِ ُمسِْلمِيَ ﴾[القصص52 :و .]53
وقال تعال ﴿ :اّلذِينَ ءَاتَيْنَا ُهمُ الْكِتَابَ يَعْ ِرفُونَهُ َكمَا يَعْ ِرفُونَ أَبْنَاءَ ُهمْ وَإِ ّن فَرِيقًا مِْن ُهمْ لَيَكُْتمُونَ
اْلحَقّ وَ ُهمْ يَعَْلمُونَ ﴾[البقرة.]146 :
جدًا .وَيَقُولُونَ وقال تعال ﴿ :إِ ّن الّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْلمَ مِ ْن قَبِْلهِ إِذَا يُْتلَى عَلَْي ِهمْ َيخِرّونَ لِلْأَ ْذقَانِ ُس ّ
سُْبحَا َن رَبّنَا إِنْ كَانَ وَ ْعدُ رَبّنَا َلمَفْعُولًا ﴾ [السراء107 :و .]108
وقال تعال إخبارا عن القسيسي والرهبان ﴿ :وَإِذَا َسمِعُوا مَا أُْنزِلَ إل الرّسُولِ َترَى أَعْيَُن ُهمْ
تَفِيضُ مِنَ الدّ ْمعِ ِممّا عَ َرفُوا ِم َن الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا ءَامَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّا ِهدِينَ ﴾ [الائدة.]83:
وف قصة النجاشي وسلمان وعبد ال بن سلم وغيهم؛ كما سيأت شواهد كثية لذا العن،
ول المد والنة.
وذكرنا ف تضاعيف ((قصص النبياء)) وصفهم لبعثة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ونعته،
وبلد مولده ،ودار مهاجره ،ونعت أمته ف قصة موسى ،وشعيا ،وأرمياء ،ودانيال ،وغيهم.
وف النيل البشارة بـ(الفارقليط) ،والراد ممد صلى ال عليه وسلم .
وروى البيهقي عن الاكم بإسناده عن عائشة رضي ال عنه :أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قال:
((مكتوب ف النيل :ل فظ ،ول غليظ ،ول صخاب ف السواق ،ول يزي بالسيئة مثلها،
بل يعفوا ويصفح)).
[الستدرك]
عن عوف بن مالك الشجعي قال:
انطلق النب صلى ال عليه وسلم [يوما] وأنا معه ،حت دخلنا كنيسة اليهود [بالدينة يوم عيد
لم ،فكرهوا دخولنا عليهم] ،فقال [لم]:
((يا معشر اليهود! أرون اثن عشر رجلً يشهدون أن ل إله إل ال ،وأن ممدا رسول ال؛
يط ال عن كل يهودي تت أدي السماء الغضب الذي غضب عليهم)).
قال :فأسكتوا ما أجابه منهم أحد ،ث رد عليهم ،فلم يبه منهم أحد ،فقال:
((أبيتم! فوال؛ [إن] لنا الاشر ،وأنا العاقب ،وأنا النب الصطفى؛ آمنتم أو كذبتم)).
ث انصرف وأنا معه ،حت [إذا] كدنا أن نرج ،فإذا رجل من خلفنا يقول :كما أنت يا
ممد! فقال ذلك الرجل :أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا :وال؛ ما نعلم أنه
كان فينا رجل أعلم بكتاب ال منك ،ول أفقه منك ،ول من أبيك قبلك ،ول من جدك قبل
أبيك .قال :فإن أشهد له بال أنه نب ال الذي تدونه ف التوراة .فقالوا :كذبت! ث ردوا
عليه قوله ،وقالوا فيه شرا ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((كذبتم ،لن يقبل قولكم ،أما آنفا فتثنون عليه من الي ما أثنيتم ،وأما إذ آمن فكذبتموه
وقلتم فيه ما قلتم ،فلن يقبل قولكم)).
قال :فخرجنا ونن ثلثة :رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأنا ،وعبد ال بن سلم ،وأنزل
ال تعال فيه﴿ :قُلْ َأرَأَيُْتمْ إِنْ كَانَ ِمنْ عِْندِ اللّهِ َوكَفَرُْتمْ بِهِ وَ َش ِهدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى
مِثْلِ ِه فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرُْتمْ إِنّ اللّهَ لَا َي ْهدِي الْقَوْمَ الظّالِمِيَ﴾ [الحقاف[ .]10 :انتهى الستدرك].
باب ف هواتف الن
وهو ما ألقته الان على ألسنه الكهان ومسموعا من الوثان
روى البخاري عن عبد ال بن عمر قال:
ما سعت عمر يقول لشيء قط :إن لظنه [كذا] .إل كان كما يظن.
بينما عمر جالس إذ مر به رجل جيل ،فقال :لقد أخطأ ظن ،أو أن هذا على دينه ف
الاهلية ،أو لقد كان كاهنهم ،عليّ الرجل.
فدعي به ،فقال له ذلك .فقال :ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم!
قال :فإن أعزم عليك إل ما أخبتن .قال :كنت كاهنهم ف الاهلية قال :فما أعجب ما
جاءتك به جنيتك؟
قال :بينما أنا ف السوق يوما؛ جاءتن أعرف فيها الفزع ،فقالت:
أل تر الن وإبلسها ،وبأسها من بعد إنكاسها ،ولوقها بالقلص وأحلسها؟
قال عمر :صدق ،بينا أنا عند آلتهم جاء رجل بعجل فذبه ،فصرخ به صارخ ل أسع
صارخا قط أشد صوتا منه يقول :يا جليح! أمر نيح ،رجل فصيح يقول :ل إله إل ال.
فوثب القوم ،قلت :ل أبرح حت أعلم ما وراء هذا .ث نادى :يا جليح! أمر نيح ،رجل
فصيح يقول :ل إله إل ال .فقمت ،فما نشبنا أن قيل :هذا نب.
وهذا الرجل هو سواد بن قارب الزدي ،ويقال :الدوسي من أهل السراة جبال (البلقاء) ،له
صحبة ووفادة.
وروى الافظ أبو نعيم عن جابر بن عبد ال قال:
إن أول خب كان بالدينة ببعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أن امرأة بالدينة كان لا تابع
من الن ،فجاء ف صورة طائر أبيض ،وقع على حائط لم ،فقالت له :أل تنل إلينا فتحدثنا
وندثك ،وتبنا ونبك؟ فقال لا :إنه قد بعث نب بكة حرم الزنا ،ومنع منا القرار.
باب كيفية بدء الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وذكر أول شيء أنزل عليه من
القرآن العظيم
كان ذلك وله صلى ال عليه وسلم من العمر أربعون سنة.
روى البخارى عن عائشة رضي ال عنها أنا قالت:
أول ما بدئ به رسول ال صلى ال عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ف النوم ،فكان ل
يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح.
ث حبب إليه اللء ،فكان يلو بغار (حراء) ،فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليال ذوات
العدد قبل أن ينع إل أهله ،ويتزود لذلك ،ث يرجع إل خدية ،فيتزود ،حت جاءه الق
وهو ف غار حراء.
فجاءه اللك فقال :اقرأ .قال(( :ما أنا بقارئ)) .قال(( :فأخذن فغطن حت بلغ من الَهد ،ث
أرسلن ،فقال :اقرأ .فقلت :ما أنا بقارئ .فأخذن فغطن الثانية حت بلغ من الهد ،ث
ك الّذِي خََلقَ .خََلقَ الْإِْنسَانَ مِنْ َعلَقٍ .اقْرَأْ وَرَبّكَ الَْأكْرَمُ .الّذِي
أرسلن ،فقال﴿ :اقْرَأْ بِا ْس ِم رَبّ َ
عَّلمَ بِالْقََلمِ .عَّل َم الْإِنْسَانَ مَا َلمْ يَ ْعَلمْ﴾ [العلق.))]5-1 :
فرجع با رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجف فؤاده ،فدخل على خدية بنت خويلد فقال:
((زملون زملون)) .فزمّلوه حت ذهب عنه الروع.
فقال لدية – وأخبها الب(( : -لقد خشيت على نفسي)).
فقالت خدية :كل؛ [أبشر]؛ فوال ل يزيك ال أبدا؛ إنك لتصل الرحم[ ،وتصدق
الديث] ،وتقري الضيف ،وتمل الكل ،وتكسب العدوم ،وتعي على نوائب الق.
فانطلقت به خدية حت أتت على ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خدية [أخي
أبيها] ،وكان امرءا قد تنصر ف الاهلية ،وكان يكتب الكتاب العبان ،فيكتب من النيل
بالعبانية ما شاء ال أن كتب ،وكان شيخا كبيا قد عمي.
فقالت له خدية :يا ابن عم! اسع من ابن أخيك .فقال له ورقة :يا ابن أخي! ماذا ترى؟
فأخبه رسول ال صلى ال عليه وسلم خب ما رأى ،فقال له ورقة :هذا الناموس الذي كان
ينل على موسى ،يا ليتن ف جذعان ليتن أكون حيّا إذ يرجك قومك؟ فقال رسول ال
صلى ال عليه وسلم :
((أو مرجيّ هم ؟!)).
فقال :نعم؛ ل يأت أحد بثل ما جئت به إل عُودي ،وإن يدركن يومك أنصرك نصرا
مؤزرا.
ث ل ينشب ورقة أن توف ،وفتر الوحي فترة؛ حت حزن رسول ال صلى ال عليه وسلم –
فيما بلغنا – حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوسق شواهق البال ،فكلما أوف بذروة
جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبيل ،فقال :يا ممد! إنك رسول ال حقا ،فيسكن لذلك
جأشه ،وتقر نفسه فيجع ،فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لثل ذلك ،قال :فإذا أوف بذروة
جبل تبدى له جبيل ،فقال له مثل ذلك.
هكذا وقع مطولً ف (باب التعبي) من ((البخاري)).
قال جابر بن عبد ال النصاري – وهو يدث عن فترة الوحي ،فقال ف حديثه : -
((بينما أنا أمشي إذ سعت صوتا من السماء ،فرفعت بصري؛ فإذا اللك الذي جاءن
بـ(حراء) جالس على كرسي بي السماء والرض ،فرعبت منه ،فرجعت ،فقلت :زملون
ك فَ َطهّرْ .وَالرّجْزَ
زملون .فأنزل ال ﴿ :يَاأَّيهَا اْل ُمدّثّرُ .قُ ْم فَأَْن ِذرَْ .ورَبّكَ فَكَبّرْ .وَثِيَابَ َ
فَا ْهجُرْ﴾[الدثر – ]5-1 :فحمي الوحي وتتابع)).
رواه البخاري رحه ال ف كتابه ف مواضع منه ،وتكلمنا عليه مطولً ف أول ((شرح
البخاري)) ف (كتاب بدء الوحي) إسنادا ومتنا ،ول المد والنة.
وأخرجه مسلم ف ((صحيحه)) ،وانتهى سياقه إل قول ورقة(( :أنصرك نصرا مؤزرا)).
فقول أم الؤمني عائشة(( :أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة ،فكان ل يرى رؤيا إل
جاءت مثل فلق الصبح)) يقوي ما ذكره ممد بن إسحاق عن عبيد بن عمي الليثي :أن النب
صلى ال عليه وسلم قال:
((فجاءن جبيل وأنا نائم بنمط من ديباج ف كتاب ،فقال :اقرأ .فقلت :ما أقرأ .فغتّن حت
ظننت أنه الوت ،ث أرسلن)).
وذكر نو حديث عائشة سواء.
فكان هذا كالتوطئة لا يأت بعده من اليقظة ،وقد جاء مصرحا بذا ف ((مغازي موسى بن
عقبة)) عن الزهري أنه رأى ذلك ف النام ،ث جاءه اللك ف اليقظة.
وروى أبو نعيم ف ((الدلئل)) بسنده عن علقمة بن قيس قال:
((إن أول ما يؤتى به النبياء ف النام حت تدأ قلوبم ،ث ينل الوحي بعد)).
قال أبو شامة :وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرى عجائب قبل بعثته.
فمن ذلك ما ف ((صحيح مسلم)) عن جابر بن سرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
(مسلم )7/58/59
(( إن لعرف حجرا بكة كان يسلم عليّ قبل أن أُبعث ،إن لعرفه الن)).
انتهى كلمه.
وإنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يب اللء والنفراد عن قومه؛ لا يراهم عليه من
الضلل البي من عبادة الوثان والسجود للصنام ،وقويت مبته للخلوة عند مقاربة إياء ال
إليه ،صلوات ال وسلمه عليه.
وقوله ف الديث(( :والتحنث :التعبد)) تفسي بالعن ،وإل فحقيقة التحنث :من حيث البنية
– فيما قاله السهيلي : -الدخول ف النث .ولكن سعت ألفظ قليلة ف اللغة معناها :الروج
من ذلك الشيء؛ كتحنث ،أي :خرج من النث ،وتوب ،وترج وتأث .وتجد :هو ترك
الجود وهو النوم للصلة ،وتنجس وتقذر .أوردها أبو شامة.
قال ابن هشام :والعرب تقول :التحنيث والتحنف .يبدلون الفاء من الثاء ،كما قالوا :جدّف
وجدث ،كما قال رؤبة:
لو كان أحجاري من الجداف.
يريد :الجداث.
قال :وحدثن أبو عبيدة :أن العرب تقولُ( :فمّ) ف موضع (ُثمّ).
قلت :ومن ذلك قول بعض الفسرين ﴿ :وفومها﴾ أن الراد :ثومها.
وقوله(( :حت فجأه الق وهو بغار حراء))؛ أي :جاء بغتة على غي موعد؛ كما قال تعال
﴿ :وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إل رحة من ربك﴾الية[النمل.]86:
وقد كان نزول هذه السورة الكرية وهي﴿ :اقْ َرأْ بِا ْسمِ رَبّكَ اّلذِي خََلقَ .خَلَ َق الْإِْنسَانَ ِمنْ
ك الَْأكْرَمُ .اّلذِي َعّلمَ بِالْقََلمِ .عَّلمَ الْإِْنسَانَ مَا لَمْ يَعَْلمْ﴾ [العلق – ]5-1 :وهي
عََلقٍ .اقْرَأْ َورَبّ َ
أول ما نزل من القرآن؛ كما قررنا ذلك ف ((التفسي)) ،وكما سيأت أيضا – ف يوم الثني؛
كما ثبت ف ((صحيح مسلم)) عن أب قتادة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن
صوم يوم الثني؟ فقال:
((ذاك يوم ولدت فيه ،ويوم أنزل عليّ فيه)).
وقال ابن عباس:
ولد نبيكم ممد صلى ال عليه وسلم يوم الثني ،ونُبّي يوم الثني.
وهذا ما خلف فيه.
والشهور أنه بعث عليه الصلة والسلم ف شهر رمضان؛ كما نص على ذلك عبيد بن عمي
وممد بن إسحاق وغيها ،واستدل ابن إسحاق على ذلك بقوله تعال ﴿ :شهر رمضان
الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس﴾ [البقرة.]185 :
وروى المام أحد عن واثلة بن السقع :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
((أُنزلت صحف إبراهيم ف أول ليلة من رمضان ،وأنزلت التوراة لست مضي من رمضان،
والنيل لثلث عشرة ليلة خلت من رمضان ،وأنزل القرآن لربع وعشرين خلت من
رمضان)).
وروى ابن مردويه ف ((تفسيه)) عن جابر بن عبد ال مرفوعا نوه.
ولذا ذهب جاعة من الصحابة والتابعي إل أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين.
وأما قول جبيل(( :اقرأ)) ،فقال(( :ما أنا بقارئ))؛ فالصحيح أن قوله(( :ما أنا بقارئ))
نفي؛ أي :لست من يسن القراءة ،وومن رجحه انووي ،وقبله الشيخ أبو شامة.
ومن قال :إنا استفهامية .فقوله بعيد؛ لن الباء ل تزاد ف الثبات.
وقوله(( :حت بلغ من الهد)) :يُروى بضم اليم وفتحها وبالنصب وبالرفع ،وفعل به ثلثا،
قال الطاب:
((وإنا فعل ذلك به ليبلوا صبه ،ويسن تأديبه ،فيتاض لحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة،
ولذلك كان يعتريه مثل حال الحموم ،وتأخذه (الرحضاء)؛ أي :البهر والعرق)).
وقال غيه :إنا فعل ذلك لمور :منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه بعد هذا الصنيع الشق
على النفوس؛ كما قال تعال ﴿ :إنا سنلقي عليك قولً ثقيلً﴾ [الزمل ،]5 :ولذا كان عليه
الصلة والسلم إذا جاءه الوحي يمر وجهه ،ويغط كما يغط البكر من البل ،ويتفصد جبينه
عرقا ف اليوم الشديد البد.
وقوله(( :فرجع با رسول ال صلى ال عليه وسلم إل خدية يردف فؤاده)) ،وف رواية:
((بوادره)) :جع بادرة؛ قال أبو عبيدة :وهي لمة بن النكب والعنق .وقال غيه :هي عروق
تضطرب عند الفزع .
وقوله(( :لقد خشيت على نفسي)) ،وذلك لنه شاهد أمرا ل يعهده قبل ذلك ،ول كان ف
خلده ،ولذا قالت خدية :كل؛ أبشر وال؛ ل يزيك ال أبدا .قيل :من الزي ،وقيل :من
الزن ،وهذا لعلمها با أجرى ال به جيل العوائد ف خلقه؛ أن من كان متصفا بصفات الي
ل يزى ف الدنيا ول ف الخرة.
ث ذكرت له من صفاته الليلة ما كان من سجاياه السنة .فقالت(( :إنك لتصل الرحم،
وتصدق الديث)) .وقد كان مشهورا بذلك صلوات ال وسلمه عليه عند الوافق والفارق.
((وتمل الكل))؛ أي :عن غيك ،تعطي صاحب العيلة ما يريه من ثقل مؤونة عياله.
((وتكسب العدوم)) ؛ أي :تسبق إل فعل الي ،فتبادر إل إعطاء الفقي ،فتكسب حسنته قبل
غيك ،ويسمى الفقي معدوما ؛ لن حياته ناقصة ،فوجوده وعدمه سواء؛ كما قال بعضهم:
إن اليت ميت الحياء ليس من مات فاستراح بيت
واختار شيخنا الافظ أبو الجاج الزي أن الراد بـ(العدوم) ههنا :الال العطى؛ أي :يعطي
الال لن هو عادمه.
ومن قال :إن الراد أنك تكسب باتارك الال العدوم ،أو النفيس القليل النظي؛ فقد أبعد
النجعة ،وأغرق ف النع ،وتكلف ما ليس له علم ،فإن مثل هذا ل يدح به غالبا ،وقد ضعف
هذا القول عياض والنووي وغيها .وال أعلم.
((وتقري الضيف))؛ أي :تكرمه ف تقدي قراه ،وإحسان مأواه.
((وتعي على نوائب الق)) ،ويروى ((الي))؛ أي :إذا وقعت نائبة لحد ف خي أعنت فيها،
وقمت مع صاحبها حت يد سدادا من عيش ،أو قواما من عيش.
وقول ورقة(( :يا ليتن فيها جذَعا))؛ أي :يا ليتن أكون اليوم شابا متمكنا من اليان والعلم
النافع والعمل الصال.
((يا ليتن أكون حيا حي يرجك قومك))؛ يعن :حت أخرج معك وأنصرك.
فصل
ف منع الان ومرَدَة الشياطي من استراق السمع حي أنزل القرآن لئل يتطف أحدهم منه
ولو حرفا واحدا فيلقيه على لسان وليه فيلتبس المر ويتلط الق
فكان من رحة ال وفضله ولطفه بلقه أن حجبهم عن السماء؛ كما قال ال تعال إخبارا
سمَا َء َفوَ َجدْنَاهَا ُملَِئتْ حَرَسًا َشدِيدًا وَ ُشهُبًا .وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِْنهَا
عنهم ف قولهَ ﴿ :وأَنّا لَ َمسْنَا ال ّ
صدًا .وَأَنّا لَا َندْرِي أَ َشرّ ُأرِيدَ ِبمَنْ فِي الَْأرْضِ
جدْ لَهُ ِشهَابًا رَ َ س ْمعِ َفمَنْ َيسَْتمِ ِع الْآنَ َي ِ
مَقَا ِعدَ لِل ّ
أَمْ َأرَادَ ِب ِهمْ رَبّ ُهمْ رَشَدًا﴾ [الن.]10 -8 :
وقال تعال ﴿:وما تنلت به الشياطي وما ينبغي لم وما يستطيعون إنم عن السمع
لعزولون﴾[الشعراء.]212 – 210 :
وروى الافظ أبو نعيم عن ابن عباس قال:
كان الن يصعدون إل السماء يستمعون الوحي ،فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعا ،فأما
الكلمة فتكون حقا ،وأما ما زادوا فتكون باطلً.
فلما بعث النب صلى ال عليه وسلم منعوا مقاعدهم ،فذكروا لبليس – ول تكن النجوم
يرمى با قبل ذلك – فقال لم إبليس :هذا لمر قد حدث ف الرض.
فبعث جنوده ،فوجدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائما يصلي بي جبلي ،فأتوه فأخبوه
،فقال :هذا المر الذي حدث ف الرض.
وعنه قال:
انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه عامدين إل سوق عكاظ ،وقد حيل بي
الشياطي وبي خب السماء ،وأرسلتْ عليهم الشهب ،فرجعت الشياطي إل قومهم ،قالوا :ما
لكم؟ قالوا :حيل بيننا وبي خب السماء ،وأرسلت علينا اشهب .فقالوا :ما ذاك إل من شيء
حدث ،فاضربوا مشارق الرض ومغاربا[ ،فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبي خب
السماء؟! فانطلقوا يضربون مشارق الرض ومغاربا].
فمر النفق الذي أخذوا نو (تامة) -وهو بـ(نل) – عامدين إل سوق عكاظ ،وهو يصلي
بأصحابه صلة الفجر ،فلما سع القرآن استمعوا له ،فقالو :هذا الذي حال بيننا وبي خب
السماء.
فرجعوا إل قومهم ،فقالوا :يا قومنا ﴿إِنّا َسمِعْنَا قُرْءَانًا َعجَبًاَ .ي ْهدِي إل الرّ ْش ِد فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ
ُنشْرِكَ بِرَبّنَا َأ َحدًا﴾ ،فأوحى ال إل نبيه صلى ال عليه وسلم ﴿ :قُلْ أُوحِيَ ِإلَيّ أَنّهُ اسَْتمَعَ نَفَرٌ
مِ َن اْلجِ ّن فَقَالُوا إِنّا َسمِعْنَا قُ ْرءَانًا َعجَبًا﴾.
أخرجاه ف ((الصحيحي)).
وروى أبو بكر بن أب شيبة عنه قال:
إنه ل تكن قبيلة من الن إل ولم مقاعد للسمع ،فإذا نزل الوحي؛ سعت اللئكة صوتا
كصوت الديد ألقيتها على الصفا ،قال :فإذا سعت اللئكة خروا سجدا ،فلم يرفعوا
رؤوسهم حت ينل ،فإذا نزل؛ قال بعضهم لبعض﴿ :ماذا قال ربكم﴾؟ فإن كان ما يكون ف
السماء ﴿قالوا الق وهو العلي الكبي﴾ ،وإن كان ما يكون ف الرض من :أمر الغيب ،أو
موتٍ ،أو شيء ما يكون ف الرض تكلموا به ،فقالوا :يكون كذا وكذا .فتسمعه الشياطي،
فينلونه على أوليائهم.
فلما بُعث النب صلى ال عليه وسلم دُحروا بالنجوم ،فكان أول من علم با ثقيف ،فكان ذو
الغنم منهم ينطلق إل غنمه ،فيذبح كل يوم شاة ،وذو البل فينحر كل يوم بعيا ،فأسرع
الناس ف أموالم ،فقال بعضهم لبعض :ل تفعلوا؛ فإن كانت النجوم الت يهتدون با وإل فإنه
لمر حدث .فنظروا؛ فإذا النجوم الت يُهتدى با كما هي ل يَزُل منها شيء ،فكفوا.
وصرف ال الن فسمعوا القرآن ﴿فلما حضروه قالوا أنصتوا﴾.
وانطلقت الشياطي إل إبليس فأخبوه ،فقال :هذا حدثٌ حدث ف الرض ،فأتون من كل
أرض بتربة ،فآتوه بتربة تامة ،فقال :ها هنا الدث.
ورواه البيهقي والاكم عن عطاء بن السائب.
وثبت ف الدث عن ابن عباس رضي ال عنهما قال:
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم جالسا ف نفر من أصحابه [من النصار] ،فرُمي بنجم
عظيم فاستنار ،قال:
((ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا ف الاهلية؟)).
قال :كنا نقول :يولد عظيم ،أو يوت عظيم – قال معمر :قلت للزهري :أكان يرمى با ف
الاهلية؟ قال :نعم؛ ولكن غلظت حي بعث النب صلى ال عليه وسلم – قال:
((فإنه ل يرمى با لوت أحد ،ول لياته ،ولكن ربنا تبارك اسه إذا قضى أمرا سبح حلة
العرش ،ث سبح أهل السماء الذي يلونم ،حت يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا ،ث يستخب
أهل السماء الذي يلون حلة العرش ،فيقول الذين يلون حلة العرش لملة العرش﴿ :ماذا قال
ربكم﴾؟ فيخبونم ،ويب أهل كل ساء ساء؛ حت ينتهي الب إل هذه السماء ،ويطف
الن السمع فيمون ،فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ،ولكنهم يقرفون [فيه] ويزيدون)).
[الستدرك]
عن أب هريرة رضي ال عنه أن نب ال صلى ال عليه وسلم قال:
((إذا قضى ال المر ف السماء؛ ضربت اللئكة بأجنحتها خضعانا لقوله؛ كأنه سلسلة على
صفوان [ينفذهم ذلك] ،فـ﴿إذا فزّع عن قلوبم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾ للذي قال﴿ :
الق وهو العلي الكبي﴾ [سبأ .]23 :فيسمعها مسترقـ[وا] السمع ،ومسترقـ[وا] السمع
هكذا :بعضه فوق بعض -ووصف سفيان بكفه؛ فحرفها وبدّد (وف لفظ :وفرج) بي
أصابعه -يسمع الكلمة ،فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ،فربا أدرك الشهاب [الستمعَ]
قبل أن يلقيا [إل صاحبه فيحرق] ،وربا ألقاها قبل أن يدركه ،فيكذب معها مائة كذبة،
فيقال :أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا :كذا وكذا ،فيُصدّق بتلك الكلمة الت سع من
السماء)).
أخرجه البخاري.
وعن عائشة رضي ال عنها قالت:
سأل أناس رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لم رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
((ليسوا بشيء)).
قالوا :يا رسول ال! فإنم يدثون أحيانا الشيء يكون حقا؟ قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
((تلك الكلمة من الق يطفها الن ،فيقرّها ف أذن وليه قرّ الدجاجة ،فيخلطون فيها أكثر
من مائة كذبة)).
أخرجه الشيخان[ .انتهى الستدرك].
فصل
ف كيفية إتيان الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم
قد تقدم كيفية ما جاءه جبيل ف أول مرة ،وثان مرة أيضا.
وعن عائشة رضي ال عنها:
أن الارث بن هشام سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال:
يا رسول ال! كيف يأتيك الوحي؟ فقال:
((أحيانا يأتين مثل صلصلة الرس ،وهو أشده عليّ؛ فينفصم عن وقد وعيت ما قال ،وأحيانا
يتمثل ل اللك رجلً يكلمن؛ فأعي ما يقول)).
قالت عائشة رضي ال عنها:
ولقد رأيته صلى ال عليه وسلم ينل عليه الوحي ف اليوم الشديد البد؛ فيفصم عنه وإن جبينه
ليتفصد عرقا.
أخرجاه ف ((الصحيحي)) ،وأحد.
وف حديث الفك قالت عائشة:
فوال؛ ما رام رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ول خرج أحد من أهل البيت حت أنزل عليه،
فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء ،حت إنه كان يتحدر منه مثل المان من العرق – وهو ف
يوم شاتٍ -من ثقل الوحي الذي أنزل عليه.
وف ((صحيح مسلم)) وغيه عن عبادة بن الصامت قال:
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك ،وتربّد وجهه( .وف
رواية :وغمض عينيه ،وكنا نعرف ذلك منه).
وف ((الصحيحي)) حديث زيد بن ثابت حي نزلت﴿ :ل يستوي القاعدون من الؤمني﴾
[النساء ،]95:فلما شكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت﴿ :غي أول الضرر﴾.
قال :وكانت فخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم على فخذي ،وأنا أكتب ،فلما نزل الوحي
كادت فخذه ترض فخذي.
وف ((صحيح مسلم)) عن يعلى بن أمية قال :قال ل عمر:
أيسرك أن تنظر إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يوحى إليه؟ فرفع طرف الثوب عن
وجهه وهو يوحى إليه بـ(العرانة)؛ فإذا هو ممر الوجه ،وهو يغط كما يغط البكر.
وثبت ف ((الصحيحي)) من حديث عائشة لا نزل الجاب ،وأن سودة خرجت بعد ذلك
إل (الناصع) ليلً ،فقال عمر :قد عرفناك يا سودة! فرجعت إل رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فسألته وهو جالس يتعشى والعرق ف يده ،فأوحى ال إليه[ ،ث يرفع عنه] ،والعرق ف
يده [ما وضعه] ،ث رفع رأسه فقال:
((إنه قد أذن لكن أن ترجت لاجتكن)).
فدل هذا على أنه ل يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية ؛ بدليل أنه جالس ،ول يسقط
العرق أيضا من يده؛ صلوات ال وسلمه دائما عليه.
وروى أبو يعلى عن الفلتان بن عاصم قال :كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنزل
عليه ،وكان إذا أُنزل عليه دام بصره وعيناه مفتوحة ،وفرغ سعه وقلبه لا يأتيه من ال عز
وجل[ ،فكنا نعرف ذلك منه].
وروى أحد وأبو نعيم عن أساء بنت يزيد قالت:
((إن لخذة بزمام العضباء ،ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ نزلت عليه (الائدة) كلها،
وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.
وروى أحد أيضا عن عبد ال بن عمرو قال:
أنزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة (الائدة) وهو راكب على راحلته ،فلم
تستطع أن تمله ،فنل عنها.
وروى ابن مردويه عن أم عمرو عن عمها:
أنه كان ف مسي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فنلت عليه سورة (الائدة) ،فاندقّ
عنق الراحلة من ثقلها.
وهذا غريب من هذا الوجه.
ث قد ثقت ف ((الصحيحي)) نزول سورة (الفتح) على رسول ال صلى ال عليه وسلم
مرجعه من الديبية وهو على راحلته ،فكان يكوت تارة وتارة ،بسب الال ،وال أعلم.
فصل
قال ال تعال ﴿ :ل ترك به لسانه لتعجل به .إن علينا جعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه .ث
إن علينا بيانه﴾ [القيامة.]19-16 :
وقال تعال ﴿ :ول تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه وقل رب زدن علما﴾ [طه:
]114
وكان هذا ف البتداء؛ كان عليه الصلة والسلم من شدة حرصه على أخذه من املك ما
يوحى إليه عن ال عز وجل يسابقه ف التلوة ،فأمره ال تعال أن ينصت لذلك حت يفرغ من
الوحي ،وتكلف له أن يمعه ف صدره ،وأن ييسر عليه تلوته وتبليهن وأن يبينه له ويفسره
ويوضحه ،ويوقفه على الراد منه.
ولذا قال﴿ :ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدن علما﴾.
وقوله﴿ :ل ترك به لسانك لتعجل به .إن علينا جعه﴾؛ أي :ف صدرك﴿ ،وقرآنه﴾؛ أي:
وتقرأه﴿ ،فإذا قراناه﴾؛ أي :تله عليك اللَك﴿ ،فاتبع قرآنه﴾؛ أي :فاستمع له وتدبره﴿ ،ث
إن علينا بيانه﴾؛ وهو نظي قوله﴿ :وقل رب زدن علما﴾.
وف ((الصحيحي)) عن ابن عباس قال:
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعال من التنيل شدة ،فكان يرك شفتيه ،فأنزل ال ﴿ :
ل ترك به لسانك لتعجل به .إن علينا جعه وقرآنه﴾؛ قال :جعه ف صدرك ث تقرأه﴿ ،فإذا
قرأناه فاتبع قرآنه﴾ :فاستمع له وأنصت﴿ ،ث إن علينا بيانه﴾؛ قال :فكان إذا أتاه جبيل
أطرق ،فإذا ذهب قرأه كما وعده ال عز وجل.
فصل
@قال ابن إسحاق :ث تتامّ الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو مصدق با جاء
منه ،وقد قبله بقبوله ،وتمل منه ما حله على رضا العباد وسخطهم.
وللنبوة أثقال ومؤونة ل يملها ول يستضلع با إل أهل القوة والعزم من الرسل -بعون ال
وتوفيقه – لا يلقون من الناس ،وما يُردّ عليهم ما جاؤوا به عن ال عز وجل.
فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما أمر ال به على ما يلقى من قومه من اللف
والذى.
قال ابن إسحاق :وآمنت خدية بنت خويلد وصدقت با جاءه من ال ،ووازرته على أمره،
وكانت أول من آمن بال ورسوله ،وصدقت با جاء منه.
فخفف ال بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ل يسمع شيئا يكرهه – من رد عليه،
وتكذيب له ،فيحزنه ذلك – إل فرج ال عنه با؛ إذا رجع إليها تثبته وتفف عنه ،وتصدقه
وتون عليه أمر الناس ،رضي ال عنها وأرضاها.
قال :وحدثن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ال بن جعفر قال :قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم :
((أمرت أن أبشر خدية ببيت من قصب؛ ل صخب فيه ول نصب)).
وهذا الديث مرج ف ((الصحيحي)) من حديث هشام.
فصل
ف ذكر من أسلم ث ذكر متقدمي السلم
من الصحابة وغيهم
روى ابن إسحاق عن إياس بن عُفيف عن أبيه عفيف – وكان عفيف أخا الشعث بن قيس
لمه – أنه قال:
كنت امرءاُ تاجرا ،فقدمت (منً) أيام الج ،وكان العباس بن عبد الطلب امرءا تاجرا ،فأتيته
أبتاع منه.
قال :فبينا نن إذ خرج رجل من خباء ،فقام يصلي تاه الكعبة ،ث خرجت امرأة فقامت
تصلي ،وخرج غلم فقام يصلي معه.
فقلت :يا عباس! ما هذا الدين ؟! إن هذا الدين ما أدري ما هو؟!
فقال :هذا ممد بن عبد ال يزعم أن ال أرسله ،وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه،
وهذه امرأته خدية بنت خويلد آمنت به ،وهذا الغلم ابن عمه علي بن أب طالب آمن به.
قال عفيف :فليتن كنت آمنت يومئذٍ فكنت أكون رابعا.
فتزود وحل شنّة [له] فيها ماء ،حت قدم (مكة) ،فأتى السجد ،فالتمس رسول ال صلى ال
عليه وسلم ول يعرفه ،وكره أن يسأل عنه ،حت أدركه بعض الليل ،فرآه علي فعرف أنه
غريب ،فلما رآه تبعه ،ول يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حت أصبح ،ث احتمل قربته
وزاده إل السجد ،وظل ذلك اليوم ول يراه النب صلى ال عليه وسلم حت أمسى ،فعاد إل
مضجعه ،فمر به عليّ فقال :أما آن للرجل أن يعلم منله؟ فأقامه ،فذهب به معه ،ل يسأل
واحد منهما صاحبه عن شيء.
حت إذا كان يوم الثالث فعاد عليّ على مثل ذلك ،فأقام معه ،فقال :أل تدثن بالذي
أقدمك؟ قال :إن أعطيتن عهدا وميثاقا لترشدن فعلت .ففعل ،فأخبه .قال :فإنه حق ،وإنه
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإذا أصبحت فاتبعن ،فإن إن رأيت شيئا أخاف عليك؛
قمت كأن أريق الاء .وإن مضيت فاتبعن حت تدخل مدخلي .ففعل ،فانطلق يقفوه حت
دخل على النب صلى ال عليه وسلم ،ودخل معه ،فسمع من قوله ،وأسلم مكانه ،فقال له
النب صلى ال عليه وسلم :
((ارجع إل قومك فأخبهم حت يأتيك أمري)).
فقال :والذي نفسي بيده؛ لصرخن ما بي ظهرانيهم .فخرج حت أتى السجد ،فنادى بأعلى
صوته :أشهد أن ل إله إل ال ،وأن ممدا رسول ال .ث قام القوم ،فضربوه حت أضجعوه،
فأتى العباس ،فأكب عليه ،فقال :ويلكم!
ألستم تعلمون أنه من غفار؛ وأن طريق تارتكم إل الشام؟! فأنقده منهم.
ث عاد من الغد لثلها ،فضربوه وثاروا إليه ،فأكب العباس عليه.
هذا لفظ البخاري.
وقد جاء إسلمه مبسوطا ف ((صحيح مسلم)) وغيه ،فروى أحد عن عبد ال بن الصامت
[قال ] :قال أبو ذر:
خرجنا من قومنا غفار – وكانوا يلون الشهر الرام – أنا وأخي أنيس وأمّنا ،فانطلقنا حت
نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة ،فأكرمنا خالنا ،وأحسن إلينا ،فحسدنا قومه ،فقالوا له:
إنك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس .فجاء خالنا فنثى عليه ما قيل له ،فقلت له :أما
ما مضى من معروفك؛ فقد كدرته ،ول جاع لنا فيما بعد.
قال :فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها ،وتغطى خالنا ثوبه ،وجعل يبكي.
قال :فانطلقنا حت نزلنا بضرة (مكة) ،قال :فنافر أنيس [رجلً] عن صرمتنا وعن مثلها ،فأتيا
الكاهن ،فخيّر أنيسا ،فأتانا بصرمتنا ومثلها.
وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلث سني.
قال :قلت :لن؟ قال :ل .قال :فأين توجه؟ قال :حيث وجهن ال .قال :وأصلي عشاء ،حت
إذا كان من آخر الليل أُلقيت كأن خفاء حت تعلون الشمس.
قال :فقال أنيس :إن ل حاجة بكة ،فاكفن حت آتيك.
قال :فانطلق فراث عليّ ،ث أتان ،فقلت :ما حبسك؟ قال :لقيت رجلً يزعم أن ال عز وجل
أرسله على دينك .قال :فقلت :ما يقول الناس له؟ قال :يقولون :إنه شاعر وساحر [وكاهن].
وكان أنيس شاعرا.
قال :فقال :قد سعت قول الكاهن ،فما يقول بقولم ،وقد وضعت قوله على أقراء الشعر،
فوال؛ ما يلتئم لسان أحد أنه شعر ،وال ؛ إنه لصادق ،وإنم لكاذبون.
قال :فقلت له :هل أنت كافّ حت أنطلق فانظر؟ قال :نعم ،وكن من أهل (مكة) على حذر؛
فإنم قد شنفوا له ،وتهموا له.
قال :فانطلقت حت قدمت (مكة) ،فتضعفت رجلً منهم ،فقلت :أين هذا الرجل الذي
تدعونه الصابئ؟ قال :فأشار إل[ .قال :الصابئ .قال ] :فمال أهل الوادي عليّ بكل مدَرَةٍ
وعظم ،حت خررت مغشيا عليّ ،فارتفعت حي ارتفعت كأن ُنصُب أحر.
فأتيت زمزم فشربت من مائها ،وغسلت عن الدم ،ودخلت بي الكعبة وأستارها ،فلبثت به
ابن أخي! ثلثي من بي يوم وليلة ،وما ل طعام إل ماء زمزم ،فسمنت حت تكسرت عكن
بطن ،وما وجدت على كبدي سُخفة جوع.
قال :فبينا أهل (مكة) ف ليلة قمراء إضحيان ،فضرب ال على أصمخة أهل (مكة) ،فما
يطوف بالبيت غي امرأتي ،فأتتا عليّ وها تدعوان (إساف) و(ونائلة) ،فقلت :أنكحوا
أحدها الخر! فما ثناها ذلك ،قال :فأتتا عليّ ،فقلت :وهنّ مثل الشبة .غي أن ل أُكن.
قال :فانطلقتا تولولن وتقولن :لو كان ههنا أحد من أنفارنا!
قال :فاستقبلهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وها هابطان من البل ،فقال(( :ما
لكما؟)) .فقالتا :الصابئ بي الكعبة وأستارها .قال(( :ما قال لكما؟)) .قالتا :قال لنا كلمة
تل الفم!
قال :فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم هو وصاحبه حت استلم الجر ،فطاف بالبيت ،ث
صلى.
قال :فاتيته ،فكنت أول من حياه بتحية أهل السلم ،فقال:
((عليك السلم ورحة ال ،من أنت؟)).
قال :قلت :من غفار .قال :فأهوى بيده فوضعها على جبهته .قال :فقلت ف نفسي :كره أن
انتميت إل غفار .قال :فأردت أن آخذ بيده ،فقدعن صاحب ،وكان أعلم به من ،قال:
((مت كنت ههنا؟)).
قال :قلت :كنت ههنا منذ ثلثي من بي ليلة ويوم .قال:
((فمن كان يطعمك؟)).
قلت :ما كان إل ماء زمزم ،فسمنت حت تكسرت عكن بطن ،وما وجدت على كبدي
سخفة جوع .قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((إنا مباركة ،وإنا طعام طُعم)).
قال :فقال أبو بكر :ائذن ل يا رسول ال! ف طعامه الليلة .قال :ففعل.
قال :فانطلق النب صلى ال عليه وسلم [ ،وانطلق أبو بكر] ،وانطلقت معهما ،حت فتح أبو
بكر بابا ،فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف .قال :فكان ذلك أول طعام أكلته با ،فلبثت ما
لبثت ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
((إن قد وجّهت إل أرض ذات نل ،ول أحسبها إل (يثرب) فهل أنت مبلغ عن قومك؛ لعل
ال عز وجل ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟)).
قال :فانطلقت حت أتيت أخي أنيسا ،قال :فقال ل :ما صنعت؟ قال :قلت :إن صنعتُ أن
أسلمتُ وصدّقت .قال :قال :فما ل رغبة عن دينك؛ فإن قد أسلمت وصدقت.
ث أتينا أمنا ،فقالت :ما ب رغبة عن دينكما؛ فإن قد أسلمت وصدّقت.
فتحملنا حت أتينا قومنا (غفارا) ،فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم
(الدينة) ،وكان يؤمهم خفاف بن إياء بن رحضة ،وكان سيدهم يومئذ ،وقال بقيتهم :إذا
قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم أسلمنا .فقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم (الدينة)،
فأسلم بقيتهم.
قال :وجاءت (أسلم) ،فقالوا :يا رسول ال! إخواننا؛ نسَلّم على الذي أسلموا عليه .فأسلموا،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
(( (غفار) غفر ال لا ،و(أسلم) سالها ال)).
ورواه مسلم نوه ،وقد روى قصة إسلمه على وجه آخر ،وفيه زيادات غريبة .فال أعلم.
وتقدم ذكر إسلم سلمان الفارسي ف (كتاب البشارات ببعثه عليه الصلة والسلم).
قال ال تعال ﴿ :وأنذر عشيتك القربي .واخفض جناحك لن اتبعك من الؤمني .فإن
عصوك فقل إن بريء ما تعملون .وتوكل على العزيز الرحيم .الذي يراك حي تقوم .وتقلّبك
ف الساجدين .إنه هو السميع العليم﴾ [الشعراء.]220-214:
وقال تعال ﴿ :وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون﴾ [الزخرف.]44 :
وقال تعال ﴿ :إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إل معاد﴾ [القصص ،]85 :أي :إن الذي
فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إل دار الخرة ،وهي العاد ،فيسألك عن
ذلك؛ كما قال تعال ﴿ :فوربك لنسالنهم أجعي ،عما كانوا يعملون﴾ [الجر 92 :و
.]93
واليات والحاديث ف هذا كثية جدا ،وقد تقصينا الكلم على ذلك ف كتابنا ((التفسي))،
وبسطنا من القول ف ذلك عند قوله تعال ف سورة (الشعراء):
﴿وأنذر عشيتك القربي﴾ ،وأوردنا أحاديث جة ف ذلك.
فمن ذلك ما أخرجه أحد والشيخان عن ابن عباس قال:
لا أنزل ال﴿ :وأنذر عشيتك القربي﴾ أتى النب صلى ال عليه وسلم (الصفا) ،فصعد عليه،
ث نادى(( :يا صباحاه!)) .فاجتمع الناس إليه بي رجل ييء إليه؛ وبي رجل يبعث رسوله،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
((يا بن عبد الطلب! يا بن فهر! يا بن لؤي! أرأيتم لو أخبتكم أن خيلً يسفح هذا البل
تريد أن تغي عليكم صدقتمون؟)) .قالوا :نعم .قال:
((فإن ﴿نذير لكم بي يدي عذاب شديد﴾ [سبأ.))]46:
فقال أبو لب – لعنه ال : -تبا لك سائر اليوم! أما دعوتنا إل لذا؟! وأنزل ال عز وجل﴿ :
تبت يدا أب لب وتب﴾.
وأخرج أحد – والسياق له – والشيخان عن أب هريرة قال:
لا نزلت هذه الية﴿ :وأنذر عشيتك القربي﴾ [الشعراء ]214 :دعا رسول ال صلى ال
عليه وسلم قريشا ،فعم وخص ،فقال:
((يا معشر قريش! أنقذوا أنفسكم من النار ،يا معشر بن كعب [بن لؤي]! انقذوا أنفسكم
من النار[ ،يا بن عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار] ،يا معشر بن هاشم ! أنقذوا أنفسكم
من النار ،يا معشر بن عبد الطلب! أنقذوا أنفسكم من النار ،يا فاطمة بنت ممد ! أنقذي
نفسك من النار ،فإن – وال – ل أملك لكم من ال شيئا؛ إل أن لكم رحا سأبلها
ببللا)).
وروى أحد ومسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت:
لا نزلت﴿ :وأنذر عشيتك القربي﴾ [الشعراء ]214 :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال:
((يا فاطمة بنت ممد! يا صفية بنت عبد الطلب! يا بن عبد الطلب! ل أملك لكم من ال
شيئا ،سلون من مال إن شئتم)).
وروى المام أحد ف ((مسنده)) عن علي [قال :جع رسول ال صلى ال عليه وسلم – أو:
دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم – بن عبد الطلب؛ فيهم رهط كلهم يأكل الذعة،
ويشرب الفرق ،قال :فصنع لم مدّا من طعام ،فأكلوا حت شبعوا ،قال :وبقي الطعام كما هو
كأنه ل يس ،ث دعا بغُمر ،فشربوا حت رووا ،وبقي الشراب كأنه ل يس أو ل يشرب،
فقال:
(يا بن عبد الطلب! إن بعثت لكم خاصة؛ وإل الناس بعامة ،وقد رأتيم من هذه الية ما
رأيتم ،فأيكم يبايعن على أن يكون أخي وصاحب؟)).
قال :فلم يقم إليه أحد ،قال :فقمت إليه ،وكنت أصغر القوم ،قال :فقال(( :اجلس)) ،قال
ثلث مرات ،كل ذلك أقوم إليه ،فيقول ل(( :اجلس)) ،حت كان ف الثالثة ضرب بيده على
يدي].
[الستدرك]
عن أساء بنت أب بكر رضي ال عنها قالت:
لا نزلت﴿ :تبت يدا أب لب﴾؛ أقبلت العوراء أم جيل بنت حرب ولا ولولة ،وف يدها
فهرٌ ،وهي تقول:
مذما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنب صلى ال عليه وسلم جالس ف السجد ومعه
أبو بكر ،فلما رآها أبو بكر قال :يا رسول ال! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك .فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم:
((إنا لن تران)).
وقرأ قرآنا ،فاعتصم به كما قال [تعال ] ،وقرأ﴿ :وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبي الذين
ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا﴾ [السراء ،]45:فوقفت على أب بكر ،ول تر رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقالت :يا أبا بكر! إن أخبت أن صاحبك هجان .فقال :ل ورب
هذا البيت؛ ما هجاك .فولت وهي تقول :قد علمت قريش أن بنت سيدها.
أخرجه الاكم ( )2/361وقال(( :صحيح السناد)) ،ووافقه الذهب ،وابن حبان (،)2103
وأبو نعيم (ص )61من طريق أخرى عن ابن عباس نوه .وصححه ابن أب حات أيضا؛ كما
ف ((الدر النثور)) ( ،)4/186وله عنده شاهد من حديث أب بكر.
وعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال:
جاء جبيل عليه السلم إل النب صلى ال عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينا؛ قد خضب
بالدماء؛ ضربه بعض أهل (مكة) ،قال :فقال له :ما لك؟ قال :فقال له:
((فعل ب هؤلء وفعلوا)).
قال :فقال له جبيل عليه السلم :أتب أن أريك آية؟ قال(( :نعم)).
قال :فنظر إل شجرة من وراء الوادي ،فقال :ادع بتلك الشجرة .فدعاها ،فجاءت تشي حت
قامت بي يديه ،فقال :مرها فلترجع .فأمرها فرجعت إل مكانا .فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم :
((حسب)).
أخرجه أحد ( ،)3/113وابن ماجه ( )4028بسند صحيح.
وعن عبد ال بن الارث بن جزء الزبيدي:
أنه مر وصاحب له بـ(أين) وفئة من قريش قد حلوا أزرهم؛ فجعلوها ماريق يتلدون با
وهم عراة ،فلما مررنا بم قالوا :إن هؤلء قسيسون؛ فدعوهم.
ث إن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج عليهم ،فلما أبصروه تبددوا ،فرجع رسول ال
صلى ال عليه وسلم مغضبا حت دخل ،وكنت أنا وراء الجرة ،فسمعته يقول:
((سبحان ال! ل من ال استحيوا؛ ول من رسوله استتروا!)).
وأم أين عنده تقول :استغفر لم يا رسول ال!
قال عبد ال :فبليٍ ما استغفر لم.
أخرجه أحد( ،)4/191وإسناده صحيح ،ورواه إبراهيم الرب ،والطبان؛ كما ف
((الصابة)).
وعن أب هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((أل تعجبون كيف يصرف ال عن شتم قريش ولعنهم !؟))[ .قالوا :كيف يا رسول ال؟
قال] :
((يشتمون مذما[ ،وأنا ممد] ،ويلعنون مذما ،وأنا ممد)).
أخرجه البخاري ( ،)3533والنسائي ف ((الطلق)) ،وأحد (2/244و 340و )366من
طرق عنه[ .انتهى الستدرك].
وعن عبد الرحن بن جبي بن نفي عن أبيه قال:
جلسنا إل القداد بن السود يوما ،فمر به رجل ،فقال :طوب لاتي العيني اللتي رأتا رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وال؛ لوددنا أنا رأينا ما رأيت ،وشهدنا ما شهدت.
فاستغضب ،فجعلت أعجب! ما قال إل خيا! ث أقبل إليه فقال:
ما يمل الرجل على أن يتمن مضرا غيّبه ال عنه؛ ل يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟!
وال؛ لقد حضر رسول ال صلى ال عليه وسلم أقوام أكبهم ال على مناخرهم ف جنهم؛ ل
ييبوه ول يصدقوه.
أول تمدون ال إذ أخرجكم ل تعرفون إل ربكم؛ مصدقي لا جاء به نبيكم ،قد كفيتم
البلء بغيكم ؟!
وال؛ لقد بعث ال النب صلى ال عليه وسلم على أشد حال بعث عليها ف نبّ من النبياء؛ ف
فترة وجاهلية؛ ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الوثان ،فجاء بفرقان فرق به بي الق
والباطل ،وفرق بي الوالد وولده ،حت أن الرجل ليى والده وولده أو أخاه كافرا – وقد
فتح ال قفل قلبه لليان – يعلم أنه إن هلك دخل النار ،فل تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه ف
النار ،وأنا للت قال ال عز وجل﴿ :الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعي
واجعلنا للمتقي إماما﴾ [الفرقان.]74:
أخرجه أحد ( ،)3-6/2وابن حبان ( )1684بسند صحيح رجاله كلهم ثقات.
والقصود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم استمر يدعو إل ال تعال ليلً نارا ،وسرا
وجهرا ،ل يصرفه عن ذلك صارف ،ول يرده عن ذلك راد ،ول يصده عن ذلك صاد ،يتبع
الناس ف أنديتهم ومامعهم ومافلهم ،وف الواسم ومواقف الج ،يدعو من لقيه من حر
وعبد ،وضعيف وقوي ،وغن وفقي ،جيع اللق ف ذلك عنده شرع سواء.
وتسلط عليه وعلى من اتبعه من أحاد الناس من ضعفائهم الشداء القوياء من مشركي قريش
بالذية القولية والفعلية.
وكان أشد الناس عليه عمه أبو لب ،واسه عبد العزى بن عبد الطلب ،وامرأته أم جيل أروى
بنت حرب بن أمية أخت أب سفيان.
وخالفه ف ذلك عمه أبو طالب بن عبد الطلب ،وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم أحب
خلق ال إليه طبعا ،وكان ينو عليه ،ويسن إليه ،ويدافع عنه ويامي ،ويالف قومه ف ذلك؛
مع أنه على دينهم وعلى خلتهم؛ إل أن ال قد امتحن قلبه ببه حبا طبعيا ل شرعيا.
وكان استمراره على دين قومه من حكمة ال تعال ،وما صنعه لرسوله من الماية؛ إذ لو
كان أسلم أبو طالب لا كان له عند مشركي قريش وجاهة ول كلمة ،ول كانوا يهابونه
ويترمونه،ولجترؤوا عليه ،ولدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه﴿ ،وربك يلق ما يشاء
ويتار﴾ [القصص ،]28:وقد قسم خلفه أنواعا وأجناسا.
فهذان العمان كافران :أبو طالب وأبو لب ،ولكن هذا يكون ف القيامة ف ضحضاح من
النار ،وذلك ف الدرك السفل من النار ،وأنزل ال فيه سورة ف كتابه تتلى على النابر ،وتقرأ
ف الواعظ والطب ،تتضمن أنه ﴿سيصلى نارا ذات لب .وامرأته حالة الطب﴾ [السد:
3و .]4
روى المام أحد ،والبيهقي عن ربيعة بن عباد من بن الديل – وكان جاهليّا فأسلم – قال:
رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الاهلية ف سوق (ذي الجاز) وهو يقول:
((يا أيها الناس! قولوا( :ل إله إل ال) تفلحوا)).
والناس متمعون عليه ،ووراءه رجل وضيءُ الوجه أحول ،ذو غديرتي يقول :إنه صابئ
كاذب .يتبعه حيث ذهب ،فسألت عنه؟ فقالوا :هذا عمه أبو لب.
ث رواه البيهقي من طريق أخرى عن ربيعة الديلي قال:
رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم بـ(ذي الجاز) يتبع الناس ف منازلم يدعوهم إل ال،
وراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول :يا أيها الناس! ل يغرنكم هذا عن دينكم ودين
آبائكم.
قلت :من هذا؟ قيل :هذا أبو لب.
وأما أبو طالب؛ فكان ف غاية الشفقة والنو الطبيعي؛ كما سيظهر من صنائعه وسجاياه
واعتماده فيما يامي به عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضي ال عنهم.
وروى البخاري ف ((التاريخ)) ،والبيهقي عن الاكم من حديث عقيل بن أب طالب قال:
جاءت قريش إل أب طالب فقالوا :إن ابن أخيك هذا قد آذانا ف نادينا ومسجدنا ،فانه عنا.
فقال :يا عقيل! انطلق فأتن بحمد .فانطلقت فاستخرجته من كنس ،أو خنس -يقول :بيت
صغي – فجاء به ف الظهية ف شدة الر ،فلما أتاهم قال :إن بن عمك هؤلء زعموا أنك
تؤذيهم ف ناديهم ومسجدهم ،فانته عن أذاهم .فحلّق رسول ال صلى ال عليه وسلم ببصره
إل السماء ،فقال:
((ترون هذه الشمس؟)) .قالوا :نعم .قال:
((فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منها بشعلة)).
فقال أبو طالب :وال؛ ما كذب ابن أخي قط ،فارجعوا.
وف ذلك دللة على أن ال تعال عصمه بعمه؛ مع خلفه إياه ف دينه ،وقد كان يعصمه حيث
ل يكون عمه با يشاء ،ل معقب لكمه.
وروى المام أحد ،والبخاري عن ابن عباس قال:
قال :أبو جهل :لئن رأيت ممدا يصلي عند الكعبة لطأن على عنقه .فبلغ ذلك رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقال:
((لو فعل ذلك لخذته اللئكة عيانا)).
وف رواية عنه قال:
مر أبو جهل بالنب صلى ال عليه وسلم وهو يصلي ،فقال :أل أنك أن تصلي يا ممد!.
[فانتهره النب صلى ال عليه وسلم ،فقال له أبو جهل :ل تنهرن يا ممد! فوال؛] لقد علمت
ما با أحد أكثر ناديا من.
[قال ]:فقال جبيل﴿ :فليدع ناديه .سندع الزبانية﴾ [العلق17 :و .]18
[قال :فقال ابن عباس ]:وال؛ لو دعا ناديه لخذته زبانية العذاب.
رواه أحد ،والترمذي وصححه ،والنسائي.
وروى أحد ،ومسلم ،والنسائي ،وابن جرير ،وابن أب حات ،والبيهقي عن أب هريرة قال:
قال أبو جهل :هل يعفر ممد وجهه بي أظهركم؟! قالوا :نعم.
قال :فقال :واللت والعزى؛ لئن رأيته يصلي كذلك لطأن على رقبته ،ولعفرن وجهه
بالتراب .فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته .قال :فما فجأهم منه إل
وهو ينكص على عقبيه ،ويتقي بيديه.
قال :فقيل له :ما لك؟ قال :إن بين وبينه خندقا من نار ،وهولً وأجنحة .قال :فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم:
((لو دنا من لختطفته اللئكة عضوا عضوا)).
قال :وأنزل ال تعال – ل أدري ف حديث أب هريرة أم ل ﴿ : -كل إن النسان ليطغى.
أن رآه استغن﴾ [العلق6 :و ]7إل آخر السورة.
وروى المام أحد ،والبخاري ف مواضع من ((صحيحه)) ،ومسلم عن عبد ال (هو ابن
مسعود) قال:
ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا على قريش؛ غي يوم واحد ،فإنه كان يصلي
ورهط من قريش جلوس ،وسل جزور قريب منه ،فقالوا :من يـأخذ هذا السل فيلقيه على
ظهره؟ فقال :عقبة بن أب معيط :أنا .فأخذه فألقاه على ظهره ،فلم يزل ساجدا حت جاءت
فاطمة فأخذته عن ظهره ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((اللهم! عليك بذا الل من قريش ،اللهم! عليك بعتبة بن ربيعة ،اللهم! عليك بشيبة بن
ربيعة ،اللهم! عليك بأبّ بن خلف .أو :أمية بن خلف)) .شعبة الشاك.
قال عبد ال :فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جيعا ،ث سحبوا إل القليب؛ غي أُب أو أمية بن
ل ضخما فتقطع. خلف؛ فإنه كان رج ً
والصواب :أمية بن خلف؛ فإنه الذي قتل يوم بدر ،وأخوه ُأبّ إنا قتل يوم أُحد؛ كما سيأت
بيانه.
و(السل) :هو الذي يرج مع ولد الناقة؛ كالشيمة لولد الرأة.
وف بعض ألفاظ ((الصحيح)) :أنم لا فعلوا ذلك استضحكوا؛ حت جعل بعضهم ييل على
بعض؛ أي :ييل هذا على هذا من شدة الضحك .لعنهم ال.
وفيه :أن فاطمة لا ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم ،وأنه صلى ال عليه وسلم لا فرغ من
صلته رفع يديه يدعو عليهم ،فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك ،وخافوا أكثر الروايات
تسمية ستة منهم؛ وهم :عتبة وأخوه شيبة؛ ابنا ربيعة ،والوليد ابن عتبة ،وأبو جهل بن هشام،
وعقبة بن أب معيط ،وأمية بن خلف .قال أبو إسحاق :ونسيت السابع.
قلت :وهو عمارة بن الوليد ،وقع تسميته ف ((صحيح البخاري)).
@وروى عن عروة بن الزبي [قال] :سألت ابن عمرو بن العاص فقلت :أخبن بأشد شيء
صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال:
بينما النب صلى ال عليه وسلم يصلي ف حجر الكعبة؛ إذ أقبل عليه عقبة بن أب معيط ،فوضع
ثوبه ف عنقه ،فخنقه خنقا شديدا.
فأقبل أبو بكر رضي ال عنه حت أخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه وسلم ،وقال﴿ :
أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم﴾ [غافر .]28 :
انفرد به البخاري ،وقد رواه ف أماكن من ((صحيحه)) ،وصرح ف بعضها بـ(عبد ال بن
عمرو بن العاص) ،وهو أشبه لرواية عروة عنه ،وف رواية معلقة عن عروة قال :قيل لعمرو
بن العاص .وهذا أشبه لتقدم هذه القصة.
وقد روى البيهقي عن الاكم بسنده عن ابن إسحاق :حدثن يي بن عروة عن أبيه عروة
قال :قلت لعبد ال بن عمرو بن العاص :ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول ال صلى
ال عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته؟ فقال:
لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما ف الجر ،فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،
فقالوا :ما رأينا مثل ما صبنا عليه من هذا الرجل قط؛ سفّه أحلمنا ،وشتم آباءنا ،وعاب
ديننا ،وفرق جاعتنا ،وسب آلتنا ،وصرنا منه على أمر عظيم.
أو كما قالوا:
قال :فبينما هم ف ذلك [إذ] طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأقبل يشي حت استلم
الركن ،ث مر بم طائفا بالبيت ،فغمزوه ببعض القول ،فعرفت ذلك ف وجه رسول ال صلى
ال عليه وسلم ،فمضى ،فلما مرّ بم الثانية غمزوه بثلها ،فعرفتها ف وجهه ،فمضى ،فمر بم
الثالثة فغمزوه بثلها ،فقال:
((أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بالذبح)).
فأخذت القومَ كلمته ،حت ما منهم من رجل إل وكأنا على رأسه طائر وقع ،حت إن أشدهم
فيه وصاة قبل ذلك ليفؤه [بأحسن ما يد من القول] ،حى إنه ليقول :انصرف أبا القاسم!
راشدا ،فـ[وال؛] ما كنت جهولً فانصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم.
حت ِإذا كان الغد اجتمعوا ف الجر وأنا معهم ،فقال بعضهم لبعض :ذكرت ما بلغ منكم،
وما بلغكم عنه ،حت إذا بادأكم با تكرهون تركتموه.
فبيمنا هم ف ذلك [إذ] طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فوثبوا إليه وثبة رجل واحد،
فأحاطوا به يقولون :أنت الذي تقول :كذا وكذا ؟! لا كان يبلغهم من عيب آلتهم ودينهم،
فيقول رسول ال صلى ال عليه وسلم :
((نعم؛ أنا الذي أقول ذلك)).
ولقد رأيت رجلً منهم أخذ بجامع ردائه ،وقام أبو بكر يبكي دونه ويقول﴿ :أتقتلون رجلً
أن يقول رب ال﴾ [غافر ]28؟! ث انصرفوا عنه.
فإن ذلك لكثرُ ما رأيت قريشا بلغت منه قط.
فصل
ف تأليب الل من قريش على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه واجتماعهم بعمه أب
طالب القائم ف منعه ونصرته وحرصهم عليه أن يسلمه إليهم
فاب عليهم ذلك بول ال وقوته
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
(( لقد أوذيت ف ال وما يؤذى أحد ،وأُخفت ف ال وما ياف أحد ،ولقد أتت عليّ ثلثون
من بي يوم وليلة وما ل ولبلل ما يأكله ذو كبد؛ إل ما يواري إبط بلل)).
أخرجه أحد والترمذي وابن ماجه ،وقال الترمذي:
((حديث حسن صحيح)).
فصل
فيما اعترض به الشركون على رسول ال صلى ال عليه وسلم
وما تعنتوا له ف أسئلتهم إياه أنواعا من اليات وخرق العادات
على وجه العناد ل على وجه طلب الدى والرشاد
فلهذا ل يابوا إل كثي ما طلبوا ،ول ما إليه رغبوا؛ لعلم الق سبحانه؛ أنم لو عاينوا
وشاهدوا ما أرادوا لستمروا ف طغيانم يعمهون ،ولظلوا ف غيهم وضللم يتردّون.
قال ال تعال ﴿ :وََأ ْقسَمُوا بِاللّهِ َج ْهدَ أَْيمَاِن ِهمْ لَئِنْ جَاءَْت ُهمْ ءَايَةٌ لَُيؤْمِنُنّ ِبهَا قُلْ إِّنمَا الْآيَاتُ عِْندَ
اللّهِ وَمَا ُيشْعِرُ ُكمْ أَّنهَا إِذَا جَاءَتْ لَا ُيؤْمِنُونَ .وَنُقَّلبُ َأفِْئدََتهُمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا لَمْ ُيؤْمِنُوا ِبهِ َأوّلَ
مَرّةٍ وََن َذرُهُ ْم فِي طُغْيَاِن ِهمْ يَ ْع َمهُونََ .ولَوْ أَنّنَا نَ ّزلْنَا ِإلَْيهِ ُم الْمَلَائِكَةَ وَكَّل َم ُهمُ اْلمَوْتَى وَ َحشَرْنَا
جهَلُونَ﴾[ النعام: عَلَْي ِهمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لُِيؤْمِنُوا ِإلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ وَلَكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ َي ْ
.]111-109
وقال تعال ﴿ :الّذِينَ حَ ّقتْ عَلَْي ِهمْ كَِلمَ ُة رَبّكَ لَا ُيؤْمِنُونََ .وَلوْ جَاءَْت ُهمْ كُلّ ءَايَةٍ حَتّى يَ َروُا
ب الَْألِيمَ﴾[يونس96 :و .]97 الْ َعذَا َ
وقال تعال ﴿ :وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُ ْرسِلَ بِالْآيَاتِ ِإلّا أَنْ َكذّبَ ِبهَا الَْأ ّولُونَ وَءَاتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ مُْبصِرَةً
خوِيفًا﴾ [السراء.]59 : فَظََلمُوا ِبهَا وَمَا نُرْ ِسلُ بِالْآيَاتِ ِإلّا َت ْ
وقال تعال َ ﴿ :وقَالُوا لَنْ ُنؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَ ْفجُرَ لَنَا ِمنَ الَْأ ْرضِ يَنْبُوعًاَ .أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ ِمنْ
جيًاَ .أوْ ُتسْ ِقطَ السّمَاءَ َكمَا زَ َعمْتَ عَلَيْنَا ِكسَفًا َأوْ تَأْتِيَ ب فَتُفَجّ َر الْأَْنهَارَ خِلَاَلهَا تَ ْف ِ
َنخِيلٍ وَعَِن ٍ
بِاللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًاَ .أوْ يَكُونَ لَكَ بَْيتٌ مِنْ زُخْرُفٍ َأوْ تَ ْرقَى فِي السّمَاءِ َولَنْ ُنؤْمِنَ لِ ُرقِيّكَ
حَتّى تُنَزّلَ َعلَيْنَا كِتَابًا نَقْ َر ُؤ ُه قُلْ سُْبحَا َن رَبّي هَلْ كُنْتُ ِإلّا َبشَرًا رَسُولًا﴾ [السراء-90 :
.]93
وقد تكلمناعلى هذه اليات وما يشبهها ف أماكنها من ((التفسي)) ،ول المد.
عن ابن عباس قال:
سأل أهل (مكة) رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعل لم لصفا ذهبا ،وأن ينحّي عنهم
البال فيزدرعوا .فقيل له :إن شئت أن تستأن بم ،وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا ،فإن
كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم .قال:
((ل؛ بل أستأن بم)).
فأنزل ال تعال ﴿ :وَمَا مَنَعَنَا أَنْ ُنرْسِلَ بِالْآيَاتِ ِإلّا أَنْ َكذّبَ ِبهَا الَْأ ّولُونَ َوءَاتَيْنَا َثمُو َد النّاقَةَ
خوِيفًا﴾ [السراء.]59: مُْبصِرَ ًة فَظََلمُوا ِبهَا وَمَا نُرْ ِسلُ بِالْآيَاتِ ِإلّا َت ْ
رواه أحد والنسائي.
فصل
@قال ابن إسحاق :ث إنم عدوا على من أسلم واتبع رسول ال صلى ال عليه وسلم من
أصحابه ،فوثبت كل قبيلة على من فيها من السلمي ،فجعلوا يبسونم ،ويعذبونم بالضرب
والوع والعطش ،وبرمضاء (مكة) إذا اشتد الر ،من استضعفوه منهم يفتنونم عن دينهم.
فمنهم من يفت من شدة البلء الذي يصيبهم ،ومنهم من يصلُب لم ،ويعصمه ال منهم.
وقد تقدم حديث ابن مسعود:
أول من أظهر السلم سبعة :رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأبو بكر ،وعمار ،وأمه سية،
وصهيب ،وبلل ،والقداد.
فأما رسول ال فمنعه ال بعمه ،وأبو بكر منعه ال بقومه ،وأما سائرهم فأخذهم الشركون،
فألبسوهم أدرع الديد ،وصهروهم ف الشمس ،فما منهم من أحد إل وقد واتاهم على ما
أرادوا؛ إل بللً؛ فإنه هانت عليه نفسه ف ال تعال ،وهان على قومه ،فأخذوه ،فأعطوه
الولدان ،فجعلوا يطوفون به ف شعاب (مكة) وهو يقول :أحد أحد.
وعن جابر :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون ،فقال:
((أبشروا آل عمار وآل ياسر! فإن موعدكم النة)).
رواه البيهقي عن الاكم.
قلت :وف مثل هذا أنزل ال تعال ﴿ :من كفر بال من بعد إيانه إل من أكره وقبله مطمئن
باليان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولم عذاب عظيم﴾ [النحل:
.]106
فهؤلء كانوا معذورين با حصل لم من الهانة والعذاب البليغ ،أجارنا ال من ذلك بوله
وقوته.
وعن خباب بن الرت قال:
كنت رجلً قينا ،وكان ل على العاص بن وائل دين ،فأتيته أتقاضاه ،فقال :ل وال؛ ل
أقضيك حت تكفر بحمد! فقلت :ل وال؛ ل أكفر بحمد حت توت ث تبعث .قال :فإن إذا
مت ث بعثت؛ جئتن ول ثّ ما ٌل وولد فأعطيك ،فأنزل ال﴿ :أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال
لوتي ما ًل وولدا﴾ إل قوله﴿ :ويأتينا فردا﴾ [مري.]80-77 :
أخرجه أحد ،والبخاري ،ومسلم ف ((الصحيحي)) ،وف لفظ البخاري:
كنت قينا بـ(مكة) ،فعملت للعاص بن وائل سيفا ،فجئت أتقاضاه ...فذكر الديث.
وف طريق أخرى له عنه قال:
أتيت النب صلى ال عليه وسلم وهو متوسد ببدة وهو ف ظل الكعبة ،وقد لقينا من الشركي
شدة ،فقلت :أل تدعو ال؟ فقعد وهو ممر وجهه ،فقال:
((لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الديد ما دون عظامه من لم أو عصب؛ ما
يصرفه ذلك عن دينه ،ويوضع النشار على مفرق رأسه ،فيشق باثنتي ،ما يصرفه ذلك عن
دينه ،وليُتمّ ّن ال هذا المر؛ حت يسي الراكب من (صنعاء) إل (حضر موت) ما ياف إل
ال عز وجل (زاد بيان :والذئب على غنمه) )).
وف رواية (( :ولكنكم تستعجلون)).
[الستدرك]
وعن أب ليلى الكندي قال :جاء خباب إل عمر فقال :ادنُ؛ فما أحد أحق بذا الجلس منك
إل عمار .فجعل خباب يريه آثارا بظهره ما عذبه الشركون.
أخرجه ابن سعد ( ،)3/165وابن ماجه ( )153بسند صحيح[ .انتهى الستدرك].
@وقد رواه البيهقي وغيه عن الاكم بسنده عن الجلح به ،وفيه كلم ،وزاد:
وإن كنت إنا بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك؛ فكنت رأسا ما بقيت .وعنده أنه لا قال﴿ :فإن
أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود﴾؛ أمسك عتبة على فيه ،وناشده الرحم
أن يكف عنه ،ول يرج إل أهله ،واحتبس عنهم.
فقال أبو جهل :وال يا معشر قريش! ما نرى عتبة إل صبا إل ممد ،وأعجبه كلمه ،وما ذاك
إل من حاجة أصابته ،انطلقوا بنا إليه .فأتوه ،فقال أبو جهل :وال يا عتبة! ما جئنا إل أنك
صبوت إل ممد ،وأعجبك أمره ،فإن كان بك حاجة؛ جعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن
ممد.
فغضب ،وأقسم بال ل يكلم ممدا أبدا ،وقال :لقد علمتم أن من أكثر قريش مالً ،ولكن
أتيته – وقص عليهم القصة – فأجابن بشيء – وال؛ ما هو بسحر ول بشعر ول كهانة –
قرأ ﴿ (( :بسم ال الرحن الرحيم .حم .تنيل من الرحن الرحيم﴾حت بلغ ﴿ :فإن أعرضوا
فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود﴾ )) ،فأمسكت بفيه ،وناشدته الرحم أن يكف،
وقد علمتم أن ممدا إذا قال شيئا ل يكذب ،فخفت أن ينل عليكم العذاب.
ث روى البيهقي بسنده عن الغية بن شعبة قال:
إن أول يوم عرفت رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أمشي أنا وأبو جهل بن هشام ف بعض
أزقة مكة؛ إذ لقينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لب
جهل:
((يا أبا الكم! هلم إل ال وإل رسوله ،أدعوك إل ال)).
فقال أبو جهل :يا ممد! هل أنت منتهٍ عن سب آلتنا؟ هل تريد إل أن نشهد أنك قد بلغت؟
فنحن نشهد أن قد بلغت ،فوال؛ لو أن أعلم أن ما تقول حق لتبعتك.
فانصر ف رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأقبل علي فقال :وال؛ إن لعلم أن ما يقول
حق ،ولكن ينعن شيء؛ إن بن قصي قالوا :فينا الجابة .فقلنا :نعم .ث قالوا :فينا السقاية.
فقلنا :نعم .ث قالوا :فينا الندوة .فقلنا :نعم .ث قالوا :فينا اللواء .فقلنا :نعم .ث أطعموا
وأطعمنا ،حت إذا تاكّت الركب قالوا :منا نب! وال ل أفعل.
وهذا القول منه – لعنه ال – كما قال تعال مبا عنه وعن أضرابه:
﴿وإذا رأويك إن يتخذونك إل هزوا أهذا الذي بعث ال رسولً .إن كان ليضلنا عن آلتنا
لول أن صبنا عليها وسوف يعلمون حي يرون العذاب من أضل سبيلً﴾ [الفرقان41 :و
.]42
قد تقدم ذ كر أذية الشركي للمستضعفي من الؤمن ي ،و ما كانوا يعاملونم به من الضرب
الشديد والهانة البالغة.
وكان ال عز وجل قد حجرهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ومنعه بعمه أب طالب؛
كما تقدم تفصيله ،ول المد والنة.
وقد روى المام أحد بسنده عن ابن مسعود قال:
بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إل النجاشي ونن نو من ثاني رجلً ،فيهم عبد ال بن
مسعود ،وجعفر ،وعبد ال بن عرفطة ،وعثمان بن مظعون ،وأبو موسى ،فأتوا النجاشي.
وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بدية.
فلما دخل على النجاشي سجدا له ،ث ابتدراه عن يينه وعن شاله ،ث قال له :إن نفرا من بن
عمنا نزلوا ارضك ،ورغبوا عنا وعن ملتنا.
قال :فأين هم؟ قال :ف أرضك؛ فابعث إليهم.
فبعث إليهم ،فقال جعفر :أنا خطيبكم اليوم .فاتّبعوه.
فسلم ول يسجد ،فقالوا له :ما لك ل تسجد للملك؟
قال :إنا ل نسجد إل ل عز وجل.
قال :وما ذاك.
قال :إن ال بعث إلينا رسولً ،ث أمرنا أن ل نسجد لحدٍ إل ال عز وجل ،وأمرنا بالصلة
والزكاة.
قال عمرو :فإنم يالفونك ف عيسى ابن مري.
قال :فما تقولون ف عيسى ابن مري وأمه؟
قال :نقول كما قال ال :هو كلمته وروحه ألقاها إل العذراء البتول الت ل يسها بشر ،ول
يفرضها ولد.
قال :فرفع عودا من الرض ث قال :يا معشر البشة والقسيسي والرهبان! وال؛ ما يزيدون
على الذي نقول فيه ما يسوى هذا ،مرحبا بكم وبن جئتم من عنده ،أشهد أنه رسول ال،
وأنه الذي ند ف النيل ،وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مري ،انزلوا حيث شئتم،
وال؛ لول ما أنا فيه من اللك؛ لتيته حت أكون أنا الذي أحل نعليه [وأوضئه].
وأمر بدية الخرين فردت إليهما.
ث تعجل عبد ال بن مسعود حت أدرك بدرا.
وزعم أن النب صلى ال عليه وسلم استغفر له حي بلغه موته.
وهذا إسناد جيد قوي ،وسياق حسن ،وفيهما يقتضي أن أبا موسى كان فيمن هاجر من
(مكة) إل أرض البشة؛ إن ل يكن مدرجا من بعض الرواة .وال أعلم.
ورواه أبو نعيم ف ((الدلئل)) عن أب موسى قال:
فبلغ ذلك قريشا ،فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد ،وجعوا للنجاشي هدية.
وقدما على النجاشي فاتياه بالدية ،فقبلها ،وسجدا له .ث قال عمرو بن العاص :إن ناسا من
أرضنا رغبوا عن ديننا ،وهم ف أرضك.
قال لم النجاشي :ف أرضي؟!
قال :نعم.
فبعث إلينا ،فقال لنا جعفر :ل يتكلم منكم أحد؛ أنا خطيبكم اليوم.
فانتهينا إل النجاشي وهو جالس ف ملسه ،وعمرو بن العاص عن يينه ،وعمارة عن يساره،
والقسيسون جلوس ساطي ،وقد قال له عمرو وعمارة :إنم ل يسجدون لك.
@فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسي والرهبان :اسجدوا للملك .فقال جعفر :ل
نسجد إل ل عز وجل.
فقال له النجاشي :وما ذاك؟
قال :إن ال بعث فينا رسولً ،وهو الرسول الذي بشر به عيسى بن مري عليه الصلة والسلم
من بعده اسه أحد ،فأمرنا أن نعبد ال ول نشرك به شيئا ،ونقيم الصلة ،ونؤت الزكاة،
وأمرنا بالعروف ،ونانا عن النكر.
فأعجب النجاشي قوله.
فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال :أصلح ال اللك ،إنم يالفونك ف عيسى بن مري!
فقال النجاشي :ما يقول صاحبكم ف ابن مري؟
قال :يقول فيه قول ال؛ هو روح ال وكلمته ،أخرجه من العذراء البتول الت ل يقربا بشر،
ول يفرضها ولد.
فتناول النجاشي عودا من الرض فرفعه ،فقال :يا معشر القسيسي والرهبان! ما يزيد هؤلء
على ما نقول ف ابن مري ول وزن هذه ،مرحبا بكم وبن جئتم من عنده ،فأنا أشهد أنه
رسول ال ،وأنه الذي بشر به عيسى ،ولول ما أنا فيه من اللك؛ لتيته حت أقبل نعليه ،امكثوا
ف أرضي ما شئتم.
وأمر لنا بطعام وكسوة .وقال :ردوا على هذين هديتهما.
ل ف البحر ،فشربا ل قصيا ،وكان عمارة رجل ًجيلً ،وكانا أقب ً وكان عمرو بن العاص رج ً
[يعن خرا] ،ومع عمرو امرأته ،فلما شربا قال عمارة لعمرو :مر امرأتك فلتقبلن! فقال له
عمرو :أل تستحي؟! فأخذ عمارة عمرا فرمى به ف البحر ،فجعل عمرو يناشد عمارة حت
أدخله السفينة.
فحقد عليه عمرو ف ذلك ،فقال عمرو للنجاشي :إنك إذا خرجت خلفك عمارة ف أهلك.
فدعا النجاشي بعمارة ،فنفخ ف إحليله ،فطار مع الوحش.
وهكذا رواه البيهقي ف ((الدلئل)) إل قوله(( :فأمر لنا بطعام وكسوة)) ،قال:
((وهذا إسناد صحيح ،وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بـ(مكة) ،وأنه خرج مع جعفر
بن أب طالب إل أرض البشة.
والصحيح عن بريد بن عبد ال بن أب بردة عن أب موسى:
أنم بلغهم مرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم باليمن ،فخرجوا مهاجرين ف بضع
وخسي رجلً ف سفينة ،فألقتهم سفينتهم إل النجاشي بأرض البشة ،فوافقوا جعفر بن أب
طالب وأصحابه عندهم ،فأمره جعفر بالقامة ،فأقاموا عنده حت قدموا على رسول ال صلى
ال عليه وسلم زمن (خيب).
قال :وابو موسى شهد ما جرى بي جعفر وبي النجاشي ،فأخب عنهم.
قال :ولعل الراوي وهم ف قوله(( :أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ننطلق)) .وال
أعلم)).
وهكذا رواه البخاري ف (هجرة البشة) ،ومسلم عن أب موسى قال:
بلغنا مرج النب ونن باليم ،فركبنا سفينة ،فألقتنا سفينتنا إل النجاشي بالبشة ،فوافقنا جعفر
بن أب طالب رضي ال عنه ،فأقمنا معه حت قدمنا ،فوافينا النب صلى ال عليه وسلم حي
افتتح (خيب) ،فقال النب صلى ال عليه وسلم:
((لكم أنتم أهل السفينة هجرتان)).
وروياه ف موضع آخر مطولً .وال أعلم.
@وقال ابن إسحاق :حدثن الزهري عن أب بكر بن عبد الرحن بن حارث ابن هشام عن أم
سلمة رضي ال عنها قالت:
لا ضاقت (مكة) ،وأوذي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وفُتنوا ،ورأوا ما يصيبهم
من البلء والفتنة ف دينهم ،وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يستطيع دفع ذلك عنهم ،
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ف منعة من قومه ومن عمه ،ل يصل إليه شيء ما يكره
وما ينال أصحابه؛ فقال لم رسول ال صلى ال عليه وسلم:
((إن بأرض البشة ملكا ل يظلم أحد عنده ،فالقو ببلده حت يعل ال لكم فرجا ومرجا
ما أنتم فيه)).
فخرجنا إليها أرسالً ،حت اجتمعنا با ،فنلنا بي دار إل خي جار ،آمني على ديننا ،ول
نش فيها ظلما.
فلما رأت قريش أنا قد أصبنا دارا وأمنا غاروا منا ،فاجتمعوا على أن يبعثوا إل النجاشي فينا؛
ليخرجنا من بلده ،وليدنا عليهم.
فبعثوا عمرو بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة ،فجمعوا له هدايا ولبطارقته ،فلم يدعوا رجل
إل هيئوا له هدية على حدة ،وقالوا لما :ادفعوا إل كل بطريق هديته قبل أن تتكلموا فيهم،
ث ادفعوا إليه هداياه ،فان استطعتم أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا.
فقدما عليه ،فلم يبق بطريق من بطارقته إل قدموا إليه هديته ،فكلموه ،فقالوا له :إنا قدمنا
على هذا اللك ف سفهائنا؛ فارقوا أقوامهم ف دينهم ،ول يدخلوا ف دينكم ،فبعثنا قومهم
ليدهم اللك عليهم ،فاذا نن كلمناه فاشيوا عليه بأن يفعل .فقالوا :نفعل.
ث قدموا للنجاشي هداياه ،وكان من أحب ما يهدون إليه من (مكة) الدم( .وذكر موسى بن
عقبة :أنم أهدوا إليه فرسا وجبة ديباج).
فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا :له أيها اللك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم ،ول يدخلوا
ف دينك ،وجاؤوا بدين مبتدع ل نعرفه ،وقد لؤوا إل بلدك ،وقد بعثنا إليك فيهم
عشائرهم؛ آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم ،فانم أعلى بم عينا ،فإنم لن يدخلوا ف
دينك فتمنعهم لذلك.
فغضب ث قال :ل لعمر ال! ل أردهم عليهم حت أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم؛ قوم
لئوا إل بلدي ،واختاروا جواري على جوار غيي ،فان كانوا كما يقولون رددتم عليهم،
وإن كانوا على غي ذلك منعتهم ،ول أدخل بينهم وبينهم ،ول أَنْعَم عينا.
@(وذكر موسى بن عقبة :أن أمراءه أشاروا عليه بان يردهم إليهم ،فقال :ل وال؛ حت اسع
كلمهم ،وأعلم على أي شيء هم عليه).
فلما دخلوا عليه سلموا ول يسجدوا له ،فقال :أيها الرهط! أل تدثون ما لكم ل تيون كما
ييين من أتانا من قومكم؟!
فاخبون ماذا تقولون ف عيسى؟ وما دينكم؟
أنصارى أنتم؟
قالوا :ل.
قال :أفيهود أنتم؟
قالوا :ل.
قال :فعلى دين قومكم؟
قالوا :ل.
قال :فما دينكم؟
قالوا :السلم.
قال :وما السلم.
قالوا :نعبد ال ل نشرك به شيئا.
قال :من جاءكم بذا؟
قالوا :جاءنا به رجل من أنفسنا ،قد عرفنا وجهه ونسبه ،بعثه ال إلينا كما بعث الرسل إل
من قبلنا ،فأمرنا بالب والصدقة ،والوفاء ،وأداء المانة ،ونانا أن نعبد الوثان ،وأمرنا بعبادة ال
وحده ل شريك له ،فصدقناه ،وعرفنا كلم ال ،وعلمنا أن الذي جاء به من عند ال ،فلما
فعلنا ذلك عادانا قومنا ،وعادوا النب الصادق ،وكذبوه ،وأرادوا قتله ،وأرادونا على عبادة
الوثان ،ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا.
قال :وال إن هذا لن الشكاة الت خرج منها أمر موسى.
قال جعفر :وأما التحية فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخبنا أن تية أهل النة (السلم)
وأمرنا بذلك فحييناك بالذي ييي بعضنا بعضا.
وأما عيسى بن مري؛ فعبد ال ورسوله ،وكلمته ألقاها إل مري وروح منه ،وابن العذراء
البتول.
فأخذ عودا ،وقال :وال ما زاد ابن مري على هذا وزن هذا العود.
فقال عظماء البشة :وال؛ لئن سعت البشة لتخلعنك.
فقال :وال؛ ل أقول ف عيسى غي هذا أبدا ،وما أطاع ال الناس فِيّ حي رد علي ملكي؛
فأطيع الناس ف دين ال؟! معاذ ال من ذلك!
وقال يونس عن ابن اسحاق :فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم ،ول يكن شيء أبغض لعمرو
بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة من أن يسمع كلمهم.
فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقالوا :ماذا تقولون؟
فقالوا :وماذا نقول؟! نقول -وال -ما نعرف وما نن عليه من أمر ديننا ،وما جاء به نبينا
صلى ال عليه وسلم كائن من ذلك ما كان.
فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أب طالب رضي ال عنه.
فقال له النجاشي :ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ،ول تدخلوا ف يهودية
ول نصرانية!
فقال له جعفر :أيها اللك! كنا قوما على الشرك نعبد الوثان ،ونأكل اليتة ،ونسيء الوار،
يستحل الحارم بعضنا من بعض ف سفك الدماء وغيها ،ل نلل شيئا ول نرمه ،فبعث ال
إلينا نبيا من أنفسنا ،نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ،فدعانا إل أن نعبد ال وحده ل شريك له،
ونصل الرحام ،ونمى الوار ،ونصلي ل عز وجل ،ونصوم له ،ول نعبد غيه.
@(وقال زياد عن ابن اسحاق :فدعانا إل ال لنوحده ونعبده ،ونلع ما كنا نعبد نن وآباؤنا
من دونه من الجارة والوثان ،وأمرنا بصدق الديث ،وأداء المانة ،وصلة الرحام ،وحسن
الوار ،والكف عن الحارم والدماء ،ونانا عن الفواحش وقول الزور ،وأكل مال اليتيم،
وقذف الحصنة ،وأمرنا أن نعبد ال ول نشرك به شيئا ،وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام –
قال :فعدد عليه أمور السلم – فصدقناه وآمنا به ،واتبعناه على ما جاء به من عند ال،
فعبدنا ال وحده ل شريك له ،ول نشرك به شيئا ،وحرمنا ما حرم علينا ،وأحللنا ما أحل لنا.
فعدا علينا قومنا ،فعذبونا ليفتنونا عن ديننا ،ويردونا إل عبادة الوثان من عبادة ال ،وأن
نستحل ما كنا نستحل من البائث.
فلما قهرونا وظلمونا ،وضيقوا علينا ،وحالوا بيننا وبي ديننا؛ خرجنا إل بلدك ،واخترناك
على من سواك ،ورغبنا ف جوارك ،ورجونا أن ل نظلم عندك أيها اللك!
قالت :فقال النجاشي :هل معك شي ما جاء به؟
فقرأ عليه صدرا من ﴿كهيعص﴾ فبكى -وال -النجاشي حت اخضلت ليته ،وبكت
أساقفته حت اخضلوا مصاحفهم[حي سعوا ما تل عليهم]).
ث قال :إن هذا الكلم ليخرج من الشكاة الت جاء با موسى؛ انطلقوا راشدين ،ل وال؛ ل
أردهم عليكم ،ول أنعمكم عينا.
فخرجنا من عنده ،وكان أبقى الرجلي فينا عبد ال بن [أب] ربيعة ،فقال عمرو بن العاص:
وال لتينه غدا با استأصل به خضراءهم ،ولخبنه أنم يزعمون أن إله الذي يعبد -عيسى
بن مري -عبد !
فقال له عبد ال بن [أب] ربيعة :ل تفعل؛ فإنم وإن كانوا خالفونا فإن لم رحا ولم حقا
فقال :وال لفعلن.
فلما كان الغد دخل عليه ،فقال :أيها اللك! إنم يقولون ف عيسى قولً عظيما ،فارسل اليهم
فسلهم عنه.
فبعث -وال -إليهم ول ينل بنا مثلها.
فقال بعضنا لبعض :ماذا تقولون له ف عيسى إن هو سألكم عنه؟
فقالوا :نقول -وال -الذي قاله ال فيه ،والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه.
فدخلوا عليه وعنده بطارقته ،فقال :ما تقولون ف عيسى بن مري؟
فقال له جعفر :نقول :هو عبد ال ورسوله وروحه ،وكلمته ألقاها إل مري العذراء البتول.
فدل النجاشي يده إل الرض ،فأخذ عودا بي إصبعيه ،فقال :ما عدا عيسى بن مري ما قلت
هذا العويد.
فتناخرت بطراقته ،فقال :وإن تناخرت والله!
اذهبوا فأنتم شيوم ف الرض (الشيوم :المنون ف الرض) ،من سبكم غرم ،من سبكم غرم،
من سبكم غرم (ثلثا) ما أحب أن ل دبرا وأن آذيت رجلً منكم( .والدبر بلسانم:
الذهب).
@(وقال زياد عن ابن اسحاق :ما أحب أن ل دبرا من ذهب .قال ابن هشام :ويقال زبرا،
وهو البل بلغتهم).
ث قال النجاشي :فوال ما أخذ ال من الرشوة حي رد عليّ ملكي ،ول أطاع الناس فّ فأطيع
الناس فيه؟! ردوا عليهما هداياهم ،فل حاجة ل با ،واخرجا من بلدي.
فخرجا مقبوحي مردودا عليهما ماجاءا به.
قالت :فاقمنا مع خي جار ف خي دار.
فلم ينشب أن خرج عليه رجل من البشة ينازعه اللك.
فوال ما علمتنا حزنّا حزنا قط هو أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك اللك عليه ،فيأت ملك ل
يعرف من حقنا ما كان يعرفه.
فجعلنا ندعوا ال ونستنصره للنجاشي ،فخرج إليه سائرا.
فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بعضهم لبعض :من يرج فيحضر الوقعة حت
ينظر على من تكون.
وقال الزبي -وكان من أحدثهم سنا : -أنا.
فنفخوا له قربة فجعلها ف صدره ،فجعل يسبح عليها ف النيل حت خرج من شقه الخر إل
حيث التقى الناس ،فحضر الوقعة.
فهزم ال ذلك اللك وقتله ،وظهر النجاشي عليه.
فجاءنا الزبي فجعل يليح لنا بردائه ويقول :أل فابشروا؛ فقد أظهر ال النجاشي.
قالت :فوال؛ ما علمتنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي.
ث أقمنا عنده حت خرج من خرج منا إل (مكة) وأقام من أقام.
قال الزهري :فحدثت هذا الديث عروة بن الزبي عن أم سلمة ،فقال عروة :أتدري ما قوله:
((ما أخذ ال من الرشوة حي رد عليّ ملكي ،فآخذ الرشوة فيه ،ول أطاع الناس فّ؛ فاطيع
الناس فيه؟!))؟
فقلت :ل؛ ما حدثن ذلك أبو بكر بن عبد الرحن بن الارث بن هشام عن أم سلمة .فقال
عروة :فإن عائشة حدثتن :أن أباه كان ملك قومه ،وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلً،
ول يكن لب النجاشي ولد غي النجاشي ،فأدارت البشة رأيها بينها فقالوا :لو أنا قتلنا أبا
النجاشي ،وملكنا أخاه؛ فان له اثن عشر رجلً من صلبه؛ فتوارثوا اللك؛ لبقيت البشة
عليهم دهرا طويل ل يكون بينهم اختلف.
فعدوا عليه فقتلوه ،وملكوا أخاه.
@فدخل النجاشي بعمه حت غلب عليه ،فل يدير أمره غيه ،وكان لبيبا حازما من الرجال.
فلما رأت البشة مكانه من عمه قالوا :قد غلب هذا الغلم على أمر عمه ،فما نأمن أن يلكه
علينا ،وقد عرف أنا قتلنا أباه ،فلئن فعل ل يدع منا شريفا إل قتله فكلموه فيه فليقتله ،أو
ليخرجنه من بلدنا.
فمشوا إل عمه فقالوا :قد رأينا مكان هذا الفت منك ،وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك
مكانه ،وانا ل نأمن أن يلك علينا فيقتلنا؛ فإما أن تقتله؛ وإما أن ترجه من بلدنا.
قال :ويكم! قتلتم أباه بالمس وأقتله اليوم؟! بل أخرجه من بلدكم.
فخرجوا به فوقفوه ف السوق ،وباعوه من التجار قذفه ف سفينة بستمائة درهم ،أو بسبعمائة
فانطلق به.
فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الريف ،فخرج عمه يتمطر تتها ،فأصابته
صاعقة فقتلته.
ففزعوا إل ولده؛ فاذا هم ممقون ليس ف أحد منهم خي ،فمرج على البشة أمرهم ،فقال
بعضهم لبعض :تعلمون وال أن ملككم الذي ل يصلح أمركم غيه للذي بعتم الغداة ،فان
كان لكم بأمر البشة حاجة؛ فادركوه قبل أن يذهب.
فخرجوا ف طلبه فأدركوه فردوه ،فعقدوا عليه تاجه ،وأجلسوه على سريره وملكوه.
فقال التاجر :ردوا علي مال كما أخذت من غلمي .فقالوا :ل نعطيك .فقال :اذا وال
لكلمنه.
فمشى إليه فكلمه ،فقال :أيها اللك! إن ابتعت غلما ،فقبض من الذي باعوه ثنه ،ث عدوا
على غلمي فنعوه من يدي ،ول يردوا علي مال.
فكان أول ما خب به من صلبة حكمه وعدله أن قال:
لتردن عليه ماله ،أو لتجعلن يد غلمه ف يده ،فليذهب به حيث شاء.
فقالوا :بل نعطيه ماله .فأعطوه إياه.
فلذلك يقول :ما أخذ ال من الرشوة؛ فآخذ الرشوة حي ردّ علي ملكي؟! وما أطاع الناس
فّ؛ فأطيع الناس فيه؟!
والذي وقع ف سياق ابن إسحاق إنا هو ذكر عمرو بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة.
والذي ذكره موسى بن عقبة والموي وغيها أنما عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن
الغية – وهو أحد السبعة الذين دعا عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حي تضاحكوا
يوم وضع سل الزور على ظهره صلى ال عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة – وهكذا تقدم
ف حديث ابن مسعود وأب موسى الشعري.
والقصود أنما حي خرجا من (مكة) كانت زوجة عمرو معه ،وعمارة كان شابا حسنا،
فاصطحبا ف السفينة ،وكأن عمارة طمع ف امرأة عمرو بن العاص؛
[]180
فألقى عمرا ف البحر ليهلكه ،فسبح حت رجع إليها ،فقال له عمارة :لو أعلم أنك تسن
السباحة لا ألقيتك .فحقد عمرو عليه.
فلما ل يقض لما حاجة ف الهاجرين من النجاشي ،وكان عمارة قد توصل إل بعض أهل
النجاشى ،فوشى به عمرو ،فأمر به النجاشي فسحر حت ذهب عقله ،وساح ف البية مع
الوحوش.
وقد ذكر الموي قصته مطولة جدا ،وأنه عاش إل زمن إمارة عمر بن الطا ،وأنه تقصده
بعض الصحابة ومسكه ،فجعل يقول :أرسلن أرسلن ،وإل مت .فلما ل يرسله مات من
ساعته .فال أعلم.
وروى ابن إسحاق بسنده عن عائشة رضي ال عنه قالت:
لا مات النجاشي كان يتحدث أنه ل يزال يرى على قبه نور.
ورواه أبو داود عن ابن إسحاق.
@وقد ثبت ف ((الصحيحي)) من حديث أب هريرة رضي ال عنه:
أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نعى النجاشي ف اليوم الذي مات فيه ،وخرج بم إل
الصلى ،فصف بم وكب أربع تكبيات.
وروى البخاري ف (موت النجاشي) بسنده عن جابر قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم :
((مات اليوم رجل صال؛ فقوموا فصلوا على أخيكم (أصحمة) )).
وروي ذلك من حديث أنس بن مالك ،وابن مسعود ،وغي واحد.
وف بعض الروايات تسميته (أصحمة) ،وف رواية (مصحمة) ،وهو (أصحمة بن بر) ،وكان
عبدا لبيبا ذكيا ،وكان عادلً عالا ،رضي ال عنه وأرضاه.
وقال يونس عن ابن إسحاق :اسم النجاشي (مصحمة) ،وف نسخة صححها البيهقي:
(أصحم) ،وهو بالعربية( :عطية).
قال :وإنا النجاشي اسم اللك؛ كقولك( :كسرى)( ،هرقل).
قلت :كذا ،ولعله يريد به (قيصر)؛ فإنه علم لكل ملك من ملك الشام مع الزيرة من بلد
الروم .و(كسرى) علم على من ملك الفرس .و(فرعون) علم لن ملك مصر كافة.
و(القوقس) لن ملك السكندرية .و(تُبع) لن ملك اليمن والشحر .و(النجاشي) لن ملك
البشة .و(بطليموس) لن ملك اليونان ،وقيل :الند .و(خاقان) لن ملك الترك.
وقال بعض العلماء :إنا صلى عليه؛ لنه كان يكتم إيانه من قومه ،فلم يكن عنده يوم مات
من يصلي عليه ،فلهذا صلى عليه.
قالوا :فالغائب إن كان قد صُلي عليه ببلده ل تشرع الصلة عليه ببلد أخرى ،ولذا ل ُيصَلّ
على النب صلى ال عليه وسلم ف غي (الدينة)؛ ل أهل (مكة) ول غيهم .وهكذا أبو بكر
وعمر وعثمان وغيهم من الصحابة؛ ل ينقل أنه صُلّي على أحد منهم ف غي البلدة الت صُلّي
عليه فيها .فال أعلم.
[الستدرك]
عن عمي بن إسحاق قال:
قال جعفر :يا رسول ال! ائذن ل أن أرضا أعبد ال فيها؛ ل أخاف أحدا .قال :قال :فأذن
له فيها ،فأتى النجاشي.
قال عمي :حدثن عمرو بن العاص قال:
لا رأيت جعفرا وأصحابه آمني بأرض البشة حسدته؛ لستقبلن لذا وأصحابه ،فأتيت
النجاشي فقلت :ائذن لعمرو بن العاص .فأذن ل ،فدخلت فقلت :إن بأرضنا ابن عم لذا
يزعم أنه ليس للناس إل إله واحد ،وإنا – وال -إن ل ترحنا منه وأصحابه؛ ل قطعت إليك
هذه النطفة ول أحد من أصحاب أبدا.
فقال :وأين هو؟ قلت :إنه ييء مع رسولك؛ إنه ل ييء معي.
فأرسل معي رسولً؛ فوجدناه قاعدا بي أصحابه ،فدعاه ،فجاء ،فلما أتيت الباب ناديت:
ائذن لعمرو بن العاص .ونادى خلفي :ائذن لزب ال عز وجل .فسمع صوته فأذن له قبلي،
فدخل ودخلت ،وإذا النجاشي على السرير قال :فذهبت حت قعدت بي يديه وجعلته خلفي،
وجعلت بي كل رجلي من أصحابه رجلً من أصحاب[ ،قال :فسكت وسكتنا ،وسكت
وسكتنا ،حت قلت ف نفسي :ألعن هذا العبد البشي؛ أل يتكلم؟! ث تكلم] ،فقال النجاشي:
نروا قال عمرو :يعن :تكلموا .قلت :إن بأرضك رجلً ابن عمه بأرضنا ،ويزعم أنه ليس
للناس إل إله واحد .وإنك إن ل تقتله وأصحابه ،ل أقطع إليك هذه النطفة أنا ول أحد من
أصحاب أبدا[ .قال :يا حزب ال! نر].
قال جعفر :صدق ابن عمي وأنا على دينه.
قال :فصاح صياحا ،وقال :أوه .حت قلت :ما لبن البشية ل يتكلم .وقال :أناموس
كناموس موسى؟
قال :ما تقولون ف عيسى بن مري؟
قال :أقول هو روح ال وكلمته.
قال :فتناول شيئا من الرض ،فقال :ما أخطأ ف أمره مثل هذا ،فوال؛ لول ملكي لتبعتكم،
وقال ل :ما كنت أبال أن ل تأتين أنت ول أحد من أصحابك أبدا .أنت آمن بأرضي ،من
ضربك قتلته ،ومن سبك غرمته.
وقال لذنه :مت استأذنك هذا فائذن له؛ إل أن أكون عند أهلي ،فإن أب فأذن له.
قال :فتفرقنا ول يكن أحد أحب إل أن ألقاه من جعفر.
قال :فاستقبلن من طريق مرة .فنظرت خلفه فلم أر أحدا ،فنظرت خلفي فلم أر أحدا،
فدنوت منه وقلت :أتعلم أن أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله؟
قال :فقد هداك ال فاثبت ،فتركن وذهب.
فأتيت أصحاب ،فكأنا شهدوه معي ،فأخذوا قطيفة أو ثوبا ،فجعلوه علي حت غمون با.
قال :وجعلت أخرج رأسي من هذه الناحية مرة ،ومن هذه الناحية مرة ،حت أفلت وما علي
قشرة[ ،ول يدعوا ل شيئا إل ذهبوا به].
فمررت على حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورت.
فأتيت جعفرا فدخلت عليه فقال :ما لك؟ فقلت :أُخذ كل شيء ل ،ما ترك علي قشرة،
فأتيت حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورت.
[فقال]:
فانطلق وانطلقت معه حت انتهينا إل باب اللك ،فقال جعفر لذنه :استأذن ل .قال :إنه عند
أهله[.فقال :استأذن ل عليه .فاستأذن له ]،فأذن له ،فقال :إن عمرا تابعن على دين ،قال:
كل ،قال :بلى.
فقال لنسان :اذهب معه فإن فعل؛ فل تقل شيئا إل كتبته .قال :فجاء فقال :نعم .فجعلت
أقول وجعل يكتب ،حت كتبت كل شيء حت القدح.
قال :ولو شئت آخذ شيئا من أموالم إل مال فعلت.
[ث كنت بعد من الذين أقبلوا ف السفن مسلمي].
رواه الطبان والبزار ،وصدر الديث ف أوله والزيادة ف آخره له.
وعن أب مالك الشجعي قال :كنت جالسا مع ممد بن حاطب فقال :قال رسول ال صلى
ال عليه وسلم:
((إن قد رأيت أرضا ذات نل فاخرجوا)).
فخرج حاطب وجعفر ف البحر قبَل النجاشي.
قال :فولدت أنا ف تلك السفينة.
رواه أحد( ،)4/259وسنده صحيح.
وف رواية له ( 3/418و )6/337من طريق أخرى عن ممد بن حاطب عن أمه أم جيل
بنت الجلل قالت:
أقبلت بك من أرض البشة ،حت إذا كنت من (الدينة) على ليلة أو ليلتي طبخت لك
طبخا ،ففن الطب ،فخرجت أطلبه ،فتناولت القدر ،فانكفأت على ذراعك ،فأتيت بك النب
صلى ال عليه وسلم ،فقلت :بأب وأمي يا رسول ال! هذا ممد بن حاطب[ ،وهو أول من
سي بك] .فتفل ف فيك ،ومسح على رأسك ودعا لك ،وجعل يتفل على يدك ويقول:
((أذهب الباس رب الناس! واشف أنت الشاف ،ل شفاء إل شفاؤك ،شفاء ل يغادر سقما)).
فقالت :فما قمت بك من عنده حت برأت يدك[ .انتهى الستدرك].
@قال ابن إسحاق :و جلس رسول ال صلى ال عليه و سلم -فيما بلغنا -يوما مع الوليد
بن الغية ف السجد فجاء النضر بن الارث حت جلس معهم ،و ف الجلس غي و احد من
رجال قريش.
فتكلم رسول ال صلى ال عليه و سلم فعرض له النضر ،فكلمه رسول ال صلى ال عليه و
سلم حت أفحمه ،ث تل عليه و عليهم ﴿ إنّكُم وما تعُبدُون مِن دُونِ الِ حصبُ جهّنمَ أنُتمْ
لَها واردُونَ لوْ كانَ هؤلءِ آلةً ما وردُوها و ك ّل فِيها خالدِون لُهم فِيها زفيٌ و هم فِيها ل
يسمَعُون ﴾[ النبياء .]100 - 98 :
ث قام رسول ال صلى ال عليه و سلم و أقبل عبد ال بن الزبعري السهمي حت جلس.
فقال الوليد بن الغية له :و ال ما قام و ال ما قام النضر بن الارث لبن عبد الطلب آنفا و
ما قعد ،و قد زعم ممد أنّا و ما نعبد من آلتنا هذه حصب جهنم !.
فقال عبد ال بن الزبعرى :أما – وال – لو و جدته لصمته ،فسلوا ممدا أكل من نعبد من
دون ال حصب جهنم مع عبده ؟ فنحن نعبد اللئكة و اليهود تعبد عزيرا و النصارى تعبد
عيسى.
فعجب الوليد و من كان معه ف الجلس من قول ابن الزبعرى و رأوا أنه قد احتج و خاصم.
فذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه و سلم ...فأنزل ال تعال ﴿ إنّ الذين سب َقتْ لَهمْ مِنّا
الُحسن أُولئِك عْنهَا مُبعدُونَ ل يسمعُون حسِيسَها و هُم ف ما اشْتَهتَ أنْ ُفسُهُم خاِلدُون ﴾ [
النبياء ] 102-101 :؛ أي :عيسى ابن مري ،و عزيرا ،و من عبد من الحبار و الرهبان
الذين مضوا على طاعة ال تعال .
و نزل -فيما يذكرون أنم يعبدون اللئكة و أنا بنات ال ﴿ : -و قالُوا اتّخذَ الرّح ُن ولدا
سُبحانَه َبلْ عِبادٌ مُكرَمُون﴾ [ النبياء .] 26:
و نزل ف إعجاب الشركي بقول ابن الزبعري { :و لّا ضُرِبَ ابنُ مريَ مثلً إذا قومُكمَ مِنْهُ
صمُونَ } [ الزخرف يَصدّو َن و قَالُوا آِلهَتُنَا خَيْرٌ أمْ ُهوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّ َج َدلً بَلْ ُه ْم قومُ َخ ِ
57:و.] 58
و هذا الدل الذي سلكوه باطل ،و هم يعلمون ذلك؛ لنم قوم عرب من لغتهم أن (ما) لا
صبُ َجهَّنمَ أَنُْتمْ َلهَا وَارِدُونَ ﴾ إنا
ل يعقل ،فقوله ﴿ :إن ُكمْ وَ مَا تَعُْبدُون مِنْ دو ِن الِ ح َ
أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الحجار الت كانت صور أصنام ،و ل يتناول ذلك اللئكة
الذين زعموا أنم يعبدونم ف هذه الصور ،و ل السيح ،و ل عزيرا ،و ل أحدا من
الصالي؛ لن اللفظ ل يتناولم ل لفظا و ل معنا.
فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مري من الثل جدل باطل؛ كما قال ال تعال ﴿ :مَا
صمُونَ﴾. ضَرَبُوهُ لَكَ إل َجدَلً بلْ ُهمْ َقوْمٌ َخ ِ
ث قال ﴿ إنْ ُهوَ ﴾؛أي :عيسى ﴿إل عَْبدٌ أنْ َعمْنَا عَلَيْهِ ﴾؛ أي :بنبوتنا﴿ ،وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلً لِبَنِي
إسْرَائِيل﴾؛ أي :دليلً على تام قدرتنا على ما نشاء ،حيث خلقناه من أنثى بل ذكر ،و قد
خلقنا حواء من ذكر بل أنثى ،و خلقنا آدم ل من هذا ،و ل من هذا ،و خلقنا سائر بن آدم
من ذكر و أنثى ،كما قال ف الية الخرى﴿ :و لنجعله آيةً للنّاس﴾[مري]21:؛ أي :أمارة و
دليلً على قدرتنا الباهرة﴿ ،و رحةً منّا﴾ نرحم با من نشاء .
وذكر ابن اسحاق الوليد بن الغية حيث قال :أَيُنْزَل على ممد وأترك وأنا كبي قريش
وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمرو الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيما القريتي.
ونزول قوله فيه﴿ :وقال لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتي عظيم﴾ والت بعدها .
[الزخرف31 :و.]32
وذكر أب بن خلف حي قال لعقبة بن أب معيط :أل يبلغن أنك جالست ممدا وسعت منه
وجهي من وجهك حرام؛ إل أن تتفل ف وجهه .ففعل ذلك عدو ال عقبة لعنه ال ،فأنزل ال
﴿:ويوم يعض الظال على يديه يقول يا ليتن اتذت مع الرسول سبيلً ،يا ويلت ليتن ل أتذ
فلنا خليلً﴾ والت بعدها [الفرقان.]29-27 :
قال :ومشى أب بن خلف بعظم بال قد أرمّ ،فقال :يا ممد أنت تزعم أن ال يبعث هذا بعد
ما أرم؟! ث فته بيده ،ث نفخه ف الريح نو رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال:
((نعم؛ أنا أقول ذلك؛ يبعثه ال وإياك بعد ما تكونان هكذا ،ث يدخلك النار)).
وأنزل ال تعال ﴿ :وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من ييي العظام وهي رميم قل يييها
الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ إل آخر السورة [يس.]83-78 :
قال :واعترض رسول ال صلى ال عليه وسلم -فيما بلغن -وهو يطوف عند باب الكعبة
السود بن الطلب ،والوليد بن الغية ،وأمية بن خلف ،والعاص بن وائل فقالوا :يا ممد! هلم
فلنعبد ما تعبد ،وتعبد ما نعبد ،فنشترك نن وأنت ف المر!
فأنزل ال تعال ﴿ :عبس وتول .أن جاءه العمى ﴾ إل قوله﴿ :مرفوعة مطهرة﴾ [عبس:
.]14-1
وقد قيل :إن الذي كان يدث رسول ال صلى ال عليه وسلم حي جاءه ابن أم مكتوم :أمية
بن خلف .فال أعلم.
[الستدرك]
عن علي رضي ال عنه قال:
قال أبو جهل للنب صلى ال عليه وسلم :قد نعلم يا ممد! أنك تصل الرحم ،وتصدق
الديث ،ول نكذبك ،ولكن نكذب الذي جئت به .فأنزل ال عز وجل:
﴿﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون﴾
[النعام.]36:
أخرجه الترمذي ( ،)5058والاكم ( )2/315وقال (( :صحيح على شرط الشيخي)).
وعن ابن عباس رضي ال عنهما:
((ان أبا معيط كان يلس مع النب صلى ال عليه وسلم بـ(مكة) ل يؤذيه ،وكان رجلً
حليما ،وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه ،وكان لب معيط خليل غائب عنه بالشام،
فقالت قريش :صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلً ،فقال لمرأته :ما فعل ممد ما كان عليه؟ فقالت :أشد ما كان
أمرا .فقال :ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت :صبا.
فبات بليلة سوء ،فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه ،فلم يرد عليه التحية .فقال :مالك .ل ترد
علي تيت؟ فقال :كيف أرد عليك تيتك وقد صبوت؟!
قال :أوقد فعلتها قريش؟! قال :نعم.
قال :فما يبئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال :تأتيه ف ملسه ،وتبزق ف وجهه ،وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم!.
ففعل ،فلم يزد النب صلى ال عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق ،ث التفت إليه فقال:
((إن وجدتك خارجا من جبال (مكة) أضرب عنقك صبا)).
فلما كان يوم بدر ،وخرج أصحابه ،أب أن يرج.
فقال له أصحابه :أخرج معنا.
قال :قد وعدن هذا الرجل إن وجدن خارجا من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبا.
فصل
وقد ذكر ممد بن إسحاق رحه ال قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مرسلة بدون إسناد.
وكان سيدا مطاعا شريفا ف (دوس) ،وكان قد قدم (مكة) ،فاجتمع به أشراف قريش،
وحذروه من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ونوه أن يتمع به ،أويسمع كلمه.
روى المام أحد والبخاري عن أب هريرة قال:
لا قدم الطفيل وأصحابه على رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :إن دوسا قد استعصت
[وأبت ،فادع ال عليهم .فاستقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم القبلة ،ورفع يديه ،فقال
الناس :هلكوا] ،قال:
((اللهم! اهد دوسا ،وائت بم[ ،اللهم! اهد دوسا ،وائت بم])).
قصة مصارعة ركانة
روى أبو داود والترمذي عن أب جعفر بن ممد بن ركانة عن أبيه:
أن ركانة صارع النب صلى ال عليه وسلم ،فصرعه النب صلى ال عليه وسلم.
وقال الترمذي(( :غريب)).
قلت :وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي ال عنهما:
أن يزيد بن ركانة صارع النب صلى ال عليه وسلم ،فصرعه النب صلى ال عليه وسلم ثلث
مرات؛ كل مرة على مائة من الغنم ،فلما كان ف الثالثة قال :يا ممد! ما وضع ظهري إل
الرض أحد قبلك ،وماكان أحد أبغض إل منك ،وأنا أشهد أن ل إله إل ال ،وأنك رسول
ال صلى ال عليه وسلم.
فقام عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ورد عليه غنمه.
@قال ابن إسحاق :وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا جلس ف السجد ،فجلس
عليها الستضعفون من أصحابه :خباب ،وعمار ،وأبو فكيهة يسار مول صفوان بن أمية،
وصهيب ،وأشباههم من السلمي؛ هزئت به قريش ،وقال بعضهم لبعض :هؤلء أصحابه كما
ترون! أهؤلء منّ ال عليهم من بيننا بالدى ودين الق؟! لو كان ما جاء به ممد خيا ما
سبقنا هؤلء إليه ،وما خصهم ال به دوننا!
فأنزل ال عز وجل فيهمَ ﴿ :ولَا َتطْرُ ِد اّلذِينَ َيدْعُونَ رَّب ُهمْ بِالْ َغدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَ ْجهَهُ مَا
عَلَْيكَ مِنْ ِحسَاِبهِمْ مِنْ شَ ْيءٍ وَمَا مِنْ ِحسَابِكَ عَلَْي ِهمْ مِنْ شَ ْي ٍء فَتَطْرُدَ ُه ْم فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِيَ.
ك فَتَنّا بَ ْعضَ ُهمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ َه ُؤلَاءِ َمنّ اللّهُ عَلَْي ِهمْ مِنْ بَيْنِنَا َألَيْسَ اللّهُ بَِأعَْلمَ بِالشّاكِرِينَ.
َوكَ َذلِ َ
وَإِذَا جَاءَكَ اّلذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ َعلَيْ ُكمْ كََتبَ رَبّكُمْ عَلَى نَ ْفسِهِ الرّ ْحمَةَ أَنّهُ مَنْ َعمِلَ
جهَالَةٍ ُثمّ تَابَ ُثمّ تَابَ مِنْ بَ ْعدِهِ وََأصَْل َح فَأَنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النعام-52 : مِنْ ُكمْ سُوءًا ِب َ
.]54
قال :وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيا ما يلس عند الروة إل مبيعه غلم نصران
يقال له :جب؛ عبد لبن الضرمي ،وكانوا يقولون :وال؛ ما يعلّم ممدا كثيا ما يأتن به إل
جب.
فأنزل ال تعال ف ذلك من قولم﴿ :إنا يعلمه بشر لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا
لسان عرب مبي﴾ [النحل.]103 :
ث ذكر نزول سورة (الكوثر) ف العاص بن وائل حي قال :عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم :إنه أبتر .أي :ل عقب له؛ فإذا مات انقطع ذكره ،فقال ال تعال ﴿ :إن شانئك هو
البتر﴾.
أي :القطوع الذِكر بعده؛ ولو خلف ألوفا من النسل والذرية ،وليس الذكر والصيت ولسان
الصدق بكثرة الولد والنسال والعقب .وقد تكلمنا على هذه السورة ف ((التفسي)) ،ول
المد.
[ث روى ابن إسحاق ( )2/35بإسناده الصحيح عن أنس قال :سعت رسول ال صلى ال
عليه وسلم وقيل له :يا رسول ال! ما الكوثر الذي أعطاك ال؟ قال:
((نر كما بي (صنعاء) إل (أيلة) ،آنيته كعدد نوم السماء ،ترده طيور لا أعناق كأعناق
البل)).
قال :يقول عمر بن الطاب :إنا يا رسول ال! لناعمة .قال:
((أكلّها أنعمُ منها)).
فصل
وذكر البيهقي ها هنا دعاء النب صلى ال عليه وسلم على قريش حي استعصت عليه بسبع
مثل سبع يوسف.
وأورد ما أخرجاه ف ((الصحيحي)) عن ابن مسعود قال:
خس [قد] مضي :اللزام ،والروم ،والدخان ،والبطشة ،والقمر.
وف رواية عن ابن مسعود قال:
إن قريشا لا استعصت على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأبطؤوا عن السلم قال:
((اللهم! أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف)).
قال فأصابتهم سنة حت حصّت كل شيء ،حت أكلوا اليف ،وحت أن أحدهم كان يرى ما
بينه وبي السماء كهيئة الدخان من الوع ،ث دعا ،فكشف ال عنهم ،ث قرأ عبد ال هذه
الية﴿ :إنا كاشفوا العذاب قليلً إنكم عائدون﴾[الدخان.]15:
قال :فعادوا فكفروا ،فأخرّوا إل يوم بدر.
قال عبد ال :إن ذلك لو كان يوم القيامة كان ل يكشف عنهم ﴿يوم نبطش البطشة الكبى
إنا منتقمون﴾ [الدخان]16 :؛ قال :يوم بدر.
وف رواية عنه قال:
لا رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم من الناس إدبارا قال:
((اللهم سبع كسبع يوسف)).
فأخذتم سنة؛ حت أكلوا اليتة واللود والعظام ،فجاءه أبو سفيان وناس من أهل (مكة)،
فقالوا :يا ممد! إنك تزعم أنك بعثت رحة ،وإن قومك قد هلكوا؛ فادع ال لم.
فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فسقوا الغيث ،فأطبقت عليهم سبعا ،فشكا الناس كثرة
الطر ،فقال:
((اللهم حوالينا ول علينا)).
فاندرت السحابة عن رأسه فسُقِيَ الناس حولم.
قال :لقد مضت آية الدخان ،وهو الوع الذي أصابم ،وذلك قوله﴿ :إنا كاشفوا العذاب
قليل إنكم عائدون﴾ [الدخان .]15:وآية الروم ،والبطشة الكبى ،وانشقاق القمر ،وذلك
كله يوم بدر.
قال البيهقي :يريد -وال أعلم -البطشة الكبى ،والدخان ،وآية اللزام كلها حصلت
بـ(بدر).
قال :وقد أشار البخاري إل هذه الرواية.
ث أورد من حديث ابن عباس قال:
جاء أبو سفيان إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،يستغيث من الوع؛ لنم ل يدوا شيئا
حت أكلوا العهن ،فأنزل ال تعال ﴿ :ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربم وما
يتضرعون﴾ [الؤمنون.]76 :
قال :فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم حت فرج ال عنهم.
ث قال الافظ البيهقي:
وقد روي ف قصة أب سفيان ما دل على أن ذلك بعد الجرة ولعله كان مرتي .وال أعلم.
[الستدرك]
عن أبّ بن كعب أنه قال:
ف هذه الية﴿ :ولنذيقنهم من العذاب الدن دون العذاب الكب﴾ [السجدة ]21 :قال:
الصيبات ف الدنيا – قال - :والدخان قد مضى ،والبطشة واللزام.
أخرجه مسلم ( ،)2799وابن جرير ( ،)21/108وأحد ف ((السند)) (،)5/128
وصححه الاكم ([ .)4/428انتهى الستدرك].
فصل
ث أورد البيهقي قصة فارس والروم ونزول قوله تعال ﴿ :ال .غُلَِبتِ الرّومُ .فِي أَدْنَى الَْأرْضِ
ضعِ سِِنيَ لِلّ ِه الْأَمْرُ مِ ْن قَبْلُ وَمِنْ بَ ْعدُ وََيوْمَِئذٍ يَفْ َرحُ
وَ ُهمْ ِمنْ بَ ْعدِ غَلَِب ِهمْ سَيَغْلِبُونَ .فِي ِب ْ
اْل ُمؤْمِنُونَ .بَِنصْرِ اللّهِ يَْنصُرُ مَنْ َيشَاءُ وَ ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ﴾ [الروم.]5-1 :
ث روى عن ابن عباس قال:
كان السلمون يبون أن يظهر الروم على فارس؛ لنم أهل الكتاب ،وكان الشركون يبون
أن تظهر فارس على الروم؛ لنم أهل أوثان ،فذكر ذلك السلمون لب بكر ،فذكر ذلك أبو
بكر للنب صلى ال عليه وسلم ،فقال:
((أما إنم سيظهرون)).
فذكر ذلك أبو بكر للمشركي ،فقالوا :اجعل بيننا وبينك إن ظهروا لك كذا وكذا ،وإن
ظهرنا كان لنا كذا وكذا[ .فجعل أجلً خس سني ،فلم يظهروا].
فذكر ذلك أبو بكر للنب صلى ال عليه وسلم ،فقال:
((أل جعلته – أراه قال - :دون العشر؟)).
فظهرت الروم بعد ذلك.
[]232
وقد أوردنا طرق هذا الديث ف ((التفسي)) ،وذكرنا أن الُنَاخب -أي :الُراهن – لب بكر
أميّة بن خلف ،وأن الرهن كان على خس قلئص ،وأنه كان إل مدة ،فزاد فيها الصديق عن
أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وف الرهن ،وأن غلبة الروم على فارس كان يوم بدر ،أو
كان يوم الديبية .فال أعلم.
فصل ف السراء برسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة إل بيت القدس ث عروجه من
هناك إل السماوات وما رأى هناك من اليات
ذكر ابن عساكر أحاديث السراء ف أوائل البعثة ،وأما ابن إسحاق؛ فذكرها ف هذا الوطن
بعد البعثة بنحو من عشر سني ،وهو ف الظهر.
وقد ذكرنا الحاديث الواردة ف ذلك مستقصاة عند قوله تعال ﴿ :سبحان الذي أسرى
بعبده ليلً من السجد الرام إل السجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو
السميع البصي﴾ [السراء.]1:
فلتكتب من هناك على ما هي عليه من السانيد والعزو ،والكلم عليها ومعها ،ففيها مقنع
وكفاية .ول المد والنة.