You are on page 1of 120

‫صحيح السيرة‬

‫النبوية‬
‫ح من سيرة رسول الله صلى الله‬ ‫ما ص ّ‬
‫عليه وسلم وذكر أيامه‬
‫وغزواته وسراياه والوفود إليه‬
‫للحافظ ابن كثير‬

‫بقلم‬
‫محمد ناصر الدين اللباني‬
‫(رحمه الله تعالى )‬
‫الطبعة الولى‬
‫المكتبة السلمية‬
‫عمان – الردن‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬

‫مقدمة ((صحيح السية النبوية))‪.‬‬


‫إن المد ل ‪ ،‬نمده ونستعينه ونستغفره‪.‬‬
‫ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪.‬‬
‫من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله ال وحده ل شريك له‪.‬‬
‫وأشهد أن ممدا عبده ورسوله‪.‬‬
‫﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال حق تقاته ول توتن إل وأنتم مسلمون﴾ [آل عمران‪:‬‬
‫‪﴿ ،]102‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحد وخلق منها زوجها وبث‬
‫منهما رجالً كثيا ونسا ًء واتقوا ال الذي تساءلون به والرحام إن ال كان عليكم رقيبا﴾‬
‫[النساء‪﴿ ،]1:‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وقولوا قولً سديدا ‪ .‬يصلح لكم أعمالكم ويغفر‬
‫لكم ذنوبكم ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما﴾ [الحزاب‪70 :‬و ‪.]71‬‬
‫أما بعد؛ فإن أصدق الديث كتاب ال‪ ،‬وأحسن الدي هدي ممد صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫وشر المور مدثاتا‪ ،‬وكل مدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة‪ ،‬وكل ضللة ف النار‪.‬‬

‫أما بعد؛ فقد كتب ال ل‪ -‬لسباب شرحتها ف مقدمة ((كشف الستار لبطال أدلة القائلي‬
‫بفناء النار))‪ -‬أن أسافر من بيوت إل الشارقة صحبة أحد إخواننا فيها‪ ،‬وأنزلن جزاه ال‬
‫خيا ف منله‪ ،‬فوجدت ف مكتبته كتابا للشيخ ممد أبو زهرة بعنوان‪(( :‬خات النبيي صلى‬
‫ال عليه وسلم)) ف ملدين‪ ،‬فقلبت فيه بعض الوراق‪ ،‬وتصفحت فيه كثيا من الصفحات‪،‬‬
‫فرأيته قد ‪[ ...‬ل يكمل شيخنا اللبان – رحة ال عليه‪ -‬مقدمته هذه لـ((صحيح السية‬
‫)‬
‫النبوية)) ]‪ .‬الناشر‪.‬‬
‫منهجي ف الكتاب‬

‫‪-1‬حذفت الطرق والشواهدالت يسوقها لتقوية الديث‪ ،‬واعتمدت على الرواية الت‬
‫هي أكمل معن إذا ثبتت‪.‬‬
‫‪-2‬حذفت السند الذي يسوقه كاملً أو ناقصا‪ ،‬واكتفيت منه بذكر اسم الصحاب‬
‫فقط؛ إل لفائدة أو ضرورة‪.‬‬
‫‪-3‬حذفت ما ل سند له أو كان مرسلً أو معضلً؛ إل ما صرح بأنه ممع عليه أو‬
‫نوه‪.‬‬
‫‪-4‬قد ألص أحيانا كلمه ليتناسب مع الختصار الذي يقتضيه اقتصارنا على ما صح‬
‫ما ذكره‪.‬‬
‫‪-5‬قد أستبدل بسياقه سياق الصدر الذي عزاه إليه؛ لنه ف كثي من الحيان يسوقه‬
‫بعناه أو قريبا منه؛ المر الذي حل مققه على أن يقول (ص ‪:)226‬‬
‫‪-6‬استدركت بعض ما فاته تت عنوان‪[ :‬الستدرك]‪.‬‬
‫باب ذكر نسبه الشريف وطيب أصله النيف‬

‫قال ال تعال ‪﴿ :‬ال أعلم حيث يعل رسالته﴾[النعام‪.]124 :‬‬


‫ولا سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك السئلة عن صفاته عليه الصلة والسلم قال‪ :‬كيف‬
‫نسبه فيكم؟ قال‪ :‬هو فينا ذو نسب‪ .‬قال‪ :‬كذلك الرسل تبعث ف أنساب قومها‪ .‬يعن‪ :‬ف‬
‫أكرمها أحسابا‪ ،‬وأكثرها قبيلة‪ ،‬صلوات ال عليهم أجعي‪.‬‬
‫فهو سيد ولد آدم وفخرهم ف الدنيا والخرة‪.‬‬
‫أبو القاسم‪ ،‬وأبو إبراهيم‪ ،‬ممد‪ ،‬وأحد‪ ،‬والاحي الذي يُمحَى به الكفر‪ ،‬والعاقب الذي ما‬
‫بعده نب‪ ،‬والاشر الذي يشر الناس على قدميه‪ ،‬والقفّي‪ ،‬ونب الرحة‪ ،‬ونب التوبة‪ ،‬ونب‬
‫اللحمة‪ ،‬وخات النبيي‪ ،‬وعبد ال‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬وزاد بعض العلماء فقال‪ :‬ساه ال ف القرآن رسولً‪ ،‬نبيا‪ ،‬أميّا‪ ،‬شاهدا‪ ،‬مبشرا‪،‬‬
‫نذيرا‪ ،‬وعيا إل ال بإذنه‪ ،‬وسراجا منيا‪ ،‬ورؤوفا رحيما‪ ،‬ومذكرا‪ ،‬وجعله رحة ونعمة‬
‫وهاديا‪.‬‬
‫وهو ابن عبد ال بن عبد الطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلب ابن مرة بن‬
‫كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزية بن مدركة بن إلياس‬
‫بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‪ ،‬وهو من ولد إساعيل ل مالة؛ على اختلف كم أب‬
‫بينهما‪.‬‬
‫وهذا النسب بذه الصفة ل خلف فيه بي العلماء‪ ،‬فجميع قبائل عرب الجاز ينتمون إل هذا‬
‫النسب‪ ،‬ولذا قال ابن عباس وغيه ف قوله تعال ‪﴿ :‬قل ل أسألكم عليه أجرا إل الودة ف‬
‫القرب﴾ [الشورى‪ :]23 :‬ل يكن بطن من بطون قريش إل ولرسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫نسب يتصل بم‪.‬‬
‫وقد روي من طرق مرسلً وموصولً ‪ :‬أن النب صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((خرجت من نكاح ول أخرج من سفاح؛ من لدن آدم إل أن ولدن أب وأمي‪ ،‬ول يصبن‬
‫من سفاح الاهلية شيء))‪ .‬وهذا رواه ابن عدي عن علي بن أب طالب‪ ،‬وسند الرسل جيد‪.‬‬
‫وثبت ف ((صحيح البخاري)) عن أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫مرج ف ((الحاديث الصحيحة)) (‪.)809‬‬
‫(( بعثت من خي قرون بن آدم؛ قرنا فقرنا؛ حت بعثت من القرن الذي كنت فيه))‪.‬‬
‫وف ((صحيح مسلم)) من حديث واثلة بن السقع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫مرج ف ((الحاديث الصحيحة)) (‪.)302‬‬
‫((إن ال اصطفى من ولد إبراهيم إساعيل‪ ،‬واصطفى من بن إساعيل بن كنانة‪ ،‬واصطفى من‬
‫بن كنانة قريشا‪ ،‬واصطفى من قريش بن هاشم‪ ،‬واصطفان من بن هاشم)) ‪.‬‬
‫وروى المام أحد عن الطلب بن أب وداعة قال‪ :‬قال العباس‪:‬‬
‫بلغه صلى ال عليه وسلم بعض ما يقول الناس؛ قال‪ :‬صعد النب‪ ،‬فقال‪(( :‬من أنا؟))‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫أنت رسول ال ‪ .‬قال‪:‬‬
‫تريج الشكاة (‪ ،)5757‬وصحيح الامع (‪.)1485‬‬
‫((أنا ممد بن عبد ال بن عبد الطلب‪ ،‬إن ال خلق اللق فجعلن ف خي خلقه ‪ ،‬وجعله‬
‫فرقتي فجلعن ف خي فرقة‪ ،‬وخلق القبائل فجعلن ف خي قبيلة‪ ،‬وجعلهم بيوتا فجعلن ف‬
‫خيهم بيتا‪ ،‬فأنا خيكم بيتا وخيكم نفسا))‪ .‬صلوات ال وسلمه عليه دائما أبدا إل يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫وثبت ف ((الصحيح)) أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(صحيح)‬
‫((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة‪ ،‬ول فخر))‪.‬‬
‫باب مولد رسول ال صلى ال عليه وسلم‬

‫ولد صلوات ال علي وسلمه يوم الثني ؛ لا رواه مسلم ف ((صحيحه)) عن أب قتادة أن‬
‫أعرابيا قال‪ :‬يا رسول ال! ما تقول ف صوم يوم الثني؟ فقال‪:‬‬
‫(صحيح)‬
‫((ذاك يوم ولدت فيه‪ ،‬وأنزل علي فيه))‪.‬‬
‫وكان مولده عليه الصلة والسلم عام الفيل‪.‬‬
‫وقد رواه البيهقي عن ابن عباس ‪ .‬وهو الجمع عليه؛ كما قال خليفة بن خياط‪ ،‬توف أبوه عبد‬
‫ال وهو حَمل ف بطن أمه على الشهور‪.‬‬
‫وف الديث الت (ص ‪:)16‬‬
‫ابن إسحاق(‪ )1/175‬وعنه الاكم(‪ )2/600‬وقال‪(( :‬صحيح السناد))‬
‫((‪ ...‬ورؤيا أمي الذي رأت حي حلت ب كأنه خرج منها نور أضاءت لا قصور الشام))‪.‬‬

‫فصل فيما وقع من اليات ليلة مولده عليه الصلة والسلم‬


‫وروى ممد بن إسحاق عن حسان بن ثابت قال‪:‬‬
‫(إسناده حسن)‬
‫وال؛ إن لغلم يفعة؛ ابن سبع سني أو ثان‪ ،‬أعقل كل ما سعت‪ ،‬إذ سعت يهوديا يصرخ‬
‫بأعلى صوته على أطمة بـ(يثرب)‪ :‬يا معشر يهود! حت إذا اجتمعوا إليه قالوا له‪ :‬ويلك‬
‫مالك؟! قال ‪ :‬طلع الليلة نم أحد الذي ولد به‪.‬‬
‫وروى أبو نعيم وممد بن حيان عن أسامة بن زيد قال‪ :‬قال زيد بن عمرو ابن نفيل‪:‬‬
‫(سنده حسن)‬
‫قال ل حب من أحبار الشام‪ :‬قد خرج ف بلدك نب‪ ،‬أو هو خارج‪ ،‬قد خرج نمه‪ ،‬فارجع‬
‫فصدقه واتبعه‪.‬‬
‫ذكر ارتاس اليوان وسقوط الشرفات‬
‫وخود النيان ورؤيا الوبذان‬
‫وغي ذلك من الدللت‬
‫(ليس فيه شيء)‬

‫ذكر حواضنه ومراضعه عليه الصلة والسلم‬


‫أخرج البخاري ومسلم عن أم حبيبة بنت أب سفيان [أنا] قالت‪ :‬يا رسول ال! انكِح أخت‬
‫بنت أب سفيان (ولسلم‪ :‬عزة بنت أب سفيان)‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬أو‬
‫تبي ذلك؟))‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ ،‬لست لك بخْلِيَة‪ ،‬وأَحبّ من شاركن ف خي أخت‪ .‬فقال‪(( :‬فإن‬
‫ذلك ل يل ل))‪ .‬قالت‪ :‬فإنا ندّث انك تريد أن تنكح بنت أب سلمة (وف رواية‪ُ :‬درّة بنت‬
‫أب سلمة)‪ .‬قال‪(( :‬بنت أم سلمة؟!))‪ .‬قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((إنا لو ل تكن ربيبت ف حجري ما حلت ل‪ ،‬إنا لبنة أخي من الرضاعة‪ ،‬أرضعتن وأبا‬
‫سلمة ثويبة‪ ،‬فل تعرضنّ عليّ بناتكن ول أخواتكن))‪.‬‬
‫زاد البخاري‪ :‬قال عروة ‪ :‬وثويبة مولة لب لب أعتقها‪ ،‬فأرضعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وروى ابن إسحاق عن نفر من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا له‪ :‬يا رسول‬
‫ال! أخبنا عن نفسك‪ .‬قال‪:‬‬
‫((نعم؛ أنا دعوة أب إبراهيم‪ ،‬وبشرى عيسى‪ ،‬ورأت أمي حي حلت ب أنه خرج منها نور‬
‫أضاء لا قصور الشام‪.‬‬
‫واسترضعتُ ف بن سعد بن بكر؛ فبينا أنا مع أخٍ ل خلف بيوتنا نرعى بما لنا‪ ،‬إذ أتان‬
‫رجلن‪ -‬عليهما ثياب بيض‪ -‬بطست من ذهب ملوء ثلجا‪ ،‬ث أخذان فشقا بطن‪،‬‬
‫واستخرجا قلب فشقّاه‪ ،‬فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ‪ ،‬ث غسل قلب وبطن بذلك‬
‫الثلج حت أنقياه‪ ،‬ث قال أحدها لصاحبه‪ :‬زِنْه بعشرة من أمته‪ .‬فوزنن بم فوزنتهم‪ ،‬ث قال‪:‬‬
‫زنه بئة من أمته‪ .‬فوزنن بم فوزنتهم‪ ،‬ث قال‪ :‬زنه بألف من أمته‪ .‬فوزنن بم فوزنتهم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫دعه عنك‪ ،‬فولل لو وزنته بأمته لوزنا))‪.‬‬
‫وإسناده جيد قوي‪.‬‬
‫وقد روى أحد وأبو نعيم ف ((الدلئل)) عن عتبة بن عبد‪ :‬أن رجلً سأل النب صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال‪ :‬كيف كان أول شأنك يا رسول ال؟ قال‪:‬‬
‫الصحيحة (‪)373‬‬
‫((كانت حاضنت من بن سعد بن بكر‪ ،‬فانطلقت أنا وابن لا ف بم لنا‪ ،‬ول نأخذ معنا زادا‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أخي! اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا‪ .‬فانطلق أخي ومكثت عند البهم‪ ،‬فأقبل طائران‬
‫أبيضان كأنما نسران‪ ،‬فقال أحدها لصاحبه‪ :‬أهو هو؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬فأقبلً يبتدران‪ ،‬فأخذان‬
‫فبطحان للقفا‪ ،‬فشقا بطن‪ ،‬ث استخرجا قلب فشقاه‪ ،‬فاخرجا منه علقتي سوداوين‪ ،‬فقال‬
‫أحدها لصاحبه‪ :‬ائتن باء وثلج‪ ،‬فغسل به جوف‪ ،‬ث قال‪ :‬ائتن باء برد ‪ ،‬فغسل به قلب‪ ،‬ث‬
‫قال‪ :‬ائتن بالسكينة‪ .‬فذرها ف قلب‪ ،‬ث قال أحدها لصاحبه‪ :‬خطه‪ .‬فخاطه‪ ،‬وختم على قلب‬
‫بات النبوية‪ ،‬فقال أحدها ‪ :‬اجعله ف كفة‪ ،‬واجعل ألفا من أمته ف كفة‪ .‬فإذا أنا أنظر إل‬
‫اللف فوق؛ أشفق أن ير عليّ بعضهم‪ ،‬فقال‪ :‬لو أن أمته وزنت به لال بم‪ ،‬ث انطلقا‬
‫فتركان‪ ،‬وفرقتُ فرقي شديدا‪ ،‬ث انطلقت إل أمي فأخبتا بالذي لقيت‪ ،‬فأشفقت أن يكون‬
‫قد لبس ب‪ ،‬فقالت‪ :‬أعيذك بال‪ .‬فرحلت بعيا لا‪ ،‬وحلتن على الرحل‪ ،‬وركبت خلفي‪،‬‬
‫حت بلغنا إل أمي‪ ،‬فقالت‪ :‬أديت أمانت وذمت‪ ،‬وحدثتها بالذي لقيتُ‪ ،‬فلم يرُعها‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫إن رأيت خرج من نور أضاءت منه قصور الشام))‪.‬‬
‫وثبت ف ((صحيح مسلم)) عن أنس بن مالك‪:‬‬
‫(صحيح)‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه جبيل عليه السلم وهو يلعب مع الغلمان‪ ،‬فأخذه‬
‫فصرعه‪ ،‬فشق عن قلبه‪ ،‬فاستخرج القلب‪ ،‬واستخرج معه علقة سوداء‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حظ‬
‫الشيطان‪ .‬ث غسله ف طست من ذهب باء زمزم‪ ،‬ث لمَهُ‪ ،‬ث أعاده ف مكانه‪ ،‬وجاء الغلمان‬
‫يسعون إل أمه – يعن‪ :‬ظئره‪ -‬فقالوا‪ :‬إن ممدا قد قتل‪ .‬فاستقبلوه وهو منتقع اللون‪ .‬قال‬
‫أنس‪ :‬وقد كنت أرى ذلك الخيط ف صدره‪.‬‬
‫وف ((الصحيحي)) عن أنس‪ ،‬وعن مالك بن صعصعة عن النب صلى ال عليه وسلم ف‬
‫حديث السراء – كما سيأت – قصة شرح الصدر ليلتئذٍ‪ ،‬وأنه غسل باء زمزم‪.‬‬
‫ول منافاة لحتمال وقوع ذلك مرتي‪ :‬مرة وهو صغي؛ ومرة ليلة السراء ليتأهب للوفود إل‬
‫الل العلى‪ ،‬ولناجاة الرب عز وجل‪ ،‬والثول بي يديه سبحانه وتعإل ‪.‬‬
‫والقصود أن بركته عليه الصلة والسلم حلت على حليمة السعدية وأهلها وهو صغي ‪ ،‬ث‬
‫عادت على هوازن‪ -‬بكمالم‪ -‬فواضله حي أسرهم بعد وقعتهم‪ ،‬وذلك بعد فتح مكة بشهر‪،‬‬
‫فمتّوا إليه برضاعه فأعتقهم‪ ،‬تنن عليهم‪ ،‬وأحسن إليهم؛ كما سيأت مفصلً ف موضعه إن‬
‫شاء ال تعال ‪.‬‬
‫قال ممد بن إسحاق ف وقعة (هوازن)‪ :‬عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪:‬‬
‫كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بـ(حني)‪ ،‬فلما أصاب من أموالم وسباياهم؛ أدركه‬
‫وفد هوازن بالعرانة وقد أسلموا‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال! إنا أهل وعشية‪ ،‬وقد أصابنا من‬
‫البلء ما ل يف عليك‪ ،‬فامنن علينا من ال عليك‪ .‬وقام خطيبهم زهي بن صرد فقال‪ :‬يا‬
‫رسول ال! إن ما ف الظائر من السبايا خالتك وحواضنك اللت كن يكفلنك‪ ،‬فلو أنا‬
‫ملحنا ابن أب شر‪ ،‬أو النعمان بن النذر‪ ،‬ث أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك؛ رجونا‬
‫عائدتما وعطفهما‪ ،‬وأنت خي الكفولي‪ .‬ث أنشد‬
‫فإنك الرء نرجوه وندخر‬ ‫امنن علينا رسول ال ف كرم‬
‫مزق شلها ف دهرها غي‬ ‫امنن على بيضة قد عاقها قدر‬
‫على قلوبم الغماء والغمر‬ ‫أبقت لنا الدهر هتافا على حزن‬
‫يا أرجح الناس حلما حي يتب‬ ‫إن ل تداركها نعماء تنشرها‬
‫إذ فوك يلؤه من مضها درر‬ ‫امنن على نسوة قد كنت ترضعها‬
‫وإذ يزينك ما تأت وما تذر‬ ‫امنن على نسوة قد كنت ترضعها‬
‫واستبق منا فإنا معشر زهر‬ ‫ل تعلنا كمن شالت نعامته‬
‫وعندنا بعد هذا اليوم مدخر‬ ‫إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت‬

‫وقد رويت هذه القصة عن أب صرد زهي بن جرول‪ -‬وكان رئيس قومه – قال‪:‬‬
‫لا أسرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حني؛ فبينا هو ييزالرجال والنساء‪ ،‬وثبت حت‬
‫قعدت بي يديه‪ ،‬وأسعته شعرا أذكرّه حي شب ونشأ ف (هوازن) حي أرضعوه‪:‬‬
‫فإنك الرء نرجوه وننتظر‬ ‫امنن علينا رسول ال ف دعة‬
‫مزق شلها ف دهرها غي‬ ‫امنن على بيضة قد عاقها قدر‬
‫على قلوبم الغمّاء والغمر‬ ‫أبقت لنا الرب هتّافا على حزن‬
‫يا أرجح الناس حلما حي يتب‬ ‫إن ل تداركها نعماء تنشرها‬
‫إذ فوك تلؤه من مضها الدرر‬ ‫امنن على نسوة قد كنت ترضعها‬
‫وإذ يزينك ما تأت وما تذر‬ ‫إذ أنت طفل صغي كنت ترضعها‬
‫واستبق منافإنا معشر زُهُرُ‬ ‫ل تعلنا كمن شالت نعامته‬
‫وعندنا بعد هذا اليوم مدخر‬ ‫إنا لنشكر للنعمى وإن كفرت‬
‫من أمهاتك إن العفو مشتهر‬ ‫فألبس العفو من قد كنت ترضعه‬
‫هذا البية إذ تعفو وتنتصر‬ ‫إنا نؤمل عفوا منك تلبسه‬
‫يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر‬ ‫فاغفر عفا ال عما أنت راهبه‬

‫قال‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬


‫((أمّا ما كان ل ولبن عبد الطلب فهو ل ولكم))‪.‬‬
‫فقالت النصار ‪ :‬وما كان لنا فهو ل ولرسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وسيأت أنه عليه الصلة والسلم أطلق لم الذرية‪ ،‬وكانت ستة آلف ما بي صب وامرأة‪،‬‬
‫وأعطاهم أنعاما وأناسي كثرا‪.‬‬
‫فهذا كله من بركته العاجلة ف الدنيا‪ ،‬فكيف ببكته على من اتبعه ف الدار الخرة؟!‬
‫فصل‬
‫روى المام أحد عن بريدة قال‪:‬‬
‫خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حت إذا كنا بـ(ودّان) قال‪:‬‬
‫((مكانكم حت آتيكم))‪ .‬فانطلق‪ ،‬ث جاءنا وهو ثقيل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((إن أتيت قب أم ممد‪ ،‬فسألت رب الشفاعة‪ -‬يعن ‪ :‬لا ‪ -‬فمنعنيها‪ ،‬وإن كنت نيتكم عن‬
‫زيارة القبور فزوروها))‪.‬‬
‫ورواه البيهقي من طريق أخرى عنه بلفظ‪:‬‬
‫انتهى النب صلى ال عليه وسلم إل رسم قبٍ فجلس‪ ،‬وجلس الناس حوله‪ ،‬فجعل يرك رأسه‬
‫كالخاطب‪ ،‬ث بكى‪ ،‬فاستقبله عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك يا رسول ال؟ قال‪:‬‬
‫((هذا قب آمنة بنت وهب‪ ،‬استأذنت رب ف أن أزور قبها فأذن ل‪ ،‬واستأذنته ف الستغفار‬
‫لا فأب عليّ‪ ،‬وأدركتن رقتها فبكيت))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما رأيت ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة‪.‬‬
‫ورواه البيهقي من طريق أخرى نوه‪.‬‬
‫وهو والاكم من حديث عبد ال بن مسعود‪.‬‬
‫وروى مسلم عن أب هريرة قال‪:‬‬
‫زار النب صلى ال عليه وسلم قب أمه‪ ،‬فبكى وأبكى من حوله‪ ،‬ث قال‪:‬‬
‫((استأذنت رب ف زيارة قب أمي فأذن ل‪ ،‬واستأذنته ف الستغفار لا فلم يأذن ل‪ ،‬فزوروا‬
‫القبور تذكركم الوت))‪.‬‬
‫وورى مسلم أيضا عن أنس‪:‬‬
‫أن رجلً قال‪ :‬يا رسول ال! أين أب؟ قال‪(( :‬ف النار))‪ .‬فلما قفّى دعاه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((إن أب وأباك ف النار))‪.‬‬
‫وقد روى البيهقي عن عامر بن سعد عن أبيه قال‪:‬‬
‫جاء أعراب إل النب صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن أب كان يصل وكان وكان‪ ،‬فأين هو؟‬
‫قال‪(( :‬ف النار))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكأ ّن العراب وجد من ذلك ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال! أين أبوك؟ قال‪:‬‬
‫((حيثما مررت بقب كافر فبشره بالنار))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأسلم العراب بعد ذلك فقال‪ :‬لقد كلفن رسول ال صلى ال عليه وسلم تعبا؛ ما‬
‫مررت بقب كافر إل بشرته بالنار‪.‬‬
‫والقصود أن عبد الطلب مات على ما كان عليه من دين الاهلية؛ خلفا لفرقة الشيعة فيه‪،‬‬
‫وف ابنه أب طالب؛ على ما سيأت ف (وفاة أب طالب)‪.‬‬
‫وقد قال البيهقي بعد روايته هذه الحاديث ف كتابه((دلئل النبوة))‪:‬‬
‫((وكيف ل يكون أبواه وجده عليه الصلة والسلم بذه الصفة ف الخرة وقد كانوا يعبدون‬
‫الوثن‪ ،‬حت ماتوا ول يدينوا بدين عيسى ابن مري عليه السلم‪ ،‬وكفرهم ل يقدح ف نسبه‬
‫عليه الصلة والسلم؛ لن أنكحة الكفار صحيحة‪ ،‬أل تراهم يسلمون مع زوجاتم؛ فل‬
‫يلزمهم تديد العقد ول مفارقتهن‪ ،‬إذ كان مثله يوز ف السلم ‪ .‬وبال التوفيق))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإخباره صلى ال عليه وسلم عن أبويه وجده عبد الطلب بأنم من أهل النار؛ ل يناف‬
‫الديث الوارد من طرق متعددة أن أهل الفترة والطفال والجاني والصم يتحنون ف‬
‫العرصات يوم القيامة؛ كما بسطناه سندا ومتنا ف ((تفسينا)) عند قوله تعال ‪﴿ :‬وما كنا‬
‫معذبي حت نبعث رسولً﴾ [السراء‪ .]15 :‬فيكون منهم من ييب‪ ،‬ومنهم من ل ييب‪،‬‬
‫فيكون هؤلء من جلة من ل ييب‪ ،‬فل منافاة‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬
‫خروجه عليه الصلة والسلم مع عمه أب طالب إل الشام وقصته مع بيى الراهب‬
‫روى الافظ أبو بكر الرائطي من طريق يونس بن أي إسحاق عن أب بكر بن أب موسى عن‬
‫أبيه قال‪:‬‬
‫خرج أبو طالب إل الشام ومعه رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أشياخ من قريش‪ ،‬لا‬
‫أشرفوا على الراهب‪ -‬يعن ‪ :‬بيى‪ -‬هبطوا فحلوا رحالم‪ ،‬فخرج إليهم الراهب‪ ،‬وكانوا قبل‬
‫ذلك يرون به فل يرج ول يلتفت إليهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فنل وهم يلون رحالم ‪ ،‬فجعل يتخللهم حت جاء فأخذ بيد النب صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬ذا سيد العالي (وف رواية البيهقي زيادة‪ :‬هذا رسول رب العالي؛ يبعثه ال رحة‬
‫للعالي)‪.‬‬
‫فقال له أشياخ من قريش‪ :‬وما علمك؟ فقال‪ :‬إنكم حي أشرفتم من العقبة ل يبق شجر ول‬
‫حجر إل خر ساجدا‪ ،‬ول يسجدون إل لنب‪ ،‬وإن أعرفه بات النبوة أسفل من غضروف‬
‫كتفه‪.‬‬
‫ث رجع فصنع هم طعاما‪ ،‬فلما أتاهم به‪ -‬وكان هو ف رعية البل‪ -‬فقال‪:‬‬
‫أرسلوا إليه‪ .‬فأقبل وغمامة تظله‪ ،‬فلما دنا من القوم قال‪ :‬انظروا إليه عليه غمامة! فلما دنا‬
‫القوم وجدهم قد سبقوه إل فء شجرة‪ ،‬فلما جلس مال فء الشجرة عليه‪ ،‬قال‪ :‬انظروا إل‬
‫فء الشجرة مال عليه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبينما هو قائم عليهم وهو ينشدهم أل يذهبوا به إل الروم‪ ،‬فإن الروم إن رأوه عرفوه‬
‫بالصفة فقلتوه‪ ،‬فالتفت‪ ،‬فإذا هو سبعة نفر من الروم قد أقبلوا‪ ،‬قال‪ :‬فاستقبلهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما جاء‬
‫بكم؟ قالوا‪ :‬جئنا أن هذا النب خارج ف هذا الشهر‪ ،‬فلم يبق طريق إل بعث إليه ناس وإنا‬
‫أخبنا خبه إل طريقك هذه‪ .‬قال‪ :‬فهل خلفكم أحد هو خي منكم؟ قالوا‪ :‬ل؛ إنا أخبنا‬
‫خبه إل طريقك هذه‪ .‬قال‪ :‬أفرأيتم أمرا أراد ال أن يقضيه؛ هل يستيع أحد رده؟ قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبايعوه وأقاموا معه عنده‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فقال الراهب‪ :‬أنشدكم ال أيكم وليه؟ قالوا‪ :‬أبو طالب‪.‬‬
‫فلم يزل يناشده حت رده‪ ،‬وبعث معه أبو بكر بللً‪ ،‬وزوده الراهب من الكعك والزيت‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي والاكم والبيهقي وابن عساكر وغي واحد من الفاظ وقال الترمذي ‪:‬‬
‫((حسن غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فيه ن الغرائب أنه مرسلت الصحابة؛ فإن أبا موسى الشعري إنا قدم ف سنة خيب‬
‫سنة سبع من الجرة‪ ،‬فهو مرسل‪ ،‬فإن هذه القصة كانت ولرسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫العمر فيما ذكره ثنتا عشرة سنة‪ ،‬ولعل أبا موسى تلقاه من النب صلى ال عليه وسلم فيكون‬
‫أبلغ‪ ،‬أو من بعض كبار الصحابة رضي ال عنهم‪ ،‬أو كان هذا مشهور مذكورا أخذه من‬
‫طريق الستفاضة‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن عائشة رضي ال عنها عن النب صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((ما زالت قريش كاعّة حت توف أبو طالب))‪.‬‬
‫أخرجه الاكم (‪ )2/622‬وقال‪(( :‬صحيح على شرط الشيخي))‪.‬‬
‫جدّر‪ ،‬ول يرج له الشيخان‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬فالسناد جيد‪ .‬وسيذكره الؤلف‬ ‫قلت‪ :‬فيه عقبة ال َ‬
‫رحه ال بلفظ آخر من رواية ابن إسحاق ف (وفاة أب طالب) مع روايات أخرى تناسب هذا‬
‫الفصل‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف منشئه عليه الصلة والسلم ومرباه وكفاية ال له وحياطته وكيف كان يتيما فآواه‬
‫وعائلً فأغناه‬
‫قال جابر بن عبد ال‪:‬‬
‫لا بنيت الكعبة ذهب رسول ال صلى ال عليه وسلم ينقل الجارة‪ ،‬فقال العباس لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اجعل إزارك على عاتقك من الجارة‪ .‬ففعل‪ ،‬فخرّ إل الرض‪،‬‬
‫وطمحت عيناه إل السماء‪ ،‬ث قام فقال‪(( :‬إزاري))‪ .‬فشد عليه إزاره‪.‬‬
‫أخرجاه ف ((الصحيحي))‪.‬‬
‫وروى البيهقي عن زيد بن حارثة قال‪:‬‬
‫(إسناده حسن)‬
‫كان صنم من ناس‪ -‬يقال له‪( :‬إساف) و(نائلة)‪ -‬يتمسح به الشركون إذا طافوا‪ ،‬فطاف‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وطفت معه‪ ،‬فلما مررت مسحت به‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪(( :‬ل تسه))‪ .‬قال زيد‪ :‬فطفنا‪ ،‬فقلت ف نفسي‪ :‬لمسنه حت أنظر ما يكون‪.‬‬
‫فمسحته‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬أل تُنه؟!))‪ .‬زاد غيه‪ :‬قال زيد‪ :‬فوالذي‬
‫أكرمه وأنزل عليه الكتاب؛ ما استلم صنما قط حت أكرمه ال تعال بالذي أكرمه وأنزل‬
‫عليه))‪.‬‬
‫وثبت ف الديث أنه كان ل يقف بالزدلفة ليلة عرفة؛ بل كان يقف مع الناس بـ(عرفات)؛‬
‫كما قال ممد بن إسحاق ‪ ...‬عن نافع بن جبي بن مطعم عن أبيه جبي قال‪:‬‬
‫لقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على دين قومه‪ ،‬وهو يقف على بعي له‬
‫بـ(عرفات) من بي قومه‪ ،‬حت يدفع معهم؛ توفيقا من ال عز وجل له‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬معن قوله‪(( :‬على دين قومه))‪ :‬ما كان بقي من إرث إبراهيم وإساعيل عليهما‬
‫السلم‪ ،‬ول يشرك بال قط؛ صلوات ال وسلمه عليه دائما أبدا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويفهم من قوله هذا أيضا أنه كان يقف بـ(عرفات) قبل أن يوحى إليه‪ ،‬وهذا توفيق‬
‫من ال له‪.‬‬
‫ورواه المام أحد والطبان (‪ )1577‬عن ممد بن إسحاق‪ ،‬ولفظه‪:‬‬
‫رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم – قبل أن ينل عليه – وإنه لواقف على بعي له مع‬
‫الناس بـ(عرفات) حت يدفع معهم توفيقا من ال‪.‬‬
‫وله شاهد من حديث ربيعة بن عباد رواه الطبان (‪.)4592‬‬
‫ورواه المام أحد من طريق أخرى عن جبي بن مطعم قال‪:‬‬
‫أضللت بعيا ل بـ(عرنة)‪ ،‬فذهبت أطلبه‪ ،‬فإذا النب صلى ال عليه وسلم واقف‪ ،‬فقلت‪ :‬إن‬
‫هذا من (المس)؛ ما شأنه ها هنا؟!‬
‫وأخرجاه‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫وعن سال بن عبد ال أنه سع ابن عمر يدث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل (بلدح)‪ ،‬وذلك قبل أن ينل على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم الوحي‪ ،‬فقدم إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم سفرة فيها لم‪ ،‬فأب أن يأكل‬
‫منه وقال‪ :‬إن ل آكل ما تذبون على أنصابكم ‪ ،‬ول آكل ما ل يذكر اسم ال عليه‪.‬‬
‫أخرجه أحد (‪ ،)2/89‬وإسناده صحيح على شرط الشيخي‪ ،‬وانظر ‪(( :‬السية)) للذهب‬
‫(ص ‪.)44‬‬
‫وله شاهد من حديث سعيد بن زيد أت منه‪.‬‬
‫أخرجه الطبان ف ((الكبي)) (‪ ،)350‬وعنه الذهب (ص ‪.)46‬‬
‫وف رواية ‪ :‬عن زيد بن حارثة عند الطبان (‪ 4663‬و ‪ ،)4664‬والاكم (‪-3/216‬‬
‫‪ ،)217‬وانظر‪(( :‬ممع الزوائد)) (‪[ .)9/418‬انتهى الستدرك]‪.‬‬

‫شهوده عليه الصلة والسلم حلف الفضول‬


‫روى الافظ البيهقي بسنده عن جبي بن مطعم قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( شهدت مع عمومت حلف الطيبي‪ ،‬فما أحب أن أنكُثه‪ -‬أو كلمة نوها – وأن ل ُحمْر‬
‫النعم))‪.‬‬
‫ث روى البيهقى عن عمر بن أب سلمة عن أبيه عن أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫(إسناده حسن)‬
‫(( ما شهدت حلفا لقريش إل حلف الطيبي‪ ،‬وما أحب أن ل حر النعم وأن كنت‬
‫نقضته))‪.‬‬
‫قال‪ :‬و(الطيبون)‪ :‬هاشم ‪ ،‬وأمية ‪ ،‬وزهرة‪ ،‬ومزوم‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬كذا روى هذا التفسي مدرجا ف الديث‪ ،‬ول أدري قائله‪ .‬وزعم بعض أهل‬
‫السي أنه أراد حلف الفضول؛ فإن النب صلى ال عليه وسلم ل يدرك حلف الطيبي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ل شك فيه‪ ،‬وذلك أن قريشا تالفوا بعد موت قصي‪ ،‬وتنازعوا ف الذي جعله‬
‫قصي لبنه عبد الدار من الساقية‪ ،‬والرفادة‪ ،‬واللواء‪ ،‬والندوة‪ ،‬والجابة‪ ،‬ونازعهم فيه بنو عبد‬
‫مناف‪ ،‬وقامت مع كل طائفة قبائل من قريش‪ ،‬وتالفوا على النصرة لزبم‪ ،‬فأحضر أصحاب‬
‫بن عبد مناف جفنة فيها طيب‪ ،‬فوضعوا أيديهم فيها وتالفوا‪ ،‬فلما قاموا مسحوا أيديهم‬
‫بأركان البيت‪ ،‬فسموا الطيبي؛ كما تقدم‪ ،‬وكان هذا قديا‪.‬‬
‫ولكن الراد بذا اللف حلف الفضول‪ ،‬وكان ف دار عبد ال بن جدعان؛ كما رواه الميدي‬
‫وابن إسحاق‪.‬‬
‫وكان حلف الفضول أكرم حلف سُمع به وأشرفه ف العرب‪.‬‬
‫روى ابن إسحاق عن ممد بن إبراهيم بن الارث التيمي‪:‬‬
‫أنه كان بي السي بن علي بن أب طالب وبي الوليد بن عتبة بن أب سفيان – والوليد يومئذ‬
‫أمي الدينة‪ ،‬أمّره عليها عمه معاوية بن أب سفيان – منازعة ف مال كان بينهما بـ(ذي‬
‫الروة)‪ ،‬فكأن الوليد تامل على السي ف حقه لسلطانه‪ ،‬فقال له السي‪ :‬أحلف بال‬
‫لتنصفن من حقي أو لخذن سيفي‪ ،‬ث لقومن ف مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ث‬
‫لدعون بلف الفضول‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال عبد ال بن الزبي‪ -‬وهو عند الوليد حيث قال له السي ما قال‪ : -‬وأنا أحلف‬
‫بال لئن دعا به لخذن سيفي‪ ،‬ث لقومن معه من حقه أو نوت جيعا‪ .‬قال‪:‬‬
‫وبلغت السور بن مرمة بن نوفل الزهري‪ ،‬فقال مثل ذلك‪.‬‬
‫وبلغت عبد الرحن بن عثمان بن عبيد ال التميمي‪ ،‬فقال مثل ذلك‪.‬‬
‫فلما بلغ ذلك الوليد بن عتبة أنصف السي من حقه حت رضي‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تزويه عليه الصلة والسلم خدية بنت خويلد ابن أسد بن عبد العزى بن قصي‬
‫قال البيهقي باب ما كان يشتغل به رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يتزوج خدية))‪.‬‬
‫ث روى بإسناده عن أب هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((ما بعث ال نبيا إل راعي غنم))‪ .‬فقال له أصحابه‪ :‬وأنت يا رسول ال؟ قال‪:‬‬
‫((وأنا رعيتها لهل مكة بالقراريط))‪.‬‬
‫ورواه البخاري‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫ما غرت على نساء النب صلى ال عليه وسلم إل على خدية‪ ،‬وإن ل أدركها‪ .‬قالت‪ :‬وكان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ذبح الشاة يقول‪(( :‬أرسلوا با إل أصدقاء خدية ))‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فأغضبته يوما فقلت‪ :‬خدية؟ فقال‪(( :‬إن رزقت حبها))‪.‬‬
‫رواه مسلم (‪[ .)7/134‬انتهى الستدرك]‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تديد قريش بناء الكعبة قبل البعث بمس سني‬
‫قال ال تعال ‪﴿ :‬إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالي‪ .‬فيه آيات‬
‫بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ول على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلً﴾‬
‫[آل عمران‪ 96 :‬و ‪.]97‬‬
‫وثبت ف ((الصحيحي)) عن أب ذر قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال! أي مسجد وضع أول؟ قال‪(( :‬السجد الرام))‪ .‬قلت‪ :‬ث أيّ؟ قال‪:‬‬
‫((السجد القصى))‪ .‬قلت‪ :‬كم بينهما؟ قال‪(( :‬أربعون سنة))‪.‬‬
‫وقد تكلمنا على هذا وأن السجد القصى أسسه إسرائيل‪ ،‬وهو يعقوب عليه السلم‪.‬‬
‫وف ((الصحيحي))‪(( :‬إن هذا البلد حرمه ال يوم خلق السماوات والرض‪ ،‬فهو حرام برمة‬
‫ال إل يوم القيامة))‪.‬‬
‫وف ((صحيح البخاري)) من حديث ابن عباس قال‪:‬‬
‫((أول ما اتذ النساء النطق من قبل أم إساعيل‪ ،‬اتذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة‪ ،‬ث‬
‫جاء با إبراهيم وبابنها إساعيل وهي ترضعه حت وضعهما عند البيت؛ عند دوحة فوق زمزم‬
‫ف أعلى السجد‪ ،‬وليس بكة يومئذ أحد‪ ،‬وليس با ماء‪ ،‬فوضعهما هنالك‪ ،‬ووضع عندها‬
‫جرابا فيه تر‪ ،‬وسقاءً فيه ماء‪ .‬ث قفى إبراهيم منطلقا‪ ،‬فتبعته أم إساعيل‪ ،‬فقالت‪ :‬يا إبراهيم!‬
‫أين تذهب وتتركنا بذا الوادي الذي ليس فيه إنس ول شيء ؟! فقالت له ذلك مرارا‪ ،‬وجعل‬
‫ل يلتفت إليها‪ .‬فقالت له‪ :‬آل الذي أمرك بذا؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قالت‪ :‬إذا ل يضيعنا‪ .‬ث رجعت‪،‬‬
‫فانطلق إبراهيم‪ ،‬حت إذا كان عند الثنية حيث ل يرونه استقبل بوجهه البيت‪ ،‬ث دعا بؤلء‬
‫الكلمات ورفع يديه؛ فقال‪﴿ :‬ربنا إن أسكنت من ذريت بواد غي ذي زرع عند بيتك‬
‫الحرم ربنا ليقيموا الصلة فاجعل أفئدة من الناس توي إليه وارزقهم من الثمرات لعلهم‬
‫يشكرون ﴾[إبراهيم ‪ ،]37 :‬وجعلت أم إساعيل ترضع إساعيل وتشرب من ذلك الاء‪ ،‬حت‬
‫إذا نفد ما ف السقاء عطشت وعطش ابنها‪ ،‬وجعلت تنظر إليه يتلوى – أو قال‪ :‬يتلبط –‬
‫فانطلقت كراهية أن تنظر إليه‪ ،‬فوجدت الصفا أقرب جبل ف الرض يليها‪ ،‬فقامت عليه ‪ ،‬ث‬
‫استقبلت الوادي تنظر؛ هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا‪ ،‬فهبطت من الصفا‪ ،‬حت إذا بلغت‬
‫الوادي رفعت طرف درعها ث سعت سعي النسان الجهود‪ ،‬حت جاوزت الوادي‪ ،‬ث أتت‬
‫الروة فقامت عليها ونظرت؛ هل ترى أحدا؟ فلم تر أحدا‪ ،‬ففعلت ذلك سبع مرات‪ .‬قال ابن‬
‫عباس‪ :‬قال النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((فلذلك سعى الناس بينهما))‪.‬‬
‫فلما أشرفت على الروة سعت صوتا؛ فقالت‪ :‬صه! – تريد ‪ :‬نفسها – ث تسمعت‪ ،‬فسمعت‬
‫أيضا‪ ،‬فقالت‪ :‬قد أسعت إن كان عندك غواثٌ‪ .‬فإذا هي باللك عند موضع زمزم ‪ ،‬فبحث‬
‫بعقبه – أو قال‪ :‬بناحه – حت ظهر الاء‪ ،‬فجعلت توضه وتقول بيدها هكذا‪،‬وجعلت تغرف‬
‫من الاء ف سقائها‪ ،‬وهو يفور بعدما تغرف‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬قال النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((يرحم ال أم إساعيل ! لو تركت زمزم – أو قال‪ :‬لو ل تغرف من الاء – لكانت زمزم‬
‫عينا معينا))‪.‬‬
‫[قال]‪ :‬فشربت وأرضعت ولدها‪ ،‬فقال لا اللك‪ :‬ل تافوا الضيعة؛ فإن ها هنا بيت ال ؛ يبن‬
‫هذا الغلم وأبوه‪ ،‬فإن ال ل يُضيع أهله‪.‬‬
‫وكان البيت مرتفعا من الرض كالرابية؛ تأتيه السيول فتأخذ عن يينه وشاله‪.‬‬
‫فكانت كذلك حت مرت بم رُفقة من جرهم – أو ‪ :‬أهل بيت من جرهم‪ -‬مقبلي من طريق‬
‫(كداء) ‪ ،‬فنلوا ف أسفل مكة‪ ،‬فرأوا طائرا عائفا‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن هذا الطائر ليدور على ماء!‬
‫لعهدنا بذا الوادي وما فيه ماء! فأرسلوا جريا أو جريي‪ ،‬فإذا هم بالاء‪ ،‬فرجعوا فأخبوهم‬
‫بالاء‪ ،‬فأقبلوا – قال‪ :‬وأم إساعيل عند الاء – فقالوا‪ :‬أتأذني لنا أن ننل عندك؟ فقالت‪ :‬نعم؛‬
‫ولكن ل حق لكم ف الاء‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال عبد ال بن عباس‪ :‬قال النب صلى ال عليه وسلم‬
‫‪:‬‬
‫((فألفى ذلك أمّ إساعيل وهي تب النس))‪.‬‬
‫فنلوا وأرسلوا إل أهليهم فنلوا معهم‪ ،‬حت إذا كان با أهل أبيات منهم‪ ،‬وشب الغلم وتعلم‬
‫العربية منهم‪ ،‬وأنفسهم وأعجبهم حي شبّ؛ فلما أدرك زوجوه امرأةً منهم‪ ،‬وماتت أم‬
‫إساعيل‪ ،‬فجاء إبراهيم بعدما تزوج إساعيل يُطالع تركته‪ ،‬فلم يد إساعيل‪ ،‬فسأل امرأته‬
‫[عنه] ‪ ،‬فقالت‪ :‬خرج يبتغي لنا‪ .‬ث سألا عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت‪ :‬نن بشر‪ ،‬نن ف‬
‫ضيق وشدة‪ .‬فشكت إليه‪ ،‬قال‪ :‬فإذا جاء زووجك فاقرئي عليه السلم‪ ،‬وقول له‪ :‬يُغي عتبة‬
‫بابه‪ .‬فلما جاء إساعيل كأنه أنس شيئا‪ ،‬فقال‪ :‬هل جاءكم من أحد؟ قالت‪ :‬نعم؛ جاءنا شيخ‬
‫كذا وكذا‪ ،‬فسألنا عنك فأخبته‪ ،‬وسألن‪:‬‬
‫كيف عيشنا؟ فأخبته أنا ف جهد وشدة‪ .‬قال‪ :‬فهل أوصاك بشيء؟ قالت‪ :‬نعم؛ أمرن أن أقرأ‬
‫عليك السلم‪ ،‬ويقول لك‪ :‬غيّر عتبة بابك‪ .‬قال‪ :‬ذاك أب‪ ،‬وقد أ‪/‬رن أن أفارقك‪ ،‬القي‬
‫بأهلك‪ .‬فطلقها وتزوج منهم أخرى‪.‬‬
‫فلبث عنهم إبراهيم ما شاء ال‪ ،‬ث أتاهم بعد فلم يده‪ ،‬فدخل على امرأته فسألا عنه؟ فقالت‪:‬‬
‫خرج يبتغي لنا‪ .‬قال‪ :‬كيف أنتم؟ وسألا عن عيشهم وهيئتهم؟ فقالت‪ :‬نن بي وسعة‪.‬‬
‫وأثنت على ال عز وجل‪ ،‬فقال‪ :‬ما طعامكم؟ قالت‪ :‬اللحم‪ .‬قال‪ :‬فما شرابكم؟ قالت‪ :‬الاء‪.‬‬
‫قال‪ :‬اللهم! بارك لم ف اللحم والاء‪ .‬قال النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((ول يكن لم يوئذ حب‪ ،‬ولو كان لم حب دعا لم فيه))‪[ .‬قال‪ ]:‬فهما ل يلو عليهما‬
‫أحد بغي مكة إل ل يوافقاه‪ .‬قال‪ :‬فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلم‪ ،‬ومريه يثبت عتبة‬
‫بابه‪ .‬فلما جاء إساعيل قال‪ :‬هل أتاكم من أحد؟ قالت‪ :‬نعم ؛ أتانا شيخ حسن اليئة –‬
‫وأثنت عليه – فسألن عنك‪ ،‬فأخبته‪ ،‬فسألن كيف عيشنا؟ فأخبته أنا بي‪ ،‬قال‪ :‬فأوصاك‬
‫بشيء؟ قالت‪ :‬نعم؛ هو يقرأ عليك السلم‪ ،‬ويأمرك أن تثبت عتبة بابك‪ .‬قال‪ :‬ذاك أب وأنت‬
‫العتبة؛ أمرن أن أمسكك‪.‬‬
‫ث لبث عنهم ما شاء ال‪ ،‬ث جاء بعد ذلك وإساعيل يبي نبلً له تت دوحة قريبا من زمزم‪،‬‬
‫فلما رآه قام إليه‪ ،‬فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد‪ ،‬ث قال‪ :‬يا إساعيل! إن ال‬
‫أمرن بأمر‪ .‬قال‪ :‬فاصنع ما أمرك ربك‪.‬‬
‫قال‪ :‬وتعينن؟ قال‪ :‬وأعينك‪ .‬قال‪ :‬فإن ال أمرن أن أبن ههنا بيتا‪ .‬وأشار إل أكمة مرتفعة‬
‫على ما حولا‪ .‬قال‪ :‬فعند ذلك رفعا القواعد من البيت‪ ،‬فجعل إساعيل يأت بالجارة وإبراهيم‬
‫يبن‪ ،‬حت إذا ارتفع البناء؛ جاء بذا الجر فوضعه له‪ ،‬فقام عليه وهو يبن‪ ،‬وإساعيل يناوله‬
‫الجارة‪ ،‬وها يقولن‪" :‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" [البقرة‪ ،]127 :‬قال‪ :‬فجعل‬
‫يبنيان‪ ،‬حت يدورا حول البيت وها يقولن‪" :‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"‪.‬‬
‫وروى أبو داود الطيالسي عن علي رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫لا اندم البيت بعد جرهم بنته قريش‪ ،‬فلما أرادوا وضع الجر تشاجروا؛ من يضعه؟ فاتفقوا‬
‫أن يضعه أول من يدخل من هذا الباب‪ .‬فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم من باب بن‬
‫شيبة‪ ،‬فأمر بثوب فوضع الجر ف وسطه‪ ،‬وأمر كل فخذ أن يأخذوا بطائفة من الثوب‪،‬‬
‫فرفعوه‪ ،‬وأخذه رسول ال صلى ال عليه وسلم فوضعه‪.‬‬
‫وروى أحد عن ماهد عن موله – وهو السائب بن عبد ال – أنه حدثه‪:‬‬
‫أنه كان فيمن بن الكعبة ف الاهلية‪ ،‬قال‪ :‬وكان ل حجرا أنا تته [بيدي] أعبده من دون‬
‫ال‪ ،‬قال‪ :‬وكنت أجيء باللب الاثر الذي أنفسه على نفسه‪ ،‬فأصبه عليه‪ ،‬فيجيء الكلب‬
‫فيلحسه‪ ،‬ث يشغر فيبول عليه ! قال‪:‬‬
‫فبينا حت بلغنا موضع الجر‪ ،‬ول يرى الجر أحد‪ ،‬فإذا هو وسط أحجارنا مثل رأس الرجل‪،‬‬
‫يكاد يتراءى منه وجه الرجل‪ .‬فقال بطن من قريش‪ :‬نن نضعه‪ .‬وقال آخرون‪ :‬نن نضعه‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬اجعلوا بينكم حكما‪ .‬فقالوا‪ :‬أول رجل يطلع من الفجّ ‪ ،‬فجاء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقالوا‪ :‬أتاكم المي‪ .‬فقالوا له‪ ،‬فوضعه ف ثوب‪ ،‬ث دعا بطونم‪ ،‬فرفعوا‬
‫نواحيه[معه]‪ ،‬فوضعه هو صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد كانوا أخرجوا منها الجر – وهو ستة أذرع‪ ،‬أو سبعة أذرع من ناحية الشام –‬
‫قصرت بم النفقة – أي‪ :‬ل يتمكنوا أن يبنوه على قواعد إبراهيم – وجعلوا للكعبة بابا‬
‫واحدا من ناحية الشرق‪ ،‬وجعلوه مرتفعا لئلً يدخل إليها كل أحد‪ ،‬فيدخلوا من شاؤوا ‪،‬‬
‫وينعوا من شاؤوا‪.‬‬
‫وقد ثبت ف ((الصحيحي)) عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى الل عليه وسلم‬
‫قال لا‪:‬‬
‫((أل تري أن قومك قصرت بم النفقة؟ ولول حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة‪ ،‬وجعلت‬
‫لا بابا شرقيا وبابا غربيا‪ ،‬وأدخلت فيها الجر))‪.‬‬
‫ولذا لا تكن ابن الزبي بناها على ما أشار رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وجاءت ف غاية‬
‫البهاء والسن والسناء‪ ،‬كاملة على قواعد الليل‪ ،‬لا بابان ملتصقان بالرض شرقا وغربا‪،‬‬
‫يدخل الناس من هذا ويرجون من الخر‪.‬‬
‫فلما قتل الجاج ابن الزبي ؛ كتب إل عبد اللك بن مروان – وهو الليفة يومئذٍ‪ -‬فيما‬
‫صنعه ابن الزبي – واعتقدوا أنه فعل ذلك من تلقاء نفسه – فأمر بإعادتا إل ما كانت عليه‬
‫‪ ...‬فهي إل الن كذلك ‪.‬‬
‫وقد ذكرنا قصة بناء والحاديث الواردة ف ذلك ف تفسي (سورة البقرة) عند قوله‪﴿ :‬وإذ‬
‫يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإساعيل﴾ [البقرة‪ .]127:‬وذكرنا ذلك مطولً مستقصى‪،‬‬
‫فمن شاء كتبه ها هنا‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬

‫فصل‬
‫وذكر ابن إسحاق ما كانت قريش ابتدعوه ف تسميتهم المس‪ ،‬وهو الشدة ف الدين‬
‫والصلبة‪.‬‬
‫وذلك لنم عظموا الرم تعظيما زائدا؛ بيث التزموا بسببه أن ل يرجوا منه ليلة عرفة‪،‬‬
‫وكانوا يقولون‪ :‬نن أبناء الرم‪ ،‬وقطان بيت ال‪ .‬فكانوا ل يقفون بعرفات‪ .‬مع علمهم أنا‬
‫من مشاعر إبراهيم عليه السلم – حت ل يرجوا عن نظام ما كانوا قرروه من البدعة‬
‫الفاسدة‪ ،‬وكانوا ينعون اليج والعمّار – ما داموا مرمي – أن يأكلوا إل من طعام قريش‪،‬‬
‫ول يطوفوا إل ف ثياب قريش‪ ،‬فإن ل يد أحد منهم ثوب أحد من المس؛ طاف عريانا ولو‬
‫كانت امرأة‪ ،‬ولذا كانت الرأة إذا اتفق طوافها لذلك؛ وضعت يدها على فرجها وتقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فل أحله‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬فكانوا كذلك حت بعث ال ممدا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنزل عليه القرآن‬
‫ردا عليهم فيما ابتدعوه‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ث أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾؛ أي‪ :‬جهور العرب من‬
‫عرفات‪﴿ ،‬واستغفروا ال إن ال غفور رحيم﴾[البقرة‪.]199:‬‬
‫وقد قدمنا‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقف بعرفات قبل أن ينل عليه؛ توفيقا‬
‫من ال له‪.‬‬
‫وأنزل ال عليه ردّا عليهم فيما كانوا حرموا من اللباس والطعام على الناس ﴿يا بن آدم خذوا‬
‫زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يب السرفي‪ .‬قل من حرم زينة ال‬
‫الت أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ الية [العراف‪31:‬و ‪.]32‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪:‬‬
‫كانت الرأة تطوف بالبيت وهي عريانة‪ ،‬فتقول ‪ :‬من يعين تطوافا؟ تعله على فرجها‪،‬‬
‫وتقول‪:‬‬
‫اليوم يبدو بعضه أو كله فما بدا منه فل أحله‬
‫فنلت هذه الية ‪﴿ :‬خذوا زينتكم عند كل مسجد﴾ [العراف‪.]31 :‬‬
‫رواه مسلم (‪.)244-8/243‬‬
‫وقال عروة‪:‬‬
‫كان الناس يطوفون ف الاهلية عراة إل المس – والُمس ‪ :‬قريش وما ولدت – وكانت‬
‫المس يتسبون على الناس؛ يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها‪ ،‬وتعطي الرأة الرأة‬
‫الثياب تطوف فيها‪ ،‬فمن ل تعطه المس طاف بالبيت عريانا‪.‬‬
‫وكان يفيض جاعة الناس من (عرفات)‪ ،‬وتفيض المس من (جع)‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫أن هذه الية نزلت ف المس (وف رواية‪ :‬كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالزدلفة ) ‪،‬‬
‫وكانوا يسمون المس‪ ،‬وكان سائر العرب يقفون بـ(عرفات)‪ ،‬فلما جاء السلم أمر ال‬
‫نبيه صلى ال عليه وسلم أن يأت (عرفات) ث يقف با‪ ،‬ث يفيض منها‪ ،‬فذلك قوله تعال )‪﴿ :‬‬
‫ث أفيضوا من حيث أفاض الناس﴾ [البقرة‪ ،]199 :‬قال‪ :‬كانوا يقيضون من (جع) ‪ ،‬فدفعوا‬
‫إل (عرفات)‪.‬‬
‫رواه البخاري بذا التمام (‪ – 818‬متصره) ومسلم (‪ )4/43‬بديث عائشة‪[ :‬انتهى‬
‫الستدرك]‪.‬‬
‫كتاب مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم تسليما كثيا‬
‫وذكر شيء من البشارات بذلك‬

‫قال ممد بن إسحاق رحه ال تعال ‪:‬‬


‫وكانت الحبار من اليهود ‪ ،‬والرهبان من النصارى‪ ،‬والكهان من العرب قد تدثوا بأمر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل مبعثه لا تقارب زمانه‪.‬‬
‫أما الحبار من اليهود والرهبان من النصارى؛ فمما وجدوا ف كتبهم من صفته‪ ،‬وصفة زمانه‪،‬‬
‫وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه‪ ،‬قال ال تعال ‪:‬‬
‫﴿الذين يتبعون الرسول النب المي الذي يدونه مكتوبا عندهم ف التوراة والنيل يأمرهم‬
‫بالعروف وينهاهم عن النكر ويل لم الطيبات ويرم عليهم البائث ويضع عنهم إصرهم‬
‫والغلل الت كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه‬
‫أولئك هم الفلحون ﴾ [العراف‪.]157 :‬‬
‫وقال ال تعال ‪:‬‬
‫جدًا يَبْتَغُونَ‬‫حمّ ٌد رَسُولُ اللّهِ وَاّلذِينَ مَعَهُ أَ ِشدّاءُ عَلَى الْكُفّا ِر رُ َحمَاءُ بَيَْن ُهمْ تَرَا ُهمْ ُركّعًا ُس ّ‬ ‫﴿ ُم َ‬
‫سجُودِ َذلِكَ مَثَُل ُهمْ فِي التّ ْورَاةِ وَمَثَُلهُمْ‬ ‫ضوَانًا سِيمَاهُ ْم فِي وُجُو ِه ِهمْ ِمنْ أَثَرِ ال ّ‬ ‫َفضْلًا مِنَ اللّهِ َورِ ْ‬
‫جبُ ال ّزرّاعَ لِيَغِيظَ ِب ِهمُ‬ ‫ظ فَاسَْتوَى عَلَى سُوقِهِ يُ ْع ِ‬ ‫فِي الْإِْنجِيلِ كَ َزرْعٍ َأخْ َرجَ شَ ْطأَ ُه فَآزَرَ ُه فَاسْتَغَْل َ‬
‫الْكُفّارَ وَ َعدَ اللّ ُه الّذِينَ ءَامَنُوا وَ َعمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِْن ُهمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا َعظِيمًا﴾ [الفتح‪.]29 :‬‬
‫وقال ال تعال ‪:‬‬
‫صدّقٌ ِلمَا‬‫﴿ وَإِذْ أَ َخذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّيَ َلمَا ءَاتَيْتُ ُكمْ ِمنْ كِتَابٍ وَحِ ْكمَةٍ ُثمّ جَا َءكُ ْم رَسُولٌ ُم َ‬
‫مَعَكُمْ لَُتؤْمِنُنّ بِهِ َولَتَْنصُرُنّ ُه قَالَ ءََأقْ َررُْتمْ َوأَ َخذُْتمْ َعلَى َذلِ ُكمْ ِإصْرِي قَالُوا َأقْرَرْنَا قَا َل فَا ْش َهدُوا‬
‫وَأَنَا مَعَ ُكمْ ِمنَ الشّا ِهدِينَ ﴾[آل عمران‪]81 :‬‬
‫وف ((صحيح البخاري)) عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫((ما بعث ال نبيا إذا أخذ عليه اليثاق‪ :‬لئن بعث ممد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه‪ ،‬وأمره‬
‫أن يأخذ على أمته اليثاق لئن بُعث ممد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه))‪.‬‬
‫يعلم من هذا أن جيع النبياء بشرو به وأمروا باتباعه‪.‬‬
‫ث فِيهِ ْم رَسُولًا مِْن ُهمْ يَتْلُو‬
‫وقد قال إبراهيم عليه السلم فيما دعا به لهل مكة ‪ ﴿:‬رَبّنَا وَابْعَ ْ‬
‫ت الْعَزِي ُز اْلحَكِيمُ﴾ [البقرة‪:‬‬ ‫عَلَْي ِهمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَّل ُم ُهمُ الْكِتَابَ وَاْلحِ ْكمَةَ وَيُ َزكّيهِمْ إِنّكَ أَْن َ‬
‫‪.]129‬‬
‫وروى المام أحد عن أب أمامة قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال! ما كان بدء أمرك؟ قال‪:‬‬
‫((دعوة أب إبراهيم‪ ،‬وبشرى عيسى‪ ،‬ورأيت أمي أنه يرج منها نور أضاءت له قصور‬
‫الشام))‪.‬‬
‫ورواه ممد بن إسحاق من طريق أخرى عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عنه‬
‫مثله‪.‬‬
‫ومعن هذا أنه أراد بدء أمره بي الناس واشتهار ذكره وانتشاره‪ ،‬فذكر دعوة إبراهيم اذي‬
‫تنسب إليه العرب‪ ،‬ث بشرى عيسى الذي هو خات أنبياء بن إسرائيل‪ .‬يدل هذا على أن من‬
‫بينهما بشروا به أيضا‪.‬‬
‫وفيه بشارة لهل ملتنا أرض بصرى‪ ،‬وانا أول بقعة من أرض الشام خلص إليها نور النبوة‪،‬‬
‫ول المد والنة‪.‬‬
‫ولذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام‪ ،‬وكان فتحها صلحا ف خلفة أب بكر رضي‬
‫ال عنه ‪.‬‬
‫أما ف الل العلى قد كان أمره مشهورا مذكورا معلوما من قبل خلق آدم عليه الصلة‬
‫والسلم؛ كما فيما روى أحد بسنده عن العرباض بن سارية قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( إن عند ال خات النبيي وإن آدم لنجدل ف طينته‪ ،‬وسأنبئكم بأول ذلك دعوة أب إبراهيم‪،‬‬
‫وبشارة عيسى ب‪ ،‬ورؤيا أمي الت رأت ‪.)) ...‬‬
‫وروى المام أحد أيضا عن ميسرة الفجرة قال‪:‬‬
‫قلت‪ :‬يا رسول ال! مت كنت نبيا؟ قال‪:‬‬
‫((وآدم بي الروح والسد))‪.‬‬
‫إسناده جيد‪.‬‬
‫وقد رواه ابن شاهي ف ((دلئل النبوة)) من حديث أب هريرة قال‪:‬‬
‫سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬مت وجبت لك النبوة؟ قال‪:‬‬
‫((بي خلق آدم ونفخ الروح فيه ))‪.‬‬
‫وف رواية‪:‬‬
‫((وآدم منجدل ف طينته))‪.‬‬
‫وروى من حديث ابن عباس‪:‬‬
‫قيل‪ :‬يا رسول ال! مت كنت نبيا؟ قال‪:‬‬
‫((وآدم بي الروح والسد))‪.‬‬
‫وأما الكهان من العرب ؛ فأتتهم به الشياطي من الن ما تسترق من السمع‪ ،‬إذ كانت وهي‬
‫ل تجب عن ذلك بالقذف بالنجوم‪ ،‬وكان الكاهن والكاهنة ل يزال يقع منهما ذكر بعض‬
‫أموره‪ ،‬ول يلقي العرب لذلك فيه بالً حت بعثه ال تعال ‪ ،‬ووقعت تلك المور الت كانوا‬
‫يذكرون فعرفوها‪.‬‬
‫فما تقارب أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وحضر زمان بعثه؛ حُجبت الشياطي عن‬
‫السمع‪ ،‬وحيل بينها وبي القاعد الت كانت تقعد لستراق السمع فيها‪ ،‬فرموا بالنجوم‪،‬‬
‫فعرفت الشياطي أن ذلك لمر حدث من أمر ال عز وجل‪.‬‬
‫قال[ابن إسحاق]‪:‬‬
‫وف ذلك أنزل ال على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪﴿ :‬قل أوحي إل أنه استمع نفر من‬
‫الن فقالوا إنا سعنا قرآنا عجبا‪ .‬يهدي إل الرشد فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحدا﴾ [الن‪:‬‬
‫‪1‬و ‪ ]2‬إل آخر السورة‪.‬‬
‫وقد ذكرنا تفسي ذلك كله ف كتابنا ((التفسي))‪ ،‬وكذلك قوله تعال ‪﴿ :‬وَِإ ْذ صَ َرفْنَا ِإلَيْكَ‬
‫نَفَرًا ِم َن الْجِنّ َيسَْتمِعُونَ الْقُرْءَا َن فََلمّا َحضَرُو ُه قَالُوا أَْنصِتُوا فََلمّا ُقضِيَ وَّلوْا إل َقوْ ِم ِهمْ مُْن ِذرِينَ‬
‫ص ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ َي ْهدِي إل الْحَقّ وَإل‬
‫‪ .‬قَالُوا يَاَقوْمَنَا إِنّا َسمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَ ْعدِ مُوسَى ُم َ‬
‫طَرِيقٍ ُمسْتَقِيمٍ﴾ [الحقاف‪29 :‬و ‪ ]30‬اليات‪ .‬ذكرنا تفسي ذلك كله هناك‪.‬‬
‫[‪]56‬‬

‫فصل‬
‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثن عاصم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا‪:‬‬
‫إن ما دعانا إل السلم – مع رحة ال تعال وهداه لنا – لا كنا نسمع من رجال يهود‪ ،‬كنا‬
‫أهل شرك أصحاب أوثان‪ ،‬وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا‪ ،‬وكانت ل تزال بيننا‬
‫وبنهم شرورو‪ ،‬فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا‪ :‬إنه قد تقارب زمان نب يبعث الن؛‬
‫نقتلكم معه قتل عاد وإرم‪ .‬فكنا كثيا ما نسمع ذلك منهم‪.‬‬
‫فلما بعث ال رسول ال صلى ال عليه وسلم أجبناه حي دعانا إل ال‪ ،‬وعرفنا ما كانوا‬
‫يتوعدوننا به‪ ،‬فبادرناهم إليه‪ ،‬فآمنا به وكفروا به‪ ،‬ففينا وفيهم نزلت هذه الية ‪َ ﴿ :‬ولَمّا‬
‫صدّقٌ لِمَا مَ َع ُهمْ َوكَانُوا مِنْ قَبْلُ َيسْتَفْتِحُونَ عَلَى اّلذِينَ كَفَرُوا‬
‫جَاءَ ُهمْ كِتَابٌ مِنْ عِْندِ اللّهِ ُم َ‬
‫فََلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا بِ ِه فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة‪.]89 :‬‬
‫وروى ابن إسحاق عن سلمة بن سلمة بن وقش – وكان من أهل بدر – قال‪:‬‬
‫كان لنا جار من يهود ف بن عبد الشهل‪ ،‬قال‪ :‬فخرج علينا يوما من بيته حت وقف على بن‬
‫عبد الشهل – قال سلمة‪ :‬وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا‪ ،‬عليّ فروة ل مضجع فيها بفناء‬
‫أهلي – فذكر القيامة والبعث ‪ ،‬والساب واليزان‪ ،‬والنة والنار‪ .‬قال‪ :‬فقال ذلك لقوم أهل‬
‫شرك أصحاب أوثان ل يرون أن بعثا كائن بعد الوت‪ .‬فقالوا له‪ :‬ويك يا فلن! أو ترى هذا‬
‫كائنا ؛ أن الناس يبعثون بعد موتم إل دار فيها جنة ونار يزون فيها بأعمالم ؟! قال‪ :‬نعم؛‬
‫والذي يلف به‪ ،‬ويودّ أن له بظه من تلك النار أعظم تنور ف الدار يمونه‪ ،‬ث يدخلونه إياه‬
‫فيطينونه عليه‪ ،‬وأن ينجو من تلك النار غدا‪.‬‬
‫قالو له‪ :‬ويك يا فلن! فما آية ذلك؟‬
‫قال‪ :‬نب مبعوث من نو هذه البلد‪ .‬وأشار بيده إل نو (مكة) واليمن‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ومت تراه؟‬
‫قال‪ :‬فنظر إلّ وأنا من أحدثهم سنا‪ ،‬فقال‪ :‬إن يستنفد هذا الغلم عمره يدركه‪.‬‬
‫قال سلمة‪ :‬فوال؛ ما ذهب الليل والنهار حت بعث ال [ممدا] رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫وهو حي بي أظهرنا‪ ،‬فآمنا به‪ ،‬وكفر به بغيا وحسدا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلنا له‪ :‬ويك يا فلن! ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت؟‬
‫قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن ليس به!‬
‫رواه أحد عن يعقوب عن أبيه عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫ورواه البيهقي عن الاكم بإسناده من طريق يونس بن بكي‪.‬‬
‫وروى أبو نعيم ف ((الدلئل)) عن ممد بن سلمة قال‪:‬‬
‫ل يكن ف بن عبد الشهل إل يهودي واحد يقال له‪ :‬يوشع‪ ،‬فسمعته يقول‪ -‬وإن لغلم ف‬
‫إزار ‪ : -‬قد أظلكم خروج نب يبعث من نو هذا البيت – ث أشار بيده إل بيت ال – فمن‬
‫أدركه فليصدقه‪.‬‬
‫فبُعث رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسلمنا‪ ،‬وهو بي أظهرنا ل يسلم حسدا وبغيا‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثن عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بن قريظة قال ل‪:‬‬
‫هل تدري عم كان إسلم ثعلبة بن سعبة‪ ،‬وأسيد بن سعيد‪ ،‬وأسد بن عبيد؟ ‪ -‬نفر من بن‬
‫هدل إخوة بن قريظة كانوا معهم ف جاهليتهم‪ ،‬ث كانوا ساداتم ف السلم – قال‪ :‬قلت‪ :‬ل‬
‫[وال]‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإن رجلً من اليهود من أرض الشام يقال له‪ :‬ابن اليبان قدم علينا قبل السلم بسني‪ ،‬فحل‬
‫ل قط ل يصلي المس أفضل منه‪ ،‬فأقام عندنا‪ ،‬فكنا إذا‬ ‫بي أظهرنا‪ ،‬ل وال؛ ما رأينا رج ً‬
‫قحط عنا الطر قلنا له‪ :‬اخرج يا ابن اليبان! فاستسق لنا‪ .‬فيقول‪ :‬ل وال؛ حت تقدموا بي‬
‫يدي مرجكم صدقة‪ .‬فنقول‪ :‬كم؟ فيقول‪ :‬صاعا من تر‪ ،‬أو مدّين من شعي‪ .‬قال‪ :‬فنخرجها‪،‬‬
‫ث يرج بنا إل ظاهر حرتنا فيستسقي لنا‪ ،‬فوال؛ ما يبح ملسه حت ير السحاب ويسقي‪.‬‬
‫قد فعل ذلك غي مرة ول مرتي ول ثلث‪.‬‬
‫قال‪ :‬ث حضرته الوفاة عندنا‪ ،‬فلما عرف أنه ميت قال‪ :‬يا معشر يهود! ما ترونه أخرجن من‬
‫أرض المر والمي إل أرض البؤس والوع؟ قال‪ :‬قلنا‪ :‬أنت أعلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن إنا قدمت هذه البلدة أتوكّف خروج نب قد أظل زمانه‪ ،‬هذه البلدة مهاجرة‪،‬‬
‫فكنت أرجو أن يبعث فاتبعه‪ ،‬وقد أظلكم زمانه‪ ،‬فل تسبَقنّ إليه يا معشر يهود! فإنه يبعث‬
‫بسفك الدماء وسب الذراري من خالفه‪ ،‬فل ينعكم ذلك منه‪.‬‬
‫فلما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وحاصر بن قريظة؛ قال هؤلء الفتية – وكانوا‬
‫شبانا أحداثا‪ : -‬يا بن قريظة ! وال ؛ إنه للنب الذي عهد إليكم فيه ابن اليبان‪ .‬قالوا‪ :‬ليس‬
‫به‪ .‬قالوا‪ :‬بلى وال؛ إنه لو بصفته‪ .‬فنلوا فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالم وأهليهم‪.‬‬

‫ث ذكر ابن إسحاق رحه ال إسلم الفارسي رضي ال عنه وأرضاه من حديث عبد ال بن‬
‫عباس قال‪ :‬حدثن سلمان الفارسي – من فيه – قال‪:‬‬
‫ت رَجُلًا فَارِسِيّا مِنْ أَهْلِ َأصَْبهَانَ مِنْ َأهْ ِل قَرْيَةٍ مِْنهَا يُقَالُ لَهَا‪( :‬جَيّ) َوكَانَ أَبِي دِهْقَانَ‬ ‫كُنْ ُ‬
‫قَرْيَتِهِ َوكُنْتُ أَ َحبّ خَ ْلقِ اللّهِ ِإلَيْهِ‪ ،‬فََلمْ يَزَلْ بِهِ حُبّهُ إِيّايَ حَتّى حََبسَنِي فِي بَيْتِهِ‪َ ،‬كمَا ُتحْبَسُ‬
‫اْلجَارِيَةُ‪.‬‬
‫ت قَطَ َن النّارِ اّلذِي يُوقِدُهَا لَا يَتْ ُر ُكهَا َتخْبُو سَاعَةً‪.‬‬ ‫ت فِي الْ َمجُوسِيّةِ حَتّى كُْن ُ‬ ‫وَأَ ْج َهدْ ُ‬
‫ت فِي‬ ‫قَالَ‪َ :‬وكَاَنتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ َعظِيمَةٌ‪َ ،‬فشُغِ َل فِي بُنْيَانٍ لَهُ َيوْمًا‪ ،‬فَقَالَ لِي‪ :‬يَا بُنَيّ إِنّي َقدْ شُغِ ْل ُ‬
‫بُنْيَانٍ َهذَا الَْيوْمَ َع ْن ضَيْعَتِي فَاذْ َهبْ فَاطّلِ ْعهَا وَأَمَرَنِي فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ‪ ،‬ث قال ل‪ :‬ول تتبس‬
‫عن؛ فإنك إن احتسبت عن كنتم أهم إلّ من ضيعت‪ ،‬وشغلتن عن كل شيء من أمري‪.‬‬
‫صوَاَتهُ ْم فِيهَا وَ ُهمْ‬
‫سمِعْتُ َأ ْ‬‫َفخَرَ ْجتُ ُأرِي ُد ضَيْعَتَهُ‪ ،‬فَمَ َررْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ الّنصَارَى‪ ،‬فَ َ‬
‫ي فِي بَيْتِهِ‪ ،‬فََلمّا مَ َررْتُ ِب ِهمْ وَ َسمِعْتُ‬ ‫ُيصَلّونَ‪َ ،‬وكُْنتُ لَا َأ ْدرِي مَا أَمْرُ النّاسِ ِلحَبْسِ أَبِي إِيّا َ‬
‫صوَاتَ ُهمْ‪َ ،‬دخَ ْلتُ عَلَْي ِهمْ أَنْ ُظرُ مَا َيصْنَعُونَ‪ ،‬فََلمّا رَأَيُْت ُهمْ أَ ْعجَبَنِي صَلَاُت ُهمْ‪َ ،‬ورَغِْبتُ فِي أَمْرِ ِهمْ‪،‬‬
‫َأ ْ‬
‫شمْسُ‪،‬‬ ‫َوقُلْتُ‪َ :‬هذَا وَاللّهِ خَيْرٌ مِنْ الدّي ِن اّلذِي َنحْنُ َعلَيْهِ‪َ .‬فوَاللّهِ مَا تَ َركُْت ُهمْ حَتّى غَرََبتْ ال ّ‬
‫ت ضَيْعَةَ أَبِي فََلمْ آِتهَا‪ ،‬فَقُ ْلتُ َل ُهمْ‪ :‬أَْينَ َأصْلُ َهذَا الدّينِ؟ قَالُوا‪ :‬بِالشّامِ‪.‬‬ ‫وَتَ َركْ ُ‬
‫فرَجَ ْعتُ إل أَبِي‪َ ،‬وقَدْ بَ َعثَ فِي َطلَبِي وَشَغَلْتُهُ عَنْ أَمْرِهِ كُلّهِ‪.‬‬
‫فََلمّا جِئْتُ ُه قَالَ‪َ :‬أيْ بُنَيّّ! أَْينَ كُنْتَ؟ َألَمْ َأكُنْ َع ِهدْتُ ِإلَيْكَ مَا َع ِهدْتُ؟ ‪ .‬قَالَ‪ :‬قُ ْلتُ‪ :‬يَا أََب ِ‬
‫ت‬
‫مَ َررْتُ بِنَاسٍ ُيصَلّو َن فِي كَنِيسَةٍ َلهُ ْم فَأَ ْعجَبَنِي مَا رَأَْيتُ مِنْ دِيِن ِهمْ‪َ ،‬فوَاللّهِ؛ مَازِْلتُ عِْندَ ُهمْ حَتّى‬
‫شمْسُ‪.‬‬ ‫غَرََبتْ ال ّ‬
‫س فِي َذلِكَ الدّينِ خَيْرٌ‪ ،‬دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِْنهُ‪.‬‬ ‫قَالَ‪َ :‬أيْ بُنَيّ لَيْ َ‬
‫قَالَ‪ :‬قُ ْلتُ‪ :‬كَلّا وَاللّهِ؛ إِنّهُ خَيْرٌ ِمنْ دِينِنَا‪.‬‬
‫قَالَ‪َ :‬فخَافَنِي‪َ ،‬فجَعَلَ فِي رِ ْجلَ ّي قَيْدًا ُثمّ حََبسَنِي فِي بَيِْتهِ‪.‬‬
‫قَالَ‪ :‬وَبَعََثتْ ِإلَيّ الّنصَارَى‪ .‬فَقُ ْلتُ َلهُمْ‪ :‬إِذَا َقدِمَ َعلَيْ ُكمْ َر ْكبٌ مِنْ الشّامِ ُتجّارٌ مِ ْن الّنصَارَى‪،‬‬
‫فَأَخْبِرُونِي ِب ِهمْ‪ ،‬قَالَ‪ :‬فَ َقدِمَ عَلَْي ِهمْ رَ ْكبٌ ِمنْ الشّامِ ُتجّارٌ مِنْ الّنصَارَى‪ ،‬فََأخْبَرُونِي ِب ِهمْ‪ .‬فَقُلْتُ‬
‫ج ُهمْ َوَأرَادُوا الرّجْعَةَ إل بِلَادِ ِه ْم فَآذِنُونِي ِبهِمْ‪.‬‬ ‫ضوْا َحوَائِ َ‬ ‫َلهُمْ‪ :‬إِذَا قَ َ‬
‫حدِيدَ مِنْ رِجْلَيّ‪ُ ،‬ثمّ خَرَ ْجتُ‬ ‫ت الْ َ‬
‫قَالَ‪ :‬فََلمّا َأرَادُوا الرّجْعَةَ إل بِلَادِ ِهمْ َأخْبَرُونِي ِب ِهمْ‪ ،‬فََألْقَيْ ُ‬
‫مَ َعهُمْ حَتّى َقدِ ْمتُ الشّامَ‪ ،‬فََلمّا َقدِمْتُهَا قُ ْلتُ‪ :‬مَنْ َأ ْفضَلُ أَ ْهلِ َهذَا الدّينِ عِ ْلمَا؟ قَالُوا‪ :‬الْأَسْقُفّ‬
‫فِي الْكَنِيسَةِ‪.‬‬
‫ك فِي‬‫ت فِي َهذَا الدّينِ‪ .‬وَأَحْبَْبتُ أَنْ َأكُونَ مَعَكَ‪ .‬وَأ ْخدُمُ َ‬ ‫قَالَ‪َ :‬فجِئْتُ ُه فَقُ ْلتُ له‪ :‬إِنّي َقدْ رَغِْب ُ‬
‫كَنِيسَتِكَ‪ ،‬وَأَتَعَّلمُ مِنْكَ‪ ،‬وَُأصَلّي مَعَكَ‪ ،‬قَالَ‪ :‬ا ْدخُلْ‪.‬‬

‫ص َدقَةِ وَيُرَغُّب ُهمْ فِيهَا؛ فَإِذَا َجمَعُوا إليه مِْنهَا‬ ‫فَدَ َخ ْلتُ مَعَهُ‪ ،‬قَا َل فَكَا َن رَجُلَ َسوْءٍ؛ َيأْمُرُ ُهمْ بِال ّ‬
‫أَشْيَاءَ كَنَزَهُ لِنَ ْفسِهِ َولَمْ يُعْ ِطهِ اْل َمسَاكِيَ‪ ،‬حَتّى َجمَعَ سَْب َع قِلَالٍ ِمنْ ذَ َهبٍ َووَرِقٍ‪.‬‬
‫قَالَ‪ :‬وَأَبْ َغضْتُهُ بُ ْغضًا َشدِيدًا ِلمَا رَأَيْتُهُ َيصَْنعُ‪.‬‬
‫ُثمّ مَاتَ‪ ،‬فَاجَْتمَ َعتْ إليه النّصَارَى لَِي ْدفِنُوهُ‪ ،‬فَقُ ْلتُ َل ُهمْ‪ :‬إِنّ َهذَا كَا َن رَجُلَ َس ْوءٍ يَأْمُ ُر ُكمْ‬
‫بِالصّ َدقَةِ وَيُرَغّبُ ُكمْ فِيهَا‪ ،‬فَإِذَا جِئُْتمُوهُ ِبهَا كَنَزَهَا لِنَ ْفسِهِ َولَمْ يُ ْعطِ اْل َمسَاكِيَ مِْنهَا شَيْئًا‪.‬‬
‫قَالُوا‪ :‬وَمَا عِ ْلمُكَ ِب َذلِكَ؟ قَالَ‪ :‬فَقُ ْلتُ َل ُهمْ‪ :‬أَنَا أَ ُدلّ ُكمْ َعلَى كَنْزِهِ‪ .‬قَالُوا‪ :‬فَ ُدلّنَا‪ .‬قَالَ‪ :‬فََأرَيْتُ ُهمْ‬
‫َموْضِعَهُ‪ ،‬قَا َل فَاسَْتخْرَجُوا سَْبعَ قِلَالٍ َممْلُوءَةٍ ذَهَبًا َووَ ِرقًا‪ ،‬قَا َل فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا‪ :‬وَاللّهِ لَا َندْفِنُهُ‬
‫حجَارَةِ‪.‬‬ ‫أََبدًا‪ .‬قَاْلَ‪َ :‬فصَلَبُو ُه ورَمُوهُ بِاْل ِ‬
‫خمْسَ َأرَى أَنّهُ‬ ‫وجَاءُوا بِرَ ُجلٍ آخَ َر َفوَضَعُوهُ مَكَان‪ .‬قَالَ سَ ْلمَانُ‪َ :‬فمَا رَأَْيتُ رَ ُجلًا لَا ُيصَلّي الْ َ‬
‫َأ ْفضَلُ مِنْهُ‪َ ،‬أزْ َه ُد فِي الدّنْيَا‪َ ،‬ولَا َأرْ َغبُ فِي الْآ ِخرَةِ‪ ،‬وَلَا َأدْأَبُ لَيْلًا وََنهَارًا [مِنْهُ]‪.‬‬
‫قَالَ‪ :‬فََأحْبَبْتُهُ حُبّا لَمْ ُأ ِحبّ شيئا قَبْلَهُ مِثَْلهُ‪.‬‬
‫قالَ‪ :‬فََأَقمْتُ مَعَ ُه زَمَانًا‪ُ ،‬ثمّ َحضَرَْت ُه الْ َوفَاةُ‪ ،‬فَقُ ْلتُ لَهُ‪ :‬إِنّي َقدْ كُْنتُ مَعَكَ وََأحْبَبْتُكَ حُبّا لَمْ‬
‫ُأحِبّهُ شيئا قَبَْلكَ ‪َ ،‬وَقدْ َحضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللّهِ تعال ‪ ،‬فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَبِمَ تَأْمُرُنِي؟‬
‫ك النّاسُ وََبدّلُوا‪ ،‬وَتَ َركُوا‬ ‫قَالَ‪َ :‬أيْ بُنَيّ! وَاللّهِ مَا َأعَْلمُ الَْيوْمَ أَحَداَ عَلَى مَا كُْنتُ عَلَْيهِ‪ ،‬لَ َقدْ هَلَ َ‬
‫َأكْثَرَ مَا كَانُوا َعلَيْهِ؛ ِإلّا رَجُلًا بِـ(اْلمَ ْوصِلِ)‪ ،‬وَ ُهوَ فُلَانٌ‪َ ،‬ف ُهوَ عَلَى مَا كُْنتُ عَلَيْهِ‪ ،‬فَالْحَقْ ِبهِ‪.‬‬

‫قَالَ‪ :‬فََلمّا مَاتَ وَغَّيبَ َلحِقْتُ ِبصَا ِحبِ (اْلمَ ْوصِلِ)‪ ،‬فَقُ ْلتُ‪ :‬يَا فُلَانُ! إِ ّن فُلَانًا َأ ْوصَانِي عِْندَ‬
‫َموْتِهِ أَنْ َأْلحَقَ بِكَ َوأَخْبَرَنِي أَنّكَ َعلَى أَمْ ِرهِ‪ .‬فَقَالَ لِي‪َ :‬أِقمْ عِْندِي‪.‬‬
‫فََأقَ ْمتُ عِْندَهُ‪َ ،‬فوَ َجدْتُهُ خَيْ َر رَجُلٍ عَلَى أَمْ ِر صَاحِبِهِ‪ ،‬فََلمْ َيلَْبثْ أَنْ مَاتَ‪ ،‬فََلمّا َحضَرَتْ ُه اْلوَفَاةُ‬
‫قُ ْلتُ لَهُ‪ :‬يَا فُلَانُ! إِ ّن فُلَانًا َأ ْوصَى بِي ِإلَيْكَ‪َ ،‬وأَمَرَنِي بِالّلحُوقِ بِكَ‪َ ،‬وقَدْ َحضَرَكَ ِمنْ اللّهِ مَا‬
‫تَرَى‪ ،‬فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَِبمَ َتأْمُرُنِي؟ قَالَ‪ :‬يا بُنَيّ! وَاللّهِ؛ مَا أَعَْل ُم رَ ُجلًا عَلَى مِْثلِ مَا كُنّا‬
‫عَلَْيهِ ِإلّا بِـ(َنصِيبِيَ)‪ ،‬وَ ُه َو فُلَانٌ‪ ،‬فَاْلحَقْ بِهِ‪.‬‬
‫فََلمّا مَاتَ وَغُّيبَ َلحِ ْقتُ ِبصَا ِحبِ (َنصِيبِيَ) َفجِئْتُ ُه فَأَخَْبرْتُهُ خَبَرِي‪ ،‬وَمَا أَمَرَنِي ِب ِه صَاحِبِي‪.‬‬
‫فَقَالَ‪َ :‬أقِمْ عِْندِي‪ .‬فََأقَ ْمتُ عِْندَهُ‪َ ،‬فوَ َجدْتُهُ َعلَى أَمْرِ صَاحِبَيْهِ‪ ،‬فَأََق ْمتُ َمعَ خَيْرِ رَجُ ٍل َفوَاللّهِ مَا‬
‫ت فََلمّا َحضَ َر قُ ْلتُ لَهُ‪ :‬يَا فُلَانُ ! إِ ّن فُلَانًا كَانَ َأ ْوصَى بِي إل فُلَانٍ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫لَبِثَ أَنْ نَزَلَ ِب ِه الْ َموْ ُ‬
‫َأ ْوصَى بِي فُلَانٌ ِإلَيْكَ‪ ،‬فَإل َمنْ تُوصِي بِي؟ وبِمَ تَأْمُرُنِي؟‬
‫قَالَ‪ :‬يا بُنَيّ! وَاللّهِ مَا أ ْعَلمُ أَ َحدًا بَقِيَ عَلَى أَمْرِنَا آمُرُكَ أَنْ تَأْتَِيهُ ِإلّا رَجُلًا بِـ( َعمّورِيّةَ) فَإِنّهُ ِبمِثْلِ‬
‫ت فائتِهِ؛ فَإِنّهُ عَلَى أَمْرِنَا‪.‬‬
‫مَا َنحْنُ َعلَيْهِ‪ ،‬فَإِنْ أَحْبَْب َ‬
‫قَالَ‪ :‬فََلمّا مَاتَ وَغَّيبَ َلحِقْتُ ِبصَا ِحبِ ( َعمّورِيّةَ)‪ ،‬فَأَخْبَرُْتهُ خَبَرِي‪ ،‬فَقَالَ‪َ :‬أِقمْ عِْندِي‪ .‬فََأقَ ْمتُ‬
‫صحَابِهِ‪.‬‬ ‫عِْندَ خي رجلٍ على هديِ َأ ْ‬
‫قَالَ‪ :‬وَاكْتَسَْبتُ حَتّى كَانَ لِي بَقَرَاتٌ وَغُنَْيمَةٌ‪.‬‬
‫قَالَ‪ُ :‬ثمّ نَ َزلَ بِهِ أَمْرُ اللّهِ‪ ،‬فََلمّا ُحضِرَ قُ ْلتُ لَهُ‪ :‬يَا فُلَان! إِنّي كُْنتُ َم َع فُلَا ٍن فََأ ْوصَى بِي إل فُلَانٍ‪،‬‬
‫ُثمّ َأ ْوصَى بِي فُلَانٌ إل فُلَانٍ‪ُ ،‬ثمّ َأوْصَى بِي فُلَانٌ ِإلَيْكَ‪ ،‬فَإل مَنْ تُوصِي بِي؟ وَِبمَ تَأْمُرُنِي؟‬
‫قَالَ‪َ :‬أيْ بُنَيّ! وَاللّهِ؛ مَا أَعَْلمُ َأصْبَحَ أحدٌ َعلَى مثل مَا كُنّا َعلَيْهِ مِنْ النّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتَِيهُ‪،‬‬
‫ك زَمَانُ نَبِيّ ُهوَ مَبْعُوثٌ ِبدِينِ إِبْرَاهِيمَ َيخْ ُرجُ بَِأ ْرضِ الْعَرَبِ‪ُ .‬مهَاجِره إل َأ ْرضٍ‬ ‫َولَكِنّهُ قَدْ أَ َظلّ َ‬
‫صدَقَةَ‪ ،‬بَيْنَ كَتِفَيْهِ‬ ‫بَيْنَ حَرّتَيْنِ بَيَْن ُهمَا َنخْلٌ‪ ،‬بِهِ َعلَامَاتٌ لَا َتخْفَى‪ :‬يَ ْأكُلُ اْل َهدِيّةَ‪َ ،‬ولَا َي ْأكُلُ ال ّ‬
‫ك الْبِلَادِ‪ ،‬فَافْعَلْ‪.‬‬
‫خَاَت ُم النّبُوّةِ‪ .‬فَإِنْ اسْتَطَ ْعتَ أَنْ تَ ْلحَقَ بِتِلْ َ‬
‫قَالَ‪ُ :‬ثمّ مَاتَ‪ ،‬وَغَّيبَ‪ ،‬ومَكَْثتُ بـ( َعمّورِيّةَ) مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ أَمْ ُكثَ‪.‬‬
‫ض الْعَرَبِ وَأُ ْعطِي ُكمْ بَقَرَاتِي َهذِهِ‬ ‫ُثمّ مَرّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَ ْلبٍ ُتجّار‪ ،‬فَقُ ْلتُ َل ُهمْ‪ :‬احِلُونِي إل َأرْ ِ‬
‫وَغُنَْيمَتِي َهذِهِ‪ .‬قَالُوا‪ :‬نَ َعمْ‪ .‬فَأَ ْعطَيُْتهُمُوهَا وَ َحمَلُونِي معهم‪ ،‬حَتّى إِذَا بلغوا وَادِي الْقُرَى‬
‫ت النّخْلَ‪ ،‬فَرَ َجوْتُ أَنْ يكُونَ‬ ‫ظََلمُونِي؛ فَبَاعُونِي مِ ْن رَجُلٍ مِنْ َيهُودَ عَْبدًا فَكُْنتُ عِْندَهُ‪َ ،‬ورَأَْي ُ‬
‫ح ْق فِي نَ ْفسِي‪.‬‬ ‫الْبََل َد الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي َوَلمْ َي ِ‬
‫فَبَيْنَمَا أَنَا عِْندَ ُه َقدِمَ َعلَيْهِ ابْنُ َعمّ لَهُ ِمنْ بَنِي قُرَيْ َظةَ مِنْ (اْلمَدِينَةِ) فَابْتَاعَنِي مِنْهُ‪ ،‬فَاحَْتمَلَنِي إل‬
‫(الْ َمدِينَةِ)‪َ ،‬فوَاللّهِ؛ مَا ُهوَ ِإلّا أَ ْن رَأَيُْتهَا‪ ،‬فَعَرَفُْتهَا ِبصِفَ ِة صَاحِبِي لا‪ ،‬فََأَق ْمتُ ِبهَا‪.‬‬

‫ث رَسُو ُلَ ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فََأقَامَ بـ(مكة) مَا َأقَامَ‪ ،‬لَا َأ ْسمَعُ لَهُ ِب ِذكْرٍ ِممَّا أَنَا فِيهِ‬ ‫وَبُعِ َ‬
‫مِنْ شُ ْغلِ الرّقّ‪ُ ،‬ثمّ هَا َجرَ إل (اْلمَدِينَةِ)‪.‬‬
‫َفوَاللّهِ إِنّي لَفِي رَْأسِ َعذْقٍ ِلسَيّدِي أَ ْعمَ ُل فِيهِ بَعْضَ الْ َعمَلِ‪ ،‬وَسَّيدِي جَالِسٌ تت‪ِ ،‬إذْ َأقْبَلَ ابْنُ‬
‫َعمّ لَهُ حَتّى َوقَفَ َعلَيْ ِه فَقَالَ‪ :‬يا فُلَا ُن قَاتَلَ اللّهُ بَنِي قَيَْلةَ‪ ،‬وَاللّهِ؛ إِّن ُهمْ َل ُمجْتَمِعُونَ الْآنَ بِـ(قُبَاءَ)‬
‫عَلَى رَ ُج ٍل َقدِمَ مِنْ (مَكّةَ) الَْيوْمَ يَزْ ُعمُونَ أَنّهُ نَبِيّ‪.‬‬
‫قَا َل فََلمّا َسمِعْتُهَا َأ َخذَتْنِي الرّ ْعدَةُ‪ ،‬حَتّى ظَنَْنتُ ساِقطٌ عَلَى سَّيدِي‪ ،‬فَنَ َزْلتُ عَ ْن الّنخْلَةِ‪َ ،‬فجَعَ ْلتُ‬
‫َأقُولُ لِابْنِ َعمّهِ‪َ :‬ذلِكَ مَاذَا تَقُولُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟‬
‫قَالَ‪:‬فَ َغضِبَ سَّيدِي‪ ،‬فَلَ َكمَنِي لَكْمَةً َشدِيدَةً‪ُ ،‬ثمّ قَالَ‪ :‬مَا لَكَ َوِلهَذَا؟! َأقْبِلْ عَلَى َعمَلِكَ‪.‬‬
‫قَالَ‪ :‬فقُ ْلتُ‪ :‬لَا شَ ْيءَ؛ إِّنمَا َأرَدْتُ أَنْ أَسْتَثِْبتَ َعمّا قَالَ‪.‬‬
‫قالَ‪ :‬وكَانَ عِْندِي شَيْ ٌء َقدْ َجمَعْتُهُ‪ ،‬فََلمّا أَ ْمسَْيتُ أَ َخذْتُهُ‪ُ ،‬ثمّ ذَهَْبتُ إل رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ‬
‫عَلَْيهِ وَسَّلمَ وَ ُهوَ بِـ(قُبَاءَ)‪ ،‬فَدَ َخ ْلتُ َعلَيْهِ‪ ،‬فَقُ ْلتُ لَهُ‪ :‬إِنّ ُه َقدْ َبلَغَنِي أَنّكَ رَجُ ٌل صَالِحٌ‪ ،‬وَمَعَكَ‬
‫صدَقَةِ‪ ،‬فَرَأَيْتُ ُكمْ َأحَقّ ِبهِ مِنْ غَيْ ِر ُكمْ‪.‬‬ ‫صحَابٌ لَكَ ُغرَبَاءُ َذوُو حَاجَةٍ‪ ،‬وَ َهذَا شَ ْيءٌ كَانَ عِْندِي لِل ّ‬ ‫َأ ْ‬
‫قَالَ‪ :‬فَقَرّبْتُهُ ِإلَيْهِ‪ ،‬فَقَا َل رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ‪(( :‬كلوا))‪ ،‬وَأَ ْمسَكَ َيدَ ُه فََلمْ يَ ْأكُلْ‪.‬‬
‫فَقُ ْلتُ فِي نَ ْفسِي‪َ :‬هذِهِ وَا ِحدَةٌ‪.‬‬
‫جمَعْتُ شَيْئًا‪ ،‬وََتحَوّلَ رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ إل اْلمَدِينَةِ‪ُ ،‬ثمّ‬ ‫ُثمّ اْنصَ َر ْفتُ عَْنهُ‪َ ،‬ف َ‬
‫جِئْتُه فَقُ ْلتُ له‪ :‬إِنّي رَأَيُْتكَ لَا تَ ْأكُ ُل الصّ َدقَةَ‪ ،‬وَ َهذِهِ َهدِيّةٌ َأكْرَمْتُكَ ِبهَا‪ .‬قَالَ‪ :‬فََأكَ َل رَسُولُ اللّهِ‬
‫صحَابَ ُه فََأكَلُوا مَعَهُ‪.‬‬ ‫صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ مِْنهَا‪ ،‬وَأَمَرَ َأ ْ‬
‫ت فِي نَ ْفسِي‪ :‬هَاتَانِ اثْنَتَانِ‪.‬‬ ‫قَالَ‪ :‬فَقُ ْل ُ‬
‫ت رَسُولَ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ وَ ُهوَ بِـ(بَقِي ِع الْغَرَْقدِ) َقدْ تَِبعَ جَنَازَةً مِنْ‬ ‫قالَ‪ُ :‬ثمّ جِْئ ُ‬
‫س فِي َأصْحَابِهِ‪َ ،‬فسَّلمْتُ عَلَْيهِ‪ُ ،‬ثمّ اسَْتدَبرْتُه أَنْظُرُ إل َظهْرِهِ؛‬ ‫صحَابِهِ‪ ،‬و َعلَيْهِ َشمْلَتَانِ‪ ،‬وَ ُهوَ جَالِ ٌ‬ ‫َأ ْ‬
‫هَلْ َأرَى اْلخَاتَ َم الّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟ فََلمّا رَآنِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ‬
‫ت فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي‪ ،‬فََألْقَى رِدَاءَهُ عَنْ َظهْرِهِ‪ ،‬فَنَظَ ْرتُ إل‬ ‫اسْتَدبَرْتُهُ؛ َعرَفَ أَنّي أَسْتَثِْب ُ‬
‫اْلخَاَتمِ‪ ،‬فَعَرَفْتُهُ فَاكَبَْبتُ عَلَيْهِ ُأقَبّلُهُ َوأَبْكِي‪ ،‬فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ َعلَيْهِ وَ َسّلمَ‪:‬‬
‫جبَ‬ ‫صصْتُ عَلَْيهِ َحدِيثِي َكمَا َحدّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبّاسٍ! فَأَ ْع َ‬ ‫حوّلْ))‪ ،‬فََتحَ ّوْلتُ بي يديه‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫((َت َ‬
‫صحَابُهُ‪.‬‬ ‫رَسُولَ اللّ ِه صَلّى اللّهُ َعلَيْهِ وَسَّلمَ أَنْ َيسْ َمعَ َذلِكَ َأ ْ‬
‫ُثمّ شَغَلَ َس ْلمَانَ الرّقّ حَتّى فَاتَهُ َمعَ رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ (َب ْدرٌ) وَ(أُ ُحدٌ)‪.‬‬
‫قَالَ سلمان‪ُ :‬ثمّ قَالَ لِي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ‪:‬‬
‫((كَاِتبْ يَا َس ْلمَانُ!))‪.‬‬

‫ت صَاحِبِي َعلَى ثَلَاثِ مِائَةِ َنخَْلةٍ ُأحْيِيهَا لَهُ بِالْفَ ِقيِ‪ ،‬وَأرْبَعِيَ أُوقِيّةً‪ ،‬فَقَا َل رَسُولُ اللّ ِه صَلّى‬ ‫فَكَاتَبْ ُ‬
‫صحَابِهِ‪:‬‬
‫اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ لَِأ ْ‬
‫((أَعِينُوا أَخَا ُكمْ))‪.‬‬
‫فَأَعَانُونِي ف الّنخْلِ‪ :‬الرّ ُجلُ بِثَلَاثِيَ وَدِيّةً‪ ،‬وَالرّجُلُ بِ ِعشْرِينَ ودية‪ ،‬وَالرّجُلُ ِبخَمْسَ َعشْرَةَ ودية‪،‬‬
‫وَالرّ ُجلُ بِ َعشْرة‪ ،‬يعي الرّ ُجلُ بِ َق ْدرِ مَا عِْندَهُ حَتّى اجَْتمَ َعتْ لِي ثَلَاثُ مِائَةِ وَدِيّةٍ‪ ،‬فَقَالَ لِي رَسُولُ‬
‫اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ‪:‬‬
‫ت فَأْتِنِي َأكُنُ أَنَا َأضَ ُعهَا بَِيدَيّ))‪.‬‬ ‫((اذْ َهبْ يَا سَ ْلمَانُ! فَفَقّرْ لَهَا‪ ،‬فَإِذَا فَرَ ْغ َ‬
‫ج رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ‬ ‫قال‪ :‬فَفَقّرْتُ‪ ،‬وَأَعَانَنِي َأصْحَابِي‪ ،‬حَتّى إِذَا فَرَ ْغتُ جِئْتُ ُه فَأَخَْبرْتُهُ‪ ،‬فَخَ َر َ‬
‫عَلَْيهِ وَسَّلمَ مَعِي ِإلَْيهَا‪َ ،‬فجَعَلْنَا نُقَرّبُ لَ ُه اْلوَ ِديّ‪ ،‬وََيضَعُهُ رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ بَِيدِهِ‪،‬‬
‫حت إذا فرغنا‪َ ،‬فوَالّذِي نَفْسُ َس ْلمَانَ بَِيدِهِ؛ مَا مَاَتتْ مِْنهَا وَدِيّةٌ وَا ِحدَةٌ‪.‬‬
‫فَأَدّْيتُ الّنخْلَ وَبَقِيَ عَلَ ّي اْلمَالُ‪ ،‬فَأُتِ َي رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ ِبمِثْلِ بَْيضَةِ الدّجَاجَةِ‬
‫مِنْ ذَ َهبٍ مِنْ بَعْضِ العادن‪ ،‬فَقَالَ‪:‬‬
‫((مَا فَعَلَ الْفَارِسِيّ اْلمُكَاتَبُ؟))‪.‬‬
‫قَالَ‪َ :‬فدُعِيتُ لَهُ‪ ،‬قَالَ‪:‬‬
‫(( ُخذْ َهذِ ِه فَأَدّ ِبهَا مَا َعلَيْكَ يَا سَ ْلمَان!))‪.‬‬
‫فَقُ ْلتُ‪ :‬وَأَيْنَ تَ َقعُ َهذِهِ ِممّا عَلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ‪:‬‬
‫(( ُخذْهَا؛ فَإِنّ اللّهَ سَُيؤَدّي ِبهَا عَْنكَ))‪.‬‬
‫قَالَ‪ :‬فََأ َخذْتُهَا َفوَزَْنتُ َلهُمْ مِْنهَا ‪ -‬وَالّذِي نَفْسُ َس ْلمَانَ بَِيدِهِ ‪َ -‬أرْبَعِيَ أُوقِيّةً‪ ،‬فََأ ْوفَيُْتهُمْ حَ ّق ُهمْ‪.‬‬
‫وَعُتِقَ سلمان‪َ .‬فشَ ِهدْتُ َمعَ رَسُولِ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ (اْلخَنْدَقَ) ُثمّ لَمْ يَفُتْنِي مَعَهُ‬
‫َمشْ َهدٌ‪.‬‬

‫وروى البخاري ف ((صحيحه)) من حديث أب عثمان النهدي عن سلمان الفارسي‪:‬‬


‫أنه تداوله بضعة عشر؛ من ربّ إل ربّ‪.‬‬
‫أي‪ :‬من معلم إل معلم‪ ،‬ومُرَبّ إل مثله‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫وستأت قصة أب سفيان مع (هرقل) ملك الروم حي سأله عن صفات رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وأحواله‪ ،‬واستدلله بذلك على صدقه ونبوته ورسالته‪ ،‬وقال له‪ :‬كنت أعلم أنه‬
‫خارج‪ ،‬ولكن ل اكن أظن أنه فيكم‪ ،‬ولو أعلم أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه‪ ،‬ولو كنت‬
‫عنده لغسلت عن قدميه‪ ،‬ولئن كان ما تقول حقا ليملكن موضع قدمي هاتي‪ .‬وكذلك وقع‬
‫ول المد والنة‪.‬‬

‫جدُونَهُ مَكْتُوبًا عِْندَهُ ْم فِي التّ ْورَاةِ‬‫وقال ال تعال ‪ ﴿ :‬اّلذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِ ّي الْأُمّيّ اّلذِي َي ِ‬
‫وَالْإِْنجِيلِ يَأْمُرُ ُهمْ بِاْلمَعْرُوفِ وَيَْنهَاهُمْ َعنِ اْلمُنْكَرِ وَُيحِلّ َلهُمُ الطّيّبَاتِ وَُيحَرّمُ عَلَْي ِه ُم الْخَبَاِئثَ‬
‫وََيضَعُ عَْن ُهمْ ِإصْرَ ُهمْ وَالْأَغْلَا َل الّتِي كَاَنتْ عَلَْي ِهمْ فَاّلذِينَ ءَامَنُوا ِبهِ وَعَ ّزرُوهُ وََنصَرُوهُ وَاتّبَعُوا‬
‫النّورَ اّلذِي أُْنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ ُهمُ اْلمُفِْلحُونَ ﴾[العراف‪.]157:‬‬
‫روى المام أحد عن رجل من العراب قال‪:‬‬
‫جلبت جلوبة إل الدينة ف حياة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما فرغت من بيعي قلت‪:‬‬
‫للقي هذا الرجل فلسعن منه‪ .‬قال‪ :‬فتلقان بي أب بكر وعمر يشون‪ ،‬فتعبتهم‪ ،‬حت أتوا‬
‫على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها؛ يعزي با على نفسه عن ابن له ف الوت كأحسن‬
‫الفتيان وأجلهم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((أنشدك بالذي أنزل التوراة؛ هل تدن ف كتابك ذا صفت ومرجي؟))‪.‬‬
‫فقال برأسه هكذا؛ أي‪ :‬ل ‪ .‬فقال ابنه‪ :‬إي والذي أنزل التوراة؛ إنا لنجد ف كتابنا صفتك‬
‫ومرجك‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسول ال‪.‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫((أقيموا اليهودي عن أخيكم))‪ .‬ث ول كفنه والصلة عليه‪.‬‬

‫هذا إسناد جيد‪ ،‬وله شاهد ف ((الصحيح)) عن أنس بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫روى أبو القاسم البغوي بإسناده عن الفلتان بن عاصم‪ ،‬وذكر أن خاله قال‪ :‬كنت جالسا عند‬
‫النب صلى ال عليه وسلم إذ شخص بصره إل رجل‪ ،‬فإذا يهودي عليه قميص وسراويل‬
‫ونعلن‪ .‬قال‪ :‬فجعل النب صلى ال عليه وسلم يكلمه وهو يقول‪ :‬يا رسول ال! فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((أتشهد أن رسول ال ؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل ‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أتقرأ التوراة))‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((أتقرأ النيل))‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((والقرآن))‪ .‬قال‪ :‬ل‪ .‬ولو تشاء قرأته‪.‬‬
‫فقال النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((فبم (!) تقرأ التوراة والنيل أتدن نبيا؟))‪ .‬قال‪ :‬إنا ند نعتك ومرجك‪ ،‬فلما خرجت‬
‫رجونا أن تكون فينا‪ ،‬فلما رأيناك عرفناك أنك لست به‪.‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((ول يا يهودي؟))‪ .‬قال‪ :‬إنا نده مكتوبا‪ :‬يدخل من أمته النة سبعون ألفا بغي حساب‪ .‬ول‬
‫نرى معك إل نفرا يسيا‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن أمت لكثر من سبعي ألفا‪ ،‬وسبعي ألفا))‪.‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ ،‬ول يرجوه‪.‬‬
‫وثبت ف ((الصحيح)) أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بدارس اليهود‪ ،‬فقال لم‪:‬‬
‫((يا معشر اليهود! أسلموا‪ ،‬فوالذي نفسي بيده؛ إنكم لتجدون صفت ف كتبكم))‪ .‬الديث‪.‬‬
‫وروى أحد والبخاري عن عطاء بن يسار قال‪:‬‬
‫لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص فقلت‪ :‬أخبن عن صفات رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ف التوراة‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أجل؛ وال إنه لوصوف ف التوراة بصفته ف القرآن‪ :‬يا أيها النب! إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا‬
‫ونذيرا‪ ،‬وحرزا للميي‪ ،‬أنت عبدي ورسول‪ ،‬سيتك التوكل‪ ،‬ل فظ‪ ،‬ول غليظ‪ ،‬ول‬
‫صخّاب ف السواق‪ ،‬ول يدفع السيئة بالسيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويغفر‪ ،‬ولن يقبضه ال حت يقيم به‬
‫اللة العوجاء؛ بأن يقولوا‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬فيفتح با أعينا عميا‪ ،‬وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير‪ ،‬وزاد‪:‬‬
‫قال عطاء‪ :‬فلقيت كعبا‪ ،‬فسألته عن ذلك؟ فما اختلفا [ف] حرف‪.‬‬
‫ورواه البيهقي من طريق أخرى عن عطاء يسار عن ابن سلم‪ :‬أنه كان يقول‪:‬‬
‫إنا لنجد صفة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ :‬إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‪ ،‬وحرزا‬
‫للميي‪ ،‬أنت عبدي ورسول‪ ،‬سيته التوكل‪ ،‬ليس بفظ‪ ،‬ول غليظ‪ ،‬ول صخاب ف السواق‪،‬‬
‫ول يزي السيئة بثلها‪ ،‬ولكن يعفو ويتجاوز‪ ،‬ولن يقبضه حت يقيم به اللة العوجاء؛ بأن‬
‫يشهدوا أن ل إله إل ال‪ ،‬يفتح به أعينا عميا‪ ،‬وآذانا صما‪ ،‬وقلوبا غلفا‪.‬‬
‫وقال عطاء بن يسار‪ :‬وأخبن الليثي‪ :‬أنه سع كعب الحبار يقول مثلما قال ابن سلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا عن عبد ال بن سلم أشبه‪ ،‬ولكن الرواية عن عبد ال بن عمرو أكثر؛ مع أنه‬
‫كان قد وجد يوم (اليموك) زاملتي من كتب أهل الكتاب‪ ،‬وكان يدث عنهما كثيا‪.‬‬
‫وليعلم أن كثيا من السلف كانوا يطلقون (التوراة) على كتب أهل الكتاب‪ ،‬فهي عندهم أعم‬
‫من الت أنزلا ال على موسى‪ ،‬وقد ثبت شاهد ذلك من الديث‪.‬‬
‫والعلم بأنه موجود ف كتب أهل الكتب معلوم من الدين ضرورة‪ ،‬وقد دل على ذلك آيات‬
‫كثية ف الكتاب العزيز؛ تكلمنا عليها ف مواضعها‪ ،‬ول المد‪.‬‬
‫فمن لك قوله‪ ﴿ :‬الّذِينَ ءَاتَيْنَاهُ ُم الْكِتَابَ مِ ْن قَبِْلهِ ُهمْ بِهِ ُيؤْمِنُونَ ‪َ .‬وإِذَا يُْتلَى عَلَْي ِه ْم قَالُوا ءَامَنّا‬
‫بِهِ إِنّ ُه اْلحَقّ مِ ْن رَبّنَا إِنّا كُنّا ِم ْن قَبْلِهِ ُمسِْلمِيَ ﴾[القصص‪52 :‬و ‪.]53‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬اّلذِينَ ءَاتَيْنَا ُهمُ الْكِتَابَ يَعْ ِرفُونَهُ َكمَا يَعْ ِرفُونَ أَبْنَاءَ ُهمْ وَإِ ّن فَرِيقًا مِْن ُهمْ لَيَكُْتمُونَ‬
‫اْلحَقّ وَ ُهمْ يَعَْلمُونَ ﴾[البقرة‪.]146 :‬‬
‫جدًا ‪ .‬وَيَقُولُونَ‬ ‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬إِ ّن الّذِينَ أُوتُوا الْعِ ْلمَ مِ ْن قَبِْلهِ إِذَا يُْتلَى عَلَْي ِهمْ َيخِرّونَ لِلْأَ ْذقَانِ ُس ّ‬
‫سُْبحَا َن رَبّنَا إِنْ كَانَ وَ ْعدُ رَبّنَا َلمَفْعُولًا ﴾ [السراء‪107 :‬و ‪.]108‬‬
‫وقال تعال إخبارا عن القسيسي والرهبان‪ ﴿ :‬وَإِذَا َسمِعُوا مَا أُْنزِلَ إل الرّسُولِ َترَى أَعْيَُن ُهمْ‬
‫تَفِيضُ مِنَ الدّ ْمعِ ِممّا عَ َرفُوا ِم َن الْحَقّ يَقُولُونَ رَبّنَا ءَامَنّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّا ِهدِينَ ﴾ [الائدة‪.]83:‬‬
‫وف قصة النجاشي وسلمان وعبد ال بن سلم وغيهم؛ كما سيأت شواهد كثية لذا العن‪،‬‬
‫ول المد والنة‪.‬‬
‫وذكرنا ف تضاعيف ((قصص النبياء)) وصفهم لبعثة رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ونعته‪،‬‬
‫وبلد مولده‪ ،‬ودار مهاجره‪ ،‬ونعت أمته ف قصة موسى‪ ،‬وشعيا‪ ،‬وأرمياء‪ ،‬ودانيال‪ ،‬وغيهم‪.‬‬

‫وف النيل البشارة بـ(الفارقليط)‪ ،‬والراد ممد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وروى البيهقي عن الاكم بإسناده عن عائشة رضي ال عنه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪:‬‬
‫((مكتوب ف النيل‪ :‬ل فظ‪ ،‬ول غليظ‪ ،‬ول صخاب ف السواق‪ ،‬ول يزي بالسيئة مثلها‪،‬‬
‫بل يعفوا ويصفح))‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن عوف بن مالك الشجعي قال‪:‬‬
‫انطلق النب صلى ال عليه وسلم [يوما] وأنا معه‪ ،‬حت دخلنا كنيسة اليهود [بالدينة يوم عيد‬
‫لم‪ ،‬فكرهوا دخولنا عليهم]‪ ،‬فقال [لم]‪:‬‬
‫((يا معشر اليهود! أرون اثن عشر رجلً يشهدون أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا رسول ال؛‬
‫يط ال عن كل يهودي تت أدي السماء الغضب الذي غضب عليهم))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأسكتوا ما أجابه منهم أحد‪ ،‬ث رد عليهم‪ ،‬فلم يبه منهم أحد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أبيتم! فوال؛ [إن] لنا الاشر‪ ،‬وأنا العاقب‪ ،‬وأنا النب الصطفى؛ آمنتم أو كذبتم))‪.‬‬

‫ث انصرف وأنا معه‪ ،‬حت [إذا] كدنا أن نرج‪ ،‬فإذا رجل من خلفنا يقول‪ :‬كما أنت يا‬
‫ممد! فقال ذلك الرجل‪ :‬أي رجل تعلمون فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا‪ :‬وال؛ ما نعلم أنه‬
‫كان فينا رجل أعلم بكتاب ال منك‪ ،‬ول أفقه منك‪ ،‬ول من أبيك قبلك‪ ،‬ول من جدك قبل‬
‫أبيك‪ .‬قال‪ :‬فإن أشهد له بال أنه نب ال الذي تدونه ف التوراة‪ .‬فقالوا‪ :‬كذبت! ث ردوا‬
‫عليه قوله‪ ،‬وقالوا فيه شرا‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((كذبتم‪ ،‬لن يقبل قولكم‪ ،‬أما آنفا فتثنون عليه من الي ما أثنيتم‪ ،‬وأما إذ آمن فكذبتموه‬
‫وقلتم فيه ما قلتم‪ ،‬فلن يقبل قولكم))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فخرجنا ونن ثلثة‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأنا‪ ،‬وعبد ال بن سلم‪ ،‬وأنزل‬
‫ال تعال فيه‪﴿ :‬قُلْ َأرَأَيُْتمْ إِنْ كَانَ ِمنْ عِْندِ اللّهِ َوكَفَرُْتمْ بِهِ وَ َش ِهدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى‬
‫مِثْلِ ِه فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرُْتمْ إِنّ اللّهَ لَا َي ْهدِي الْقَوْمَ الظّالِمِيَ﴾ [الحقاف‪[ .]10 :‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫باب ف هواتف الن‬
‫وهو ما ألقته الان على ألسنه الكهان ومسموعا من الوثان‬
‫روى البخاري عن عبد ال بن عمر قال‪:‬‬
‫ما سعت عمر يقول لشيء قط‪ :‬إن لظنه [كذا]‪ .‬إل كان كما يظن‪.‬‬
‫بينما عمر جالس إذ مر به رجل جيل‪ ،‬فقال‪ :‬لقد أخطأ ظن‪ ،‬أو أن هذا على دينه ف‬
‫الاهلية‪ ،‬أو لقد كان كاهنهم‪ ،‬عليّ الرجل‪.‬‬
‫فدعي به‪ ،‬فقال له ذلك‪ .‬فقال‪ :‬ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم!‬
‫قال‪ :‬فإن أعزم عليك إل ما أخبتن‪ .‬قال‪ :‬كنت كاهنهم ف الاهلية قال‪ :‬فما أعجب ما‬
‫جاءتك به جنيتك؟‬
‫قال‪ :‬بينما أنا ف السوق يوما؛ جاءتن أعرف فيها الفزع‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫أل تر الن وإبلسها‪ ،‬وبأسها من بعد إنكاسها‪ ،‬ولوقها بالقلص وأحلسها؟‬
‫قال عمر‪ :‬صدق‪ ،‬بينا أنا عند آلتهم جاء رجل بعجل فذبه‪ ،‬فصرخ به صارخ ل أسع‬
‫صارخا قط أشد صوتا منه يقول‪ :‬يا جليح! أمر نيح‪ ،‬رجل فصيح يقول‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫فوثب القوم‪ ،‬قلت‪ :‬ل أبرح حت أعلم ما وراء هذا‪ .‬ث نادى‪ :‬يا جليح! أمر نيح‪ ،‬رجل‬
‫فصيح يقول‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬فقمت‪ ،‬فما نشبنا أن قيل‪ :‬هذا نب‪.‬‬
‫وهذا الرجل هو سواد بن قارب الزدي‪ ،‬ويقال‪ :‬الدوسي من أهل السراة جبال (البلقاء)‪ ،‬له‬
‫صحبة ووفادة‪.‬‬
‫وروى الافظ أبو نعيم عن جابر بن عبد ال قال‪:‬‬
‫إن أول خب كان بالدينة ببعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أن امرأة بالدينة كان لا تابع‬
‫من الن‪ ،‬فجاء ف صورة طائر أبيض‪ ،‬وقع على حائط لم‪ ،‬فقالت له‪ :‬أل تنل إلينا فتحدثنا‬
‫وندثك‪ ،‬وتبنا ونبك؟ فقال لا‪ :‬إنه قد بعث نب بكة حرم الزنا‪ ،‬ومنع منا القرار‪.‬‬
‫باب كيفية بدء الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذكر أول شيء أنزل عليه من‬
‫القرآن العظيم‬
‫كان ذلك وله صلى ال عليه وسلم من العمر أربعون سنة‪.‬‬
‫روى البخارى عن عائشة رضي ال عنها أنا قالت‪:‬‬
‫أول ما بدئ به رسول ال صلى ال عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة ف النوم‪ ،‬فكان ل‬
‫يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح‪.‬‬
‫ث حبب إليه اللء‪ ،‬فكان يلو بغار (حراء) ‪ ،‬فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليال ذوات‬
‫العدد قبل أن ينع إل أهله‪ ،‬ويتزود لذلك‪ ،‬ث يرجع إل خدية‪ ،‬فيتزود ‪ ،‬حت جاءه الق‬
‫وهو ف غار حراء‪.‬‬
‫فجاءه اللك فقال‪ :‬اقرأ‪ .‬قال‪(( :‬ما أنا بقارئ))‪ .‬قال‪(( :‬فأخذن فغطن حت بلغ من الَهد‪ ،‬ث‬
‫أرسلن‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ .‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ .‬فأخذن فغطن الثانية حت بلغ من الهد‪ ،‬ث‬
‫ك الّذِي خََلقَ‪ .‬خََلقَ الْإِْنسَانَ مِنْ َعلَقٍ‪ .‬اقْرَأْ وَرَبّكَ الَْأكْرَمُ‪ .‬الّذِي‬
‫أرسلن‪ ،‬فقال‪﴿ :‬اقْرَأْ بِا ْس ِم رَبّ َ‬
‫عَّلمَ بِالْقََلمِ‪ .‬عَّل َم الْإِنْسَانَ مَا َلمْ يَ ْعَلمْ﴾ [العلق‪.))]5-1 :‬‬
‫فرجع با رسول ال صلى ال عليه وسلم يرجف فؤاده‪ ،‬فدخل على خدية بنت خويلد فقال‪:‬‬
‫((زملون زملون))‪ .‬فزمّلوه حت ذهب عنه الروع‪.‬‬
‫فقال لدية – وأخبها الب‪(( : -‬لقد خشيت على نفسي))‪.‬‬
‫فقالت خدية ‪ :‬كل؛ [أبشر]؛ فوال ل يزيك ال أبدا؛ إنك لتصل الرحم‪[ ،‬وتصدق‬
‫الديث]‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتمل الكل‪ ،‬وتكسب العدوم‪ ،‬وتعي على نوائب الق‪.‬‬
‫فانطلقت به خدية حت أتت على ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خدية [أخي‬
‫أبيها]‪ ،‬وكان امرءا قد تنصر ف الاهلية‪ ،‬وكان يكتب الكتاب العبان‪ ،‬فيكتب من النيل‬
‫بالعبانية ما شاء ال أن كتب‪ ،‬وكان شيخا كبيا قد عمي‪.‬‬
‫فقالت له خدية‪ :‬يا ابن عم! اسع من ابن أخيك‪ .‬فقال له ورقة‪ :‬يا ابن أخي! ماذا ترى؟‬
‫فأخبه رسول ال صلى ال عليه وسلم خب ما رأى‪ ،‬فقال له ورقة‪ :‬هذا الناموس الذي كان‬
‫ينل على موسى‪ ،‬يا ليتن ف جذعان ليتن أكون حيّا إذ يرجك قومك؟ فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أو مرجيّ هم ؟!))‪.‬‬
‫فقال‪ :‬نعم؛ ل يأت أحد بثل ما جئت به إل عُودي‪ ،‬وإن يدركن يومك أنصرك نصرا‬
‫مؤزرا‪.‬‬
‫ث ل ينشب ورقة أن توف‪ ،‬وفتر الوحي فترة؛ حت حزن رسول ال صلى ال عليه وسلم –‬
‫فيما بلغنا – حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوسق شواهق البال‪ ،‬فكلما أوف بذروة‬
‫جبل لكي يلقي نفسه تبدى له جبيل‪ ،‬فقال‪ :‬يا ممد! إنك رسول ال حقا‪ ،‬فيسكن لذلك‬
‫جأشه‪ ،‬وتقر نفسه فيجع‪ ،‬فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لثل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فإذا أوف بذروة‬
‫جبل تبدى له جبيل‪ ،‬فقال له مثل ذلك‪.‬‬
‫هكذا وقع مطولً ف (باب التعبي) من ((البخاري))‪.‬‬
‫قال جابر بن عبد ال النصاري – وهو يدث عن فترة الوحي‪ ،‬فقال ف حديثه ‪: -‬‬
‫((بينما أنا أمشي إذ سعت صوتا من السماء‪ ،‬فرفعت بصري؛ فإذا اللك الذي جاءن‬
‫بـ(حراء) جالس على كرسي بي السماء والرض‪ ،‬فرعبت منه‪ ،‬فرجعت‪ ،‬فقلت‪ :‬زملون‬
‫ك فَ َطهّرْ‪ .‬وَالرّجْزَ‬
‫زملون‪ .‬فأنزل ال ‪﴿ :‬يَاأَّيهَا اْل ُمدّثّرُ‪ .‬قُ ْم فَأَْن ِذرْ‪َ .‬ورَبّكَ فَكَبّرْ‪ .‬وَثِيَابَ َ‬
‫فَا ْهجُرْ﴾[الدثر‪ – ]5-1 :‬فحمي الوحي وتتابع))‪.‬‬
‫رواه البخاري رحه ال ف كتابه ف مواضع منه‪ ،‬وتكلمنا عليه مطولً ف أول ((شرح‬
‫البخاري)) ف (كتاب بدء الوحي) إسنادا ومتنا‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬
‫وأخرجه مسلم ف ((صحيحه))‪ ،‬وانتهى سياقه إل قول ورقة‪(( :‬أنصرك نصرا مؤزرا))‪.‬‬
‫فقول أم الؤمني عائشة‪(( :‬أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة‪ ،‬فكان ل يرى رؤيا إل‬
‫جاءت مثل فلق الصبح)) يقوي ما ذكره ممد بن إسحاق عن عبيد بن عمي الليثي‪ :‬أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((فجاءن جبيل وأنا نائم بنمط من ديباج ف كتاب‪ ،‬فقال‪ :‬اقرأ‪ .‬فقلت‪ :‬ما أقرأ‪ .‬فغتّن حت‬
‫ظننت أنه الوت‪ ،‬ث أرسلن))‪.‬‬
‫وذكر نو حديث عائشة سواء‪.‬‬
‫فكان هذا كالتوطئة لا يأت بعده من اليقظة‪ ،‬وقد جاء مصرحا بذا ف ((مغازي موسى بن‬
‫عقبة)) عن الزهري أنه رأى ذلك ف النام‪ ،‬ث جاءه اللك ف اليقظة‪.‬‬
‫وروى أبو نعيم ف ((الدلئل)) بسنده عن علقمة بن قيس قال‪:‬‬
‫((إن أول ما يؤتى به النبياء ف النام حت تدأ قلوبم‪ ،‬ث ينل الوحي بعد))‪.‬‬
‫قال أبو شامة‪ :‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرى عجائب قبل بعثته‪.‬‬
‫فمن ذلك ما ف ((صحيح مسلم)) عن جابر بن سرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫(مسلم ‪)7/58/59‬‬
‫(( إن لعرف حجرا بكة كان يسلم عليّ قبل أن أُبعث‪ ،‬إن لعرفه الن))‪.‬‬
‫انتهى كلمه‪.‬‬
‫وإنا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يب اللء والنفراد عن قومه؛ لا يراهم عليه من‬
‫الضلل البي من عبادة الوثان والسجود للصنام‪ ،‬وقويت مبته للخلوة عند مقاربة إياء ال‬
‫إليه‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقوله ف الديث‪(( :‬والتحنث‪ :‬التعبد)) تفسي بالعن‪ ،‬وإل فحقيقة التحنث‪ :‬من حيث البنية‬
‫– فيما قاله السهيلي‪ : -‬الدخول ف النث‪ .‬ولكن سعت ألفظ قليلة ف اللغة معناها‪ :‬الروج‬
‫من ذلك الشيء؛ كتحنث‪ ،‬أي‪ :‬خرج من النث‪ ،‬وتوب‪ ،‬وترج وتأث‪ .‬وتجد‪ :‬هو ترك‬
‫الجود وهو النوم للصلة‪ ،‬وتنجس وتقذر‪ .‬أوردها أبو شامة‪.‬‬

‫قال ابن هشام‪ :‬والعرب تقول‪ :‬التحنيث والتحنف‪ .‬يبدلون الفاء من الثاء‪ ،‬كما قالوا‪ :‬جدّف‬
‫وجدث‪ ،‬كما قال رؤبة‪:‬‬
‫لو كان أحجاري من الجداف‪.‬‬
‫يريد‪ :‬الجداث‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثن أبو عبيدة‪ :‬أن العرب تقول‪ُ( :‬فمّ) ف موضع (ُثمّ)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن ذلك قول بعض الفسرين ‪﴿ :‬وفومها﴾ أن الراد‪ :‬ثومها‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬حت فجأه الق وهو بغار حراء))؛ أي‪ :‬جاء بغتة على غي موعد؛ كما قال تعال‬
‫‪﴿ :‬وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إل رحة من ربك﴾الية[النمل‪.]86:‬‬
‫وقد كان نزول هذه السورة الكرية وهي‪﴿ :‬اقْ َرأْ بِا ْسمِ رَبّكَ اّلذِي خََلقَ‪ .‬خَلَ َق الْإِْنسَانَ ِمنْ‬
‫ك الَْأكْرَمُ‪ .‬اّلذِي َعّلمَ بِالْقََلمِ‪ .‬عَّلمَ الْإِْنسَانَ مَا لَمْ يَعَْلمْ﴾ [العلق‪ – ]5-1 :‬وهي‬
‫عََلقٍ‪ .‬اقْرَأْ َورَبّ َ‬
‫أول ما نزل من القرآن؛ كما قررنا ذلك ف ((التفسي))‪ ،‬وكما سيأت أيضا – ف يوم الثني؛‬
‫كما ثبت ف ((صحيح مسلم)) عن أب قتادة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن‬
‫صوم يوم الثني؟ فقال‪:‬‬
‫((ذاك يوم ولدت فيه‪ ،‬ويوم أنزل عليّ فيه))‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪:‬‬
‫ولد نبيكم ممد صلى ال عليه وسلم يوم الثني‪ ،‬ونُبّي يوم الثني‪.‬‬
‫وهذا ما خلف فيه‪.‬‬
‫والشهور أنه بعث عليه الصلة والسلم ف شهر رمضان؛ كما نص على ذلك عبيد بن عمي‬
‫وممد بن إسحاق وغيها‪ ،‬واستدل ابن إسحاق على ذلك بقوله تعال ‪﴿ :‬شهر رمضان‬
‫الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس﴾ [البقرة‪.]185 :‬‬
‫وروى المام أحد عن واثلة بن السقع‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((أُنزلت صحف إبراهيم ف أول ليلة من رمضان‪ ،‬وأنزلت التوراة لست مضي من رمضان‪،‬‬
‫والنيل لثلث عشرة ليلة خلت من رمضان‪ ،‬وأنزل القرآن لربع وعشرين خلت من‬
‫رمضان))‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه ف ((تفسيه)) عن جابر بن عبد ال مرفوعا نوه‪.‬‬
‫ولذا ذهب جاعة من الصحابة والتابعي إل أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين‪.‬‬
‫وأما قول جبيل‪(( :‬اقرأ))‪ ،‬فقال‪(( :‬ما أنا بقارئ))؛ فالصحيح أن قوله‪(( :‬ما أنا بقارئ))‬
‫نفي؛ أي ‪ :‬لست من يسن القراءة‪ ،‬وومن رجحه انووي‪ ،‬وقبله الشيخ أبو شامة‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إنا استفهامية‪ .‬فقوله بعيد؛ لن الباء ل تزاد ف الثبات‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬حت بلغ من الهد))‪ :‬يُروى بضم اليم وفتحها وبالنصب وبالرفع‪ ،‬وفعل به ثلثا‪،‬‬
‫قال الطاب‪:‬‬
‫((وإنا فعل ذلك به ليبلوا صبه‪ ،‬ويسن تأديبه‪ ،‬فيتاض لحتمال ما كلفه به من أعباء النبوة‪،‬‬
‫ولذلك كان يعتريه مثل حال الحموم‪ ،‬وتأخذه (الرحضاء)؛ أي‪ :‬البهر والعرق))‪.‬‬

‫وقال غيه‪ :‬إنا فعل ذلك لمور‪ :‬منها أن يستيقظ لعظمة ما يلقى إليه بعد هذا الصنيع الشق‬
‫على النفوس؛ كما قال تعال ‪﴿ :‬إنا سنلقي عليك قولً ثقيلً﴾ [الزمل‪ ،]5 :‬ولذا كان عليه‬
‫الصلة والسلم إذا جاءه الوحي يمر وجهه‪ ،‬ويغط كما يغط البكر من البل‪ ،‬ويتفصد جبينه‬
‫عرقا ف اليوم الشديد البد‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬فرجع با رسول ال صلى ال عليه وسلم إل خدية يردف فؤاده))‪ ،‬وف رواية‪:‬‬
‫((بوادره))‪ :‬جع بادرة؛ قال أبو عبيدة‪ :‬وهي لمة بن النكب والعنق‪ .‬وقال غيه‪ :‬هي عروق‬
‫تضطرب عند الفزع ‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬لقد خشيت على نفسي))‪ ،‬وذلك لنه شاهد أمرا ل يعهده قبل ذلك‪ ،‬ول كان ف‬
‫خلده‪ ،‬ولذا قالت خدية‪ :‬كل؛ أبشر وال؛ ل يزيك ال أبدا‪ .‬قيل‪ :‬من الزي‪ ،‬وقيل‪ :‬من‬
‫الزن‪ ،‬وهذا لعلمها با أجرى ال به جيل العوائد ف خلقه؛ أن من كان متصفا بصفات الي‬
‫ل يزى ف الدنيا ول ف الخرة‪.‬‬
‫ث ذكرت له من صفاته الليلة ما كان من سجاياه السنة‪ .‬فقالت‪(( :‬إنك لتصل الرحم‪،‬‬
‫وتصدق الديث))‪ .‬وقد كان مشهورا بذلك صلوات ال وسلمه عليه عند الوافق والفارق‪.‬‬

‫((وتمل الكل))؛ أي‪ :‬عن غيك‪ ،‬تعطي صاحب العيلة ما يريه من ثقل مؤونة عياله‪.‬‬
‫((وتكسب العدوم)) ؛ أي‪ :‬تسبق إل فعل الي‪ ،‬فتبادر إل إعطاء الفقي‪ ،‬فتكسب حسنته قبل‬
‫غيك‪ ،‬ويسمى الفقي معدوما ؛ لن حياته ناقصة‪ ،‬فوجوده وعدمه سواء؛ كما قال بعضهم‪:‬‬
‫إن اليت ميت الحياء‬ ‫ليس من مات فاستراح بيت‬
‫واختار شيخنا الافظ أبو الجاج الزي أن الراد بـ(العدوم) ههنا‪ :‬الال العطى؛ أي‪ :‬يعطي‬
‫الال لن هو عادمه‪.‬‬
‫ومن قال‪ :‬إن الراد أنك تكسب باتارك الال العدوم‪ ،‬أو النفيس القليل النظي؛ فقد أبعد‬
‫النجعة‪ ،‬وأغرق ف النع‪ ،‬وتكلف ما ليس له علم‪ ،‬فإن مثل هذا ل يدح به غالبا‪ ،‬وقد ضعف‬
‫هذا القول عياض والنووي وغيها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫((وتقري الضيف))؛ أي‪ :‬تكرمه ف تقدي قراه‪ ،‬وإحسان مأواه‪.‬‬
‫((وتعي على نوائب الق))‪ ،‬ويروى ((الي))؛ أي‪ :‬إذا وقعت نائبة لحد ف خي أعنت فيها‪،‬‬
‫وقمت مع صاحبها حت يد سدادا من عيش‪ ،‬أو قواما من عيش‪.‬‬
‫وقول ورقة‪(( :‬يا ليتن فيها جذَعا))؛ أي‪ :‬يا ليتن أكون اليوم شابا متمكنا من اليان والعلم‬
‫النافع والعمل الصال‪.‬‬
‫((يا ليتن أكون حيا حي يرجك قومك))؛ يعن‪ :‬حت أخرج معك وأنصرك‪.‬‬

‫((نصرا مؤزرا)؛ أي‪ :‬أنصرك نصرا عزيزا أبدا‪.‬‬


‫وقوله‪(( :‬ث ل ينشب ورقة أن توف))؛ أي‪ :‬توف بعد هذه القصة بقليل‪ ،‬رحه ال ورضي عنه‪،‬‬
‫فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق با وُجد ‪ ،‬وإيان با حصل من الوحي‪ ،‬ونية صالة‬
‫للمستقبل‪.‬‬
‫وقد روى المام أحد عن ابن ليعة‪ :‬حدثن أبو السود عن عروة عن عائشة‪ :‬أن خدية‬
‫سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ورقة بن نوفل؟ فقال‪:‬‬
‫((قد رأيته؛ فرأيت عليه ثياب بياض‪ ،‬فأحسبه لو كان من أهل النار ل يكن عليه ثياب‬
‫بياض))‪.‬‬
‫وهذا إسناد حسن؛ لكن رواه الزهري وهشام عن عروة مرسلً‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫وروى الافظ أبو يعلى عن مالد عن الشعب عن جابر بن عبد ال‪:‬‬

‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل؟ فقال‪:‬‬


‫((قد رأيته؛ فرايت عليه ثياب بياض‪ ،‬أبصرته ف بطنان النة وعليه السندس))‪.‬‬
‫وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل؟ فقال‪:‬‬
‫((يبعث يوم القيامة أمة وحده))‪.‬‬
‫وسئل عن أب طالب؟ فقال‪:‬‬
‫((أخرجته من غمرة من جهنم إل ضحضاح منها))‪.‬‬
‫وسئل عن خدية؛ لنا ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن؟ فقال‪:‬‬
‫((أبصرتا على نر ف النة ف بيت من قصب؛ ل صخب فيه ول نصب))‪.‬‬
‫إسناده حسن‪ ،‬ولبعضه شواهد ف ((الصحيح))‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وروى البزار وابن عساكر عن عائشة قالت‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( ل تسبوا ورقة؛ فإن رأيت له جنة أو جنتي))‪.‬‬
‫وهذا إسناد جيد‪ ،‬وروي مرسلً‪ ،‬وهو أشبه‪.‬‬

‫وروى البيهقي عن علي بن أب طالب رضي ال عنه قال‪:‬‬


‫كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم بكة‪ ،‬فخرج ف بعض نواحيها‪ ،‬فما استقبله شجر ول‬
‫جبل إل قال ‪ :‬السلم عليك يا رسول ال!‬
‫وف رواية‪:‬‬
‫لقد رأيتن أدخل معه الوادي‪ ،‬فل ير بجر ول شجر إل قال ‪ :‬السلم عليكم يا رسول ال!‬
‫وأنا أسعه‪.‬‬
‫ومضى قريبا حديث مسلم‪:‬‬
‫((إن لعرف بكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث‪ ،‬إن لعرفه الن))‪.‬‬
‫فصل‬
‫وف ((الصحيحي)) عن جابر بن عبد ال قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يدث‬
‫عن فترة الوحي قال‪:‬‬
‫((فبينما أنا أمشي سعت صوتا من السماء ‪ ...‬فخشيت منه فرقا حت هويت إل الرض‪،‬‬
‫ك فَكَبّرْ‪.‬‬
‫فجئت أهلي فقلت‪ :‬زملون زملون‪ .‬فأنزل ال‪﴿ :‬يَاأَّيهَا الْ ُمدّثّرُ‪ُ .‬قمْ فَأَْن ِذرْ‪َ .‬ورَبّ َ‬
‫ك فَ َطهّرْ‪ .‬وَالرّجْ َز فَا ْهجُرْ﴾[الدثر‪.]5-1 :‬‬
‫وَثِيَابَ َ‬
‫قال‪ :‬ث حي الوحي وتتابع))‪.‬‬
‫فهذا كان أول من القرآن بعد فترة الوحي ل مطلقا‪ ،‬ذاك قوله‪﴿ :‬اقْ َرأْ بِا ْسمِ رَبّكَ اّلذِي‬
‫خََلقَ﴾‪.‬‬
‫وقد ثبت عن جابر ‪ :‬أن أول ما نزل ‪﴿ :‬يَاأَّيهَا اْل ُمدّثّرُ﴾‪ ،‬واللئق حل كلمه ما أمكن على‬
‫ما قلناه؛ فإن ف سياق كلمه ما يدل على تقدم ميء اللك الذي عرفه ثانيا با عرفه به أولً‬
‫إليه‪ .‬ث قوله‪(( :‬يدث عن فترة الوحي)) دليل على تقدم الوحي على هذا الياء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد ثبت ف ((الصحيحي)) عن يي بن أب كثي قال‪ :‬سألت أبا سلمة بن عبد الرحن‪ :‬أي‬
‫القرآن أنزل قبل؟ فقال‪﴿ :‬يا أيها الدثر﴾‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬و ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾؟‬
‫فقال‪ :‬سألت جابرا بن عبد ال‪ :‬أي القرآن أنزل قبل؟ فقال‪﴿ :‬يا أيها الدثر﴾ فقلت‪ :‬و﴿اقرأ‬
‫باسم ربك﴾؟ فقال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( إن جاورت بـ(حراء) شهرا‪ ،‬فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي‪ ،‬فنوديت‪،‬‬
‫فنظرت بي يدي وخلفي‪ ،‬وعن يين وعن شال‪ ،‬فلم أرَ شيئا‪ ،‬ث نظرت إل السماء؛ فإذا هو‬
‫على العرش ف الواء‪ ،‬فأخذتن رعدة‪ -‬أو قال‪ :‬وحشة‪ -‬فأتيت خدية ‪ ،‬فأمرتم فدثرون‪،‬‬
‫فأنزل ال ‪﴿ :‬يا أيها الدثر ﴾ حت بلغك ﴿وثيابك فطهر﴾))‪.‬‬
‫وف رواية‪:‬‬
‫((فإذا اللك الذي جاءن بـ(حراء) جالس على كرسي بي السماء والرض‪ ،‬فجثيت منه))‪.‬‬
‫وهذا صريح ف تقدم إتيانه إليه‪ ،‬وإنزاله الوحي من ال عليه؛ كما ذكرناه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومنهم من زعم أن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة‪﴿ :‬والضحى‪ .‬والليل إذا سجى‪ .‬ما‬
‫ودعك ربك وما قلى﴾ إل آخرها‪ .‬وهو قول بعيد يرده ما تقدم من رواية صاحب‬
‫((الصحيح))؛ من أن أول القرآن نزولً بعد فترة الوحي‪:‬‬
‫﴿يا أيها الدثر‪ .‬قم فأنذر﴾‪ ،‬ولكن نزلت سورة (والضحى) بعد فترة أخرى كانت ليال‬
‫يسية؛ كما ثبت ف ((الصحيحي)) وغيها عن جندب بن عبد ال البجلي قال‪:‬‬
‫اشتكى رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ فلم يقم ليلة أو ليلتي أو ثلثا‪ ،‬فقالت امرأة‪ :‬ما أرى‬
‫ك رَبّكَ وَمَا قَلَى﴾‪.‬‬
‫شيطانك إل تركك‪ .‬فأنزل ال‪﴿ :‬وَالضّحَى‪ .‬وَاللّيْلِ إِذَا َسجَى‪ .‬مَا وَدّ َع َ‬
‫وبذا المر حصل الرسال إل الناس‪ ،‬وبالول حصلت النبوة‪.‬‬
‫ث حي الوحي بعد هذا وتتابع؛ أي‪ :‬تدارك شيئا بعد شيء‪.‬‬
‫وقام حينئذٍ رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الرسالة أت القيام‪ ،‬وشر عن ساق العزم ‪ ،‬ودعا‬
‫إل ال القريب والبعيد‪ ،‬والحرار والعبيد‪ ،‬فآمن به حينئذ كل لبيب نيب سعيد‪ ،‬واستمر على‬
‫مالفته وعصيانه كل جبار عنيد‪.‬‬
‫فكان أول من بادر إل التصديق من الرجال الحرار أبو بكر الصديق‪.‬‬
‫ومن الغلمان علي بن أب طالب‪.‬‬
‫ومن النساء خدية بنت خويلد زوجته عليه السلم‪.‬‬
‫ومن الوال موله زيد بن حارثة الكلب؛ رضي ال عنهم وأرضاهم‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف منع الان ومرَدَة الشياطي من استراق السمع حي أنزل القرآن لئل يتطف أحدهم منه‬
‫ولو حرفا واحدا فيلقيه على لسان وليه فيلتبس المر ويتلط الق‬
‫فكان من رحة ال وفضله ولطفه بلقه أن حجبهم عن السماء؛ كما قال ال تعال إخبارا‬
‫سمَا َء َفوَ َجدْنَاهَا ُملَِئتْ حَرَسًا َشدِيدًا وَ ُشهُبًا‪ .‬وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِْنهَا‬
‫عنهم ف قوله‪َ ﴿ :‬وأَنّا لَ َمسْنَا ال ّ‬
‫صدًا‪ .‬وَأَنّا لَا َندْرِي أَ َشرّ ُأرِيدَ ِبمَنْ فِي الَْأرْضِ‬
‫جدْ لَهُ ِشهَابًا رَ َ‬ ‫س ْمعِ َفمَنْ َيسَْتمِ ِع الْآنَ َي ِ‬
‫مَقَا ِعدَ لِل ّ‬
‫أَمْ َأرَادَ ِب ِهمْ رَبّ ُهمْ رَشَدًا﴾ [الن‪.]10 -8 :‬‬
‫وقال تعال ‪﴿:‬وما تنلت به الشياطي وما ينبغي لم وما يستطيعون إنم عن السمع‬
‫لعزولون﴾[الشعراء‪.]212 – 210 :‬‬
‫وروى الافظ أبو نعيم عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫كان الن يصعدون إل السماء يستمعون الوحي‪ ،‬فإذا حفظوا الكلمة زادوا فيها تسعا‪ ،‬فأما‬
‫الكلمة فتكون حقا‪ ،‬وأما ما زادوا فتكون باطلً‪.‬‬
‫فلما بعث النب صلى ال عليه وسلم منعوا مقاعدهم‪ ،‬فذكروا لبليس – ول تكن النجوم‬
‫يرمى با قبل ذلك – فقال لم إبليس ‪ :‬هذا لمر قد حدث ف الرض‪.‬‬
‫فبعث جنوده‪ ،‬فوجدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائما يصلي بي جبلي‪ ،‬فأتوه فأخبوه‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا المر الذي حدث ف الرض‪.‬‬
‫وعنه قال‪:‬‬
‫انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه عامدين إل سوق عكاظ‪ ،‬وقد حيل بي‬
‫الشياطي وبي خب السماء‪ ،‬وأرسلتْ عليهم الشهب‪ ،‬فرجعت الشياطي إل قومهم‪ ،‬قالوا‪ :‬ما‬
‫لكم؟ قالوا‪ :‬حيل بيننا وبي خب السماء‪ ،‬وأرسلت علينا اشهب‪ .‬فقالوا‪ :‬ما ذاك إل من شيء‬
‫حدث‪ ،‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربا‪[ ،‬فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبي خب‬
‫السماء؟! فانطلقوا يضربون مشارق الرض ومغاربا]‪.‬‬
‫فمر النفق الذي أخذوا نو (تامة) ‪ -‬وهو بـ(نل) – عامدين إل سوق عكاظ‪ ،‬وهو يصلي‬
‫بأصحابه صلة الفجر‪ ،‬فلما سع القرآن استمعوا له‪ ،‬فقالو‪ :‬هذا الذي حال بيننا وبي خب‬
‫السماء‪.‬‬
‫فرجعوا إل قومهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا قومنا ﴿إِنّا َسمِعْنَا قُرْءَانًا َعجَبًا‪َ .‬ي ْهدِي إل الرّ ْش ِد فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ‬
‫ُنشْرِكَ بِرَبّنَا َأ َحدًا﴾‪ ،‬فأوحى ال إل نبيه صلى ال عليه وسلم ‪﴿ :‬قُلْ أُوحِيَ ِإلَيّ أَنّهُ اسَْتمَعَ نَفَرٌ‬
‫مِ َن اْلجِ ّن فَقَالُوا إِنّا َسمِعْنَا قُ ْرءَانًا َعجَبًا﴾‪.‬‬
‫أخرجاه ف ((الصحيحي))‪.‬‬
‫وروى أبو بكر بن أب شيبة عنه قال‪:‬‬
‫إنه ل تكن قبيلة من الن إل ولم مقاعد للسمع‪ ،‬فإذا نزل الوحي؛ سعت اللئكة صوتا‬
‫كصوت الديد ألقيتها على الصفا‪ ،‬قال‪ :‬فإذا سعت اللئكة خروا سجدا‪ ،‬فلم يرفعوا‬
‫رؤوسهم حت ينل‪ ،‬فإذا نزل؛ قال بعضهم لبعض‪﴿ :‬ماذا قال ربكم﴾؟ فإن كان ما يكون ف‬
‫السماء ﴿قالوا الق وهو العلي الكبي﴾‪ ،‬وإن كان ما يكون ف الرض من ‪ :‬أمر الغيب‪ ،‬أو‬
‫موتٍ ‪ ،‬أو شيء ما يكون ف الرض تكلموا به‪ ،‬فقالوا‪ :‬يكون كذا وكذا‪ .‬فتسمعه الشياطي‪،‬‬
‫فينلونه على أوليائهم‪.‬‬
‫فلما بُعث النب صلى ال عليه وسلم دُحروا بالنجوم‪ ،‬فكان أول من علم با ثقيف‪ ،‬فكان ذو‬
‫الغنم منهم ينطلق إل غنمه‪ ،‬فيذبح كل يوم شاة‪ ،‬وذو البل فينحر كل يوم بعيا‪ ،‬فأسرع‬
‫الناس ف أموالم‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬ل تفعلوا؛ فإن كانت النجوم الت يهتدون با وإل فإنه‬
‫لمر حدث‪ .‬فنظروا؛ فإذا النجوم الت يُهتدى با كما هي ل يَزُل منها شيء‪ ،‬فكفوا‪.‬‬
‫وصرف ال الن فسمعوا القرآن ﴿فلما حضروه قالوا أنصتوا﴾‪.‬‬
‫وانطلقت الشياطي إل إبليس فأخبوه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حدثٌ حدث ف الرض‪ ،‬فأتون من كل‬
‫أرض بتربة‪ ،‬فآتوه بتربة تامة‪ ،‬فقال‪ :‬ها هنا الدث‪.‬‬
‫ورواه البيهقي والاكم عن عطاء بن السائب‪.‬‬
‫وثبت ف الدث عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم جالسا ف نفر من أصحابه [من النصار]‪ ،‬فرُمي بنجم‬
‫عظيم فاستنار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا ف الاهلية؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬كنا نقول‪ :‬يولد عظيم‪ ،‬أو يوت عظيم – قال معمر‪ :‬قلت للزهري‪ :‬أكان يرمى با ف‬
‫الاهلية؟ قال‪ :‬نعم؛ ولكن غلظت حي بعث النب صلى ال عليه وسلم – قال‪:‬‬
‫((فإنه ل يرمى با لوت أحد‪ ،‬ول لياته‪ ،‬ولكن ربنا تبارك اسه إذا قضى أمرا سبح حلة‬
‫العرش‪ ،‬ث سبح أهل السماء الذي يلونم‪ ،‬حت يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا‪ ،‬ث يستخب‬
‫أهل السماء الذي يلون حلة العرش‪ ،‬فيقول الذين يلون حلة العرش لملة العرش‪﴿ :‬ماذا قال‬
‫ربكم﴾؟ فيخبونم‪ ،‬ويب أهل كل ساء ساء؛ حت ينتهي الب إل هذه السماء‪ ،‬ويطف‬
‫الن السمع فيمون‪ ،‬فما جاؤوا به على وجهه فهو حق‪ ،‬ولكنهم يقرفون [فيه] ويزيدون))‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن أب هريرة رضي ال عنه أن نب ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((إذا قضى ال المر ف السماء؛ ضربت اللئكة بأجنحتها خضعانا لقوله؛ كأنه سلسلة على‬
‫صفوان [ينفذهم ذلك]‪ ،‬فـ﴿إذا فزّع عن قلوبم قالوا ماذا قال ربكم قالوا﴾ للذي قال‪﴿ :‬‬
‫الق وهو العلي الكبي﴾ [سبأ‪ .]23 :‬فيسمعها مسترقـ[وا] السمع‪ ،‬ومسترقـ[وا] السمع‬
‫هكذا ‪ :‬بعضه فوق بعض‪ -‬ووصف سفيان بكفه؛ فحرفها وبدّد (وف لفظ ‪ :‬وفرج) بي‬
‫أصابعه‪ -‬يسمع الكلمة‪ ،‬فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن‪ ،‬فربا أدرك الشهاب [الستمعَ]‬
‫قبل أن يلقيا [إل صاحبه فيحرق]‪ ،‬وربا ألقاها قبل أن يدركه‪ ،‬فيكذب معها مائة كذبة‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فيُصدّق بتلك الكلمة الت سع من‬
‫السماء))‪.‬‬
‫أخرجه البخاري‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫سأل أناس رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫((ليسوا بشيء))‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول ال! فإنم يدثون أحيانا الشيء يكون حقا؟ قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫((تلك الكلمة من الق يطفها الن‪ ،‬فيقرّها ف أذن وليه قرّ الدجاجة‪ ،‬فيخلطون فيها أكثر‬
‫من مائة كذبة))‪.‬‬
‫أخرجه الشيخان‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف كيفية إتيان الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قد تقدم كيفية ما جاءه جبيل ف أول مرة ‪ ،‬وثان مرة أيضا‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫أن الارث بن هشام سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫يا رسول ال! كيف يأتيك الوحي؟ فقال‪:‬‬
‫((أحيانا يأتين مثل صلصلة الرس‪ ،‬وهو أشده عليّ؛ فينفصم عن وقد وعيت ما قال‪ ،‬وأحيانا‬
‫يتمثل ل اللك رجلً يكلمن؛ فأعي ما يقول))‪.‬‬
‫قالت عائشة رضي ال عنها‪:‬‬
‫ولقد رأيته صلى ال عليه وسلم ينل عليه الوحي ف اليوم الشديد البد؛ فيفصم عنه وإن جبينه‬
‫ليتفصد عرقا‪.‬‬
‫أخرجاه ف ((الصحيحي))‪ ،‬وأحد‪.‬‬
‫وف حديث الفك قالت عائشة‪:‬‬
‫فوال؛ ما رام رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول خرج أحد من أهل البيت حت أنزل عليه‪،‬‬
‫فأخذه ما كان يأخذه من البُرحاء‪ ،‬حت إنه كان يتحدر منه مثل المان من العرق – وهو ف‬
‫يوم شاتٍ‪ -‬من ثقل الوحي الذي أنزل عليه‪.‬‬
‫وف ((صحيح مسلم)) وغيه عن عبادة بن الصامت قال‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك ‪ ،‬وتربّد وجهه‪( .‬وف‬
‫رواية‪ :‬وغمض عينيه‪ ،‬وكنا نعرف ذلك منه)‪.‬‬
‫وف ((الصحيحي)) حديث زيد بن ثابت حي نزلت‪﴿ :‬ل يستوي القاعدون من الؤمني﴾‬
‫[النساء‪ ،]95:‬فلما شكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت‪﴿ :‬غي أول الضرر﴾‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكانت فخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم على فخذي‪ ،‬وأنا أكتب‪ ،‬فلما نزل الوحي‬
‫كادت فخذه ترض فخذي‪.‬‬
‫وف ((صحيح مسلم)) عن يعلى بن أمية قال‪ :‬قال ل عمر‪:‬‬
‫أيسرك أن تنظر إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يوحى إليه؟ فرفع طرف الثوب عن‬
‫وجهه وهو يوحى إليه بـ(العرانة)؛ فإذا هو ممر الوجه‪ ،‬وهو يغط كما يغط البكر‪.‬‬
‫وثبت ف ((الصحيحي)) من حديث عائشة لا نزل الجاب‪ ،‬وأن سودة خرجت بعد ذلك‬
‫إل (الناصع) ليلً‪ ،‬فقال عمر‪ :‬قد عرفناك يا سودة! فرجعت إل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬فسألته وهو جالس يتعشى والعرق ف يده‪ ،‬فأوحى ال إليه‪[ ،‬ث يرفع عنه]‪ ،‬والعرق ف‬
‫يده [ما وضعه]‪ ،‬ث رفع رأسه فقال‪:‬‬
‫((إنه قد أذن لكن أن ترجت لاجتكن))‪.‬‬
‫فدل هذا على أنه ل يكن الوحي يغيب عنه إحساسه بالكلية ؛ بدليل أنه جالس‪ ،‬ول يسقط‬
‫العرق أيضا من يده؛ صلوات ال وسلمه دائما عليه‪.‬‬
‫وروى أبو يعلى عن الفلتان بن عاصم قال‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنزل‬
‫عليه‪ ،‬وكان إذا أُنزل عليه دام بصره وعيناه مفتوحة ‪ ،‬وفرغ سعه وقلبه لا يأتيه من ال عز‬
‫وجل‪[ ،‬فكنا نعرف ذلك منه]‪.‬‬
‫وروى أحد وأبو نعيم عن أساء بنت يزيد قالت‪:‬‬
‫((إن لخذة بزمام العضباء‪ ،‬ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ نزلت عليه (الائدة) كلها‪،‬‬
‫وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة‪.‬‬
‫وروى أحد أيضا عن عبد ال بن عمرو قال‪:‬‬
‫أنزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة (الائدة) وهو راكب على راحلته‪ ،‬فلم‬
‫تستطع أن تمله‪ ،‬فنل عنها‪.‬‬
‫وروى ابن مردويه عن أم عمرو عن عمها‪:‬‬
‫أنه كان ف مسي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فنلت عليه سورة (الائدة)‪ ،‬فاندقّ‬
‫عنق الراحلة من ثقلها‪.‬‬
‫وهذا غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫ث قد ثقت ف ((الصحيحي)) نزول سورة (الفتح) على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مرجعه من الديبية وهو على راحلته‪ ،‬فكان يكوت تارة وتارة‪ ،‬بسب الال‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫قال ال تعال ‪﴿ :‬ل ترك به لسانه لتعجل به‪ .‬إن علينا جعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه‪ .‬ث‬
‫إن علينا بيانه﴾ [القيامة‪.]19-16 :‬‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬ول تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه وقل رب زدن علما﴾ [طه‪:‬‬
‫‪]114‬‬
‫وكان هذا ف البتداء؛ كان عليه الصلة والسلم من شدة حرصه على أخذه من املك ما‬
‫يوحى إليه عن ال عز وجل يسابقه ف التلوة‪ ،‬فأمره ال تعال أن ينصت لذلك حت يفرغ من‬
‫الوحي‪ ،‬وتكلف له أن يمعه ف صدره‪ ،‬وأن ييسر عليه تلوته وتبليهن وأن يبينه له ويفسره‬
‫ويوضحه‪ ،‬ويوقفه على الراد منه‪.‬‬
‫ولذا قال‪﴿ :‬ول تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدن علما﴾‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ل ترك به لسانك لتعجل به‪ .‬إن علينا جعه﴾؛ أي‪ :‬ف صدرك‪﴿ ،‬وقرآنه﴾؛ أي‪:‬‬
‫وتقرأه‪﴿ ،‬فإذا قراناه﴾؛ أي‪ :‬تله عليك اللَك‪﴿ ،‬فاتبع قرآنه﴾؛ أي‪ :‬فاستمع له وتدبره‪﴿ ،‬ث‬
‫إن علينا بيانه﴾؛ وهو نظي قوله‪﴿ :‬وقل رب زدن علما﴾‪.‬‬
‫وف ((الصحيحي)) عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعال من التنيل شدة‪ ،‬فكان يرك شفتيه‪ ،‬فأنزل ال ‪﴿ :‬‬
‫ل ترك به لسانك لتعجل به‪ .‬إن علينا جعه وقرآنه﴾؛ قال‪ :‬جعه ف صدرك ث تقرأه‪﴿ ،‬فإذا‬
‫قرأناه فاتبع قرآنه﴾‪ :‬فاستمع له وأنصت‪﴿ ،‬ث إن علينا بيانه﴾؛ قال‪ :‬فكان إذا أتاه جبيل‬
‫أطرق‪ ،‬فإذا ذهب قرأه كما وعده ال عز وجل‪.‬‬

‫فصل‬
‫@قال ابن إسحاق‪ :‬ث تتامّ الوحي إل رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو مصدق با جاء‬
‫منه‪ ،‬وقد قبله بقبوله‪ ،‬وتمل منه ما حله على رضا العباد وسخطهم‪.‬‬
‫وللنبوة أثقال ومؤونة ل يملها ول يستضلع با إل أهل القوة والعزم من الرسل‪ -‬بعون ال‬
‫وتوفيقه – لا يلقون من الناس‪ ،‬وما يُردّ عليهم ما جاؤوا به عن ال عز وجل‪.‬‬
‫فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما أمر ال به على ما يلقى من قومه من اللف‬
‫والذى‪.‬‬

‫قال ابن إسحاق‪ :‬وآمنت خدية بنت خويلد وصدقت با جاءه من ال‪ ،‬ووازرته على أمره‪،‬‬
‫وكانت أول من آمن بال ورسوله‪ ،‬وصدقت با جاء منه‪.‬‬
‫فخفف ال بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ل يسمع شيئا يكرهه – من رد عليه‪،‬‬
‫وتكذيب له‪ ،‬فيحزنه ذلك – إل فرج ال عنه با؛ إذا رجع إليها تثبته وتفف عنه ‪ ،‬وتصدقه‬
‫وتون عليه أمر الناس‪ ،‬رضي ال عنها وأرضاها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وحدثن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد ال بن جعفر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أمرت أن أبشر خدية ببيت من قصب؛ ل صخب فيه ول نصب))‪.‬‬
‫وهذا الديث مرج ف ((الصحيحي)) من حديث هشام‪.‬‬

‫قال ابن هشام‪( :‬القصب) ها هنا‪ :‬اللؤلؤ الجوف‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف ذكر من أسلم ث ذكر متقدمي السلم‬
‫من الصحابة وغيهم‬
‫روى ابن إسحاق عن إياس بن عُفيف عن أبيه عفيف – وكان عفيف أخا الشعث بن قيس‬
‫لمه – أنه قال‪:‬‬
‫كنت امرءاُ تاجرا‪ ،‬فقدمت (منً) أيام الج‪ ،‬وكان العباس بن عبد الطلب امرءا تاجرا‪ ،‬فأتيته‬
‫أبتاع منه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبينا نن إذ خرج رجل من خباء‪ ،‬فقام يصلي تاه الكعبة‪ ،‬ث خرجت امرأة فقامت‬
‫تصلي‪ ،‬وخرج غلم فقام يصلي معه‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا عباس! ما هذا الدين ؟! إن هذا الدين ما أدري ما هو؟!‬
‫فقال‪ :‬هذا ممد بن عبد ال يزعم أن ال أرسله‪ ،‬وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه‪،‬‬
‫وهذه امرأته خدية بنت خويلد آمنت به‪ ،‬وهذا الغلم ابن عمه علي بن أب طالب آمن به‪.‬‬
‫قال عفيف‪ :‬فليتن كنت آمنت يومئذٍ فكنت أكون رابعا‪.‬‬

‫وف رواية عنه قال‪:‬‬


‫إذ خرج رجل من خباء قريب منه‪ ،‬فنظر إل الشمس‪ ،‬فلما رآها قد مالت قام يصلي ‪ ...‬ث‬
‫ذكر قيام خدية وراءه‪.‬‬
‫وروى ابن جرير بسنده عن يي بن عفيف [عن عفيف] قال‪:‬‬
‫جئت زمن الاهلية إل (مكة)‪ ،‬فنلت على العباس بن عبد الطلب‪ ،‬فلما طلعت الشمس‪،‬‬
‫وحلقت ف السماء – وأنا أنظر إل الكعبة – أقبل شاب‪ ،‬فرمى ببصره إل السماء‪ ،‬ث استقبل‬
‫الكعبة‪ ،‬فقام مستقبلها‪ ،‬فلم يلبث حت جاء غلم فقام عن يينه‪ ،‬فلم يلبث حت جاءت امرأة‬
‫فقامت خلفهما‪ ،‬فركع الشاب‪ ،‬فركع الغلم والرأة‪ ،‬فرفع الشاب‪ ،‬فرفع الغلم والرأة‪ ،‬فخر‬
‫الشاب ساجدا‪ ،‬فسجدا معه‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا عباس! أمر عظيم! فقال‪ :‬أمر عظيم؟! أتدري من هذا؟ فقلت‪ :‬ل‪ .‬فقال‪ :‬هذا ممد‬
‫بن عبد ال بن عبد الطلب؛ ابن أخي ‪ .‬أتدري من الغلم؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذا علي بن أب‬
‫طالب‪ -‬رضي ال عنه – أتدري من هذه الرأة الت خلفهما؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قالت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذه‬
‫خدية بنت خويلد زوجة ابن أخي‪ .‬وهذا حدثن أن ربك رب السماء والرض أمره بذا‬
‫الذي تراهم عليه‪ ،‬واي ال؛ ما أعلم على ظهر الرض كلها أحدا على هذا الدين غي هؤلء‬
‫الثلثة‪.‬‬
‫وروى ابن جرير أيضا عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫أول من صلى عَلِيّ‪.‬‬
‫وعن جابر قال‪:‬‬
‫بُعث النب صلى ال عليه وسلم يوم الثني‪ ،‬وصلى عليُّ يوم الثلثاء‪.‬‬
‫وعن زيد بن أرقم قال‪:‬‬
‫أول من أسلم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم علي بن أب طالب‪.‬‬
‫قال‪[ :‬عمرو بن مرة]‪ :‬فذكرته للنخعي‪ ،‬فأنكره‪ ،‬وقال‪ :‬أبو بكر أول من أسلم‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬أول من أسلم هذه المة أبو بكر الصديق‪.‬‬
‫والمع بي القوال كلها‪ :‬إن خدية أول من أسلمت من النساء‪ -‬وظاهر السياقات‪ -‬وقبل‬
‫الرجال أيضا‪.‬‬
‫وأول من أسلم من الوال زيد بن حارثة‪.‬‬
‫وأول من أسلم من الغلمان علي بن أب طالب؛ فإنه كان صغيا دون البلوغ على الشهور‪،‬‬
‫وهؤلء كانوا إذ ذاك أهل البيت‪.‬‬
‫وأول من أسلم من الحرار أبو بكر الصديق‪ ،‬وإسلمه كان أنفع من إسلم من تقدم ذكرهم؛‬
‫إذ كان صدرا معظما‪ ،‬ورئيسا ف قريش مكرما‪ ،‬وصاحب مال‪ ،‬وداعية إل السلم‪ ،‬وكان‬
‫مببا متألفا‪ ،‬يبذل الال ف طاعة ال ورسوله‪.‬‬
‫وقد ثبت ف ((صحيح البخاري)) عن أب الدرداء ف حديث ما كان بي أب بكر وعمر رضي‬
‫ال عنهما من الصومة‪ ،‬وفيه‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((إن ال بعثن إليكم‪ ،‬فقلتم‪ :‬كذبتَ‪ .‬وقال أبو بكر‪ :‬صدق‪ .‬وواسان بنفسه وماله‪ .‬فهل أنتم‬
‫تاركو ل صاحب؟ (مرتي) ))‪ .‬فما أوذي بعدها‪.‬‬
‫وهذا كالنص على أنه أول من أسلم رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقد روى الترمذي وابن حبان عن أب سعيد قال‪:‬‬
‫قال ابو بكر الصديق رضي ال عنه‪ :‬ألست أحق الناس با؟ ألست أول من أسلم؟ ألست‬
‫صاحب كذا؟‬
‫وقد تقدم رواية ابن جرير عن زيد بن أرقم قال‪:‬‬
‫أول من أسلم علي بن أب طالب‪.‬‬
‫قال عمرو بن مرة‪ :‬فذكرته لبراهيم النخعي‪ ،‬فأنكره‪ ،‬وقال‪ :‬أول من أسلم أبو بكر الصديق‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫وهذا هو الشهور عن جهور أهل السنة‪.‬‬
‫وثبت ف ((صحيح البخاري)) عن عمار بن ياسر قال‪:‬‬
‫رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وما معه إل خسة أعبد‪ ،‬وامرأتان‪ ،‬وأبو بكر‪.‬‬
‫وروى المام أحد وابن ماجه عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫أول من أظهر السلم سبع‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وأمه سية‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وبلل‪ ،‬والقداد‪.‬‬
‫فأما رسول ال صلى ال عليه وسلم فمنعه ال بعمه‪ ،‬وأما أبو بكر فمنعه ال بقومه‪ ،‬وأما‬
‫سائرهم؛ فأخذهم الشركون‪ ،‬فألبسوهم أدرع الديد‪ ،‬وصهروهم ف الشمس‪ ،‬فما منهم من‬
‫أحد إل وقد واتاهم على ما ارادوا؛ إل بللً؛ فإنه هانت عليه نفسه ف ال‪ ،‬وهان على قومه‪،‬‬
‫فأخذوه‪ ،‬فأعطوه الولدان‪ ،‬فجعلوا يطوفون به ف شعاب (مكة) وهو يقول‪ :‬أحد أحد‪.‬‬
‫وثبت ف ((صحيح مسلم)) من حديث أب أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي رضي ال عنه‬
‫قال‪:‬‬
‫أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ف أول ما بعث وهو بـ(مكة)‪ ،‬وهو حينئذ مستخف‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬ما أنت؟ قال‪(( :‬أنا نب))‪ .‬فقلت‪ :‬وما النب؟ قال‪(( :‬رسول ال))‪ .‬قلت‪ :‬ال أرسلك؟‬
‫قال‪(( :‬نعم))‪ .‬قلت‪ :‬ب أرسلك؟ قال‪:‬‬
‫((أن تعبد ال وحده ل شريك له‪ ،‬وتكسر الصنام‪ ،‬وتوصل الرحام))‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬نِ ْعمَ ما أرسلت به‪ ،‬فمن تبعك على هذا؟‬
‫قال‪(( :‬حر وعبد))‪ .‬يعن‪ :‬أبا بكر وبللً‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكان عمرو يقول‪ :‬لقد رأيتن وأنا ربع السلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأسلمت‪ .‬قلت‪ :‬فاتبعك يا رسول ال؟ قال‪(( :‬ل؛ ولكن القْ بقومك؛ فإذا أخبت أن‬
‫قد خرجت فاتبعن))‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن معن قوله عليه السلم‪(( :‬حر وعبد)) اسم جنس‪ ،‬وتفسي ذلك بأب بكر وبلل‬
‫فقط فيه نظر؛ فإنه قد كان جاعة أسلموا قبل عمرو بن عبسة‪ ،‬وقد كان زيد بن حارثة أسلم‬
‫قبل بلل أيضا‪ ،‬فلعله أخب أنه ربع السلم بسب علمه‪ ،‬فإن الؤمني كانوا إذ ذاك يستسرون‬
‫بإسلمهم‪ ،‬ل يطلع على أمرهم كثي أحد من قراباتم‪ ،‬دع الجانب‪ ،‬دع أهل البادية من‬
‫العراب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وف ((صحيح البخاري)) عن سعد بن أب وقاص‪:‬‬
‫((ما أسلم أحد[إل] ف اليوم الذي أسلمت فيه‪ ،‬ولقد مكثت سبعة أيام‪ ،‬وإن لثلث‬
‫السلم))‪.‬‬
‫أما قوله‪(( :‬ما أسلم أح ٌد ف اليوم الذي أسلمت فيه)) فسهل‪ ،‬ويروى‪(( :‬إل ف اليوم الذي‬
‫أسلمت فيه))‪ ،‬وهو مشكل؛ إذ يقتضي أنه ل يسبقه أحد بالسلم‪ ،‬وقد علم أن الصديق‬
‫وعليا وخدية وزيد بن حارثة أسلموا قبله؛ كما قد حكى الجاع على تقدم إسلم هؤلء‬
‫غي واحد؛ منهم ابن الثي‪.‬‬
‫ونص أبو حنيفة رضي ال عنه على أن كلً من هؤلء أسلم قبل أبناء جنسه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وأما قوله‪(( :‬ولقد مكثت سبعة أيام وإن لثلث السلم)) فمشكل‪ ،‬وما أدري على ماذا‬
‫يوضع عليه؟! إل أن يكون أخب بسب ما علمه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وروى الطيالسي وأحد والسن بن عرفة عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫كنت غلما يافعا أرعى غنما لعقبة بن أب معيط بـ(مكة)‪ ،‬فأتى عليّ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وأبو بكر‪ ،‬وقد فرا قمن الشركي‪ ،‬فقال – أو ‪ :‬فقال ‪ : -‬عندك يا غلم! لب‬
‫تسقينا؟ قلت‪ :‬إن مؤتن‪ ،‬ولست بساقيكما‪ .‬فقال‪ :‬هل عندك من جذعة ل ينُ عليها الفحل‬
‫بعد؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬فأتيتهما با‪ ،‬فاعتقلها أبو بكر‪ ،‬وأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم الضرع‬
‫ودعا‪ ،‬فحفل الضرع‪ ،‬وأتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فحلب فيها‪ ،‬ث شرب هو وأبو بكر‪ ،‬ث‬
‫سقيان‪ ،‬ث قال للضرع‪ :‬اقلص‪ .‬فقلص‪.‬‬
‫فلما كان بعد أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬علمن من هذا القول الطيب‪.‬‬
‫يعن القرآن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((إنك غلم معلّم))‪.‬‬
‫فأخذت من فيه سبعي سورة؛ ما ينازعن فيها أحد‪.‬‬
‫ذكر إسلم أب ذر رضي ال عنه‬
‫روى البيهقي عن الاكم بسنده عن أب ذر قال‪:‬‬
‫كنت ربع السلم‪ ،‬أسلم قبلي ثلثة نفر‪ ،‬وأنا الرابع‪ ،‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقلت‪ :‬السلم عليك يا رسول ال! أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا رسول ال‪ .‬فرأيت‬
‫الستبشار ف وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫هذا سياق متصر‪.‬‬
‫وقد رواه البخاري عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫لا بلغ أبا ذر مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لخيه‪ :‬اركب إل هذا الوادي؛ فاعلم‬
‫ل علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نب يأتيه الب من السماء‪ ،‬فاسع من قوله ث ائتن‪.‬‬
‫فانطلق الخ‪ ،‬حت قدمه وسع من كلمه‪ ،‬ث رجع إل أب ذر فقال له‪ :‬رأيته يأمر بكارم‬
‫الخلق‪ ،‬وكلما ما هو بالشعر‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ما شفيتن ما أردت‪.‬‬

‫فتزود وحل شنّة [له] فيها ماء‪ ،‬حت قدم (مكة)‪ ،‬فأتى السجد‪ ،‬فالتمس رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ول يعرفه‪ ،‬وكره أن يسأل عنه‪ ،‬حت أدركه بعض الليل‪ ،‬فرآه علي فعرف أنه‬
‫غريب‪ ،‬فلما رآه تبعه‪ ،‬ول يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حت أصبح‪ ،‬ث احتمل قربته‬
‫وزاده إل السجد‪ ،‬وظل ذلك اليوم ول يراه النب صلى ال عليه وسلم حت أمسى‪ ،‬فعاد إل‬
‫مضجعه‪ ،‬فمر به عليّ فقال‪ :‬أما آن للرجل أن يعلم منله؟ فأقامه‪ ،‬فذهب به معه‪ ،‬ل يسأل‬
‫واحد منهما صاحبه عن شيء‪.‬‬
‫حت إذا كان يوم الثالث فعاد عليّ على مثل ذلك‪ ،‬فأقام معه‪ ،‬فقال‪ :‬أل تدثن بالذي‬
‫أقدمك؟ قال‪ :‬إن أعطيتن عهدا وميثاقا لترشدن فعلت‪ .‬ففعل‪ ،‬فأخبه‪ .‬قال‪ :‬فإنه حق‪ ،‬وإنه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فإذا أصبحت فاتبعن‪ ،‬فإن إن رأيت شيئا أخاف عليك؛‬
‫قمت كأن أريق الاء‪ .‬وإن مضيت فاتبعن حت تدخل مدخلي‪ .‬ففعل‪ ،‬فانطلق يقفوه حت‬
‫دخل على النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ودخل معه‪ ،‬فسمع من قوله‪ ،‬وأسلم مكانه‪ ،‬فقال له‬
‫النب صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((ارجع إل قومك فأخبهم حت يأتيك أمري))‪.‬‬
‫فقال‪ :‬والذي نفسي بيده؛ لصرخن ما بي ظهرانيهم‪ .‬فخرج حت أتى السجد‪ ،‬فنادى بأعلى‬
‫صوته‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا رسول ال‪ .‬ث قام القوم‪ ،‬فضربوه حت أضجعوه‪،‬‬
‫فأتى العباس‪ ،‬فأكب عليه‪ ،‬فقال‪ :‬ويلكم!‬
‫ألستم تعلمون أنه من غفار؛ وأن طريق تارتكم إل الشام؟! فأنقده منهم‪.‬‬
‫ث عاد من الغد لثلها‪ ،‬فضربوه وثاروا إليه‪ ،‬فأكب العباس عليه‪.‬‬
‫هذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫وقد جاء إسلمه مبسوطا ف ((صحيح مسلم)) وغيه‪ ،‬فروى أحد عن عبد ال بن الصامت‬
‫[قال‪ ] :‬قال أبو ذر‪:‬‬
‫خرجنا من قومنا غفار – وكانوا يلون الشهر الرام – أنا وأخي أنيس وأمّنا‪ ،‬فانطلقنا حت‬
‫نزلنا على خال لنا ذي مال وذي هيئة‪ ،‬فأكرمنا خالنا‪ ،‬وأحسن إلينا‪ ،‬فحسدنا قومه‪ ،‬فقالوا له‪:‬‬
‫إنك إذا خرجت عن أهلك خلفك إليهم أنيس‪ .‬فجاء خالنا فنثى عليه ما قيل له‪ ،‬فقلت له‪ :‬أما‬
‫ما مضى من معروفك؛ فقد كدرته‪ ،‬ول جاع لنا فيما بعد‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها‪ ،‬وتغطى خالنا ثوبه‪ ،‬وجعل يبكي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقنا حت نزلنا بضرة (مكة)‪ ،‬قال‪ :‬فنافر أنيس [رجلً] عن صرمتنا وعن مثلها‪ ،‬فأتيا‬
‫الكاهن‪ ،‬فخيّر أنيسا‪ ،‬فأتانا بصرمتنا ومثلها‪.‬‬
‫وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلث سني‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬لن؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فأين توجه؟ قال‪ :‬حيث وجهن ال‪ .‬قال‪ :‬وأصلي عشاء‪ ،‬حت‬
‫إذا كان من آخر الليل أُلقيت كأن خفاء حت تعلون الشمس‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال أنيس‪ :‬إن ل حاجة بكة‪ ،‬فاكفن حت آتيك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلق فراث عليّ‪ ،‬ث أتان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما حبسك؟ قال‪ :‬لقيت رجلً يزعم أن ال عز وجل‬
‫أرسله على دينك‪ .‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما يقول الناس له؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬إنه شاعر وساحر [وكاهن]‪.‬‬
‫وكان أنيس شاعرا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬قد سعت قول الكاهن‪ ،‬فما يقول بقولم‪ ،‬وقد وضعت قوله على أقراء الشعر‪،‬‬
‫فوال؛ ما يلتئم لسان أحد أنه شعر‪ ،‬وال ؛ إنه لصادق‪ ،‬وإنم لكاذبون‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت له‪ :‬هل أنت كافّ حت أنطلق فانظر؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وكن من أهل (مكة) على حذر؛‬
‫فإنم قد شنفوا له‪ ،‬وتهموا له‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقت حت قدمت (مكة)‪ ،‬فتضعفت رجلً منهم‪ ،‬فقلت‪ :‬أين هذا الرجل الذي‬
‫تدعونه الصابئ؟ قال‪ :‬فأشار إل‪[ .‬قال‪ :‬الصابئ‪ .‬قال‪ ] :‬فمال أهل الوادي عليّ بكل مدَرَةٍ‬
‫وعظم‪ ،‬حت خررت مغشيا عليّ‪ ،‬فارتفعت حي ارتفعت كأن ُنصُب أحر‪.‬‬
‫فأتيت زمزم فشربت من مائها‪ ،‬وغسلت عن الدم‪ ،‬ودخلت بي الكعبة وأستارها‪ ،‬فلبثت به‬
‫ابن أخي! ثلثي من بي يوم وليلة‪ ،‬وما ل طعام إل ماء زمزم‪ ،‬فسمنت حت تكسرت عكن‬
‫بطن‪ ،‬وما وجدت على كبدي سُخفة جوع‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبينا أهل (مكة) ف ليلة قمراء إضحيان‪ ،‬فضرب ال على أصمخة أهل (مكة)‪ ،‬فما‬
‫يطوف بالبيت غي امرأتي‪ ،‬فأتتا عليّ وها تدعوان (إساف) و(ونائلة)‪ ،‬فقلت‪ :‬أنكحوا‬
‫أحدها الخر! فما ثناها ذلك‪ ،‬قال‪ :‬فأتتا عليّ‪ ،‬فقلت‪ :‬وهنّ مثل الشبة‪ .‬غي أن ل أُكن‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقتا تولولن وتقولن‪ :‬لو كان ههنا أحد من أنفارنا!‬
‫قال‪ :‬فاستقبلهما رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وها هابطان من البل‪ ،‬فقال‪(( :‬ما‬
‫لكما؟))‪ .‬فقالتا‪ :‬الصابئ بي الكعبة وأستارها‪ .‬قال‪(( :‬ما قال لكما؟))‪ .‬قالتا‪ :‬قال لنا كلمة‬
‫تل الفم!‬
‫قال‪ :‬فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم هو وصاحبه حت استلم الجر‪ ،‬فطاف بالبيت‪ ،‬ث‬
‫صلى‪.‬‬
‫قال‪ :‬فاتيته‪ ،‬فكنت أول من حياه بتحية أهل السلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((عليك السلم ورحة ال‪ ،‬من أنت؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬من غفار‪ .‬قال‪ :‬فأهوى بيده فوضعها على جبهته‪ .‬قال‪ :‬فقلت ف نفسي‪ :‬كره أن‬
‫انتميت إل غفار‪ .‬قال‪ :‬فأردت أن آخذ بيده‪ ،‬فقدعن صاحب‪ ،‬وكان أعلم به من‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((مت كنت ههنا؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬كنت ههنا منذ ثلثي من بي ليلة ويوم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((فمن كان يطعمك؟))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما كان إل ماء زمزم‪ ،‬فسمنت حت تكسرت عكن بطن‪ ،‬وما وجدت على كبدي‬
‫سخفة جوع‪ .‬قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((إنا مباركة‪ ،‬وإنا طعام طُعم))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال أبو بكر‪ :‬ائذن ل يا رسول ال! ف طعامه الليلة‪ .‬قال‪ :‬ففعل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلق النب صلى ال عليه وسلم ‪[ ،‬وانطلق أبو بكر]‪ ،‬وانطلقت معهما‪ ،‬حت فتح أبو‬
‫بكر بابا‪ ،‬فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف‪ .‬قال‪ :‬فكان ذلك أول طعام أكلته با‪ ،‬فلبثت ما‬
‫لبثت‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن قد وجّهت إل أرض ذات نل‪ ،‬ول أحسبها إل (يثرب) فهل أنت مبلغ عن قومك؛ لعل‬
‫ال عز وجل ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فانطلقت حت أتيت أخي أنيسا‪ ،‬قال‪ :‬فقال ل‪ :‬ما صنعت؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬إن صنعتُ أن‬
‫أسلمتُ وصدّقت‪ .‬قال‪ :‬قال‪ :‬فما ل رغبة عن دينك؛ فإن قد أسلمت وصدقت‪.‬‬
‫ث أتينا أمنا‪ ،‬فقالت‪ :‬ما ب رغبة عن دينكما؛ فإن قد أسلمت وصدّقت‪.‬‬
‫فتحملنا حت أتينا قومنا (غفارا) ‪ ،‬فأسلم بعضهم قبل أن يقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫(الدينة)‪ ،‬وكان يؤمهم خفاف بن إياء بن رحضة‪ ،‬وكان سيدهم يومئذ‪ ،‬وقال بقيتهم‪ :‬إذا‬
‫قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم أسلمنا‪ .‬فقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم (الدينة)‪،‬‬
‫فأسلم بقيتهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجاءت (أسلم)‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال! إخواننا؛ نسَلّم على الذي أسلموا عليه‪ .‬فأسلموا‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( (غفار) غفر ال لا‪ ،‬و(أسلم) سالها ال))‪.‬‬
‫ورواه مسلم نوه‪ ،‬وقد روى قصة إسلمه على وجه آخر‪ ،‬وفيه زيادات غريبة‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫وتقدم ذكر إسلم سلمان الفارسي ف (كتاب البشارات ببعثه عليه الصلة والسلم)‪.‬‬

‫ذكر إسلم ضماد‬


‫روى مسلم والبيهقي من حديث ابن عباس قال‪:‬‬
‫قدم ضماد (مكة) – وهو رجل من أزد شنوءة‪ ،‬وكان يرقي من هذه الرياح – فسمع سفهاء‬
‫من سفه (مكة) يقولون‪ :‬إن ممدا منون‪ .‬فقال‪ :‬أين هذا الرجل؟ لعل ال أن يشفيه على‬
‫يدي‪ .‬فلقي ممدا صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬إن أرقي من هذه الرياح‪ ،‬وإن ال يشفي على‬
‫يدي من شاء‪ ،‬فهلم‪ .‬فقال ممد‪:‬‬
‫((إن المد ل‪ ،‬نمده ونستعينه‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬أشهد‬
‫أن ل إله إل ال وحده ل شريك له (ثلث مرات) ))‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وال؛ لقد سعت الكهنة‪ ،‬وقول السحرة‪ ،‬وقول الشعراء‪ ،‬فما سعت مثل هؤلء‬
‫الكلمات‪ ،‬فهلم يدك أبايعك على السلم‪ .‬فبايعه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال له‪:‬‬
‫((وعلى قومك؟))‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وعلى قومي‪.‬‬
‫فبعث النب صلى ال عليه وسلم جيشا‪ ،‬فمروا بقوم ضماد‪ ،‬فقال صاحب اليش للسرية‪ :‬هل‬
‫أصبتم من هؤلء القوم شيئا؟ فقال رجل منهم‪ :‬أصبت منهم مظهرة‪ .‬فقال‪ :‬ردها عليهم؛‬
‫فإنم قوم ضماد‪.‬‬
‫وف رواية‪ :‬فقال له ضماد‪ :‬أعد علي كلماتك هؤلء؛ فلقد بلغن قاموس البحر‪.‬‬
‫ث دخل الناس ف السلم أرسالً من الرجال والنساء‪ ،‬حت فشا أمر السلم بـ(مكة)‪،‬‬
‫وتُحدّث به‪.‬‬
‫باب أمر ال رسوله عليه الصلة والسلم بإبلغ الرسالة إل الاص والعام وأمره له بالصب‬
‫والحتمال والعراض عن الاهلي العاندين الكذبي بعد قيام الجة عليهم وإرسال‬
‫الرسول العظم إليهم وذكر ما لقي من الذية منهم هو وأصحابه رضي ال عنهم‬

‫قال ال تعال ‪﴿ :‬وأنذر عشيتك القربي‪ .‬واخفض جناحك لن اتبعك من الؤمني‪ .‬فإن‬
‫عصوك فقل إن بريء ما تعملون‪ .‬وتوكل على العزيز الرحيم‪ .‬الذي يراك حي تقوم‪ .‬وتقلّبك‬
‫ف الساجدين‪ .‬إنه هو السميع العليم﴾ [الشعراء‪.]220-214:‬‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون﴾ [الزخرف‪.]44 :‬‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إل معاد﴾ [القصص‪ ،]85 :‬أي‪ :‬إن الذي‬
‫فرض عليك وأوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إل دار الخرة‪ ،‬وهي العاد‪ ،‬فيسألك عن‬
‫ذلك؛ كما قال تعال ‪ ﴿ :‬فوربك لنسالنهم أجعي‪ ،‬عما كانوا يعملون﴾ [الجر‪ 92 :‬و‬
‫‪.]93‬‬
‫واليات والحاديث ف هذا كثية جدا‪ ،‬وقد تقصينا الكلم على ذلك ف كتابنا ((التفسي))‪،‬‬
‫وبسطنا من القول ف ذلك عند قوله تعال ف سورة (الشعراء)‪:‬‬
‫﴿وأنذر عشيتك القربي﴾‪ ،‬وأوردنا أحاديث جة ف ذلك‪.‬‬
‫فمن ذلك ما أخرجه أحد والشيخان عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫لا أنزل ال‪﴿ :‬وأنذر عشيتك القربي﴾ أتى النب صلى ال عليه وسلم (الصفا)‪ ،‬فصعد عليه‪،‬‬
‫ث نادى‪(( :‬يا صباحاه!))‪ .‬فاجتمع الناس إليه بي رجل ييء إليه؛ وبي رجل يبعث رسوله‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((يا بن عبد الطلب! يا بن فهر! يا بن لؤي! أرأيتم لو أخبتكم أن خيلً يسفح هذا البل‬
‫تريد أن تغي عليكم صدقتمون؟))‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((فإن ﴿نذير لكم بي يدي عذاب شديد﴾ [سبأ‪.))]46:‬‬
‫فقال أبو لب – لعنه ال ‪ : -‬تبا لك سائر اليوم! أما دعوتنا إل لذا؟! وأنزل ال عز وجل‪﴿ :‬‬
‫تبت يدا أب لب وتب﴾‪.‬‬
‫وأخرج أحد – والسياق له – والشيخان عن أب هريرة قال‪:‬‬
‫لا نزلت هذه الية‪﴿ :‬وأنذر عشيتك القربي﴾ [الشعراء‪ ]214 :‬دعا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قريشا‪ ،‬فعم وخص ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((يا معشر قريش! أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا معشر بن كعب [بن لؤي]! انقذوا أنفسكم‬
‫من النار‪[ ،‬يا بن عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار]‪ ،‬يا معشر بن هاشم ! أنقذوا أنفسكم‬
‫من النار‪ ،‬يا معشر بن عبد الطلب! أنقذوا أنفسكم من النار‪ ،‬يا فاطمة بنت ممد ! أنقذي‬
‫نفسك من النار‪ ،‬فإن – وال – ل أملك لكم من ال شيئا؛ إل أن لكم رحا سأبلها‬
‫ببللا))‪.‬‬
‫وروى أحد ومسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫لا نزلت‪﴿ :‬وأنذر عشيتك القربي﴾ [الشعراء‪ ]214 :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪:‬‬
‫((يا فاطمة بنت ممد! يا صفية بنت عبد الطلب! يا بن عبد الطلب! ل أملك لكم من ال‬
‫شيئا‪ ،‬سلون من مال إن شئتم))‪.‬‬
‫وروى المام أحد ف ((مسنده)) عن علي [قال‪ :‬جع رسول ال صلى ال عليه وسلم – أو‪:‬‬
‫دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم – بن عبد الطلب؛ فيهم رهط كلهم يأكل الذعة‪،‬‬
‫ويشرب الفرق‪ ،‬قال‪ :‬فصنع لم مدّا من طعام‪ ،‬فأكلوا حت شبعوا‪ ،‬قال‪ :‬وبقي الطعام كما هو‬
‫كأنه ل يس‪ ،‬ث دعا بغُمر‪ ،‬فشربوا حت رووا‪ ،‬وبقي الشراب كأنه ل يس أو ل يشرب‪،‬‬
‫فقال‪:‬‬
‫(يا بن عبد الطلب! إن بعثت لكم خاصة؛ وإل الناس بعامة‪ ،‬وقد رأتيم من هذه الية ما‬
‫رأيتم‪ ،‬فأيكم يبايعن على أن يكون أخي وصاحب؟))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلم يقم إليه أحد‪ ،‬قال‪ :‬فقمت إليه‪ ،‬وكنت أصغر القوم‪ ،‬قال‪ :‬فقال‪(( :‬اجلس))‪ ،‬قال‬
‫ثلث مرات‪ ،‬كل ذلك أقوم إليه‪ ،‬فيقول ل‪(( :‬اجلس))‪ ،‬حت كان ف الثالثة ضرب بيده على‬
‫يدي]‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن أساء بنت أب بكر رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫لا نزلت‪﴿ :‬تبت يدا أب لب﴾؛ أقبلت العوراء أم جيل بنت حرب ولا ولولة‪ ،‬وف يدها‬
‫فهرٌ‪ ،‬وهي تقول‪:‬‬
‫مذما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا والنب صلى ال عليه وسلم جالس ف السجد ومعه‬
‫أبو بكر‪ ،‬فلما رآها أبو بكر قال‪ :‬يا رسول ال! قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك‪ .‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((إنا لن تران))‪.‬‬
‫وقرأ قرآنا‪ ،‬فاعتصم به كما قال [تعال ]‪ ،‬وقرأ‪﴿ :‬وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبي الذين‬
‫ل يؤمنون بالخرة حجابا مستورا﴾ [السراء‪ ،]45:‬فوقفت على أب بكر‪ ،‬ول تر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا بكر! إن أخبت أن صاحبك هجان‪ .‬فقال‪ :‬ل ورب‬
‫هذا البيت؛ ما هجاك‪ .‬فولت وهي تقول‪ :‬قد علمت قريش أن بنت سيدها‪.‬‬
‫أخرجه الاكم (‪ )2/361‬وقال‪(( :‬صحيح السناد))‪ ،‬ووافقه الذهب‪ ،‬وابن حبان (‪،)2103‬‬
‫وأبو نعيم (ص ‪ )61‬من طريق أخرى عن ابن عباس نوه‪ .‬وصححه ابن أب حات أيضا؛ كما‬
‫ف ((الدر النثور)) (‪ ،)4/186‬وله عنده شاهد من حديث أب بكر‪.‬‬
‫وعن أنس بن مالك رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫جاء جبيل عليه السلم إل النب صلى ال عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزينا؛ قد خضب‬
‫بالدماء؛ ضربه بعض أهل (مكة)‪ ،‬قال‪ :‬فقال له‪ :‬ما لك؟ قال‪ :‬فقال له‪:‬‬
‫((فعل ب هؤلء وفعلوا))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال له جبيل عليه السلم‪ :‬أتب أن أريك آية؟ قال‪(( :‬نعم))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فنظر إل شجرة من وراء الوادي‪ ،‬فقال‪ :‬ادع بتلك الشجرة‪ .‬فدعاها‪ ،‬فجاءت تشي حت‬
‫قامت بي يديه‪ ،‬فقال‪ :‬مرها فلترجع‪ .‬فأمرها فرجعت إل مكانا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫((حسب))‪.‬‬
‫أخرجه أحد (‪ ،)3/113‬وابن ماجه (‪ )4028‬بسند صحيح‪.‬‬
‫وعن عبد ال بن الارث بن جزء الزبيدي‪:‬‬
‫أنه مر وصاحب له بـ(أين) وفئة من قريش قد حلوا أزرهم؛ فجعلوها ماريق يتلدون با‬
‫وهم عراة‪ ،‬فلما مررنا بم قالوا‪ :‬إن هؤلء قسيسون؛ فدعوهم‪.‬‬
‫ث إن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج عليهم‪ ،‬فلما أبصروه تبددوا‪ ،‬فرجع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مغضبا حت دخل‪ ،‬وكنت أنا وراء الجرة‪ ،‬فسمعته يقول‪:‬‬
‫((سبحان ال! ل من ال استحيوا؛ ول من رسوله استتروا!))‪.‬‬
‫وأم أين عنده تقول‪ :‬استغفر لم يا رسول ال!‬
‫قال عبد ال‪ :‬فبليٍ ما استغفر لم‪.‬‬
‫أخرجه أحد(‪ ،)4/191‬وإسناده صحيح‪ ،‬ورواه إبراهيم الرب‪ ،‬والطبان؛ كما ف‬
‫((الصابة))‪.‬‬
‫وعن أب هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أل تعجبون كيف يصرف ال عن شتم قريش ولعنهم !؟))‪[ .‬قالوا‪ :‬كيف يا رسول ال؟‬
‫قال‪] :‬‬
‫((يشتمون مذما‪[ ،‬وأنا ممد]‪ ،‬ويلعنون مذما‪ ،‬وأنا ممد))‪.‬‬
‫أخرجه البخاري (‪ ،)3533‬والنسائي ف ((الطلق))‪ ،‬وأحد (‪2/244‬و ‪340‬و ‪ )366‬من‬
‫طرق عنه‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫وعن عبد الرحن بن جبي بن نفي عن أبيه قال‪:‬‬
‫جلسنا إل القداد بن السود يوما‪ ،‬فمر به رجل‪ ،‬فقال ‪ :‬طوب لاتي العيني اللتي رأتا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وال؛ لوددنا أنا رأينا ما رأيت‪ ،‬وشهدنا ما شهدت‪.‬‬
‫فاستغضب‪ ،‬فجعلت أعجب! ما قال إل خيا! ث أقبل إليه فقال‪:‬‬
‫ما يمل الرجل على أن يتمن مضرا غيّبه ال عنه؛ ل يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟!‬
‫وال؛ لقد حضر رسول ال صلى ال عليه وسلم أقوام أكبهم ال على مناخرهم ف جنهم؛ ل‬
‫ييبوه ول يصدقوه‪.‬‬
‫أول تمدون ال إذ أخرجكم ل تعرفون إل ربكم؛ مصدقي لا جاء به نبيكم‪ ،‬قد كفيتم‬
‫البلء بغيكم ؟!‬
‫وال؛ لقد بعث ال النب صلى ال عليه وسلم على أشد حال بعث عليها ف نبّ من النبياء؛ ف‬
‫فترة وجاهلية؛ ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الوثان‪ ،‬فجاء بفرقان فرق به بي الق‬
‫والباطل‪ ،‬وفرق بي الوالد وولده‪ ،‬حت أن الرجل ليى والده وولده أو أخاه كافرا – وقد‬
‫فتح ال قفل قلبه لليان – يعلم أنه إن هلك دخل النار‪ ،‬فل تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه ف‬
‫النار‪ ،‬وأنا للت قال ال عز وجل‪﴿ :‬الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعي‬
‫واجعلنا للمتقي إماما﴾ [الفرقان‪.]74:‬‬
‫أخرجه أحد (‪ ،)3-6/2‬وابن حبان (‪ )1684‬بسند صحيح رجاله كلهم ثقات‪.‬‬
‫والقصود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم استمر يدعو إل ال تعال ليلً نارا‪ ،‬وسرا‬
‫وجهرا‪ ،‬ل يصرفه عن ذلك صارف‪ ،‬ول يرده عن ذلك راد‪ ،‬ول يصده عن ذلك صاد‪ ،‬يتبع‬
‫الناس ف أنديتهم ومامعهم ومافلهم‪ ،‬وف الواسم ومواقف الج‪ ،‬يدعو من لقيه من حر‬
‫وعبد‪ ،‬وضعيف وقوي‪ ،‬وغن وفقي‪ ،‬جيع اللق ف ذلك عنده شرع سواء‪.‬‬
‫وتسلط عليه وعلى من اتبعه من أحاد الناس من ضعفائهم الشداء القوياء من مشركي قريش‬
‫بالذية القولية والفعلية‪.‬‬

‫وكان أشد الناس عليه عمه أبو لب‪ ،‬واسه عبد العزى بن عبد الطلب‪ ،‬وامرأته أم جيل أروى‬
‫بنت حرب بن أمية أخت أب سفيان‪.‬‬
‫وخالفه ف ذلك عمه أبو طالب بن عبد الطلب‪ ،‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم أحب‬
‫خلق ال إليه طبعا‪ ،‬وكان ينو عليه‪ ،‬ويسن إليه‪ ،‬ويدافع عنه ويامي‪ ،‬ويالف قومه ف ذلك؛‬
‫مع أنه على دينهم وعلى خلتهم؛ إل أن ال قد امتحن قلبه ببه حبا طبعيا ل شرعيا‪.‬‬
‫وكان استمراره على دين قومه من حكمة ال تعال ‪ ،‬وما صنعه لرسوله من الماية؛ إذ لو‬
‫كان أسلم أبو طالب لا كان له عند مشركي قريش وجاهة ول كلمة‪ ،‬ول كانوا يهابونه‬
‫ويترمونه‪،‬ولجترؤوا عليه‪ ،‬ولدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه‪﴿ ،‬وربك يلق ما يشاء‬
‫ويتار﴾ [القصص‪ ،]28:‬وقد قسم خلفه أنواعا وأجناسا‪.‬‬
‫فهذان العمان كافران‪ :‬أبو طالب وأبو لب‪ ،‬ولكن هذا يكون ف القيامة ف ضحضاح من‬
‫النار‪ ،‬وذلك ف الدرك السفل من النار‪ ،‬وأنزل ال فيه سورة ف كتابه تتلى على النابر‪ ،‬وتقرأ‬
‫ف الواعظ والطب‪ ،‬تتضمن أنه ﴿سيصلى نارا ذات لب‪ .‬وامرأته حالة الطب﴾ [السد‪:‬‬
‫‪3‬و ‪.]4‬‬
‫روى المام أحد‪ ،‬والبيهقي عن ربيعة بن عباد من بن الديل – وكان جاهليّا فأسلم – قال‪:‬‬
‫رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ف الاهلية ف سوق (ذي الجاز) وهو يقول‪:‬‬
‫((يا أيها الناس! قولوا‪( :‬ل إله إل ال) تفلحوا))‪.‬‬
‫والناس متمعون عليه‪ ،‬ووراءه رجل وضيءُ الوجه أحول‪ ،‬ذو غديرتي يقول‪ :‬إنه صابئ‬
‫كاذب‪ .‬يتبعه حيث ذهب‪ ،‬فسألت عنه؟ فقالوا‪ :‬هذا عمه أبو لب‪.‬‬
‫ث رواه البيهقي من طريق أخرى عن ربيعة الديلي قال‪:‬‬
‫رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم بـ(ذي الجاز) يتبع الناس ف منازلم يدعوهم إل ال‪،‬‬
‫وراءه رجل أحول تقد وجنتاه وهو يقول‪ :‬يا أيها الناس! ل يغرنكم هذا عن دينكم ودين‬
‫آبائكم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬من هذا؟ قيل‪ :‬هذا أبو لب‪.‬‬
‫وأما أبو طالب؛ فكان ف غاية الشفقة والنو الطبيعي؛ كما سيظهر من صنائعه وسجاياه‬
‫واعتماده فيما يامي به عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه رضي ال عنهم‪.‬‬
‫وروى البخاري ف ((التاريخ))‪ ،‬والبيهقي عن الاكم من حديث عقيل بن أب طالب قال‪:‬‬
‫جاءت قريش إل أب طالب فقالوا‪ :‬إن ابن أخيك هذا قد آذانا ف نادينا ومسجدنا‪ ،‬فانه عنا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا عقيل! انطلق فأتن بحمد‪ .‬فانطلقت فاستخرجته من كنس‪ ،‬أو خنس‪ -‬يقول‪ :‬بيت‬
‫صغي – فجاء به ف الظهية ف شدة الر‪ ،‬فلما أتاهم قال‪ :‬إن بن عمك هؤلء زعموا أنك‬
‫تؤذيهم ف ناديهم ومسجدهم‪ ،‬فانته عن أذاهم‪ .‬فحلّق رسول ال صلى ال عليه وسلم ببصره‬
‫إل السماء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((ترون هذه الشمس؟))‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((فما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا منها بشعلة))‪.‬‬
‫فقال أبو طالب‪ :‬وال؛ ما كذب ابن أخي قط‪ ،‬فارجعوا‪.‬‬
‫وف ذلك دللة على أن ال تعال عصمه بعمه؛ مع خلفه إياه ف دينه‪ ،‬وقد كان يعصمه حيث‬
‫ل يكون عمه با يشاء‪ ،‬ل معقب لكمه‪.‬‬
‫وروى المام أحد‪ ،‬والبخاري عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫قال‪ :‬أبو جهل‪ :‬لئن رأيت ممدا يصلي عند الكعبة لطأن على عنقه‪ .‬فبلغ ذلك رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((لو فعل ذلك لخذته اللئكة عيانا))‪.‬‬
‫وف رواية عنه قال‪:‬‬
‫مر أبو جهل بالنب صلى ال عليه وسلم وهو يصلي‪ ،‬فقال‪ :‬أل أنك أن تصلي يا ممد!‪.‬‬
‫[فانتهره النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال له أبو جهل‪ :‬ل تنهرن يا ممد! فوال؛] لقد علمت‬
‫ما با أحد أكثر ناديا من‪.‬‬
‫[قال‪ ]:‬فقال جبيل‪﴿ :‬فليدع ناديه‪ .‬سندع الزبانية﴾ [العلق‪17 :‬و ‪.]18‬‬
‫[قال‪ :‬فقال ابن عباس‪ ]:‬وال؛ لو دعا ناديه لخذته زبانية العذاب‪.‬‬
‫رواه أحد‪ ،‬والترمذي وصححه‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫وروى أحد‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن جرير‪ ،‬وابن أب حات‪ ،‬والبيهقي عن أب هريرة قال‪:‬‬
‫قال أبو جهل‪ :‬هل يعفر ممد وجهه بي أظهركم؟! قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقال‪ :‬واللت والعزى؛ لئن رأيته يصلي كذلك لطأن على رقبته‪ ،‬ولعفرن وجهه‬
‫بالتراب‪ .‬فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته‪ .‬قال‪ :‬فما فجأهم منه إل‬
‫وهو ينكص على عقبيه‪ ،‬ويتقي بيديه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقيل له‪ :‬ما لك؟ قال‪ :‬إن بين وبينه خندقا من نار‪ ،‬وهولً وأجنحة‪ .‬قال‪ :‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((لو دنا من لختطفته اللئكة عضوا عضوا))‪.‬‬
‫قال‪ :‬وأنزل ال تعال – ل أدري ف حديث أب هريرة أم ل ‪﴿ : -‬كل إن النسان ليطغى‪.‬‬
‫أن رآه استغن﴾ [العلق‪6 :‬و ‪ ]7‬إل آخر السورة‪.‬‬
‫وروى المام أحد‪ ،‬والبخاري ف مواضع من ((صحيحه))‪ ،‬ومسلم عن عبد ال (هو ابن‬
‫مسعود) قال‪:‬‬
‫ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا على قريش؛ غي يوم واحد‪ ،‬فإنه كان يصلي‬
‫ورهط من قريش جلوس‪ ،‬وسل جزور قريب منه‪ ،‬فقالوا‪ :‬من يـأخذ هذا السل فيلقيه على‬
‫ظهره؟ فقال‪ :‬عقبة بن أب معيط‪ :‬أنا‪ .‬فأخذه فألقاه على ظهره‪ ،‬فلم يزل ساجدا حت جاءت‬
‫فاطمة فأخذته عن ظهره‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((اللهم! عليك بذا الل من قريش‪ ،‬اللهم! عليك بعتبة بن ربيعة‪ ،‬اللهم! عليك بشيبة بن‬
‫ربيعة‪ ،‬اللهم! عليك بأبّ بن خلف‪ .‬أو‪ :‬أمية بن خلف))‪ .‬شعبة الشاك‪.‬‬
‫قال عبد ال‪ :‬فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جيعا‪ ،‬ث سحبوا إل القليب؛ غي أُب أو أمية بن‬
‫ل ضخما فتقطع‪.‬‬ ‫خلف؛ فإنه كان رج ً‬
‫والصواب‪ :‬أمية بن خلف؛ فإنه الذي قتل يوم بدر‪ ،‬وأخوه ُأبّ إنا قتل يوم أُحد؛ كما سيأت‬
‫بيانه‪.‬‬
‫و(السل)‪ :‬هو الذي يرج مع ولد الناقة؛ كالشيمة لولد الرأة‪.‬‬
‫وف بعض ألفاظ ((الصحيح))‪ :‬أنم لا فعلوا ذلك استضحكوا؛ حت جعل بعضهم ييل على‬
‫بعض؛ أي‪ :‬ييل هذا على هذا من شدة الضحك‪ .‬لعنهم ال‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬أن فاطمة لا ألقته عنه أقبلت عليهم فسبتهم‪ ،‬وأنه صلى ال عليه وسلم لا فرغ من‬
‫صلته رفع يديه يدعو عليهم‪ ،‬فلما رأوا ذلك سكن عنهم الضحك‪ ،‬وخافوا أكثر الروايات‬
‫تسمية ستة منهم؛ وهم‪ :‬عتبة وأخوه شيبة؛ ابنا ربيعة‪ ،‬والوليد ابن عتبة‪ ،‬وأبو جهل بن هشام‪،‬‬
‫وعقبة بن أب معيط‪ ،‬وأمية بن خلف‪ .‬قال أبو إسحاق‪ :‬ونسيت السابع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو عمارة بن الوليد‪ ،‬وقع تسميته ف ((صحيح البخاري))‪.‬‬
‫@وروى عن عروة بن الزبي [قال‪] :‬سألت ابن عمرو بن العاص فقلت‪ :‬أخبن بأشد شيء‬
‫صنعه الشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بينما النب صلى ال عليه وسلم يصلي ف حجر الكعبة؛ إذ أقبل عليه عقبة بن أب معيط‪ ،‬فوضع‬
‫ثوبه ف عنقه‪ ،‬فخنقه خنقا شديدا‪.‬‬
‫فأقبل أبو بكر رضي ال عنه حت أخذ بنكبه ودفعه عن النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقال‪﴿ :‬‬
‫أتقتلون رجلً أن يقول رب ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم﴾ [غافر ‪.]28 :‬‬
‫انفرد به البخاري‪ ،‬وقد رواه ف أماكن من ((صحيحه))‪ ،‬وصرح ف بعضها بـ(عبد ال بن‬
‫عمرو بن العاص) ‪ ،‬وهو أشبه لرواية عروة عنه‪ ،‬وف رواية معلقة عن عروة قال‪ :‬قيل لعمرو‬
‫بن العاص‪ .‬وهذا أشبه لتقدم هذه القصة‪.‬‬
‫وقد روى البيهقي عن الاكم بسنده عن ابن إسحاق‪ :‬حدثن يي بن عروة عن أبيه عروة‬
‫قال‪ :‬قلت لعبد ال بن عمرو بن العاص‪ :‬ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته؟ فقال‪:‬‬
‫لقد رأيتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما ف الجر‪ ،‬فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬ما رأينا مثل ما صبنا عليه من هذا الرجل قط؛ سفّه أحلمنا‪ ،‬وشتم آباءنا‪ ،‬وعاب‬
‫ديننا‪ ،‬وفرق جاعتنا‪ ،‬وسب آلتنا‪ ،‬وصرنا منه على أمر عظيم‪.‬‬
‫أو كما قالوا‪:‬‬
‫قال‪ :‬فبينما هم ف ذلك [إذ] طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأقبل يشي حت استلم‬
‫الركن‪ ،‬ث مر بم طائفا بالبيت‪ ،‬فغمزوه ببعض القول‪ ،‬فعرفت ذلك ف وجه رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فمضى‪ ،‬فلما مرّ بم الثانية غمزوه بثلها‪ ،‬فعرفتها ف وجهه‪ ،‬فمضى‪ ،‬فمر بم‬
‫الثالثة فغمزوه بثلها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أتسمعون يا معشر قريش؟ أما والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بالذبح))‪.‬‬
‫فأخذت القومَ كلمته‪ ،‬حت ما منهم من رجل إل وكأنا على رأسه طائر وقع‪ ،‬حت إن أشدهم‬
‫فيه وصاة قبل ذلك ليفؤه [بأحسن ما يد من القول] ‪ ،‬حى إنه ليقول‪ :‬انصرف أبا القاسم!‬
‫راشدا‪ ،‬فـ[وال؛] ما كنت جهولً فانصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حت ِإذا كان الغد اجتمعوا ف الجر وأنا معهم‪ ،‬فقال بعضهم لبعض‪ :‬ذكرت ما بلغ منكم‪،‬‬
‫وما بلغكم عنه‪ ،‬حت إذا بادأكم با تكرهون تركتموه‪.‬‬
‫فبيمنا هم ف ذلك [إذ] طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فوثبوا إليه وثبة رجل واحد‪،‬‬
‫فأحاطوا به يقولون‪ :‬أنت الذي تقول‪ :‬كذا وكذا ؟! لا كان يبلغهم من عيب آلتهم ودينهم‪،‬‬
‫فيقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((نعم؛ أنا الذي أقول ذلك))‪.‬‬
‫ولقد رأيت رجلً منهم أخذ بجامع ردائه‪ ،‬وقام أبو بكر يبكي دونه ويقول‪﴿ :‬أتقتلون رجلً‬
‫أن يقول رب ال﴾ [غافر ‪]28‬؟! ث انصرفوا عنه‪.‬‬
‫فإن ذلك لكثرُ ما رأيت قريشا بلغت منه قط‪.‬‬

‫فصل‬
‫ف تأليب الل من قريش على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه واجتماعهم بعمه أب‬
‫طالب القائم ف منعه ونصرته وحرصهم عليه أن يسلمه إليهم‬
‫فاب عليهم ذلك بول ال وقوته‬
‫عن أنس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫(( لقد أوذيت ف ال وما يؤذى أحد‪ ،‬وأُخفت ف ال وما ياف أحد‪ ،‬ولقد أتت عليّ ثلثون‬
‫من بي يوم وليلة وما ل ولبلل ما يأكله ذو كبد؛ إل ما يواري إبط بلل))‪.‬‬
‫أخرجه أحد والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬وقال الترمذي‪:‬‬
‫((حديث حسن صحيح))‪.‬‬

‫فصل‬
‫فيما اعترض به الشركون على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وما تعنتوا له ف أسئلتهم إياه أنواعا من اليات وخرق العادات‬
‫على وجه العناد ل على وجه طلب الدى والرشاد‬
‫فلهذا ل يابوا إل كثي ما طلبوا‪ ،‬ول ما إليه رغبوا؛ لعلم الق سبحانه؛ أنم لو عاينوا‬
‫وشاهدوا ما أرادوا لستمروا ف طغيانم يعمهون‪ ،‬ولظلوا ف غيهم وضللم يتردّون‪.‬‬
‫قال ال تعال ‪﴿ :‬وََأ ْقسَمُوا بِاللّهِ َج ْهدَ أَْيمَاِن ِهمْ لَئِنْ جَاءَْت ُهمْ ءَايَةٌ لَُيؤْمِنُنّ ِبهَا قُلْ إِّنمَا الْآيَاتُ عِْندَ‬
‫اللّهِ وَمَا ُيشْعِرُ ُكمْ أَّنهَا إِذَا جَاءَتْ لَا ُيؤْمِنُونَ‪ .‬وَنُقَّلبُ َأفِْئدََتهُمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا لَمْ ُيؤْمِنُوا ِبهِ َأوّلَ‬
‫مَرّةٍ وََن َذرُهُ ْم فِي طُغْيَاِن ِهمْ يَ ْع َمهُونَ‪َ .‬ولَوْ أَنّنَا نَ ّزلْنَا ِإلَْيهِ ُم الْمَلَائِكَةَ وَكَّل َم ُهمُ اْلمَوْتَى وَ َحشَرْنَا‬
‫جهَلُونَ﴾[ النعام‪:‬‬ ‫عَلَْي ِهمْ كُلّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لُِيؤْمِنُوا ِإلّا أَنْ َيشَاءَ اللّهُ وَلَكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ َي ْ‬
‫‪.]111-109‬‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬الّذِينَ حَ ّقتْ عَلَْي ِهمْ كَِلمَ ُة رَبّكَ لَا ُيؤْمِنُونَ‪َ .‬وَلوْ جَاءَْت ُهمْ كُلّ ءَايَةٍ حَتّى يَ َروُا‬
‫ب الَْألِيمَ﴾[يونس‪96 :‬و ‪.]97‬‬ ‫الْ َعذَا َ‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُ ْرسِلَ بِالْآيَاتِ ِإلّا أَنْ َكذّبَ ِبهَا الَْأ ّولُونَ وَءَاتَيْنَا َثمُودَ النّاقَةَ مُْبصِرَةً‬
‫خوِيفًا﴾ [السراء‪.]59 :‬‬ ‫فَظََلمُوا ِبهَا وَمَا نُرْ ِسلُ بِالْآيَاتِ ِإلّا َت ْ‬
‫وقال تعال ‪َ ﴿ :‬وقَالُوا لَنْ ُنؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَ ْفجُرَ لَنَا ِمنَ الَْأ ْرضِ يَنْبُوعًا‪َ .‬أوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ ِمنْ‬
‫جيًا‪َ .‬أوْ ُتسْ ِقطَ السّمَاءَ َكمَا زَ َعمْتَ عَلَيْنَا ِكسَفًا َأوْ تَأْتِيَ‬ ‫ب فَتُفَجّ َر الْأَْنهَارَ خِلَاَلهَا تَ ْف ِ‬
‫َنخِيلٍ وَعَِن ٍ‬
‫بِاللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا‪َ .‬أوْ يَكُونَ لَكَ بَْيتٌ مِنْ زُخْرُفٍ َأوْ تَ ْرقَى فِي السّمَاءِ َولَنْ ُنؤْمِنَ لِ ُرقِيّكَ‬
‫حَتّى تُنَزّلَ َعلَيْنَا كِتَابًا نَقْ َر ُؤ ُه قُلْ سُْبحَا َن رَبّي هَلْ كُنْتُ ِإلّا َبشَرًا رَسُولًا﴾ [السراء‪-90 :‬‬
‫‪.]93‬‬
‫وقد تكلمناعلى هذه اليات وما يشبهها ف أماكنها من ((التفسي))‪ ،‬ول المد‪.‬‬
‫عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫سأل أهل (مكة) رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعل لم لصفا ذهبا‪ ،‬وأن ينحّي عنهم‬
‫البال فيزدرعوا‪ .‬فقيل له‪ :‬إن شئت أن تستأن بم‪ ،‬وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا‪ ،‬فإن‬
‫كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم‪ .‬قال‪:‬‬
‫((ل؛ بل أستأن بم))‪.‬‬
‫فأنزل ال تعال ‪﴿ :‬وَمَا مَنَعَنَا أَنْ ُنرْسِلَ بِالْآيَاتِ ِإلّا أَنْ َكذّبَ ِبهَا الَْأ ّولُونَ َوءَاتَيْنَا َثمُو َد النّاقَةَ‬
‫خوِيفًا﴾ [السراء‪.]59:‬‬ ‫مُْبصِرَ ًة فَظََلمُوا ِبهَا وَمَا نُرْ ِسلُ بِالْآيَاتِ ِإلّا َت ْ‬
‫رواه أحد والنسائي‪.‬‬

‫وف رواية لحد عنه قال‪:‬‬


‫قالت قريش للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ادعُ لنا ربك يعل لنا الصفا ذهبا ونؤمن بك‪ .‬قال‪:‬‬
‫((وتفعلوا؟))‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعا ‪ ،‬فأتاه جبيل فقال‪ :‬إن ربك يقرأ عليك السلم‪ ،‬ويقول لك‪ :‬إن شئت أصبح‬
‫الصفا لم ذهبا‪ ،‬فمن كفر منهم بعد ذلك أعذبه عذابا ل أعذبه أحدا من العالي‪ ،‬وإن شئت‬
‫فتحت لم باب الرحة والتوبة‪ .‬قال‪:‬‬
‫((بل [باب] التوبة والرحة))‪.‬‬
‫وإسناد كل منهما جيد‪.‬‬
‫وقد جاء مرسلً عن جاعة من التابعي؛ منهم‪ :‬سعيد بن جبي وقتادة وابن جريج وغي واحد‪.‬‬

‫فصل‬
‫@قال ابن إسحاق‪ :‬ث إنم عدوا على من أسلم واتبع رسول ال صلى ال عليه وسلم من‬
‫أصحابه‪ ،‬فوثبت كل قبيلة على من فيها من السلمي‪ ،‬فجعلوا يبسونم‪ ،‬ويعذبونم بالضرب‬
‫والوع والعطش‪ ،‬وبرمضاء (مكة) إذا اشتد الر‪ ،‬من استضعفوه منهم يفتنونم عن دينهم‪.‬‬
‫فمنهم من يفت من شدة البلء الذي يصيبهم‪ ،‬ومنهم من يصلُب لم‪ ،‬ويعصمه ال منهم‪.‬‬
‫وقد تقدم حديث ابن مسعود‪:‬‬
‫أول من أظهر السلم سبعة‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وأمه سية‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وبلل‪ ،‬والقداد‪.‬‬
‫فأما رسول ال فمنعه ال بعمه‪ ،‬وأبو بكر منعه ال بقومه‪ ،‬وأما سائرهم فأخذهم الشركون‪،‬‬
‫فألبسوهم أدرع الديد‪ ،‬وصهروهم ف الشمس‪ ،‬فما منهم من أحد إل وقد واتاهم على ما‬
‫أرادوا؛ إل بللً؛ فإنه هانت عليه نفسه ف ال تعال ‪ ،‬وهان على قومه‪ ،‬فأخذوه‪ ،‬فأعطوه‬
‫الولدان‪ ،‬فجعلوا يطوفون به ف شعاب (مكة) وهو يقول‪ :‬أحد أحد‪.‬‬
‫وعن جابر‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بعمار وأهله وهم يعذبون‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أبشروا آل عمار وآل ياسر! فإن موعدكم النة))‪.‬‬
‫رواه البيهقي عن الاكم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وف مثل هذا أنزل ال تعال ‪﴿ :‬من كفر بال من بعد إيانه إل من أكره وقبله مطمئن‬
‫باليان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولم عذاب عظيم﴾ [النحل‪:‬‬
‫‪.]106‬‬
‫فهؤلء كانوا معذورين با حصل لم من الهانة والعذاب البليغ‪ ،‬أجارنا ال من ذلك بوله‬
‫وقوته‪.‬‬
‫وعن خباب بن الرت قال‪:‬‬
‫كنت رجلً قينا‪ ،‬وكان ل على العاص بن وائل دين‪ ،‬فأتيته أتقاضاه‪ ،‬فقال‪ :‬ل وال؛ ل‬
‫أقضيك حت تكفر بحمد! فقلت‪ :‬ل وال؛ ل أكفر بحمد حت توت ث تبعث‪ .‬قال‪ :‬فإن إذا‬
‫مت ث بعثت؛ جئتن ول ثّ ما ٌل وولد فأعطيك‪ ،‬فأنزل ال‪﴿ :‬أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال‬
‫لوتي ما ًل وولدا﴾ إل قوله‪﴿ :‬ويأتينا فردا﴾ [مري‪.]80-77 :‬‬
‫أخرجه أحد‪ ،‬والبخاري‪ ،‬ومسلم ف ((الصحيحي))‪ ،‬وف لفظ البخاري‪:‬‬
‫كنت قينا بـ(مكة)‪ ،‬فعملت للعاص بن وائل سيفا‪ ،‬فجئت أتقاضاه ‪ ...‬فذكر الديث‪.‬‬
‫وف طريق أخرى له عنه قال‪:‬‬
‫أتيت النب صلى ال عليه وسلم وهو متوسد ببدة وهو ف ظل الكعبة‪ ،‬وقد لقينا من الشركي‬
‫شدة‪ ،‬فقلت‪ :‬أل تدعو ال؟ فقعد وهو ممر وجهه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الديد ما دون عظامه من لم أو عصب؛ ما‬
‫يصرفه ذلك عن دينه‪ ،‬ويوضع النشار على مفرق رأسه‪ ،‬فيشق باثنتي‪ ،‬ما يصرفه ذلك عن‬
‫دينه‪ ،‬وليُتمّ ّن ال هذا المر؛ حت يسي الراكب من (صنعاء) إل (حضر موت) ما ياف إل‬
‫ال عز وجل (زاد بيان‪ :‬والذئب على غنمه) ))‪.‬‬
‫وف رواية ‪(( :‬ولكنكم تستعجلون))‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫وعن أب ليلى الكندي قال‪ :‬جاء خباب إل عمر فقال‪ :‬ادنُ؛ فما أحد أحق بذا الجلس منك‬
‫إل عمار‪ .‬فجعل خباب يريه آثارا بظهره ما عذبه الشركون‪.‬‬
‫أخرجه ابن سعد (‪ ،)3/165‬وابن ماجه (‪ )153‬بسند صحيح‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬

‫باب مادلة الشركي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬


‫وإقامة الجة الدامغة عليهم واعترافهم ف أنفسهم باحلق وإن أظهروا الخالفة عنادا‬
‫وحسدا وبغيا وجحودا‬
‫روى إسحاق بن راهويه بسنده عن ابن عباس‪ :‬أن الوليد بن الغية جاء إل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فقرأ عليه القرآن‪ ،‬فكأنه رق له‪ ،‬فبلغ ذلك أبا جهل‪ ،‬فأتاه فقال ‪ :‬يا عم! إن‬
‫قومك يريدون أن يمعو لك مالً‪ .‬قال‪ :‬ل؟ قال‪ :‬ليعطوكه؛ فإنك أتيت ممدا لتعرّض ما‬
‫قِبَلَه‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد علمت قريش أن من أكثرها مالً‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقل فيه قولً يبلغ قومك أنك منكر له‪.‬‬
‫قال‪ :‬وماذا أقول؟ فوال؛ ما منكم رجل أعرف بالشعار من‪ ،‬ول أعلم برجزه‪ ،‬ول بقصيده‬
‫من‪ ،‬ول بأشعار الن‪ ،‬وال؛ ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا‪ ،‬ووال؛ إن لقوله الذي يقوله‬
‫حلوة‪ ،‬وإن عليه لطلوة‪ ،‬وإنه لثمر أعله‪ ،‬مغدق أسفله‪ ،‬وإنه ليعلو ول يعلى‪ ،‬وإنه ليحطم‬
‫ما تته‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل يرضى عنك قومك حت تقول فيه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فدعن حت أفكر فيه‪.‬‬
‫فلما فكر قال‪ :‬إن هذا إل سحر يؤثر‪ ،‬يأثره عن غيه‪ .‬فنلت‪﴿ :‬ذرن ومن خلقت وحيدا‪.‬‬
‫وجعلت له مالً مدودا‪ .‬وبني شهودا﴾ [الدثر‪ ]13-11 :‬اليات‪.‬‬
‫هكذا رواه البيهقي عن الاكم عن إسحاق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وف ذلك قال ال تعال إخبارا عن جهلهم وقلة عقلهم‪﴿ :‬بل قالوا أضغاث أحلم بل‬
‫افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الولون﴾‪[ .‬النبياء‪ ،]5:‬فحاروا ما ذا يقولون فيه؟‬
‫فكل شيء يقولونه باطل؛ لن من خرج عن الق مهما قاله أخطأ‪ ،‬قال ال تعال ‪﴿ :‬انظر‬
‫كيف ضربوا لك المثال فضلوا فل يستطيعون سبيلً﴾ [السراء‪.]48:‬‬
‫@وروى المام عبد بن حيد ف ((مسنده)) بسنده عن جابر بن عبد ال قال‪:‬‬
‫اجتمعت قريش يوما فقالوا‪ :‬انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر؛ فليأت هذا الرجل‬
‫الذي فرّق جاعتنا‪ ،‬وشتت أمرنا‪ ،‬وعاب ديننا‪ ،‬فليكلمه‪ ،‬ولينظر ماذا يرد عليه؟‬
‫فقالوا‪ :‬ما نعلم أحدا غي عتبة بن ربيعة‪ .‬فقالوا‪ :‬أنت يا أبا الوليد!‬
‫فأتاه عتبة فقال‪ :‬يا ممد! أنت خي أم عبد ال؟ فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪ :‬أنت خي أم عبد الطلب؟ فسكت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ث قال‪ :‬إن كنت تزعم أن هؤلء خي منك؛ فقد عبدوا اللة الت عِبتَ وإن كنت تزعم أنك‬
‫خي منهم؛ فتكلم حت نسمع قولك‪ ،‬إنا وال ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك‪،‬‬
‫فرقت جاعتنا‪ ،‬وشّتتّ أمرنا‪ ،‬وعبت ديننا‪ ،‬وفضحتنا ف العرب‪ ،‬حت لقد طار فيهم أن قريش‬
‫ساحرا‪ ،‬وأن ف قريش كاهنا‪ ،‬وال ما ننتظر إل مثل صيحة البلى؛ أن يقوم بعضنا إل بعض‬
‫بالسيوف حت نتفان‪ .‬أيها الرجل! إن كان إنا بك الاجة؛ جعنا لك حت تكون أغن قريش‬
‫رجلً واحدا‪ ،‬وإن كان إنا بك الباءة؛ فاختر أي نساء قريش شئت فلنوجك عشرا‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(( :‬فرغت؟))‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫(( ﴿بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تنيل من الرحن الرحيم‪ .‬كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا‬
‫لقوم يعلمون﴾ إل أن بلغ‪ ﴿ :‬فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود﴾‬
‫[فصلت‪.))]13-1 :‬‬
‫فقال عتبة‪ :‬حسبك‪ ،‬ما عندك غي هذا؟ قال‪(( :‬ل))‪.‬‬
‫فرجع إل قريش‪ ،‬فقالوا‪ :‬ما وراءك؟ قال‪ :‬ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه إل كلمته‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فهل أجابك؟ فقال‪ :‬نعم‪ .‬ث قال‪ :‬ل والذي نصبها بيّنة؛ ما فهمت شيئا ما قال؛ غي أنه‬
‫أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ويلك! يكلمك الرجل بالعربية ل تدري ما قال؟!ّ‬
‫قال‪ :‬ل وال؛ ما فهمت شيا ما قال؛ غي ذكر الصاعقة‪.‬‬

‫@وقد رواه البيهقي وغيه عن الاكم بسنده عن الجلح به‪ ،‬وفيه كلم‪ ،‬وزاد‪:‬‬
‫وإن كنت إنا بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك؛ فكنت رأسا ما بقيت‪ .‬وعنده أنه لا قال‪﴿ :‬فإن‬
‫أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود﴾؛ أمسك عتبة على فيه‪ ،‬وناشده الرحم‬
‫أن يكف عنه‪ ،‬ول يرج إل أهله‪ ،‬واحتبس عنهم‪.‬‬
‫فقال أبو جهل‪ :‬وال يا معشر قريش! ما نرى عتبة إل صبا إل ممد‪ ،‬وأعجبه كلمه‪ ،‬وما ذاك‬
‫إل من حاجة أصابته‪ ،‬انطلقوا بنا إليه‪ .‬فأتوه‪ ،‬فقال أبو جهل‪ :‬وال يا عتبة! ما جئنا إل أنك‬
‫صبوت إل ممد‪ ،‬وأعجبك أمره‪ ،‬فإن كان بك حاجة؛ جعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن‬
‫ممد‪.‬‬
‫فغضب‪ ،‬وأقسم بال ل يكلم ممدا أبدا‪ ،‬وقال‪ :‬لقد علمتم أن من أكثر قريش مالً‪ ،‬ولكن‬
‫أتيته – وقص عليهم القصة – فأجابن بشيء – وال؛ ما هو بسحر ول بشعر ول كهانة –‬
‫قرأ ‪﴿ (( :‬بسم ال الرحن الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تنيل من الرحن الرحيم﴾حت بلغ‪ ﴿ :‬فإن أعرضوا‬
‫فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثود﴾ ))‪ ،‬فأمسكت بفيه‪ ،‬وناشدته الرحم أن يكف‪،‬‬
‫وقد علمتم أن ممدا إذا قال شيئا ل يكذب‪ ،‬فخفت أن ينل عليكم العذاب‪.‬‬
‫ث روى البيهقي بسنده عن الغية بن شعبة قال‪:‬‬
‫إن أول يوم عرفت رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أمشي أنا وأبو جهل بن هشام ف بعض‬
‫أزقة مكة؛ إذ لقينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لب‬
‫جهل‪:‬‬
‫((يا أبا الكم! هلم إل ال وإل رسوله‪ ،‬أدعوك إل ال))‪.‬‬
‫فقال أبو جهل‪ :‬يا ممد! هل أنت منتهٍ عن سب آلتنا؟ هل تريد إل أن نشهد أنك قد بلغت؟‬
‫فنحن نشهد أن قد بلغت‪ ،‬فوال؛ لو أن أعلم أن ما تقول حق لتبعتك‪.‬‬
‫فانصر ف رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأقبل علي فقال‪ :‬وال؛ إن لعلم أن ما يقول‬
‫حق‪ ،‬ولكن ينعن شيء؛ إن بن قصي قالوا‪ :‬فينا الجابة‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ث قالوا‪ :‬فينا السقاية‪.‬‬
‫فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ث قالوا‪ :‬فينا الندوة‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ث قالوا‪ :‬فينا اللواء‪ .‬فقلنا‪ :‬نعم‪ .‬ث أطعموا‬
‫وأطعمنا‪ ،‬حت إذا تاكّت الركب قالوا‪ :‬منا نب! وال ل أفعل‪.‬‬
‫وهذا القول منه – لعنه ال – كما قال تعال مبا عنه وعن أضرابه‪:‬‬
‫﴿وإذا رأويك إن يتخذونك إل هزوا أهذا الذي بعث ال رسولً‪ .‬إن كان ليضلنا عن آلتنا‬
‫لول أن صبنا عليها وسوف يعلمون حي يرون العذاب من أضل سبيلً﴾ [الفرقان‪41 :‬و‬
‫‪.]42‬‬

‫وقال ابن عباس‪:‬‬


‫نزلت هذه الية ورسول ال صلى ال عليه وسلم متوارٍ بـ(مكة)‪﴿ :‬ول تهر بصلتك ول‬
‫تافت با﴾[السراء‪]110:‬؛ قال‪:‬‬
‫كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن‪ ،‬فلما سع ذلك الشركون سبوا القرآن‪ ،‬وسبوا من‬
‫أنزله‪ ،‬ومن جاء به‪ .‬قال‪ :‬فقال ال تعال لنبيه ممد صلى ال عليه وسلم ‪﴿ :‬ول تهر‬
‫بصلتك﴾؛ أي‪ :‬بقراءتك؛ فيسمع الشركون فيسبوا القرآن‪﴿ ،‬ول تافت با﴾ عن أصحابك‬
‫فل تسمعهم القرآن حت يأخذوه عنك‪﴿ ،‬وابتغ بي ذلك سبيلً﴾‪.‬‬
‫رواه أحد وصاحبا ((الصحيح))‪.‬‬
‫بسم ال الرحن الرحيم‬
‫باب هجرة من هاجر من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫من (مكة) إل أرض البشة فرارا بدينهم من الفتنة‬

‫قد تقدم ذ كر أذية الشركي للمستضعفي من الؤمن ي‪ ،‬و ما كانوا يعاملونم به من الضرب‬
‫الشديد والهانة البالغة‪.‬‬
‫وكان ال عز وجل قد حجرهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ومنعه بعمه أب طالب؛‬
‫كما تقدم تفصيله‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬
‫وقد روى المام أحد بسنده عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إل النجاشي ونن نو من ثاني رجلً‪ ،‬فيهم عبد ال بن‬
‫مسعود‪ ،‬وجعفر‪ ،‬وعبد ال بن عرفطة‪ ،‬وعثمان بن مظعون‪ ،‬وأبو موسى‪ ،‬فأتوا النجاشي‪.‬‬
‫وبعثت قريش عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بدية‪.‬‬
‫فلما دخل على النجاشي سجدا له‪ ،‬ث ابتدراه عن يينه وعن شاله‪ ،‬ث قال له‪ :‬إن نفرا من بن‬
‫عمنا نزلوا ارضك‪ ،‬ورغبوا عنا وعن ملتنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأين هم؟ قال‪ :‬ف أرضك؛ فابعث إليهم‪.‬‬
‫فبعث إليهم‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬أنا خطيبكم اليوم‪ .‬فاتّبعوه‪.‬‬
‫فسلم ول يسجد‪ ،‬فقالوا له‪ :‬ما لك ل تسجد للملك؟‬
‫قال‪ :‬إنا ل نسجد إل ل عز وجل‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما ذاك‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن ال بعث إلينا رسولً‪ ،‬ث أمرنا أن ل نسجد لحدٍ إل ال عز وجل‪ ،‬وأمرنا بالصلة‬
‫والزكاة‪.‬‬
‫قال عمرو‪ :‬فإنم يالفونك ف عيسى ابن مري‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما تقولون ف عيسى ابن مري وأمه؟‬
‫قال‪ :‬نقول كما قال ال‪ :‬هو كلمته وروحه ألقاها إل العذراء البتول الت ل يسها بشر‪ ،‬ول‬
‫يفرضها ولد‪.‬‬
‫قال‪ :‬فرفع عودا من الرض ث قال‪ :‬يا معشر البشة والقسيسي والرهبان! وال؛ ما يزيدون‬
‫على الذي نقول فيه ما يسوى هذا‪ ،‬مرحبا بكم وبن جئتم من عنده‪ ،‬أشهد أنه رسول ال‪،‬‬
‫وأنه الذي ند ف النيل‪ ،‬وأنه الرسول الذي بشر به عيسى ابن مري‪ ،‬انزلوا حيث شئتم‪،‬‬
‫وال؛ لول ما أنا فيه من اللك؛ لتيته حت أكون أنا الذي أحل نعليه [وأوضئه]‪.‬‬
‫وأمر بدية الخرين فردت إليهما‪.‬‬
‫ث تعجل عبد ال بن مسعود حت أدرك بدرا‪.‬‬
‫وزعم أن النب صلى ال عليه وسلم استغفر له حي بلغه موته‪.‬‬
‫وهذا إسناد جيد قوي‪ ،‬وسياق حسن‪ ،‬وفيهما يقتضي أن أبا موسى كان فيمن هاجر من‬
‫(مكة) إل أرض البشة؛ إن ل يكن مدرجا من بعض الرواة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ورواه أبو نعيم ف ((الدلئل)) عن أب موسى قال‪:‬‬
‫فبلغ ذلك قريشا‪ ،‬فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد‪ ،‬وجعوا للنجاشي هدية‪.‬‬
‫وقدما على النجاشي فاتياه بالدية‪ ،‬فقبلها‪ ،‬وسجدا له‪ .‬ث قال عمرو بن العاص‪ :‬إن ناسا من‬
‫أرضنا رغبوا عن ديننا ‪ ،‬وهم ف أرضك‪.‬‬
‫قال لم النجاشي‪ :‬ف أرضي؟‍!‬
‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫فبعث إلينا‪ ،‬فقال لنا جعفر‪ :‬ل يتكلم منكم أحد؛ أنا خطيبكم اليوم‪.‬‬
‫فانتهينا إل النجاشي وهو جالس ف ملسه‪ ،‬وعمرو بن العاص عن يينه‪ ،‬وعمارة عن يساره‪،‬‬
‫والقسيسون جلوس ساطي‪ ،‬وقد قال له عمرو وعمارة‪ :‬إنم ل يسجدون لك‪.‬‬
‫@فلما انتهينا بدرنا من عنده من القسيسي والرهبان‪ :‬اسجدوا للملك‪ .‬فقال جعفر‪ :‬ل‬
‫نسجد إل ل عز وجل‪.‬‬
‫فقال له النجاشي‪ :‬وما ذاك؟‬
‫قال‪ :‬إن ال بعث فينا رسولً‪ ،‬وهو الرسول الذي بشر به عيسى بن مري عليه الصلة والسلم‬
‫من بعده اسه أحد‪ ،‬فأمرنا أن نعبد ال ول نشرك به شيئا‪ ،‬ونقيم الصلة‪ ،‬ونؤت الزكاة‪،‬‬
‫وأمرنا بالعروف‪ ،‬ونانا عن النكر‪.‬‬
‫فأعجب النجاشي قوله‪.‬‬
‫فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال‪ :‬أصلح ال اللك‪ ،‬إنم يالفونك ف عيسى بن مري!‬
‫فقال النجاشي‪ :‬ما يقول صاحبكم ف ابن مري؟‬
‫قال‪ :‬يقول فيه قول ال؛ هو روح ال وكلمته‪ ،‬أخرجه من العذراء البتول الت ل يقربا بشر‪،‬‬
‫ول يفرضها ولد‪.‬‬
‫فتناول النجاشي عودا من الرض فرفعه‪ ،‬فقال‪ :‬يا معشر القسيسي والرهبان! ما يزيد هؤلء‬
‫على ما نقول ف ابن مري ول وزن هذه‪ ،‬مرحبا بكم وبن جئتم من عنده‪ ،‬فأنا أشهد أنه‬
‫رسول ال‪ ،‬وأنه الذي بشر به عيسى‪ ،‬ولول ما أنا فيه من اللك؛ لتيته حت أقبل نعليه‪ ،‬امكثوا‬
‫ف أرضي ما شئتم‪.‬‬
‫وأمر لنا بطعام وكسوة‪ .‬وقال‪ :‬ردوا على هذين هديتهما‪.‬‬
‫ل ف البحر‪ ،‬فشربا‬ ‫ل قصيا‪ ،‬وكان عمارة رجل ًجيلً‪ ،‬وكانا أقب ً‬ ‫وكان عمرو بن العاص رج ً‬
‫[يعن خرا]‪ ،‬ومع عمرو امرأته‪ ،‬فلما شربا قال عمارة لعمرو‪ :‬مر امرأتك فلتقبلن! فقال له‬
‫عمرو‪ :‬أل تستحي؟! فأخذ عمارة عمرا فرمى به ف البحر‪ ،‬فجعل عمرو يناشد عمارة حت‬
‫أدخله السفينة‪.‬‬
‫فحقد عليه عمرو ف ذلك‪ ،‬فقال عمرو للنجاشي‪ :‬إنك إذا خرجت خلفك عمارة ف أهلك‪.‬‬
‫فدعا النجاشي بعمارة‪ ،‬فنفخ ف إحليله‪ ،‬فطار مع الوحش‪.‬‬
‫وهكذا رواه البيهقي ف ((الدلئل)) إل قوله‪(( :‬فأمر لنا بطعام وكسوة))‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((وهذا إسناد صحيح‪ ،‬وظاهره يدل على أن أبا موسى كان بـ(مكة)‪ ،‬وأنه خرج مع جعفر‬
‫بن أب طالب إل أرض البشة‪.‬‬
‫والصحيح عن بريد بن عبد ال بن أب بردة عن أب موسى‪:‬‬
‫أنم بلغهم مرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وهم باليمن‪ ،‬فخرجوا مهاجرين ف بضع‬
‫وخسي رجلً ف سفينة‪ ،‬فألقتهم سفينتهم إل النجاشي بأرض البشة‪ ،‬فوافقوا جعفر بن أب‬
‫طالب وأصحابه عندهم‪ ،‬فأمره جعفر بالقامة‪ ،‬فأقاموا عنده حت قدموا على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم زمن (خيب)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وابو موسى شهد ما جرى بي جعفر وبي النجاشي‪ ،‬فأخب عنهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولعل الراوي وهم ف قوله‪(( :‬أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ننطلق))‪ .‬وال‬
‫أعلم))‪.‬‬
‫وهكذا رواه البخاري ف (هجرة البشة)‪ ،‬ومسلم عن أب موسى قال‪:‬‬
‫بلغنا مرج النب ونن باليم‪ ،‬فركبنا سفينة‪ ،‬فألقتنا سفينتنا إل النجاشي بالبشة‪ ،‬فوافقنا جعفر‬
‫بن أب طالب رضي ال عنه‪ ،‬فأقمنا معه حت قدمنا‪ ،‬فوافينا النب صلى ال عليه وسلم حي‬
‫افتتح (خيب)‪ ،‬فقال النب صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((لكم أنتم أهل السفينة هجرتان))‪.‬‬
‫وروياه ف موضع آخر مطولً‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@وقال ابن إسحاق‪ :‬حدثن الزهري عن أب بكر بن عبد الرحن بن حارث ابن هشام عن أم‬
‫سلمة رضي ال عنها قالت‪:‬‬
‫لا ضاقت (مكة)‪ ،‬وأوذي أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وفُتنوا‪ ،‬ورأوا ما يصيبهم‬
‫من البلء والفتنة ف دينهم‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يستطيع دفع ذلك عنهم ‪،‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ف منعة من قومه ومن عمه‪ ،‬ل يصل إليه شيء ما يكره‬
‫وما ينال أصحابه؛ فقال لم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن بأرض البشة ملكا ل يظلم أحد عنده‪ ،‬فالقو ببلده حت يعل ال لكم فرجا ومرجا‬
‫ما أنتم فيه))‪.‬‬
‫فخرجنا إليها أرسالً‪ ،‬حت اجتمعنا با‪ ،‬فنلنا بي دار إل خي جار‪ ،‬آمني على ديننا‪ ،‬ول‬
‫نش فيها ظلما‪.‬‬
‫فلما رأت قريش أنا قد أصبنا دارا وأمنا غاروا منا‪ ،‬فاجتمعوا على أن يبعثوا إل النجاشي فينا؛‬
‫ليخرجنا من بلده‪ ،‬وليدنا عليهم‪.‬‬
‫فبعثوا عمرو بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة‪ ،‬فجمعوا له هدايا ولبطارقته‪ ،‬فلم يدعوا رجل‬
‫إل هيئوا له هدية على حدة‪ ،‬وقالوا لما‪ :‬ادفعوا إل كل بطريق هديته قبل أن تتكلموا فيهم‪،‬‬
‫ث ادفعوا إليه هداياه‪ ،‬فان استطعتم أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا‪.‬‬
‫فقدما عليه‪ ،‬فلم يبق بطريق من بطارقته إل قدموا إليه هديته‪ ،‬فكلموه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬إنا قدمنا‬
‫على هذا اللك ف سفهائنا؛ فارقوا أقوامهم ف دينهم‪ ،‬ول يدخلوا ف دينكم‪ ،‬فبعثنا قومهم‬
‫ليدهم اللك عليهم‪ ،‬فاذا نن كلمناه فاشيوا عليه بأن يفعل‪ .‬فقالوا‪ :‬نفعل‪.‬‬
‫ث قدموا للنجاشي هداياه‪ ،‬وكان من أحب ما يهدون إليه من (مكة) الدم‪( .‬وذكر موسى بن‬
‫عقبة‪ :‬أنم أهدوا إليه فرسا وجبة ديباج)‪.‬‬
‫فلما أدخلوا عليه هداياه قالوا‪ :‬له أيها اللك إن فتية منا سفهاء فارقوا دين قومهم‪ ،‬ول يدخلوا‬
‫ف دينك‪ ،‬وجاؤوا بدين مبتدع ل نعرفه‪ ،‬وقد لؤوا إل بلدك‪ ،‬وقد بعثنا إليك فيهم‬
‫عشائرهم؛ آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم‪ ،‬فانم أعلى بم عينا‪ ،‬فإنم لن يدخلوا ف‬
‫دينك فتمنعهم لذلك‪.‬‬
‫فغضب ث قال‪ :‬ل لعمر ال! ل أردهم عليهم حت أدعوهم فأكلمهم وأنظر ما أمرهم؛ قوم‬
‫لئوا إل بلدي‪ ،‬واختاروا جواري على جوار غيي‪ ،‬فان كانوا كما يقولون رددتم عليهم‪،‬‬
‫وإن كانوا على غي ذلك منعتهم‪ ،‬ول أدخل بينهم وبينهم ‪ ،‬ول أَنْعَم عينا‪.‬‬
‫@(وذكر موسى بن عقبة‪ :‬أن أمراءه أشاروا عليه بان يردهم إليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل وال؛ حت اسع‬
‫كلمهم‪ ،‬وأعلم على أي شيء هم عليه)‪.‬‬
‫فلما دخلوا عليه سلموا ول يسجدوا له‪ ،‬فقال‪ :‬أيها الرهط! أل تدثون ما لكم ل تيون كما‬
‫ييين من أتانا من قومكم؟!‬
‫فاخبون ماذا تقولون ف عيسى؟ وما دينكم؟‬
‫أنصارى أنتم؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬أفيهود أنتم؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فعلى دين قومكم؟‬
‫قالوا‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما دينكم؟‬
‫قالوا‪ :‬السلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما السلم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬نعبد ال ل نشرك به شيئا‪.‬‬
‫قال‪ :‬من جاءكم بذا؟‬
‫قالوا‪ :‬جاءنا به رجل من أنفسنا‪ ،‬قد عرفنا وجهه ونسبه‪ ،‬بعثه ال إلينا كما بعث الرسل إل‬
‫من قبلنا‪ ،‬فأمرنا بالب والصدقة‪ ،‬والوفاء‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬ونانا أن نعبد الوثان‪ ،‬وأمرنا بعبادة ال‬
‫وحده ل شريك له‪ ،‬فصدقناه‪ ،‬وعرفنا كلم ال‪ ،‬وعلمنا أن الذي جاء به من عند ال‪ ،‬فلما‬
‫فعلنا ذلك عادانا قومنا‪ ،‬وعادوا النب الصادق‪ ،‬وكذبوه‪ ،‬وأرادوا قتله‪ ،‬وأرادونا على عبادة‬
‫الوثان‪ ،‬ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وال إن هذا لن الشكاة الت خرج منها أمر موسى‪.‬‬
‫قال جعفر‪ :‬وأما التحية فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم أخبنا أن تية أهل النة (السلم)‬
‫وأمرنا بذلك فحييناك بالذي ييي بعضنا بعضا‪.‬‬
‫وأما عيسى بن مري؛ فعبد ال ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقاها إل مري وروح منه‪ ،‬وابن العذراء‬
‫البتول‪.‬‬
‫فأخذ عودا‪ ،‬وقال‪ :‬وال ما زاد ابن مري على هذا وزن هذا العود‪.‬‬
‫فقال عظماء البشة‪ :‬وال؛ لئن سعت البشة لتخلعنك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وال؛ ل أقول ف عيسى غي هذا أبدا‪ ،‬وما أطاع ال الناس فِيّ حي رد علي ملكي؛‬
‫فأطيع الناس ف دين ال؟! معاذ ال من ذلك!‬
‫وقال يونس عن ابن اسحاق‪ :‬فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم‪ ،‬ول يكن شيء أبغض لعمرو‬
‫بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة من أن يسمع كلمهم‪.‬‬
‫فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقالوا‪ :‬ماذا تقولون؟‬
‫فقالوا‪ :‬وماذا نقول؟! نقول ‪ -‬وال ‪ -‬ما نعرف وما نن عليه من أمر ديننا‪ ،‬وما جاء به نبينا‬
‫صلى ال عليه وسلم كائن من ذلك ما كان‪.‬‬
‫فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أب طالب رضي ال عنه‪.‬‬
‫فقال له النجاشي‪ :‬ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم‪ ،‬ول تدخلوا ف يهودية‬
‫ول نصرانية!‬
‫فقال له جعفر‪ :‬أيها اللك! كنا قوما على الشرك نعبد الوثان‪ ،‬ونأكل اليتة‪ ،‬ونسيء الوار‪،‬‬
‫يستحل الحارم بعضنا من بعض ف سفك الدماء وغيها‪ ،‬ل نلل شيئا ول نرمه‪ ،‬فبعث ال‬
‫إلينا نبيا من أنفسنا‪ ،‬نعرف وفاءه وصدقه وأمانته‪ ،‬فدعانا إل أن نعبد ال وحده ل شريك له‪،‬‬
‫ونصل الرحام‪ ،‬ونمى الوار‪ ،‬ونصلي ل عز وجل‪ ،‬ونصوم له‪ ،‬ول نعبد غيه‪.‬‬
‫@(وقال زياد عن ابن اسحاق‪ :‬فدعانا إل ال لنوحده ونعبده‪ ،‬ونلع ما كنا نعبد نن وآباؤنا‬
‫من دونه من الجارة والوثان‪ ،‬وأمرنا بصدق الديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وصلة الرحام‪ ،‬وحسن‬
‫الوار‪ ،‬والكف عن الحارم والدماء‪ ،‬ونانا عن الفواحش وقول الزور‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪،‬‬
‫وقذف الحصنة‪ ،‬وأمرنا أن نعبد ال ول نشرك به شيئا‪ ،‬وأمرنا بالصلة والزكاة والصيام –‬
‫قال‪ :‬فعدد عليه أمور السلم – فصدقناه وآمنا به‪ ،‬واتبعناه على ما جاء به من عند ال‪،‬‬
‫فعبدنا ال وحده ل شريك له‪ ،‬ول نشرك به شيئا‪ ،‬وحرمنا ما حرم علينا‪ ،‬وأحللنا ما أحل لنا‪.‬‬
‫فعدا علينا قومنا‪ ،‬فعذبونا ليفتنونا عن ديننا‪ ،‬ويردونا إل عبادة الوثان من عبادة ال‪ ،‬وأن‬
‫نستحل ما كنا نستحل من البائث‪.‬‬
‫فلما قهرونا وظلمونا‪ ،‬وضيقوا علينا‪ ،‬وحالوا بيننا وبي ديننا؛ خرجنا إل بلدك‪ ،‬واخترناك‬
‫على من سواك‪ ،‬ورغبنا ف جوارك‪ ،‬ورجونا أن ل نظلم عندك أيها اللك!‬
‫قالت‪ :‬فقال النجاشي‪ :‬هل معك شي ما جاء به؟‬
‫فقرأ عليه صدرا من ﴿كهيعص﴾ فبكى ‪ -‬وال ‪ -‬النجاشي حت اخضلت ليته‪ ،‬وبكت‬
‫أساقفته حت اخضلوا مصاحفهم[حي سعوا ما تل عليهم])‪.‬‬
‫ث قال‪ :‬إن هذا الكلم ليخرج من الشكاة الت جاء با موسى؛ انطلقوا راشدين‪ ،‬ل وال؛ ل‬
‫أردهم عليكم‪ ،‬ول أنعمكم عينا‪.‬‬
‫فخرجنا من عنده‪ ،‬وكان أبقى الرجلي فينا عبد ال بن [أب] ربيعة‪ ،‬فقال عمرو بن العاص‪:‬‬
‫وال لتينه غدا با استأصل به خضراءهم‪ ،‬ولخبنه أنم يزعمون أن إله الذي يعبد ‪ -‬عيسى‬
‫بن مري ‪ -‬عبد !‬
‫فقال له عبد ال بن [أب] ربيعة‪ :‬ل تفعل؛ فإنم وإن كانوا خالفونا فإن لم رحا ولم حقا‬
‫فقال‪ :‬وال لفعلن‪.‬‬
‫فلما كان الغد دخل عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أيها اللك! إنم يقولون ف عيسى قولً عظيما‪ ،‬فارسل اليهم‬
‫فسلهم عنه‪.‬‬
‫فبعث ‪ -‬وال ‪ -‬إليهم ول ينل بنا مثلها‪.‬‬
‫فقال بعضنا لبعض‪ :‬ماذا تقولون له ف عيسى إن هو سألكم عنه؟‬
‫فقالوا‪ :‬نقول ‪ -‬وال ‪ -‬الذي قاله ال فيه‪ ،‬والذي أمرنا نبينا أن نقوله فيه‪.‬‬
‫فدخلوا عليه وعنده بطارقته‪ ،‬فقال‪ :‬ما تقولون ف عيسى بن مري؟‬
‫فقال له جعفر‪ :‬نقول‪ :‬هو عبد ال ورسوله وروحه‪ ،‬وكلمته ألقاها إل مري العذراء البتول‪.‬‬
‫فدل النجاشي يده إل الرض‪ ،‬فأخذ عودا بي إصبعيه‪ ،‬فقال‪ :‬ما عدا عيسى بن مري ما قلت‬
‫هذا العويد‪.‬‬
‫فتناخرت بطراقته‪ ،‬فقال‪ :‬وإن تناخرت والله‍!‬
‫اذهبوا فأنتم شيوم ف الرض (الشيوم‪ :‬المنون ف الرض)‪ ،‬من سبكم غرم‪ ،‬من سبكم غرم‪،‬‬
‫من سبكم غرم (ثلثا) ما أحب أن ل دبرا وأن آذيت رجلً منكم‪( .‬والدبر بلسانم‪:‬‬
‫الذهب)‪.‬‬
‫@(وقال زياد عن ابن اسحاق‪ :‬ما أحب أن ل دبرا من ذهب‪ .‬قال ابن هشام‪ :‬ويقال زبرا‪،‬‬
‫وهو البل بلغتهم)‪.‬‬
‫ث قال النجاشي‪ :‬فوال ما أخذ ال من الرشوة حي رد عليّ ملكي‪ ،‬ول أطاع الناس فّ فأطيع‬
‫الناس فيه؟! ردوا عليهما هداياهم‪ ،‬فل حاجة ل با‪ ،‬واخرجا من بلدي‪.‬‬
‫فخرجا مقبوحي مردودا عليهما ماجاءا به‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فاقمنا مع خي جار ف خي دار‪.‬‬
‫فلم ينشب أن خرج عليه رجل من البشة ينازعه اللك‪.‬‬
‫فوال ما علمتنا حزنّا حزنا قط هو أشد منه فرقا من أن يظهر ذلك اللك عليه‪ ،‬فيأت ملك ل‬
‫يعرف من حقنا ما كان يعرفه‪.‬‬
‫فجعلنا ندعوا ال ونستنصره للنجاشي‪ ،‬فخرج إليه سائرا‪.‬‬
‫فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم بعضهم لبعض‪ :‬من يرج فيحضر الوقعة حت‬
‫ينظر على من تكون‪.‬‬
‫وقال الزبي ‪ -‬وكان من أحدثهم سنا ‪ : -‬أنا‪.‬‬
‫فنفخوا له قربة فجعلها ف صدره‪ ،‬فجعل يسبح عليها ف النيل حت خرج من شقه الخر إل‬
‫حيث التقى الناس‪ ،‬فحضر الوقعة‪.‬‬
‫فهزم ال ذلك اللك وقتله‪ ،‬وظهر النجاشي عليه‪.‬‬
‫فجاءنا الزبي فجعل يليح لنا بردائه ويقول‪ :‬أل فابشروا؛ فقد أظهر ال النجاشي‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فوال؛ ما علمتنا أننا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي‪.‬‬
‫ث أقمنا عنده حت خرج من خرج منا إل (مكة) وأقام من أقام‪.‬‬
‫قال الزهري‪ :‬فحدثت هذا الديث عروة بن الزبي عن أم سلمة‪ ،‬فقال عروة‪ :‬أتدري ما قوله‪:‬‬
‫((ما أخذ ال من الرشوة حي رد عليّ ملكي‪ ،‬فآخذ الرشوة فيه‪ ،‬ول أطاع الناس فّ؛ فاطيع‬
‫الناس فيه؟!))؟‬
‫فقلت‪ :‬ل؛ ما حدثن ذلك أبو بكر بن عبد الرحن بن الارث بن هشام عن أم سلمة‪ .‬فقال‬
‫عروة‪ :‬فإن عائشة حدثتن‪ :‬أن أباه كان ملك قومه‪ ،‬وكان له أخ له من صلبه اثنا عشر رجلً‪،‬‬
‫ول يكن لب النجاشي ولد غي النجاشي‪ ،‬فأدارت البشة رأيها بينها فقالوا‪ :‬لو أنا قتلنا أبا‬
‫النجاشي‪ ،‬وملكنا أخاه؛ فان له اثن عشر رجلً من صلبه؛ فتوارثوا اللك؛ لبقيت البشة‬
‫عليهم دهرا طويل ل يكون بينهم اختلف‪.‬‬
‫فعدوا عليه فقتلوه‪ ،‬وملكوا أخاه‪.‬‬
‫@فدخل النجاشي بعمه حت غلب عليه‪ ،‬فل يدير أمره غيه‪ ،‬وكان لبيبا حازما من الرجال‪.‬‬
‫فلما رأت البشة مكانه من عمه قالوا‪ :‬قد غلب هذا الغلم على أمر عمه‪ ،‬فما نأمن أن يلكه‬
‫علينا‪ ،‬وقد عرف أنا قتلنا أباه‪ ،‬فلئن فعل ل يدع منا شريفا إل قتله فكلموه فيه فليقتله‪ ،‬أو‬
‫ليخرجنه من بلدنا‪.‬‬
‫فمشوا إل عمه فقالوا‪ :‬قد رأينا مكان هذا الفت منك‪ ،‬وقد عرفت أنا قتلنا أباه وجعلناك‬
‫مكانه‪ ،‬وانا ل نأمن أن يلك علينا فيقتلنا؛ فإما أن تقتله؛ وإما أن ترجه من بلدنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويكم! قتلتم أباه بالمس وأقتله اليوم؟! بل أخرجه من بلدكم‪.‬‬
‫فخرجوا به فوقفوه ف السوق‪ ،‬وباعوه من التجار قذفه ف سفينة بستمائة درهم‪ ،‬أو بسبعمائة‬
‫فانطلق به‪.‬‬
‫فلما كان العشي هاجت سحابة من سحائب الريف‪ ،‬فخرج عمه يتمطر تتها‪ ،‬فأصابته‬
‫صاعقة فقتلته‪.‬‬
‫ففزعوا إل ولده؛ فاذا هم ممقون ليس ف أحد منهم خي‪ ،‬فمرج على البشة أمرهم‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم لبعض‪ :‬تعلمون وال أن ملككم الذي ل يصلح أمركم غيه للذي بعتم الغداة‪ ،‬فان‬
‫كان لكم بأمر البشة حاجة؛ فادركوه قبل أن يذهب‪.‬‬
‫فخرجوا ف طلبه فأدركوه فردوه‪ ،‬فعقدوا عليه تاجه‪ ،‬وأجلسوه على سريره وملكوه‪.‬‬
‫فقال التاجر‪ :‬ردوا علي مال كما أخذت من غلمي‪ .‬فقالوا‪ :‬ل نعطيك‪ .‬فقال‪ :‬اذا وال‬
‫لكلمنه‪.‬‬
‫فمشى إليه فكلمه‪ ،‬فقال‪ :‬أيها اللك! إن ابتعت غلما‪ ،‬فقبض من الذي باعوه ثنه‪ ،‬ث عدوا‬
‫على غلمي فنعوه من يدي‪ ،‬ول يردوا علي مال‪.‬‬
‫فكان أول ما خب به من صلبة حكمه وعدله أن قال‪:‬‬
‫لتردن عليه ماله‪ ،‬أو لتجعلن يد غلمه ف يده‪ ،‬فليذهب به حيث شاء‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬بل نعطيه ماله‪ .‬فأعطوه إياه‪.‬‬
‫فلذلك يقول‪ :‬ما أخذ ال من الرشوة؛ فآخذ الرشوة حي ردّ علي ملكي؟! وما أطاع الناس‬
‫فّ؛ فأطيع الناس فيه؟!‬
‫والذي وقع ف سياق ابن إسحاق إنا هو ذكر عمرو بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة‪.‬‬
‫والذي ذكره موسى بن عقبة والموي وغيها أنما عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد بن‬
‫الغية – وهو أحد السبعة الذين دعا عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حي تضاحكوا‬
‫يوم وضع سل الزور على ظهره صلى ال عليه وسلم وهو ساجد عند الكعبة – وهكذا تقدم‬
‫ف حديث ابن مسعود وأب موسى الشعري‪.‬‬
‫والقصود أنما حي خرجا من (مكة) كانت زوجة عمرو معه‪ ،‬وعمارة كان شابا حسنا‪،‬‬
‫فاصطحبا ف السفينة‪ ،‬وكأن عمارة طمع ف امرأة عمرو بن العاص؛‬
‫[‪]180‬‬
‫فألقى عمرا ف البحر ليهلكه‪ ،‬فسبح حت رجع إليها‪ ،‬فقال له عمارة‪ :‬لو أعلم أنك تسن‬
‫السباحة لا ألقيتك‪ .‬فحقد عمرو عليه‪.‬‬
‫فلما ل يقض لما حاجة ف الهاجرين من النجاشي‪ ،‬وكان عمارة قد توصل إل بعض أهل‬
‫النجاشى‪ ،‬فوشى به عمرو‪ ،‬فأمر به النجاشي فسحر حت ذهب عقله‪ ،‬وساح ف البية مع‬
‫الوحوش‪.‬‬
‫وقد ذكر الموي قصته مطولة جدا‪ ،‬وأنه عاش إل زمن إمارة عمر بن الطا‪ ،‬وأنه تقصده‬
‫بعض الصحابة ومسكه‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬أرسلن أرسلن ‪ ،‬وإل مت‪ .‬فلما ل يرسله مات من‬
‫ساعته‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫وروى ابن إسحاق بسنده عن عائشة رضي ال عنه قالت‪:‬‬
‫لا مات النجاشي كان يتحدث أنه ل يزال يرى على قبه نور‪.‬‬
‫ورواه أبو داود عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫@وقد ثبت ف ((الصحيحي)) من حديث أب هريرة رضي ال عنه‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نعى النجاشي ف اليوم الذي مات فيه‪ ،‬وخرج بم إل‬
‫الصلى‪ ،‬فصف بم وكب أربع تكبيات‪.‬‬
‫وروى البخاري ف (موت النجاشي) بسنده عن جابر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪:‬‬
‫((مات اليوم رجل صال؛ فقوموا فصلوا على أخيكم (أصحمة) ))‪.‬‬
‫وروي ذلك من حديث أنس بن مالك‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬وغي واحد‪.‬‬
‫وف بعض الروايات تسميته (أصحمة)‪ ،‬وف رواية (مصحمة)‪ ،‬وهو (أصحمة بن بر) ‪ ،‬وكان‬
‫عبدا لبيبا ذكيا‪ ،‬وكان عادلً عالا‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه‪.‬‬
‫وقال يونس عن ابن إسحاق ‪ :‬اسم النجاشي (مصحمة)‪ ،‬وف نسخة صححها البيهقي‪:‬‬
‫(أصحم)‪ ،‬وهو بالعربية‪( :‬عطية)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وإنا النجاشي اسم اللك؛ كقولك‪( :‬كسرى)‪( ،‬هرقل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كذا‪ ،‬ولعله يريد به (قيصر)؛ فإنه علم لكل ملك من ملك الشام مع الزيرة من بلد‬
‫الروم‪ .‬و(كسرى) علم على من ملك الفرس‪ .‬و(فرعون) علم لن ملك مصر كافة‪.‬‬
‫و(القوقس) لن ملك السكندرية‪ .‬و(تُبع) لن ملك اليمن والشحر‪ .‬و(النجاشي) لن ملك‬
‫البشة‪ .‬و(بطليموس) لن ملك اليونان‪ ،‬وقيل‪ :‬الند‪ .‬و(خاقان) لن ملك الترك‪.‬‬
‫وقال بعض العلماء‪ :‬إنا صلى عليه؛ لنه كان يكتم إيانه من قومه‪ ،‬فلم يكن عنده يوم مات‬
‫من يصلي عليه‪ ،‬فلهذا صلى عليه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فالغائب إن كان قد صُلي عليه ببلده ل تشرع الصلة عليه ببلد أخرى‪ ،‬ولذا ل ُيصَلّ‬
‫على النب صلى ال عليه وسلم ف غي (الدينة)؛ ل أهل (مكة) ول غيهم‪ .‬وهكذا أبو بكر‬
‫وعمر وعثمان وغيهم من الصحابة؛ ل ينقل أنه صُلّي على أحد منهم ف غي البلدة الت صُلّي‬
‫عليه فيها‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن عمي بن إسحاق قال‪:‬‬
‫قال جعفر‪ :‬يا رسول ال! ائذن ل أن أرضا أعبد ال فيها؛ ل أخاف أحدا‪ .‬قال‪ :‬قال‪ :‬فأذن‬
‫له فيها‪ ،‬فأتى النجاشي‪.‬‬
‫قال عمي‪ :‬حدثن عمرو بن العاص قال‪:‬‬
‫لا رأيت جعفرا وأصحابه آمني بأرض البشة حسدته؛ لستقبلن لذا وأصحابه‪ ،‬فأتيت‬
‫النجاشي فقلت‪ :‬ائذن لعمرو بن العاص‪ .‬فأذن ل‪ ،‬فدخلت فقلت‪ :‬إن بأرضنا ابن عم لذا‬
‫يزعم أنه ليس للناس إل إله واحد‪ ،‬وإنا – وال ‪ -‬إن ل ترحنا منه وأصحابه؛ ل قطعت إليك‬
‫هذه النطفة ول أحد من أصحاب أبدا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬وأين هو؟ قلت‪ :‬إنه ييء مع رسولك؛ إنه ل ييء معي‪.‬‬
‫فأرسل معي رسولً؛ فوجدناه قاعدا بي أصحابه‪ ،‬فدعاه‪ ،‬فجاء‪ ،‬فلما أتيت الباب ناديت‪:‬‬
‫ائذن لعمرو بن العاص‪ .‬ونادى خلفي‪ :‬ائذن لزب ال عز وجل‪ .‬فسمع صوته فأذن له قبلي‪،‬‬
‫فدخل ودخلت‪ ،‬وإذا النجاشي على السرير قال‪ :‬فذهبت حت قعدت بي يديه وجعلته خلفي‪،‬‬
‫وجعلت بي كل رجلي من أصحابه رجلً من أصحاب‪[ ،‬قال‪ :‬فسكت وسكتنا‪ ،‬وسكت‬
‫وسكتنا‪ ،‬حت قلت ف نفسي‪ :‬ألعن هذا العبد البشي؛ أل يتكلم؟! ث تكلم]‪ ،‬فقال النجاشي‪:‬‬
‫نروا قال عمرو‪ :‬يعن‪ :‬تكلموا‪ .‬قلت‪ :‬إن بأرضك رجلً ابن عمه بأرضنا‪ ،‬ويزعم أنه ليس‬
‫للناس إل إله واحد‪ .‬وإنك إن ل تقتله وأصحابه‪ ،‬ل أقطع إليك هذه النطفة أنا ول أحد من‬
‫أصحاب أبدا‪[ .‬قال‪ :‬يا حزب ال! نر]‪.‬‬
‫قال جعفر‪ :‬صدق ابن عمي وأنا على دينه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فصاح صياحا‪ ،‬وقال‪ :‬أوه‪ .‬حت قلت‪ :‬ما لبن البشية ل يتكلم‪ .‬وقال‪ :‬أناموس‬
‫كناموس موسى؟‬
‫قال‪ :‬ما تقولون ف عيسى بن مري؟‬
‫قال‪ :‬أقول هو روح ال وكلمته‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتناول شيئا من الرض‪ ،‬فقال‪ :‬ما أخطأ ف أمره مثل هذا‪ ،‬فوال؛ لول ملكي لتبعتكم‪،‬‬
‫وقال ل‪ :‬ما كنت أبال أن ل تأتين أنت ول أحد من أصحابك أبدا‪ .‬أنت آمن بأرضي‪ ،‬من‬
‫ضربك قتلته‪ ،‬ومن سبك غرمته‪.‬‬
‫وقال لذنه‪ :‬مت استأذنك هذا فائذن له؛ إل أن أكون عند أهلي‪ ،‬فإن أب فأذن له‪.‬‬
‫قال‪ :‬فتفرقنا ول يكن أحد أحب إل أن ألقاه من جعفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬فاستقبلن من طريق مرة‪ .‬فنظرت خلفه فلم أر أحدا‪ ،‬فنظرت خلفي فلم أر أحدا‪،‬‬
‫فدنوت منه وقلت‪ :‬أتعلم أن أشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا عبده ورسوله؟‬
‫قال‪ :‬فقد هداك ال فاثبت‪ ،‬فتركن وذهب‪.‬‬
‫فأتيت أصحاب‪ ،‬فكأنا شهدوه معي‪ ،‬فأخذوا قطيفة أو ثوبا‪ ،‬فجعلوه علي حت غمون با‪.‬‬
‫قال‪ :‬وجعلت أخرج رأسي من هذه الناحية مرة‪ ،‬ومن هذه الناحية مرة‪ ،‬حت أفلت وما علي‬
‫قشرة‪[ ،‬ول يدعوا ل شيئا إل ذهبوا به]‪.‬‬
‫فمررت على حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورت‪.‬‬
‫فأتيت جعفرا فدخلت عليه فقال‪ :‬ما لك؟ فقلت‪ :‬أُخذ كل شيء ل‪ ،‬ما ترك علي قشرة‪،‬‬
‫فأتيت حبشية فأخذت قناعها فجعلته على عورت‪.‬‬
‫[فقال‪]:‬‬
‫فانطلق وانطلقت معه حت انتهينا إل باب اللك‪ ،‬فقال جعفر لذنه‪ :‬استأذن ل‪ .‬قال‪ :‬إنه عند‬
‫أهله‪[.‬فقال‪ :‬استأذن ل عليه‪ .‬فاستأذن له‪ ]،‬فأذن له‪ ،‬فقال ‪ :‬إن عمرا تابعن على دين‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كل‪ ،‬قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫فقال لنسان‪ :‬اذهب معه فإن فعل؛ فل تقل شيئا إل كتبته‪ .‬قال‪ :‬فجاء فقال‪ :‬نعم‪ .‬فجعلت‬
‫أقول وجعل يكتب‪ ،‬حت كتبت كل شيء حت القدح‪.‬‬
‫قال‪ :‬ولو شئت آخذ شيئا من أموالم إل مال فعلت‪.‬‬
‫[ث كنت بعد من الذين أقبلوا ف السفن مسلمي]‪.‬‬
‫رواه الطبان والبزار‪ ،‬وصدر الديث ف أوله والزيادة ف آخره له‪.‬‬
‫وعن أب مالك الشجعي قال‪ :‬كنت جالسا مع ممد بن حاطب فقال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪:‬‬
‫((إن قد رأيت أرضا ذات نل فاخرجوا))‪.‬‬
‫فخرج حاطب وجعفر ف البحر قبَل النجاشي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فولدت أنا ف تلك السفينة‪.‬‬
‫رواه أحد( ‪ ،)4/259‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫وف رواية له (‪ 3/418‬و ‪ )6/337‬من طريق أخرى عن ممد بن حاطب عن أمه أم جيل‬
‫بنت الجلل قالت‪:‬‬
‫أقبلت بك من أرض البشة‪ ،‬حت إذا كنت من (الدينة) على ليلة أو ليلتي طبخت لك‬
‫طبخا‪ ،‬ففن الطب‪ ،‬فخرجت أطلبه‪ ،‬فتناولت القدر‪ ،‬فانكفأت على ذراعك‪ ،‬فأتيت بك النب‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقلت‪ :‬بأب وأمي يا رسول ال! هذا ممد بن حاطب‪[ ،‬وهو أول من‬
‫سي بك]‪ .‬فتفل ف فيك‪ ،‬ومسح على رأسك ودعا لك‪ ،‬وجعل يتفل على يدك ويقول‪:‬‬
‫((أذهب الباس رب الناس! واشف أنت الشاف‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك‪ ،‬شفاء ل يغادر سقما))‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬فما قمت بك من عنده حت برأت يدك‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬

‫إسلم عمر بن الطاب‬


‫@قال ابن إسحاق‪ :‬ولا قدم عمرو بن العاص وعبد ال بن أب ربيعة على قريش‪ ،‬ول يدركوا‬
‫ما طلبوا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وردهم النجاشي با يكرهون‪ ،‬وأسلم‬
‫عمر بن الطاب‪ ،‬وكان رجلً ذا شكيمة ل يرام ما وراء ظهره؛ امتنع به أصحاب رسول ال‬
‫وبمزة؛ حت غاظوا قريشا‪.‬‬
‫فكان عبد ال بن مسعود يقول‪:‬‬
‫ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حت أسلم عمر‪ ،‬فلما أسلم عمر قاتل قريشا حت‬
‫صلى عند الكعبة وصلينا معه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وثبت ف ((صحيح البخاري)) عن ابن مسعود أنه قال‪:‬‬
‫ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الطاب‪.‬‬
‫وقال زياد البكائي‪ :‬حدثن مسعر بن كدام عن سعد بن إبراهيم قال‪ :‬قال ابن مسعود‪:‬‬
‫إن إسلم عمر كان فتحا‪ ،‬وإن هجرته كانت نصرا‪ ،‬وإن إمارته كانت رحة‪ ،‬ولقد كنا وما‬
‫نصلي عند الكعبة حت أسلم عمر‪ ،‬فلما اسلم عمر؛ قاتل قريشا حت صلى عند الكعبة‪،‬‬
‫وصلينا معه‪.‬‬
‫@قال ابن إسحاق‪ :‬وكان إسلم عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إل البشة‪.‬‬
‫حدثن عبد الرحن بن الارث بن عبد ال بن عياش بن أب ربيعة عن عبد العزيز بن عبد ال‬
‫بن عامر بن ربيعة [عن أبيه] عن أمي أم عبد ال بنت أب حثمة قالت‪:‬‬
‫وال؛ إنا لنترحل إل أرض البشة‪ ،‬وقد ذهب عامر ف بعض حاجتنا‪ ،‬إذ أقبل عمر‪ ،‬فوقف‬
‫وهو على شركه‪ ،‬فقالت‪ :‬وكنا نلقى منه أذى لنا وشدة علينا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فقال‪ :‬إنه للنطلق يا أم عبد ال؟‬
‫قلت‪ :‬نعم؛ وال لنخرجن ف أرض من أرض ال – إذا آذيتمونا وقهرتونا – حت يعل ال لنا‬
‫مرجا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فقال‪ :‬صحبكم ال‪ .‬ورأيت له رقة ل أكن أراها‪ ،‬ث أنصرف وقد أحزنه فيما أرى‬
‫خروجنا‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فجاء عامر باجتنا تلك‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا عبيد ال! لو رايت عمر آنفا ورقته وحزنه‬
‫علينا‪.‬‬
‫قال‪ :‬أطمعتِ ف إسلمه؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل يسلم الذي رأيت حت يسلم حار الطاب!‪.‬‬
‫قالت‪ :‬يأسا منه لا كان يرى من غلظته وقسوته على السلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا يرد قول من زعم أنه كان تام الربعي من السلمي‪ ،‬فإن الهاجرين إل البشة‬
‫كانوا فوق الثماني‪.‬‬
‫اللهم! إل أن يقال‪ :‬إنه كان تام الربعي بعد خروج الهاجرين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد استقصيت كيفية إسلم عمر رضي ال عنه‪ ،‬وما ورد ف ذلك من الحاديث‬
‫والثار مطولً ف أول ((سيته)) الت أفردتا على حدة‪ ،‬ول المد والنة‪.‬‬
‫@قال ابن اسحاق وحدثن نافع مول ابن عمر عن ابن عمر قال‪:‬‬
‫لا أسلم عمر قال‪ :‬أي قريش أنقل للحديث؟‬
‫فقيل له‪ :‬جيل بن معمر المحي‪.‬‬
‫فغدا عليه‪ .‬قال عبد ال‪ :‬وغدوت أتبع أثره‪ ،‬وأنظر ما يفعل‪ ،‬وأنا غلم أعقل كلما رأيت‪،‬‬
‫حت جاءه فقال له‪ :‬أعلمت يا جيل! ان أسلمت ودخلت ف دين ممد صلى ال عليه وسلم؟‬
‫قال‪:‬؛ فوال ما راجعه حت قام ير رداءه‪ ،‬واتبعه عمر‪ ،‬واتبعته أنا‪ ،‬حت قام على باب السجد‬
‫صرخ بأعلى صوته‪ :‬يا معشر قريش! ‪ -‬وهم ف أنديتهم حول الكعبة ‪ -‬أل إن ابن الطاب‬
‫قد صبأ‪.‬‬
‫قال‪ :‬يقول عمر من خلفه‪ :‬كذب‪ ،‬ولكن قد أسلمت‪ ،‬وشهدت أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن ممدا‬
‫رسول ال‪ ،‬وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حت قامت الشمس على رؤسهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وطلح فقعد‪ ،‬وقاموا على رأسه وهو يقول‪:‬‬
‫افعلوا ما بدا لكم‪ ،‬فأحلف بال؛ أن لو قد كنا ثلثائة رجل لقد تركناها لكم‪ ،‬أو تركتموها‬
‫لنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش ‪ -‬عليه حلة حبة وقميص موشى ‪ -‬حت‬
‫وقف عليهم‪ ،‬فقال‪ :‬ما شأنكم‪ .‬فقالوا‪ :‬صبأ عمر!‬
‫قال‪ :‬فمه؛ رجل اختار لنفسه أمرا؛ فماذا تريدون؟! أترون بن عدي يسلمون لكم صاحبهم‬
‫هكذا؟! خلوا عن الرجل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوال؛ لكأنا كانوا ثوبا كشط عنه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلت لب بعد أن هاجر إل (الدينة)‪ :‬يا أبت! من الرجل الذي زجر القوم عنك‬
‫بـ(مكة) يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟‬
‫قال‪ :‬ذاك أي بن! العاص بن وائل السهمي‪.‬‬
‫وهذا إسناد جيد قوي‪ ،‬وهو يدل على تأخر إسلم عمر؛ لن ابن عمر عرض يوم (أحد) وهو‬
‫ابن أربع عشرة سنة‪ ،‬وكانت (أحد) ف سنة ثلث من الجرة‪ ،‬وقد كان ميزا يوم أسلم أبوه‪،‬‬
‫فيكون إسلمه قبل الجرة بنحو من أربع سني‪ ،‬وذلك بعد البعثة بنحو تسع سني‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫((اللهم! أعز السلم بأحب هذين الرجلي إليك‪ :‬بأب جهل‪ ،‬أو بعمر بن الطاب))‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكان أحبهما إليه عمر‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي (‪ )3764‬وقال‪(( :‬حديث حسن صحيح))‪ ،‬وابن سعد (‪،)3/237‬‬
‫والاكم (‪ ،)3/83‬وأحد (‪ ،)2/95‬وقال الاكم‪(( :‬صحيح السناد))‪ ،‬ووافقه الذهب‪ ،‬وهو‬
‫عنده من طريقي آخرين عن نافع عنه‪ .‬ث رواه هو وابن ماجه (‪ )105‬من حديث عائشة‪،‬‬
‫وهو أيضا من حديث ابن مسعود‪ ،‬وابن سعد (‪3/237‬و ‪ )242‬من حديث عثمان بن‬
‫الرقم ‪ ،‬وسعيد بن السيب‪ ،‬والسن البصري مرسلً‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪:‬‬
‫أول من جهر بالسلم عمر بن الطاب‪.‬‬
‫رواه الطبان‪ ،‬وإسناده حسن؛ كما ف ((الجمع)) (‪.)9/63‬‬
‫وعن عمر أنه أتى النب صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ال! إن ل أدع ملسا جلسته ف‬
‫الكفر إل أعلنت فيه السلم‪.‬‬
‫فأتى السجد‪ ،‬وفيه بطون قريش متحلقة‪ ،‬فجعل يعلن السلم‪ ،‬ويشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأن‬
‫ممدا رسول ال‪.‬‬
‫فثار الشركون‪ ،‬فجعلوا يضربونه ويضربم‪ ،‬فلما تكاثروا خلصه رجل‪.‬‬
‫فقلت لعمر‪ :‬من الرجل الذي خلصك من الشركي؟ قال‪ :‬ذاك العاص بن وائل السهمي‪.‬‬
‫رواه الطبان ف ((الوسط))‪ ،‬ورجاله ثقات؛ كما قال اليثمي‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف ذكر مالفة قبائل قريش بن هاشم وبن عبد الطلب ف نصرة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‬
‫ورسول ال صلى ال عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلً ونارا ‪ ،‬وسرا وجهارا‪ ،‬مناديا‬
‫بأمر ال تعال ‪ ،‬ل يتقي فيه أحدا من الناس‪.‬‬
‫فجعلت قريش حي منعه ال منها – وقام عمه وقومه من ب هاشم وبن عبد الطلب دونه ‪،‬‬
‫وحالوا بينهم وبي ما أرادوا من البطش به – يهمزونه‪ ،‬ويستهزؤون به وياصمونه‪.‬‬
‫وجعل القرآن ينل ف قريش بأحداثهم‪ ،‬وفيمن نصب لعداوته‪ ،‬منهم من سى لنا‪ ،‬ومنهم من‬
‫نزل القرآن ف عامة من ذكر ال من الكفار‪.‬‬
‫فذكر ابن إسحاق أبا لب ونزول السورة فيه‪ ،‬والعاص بن وائل ونزول قوله‪﴿ :‬أفرأيت الذي‬
‫كفر بآياتنا وقال لوتي مالً وولدا﴾ [مري‪ ]77 :‬فيه‪ ،‬وقد تقدم شيء من ذلك‪.‬‬
‫وأبا جهل بن هشام‪ ،‬وقوله للنب صلى ال عليه وسلم‪ :‬لتتركن سب آلتنا أو لنسبّ إلك‬
‫الذي تعبد‪ .‬ونزول قول ال فيه‪﴿ :‬ول تسبوا الذين يدعون من دون ال فيسبوا ال عدوا بغي‬
‫علم﴾ الية [النعام‪.]108 :‬‬

‫@قال ابن إسحاق‪ :‬و جلس رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ -‬فيما بلغنا ‪ -‬يوما مع الوليد‬
‫بن الغية ف السجد فجاء النضر بن الارث حت جلس معهم‪ ،‬و ف الجلس غي و احد من‬
‫رجال قريش‪.‬‬
‫فتكلم رسول ال صلى ال عليه و سلم فعرض له النضر‪ ،‬فكلمه رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم حت أفحمه‪ ،‬ث تل عليه و عليهم ﴿ إنّكُم وما تعُبدُون مِن دُونِ الِ حصبُ جهّنمَ أنُتمْ‬
‫لَها واردُونَ لوْ كانَ هؤلءِ آلةً ما وردُوها و ك ّل فِيها خالدِون لُهم فِيها زفيٌ و هم فِيها ل‬
‫يسمَعُون ﴾[ النبياء ‪.]100 - 98 :‬‬
‫ث قام رسول ال صلى ال عليه و سلم و أقبل عبد ال بن الزبعري السهمي حت جلس‪.‬‬
‫فقال الوليد بن الغية له ‪ :‬و ال ما قام و ال ما قام النضر بن الارث لبن عبد الطلب آنفا و‬
‫ما قعد‪ ،‬و قد زعم ممد أنّا و ما نعبد من آلتنا هذه حصب جهنم !‪.‬‬
‫فقال عبد ال بن الزبعرى ‪ :‬أما – وال – لو و جدته لصمته‪ ،‬فسلوا ممدا أكل من نعبد من‬
‫دون ال حصب جهنم مع عبده ؟ فنحن نعبد اللئكة و اليهود تعبد عزيرا و النصارى تعبد‬
‫عيسى‪.‬‬
‫فعجب الوليد و من كان معه ف الجلس من قول ابن الزبعرى و رأوا أنه قد احتج و خاصم‪.‬‬
‫فذكر ذلك لرسول ال صلى ال عليه و سلم ‪...‬فأنزل ال تعال ﴿ إنّ الذين سب َقتْ لَهمْ مِنّا‬
‫الُحسن أُولئِك عْنهَا مُبعدُونَ ل يسمعُون حسِيسَها و هُم ف ما اشْتَهتَ أنْ ُفسُهُم خاِلدُون ﴾ [‬
‫النبياء ‪] 102-101 :‬؛ أي‪ :‬عيسى ابن مري‪ ،‬و عزيرا‪ ،‬و من عبد من الحبار و الرهبان‬
‫الذين مضوا على طاعة ال تعال ‪.‬‬

‫و نزل ‪ -‬فيما يذكرون أنم يعبدون اللئكة و أنا بنات ال ‪﴿ : -‬و قالُوا اتّخذَ الرّح ُن ولدا‬
‫سُبحانَه َبلْ عِبادٌ مُكرَمُون﴾ [ النبياء ‪.] 26:‬‬
‫و نزل ف إعجاب الشركي بقول ابن الزبعري‪ { :‬و لّا ضُرِبَ ابنُ مريَ مثلً إذا قومُكمَ مِنْهُ‬
‫صمُونَ } [ الزخرف‬ ‫يَصدّو َن و قَالُوا آِلهَتُنَا خَيْرٌ أمْ ُهوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إلّ َج َدلً بَلْ ُه ْم قومُ َخ ِ‬
‫‪57:‬و‪.] 58‬‬
‫و هذا الدل الذي سلكوه باطل‪ ،‬و هم يعلمون ذلك؛ لنم قوم عرب من لغتهم أن (ما) لا‬
‫صبُ َجهَّنمَ أَنُْتمْ َلهَا وَارِدُونَ ﴾ إنا‬
‫ل يعقل‪ ،‬فقوله ‪ ﴿ :‬إن ُكمْ وَ مَا تَعُْبدُون مِنْ دو ِن الِ ح َ‬
‫أريد بذلك ما كانوا يعبدونه من الحجار الت كانت صور أصنام‪ ،‬و ل يتناول ذلك اللئكة‬
‫الذين زعموا أنم يعبدونم ف هذه الصور‪ ،‬و ل السيح‪ ،‬و ل عزيرا‪ ،‬و ل أحدا من‬
‫الصالي؛ لن اللفظ ل يتناولم ل لفظا و ل معنا‪.‬‬
‫فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مري من الثل جدل باطل؛ كما قال ال تعال ‪ ﴿ :‬مَا‬
‫صمُونَ﴾‪.‬‬ ‫ضَرَبُوهُ لَكَ إل َجدَلً بلْ ُهمْ َقوْمٌ َخ ِ‬
‫ث قال ﴿ إنْ ُهوَ ﴾؛أي‪ :‬عيسى ﴿إل عَْبدٌ أنْ َعمْنَا عَلَيْهِ ﴾؛ أي‪ :‬بنبوتنا‪﴿ ،‬وَ جَعَلْنَاهُ مَثَلً لِبَنِي‬
‫إسْرَائِيل﴾؛ أي‪ :‬دليلً على تام قدرتنا على ما نشاء‪ ،‬حيث خلقناه من أنثى بل ذكر‪ ،‬و قد‬
‫خلقنا حواء من ذكر بل أنثى‪ ،‬و خلقنا آدم ل من هذا‪ ،‬و ل من هذا‪ ،‬و خلقنا سائر بن آدم‬
‫من ذكر و أنثى‪ ،‬كما قال ف الية الخرى‪﴿ :‬و لنجعله آيةً للنّاس﴾[مري‪]21:‬؛ أي‪ :‬أمارة و‬
‫دليلً على قدرتنا الباهرة‪﴿ ،‬و رحةً منّا﴾ نرحم با من نشاء ‪.‬‬

‫وذكر ابن اسحاق الوليد بن الغية حيث قال‪ :‬أَيُنْزَل على ممد وأترك وأنا كبي قريش‬
‫وسيدها؟! ويترك أبو مسعود عمرو بن عمرو الثقفي سيد ثقيف؟! فنحن عظيما القريتي‪.‬‬
‫ونزول قوله فيه‪﴿ :‬وقال لول نزل هذا القرآن على رجل من القريتي عظيم﴾ والت بعدها ‪.‬‬
‫[الزخرف‪31 :‬و‪.]32‬‬
‫وذكر أب بن خلف حي قال لعقبة بن أب معيط‪ :‬أل يبلغن أنك جالست ممدا وسعت منه‬
‫وجهي من وجهك حرام؛ إل أن تتفل ف وجهه‪ .‬ففعل ذلك عدو ال عقبة لعنه ال‪ ،‬فأنزل ال‬
‫‪﴿:‬ويوم يعض الظال على يديه يقول يا ليتن اتذت مع الرسول سبيلً‪ ،‬يا ويلت ليتن ل أتذ‬
‫فلنا خليلً﴾ والت بعدها [الفرقان‪.]29-27 :‬‬
‫قال‪ :‬ومشى أب بن خلف بعظم بال قد أرمّ‪ ،‬فقال‪ :‬يا ممد أنت تزعم أن ال يبعث هذا بعد‬
‫ما أرم؟! ث فته بيده‪ ،‬ث نفخه ف الريح نو رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((نعم؛ أنا أقول ذلك؛ يبعثه ال وإياك بعد ما تكونان هكذا‪ ،‬ث يدخلك النار))‪.‬‬
‫وأنزل ال تعال ‪﴿ :‬وضرب لنا مثل ونسي خلقه قال من ييي العظام وهي رميم قل يييها‬
‫الذي أنشاها أول مرة وهو بكل خلق عليم﴾ إل آخر السورة [يس‪.]83-78 :‬‬
‫قال‪ :‬واعترض رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغن ‪ -‬وهو يطوف عند باب الكعبة‬
‫السود بن الطلب‪ ،‬والوليد بن الغية‪ ،‬وأمية بن خلف‪ ،‬والعاص بن وائل فقالوا‪ :‬يا ممد! هلم‬
‫فلنعبد ما تعبد‪ ،‬وتعبد ما نعبد‪ ،‬فنشترك نن وأنت ف المر!‬

‫فأنزل ال فيهم‪﴿ :‬قل يا أيها الكافرون‪ .‬ل أعبد ما تعبدون﴾ إل آخرها‪.‬‬


‫قال‪ :‬ووقف الوليد بن الغية فكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ورسول ال يكلمه‪ ،‬وقد‬
‫طمع ف إسلمه‪.‬‬
‫فمرّ به ابن أم مكتوم‪ :‬عاتكة بنت عبد ال بن عنكثة العمى‪ ،‬فكلم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وجعل يستقرئه القرآن‪ ،‬فشق ذلك عليه حت أضجره‪ ،‬وذلك أنه شغله عما كان فيه‬
‫من أمر الوليد وما طمع فيه من إسلمه‪ ،‬فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه‪.‬‬

‫فأنزل ال تعال ‪﴿ :‬عبس وتول‪ .‬أن جاءه العمى ﴾ إل قوله‪﴿ :‬مرفوعة مطهرة﴾ [عبس‪:‬‬
‫‪.]14-1‬‬
‫وقد قيل‪ :‬إن الذي كان يدث رسول ال صلى ال عليه وسلم حي جاءه ابن أم مكتوم‪ :‬أمية‬
‫بن خلف‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن علي رضي ال عنه قال‪:‬‬
‫قال أبو جهل للنب صلى ال عليه وسلم‪ :‬قد نعلم يا ممد! أنك تصل الرحم‪ ،‬وتصدق‬
‫الديث‪ ،‬ول نكذبك‪ ،‬ولكن نكذب الذي جئت به‪ .‬فأنزل ال عز وجل‪:‬‬
‫﴿﴿قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنم ل يكذبونك ولكن الظالي بآيات ال يحدون﴾‬
‫[النعام‪.]36:‬‬
‫أخرجه الترمذي (‪ ،)5058‬والاكم (‪ )2/315‬وقال ‪(( :‬صحيح على شرط الشيخي))‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما‪:‬‬
‫((ان أبا معيط كان يلس مع النب صلى ال عليه وسلم بـ(مكة) ل يؤذيه‪ ،‬وكان رجلً‬
‫حليما‪ ،‬وكان بقية قريش إذا جلسوا معه آذوه‪ ،‬وكان لب معيط خليل غائب عنه بالشام‪،‬‬
‫فقالت قريش‪ :‬صبأ أبو معيط‪.‬‬
‫وقدم خليله من الشام ليلً‪ ،‬فقال لمرأته‪ :‬ما فعل ممد ما كان عليه؟ فقالت‪ :‬أشد ما كان‬
‫أمرا‪ .‬فقال‪ :‬ما فعل خليلي أبو معيط؟ فقالت‪ :‬صبا‪.‬‬
‫فبات بليلة سوء‪ ،‬فلما أصبح أتاه أبو معيط فحياه‪ ،‬فلم يرد عليه التحية‪ .‬فقال‪ :‬مالك‪ .‬ل ترد‬
‫علي تيت؟ فقال‪ :‬كيف أرد عليك تيتك وقد صبوت؟!‬
‫قال‪ :‬أوقد فعلتها قريش؟! قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال‪ :‬فما يبئ صدورهم إن أنا فعلت؟‬
‫قال‪ :‬تأتيه ف ملسه‪ ،‬وتبزق ف وجهه‪ ،‬وتشمته باخبث ما تعلمه من الشتم!‪.‬‬
‫ففعل‪ ،‬فلم يزد النب صلى ال عليه وسلم إن مسح وجهه من البزاق‪ ،‬ث التفت إليه فقال‪:‬‬
‫((إن وجدتك خارجا من جبال (مكة) أضرب عنقك صبا))‪.‬‬
‫فلما كان يوم بدر‪ ،‬وخرج أصحابه‪ ،‬أب أن يرج‪.‬‬
‫فقال له أصحابه‪ :‬أخرج معنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬قد وعدن هذا الرجل إن وجدن خارجا من جبال (مكة) أن يضرب عنقي صبا‪.‬‬

‫فقالوا‪ :‬لك جل أحر ل يدرك‪ ،‬فلو كانت الزية طرت عليه‪.‬‬


‫فخرج معهم‪ ،‬فلما هزم ال الشركي‪ ،‬وحل به جله ف جدد من الرض‪ ،‬فأخذه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أسيا ف ف سبعي من قريش‪ ،‬وقدم إليه أبو معيط فقال‪ :‬تقتلن من بي‬
‫هؤلء؟ قال‪:‬‬
‫((نعم‪ .‬با بزقت ف وجهي))‪.‬‬
‫فأنزل ال ف أب معيط ﴿ ويوم يعض الظال على يديه﴾ إل قوله ﴿وكان الشيطان للنسان‬
‫خذول﴾[الفرقان‪.]29-27 :‬‬
‫أخرجه ابن مردويه‪ ،‬وأبو نعيم ف ((الدلئل)) بسند صحيح من طريق سعيد بن جبي عن ابن‬
‫عباس؛ كما ف ((الدر النثور)) (‪.)5/68‬‬
‫وعن ابن عباس أيضا‪:‬‬
‫أن قريشا وعدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يعطوه مالً‪ ،‬فيكون أغن رجل بكة‬
‫ويزوجوه ما أراد من النساء‪ ،‬ويطؤوا عقبه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬هذا لك عندنا يا ممد! وكف عن شتم‬
‫آلتنا‪ ،‬فل تذكرها بسوء‪.‬‬
‫فإن ل تفعل؛ فإنا نعرض عليك خصلة واحدة‪ ،‬فهي لك ولنا فيها صلح‪.‬‬
‫قال‪(( :‬ما هي؟))‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬تعبد آلتنا سنة‪ :‬اللت والعزى‪ ،‬ونعبد إلك سنة‪ .‬قال‪:‬‬
‫((حت أنظر ما يأت من عند رب))‪.‬‬
‫وكان لذلك سبب ذكره كثي من الفسرين عند قوله تعال ‪﴿ :‬وما أرسلنا من قبلك من‬
‫رسول ول نب إل إذا تن ألقى الشيطان ف أمنيته فينسخ ال ما يلقي الشيطان ث يكم ال‬
‫آياته وال عليم حكيم﴾ [الج‪.]52:‬‬
‫ل يسمعها من ل يضعها‬ ‫وذكروا قصة الغرانيق‪ ،‬وقد أحببنا الضراب عن ذكرها صفحا؛ لئ ً‬
‫على مواضعها‪.‬‬
‫إلأن أصل القصة ف ((الصحيح))‪.‬‬
‫روى البخاري دون مسلم عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫فجاء الوحي من اللوح الحفوظ‪﴿ :‬قل يا أيها الكافرون﴾ السورة‪ ،‬وأنزل ال‪﴿ :‬قل أفغي ال‬
‫تأمرون أعبد أيها الاهلون﴾ إل قوله‪ ﴿ :‬فاعبد وكن من الشاكرين﴾ [الزمر‪.]66-64 :‬‬
‫أخرجه ابن جرير (‪ ،)30/331‬وابن أب حات‪ ،‬والطبان؛ كما ف ((الدر))‪،)6/404( .‬‬
‫وإسناده حسن‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫ث ذكر ابن إسحاق من عاد من مهاجرة البشة إل (مكة)‪.‬‬
‫وذلك حي بلغهم إسلم أهل (مكة)‪ ،‬وكان النقل ليس بصحيح ولكن كان له سبب‪.‬‬
‫وهو ماثبت ف ((الصحيح)) وغيه‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جلس يوما مع‬
‫الشركي‪ ،‬وأنزل ال عليه‪﴿ :‬والنجم إذا هوى‪ .‬ما ضل صاحبكم‪﴾ ...‬يقرؤها عليهم حت‬
‫ختمها ‪ ،‬وسجد‪ ،‬فسجد من هناك من السلمي والشركي‪ ،‬والن والنس‪.‬‬
‫سجد النب صلى ال عليه وسلم بـ(النجم)‪ ،‬وسجد معه السلمون والشركون‪ ،‬والن‪،‬‬
‫والنس‪.‬‬
‫وروى هو ومسلم وأبو داود والنسائي عن عبد ال (ابن مسعود)‪ .‬قال‪:‬‬
‫قرأ النب صلى ال عليه وسلم‪﴿ :‬والنجم﴾ بـ(مكة)‪ ،‬فسجد فيها وسجد من معه؛ غي شيخ‬
‫أخذ كفّا من حصا أو تراب فرفعه إل جبهته‪ ،‬وقال‪ :‬يكفين هذا‪ .‬فرأيته بعدُ قُتِلَ كافرا‪.‬‬
‫وروى أحد وعنه النسائي عن الطلب بن أب وداعة قال‪:‬‬
‫قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم بـ(مكة) سورة (النجم)‪ ،‬فسجد‪ ،‬وسجد من عنده‪،‬‬
‫فرفعت رأسي وأبيت أن أسجد‪.‬‬
‫ول يكن أسلم يومئذ الطلب‪ ،‬فكان بعد ذلك ل يسمع أحدا يقرؤها إل سجد معه‪.‬‬
‫وقد يمع بي هذا والذي قبله بأن هذا سجد ولكنه رفع رأسه استكبارا‪ ،‬وذلك الشيخ الذي‬
‫استثناه ابن مسعود ل يسجد بالكلية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫والقصود أن الناقل لا رأى الشركي قد سجدوا متابعة لرسول ال صلى ال عليه وسلم؛‬
‫اعتقد أنم قد أسلموا واصطلحوا معه‪ ،‬ول يبق نزاع بينهم‪.‬‬
‫فطار الب بذلك‪ ،‬وانتشر حت بلغ مهاجرة البشة با‪ ،‬فظنوا صحة ذلك‪ ،‬فأقبل منهم طائفة‬
‫طامعي بذلك‪ ،‬وثبتت جاعة‪ ،‬وكلها مسن مصيب فيما فعل‪.‬‬
‫وقال البخاري‪:‬‬
‫وقالت عائشة‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((أريت دار هجرتكم؛ ذات نل بي لبتي))‪.‬‬
‫فهاجر من هاجر قبل (الدينة)‪ ،‬ورجع من كان هاجر بأرض البشة إل (الدينة)‪.‬‬
‫وفيه عن أب موسى وأساء رضي ال عنهما عن النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقد تقدم حديث أب موسى (ص‪ ،)170‬وهو ف ((الصحيحي))‪ ،‬وسيأت حديث أساء بنت‬
‫عميس بعد فتح (خيب) حي قدم من كان تأخر من مهاجرة ((إن ف الصلة شغلً))‪.‬‬
‫وهو يقوي تأويل من تأويل حديث زيد بن أرقم الثابت ف ((الصحيحي))‪:‬‬
‫كنا نتكلم ف الصلة حت نزل قوله تعال ‪﴿ :‬وقوموا ل قانتي﴾‪ ،‬فأمرنا بالسكوت‪ ،‬ونُهينا‬
‫عن الكلم‪.‬‬
‫على أن الراد جنس الصحابة‪ ،‬فإن زيدا أنصاري مدن‪ ،‬وتري الكلم ف الصلة ثبت‬
‫بـ(مكة)‪ ،‬فتعي المل على ما تقدم‪.‬‬
‫وأما ما ذكره الية – وهي مدنية – فمشكل‪ ،‬ولعله اعتقد أنا الحرمة لذلك‪ ،‬وإنا كان‬
‫الحرم له غيها معها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬

‫ذكر عزم الصديق على الجرة إل أرض البشة‬


‫@قال ابن إسحاق‪ :‬وقد كان أبو بكر الصديق رضي ال عنه – كما حدثن ممد بن مسلم‬
‫الزهري عن عروة عن عائشة – حي ضاقت عليه (مكة)‪ ،‬وأصابه فيها الذى‪ ،‬ورأى من‬
‫تظاهر قريش على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ما رأى ؛ استأذن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ف الجرة؛ فأذن له‪.‬‬
‫فخرج أبو بكر رضي ال عنه مهاجرا؛ حت إذا سار من (مكة) يوما أو يومي لقيه ابن الدّغنة‬
‫– أخو بن الارث بن يزيد؛ أحد بن بكر بن عبد مناة بن كنانة – وهو يومئذ سيد‬
‫الحابيش‪.‬‬
‫[قال ابن إسحاق‪ :‬و(الحابيش)‪ :‬بنو الارث بن عبد مناة بن كنانة‪ ،‬والون بن خزية بن‬
‫مدركة‪ ،‬وبنو الصطلق من خزاعة‪.‬‬
‫@قال ابن هشام‪ :‬تالفوا جيعا‪ ،‬فسموا الحابيش؛ لنم تالفوا بوادٍ يقال له ‪( :‬الحبش)‬
‫بأسفل (مكة) للحلف]‪.‬‬
‫فقال‪[ :‬ابن الدغنة]‪ :‬إل أين يا أبا بكر؟‬
‫قال‪ :‬أخرجن قومي‪ ،‬وآذون‪ ،‬وضيّقوا علي‪.‬‬
‫قال‪ :‬ول؟ وال؛ إنك لتزين العشية‪ ،‬وتعي على النوائب‪ ،‬وتفعل العروف‪ ،‬وتُكسب العدوم‪،‬‬
‫ارجع فإنك ف جواري‪.‬‬
‫فرجع معه‪ ،‬حت إذا دخل (مكة) قام معه ابن الدّغنة فقال‪ :‬يا معشر قريش! إن قد أجرت ابن‬
‫أب قحافة‪ ،‬فل يعرض له أحد إل بي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فكفوا عنه‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وكان لب بكر مسجد عند باب داره ف بن جح‪ ،‬فكان يصلي فيه‪ ،‬وكان رجلً‬
‫رقيقا؛ إذا قرأ القرآن استبكى‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء؛ يعجبون لا يرون من هيئته‪.‬‬
‫قال‪ :‬فمشى رجال من قريش إل ابن الدّغنة‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا ابن الدغنة! إنك ل تر هذا الرجل‬
‫ق وكانت له هيئة‪ ،‬ونن نتخوف على صبياننا ونسائنا‬ ‫ليؤذينا ! إنه رجل إذا صلى وقرأ ير ّ‬
‫وضعفائنا أن يفتنهم‪ ،‬فأته فمره أن يدخل بيته فيصنع فيه ما شاء‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فمشى ابن الدغنة إليه فقال‪ :‬يا أبا بكر! إن ل أجرك لتؤذي قومك‪ ،‬وقد كرهوا‬
‫مكانك الذي أنت به‪ ،‬وتأذوا بذلك منك‪ ،‬فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت‪.‬‬
‫قال‪ :‬أو أرد عليك جوارك‪ ،‬وأرضى بوار ال ‪.‬‬
‫قال‪ :‬فاردد عليّ جواريّ‪ .‬قال‪ :‬قد رددته عليك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقام ابن الدّغنة فقال‪ :‬يا معشر قريش! إن ابن أب قحافة قد ردّ علي حواري‪ ،‬فشأنكم‬
‫بصاحبكم‪.‬‬
‫وقد روى المام البخاري هذا الديث منفردا به‪ ،‬وفيه زيادة حسنة‪،‬‬
‫أخرجه عن عقيل ‪ :‬قال ابن شهاب‪ :‬فأخبن عروة بن الزبي عن عائشة زوج النب صلى ال‬
‫عليه وسلم قالت‪:‬‬
‫ل أعقل أبوي قط إل وها يدينان الدين‪ ،‬ول ير علينا يوم يأتينا فيه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم طرف النهار‪ :‬بكرة وعشية‪ ،‬فلما ابتلي السلمون خرج أبو بكر مهاجرا نو أرض‬
‫البشة‪ ،‬حت إذا بلغ (برك الغماد) لقيه ابن الدعنة‪ ،‬وهو سيد (القارة)‪ ،‬فقال‪ :‬أين تريد يا أبا‬
‫بكر؟‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬أخرجن قومي‪ ،‬فأريد أن أسيح ف الرض فأعبد رب‪.‬‬
‫فقال ابن الدغنة‪ :‬فان مثلك يا أبا بكر! ل يرج ول يرج مثله‪ ،‬إنك تكسب العدوم‪ ،‬وتصل‬
‫الرحم‪ ،‬وتمل الكل‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعي على نوائب الق‪ ،‬وأنا لك جار‪ ،‬فارجع فاعبد‬
‫ربك ببلدك‪.‬‬
‫فرجع وارتل معه ابن الدغنة‪ ،‬وطاف ابن الدغنة ف أشراف قريش‪ ،‬فقال لم‪ :‬إن أبا بكر ل‬
‫يرج مثله ول يرج‪ ،‬أترجون رجل يكسب العدوم‪ ،‬ويصل الرحم‪ ،‬ويمل الكل‪ ،‬ويقري‬
‫الضيف‪ ،‬ويعي على نوائب الق؟!‬
‫فلم يكذب قريش بوار ابن الدغنة وقالوا‪ :‬لبن الدغنة‪ :‬مر أبا بكر فليعبد ربه ف داره‪،‬‬
‫وليصل فيها ويقرأما شاء‪ ،‬ول يؤذينا بذلك‪ ،‬ول يستعلن به‪ ،‬فإنا نشى أن يفت نساءنا‬
‫وأبناءنا‪.‬‬
‫فقال ابن الدغنة ذلك لب بكر‪.‬‬
‫فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه ف داره‪ ،‬ول يستعلن بصلته‪ ،‬ول يقرأ ف غي داره‪.‬‬
‫ث بدا لب بكر فابتن مسجدا بفناء داره‪ ،‬وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن‪ ،‬فينقذف [عليه] نساء‬
‫الشركي وأبناؤهم ؛ يعجبون منه وينظرون إليه‪ ،‬وكان أبو بكر رجلً بكاءً ل يلك عينيه إذا‬
‫قرأ القرآن‪.‬‬
‫فأفزع ذلك أشراف قريش من الشركي‪ ،‬فارسلوا إل ابن الدغنة‪ ،‬فقدم عليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنا كنا‬
‫أجرنا أبا بكر بوارك على أن يعبد ربه ف داره‪ ،‬فقد جاوز ذلك‪ ،‬فابتن مسجدا بفناء داره‪،‬‬
‫فأعلن ف الصلة والقراءة فيه‪ ،‬وإنا قد خشينا أن يفتت أبناؤنا ونساؤنا‪ ،‬فاْنهَهُ‪ ،‬فإن أحب على‬
‫أن يقتصر أن يعبد ربه ف داره فعل‪ ،‬وإن أب إل أن يعلن ذلك؛ فسله أن يرد عليك ذمتك‪،‬‬
‫فانا قد كرهنا نفرك‪ ،‬ولسنا مقرين لب بكر الستعلن‪.‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬فاتى ابن الدغنة إل أب بكر فقال‪ :‬قد علمت الذي قد عاقدتك عليه‪ ،‬فإما أن‬
‫تقتصر على ذلك‪ ،‬وإما أن ترد إلّ ذمت‪ ،‬فإن ل أحب أن تسمع العرب أن أخفرت ف رجل‬
‫عقدت له‪.‬‬
‫فقال أبو بكر‪ :‬فإن أرد عليك جوارك‪ ،‬وأرضى بوار ال عز وجل‪.‬‬
‫ث ذكر تام الديث ف هجرة أب بكر رضي ال عنه مع رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ كما‬
‫سيأت مبسوطا‪.‬‬

‫فصل‬
‫وقد ذكر ممد بن إسحاق رحه ال قصة الطفيل بن عمرو الدوسي مرسلة بدون إسناد‪.‬‬
‫وكان سيدا مطاعا شريفا ف (دوس)‪ ،‬وكان قد قدم (مكة)‪ ،‬فاجتمع به أشراف قريش‪،‬‬
‫وحذروه من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ونوه أن يتمع به‪ ،‬أويسمع كلمه‪.‬‬
‫روى المام أحد والبخاري عن أب هريرة قال‪:‬‬
‫لا قدم الطفيل وأصحابه على رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬إن دوسا قد استعصت‬
‫[وأبت‪ ،‬فادع ال عليهم‪ .‬فاستقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم القبلة‪ ،‬ورفع يديه‪ ،‬فقال‬
‫الناس‪ :‬هلكوا]‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((اللهم! اهد دوسا‪ ،‬وائت بم‪[ ،‬اللهم! اهد دوسا‪ ،‬وائت بم]))‪.‬‬
‫قصة مصارعة ركانة‬
‫روى أبو داود والترمذي عن أب جعفر بن ممد بن ركانة عن أبيه‪:‬‬
‫أن ركانة صارع النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فصرعه النب صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الترمذي‪(( :‬غريب))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد روى أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي ال عنهما‪:‬‬
‫أن يزيد بن ركانة صارع النب صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فصرعه النب صلى ال عليه وسلم ثلث‬
‫مرات؛ كل مرة على مائة من الغنم‪ ،‬فلما كان ف الثالثة قال‪ :‬يا ممد! ما وضع ظهري إل‬
‫الرض أحد قبلك‪ ،‬وماكان أحد أبغض إل منك‪ ،‬وأنا أشهد أن ل إله إل ال‪ ،‬وأنك رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فقام عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ورد عليه غنمه‪.‬‬

‫@قال ابن إسحاق‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا جلس ف السجد‪ ،‬فجلس‬
‫عليها الستضعفون من أصحابه‪ :‬خباب‪ ،‬وعمار‪ ،‬وأبو فكيهة يسار مول صفوان بن أمية‪،‬‬
‫وصهيب‪ ،‬وأشباههم من السلمي؛ هزئت به قريش‪ ،‬وقال بعضهم لبعض‪ :‬هؤلء أصحابه كما‬
‫ترون! أهؤلء منّ ال عليهم من بيننا بالدى ودين الق؟! لو كان ما جاء به ممد خيا ما‬
‫سبقنا هؤلء إليه‪ ،‬وما خصهم ال به دوننا!‬
‫فأنزل ال عز وجل فيهم‪َ ﴿ :‬ولَا َتطْرُ ِد اّلذِينَ َيدْعُونَ رَّب ُهمْ بِالْ َغدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ وَ ْجهَهُ مَا‬
‫عَلَْيكَ مِنْ ِحسَاِبهِمْ مِنْ شَ ْيءٍ وَمَا مِنْ ِحسَابِكَ عَلَْي ِهمْ مِنْ شَ ْي ٍء فَتَطْرُدَ ُه ْم فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِيَ‪.‬‬
‫ك فَتَنّا بَ ْعضَ ُهمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ َه ُؤلَاءِ َمنّ اللّهُ عَلَْي ِهمْ مِنْ بَيْنِنَا َألَيْسَ اللّهُ بَِأعَْلمَ بِالشّاكِرِينَ‪.‬‬
‫َوكَ َذلِ َ‬
‫وَإِذَا جَاءَكَ اّلذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ َعلَيْ ُكمْ كََتبَ رَبّكُمْ عَلَى نَ ْفسِهِ الرّ ْحمَةَ أَنّهُ مَنْ َعمِلَ‬
‫جهَالَةٍ ُثمّ تَابَ ُثمّ تَابَ مِنْ بَ ْعدِهِ وََأصَْل َح فَأَنّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النعام‪-52 :‬‬ ‫مِنْ ُكمْ سُوءًا ِب َ‬
‫‪.]54‬‬
‫قال‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيا ما يلس عند الروة إل مبيعه غلم نصران‬
‫يقال له‪ :‬جب؛ عبد لبن الضرمي‪ ،‬وكانوا يقولون‪ :‬وال؛ ما يعلّم ممدا كثيا ما يأتن به إل‬
‫جب‪.‬‬
‫فأنزل ال تعال ف ذلك من قولم‪﴿ :‬إنا يعلمه بشر لسان الذي يُلحدون إليه أعجمي وهذا‬
‫لسان عرب مبي﴾ [النحل‪.]103 :‬‬
‫ث ذكر نزول سورة (الكوثر) ف العاص بن وائل حي قال‪ :‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إنه أبتر‪ .‬أي ‪ :‬ل عقب له؛ فإذا مات انقطع ذكره‪ ،‬فقال ال تعال ‪﴿ :‬إن شانئك هو‬
‫البتر﴾‪.‬‬
‫أي‪ :‬القطوع الذِكر بعده؛ ولو خلف ألوفا من النسل والذرية‪ ،‬وليس الذكر والصيت ولسان‬
‫الصدق بكثرة الولد والنسال والعقب‪ .‬وقد تكلمنا على هذه السورة ف ((التفسي))‪ ،‬ول‬
‫المد‪.‬‬
‫[ث روى ابن إسحاق (‪ )2/35‬بإسناده الصحيح عن أنس قال‪ :‬سعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وقيل له‪ :‬يا رسول ال! ما الكوثر الذي أعطاك ال؟ قال‪:‬‬
‫((نر كما بي (صنعاء) إل (أيلة)‪ ،‬آنيته كعدد نوم السماء‪ ،‬ترده طيور لا أعناق كأعناق‬
‫البل))‪.‬‬
‫قال‪ :‬يقول عمر بن الطاب‪ :‬إنا يا رسول ال! لناعمة‪ .‬قال‪:‬‬
‫((أكلّها أنعمُ منها))‪.‬‬

‫@قال ابن إسحاق‪:‬‬


‫وقد سعت ف هذا الديث أو غيه أنه قال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫((من شرب منه ل يظمأ أبدا))]‪.‬‬
‫ك َفصَبَرُوا عَلَى مَا كُذّبُوا وَأُوذُوا حَتّى‬
‫ت رُسُلٌ مِ ْن قَبِْل َ‬
‫قلت‪ :‬وقال ال تعال ‪َ ﴿ :‬ولَقَدْ كُذَّب ْ‬
‫أَتَا ُهمْ َنصْرُنَا َولَا مَُبدّلَ لِكَِلمَاتِ اللّهِ َولَ َقدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَِإ اْلمُرْسَلِيَ﴾[ألنعام‪.]34 :‬‬
‫وقال تعال ‪﴿ :‬إنا كفيناك الستهزئي﴾ [الجر‪.]95 :‬‬
‫قال سفيان‪ :‬عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبي عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫الستهزؤون‪ :‬الوليد بن الغية‪ ،‬والسود بن عبد يغوث الزهري‪ ،‬والسود بن الطلب أبو‬
‫زمعة‪ ،‬والارث بن عيطل‪ ،‬والعاص بن وائل السهمي‪.‬‬
‫فأتاه جبيل‪ ،‬فشكاهم إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأراه الوليد‪ ،‬فأشار جبيل إل‬
‫أكحله‪ ،‬وقال‪ :‬كفيته‪.‬‬
‫ث أراه السود بن الطلب‪ ،‬فأومأ إل عينيه‪ ،‬وقال‪ :‬كُفيته‪.‬‬
‫ث أراه الارث بن عيطل‪ ،‬فأومأ إل بطنه‪ ،‬وقال‪ :‬كفيته‪.‬‬
‫ومر به العاص بن وائل ‪ ،‬فأومأ إل أخصه‪ ،‬وقال‪ :‬كفيته‪.‬‬
‫فأما الوليد؛ فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلً له‪ ،‬فأصاب أكحله‪ ،‬فقطعها‪.‬‬
‫وأما السود بن عبد يغوث؛ فخرج ف رأسه قروح؛ فمات منها‪.‬‬
‫وأما السود بن الطلب فعمي‪ ،‬وكان سبب ذلك أنه نزل تت سرة‪ ،‬فجعل يقول‪ :‬يا بنّ أل‬
‫تدفعون عن؟ قد قتلت فجعلوا يقولون‪ :‬ما نرى شيئا‪ .‬وجعل يقول‪ :‬يا بنّ! أل تدفعون عن؟‬
‫قد هلكت! ها هو ا الطعن بالشوك ف عين‪ .‬فجعلوا يقولون‪ :‬ما نرى شيئا‪ .‬فلم يزل كذلك‬
‫حت عميت عيناه‪.‬‬
‫وأما الارث بن عيطل؛ فأخذه الاء الصفر ف بطنه؛ حت خرج خرؤه من فيه ؛ فمات منها‪.‬‬
‫وأما العاص بن وائل؛ فبينما هو كذلك يوما؛ إذا دخل ف رجله شبقة حت امتلت منها؛‬
‫فمات منها‪.‬‬
‫وقال غيه ف هذا الديث‪.‬‬
‫فركب إل الطائف على حار‪ ،‬فربض به على شبقة (يعن‪ :‬شوكة)‪ ،‬فدخلت ف أخص قدمه‬
‫شوكة‪ ،‬فقتلته‪.‬‬
‫رواه البيهقي بنحو من هذا السياق‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫ب قَالَ‪:‬‬‫عَنْ خَبّا ٍ‬
‫س التّمِيمِيّ وَعُيَيْنَةُ بْنُ ِحصْ ٍن الْفَزَا ِريّ‪َ ،‬فوَ َجدَوا رَسُولَ اللّ ِه صَلّى اللّهُ َعلَيْهِ‬ ‫جَاءَ الَْأقْرَعُ ْبنُ حَاِب ٍ‬
‫ب قَا ِعدًا فِي نَاسٍ ِمنْ الضّعَفَاءِ مِ ْن اْلمُؤْمِنِيَ‪ ،‬فََلمّا رََأوْ ُهمْ‬ ‫صهَْيبٍ وَبِللٍ وَ َعمّارٍ َوخَبّا ٍ‬ ‫وَسَّلمَ َمعَ ُ‬
‫َحوْ َل النّبِ ّي صَلّى اللّهُ عَلَْيهِ وَسَّلمَ حَقَرُو ُهمْ‪ ،‬فَأََتوْ ُه َفخََلوْا بِهِ‪َ ،‬وقَالُوا‪:‬‬
‫إِنّا نُرِيدُ أَنْ َتجْعَلَ لَنَا مِنْكَ َمجِْلسًا تَعْرِفُ لَنَا ِبهِ الْعَرَبُ فَضْلَنَا‪ ،‬فَإِنّ وُفُو َد الْعَ َربِ تَأْتِيكَ‪،‬‬
‫ح ُن فَرَغْنَا‬
‫فَنَسَْتحْيِي أَنْ َترَانَا الْعَرَبُ َمعَ َهذِ ِه الْأَعُْبدِ! فَإِذَا َنحْنُ جِئْنَا َك فََأِقمْ ُهمْ عَنْكَ‪ ،‬فَإِذَا َن ْ‬
‫فَاقْ ُعدْ مَ َع ُهمْ إِنْ شِْئتَ‪ .‬قَالَ ‪:‬‬
‫((نَعَمْ))‪.‬‬
‫قَالُوا‪ :‬فَاكُْتبْ لَنَا عَلَيْكَ كِتَابًا‪.‬‬
‫صحِيفَةٍ‪ ،‬وَدَعَا َعلِيّا لِيَكُْتبَ ‪ -‬وََنحْ ُن قُعُودٌ فِي نَاحِيَ ٍة ‪ -‬فَنَزَلَ جِبْرَائِيلُ َعلَيْ ِه السّلم‬ ‫قَالَ‪َ :‬فدَعَا ِب َ‬
‫فَقَالَ‪َ ﴿ :‬ولَا تَطْ ُردْ اّلذِينَ َيدْعُو َن رَّبهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْ َعشِيّ يُرِيدُونَ وَ ْج َههُ مَا عَلَْيكَ مِنْ ِحسَاِبهِمْ‬
‫مِنْ شَ ْيءٍ وَمَا مِنْ ِحسَاِبكَ عَلَْي ِهمْ مِنْ شَ ْي ٍء فَتَطْرُدَ ُه ْم فَتَكُونَ مِنْ الظّالِمِيَ﴾ [ النعام‪.]52:‬‬
‫ضهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَ َه ُؤلَاءِ‬ ‫ك فَتَنّا بَ ْع َ‬
‫ُثمّ َذكَرَ القْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةَ بْنَ ِحصْ ٍن فَقَالَ‪َ ﴿ :‬وكَ َذلِ َ‬
‫مَنّ اللّهُ َعلَْي ِهمْ مِنْ بَيْنِنَا َألَيْسَ اللّهُ ِبأَعَْلمَ بِالشّاكِرِينَ﴾ [النعام‪. ]53:‬‬
‫ب رَبّ ُكمْ عَلَى نَ ْفسِهِ الرّ ْحمَةَ﴾‬ ‫ُثمّ قَالَ‪﴿ :‬وَِإذَا جَاءَ َك اّلذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ َسلَامٌ عَلَيْ ُكمْ كَتَ َ‬
‫[النعام‪.]54:‬‬
‫قَالَ ‪َ :‬فدََنوْنَا مِنْهُ حَتّى وَضَعْنَا ُركَبَنَا َعلَى ُركْبَتِهِ‪[ ،‬وهو يقول ‪ ﴿:‬سَلَامٌ عَلَيْ ُكمْ كََتبَ رَبّكُمْ‬
‫عَلَى نَ ْفسِهِ الرّ ْحمَةَ﴾]‪.‬‬
‫َوكَانَ رَسُولُ اللّ ِه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ َيجْلِسُ مَعَنَا‪ ،‬فَإِذَا َأرَادَ أَنْ يَقُو َم قَامَ وَتَ َركَنَا‪ ،‬فَأَنْزَلَ اللّهُ‪:‬‬
‫﴿وَاصْبِرْ نَ ْفسَكَ َمعَ اّلذِينَ َيدْعُو َن رَّبهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْ َعشِيّ يُرِيدُونَ وَ ْج َههُ َولَا تَ ْعدُ عَيْنَاكَ عَْن ُهمْ﴾‪:‬‬
‫س الْأَشْرَافَ ﴿تُرِي ُد زِينَ َة اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَا ُت ِطعْ َمنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ َعنْ ِذكْرِنَا﴾ يَعْنِي‪ :‬عُيَيْنَةَ‬ ‫َولَا ُتجَالِ ْ‬
‫وَالَْأقْرَعَ ﴿وَاتَّبعَ َهوَاهُ وَكَانَ أَمْ ُر ُه فُرُطًا﴾ قَالَ‪ :‬هَلكًا؛ قَالَ‪ :‬أَمْرُ عُيَيْنَةَ وَالَقْرَعِ‪ُ ،‬ث ّم ضَرَبَ َلهُمْ‬
‫مَثَلَ الرّجُلَْينِ وَمَثَ َل الْحَيَا ِة الدّنْيَا‪.‬‬
‫قَالَ خَبّابٌ‪ :‬فَكُنّا نَقْ ُعدُ َم َع النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَّلمَ‪ ،‬فَإِذَا بَلَغْنَا السّاعَ َة الّتِي يَقُومُ فِيهَا؛ ُقمْنَا‬
‫وَتَ َركْنَاهُ حَتّى يَقُومَ‪.‬‬
‫أخرجه ابن ماجة (‪ )4127‬والسياق له‪ ،‬وابن جرير (‪ ،)7/201‬وابن أب شيبة أيضا‪ ،‬وأبو‬
‫يعلى‪ ،‬وأبو نعيم ف ((اللية))‪ ،‬وابن النذر ‪ ،‬وابن أب حات‪ ،‬وأبو الشيخ ‪ ،‬وابن مردويه‪،‬‬
‫والبيهقي ف ((الدلئل))؛ كما ف ((الدر النثور)) (‪ ،)3/13‬وإسناده صحيح كما قال‬
‫البوصيي‪ .‬وله شاهد عن ابن مسعود متصرا‪ .‬أخرجه أحد (‪ ،)1/420‬وابن جرير (‬
‫‪ )7/200‬من طريق أشعث عن كردوس الثعلب عنه‪ .‬وسنده صحيح إن كان أشعث بن أب‬
‫الشعثاء‪ .‬ث ترجح عندي أنه ابن سوار‪ ،‬وفيه ضعف؛ لنه من رواه عن حفص بن غياث‪.‬‬
‫عن سعد قال‪:‬‬
‫كنا مع النب صلى ال عليه وسلم ستة نفر‪ ،‬فقال الشركون للنب صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اطرد‬
‫هؤلء ل يترؤون علينا‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلل ورجلن لست أسيهما‪ ،‬فوقع ف نفس‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقع‪ ،‬فحدث نفسه‪ ،‬فأنزل ال عز وجل‪﴿ :‬ول‬
‫تطرد الذين يدعون ربم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾ [النعام‪.]52 :‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)2413‬وابن ماجه (‪ ،)4128‬وابن جرير (‪ ،)7/202‬والاكم (‬
‫‪ )3/319‬وقال‪(( :‬صحيح على شرط الشيخي))‪ ،‬ووافقه الذهي‪ ،‬وعزاه الؤلف ف‬
‫((التفسي)) لبن حبان والاكم فقط! وعزاه ف ((الدر)) (‪ )3/13‬لمع آخر منهم أحد‪،‬‬
‫ول أره ف ((مسنده))‪.‬‬
‫وعن ابن عباس قال‪:‬‬
‫لا قدم كعب بن الشرف (مكة) أتوه‪ ،‬فقالوا له‪ :‬نن أهل السقاية والسدانة‪ ،‬وأنت سيد أهل‬
‫(الدينة)‪ ،‬فنحن خي أم هذا الصنبور النبتر من فوقه يزعم أنه خي منا؟ قال‪ :‬بل أنتم خي منه!‬
‫فنلت عليه‪﴿ :‬إن شانئك هو البتر﴾‪.‬‬
‫ضلّوا‬
‫قال‪ :‬وأنزلت عليه‪﴿ :‬تَرَ إل اّلذِينَ أُوتُوا َنصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ َيشْتَرُو َن الضّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ َت ِ‬
‫السّبِيلَ‪ .‬وَاللّهُ أَعَْلمُ بِأَ ْعدَائِ ُكمْ َوكَفَى بِاللّهِ َولِيّا َوكَفَى بِاللّهِ َنصِيًا﴾ [النساء‪44 :‬و‪.]45‬‬
‫أخرجه ابن جرير ف ((التفسي)) (‪ )30/330‬بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح))‪ ،‬وقال‬
‫الؤلف ف ((التفسي))‪(( :‬رواه البزار‪ ،‬وإسناده صحيح))‪ .‬وف ((الجمع)) (‪(( :)7/6‬رواه‬
‫الطبان‪ ،‬وفيه يونس بن سليمان المال‪ ،‬ول أعرفه‪ ،‬وبقية رجاله رجاله رجال (الصحيح) ))‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد توبع عند الولي‪ ،‬فصح الديث‪ ،‬والمد ل‪[ .‬انتهى الستدرك]‪.‬‬

‫فصل‬
‫وذكر البيهقي ها هنا دعاء النب صلى ال عليه وسلم على قريش حي استعصت عليه بسبع‬
‫مثل سبع يوسف‪.‬‬
‫وأورد ما أخرجاه ف ((الصحيحي)) عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫خس [قد] مضي‪ :‬اللزام‪ ،‬والروم‪ ،‬والدخان‪ ،‬والبطشة‪ ،‬والقمر‪.‬‬
‫وف رواية عن ابن مسعود قال‪:‬‬
‫إن قريشا لا استعصت على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبطؤوا عن السلم قال‪:‬‬
‫((اللهم! أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف))‪.‬‬
‫قال فأصابتهم سنة حت حصّت كل شيء‪ ،‬حت أكلوا اليف‪ ،‬وحت أن أحدهم كان يرى ما‬
‫بينه وبي السماء كهيئة الدخان من الوع‪ ،‬ث دعا‪ ،‬فكشف ال عنهم‪ ،‬ث قرأ عبد ال هذه‬
‫الية‪﴿ :‬إنا كاشفوا العذاب قليلً إنكم عائدون﴾[الدخان‪.]15:‬‬
‫قال‪ :‬فعادوا فكفروا‪ ،‬فأخرّوا إل يوم بدر‪.‬‬
‫قال عبد ال‪ :‬إن ذلك لو كان يوم القيامة كان ل يكشف عنهم ﴿يوم نبطش البطشة الكبى‬
‫إنا منتقمون﴾ [الدخان‪]16 :‬؛ قال‪ :‬يوم بدر‪.‬‬
‫وف رواية عنه قال‪:‬‬
‫لا رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم من الناس إدبارا قال‪:‬‬
‫((اللهم سبع كسبع يوسف))‪.‬‬
‫فأخذتم سنة؛ حت أكلوا اليتة واللود والعظام‪ ،‬فجاءه أبو سفيان وناس من أهل (مكة)‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا ممد! إنك تزعم أنك بعثت رحة‪ ،‬وإن قومك قد هلكوا؛ فادع ال لم‪.‬‬
‫فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسقوا الغيث‪ ،‬فأطبقت عليهم سبعا‪ ،‬فشكا الناس كثرة‬
‫الطر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((اللهم حوالينا ول علينا))‪.‬‬
‫فاندرت السحابة عن رأسه فسُقِيَ الناس حولم‪.‬‬
‫قال‪ :‬لقد مضت آية الدخان‪ ،‬وهو الوع الذي أصابم‪ ،‬وذلك قوله‪﴿ :‬إنا كاشفوا العذاب‬
‫قليل إنكم عائدون﴾ [الدخان‪ .]15:‬وآية الروم‪ ،‬والبطشة الكبى‪ ،‬وانشقاق القمر‪ ،‬وذلك‬
‫كله يوم بدر‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬يريد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬البطشة الكبى‪ ،‬والدخان‪ ،‬وآية اللزام كلها حصلت‬
‫بـ(بدر)‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد أشار البخاري إل هذه الرواية‪.‬‬
‫ث أورد من حديث ابن عباس قال‪:‬‬
‫جاء أبو سفيان إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬يستغيث من الوع؛ لنم ل يدوا شيئا‬
‫حت أكلوا العهن‪ ،‬فأنزل ال تعال ‪﴿ :‬ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربم وما‬
‫يتضرعون﴾ [الؤمنون‪.]76 :‬‬
‫قال‪ :‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم حت فرج ال عنهم‪.‬‬
‫ث قال الافظ البيهقي‪:‬‬
‫وقد روي ف قصة أب سفيان ما دل على أن ذلك بعد الجرة ولعله كان مرتي‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫[الستدرك]‬
‫عن أبّ بن كعب أنه قال‪:‬‬
‫ف هذه الية‪﴿ :‬ولنذيقنهم من العذاب الدن دون العذاب الكب﴾ [السجدة‪ ]21 :‬قال‪:‬‬
‫الصيبات ف الدنيا – قال‪ - :‬والدخان قد مضى‪ ،‬والبطشة واللزام‪.‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ ،)2799‬وابن جرير (‪ ،)21/108‬وأحد ف ((السند)) (‪،)5/128‬‬
‫وصححه الاكم (‪[ .)4/428‬انتهى الستدرك]‪.‬‬
‫فصل‬

‫ث أورد البيهقي قصة فارس والروم ونزول قوله تعال ‪﴿ :‬ال‪ .‬غُلَِبتِ الرّومُ‪ .‬فِي أَدْنَى الَْأرْضِ‬
‫ضعِ سِِنيَ لِلّ ِه الْأَمْرُ مِ ْن قَبْلُ وَمِنْ بَ ْعدُ وََيوْمَِئذٍ يَفْ َرحُ‬
‫وَ ُهمْ ِمنْ بَ ْعدِ غَلَِب ِهمْ سَيَغْلِبُونَ‪ .‬فِي ِب ْ‬
‫اْل ُمؤْمِنُونَ‪ .‬بَِنصْرِ اللّهِ يَْنصُرُ مَنْ َيشَاءُ وَ ُه َو الْعَزِيزُ الرّحِيمُ﴾ [الروم‪.]5-1 :‬‬
‫ث روى عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫كان السلمون يبون أن يظهر الروم على فارس؛ لنم أهل الكتاب‪ ،‬وكان الشركون يبون‬
‫أن تظهر فارس على الروم؛ لنم أهل أوثان‪ ،‬فذكر ذلك السلمون لب بكر‪ ،‬فذكر ذلك أبو‬
‫بكر للنب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أما إنم سيظهرون))‪.‬‬
‫فذكر ذلك أبو بكر للمشركي‪ ،‬فقالوا‪ :‬اجعل بيننا وبينك إن ظهروا لك كذا وكذا‪ ،‬وإن‬
‫ظهرنا كان لنا كذا وكذا‪[ .‬فجعل أجلً خس سني‪ ،‬فلم يظهروا]‪.‬‬
‫فذكر ذلك أبو بكر للنب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((أل جعلته – أراه قال‪ - :‬دون العشر؟))‪.‬‬
‫فظهرت الروم بعد ذلك‪.‬‬
‫[‪]232‬‬
‫وقد أوردنا طرق هذا الديث ف ((التفسي))‪ ،‬وذكرنا أن الُنَاخب‪ -‬أي‪ :‬الُراهن – لب بكر‬
‫أميّة بن خلف‪ ،‬وأن الرهن كان على خس قلئص‪ ،‬وأنه كان إل مدة‪ ،‬فزاد فيها الصديق عن‬
‫أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وف الرهن‪ ،‬وأن غلبة الروم على فارس كان يوم بدر‪ ،‬أو‬
‫كان يوم الديبية‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫فصل ف السراء برسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة إل بيت القدس ث عروجه من‬
‫هناك إل السماوات وما رأى هناك من اليات‬

‫ذكر ابن عساكر أحاديث السراء ف أوائل البعثة‪ ،‬وأما ابن إسحاق؛ فذكرها ف هذا الوطن‬
‫بعد البعثة بنحو من عشر سني‪ ،‬وهو ف الظهر‪.‬‬
‫وقد ذكرنا الحاديث الواردة ف ذلك مستقصاة عند قوله تعال ‪﴿ :‬سبحان الذي أسرى‬
‫بعبده ليلً من السجد الرام إل السجد القصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو‬
‫السميع البصي﴾ [السراء‪.]1:‬‬
‫فلتكتب من هناك على ما هي عليه من السانيد والعزو‪ ،‬والكلم عليها ومعها‪ ،‬ففيها مقنع‬
‫وكفاية‪ .‬ول المد والنة‪.‬‬

You might also like