Professional Documents
Culture Documents
www.aldura.net
البعد الحضاري
للعقيدة الباضية
تأليف الشيخ الدكتور فرحات الجعبيري
[*]بيانات الكتاب
[*]الهــــــداء
[*]الرمـــوز
[*]المقــدمــة
[*]الباب الول :الطار العام للقضية :الفصل الول :الباضية وتسمية الفرق
[*]بيانات الكتاب
قدم هذا الكتاب للحراز على شهادة التعمق في البحث العلمي بكلية الداب بالجامعة التونسية
بإشراف الستاذ محمد الطالبي ونوقش في شهر جوان .1986
الهــــــداء
وإلى زوجتي.
أهدي هذا العمل المتواضع عسى أن يقرب بين المسلمين وأن يؤلف بين القلوب لتكون كلمة ال هي
العليا.
فرحات
الرمـــوز
: /العدد على يمين الخط :تاريخ هجري .وعـلى يــساره :تاريخ ميلدي .مثال .1408/1987
: /الرقم قبله يشير إلى الجزاء أو المجلد ,وما بعده إلى الصفحة .
ج :جزء.
خ :مخطوط.
د .رقم : 1مجلد نسخة سالم بن يعقوب من مصر موجود بمكتبته جربة.غيزن.
.نذكر عدد الصفحات أو الورقات ثم عدد السطر بكل صفحة ثم المقاس: بالنسبة إلى المخطوطات-
. خاصة فهرس المصادر المخطوطة. ر، صم12 ,5 /17 .24 .51 )(مثال-
. راجع: ر
. صفحة: ص
. طبعة: ط
مجلد: م
.R.A.:Revue Africaine
.S.I.:Studia Islamica
الحمد ل حمدا يليق بجلل وجهه وعظيم سلطانه ،والصلة والسلم على سيدنا محمد ،المجلي لوجه
الحق بنور برهانه ،وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فقد قضى ال -ول راد لما قضى -أن تنقسم هذه المة -كغيرها -إلى شيع وأحزاب( كل حزب
بما لديهم فرحون) ،ولما عندهم منصورون ،ومما باعد الشقة بينها وضاعف محنة النصداع التي
تعانيها إخلء الكثرين إلى مواريثهم الفكرية التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم ،وتلقفوها من
أشياخهم وأساتذتهم ،حتى اعتبروها أنها الصل،فطوعوا لها نصوص الدين لن الدين -في نظرهم-
ل يبصر إل بمنظارها ،ولو كانت تلك النصوص كاشفة عن عوارها مباينة لها بينونة الحق من
الباطل ،مفارقة لها مفارقة الضياء للظلم.
ومن حيث إن أصول الدين هي قواعده التي يقوم عليها صرحه الشامخ كان التفاق والختلف فيها
مقياسا لللتقاء والفتراق ،والتقارب والتباعد بين فئات المة ،وإن مما يعزي نفوسنا ،ويسلس
همومنا أن يلتقي جمهور المة على أمهات هذه الصول ،وهي :اليمان بال ،وملئكته،
وكتبه،ورسله ،واليوم الخر ،والقدر خيره وشره من ال ،وإنما اختلفوا في تفاصيل هذا اليمان.
ثانيهما :تحفظ بعض الفئات من بعض النصوص التي لم تصل إلى درجة القطع ،إما لريب في نقلتها
ونقلها وإما لمعارضتها بما هو أقوى منها في نظر المتحفظين في حين أن الفريق الخر يكون
مقتنعا بتلك النصوص فيعتد بها ويعول عليها ،وثم أمر آخر له مساس بكل المرين وهو الختلف
في ترجيح النص على العقل أو العكس ،فمن طوائف المة من بالغ في تقديس العقل حتى جعله
الصل في فهم الدين ،وضرب بكل نص خالفه عرض الحائط إن لم يمكنه تأويله بما يتفق مع
المفاهيم التي استقر عليها عقله؛ ومنهم من أهمل جانب العقل فلم يستبصر بنوره في فهم مقاصد
النصوص ،وإنما اكتفى بالنسياق وراء ظواهر ألفاظها فاقتنع بالشكل دون المحتوى؛ ومنهم من
وفق للتوسط بين أمرين فجمع بين النص الثابت والعقل السليم.
وإن من يمعن نظره في التراث الباضي الفكري -متجردا عن العوامل النفسية والمؤثرات الوراثية-
يدرك كل الدراك أن الباضية أكثر فئات هذه المة اعتدال وأسلمها فكرا ،وأقومها طريقا وأصحها
نظرا ،وأصفاها موردا ومصدرا.
فهم لم يلقوا بالعقل في زوايا الهمال لن ال خاطب بوحيه أولي اللباب ونعى على قوم ل
يستخدمون عقولهم في فهم الحق ودرك الحقيقة ،ونادى عليهم بالخذلن ،وسجل عليهم بالخسران،
كما هو واضح في كثير من آيات الفرقان ،غير أنهم لم يرفعوا العقل فوق مستواه ولم يعطوه أكثر
مما يستحق فلم يؤثروه على النص ،وإنما جعلوه وسيلة من وسائل فهم مراده ،وتعيين مقاصده،
قطعا أو ظنا ،وهم في كل ذلك ينطلقون من فهم عميق للغة النص التي تستخدم تارة في حقيقتها
وأخرى في مجازها حسبما تقتضيه أصولها مراعين في ذلك جميع القرائن والحوال التي تعين على
تشخيص المراد.
وقد زخر التراث الفكري الباضي ببحوث واسعة جامعة في أصول الدين فاضت بها أقلم أساطين
علماء الباضية المتبحرّين الذين نذروا حياتهم لنصرة الحق وقمع الباطل بنصب الحجج ودرء
الشبه ،فتعاقبوا منذ القرن الول الهجري على الضطلع بهذا الواجب وأداء هذه الرسالة غير أن
من دواعي السف أن السواد العظم من المسلمين ظلوا محرومين من النتفاع بهذه الكنوز الغالية
إما لعقد نفسية سببتها القطيعة التي اصطنعت بين أبناء هذه المة رغم كونها تعبد إلها واحدا،
وتدين بملة واحدة وتؤمن برسالة واحدة ،وإما لقصور في تصور ما تعتقده هذه الطائفة من الحق
وما تستند إليه من الحجج.
وإن من أشائر البشائر أن نرى جماعة من رواد الدعوة السلمية ودعاة وحدة هذه المة -سواء
كانوا من الباضيين أو غيرهم -تحفزهم الغيرة على الحق إلى نفض الغبار الذي تراكم على هذا
التراث الفكري وإزاحة السدود التي أرختها عليه القرون الغابرة ليبرز وجهه المشرق للناظرين
ويتجلى جمالة الخاذ لطلب الحق وعشاق الحقائق.
ومن بين هؤلء الساعين لهذه الغاية النبيلة أخونا الفاضل الشيخ فرحات ابن علي الجعبيري الذي
طوف بفكره الوقاد بين معالم هذا التراث عبر العصور المتتالية منذ القرن الول الهجري إلى قرننا
هذا ،وأرسل يراعه الملهم إلى أعماق محيطات هذا التراث وبحاره فعاد بحصيلة واسعة من جواهر
الفكر ازدان بها عق أطروحة أخينا العزيز التي اختصها بهذا الموضوع بعد ما شقق عنها أصداف
اللبس بتحليلته الواسعة وبيانه الفياض ،فكانت أطروحته بحق منهل لكل وارد ،ومنتجعا لكل رائد
بما فيها من فتح لقفال كانت مغلقة وتجلية لحقائق كانت مستورة.
وقد أولى عنايته الخاصة بالتراث المغربي في الثلثة القرون الهجرية العاشر ،والحادي عشر،
والثاني عشر ،لن موضوع بحثه ،سوى أنه ألم في مناقشاته وتحليلته بما قدمه علماء المذهب في
هذا المجال في سائر القرون ،سواء كانوا من أهل المشرق أو من أهل المغرب.
وإن فضيلته -إذ يقدم هذا البحث العلمي إلى رادة الفكر السلمي المتحررين من العقد النفسية
والعصبيات المذهبية -ليرجوا ونرجو جميعا أن يكون لهذا البحث أثر إيجابي في وقف الشاعات
الباطلة التي تصدر عن القلوب المريضة وتقذف بها اللسنة المغرضة وتسيل بها القلم المأجورة
لتمزيق شمل أمتنا السلمية وهي أحوج ما تكون إلى رأب الصدع وجمع الشمل والمودة والوئام.
وال نسأل أن يجمع شمل عباده المؤمنين على ما يحب ويرضى وصلى ال وسلم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه.
لكن ،بالرغم من تحذير القرآن ،تفرق المسلمون ،وكفر بعضهم بعضا ،وأهرقوا دماءهم بأيديهم،
وما زالوا يهرقونها...
ولقد ورد بالمدونة الكبرى ،برواية سحنون عن ابن القاسم عن مالك ،إمام دار الهجرة ،ما نصه:
" قلت :أرأيت قتال الخوارج ،وما قول مالك فيهم؟ -قال :قال مالك في الباضية والحروية ،وأهل
الهواء كلهم " :أرى أن يستتابوا ،فإن تابوا وإل قتلوا" .قال ابن القاسم :وقال مالك في الحرورية
وما أشبههم ":إنهم يقتلون إذا لم يتوبوا إذا كان المام عدل ".فهذا يدلك على أنهم إن خرجوا على
إمام عدل ،وهم يريدون قتاله ويدعون إلى ما هم عليه ،دعوا إلى الجماعة والسنة ،فان أبوا قتلوا".
(المدونة الكبرى ،ط .مصر ،1323ج 2ص .)47
كان عبدال بن إباض الذي ينسب إليه المذهب الباضي مسلما مخلصا ،ويعد المذهب الذي وضع
أسسه من أقدم المذاهب السلمية ،إن لم يكن أقدمها كلها .ولم يكن مالك ،إمام دار الهجرة ،أقل منه
إخلصا إلى السلم وغيرة عليه .وكان ابن القاسم من أتقى أصحاب مالك وأصدقهم ورعا ،ولم يكن
سحنون ،الذي عنه دون المدونة ،يقل عنه تقي وورعا.
لكن الحقيقة المرة تبقى هي :استحل مالك دماء الباضية ومن يدعوهم بأهل الهواء .واستحل بصفة
أعم أهل القبلة ،على ورعهم وإخلصهم في كثير من الحيان ،دماء بعضهم بعضا ،وتلعنوا مليا،
وعوض أن يعتصموا بحبل ال جميعا ،ويتحابوا فيه وفيهما بينهم ،تفرقوا ،وتقاتلوا ،وتجاذبوا ال
كل إلى جانبه ،واغتصبوه كل إلى نحلته.
فما الحل؟
وما زالت موجات التكفير سائدة إلى يومنا هذا ،والدماء سائلة؟ّّ!
ل يملك أي فرد منا بمفرده ،ول تملك أي مجموعة إسلمية وحدها مهما ضاقت رقعتها أو اتسعت،
حل سحريا ،ما لم تتطور العقليات ،وتنشرح الصدور إلى السماحة ،والتسامح ،واحترام آراء
المخالف.
ول شك أن الدراسات المقارنة لمختلف المذاهب السلمية مما يعين على تطور العقليات ،وانشراح
الصدور إلى التسامح والحترام المتبادل ،بفضل ما توفره هذه الدراسات من فهم أعمق ،وأكثر
إنصافا وموضوعية لراء الموالين والمخالفين.
وتنصهر الدراسة التي قام بها الستاذ فرحات الجعبيري ضمن هذه الدراسات المقارنة .فلقد
استطاع ،بأقصى ما يمكن من الموضوعية التي ل تخل باعتقاد المعتقد ول تشوه معتقد غيره ،أن
يقارن بين أصول الباضية ،وإليهم ينتمي سلوكا ومذهبا ،وبين مقالت مخالفيهم ،مع توخي
الختصار ،والقتصار على أمهات المسائل ،حتى تبقى الدراسة في حدود معقولة كيفا وكما.
ونحن نعتقد أن الدراسات المقارنة ،وقد فتح بابها منذ قرون كل من كتب من علمائنا في "مقالت
السلمية" و"الملل والنحل" ،هي طريق المستقبل ،ل فقط داخل أسرنا السلمية على اختلف
اجتهاداتها ،بل أيضا في مستوى كل عائلت أهل اليمان على اختلف أديانهم ومللهم ونحلهم .فهذه
الدراسات -إذا ما روعي فيها هدوء العصاب ،وأقصى ما يستطيعه المؤمن الملتزم عقيدة وسلوكا
من موضوعية ،وكل كائن ذي عقل حتما ملتزما من حيث يشعر ول يشعر سواء في ذلك المعتقد
وغيره المعتقد -فإنها ستنير لكل طالب حق إن لم يكن الحق فما يقرب من الحق ،إذ في النهاية ل
يعلم حق العلم إل ال .ولكل أن يختار سبيله إلى ال حسب ما يمليه عليه ضميره واجتهاده.
ولقد اجتهد الستاذ فرحات الجعبيري ،وقام بدراسته بجد وإخلص وحماس ،واختار أن يركز بحثه
على أصول الدين عند إباضية المغرب في الفترة التي تتراوح من القرن العاشر إلى القرن الثاني
عشر .هـ ( 18-17-16ميلديا) .فاستخدم لذلك ،زيادة على ما توفره المراجع ،المصادر الساسية
المطبوعة والخطية ،وقام بتحقيقات ميدانية في مكتبات الوساط الباضية بالجزائر وليبيا وتونس
وعمان ،وقد ساعده على ذلك انتماؤه إلى المذهب الباضي انتماء اعتقاد وسلوك.
إن هذا الكتاب الذي أنجزه الستاذ فرحات الجعبيري يمكن أن يعتبر خدمة هامة وثمينة للفكر
الباضي والسلمي عامة ،ولوجه من وجوه حضارتنا المغربية التي هي في حاجة أكيدة إلى البحث
حسب الطرق والساليب الجامعية.
محمد الطالبي
تونس في 18/9/86
المقــدمــة
إن كنت أنسى فل أنسى رحلتي الولى إلى وادي ميزاب .جمادى الولى /1387أو ت 1967حيث
فتح ال بين أيدينا مكتبات عشش فيها العنكبوت وباض وفرخ لن المفاتيح لم تمس أقفالها منذ ما ل
يقل عن ربع قرن ،إلى جانب مكتبات عامرة ،زاخرة تنبض فيها الحياة.
فل غرابة حينئذ في أن يستوقفنا ما في تلكم الخزائن من تراث ،وكانت الجولة الولى في لقاء مع
تنظيم ديني اجتماعي استطاع أن يصمد أمام الزمن أل وهو نظام العزابة عند الباضية في جربة.
ثم تبعتها رحلت أخرى إلى هناك ،مع حرص على تنظيم ما بقي من مثل هذا التراث في جزيرة
جربة ،خاصة بالمكتبة البارونية ومكتبة سالم بن يعقوب ،إلى أن يسر ال النطلق في رحلة علمية
ثانية دفعت بنا إلى الطواف في أنحاء جبل نفوسة معقل الباضية الول في بلد المغرب ،كما ساقتنا
إلى جناح الباضية الثاني في بلد المشرق بلد عمان .فماذا عن هذه الرحلة العلمية الثانية مع
التراث الباضي؟.
التراث الورث والورث والرث والوارث والراث واحد ،وهو ما ورث ،وأصل التاء فيه واو ،هكذا
نقل ابن منظور في لسان العرب عن الجوهري في صحاحه وابن سيده في مخصصه ،وقد وردت
الكلمة بهذه الصيغة في قوله تعالى ( :وتأكلون التراث أكل لما ) (80الفجر .)19
وقد وردت في قوله عليه السلم " :وإليك مآبي ولك تراثي" ( )1مع العلم أن النبياء ل يرثون،
فميراثه عليه السلم حينئذ للوارث الحق الذي ل إله إل هو ( .إنا نحن نرث الرض ومن عليها
وإلينا يرجعون ) ( 19مريم .)40
فالكلمة بهذه الصيغة وصيغها الخرى تدل على كل ما يخلفه الهالك لورثته .ومن هذا المفهوم
اللغوي والشرعي اتسعت الكلمة لتدل على كل ما تخلفه الجيال السابقة للجيال اللحقة.
فهل سنحلل في هذا البحث كل ما أنتجه الباضية في المغرب طيلة ثلثة قرون 12،11،10هـ
وخلفوه لمن بعدهم؟.
إن مثل هذا الدراسة مفيدة ول شك لكنها في حاجة إلى جمع من المختصين في شتى الفنون لتتكامل
جوانبها وتؤتي أكلها بعد حين.
وما دام هذا مستحيل علينا الن ،فإننا حاولنا أن نساهم في هذا البناء فاستقرأنا ما عثرنا عليه من
تراث مكتوب (– )2وهذا كثير -عسى أن نستكنه أساسا من أسس الفكر الباضي.
وما دام بحثنا يندرج ضمن الدراسات الحضارية بقسم العربية بكلية الداب بتونس ،ونحن نعلم أن
كلمة حضارة تعني جملة مظاهر الرقي العلمي والفني والدبي التي تنتقل من جيل إلى جيل في
مجتمع أو مجتمعات متشابهة ( )3رأينا أن نسلك مع تحليل هذا التراث مسلك الدراسات الحضارية،
فماذا عن هذا المسلك؟
بناء على منطلقنا الول ( )4في البحث جمعنا ما تيسر جمعه من هذا التراث في شتى الفنون وهو
في جله مخطوط ،والمطبوع منه في عداد المخطوط ،عدا بعض النصوص التي كتب لها أن ترى
النور بمنهج معاصر نقدي ( ،)5فتشبعت المسالك واتضح أن نزعة الشمول ستؤدي إما إلى الطول
الذي ل نهاية لـه ،وإما إلى الختصار المخل الذي ل يجدي نفعا.
وبهذا تحول مسار البحث من العموم إلى الخصوص ،وكانت الوقفة عند باب من أبواب هذا التراث
أل وهو باب أصول الدين أو علم الكلم .وقد حاولنا تركيز هذا المسار على ثلثة أسس ستكون
الخيط الذي يربط بين أطراف هذا النسيج.
-1التحري في فهم النصوص الباضية داخل الفكر الباضي لنه ككل فكر يقوم على نظام متكامل
يربط بين جميع أوصاله .فل يمكن على سبيل المثال أن نفهم أي نص إباضي فهما صحيحا إذا لم
نضعه في إطاره من مسالك الدين وهي :الظهور والدفاع والشراء والكتمان.
-2التراث الباضي تراث ديني عالمي :ماذا أفاد؟ وماذا استفاد؟ فمحاولة المقارنة حيث تمكن
المقارنة ستكشف بقدر المكان عن الخذ والعطاء واليجابيات والسلبيات في هذا التراث.
==================
( )1ر .الترمذي .دعوات . 78ر.ونسنك :المعجم المفهرس .7/187
( )2انظر الباب الول ،الفصل الثاني.
( )3ر.معجم المصطلحات العلمية والفنية الملحق بلسان العرب مادة حضر.
( )4تحليل التراث الباضي في المغرب في القرن 10 ،12،11هـ.وقد طلبنا من لجنة الدراسات المعمقة التخفيف من الموضوع
والكتفاء بتحليل ما يتصل بالعقيدة فوافقت مشكورة(.جويلية .) 1985
( )5انظر الفصل الثاني من الباب الول .45
ومثل هذه المقارنة ليست مفتعلة لنك قل أن تجد أثرا إباضيا متقوقعا على نفسه بداية مما روي عن
إمام الباضية جابر بن زيد( )711-93/710إلى آخر ما وصلنا مما طبع من النتاج الباضي:
الخوارج من أنصار المام علي كرم ال وجهه لسليمان بن داود بن يوسف ( )6بل إنك تجد الشارة
خاصة في كتب أصول الدين إلى سائر الرسالت السماوية وكذلك الديانات الوضعية مثل الزرادشتيه
والبوذية.
-3التراث الباضي ل للتراث وإنما للحياة :وغرضنا من هذا أن نثبت أن ومضة الحاضر ليست إل
لحظة خاطفة بين ماض سحيق ومستقبل عريض فماذا عن الماضي لنارة المستقبل؟ لعلها دروس
وعبر في عالم طغت فيه الدراسات المادية إلى حد أن الناس أعرضوا أو يكادون عن كل ما هو
روحي ( .لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب ) (12يوسف .)111
واعتمادا على هذه السس فإننا لن نقف من هذا التراث كما يفعل كثير من المسلمين اليوم وقفة
المتأفف المكظوم ،وإنما نقف منه بناءة تنفض عنه غبار طواحين الزمن عسى أن تتقشع سماء
وجهه ،لينير بأصالته مستقبل أمتنا ( )7هذه الصالة التي ما يزال أعداء السلم يحاولون اجتثاثها
من تحت أرجلنا ،ولن ندرك مثل هذه الغاية عسيرة المنال إل إذا بالقارئ المستنير بمختلف فنون
العلم العصرية إلى النتيجة المرجوة تدريجيا دون أن يصطدم في ثنايا البحث بالخلص بمعطيات
المنهجية التي تحرص على أن تكون موضوعية أو أقرب ما يكون إلى الموضوعية لن الموضوعية
الصرف لم يدركها في ما نعلم إنسان لم يؤيد بالوحي ،ولن يدركها إنسان إل إذا تجرد من كل
مكوناته ،وإن تجرد منها فل يمكن أن يكون إنسانا.
وقبل أن أعرض مراحل هذا البحث ل يفوتني أن أذكر بعملين معاصرين استفدت منهما استفادة ل
تنسى:
أولهما :أطروحة دولة باللغة النجليزية قدمها الستاذ عمرو خليفة النامي ( )8بجامعة كمبردج
1971عن تطور الفكر الباضي.
القسم الول :يضم 396صفحة وقد قام على الفصول التالية :نشأة الباضية ،التعريف بإمام
الباضية الول جابر بن زيد ،التعريف بإمام الباضية الثاني أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة ،الفقه
الباضي ،العقيدة الباضية ،فرق الباضية ،والولية والبراءة ،مسالك الدين والمامة.
القسم الثاني :لم نتمكن من الطلع عليه وفهرست الطروحة تشير إلى أنه تحليل لنصوص في
العقيدة والفقه حققها الباحث تحقيقا علميا وهي:
-القسم الثاني من الباب الول من كتاب قواعد السلم لسماعيل الجيطالي :لم يطبع ولم أطلع عليه.
-أجوبة ابن خلفون لبي يعقوب يوسف بن خلفون( في الفقه المقارن) مطبوع.
إن هذه الطروحة أغنتنا بمقدمتها عن إعادة عرض الدراسات المعاصرة عن الباضية في مقدمتنا
هذه (. )9
كما أن هذه الطروحة بفصولها الولى حددت أمامنا معالم نشأة الفكر الباضي بوضوح ،المر الذي
ساعدنا على التوسع في مناقشة تسمية الفرق وتوضيح موقف الباضية من براءة النتساب إلى
الخوارج .كما أنها بفصلها الخامس عن العقيدة الباضية( )330-201في اللهيات والنسانيات
وضحت لنا نشأة العقيدة الباضية وعرفتنا بمصادرها إلى القرن التاسع هـ /الخامس عشر م تعريفا
موسعا.
أما عن مرحلتنا المقررة في البحث فقد اكتفت بتعداد المصادر دون تحليليها.
ولهذا نعتبر عملنا امتدادا لما قدمته هذه الطروحة حيث عرفنا بتوسع بما وقع ذكره من المصادر.
كما أن عملنا هذا يتجاوز مرحلة الوصف والتعريف إلى إبراز البعد الحضاري لهذه العقيدة.
ول ننكر أننا مدينون لهذا العمل خاصة لما جاء فيه من دقة في التعريف بوجود الباضية عبر الزمن
ضمن الطروحة أو في التحقيق.
ثانيهما :أطروحة دكتوراه دولة باللغة الفرنسية قدمها الب بيار كوبرلي بالسربون سنة ،1982
وهي بحث في العقيدة الباضية في ثلثة مجلدات ،مجلدان أساسيان ومجلد للملحق.
وقد ضم المجلدان الولن 655صفحة .أما المجلد الثالث فقد ضم 208صفحة وهي ترجمة لنصوص
في العقيدة الباضية مع 74صفحة لنصوص عربية في العقيدة الباضية أيضا (. )10
=============================
قام القسم الول منها على عرض تاريخي لنشأة الباضية وعقيدتهم مع تحليل لنصوص في العقيدة.
أما القسم الثاني وهو أساس البحث فقد عالج القضايا التالية :الذات والصفات ،خلق القرآن ،القضاء
والقدر ،نفي الرؤية ،المامة.
وأما القسم الثالث فهو ترجمة وعرض لبعض النصوص في العقيدة الباضية.
واضح من خلل هذه الطروحة أن النصوص الساسية المعتمدة ترجع إلى القرن 8/14وما قبله
وإن كان الباحث قد استفاد أيضا من النصوص المتأخرة.
والمهم بالنسبة إلينا أننا استفدنا من هذا البحث خاصة من حسن العرض والقدرة على الوصف
وعرض أسس العقيدة مع المقارنة مع الفكر السلمي والنصراني في كثير من الحيان.
إل أن الطروحة على ما فيها من دقة فإنها لم تتوسع في تحليل النصوص المقررة في مرحلتنا ق
11،12 ،10هـ ،كما أن صاحبها اكتفى بالتعريف بالعقيدة لن عمله يندرج ضمن قسم الدراسات
الدينية ،بينما آلينا على أنفسنا ،وهذه العقيدة جزء من كياننا ،أن نبين أثرها الفعال في البيئة التي
تدين بها.
وأن التقينا في بعض القضايا مثل الذات والصفات ،وخلق القرآن ونفي الرؤية والقضاء والقدر فإننا
تجاوزنا ذلك إلى تحليل قضيتي الوعد والوعيد والخلود وتركنا مبحث المامة والولية والبراءة
وهما من الصول الجتماعية لن البحث تجاوز القدر المطلوب.
أما الباب الثاني :فقد حاولنا أن نحدد فيه كل ما يتعلق بال تعالى من المباحث الكلمية ،فأقمنا
الفصل الول على ما يغلب العتماد فيه على ما جاء محكما من القرآن الكريم كقضية وجود ال
تعالى وأسمائه وصفاته ،وما يجب في حقه ،وما يستحيل ،وجاء الفصل الثاني موضحا موقف
الباضية من المتشابه خاصة في قضية الستواء ونفي الرؤية وخلق القرآن.
أما الباب الثالث :فقد حرصنا فيه على تحليل مسألتين تتعلقان بأسس الصلبة بين ال وبين النسان،
فجاءت أولهما في الفصل الول وهي قضية القضاء والقدر وما يتعلق بها من مباحث وجاءت
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الثانية في الفصل الثاني وهي قضية الوعد والوعيد وما يتعلق بها من مباحث.
تلك هي دعائم هذا البحث وإن بدت واضحة الن فإننا لم نصل إلى ذلك إل بعد أن اعترضتنا
صعوبات جمة أبرزها:
-عناء في استقراء عدد كبير من المخطوطات وضبط فهارس لتحديد موضوعاتها ولتيسير
الستفادة منها عند الحاجة.
-عناء في ضرورة الطلع على أكثر ما يمكن من نصوص غير إباضية لننا قررنا منهجا مقارنا
من بداية البحث.
-عناء في التنسيق بين هذه النصوص مع ضبط إطارها الزمني .مع العلم أن هذا التحديد الزماني
والمكاني كلفنا نصيبا من العناء ،إذ كثيرا ما تعوزنا المادة الكافية فنضطر إلى اعتماد مصادر من
المراحل السابقة أو اللحقة ،أو مصادر من إباضية عمان رغم أن البحث ينحصر في إباضية
المغرب يعني جبل نفوسه وزوارة وجربة ووادي ميزاب ( )11وقد حرصنا على ذكر ذلك في إبانة،
وهذا ل يعتبر خلل في البحث لن علماء هذه المرحلة استفادوا ممن قبلهم وقد أخذ من جاء بعدهم
عنهم ،بل في كثير من الحيان نطعم مواقف الباضية بمواقف لغير الباضية وذلك في مواطن
التفاق.
ومهما حاولنا أن نلم بشعب العقيدة السلمية بين مختلف الفرق بمنهج مقارن فإنه يصعب اللمام
بكل شتاتها لذلك جاءت الشارات إلى هذه الفرق حسب مقتضيات البحث وحسب توفر ما أمكن
توفره من المصادر والمراجع ،وقد حرصنا على الرجوع إلى مصادر كل فرقة بصفة مباشرة إل إذا
تعذر ذلك ،كل ذلك رغبة منا في المانة العلمية بقدر المكان.
كما حاولنا أن نوفر بين يدي القارئ كل ما يساعده على الفهم ،ونلح خاصة على ما سعينا إلى
توفيره من تراجم لكل من ذكرنا من علماء الباضية –إل ما تعذر علينا من تراجم بعض علماء
عمان -وذلك لعدم توفر جلها في كتب التراجم المتداولة ،ونلح أيضا على ما يوفره البحث من
نصوص ،وقد يطول الستشهاد بها عن قصد ،لن هذه النصوص هي دعامة هذا البحث ومنطلقه،
والكثير منها ضرب من التحقيق لنها مقتبسة من مخطوطات نادرة وكل ذلك حتى ل تتهم استنتاجانا
بالدعاء ،وحتى يتمكن القارئ من المقارنة بينها وبين ما يتوفر بين يديه من نصوص غير إباضية
لجأنا إلى إيراد شيء منها أحيانا وإلى الحالة على مصادرها أحيانا أخرى.
وتبقى في النهاية خاتمة البحث في رأينا سبيل من سبل تبيين حاجة المسلمين إلى توظيف تراثهم
لتتضح أمامهم مسالك المستقبل.
تلك هي قصارى الجهد ،فما كان من سداد في هذا البحث فمن ال وما كان من خطاء فمني ،ومهما
تبين لك أن العمل متكامل فإنك تحس إذا رجعت إليه أنه في حاجة إلى تشذيب وتحسين ،وتكفينا في
هذا قولة أبي الفرج الصبهاني ":إني رأيت أنه ل يكتب إنسان كتابا في يومه إل قال في غده ،لو
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
غير هذا لكان أحسن ،ولو زيد كذا لكان يستحسن ،ولو قدم هذا لكان أفضل ،ولو ترك هذا المكان
أجمل ،وهذا من أعظم العبر ،وهو دليل على استيلء النقص على جملة البشر.".
ونحمد ال تعالى أن رفع عن الناس الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه كما ثبت في الحديث
الشريف.
=======================
( )11وقد انحصر الباضية في المرحلة المقررة في هذه المناطق .انظر الخرائط في آخر البحث . 837 .834
الباب الول :الطار العام للقضية :الفصل الول :الباضية وتسمية الفرق
تمهيد:
هل امتثل المسلمون وأهل الكتاب من قبل لهذه النصوص وأمثالها وكانوا أمة واحدة؟.
إن الناظر في حياة المم قديمها وحديثها ل يحار في الجابة عن هذا السؤال.
نعم تفرق الناس فكانوا ملل ونحل ،وشيعا وأحزابا ،وفرقا ومذاهب شتى ،هذا شأن البشر ،مذ عرف
للنسان تاريخ ،فلهل الصين مذاهبهم وكذا أهل الهند وأهل فارس وكذا أهل الكتاب.
لعل يرجع إلى أمر غريزي في النسان إذ لكل شخص ميوله الخاصة ،لكن لو كلن المر على هذه
الحال لكون كل إنسان فرقة لذاته وفي هذا نظر.
أو لعله يرجع إلى تفاوت الناس في مداركهم العقلية مما يحتم اختلفا في وجهات النظر تجاه
الحداث والنصوص المعتمدة،ولكل ديانة نصوصها.
أو لعل المر يعود إلى حب الذات واتباع الهوى واحتقار الخرين.
كل هذه الفتراضات متفرقة أو مجتمعة يمكن أن تكون من أسباب افتراق الناس إلى طوائف.
فالختلف بين الناس ليس أمرا غريبا بل هو قانون من قوانين الحياة ولوله لظلت الحياة على
وتيرة واحدة من أقدم العصور.
ولكن المشكل الذي يحار العقل في استكناهه هو ما ينتج عن هذا الفتراق من تنازع وتدابر وتنافر
قاست البشرية منها ويلت وما تزال.
وهذا الداء يكون عياء إذا كان النزاع بين أهل الرسالت السماوية وبصفة أخص بين المسلمين
بداية من العقد الرابع من القرن الول للهجرة.
وهذا ما دفع المعري ( )1057 -973 / 449 -363إلى أن يصيح من أعماق محابسه
الثلثة.......:ليت شعري ما الصحيح؟
ليست مهمتنا في هذا البحث أن نحل اللغز الذي حير المعري وغيره من المفكرين وإنما يحدونا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المل على أن نفهم جانبا من واقع المة السلمية -وهي وإن تعددت فيها الفرق ما تزال تحمل اسم
المة -انطلقا من قسم من تراثها حسب مقتضيات موضوع البحث.
ول يخفى على أي باحث أن كل قضية هي جزء ل يتجزأ من نظام فكري متكامل إل أن المنهج
العلمي يفرض التجزئة من أجل بلوغ الحقيقة فل بد إذن من عزل الخلية عن كيانها لوضعها تحت
المجهر.
فلنحاول أن نضع قضية الفتراق تحت مجهر البحث لندرك ما الذي جعل كتب المقالت والملل
والنحل تسمي الباضية إباضية وتحشرهم في زمرة الخوارج؟ وما هو رد فعل الذين أطلقت عليهم
هذه التسمية من خلل تراثهم عامة وبصفة خاصة في المرحلة المقررة في البحث؟.
تجمع كتب المقالت والملل والنحل ( )1أن جميع الفرق السلمية ترجع إلى اتجاهات ثلثة أطلقت
عليها هذه التسميات :أهل السنة ،الشيعة ،الخوارج.
ثم تحرص على أن تكون الحصائية مطابقة لحديث الرسول عليه السلم " :افترقت اليهود على
إحدى وسبعين فرقة ،والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلثة وسبعين
فرقة".
وفي رواية أخرى " :ستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلهن إلى النار ما خل واحدة ناجية
كلهم يدعي تلك الواحدة" (. )2
ثم بعد هذا الجماع ينطلق الختلف حول ادعاء الفرقة الناجية.
وأنت وإن قرأت تراث كل فرقة على حدة تحسب أنه ل يوجد في المة السلمية إل أهل اليمان
والصلح والتقوى بحيث ل تشك بأنهم جميعا من أهل الجنة (. )3
وإن أنت قلبت الصفحة وقرأت قراءة ثانية من خلل موقف كل فرقة من الفرق الخرى تخلص إلى
أن جميع المسلمين كفار وأنهم جميعا من أهل النار.
وتجدر الشارة إلى أن هذا التقسيم للمة جاء يعكس أحداث الفتنة الكبرى التي انطلقت بمقتل عثمان
سنة ( )4( )656 /35وما يزال المسلمون إلى يومنا هذا يتنفسون ما تصاعد منها من دخان .وهذه
أهم المراحل لمجرد التذكير.
واستمر الصراع بين هذه الكتل على أشده حتى انتهت الدولة الموية فواصلت الدولة العباسية نفس
المنهج في هذا الصراع.
والمشكل المطروح هنا كيف انبثقت هذه التسميات التي استقرت في كتب التاريخ وكتب المقالت؟
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ولم تحولت كتلة معاوية وبالتالي المويين إلى أهل السنة وصارت جماعة علي شيعة واعتبرت
المحكمة خوارج؟
يصعب أن نقرر رأيا نهائيا في القضية وليس لنا أن نأتي بالقول الفصل في معضلة سال في شأنها
من المداد ما ل يقدر.
لكن الذي ل نشك فيه هو أن هذه التسميات المستحدثة تعكس مجرى الحداث في القرن الول نعني
الحداث السياسية والسياسة جزء من الدين كما ل يخفى.
===============
( )1نذكر على سبيل المثال:
-أبا الحسن الشعري ( :)942 /330مقالت السلميين واختلف المصلين تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد .ط 2مكتبة
النهضة المصرية 1969 /1389جزآن.
-محمد بن أحمد المالطي ( :)988 /377التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع .تحقيق محمد زاهد الحسن الكوثري .مكتبة
المثنى ببغداد ومكتبة العارف بيروت .1968 /1388
-عبد القاهر البغدادي ( :)1037 /429الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم .منشورات دار الفاق الجديدة .بيروت
.1980 /1400
-علي بن أحمد بن حزم( :)1064 /456الفصل في الملل والهواء والنحل ط 1321 -1317 1هـ 5 .أجزاء في 4مجلدات.
-محمد بن عبدالكريم الشهير ستاني ( :)1153 /548الملل والنحل .ط 1بمصر .1320 /1317 .بهامش كتاب الفصل لبن حزم .
وينتهي بالفصل الثالث.
( )2الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح .ط 2المطبعة السلفية ،القاهرة 1349الحديث عدد .1/13 :41
ر .المحشي :حاشية علي كتاب الوضع .البارونية .القاهرة 1305هـ ،ص .67
ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان .البارونية .القاهرة 1306هـ.28 /1 ،
ر .السالمي :شرح الجامع الصحيح ،ط .2المطابع العالمية سلطنة عمان .د.ت .70 -66 /1
ر .المحشي :حاشية الترتيب (أي الجامع الصحيح) المطبعة الشرقية .سلطنة عمان .65 -63 /1 ،1982 /1402
ويقول جولد تسيهر ":ويرجع أغلب الخطأ في هذا إلى علماء الكلم المسلمين أنفسهم إذا أساؤوا فهم حديث من الحاديث النبوية
قصد به في الصل تمجيد السلم ،وإعلء شأنه فخصه بقدر من الفضائل والمزايا بلغت في عددها ثلثة وسبعين تقابلها من
الفضائل اليهودية إحدى وسبعون ومن المسيحية اثنتان وسبعون .ففهمها الكلميون على أنها ثلث وسبعون فرعا أو فرقة".
جولد تسيهر :العقيدة والشريعة في السلم .ط 2مصر .1959ص .187ونلحظ أن هذا المستشرق قلب الحديث إلى حسنة من
حسنات المسلمين .وقد نشر عمر بن جمادي مقال موسعا في مجلة Cahiers De Tunisieالعدد 15السنة .1981بين فيه
مختلف الروايات واستقر رأيه على أن الحديث من وضع أهل السنة ص .357 -287
ر .أبو داود :سنة .1الترمذي إيمان .18ابن ماجه :فتن .17احمد ابن حنبل . 3/145 .2/332ر.ونسنك :المعجم المفهرس
.5/13
( )3ر .المحشي :حاشية الترتيب(الجامع الصحيح) يقول هذه الواحدة الناجية هي ما عليه أهل الدعوة 64 /1.يعني الباضية.
( )4عثمان بن عفان( )656 -643 /35 -23ولدته 47ق هـ.557 /
ر .الزركلي :العلم ط .4/31 1954 /1374 .2
( )5علي بن أبي طالب ( )660 -656 /35ولد سنة 23ق هـ.600/
ر .الزركلي :العلم .108 -107 /5
( )6معركة الجمل (cf.EL 2II. 425 -427 .)656 /36
( )7صفين :بكسر الصاد والفاء مشددة ،موضع الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي وفيه وقعت الحرب بين علي
ومعاوية.ر .ياقوت الحموي :معجم البلدان 414 /3وعن المعركة ر .كوبرلي الطروحة 12 -11 /1وقد أحال على أهم المصادر
والمراجعcf.EL.IV. 422 -25 .
( )8معاوية بن أبي سفيان ( ،)680 -661 /60 -40ولدته 20ق هـ .ر .الزركلي العلم .173 -172 /8
( )9أول من حكم عروة بن أدية(ت " .)678 /58أقبل على الشعث فقال :ما هذه الدنيئة يا أشعث وما هذا التحكيم .أشرط أوثق
من شرط ال عز وجل" .المبرد .الكامل مكتبة المعارف بيروت د.
واضح أن عروة وأتباعه هم الذين اشتهروا بها .ثم صارت شعارا للمحكمة" :ل حكم إل ل" بمعنى القول الفصل ل دون الرجال
فإذا ورد نص فل سبيل إلى اللجوء إلى الناس( انظر مناظراتهم مع ابن عباس) .المبرد :الكامل ،2/156وانظر خلفة عثمان
وعلي عند القلهاتي :كتاب الكشف والبيان تحقيق محمد بن عبد الجليل حوليات الجامعة التونسية عدد 1974 ،11خاصة ص
.235 -225
ر .الشعري :المقالت 1/210حول أول من حكم وللتعريف بعروة
ر .الزركلي :العلم .17 -16 /5وللتعريف بالشعث بن قيس (ت )661 /40ر .الزركلي :العلم .334 – 1/333
إن موازين القوى ودولب الحكم استقرت لدى المويين لذلك صاروا الممثل الرسمي فهم حينئذ أهل
السنة ( )10ول يخفى ما في هذه التسمية من استهواء للعامة وحتى الخاصة ،ونحن نعلم مؤازرة
كثير من العلماء للحكام باسم اختيار أخف الضررين ثم إن مرور الزمن أعطى هذه التسمية نوعا من
القداسة إلى أن نسيت كلمة أهل وتحولت إلى النسبة المباشرة؛ سني وسنيون .وإذا علمنا أن جل من
وصلت إلينا كتاباتهم في الفرق ينتمون إلى هذا التيار نتبين كيف ينبغي الحتراز من مثل هذه الكتب.
أما كتلة علي بن أبي طالب ( )660 /40التي كانت في المنطلق مدافعة عن حق شرعي ومخمدة
لثورة معاوية الهادفة سرعان ما رميت بالعلوية ثم بالشيعة وواضح ما في كلمة التشيع من روح
التعصب للشخاص ل للمبادئ ،وزاد القضية استفحال قصر المامة على آل البيت ففي هذه التسمية
حينئذ حرب نفسية ضد هذه الكتلة التي عملت الدولة الموية على استيعابها أحيانا وعلى إبادتها
أحيانا أخرى ومع ذلك فإن هؤلء تحمسوا للتسمية وتبنوها.
وللمرء أن يتساءل أليس لهؤلء نصيب من السنة أم أن جميع ما جد فيهم من انحراف أو ما نسب
إليهم سجل ،بينما تناسى الناس ما جد في الدولة الموية من انحراف وظلوا يسمونهم أهل السنة
وإن كان بعض خلفائهم منحرفين.
نكتفي بهذه الشارة السريعة إلى كتلة المام علي ،ولنقف عند الكتلة الثالثة لنها منطلق بحثنا.
فلماذا لم يبق هؤلء محكمة وصاروا خوارج ثم أهل الهواء والبدع؟ ل شك أن هذه الكتلة أذاقت
كتلة معاوية -المويين ثم أهل السنة -المرين ( )11لن المنتمين إليها رفعوا شعارا يرجو كل مسلم
تحقيقه ،أل وهو أن إمامة المسلمين ليست مقصورة ل على القرشيين عامة ول على آل البيت وإنما
هي حق لكل من توفرت فيه شروطها هذا مع ما أوتوا من فصاحة إلى حد أن عبد الملك بن مروان (
)12( )705 -685 /86 -65اكتفى بسجن واحد منهم بعد أن كان عازما على قتله وهو يقول":
لول أن تفسد بألفاظك أكثر رعيتي ما حبستك" (. )13
وبما أن هذه الكتلة كانت من القوة بمكان فل سبيل إلى محاربتها إل بسلح ديني فتاك أل وهو تهمة
الخروج من الدين (. )14
والمبرد -ويبدوا أنه علوي ،إذ يصلي على علي وعترته في كل كتابه -وإن أتى بأخبار هذه الكتلة
تحت عنوان" من أخبار الخوارج" فإنه يورد الحديثين اللذين يثبتان أن الخروج يعني المروق من
الدين.
أما الول فقد جاء نصه كما يلي :بعد انتقاد رجل وصف" بأنه مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ
الجبهة" لقسمة الرسول عليه السلم لغنائم جاءت من اليمن أدى إلى غضبه عليه السلم فقال:
"إنه سيكون من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل
فل ترى شيئا وتنظر من الرصاف ( )15فل ترى شيئا وتتمارى في الفوق (. )17( " )16
وأما الحديث الثاني فيروى عنه عليه السلم أنه لما وصفهم قال " :سيماهم التحليق يقرأون القرآن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ل يجاوز تراقيهم علمتهم رجل مخدج ( )18اليد" .وفي حديث عبدال بن عمرو " :رجل يقال له
عمرو ذو الخويصرة أو الخنيصرة" ( )19هذا ما ذكره المبرد ويحسن أن نشير إلى المهلب بن أبي
صفرة ( )20( )702 -628 /83 -7في ما نسب إليه من افتراء الحاديث على الخوارج.
===================
( )10ر .ابن العربي :العواصم من القواصم (199تعليق )1في شان الصلح بين معاوية والحسن وذلك سنة 661 /41وقد سمي
عام الجماعة فاستقر المر للمويين فاختاروا أحسن السماء .ويقول السالمي ":تسمية أهل السنة ،فإنه كان في الزمن الول
قبيحا لكون المراد بالسنة السّنة التي سنها معاوية في سب علي وشتمه على المنابر ،فصار ذلك سنة ينشأ عليها الصغير ويموت
عليها الكبير حتى غيرها عمر بن عبد العزيز ،فأهل تلك الحال هم أهل السنة في ذلك الزمان ،ثم اندرس هذا السبب واختفى
فتمدحوا بذلك وجمعوا بين المتضادين (معاوية وعلي) في وظنوا أن السنة سنة النبي الولية وهم يعلمون أن الحق مع فريق
منهم ،وخالفوا سنتهم الولى حين صارت الدولة لبني العباس من بني هاشم" .السالمي :شرح الجامع الصحيح .59 /1.وهذا
نص اللعن ":اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فألعنه لعنا وبيل وعذبه عذابا اليما" محمد ماهر حمادة :الوثائق
السياسية والدارية العائدة للعصر الموي بيروت 1974 /1394ص ،106عن شرح نهج البلغة .778 /1
( )11ر .المبرد :الكامل .393-2/121
( )12عبد الملك بن مروان( )705-685 /86-65ر .الزركلي :العلم .4/312
( )13ر .المبرد :الكامل .2/171
( )14الخوارج " :كان في الزمن الول مدحا لنه جمع خارجه وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل ال تعالى .قال عز
وجل ( 9التوبة .)46ثم صار ذما لكثرة تأويل المخالفين ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة أحاديث الذم في من اتصف بذلك
آخر الزمان .ثم زاد استقباحه حين استبد به الزارقة والصفرية ،فهو من السماء التي اختفى سببها وقبحت لغيرها ،فمن ترى
أصحابنا (الباضية) ل يتسمون بذلك ،وإنما يتسمون بأهل الستقامة لستقامتهم في الديانة" .السالمي :شرح الجامع الصحيح
.1/59أما الشعري فيقول " :وللخوارج ألقاب :فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج ،ومن ألقابهم –الحرورية – ومن
ألقابهم :الشراة والحرارية ،ومن ألقابهم المارقة ،ومن ألقابهم الحكمة وهم يرضون بهذه اللقاب كلها إل المارقة ،فإنهم ينكرون
أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية ،والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب والذي
له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم :ل حكم إل ال ،والذي له سموا حرورية نزولهم بحرواء في أول أمرهم ،والذي له
شراة قولهم :شرينا أنفسنا في طاعة ال ،أي بعناها بالجنة .والكور التي الغالب عليها الخارجية :الجزيرة ،والموصل ،وعمان ،
وحضرموت ،ونواح من نواحي المغرب ،ونواح من نواحي خراسان ،وقد كان الرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له
سجلماسة على طريق غانة" .الشعري :المقالت 1/207واضح أن الشعري سكت عن مفهوم الغزو في سبيل ال ،كمال غفل
من أن المحكمة يعتبرون أن عليا خرج عن بيعته عندما قبل التحكيم ،ولذلك هم استتابوه ،ول يعتبرون أنهم خرجوا عنه ،إل أنه
بين أنهم يرفضون لقب المارقة وهذا أمر طبيعي إذ ل يمكن لمسلم أن يقبل مثل هذا اللقب ،وإن ارتبط بعد حين باسم الخوارج.
( )15الرصافة :عقبة تشد على مدخل سنخ النصل .ج رصائف .يقال رصف السهم أي شد عليه رصافه.
( )16الفوق :من السهم :حيث يثبت السهم منه "،هما فوقان ج فوق وأفواق.
( )17وقوله عليه السلم ":من ضئضئ هذا" -من جنس هذا -مرق السهم من الرمية ،إذا نفذ منها ،وأكثر ما يكون ذلك أن ل
يعلق به من دمها شيئ" المبرد :الكامل .2/142
وقد بين السالمي أن الحديث ورد في البخاري مع ما بين النصين من اختلف وبرأة من الكذب إل أنه أشار إلى أنه" يأخذ عن
أهل الهواء" .شرح الجامع الصحيح .ثم أورد نصوصا من سير الشماخي والسير العمانية في الثناء على أهل النهروان وألح
على أن المخالفين( غير الباضية يروون أحاديث غير صحيحة أو يتأولون.
ثم يبين الحديث عندنا (الباضية )في علماء السوء وفي كل من خالف عمله .شرح الجامع الصحيح ε .1/58كتاب ال وسنة
رسوله
كما يمكن أن يحمل على غلة الخوارج من الزارقة والصفرية و القائلين بشرك أهل الكبائر فإنهم يجتهدون في التحرز والعبادة
لئل يقعوا في الشرك ...وحمله على كل من خالف الحق في عبادته أظهر .السالمي :شرح الجامع الصحيح ."1/59
أما المحشي في حاشية الترتيب( الجامع الصحيح) فقد اكتفى بالشرح اللغوي .1/55وقد ورد الحديث عند الربيع بن حبيب:
الجامع الصحيح 1/12عدد .36
وقد أخرجه البخاري في باب من ترك قتال الخوارج للتألف.ر .ابن حجر :فتح الباري .القاهرة 1348هـ .246-12/244
( )18مخدج :من خدج أي نقص ،لم تكتمل خلقه يده.
( )19وبين المبرد مدى اللحاح للعثور على الرجل المخدج في قتلى أهل النهروان ر .المبرد :المتكامل .2/163والكلم عن ذي
الخويصرة وتعريفه تردد المؤرخون في شأنه كثيرا ر .ابن حجر :فتح الباري.21/245 ،
( )20المهلب بن أبي صفرة( )702-83/628-7ولد في دبا ونشأ بالبصرة ،وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر .انتدب لقتال
الزارقة فلقي منهم الهوال ،ثم تغلب عليهم فقتل الكثير وشرد الكثير .ولي خراسان 698-79ومات فيها ر .الزركلي :العلم /8
.260
فالتسمية مغرضة حينئذ وإن لطفت في كثير من الحيان بتغطيتها بالخروج السياسي على علي بن
أبي طالب( )660 /40وإن كان المر على هذه الحال فلماذا لم يسم طلحة ( 28ق هـ -596 /36
)21( )656والزبير ( ، )22( )656 /36وقد خرجا على علي من قبل ،خوارج ولم يطلق هذا السم
على معاوية إذ هو الخر شق عصا الطاعة على الخليفة الشرعي ووقف ليحاربه في صفين أل أنه
خرج يطالب بدم عثمان؟ أم لنه انتصر في ما بعد بالخديعة التي أقرها جميع المؤرخين بمن فيهم
أنصار معاوية إل أنهم اعتبروها من باب الدهاء والحكمة بينما اعتبرها الخرون من باب الخيانة
وكفى.
ثم أضافت كتب الملل والنحل ثلث صفات قارة للخوارج :أهل الهواء .أهل البدع والمارقة .عدا
بعضا منها تنسب شيئا من العتدال أو القرب من السنة أو من أهل السنة لبعض الفروع المنبثقة
من الخوارج ( )23إل أن هذا العنوان الخير يغطي عادة ذلك العتدال.
بهذا نفهم أن هذه التسميات لم تكن منزلة كما أنها لم تكن اعتباطية وإنما هي تابعة من واقع مرير
عرفه المسلمون إثر ثلثين سنة من المن والطمأنينة عرفوها تحت ظلل السلم الصرف الذي لم
تشبه شائبة المشاكسة والفتراق (. )24
وقبل أن نبين موقف الباضية من هذه الحداث من خلل تراثهم يحسن أن نثبت نصوصا متضاربة
في الحكم لمن عرفوا بالخوارج أو عليهم.
فهذا المام علي عندما سئل عنهم قال ":هم من الكفر فروا" (. )25
وهذا المبرد يقول ":والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذيب ومن ذي المعصية الظاهرة" (
. )26
وهذا عروة بن أدية (تـ )678 /58يموت شهيدا لنه قال كلمة حق أمام سلطان جائر وذلك عندما
سأله زياد ابن أبيه ( )27( )673 -622 /53 -1عن نفسه فقال :أولك لزينة وآخرك لدعوة وأنت بعد
عاص لربك" (. )28
وهذا قول أحمد أمين (1954 -1886 /1374 -1374م) ":لقد كان في الخوارج كل العناصر التي
تكون الدب :عقيدة راسخة ل تزعزعها الحداث وتحمس شديد لها ،تهون بجانبه الرواح
والموال ،وصراحة في القول والعمل ل تخشى بأسا ول ترهب أحدا ،وديمقراطية حقة ل ترى المير
إل كأحدهم ول العظيم إل خادمهم ،ورسم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه رسما مستقيما واضحا ل
عوج فيه ول غموض يجب أن يعدل الخليفة والمراء ،وإل يقاتلوا حتى يعزلوا أو يقتلوا ويجب أن
يسير المسلمون حسب نصوص الكتاب والسنة من غير أن ينحرفوا عنها قيد شعرة ،وإل يقاتلوا
ليحل مسلمون مخلصون طاهرون ،ويجب أن يسلك السبيل إلى ذلك من غير تقية ومن غير مجاملة
ول مواربة ويجب أن يقابل الواقع كما هو ويشخص كما هو ويعالج كما هو على طريقة عمر بن
الخطاب ل على طريقة عمرو بن العاص.
ووراء ذلك كله نفوس بدوية -غالبا -فيها الستعداد للقول وفصاحة اللسان وفيها كل ما نعهده في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
البدوي من قدرة على البيان وسرعة البديهة وأداء للمعنى بأوجز عبارة وأقوى لفظ" (. )29
إنك إذا قرأت هذه النصوص ما أخالك إل أن ترجو من ال تعالى أن يجعلك خارجيا وأن يميتك
خارجيا وأن يحشرك في الجنة خارجيا لن مثل هذه الصفات ل تحيد عن القرآن والسنة قيد أنملة إذ
هم فروا من الكفر وهم أسود النهار ورهبان الليل ل يعرف الكذب والمعصية إليهم سبيل ،كما أنهم
يصدعون بكلمة الحق ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة.
وهذه شهادات من غير الخوارج أما إذا قرأن إنتاجهم وهو مثبوت في كتب الدب والتاريخ فإنك
سترى العجب العجاب مما يجعلك تقر أنهم مسلمون بأتم معنى الكلمة.
لكن رويدا ول تتسرع في حكمك واقرأ ما جاء عن الخوارج في كتب المقالت وخاصة ما نسب إلى
بعض الفرق منهم.
وخذ لك على سبيل المثال قول الشعري ( ":)942 /330( )30فالفرقة الولى منهم (الخوارج
الباضية) يقال لهم الحفصية" كان إمامهم حفص ابن أبي المقدام" .زعم أن بين الشرك واليمان
معرفة ال وحده فمن عرف ال سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل الخبائث
من قتل النفس واستحلل الزنا وسائر ما حرم ال من فروج فهو كافر برئ من الشرك. )31( "...
=====================
( )21طلحة بن عبدال بن عثمان التميمي( 28ق هـ )656-36/596-ر .الزركلي :العلم .3/333
( )22الزبير بن العوام السدي(ت )36/656ر .الزركلي :العلم .3/74
( )23انظر مثل أبا زهرة :تاريخ المذاهب السلمية .ط دار الفكر العربي د ت .1/91
( )24عدا ما حدث يوم السقيفة عند وفاة الرسول عليه السلم.
( )25وقال أيضا ":ولما فقد علي تلك الصوات بالليل كأنها دوي النحل قال :أين أسود النهار ورهبان الليل" .السالمي :شرح
الجامع الصحيح .1/57
( )26المبرد :الكامل.2/134 :
( )27زياد ابن أبيه( )673-53/622-1من أهل الطائف .أسلم في عهد أبي بكر .وله علي ابن أبي طالب إمرة فارس ،امتنع عن
معاوية .ثم ألحقه معاوية بنسبه سنة 44/664لما تبين له أنه أخوه من أبيه(أبي سفيان) فكان عضده القوى .ززله البصرة
والكوفة وسائر العراق .فلم يزل في وليته إلى أن توفي .ر .الزركلي :العلم .90-3/89
( )28ر .المبرد :الكامل .2/134
( )29أحمد أمين :ضحى السلم.ط 7مكتبة النهضة المصرية .القاهرة1964 .
( )30الشعري )936 -324/847-260(:أبو الحسن علي بن إسماعيل من نسل الصحابي أبي موسى الشعري .مؤسس مذهب
الشاعرة.كان من الئمة المتكلمين المجتهدين .ولد في البصرة وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم .ثم رجع وجاهر بخلفهم.
وتوفي ببغداد ر .الزركلي :العلم .5/69مع ملحظة أن محقق المقالت أقر تاريخ الوفاة سنة .330/942
( )31الشعري:المقالت .1/183
ويقول الملطي( ": )32( )988 /377فأما الفرقة الولى من الخوارج فهم المحكمة الذين كانوا
يخرجون بسيوفهم في السواق فيجتمع الناس على غفلة فينادون :ل حكم إل ل ويضعون سيوفهم
في من يلحقون من الناس ،فل يزالون يقتلون حتى يقتلوا" (. )33
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويقول البغدادي( ": )34( )1037 /429والذي جمعهم (الزارقة) من الدين أشياء منها قولهم بأن
مخالفيهم من هذه المة مشركون ...ومنها قولهم إن القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة
مشركون وإن كانوا على رأيهم. )35( "...
ول أخال إنسانا يتمنى أن يكون خارجيا بعد أن يقرأ مثل هذه النصوص التي يستحل بعض أصحابها
ما حرم ال ويكفرون بالرسل ويروعون الناس في السواق ويعتبرون مخالفيهم مشركين.
وليس لنا في نهاية المر أن ننتصب حماة للخوارج أو مشنعين عليهم وإنما غايتنا بإيراد القسم
الثاني من هذه النصوص أن نبين ما جنت على الباضية خاصة من العنت والعناء وما يزال
علماؤهم يكتبون -وهم في قفص التهام -لبعاد هذا النسب ولمسح هذه التهم وما يزال الناس
يكتبون عن الفرق وعمدتهم هذه المصادر وأمثالها فيزيدون في تركيز هذه التهم وإبعاد الهوة بين
الباضية وبين بقية المسلمين وكأن الباضية ليسوا من السلم في شيء ،لنهم هم الصنف الوحيد
الذي بقى من هؤلء الخوارج (. )36
والسؤال المطروح الن تقليدي عند الباضية -هل الباضية من الخوارج؟ وإن كان غير الباضية
يعتقدون أن الخارجية قصرت عليهم الن وكفى.
لقد اتسمت الحركة الباضية بالسرية الكاملة في بداية نشأتها ولذلك يصعب على غير الباضية أن
يتصوروا بوضوح حقيقة علقة هذه الحركة بحركة الخوارج.
)1أن المعارضة التي مني بها عثمان في الست سنوات الخيرة من حكمه شرعيه ،وهي منبثقة من
الواقع السلمي ول دخل ليد أجنبية في ذلك إذ تسكت المصادر عن دور عبدال بن سبأ ( )37المر
الذي تلح عليه المصادر الخرى.
)3طلحة والزبير ومن معهما هم الفئة الباغية ومحاربة علي إياهم واجب شرعي (. )38
)7يبرءون من علي لقتله أهل النهروان ( مكرر )39ويعتبرون أن عليا لم يقتلهم عن ديانة وإنما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وخلصة القول إن المحكمة على حق يرون مثلهم العلى في الحكم خلفة أبي بكر وست سنوات من
خلفة عثمان وخلفة علي حتى قبوله التحكيم.
=================
( )32الملطي(ت )377/987محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي المقرئ .قال عنه ابن الجزري :نزيل عسقلن.
فقيه .مقرئ متقن ثقة .مات بعسقلن سنة .377/987ر .مقدمة كتاب التنبيه لمحمد زاهد حسن الكوثري حررها بالقاهرة
.1368/1949
( )33الملطي :التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع.64:
( )34البغدادي(ت )429/2037عبد القاهر بن طاهر البغدادي .ولد ونشأ في بغداد ،ورحل إلى خراسان فاستقر في نيسابور،
ومات في اسفرائين .من أثمة الصول ر .الزركلي :العلم .4/173
( )35البغدادي :الفرق بين الفرق.63-62:
( )36كل من بشير إلى تعداد الفرق أو يذكر الباضية يشير إلى ذلك ،ومن ذلك ما يذكره أبو زهرة في كتابه :تاريخ المذاهب
السلمية " :1/91الباضية هم أتباع عبدال بن اباص وهم أكثر الخوارج اعتدال وأقربهم إلى الجماعة السلمية تفكيرا فهم
أبعدهم عن الشطط والغلو ولذلك بقوا".
وكذلك ما يقوله محمد عبده( " :)1905-1323/1849-1265وغل الخوارج فكفروا من عداهم...وانتشرت فأرتهم في أطراف
البلد ولم يكفوا عن إشعال الفتن .وبقيت منهم بقية إلى اليوم في أطراف إفريقيا وناحية من جزيرة العرب .ويعلق رشيد رضا بما
يلي " :إنه يعني بهذه البقية الباضية ...ولكن الباضية يتبرأون من الخوارج الذين يكفرون من يخالفهم كالصفرية والزارقة".
محمد عبده :رسالة التوحيد ،12تعليق عدد ،1ط 15دارالمنار .مصر .1372وعن محمد عبده ر.الزركلي :العلم .7/131
( )37عبدال بن سبأ(ت نحو )40/660رأس الطائفة السبئية .وكانت تقول بألوهية علي .أصله من اليمن ،قيل كان يهوديا
وأظهر السلم.رحل إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان فأخرجه أهلها ،فانصرف إلى مصر
وجهر ببدعته.ر .الزركلي:العلم .4/220
( )38جابر بن زيد (ت )710/711/-93وأبو بلل(ت )61/680اتصل بأم المؤمنين عائشة(9ق هـ )678-58/613-وعاتباها
فتابت".ر .البرادي :الجواهر .المطبعة البارونية .القاهرة ، 1302ص ،105الشماخي :السير ،المطبعة البارونية ،القاهرة
1301هـ،ص .67
( )39عبدال بن وهب الراسبي(9صفر 38/17جوان :658هو عبدال بن وهب بن راسب بن يدعان بن مالك بن نصر من الزد،
وهي قبيلة نزلت البصرة.أدرك النبي صلى ال عليه و سلم ،وشارك في فتوح العراق بقيادة سعد بن أبي وقاص ( .)55/674كان
من أنصار علي في حروبه ،ثم أنكر التحكيم.بايعته المحكمة عندما ثبتت خدعة الحكمين في (20شعبان 37/31جانفي
.)658فطلب منهم علي الخروج للمناصرة إل أنهم استتابوه وطلبوا منه الدخول في ما دخل فيه المسلمون.
وجاء في رسالة المحكمة إلى علي بن أبي طالب...:إن كنت صادقا فادخل في ما دخل فيه المسلمون من طاعة ال وطاعة رسوله
إمام المسلمين عبدال بن وهب الراسبي ،فقد بايعناه بعد خلعنا إياك لستحقاقك منا أن نخلعك ول وسع إل ذلك والسلم" سرحان
الزكوي :كشف الغمة ،ورقة .281
وقتله في معركة النهروان هانئ بن خطاب الرحبي وزياد بن حفصة في 9صفر 38/17جوان .658
ويعتبرون الباضية من أئمتهم.ر :الدرجيني :الطبقات ،2/210والشماخي:السير .51ر.عمار الطالبي :آراء الخوارج الكلمية
،95-1/88وقد توسع في ترجمته .ويقول الزركلي ":من أئمة الباضية كان ذا علم ورأي وفصاحة وشجاعة وكان عجبا في
العبارة .أدرك النبي صلى ال عليه و سلم " .العلم .4/288
( 39مكرر) النهروان :كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها العلى متصل ببغداد .وفيها عدة بلد متوسطة
.ر .ياقوت الحموي :معجم البلدان .327-5/324
( )40ر .البرادي :الجواهر ص .146
وقد كانت المصادر الباضية تسميهم المحكمة أو أهل النهروان أو الحرورية ( 40مكرر) ،أو
المسلمين أو جماعة المسلمين.
وكان على رأس هؤلء عروة بن أدية ( )41الذي قتله عبيد ال بن زياد ابن أبيه وأخوه أبو بلل
مرداس ( )42هو الذي انطلق شاريا إثر موت أخيه واتضح أمره خاصة مع عبيد ال بن زياد ()43
.
وقد رأينا أن أبا بلل اتصل بعائشة مع جابر بن زيد ( ، )44فبتحول موقف أبي بلل إلى الشراء
اعترفت المحكمة بالرئاسة لجابر بن زيد.
وقد سلك جابر بن زيد مسلك الكتمان والتقية ،وأمره بقتل خردلة ( )45أكبر دليل على ذلك.
وما أن صعد عبيد ال بن زياد العنف حتى ظهرت في صفوف المحكمة حركة تدعو إلى التخلي عن
الكتمان وإلى استعمال العنف ورد القوة بما هو أشد منها يتزعمها نافع بن الزرق (. )46
أما جابر بن زيد( )711 -710 /93ومن معه وخاصة منهم عبدال ابن اباض ( )47رأوا أل سبيل
إلى النجاة بحركتهم إل بالقعود وتركيز حركة ثقافية محورها حفظ تعاليم السلم (. )48
-حركة جابر بن زيد وقد بقيت محافظة على مسالك المحكمة وبقيت تحمل نفس التسميات التي
ذكرها نافع مع أن المنافح عنها بصفة علنية هو عبدال بن إباض ( )49مع تغليب التسميتين
الخيرتين "المسلمون" "جماعة المسلمين" وإضافة "أهل الدعوة".
-حركة نافع بن الزرق ومن واله ( )50وقد تبنت في ما تذكر المصادر غير الزرقية مبدأ رد القوة
بالقوة اعتمادا على السس التالية:
)2إقرار مبدأ الستعراض ( )51أي قتل كل من يعترضهم من المخالفين بما في ذلك الطفال
والنساء.
=====================
(40مكرر) وسبب تسميتهم الحرورية محاورة علي إياهم بحروراء :قيل هي قرية بظاهر الكوفة وقيل موضع على ملين منها .ر.
ياقوت الحموي ،معجم البلدان 2/245ويقول المبرد ":فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها ،فقال لهم علي
صلوات ال عليه :ما نسميكم؟ ثم قال :الحرورية لجتماعهم بحروراء ".المبرد :الكامل .2/136
( )41عروة بن أدية (ت :)58/678عروة بن حدير التميمي ،وأدية أمه .أول من قال :ل حكم إل ل ،وسيفه أول ما سل من
سيوف أباة التحكيم .وذلك أنه عاتب الشعث فشهر سيفه وضربه فأصابعجز بغلته ،وحضر حرب النهروان فكان أحد الناجين
منها وعاش إلى زمن معاوية فجيء به إلى زياد ابن أبيه ،فسأله عن أبي بكر وعمر فقال خيرا وسأله عن عثمان وعلي فأثنى
على عثمان في ست سنين من خلفته وشهد عليه بالكفر في البقية ،وأثنى على علي إلى يوم التحكيم ثم كفره( والكفر كفر نعمة
ل كفر شرك) فسأله عن نفسه فأغلظ له فأبقى عليه إلى أن كانت أيام عبيد ال بن زياد فقتله عبيد ال" .ر.الدرجيني :الطبقات
.225-2/214ر .الشماخي السير.67 :ر.الزركلي :العلم .17-5/16
( )42أبو بلل مرداس بن حدير(ت 61هـ :)680 /مرداس بن حدير بن عامر ابن عبيد بن كعب الربعي الحنظلي التميمي ،أبو
بلل ويقال له مرداس بن أدية وهي أمه ،من عظماء الشراة ،وأحد الخطباء البطال العباد ،شهد صفين مع علي ،وأنكر التحكيم،
وشهد النهروان وسجنه عبيد ال بن زياد في الكوفة ،ونجا من السجن فجمع نحو ثلثين رجل ونزل بهم في آسك (بالهواز بين
رامهرمز وارجان) وأذاع في الناس أنه لم يخرج ليفسد في الرض ول ليروع أحدا ،ولكن هربا من الظلم ،وأنه ل يقاتل إل من
يقاتله ،ول يأخذ من الفيء إل أعطياته وأعطياته أصحابه ،فوجه إليهم عبيد ال بن زياد جيشا كبيرا فهزموه ووجه ثانيا يقوده
عباد بن علقمة المازني فنشب قتال في يوم جمعة إلى الظهر ،وتوادع الفريقان إلى ما بعد الصلة فلما كان مرداس وأصحابه في
صلتهم أحاط بهم عباد فقتلهم عن آخرهم وحمل رأس مرداس إلى ابن زياد.وهو أخو عروة بن حديد .ر :الدرجيني :الطبقات
،225-2/214ر :الشماخي :السير ،67-66ر :الزركلي :العلم .6/86ر .عوض خليفات :نشأة الحركة الباضية ،
ط.عمان.الردن1978.ص ،70وشك في انتصار 40على 2000ورجح أن الحوار أقنع القائد الموي أسلم بن زرعة بصحة
وجهة نظر مرداس .لكن السؤال المطروح كيف قوبل هذا القائد من سادته المويين؟ وكذلك أحببنا لو علق خليفات على الخيانة
التي اعتمدها القائد الثاني لستئصال مرداس وجماعته .وتبقى القضية فعل محل نظر.
( )43عبيد ال بن زياد ابن أبيه( :)686-67/648-28وال فاتح من الشجعان جبار خطيب ولد بالبصرة وكان مع والده لما مات
بالعراق فقصد الشام ،فوله عمه معاوية خراسان سنة ( )53/673فاقأم بخراسان سنتين ثم نقله معاوية إلى البصرة أميرا عليها(
)55/675فقاتل الخوارج واشتد عليهم وأقره يزيد على إمارته( )60/679وكان مقتل الحسين على يديه ،وثب عليه أهل البصرة
بعد موت يزيد ( )65/684فاختفى في الشام وقتله إبراهيم بن الشتر عندما تفرق عنه أصحابه في خازر من أرض الموصل.ر:
الزركلي :العلم .348-4/347
( )44جابر بن زيد( :)711-93/710هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الزدي الجوفي البصري العماني ،والجوفي نسبة إلى ناحية
بعمان .وأصله من فرق وهي بلدة من أعمال نزوى بالقرب منها ،وكان من اليحمد من ولد عمرو ابن اليحمد .ولد لسنتين بقيتا
من خلفة عمر بن الخطاب أي(سنة .)642-21/641رحل في طلب العلم وصاحب عبدال بن عباس وكا أشهر من صحبه وقرأ
عليه ،كما أخذ عن جمع غفير من الصحابة إذ يقول ":أدركت سبعين رجل من أهل بدر فحويت ما بين أظهرهم إل البحر" يعني
ابن عباس لغزارة علمه .لقد استقر في البصرة ونسب إليها وهو أصل المذهب الباضي ،وهو أول من جمع الحديث في ديوان(
مفقود) تروي المصادر أنه وقر بعير.
وقد أخذ عنه العلم ناس كثير من بينهم المام الثاني للباضية وهو أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة التميمي ،وعنه روى الربيع
بن حبيب كتاب الجامع الصحيح وهو عمدة الباضية في الحديث ط بالقاهرة بالمطبعة السلفية .1349ر .الدرجيني :الطبقات
،212-2/205والشماخي :السير70 :ر :الناميك الطروحة ص 93-54وقد أحال على كل المصادر الباضية وغير الباضية
ر.عوض خليفات :نشأة الحركة الباضية ص .102-86
( )45وخردلة :أجار المام اغتياله لنه كان ضمن المحكمة ثم فضح شيئا من أسرارهم .ر :الشماخي :السير.76-75:
( )46نافع بن الزرق (ت :)65/685نافع بن الزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي الحروري أبو راشد ،رأس الزارقة وإليه
نسبتهم .كان أمير قومه وفقيههم .من أهل البصرة صحب في أول أمره عبدال بن عباس وله أسئلة رواها عنه ...وكان هو
وأصحابه من أنصار الثورة على عثمان ووالوا عليا إلى أن كانت قضية اللتحكيم بين على ومعاوية فاجتمعوا في حروراء وهي
قرية من ضواحي الكوفة.
ويقول الذهبي إنه كان يذهب إلى سوق الهواز ويعترض الناس بما يحير العقل .ولما ولي عبيد ال بن زياد إمارة البصرة(
)55/680في عهد معاوية اشتد على الحروريين وقتل زعيمهم أبا بلل سنة .61/680
سار في نصرة عبدال بن الزبير على المويين لكن لما علم الحروريون موقفه من عثمان انفضوا من حوله ،وكان من
المشاركين في اجتماع المحكمة في البصرة سنة( .)64/683وتروي المصادر الباضية أن عبدال بن إباص تخلف مع آخرين
بينما خرج نافع ومن وافقوه واستمروا في مقاتلة المويين ،وقاتله المهلب بن أبي صفرة ولقي الهوال في حربه ،وقتل يوم
"دولب" على مقربة من الهواز.ر .الزركلي :العلم.8/317 :
ملحظة :ل بد من التحري في أخبار نافع بن الزرق وجماعته فحتى المصادر الباضية انساقت مع جميع كتب التاريخ في التهجم
على الزارقة ولعلها كانت أشد لن المنطلق واحد ثم كان الفتراق بعد اجتماع البصرة.
( )47عبدال بن اباض التميمي المري(تقبل " :)86/705إمام أهل التحقيق والعمدة عند شغب أولي التفريق"(الشماخي:السير
.)77سكتت المصادر عن نشأته الولى إل أنها تشير إلى أنه كان يعمل برأي المام جابر بن زيد ونسب المذهب إليه لبروزه على
المواجهة السياسية خاصة في اجتماع المحكمة بالبصرة سنة ( )64/683وانفصاله على أساس عدم جواز تشريك من يقام الذان
في مساجدهم .وكذلك في مراسلته لعبد الملك بن مروان (.)705-86/685-65
وقد وضح موقف الباضية من الحداث السياسية بجرأة رغم ما فيها من إساءة للمويين.ر :البرادي :الجواهر .167-165
والراجح أنه توفي قبل .86/705ر :الدرجيني :الطبقات ،2/214ر :الشماخي :السير.77:ر :عوض خليفات :نشأة الحركة
الباضية ،85-75ر .عمار الطالبي :أراء الخوارج الكلمية .1/193
( )48اجتماع عبدال بن إباض ونافع بن الزرق في صومعة الجامع ":وذلك أمن المسلمين بعد قتل أبي بلل اجتمعوا بجامع
البصرة وعزموا على الخروج ،وفيهم عبدال بن إباض ونافع بن الزرق ووجوه المسلمين ،فلما جن الليل سمع عبدال دوي
القراء وترنين المؤذنين وحنين المسبحين فقال لصحابك أعن هؤلء أخرج معهم ،فرجع وكتم أمره"(البغطوري :سير مشائخ
نفوسة ص 3خ بمكتبة سالم بن مروان .البرادي :الجواهر ص .156
( )49رسالة إلى عبد الملك بن مروان .البرادي :الجواهر ص .156
( )50ما لم نعثر على نص للزارقة أي من إنتاجهم الخاص يبقى في أحكامنا لهم أو عليهم نظر ،ونحن نعلم مثل أن رسالة
عبدال بن إباص تسكت عنها في ما نعلم جميع كتب التاريخ عدا ورودها في المصادر الباضية ،رغم أن هذه المصادر تتحدث
عن عبدال بن إباص ،ولعل المر كذلك بالنسبة إلى نافع ابن الزرق وإن كانت كتب التاريخ تورد له عدة مراسلت وخطب لكن
ماذا تنتخب من هذا التراث؟.
( )51الستعراض :قتل كل المخالفين على أساس أنهم مشركون.
( )52الهجرة :أن تتحول إلى معسكرهم.
( )53القعود :وصمة رمى به الزارقة الباضية لتخليهم عن الخروج.
( )54ودليلهم على ذلك قوله تعالى (:وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (.6النعام)121.
وبقيت حركة جابر بن زيد وعبدال بن اباض تنتظر إلى أن تحول قول جماعة نافع بن الزرق إلى
عمل فبرئت منها لنها رأت فيها خروجا عن الدين بتحميل النصوص القرآنية مال تتحمل من
التأويل (.)55
وعلى هذا الساس فهم جابر بن زيد وعبدال بن إباض الخروج بأنه مروق من الدين ،وهذا عبدال
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بن إباض يقول في رسالته إلى عبد الملك ":إنا برآء إلى ال من ابن الزرق وصنيعه وأتباعه ،لقد
كان حين خرج على السلم في ما ظهر لنا ،ولكنه أحدث وارتد وكفر بعد إسلمه فنبرأ إلى ال
منهم" (.)56
وعلى هذا الساس نفهم لماذا يرفض الباضية تسميتهم بالخوارج رفضا باتا لنهم يعتبرون أن
الخوارج هم المارقة من الدين.
وإن استعملت بعض المصادر القديمة كلمة خوارج وهي تعني جماعة المسلمين فإنها كانت تميز
بين الخوارج وتعتبرها مرادفة للشراء ( )57وبين خوارج الجور.
وأن تكون الكلمة مرادفة للشراء أي اعتزال الحكم الجائر على أل يقاتلوا إل من قاتلهم على طريقة
أبي بلل مرداس بن حدير (. )58
بينما خوارج الجور تعني المروق من الدين ،والناظر في نصوص الباضية المتعارفة مثل خطبتي
أبي حمزة الشاري ( )59في مكة والمدينة وفي سيرتهم العملية عندما تحملوا أعباء المامة يتبين
أنهم يبرأون من الخوارج بهذا المفهوم قول وعمل ويعتبرون أعمالهم من الضللت والبدع.
وهذا أبو الخطاب عبد العلى المعافري ( )761 -757 /144 -140يتولى محاربة الصفرية في
القيروان عندما استنجد به أهلها (. )60
فالفارق واضح حينئذ بين " أهل الدعوة" وهي التسمية التي غلبت على من عرفوا في ما بعد
بالباضية وبين الخوارج بالمفهوم الذي بينه الباضية.
====================
ودخلها عنوة ثم تابع زحفه نحو الشام ،وقد ألقى خطبة بمكة وأخرى بالمدينة ما تزال كتب الدب تنوه بقيمتها البلغية.
فوجه مروان بن محمد إليهم جيشا بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي وانتهت المعركة بمقتل أبي حمزة 130/748ر:
الدرجيني :الطبقات 267-2/258وقد أورد الخطبتين ص 266و .267
ر :الشماخي :السيرص ،101-98ر :الزركلي :العلم .8/71
( )60ر .الشماخي :السير ص 127-126وأبو الخطاب هو أحد حملة العلم إلى المغرب وهو من أصل يمني.
فإن كان هؤلء يعتبرون دار المخالفين دار شرك ويقولون بالستعراض والخروج وتحريم القعود
فإن أهل الدعوة يعتبرون دار المخالفين دار توحيد عدا معسكر السلطان فإنه دار حرب ل دار شرك
(. )61
ول يقولون بالستعراض ول يستحلون من المحاربين إل دماءهم ول سبي ول غنيمة على طريقة
علي بن أبي طالب مع طلحة والزبير.
كما يقولون أل هجرة بعد الفتح ويقررون مبدأ القعود عن الثورة وسموا ذلك مسلك الكتمان حيث ل
يجيزون الخروج إل إذا صار عددهم نصف عدد العدو وكذا العدة والطاقة.
فثبت حينئذ أن التسميات التي اختارها هؤلء الناس لنفسهم منذ تاريخهم المبكر هي" المحكمة"
"المسلمون" "جماعة المسلمين" "أهل الدعوة" كذلك انضافت في ما بعد "أهل الحق" و"أهل
الستقامة".
كما قبلوا على ما يبدو التسمية التي أسندت إليهم وعرفوا بها عند كتاب المقالت من القرن الرابع
هجري وهي" الباضية" ويبدو أنها لم تظهر لول مرة إل في عقيدة من عقائدهم معروفة بالدينونة
الصافية لعمروس ابن فتح ( 61( )896 /283مكرر).
إل أن كلمة "أهل الستقامة" و"أهل الدعوة" بقيتا مستعملتين مع "الباضية" وان غلبت في
العهود الخيرة كلمة الباضية( .مع غلبة تسمية أخرى تختلف بين إباضية المشرق وإباضية
المغرب وهي "الوهبية".
وإن رأى إباضية المشرق أنها نسبة إلى المام عبدال بن وهب الراسبي فإن إباضية المغرب يرون
أنها نسبة إلى المام عبد الوهاب بن رستم ( )62( )826 -787 /211 -171إثر التصدع الذي طرأ
في صفوف الباضية من قبل من أنكروا إمامة عبد الوهاب.
ولم يتأفف الباضية في ما نعلم من نسبتهم إلى عبدال بن إباض لنه أحد أئمتهم وإن اعتبروها
مجرد تسمية للتمييز وإل فهم متمسكون بتسميتهم الولى ":جماعة المسلمين" وهي المحببة لديهم
مع "أهل الدعوة".
وإن تعجب بعضهم ( )63من تأفف الباضية من حشرهم في زمرة الخوارج وحاول أن يلطف من
الحدة الواردة في كتب الملل والنحل وفي كتب المحدثين على الخوارج عامة ()64ويسعى آخر ()65
إلى أن يمسح السبة بإبراز مزايا الخوارج واعتبارهم أنصار المام علي فإن هذا ل يحول من الواقع
شيئا فإن الباضية قاسوا من هذه النسبة من إخوانهم المسلمين آلما كثيرة وسنركز خاصة على ما
جاء في نصوص القرون المقررة.
-إخراج سحنون ( )854 -776 /240 -160إياهم مع جملة من أخرج من جامع عقبة عندما طهر-
حسب رأيه -هذا الجامع من أهل الهواء والبدع ( )66ولعلهم لو لم يكونوا تحت هذا العنوان لبقوا،
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وإن كان قرار المام صارما فل حياة إل لمذهب مالك (. )67( )795 -712 /179 -93
-واقعة مانو( )68( )896 /283التي لم يبق فيها من علماء الباضية إل اثنان بعد أن كانوا
أربعمائة والتي تقرب فيها إبراهيم الثاني الغلبي ( )901 -874 /289 -261أحسن قربى إلى ال
عندما ثبت لديه كفرهم (.)69
-حملة المعز بن باديس( )1061 -1015 /453 -406على جربة (. )70( )1039 -431
-إزالة الباضية من منطقة قصطيلية (الجريد) :فنزل عسكر لصنهاجة على قلعة بني درجين أرسله
المعز بن باديس فحاصرها حصارا شديدا وذلك سنة ( )1048 /440فلما اشتد عليهم الحصار ول
منجد لهم خرجوا عليهم خروج رجل واحد يقاتلون حتى قتلوا عن آخرهم واستبيح ما في القلعة
وهدمت وأحرقت (.)71
-تخريب يحي بن إسحاق الميورقي (ت )1236 /633لسدراته ووارجلن سنة ،1326 /726وإن
كانت حملته أوسع من الهجوم على الباضية يقول الدرجيني في ذلك ":فلما كانت سنة ست
وعشرين أو سبع وعشرين دخلها يحيى بن إسحاق الميورقي المتلثم فهدم كل ما دار عليه سورها
إلى المسجد وعادت وارجلن كأن لم تغن بالمس" (.)72
-هجوم درغوث باشا على جربة سنة "1553 /960فهاجمهم درغوث باشا ودخل الجزيرة ونزل
على الساحل القبلي واجتمع أهل الجزيرة وقاتلوا قتال شديدا وترادفت العربان مع درغوث باشا
فانهزم أهل الجزيرة واستشهد منهم ألف ومائتا شهيد ( )73ثم بعد حين أعدم شيخها داود التلتي(
.)1560 /967
-
هذا شيء مما نال الباضية من الضير نتيجة نسبتهم إلى الخوارج.
كما أننا مهما نوهنا بالخوارج لضم الباضية إليهم فلن نقلب وجه التاريخ ونمسح ما فعل.
=========================
( )66كان أول من شرد أهل الهواء من المسجد الجامع ،وكانوا فيه حلقا للصفرية والباضية مظهرين لزيغهم .أبو العرب
القيرواني ( :)333/944طبقات علماء إفريقية وتونس .الدار التونسية للنشر 1968ص .184ولزيادة التفصيل عن سحنون(
)854-240/771-160ر .نفس المصدر ص 187-184مع التعليق 1ص .184
( ) )67بماذا قابل المام عبد الرحمن بن رستم ( )784-168/776-160هذا النغلق؟ لقد قابله بالتسامح المطلق حيث مكن
جميع الفرق من التعايش في جامع تاهرت ر.الزركلي :العلم .6/126
( )68مانو :موقع بين شط الفجاج وخليج السرت الصغير ،جنوب قابس ،قرب مارث أو مارث نفسها(مارتا الرومانية) ر .محمد
حسن تحقيق السير .م .3/559
( )69ر :الشماخي :السير 268ر .محمد الطالبي :المارة الغلبية.ط باريس .302-1966.301وعن إبراهيم:ر .ح حسني عبد
الوهاب :خلصة تاريخ تونس ،الدار التونسية للنشر1968.ص .67
( )70ر .الجعبيري :نظام العزابة 296 :وبه جميع الحالت ،وعن المعز.ر.ج.حعبد الوهاب :خلصة تاريخ تونس.109:
( )71ر .الدرجيني :الطبقات ،2/284ر .الشماخي :السير .467-466ر .صالح باجية :الباضية بالجريد .دار بو سلمة ،تونس
1396/1976ص ".151-147وعمدوا إلى المسجد الكبير من مساجد الوهبية وغسلوه بمياه كثيرة...يعتقدون أن ذلك لتطهير
المسجد".
( )72الدرجيني :الطبقات .2/164
( )73محمد أبو رأس :مؤنس الحبة في أخبار جربة .تحقيق محمد المرزوقي .المطبعة الرسمية .تونس 1960ص 113
ر .ترجمة التلتي في ما يلي ،96وعن درغوث باشا ر.ح ح عبد الوهاب خلصة تاريخ تونس ص .154
أما من حيث التأليف الدفاعية في باب العقيدة فما تزال تبرأ من النتساب إلى الخوارج منذ كتب أهل
الدعوة في العقيدة وقد كتبوا كثيرا في هذا الباب.
فهذا جابر بن زيد كان يأتي الخوارج فيقول لهم ":أليس قد حرم ال دماء المسلمين بدين فيقولون
نعم .وحرم ال البراءة منهم بدين فيقولون نعم .فيقول :أو ليس قد أحل ال دماء أهل الحرب بدين
بعد تحريمها بدين؟ فيقولون بلى .فيقول وحرم ال وليتهم بدين بعد المر بها بدين .فيقولون نعم.
فيقول هل أحل ما بعد هذا بدين فيسكتون" (. )74
وهذا عبدال بن إباض يبرأ من الزارقة ( )75ويقول الشماخي ":وله مناظرات مع الخوارج
وغيرهم" (.)76
كما ينسب إليه الزكوي ما يلي ":والبراءة ممن زعم أن كل دار يحكم فيها بغير ما أنزل ال ل يعذر
أحد بالمقام فيها حتى يهاجروا وأن الميت والقاتل والزاني والسارق وصاحب الموبقات في دار
هجرتهم مسلمون وأن فيها الثواب عند ال ،وأن دار الهجرة ليس فيها منافق ول فاسق وأن ليس
فيها ما كان في دار رسول ال صلى ال عليه وسلم مع إنكارهم جلد شارب الخمر وهم يجلدون من
أخطأ محبتهم وهم الزارقة وأصناف الخوارج" (.)77
وهذا عمروس بن فتح الملوشائي يقول ":وقالت الصفرية بتشريك أهل الكبائر من أهل التوحيد
واستحلوا سبي ذراريهم وغنيمة أموالهم (. )78
وهذا أبو زكرياء يحيى الجناوني (ق 5و /6ق 11و )79( )12يقول ":وليس منا من قال إن
الهجرة باقية بعد فتح مكة وليس منا من قال كل من يحل دمه يحل ماله" (. )80
وهذا تبغورين بن عيسى الملشوطي ( )12 /6يقول في الصفرية ":ولو كانوا (البغاة) مشركين كما
قالت الصفرية ":إن كل من أصاب ذنبا مشرك يحل سبيه" لحل منهم السبي والغنيمة كما قالوا
وزعموا" (.)81
ويقول أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني (" :)12 /6وزلة الخوارج نافع بن الزرق وذويه
حين تأولوا قول ال تعالى ( :وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )( 6النعام )121فأثبتوا الشرك لهل
التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها" (.)82
ويقول أبو عمار عبد الكافي( ":)12/ 6وقالت الصفرية إن كبائرهم (أهل الملة) كفر شرك،
وأسماءهم كفار مشركون محاربون كأهل حرب النبي صلى ال عليه وسلم تسفك دماؤهم وتسبى
ذراريهم وتغنم أموالهم وهم مع ذلك قد تورث أموالهم ،وتنكح نساؤهم ،وتؤكل ذبائحهم ،ويحجّ
معهم ،ويصلى معهم ،فقسمت الزارقة واختارت فأخذوا ما أبوا وتركوا ما كرهوا" (. )83
وجاء في آخر رده عليهم ما يلي ":ومما يؤثر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال " :ل هجرة
بعد فتح مكة" وقد أتى الناس على منازلهم بعد فتح مكة وغيرها من البلدان فلم يضيق على أحد
منهم في اللحوق به صلى ال عليه وسلم " (. )85()84
وهذا إسماعيل الجيطالي( )1349 /750يقول ":ومن الناس من ضلوا من قبل فرز ما بينهما (كبائر
الشرك وكبائر النفاق) ( ، )86فزعمت الزارقة أن المعاصي كلها كبائر شرك وكفر واستدلوا بقوله
تعالى ( ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا ) ( 33الحزاب )36وفي أمثاله من القرآن .
وقالت النجدية منهم :الكبائر كلها شرك وأما الصغائر فل" (. )87
وهذا أبو القاسم البرادي ( )15 /9يبين أن الباضية ليسوا من الخوارج فيقول ":والمؤمن عند
الخوارج هو المصوب لرأيهم المهاجر إلى معسكرهم المعتقد اعتقادهم ،فهذا عندهم مؤمن مسلم
وإن ترك الصلة وشرب الخمر وزنا وسرق" وقال قبل ذلك ":والمؤمن عندنا (الباضية) في أحكام
الخرة هو الموفي بجميع الدين وفي أحكام الدنيا هو المقر" (. )88
========================
أما القرون الثلثة التي تعنينا فقد جاءت فيها صيغة البراءة من الخوارج قائمة على منهجين:
المنهج الول :منهج مجرد خلل بعض النصوص عند التعرض لبعض مسائل الخلف مثل قضية
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،أو قضية السماء والحكام (. )89
وهذا واضح في قول المحشي( ":)17 /11وسموا صفرية لتباعهم عبدال بن الصفار وقيل لنهم
خرجوا من دين ال)90( ....
وقوله ":قالت الصفرية ( )91من أتى بالقول وضيع العمل فهو مشرك".
وقوله ":النجدية ()92من الخوارج ( )93فزعموا أن الناس ل يحتاجون إلى إمام وإنما عليهم أن
يقيموا كتاب ال في ما بينهم.
وليس ذلك بشيء لنه يدعو إلى السيئة في دين ال والتعطيل لحدود ال وتضييع المر بالمعروف
والنهي عن المنكر وقد أمر ال عز وجل أن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن تقام حدوده
على ما بينها في كتابه" (.)94
وقد سلك هذا المسلك يوسف المصعبي أيضا حيث يقول ":والصفرية من الخوارج كما نبه إلى ذلك
أبو عمرو عثمان بن خليفة في رسالته الموضوعة لبيان الفرق" (. )95
ويقول أيضا ":عمل الخوارج يعكس هذه القاعدة الفقهية ":كل ماله يورث حرام غنيمته وكل مال
يغنم حرام ميراثه" (.)96
ومثله عمر أو ستة إذ يقول ":والمارقة من الزارقة والنجدية والصفرية القائلين بأن اليمان كله
توحيد والمعصية كلها شرك واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم بفعل المعصية بعد قول رسول ال
صلى ال عليه وسلم ":أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال وإني رسول ال وإنه بعثني
بالحق والبعث بعد الموت فإذا قالوها فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم إل بحقها قيل
وما حقها يا رسول ال؟ قال :زنا بعد إحصان وارتداد بعد إيمان وقتل النفس ظلما وعدوانا" (.)97
وقال جابر بن زيد :أزيد رابعة من كتاب ال وهي قتل الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر ال" (. )98
" ومع هذا يستحلون من مرتكب الكبيرة المناكحة والموارثة وأكل الذبيحة" (.)99
فواضح من خلل هذا المنهج أن القضية لم تنس مع بعد الزمن ،ونصوص العقائد ملحة على التمييز
بين الباضية وبين الخوارج ونكتفي غالبا بالستشهاد بنصوص السلف من أمثال أبي يعقوب أو
السوفي دون أن ترجع إلى القضية من جذورها.
====================
( )89انظر ما يلي...إشارة إلى أن الحكام الشرعية ناتجة عن تحديد السماء فإذا قلت إن الكفر يعني الشرك فكلما أطلقت الكلمة
نتج عنها معاملة المشرك.
المنهج الثاني :عرفت مناطق الباضية في هذه المرحلة تقلصا واضحا إلى أن انحصرت في جبل
نفوسة وجربة ووارجلن ووادي ميزاب.
وعايشهم في مناطقهم وأتباع المذاهب الخرى خاصة منهم المالكية وظلوا ينبزونهم بالخارجية في
قوالب متعددة أهمها:
-3بغض الصحابة.
-4رد شهادتهم لدى القضاة ومنعهم من التجارة أحيانا.
-5الفرقة الناجية هي المذاهب الربعة.
وسلكوا في هذا مسالك شتى أبرزها كتابة رسائل هجومية منسوبة إلى أصحابها مثل رسالة صولة
الغدامسي والبهلولي ( )100وبعض علماء طرابلس أو رسائل خفية السم تلقى في مساجد الباضية
في وارجلن والجزائر فاندفع الباضية بحماس للرد على هذه التهم التي ما كان يمكن أن تكون لول
حشرهم في زمرة الخوارج.
: -1
يقول الشماخي( :)16 /10قولك ":ومن المعلوم الذي عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأصحابه هو ما عليه أهل السنة والجماعة".
أقول :ما ادعيت لنفسك تدعيه لنفسها كل فرقة وهذا فصل أتعب الولين والخرين وعليك أن تبين
أهل السنة...
اعلم أن المعتزلة تقول نحن أهل العدل والتوحيد والحق معنا ،ونحن على ما عليه الصحابة بل على
ما كان عليه أفضل المة بعد الشيخين أعني أمير المؤمنين عليا وعنه أخذوا وهو باب مدينة العلم
الراسخ الذي ل يصله أحد.
وأهل الشام من المرجئة يرون أنهم التابعون لما عليه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأن
غيرهم اجتمع على قتل المام المظلوم.
والشيعة يقولون الحق في أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وإن المة ظلموهم وتمسكنا
بهداهم ورفضوهم واعتصمنا بهم.
وأهل التحكيم يرون أن المة مالت إلى الدنيا بين ظالم وناكث وباع ومحكم الرجال في دين ال وترك
حكم ال في قوله ( فقاتلوا التي تبغي ) ( )101وإنهم فقهاء المة وكبراء الصحابة وأهل التقى:
والقعدة -أعنى من قعد عن الفتنة -يقولون إن الناس تورطوا في الفتنة وسلمنا بعد قوله عليه
السلم " :ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" (.)102
ولكن نسأل ال أن يقودنا إلى خير العمال ما يكون سببا لنجدتنا من النار" (.)103
وفي لهجة دفاعية متحمسة تبين هذه المصادر أن تسمية أهل السنة والجماعة تسمية فضفاضة إذ
تجد من الختلف في العقائد بين من يضمهم لواؤها في كثير من الحالت أكثر مما تجده من خلف
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويكفي أن نذكر بإحراق كتب الغزالي ()105لنه اعتبر أن الحق ليس مقصورا على الشعري
وتفسير مالك للداء العضال كما نقله ابن حبيب ":ذلك أبو حنيفة ( )106ضلل الناس بوجهين
الرجاء ونقص السنن بالرأي فهو عندنا أشأم مولود في السلم ضل به خلق كثير وهم متمادون
في الضلل بما شرع لهم إلى يوم القيامة" (. )107
======================
ومدار هذه الردود مع ما فيها من العتزاز والتحدي الممزوج بالرفق أحيانا على ما يلي:
-ليس الحق مقصورا على واحد منهم (يقصد المذاهب) ول في جميعهم بل الحق ما وافق الكتاب
والسنة والجماع.
-وآراء الباضية لم تخرج في يوم من اليام عن هذه الصول فهم أبعد الناس عن الكفر مذهبهم
سني ل محالة وإن لم يحشرهم الناس في ظلل أهل السنة.
كما أن حشر الباضية في زمرة الخوارج جعل التهم تسلط عليهم اعتمادا على أن:
-2-3
:
فهذا أبو عبدال الصدغياني يرد على أن الكثرة ليست دليل على الحق ":وتستظل ببني العباس
وبني أمية( )108شراب الخمور ،ومظهري الفجور بغاة ،قطاع الطرق ،وهم الشعرية كلهم يدانون
بكم وتنتصرون بهم ...وقد كان نوح عليه السلم لبث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما فنجا في
السفينة وحده ومعه ثلثة من بنيه ونساؤهم ..وتبع فرعون موسى بأربعين ألف ألف ،فلما خرجوا
من البحر بعدما غرق فرعون( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )( 7العراف )138ثم
عبدوا العجل ثم قالوا لموسى (:فاذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون()24قال رب إني ل أملك
إل نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين )( .5المائدة 24و )25فسماهم ال فاسقين...
وقال ( قل ل يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث )( .5المائدة )109()100فالكثرة
حينئذ بصريح القرآن ليست دليل على الحق.
" كما أن قلتهم وهجرتهم ضمن القليل الذين جعلهم ال حجة على العباد ( وقليل من عبادي الشكور
)( .34سبأ ( )13وقليل ما هم )( .38ص .)24
وقلت :تفرقوا (الباضية) في البلدان بعضهم بعمان وبعضهم في المغرب .ولقد هاجر إبراهيم وحده
ولوط .وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة فارا منم قومه وهؤلء جعلهم ال حجة
في الدنيا بعضهم بالمشرق وبعضهم بالمغرب لئل يكون للناس على ال حجة بعد قيام البراهين
الساطعة والحجج القاطعة" (.)110
وعلى هذا الساس يقلب الصدغياني الحجة فتصير الكثرة سبة والقلة مدحة.
ويندرج ضمن هذا السياق اعتبار الباضية من فرق الخوارج الضالة عدم انضوائها تحت لواء"
المذاهب الربعة" وفي ذلك يقول أبو مهدي" :وأما قول من قال :المذاهب أربعة فذلك قول ليس له
مستند ول برهان إذ لم تذكر الربعة في القرآن ول نص عليها صاحب الشرع والبيان بل قال:
"ستفترق"( )111ولم يقع الجماع من الصحابة على الربعة ...وإنما حدثت المذاهب الربعة في
القرن الثاني هـ /الثامن م ،فالنبي صلى ال عليه وسلم ذكر واحدة ناجية وأنتم تدعون أربعا المالكية
والشافعية والحنفية والحنبلية فقد خالف قولكم أصلكم"(. )112
ويورد التعاريتي لمحمد بن عبد العظيم المكي الحنفي ":اعلم أنه لم يكلف ال أحدا من عباده أن
يكون حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا بل أوجب عليهم اليمان بما بعث به محمدا صلى ال عليه
وسلم والعمل بشريعته"(. )113
وقال فيها أيضا نقل عن الجلل السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الرض وجهل أن
الجتهاد في كل عصر فرض بعد كلم ":فليعلم أن من أخذ بأقوال الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة أو
مالك ولم يرد قول من اتبع منهم ومن غيرهم إلى قول غيره ،ولم يعتمد على ما جاء في القرآن أو
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
السنة غير صارف ذلك إلى قول إنسان بعينه ،أنه قد خالف إجماع المة كلها أولها عن آخرها بيقين
ل شك فيه ،وأنه ل يجد لنفسه سلفا ول إنسانا ناصرا له في جميع العصار المحمدية وقد اتبع
سبيل غير سبيل المؤمنين نعوذ بال من هذه المنزلة" ()114
=======================
( ) 108ويذكر في الرسالة أيضا لعنهم لعلى ":وقد كان معاوية يلعن عليا على المنابر أربعين سنة ،وهذا مشهور والتكذيب فيه
بهتان ،وكيف تتولون عدو :ط من قال لخيه كافر فقد باء أحدهما بالكفر والبادي أظلم"ε .وليكم وقد قال النبي البخاري أدب
.37مسلم إيمان .111أحمد بن حنبل .2/18ر .ونسنك .المعجم المفهرس للفاظ الحديث .6/41أبو عبدال الصدغيانيك رسالة
إلى أهل وارجلن.ج المكتبة البارونية :الحشان جربة .17
( )109أبو عبدال الصدغياني :رسالة إلى أهل وارحلن15:
( )110أبو عبدال الصدغياني :رسالة إلى أهل وارجلن .16-15 :وهو متقدم عن مرحلتنا وعلى هذا النسق ينسج عيسى ابن
أبي القاسم الباروني بتاريخ صفر :1206/1791الرسالة الغدامسية ،خ بالمكتبة البارونية ،الحشان جربة.
( )111انظر ما سبق 33
( )112أبو مهدي عيسى بن إسماعيل ،من جواباته :خ البارونية .الحشان جربة 123
( )113سعيد التعاريتي :المسلك المحمود.ط حجرية .تونس .89/:1321
( )114سعيد ابن تعاريت المسلك المحمود ،89 :جلل الدين السيوطي.)1505-911/1445-849 ( :ر .الزركلي :العلم:
73-4/71
بمثل هذا الدفاع نفهم لماذا تسمى الباضية بأهل الدعوة أو جماعة المسلمين كما أنهم لم يقبلوا أن
يكون لهم مقام في الحرم المكي كما فعلت المذاهب الربعة ( ،)115وهم يعتبرون أنفسهم أهل تقييد
ل أهل تقليد ويعتزون بأنك ل تجد للمام الذي نسبوا إليه مسألة فقهية ففقههم تبلور شيئا فشيئا وإن
كان منطلقه جابر بن زيد ،لكن ل تجد في كتب الباضية هالة تقديس للمام جابر رغم اعتراف سائر
العلماء له بسعة العلم.
وتحس أن هذه القضايا ل تمس النتساب إلى الخوارج مباشرة لكنك إذا تأملت مليا تدرك أنها نابعة
من ذلك النتماء.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-4
: :
معلوم أن لهجة الباضية الولى كانت حادة تجاه عثمان في الست سنوات الخيرة من حكمه وكذلك
تجاه علي بعد قبوله التحكيم أما مع معاوية وعمرو بن العاص فحدث ول حرج وقاعدتهم في ذلك أن
الصحابة رغم صحبتهم للرسول عليه السلم يمكن أن يصيبوا ويمكن أن يخطئوا في اجتهادهم (
. )116
إل أن لهجة الباضية في هذه القرون قد نقصت حدتها نسبيا وانهم يحفظون في كتب العقيدة"
وندين بتصويب أهل النهروان" وسلكت أحد المسالك المعروفة وهو الولية (.)117
وهذا ما يقوله يوسف المصعبي ":وكذا ما عليه أصحابه الراشدون المهتدون رضي ال عنهم
وأخصهم به العشرة الكرام البررة الذين بايعوه تحت الشجرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي ال عنهم
أجمعين وجعلنا لثارهم تابعين وبسننهم مستمسكين غير مبدلين ول مغيرين إلى أن نلتحق بدار
كرامتهم آمين.
ونعتقد أن الكل عدول يهتدي بهم ،ونمسك عما شجر بينهم كما يحكى عن السيد عمر بن عبد العزيز
أنه قال :تلك دماء طهر ال منها أيدينا فل نلوث بها ألسنتنا.
فال ربنا ومحمد نبينا والقرآن إمامنا والكعبة قبلتنا والصحابة قدوتنا.
وقد وردت آيات وأحاديث في مدحهم خصوصا وعموما وليست رسالتنا موضوعة لبسط الكلم" (
. )118
وقد عدد هذه النصوص أبو مهدي ( )16 /10بعد أن قال" قولك :بلغنا عنكم أنكم تبغضون بعض
الصحابة فيا سبحان ال كيف نبغض الصحابة مع ورود النصوص في فضائلهم والثناء عليهم كتابا
وسنة يأبى ال ذلك والمسلمون بل هم عندنا في الحالة التي ذكرهم ال عليها من العدالة والنزاهة
والطهارة والثناء والمدحة.
قال ال تعالى (:كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بال)( .3آل عمران .)110
وهم بالحالة التي وصفهم بها رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ قال ":أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم" (.)119
ول تفهم هذه النصوص إل بالتذكير بإطارها التاريخي حيث صار الباضية يعيشون في طور الكتمان
والهجومات عليهم عديدة فنحس أنهم عدلوا من موقفهم في هذه القضية دون أن يخلوا بأصول
مذهبهم خاصة إذا أخذت النصوص بالمفهوم العام فل شك أن الباضية يترضون على الصحابة
ونص أبي مهدي أكثر وضوحا من حيث التعميم وما أخال أبا مهدي لو سئل عن معاوية وعمرو بن
العاص خاصة أن تكون إجابته من هذا القبيل.
ول يخفى أن هذه التهمة وجهت للباضية من أجل الخارجية وقد علمنا أنها تسمية تمازج فيها
المفهوم الديني (المروق من الدين) مع المفهوم السياسي (الخروج عن علي) بالنسبة إلى غير
الباضية طبعا.
-5
في
هذه المرحلة في طرابلس ومنعهم من التجارة في البلدان التي يحكمها إسماعيل بن شريف سلطان
مراكش (.)121( )1726 -1671 /1139 -1083
=========================
وهذه فقرات من الرسالة التي وجهها يوسف المصعبي لهل طرابلس وعلى رأسهم أحمد باشا.
"وذلك أنه بلغنا أن جماعة من أهل الجزيرة شهدوا في قضية في مجلسهم الشريف وتنفيذهم
الحكام الشريفة .وأخبركم بعض من يدعي العلم من الواشين أن شهادتهم غير مقبولة فدخلت
وسوسة لقلوبكم وقلوب أولي اللباب فأدهشتهم وحاروا في الجواب لتصوير كلم الواشي في قالب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ولما بلغنا ذلك وجب علينا أن نخبركم بعقيدة الجماعة أول ونكافح الواشي وحده ثانيا بسنان اللسان
وواضح البرهان ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن ال لسميع عليم)( .8النفال
.)42
فالصل في بيان عقيدتنا التي نحيى عليها ونموت إن شاء ال" (.)122
" ولنصرف العنان إلى بيان الفرع الموعود بذكره فأقول وبال التوفيق:
" هذا الصل المتقدم إنما قصدت به إيضاح المعتقد لذوي النصاف من الخوان الولة والقضاة
والعلماء ذوي الحسان دون كل غبي متعصب متعسف كذاب سباب...
وأي بهتان أعظم من رمي المسلمين بالطعن فيهم وإدخالهم عموما في جملة من ترد شهادته من
أهل الفسق والضلل من الفرق الضالة والمضلة من الروافض والخوارج.)123( ...
...قال أهل العلم :والغالون هم الخوارج المارقة والصفرية وأشياعهم وغلوهم هو حكمهم بأن
جميع المعاصي شرك وجميع العصاة مشركون وبنوا على ذلك تحليل دماء المسلمين وأموالهم
وسبي ذراريهم وكفروا بعض الصحابة بذلك رضي ال عنهم إلى غير ذلك من خبائثهم".
ثم أورد نصوصا غير إباضية في تجويز قبول شهادة المبتدع ":والصح قبولها إن كان ضابطا
ورعا ولم تكن بدعته كفرا ولم يكن يدعو إليها".
فإذا نص هؤلء الئمة على جواز قبول شهادة من ذكر مع ما هم عليه من اعتقادهم فكيف بشهادة
من كانت عقيدته ما رأيت وسمعت"...
ثم أورد نصوصا عديدة تبين أن الدين ليس منحصرا في المذاهب الربعة.
"قال الغزالي :من زعم أن الحق مقصورا على واحد من النظار بعينه فهو إلى الكفر أقرب" (.)124
" الخاتمة :أسئله للواشي في مسائل مختلفة لبراز عجزه وجهله" (. )125
وفعل لعبت الرسالة دورها وعادت شهادة الباضية إلى نصابها في طرابلس.
ويذكر عيسى ابن أبي القاسم الباروني ( )18 /12ما يوحي بأن نفس القضية -أي رفض شهادة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ول شك أن العزابة تصدوا لهذا المر لكن لم نعثر على نص التصدي ونرجح أن يكون لسعيد
الجادوي أو يوسف المصعبي اعتمادا على التاريخ الوارد في الوثيقة التي أوردها عيسى الباروني
(سنة 1120ربيع الثاني /جويلية .)1708
" وبعد فقد اتفق علماء تونس على تجويز شهادة العزابة في العموم والخصوص ل سيما أهل
الصلح لن شهادة من أتى بالقول والعمل أبلغ ممن أتى بالقول وضيع العمل" (.)126
"000وأن القادح فيهم يستتاب من ذلك ،فان تاب وإل قتل شرعا".
حرر بتاريخ أشرف الربيعين /1120جويلية (1708 )127بمحضر المير حسين باي بن علي (
.)1734 -1705 /1147 -1117
إن اتضح أن محور هذه الوشايات يقوم على اعتبار الباضية من الخوارج وطعنهم في الصحابة فإن
وشاية أخرى حددت الطعن في الشيخين ونتج عنها قرار سلطاني من إسماعيل بن شريف سلطان
مراكش( 11ذي الحجة 27 -1082رجب 14 /1139أبريل 30 -1672مارس )1727يمنع تجار
جزيرة جربة من تعاطي التجارة في البلدان التي يحكمها.
وهذه فقرات من الرسالة التي وجهها سعيد الجادوي ( )18 /12إلى السلطان المذكور ":أتى إلى
سيادتك نمام ،ونسب إلينا ما ل ينسب إلى مسلم ...من بغض الشيخين أبي بكر وعمر وغيرهما...
فوال العظيم ونبيه الكريم ( )128ما هذه إل فرية عظيمة ...وأما نحن فنقول فيهما سيدا أهل الجنة
لما ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال :أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.)129( "....
ثم يورد عدة أحاديث ويختم بـ" هذه أحاديث تدل على أفضلية الشيخين وإنما أوردناها لنعلم من قال
فينا خلف معتقدنا فيهما" (.)130
=========================
ونفهم من هذا الطعن خطأ القادح بين المحكمة الذين يرون أن المثل العلى بعد الرسول صلى ال
عليه وسلم يتجلى في أبي بكر وعمر وبين الرافضة الذين يرون أنهما اغتصبا الخلفة من علي بن
أبي طالب.
ومهما يكن من أمر فإن المسألة ترتكز عادة على عثمان وبصفة أخص على علي وقد بينا كيف أن
الردود تأتي عامة عدا رسالة يوسف المصعبي لحمد باشا (. )131
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبعد أن استجلينا هذا ل ينبغي أن نغفل عما جاء في هذه الردود من المبالغات ول يخلو أي رد من
المبالغة خاصة إذا كان دفاعا عن العقيدة.
وأبرز نقطة يتجلى فيها ذلك ما أورده أبو مهدي من أحاديث في الثناء على أهل عمان والعجم
والبربر بعنوان فضائل مذهبنا.
" وفضائل مذهبنا ول الحمد ل تحصى قديما وحديثا فلو ذكرنا أكثرها في الكتاب لرأيت العجب
العجاب ولكن نذكر لك بعضها .وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صدع وبشر ببعض فضائل
أهل مذهبنا على رؤوس الشهاد فقال ":الصخرة لهل عمان بعرفات" ( , )123وذلك معروف إلى
اليوم ول ينكره إل متجاهل وذلك دليل الكرامات.
وقد صح أيضا قوله عليه السلم بأوضح البيان " ليكثرن رواد حوضي من أهل عمان" (. )133
وذكر أيضا فضائل الفرس من العجم وذلك لما نزل عليه قوله تعالى (:ياأيها الذين آمنوا من يرتد
منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم ) (.5
المائدة )54أشار إلى سلمان الفارسي وكان جالسا بين يديه فقال ":لعلهم أن يكونوا من رهط هذا"
.
وكذا للفاضل البربر من العجم مثل الحديث الذي روته عائشة رضي ال عنها عنه صلى ال عليه
وسلم وما وصاه به جبريل عليه السلم عن البربر وذلك معلوم غير مجهول.
...وإنما صرنا إلى ذكر هذا إزالة للبس وتكذيبا لقول من يقول إن بني مصعب (ميزاب) ليسوا على
شيء من الدين" (. )134
والملحظ أن أبا مهدي لم يختلق هذه الحاديث وإنما استقاها من كتب السير والطبقات.
ولم يكن ورودها في هذه المصادر إل رد فعل على ما انتحلته بقية الفرق لثبات أصالتها.
وهذه عقلية سادت المجتمع السلمي خاصة في القرن الثاني ه /الثامن م حيث اكتسى الصراع
الديني صبغة عرقية جنسية حاربها السلم بقوة ولكل منطقة شعوبيتها.
والملحظ أن هذه الحاديث يقول فيها أحمد الخليلي مفتي عمان إن بعض ما يتعلق بعمان والعجم
وارد في الصحاح وقد ثبت في أهل عمان حديث ابن برزة السلمي في صحيح مسلم ":لو أهل عمان
أتيت ما سبوك ول ضربوك" وقد ترجم له مسلم بباب فضل أهل عمان .وكذلك روى أحمد في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
مسنده ":إني لعرف أرضا ينضح بجانبها البحر تسمى عمان ،الحجة منها بحجتين لو أتاهم
رسولي ما سبوه ول ضربوه" .
كما أن ما روي في العجم منه ما هو ثابت كحديث أبي هريرة عن الشيخين ":لو تعلق الدين بالثريا
لناله رجال من الفرس" وفي رواية ":من العجم" .إل أن ما يتعلق بالبربر يذكر الخليلي أنه لم
يطلع على شيء منه في مجاميع مسند الربيع بن حبيب عمدة الباضية في الحديث.
كما أن أغلب هذه الردود جاءت حادة اللهجة ويصعب على أي إنسان يقرأ مثل هذا القول ":إن لم
تجيبوني بكل ما سألتكم عنه فدماؤكم وأموالكم حلل من ال ورسوله" ( ، )135أن يبقى محايدا.
ومن أمثلة ذلك قول عيسى الباروني ":أيها الجاهل تزعم أنك علمة زمانك ونحرير أوانك تدعي
العلم باللسان وتجهله بالجنان. )136( "...
"أيها الجاهل أشبعك ال بالهم والغم والحزن في الدنيا والخرة" (. )137
=============================
( )131انظر ما سبق 74
( )132غير وارد في المعجم المفهرس .ويقول الشيخ الخليلي" ل أراه إل وهما"
( )133غير وارد في المعجم المفهرس.
( )134انظر:الدرجيني :الطبقات 1/16اورد منه ما يلي:
"فقال- ":بت في هم شديد(ε .البربري) :يا رسول ال-
فقال :ما همك؟
قال :تردد بصرك بالمس خفت أن يكون نزل في قرآن.
فقال:ل يحزنك ذلك فإنما ترديدي البصر فيك لن جبريل عليه السلم جاءني.
فقال :أوصيك بتقوى ال والبربر .قلت :وأي البربر؟ قال :قوم هذا ،وأشار إليك ،فنظرت إليك ،وما شأنهم؟ قال :قوم يحيون دين
ال بعد أن كاد يموت".
( )135كتاب وجد في محراب وارجلن ،مجلد به عدة رسائل .البارونية الحشان جربة14:
( )136عيسى الباروني :رد على رسالة من غدامس12 :
( )137نفس المصدر ص 23
ومهما يكن من أمر فإن جل هذه الرسائل تعترف بأن قضية التسمية ترجع إلى الفتنة الكبرى التي
حيرت العقول.
فهذا الشماخي يقول ":وهذا فصل أتعب الولين والخرين" ( ، )138كما أن عمر أبا ستة يقر بما
يلي ":ما (الفتنة الكبرى) تحيرت فيه الفكار ودهشت به عقول أولي البصار ...وهي الواقع الربع
الواقعة بين الصحاب الخيار ،فتنة الدار ،وفتنة الجمل ،وفتنة صفين وفتنة النهروان" (.)139
لكن ليس باليد حيلة فلبد من موقف من هذه الفتنة مع العلم أن الحياد نفسه موقف.
وقد حاول صاحب المجموع المعول أن يعدد من تخير هذا الموقف المحايد من سلف الباضية معتمدا
على تأويل نصوص عامة وردت في آثارهم محورها قول جابر بن زيد في ما يسع جهله ...":وإنما
عليه المساك عن جميع ما ل يعرف حتى يعلم الحق من ذلك فيتبعه والباطل فيتجنبه (،" )140
فذكر منهم إسماعيل الجيطالي وأبا يعقوب الوارجلني وركز على الدرجيني لنه لم يثر القضية في
كتاب الطبقات.
ولقد أشرنا من قبل إلى أن لهؤلء مواقف من هذه الحداث سوى صاحب الطبقات وما سكت عنها
حيادا وإنما سكت عنها تقية لن الباضية في منطقة الجريد كانت تحتضر من جراء هجومات
الفاطميين والصنهاجيين عليها لنهم يضعونها تحت لواء الخارجية (. )141
ويتفرد عمر أبو ستة هذا في ما نعلم بهذه الدعوة إلى التوقف في القضية ويلح على ذلك إلحاحا
كبيرا وقد جاءت رسالته كلها دعوة إلى التآلف بين المسلمين فيقول ":وعلى هذا القول بالتوقف (
)142ينبغي حمل غالب المة ول يلزمهم البحث عن ذلك ...وهذا القول (التوقف) أقرب القوال إلى
السلمة...إن البحث والتعلق بما شجر بينهم رضوان ال عليهم أجمعين تكلف وفضول لمن لم يعلم
ذلك حيث كان مما يسع جهله " (.)143
كما يقول في نصيحة الختام ":أوصيكم إخواني وإياي بتقوى ال العظيم في السر والعلنية وإياكم
والغلو في الدين فإنه ل يتبرأ إل ممن يتعين منه ارتكاب البدع والصرار على المعصية( )...وحمدا
ل أن جمهور المة على الحق وأن الصل في جميعهم السلمة حيث أعاذهم ال من عبادة الوثان"
(. )144
فمن كل هذه النصوص العنيفة في رفض النتساب إلى الخوارج نفهم ما أصاب الباضية من ضير
وعنت من جراء حشرهم تحت لواء الخوارج بمعنى المروق من الدين.
وهذا ما حدا بمن جاء بعد هؤلء من علماء أن يسلكوا نفس المنهج وأذكر منهم على سبيل المثال ل
الحصر.
إزالة العتراض على محقي أهل إباض ط حجرية على نفقة داود بن إبراهيم اليسجني 1314هـ.
كراسات بها بحث مطول عن أحداث الفتنة الكبرى وفيه بين أن الباضية ليسوا خوارج .اطلعت
عليها بمكتبته.
=========================
وقد اشتهر بين معاصريه بسرعة البديهة وحدة الذكاء .وكتابه المسلك المحمود يشهد بذلك.ر .تقييدات عن شيخنا سالم بن
يعقوب خ بمكتبته .ومحمد محفوظ :تراجم المؤلفين التونسيين ،دار الغرب السلمي .بيروت ط .1،1982.1/235
( )147أبو اسحاق إبراهيم اطفيش(ت :)1386/1966ولد يسجن بوادي ميزاب .وبها اخذ عن شيخه امحمد اطفيش (ت
،)1332/1914نفاه الستعمار الفرنسي إلى تونس ثم إلى مصر نتيجة لنشاطه السياسي .استقر بالقاهرة في قسم المخطوطات
اللمغربية بدار الكتب المصرية وتفرغ للبحث والتحقيق والتدريس في بيته بدار الطلبة الباضية .وقد استفاد تلميذه سالم ابن
يعقوب كثيرا من دروسه ومكتبته .ويروي عنه عديدا من الخبار التي تدل على الجرأة والشجاعة ،وهناك أخذ عنه كثير من
العمانيين والنفوسيين أيضا .حقق كثيرا من النصوص الباضية الهامة في التاريخ والحديث والصول والفقه ونذكر منها :تحقيق
كتاب مختصر الوضع في الصول والفقه(انظر ما يلي ).146كما كان محرر مجلة المنهاج التي اشتهرت بالدفاع عن قضايا
السلم .توفي بالقاهرة سنة 1386/1966أخذت هذه المعلومات عن ابنه امحمد اطفيش وتلميذه سالم بن يعقوب .ر .عمرو
مسعود أبو القاسم :الربيع ابن حبيب محدثا ،أطروحة مجستير نوقشت بكلية التربية جامعة الفاتح بليبيا سنة 198 :1983
مرقونة بمكتبتي ،هدية من المؤلف.
( )148إبراهيم أبو اليقظان( :)1973-1393/1888-1305ولد بالقرارة ( جنوب شرقي الجزائر إحدى قرى وادي ميزاب) سنة
.1305/1888درس بها .ثم تتلمذ على امحمد اطفيش بين يسجن.والتحق بتونس للدراسة سنة 1330/1973ر .وقام بها بنشاط
ثقافي وسياسي كما شارك في الجزائر في تأسيس جمعية العلماء .وتفرغ للتأليف بعد سنة .1356/1938وترك ما يقرب من
ستين مؤلفا من بينها :ملحق لسير الشماخي .وتوفي بالقرارة سنة 1393/1973ر .محمد ناصر :أبو اليقظان وجهاد الكلمة ط .
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر .1980
( )149سالم بن يعقوب :ولد بحومة غيزن بجربة في مطلع هذا القرن م .تعاطى التجارة أول المر في مدينة بنزرت .وكان يتردد
على تونس ويشتاق إلى الدروس .وبقي أميا إلى التاسعة عشرة من عمره واستطاع أن يتدارك أمره بسرعة.
وأقبل بتلهف على دروس شيخه عمر بن مرزوق من كبار المصلحين بجربة آنذاك (ت )1381/1961بجامع الباسي -حومة
والغ -ثم رحل إلى تونس فعاش في مدرسة جامع الزيتونة دون أن ينتسب رسميا .لكنه حرص بجد على دروس شيخه محمد بن
صالح الثميني المشرق على البعثات الباضية الجزائرية بتونس(ت ،)1391/1914وكانت دروسا ليلية محورها كتاب جامع
أركان السلم للخروصي العماني ،وكتاب شرح النيل لقطب الئمة امحمد اطفيش(ت .)1332/1933
ثم انتقل إلى مصر حيث بقي خمس سنوات ،1938-1357/1934-1351وسلك في الزهر نفس المسلك الذي سلكه في
الزيتونة ،وعاش هناك في مدرسة الباضية بطولون .وهنالك أيضا اخذ عن شيخه أبي اسحاق إبراهيم اطفيش (ن
.)1386/1966وعكف هناك على مكتبة الباضية بوكالة الجاموس فنسخ من مخطوطاتها نصيبا وافرا ،كما نسخ عدة نصوص
من دار الكتب.
ثم استقر في الجزيرة مدرسا وواعظا .وعنه أخذت كل ما يتعلق بالباضية .وزائر مكتبته بغيزن يتبين أنها جامعة من كل شيء
بطرف خاصة في كل ما له صلة بالباضية من قريب أو بعيد.
وهو ما يزال على قيد الحياة .وما رأيت من أهل العصر من هو أكثر منه إلماما بخفايا تاريخ الباضية.
الباضية في موكب التاريخ .الحلقة الولى :نشأة الباضية .مكتبة وهبة مصر 1384هـ.
الباضية بين الفرق السلمية مكتبة وهبة القاهرة 1976 /1396وبه عدة فصول في الموضوع.
أصدق المناهج في تمييز الباضية من الخوارج ،تحقيق سيدة إسماعيل كاشف مطابع سجل العرب،
القاهرة .1979
استجواب الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة (عُمان) في يوم الثنين 29رجب /1404
،1984 -4 -30نشرته مجلة جبرين وهي مجلة نصف سنوية تصدرها اللجنة الثقافية بنادي طلبة
عمان في الردن.33 -29 :
وخلصة القول فقد تبين أن هذه التسميات " أهل السنة ،شيعة ،خوارج" لم تكن وحيا من السماء
كما أنها لم تكن من باب الصدفة وإنما تتنزل في واقع سياسي مائج لعبت فيه الشهوات دورا كبيرا
فاختار من بيده السلطان أحسن السماء ورمى معارضيه بأسوئها.
وما أن ظهرت هذه الفرق على الساحة حتى ظلت كل واحدة تدعي لنفسها الصلح والنجاة وترمي
غيرها بالطلح والهلك.
وانقسمت كل فرقة على نفسها وكذا حدث للمحكمة إذ أفرز ضغط الولة على أتباعها حركة ردت
التسلط بأشد منه واعتبرت كل مخالف مشركا وأتبعت القول بالعمل فمرقت من الدين كما جاء في
الحديث وخرجت منه.
وظل الناس يخلطون عن قصد وعن غير قصد بينها وبين من بقي من المحكمة على المنهج الول،
ولم يبق من هؤلء عبر الزمان إل من اختاروا لنفسهم أسماء هي " جماعة المسلمين" "أهل
الدعوة" " أهل الستقامة".
وأبى هؤلء الناس إل أن يسموهم " إباضية" فقبلوا ذلك السم لنه نسبة إلى أحد أئمتهم ثم أبوا إل
أن يحشروهم في زمرة الخوارج فرفضوا هذه التسمية بكل ما أتوا من قوة قول وعمل وما يزالون.
وكلما زادوا إلحاحا في نفي هذه النسبة زاد غيرهم من الفرق الخرى إلصاقها بهم إل القليل ممن
قال هم أقرب إلى السنة ثم صارت أقرب إلى أهل السنة ويضيف لها ما يعدلها مثل " المعتدلة".
ومهما يكن من أمر سواء أضافوا العتدال أو لم يضيفوا بقي الباضية تحت عنوان الخوارج.
وقد جنى هذا العنوان على الباضية من الويلت مال يحصى فلذلك قالوا عبر الزمان بلهجات
متفاوتة يغلب عليها طابع الشدة -شدة المتهم الذي يريد أن يبعد تهمة هو منها براء -أطلقوا علينا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ما اخترنا لنفسنا من أسماء "أهل الدعوة "...أو حتى ما اخترتموه لنا " الباضية" المهم أل
تقولوا خوارج لن ال حرم التنابز باللقاب.
وأخيرا ما يزال علماء الباضية يرفضون هذا اللقب حتى وإن صار في بعض الوساط مدحة وعلما
على الثورة ورفض الظلم لن هذه الكلمة محملة بثقل تاريخي معين ،ويفهمها كل قارئ حسب
معتقداته حتى ل أقول على هواه.
وخير القول أن يعمل المسلمون في ما اتفقوا فيه وأن يعذر بعضهم البعض في ما اختلفوا فيه مع
فهم الطار العام لهذه المصادر والحق ما وافق الكتاب والسنة والجماع.
وبعد الوقوف عند الطار العام يحسن أن نبين حقيقة علم الكلم وأن نتعرف على مصادره الباضية.
======================
( )150علي يحيى معمر :)1980-1401/1919-1338( :ولد بنالوت وبها تعلم على المقرئ عبدال بن مسعود الباروني ،ثم
دخل المدرسة الرسمية حيث اعتنى به معلمه عيسى بن يحيى الباروني ،وأخذ هنالك عن رمضان الليني وقد وفد من جربة
1344/1925لتدريس الفقه الباضي هنالك تلبية لرغبة أهل نالوت .سافر إلى تونس سنة 1346/1927والتقى مرة أخرى
بشيخه رمضان الليني بمدرسة الباضية ،وهنالك تردد على دروس جامع الزيتونة بصفة حرةن ودورس محمد الثميني
الميزابي(ت )1391/1971وفي تلك الثناء تردد على جزيرة جربة حيث كون مع نخبة من الشباب جمعية دينية للدفاع عن
السلم.
ثم لما بلغه صدى معهد الحياة بالقرارة – وادي ميزاب -رحل إليه سنة ،1357/1938حيث بقي سبع سنوات يحضر دروس
شيخه إبراهيم بيوص( )1401/1981في التفسير وما إلى ذلك من العلوم السلمية ويساعده على التدريس أيضا.
رجع إلى نالوت سنة ،1366/1945اهتم مدة بالسياسة .ثم تفرغ بسرعة للتدريس فارتقى في سلم التعليم حتى استقر بوزارة
التعليم في منصب إداري سام.
وفي الثناء قام بعدة رحلت في العالم العربي ،وأنتج عددا من المؤلفات في تاريخ الباضية وفي الدب .توفي سنة 1980وأخذنا
هذه المعلومات عن صديقه الذي عاصره طوال حياته سليمان عون ال :رحلة إلى جبل نفوسة سنة 1981
( )151عمرو خليفة النامي :ولد بنالوت 1942وبها تعلم .درس بمصر حيث حصل على المجستير في الدب .ثم رحل إلى
بريطانيا حيث أعد أطروحة عن تطور الفكر الباضي ناقشها بكمبردج سنة .1971ثم درس بجامعة الفاتح وكذلك استاذا مستعارا
بمشيقان بالوليات المتحدة .ثم استقر بليبيا حيث عرف غياهب السجون .لقد حقق عدة نصوص إباضية هامة أشار إليها في
أطروحته ،وقد أشرنا إليها داخل هذا البحث نذكر أهمها :سير نفوسة لمقرن البغطوري(ق ،)6/12ويهمنا في بحثنا تحقيقه لكتاب
أصول الدين لتبغورين( )6/12وكتاب الرد على جميع المخالفين لبي خزر يغل ابن زلتاف( )4/10انظر ما يلي 112تعليق 65
( )152سالم بن حمود السيابي :مؤرخ عماني معاصر .اشتغل مدة في وزارة العدل بعمان .ثم هو الن يشتغل بوازارة التراث
بعمان حيث يؤلف ،ويحقق نصوصا إباضية .كتابته على طريقة السلف تعتمد على عرض المعلومات .وقد التقينا به في رحلتنا
الولى إلى عمان في ابريل 1983وهو يناهز السبعين.
( )153أحمد الخليلي :مفتي سلطنة عمان يرجع إلى أسرة عريقة في العلم .نشأته الولى كانت في زنجبار .عصامي في تكونه إذ
لم يدرس بأية مدرسة نظامية .قوي الذاكرة .ثقافته إسلمية شاملة .مدرك أحوال عصره .ويتجلى هذا في درس التفسير الذي
يلقيه أسبوعيا بجامع قابوس بروي وقد صدر منه الجزء الول بعنوان جواهر التفسير وأنوار التنزيل ط بعمان .1984
تمهيد:
قال الجاحظ (ت ":)869 /255إنه لول مكان المتكلمين لهلكت العوام من جميع المم.)1( "...
وقال الطبري (ت ":)922 /310ثم حدث في دهرنا هذا حماقات خاض فيها أهل الجهل والعناد-
نوكي المة -والرعاع يتعب إحصاؤها ويمل تعدادها.)2( "...
هذان موقفان متقابلن يدلن على أن وراء القضية معركة .فما هو علم الكلم؟ وما هي أسباب هذه
المعركة؟ وما هي نتائجها في الثقافة السلمية؟ وأين يتنزل التراث الباضي في هذا الخضم؟.
علم الكلم أو "أصول الدين" أو " علم التوحيد" هو ،حسب قول ابن خلدون (ت ،)1406 /808
(علم يتضمن الحجاج عن العقائد اليمانية بالدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في
العتقادات اليمانية" ( . )3وهو حسب البرادي (ق ":)15 -14 /9 -8النظر في العقائد القطعيات
وما ل يحل الختلف فيه من الستدلل بالدلة العقلية والسمعية في أصول العتقاد وتثبيتها" (. )4
والمقارنة بين هذين التعريفين تبين أنهما يتفقان في قيام هذا العلم على النظر والحتجاج العقلي
قصد إثبات العقائد اليمانية القطعية كما تبين أنهما يختلفان في نقطتين:
:تتمثل في أن ابن خلدون اكتفى بذكر الدلة العقلية بينما ذكر البرادي الدلة السمعية
فالتعريف الثاني أكثر شمول خاصة إذا علمنا أن علم الكلم من العلوم الساسية العقلية التي تنطلق
من النص وأن المنهج المتبع لدى جل المتكلمين يقوم على التأويل وذلك برد المتشابه إلى المحكم.
:تتمثل في أن ابن خلدون اعتبر أن علم الكلم سني المنشأ يرمي إلى الدفاع عن
مذهب السلف من أهل السنة ولذلك اعتبر أنه علم آني تزول فائدته بزوال السبب وقد أشار إلى ذلك
بقوله ":فينبغي أن يعلم أن هذا العلم غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم ،إذ الملحدة
والمبتدعة قد انقرضوا" (. )5
بينما لم يشر التعريف الثاني إلى ما يوحي بقضية النشأة والحقيقة أن علم الكلم تبلور على يد
المعتزلة وهم أول من أقام أسسه.
كما سكت أيضا عن النزعة الدفاعية النية واعتبره علما تحصيليا ينفع في كل زمان لتثبيت أسس
العتقاد وإن كانت المصادر الباضية الخرى تذكر قضية دفع الشبه بصفة مطلقة مثل المحشي ()6
والمصعبي (. )7
ومهما يكن من أمر فإن علم الكلم ثبت أنه علم تحصيلي يرمي إلى تثبيت العقيدة بدفع جميع ما
يحوم حولها من شبه دخيلة على الثقافة السلمية أو نابعة من كيانها.
وإن عرف هذا العلم بالتسميات التي أشرنا إليها من البداية فلسباب أبرزها:
أنه عرف بعلم التوحيد إشارة إلى أبرز موضوعاته وهو توحيد ال تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله
وعبادته (. )8
وعرف بعلم الكلم "إما لنه كلم في كلم ال تعالى وقدمه وحدوثه وقد هزت هذه القضية أركان
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
العالم السلمي ردحا من الزمن وامتحن فيها من امتحن وقتل من قتل ،وإما لنه في بيان طرق
الستدلل على أصول الدين أشبه بالمنطق في تنبيه مسالك الحجة في علوم أهل النظر وأبدل الكلم
بالمنطق للتفرقة بينهما" (. )9
وعرف بأصول الدين ،ولعل ذلك يرجع إلى أن العقيدة هي الساس التي يبنى عليها الدين أو إلى
التمييز بينه وبين علم الفروع الذي عرف بالفقه" (. )10
وأهم ما يستنتج من تعدد التسميات هو أن كل مجموعة نظرت إلى المسمى بمنظار محدد من حيث
موضوعه أو من حيث منهجه أو من حيث غرضه ويبدو أن التسميتين الغالبتين هما ":علم
الكلم" و"أصول الدين" ولعل الوساط الفلسفية العامة ترجح الكلم بينما الوساط الدينية تغلب
أصول الدين.
وإن وقع الختلف في التسمية فإنه برز أيضا في القضايا التي تندرج ضمن هذا العلم وقد ضبط
الشهرستاني ( )1153 -1086 /458 -479الصول الكبرى التي عولجت في هذا الفن عند كل
الفرق وهي أربعة:
ونلحظ أن الشهرستاني في هذا الحصر يكاد يغفل عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ وإن
أمكن حشره ضمن المامة فإنه يبقى مستقل عنها خاصة عند المعتزلة ،كما أنه ل يذكر الولية
والبراءة وهي أصل من أصول الباضية .وعلى كل فذاك اجتهاد من الشهرستاني قصد منه السيطرة
على موضوع حير العقول.
ويحسن أن نذكر أن المصادر الباضية تكتفي بذكر أربعة من هذه القضايا أحيانا إل أنها تصل بها
إلى عشرة غالبا وهي ":التوحيد ،القدر ،العدل ،الوعد والوعيد ،المنزلة بين المنزلتين ،أل منزلة
بين المنزلتين ،والسماء والصفات والمر والنهي ،والولية والبراءة ،والسماء والحكام" (. )12
======================
( )1الجاحظ :الحيوان ط عبد السلم هارون ،3،1969.4/206وعن الجاحظ ر.الزركلي :العلم .5/239
( )2السيوطي :صوت المنطق والكلم.ص 90نقل عن كتاب الطبرى الموسوم ب"صريح السنة" وعن الطبري ر .الزركلي:
العلم.6/294 :
( )3ابن خلدون :المقدمة .ط .بيروت ،1967ص .821وعن ابن خلدون ر.الزركلي :العلم .4/106
( )4عمر أبو ستة :المجموع المعول ،22:نقل عن شرح البرادي لكتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني .وعن البرادي
تلك هي محاور النزاع الفكري والدامي أحيانا بين مختلف الفرق السلمية وعليها مدار علم الكلم.
فما هي العوامل التي دفعت إلى هذا النزاع؟ وما هي أبرز انعكاساتها على الثقافة السلمية وأين
يتنزل الباضي عامة في هذا الخضم وبصفة خاصة تراث المرحلة التي تعنينا أكثر؟
ليست المة السلمية أول من عرف مثل هذا الجدل الفكري في شأن المعتقد فالناظر في الديانات
الوضعيه مثل البوذية والزرادشتية يتبين أنهما أثارتا قضية اللهة وتعددها وقضية الخير والشر
ومصدرهما ،وقضية الجزاء وما إلى ذلك (.)13
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما الديانات التي نشأت عن تحريف الرسالت السماوية السابقة خاصة اليهودية والمسيحية فقد
حاج القرآن أتباعهما وبين ضللهما في مواطن عدة منها:
( وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول
الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون)(.9التوبة .)30
وقد أشار عليه السلم إلى افتراق اليهود والنصارى ( )14إلى فرق شتى وسيكون لهذا أثر واضح
في التراث السلمي كله ،ويهمنا هنا ما يتعلق بعلم الكلم الذي عايش هذا الرصيد الحضاري
وحرص على رد جميع ما رمي به السلم من شبهات ول يخفى أن السلم عمر بلدنا عرف أهلها
كل هذه الديانات دون أن نغفل عن الوثنية التي كانت أول من حاربه بشدة واعتنقه أناس نشأوا على
هذه العقائد منهم من كان مخلصا ومنهم من كان منافقا ماكرا.
والمتتبع لمسار المد السلمي يلمس أن العقود الثلثة الولى من تاريخه لم تعرف صراعا عقديا
داخليا وإنما كانت كل القوى موجهة لفتح قلوب الناس واكتسابهم إلى حضيرة اليمان.
لكن المتأمل في هذه العقود المشعة يلمس أن كل الفرق التي نشات من بعد وجدت فيها أساسا أقامت
عليه بناء تصورها سواء من القرآن أو من السنة أو من فهم خاص لبعض الحداث.
فالقرآن الكريم إذا استثنيت منه ما جاء في الحكام تجد أنه تركيز لعقيدة التوحيد وما يتصل بها
ودفاع عنها في قوالب برهانية قصصية مثل مجادلة إبراهيم لقومه ( )15ومحاجته لمن حاجه بأنه
هو أيضا يحيي ويميت ( ،)16وهو أيضا يرد على اليهود والنصارى وحتى على الدهريين ( وقالوا
ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر )( .45الجاثية )24كما انه فيه آيات
متشابهات وفيه ما يوحي بان النسان مخير وما يوحي بان النسان مجبر (. )17
كما أن أحاديث الرسول عليه السلم تطرقت لمثل هذه القضايا وخذ لك مثالين :حديث جبريل عليه
السلم ( ، )18وأسباب نزول سورة الخلص (.)19
وإن عرف بعض المسلمين شيئا من الحيرة البناءة في هذه المرحلة فإن المسلك بقي واحدا وهو
السلم وكفى.
وما أن انقدحت الشرارة الولى -وهي مقتل عثمان ( - )20حتى وجد المسلمون مجال واسعا للحيرة
المضنية المفضية إلى الختلف فأثيرت قضية شرعية الخلفة ولذلك تلحق عادة بأصول الدين وإن
كانت إلى السياسة أقرب وصارت قضية سياسية عقائدية -ونحن نعلم أل فصل بين الدين والدولة-
وارتبطت بها قضية حكم مرتكب الكبيرة اليمان أم الكفر أم الفسق ،وتبعتها قضية القدر (. )21
وكما نبهنا من قبل بالنسبة إلى تسمية الفرق فإن نشأة علم الكلم تتنزل في الواقع السلمي العام،
وهذا العلم هو إفرازة من إفرازات هذا الواقع المتموج ثم تندرج نحو التكامل دون أن ينفصل
انفصال كليا عن هذا الواقع التاريخي الول بصفة خاصة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وفي هذا الظرف ظهرت بعض الوجوه يبدو أنها تقنعت بالسلم دون أن تعتقده نذكر :عبدال بن
سبأ اليهودي الصل ( )22ومعبد الجهني (ت ، )23( )699 /80وغيلن الدمشقي (ت بعد
)24( )105/723والجعد بن درهم (ت نحو . )25( )736 /118
وظهرت وجوه تصدت لهؤلء وإن لم تسلك مسلكا واحدا في هذا التصدي نذكر منها :الحسن
البصري ( ،)26( )728 -642 /110 -21وواصل بن عطاء (ت .)27( )748 /131
كما نذكر من المحكمة أبا بلل مرداس وجابر بن زيد وعبدال ابن إباض ونافع بن الزرق ثم يأتي
أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة (. )28
ومن العلويين :زيد بن علي زين العابدين (ت )29( )740 /122ومن ماثله ممن عرفوا بالئمة عند
المامية ( )30والجعفرية ( )31والسماعيلية (.)32
هؤلء جميعا كان لهم حظ في نشأة علم الكلم ثم طوره على يد من تنبوا أفكارهم.
وفي هذا المحيط اتضح الخلف في شأن المامة فإن قالت الشيعة إنها وقف على آل البيت وقال أهل
السنة إنها وقف على القريشيين فقد قالت المحكمة إنها من حق كل من توفرت فيه شروطها مهما
كان أصله (.)33
وفي هذا الظرف تمخضت أيضا ظاهرة الرجاء ( )34المتمثلة في مبدأ ل تضر مع اليمان معصية
فزكتها الموية أيما تزكية كما ناصرت ظاهرة الجبر ( )35القائمة على أساس أل دخل للنسان في
ما يقوم به من حركات فجاءت ردود الفعل من أصحاب العدل والحرية ( )36ردا على الجبرية
وذهبوا إلى أن النسان حر مطلقا كما قالوا بالمنزلة بين المنزلتين ومن المحكمة في شأن الربط بين
اليمان والعمل ،وتكفير العصاة تكفير نعمة ثم تكفير شرك لدى نافع بن الزرق بعد انفصاله سنة
683 /64عن أصحابه.
ولكل هذه المواقف صلة وثيقة بالواقع السياسي ومن أبرز الوسائل التي استعملتها هذه الفرق
لتبرير مواقفها الجدل الكلمي ،وقد لمع في هذا الباب أصحاب العدل إلى أن اعتبروا أن الكلم من
خاصياتهم والباحث في أطوار البلغة العربية يلفت نظره هذا الهتمام بالبيان في المعارك الكلمية
وما يسمى بالمناظرات.
بهذا نتبين العوامل التي دفعت إلى انطلق علم الكلم في هذا الوقت المبكر ،ولعله سابق في ذلك
لكثير من العلوم السلمية الخرى .فما هي مكانة التراث الباضي في هذا الخضم يا ترى؟
=========================
( )13انظر :كريستوس :البوذية ، 458-375 :الزرادشتية (.374-336دراسة باللغة الفرنسية لمجموعة من المؤلفين د.ت: ).
نجد تحديدا للنشأة وزالسس لمختلف الفرق.
( )14انظر ما سبق ص ،33انظر تعدادا لفرق اليهةود وخاصة النصارى (عبد المجيد الشرفي :الفكر السلمي في الرد على
النصارى( أطروحة دكتوراه دولة نوقشت بكلية الداب بتونس .)1982،الباب الول . 102-11:ر .كريستوس :اليهود -841 :
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
،977المسيحية .1335-982
( " )15وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والرض وليكون من الموقنين .فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما
أفل قال ل أحب الفلين،فلما راى القمر بازغاقال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالين فلما رأى
الشمس بازغة قال هذا ربي أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والرض
حنيفا وما أنا من المشركين " 6(.النعام .)79-75
( " )16ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال
إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وال ل يهدي القوم الظالمين"( .2البقرة 258
( )17انظر ما يلي 424
( )18قال جابر بن زيد :بينما جالس مع أصحابه إذ أتاه آت حسن الوجه طيب الرائحة فقال :أدنو منك يا رسول ال رسول
ال ؟ قال :نعم .فدنا فقال له ما اليمان؟ فقال عليه السلم :أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره
وشره أنه من ال" فقال صدقت .قال :وما السلم يا رسول ال ؟ قال :إقام الصلة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان والغتسال
من الجنابة وحج البيت من استطاع إليه سبيل" قال صدقت .ثم تغيب فإذا هو جبريل عليه السلم .الحديث عدد -769الربيع بن
حبيب .الجامع الصحيح.3/5.
ولفظة في الربعين النووية عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال :بينما نحن عند رسول ال ذات يوم إذ طلع علينا رجل
شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ل يرى عليه أثر السفر ول يعرفه منا أحد حتى جلس للنبي صلى ال عليه وسلم فأسند
ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال :يا محمد اخبرني عن السلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":السلم
أن تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ،وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه
سبيل .قال صدقت .فعجبنا له يسأله ويصدقه قال :فأخبرني عن اليمان قال ":أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر
وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت .قال :فأخبرني عن الحسان قال :أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .قال
فأخبرني عن الساعة قال :ما المسؤول عنها بأعلم من السائل .قال :أخبرني عن أمارتها قال :أن تلد المة ربتها وأن ترى الحفاة
العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان ،ثم انطلق فلبث مليا ثم قال :يا عمر أتدري من السائل؟ قلت :ال ورسوله أعلم .
قال فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .رواه مسلم :إيمان . 1د أبو داود :سنة .16أحمد بن حنبل . 1/319ر .ونسنك :المعجم
المفهرس 3/188
( )19من ذك ما رواه الترمذي عن أبي بن كعب .وروى عبيد العطار عن ابن مسعود وأبو يعلى عن جابر بن عبدال أن قريشا
قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم ":أنسب لنا ربك" فنزلت :قل هو ال أحد إلى آخرها" .الترمذي :تفسير سورة الخلص .1
112-2أحمد بن حنبل . 5/134ر .ونسنك المعجم المفهرس 2/9ر .الطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير .:تونس :الدار
التونسية للنشر 30/11 .1984
( )20انظر ما سبق 35
( )21انظر ما يلي 399
( )22أشرنا إلى أن المصادر الباضية المتقدمة ل تذكر عبدال بن سبأ إل أن المصادر المتأخرة تذكره وتتفق في شأنه مع كتب
الفرق الخرى .انظر ما سبق 47تعليق 37
( )23معبد بن عبدال بن عويمر الجهني البصري :أول من قال بالقدر في البصرة .سمع الحديث من ابن عباس وعمران بن
حصين وغيرهما .انتقل من البصرة إلى المدينة فنشر فيها مذهبه وعنه أخذ غيلن الدمشقي .قيل قتله الحجاج صبرا .وقيل صلبه
عبد الملك بن مروان بدمشق على القول في القدر ثم قتله .ر .الزركلي العلم 8/177
( )24غيلن بن مسلم الدمشقي( ت بعد )105/723يلقب أيضا القدري .تنسب إليه فرقة الغيلنية .هو ثاني من تكلم في القدر.
قال الشهر ستاني في الملل والنحل ":كان غيلن يقول بالقدر خيره وشره من العبد" .أفتى الوزاعي بقتله فصلب على باب
كيسان بدمشق .ر .الزركلي العلم 5/320
( )25الجعد بن درهم(ت نحو )118/736من الموالي .مبتدع .له أخبار في الزندقة .سكن الجزيرة الفراتية مؤدب مروان بن
محمد لذلك يلقب مروان بالجعدي .قال ابن الثير ":كان مروان يلقب بالجعدي لنه تعلم من الجعد ابن درهم مذهبه في القول
بخلق القرآن والقدر( "...والقدر هنا بمعني الجبر) ر .الزركلي العلم 2/114
( )26الحسن البصري( )728-110/642-21ر .الزركلي العلم 2/242
( )27واصل بن عطاء ( )748-131/700-80ر .الزركلي العلم9/121 :
( )28ر .ما سبق 49وما يليها.
( )29زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب( :)740-122/699-80أخذ العلم عن واصل بن عطاء .خطيب وفقيه.
ينسب إليه مجموع الفقه .إليه ينسب الزيدية من الشيعة .وكان يجوز إمامة المفضول مع وجود الفضل .ول يكفر الصحابة .قتل
بكناسة الكوفة حين خرج على واليها يوسف بن عمرو الثقفي .ر .الزركلي العلم ،99-3/98ومحمد أبو زهرة :المام زيد
حياته وعصره ،آراؤه وفقهه .بيروت .1378/1959وعن الزيدية رEI2Tome3.P 1194 -5 .
( )30المامية :ضبطت مبادئهم مع جعفر الصادق (ت )148/765يقولون بعصمة المام ويرون أن المامة تكون في ذرية
الحسين ويقثولون بالتقية في حالة الخوف من السلطة الظالمة .رEI2Tome3.P 1195.article.Imamat .
( )31الجعفرية :إحدى فرق الشيعة .نسبة إلى جعفر الصادق ( .)765-148/699-80اشتهر خاصة باستنباطاته الفقهية
(ر.محمد جواد مغنية .فقه المام جعفر الصادق عرض واستدلل .دار العلم للمليين بيوت ،ابريل )1965والمام جعفر معترف
به من المامية والسماعيليةEI2Tome2.384-5et.P906 .
( )32السماعيلية :إحدى فرق الشيعة .نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق .وإليهم ترجع الدولة الفاطمية.ر.
EI2Tome3.P1196
( )33عن المامة وشروطها ر .فاروق عمر فوزي ":حول طبيعة المامة لدى الخوارج الباضية في عمان "مجلة آقاق عربية.
السنة الرابعة .كانون الول 1978
كوبرلي :الطروحة م 2ص 560-516وهناك تجد الحالة على جميع المصادر الباضية ر. EI2Tome3 -1192-98 .ر.
النامي :الطروحة 236 :
( )34الرجاء :يسمى القائلون بالرجاء المرجئة من الفرق السلمية المتقدمة في الزمن ويذكر ونسينك مختلف أقوال كتاب
المقالت في شأن الرجاء .ومن أسس المرجئة أنه ل يضر مع اليمان معصية وأن طاعة المام الجائر واجبة فل ثورة ول
خروج ويرجون النجاة لكل المؤمنين يوم القيامة وإن ماتوا على المعصية ولذلك سموا بأهل الوعد على عكس المعتزلة الذين
سموا بأهل الوعيد .ر .محمد الطالبي :الرجاء دراسات في تاريخ افريقية .منشورات الجامعة التونسية المطبعة الرسميةو
تونس -359 .1982رEI1tome3.784 cf 184 .
( )35الجبرية :الجبرية أو المجبرية تسمية أطلقت على إحدى الفرق السلمية من قبل خصومهم على أساس أنهم بأن حركة
النسان كحركة الشمس ل دخل للنسان فيها ،فهو مجبر .وهي الفرقة المقابلة للقدرية أو المعتزلة التي تقوم بحرية النسان .ر.
EI2Tome3.P .375
( )36أصحاب العدل والحرية :هذه التسمية التي يختارها من عرفهم التاريخ بالمعتزلة كما يطلق عليهم تسمية أهل الوعيد -46
..EI1tome3.P cf .841
نلحظ هنا أننا سنكتفي بعرض سريع لبرز العناوين لن هذا العمل كان محور أطروحتين سابقتين(
)37لنلح خاصة على عرض مفصل لتراث المرحلة التي تعنينا.
لقد ذكرنا أن جابر بن زيد وعبدال بن اباض وأبا عبيدة مسلم ابن أبى كريمة يتنزلون في هذا
المحيط التاريخي من النصف الثاني للقرن الول هـ إلى النصف الول من القرن الثاني هـ /أواخر
القرن السابع والنصف الول من القرن الثامن م.
ولقد وصلتنا بعض أقوال جابر بن زيد وكذلك بعض كتابات أبي عبيدة( )38وحرص كل من الربيع
بن حبيب( )39وأبي غانم ()40على جميع روايات هذين المامين كما نضيف إليها رسالة عبدال بن
إباض إلى عبد الملك بن مروان( )41وخطبتي أبي حمزة الشاري سنة . )42(747 /129
فكل هذه النصوص تعتبر النواة الولى للعقيدة الباضية إذ فيها تصريح بمبدأ نفي الوراثة عن
المامة وتلميح إلى الولية والبراءة وإلى رفض قضية المهدي المنتظر كما أثيرت قضية القدر في
صراع داخلي( )43واستمر الرأي على أن ال خالق الخير والشر وفي هذا تمهيد للقول الفصل في
هذه القضية.
ويورد النامي نقل عن كتاب البحث الصادق والستكشاف في شرح كتاب العدل والنصاف()44
للبرادي قائمة بها ثلث عشرة رسالة نذكر منها:
-رسالة أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة وحاجب( )45إلى أهل المغرب.
كل هذه النصوص وإن كانت متعلقة بقضية النهروان إل أن عناوينها توحي بإثارة قضايا عقدية
أخرى والدليل على ذلك رسالة أبي سفيان محبوب ابن الرحيل( )47التي وردت في كتاب كشف
الغمة وجعلها كوبرلي ملحقا بأطروحته( ، )48ومحاور الرسالة تتمثل في التعريف بعبدال بن اباض
ومن عاصرهم وأخذ عنهم واليمان بال تعالى وأسمائه وصفاته السلم واليمان المفروضات
السنن الحلل والحرام ،الولية والبراءة ،البراءة من الفرق الضالة ،الصفاتية ،الشيعة ،الزارقة
وأصناف الخوارج ،المعتزلة الجهمية ،وفي كل ذلك يذكر سبب البراءة.
ومع هذا السيل من الرسائل والمراسلت ينطلق التأليف في بلد المغرب في أصول الدين وفي بقية
العلوم السلمية.
ولعل أول ما كتب في هذا الفن في المغرب كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري()49
ويبدو أنه رد على كتاب عبدال بن زيد الفزاري )50(.
ثم يجدر أن نذكر رسالة المام أبي اليقضان محمد بن أفلح الرستمي ( )896 -854 /283 -240في
خلق القرآن (،)51ورسالة عمروس بن فتح (ت :)853 /280الدينوية الصافية ،وهي رسالة
تحليلية( )52أبرزت ثلث نقط أساسية:
-مواطن الخلف بين الفرق :المرجئة ،الصفرية ،المعتزلة ،أهل الحديث ،مع ذكر الدلة باختصار.
-تحليل مال يسع جهله طرفة عين وما يسع جهله من اليمان والعمل حتى يحل وقته.
=============
وفتاوه مما جعل علماء الباضية يعرضون عن كثير من آرائه .وأما روايته فهي مقبولة عندهم وقد تابعه النكار في الفقه بعد
خلفهم مع المام عبد الوهاب ،وهو ممن روى عنهم أبو غانم الخراساني مدونته ،ومن كتبه الموجودة حاليا كتاب" نكاح
الشغار" رواه عن أستاذيه أبي عبيدة مسلم ،وأبي نوح صالح بن نوح الدهان .ر .ابن خلفون :أجوبة ابن خلفون ص -107
.108الترجمة للمحقق.
-أبو المؤرخ عمرو بن محمد (ق )2/8من أهل "قدم" من اليمن أخذ العلم عن أبي عبيدة مسلم .وهو ممن روى عنهم أبو غانم
في كتبه .وله مسائل خالف فيها أئمة الباضية وقدم إلى عمان فرجع إلى الحق" .وهو من طبقة الربيع بن حبيب .ر .ابن
خلفون :أجوبة ابن خلفون .110 :الترجمة للمحقق.
-شعيب بن المعروف أبو المعروف(ق )2/8من طبقة الربيع بن حبيب ،ويظهر أن موطنه مصر أو أنه أقام فيها فترة من الزمان
وكان بها عند وقوع الخلف بالمغرب على إمامة عبد الوهاب ،فرحل إلى تاهرت وعاضد النكار ،ثم رجع إلى طرابلس بعد هزيمة
يزيد بن فندين ،وواصل معارضته للمام عبد الوهاب ،وبسبب ذلك خلعه الربيع وبقية أئمة المذهب وأعلنوا البراءة منه.ر.
الدرجيني :الطبقات ،2/274الشماخي :السير . 119 :ر .ابن خلفون :أجوبة ابن خلفون113:
-حمزة الكوفي(ق )2/8تأثر بغيلن الدمشقي في القدر .أقحم هذا الجدل في حلقات أبي عبيدة مسلم فرأت الجماعة الباضية في
البصرة البراءة منه بعد مناظرات ومحاولت للصلح .وأعاد نفس القضية زمن الربيع وظل ينادي لفكرته فتبرأ منه الربيع
كذلك.ر .الدرجيني :الطبقات ،2/241ر .الشماخي :السير 85و 120
( )44خ البارونية في أصول الفقه .وكتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني.
( )45وعن حاجب :انظر ما يلي 418تعليق 54
( )46النامي :الطروحة .10عن مخطوطة البرادي كتاب البحث الصادق 1/26
-ـ محمد بن محبوب بن الرحيل(3محرم 29 /260أكتوبر :)873أبو عبدال محمد بن محبوب بن الرحيل بن هبيرة القرشي .كان
رأس علماء الباضية بعد أبيه أبي سفيان .وكانت إقامته بمكة .وبها التقى بعمروس بن فتح فكان لقاء علميا حافل بالتثبيت في
دقائق الشريعة ،ثم انتقل إلى عمان فتصدى لنشر العلم وينسب إليه من الكتب" سيرته إلى أهل المغرب" (مختصرة مخطوطة
وكتاب في الفقه في سبعين جزء) وقد كان علماء جربة يتدارسونه في القرن الرابع /العاشر.
توفي بعمان في صحار يوم الجمعة 3محرم 260/29أكتوبر .873ر .الدرجيني :الطبقات ،357 -323الشماخي :السير ،227
ابن خلفون :أجوبة ابن خلفون .112 :وقد اشار المحقق إلى أن سيرته وردت عن ابن مداد " صفة نسب العلماء وموتهم
وبلدانهم"(خ) 46.ر .أحمد بن عبدال الرقيشي :مصباح الظلم (خ) القطعة الخامسة58:
( )47أبو سفيان محبوب بن الرحيل ،النصف الثاني من القرن /2النصف الثاني من القرن 8وبداية القرن التاسع ميلدي .أخذ
عن أبي عبيدة مسلم والربيع ابن حبيب ،وكانت والدته تحت الربيع بن حبيب .كان حجة في السيرة ل يكاد يشذ عنه شيء من
سيرة الرسول عليه السلم ول سير المسلمين من بعده .وهو ممن دون أخبار أهل الدعوة .وروى عنه أبو غانم الخراساني في
مدونته .وقد أورد الدرجيني نص النصيحة إلى عبدال بن يحيى طالب الحق .وجل أخبار المشارقة من الباضية مروية عنه في
كتب الطبقات والسير .ر .الدرجيني :الطبقات ،290 -2/278ر .الشماخي :السير 119 -117ر .ابن خلفون :أجوبة ابن خلفون:
.116التعريف للمحقق.
( )48ر .كوبرلي :الطروحة 22 -3/16في الملحق.
( )49عيسى بن علقمة المصري(ق )3/9يقول عنه الشماخي ":كان من متكلمي الباضية وحذاق علمائها" .ويذكر أبو عمار
عبد الكافي في كتاب شرح الجهالت أن له مؤلفا بعنوان" كتاب التوحيد الكبير" وفيه عارض من قال إن أسماء ال مخلوقة
وصفاته محدثة .ر .كتاب شرح الجهالت البارونية 159 :ر .الشماخي :السير 122
( )50عبد ال بن يزيد الفزاري(ق )3/9كان يعيش بالكوفة بين ق 2و 8/ 3و .9وقد ذكره ابن حزم في الملل والنحل المطبعة
الدبية مصر 1317دار الفكر 2/112حيث يقول ":وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة أصحاب عبدال بن يزيد الباضي
الفزاري الكوفي" .لقد كان خرازا .ويقول النامي إنه عثر على كتاب له بزوارة بليبيا عنوانه " كتاب الردود" ر .النامي :
الطروحة :ص 263
( )51لبجواهر ص .182انظر ما يلي 353تعليق 30للتعريف بأبي اليقظان
( )52خ البارونية .وعمروس بن فتح هو من علماء نفوسة .تقول كتب السير إنه تعلم بالمغرب عشرين سنة " قصد بلد الجريد
حاليا" .تصدى بغزارة علمه مع أبي مهدي النفوسي لراء نفاث المخالفة .أودع أبو غانم نسخة من المدونة عنده عند رحلته إلى
تاهرت فنسخها ،وعنها نسخت بقية النسخ بالمغرب لن النسخة التي أودعت في تاهرت أحرقت مع ما أحرق من الكتب عند
هجوم الشيعة .تولى القضاء لوالي المام عبد الوهاب وهو أبو منصور إلياس ،وكان حازما في أمره ،أسندت إليه عدة مؤلفات
لم يصلنا منها إل كتاب" الدينوية الصافية" خ البارونية 21x 16 .28 .10 .صم وقتله الغالبة صبرا عندما انتصروا على
الباضية في واقعة مانو سنة ( .)896 /283رحل إلى مكة وبها التقى بمحمد بن محبوب عالم عمان آنذاك فاستفاد كل منهما من
تجربة الخر .ر .الدرجيني :الطبقات 325 -2/320
وفي هذين القرنين أي الثاني والثالث هـ /الثامن والتاسع م ،نما الفكر العتزالي نموا عريضا،
وحمل فيهما اللواء واصل بن عطاء( )53وعمرو بن عبيد ( )54()761 -699 /144 -80والنظام
(ت )55()854 /231والجاحظ وتبلورت أصولهم الخمسة :التوحيد ،العدل ،الوعد والوعيد ،المنزلة
بين المنزلتين المر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما خاض أبو حنيفة في هذا الباب في " الفقه الكبر" وقال بالرجاء وامتحن احمد بن حنبل (
)56()855 -780 /241 -164والقائلين بقدم القرآن إثر صدور قرار المأمون (-786 /218 -178
)57()833بحمل الناس على القول بخلق القرآن( )58ومن ذلك الحين اتسم علم الكلم عند أهل
السنة بنزعة دفاعية بل كثيرا ما كفر من يتعاطى هذا العلم وقد ذكرنا في مطلع هذا الفصل موقف
الطبري منه.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ول ينبغي أن نغفل عن التذكير بالتمازج الشديد بين الحضارة السلمية والحضارة الفارسية مع
ارتقاء العباسيين الذين قربوا هذا العنصر وعليه أقاموا دولتهم ،وحرص الخلفاء على الترجمة
وأحداث بيت الحكمة احسن دليل على ذلك ،وبهذا تمازج الفكر السلمي مع الفكر الهندي وبصفة
خاصة الفكر اليوناني الذي اعتبره النصارى اكبر مخرب للعقيدة(.)59
ثم ما أن تولى المتوكل الخلفة ( )60()861 -846 /247 -232حتى انقلب الوضع وثأر أهل السنة
لنفسهم على المستوى السياسي وعلى المستوى الفكري مع تحول الشعري عن العتزال وإرساء
منهج جديد عرف في ما بعد بالشعرية خاصة في كتابيه " البانة عن أصول الديانة" و" مقالت
السلميين" والماتريدي (ت )61()944 /333خاصة بكتابيه " كتاب التوحيد" و" تأويلت أهل
السنة" وبذلك قوي الصراع بين أهل السنة والمعتزلة وهجن هؤلء الكلم وحاربوه بشدة.
وقد عرف هذا القرن سيطرة المد الشيعي مع الفاطميين بالمغرب ثم بالمشرق وقد كانت المناظرات
على أشدها في بلط الفاطميين يترأسها أحد الئمة مع القاضي النعمان (ت ،)62( )974 363وقد
اضطر الى اللتحاق ببلط المعز لدين ال الفاطمي ()63( )973 -953 /362 -331عالمان من
علماء الكلم عند الباضية وهما أبو نوح سعيد بن زنغيل (ق )64()10 /4وأبو خزر يغل بن
زلتاف (ت )65()990 /380وتنوه كتب السير ببراعتهما في المناظرة مما دفع المعز إلى الحرص
على اصطحابهما الى القاهرة إل أنه لم يرافقه إل أبو خزر .ولبي نوح كتاب في علم الكلم وصفه
البرادي في كتاب شفاء الحائم وبين أنه حدد مال يسع جهله ودلل على استحالة الرؤية وبين أن
الستطاعة مع الفعل كما بين أن القرآن مخلوق إل أنه هذا الكتاب ما يزال مفقودا(. )66
ولبي خزر كتاب عرف باسم كتاب أبى خزر وهو جواب على أسئلة وجهها إليه بعض شيوخ
الباضية وقد حققها عمرو النامي ومحورها الرد على المخالفين في المسائل التالية :مسألة أسماء
ال تعالى ،هل السم هو المسمى أو غيره؟ هل هي مخلوقة؟ مسألة الوقوف وهي متصلة بالولية
والبراءة تحديد مال يسع جهله قضية العباد والرد على المعتزلة مسألتي الستطاعة والرادة
مناقشة المرجئة والخوارج في قضية اليمان(. )67
ثم ما أن أحس علماء الباضية بعجزهم عن بعث دولة من جديد حتى فكروا في ما يعوض ذلك في
عصر الكتمان فوجدوا خير أسوة في سيرة أبي عبيدة مسلم في البصرة فكونوا نظام الحلقة الذي
اشتهر بنظام العزابة ،وأرسى أبو عبدال محمد بن بكر قواعد هذا النظام( )68فآتى أكله بعد حين
في باب الصول فبرزت في النصف الثاني من القرن الخامس هـ /الحادي عشر م المؤلفات التالية:
)1كتاب التحف المخزونة في إجماع الصول الشرعية ومعانيها مفصل بابا بابا لبي الربيع سليمان
بن يخلف المزاتي (.)69( )1078 /471
)2كتاب مسائل التوحيد لبي العباس احمد بن بكر (.)70( )1110 /504
)4عقيدة نفوسة ،لبي زكرياء يحيى الجناوني ( ،)74والقسم الول من كتاب مختصر الوضع في
الصول والفقه(.)75
إن هذه النصوص تعالج جميع قضايا الصول وبدأت تتخلص من قضية الردود لتقر أصول الباضية
دون أن تعتمد على كثرة الستدلل المهم أن ترسخ هذه الصول في الذهان -مثل عقيدة نفوسة-
وإن جنح تبغورين في كتاب أصول الدين الى مناقشة كل الفرق في الصول التسعة لبراز اعتدال
مواقف الباضية أما كتاب الجهالت فهو كتاب مختصر تعليمي يعلم النسان كيف يجيب عن جميع
السئلة المحتملة في أصول الدين.
وإن تمخض المحيط الباضي عن مثل هذا النتاج الذي يوحي بأن مؤلفات الشعري لم تسر بعد إلى
هذه الوساط فإن هذا القرن عرف امتدادا واضحا في الوساط الشعرية لفكر الشعري خاصة بعد
البغدادي والبلقاني ( )76()1013 -950 /403 -338والسفراييني (ت . )77()1078 /471
كما تأصل تيار آخر كاد يبقى منسيا لول ابن حزم الندلسي ( )78()1064 -994 /456 -384أل
وهو المذهب الظاهري أما التيار الماتريدي فقد بقي مغمورا وكانت الغلبة للتيار الشعري إل أن
التيار العتزالي قد عرف نضجا جليا مع مؤلفات القاضي عبد الجبار(.)79( )1025 /415
================
بافريقية.
( )64أبو نوح سعيد بن زنغيل :من علماء النصف الثاني ق 10/ 4أصله من بلد الجريد .قام على ابن تميم الفاطمي إثر مقتل
أبي القاسم يزيد بن مخلد ثم وقع التصالح معه بعد انهزام الباضية وذلك بعد أن فر زمنا واختفى بوارجلن حيث أكرمه أهلها.
كانت له براعة في علم الكلم وهو يقول عن نفسه " ناظرت عن هذه النحلة بين يدي أبي تميم(الشيعي) وأبي
منصور(الصنهاجي) وأبي الخطاب( عامل زويلة) وسائر الفرق ولم يبق مذهب إل غلبته" .وتذكر المصادر أنه كتب في هذا الفن
لكن لم نعثر على شيء من ذلك إلى الن .ر .الدرجيني :الطبقات 2/353وصفحات أخرى .ر .الشماخي :السير(مشائخ المغرب)
أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بكلية الداب بتونس سنة 1979في 3مجلدات. 663 -3/662 .ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل
والبرهان ط .البارونية :3/5مسألة أبي نوح مع أبي تميم الفاطمي" الصنعة دليل على أن لها صانعا".
( )65أبو خرز يغل بن زلتاف( )380/990من بني واسين .سكن الحامة مع أبي القاسم يزيد بن مخلد حيث تعلما هناك الصول
على سحنون بن أيوب وتزوج الغاية .حاصر عامل أبي تميم الفاطمي في باغاي 358/967اثر مقتل أبي القاسم يزيد بن مخلد،
وانهزم أبو خرز في هذه المعركة .ثم تم الصلح بينه وبين أبي تميم سنة .359/970وتحول معه إلى القاهرة حيث توفي سنة
.380/990عدة أبو يعقوب الوارجلني ضمن الئمة العشرة الذين انفردوا بآراء في علم الكلم .وقد استقر بمصر وبها توفي وقد
حقق النامي رسالته التي جاءت بعنوان" في الرد على جميع المخالفين" وما تزال مرقونة .ر :الدرجيني :الطبقات . 2/340ر.
الشماخي :السير . 346ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي م 587 -3/586ر .إسماعيل الجيطالي :قواعد السلم 1/13
تعليق .2
( )66انظر :النامي :الطروحة ،288:تعليق 259
( )67وهذا تلخيص أبي خرز لرسالته مع عرض منهجه:
" فقد ذكرنا ما اعتلت به المعتزلة ،فأخذ أصحابنا بأوسط القاويل وأعدلها وأصوبها مما وافق كتاب والقياس الذي ل يقدر مبطل
على نقضه فنفينا عن ال التشبيه ال وسنة نبيه محمد فأثبتناه حيا فاعل واحدا ليس كمثله شيء ول يشبه شيء ،وأبطلنا
حجة المشبهة ,وأبطلنا ما اعتل به جهم وما اعتلت به المعتزلة من تثبيت جهم القدرة ل حتى ألزمه الجور ،ونفى المعتزلة
الجور عن ال حتى نفوا عنه القدرة على اكثر الشياء ومن ل يقدر على شيء فهو عاجز عنه ،ومن يعذب من لم يظلم فهو جائر
ظالم "...كتاب أبي خرز في الرد على جميع المخالفين ص .75مرقون بمكتبتي
( )68انظر كتابنا :نظام العزابة ،المطبعة العصرية .1975
( )69هو ثمرة دروس ألقاها أبو الربيع في مدرسة الجامع الكبير بجربة .انظر كتابنا :نظام العزابة ص 187
أبو الربيع سليمان بن يخلف المزاتي القابسي (ت :)471/1078نشأ بتمولست ثم درس على الشيخ أبي عبدال محمد بن بكر(
)440/1048في أريغ فكان من أبرز تلميذه ثم انتقل إلى جربة حيث تعلم الفقه على أبي محمد ويسلن وعلم بها أصول الدين.
طكان كثير التنقل مع تلمذته .توفي في تونين سنة 471/1078ر .الدرجيني :الطبقات ،1/191 :الشماخي :السير 412/414
وأما كتاب المخزونة في إجماع الصول الشرعية ومعانيها فقد قسمه صاحبه إلى جزأين ،وقد عالج في الجزء الول القضايا
التالية :ما يسمع الناس جهله ،الولية والبراءة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي صلبها بين حقيقة اليمان والكفر
وعالج قضية خلق القرآن كما خصص فصل سماه "الديانات" اختصر فيه اسس العقيدة الباضية( وسيعود عامر الشماخي إلى
هذا المنهج .انظر ما يلي 121
أما الجزء الثاني فقد جاء أكثر تجريدا ومن أهم أبوابه :باب في الحكمة وال حكيم لذاته وبذاته وفي ذاته ،وباب ما الصفات التي
هي الموصوف بها ليس ثم معنى غير عينه .باب في التوحيد ونفي الشياء والمساواة عن ال عز ذكره ،باب كان ولم يكن
ويكون ول يكون وقد كان وسيكون .وختمه ببحث عن أسماء ال وصفاته.
والملحظ أن أبا الربيع جمع في هذا الكتاب بين أصول الدين وأصول الفقه غل أن الغالب عليه هو طابع أصول الدين .كما أن
المنهج لم يكن موحدا في كامل الكتابي إذ يختصر أحيانا ويحلل أحيانا أخرى .أما النزعة التعليمية فواضحة إذ نعلم أن منطلق
هذا الكتاب دروس كان يلقيها المؤلف في جربة .ومهما يكن من أمر يبقى الكتاب رصيدا مهما في تراث الباضية لن كل من أتوا
بعده يكثرون من الحالة عليه وينوهون بفضله.
والكتاب خ البارونية عدد صفحاته 110من الحجم المتوسط وبكل صفحة 24سطرا وقد نسخ بتاريخ 1269/1853دون أن يذكر
اسم الناسخ.
( )70أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر( )504/1110أصل أسرته من نفوسة من فرسطا .اخذ العلم عن أبيه أبي عبدال محمد
بن بكر( )400/1048وكان من أهم تلميذه .سكن وادي أريغ ثم تحول إلى تمولست في الجنوب التونسي وبها صنف كتبه وهي
خمسة وعشرون .يهمنا منها رسالته في التوحيد خ موجود بالبارونية الحشان جربة .ثم رجع إلى وادي أريغ ثم إلى تماوط
(وارجلن) وكانت وفاته بوادي أريغ سنة . 504/1110ر .الدرجيني :الطبقات ،2/442الشماخي :السير 423 :ر .محمد حسن:
تحقيق سير الشماخي .3/614
هذا المؤلف أما كتاب مسائل التوحيد فعنوانه الكامل معبر عن فحواه وهو ":مسائل التوحيد مما ل يسع الناس جهله وغير ذلك
من مسائل الكلم" ويقسم ما ل يسع جهله إلى قسمين:
)1ما بينه وبين الناس :وذلك مثل القرار بالشهادة وما يتبعها حتى تجري عليه أحكام المسلمين.
)2ما بينه وبين ال :ويتمثل في القرار والضمار وعلم الجملة كذلك أشار إلى ما ينبغي أن يعرف عن النبياء وعن الخرة.
كما أفرد فصول طويلة في قضية الولية والبراءة ولم يغفل عن مسالك الدين والمامة معتبرا إياها قسما من اقسام أصول الدين.
أما منهج الكتاب فيغلب عليه الختصار إذ يكتفي صاحبه بذكر مواقف الباضية من القضايا المطروحة دون عرض أدلتها إل أنه
يسند بعض المواقف التي تبدو له شائكة إلى مشائخ الباضية .والكتاب خ بالبارونية عدد صفحاته 26وبكل صفحة 27سطرا.
( )71تبغورين بن عيسى الملشوطي( النصف الول من ق :)6/12من ملشوطة (يبدو أنه في أريغ) سكن آجلو .اخذ العلم عن
أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي( )471/1078وعن الشيخ عبدال اللنتي .وكان كما قال الشماخي ":أعظم الناس قدرا
واكثرهم علما وأشدهم عمل"..
ومن تأليفه :كتاب أصول الدين حققه النامي ملحقا باطروحته( مرقون بمكتبتي الخاصة) وينسب إليه كتاب الجهالت ،ويبدو أنه
اشترك في تأليفه عدد من الشيوخ .ر .الشماخي :السير -432كوبرلي :الطروحة ص -116 -115محمد حسن -تحقيق سير
الشماخي -3/577إسماعيل الجيطالي :قواعد السلم 1/90تعليق عدد 1
( )72حققه النامي ملحقا باطروحته عدد 2انظر ما يلي 140تعليق 62
( )73ينسب إلى غير تبغورين .يذكر الوسياني أنه لبي إسماعيل إبراهيم بن ملل ويذكر أبو عمار أنه لعدة مشائخ انظر ما يلي
155انظر :النامي :الطروحة.292 -291 :
( )74كوبرلي :الطروحة ،عقيدة نفوسة ملحق بالطروحة 16 -3/1أبو زكريا يحي الجناوني ( ق )5/11من قرية آجناون بجبل
نفوسة اخذ عن أبي الربيع سليمان ابن أبي هارون وبه تمر نسبة الدين عند الباضية .نذكر من مؤلفاته كتاب الوضع ،مختصر
في الصول والفقه ط حققه أبو إسحاق إبراهيم اطفيش( انظر ما يلي 146والقسم الول منه في أصول الدين وقد صيغ في
اسلوب أدبي طريف وعرض عرضا منهجيا متناسقا.
وعقيدة نفوسة :وهو مختصر تعليمي ليس في نفس الجودة السلوبية وكتاب الوضع ر .الشماخي :السير ،535كوبرلي
الطروحة 1/76وقد أحال على كثير من المراجع الجنبية إذ نعلم أن روبناتشي اليطالي قد ترجم عقيدة نفوسة (,533 -595.
cf.A.I.U.O.N,NS.XVI )1964
ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي 3/598
( )75أبو زكرياء يحيى الجناوني :مختصر الوضع تحقيق أبي إسحاق اطفيش ط من ص 37 -17أنظر ما يلي146 :
ويرجع كوبرلي أن العقيدة التي كتبت بالبربرية وترجمها ابن جميع في القرن الثامن ترجع إلى هذا القرن .ر .الطروحة .1/80
( )76الباقلني :ر .الزركلي -العلم 7/46
( )77السفراييني(ت )471/1078ر .تحقيق كمال يوسف الحوت لكتاب " التبصير في الدين" ط بيروت 9 :1403/1983
( )78ابن حزم ر .الزركلي :العلم 5/53
( )79القاضي عبد الجبار :ر .الزركلي 4/47
وما أن هبت ريح الشاعرة في عاصمة الباضية الثانية بعد سقوط تاهرت وهي سدراته ووارجلن
()80حتى تصدى لها علماء كان لهم باع طويل في علم الكلم وظهر نتاج زاخر لم يعرف الباضية
لـه نظير وظل عمدتهم إلى يومنا هذا فشرحوا ،وحشوا ،واختصروا ،وهذا المصنفات هي:
-كتاب السؤالت ورسالة في الفرق لبي عثمان عمرو بن خليفة السوفي(. )81
-كتاب الموجز ،وكتاب شرح الجهالت لبي عمار عبد الكافي الوارجلني (.)82( )1174 /570
-كتاب الدليل لهل العقول لباغي السبيل بنور الدليل لتحقيق مذهب الحق بالبرهان والصدق.
(واشتهر بـ :كتاب الدليل والبرهان).
-كتاب العدل والنصاف في أصول الفقه والختلف( .واشتهر بـ كتاب العدل والنصاف) وكلهما
لبي يعقوب الوارجلني (.)83
ول بأس من ذكر عقيدة أبي سهيل( )84وإن لم تلق نفس الرواج لكن أهميتها في سهولة استيعاب
ما فيها.
نلمس بوضوح أن الفكر الباضي أدرك مستوى النضج والقدرة على الستيعاب والدفاع في منطق
متكامل فهذا أبو عمار الذي عرف البيئة التونسية في تونس زمن الموحدين بما فيها من تيارات
يقف منافحا عن السلم فيرد على الفلسفات القديمة ،وأهل الكتاب في الجزء الول ثم في الجزء
الثاني من موجزه يقرر أصول العقيدة الباضية ويدحض حجج الفرق الخرى ببراهين عقلية ونقلية
في لغة كلمية جدلية متماسكة.
ويمكن أن نعتبر أن مؤلفات أبي يعقوب مكملة ومركزة لما جاء عند أبي عمار ذاك أنه حدد في
الجزء الول من كتابه جميع مسائل الخلف مع الشاعرة وركز حجج الباضية في هذه المسائل كما
أنه حدد ما يسع جهله ومال يسع جهله وما بين علماء الباضية من فويرقات في هذا الشأن
وحرص على ضبط أقسام العلوم في الجزء الثاني مع العتناء بعلمي المنطق والحساب ،وقد
ساعدته رحلته العديدة على استغلل ملحظاته في علم الكلم .أما الجزء الثالث من كتاب الدليل
والبرهان فقد جاء متنوعا يحكى ما في البيئة الباضية من غليان فكري ،ذاك أنه أجوبة عن رسائل
وجهت في الصل لبى عمار عبد الكافي فلما أدركته المنية تولى أبو يعقوب الجابة عنها بما يشفي
الغليل في الرد على مختلف الفرق سواء المتأصلة أو المنشقة عن الباضية مثل النكار.
أما كتاب السؤالت فقد أجاب صاحبه عن خمسة وتسعين سؤال في جميع مسائل الصول ،وهو
ثروة فكرية عملية تمكن الباضية من الستعداد للجابة عن أية قضية من القضايا التي كانت تطرح
في حلقات المناظرات في ذلكم المحيط الذي تتعايش فيه جميع الفرق دون أن تجد أية مضايقة.
فواضح إذن تعايش التراث الباضي مع سائر التراث السلمي خاصة ومع التراث العالمي تعايشا
قويا بناء مستقل برأيه ،معتدا بذلك الرأي فل يتردد أبو يعقوب مثل اعتماد فكر الغزالي في علم
المكاشفة( )85وفي الثناء على رسائل إخوان الصفاء مع عرض فحواه()86ا إل أننا لم نجد إشارة
إلى علماء آخرين برزوا في القرن ( )11/ 5مثل ابن عبد البر ()87()1071 -978 /463 -368
وفي القرن ( )12 /6مثل الشهرستاني ( )1153 -1086 /548 -479ذلك لن فكر الشعري بقي
طاغيا.
ولئن استمر الفكر الشعري في قوته على يد المتكلمين أمثال البيضاوي (ت )88()1143 /685
والتفتازاني ( )89()1390 -1312/ 793 -712واليجي ( )90()1355 /756فإن مسح الميورقي
لسدراته واستئصال الباضية من منطقة الجريد أدى إلى تراجع واضح ،واهتم هؤلء بسيرهم وكان
ذلك على يد الدرجيني في طباقته (في القرن السابع هـ /الثالث عشر م) لكنهم لم يسكتوا عن
أصولهم فانبرى أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي (ق )91()23 /7وهو يشكو من تفريط الناس في
علم الصول( :طويل).
فوضع نونية في اثنتين وثمانين ومائة بيت جمع فيها أصول الدين فذاع صيتها في
ما بعد حتى صارت بمثابة النشيد الرسمي تحفظ وتنشد في عدة مناسبات.
ثم شرحها الجيطالي (ت )92( )1349 /750في مجلدين نهج فيهما منهجا تحليليا استدلليا مقارنا
ل يخلو من نزعة دفاعية وقد كتب عقيدة مختصرة عرفت باسمه وأفرد قنطرة من قناطر كتابه
الموسوم ط بقناطر الخيرات" لصول الدين بين أنه عمد فيها إلى الختصار بناء على توسعه في
ذلك في شرح النونية ول ينبغي أن نغفل عن الباب الول من أبواب كتابه قواعد السلم فهو أيضا
عرض دقيق لقضايا التوحيد.
أما عامر الشماخي ()93( )1390 /792أبرز فقهاء الباضية فإنه لم يغفل هذا الباب بل اكتنزه في
رسالة موجزة عرفت بالديانات بين فيها موقف الباضية من القضايا الصولية التسع مفتتحا كل
قضية بقوله ندين ويشفع هذا بترجمة ابن جميع (ق )94()14 /8لنص العقيدة الذي ألف بالبربرية
في القرن الخامس هـ /الحادي عشر ميلدي فيما يبدو فصار العمدة في العقيدة وهو أول ما يحفظ
في جربة ووادي ميزاب إلى جانب القرآن الكريم والحديث الشريف.
ثم يسطع نجم البرادي فيمل القرن التاسع هـ /الخامس عشر م( )95برسالة الحقائق عرف فيها
المعنى الصطلحي لهم المفاهيم الصولية وأظهر براعته في هذا الفن وإلمامه به في شرحه
للدعائم المسمى " شفاء الحائم على الدعائم" وقد استوفى فيه ما يتعلق بأصول الدين متبعا في ذلك
منهجا تحليليا مقارنا مستفيدا من كل وصله من نصوص إباضية وغير إباضية.
بعد أن ألممنا بتراث القرون التي هيأت للمرحلة التي تعنينا أكثر ،فلنقف عند المؤلفات الصولية في
هذه المرحلة تفصيل.
==================
والفتوى.
والقرن السادس هـ /الثاني عشر م يعتبر من ازهى عصور الباضية من حيث النتاج الفكري.
وبها توفي قبل أبي يعقوب الوارجلني إذ تولى هذا الخير الجابة عن رسائل وردت على أبي عمار.
ابرز مؤلفاته :الموجز في علم الكلم .حققه عمار الطالبي وط بالجزائر ،1398/1978شرح كتاب الجهالت المنسوب لتبغورين
بن عيسى المسلوطي خ بالبارونية(انظر ما يلي 155تعليق 96
ر .الدرجيني :الطبقات ،2/485الشماخي :السير ،441عمار الطالبيك آراء الخزارج الكلمية ،1/215علي يحي معمر:
الباضية في الجزائر215 :
( )83أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني المتوفي( )570/1174ولد بمدينة وارجلن جنوب شرقي الجزائر وإليها ينسب.
تفقه بها على منهج الباضية .ثم ارتحل إلى الندلس فأقام في قرطبة زمن الموحدين .كما ارتحل إلى عواصم بلد المشرق وأدى
فريضة الحج .ثم توغل في أوسط إفريقيا حيث اكتشف تساوي الليل والنهار .له عدة مؤلفات نكتفي بذكر اثنين منها " :الدليل
والبرهان" في ثلثة أجزاء ط حجرية في مجلد واحد البارونية مصر 1306هـ في أصول الدين ،العدل والنصاف خ .في ثلثة
أجزاء -أصول الفقه حققه عمروالنامي مرقون بمكتبتي وط بعمان 1984بدون تحقيق .ر .الدرجيني :الطبقات،2/491 :
الشماخي :السير ،443علي يحيى معمر :الباضية في الجزائر مكتبة وهبة القاهرة .1979 -1399عمار الطالبي آراء الخوارج
الكلمية 1/216
( )84كوبرلي :الطروحة 3الملحق71-23 :
أبو سهل يحي بن إبراهيم بن سليمان بن إبراهيم بن ويجمن(ق :)6/12سليل أسرة عريقة في العلم .عاش في ربوع وارجلن
زمن ازدهارها العلمي .واخذ خاصة عن أبيه وعن أبي زكرياء يحيى ابن أبي بكر الوارجلني صاحب كتاب السيرة وأخبار
الئمة .اشتهر خاصة بكتابه الموسوم بـ"العقيدة في علم التوحيد والعلم والسير" وقد جعله كوبرلي ملحقا بأطروحته -3/23
.71ر .الشماخي :السير ،508 -507كوبرلي :الطروحة .1/158محمد حسن :تحقيق السير 3/608وقد اعتبره من علماء
القرن 5هـ 11/ونرجح ما أشرنا إليه أعله لخذه عن أبي زكرياء.
أما كتابه في العقيدة فقد غلب فيه القسم الخلقي على القسم العقائدي.
( )85أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 3/180-1
( )86نفس المصدر 3/194:
( )87ابن عبد البر القرطبي .يقال له حافظ المغرب تهجم على المتكلمين في كتابه " جامع بيان العلم وفضله" .ر .الزركلي:
العلم 10/316
( )88البضاوي :ر .الزركلي :العلم 4/248
( )89السعد التفتازاني :ر .الزركلي :العلم 114 -8/113
( )90عضد الدين اليجي .ر .الزركلي :العلم 4/66
( )91أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي( النصف الول من ق )7/13من قرية تملوشايت من جبل نفوسة .اخذ العلم عن خاله أبي
يحي زكرياء بن إبراهيم .له عدة قصائد تعليمية نذكر منها القصيدة النونية في أصول الدين .انظر ما يلي 160 :الشارة إلى
شروحها
ر .الشماخي :السير ،549 -548الجعبيري :نظام العزابة 254 :ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي 662 /3وقد أخطاء في
اعتباره من علماء القرن 6/12لن الباروني اعتبره من الطبقة الثالثة عشرة .ر .إسماعيل الجيطالي :قواعد السلم 1/89
تعليق 1للمحقق
( )92إسماعيل الجيطالي ( :ت )750/1349نشأ في مدينة جيطال بجبل نفوسة .اخذ عن أبي موسى عيسى بن عيسى
الطرميسي(ت )722/1322اشتهر بقوة الحافظة .جمع بين العلم والجرأة في المر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك كان كثير
التنقل .سجن بطرابلس فسعى آل جربة إلى فك سراحه؛ واستقر في جزيرة جربة بالجامع الكبير إلى أن توفي ،وقبره هناك .له
عدة مؤلفات نذكر منها :كتاب قناطر الخيرات وقد طبع في 3أجزاء بالمطبعة البارونية 1307/1889وحقق عمرو النامي الجزء
فصول مهمة في أصول الدين .وكتاب القواعد السلم جزآن وقد حققه عبد الرحمان بكلي وطبع بالمطبعة العربية بغرادية
الجزائر 1976
وقد جاءت 129صفحة منه في الصول ج 1وقد حقق النامي هذا القسم ملحقا بأطروحته كما اعتمد كوبرلي في أطروحته على
هذا القسم ( ر ) 245 -104 /1 .ر .المراجع المشار إليها مع المصدر المعتمد :الشماخي :السير559 -556 :
( )93عامر الشماخي( ن )1390 /792من أجداد أحمد الشماخي صاحب السير .اخذ عن أبي موسى بن عيسى الطرميسي(ن
.)1322 /722اشتهر بالستقامة منذ صغره .جلس للتدريس والتأليفطول حياته .وقد درس بمتيون 13سنة وتحول إلى يفرن
756هـ1355 /م .من أبرز تلميذه البرادي( 8و 9هـ15 -14/م) صاحب كتاب الجواهر .توفي متقدم السن( )792/1390له عدة
مؤلفات يهمنا منها كتاب الديانات وقد ألفه تلبية لطلب نوح بن سعيد المرساوني( انظر شروح هذا النص في ما يلي )160وقد
ترجمه النامي بأطروحته ص 255إلى النكليزية وترجمة كوبرلي إلى الفرنسية 3/195الملحق ر .الشماخي :السير-559 :
.561
( )94هو أبو حفص عمرو بن جميع :يقول عنه الشماخي ":كان اماما مشهورا وكان من العلماء منظورا .إليه تنسب العقيدة
التي كانت بالبربرية فأبدلها بلسان العربية وهي اعتماد أهل جربة وغيرهم غير نفوسة في ابتداء الطلبة" السير .561وقد ترجم
له الشيخ أبو إسحاق اطفيش في مقدمة تحقيق نص العقيدة واعتبره من علماء النصف الثاني من القرن ، 7/13وقد أدرك بداية
القرن .8/14وغاية ما نعرف عنه أنه درس على أحمد الدرجيني صاحب الطبقات .ر .ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء
جربة54 :
" ثم صار كبير المدرسين بجامع تيفروجين من جهة والغ القديمة حيث يوجد قبره" كما يقول الحيلتي(ت )1099/1688في
رسالته عن مشاهد علماء حربة 6 :أما تاريخ وفاته فمجهول ر .الجعبيري :نظام العزابة ص .253
أما في ما يتعلق بتعريف نص العقيدة فانظر ما يلي 131
( )95أبو الفضل أبو القاسم البرادي( النصف الول ق )9/15نشأ بجبل دمر – الجنوب التونسي -وتعلم بجبل نفوسة على عامر
الشماخي (ت )1390 /792وبجربة على يعيش بن موسى الزواغي بمدرسة وادي الزبيب بحومة جعبيرة.
تولى التدريس بعد ذلك بنفس المدرسة التي تعلم بها بجربة واستقر بالجزيرة حيث شارك في عضوية مجلس العزابة .حج إلى
بيت ال الحرام سنة 775/1374وتاريخ وفاته يبقى مجهول .ر .للمؤلف :نظام العزابة ص 209 -208وقد اشرت هناك إلى أهم
المصادر .ر .سالم العدالي :البرادي :حياته آثاره .أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين -1402
1982مرقونة بمكتبتي.
ورسالة الحقائق ط .بالجزائر د.ت مع مجموعة من المؤلفات وقد حققها سالم العدالي مرقونة بمكتبتي .أما كتاب شفاء الحائم
فما يزال مخطوطا بالمطتبة البارونية الحشان ،جربة .ولسالم العدالي نسخة مصورة منه عن النسخة البارونية .ر .سالم العدالي:
البرادي حياته آثاره ؛ 147 -122
تنطلق التصانيف الباضية في أصول الدين في هذه الحقبة التي تهمنا بشرح أحمد بن سعيد
الشماخي( )1522 /928لعقيدة التوحيد لبي حفص عمور ابن جميع( ، )2وقد أثبت أنه " انتهى
من شرحه هذا في أوائل شهر شعبان سنة أربع وتسعمائة /فيفري .1499وهو العام الثاني من
إخراج المسلمين النصارى من جربة" (.)3
وأبو العباس أحمد الشماخي (ت )1522 /928هو سلسل أسرة عريقة في العلم سكن يفرن وأخذ
عن أبي عفيف صالح بن نوح .تحول بعد وفاة شيخه إلى تطاوين وتللت بجبل دمر طلبا للعلم ،ثم
واصل طريقه إلى تونس حيث التقى بملك إفريقية أبي عمر عثمان الحفصي( -1435 /893 -839
)1488سنة ،1486 /891وتحاور معه في مسائل فقهية.
كما التقى في إحدى رحلته بفقيه إباضي من عمان هو محمد بن عبدال السمائلي العماني ونقل
عنه عدة أخبار عن إباضية المشرق.
وكان يهتم أحيانا بتاريخ مؤلفاته من ذلك ضبطه لتاريخ انتهائه من شرح مقدمة التوحيد وذلك سنة
.1499 /904
والمشهور كما يروي ذلك مؤرخ جربة المعاصر سالم بن يعقوب أنه توفي بجربة وقبره بحومة
تيواجن ،وذلك سنة 1522 /928على خلف ما يذكره لويكي.
مؤلفاته:
-سير المشايخ :ط حجرية القاهرة .1301عرف فيه بنشأة الباضية وخاصة سير مشائخ المغرب.
-مختصر كتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني ( )12 /6في أصول الفقه وشرح المختصر
خ .بمكتبتي .وقد فرغ من تأليفه .1489 /854
-شرح كتاب مرج البحرين في الفلسفة والمنطق لبى يعقوب الوارجلني وهو قسم من كتاب الدليل
والبرهان .خ بمكتبة سالم بن يعقوب غيزن.
-أعراب مشكل الدعائم ،لبن النظر العماني وقد انتهى من تأليفه سنة 1483 /888كما أثبت في
آخر النسخة البارونية خ .لم يهتم فيه إل بالقضايا اللغوية والنحوية"..فآثرت مختصرا يتضمن
مشكل إعرابه".
وبين هذا وذاك ألفت عدة تصانيف نرتبها كما يلي )1( :المؤلفات المستقلة )2( .الشروح
والحواشي )3( .الردود والجوبة )4( .المختصرات.
========================
( )1ملحظة :اننا سنقحم التراجم داخل النص لنها تعتبر من صلب البحث
( )2انظر ما سبق 124 :تعليق 94
( )3أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد 163:
( )4ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة ص .1سالم بن يعقوب :كراس بمكتبته الخاصة بدون رقم
محمد حسن :نحقيق سير الشماخي3/480:
( )5انظر ما يلي140:
( )6انظر ما سبق116 :تعليق 71
:
إن التأليف الذاتية في أصول الدين في هذه القرون تكاد تكون منعدمة وإننا لم نعثر إل على ثلثة
رسائل اثنتين منها لحمد بن سعيد الشماخي والثالثة لعبدال السدويكشي (.)7( )1658 /1068
ولعل هذا يرجع إلى أن ما ألف في ما مضى كثير ،لذلك لجأ علماء هذه الحقبة إلى الشروح
والحواشي لتوضيح ما جاء من إشكال في تلك النصوص التي أقرت العقيدة الباضية بصفة نهائية.
أ) أما رسالة الشماخي الولى فقد جاءت موجزة وهي جواب أجاب به ()8أحد الطلبة حول قضية
العلقة بين السم والمسمى بالنسبة إلى ال تعالى ،وهي مخطوطة بها أربع صفحات تحتوي على
مائة سطر بخط مغربي واضح(. )9
وقد بدأها بذكر الفرق بين التسمية والسم والمسمى لغة ثم بين أن الباضية يعتبرون أن السم هو
المسمى مدلل على هذا العتبار بعدة آيات من القرآن الكريم وبثلثة أحاديث.
وقرر بعد ذلك اعتمادا على كلم الوارجلني أن الخلف بين الباضية وغيرهم اعتباري لفظي.
كما أجاب عن بعض العتراضات والستفسارات وانتهى إلى تقرير أن السم يدل على المسمى وأن
الباضية يمنعون أن يقال إن ال سمى نفسه في الزل( )10وتبدو النزعة التعليمية واضحة في هذه
الرسالة إذ جاءت في قالب حوار (إن قلت .قلت).
ب) وأما الرسالة الثانية فقد جاءت في منتهى اليجاز وهي خ .تحتوي على صفحة واحدة بخط
مغربي واضح بها ثلثة وعشرون سطر(. )11
وموضوعها :صفات ال تعالى ،وقد برهن بطريقة منطقية جدلية على أن صفات ال الذاتية غير
زائدة على الموصوف وكذلك صفاته الفعلية.
وقد بدت النزعة الجدلية بما فيها من تحد واضحة في هذه الرسالة على إيجازها.
وأما الرسالة الثالثة فهي لعبدال السدويكشي عدد صفحاتها سبعة وبها 134سطر( . )12وهي
موسومة بـ" رسالة في اختلف العلماء في القرآن المجيد" وقد حدد موضوعها في الخاتمة كما
يلي:
" فقد ذكرت ما أمكنني ذكره من احتجاج الفريقين (القرآن مخلوق -القرآن أزلي" فهي مقارنة بين
القائلين بالحدوث والقائلين بالقدم وفي ذلك يقول ":وأما القائلون بأن القرآن قديم فهم المالكية
والشافعية والحنابلة والحنفية.
وأما القائلون بأن القرآن مخلوق فهم المعتزلة والباضية والشيعة على اختلف مذاهبها" (.)13
وقد بدت النزعة الجدلية واضحة في كل الرسالة ما دامت كل جماعة تحاول النتصار لموقفها وقد
أورد المصنف حجج الذين يعتبرون أن القرآن قديم ودفاعهم عن موقفهم في العنصر الول ثم أورد
حجج القائلين بخلق القرآن ومنهم الباضية وقد جاء القسم الثاني أطول وأوضح من القسم الول
ومرجع هذا إلى أن السدويكشي يتبنى موقف القائلين بخلق القرآن.
===============================
( )7انظر ترجمته مع تحليل أهم آثاره151:
( )8خيرنا وضعها هنا لنها أقرب إلى التأليف الذاتي
( )9المكتبة البارونية ضمن مجموعة آثار أخرى بدون رقم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
:
وقد بين الشارح الغاية من تأليفها في مقدمة الشرح حيث قال عند وصف المتن ":احتوت على نكت
ولطائف يفتقر إلى تعلمها المبتدئ وربما يحتاج إلى إيضاح بعضها المنتهي .فاستخرت ال في شرح
ما بدا لي من مشكلة ...إسعافا لمن طلب ،ومساعدة لمن رغب ول أزيد على ما يزيل البهام إل نادرا
لنه رحمه ال لم يضعها لتقرير المباحث وتهذيب الدلة" (.)16
والناظر في الشرح يتبين أن الشماخي عمد إلى التوسع أحيانا وإلى الختصار أحيانا أخرى ،كما أنه
يكثر من المقارنات بين مواقف الباضية وغيرهم بطريقة جدلية واضحة ،ثم يدعم ما يقرره من
الراء باجتهاد علماء الباضية المتقدمين دون ذكر المصدر غالبا وإنما يكتفي بذكر أسماء العلماء
فقائمة أسماء المصادر ل تتجاوز الست مثل كتاب الجهالت( )17والدليل والبرهان ،بينما عدد
أسماء العلماء المذكورين ل يقل عن الثلثين مثل تبغورين بن عيسى الملشوطي صاحب كتاب كتاب
الجهلت وأبي يعقوب الوارجلني صاحب الدليل والبرهان( ،)18وهو يسند أيضا آراء غير الباضية
إلى أصحابها وإلى مصادرها أحيانا وقد تردد ذكر الزمخشري ()19()1194 -1079 /538 -467
والشعري( )20وغيرهما في غضون الشرح عدة مرات.
ثم إن الشارح إلى جانب التعريفات الصولية والمناقشات الفكرية لم يغفل عن الشروح اللغوية فهو
كثيرا ما يحيل على الزجاج (.)21( )923 -855 /311 -241
ثم إلى جانب هذا فإن تتبع النص فرض على الشارح أن يقف عند كثير من المواضيع الفقهية
العلمية مثل الصلة والزكاة وما إلى ذلك.
فواضح إذن أن شرح الشماخي جاء معتدل بين الختصار والطول إذا قورن بشرح أبي سليمان
التلتي (ت ، )22()1560 /967وشرح محمد اطفيش ،قطب الئمة.
وأخيرا فقد جاء هذا الشرح دليل واضحا على موسوعية الشارح ودقة ملحظاته وإلمامه بالقضية
من جميع جوانبها فهو يشير أحيانا إلى أنه يعمد إلى الختصار وقوفا عند التزامه في المقدمة(،)23
وأحيانا يضطر إلى تحليل بعض المسائل عندما يحس أن الشرح لم يمكنه من استيفاء الغرض فيلمح
إليها بإحدى العبارات التالية :تنبيه( .)24مسألة( . )25فرع( .)26مطلب(. )27
وسيتضح من خلل هذا البحث أن شرحه منطلق أساسي لكل من يريد أن يتعرف على عقيدة
الباضية.
======================
)14انظر ما سبق ص 124للتعريف بصاحب العقيدة .أما النص فيمكن التعرف على فحواه من خلل الشرح ،والشماخي قد
لخص المتن كما يلي" :اعلم أن الشيخ رحمه ال تعالى لما صدر كتابه بما ل يسع جهله طرفة عين ،ثم ذكر ما يلزم من جهل أو
أنكر خصلة من ذلك ،ثم ذكر تفسير الدين وما يضاف إليه وأنه السلم ،ثم عقب بشيء من المفروضات ،وذكر الولية والبراءة،
وما يلزم منهما ولهما من الشروط والقسام ،وذكر الملل وأحكامها ،وكل ذلك تفسير للجملة ،ونذكر من جملة التفسير على وجه
الستطراد جملة الكتب والنبياء والرسل ...لينبه الغافل عن سبيل الستقامة.114 :"...
( )15لقد حقق المتن والشرح أبو إسحاق إبراهيم اطفيش وطبعهما مع شرح أبي سليمان التلتي بالقاهرة 1353هـ .وقد طبع
المتن مع الشرحين طبعه ثانية على نفقة الحاج خليفة بن سعيد الشيباني 1392/1973وقد جردت من تحقيقات أبي إسحاق
اطفيش .وقد اعتمدنا الطبعتين إل أن الحالت جاءت على الطبعة الثانية.
( )16الشماخي :شرح العقيدة18:
قبل أن نقف عند الشرح يحسن أن نتعرف على صاحبه وتتبع أخباره يعرض صورة واضحة عن
متانة العلقة بين مواطن الباضية بالمغرب في القرن 16 /10والخبار متوفرة.
نشأته وتعلمه .إننا نجد عنهما تفاصيل يقينية واضحة كما يرويها عنه أحد تلميذه وهو محمد بن
زكرياء الباروني( )28في رسالته في نسبة الدين( )29ومفادها:
)1الدراسة بجبل نفوسة( : )30لقد ارتحل إليه منذ صغره وبعد أن حفظ كتاب ال درس عقيدة
التوحيد( )31وغيرها على أبي زكرياء بن عيسى الباروني(. )32
)2رجوعه إلى جربة :لعله رجع زائرا فأقام مدة أراد أن يستفيد فيها فحلق على أبي القاسم بن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ولما ارتجل شيخه إلى جزيرة جربة( )38انتقل الى بقالة( )39فدرس المنطق والبيان على شيخه
إبراهيم أبى الحباس( )40من تلميذ يونس ابن تعاريت(. )41
)4رحلـته إلى وادي ميزاب :وحال وصوله إلى جربة بلغه صدى دروس أبي مهدي عيسى بن
إسماعيل( )42تلميذ سعيد بن علي الجربي( )43فالتحق بمدرسته بمليكة( )44في وادي ميزاب
.1554 /961
نشاطه بجربة :وما أن رجع الى جربة حتى تصدر للتدريس في مسجد القصبيين( )45ثم انتخب
رئيسا لمجلس العزابة( )46وصار من أهل الحل والعقد ومما يثبت ذلك قول ابن تعاريت (/1289
": )1872وساد بجربة وتولى مجلسها -أي تولى رئاسة مجلس الحكم فيها انذاك -واليه يرجع
المر في زمانه" ( ،)47ومخاطبة درغوث باشا حين هجم على الجزيرة ":نحن جماعة العزابة"(
. )48
وقد كان مجاهدا مجتهدا في العلم والدعوة الى الحق فتصدى لدرغوث باشا وقال له في صيغة رد:
" بل الفساد من قبلك لتقديمك السافل"( )49عندما طعن درغوث في عزابة جربة .فما كان من
درغوث باشا إل أن أخذه خدعة وسجنه شهرا ثم قتله سنة .1560 /967
وقبره معروف الى الن في حومة بركوك ( ،)50وما يزال أهل قرية تلت( -)51التي ينسب إليها-
يقيمون زيارة سنوية لهذا القبر إحياء لذكراه.
وهكذا نتبين أنه مات حديث السن دون أن يفيد كثيرا من العلم الذي حصله في شبابه فخمس سنوات
على أقصى تقدير غير كافية لتكوين جيل .وأشهر تلميذه محمد بن زكرياء الباروني الذي نقل عنه
نسبة الدين(.)52
مؤلفاته )53(:يقول أبو اسحاق اطفيش ":ولبي سليمان مصنفات نفع ال بها كثيرا من عباده
المؤمنين منها شرحه على متن ايساغوجي( )54في المنطق مقرر بالجامع العظم الزيتونة بتونس.
-شرح عقيدة التوحيد ":قل أن نجد ممن أدركناه من العلماء أو التلميذ من لم يكن من محفوظاته
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وذلك في بلدنا -وادي ميزاب -ولعل الحال في الجزيرة ونفوسة كذلك"(. )56
وهذا أبو سليمان نفسه يضبط منهجه في شرح العقيدة في المقدمة كما يلي.... ":فهذه تذكرة لشيء
من المسائل على بعض كلمات العقيدة عقيدة التوحيد من حدود وآيات وأحاديث وآثار .مناسبة لتلك
الكلمات كان التلميذ في بعض المجالس يكتبونها كما يكتبون العقيدة (.)57
وقد جاء الشرح وفيا للمنهج المقترح في الخطبة ذاك أنه اصطبغ بصبغة وعظية واضحة بعيدة عن
النزعة الجدلية والحتجاج العقلي.
فطريقة هذا الشرح حينئذ نقلية توفر للقارئ ما يحتاج إليه من اليات والحاديث للتأكد من مفهوم
المتن وقيمته مع عدم الستغناء عن بعض الشروح اللغوية والصطلحية عندما يلزم المر لفهم
النص المشروح.
========================
( )28أنظر ما يلي169 :
( )29ملحق سير الشماخي579 :
( )30جبل نفوسة :منطقة جبلية تقع جنوب غربي مدينة طرابلس بالقطر الليبي ونفوسة هي القبيلة البربرية التي عمرت هذه
المنطقة فعرف الجبل بها لشهرتها رغم أنه عمرته قبائل بربرية أخرى .لزيادة التوسع ر .ياقوت الحموي :معجم البلدان -5/296
297
( )31ملحق سير الشماخي579 :
( )32لم نجد إشارة إليه في رسالة ابن تعاريت وواضح أنه مقرئي ق 10/16بجبل نفوسة .ويحسن أن نعرف بصاحب الرسالة
لننا سنعتمد كثيرا على رسالته في هذا الفصل .وهو سعيد بن الحاج علي ابن تعاريت (ت )1289/1872
لقد ذكر نسبته بنفسه كما يلي :سعيد بن الحاج علي بن عمر بن سعيد بن يحيى ابن الحاج عبد الرحمن بن صالح بن أحمد بن
الحاج المعز بن يوسف ابن يحيى ابن الشيخ أبي النجاة يونس بن سعيد بن يحيى ابن تعاريت .في أخر خ نسبة الدين لسليمان
الحيلتي بخطه .البارونية.
ويذكر أنه أخذ عن عيسى ابن أبي القاسم الباروني وقد نسخ رسالته في الرد على الغدامسي وذكر أن الباروني كتبها
.)1210/1795
وقد اخذ عنه سعيد بن عبدال الباروني كما يذكر ذلك في نسخه لعدة مخطوطات أنه نسخها لشيخه ابن تعاريت.
وقد سمى رسالته التي بينت ما لديه من وثائق مهمة ،منها ما لم نعثر عليه بعد ":في تراجم علماء الجزيرة وذكر أمرائها
السمومني وبني الجلود" ويذكر أنه فرغ منها في صفر .1274/1799
وقد رحل إلى مصر في آخر حياته إذ توفي بالسكندرية سنة 1289/1872
( )33وأبو القاسم بن يونس السدويكشي (ق )10/16ذكر سعيد بن تعريت أنه تلميذ أبي يوسف يعقوب التندميرتي سيخ أحمد
الشماخي صاحب السير كما يقول إنه "جازت به سلسلة نسب الدين" .رسالة في تراجم علماء جربة .خ بمكتبة سالم بن يعقوب
غيزن جربة48 :و 40
( )34أبو يحي زكرياء بن إبراهيم الهواري(ق )10/16ذكر ابن تعاريت أنه اخذ العلم عن أحمد الشماخي صاحب السير ولم
يفصل في ذكر أخباره – رسالة في تراجم علماء جربة3:
( )35أبو يوسف يعقوب بن صالح التندميرتي (ق )9/15ل نعرف عنه سوى أنه شيخ أحمد الشماخي صاحب السير ،وأنه اخذ
عن أبي النجاة يونس التعاريتي .معنى ذلك أنه عاش بين جربة وجبل نفوسة.ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء
جربة27:
( )36اجناون :مدينة غناء تسلقي في دلل على أقدام جبل أشم تضم القرى التالية نموقت في وسط الجبل القصير -على جانب
الجبل اليمن -مزو ويوجلين – على كتفي الجبل وتقابهما الجماري ومزغورة .ر .علي يحيى معمر :الباضية في موكب التاريخ
الحلقة الثانية القسم الثاني 93 :وقد جاء النص في قالب ادبي فقدمناه في أسلوب علمي مكتبة وهبة .القاهرة 1384
( )37ر .محمد زكرياء الباروني نسبة الدين ط ملحقا بسير الشماخي.579 :
( )38ر .أبو إسحاق اطفيش :مقدمة شرح العقيدة 8:
( )39محمد بن زكرياء الباروني :نسبة الدين ط ملحقا بسير الشماخي 579 :
( )40إبراهيم بن احمد أبو الحباس(ق )10/16يذكر ابن تعريت أنه أخذ عن أبي النجاة يونس التعاريتي ،معنى ذلك أنه عاش
في القرن 10/16وتعلم بجربة وهو من جبل نفوسة .رسالة في تراجم علماء جربة27 :
( )41أبو النجاة يونس بن تعاريت ( :ق .)10/16تتلمذ بجربة على شيخه زكرياء الصدغياني .رحل إلى جبل نفوسة حيث درس
على أبي عفيف صالح ابن نوح التندميرتي .درس بجامع تاجديت بحومة فاتو ،تخرج على يديه عدة تلميذ أبرزهم سعيد الجربي
مصلح وادي ميزاب في القرن 10هـ .ترأس حلقة العزابة بجربة ،وقاد الجيش الجربي سنة 916/1511ضد حملة النصارى على
جربة.ر .فرحات الجعبيري :نظام العزابة215 :
( )42أنظر ما يلي165 :
( )43أنظر ما يلي 165 :تعليق 108
( )44مليكة :إحدى قرى وادي ميزاب .انظر الخريطة ص
( )45بحومة قللة قرب تلت( انظر الخريطة)835
( )46انظر بحثنا عن نظام العزابة المطبعة العصرية تونس .219 -1975/218
( )47سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة43:
( )48محمد بن زكرياء الباروني نسبة الدين ملحقا بسير الشماخي583 :
( )49محمد بن زكرياء الباروني نسبة الدين ملحقا بسير الشماخي583 :
( )50انظر الخريطة
( )51انظر الخريطة
( )52انظر للتعريف به ما يلي169 :
( )53ر .فرحات الجعبيري ،نظام العزابة ( .271لزيادة التعرف على هذه المؤلفات)
( )54الحقيقة أن هذا الشرح يجب أن ينسب لبي الربيع سليمان الجربي المدني من حومة بازيم من جربة كما ذكر ذلك سعيد ابن
تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة ،84 :ونص الشرح مطبوع وقد وردت إشارة في مقدمته إلى أن سليمان هذا نقل فيه
الشرح عن درس لحد شيوخ الزهر .والتلتي لم يرحل إلى مصر ولقد تسرب الخطأ لبي إسحاق اطفيش من التفاق في السم.
وشرح ايساغوجي لثير الدين البهري في المنطق ط بالمطبعة الهلية بتونس سنة 1321/1903في 32صفحة متوسط الحجم
وطبع عدة مرات .يذكر في المقدمة أنه أخذ هذا الشرح عن الشيخ البهري ثم يحدد التاريخ كما يلي ":وكان أول مجلس سمحت
به اليام في قراءتي لهذه الرسالة في يوم الربعاء ثاني عشر صفر المبارك ثاني شهور سنة ثلث عشرة بعد التسعمائة من
الهجرة النبوية( 12صفر 913/22افريل )1507على صاحبها أفضل الصلة وازكى التحية وذلك بالمدرسة الجيعانية بشاطئ
بحر النيل ببولق من أعمال مصر المحروسة".
( )55والجرومية متن نثري في النحو من تأليف أبي عبدال محمد بن آجروم مطبعة المنار تونس د.ت
( )56أبو إسحاق اطفيش :مقدمة لشرحي العقيدة ص 10ونلحظ أن أهل نفوسة كانوا يحفظون نصا آخر شهر بعقيدة نفوسة
لبي زكرياء الجناوني.
( )57داود التلتي :شرح العقيدة17:
ث) نظم التحقيق في عقود التعليق لعمرو بن رمضان التلتي :وهو شرح لشرح أبي العباس
الشماخي لعقيدة التوحيد التي ترجمها ابن جميع( )58عن البربرية.
وهذا التلتي نفسه يشير إلى غرضه من هذا الشرح ...":مزيل لما فيه من الصعوبة الشديدة ومشيد
لما فيه من الفوائد النيقة يرتاح له أولو اللباب السالمة صدورهم من الحقد ،لعذوبة لفظه المتين
وما حواه من التدقيق والتبيين" (.)59
والناظر في هذا الشرح يدرك أن التلتي قصد الشرح اللغوي ،عدا بعض الشارات السريعة
للتعريفات الصولية كما يلحظ أنه لم يفرد فصول لبعض القضايا كما يفعل عادة في الشروح
الخرى.
والنص مخطوط بالمكتبة البارونية بحومة الحشان جربة بخط مغربي واضح .لم يذكر الناسخ ويقول
مؤلفه في آخره إنه فرغ منه في 28ذي القعدة /1181افريل .1768
وأخيرا يشير التلتي في مختصره نخبة المتين إلى أنه شرح عقيدة ابن جميع شرحا سماه اللؤلؤة
المضيئة على متن العقيدة( )60إل أننا لم نعثر عليه .كما يشير كوبرلي في قائمة المصادر
والمراجع( )61إلى أن للتلتي شرحا مختصرا لنفس النص بعنوان عمدة المريد لنكتة التوحيد كذلك
لم نتمكن من الحصول عليه.
)2حاشية أبي يعقوب يوسف المصعبي ( )1774 /1188على كتاب أصول الدين لتبغورين (ق
.)62( )6/12
ويحسن أن نتعرف على صاحب الحاشية قبل الحاشية فمن هو أبو يعقوب هذا؟ هو أبو يعقوب
يوسف بن محمد المصعبي المليكي.
ويرجع نسبه إلى آل ويرو بملكية التي ولد بها واليها ينسب أحيانا لكن غلبت عليه النسبة الى جبال
بني مصعب -المصعبي -وقد انتقل مع والده( )63من وادي ميزاب الى جزيرة جربة واستقر بها.
وهناك أخذ العلم عن سعيد بن يحيى الجادوي( )64وعن عمر الويراني السدويكشي(. )65
ونجد ذكره في كتب التراجم في أحداث الجزيرة منذ سنة 1692 /1103إذ مثل جربة في هذا التاريخ
بالجتماع العلمي الذي انعقد بمدينة للوت( )66ويذكر ابن تعاريت انه كان مفتي جربة ،ورئيس
مجلس الحكم فيها ،وله مجالس للتدريس في كثير من المساجد غير الجامع الكبير( )67الذي هو
محط رحلة وكبير المدرسين به")68( .
فراره الى طرابلس :1734 -1717 /1147 -1140لما ثبت أن عبد الرحمن اليونسي( )69من
حومة قشعيين( )70يطعن في الدين ويتجسس على المسلمين اجتمعوا للنظر في أمره.
ولما ثبت عندهم ذلك أهدروا دمه دون تعيين القاتل فتصدى أحد النصار لقتله فخشي الشيخ يوسف
والشيخ سعيد الجادوي على حياتهما ففرا إلى طرابلس سنة 1717 /1140حيث أقاما سبع سنوات
ولم يرجعا إل عند استيلء علي باشا على تونس .)71( 1743 /1147
الدفاع عن شرعية شهادة الجربيين :وبين أيدينا وثيقة مهمة( )72سنتعرض لها في عنصر الردود
والجوبة تتمثل في مراسلة أحمد باشا وإلى طرابلس سنة 1756 /1169للرد على من طعن في
ثبوت شهادة الباضية من فقهاء طرابلس وفعل فقد لبى الوالي طلبه وأقر هذه الشهادة)73(.
=========================
( )58انظر ما سبق 124تعليق .94
( )59ص 1من نفس الكتاب
( )60عمرو التلتي :نخبة المتين في أصول تبغورين .ضمن مجموعة بعنوان :العقيدة المباركة القاهرة د.ت148 :
( )61كوبرلي :الطروحة595 :
( )62انظر ترجمة تبغورين في ما سبق 116تعليق ،71أما كتاب أصول الدين فقد حققه النامي تحقيقا علميا بأطروحته ما يزال
مرقونا وبه 76صفحة ويقول تبغورين في خطبته ما يلي" :سألتني رحمك ال أن اكتب لك كتابا أبين فيه أصول الدين الذي
اختلفت في المة حتى صاروا طرائق قددا ،وفرقا مختلفة ...وسأكتب لك من ذلك إن شاء ال ما ل يعتري معتر معه الشكوك ول
يعتذر على المبتدئ حفظه بأبلغ ما أحضرني من البيان...
ثم بين فضل ال على المة بالقرآن الكريم إذ ل سبيل إلى الخروج من الخلف إل عن طريقه ،ولذلك قال المصنف ":إن أولى
الناس بالحق من اتبع كتاب ال ،وجعل محكمة إماما لمتشابهه ،ولم يؤثر عليه القياس وما تهوى النفس".
وقد اعتبر أصول الدين عشرة( انظر ضمن البحث)61 :
ثم وقف عند خمس مسائل 1:في الحجة 2 ،في الستطاعة 3 ،في العون والعصمة 4 ،في القرآن والكلم 5 ،في الرؤية.
وختم الكتاب بالحديث عن الشفاعة والميزان والصراط وضغطة القبر وعذابه وفي حكم من أكل الحرام هل أكل زرقه أم ل؟.
وقد سلك منهجا واحدا في كل هذه القضايا حيث ينطلق بعرض ما اتفقت عليه المة ،ثم يتعرض للفرق التي نقضت هذا الجماع
وهي :المجسمة والمشبهة والمعتزلة والمجبرة والمرجئة والحشوية والشكاك والجهمية والرافضة والصفرية والمزيلة .ثم يرد
عليها فرقة مبينا موقف الباضية منها .مدعما ذلك بالقرآن والحديث .كما ل يغفل عن الرد على الملحدين والدهرية والثنوية
والمجوس.
فجاء الكتاب في لغة خالية من التعقيد ،لجأ فيه صاحبه إلى الختصار قدر المكان "تركته إرادة الختصار" ولنا في هذا حجج
كثيرة تركناها مخافة أن يطول الكتاب" 19 .12 .2:إل أن هذا الختصار لم يكن مخل بالمقصود ،وكثيرا ما عمد المصنف إلى
لهجة جدلية تحتد في بعض الحيان في تفنيد حجج المخالفين لتقرر حجج الباضية.
( )63هو محمد المصعبي.
( )64انظر ما يلي171 :
( )65أبو حفص عمر بن علي بن ويران(ق ،)11/17يذكر ابن تعاريت أنه من حومة سدوكش .كما يقول إنه اخذ عن محمد بن
زكرياء الباروني صاحب نسبة الدين الملحقة بسير الشماخي .معنى ذلك أنه درس بجبل نفوسة .ويستفاد من ذلك أيضا أنه من
علماء ق .11/17
ويذكر من مؤلقاته :كتاب مناسك الحج ط .مع مجموعة بعنوان :العقيدة المباركة مطبعة الفجالة القاهرة د.ت :من 19إلى .109
وحاشية على كتاب البيوع من كتاب اليضاح لعامر الشماخي وحاشية على كتاب النكاح للجناوني ،والحاشيتان خ ،ر .سعيد بن
تعريت :رسالة في تراجم جربة44 :
( )66دفتر رقم 63 :1مكتبة سالم بن يعقوب جربة.
( )67انظر الخريطة 836
( )68سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة107:
( )69تفهم من رسالة ابن تعاريت أنه أحد الباضية وقد كان يتجسس على المشائخ ويطعن في الدين لذلك أهدروا دمه على غرار
ما فعل جابر بن زيد بخردلة ر .في قضية خردلة :إسماعيل الجيطالي :كتاب قواعد السلم 1/74
( )70انظر الخريطة 835
( )71سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة101:
( )72مخطوطة ضمن مجموعة .البارونية بدون رقم.
( )73ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة101 :
وأخيرا يذكر ابن تعاريت أنه كان مهاب الجانب يعظ المراء والحكام ول يخشى في ال لومة لئم(
.)74
وتوفي سنة 1775 -1774 /1188وقبره معروف في روضة الجامع الكبير( )75ويذكر أبو اليقظان
أنه تخرج عليه عدة تلميذ أبرزهم أبو زكرياء يحيى بن صالح الذي أحيى وادي ميزاب(. )76
وهذا تعريف الحاشية( : )78لقد تتبع يوسف المصعبي كتاب أصول الدين من أوله إلى آخره فكان
يقف عند ما يبدو له غاضبا إذ كثير ما يتجاوز مال يحتاج إلى الشرح ويبدو أنه اعتمد حاشية
المحشي اعتمادا كليا إذ ل تخلو صفحة من ذكر قول من أقوال المحشي بل يجعلها في كثير من
الحيان منطلقا للشرح والتحليل وقد ذكر المحشي مال يقل عن مائة مرة.
وحرص الشارح على الوقوف على جميع أبواب الكتاب وهي الصول العشرة المختلف فيها كل ذلك
توضيحا لموقف الباضية ويستشهد لـه بنصوص شتى من المهات وقد بلغ عدد الحالت على
المصادر الباضية الى ثلثين إحالة نذكر منها تفسير هود بن محكم الهواري( )79رسالة لبي
خزريغل بن زلتاف في الرد على جميع المخالفين وكتاب الموجز أبي عمار عبد الكافي وكتاب الدليل
والبرهان لبي يعقوب الوارجلني وشروح عقيدة التوحيد الخ ...وقد تقصر هذه الستشهادات وقد
تطول حسب الحاجة إلى ذلك.
والملحظ أنه يقارن بين مختلف النصوص وينقدها حينا ،ويزكيها أحيانا أخرى مرجحا ما يراه
مستقيما وكثيرا ما يصلح عبارة المصنف ،أو عبارة هذه المصادر.
كما أنه يرد على مختلف الفرق ،ونكاد نجزم بأنه تعرض لجل الفرق المعروفة من أشاعرة ومعتزلة
وخوارج وشيعة الخ...
وفي كل هذا كان ل يتردد عن الحالة على المصادر غير الباضية وقد بلغت عدد هذه الحالت الى
ست وثلثين إحالة نذكر منها تفسير الزمخشري وتفسير البيضاوي.
وكثيرا ما ينتخب من هذه المصادر ما يتفق وآراء الباضية ليدعم به موقفهم كما ل يغفل عادة عن
شرح ما ينبغي شرحه من اللفاظ شرحا لغويا معتمدا على القاموس وعلى مختصر العين .وفي
الثناء يتعرض الى الصيغ الصرفية والنكت البلغية.
كما حرص على تفسير ما ورد في المتن من آيات قرآنية ومن أحاديث الرسول عليه السلم
واعتماده في القرآن على تفسير هود بن محكم والبيضاوي والزمخشري أما في الحديث فيحيل على
حاشية المحشي على مسند الربيع بن حبيب( )80مع الشارة إلى أنه لم يحل على الصحاح الخرى.
ثم إن النزعة الجدلية تبدو واضحة في كثير من المواطن حيث يناقش آراء مختلف الفرق ويتحرى
في نسبة النصوص إلى أصحابها فإن لم يتمكن من ذلك ينبه إلى أن ذلك مما بقي في حفظه.
ونلمس كذلك أنه يعمد إلى حوصلة بعض المعاني الساسية بعد التحليل ليقرب المعاني إلى القارئ.
كما نلحظ أنه ينبه الى تحريف الناسخ معتمدا على عدة نسخ من المتن.
ورغم هذا العتناء فإنه كثيرا ما يقع في توضيح ما يبدو واضحا ولعل هذا يرجع الى طغيان النزعة
التعليمية عليه ،كما أن إحالته تأتي أحيانا عامة "كما هو مشهور" "،في بعض كتب قومنا"" ،
كما بين في المطولت".
ونلمس كذلك أنه يمر على المعنى المقصود عند تحليل بعض القضايا دون أن يلح عليه ،وقد يقع في
بعض الغموض مما يجعل الستفادة من المتن أيسر من الستفادة من الشرح.
كما أنه مر على الفصول الخيرة (الصراط ،الميزان ،عذاب القبر) بسرعة غير متناظرة.
ومهما يكن من أمر يبقى هذا الشرح عمل رصينا يدل على سعة اطلع صاحبه وثراء المكتبة
السلمية التي بين يديه.
ويحسن أن ننبه إلى أن هذا النص قد اشار عمرو التلتي الى أنه شرحه لكننا لم نحصل على هذا
الشرح(. )81
=====================
( )74نفس المصدر 102:
( )75ر .سليمان الحيلتي رسالة في مشاهد علماء جربة ص .8وسليمان بن أحمد الحيلتي(ت )1099/1688من أسرة عريقة
في العلم .ولد بحومة جعبيرة – أخذ العلم خاصة عن شيخه قاسم بن سعيد اليونسي (ت .)1036/1627لقد اعتنى اعتناء جديا
بأخبار الجزيرة وعلمائها وأمرائها وما وقع فيها من حروب ،لم يجمع كل هذه الملحظلت في كتاب وإنما بقيت في رسائل
متفرقة ،وقد استفاد منها استفادة كلية سعيد ابن تعاريت في رسالته عن تراجم علماء جربة.
وما تزال بعض الرسائل موجودة بالبارونية .وقد حققنا رسالته في شيوخ العزابة في الجزيرة(ر .الملحق الول نظام العزابة
.324وما زلنا في صدد تحقيق رسالته في مشاهد علماء الجزيرة.
توفي سليمان الحيلتي سنة 1099/1688وقبره بجامع بوليمان بحومة جعبيرة.
( )76إبراهيم أبو اليقظان :ملحق لسير الشماخي خ .ملك ورثته بالقرارة 52:
( )77سعيد ابن تعاريت :رسالة من علماء جربة102 :
( )78تحصلنا على ثلثة نسخ من هذه الحاشية وثلثتها بخط واضح ومتوفرة في مكتبتي.
-1تضم 125صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة 21سطرا نسخها مهني بن يحيى التلتي .1314/1896وهي التي نحيل
عليها في هذا البحث لنها أول ما توفر لدينا.
-2تضم 51ورقة من الحجم المتوسط وبكل صفحة 24سطرا نسخها عبدال بن سليمان الباروني 1184/1770مسطرتها 17
x5،12صم
-3تضم 48صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة 24سطرا إل أن خطها أكثر دقة وقد نسخها مهني بن يحيى التلتي
.1315/1897مسطرتها x 10،5 18صم.
( )79هود بن محكم الهواري(ق 2و 3/8و :)9هو قاضي المام عبد الوهاب ثاني أئمة الرستميين بتاهرت ،وله تفسير للقرآن
الكريم ج وهو بصدد التحقيق في وادي ميزاب.ر .بحثنا :نظام العزابة.273:
( )80محمد بن عمر ابن أبي ستة :حاشية على مسند الربيع بن حبيب ط بعمان في 8أجزاء من 1983-1982وتوجد منها خ
بالبارونية .وعرفت" بحاشية الترتيب"
( )81انظر ما يلي174:
)3حاشية المحشي على كتاب الوضع "مختصر في الصول والفقه لبى زكرياء يحيى الجناوني (
.) 82()11 /5
والمحشي هو أبو عبدال محمد بن عمر ابن أبي ستة القصبي السدويكشي (/1088 -1022
.)1679 -1614
نشأته بمصر :ولد بجربة سنة 1614 /1022ثم سافر الى مصر بعد أن حفظ القرآن الكريم ليتعلم
بجامع الزهر بالقاهرة وبالمدرسة الباضية هناك وذلك سنة .1631 /1040
وبقي هناك ثماني وعشرين سنة تلميذا نشطا في أول المر ثم تولى التدريس بالمدرسة الباضية
بحي طولون وبالزهر حيث يشار إليه بالبدر.
نشاطة بجربة :لقد رجع إليها سنة 1658 /1068وأدرك شيخه عبدال السدويكشي( )83في آخر
عمره.
وما أن توفي شيخه سنة 1658 /1068حتى أسندت إليه رئاسة الحلقة ومهما التدريس فاضطلع
بمهمته أحسن اضطلع.
كل مؤلفاته حواش على المصادر الباضية ولذلك اشتهر بالمحشي ،ويبلغ عددها العشرين تقريبا
وقد جمع هذه الحواشي تلميذ علي ابن بيان (.)84( )17 /11
وتوفي بجربة سنة 1679 /1088وعمره 65سنة وقبره معروف بالمحشي بورسيغن من حومة
سدويكش (.)85
لقد تتبع المحشي قسم الصول من كتاب الوضع جملة جملة فحلل ما ينبغي تحليله وعرف ما يجب
تعريفه.
فوقف أثناء تحليل خطبة الكتاب عند مفهوم الرضا والستعانة والتصلية والدين موضحا مراتب
التقوى ،ومعرفا أصول الدين ،ومبينا قيمة الكتاب بالنسبة الى بعض الكتب الباضية الخرى ،مشيرا
الى أن البرادي نسبه إلى ابي زكرياء إل أن هناك من نسبه الى الفقيه ابي زكرياء يحيى بن إبراهيم
غير مرجح هذه النسبة أو تلك غير أنه لم يعثر على اسم هذا الخير في سير الشماخي.
ثم تعرض الى التوحيد من حيث مفهومه وما يتصل به من أحكام ففسر سورة الخلص ووقف عند
اسم الجللة وصفات ال الذاتية كما وضح مفهوم الشرك وأقسامه.
ثم حدد التطابق بين مفهوم الدين والسلم واليمان عند الباضية ملحا على ضرورة الجمع بين
القول والعمل.
ثم بين أن الشياء محدثة وأن وسائل المعرفة الحس والعقل والشرع.
ثم توسع في الوقوف عند الصول التي اختلفت فيها المة كما ضبط مفاهيم اليمان والكفر والنفاق
لغة واصطلحا.
كما حلل حديث الرسول عليه السلم في شأن افتراق اليهود والنصارى والمسلمين الى فرق شتى.
ثم ذكر قوائم الدين وأركانه ومسالكه ومجاريه وحدوده وإفرازه وإحرازه كما يحددها الباضية في
كتب العقيدة.
ثم عدد مال يسع جهله من العلوم طرفة عين وعرف التكليف لغة وشرعا وذكر المر بالمعروف
والنهي عن المنكر وما يتعلق بهما.
كما وضح ما يجب في حق ال تعالى وفي حق الرسول عليه السلم وما يستحيل في حقهما وما
يجوز.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ثم عاد إلى أحكام الولية والبراءة وعرف أحكام الخوف والرجاء وحكم المن والدلئل فحدد مفهوم
القياس وتعرض الى تعريف العقل.
وأنهى الباب بتحديد ما يسع جهله للورود (حتى يقع) ومال يسع جهله أبدا.
وقد جاء منهجه استقرائيا حيث يتعرض لكل قضية من جميع وجوهها معتمدا على الشروح اللغوية
وقد يعمد الى فقه اللغة أحيانا كما يحقق وجوه الخلف فيها مقارنا بين آراء الفرق السلمية منتقدا
ما يرى ضرورة انتقاده بقوله:و" المناسب أن يقول".
وقد تجلت النزعة المنطقية في تحليله لبعض المسائل كما أنه ل يتردد في مناقشة بعض المسائل
ليرجح ما يراه صوابا وهو في أغلب الحيان يحيل على المصادر المعتمدة الباضية منها وغير
الباضية ناسبا إياها بوضوح إلى أصحابها.
وفي كل هذا تتضح نزعة المحشي التعليمية حيث يريد أن يقرب المفاهيم الى المتعلم دون أن يثقل
عليه الرجوع الى المهات.
تلك هي حاشية المحشي على أصول الدين من كتاب الوضع وذاك هو منهجه فيها(. )86
أما حاشيته على باب التوحيد من كتاب قواعد السلم لسماعيل الجيطالي فيشير تلميذه علي ابن
بيان الى أنه ألفها سنة 1647 /1057وأنها أول حواشيه .وفعل إن الناظر في هذه الحاشية يتبين
أنها دون حاشيته على الوضع بكثير لكنها ل تخلو من فائدة وقد بلغ عدد صفحاتها 100من الحجم
المتوسط وبكل صفحة 23سطرا .والمخطوطة موجودة بجامع الملق بجربة وتاريخ نسخها قريب
من تاريخ وفاة الشارح إذ نسخت سنة 1697 /1109والناسخ هو أحمد بن عمر بن داود يقول إنه
نسخها من نسخة بخط علي ابن بيان نفسه.
ولم نعتمد هذه الحاشية كثيرا لن المسائل تتكرر بنفس الصيغة تقريبا في حاشية الوضع لذلك لم
نحل عليها إل مرات معدودات .ومنهج المحشي هو نفسه في الحاشيتين.
==============================
( )82انظر ترجمة الجناوني في ما سبق 116 :تعليق 74
أأما كتاب الوضع ،مختصر في الصول والفقه ،فقد حققه أبو اسحاق إبراهيم اطفيش وطبع ط أولى بالقاهرة مطبعة الفجالة
الجديدة د.ت .وطبع ط .ثانية بالجزائر د.ت وثالثة بعمان .الستقامة د.ت وأهم أبواب الكتاب :التوحيد ،الطاهرة ،الصلة ،الصوم،
الزكاة ،اليمان.
وقد ضم باب التوحيد 36صفحة ألم فيها المؤلف بكل قضايا التوحيد إلمام دقيقا وشامل مدعما كل ما يقرره بالحجج النقلية
والعقلية.
ويقول المصنف في هذا الشأن... ":وسألني( راغب من إخواني في ال)تلخيص أبواب من أصول الدين والمسائل الشرعيات
ليكون له مفزعا يحور إليه عند الملمات فأسعفت مراده"17:
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وأبرز ما يلفت النتباه أسلوب المؤلف الدبي ،واعتماده أسلوب إحصاء المسائل وتفريعها عن بعضها لتيسير حفظها واستيعابها.
وقد نسب بعض أصحابنا هذا الكتاب إلى أبي زكرياء يحي بن إبراهيم وذكر البدر الشماخي أن بعضهم نسبه لبي زكرياء يحي
الجادوي والتحقيق ما ذكره أبو القاسم البرادي رحمه ال أنه لبي زكرياء اللجناوني مختصر الوضع4:
( )83انظر ما يلي151:
( )84انظر ما يلي158:
( )85الجعبيري :نظام العزابة 227-226 :هناك تجد الشارة إلى المصادر المعتمدة وإلى حواشي المحشي.
( )86أما القسم المتعلق بالفقه فهو أوسع
أ) حاشية على كتاب الديانات ( )87للسدويكشي ويوسف المصعبي :والسدويكشي هو أبو محمد
عبدال بن سعيد بن أحمد بن عبد الملك السدويكشي (ت بعد )1658 /1068
نشأته الولى ما تزال مجهولة لكن نعلم أنه تولى رئاسة مجلس العزابة سنة 1625 /1034سنة
وفاة رئيس السابق سعيد التغزويسني ( )88وهذا يدل على تقدم سنه لن رئاسة الحلقة يتولها أقدم
الجماعة انتسابا.
وتشير المصادر إلى أنه كان يتولى الفتاء والفصل بين المتخاصمين في مسجد بني لكين (. )89
كان جريئا في قول الحق لذلك اضطهد من قبل أمير جربة ولم تحدد المصادر اسم هذا المير.
ويقول سعيد ابن تعاريت ":له في علم الكلم اليد العليا وتبخر في أصوله وفروعه وله مؤلفات
عديدة" ( )90يهمنا منها خاصة :حاشيته على كتاب الديانات.
وقد حج في آخر عمره فتوفي بمكة المكرمة وذلك بعد . )91( 1658 /1068
لقد انطلق السدويكشي في الشرح إل أنه لم ينتبه منه إذ وصل الى قول عامر الشماخي ":وندين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بأن ال خالق كلمه ووحيه ومحدثه وجاعله ومنزله " (. )92
أما القضايا التي وقف عندها فهي :ذات ال تعالى وهو ليس كمثله شيء ،موضوع نفي رؤية ال
تعالى ،قضية علقة الصفات بالذات ،قضية الكسب ،قضية خلق القرآن.
وقد اعتمد السدويكشي منهجا مقارنا مع اللحاح على إبراز آراء الباضية وتفنيد حجج الفرق
الخرى وإشارته إلى آراء الباضية تظهر بصيغة "أجيب" أو " نحن" أو "أصحابنا" أو
"المتأخرين من أصحابنا" أو " أهل الحق".
والملحظ أن السدويكشي ل يعتمد على الستشهاد كثيرا بل منهجه جدلي استللي يقوم على تعديد
المسائل بصفة واضحة ودقيقة وفي هذا دليل على سيطرته على القضايا التي يعرضها ،وحجته في
ذلك كتاب ال تعالى وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم مع اعتما الحجج العقلية عند الحاجة الى
ذلك.
والمخطوطة بالبارونية تقع في 49صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة 24سطرا وقد ذكر
الناسخ لقبه وهو ابن اسماعيل وأشار الى التاريخ برمز لم نتمكن من فهمه.
ب) هذا عن القسم الذي وقف عنده السدويكشي فماذا عن حاشية يوسف المصعبي ( )93على بقية
كتاب الديانات؟
يذكر يوسف المصعبي في آخر الحاشية أنه أتمه ليستغني الطالب عن كدح خاطره في مراجعة
المطولت تلبية لرغبة الطلبة.
وقد عالج في شرحه القضايا التالية :الولية والبراءة ،والوقوف مع اللحاح على الولية والبراءة
من الشخاص وذكر شروطها ومع الوقوف خاصة عند الولية والبراءة من أئمة الحكم ،قضية
المامة وقد تعرض لها ضمن تحليل مسألة المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والوعد والوعيد
والرد على من يقول بإخلف الوعيد ،قضية خلود أهل الكبائر ،قضية الشفاعة ،قضية الدلة على
وجود الخرة وهل الجنة والنار مخلوقتان الن أم ل ،تعريف النفاق والكبائر والصغائر ،ثم أخيرا
رد على من ينكر السنة والرأي ،وميز بين العلم والجهل.
إن منهج يوسف المصعبي يختلف اختلفا كليا عن منهج السدويكشي ،إذ بقدر ما يقلل السدويكشي
من الستشهادات يعتمد المصعبي اعتمادا كليا على الستشهاد فيدعم مواقف الباضية من القضايا
المطروحة بمنقول طويلة قد تتجاوز الصفحتين مع ذكر المصادر ومؤلفيها وقد ورد ذكر مال يقل
عن ثلثين مصنفا من مصنفات الباضية وأثنى عشر مصنفا لغير الباضية.
وفي كل هذا ل يغفل عن عرض آراء جل الفرق السلمية مع الجتهاد في الرد على مواقفها التي ل
تتفق وآراء الباضية وإثبات ما يتفق والموقف الباضي.
وفعل فقد جاء الشرح موافقا لملحظة الختام التي أشرنا اليها إذ يغني عن الرجوع الى المصادر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويضع بين يدي القارئ ما يحتاج إليه من نصوص في شأن كل قضية مع الترجيح بين مختلف
المواقف اعتمادا على موقفه الشخصي ويشير إليه بصراحة بقوله " وعندي".
والمخطوطة موجودة بالبارونية تحتوي على 27صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة 25سطرا
وقد جاء في ص 27أن سبب إتمام الشرح يرجح الى اقتراح عرض في مسجد ابي كثير (انظر
الخريطة) بجربة إثر قراءة بداية الشرح وقد نسخ هذه المخطوطة سعيد بن عيسى الباروني في
.1799 /1213
أ) الللي المنظومات في عقود الديانات،وهو شرح عمرو التلتي (: )94( )1173 /1187
أن هذا الشرح مختصر بالنسبة الى ما سبق لكنه ل يخلو من فائدة ،وقد أطلق بشرح لغوي
واصطلحي للمفردات الساسية ثم تتبع الصول التسعة الخلفية أصل أصل ،وفي كل أصل يقارن
بين رأي الباضية ويشير إليه بعبارات مثل" نعتقد نحن معاشر أهل الحق أو أهل الصواب" أو "
معاشر المسلمين " أو " عندنا" وبين آراء الفرق الخرى مع ضبط مواطن الختلف والتفاق.
وبما أن المنهج يقوم على الختصار ل يغفل الشارح عن الشارة الى كتبه الخرى حيث أشبع
القضايا تحليل مثل شرحه لنونية أبي نصر فتح ابن نوح الملوشائي ( ، )95كما أن الشارح سلك
مسلكا تحليليا خاليا من النزعة الجدلية إذ يعرض الراء على أنها من المسلمات دون الحتجاج لها
ل نقل ول عقل وإلى جانب هذا فإنه ل يغفل أحيانا عن التعرض إلى وجوه البلغة إذا كانت خادمة
للمعنى المقرر.
والمهم أن المتتبع لهذا الشرح الموجز يستطيع أن يتبين آراء الباضية في أصول الدين بدون كبير
عناء لما في النص من اختصار غير مخل بالمعاني.
إن كان هذا هو حظ كتاب الديانات في الشرح فما هو نصيب كتاب الجهالت من ذلك؟
=======================
( )87وكتاب الديانات لعامر الشماخي( انظر ترجمة حياته في ما سبق )123في أصول الدين وهو رسالة في منتهى الدقة
والختصار ،طبعها محمد خليفة مادي بمطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة د.ت .ضمن مجموعة نصوص أخرى 45.44.43:لقد
عرف فيها الشماخي موقف الباضية من المسائل التسع التي وقع الخلف فيها بين المة .وسميت بالديانات لنه كرر فيها فعل
ندين 48مرة مثل قوله في أولها ":ندين بأن ال واحد ليس كمثله شيء في صفة ول في ذات ول في فعل" 43:وقوله في
آخرها ":ندين بأن معرفة ال ل تنال بالتفكير ول بالضطرار وإنما تنال للكتساب والتعليم وذلك يصح بعد مخبر ومنبه على
ذلك"45:
وقد ترجمها كوبرلي إلى الفرنسية :الطروحة 3/195
( )88سعيد بن محمد التغزويسني( :)1034/1625نجد إشارتين عنه تثبتان أنه من علماء(ق :)11/17
الولى أنه نسخ كتاب الصلة من تأليف مشائخ نفوسة سنة ( "999/1590مكتبة الشيخ حمو بغرداية ميزاب).
والثانية :يذكر ابن تعاريت أنه كان مدرسا في جامع وادي الزبيب بجربة وكان عضوا بمجلس العزابة( دفتر رقم 1مكتبة سالم
بن يعقوب)58 :
وتوفي سنة .1034/1625ر .الجعبيري :نظام العزابة223 :
( )89انظر الخريطة 836
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لقد اعتنى ثلثة من علماء جربة بوضع حاشية على كتاب شرح كتاب الجهالت كل بمفرده ،إل أن
عالما رابعا هو علي ابن بيان حرص على جمعها وجعل منها حاشية واحدة وقد رمز الى كل حاشية
بما يذكر باسم صاحبها.
فاختار رمز "مد" للمحشي ،ورمز " س ن" لبي الربيع سليمان بن أحمد ابن أبي ستة ،ورمز "
ز" لبي زيد بن أحمد ابن أبي ستة.
)1أبو الربيع سليمان بن أحمد بن محمد ابن أبي ستة ( ق :)17/ 11يذكر ابن تعاريت أنه كان
قوي الحافظة ويذكر الحيلتي أنه غزير الفهم في جميع العلوم كانت نشأته في محيط أسرته العلمية
وهو ابن عم المحشي ،له مجموعة من الفتاوي الفقهية ورسالة في أسماء ال وصفاته لم نعثر إل
على بدايتها (دفتر رقم 1ص 63مكتبة سالم بن يعقوب .غيزن ،جربة) فلم نتمكن من الستفادة
منه.
)2أبو زيد بن أحمد ابن أبي ستة (ت :)1688 /1100نشأ في محيط أسرته وأخذ عن المحشي ثم
سافر الى مصر ودرس بالمدرسة الباضية هناك وبالزهر ثم رجع الى جربة وساد بها وكان لـه
درس خاص لمن دونه من علماء جربة ...يلقون السؤالت فيتحرى الصواب.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقد وردت رسالة من وادي ميزاب سنة 1688 /1100فوضعته على رأس علماء جربة (دفتر رقم
واحد مكتبة سالم بن يعقوب :ص .)16
وفي آخر عمره ذهب الى الحج وتوفي في الطريق راجعا (. )98
)3أبو الحسن علي بن سالم ابن بيان اليديسي الجربي (ت بعد )1692 /1103من حومة الرباح
من جربة لزم المحشي وكان من أنجب تلميذه لوله لضاعت حواشي المحشي.
وإلى جانب هذا كان مشهورا بجمال الخط ،ونساخا بارعا ،كما له أسئلة كثيرة موجهة إلي شيخه،
ونسب إليه سعيد ابن تعاريت رسالة في التوحيد علق عليها شيخه المحشي ،ورسالة قيد فيها بعض
حوادث جربة وأحوالها وما وقع فيها من تاريخ الخمسين الثانية من ق 15 /9هـ .إلى الن .وهو
تمام المائة الحادية عشر .1689 /1100أم نعثر عليهما إلى الن .كما أن له مرثية سينية في شيخه
المحشي وفتاوي .ويشير ابن تعاريت أيضا إلى أنه حضر الجتماع العلمي المنعقد بللوت بليبيا سنة
1692 /1103للنظر في قضية شهادة الشهود.
التعريف بالحاشية :لقد اجتهد هؤلء في تبسيط ما بدا لهم غامضا في الشرح من أوله إلى آخره إذ
لم يتتبعوا النص جملة جملة .وقد جاءت هذه الحواشي ملمة بجل مواضيع المتن والشرح ويمكن أن
نضبطها في المحاور التالية:
)2الدليل والستدلل وقيمتهما في المناظرات وفي توضيح ما يتعلق بالحدوث والخلق والجوهر
والعرض.
)3ال تعالى :وجوده ،أزليته ،وحدانيته ،أسماؤه وصفاته ،استحالة رؤيته ،كلمه.
)4تبيين أفعال العباد :الفعال ،الطاعة ،التوكل ،الكسب ،الصلة بين العقل والقلب وبين العقل
والجسم...
)5الصلة بين الخالق والمخلوق :التكليف ،المر والنهي ،الطاعة والمعصية ،الوعد والوعيد،
الثواب والعقاب.
وقد جاء الكلم في هذه القضايا مقتضيا في الغالب مكمل للشرح إل في بعض المواطن حيث تقع
الطالة بالستشهادات أو في الردود على الفرق المخالفة للباضية.
وقد جاءت هذه الحواشي مدعمة بإحالت على أهم مصادر الباضية في الصول والمصادر غير
الباضية (. )100
والمنهج المقارن متبع أيضا للتمييز بين آراء الباضية وبين آراء بقية الفرق.
والى جانب هذا نلمس اعتناء كبيرا بالشروح اللغوية وبالعراب وبالنكت البلغية ،كما ل يغفل
أصحاب هذا العمل عادة عن تحقيق ما ينبغي تحقيقه وذلك عن طريق المقارنة بين عدة نسخ من
كتاب شرح الجهالت فيرجحون ما ينبغي ترجيحه بقولهم ":واللئق أن يقال" ويخطئون ما يتضح
أنه بعيد عن الصواب.
وتجلى كذلك في هذا العمل النزعة التعليمية إذ تتمثل رغبتهم في تقريب المتن والشرح للقارئ مع
إراحته من عناء الرجوع الى القواميس وإلى المصادر إل للستزادة في التعمق لكن هذا يؤديهم في
كثير من الحيان الى التكلف بحيث يلمس القارئ أن كلم المتن والشرح أوضح بكثير مما ورد في
الحواشي.
والملحظ أخيرا أن حاشية أبي الربيع وأبي زيد توقفتا عند الصفحة 64لينهي البقية المحشي وقد
جاءت الصفحات الخيرة سريعة ولعل مرجعه ذلك الى استيفاء المسائل في البداية.
والمخطوطة موجودة في البارونية بها 77صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة 25سطرا وقد
نسخها سعيد بن عبدال الباروني لشيخه سعيد ابن تعاريت سنة .1843 /1259
وإن لحظنا مثل هذا العتناء بهذه المتون فقد اعتنى الباضية بمتن آخر جاء شعرا أل وهو القصيدة
النونية فماذا عن هذا العتناء؟
====================
)96ينسب إلى تبغورين( انظر ما سبق .)116لقد ألم المؤلف في كتاب الجهالت بأهم قضايا أصول الدين :ال تعالى وجوده
وصفاته الذاتية كلم ال أسماؤه ،النبياء والرسل والملئكة ،الولية والبراءة ثم ألح على العلقة بين الدين والسلم واليمان
والتوحيد معتمدا على العلقة بين الخصوص والعموم أو العكس ،كما يبين حكم الرادين على ال ورسوله والكاذبين عليهما
والمستحلين لما حرم ال وحكم من يدفع الجماع ،كما وضح مختلف معاني الكفر والشرك والنفاق ومقابلتها لليمان ،وحدد أيضا
مال يسع جهله وما يسع جهله.
وقد انطلق المؤلف للنظر في كل القضايا من السؤال التالي ":ما دليلك على أنك مخلوق؟ ثم تدرج من المخلوق إلى الخالق.
أما المنهج المتبع فهو منهج تعليمي قائم على السؤال والجواب بمثل هذه الصيغ" إن سألت سائل" ".ما دليلك على أنك
مخلوق؟" "،ما الفرق بين الكفر والشرك؟" "،سألت عن" " ،فإن قال فقل" "،وإذا قيل لك فإنك تقول""،فإن قال قائل فقل".
وتتجلى من خلل هذه الطريقة النزعة التعليمية فكأن المصنف يهيء تلمذته لمناظر الخرين فيقلب جميع وجوه السؤال حول
القضية الواحدة ويرجع إليها في مواطن عدة فيشرح اللفاظ شرحا لغويا واصطلحيا ويذكر بعض الفتراضات التعجيزية ،وفي
كل ذلك يضع الجواب المناسب حسب الصول الباضية دون أن يحيل على المصادر إل نادرا.
وختم النص بفصل سمي كتاب الدلئل نسبه أبو عمار عبد الكافي إلى غير تبغورين ومحوره المطالبة بالتدليل على صفات ال
تعالى مثل العلم والقدرة والكلم الخ...
والتحليل الداخلي للنص يجعل القارئ يرجح أن الكتاب تداولت على تأليفه عدة أقلم يصعب التعرف على أصحابها.
وبالبارونية نسخة خ منه عدد صفحاتها 35وبكل صفحة 23سطرا.
وقد نسخها سعيد بن عبدال الباروني لشيخه سعيد بن تعاريت صاحب الرسالة في تراجم علماء جربة سنة .1259/1843
وقد شرح هذا المتن أبو عمار عبد الكافي شرحا مفصل فتتبعه جملة جملة وحقق جميع مسائله تحقيقا معمقا من القرآن والسنة
ورأي يحيى بن أبي بكر صاحب كتاب السيرة وأخبار الئمة.
كما أنه يقرر دائما رأي الباضية مشيرا إليه بقوله ":قال أصحابنا" ثم يرد على الراء المخالفة منبها إليها بقوله ":عند أهل
الخلف"" الجاهلون"" ،أهل الباطل" ويذكر من بين هؤلء الروافض والمعتزلة والجهمية والمشبهة.
كما يرد على بعض المخالفين من الباضية.
ونلمس في هذا الشرح اعتمادا كبيرا على الشروخ اللغوية في فهم بعض الصيغ التي تحتاج إلى التأويل ،أما عن النزعة الجدلية
فهي واضحة في كامل الشرح.
وتوجد مخطوطة منه بالبارونية بها 178صفحة بكل صفحة 25سطرا وهي من الحجم المتوسط وقد نسخها يحيى القناص
اليفرني بتاريخ 1123/1808وقد شرع في تحقيقها عمر ونيس لعداد دكتوراه مرحلة ثالثة بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول
الدين ( .نوقشت هذه الطروحة في ماي )1986
( )97ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة79:
( )98نفس المصدر82:
( )99ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة80:
( )100ل فائدة في إعادة ذكر المصادر التي ذكرت من قبل.
يهمنا خاصة شرح عمرو التلتي ( )1773 /1187الموسوم بـ " الللي الميمونة على المنظومة
النونية".
وعمرو بن رمضان التلتي (ت )1773 /1187ولد بجربة في حومة تلت وإليه تنسب أسرته
التلتي ولعله أخذ عن أبي الربيع سليمان الحيلتي (ت )1688 /1099قبل سفره الى مصر.
ويذكر سالم بن يعقوب أنه سافر الى مصر مع أسرة الغول دون أن يستأذن أهله خشية أن يمنع من
السفر.
واستقر في القاهرة يدرس في المدرسة الباضية بطولون كما كان يلقي دروسا تطوعية بالزهر.
ونتيجة لباحته تعاطي السعوط وقعت جفوة بينه وبين علماء عصره ومن بينهم تلميذه رمضان بن
أحمد الغول وقد أرسل إليه قصيدة من مصر يعاتبه على موقفه.
وكان كثير الشكوى من الفقر ،ولم يتزوج.
له عديد من الحواشي والمختصرات كما له ديوان شعر في شتى أغراض الشعر .نذكر منها هنا
أهمها وهي شرحه لنونية أبي نصر فتح بن نوح الملوشائي ( )13 /7ويذكر أنه شرح أصول
تبغورين بن عيسى الملشوطي ( )12 /6وسماه :شرح أصول تبغورين حوى اليضاح والتبيين.
وقد ذكرنا من قبل شرحه لكتاب الديانات لعامر الشماخي ( )8/14وشرحه لشرح الشماخي لعقيدة
التوحيد لغويا بحتا.
وسنقف عند مختصره لشرح أصول تبغورين ( )102وبعد تعريف الشارح نقف عند الشرح.
لقد بين الشارح أنه استفاد من شرح الجيطالي للنونية إل أنه آخذه ببعض المآخذ حاول أن يتلفاها
في هذا الشرح وتتمثل في:
)1كثرة التكرار.
ثم يعتذر للجيطالي وينطلق في شرحه ،ومنهجه في ذلك وهو أن يلم بكل ما في البيت شكل
ومضمونا ثم يختم بحوصلة يشير إليها بقوله ":وحاصل معنى البيت وزيادة".
وهذا عبد العزيز الثميني ( )103ينوه بهذا الشرح عندما أراد تشذيبه مما فيه من تكرار مع إضافة
معان مناسبة لمحلها فيقول ":فوجدته شرحا جامعا للمقصود بالذات وبالقصد الول من فوائد
العقائد الدينية ،وحاويا للمقصود بالغرض ،وبالقصد الثاني من موائد القواعد النحوية ولطائف
السرار المعانية وكاشفا عن وجوه المخدرات البيانية ،وجيدا بجواهر من المحسنات البديعية ،ودرر
من القوانين المنطقية وكنوز عزيزة من المسائل الفقهية ،واضعا للكل على طرف التمام بحيث
يجتنيه منه طالبه بأدنى إلمام" (. )104
ونضيف الى هذا التعريف التنبيه إلى أن التلتي اعتمد على منهج تحليلي مقارن يورد فيه القوال
مدعمة بأدلتها منسوبة الى أصحابها سواء أكانوا من الباضية أم غير الباضية.
وقد اتبع التلتي منهجا موحدا مع كل البيات ويتمثل في أن ينطلق من الشرح اللغوي والعراب ثم
بعد ذلك يحوصل معنى البيت بقوله ":وحاصل معنى البيت وزيادة" وبعد ذلك يحلل القضايا
الصولية تحليل مستوفى بقدر المكان.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والمخطوطة متوفرة في البارونية بخط واضح عدد ورقاتها 236ورقة من الحجم المتوسط بكل
صفحة 24سطرا .ويذكر في آخرها أنه فرغ من التأليف .1759 /1172أما النسخ فتم بجامع بني
لكين بتاريخ جمادى الولى /1265افريل 1848على يد صالح بن سعيد الباروني.
من خلل هذا العرض للشروح والحواشي نلمس بوضوح غزارتها بالنسبة الى المؤلفات الذاتية لكن
قبل أن نصل الى الستنتاج العام يحسن أن نقف عند الجوبة والردود.
الردود والجوبة :لقد وردت على الباضية في هذه المرحلة تهجمات عديدة وذلك نتيجة لتقلص عدد
الباضية في عدة مواطن مثل مدينة غدامس وهذا اضطر علماءهم الى أن يدافعوا عن مبادئهم.
كما أن علماء الباضية كثفوا في ما بينهم التساؤل عن القضايا الخلفية العقائدية وذلك حتى
يستحثوا بعضهم على توفير أجوبة مختصرة تمكن من الدفاع عن المبدأ عند الحاجة.
)1رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي ( : )105إن نص الرد مخطوط بالبارونية بجربة
ويحتوي على 52صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة منها 24سطرا ولم يذكر تاريخ النسخ.
وبقدر حدة الرسالة جاء الرد عنيفا ومن ذلك يقول في المقدمة ":زخرفت الخط وبالخطأ ،وخفي
عنك ما تحت الغطا ...وما ألجأك إلى التأليف وأنت ل تحسن الترصيف )106( "...ثم يبين أنه يسلك
في الرد مسلك الختصار لنه تتبع جميعها يستدعي مجلدا.
ثم تتبع في جوهر الرسالة القضايا المطروحة قضية قضية مع النطلق من صيغ الغدامسي مشيرا
إليها بـ " قولك".
وقد سعى الشماخي الى دحض جميع حجج الغدامسي معتمدا في ذلك على القرآن الكريم والسنة
الشريفة والجماع وانطلقا من مصنفات الماتريدية والشاعرة لتبيين الختلفات داخل المذاهب
الربعة ،وهو في كل هذا ينبه الى أن جل ما ورد عنه الباضية قال به بعض الشاعرة أو بعض
الماتريدية مع الحالة كذلك على النصوص الباضية المعتمدة في أصول الدين.
والمتتبع للرد يتبين سعة اطلع الشماخي وقدرته على توجيه النصوص انطلقا من مصادر معتمدة
لدى الخصم.
ول يخلو هذا الرد من الحتجاج المنطقي إل أن لهجته اتسمت غالبا بالجدة والتهجمات السليطة ،كنا
نود لو ترفع عنها الشماخي لسعة أفقه ،ومع ذلك لم يغفل عن غرضه المرسوم المتمثل في تحليل
مواقف الباضية وقد عرفنا رصانته العلمية في شرحه لعقيدة التوحيد لبن جميع.
)2ردود أبي مهدي وأجوبته :أما أبو مهدي عيسى بن اسماعيل (ت )1564 /971فله مجموعة
من الجوبة والردود ،وقبل أن نتعرف على إنتاجه الفكري يحسن أن نتعرف على المؤلف.
أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :يذكر علي يحيى معمر نقل عن شيخه إبراهيم أبي اليقظان أن أبا
مهدي يرجع الى عرش أولد نائل نشأ على المذهب المالكي ثم تحول إلى الباضية فصار من
أعلمها ،وممن تمر بهم نسبة الدّين إذ أخذ عنه محمد بن زكرياء الباروني من نفوسة وداود
التلتي من جربة ( )107ومجموعة من علماء وادي ميزاب.
أما أبو مهدي فقد أخذ عن عمي سعيد بن علي الجربي ( )108واستقر بمدينة مليكة وبها توفي سنة
1564 /971وإليه تنسب المقبرة المعروفة باسمه (مقبرة سيدي عيسى) هناك (. )109
ومعايشته للبيئة المالكية والباضية ستجعله أكثر قدرة من غيره على الردود لنه تحول عن اقتناع.
وهذا رده على أبي الحسن البهلولي الذي كفر الباضية واعتبرهم مكذبين بالكتاب والسنة وإجماع
المة.
=================
( )101انظر ترجمة صاحبها 85:وهي متن يحتوي على 128بيتا شمل جميع مواضيع العقيدة وقد شرح عدة مرات من ذلك.
شرح إسماعيل الجيطالي (.)750/1349
شرح عمرو الويراني(11-10هـ) 17-16م) سماه المصرح وقد شرحه يوسف المصعبي(ر .النامي :الطروحة ص ()303لم
نتمكن من الحصول عليها)
شرح عبد العزيز الثميني( )1223/1808سماه النور.ط .بالبارونية بمصر 1306وصول من جديد بوادي ميزاب المطبعة
العربية غرداية .1981
( )102انظر ما يلي174:
( )103عبد العزيز بن الحاج إبراهيم الثميني( )1808-1223/1718-1130ولد بمدينة بن يسجن -إحدى مدن وادي ميزاب-
وبها ترعرع وحفظ القرآن الكريم ثم تفرغ لتدبير أملك والده ولم يرجع إلى طلب العلم إل في الثلثين من عمره فأخذ عن شيخه
أبي زكرياء يحي بن صالح الفضلي ( )1202/1787اعتزل الناس طيلة ثمانية عشر عاما تفرغ فيها للتأليف أنتج فيها أحد عشر
مؤلفا عدا فتاويه العديدة نكتفي بذكر كتاب "النور" شرح القصيدة النونية هذب فيه شرح عمر التلتي .هنالك فهم قومه مكانته
العلمية فأسندوا إليه مشيخة المسجد ببلدته سنة 1201/1786ثم مشيخة ميزاب أي رئاسة مجلس عمي سعيد ،المجلس العلى
لعزابة وادي ميزاب .توفي ببلدته سنة .1223/1808
ر .مقدمة كتاب النيل ط 2المطبعة العربية بالجزائر 1387/1967تحقيق عبد الرحمن بكلي 17 -12 :وقد ذكر أهم المصادر التي
استفاد منها.
( )104عبد العزيز الثميني :النور3 :
( )105لم نتمكن من التعرف على ترجمة صولة الغدامسي إل أن رسالته موجودة خ بالبارونية تضم 23صفحة من الحجم
المتوسط بالصفحة 23سطرا وقد اتبع فيها صاحبها منهجا تهجميا ،فبين أنه يرد على سخافات عثر عليها في ورقات اتضح له
أنها في القضايا الخلفية بين الباضية والمالكية وهي :خلق القرآن ،استحالة الرؤية ،
،حقيقة اليمان ،الخلود ،المنزلة بين المنزلتين ،والشفاعة .أما المنهج المتبع فيتمثل في دحض ما ورد من حجج في الرسالة
مع تحميل نفس النصوص مفهوما مغايرا ويختم كل مسألة بشيء من التشنيع على الباضية .كما فعل في المقدمة العامة وفي
الخاتمة العامة ومن ذلك قوله " :ورد علي من بعض الباضية أوراق ...باح فيها(صاحبها) بما أوجب الخزي عليه وعلى قدوته
من سالفته ،وقد كذب على ال واجترأ ،وتجاسر على نبيه صلى ال عليه وسلم وافترى"1
( )106نص الرسالة 1:
( )107انظر ما يلي 169ما يسبق.133:
( )108سعيد بن علي الخيري الجربي(ق )10/16نشأ في قرية آجيم -وهذا معنى الخيري – أخذ عن شيخه ابي النجاة يونس
التعاريتي ،وانتخب ليصلح مجتمع وادي ميزاب الذي دب إليه الفساد.
وفعل فقد قام بالمهمة أحسن قيام ،وأهل ميزاب إلى لن يعتبرون أنه باعث نهضتهم الحالية .
ر .إبراهيم أبو اليقظان :ملحق لسير الشماخي خ ملك ورثته بالقرارة ص 5وقد انطلق في عمله بترجمة عمي سعيد.
ر .الجعبيري :نظام العزابة271-269 :و 291-290
ر .محمد محفوظ :تراجم المؤلفين التونسيين ط دار الغرب السلمي لبنان ط 281-2/280 19821ولم نضعه في المتن لننا لم
نعثر له على كتابات في أصول الدين.
( )109ر .علي يحيى معمر :الباضية في الجزائر242 :
أ) رد أبي مهدي على البهلولي :لقد بين في مقدمة هذا الرد فضائل المذهب الباضي وأسبقيته
التاريخية وختمها بقوله ":والذي يظهر من قولك أنك لم تطلع على المذاهب وأصول الختلف
فكتبنا لك هذا الكتاب ليتبين لك الخطأ من الصواب مشتمل على العقيدة الوهبية الباضية ومتضمنا
للجواب على المسائل التية بالدلة القاطعة والبراهين الواضحة والحجج المنيرة الساطعة من
الكتاب والسنة وإجماع المة (. )110
وفعل فقد تتبع هذا المنهج فبين أسس العقيدة الباضية وحلل حديث افتراق المة ثم تناول القضايا
الخلفية ،مثل موقف الباضية من الصحابة ومن خلق الفعال ،والوعد والوعيد ،والخلود والشفاعة
واستحالة الرؤية ومن خلق القرآن.
وقد اعتمد أبو مهدي على منهج مقارن مقتبسا حججه من أمهات مصادر الباضية مثل موجز أبي
عمار ،ودليل أبي يعقوب يوسف الوارجلني.
وجاءت في كل هذا لهجته بين الحدة والرصانة وقد دلت دللة واضحة على اقتناعه الكامل بما
اختاره لنفسه بنفسه.
وقد اعتمدنا نسخة مطبوعة حجرية طبعت بتونس سنة 1903 /1321على ذمة الحاج محمد بن
الحاج صالح بن عيسى اليسجني المزابي ضمن مجموعة ونص الرّد جاء من ص 106إلى ص
رسالة في إعراب كلمة الشهادة :يخال قارئ العنوان أنه سيفوز بشيء من الصول ضمن العراب
لكن تتبعها يثبت أنها درس تطبيقي في النحو إذ حرص صاحبها على جمع ما بين يديه من الروايات
ووجوه الختلف بين اللغويين في شأن العراب.
رسالة في معنى التوحيد والوحدانية واللهية والربوبية :لقد سلك أبو مهدي مسلك السلف في جمع
الراء حول ما يسع جهله ومال يسع جهله وهو في ذلك يميز بين اليمان والتوحيد.
والرسالة استيعاب وإعادة لما ورد عند السلف وترى المؤلف يسند التعريفات إلى أصحابها من
أمثال أبي عمار وأبي يعقوب وأبي عمرو السوفي وأبي نصر وابن جميع.
فوظيفة الرسالة ل تتمثل في الستنباط وإنما تقوم على توفير النصوص الباضية في موضوع واحد
بين يدي السائل.
ونرى المؤلف واعيا بذلك إذ يقول ":وإنما حملني على تكرير المسائل وتقرير الدلة للسائل مع أن
الجواب في بعضها رغبة في نيل فضل الفكر ،ولذة الذكر ،فالمتفكر به في النعيم الدائم والصلح
القائم ولن في التكرير تقرير المعاني في النفس وتثبيتا لها في الصدور."...
جواب لهل عمان :لقد وردت على أبي مهدي رسالة من أهل عمان سنة 1507 /913تتضمن
أسئلة في الصول والفروع ،وقد جاء الرد موسعا إذ يتضمن 33صفحة جاءت ضمن مجموع خ
بالبارونية ويمتد من ص 63إلى 96صفحاته من الحجم المتوسط ويبلغ عدد السطر 21سطرا
بالصفحة.
ومراحل الرسالة تتمثل في :تقديم يذكر بورود الرسالة :ضبط نص الرسالة الواردة .شرح مقدمتها
شكل ومضمونا ثم الجابة عن السئلة .ويهمنا خاصة السؤال الول وهو في الولية وقد وردت فيه
تعريفات لعدة قضايا مثل الشفاعة وخلق القرآن.
والملحظ أن أبا مهدي يعتمد اعتمادا كليا في تحليل القضايا على المصادر الباضية وهذا طبيعي إذ
الخطاب موجه للباضية بعمان.
كما نجد ضمن هذا المجموع 8صفحات من 2إلى 9لم تسند إلى صاحبها لضياع بداية النص،
والمقارنة مع رد أبي مهدي علي البهلولي تجعلنا نرجح أنها من تأليفه إذ يكاد يكون النص واحدا،
إل أن اللهجة جاءت تقريرية لختلف المخاطب.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
قضية خلق القرآن :واعتمد أدلة من القرآن تثبت أنه مخلوق منها :الجعل ،والنزول ،والذهاب،
والتفاضل ،وقضية الحكاية والمحكي ،وقد استفاد كثيرا من رسالة متقدمة في الموضوع لبي
اليقظان الرستمي (. )112
قضية استحالة رؤية ال تعالى :فأورد أدلة من القرآن والسنة ومن أقوال الصحابة مع التذكير
ببعض حجج علماء الباضية وغيرهم ممن قالوا بالرؤية.
والمتأمل في هذه الصفحات على اختصارها يتبين أنها استوعبت القضية استيعابا مقبول.
ذلك هو بعض ما وصلنا من رسائل أبي مهدي يدل دللة واضحة على تعايشه المخلص مع الفكر
الباضي فماذا عن جواب محمد بن زكرياء الباروني؟
)1جواب محمد بن زكرياء الباروني النفوسي :هو أبو عبدال محمد ابن زكرياء بن عبد الرحمن
بن موسى الباروني( ت )1589 /997من علماء جبل نفوسة نشأته الولى بيفرن ثم رحل الى جربة
فأخذ عن أبي سليمان التلتي (.)1560 /967
وقد كتبت نسبة الدين نثرا وشعرا وهما ملحقان بآخر سير الشماخي وقد عرضها على شيخه التلتي
فاستحسنها.
وقتل مع جماعة من العلماء بقلعتهم بيفرن عند هجوم الثائر يحيى بن يحيى السويدي سنة /997
. )113( 1589
وقد عالجت الرسالة عدة قضايا فقهية لكنها بسطت القول في قضيتين من قضايا الصول هما
استحالة الرؤية وخلق القرآن وجاء الحتجاج على طريقة السلف ليس فيه أي ابتكار وتتمثل قيمة
الرسالة في تقريب هاتين القضيتين من السائل أو ممن لم تتوفر بين يديه أمهات المصادر في هذا
الباب.
والمخطوطة بالبارونية تضم 5ورقات من الحجم المتوسط بخط دقيق وعدد السطر 39بالصفحة.
لم يذكر الناسخ في آخرها .إل أن المؤلف أشار بوضوح الى أنه انتهى من تأليفها في جمادى الولى
سنة /966فيفري 1559في يفرن بمنزلهم في القلعة .وقد ذكر في آخرها القتال الذي كان يدور بين
التراك والعرب آنذاك في جبل نفوسة.
ثم الى جانب هذا النوع من الردود والرسائل نجد رسائل موجهة الى أولي المر عن مواقف
الباضية ومصالحهم الحياتية ومن ذلك رسالة يوسف المصعبي الى والي طرابلس.
)2رسالة يوسف المصعبي للدفاع عن شهادة الباضية :رفعت قضية سنة 1742 /1155الى
القضاء في طرابلس فرأى بعض القضاة رد شهادة بعض الشهود لنهم إباضية ولم تذكر الوثيقة
اسم القاضي إل أنها ذكرت أن ذلك حدث زمن احمد باشا (.)1745 -1711 /1158 -1123
وأمام هذا التحدي السافر كاتب إباضية نفوسة يوسف المصعبي وقد كان التجأ إليهم من قبل سنة
،1727 /1140وحضر معهم الجتماع العلمي المنعقد بللوت سنة ،1691 /1103ليبين عقيدة
الباضية وليدافع عن صحة شهادتهم فلبى طلبهم ووجه رسالة الى والي طرابلي أحمد باشا تحتوي
على 14صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة 24سطرا .خ البارونية بدون رقم و د .ت ()114
فبين في مقدمتها سبب الشكوى وقد أشرنا إليه من قبل ثم بناها على أصل وفرع وخاتمة.
أما الصل فبين فيه حقيقة الباضية في لهجة رصينة ،فجاءت مختصرة واضحة من نوع المتون
التي تحرر ليحفظها المبتدئون.
وأما الفرع فوضح فيه اعتمادا على أقوال علماء المالكية ضرورة قبول شهادة أهل القبلة وعدم
تكفيرهم.
وأما الخاتمة فطرح فيها أسئلة تثير قضايا عقلية ونقلية في علم المناظرة وعلم الفرائض وما إلى
ذلك مبينا أنها موجهة إلى الوشاة ل لغيرهم ،وفي هذه السئلة ضرب من التعجيز لهؤلء حتى
يقلعوا عن غرورهم.
وقد جاءت بداية الرسالة طافحة بالشكوى والسى والتأسف على ما وقع بين المسلمين .أما بقية
الرسالة فبينت سعة اطلع المصعبي ،وقدرته على اعتماد حجج من غير المصادر الباضية تخدم
قضيته وتنصف أصحابه ،وفعل فقد آتت الرسالة كلها وأقرت بعد ذلك شهادة الباضية في طرابلس
هذا عن رسالة المصعبي فماذا عن رسالة الجادوي إلى مراكش؟
=======================
( )110نص الرد113:
( )111الرسالتان خ بالبارونية ضمن مجموعة به ثلث رسائل لبي مهدي :الولى والثانية هما الرسالتان المذكورتان ،والثالثة
موعظة موجهة لهل وارجلن ل علقة لها بموضوعنا .ويحتوي المجموع على 29صفحة بخط واضح ولم يذكر بها ل تاريخ
الكتابة ول تاريخ النسخ .وتضم الصفحة 22سطرا والولى تمتد من ص 8-1والثانية من ص ،21-9والثالثة من 29-21
( )112انظر ما يلي353:تعليق 30
( )113ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة44:
( )114وطبعت ضمن مجموعة رسائل بالجزائر ،د.ت من ص 86إلى ،106اعتمدنا النسخة المخطوطة لن المطبوعة لن
المطبوعة لم تتوفر لدينا إل في وقت متأخر.
)5رسالة سعيد بن يحيى الجادوي (ت بعد )1693 /1103الى سلطان مراكش إسماعيل بن شريف
(. )115( )1727 -1672 /1139 -1082
أما الجادوي فهو سعيد بن يحيى الجادوي الجيمي من حومة آجيم بجربة .أخذ العلم عن أبي الربيع
سليمان ابن أبي ستة ( )116وتتلمذ عليه يوسف المصعبي وسعيد بن عيسى الباروني صاحب
رسالة في تراجم علماء جربة (ت .)1872 /1289
ويقول عنه تلميذه الباروني ":الفائق في العلوم المنقولة والمعقولة" ص 90وقد شارك مع الوفد
الجربي في الجتماع العلمي الذي انعقد في للوت سنة 1692 /1103للتثبت في موضوع شهادة
الشهود.
وله مجموعة فتاوي (دفتر 2بمقبرتهم بطرف منزل سكناهم على الجادة المارة من مسجد ليمس
الى المرسى بحومة آجيم (. )117
وأما رسالته فقد ثبت أن بعض الوشاة طعن في الباضية وذكر أنهم يبغضون الشيخين فاتخذ
اسماعيل بن شريف موقفا ضد الجربيين ،ومنعهم من تعاطي التجارة في البلدان التي يحكمها
فتصدى سعيد الجادوي للقضية وكاتب السلطان مبينا موقف الباضية من أبي بكر وعمر بأدلة من
الحديث والسيرة ونوه بنزاهة الجربيين وأمانتهم.
وقد جاءت الرسالة في غاية الهدوء والتلطف ومعلوم أن الباضية يرضون بالجماع على أبي بكر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والرسالة خ بخط سالم بن سيعقوب في مكتبته تحتوي على صفحتين من كراس ضمن رسائل
أخرى.
وواضح من خلل هذه الرسائل أن الكتابة تكثفت في هذا الصدد لكن لم تخل القرون الخرى من مثل
هذه الرسائل فماذا عن هذه الجوبة؟
)6رسائل وردود أخرى :وتأتي في هذا النسق رسالة لبي عبدال الصدغياني مؤسس جامع وادي
الزبيب ق : 13 )118( /7
-موجهة لهل وارجلن -يعرفهم حقيقة المذهب لن أهل الخلف في ذلك الزمان يحاجونهم
ويعانتونهم.
وهي خ تحتوي على 22صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة 25سطرا موجودة بالبارونية.
نسخت .1811 /1226
وقد عالجت الرسالة أهم قضايا أصول الدين :ال ل تبدو لـه البدوات ،الكفر واليمان ،الخلود ،الوعد
والوعيد ،حكم أهل الكبائر .كما تعرضت إلى موقف الباضية من الفتنة الكبرى ومن المويين
والعباسيين ،وعرفت بإباضية عمان والمغرب.
وقد جاءت عناصرها مضطربة لنها كثيرا ما ترجع إلى القضايا عدة مرات.
وإلى جانب هذه الرسالة يجدر أن نذكر رسالة محمد ابن أبي القاسم الباروني في الرد على صحائف
من مزونة من الجزائر وقد طبعت ضمن مجموعة بالجزائر د .ت .من ص .86 -70
وانطلقت الرسالة بالتعريف بعقيدة الباضية ثم دافعت عما اتهم به بنو ميزاب مثل موقفهم من
الصحابة ،ثم تعرض صاحبها لقضايا لغوية ،وعرض مجموعة من السئلة وهي ضرب من التعجيز
(لعلها ترجع إلى مطلع ق .)19 /13
كما يمكن أن نذكر رسالة عيسى ابن أبي القاسم الباروني وقد كتبها سنة ( )1795 /1210ردا على
فقهاء غدامس وهي رد على رسالة واردة من للوت .وهي خ بالبارونية تحتوي على 40صفحة
من الحجم المتوسط وبكل صفحة 22سطرا .ناقصة في آخرها ول نعرف ل الناسخ ول تاريخ
النسخ.
وقد عرف فيها أسس عقيدة الباضية وموقفهم من الفروض والمحرمات،كما بين موقف الباضية
من الصحابة ،وأورد نبذة من الحاديث عن الفرق الضالة ونوه بأئمة الباضية ثم جاء رده عنيفا
حيث بين ما في أهل غدامس من عيوب ورد على السئلة الموجهة في موضوع صلة الجمعة
والصحابة والبعث.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وأما المنهج المتبع فهو قائم على الختصار ،ويورد نص الرسالة كامل ثم يحلله ويرد عليه شيئا
فشيئا.
كما يمكن أن نذكر كتاب المسلك المحمود لمعرفة الردود لسعيد بن تعاريت(انظر ص 83وقد جاء
ردا على ما عرف بالفتوى الكاملية التي طعن فيها صاحبها في الباضية (. )119
==================
( )115إسماعيل بن شريف سلطان مراكش(11ذي الحجة 27-1082رجب 1139/14افريل 30-1972مارس )1727ثاني
سلطين العلويين بالمغرب ر.دائرة المعارف السلم كعربية.2/183:
( )116انظر ما سبق157:
( )117ر .سعيد ابن تعاريت :رسالة في تراجم علماء جربة90:
( )118كتاب :نظام العزابة.247:
( )119وقد ذكر النامي نصوصا أخرى منها ما توفر لدينا ومنها مالم يتوفر لدينا ر .النامي الطروحة309-299:
وبعد الجوبة والردود لم يبق إل أن نعرف بالمختصرات وهي مختصر واحد فما هو؟
المختصرات :إن كثر عدد الشروح والحواشي ،فإن نصيب المختصرات دون نصيب المؤلفات الذاتية
ولعل ذلك يرجع الى توفر عدد طيب من المتون التي تقرب العقيدة من المبتدئين وقد ذكرناها من قبل
ولم نعثر إل على مختصر واحد وهو:
)1
:نلمس من مقدمة النص أن التلتي شرح كتاب
أصول الدين لتبغورين بن عيسى الملشوطي شرحا موسعا ،ووسمه بـ" شرح أصول تبغورين حوى
اليضاح والتبيين" ( )120ثم رغبة في التخفيف على القارئ اختصره بعنوان ":نخبة المتين من
أصول تبغورين" وفي ذلك يقول ":لما فرغت من شرح أصول تبغورين حوى اليضاح والتبيين
سنح لي أن ألخص ما فيه من خصائص المذهب ،وأحررها بذكر الصواب وترك ما فيها من الجدل
الذي ل داعي إليه الن لنعدام الهمم واستيلء الزمان ،فحررتها في عبارات بليغة وألفاظ فصيحة
أنيقة ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة ولثم عرائسها الفتاكة وسميتها " نخبة المتين من أصول
تبغورين" ص .144
وقد تتبع التلتي في هذا المختصر -تبعا للمنهج المحدد في المقدمة -أهم ما ورد في الشرح من
تحليل للقضايا الصولية ونحن نعلم أن المتن ألم بها كلها.
وقد حرص على أن يقرب المفاهيم للقارئ بأيسر السبل حيث يشير الى كل قضية بقوله ":اتفق
أئمتنا" " واتفقوا أيضا" ...وقد بلغ عدد القضايا المطروحة الى ثلث وستين أولها أن ال موجود
وآخرها تبين أفعال العباد.
وهو في كل هذا يميز باختصار غير مخل بين رأي الباضية وبين رأي الشاعرة بصفة خاصة،
ويحيل أحيانا على شروحه المطولة مثل شرح النونية أو على كتب العمانيين أو على عبدال
السدويكشي.
كما أنه لم يتعرض الى الشروح اللغوية أو النكت البلغية رغم ميله الى ذلك ،وإنما حرص على أن
يكون عمله اختصارا مستوفيا لهم القضايا.
وقد طبع هذا المختصر مع مجموعة من النصوص بعنوان " العقيدة المباركة" ترتيب محمد خليفة
مادي .ط الفجالة الجديدة القاهرة د .ت .وذلك من ص .168 -144
وبهذا نكون قد استوفينا تعريف ما تمكنا من الحصول عليه من التراث الكلمي عند الباضية بعد
التعرف على الطار التاريخي الذي يتنزل فيه ولم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذا التراث.
إن المتتبع للتراث الباضي يتبين بوضوح أن خوضه في قضايا العقيدة كان من وقت مبكر ،وذلك
لن أئمة الباضية عايشوا أحداث الفتنة الكبرى من قريب ،وموقفهم كان واضحا في شأنها وقد
كلفهم هذا الموقف كبير عناء في حياتهم وهكذا كان المر بالنسبة إلى أتباعهم عبر التاريخ.
وما كاد يدخل العقد الثاني من النصف الثاني للقرن الول هـ وبالضبط سنة 683 /64حتى اتضح
موقفهم من مرتكب الكبيرة على لسان إمامهم عبدال بن إباض الذي كان يتعاون مع المام جابر بن
زيد حيث اعتزل موقف القائلين بالخروج المطلق على أساس أن الموحد يجب أن يعامل معاملة
خاصة إن ظهرت عليه المعصية ،وانطلقا من هذا الموقف المبكر توسعت النصوص الباضية في
التمييز بين الكفر والشرك وكفر النعمة كما سنوضح ذلك في الباب الثالث من أبواب هذا البحث وهم
في هذا يختلفون عن المعتزلة الذين لم يتضح قولهم بالمنزلة بين المنزلتين إل في أوائل القرن
الثاني للهجرة ،كما يتميزون عن القائلين بالرجاء.
أما موقفهم من المامة -ويعالج عادة مع القضايا الصولية وإن كان الى الصول الجتماعية أقرب-
فقد اتضح من تعيين المام عبدال بن وهب الراسبي بصفة عملية فهو ل ينتمي لل البيت ول
لقريش وكان انتخابه شورى بين المسلمين الذين عرفهم التاريخ بالمحكمة .هذا قبل خروج جماعة
عن مبادئ المحكمة .أما بعد ذلك فرسالة عبدال بن إباض الى عبد الملك ابن مروان جاءت أحسن
دليل على عدم اعترافهم بملك بني أمية الوراثي.
وفي هذا الخضم السياسي العقدي المتموج بدأت تتضح ملمح علم الكلم شيئا فشيئا فلم يكن التراث
الباضي خاليا منها بل يتضح من خلل ما جاء من رسائل وخطب ومناظرات أن الباضية اعتبروا
العمل جزء ل يتجزأ من اليمان كما تسربت الى حلقات أبي عبيدة والربيع مواقف من بعض
الباضية تتبنى قول المعتزلة في القدر فتصديا لها بقوة وأعلنا البراءة من أصحابها.
ويصل صدى هذا الموقف إلي مصر فيكتب عيسى بن علقمة المصري كتابه التوحيد الكبير ليرد على
عبدال بن يزيد الفزاري في هذه القضية وفي قضية السماء والصفات كما يشير إلى ذلك أبو عمار
عبد الكافي في شرحه لكتاب الجهالت والكتاب لم يسعف الزمن به بعد.
ومن هنالك يرتبط تراث الباضية بالمغرب بتراثهم بالمشرق وتنطلق المدرسة المغربية في النتاج،
فتأتي رسالة أبي اليقضان الرستمي في خلق القرآن ورسالة عمروس بن فتح الموسومة "
بالدينونة الصافية" في أهم قضايا أصول الدين.
ولم يظهر الشعري والماتريدي في القرن الرابع هجري إل بعد أن اتضحت مواقف الباضية في
أبواب العقيدة ،لكن الشعري حشرهم في زمرة الخوارج ونسب إليهم من الفرق مالم يرد ذكره في
مصادرهم ،ولم يحل على هذه المصادر رغم وفرتها آنذاك في ما نتصور ،وإن يذكر بعضا من
مواقفهم التي يرتضونها .ومعلوم أن الشعري كان منطلقا أساسيا لما عرف في ما بعد بالشاعرة أو
بأهل السنة فغطى التراث الباضي لن الناس ظلوا يحترسون من هؤلء الذي يكفرون غيرهم .وفعل
قد جاءت كتب المقالت في ما بعد مكررة ما قاله الشعري أحيانا بنصه وأحيانا بشيء من التصرف.
وفي هذا المحيط ظلت تنمو المدرسة الباضية بالمغرب طيلة القرن الرابع والخامس هـ الى أن
رسخت قدمها رسوخا متينا في مدينة وارجلن في القرن السادس هـ خاصة مع أبي عمار عبد
الكافي في كتاب الموجز وفي كتاب شرح الجهالت وفي كتاب أبي يعقوب الوارجلني الدليل
والبرهان ،وفعل فقد تصديا للردود على الفلسفات اللحادية من جهة ،وعلى جميع الفرق السلمية
من جهة أخرى ،وقد وقع التركيز خاصة على المدرسة الشعرية في جميع قضايا أصول الدين مما
وقع فيه الخلف بين المدرستين.
وبعد هذا القرن الذي يعتبر العصر الذهبي بالنسبة الى البداع في علم الصول تحول مسلك التراث
الباضي الى المختصرات والشروح فهذا عامر الشماخي يولي اهتماما كبيرا بالفقه ول يكتب إل
مختصرا في العقيدة سماه كتاب الديانات ،وهو عبارة عن مذكرة شاملة لعقيدة الباضية ،وكذلك فعل
إسماعيل الجيطالي في الباب الول من كتاب قواعد السلم وفي قسم من كتاب القناطر وإن توسع
في التحليل على شرح النونية وعلى هذا المنوال ينسج البرادي في القرن التاسع هـ في شرحه
لكتاب الدعائم لبن النظر العماني.
فخلصة الحديث عن هذه القرون التسعة أن التراث الباضي فيها حرص على رعاية البذرات الولى
في أصول الدين النابعة من فهم الئمة لكتاب ال تعالى ولسنة رسوله صلى ال عليه وسلم .فظلت
هذه البذرة تنمو من القرن الول هـ شيئا فشيئا إلى أن آتت أكلها في القرن السادس هـ .وقد
استطاعت وارجلن عاصمة الباضية الثانية بعد سقوط تاهرت أن تباهي العواصم السلمية
الخرى بما ظهر فيها من شتى العلوم،ويهمنا منها في هذا البحث خاصة علم أصول الدين ،وفعل
يعتبر هذا القرن قمة مرحلة من مراحل الفكر الباضي في أصول الدين وبداية مرحلة جديدة ذلك لن
أسس هذا الفكر تكاملت حججه النقلية والعقلية ،والناظر في التراث الذي جاء بعد القرن السادس هـ
يدرك حقيقة ما نقول ،إذ ل يخلو مصدر من مصادره من الحالة على كتاب الموجز أو الدليل
والبرهان.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما المرحلة الموالية -من القرن السادس هـ الى نهاية القرن التاسع -فقد اهتم فيها الباضية خاصة
بسيرهم وفقههم وإن لم يسكتوا عن أصول الدين ،ورأوا أن المختصرات فيها تقرب ما جاء منظرا
محلل في ما سبق ،مع شرحين موسعين في الصول هما شرح الجيطالي لنونية أبي نصر وقد انتقد
في ما بعد بأنه اشتغل بالقضايا الدبية اللغوية أكثر من اشتغاله بالقضايا الصولية وشرح البرادي
للدعائم وعليه نحيل في تعريف الباضية لعلم الكلم ،والبرادي ظهر حذقه في الحرص على التعريف
المدقق للمصطلحات وفي هذا المحيط تتنزل رسالته الموسومة بـ " رسالة الحقائق" وهي على
اختصارها قد أمدت المدرسة الباضية بقاموس مهم في التعريفات ويهمنا خاصة تعريف
المصطلحات الصولية وقد وجدنا أن كل التراث الذي جاء بعد هذه المرحلة يعتمد على هذه
التعريفات اعتمادا كليا وصريحا.
=======================
( )120لم نتمكن من الحصول على هذا الشرح الموسع ،ونعتقد أنه ل يخل بالعمل إذ نظرنا في شرح التلتي الموسع للنونية
والقضايا هي نفسها تتكرر هنا وهناك وللتعرف على التلتي ر .ما سبق160:
تلك ملحظاتنا عن هذه القرون التسعة فماذا عن القرون التي توسعنا في تحليل تراثها وهي القرون
الثلثة الموالية العاشر والحادي عشر والثاني عشر هجري؟
إن لحظنا أن قطب الشعاع كان مدينة وارجلن في القرن السادس هجري فإن تقصينا في التعرف
على مؤلفي هذا التراث يثبت أن جزيرة جربة كانت قطب الدائرة في الحركية العلمية في هذه
المرحلة .فالشماخي وإن كان من جبل نفوسة فإنه حط رحله بالجزيرة وحتى عندما أرخ لشرحه
للعقيدة انطلق من حدث هام من أحداث الجزيرة وأما أبو سليمان التلتي فكان منطلقه من الجزيرة
واليها رجع ،وبها ألف ،ومنها أشع وناضل بالقول والعمل إلى أن مات شهيدا لجرأته في قول الحق
وأما السدويكشي فقد نهل في ربوع الجزيرة وفي مدارسها العلمية المعارف ،فاتضحت قدرته
الكلمية -وإن لم يكتب كثيرا -في اعتداده بعقله وبقلة إحالته على من سبق وأما المحشي -ولقبه
غلب على اسمه لكثرة حواشيه -فقد استفاد من إقامته بالمدرسة الباضية بالقاهرة بالضافة الى
نشأته في جربة ،فاتضح طول باعه ل في علم الصول فحسب بل في جل فنون العلوم السلمية،
وفعل فقد أشعت أسرة أبي ستة على الفكر الباضي عامة أيما إشعاع ولوالد المحشي رسالة بعنوان
":المجموع المعول في ما عليه السلف الول" تدل على المناخ العلمي الذي نشأ فيه المحشي وابنا
عمه سليمان وأبو زيد وقد أثبتت حاشية كل منهم على " كتاب شرح الجهالت" وفرة المصادر
والمراجع التي بين أيديهم والحرص على حسن استغللها والفضل في جمع كل هذا الشتات يرجع
إلى تلميذهم علي ابن بيان ،ولوله لصعبت الستفادة من هذه الحواشي.
ويفد على الجزيرة في أواخر القرن الحادي عشر هـ يوسف المصعبي متعلما فيطيب له المناخ
العلمي ،ويستقر بها إلى الوفاة ،فيسلك مسلك المحشي في تتبع النصوص الباضية وشرحه لصول
تبغورين هو أقرب ما يكون لما يسمى بالتحقيق العلمي الن ،ومعه يتحول الثقل من جنوب الجزيرة
بحومة سدويكش الى شمالها في مدرسة الجامع الكبير .ويشع في هذا القرن أيضا عمرو التلتي
وقد حط رحله بالمدرسة الباضية بوكالة الجاموس بطولون بالقاهرة وقد استطاع بفضل ما فيه من
مصادر إباضية أن يقف طويل عند الصول الباضية فشرح وحشى واختصر وتفنن في ذلك وإن لم
تتوفر جميع نصوصه بين أيدينا فإن استيعابه لقضايا الصول واضح ،ودفاعه عن العقيدة بين في
ما اطلعنا عليه من كتاباته وإن قدح معاصروه في سيرته.
كل هذا يؤكد ما ذكرنا ،بالضافة إلى أن ما وجد في جبل نفوسة وفي وادي ميزاب يعتبر منطلقه من
جربة فأبو مهدي عيسى بن اسماعيل أخذ عن عمي سعيد الجربي الذي أوفدته الجزيرة لصلح
الوادي ،وفضل أبي مهدي على الفكر الباضي عامة ل ينسى لن ردوده كانت منطلقة من اقتناع بعد
اطلع ،إذ نشأته الولى كانت أشعرية وكذلك محمد بن زكرياء الباروني ،وقد برز في باب التاريخ
أكثر من بروزه في باب الصول فإنه يذكر فضل شيخه أبي داود التلتي عليه.
إن مثل هذه الملحظات ل تحط من قيمة المواطن الباضية الخرى في المغرب وإنما تبين التعاون
المخلص بين هذه المواطن فإن أشعت نفوسة في المنطلق فقد رفعت المشعل تاهرت ووارجلن في
ما بعد مع الجنوب التونسي وقصطيلية منطقة الجريد حاليا .وقد كانت هذه القرون 11 ،10و 12هـ
من نصيب الجزيرة ليرفع المشعل في ما بعد وزادي ميزاب وما يزال .ومن يزور الوادي الن يحس
بالنفس الباضي على حقيقته .ول يفوتنا أن نشير هنا إلى أن إشعاع موطن ليس معناه أن المواطن
الخرى موات وإنما تجد فيها سعيا إلى التجدد وإلى النهوض ،ويكون ذلك عن طريق التزاور
والرحلة الى طلب العلم والمتتبع سلسلة نسب الدين عند الباضية بالمغرب يستحيل عليه أن يفصل
بين علماء هذه المواطن.
وبعد بسط البعد الحضاري المتعلق بالمؤلفين يحسن أن نبين ذلك بالنسبة الى مؤلفاتهم.
يعتبر من نفل القول أن نشير إلى قلة النتاج الذاتي والمختصرات ووفرة الشروح والحواشي
والجوبة والردود فما هو السبب في ذلك يا ترى؟
إن هذه الظاهرة ليست خاصة بالباضية بل هي عامة في التراث السلمي وكأن المسلمين أحسوا
بأنه ليس في المكان أكثر مما كان فعكفوا على ما عندهم مع توقف ملكة البتكار إل في القلي
النادر .واضح أن مثل هذا التفسير يقلل من قيمة الشروح والحواشي لكن أليست هذه الشروح
والحواشي عمل فكريا؟ أو ليس اختيار المرء جزء من كيانه؟ أل يستطيع الشارح أن يبدع أثناء
الشرح وأن يتفطن إلى قضايا لم ينتبه اليها المؤلف وهل عرف الناس فكر أرسطو مثل إل عن
طريق شراحه؟
وفي هذا المحيط تتنزل الشروح والحواشي التي كتبت في أصول الدين في هذه القرون فجعلها يدل
على استيعاب واضح لما نظر في ما سبق مع فهم له وحسن استعمال فالمحشي والمصعبي والتلتي
ليسوا مجرد نقلة للنصوص وإنما يقارنون بين أقوال سلفهم ويرجحون قول هذا على ذاك .وهذا
المنهج تتميز به عادة هذه الشروح على النصوص الصلية لنها تتخذ في الغالب منهجا واحدا من
بدايتها الى نهايتها خاصة في القضايا التي ظهرت فيها مواقف متباينة عند الباضية أنفسهم مثل
قضية خلق القرآن وسنفصل فيها الحديث في الباب الثاني من هذا البحث .فالشروح حينئذ توفر بين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يدي الباحث مجموعة من النصوص المتفرقة الى جانب موقف الشارح وهذا من شأنه أن ييسر على
القارئ القدرة على الستيعاب والستنتاج وهؤلء الشراح ل يكتفون بالحالة على المصادر بل في
أغلب الحيان ينقلون كامل النص المقصود.
كما أن هذه الشروح ل تغفل عادة عن المقارنة بين نصوص الباضية ونصوص غيرهم مما لم تشر
إليه النصوص المشروحة والتراث الباضي في أصول الدين وفي بقية العلوم السلمية يتميز بهذا
المنهج وهذا يفهم حضاريا لن الباضية ظلوا طول حياتهم أقلية وسط أكثرية أشعرية غالبا ،فلذلك
يفرض عليهم تعايشهم مع الفرق الخرى أن يكونوا مطلعين على المسائل الخلفية حتى يبصروا
بها أتباعهم ليحافظوا على عقيدتهم وسط التيار العام ،وهذا ما يكاد ينعدم في المدرسة الشعرية لن
أصحابها ل يشعرون بنفس المضايقة ،وإنما تأتي ردودهم على ما يسمونهم بأهل البدع والهواء
عادة .وحتى في فترات ازدهارهم لم يلجأ الباضية الى مسلك النغلق كما أشرنا الى ذلك في الفصل
الول من هذا الباب وفعل فبفضل هذا المنهج المقارن المزدوج بين علماء الباضية في ما بينهم
وبين مختلف الفرق تمكن هذه الشروح القارئ من اطلع واسع على عقائد جل الفرق السلمية
وفعل فقد فرضت علي هذه الشروح الرجوع الى عشرات من النصوص غير الباضية وهذا سيتجلى
أثناء التحليل للقضايا في ما يلي.
ثم إزاء هذا فإن هؤلء الشراح كانوا شيوخا مدرسين يتداول عليهم الطلبة صباح مساء ،ومن كل
المستويات ،لذلك جاءت شروحهم مفعمة بنزعة تعليمية واضحة ،فهم ل يقتصرون على تحليل
القضايا الصولية بل يتوسعون في الشروح اللغوية والبلغية الى أبعد حد ،بل وجدنا من يقتصر
أحيانا على هذا النوع من الشرح فقط ،وفي هذا دللة على طول باع هؤلء في فنون اللغة وقد بلغ
عمرو التلتي في ذلك شأوا بعيدا .كما أن هذه النزعة التعليمية تتجلى أحيانا في طرح القضايا
بمنهج يقوم على السؤال والجواب ،مما يسر على المتعلم رد الحجة بمثلها عند الحاجة الى ذلك وإن
كان هذا المنهج يتضح أكثر في الجوبة والردود.
فهذا المسلك في الشرح والحواشي ل يبعد عما يسمى في المناهج العصرية بالتحقيق العلمي لن
الشراح كثيرا ما يضعون النصوص في إطارها التاريخي وقد اقتبسنا كثيرا من الملحظات
الحضارية من هذه الشروح ،خاصة في ما يتعلق بسير الباضية وبتعريف العلماء فمن ذلك أن
يوسف المصعبي يشير إلى أن حاشية السدويكشي كانت منطلقا لدرس في جامع أبي كثير وهنالك
أشار عليه الحاضرون بأن يتم هذه الحاشية فهذه الشارة تعتبر منطلقا للبحث عن قيمة هذا الجامع
التاريخية وعن أولئك الذين كانوا حول يوسف المصعبي كما يفهم من الطلب أنه أعلم الحاضرين
وما إلى ذلك من الستنتاجات بعيدة الفائدة والحقيقة في النهاية أن من يريد تحقيق هذه النصوص
المشروحة تحقيقا علميا ل يمكن له أن يستغني عن هذه الشروح إذ هي لبنة من لبنات البناء
الحضاري لهذا التراث.
كما أن هذه الشروح بما فيها من إحالت على مصادر ومراجع متنوعة تدل دللة واضحة على ثراء
المكتبة السلمية عامة والباضية خاصة في جزيرة جربة وفي سائر المواطن الباضية آنذاك وفي
هذا دللة واضحة على حركة علمية نشيطة وعلى توفر عدد ل يستهان به من الناسخ وكثيرا ما
اهتدينا الى معميات عن طريق الناسخ أو عن طريق تاريخ النسخ للنصوص الباضية وللنصوص
غير الباضية ،فمن ذلك أننا استطعنا أن نضع محمد التغزويسني في إطاره التاريخي اعتمادا على
مخطوطة أثبت أنه نسخها سنة .1591 /999
وفعل إن التأمل في الثروة العلمية في أصول الدين وفي بقية التراث السلمي يمكن من تصور
الحياة الثقافية في هذه القرون في جميع مواطن الباضية ومدى تعايشها في ما بينها وتعاونها على
توفير الكتاب دون أن يكون لها مدد من سلطة حاكمة توفر لها ما تحتاج إليه من المن والمال بل
منطلق المر مجهود أفراد الجماعة من المثقفين ومن غير المثقفين.
هذا عن بعض البعاد الحضارية لهذه الشروح والحواشي فماذا عن الجوبة والردود؟
لئن كانت الحواشي والشروح من العمال التلقائية التي توحي بها حاجة المة الى ذلك معبرة عن
بعض البعاد الحضارية فإن الردود والجوبة أكثر اتصال بواقع الباضية المعاش.
فجذور المراسلت والردود ترجع إلى إمامي الباضية الولين وهما جابر ابن زيد ورسائله وأجوبته
ولم تدرس بعد دراسة علمية وإن حقق عمرو النامي شيئا منها -لكن القدر حال دون الستفادة من
هذا القسم المحقق -وطبعت عمان قسما من أجوبته الفقهية بترتيب سعيد بن خلف الخروصي سنة
1984 /1404وعبدال بن إباض ورده على عبد الملك بن مروان مشهور .والباضية وضعهم
التاريخ بسرعة في قفص التهام لكن عندما تقوى دولتهم وتشع ثقافتهم تخف عنهم الهجومات
فتنقطع كتاباتهم في الردود ويقيمون مقامها الكتابات الرصينة التي تعتمد على المنهج المقارن ول
يخلو هذا المنهج من موقف دفاعي هادئ بينما يختلف المر عن ذلك عندما تموت دولتهم.
وفعل ما أن تقلص المد الباضي في وارجلن في القرن السابع هـ حتى تجلت تهجمات على
إباضيتها من قبل الفرق الخرى وقد جاءت رسالة أبي عبدال الصدغياني من جربة تلبية لهل
وارجلن في الرد على من يطعن في عقيدة الباضية.
أما الردود الواردة في القرون 12 ،11 ،10هجري فسببها تقلص ظل الباضية من مدينة غدامس
وغلبة الطرف المالكي عليها وواضح أن التهجمات لم تكن واردة من مشاهير علماء المالكية
فصولة الغدامسي لول تهجمه على الباضية لما حفظ التاريخ أسمه ومهما يكن من أمر فتهجمه كان
منطلقا لرد أحمد الشماخي الذي جاء معبرا تعبيرا صريحا عنيفا عن نقط الخلف بين الشاعرة
وبين الباضية في قضايا أصولية نظرية ،وقد دفعت هذه الردود الباضية الى مزيد من الطلع على
مصادر الفرق السلمية وخاصة ما اشتهر عند الناس بأهل السنة وألحت هذه الردود على أن
المنتمين إلى هذا اللواء يختلفون في بعض القضايا في ما بينهم أكثر من اختلف بعضهم مع
الباضية.
وإن دلت هذه الردود على شيء فأنها تدل على التنافر الطارئ بين الفرق السلمية انطلقا من
اختلف مواقفهم تجاه القرآن والسنة ،ونحن نعلم أن هذا التنافر عزف عليه أهل السياسة عزفا قويا
من وقت مبكر ،وقد بينا في الفصل الول كيف أن وضع الباضية تحت عنوان الخوارج جنى عليهم
جناية ظلوا يتحملون تبعاتها الى يومنا هذا.
ووددنا لو سلك الشماخي مسلكا أكثر رصانة -لقدرته العلمية -واستغل النقط التي تقرب بين مختلف
الفرق ،مع توضيح أن الخلف الجتهادي ل ينبغي أن يؤدي إلى صراع وتنابز لكن أنى له ذلك
والباضية تفتك مساجدهم ويجلون عن ديارهم.
ومما يؤيد ذلك أن قضاة طرابلس أعلنوا رفضهم لشهادة الباضية سنة 1155هـ ل لشيء إل لنهم
إباضية ،فانبرى يوسف المصعبي بلهجة رصينة هادئة فحاج هؤلء الفقهاء بمصادرهم ،وكاتب
واليهم أحمد باشا مما اضطرهم إلى التراجع عن موقفهم وقبول شهادة الباضية من جديد وقد عثرنا
على رد عن شكوى الباضية بختم حسين باي تونس ( )1740 -1705 /1153 -1117مفاده إقرار
" شهادة الباضية سنة 1709 /1120لن شهادة من أتى بالقول والعمل أصح ممن أتى القول
وضيع العمل" ( )121ولم نعثر على الشكوى والراجح أن موجهها يوسف المصعبي نفسه .وقد
سلك سعيد الجادوي نفس المسلك عندما قرر سلطان مراكش اسماعيل بن شريف منع الباضية من
تعاطي التجارة في مملكته لنهم يطعنون في الخليفتين أبي بكر وعمر.
إن مجموعة هذه الردود بينت أن الصراع لم يبق صراعا فكريا نظريا وإنما تحول إلى إصدار أحكام
قاسية ضد الباضية تمنعهم من حق من حقوقهم المدنية ،ول نغفل عن أن الباضية يعتمدون على
التجارة طول حياتهم ولم يكونوا الى الوظيف إل في الفترة المتأخرة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وإلى جانب هذا جاء رد أبي مهدي على البهلولي وكأنه صراع شخصي لكنه اكتسى صبغة إباضية
عامة ذلك أن البهلولي عاب على أبي مهدي تحوله الى الباضية واتهم من وراء ذلك أهل ميزاب
بالتهم المعهودة -مثل القول بنفي رؤية ال تعالى -فجاء الرد في سياق عام تمثلت وظيفته خاصة
في توفير نصوص إباضية في أهم قضايا أصول الدين.
أما الجوبة فجاءت معبرة عن حسن العلقة والتعاون بين إباضية المغرب في ما بينهم ،وبينهم
وبين إباضية عمان وقد تميزت هذه الردود والجوبة بنزعة جدلية واضحة تتردد لهجتها بين العنف
واللطف حسب مقتضيات الحال.
وخلصة القول إن هذه الجوبة والردود جاءت معبرة عن واقع حضاري مترد تدرج فيه تقلص
الباضية شيئا فشيئا ليستقروا حيث استقروا في جربة ونفوسة ووادي ميزاب ورغم جهود هؤلء
العلماء فقد انتهت الباضية من غدامس ومن الجنوب التونسي.
وقد استمرت نزعة الردود بعد هذه المرحلة ولعل آخر ما كتب في هذا الصدد فصول من كتاب علي
يحيى معمر " الباضية بين الفرق السلمية" ط .القاهرة .1976 /1396
أما عن النتاج الذاتي ،وقد بينا أنه يكاد يكون منعدما ولذلك اعتمدنا رسالتي أحمد الشماخي في
صلب تحليلنا لقضيتي السماء والصفات ،اعتمادا كبيرا وكذلك فعلنا مع رسالة السدويكشي في
المقارنة بين القائلين بقدم القرآن والقائلين بخلقه.
أما نخبة المتين لعمرو التلتي فقيمته الحضارية تتجلى في عرضه لقضايا الصول عرضا مختصرا
مع المقارنة بمواقف الشاعرة.
فواضح إذن من خلل هذا التحليل أن تراث هذه المرحلة لم يقم على النزعة التأليفية وإنما غلب
عليه طابع التجميع والتحليل وكأنه بهذا هيأ المناخ للمرحلة اللحقة التي ستتحلى فيها النزعة
التأليفية صريحة خاصة مع قطبي الباضية بوادي ميزاب عبد العزيز الثميني ثم محمد اطفيش.
وفي الخير إن تراث هذه المرحلة وإن لم يأت بالجديد ،فإنه دعم التراث السابق ،وضمن
استمراريته ودفع من جاء بعده الى الستفادة من الكل وبث نفس جديد في روح هذا التراث وعسى
أن ينتبه الباضية الن إلى عرض حصيلة هذا التراث حسب المناهج العصرية حتى يطلع الناس
على هذا التراث الذي كثيرا ما اتهم أصحابه بأنهم ل تراث لهم.
وما البابان اللحقان من هذا البحث إل محاولة من هذا النوع سنسعى خللهما إلى إبراز البعد
الحضاري لهذا التراث العقدي.
فإلى الباب الثاني من هذا البحث ومحوره تحليل المباحث الكلمية المتعلقة بال تعالى.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
========================
تمهيد:
إن من المحاور الكلمية في اللهيات ما يغلب عليه طابع النطلق مما جاء محكما في القرآن
الكريم ،ومنها ما يغلب عليه العتماد على المتشابه ،ولذلك سنطلق من القضايا الولى وتتمثل في:
وجود ال تعالى .ذاته .أسمائه .صفاته .ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه عز وجل .فماذا
عن وجود ال تعالى؟
وجود ال تعالى:
إن السلم يثبت أن النسان الول -وهو آدم عليه السلم -نبي مقر بوجود من تاب عليه وأنزله إلى
الرض للبتلء أل وهو ال (. )1
لكن إذا تأملنا في التراث النساني فإننا نلمس بجلء أن العقل البشري لم يستقر على رأي في
تصوره الوجودي ،ونظرة أولية في تاريخ الديان ( )2وفي علم الديان المقارن ( ، )3تبين أن
النسان ما قبل التاريخ تصوره الوجودي الخاص ،وكذا أهل الصين والهند واليونان وحتى أصحاب
الرسالت السماوية -أهل الكتاب -يختلف تصورهم في ما بينهم في هذا الشأن.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فماذا قال علم الكلم عامة ،وعند الباضية خاصة في هذه القضية؟
إن هذه القضية -وجود الخالق -ل يمكن أن تحير علماء الكلم المسلمين بأية حال لننا نعلم كما
وضح ابن خلدون ( )4ذلك أن المتكلم يختلف عن الفيلسوف اختلفا جوهريا فإن كان الفيلسوف
ينطلق من الشك المطلق عسى أن يقترب من اليقين أو يدركه فالمتكلم ينطلق من العقيدة ليبحث عن
الدلة.
وقد ذكر الغزالي عند التدليل على وجود ال تعالى أن في فطرة النسان وشواهد القرآن ما يغني عن
إقامة البرهان ( )5كما ذكر الوارجلني أنه لم يختلف ":اثنان بعد ثبوت الحدث أن له محدثا .ثم
يقول :فعلم هذا ضروري...وإنما وقع التشابط والتخابط بين الموحدة والدهرية في حدوث المحدث
ولسنا والشعرية مختلفين في شيء من هذا" (. )6
وحتى المعتزلة الذين يعتبرون أن معرفة ال ل تحصل إل بالنظر ل يشذون عن بقية الفرق ،والدليل
على ذلك توضيح القاضي عبد الجبار هذه المسألة بما يلي ":إن سأل سائل فقال :ما أول ما أوجب
ال عليك؟ فقل :النظر المؤدي إلى معرفة ال تعالى ،لنه تعالى ل يعرف ضرورة ول بمشاهدة" ()7
.
فول كان النطلق من الجحود أو الشك لما صح أن يكون السؤال ":ما أوجب ال عليك" لن هذا
السؤال يتضمن القرار بوجود ال (. )8
أما الماتريدي فقد بسط أدلته على وجود الخالق في " كتاب التوحيد" وأوصلها إلى أثنى عشر
دليل ،محورها دللة المحدَث على المحدِث وتوجها بان خلق النسان أعظم آية على وجود ال (. )9
والناظر في التراث الباضي انطلقا من كلم الوارجلني المشار إليه آنفا يفهم أن اعتناء متكلمي
الباضية بالتدليل على وجود ال لم يكن من جراء خلف داخلي بين التيارات السلمية وإنما كان
دفاعيا ضد المقولت الفلسفية المخالفة للسلم.
وقد جاءت الدلة في الرد على هؤلء عقلية محضا لنهم ينكرون وجود الخالق فضل عن الوحي
وتتلخص محاورها في ما يلي:
إذا ثبت أنه حادث فمن الضروري أن يكون لـه محدث ،وهذا المحدث لبد أن يكون واحدا ل يشبه ما
أحدثه ( )10بوجه من الوجوه إذ لو أشبهه لوجب التسلسل فوجب أن يكون المحدث قديما واحدا ل
شبيه له (. )11
وتضرب لتوضيح هذا أمثلة ملموسة مثل دللة البناء على الباني ،والكتابة على الكاتب (. )12
ويؤازر هذا الدليل العقلي الدليل اللغوي ويتمثل في أنه لبد للمفعول من فاعل (. )13
)2
إذ النسان وهو كائن حي أولى بالتأثير في النجوم (
. )14
كما تعرض المصادر الباضية في المرحلة المقررة إلى هذه القضية الساسية التي تقوم عليها جميع
قضايا الدين الخرى عند تعداد مال يسع جهله ( )16طرفة عين ،وعند تحليل الساس الول من
أسس التوحيد وهو إفراد ال تعالى وعند تعريف التكليف وعند تبيين أن حجة ال على الخلق الرسل
بصفة خاصة.
وقل أن تغفل هذه المصادر عند تعرضها لهذه القضية عن الستشهاد بقول صاحب كتاب الديانات:
" وندين بأن حجة ال على عباده الكتب والرسل ...،وندين بأن معرفة ال ل تنال بالتفكير ول
بالضطرار وإنما تنال بالكتساب والتعليم وذلك يصح بعد مخبر ومنبه على ذلك" (. )17
ثم تتوسع في تحليل هذا المبدأ مع الرد على الفرق التي تتبنى غير هذا الموقف.
يقول الشماخي " :واعلم أن أول ما يجب على العبد معرفة معبوده " (. )18
كما يتبع المحشي الجيطالي في حاشيته على كتاب القواعد فيضع الفصل الول من فصول باب مال
يسع جهله بعنوان " في معرفة ال عز وجل" ويضيف " لو زاد والقرار به لكان أظهر ،إذ المعرفة
بالقلب ل تغني عن القرار باللسان" (. )19
كما يوضح المحشي قول الجناوني" :فأما علم مال يسع جهله طرفة عين فهو معرفة التوحيد
والشرك ل يسع جهلهما لن من جهله الشرك لم يعلم التوحيد ،فوجبت معرفتها مع أول البلوغ".
فيقول ":خصال التوحيد التي لبد من معرفتها كثيرة كما هو معلوم لكن الذي يجب عليه أن يعلمه
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
معنى ذلك الكتفاء بمعرفة ال من بقية أبواب التوحيد ( )21كما بين أن قصد الجناوني من قوله ":
يعرف ال بثلثة :واجب وجائز ومستحيل ،فالواجب :اللوهية والربيوبية والوحدانية ،والجائز :
الخلق والفناء والعادة ،والمستحيل :الشريك والصاحبة والولد" .الشارة إلى الحكام العقلية
بالنظر إلى ال تعالى ،يعني فالثلثة الول مما ل يتصور في العقل عدمها ،ويجب على النسان عند
أول بلوغه أن يعتقدها وذلك بان يعلم أن ال إله واحد رب ،والثلثة الوسطى مما يجوز في حق ال،
ويجب على النسان أن يعتقد ذلك عند أول بلوغه أي بالنظر إلى حكم العقل ،مع قطع النظر عن
إخبار ال بذلك وأما بالنظر إليه فإنه لبد من اعتقاد وجودها كما هو معلوم فصارت واجبة الوجود
أيضا إل أنها لغيرها ل لذاتها بخلف الثلثة الولى والثلثة الخيرة مما ل يتصور في العقل وجودها
ويجب على النسان عند أول بلوغه أن يعتقد ذلك" (. )22
فواضح من كلم المحشي أن الحجة في معرفة الجائز العقل دون الخبار ،بينما معرفة الواجب
والمستحيل مما ل يتصور في العقل يحتاج إلى إخبار ،فكيف يمكن التوفيق بين هذا الموقف وما ذكر
من قبل من أن معرفة ال على الطلق ل تنال إل بالكتساب؟ ( )23والمحشي نفسه قد أورد هذا
النص بعينه (. )24
=================
(( )1البقرة 7( .)37-30العراف 20( .)25-19طه )122 -15ومن ذلك قوله تعالى ):فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ،
إنه هو التواب الرحيم( ( 2البقرة .)37
( )2ر .عادل العوا :علم الديان وبنية الفكر السلمي :مترجم عن المستشرق جيب – منشورات عويدات بيروت باريس ،
أكتوبر .1977
( )3ر .عادل العوا :علم الديان وبنية الفكر السلمي :مترجم عن المستشرق جيب – منشورات عويدات بيروت باريس ،
أكتوبر .1977
( )4ابن خلدون :المقدمة 836 :
( )5أبو حامد الغزالي :الحياء .مطبعة الشعب د.ت 1/183
( )6أبو يعقوب الوارجلني :الدليل 1/44
( )7القاضي عبد الجبار :شرح الصول الخمسة .تحقيق عبد الكريم عثمان .القاهرة .39 :1384/1965
( )8ذكرنا هذا على سبيل المثال ل على سبيل الحصر إذ نشك في أن الشيعة والخوارج سلكوا مثل هذا المسلك إذ القرآن نفسه
يدعو إلى النظر في الخلق للقرار بوجود الخالق قال تعالى (:ألم تر كيف خلق ال سبع سموات طبقا وجعل القمر فيهن نورا
وجعل الشمس سراجا وال أنبتكم من الرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) ( 71نوح .)15
( )9بالقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية .أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس
سنة 1402/1982مرقونة 163-128
( )10ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل ط 1/44 :1و .3/5
( )11أن مثل هذا التدليل ،وإن خل من النصوص الشرعية فإنه يقوم على رصيد قرآني ،وأبو يعقوب الوارجلني يذكر ذلك
بوضوح :الدليل والبرهان ط .1/44ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .271 -1/269
( )12ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل ط .1/44 :1
( )13نفس المصدر والصفحة
( )14ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 1/271
( )15نفس المصدر 280 :
( )16ويفسر المحشي هذه العبارة بما يلي ":معناه أنه ل يحل ول يجمل" .حاشية على كتاب قواعد السلم ص ،14وحاشية
على كتاب الوضع ص 102
إن النظر في تعريف هذه المصادر للعقل وتمييزها بين العقل الغريزي والعقل المكتسب يمكن من
التوفيق بين النصين.
فهذا المحشي يختصر ما جاء في كتاب السؤالت عن تعريف العقل كما يلي ":ثم ذكر أن جمهور
أصحابنا ( )25على أنه قوة وبصيرة في القلب منزلة منه منزلة البصر من العين" (. )26
ثم يميز بين العقل الغريزي والعقل المكتسب " فالعقل الغريزي هو القدر الصلي الذي يتعلق به
التكليف ،والعقل الكسبي هو قدر زائد على ما يتعلق به التكليف " (. )27
وقد جاء كلم عمرو التلتي في نفس النسق إل أنه تميز بذكر آراء كثير من علماء غير الباضية
للتوضيح مع الشارة إلى كثيرة الختلف في هذا التعريف (. )28
فإذا توفر في النسان هذا العقل الغريزي وأدرك سن البلوغ وجب عليه أن يعرف ال تعالى وإلى هذا
المعنى يشير المحشي ( )29بقوله ":فمن واجبات العقل ،معناها ن ضرورياته أي أن العقل يحكم
ضرورة بأن هذه الصنعة لبد لها من صنائع وهذا المحدث لبد له من محدث ل يمكن في العقل
خلف ذلك" (. )30
وألح على نفس المعنى عند توضيح المدركات العقلية حيث بين أن منها الواجب كمعرفة أن للفعل
بعد ثبوته فاعل (. )31
ونفس هذا المعنى جاء في الحواشي على شرح كتاب الجهلت حيث ذكر سليمان ابن أبي ستة أن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
صاحب الصل ( )32سأل عن حكمة المفعول في قوله ":ما دليلك على انك مخلوق" وأورد حكمة
الفاعل يعني لك صانعا وفي هذا إشارة إلى بداهة المقدمة القائلة كل حادث لبد له من محدث وذلك
لن الحادث قد اتصف بالوجود بعد العدم فهو قابل لهما ،فيكون ممكنا ،وكل ممكن يحتاج في ترجيح
وجوده على عدمه إلى مؤثر" (. )33
كما أن المصعبي عند شرحه لعبارة صاحب كتاب الديانات المذكورة آنفا في أن حجة ال على الناس
الرسل ذكر أن " هذا ل ينافي أن العقل أيضا حجة ودليل على وجود الصانع وعلى وحدانيته كأن
يقال في ترتيب الدليل العقلي على وجود الصانع إن وجود الشياء ليس من ذاتها بل من غيرها،
وإل لزم المحال وهو اجتماع أمرين متنافيين وهما الستواء والرجحان بل مرجح( .بيانه) أن وجود
كل فرد من أفراد العالم مساو لعدمه وزمان وجوده مساو لغيره من المكنة وصفته التي خصصت به
مساوية لعيرها من الصفات فهذه أنواع كل واحد منها فيه أمران متساويان فلو وجد أحدهما بنفسه
بل محدث لترجح على مقابله مع أنه مساو له إذ قبول كل جرم لهما على حد سواء وقد لزم أن وجد
شيء ن العالم بنفسه بل موجد اجتماع الستواء والرجحان المتنافيين وذلك محال فثبت أن غيرها
هو الحق جل وعل هو الذي خص كل فرد من أفراد العالم بما اختص به ،فلوله ما جد شيء من
العالم للمحال المذكور فسبحان من أفصح بوجوب وجوده افتقار الكائنات كلها إليه" (. )34
وعلى هذا الساس يمكن أن نفهم أن هذه المصادر توجب معرفة ال على كل من توفر فيه هذا القدر
من العقل الغريزي وإن كان في جزيرة من الجزر الخالدات ( )35بل يذهب المحشي إلى أكثر من هذا
فل يشترط في ذلك دوام صحة العقل " فإن صحت غزيرة العقل في تلك الحال ،وليس مستحضرا
لمعرفة ال عز وجل ،ول لما يسع جهله فهو مشرك وإن تجنن بعد ذلك سريعا" (. )36
إل أن هذه المصادر وإن نبهت إلى هذا المعنى في معرفة ال تعالى فإنها تلح على أن المعرفة التي
ينبني عليها التكليف ل تتم إل بالكتساب والتعليم ،والعقل وحده ل يكون حجة لول بعثه الرسل خلفا
لهل الفكر (. )37
ويستمر الفكر الباضي على هذا النسق إلى هذا العصر كما جاء ذلك عند محمد اطفيش في شرح
عقيدة التوحيد .ط 2بعمان 1983 /1403 .ص 37وعند عبدال السالمي ( )38في كتاب مشارق
أنوار العقول ط 2بعمان ،تعليق وتصحيح أحمد الخليلي ص .148
واضح من خلل هذا التحليل للنصوص المتأخرة مدى استفادتها من تراث السلف لكنها خرجت من
وطأة الردود على الدهريين وأمثالهم لتبين حدود العقل في هذه القضية وفي هذا تفاوت بين العلماء
بين الضطرار الفطري والكتساب وظلت في كل هذا بعيدة عن حيرة الفلسفة وقلقهم .ويقرر علماء
الباضية مثل علماء جل الفرق السلمية -عدا أصحاب العدل والشيعة المامية )39( -إن إثبات
وجود ال عقل ومعرفته ل يترتب عنهما تكليف.
وبهذا نفهم أن الفرق السلمية أجمعت على أن ال موجود -وهذا بديهي -فهل سيجمعون على
موقف واحد عند الحديث عن ذاته وأسمائه وصفاته؟
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
=======================
ول في كل تحريكة
-------------وتسكينة أبدا شاهد
بقوله(أي الجناوني) " :وهذه الحجة من واجبات ( الواجب ما ل يتصور في العقل عدمه) العقل التي ل خلف بين أهل العقول
فيها .ر .أبو زكرياء الجناوني :كتاب الوضع18 -17 :
( )30المحشي :حاشية على كتاب الوضع19:
( )31ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع25:
( )32أي تبغورين بن عيسى الملشوطي
( )33سليمان ابن أبي ستة :حواش على شرح كتاب الجهالت9:
( )34يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات25:
( )35الجزائر الخالدات :مجموعة من الجزر تقع في الساحل الغربي الفريقي .ر.دائرة المعارف السلمية ط 2:2/535
( )36المحشي :حاشية على كتاب قواعد السلم 14:
( )37ر .يوسف المصعبي حاشية على كتاب الديانات 25 :ويقصد بأهل الفكر :المعتزلة .وقد وضع عبدال السالمي ذلك حيث بين
أل تنافر بين العقل والسماع فقال ":واعلم أن كل ما كان حجته من طريق العقل تقوم حجته بالسماع ول عكس ،أي ليس كل ما
تقوم حجته بالسماع تقوم بالعقل ،وذلك أن طريق السماع طريق قوي ل يكاد يخفى على أحد يفهم معنى اللفظ وطريق العقل خفي
ل يكاد يدركه إل ذكي" .عبدال السالمي :الشارق.148 :
( )38عبدال السالمي ( )1914 -1869 /1332 -1286ولد بمدينة الرستاق ببلد عمان وبها حفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم
السلمية من أصول وفقه ولغة وظهر نبوغه من السابعة عشرة من عمره وذلك لما آتاه ال من جودة الحفظ مع ذكاء نادر .ثم
انتقل إلى بلدة المضيبي .ثم استقر ببلدة القابل وتفرغ للتدريس والتأليف والفتوى .وقد حدثنا ابنه محمد أثناء رحلتنا إلى عمان
عما اتسعت به حركتيه من انضباط في الحل والترحال مع سعة الفق والرغبة في المقارنة بين أقوال الباضية وأقوال غيرهم،
وزائر المكتبة التي خلفها يتبين تنوع المصادر السلمية على تنظيمها تنظيما عصريا ييسر الستفادة منها .كما صور لنا متانة
العلقة بينه وبين إباضية المغرب وخاصة من خلل مراسلته المستمرة مع امحمد اطفيش.
إن مثل هذا النشاط العلمي مألوف بالنسبة إلى رجل ضرير إل أن غير المألوف يتمثل في الحركية العملية التي إنتهت بإحياء
افمامة في عمان على يد المام سالم بن راشد.
وقد تخرج على يديه عدد كبير من التلميذ نذكر منهم المامين محمد ابن عبدال الخليلي والمام سالم بن راشد.
كما ترك ثمانية وعشرين مؤلفا نذكر منها قصيدته" أنوار العقول في الصول " وقد شرحها في كتاب سماه" مشارق أنوار
العقول".
وتوفي سنة 1914 /1332وقبره ببلدة تنوف بسفح الجبل الخضر .
ر .عبدال السالمي :المشارق(ص :ث.ذ) وترجمة المؤلف وضعها خالد بن مهنا البطاشي.
ر .عبدال السالمي ":كتاب جوهر النظام" مصور عن ط 1بتحقيق إبراهيم اطفيش.
وترجمه المؤلف من وضع المحقق.
( )39ر .محمد علي ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي .منشورات المكتبة العصرية بيروت د.ت :ما جاء في شأن مناقشة
حجج الشاعرة في الرد على المعتزلة والمامة باستقلل العقل بوجود معرفة ال .64 -61 :
ذات ال تعالى:
تعريف كلمة الذات لغة واصطلحا :كيف يمكن الحديث عن ذات ال تعالى أو الحاطة بها ونحن نعلم
( أن ما خطر ببالك فال بخلف ذلك) وأن العجز عن إدراكه إدراك كما يقول صالح بن عمر( :رجز)
ومع هذا فإن المصادر الباضية تعرضت إلى ذكر ذات ال تعالى بما تستحق.
وقبل أن نقف عند ما ذكرته هذه المصادر رأينا من الصالح أن نقف عند تفسير كلمة الذات اعتمادا
على ما بينه ناصر بن سالم الرواحي في كتاب نثار الجوهر ( )41لن مصادر الحقبة التي تعنينا لم
تقف عند هذا الشرح على حد علمنا:
" علم أن كل شيء حصل به أمر من المور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرا قيل إنه ذلك
المر وإن كان مؤنثا قيل إنها ذات ذلك.
فهذه اللفظة وضعت لفادة هذه النسبة والدللة على ثبوت هذه الضافة.
إذا عرفت هذا فنقول إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية وتلك الصفة لصفة ثالثة وهكذا
إلى غير نهاية ،بل لبد وان ينتهي إلى حقيقة بنفسها مستقلة بماهيتها وحينئذ يصدق على تلك
الحقيقة أنها ذات تلك الصفات.
فقولنا إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية فلهذا السبب جعل لفظ الذات اسما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
للحقيقة القائمة بنفسها ،وجعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة.
ولما كان الحق تعالى قيوما في ذاته كان إطلق اسم الذات عليه حقا وصدقا.
وبعبارة أخرى الذات هو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه ،منقول عن مؤنث ذي بمعنى الصاحب لن
المعنى القائم بنفسه بالنسبة إلى ما يقوم به يستحق الصاحية والمالكية ،ولمكان النقل لم يعتبروا أن
التاء للتأنيث عوضا عن اللم المحذوفة فأجروها مجرى السماء المستقلة فقالوا ذات قديم وذات
محدث.
وقد يطلق الذات ويراد به الحقيقة وقد يطلق ويراد به ما قام بذاته وقد يطلق ويراد به المستقبل
بالمفهومية ،ويقابله الصفة بمعنى أنها غير مستقل بالمفهومية ،وقد يستعمل استعمال النفس
والشيء فيجوز تأنيثه وتذكيره.
ولفظ الذات وإن لم يرد به التوقف لكنه بمعنى ما ورد به التوقيف وهو الشيء والنفس إذ معنى
النفس في حقه تعالى الموجود الذي يوصف بصفات الكمال ،فل حاجة إلى اعتبار المشاكلة في قوله
ن مِن دُونِ الّ قَالَخذُونِي َوُأمّيَ ِإلَـ َهيْ ِ ت لِلنّاسِ ا ّت ِ تعالى ( وَِإذْ قَالَ الّ يَا عِيسَى ابْنَ مَ ْريَمَ أَأَنتَ قُل َ
علَ ُم مَا
عِل ْم َتهُ تَ ْعلَ ُم مَا فِي َنفْسِي َولَ أَ ْ
س لِي ِبحَقّ إِن كُنتُ ُق ْل ُتهُ َف َقدْ َ ن لِي أَنْ َأقُو َل مَا َليْ َ
ك مَا يَكُو ُ
س ْبحَانَ َ
ُ
فِي َن ْفسِكَ ِإنّكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْل ُغيُوبِ )( 5المائدة )116بعد ورود الشرع فيجوز إطلق اسم الشيء ()42
والموجود ( )43والذات ل تعالى.
والمختار في ذات ال عدم انحلله إلى الماهية الكلية والتعيين بل هو متعين بذاته.
والموجود حقيقته هو الذات المتصفة بالقدرة والرادة والعلم والحياة وجميع الصفات المتعلقة
مصححة لحصول الثار من الذات كل بحسبه)44( ..
...قال جار ال ( : )45الذات مقحمة تزيينا للكلم والحق أنه من إضافة العام إلى الخاص...
قال الراغب ( : )48وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرا كان
أو عرضا واستعملوها مفردة ومضافة إلى المضمر وباللف واللم ،وأجروها مجرى النفس فقالوا
ذاته ،ونفسه وخاصته وليس ذلك من كلم العرب فكلم أصحابنا رحمهم ال جرى على العرف في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
استعمالها (الذات) بمعنى النفس ،وإل فالتحقيق ما رأيت وال أعلم" (. )49
لقد نقلنا هذا التعريف على طوله لن صاحبه ألم بما قيل عن الذات إلماما واسعا وسلك في ذلك
مسلكا مقارنا ورأينا أن يفي بحاجتنا.
كتب الصول وكلمة الذات :لقد تعرضت كتب الصول لهذه القضية من خلل الردود على كل من قال
بالتشبيه والتجسيم.
ونحن نعلم أن الجدل في هذا الموضوع ل يمكن أن يقوم إل مع المقرين بوجود ال تعالى ،ومن
هؤلء أهل الكتاب.
قاليهود مثل أسرفوا في تسبيه ال بالنسان -تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا -وذلك لنهم وجدوا
التوراة ملئت بالمتشابهات مثل :الصورة والمشافهة ،والتكلم جهرا ،والنزول من طور سيناء انتقال
والستواء على العرش استقرارا (. )50
والنصارى في إقامتهم عقيدتهم على القانيم الثلثة ما يوحي بالتجسيم أيضا ،وإن كان النصارى
أنفسهم يتعجبون من نسبة هذا المر إليهم إذ يعتبرون هذه القانيم من باب الصفات (. )51
ويقول أبو عمار ":وإن هذه الفرق النصرانية تزعم أن البن كلمة الب الزلي وأن الب إنما يعلم
الشياء بكلمته ،وأن روح القدس هو الحياة التي من أجلها وجب أن يكون الب حيا)52( "...
كما أن هؤلء يعتبرون أن ال جوهر على أساس تعريف الجوهر أنه قائم بنفسه (. )53
======================
( )40صالح بن عمر( )1928 /1347نشأ في يسجن بوادي ميزاب تتلمذ على امحمد اطفيش .خلصة مراقي العوام مع مجموعة
متون د.ت 29 :وقد جاءت البيات نثرا من قبل عند المحشي :حاشية على كتاب قواعد السلم11:
( )41أبو مسلم ناصر بن سالم الرواحي( )1920 -1857 /1339 -1273كانت نشأته الولى ببلدة محرم حيث اخذ عن أحمد
سعيد بن خلفان الخليلي .انتقل إلى جزيرة زنجبار جنوب شرقي إفريقيا( قسم من تنزانيا حاليا) حيث كان أبوه يتولى القضاء
لسكانها ،وبعد عودة دامت خمس سنوات إلى عمان استقر بزنجبار وخلف أباه في القضاء وعكف على التدريس والتأليف .جمع
بين العلوم الشرعية والبراعة الدبية .توفي بزنجبار سنة .1339/1920
أهم مؤلفاته " كتاب نثار الجوهر في علم الشرع الزهر " صور عن نسخة بخط المؤلف في 3أجزاء بعمان 1979 /1399وهو
شرح لكتاب " جوهر النظام" لعبد ال السالمي ،ولقد حلل في المسائل تحليل موسعا يدل على سعة الطلع والقدرة على
الترتيب( ويهمنا القسم الول من .73 -21وله مؤلفات أخرى .
ر .مقدمة نثار الجوهر ج 1والتعريف قام به سالم بن حمود السيابي وأحمد ابن سعود السيابي .1/33 :
( )42حقيقة الشيء عندنا هو الخبر عنه ،وعند الشعرية هو الموجود والمعدوم عندهم ليس بشيء ،وعندنا بشيء معدوم
والعدم عندنا ليس بشيء" البرادي :رسالة الحقائق ص .35وفي هذا المعنى يقول أبو زيد ابن أبي ستة:ط فالشيء حينئذ أعم
من الموجود على ما ذهب إليه أصحابنا وهو الذي تقتضيه اللغة" .حاشية شرح كتاب الجهالت ص .2وقد أورد الشعري في
المقالت آراء الفرق السلمية في معنى قولهم إن ال شيء .المقالت 281 /1و .202 /2ويقول بلقاسم بن حسن ":ويبدو أن
اغلب مفكري السلم يجيزون إطلق لفظ الشيء على اسمك ال ولكنهم يجمعون على نفي الجسمية عنه نفيا قاطعا في أي شكل
من الشكال".
آراء الماتريدي الكلمية.195 :
( )43حقيقة الموجود :الحاضر الن :البرادي رسالة الحقائق35 :
( )44ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر27 :
( )45جار ال :الزمخشري
( )46المصباح المنير تأليف أحمد بن محمد المقري( )1368 /770ط 5الميرية .القاهرة 1922
( :)47ابن برهان أحمد بن برهان( )1124 /518فقيه بغدادي غلب عليه علم الصول .ر .الزركلي :العلم 279 /1
( )48الراغب الصفهاني( )502/1108الحسين بن محمد المعروف بالراغب أديب من الحكماء والعلماء سكن بغداد .ر .الزركلي:
العلم 2/279
( )49ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر28 :
( )50ر .الشهرستاني :الملل والنحل .ط القاهرة ثم كلم ال موسى ،وقال له أنا . 1968 2/18وجاء في العهد القديم الصلح
السادس[ . :الرب ،وأنا ظهرت لبراهيم وإسحاق بأني الله القادر على كل شيء
ط .دار الكتاب المقدس د.ت
( )51ر .محمد ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي 10 :والنصاري مجمعون على أن ال تعالى واحد بالذات ويريدون
بالقانيم الصفات مع الذات ،ويعبرون عن القانيم بالب والبن وروح القدس ويريدون بالبن الذات مع الوجود وبالبن الذات مع
العلم ويطلقون عليه اسم الكلمة ويريدون بروح القدس الذات مع الحياة (.حوار مع جان فوتان .معهد الباء البيض تونس)-
جويلية .1982
( )52أبو عمار عبد الكافي :الموجز 346 /1
( )53ر .عبد المجيد الشرقي :الفكر السلمي في الرد على النصارى .أطروحة دكتوراه دولة نوقشت بكلية الداب بتونس سنة
.1982تعريف الجوهرك 205تعريف التجسيد ،365 :تعريف القانيم 208
)1المجسمة " :زعموا أن معبودهم جسم كالجسام لحم ودم يختلف معهم (الناس) في السواق ول
يعرفهم ،وتضمه معهم المساجد والمجالس ول يثبتونه ويقول أنا ربكم العلى ول ينكرونه بشرط أن
يكون وسيما قسيما جميل جليل ل قبيحا ول ذميما تعالى ال عما يقولون علوا كبيرا" (. )54
)2القول بالتجسيم دون إثبات معاني الجسام ويزعمون أنه جسم ل كالجسام.
)3الغالطون في تأويل متشابه القرآن ،وهم يستنكفون عن عبارة التجسيم (. )55
أ) لو كان جسما لكان مركبا من المادة والصورة الخارجتين لستحالة الجزء الذي ل يتجزأ وقد ثبت
أنه ليس بمركب ل من أجزاء عقلية ول خارجية مقدارية أو غير مقدارية.
ب) لو كان جسما لكان مقتسما في الطول ،والعرض ،والعمق ولو كان كذلك لحتاج إلى مكان يقوم
فيه ،والحاجة تستلزم إمكانه فيخرج من كونه واجبا وتلزم المخالفة لمبدأ اليهودية.
أ)لو كان جسما لكان محل للحوادث من الحركة والسكون والجتماع والفتراق ،وما إلى ذلك ،وكل
ما هو محل للحوادث ( )56ل يصح أن يكون إليها.
ثم إن الباضية يقرون أن ال ليس بجسم ،ول بجوهر ،ول عرض ( ، )57ول بذي طول ول
عرض ،ول بذي صورة ول شكل ،ول هيئة ول مثال ( )58وإنما هو شيء ( )59هو أعظم الشياء
وأفضلها ( )60وليس يشبهه شيء ،ويردون في ذلك على الجهمية والمشبهة الذين يعتبرون
الشيء والجسم بمعنى واحد ثم يختلفون ،فيذهب الجهمية إلى نفي الشيئية عن ال ( )61فيعطلون
وبهذه المشبهة إلى إقرار الشيئية فيجسمون.
وخطؤهم ناجم عن خلط لغوي ذلك أن اللغة تميز بين الشيء والجسم وتعتبر الشيء أهم من الجسم
لن كل جسم شيء وليس كل شيء جسما.
قال تعالى ( :لقد جئتم شيئا إدا)( 19مريم )89يعني قولهم وفعلهم وهو ليس بجسم (. )62
والملحظ أن هذه المصادر ل تطيل الحديث عن تعريف ذات ال وتكتفي غالبا بالتنزيه وعلى هذا
النسق جاءت إشارات كتب ق 12 -11 -10بل توقفت عن الردود على المشبهة وعلى أهل الكتاب
وتعلقت خاصة باليات المتشابهات التي توحي بالتجسيم مبينة موقف الباضية منها.
فهذا عرو التلتي يذكر" أن ذاته العلية ل يعلمها إل هو " ( )63كما يبين أنه " واجب الوجود
لذاته" ( " )64وأن ذاته ل تقبل النقسام بوجه ( )65وأنها غير مشبهة بالذوات ول معطلة من
الصفات" (. )66
كما أن السدويكشي ينحو نفس المنهج فيقول ":ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن ذاته سبحانه
وتعالى مخالفة لسائر الذوات فهو تعالى منزه عن المثل أي المشارك في تمام الماهية" )67( .
ودليلهم على هذا التنزيه كما يذكر التلتي سورة الخلص وقوله تعالى (ليس كمثله شيء )(42
الشورى . )68( )11
ولعله يحسن أل نستوفي الحديث عن هذه السورة وهذا الجزء من الية الن لن ما جاء فيهما من
الحديث عن الذات قليل بالنسبة إلى ما جاء عن الصفات.
فهذا التلتي يكتفي بذكر ما أوردناه مع إضافة قوله ":ل يماثله شيء من الشياء ل في ذاته( "....
. )69
كما أن المحشي يكتفي بقوله ":ليس كمثله شيء فهو عموم فمن ادعى فيه الخصوص فعليه
بالدليل" (. )70
أما المصعبي فخلل تحليل طويل أشار إلى أن " مثل" تفيد الذات وبالتالي فالجملة ( ليس كمثله
أحد) نفت الشباه عن ذات ال تعالى ،كما ذكر أن هذه الجملة " تنتظم التوحيد ل غير" (. )71
وحاصر القول إن ذاته تعالى هي حقيقته الخاصة التي ل يمكن أن يعلمها أحد من مخلوقاته ()72
وإنه ليس بجوهر ول بعرض وإنما هو أعظم الشياء وأفضلها وإنه جل شأنه منزه في ذاته عن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أسماء ال تعالى
إن كانت المعلومات قليلة في ما يتعلق بذات ال تعالى فهي متوفرة نسبيا في هذا المبحث وهي تدور
حول المحاور التالية:
)1السم لغة واصطلحا.
)2علقة السم بالمسمى.
)3اسم الجللة.
)4أسماء ال الحسنى.
أ-المدلول اللغوي:
قال المحشي ":والخلف فيه" (اشتقاق لفظ السم) مشهور هل هو مشتق من السمو وهو العلو
والرتفاع وهو مذهب البصريين أو من السمة وهو العلمة وهو مذهب الكوفيين.
وذكر في السؤالت أن القول الول هو الصحيح وهو قولنا وأن الثاني قول غيرنا (. )2
قال شيخنا ( )3رحمه ال قوله ":وهذا هو الصحيح" فيه إشارة إلى أن الخلف معنوي ،فإن من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
قال إنه مشتق من السمو وهو العلو يقول لم يزل ال تعالى مسمى وموصوفا قبل وجود الخلق وبعد
وجودهم وبعد فنائهم ،ول تأثير لهم في أسمائه وصفاته وهذا قولنا ومعتقدنا وقد وافقنا على ذلك
الشعرية.
ومن قال مشتق من السمة وهي العلمة يقول كان ال تعالى في الزل بل اسم ول صفة خلق الخلق
جعلوا له أسماء وصفات فلما أفناهم بقي بل اسم ول صفة وهو قول النكار ( )4والمعتزلة وهذا خطأ
فاحش " ()5
واضح من خلل التعريف اللغوي تداخله مع التعريف الصطلحي إذ كل يعزز موقفه من المنطلق
اللغوي فماذا عن المصطلح؟
والسم في حق ال تعالى " يدل على المسمى الذي اقتضى الصفة بنفسه" كما يقول الشماخي ()6
أو بعبارة أخرى السم هو ما دل على الذات من غير اعتبار معنى يوصف به الذات ،وهذا معنى قول
علماء الباضية إن أسماء ال تعالى هي عين ذاته أي ليس هنالك أمر ثان غير الذات العلية (. )7
ويقول عمرو التلتي في هذا الصدد ":أسماء ال تعالى ،أي المعاني الدال عليها نحو :لفظ ال،
ولفظ العالم ،والقادر ،والمريد ،التي هي الذات العلية والواجبة الوجود بذاتها ،والذات العالمة
والذات القادرة والذات المريدة" (. )8
" حقيقة السم :ما عرف به عين أو معنى ( )9وحقيقة المسمى :المستوجب للسم" (. )10
أما تبغورين فقد بين أن أسماء الشياء كلها على أربعة أوجه :أسماء البنية التي بنيت عليها طبيعة
الشياء ،مثل :جسم ومحدث وأشباه ذلك.وأسماء استحقها الشيء بمعنى حل فيه ،وتداول عليه
مثل :حي وميت ومتحرك وساكن .وأسماء استحقها بخواتم عمله وما تصير إليه عاقبته مثل :مؤمن
كافر .وأسماء لقب يلقيها الناس على بعضهم بعضا وينزعونها إن شاءوا ول معنى لها تتعلق إليه
بل هي معارف بينهم .وأسماء ال تعالى أسماء ذاته ،ل يقال استحقها لفعال فعلها تعالى عن ذلك
علوا كبيرا" ()11
هذا في شأن التعريف الصطلحي إل أن المشكلة ل تكمن في التعريف وإنما تبدو في شأن العلقة
بين السم والمسمى.
: )2
والسم :ما وضع ليتميز به المسمى من غيره ،ويتعين أتم تعيين بدليل قوله تعالى ( هو سماكم
المسلمين من قبل) ( 22الحج .)78
" وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس القوال الدالة على المسمى وأن السم هو نفس
المدلول.
ثم يورد موقف ابن فورك ( )13الذي يذهب إلى " أن كل اسم هو نفس المسمى بعينه فقولك ال
قول دال على اسم المسمى وكذلك قولك عالم أو خالق فإنه يدل على الذات الموصوف بكونه عالما
خالقا ثم يذكر أن ما ذهب إليه ابن فورك هو مقتضى إطلق أصحابنا ثم يستشهد بكلم أحمد بن
سعيد ( )14فيقول:
" والخلف لفظي وقيل بل معنوي وذلك أنك إذا سميت شيئا باسمه فالنظر في ثلثة أسماء :ذلك
السم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعد التسمية هو الذات التي أطلق عليها لفظ والذات
واللفظ متغايران قطعا.
والنحاة إنما يطلقون السم على اللفظ لنهم إنما يتكلمون على اللفاظ ( )15وهو غير المسمى قطعا
عند الفريقين والذات هو المسمى عند الفريقين وليس هو اللفظ قطعا.
والخلف في المر الثاني وهو معنى اللفظ قبل التسمية فعلى قواعد المتكلمين يطلقون السم عليه،
ويختلفون في أنه ثالث أم ل فالخلف عندهم في السم المعنوي هل هو المسمى أم ل ،ل في السم
اللفظي" )16( .
وقد أورد السدويكشي ملخصا للقضية يبين الغرض من الحديث عن السم والمسمى فيقول ":اعلم
أن السم غير التسمية لنها تخصيص السم لشيء مغاير له أي السم ،كما تشهد به البديهة.
وأيضا التسمية فعل الواضح وأنه منقض في ما مضى من الزمان وليس السم كذلك.
وقد اشتهر الخلف في أن السم هل هو نفس المسمى أو غيره ول يشك عاقل في أنه ليس النزاع
في لفظ فرس هل نفس الحيوان المخصوص أو غيره هذا مما ل يشتبه على أحد.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بل النزاع في مدلول السم أهو الذات من حيث هي هي ،أم هو الذات باعتبار أمر صادق عليه
عارض له ينبني عليه" ()17
ويورد المحشي عن هذه القضية ما يلي :قال بعضهم ( )18عند الختلف في السم هل هو عين
المسمى أو غيره؟
التحقيق أن الخلف لفظي فإنه إن أريد بالسم اللفظ فهو غير المسمى وإن أريد به المعنى فهو
عينه.
والذي يدل على أن السم عين المسمى قول ال تعالى (:ما تعبدون إل أسماء سميتموها)(12
يوسف )40فإنه من المعلوم أنهم يعبدون ذات الصنم" (. )19
ويتوسع احمد الشماخي في تقليب القضية من وجوه شتى معتمدا على التحاليل المنطقية أحيانا
وعلى وجوه البلغة أحيانا أخرى ،انطلقا من اليات التي وردت فيها كلمة اسم مثل قوله تعالى:
( ول السماء الحسنى فادعوه بها) ( 7العراف )180وقوله ( :يلحدون في أسمائه ( ) )20وقوله
( قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله السماء الحسنى) ( 17السراء )110الخ...
ويصل إلى أن الخلف اعتباري مستشهدا بموقف أبي يعقوب الوارجلني المتمثل في أن الخلف
لفظي ل معنوي)21( .
وخلصة القول :فمهما دار الحديث في شأن العلقة بين السم والمسمى فإنه يرجع إلى توضيح
الموقف الذي حدده أبو نصر ( )22في النونية بقوله( :طويل)
فتبين حينئذ أن القصد من السم ليس اللفظ وإنما مدلوله وبهذا العتبار هو عين الذات.
وبهذا يتضح أن ما ورد في هذه النصوص إنما هو امتداد لعمل السلف في اهتمامهم بالرد على
النكار الذين يلحدون في أسماء ال تعالى ويقولون إنها مخلوقة (. )24
وكل هذه التحليلت مستوحاة من ردود أبي خزر ( )25وتبغورين ( )26والوارجلني ( )27وإن دل
ذلك على شيء فإنما يدل على أن القضية ما تزال قائمة في أوساط نفوسة وجربة حيث يتعايش
التجاهان في نفس المحيط عادة (. )28
ول ينبغي أن نغفل عن التذكير بأن موقف الشاعرة هو نفس موقف الباضية إذ يقول الشعري":
وإن أسماء ال يقال إنها غير ال" أما الماتريدي فيفهم من تحليله للقضية أن من السماء ما هو
غير المسمى ومنها ما هو عين المسمى وهي التي ترجع الى الصفات)29( .
ترجع جذور هذه الفرقة إلى عبدال بن عبد العزيز وأبي معروف شعيب ،وعبدال بن يزيد الفزاري( انظر ما سبق )106عندما
خالفوا المام أبا عبيدة والربيع في عدة قضايا من بينها موضوع القدر فأعلنا عليهم البراءة ،وانضم هؤلء إلى المنشقين عن
إمامة عبد الوهاب الرستمي بقيادة يزيد بن فندين ،وقد رحل شعيب من مصر إلى تاهرت من أجل ذلك ،لكن عند فشل الثورة رجع
إلى طرابلس واستمر في نشر فكرته ،وبهذا ثم التآلف بين الطرفين واتضح أن إمامهم في الصول هو عبدال بن يزيد الفزاري(
انظر ما سبق )109
واستمر الصراع بين الطرفين إلى زمن متأخر (وفي القرن 12 ،11 ، 10كانوا يعمرون الجانب الشرقي من جزيرة جربة ولهم
عزابتهم .ر .كتابنا :نظام العزابة .انظر الخريطة) ولم يبق في ما نعلم منهم الن أحد.
ر .دائرة المعارف السلمية الملحق ،186 -185النامي :الطروحةك 271 ،261علي يحيى معمر :الباضية بين الفرق
السلمية .263 -253 :
( )5المحشي :حاشية على كتاب الوضع37:
( )6أحمد الشماخي :رسالة السماء4 :
( )7انظر ما يلي العلقة بين السم والمسمى 215
( )8عمرو التلتي :شرح على كتاب الديانات.51 -15:
( )9البرادي :رسالة الحقائق ،35 :ويقول عثمان بن خليفة السوفي ":حد السم ما عرف به الشيء من غيره ".كتاب
السؤالت106 :
( )10البرادي :رسالة الحقائق35 :
( )11تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول الدين ،30:والبرادي يقسم السماء إلى دينية وشرعية ولغوية .رسالة الحقائق44:
وعلى هذا التقسيم تنبني الحكام(انظر ما يلي)490 :
( )12أحمد الشماخي :رسالة في السماء1:
( )13ابن فورك( )406/1015محمد بن الحسن .عالم بالصول والكلم من فقهاء الشافعية .ر .الزركلي :العلم 6/313
( )14هو أحمد بن سعيد الشماخي.
( )15ر .أبو يعقوب الوارجلني :كتاب العدل والنصاف49:
( )16السدويكسي :حاشية على كتاب الديانات4:
( )17السدويكسي :حاشية على كتاب الديانات4 -3:
( )18لم نتمكن من تعريف المقصود ببعضهم.
: )3
لقد حرصت المصادر التي بين أيدينا على رواية جل ما ذكر من الوجوه في شأن اسم الجللة عن
الباضية وعند غيرهم أ أعجمي أم عربي أ اسم أم صفة ،أعلم أم غير علم ،أمشتق أم ل؟
وقد ذكر المحشي تعليل طريفا لهذه الحيرة ":اعلم أن العقلء كما تاهوا في ذات ال تعالى وصفاته
لحتجابها بأنوار العظمة وأستار الجبروت كذلك تحيروا في لفظ ال الدال على تلك الذات المقدسة
كأنه مسه شيء من أشعة تلك النوار ،فحارت العقول في دركه كما حارت في درك مسماه )30(".
وهذا الشماخي يتعرض لسم الجللة في مطلع شرحه لعقيدة التوحيد عند شرح قول المصنف":
الحمد ل" فيذكر أن ال " علم على ذات واجب الوجود المستحق لجميع المحامد" (.)31
ثم يمضي في تبيين مختلف القوال في شأن دخول اللم ويقارن بين ال وإله وكيف أن العملية
بالنسبة إليهما استعمالية أو تقديرية وفي الثناء يذكر بالتعريف مرتين :بقوله " ال اسم لمفهوم
الواجب لذاته أو لمفهوم المستحق للعبادة"(.)32
ثم يستشهد بموقف سعد الدين( )34والزمخشري وجماعة من المحققين الذين اختاروا أن ال علم،
ويورد ما ذكره الزمخشري من أدلة الذين اعتبروه مشتقا.
ويورد مرة أخرى تعريف الزمخشري وهو ":اعلم أن ال اسم للذات المستحق للعبودية له ،علم
بالغلبة جامع لمعنى السماء الحسنى ما علم منها وما لم يعلم لنه ل يستحق أن يعبد إل من كان
خالقا رزاقا ول يكون خالقا إل من كان قديما حيا عالما قادرا مريدا إلى سائر الصفات"(. )35
وقد بنت على هذا النسق بقية المصادر إل أن المحشي تميز بما نقله عن عقيدة أبي سهل من تقرير
المام جابر بن زيد " أن اسم ال العظم هو ال لنه يبدأ به في كل شيء" (.)36
وبما نقله عن كتاب الموجز من تعريفات" قلنا معنى ال أنه اسم للمعبود الذي ل يستحق العبادة إل
هو" وقال قوم :إن معناه من العلو في الصفة من قوله تألهت الشمس إذا علت.
وحكى بعض أهل العلم :أنه اسم تبنى عليه الصفات والقول في هذا إنه اسم للمعبود الذي ل يستحق
العبادة إل إياه ول ينبغي هذا السم إل له )37(.
وأرى من الحسن الكتفاء بهذا القدر اجتنابا لما وقعت فيه القوال من تضارب يؤدي إلى الغموض
غالبا.
وحاصل القول إن متتبع هذه المصادر يحس بتغليب مفهوم العلمية على اسم الجللة وإنها تجمع
غيرها أنه اسم ال العظم لنه ل يشاركه فيه أحد قال تعالى ( :هل تعلم له سميا) ( 19مريم )65
أي شبيها في اسم أو فعل (.)38
)4
إن ما جاء في شأن السماء الحسنى من آيات وأحاديث دفع العلماء إلى النظر في أمرها واستقر
الرأي على أنها توقيفية فهذا عمرو التلتي مثل يقول " :واتفقوا أيضا على أن ال السماء الحسنى
لقوله تعالى (:ول السماء الحسنى )( 7العراف )180وعلى أنه هو المسمى نفسه بها" (.)39
كما أن الحواشي على شرح كتاب الجهالت تلح على نفس المعنى وتبين أن أسماء ال توقيفية (
.)40
وتورد هذه المصادر جميع النصوص المعتمدة في ذلك قال تعالى ( أيا ما تدعوا فله السماء
الحسنى) ( 17السراء .)110
وقال أيضا ( :هو ال الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى) ( 59الحشر )24
ولم يكتف أبو عمار بالتفسير بل وضع للسماء تقسيما واضحا وانطلق في ذلك من فهم ما جاء في
القرآن في هذا الشأن.
" وجدنا أن هذه السماء موضوعة في كتاب ال عز وجل مستعملة لمعان ثلثة كلها قد سمى بها
نفسه ووصفها بها.
أما أحدها فللذات والمدحة .والثاني فللفعل التي دون ما قد فعل .والثالث لما فعل فقط "()43
ثم يضرب أمثلة نذكر منا( :إن ربكم لرؤوف رحيم) ( 16النحل ( .)7إنك جامع الناس ليوم ل ريب
فيه) ( 3آل عمران ( .)9وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) ( 6النعام .)95
وقد أثيرت قضية أخرى في هذا الصدد تتمثل في إمكانية إضافة أسماء أخرى بعد التسعة والتسعين
أو عدمها.
أ) أسماء يجوز ذكرها على شرط أن تكون مضافة إلى مفاعيلها :مثل ( فالق الحب والنوى) (6
النعام ( .)95وجاعل الليل سكنا) (النعام ( ،)96فالق الصباح) (النعام )96
.
وعلى هذا القياس يمكن أن يقال يا هادي الضال ويا مصبر البصائر ويا مبين المجهولت ويا كاشف
الضراء ويا دليل المتحيرين...الخ.
ب) أسماء يجوز ذكرها وتخرج على المجاز :كأنه تقول يا سندي وأنت تقصد يا من أعتمد على
رحمته وكرمه وبره وفضله ويا من إليه أكل مطالبي وأفوض إليه أمري.
والحجة في هذا جواز قولك كما جاء في الحديث " هو الصاحب في السفر ،والخليفة في الهل"(
)44كما ل يضيق في حقه تعالى زارع ،من قوله عز وجل ( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) (56
الواقعة )64وذلك بمعنى إحياء الزرع وإنشائه وإنمائه وجعله زرعا باختياره وإرادته وتكوينه.
ج)أسماء يستحيل نسبتها إلى ال تعالى مثل :ماكر ،وساخر ،ومستهزئ ،ورام ،وغاضب ،وناس،
وخادع ،وأمثالها من السماء المشتقة من أفعال نسبها سبحانه إلى نفسه عن طريق المشاكلة وهي
ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا مثل هذا وتقديرا كما في قوله تعالى ( :صبغة ال)
( 2البقرة )138أي تطهير ال حيث عبر عن اليمان بالصبغة لوقوعه في صحبة صبغة النصارى
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أولدهم في ماء المعمودية وهو ماء أصفر يغمسونهم فيه غير مذكور لفظا.
( ومكروا مكر ال وال خير الماكرين) ( 3آل عمران ( )54ويمكرون ويمكر ال وال خير
الماكرين) ( 8النفال ( )30فيسخرون منهم سخر ال منهم) ( 9التوبة ( )79وال يستهزئ بهم
ويمدهم في طغيانهم يعمهون) ( 2البقرة ( )15وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى) ( 8النفال )17
( وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) ( 4النساء ( )93يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما
غضب ال عليهم) ( 60الممتحنة ( )13فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يوهم هذا) ( 7العراف )51
(نسوا ال فنسيهم) ( 9التوبة ( )67إن المنافقين يخادعون ال وهو خادعهم) ( 4( )45النساء
.)142
وتجدر الشارة بعد هذا إلى ضرورة اعتبار الحوال والمقاصد عند ذكر مثل السماء التي لم يرد بها
التوقيف.
وقبل أن نختم يحسن أن نتعرف على موقف أهل السنة والمعتزلة كما أورده البيجوري في شرح
الجوهرة ":واختار جمهور أهل السنة أن أسماءه تعالى توقيفية وكذا صفاته فل تثبت ل اسما ول
صفة إل إذا ورد ذلك توقيف من الشارع ،وذهبت المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متصفا بمعناه ولم
يوهم نقصا وإن لم يرد به توقيف الشارع ،ومال إليه القاضي أبو بكر الباقلني وتوقف فيه إمام
الحرمين ،وفصل الغزالي فجوز إطلق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على الذات ،ومنع إطلق
السم وهو ما دل على نفس الذات.
والحاصل أن علماء السلم اتفقوا على جواز إطلق السماء والصفات على البارئ عز وجل إذ ورد
بها الذن من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع منه واختلفوا حيث ل إذن ول منع والمختار منع
ذلك وهو مذهب الجمهور)46(".
وحاصل القول إن أسماء ال الحسنى هي التي سمى بها نفسه ،وتمجد باتصافه بأفعالها وأمر خلقه
بدعائه بها وقد أضيفت إلى السماء التوقيفية أسماء مقتبسة من القرآن والسنة على أل تستعمل إل
بشروط محددة.
والمتأمل في كتب الصول يتبين تداخل هذا المبحث مع مبحث الصفات لن التمييز بين المبحثين
دقيق ولذلك جاء التفصيل في شأن الصفات أكثر مما جاء في شأن السماء فلنتبين ما جاء في شأن
الصفات وكيف ميز بينها وبين السماء لنصل إلى استنتاج عام نحدد فيه موقف الباضية عامة
وموقف علماء القرون المقررة في البحث بصفة خاصة من هذه المباحث.
===============================
( )30المحشي :حاشية على كتاب الوضع.38:
صفات ال تعالى
:
إن ذكرنا أن السم هو ما دل على الذات من غير اعتبار معنى يوصف به الذات ( )1فالصفة هي ما
دلت على الذات مع اعتبار معنى يوصف به الذات أو كما قال الشماخي " هي مقتضيات المسمى
الذي اقتضى الصفة)2( ".
وقد ذكر عمرو التلتي أن الصفة هي معنى شريف يوصف به ال تعالى كالقدرة والرادة (. )3
" وقال أيضا :والصفة عند المتكلمين معنى قائم بالموصوف والوصف معنى قائم بالواصف.
وقيل الصفة أعم لطلقها على القديم كصفات ال تعالى والحادث كصفات الخلق والنعت ل يقال إل
للحادث إذ ل يقال نعوت ال بل صفات ال" (. )4
والمهم هنا أن إطلق الصفات وارد في القرآن والسنة وقد أخبر ال عن نفسه أنه حي فاعل مثل
قوله تعالى ( :ال ل إله إل هو الحي القيوم) ( 2البقرة )225وقوله ( هو الحي ل إله هو فادعوه
مخلصين له الدين) ( 40غافر .)65وقوله ( :ألم تر كيف فعل ربك بعاد) ( 89الفجر .)6وقوله ( ل
يسأل عما يفعل وهم يسألون) ( 21النبياء .)23
أما في السنة فمثل قوله صلى ال عليه وسلم حين سألته عائشة رضي ال عنها فقالت ":يا رسول
ال ما معنى قول ال عز وجل سميع بصير؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم :السميع الذي ل تخفى
عليه الصوات والبصير الذي ل تخفى عليه اللوان ( وال أعلم)" (. )5
وأورد الربيع بن حبيب حديثا يفهم منه نفي الصفات وهو :قال جابر ابن زيد حدثنا أنس بن مالك أن
رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " :يوشك الشرك أن ينتقل من ربع إلى ربع ومن قبيلة إلى قبيلة
قيل :يا رسول ال وما ذلك الشرك؟ قال :قوم يأتون بعدكم يحدون ال حدا بالصفة" (. )6
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومن خلل ما ذكر نتبين أن الباضية يقرون بوجود الصفات إل أنهم يقسمونها إلى قسمين .صفات
الذات وصفات الفعل فماذا عن هذا التقسيم؟
:
التعريف ":هي أمور اعتبارية أي معان ل حقيقة لها من الخارج ،وإنما وصف بها تعالى نفسه
ليعلمنا أن أضداد تلك الصفات منتفية عنه تعالى" ( )7فصفات الذات صفات أزلية ول تجامع ضدها
في الوجود ولو اختلف المحل فل يقال علم ال كذا وجهل كذا)8( .
ويفسر داود التلتي هذا المعنى كما يلي ":ال حي ليس بميت عالم ليس بجاهل قادر ليس بعاجز
متكلم ليس بأخرس سميع ليس بأصم بصير ليس بأعمى مريد ليس بمستكره" ()9
إن داود التلتي يجمع هذه الصفات في هذا البيت بعد أن فسرها كما ذكرنا قبل حين بنفي أضدادها:
()10
(بسيط)
فهي حينئذ :الحياة والعلم والقدرة والرادة والكلم والبصار والسمع.
)1الحياة " :فمعنى كونه تعالى حيا بذاته إن ذاته تعالى كافية في استلزامها صحة الحياة له ول
حاجة فيه إلى ثبوت صفة قديمة قائمة بع زائدة مقتضية لصحة الحياة له )11( ".
" والحياة صفة ال تعالى يراد بها نفي الموت عنه ،والدليل على حياته تعالى تصرفه في خلقه
باليجاد والعدام والكرام واليلم والفناء والعادة والزيادة والنقص ونحو ذلك مما يستحيل
وجوده من الموات قال تعالى ( :كل يوم هو في شأن) ( 55الرحمان )29
ويقال ال تعالى حي ل كالحياء بمعنى أنه ليس بميت ول يموت ول يجوز عليه الموت.
حي أي ليس بميت ولم يمت قط ول يموت ول يجري عليه أن يموت)12( ".
ويقال ال عز وجل حي على الحقيقة ول يقال حي على المعقول لول على ما يعقل.
والمعنى في صفته حي أي أنه فعال خالق محي مميت مبق مفن ل على ما يتوهم من حياة الخلق
ذوي الرواح يتعالى عن ذلك)13( ".
)2العلم " :ومعنى كونه عالما بذاته كون ذاته تنكشف لها جميع المعلومات انكشافا تاما من غير
قيام صفة قديمة مقتضية لذلك النكشاف" (. )14
" وعلم ال من صفات ذاته كالحياة والقدرة ...وسائر صفات ذاته خلفا لمن قال إنها معان ليست
بصفات وهو العالم بما كان وما يكون تعلق علمه بكل معلوم ( ل يعزب عنه مثقال ذرة في الرض
ول في السماء) ()15
" ومعنى علمه تعالى إحاطته بالشياء وانكشافها له ،وظهورها له ،وإدراكه لها من غير معنى قائم
فيه به ذلك العلم ،وأن علمه ليس ثابتا له بالدليل....
وعلم ال قديم ،وهو يعلم نفسه بعلمه القديم ،والمعلوم ل تعالى هو المعلوم لخلقه وإن اختلفت صفة
العلم وطرقه لن علمه بنفسه قديم وبالمشاهدة وعلم الخلق به حادث وبالدليل الموجود في ما كبر
من خلقه أو صغر.
ويقال ال عالم ويعلم وقد علم وعلم وعلم وأبصر وأدرك واستبان الشياء ويعلم أنه ليس لنفسه
شريك.
ول يقال :ال فقيه ول يفقه ول فهم ول يفهم ول عاقل ول يعقل ول حاذق ول كيس")16( .
ويضيف أبو مهدي موضحا معنى علم ال فيطرح قضية تفاضل الشياء في علم ال فيقول ":العالم
من الصفات الذاتية وتعلق علمه بكل معلوم غائب وحاضر أي كل غيب وشهادة .فإن قال قائل :هل
تتفاضل الشياء في علم ال؟ قيل :إن أردت أن الشياء متفاضلة في علم ال على أنها متفاضلة فهو
جائز وإن أردت التفاضل على علم ال عز وجل فيكون علمه ببعض الشياء أفضل من علمه ببعض
فهذا غير جائز)17( ".
)3القدرة ":معنى كونه قادرا بذاته أن ذاته تعالى كافية في التأثير في جميع المقدورات من غير
احتجاج إلى قديم زائد عليه قائم به يتأتى به التأثير")18( .
والقدرة وصف لـه تعالى يراد بها نفي العجز عنه والدليل على قدرته وجود المخلوقات من غير
سبق مثال.
وقدرته قديمة لم يزل موصوفا بها في الزل والحال وفي مال يزال.
ويعتبر المتكلمون أن جميع الصفات غير القدرة ينتظم في القدرة ( ، )19فمن وصفه تعالى بكونه
قديرا ليس بعاجز فقد وصفه بكل صفة من صفاته ونفى عنه كل صفة من صفات خلقه.
وهو تعالى قادرا على إيجاد ما لم يوجد من الشياء لعدم استحالة وجوده.
والقدرة الولية تتعلق بما ل يجب وجوده ول عدمه تعلقا صلوحيا بمعنى أنها في الزل صالحة
لليجاد والعدام على وفق تعلق الرادة الزلية فيها ل يزال تعلقا تنجيزيا...
ويقال ال تعالى قادر ويقدر وقدير وقدر ول يقال يقدر على نفسه ول يقدر عليها.
ويقال :الشياء على ال خفيفة يسيرة هينة ول يقال بعض الشياء أهون عليه من بعض إل في
الكافر فإنه يقال فيه هو أهون على ال من الكلب)20( .
===================================
) انظر ما سبق 213
( )2أحمد الشماخي :رسالة السماء4 :
الصفة لغة حسب لسان العرب :الحالة التي يكون عليها الشيء من حليته ونعته ،كالسواد والبياض والعلم والجهل ،وهي عند
النحويين :النعت ،واسم الفاعل ،واسم المفعول ،والصفة المشبهة واسم التفضيل أيضا.
لقد حلل كل من أبي عمار الكافي في الموجز 2/180وأبي يعقوب الوارجلني في الدليل ط 11/39و 49و 3/14هذه القضية
تحليل موسعا لم يتجاوزه علماء الباضية في القرون المقررة بل اختصروه ،وتواصل نفس التحليل في ما بعد القرن 18 /12
ونورد على سبيل التوضيح ما جاء عند ناصر بن سالم الرواحي في نثار الجوهر ( 13 :الوصف :ذكر الشيء ونعته .والصفة:
الحالة التي عليها الشيء من حالته ونعته ول تقولوا لما كالزنة التي هي قدر الشيء .والوصف قد يكون حقا وباطل .قال
تعالى ] )16 :النحل )116تنبيها على أن ما يذكرونه كذب .قوله عز وجل[ :تصف ألسنتكم الكذب ( 37الصافات )180تنبيه
على أن أكثر صفاته ليس على سبحانك ربك رب العزة عما يصفون حسب ما يعتقده كثير من الناس ،لم يتصورعنه تشبيه وأنه
تعالى عما يقول الكفار ولهذا ( 16النحل [ .)60ول المثل العلى قال عز وجل :
وما جاء عند عبدال السالمي:
" والصفة هي اللفظ الدال على المعنى العتباري المفيد لثبات الكمال ل تعالى .والصفة في غير هذا الموضع معنى قائم
بالموصوف عليه كالصفات البشرية" .المشارق.172 :
( )3ر .حاشية كتاب الديانات49 :
( )4عمرو التلتي :شرح النونية 32قفا
( )5الحديث :لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي
( )6الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح /3عـ 831ــدد
وقد فسر المحشي قوله عليه السلم " :يحدون ال حدا بالصفة" بقوله :يصفونه بصفة المخلوقين .حاشية الترتيب ( شرح
الجامع الصحيح) .7/215لم يرد عند ونسنك .المعجم المفهرس
( )7عمرو التلتي :نخبة المتين 147-146:
( )8وقد جاء تعريف علماء هذه القرون مذكرا بتعريف سلفهم مثل ما جاء عند أبي عمار ":وإنها ( الصفات) هي ال ،ليست
شيئا غيره" الموجز .2/187
وما جاء عند أبي يعقوب الوارجلني في قوله ":الصفات ليست مغايرة للذات" الدليل ط .1/48، 1
ويستمر نفس الموقف عنده من جاء بعد القرن 12هـ 18/م .فهذا عبد العزيز الثميني يقول" وإنما (الصفات) ليست زائدة على
ذاته تعالى قائمة بها ...بل هي في حقه عين ذاته"( النور )104 :وهذا أحمد الخليلي مفتي عمان يقول في تعريف صفات
الذات ":هي ما اتصف ال به على الحقيقة في الزل وما لم يزل .وهي التي ل تجامع أضدادها في الوجود" (أثناء حديث لي معه
في مسقط أفريل ).1983
( )9داود التلتي :شرح العقيدة27 :
( )10داود التلتي :شرح العقيدة27 :
)1الكلم " :ومعنى كونه تعالى متكلما بذاته أن ذاته تعالى كافية كونه آمرا وناهيا ومستخبرا من
غير حاجة إلى قيام معنى به قديم زائد عليه مناف للسكوت والفة يدل عليه بالعبارة والكتابة
والشارة ويكون آمرا وناهيا ومخبرا ومستخبرا" (. )21
" فالكلم صفة له تعالى يراد بها نفي الخرس عنه والقرآن كلمه عز وعل وفعل من أفعاله لنه
وصفه بصفات خلقه من التصال والنفصال والتبعيض والتشابه ونحوها.
ويقال ال تعالى كلم أنبياءه ورسله وقال لعباده وتكلم (متكلم بمعنى خالق الكلم).
وتجوز على ال كلم ومتكلم ومكلم بحسب قرائن الحوال عند بعض أئمتنا.
ول يقال كلمه عباده ول قالوا لـه ول اخبروه وإنما يقال سألوه ودعوه ونحو ذلك)22( ".
)2السمع :ومعنى كونه تعالى سميعا بذاته " أن ذاته عز وجل كافية في اكشاف جميع المسموعات
لـه من غير احتياج فيه إلى معنى قديم زائد عليه قائم به يتأتى به ذلك النكشاف" ()23
ومعنى سميع إثبات أنه غير أصم وهو سميع بذاته ل بجزء من أجزائه أو بسمع زائد عليه.
وقد سالت السيدة عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن السميع فقال عليه
السلم " :السميع الذي ل تخفى عليه الصوات" ( )24والذي ل تخفى عليه الصوات ليس بأصم.
ويقال ال تعالى سميع وسامع وقد سمع بمعنى عدم خفاء الصوات عليه ،والسميع صفة له قديمة
يراد بها نفي الصمم عنه وخفاء الصوات عليه ،وسمع ال بغير آلة وسمع الحادث بها.
وسمعه تعالى عبارة عن إدراكه الصوات وملقاته لها .ويقال سمع بنفسه وبذاته ول يقال غير
هاتين العبارتين ول يقال ال سماع.
ويجيز أصحابنا ( )25أنه عز وجل سميع لللوان بصير للصوات وهو عندهم سميع لكل شيء
وبصير لكل شيء لن مرجع هاتين الصفتين إلى العلم ومن أدلتهم قوله تعالى ( :بصير بما يعملون)
( 2البقرة )96والعمال ليست من اللوان.
)3البصر " :ومعنى كونه بصيرا بذاته أن ذاته تعالى كافية في انكشاف جميع المبصرات لـه من
غير حاجة فيه إلى معنى زائد عليه قائم به يتأتى به ذلك النكشاف")26( .
" معنى بصير إثبات أنه غير أعمى وهو بصير بذاته ل بجزء من أجزائه أو ببصر زائد على ذاته.
وقد سألت السيدة عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البصير فقال " :الذي
ل تخفى عليه اللوان" (. )27
" والذي ل تخفى عليه اللوان ليس بأعمى ويجوز على ال تعالى مبصر بمعنى بصير.
والبصر صفة قديمة له تعالى يقصد بها نفي العمى وخفاء اللوان عنه.
ويقال إنه تعالى بصير ومبصر وأبصر اللوان وكل شيء بمعنى علمه وبصر غيره بمعنى جعله
مبصرا أو رائيا ويقال أبصر بنفسه وبذاته ول يقال غير هاتين العبارتين ول يقال بصار ول يتبصر"
(. )28
)1الرادة " :ومعنى كونه مريدا بذاته أن ذاته كافية في تخصيص جميع الممكنات ببعض ما يجوز
عليه من غير قائم به يتأتى من ذلك التخصيص" (. )29
" والرادة صفة ال تعالى أزلية يقصد بها نفي الكراه عنه وهي في حق المخلوق ما به يتكون
المراد على ما أراده المريد من غير إكراه له عليها"
وقد تكون إحداهما غير الخرى في اللغة إذ يقال فيها :أردت فلنا بمعنى قصدته ل شئته.
وال تعالى لم يرد نفسه لن الرادة كالقدرة وإنما تقال في الفعال ل في الذوات.
والرادة والمشيئة بمعنى القدرة لن القادر هو الذي إذا شاء أن يكون شيء كان ،وإذا لم يشأ أن
يكون لم يكن وهو عندنا عز وجل مريد لكل شيء وشاء لكل كائن" (. )30
والملحظ إن المتأمل في توضيح عمرو التلتي لمدلولت صفات الذات يلمس أنه اعتمد اعتمادا كليا
أو يكاد على أبي عمار عبد الكافي في شرح كتاب الجهالت ( )31إل إن التلتي تميز بالجمع بين
الشرح المختصر والشرح الموسع وذلك حسب متطلبات المنهج المرسوم في شرحه المختصر
لكتاب الديانات وفي شرحه الموسع للنونية (. )32
فال تعالى حينئذ عالم بذاته وسميع بذاته وبصير بذاته ومريد بذاته وحي بذاته ومتكلم بذاته وقدير
بذاته.
كما يجيز الباضية أن يقال عالم وعلمه ذاته وسميع وسمعه ذاته وهكذا.
ول يجيز الباضية أن يقال عالم بعلم أو مريد بإرادة زائدة على ذاته كما يقول الشاعرة.
ويصح أن يقال في صفات الذات :لم يزل كقولنا لم يزل ال عالما بما كان قبل أن يكون ،ولم يزل
قادرا على إيجاد ما سيوجد قبل أن يوجد .ولم يزل مريد الوجود ما علم ال أنه سيوجد قبل أن يوجد
وهكذا.
وال موصوف بصفات ذاته تعالى في الزل وبعد الزل وفي ما ل يزال إذ لو كانت حادثة لتصف قبل
حدوثها بضدها ووصفه بها محال والمؤدي إلى المحال محال ،فحدوثها محال فوجب قدمها لعدم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
جواز ارتفاع النقيضين فلو كان علمه تعالى حادثا لتصف قبل حدوثه بالجهل تعالى عنه علوا كبيرا
وهكذا باقي الصفات.
وصفات الذات ل تنفي عنه في الزل فل نقول كان ال ولم يعلم وهكذا.
ويقول أبو مهدي في هذا الصدد ":جميع صفاته في ذاته تقول :لم يزل موصوفا بها" (. )33
ومعنى لم يزل في صفة ال عز وجل أي لم يعدم قط ،فأما ل يزال فمعناه أي ل يكون معدوما ول
يقال لغير ال ل يزال إل بالصلة وقد قال عز وجل ( :ل يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) (9
التوبة )110ويقولون ل يزال فلن من هذا المر حتى يموت فيه لنه لم يزل للماضي ول يزال
للمستقبل.
ول يجوز التعجب بصفات الذات لن التعجب استعظام فعل ظاهر المزية خفي السبب ولذا يقال :إذا
ظهر السبب بطل العجب أما إذا ورد من ال تعالى فيكون حسب المحشي مصروفا إلى المخاطبين
نحو (:فما أصبرهم على النار) ( 2البقرة ( )175أسمع بهم وأبصر) ( 19مريم )34( )38
ويوضح سليمان ابن أبي ستة عدم جواز التعجب بصفات الذات أيضا بقوله ":السر في ذلك أن من
شرط المتعجب منه أن يكون قابل للتفاوت وصفات ال سبحانه بخلف ذلك .أما قوله تعالى
اليات_و_الحاديث( أسمع بهم) فإنما جاز باعتبار متعلقه فهو في قوة قوله ":ما أكثر مسموعاته"
فالتعجب في الحقيقة من المسموع ل من السمع")35( .
" فل يقال حينئذ ما أحيى ال ول ما أقدره ول ما أعظم إرادته ول ما أسمعه ول ما أبصره كما ل
يقال في شيء من صفاته اضطراري ول كسبي)36( ".
تلك هي إذن مشاركة علماء القرون المقررة في تعريف صفات الذات وتبيين مدلولتها وقد غلب
عليها نقل ما ورد في حاشية أبي عمار عبد الكافي على كتاب الجهالت مع حرص على توضيح ما
جاء غامضا في هذه الحاشية .وقبل أن نتحول إلى تبيين موقف الباضية من أن الصفات عين الذات
يحسن أن نذكر مع أبي عمار عبد الكافي أن الباضية يعتبرون أن الرضا والولية والسخط والغضب
من صفات الذات لن الذات اللهية ل يتطرق إليها التغير ول التحول ول تتصف بالحوادث ( )37لن
هذا مهم في فهم قضيتي القدر والوعد والوعيد.
فماذا إذن عن مناقشة الباضية لمن يعتبرون أن الصفات الذاتية غير الذات؟
================================
( )21عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات ص 53
( )22عمرو التلتي :شرح النونية 34قفا 35وجه.ملحظة :انظر زيادة تفصيل في القضية عند الحديث عن مسألة القرآن في ما
يلي344 :
( )23عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات ص 53
( )24انظر ما سبق228:
( )25يعني الباضية
كلما اشتغلت المصادر الباضية بقضية الصفات يتصدى أصحابها للدفاع عن نظرتهم ودحض
نظريات الفرق الخرى اعتمادا على آراء الباضية أحيانا وعلى آراء مجتهدين من تلك الفرق
خالفوا فرقهم في هذه النقطة بالذات.
وعمدة المصادر الباضية النصان التاليان:
الول :ما عليه القدماء منهم وهو قياس الغائب على الشاهد وذلك أنهم قالوا :إن العلية والحد
والشرطية ل تختلف في الشاهد والغائب بل هي فيهما سواء ول شك أن علة تسمية العالم إنما هي
قيام صفة العلم به وحد العالم هو من قام به العلم وشرط تسمية الشيء بالمشتق هو أن يكون فيه
أصل ذلك المشتق فشرط تسمية العالم عالما هو قيام العلم به فالعلم شرط لصحة التسمية بالعالم
وعلة للتسمية.
والجواب عن هذا الوجه :هو ما أجاب به العضد في المواقف ( )39والسيد في شرحه ( )40حيث
قال ما حاصله :وهذا ضعيف كيف وهذا القائس قائل ومعترف باختلف مقتضى الصفات في الشاهد
والغائب فإن القدرة في الشاهد ل يتصور فيها اليجاد بخلفها في الغائب والرادة فيه ل تختص
بخلف إرادة الغائب وكذا الحال في باقي الصفات فإذا ما وجد في أحدهما لم يوجد في الخرى فل
يصح القياس أصل.
الوجه الثاني :لو كان مفهوم كونه عالما حيا قادرا نفس ذاته لم يفد ملها على ذاته ،وكان قولنا على
طريقة الخبار ال الواجب أو العالم أو القادر أو الحي إلى سائر الصفات بمثابة حمل الشيء على
نفسه واللزم باطل لن حمل هذه الصفات يفيد فائدة صحيحة بخلف قولنا ذاته وإذا بطل كونها
نفسها ول مجال للجزئية قطعا لستحالتها عنه تعالى تعينت الزيادة على الذات.
والجواب عن هذا الوجه :قال العضد والسيد :وفيه نظر لنه ل يفيد زيادة هذا المفهوم أعني مفهوم
العالم والقادر ونظائرهما على مفهوم الذات ول نزاع في ذلك وأما زيادة ما صدق عليه هذا المفهوم
على حقيقة الذات فعل يفيده هذا الدليل.
(نعم لو تصور مفهوما الوصف والذات معا بحقيقتهما وأمكن حمل الوصف على الذات دون حمل
الذات على نفسها حصل المطلوب وهو زيادة الوصف على الذات ولكن أنى ذلك التصور الواصل إلى
كنه حقيقتهما).
الوجه الثالث :لو كان العلم نفس الذات والقدرة نفس الذات لكان العلم نفس القدرة مع أنه ضروري
البطلن وكذا الحال في سائر الصفات.
الجواب عن هذا الوجه :أنه إنما يدل على تغاير مفهومي العلم والقدرة ومغايرتهما للذات والنزاع
إنما هو في الثاني دون الول فمنشأ هذين الوجهين عدم الفرق بين مفهوم الشيء وحقيقته.
قال العضد والسيد :وهذا الوجه من النمط الول أي الوجه السابق ،عليه واليراد هو اليراد يعني
أنه يدل على تغاير مفهومي العلم والقدرة ومغايرتهما للذات ل على تغاير حقيقتهما ومغايرتهما لها.
قال السيد :فإن قلت كيف يتصور كل صفة الشيء عين حقيقته مع أن كل واحد من الموصوف
والصفة يشهد بمغايرته لصاحبه وهل هذا إل كلم مخيل ل يمكن أن يصدق به كما في سائر القضايا
المخيلة التي يمتنع التصديق بها فل حاجة بنا إلى الستدلل على بطلنه.
قلت :ليس معنى ما ذكروه أن هناك ذاتا وله صفة وهما متحدان حقيقة كما تخيلته بل معناه أن ذاته
تعالى يترتب عليه ما يترتب على ذات وصفه معا.
مثل :ذاتك ليست كافية في اكشاف الشياء عليك ،بل تحتاج في ذلك إلى صفة العلم التي تقوم بك.
بخلف ذاته تعالى فإنه ل يحتاج إلى انكشاف الشياء وظهورها عليه إلى صفة تقوم به بل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فذاته تعالى بهذا العتبار حقيقة العلم وكذا الحال في القدرة فإن ذاته تعالى مؤثرة بذاتها ل بصفة
زائدة عليها كما في ذواتنا فهي بهذا العتبار حقيقة القدرة.
وعلى هذا تكون الذات والصفات متحدة في الحقيقة متغايرة بالعتبار والمفهوم ومرجعه إذا حقق
إلى نفي الصفات مع حصول نتائجها وثمراتها من الذات وحدها (. )41
ومن خلل هذه الردود نتبين أن المصادر الباضية تقرر مثل المعتزلة والشيعة ( )42أن الصفات
عين الذات وهذا ما يذكره التلتي في هذا الشأن " فالصفات كلها صفات سلوب ،أي معاني اعتبارية
أريد بها سلب أمور ل تليق به سبحانه وتعالى ...فهي عندنا ( )43أمور اعتبارية كالنكشاف في
العلم والسمع والبصر والتمكن في القدرة والتخصيص في الرادة والستلزام في الحياة ل صفات
حقيقية موجبة لذلك كما يقولون.
فلسنا قائلين بثبوت الصفات في ذاتها ول بأنها معان هي عين ذاته تعالى كما قد يتوهم من قول
أئمتنا رحمهم ال إن صفات ال عين ذاته بل نقول أمور اعتبارية ل وجود لها في ذاتها ول في ذاته
تعالى واعتبرناها لنفي أضدادها ونقول إن ذاته كافيه في النكشاف والتخصيص والستلزام
المتقدمة.
وإن هذا هو المراد من كون الصفات عين الذات ل أنها معان موجودة في نفسها في ذاتها وأنها غير
ذاته تعالى ،لنه ل يقول بذلك جاهل فضل عن فاضل وهذا كله في صفات الذات )44( .فماذا عن
صفات الفعل؟
صفات الفعل:
التعريف :قال التلتي ":أما صفات الفعال فهي عندنا مدلولت المصادر الواقع منها الشتقاق
كإيجاد الرزق الذي هو مدلول لفظ :رزق المشتق منه رازق ورزق يرزق ،وإيجاد الحياة الذي هو
معناه لفظ إحياء المشتق منه أحيى ويحي وهكذا")45( .
وبعبارة أخرى هي معان حقيقية قائمة بالمخلوق اتصف تعالى بما اشتق منها كالخالق والرازق
والمحيي والمميت فإن الخلق والرزق والحياء والماتة معان حقيقية إنما هو حصول ما يترتب
عليها أي المعاني الحقيقية هو الثر الحاصل من الخلق والرزق والحياء والماتة ونحوها وإل
فالتأثير اعتباري (. )46
" وصفات الفعل تختلف عن صفات الذات من حيث إنها تجامع ضدها في الوجود عند اختلف المحل
كأن يوسع في رزق زيد ويضيق في رزق عمرو ،وأن يرزق العلم عمرو ويخلق الجهل لزيد ،وأن
يخلق كذا دون كذا وأن يعطي فلنا كذا ويمنع فلنا كذا ،ويحب فلنا ويبغض فلنا ويرضى عن فلن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويسخط على فلن ويوالي فلنا ويعادي فلنا ويرحم فلنا ويعذب فلنا وهكذا")47( .
لم تقع الشارة إلى إحصاء صفات الفعال وذلك لنها ل يمكن أن تنحصر تحت عدد مثل صفات
الذات.
أما من حيث أزليتها أو عدمها وإمكانية التعجب بها فهاك خلصة القول في ذلك من قول أبي مهدي:
" وأما صفاته في فعله فل يجوز فيها لم يزل لن في ذلك إثبات الخلق قديما لم يزل ،فل يجوز أن
يقال لم يزل معبودا ول لم يزل مذكورا وما أشبهها لن في ذلك إثبات العابد والذاكر قديمين معه.
وأما لم يزل خالقا ورازقا ومنشئا وما أشبه ذلك فجائز بأحد ثلثة شروط:
-إما أن تصل كلمك فتقول ":لم يزل خالقا لمخلوق سيكون ،ورازقا لمرزوق سيكون وما أشبه
ذلك.
-وإما أن تعني بذلك فائدة اسم الفاعل ومعناه لنه يصلح للحال والستقبال إذ كان منونا وال أعلم.
قال الشيخ يونس ابن أبي زكرياء رحمه ال ( ": )48من قال ل يجوز على ال خالق ول رازق في
الزل فهو كافر منافق .ومن قال ليس بخالق ول رازق في الزل فهو مشرك .وكذا في سائر ما أشبه
ما ذكرنا)49( ".
والملحظ أن القضية خلفية بين علماء الباضية فعلماء المشرق وأهل الجبل يعتبرون صفات
الفعال حادثة قال في المنهج)50( :
" ول يجوز أن يقال :لم يزل بارئا ومصورا ورازقا وخالقا وما كان من صفات الفعال لن ذلك
يوجب قدم الفعل في الزل وال سبحانه وتعالى لم يزل ول شيء معه ثم أحدث الشياء" ()51
وأما علماء المغرب فقد عبر عمرو التلتي عن رأيهم كما يلي ":والذي عليه المغاربة أن صفات ال
كلها قديمة أزلية لنه يقال :ال تعالى خالق في الزل على معنى سيخلق ،ورازق في الزل على
معنى سيرزق وهكذا" (. )52
وهذا ما ذكره يوسف المصعبي حيث قال ":هل ال فاعل في أزليته؟ نعم ...قد سميناه بذلك في
أزليته وبعد إحداثه الشياء ولم يزل ربا خالقا" ()53
وحاصل القول ":إن صفة الذات هي التي اتصف بها تعالى بالفعل في الزل ،وصفة الفعل هي التي
لم يتصف بها بالفعل فيه ،وإنما يتصف بها فيما ل يزال وهو راجع إلى القول بحدوثها كما يدل له
تفسيرها المذكور وكما تقول المشارقة" ()54
فواضح إذن أن الخلف لفظي إل إن المفهوم واحد وهو إن صفات الفعال محدثة.
وإن كان ل يصح التعجب في صفات الذات فإنه يجوز التعجب في صفات الفعل نحو ما أعظم إنعام
ال على عباده وما أحكمه...
هذا عن صفات الفعال لكن الباضية تبينوا أن تقسيم الصفات إلى ذاتية وفعلية غير كاف فاقترحوا
تقسيما آخر فماذا عن هذا التقسيم؟
================================
( )38المحشي :حاشية على كتاب الوضع،41:ر.السالمي :المشارق.180 :
اليعقوبي :نسبة إلى يعقوب البراذعي الذي انتحل مذهب بطريرك السكندرية القائل بأن للمسيح طبيعة واحدة ،وهي الفكرة التي
رفضها مجمع خليقدونية عام 451م .وتسبب عنها تمسك الكنيسة المصرية برأي بطريركها والنفصال عن الكنيسة الرومانية.
ر .متولي يوسف شلبي :أضواء على المسيحية .الدار الكويتية للطباعة والنشر ط:1393/1973 ،2 .ص 123
( )39انظر لتعريف العضد ما سبق 57 :تعليق 90
ر .في ما يتعلق بالنص المستشهد به :اليجي :الموقف ط .حجرية من الحجم الكبير .لم تذكر الطبعة د.ت 346 -2/345والتصرف
جاء في إيراد الجوبة بعد عرض كل وجه مباشرة.
( )40السيد هو علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني( )1413 -816/1340 -740فيلسوف من كبار علماء
العربية .أغلب إقامته في شيراز من أهم مؤلفاته" شرح المواقف لليجي" .ر .الزركلي :العلم 5/159
( )41ر .السدويكشيك حاشية على كتاب الدياناتك ،7-5عبدال السالمي :المشارق ،177 -176:سعيد ابن تعاريت :المسلك
المحمود144-141 :
( )42ر .محمد علي ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي :بين هذا التفاق مع التنبيه إلى بعض الفويرقات158:
( )43يقصد الباضية
( )44عمرو التلتي :نخبة المتين147:
ر .اليجي :المواقف ،2/345:وقد ناقش آراء أبرز الفرق :الشاعرة الشيعة ،المعتزلة .ر .إبراهيم البيجوري :شرح جوهر
التوحيد. 80 -79:ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة188 -182 :
( )45عمرو التلتي :نخبة المتين 148 -147:واستعمل أيضا عبارة أخرى عوضا عن قوله " منها الشتقاق""وهي" اشتقاق
الفعال والصفات منها.
( )46ر .عبدال السالمي :المشارق172:
( )47عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 36وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور . 114:ر .عبدال السالمي :المشارق 173:ر .
أبو يعقوب الوارجلني :كتاب العدل والنصاف ،71 -70:وقد أجرينا حوارا مع احمد الخليلي مفتي عمان في هذا الشأن بمسقط
أفريل 1983والموقف الباضي ما يزال على ما كان عليه السلف.
( )48يونس بن فصيل ابن أبي مسور(ق )5/11أخذ العلم عن أبيه فصيل في الجامع الكبير .نشط في تأسيس نظام العزابة مع
أبي عبدال محمد ابن أبي بكر ( .)400/1049وكان من أعضاء الحلقة التي كونت في جربة.ر .الجعبيري :نظام العزابة196 :
وفيه الحالة على المصادر.
( )49أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان85:
( )50يقصد كتاب منهج الطالبين وبلغ الراغبين لخميس بن سعيد الرستاقي وقد عرفنا بالمؤلف( انظر ما سبق 56:تعليق 36
( )51سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود 137 :مع إضافة ":وهذا ما عليه الشاعرة.
( )52عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 36وجه .ر .عبدال السالمي :المشارق173:
( )53يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين8:
( )54عبدال السالمي :المشارق174 -173:
وينقل عمرو التلتي عن المشارقة روايتهم التالية عن تقسيم الصفات إلى ثلثة أقسام"
" صفات ذاتية فقط ،وصفات فعلية فقط ،وصفات ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار.
فالولى هي كل صفة دلت على نفي ضدها عنه تعالى واتصف بها بالفعل في الزل كالعلم والقدرة
والرادة والسمع والبصر والحياة.
والثانية كل صفة دلت على نفي ضدها عنه تعالى ولم يتصف بها بالفعل في الزل كالخلق والحياء
والماتة والحب والبغض والقبض والبسط والولية والبراءة.
والثالثة كل صفة تحتمل معنيين متغايرين كحكيم بمعنى نفي العبث عنه تعالى صفة ذات وبمعنى
واضع الشياء في مواضعها اللئقة بها صفة فعل وصادق فإنه بمعنى نفي الكذب عنه تعالى صفة
ذات وبمعنى مخبر بالصدق صفة فعل وسميع فإنه بمعنى نفي الصم عنه تعالى صفة ذات ،وبمعنى
قابل الدعاء صفة فعل ولطيف فإنه بمعنى عالم صفة ذات ،وبمعنى رحيم صفة فعل وهكذا" (. )55
واضح أن هذا التقسيم أكثر دقة من التقسيم الول وأكثر وضوحا وشمول.
وإلى جانب هذا ذكرت مصادر المرحلة المقررة وما بعدها التقسيم المعتمد عند غير الباضية.
ومن ذلك يذكر عمرو التلتي تقسيم الشاعرة الصفات إلى أربعة أقسام وحصرهم ما يجب أن يعلم
منها في عشرين صفة.
)2الصفة السلبية :وهي خمس :القدم ،والبقاء ومخالفة الحوادث والقيام بالنفس والوحدانية.
)3صفات المعاني وهي الصفات الذاتية عند الباضية :سبع :العلم والرادة والقدرة والحياة
)4صفات معنوية منسوبة إلى تلك المعاني وهي :سبع :العليم والمريد والقادر والحي والسميع
والبصير والمتكلم )56( .
فالواجب العقلي :هو الضروري في العقل كوجود الصانع وحسن العدل وقبح الظلم.
والواجب الشرعي :هو ما يترتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب وهذا مرجعه إلى الشرع ما لم
يمنع العقل جوازه.
والواجب في حقه تعالى هو ما يترتب على ثبوته له كمال وعلى عدمه نقص ومحال كجميع صفات
الذات من حياة وعلم وما إليها والوجود والوحدانية والقدم والبقاء وعدم المثل في الذات والصفات
والفعال الخ)57( ...
ولقد عرفنا الوجود من قبل ( )58فماذا عن البقية؟
)1الوحدانية
الواحد لغة ":وحده :مصدر محذوف الزوائد وله فعل والكثر اسم مصدر في موضع الحال ،وقيل
ظرف وشذت تثنيته وجره بعلى أو بالضافة.
" الواحد في الحقيقة هو الذي ل جزء له البتة ثم يطلق على كل موجود حتى إنه ما من عدد إل
ويصح أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد.
الول :ما كان واحدا في الجنس أو في النوع كقولنا :النسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمر
واحد في النوع.
الثاني :ما كان واحدا بالتصال إما من حيث الخلقة كقولك :شخص واحد وإما من حيث الصناعة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الثالث :ما كان واحدا لعدم نظيره إما في الخلقة كقولك :الشمس واحدة وإما في دعوى الفضيلة
كقولك :فلن واحد دهره ونسيج وحده.
الرابع :ما كان واحدا لمتناع التجزئ فيه إما لصغره كالهباء وإما لصلبته كاللماس.
الخامس :للمبدأ أما لمبدأ العدد كقولك :واحد ،اثنان وإما لمبدأ الخط كقولك :النقطة الواحدة.
السادس :إذا وصف ال تعالى بالواحد فمعناه هو الذي ل يصح عليه التجزؤ ول التكثر ،ولصعوبة
هذه الوحدة قال ال ( :إذا ذكر ال وحده اشمأزت قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة) ( 39الزمر )45
والواحد بفتح الواو والحاء المهملة ،وهو الفرد ويوصف به غير ال.
والوحدانية شاملة لوحدانية الذات والصفات والفعال وقد لخص المحشي الكلم في هذه القضية كما
يلي عند شرح المتن :وإنه ل يشبه شيئا ول يشبهه شيء في اسم ول صفة ول ذات:
" قوله :في اسم ول ذات يعني ول فعل ول عبادة كما هو معلوم وهذا يقتضي أن الواحد في حق ال
تعالى على خمسة أوجه مع أنه اقتصر في ما تقدم على ثلثة اوجه حيث قال :وهو الواحد في ذاته
والواحد في صفاته والواحد في فعله واقتصر في كتاب السؤالت على أربعة وأسقط الواحد في
أسمائه وجوابهما مفهوم العدد ل يفيد الحصر وأن الواحد في الذات يشمل الواحد في السم لن
السم نفس المسمى")61( .
" ومعنى واحد في الذات أن ذاته ليست بذات جسم فيوصف بالتجزئة والنعدام.
ومعنى واحد في الصفة :أي ليس أحد غيره يوصف بصفته من اللوهية والربوبية والقدرة والعلم
والرادة وفي جميع صفاه عز وجل.
ومعنى واحد في الفعل :ليس أحد يفعل كفعله أي ل خالق الخلق ول مفني الخلق إل هو ول مرسل
الرسل ول منبئ النبياء ول منزل الكتب ول فاعل سماء ول أرضا ول شيئا من أفعاله عز وجل إل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
هو")62( .
والفرق في الواحد في حق ال تعالى وفي حق المخلوق أن الواحد في حق النسان مثل أنه واحد
من عدد من الناس ومتجزئ إلى أجزاء كثيرة والواحد في حق الخالق ما أشير إليه في الوجه
السادس من وجوه تفسير الواحد أي ل يشاركه أحد في وحدانيته ول يتجزأ تعالى عن ذلك علوا
كبيرا")63( .
وقد حرصت المصادر على إيراد الدلة النقلية والعقلية لثبات وجوب الوحدانية ل تعالى.
أما الدلة النقلية فهي أكثر من أن تحصى مثل قوله تعالى ( قل هو ال أحد) ( 112الخلص )1
وقوله ( :لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا) ( 21النبياء .)22
وقوله صلى ال عليه وسلم " :بني السلم على خمسة على أن يوحد ال)64( . "...
وأما الدلة العقلية فملخصها ما ذكره أبو عمار في شرح الجهالت وأحالت الحواشي على هذا
الشرح.
" أدلة التوحيد راجعة إلى طريقتين...طريقة الصفة والخرى طريقة الممانعة.
فطريقة الصفة أنه ل تخلو الذات من أن تكون ذاتا واحدة أو أكثر فإن كانت الذات ذاتا واحدة فهو ما
قلنا ،وإن كانتا ذاتين كانتا غير خاليتين من أن تكونا بصفة واحدة أو بصفتين [ وإن كانتا أيضا
بصفة واحدة وإن كانت الذاتان بصفتين لم تجب اللوهية والربوبية إل بصفة واحدة])65( .
وأما طريقة الممانعة فإنه ل يخلو الثنان أو اكثر منهما من أن يكونا متمانعين فإن كانا متمانعين
بطل الوصف عنهما جميعا باللوهية وإن كان واحد مانعا للخر كان المانع هو المستحق لللوهية
دون الخر.
وأما الدلة المذكورة في كتاب ال عز وجل من ذلك عز وجل ( لفسدتا) ( )66و ( لفسدت السماء
والرض ومن فيهن) ( ، )67و ( لذهب كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض) ( 23المؤمنون
)91فإنها قريبة من طريقة الممانعة .وكذلك وقوله ( )68لم يخل كل واحد منهما من أن يكون قادرا
على الخر وغير قادر وان ينفي الخر أو يخفي أمر دونه أو يخلق أمرا دونه في مثل ذلك ،فهو كله
راجع إلى طريقة الممانعة والممانعة راجعة إلى معنى الصفة وذلك أن الممانعة إذا وقعت بينهما كانا
موصوفين بصفة واحدة أو كانا جميعا غير متمانعين كانت الصفة أيضا واحدة فإن الممانعة من
حيث ما دارت راجعة إلى طريق الصفة" ()69
كما أن يوسف المصعبي ( )70يحيل على كتاب الموجز ( )71وواضح من خلل المقارنة أن ما جاء
محلل في كتاب الموجز قد أوجز في النص الذي أوردنا في كتاب شرح الجهالت.
يقال ال عز وجل واحد على الحقيقة ويقال واحد على حقيقة الوحدانية وعلى حقيقة الواحد كل ذلك
جائز ويقال واحد كالحاد ول يقال واحد ل كالواحد من الحاد.
ويقال ال تعالى موحد وموحد ويجوز في الزل موحد بالكسر وفي غير الزل موحد بالفتح والموحد
بالكسر هو الفاعل للتوحيد وبالفتح أي وحد نفسه ووحده الموحدون من عباده)72( .
==================================
( )55عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 36قفا .ر .عبدال السالمي :المشارق.174 -173:ر .عبد العزيز الثميني :النور115 :
( )56ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 36قفا وورقة 37وجه.عبد العزيز الثميني :النور.116 -115 :
وتشير المصادر غير الباضية أيضا إلى قسمين آخرين هما:
-صفات الفعال :وقد أرجعها الماتريدي إلى صفة التكوين.
-الصفات الخبرية مثل اليد والوجه.
ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية198 -197:
( )57وقد جمع أبو مهدي ما يجب في حق ال تعالى في رده على البهلولي .114 -113:أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد
على البهلولي114 -113:
( )58انظر ما سبق18:
( )59أحمد الشماخي :شرح العقيدة36:
( )60ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر22:
وقد أخذنا النص لشموله جل ما جاء عند الباضية في الموضوع رغم أنه متأخر عن المرحلة المقررة وذلك رغبة في الستيعاب.
( )61المحشي :حاشية على كتاب الوضع.69 -68:ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ":وقيل في معنى الواحد
إنه واحد في الخلق والرسال والنزال"3:و 5
( )62أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت21:
( )63ويقول أبو زكرياء الجناوني في ذلك ..":كل موصوف بأنه واحد فذلك جائز فالواحد على الحقيقة هو ال سبحانه لن
الخالق ل يقبل التجزيء بخلف المخلوق ،أل ترى أن الواحد منا هو في الحقيقة اثنان جسم وروح ،ومن اثنين ذكر وأنثى،
وباثنين طعام وشراب ،وع اثنين حركة وسكون ،وال تعالى بخلف ذلك .كتاب الوضع."34:
( )64صحيح مسلم إيمان 19حسب ونسنك ،المعجم المفهرس للفاظ الحديث 7/157
( )65في ما بين المعقفين غموض ،لعله كما يلي :فإن كانتا بصفة واحدة لم تجب اللوهية إل بصفة واحدة ،وإن كانتا بصفتين
تعددت اللهة وبطلت.
( [ 21لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا ) )66النبياء .)22
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والرض ومن. )67( )23المؤمنون [ )71فيهن
( )68يشير إلى المتن الذي يشرحه :أي قول تبغورين بن عيسى المشلوطي في كتاب الجهالت.
( )69أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت23 -22:
ر .أبو الحسن الشعري :اللمع في الرد على أهل الهواء والبدع ،مكتبة الخانجي القاهرة .1955:8
ر .الماتريدي :كتاب التوحيد .المطبعة الكاثوليكية ،بيروت 21 -20 :1970فالشاعرة والماتريدية يستدلون أيضا على
الوحدانية بنفس الدليل.
( )70ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين5:
( )71ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 268 -1/266
( )72ر .أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت22 -21:
)1القدم:
وهو عبارة عن نفي سبق العدم له مطلقا والدليل النقلي قوله تعالى ( هو الول) ( 57الحديد )3
بمعنى القدم أي الذي كان قبل خلقه.
والدليل العقلي هو انه لو لم يكن تعالى قديما للزم أن يكون حادثا وافتقر حينئذ إلى محدث وذلك
يؤدي إلى التسلسل إن كان محدثه ليس أثرا له أو إلى الدور إن كان أثرا له لما في الول من تعدده
إلى مال نهاية له ولما في الثاني من كون الشيء الواحد سابقا على نفسه مسبوقا بها (. )73
)2البقاء ()74
وهو عبارة عن عدم إلحاق العدم للوجود والدليل النقلي قوله تعالى ( هو الخر) ( 57الحديد )3
الذي ل يفنى وهو تأويل الباقي .وقوله تعالى ( :ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) ( 55الرحمان
( )27وال خير وأبقى) ( 20طه .)73
والدليل العقلي هو انه لو لم يكن متصفا به للزم أن تكون ذاته تعالى قابلة للوجود والعدم فيحتاج في
ترجيح وجوده إلى مخصص فيكون حادثا كيف وقد مر بالبرهان وجوب قدمه ومن هنا تعلم أن كل
ما ثبت قدمه استحال عدمه (. )75
أما عدم المثل في الذات والصفات والفعل فسنتعرض له عند الوقوف عند قوله تعالى ( :ليس كمثله
شيء) ( 42الشورى )76( .)11
هذا أهم ما يتعلق بالواجب في حق ال تعالى فماذا يستحيل في حقه سبحانه وتعالى؟
المستحيل في حق ال تعالى:
" والمستحيل في حقه تعالى هو كل نقص ( )77وضد لصفات كماله النفسية والسلبية والمعاينة
والمعنوية في الحكم الواجب له تعالى.
ومن قام له بالبرهان الصحيح بثبوت اللوهية لواجب الوجود سبحانه وتعالى إذا تصور في نفسه
هل يجوز في هذا الله أن يكون متصفا بشيء من النقائص أو الرذائل أو المفاسد وجب عليه نفي
ذلك عنه في الحال لن من كانت هذه صفته فليس بإله فهذه طريق واضحة في معرفة الصفات
المستحيلة في حق ال تعالى من الفناء والموت والحدوث والعجز والفاقة والضعف والصاحبة
والولد والشريك والثاني والثالث والعمى والجهل والصمم والخرس والبكم والغفلة والسهو والسنة
والنوم والجور والظلم وهكذا في سائرها")78( .
فواضح إذن أن المستحيل في حقه تعالى هو ضد جميع صفات الكمال والجمال ( )79فماذا عما
يجوز في حق ال تعالى؟
يجب أن نميز بين ما يجوز في حق ال تعالى وبين الجواز العقلي أما الجواز العقلي :فهو الذي
يتصور في الذهن وجوده وعدمه فهو نفس المسمى عند المناطقة بالمكان الخاص" )80( .
وأما الجائز في حقه تعالى ":فهو كل مال يترتب عليه ول عدمه نقص في حقه تعالى كالخلق
والفناء والعادة والرزق بفتح الراء")81( .
وإلى هذا الحد نكون قد ألممنا بأهم ما يتعلق بذات ال وصفاته وما يجب في حقه وما يستحيل وما
يجوز لكن يحسن قبل أن نختم هذا المبحث أن نفي وعدنا به من قبل ،وهو تحليل الباضية لسورة
الخلص ولقوله تعالى ( :ليس كمثله شيء) فماذا عن هذا التحليل؟
" ونبه ال تعالى عباده على ذلك بقوله ( :قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفؤا أحد)
ويشرح المحشي هذا النص كما يلي :فيبدأ بالعراب (:قل هو ال أحد) :قال العنبري يحتمل أن
يكون هو مبتدأ وال خبره وأحد خبرا ثانيا أو بدل من ال بناء على حسن إبدال النكرة غير
الموصوفة من المعرفة إذا استفيد منها ما لم يستفد من البدل منه ...ويحتمل أن يكون هو ضمير
الشأن والجملة خبره.
وتعتبر الحدية بحسب الوصف بمعنى أنه أحد في وصفه مثل الوجوب واستحقاق العبادة
ونظائرهما ،أو بحسب الذات أي ل تركيب فيه أصل.
وعلى الوجهين تظهر فائدة حمل الحد عليه تعالى ول يكون مثل زيد أحد.
وظاهر كلم المصنف في قوله تعالى هو ال رد على الدهرية أن لفظ الجللة خبر فليس الضمير
ضمير شأن لن خبره ل يكون إل جملة فيوافق العراب الول.
قوله :رد على الدهرية وهم المعطلة الذين أنكروا ال رأسا وقالوا ليس إل أرحام تدفع وأرض تبلغ
وقالوا ما يهلكهم إل الدهر .زاد أبو سهل ( )83رحمه ال وإشارة إلى تحقيق الوجود والثبات .قوله
رد على الثنوية أي وإشارة الى تحقيق الذات ،والثنوية هم القائلون بالنور والظلمة يعني أن الشياء
تكونت منهما في زعمهم لعنهم ال.
قوله :رد على المجسمة وفيه إشارة السيد الذي يصمد إليه في كل الحاجات لكن ينظر ما الفرق بين
المجسمة والمشبهة حتى فرق في الرد عليهما فإن المجسمة من المشبهة قطعا فالولى إسناد الرد
عليهما إلى محل واحد وهو قوله ( :ولم يكن له كفؤا أحد) فإنه ظاهر كل الظهور بخلف الرد
بالصمد ( )84وال أعلم.
قوله :رد على اليهود والنصارى :قال ال تعالى حكاية عنهم ( :وقالت اليهود عزيز بن ال وقالت
النصارى المسبح بن ال) ( 9التوبة )30والرد عليهم في الحقيقة إنما هو بقوله ( :لم يلد) فقط،
وكذا فيه الرد على المشركين حيث قالوا " :الملئكة بنات ال" تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
قوله ( :ولم يكن له كفؤا ( )85أحد) رد على المشبهة قال أبو سهل :رد على من قال بتحيز الذات
وتحريف السماء والصفات" (. )86
فواضح إذن من خلل هذا التحليل وما جاء في أسباب النزول أن هذه السورة جاءت محيطة بصفات
ال تعالى " .فال تعالى نفى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله أحد ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد
ونفي المعلولية والعلة بلم يلد ولم يولد ونفى الضداد والنداد بقوله ( لم يكن له كفؤا أحد) )87( .
وقد قيل الشرك ثماني :الكثرة والعدد والتقلب والنقائص والعلة والمعلول والضداد والشكال فنفى
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
عن نفسه الكثرة والعدد بقوله( قل هو ال أحد) ونفى عن نفسه التقلب والنقائص بقوله( الصمد)
ونفى العلة والمعلول بقوله (:لم يلد ولم يولد) ونفى الضداد والشكال بقوله ( لم يكن له كفؤا أحد (
. )88
فالسورة حللت بطابع لغوي عقائدي فلسفي دفاعي وحملت كل طاقات الفكر السلمي والحضارة
السلمية آنذاك والهدف من ذلك تعظيم ال تعالى وتنزيهه وإقرار عقيدة التوحيد ولذلك تسمى
السورة أيضا سورة التوحيد.
إن هذا الجزء من الية الحادية عشرة من سورة الشورى من أهم ما استدل به أثناء تحليل قضية
الذات والصفات لذلك أردنا أن نقف عنده كما وقفنا عند سورة الخلص.
فهذا أحمد الشماخي يعتبر أن هذا الجزء من الية عمدة الكلم عن الصفات فيقول ":واعلم أن عمدة
هذا الباب (الحديث عن ذات ال) وغيره من الكلم على الصفات أن تجعل أصلك أن ال تعالى ل
يشبه شيئا .ول يشبهه شيء")89( .
وهذا المحشي يلح على معنى التعميم حيث يقول ":ومع هذا (قوله عز وجل ( :ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير ) قالوا ( )90ليس كمثله في العلم والقدرة .فقلنا لهم :ليس كمثله شيء هو
عموم فمن ادعى فيه الخصوص فعليه الدليل")91( .
وهذا عمرو التلتي يلح على معنى العموم أيضا فيقول ":ليس كمثله شيء" أي ل يشابهه شيء
من الشياء جليلها وحقيرها وضيائها وظلمها وحيها وميتها وإنسها وجانها وملكها وجمادها
وحيوانها وشمسها وقمرها ونجومها وسمائها وأرضها وما فيها وما بينهما وما يكون يوم القيامة
والجنة والنار في ذاته ول شيء من كمالته بوجه ما ول في حال ما" ()92
أما يوسف المصعبي فقد تابع تبغورين بن عيسى في أن الية محكمة كما ناقش قضية زيادة الكاف
أو مثل وأثبت أل شيء منهما زائد ورجح قول الزمخشري في أن الية من قبيل الكناية كما في
قولك" مثلك ل يبخل")93( .
فالية حسب علماء الباضية في هذه القرون المقررة محكمة وهي أهم منطلقات مبحث الذات
والصفات كما أنها تفيد العموم المطلق في نفي الشبيه عن ال تعالى وتحميلها على وجه الكناية
يزيد إلحاحا على هذا التعميم.
وقد ذهب من جاء بعد هؤلء نفس المذهب بل نقل عبد العزيز الثميني نفس ما ورد عند عمرو
التلتي ونذكر منهم محمد اطفيش ( )94وناصر بن سالم الرواحي)95( .
وقبل أن نتحول إلى الوقوف عند رئيس الباضية في المتشابه يحسن أن نحوصل ما جاء إلى الن
مما يتعلق خاصة بالمحكم في حق ال تعالى مع تبيين بعده الحضاري.
معلوم أن الوثنيين تصوروا آلهتهم كما يرغبون وشكلوها أشكال مختلفة لكن السلم تميز بدعوة
الناس إلى التفكر في المخلوقات ل في الخالق وقد جاءت نصوص عديدة من القرآن في هذا النسق
نذكر منها قوله تعالى ( :إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت
هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار) ( 3آل عمران )191 -190
أما الحاديث فقد جاءت صريحة في المر بالتفكر في الخلق والنهي عن التفكر في الخالق ومن ذلك
ما روي عن النبي عليه السلم أنه خرج على قوم وهم يتذاكرون فلما رأوا النبي صلى ال عليه
وسلم سكتوا فقال ":ما كنتم تقولون" قالوا نتذاكر في الشمس وفي مجراها قال ":ذلكم فافعلوا
تفكروا في الخلق ول تتفكروا في الخالق" وزاد فيه الحسن ":إن ال ل تناله الفكرة")96( .
لكن رغم هذا النهي الصريح عن التفكر في الخالق جاءت كتب أصول الدين مفعمة بذلك إل أن
منطلق المتكلمين كان منطلقا دفاعيا للرد على مختلف الفلسفات التي تنفي وجود الخالق أو تتصوره
بوجه يختلف عن التصور السلمي.
ومنطلقات المتكلمين كانت منبثقة من القرآن إل أنهم يحاولون صياغة ما جاء فيه من حجج صياغة
عقلية برهانية ،وقد بينا أن الفكر الباضي يتنزل في هذا المحيط وقد عالج القضية بنفس المسلك
فتأمل أصحابه من وقت مبكر في حقيقة العقل ،وحاولوا شيئا فشيئا تحديد مجموعة من المفاهيم
صيغت في مصطلحات مثل حقيقة الجوهر والعرض والجسم والشيء والواجب والمستحيل والجائز
وما إلى ذلك ،ولم تكن المرحلة المقررة للدرس ،11 ،10و 12إل امتداد للقرون السابقة فلم تطل
فيها البحوث المتعلقة بإثبات وجود ال تعالى لن الوسط الذي يعيش فيه الفكر الباضي لم يعد في
حاجة إلى مثل هذه المباحث وإن لم تخل من الشارة إلى ذلك ،وتتمثل هذه الشارة في دوران
الحجج حول دليل واحد وهو افتقار الصنعة إلى الصانع وقصارى القول في هذا المبحث أن حجة
السماع هي الساس لنها أوسع بكثير من حجة العقل ،ول يمكن أن نلمس لكل هذا بعدا حضاريا
طريفا لن المجتمع السلمي آنذاك لم يتفتح بعد على تيار حضاري آخر يدفعه إلى التأمل في القضية
من جديد كما حدث ذلك في ما بعد عند اللتقاء بالحضارة الغربية في القرن الرابع عشر هجري،
فالقضية حينئذ ثابتة ،ول جدال في القرار بوجود ال تعالى.
أما في ما يتعلق بذات ال تعالى فقد جاء التراث الباضي في هذه المرحلة اجترارا وإعادة لما جاء
في التراث السلمي عامة والباضي خاصة ويتمثل ذلك في الرد على المجسمة والمشبهة
والنصارى واليهود كأن نصف المجتمع من هؤلء الناس مع العلم أم مثل هذه الصناف ل وجود لها
في البيئة الباضية وحتى إن وجد بعض اليهود فإنهم منغلقون على أنفسهم ل يدخلون في الجدل مع
أحد.
والحقيقة أن محاولة تحديد الذات اللهية ضرب من الترف الحضاري نرى أن المسلمين في غنى
عنه لن المتكلم يعتقد مسبقا أن العجز عن إدراكه إدراك ولعل المشكل يكمن في صعوبة تطويع اللغة
لستيعاب عالم الغيب ولذلك حاولت هذه المصادر تعريف كلمة الذات تعريفا اصطلحيا وحيثما دارت
هذه التعريفات ترجع إلى حقيقة واحدة وهي أن ال تعالى كما قال عن نفسه ( :ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير) ( 42الشورى .)11
لكن مهما يكن من أمر فإن هذا المبحث وإن لم يمكن من ضبط دقيق لمفهوم الذات فإنه لم يخل من
تأملت لغوية دقيقة في ما يتعلق باشتقاق كلمة ذات وفي اللحاح على ضرورة تنزيه تعالى مطلقا
مع النتباه إلى أن العقل مهما نما وتكامل يبقى محدودا وإذا أدرك المفكر هذه الحقيقة حرص على
توسيع هذه الحدود.
كما أن مثل هذا المبحث ل يمكن أن نعثر على أثره الحضاري في أوساط عامة الناس لن هذا ليس
من مشاغلهم البتة فال موجود وكفى .لكن العالم الذي فقه مثل هذه المعاني ل تخلو موعظته من
أثر في الناس إن هو علم كيف يلمس بها قلوبهم فيدفعهم إلى الشعور بعظمة الذات اللهية
والحقيقة أننا لم نجد في ما بين أيدينا من تراث في العقيدة محاولة لتطويعه لمثل هذا الغرض ،بل
بقي نصوصا تعليمية يغلب عليها طابع التجريد يتناقلها المتعلمون صاغرا عن كابر.
ولئن كان المبحث المتعلق بالذات العلية يكتسي صبغة تجريدية محضا فإن مبحث أسماء ال تعالى ل
يخلو من مثل هذه النزعة لكنه يبدو أقرب إلى الستيعاب والفهم لن هذه السماء تتردد على ألسنة
الناس مئات المرات في اليوم بداية من اسم الجللة إلى آخر ما استنتج من استعمالت قرآنية بصفة
غير مباشرة.
وفعل فقد حرص علماء الصول على أن يستكهنوا مفهوم اسم الجللة فاختلفوا في ذلك اختلفا
كبيرا مما جعل المحشي يعبر عن تيه العقول في هذا الشأن ومرجع ذلك ضعف هذه العقول أمام
عظمة ال تعالى والملحظ أن التراث الباضي لم يتوسع في تحليل انحصار هذا السم في حرف
الهاء وإن وقعت الشارة إلى ذلك من وقت مبكر على لسان جابر ابن زيد ومدار القول إن هذا السم
اعتبر علما تنسب إليه جميع الصفات.
وأثناء التأمل في هذه السماء أثيرت قضية جدلية قليلة الجدوى أل وهي علقة السم بالمسمى وقد
بينا أن الخلف في شأنها داخلي أي بين الباضية لكن وإن كانت عديمة الجدوى في شأن العقيدة
لن الجدل أفضى إلى أن الخلف اعتباري بين من يقول إن السم هو المسمى وبين من يقول بخلف
ذلك إن السم غير المسمى فإن لها بعدا حضاريا واضحا يتمثل في أن الباحث يدرك أن الخلف
الداخلي يكون أشد أثرا في البيئة نفسها مما لو كان الخلف مع غير الباضية وقد رأينا كيف رمي
القائلون بأن السم غير المسمى وبأنها مخلوقة باللحاد وهذا أدى إلى تصدع واضح آنذاك خاصة
في الجزيرة إذ قد انغلق كل على رايه وهذا كان له أثر واضح في تقلص عدد الباضية في الجزيرة
إذ تخلى القسم الذي اتهم باللحاد شيئا فشيئا عن إباضيته وسهل تحويله إلى مذهب آخر بعد حين
ونشير إلى الجانب الشرقي من جزيرة جربة الذي تخلى سكانه عن إباضيتهم بصفة نهائية.
هذا على مستوى الواقع أما على المستوى النظري فأن هذا المبحث دفع علماء الصول إلى تقصي
صيغة وسم أو سما بكل مشتقاتها في القرآن الكريم مع التأمل في جميع استعمالتها وذلك حرصا
على توجيهها لما يوافق الموقف المتنبي وفعل فقد تفنن الشماخي في ذلك مستعينا بزاده البلغي
واللغوي مما يدل على إلمام علماء هذه المرحلة بالقضايا اللغوية وشغفهم بها.
لكنك بعد أن يأخذك بهرج هذه التحاليل التي تصير ضربا من المعميات أحيانا ترجع من حيث انطلقت
إلى حقيقة عبر عنها أصحاب المختصرات بإيجاز كامل وهي " :ليس منا من يقول إن أسماء ال
مخلوقة")97( .
و‘ذا استقرت هذه الحقيقة تعود المصادر فتبين أن أسماء ال الحسنى توقيفية في الصل وإن كان
بعضها يجيز استعمال أسماء لم يرد بها التوقيف وذلك حسب المقصد كما نلمس حرصا على تفسير
كل هذه السماء حسب أسس العقيدة الباضية ومصادر هذه المرحلة لم تبتكر في ذلك بل أخذت ما
جاء عند السلف.
والحقيقة أن هذا الحرص على التفسير له بعيد الثر في واقع المة وهذا ليس خاصا بالباضية لن
من يدعو ال وهو مدرك لما يقول يتفاعل مع دعائه أكثر مما ل يفقه ما يقول ،كما أن مثل هذا الفهم
يجعل النسان حريصا على أن يتحلى بمعاني هذه السماء في مستواها النساني طبعا مع الملحظ
أن البيئة الباضية لم تعرف صورة الذكار الجماعية بل يغلب عليها طابع الذكر الفردي السري.
ثم إن كتب الصول تتحول من موضوع السماء إلى قضية الصفات وتحرص على أن تميز بين
السم والصفة لغة واصطلحا لكن يبقى التمييز ضبابيا نظريا لن كثيرا من السماء هي صفات في
نفس الوقت ،والمشكلة ل تكمن في التمييز بين السم والصفات وإنما تكمن في تعداد الصفات وفي
ضبط علقتها بالذات.
أما بالنسبة إلى التعداد فقد جاءت محاولت متعددة لحشر الصفات ضمن أقسام مختلفة ،والمتأمل
يلمس أن هذه التقسيمات منهجية استفادت الفرق السلمية فيها بعضها من بعض وبعدها
الحضاري يتمثل في محاولة الستيعاب حتى يميز المسلم بين ما يجب أن يوصف به تعالى وما
يستحيل في حقه وما يجوز.
وأثناء التقسيم والتحليل ثار الجدل بشدة حول علقة الصفات بالذات والمصادر الباضية في هذه
المرحلة واصلت المنافحة عما نافح عنه السلف في أن صفات الذات هي عين الذات وإذا علمنا أن
الباضية في هذا الظرف كانوا يعايشون الشاعرة الذين يعتبرون أن الصفة مغايرة للذات نفهم ما
لمسناه في هذه المصادر من حرص على اللمام بصفات الذات وتحليلها تحليل تفصيليا بقدر المكان
لن الطرف المقابل كثيرا ما يرميهم بالتعطيل كما فعل ذلك مع المعتزلة من قبل والباضية ل يرون
في تحليلهم للقضية تعطيل وإنما يعتبرونه من باب التنزيه وقد رأينا في تحليل هذه القضية
الستعانة ببعض المصادر الشعرية التي ترى رأي الباضية.
والمتأمل في الفكر العتزالي والفكر الباضي في هذا الشأن يدرك بعدهما عن فكرة التعطيل وإنما
ألحا على نفي الزيادة والغيرية حتى ينفيا الواسطة عن ال تعالى وإمكانية تصور وجود آخر مع ال
تعالى في الزل كما أن الطرف الخر الذي يقول بالغيرية أراد بذلك تقريب مفهوم الصفات إلى
التصور العقلي.
والحقيقة أنه يصعب أن نلمس بعدا حضاريا دقيقا لتصور الباضية أن الصفات عين الذات لن هذا
المبحث فكري محض بعيد عن متناول عامة الناس لكن غاية ما هنالك أن مثل هذا التصور يقوم
على تنزيه الباري عن الفتقار إلى الغير ،ومثل هذا المبدأ يجعل النسان يستشعر عظمة ال تعالى
أكثر فيندفع في تحري العمال الصالحة التي تقربه إلى ال تعالى أكثر وليس معنى هذا أن الذي
يقول بالغيرية ل يعرف ربه وإنما من المعلوم أن قوة نسبة التنزيه حتى في العبارة تجعل أثرا أبلغ
في النفس لكن مهما حاولنا أن ننزل هذه القضية في المحيط الجتماعي فإنها تبقى من شأن أخص
خاصة المة ممن فقهوا هذه المفاهيم المجردة حقيقة الفقه.
ثم إلى جانب الوقوف عند صفات الذات تأمل الباضية في ما سموه صفات الفعال وإن بدا شيء من
الخلف بين إباضية المغرب وإباضية المشرق في أزلية هذه الصفات وحدوثها إل أن الطرفين نزعا
نزعة توفيقية دون أن يحتدم النقاش أو يؤدي إلى تنافر ولعل هذا يفسر تفسيرا حضاريا أساسه
الفاصل المكاني إذ رأينا أن الختلف مع القرب المكاني والتعايش المستمر أدى إلى التنافر والتباعد
وسترى أن مثل هذا الموقف التوفيقي سيتخذ أيضا في قضية خلق القرآن ،ومرجع ذلك إلى أن هذين
الطرفين يرجعان إلى مدرسة أبي عبيدة مسلم بينما طرف الباضية النكار يرجع إلى الطرف الذي
خالف أبا عبيدة مسلم ورفض من الحلقة.
والباضية في تحديد صفات الفعال يتفقون والماتريدية وإن اختلفوا في التسمية لن هؤلء
يرجعونها إلى صفات التكوين.
كما يجدر أن نلحظ هنا أن تعايش الفكر الباضي مع الفكر الشعري جعله ل يرفض الستشهاد
بالتقسيم الشعري بل يورده بوضوح مع نسبته إلى أصحابه ومناقشة ما ينبغي أن يناقش منه
ويكتفي هذا الفكر بالشارة إلى التفاق مع المعتزلة ومع الشيعة في هذا المبحث وفي ذلك دللة على
سعة أفق هذا الفكر وسلوكه المسلك المقارن في أغلب الحيان مع الستفادة من هذا التراث
السلمي عامة.
بقي هنا أن نشير إلى اللحاح على تبيين مفهوم الوحدانية مع الجمع بين الدلة النقلية والعقلية
وهذا المبحث هو أساس العقيدة السلمية ول أراني مضطرا إلى تحليل البعد الحضاري لهذا
التصور لنه أساس حياة المسلمين في جميع مستوياتها سياسة واجتماعا وأخلقا واقتصادا
ومعاملت ول سبيل للمسلمين في أن يختلفوا في شأن أثر هذه العقيدة في واقعهم إن هم وحدوا ال
تعالى بحق.
وتتويجنا لهذا المبحث بالوقوف عند معاني سورة الخلص وقوله تعالى ( ليس كمثله شيء) يرمي
إلى إبراز قيمة هذين الساسين في بناء صرح العقيدة السلمية التي تربط الرض بالسماء وعالم
الشهادة بعالم الغيب فينصهر فيها المسلم وهو يعتقد أنه بين يدي عظمة ال فيرجو رحمته ويخشى
عذابه فتستقيم حياته.
تلك هي خلصة هذا المبحث وأبعاده الحضارية فلننظر في المتشابه في القرآن وتأثيره في القضايا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
العقائدية.
=========================
( ) 89أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي18 :
( )90يقصد المشبهة
( )91المحشي :حاشية على كتاب الوضع70 -69:
( )92عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 26قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 93 :ر .عمر التلتي :نخبة المتين 145:حيث
يقول ":اتفق أئمتنا على أنه (تعالى) ل يماثله شيء من الشياء ل في ذاته ول صفاته ،ول في شيء من كمالته بدليل سورة
الخلص وقوله تعالى ":ليس كمثله شيء".
( )93يقول الزمخشري ":قالوا :مثلك ل يبخل ،فنفوا البخل عن مثله ،وهم يريدون نفيه عن ذاته ،قصدوا المبالغة في ذلك
فسلكوا به طريق الكناية ،لنهم إذا نفوه عنه...فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله "ليس كال شيء " وبين قوله
":ليس كمثله شيء" إل ما تعطيه الكناية من فائدتها ،وكأنهما عبارتان متعاقبتان على معنى واحد ،وهي نفي المماثلة عن
ذاته" الكشاف .انتشارات افتاب طهران د.ب 463 -3/462ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ص .145ر .عبد
العزيز الثميني :النور93:
( )94ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 1الجزائر 1326هـ .5/194
( )95ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر 31 -1/29ويمتاز تحليله للية باستيعاب جل ما ورد في شأن قوله عند
الباضية وعند غيرهم [ .ليس كمثله شيء تعالى:
( )96الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/17عدد .827لم نعثر عليه عند ونسنك .المعجم المفهرس.
( )97لم نعثر على نص للنكار يعبر عن رأيهم الذي يوافق رأي المعتزلة.
تمهيد:
إن ما تعرضنا إليه إلى الن من قضايا التوحيد يعتمد جله على ما جاء محكما من القرآن الكريم وال
تعالى يقول ( :هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) ()1
فمعلوم إذن أن هذه القضية كانت مدار جدل عنيف بين الفرق السلمية ( )2لذلك أحببنا أن نبين
موقف الباضية من المتشابه حتى يساعدنا على تحقيق بعض قضايا التوحيد التي تعتمد على مثل
هذه اليات فما هو موقفهم يا ترى؟.
يشير النامي إلى أن المصادر الباضية تعرضت لهذه القضية من وقت مبكر ودليله على هذا ما ورد
في الجامع الصحيح للربيع بن حبيب من روايات تثبت موقف الصحابة من مثل هذه اليات)3( .
وهاك ما جاء في الجامع الصحيح بعنوان تنبيه ":فإن سأل المسترشد عن تفسير اليات
المتشابهات والدللة على معانيها من قول ال عز وجل ( :الرحمن على العرش استوى) ( 20طه
)5وقوله ( وجاء ربك والملك صفا صفا) ( 89الفجر )22وقوله (:بل يداه مبسوطتان) ( 5المائدة
)64وقوله ( :لما خلقت بيدي) ( 38ص )75وما أشبه ذلك من كتاب ال الذي فسرناه في ما مضى
من كتابنا بالرواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم والصحابة والتابعين بإحسان فقال السائل ما
الدليل على صدق تفسيركم وما الشهادة عليه من عندنا معنى في الستواء واليد والعين وما أشبه
ذلك ول يجوز أن يكون إل على ما نعقل.
قل للسائل :إن جميع ما سألت عنه متشابه ل يدرك علمه بظاهره ول بنصه لن النص واحد
والمعاني متباينة فلبد من كشف معانيها وإيضاح سلبها وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
" ما من كلمة إل ولها وجهان فاحملوا الكلم على أحسن وجوهه" ( )4وقيل لن يتفقه الرجل حتى
يرى للقرآن وجوها وقال حسن :تعلموا العربية وحسن العبارة .وقيل ليس من كلمة إل ولها وجه
وفقا وظهر وبطن وإنما معنى ذلك عندنا الكلم المتشابه الذي يتفق لفظه ويختلف معناه" (. )5
وما تزال المصادر الباضية من ذلك الحين إلى يومنا هذا تسلك نفس المسلك فتتعرض لهذه القضية
عند الرد على المشبهة ( )6وتفرد فصول خاصة لتفسير ما يدل ظاهره على التجسيم في القرآن
الكريم.
ومبدأ هذه المصادر اللجوء إلى التأويل اعتمادا على المجاز وعلى العرف اللغوي ،وعدم الوقوف
عند الظاهر كما يفعل أهل الحديث وأهل السنة -حسب ما يرويه الشعري -الذين ":يقرون أن ال-
سبحانه -يجيء يوم القيامة كما قال ( :وجاء ربك والملك صفا صفا) ( 39الفجر )22وأن ال يقرب
من خلقه كيف شاء كما قال ( :ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ( 50ق . )7( )16
فهذا تبغورين مثل يقول ":ولو حمل القرآن على ظاهره لتناقص وتكاذب" ( )8ويقول أيضا عند
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الرد على المشبهة ":فلما صح عندنا وعندهم أن هذا الذي ذكرنا يخرج على غير المعقول في كثير
من لغات العرب نفيا عن ال الشبه والمعقول كما نفاه عن نفسه" ( )9ثم استشهد بحديث " :ما من
كلم إل وله وجهان فاحملوا الكلم على أحسنه" الذي ورد في الجامع الصحيح للربيع كما ذكرنا
ذلك قبل حين )10( .
ففلسفة الباضية في فهم ما دل ظاهره على التجسيم من القرآن والسنة واضحة غاية الوضوح إذ
تعتمد على سياق النص وعلى ما في اللغة من المجازات والستعارات وتختلف اختلفا جوهريا عن
الذين ينفون المجاز (. )11
وهاك تأويلهم لبعض هذه النصوص.
): (
سأورد ثلثة نصوص تبين طريقة الباضية في التأويل ثم أكتفى بعد ذلك بذكر المفاهيم التي قرروها
لبعض المتشابه لقف في ما بعد عند ثلثة قضايا كانت مثار جدل بين الفرق السلمية لختلفها في
منطلق الفهم وهي الستواء والرؤية والكلم.
-أما النص الول فهو تأويل قوله تعالى ( ال نور السماوات والرض) ( 24النور )35وأما ما
احتجوا به من قوله تعالى ( :ال نور السماوات والرض) وقوله ( يد ال فوق أيديهم) ( 48الفتح
)10وقوله ( تجري بأعيننا) ( 54القمر )14و ( في جنب ال) ( 39الزمر )56ونفسه وأشباه هذا
من اليات المتشابهات والروايات عن النبي عليه السلم فأغفلوا فيه النظر وحملوه على غير تأويله
وتركوا قول ال عز وجل ( :ليس كمثله شيء) ( 42الشورى )11وقوله ( :هل تعلم له سميا) ( 19
مريم )65وقوله ( :الواحد القهار) ( 39الزمر )4وقول النبي عليه السلم " :من صف ال بشبه
أو مثل لم يعرفه" (. )12
" واعلم أن معنى النور في اللغة الجارية بين الناس الذي ل ينكره أحد من أهل اللغة الهادي يقول
الناس للعالم :نور البلد ،والهدى :نور ،وقال ال تعالى ( :وجعل الظلمات والنور) ( 6النعام )1
وقال تعالى ( :ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) ( 2البقرة )257يعني من
الكفر الى اليمان.
وفي قوله ( :مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) ( 24النور [ )35فمثل هذا النور إلى المصباح] ()13
ما يدل على صواب ما قلنا إنه اليمان في قلب المؤمن.
ومن كلم النبي عليه السلم " :احذروا فراسة المؤمن فإنه بنور ال ينظر وكاد أن يبصر الحق
بقلبه وإن لم يخبر به ويميز بين الحق والباطل بنور ال الذي أعطي له" )14( .
وقد سمى ال القرآن نورا في غير موضع من كتابه كما سماه هدى ورحمة" (. )15
-وأما النص الثاني فيتعلق بكلمة " عين" والعين أيضا تخرج على العلم والحفظ وعلى المعقول
ومعنى ( تجري بأعيننا) ( 54القمر )14أي بعلمنا .وقال ال تعالى( :ثم لترونها عين اليقين) (102
التكاثر )7يعني يقينا ل شك فيه .ويقولون :عيني على فلن وما فعل فلن يعني يريد بعلمه .و
( ولتصع على عيني) ( 20طه )39أي بعلم مني ومرادي وحفظي وكذلك ( تجري باعيننا) )16( .
-وأما النص الثالث فيتعلق بالمجيء والذهاب :قال ( :وجاء ربك) ( 89الفجر )22أي جاء أمر
ربك .وقال ( فأتي ال بنيانهم من القواعد) ( 16النحل )26يعني أمره وعقوبته .وقال ( :ناكسوا
رؤوسهم عند ربهم) ( 32السجدة )12أي خضوعهم لربهم يوم القيامة ولو حمل القرآن على
ظاهره لتناقض وتكاذب وقال الناس للميت :لقي ربه وصار إلى ربه ولم يريدوا أن ربه في القبر.
وقال إبراهيم عليه السلم ( :إني ذاهب إلى ربي سيهدين) ( 37الصافات )99أي ذهابه إلى حيث
أمر به.ويلزم المشبهة بأن يعرفوا لربهم موضعا إذا صح عندهم أنه يزول وينتقل)17( .
هذه النصوص تبين أن الباضية يعمدون إلى جمع النصوص التي تحتوي نفس الكلمة فيقارنون في
ما بينها كما يقيسون معانيها بالمعاني المستعملة في اللغة ثم يرجحون جانب التأويل الذي يتناسق
وجملة السياق وكل هذا في جرأة واضحة تتحول أحيانا إلى التحدي والتهكم كما هو واضح خاصة
في النص الثالث وفي مطلع النص الول فل سبيل حينئذ إلى اعتماد الظاهر في مثل هذه اليات لنه
يؤدي إلى التناقض والقرآن متناسق متكامل يفسر بعضه بعضا وذلك البرهان من براهين العجاز
فيه (ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا) ( 4النساء )82فلم يبق إذن إل اعتماد
التأويل الذي تقلبه اللغة.
وبعد تحديد المنهج يحسن أن نورد تأويلهم لبعض المتشابه لزيادة التوضيح دون إطالة في التحليل.
====================================
( ) 1وبقية الية ...:فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال
والراسخون في العلم يقولون (آل عمران [ .)7آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب
( )2ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية ،منشورات الجامعة التونسية السلسلة الرابعة تاريخ ،مجلد .26المطبعة
الرسمية بتونس .1982مقال باللغة الفرنسية " :في العتزال فإفريقية في ق 3/9:394تعليق 1وقد عدد المؤلف أهم كتب
التفسير في تعرضها للمتشابه كما أحال على ابن قتيبة ( )889– 828/ 276-213في كتابه تأويل مسالك القرآن ط .أحمد صقر
القاهرة ،75-72 :1954وهو يقول بأن الراسخين في العلم يمكن أن يفهموا المتشابه ،وعلى القاضي عبد الجبار :شرح
الصول الخمسة ط أحمد كريم عثمان القاهرة ،606 -599 :1965وعلى السكافي ( )421/1030في كتابه درة التنزيل في بيان
اليات المتشابهات في كتاب ال العزيز .القاهرة .1980
ويذكر أيضا مناقشة المستشرق"كراق" للترجمات المقترحة لكلمة متشابهات.
( )3ر .النامي :الطروحة ،206 -205:الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح .14-3/13
( )4لم يذكره ونسنك في المعجم المفهرس.
( )5الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 40 -3/39ر .المحشي :حاشية الترتيب .316 -7/312
( )6المشبهة :هم الذين وصفوا ال بصفات الخلق كالوجه واليد والساق ،تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
( )7أبو الحسن الشعري :المقالت .1/348
( )8تبغورين بن عيسى :كتاب أصول الدين.10 :
( )9تبغورين بن عيسى :كتاب أصول الدين.9:
( )10انظر ما سبق272 :
( )11ويمكن أن نذكر في هذا الشأن بموقف ابن حزم الندلسي حيث يقول ":ول يحل لحد أن يصرف كلم ال تعالى وكلم إلى
المجاز عن الحقيقة بدعواه الكاذبة" .المحلى .تحقيق أحمد محمد شاكر ε .رسوله دار الفكر د.ت م 1ج 32 :1ر .أيضا ابن حزم
:المحلى م 1ج 34 /33 : 1حيث يقول ":ول يحل أن يزاد في ذلك ( ما جاء في القرآن مثل اليد )...ما لم يأت به نص من قرآن
()18
النفس ( :كل نفس ذائقة الموت) ( 3آل عمران )158النفس المنفوسة ( :تعلم ما في نفسي ول
أعلم ما في نفسك) ( 5المائدة )117أي تعلم غيبتي ول أعلم غيبتك.
( ويحذركم ال نفسه) ( 3آل عمران )54أي يحذركم إياه بمعنى يحذركم ال .وقيل عقوبته ( .كتب
ربكم على نفسه الرحمة) ( 6النعام )30أي على ذاته ( .إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم) ( 17السراء
)7أي لذاتكم (. )19
الوجه :قال تعالى ( إنما نطعمكم لوجه ال) ( 76النسان )9أي نريد ثواب ال وقول لقصد رضا
ال -والوجه :القصد إلى الشيء والعمل فيه -وقول لوجه ال أي ال.
( فأينما تولوا فثم وجه ال) ( 2البقرة )115يراد به فثم توجيه ال ،أي تلقاء الكعبة والتوجه إلى
ال.
( ويبقى وجه ربك) ( 55الرحمان ( )27كل شيء هالك إل وجهه) ( 28القصص )88بمعنى الذات.
()20
اليد :قال تعالى ( خلقت بيدي) ( 38ص )75أي توليت أنا خلقه .وقال ( :عملت أيدينا) ( 39يس
)71أي خلقنا نحن .وقال ( :يد ال فوق أيديهم) ( 48الفتح )10أي المنة أو القوة .وقال( بل يداه
مبسوطتان) ( المائدة )64أي النعمة والقدرة وقيل نعمة الدين ونعمة الدنيا)21( .
اليمين :قال تعالى ( والسماوات مطويات بيمينه) ( 39الزمر )67دليل على القدرة ومطويات :أي
ذاهبات فانيات .وقوله ( :ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين) ( 69الحاقة )45أي
القوة)22( .
القبضة :القبض والبسط .قال تعالى ( :والرض جميعا قبضته يوم القيامة) ( 39الزمر )67أي
القدرة والسلطان والملك أو القدرة على إفنائها يوم القيامة .وقال ( يقبض ويبسط) ( 2البقرة )245
أي يضيق ويوسع)23( .
الصابع ":أما ما جاء في الحديث من " أن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان" ()24
فهو " الحكم على الشيء والقدرة عليه" ( )25إن صح الحديث .ويذكر خميس الرستاقي " أن "
إصبعين" قد تعني نعمتين من نعمه إحداهما :سوق الخير إليه ،والفسحة في التماس الرزق.
والخرى هي صرف الشرور عنه" (. )26
الساق :قال تعالى ( :يكشف عن ساق) ( 68القلم )42أي المر الشديد قال عمر ":هي أشد ساعة
يوم القيامة .وقال الحسن :أي يكشف عن الستر الذي بين الدنيا والخرة)27( .
القدم :جاء في الحديث " :إذا كان يوم القيامة واستقر أهل الجنان في النعيم وأهل النار في الجحيم
وقالت النار هل من مزيد وضع الجبار فيها قدمه وقالت قطني أي حسبي حسبي " ( )28ينبغي أن
يحمل الجبار فيه على بعض المتجبرين من العباد المعلوم ل تعالى الثابت له القدم)29( .
وجاء الحديث برواية أخرى " :لن تمتلئ جهنم حتى يضع الجبار فيها قدمه" يريد ما قدم لها من
أهل الشقاوة الذين في علمه أنهم صائرون إلى جهنم قال ال عز وجل ( :وبشر الذين آمنوا أن لهم
قدم صدق عند ربهم) ( 10يونس )30( .)2
الصورة :جاء في الحديث " :أن ال خلق آدم على صورته" أي خلقه ال بالغا لم ينقله من نطفة
إلى علقة ومن علقة إلى مضغة ومن طفوله الى غير ذلك.
وقال بعض أهل العلم في ذلك إن ال خلق آدم على صورته أي على صورة آدم التي اختار ال له من
بين الصور.
وبعضهم يقول " :إن رسول ال سمع رجل يقبح بذمه غلما له في صورة وجهه فقال صلى ال
عليه وسلم " :ول تقبحوا الوجوه فإن ال خلق آدم على صورته" يعني على صورة القبح)31( .
الحتجاج :قال تعالى ( :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب) ( 42الشورى )51
أي أن ال تعالى حجب الكلم الذي سمعه موسى عن أهل السماء والرض فلم يسمعه إل موسى
عليه السلم .وقالوا :بمعنى المنع من غير ستر مصور بشخص .وقالوا موسى محجوب عن ال لنه
ل يمكنه أن يراه" (. )32
أما قوله تعالى ( :إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) ( 83المطففين )15فمعناه كونهم محجوبين
عن ثواب ورحمته ل عن رؤيته)33( .
وقد جاء في الجامع الصحيح ما يلي ":أخبرنا أبو قبيصة عن عبد الغفار الواسطي عن عطاء أن
علي ابن أبي طالب مر بقصاب يقول :ل والذي احتجب بسبع سماوات ل أزيدك شيئا قال :فضرب
علي بيده على كتفه فقال :يا لحام إن ال لم يحتجب عن خلقه ولكن حجب خلقه عنه فقال :أكفر عن
يميني؟ فقال :ل لنك إنما حلفت بغير ال" ()34
الدنو :بمعنى القرب :قال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) ( 2البقرة )186وقال أيضا
( إن ربي قريب مجيب) ( 11هود )61وقال أيضا ( :إنه سميع قريب) ( 34سبأ )50فالقرب هنا
بمعنى سرعة الجابة.
أما قوله تعالى ( :ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ( 50ق )16وقوله ( :ونحن أقرب إليه منكم
ولكن ل تبصرون) ( 56الواقعة )85فالمعنى فيه قرب ملزمة القدرة عليه في جميع الوقات وفي
جميع الحالت ل قرب المسافة والدنو)35( .
التجلي ":قال تعالى ( :فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)( 7العراف )143أي تجلى بآية من آياته
فلم يطق الجبل حمل تلك الية وصار دكا كما قال تعالى ( :لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته
خاشعا متصدعا من خشية ال) ( 59الحشر )21وكذلك كان الجبل دكا على ما ذكر من خشوع
الجبل" ()36
القيام ":قال تعالى ( :أفمن هو قائم على نفس بما كسبت) ( 13الرعد )33بمعنى الكفاية والتدبير
والثواب والجزاء والرزق والحصاء بجميع أعمال الملكفين")37( .
عند ":قال تعالى ( :عند مليك مقتدر) ( 54القمر )55أراد عنده في المنزلة والرفعة والزلفى
مستحقين لثواب ال .وقال تعالى ( :ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) (32
السجدة )12أي المنزلة الدنيئة إذ كانوا مستحقين للعقاب آيسين من الثواب" (. )38
في :قال تعالى ( وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله) ( 43الزخرف )84فالمعنى أنه إله
السماوات وإله الرض")39( .
مع :قال تعالى ( :إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) ( 16النحل )128أي معهم بالنصر
والتوفيق والتسديد" ()40
فالمهم حينئذ أن المصادر الباضية حرصت كل الحرص على نفي كل ما من شأنه أن يفهم التجسيم
والتشبيه للخالق تعالى وردت على المشبهة بشدة.
كما أنها لم تنهج منهج الحنفية الذين ذهبوا إلى إثبات اليد والوجه وغيرهما له تعالى حق لكنه
معلوم بأصله مجهول بوصفه.
ولم تنهج منهج المالكية والشافعية في الكتفاء باعتقاد الحقيقة وسنعود إلى قولة مالك في الستواء
بعد حين)41( .
هكذا نتبين أن الباضية سلكوا مسلك التأويل مع ما أوردنا من المتشابه فلنوضح موقفهم مع
موضوع الستواء لنه كان مثار جدل أكثر من غيره.
=========================
( )18ملحظة :نختار توضيح موقف الباضية من هذه المعاني التي اعتبرت من المتشابه دون إطالة لنقف بصفة موسعه عند
قضيتي الستواء ونفي الرؤية.
( )19ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/37عدد ،875التفسير مروي عن ابن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب (أي
على الجامع الصحيح ) . 304 -7/303ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .399 -1/398
( )20ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/36عدد ،873التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب (أي على الجامع
الصحيح ). 300 -7/299ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .400 -1/399
( )21ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/37عدد ،876التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب (أي على الجامع
الصحيح ). 306 -7/304ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .402 /1
( )22ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/36عدد ،866التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب . 7/269ر.
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .403 /1
( )23ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/32عدد ،864التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب . 266 -7/265ر.
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/404
( )24تخرج الحديث :الترمذي :قدر ،7دعوات ،89مسلم قدر .17ابن ماجة مقدمة .13أحمد بن حنبل ،6/182 ،173 .2/168
.315 ،302 ،251حسب ونسنك :المعجم المفهرس .1/64
( )25ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .1/399
( )26خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/405
( )27ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/38عدد ،878التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب . 311 -7/308ر.
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/505
( )28تخريج الحديث :ر .البخاري تفسير سورة ق .1إيمان 12توحيد 8.25ر .مسلم :جنة .38 .37 .35ر .الترمذي :جنة
.20تفسير سورة ق .ر.ونسنك :المعجم المفهرس .5/326
( )29ر .عمرو التلتي :شرح النونية :ورقه 17قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.75 :
( )30ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .1/398
( )31ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/23عدد .844التأويل لبن عباس .ر .المحشي :حاشية الترتيب .234 -7/232أبو
عمار عبد الكافي :الموجز .1/398ر .البخاري :استئذان .1مسلم بر .115جنة ...28عن ونسنك :المعجم المفهرس .2/71
( )32خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج ،406 -1/405وسنزيد الموضوع تحليل عند الحديث عن استحالة الرؤية وعن الكلم.
( )33ر .عمرو التلتي :شرح النونية :ورقه 20قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور . 80 :ر .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح
3/30عدد . 859ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/262
( )34الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/20عدد . 838ر .المحشي :حاشية الترتيب . 227 -7/226ر .خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .1/406
( )35ر .عمرو التلتي :شرح النونية :ورقه 18قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور:ص .76 -75ر .خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .1/408
( )36خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/406انظر ما يلي :موضوع استحالة الرؤية 298
( )37خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/510
( )38خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/510
( )39خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/511
( )40خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/511
( )41ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية ،حيث أورد قول مالك :الستواء معلوم .والكيف مجهول وقول أحمد بن حنبل
"استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر" .وقول الشافعي آمنت بل تشبيه ،وصدقت بل تمثيل ،واتهمت نفسي في الدراك ،
وأمسكت عن الخوض فيه كل المساك . 240:ر .اليجي :المواقف :367 -2/366حلل القضية تحليل مختصرا أثبت فيه ضرورة
المجاز ومن ذلك في شأن الوجه" تنبيه" :الوجه وضع للجارحة ولم يوضع لصفة أخرى ،بل ل يجوز وضعه لما ل يعقله
المخاطب ،فيتعين المجاز والتجوز به عما يعقل ...،وهو أن يتجوز به الذات وجميع الصفات ...المواقف .2/366
( )42القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .600:
الستــــــــواء
ومن المتشابه ما تكرر سبع مرات في القرآن الكريم وهي قضية الستواء.
والمصادر الباضية تعارض بشدة ما ذهب إليه المشبهة من فهم هذه الية حسب الظاهر اللغوي
وهو الستقرار كما أنها ل تتوقف كما فعل مالك ومن نهج نهجه ( )1وهو القائل ":الستواء معلوم
والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة ( )2وعنف السائل وأطرده من حلقته.
لكن هذه المصادر تتأول النص حسب السياق وحسب ما يتماشى وعظمة ال تعالى.
فتورد مختلف معاني حرف الجر" على " الذي يفيد :اللتزاق والفوق ( )3والغراء ( )4وحيال (
)5والستعلء (. )6
وتقارن بين اليات التالية لتصل إلى أن المعنى المناسب وهو استواء الملك والقدرة والتدبير وهي:
( وال غالب على أمره) ( 12يوسف ( )21الرحمن على العرش استوى) ( 20طه ( ،)5وهو
القاهر فوق عباده) ( 6النعام .)18
" وهذه الكلمات الثلث متساوية السبك متفارقة المعنى فإذا تأمل ذلك متأمل وجده كما قلناه وذلك
أن قوله(الرحمن) مثل قوله (ال) ومثل قوله(هو) .وكذلك قوله(استوى) مكان قوله( غالب) ومكان
قوله(القاهر) .وكذلك قوله( العرش) مكان قوله (أمره) ومكان قوله (عباده) فهذه الكلم الثلث
متشابهة في العبارة والشارة فل تجوزن أيدك ال بالذي فسرنا منها صفحا توفق إن شاء ال"( .
)7
والعرش والكرسي والسماوات والرض من مخلوقات ال تعالى " .وقوله (كرسيه) كقولك" بيته
ولو كان متى ذكر كرسيا وعرشا وجب الجلوس عليهما كان متى ذكر بيته فقد وجب أنه ينزله
ويسكنه وليس بين بيته وعرشه وكرسيه وسمائه فرق")8( .
فقوله ( الرحمن على العرش استوى) :ليس هو على كون الملك على سريره بل هو على معنى
العلم والحفظ والقدرة والحاطة والظهور والسلطان.
وتستند هذه المصادر أيضا إلى ما جاء عن ابن عباس في الجامع الصحيح للربيع بن حبيب ":قال
جابر بن زيد سئل ابن عباس عن قوله تعالى ( :الرحمن على العرش استوى) فقال ارتفع ذكره
وثناؤه على خلقه ل على ما قال المنددون إن له أشباها وأندادا تعالى ال عن ذلك" ()9
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
" وعلى ما ذكره الحسن في قوله تعالى ( :ثم استوى الى السماء وهي دخان) ( 41فصلت )11أي
استوى أمره وقدرته إلى السماء وقوله تعالى ( :ثم استوى على العرش) ( 25الفرقان )59يعني
استوى أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه ول يوصف ال بصفات الخلق ول يقع عليه الوصف كما يقع
على الخلق")10( .
كما ترد هذه المصادر على من اعتبر ثم على الستئناف وتعتبر أنه أراد بها ما يلي :وهو مع خلقه
السماوات والرض قد استوى على العرش ولم يرد أن ذلك شيء بعد شيء وتستدل بقوله تعالى
( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا) ( 90البلد
)18فلم يرد أنه فعل ما فعل ثم كان بعد فعله من الذين آمنوا)11( .
كما تنفي المصادر أن يكون الستواء قد جاء بعد العوجاج أو التكاء لما فيه من التشبيه
والستنقاص المر الذي ل يقبله عاقل)12( .
وقد حرص أحمد الشماخي في رده على الغدامسي على جمع نصوص من مصادر مختلفة تفهم
التشبيه رغم أن الغدامسي عمل على نفي ذلك مطلقا.
فأورد ما جاء في رسالة ابن أبي زيد " )13( :وهو على العرش المجيد بذاته" (. )14
كما أورد ما جاء في بعض شراح الرسالة ":والذي يدل على صحة ما ذكرناه أنه فوق عرشه
المجيد دون كل مكان قوله تعالى ( :الرحمن على العرش استوى) ( 20طه )5وهذا يمنع أن يوصف
أنه فوق غيره أو فيه)15( .
كما يرد على الغدامسي حيث تأول قول مالك :الستواء معلوم على أنه الستعلء وبين أن كلمة
معلوم تفيد لغة الستقرار مبينا أن المر الذي أغضب مالكا ليس السؤال عن الستواء وإنما عن
كيفية الستواء أو لنه سأله في جمع من العوام وهذا ليس من المناسب)16( .
كما ذكر أيضا أن أحمد بن حبل ل يتأول إل ثلثة أحاديث ( )17والكل حمله على الظاهر.
ثم يذكر شواهد تاريخية زمن ابن تاشفين ( )18الذي زجر من يقول ال في كل مكان بالضرب
والقتل إلى أن جاء المهدي ( )19فحكم عليهم بحكم النصارى فقتل وسبى وغنم بعد أن حكم فيهم
أول بحكم الموحدين وما ترك بالمغرب من يقول بالتشبيه وسمى أتباعه الموحدين)20( .
فواضح إذن أن الشماخي اعتمد على نصوص تؤازر ما ذهب إليه مع أننا نجد من الشعارة من يعمد
الى المجاز مثل إمام الحرمين ( )21والقفال ( )22ومنهم من يعمد إلى الوقوف مثل الرازي ":أن
نقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة ول نخوض في تأويل الية على التفصيل بل نفوض
علمها إلى ال وهذا المذهب هو الذي نختاره ونقول به ونعتمد عليه")23( .
أما المحشي فقد توسع في هذا الموضوع عند شرحه لما نسب من تأويل إلى ابن عباس ولعبد ال
بن عمر كما ذكرنا ذلك قبل حين)24( .
وقد اعتمد اعتمادا كليا على ما جاء عند إسماعيل الجيطالي في شرح النونية ( )25فأورد حجج
الطرف المقابل ولخصها بقوله عند النطلق في الرد ":اعلموا أن احتجاج المشبهة في الستواء
يدور على هذه الربع كلمات :ثم ،استوى ،على ،العرش ،فهم مطالبون بتأويل هذه الكلمات"( .
)26
ثم بين بأدلة من القرآن وكلم العرب أن " ثم" ل تكون إل للستئناف بل تكون للتراخي والمهلة
وتكون بمعنى الواو ويصل إلى أن " ثم" هنا جاءت بمعنى الدوام)27( .
وكذلك فعل مع كلمة " استوى" إل أنه اختصر ما جاء عند الجيطالي في شرح النونية ثم ختم
بقوله ":فإذا ثبت بهذه الشواهد العقلية والحتجاجات الضرورية أن الستواء على ضروب متفاوتة
فلم لم تعمد المشبهة إلى رفعها منزلة وأعلها درجة وأبعدها تنزيها فتصف ال تعالى به إذ كان عز
وجل بعيدا من صفات الخلق ومعاني النقص .ولو كان استواؤه على المعقول لكان تصويره لما في
الرحام على المفهوم وإتيانه بنيانهم على المعقول تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
فلما كان المر على ما ذكرنا ثبت أن ال عز وجل لم يزل مستوليا على عرشه قبل خلقه وإياه
واختراعه له بأن يوجده في أي وقت شاء ومستوليا عليه في إيجاده بأن كان ممسكا له ومبقيا له
بأن يحدث له البقاء الذي بقي به في كل وقت خلفا لمن قال ":إن " ثم" ها هنا في معنى الستئناف
وتقدير قوله (خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) وهو مع خلقه
السماوات والرض لم يزل مستوليا على العرش وغيره بالقهر والغلبة")28( .
ثم بعد أن بين مختلف وجوه استعمالت " على" ختم بما يلي ":فإذا كان يخرج على ما ذكرنا فلم ل
يكون قولي " على" في ( على العرش استوى) بالقهر والغلبة دون ما ذهبت إليه المشبهة من
اللتزاق والفوقية تعالى ال عما يقولون علوا كبيرا" ()29
ثم ذكر بعد ذلك مختلف الوجوه بالنسبة إلى " العرش" وبين أنه من جملة مخلوقات ال تعالى التي
تعظم عندنا ( )30وفي قدرته عليه دللة على قدرته على غيره فقال" إنما خصه بالذكر إذ كان
مخصوصا عندنا بالشرف والتعظيم وأنه فوق جميع الخلق لن من قدر على أعالي الشياء فهو قادر
على أسفلها ...فمتى ذكر ال تعالى أنه عال على العرش ظاهر عليه فهو دليل على أنه عال على كل
شيء" (. )31
ثم بعد أن ناقش قول مالك المشار إليه قبل حين ( )32بين لجوء المتأخرين من الشاعرة إلى
التأويل مع قولهم بأن طريقة السلف أسلم يعنون لما فيها من التوقف وطريقة الخلف أعلم يعنون لما
فيها من العلم حيث بينوا المراد به")33( .
هذا ما جاء عند المحشي وقد نقل جله عن إسماعيل الجيطالي في شرح النونية أما عمرو التلتي
في شرحه للنونية فقد مر على القضية مرا سريعا ويبدو أنه أدرك أن الجيطالي قد ألم بها من جميع
الوجوه فتحاشى التكرار.
فواضح إذن أن المصادر الباضية تلتقي مع المعتزلة ومع المتأخرين من الشاعرة ( )34في تأويل
الستواء.
كما أنها استفادت استفادة عريضة من صيغ الجمل التي ورد فيها ذكر الستواء فألحت على معنى
حرف الجر " على " ودللته على القدرة وعلى معنى " ثم" الذي يفيد المعية ل الستئناف وعلى
ورود صيغة الستواء للدللة على استعلء في القرآن الكريم وفي كلم العرب .وهذا يتماشى مع
الفكر الباضي عامة الذي يرى أل سبيل الى الستفادة من هذه النصوص إل بتأويلها حسب ما
يتماشى وجلل ال تعالى.
لقد صرح القرآن نفسه أن من آياته ما هو محكم ومنها ما هو متشابه والية تحتمل في نصها أن
يكون المتشابه من علم ال فحسب كما تحتمل أن يكون للراسخين في العلم نصيب في فهم هذا
المتشابه على أساس أن يرجعوا به إلى المحكم وحذرت الزائغين من توجيه الي على مقتضى
زيغهم.
وما أن انتقل الرسول عليه السلم إلى الرفيق العلى ،ودخل الناس في دين ال أفواجا حتى انطلق
المسلمون يسألون أصحاب الرسول عليه السلم بأسئلة دقيقة لم يسأل بمثلها الرسول عليه السلم
فمن الصحابة من آثر الوقوف ومن ذلك ما أثر عن أبي بكر" أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن
أنا فسرت القرآن برأي" ( )35ومنهم من فسر وتأول وعلى رأس هؤلء عبدال بن عباس وقد دعا
له رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله ":اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ( )36ول ننسى
هنا أن إمام الباضية جابر بن زيد أخذ جل علمه عن ابن عباس فهذه المدرسة حينئذ قامت من
يومها الول على منهج يعتمد على التأويل أساسا بل يعتبر أن القرآن ل يمكن أن يفهم فهما صحيحا
إذا لم يتأول أساسا بل يعتبر أن القرآن ل يمكن أن يفهم فهما صحيحا إذا لم يتأول ما تشابه منه
تأويل يتناسق في العقيدة وفي غيرها مع ما جاء محكما وتناسق هذا التأويل في العقيدة -ويهمنا
أكثر في هذا البحث -مع المحكم يتم على أساس تنزيه الخالق تعالى تنزيها مطلقا عن الشبيه في
ذاته وصفاته وأفعاله.
وفعل تسرب الزيغ في المحيط السلمي شيئا فشيئا من النصف الثاني من القرن الول للهجرة
وظهرت الفرق السلمية وتباينت مواقفها وتناقضت آراؤها بين تجسيم وتشبيه اعتمادا على ما في
اليات من ذكر اليد والوجه والعين وما إلى ذلك من الجوارح وبين وقوف وتفويض مع قبول للنص
كما هو وبين تأويل وتوجيه النصوص انطلقا من قيام اللغة على الحقيقة والمجاز.
والباضية من يومهم الول اعتنقوا الموقف الثالث كما ذكرنا وقد حرص الربيع بن حبيب من القرن
الثاني هجري على أن يجمع ما أثر عن الصحابة والتابعين من تأويلت لكل ما جاء من المتشابهات
في حق ال تبارك وتعالى .وكل ما جاء من التراث الباضي في هذا الشأن في ما بعد استمر في نقل
هذا الرصيد للحتجاج به مع تحليله اعتمادا على ما ظهر من علوم البلغة خاصة منها في باب
المجاز.
وإذا علمنا أن الفكر الباضي في المغرب ظل يتعايش مع فكر أشعري هو أقرب إلى التفويض سوى
في بعض الحالت ومع بعض العلماء نستطيع أن نستجلي البعد الحضاري لهذه القضية خاصة في
المرحلة المقررة في البحث.
واضح من خلل عرضنا للقضية موقف الباضية الدفاعي ذلك لنهم يرمون -مثل المعتزلة -بتهمة
البدعة في الدين وهي من أسوا التهم في المحيط السلمي كما نعلم فلذلك يحتجون لموقفهم من
منطلق نقلي وعقلي.
=============================================
( )1أبو الحسن الشعري :المقالت :1/345وأن ال سبحانه [ .الرحمان على العرش استوى على عرشه ،كما قال:
( )2ر .القرطبي :الجامع لحكام القرآن .دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1387/1967ج ،220 -7/219وعن حياة
القرطبي( محمد بن أحمد)(ت )617/1273ر .الزركلي :العلم .6/217
فإذا استويت )3( )23المؤمنون [ .)28أنت ومن معك على الفلك
( )4عليك الطريق العظم.
أو )5( )21البقرة [ .)259كالذي مر على قرية
( [ 12وال غالب على أمره ) )6يوسف .)21
( )7أبو عمار عبد الكافي :الموجز .1/367نقل المحشي كامل النص .ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/296
( )8أبو عمار عبد الكافي :الموجز .1/370
( )9الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/35عدد . 871ر .المحشي :حاشية الترتيب .298 -7/283
( )10الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/36عدد . 872ر .المحشي :حاشية الترتيب .298 -7/283
( )11أبو عمار عبد الكافي :الموجز .1/373
( )12ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/506وقد أورد محاورة طريفة بين مشبه ومؤول أفضت إلى انتصار المؤول،
ومثل هذه المحاورات تعبر عن فكر معين يحاول أن يقرب المفهوم بطريقة حوارية مشوقة.
( )13أبو محمد عبدال ابن أبي زيد القيرواني( )996 -923 -386/22 -310قضى جل حياته بالقيروان .لقب بمالك الصغير
لعتنائه بالفقه الملكي .ومن أشهر مؤلفاته :الرسالة .قدم لها وترجمها إلى الفرنسية ليون برشي Leon Bercherط 8
الجزائر (1983وفي المقدمة نبذة عن حياة المؤلف).
( )14ابن أبي زيد القيرواني :الرسالة. 20:ر .أحمد الشماخي :الرد علة صولة الغدامسي.26:
( )15ر .أحمد الشماخي :الرد علة الغدامسي27:
( )16نفس المصدر السابق ص . 27ر .المحشي حاشية الترتيب .294 -7/293
( )17ر .أحمد الشماخي :الرد على الغدامسي .27:وهي " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" .انظر ما سبق ص
279تعليق "24الحجر السود عين ال عز وجل "".إني لجد نفس الرحمان من جانب اليمن" .ر .أحمد بن حنبل،2/541 :ر.
ونسنك :المعجم المفهرس .6/508
( )18ر .أحمد الشماخي :الرد على الغدامسي .29:يوسف بن تاشفين ( )1106 -500/1019 -410سلطان المغرب القصى
وباني مدينة مراكش وأول من دعي بأمير المسلمين.ر .الزركلي :العلم .295 -9/294
( )19المهدي بن تومرت( )1130 -524/1092 -485واضع اسس الدولة المرمنية الكومية .ر .الزركلي :العلم .105 -7/104
( )20ر .أحمد الشماخي :الرد علة الغدامسي.29:
( )21إمام الحرمين :عبد الملك بن عبدال الجويني( )478/1085 -419أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي .أسست المدرسة
النظامية من أجله ر .الزركلي :العلم .4/306
( )22القفال )1114 -1037 /507 – 429 (:رئيس الشافعية بالعراق في عصره ملقب بفخر السلم .ر .الزركلي :العلم
.6/210ر .الفخر الرازي :التفسير الكبير .22/7انظر ما نقله عن إمام الحرمين وعن القفال.
( )23الفخر الرازي :التفسير الكبير .115 /14
( )24انظر ما سبق286 :
( )25ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية خ بالبارونية ورقة 72وجه ورقة 77قفا.
( )26المحشي :حاشية الترتيب .7/285
( )27ر.المحشي :نفس المصدر ص .287 -285
( )28المحشي :حاشية الترتيب 288 -7/287
( )29المحشي :نفس المصدر.288:
( )30وقد نقل عمروالتلتي ما روي عن ابن عباس في تعريف العرش ":العرش خلق من خلق ال تعالى ،ول يعرف قدره إل
الذي خلقه" شرح النونية ورقة 25قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.91:
( )31المحشي :نفس المصدر.290:
( )32ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.108:
( )33المحشي :حاشية الترتيب .7/295
( )34مثل أبي حامد الغزالي وقد قال ":العلم بأنه تعالى مستو على العرش بالمعنى الذي أراد ال بالستواء ،وهو الذيس ل ينافي
وصف الكبر ياء ،ول يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء ،وهو الذي أريد بالستواء إلى السماء حيث قال في وليس ذلك إل
بطريق القهر والستيلء كما ثم استوى إلى السماء وهي دخان القرآن قال الشاعر (:رجز)
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل ،كما اضطر أهل الباطل إلى تأويل قوله (الحديد )4إذ حمل ذلك بالتفاق على إحاطة والعلم ن
وهو معكم أينما كنتم تعالى ( قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان) على القدرة والقهر ،وقد حمل وحمل قوله
( الحجر السود يمين ال في أرضه) على التشريف والكرام لنه لو ترك على قوله ظاهره للزم منه المحال ،فكذا الستواء لو
ترك على الستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش ،إما مثله أو أكبر منه أو أصغر ،وذلك محال ،وما يؤدي
إلى المحال فهو محال .الحياء .1/186
( )35المحشي :حاشية الترتيب 7/315
( )36نفس المصدر 316 :البخاري :وضوء .10مسلم :فضائل الصحابة .138أحمد . 266 /1ر .ونسنك :المعجم المفهرس
.5/190
أما المنطلق النقلي فعمدتهم فيه ما جاء في الية المذكورة أعله(آل عمران )7من إشارة تمكن
الراسخين في العلم من التأويل مع آية أخرى هي أكثر صراحة في الحث على التأويل وهي قوله
تعالى ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ( 4النساء )83وما الستنباط إل فهم النص وعدم الكتفاء
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بظاهره...
وكذلك يعتمدون في هذا على ما أثر عن الرسول صلى ال عليه وسلم " ما من كلمة إل ولها وجهان
فاحملوا الكلم على أحسن وجوهه"
وكذلك يعتمدون في موقفهم هذا على مواقف بعض الصحابة مثل ابن عباس من التأويل.
الجانب الول لغوي :فعلى المتأول أن يكون ملما بأسرار اللغة العربية وفعل فقد اجتهدوا اجتهادا
كبيرا في استقصاء البحث في القرآن والحديث واللغة لكل كلمة تأولوها وأثبتوا من خلل ذلك أن
النص القرآني لو حمل على ظاهره لتناقض في عديد من المواطن.
وفي هذا الباب حذروا من خطرين :أولهما اجتناب تأويل القرآن وفق الهوى عن علم وذلك رغبة في
التلبيس على الخصم أو عن جهل فيميل الفهم عن الصواب.
وثانيهما اجتناب التسرع إلى التأويل بظاهر العربية من غير استقصاء المنقول في شأن النص.
أما الجانب الثاني فيتمثل في شعورهم بان معجزة القرآن تتجلى في باب التأويل والستنباط على
أساس الخلص ل تعالى وفي هذا فتح لباب الجتهاد الذي يجعل القرآن الكريم صالحا لكل زمان
ومكان.
وإن اتضح المنطلق الدفاعي في النقل والعقل فإن مظهره يتجلى في حرص الباضية على تأويل
جميع النصوص المتشابهة في حق ال تعالى وفق منهج معين يرمي إلى تنزيه ال تعالى عما يوهم
التشبيه وظلوا بذلك أوفياء إلى الية التي جعلوها محور الحديث عن الذات والصفات ( ليس كمثله
شيء) .
ويتمثل هذا المنهج في النطلق من موقف الطرف الذي ينكر التأويل مع ذكر ما يحتج به ثم يتدرج
به شيئا فشيئا للوصول إلى التأويل المطلوب اعتمادا على نصوص مختلفة.
كما أن هذا التحليل يدعم من حين لخر بقول بعض من الذين ينتمون إلى الطرف المقابل بالتأويل
القائم على المجاز وقد تحتد اللهجة أحيانا إلى درجة الحط من مواقف الخرين.
وهكذا جاءت النفس بمعنى الذات والعين بمعنى العلم والحفظ وجاء النور بمعنى الهداية والدنو
بمعنى سرعة الجابة ،وما إلى ذلك من التأويلت التي ذكرنا.
وبقدر ما كانت المعركة نسبيا هادئة في شأن كثير من التأويلت فإنها احتدت أكثر في قضية
الستواء فلم يقبل الباضية البتة أن يكون الستواء على العرش كاستواء المير على السرير كما لم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وفعل فقد رأينا في الرسائل التي تهجمت على الباضية أن الهجوم يركز على قولهم في الستواء
واعتباره بدعة إذ منطلق هؤلء إما الوقوف وهو الغالب وإما فهم النص على ظاهره.
وهنا يحسن أن نشير أن صدى مثل هذا التأويل يتجلى في المستوى النظري أكثر لكن ل يخلو من
أثر في عامة الناس الذين كانوا يحضرون دروس مشائخهم الذين يتوسعون في تحليل هذه القضايا
في حلقاتهم الخاصة وهذا من شأنه أن يجعل شيئا من الجفوة بين الناس أساسه احتراز الكثرية من
هذه القلية الخارجية المبتدعة وانتباه القلية من الذوبان في هذه الكثرية المشبهة ولهذا قل أن نجد
الندماج الكلي بين الطرفين حتى في مستوى السكن وكثيرا ما يتم التنابز بين المتعايشين بكلمات
عامة تحمل في طياتها من جملة ما تحمل خلفيات الفوارق في هذا التصور العقائدي.
هذا في المستوى الحضاري المعاش أما في المستوى العلمي النظري فقد أدى الختلف في هذه
القضية كل من الطرفين إلى الوقوف عند الية المعبرة عن الستواء كلمة كلمة.
فتفنن كل لتطويع حرف العطف " ثم" وحرف الجر" على" لما يوافق منطلقه واللغة مطواع لذلك
فمن أراد منها معنى الحقيقة تعطيه ومن أراد منها المجاز ل تعوزه.
أما الفعل " استوى" فقد نال حظا وافرا من التحليل لم يكن ليناله لول هذه القضية.
فالموضوع عقائدي إل أن الثروة الناجمة لغوية بلغية بصفة خاصة لن النزاع العقائدي ينتهي من
حيث بدأ بل لعل كل من الطرفين ينتهي من التحليل وقد زاد تمسكا بموقفه أكثر من البداية.
والمصادر الباضية في المرحلة المقررة لم تتمثل وظيفتها في الحقيقة إل في المحافظة على التراث
المنقول مع تركيز التصور العقائدي في الوساط الباضية ومثل هذا التركيز والتذكير يحفظان هذا
التصور من الذوبان لن سكوت فرق أخرى عن مبادئها أدى إلى دخولها في طي النسيان وفعل فقد
دخلت كثير من البيئات الباضية في طي النسيان وصارت أثرا بعد عين لعوامل شتى من بينها بل
لعل أساسها انطفاء الحركة العلمية فيها وهذه غدامس مثل لم يكن الدفاع منطلقا من صلبها وإنما
كان المر مددا من جبل نفوسة أو من جربة فلم يستطع المذهب أن يصمد فيها بعد تلك المرحلة أمدا
طويل.
ذلك ما أمكن استنتاجه من أبعاد حضارية لقضية المتشابه عامة وموضوع الستواء خاصة وهذا
يتدرج بنا إلي النظر في قضية استحالة الرؤية وهي قسم أساسي من أقسام المتشابه.
استحالة الرؤية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
إن جاء أمر الستواء في صيغة صرفية واحدة في السياق القرآني كما رأينا -الفعل الماضي المسند
إلى المعلوم -فإن قضية الرؤية تعددت فيها الكلمات والصيغ في القرآن الكريم والحديث الشريف
ولذلك تضاربت فيها الراء بين الفرق السلمية أكثر من اضطرابها في شأن الستواء إل أن المر
بقي في مستوى الجدل النظري ولم يتحول الى الصراع العملي والمحنة كما سيكون المر في قضية
الكلم وخلق القرآن فما هو موقف الباضية من قضية الرؤية ؟ وما هي النظريات العلمية المعتمدة؟
وما هو المتداد التاريخي للقضية؟ وما هي الدلة العقلية والنقلية على نفي الرؤية؟
:
تعريف الرؤية :يقول أحمد الشماخي ":حملتها ( الرؤية) على ما حققه أرسطو طاليس وأبو نصر (
)1من أنها انطباع مثل صورة المدرك في العين أو على اتصال الشعة ومن قال بغير ارتسام
واتصال الشعة فهو عين نفي الرؤية إذ ل يكون النكشاف بالعين إل مع اتصال شعاعها وارتسام
مثله في العين" (. )2
والرؤية كما يعرفها السالمي هي ":اتصال شعاع الباصرة بالمرئي وانطباع صورة المرئي في
الحدقة ...ول يطلقها العرب على العلم ونحوه إل تجوزا لكنتة مع قرينة ،وقال تعالى ( وما أرسلنا
من رسول إل بلسان قومه) ( 14إبراهيم . )3( " )4
فواضح إذن من خلل هذين النصين أن الباضية اعتمدوا على النظريات اليونانية القديمة التي تقول
بأن البصار يتمثل في انطلق الشعاع من العين ليتصل بالمرئي ولينعكس على حدقة الرائي.
بينما نعلم أن ابن الهيثم ( )4ذهب إلى عكس هذه النظرية وألح على أن القضية بالعكس أي أن
الشعة تنطلق من المبصَر (اسم المفعول) ل من المبصِر( اسم الفاعل).
ومعلوم أن هذه النظرية اليونانية تعزز موقف الباضية في نفي الرؤية وعدم جوازها عقل لنها
تفرض المواجهة بين الرائي والمرئي والحاطة به وهذا مستحيل في حق ال تبارك وتعالى.
ول نريد أن نطيل في هذا البحث لننا نعتبر أن إقامة أساس عقائدي على نظرية علمية تحتاج إلى
احتراز كبير لن الحقائق العلمية نسبية ومتطورة وما يعتبر قاعدة اليوم يصير خطأ في المستقبل.
لهذا اكتفينا بهذا التلميح للقضية لنها وقعت الشارة إليها ولنتأمل الن في التطور التاريخي
للقضية.
لقد حوصل كل من النامي ( )5وكوبرلي ( )6في أطروحتيهما التطور التاريخي لموقف الباضية من
الرؤية ،فبيسن كوبرلي خاصة أن الشارة إلى نفي الرؤية جاءت أول ما جاءت على لسان المام
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
عبدال بن إباض وألح النامي على ما جاء من نصوص في هذا الشأن في الجامع الصحيح للربيع
ابن حبيب بصفة خاصة ،والمهم أن المدرسة الباضية نافحت وما تزال تنافح بالجماع ( )7على
استحالة رؤية ال تعالى في الدنيا والخرة منطلقها في ذلك فهم كتاب ال تعالى وسنة نبيه عليه
السلم.
أما عن المرحلة التي تهمنا بالخصوص فقد قاس كل من الشماخي وأبي مهدي والسدويكشي
والمحشي والتلتي على من سبقهم)8( .
وما يزال من بعدهم يتبع نفس المنهج مثل عبد العزيز الثميني في " النور" ومحمد اطفيش في
تفاسيره للقرآن الكريم والسالمي في " المشارق"
فل نجد استثناء عبر كل هذه العصور عدا ما نبه إليه كوبرلي باحتراز كبير ونحن نشاطره في هذا
الحتراز مع تبغورين في أصوله لن الشارة جاءت عابرة ول تعتبر في نهاية المر استثناء.
والناظر في كل هذه النصوص يتبين بوضوح التفاعل الكبير مع مدرسة العتزال التي تبني نفس
الموقف مع العلم أنه يصعب أن نقرر من السبق وإن كان المام عبدال بن إباض أشار إلى القضية
من زمن مبكر لكن تبنى النظرية والمنافحة عنها تتداخل فيها الراء خاصة إذا كان التجاه واحدا،
ومهما يكن من أمر فالنصوص المتداولة بين الناس ( )9تلح على العتزال أكثر من اللحاح على
الباضية وإنما يذكر الباضية ضمن الخوارج في هذا الشأن لكن هذا يعتبر تقصيرا من هذه
النصوص أو غفلة لنها كتبت بعد أن تجلت مواقف الباضية صريحة خاصة في الجامع الصحيح
للربيع ابن حبيب وقد قامت الدول الباضية بعد في المشرق والمغرب.
كما يثبت التأمل أن الختلف مع الشاعرة ( )10والماتريدية والمشبهة وغيرهم ممن يعتقد أن ال
يرى في الدنيا والخرة أو في الخرة فقط بكيف أو بل كيف ،بلور القضية ورسخ قدم الجدل فيها
بالعتماد على الحتجاج العقلي والحتجاج النقلي مع استغلل ما ورد في النصوص بقدر المكان
في صالح هذا التجاه أو عكسه مع العلم أن النصوص واحدة وهنا تتجلى قيمة التأويل واعتماد
مختلف أنواع المجازات وما إلى ذلك من وسائل اللغة.
الدلة العقلية:
)1سلمة الحاسة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبما أن هذه الشروط ل تعقل إل في جسم أو عرض وال تعالى ليس كذلك فهي أقوى دليل على
استحالة الرؤية في الدنيا والخرة.
ويرد الباضية على من يجيز الرؤية في الخرة اعتمادا على البلكفة ( )13وعدم جواز قياس الغائب
على الشاهد بما يلي:
أقول (أحمد الشماخي) :هذا صحييح على أصلنا الذي اعتمدنا عليه ولذا أبطلنا عليه رؤية العين ولو
جازت لكان كالجواهر والعراض واستحالت رؤيته لنه ليس محل للحوادث")14( .
كما يردون فكرة أن اختلف العقلء في شأن الرؤية دليل على الجواز بحجة أن ادعاء العقلء تعدد
اللهة في الجاهلية ل يمكن بحال أن يثبت مثل هذا الدعاء.
يقول المثبتون للرؤية ما يلي ":إن ال موجود وكل موجود يصح أن يرى ينتج أن ال يصح أن
يرى".
ويجيب أحمد الشماخي كما يلي ":لو جاز ذلك( تعلق الرؤية بكل موجود) لجاز تعلقها بالصوات
والطعوم والروائح ولو جاز تعلق السمع باللوان وما ذكر والشم وبها والذوق واللمس ولو جاز في
جميعها لم يكن في الختصاص فائدة ول حكمة فيلزم أن يكون فعله عبثا وأيضا لجاز ذلك في
المعدوم كما جاز في الموجود....
قلت :معلوم متميز ،وكل معلوم متميز ثابت وكل ثابت يصح التعلق به ،وأيضا ممكن مع ثبوت القادر
المختار وأيضا المعلومات المتجانسة فما جاز على أحد منها جاز على الخر ولو جازت الرؤية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
واللمس والشم وغيرها عليه تعالى من غير اتصال لجاز أن يكون جسما من غير تأليف كما قال
كثير ،أو جسما مؤلفا أو له وجه وكف وساق وقدم بغير صورة أو على صورة النسان بغير شكل أو
طويل عريض بغير نهاية ،ويجوز أن يرى علمه لنه موجود وترى قدرته وإرادته وحياته وسمعه
وبصره وتلمس وتذاق وتشم وتسمع ويجوز إدراك البهائم للذات وسائر ما ذكر بحواسها الخمس
لن العلة واحدة ويجوز أن تلمس وتشم وتذاق ونرى ونسمع جهلنا وعلمنا وقدرهما بل يجوز ذلك
في الجماد كما أدرك الجبل ورأى ربه ويجوز أن يجلس فوق العرش أو يتكئ بغير وضع ويوصف
بالشم والذوق واللمس بغير آلة ول يوصف بكونه شيئا وهذه أقوال قد قيل بها.
وبالجملة إن التزمت هذا فانف العراض لفضا بما شئت وإن أثبت ذلك معنى وحقيقة بل أثبت له
العراض لفظا ومعنى أو انف تأثير الحواس وقل في معبودك ما بدا لك سبحان ربنا وتعالى،
واعتقادنا ما دل عليه ( لن تراني) و (ل تدركه البصار) ")15( .
وإن رد الشماخي هذا الدليل العقلي بالعتماد على مقارنة البصر ببقية الحواس ومقارنة الموجود
بالمعدوم فإن من الشاعرة أيضا من رد هذا الدليل وهذا الرازي يقول ":إن استدللهم هذا ضعيف
لنه هناك علة تصلح للرؤية غير الوجود وهي المخلوقية في هذه الشياء وهذه العلة ل توجد في
البارئ لنه خالق ليس مخلوقا.
وقال أيضا :إن المصحح للرؤية لبد أن يكون مشتركا بين القديم والحادث.
والمشترك إما الحدوث أو الوجود فيبطل أن يكون المصحح الحدوث فتعين أن يكون هو الوجود وإذا
كان هو الوجود فوجب كونه تعالى يصح أن يكون مخلوقا لن الوجود مشترك بينهما وإذا كان
الوجود مشتركا بينهما فيصح على هذا أن يكون ال مخلوقا لنه موجود كما في الحوادث والعلة
والوجود.
وعلى هذا ل يصح أن يكون الوجود صحيحا للرؤية حتى يؤدي ذلك إلى ثبوت رؤية الباري")16( .
وقال الغزالي أيضا ":إن كبرى الدليل في قياسهم هذا كاذبة إشارة إلى أن كل موجود يصح أن
يرى" ()17
وبهذا نتبين أن هذه الحجة مردودة عند الباضية والمعتزلة وحتى عند بعض الشاعرة مثل الرازي
والغزالي.
=================================
( )1الفاربي( )950 -874 /339 -260يعرف بالمعلم الثاني ،من أكبر فلسفة المسلمين عاش بين فاراب وبغداد ومصر والشام
.ر .الزركلي :العلم .242 /7
( )2أحمد الشماخي :الرد علة صولة الغدامسي.25:
( )3عبدال السالمي :المشارق 186 :واخترنا هذا التعريف لنه أكثر وضوحا من تعريف أحمد الشماخي.
( )4ابن الهيثم ( الحسن) ( )411/1020من علماء المسلمين اهتم خاصة بعلم المبصرات وتفنن فيه .ر .مصطفى نطيف :الحسن
بن الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية .القاهرة.1942 .
( )5عمرو النامي :الطروحة.209 -207 :
ينقل أبو المهدي عن أبي نوح سعيد بن زنغيل في هذا الشأن ما يلي ":قال الشيخ أبو نوح :يقال
لمن زعم أن ال يرى يوم القيامة ل يخلو من أن يرى في جميع المكنة أو في مكان دون مكان فإن
قال في جميع المكنة فقد أتى بالمحال الذي ل يعقل وجعل البصر يشاهد المشرق والمغرب في حالة
واحدة وإن قال في مكان دون مكان فقد جعله محدودا محاطا به فإن قالوا بعضه فقد جزؤوه وجعلوه
ل شيء وإن سكتوا على الكل والبعض فقد باهتوا")18( .
وقد صاغ خميس الرستاقي نفس المعنى بعبارة أدق وفي ذلك يقول" ل يجوز في حجة العقل أن
يرى ال تبارك وتعالى جهرة بالبصار لنه ل يخلو الناظر إليه من أن يكون يراه مكان دون مكان أو
يراه في كل مكان.
فإن كان يراه في مكان دون مكان فما فضل الخالق على المخلوق إذا كان المخلوق في مكان دون
مكان والخالق كذلك؟ وهذه صفة المحدود وال تعالى جل وعل عن ذلك.
وغذا كان يراه في كل مكان فالمخلوق إذن أعظم من الخالق إذ كان هو في مكان ينال بصره من كان
في كل مكان.
وأيضا فل يخلو من أن يكون يراه حتى ل يخفى عليه منه شيء أو يخفى عليه منه شيء.
فإن كان ل يخفى عليه منه شيء إل ويراه فقد أحاط به والمحاط به صغير والمحيط به أكبر منه وإن
كان يخفى عليه منه شيء فالذي خفي عليه غير الذي لم يخف وهذه صفة المحدود والمتغاير الذي
بعضه غير بعض تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا" )19( .
يقول الغزالي ":إن الرؤية نوع كشف وعلم إل أنه أتم وأوضح من العلم فإذا جاز تعلق العلم به
وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة")20( .
وإن رأى الشماخي ( )21أن الخلف في اللفظ فيعتبر السالمي أن الخلف حقيقي حيث يقول ":فإن
قيل :إن بعض الصحاب قد فسر الرؤية في الحديث بالعلم ( )22وقد قنع البدر الشماخي من الفخر
الرازي والغزالي بما قاله حيث قال والخلف حينئذ لفظي.
قلنا :أراد ذلك البعض بالعلم بال زيادة العلم بصفاته حيث انكشف لهم من أمور الخرة ما يعدهم بها
كما قيل ليس الخبر كالمعاينة وعلى هذا المعنى حمل البدر كلم الفخر والغزالي حسن ظن بهما ولكن
إشارتهما دالة على إرادة العلم بحقيقة ذاته ل بصفاته فقط")23( .
ومما يؤكد كلم السلمي صريح عبارة الغزالي ":مرئي بالعين والبصار في الدار الخرة")24( .
ونحن نذكر أن ما قاله الفخر الرازي والغزالي غير مقنع لن حقيقة ذاته تعالى ل تعلم وإنما تعلم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
صفاته فقط وذلك أنه لبد للشيء المعلوم من أن يتصور في ذهن العالم به وحقيقة ذاته ل تتصور .
()25
يقول الشعري في البانة ":لبد من تقوية بصر النسان كي يرى ال وإن كانت العين ل تقوى على
رؤية الشمس فمن باب أولى إذا كان مع رؤية الخالق")26( .
)1فإما أن توقية البصار يحولها عن اختصاصها في تميز اللوان والشخاص فتصير قادرة على
رؤية الروائح والصوات ...لكن هذا ليس من الرؤية.
)2وإما أنه ل يحولها ولكن يقوي قدرتها وهذا ر يخرجها عن طبيعتها مثل بعض الحيوانات كالسد
يرى في الظلم مال يراه غيره" ()27
يذكر الشعري أن " ضرار" و " حفص الفرد" ( )28يقولن بإمكانية الرؤية بالحاسة السادسة
يوم القيامة ( )29إل أن خلفهما من المعتزلة رفضوا ذلك.
إل أن الباضية يرفضونها رفضا قطعيا وذلك لن تحويل وظيفة البصر يؤدي قطعا إلى إبطال
الرؤية.
فلبد من منع الرؤية في الدنيا والخرة وبأي حاسة أخرى ل بالعين ول بالقلب إذ إن تصوره القلب
يجب أن يتميز)31( .
وينقل أبو مهدي عن أبي القاسم البرادي ما يلي ":قال الشيخ أبو القاسم :ويقال لهم أخبرونا عن
هذه الرؤية أهي بحاسة البصر أم بحاسة أخرى غيرها )32( ...وإن قالوا بحاسة أخرى غير حاسة
البصر قلنا :ل تخلو هذه الحاسة في معنى البصر أن تكون مدركة لللوان أو تكون على خلف ذلك
فإن كانت في معنى البصر ففي المسألة الولى ( )33وإن قالوا مخالفة لحاسة البصر مضادة لها قلنا
أردتم إثبات الرؤية بإبطالها واحتججتم للرؤية بحجة توجب زوالها وقولكم هذا شبيه بقول من قال
شممت رائحة المسك بأذني)34( ".....
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
)5البلكفة:
اعتبر الشاعرة أن الرؤية ممكنة في الخرة لكن أثبتوا أنها بل كيف لتنزيه المولى عن الشبيه.
إل أن المعتزلة والباضية يرفضون هذا الموقف بشدة ،ويعتبرونه فرارا من الحتجاج وبيتا
الزمخشري مشهوران في هذا الصدد( :كامل)
()35
ويقول السالمي في هذا الصدد ":تستروا عن التشبيه فقالوا نراه في الخرة بل كيف أي ل هيئة ول
حالة نكيفها وهذا فرار من صريح التشبيه مع الوقوف فيه معنى ثم يورد بيتي الزمخشري ويختم
بقوله ":وزيادة بل كيف لم يقم عليها دليل من كتاب ول سنة")36( .
من خلل هذا التحليل للحجج العقلية يثبت لدينا أن المصادر الباضية لم تطل الوقوف عندها واكتفت
بتحديد ما حدده المعتزلة من عدم توفر شروط الرؤية إل أنها اضطرت لذلك في مواقف دفاعية
لدحض ما ذكرته الفرق الخرى من الحجج العقلية.
والصراع كان عنيفا مع الشاعرة إل أن حدته تخف عندما نعلم أن من الشاعرة أنفسهم من قال
بوهن هذه الحجج العقلية وقد أوردنا من قبل موقف الرازي والغزالي من الحتجاج على الرؤية بأن
كل موجود يرى وأحسن ما يدل على العزوف عن الحتجاج العقلي في هذا المبحث ما ختم به شارح
كاتب المواقف تحليله للحجج العقلية ...":وفي هذا الترويج تكلفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمل
فإذن الولى ما قد قيل من أن التعويل في هذه المسألة على الدليل العقيلي متعذر فلنذهب إلى ما
اختاره الشيخ أبو نصر الماتريدي من التمسك بالظواهر النقلية")37( .
ويقول السدويكشي في حاشيته على كتاب الديانات في بداية تحليله لهذه القضية ما يلي ":فاستدل
أصحابنا ومن وافقهم على عدم جواز الرؤية بالعقل والنقل وكذلك الشاعرة استدلوا بالعقل والنقل
وقد ضعف دليل العقل من الجانبين ولم يبق إل دليل النقل")38( .
وإن بينا هذا فقد بقى أن نلح على تفاعل هذه المصادر مع نصوص المعتزلة لكن المعتزلة يذهبون
إلى مدى أبعد يتماشى مع مبدئهم في ترجيح العقل وأن حجة ال على الناس هي العقل بتجاوز
الرؤية المعهودة وبتحويل حال النسان ورفع المانع المر الذي يرده المعتزلة بتبيين أن تجاوز
العقول بفتح أبواب الجهالت)39( .
ومهما يكن من أمر فالباضية يلحون على تنزيه ال تعالى ويصرون على أنه ل تدركه البصار ل
في الدنيا ول في الخرة ولهم مواقف من الحجج النقلية فما هي؟
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
=========================
( )18أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي 102 :وراجع أيضا .165
( )19خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/411وقد أوردنا النص لزيادة التوضيح.
( )20الغزالي :الحياء .1/187
( )21ر .أحمد الشماخي :الرد علة صولة الغدامسي.18:
( )22انظر ما يلي336 :
( )23عبد ال السالمي :المشارق.186 :
( )24الغزالي :الحياء .1/187
( )25ر .عزة محمد عبد المنعم زايد :رؤية ال تعالى بين المثبتين.55:
( )26أبو الحسن الشعري :البانة ط المنيرية القاهرة .16 :1348
( )27أبو عمار الكافي :الموجز .419 -1/418
( )28حفص الفرد ( )3/9متكلم أخباره نادرة .مصري تتلمذ على العلف بالبصرة تنسبه كتب الملل إلى المعتزلة كما تنسبه إلى
المجبرة .اشتهر بالقول بالحاسة السادسة في رؤية الباري في الخرة..cf EI2 III 66.
ضرار بن عمرو ( :)3/9يرد اسمه عادة مع حفص الفرد .لم تترجم له كتب الملل.
( )29ر .الشعريك المقالت .مكتبة النهضة المصرية 1/289 1373/1954
( )30ر .ابن حزم :الفصل . 4/ 3المحلى م 1ج 1ص 35 -34
( )31ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .2/372 1
( )32حذفنا تحليله لمنع الرؤية بالبصر من أجل استحالة التحيز في مكان.
( )33أي استحالة البصر بالعين
( )34أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي164 -163 :
( )35الزمخشري :الكشاف .2/116
( )36عبد ال السالمي :المشارق.206 :
( )37الشريف الجرجاني :شرح المواقف ط مع النص.373 :
( )38عبد ال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات2 :
( )39ويقول السالمي في ذلك ":قالوا :اشتراط المقابلة للرؤية عادي ،والخرة محل خرق العادات.
قلنا :ل نسلم أنه عادي بل عقلي ضروري لن الرؤية التي تعرفها العرب ل تصح عقل إل لمقابل ،ومن ادعى أنها رؤية أخرى
فعليه الدليل ،ولو سلمنا أن اشتراط المقابلة عادي كان لنا أن نقول ما الدليل على هذا العادي مما يخرق يوم القيامة؟
فعلمنا أن رؤيته ليس كمثله شيء فان قيل :إن الدليل على ذلك قوله تعالى :مخالفة لرؤية المخلوقين لما يلزم في المقابلة
من التشبيه المستحيل في حقه تعالى .قلنا :هذا دليل نفي الرؤية أصل ل دليل على أن رؤيته مخالفة لرؤية المخلوقين فقط ،فإنه
متى كان مرئيا لزم أن يكون مثله شيء وهو سائر المرئيات ...المشارق.201 :
الدلة النقلية:
إن كل من نفاة الرؤية ومثبتيها يعتمدون على نفس النصوص من القرآن والسنة لتدعيم مواقفهم
ومرجع هذا إلى اختلف منطلقات كل من الطرفين وإلى إحتمال هذه النصوص تآويل مختلفة إذ هي
من المتشابهات ،ويتجلى التفاوت الكبير خاصة في استعمال نصوص الحديث بين تقوية المتن
والجرح في السند أو العكس.
فما موقف المصادر الباضية من هذه النصوص؟ وننبه إلى أن الفصل بين القرآن والسنة هنا
منهجي فحسب إذ جائت السنة مبينة للقرآن الكريم.
( ل تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير) ( 6النعام )103
أ -الدراك :جاء في اللسان " الدرك اللحاق ،وقد أدركه ورجل مدرك كثير الدراك وجاء فيه أيضا:
الدراك اللحوق يقال مشيت حتى أدركته وعشت حتى أدركت زمانه وأدركته ببصري أي رأيته"( .
)40
)1إن العرب تقول أدركت زمانه مع عدم الحاطة بزمانه كما نص عليه صاحب اللسان ولربما قال
أحدهم أدركت حياة فلن وهو لم يولد إل في الزمن الخير من حياته.
)2إن العرب تسمي المطر المتوالي المتدارك مع العلم أنه ليس المقصود منه أن كل ديمة منه تحيط
بغيرها وإنما المقصود تلحق الدّيم.
)3عدم مخالفة أحد في صواب قول من قال أدركه السهم ومن المعلوم أنه ليس المراد منه إحاطة
السهم به ولو قال قائل :أحاط به السهم لعد من هذيان الكلم.
)2مجيء اللفاظ المشتقة من الدراك دالة على غير معنى الحاطة كما في قوله تعالى( :حتى إذا
أدركوا فيها) ( 7العراف )38إذ ليس من المعقول أن يكون المراد من الية إحاطة كل فوج من
أهل النار بالخرة مع أن التفاعل يقتضي التشارك من الجانبين أو الجوانب وإنما المراد من الية
تلحق الفواج في النار والعياذ بال")41( .
ويقول السدويكشي ":والدراك المضاف في هذه الية إنما هو الرؤية فمعنى قولك أدركته ببصري
معنى رأيته ل فرق إل في اللفظ [ أو هما أمران متلزمان ل يصح نفي أحدهما مع إثبات الخر فل
يجوز القول رأيته وما أدركته ببصري ول عكس ذلك فهذه الية الكريمة نفت أن تراه البصار وذلك
يتناول جميع البصار بواسطة اللم الجنسية في مقام المبالغة وفي جميع الوقات] لن قولك فل
تدركه البصار يفيد عموم الوقات فلبد أن يفيد عموم العصار والزمان فل يراه شيء من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فالباضية والمعتزلة حينئذ يرفضون معنى الحاطة التي يبنى عليها مثبتو الرؤية جوازها إذ الية
عندهم تفيد أن نفي الحاطة يثبت جواز الرؤية.
ويقول السالمي في هذا الصدد ":ول نسلم أن الدراك هو الرؤية المقيدة بالحاطة لنه حقيقة في
الوصول إلي الشيء وتقييده بالحاطة مجاز ل يصح إل بقرينه بل القرائن دالة على نفي مطلق
الدراك")43( .
إنه تعالى تمدح بكونه ل يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح لن ما ذكر في السورة الكريمة قبل هذه
الية ( )44هي مدائح ...وما كان من صفاته عدمه مدحا كان وجوده نقصا فيجب تنزيه البارئ عنه
وهو على غرار نفي السنة والنوم)45( .
ويقول أبو مهدي في أن الية تعني المدحة ما يلي ":ومما نسألهم عنه أن نقول لهم :أخبرونا عن
قوله تعالى ( :ل تدركه البصار) هذه مدحة امتدح بها أم ل فإن قالوا :ل فقد جاحدوا ...وإن قالوا
مدحة امتدح بها ،قلنا لهم هذه المدحة ثابتة له في الدنيا والخرة أم في الدنيا خاصة فإن قالوا في
الدنيا خاصة فقد جعلوا مدائح ال عز وجل تزول عنه يوم القيامة فنقول :يلزمكم أن يكون قوله
( وهو يدرك البصار) في الدنيا خاصة لن الية جاءت مجيئا عاما .وتكون على قولكم جميع مدائح
ال يجوز زوالها في الخرة مثل قوله تعالى ( :ل تأخذه سنة ول نوم) ( 2البقرة )255وقوله
( ليس كمثله شيء) ( 42الشورى )11وكذلك سائر المدائح لن هذه مدحة وتلك مدحة وإن قالوا
الزوال في هذه خاصة فل حجة لهم وإن قالوا مدائح ال ثابتة في الدنيا والخرة فهو ما نقول وبطل
ما صاروا إليه)46( .
ويقول السالمي في الرد على نفي مفهوم المدحة بما يلي ":ل يقال إن نفي الرؤية ليس من مدائحه
تعالى لنه قد اتصف به من خلقه أشياء كالعراض والرواح ونحوها وما اتصف به غيره ل يكون
مدحا له .لنا نقول وكذلك أيضا بعض المخلوقات ل يتصف بالنوم ول بالسنة كالحائط والشجرة
ونحو ذلك فل يكون نفيهما عنه مدحا")47( .
ويرد التعاريتي على من قال ":إن عدم رؤيته في الدنيا مع كونه أقرب إليهم من حبل الوريد كاف
في التمدح فل ينافي رؤيته في الخرة.
بقوله :مقتضى كونه تمدحا أن يكون على سبيل الدوام والستمرار قياسا على سائر تمدحاته تعالى"
()48
وجاء في المسلك المحمود أيضا ما يلي ":إن امتناع الرؤية لم يكن فيه تمدح إذ ل مدح للمعدوم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الرد :إن عدم مدح المعدوم لشتماله على النقص الذي هو العدم ،كما أن الصوات والروائح ل تمدح
مع عدم إمكان رؤيتها لكونها مقرونة بسمات النقص وامتناع الشيء ل يمنع التمدح بنفي الشريك
والسنة والنوم ونفي الصاحبة والولد مع امتناعها فبان أن امتناع الرؤية يدل على أنه ليس من
جنس العالمين بل هو حقيقة أخرى مخالفة لها غاية المخالفة ولما كان تعالى منفردا بهذه الصفات
مع اشتراك جميع الممكنات في صحة الرؤية صار هذا دليل على أنه ليس ممكنا من الممكنات بل
واجب وجوده تعالى")49( .
" يقول مثبتو الرؤية :إن لفظ البصار صيغة جمع دخل عليها اللف واللم فهي تفيد الستغراق
فقوله ( :ل تدركه البصار) يفيد أنه ل تراه جميع البصار وهذا يفيد سلب العموم ول يفيد عموم
السلب)50( "..
فيكون المعنى ل تدركه البصار بل بعضها وهي أبصار المؤمنين وقد جاء عند أحمد الشماخي ما
يلي:
" قولك :فالمعنى سلب العموم ،ل عموم السلب أي ل تدركه جميع البصار ونحن قائلون بموجبه.
أقول :ل نسلم أنها لسلب العموم إذ ل مدح في سلب بعض البصار لنه شاركه فيه من حيث ل
ترونهم ولنه يلزم عليه أن تدركه بعض البصار وهي التي ل تدركه لن اللف واللم في ل تدركه
البصار" للعهد.
-3يلزم ذلك في وهو يدرك البصار وفي قوله ( ل تأخذه سنة ول نوم) ( البقرة )51( ")225
ويقول المحشي مبينا أن الية ل تقيد بوقت دون وقت ":ويقال لهم :أخبرونا لية علة صار
معبودكم يرى في دار المعاد ول يرى في الدنيا اللذات أم للخبر؟ فان قلتم للذات فالذات ل تتغير وان
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فإن قلتم ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ( 75القيامة )23قلنا هذا الخبر للرؤية عندكم في
المعاد فأين الخبر الذي ل يرى في الدنيا؟ فلستم تجدونه إل أن تقولوا قوله ( ل تدركه البصار) (6
النعام )103فإن قالوا :ذلك قيل لهم :هذا الخبر عن الذات أو خبر عن وقت دون وقت.
فإن قالوا :خبر عن الذات قلنا :قد قلتم إن الذات ل تتغير من صفة القديم إلى صفة المحدث.
فإن قلتم عن وقت دون وقت فيلزمكم أن تقولوا بمثل ذلك في جميع ما أخبر ال به عن نفسه في
القرآن من قوله (:ل تأخذه سنة ول نوم) (ول يؤوده حفظهما) ( 2البقرة ( )255ل يعزب عنه
مثقال ذرة) ( 34سبأ )3فتكون هذه الخبار من كتاب ال تعالى وما شاكلها في صفة ال تعالى إنما
هي لوقت دون وقت" ()52
وإن صاغ المحشي هذه الحقيقة بطريقة جدلية فإن السالمي قد صاغها بمنهج رصين حيث يقول":
قلنا :ل نسلم أنها لسلب العموم لنها وردت مدحا له تعالى ،و‘دراك البصار له تعالى مزيل لهذا
التمدح زل يصح أن تزول عنه صفاته التي تمدح بها تعالى إذ لو جاز ذلك لجاز أن يكون في الخرة
متصفا بالسنة والنوم والصاحبة والولد والشريك والشبيه لن هذا كله مما تمدح به تعالى بنفيه
عنه ،ولو جاز عليه ذلك لكان حينئذ ذليل عاجزا مقهورا مغلوبا جاهل بخيل فيستحق على ذلك
الشتم -تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
حاصل الجواب أن قاعدة سلب العموم إنما هي ثابتة في مال إذا لم يدل دليل على أن المراد خلفها
أما إذا دل دليل على ذلك عدل عنها إلى ما يقيتضيه الدليل ودليل العدول هنا قصد التمدح بنفي
الرؤية فإن حمل على تلك القاعدة فات هذا المقصود")53( .
ويقول محمد اطفيش " :اللف واللم للستغراق باقية على العموم الشمولي بعد النفي فشملت
أبصار المؤمنين وأبصار الكفار كما هو الوارد في القرآن بل تلكف تأويل في قوله ( وال ل يحب كل
مختال فخور))54( .
أما السدويكشي فقد غلب عليه الخذ عن اليجي وقد انتبه إلى ذلك يوسف المصعبي فبين أن
السدويكشي أورد اعتراضات اليجي والشريف الجرجاني على أساس أن يرد عليها ( )55لكننا لم
نجد هذا الرد ولعل عذره يتمثل في أنه لم ينته من شرح كتاب الديانات ومعلوم أن يوسف المصعبي
واصل الشرح لكنه لم يتدارك النقص الذي أشار إليه.
والمهم حينئذ أن الباضية يعتبرون أن هذه الية تدل على نفي الرؤية عن ال تعالى على الطلق.
د)تركيب الجملة
إن اختلف الجملتين إذ كانت الولى فعلية والثانية اسمية يثبت اختلفا جوهريا في المعنى فالفعلية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
إن الوقوف عند مختلف وجوه الحتجاج يبين أن كل من النفاة والمثبتين حرصوا على تدعيم
موقفهم اعتمادا على الستعمالت اللغوية إل أن جانب التأويل غلب عند الشاعرة أكثر منه عند
الباضية ولم يضطر إليه الباضية إل فغي مواقف الدفاع وتبقى الية عندهم صريحة في نفي الرؤية
المعهودة عن ال تعالى على الطلق وهذا في رأينا أقرب إلى العقل.
والملحظ أن علماء هذه المرحلة لم يتوسعوا في تحليل هذه الية كما هو مطلوب رغم أنهم أشاروا
إليها ضمن الحتجاج كما رأينا)57( .
( )55ر .عبد ال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات. 3 -2 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين-104 :
.105
(. )56ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .2/372 1
( )57ر .المحشي :حاشية الترتيب 7/245اكتفى بتوضيح المعنى العام مع ذكر " :وليس يرى ربنا تبارك وتعالى أحد من
خلقه" ر .يوسف المصعبي :حاشية على كتاب الجللين .خ البارونية في مجلدين ر .المجلد الول ورقة 220قفا و 221وجه .لم
يتوسع في الشرح وأحال على حاشيته على كتاب أصول الدين لتبغورين إل أنه لم يفصل القول هناك أيضا .ر .عمرو التلتي:
شرح النونية ورقة 19وجه .اكتفى بالستشهاد بالية.
( )58ويتفق المعتزلة والباضية في فهم هذه الية :مسألة :وربما في قوله إنه أقوى دليل على أن ال تعالى يرى في وجوه
يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة تعالى :الخرة؟ وجوابنا أن من تعلق بذلك وإن كان ممن يقول بأن ال تعالى جسم فإنا ل ننازعه
في أنه يرى بل في أنه يصافح ويعانق ويلمس تعالى ال ذلك ،وإنما نكلمه في أنه ليس بجسم ،وإن كان ممن ينفي الشبيهة على
ال فل بد من أن يعترف بأن النظر إلى ال تعالى ل يصح لن النظر هو تقليب العين الصحيحة نحو النظر إليه وهو الثواب
( يوسف )82فإنا تأولناه على أهل القرية لصحة المسألة واسأل القرية كقوله تعالى :ووجوه يومئذ منهم ،وبيان ذلك أن
ال ذكر ذلك ترغيبا في الثواب كما ذكر قوله ( القيامة )24زجرا عن العقاب فيجب حمله على ما ذكرناه باسرة تظن أن يفعل
بها فاقرة ...ر .القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن عن المطاعن .دار النهضة الحديثة بيروت د.ت ص .442
جاء في الدليل والبرهان ":إن النظر في لغة العرب يتصرف على أربعة أوجه ل خامس لها:
-1أن تكون النظر بمعنى التعطف والرحمة قال ال تعالى ( :ول ينظر إليهم يوم القيامة) ( 3آل
عمران )77ولم يرد ل يراهم لن رؤيته تعالى محيطة بهم وبغيرهم وإنما هو نظر تعطف ورحمة.
-2أن يكون النظر بمعنى العتبار كما قال تعالى ( :أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت) ( 88الغاشية
.)17
-3بمعنى النتظار كما قال ال عز وجل ( :ما ينظرون إل صيحة واحدة) ( 39يس )49أي
ينتظرون .وقوله ( انظرونا نقتبس من نوركم) ( 57الحديد )13
وجاء في الجامع الصحيح :باب في النظر في اللغة ...":إن النظر هو النتظار لقول ال عز وجل
( ما ينظرون إل صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون) ( 36يس )49يعني ما ينتظرون وليس
بمعنى النظر بالبصار وقال ( :وما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق) ( 38ص )15
وقال ( :هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة) ( 16النحل )33ونحوه في القرآن.
ومصداق ذلك في اللغة قول القائل :إنما أنظر إلى ال ثم إليك يعني أنه ينتظر ما يأتيه من قبله" (
)60
ويذكر الشاعرة ( )61أن الية صريحة في وقوع الرؤية للمؤمنين في الخرة إذ يعتبرون أن نظر
بمعنى رأى وذلك أكبر نعيم في الجنة فيرد الباضية هذا الموقف من خمسة وجوه:
-1اللغة:
إن النظر في اللغة غير الرؤية ولذا يقال :نظرت الهلل فلم أره .ول يصح أن يقال رأيته فلم أره.
وإطلقه على الرؤية مجاز ل يصح إل بقرينه والعدول عن الحقيقة إلى المجاز خلف الظاهر.
والوجه ل يكفي أن يكون قرينه لنه يطلق على الذات ( ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) (55
الرحمان .)27
الجواب :ل نسلم ذلك فقد قال تعالى ( :فنظرة إلى ميسرة) ( البقرة .)28
وقال الشاعر(:كامل)
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقال الشاعر(:كامل)
وقال الشاعر(:طويل)
-2سياق الية :إن المقابلة الواردة في بقية الية ( وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) (
75القيامة )25 -24لو فهم النظر بمعنى الرؤية لرتفعت المناسبة بين الجملتين ولتداعى بناؤها
ويقول الشماخي في هذا الصدد ما يلي ":ويدل عليه ذكر ينظر في مقابلة تظن أي تتوقع أن يفعل
بها فعل فضيع شديد يقصم فقار الظهر كما ترتجي الوجوه الناظرة إلى ربها أن يفعل بها كل خير.
وأيضا فاعل تظن الوجوه ومعلوم أن الوجوه ل تظن وإنما تظن القلوب فيكون عبارة عن الجملة في
الول والثاني للمعادلة والموازنة بينهما")64( .
-3الحصر :إن تقديم إلى في قوله ( إلى ربها ناظرة) يفيد الحصر والختصاص ولو كان من نظر
العين لنحصر نظرهم في ذات ال ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء كثيرة لنهم المنون الذين ( ل
يحزنهم الفزع الكبر) ( 21النبياء ( )103وهم من فزع يومئذ آمنون) ( 27النمل ( )89ول خوف
عليهم ول هم يحزنون) ( 2البقرة )62ففي هذا الحصر دليل على معنى النتظار)65( .
-4تقييد الية بيوم القيامة :يقول الشماخي ":الية نزلت في حال القيامة فالمؤمنون ناضرة
وجوههم بالبشارات والكفار باسرة وجوههم بتحققهم الوعيد فالولون منتظرون دخول الجنة
والكافرون أن ينبذوا في الحطمة ...وأهل الجنة في نعيم ينتظرون آخر ( .فأما من أوتي كتابه بيمينه
فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا) ( 84النشقاق )9-7فل يصح أن نعتبر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-5اعتماد التأويل :واعتمد الباضية التأويل مثل المعتزلة وفي ذلك يقول يوسف المصعبي ":وحمل
الجبائي( )67( )916 -849 /303 -235النظر على معنى النتظار وجعل " إلى" اسما بمعنى
النعمة مفرد اللء مضافا لما بعده ل حرف جر .والمعنى عنده :منتظرة نعم ربها وإلى عنده مفعول
لناظرة")68( .
وقد توسع محمد اطفيش في ذلك كما يلي " :أو " إلى" بمعنى النعمة مفعول مقدم أو يقدر مضافا
أي ملك ربها أو ثواب ربها أو رحمة ربها والنظر بالعين أو الصل إلى إنعام ربها والنظر بمعنى
النتظار ول يرجون الرحمة إل من ال تعالى كما ل يعبدون إل إياه.
وكل حذف أو تأويل ولو كان خلف الصل مقدم على عدمه إذا كان عدمه يؤدي إلى التشبيه أو
نحوه والتقديد والتأويل هما المناسبان لقوله تعالى ( :ليس كمثله شيء) ")69( .
لقد أورد الربيع بن حبيب أقوال الصحابة الذين فسروا النظر بمعنى النتظار .فمن هؤلء عبدال بن
عباس (ت )70( )687 /68وقد قال عندما سئل عن الية المذكورة ":ثم ينظرون إلى ربهم متى
يأذن لهم في دخول الجنة بعد الفراغ من الحساب" ثم قال ( :وجوه يومئذ باسرة -يعني كالحة -تظن
أن يفعل بها فاقرة) .قال :يتوقوعون العذاب بعد العذاب وكذلك قوله( :إلى ربها ناظرة) ينتظر أهل
الجنة الثواب بعد الثواب والكرامة بعد الكرامة")71( .
إن كانت الية السابقة لم تنل حظا وافرا من التحليل فإن الشماخي خاصة قد حلل هذه الية تحليل
وافيا وقد انطلقت نصوص الباضية في هذه المرحلة وما قبلها وما بعدها من الرصيد الذي جمعه
من وقت مبكر الربيع بن حبيب لترد بطرق شتى على من اعتبر أن ناظرة معناها الرؤية البصرية
كما أن هذه النصوص لم تغفل عن تدعيم موقفها برأي المعتزلة وباعتماد التحاليل اللغوية
والبلغية.
ويرتبط بهذه الية قول موسى ( :رب أرني أنظر إليك) ( 7العراف )143فماذا عن هذا الطلب؟
-قوله تعالى ( :ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن
أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا
فلما أفاق قال سبحانك تبن إليك وأنا أول المؤمنين) ( 7العراف )143
إن مواطن الشكال في هذه الية تتمثل في :طلب موسى الرؤية ( أرني أنظر إليك) حقيقة لن.
تعليق الرؤية باستقرار الجبل .التجلي للجبل .توبة موسى.
أ .طلب موسى الرؤية :يقول مثبتو الرؤية ( )72إن في طلب موسى الرؤية دليل على أنها ممكنة إذ
ل يجوز أن يطلب نبي أمرا مستحيل.
ويجيب الباضية بأنه سألها وهو يعلم استحالتها ليعلم قومه الجواب باستحالتها والقوم كافرون
لقولهم ( لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة) ( 2البقرة )55وقد اختار منهم موسى سبعين وكلهم
سمعوا ( لن تراني) .فإخباره ومعه السبعون أقوى في ظن القوم من إخباره بنفسه .ومما يدل على
طلبها لقومه قوله تعالى حكاية عن موسى ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) ( 7العراف )155
وقوله ( :فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا ال جهرة) ( 4النساء .)153
وقوله تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)
( 2البقرة )55وأما الطلب في صيغة المفرد فمن باب التبكيت إذ إن منعت عنه فل سبيل إلى
حصولهم لهم)73( .
فالباضية وجهوا هذه الية من وقت مبكر وجهة العتذار اعتمادا على منا نقله جابر بن زيد عن
ابن عباس وقد أورد الربيع بن حبيب ما يلي ":قال جابر بن زيد :سئل ابن عباس رضي ال عنه
عن قوله تعالى ( رب أرني انظر إليك) فقال ذلك على وجه العتذار لقومه ليريهم ال آية من آياته
فييأسوا من رؤية ال")74( .
ونقل المحشي عن الجيطالي ما يلي ":قال في شرح النونية في ما يتعلق بسؤال موسى ربه الرؤية
ما نصه :فإن قال :أوليس إنما أشركت اليهود لجحودهم بنبينا محمد صلى ال عليه وسلم وبسؤالهم
موسى عليه السلم أن يريهم ربهم جهرة -قيل له :نعم.
فإن قال :أو ليس كل من سأل ما سألت اليهود فقد أشرك .قلنا :نعم.
فإن قال :وقد سأل موسى أن يرى ربه ،قلنا :إن موسى عليه السلم لم يسأل أن يرى ربه عيانا مثل
ما سألت اليهود وإنما قال ( رب أرني أنظر إليك) على وجه العتذار لقومه ليريهم آية من آياته
فييأسوا من رؤيته عز وجل" ()75
أ -حقيقة لن :اعتبر مثبتو الرؤية أن الزمخشري تأثر بمذهبه في تقدير معنى التأبيد للن ،ودليل
هؤلء على ذلك أنها لو كانت تقتضي التأييد ما أكدت به في قوله تعالى ( :ولن يتمنوه أبدا) )76( .
وينطلق الباضية من تفسير الربيع للن بمعنى الياس حيث يقول ":لن حرف من حروف الياس
عند النحويين أي لن يراه أحد في الدنيا ول في الخرة")77( .
وقد اكتفى كل من أبي مهدي والمحشي بالنسبة إلى " لن" بما ذكره الربيع ( )78أما يوسف
المصعبي فقد ألح ال البتة وكل من قال إن موسى لن يرى ال قال إن غيره لن يراه")79( .
أما سعيد ابن تعاريت فبعد أن أورد عدة أقوال تفيد أن " لن" للتأبيد يقول ":حيث ثبت دللتها على
التأبيد...فعلى من ادعى أنها تكون لغيره أيضا الدليل فيكون تمسكنا حينئذ بالمجمع عليه ،فثبت بما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ج -تعليق الرؤية باستقرار الجبل :يقول المثبتون إن تعليق الرؤية بأمر ممكن وهو استقرار الجبل
يجعل الرؤية ممكنة إذ ما تعلق بالممكن ممكن.
ويجيب الباضية أن استقرار الجبل مستحيل في علم ال تعالى والمتعلق بالمستحيل مثله لن
العتبار في ذلك بالمخاطب بصيغة اسم الفاعل لن الخطاب صدر منه وهو عالم باستحالته.
ويقول المحشي في هذا الشأن ":قال تعالى ( :ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني)
فهذا على قطع الرجاء أي فكما أن الجبل ل يستقر فكذلك لن تراني ،ونظيره ( ول يدخلون الجنة
حتى يلج الجمل في سم الخياط) ( 7العراف . )81( )40
د -التجلي :جاء عند الربيع بن حبيب ما يلي :وأما قوله ( فلما تجلى ربه للجبل) " أي فلما تجلى
ببعض آياته فلم يحتملها الجبل حتى صار دكا وخر موسى صعقا")82( .
واكتفى المحشي بإعادة نفس النص ( )83أما يوسف المصعبي فقد مر على الية دون أن يقف عند
حقيقة التجلي ( )84لكنه أحال على تفسير الزمخشري ( )85أما عمرو التلتي هو الخر فقد نفى أن
تكون ذاته تعالى تجلت للجبل)86( .
فالباضية في هذا المعنى رفضوا تفسير الشاعرة ( )87واعتمدوا في تفسير موقفهم الذي أقره
الربيع على ما جاء عند المعتزلة وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار ":مسألة :وربما سألوا عن
قوله تعالى ( :فلما تجلى ربه للجبل) كيف يصح أن يتجلى وليس بجسم وما فائدة تجليه للجبل؟
وجوابنا أن المراد بهذا التجلي الظهار وذكر ال الجبل وأراد أهله فكأنه قال فلما بين لهل الجبل أنه
ل يرى بأن جعله دكا حصل المراد في ما سألوه وهذا كقوله ( إنا عرضنا المانة على السماوات
والرض) ( 33الحزاب )72أراد على أهلها وكل ذلك بمنزلة ( 12يوسف 82وأراد أهلها")88( .
هـ -توبة موسى :بما أن موسى خر صعقا أناب إلى ربه حال استيقاظه لنه أحس باستعظام ما طلب
من ال تعالى وقد بين الربيع هذا المعنى كما يلي ":عمير بن إسماعيل قال حدثنا أبو صالح عن ابن
عباس عن جوبير عن الضحاك في قوله تعالى ( سبحانك تبت إليك) أي عن مسألتي أنى أنظر إليك (
وأنا أول المؤمنين) المصدقين بأنك ل يراك أحد .وقال مجاهد مثل ذلك)89( "...
والمشكلة يحللها المحشي كما يلي " :فإن قال قائل :فإن كان موسى عندكم غير مخطئ فمم إذن
تاب؟ ومن ماذا أخذته الصاعقة؟
قيل له :إن أهل التفسير ( )90قالوا :إن ذلك لتقدمه بين يدي ال تعالى بالمسألة قبل أن يؤمر بذلك.
فإن زعموا أن الصاعقة وأن التوبة إنما كانتا من أجل طلب الرؤية قيل لهم فإن الصاعقة ل تصيب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أحدا إل على أمر ال ل يجوز له ول يحل فكذلك التوبة ل تكون من صاحبها إل على أمر غير جائز
له فهذا داخل عليكم")91( .
أما يوسف المصعبي فينقل كلم الزمخشري ":فلما أفاق من صعقته قال ( سبحانك) أنزهك مما ل
يجوز عليك من الرؤية وغيرها ( ،تبت إليك) من طلب الرؤية ( وأنا أول المؤمنين) بأنك لست
بمرئي ول مدرك بشيء من الحواس .فإن قلت :فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فمم تاب؟
قلت :من إجرائه تلك المقالة العظيمة.
وإن كان لغرض صحيح على لسانه من غير إذن فيه من ال تعالى فانظر إلى إعظام ال تعالى أم
الرؤية في هذه الية ،وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا وكيف أصعقتهم ولم يخل كليمه من
نفيان ذلك مبالغة في إعظام المر وكيف سبح ربه ملتجئا إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على
لسانه وقال ( أنا أول المؤمنين) )92( .
نتبين من خلل هذه التحاليل أن الباضية يجنحون دائما إلى التنزيه ويعمدون في ذلك إلى التأويل
واعتمادهم في ذلك ما تتحمله اللغة من المعاني فهم يعتبرون أل سبيل إلى أن يتجلى ال تعالى للجبل
كما يلحون بشدة على معنى التأبيد في " لن" وقد وافقهم المعتزلة وكثير من الشاعرة على ذلك
وعلى هذا الساس ينفون إمكانية الرؤية في الدنيا والخرة .ويعتبرون هذه الية مؤيدة لقوله
تعالى ( :ل تدركه البصار وهو يدرك البصار) .
ذلك هو موقف الباضية من طلب موسى الرؤية فماذا عن موقفهم من آيات أخر توحي بمفهوم
الرؤية؟
====================================
( )59أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .67 :1
( )60الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/29عدد . 859ر .المحشي :حاشية الترتيب . 263 -253 /7ر .يوسف المصعبي:
حاشية على أصول تبغورين.102:
( )61أبو الحسن الشعري :البانة عن أصول الديانة .تحقيق عبد القادر الرناؤوط مكتبة دار البيان ط 1دمشق بيروت -1401
.37-31 :1981
( )62حسان بن ثابت ( )674 /54ر .الزركلي :العلم.2/188 :
( )63أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي. 21:ر .عبد ال السالمي :المشارق. 193 :ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل:
الرد على البهلولي.168 -167:
( )64أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي ".21:كما أن وصف الوجوه بالنضارة مانع من إطلقها على البصار إذ ل
توصف البصار بذلك" .عبد ال السالمي :المشارق.191 :
( )65ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.22:
( )66أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.21:
( )67الجبائي :من أئمة المعتزلة وغليه نسبت الطائفة الجبائية ر .الزركلي :العلم.7/136:
( )68يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين102 :
( )69امحمد اطفيش :تيسير التفسير.6/427 :
( )70ر .الزركلي :العلم.4/228 :
( )71الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/26عدد . 853ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي161 . 160:
أورد كامل النص.
( )72ر .اليجي :الموقف 370 -368 /2حلل القضية تحليل موسعا واعتبر أن الية أقوى دليل على إمكانية الرؤية.
يعتبر الشاعرة أن الحسنى هي الجنة وأن الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم.
-2إن الزيادة أقل من المزيد عليه ورؤية ال عندهم أكبر من الجنة وأعل مقاما.
-3تفاسير الصحابة والتابعين جاءت كما يلي ":جاء عن علي ابن أبي طالب أن الزيادة غرفة من
لؤلؤ لها أربعة أبواب والغرفة هي الزيادة.
وجاء عن ابن عباس نفس القول كما أنه ذكر أن الحسنة بالحسنة والزيادة التسع لقوله تعالى ( من
جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) ( 6النعام .)160
وقال علقمة ( )93مثل هذا القول :الحسنة بعشر أمثالها في شأن الزيادة)94( .
ويتابع المحشي هذه التأويلت فينقل كلم الجيطالي في شرح النونية حيث يقول ":وأما تأويل
المشبهة في الزيادة المذكورة في قوله تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) ( 10يونس )26
وقوله ( ولدينا مزيد) ( 50ق )35فإنما تعسفوا في تأويلها تعسفا شديدا ...ولم يعتبروا فيها معنى
الزيادة المذكورة في غيرها من القرآن كقوله تعالى ( :ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من
فضله) ( 24النور )38وفي مثله من اليات :غير أن القوم متى ما سمعوا بذكر شيء قريب أو بعيد
من الذي بنوا عليه اعتقادهم ذهبت إليه أهواؤهم")95( .
وكذلك يسلك يوسف المصعبي فيذكر جميع القوال التي أوردها الربيع ثم يقول ":فإن قلت :حيث لم
يثبت هذا الحديث ( )96عندنا ول عند صاحب الكشاف ...فما معنى هذه الزيادة؟ قلت :قال الشيخ
هود رحمه ال )97( :الحسنى الجنة وزيادة يعني الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .وقال
صاحب الكشاف :وزيادة ما يزيد من التفضل ويدل عليه قوله ( ويزيدهم من فضله) ( 24النور .)38
()98
فالمهم بالنسبة إلى الباضية أن الزيادة ل يمكن أن تعني الرؤية بأي وجه من الوجوه.
يورد يوسف المصعبي في شأن هذه الية ما ملخصه أن المجوزين للرؤية يفسرون اللقاء بالرؤية
من باب المجاز لكن المانعين لها يفسرونه بما يناسب المقام كلقاء الثواب خاصة والجزاء مطلقا
والظن حسب هؤلء بمعنى اليقين فهم حينئذ يتيقنون بثبوت الجزاء والثواب منه على الخص وهو
يعتمد خاصة على الزمخشري ( 98مكرر)
أما السالمي فبين أن إطلق اللقاء على نفس الرؤية مجاز ل يصح إل بدليل ول دليل ولنه لم يرد
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ذكر اللقاء إل في مقام التخويف والتهويل وهو بخلف مقام الرؤية كما يعتقد مثبتوها ولنه اشترك
في مقام اللقاء الطائع والعاصي قال تعالى ( يا أيها النسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه) (84
النشقاق ( .)6ر .المشارق .)194
وقوله ( :كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (( 83المطففين )15ينسب الربيع بن حبيب إلى
علي وابن عباس ما يلي في شأن هذه الية " فلم يزل يحجبهم عن رحمته وثوابه ول ينظر إليهم
برحمته")99( .
أما المحشي فيورد قول البيضاوي ":فل يرونه بخلف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيل
لهانتهم بإهانة من يمنع عن الدخول إلى الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم" (
)100
والبيضاوي يشير إلى ما جاء عند الزمخشري محلل كما يلي ":وكونهم محجوبين عنه تمثيل
للستخفاف بهم وإهانتهم لنه ل يؤذن على الملوك إل للوجهاء المكرمين لديهم ول يحجب عنهم إل
الدنياء المهانون عندهم ...وعن ابن عباس وقتادة :محجوبين عن رحمته")101( .
ويذكر عمرو التلتي الية ويبين أن معناها أنهم " محجوبون عن ثوابه ورحمته ل عن رؤيته"( .
)102
فواضح إذن أن الباضية يرفضون الستدلل بالمخالفة في العتقاديات ول يقبلون الحجاب الحسي
بالنسبة إلى ال تعالى لما يتسلزم من الجهة فالتأويل حينئذ أن الحجاب حسي والمحجوب عنه هي
جنته )103( .
ل دللة في الية على رؤية ال تعالى لعدم ذكر المنظور فيها فيفسر بالنظر إلى ما أعد ال لهم من
الثواب في مستقر رحمته كما أرشد إليه قوله تعالى ( :وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) (79
النسان .)20
هذا في ما يتعلق بالستدلل بالقرآن الكريم في شأن نفي الرؤية والباضية في هذا الحتجاج ل
يكتفون بالقرآن بل يستعينون بما جاء في الحديث في هذه القضية فبقي -قبل أن نصل إلى
الستنتاج -أن ننظر في أهم الحاديث التي يعتمدها مثبتو الرؤية في الخرة خاصة ويعتبرونها مبينة
لما جاء في القرآن الكريم لنتبين موقف الباضية منها.
-الرؤية في الدنيا:
يتفق الباضية مع جل الشاعرة والمعتزلة على أن ال ل يرى في الدنيا لكن بعض الشاعرة
اعتبروا أنها ممكنة للرسول عليه السلم ،ويحتجون بقصة المعراج إل أن الباضية يرفضون ذلك
رفضا تاما وعمدتهم في ذلك ما صح عن عائشة أن الرسول عليه السلم رأى جبريل)104( .
وهذا نص الحديث كما يثبته الربيع بن حبيب " :قالت عائشة رضي ال عنها" ثلث من تكلم
بواحدة منهن فقد أعظم على ال الفرية" قال (مسروق) ( )105وكنت متكئا فجلست وقلت يا أم
المؤمنين انتظري ول تعجلي ألم يقل ال (:ولقد رآه نزلة أخرى) ( 53النجم ( )13ولقد رآه بالفق
المبين) ( 81التكوير )23فقالت عائشة رضي ال عنها أنا أول هذه المة سألت النبي صلى ال
عليه وسلم عن ذلك فقال "":ذلك جبريل عليه السلم ولم أره في صورته التي خلق عليها إل
مرتين رأيته قد هبط من السماء فسد جسمه ما بين السماء والرض ألم تسمع لقوله تعالى ( ل
تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير) ( 6النعام )103قال مسروق :تفسير هذه
الية دليل على ما روت عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم يقول ( :ما كذب الفؤاد ما رأى....لقد
رأى من آيات ربه الكبرى) ")106( .
" أن مثل هذه الرواية جاءت عند البغوي (ت )107( )899 /286وهي أيضا عن مسروق وبين أن
المواقف ثلثة في شأن الرؤية:
والباضية اختاروا الرأي الخير اعتمادا على موقف عائشة ( )109فل رؤية حينئذ لبشر مهما كان
ول في الدنيا ول في الخرة.
وإن اعتمد الباضية هذه الرواية التي لم ترد في بقية الصحاح فماذا يقولون في الحديث الذي أقره
مثبتو الرؤية؟
قوله صلى ال عليه وسلم " :هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر" ()110
يقول عمرو التلتي ":معناه (الحديث) إن كان صحيحا أنكم تعلمون ربكم كما ل تشكون في القمر
ليلة البدر ...وليس معناه تبصرونه بأعينكم كما توهم ذلك الزاعم")111( .
ويلح يوسف المصعبي على تضعيف الحديث وإن كان لبد من قبوله فيجب أن تؤول الرؤية بالعلم( .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
)112
واضح أن الباضية رجحوا نفي الرؤية من منطلق قرآني لذلك فهم يرفضون مثل هذا الحديث أو
يعتبرونه من الحاد التي ل يعتمد عليها في باب العقائد أو يؤولونه اعتمادا على المجاز اللغوي ( .
)113
وقبل أن نختم هذا المبحث يحسن أن نشير إلى مختلف المواقف من الرؤية كما ذكرها عمرو التلتي
حيث يقول ":إن القائلين برؤيته تعالى اختلفوا في كيفيتها:
وذهبت طائفة إلى أنه يرى في صورة يخلقها ويكلم منها عباده.
وذهبت طائفة إلى أن المخلصين يعاينونه في الدنيا والخرة إذا أرادوا معاينته" ()114
وفي إيراد هذا الختلف دليل على اضطراب موقف القائلين بالرؤية فما هو حكمهم حسب الباضية؟
================================
( )93علقمة( )62/281علقمة بن قيس الهمداني تابعي .فقيه العراق ولد في وروى الحديث عن الصحابة .ر .الزركلي :العلم
ε .5/45حياة النبي
( )94الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 31 -30 /3عدد . 862 -860ر .عبدال السالمي :المشارق.194 -193 :
( )95المحشي :حاشية الترتيب .264 -7/263
( )96وهو ":إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوال ما أعطاهم ال شيئا هو أحب
إليهم منه" ر .مسلم إيمان 316ر .ونسنك :المعجم المفهرس 478 /6
( )97انظر لتعريف هود ما سبق 144 :تعليق .79
( )98ر .الزمخشري :الكشاف .234 -2/233ويورد نفس ما جاء عند الربيع .ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين
ورقة 287قفا .والزمخشري تابع في موقفه لما جاء عند القاضي عبد الجبار حيث يقول " :إن المراد ول يرهق بالزيادة
والتفضيل الثواب فتكون الزيادة على الحسنى .ولذلك قال بعده ( يونس )26فبين أن الزيادة هي من هذا الجنس في الجنة"
تنزيه وجوهم قتر ول ذلة القرآن عن المطاعنك 177ر .أيضا ،عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 20وجه
( 98مكرر) ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 33وجه وقفا .ر .عبد ال السالمي :المشارق.194 :
( )99الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/30عدد .859
( )100المحشي :حاشية الترتيب . 7/267ر .البيضاوي :أنوار التنزيل وأسرار التأويل ط مصطفى البابي الحلبي بمصر ،من
الحج الكبير .2/299 .1375/1955
( )101الومخشري :الكشاف .4/232
( )102عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 20وجه
( )103ر .عبد ال السالمي :المشارق .194لم نجد إشارة بهذه الدقة في مصادر المرحلة المقررة لذلك اكتفينا بما جاء عند
السالمي .ر .عبد ال السالمي :المشارق.195 :
( )104وأورد محمد عبده رواية عن أبي ذر( )32/652تدعم رواية عائشة وهي ":هل رأيت ربك؟ فقال :نور أني أراه؟" ر.
محمد عبده :تفسير وسأل أبو ذر الرسول المنار . 9/140ر .مسلم :إيمان .219الترمذي :تفسير سورة النجم . 7أحمد بن
حنبل .5/157
( )105مسروق بن الجدع ( )63/683تابعي من أهل اليمن قدم مكة أيام أبي بكر وسكن الكوفة.ر .الزركلي العلم .8/108
( )106الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/15ما كذب الفؤاد ما رأى( )11أفتمارونه على ما يرى( )12ولقد رآه نزلة عدد
824أخرى( )13عند سدرة المنتهى( )14عندها جنة المأوى( )15إذ يغشى السدرة ما يشغى( )16ما (18النجم)[ .زراغ البصر
وما طغى( )17لقد رأى من آيات ربه الكبرى
( )107البغوي :شيخ الحرم .من حفاظ الحديث كان ثقة مأمونا .له مسند .ر .الزركلي :العلم .1/113
الزركلي :العلم 1/113
( )108المحشي :حاشية الترتيب 194 -7/193
( )109ر .عبد ال السالمي :المشارق ص .203
( )110وجاء الحديث بالستفهام بالهمزة"أ" ،كما أن تضامون جاءت أيضا تمارون أو تتمارون .ر .البخاري آذان .129
الترمذي جنة .17-15ابن ماجة مقدمة 13زهد . 39ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 5/466ر .أبو الحسن الشعري :البانة ط
بيروت 40 -39ينتصر للقول بالرؤية البصرية.
( )111عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 20وجه.ر .يوسف :شرح أصول تبغورين.101:
( )112ر .يوسف المصعبي :شرح أصول تبغورين ،101:وقد استدل تبغورين لتأويل الرؤية بالعلم بأدلة (الفيل )1يعني ألم تعلم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل كثيرة منها قوله تعالى ، :وهو لم ير أصحاب الفيل.ر .تبغورين ابن عيسى الملشوطي:
كتاب أصول الدين .66/67 :
( )113لزيادة التوضيح ر .عبد ال السالمي :المشارق 196:
( )114عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 20قفا .
-1القائلون بالرؤية في الدنيا يحكم عليهم بالشرك لمكابرتهم العقل والنقل بل شبهة يتمسك بها.
-2القائلون بجواز الرؤية في الخرة يحكم عليهم بكفر النعمة ( )115لنهم تأولوا الكتاب والسنة
ولو يوفقوا إلى الحق.
أما إذا ذهب هؤلء إلى التجسيم فيحكم عليهم أيضا بكفر الشرك)116( .
وبعد هذا يمكن أن نختم البحث بما يلي :ال تعالى يرى أو ل يرى وإن كان يرى فكيف يرى؟ وأين
يرى؟ أفي الدنيا والخرة أم في الخرة فحسب؟ تلك هي القضية التي خضنا غمارها مع التراث
الباضي في تفاعله مع بقية التراث السلمي خاصة في هذا المبحث ،فهل لمثل هذه الحيرة صدى
حضاري واضح؟.
الحقيقة أن التراث الباضي لم يعرف حيرة ذاتية في هذه القضية لنه تبنى استحالة الرؤية من يومه
الول .لكن ما كانت الفرق الخرى وهو يتعايش معها صباح مساء أن تسكت عنه إذ ظلت هنا أيضا
تحشره في ومرة التراث الذي يقوم على الهوى والبدعة.
وما كان هو ليسكت عن هذه التهمة التي ما زالت تلحقه منذ أن حشر في زمرة التراث الخارجي
كما رأينا .ولهذا لم يكتف هذا التراث بقناعته الذاتية وإنما انبرى يدافع عنها ،فالتمس منطلقا علميا
خلل النظريات المتعلقة بعلم المبصرا كما التمس غيره منطلقات أخرى لكن رأينا ضحالة هذه
المنطلقات وعدم جدواها في البحوث العقائدية لن الحقائق العلمية نسبية والحقائق العقائدية ثابتة
والثابت ل يمكن أن يبنى على النسبي الذي يمكن أن يتحول من موقف إلى آخر مناقض من لحظة
إلى أخرى.
لكن في المستوى الحضاري كان يمكن أن تثمر هذه المنطلقات كشوفا فيزيائية معتبرة إل أن البيئة
الباضية لم تعرف مثل هذه الكشوف.
كما أن هذا التراث السلمي بطرفيه المؤازرة لمكانية الرؤية والمعارض لهذه المكانية حاول أن
يدلي بحجج عقلية تؤازر هذا الموقف أو ذاك والباضية في هذا تعايشوا مع الفكر العتزالي وأخذوا
منه الكثير لكن دون أن يذوبوا في خضمه إذ لم يصلوا إلى تقديم العقل على النقل كما يفعل المعتزلة
بل اعتبروا أن حجة ال هي السماع في الدرجة الولى وكذلك كان المر بالنسبة إلى الفكر الشيعي.
أما الشاعرة وإن حاولوا البعد عن الفكر العتزالي فقد اضطروا إلى أن يتبنوا منهجه العقلي للدفاع
عن مواقفهم ولنشأة الشعري العتزالية أثر كبير في تفكيره وإن أقر لنفسه رأيا خاصا خالف به
شيوخه والمدرسة التي نشأ فيها .ومهما يكن من أمر فقد اعترف كل من الباضية والشاعرة
والماتريدية أن الحجة العقلية مهما ارتقت تبقى هزيلة في موضوع الرؤية وذلك يفهم عقل لن
البصر في هذه القضية وهو طاقة محدودة يريد أن يبصر ال تعالى الذي يتفق المسلمون على أنه ل
يمكن أن يحد.
وغاية ما نقول في البعد الحضاري لهذا الحتجاج العقلي أنه خرج في مرحلته الخيرة من مستوى
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المعقول إلى مستوى اللمعقول ،وذلك بتصور حاسة سادسة أو إدراك آخر أو أن تكون الرؤية بل
كيف والحقيقة أن التراث الباضي اتخذ هذه الحلول منطلقا للسخرية من الطرف الخر كما فعل
المعتزلة ومهما قلنا في هذا الشأن يبقى التصور العقلي المجرد الذي ينطلق من منطلق تنزيه ال
تعالى وعظمته أقرب الى استحالة الرؤية منه إلى إمكانها.
والمحاورات المبثوثة في التراث الباضي بين بعض الناس ،واستفسار بعض العلماء في حلقات
عامة للحراج تدل على أن الموضوع يسترعي انتباه الناس فيحاول كل طرف أن يدعم موقفه وفعل
فإذا وجهت التهم للباضية قل أن تنسى قضية الرؤية على أساس أنها حرمان من لذة في الجنة ل
مثيل لها ،لكن هذا ليس من منطلق عقلي وإنما من منطلق نقلي فماذا عن الحتجاج النقلي؟
إن منطلق هذا الحتجاج نصوص قرآنية من المتشابه على أساس ألفاظها أو على أساس مبناها
تجاذبها المثبتون للرؤية والنفاة لها كل حسب موقفه .منها الحيرة تجاه رؤية الرسول عليه السلم
ربه عند سدرة المنتهى والحقيقة أن النص يصعب أن يفك سره بتحكيم العقل فحسب ولذلك استند
كل على نصوص من الحديث والباضية سندهم في هذا عائشة التي اعتبرت أن ممن يدعي أن
الرسول عليه السلم قد رأى ربه فقد أعظم على ال الفرية.
وإذا كانت الرؤية لم تتم للرسول عليه السلم فمن باب أولى أن ينفيها الباضية عن بقية الناس في
الحياة الدنيا.
ويدخل ضمن هذه القضية طلب موسى عليه السلم من ربه الرؤية وهذا الطلب قد انطلق منه
الشاعرة على أساس أن النبي ل يمكن أن يطلب أمرا مستحيل وهو معصوم وقد أطالوا في هذا
البحث واعتبروا أن هذه الية من أقوى الحجج النقلية على ثبوت الرؤية لكن الباضية ومن وافقهم
اعتبروا أن توبة موسى بعد أن صعق أقوى دليل على انه أخطأ في حق ربه.
والملحظ هنا أن الطرفين يقيمان الحجج على التأويل والستنباط رغم نفور الشاعرة من التأويل.
والذي يلفت انتباهنا من الناحية الحضارية هنا هو حرص كل من الطرفين على تتبع هذه الية حسب
تقسيم منهجي متكامل يترابط بعضه ببعض وهذا مكننا من حصر القضية في محاور محددة بدقة من
بداية التحليل.
وإن كانت قضية موسى هذه أثرت الفكر البلغي أيما إثراء فإن قضية النظر لم تخل من مثل هذا
المدد فالنظر عند طرف ل يكون إل بالبصر والنظر عند الطرف الخر إذا تعدى بإلى ل يمكن أن يفيد
إل النتظار وكذلك في شأن التقابل التركيبي الذي يقوم عليه سياق الية لكن ماذا عن صدى هذا في
أوساط المة؟ ل شيء في ما نعلم وأنى للناس أن يرتقوا إلى أن " إلى" تكون بمعنى نعمة ويصير
لها محل في العراب وإنما تهمهم النتيجة وهي في الحقيقة معروفة من البداية من موقف المتكلم
ومذهبه الفكري.
وإن كان الفكر الذي يجيز الرؤية يعتمد على طلب موسى فإن الفكر الذي يحيلها ينطلق خاصة من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
( ل تدركه البصار) ليعتبر النفي أبديا مع ما يدعمه من ( لن تراني) في السياق الخر ومع اعتبار
أن نفي الرؤية من مدائح ال التي ل تكون مدائح إل بدوامها في الدنيا والخرة وينتهي الجدل من
حيث بدأ فيتمسك كل برأيه ولول هذا الجدل لكتفى الناس بأول تفسير للقرآن ولما نمت المدرسة
القرآنية مثل هذا النمو والملحظ أن مراكز الهتمام في كل السور عند المفسرين تتمثل في ما جاء
متشابها وله مساس بالعقيدة أو ما جاء في باب الحكام من آيات تمس العبادات والمعاملت.
والملحظ أيضا أن اعتماد المفسرين على التأويل أثر تأثيرا واضحا في علم البلغة ومعلوم أن
الزمخشري قد اعتبر من أئمة العربية والباضية في هذه المرحلة التي تهمنا خاصة اعتمدوا اعتمادا
كليا في باب الرؤية على تحليلته مع الحالة على تفسيره بصراحة أما في شأن اليات الخرى فلم
تكن إل مكملة لليات التي اعتبرت أساسية في هذا المبحث.
بقي الحتجاج بالحديث فإن له بعده الحضاري من البداية بصفة واضحة إذ لئن كان النص القرآني
واحدا فإن للحديث مدارس وواضح في هذا الشأن أن الباضية أقروا أحاديث بنوا عليها معتقدهم ل
نجد لها ذكرا في كتب التيار الخر وكذلك هذا التيار أورد أحاديث في شأن الرؤية في الخرة ل
يقرها الباضية أو يتأولونها بوجه من الوجوه.
والبعد الحضاري أخيرا يتجلى في حكم هذا الطرف على ذلك فمجيزو الرؤية يعتبرون القائلين
بإحالتها أهل بدع وأهواء .والقائلون بنفيها ويهمنا منهم الباضية يعتبرون القول بثبوت الرؤية
اعتمادا على التأويل معصية تجب فيها اللهجة أحيانا وتلين أخرى.
ومعلوم أن مثل هذه النصوص منها ما يصل بين أيدي الناس فينعكس على الحياة العامة لكن يبدو
أن مثل هذه المواقف سرعان ما تنسى مهما بدت خطرة عندما يحتك الناس ببعضهم في حياتهم
اليومية وفي معاملتهم التجارية وتجار الباضية ل يكاد يخلو منهم محيط ،فالناس يحترمونهم غالبا
لما يتحلون به من حزم وأمانة عدا بعض الستثناء الذي ل تخلو منه بيئة وعدا بعض الظروف التي
يحتد فيها الخصام فتمنع شهادة الباضية أو يحرمون من التجارة نتيجة وشايات منطلقها عقائدي
غالبا.
فالملحظ حينئذ أن هذه القضايا قد ينعكس أثرها أحيانا على البيئة لكنها تبقى في الغالب تظرية
علمية في مستوى طبقة من العلماء تعرف كيف تتفاعل بنزاهة مع من يخالفها في مستوى الفهم
لنها تدرك أن الجتهاد يمكن أن يفضي إلى الختلف في النتائج حتى داخل المدرسة نفسها.
بعد أن حددنا البعد الحضاري لقضية الرؤية يجدر بنا أن نستجلي قضية تجاوز فيها الجدال حد القلم
إلى حد السياط والمحن أل وهي قضية خلق القرآن.
==============================
( )115المعصية :انظر ما يلي 541 :
( )116ر .عمرو التلتي شرح النونية ورقة 20قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور .81ر عبد ال السالمي :المشارق-206 :
.207
:
لقد وعدنا عند تحليل معاني الصفات الذاتية بأن نفرد فصل خاصا لصفة الكلم ( )1وذلك لربط
علماء الصول هذه القضية بموضوع خلق القرآن أو عدم خلقه.
والناظر في مختلف النصوص يتبين أن من المصادر ما هون من هذه القضية مثل تبغورين
الملشوطي في قوله ":وإن كان بعض الناس يقولون مسألة حار فيها المتكلمون وإنما يحار فيها
من قل فهمه وضاق صدره")2( .
واعترتها مصادر أخرى من معضلت علم الكلم مثل ابن تميمة()3( )1328 -1263 /728 -661
حيث اعتبرها من المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الرض ( )4وقد تجمع من فتاواه في
هذه القضية مجلد ضم 62صفحة.
وليت المر بقي معضلة نظرية كما هو الشأن بالنسبة إلى بقية القضايا ولم يتحول إلى محنة عملية
عرفت بمحنة خلق القرآن)5( .
الكلم :جاء في لسان العرب ":الكلم في أصل اللغة الصوات المفيدة وعند المتكلمين :المعنى
القائم الذي يعبر عنه بألفاظ في اصطلح النحاة :الجملة المركبة المفيدة")6( .
ويقول ابن تيمية ":وقد تنازع الناس في مسمى الكلم في الصل فقيل هو اسم اللفظ وقيل :لكل
منهما بطريق الشتراك اللفظي ،وقيل :بل هو اسم عام لهما جميعا يتناولهما عند الطلق وإن كان
مع التقييد يراد به هذا تارة وهذا تارة هذا قول السلف وأئمة الفقهاء وإن كان هذا القول ل يعرف
في كثير من الكتب")7( .
وقد أفرد الشهرستاني فصل بعنوان ":في حقيقة الكلم النساني والنطق النفساني" حرص فيه
على إثبات العلقة الجوهرية بين ما يدور في النفس وبين المنطوق باللسان)8( .
وللقضية في رأينا صلة متينة من قضايا اللغة وهي علقة الدال بالمدلول أو علقة اللفظ بالمعنى
وتندرج أيضا ضمن قضية فلسفية أي المرين أسبق الفكر أم اللغة؟
ل نريد أن نبحر في هذا الغرض لنه يخرج بنا عن موضوعنا وإنما أحببنا أن نحدد الطار الذي
وضعت فيه قضية الكلم اللهي .ومعلوم أن الخوض في شأنه كان أحد سببي تسمية العلم الذي
عرف بعلم الكلم على حد تعبير ابن خلدون في المقدمة " ،سموا مجموعه ( )9علم الكلم :إما لما
فيه من المناظرة على البدع وهي كلم صرف وإما لن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في
إثبات الكلم النفسي")10( .
والمتأمل في مختلف وجهات النظر حول الكلم اللهي يتبين أنها تعكس نظرة كل مفكر للكلم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
البشري فمن اعتبر أن اللفظ هو الساس سهل عليه أن يقول بالخلق ومن اعتبر ما يجول في النفس
هو الساس أقر بعدم الخلق ،ومن لم يقدم هذا على ذاك لم يقل ل بالخلق ول بعدمه .وهناك من جمع
بين الموقفين فقال بقدم المعنى وخلق اللفظ وقد استطاع ابن تيمية أن يحصر هذه المواقف في
أربعة في النص الذي أوردناه قبل قليل.
كما يتبين كذلك أنها على صلة متينة بمواقف هذه التجاهات من صفات ال تعالى الذاتية منها
والفعلية.
فالقائلون بأن الصفات الذاتية هي عين الذات اعتبروا الكلم مخلوقا حادثا والقائلون بأنها غير الذات
اعتبروا الكلم غير مخلوق ومنهم من اعتبر الكلم صفة ذاتية من جهة نفي العجز وصفة فعلية من
حيث الخلق.
واضح من خلل عرضنا لطار هذه القضية العام أن المصادر الباضية لم تهتم بتعريف الكلم لنها
تعتمد القواميس المعروفة .فلنحاول تعريف كلمتي " قرآن" و" خلق".
القرآن :إن المصادر الباضية التي تخص المرحلة المقررة لم تهتم بالتعريف اللغوي ،وإنما تنطلق
مباشرة في عرض حجج القائلين بالقدم لترد عليها بحجج القائلين بالخلق.
والمتأمل في المصادر الباضية اللحقة يجد أن ناصر بن سالم الرواحي ( )11اهتم بهذه القضية إل
أنه يكاد ينقل كل ما جاء في لسان العرب نقل حرفيا.
وخلصة ما في اللسان ( )12تبين أننا أمام تفسرين أحدهما وهو الغالب يتمثل في اللحاح على
فكرة الجمع والضم وهذا التفسير اللغوي يواكب القائلين بخلق القرآن لن الجمع والضم من
خصائص ما هو مخلوق وثانيهما يتمثل في اعتبار أن لفظه القرآن غير مشتقة من قرأ وقد نسب
هذا القول للشافعي ( )13( )820 -767 /204 -150وعبدال بن كثير (( )738 -665 /120 -45
)14وهو تفسير يبدو أقرب إلى نفي الخلق عن القرآن.
والمهم حسب ما جاء في اللسان أن " القرآن" خص بالكتاب المنزلة على محمد صلى ال عليه
وسلم فصار لـه كالعلم كما أن التوراة خص لما أنزل على موسى عليه السلم وكذلك النجيل خص
لما أنزل على عيسى عليه السلم.
الخلق :يقول ناصر بن سالم الرواحي ":أصله التقدير المستقيم ،وستعمل في إبداع الشيء من غير
أصل ول احتذاء ،قال تعالى ( :خلق السموات والرض) ( 6النعام )15( )1أي أبدعهما بدللة
قوله ( :بديع السموات والرض) ( 2البقرة .)117
ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء نحو ( :خلقكم من نفس واحدة) ( 4النساء .)1
وما كان بمعنى البداع ل يكون إل ال تعالى ولهذا فصل بين نفسه وبين غيره فقال سبحانه ( :أفمن
يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون) ( 16النحل )17ويكون ما كان بالستحالة لغيره في بعض الحوال
كمعجزة عيسى عليه السلم.
والخلق ل يستعمل في كافة الناس إل على وجهين أحدهما في معنى التقدير قال (:رجز).
والثاني :في الكذب نحو قوله تعالى ( :وتخلقون إفكا) ( 29العنكبوت .)17
فإن قيل :قول ال تعالى ( :فتبارك ال أحسن الخالقين) ( 23المؤمنون )14دليل على صحة وصفه
غيره بالخلق .قيل :يمكن أنه أراد تعالى أحسن المدبرين أو تقديرا وتنزيل على معتقدهم وزعمهم
الكاذب أن غيره يشركه في البداع سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فكأنه قيل فأحسب أن
هناك مبدعين وموجدين فال أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون كما قال تعالى ( :خلقوا كخلقه فتشابه
الخلق عليهم) ( 13الرعد .)16
وكل موضوع استعمل فيه الخلق لوصف الكلم فالمراد به الكذب وتمسك بهذا القول كثير ممن
امتنعوا عن القول بخلق القرآن ول حجة لهم فيه إل التمحل")16( .
ونخلص من هذا النص إلى أن الخلق بمعنى اليجاد والبداع في حق ال تعالى سواء أكان من ل
شيء أو من شيء والفرق واضح بين الخلق والختلق وحول معنى اليجاد والحداث ثار الجدل
بين القائلين بنفي خلق القرآن والقائلين بخلقه فما هو موقف أو بالحرى مواقف الباضية من هذه
القضية؟
=============================
( )1انظر ما سبق234 :
( )2تبغورين بن عيسى المشلوطي : :كتاب أصول الدين63 :
( )3ر .ابن تيمية :الزركلي :العلم 1/140
( )4ر .ابن تيمية :مجموعة الفتاوي .جمع وترتيب عبد الرحيم بن محمد قاسم ط .المكتب التعليمي السعودي بالمغرب مكتبة
المعارف الرباط د.ت 12/54
( )5ر .الطبري :تاريخ المم والملوك .القاهرة ،الستقامة 1358/1939
( )6ابن منظور :لسان العرب
( )7ابن تيمية :الفتاوي 12/67
( )8ر .الشهرستاني :نهاية القدام فيعلم الكلم ،تصحيح الفرد جيوم .مكتبة بغداد د.ت 319 -318:
( )9كان بصدد تقرير فروع علم الكلم
( )10ابن خلدون :المقدمة 834 :
( )11ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر 1/40
( )12ابن منظور :لسان العرب
( )13الشافعيك ر :الزركلي :العلم 250 -6/249
( )14عبدال بن كثير الداري المكي أحد القراء السبعة .ر .الزركلي :العلم 4/255
)])15والية[ :الحمد ال الذي خلق السماوات والرض وجعل الظلمات والنور.
( )16ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر .1/41اعتمد اعتمادا كبيرا على ما جاء عند ابن منظور في لسان العرب عدا الفقرة
الخيرة فانها من استنتاجه الخاص .واعتمدنا هذا النص لننا لم نجد في المرحلة المقررة نصا بهذا الستيفاء.
لم نجد الشارة إلى " خلق القرآن" ل عند الصحابة ول عند التابعين ،فجابر بن زيد و أبو عبيدة
والربيع ووائل بن أيوب شيوخ الباضية على التوالي لم يتطرقوا لهذا الموضوع في ما نعلم.
لكن الكشف التاريخي يثبت أن الحضارة اليونانية والديانة اليهودية والمسيحية كلها خاضت في مثل
هذه القضية من قبل)17( .
فهذا هيروقليطس قد فسر الكلمة بأنها القوة العاقلة المنبثة في جميع أنحاء الكون وليس العالم
المرئي إل جانبا رمزيا ظاهرا يختفي وراء الصنف الخر من حقيقة هذا الكون)18( .
وفي الفلسفة الرواقية قد قصدوا بالعقل الكلي المدبر للكون وميزوا بين العقل الظاهر وبين العقل
الكامن.
وقد أثرت هذه الفلسفات في الفكر المسيحي فأصبحت " الكلمة" البن الول في المسيحية والروح
السارية في العالم وتشخصت في صورة المسيح)19( .
وللديانة اليهودية الكلمة " ممرا" التي نتج عنها وفقا للعهد القديم أفكار الخلق والوحي والعناية.
إن مثل هذه الفكار تسربت تدريجيا إلى المحيط السلمي وفعلت فعلها ويبدوا أن الجعد بن درهم (
)737 /120وهو أول من روج الحديث في هذه القضية في المحيط السلمي ( )20ثم تفشت شيئا
فشيئا حتى بلغت أوجها مع المأمون.
ويبدو أن أول من تعرض للقضية في المحيط الباضي ابن يزيد الفزاري ( )21دون أن يكون لها أثر
كبير في البيئة الباضية.
ويورد أحمد الشماخي أن المعركة في شأن هذه القضية قد احتدت زمن المهنا بن جيفر (-226
)850 -841 /236أحد أئمة عمان ( . )22وكذلك أشار إلى نفس الحادثة أبو مهدي عيسى بن
إسماعيل ( )23وتتمثل في أن القضية دخيلة على إباضية عمان ومنطلقها من مدينة البصرة ذلك أن
أبا شاكر الديصاني ( )24ألقى بين الناس فكرة قدم القرآن ،وما أن وصل صداها إلى عمان حتى
ثارت فتنة بين علمائها وكادت تفضي إلى تصدع بينهم لول أنهم اصطلحوا بسرعة على الوقوف
على الجمال وهو أن ال تعالى خالق كل شيء وما سوى ال مخلوق وأن القرآن كلم ال ووحيه
وكتابه وتنزيله على محمد صلى ال عليه وسلم .
ويذكر البرادي وجود ثلثة مواقف في عمان في القرن الثالث هجري التاسع ميلدي وهي:
-2القرآن كلم ال ووحيه للرسول صلى ال عليه وسلم وهو مما يسع جهله.
-3رفض القول بخلق القرآن من التوقف فيمن يقول بذلك (." )25
كما ينقل أبو مهدي ( )26نصا عن الوارجلني مفاده أن القضية ظلت خلفية في عمان إلى القرن
السادس هجري 12 /ميلدي ،فمنهم من يقول بالقدم ومنهم من يقول بالحدوث ومنهم من يتوقف
دون أن يقطع عذر هؤلء ول هؤلء.
وممن يقولون بالقدم ابن النظر العماني ( )27وقد أفرد قصيدة نونية في ديوان الدعائم ( )28للدفاع
عن هذا الموقف وتبرأ ممن يقولون بالخلق)29( .
هذا عن إباضية المشرق في قضية خلق القرآن أما عن إباضية المغرب فقد استقر عندهم رأي واحد
من وقت مبكر مع رسالة المام أبي اليقظان الرستمي ( )30( )894 -855 /281 -231وقد استمر
هؤلء في الدفاع عن هذا المبدأ إلى يومنا هذا.
وهنا يجدر أن نلحظ أن سجن أبي اليقظان كان زمن المتزكل أي عند رد الفعل على المعتزلة فالفكر
العتزالي كان قد تبلور بعد ،وكذلك ننبه إلى طرد سحنون علماء المعتزلة والباضية وغيرهم من
الفرق من جامع القيروان ( ، )31فرسالة أبي اليقظان حينئذ جاءت رد فعل على العباسيين
والغالبة في نفس الوقت ،وأقرت خلق القرآن انطلقا من حجج اعتزالية فل شك حينئذ في تأثر
الباضية بالمعتزلة في هذه القضية لكن مع شيء من التصرف كما سنبين ذلك في إبانه.
وحاصل القول إننا إن تبينا أن الباضية تمسكوا برأي واحد في ما يتعلق بالقول باستحالة رؤية ال
تعالى فإنهم وقفوا مواقف شتى من قضية خلق القرآن تتلخص في ما يلي:
-1الكتفاء بالجمال دون تفصيل :إن ال خالق كل شيء وما سوى ال مخلوق ،وإن القرآن الكريم
كلم ال ووحيه وكتابه وتنزيله على محمد صلى ال عليه وسلم .
-4القرآن مخلوق.
وواضح من خلل النظر في النصوص أن الموقف الذي غلب على جمهور الباضية وبصفة خاصة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بالمغرب ،وهذا محور بحثنا وبصفة أخص في القرون التي تعنينا ،هو القول بخلق القرآن إذ كل من
الشماخي والسدويكشي والمحشي والتلتي والمصعبي وأبي مهدي وغيرهم جاءت مصنفاتهم ترد
على من يقول بالقدم ،وتدعم القول بالخلق فما هي الحجج المعتمدة في هذا الشأن؟
====================
:
إن هذه القضية ترد دائما في سياقات جدلية يختلط فيها الحتجاج بالردود على من يقول بالقدم لذلك
رأينا من الصلح أن نفصل بينهما ليكون العرض أكثر وضوحا فنبدأ بذكر حجج الباضية على خلق
القرآن.
الحجج العقلية:
)1إن القرآن يتكون من حروف ،وحركات وأصوات مقطعة وآيات محكمة ومتشابهة وناسخ
ومنسوخ وأجزاء وأحزاب الخ كل هذا من علمات الحادث (. )32
)2ل يمكن أن يعتبر القرآن صفة ل لن هذا يحتاج إلى وحي صريح أو توقيف وهذا غير موجود (
. )33
)1القرآن شيء غير ال عز وجل فلو قيل بقدمه بطلت الوحدانية في القدم لنه يلزم حينئذ وجود
قديمين (. )35
وقد نقل أبو مهدي نصا من رسالة أبي يقضان جاء فيه ما يلي " :اجتمعت المة على أن القرآن
كلم ال ول يخلو هذا الكلم من أن يكون شيئا أو ليس بشيء فإن كان ليس بشيء فإنه اختلف فيه
المختلفون وليس ثم شيء يختلف فيه المختلفون وينازع فيه متنازع ولو صح أنه ليس بشيء لبطل
أن تكون رسل ال جاءت بشيء وأن ال عز وجل أنزل على أنبيائه شيئا ولبطل أن يكون ثم توراة
أو إنجيل أو فرقان فثبت أن كلم ال شيء" (. )36
" )5بما أن المحدث ل يكون إل بمحدث فل كلم بدون متكلم مختلف عن المتكلم" (. )37
" )6ومما يدل على أن الكلم من ال حدث وأنه غيره أنه جائز أن يقال متى كلم ال موسى ،ولم
كلم ال موسى؟ فيقال :ليفضله بكلمه ويحتج به على خلقه ،ول يجوز أن يقال :لم قدر ال على
موسى كما جاز أن يقال لم كلم ال موسى ،ول يجوز أن يقال متى علم ال موسى ول متى قدر ال
على موسى ،وجائز أن يقال لم كلمه ومتى كلمه ،ول يجوز أن يقال لم يزل يكلمه كما يجوز أن يقال
لم كلمه ومتى كلمه ،ول كما يقال لم يزل يكلمه كما يجوز أن يقال لم يزل يعلمه ويقدر عليه وكما
يجوز أن يقال لم رضي ال على نبيه فيقال لنه أطاعه ويقال لم غضب ال على أعدائه فيقال لنهم
عصوه فدخل الكلم في باب الفعل")38( .
)7الدليل على خلق القرآن خلق النسان ":قال أبو القاسم رحمه ال :فإن قال ما الدليل على خلق
القرآن؟ قلنا هو الدليل على خلقك أنت أيها السائل .فإن كان القرآن غير مخلوق فأنت أيضا غير
مخلوق وإل فجميع آثار الصنعة الموجودة فيك الدالة على خلقك موجودة فيه دالة على خلقه"( .
)39
الدلة النقلية
-أما الحدَث :فقوله تعالى ( :ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون) (21
النبياء ( .)2ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إل كانوا عنه معرضين) ( 26الشعراء )5
فالقرآن ذكر والذكر محدَث ينتج القرآن محدَث ،فإن الذكر هو القرآن لقوله تعالى ( وقالوا يا أيها
الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) ( 15الحجر .)6فإن الذكر هو القرآن.
-وأما الجعل :فقوله تعالى ( :إنا جعلناه قرآنا عربيا) ( 43الزخرف .)3وقوله ( ولكن جعلناه نورا
نهدي به من نشاء من عبادنا) ( 42الشورى )52فالجعل بمعنى الخلق كما في قوله تعالى ( :هو
الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) ( 10يونس .)67وقوله ( :وجعل منها زوجها) ( 7العراف
.)189وقوله ( :أمن جعل الرض قرارا وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي) ( 27النمل .)61
وفي أمثالها فل فرق بين الجعلين ...فالقرآن مجعول وكل مجعول متغير وكل متغير محدث ينتج
القرآن محدث ")40( .
ويتمادى أبو مهدي على هذا النسق مع الصفات التالية :النزول ،وقدرة ال على الذهاب به،
والتشابه ،والمماثلة ،والتفصيل ،والحفظ ،والتلوة ،والتجزؤ ،والتنويع الخ ...ليبين أنها كلها تدل
على الخلق إلى أن يقول " :ولو استقصينا الصفات لكل القلم ،وأعقب السأم وفي هذا كفاية لمن أراد
ال إرشاده لن هذه الصفات ل تكون إل للمخلوق ،فل يوصف ال بها ل حقيقة ول مجازا لقوله
تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ( 42الشورى )11فل يوصف الخالق بما يوصف به
المخلوق ول يوصف المخلوق بما يوصف به الخالق ،فهذا القرآن الموصوف بهذه الصفات الدالة
على خلقه لبد من محِدث وجاعِل ومنزل ومفصل له إلى غير ذلك من الوصاف التي تقتضي هذه
الصفات لبد أن يكون غيرها وقبلها وهما شيئان مختلفان ،والول هو المقدم وهو الجاعِل الخالِق
القديم والثاني المجعول المخلوق الكائن بعد أن لم يكن" (. )41
من خلل هذه النصوص نتبين إلحاح الباضية مثل المعتزلة على توجيه هذه اليات إلى مفهوم
الخلق ثم إلى جانب هذا بينت المصادر أن القرآن شيء.
-القرآن شيء:
يقول ال تعالى ( :ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء) ( 6النعام )102ول دليل على
استثناء القرآن فهو حينئذ شيء مخلوق.
وقد سئل بعض أصحاب هذا القول (خلق القرآن) عن القرآن هل هو مخلوق أو ل؟ فقال للسائل:
سألتني عن الخالق أو المخلوق .فوجم الذي سأل وانقطع )42( .
روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال لبي بن كعب :أي آية في كتاب ال أعظم؟ فقال له
أبي :آية الكرسي ،فقال صلى ال عليه وسلم ":أبا المنذر إن لها لسانا وشفتين تقدس ال تعالى
تحت العرش أفترون أنها تقدس خالقها )44( .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقال عليه الصلة والسلم " :إن ال خلق طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألفي عام" )45( .
وقال" :تعلموا البقرة وآل عمران فإن تعلمهما بركة ول تستطيعهما المبطلة ،وتعلموا الزهراوين
فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان...يظلن صاحبهما" (. )46
وقال أيضا " :يأتي القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب لونه .فيقول للتالين :أتعرفني؟ فيقول ل،
فيقول له القرآن :أنا القرآن الذي أحييت به ليلك فيكون قائده إلى الجنة" )47( .
وروي عن علي ابن أبي طالب أنه قعد ذات يوم في مل من المهاجرين والنصار في خلفة عمر
وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن فقال بعضهم :أفضل القرآن
خاتمة سورة براءة" ( :لقد جاءكم رسول) ( 9التوبة .)129وقال بعضهم :آخر سورة بني
إسرائيل ( :قل ادعوا ال ) ( 17السراء .)111 -110وقال قو أفضل القرآن :يس .وقال بعضهم
أفضل القرآن :السجدة .وعلي فيهم ساكن فقال له عمر رحمه ال :مالك يا أبا الحسن ساكن؟ فقال:
سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول :خير البشر آدم ،وخير العرب أنا ول فخر ،وخير
الفرس سلمان ،وخير الروم صهيب ،وخير الحبشة بلل ،وخير الجبال الطور ،وخير البقاع مكة،
وخير الشجر السدرة ،وأعظم القرآن البقرة آية الكرسي )48( .
ويختم أبو مهدي إيراده لهذه الحاديث بقوله ":ومثل هذه الحاديث كثير مما يدل على خلقه
(القرآن) " ( )49ويشير هنا إلى ورود عبارة الخلق صريحة في الحديث كما ينبه إلى معنى
التفاضل ول يكون إل بين مخلوقين.
إن كان هذا مسلك الباضية في الحتجاج لموقفهم فكيف جاءت ردودهم على القائلين بالقدم؟
============================
( )32ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان174 :
( )33ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي3 :
( )34اليعقوبية :انظر ما سبق 24 :تعليق 38
( )35ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي175 :و 178ر .عبد ال السالمي :المشارق244 :
( )36أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي .175 -174 :ر .البرادي :الجواهر183 :
( )37البرادي :الجواهر .192 :ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي.179 :
( )38نفس الحالة السابقة
( )39أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي 177 :ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 2/132
( )40أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان .3-2 :ر .البرادي :الجواهر 188 -186 :والمعتزلة وقفوا نفس الموقف
.ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 532 -531 :
( )41أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان . 3 -2 :وقد اعتمد على ما جاء في رسالة أبي اليقظان في الدرجة
الولى ثم جمع ما جاء موزعا في المصادر الباضية وزاده تدقيقا وتدليل .ر .البرادي :الجواهر 200 -183 :رسالة أبي اليقظان
الرستمي في خلق القرآن .ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي :109ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على
البهلولي( 175:تحليل صفة النزول) .ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 136 -2/133ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم .1/227
( )42ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان.6 :ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم .1/238
( )43ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي 182 :البرادي :الجواهر 198 -197 :هنالك تجد كل الحاديث التي
أوردنا هنا مع ملحظة أنها يذكرها الربيع بن حبيب في الجامع الصحيح سوى حديث صلة الغداة فقرأ واحد وهو :قال :قال
عقبة بن عامر الجهني صلى بنا رسول ال بالمعوذتين فقال :يا عقبة إن هاتين أفضل سورة في القرآن والزبور والنجيل
والتوراة .الربيع بن حبيب الجامع الصحيح 3/12عدد ،810وعقبة بن عامر الجهني ( )58/678صحابي حضر فتح مصر مع
عمرو بن العاص له 55حديثا .ر.الزركلي :العلم .5/37لم يرد عند ونسنك لكن وردت صيغة خير في قوله عليه السلم":
أعلمت سورتين من خير سورتين قرأت بهما الناس" .ر14 .أحمد بن حنبل 150 ،4/144ر .ونسنك :المعجم المفهرس .3/23
( )44ر .مسلم مسافرين .258أبو داود حروف ،35الدارمي :فضائل القرآن 14أحمد بن حنبل .142 .5/58ر .ونسنك :المعجم
المفهرس .1/138
( )45ر .البخاري :توحيد .55الترمذي :تفسير سورة هود ،11ابن ماجه :مقدمة 13أحمد بن حنبل . 12 -4/11ر .ونسنك :
المعجم المفهرس .2/72
( )46ر .الدارمي :فضائل القرآن 15ر .ونسنك :المعجم المفهرس 5/349
( )47ر .الدارمي :فضائل القرآن 1ر .ونسنك :المعجم المفهرس 5/481
( )48جاءت أحاديث بهذا المعنى تورد صيغة التفضيل( أعظم) عند الدرامي :فضائل القرآن .5مسلم 258 :أبي داود حروف ،1
وتر . 17 ،15أحمد ابن حنبل 142 .5/58البخاري :تفسير سورة النفال .2الحجر .3فضائل القرآن 9ر .ونسنك :المعجم
المفهرس للفاظ الحديث 4/281
( )49أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي182 :
:
قبل أن نورد مختلف الردود الواردة في المصادر الباضية يحسن أن نعرف بمواقف الفرق التي كثر
تردد ذكرها وهي على التوالي المعتزلة ( ، )50الماتريدية ،الشعرية ،أصحاب الحديث ،الحنابلة،
الظاهرية ،الشيعة.
لقد لخص الشعري جميع أقوال المعتزلة في خلق القرآن وهي كما يلي)51( :
2ـ يزعمون أن كلم الخلق عرض وهو حركة لنه ل عرض عندهم إل الحركة ،وأن كلم الخلق
جسم وأن ذلك الجسم صوت متقطع مؤلف مسموع ،وهو فعل ال وخلقه وإنما يفعل النسان القراءة
والقراءة الحركة ،وهي غير القرآن وهذا قول النظام ( )52وأصحابه.
وأحال النظام أن يكون كلم ال في أماكن كثيرة أو في مكانين في وقت واحد وزعم أنه في المكان
الذي خلقه ال فيه.
-3أبو الهذيل ( )53وأصحابه يزعمون أن القرآن مخلوق ل وهو عرض ويوجد في أماكن كثيرة
في وقت واحد إذ تله تال فهو يوجد في تلوته وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته ،وكذلك إذا
حفظه حافظ وجد مع حفظه ،فهو يوجد في الماكن بالتلوة والحفظ والكتابة ول يجوز عليه النتقال
والزوال .وكذلك قوله في كلم الخلق إنه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد.
-4قول جعفر بن حرب ( )54وأكثر البغداديين يزعمون أن كلم ال عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن
يوجد في مكانين في وقت واحد ،وزعموا أن المكان الذي خلقه ال فيه محال انتقاله وزواله منه
ووجوده في غيره.
-5قول أصحاب معمر ( : )55يزعمون أن القرآن عرض والعراض عندهم قسمان :قسم منها
يفعله الحياء وقسم منها يفعله الموات ومحال أن يكون ما يفعله الموات فعل للحياء والقرآن
مفعول وهو عرض ،ومحال أن يكون ال فعله في الحقيقة لنهم يحيلون أن تكون العراض فعل ل
وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه ،إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما سمع فهو
فعل للمحل الذي حل فيه.
6ـ قول السكافي ( )56يزعم أن كلم ال عرض مخلوق ،وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد
" ()57
فواضح أن المعتزلة وإن اختلفوا اختلفات جزئية فإنهم أجمعوا على أنه مخلوق وفي تقديم
الزمخشري للكشاف أقوى دليل حيث يقول ":الحمد ل الذي أنزل القرآن كلما مؤلفا منظما ونزله
بحسب المصالح منجما وجعله بالتحميد مفتتحا وبالستعاذة مختتما وأوحاه على قسمين :متشابها
ومحكما ،وفصّله وسور ،وسورة آيات ،وميز بينهن بفصول وغايات ،وما هي إل صفات مبتدأ
مبتدع ،وسمات منشإ مخترع ،فسبحان من استأثر بالوليات والقدم ،ووسم كل شيء سواه بالحدوث
عن العدم أنشأه كتابا ساطعا تبيانه قاطعا برهانه وحيا ناطقا ببينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي
عوج" (. )58
إنه يقرر أن ال متكلم وأن لـه كلما في الحقيقة وإن اختلفت الراء في ماهيته وكنهه بدليل اتفاق
النبياء على ذلك ،وبدليل اتصافه بصفات الكمال والكلم من أوكد الصفات إذ المخلوق ل يجوز أن
يكون أكمل من خالقه.
وأثناء الستدلل من القرآن نفهم أن الماتريدي يقر بالكلم النفسي إل أنه ينكر سماعه وهو بهذا
قريب من المعتزلة القائلين بأن ال خلق الكلم في الشجرة ولم يسمع موسى كلم ال حقيقة ()62
والنظر في الكلم النساني يبين أنه مستويان:
-نفسي :وهو المعنى النفسي الذي يدور بخلد النسان وليس له صوت.
واعتمادا على هذا الساس اعتبر الماتريدية أن ل كلما نفسيا وهو الصورة العلمية للكلم واستدلوا
على ذلك بنصوص من القرآن والسنة ،وعدوه صفة أزلية قديمة قائمة بالذات كما أثبتوا له كلما
لفظيا أساسه المر والنهي والخبر وعدوه حادثا مخلوقا لن اللفاظ تقتضي بمجرد النطق بها.
فالماتريدية حينئذ يرون أن معاني القرآن قديمة ثابتة لدى ال تعالى ثم يخلق عليها من الدللت مثل
الكتب السماوية.
لقد قسم الشعري كلمه إلى قسمين كلم نفسي وكلم لفظي:
ويعتبر الشعري أن الكلم صفة ل من صفات الذات ،وما دام صفة فهو قديم ( . )64وينقل محمد
اطفيش عن الشعري ما يلي:
" قال أبو الحسن الشعري إمام الشاعرة :الكلم صفة واحدة قائمة بذات ال تعالى ومع كونه
واحدا هو توراة وزبور وإنجيل وقرآن وأمر ونهي وخبر واستخبار وهو زائد على الذات")65( .
يقول الرازي ":وأما الشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلم ال تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه
الحروف والصوات " (. )66
وجاء في كتاب نهاية القدام ":فكانت السلف على إثبات القدم والزلية لهذه الكلمات دون التعرض
لصفة أخرى وراءها ،وكانت المعتزلة على إثبات الحدوث والخلقية لهذه الحروف والصوات دون
التعرض لمر وراءها فأبدع الشعري قول ثالثا وقضى بحدوث الحروف وهو خرق الجماع وحكم
بأن ما نقرأه كلم ال مجازا ل حقيقة وهو عين البتداع فهل قد ورد السمع بأن ما نقرأه ونكتبه
كلم ال تعالى دون أن يتعرض لكيفيته وحقيقته كما ورد السمع بإثبات كثير من الصفات من الوجه
واليدين إلى غير ذلك من الصفات الخبرية" )67( .
فالمدرسة الشعرية تتفق مع الماتريدية في إقرار الكلم النفسي واللفظي لكنهما تختلفان في جواز
سماع الكلم النفسي فإن كان الماتريدية ينكرون سماعه فإن الشعرية يقرون إمكان سماعه بناء
على أن السماع يتعلق بكل موجود قياسا على الرؤية فإن كل موجود يصح أن يرى فالكلم النفسي
موجود فيجوز عندئذ سماعه.
" ويقولون (أصحاب الحديث وأهل السنة) إن القرآن كلم ال غير مخلوق والكلم في الوقف
واللفظ ،من قال باللفظ أو الوقف فهو مبتدع عندهم ل يقال :اللفظ بالقرآن مخلوق ول يقال غير
مخلوق" (. )68
وأما السلف فقالوا ":لم يزل ال متكلما إن شاء وإن الكلم صفة كمال ومن تكلم أكمل ممن ل يتكلم،
كما إن من يعلم ويقدر أكمل ممن ل يعلم ول يقدر ومن يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلم
لزما لذاته وليس له عليه قدرة ول فيه مشيئة والكمال إنما يكون بالصفات القائمة بالموصوف ل
بالمور المباينة له ول يكون الموصوف متكلما عالما قادرا إل بما يقوم به الكلم والعلم والقدرة
وإذا كان ذلك فمن لم يزل موصوفا بصفات الكمال أكمل ممن حدثت له بعد أن لم يكن متصفا بها لو
كان حدوثها ممكنا فكيف إ كان ممتنعا؟ فتبين أن الرب لم يزل ول يزال موصوفا بصفات الكمال
منعوتا نعوت الجلل ومن أجلها الكلم ،فلم يزل متكلما إذا شاء ول يزال كذلك وهو يتكلم إذا شاء
بالعربية كما تكلم بالقرآن العربي وما تكلم ال به فهو قائم به ليس مخلوقا منفصل عنه فل تكون
الحروف التي هي مباني أسماء ال الحسنى وكتبه المنزلة مخلوقة لن ال تكلم بها" (. )69
الحنابلة :
" قال أحمد بن حنبل لرجل :ألست مخلوقا؟ قال بلى ،قال أليس كلمك منك؟ قال بلى .قال أليس
كلمك مخلوقا؟ قال :بلى فال تعالى غير مخلوق وكلمه منه ليس بمخلوق" (. )70
وقالت الحنابلة ومنهم ابن تيمية :كلمه تعالى حروف وأصوات تقوم بذاته تعالى وإنه قديم وقد
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بالغوا في قدمه حتى زعم بعضهم أن الجلد والغلف قديمان فكيف بالمصحف (. )71
وما بالهم قال الدّوّاني ( )72لم يقولوا بقدم الكاتب والمجلد وصانع الغلف.
وغل بعضهم في ذلك فقال إن الحروف مطلقا سواء وقعت في كلم ال أو في كلم الدميين قديمة،
فحكمها في جميع المقولت ل يندرج تحت الخلق بل إنها من قبيل الكلم المنسوب إلى صفة البارئ
تعالى وهو قادر على أن يتكلم بالصفة ويقول الحروف من غير أن يحتاج إلى اللت والمخارج (
. )73
وجاء في حوار بين الفخر الرازي وأحد الحنابلة ما يلي " :واتفق أني قلت يوما لبعضهم لو تكلم ال
بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي والول باطل لن التكلم بجملة
هذه الحروف دفعة واحدة ل يفيد هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلم ال تعالى.
والثاني باطل لنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة.
ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلم قال الواجب علينا أن نقر ونمرّ ،يعني نقرّ بأن القرآن قديم ونمرّ
على هذا الكلم وفق ما سمعناه فتعجبت من سلمة قلب ذلك القائل" (. )74
فالحنابلة حينئذ يقولون بالقدم على الطلق ول يميزون بين اللفظ والمعنى في ذلك.
قول الظاهرية:
يقول ابن حزم " :والقرآن كلم ال وعلمه غير مخلوق .قال عز وجل(:ولول كلمة سبقت من ربك
لقضي المر)( 10يونس )19فأخبر عز وجل أن كلمه هو علمه وعلمه لم يزل غير مخلوق.
وهو المكتوب في المصاحف والمسموع من القارئ والمحفوظ في الصدور والذي نزل به جبريل
على قلب محمد صلى ال عليه وسلم كل ذلك كتاب ال تعالى وكلمه القرآن حقيقة ل مجازا من قال
في شيء من هذا إنه ليس هو القرآن ول هو كلم ال تعالى فقد كفر لخلف ال تعالى ورسوله،
وإجماع أهل السلم...
ول يحل لحد أن يصرف كلم ال تعالى وكلم رسوله صلى ال عليه وسلم ....إلى المجاز عن
الحقيقة بدعواه الكاذبة (." )75
الشيعة
أما الشيعة المامية والجعفرية والزيدية فيقولون بخلق كلم ال أي بخلق القرآن وقد أورد محمد
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
علي ناصر تحليل للقضية في كتاب أصول الدين السلمي ( )76ورد على الشاعرة في قولهم
بالقدم وبالكلم النفسي وهاك خاتمة تحليله:
" ومجمل القول إنه تعالى متكلم بمعنى موجد الكلم وإن كلمه سواء كان بمعناه المصدري أو اسما
لنفس الصوات المشتملة على الحروف دالة على معنى صفات الفعل كالخالق والرازق من صفاته
وما إلى ذلك وهو حادث والقول بقدمه مع قيامه بذات ال قياما حلوليا قول بتعدد القدماء وهو باطل
فإذا كان القول بحدوثه يوجب الكفر كما ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف فالقول بقدمه
أولى بإيجاب الكفر لنه قول بتعدد القدماء وذلك يوجب الكفر بإجماع المسلمين فلماذا يكفر القائل
بخلق القرآن وحدوثه ول يكفر من قال بقدمه مع استلزامه تعدد القدماء؟ (." )77
من خلل هذا العرض لراء بعض الفرق السلمية في هذه القضية نتبين التباين الشاسع في ما
بينها ومرد ذلك إلى اختلف منطلقات هذه المدارس فهذه تغلب العقل والخرى تغلب النقل ،والثالثة
تريد أن توفق بين المرين.
ومما يزيد القضية تعقيدا أنه ل وجود لنص صريح في القرآن والسنة ( )78يفصل بين المتناظرين
عدا ما جاء في القرآن مما اعتبر متشابها فتجاذبته المدارس كل نحو نزعتها.
وكل هذه التحاليل لها صلة متينة بموقف هذه الفرق من صفات الذات وصفات الفعل فماذا عن هذا
الجدل حول اليات المتعلقة بالموضوع وكيف جاءت ردود الباضية على القائلين بخلق القرآن؟
======================================
( )50ذكرنا المعتزلة لضبط الفويرقات بين علمائها في هذا الشأن وإن كانت تتفق في المبدأ مع الباضية.
( )51اخترنا هذا التلخيص لشموله ،والشعري ملم بأقوال المعتزلة إل أنه قد رفضها ولذلك اعتبرها زعما .وقد ذكر بعضا منها
امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/233وذلك لتدعيم موقفه .ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .562 -527 :تجد إشارات
إلى فويرقات بين علماء المعتزلة إل أته ألح على بسط الحجج على خلق القرآن ورد القول بالقدم.
( )52النظام (ت )231/845ر .الزركلي :العلم 1/36
( )53أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلف البصري (. )850 -753 /235 -135ر .الزركلي :العلم 7/355
( )54جعفر بن حرب( )850 -236/793 -177ر .الزركلي :العلم 117 -2/116
( )55معمر بن عباد السلمي( ،)215/830كان أعظم القدرية غلوا .ر .الزركلي :العلم 8/190
( )56السكافي( محمد بن عبدال ) . )854 /240ر .الزركلي :العلم 7/92
( )57أبو الحسن الشعري :المقالت 269 -1/267
( )58الزمخشري :الكشاف 8 -1/1
( )59ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية 231 -219 :في الطروحة تحليل واضح للقضية .
( )60ر .أبو حنيفة :الفقه الكبر .شرح أبي المنتهى ط .مجلس المعارف النظامية في الهند .حيدر أباد 1321هـ .109 :يقول إن
القرآن كلم ال تعالى ،في المصاحف مكتوب ،وفي القلوب محفوظ ،وعلى اللسن مقروء ،منزل ،وقراءتنا له مخلوقة ،والقرآن
غير مخلوقε .وعلى النبي
( )61الخطيب البغدادي :تاريخ بغدادي .388/ 13يرى أن أبا حنيفة قال بخلق القرآن
( )62أحمد بن حنبل :الرد على الجهمية والزنادقة القاهرة 16 :1956
( )63ر .أبو الحسن الشعري :البانة ط 1دمشق بيروت 84 -51 :
( )64الفاضل ابن عاشور :محاضرات بكلية الشريعة بتونس سنة .1966 -1965خ بمكتبتي.
:
يقول يوسف المصعبي عند تفسير هذه الية ":وقوله ت" تفسير الجللين" بل واسطة أي أن ال
كلم موسى عليه السلم بدون واسطة.
أقول :استدلوا على ذلك بالتأكيد بالمصدر ورد بأن التأكيد بالمصدر إنما يرفع التجوز في نفس الفعل
ل في السناد المسمى بالمجاز العقلي وهو المدعى ول يرتفع إل بالتأكيد بالنفس والعين")80( .
وينقل السدويكشي محاورة دارت بين أبي القاسم البرادي وبعض فقهاء المالكية في قابس كما يلي:
" وقد ذكر عمنا قاسم البرادي أنه التقى مع بعض فقهاء قومنا بقابس فتكلم معه في هذه المسألة
إلى أن قال له :هل تعلم له شيئا من النحو؟ فقال له :شيئا طفيفا.
فقال :قلت له ضربت ضربا ،وكان قولك ضربت يحتمل الحقيقة والمجاز فلما قلت ضربا ارتفاع
المجاز وبقيت الحقيقة.
فقال لـه المخالف :وكذلك لما قال ال تعالى (:وكلم ال موسى تكليما) احتمل الحقيقة والمجاز فلما
قال تكليما ارتفع المجاز وبقيت الحقيقة (فالتزمه) .وهو غلط فاحش لن التأكيد بالمصدر إنما يرفع
التجوز عن الفعل نفسه ل عن الفاعل.
فإن قلت قام زيد قياما فالصل قام زيد قام زيد فإن أردت تأكيد الفاعل أتيت بالنفس.
وهاهنا إنما أكد الفعل ولو قصد تأكيد الفاعل لقال وكلم ال نفسه موسى فل حجة إذن في الية"( .
)81
كما يلح السدويكشي أيضا على أن الكلم كان بواسطة فيقول " :إن كلمه تعالى لموسى عليه
السلم كان بواسطة كما كلم سائر أنبيائه وخص بأن كليم ال مثل ما خص إبراهيم بخليل ال وإن
كان كل نبي خليل ال خلفا لما هو المعتقد عند غيرنا من أنه كلمه بدون واسطة....
ومعلوم أن الكلم إذا حمل على ظاهره يلزم التحديد المحض في قوله تعالى ( فلما أتاها نودي من
شاطئ الوادي اليمن في البقعة المباركة من الشجرة)( 28القصص )82( ." )30
ويأتي محمد اطفيش فيقر نفس الموقف إل أنه يزيده تحليل مع ذكر بعض الستشهادات ()83
فالساس عند الباضية في فهم هذه الية يتمثل في أن ال تعالى ل يمكن أن يكلم موسى إل بواسطة
إذ الكلم المباشر يفرض التحيز وهذا محال في حق ال تعالى ،فال خلق الكلم في الشجرة أو عن
طريق ملك ،والباضية في النهاية يرجعون إلى تفويض المر ل تعالى وفي ذلك يقول أحمد
الشماخي ":والحق أن سماع موسى عليه السلم كسماع الملئكة ،كيف شاء ال أن يسمع")84( .
وما احتج به القائلون بالكلم المباشر من التأكيد اعتبر تأكيدا للفعل ل للفاعل لن تأكيد الفاعل ل
يكون إل بعين أو نفس كأن تقول " كلم ال نفسه موسى تكليما" .ومسلك التأويل واضح في هذا
الرأي وذلك ليتماشى مع تنزيه ال تعالى)85( .
-وقوله تعالى ( :وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال) ( 9التوبة :)6
أورد الرازي اعتماد المعتزلة على هذه الية للستدلل على أن كلم ال محدث وقول من ساهم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الحشوية والحمقى من الناس الذين يثبتون قدم الحروف والصوات ثم ناقش قول ابن فورك من
الشافعية القائل :إذا سمعنا هذه الحروف والصوات فقد سمعنا كلم ال تعالى مبينا إنكار الشافعية
له ،ثم رد على المعتزلة مبينا أن ما خلقه ال من أصوات انقضى وما نسمعه من حروف وأصوات
إنما هي من فعل النسان.
ثم أورد قول الجبائي الذي رفضه المعتزلة وهو كلم ال شيء مغاير للحروف والصوات وهو باق
مع قراءة كل قارئ (. )86
أما السدويكشي فقال ":وأما قوله ( :فأجره حتى يسمع كلم ال) وقوله ( وكلم ال موسى تكليما) (
4النساء .)164
فإن قلتم إن الكلم هو الذي أدرك السمع وصار السمع مفعول وصار الكلم فاعل فقد كذبتم القرآن
واللسان الذي جاءت به هذه الشريعة لقوله تعالى ( :يسمع كلم ال) فالكلم مفعول به والسمع
فاعل لن الكلم مسموع والسمع سامع لنه هو الذي يسمع الكلم ويدركه ومستحيل أن يكون ما
يدرك ليس بمخلوق ومفعول به وهذا ظاهر عند جميع العقلء ممن يعرف اللسان الذي هو معيار
هذا الشرع ،عصمنا ال من أن يشبه علينا فنتبع أهواءنا بغير هدى منه.
وقالوا لهم أيضا إن السمع هو الذي بلغ الكلم وأدركه فمعلوم بالضرورة أن السمع مخلوق ،ومعلوم
بالضرورة أن المخلوق ل يدركه إل المخلوق مثله مما ل يدفعه أحد في هذا المعنى" (. )87
ولم نعثر للمصعبي ول للمحشي على تحليل على تحليل لهذه الية ( )88فيوسف المصعبي لم
يتعرض ولو بالشارة لهذه القضية عند تفسيره للية ،وكما أنه لم يتعرض لها في حاشيته على
كتاب أصول تبغورين )89( .
فالمهم حينئذ أن عبدال السدويكشي عبر عن موقف الباضية وانطلق في تبريره لفكرة الخلق من
منطلق لغوي بحت فبما أن الكلم وقع عليه الفعل فهو مخلوق لن هذا من شأن المخلوق ولن
القديم ل يمكن أن يقع عليه الفعل.
-وقوله تعالى ( :إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول لـه كن فيكون) ( 16النحل :)40
لم نعثر على تفسير متكامل لهذه الية في مصادر المرحلة المقررة ( )90لذلك استعنا بما ورد فيها
عند محمد اطفيش لنه ألم بها إلماما شامل وهذا نص كلمه ":قيل كيف يكون القرآن حادثا مخلوقا
وفيه الكلمة الزلية التي بها خلق الخلق ،فلو كان " كن" مخلوقا يخلق به غيره لحتاج إلى قول
آخر يخلق به كن فيتسلسل وإن قال بالنقطاع بل تسلسل فمن أول المر بغير لفظ كن.
قلنا ":معنى توجه الرادة الزلية إلى إيجاد شيء لوانه ول لفظ هناك.
ثم إذا صار القائل إلى ذلك فالحتجاج باسم ال إذ ذكر في القرآن أولي فيقول كيف يذكر ال وهو
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
قلنا :ذكر الشيء غير نفس الشيء وأيضا ،فلم يذكر في القرآن وهو موجود ما مضى وما سيكون
وهذا الحتجاج كاللعب.
ومن العجيب أنه ل يصح الخطاب إل لموجود والمعدوم ل يخاطب فكيف يخاطب ال المعدوم بكن،
كيف يخاطب مال يفهم لنه معدوم ،وخطاب المعدوم عبث عند جميع أهل العقول.
فمعنى كن اليجاد بسرعة بل توقف على شيء فكن قول فعل ل قول خطاب ،وكيف يقول عاقل إن
ال ل يخلق شيئا إل بعد أن يستعين عليه بقول كن وال ل يعجز ول تلحقه مشقة")91( .
ويرد الباضية على من اعتبر كلمة " الحق" بمعنى كن في قوله تعالى ( :ما خلقنا السماوات
والرض وما بينهما إل بالحق وأجل مسمى) ( 46الحقاف )3وقوله ( :ما خلقناهما إل بالحق) (44
الدخان )39وقوله ( :وخلق ال السماوات والرض بالحق) ( 29العنكبوت ،)44بأن معنى الحق
بالصواب والحكمة ل بالباطل والعبث بل لظهار القدرة والتكليف وأما كن فتمثيل لسرعة وقوع ما
توجهت إرادته تعالى إلى خلقه ل ببطء ول تكلف (. )92
ويرد الرازي على من اعتبروا هذه الية دليل على قدم القرآن بما يلي:
-1إذا ل تفيد التكرار ،وإذا كان كذلك ثبت أنه ل يلزم في كل ما يحدثه ال تعالى أن يقول له كن فلم
يلزم التسلسل.
-2هذا القول يلزم أن تكون "كن" قديمة وهذا باطل لنها مركبة.
-3إن الرجل إذا قال إن فلنا ل يقدم على قول ول على فعل إل ويستعين فيه بال تعالى فإن عاقل ل
يقول إن استعانته بال فعل من أفعاله فيلزم أن تكون كل استعانة مسبوقة باستعانة أخرى إلى غير
النهاية لن هذا الكلم بحسب العرف باطل فكذلك ما قالوه.
أ -أن قول ال تعالى (:إنما قولنا لشيء إذا أردناه) يقتضي كون القول واقعا بالرادة وما كان كذلك
فهو محدث.
ب -أنه علق القول بكلمة إذا ول شك أن لفظه " إذا" تدخل للستقبال.
ج -أن قوله (:أن نقول له) ل خلف أن ذلك ينبئ عن الستقبال.
د -أن قوله (:كن فيكون) يدل على أن حدوث الكون حاصل عقب قول " كن" فتكون كلمة " كن"
متقدمة على حدوث الكون بزمان واحد والمتقدم على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثا.
هـ -أنه معارض بقوله تعالى ( :وكان أمر ال مفعول) ( 4النساء 33 -47الحزاب ( )37وكان أمر
ال قدرا مقدورا) ( 33الحزاب ( )38ال نزل أحسن الحديث) ( 39الزمر ( )23فليأتوا بحديث
مثله) ( 52الطور ( )34ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) ( 46الحقاف .)12
فإن قيل :فهب أن الية ل تدل على قدم الكلم ولكنكم ذكرتم أنها تدل على حدوث الكلم فما الجواب؟
قلنا :نصرف هذه الدلئل إلى الكلم المسموع الذي هو مركب من الحروف والصوات ونحن نقول
بكونه محدثا مخلوقا وال أعلم (." )93
إن المتأمل في ما جاء به محمد اطفيش من حجج وما استعنا به من قول الرازي الذي يوافق قول
الباضية بأن الية تدل على الحدوث وإن كان يقصر ذلك الكلم المسموع يتبين لمَ لمْ يقف علماء
هذه المرحلة عند هذه الية في هذا السياق من الحتجاج فهي تأتي في درجة ثانية للستدلل
بالنسبة إلى اليات التي ذكر فيها الكلم صراحة.
وقد حرص محمد اطفيش على توضيح موقف الباضية في هذا الشأن وميز بين ما سماه قول الفعل
وقول الخطاب فكن حينئذ هي قول فعل ل يحتاج معها إلى الستعانة بقول خطاب.
-قولـه تعالى ( :وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي
بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) ( 42الشورى .)51
" وقد تعرض في شرح النونية ( )94لتفسير هذه الية أعني قوله تعالى (:وما كان لبشر)...
وحاصل ما يؤخذ منه تقل عن بعض أهل التفسير أن الوحي على وجهين وهما :إلهام ،ووحي
أرسال ،والثاني فيه قسمان لنه ربما ظهر جبريل عليه السلم للرسول ،وربما أسمع جبريل الرسول
الوحي من غير أن يرى صورته وتنزيل الية على هذه القسام الثلثة وإن كان خلف الظاهر ،لكن
يجب ارتكابه لما في الحمل على الظاهر من المحذور" (. )95
وإن لم تقف المصادر الباضية في المرحلة المقررة طويل عند هذه الية التي اعتمدها القائلون
بالقدم ( )96فإن ما نقله يوسف المصعبي عن اسماعيل الجيطالي يدل دللة واضحة على رفض
الباضية كل ما من شأنه أن يوحي بالتجسيم ولذلك عمدوا إلى التأويل مع إحساسهم أنه خلف
الظاهر.
================================
( )79الفخر الرازي :التفسير الكبير . 11/109ر .ابن كثير :تفسير القرآن العظيم ،تحقيق وتصحيح لجنة من العلماء دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع ط 2بيروت .456 -2/454 -1389/1970وعن ابن كثير ( )774/1373ر .الزركلي :العلم 1/317
ونفى قراءة نسبها إلى المعتزلة تنصب اسم الجللة وعارضها بشدة .ر .الزمخشري :الكشاف 583 -1/582
( )80يوسف المصعبيك حاشية على تفسير الجللين ورقة 185قفا ويذكر أنه بسط الكلم في ما كتبه في العقائد ويشير إلى
حاشيته على أصول تبغورين97 :
( )81عبدال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات19:
( )82عبدال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات19:
( )83ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .470 – 21/469
( )84أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.16 :ر .عبدال السدويكشي :رسالة في خلق القرآن5 :
( )85لمك تقع الشارة في المصادر الباضية إلى تأويل الية بمعنى :جرح ال موسى بأظافر المحن ومخالب الفتن على أساس
أن تكون كلم بمعنى جرح .ر .الزمخشري :الكشاف 583 -1/582وقد رد الزمخشري هذا التأويل وتابعه في ذلك الشارح ونوه
بذلك بقوله " :وصدق الزمخشري وأنصف إنه لمن بدع التفاسير التي ينبو عنها الفهم ول يبين بها إل الوهم" .583
( )86الفخر الرازي :التفسير الكبير . 228 -15/227ر .ابن كثير :تفسير القرآن العظيم . 3/366ر .الزمخشري 175 /2لم يشر
إلى قضية خلق القرآن في هذا الموضع.
( )87عبدال السدويكشي :رسالة في خلق القرآن.5 :ر القاضي عبد الجبار الصول الخمسة 551 :اعتبر الية دالة على الكلم
محدث.
( )88ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 260وجه
( )89ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين100 -90 :
( )90ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 241وجه وبداية القفا .لم يهتم بهذه القضية بل اعتنى بموضوع
القدرة على البعث.
( )91امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/237
( )92ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/241
( )93الفخر الرازي :التفسير الكبير . 33 -20/32ر .ابن كثير :تفسير القرآن العظيم ،4/195لم يتعرض للقضية .ر.
الزمخشري :الكشاف ،2/410أشار خاصة إلى سهولة الخلق والبعث على ال .ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 560 :
بين أن "كن" مركبة وهذا دليل على الحدوث ،كما بين أن الية تواكب القول بالخلق لورود" (النحل )40ودخولها على
المضارع يفيد الستقبال أن تقول له كن فيكون أن" قبل "كن" وذلك يقتضي الحدوث .ر .أيضا561 :
( )94يقصد إسماعيل الجيطالي.
( )95يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين97 :
( )96وقد ميز الرازي بين الشعري والماتريدية في هذا الشأن فالشعرية يعتبرون أن املك والرسول يسمعان ذلك الكلم المنزه
عن الحرف والصوت من وراء حجاب بينما يبين أبو منصور الماتريدي أن الصفة القديمة يمتنع أن تسمع والمسموع هو أصوات
وحروف يخلقها ال في الشجرة.
ويورد الرازي أيضا حجج المعتزلة ويوجهها كلها إلى الكلم اللفظي دون الكلم النفسي .ر .الفخر الرازي :التفسير الكبير
27/188ر .الزمخشري :الكشاف 3/476ومفاد ما جاء عنده أل السبيل إلى الكلم المباشر.
-وقوله تعالى ( :إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) ( 56الواقعة )78يقول أحمد الشماخي في شأن
هذه الية ما يلي:
أقول :لم أعثر على أن أحدا من المفسرين فسر الكتاب المكنون بمجموع اللوح المحفوظ والتوراة
والنجيل والزبور ول من فسره بالتوراة وحده ول بالنجيل ول بالزبور غيرك ول يسوغه العقل ول
يقبله الفهم لن القرآن ليس في التوراة ول في النجيل ول في الزبور بل هو اللوح أو كتاب في
السماء على قول ابن عباس.
أقسم ال على أنه في كتاب مكنون أي اللوح وضمير يمسه أي المصحف أي ل يمس المكتوب فيه
أي ل ينبغي أن يمس المكتوب منه إل المقربون وأن المكتوب منه قرآن ،ووصفه بأنه تنزيل
للمبالغة أي منزل من رب العالمين ووصف بالمصدر لنه نزل نجوما فكان نفسه تنزيل فكان اسم له
يقال جاء في التنزيل ونطلق عليه التنزيل وسماه حديثا")97( .
فأحمد الشماخي حول النقاش بسرعة إلى ما يدعم معتقده واتخذ الية دليل على أن القرآن مخلوق
اعتمادا على ما رأينا في ما سبق من أدلة الباضية على أنه منزل ومكتوب وما إلى ذلك.
-قوله تعالى ( :قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان
بعضهم لبعض ظهيرا) ( 17السراء :)88
لقد اعتمد يوسف المصعبي قول الزمخشري في تفسير هذه الية فنقله حرفيا ونصه كما
يلي...":والعجب من زعمهم أن القرآن قديم مع اعترافهم بأنه معجز وإنما يكون المعجز حيث تكون
القدرة فيقال :ال قادر على خلق الجسام والعباد عاجزون عنه ،وأما المحال الذي ل مجال فيه
للقدرة ول مدخل لها فيه كتأتي القديم فل يقال للفاعل قد عجز عنه ول هو معجز ولو قيل ذلك لجاز
وصف ال بالعجز لنه ل يوصف بالقدرة على المحال إل أن يكابروا فيقولون هو قادر على المحال،
فإن رأس مالهم المكابرة وقلب الحقائق" (. )98
ثم جاء محمد اطفيش في ما بعد فقرر في شأن هذه الية ما يلي ":واستدلوا بهذه الية على قدم
القرآن بدليل أنهم ل يأتون بمثله لكونه صفة ذات ول قدرة لحد على خلقها وليست مما يحدث فهو
كقوله تعالى ( :لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا) ( 21النبياء )22فإنه ل يمكن تعدد الله.
قلت :الية في العجاز بالفصاحة والبلغة والخبار بالغيوب وغير ذلك مما يرجع إلى اللفاظ
ومعانيها ،وما يتعلق بالقرآن من جنس الكلم المخلوق إل أنه لم يخلق ال كلما مثله ول أقدر أحدا
على النطق بمثله فليس من باب نفي تعدد الله" (. )99
فالمصعبي حينئذ وجد عند الزمخشري أحسن مستند فتبنى موقفه الذي يقوم على استنتاج منطقي
أساسه أن التعجيز ل يمكن أن يتعلق بالقديم أما محمد اطفيش فبين أن موضوع الية بلغي بحت.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لم نجد في ما اطلعنا عليه من مصادر المرحلة المقررة تحليل للية لذلك نعتمد ما جاء عند محمد
اطفيش في ما بعد وهو يقول ":استدلوا بها( حيث قالوا) فأخبر بتعليم القرآن وبخلق النسان ولول
أن القرآن قديم لقال خلق القرآن والنسان.
قلنا :ل أن يخبر بما يشاء أخبر هنا بتعليم القرآن امتنانا وذكرا للنعمة ،وكذلك قال ( :ذلك أمر ال
أنزلـه إليكم) ( 65الطلق )5ولم يقل خلقه .قلنا :ل يلزم أل يكون مخلوقا كل ما يذكره بالخلق وإنما
أراد أنه أنزل إليكم معاني القرآن بألفاظ القرآن وذاته وصفته ل تنزل وكذا ( إذا قضينا إلى موسى
المر) ( 28القصص )44ل يلزم أن يكون مخلوقا لما قال قضينا ولم يقل خلقنا وله أن يذكر
المخلوق بما شاء من خلق ومن غير خلق" (. )100
يتبين أن محمد اطفيش اعتبر أن صيغة علم القرآن ل تكفي للدللة على القدم لنها وردت هنا بمعنى
المتنان وذكر النعمة وسلك مسلكا مقارنا مع آية أخرى ليوضح أنه ل يلزم أل يكون مخلوقا كل ما
لم يذكره بالخلق.
" قال الخلق والمر ثابتان جميعا له وعزل الخلق عن المر ،فالخلق كله غير المر والمر القرآن
وهو خارج عن الخلق ...ولو كان الخلق شامل لكلمه لقال( أل له الخلق) ولم يذكر المر قال ال
تعالى ( :ذلك أمر ال أنزله إليكم) ( 65الطلق . )101( " )5
قلنا :المر القضاء والتصرف في الكائنات وتصرفه فعل منه خلق ومنه إفناء والقرآن داخل في
الخلق أو المر .القرآن داخل في الخلق وخصه بالذكر لمزيته.
وقد قال تعالى ( :وكان أمر ال قدرا مقدورا) ( 33الحزاب )38فهل هذا المر القرآن أيضا فإن كان
فقد جعله مقدورا فهو مخلوق وإن جعله غير القرآن فلماذا يجعل تارة المر القرآن وتارة غير
القرآن تحكما بل مرجح لتفسيره بالقرآن في قوله تعالى ( :أل له الخلق والمر) " (. )102
فاتضح حينئذ أن استدلل الباضية مستوحى من التحليل العتزالي إذ بين أن الخلق داخل في المر
وإنما خص بالذكر لمزيته.
-قولـه تعالى ( :ما نفدت كلمات ال) ( 31لقمان )27وقوله أيضا عن عيسى عليه السلم ( وكلمته
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أليس القرآن قسما من الكلمات والكلمات قديمة ويرد محمد اطفيش باعتبار الكلمات بمعنى العلم (
)103وباعتبار أن كلمة بالنسبة إلى عيسى تعني وجد بقوله "كن" أي بتوجيه الرادة اللهية إلى
وجوده ويورد مناظرة بين مسلم ونصراني أفضت إلى استحالة اعتبار الكلمة قديمة لن ذلك يفضي
إلى أن ال تعالى يتجزأ وذاك محال ،والدليل قوله تعالى ( وسخر لكم ما في السماوات وما في
الرض جميعا منه) ( 45الجاثية )13حيث تفيد منه من خلقه ( . )104وهذا ما أقره الرازي (
)105والزمخشري ( )106إذ اعتبرا أن الكلمة بمعنى المر أي إيجاد عيسى من غير واسطة أب
ول نطفة.
وما أوردت هذا التحليل إل لتمام المعنى لن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه المعاني في
ما اطلعنا عليه ولعلها أشارت إلى ذلك في ما لم يقع بين أيدينا من المصادر .والمدار على أن ما
ذكرناه يتماشى واعتماد التأويل والباضية موقفهم صريح في هذا الشأن كما بينا ذلك في ما سبق.
وقبل أن نصل إلى مرحلة الستنتاج يحسن أن نقف عند قضيتين الولى :ما عبر عنه بالعلقة بين
الحكاية والمحكي .والثانية ما عبر عنه بالكلم النفسي.
===============================================
( )97أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي. 17-16 :ر.امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط ،62/61لم يتعرض لهذه القضية
أما عن حاشية يوسف المصعبي على الجللين فلم نتمكن من الحصول على القسم الذي جاءت به هذه السورة.
( )98يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 360قفا .ر .الزمخشري :الكشاف 2/465
( )99امحمد اطفيش :شرح الدعائم 243 -1/242
( )100امحمد اطفيش :شرح الدعائم 243 -1/242
( )101امحمد اطفيش :شرح الدعائم .243 -1/242ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة ص 545بين أن التعليم ل يتصور
إل في المحدثات.
( )102امحمد اطفيش :شرح الدعائم . 1/245ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة 544 :وقد ألح على قيمة الفصل وبين
أنه ل يدل على اختلف الجنسين بل يفيد التفضيل.
( )103ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/243
( )104ر .امحمد اطفيش:تيسر التفسير ط 477 -22/476
( )105ر .الفخر الرازي :التفسير الكبير 11/115و 8/38
( )106ر .الزمخشري :الكشاف 1/284
قال أبو مهدي ( ": )107ل يقال إن هذه الصفات (التفصيل ،الجعل ،الحفظ )...التي سردتها وأثبتتها
بالدلة إنما هي عبارة وحكاية عن القرآن فتكون الحكاية مخلوقة والمحكي غير مخلوق لنا نقول ل
تخلو الحكاية من أن تكون موافقة أو مخالفة له ،فإن كانت موافقة له لزم خلف المعقول بأن يكون
شيئان متساويان مختلفين في الخلق وعدمه بأن يكون أحدهما مخلوقا والخر غير مخلوق والقاعدة
أن ما جاز على النظير جاز على نظيره فهل هذه إل تفاهة.
وإن كانت مخالفة فذلك خروج على لسان العرب وأئمة اللغة لنها حكاية مماثلة له ومعبرة عنه
ونقل بالمعنى فلو صح أن تكون مخالفة للزم التناقض فتحكي الخبر الصادق فيكون كاذبا ،والخبر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الكاذب فيكون صادقا ،والمدح ذما ،والذم مدحا ،والقرآن شعرا ،والشعر قرآنا إلى غير ذلك من
الشياء المتناقضة لتجويز المخالفة بين الحكاية والمحكي فل ينبغي أن يكذب بخبر ول مخبر ،ول
تنكر حكاية ول مقالة فعلى هذا كيف يكون الصدق صدقا والكذب كذبا ،بل يكون الصدق كذبا والكذب
صدقا فهذا هو الحال ول يقول به عاقل فضل عن فاضل فلما بطل هذا صح أن الحكاية ل تكون
خلف المحكي فإن كانت الحكاية مخلوقة محدثة مجعولة في سائر أوصافها مما ثبت بتلك الدلة (
)108فالمحكي أيضا كذلك.
فإن كان القرآن الذي نزل به الروح المين على قلب محمد صلى ال عليه وسلم هو هذه الحكاية
فهو إذن مخلوق إذ هو محل النزاع وهو الذي قال ال (فيه) ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) ( 75القيامة
،)18وقال ( نزل به الروح المين على قلبك) ( 26الشعراء .)193
وإن كان القرآن هو المحكي القائم بذاته تعالى وهو لم ينزل فقد ظاهوا بقولهم هذا قول من قال ( ما
أنزل ال على بشر من شيء) ( 6النعام )91وهذا مخالف للجماع...
وأيضا لو كانت الحكاية غير المحكي لكان النبي قد أتى بخلف ما أتى به جبريل وما أتى جبريل
خلف ما نقله عن مكائيل ،وما أتى به مكائيل خلف ما نقله إسرافيل ،فيكون كل واحد منهم أتى
بخلف ما أتى به غيره وإل فكيف يجوز في الشيء مال يجوز في مثله ،وهل هذا إل تجاهل.
وأيضا لو لم يكن هو القرآن وكان عبارة وحكاية لما صح التحدي والعجاز بسورة منه ولجاز أن
يعارض بعبارة مثل تلك العبارة لنه كما جاز لمن أتى به التعبير عنه والحكاية يجوز لغيره الناكرين
لما أتى به أن يعارضوه بعبارة وحكاية مثله ،لكنهم استيقنوا أن تتساقط مقدرتهم دونهم ولم تظهر
معجزتهم على أن يأتوا بمثله ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بدت بلغة لكل ناطق
وشقت غبار كل سابق ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء ولم يقع وراء مطامع أعين
البصراء إل أنه ليس بكلم البشر وأنه كلم خالق القوى والقدر فهؤلء المقرون منهم اعتقدوا أنه
كلم ال ولم يرتكبوا هذا التأويل الفاسد لما تكرر ذكره في القرآن في أربعة وخمسين موضعا على
ما ذكر ابن عطية تأويل ما ذكر ليس بسديد والتأويل ل يصار إليه إل إذا وجدوا ما يمنع الظواهر
ويحيلها.
فإن قلتم إنها ليست بالقرآن فهل هي قديمة أم محدثة؟ فإن قلتم إنها قديمة فقد أثبتم القدم لغير
القرآن الذي قلتم إنه كلم ال وإنه قديم أزلي.
وإن قلتم هي القرآن وإنها قديمة فقد رددتم على الية والدلة التي دلت على حدوثها وهي التي تقدم
ذكرها.
وإن قلتم إنها هي القرآن وإنها محدثة فقد أقررتم بما أنكرتم أول ورجعتم إلى الحق والصواب" (
. )109
وقد نقلنا هذا التحليل بأكمله لنتبين أن جل ما جاء في الموضوع كان تابعا لنقطة النطلق أي رسالة
أبي اليقظان إل أن المر لم يخل من بعض الضافات التي تدعم الموقف ذلك الستشهاد بما ذكره ابن
عطية.
والمتأمل في هذا النص ،يدرك أن منطقه لغوي بحت إذ عبر بعبارتي الحكاية والمحكي ،والحقيقة
هي اللفظ والمعنى ،والتحليل بني على أساس أل سبيل إلى الفصل بين الدال والمدلول بينما يفصل
بينهما بعض القائلين بالقدم مثل الرازي حيث يعتبر أن المعنى أو المعنى النفسي قديم وأن اللفظ
محدث وهذا منهجه دائما في الرد على المعتزلة وهذا أيضا موقف من مواقف الباضية وإن لم
يعبروا عنه بهذه الصيغة وإنما قالوا الكلم صفة ذات من حيث إن ال ليس بأخرس فهو صفة فعل
من جهة أن ال خالق كلمه.
لقد حلل يوسف المصعبي هذه القضية تحليل متكامل وقد استفاد مما جاء في الموضوع عند غير
الباضية وعند الباضية وقد سبقه في ذلك أبو يعقوب الورارجلني لذلك وسننطلق من تحليل
الوارجلني لنبين ما أضافه المصعبي وعمله من صلب هذا البحث.
يقول أبو يعقوب الوارجلني ":فإن عورضنا" ،وقال " :إذا جعلتم القول في النفس من غير صوت
فقولوا في الكلم كذلك فهذا دليل على أن الكلم كلم ال عز وجل صفة له في ذاته أزلية .قلنا :لبد
في الكلم والقول من نظم الحروف فيتعدى ذلك النفس فإن لم تكن حروف ول نظم كان ذلك علما،
والعلم اعتقاد في النفس والكلم والقول معنى جاوز النفس إلى نظم الحروف المعنوية فهذا الفرق
بين العلم وبين الكلم في النفس وبين القول أيضا ،ولبد من معنى زائد على العلم وهو تصوير
المعنى في النفوس وهذا الزائد هو القول ويكون بغير صوت ،ول يتوجه إلى الغير" (. )110
وينقل يوسف المصعبي ما جاء في رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي وهاك نصه ":قوله
(الغدامسي) :المعنى النفسي صفة غير العلم والرادة.
-إما العلم سواء تعلق بمفرد ويسمى معرفة وتصورا ويدخل فيه الشك والوهم لنه تصور النسبة
بغير حكم أو تعلق بمركب ويسمى تصديقا واعتقادا ويدخل فيه الظن والعتقاد الجازم الثابت
المطابق للواقع ويدخل في التصور العلم باللفاظ أي حفظها وأنها وضعت لكذا من المعاني.
-وإما الفكر :وهو ترتيب المعاني في النفس على وجه مخصوص والقدرة عليها تسمى القوة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المفكرة وإرادة شيء من الفعال فليس في النفس إل هذه الوجه ومن ادعى غيرها فعليه البيان" (
. )111
كما ينقل عن عبدال بن محمد النزوي العماني ( )112ما يلي ":ثبت أن القرآن من علم ال عز
وجل لم يزل عالما ولم يزل متكلما وأن علمه وكلمه من صفاته الذاتية وأنهما ليسا بمحدثين مع
عدم الجوارح من الكلم والعلم والسمع. )113( "....
ثم يختم المصعبي بموقفه الخاص فيقول ":فعلى ما يفهم ...من صريح كلم بعض المشارقة ()114
ل يبقى نزاع إل في اللفظ والعتبار بخلف ما هو المشهور عن القوم من إثبات الكلم النفسي غير
العلمي فإن الخلف حينئذ حقيقي ولكن ل دليل لهم على إثباته مع ما يلزم من الفساد. )115( "...
فموقف الباضية حينئذ يتمثل في رفض الكلم النفسي إل أنهم اعتبروا الزلية متمثلة في العلم أو
في ما عبروا عنه بقولهم :كلمه صفة ذات من جهة وكل ذلك رغبة منهم في البتعاد عن تشبيه
الغائب بالشاهد لن ذلك يوحي بشيء من التجسيم والتشبيه.
وبعد أن حددنا مفهوم القرآن والكلم ،وضبطنا مواقف جل الفرق في هذه القضايا وعرضنا أدلة
الباضية والنقلية على أن القرآن مخلوق وإن كان البعض منهم يرى غير ذلك ،يجدر أن نخلص إلى
الحوصلة التالية وفيها نتبين بعد القضية الحضاري:
-1إن اختلف المنطلقات الساسية كلف علماء الصول عناء كبيرا في هذه القضية ،وأبرزها وجهة
نظر كل فرقة إلى صفات البارئ سبحانه وتعالى ولذلك كثيرا ما يكون الجدل مفتعل من البداية.
-2إن هذه القضية ظلت تتأرجح بين ثلثة أسس :الساس البلغي ،والساس الفلسفي ،والساس
العقائدي.
أ) أما بالنسبة إلى الساس البلغي ،وهو أبرز المحاور لن معجزة القرآن في بلغته قبل كل شيء،
فالقضية تتمثل في علقة اللفظ بالمعنى فمن ربط بينهما قال بقدم المعنى مع اختلف في أنه كلم
نفسي أو علم وبحدوث اللفظ .وقد جاءت أثناء الجدل عبارات الدال والمدلول والحكاية والمحكي
وكذلك النظم وكل فرقة تجاذبت هذه العلقة حسب تصورها الخاص داخل نظامها الفكري الذي تبنته
حتى ل يقع تضارب بين عناصر ذلك النظام.
وأثيرت قضية أقسام الكلم بين النشاء والخبر ،أو المر والنهي والخبر والستخبار ،فإن صح القدم
في الخبر فإنه ل يصح في المر إذ ل يجوز آمر بدون مأمور.
والملحظ في كثير من مواطن الجدل أنك تخال أنك مع درس في البلغة بعيدا عن الصول لكن
تدرك بعد حين أن البلغة خادمة للغرض.
ب) أما الساس الفلسفي -إن صح التعبير -فيتضح في قضية الكلم النفسي فالقائلون بالقدم انطلقوا
من نصوص من القرآن والحديث واللغة ورأوا أن ما يدور في النفس من المعاني يمكن أن يعتبر
كلما بدليل ما يحدث في النفس من حوار داخلي واتخاذ مواقف وما إلى ذلك إل أن المنكرين للكلم
النفسي اعتبروا أن كل ذلك من باب العلم وانعكس هذا المفهوم البشري على الكلم اللهي ،فال
أيضا له كلم نفسي ويذهب هؤلء إلى أنه يمكن أن يسمع وإن رأى آخرون أنه ل يمكن أن يسمع.
فالقضية حينئذ فلسفية نظرية ول يمكن أن تحل بموقف واحد بل لبد من أن تتعدد فيها المواقف فل
عجب إذا لحظنا ذلك التشعب الجزئي أحيانا والكلي أحيانا أخرى.
والقضية ليست تجريبية حتى في المستوى البشري فكيف بها في المستوى الغيبي.
ج)أما الساس العقائدي فيتمثل في محاولة إدراك كنه كلم ال تعالى لنه عليه مدار العمل ومدار
الجزاء ولذلك يتحول الجدل في هذه القضية إلى أنه تكفر الفرق بعضها البعض ،ول تسامح في مثل
هذه القضايا الصولية وما منحه القائلين بالقدم مع المأمون أول ثم القائلين بالخلق في ما بعد إل
صورة لرتباط العقيدة بالواقع المعاش ومدار كل الفرق أساسه الحرص على تنزيه ال تعالى ونسبة
جميع صفات الكمال إليه ،ولذلك لم يختلفوا في نسبة الكلم إلى ال وإنما اختلفوا في نوعية هذا
الكلم وفي قدمه وحدوثه .وما دام القرآن قسما من كلم ال تعالى فقد انصب الجدل حوله وإن كانت
الشارات كثيرة إلى بقية الوحي اللهي ولعل أكثرها كان يدور حول كلم ال لموسى عليه السلم
ونحن نعلم أنه كليم ال.
وفي النهاية فالقرآن كلم ال قديم عند البعض معنى ولفظا ومحدث عند آخرين معنى ولفظا وقديم
المعنى محدث اللفظ عند جماعة أخرى.
ومهما يكن أمر هذا الجدل فإن المسلمين ل يختلفون في أن القرآن هدى للمتقين فاستمدوا منه
عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية.
أما عن النصوص الباضية فالغالب عليها بعد مناظرة بقية الفرق والتعايش معها جنبا إلى جنب في
نفس الطار المكاني والزماني ما يلي:
" -وندين بأن ال خالق كلمه ووحيه ،ومحدثه وجاعله ومنزله" (. )116
" -ليس منا من يقول :إن القرآن ليس بمخلوق" (. )117
)2التفصيل في الشروح.
كلم ال - :صفة ذات :من جهة أنه متكلم ليس بأخرس.
ويقول عبدال السدويكشي في ذلك ما يلي ":وعندنا معشر الباضية الوهبية أن كلم ال تعالى له
معنيان:
الول :أنه صفة ذاتية كالعلم والقدرة منافية للفة مثل الخرس.
فمعنى كونه متكلما على الول أنه ليس بأخرس وعلى الثاني أنه خالق الكلم" ()118
وقد حلل أبو يعقوب الوارجلني قضية نفي الخرس عن ال تعالى كما يلي ":فمن أين ارتباط الكلم
بالحي ل ارتباط له به.
فإن قالوا لستحالة حدوث الكلم لكان أخرس قبل حدوثه والخرس ضد الكلم ونقيضه .
قلنا وبال التوفيق ":إن هذا الحكم وهذا التحكم ل يلزم لنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا ل
أخرس ليس كالعلم لن من لم يكن عالما فهو جاهل ،ومن لم يكن قادرا كان عاجزا ،ليس الخرس
بنقيض الكلم ،بل السكوت نقيضه (. )119
ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل لنه لو أحدث ال الخلق لكان قبل حدوثه عاجزا ويلزمهم أيضا
أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمة بالذات كالكلم ولعمري لهو أشبه بمذهبهم.
وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق ،فليس الخرس بنقيض الكلم غير أن الخرس زمانه ل يستقيم معه
الكلم.
وكذلك العجز آفة ل يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة وقد يكون الحي ساكتا ل متكلما ول
أخرس .وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أو ساخط؟
فهاتيك مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة وليس ذلك في الكلم البتة وال ولي التوفيق" (
. )120
وبهذا نتبين أن الباضية يختلفون في هذه النقطة عن المعتزلة إذ يعتبر الباضية أن السكوت نقيض
الكلم ،بينما يرى المعتزلة أن الكلم ل نقيض له (. )121
فواضح أن موقف علماء المرحلة المقررة امتداد لما جاء من قبل كما بينا ذلك من كلم الوارجلني
واستمر نفس الموقف في ما بعد كما جاء ذلك عند محمد اطفيش إذ يقول ":وال متكلم ومعناه ل
يوصف بالخرس " (. )122
لقد غلب على جمهور الباضية بالمغرب والمشرق القول بالخلق لكن ذكرنا أن من المشارقة من قال
بالقدم فكيف كان موقف الباضية من هؤلء؟
=========================
( )107والتحليل مستوحي من رسالة المام أبي اليقظان " الجواهر" 190 -189مع بعض الضافات .ر .أبو يعقوب الوارجلني
ط 52 -1/51 1ويصل إلى نفس النتيجة إل أنه يستعمل كلمة " العبارة" عوضا عن الحكاية وقد استعملها أبو مهدي في آخر
كلمه .ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/227سلك نفس المسلك ومن ذلك يقول ":ال سمى هذه اللفاظ قرآنا ول ترجمة عن
الكلم النفسي".
( )108انظر ما سبق.356 :
( )109أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :جواب لهل عمان . 8 -6 :ثم ختم الجواب بما ذكر آنفا من الحجج العقلية .انظر ما سبق
354:
( )110أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 2/159 ، 2
( )111يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .94 :ويشير القاضي عبد الجبار إلى أن ابن فروك ذهب إلى أن المرجح
بالكلم إلى الفكر ورد عليه بأن مثل هذا القول نابع من المجوسية التي تقوم بأن ال تعالى فكر فكرة رديئة فتولد من فكرته
الشيطان .الصول الخمسة533 :
( )112لم نتمكن من التعريف به
( )113يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .95 :ونذكر بأننا بينا في ما سبق : 352أن من إباضية عمان من يقوم
بالقدم لكنهم لم يقولوا بالكلم النفسي وغنما قالوا بالعلم.
( )114يقصد الباضية بالمشرق وخاصة بعمان.
( )115يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين95:
( )116عامر الشماخي :كتاب الديانات 44 :والملحظ هنا أن عامر الشماخي حشر هذه القضية ضمن القدر وخلق الفعال كما
يفعل المعتزلة ( ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة :يقول ":ووجه اتصاله بباب العدل هو أن القرآن فعل أفعال ال :
، "527إل أن بقية النصوص ضمن الحديث عن الصفات.
( )117أحمد الشماخي:شرح عقيدة التوحيد .152 :
( )118عبد ال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات14 :
( )119هذه حجة الطرف المقابل أوردها ليرد عليها.
( )120أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .51 -50 /1،1
( )121ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة ".فإن الكلم ل ضد له من جنسه ول من غيره جنسه"557 :
( )122امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/236
أما السالمي فيلتمس العذر لمن يقول بالقدم كما يلي ":اعلم أنه ل وجه لقول من قال من أهل
المذهب إن القرآن قديم إل أن يريدوا أن ال تعالى ليس بأخرس فيعتبرون بهذه العبارة القاصرة عن
ذلك المعنى المطلوب فتنتفي عنهم البراءة بهذا الحتمال حسن ظن بالمسلمين ،ولكون مذهبهم
معروفا في قولهم إن صفات الذات عين الذات فيجيب رد تلك العبارة منهم إلى هذه القاعدة المنيعة"
(. )123
أما محمد اطفيش فيشدد اللهجة على من يجيز عدم النكار على القائلين بالقدم وهاك موقفه بعد
عرض موقفين من مواقف أهل عمان ملتمسا مخرجا للموقف الول.
" إن من أهل عمان من أصحابنا من يقول بقدمه ( القرآن) على معنى العلم به إجمال وتفصيل لفظا
ومعنى على ما سيكون إذا خلقه وهذا ل بأس به إل أن التلفظ بقدمه هكذا ل يجوز لنه يوهم ما ل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يجوز.
ومنهم من يقول -كما يقول سائر أهل المذهب -إنه مخلوق حادث ول يسمى قديما ،وعلم ال قديم
قطعا.
...وفي بعض الثر أنه لم ينكر سائر أصحابنا على من يقول بقدمه من أصحابنا لئل ينتشر الخلف
والفتن وهو ضعيف لن المسألة من الصول عند التحقيق لن مرجعها إلى الكلم النفسي وفي
العقيدة " ليس منا من قال إن القرآن ليس بمخلوق" ،فكيف يسوغ فيها السكوت عن النكار " (
. )124
هذا ما أورده المتأخرون من الباضية في شأن القضية أما علماء المرحلة المقررة فلم نعثر لديهم
على نص يبسط المسألة على أساس التماس العذر أو التشديد ولعل مرجع ذلك إلى أن الموقف
استقر عند الكل على القول بخلق القرآن.
وبعد هذا يحسن أن نشير إلى مسألة تتصل بالخلق ،فبما أنه مخلوق فهل هو جسم أو عرض؟
وإن بينت المصادر الباضية أن القرآن مخلوق فإنها لم تعتبره جسما لنه لو كان جسما لكان قائما
بنفسه ومحتمل للصفات بل تعتبره شيئا مصدقا لقوله تعالى... ( :إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من
شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى 6( )..النعام .)91
كما تعتبره عرضا فهذا الوارجلني يقول ":وقوله :عرض فعله تعالى في غيره وذلك ل يؤدي إلى
حدوثه تعالى )125( "...كما أن محمد اطفيش يعبر عن نفس المعنى بقوله ":وأي ضرر في أن
القرآن عرض يفنى ويتجدد تقيده القلوب والوراق ...وليس كل محدث سريع الفناء فهل العرش
والكرسي والسماوات والرض ونحوهم سريعو الفناء. )126( "....
فالقرآن حينئذ كلم ال مخلوق ليس بجسم ( )127إل أنه شيء وعرض.
وما دام القرآن فإن لـه وجودا في العيان ووجودا في الذهان ووجودا في العبارات ،ووجودا في
الكتابة ،لكن عند التأمل يثبت أن ما في الخارج ليس مدلول ما في الذهن بل مدلول اللفظ ،وعلم ال
يتعلق بجميع ذلك ومن هذا المنطلق صح التفسير والتأويل (. )128
فالكلم على الطلق صفة ذاتية من جهة وصفة فعلية من جهة أخرى بينما القرآن هو غير ال
وليس بصفة إذ ما يصح فيه من إنزال وتفصيل ل يجوز على ال تعالى.
ويحسن أن نختم بما وصل إليه أبو إسحاق في تعليقه على مقدمة التوحيد:
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
" اعلم أن هذه المسألة مما احتدم الخلف فيها بين المة فارتطم فيها من ارتطم ...مما ليس في
شيء من الحق وإنما جرت فيها مغالطة ،والجهتان مختلفتان.
فذهب المشنعون بسوء الفهم شر مذهب والحق كما وضحه المام شمس الدين أبو يعقوب في الدليل
وبين طريق كل من الفريقين القائلين بخلق القرآن والقائلين بقدمه.
فالولون قصروا على القرآن المتلو المحفوظ في الصدور والمصحف الموصوف من ال بالمحدث
والمنزل والجعل والذهاب الخ .ولم ينظروا الى القرآن الذي هو علم ال إذ ل ريب في قدمه.
والخرون قصروا على القرآن القديم الذي هو علم ال وصفته وكلمه فقالوا بقدمه وبالسكوت عن
المحفوظ في المصحف والصدور الخ.
هذا مع إعراضنا عن الفريقين الغالي الزاعم بقدم المكتوب في المصحف بل المصحف وما إلى ذلك
من سخف القول البعيد عن المعقول.
وخلصة القول :إن كلم ال قديم من حيث هو علم عند الباضية والمعتزلة والمامية والزيدية
والخوارج ،ومن حيث هو كلم نفسي عند الشاعرة والماتريدية ،ومحدث من حيث هو لفظ منزل
عند هؤلء جميعا باستثناء الحنابلة الذين يرون قدم هذا الجانب أيضا ومن يقفون في القضية من
السلف الول.
والمهم أن هذه القضية وإن بدت عديمة الجدوى فإنها قد أثرت المكتبة السلمية في شتى الفنون
من فلسفة وبلغة وعقيدة وأسفرت عن إنتاج غزير وإن سالت من أجلها دماء وقامت دونها أحقاد
ذلك شأن الفكر إذا سخر لغراض سياسية ومنافع آنية.
وهكذا مع هذه القضية ننتهي من باب اللهيات لنتحول إلى باب النسانيات حيث سنكتفي بالنظر في
قضيتي القدر ،والوعد والوعيد.
=======================================
( )123عبدال السالمي :المشارق246 -245 :
( )124امحمد اطفيش :شرح الدعائم 224 -1/2323
( )125أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 1،1/69
( )126امحمد اطفيش :شرح الدعائم 1/273
( )127وفي هذا رد على بعض المعتزلة وعلى عبدال بن يزيد الفزاري من الباضية .انظر ما سبق 350 :و .361
( )128ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي15 -14 :
( )129إبراهيم اطفيش :تعليق عدد 3على مقدمة التوحيد وشروحها ط القاهرة .112 :1353
تميهد:
قال تعالى( :ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) ( 21النبياء )23وجاء في سياق الحوار بين موسى
عليه السلم والذي آتاه ال علما من لديه قوله تعالى( :قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر
على ما لم تحط به خبرا) ( 18الكهف )1( )67وأنى لموسى أن يصبر على سفينة تخرق بدون
سبب ظاهر ،وعلى فتى يقتل عبثا ،وعلى جدار يبنى مقابل رفض للضيافة.
ولقد ثار موسى على الرجل الذي عاهدة بأن يلتزم بالصمت ،وكان الفراق بينهما بعد أن فسر له سر
تصرفه بأمر ال تعالى ،فالسفينة حرقت لتبقى لصحابها ،والغلم قتل حتى يبدل ال والديه من هو
أقرب منه رحما ،والجدار بني حفاظا على كنز ولدي الرجل الصالح ،تحير موسى واستفسر لنه
حكم على الحداث اعتمادا على الظاهر فجاء التفسير يدل على أن وراء الظاهر باطنا ل يعلمه إل ال
أو من آتاه ال من لدنه علما (. )2
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ول يخفي على أي عاقل أن علم النسان محدود مهما بلغ ( وما أوتيتم من العلم إل قليل) (17
السراء )85لن العقل إذا سخر في المحسوسات التي في دائرته يمكن أن يصنع العجائب ،أما إذا
تحول إلى عالم الماوراء أو الغيب فإنه ل يدرك إل تخمينات تتضارب فيها آراء الفلسفة من النقيض
إلى النقيض.
وما عرفنا عالما يعتبر قضية القضاء والقدر من مشمولت العالم المادي فهي حتما قضية ما ورائية
غيبية.
والناظر في الثقافات العالمية عبر العصور يتبين أن النسان عبر عن وجهة نظره في هذه القضية
بوجه من الوجوه ،وتجاوز التساؤل عن فعله إلى التساؤل عن فعل ال عيسى أن يدرك حقيقة
مصيره بعد الموت.
إن الذين يقرون أن آدم أول البشر يتساءلون لم أكل آدم من الشجرة؟ فأنزل إلى الرض ( ، )3ولم
عصى إبليس ربه ولم يسجد لدم ()4
أما المتتبع للقصص القرآني فيجد أن قضية المصير من المحاور الساسية التي يستند إليها
المعارضون للنبياء عامة وخذ لك مثالين:
-1فليس بدعا أن يكون احتجاج إبراهيم قائما على نفي اللوهية عن النجوم والقمر والشمس لنها
زائلة ثم ليثبتها للذي فطر السماوات والرض( 6النعام )79 -73إذ نعلم أن الحضارة البابلية كانت
تعتبر أن المصائر مرتبطة بالنجوم وأنها مصدر الخير والشر)5( .
وما دام إبراهيم حول مفهومهم للمصير وربط ذلك بال تعالى وكسر أصنامهم ألقوه في الجحيم (21
النبياء )70 -50فكانت النار عليه بردا وسلما.
-2أما فرعون فتلمس من مجادلته لموسى أنه يريد أن يجعل مصائر الناس بيده فادعى اللوهية
وما يزال موسى يقنعه بالمعجزات ( )6أن مصير الناس بيد ال إلى أن آمن من آمنت به بنو
إسرائيل حين أدركه الغرق فنجاه ال ببدنه ليكون آية للعالمين ( 10يونس .)92
ثم إن الناظر في الكتاب المقدس يجد أن المصادر بيد ال وأن القضية شغلت اليهود والنصارى
وتحيروا فيها كما تحير غيرهم ( )7وما يزالون.
كما أن الناظر إلى الحضارات العالمية الخرى يتبين أن قضية الخير والشر تجسمت عند المانوية
الفارسية في اتخاذ آلهة لكل منهما ( )8أما الفكر اليوناني فقد طرحت فيه قضية القدر طرحا عنيفا
على المستوى الفلسفي ( )9ول ينبغي أن نغفل عن الوثنية الجاهلية في الجزيرة العربية التي
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فواضح أن قضية القدر ليست وليدة الفكر الباضي أو وليدة ظرف من ظروف الحضارة السلمية
وإنما هي قضية إنسانية ل سبيل إلى تحديد تاريخ مضبوط لنشأتها فتبقى القضية بالنسبة إلى بحثنا
متمثلة في التعرف على طرح الباضية لموضوع القدر وبصفة خاصة في المرحلة المقررة في
البحث.
:-1قضية القضاء والقدر :2 ،قضية الجبر والختبار :3 ،ما يرتبط بهما من قضايا :مثل
الستطاعة والعون يحسن أن ننبه إلى ما يلي:
-إن تراث الباضية في القرون التي تعنينا قد جاء ملما بالتراث الذي سبقه إعادة ( )11وتلخيصا
وتوجيها مع التعايش مع بقية التراث السلمي عامة سواء من أجل التفاق في وجهة النظر أو من
أجل الختلف وذلك في منطق الرد والدفاع فضروري حينئذ أن نبني التحليل على مراعاة التطور
التاريخي للموضوع من زمن الرسالة فصاعدا.
-إن القضايا المشار إليها في مراحل متداخلة تداخل جوهريا فرأينا أن نفصل بينهما فصل منهجيا
وذلك رغبة في زيادة التوضيح.
قضية القدر.
( )10يقول لبيد:
يوم إذا أتى عليّ وليلة
وكلهما بعد المضاء يعود
فؤاد أفرام البستاني :المجاني الحديثة ط 3.ا لكاثوليكية بيروت . 1/139 :1966
( )11سنضطر أحيانا إلى اعتماد مصادر متقدمة عن المرحلة المقررة بعض القضايا لن هذه المصادر تكتفي بالتذكير بما جاء
عند سبق وسننبه إلى ذلك في إبانه .
()12
وجاء في كتاب الديانات ":وندين بأن القدر خيره وشره كله من ال" (. )13
أردنا أن ننطلق من هذين النصين لنهما مصب لما جاء قبل القرن السابع والثامن /الثالث عشر
والرابع عشر ومنبع لما جاء بعدهما ( )14كما أنهما يصوران موقف الباضية بوضوح واختصار
وهو وجوب اليمان بأن القدر خيره وشره من ال فما معنى القدر؟ وما معنى القضاء؟ وكيف يكون
القدر خيره وشره من ال؟ وما هو موقف المسلمين من ذلك؟
من قدر يقدر ويقال بفتح الدال والقدر بسكونها ويجمع على أقدار.
يورد لسان العرب مال يقل عن ثمانية عشر تفسيرا نذكر منها :قضى ،حكم ،يسر ،علم ،دبّر ،قسم،
وكلها تحوم حول قدرة ال تعالى المطلقة وقد جاء القسم الول من الشرح عقائديا ول يمكن لبن
منظور أن يسكت عن ذلك إل أنه اكتفى بذكر مواقف دون أخرى وكان من الولى أن يذكر مواقف
فرق أخرى غير القدرية -ويقصد المعتزلة -وأهل السنة ونكتفي من بين هذه القوال بذكر قول أبي
منصور :وتقدير ال الخلق تيسيره كل منهم لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء وذلك
أنه علم منهم قبل خلقه فكتب علمه الزلي المسابق فيهم وقدره تقديرا" ( )16وفيه :نموذج واضح
للتداخل بين الجانب اللغوي والجانب العقائدي.
القضاء :الحكم ...ويقال قضى يقضي قضاء ،ويورد لها ما يقارب عن ثلثين معنى نذكر منها :
حكم ،فصل ،أحكم ،أمضى ،خلق ،أتم ،قدر.
قال الزهري :القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه وكل ما أحكم عمله أو
أتم ختم أو أدى أداء أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد مضي وجاءت هذه الوجوه كلها في
الحديث.
وقد غلبت الصبغة العقائدية على الصبغة اللغوية ولم يسند هذه الصبغة إلى فرقة دون فرقة بل
جاءت في سياق عام ويربطها ربطا محكما بالقدر فيقول :ومنه القضاء المقرون بالقدر ،والمراد
بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات) ( 41فصلت )12أي خلقهن.
فالقضاء والقدر أمران متلزمان ل ينفك أحدهما عن الخر لن أحدهما بمنزلة الساس وهو القدر
والخر بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام البناء بنقضه.
فواضح إذن من خلل الشرح اللغوي أن هاتين اللفظتين من اللفاظ المشتركة ذات اللفظ الواحد
والمعاني الكثيرة ( )17وهذا يزيد القضية تعقيدا عند تأويل أهل الفرق للنصوص التي وردت فيها
الكلمتان في القرآن والسنة ومواقف الصحابة.
ويقول المحشي في العلقة بين اللفظين ":فعلى هذا الشرح الذي ورد بين القضاء والقدر عموم
وخصوص من وجه يجتمعان في الخلق وينفرد كل واحد منهما في بقية معانيه كما هو ظاهر" (
. )18
كما تجدر الملحظة أن اللفظتين لم تردا مقرونتين في الكتاب على الطريقة التي ألفها المتكلمون
والفلسفة من جعلها مرادفتين لـ" الجبر والختيار" أو ما أطلق عليه " حرية النسان")19( .
ليس معنى ذلك أن اللفظتين لم تستعمل في هذه النصوص وإنما جاءت كل منهما على حدة لتدل
على معان مختلفة حسب السياق فهل أحدثت كل منهما بعضا من الشكال زمن الرسالة؟
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
===============================================
( )12أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية 3 :البيتان عدد .37 , 36
( )13عامر الشماخي :كتاب الديانات.43 :
( )14انظر ما سبق عن شروح النونية وكتاب الديانات.
( )15نترك ذكر المفهوم الصطلحي أثناء التحليل إذ نجد أنه يختلف من فرقة إلى أخرى .ملحظة أحببنا أن نعتمد لسان العرب
لن كل التحاليل اللغوية الواردة في مصادر الباضية ل تخرج عن هذا التفسير ولنذكر على سبيل المثال ما جاء في شرح
النونية ":والقدر يتصرف على ثمانية أوجه:
-1يخرج على ( 87العلى )3أي خلق وبثق لهم ما يأتون وما والذي قدر فهدى الخلق كقوله تعالى يدرون ،وقيل قدر :خلق
فهدى إلى سبيل التغذية ،وهدى الذكر إلى النثى ،وقيل هدى الرضيع الثدي.
وأنزلنا من السماء ماء - 2ويخرج على التقدير كقوله تعالى( :المؤمنون )18أي بتقدير[ .بقدر
إل امرأته قدرنا إنها من - 3ويخرج على الوجود ( 15الحجر )60أي وجدناها من الباقين في العقوبة والعذاب[ .الغابرين
-4ويخرج على ( 77المرسلت [ .)23فقدرنا فنعم القادرون التصوير ،قال تعالى:
-5ويخرج على ( 54القمر )12أي قضي [ .فالتقى الماء على أمر قد قدر القضاء
-6ويخرج على الضيق ( [ 21فظن أن لن نقدر عليه )65الطلق )7وقوله [ :ومن قدر عليه رزقه كقوله تعالى :النبياء
)87أي نضيق عليه الرض .
نحن - 7ويخرج على التسوية ،قال تعالى 56( :الواقعة )60أي سوينا .وال أعلم .ر .عمرو خليفة السوفي[ :قدرنا بينكم
الموت كتاب السؤالت. 202 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 126وجه وقفا .وقد أخذ كتاب السؤالت .ر .عمرو
التلتي :شرح النونية ورقة 50قفا ،لم يتوسع في الشرح اللغوي .ر .المحشي :حاشية الترتيب 1/114وقد نظم السالمي سبعة
منها في ما يلي ( :هزج)
( )16ثم يذكر بقية المعاني التي تبعد عن قضيتنا ويدعمها بأمثلة.
( )17ر .عبد الحليم محمد قنبس وخالد عبد الرحمن العك :مسألة القضاء والقدر ...دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع
حلب ،دمشق 1979ص .82 – 81
( )18المحشي :حاشية الترتيب1/114 :
( )19عبد الحليم محمد قنبس :مسألة القضاء والقدر 11 :و .104
:
إن التراث الباضي كبقية التراث السلمي يقرأ الحداث من منطلقات عقائدية تبلورت عبر السنين
فيفهم منه بوضوح أن قضية القدر أثيرت في حياة الرسول عليه السلم لكن لم يكن وراء إثارتها
خلفيات سياسية أو فلسفية أو اجتماعية بل كان الصحابة يسألون ليزدادوا إيمانا وكفى كما أنه عليه
السلم ذكر القدر في مواقف شتى دون أن يسأله سائل ويمكن أن نضع هذه الحاديث تحت العناوين
التالية:
والملحظ أن هذه الحاديث مهما وقع الطعن في صحة البعض منها فإنها تبقى معبرة عن تساؤل
هؤلء الصحابة الذين كانوا يقرون بالجبر قبل السلم عن القضية عسى أن يدركوا هذا السر إل
أنهم سرعان ما تطمئن قلوبهم لن الرسول عليه السلم ل ينطق عن الهوى.
ويتواصل الحوار بين أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم مع اتساع دائرته فهذا أبو بكر يقول في
شيء سئل عنه ":أقول برأيي فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان" ()23
وهذا ابن عباس له عدة مواقف نكتفي بذكر اثنين منها:
الول :سئل ابن عباس عن القدر فقال ":الناس فيه ثلثة منازل من جعل للعباد في المر مشيئة فقد
ضاد ال في أمره ومن أضاف إلى ال شيئا مما يتنزه عنه فقد افترى على ال إثما عظيما ومن قال:
إني رحمت بفضل ال فذلك الذي سلم له دينه ودنياه جميعا ،ولم يعلم ال في خلقه ولم يجهله في
حكمه" (. )24
الثاني :وقال ابن عباس ":ل يأتيني رجل من هؤلء الذين يتكلمون في القدر ويزعمون أن أفعال
العباد مفوضة إليهم أما يقرأون هذه الية ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) ( 76النسان )30وقوله
تعالى ( يدخل من يشاء في رحمته) ( 42الشورى 79 .8النسان )31أي في دينه وقوله ( من
يشاء ال يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) ( 6النعام ( )39وكل صغير وكبير مستطر)
( 54القمر ( )53إنا كل شيء خلقناه بقدر) ( 54القمر )49وقال ( ما أنتم عليه بفاتنين إل من هو
صال الجحيم) ( 37الصافات )163أي ما أنتم بمضلين إل من سبقت عليه الشقوة ومن هو صال
الجحيم (. )25
ول يفوتنا أن نذكر بموقف عمر عندما تحير مع جمع من الصحابة أيحلون بقرية عم فيها الوباء،
وكيف فر عمر اجتنابها فانتقد انه فار من قضاء ال فأجاب :فررنا من قدر ال إلى قدر ال)26( .
ثم تنطلق الفتنة الكبرى بقتل عثمان وتبدأ المعارك الدامية بين المسلمين فتطوع كل طائفة النصوص
لوجهة نظرها وتذكر المصادر خبرا طريفا يصور حيرة الناس في التوفيق بين اليمان بالقدر
والحصول على الثواب.
روي عن الصبع بن نباتة أنه قال :لما رجع علي بن أبي طالب من صفين قام له شيخ فقال :يا أمير
المؤمنين أخبرنا عن سيرنا إلى الشام أهو بقضاء وقدر ،فقال علي :والذي خلق الجنة وبرأ النسمة
ما وطئنا موطنا ول هبطنا واديا ول علونا تلعة إل بقضاء وقدر ،فقال الشيخ :أحتسب عنائي فل
أرى من الجر شيئا ،فقال له علي :بل أيها الشيخ لقد عظم ال أجركم في مسيركم وأنتم سائرون
وفي مصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالتكم مكرهين ول إليها مضطرين.
فقال الشيخ :كيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقنا وعنهما كان مسيرنا وانصرفنا ،فقال
علي :ويلك أيها الشيخ لعلك ظننت قضاء لزما وقدرا حاتما لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب
والوعد والوعيد والمر والنهي ولم تكن لئمة على مذهب ول محمد لمحسن تلك مقالة عبدة
الوثان ،وجند الشيطان واعداء الرحمان وشهود الرفة وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية المة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومجوسها.
إن ال تعالى ،أم تخييرا ونهي تحذيرا وكلف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل
الرسل عبثا ولم يخلق السماوات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا
من النار فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول (:بسيط)
فواضح حينئذ أن عليا نفى نفيا مطلقا ما شعر به الشيخ من جبر يجعل عمله عبثا قضاء لزما وقدرا
حاتما وبين أنه لو كان المر كذلك لبطل الشرع وأوضح أن ذلك من قول أهل العمى وسماهم
القدرية( وهنا ترادف الجبر).
ثم ما أن استقر المر لمعاوية الذي حول الخلفة إلى ملك عضوض حتى تسيّست القضية بصفة
نهائية وتباينت المواقف بين الدولة الحاكمة والكتل المعارضة.
أما معاوية وأنصاره فقد اعتبروا القضاء ضربا من الجبر لقناع الناس بوجوب طاعتهم مبينين أن
المنكر لفعال الخليفة ظالم فانظر إلى معاوية يقول في إحدى خطبه " :إنما أنا خازن من خزان ال
أعطي من أعطاه ال ،وأمنع من منعه ال" فقام إليه أبو الدرداء فقال له :كذبت يا معاوية وال إنك
لتعطي من منعه ال وتمنع من أعطاه وكذبه أيضا عبادة بن الصامت)28( .
وسيجد المحكمة وأنصار علي في هذين الموقفين أحسن سند لقناع الناس بأن معاوية اغتصب
الحكم إل أن معاوية مصر على ذلك ،ومدرك لمرامي ما يقول إذ يعلم أن مثل هذا اليهام من شأنه أن
يستهوي عامة الناس ومن يركنون إلى الحياد وهاهو يقول في مقام آخر ":لو لم يرني ربي أهل
لهذا المر ما تركني وإياه ولو كره ال تعالى ما نحن فيه لغيره" (. )29
وقد درج على ذلك خلفاء بني أمية وولتهم باستثناء الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز ()30
فدسوا له السم لما أحسوا أنه سيفسد عليهم ما ألفوه من الظلم.
ولقد سبق أن أشرنا إلى أن جذور الباضية تنطلق من المحكمة الولى ( )31والجدير بالملحظة انه
لم يؤثر عن عبدال بن وهب الراسبي موقف من القدر وكذلك الشراة الول ( )32لنهم ردوا الفعل
بالفعل الى أن استقر رأي الباضية على الكتمان ويفهم من رسالة عبدال بن إباض لعبد الملك
رفضه لعتبار أن ال قام مع معاوية وعجل نصره وبين لـه إن ذلك من باب البتلء وضرب مثال
فرعون والذي حاج إبراهيم فقد أعطى ال فرعون ملكا وظهر في الرض وأعطى الذي حاج إبراهيم
في ربه ملكا ( )33معنى ذلك أن ملك معاوية ومن تبعه مغتصب وطاعته ليست واجبة.
==============================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
( 19مكرر) مثل حديث جبريل عليه السلم :قال :يا رسول ال ما اليمان :قال ":أن تؤمن بال ،وتؤمن بالقدر كله" .ر.
تخريجه في ما سبق 98 :تعليق 18وما رواه الربيع قال ": :إنك لن تجد ولن تؤمن وتبلغ حقيقة بلغني عن عبادة بن الصامت
قال :قال رسول ال اليمان حتى تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال "...الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 1/19عدد 72وقد
ورد الحديث بعده روايات والمهم جمله" تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال " ر .مسلم :إيمان 1.7أبو داود :سنة ،16
الترمذي :قدر ، 10إيمان النسائي :إيمان 6 .5ابن ماجه مقدمة 10 ،9أحمد بن حنبل 5/185... 4/129 ...2/107، 28 .1/27
. 317 .ر .ونسنك :المعجم المفهرس 5/317وعبادة بن الصامت صحابي(ت )34/654ر .الزركلي /العلم 4/30
( )20ويتواصل الحديث المذكور كما يلي ...:قال ( عبادة بن الصامت) :قلت يا رسول ال :كيف لي أنا أعلم خيره وشره قال:
تعلم أن ما أخطأكم يكن ليصيبك ،وما أصابك لم يكن ليخطئك ،فان مت على غير ذلك دخلت النار.
-ومثل قوله عليه السلم ":كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 1/19عدد . 71ر.
المحشي :حاشية الترتيب. 1/119 :ر .مسلم :قدر ،18الطبراني :قدر ،4أحمد بن حنبل . 2/11ر .ونسنك :المعجم المفهرس
. 5/317
-ومثل ما رواه جابر فقال :سئل عباس عمن قال إنه يستطيع أن يعمل بما أمر ال به ويكف عما نهاه ال عنه من غير أن يخلق
ال فعله ،فقال :سأل سراقة ما العمل يا رسول ال في أمر مبتدأ مستأنف أم في شيء قد فرغ منه" قال " :بل في شيء قد فرغ
منه" .ثم قال ففيهم العمل إذا يا رسول ال؟ فقال :اعملوا فكل ميسر لما خلق له" .الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد
. 796ر .البخاري :قدر ،4تفسير سورة الليل .أحمد بن حنبل . 4/67ر .ونسنك :المعجم المفهرس .4/375
":القدر سر ال فل تفشوا سر ال" )ε)21مثل قوله رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر .ر .خميس بن سعيد الرستاقي .
المنهج 1/428وتخريج الحديث للمحقق .ولم يرد الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس ول عند الربيع بن حبيب.
ومثل ":إذا ذكر القدر فأمسكوا " أخرجه الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه .ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/115
لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس.
":ما كان مفر إل كان مفتاحه تكذيبا بالقدر" .ر )ε)22.مثل قوله الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد . 796ر.
المحشي :حاشية الترتيب .7/113لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس.
( )23الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/11عدد .807نلحظ دخول عنصر جديد ،وهو أن الصواب من ال بينمات الخطأ فمن
أبي بكر ومن الشيطان ,وهذا سيكون منطلقا لمواقف في المستقبل .ر .المحشي :حاشية الترتيب .150 /7
( )24المحشي :حاشية الترتيب1/117 :
خميس بن سعيد الرستاقي .المنهج .424 -1/423
( )25خميس بن سعيد الرستاقي .المنهج .1/427واضح من موقفي ابن عباس أن القدر بدأ يحير الناس فها هم ثلثة أصناف
كما يشير إلى ذلك يتكلمون في القدر ومنطلقهم من متشابه القرآن ولذلك جاء الرد مدعما بالقرآن مع شيء من التفسير.
)ε)26وللرسول عليه السلم موقف يمكن أن يقاس عليه موقف عمر وهو أنه كان إذا مر بهدف مائل أسرع المشي فقيل :يا
رسول ال أتفر من قضاء ال؟ قال :أفر من قضاء ال وقدره .ر .المحشي :حاشية الترتيب 1/118وقال في هذا الحديث إشارة
إلى اخذ الحذر .ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/424
ويقول الغزالي في ذلك ...:فلذلك أمسك عمر لما سئل عن القدر فقال للسائل :بحر عميق ل تلجه ،ولما كرر السؤال قالك طريق
مظلم ل تسلكه ولما كرر ثالثا قال ":سر ال قد خفي عليك فل تفشه" .كتاب الربعين في أصول الدين 11:والملحظ أن ذكر مثل
هذه المواقف يجب أن يستفاد منها بحذر.
( )27ر .المحشي :حاشية الترتيب . 115 -1/114ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 426 -1/425
وقد أورد المحشي مواقف أخرى لعلي أين أبي طالب من هذا القبيل .ر .حاشية الترتيب .134 -7/132
( )28ر .القاضي عبد الجبار :كتاب فضل العتزال.144 :
( )29ر .القاضي عبد الجبار :كتاب فضل العتزال.143 :
( )30عمرو بن عبد العزيز( . )720 -681 /101 -61ر .الزركلي :العلم .5/209
( )31انظر ما سبق48 :
( )32انظر ما سبق48 :
( )33ر .البرادي :الجوهر.163 :
أما جابر بن زيد فموقفه من القدر هو موقف الصحابة ولم يؤثر عنه تحليل خاص للقضية رغم أن
الشقة بدأت تتسع بين من كانت آراؤهم منطلقا للقائلين بالجبر والحرية ( )34ونجد في الجامع
الصحيح أنه يلجأ الى الحديث عندما تطرح عليه القضية مع الملحظة أن جل الحاديث الواردة هناك
لم يمر سندها بجابر ومثال ذلك الحديث عدد )35( 796حيث يؤكد الرسول عليه السلم على العمل
رغم أن كل ميسر لما خلق له.
كما يتجلى موقفه السلفي ( )36في رده على الحجاج ( )714 -660 /95 -40حين استعان به يزيد
ابن أبي مسلم ( )38ليخفف عن الحجاج ما ألم به من حيرة في شأن القدر فما كان منه إل أن يأمره
بترديد خطبة الرسالة فتفطن عند ذلك إلى انه ورد فيها قوله عليه السلم " من يهد ال فل مضل له
ومن يضلل فل هادي له" (. )39
وفي طبقة جابر بن زيد ممن أخذ عنهم أبو عبيدة صحار العبدي ( )40فإنه كان يقول في القدرية":
كلموهم في العلم فإن أقروا به نقضوا وإن أنكروا كفروا" (. )41
وما يكاد يتولى إمامة الباضية أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة حتى يحس بوطأة الصراع حول القدر
من بعض اتباعه من الداخل ومن واصل بن عطاء ( )42واتباعه الذين افصلوا عن شيخهم الحسن
البصري ( )43من الخارج.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما الصراع الخارجي فتذكر كتب الطبقات لبي عبيدة مسلم مواقف على واصل بن عطاء وعلى
القائلين بالقدر (. )44
" وحكى بعض أصحابنا أن واصل بن عطاء المعتزلي صاحب عمرو بن عبيد()45( )761 /144
كان يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول :لو قطعته قطعت الباضية قال فبينما هو في المسجد الحرام ومعه
أصحابه إذ أقبل أبو عبيدة ومعه أصحابه فقيل لواصل هذا أبو عبيدة قال نعم ،قال أنت الذي بلغني
أنك تقول :إن ال يعذب على القدر .قال أبو عبيدة :ما هكذا قلت لكن قلت إن ال يعذب على المقدور،
فقال أبو عبيدة وأنت واصل ابن عطاء قال نعم :قال أنت الذي بلغني عنك أنك تقول إن ال يعصي
بالستكراه قال فنكس واصل رأسه فلم يجب بشيء .ومضى أبو عبيدة وأقبل أصحاب واصل على
واصل يلومونه ويقولون كنت تتمنى لقاء أبي عبيدة فسألته فخرج وسألك فلم تجب فقال واصل:
ويحكم بنين بناء منذ أربعين سنة فهدمه وأنا قائم فلم اٌعد ولم أبرح مكاني" (. )46
ويروي أبو سفيان محبوب بن الرحيل :بلغنا أن أبا عبيدة رحمه ال جاءه رجل فكلمه في القدر فقال
له أبو عبيدة :هل علم ال ما العباد عاملون ،وإلى ما هم صائرون قبل أن يخلقهم .فقال له الرجل:
ما أسرع ما استعنت بالعلم يا أبا عبيدة وإنما هذه مسائل الضعفاء فقال له :أجب هذا الضعيف فلم
يجبه وافترقا" (. )47
وقال أبو سفيان :سمعت الربيع يقول :إن عبد السلم بن عبد القدوس ( )48عظم أم القدر وقال فيه
قول شديدا وكره الكلم فيه فقال الربيع فأخبرت بذلك أبا عبيدة فقال :ما قال عبد السلم شيئا ما
القدر إل رأي من رأي الناس اختلفوا فيه ليس فيه نكاح ول انتحال هجرة ول سباء ول غنيمة
وصغر أمر القدر (. )49
من هذا نتبين أن المواقف ما يزال سلفيا بحتا يجتنب تحليل القضية والتصرف فيها فأبو عبيدة يثبت
لواصل الفرق بين القدر والمقدور ( )50ويرد عليه بأن موقف واصل القائل بأن المعصية من خلق
النسان يؤدي إلى أن ال يعصي بالستكراه ( )51كما أن رده على الرجل الذي سأله عن القدر يثبت
تمسكه برأي شيخه صحار الذي يعتبر أن أقوى حجة على القائلين بالقدر هي الحالة على علم ال
تعالى .وواضح في النهاية من خلل نصيحة للربيع أنه يدعو أنصاره إلى التقليل من الخوض في
القدر امتثال لوامر الرسول عليه السلم.
هذا عن الصراع مع من يقولون من غير الباضية بالقدر ورد الباضية عليهم كما بينا كان واضحا
إل أن الزمة ستشتد داخل المذهب وسيفرض الواقع على أبي عبيدة أن يتخذ موقفا مضبوطا
سيكون له بعيد الثر في ما بعد.
يروي أبو سفيان ما دار بين حمزة الكوفي ( )52وأبي عبيدة من جدل حاد حول قضية القدر انتهى
بقول أبي عبيدة ":يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن" ( )53وحاول حاجب الطائي ( )54أن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يستصلح من أمر حمزة لكنه أصر وظل يستدرج النساء والضعفاء الى القول بأن السيئات من العباد
فهنالك اجتمع الناس عند حاجب بمحضر أبي عبيدة وتمت البراءة منه)55( .
وسيكون لحمزة هذا أثر فعال في اشعال نار الفتنة مع شعيب وأبي المؤرج وعبدال بن زيد الفزاري
( )56عندما أنكر يزيد بن فندين ( )57إمامه المام عبد الوهاب بن عبد الرحمان الرستمي)58( .
والمهم حينئذ أن أبا عبيدة وجمهور الباضية في القرن الثاني هجري /الثامن ميلدي استقروا على
أن القدر كله من ال تعالى وقد سلك الربيع ابن حبيب نفس المسلك.
ويجدر أن نشير هنا إلى نصين يثبتان الحتكاك بين المعتزلة والباضية في المشرق والمغرب فهذا
وائل بن أيوب الحضرمي ( )59يناظر كهلن المعتزلي وأصحابه وهذا مهدي النفوسي يتقدم الى
الفتى المعتزلي فيرتفع مستوى الجدل بينهما حتى يشبهه أبو زكريا بالصفق بين الحجرين ،لكن هذا
النص ل يذكر مواضيع هذه المناظرة)60( .
نلمس أن هذه المرحلة لم تكن مرحلة تنظير في باب القدر وإنما هي مناظرات قل أن تكون مع
الجبرية بل مدارها مع القائلين بالقدر لذلك لم نعثر على تعريف نظري دقيق لكلمتي قضاء وقدر إل
أن الحوار تحول مع أبي خزر ( )101 /4وأبي الربيع سليمان ابن يخلف( )11 /5وأبي العباس أحمد
ابن بكر( )5/11حول قضايا متصلة بالقضاء والقدر مثل ":الجبر والختبار" " خلق الفعال" "
الستطاعة".
ويجب أن ننتظر القرن 6/12خاصة مع كتاب السؤالت لتجد تعريفات نظرية ظل يعتمدها علماء
الباضية في ما بعد وحتى أبو عمار عبد الكافي ( )6/12وخاصة الموجز فقد سلك مسلكا جدليا
دفاعيا.
ول يفوتنا هنا أن ننبه إلى نشأة المدرسة الشعرية والماتريدية في القرن الرابع ،10 /فبلورتا ما
جاء من إشارات من قبل لهذا الموضوع عند أبي حنيفة وغيره وواصلتا مناظرة أهل العتزال وبهذا
تركز الجدل حول " خلق الفعال" بعد أن كان المر تسليما إيمانيا خالصا بان القدر كله من ال
تعالى وسيبقى هذا القرار العقائدي ثابتا في منطلق كل تحليل وسنبين تقارب التحاليل بين هاتين
المدرستين وبين تحاليل الباضية ولننظر الن في أهم التعريفات الصطلحية لكلمتي القضاء
والقدر.
========================================
( )34أن البيئة السلمية في البصرة وغيرها كانت تعج آنذاك بمختلف العناصر الدخيلة على السلم من أهل الكتاب ومن بلد
فارس ومن بلد الهند ،وهذا من شأنه أن يزيد الجدل حدة حول قضية القدر وغيرها من القضايا العقائدية التي تشترك فيها جميع
الملل ،وفي هذا الصدد تذكر كتب المقالت أن مرجع القول بالقدر يعود إلى سوسن النصراني الذي اظهر السلم فصحبه معبد بن
عبدال الجهني الذي ظل التابعون يحذرون منه إلى أن أخذه هشام بن عبد الملك بن مروان( )743 -125/690 -71فأمر بقطع
يديه ورجليه.
أما القول بالجبر فيرجع إلى الجهم بن صفوان ( )128/745من موالي بني راسب راس الجهمية .قال الذهبي :الضال المبتدع
هلك في زمان صغار التابعين ،وقد زرع شرا عظيما وأمر نصر بن سيار بقتله فقتل .ر .الزركلي :العلم .1/138وقد اخذ هذا
المذهب عن الجعد بن درهم .انظر ما سبق 100تعليق . 25ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال ص .229
وقد تأرجحت مواقف جميع الفرق السلمية بين هذين الموقفين ،وقد يقع التردد بين الموقفين حتى داخل كل فرقة نتيجة
فويرقات في الفهم بين علمائها.
( )35انظر ما سبق ص 98تعليق .18
( )36ونعني بذلك عدم تجاوز قول الرسول عليه السلم في التسليم بالقضاء.
( )38الحجاج بن يوسف الثقفي (. )714 -95/660 -40ر .الزركلي :العلم .1/175
( )39ل يوجد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس.
( )40صحار العبدي ( :ق )1/7من طبقة جابر بن زيد ومن شيوخ أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة ينسب إليه بحث في القدر
.ر.الدرجيني :الطبقات .2/223
ر .الشماخي :السير . 81ر .كوبرلي :الطروحة.418 :
( )41الشماخي :السير.81 :
( )42واصل بن عطاء( )797 -80/181/700تعتبر كتب الفرق أنه مؤسس فرقة المعتزلة والمعتزلة تبنوا هذا السم رغم أنهم
يفضلون عليه" أهل العدل والتوحيد" .يرجعون جذور مذهبهم إلى الصحابة .ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال وطبقات
المعتزلة ص 214انظر ترجمته بنفس المصدر 234 :ويختلف تاريخ الوفاة عما ذكره الزركلي وقد حدده ب . 748 /131ر.
الزركلي :العلم ( 19/121انظر ما سبق )110
( )43الحسن البصري( :)728 -110/642-21تابعي كان إمام أهل البصرة ولد بالمدينة سنة 21هـ وشب في كنف علي ابن أبي
طالب وسكن البصرة ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال 229 -215 :وتعليق 168ص 215بتنازعه أهل السنة والمعتزلة،
ويختلفان في قوله في القدر إل أنه يقول بالقدر على رأي المعتزلة .ر .محمد الطالبي :دراسات في تاريخ إفريقية تعليق 2ص
.398والباضية رغم أنهم ل ينسبونه إليهم يبرئونه من القول بالقدر .وقال أبو محمد النهدي( من علماء الباضية ) هو
( الحسن البصري) أبعد الناس عن القدر.
( )44إن كل الفرق تتبرأ من أن تكون قدرية فالمعتزلة يقولون :القدرية هم الذين يزعمون أنه تعالى قدر المعاصي ،وجعل ذلك
كالعذر للعاصي حتى اعتقد بعضهم أنه ل يقدر ول يصلح منه غير ما قدر ال ...وأصحابنا نفوا المعاصي عن ال وهم أثبتوها
فيجب أن يكون اللقب لزما لهم "...ويعتبرون هؤلء أن القدرية لقب للذم فمن حمل ذنبه على ال أولى بالذم ممن برأ ال وحمل
ذنبه على نفسه" .ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال167 :
إل أن الباضية يتفقون مع الشاعرة في اعتبار المعتزلة قدرية وفي ذلك يقول أبو عمار عبد الكافي "...سموا المعتزلة" مجوسا
لنهم يضيقون على أنفسهم ،وغيرهم يجعله ال دون نفسه ،ومدعي الشيء أولى بأن يسمى به ،دون من جعله لغيره ،ولنهم
ضارعوا المجوس بل زادوا على المجوس وذلك أن المجوس نفت عن ال خلق الشرور ،وزادت القدرية ( المعتزلة) نفي خلق
الخير عن ال عز وجل :الموجز . 2/62ر.المحشي :حاشية الترتيب.149 :
أما الشيعة فمنهم من يعتبر المعتزلة قدرية ومنهم من يرى خلف ذلك وفي ذلك يقول الجعفري بعد أن يبين أن الشاعرة يتهمون
المعتزلة بالقدرية والعكس بالعكس :والذي يظهر من أخبار أئمتنا أن القدرية هم المعتزلة كما يصرح بذلك كثير من المتكلمين،
غير أن الذي يظهر من كلم أمير المؤمنين"ع" في نهج البلغة وبعض الخبار عن أئمتنا .خلف ذلك " أصول الدين السلمي
."34
والناظر في كتب الفرق السلمية يتبين أن كلمة قدرية غلبت على تسمية المعتزلة بينهم وبين المجبرة والنسب أن يسموا أهل
العدل والتوحيد.
( )45عمرو بن عبيد( )144/761يعده المعتزلة من الطبقة الرابعة انظر ما سبق. 110 :ر .القاضي عبد الجبار :فضل العتزال
242 :تعليق 308ومن .250 -242 :
( )46الدرجيني :الطبقات ،2/246أن النقد الداخلي للنص يدفع القارئ إلى الستفادة منه بحذر ذلك لن النص يستعمل كلمة
إباضية للحديث عن إتباع أبي عبيدة وقد بينا في ما سبق أن هذه التسمية لم تستعمل في النصوص إل من القرن الرابع 4/10
(انظر ص )56لواصل بن عطاء أن التسمية الغالبة هي المحكمة أو "أهل الستقامة".
هذا من جهة .أما جهة أخرى فيصعب أن نتصور أن مثل هذين العلمين يتم تعارفهما في الحج وهما يعيشان معا في مدينة
البصرة.
ومهما يكن من أمر يبقى النص معبرا عن مدى الختلف من البداية بين المعتزلة والباضية في شأن القدر رغم أنهما يلتقيان في
قضايا أخرى كما رأينا .
وقد ظلت المصادر الباضية تعتمد هذا النص ،وقل أن تذكر مسألة القدر دون أن يستشهد بهذه المناظرة.
( )47خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 1/429ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية /1ورقة .137
( )48لم نتمكن من التعريف به.
( )49ويعلق خميس بن سعيد الرستاقي صاحب المنهج على الموقف كما يلي :قال المؤلف رحمه ال :إن ذلك قاله لترك البحث
عن أمر القدر والخوض فيه وإل فهو عظيم عنده لن النسان يخرج عن دين السلم بأقل شيء منه ،وقد غضب ال على عزير
لجل سؤاله عن كلمة القدر ،وضل كثير من أهل المذاهب بسبب القدر ،فالقدر بحر عميق قد هلك في بشر كثير .ر .خميس بن
سعيد الرستاقي :المنهج . 1/430ر .الدرجيني :الطبقات .2/233
ويضيف عمرو التلتي في شرح النونية ما يلي منسوبا إلى أبي عبيدة :فمن أقر بكون ال عالما بالشياء قبل وجودها فقد أقر
بالقدر .شرح النونية :ورقة 79وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور ص .212
( )50وهذا سيكون نواة لتطور الموضوع في المستقبل :القدر من خلق ال والمقدور من كسب النسان.
( )51وقد كان أبو عبيدة في خضم المعركة كما سنبين بعد حين ،فمن أتباعه من كان على اتصال بغيلن الدمشقي أنظر ما سبق :
106تعليق 43ول نستبعد أن يكون أبو عبيدة قد عرف غيلن هذا.
( )52انظر ما سبق 106تعليق 43
( )53الدرجيني :الطبقات 2/244وغيلن الدمشقي.
( )54حاجب الطائي ( ق )2/8من طبقة أبي عبيدة .دعم الحركة الباضية تدعيما ماليا .وكانت تعقد المجالس السرية بمنزله .ر.
الدرجيني :الطبقات . 253 -2/248ر .الشماخي :السير.92 -90 :
( )55الدرجيني :الطبقات . 2/244ر .السير. 85 -84 :ر .النامي :الطروحة ص . 213ر .علي يحي معمر :الباضية بين الفرق
السلمية.256 -254 :
( )56انظر ما سبق 106تعليق 43للتعرف على الشخصيات المذكورة.
( )57يزيد بن فندين( ق )2/8كان ضمن السبعة الذين جعل المام عبد الرحمان بن رستم المامة شورى بينهم .وثار على المام
عبد الوهاب بن رستم .ر .الدرجيني :الطبقات . 1/46ر .الشماخي :السير .154 :سليمان الباروني الزهار الرياضية في أئمة
وملوك الباضية المطبعة البارونية مصر د.ت . 2/99ر .بحاز إبراهيم باكير :الدولة الرستمية ،دراسة في الوضاع القتصادية
والحياة الفكرية -مجستر في التاريخ السلمي .نوقشت بكلية الداب بجامعة بغداد ( 1404/1983مرقونة بمكتبتي)-119 :
.121
( )58انظر ما سبق 56 .تعليق 68
( )59وائل بن أيوب الحضرمي من علماء النصف الثاني من القرن الثاني 8 /يقول عنه الشماخي :هو من أفاضل أصحابنا علما
وزهدا وتقى وأمرا ونهيا .ر .الدرجيني :الطبقات . 2/278ر .الشماخي :السير.105:
وقد ذكر الشماخي هذه المناظرة عندما ترجم له لكنه لم يوردها ،وقد جاءت كاملة في حاشية يوسف المصعبي على أصول
تبغورين ص 81انظر ما يلي ص 452من البحث لن الجدل قام حول الستطاعة ،وخلل هذه المناظرة سئل وائل بن أيوب عن
القدر انتهاء المور إلى أوقاتها وبلوغها إلى آجالها وإرجاعها إلى أقدارها .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ص
.81
( )60ثم جاءت بينهما (مهدي والفتى المعتزل) وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولن ،فلم يفلح أحد على صاحبه ،ثم
إنهما دخل في فنون العلم فخفي ذلك عمن حضرهما ،غير أن المام يعلم ما يقولن ،حتى صار كلمهما عند جماعة من حضرهما
كالصفق بين الحجر عند ألمام وعند غيره ،فما كان بأوشك (كذا) أن غلبه المهدي .ر .أبو زكرياء يحي بن أبي بكر :كتاب السيرة
وأخبار الئمة ،تحقيق إسماعيل العربي إصدارات المكتبة الوطنية الجزائر . 71 : 1399/1979ر .الدرجيني :الطبقات -1/61
.61
ومهدي النفوسة (أواخر ق )2/9من علماء الكلم هو المقوم في الجدال الذي له اليد العليا في البرهان والستدلل .ر .الدرجيني
:الطبقات 2/513واشتهر باستعانة المام عبد الوهاب به ( وهو من نفوسة) لمناظرة المعتزلة .ر .أبو زكرياء يحي بن أبي
بكر :كتاب السيرة وأخبار الئمة ص . 67ر .الدرجيني :الطبقات . 314 -2/313ر .الشماخي :السير ص .170
ر .بحاز إبراهيم :الدولة الرستمية367 -365 :
جاء في كتاب السؤالت ":القدر هو انتها المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها (." )61
وجاء في شرح كتاب الديانات ":القدر معناه أن ال تبارك وتعالى قدر الشياء في الزل وعلم
سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي
تقع بحسب ما قدره سبحانه وتعالى")62( .
ويقول عمر والتلتي ":القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة ويقول
أيضا :القضاء هو انتهاء المور إلى أوقاتها ( )63وارتجاعها إلى مقدوراتها")64( .
وأوجز تعريف أورده محمد اطفيش كما يلي ":القدر هو إيجاد ال الجسام والعراض والقضاء هو
الحاكم بها في الزل فهو صفة ذات أو إثبات في اللوح فهو صفة فعل")65( .
وبهذا يجمع هذا التعريف بين موقف الشاعرة_ ( )66الذين يعتبرون التقدير صفة فعل بمعنى إيجاد
ال تعالى الشياء في الخارج على قدر مخصوص وبين قول الماتريدية ( )67الذين يعتبرونه صفة
ذات بمعنى تقدير المور في الزل أي إحاطة علمه به ،مع العلم أن الموقف العام يلح على انه صفة
ذات .
نكتفي بهذه التعريفات مع الشارة إلى ورود تعريفات أخرى جمعها التلتي في شرح النونية ()68
لنلخص من هذا إلى النتائج الثلث التالية:
)1إن هذه التعريفات يكتنفها ضرب من الغموض وكأنها قد مسها شيء من سر القدر ،ومعلوم أن
اللغة التي تواضع عليها الناس يصعب أن تحد القضايا الغيبية حدا دقيقا كحدها لما يتعلق بعالم
الشهادة.
)2كثيرا ما يتداخل التعريفات ومرجع ذلك إلى أن اللفظين تشتركان في الحقل الدللي لغة فل غرابة
إن وجدنا مثل هذا التشابك.
)3نقر العلقة التي جعلها بينهما ابن منظور في لسان العرب وهي علقة الساس بالبناء فمن يعتبر
القدر أساسا أي كان في الزل لبد أن يعتبر القضاء بناء وهو ما يحدث في الوجود بعد أن لم يكن،
والعكس بالعكس والنتيجة في النهاية واحدة وهي العلقة بين القدر والمقدور والقضاء والمقتضي.
وخلصة القول إن الساس المجمع عليه هو وجوب اليمان بأن القدر من ال تعالى ( )69مع
اختلفات بعد ذلك في الفهم والتأويل تتأرجح بين الجبر المطلق والحرية المطلقة.
كما يجدر أن نلحظ أن هذه التعريفات الصطلحية خرجت عن دائرة الصراع السياسي والخلقي
الذي عرفته القضية خاصة في القرن الول والثاني للهجرة /7و 8حيث كان اتخاذ المواقف
العقائدية يؤدي إلى السجن أو الى المشنقة في كثير من الحيان وكأن القضية ضربا من الترف
الفكري والجدل العقائدي لكن كل النصوص التعليمية ل تغفل عن التذكير بهذا الصل من أصول
الدين)70( .
كما أن التراث الباضي وهو جزء من التراث السلمي لم يعتبر اليمان بالقضاء والقدر مصدرا من
مصادر التواكل كما يبدو ذلك على ألسنة بعض العوام وكما يبدو في الشبهات التي تثيرها الفلسفات
الغربية عادة حول الديانات عامة وحول السلم خاصة وذلك لن هذا التراث لم يشعر أهله بعد بما
يشعر به الناس الن من تبعية الرقعة التي تدين بالسلم للقوى العالمية الخرى التي ل تدين بالقدر
وليس لنا في هذا المقام أن نحلل هذه القضية وإنما ننبه إلى أن المسلمين الذين آمنوا بالقدر حق
اليمان كانوا سادة العالم ،ولم يكونوا في آخر القافلة.
وبعد النظر في المحور الول نتدبر أمر المحور الثاني وهو الجبر والختيار.
==========================================
( ) 61عمرو بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت .202 :إسماعيل الجيطالي :شرح النونية /1ورقة 126وجه ر .المحشي:
حاشية الترتيب .1/114
إن الخوض في قضية القدر أثار عدة قضايا كثيرا ما تطغى على المناظرات وتنسى القضية الصل.
من ذلك هل للنسان دخل في اختيار أفعاله أو هو مجبر عليها؟ أو بعبارة أخرى هل له القدرة على
خلق أفعاله أو هو مخلوق وما فعل؟ وينبني على ذلك مدى تحديد مسؤولية النسان التي تربط بها
المر والنهي وما ينتج عنهما من ثواب وعقاب.
وما دام الباضية يقرون أن النصوص التي تتعلق بالقضية من المتشابه ( )71فقد عملوا على
تأويلها مستعينين بالمحكم من القرآن الكريم وبسنة الرسول عليه السلم.
وإنك لتحس وأنت تتأمل في هذا التراث شعور أصحابه بأن من اليات ما يغلب عليها جانب الجبر
ومنها ما يغلب عليها جانب تخيير النسان.
فمن اليات التي توحي بالختيار :قوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (42
الشورى .)30
وقوله تعالى ( :فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ( 18الكهف .)29
ومن اليات التي توحي بالجبر :قوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال رب العالمين) (76
النسان .)30
وقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن
ذلك على ال يسير) ( 57الحديد .)22
وقوله تعالى ( ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال) ( 18الكهف )24 -23
كما أن هذا التراث يرجع بالقضية إلى زمن الرسول عليه السلم والصحابة وأئمة المذهب ليستقي
من مواقفهم الحل المناسب.
ومن ذلك ما روي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال " :سيكون قوم في هذه المة يعملون
بالمعاصي فيقولون :هي من ال قضاء وقدر ،فإذا لقيتموهم فأعلموهم أني بريء منهم" ( )72فقال
رجل منهم :بأبي أنت وأمي يا رسول ال متى يرحم ال العباد؟ ومتى يعذبهم؟ فقال ":يرحم عباده
إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي منا ويعذب ال عباده إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي من ال قضاء
وقدر فالطاعة والمعصية هما من خلق ال ،ومن العباد عمل" (. )73
ومن ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب عندما سئل عن أفعال العباد أنه قال ":هي من ال خلق
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومن ذلك ما جاء في الجامع الصحيح من كلم الربيع تعليقا على مجموعة من الحاديث في القدر
قوله (:فهذه الروايات تدل على أن ال خلق فعل العبد ة وأن العبد لم يفعله دون ال إذ قدره وعلمه
وعلم ما هو صائر إليه" (. )75
فواضح إذن من خلل هذه المواقف أنها كانت منطلق الكتساب لدى الباضية وقبل أن نتبين مفهوم
الكسب يحسن أن نورد حجج الباضية النقلية والعقلية في الرد على القائلين بالجبر وعلى القائلين
بالختيار.
ويحسن أن نلحظ هنا أننا بعد نظرنا في كل ما بين أيدينا من التراث الباضي قديمة وحديثه لم نجد
أكثر دقة وشمول من الفصول التي خصصها أبو عمار عبد الكافي في كتاب الموجز للرد على
المجبرة والقدرية فما جاء قبله كان في غاية الختصار وما جاء بعده كان عالة عليه ( )76ودونه
استيفاء للقضية ولعل مرجع ذلك إلى اعتماد المتأخرين ( )77على شرح المتون مما يجعل ما
يوردون من معلومات مبعثرا هنا وهناك.
لذلك سنعمد إلى حوصلة هذه الحجج بقدر المكان إذ نرى أنها تصور موقف الباضية من التجاهين
المتناقضين المر الذي أدى إلى اتخاذ موقف وسط.
:
إن في هذا ردا على الجهمية الذين ل يقولون بالختيار للعباد ول يثبتون الكتساب لهم .أما عند
الباضية فتخرج اليات من باب الكسب)78( .
قال تعالى في شأن تحريف اليهود للتوراة ( :يقولون هو من عند ال وما هو من عند ال) ( 3آل
عمران )78يقول المعتزلة اعتمادا على النفي إن في الية دليل على خلق النسان فعله .ويقول أبو
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
عمار بعد استدلله بقوله تعالى ( :فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة) ( 24النور
)79( )61
توضيحه أن " من عند" ل تدل على الخلق وإنما تدل على المر ما يلي:
" يريد تحريف اليهود للكتاب ليس هو من الكتاب ول من عند ال نزل ردا عليهم في قولهم :إنه من
الكتاب ومن عند ال نزل ،ولم تكن اليهود تذهب في قولهم ذلك إلى خلق ال الفعل فيكون ال قدر
عليهم في ذلك ()80
،فعبارة " من عند" ل تعني الخلق وإنما قد تعني المر كما جاء في سورة النور الية .61
قال تعالى ( :ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام) ( 5المائدة )81( )103يقول
القدرية إن ال نفى عن نفسه أن يكون جعل ( بمعنى خلق) شيئا من فعل المشركين والية حسب
أبي عمار يجب أن تفهم على ضوء اليتين التاليتين ( :وما خلقنا السماء والرض وما بينهما
لعبين ) ( 21النبياء )16و ( وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل) ( 38ص )27اللتين
تدلن على أن ال لم يخلق ما خلق عبثا كما يدعي أهل التكذيب بال وإنما خلقها ليحق الحق ويبطل
الباطل ( .ما خلقناهما إل بالحق) ( 44الدخان )39فكذلك مدلول آية المائدة أن ال لم يجعل هذه
النعام لن تبحر ول أن تسيب ول أن تتخذ وصيلة ول حاما كما قالوا وإنما جعلها حمولة مأكولة (
. )82
يرى أبو عمار أن قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور أل يعلم من
خلق) ( )83أقوى دليل على أن ما أسر العباد وما أظهروه من خلق ال تعالى ،ويؤكد على أن فيها
احتجاجا على من قالوا ل يكون الفعل مخلوقا (. )84
ومن أقوى الدلة التي أطنب فيها أبو عمار ووقع ترديدها أكثر من غيرها في بقية المصادر دللة
قوله تعالى (خالق كل شيء) و ( خلق كل شيء) ( 6النعام )101؟ حيثما وجدنا في القرآن على
المتداح والعموم رغم محاولة القدرية اعتبارها مخصصة بآيات أخرى ( ، )86ويقول أبو عمار في
آخر التحليل ":وقد امتدح عز وجل بقوله ( خالق كل شيء) بإجماع لو جاز لحد أن يقول هي
خاصة لجاز لمن يزعم أن إبليس ليس بمخلوق)87( "...
وعلى هذا النسق يفسر أبو عمار قوله تعالى ( وال خلقكم وما تعلمون) ( 37الصافات )96بأنه يدل
على أفعال العباد ل على الصنام كما ذهب إلى ذلك المعتزلة وكذلك بين أن في قوله عز وجل ( خلق
السماوات والرض وما بينهما) ( 25الفرقان )59دللة على أن ال خالق أفعال العباد لنها تقع بين
السماوات والرض)88( .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
هذا تأويل ما اعتمده القدرية فماذا عن تأويل ما حمله الجبرية على ظاهره ()89
==========================================
( )71انظر موقف الباضية من المتشابه في ما سبق ، 271 :والمر ليس خاصة بالباضية إذ يقول علي الشابي ":فآيات الجبر
عند المعتزلة وآيات الختيار عند المجبرة من المتشابه ل حتياج الطرفين إلى تأويلها ".المعتزلة بين الفكر والعمل :الشركة
التونسية للتوزيع تونس 70 :1979
( )72غير وارد في المعجم المفهرس حسب ونسنك.
( )73المحشي :حاشية الترتيب 1/117وقد توقف عند قوله عليه السلم :أنا برئ منهم" وقد نقلنا النص عن خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .1/424
( )74ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .63 -2/63ويورد المحشي عدة أقوال منسوبة إلى المام علي :حاشية الترتيب 7/132
وكذلك لبن عباس :حاشية الترتيب .7/135
( )75الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 11 -3/10عدد 802ر .المحشي :حاشية الترتيب 7/132ويشرح كما يلي ":فيه إشارة
على أن فعل العبد له جهتان :جهة خلق تضاف إلى ال ،وجهة كسب ،بحركة وسكون ،تضاف إلى العبد" .انظر ما يلي442 :
( )76أشير إلى المشارق للسالمي وإلى شرح الدعائم لمحمد اطفيش لما لهما من الهمية لكنهما في رأيي دون تحليل الموجز
من حيث الوضوح والستيعاب والتكامل
( )77اقصد خاصة علماء المرحلة المقررة في البحث ،ومن أدلة اعتماد هؤلء العلماء على كتاب الموجز :ر .يوسف المصعبي:
حاشية على أصول تبغورين .21 :وبهذا يبرا اعتمادنا أحيانا على أبي عمار عبد الكافي لنه وإن لم يكن من المرحلة المقررة فإن
نصوصه اعتمدت اعتمادا كليا وخاصة إذا علمنا أن للمحشي حاشية على كتاب الموجز إل أننا لم نحصل عليها .والملحظ أننا ل
نلجأ ‘إلى هذا إل عند الضرورة لستيفاء جوانب الموضوع.
( )78والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض لهذه القضية عند تتبعه لهذه اليات في حاشية على تفسير الجللين .ر .ورقة
194وجه ورقة 310وجه ورقة 265قفا .لذلك اعتمدنا أبا عمار عبد الكافي :الموجز .2/53
( )79ونقل يوسف المصعبي ما جاء عند البيضاوي في شأن آية آل عمران 76فقال " :أي ليس هو نازل من عنده ،وهذا ل
يقتضي أن يكون وما هو من عند ال قوله تعالى فعل العبد فعل ال تعالى" .البيضاوي :أنوار التنزيل وأسرار التأويل 1/66
.ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة 129وجه .ولم يتعرض المصعبي للقضية في سورة النور ورقة 618قفا.
( )80ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/54 :
( )81روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال :البحيرة التي يمنح ذرها للطواغيت فل يحلبها أحد من الناس ،والسائبة التي
يسيبونها للهتهم فل يحمل عليها شيء ،والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج البل لنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسمونها
لطواغيتهم أن وصلت إحداها بأخرى ليس بينهما ذكر ،والحام فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضي ضرابه ودعوه
للطواغيت وأعفوه من الحمل عليه وسموه الحامي .جلل الدين السيوطي :تفسير الجللين .دار العربية للطباعة والنشر
والتوزيع بيروت .164 :1388/1968
والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض للقضية عند تفسيره لهذه الية ر .حاشية على تفسير الجللين 208وجه وإنما اكتفى
بالستدلل على الشرح اللغوي الذي نقله الجللن عن البخاري.
( )82ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/55 :
( )83الملك 14 -13أن ما بين أيدينا من حاشية يوسف المصعبي على تفسير الجللين لم يصل إلى التفسير تفسير هذه السورة.
( )84ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.60 -2/59 :
( )85وقد جاءت في النعام 102والرعد 16والزمر 62والمؤمنون .62
تدمر كل شيء بأمر ) )86مثل وأوتيت من كل (النعام [ )44وفتحنا عليهم أبواب كل شيء (الحقاف ،)25ربها
( النمل )23يفسرها أبو عمار حسب رأي المعتزلة[ .شيء
( )87أبو عمار عبد الكافي :الموجز .2/59 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 130قفا .أما يوسف المصعبي فلم
يتعرض للقضية في حاشيته على شرح الجللين .ر .ورقة 220وجه وورقة 321وجه.
( )88ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/60 :
( )89ل يمكن استيفاء جميع اليات لذلك نكتفي ببعض النماذج المعبرة.
لقد جاءت آيات كثيرة بهذه الصيغ نذكر منها قوله تعالى ( :ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم) (
. )90
وقولـه تعالى ( :بل طبع ال عليها بكفرهم فل يؤمنون إل قليل) ( 4النساء )91( )155
يعتبر الجبرية أن النسان مجبر على الكفر ويأتي رد الباضية كما يلي ":إن ال ختم على قلوبهم
وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وطبع عليها بكفرهم الذي اكتسبوه واختاروه فجعل الكفر في نفسه
خاتما وطابعا على قلوبهم حيث خلقه في عينه خلفا لعين اليمان ومضادا له فهما ل يجتمعان في
قلب ول في سمع ول في بصر ول في جارحة فاختيار الكافر والكفر هو المانع له والطابع على قلبه
والخاتم على سمعه وبصره حتى ل يكون يفعل ضده من اليمان في حال فعله الكفر" (. )92
)2مشيئة ال
كثيرا ما يحتج أهل الشرك على شركهم بمشيئة ال ومن ذلك ما جاء على لسانهم في قوله تعالى:
( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم) ( 43الزخرف ... )93( )20عبادتنا
للملئكة بمشيئة ال تعالى إذ لو لم يشأ لم نعبدهم بل يجبرنا على ترك عبادتهم أو يهلكنا إن لم يرض
عبادتهم فعبادتنا لهم واجبة أو حسنة أو أحسن أو جائزة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وذلك باطل لن ال خلق الطاعة والمعصية وشاء المعصية كما شاء الطاعة فل يلزم من صدور
المعصية منهم أنه أباحها أو استحسنها أو أوجبها.
( ما لهم بذلك من علم) ...فإن المشيئة ل تقتضي رضى بشيء ول قبحا ول نهيا بل تقتضي أنها
ليست أمرا بمعصية ول نهيا عن طاعة (. )94
ويزيد هذا الموقف توضيحا ما جاء في كتاب المنهج ":والذي نقوله إن ل تعالى مشيئتين في
خلقه.
والمشيئة الخرى مشيئة في خلق الخلق وقسم الرزاق وما أراد في إنفاذ ما قد سبق عنده في علمه
من المور وما به الخلق عاملون وإليه صائرون.
ولو كانت المشيئة من أمر ال تعالى واحدة كما قالت القدرية ( )95لم يختلف على ال في ما أراد
من الخلق كما لم يختلف إرادته في خلق السماوات والرض وغير ذلك وكان العباد في أمرهم به
مطيعين كما أطاعته السماوات والرض إذا أجابتا حين قال للسماوات والرض ( ائتيا طوعا أو كرها
قالتا أتينا طائعين) ( 41فصلت ." )96( )11
بهذه الطريقة وجد الباضية مخرجا لما جاء في القرآن بصيغة المشيئة يوحي بالجبر فيميزوا بين
مشيئتين مشيئة لمر ومشيئة إرادة.
كما يحتج الجبرية بقوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) ( 81التكوير )29فيخرجها الباضية
بهذا المسلك.
" وما تشاؤون شيئا أو اتخاذ سبيل إل أن يشاء ال :إل وقت مشيئة ال لمشيئتكم...وال عز وجل
شاء كفر الكافرين وإيمان المؤمنين بل إجبار وخلق الكفر والطاعة وللكافر والمؤمن اختيار مخلوق
ل عز وجل " (. )97
فكل هذه المواقف من السياق القرآني تبعد التصور الباضي عن القول بالجبر وإن بدت في بعض
الحيان غامضة.
أما ربط الهداية والضلل بالمشيئة كما جاء في قوله تعالى ( فيضل ال من يشاء) ( 14إبراهيم .)4
فلم يطل كل من عمر والتلتي ( )98ويوسف المصعبي ( )99الوقوف عنده وإنما اكتفيا بالحالة
على تحليل إسماعيل الجيطالي ( )100وقد عبر عن ذلك بصفة أوضح محمد اطفيش كما يلي" :
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وإضلل ال خذلن وهدايته توفيق ،ول إجبار وهما أزليان ول يتخلفان" (. )101
كما جاء في تفسير قوله تعالى ( ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من
يشاء) ( 16النحل )93ما يلي ( :ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة) على السلم بالجبار وليس
الجبار حكمة إذ ل يمدح المجبر ول يذم فهو ل يستحق ثوابا ول عقابا أو لو شاء ال لجعلكم على
السلم باختياركم ولكن يضل من يشاء بالخذلن عن الهدى لختيار الضلل بالكسب الختياري،
ويهدي من يشاء بالتوفيق إليه لختيار المهدي ،وكل الختيارين مخلوق ل سبحانه ومع خلقه ل
إجبار هذا مذهبنا فللعبد قدرة مؤثرة بإذن ال عز وجل مخلوقة له تعالى ول واجب على ال عز
وجل وتوفيقه لمن يشاء فضل وإحسان " (. )102
فل خلص حينئذ من قضية الجبر حسب الباضية إل عن طريق العون والخذلن ( )103مع تحديد
القدرة المؤثرة التي تجعل النسان مسؤول على كسبه.
وقد سلك الباضية نفس المسلك مع ربط الغفران والتعذيب بالمشيئة)104( .
وبعد عرضنا نماذج من الستدلل بالقرآن يحسن أن نقف عند نماذج من الحديث الشريف.
)1ما جاء في لعن القدرية واعتبارهم مجوس المة :قال صلى ال عليه وسلم " :القدرية مجوس
هذه المة إن مرضوا فل تعودوهم وإن ماتوا فل تصلوا عليهم" )105( .
وما شبه هؤلء بالمجوس إل لنهم يضيفون الخلق لنفسهم بل تجاوزوا إلى أن هؤلء ل ينسبون
إلى أنفسهم إل خلق الشرور والقدرية ينسبون لنفسهم خلق الخير والشر)106( .
ويزيد صاحب التيسير تشنيعا على القدرية حيث ينقل عن علماء ما وراء النهي ":القدرية شر من
المجوس لن للمجوس آلة تعدّ والمعتزلة ل تعدّ آلهتهم لن كل فاعل عندهم خالق لفعله حتى
الدواب)107( .
-روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل " :إن ال لم يخلق شيئا أحب إليه من
العتاق" ( " )108ولم يخلق شيئا أبغض إليه من الطلق" ( . )109وقد علمنا أن العتاق والطلق
فعل العباد ")110( .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قيل لـه " :يا رسول ال لو سعرت لنا سعرا فقال :إن ال هو
المسعر ( )111والعباد يحمدون على أن يرخصوا السعار ويذمون إذا غلوها.
-وروي عنه عليه السلم مر على جنازة رجل من النصار فقال " :اللهم نقه من الذنوب والخطايا
كما تنقي الثوب البيض من الدنس" ( . )112والعباد هم الذين يقصرون الثياب وأضاف رسول ال
ذلك إلى ال لنه المقدر لذلك المجري له على أيدي العباد (. )113
جاء في الحديث القدسي (" :أنا ال الذي ل إله إل أنا خالق الخير والشر فطوبى لمن خلقته ليكون
الخير على يديه ،وويل لمن خلقته ليكون الشر على يديه" (. )114
جاء في الحديث " :خلق ال العالمين وأفعالهم" كما جاء أيضا " :خلق ال كل صانع وصنعته" (
. )115
تلك هي بعض النصوص النبوية التي يحتج بها الباضية عامة على القدرية
فمـاذا عن الحاديث على الجبرية؟
========================
( )90البقرة 7اكتفى يوسف المصعبي هنا بالعتناء بالجانب البلغي وبالمقارنة بين موقف المعتزلة والشاعرة في ما يتعلق
بالمجاز دون أن يشير إلى موقف الجبرية من الية .ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة 7وجه وقفا.
( )91لقد أورد يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري في شأن الية وهو "...وذلك أنهم أرادوا بقولهم قلوبنا غلف أن ال
خلق قلوبنا غلفا أي في أكنة ل يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة ...كمذهب المجبرة أخزاهم ال ،فقيل لهم بل خذلها ال
ومنعها اللطاف بسبب كفرهم فصارت كالمطبوع عليها ل أن تخلق غلفا غير قابلة للذكر ول متمكنة من قبوله( ر .الكشاف
. )1/578ر .فبما حاشية على تفسير الجللين ورقة 183قفا .وبداية الية في سورة النساء هي :نقضهم ميثاقهم وكفرهم
بآيات ال وقتلهم النبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع ال عليها بكفرهم فل يؤمنون إل قليل
( )92أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/88 :
( )93لم يبلغ ما بين أيدينا من حاشية المصعبي إلى هذه السورة.
( )94ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .1:5/240
( )95القدرية الذين يثبتون القدر وجاءت مرادفة للجبرية.
( )96خميس بن سعيد الرستاقي .455-1/454
( )97امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .6/449 ،1
( )98عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 69وجه إلى ورقة 76وجه.
( )99يوسف المصعبي :حاشية على الجللين ورقة 341وجه وورقة 347وجه لم يشر إلى القضية تماما وإنما تعرض لها في
ورقة 341وجه فاكتفى بنقل شيء من كلم البضاوي.
( )100إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 152وجه إلى 167قفا .وملخص ما جاء عند أبي نصر في النونية من بيت 45
إلى بيت 57يتمثل في نفي القول بالجبر مع تبيين أن الهداية هدايتان هداية بيان وهداية توفيق ،وأن النسان محاسب على
كسبه.ر .أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية 5-4
( )101امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط .5/458 ،1
-سئل صلى ال عليه وسلم " :متى يرحم ال عباده؟" فقال ":ما لم يعملوا بالمعاصي ثم يقولوا
إنها من عند ال جبر ولو شاء ال ما أشركوا" .
-وبلغنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :خمسة ل تطفأ نيرانهم يوم القيامة...ورجل
حمل ذنبه على ال مثل من قال هو مجبر ليس له فعل"
-وأنه قال " :خصلتان ل تنفع معهما صلة ول صوم الشرك بال وأن يزعم أن ال جبره على
معصيته " (. )116
ويقول الرسول عليه السلم " :سيكون في هذه المة قوم يعملون المعاصي ثم يقولون هي من ال
قضاء وقدر فإذا أدركتموهم فأعلموهم أني برئ منهم " )117( .
يسأل الجبرية عن معنى قوله عليه السلم ":إن السعيد من بطن أمه والشقي من بطن أمه فيجيب
الباضية بما يلي ":والشقي في بطن أمه" بما علم ال أنه سيشقى به من فعله وسوء اختياره
لنفسه وجرأته على ربه وكذلك السعيد سعيد في بطن أمه بما علم ال أنه سيسعد به من فعله
ولتباعه لمر ربه وحسن نظره لنفسه (. )118
فإن قالوا ما معنى قول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :لن يدخل الجنة أحد بعمله" ،قيل ":ول
أنت يا رسول ال" ،قال ":ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" (. )119
قيل إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم ل حول ول قوة إل بال
أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ول يستعصم
عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ويغمده برحمته
التي ل تخيب من تغمد بها ،وعلى هذا المعنى أمر ال المؤمنين بأن يقولوا ( :اهدنا الصراط
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين) ( ، )120وهذا من باب
العون من ال لوليائه ،والهداية لهل دينه .وليس هذا من معنى ما ذهبتم إليه في شيء من أنه
يضطر العباد على أفعالهم ويجبرهم عليها فل يذمون ول يحمدون" (. )121
ويحسن أن نذكر هنا بتعليق الربيع على مجموعة الحاديث الواردة في القدر ( )122من ذلك قوله
صلى ال عليه وسلم " :لما خلق ال آدم عليه السلم أخرج من ظهره ذريته كالذر فأخذ مواثيقهم
وأمرهم بالسجود فأبت طائفة وأجابت طائفة ،فمن أجاب يومئذ فهم المؤمنون وهم السعداء ،ومن
أبى يومئذ فهم الكافرون وهم الشقياء" (. )123
والملحظ غالبا أنه كثيرا ما يقع استغلل ما يعتمده الجبرية للرد على القدرية والعكس بالعكس.
ويقول أبو خزر في هذا الصدد ":وذلك أنا نظرنا الى اليات التي احتجت بها المعتزلة واليات التي
احتجت بها المجبرة والمجبلة فضربنا بعضها بعض" (. )124
وتعتبر النصوص الباضية أن مرجع الخطأ لدى الفريقين اعتبارهما أن الفعل ل تكون له إل علة
واحدة والصواب أن للفعل جهتين مفترقتين إحداهما جهة خلق ل والتدبير والتقدير ،والخرى جهة
التحرك للعبد والسكون والطاعة والمعصية ،فجعلتم هاتين الجهتين المختلفتين جهة واحدة فأبطلت
المجبرة واحدة وأبطلت القدرية واحدة فضللتم بعد ذلك جميعا عن سبيل ال ضلل بعيد (. )125
وقبل أن نتحول إلى عرض الحجج العقلية يحسن أن نلحظ أننا جمعنا بين النصوص القرآنية
ونصوص الحديث لما رأينا بينهما من تقارب في معالجة القضية وكان يمكن أن نسلك مسلكا آخر
وهو الجمع بين القرآن والحديث هنا هناك ،كما تجدر الشارة إلى أن كثيرا من الحاديث المتعمدة
ينبغي أن تؤخذ باحتراز لن عددا منها كما نبهنا الى ذلك لم يرد ل عند الربيع في الجامع الصحيح
ول في بقية الصحاح والمساند التي اعتمدها ونسنك في المعجم المفهرس ،وقد أوردناها من باب
المانة العلمية لنها كثر ترددها في التراث الذي نحن بصدد تحليله.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الحجج العقلية:
الحتجاج العقلي في الرد على القدرية:
يضع أبو عمار مقدمة يسميها مسألة الجهات ويعتبرها في غاية الهمية في حل قضية القدر":
والعلم بالجهات هو عمود هذا الباب الذي يرفع عليه سمكة وأسه الذي تقوم عليه دعائمه" ()126
.
وضبط في هذه المقدمة أن للفعل جهات كثيرة فهو محدث وطاعة ومعصية ،ويكون حسنا وقبيحا،
والساس أن له جهة خلق وهي ال ،وجهة كسب وهي للنسان.
أما المعتزلة فيعتبرون القائلين بنفي خلق أفعال العباد عن ال ثلث طوائف قبل أن يردوا عليهم:
3ـ والثالثة تقول :كل شيء خلق ال ما عدا أفعال المكتسبين (. )127
وسنختار من بين الحجج التي اعتمدها أبو عمار ثلثا جدلية نظرية واثنتين تقومان على الصيغ
اللغوية.
ينطلق أبو عمار بطرح سؤال على القدرية الذين زعموا أن الفعال غير مخلوقة ل وهو ":هل تخلو
هذه الفعال من أن تكون حركة أو سكونا؟" وعندما يقرون أنها إما حركة أو سكون يتدرج بهم
تدريجا جدليا مزدوجا يفرض اختيار أحد موقفين:
فإن كانت غير محدثة فقد أبطلوا وإن كانت محدثة فمن أحدثها؟ وهل تدل بحدوثها على حدوث من
حلت به ووصف بها؟
ويصل بهم في النهاية الى السؤال التالي ":من جعلها إذن تدل على حدوث ما قامت به ووصف
بها؟" فيفضي إلى جواب حتمي فل يجدون إل أن يقولوا إن ال جعل هذه الفعال من حركات العباد
وسكونهم واجتماعهم وافتراقهم دالة على حدوث أجسامهم وجعل ذلك دللة على وحدانيته جل ثناؤه
وربوبيته كما جعل سائر الفعال من الشياء كذلك كانت الشياء متساوية في وجه الدللة على ال
جل جلله (. )128
يفضي الجدل إن نسبوا ذلك الى العباد الى انقلب القيم وأن يصير العصاة ممدوحين على معاصيهم
وبذلك يتحتم نسبة ذلك إلى ال تعالى فهو الذي جعل الفعال عاجزة محتاجة ملزمة للفناء مستحيل
عنها البقاء وجعلها محدثة غير قديمة كائنة بعد أن لم تكن ،وجعلها دالة على قدم محدث جميع ذلك
وثبوت ربوبيته ووحدانيته (. )129
وتعتبر هذه الحجة أقوى حجج القدرية إذ ما دام الفعل ل وللعبد وهو ل يتجزأ فهو شركة بينهما
والشركة عن ال منفية.
ويمهد أبو عمار للرد بالتمييز بين الشركة الحقيقية والمجازية ،فالشركة الحقيقية كاشتراك رجلين
في مال تجارة على قدر النسب والمجازية كتعاون رجلين على عمل ما .وفي كل الحالين ل يجوز أن
يقال إن ال شاركهما ،وإن كان المال ملك ال ( وآتوهم من مال ال الذي آتاكم) ( 24النور )33في
الولى ،وكان ال قواهما على التعاون في الثانية ،وذلك لختلف جهات الضافة في الفعل ومعانيه.
وسبيل اختيار العبد لفعله واكتسابه كسبيل المشتركين في المال والمتعاونين على عمل.
فالمهم حينئذ أن أبا عمار يعتبر أن هذه المسألة التي يعتد بها المعتزلة " هي عند المبتدءين من
أهل الثبات المثبتين للقدر مسألة ساقطة ومعارضة واهية فضل عن حذاق متكلميهم" (. )130
يعتمد المعتزلة على صيغتين هما ":لو جاز كذا...لكان كذا" و" هل ثمّ إل ال وما خلق" يفضيان
الى ضرب من المستحيل فيسعى أبو عمار إلى الرد عليهما.
يعتبر المعتزلة أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون من فاعلين لذلك لو جاز أن يكون الفعل واحدا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
من فاعلين لجاز أن يكون حركة واحدة من متحركين وسكون واحد من ساكنين.
فيرد أبو عمار القاعدة التي انطلق منها المعتزلة ويعتبرها حكما بغير حجة ثم يعتمد على مبدأ تعدد
الجهات ليبرهن على جواز أن يكون فعل واحد من فاعلين مثل جواز إضافة اللون الى اثنين على
وجهين مختلفين أحدهما الخلق والخر الحلول .فيقال هو خلق ال حل في جسد فلن ،كذلك بالنسبة
إلى الفعل الواحد فهو من ال خلق ومن النسان كسب (. )131
يعتبر المعتزلة ما دام ليس ثمّ إل ال وما خلق ينبغي أن تنتفي الوامر والنواهي والثواب والعقاب.
فيرد أبو عمار بقوله ":ليس ثمّ إل ال وما خلق ل على نفي الكتساب ول يجوز إرسال الجواب
حتى يوصل بالصلة التي تبين بها الجواب" .فإن قالوا مماذا غضب ال من نفسه أو من خلقه...قيل
لهم :غضب من فعل العبد الذي هو ل خلق ول يقال غضب من خلقه.
وترجع ردود أبي عمار على كل الصيغتين الى ما قرره من لمكان تعدد الجهات المر الذي يرفضه
المعتزلة (. )132
وقبل أن نتحول الى تعريف الكسب يحسن أن نذكر حجتين عقليتين في الرد على الجبرية.
يعتبر الجبرية أن ال فعال ول يجوز أن يكون فعال غيره ،فلذلك ل يكون الثواب والعقاب إل عطاء
من ال ول دخل للعبد فيه.
يعتبر أبو عمار أن الجبرية أخطأوا من الجهة التي أخطأ منها القدرية وذلك بنسبتهم الفعل الى جهة
واحدة فنسب الجبرية الفعل إلى ال بينما نسبه القدرية إلى النسان والجواب حسب أبي عمار
واضح مما ذكر من قبل.
لو كان الناس جميعا مجبرين فلم التمييز بين السالمين وأهل الزمانان ،ونحن نعلم أن ال أسقط
أمورا على أهل الزمانات وبسط لهم المعذرة ( .ليس على العمى حرج ،ول على العرج حرج ،ول
على المريض حرج) ( 48الفتح )17من ذلك إسقاط القرار بالتوحيد قول على الخرس وإبطال
فرض الحج والجهاد على المقعد ،بينما أوجب ذلك على الصحاء السّالمين.
ثم يتدرج بهذا التحليل إلى اعتبار أن مثل هذا التصور دفع الملحدين إلى أن يعيبوا على ضعفه المة
فعملوا على السعي إلى إبطال التوحيد والمر والنهي (. )133
يعتبر الجبرية أن مشيئة ال وعلمه ل يبقيان معنى للكسب والختيار فيجيب أبو عمار" الذي
سألتمونا عنه من هذا أنه ليس في قولنا ال شاء لجميع ما يكون من الخلق عمل العباد وغيره،
وأنه عالم بجميع ذلك وليس شيء بخارج من علمه ،ول مجاوز لرادته ومشيئته مما يوجب أن
يكون ال مكرها للعالمين على أعمالهم ول جابرا لهم على ما يكون منهم من اختيارهم كما أنا
وإياكم جميعا نقول :إن ال عالم بجميع ما يحدثه في خلقه ومريد لما يقدره عليهم ،ول يكون من
ذلك إل ما علم وأورد وليس في ذلك أيضا ما يوجب أن يكون ال جل جلله مجبورا على أفعاله في
خلقه ،ول مضطرا عليها إذا كان ل يجاوز شيء من ذلك علمه ول إرادته وليس العلم والرادة
باللذين يجبران أحدا على فعل ما فعل ول بمانعين له عن فعل ما لم يفعل (." )135
بهذا نتبين أن الفكر الباضي يميز بين المشيئة وبين الجبر تمييزا قطعيا وبهذا يترك المجال للختيار
البشري لتتجلى الحكمة من المر والنهي والثواب والعقاب وبذلك يتميز فعل الختيار عن حركات
الضطرار.
وواضح إذن من خلل هذه الردود على المعتزلة والجبرية أن الباضية سلكوا مسلكا آخر عبروا
عنه بالكسب فمتى نشأ هذا المصطلح وما مدلوله؟
==============================
( )116ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 57وجه .ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 137قفا.
( )117البرادي :شفاء الحائم .نقل عن سالم العدالي :البرادي حياته وآثاره 312 :مع الملحظ أن كل هذه الحاديث لم ترد عند
ونسنك في المعجم المفهرس.
( )118أبو عمار عبد الكافي :الموجز. 87 -2/86 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 133قفا.
فعلم ال ليس معناه الجبر وعلى هذا المعنى تحمل بقية الحاديث الواردة في هذا المعنى .وجاء الحديث بصيغة ":الشقي من
شقي في بطن أمه" .عند مسلم قدر ،3ابن ماجة مقدمة ،7ونسنك :المعجم المفهرس .1/192
( )119البخاري :رقاق 18 :مرضى ،19مسلم :منافقين .78 .76 .75 .73 .71 :ابن ماجه :زهد ،20الدرامي :رقاق ،24
أحمد بن حنبل...256 .2/235 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس.4/559 :
( )120الفاتحة .7
( )121أبو عمار عبد الكافي :الموجز. 2/86 :ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 133قفا.
( )122الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد 802انظر ما سبق 427 :يفهم أل جبر إذ الخلق من ال والفعل من العبد.
( )123الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/10عدد .802
والملحظ أن المحشي ختم شرحه لهذا الحديث ولتعليق الربيع عليه بمجموعة من القوال منسوبة إلى علي ابن أبي طالب مفادها
أل جبر وأن المدار على توفيق ال تعالى .ر .المحشي :حاشية الترتيب 135 -7/132وجاء بصيغة ":فأخرج من صلبه كل ذرية
ذرأها "...ر .أحمد بن حنبل 272 /1ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/174و (134/ 7كلمة ميثاق).
( )124ر .أبو خرز يغل بن زلتاف :رسالة في الرد على جميع المخالفين.36 :
( )125ر .المحشي :حاشية الترتيب .7/132ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز.2/90 :
( )126أبو عمار عبد الكافي :الموجز 42 -2/41 :وقد تعرض لمثل هذه القضية في التعريفات العامة بنفس العنوان تقريبا" في
الجهات" ر .الموجز 20 -2/19ونجد صدى لهذا في المرحلة المقررة عند المحشي :حاشية الترتيب 7/117لكنه لم يتوسع في
القضية ولعل مرجع ذلك إلى الكتفاء بما جاء عند سلف الباضية ،كما أن القضية لم تعد قائمة الذات لن البيئة التي يعايشها
الكـسـب
إن الناظر في ما بقي من نصوص عن الئمة الول أمثال جابر بن زيد وأبي عبيدة والربيع ( )1ل
يجد أثرا لستعمال كلمة الكسب بالمفهوم الصطلحي الذي اصطبغت به في ما بعد ،وإنما نلمس أن
المفهوم سابق للمصطلح ذلك أن هؤلء الئمة لم يجنح واحد منهم الى طرفي القضية وإنما وقفوا
بشدة ضد أصحابهم الذين نزعوا نزعة غيلن الدمشقي وتبرأوا منهم وأطردوهم من حلقاتهم (. )2
وقد جاء التصريح واضحا في عقيدة عمان بالبراءة من المعتزلة ومن الجبرية:
" والبراءة ممن زعم أن ...:ليس ل مشيئة في أعمال العباد وأنهم عملوا خلف ما شاء ال ...وهم
القدرية والمعتزلة"...
" والبراءة ممن زعم أن ال جبر العباد على الطاعة والمعصية ...وهم الجهمية وأشياعهم" (. )3
أما النصوص المغربية التي وصلتنا قبل رسالة أبي خزر وحتى بعدها فإنها تذكر كلمة الكسب أو
الكتساب ذكرا عابرا مما يدل على أن المصطلح لم يتبلور بعد.
ومن ذلك ما جاء في كتاب مسائل التوحيد في صدد الحديث عن التمييز بين الطبع والجبر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والختيار ":وذلك أن الختيار كل ما اختاره النسان واكتسبه من غير كره ول ضرورة في الخذ
والترك وما يقوم عنها من قصده واختياره" (. )4
ومنع أيضا ما جاء في عقيدة نفوسة ":وقيل إن الجن والنس مكلفون مأمورون مكتسبون...
والحركة على وجهين حركة مضطرة ما يتحرك من غير قصد ول اكتساب وهو مثل المرتعش
والكائن في السفينة وحركة مكتسبة بالقصد والكتساب" (. )5
لكن الناظر في ردود أبي خزر على المعتزلة والجبرية معا يتبين بوضوح أن الباضية وقفوا موقفا
وسطا وليس الكسب في النهاية إل منزلة بين الجبرية المطلقة والقدرية المطلقة قد يقترب منن هذا
الجانب حينا ومن الجانب الثاني حينا آخر كما سنحاول أن نتبين ذلك بعد حين (. )6
وهذا قوله جاء صريحا في ذلك ":فأخذنا من ذلك ( )7بالوسط وهو أعدل القولين وأصوبهما فنفينا
عن النسان ما ليس من فعله وأضفنا ذلك الى ال بالمعنى الذي يحسن به الضافة إليه. )8( "...
ويميز أبو خزر بوضوح بين حركة المضطر وحركة المكتسب ويثبت لحركة المكتسب وفعله طرفين
فيقول ":ونسبنا الفعل الى النسان بمعنى ما فعل ،ونسبنا الخلق إلى ال بمعنى ما خلق" ()9
ويقول أيضا ":والذي أضفنا إلى النسان من الفعل فهو كله من الجهة التي أضفنا إليه أنه تحرك
وسكن وكفر وآمن ،لم شاركه من هذه الجهة أحد .والذي يضاف إلى ال أنه خلق فعل العباد ،فالفعل
كله مخلوق ولم يشترك مع ال في خلقه أحد" (. )10
وبهذا يتضح مفهوم الكسب الصطلحي وإن لم يسلك أبو خزر في ذلك مسلكا نظريا وإنما يستفاد
ذلك كما رأينا من خلل ردوده على المعتزلة والمجبرة وضرب حجج بعضهم ببعض.
ويحسن أن نشير هنا إلى موقف من مواقف الباضية تفرد به مشائخ جبل نفوسة ( )11ولم يمح إل
بعد ظهور النونية في القرن السابع هـ /الثالث عشر م ،وهو المعبر عنه بالجبل باللم وسكون الباء
واستمرت الشارة إليه إلى يومنا هذا على سبيل الذكر فقط.
:
جبَل ال الخلق :خلقهم ويقال جبله على كذا طبعه .وفي الثر ":جبلت القلوب على والجبل لغة من َ
حب من أحسن إليها")12( .
أما في الصطلح حسب ما اتفق عليه المشائخ من أهل الجبل مثل أبي هارون الجللمي ( )13وأبي
يحيى الفرسطائي ( )14وغيرهما" ( )15فهو ":ومعنى كونهم مجبولين على أفعالهم أنهم
مخلوقون على أن يفعلوا ما علم ال أنهم يفعلونه قبل أن يخلقهم ل أنهم مجبورون عليه ول دخل
لهم فيه ولو بالكتساب كما تقول الجبرية ،ومما يستدلون به على ذلك قوله تعالى ( :واتقوا ال
الذي خلقكم والجبلة الولين) ( 26الشعراء )184وقوله تعالى في الفطرة إنها الخلق ( :فاطر
السماوات والرض) ( 6النعام )14أي خالقهما وقوله ( :فطرة ال التي فطر الناس عليها) (30
الروم )30أي خلق الناس عليها وقوله في الطبع ( :بل طبع ال عليها بكفرهم) ( 4النساء )155
فالقلوب مطبوع عليها بالكفر الذي فعلوه واكتسبوه ل على ما قالت الجهمية إنهم مجبورون" ()16
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
.
ومن أدلتهم في الحديث قوله عليه السلم " :جبلت هذه القلوب على حب من أحسن إليها وبغض ما
أساء إليها" )17( .
أما في الدلة العقلية فهم يميزون بين هذا الجبل وما يسمونه بجبل الطبيعة ذاك أن المجبول بهذا
المعنى ينتقل من الحب الى البغض أما فعل الطبيعة فل تغير فيه فالثلج لن يتحول عن البرودة إلى
ضدها من الحرارة أبدا كما أن الجبل الطبيعي ل يجري عليه ذم ول مدح فل يقال للبيض لم كنت
أبيض؟
ومشائخ جبل نفوسة يحتجون بكل هذه الدلة على أصحابهم من أهل المغرب ( )18الذين يقولون
بالختيار ويعتبرون أن موقفهم أفضل لورود ذكره في القرآن والسنة كما ذكر بينما الختيار لم يرد
ذكره ل في القرآن ول في السنة وإنما قال تعالى ( :وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة
من أمرهم) ( 28القصص . )19( )68
والناظر في حجج مشائخ أهل المغرب يتبين أنها الحجج التي يستدل بها على الكسب إذ ل يذهب
هؤلء إلى نفي الفعل عن ال تعالى كما يقول المعتزلة.
فواضح من هذا التحليل أن الخلف بين الطرفين يتمثل في نسبة القتراب من الجبر والختيار إذ
نحس أن منزلة القائلين بالجبل أقرب الى الجبر وإن لم يقل أصحابها به بينما منزلة القائلين
بالختيار أقرب الى موقف المعتزلة وإن لم تصل إلى درجتهم في تخصيص العبد بالفعل ،والموقف
الذي سيغلب على الفكر الباضي هو موقف مشائخ أهل المغرب كما اتضحت معالمه عند أبي خزر
الذي أشرنا إليه من قبل ()20
======================================
( )1انظر ما سبق104 :
( )2انظر ما سبق 106 :تعليق 43
( )3ر .سرحان بن سعيد الزكوي :كتاب كشف الغمة عن :كوبرلي :الطروحة م 3الملحق.22 :
( )4أبو العباس أحمد ابن أبي بكر :كتاب مسائل التوحيد.6 :
( )5أبو زكرياء يحيى الجناوني :عقيدة نفوسة .ر .كوبرلي :الطروحة.3/22 :
( )6انظر ما يلي 453 :عرض مواقف بعض الفرق من الكسب.
( )7يشير إلى حجج المعتزلة والجبرية من القرآن الكريم.
( )8أبو خرز يغل بن زلتاف :رسالة في الرد على جميع المخالفين.37 :
( )9نفس المصدر.41 :
( )10نفس المصدر.42 :
( )11لقد ذكر الجيطالي بعضا منهم وسنعرف بهما مباشرة
( )12ر .ابن منظور :لسان العرب.
( )13أبو هارون الجللي( موسى بن يونس النفوسي) :النصف الثاني من القرن 3/9من مشاهير فقهاء جبل نفوسة من آجللم
ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي.664 :
( )14ابن يحيى بن أبي القاسم الفرسطائي .أواخر القرن 3هـ بداية 4هـ 9/و 10م فقيه إباضي وتاجر ،دعا إلى السلم في
السودان وقد أسلم ملكها على يده له مسجده في فرسطاء .ر .محمد حسن :تحقيق سير الشماخي.670:
وقبل أن يزيد موقف الكسب توضيحا يحسن أن نشير إلى ظهور موقفين جديدين يتماشيان مع ما
أشرنا إليه عند الباضية من توسط وهما رأي الشعري والماتريدي وهذان الرأيان تبلورا في ما بعد
في المدرستين الشعرية والماتريدية.
أما الشعري" فالكسب عنده ينتهي إلى أن للعبد إرادة وقدرة حادثة فإذا توجهت إرادة العبد نحو
عمل ما خلق ال قدرة العبد وخلق معها الفعل ،فقدرة العبد مهمتها كسب الفعل وقدرة ال مهمتها
خلق الفعل وهكذا فإن النسان قد منحه ال قدرة كاسبة ليس لها تأثير في خلق الفعل وإنما يفيض
ال عليها هذه القدرة الحادثة فتكتسب الفعل بقدرة ال وهذا القصد أو الجزم هو مناط التكليف
والثواب والعقاب" ()21
وبما أن هذه القدرة ل أثر لها في إيجاد الفعل فإن عنصر الختيار ينتفي وبعبارة أخرى فإن كان
الكسب نفسه مخلوقا ل تعالى مثل الفعل نفسه فذلك يؤدي حتما إلى الجبر ولهذا صار كسب
الشعري مضرب المثال في الخلفاء فيقال :أخفى من كسب الشعري ومهما يكن من أمر يبقى الفرق
بين الخلق والكسب في أن الخلق يحيط بالمخلوق من كل وجه بينما الكسب ل يفرض إحاطة الكاسب
بالمكسوب من كل وجه)22( .
أما الماتريدي فهو أيضا قد قال بالكسب ومن ذلك ما جاء في كتاب التوحيد ":وليس في إضافتنا
(الفعال) ل سبحانه نفي لمشاركة النسان بل هي ل خلقا وإيجادا وللنسان كسبا واختيارا" ()23
.
ويرى الماتريدي أن المؤثر في أصل الفعل قدرته تعالى ،وفي وصفه قدرة العبد فإذا ضرب زيد يتيما
تأديبا أو ظلما فأصل الفعل وهو الحركة المشتركة بين الضربين مخلوق بقدرته تعالى ،وكون
الضرب طاعة وحسنا في الول ومعصية وقبحا في الثاني حاصل بتأثير قدرة العبد وهذا التأثير
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومعلوم أن تحليل المدرستين للكسب بلور هذا المفهوم عبر الزمن ( )25وليس لنا أن نتوسع في
ذلك لكن قد نشير إلى مواقف بعض العلم من المدرستين خلل تفاعلها مع الفكر الباضي وتجدر
الملحظة أن التعايش الفكري ظل واضحا بين هاتين المدرستين والفكر الباضي على خلف ما كان
بينه وبينهما من تنافر في قضية الذات والصفات وقضية خلق القرآن)26( .
وبعد هذه اللمحة التي تساعد على تفهم تفاعل المدارس السلمية في ما بينها وكيف أنها تخدم
بعضها البعض حتى وإن تنافرت ،يحسن أن نذكر بأن مفهوم الكسب اتضح عند الباضية في القرن
السادس هـ 12/م ( )27ونكتفي ما جاء في كتاب الموجز عند الرد على القدرية والمجبرة للتدليل
على ذلك ":قال جميع الفرق من أهل القبلة الخوارج والباضية والشيعة والمرجئة :إن العالم وما
فيه من جوهر وعرض وخير وشر وطاعة ومعصية ما يرى من ذلك وما ل يرى مما كان منه ومما
سيكون -وما يتوهم كونه -أن لو كان كيف كان يكون ،فهو خلق ال وتدبير له ،وال المقدر لجميع
ذلك والمدبر له ،وهو الصانع له ،والمالك وليس شيء منه بخارج من تدبير ال ،وتقديره وملكه
وسلطانه وإرادته وعلمه ما يضاف إلى العباد من ذلك وما ل يضاف إليهم وليس في أنه مضاف إلى
العباد بأنهم إكتسبوه واختاروه وتحركوا به ،وسكنوا وأطاعوا به وعصوا ما يزيل تدبير ال عنه،
ول ما يخرجه من خلقه وتقديره وقدرته ،وسلطانه وعلمه ،كما انه ليس تدبير ال لذلك وخلقه له،
وجعله على ما هو له من كيفية في عينه ،وبالذي يزيل عنه أن يكون كسبا للعباد واختيارا لهم،
وهذا الذي ذكرناه من هذا القول هو ما عليه جمهور المة وصدر السلم" (. )28
وجاء فيه أيضا أثناء الرد على الجهمية المجبرة ":وقال أهل الحق :إن ال قدر جميع الفعال
وخلقها ،وقضاها من فاعليها ولسنا نقول إنه جبر أحدا على ما كان منه من طاعة أو معصية ،ول
نقول إن أحدا أوتي في شيء من التقصير عن طاعة ربه من قبل ال في تقديره لما كان منه من
فعله ول قضائه ،ول علمه أنه سيكون منه ،والجبر منع واستكراه ولم نر أحدا من العاملين للطاعة
والمعصية مستكرهين على شيء من فعلهم وهم لكل ما فعلوه من ذلك مريدون ولجميع ما أتوا من
الفعل المفعول عن المتروك مختارون وإليه قاصدون فبطل بذلك قول جهم من قال بقوله من أصناف
المجبرة" (. )29
من خلل هذين النصين وقد أوردناهما على طولهما لما رأينا فيهما من احتراز وتدقيق نتبين أن
نسبة الختيار في الكسب جلية في الفكر الباضي وفي ذلك بيان للحكمة من المر والنهي ،والثواب
والعقاب ،وقد جاء في كتاب السؤالت ما يلي ":ستة مبطلة للجبل والجبر مثبتة للختيار
والكتساب ":المر والنهي ،والحمد والذم ،والثواب والعقاب" (. )30
ويتضح مبدأ تبني مفهوم الكسب في القرن السابع هـ13 /م مع أبي نصر القائل في نونيته التي ما
يزال صداها الى اليوم في الوساط الباضية فهي من المتون التي تحفظ من الصغر على نغم أشبه ما
يكون بنغم المدائح(:طويل)
()31
وكذلك في القرن الثامن هـ14/م مع عامر الشماخي في كتاب الديانات حيث يقول ":وندين بأن أفعال
العباد اكتسبوها وعملوها ولم يجبروا عليها ولم يضطروا إليها" ( ، )32والملحظ أنه أورد هذا في
باب العدل لنفي الظلم عن ال ولم يذكره في باب القدر إل أنه لم يغفل في باب القدر عن نسبة خلق
أفعال العباد الى ال...":وندين بأن ال خالق أفعال العباد ومحدثها ومريدها" (. )33
والحاصل من النصين كما ألفنا ذلك اعتبار جهتين للفعل الواحد ،الخلق ل والكسب للنسان ،أما
الجيطالي في القرن الثامن هـ= 14م وإن بدا مدافعا عن نظرية الجبل في شرح النونية فقد غلب
(القول بالكسب) على تحاليله ومواقفه خاصة أثناء الرد على المعتزلة وقد تبنى في ذلك نصوصا
كاملة من كتاب الموجز الذي يدافع بشدة عن القول بالكسب والختيار ()34
أما القرن التاسع هـ = 15م فيتسم بهذا التحليل الموجز الذي نسبه يوسف المصعبي الى البرادي
ويتمثل في ما يلي :ما للنسان في فعله :القصد إليه ،الكتساب ،الختيار له ،التحرك ،السكون،
مطيع إن أمر ال ،عاص إن نهى ال .ما ل من فعل النسان :التقدير ،التفكير ،الرادة ،الخلق،
الحداث العلم به على ما هو عليه في كيفيته وفي حينه الذي يقع فيه" (34مكرر) .
إل أن البرادي رغم تخصيصه رسالة لتعريف مفهوم الباضية لعديد من المصطلحات فإنه لم يضبط
تعريفا للكسب.
أما القرون الثلثة التي تعنينا أكثر فقد اهتم فيها بتحليل القضية كل من عبدال السدويكشي ومحمد
ابن أبي ستة المحشي وقاسم الويراني ،ويوسف المصعبي وعمرو التلتي.
أما عبدال السدويكشي فيثبت بوضوح أن مسألة الكسب من غوامض علم الكلم ويصرح بأن
الكسب يخلص من مضيق ويتدرج الى هذه النتيجة بعد عدة تحاليل ينطلق فيها من تحديد الفعل
فيذكر في ذلك أنه " عرض يوجد مع الستطاعة" أو " ما وجد بعد عدم" ثم يبين أن الكسب تبرير
للتكليف لن ال وحده هو المنفرد بالخلق وهو أثر القدرة الحادثة وإن كانت حقيقته غير معلومة
وهنا يقرر أن القدرة الحادثة (34مكرر) تتعلق ببعض أفعال النسان كالصعود دون البعض
كالسقوط.
ثم يفضي به التحليل إلى تقرير ما عبر عنه باختلف الضافات وهو شبيه بما رأينا من قبل باختلف
الجهات ( )35فيقول ...":فالكسب ل يوجب وجود المقدور ولجل اتصاف الفاعل بذلك كان مرجعا
لختلف الضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن التصاف بالقبح بالقصد
والرادة قبيح بخلف خلق القبيح فإنه ل ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما اشتمل عليهما".
()36
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبعد أن يوضح حكمة ال في الخلق حتى في ما بدا لنا خبيثا يثبت أن المر يختلف بالنسبة إلى
كسب النسان" فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل القبيح فجعلنا كسبه للقبيح بعد ورود النهي عنه قبيحا
سفها موجبا لستحقاق الذم والعقاب" (. )37
وبعد أن يرد على المعتزلة بإثباته إمكانية وقوع المقدور الواحد تحت قدرتين ( )38يقول ":لما ثبت
بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وبالضرورة أن لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال كحركة
البطش واحتجنا في التخلص من هذا المضيق الى القول بأن ال تعالى خالق والعبد كاسب ،وتحقيقه
أن صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل كسب ،وإيجاد ال الفعل عقب ذلك الصرف خلق (. )39
ثم يختم بقوله ":وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أن نزيد في تلخيص العبارة
المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق ال وإيجاده مع ما للعبد من القدرة والختيار وإن عبروا
عن الفرق بينهما بمثل :الكسب ما وقع بآلة ،والخلق ما وقع بل آلة " (. )40
وبعد أن ميز بين الحركة الرادية والضرورية للرد على الجبرية تخلص إلى ما يلي ":ل يقال الجبر
لزم لكم حيث لم يجعلوا للعبد تأثيرا في أفعاله لنا نقول بأن الجبر المحظور هو الحسي وأما العقلي
وهو سلب الخالقية عن العبد ،فهو متوجه على جميع الفرق بل هو محض اليمان كما أن ما أراده
تعالى من العبد لبد من وقعه باختياره فإن الوجوب بالختيار هو محقق الختيار ل مناف له" ()41
.
( )21بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية. 304 -303 :ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .104 :والظاهر أنه يغلب
مفهوم الجبر ومن ذلك يقول " :وبالجملة فليس للعبد تأثير ما فهو مجبور باطنا ومختار ظاهرا ،فإن قيل إذا كان مجبورا باطنا
فل معنى للختيار الظاهري لن ال قد علم وقوع الفعل ول بد ،وخلق في العبد القدرة عليه .وأجيب بأنه تعالى ل يسأل عما
يفعل .ولذلك قال سيدي إبراهيم الدسوقي ":من نظر للخلق بعين الحقيقةعذرهم ،ومن نظر لهم بعين الشريعة مقتهم فالعبد
مجبور في صورة مختار" .شرح جوهرة التوحيد. 105 :ر .الغزالي :كتاب الربعين :13 :وقد رجح التوسط بين الجبر
والختيار.
( )22ر .حمودة غرابة :الشعري( أبو الحسن) مكتبة الخانجي القاهرة .115 :1953
( )23أبو منصور الماتريدي :كتاب التوحيد.39:
( )24ر .أبو منصور الماتريدي :كتاب التوحيد. 257 -228 :ر .بلقاسم بن حسن :آراء الماتريدي الكلمية.303 :
(cf. Gimaret. Theories de I acte humain en theologie musulmane, ParisVrin , 1980. p61- )25
234, 361
( )26انظر ما سبق 240:و 354و 364
ملحظة:
ويحسن أن نشير هنا إلى ما جاء عند الشيعة والمعتزلة :أما عن الشيعة فينسب المحشي إلى جعفر الصادق ما يلي ...:أمر بين
أمرين ل جبر ول تفويض ( حاشية الترتيب ،1/117ر .محمد علي ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي)40 :
وهؤلء يقولون بالمنزلة بين المنزلتين( يختلف المصطلح عن الستعمال العتزالي) ولهم في ثلثة تفاسير:
-1أن للفعل الصادر عن إرادة العبد سببين بعيدا وقريبا ،فالبعيد إرادة ال والقريب إرادة العبد ،فبالنظر إلى السبب القريب ل
جبر ،وبالنظر إلى السبب البعيد ل تفويض ،فالشاعرة قصروا نظرهم على السبب البعيد فقالوا بالجبر والمعتزلة قصروا نظرهم
على السبب القريب فقالوا بالتفويض.
-2إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه ،وباعتبار تأثير إرادة ال فيه تكوينا ،إذ هو خالق العبد وإرادته ،وإن
كان الجزء الخير للسبب الكافي إرادة العبد فهو ال فل تفويض فيه.
-3إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه ،وباعتبار إن ال أقدره على ذلك فهو ل فل تفويض فيه" .محمد علي
ناصر الجعفري :أصول الدين السلمي.41 :
أما المعتزلة فل يقولون بالكسب ولكنهم يفسرون اللفظة تفسيرهم الخاص وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار ":كل فعل يستجلب
به نفع أو يستجلب به ضرر يدلك على ذلك هو أن العرب إذا اعتقدوا في فعل أنه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سموه كسبا
ولهذا سموا هذه الحرف مكاسب والمحترف بها كاسبا والجوارح من الطير كواسب" شرح الصول الخمسة.364 -363 :
( )27إن ما جاء في مصادر هذا القرن( )6/12يحوم حول هذا التعريف.
( )28أبو عمار عبد الكافي :الموجز.26 -2/25 :
( )29أبو عمار عبد الكافي :الموجز.81 -2/80 :
( )30عمرو بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت .158 :كما يقول السوفي في نفس الصفحة ":وحد الكتساب وجود الرادة
والختيار ...وحد الضطرار عدم الرادة" .ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .18 :وقد نقل النص عن كتاب
السؤالت .ر .المحشي :حاشية الترتيب .1/116
( )31أبو نصر فتح الملوشائي :النونية البيت عدد ()32
( )32عامر الشماخي :كتاب الديانات 43 :و .44
( )33عامر الشماخي :كتاب الديانات 43 :و .44
( )34ر .إسماعيل الجيطالي :شرح النونية ورقة 130وجه 153قفا.
( 34مكرر) ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ص .21
( 34مكرر) هذا التعبير مقتبس من المدرسة الشعرية مع الجويني .انظر الرشاد .97انظر أطروحة كوبرلي 432 :تعليق .50
( )35انظر ما سبق442:
( )36عبدال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات.7:
( )37نفس المصدر8:
( )38قدرة ال بجهة الخلق ،وقدرة العبد بجهة الكسب.
( )39نفس العبارة تقريبا نجدها في شرح جوهرة التوحيد " أما ثبت بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وتعالى وبالضرورة أن
لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال كحركة البطش دون البعض كحركة الرتعاش احتجنا في التخلص من هذا المضيق بأن ال
خالق للفعل لكن للعبد في الختيار منه كسبن والمقدور الواحد يدخل تحت قدرتين بجهتين مختلفتين فيدخل العبد بجهة الكسب".
البيجوري شرح جوهرة التوحيد .104 :وفي هذا دللة على التفاعل بين المدرستين.
( )40عبدال السدويكشي :حاشية على كتاب الديانات.8:
أما محمد ابن أبي ستة -المحشي -فقد تبنى موقف كتاب السؤالت ( )43وقد أشرنا إليه من قبل( .
)44
أما تحاليل قاسم الويراني فتبدو طريفة إذ بين اختلف الباضية في القضية ،وبين ما ينتابها من
غموض فقال ":ومال بهم المر في ذلك إلى أن قالوا ليس كونه كسبا من العبد ما يخرجه عن كونه
خلقا من ال وأنت خبير بأن هذا ل يشفي الغليل ،ثم قرر أن حقيقة المر في ذلك :أن ال تعالى خلق
العبد ليبلوه وجعل له الختيار في ما يجترحه .ومعنى الختيار إذ سنح بباله فعل شيء وتردد في
فعله وتركه نشأ عن تردده الميل إلى أحد الجانبين وترجيحه فالميل هو المعبر عنه بالرادة
والترجيح هو المعبر أحد الجانبين ويسمى كسبا بإعتبار أنه مبنى ما يصدر عنه فإذا طفق في إخراج
ذلك من العدم إلى الوجود فالمخرج هو ل تعالى وتقدس والعقاب المترتب على الفاعل باختيار الفعل
وإرادته إياه" (. )45
والساس بالنسبة إلى الويراني أنه حاول أن يتخلص مما ل يشفي الغليل فلم يصل هو أيضا إلى
ذلك ،إل أنه أضاف فكرة الميل والترجيح واتضح أن الكسب حسب رأيه هو الترجيح المعبر عنه
بالختيار لنه منطلق كل ما يصدر عنه.
أما عمرو التلتي فقد تعرض للقضية في مواطن عدة في شروحه ومختصراته والناظر في هذه
النصوص يتبين نزعته الى المقارنة مع ما جاء خاصة عند الشاعرة والماتريدية إلى أن يوشك أن
يختلط المر على القارئ ول غرابة في ذلك لن المواقف متفقة غالبا وإن بدت فيها فويرقات في
نسبة القتراب من الجبر المطلق والختيار المطلق والبتعاد عنهما .ونكتفي بما أورده في شرحه
على كتاب الديانات من التعاريف وهي:
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
" -عند غير الباضية :الكسب هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور .وقيل :هو صرف العبد قدرته
وإرادته الى المقدور.
()46
وقيل :هو الحركة والسكون وهذا القول الثالث غير ظاهر ،لن كل من الحركة والسكون فعل ل
كسب")47( .
وطرافة التلتي تتمثل في ما يوفره بين يدي القارئ من نصوص تمكنه من المقارنة بيسر ،وتكثر
في هذه القضية صيغة " وأصحابنا" و" الشاعرة" وعبارة " كما تقول الئمة الماتريدية" وفي
هذا دللة على تقارب وجهات النظر.
والملحظ أن مدار هذه التعاريف واحد لنها تتفق على تحميل الفاعل المسؤولية في إتيان الفعل
ليستقيم التكليف.
أما يوسف المصعبي فقد سلك مسلك النقل هو أيضا ،إل أنه اكتفى بإيراد النصوص الباضية مع
شيء من الحذف الذي ل يخل بالمعنى ثم خلص إلى النتيجة التالية ":فتحصل من كلمهم رحمهم
ال اختلف في تحقيق مسمى الكسب.
فالشيخ عبدال( يعني السدويكشي) ذكر أنه صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل.
والشيخ إسماعيل(أي الجيطالي) رحمه ال ذكر أنه الحركة والسكون ،وهو المتبادر من كلم صاحب
الموجز (أي أبا عمار عبد الكافي) والشيخ قاسم( الويراني) ذكر أن الترجيح يسمى كسبا واختيارا"
(. )48
وما يزال الموقف هو نفسه إلى الن ذاك أن الكسب باب من أبواب نفي الجبر وتمكين النسان من
الختيار وفي ذلك يقول السالمي( :رجز)
()49
ثم يقول:
()50
()51
ويعلق ناثر جوهر النظام معرفا الكسب كما يلي ":والمنسوب منها (الفعال) إلى الخلق مجرد كسب
يسمى القدرة الحادثة في العبد مقترنة بالفعل المخلوق ل فيه" (. )52
إن هذا العرض لنشأة فكرة الكسب وتطورها تدريجيا الى مصطلح تبين أن الفكر الباضي ظل وفيا
لموقف الئمة الول الذين أخذوا عن أصحاب الرسول عليه السلم إل أن الحداث السياسية ،وقد
قلبت الوضاع في القرن الول هـ17/م من جراء أحداث الفتنة الكبرى التي أسفرت عن معتقدين
متناقضين أحدهما مواكب للدولة يفهم القدر على أنه جبر ،والثاني معارض للدولة يفهم القدر على
أنه فعل العبد فحسب ليبرهن على اغتصاب الحكم من المويين ،دفعت بالباضية إلى إتخاذ موقف
معتدل من القضية رغم معارضتهم للحكم الموي لن هذا الموقف ل يبرئ ساحة المويين ول
يتعارض مع علم ال في الزل وإرادته وتجلى ذلك صريحا على لسان الربيع ابن حبيب الذي بين أن
الخلق من ال والفعل من العبد)53( .
ومهما بدت مواقف الباضية التي ذكرنا متباينة في الظاهر من الكسب فهي لم تخرج عن هذا
النطاق ،إذ لم يقل واحد من هؤلء العلماء ل بالجبر المطلق ول بالختيار المطلق ،وحتى ما بدا
قريبا من الجبر من قول مشائخ جبل نفوسة ما قبل القرن السابع هـ13/م فقد ميزوه عن الجبر
وكذلك بالنسبة إلى مشائخ المغرب فإن قالوا بالختيار فكان ذلك من باب التعبير عن الكسب.
وإن كان التيار الجبري والعتزالي دفعا الباضية الى ضرب حجج بعضهم ببعض فإنهم وجدوا في
المدارس الشعرية والماتريدية والشيعية -الزيدية خاصة -أحسن مساندة لبلورة مفهوم الكسب.
والملحظ أن القضية بقيت في نطاق الصراع الفكري خاصة بعد انقراض المعتزلة واندماجهم في
تيارات أخرى ولذلك ل نجد في رسائل الردود لهذه القضية أثرا ،ذلك لن المحيط الذي يتعايش معه
إباضية المغرب أشعري ويغلب عليه الطابع المالكي والكل يقول بالكسب وإن وجدت بعض
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وهكذا تمضي القرون فيتبلور المفهوم شيئا فشيئا ليصاغ في متون أحيانا ومحلل أحيانا أخرى في
دراسات مستقلة ،أو في شروح لهذه المتون فتتضح ناحية التنظير ويذكر هؤلء العلماء تعاريف
للكسب تمكن من التعبير عن الفكر الباضي في القضية في قالب نظري ميسر ،لكن هذه التعاريف
مهما بلغت فإنها ل تشفي الغليل كما ذكر قاسم الويراني ،إل أنها تقرب المعنى للنسان.
والواضح من خلل هذه التعاريف أنها تجعل مفهوم الكسب عند الباضية أقرب إلى مفهوم الكسب
عند الماتريدي حيث يستركان في توسيع نسبة الختيار بينما يظل الكسب عند الشعري أقرب إلى
الجبر ،وإنك لتجد ذلك واضحا في اللفاظ المختارة للتحديد مثل الصرف ،والميل ،والترجيح ،وفي
كل هذا سعى الفكر الباضي إلى أن يجعل للنسان مسؤوليته مع تأدب مع ال تعالى في إرادته
وعلمه وقدرته.
ول يمكن أن نقف عند هذا الحد إذ ارتبطت بقضية القدر والكسب قضايا أخرى ،فلنحاول أن نثبت
كيف نظر الباضية إلى هذا الرتباط.
==========================
( )43ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع.73 -70 :
( )44انظر ما سبق456 :
( )45ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين :ص ،21وقد نقل عن قاسم الويراني :شرح النونية ،وقد ذكرنا أننا لم
نتمكن من الحصول على هذا الشرح.
( )46إبراهيم اللقاني :جوهر التوحيد.104 :
( )47عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات.57 :
( )48يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.21 :
( )49عبدال السالمي :المشارق 313 :و .326
( )50عبدال السالمي :المشارق 313 :و .326
( )51عبد ال السالمي :جوهر النظام.11 :
( )52ناصر بن سالم الرواحي :نثار الجوهر .1/38
( )53انظر ما سبق427 :
تأتي على رأس هذه القضايا قضية الرادة اللهية وعلقتها بفعل النسان.
:
لم يقع التركيز على قضية الرادة في ما وقع بين أيدينا من تراث المرحلة المقررة وهذا عمرو
التلتي يكتفي بتلخيص الموضوع دون أن يدعمه بما يحتاج من الحجج على أساس أنها عرضت من
قبل لذلك سنورد تلخيصه هذا ثم نعتمد على ما جاء من تحاليل عند أبي عمار عبد الكافي لستيفاء
الغرض.
وملخص عمرو التلتي هو ":وإن الرادة عندنا توجد مع المراد ل قبله ول بعده كالستطاعة لنها
علة فيه ،والعلة ل تفارق معلولها ،وقالت المعتزلة قبله ل معه ول بعده ،وهي عندنا قسمان إرادة
العزم وإرادة التمني ،فالولى توجد مع الفعل والثانية توجد قبله ،وقد يتخلف المراد عنها كأن توجد
هي ول يوجد هو لنها ليست علة فيه ،وإن إرادة العزم للشرك والمعاصي إرادة خلق ل أمر ،وإرادة
اليمان والطاعة إرادة خلق ل أمر ،وإن الكافر مكلف عندنا باليمان وسائر الطاعات ،وبالنكفاف
عن الكفر وسائر المعاصي وإن العاجز والزمن غير مكلفين" (. )1
أما أبو عمار فيشبع القضية بحثا ويمكن أن نعرض تحليله كما يلي :قال ال تعالى ( :إنما قولنا
لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) ( 16النحل )40ويقول أيضا ( :فعال لما يريد) ( 11هود
.)107
ل خلف في أن ال فعال لما يريد لكن ما حقيقة هذه الرادة؟ وما صلتها بالمر؟
وما علقتها بأفعال العباد؟ وما علقتها بالخلق بصفة مطلقة؟ وما علقتها بالمراد؟
لقد حرص أبو عمار على أن يثبت موقف الباضية من هذه العلقات في نطاق مجادلة أهل العتزال.
فإن أقر المعتزلة أن الرادة صفة فعل فقد أثبت الباضية أنها صفة ذات أزلية واجبة لـه تعالى لن
الستكراه عن ال منفي ،ل يجوز أن يوصف به في حين من الحيان ( )2فال تعالى ما يزال مريدا (
. )3هذا في ما يتعلق بتحقيقه الرادة.
أما عن صلتها بالمر فغن أقر المعتزلة أنها عين المر فقد بين الباضية أنها غير المر ":ويقال
للمعتزلة في قولهم :إن الرادة من ال فعل يفعله وهو عين المر بالطاعة ،فإذا أحدث الرادة لشيء
فعله وإذا أحدث الرادة لليمان يأمر باليمان ،ول يجوز أن يكون يأمر بالشيء وهو غير مريد لـه،
فإذا أراده أمر به ،فالرادة غير المر" (. )4
ففي ما يتعلق بالطاعة ":فإنا ل ننكر أن يقال :إن ال أراد طاعته من عباده على معنى أمرهم بها
ودعاهم إليها" (. )5
وتصطدم الرادة بمعاصي العباد فيطرح المشكل التالي :هل أراد ال أن يعصى؟
ويجيب أبو عمار :إن كنت تريد أراد ال أن يعصى بمعنى أمر بالمعصية فل ،بل أراد ال أن يطاع
بهذا المعنى ،وإن كنت تريد أراد المعصية أي جعلها خلفا للطاعة غير مستكره على أن تكون
المعصية من العصاة والكفر من الكافرين فهذا ما نقول ،فالرادة في هذا الموضع نفي الستكراه" (
. )6
ويبين البرادي بوضوح هذا المعنى بما يلي ":إن الفائدة في قولنا ":أراد ال المعصية وشاءها
ثلثة أشياء:
-1أحدها :أراد خلقها وشاءها ل على معنى المر بها والدعاء إليها مثل ما هو في الطاعة.
-2والثاني :أراد النهي عنها والذم لها والمعاقبة عليها وجعلها مخالفة لطاعته.
-1والثالث :معنى أرادها وشاءها على نفي الستكراه عن ال عز وجل فيكون معنى أرادها وشاءها
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لم يكن ال مغلوبا عليها ولم تقع من فاعلها على كره منه" (. )7
وبهذا التأويل للرادة يكون الرد على المعتزلة في أسئلتهم التي هي ضرب من التعجيز والموقف
الباضي في الرادة يتمثل في اللحاح على نفي الستكراه عن ال تعالى ،وكذلك في العلم نفي الجهل
عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما عن علقة الرادة بالخلق فيفصح عنها أبو عمار في رده على المعتزلة أيضا الذين يقولون :
عن الرادة لن يخلق الخلق هي خلقه له :فبين أن الرادة مغايرة للخلق ومتقدمة عليه ودليله على
ذلك قوله تعالى ( :إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) ( 16النحل . )8( )40
ويختم أبو عمار تحليله لهذه القضية بما يلي ":وهذا الذي قلنا به في الرادة هو قول الباضية
والزيدية والمرجئة والعامة وما عليه صدر السلم بنقلهم الجملة التي يتوارثونها عن الماضين من
السلف " إن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن"( تبارك ال رب العالمين) ()9
وأما في علقتها بالمراد فيقول أبو خزر ما يلي ":والذي نقول من ذلك إن الرادة مع المراد ل قبل
ول بعد ،وذلك أن الرادة علة للمراد ومحال أن تفارق العلة المعلول" ( )10ثم يميز بين إرادة العزم
ويؤكد أنها ل تكون إل مع الفعل ،وبين إرادة التمني وهي تكون ول يكون المراد لنها ليست بعلة
له.
فالرادة حينئذ صفة ذات ،وهي مغايرة للمر ،كما أنها تتخلف عن الخلق وتتقدمه ،ول ينكر
الباضية أن يريد ال المعصية لكن ل بمعنى المر بها وإنما بمعنى نفي الستكراه عن ال تعالى،
وبمعنى النهي عنها والمعاقبة عليها ،وجعلها مخالفة للمعصية ،كما يقرون أن إرادة العزم تكون مع
المراد بينهما تكون إرادة التمني ول يكون المراد.
:
الستطاعة لغة مصدر استطاع الشيء بمعنى أطاقه وقدر عليه وأمكنه )11( .
والقضية المطروحة في هذا الباب تمس علقة الستطاعة بفعل النسان ،ويحسن أن نمهد
للموضوع بنقل المناظرة التي دارت بين إباضي ومعتزلي.
فقال أبو أيوب :أرأيت هذه الية التي تلوت محكمة أو متشابهة فيكون تأويلها على خلف تنزيلها؟
قال كهلن :بل أنها محكمة ل ينبغي لها من التأويل غير ما سمعت فيها من التنزيل.
قال أبو أيوب :أليس وهي فرض أن تتقوا ال ما استطعتم والستطاعة باقية فيكم.
قال أبو أيوب :فإنكم تستطيعون صدقة أموالكم ،وعتق رقبتكم ،وقيام ليلكم ،وصيام نهاركم ،فلو
كذبتم على هذه الية لكان خيرا لكم من أن لو صدقتم ،أما شهدتم أنكم تستطيعون ما عددنا من
التقوى فضيعتم.
هذا النص دليل على أن القضية مطروحة من عهد مبكر ،من النصف الثاني من القرن الثاني8/م (
)14كما بين أن الجدل ثار حول الية المطروحة عن الستطاعة فإن اعتبرها المعتزلي محكمة
ليبرر موقفه من أن الستطاعة باقية فإن الباضي وضعها ضمن المتشابهة الذي يحتمل التأويل
ليبرز أنها فانية ،إذ لو كانت باقية لوجب أل يتوقف النسان لحظة عما عدد من التقوى ،فالستطاعة
تفنى بانتهاء الفعل لتتجدد استطاعة أخرى.
قم أن الجدل تركز بعد ذلك على تحديد مفهوم الستطاعة؟ وهل هي مع الفعل أو قبل الفعل؟ وهل
يكلف النسان بما ل يطاق؟
وقد جاء تحليل يوسف المصعبي ( )15موسعا لهذه القضية وشامل لها لما جاء قبله من نصوص
خاصة عند أبي خزر وتبغورين والمحشي فماذا عن تحديد مفهوم الستطاعة؟
تحديد الستطاعة:
يعتبر الباضية أن الستطاعة هي صحة الجوارح وسلمتها من شوائب الفات ويعبرون عنها
أحيانا بالقوة ( )16ويشيرون إلى أنواع من الستطاعات مثل استطاعة المال ،واستطاعة السبيل،
واستطاعة الخلقة ( ، )17واستطاعة الفعل ،وينبهون إلى أن الجدل قائم حول استطاعة الفعل
ويشير تبغورين إلى أن معنى " يستطيع ،ويمكن ،ويفعل واحد عندنا" (. )18
بما إن المعتزلة يعتبرون الستطاعة باقية فإنهم يرون أنها سابقة للفعل بينما يلح الباضية على أنها
مع الفعل وتنتهي بانتهائه لتظهر استطاعة أخرى مع فعل آخر وهكذا ودليلهم على هذا ما يلي:
" ...إذ جومع ( )19على أن الفعل دل على القوة وأنه إذا فني الدليل فني المدلول وذلك أنه من شأن
القوة أنها ل تبقى حالين ،وكذلك الفعل ل يبقى حالين ،فكيف يكون أحدهما دليل والخر مدلول عليه
إذا لم يجتمعا" (. )20
" ...لما كانت الفة تمنع الفعل صحّ عندهم (الباضية) أن الفة إذا زالت وجد الفعل ،لن الفة ضد
القوة ،فالضد ثابت حتى يتأتى ضده فيزيله فاستدلوا بهذا المعنى على أن القوة مع الفعل إذا زالت
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الفة التي تمنع من الفعل وإل بطلت الضداد ومناظرة الشيء بنظيره" (. )21
في هذا قولن ":اتقوا ال ما استطعتم فعل شيء من الشياء وهو الذي قدمناه أن ال ل يكلف أحدا
إل مستطيعا لخذ ما كلف أو تركه ،وذلك أنه إذا أشغل قوته بما كلف لم يستطع تركه وإذا ترك لم
يستطع فعله بإشغال قوته في ترك ما كلف لنه ل يستطيع الخذ والترك جميعا.
-5تأويل قوله تعالى ( :ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) ( 11هود )20
" وليس المعنى في هذا أنهم ل يسمعون الصوات ول يبصرون اللوان ولكن هذا سمع القبول ل
يقبلون ما دعاهم إليه النبي عليه السلم إذ شغلوا قوتهم بترك القبول لما دعاهم إليه ،وكذلك " ل
يبصرون" على معنى ل يفعلونه ،فوصفهم ال أنهم ل يستطيعون فقلنا كما قال ال عز وجل إنهم ل
يستطيعون ل لزمانه حلت بهم ول لمانع من الفعل ،وقال ال تعالى ( :وما منع الناس أن يؤمنوا إذ
جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول) ( 17السراء )94فكان قولهم الذي هو فعلهم هو
المانع لهم .وأجاز الناس بينهم ،وهو قول الرجل ما أستطيع أن أنظر إليك لبغضه لـه ،فكان بغضه
مشغل له شاغل من استعمال النظر إليه وهذا بين واضح أن يكون من أحد في فعل شيء أنه غير
مستطيع لضده لشغاله قوته بما قصد إليه وفعله ل لزمانه ول لمنع من الفعل" (. )24
تلك هي أبرز الدلة التي يعتمدها الباضية في الرد على المعتزلة ليؤكدوا أن الستطاعة مع
الفعل...وهم إلى جانب هذا يردون قول الجبرية الذين يعتبرون أن الستطاعة هي المستطيع أو هي
اللت والجوارح .ويقول تبغورين في هذا الصدد ما يلي ":ومن زعم أن الستطاعة هي المستطيع
أو هي اللت والجوارح أو غير ذلك ففي إثبات العراض ( )25ما يبطل قولهم ،ويدخل عليهم ما
ذكرنا من البالغ في أول أحوال بلوغه ل يخلو من أن يكون آخذا أو تاركا ،أو متحركا أو ساكنا ،كما
قلنا في صدر الكتاب فأيما قالوا من ذلك ألزمهم أن تكون إرادته واستطاعته معه إل أن يأتوا بمحال
ل يفهم ول يعقل...
والجسم عندنا وعندهم ل يخلو من حركة أو سكون باكتساب أو ضرورة وما كان باكتساب
فباستطاعته وإرادة وما كان باضطرار فبزمانه وعجز ،وهذا ل يخلو من الحياء والموات وقد
استحالت منهم الفعال والتكليف وليس فيهم الكلم ،فلما كان هذا ثبت أن الستطاعة مع الفعل
والرادة مع المراد والتقرب مع المتقرب به كما قلنا .وكذلك المر مع الفعل إما أمر به أو تركه"....
()26
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبقي أن نشير إلى أن هذا التراث يتلقى مع المعتزلة والماتريدية في أنه ل يجوز التكليف بما ل
يطاق وذلك بمنافاته للحكمة اللهية ( )29على عكس الشاعرة الذين يجيزون ذلك بناء على قدرة
ال المطلقة التي ل تحد (. )30
وخلصة القول إن ما يتعلق بالستطاعة في القرآن يعتبر من المتشابه وإن الستطاعة مع الفعل
وإنها تفنى بانتهائه وإن حكمة ال تقتضي أل يكلف النسان بما ل يطاق ،وهذا يبين أن صلة هذا
المبحث وثيقة بالكسب إذ رأينا أن من التعاريف الواردة للكسب أنه كل فعل وقع باستطاعته محدثة
مع الفعل.
وإن كانت الستطاعة مرتبطة بهذا المبحث فإننا كثيرا ما نجد أن التراث الباضي يعتمد على معنى
العصمة والعون والتوفيق والخذلن ليتخلص من المضائق المحرجة التي توحي بفكرة الجبر.
=====================================
( )11ابن منظور الفريقي :لسان العرب .وجاء في المنهج ":الستطاعة في اللغة القدرة على الشيء ،قال ال تعالى ]:فمن لم
يستطع فإطعام ستين مسكينا[ ( 58المجادلة .)4من لم يقدر أطعم وزال عنه فرض الصوم لزوال اسم الستطاعة".
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/469
( )12لم نتمكن من التعريف بكهلن ،أما عن أبي أيوب فانظر 419 :تعليق 59
( )13ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين . 80 :إن مثل هذه المناظرات تنتهي دائما بتسليم الطرف المقابل
بسهولة .انظر ما سبق ص 470تعليق ( 46مناظرة أبي عبيدة مع واصل بن عطاء).
( )14لقد كتب المام أبو اليقظان محمد بن أفلح الرستمي رسالة في الستطاعة .ر .الدريجني :الطبقات .2/319
ويذكر البرادي أن مناظرات كانت تقوم مع المعتزلة زمن المام المذكور أعله ر .البرادي :الجوهر 180 -179
وقد كتب أبو عمار عبد الكافي كتابا في الستطاعة ما يزال مفقودا .ر .الشماخي :السير 441
( )15يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين85 -74 :
( )16ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين ،74 :وقد ذكر تبغورين تعريفات أخرى .ر .كتاب أصول الدين.51 :
التعبير بالقوة مقتبس من أبي خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين.
( )17استطاع المال :مثل القدرة على الزواج ،استطاع السبيل :بالنسبة إلى الحج استطاعة الخلقة :ل يستطيع النسان الطيران.
( )18ر .تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين52 :
( )19نقطة اتفاق مع المعتزلة أن الفعل دليل على القوة.
( )20أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )21أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )22خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/470
( )23أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين50 :
( )24أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين 51 :وهذا يفسر كيف أن الكفر يشغل الكافر عن استطاعة اليمان ،وأن
اليمان يشغل المؤمن عن استطاعة الكفر.
( )25لتعريف العرض انظر ما سبق 280 :تعليق 57
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
:
جاءت في القرآن الكريم عدة آيات تثبت أن النسان ل يدرك اليمان إل بفضل من اله .فمنها (ولول
فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) ( 24النور )21كما جاء مثل ذلك في عدة
أحاديث نذكر منها قوله عليه السلم " :لن يدخل الجنة أحد بعلمه .قيل ول أنت يا رسول ال قال:
ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" )31( .
وتحاول المصادر الباضية أن توفق بين مسؤولية النسان في فعله ،وبين هذا المدد اللهي الذي
يمن به على من يشاء من عباده فنقول ":العون والعصمة ( )32والتوفيق والتسديد والتأييد،
وشرح الصدر الذي خص ال تعالى بها المؤمنين مترادفة على معنى واحد ،وهو أمر يوجده ال
تعالى فيهم حال إيمانهم ووفائهم بدينه تعالى يحول بينهم وبين الكفر والضلل على أنه أفضل تفضل
به عليهم عاصم وحافظ لهم من الشيطان وطرقه وأعوانه وذلك المر كيفية نفسانية يجدها المؤمن
من نفسه إذا خل ونفسه حالة وافية بدينة عز وجل كما يجده الصائم من نفسه كيفية مانعه لـه من
إبطاله،وعلى أنه لول تفضل ال تعالى على المؤمنين بها ما زكا أحد منهم لقوله تعالى ( :ولول
فضل ال عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) ( 2البقرة ." )33( )64
وقد جاءت الشارة إلى هذا المعنى من زمن مبكر مع أبي عبيدة عندما قيل له :ل يستطيع الكافر
اليمان قال :ما ازعم أن من يستطيع أن يأتي بحزمة حطب من الحل إلى الحرام ل يستطيع أن يصلي
ركعتين وما أزعم أنه يستطيع ذلك إل أن يوفقه ال (. )34
وتزيد النصوص تدقيق مسألة العون فتورد التساؤل التالي :هل العون جزء واحد أو أجزاء متغايرة؟
وتثبت قولين:
ومهما يكن هذا التفصيل فإن النتيجة واحدة ذاك أن اليمان بجميع شعبه ل يتم إل بعون ال
وتوفيقه.
ثم إلى جانب هذا تتعرض المصادر الى حقيقة الخذلن فتبين أنه" ليس بمعنى فيوصف لنه ترك من
ال للكافر إذا لم يعطه من فضله شيئا يعصمه به بل وكله إلى نفسه والوكلن في مثل هذا ليس
بشيء إذا لم يفعل ضده" (. )36
والترك من ال على وجهين :فكل ترك ليس فيه فعل ضده فليس بفعل ول شيء .وكل ترك فيه فعل
ضده فهو شيء ومثل ذلك ترك ال أن يميتك أي أحياك...هذا ليس بشيء...وذلك الترك ليس بشيء
إل صلة في الكلم وزيادة على ما وصفنا (. )37
ويبين هذا التراث في النهاية أن العون يكون للمؤمن في حال فعله اليمان والخذلن للكافر في وقت
فعله الكفر ل قبل ول بعد ( )38ول حجة لهم على ال أن يعينهم ول أن يهديهم إلى دينه بعد أن جعل
فيهم قوة يقدرون بها على فعل اليمان ومكن لهم بذلك ما يأتون من ذلك وما يتركون)39( .
إن هذه التحاليل تثبت دائما الفرار من الجبر المطلق ومن الحرية المطلقة ول أن يعصم من يشاء
وأل يعصم من يشاء ل يسأل عما يفعل في خلقه وهم يسألون عما أوجبه عليهم.
بعد أن مررنا بسرعة على موضوع العصمة والخذلن يحسن أن ننظر في علقة الدعاء والرزق
والجل بالقدر .فإن كان الرزق محددا من ال تعالى والجل مقدرا فلماذا الدعاء؟
:إن كان المعتزلة يرون أن الدعاء تعبير عن العبادة والخشوع فإن الباضية
والشاعرة يرون أن الدعاء من القدر وفي هذا الصدد يقول الجيطالي ":فاعلم أن القدر والطلب ل
يتنافيان فرب أمر قدر ال وصوله إليك بعد الطلب فل يصل إليك إل بطلب ،والطلب أيضا من القدر
ول فرق بين المر المطلوب وبين الطلب فإنهما مقدوران فمن هنا ثبت أنهما ل يتنافيان" (. )40
)41( :إن ال هو الرزاق العليم فهو رازق لعباده ،وتطرح المشكلة في مستوى ما
يأكله النسان من حرام وتأتي الجابات كما يلي ":والظاهر أن الرزق هو ما ينتفع به حلل كان أو
حراما أو مكروها كما هو مذهب الشاعرة ( )42وقال تبغورين ":وقال المسلمون ومن وافقهم من
الباضية والمرجئة :من أكل الحرام فقد أكل رزقه وغذاء ولم يأكل رزقه ملكا")43( .
فالرزق حينئذ نوعان :رزق غذاء ويكون حلل أو حراما ( )44ورزق ملك ول يكون إل حلل .كما
أنه ل يأكل أحد رزق أحد .والساس في الرزق أن ال يوسع لمن يشاء ويضيق عمن يشاء وكل ذلك
من باب البتلء إلى أجل معين.
الجل :وتطرح المشكلة كما يلي :من قتل مظلوما هل مات قبل أجله أو في أجله؟
والجواب كما يقرر تبغورين" وقول المسلمين في ذلك إن الناس ل يموتون قبل آجالهم ول يأكلون
غير أرزاقهم لقول ال عز وجل ( :فقد جعل ال لكل شيء قدرا) ( 65الطلق )3يعني وقتا ل
يتقدمهم ول يتأخر عنهم كما قال ( :ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) ( 15الحجر )45( . )5
ويثبت هذا التراث أل اعتداد بقول المعتزلة إن من مات مظلوما مات قبل أجله.
ويثبت عبدال السالمي في النهاية أن القضية ليست من المسائل الدينية(الصولية التي يفسق بها
من خالف فيها (. )46
وبعد عرض هذه القضايا المتعلقة بالقدر ( )47لم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذه القضية:
إن لقضية القدر طرفين يتوغل أحدهما في عالم الغيب مع علم ال وقدرته وإرادته ويمتد الطرف
الثاني في عالم الشهادة حيث تتم حركات جميع المخلوقات وسكناتها بما في ذلك النسان ويبدو
أكثرها تعقيدا.
والمتأمل في تاريخ البشرية يحس أن القضية انطلقت مع خلق النسان واستكبار إبليس عن السجود
لدم ،وما أن هبط الجميع إلى الرض بعضهم لبعض عدو حتى ظلوا يتجاذبون طرفي حبل القضاء
والقدر ،ول تكاد تخلو حضارة من إثارة هذه القضية سواء كانت وثنية أو قائمة على الوحي المنزل
من السماء.
وفي محيط عرف الخوض في هذه القضية انتشرت الحضارة السلمية بين العرب الذين كانوا
يقولون بالجبر وبين اليهود والنصارى ثم المجوس والهنود ،وكان التفاعل وكان الخذ والعطاء
والقبول والرفض.
ومعلوم أن منطلق هذه الحضارة الوحي القرآني والنبوي وقد جاءا طافحين بتوضيح هذه القضية
وجعلها أسا من السس التي ل يتم اليمان إل بها ،وألح النبي خاصة على أنها سر من أسرار ال
تعالى ونهى عن الخوض فيها.
لكن المسلمين لم ينتهوا عن الخوض فيها عدا الرعيل الول من الصحابة الذين غلب عليهم طابع
اليمان بما يرون من إعجاز في القرآن الكريم ،وبما يلمسون في سيرة النبي صلى ال عليه وسلم
من قدوة حسنة وفي كلمه ما يغنيهم عن الجدل والعناد.
وما أن هبت عاصفة الفتنة الكبرى حتى ثارت قضية القدر وعاد تجاذب طرفي الحبل بشدة فأصحاب
السلطان ضغطوا على طرف الغيب فجنحوا إلى القول بالجبر حتى يقنعوا الناس أنهم يستمدون
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
نفوذهم من ال والقوى المعارضة ضغطت على طرف عالم الشهادة بقوة واعتبرت أن هذا النفوذ
عمل بشري محض واستبداد ل دخل لعالم الغيب فيه.
ولم يغب الباضية عن هذا الغليان الحضاري بل كان لهم موقفهم من اللحظة الولى ورغم أنهم من
صف المعارضة ،ومواقفهم من المويين معروفة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المعتزلة ول إلى ما
جنح إليه الجبرية بل كان موقفهم مع المام جابر موقف الرسول عليه السلم ":من يهده ال فل
مضل له ومن يضلل فل هادي له" ثم إن الحتكاك الحضاري بسائر الفرق الناشئة في مدينة البصرة
حيث برزت حلقات المناظرات وتمازجي الحضارات وأثيرت القضايا العقائدية بقوة ،بحسن نية
وبسوء نية ،والبصرة هي منطلق دعوة الباضية ومركزها الول ،دفع بأبي عبيدة إمام الباضية
الثاني إلى التمييز بين القدر والمقدور لتبكيت واصل بن عطاء ،وبين أن القدر من ال والمقدور من
النسان ،وإلى البراءة من بعض أتباعه الذين ولوا وجوههم شطر نزعة غيلن الدمشقي ،وعلى هذا
المسلك درج الربيع بن حبيب حيث جمع كل ما وصله من أحاديث في هذا الموضوع في الجامع
الصحيح وعلق عليها بأن الخلق من ال والفعل من العبد.
وفي هذا المحيط المتموج تولدت عن قضية القدر مسائل كثيرة أبرزها قضية الجبر والختيار أو ما
عرف بخلق الفعال بل صارت مركز الجدل بين المتكلمين وكلما أثيرت قضية القدر تتجه النظار إلى
هذه المسألة مع مسائل أخرى مثل الستطاعة والرادة والعلم.
وبحكم التطور الحضاري وأثر الفكر اليوناني الفلسفي تحول الكفر السلمي تدريجيا من طور الجدل
المتحمس الدفاعي الى طور التعقيد والتنظير وسلك الباضية نفس المسلك فنشأت التعريفات
الصطلحية وقالوا إن القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة والقدر
هو انتهاء المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها وثبت أن اللفظتين تلتقيان في الحقل الدللي
وهذا ما جعل التمييز بينهما صعبا مما أدى إلى غموض في التعريفات.
وما أن اعتزل الشعري المعتزلة وظهر على الناس بمقالته وإبانته وانطلق من وراء النهر
الماتريدي بلمعة وتوحيده حتى سرى في المة نبع جديد تسمى بأهل السنة صاغ صياغة جديدة فكرا
ساريا عند الناس وإن ثار على العتزال فلم يسلم من الجدل الكلمي.
والباضية على الساحة يتأملون ويقارنون بين مختلف التيارات وموقفهم ثابت فلم يذوبوا في الفكر
العتزالي رغم اللتقاء في عدة قضايا كما لم يبتلعهم هذا التيار الجديد وإن اتفقوا معه في بعض
القضايا ومن بينها قضية القضاء والقدر وما تفرع عنها من قضية خلق الفعال التي انصهرت في
القول بالكسب.
وثبت أن جذور مفهوم الكسب ترجع إلى بداية القرن الثاني 8/مع أبي عبيدة والربيع إل أن
المصطلح لم يتبلور عند الباضية إل في ما بعد فقالوا هو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل مع
الشارة إلى الترجيح والختيار.
والباضية كبقية الفرق السلمية تلمس في تراثهم إدراكهم أن قضية القدر من غوامض علم الكلم،
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وأن اللتجاء إلى تحديد جهتين للفعل الواحد ،الخلق ل ،والفعل للنسان ليس معناه الشركة ،وإنما
هو مخرج من مضيق ولذا تجد أن هذا الفكر تفاعله مع الحداث تقوى فيه نسبة القتراب من الجبر
كما جاء عند علماء جبل نفوسة القائلين بالجبل وتقوى فيه نسبة القتراب من الختيار كما جاء ذلك
عند علماء المغرب ،إل أن النزعة التي بقيت طاغية عند الباضية عامة هي تقوية نسبة الختيار
حتى يتحمل النسان مسؤوليته وتتجلى الحكمة في المر والنهي في ما يترتب عنهما من الثواب
والعقاب ،وتتميز حركات الختيار عن حركات الضطرار مع اعتقاد أن ال تعالى خالق كل شيء
وأنه على كل شيء قدير.
-1إرادة ال تعالى.
-2إرادة العبد.
-3اكتساب العبد.
والجدير بالملحظة أن المنهج المتبع في كل هذا الخصم هو منهج علم الكلم عامة إذ يكون المنطلق
من النصوص قرآنا وسنة ثم يأتي تأويلها وفهمها حسب مقتضيات اللغة ،وملبسات القضية،
وارتباطها بسائر الفكر الباضي وهذا يتجلى بوضوح عند ربط القضية بإرادة ال مع اعتبارها من
صفات الذات وعند تبيين أن الستطاعة مع الفعل وأن الكسب ل يتم إل بعون ال إن كان طاعة
وبخذلن ال إن كان معصية.
وقد جاء المنهج العام في تقرير القضية في التحاليل النظرية وحتى في الشروح قائما على الرد على
المعتزلة وعلى الجبرية ،وبعد استغلل حجج هذا الطرف على الطرف الثاني يستقر الموقف الوسط
ويدعم بحجج نقلية وعقلية ،فتغلب النزعة العقلية عند البعض أمثال أبي عمار والسدويكشي وتغلب
النزعة النقلية عند البعض الخر مثل ما نجد عند الجيطالي ويوسف المصعبي.
فواضح إذن أن نزعة الباضية والزيدية والشاعرة والماتريدية جاءت توفيقية دون أن تغفل عن أن
النسان مجبر في ما هو خاضع للرادة الكونية مما سموه بالضطرار وأنه مكتسب في ما يقع تحت
دائرة الختيار ويبقى ال تعالى خالق كل شيء.
وبعد هذا ندرك أن القضاء سيظل سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول النسان أن يكشف هذا السر
وسيظل النسان لهثا وراء استكشاف هذا السر عسى أن يقف أمام الغيب وجها لوجه كما يقف أمام
قضايا أخرى.
أما المؤمن الذي أيقن بعقله أن القرآن من ال ،وآمن بأن القدر خيره وشره من ال تعالى ،فإن هذا
القدر يتجلى له في كل حركاته وسكناته فكم من مرة يقدر أن يفعل كذا فل يتم إل ما قدر ال ،وكم من
مرة يقدر أل يفعل كذا فل يتم إل ما قدر اله كما يتجلى في ما حوله من أحداث تدفع إلى التسليم
بالقدر فهذا يسقط من الطابق السادس فل يصاب بسوء وما يكاد يستبشر بوضعه فيذهب ليأتي
لصحابه بالمشروبات تعبيرا عن الفرح حتى تدوسه سيارة تقضي عليه وهذا قطار يكاد يدوس رجل
عابرا من سكته فيتحول في تلك اللحظة عن مجراه ليصطدم بمسكن مجاور فيقضي عليه وعلى من
فيه ،وما إلى ذلك من الحداث التي يحار العقل أمامها.
ولعل من أحسن ما يمكن أن تفصل به المسألة أن تبقى قضية القدر في دائرة اليمان وأن يوضع
الفعل في دائرة الشرع وليجتهد النسان في العمل مع العلم أن كل ميسر لما خلق له.
كما أنه على النسان أل يخلط بين دائرتين ،دائرة مشيئة ال تعالى التي ل تحد ،ودائرة مشيئة
النسان المحدودة الضيقة ،وعليه أل يقيس هذه بتلك فيشتبه المر عليه ويبعد عن طريق الصواب
ومن يقارن بين المطلق والمحدود لن يصل إلى نتيجة ثابتة وسوف يبقى دائما يبحث في حندس ل
مخرج منه.
وإن تبين من خلل هذا المبحث أن النسان مسؤول فماذا عن الجزاء في الخرة أو ما عرف بالوعد
والوعيد؟
==============================
( )31ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 56وجه .انظر ما سبق 440 :تعليق 119
( )32جاء في المنهج :والعصمة هي الحراسة من مواقعة المعصية ،والقدرة على الطاعة .والعاصم هو ال تعالى ،والمعصوم:
المكلف
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/467 :
( )33والنص ليوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين78:
( )34ر .نفس المصدر والصفحة.
( )35ر .نفس المصدر والصفحة.
( )36تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين .59:وتناقش المصادر القضية من جانب آخر وهو إمكانية إطلق
السماء على غير شيء ،ويحتج الباضية لمكان ذلك باطلق السماء على الزل والعدم والمحال وإن لم يكن واحدا منها
موجودا ويعتمدون في ذلك على أن السماء ل يشترط في التسمية بها وجود مسمياتها .ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول
تبغورين .89 :ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 78وجه .ر .يوسف عبد العزيز الثميني :النور. 210 -209 :ر .المحشي:
حاشية على قواعد السلم16 :
( )37وقد وقع اللحاح على هذه القضية أنها تختلف عن موقف الشاعرة الذين يقولون" إن الخذلن هو خلق قدرة المعصية في
العبد" .ر .أبو الحسن الشعري :الباتة 153:حيث يقول أثناء الرد على المعتزلة " فل بد لهم أن يثبتوا لهم الخذلن للكفر الذي
خلقه ال فيهم".
( )38لنه لو كان قبل لكان حجة للعبد على ال يوم القيامة ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/468
( )39ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.86 :
( )40إسماعيل الجيطالي :كتاب قواعد السلم 1/31
( " )41الرزق بكسر الراء بمعنى المرزوق ،وهو ما ساقه ال تعالى إلى النسان لينتفع به سواء كان بملكه أو بدون ملكه بأن
كان ملكا للغير فظلمه إياه وانتفع به ،سواء كان مما يؤكل أو مما يلبس أو يتقى به من الحر والبرد أو نحو ذلك ،كان المنتفع به
عاقل أو غير عاقل ،وهذا مذهبنا ومذهب جمهور الشاعرة ...وفي هذا اختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الرزق هو ما يملك
ل ما ينتفع به مطلقا" .ر عبدال السالمي :المشارق.268 :
( )42لقد بين أبو الحسن الشعري أن من أكل حراما فقد أكل رزقه وميز بين رزق التغذية ورزق التمليك .ر .البانة ط دمشق –
بيروت152 -151 :
( )43تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين. 74 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين118:
( )44وقد يكون شبهة كما ذكر عبدال السالمي ":والشبهة أن يتجاذب الشيء أصلن أصل يحله ،وأصل يحرمه ول مرجح
لواحد منهما ،والواجب فيه التوقف" المشارق269 :
( )45تبغورين بن عيسى الملشوطي :كتاب أصول الدين. 76 :ر .يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين.125 -124:
ر .إبراهيم اللقاني :جوهرة التوحيد مع الشرح191:
وموقف الباضية هو موقف الشاعرة .ر .أبو الحسن الشعري :الباتة. 150 :ر .إبراهيم اللقاني :جوهرة التوحيد مع الشرح:
.160وفي ذلك يقول عبدال السالمي ":كل من مات وفارقت روحه جسده بأي سبب كان أو بل سبب فهو ميت بأجله ...هذا
مذهبنا ومذهب الشاعرة .المشارق266 :
( )46ر .عبد ال السالمي :المشارق267:
( )47وقد وقفنا عندها بشيء من الختصار لستيفاء المعنى لن كل قضية منها يمكن أن تفرد ببحث موسع.
( )48ر .امحمد اطفيش :شرح الدعائم .1/183
تمهيد:
لقد انتهينا إلى أن القدر يبقى سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول علماء الكلم الجتهاد في حل هذا
اللغز الغيبي.
وقد بينا أن الشكال يتفاقم كلما حاول هؤلء العلماء الربط بين العمل وما يترتب عليه من ثواب
وعقاب ،وجاءت النتائج متباينة بين الجبرية والقدرية وحاول القائلون بالكسب ومنهم الباضية
التوسط بين الطرفين فحملوا النسان طرفا من المسؤولية ليستقيم المر والنهي.
ومن البديهي أن المر والنهي ينبني عليهما المتثال أو عدم المتثال وبالتالي تطرح قضية الجزاء
أو ما اصطلح على تسميته عند علماء أصول الدين بالوعد والوعيد (. )1
وإن كانت صلة هذه القضية بالقضاء والقدر وثيقة فلعل صلتها أوثق بما اصطلح عليه بعنوان"
السماء والحكام" إشارة إلى المسميات التي تميز بها الفرق بين مستويات المتثال لوامر ال
تعالى ونواهيه ،ومستويات عدم المتثال وما ينبني على ذلك من الحكام في الدنيا والخرة)2( .
والمتأمل في كتب أصول الدين يدرك يقينا أن سبب الخلف بين الفرق يرجع إلى الختلف في تحديد
المسميات وإذا كان المنطلقات متباينة فل يمكن أن تكون النتائج متفقة.
واضح إذن أن لقضية الوعد والوعيد طرفين ،طرفا غيبيا وطرفا في علم الشهادة ،وإذا علمنا أن
الحدود بين الرض والسماء ليست في منتهى الدقة ندرك أن القضية لبد من أن تحير المتكلمين
وقد حيرتهم فعل وجعلتهم بين متفائل تفاؤل مطلقا يحشر كل من قال ل إله إل ال وإن مات مصرا
على المعصية في الجنة بوجه من الوجوه ،وبين متشائم تشائما مطلقا يعتبر أن المعصية شرك ومن
جزؤ عليها يحل دمه وماله وسبي ذراريه ول سبيل له إلى النجاة وكان منهم المتشائم والمتفائل
والمعتدل في شأن مصير من خلط عمل صالحا وآخر سيئا.
وقبل أن نحلل هذه القضية يحسن أن نقف عند مسألة السماء والحكام.
يقول الحق تبارك وتعالى ( :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا)
( 5المائدة .)3
انطلقا من هذا المفهوم الواضح السامي أشع السلم بفتوحاته على أطراف العالم ،لكن ما كاد
ينتهي العقد الثالث من القرن الول هجري /القرن السابع ميلدي ،حتى جدت أحداث جسام ()3
أسالت الدماء واطالت اللسن وقدحت الذهان ،وحركت القلم ،وما تزال.
وقد أسفرت هذه الحداث عن تقسيم المسلمين إلى ثلث كتل ( )4استقلت كل منها بمفاهيم خاصة
تجاه بعض القضايا وعن هذه الكتل تولدت جميع الفرق السلمية.
ولقد حللنا موقف الباضية من تسمية الفرق وبينا رفضهم المطلق لسمة الخارجية ( )5فماذا الن
عن موقفهم من مرتكب الكبيرة؟ أمؤمن هو؟ أمسلم هو؟ أكافر هو؟ أم هو فاسق في منزلة بين
المنزلتين؟
وقبل أن نجيب عن هذه السئلة يحسن أن نحدد مفهوم كلمات تحولت عن مدلولها اللغوي الى
مصطلحات شرعية تعتبر مفاتيح ل سبيل إلى ولوج البناء الفكري لكل فرقة دون امتلكها ومعرفة
استعمالها بدقة .وهذه المصطلحات هي :اليمان والكفر ،والنفاق والشرك.
الولى :منهجية :وتتمثل في أننا ل نعتبر البحث في المسألة فصل مستقل وإنما هو توطئة لفصل
الوعد والوعيد لذلك سيكون التحليل مختصرا.
الثانية :توضيحيه ،وتتمثل في موقف الباضية من السماء عامة ،يقول البرادي " واعلم أن
السماء على أصولنا تنقسم ثلثة أقسام :أسماء دينية ،وأسماء شرعية ،وأسماء لغوية.
فالسماء الدينية تتعلق بها أحكام الدنيا والخرة .والسماء الشرعية تتعلق بها
التكاليف مثل الصحة والفساد ،والجزاء وعدمه والعادة والحتياط.
فالسماء الدينية مثل اليمان ،والكفر ،والشرك والسلم ،والدّين ،والبّر ،والحسان ،والنفاق
والفسق والكبيرة والصغيرة .فهذه أسماء جعلت أساسا للشريعة وعلق إليها الثواب والعقاب
والحدود والولية والبراءة ،لم تكن العرب تعرفها قبل ورود الشرع بها ،ول تتخاطب بها على هذه
الصفة حتى أوقفهم الشرع عليها ،وخاطبهم بها ...وجميع المعارف وأصول الديانات متعلقة بهذه
السماء راجعة إليها.
...وأكثر اختلفات المة إنما جاء من قبل هذه السماء الدينية)6( "...
فماذا حينئذ عن هذه السماء الدينية؟
)7( :
إن تعايش المسلمون الول مع هذه الكلمة بصفاء تام إذ هي التي حولتهم من ظلمات الجاهلية إلى
نور السلم ( ، )8فإن من جاء بعدهم ،وبعد ظهور الفتن يقول لمن يدعي اليمان رويدك ،أامنت
بقلبك ،أم بلسانك ،أم بهاما معا؟ وهل اعتبرت العمل من اليمان أم ل؟ وحسب الجواب يوضع
المسؤول في زمرة فرقة من الفرق .وتتفق كتب الفرق والصول على ما لخصه ابن حزم في ما
يلي ":قال أبو محمد :اختلفت الناس في ماهية اليمان -:فذهب قوم إلى أن اليمان إنما هو معرفة
ال تعالى بالقلب فقط ،وإن ظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته ،فإذا عف
ال تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة ،وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن
الشعري البصري ( )9وأصحابهما.
-وذهب قوم إلى أن اليمان بال هو إقرار باللسان وان اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن
من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السيجستاني وأصحابه.
-وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج ( )10إلى أن اليمان
هو المعرفة بالقلب بالدّين والقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل خير فرض
كان أم نافلة فهي إيمان ،وكلما ازداد النسان خير ازداد إيمانه وكلما عصى نقص إيمانه " ()11
فتتلخص المواقف حينئذ في أربعة:
وقد سلكت المصادر الباضية عند تعريف اليمان مسلك المقارنة أحيانا ومسلك الرد والدفاع أحيانا
أخرى)12( .
وهي تثبت أن اليمان في اللغة يعني التصديق ( )13بل ينقل المحشي عن كتاب السؤالت أنه
محصور في التصديق )14( .
ويحلل الشماخي الصيغة الصرفية للكلمة كما يلي ":فاليمان لغة أفعال من المن متعد إلى واحد ثم
نقل بالهمزة إلى الثاني أي أمنته التكذيب أي صدقته ،أو بمعنى صرت ذا أمن منه أي وثقت به،
فمعناه إما التصديق مطلقا أو الوثوق فعدي بالباء لتضمنه معنى اعترف وأقر")15( .
ويبين الشماخي أيضا التكامل بين المعنى اللغوي والشرعي ":وأيضا ل ننكر استعمال اليمان في
معناه اللغوي ،ول ينافي الستعمال الشرعي مع ثبوت النقل" (. )16
كما تلح المصادر على أن اليمان في الصطلح الديني اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل
بالركان ( )17ويتفاوت التوسع في تحليل هذا المفهوم من مصدر الى أخر فهذا الشماخي يقول عن
اليمان ":وفي الشرع أن تشهد ل بالوحدانية ولمحمد صلى ال عليه وسلم بالرسالة ،وبأن ما
جاء به حق من جميع المأمورات ووظائف الدين التي كلف بها عباده ")18( .
كما يعبر عن ذلك بصيغة أخرى فيقول ":وفي الشرع اليمان توحيد :كمعرفة ال عز وجل والرسول
وما جاء به ،وغير ذلك مما ل يسع جهله .وغير التوحيد :وهو جميع ما أمر ال به سبحانه وتعالى
ولو إماطة الذى وإذا حصلت الطاعة حصل وجوب الثواب واليمان" (. )19
ويقول البرادي ":حقيقة اليمان على أصولنا التصديق ل عز وجل باللسان والقلب والجوارح "( .
)20
كما يقول محمد اطفيش" واليمان :التصديق في اللغة ،وكذلك اليمان عندنا في الشرع التصديق
في القلب بما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم والقرار بالعمل وكل طاعة إيمان نفل أو فرضا
عندنا وعند الخوارج والعلف وعبد الجبار" (. )21
وفي نطاق الرد على المرجئة والجهمية والكرامية الذين يعتبرون أن اليمان بسيط يثبت الباضية
أنه مركب وفي ذلك يقول المحشي:واليمان عندنا مركب من القول والعمل كما هو معلوم .قال
الشيخ أبو نصر (:طويل)
()22
وجاءت الشارة الى هذا المعنى في حواش شرح الجهالت كما يلي ":وأجزاء اليمان أكثر من
أجزاء التوحيد" (. )23
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقد عالج هذه القضية أبو خزر من قبل فقال مستدرجا المرجئة ":نسأل المرجئة عن اليمان ما
هو؟ فإن قالوا :هو القرار فقد أبطلوا أن تكون معرفة ال إيمانا ،يقال لهم أخبرونا عن هذا القرار
ما هو؟ فإن قالوا :هو القرار ،فقد طلبوا أن تكون معرفة ال إيمانا يقال لهم أخبرونا عن هذا القرار
ما هو؟ فإن قالوا :هو القرار أن ال واحد ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ،ما جاء به حق،
يقال لهم :هذه ثلث خصلت بعضها غير بعض ،القرار بال غير القرار بأن محمدا رسول ال غير
القرار بما جاء به حق ،لنه يقر بهذا من ينكر هذا يقر بال أنه واحد من أنكر أن يكون محمد
رسول ال .فإن قال :القرار بال إيمان أبطل أن يكون القرار بمحمد إيمانا .وكذلك بما جاء به حق
غير القرار بأن محمدا رسول ال فإذا جاز عندكم أن يكون اليمان ثلث خصال لم ل يجوز لغيركم
أن يجعله أربع خصال أو أكثر فيجعل الصلة والزكاة وغير ذلك من الفرائض من اليمان .إذ أقررتم
أن اليمان خصال" (. )24
========================================
( )1انظر ما سبق.95:
( )2أنظر :تعريف المؤمن والكافر والمنافق والمشرك508 -474 :
( )3انظر ما سبق35 :و 36
( )4انظر ما سبق35 :و 36
( )5انظر ما سبق25 -24 :
( )6البرادي :رسالة الحقائق45-44 :
ويختلف هذا التقسيم عن تقسيم المعتزلة مثل إذ يقسمونها إلى شرعي وعرفي ولغوي .وعند التأمل ندرك أن ما اعتبره المعتزلة
شرعيا يشمل الديني والشرعي عند الباضية :ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة. 710 :
( )7ملحظة :إن الباضية يعتبرون ":أن الدين والسلم واليمان تصدق شرعا على شيء واحد ،وإن اختلف مفهوماتها" .ر.
أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد .34وهذا يحتاج إلى مبحث موسع يتجاوز حدود هذه التوطئة.
( )8قال النبي eلحارثة :كيف أصبحت يا حارثة؟ قال :مؤمنا؟ قال :فما حقيقة إيمانك ؟ قال :عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى
عندي حجرها وذهبها ،وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ،وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون ،وكأني أسمع عواء أهل النار.
فقال له رسول ال : eشهيدا سعيدا" .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .1/576لم يرد عند ونسنك
( )9الحقيقة أن الشعري يقول في البانة غير ذلك ":وندين أن اليمان قول وعمل يزيد وينقص "...البانة ط 24 :1981
( )10مع العلم أن ابن حزم يحشر الباضية مع الخوارج
( )11ابن حزم :الفصل .189 -3/188
جاء مثل هذا التحليل عند :عمروس بن فتح :الدينونة الصافية5 :و .7أبي عمار عبد الكافي :الموجز .104 -2/90السالمي:
المشارق .332-331 :امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط .201 :2اليجي :المواقف 454 /2مع شرح الجرجاني واخترنا
نص ابن حزم لوضوح المنهجي.
( )12ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع. 87 ،84 ،54 ،52 :ر .مجموعة من المحشين :حاشية على شرح كتاب الجهالت
.58 -56ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد . 128 .33الرد على صولة الغدامسي .38 -29
( )13ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد 38و .128الرد على صولة 38 -29 :
( )14ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع87 :
( )15أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي29:
( )16المصدر السابق35 :
))17ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي37 :
المحشي :حاشية على كتاب الوضع .44:عمر أبو ستة المجموع المعول21 :
( )18أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد 33:والملحظ أن صيغة اليمان في القرآن الكريم جاءت دالة تارة على التصديق،
وتارة عليه وعلى غيره من العمل والقرار ،وتارة على غيره .امحمد اطفيش :شرح مقدمة التوحيد ط .201 :2
ملحظة :يحسن أن نعرف بمفهوم اليمان عند الشاعرة والمعتزلة وفي ذلك يقول البيجوري ":وهذا شرط كمال على المختار
عند أهل السنة ،فمن أتى بالعمل فقد حصل الكمال ،ومن تركه فهو مؤمن لكنه فوت على نفسه الكمال إذا لم يكن مع ذلك انحلل،
أو عناد للشارع ،أو شك في مشروعيته وإل فهو كافر في ما علم من الدين بالضرورة.
وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطرا من اليمان لنهم يقولن بأنه العمل والنطق والعتقاد ".شرح جوهرة التوحيد45 :
ويلخص القاضي عبد الجبار مواقف المعتزلة من اليمان كما يلي ":وجملة ذلك أن اليمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن
أداء الطاعات والفرائض دون النوافل ،واجتناب المقبحات .وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل
واجتناب المقبحات ،وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة :الصول الخمسة.707 :
انظر في هذا الشأن أيضا :اليجي :المواقف 2/454ر .القاضي عبد الجبار الصول الخمسة705 :
( )19ر .أحمد الشماخي :شرح مقدمة التوحيد33:
( )20البرادي :رسالة الحقائق37 :
( )21امحمد اطفيش :شرح مقدمة التوحيد ط 199 :2
( )22أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية .البيتان 7 :98 ،97
ر .المحشي :حاشية على كتاب الوضع9:
( )23مجموعة من المحشين :حواش على كتاب الجهالت68:
( )24أبو خرز :الرد على جميع المخالفين57 -56 :
وفي هذا الصدد تسميت المصادر في اعتبار العمال داخلة في اليمان فيقول الشماخي في رده على
صولة الغدامسي ":ودليل النقل:
( -أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) ( 32السجدة )18فإن قسيم الشيء ل يكون قسما منه ،وهذه
الية ل وجوب لها إل تعنتا ...وقوله عليه السلم " :اليمان نيف وسبعون شعبة أعلها شهادة أن
ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن الطريق" (. )26
-وقوله لوفد عبد القيس " :أتدرون ما اليمان؟ " ففسره بالشهادتين وذكر الصلة والصوم
والزكاة والحج" (. )28
-وقوله " :ل أمانة ل عهد له ،ل إيمان ل أمانة له ،ل إيمان لمن ل صلة له" (. )29
ومثل هذا كثير وسئل عليه السلم عن أفضل العمال فقال" :إيمان ل شك فيه" (" )30فجعله من
العمال")31( .
ول يغفل الباضية عن صحة إيمان من اخترتهم المنية قبل وجوب العمل ( )32ويقول السالمي في
ذلك" :إن العمل ل يكون من اليمان إل إذا كان لزما فيخرج القول بأن جميع الطاعات إيمان ،وفيه
تنبيه على أنه يأتي على المكلف حال وليس عليه من العمال البدينة مفترض ،كما إذا لم تبلغه
الحجة بشيء من السمعيات أو كان ولم يأت عليه وقت يجب فيه عليه عمل" (. )33
وقيل :كل طاعة فهي من اليمان ول يقال كل طاعة ل هي إيمان وليس كل طاعة ل إيمانا لن فيها
الوسائل وترك الوسائل ل يكفر واليمان إذا ترك كان تركه كفرا (. )34
والمهم في إلحاح الباضية على اعتبار العمال الواجبة من اليمان وأن الخلل بشيء منها يفسد
اليمان كله ،وهذا موقف من الصرامة بمكان كان له الثر الفعال في البعد الحضاري لهذه القضية
لدى الباضية (. )35
ثم إلى جانب هذا طرحت قضية الزيادة والنقصان وللباضية فيها ثلثة مواقف:
وتذكر المصادر عادة المواقف الثلثة .أما عن الموقف الول فيقول أبو عمار عبد الكافي ":وقال
عز وجل( :فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) ( 9التوبة )124أي يعملون بما في السورة من
الفرائض فيزدادوا بذلك إيمانا ،وقال( :هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع
إيمانهم) ( 48الفتح )4فهؤلء قوم مؤمنون مستكملون اليمان قد أخبر ال عنهم أنهم مع ذلك
يزدادوا إيمانا مع إيمانهم فدل ذلك على أن اليمان خصائل كثيرة تزداد وتنقص" (. )36
ويستدل لذلك صاحب المنهج بحديث للرسول عليه السلم وبأثر لعلي ابن أبي طالب فيقول" :
وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال " :اليمان يزيد وينقص" ( )37وذلك بتأثير الطاعات
في القلب .وقال علي ابن أبي طالب " :إن اليمان يبدو لمعة بيضاء في القلب فإذا عمل العبد
بالطاعات الصالحات نمت وزادت حتى يبيض القلب كله)38( "...
وفي هذا المعنى يقول أبو مهدي ":واليمان يزداد وينقص وخصاله محدودة" ( )39وإلى مثل هذا
الرأي ذهب أبو حزر بعد الرد على المرجئة حيث أثبت أن اليمان خصال فقال ":إن اليمان يزداد
وينقص")40( .
أما الموقف الثاني :فتنسبه المصادر العمانية إلى أبي سعيد الكدمي وهو في الحقيقة نوع من
التحري في اختيار العبارة ،ومواكبة للموقف العام القائل بأن اليمان كل إذا انتقص جزء منه فسد
كله ،وهذا ما ينقله عنه صاحب المنهج ":وقال أبو سعيد رحمه ال :اليمان يزيد ول ينقص لنه إذا
انتقص منه شيء بطل كله ،ويقال إن اليمان يضعف ول ينقص (. )41
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما صاحب القاموس فيضيف ":ول يلحقه اسم النقصان هكذا في قول أصحابنا" (. )42
أما الموقف الثالث :ويبدوا أنه الراجح عند المشارقة فيحلله أحمد الخليلي في تعليقه على قول
السالمي ":في وجهة (اليمان) الشرعي ليس بنقس" ،فيقول ":ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن
اليمان يزيد ول ينقص ،وهذا المذهب إذ تؤمل له أصالته في العقيدة سواء حملنا اليمان على
حقيقته اللغوية أو حقيقته الشرعية .فإن حمل على حقيقته اللغوية وهو التصديق الذي هو قاعدة
اليمان تجلت صحة هذا المذهب من حيث إن أول واجب يخاطب به النسان التيان بالجملة التي كان
يدعو إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي تتألف من كليات تنطوي تحتها جزئيات اليمان
العتقادي ،ول يلزمه أن يعتقد شيئا من تفاصيلها التي لم تقم بها الحجة عليه ،فإذا قامت عليه
بشيء من هذه الجزئيات وجب اعتقاده ،وتصبح بذلك دائرة اليمان أوسع من ذي قبل ،فإن معرفة
الشيء إجمال تختلف عن معرفته تفصيل ول يمكن أن يرجع النسان من العلم إلى الجهل ،وعليه
فإن إنكار شيء مما قامت عليه الحجة في تفسيرها إما أن يؤدي إلى الشرك وإما إلى كفر النعمة
وكل منهما مناف لليمان.
وإن حمل على معناه الشرعي الذي يستمل العتقاد والقول والعمل ،جلت صحة هذا المذهب حيث إن
أول ما يتعبد به النسان العتقاد ،وإذا اعتقد ما لزمه اعتقاده ولم يحضره فرض قولي أو عملي كان
مؤمنا كان كامل اليمان ،وإذا وجب عليه شيء من القوال أو الفعال وأداه كما وجب عليه ازداد
إيمانه ،وإذا أخل بهذا الواجب إنهدم إيمانه كله وال أعلم" )43( .
وينبه السالمي إلى أن القاعدة تتعلق بالشخص الواحد دون المقارنة بين شخص وآخر إذ اليمان
بهذا العتبار متفاوت (. )44
كما يعتبر أن تسمية ما رفع من الواجبات على النساء نقصانا من باب الخلف اللفظي (. )45
إن المتأمل في هذه المواقف الثلثة يتبين أن الول اعتمد على المنطق في تقرير النقصان إذ كل ما
يزيد ينقص إل أن الموقفين الخرين تبنيا ما هو أقرب إلى أسس الباضية في اليمان وتحري
الكدمي في العبارة يبدو أسلم إذ الضعف يختلف عن النقص ،لن الطاعة تبقى قائمة مع الضعف فل
ينهدم اليمان ،أما مع النقص فإن الطاعة تنهدم فيخشى من ذلك انهدام اليمان ،ومعلوم أن النسان
يستحيل عليه أن يأتي بالطاعات دائما على الوجه الكمل إذ تعتريه حالت ضعف وحالت قوة.
والتأمل في هذه النقطة يبدو في الظاهر كأنه من ترف القول ،لكن ارتباطها خاصة بالعمل يعطيها
بعدا حضاريا يجعل المؤمن يسعى إلى المزيد من الطاعات والجادة فيها حتى يقترب من مصاف
الصديقين والشهداء والصالحين والنبياء ،وبمثل هذا التنافس في طلب الزيادة والخشية من
النقصان يصلح المجتمع ،وهذا له بعد حضاري في الحفاظ على توازن المجتمع الخلقي إذ المر
بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات.
والملحظ أن الباضية لم يشيروا إلى قضية تعليق اليمان بالمشيئة لكن كانوا يتحرون الجواب
عندما يطرح عليهم السؤال التالي ":أمؤمن أنت"؟
ويقول صاحب المنهج في ذلك ":ومن سئل عن اليمان -وهو مؤمن -فقيل له :أمؤمن أنت؟ فإنه
يقول :إن كنت تريد أني من أهل القرار باليمان فنعم أنا مقر باليمان وبجميع أحكامه ،وإن كنت
تريد باليمان اليمان الحقيقي الذي قال ال تعالى فيه ( :أولئك هم المؤمنون حقا) ( 8النفال )4علم
لي في ذلك ،وعلمه عند ال" (. )46
ثم يقول بعد تحليله للقضية ":فل يجوز لحد أن يقول أنا مؤمن حقا ،ول يكون هذا من الشك في
اليمان ،ول يجوز لحد أن يقول :إنه من أهل الجنة ،لن ذلك من تكلف علم الغيب الذي لم يجعله
ال لحد من عباده إل النبياء والمرسلين" (. )47
ومعلوم أن هذه القضية أثارت نقاشا طويل في الوساط السلمية من وقت مبكر ،إذ يرجعها
القائلون بها إلى ابن مسعود وفي ذلك يقول ابن حزم ":واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن
فروينا عن ابن مسعود وجماعة من الفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك فكان يقول :أنا
مؤمن إن شاء ال" (. )48
وينسب شارح جوهرة التوحيد أبياتا إلى بعض الفاضل تحوصل الخلف في هذه القضية فيقول:
(رجز)
()49
ومار الخلف بين النزعتين في النظر إلى اليمان الحالي أو اليمان في المستقبل ،فأما من نظر إلى
اليمان الحالي فلم يجز الستثناء لن ذلك يوحي بالشك في اليمان ،وأما من نظر إلى اليمان في
المستقبل وإمكانية بقائه إلى النهاية ،وإمكانية زواله قبل الموت ،فقد أجاز الستثناء لن فيه
تفويضا إلى ال تعالى ،والساس في النهاية هو ما قال به الغزالي وهو التعليق بالمشيئة للتبرك لن
النسان ل يعلم خاتمة أمره ،والمدار على الخواتم)50( .
ويذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا بالنسبة إلى من يعلم من نفسه أنه مؤمن فيقول ":فواجب عليه أن
يقول إنه مؤمن مسلم قطعا عند ال تعالى في وقتي هذا ،ول فرق في قوله أنا مؤمن مسلم ،وبين
قوله أنا أسود أو أنا أبيض وهكذا سائر صفاته التي ل يشك فيها ،وليس هذا من باب المتداح
والعجب في شيء" (. )51
إل أنه ل يغفل في نهاية الفصل عن التنبيه إلى تفويض أمر المستقبل إلى ال إذ ( وما تدري نفس
ماذا تكسب غدا" ( 31لقمان .)34
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
هذا في ما يتعلق بقضية الستثناء فماذا عما بقي من ملحظات عن تعريف اليمان وما يترتب على
التوقية في الدنيا والخرة؟
==================================
( )25البقرة ]:143وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على
الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرءوف رحيم[
( )26ر .البخاري :إيمان .3 :أبو داود :سنة 14الترمذ ي :إيمان . 6:النسائي :إيمان .16 :ابن ماجة :مقدمة.9 :أحمد بن حنبل
.445 .414 .2/379ر . .ونسنك :المعجم المفهرس 1/109
( )27ر .مسلم :إيمان .58 ،57 :البخاري :إيمان .3 :أبو داود :سنة 14النسائي :إيمان .16 :ابن ماجة :مقدمة.9 :أحمد بن
حنبل 442 .2/414ر .ونسنك :المعجم المفهرس 3/133
( )28لم يرد في معجم ونسنك.
( )29ر .أحمد بن حنبل. 251 ،210 ،154 ،3/135:ر .ونسنك :المعجم المفهرس 120 /1
( )30النسائي :إيمان .1الزكاة .49الدارمي :صلة .135 :رقاق 28:أحمد بن حنبل.3/412 .2/2589 :ر .ونسنك :المعجم
المفهرس3/166 :
( )31أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.36 -35:ر .امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 203 -201 2
( )32ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي35:
( )33السالمي :المشارق333 :
( )34ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/57
( )35انظر ما يلي753 :
( )36أبو عمار عبد الكافي :الموجز 98 -97 /2
( )37ر .ابن ماجة :مقدمة . 9ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/371
( )38خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 1/569ر .ابن حزم :الفصل .3/194يبين أنه يزيد وينقص حتى في التصديق حسب
المتعلق إذ تصديق الرسل ليس كتصديق عامة الناس.
أما عن موقف الشاعرة فتأمل ما جاء عند البيجوري ":فتلخص أن القسام ثلثة:
-1يزيد وينقص :وهو إيمان المة إنسا وجنا.
-2ل يزيد ول ينقص :وهو إيمان الملئكة على المشهور.
-3يزيد ول ينقص :وهو إيمان النبياء
وبعد أن بين الحجج العقلية عند القائلين إنه يزد وينقص ذكر أن أبا حنيفة يعتبر أنه ل يزيد ول ينقص.
أما الخطاب فيبين أنه يزيد ول ينقص حيث قال ":اليمان الكامل ثلثة أمور :قول وهو ل يزيد ول ينقص ،وعمل هو يزيد
وينقص ،واعتقاد وهو يزيد ول ينقص.
ويختم بقوله :إن اليمان يزيد وينقص كما هو التحقيق" .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .51 -50
)39أبو مهدي :رسالة إلى عمان86 :
( )40أبو خرز :الرد على جميع المخالفين631 :
( )41خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/574
( )42جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة6/47 :
( )43أحمد الخليلي :تعليق . 1ر .السالمي :المشارق 334
( )44ر .عبدال السالمي :المشارق 335-334
( )45نفس المصدر335 :
( )46خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 575 /1
( )47خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/576
( )48ابن حزم الفصل227 /3 :
( )49البيجوري :شرح جوهرة التوحيد103 :
( )50ر .تعليق محمد الطالبي :فصل الرجاء ،دراسات في تاريخ إفريقية 372 .عدد 1
( )51ابن حزم الفصل228 /3 :
ول بأس هنا من التنبيه إلى أن الباضية يعتمدون في التعريف أحيانا في الضداد وفي هذا يقول
الشماخي ":فاليمان توحيد يقابله الشرك ،وغير توحيد يقابله كفر النعم" (. )52
هذا في مجال الرد على من اعتبر أن اليمان يقابله الكفر ،ويعتبر الشماخي أن الكفر يقابله الشكر.
قال تعالى ( :إما شاكرا وإما كفورا) ( 76النسان )3ويبين أن المقابلة في علة اليمان وعلة الكفر
إذ على اليمان المر ،وعلة الكفر النهي ،فكل مأمور به إيمان وكل منتهى عنه كفر (. )53
وإلى جانب هذا يقع الحرص أحيانا على التمييز بين صيغة الفعل وصيغة اسم الفاعل إذ يصح أن
نقول آمن في شأن العصاة لكن ل يصح أن يقال مؤمن في شأنهم ،وفي ذلك يقول الشماخي ":يقال
آمن ول يقال مؤمن لن معناه أقر ولم يوف ،والمؤمن هو الموفي ولو كان من آمن يقال له مؤمن
لكان المذكورون في قوله ( :أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ( 2البقرة ) 85مؤمنين" (
. )54
ول ينبغي أن نغفل عن إشارة عمر أبن أبي ستة إلى التمييز بين إيمان المجتهد وإيمان المقلد ،فإذا
كان إيمان المجتهد قائما على الدلة النقلية والعقلية ،فإن إيمان المقلد ( )55هو الخذ بقول الغير
جزما ممن ثبت صلحه عند المقلد ،والساس في الجمع بين العقيدة والقول والعمل سواء أكان ذلك
عن اجتهاد أو تقليد.
كل هذا الحرص مداره حينئذ اللحاح على أن اليمان الحق ل يستحق إل بجميع خصاله من فعل
وترك ،ومن تكاملت فيه هذه الخصال يكون مؤمنا موفيا.
()56
ويحلل الجيطالي المعنى كما يلي ":البيت الثاني يقول من مات على غير الوفاء بجميع الفرائض،
وترك جميع الكبائر ،فمصيره إلى النار والبوار ،فإن قال القائل :كيف أبطلتم جميع طاعات العبد
بترك خصلة واحدة؟ قيل له(:أوف بعهدكم) إن الثواب متعلق بالوفاء بجميع الدين ،كما قال ال
تعالى ( :وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) ( 2البقرة )40فمن لم يوف بعهد ال فل عهد له ،ولن
الثواب فضل من ال تعالى من غير وجوب ول إيجاب لنه المالك القهار.
وأما في جوده وكرمه فنعم ،فكما قال ال تعالى ( :وكان حقا علينا نصر المؤمنين) ( 30الروم ،)47
وله على عباده المر والنهي ،فإن انزاحوا عن محارمه وامتثلوا أوامره ،كان لهم عليه الوفاء فضل
وكرما ،فإن تركوا خصلة منها كان عليهم العقاب فضل عن الثواب" (. )57
هكذا يتضح أن في موقف الباضية صرامة ل تصل إلى ما ينسب إلى الصفرية والزارقة من شدة
تتمثل في نفي عمن لم يهاجر إليهم ،وتبعد بهم عن انحلل المرجئة الذين دفعوا المة السلمية إلى
الستهانة بالعمل أمرا ونهيا.
ومن هنا يتضح البعد الحضاري لهذا التصور الذي لم يتزحزح عنه الباضية العارفون بعقيدتهم إلى
يومنا هذا ،ولن تتكامل الصورة إل بعد معرفة موقفهم من حقيقة الكفر.
ولعله يحسن ،قبل أن نتحول إلى ذلك ،أن نذكر ما يترتب على اليمان ،وهو كما تبينا اعتقاد وقول
وعمل ل يتحقق إل إذا تكاملت أجزاؤه فإنه يزداد ويضعف ويقابله الشرك من حيث هو توحيد ،وكفر
النعم من حيث هو عمل ،قد يكون عن اجتهاد وقد يكون عن تقليد في الدنيا والخرة" (. )58
أما في الدنيا فيلخص ذلك شارح النونية كما يلي ":ولية الموفى منهم بالدين وحبه وطلب الغفران
لـه ونصيحته وإعانته على البر والتقوى ،وترك ضره وبغضه واغتيابه ،وغير ذلك من حقوقه
الواجبة له ظاهرا وباطنا.
وأما في الخرة فقد وعد ال تعالى بأن يفي بوعده أل وهو جنة النعيم.
رأينا في الباب الول عند الحديث عن افتراق المة كيف أن مختلف الفرق تسم بعضها البعض بسمة
الكفر ،وتتأرجح المواقف في ذلك بين طرفين متناقضين ،طرف من عرفوا بالخوارج هؤلء الذين
تروي عنهم مصادر الفرق الخرى أنهم يعتبرون كل من خالفهم كافرا مشركا ،وإن صلى وصام،
وطرف عرفوا بأهل الرجاء هؤلء الذين اشتهروا بقولتهم ":ل تضر مع اليمان معصية" .بين
هؤلء وأولئك تتنزل جميع الفرق السلمية ،فما هي منزلة الباضية في هذا الخصم؟ وما هو
مفهوم الكفر عندهم؟ وما هو حكم الكافر في الدنيا والخرة؟
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لقد تبرأ عبدال بن إباض إمام الباضية من اللحظة الولى من نافع بن الزرق ،وميز بين كفر
الشرك وبين كفر النعم ،واستمر هذا الموقف إلى يومنا هذا إل أن بقية الفرق لم تنتبه إلى هذا
التمييز بوضوح لنها تحشر الباضية في زمرة الخوارج فماذا عن كفر النعم؟
إن هذا الموقف تأصل من وقت مبكر مع الئمة الول ،ويتضح ذلك خاصة في ما جمعه الربيع بن
حبيب في الجامع الصحيح من أحاديث جاءت بعنوان ":الحجة على من قال إن أهل الكبائر ليسوا
بكافرين" (. )59
وعوض أن أتتبع التطور التاريخي للقضية رأيت من الصلح أن أعتمد خاصة على مصادر المرحلة
المقررة في تعريف كفر النعم لن هذا المصطلح ظل نفسخ عبر الزمن)60( .
الكفر لغة:
يورد الشماخي ( )61والمحشي ( )62أن الكفر هو الستر والتغطية ،وسمي الليل كافرا لنه يستر كل
شيء بظلمته ( )63وهو أيضا الجحود لقوله تعالى ( :وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) ( 3آل
عمران )115ويشير المحشي إلى أن كلمة كفر قد تعني البحر لنه يحجب كل شيء كما أن الحارث
يسمى كافرا باعتباره يستر البذر")64( .
الكفر شرعا:
ينقل المحشي عن عقيدة أبي سهل أن الكفر في الشرع " هو جميع ما أوجب ال عليه العقاب"
وذلك عند شرحه للتعريف الذي تبناه الجناوني وهو " الستفاد الى ولي النعمة" ()66
أما الشماخي فيقول " :وأطلقت كلمة الكفر في عرف الشرع على الشرك تارة وعلى النفاق أخرى،
وهو ضد اليمان والكفران جحود النعم" (. )67
فاتضح حينئذ أن الباضية يقسمون الكفر إلى قسمين هما كفر الشرك وكفر النعم ،وقد كان هذا
التمييز مصدر إشكال للفرق الخرى ،لن كلمة الكفر تطلق في أغلب النصوص بدون إضافة الشرك
أو النعم ،ولهذا كثيرا ما تتهم الفرق الخرى الباضية بأنهم يكفرون غيرهم دون الوقوف على هذا
التمييز الصطلحي -كفر النعم -من القرآن الكريم والسنة الشريفة وقد جمع الشماخي هذه الدلة في
رده على صولة الغدامسي كما يلي:
" فإن قلت ضد اليمان الكفر كما تقدم ،ولو كانت العبادات إيمانا لكان تاركها كافرا.
قلت :المر كذلك ،ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج ( )68قال تعالى ( :ول على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني عن العالمين) ( 3آل عمران) والخطاب
للمصدقين .وقال تعالى ( :هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) ( 27النمل )40وقال تعالى:
( ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) ( 5المائدة ،)44وقال تعالى ( :ومن كفر بعد ذلك
فأولئك هم الفاسقون) ( 24( )69النور )55وقال تعالى ( :فكفرت بأنعم ال) ( 16( )70النحل
. )71( )112
وبعد هذا الستدلل بالقرآن الكريم يورد ما ل يقل عن عشرين حديثا محور بعضها إطلق الكفر
صراحة على المصدقين ونذكر منها قوله عليه السلم حين سأله الرجل عي فريضة الحج فقال" :
أفي كل عام يا رسول ال ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ":لو قلت نعم لوجبت ،ولو وجبت لم تفعلوا،
ولو لم تفعلوا لكفرتم ،ولكن إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما استطعتم"
( . )72وقولـه صلى ال عليه وسلم " :ليس بين العبد والكفر إل تركه الصلة" ( )73وقوله صلى
ال عليه وسلم " :إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" ( ، )74ومحور البعض الخر نفي
العصاة من دائرة الجماعة المسلمة مثل قوله عليه السلم " :من غشنا فليس منا" (. )75
ثم يختم هذا الستدلل بقوله ":وكثرة الدليل تمنع التأويل" ( )76وإن بدت لهجته قاطعة هنا لنه
كان في صدد الرد ،فقد جاء موقفه أكثر احترازا عند معالجة نفس القضية في شرح عقيدة التوحيد
حيث يقول ":وهو -كفر النعم -كثر وإن كان في بعضها احتمال الوجه الول -الشرك -وأستغفر ال
من حمل كتابه على غير معناه ،وللمة في الكفر خلف وتشعيب" (. )77
ويحاول الشماخي أن يعلل هذا التقسيم في سياق جدلي فيقول ":فإن قلت لي علة جعلت بعض
الكفر شركا وبعضه غير الشرك ،فالجواب :أن تذكر علة المخصوص فيقال لعلة المساواة ،ولو
خصصت بالسؤال النفاق لكان الجواب بالخلف" (. )78
ويعتبر في سياق آخر أن المفهوم الثاني مجاز " أقول :لم نقل إن كفرهم شرك بل كفر نعمة ،وهو
مجاز" (. )79
================================
( )52ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي34:
( )53ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي34:
( )54( )54أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي44 :
( )55ر .عمر أبو ستة :المجموع المعول24 :
( )56أبو نصر فتح بن نوح :النونية البيتان :89 .88
( )57جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 69 /6 :نقل عن شرح النونية للجيطالي.
( )58عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 136وجه .عبد العزيز الثميني :النور 344
( )59الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 5 -3/2والحاديث من عدد 743إلى عدد .767انظر ما يلي حيث اعتمدنا هذه
الحاديث في قضية الوعد والوعيد وقضية الخلود.
( )60ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز .121 /2ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 42 -1/37 ، 2
ويزيد المحشي القضية توضيحا حيث يعتبر كفر النعمة فسقا فيقول ":واعلم أن الكافر والفاسق
واحدا" كما يقول ":صاحب الكبيرة نسميه فاسقا كافرا" ،ويستدل لذلك بقوله تعالى( :وأما الذين
فسقوا فمأواهم النار) ( 32السجدة )20وقوله ( :النار وعدها ال الذين كفروا) ( 22الحج )72
فالفاسق الذي جعل مأواه النار هو الكافر الذي وعده النار فثبت التساوي" (. )80
كما يستدل يوسف المصعبي بقول البرادي الذي يسوي بين الفسق وكفر النعمة حيث يقول" الفسق
أيضا الخروج من اليمان(جانب العمل) .تقول العرب فسقت الرطبة أي نفينا عنها قشرتها وخرجت
منها .وذلك بعد أن بين أثناء الرد على المعتزلة الذين يعتبرون الفسق منزلة بين المنزلتين ،أن
الفسق والكفر مترادفان بدليل قوله تعالى ( :وقو نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) (51
الذاريات )46وقوله تعالى ( :ففسق عن أمره ربه) ( 18الكهف .)50ثم يعلق على كلم تبغورين
بقوله":فالمناسب للمصنف رحمه ال أن يثبت التساوي بين الكفر والفسق بالقرآن" (. )81
ويقول يوسف المصعبي أيضا في شأن التسوية بين كفر النعمة والنفاق ما يلي ":وأما الباضية...
فصاحب الكبيرة عندهم بريء من الشرك واليمان موسوم بالكفر والنفاق كما قال تعالى( :مذبذبين
بين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء) ( 4النساء )82( .)143
وقد وضح أبو عمار القضية من قبل بعد أن أورد هذه الية كما يلي ":ل إلى المشركين في الحكم
والسيرة ،ول إلى المؤمنين في السم والثواب ،كما قال عز وجل ( :ما هم منكم ول منهم) (58
المجادلة )83( )14نفاهم من المؤمنين أن يكونوا معهم في التسمية باليمان والمودة في الدين،
ونفاهم من المشركين أن يكونوا معهم في التسمية بالشرك وأحكام المشركين")84( .
ويشير الشماخي أيضا إلى أن كفر النعمة يرادف مفهوم الفجور والعصيان أيضا (. )85
وهكذا يتضح أن الباضية يعتبرون أن كفر النعمة مرادف للفسق والنفاق ( )86والفجور والعصيان،
فالكفر حينئذ أعم من الشرك ويقول يوسف المصعبي في ذلك":
وأما على أصلنا من كون الكفر أعم من الشرك فيصدق على المنافق والفاسق" (. )87
وقد حلل أبو عمار هذا التساوي في صدد الرد على المعتزلة فقال ":قاسم الكافرين والفاسقين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والضالين والظالمين والفجار مشتمل على جميع أسماء أهل النار ،كما أن اسم المؤمنين والمسلمين
والمهتدين والبارين مشتمل على جميع أسماء أهل الجنة ،وستدل على ذلك بعديد من اليات مثل
قوله تعالى ( :واتقوا النار التي أعدت اللكافرين) ( 3آل عمران )131حيث سمى أهل النار كافرين
وقوله تعالى ( :وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم) ( 56الواقعة )93
حيث سماهم ضالين:
ويختم بقوله ":فذل بهذا الذي قلنا أن هذه السماء كلها مقرونة بإثبات الوعيد ،منوطة بوجوب
العقاب ،ولن يجوز أن يكون وجوب العقاب إل للكفر ،كما ل يجوز أن يكون وجوب الثواب إل
لليمان")88( .
وإن عتبرت المصادر الباضية أن كفر النعمة مرادف للفسق وما إلى ذلك فهي تجعله ضد اليمان
كما أشرنا إلى ذلك في التعريف الشرعي)89( .
ولتوضيح هذه الضدية ينقل يوسف المصعبي عبارة أبي عمار التالية ":إنما يضاد المؤمن الكافر
ويضاد الكافر المؤمن" ( )90ويقول أيضا ":إن اليمان والكفر ضدان فل يرتفعان معا كسائر
الضداد" (. )91
كما جاء الحديث عن هذه الضدية خلل تحليل مفهوم الستطاعة والعون ،وفي ذلك يقول يوسف
المصعبي ":والكافر ممنوع من اليمان يعني بالشتغال بالكفر ،فلذلك ل يكون معذورا لن منعه،
وعدم استطاعته إنما جاءا من قبله كما دل عليه قوله تعالى ( :وما منع الناس أن يؤمنوا18( )...
الكهف . )92( )93( )55
فالمهم إذن أن الدخول في اليمان هو الخروج من الكفر كما أن الدخول في الكفر هو الخروج من
اليمان.
وتجدر الملحظة هنا أن هذه المصادر تجعل للكفر قواعد وأركانا ،وقد تستعمل كلمة قوائم عوض
قواعد ،وذلك للتحذير من كل ما يوصل إلى الكفر بنعم ال تعالى.
أما قواعده ،أو قوائمه فهي :الجهل والحمية والكبر والحسد .وأما أركانه فهي :الرغبة والرهبة
والشهوة والغضب ( . )94وتكتفي هذه المصادر بتوضيح معاني هذه الكلمات بالعتماد على
نصوص من القرآن ومن الحديث لتبين مدى صلتها بالكفر.
الباضية والنفاق:
ذكرنا أن كلمة النفاق تأتي بمعنى كفر النعمة إل أن المصادر الباضية تتوسع في بسط مفهومها
فهي لغة :كما جاء في الصبحاح :والنافقاء إحدى حجرتي اليربوع يكتمها ويظهر غيرها ،وهو
موضع يرققه فإذا أوتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فإنتفق ،أي خرج .والجمع النوافق
إلى أن قال :ونافق أي أخذ في نافقاء ،ومنه اشتقاق المنافق في الدّين الخ. )95( "...
وقال صاحب كتاب العدل والنصاف ":أبواب حجر اليربوع :القاصعاء والرهطاء والنافقا :باب
مستخف يخرج منه عند الضرورة إذا خاف ،فأخفاه عن العيون" (. )96
النفاق شرعا :قال في كتاب العدل والنصاف ":هو اسم شرعي فسره أهل العلم فقالوا اختلف
السريرة والعلنية ،واختلف القول والعمل ،واختلف المدخل والمخرج ،وهذه المقالة تروي عن
الحسن البصري ومعناه عن حذيفة بن اليمان ( )97وهو قول جل الصحابة" (. )98
ويقول المصعبي ":والذي عليه أصحابنا ومن وافقهم أن النفاق في الفعال ل في العتقاد فل فرق
بين منافق العصر وغيره من الموحدين" (. )99
ويلح المصعبي على أن النفاق يكون في الفعال عند شرحه لقوله تعالى ( :ومنهم من عاهد ال لئن
آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون
فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) ( 9التوبة
)77 -75فيقول ":قلت فظاهر هذه القصة( قصة ثعلبة) يدل كما ذهب إليه الصحاب على أن النفاق
في الفعال لمن أنصف" (. )100
كما بين أن النفاق واليمان ل يجتمعان عند تعليقه على هذه اليات بقوله ":فلما أخبرهم عن الوعد
باللسان وعقب بالنفاق في القلب عقوبة لهم ،ولن يستقيم اليمان والنفاق في قلب واحد" (. )101
ويقول الشماخي ":اعلم أن أصل النفاق الخلف لقوله تعالى ( :فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم
يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) ( 9التوبة .)77
ويفسر ذلك المحشي كما يلي ":يعني أن أصل النفاق الذي ينبني عليه هو الحلف والكذب لن الصل
ما يبنى عليه غيره كما يدل عليه ظاهر الية ،وليس المراد أن الحلف والكذب هما عين النفاق بل
سببان له.
أول :نفاق الخيانة وهو ما ضيع من الفرائض وارتكاب الكبائر بشهوة ،وقد قال عليه السلم ":إذا
حدث كذب ،وإذا ائتمن خان ،وإذا وعد أخلف" (. )102
ثانيا :نفاق التحليل والتحريم وهو ما يقوله أهل الخلف من غير الحق وما ارتكبوه بتأويل وديانة"
(. )103
وقد عدد الشماخي عند تعريفه للكبائر جميع كبائر النفاق فقال ":وقال أصحابنا :الكبيرة كفر
وضلل وفسق ...فمنه شرك ،ومنه نفاق وهو جميع ما حرمه ال تعالى إن افتراقه غير محلل ،أو
ترك شيئا مما أوجب عليه محرما له ،ككسب الحرام ،وأكله من أموال الناس ،ومن الميتة ،والدم،
ولحم الخنزير ،والخمر ،والنبيذ ،والمسكر ،والبول ،والغائط ،وأنجاس أهل الشرك ،وذبائحهم،
وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا ومقدماته ،والربا ،والغش ،والتطفيف ،والبغي،
والسرقة ،والخيانة ،وقول الزور مطلقا ،من الكذب ،والقذف ،والشهادة ،وحكم الجور ،والرشوة
عليه ،وقتل النفس ،وفعل الميسر ،وعقوق الوالدين ،وقطيعة الرحم ،ومنع الحق مطلقا ولو نفقة
عبدك وامرأتك ،والسحر ،والتنابز وكتمان الشهادة ،وترك الصلة والصوم ،ومنع الزكاة ،وترك
الحج ،والكبر والحسد ،وسوء الظن ،واليأس من الرحمة ،وأمن مكر ال ،والصرار على الصغيرة
والعصبية ،والرغبة في الستحلل ،أو التحريم مع التحليل" (. )104
أما أصناف المنافقين فقد عددها المصعبي تبعا للصل الذي يشرحه ( )105فقال ":وإنما كان أول
النفاق في أهل القبلة بتركهم الهجرة فسماهم ال منافقين.
ومن المنافقين من أصاب النفاق بإيذاء الرسول صلى ال عليه وسلم في الصدقات.
ومنهم (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) ( 9التوبة .)107
ذاك هو مفهوم النفاق ،وتلك هي أصناف الكبائر التي تندرج تحته ،وهؤلء هم أصناف المنافقين
حسب المصادر الباضية ،فماذا عن الشرك ؟
==================================
( )95المحشي :حاشية على كتاب الوضع86:
الباضية والشرك
لقد ذكرنا أثناء تعريف الكفر أن الباضية يقسمونه إلى قسمين فحللنا ما يتعلق بالقسم الثاني وهو
كفر النعمة وبقي أن نقف عند القسم الول وهو الشرك فكيف عرفته المصادر؟
لم نلمس أي اهتمام بالمدلول اللغوي إل في إشارة عابرة عند المحشي عند المقابلة بين التوحيد
والشرك حيث بين أن التوحيد أوسع من الفراد كما أن الشرك أوسع من المساواة ثم قال في صيغة
جدلية ":اللهم إل أن يقال مراد أصحابنا رحمهم ال أن ذلك معناهما بحسب اللغة" (. )106
أما المدلول الشرعي فقد حددته المصادر كما يلي ":الشرك يكون جحودا كفعل أهل الدهر والثنوية،
ويكون مساواة كشرك من سواهم والصل فيه المساواة أي أن تساوي بين ال والخلق في صفة أو
فعل أو ذات" (. )107
فالشرك حينئذ نوعان :شرك جحود ويفسر التلتي ذلك بقوله ":إنكار ال رأسا" ( )108وتضيف
المصادر "إنكار رسول من الرسل أو كتاب من كتبه ،أو آية أو كلمة أو حركة أو سكون من كتبه ،أو
صفة من صفاته أو فعل من أفعاله" (. )109
وفعل الشرك أن يعبد غير ال أو يقرب إلى ال بمعصية أو باللسان خاصة (. )111
ول تطيل المصادر في الستدلل على الشرك من السياق القرآني بل تكتفي بالشارة إلى أن كلمة كفر
يغلب على استعمالها معنى الشرك في القرآن الكريم مثل قوله تعالى ( :وإن الذين كفروا سواء
عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) ( 2البقرة .)6
وتتعرض المصادر إلى الحديث عن الشرك عند توضيح الصلة بين العلم والعمل فيقول أبو مهدي
مثل ":والشرك يصح فيه العلم وإن عمل به بطل العلم" (. )112
كما تعتبر أنه ل يسع جهل الشرك ويقول الشماخي في هذا الصدد ":ول يسع جهل الشرك ،لن من
جهله لم يعلم التوحيد ،ومن لم يعلم التوحيد فهو مشرك فينتج من جهل الشرك مشرك" (. )113
ويعدد الشماخي كبائر الشرك كما عدد كبائر النفاق ":فمنه (الكبير) شرك وهو منا كان تكذيبا ل
وإنكارا لشيء مما أمر به نصا ،كإنكار توحيد ال أو شبهه بخلقه أو سواه بغيره في ذات أو صفة،
أو ينكر وجوده أو يجهل معرفته أو ينكر حرفا من كتبه ،أو نبيا أو رسول ،أو ملكا أو جهل البعث،
أو شك في وجه من وجوه التوحيد التي ل يسع جهلها ،أو وصف ال بصفات النقص كما وصفت
المشبهة ،أو يتقرب إلى ال بمعصية منصوص عليها ،أو يترك بعض الطاعات ويقول أمر ال بذلك،
أو يتقرب إلى الخلق بأفعاله من جميع الطاعات كالذبح والصلة ،أو يدعو إلى عبادة غير ال،
ويدخل في ما ذكرنا الستحلل لما حرم ال تعالى نصا ،أو يحرم ما أحل ال نصا بغير تأويل ،أو
جهل الشرك ويدلك على ذلك قوله تعالى ( :وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ( 6النعام ( ")121
. )114
وهكذا على هذا الساس من الفهم تقوم الحكام إذ الفرق واضح بين أحكام كبائر الشرك ،وكبائر
النفاق فماذا عن صلة السماء بالحكام؟
يقول أبو عمار عبد الكافي ":فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة:
)1القتل للمشركين ،والسبي ،والغنيمة ،وتحريم الذبائح ،وتحريم المناكحة ،والموارثة ،والمدافنة
معهم إل ما يحل من أهل العهد من ذلك.
)2وتحريم القتل للمنافقين (كفار النعم) إذا هم لم يظهروا نفاقهم ،وتحريم السبي ،والغنيمة منهم،
وتحليل الذبائح ،والمناكحة والموارثة ،والمدافنة معهم ،وتجريح شهاداتهم ،وإبطال عدالتهم،
وإقامة الحدود عليهم وفيهم ،ولذلك يروى عن الحسن أنه قال ":وإن الحدود في المنافقين" ()115
.
)1وللمؤمنين وجوب الولية والمودة والمحبة في الدين ،والستغفار لهم ،وتجويز شهاداتهم،
وإثبات عدالتهم ،والتزكية لهم.
فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة ،قال ال عز وجل (:إنا عرضنا المانة على السماوات والرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول ،ليعذب ال المنافقين
والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما)(
33الحزاب )73-72فجعلهم ثلث منازل معروفة غير مجهولة في كتاب ال عز وجل" (. )116
وقد عبر عامر الشماخي عن هذا المعنى بقوله ":ندين بأن منزلة النفاق (كفر النعمة) بين منزلة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
اليمان ومنزلة الشرك ،وندين بأن المنافقين ليسوا بمؤمنين ول بمشركين ،وندين بأن المشركين
ليسوا بمؤمنين ول منافقين ،وندين بان المؤمنين ليسوا بمنافقين ول بمشركين ،ومن سمى كل
واحد منهم باسم صاحبه فقد كفر" (. )117
وبين صلة الحكام بهذه السماء كما يلي ":وندين بأن السماء تابعة ،أي موافقة للحكام")118( .
هذا عن الصلة بين السماء والحكام ويحسن أن نبين صلة هذا بمواقف لبعض الفرق السلمية
الخرى قبل أن نتحول إلى قضية الوعد والوعيد والخلود.
واضح من خلل هذا العرض أن الباضية يتفقون وسائر الفرق السلمية في شأن المؤمن الموفي
وفي شأن المشرك إل أنهم يختلفون عن غيرهم في شأن كفر النعمة.
فإن قال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين واعتبروا مرتكب الكبيرة فاسقا ولم يطلقوا عليه تسمية
الكفر كما فعل ذلك الباضية مع إضافة " النعمة" فإن الختلف بينهما لفظي لن حكم الفاسق عند
المعتزلة هو حكم كافر النعم عند الباضية ،وفي ذلك يقول يوسف المصعبي" أما عند المعتزلة
فكلمة كفر مختصة بالشرك...والخلف بيننا وبينهم في الحقيقة لفظي بالنظر إلى إطلق لفظ الكفر
وعدمه أما أحكامه فهي متفقة عندنا وعندهم في الدنيا والخرة" (. )119
أما عن موقف الزارقة والصفرية من اعتبار العصاة مشركين على أن الكفر ل يعتبر إل شركا فإن
رد الباضية كان عمليا كما أشرنا إلى ذلك من قبل وكانت القطيعة بين الطرفين من اجتماع صومعة
البصرة وقد أشار الشماخي إلى ذلك بقوله ":ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج" ( ، )120وقد
توسع أبو عمار عبد الكافي من قبل في الرد على هؤلء ( )121فالخلف حينئذ جذري بين الطرفين
كما لحظنا أن الخلف جذري بين الباضية والمرجئة في شأن اليمان)122( .
أما عن موقف الشاعرة من القضية فيقول المصعبي ":وأصل الشعرية الكافر خاص بالشرك" (
)123إل أن احمد الشماخي يشير في رده على الغدامسي إلى أن مفهوم كفر النعمة موجود عند
الشاعرة" (. )124
فالمفهوم الغالب حينئذ عند الشاعرة أن الكفر يعني الشرك ولذلك يكون الصدام بين الطرفين ،لكن
عند التأمل يثبت أن الخلف في البداية لفظي خاصة في ما يترتب عليه من أحكام الدنيا .فالباضية
متفقون والشاعرة على أن العصاة من أهل القبلة يحرم قتلهم ،ويحرم سبيهم والغنيمة منهم ،ويحل
دماؤهم ،ومناكحتهم ،وموارثتهم ،والمدافنة معهم .وتجرّح شهادتهم ،وتبطل عدالتهم ،وتقام عليهم
الحدود عند ثبوت إدانتهم بالبينات الشرعية ،إل أن الباضية يتجاوزون الشاعرة في تبطيق البراءة
الشخصية ( )125من هؤلء حتى يقلعوا عن معاصيهم التي يجاهرون بها.
أما في ما يتعلق بأمر الخرة فالخلف جذري كما سنبين ذلك بعد حين (. )126
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
=============================
( )106المحشي :حاشية على كتاب الوضع .9لم يطل في المدلول اللغوي لنه لم يكن مثار جدل
( )107أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد 127 :ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل عمان 91
( )108أبو سليمان التلتي :شرح عقيدة التوحيد128 :
( )109ر .نفس المصدر.
( )110ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل عمان 91
( )111ر .أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد126 :
( )112ر .أبو مهدي عيسى إسماعيل :جواب لهل عمان 91
( )113أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد130 :
( )114أحمد الشماخي :شرح عقيدة التوحيد148 :
( )115ملحظة :إن هذا الحكم يتعلق بمن ثبت عليه كفر النعمة من الباضية وغير الباضية وهذا تغفل عنه كتب الفرق لنها
تتصور أن هذا ل يطبق إل على المخالفين.
( )116أبو عمار عبد الكافي :الموجز.118 -117 :
( )117عامر الشماخي :كتاب الديانات 45 -445 :ر .عمرو التلتي :شرح كتاب الديانات 70 -68
( )118نفس المصدرين السابقين 45 :و 73
( )119يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين 35 :ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة :الصل الرابع :المنزلة
بين المنزلتين . 711 -696ر .اليجي :المواقف2/459 :
ولزيادة تحليل ردود الباضية على المعتزلة ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز129-2/123 :
( )120أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي37:
( )121ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 122 -2/118
( )122انظر ما سبق505 :
( )123يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين .26 :وهو قول الشيعة المامية أيضا .ر .محمد جواد مغنية :التفسير
الكاشف .1/139
( )124أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي 44 :وفي هذا الصدد فقد جاء عند يحي بن سلم وهو من أسلف الشاعرة
أن الكفر على أربعة وجوه:
الوجه الول :الكفر يعني الكفر نفسه ،يعني الكفر بتوحيد ال والنكار له.
والوجه الثاني :الكفر يعني الجحود.
والوجه الثالث :الكفر يعني كفر النعمة .وذلك في البقرة] واشكروا لي ول تكفرون[( ،)152ول تكفروا نعمتي .وقال في النمل]:
أأشكر أم أكفر[ ( )40يعني أم أكفر النعمة .وفي لقمان] ومن كفر[( )12يعني كفر النعمة ،وقال فرعون ]:وفعلت فعلتك التي فعلت
وأنت من الكافرين[ ( الشعراء )19يعني الكافرين إذ ربيتك صغيرا وأحسنت إليك ،ونحوه كثير.
والوجه الرابع :الكفر يعني البراءة
ر .يحي بن سلم :التصاريف .قدمت له وحققته هند شلبي .الشركة التونسية للنشر والتوزيع .تونس 1979ص .105 -104
وعن ابن سلم .ر .الزركلي :العلم 9/2
ويعدد سعيد بن تعاريت أسماء القائلين بكفر النعمة من غير الباضية فيقول " :وهو مذهب الحسن البصري وعليه ابن مجاهد
والمحدثون والبخاري ،وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم ،وهي رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه ،وهي
قول ابن حبيب من المالكية كما ذكر ذلك أبو الفرج في شرح الربعين النونية وقال خليل في توضيحه :أعلم أن ابن حبيب وافقه
على تكفير تارك الصلة كثير من المحدثين كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم ،وكترك صوم رمضان اهـ.
ونقل الفاكهاني على رسالة في باب الصلة عن ابن حبيب وابن عبد الحكم وابن عيينة أن تارك الصلة عامدا أو مفرطا كافر وكذا
تارك الزكاة والصوم والحج" .المسلك المحمود65 -64 :
ملحظة :واضح أن كلمة كفر" استعملت عند هؤلء جميعا بمعنى كفر النعم لكنها لم تأخذ بعدا اصطلحيا حضاريا كما هو المر
عند الباضية إلى حد أنها صارت من خصائصهم العقائدية التي يتميزون بها عن غيرهم.
( )125وهذا المبدأ يكون قوي المفعول عند انعدام المام العادل الذي يقيم الحدود ويردع المتمردين على حدود ال تعالى.
( )126انظر ما يلي مبحث الوعد والوعيد والخلود.
الوعد والوعيد
لغة :جاء في لسان العرب ما يلي :وعده المر وبه عدة ووعدا وموعدا وموعدة ،وهو من المصادر
التي جاءت على مفعول ومفعولة ...قال ابن جني :ومما جاء من المصادر مجموعا معمل قوله":
مواعيد عرقوب أخاه بيثرب" والوعد من المصادر المجموعة ،قالوا :الوعد حكاه ابن جني.
وقال مجاهد في قوله تعالى( :ما أخلفنا موعدك بملكنا) ( 20طه )87قال :الموعد العهد ،وكذلك
قوله تعالى ( :فأخلفتم موعدي) ( 20طه )86قال :عهدي .وقوله عز وجل ( وفي السماء رزقكم
وما توعدون) ( 51الذاريات )22قال :رزقكم المطر ،وما توعدون :الجنة ،قال قتادة في قوله
تعالى( :واليوم الموعود) ( 58البروج )2إنه يوم القيامة.
وفرس واعد :يعدك جريا بعد جري ،وأرض واعدة :كأنها تعد بالنبات .وسحاب واعد :كأنه يعد
بالمطر .يوم واعد :يعد بالحر ...ويقال للدابة والماشية إذا رجي خيرها وإقبالها واعد ،وقال
الراجز (:رجز)
ويقال :هذا غلم تعد مخايله كرما ،وشيمه تعد جلدا وصرامة.
قال ابن سيده :وفي الخير الوعد والعدة ،وفي الشر اليعاد والوعيد فإذا قالوا أوعدته بالشر أثبتوا
اللف مع الباء ،وأنشد لبعض الرجاز (:رجز)
قال الجوهري :تقديره أوعدني بالسجن ،وأوعد رجلي بالدهم .ورجله شثنة أي قوية على القيد.
قال الزهري :كلم العرب وعدت الرجل خيرا ،ووعدته شرا ()1
وأوعدته خيرا ،وأوعدته شرا ،فإذا لم يذكروا الخير قالوا :وعدته ولم يدخلوا ألفا ،وإذا لم يذكروا
الشر قالوا :أوعدته ولم يسقطوا اللف ،وأنشد لعامر بن طفيل(:طويل)
()2
وإذا أدخلوا الباء لم يكن إل في الشر ،كقولك أوعدته بالضرب ،وقال ابن العرابي :أوعدته خيرا،
وهو نادر وأنشد(بسيط)
ويقال :اتعدت الرجل إذا أوعدته ،قال العشى :فإن تتعدني أتعد بمثلها...
أبو اليهثم :أوعدت الرجل أوعده إيعادا وتوعدته توعدا واتعدت اتعادا.
نتبين من خلل ما اورده ابن منظور من الشروح والشواهد أن مادة وعد تستعمل لمدلولت مادية
كجري مادية كجري الفرس ونبات الرض ،ولمدلولت معنوية كمخايل الغلم التي تعد كرما .كما
نلحظ تداخل في الحق الدللي بين صيغة المجرد وعد وصيغة المزيد أوعد فكلهما تستعملن للخير
والشر ،ويبدو أن مرور الزمن غلب دللة الخير لوعد ودللة الشر لوعد ،ومن هناك كان منطلق
مصطلح الوعد والوعيد وإن لم يشر إلى ذلك ابن منظور كما رأينا في تفسيره مادتي قضاء وقدر،
حيث غلب الشرح الصطلحي العقائدي على الشرح اللغوي ،ولعل ذلك يرجع إلى أن موضوع الوعد
والوعيد لم يقرح المتكلمين كما قرحهم موضوع القضاء والقدر.
اصطلحا :معلوم أن الوعد والوعيد أصل من أصول المعتزلة لذلك نجدهم أكثر اعتناء من الفرق
الخرى بالتعريف الصطلحي.
" أما الوعد فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير ،أو دفع ضر عنه في المستقبل ،ول فرق أن
يكون حسنا مستحقا وبين أن ل يكون كذلك" ()3
.
وأما الوعيد ،فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير ،أو تفويت نفع عنه في المستقبل ،ول
فرق بين أن يكون حسنا مستحقا ،وبين أن ل يكون كذلك".
والوعد هو الخبار بالخير كما في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والوعيد هو الخبار بالشر كما في قوله تعالى ( :إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار
جهنم خالدين فيها) ( 98البينة .)6
ويذكر التلتي أن " الوعد يكون في الخير والشر لقوله تعالى ( :وعد ال الذين آمنوا وعملوا
الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) ( 48الفتح )29وقوله ( :النار وعدها ال الذين كفروا) (22
الحج ، )72والوعيد ل يكون إل في الشر" ()4
.وجاء في قاموس الشريعة ما يلي ":الوعد هو ما وعد ال أهل طاعته من الثواب في الخرة وهو
حق .والوعيد ما أوعد ال أهل الكفر والمعاصي من العقاب في الخرة وهو حق" ()5
.
فالتعريف الصطلحي بقي في مستوى التعريف اللغوي إل أن الخير والشر يقصد منهما الثواب
والعقاب في الخرة والستدلل القرآني شاهد على ذلك.
فالمهم حينئذ أن التعريف الصطلحي يربط العمل بالجزاء الخروي ،وصارت الكلمتان مقترنتين
للدللة على أصل من الصول التي اختلفت الفرق في شأنها ،وإن كان الختلف ل يتعلق إل
بالوعيد...
ذلك هو التعريف الصطلحي فماذا عن الطوار التاريخية التي مرت بها هذه القضية؟ وما هي
العوامل التي دفعت إلى قيام هذا الخلف بين المسلمين في شأن الوعيد بعد أن كانوا على رأي واحد
زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ وما هو موقف الباضية وسط هذا الخضم بصفة عامة
وبصفة أخص بالنسبة إلى المرحلة التي تعنينا؟
==============================
( )1من ذلك قوله تعالى ]:وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار[( 9التوبة )72
وقوله تعالى ]:وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم[( 9التوبة )68
( )2هذا البيت يذكره القائلون بإخلف الوعيد ،ويعتبرونه شاهدا لغويا يدعم موقفهم إل أن القائلين باثبات الوعيد يعتبرون أن
الحجاج بالنصوص النقلية قرآن أو حديثا أقوى.
( )3القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة135 -134 :
( )4عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 107وجه .عبد العزيز الثميني :النور ص .277 -276
نلحظ اتفاقا مع المعتزلة في أن الوعد والوعيد من السلوب الخيري وليس من السلوب النشائي( .انظر ما يلي ص)633 :
( )5جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ،ط .دار جريدة عمان للصحافة والنشر سلطنة عمان .1983نشر وزارة التراث
القومي بعمان. 6/5 .
والمؤلف من علماء الباضية بعمان(ق )13/19حسب ما ورد في تقديم الجزء الول من كتاب قاموس الشريعة 15 :للمحقق عبد
الحفيظ شلبي.
:
إن السلم صريح في إطلق قضية الجزاء من بدء الخليقة إذ يربطها القرآن الكريم بهبوط آدم من
الجنة إذ يقول تعالى( :اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف عليه ول
هم يحزنون ،والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 2البقرة )39-38
ويتجدد التذكير بالوعيد قبيل ارتكاب أول جريمة على وجه الرض حيث يقول هابيل لخيه قابيل:
(لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني أخاف ال رب العالمين ،إني أريد أن
تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) ( 5المائدة .)29 -28
فمفهوم الوعد والوعيد -وهو محور قضيتنا -قديم حينئذ قدم وجود النسان على وجه البسيطة،
ولذلك يبين القرآن الكريم أن وظيفة النبياء والرسل تتمثل في التبشير بالثواب والنذار من سوء
المآب .قال تعالى( :وما نرسل المرسلين إل مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فل خوف عليهم ول
هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) (النعام .)49-48
كما أن الناظر في الديانات الوضيعة يلمس تأثرها من قريب أو من بعيد بما أنزل من رب العالمين إذ
لكل منها تصور خاص للثواب والعقاب ،ونذكر على سبيل المثال أن المزدكية تثبت أن النسان إثر
موته يحاسب ،ثم توزن سيئاته وحسناته ،فإن ثقلت حسناته فإلى النعيم البدي ،وإن استوت
حسناته وسيئاته فإلى قرار هادئ ليس فيه إل الشعور بالبرودة والحرارة ،وأما إن ثقلت سيئاته
فإلى جهنم حيث يسام سوء العذاب طيلة تسعة آلف سنة ثم تفتح جهنم ليكون بعث جديد يجدد العالم
ويطهر العصاة بصفة نهائية ويعيش الناس إلى البد في عالم ل شر فيه ()6
واضح من خلل هذا التصور أثر الوحي السماوي الذي استمر مع جميع النبياء والرسل ،والمهم
عند الفرس أن إنفاذ الوعيد مؤقت بزمن محدود وأل خلود في العذاب.
أما أهل الكتاب فقد أثيرت عندهم قضية الخلود في النار وعدمه ،كما جاء ذلك في قوله تعالى ( :ذلك
بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) ( 3آل عمران )24
وفي قوله تعالى ( :وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند اله عهدا فلن يخلف ال
عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون) ( 2البقرة .)80
والرد القرآني صريح على هؤلء إذ اعتبر أن قولهم من باب الفتراء ومن باب أن يقول النسان
على ال ما ليس له به علم ()7
.
والمتأمل في كتاب ال يتبين قيام رسالة السلم كبقية الرسالت السابقة على التبشير والنذار،
وهاك على سبيل المثال آيتين جاء فيهما لفظ الوعد والوعيد صريحا .الولى قوله تعالى ( لكن الذين
اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار وعد ال ل يخلف ال الميعاد)
( 39الزمر )20والثانية قوله تعالى ( :وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم
يتقون أو يحدث لهم ذكرا" ( 20طه .)113
ومعلوم أن منطلقات كتب أصول الدين هي النصوص النقلية من قرآن كريم وحديث شريف ()8
،ولذلك نحس أن قضية الوعد والوعيد وقعت إثارتها زمن الرسول عليه السلم والقرآن يتنزل إل
أن إجاباته عليه السلم لم تفسح المجال لي جدل كما سيقع في ما بعد ،ومن ذلك ما جاء عن جابر
بن زيد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " :هلك المصرون" -ثلثا -فقال رجل :يا رسول ال،
فأين قول ال تعالى (إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)( 4النساء) فقال
رسول ال صلى ال عليه وسلم ":أفيكم أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب :أنا يا رسول ال،
فقال اقرأ (:وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ( 20طه )82فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم ":لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا" ()9
فالسائل حينئذ استفسر عن المشيئة المتعلقة بمغفرة ما دون الشرك من المعاصي فجاء جواب
الرسول صلى ال عليه وسلم شافيا انطلقا من آية أخرى بينت أن المشيئة تتعلق بمن تاب وآمن
وعمل صالحا ،وبذلك فهي ل تشمل المصر على المعاصي.
ومن ذلك ما جاء في الحديث عند وقوف الرسول صلى ال عليه وسلم عند قبرين قوله " :رجلن
يعذبان في القبر ول يعذبان على كبير ،أما أحدهما فإنه ل يستبرئ من البول والغائط وأما الثاني
فالذي يمشي بين الناس بالنميمة" )10( .
المهم أن المرحلة لم تكن مرحلة جدل وإنما هي مرحلة عمل ،والقول الفصل الذي ل يرد للرسول
صلى ال عليه وسلم .
وما أن انتقل الرسول صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى وبويع أبي بكر الخلفة حتى أثار
النقاش حول معنى الزكاة وكان موقف الخليفة حازما حيث اعتبر أن مانع الزكاة مرتد ،ويجب أن
يحارب رغم انه يتفوه بالشهادتين ،ويؤدي الفرائض الخرى ،وقولته في هذا شهيرة ":وال لو
منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف" .وهنالك
يسأله عمر " :كيف تقاتل قوما يشهدون أن ل إله إل ال وقد أخبر الرسول أن من قالها فقد عصم
دمه وماله؟" ()11
فيأتي جواب أبي بكر حاسما ودقيقا ":ألم يقل الرسول " إل بحقها؟" أل إن الزكاة من حقها" ()12
.
وبهد هذا الحوار الحاد بين موقفين متضاربين استقر المر على تكفير مانع الزكاة وانتهت حروب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الردة بعد حين واستقر الوضع .وتستقر الخلفة زمن عمر وما كان للمسلمين وقت للجدل وهم
مشغولون بتبليغ رسالة السلم في أطراف البلد ،ومع ذلك جاء في بعض أقوال عمر ما يوحي بأن
التساؤل حول الوعد والوعيد مطروح ومن ذلك قوله ":الشاك في وعد ال كالشاك في ال ،وما
شكوا في وعد ال حتى شكوا في ال" ()13
.وكذلك ما جاء عن الحسن عن كعب ()14
قال :وقف عمر بن الخطاب على كدية من رمل ،فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت يا أمير
المؤمنين ،ما يبكيك؟ قال ذكرت أهل النار فقلت :لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل ستة يعذبون
على حسابها ،ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر ،لكن لم يجعل لهم وقتا وما هم
بخارجين منها أبدا" (. )15
ويستفحل المر في أخريات حياة عثمان ،وتختلف مواقف الصحابة تجاه بعض تصرفات الخليفة
فمن مخطئ ومصوب ومتوقف ،إل أن مجرى الحداث ل ينتظر أحدا ،وتكون القطرة التي تفيض
الكأس ويقتل عثمان ،وينطلق النزاع الدموي ممزوجا بالجدل الكلمي خاصة حول حكم مرتكب
الكبيرة ومصيره ،ويشير ابن تيمية إلى أن الخوارج هم أول من أثار هذه القضية ()17
فحكموا عليه بالشرك -حسب ما ينسب إليهم)18( -
فحل دمه وسبيه وغنم ماله)19( .
إل أن المر في رأينا ل ينحصر في هؤلء ،بل شملت القضية كل المسلمين خاصة وأن النتماءات لم
تكن واضحة كوضوحها الن ،وعلى هذا الموقف من مرتكب الكبيرة سينبني القول في الوعد
والوعيد.
ومن هنا ستأخذ القضية أبعادا سياسية وماورائية ،فالمويون جنحوا إلى التسامح وإلى الرجاء أو
إلى القول بإخلف الوعيد وذلك لتجرئهم على ارتكاب الكبائر واستهانتهم بها ،فغلبوا جانب الرحمة
اللهية على جانب العدل ،كما غلبوا الجبر على جانب الختيار ليوحوا للعامة أن خلفتهم بقضاء
وأن طاعتهم أمر واجب.
وأما العلويون فالزيدية منهم قد اشتركوا مع المعتزلة في سلب اليمان عن مرتكب الكبيرة ،إل أن
المامية لم يخرجوه من السلم)20( .
وأما المحكمة الول فقد أدنوا عثمان في السنوات الست الخيرة من حكمه ،وأوجبوا على علي
التوبة من قبوله التحكيم ثم اختلف موقفهم في شأن مرتكب الكبيرة من اجتماع البصرة ()21
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فكثيرا منهم كفروه كفر شرك وأحلوا دمه وسبي ذراريه وغنم ماله (. )22
وهنا قعد عنهم عبدال بن إباض إمام الباضية ولم يجز الخروج ومن ذلك الحين سيتبلور موقف
الباضية تدريجيا ليتخذ من البداية خطأ واحد ستتوارثه الجيال جيل بعد جيل إلى يومنا هذا،
ويتجلى هذا الموقف في العقيدة العمانية المنسوبة إلى عبدال ابن اباض ،وجاء فيها ما
يلي....":وان يؤمن...أن ال ل يخلف وعده ول يبطل وعيده" ()23
.
وفي هذه الثناء بدأت تتبلور مدرسة العتزال مع غيلن الدمشقي وواصل ابن عطاء والحسن
البصري من قبل لن المعتزلة يعتبرونه من طبقاتهم ويتجلى موقفهم في هذه المحاور التي دارت
بين عمرو بن عبيد وأبي عمرو بن العلء النحوي)24( .
إن أبا عمرو بن العلء النحوي المعروف بالقرآن وإعرابه ،التقى مع عمرو ابن عبيد المعتزلي فقال
له :يا أبا عثمان ،ما شيء بلغني عنك في الوعيد؟ فقال له :يا أبا عمرو ،إن ال وعد وعدا وأوعد
وعيدا ،فال منجز وعده ووعيده .فقال يا أبا عثمان ،إن ال وعد وعدا وأوعد وعيدا فال منجز
وعده ومؤخر وعيده ،أما تعلم أن العرب ل تعد ترك الوعيد ذما ،وإنما تعده تكرما ،وفضل أما
سمعت الذي يقول ( :طويل)
فقال هؤلء العرب يمتدحون بخلف الوعيد وإنجاز الوعد ،ويرون أن هذا تكرم وفضل.
فقال عمرو بن عبيد :يا أبا عمرو ،وشغلك العراب عن الصواب؟ أما سمعت أن الذي يقول شعرا:
(بسيط).
فهذا ممدوح على هذه الصفة ،إذ ل يخلف وعده ،ول ما توعد به ،وال تعالى أصدق القائلين .وقد
قال ( :ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم
ربكم حقا قالوا نعم) ( 7العراف )44وقال ( :ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد) ( 50ق )29
وقال ( :ل تبديل لكلمات ال) .
هذه المناظرة صورة لما كان يدور حول القضية من جدل وكل ينتصر لرأيه اعتمادا على القرآن
الكريم وعلى أشعار العرب.
وسبق أن روينا اعتماد جابر بن زيد على حديث الرسول عليه السلم " :هلك المصرون" ()25
،وكذلك يروى عنه أنه سأله رجل قائل ":يا أبا الشعثاء،أرأيت قول ال تعالى ( إن ال ل يغفر أن
يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ( 4النساء )48فقال جابر :أو أنبأك ال لمن يشاء أن يغفر؟
قال :وأين أنبأني يا أبا الشعثاء؟ قال ( :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (4
النساء )26( )31
فالوعيد حينئذ نافذ لمن مات مصرا على المعصية ولهذا نلمس التفاق بين الباضية والمعتزلة في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
إنفاذ الوعيد.
===============================
( )6ر .كريستوس367 -366 :
( )7انظر ما يلي 718 :كيف كانت اليتان مثار جدل بين الفرق السلمية .
( )8انظر ما يلي 600 :وما يليها.
( )9ر .يوسف المصعبي:حاشية على كتاب الديانات 22:ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي . 37:عمرو بن خليفة
السوفي :كتاب السؤالت. 52 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/9والحديث لم يرد عند ونسنك في المعجم
المفهرس.
( )10جاء الحديث عند أحمد بن حنبل ":إنهما ليعذبان في الغيبة والبول" .39 -2/5ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 1/234ر.
الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2/25عدد 487
( )11ر .البخاري :اعتصام ،2جهاد ،102زكاة ،1استتابة .3
مسلم :إيمان ،33 ،32أبو داود :زكاة .1الترمذي :إيمان النسائي :زكاة .3جهاد .1تحريم .1ر .ونسنك :المعجم المفهرس
للفاظ الحديث .4/249
( )12ر .البخاري :جهاد ،102صلة ،28زكاة ،1حدود ،9اعتصام ،2مسلم :إيمان 36 -32الترمذي :إيمان ،1تفسير سورة
الغاشية .أبا داود :زكاة ،1جهاد .95النسائي :زكاة .3جهاد ،1تحريم ، 1إيمان .15ابن ماجة :فتن .1الدارمي :سير .15
ابن حنبل. 5/246 ، 9 ،4/8 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس .1/485
( )13جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/10
( )14كعب الحبار(ت )32/652هو كعب بن ماتع الحميري من يهود اليمن ،أسلم زمن أبي بكر .ر .الزركلي :العلم .6/85 :
( )15جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/13
( )16نذكر بما لحظناه من قبل أن مثل هذه المواقف ينبغي أن يحترز في شأنها.
( )17ابن تيمية :الفتاوى الكبرى1/37 :
( )18يشهد ابن تيمية بعدم الطلع المباشر على كتب الخوارج ويبين أن اطلعه كان عن طريق خصومهم .ر .نفس المصدر
السابق 1/37
( )19انظر ما سبق53 -52 :
( )20ر .الشيخ المفيد ( محمد بن النعمان) (ت )413/1022أوائل المقالت في المذاهب المختارات ،تعليق السيد هبة الدين
الشهرستاني .تبريز . 15 :1364ر .عمارا لطالبي :آراء الخوارج الكلمية 1/135
( )21انظر ما سبق 52 :تعليق .48
( )22حسب روايات خصومهم
( )23ر .كوبرلي :الطروحة 3 :الملحق العربية17 :
( )24والمعتزلة لقبوا بالوعيدية لقولهم بإنفاذ الوعيد .ر .القاضيس عبد الجبار :الصول الخمسة.672 -611 :
( )25انظر ما سبق.531 :
( )26أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي. 39:ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط . 2/45 ،2ر .جميل بن
خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/9
ويأتي الربيع بن حبيب بعد حين ليجمع كل ما بلغه من أحاديث عن الرسول صلى ال عليه وسلم
تثبت إنفاذ الوعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وذلك في ما اصطلح على تسميته بكفر النعمة (
)27
،ومن ذلك الحين جاء التدعيم في بقية التراث الباضي معتمدا اعتمادا كليا على هذه الحاديث.
-قال صلى ال عليه وسلم :لول أن أهل السماوات وأهل الرض اشتركوا في دم امرئ مسلم حراما
لكبهم ال جميعا على مناخرهم في النار" )28( .
-وقال صلى ال عليه وسلم " :من آذى مؤمنا أو روعة أطال ال روعته في جهنم" ()29
.
--قال الربيع بن حبيب ،قال جابر بن زيد يروي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :ل
يدخل الجنة مخنث ول ديوث ( )30ول فحلة النساء ول الركاضة ،قيل وما الركاضة يا رسول ال
قال :التي ل تغار" (. )31
وينسج عمروس بن فتح على نفس النسق في معرض الرد على المرجئة فيقول ...":وما ردوا من
تنفيذ وعيد ال ،وهو أسبه بقول اليهود ( وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة) ( 2البقرة ( ")80
. )32
وكذلك يقول أبو الربيع سليمان بن يخلف ":وندين بإنفاذ الوعد والوعيد وأن ال ل يخلف الميعاد،
ول يبدل القول لديه وأنه منجز وعده ووعيده" ()33
.ويعيد أو سهل العبارة تقريبا بقوله ":اتفقت المة على أن ال صادق في وعده وأنه ل يبدل القول
لديه وانه ل يخلف الميعاد. )34( "...
ول أراني مضطرا بأن أورد مثل هذه الصيغة من أقوال جميع من كتبوا في أصول الدين إلى يومنا
هذا ،فل اختلف عند الباضية في هذا الصل .وأكتفي بما جاء عند عمرو التلتي في كتاب نخبة
المتين للتعبير عن رأي علماء المرحلة المقررة وهو ":واتفقوا (أئمة الباضية) على أن ال تعالى
ل يخلف وعده ول وعيده. )35( "...
فالساس حينئذ أن الباضية ما يزالون منذ نشأتهم إلى يومنا هذا يتمسكون بموقف واحد أل وهو
صدق ال في وعده ووعيده ،فكيف تتجلى العوامل التي دفعتهم إلى ذلك من خلل احتجاجهم
لموقفهم وردهم على القائلين بخلف الوعيد من الفرق السلمية؟
قبل أن نعرض الدلة على إنفاذ الوعيد يحسن أن نحدد من يشملهم هذا النفاذ.
لقد سبق أن رأينا موقف الباضية من السماء وما يترتب عليها من الحكام ()36
وقولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة فهل أن جميع الذنوب تعتبر كبائر أم أن المعاصي
مستويات متفاوتة؟..
لقد كانت هذه القضية مثار جدل من زمن مبكر فهذا ابن عباس يعتبر أن المعاصي من الكبائر
باعتبار عظمة من يعصي)37( .
وعلى هذا الساس بني الزارقة موقفهم كما يذكر عنهم ،بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا أن كل
عصيان شرك ،وحجتهم في ذلك قوله تعالى ( :وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) ( 6النعام ( .)121
)38
وما قعد عبدال بن إباض منذ إجتماع صومعة البصرة عن هؤلء إل لمخالفتهم في الحكم بالشرك
على جميع المسلمين واستحلل دمائهم وسبي ذراريهم وغنم متاعهم)39( .
ومن ذلك الحين اتضح لدى الباضية عدم الخلط بين الشرك وبين بقية الذنوب فماذا عن المعاصي؟
وهل يترتب عليها دائما نفس الحكم؟
إن المتأمل في كتاب ال تعالى مثل قوله عز وجل ( :إن اله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك
لمن يشاء) ( 4النساء )48ومثل قوله (:إن تتجنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)(4
النساء )31ومثل قوله ( :الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم )32وفي
حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،مثل الحديث المذكور أعله في شأن اللذين يعذب أحدهما
من أجل إهمال الستبراء والخر من أجل ما كان يأتيه من النميمة بين الناس ()40
،وفي كتب الصول والفقه يتبين بوضوح أن الذنوب تتفاوت حسب عوامل متعددة فما هي أهم
تسميات الذنوب المنصوص عليها في القرآن الكريم؟
=================================
( )27الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 5 -3/2الباب الول :الحجة على من قال إن أهل الكبائر ليسوا بكافرين.
( )28الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4 /3عدد . 757ر .الترمذي ديات .8ر .ونسنك :المعجم المفهرس146 /2 :
( )29الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4 /3عدد . 758ر .الدارمي :أدب .85الترمذي فتن .3أحمد بن حنبل 362 /5 :وجاء
بصيغة ل يحل لمسلم أن يروع مسلما .ر .ونسنك :المعجم المفهرس.320 /2 :
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
( )30ديوث :من داث فلن :فقد الغيرة والخجل فهو ديوث (بدون شدة) .وتديث فلن :قاد على أهله ( .المعجم الوسيط)
( )31الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 2 /3عدد . 743ر .أحمد بن حنبل .134 .128 .2/69 :النسائي .2/162انظر ص
.621لزيادة التوسع
( )32عمروس بن فتح :الدينوية الصافية60 :
( )33أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف 1/35
( )34أبو الربيع :العقيدة .ر .كوبرلي :الطروحة :الملحق العربية70 /3 :
( )35عمرو التلتي :نخبة المتين ،154 :وانظر كذلك شرحه لكتاب الديانات حيث يقول ":وندين بأن ال ل يخلف وعده ول
عيده ،كما في قوله تعالى ] :ما يبدل القول لدي[ ( 50قَ 67 :)29
( )36انظر 520 :
( )37ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه
( )38ر .عثمان بن خليفة السوفي :رسالة الفرق ط .حجرية د.ت 6122 :
( )39انظر ما سبق 22 -21 :
( )40انظر ما سبق .531 :وجاء في حاشية عبدال السدويكشي على كتاب اليضاح ما يلي :قال العلماء وما يعذبان في كبير ،أي
في ظنهما ،أو كبير تركه عليهما ،أو عند الناس وإن كان كبيرا عند ال ،وبه يبطل ما توهم أن النميمة ليست من الكبائر وال
أعلم .عامر الشماخي :كتاب اليضاح ،تحقيق لجنة من الساتذة ،مطبعة الوطن بيروت ،1970 /1390ط .1/9 .2وقد أورد
اليجي هذا الحديث للتدليل على عذاب القبر كما يلي ":مر عليه السلم بقبرين فقال :إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بل لن
أحدهما كان ل يستبرئ من البول ،وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة" .ولم يشر إلى أن المعصية من الكبائر أو الصغائر .اليجي :
المواقف2/452 :
:
إن امتنع آي القرآن الكريم ينتبه إلى وجود عدة أسماء لمدلول الخروج عن طاعة ال تعالى بوجه
من الوجوه عدا الشرك وهذه السماء هي :السيئة ،الكفر ()41
،الجرام ،الثم ،الذنب ،المعصية ،الفاحشة ،الوزر ،الخطيئة ،الكبيرة ،الصغيرة ،اللمم ()42
.
:
أما الترتيب الول فقد روعي فيه صلة النسان بال وصلته بالخرين ،واعتمادهم في ذلك ما صح
عن رسول ال صلى ال عليه وسلم كما يرويه أبو عبيدة عن ناس من الصحابة أنه قال ":الذنوب
على وجهين ،ذنب بين العبد وربه وذنب بين العبد وصاحبه ،فالذنب بين العبد وربه إذا تاب منه
كان كمن ل ذنب له ،أما بينه وبين صاحبه فل توبة له حتى يرد المظالم الى أهلها")43( .
وأما الترتيب الثاني فاجتهادي وهو تنازلي ،وفي ذلك يقول الوارجلني " الشرك أعظم الذنوب،
والكبير دونه فوق المعصية ،والمعصية دون الكبير وفوق السيئة ،والسيئة دون المعصية وفوق
الخطيئة ،والخطيئة دون السيئة وفوق الكراهية ،والكراهية دون الخطيئة وفوق الباحة" ()44
.
تعريف الصوليين :رغم كثرة استعمال الصوليين لهذه الكلمات فإنهم ل يعتنون غالبا بتحديدها
تحديدا ثابتا واضحا ذلك يرجع إلى تقاربها من حيث الستعمال في القرآن الكريم كما بينا ذلك.
وقد حاول البرادي مستعينا بما جاء قبله أن يضع لها تعاريف في رسالة الحقائق ومع ذلك فإنه غفل
عن تعريف الثم والفاحشة والوزر والخطيئة واللمم.
فما هي المعصية؟ يقول البرادي ":المعصية هي فعل ما نهى عنه فاعله وكذلك الذنب")45( .
ويقول يوسف المصعبي معرفا المعصية مع زيادة تدقيق" والمذهب...أن المعصية كل ما قارنه
النهي من شرك وغيره" .ثم يبين مخالفة الخوارج كما يلي ":وخالف في الصل الثاني أعني قولنا
وليست المعصية كلها شركا الخوارج حيث زعموا أن المعصية كلها شرك. )46( "....
ويورد أبو عمار في شرح الجهالت ما يلي ":إن من المعصية استفسادا ومنها غير استفساد ،
فالكبائر كلها استفساد والصغائر ليست باستفساد ،ويقال كل كبيرة معصية ،وليس كل معصية
كبيرة ،كما يقال كل صغيرة معصية وليس كل معصية صغيرة .ول يقال في المعصية إنها غير كبيرة،
ول في الكبيرة إنها غير معصية ،كما ل يقال في المعصية إنها غير الصغيرة ول في الصغيرة إنها
غير المعصية ،وإنما يقال :الكبيرة غير الصغيرة ،والصغيرة غير الكبيرة ،وكذلك يقال إن من
المعصية كبيرة وصغيرة ،والكبيرة ما قارن العقاب والصغيرة ما قارن الستثناء" ()47
.
ومن خلل هذه التعريفات نتبين أن الغالب على المعصية أنها اسم مرادف للذنب وهي كل ما قارن
النهي ،وتنقسم إلى كبائر وصغائر.
فماذا عن السيئة؟ السيئة ":ما أساء فيه المرء إلى نفسه" ()50
وإن جاء تعريف البرادي لغويا جافا فإن الوارجلني اكتفى بترتيب السيئة واعتبرها دون المعصية
وفوق الخطيئة ( ، )51أما أبو عمار عبد الكافي فقد اعتبر السيئة اسما عاما مثل المعصية ()52
وكذلك فعل صاحب المنهج حيث يقول ":والسيئات هي كل ما عصي ال به من صغير وكبير" ()53
.
وإن لم تطل هذه المصادر في تعريف هذه التسميات فإنها توسعت أكثر عند تقسيمها إلى كبيرة
وصغيرة فما هي الكبيرة؟
:
" حقيقة الكبيرة على أصولنا ما أوجب ال عليه حدا في الدنيا وعقابا في الخرة ،وهي ضربان
معلوم ومجهول" ()54
،ويكتفي أبو عمار باعتبار الكبيرة استفسادا وأنها ما قارنها العقاب)55( .
ويقول عمرو التلتي ":إن الكبائر جمع كبيرة ،وهي عند بعضهم ما توعد عليه بخصوصه في
الكتاب أو السنة كالقتل والزنا وعند آخرين ما فيه حد كالقذف ،وعند قوم كل ذنب ول صغيرة
عندهم نظرا إلى عظمة من عصى -تعالى -وشدة عقابه وهذا هو اللئق بمذهبنا المبني على اليقين
والحتياط .وعند آخرين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة ديانته كسرقة لقمة
والتطفيف بتمرة" (. )56
" وقال ابن عباس :الكبائر ما ذكره ال في سورة النور من أولها إلى قوله ( :وتوبوا إلى ال جميعا
أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) ( 24النور )31فأوجب ال لهم الفلح بالتوبة من جميع الذنوب
بقوله ( :قد أفلح المؤمنون) ( 23المؤمنون .)1
وقال ابن مسعود رضي ال عنه " الكبائر ما ذكره ال في سورة النساء الى قوله ( :إن تجتنبوا
كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما) ( 14النساء )57( .")31
ويستوفي السالمي القضية تمحيصها بإيراد تحديدات ابن حجر ومناقشتها وهي سبع ،وتحديدات
الغزالي ولسنا نرى من الضروري إيرادها كلها وإنما محورها ما ذكره عمرو التلتي ،والساس في
أن السالمي عول على التحديد الخامس وهو عين ما ذكره البرادي ،الحد في الدنيا والوعيد في
الخرة .وقد جاء ذلك في قوله ":ولما كان الحد الخامس(أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد)
من هذه الحدود هو الذي عول عليه جمهور الصحاب رحمهم ال وكان ما عداه من الحدود مدخول
عول عليه الناظم" (. )59( )58
ويضيف محمد اطفيش تقليدا آخر لحد الكبيرة ينسبه إلى ابن عباس ويتمثل في الصرار حيث يقول:
قال ابن عباس ":كل ذنب قام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة وكل ذنب تاب منه العبد قبل أن
يموت فليس بكبيرة" (. )60
ويلحظ التلتي أن كل ما صدق عليه أنه كبيرة يصدق عليه أنه كفر وأنه ذو عقاب ،وكل ما صدق
عليه أنه ذو عقاب يصدق عليه انه كبيرة وانه كفر كالزنا وترك الزكاة ()61
وقد عبر صاحب النونية عن ذلك كما يلي(:طويل)
()62
فللكبيرة من خلل هذه التعاريف طرفان ،طرف في الدنيا وهو إقامة الحد ،وإن كانت الكبائر
المذكورة في القرآن والسنة تشمل كثيرا مما ل حد فيه ،وطرف في الخرة وهو الوعيد والعقاب
ويشمل الكل ولذلك عمم أبو عمار وقال ما يشمله العقاب مهما كان نوعه في الدنيا وعقاب الخرة
أشد.
ثم إلى جانب هذا تقسم المصادر الكبائر إلى معلومة ومجهولة معنى ذلك أنها ل يمكن أن تقع تحت
الحصر.
أما المعلومة منها فهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ()63
وفي سنة الرسول صلى ال عليه وسلم .ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه
وسلم قال " :اجتنبوا الكبائر السبع الموبقات ،الشرك بال والقتل والسحر وأكل الربا وأكل مال
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
كما تقسمها إلى كبائر شرك وكبائر نفاق ( )65ويقول أبو عمار في هذا الشأن ":فإن قال الكبائر
كلها معلومة ؟ فقل إن بعض الكبائر معلوم لما جاء فيه من النص وبعضها مجهول :يريد أن كل ما
جاء فيه من ال وعيد فهو معلوم ،وما لم يأت فيه من ال وعيد فمجهول غير معلوم .ومن قول
بعض العلماء إن لم يأت من ال فيه دليل يدل على انه كبير فإنهم يناظرونه بالذي أتى فيه عنه
وعيد ،فما كان مثله وما هو أكبر منه فهو كبير وال أعلم" (. )66
وقد عبر عمرو التلتي عن هذا الموقف باختصار ونسبه إلى أصحابنا أي علماء الباضية)67( .
وقد حرص هؤلء العلماء على إحصاء ما علم من الكبائر ( )68مع شعورهم أنها ل يمكن أن تقع
تحت الحصر ،وفي ذلك ينقل الشماخي ما جاء عن جابر بن زيد أن أنس يروي أشياء من الكبائر لم
يروها الناس أدق من الشعر" ( )69فماذا عن الصغائر؟
================================
( )41انظر ما سبق506 :
( )42لم نجد – حسب مطالعتنا – تمييزا اصطلحيا دقيقا بين هذه السماء لذلك سنكتفي بالوقوف عند خمسة تتردد أكثر من
غيرها وهي ":المعصية " السيئة ،الكبيرة ،الصغيرة ،اللمم.
( )43الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 66 /2 :عدد 691
ر .المحشي :حاشية الترتيب . 118 -115 /6ر .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح تحقيق عز الدين التنوخي ،المطبعة
العمومية دمشق .496 /3 .1963 /1383لم يرد الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس
( )44أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.ط 2/3، 1
( )45البرادي :رسالة الحقائق40 :
( )46يوسف المصعبي :حاشية على كتاب الديانات .11 :ويحيل على عمرو بن خليفة السوفي :رسالة في الفرق السلمية 61 .
ملحظة :تعريف المعتزلة للمعصية ":وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير مع نوع من الرتبة ،وهو أن يكون العاصي دون
المعصي ،ولهذا ل يقال عصى المير فلنا كما يقال عصى فلن المير ،ول يفهم من إطلق هذه الكلمة غير معصية ال تعالى ،
حتى إنك لو أردت غيرها لقيدت فقلت :عصى فلن أباه ،أو جده ،أو المير إلى غير ذلك .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة
.611 :
تعريف الشاعرة للذنب ":عبارة عن كل ما هو مخالف لمر ال تعالى في ترك أو فعل ".الغزالي :الحياء11/2093 :
( )47أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت ،90 :وجاءت نفس الصيغ في الموجز 121 -120 /2
( )48ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 121 /2
( )49ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 43 /2 ،1
( )50البرادي :رسالة الحقائق40 :
( )51ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 43 /2 ،1
( )52ر .أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت91:
( )53خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .2/252
ويذهب الشاعرة نفس المذهب غذ يعرف البيجوري السيئة كما يلي ":هي ما يذم فاعله شرعا ،صغيرة كانت أو كبيرة ،وسميت
سيئة لن فاعلها يساء ( كذا ) عند المقابلة عليها يوم القيامة ".شرح جوهرة التوحيد173 :
( )54البرادي :رسالة الحقائق ،38 :ر .أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي حيث يقول في النونية ( :ص 6عدد ( :)83طويل)
فحد الكبير الحد في عاجل الدنيا
وسوء العذاب يا شر مسكن
ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 2/206ويضيف على الحد والعقاب أو لعن ال عليه أو رسوله ...أو ما أجمع عليه أهل
العلم أنه من الكبائر فهو كذلك ،وما أشبه الكبير فهو كبير" المنهج .2/217
( )55ر .أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت 90:ويقول أيضا ":لو سأل فقال لم كانت الصغيرة غير الكبيرة؟ قيل للعقاب
الذي ليس في الصغيرة "...نفس المصدر .91ويقول أيضا ":كل معصية جاءت فيها صفة زائدة على النهي في كتاب ال تعالى،
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وفي سنة رسوله وفي آثارهم ،إن ذلك دللة على وجوب العقاب وكونها كبيرة" .الموجز 2/278
( )56عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 104قفا .عبد العزيز الثميني :النور.271 -270 :
( )57عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 106وجه و قفا .عبد العزيز الثميني :النور. 275 :ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار
الجوهر.1/74 :
( )58عبدال السالمي نفسه
( )59عبدال السالمي :المشارق375:
( )60امحمد اطفيش :هيميان الزاد إلى دار المعاد ،مطابع سجل العرب عمان .نشر وزارة التراث القومي ط . 1402/1982 ،2
281 /4
( )61ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 112قفا.
( )62أبو نصر فتح بن نوح الملوشاني :النونية 6عدد 85
ملحظة :يحسن أن نورد هنا تعريف المعتزلة للكبيرة :يقول القاضي عبد الجبار ":إن الكبيرة في عرف الشرع هو ما يكون
عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا أو مقدرا" .الصول الخمسة ( . 232 :وانظر معنى محققا ومقدرا 550 :تعليق .78
أما الشاعرة فالكبائر عندهم ":هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة " البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .174:
وهذا يبين اتفاق الباضية والشاعرة وإن اختلفت الصيغة فما عبر عنه الباضية بالعقاب عبر عنه الشاعرة بالمؤاخذة ،وهذا
يختلف عن رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الموازنة بين الثواب والعقاب.
( )63انظر ما سبق 544سورة النساء وسورة النور.
( )64ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت 52 :
ر .أبو عبدال الصدغياني :رسالة إلى أهل وارجلن 2 :
وقد جاء الحديث عند البخاري أدب 6ـ إيمان ،16ديات .2استتابة .1الترمذي :تفسير سورة النساء .7 ،6 ،4النسائي :تحريم
قسامة .48الدارمي :ديات .9أحمد بن حنبل 495 /3 .214 .2/201ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 5/516والملحظ أن هذه
السبع تختلف أثناء التعداد فنجد مثل عقوق الوالدين واليمين الغموس وقول الزور ،والسحر.
وقد أورد البيجوري هذا الحديث ثم بين أن السبع ليست بقيد بل غير ذلك وهذا رأينا تصرف طيب في فهم الحديث لن الكبائر ل
تنحصر في هذا العدد .ر .شرح جوهرة التوحيد 174 :
( )65انظر ما سبق514 :
( )66أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت92:
( )67ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 109قفا ،ورقة 111قفا .عبد العزيز الثميني :النور282 -287 :
وعن معنى قياس مالم يرد ذكره على ما جاء فيه نص يقول أبو نصر فتح ابن نوح الماوشائي ( :طويل)
وما لم يجئ فيه الوعيد فإنه
النونية 6 :بيت .84يقاس إلى النصوص فيه المبين
:
جاء في رسالة الحقائق ما يلي ":حقيقة الصغيرة في كتاب الجهالت ما جاء فيه من ال الستثناء
وليس بسديد عندي لن الستثناء جاء في الكبائر بعد التوبة منها فيلزم على قوله أن تدخل في
الصغائر ،والحد السديد عندي فيها هو ما يكفر باجتناب الكبائر ،وهي كلها عندنا غير معلوم ول
معين ونعنيها في الحكم خاصة" (. )70
ويقول أبو عمار ":فكل ما كان مغفورا لهله ،متروك المؤاخذة عليه فهو صغير غير كبير ،وغير
كفر"
( )71ويضيف في شرح كتاب الجهالت أنها ليست استفسادا فإن قال :لم ل تكون الصغيرة استفسادا
وهي منتهى عنها؟ قيل :إنما لم تكن استفسادا لعلة أنها ليست الكفر ،فإن قال :وما العلة التي لمن
تكن بها الصغائر كفرا؟ فقل :لن ال أوجب فيها الستثناء ،فإن قال ما وجه النهي عن الصغائر إذا
لم تكن استفسادا؟ قيل :لئل يكونوا مستخفين بحق ال في ما دون الكبائر .فإن قال :ولم حتى قضيت
أن في المنهي عنه صغيرا؟ قيل له :لما جاء في ذلك من الخبر الصادق" (. )72
وكذلك يذكر يوسف المصعبي أن الصغيرة معفو عنها في حق المؤمن ( )73فينقل عن محمد بن
محبوب في قوله تعالى ( :إل اللمم) وهو ما دون الكبائر من الذنوب التي تكون بين ال وبين عباده
مثل الغمزة واللمزة والنظرة ،وما كان أهله يدينون بالتوبة منه بالستغفار فذلك هو اللمم .وكل ما لم
بالقلب منة ذكر المعصية ،أو هم بها العبد ،أو نوى فعلها ،من غير شتم المؤمنين ول وقوع في
أعراضهم فهذا إذا نسي أن يستغفر ال منه ،وال واسع المغفرة إذا كان الفاعل ممن يدين ال تعالى
بالتوبة منه ،ومن جميع ما نهى ال عنه (. )74
وسلك السالمي مع الصغيرة مسلكه مع الكبيرة فأورد عدة تعاريف وناقشها ،ومن ذلك ما ذهب إليه
مالك من أن الكبائر معاصي أهل البدع ،والصغائر معاصي أهل السنة .وهو باطل لن في معاصي
أهل السنة الزنا ،وشرب الخمر وقتل النفس ،إلى غيرها من الكبائر التي جاء النص بأنها موبقات.
ومن ذلك ما قيل من أن الكبائر معاصي إبليس ،والصغائر معاصي من سواه وهو باطل أيضا لنه إما
أن يريد بمعصية إبليس الستكبار والوسوسة للناس وبغض الحق وأهله فالكبائر غير منحصرة في
ما ذكر وإما أن يريد بها أن المعاصي التي تصدر من غير إبليس صغائر ول تصدر الكبيرة إل من
إبليس فيلزمه جهل الشرك ،وقتل النفس ،والزنا وشرب الخمر ونحوهما ،من غير إبليس صغائر ول
يشك عاقل في بطلنه (. )75
ويجمع السالمي مختلف الراء الواردة عند الباضية في ما يلي (":قوله وعكسه الصغيرة ) ()76
أي عكس الكبيرة من الذنوب هو الصغير ،والمراد بالعكس هنا مطلق المخالفة أي ما عدا الكبير من
الذنوب فهو صغير بناء على المذهب المشرقي أن الصغائر موجودة في الخارج وأنها معلومة
للعلماء وهو مذهب النكار ( )77وجمهور قومنا ،وذهب أصحابنا من أهل المغرب وبعض أهل
المشرق إلى أنها موجودة لكنها غير معينة" (. )78
هذا ما جاء عند من يقرون بوجود الصغائر أو لم تعلم فماذا عمن ينفون الصغائر؟
يقول عمرو التلتي ":وقد اختلف العلماء في وجود الصغيرة فقال بعض المرجئة ل وجود لها وإن
كل ما عصي ال به كبيرا نظرا إلى عظمة الرب جل جلله ل إلى الفعل الذي عصي به وهو
المشهور عن أئمة المذهب رحمهم ال تعالى وهو اللئق بأصولهم المبنية على التحقيق والحتياط،
ووفاقا لبن عباس رضي ال عنه حيث قال ":ليس في ما عصى ال به صغيرة" (. )79
واضح أن هذا الموقف مردود لنه يتعارض وما جاء في القرآن الكريم من نصوص صريحة تثبت
ذكر الصغائر من ذلك قوله تعالى ( :كل صغير وكبير مستطر) ( 54القمر )53وقوله تعالى ( :ما
لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها) ( 18الكهف )49وقوله تعالى( :الذين يجتنبون
كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم .)32
وقد انتبه التلتي إلى القضية فبين أن بعض الصحاب حمل كلم ابن عباس على خلف ظاهره ،
وهو أن المراد منه توفير المعاصي والترهيب منها ل عدم وجود الصغائر ( )80ويستشهد بكلم ابن
محبوب المذكور أعله ( )81في تعريف الصغائر.
فالساس في هذه التعاريف أن عند الباضية خلفا في وجود الصغيرة ،فجاء قول ينفي وجودها
أصل بناء على حديث ابن عباس ونسب إلى أئمة المذهب بدون تحديد ،وجاء قول يقر بوجودها
وهو ما عليه جمهور الباضية إل أن أهل المشرق منهم والنكار يعتبرون أنها معلومة لكن المغاربة
وبعض المشارق يرون أنها غير محددة وعلى هذا المعنى ألح كل من البرادي وأبا عمار وعثمان بن
خليفة السوفي)82( .
والملحظ أن الذين يعتبرون أن الصغائر معلومة يكتفون بذكر بعضها ومن ذلك ما ذكره ابن
محبوب ،ويذكر السالمي منها الكذب إن خف والرقص واللعب ( )83إل أن الذين يتوقفون عن
تعدادها يبينون أن في ذلك حكمة ،وهاك توضيح عمرو التلتي لهذه الحكمة ":وقال أصحابنا...
وغيرهم الصغائر كلها غير معلومة لنه ليس من الحكمة أن يبينها ال تعالى لعباده لنه لو بينها
لهم لستخفوا بحقه تعالى ،وعصوه بفعلها ...فثبت أنها غير معلومة ،وأن عدم علمها أولى للعباد
وأدخل في زجرهم عن عصيان ال تعالى بوجه من الوجوه لنهم كلما أرادوا ارتكاب ذنب خافوا
كونه كبيرة وتركوه" (. )84
نتبين من هذا حينئذ أن الموقف القائل بجهل الصغائر أقرب إلى الحكمة من التشريع الذي يورد حكم
الصغائر ،ويبين السالمي أن للصغائر حكمين:
أ -أنها مغفورة بفعل الحسنات بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى ( :إن الحسنات يذهبن السيئات) (11
هود )114وقال تعالى ( :إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) ( 4النساء )31
والمراد بالسيئات هنا الصغائر .وقال تعالى ( :والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم إن
ربك واسع المغفرة) ( 53النجم )32والمراد باللمم الصغائر من الذنوب.
أ -أن الصرار عليها كبيرة قال تعالى ( :ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فمدحهم بعدم
الصرار على المعصية وفي مدحه تعالى لهم بعدم الصرار ذم للصرار وما ذمه تعالى فهو كبير،
بيانه انه تعالى ل يذم شيئا وهو يرضاه لعباده وقد قال تعالى ( :ول يرضى لعباده الكفر) ( 39الزمر
)7فاستنتج من اليتين أن الصرار كفر نعمة" (. )85
فالساس بالنسبة إلى المسلم أن يحرص على عدم اقتراف الذنوب صغيرها وكبيرها سواء استطاع
أن يميز بين الصغائر والكبائر أو لم يستطع ذلك .وإن وقع فما عليه إل أن يسارع إلى التوبة
النصوح فماذا عن التوبة والصرار والحباط؟
=============================
( )70البرادي :رسالة الحقائق38 :
( )71أبو عمار عبد الكافي :الموجز .2/121 :ويوضح صاحب المنهج الفرق بين الكبائر والصغائر كما يلي ":والفرق بين
ارتكاب الصغائر والكبائر من المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم أن المواقع للكبائر يكفر بمواقعتها في حين ذلك كان منه على
العلم أو الجهل ،أو الرأي أو الدين ،ول ينفس له ذلك طرفة عين دون التوبة من ذلك والرجوع عنه والقلع.
وبارتكاب الصغائر من الذنوب مع اجتناب الكبائر على الجهل للصغائر مع التوبة منه في الجملة سالم بذلك لنه دائن بالتوبة من
جميع الكبائر والصغائر ،ولنه غير كافر ول هالك بمواقعة الصغير حتى يصر عليه ويعزم أنه ل يتوب منه ".خميس بن سعيد
الرستاقي :المنهج .2/222 :
( )72أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت90:
( )73ر .يوسف المصعبي :حاشية على الديانات12 :
( )74عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110قفا .ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج .2/198 :ر .عبد العزيز الثميني:
النور284 :
( )75ر .عبدال السالمي :المشارق377:
( )76يشير إلى المنظومة التي هو بصدد شرحها وهي من نظمه.
( )77ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت .66 :ويذكر نفس الموقف انظر تعريف النكار 213 :تعليق 4
( )78عبدال السالمي :المشارق .376 :ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.66 :
ملحظة:
تعريف المعتزلة ":وأما الصغيرة فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه إما محققا أو مقدرا" .القاضي عبد الجبار :الصول
الخمسة 632 :ثم يعلل الحتزاز بقوله إما محققا وأما مقدار كما يلي ":واحترزنا من الموضعين ( الموضع الثاني الكبيرة انظر
ما سبق 545تعليسق )62بقولنا إما محققا وإما مقدار عن كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية ،أو يكون
عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا من جنب ما يستحقه من الثواب" الصول الخمسة .632 :
تعريف الشاعرة ":وكل ما خرج عن حد الكبيرة وضابطها فهو صغيرة" البيجوري :شرح جوهرة التوحيد196 :
أما المرجئة فينسب إليهم الشعري قولين ،فمنهم من يقر بوجود الصغائر ومنهم من ل يقر إل بالكبائر .ر .المقالت.1/5 :
( )79عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور. 284 :ر .ناصر بن سالم الرواحي :نثار
الجوهر 73 -1/72 :والنص مقتبس من أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت.92 :
( )80ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور. 284 :ر .ناصر بن سالم الرواحي:
نثار الجوهر.1/73 :ر .أبو يعقوب الوارجلني :يناقش الختلف الوارد حول وجود الصغيرة ثم يقرر أنه ل بد من صغير وكبير".
الدليل والبرهان ط .103 /3 ،2أما عن المعتزلة فيعدد الشعري مواقفهم في شأن هذا الختلف إلى ثلثة أقاويل أساس التمييز
فيها قائم على ما جاء فيه الوعيد أو ما كان عمدا ( .أبو الحسن الشعري :المقالت ،)1/332إل أن القاضي عبد الجبار يلح كما
ذكرنا من قبل على التمييز بين الكبير والصغير لن الدليل الشرعي يفرض ذلك ،بينما لو وكل المر إلى العقل لكانت المعاصي
كبائر .ر .الصول الخمسة 634 -633 :
أما الخوارج كما ينسب إليهم ذلك فغنهم ل يعترفون بالصغائر ويحلل القول في ذلك :الصول الخمسة 633 :
أما الشاعرة فكما رأينا من تعريفهم يقرون بوجود الكبائر والصغائر ويحلل القول في ذلك الغزالي في الحياء .ر-2093/ 11 .
.2105
( )81ويشير إلى قول ابن محبوب الذي أورده من قبل وهو ":ما دون الكبائر هي الذنوب التي بين العبد وبين ال تعالى مثل
الغمزة و الهمزة والنظرة وما كان أهله يتدينون بالتوبة منه والستغفار فذلك هو اللمم وكل قائم بالقلب من ذكر المعصية والهم
بها ونية العمل لها من غير شتم المؤمنين ول وقوع في عراضهم فهو من اللمم ،ونسيان الستغفار منه ل يضر صاحبه إن كان
يدين بالتوبة منه ومن جميع ما نهى ال عنه" عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 10وجه قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور:
284
( )82ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.66 :
( )83عبدال السالمي :المشارق376:
( )84عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 110قفا 111 ،وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور .285 :وقد جاء هذا المعنى محلل
بصفة أدق عند أبو عمار عبد الكافي :شرح كتاب الجهالت. 93 -92 ،90 :ر .عبدال السالمي :المشارق 376:ةهذا مسلك
المعتزلة إذا اعتبر القاضي عبد الجبار أن معرفة الصغائر ضرب من الغراء بالقبيح وذلك ما ل يجوز على ال تعالى ".الصول
الخمسة .635 :
( )85عبدال السالمي :المشارق ،378 :وقد جاء نفس المعنى عند عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 111وجه قفا .وقد خيرنا
عبارة السالمي لدقتها ووضوحها .ر .عبد العزيز الثميني :النور287 :
قبل أن نتحول إلى إنفاذ الوعيد ،وأدلة الباضية على أنه واجب وجوب حكمه يحسن أن نذكر ما أتاح
ال تعالى للعباد من فرص في هذه الحياة للنجاة من وعيد الخرة.
إن قضية المعاصي تترتب عليها مسألة العقاب إل أن النسان قد يغفل عن هذا العقاب حينا ،وقد
ينتبه أحيانا أخرى ،فجعل ال للنسان سبيل إلى الخلص مما اقترف من الكبائر ،وهذا الباب هو
التوبة ،فما هي التوبة؟ ومتى تكون نافعة ومتى تكون غير نافعة؟ وهل تحبط أعمال المؤمن
باقتراف المعاصي والصرار عليها؟
حقيقة التوبة:
والتوبة :العتراف والندم والقلع ،والعزم على أل يعاود النسان ما اقترفه ()1
وقد عرف الرسول عليه السلم التوبة بقوله " التوبة من الذنب أل تعود إليه أبدا" ( )2وبقوله "
الندم التوبة" ( . )3وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه ":صفة التوبة النصوص أن يتوب العبد
من ذنب فعله ،ويعتقد الندامة عليه والنقلع وأل يعود إلى عصيان ال بعد ذلك أبدا ،ويردّ التبائع
على قدر ما كانت عليه ،فغن عاد بعد ذلك فليست الولى بتوبة نصوح" (. )4
ويقول البرادي في رسالة الحقائق ":حقيقة التوبة الندم بالقلب والعزم على الترك مع المكان .وقال
غيرنا الرجوع عن الطريق البعيد إلى الطريق القريب" (. )5
ويعرفها عمرو التلتي كما يلي ":التوبة :بمعنى القلع من الذنب ،والندم عليه ،والعزم على عدم
العود إليه" (. )6
ويقول التلتي أيضا " :ل توجد التوبة إل بوجود ستة أشِياء :الندم على الذنب الماضي ،والعزم
على عدم العودة إليه ،وأداء الحقوق لهلها ،وقضاء الفرائض المضيقة كلها ،والحزن المؤدي إلى
ضعف البدن بحيث يلتزق جلده على عظمه ،وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما ذاقت حلوة المعصية"
(. )7
نلحظ من خلل هذه التعريفات أنها تتكامل ،فإن سكت البرادي عن العزم على عدم العودة فقد ذكره
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
التلتي ،إل أن البرادي ألح على نقطة مهمة وهي العزم على الترك مع المكان ،وكأنه بهذا يخرج
من عجز عن إتيان تلك المعصية لسبب ما ،وفي هذا كلم سيأتي في ما بعد عند الكلم عن توبة
العاجز ( ، )8مع التنبيه إلى تدارك ما يمكن تداركه من قضاء فروض وأداء حقوق .ول نرى فائدة
في زيادة التحليل لن التوبة متفق عليها عند جميع المسلمين وغن اختلفوا في بعض جزئيات كما
سنبين ذلك فماذا عن حكمها شرعا؟
حكم التوبة:
يقول عثمان بن خليفة السوفي في هذا الشأن ":والكف عن الذنوب فرض ،ومعرفة ذلك فرض" (
. )9
ويعبر عمرو التلتي عن نفس المعنى بقوله ":واتفقوا (أئمة الباضية) على أن التوبة واجبة على
المسلمين (وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون ) ( 24النور )10( .)31
ويزيد ذلك تحليل بقوله ":وإنها (التوبة) واجبة على المكلف في أول أحوال بلوغه ،وغن لم يعلم
لنفسه ذنبا لنه قل من يسلم منه ،ولن حقوق ال أعظم واكثر من أن يقوم بها" (. )11
ويشبع عبدال السالمي القضية تحليل فيقول ":فهي (التوبة) إما واجبة ،وإما مندوبة ،فالفور
واجب منها ،وهو ما إذا عصى المكلف فإنه يجب عليه أن يرجع عن عصيانه في الفور فأما وجوبها
فمأخوذ من قوله تعالى ( :وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون) ( 24النور )31وأما وجوب
الفورية فيها فلما في تأخيرها من الصرار المحرم قطعا (. )12
وأما المندوب منها فهو تكرار توبة من عصى فتاب إذا تذكر ذنبه الذي تاب فإنه يندب له أن يعيد
توبته ،ول يجب عليه إعادتها خلفا لبعضهم لن الصحابة ومن كان لسلم بعد كفره يتذاكرون ما كان
منهم في الجاهلية من الكفر ول يجددون له توبة" (. )13
ويلح محمد اطفيش على وجوب التوبة رغم صعوبة ترك الذنوب فيقول ":والتوبة من الصغائر
والكبائر واجبة ولو كان ل طاقة للنسان على ترك الذنب لن التوبة حق ال وإجلل له واجب على
كل حال" (. )14
فالمسلمون يكادون يجمعون على وجوب التوبة والنصوص صريحة في ذلك من القرآن والسنة
فماذا عن القبول من ال تعالى؟
قبل أن ننظر في قضية قبول التوبة يحسن أن نحلل هنا موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل.
===============================
( )1ر .ابن منظور :لسنان العرب
( )2امحمد اطفيش :جامع الشمل 239 :وذكر أنه رواه ابن مردوية والبيهقي في شعبة عن ابن مسعود.
( )3ر .الغزالي :الحياء .11/2073ويقول المحقق عن الحديث إنه جاء عند ابن ماجة وابن حبان والحاكم .أما ابن ماجة فصحح
اسناده من حديث ابن مسعود .ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين .ر .الحياء :تعليق : 1
.2073
جاء بصيغة " التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم "...احمد .1/446ر .ونسنك :المعجم المفهرس للفاظ الحديث .1/284
( )4ر .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت.216 :
ملحظة:لقد جاءت عدة تعريفات للتوبة كلها تحوم حول ما ذكرنا فلذلك نكتفي بالحالة على مصادرها .ر .عثمان بن خليفة
السوفي :كتاب السؤالت215 :و . 216ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط . 3/106 ،2ر.خميس بن سعيد الرستاقي:
المنهج . 249 -2/245ر .امحمد اطفيش :شامل الصل والفرع ( 1/68 :وقد نبه إلى أداء الكفارات).
أما الشاعرة فيعرفونها كما يلي ":وفي الشرع :الندم على المعصية من حيث هي معصية مع عزم أل يعود إليها إذا قدر
عليها ".اليجي :المواقف .2/450ويضيف البيجوري مبدأ إرجاع حقوق العباد لكن المحقق بذكر أن الندم وحده كاف مع
التفويض إلى ال تعالى كما وقع لدم عليه السلم .ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد.196 :ر .الطاهر بن عاشور :التحري
والتنوير ط 1/438 :2حيث بين أن التوبة علم علم وحال وعمل.
( )5البرادي :رسالة الحقائق 39 :وعن القول المنسوب إلى غير الباضية ر .الغزاليك حديث الربعين 143 :
( )6عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 356 :و 347
( )7عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور 356 :و 347
( )8انظر ما يلي571 :
( )9عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت219:
( )10عمرو التلتي :نخبة المتين159 :
( )11عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 142وجه و قفا .ر .عبد العزيز الثميني :النور.357 :
ويعبر الغزالي عن موقف الشاعرة كما يلي" :إذا عرفت حقيقة التوبة انكشفت لك أنها واجبة على كل أحد وفي كل حال ".كتاب
الربعين 144ر .الحياء .11/2073 :أما البيجوري والقرطبي فلم يكتفيا بذكر الوجوب بل ناقشا المعتزلة في قول بعضهم بعدم
الوجوب.ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد. 157 :ر .القرطبي :احكام القرآن .5/90وينقل اليجي عن المدي أن المر ظاهر
في الوجوب لكنه غير قاطع لجواز أن يكون رخصة إيذانا بقبولها ودفعا للقنوط ر .اليجي :المواقف .2/451
أما موقف المعتزلة فيلخصه الشعري كما يلي ":واختلفوا (المعتزلة) في وجوب التوبة :فقال قائلون :التوبة من المعاصي
فريضة ،وأنكر ذلك آخرون" .المقالت .2/170
( )12انظر ما يلي 575 :و .589
( )13عبدال السالمي :المشارق .416 :ويناقش السالمي الجبائي من المعتزلة الذي يرى أل توبة من الصغير لنه يكفر باجتناب
الكبير فيقول:ط تكفيرها باجتناب الكبائر ل ينافي وجوب التوبة منها على الجمال" :المشارق.416 :
ويتفق الباضية والشاعرة في وجوب الفورية واعتبار التأخير ذنبا آخر .ر .البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .196 :وينبه
البيجوري إلى الختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الذنب يتعدد الزمن بينما يعتبر الشاعرة أنه ذنب واحد ولو تراخي .
والباضية في هذا يلحون على قضية الصرار(انظر ما يلي)575 :
( )14امحمد اطفيش :شامل الصل والفرع1/77 :
بناء على التحسين والتقبيح العقليين يقرر المعتزلة وجوب الثواب على ال تعالى كما يوجبون عليه
قبول توبة التائبين.
يقول القاضي عبد الجبار ":وأما الشروط في استحقاق الثواب والعقاب في الفعال فكالشروط في
استحقاق المدح والذم عليهما ( )15غير أنه لبد من اعتبار شرط آخر فيهما وهو أن يكون الفاعل
ممن يصح أن يثاب أو يعاقب ،وإن شئت قلت الشرط هو أن يكون الفاعل ممن يفعله لشهوة أو
شبهة ...وغنما لم يكن بد من اعتبار هذا الشرط لنه لو لم يعتبر للزم استحقاق القديم تعالى
العقوبة ،ومعلوم أنه لو قدر وقوع القبيح من جهته لم يستحق العقوبة وإن استحق الذم ،تعالى عن
ذلك علوا كبيرا" (. )16
ثم يبين أن المؤثر في استحقاق المدح والثواب"إنما هو فعل النسان للواجب واجتنابه للقبيح وما
يجري هذا المجرى" ( )17ويخلص إلى النتيجة التالية ":وإذا قد عرفت هذه الجملة فاعلم أنه
تعالى إذا كلفنا الفعال الشاقة فلبد من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله ،بل ل يكفي هذا
القدر حتى يبلغ في الكثرة حدا ل يجوز البتداء بمثله ول التفضل به وإل كان ل يحسن التكليف
لجله" (. )18
ويرد على من يعتبر أن ال يثيب على ما ليس فيه مشقة بقوله ":إنا ل نوجب أن يكون في نفس
الفعل مشقة ،بل يجوز أن يكون في سببه أو في مقدمته أو في ما يتبعه ويتصل به" (. )19
وهكذا يتناسق هذا الموقف مع قول المعتزلة بالعدل اللهي ،وبهذا يتضح قولهم بأن الثواب
استحقاق وأنه ثمرة من ثمرات اليمان والعمل الصالح ،وبالتالي فهو واجب على ال تعالى إذ العدل
اللهي يقتضي أن يجارى المحسن حسب ما قدمت يداه.
وقبل أن نورد حجج مخالفيهم على هذا الموقف يحسن أن نشير إلى أن أبا القاسم خالف أصحابه في
هذا الرأي وذهب إلى أن الثواب جود من ال تعالى ":عن القديم تعالى إنما كلفنا هذه الفعال الشاقة
لما له علينا من النعم العظيمة فإن ذلك غير ممتنع ،فمعلوم أن من أخذ غيره من قارعة الطريق
فرباه ،وأحسن تربيته ،وخوله وموله ،وأنعم عليه بضروب النعم ،جاز له أن يكلفه فعل يلحقه بذلك
مشقة ،نحو أن يقول :ناولني هذا الكوز أو تمم هذا السطر ،ول يجب أن يغرم في مقابل ذلك شيئا
آخر ،كذلك في القديم تعالى فنعمه عندنا ل تحصى وأياديه لدينا ل تحصى ،ولما ذهب في ذلك إلى ما
ذكرناه قال :إنه إنما يثيب المطيعين ل لنهم استحقوا ذلك بل للجود" (. )20
ويرد القاضي عبد الجبار على أبي القاسم ردا شديدا معتبرا أن في هذا القبول تناقضا وبمثابة من
قال ":يجب أن تفعل ويجب أل تفعل وهذا محال" (. )21
تبين من هذه النصوص حينئذ أن جمهور المعتزلة يوجبون الثواب على ال تعالى فماذا عن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الشاعرة؟
يقول البيجوري ":وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ل تنفعه طاعة ول تضرع معصية ،والكل بخلقه
فليست الطاعة مستلزمة للثواب ،وليست المعصية مستلزمة للعقاب ،وإنما هما أمارتان تدلن على
الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى" (. )22
فالشاعرة يعتبرون أن الثواب وعد من ال وأنه تفضل وغنما يقع لخباره بذلك لن ال تعالى
يستحيل في حقه أن يحتم عليه المر (. )23
أما الباضية فيقول عنهم الشعري ":وقالوا (يقصد جل الباضية) :جزاء ال في العباد أكثر من
تفضله ،وعافيته أكثر من ابتدائه ،والثواب واجب بالستخلف والتفضل والبتلء ابتداء")24( .
فهل اتخذ الباضية فعل موقف المعتزلة في إيجاب الثواب بالستحقاق على ال كما يذكر الشعري
رغم مخالفتهم في وجوب الصلح والصلح على ال؟
وفي هذا الشأن يقول عمرو التلتي ":واتفقوا أيضا على أن ال تعالى ل يجب عليه لعباده شيء من
الصلح والصلح لنه لو وجب عليه ما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر وفي الخرة
بالعذاب الليم المخلد فيه ،المبتلى في الدنيا بالسقام والمحن والفات ،ولنه لو وجب عليه ما بقي
للتفضل محل ،ولم يكن له خيرة في النعام ،وهو باطل لقوله تعالى ( :وربك يخلق ما يشاء ويختار)
( 28القصص )68وقوله( :يختص برحمته من يشاء) ( 2البقرة . )25( )105
وبما أن الباضية ل يقولون بوجوب الصلح والصلح على ال فإنهم يعتبرون أل موجب على ال
في شأن الثواب ،وهذا الوارجلني ،عند تحليل ما يتعلق بالوعد والوعيد ،يذكر ما يثبت أل موجب
على ال وأن الوجوب وجوب حكمة فيقول ":ل موجب على ال وإنما الوجوب في حق الحكمة" (
)26كما يرد على من قال بان الثواب حتم بقوله ":فالذين قالوا إن الثواب حتم على ال قد أساءوا
الدب إنما كان ينبغي لهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا إنه واجب" (. )27
ويؤيد هذا الموقف ما جاء في الموجز عند تفسير حديث الرسول عليه السلم ( )28حيث يقول":
إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم :ل حول ول قوة إل بال،
أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ،ول
يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ،ويغمده
برحمته التي ل يخيب من تغمد بها")29( .
فموقف الباضية صريح في رفض موقف المعتزلة القائل بوجوب الستحقاق والفرق شاسع بين
الوجودي وجوب الحكمة ووجوب الستحقاق إذ وجوب الستحقاق إنما يتوجه من القوي إلى
الضعيف وذلك من علمات النقص التي تعالى ال عنها علوا كبيرا ،بينما وجوب الحكمة فضل من
ال ورحمة.
ولعل الشعري وقعت بين يديه بعض المتون المختصرة ( )30التي وردت فيها كلمة الوجوب
فأضاف الستحقاق رغم أنه أشار إلى التفضل ،وتحول فيها كلمة الوجوب فأضاف الستحقاق رغم
أنه أشار إلى التفضل وتحول بذلك المعنى عن الصل وعن سياق مبادئ الباضية العامة وأبرزها
في هذا الشأن اعتبارهم أن التحسين والتقبيح شرعيان فالحسن ما حسنه الشرع ووعد عليه حسن
الثواب والقبيح ما قبحه الشرع وتوعد عليه سوء العقاب.
ونورد نصين متأخرين عن زمن الشعري لعلهما يشعران بما جاء قبلهما مما لم يصلنا من
النصوص.
الول في القرن الخامس " 11 /وذلك أن وليته(ال) وجوب الثواب لوليائه وعداوته وجوب
العقاب لعدائه" (. )31
والثاني من القرن الثامن ": 14 /ومما يجب على المكلف أن يعلم أن ال أمر بطاعته وأوجب عليها
ثوابا ،ونهى عن معصيته وأوجب عليها عقابا" (. )32
وما كان يخفى على الجيطالي أن الوجوب وجوب الحكمة بعد تحليل الوارجلني للقضية في الدليل
والبرهان.
ويشير أحمد الشماخي كذلك إلى أن الثواب فضل من ال إل انه يضيف أنه خاص بالمتقين ":قولك:
بل يفضل ال" أقول :المر كذلك لكنه أخبر أنه فضله ورحمته خاصان بالمتقين (فسأكتبها للذين
يتقون) ( 7العراف )156وكثر في القرآن ( بما كنتم تعملون) ( 5المائدة ( )105بما أسلفتم) (69
الحاقة )24وما شاكلها .فإن حملنا أخبار ال تعالى على الصدق فقد أخبرنا بأنها خالصة
للمؤمنين(فسأكتبها للذين يتقون) كما هو مذهب كل مؤمن مسلم" (. )33
ويذكر عمرو التلتي أن " كل نعمة فضل من ال تعالى ،وأن كل نقمة عدل منه عز وجل" (. )34
وإذا تأملنا في المصادر الباضية المتأخرة نتبين بوضوح مناقشتها لهذه المقولة وردها لرأي
المعتزلة القائلين بوجوب الثواب على ال ومن ذلك ما جاء في كتاب المعارج:
" ذهبت المعتزلة أيضا بناء على قولهم بتحكيم العقل إلى وجوب ثواب الطاعة عقل على ال تعالى،
واحتجوا على ذلك من الكتاب العزيز بقوله تعالى ( :ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ثم
يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما) ( 4النساء )100قالوا :فهذه الية تدل
على أن العمل يوجب الثواب على ال لنه تعالى قال( :فقد وقع أجره على ال) وذلك يدل على قولنا
من ثلثة أوجه :أحدهما انه ذكر لفظ الوقوع ،وحقيقة الوجوب هي الوقوع والسقوط قال تعالى:
( فإذا وجبت جنوبها) ( 22الحج )39أي وقعت وسقطت .وثانيها :أنه ذكر بلفظ الجر والجر عبارة
عن المنفعة المستحقة ،فأما الذي ل يكون مستحقا فذلك ل يسمى أجرا بل هبة .وثالثها :قوله(على
ال) وكلمة(على) للوجوب قال تعالى ( :ول على الناس حج البيت) ( 3آل عمران .)97
وأجيب بأنه ل نزاع في وجوب الثواب على الطاعة لكن ذلك بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم ل
بحكم الستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن اللهية...فهو سبحانه وتعالى يقبل توبة التائب تفضل
منه ووفاء بوعده ويثيب المطيع تفضل منه ،ووفاء بوعده وال أعلم" (. )35
ويقول أيضا...":أهل الستقامة يقولون إن التعذيب بعدل ال والثواب بفضله والمعتزلة يقولون
بوجوب ذلك عليه ،تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين" (. )36
فالمهم حينئذ أن موقف الباضية جاء موقفا ذاتيا مستفيدا من هذا وذاك دون أن يكون تابعا تبعية
مطلقة لي طرف ،فهم يرون أن الثواب واجب وجوب حكمة تتناسق والعدل اللهي ،فال يوجب
على نفسه ما يشاء دون أن يوجب عليه أحد ،وعبر الشاعرة عن ذلك بقولهم إنه يمكن أن يعكس
فيعاقب المحسن ويثيب المسيء ،وفي موقفهم رد عنيف على المعتزلة ،كما أن الباضية ألحوا
إلحاحا كبيرا على جانب الفضل والرحمة وهذا هو الموقف المستقر في الفكر الباضي عبر القرون (
ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) ( 24النور )21لن عمل النسان مهما
كان ل يمكن أن يعادل ما يتمتع به من نعم ،فالثواب حينئذ في مستوى صلته بعمل النسان الموفي
أقرب إلى الوجود لرتباط النتيجة بالسبب ،وفي مستوى صلته بالمثيب إنما هو تفضل ورحمة لن
ال غني عن العالمين.
( " )15فكذلك المدح أيضا قسمان على ما ذكرنا ،فقسم يتبعه الثواب من جهة ال تعالى والشرطة في استحقاقه شرطان:
أحدهما يرجع إلى الفعل وهو أن تكون له منفعة زائدة على حسنة ،والخر يرجع إلى الفاعل وهو أن يكون عالما بأن له صفة
زائدة على حسنة ،فل بد من اعتبارهما معا كما في الذم ،ولهذا قلنا :إن الصبيان ل يستحقون على أفعالهم المدح ،لما لم يعلموا
أن لها صفة زائدة على الحسن" .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.613 :
( )16القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )17القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )18القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة614 -613 :
( )19القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة617-616 :
( )20القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة618 :
( )21نفس المصدر 619
( )22البيجوري :شرح جوهرة التوحيد .108 :بل يذهب إلى أكثر من ذلك وهو إمكانية العكس ،فحتى لو عذب ال المطيع
وأثاب العاصي لكان حسنا .ر .اليجي :المواقف 2/451حيث يبين أل وجوب
( )23انظر أدلتهم عند الجويني :الرشاد ،تحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد مطبعة السعادة مصر
381 : 1369وعند ابن تيمية :مناهج السنة ط 1مصر 1/129 :1321
ومنها من النقل:
قوله تعالى ] ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله[ (الروم )45وقوله تعالى ] :ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكا
منكم من أحد أبدا[ (النور .)21وقوله عليه السلم " :لن يدخل أحد منكم الجنة من أحد قالوا :ول أنت يا رسول ال ،قال :ول أنا
.إل أن يتغمد ني ال برحمته منه وفضل" (انظر تخريج الحديث 440تعليق .)119
ومن العقل:
يتحقق الوجوب في حق من لو فرض منه ترك الوجوب لستحق الذم أو العقاب ،وال منزه عن ذلك ،ولو قدر أنه عذب من يشاء
لم يكن لحد منعه وقد قال تعالى ]:قل فمن يملك من ال شيئا[ ( المائدة – )17عبادات العبد ل تفي بنعم ال تعالى عليه شكر له
عليها ،فلم استحقاق الثواب في أعمال وقعت عوضا عن جزء قليل من نعيم استوفاه العبد.
( )24أبو الحسن الشعري :المقالت1/188 :
إن أحسن ما يرجوه التائب أن يقبل ال توبته ،وأن يعفو عن معاصيه وأن يبدل سيئاته حسنات ،وأن
يدخله جنة النعيم ،إل أن علماء الكلم أثاروا نقطة الستحقاق والفضل هنا كما فعلوا بالنسبة إلى
الثواب.
فالمعتزلة يرون انه يجب على ال قبول التوبة نقل وعقل .أما النقل فاعتقادهم على قوله تعالى:
( إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب ال عليهم
وكان ال عليما حكيما) ( 4النساء )17حيث اعتبروا أن(على) بمعنى الوجوب ولول ذلك لكانت
الية مساوية لقوله تعالى (فأولئك يتوب ال عليهم) ( 4النساء .)17
يرد السالمي بما يلي ":وأجيب عن ذلك بأنه تعالى وعد بقبول التوبة من المؤمنين فإذا وعد ال
بشيء وكان الخلف في وعده محال كان ذلك شبيها بالواجب فبهذا التأويل صح إطلق كلمة(على)
وبهذا الطريق ظهر الفرق بين قوله( إنما التوبة على ال) وبين قوله( فأولئك يتوب ال عليهم).
فإن قيل :فلم أخبر عن قبول التوبة ،وكل ما أخبر ال عن وقوعه كان واجب الوقوع فيلزمكم أل
يكون فاعل مختارا.
أجيب بأن الخبار عن الوقوع تبع للوقوع ،والوقوع تبع لليقاع ،والتبع ل يغير الصل ،فكان فاعل
مختارا في ذلك اليقاع فسقط احتجاجهم بالية" (. )37
ثم يرد على قولهم بوجوب قبولها عقل اعتمادا على تحليل الفخر الرازي الذي يدلي بأربعة حجج
نكتفي بذكر واحدة منها ":إن التوبة فعل يحصل باختيار العبد على قولهم ،فلو صار ذلك علة
للوجوب على ال لصار فعل العبد مؤثرا في ذات ال وفي صفاته ،وذلك ل يقوله عاقل" (. )38
ومن خلل هذه الردود نتبين اتحاد الموقف بين الباضية والشاعرة فالكل يرى أن قبول التوبة
أفضل من ال تعالى .وهذا السالمي يقول ":منتهى التوبة وثمرتها حط الوزار بمعنى إزالة الثام
عن المذنب وتلك الثمرة إنما هي بمحض تفضل منه تعالى ل بوجوب عليه" (. )39
فقبول التوبة حينئذ تفضل من ال تعالى وفضل ورحمة فمتى تقبل التوبة ومتى ل تقبل؟
يقول ال تعالى ( :إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك
يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما) ( 4النساء .)17
بين محمد اطفيش أن الجهالة تتمثل في السفه وتشمل من علم ومن لم يعلم ،ويستدل بقول قتادة:إن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم أجمعوا على أن كل ما عصي ال به فهو جهالة ولو مع علم
وان كل من عصى ال فهو جاهل ولو كلن عالما (. )40
كما بين أن التوبة من قريب يفسرها حديث الرسول صلى ال عليه وسلم " :عن ال يقبل توبة
العبد ما لم يغرغر" (. )41
إن هذا المعنى ل ينفي المبادرة إلى التوبة حال الوقوع في المعصية إل أنه يجعل فسحة للتائب
ويؤازره هذا رد ال تعالى على إبليس حينما طلب المهال وأثبت أنه لن يخرج من قبل آدم ما دام
فيه الروح بما يلي " :وعزتي ل احجب عنه التوبة ما دام فيه الروح" )42( .هذا في ما يتعلق
بالجهالة وسعة الزمن ،بقي أن نذكر ببعض الشروط.
شروط التوبة:
سبق أن ذكرنا عند التعريف شروط التوبة فيستحسن أن نقف عندها بشيء من التحليل:
)1الندم" :هو غم يصيب النسان ويتمنى أن ما وقع منه لم يقع وذلك حياء من ال تعالى وأسفا
على عدم رعاية حقه" (. )43
ومن أسباب الندم خوف عدم القبول ،ومن علمات مخالفة الهوى ،وكثرة البكاء ،وقلة الكلم
والطعام والمقام (. )44
)2الستغفار:هو طلب الغفران للذنب سواء كان ذلك الطلب بالقول والقلب أو بالقلب فقط لقوله
تعالى ( :والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم) ( 3آل عمران
.)135ويرجع ذلك إلى أصل الذنب فالمعصية القلبية يناسبها الستغفار القلبي والجهرية يناسبها
الستغفار القولي (. )45
)3العزم على أل يعود في المستقبل إليه أو إلى مثله :والفرق واضح بين العاجز والقادر ،أما القادر
على العودة فل تعتبر توبته نصوحا حتى يمكن من الذنب عشر مرات مع توفر السباب الداعية له
وامتناعه منه)46( .
وأما العاجز فالشرط في حقه عزمه على الترك لو عادات إليه قدرته على الذنب (. )47
)1الرجوع بانكسار :ول تتم التوبة إل بالقلع بصفة نهائية عن الذنب بتذلل وانكسار نفس لن ما
فات من العمر ل يمكن أن يرجع.
وإثبات هذتا الشرط يخرج المقلع اضطرارا خشية تعزيز من المام أو نتيجة فقدان جارحة وفي
نفسه لو يستطيع لفعل (. )48
)1فمن كانت معصيته في حق ال تعالى فهذه الشروط كافية لكن يتحدد الفرق بين المستحل
للمعاصي وبين المحرم لها.
أما المحرم ( )49لها :أي الذي يعتقد أنه ينتهك حرمات ال فعليه مع التوبة استدراك ما فاته
بالقضاء مع أداء الكفارة.
وتجدر الشارة إلى الحج والزكاة بالنسبة إلى من كان موسرا حالة العصيان ،وصار معسرا عند
التوبة ،والرأي الراجح أنه معفو عنه ،ومنهم من يأمره بالوصية وإلى جانب هذا أداء الكفارة
وللباضية تحليل موسع للكفارات (. )50
وأما المستحل ( ّ )51فيعامل معاملة من أسلم بعد كفر ،والسلم يجب ما قبله ،والدينونية عليه
سوى الرجوع إلى الحق والدينونة ببطلن ما كان عليه (. )52
)2ومن كانت معصيته تعلق بها حق من حقوق العباد فتوبته تكون حسب الستحلل والتحريم.
أما المستحلّ :فتجزيه التوبة من ذلك الشيء دون غرمه سواء كان قائما في يده أو كان قد أتلفه
وهذا القول ظاهر في المشركين لقوله تعالى ( :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (8
النفال )38كما أن السيرة أيدت ذلك لن الرسول عليه السلم لم يسترجع الدور التي انتزعها
المشركون من المسلمين حتى بعد إسلمهم عند فتح مكة .وقد قال عمر :ولسنا بنازعين شيئا من يد
أحد إذ أسلم عليه ،وعلى هذا اجتمعت المة المحمدية (. )53
وأما المحرّم فعليه التنصل من حقوق العباد فيؤديها لصحابها إن كان قادرا ،وإن كان غير قادر ،أو
تعذر عليه وجود أصحابها أو تعذر عليه ما يتخلص به فإنه يجب عليه حينئذ أن يعتقد الخلص عند
القدرة عليه ،فإن حضره الموت ولم يجد سبيل إلى الخلص وجبت عليه الوصية ول شيء عليه
فوق ذلك .أما إذا عفا صاحب الحق فل غرم)58( .
أما إذا غفل عن ذلك في توبته فلبد من المقاصة وذلك بأن يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي
للمظلوم ،فإذا نفذت حسنات الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم)59( .
واضح من خلل ما ذكرنا أن الباضية وسائر علماء السلم ( )60قالوا وأطالوا في موضوع التوبة
والتائبين ،لذلك نكتفي بهذا القدر مع اللحاح على أن المصادر الباضية تركز خاصة على أن وعد
ال تعالى خاص للتائب الذي ختم عمره بالتوبة وهذا ما سيتجلى بوضوح في المباحث اللحقة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبعد أن علمنا إجمال متى تقبل التوبة فمتى ل تقبل هذه التوبة؟
=================================
438
( )53ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا .لم يتوسع في القضية التوسع المطلوب وكذلك تبعه عبد العزيز الثميني:
النور:ص .360لكن قد توسع في القضية عبدال السالمي :المشارق 450 -447 :ولذلك اعتمدنا تحاليله لستكمال الفائدة رغم
أنه خارج عن مرحلتنا ،وقد اتضح استيعاب للموضوع حيث ذكر أقول أبرز علماء الباضية في المشرق والمغرب.
( )54المرتد :إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين عند ارتداده هل يرد عند التوبة؟ أما الحنيفة فيوجبون عليه لكن الباضية يعفونه
منه اعتبارا أنه مثل المشركين.
( )55الذمي :إذا اغتصب من أموال المسلمين وهو تحت الذمة يرجعه عند إسلمه ،يذهب الزمخشري ويؤيده امحمد اطفيش إلى
وجوب الرد لكن جمهور الباضية ل يفرقون بينه وبين المشرك فل رد عليه.
( )56ما اغتصبه المشركون من المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا وليس لصاحبه أن يأخذه منهم وتجوز معاملتهم فيه أم ل
:قولن:
أ -ذهب إلى جواز معاملتهم فيه دون أخذه كل من الربيع بن حبيب وأبي يعقوب الوارجلني والمحققين من أهل المغرب وصححه
القطب (امحمد اطفيش)
ب -وذهب إلى الخذ وعدم المعاملة كل من ابن بركة وصاحبه السؤالت (أبي عمرو السوفي) والمام أفلح والمحقق الخليلي
ولكل من الطرفين دليله الشرعي.
( )57الموحد المستحيل بتأويل الخطأ أقوال:
أ) مثل المشركين ل إرجاع.
ب) عليه أن يرجع.
ج) إن تاب ومعه عين ما أخذ يرجعه ،وإن تاب وليس معه ما أخذ فل غرم ،والدليل سرية أسامة بن يزيد وموقفه مع الرجل الذي
صرح بكلمة اليمان عندما حوصر فقتله أسامة على أساس أنه تعوذ بها ،فنهره الرسول عليه السلم ونزل قوله تعالى ]:ول
تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا[( 4النساء )94ر .عبدال السالمي :جوهر النظام ،تعليق أبي اساق اطفيش عدد 1ص
267ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 143قفا.
( )58ر .المحشي :حاشية على كتاب قواعد السلم :ورقة 265وجه إلى 270قفا ر .عبد ال السلمي :المشارق. 445 :ر.
خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 232 -2/231 :وقد حلل القضية تحليل موسعا.
وهذا الموقف هو ما قال به الشاعرة مع شيء من الفارق بين الشافعة والمالكية وفي ذلك يقول البيجوري ":فان تعلقت
المعصية به( حق آدمي) فلها شرط رابع وهو رد الظلمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه تفصيل عندنا معاشر الشافعية وأما
عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة إجمال ،وفيه فسحة ،فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مستغرق الذمم فالمطلوب منه الخلص
وكثرة التضرع إلى ال تعالى لعله يرضي عنه خصماءه يوم القيامة " شرح جوهرة التوحيد 197 -196
( )59ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/232 :
( )60أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط . 104 -3/102 ،2ر .ابن تيمية :الفتاوي الكبرى .501 -7/487ويذكر عدة
أسباب لدفع الذنوب مثل المصائب ويرد قول من يقول بأن الذنوب ل تدفع إل بالتوبة .
لقد بينا أن قبول التوبة فضل من ال تعالى لذلك ينبغي لمن ابتلى بشيء من المعاصي أل يتوانى في
التوبة ،ويتوب في حال المكان قبل أن يغلق عليه باب التوبة ( )61فمتى يغلق باب التوبة؟
تميز المصادر الباضية بين التمادي والصرار وفي ذلك يقول عمرو التلتي ":إن الفرق بين
المصر والمتمادي أن المصر هو الناوي لعدم التوبة من عصيانه وللقاء ربه به كالمشرك.
والمتمادي هو الناوي للتوبة من عصيانه في وقت ما ،وللقائه تعالى بها فهذا ترجى له النجاة من
النار دون الول" (. )62
ولسنا في حاجة إلى إطالة الحديث عن المتمادي فهو غافل يرجى أن ينتبه من غفلته ليرتقي في
مدارج التوبة ،وإنما القضية مع المصر فقد جاءت في شأنه عدة آراء.
الصرار:
لغة :أصررت على الشيء إذا أقمت ودمت عليه ومنه قوله تعالى ( :ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون) ( 3آل عمران )63( )135وقال أبو الهيثم :أصرّي أي اعزمي كأنه يخاطب نفسه من
قولك /أصرّ على فعله يصرّ إصرارا إذا عزم على أن يمضي فيه ول يرجع ...وأصرّ على الذنب لم
يقلع عنه .وفي الحديث " :ما أصر من استغفر" ( )64أصر على الشيء يصر عليه إصرارا إذا
لزمه وداومه وثبت عليه ،وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب يعني من أتبع الذنب الستغفار فليس
بمصر عليه وإن تكرر منه .وفي الحديث " :ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوه وهم
يعلمون" (. )65
أما المعنى الشرعي:فقد جاء ضمن الشروح اللغوية وفي استدلل ابن منظور بالقرآن والحديث
أحسن برهان على ذلك وقد غلب المعنى الصطلحي الشرعي على المفهوم اللغوي إلى أن صارت
كلمة الصرار أكثر ارتباطا بالذنب والعصيان.
وتلح المصادر الباضية مع تغريف الصرار على أل سبيل للمصر إلى النجاة يوم القيامة لنه معاند
محاد ل ولرسوله وقد شمل الوعيد الذين يحادون ال ورسوله.
وقد اعتبر أبو عمرو السوفي الصرار من الكبائر متشهدا بقوله عليه السلم " :هلك المصرون" (
. )67
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وسئل عثمان بن خلفة السوفي ":هل يكون الصرار بالحديث أو بالشتغال بغير التوبة قال :ل ،حتى
يقول ل أتوب ،قال :والصرار القامة على الذنب والعتقاد للعودة إليه")68( .
ويلح الصدغياني على هلك المصرين بمناقشة الشاعرة في رجاء المغفرة لهل الكبائر المصرين
عليها فيقول بعد سرد عدة أدلة ":ومثل هذا كثير في الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم
مصرين" ( )69كما يقول في نفس الرسالة ":وقلتم أنتم (الشاعرة) مؤمن ولي ال ل يعذب مع
الصرار على الذنب دون التوبة والستغفار ...والكبائر ينوب بعضها عن بعض فمن أصر على
كبيرة فقد خرج من اليمان ودخل الكفر" (. )70
ويقول أبو مهدي أيضا بعد عرض الدلة حول إنفاذ الوعيد للمصرين " :ومثل هذا كثير من الوعيد
لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم مصرين")71( .
وتعرض أحمد الشماخي للقضية في رده على صولة الغدامسي ( )72وفي شرح العقيدة ونكتفي
بذكر النص الثاني ":كل مصر كافر ،وإن المقام على الكبائر والصرار على الصغائر تصير العمال
هباء فتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط")73( .
ويورد عمرو التلتي موقف الباضية كما يلي ":وقال أصحابنا رحمهم ال تعالى ":من عمل
صغيرة أو كبيرة وأصل عليها واستكبر وتهاون بها ولم يتب منها حتى مات عليها أدخله ال عز
وجل النار.
وان من أصر ولو على أخذ حبة بغير حق وجبت له النار ولو أمضى عمره في طاعة ال عز وجل
وأنفق ماله في سبيل ال ول يقبل منه شيء من ذلك ولو مثقال ذرة حتى يتوب ،فإن تاب رجونا له
أن يجدد ال له ثواب عمله السابق منه حال إصراره كما يدل لذلك نحو قوله صلى ال عليه وسلم
":من كذب وأصر فهو في النار مخلد" وقوله عز وجل في الحديث القدسي ":ل أقبل عثرة
المصرين في الدنيا والخرة" (. )74
وإن الصرار على المعاصي ل شيء أعظم منه عند ال تعالى لما فيه من عدم مبالة صاحبه من
سخط ال واستخفافه به واستقلله به وبارتكاب المعاصي (. )75
وتطيل كتب إباضية المشرق التحليل في هذا الشأن ونكتفي بذكر شيء مما أورده خميس الرستاقي
حيث يقول ":ومن الكبائر التي صحت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم الصرار على جميع
المعاصي وكذلك في كتاب ال تعالى وإجماع أهل العدل وكمن الكتاب قوله تعالى (:ومن لم يتب
فأولئك هم الظالمون) ( 49الحجرات )11وقال النبي صلى ال عليه وسلم ":هلك المصرون"...
والجماع من أهل العدل في ما دانوا به انه ل يكون الغفران من ال تعالى على الصرار على الذنوب
قلت أو كثرت صغرت أو كبرت" (. )76
هذا شيء من النصوص قديمها وحديثها يثبت إنفاذ الوعيد في المصرين وهم في الحقيقة ليسوا من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الذين ل تقبل توبتهم رغم توجههم للتوبة وإنما هم قوم أعرضوا عن التوبة إعراضا تاما عن وعي
وإدراك ،فهؤلء ل يمكن بحال أن تهدي لهم التوبة رغم إعراضهم عنها ،وقد اتضح أن الباضية
يستدلون لذلك بالنصوص قرآنية منها قوله تعالى أثناء عرض بعض صفات المتقين الذين يكرمهم
ال بجنة النعيم ( :والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا ومن يغفر الذنوب
إل ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) ( 3آل عمران .)135
ويقول محمد اطفيش ( )77عند شرح هذه الية ":يعلمون أني أعاقب على الصرار والصرار على
الذنب كبيرة في حق من علمه ذنبا ومن لم يعلمه لكنه في حق من علم أقبح وأكبر فقد يعذر الجاهل
في أمر ول يعذر العالم" (. )78
ثم يقول بعد قليل ":وذكر الجر للعالمين ولم يبق للمصرين إل العقاب لحديث ":هلك المصرون"
وغيره من الحاديث واليات الدالة على عقابه الملحقة الفاسق بالمشرك" (. )79
وقد جاءت آيات أخر في ذم المصرين إل أنها جاءت متعلقة بالكفار وببعض صفاتهم وهي قوله
تعالى في قوم نوح ( :واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) ( 45الجاثية )8وقوله تعالى
في ذم أصحاب الشمال( :وكانوا يصرون على الحنث العظيم) ( 56الواقعة .)46
ومن الحاديث المعتمدة في هذا الشأن قوله عليه السلم " :هلك المصرون" ( )80وقوله " :ل
صغير مع إصرار ول كبير يكبر مع توبة واستغفار" ( )81وقوله " :ل توبة مع إصرار" ()82
وقولـه ... :والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه" ( )83وقوله " :من كذب
وأصر فهو في النار مخلد" (. )84
من خلل ما ذكر يتضح أن الصرار من الكبائر ولعله من أكبرها الن المصر على المعصية ل سبيل
له إلى النجاة ولذلك ألحت المصادر الباضية على أن المصر حتى على الصغيرة يعتبر كافرا كفر
نعمة حكمة أن ينفذ فيه الوعيد فيخلد في النار كما على جماعة المسلمين أن يبرءوا منه إن ثبت
لديهم إصراره وعناده ،وقد استدلوا على ذلك بالقرآن وبأحاديث منها ما ذكره غيرهم ومنها ما لم
يذكره غيرهم (. )85
=============================
( )61ر.خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج2/239 :
( )62عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 116وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور 297 :ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل
والبرهان ط 2/109
( )63انظر 579 :
( )64ر .أبو داود :وتر .26الترمذي :دعوات . 106ر .ونسنك :المعجم المفهرس 3/293ر .ابن منظور :لسان العرب.
( )65ر .أحمد بن حنبل .219 .2/165 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس . 3/298ر .ابن منظور :لسان العرب.
( )66أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي :النونية 6 :بيت 86
( )67عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت52 :
( )68نفس المصدر . 216 :ر امحمد اطفيش :شرح النيل ( موسوعة فقهية) ط 2دار الفتح بيروت 404 /17 ، 1972 -1392
( )69أبو عبدال الصدغياني :رسالة لهل وارجلن 4 -3 :
( )70المصدر السابق2 :
الحباط
لغة ":حبط حبطا وحبوطا :عمل عمل ثم أفسده وال أحبطه .وفي التنزيل ( :فأحبط أعمالهم) (47
محمد 9و .)18الزهري :إذا عمل الرجل عمل ثم أفسده قيل حبط عمله وأحبط صاحبه ،وأحبط ال
أعمال من يشرك به .وفي الحديث ":أحبط ال عمله" أي أبطله (. )86
قال الزهري :ول أرى حبط العمل وبطلنه مأخوذا إل من حبط البطن لن صاحب البطن يهلك وكذلك
عمل المنافق يحبط غير أنهم سكنوا الباء من قولهم حبط عمله يحبط حبطا ،وحركوها من حبط بطنه
يحبط حبطا ،كذلك ثبت لنا عن ابن السكيت وغيره .ويقال حبط دم القتيل يحبط حبطا إذ هدر.
وحبطت البئر حبطا إذا ذهب ماؤها .وقال أبو عمرو الحباط أن تذهب ماء الركية فل يعود كما كان"
(. )87
ولقد أثار المعتزلة قضية الحباط من وقت مبكر وهذا تعريفهم له ":وجملة القول في ذلك هو أنا قد
ذكرنا أن المكلف إما أن تخلص طاعاته أو معاصيه أو يجمع بينهما ويخلطه ،فإذا أجمع بينهما فل
سبيل إلى التساوي على ما تقدم ،فليس إل أن يكون أحدهما أكثر من الخر ،والخر أقل منه ،فيسقط
القل بالكثر وهذا هو الذي نعنيه بالحباط والتكفير" (. )88
ويختلف أبو علي وأبو هاشم في الموازنة بين الطاعات والمعاصي فيرى أبو علي أن المعصية
تحبط الطاعة تماما ،بينما يرى أبو هاشم أن فعل الطاعات يخفف على المعاصي من العذاب ،
وينتصر الجبائي لبي هاشم ومن ردوده ،على أبي علي قوله ":أما ما ذكره (أبو علي) أول ،وهو
أن الفاسق لقدامه على المعاصي وارتكاب الكبائر أخرج نفسه من أن يستحق الثواب فل يصح ،لن
الفاسق أتى بالطاعة على الوجه الذي كلف وامر به ،وعلى حد(كذا) لو تفرد عن الكبيرة لكان
يستحق عليها الثواب وارتكابه الكبيرة بعد ذلك ل يخرجه من أن يكون مستحقا للثواب ففسد ما
ظنه" (. )89
أما المرجئة فتركوا الباب مفتوحا ورجوا لمن يخلط بين الطاعات والمعاصي الغفران وخلود الجنان.
ويقول أبو يعقوب الوارجلني " وهنا (بالنسبة الى المصر على ارتكاب الكبائر) اختلفنا مع
المرجئة ،فرجوا لـه الجنة مع مناصبته ال تعالى بالفجور" (. )90
والملحظ أن المصادر الباضية لم تطل الكلم عن قضية الحباط إذ يقع التعرض عليها غالبا عرضا
عند الحديث عن توبة المرتد ولعل مرجع ذلك إلى ورود المسألة في آية البقرة في شأن المرتد .قال
تعالى ( :ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 2البقرة .)217
والملحظ أن صيغة ح.ب.ط وردت في القرآن الكريم ست عشرة مرة جلها متعلقة بالمشركين
والمنافقين ( )91نذكر منها قوله تعالى ( :ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد ال شاهدين على
أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) ( 9التوبة )92( .)17
والبقية لها صلة بالكبائر يستشهد منها عادة بقوله تعالى في سوء الدب مع الرسول عليه السلم( :
يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والساس حينئذ أل خلف بين المة في إحباط أعمال المشركين والمنافقين وغنما الخلف في ما
يتعلق بالمرتدين وبصالح أعمال مرتكبي الكبائر فما هو موقف الباضية من ذلك؟
قال عثمان بن خليفة السوفي ":وندين باستتابة المرتد وقتله إن أبي...وفي المرتد سنتان ،سنة
عمر وسنة معاذ" ( )93وبين أن عمر أمر أن يستتاب ثلثا ثم يقتل إن امتنع بينما أمر معاذ بأن
يقتل مباشرة (. )94
ويورد المحشي مختلف القوال في المرتد مع إبراز موقف الباضية فيقول ":وأما المرتد فالحاصل
أن فيه ثلثة أقوال إذا رجع إلى السلم :
أ -منهم من يقول ل يبطل عمله ول ثوابه حتى يموت على ذلك ،وهو مذهب الشافعي واستدل بظاهر
قوله تعالى ( :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) ( 2البقرة .)217
ب -ومنهم من يقول :بطل ثواب عمله ول يطالب بالعادة إل في الحج ،وهو مذهب مالك.
جـ ومنهم من يقول بطل عمله وثوابه ويطالب بالعادة وهو الراجح عند أصحابنا على ما يفهم من
كلم السؤالت ( )95حيث صدر به وال أعلم لقوله تعالى ( :لئن أشركت ليحبطن عملك) ( 39الزمر
.)56
وأما الية التي استدل بها الشافعي فأجيب عنها بأنه سبحانه وتعالى رتب الردة والموت على الكفر
شيئين الحباط والخلود في النار فالول مرتب على الردة والثاني على الموت عليها ،فل دليل في
الية على ما ذكره الشافعي.
فإن تاب أعاد ما مضى على التفصيل السابق في السؤالت فيمن ارتد زلة فكيف بمن ارتد متعمدا.
نعم ظاهر الثر المحكمي عن بعض أصحابنا المشارقة في كيفية توبة المرتد يدل على أنه كالشرك
الصلي فيكون قول رابعا في المرتد .ولعل الرخصة التي ذكرها في السؤالت تشير إلى هذا ،لكن
ذكرها فيمن ارتد زلة" (. )96
وقد توسع كل من محمد اطفيش وعبدال السالمي ( )97في القضية وأقاما عدة مقارنات ل تخرج
عما ذكره المحشي عدا في بعض الجزئيات.
تلك هي مواقف عدد من العلماء في شأن الحباط والمرتد ويعجبنا منها تنبيه مغنية على ضرورة
إعادة ما فاته أثناء الرتداد وبالنسبة إلى البقية ففي خلف العلماء رحمة للمة ولكل دليله ،ومن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
رأى الحباط والعادة اختار ما هو اكثر احترازا وهذا شأن الباضية في جل اختياراتهم.
إن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه القضية ( )98في ما وقع بين أيدينا ولعل ذلك يرجع
إلى أن أبا يعقوب الوارجلني قد حللها تحليل موسعا.
ومنطلق ذلك ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :أبى ال أن يقبل عمل صاحب
بدعة حتى يدع بدعته" (. )99
وقد ميز أبو يعقوب بين المجتهد المتأول الذي ل يقطع عذر الخرين وبين المبتدع الذي يقطع عذر
الخرين ويحول قوله إلى العمل ،واستشهد بموقف أئمة الباضية من نافع بن الزرق كيف أنهم
ألحقوه بالمبتدعين لنه حمل السيف لحمل الناس على رأيه.
كما بين الرسول عليه السلم قطع في ثلث فرق القدرية والمرجئة والمارقة.
ثم صنف المبتدعين إلى ستة أصناف وقد تفاوت حكمه عليها (. )100
وأشار إشارة مهمة تبين يأس هؤلء من رحمة ال فيقول ":وسعة رحمة ال كثيرة ول مطمع فيها
لصنفين :مصر على معصية ال عازم أن يلقى ال عز وجل بها يوم القيامة ومبتدع في دين ال عز
وجل منعكس متنكس عن ال عز وجل" (. )101
فمن خلل ما جاء عند الوارجلني نتبين احتراز الباضية في شأن المبتدع فهم ل يخرجونه عن
الملة إل إذا ثبت لديهم تحريفه للنصوص وحمل الناس على ذلك (. )102
كما انهم يشترطون في توبته أن يخبر من كان يدعوهم بضللته فإن تابوا مثله فتلك بغيته وإن
واصلوا غيهم فهو معذور (. )103
والمهم حينئذ أننا رأينا أن الباضية قاسوا من نسبتهم إلى البدعة ( )104لذلك كان موقفهم من
المبتدعين من الحتراز بمكان.
ذلك هو موقف الباضية من المبتدع الداعي الى بدعته فماذا عن مرتكب الكبيرة؟
================================
( )86لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس
( )87لسان العرب مادة حبط
( )88القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة625 :
( )89القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة630 :
ويلخص الرازي موقف المعتزلة كما يلي :فقال المثبتون للحباط والتفكير :المراد أن عقاب الردة الحادثة يزيل ثواب اليمان
السابق إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم ،وجمهور المتأخرين من المعتزلة ،أول بشرط على ما هو مذهب أبي
علي :الفخر الرازي التفسير الكبير 6/38 :
( )90أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان109 :
( )91ما يعبر عنه الباضية نفاق العصر أي المخرج من الملة ،أنظر ما سبق 514 :
( )92ر 6 .النعام ،81التوبة 18 .69الكهف 39 .105الزمر 33 .65الحزاب 47 .19محمد 9و 28و 3 .32آل عمران .22
5المائدة ( 53عن النفاق)
( )93عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت258:
( )94ر .نفس المصدر والصفحة .ر .عن موقف معاذ القرطبي :أحكام القرآن3/47 :
( )95واختلفوا في من ارتد زلة عن دينه ثم رجع سريعا إلى دينه ،قال يغسل ثيابه وجسده ويعيد ما مضى من صلته وصيامه
وقال بعض ل يعيد إل الحج .عثمان بن خليفة السوفي :كتاب السؤالت26 :
( )96المحشي :حاشية الترتيب .1/94 :حاشية على كتاب قواعد السلم 62:
( )97ر .امحمد اطفيش:شرح النيل ط ،14/786 :2هيميان الزاد إلى دار المعاد ط .187 -186 /4 2تيسير التفسير ط
،12/329ر .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح.103 -1/102 :
ملحظة :ويتعرض كل من الزمخشري في الكشاف( )1/357والرازي في التفسير الكبير ( )6/38والقرطبي في أحكام القرآن (
)49 -3/46ومحمد عبده في تفسير المنار( ،)2/318ومحمد جواد مغنية في التفسير الكاشف( )1/326في تفسيرهم للية 217
من سورة البقرة ،ول يبعد حديثهم عن قول من ذكرنا من علماء الباضية ،مع ملحظة أن محمد عبده ألح على جانب الحباط.
( )98ر .المحشي :حاشية الترتيب .68 -8/65وقد حلل البدعة من وجه آخر حيث بين مفهومها اللغوي ثم ميز بين البدعة
السيئة والبدعة الحسنة.
( )99امحمد اطفيش:جامع الشمل .237 :وقد ذكر أنه رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم عن ابن عباس.ر .أبن ماجة :مقدمة 7
.ر .ونسنك :المعجم المفهرس 1/152
( )100ر .أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط 34/112 ،2و 116 -115
( )101أبو يعقوب الوارجلني :نفس المصدر ط 2/57 :1
( )102وقد بين ابن تيمية أن العلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والهواء وتخليدهم في النار ،وما من الئمة إل من حكي
عنه قولن كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم.ر .الفتاوي الكبرى 619 -7/618 :كما يشير الغزالي إلى ثقل وزر المبتدع لنه يضل
كثيرا من عباده ر .كتاب الربعين .149 :
( )103ر .عبدال السالمي :جوهر النظام266 :
( )104انظر ما سبق 57 :وما يليها .
إذا لحظنا الخلف بالنسبة إلى المرتد فمن باب أولى أن يكون الخلف أشد بالنسبة إلى أصحاب
كما يقول أيضا ":وكذلك السيئات هي لهلها وغنما أهل السيئات فهم كل من مات مصرا ،غير تائب
منيب وقد قال ال تعالى ( :ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب) ( 4النساء )123يعني أمة محمد
صلى ال عليه وسلم (ول أماني أهل الكتاب) يعني الذين أتوا الكتاب من قبلهم اليات_و_الحاديث
(من يعمل سوء يجز به)( 4النساء )123يعني من يعمل سوء ممن يموت مصرا عليه يجز به ( .ول
يجد له وليا ول نصيرا) ( 4النساء .)123
وقال ( :إن ال ل يظلم ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) ( 4النساء )40
فإنما يضاعف مثقال ذرة من الحسنات لمن لقبه تائبا ل لمن لقبه مصرا على معصيته( ،وما ربك
بظلم للعبيد) ( 41فصلت )46كان في عدله أن المصر حسناته محبوطة وسيئاته غير مغفورة وإذ
كان في عدله بتعطفه وفضله أن سيئات التائب مغفورة وحسناته مقبولة مشكورة" (. )106
ويسلك احمد الشماخي نفس المسلك فيقول ":كل مصر كافر ،وإن المقام على الكبائر والصرار
على الصغائر تصير العمال هباء ( ، )107وتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط .ثم يستدل بقوله
تعالى( :ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) ( 2البقرة .)264وقوله (اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا
رضوانه فأحبط أعمالهم)( 47محمد )28وقوله ( :يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق
صوت النبي ول تجهروا لـه بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل تشعرون) (49
الحجرات )2وقول عائشة " :بلغوا زيدا أنه قد أبطل حجه وغزوه وجهاده مع رسول ال صلى ال
عليه وسلم إن لم يتب" وقوله عليه السلم " :الرياء يحبط العمل" ( )108وعنه " :من كذب
وأصر في النار مخلد" (. )109
ويطالب صولة الغدامسي بالنص المثبت للحباط فيجيبه الشماخي كما يلي ":أقول :المر كما ذكرت
والنص قوله صلى ال عليه وسلم " :هلك المصرون" . )110
وفي اليضاح في كتاب البيوع ما يدل على هذا حيث قال في فصل بيوع الذرائع ":وحجة من أبطلها
ما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت لسرية زيد بن أرقم )111( :أبلغني زيدا انه قد أبطل غزوه
وجهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبطل حجه وصلته وصيامه إن لم يتب ،وذلك أن زيدا
ابتاع جارية من سريته بثمانمائة درهم إلى خروج العطايا فاشترتها منه السرية نقدا بستمائة درهم
وال أعلم ...فظاهر هذا يقتضي أن إبطال العمل مشروط بعدم التوبة" (. )112
ويعيد محمد اطفيش نفس الدلة التي أوردها الشماخي وغيره ،مثل قوله عليه السلم " :هلك
المصرون" بعد أن قدم لها بقوله ":أدلة الصرار المبطلة للعمل أدلة على أنه ل تعد الحسنات
والسيئات ويعتبر الكثر ،وعلى أن الكبيرة تبطل العمال كقوله عليه السلم " :هلك المصرون" (
. )113
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويتخذ السالمي نفس الموقف بقوله ":في اليتين ( :ل ترفعوا أصواتكم) ( 49الحجرات ( )2ول
تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) ( 2البقرة )264أيضا دليل على إحباط العمل بالكبيرة من الذنوب
لن رفع الصوت والجهر به ليس بشرك إجمال وكذا المن والذى وكذلك قوله صلى ال عليه وسلم
في الحديث التي " :الرياء يحبط العمل كما يحبطه الشرك (. )115( " )114
أما صاحب المنهج فقد تعرض لقضية الحباط وتوسع فيها ومن ذلك قوله ":وقيل إن المقام على
الكبائر والصرار على الصغائر يصير العمل هباء ويسخط ال على أهلها وبالتوبة من الذنوب
والقلع عنها يتجاوز ال لهلها وعنها.
وهذه المسألة التي بان بها أصحابنا عن مخالفيهم فقال مخالفوهم :إن كل من أقر بال وبالنبي صلى
ال عليه وسلم وصام وصلى وحج وعمل الفرائض وفي خلف ذلك يسرق ويزني ويكذب ويرتكب
أنواع المعاصي قالوا ( :خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب عليهم) ( 9التوبة )102
( ، )116وغلبت حسناته سيئاته ،والسيئة واحدة والحسنة عشر أمثالها ،والحسنات يذهبن
السيئات فبلغ من قولهم إن ال ل يعذب أحدا من أهل المعاصي بسيئات عملها وهو مقيم عليها" (
. )117
ومن ذلك :قال أصحابنا ":إن كل من عصى ال بصغير من الذنوب أو كبير وهو عالم به وأصر عليه
ولو حبة مما ظلم فقد وجبت له نار جهنم خالدا فيها وبطل عنه جميع إحسانه ولم ينتفع بسالف
إيمانه ،ولو أذاب بدنه في عبادة ال وأتبعه ،وأنفق ماله في سبيل ال وأذهبه ،لم يقبل شيء من
عمله حتى يقلع عن تلك الذنوب والمعاصي السالفة ويتوب منها ،ثم عند التوبة يقبل ال حسناته
ويشكره ويتجاوز عن سالف سيئاته ويغفرها له ،لن ال يحب التوابين ويتقبل من المتقين" ()118
.
ومن ذلك بالنسبة إلى التائب من الكبائر ":وأما من تاب من الكبائر فقول يرد عليه عمله الصالح
وقول إنه يعوض في مستقبل عمره ،ويضاعف له في عمله إذا صدق في توبته وإن عصى ال المدة
الطويلة ثم تاب محا ال عنه جميع ذنوبه ورضي عمله إذا مات على صدق اليمان" (. )119
وهكذا إن بين الشماخي والمحشي(من المرحلة المقررة) موقف الباضية من القول بالحباط فإن
يوسف المصعبي اكتفى بالتلميح الى ذلك دون أن يحلل (. )120
أما من استوت سيئاته فرأي جمهور الباضية انه من أهل العراف إل أن يوسف المصعبي ينقل عن
عثمان السوفي بعدم إمكانية استواء الحسنات والسيئات لن من سبقت له الحسنى سيئاته مغفورة له
ومن سبقت له الشقاوة والعياذ بال أعماله محبطة فل يتصور استواء الحسنات والسيئات (. )121
وعمدة موقف الباضية صريح الية ( :وعلى العراف رجال يعرفون كل بسيماهم) ( 7العراف
)46وتفسير ابن عباس الذي يقول ":العراف حائط بين الجنة والنار ،عليه رجال يعرفون أهل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ،وأهل العراف قوم استوت حسناتهم
وسيئاتهم" (. )122
من خلل ما عرضنا من نصوص مدى تضارب الراء في هذه القضية ونخلص بالنتيجة التالية،
وهي أن موقف الباضية جاء صلبا في شأن المصرين فمن مات على إصراره يخلد في النار وهم ل
يطالبون التائب بإعادة ما أتى من الواجبات عند عصيانه ( ، )123كما يرون مبدأ الموازنة بين
الحسنات والسيئات مع اعتقاد أن الحسنات تخفف من ثقل السيئات ،لكن المدار في النهاية ل يقوم
على هذه الموازنة وإنما أساسه حسن الخاتمة ( ، )124وإلى جانب ذلك يقرون أن الستواء بين
الحسنات والسيئات ممكن ،ومآل من استوت حسناتهم وسيئاتهم العراف حيث ل نعيم ول شقاء.
وفي هذا الشأن تلح المصادر الباضية على أن يحرص المؤمن على التعديل بين الخوف والرجاء
حتى ل يغلب عليه المل فيجنح إلى التهاون ول يغلب عليه اليأس فيميل إلى العناد (. )125
كل هذا طبعا قبل أن يغلق باب التوبة فمتى يغلق هذا الباب؟.
=============================
( )105ابن جعفر :الجامع .1/86 :وابن جعفر(ق )10 -4/9 -3هو أبو جابر محمد جعفر الزكوي من بلدة أزكى في داخلية
عمان .من أصحاب مدرسة الرستاق.ر .تقديم كتاب الجامع.13 -1/10 :لعبد المنعم عامر.
( )106ابن جعفر :الجامع87 -1/86 :
ويقول المعتزلة بسقوط الثواب ،وقد جاء عند القاضي عبد الجبار ما يلي:
"وعلم أن الثواب يسقط بوجهين :أحدهما بالندم على ما أتى به من الطاعات والثاني بمعصية هي أعظم منه" .الصول الخمسة:
643
( )107قال تعالى ] :وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ (25الفرقان )23
( )108لم يرد النص بهذه الصيغة ولكن جاء بصيغة أخرى تفهم نفس المعنى وهي "اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا"
معنى ذلك أنهم ل أجر لهم في الخرة .ر .أحمد بن حنبل. 5/428 :ر .ونسنك :المعجم المفهرس .2/202وقد جاء عند الربيع بن
حبيب كما يلي":يدعى المرائي يوم القيامة بأربعة أسماء على رؤوس الخلئق يا غادر ،يا فاجر ،يا خاسر بطل عملك ،وخسر
أجرك فخذ أجرك ممن عملت له فل أجر لك عندي يا مرائي" .الجامع الصحيح 4/20 :عدد 986
( )109انظر ما سبق578 :و 580وما يلي 747
( )110انظر ما سبق. 533 :ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي42 :
( )111زيد بن أرقم (ت )68/687صحابي شهد صفين مع عليز ومات بالكوفة ر .الزركلي :العلم 3/95
( )112المحشي :حاشية الترتيب 1/92وقد نقل النص عن عامر الشماخي :كتاب اليضاح ط 3/45 -2
( )113امحمد اطفيش :شرح عقيدة التوحيد ط 2ص 55
( )114انظر ما سبق 588 :وجاء حديث يقترب منه ونصه" أن الرياء شرك ر .الترمذي :نذور .9ابن ماجة :فتن .16أحمد بن
حنبل .5/418ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/203
( )115عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح .103 -1/102
( )116قيل :ألوئك قوم أساؤوا ثم تابوا إلى ال من ذنوبهم .وقيل :إن هذه نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريضة إنه الذبح
ورأى أنه قد خان ال ورسوله ،فندم وتاب وربط نفسه بسارية المسجد حتى تاب ال عليه وعلى الثلثة الذين خلفوا .خميس بن
سعيد الرستاقي :المنهج2/211 :
( )117خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج210 /2 :
( )118خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج211 -2/210 :
( )119نفس المصدر .215 :
وقفنا عند تفسير قوله تعالى ]:وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلصوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال يتوب عليهم إن ال غفور
رحيم[ (9التوبة )102في عدة تفاسير.
أما ابن عباس (في المقباس) ،والبيضاوي ،والطاهر ابن عاشور فقد مروا على الية دون التعرض لقضية الحباط .واكتفى
الزمخشري بإثارة نكتة بلغية تتعلق بمفهوم الخلط بين التوبة والثم (ر .الكشاف )2/210أما الرازي فيعتبر أن القول بالحباط
باطل (التفسير الكبير )177، 16/174وكذلك محمد جواد مغنية ( ر .التفسير الكاشف .)327 -2/326
ويشبع اليجي القضية تحليل حيث يرد على المعتزلة والخوارج القائلين بالحباط (ر .المواقف .)449 -2/448
وبهذا نتبين أن الشاعرة والمامية يتفقان في نفي إحباط العمال بينما يتفق الخوارج والمعتزلة في القول بالحباط أما المرجئة
فيرون أنه ل تضر مع اليمان معصية.
( )120ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 280وجه وقفا.
( )121ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 231وجه
( )122خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج. 217 -2/216 :ر .ابن عباس :تنوير المقباس في تفسير ابن عباس .دار النوار
المحمدية للطبع والنشر القاهرة 1393/1972ص 128
ولزيادة التوضيح ر .البيضاوي :أنوار التنزيل ،1/161 :الزمخشري :الكشاف ،2/81الرازي :التفسير الكبير .89 -14/86
القرطبي :أحكام القرآن .7/211محمد عبده :تفسير المنار .433 -8/431محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف .333 -8/331
والطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير143 -8/140 :
وتورد هذه التفاسير مختلف القوال في أصحاب العراف وتصل إلى اثني عشر والراجح عند أغلبهم أنهم من استوت حسناتهم
وسيئاتهم.
( )123ويقول المحشي في ذلك " :وأما مرتكب الكبيرة فالظاهر أنه ل يعيد" حاشية الترتيب1/93 :
( )124ر .البرادي :الجواهر 225 :حيث عقد فصل للحديث عن أهوال الموت .
( )125ر .امحمد اطفيش :شرح النيل 604 -16/586 :وقد حوصل أهم ما جاء في كتب أصول الدين عند الباضية وعند
غيرهم.
إن هذه القضية غيبية ل مجال للعقل فيها وتشير النصوص الواردة في شأنها إلى أن الغلق يتم في
الحالت التالية :عند غرغرة الموت ،عند نزول العذاب ،عند طلوع الدابة التي تكلم الناس ،وعند
طلوع الشمس من مغربها.
-الغرغرة:
قال صلى ال عليه وسلم " :من تاب قبل أن يغرغر قبل ال منه" (. )127
وقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد الحديث المذكور دون أن يتوسع في الموضوع)128( .
وجاء في المنهج ما يلي ":والتوبة مقبولة ما لم يحضر الموت ،وأفر بما قيل إن ال يقبل توبة العبد
ما لم يتغرغر بالموت" (. )129
كما جاء فيه أيضا ":وقال تعالى ( :ثم يتوبون من قريب) ( 4النساء )17قبل أن تحبط الحسنات
بالسيئات فتحبطها ،وقيل ما دام العبد صحيحا قبل المرض والموت .وقيل ما كان قبل الموت فهو
قريب وقيل ما كان قبل معانيه ملك الموت فهو قريب.
وقيل :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :لما هبط إبليس لعنه ال قال :وعزتك وعظمتك ل أفارق
ابن آدم حتى تفارق روحه جسده ،فقال ال عز وجل :وعزتي وعظمتي ل أحجب التوبة عن عبدي
حتى يغرغر بها" (. )130
وهذا جاء مؤازرا لقوله تعالى في سورة النساء ( :وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن) ( 4النساء )18ولقد فسر محمد اطفيش هذه الية متعمدا
على عدة أحاديث توحي بقبول التوبة قبيل الغرغرة مثل ":قوله عليه السلم في آخر خطبة " من
تاب وقد بلغت روحه حلقه تاب ال عليه" ( )131وقوله " :من تاب قبل الغرغرة قبلت توبته" (
)132رواه الترمذي عن ابن عمر...ثم يقول :ويجاب بأن الغرغرة أحط من الحلق وأن الموحد تقبل
عنه ما دام فيه الروح والعلم ل تعالى .ثم يعلق بقوله ":وظاهر الية العكس".
ثم يضيف ":وعن ابن عباس لو غرغر المشرك بالسلم لرجوت له خيرا كثيرا .وعنه صلى ال
عليه وسلم " :يغفر ال لعبده ما لم يقع الحجاب" ( )133قيل وما وقوع الحجاب؟ قال ":تخرج
نفسه وهي مشركة" ويجاب أيضا بأن معنى الية أن المسوف والمصر ل تتحقق توبتها ،وقيل ل
تقبل توبة اليس" (. )134
والملحظ من كلم صاحب التيسير وما جمعه من نصوص الحديث أنه إلى القبول أميل إل أن الية ل
تحتمل ،فلذلك صرح بان ظاهر الية العكس.
وبهذا يتضح أن الباضية يعتبرون مثل الشاعرة أن الغرغرة تسد باب التوبة فما هو موقفهم من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ول ترى ضرورة في زيادة تحليل إذ الية صريحة في أن هذا ناموس من نواميس الحياة لم يستثن
إل مرة واحدة مع قوم يونس عليه السلم ( فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم يونس لما
آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين) ( 10يونس .)98
وقد بين يوسف المصعبي أن توبتهم كانت نصوحا وان يونس اختفى قبل أن يأذن له ال لذلك قبلت
(. )135
-خروج الدابة:
قال تعالى ( :وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ل
يوقنون) ( 27النمل .)82
لقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد ما جاء عند البيضاوي والزمخشري في شأن هذه الدابة (، )136
وقد اختلف المفسرون في صفاتها اختلفا كثيرا ( )137والحسن الوقوف عند ظاهر النص
والعتبار والستعداد قبل حلول مثل هذه العلمة من علمات الساعة.
لقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن ومنها قوله صلى ال عليه وسلم " :إن للتوبة بابا عرض
ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ل يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (. )138
وقوله صلى ال عليه وسلم " :من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب ال عليه" (. )139
هذا في ما يتعلق بانقضاء فرصة التوبة بقي أن المصادر الباضية تشير إلى أن هناك ذنوبا ل سبيل
إلى التوبة منها وأخرى تغفر بدون فماذا عن هذا وذاك؟
-ما ل سبيل إلى التوبة منه:
جاء في كتاب السؤالت ":ومن أفعال المكتسب مال يمكن التوبة منها في قول جل أصحابنا وذلك
نحو :المتردي من الجبل والمهاوي التي يهلك فيها" (. )140
وهذا واضح لن المنتحر ليس في إمكانه أن يتدارك أمره وهو بالتالي أغلق باب التوبة على نفسه
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بنفسه.
وذلك لعفو ال بمنه وكرمه عنها على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال " :عن ال
تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ( )141وفي حديث آخر " :إن ال
تعالى تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" (. )142
فدل هذان الحديثان على أن العفو والتجاوز منه تعالى إنما هو لربعة أمور :الخطأ والنسيان
والستكراه وحديث النفس.
وبهذا تبينا الحالت التي يغلق فيها باب التوبة ،وكيف أنه يستحيل على المنتحر أن يتدارك أمره ،إل
أن ال رحيم بعباده حيث يتجاوز عنهم ما ارتكبوه خطأ أو نسيانا ،وما بقي في مستوى الحديث
النفسي وما استكرهوا عليه .ومع ذلك فإن النسان كثيرا ما يغفل عن أمر ربه فل يبادر إلى التوبة
بل يصر على الكبائر وهو بهذا يغلق باب التوبة على نفسه بنفسه وفي هؤلء يتم إنفاذ الوعيد فما
هي أدلة الباضية النقلية والعقلية على هذا النفاذ؟
===================================
المعجم المفهرس .1/282وجاء نفس المر عند الشاعرة ر .البيجوري :جوهرة التوحيد .197
( )140عثمان السوفي :كتاب السؤالت ،218 :وفي هذا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم ":من تردى من جبل فقتل نفسه
فهو في نار جهنم" انظر ما يلي.623 :
( )141ر .ابن ماجة :الطلق 16ر .ونسنك المعجم المفهرس .6/443
( )142ر .البخاري :اليمان .15الطلق .11الترمذي :الطلق .8تفسير سورة البقرة .27ابن ماجة :طلق .14أحمد بن حنبل
.2/255ر .ونسنك :المعجم المفهرس .1/433
أجمع المسلمون على إنفاذ الوعيد في المشركين الذين يموتون على الشرك ،والنصوص قطعية في
ذلك ،منها قوله تعالى ( :إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من
أنصار) ( 5المائدة )72وقوله تعالى ( ويوم نحشرهم ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم
فزيلنا بينهم .وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) ( 10يونس .)28
ثم اختلفوا في ما سوى الشرك من المعاصي وقد بينا موقف الباضية من السماء وموقفهم من
الحكام ( )1فما هي أدلتهم على موقفهم من إنفاذ الوعيد في كفار النعم؟
لقد تجاوزت الفرق السلمية ما تشابه من اليات المتعلقة بالوعيد ويمكن أن نحصر المواقف في
ثلثة (: )2
)1نفاة النفاذ على الطلق ،وينسب هذا الموقف إلى بعض فرق المرجئة.
)2مثبتو الوعيد على الطلق لمن يموت على المعصية من الكبائر وينسب هذا الموقف الى
المعتزلة والصفرية والزيديةوالباضية والماتريدية (. )3
)3القائلون بالمشيئة بمعنى إن شاء ال أنفذ ،وإن لم يشأ لم ينفذ ،وينسب هذا الموقف إلى
الشاعرة والشيعة المامية.
وقد كان مدار الجدل حول عديد من اليات سنحاول أن نرتبها حسب أهميتها في الموضوع عسى أن
نوضح مدى تفاعل آراء الباضية مع آراء أبرز الفرق السلمية.
( -إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (. )5
( -وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ( 20طه )6( .)82
إن ما اطلعنا عليه من كتب أصول الدين عند الباضية في المرحلة المقررة وما قبلها وما بعدها لم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
تهتم في موقفها من هذه اليات بأسباب النزول وإنما أقامت هذا الموقف اعتمادا على السس
التالية:
-التحليل البلغي.
والملحظ أن نزعة التحليل جاءت جدلية تغلب عليها اللهجة الدفاعية ،وهذا ناتج عن الحتكاك
الحضاري ببقية الفرق السلمية ،وتتفاوت اللهجة مرونة وحدة حسب العصور وتجدر الشارة إلى
أن هذا الموقف جاء ذاتيا لم يعول فيه أصحابه على تحليل المعتزلة وغيرهم ممن اتفقوا في القول
بإنفاذ الوعيد عدا ما جاء في العصر الحديث في تفسير محمد اطفيش وليس من الغريب أن يأخذ
هؤلء العلماء عن بعضهم البعض وقد غلب على المتأخرين مسلك الحالة على السابقين ممن
توفرت نصوصهم أكثر إل أنها كلها سكتت عن أول من ركز هذا الموقف بوضوح ( ، )8وهو أبو
خزر يغل بن زلتاف(ق 4هـ10/م) وسنورد هذا النص بعد حين ( )9لما له من أهميته ولننظر الن
في اعتماد المنهج النقلي.
لقد تناقلت المصادر الباضية نصوصا عن المام جابر بن زيد يرفعها الى رسول ال صلى ال عليه
وسلم وتتمثل في ما يلي :روي عن جابر بن زيد رحمه ال أن رجل قال يا أبا الشعثاء ،أرأيت قول
ال تعالى ( :إن ال ل يغفر أن يشرك به) الية فقاله جابر :أوأنبأك ال لمن يشاء أن يغفر؟ قال وأين
أنبأني يا أبا الشعثاء ،قال ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) ( 4النساء .)31
وذكر جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " هلك المصرون" ثلثا فقال رجل يا رسول ال
فأين قوله تعالى ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " أفيكم أحد
يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب أنا يا رسول ال فقال اقرأ ( وإني لغفار لم تاب وآمن وعمل
صالحا ثم اهتدى)( 20طه )82فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا (
)11وكان جابر يذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم يقول " من أطمع في الجنة من آيسه ال منها
جمع ال بينهما في النهار" (. )12
أما الوارجلني فينقل عن جابر في الرد على من ربط المر بالمشيئة كما يلي ":وقد عارضوا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بالمشيئة مشيئة الباري سبحانه حيث يقول ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) وقال جابر بن زيد :قد
أخبرنا ال تعالى بمشيئته فيهم أولها التوبة قال ال عز وجل ( وإني لغفار لمن تاب) والثاني
الحسنات قال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) ( 11هود )114والثالث:
السترجاع عند المعصية قال ال تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون
أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) ( 2البقرة .)156
فوعد أفضل من المغفرة وما وراء هذا معاند مصر طاغ مستكبر وقالب فروته يدعو الى بدعته ول
سبيل للمشيئة في هذين لبطال الحكمة فيهما" (. )13
هذه نصوص نقلية ل نجد لها أثر عند غير الباضية يتناقلها الباضية عن إمامهم جابر بن زيد
مسندة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تتظافر في ما بينها فتفسر قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء)
تفسيرا واضحا ل تترك المشيئة مطلقة بل تربطها بضرورة التوبة ،وعلة ذلك إقرار حكمة ال تعالى
إذ ليس من الحكمة أن يسوى بين التائب والمصر (. )14
ومع ذلك لم تكتف كتب الصول بهذا التحليل النقلي بل لجأت الى التحليل العقلي اعتمادا على مقارنة
النصوص القرآنية والربط بينها حتى يتعزز موقفهم القائل بأن هذه الية ل تنفي إنفاذ الوعيد كما
يذكر ذلك غيرهم (. )15
يقال لهم أخبرونا عن هذه الية أتحملونها على ظاهرها أو تحتها معنى؟ فإن قالوا ليس تحتها معنى
وحملوها على ظاهرها فإنما قال ال( عن ال ل يغفر أن يشرك به) فهو إذن ل يغفر الشرك لمن
تاب ،وإن كان تحت الية معنى غير ظاهرها فينبغي أن يكون إنما يغفر لمن تاب من الكبائر ،ويغفر
الصغائر لمن اجتنب الكبائر لن ذلك كله دون الشرك ،ولو حمل القرآن على ظاهره لتناقض .أل
ترى أنه قال في هذا الموضع ل يغفر الشرك ،فلو حمل القرآن على ظاهره لم يغفر الشرك به لمن
تاب منه.
وقال في موضع آخر ( إن ال يغفر الذنوب جميعا) فدخل في الجميع الشرك وغيره من الذنوب فلو
حملت الية على ظاهرها لكان الشرك مغفورا بل توبة ،لنه قال( يغفر الذنوب جميعا).
ومما يبين أنها في التائبين قول ال عز وجل ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل
فلم يعذبكم (أي ال) بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ( 5المائدة
)18ولو حمل هذا أيضا على ظاهره لغفر لليهود والنصارى بل توبة وكذلك المنافقين قوله ( ليعذب
ال المنافقين والمنافقات إن شاء أو يتوب عليهم) ( 33الحزاب )73وفي إجماعهم أنه ل يغفر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لليهود والنصارى والمنافقين إل بتوبة ما يقضي على الية الخرى ( ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء) ( 4النساء )116للتائبين ويغفر الصغائر للمجتنبين للكبائر لن ما اجتمع عليه
الخصمان قاض على ما اختلفوا فيه" (. )17
هذا ما جاء عن أبي خزر ،أما أبو يعقوب الوارجلني فقد عبر عن هذا المعنى كما يلي ":فإن قيل:
تعلق التوبة بالية( إن ال ل يغفر )...لم يوجد ظاهرا ول مضمرا قلنا بل وجد ظاهرا ومضمرا .أما
الظاهر فقول ال تعالى( وإني لغفار لمن تاب) وأما المضمر فلن التوبة في إزاحة المعاصي وبطلن
العقاب عن المعاصي بل توبة ول رجوع يدل على إباحتها وليس لمغفرة المعاصي بالمشيئة ل
بالتوبة طائل،أشبه شيء بالباحة" (. )18
ويسلك أبو عمار مسلكا قريبا من هذا التأويل إل أن تحليله أدق مما سبق ،ولم يعرج على اليهود
والمنافقين وإنما اكتفى بالربط بين الصغائر والكبائر .فيقول في صدد الرد على القائلين بعدم
النفاذ ":فإن سألوا عن قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر) ...قيل لهم فقد قال ال أيضا (إن ال
يغفر الذنوب جميعا) ولم يخص ذنبا من ذنب ول غير شرك من شرك فيجب بهذا من قول ال أن
يكون يغفر الشرك وغير الشرك والقرآن يصدق بعضه بعضا .والذي قال أهل التفسير في تأويل قول
ال عز وجل ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) يقول ل يتجاوز عن شرك
لقيه به عبده ،ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا :إن ما دون الكبائر مغفور لهله متروك لهم إذا
هم اجتنبوا الكبائر فوقع الغفران على الصغائر التي يوجب عليها العقاب وأكد ذلك بقوله ( إن
تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم) ( 4النساء )31فدل على أنهم إن اجتنبوا الكبائر
كفرت عنهم سيئاتهم التي هي دون الكبائر فإن لم يجتنبوا فل ،وقوله ( لمن يشاء) فقد شاء أن يغفر
لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا هو لقي ال بها.
وقال ال عز وجل ( الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) ( 53النجم )32يريد من ألم
منهم بما دون الكبائر فقال ( إن ربك واسع المغفرة) ( 35النجم )32وهو تأويل سهل قريب والحمد
ل" (. )19
نلمس من هذه التأويلت أنها لم تنتهج نهج الجدل العقلي في تحميل النصوص مال تحتمل وإنما
سلكت مسلكا مقارنا حصل منه تعزيز للقول بإنفاذ الوعيد في أهل الكبائر .وواضح أنها نصوص
متكاملة تأخذ من بعضها البعض لتصل إلى نفس النتيجة والمدار في كل ذلك أنه كما يخرج
المشركون والمنافقون وأهل الكتاب من عموم الية ينبغي أن يخرج أهل الكبائر المصرون وتبقى
المشيئة مرتبطة بأهل الصغائر والمتأمل مليا يتبين أن هذه التخريجات ليست إل صياغة كلمية لما
نقله جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وسيبقى في هذا المحيط ما عبر عنه
بالخصوص والعموم.
================================
( )1انظر ما سبق488 :
( )2ر .عمرو التلتي :شرح النونية :ورقة 107وجه .ر .عبد العزيز الثميني :النور .277ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس
الشريعة 6/6
( )3وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتنع تخلف الوعد ول يرد على ذلك أن الوعيد يتخلف في المؤمن
المغفور له لن اليات الواردة بعموم الوعيد مخرج منها المؤمن المغفور له ،من إنقاذ الوعيد ولو في واحد التي في قوله:
وواجب تعذيب ارتكب...كبيرة "...البيجوري :شرح جوهرة التوحيد 102 -101 :
( )4وقد اخترنا هذا النسق لن هذه اليات يستدل بها في ما بينها وكلما تعرض موقف لواحدة قل أن يسكت عن الخريات ،وحجة
الجميع في ذلك أن القرآن كلم واحد مواقفه ما يلي ":لن القرآن في حكم كلم واحد "...الكشاف.3/403 :
وقد نبه محمد جواد مغنية إلى هذا التفاعل بين اليات بوضوح وصراحة في قوله ":وبعد أن تمهد معنا هذا نقارن بين ثلث
آيات ومن نتيجة المقارنة يتضح المراد من قوله تعالى] إن ال ل يغفر أن يشرك به[ ،وهي آية 53الزمر,آية طه والثالثة هي
الية المذكورة :النساء 48و .116التفسير الكاشف .2/343
وما صرح به مغنية جاء ضمنيا في جميع ما اطلعنا عليه من كتب الصول وكتب التفسير التي سنحيل عليها أثناء التحليل.
( )5قد تكررت مرتين في سورة النساء ويحسن أن نذكر ما جاء بعدها لنه تقع الشارة إليه أثناء التحليل .والية ختمت بقوله
تعالى] من يشرك بال فقد افترى إثما عظيما[( 4النساء ،)48وقد جاءت بعدها إشارة إلى الذين يزكون أنفسهم مع تبيين أن ال
يزكي من يشاء.
وما الية 116فقد جاءت بعد توعد الذين يشاقون الرسول وختمت بقوله تعالى ] :ومن يشرك بال فقد ضل ضلل بعيدا[(4
النساء .)116
( )6وقد جاءت آية كاملة في سياق تحذير بني إسرائيل من الطغيان في نعم ال تعالى والكفر بها.
( )7هذه الجملة جزء من الية التالية ]:قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال يغفر الذنوب
جميعا إنه هو الغفور الرحيم[ .وقد جاءت مبشرة في سياق أساسه التحذير من مغبة السيئات لما ينجر عنها من سوء العقاب .
وقد جاء بعدها أمر بالنابة وهو قوله تعالى ] :وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون[ ( 39الزمر
.)54
( )8هذا بناء على ما بين أيدينا من نصوص وإل فأن دقة النص ووضوحه تدلن على أن صاحبه أخذ هو الخر عمن سبقه مثل
كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري أو غيره.
( )9انظر ما يلي605 :
( )10وقد وردت هذه النقول عند كل من أبي يعقوب الوارجلني وأبي مهدي والشماخي والتلتي والثميني وابن تعاريت وقد
جمعها صاحب قاموس الشريعة مع اختصار لما أضافه الوارجلني ولذلك سنجمع بين النصين مع العلم أن ما يسند إلى جابر
مروي عن الرسول eوقد أشرنا إلى ذلك باختصار في التمهيد .انظر ما سبق 487 :و 530
( )11انظر 530 :
( )12ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 108وجه ،أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي .158 :يوسف
المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا و 167وجه .عبد العزيز الثميني :النور 279 -278جميل بن خميس
السعدي :قاموس الشريعة 6/9 :و .10
والحديث :من أطمع في الجنة "...لم يرد عند ونسنك
( )13أبو يعقوب الوارجلني :الدليل . 2/45ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي . 39 :نقل نص أبي يعقوب مكتفيا
بذكر اليات فاختصاره جاء وافيا ووددنا لو أحال أبي يعقوب.
( )14إن تمسك الباضية بالحكمة فقد عولت الفرق الخرى على الفضل والرحمة.
( )15يقول اليجي في المواقف 2/449 :مع الشرح (الثاني اليات الدالة عليه) أي على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله
]:ويغفر من دون ذلك لمن يشاء[(النساء )31فإن ما عدا الشرك داخل فيه ،ول يمكن التقييد بالتوبة لن الكفر مغفور معها،
فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما ثبت له وذلك مما ل يليق بكلم عاقل فضل عن كلم ال (و) قوله ] إن ال يغفر الذنوب
جميعا[( 39الزمر )53فإن عام للكل فل يخرج عنه إل ما أجمع عليه (و) قوله ] وإن رك لذو مغفرة للناس على ظلمهم[
والتقرير ما ذكرناه آنفا إلى غير ذلك من اليات الكثيرة 449 :
ويورد البيجوري وهو في صدد النتصار إلى قول الشاعرة بعدم إنقاذ الوعيد ما يلي :قال ال تعالى ]:إن ال ل يغفر أن يشرك
به[ وهذه الية مقيدة لقوله تعالى ]:إن ال يغفر الذنوب جميعا[ .كما ينقل حديثا عن الرسول عليه السلم ":من وعده ال على
عمل ثوابا فهو منجز له ،ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
جوهرة التوحيد .101ولم يرد عند ونسنك :المعجم المفهرس.7/255 :
( )16ر .أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين 62 -61 :ر .أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي:
.158ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/9 :ر .عبدال السالمي :المشارق.302 -301 :
( )17أبو خرز يغل بن زلتاف :الرد على جميع المخالفين .62 -61 :
لقد استفاد أبو عمار عبد الكافي من هذا النص إل أنه صاغه صياغة جدلية أدق ر .الموجز .2/115 :كما استغله عبدال السالمي
استغلل ذكيا في ما قرره من ردود .ر .المشارق 302 -301 :وكذلك فعل جميل ابن خميس السعدي مع تصرف واضح في صيغة
الجدل.ر .قاموس الشريعة 6/9
( )18أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي ، 159 -158 :ينقل أبو مهدي النص عن أبي يعقوب الوارجلني ولم
يقول أبو مهدي بعد أن أورد ما نقل عن جابر بن زيد ( ": )20والعموم يحمل على الخصوص عند
الصوليين والعاقل ل يستدل بالعموم حتى يعلم أنه باق على عمومه لن اكثر العمومات قد خصصت
بل حكي عن بعضهم أنه قال :ما من عام إل قد خص إل قوله تعالى ( وال بكل شيء عليم) (2
البقرة )282والية الكريمة (يغفر لمن يشاء) معناها إن تاب" (. )21
واضح أن أبا مهدي يعتبر قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء) نصا عاما يخصصه قوله تعالى ( إني لغفار
لمن تاب )...فيترتب على ذلك أل غفران بدون توبة كما تقول طائفة من المرجئة وأل إرجاء للمشيئة
كما يقول الشاعرة فتفسير العام بالخاص يوجب تقييد المشيئة بالتوبة.
إن يوسف المصعبي يكتفي بإيراد جملة مما جاء عند أبي يعقوب الوارجلني نقل عن جابر بن
زيد ":شاء أن يغفر للتائب لقوله تعالى ( إني لغفار لمن تاب) ثم يحيل على كتاب الدليل والبرهان (
)22والحقيقة أن هذه المسألة حللها كل من أبي عمار عبد الكافي وعبدال السالمي ( )23تحليل
وافيا .وقد حرص السالمي على استيعاب كل ما سبقه من أقوال وصاغ ذلك في حلقات مترابطة
متدرجة متكاملة أقامها على حوار هادي أساسه (فإن قيل أو قالوا .قلنا) هدفه الوصول الى
تخصيص المشيئة بضرورة التوبة النصوح التي استوفت جميع الشروط" فمن شاء أن يغفر لـه
وقفه على تلك الشروط فوفى بها ،فهذه فائدة التعليق بالمشيئة" (. )24
ويورد يوسف المصعبي كلم الزمخشري حيث يقول ":فإن قلت :قد ثبت أن ال عز وجل يغفر
الشرك لمن تاب منه ،وانه ل يغفر ما دون الشرك إل بالتوبة فما وجه قوله ( إن ال ل يغفر أن
يشرك به) قلت :الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى -لمن يشاء-
كأنه قيل إن ال ل يغفر لمن يشاء الشرك ،ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد بالول
من لم يتب وبالثاني من تاب ونظيره قولك :إن المير ل يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء ،تريد
ل يبذل الدينار لمن ل يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله" (. )26
والملحظ أن هذه الجملة تكررت بنفس الصيغة وفي نفس السورة ليس بينهما إل ثماني وستين آية،
وقد اعتبر يوسف المصعبي مثل الزمخشري أن ذلك من باب التأكيد (. )30
ذلك هو موقف الباضية من هذه اليات وقد جمعوا فيها بين العتماد على النقل وعلى التأويل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والربط بين الخصوص والعموم ،والتحليل البلغي ليصلوا إلى أن المشيئة مرتبطة ارتباطا جوهريا
بالتوبة وهكذا يخرج المصرون من هذه المشيئة وهم في هذا يتفقون والمعتزلة بينما يختلفون عن
الشاعرة الذين يتركون المشيئة مطلقة فتشمل المصرين أيضا وقد نبه إلى ذلك يوسف المصعبي (
)31بوضوح.
وإذا كان مثار الجدل شديدا مع اليات السابقة فإن آيات أخرى ل تخلو من مثل ذلك الجدل ،ولذلك
رأينا أن ننظر في بعض الجموعات الخرى مع العلم أننا ل يمكن أن نستوفيها عن آخرها وإنما
ننتخب ما جاء أكثر تعبيرا عن مسلك الباضية في الدفاع عن موقفهم وكذلك مسلك الفرق الخرى
في توظيف هذه اليات في الخط المغاير ومنها:
وما دام عنوان القضية إنفاذ الوعيد أو خلف الوعيد فللقائلين بالنفاذ أن يحتجوا بمثل هذه اليات
على عدم جواز الخلف وللخرين أن يردوا معتبرين الخلف من باب التفضل والرحمة وال ( ل يسأل
عما يفعل) ( 21النبياء )23ومن هذه اليات ما يلي
( -فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) (.)34 )34
يقول أبو عمار بعد الستشهاد بهذه اليات " :وذلك أن ال عز وجل وعد قوما وتوعد آخرين،
فجعل وعده بالجنة لوليائه المؤمنين وجعل وعيده النار لعدائه الكافرين ،ولن يجوز أن يكون
وعده أو وعيده مبدل ول محول ول مستثنى فيه ،ول مرجوعا عنه إذ ل يجوز أن تكون أخباره جل
جلله متكاذبة ول متناقضة" (. )36
ويعتبر عمرو التلتي كذلك أن في عدم التعذيب تبديل القول وهو نقص في حقه تعالى ل يجوز عليه
(. )37
وجاءت اليات في قاموس الشريعة في سياق الرد على من يعتبر أن إخلف الوعيد أمر ممدوح مع
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما محمد اطفيش فبين أن (ما يبدل القول لدي) تحمل عدة تأويلت كلها توعد ،وذلك منن بينها "
مطلق الوعد والوعيد" ( )39وجاء موقفه صريحا من قوله تعالى ( ل تبديل لكلمات ال) أي ل
تبديل ل لوعده ول لوعيده ول لشيء مما قضى وهذا لعمومه (. )40
واضح أن هذه اليات فعل بها مثل اخوتها السابقة وكل وجهها وجهته واستدل بها على الطرف
المقابل والمهم أن الباضية ل سبيل لهم من أن يسلموا من هذا المسلك ما دام النص من المتشابه
ويتحمل التأويل ول لوم عليهم في ذلك لنهم يقرون بالتأويل من بداية الشوط كما رأينا (. )41
=============================
( )20انظر ما سبق603 :
( )21أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي158 :
ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا و 167وجه.
( )22ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه.
( )23لقد حرر هذه القضية كل من أبي عمار في الموجز 2/115والسالمي في المشارق 302 -301ونختار نص السالمي لنه
جاء أكثر شمول ول شك أنه استفاد من كلم أبي عمار الذي جاء واضحا دقيقا إل أنه مختصر.
( )24ر .عبد ال السالمي :المشارق302:
( )25يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه .الزمخشري :الكشاف 532 /1
( )26يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 167وجه .الزمخشري :الكشاف 532 /1
( )27امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 2/336 :2
( )28ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود128 -127 :
( )29السيد علي الجرجاني :حاشية على الكشاف1/533:
ولو تأمل الجرجاني نفسه في ما قاله لوجد هو أيضا أنه حمل النص على رأيه وهذا اتهام قل من يسلم منه من أهل التفسير
والتأويل.
ورأينا أنه ل حرج في ذلك ما دام النص يحتمل ،وتلك قيمة المتشابهات في القرآن الكريم .انظر ما سبق 271 :وما يليها
( )30يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 177قفا
ملحظة :لقد نبه صاحب المنار إلى أن المفسرين ذهبوا إلى أن التكرار من باب التأكيد والولى أن يعلل تعليل نفسيا ،ومحوره
أن القصد من العادة إثارة النفوس حسب متطلبات السياق لن القرآن كتاب هداية .ر .تفسير المنار 5/418 :ويطرب محمد جواد
مغنية لهذا التحليل وينقل نص المنار بحذافره.ر .التفسير الكاشف.2/440 :
( )31ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 166قفا ورقة 177 :قفا.
( )32لقد جاءت هذه الجملة في سياق تخاصم أهل النار ردا من ال تعالى والية هي ]:قال ل تختصموا لدي وقد قدمت إليكم
بالوعيد()28ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد[ ( 50قَ.)29 -28
( )33جاء في سياق توعد الغافلين عن العذاب] ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى
يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد[( 13الرعد .)31
( )34والسياق في حوار أهل الجنة وأهل النار والية هي ]:ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا
فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم[( 7العراف )44
( )35جاءت في سياق تبشير أولياء ال والية ] لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الخرة ل تبديل لكلمات ال ذلك هو الفوز
العظيم[( 10يونس .)64
( )36أبو عمار عبد الكافي :الموجز ،2/105 :انظر قضية أن الوعيد خبر أو إنشاء في ما بعد633 :
( )37ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 107قفا .ر عبد العزيز الثميني :النور 278
( )38جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/10 :
( )39امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 6/513 :1
( )40ر .نفس المصدر .3/76
والملحظ أن يوسف المصعبي لم يقف عند القضية عند شرحه لهذه اليات إل وقفة عابرة ر .حاشية على تفسير الجللين ورقة
291وجه.
ويذهب المعتزلة نفس المذهب فيقول القاضي عبد الجبار ما يلي " :ويدل على أن الوعيد الوارد عن ال ل يتبدل ول يتغير ،وأنه
ل يجوز أن يكون فيه إضمار وشرط ،ول أن يكون خارجا عن وجه التعمية ول يجوز فيه الخلف لن كل ذلك يقتضي التبديل ،
وقد أبى ال تعالى ذلك في وعيده ،وبين أنه وإن فعل ما توعد به فليس بظلم للعبيد لن لم يفعل بهم إل ما استحقوه من العقاب
على ما كان منهم من المعاصي " .القاضي عبد الجبار :متشابه القرآن .2/626
( )41انظر ما سبق .271
( -فأنذرتكم نارا تلظى ل يصلها إل الشقى الذي كذب وتولى) (. )42
( -إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) )43( .
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقد سلك السالمي مع هذه اليات مسلكا يتمثل في ذكر موقف من يرون القصر على صنف ،ثم
يجيب :آية سورة الليل :قال فقد قصر الرب تعالى النار على من كذب وتولى والفاسق يكذب.
الجواب ( : )45إن قصر إصلء النار إنما هو على الشقي وهو اسم شامل للمشترك والفاسق وما
بعد الشقي وهو وصف له ،لم يتناوله القصر لكن فهم منه على سبيل الصفة وقد عرفت أن مفهوم
الصفة دليل ظني اختلف في وجوب العمل به فضل من أن يثبت به العلم العتقادي.
" ليس في الية قصر العذاب على المكذب المتولي وغنما فيها إخبار عنه انه معذب وخص بالذكر
في الية لقتضاء المقام ذلك فإنه في خطاب فرعون لعنه ال فلو إن العذاب على من كذب وتولى أو
فعل كبيرة مع التصديق لم يناسب المقام".
-آية سورة البقرة " :وصح استدلله بها لنه يخص اسم الكافر بالمشرك وجوابه :ل نسلم
تخصيصه به فغن الفاسق كافر كفر نعمة ولو سلمنا اختصاص اسم الكافر بالمشرك لقلنا إن جوابها
كجواب التي قبلها" (. )46
ويقول صاحب قاموس الشريعة في شأن هذه الية ما يلي ":الجواب هو إنا بينا أنه ل يجب أن يحكم
بأن المتروك حاله خلف المذكور وإذا كان كذلك لم يدل قوله تعالى ( أعدت للكافرين) أنها لم تعد
لغيره وذلك يسقط التعلق" (. )47
ويمر محمد اطفيش على آية سورة البقرة دون أن يشير إلى القضية إل انه صرح في آية سورة
الليل بما يلي ":والحصر إضافي أي إنما يدخل المشرك الشقي ل الموحد المطيع فيبقى الموحد
الفاسق لم يذكر فيؤخذ حكمه من الي الخر والحاديث وهو دخول النار وعدم الخروج" (. )48
وإنه لمن نفل القول أن نذكر أن المسلك واحد وأساسه استغلل الي لسياق الفكر العام لدى كل
جماعة والمتشابه يحتمل كل هذه الوجوه.
كما نلحظ أن حجج الباضية هي نفس حجج المعتزلة وما دام الموقف واحدا فل حرج في ذلك،
يبقى أن السالمي جعل كل هذه النصوص في سياق واحد مما جعل الموقف أكثر وضوحا ،ول يجب
أن نغفل عن حقيقة أساسية وهي الختلف في السماء فمدلول كلمتي " كافر" و" فاسق" يختلف
كما رأينا ( )49من فرقة إلى أخرى.
وقبل أن نختم القول مع هذا المسلك من الحتجاج القرآني يحسن أن نذكر مجموعة أخرى من
اليات مفادها إنفاذ الوعيد في عصاة أهل الصلة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
( -إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (. )51
( -ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) )52( .
( -ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما) .
()53
هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن
عمدا.
هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن
عمدا.
ويقول أبو عمار في شأن هذه اليات وآيات أخرى ( " : )54وهذا كله في كتاب ال عز وجل وعيد
لهل الكبائر من أهل الملة على كبائرهم ،أو يقول قائل إنه وعيد للمشركين على هذه الكبائر ،وليس
بوعيد لهل الكبائر من أهل التوحيد؟ ويقال عند ذلك فكذلك النهي عن هذه الكبائر إنما هو نهي
للمشركين ،وليس هو لهل الكبائر من أهل التوحيد لما كان هذا الوعيد جاء مقرونا بالنهي ول يجد
في ذلك فرقا أبدا مع ما في قوله بذلك من الفساد الذي ل يتوهم غايته ول تكيف نهايته إذا كان
الوعيد للمشركين أن يكون ال غنما حض المشركين على أل يولوا أدبارهم للمسلمين ويتوعدهم
على أن يفعلوا ذلك فيقول :ومن يولي دبره من المشركين للمؤمنين فقد باء بغضب من ال ومأواه
جهنم وبئس المصير...وهذا من الهذيان الذي ل يتكلم به المجنون المغلوبون على عقولهم أو من
هو في مثل حالهم" (. )55
وينقل يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري ومفاده أن الية من الدلة القطعية على إنفاذ الوعيد
في أهل الصلة ويختم السياق بتعجب ممن يرون خلف الوعيد كما يلي ":والعجب من قوم يقرأون
هذه الية ويرون ما فيها ...ثم ل تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل
إليهم مناهم ،أن يطعموا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة)56( "...
ويذكر عمرو التلتي بعد إيراد مثل هذه النصوص أن " القول بحمل تلك النصوص على خلف
ظاهرها غير معول عليه" (. )57
وكذلك يبين السالمي أن الوعيد يشمل مرتكبي الكبائر وهم كفار نعمة حسب المصطلح الباضي (
. )58
ويتبنى جميل السعدي موقف أبي عمار في التحدي والتهكم إلى أن يقول ":ولعمري إن من زعم أن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط الحساب صراحا لن المحارم إنما
تتقي من اجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقط أباحها" (. )59
ولم يشر محمد اطفيش إلى هذه القضية الكلمية عند تفسيره لهذه اليات (. )60
واضح من خلل هذا التحليل أن حجج الباضية والمعتزلة أقرب إلى الظاهر في هذه اليات وان
الرازي اضطر في ردوده إلى أن يستعمل حجج المعتزلة في تفسيق المؤمن للرد عليهم فحمل الية
أكثر مما تتحمل.
والحق -حسب ما رأينا -وغن كانت المجموعتان السابقتان تحتملن مختلف وجوه التأويل لن
ظاهرها واضح فهي تستهل بنداء المؤمنين ثم تذكر المعصية وما ينتظرها من عذاب مبين ،وغاية
القائلين بعدم إنفاذ الوعيد أن يرجعوا إلى القول بالعذاب المؤقت فالخروج من النار من طريق الفضل
أو الشفاعة وهو مال يقول به الباضية.
إن المتمتع لما عرضه الباضية وغيرهم من الدلة النقلية يلمس بوضوح وفرة النصوص القرآنية
وندرة الحتجاج بنصوص الحديث وذلك أن جل الحاديث المتعلقة بالموضوع لم تبلغ درجة التواتر
لكنه يلجا إليها من حين لخر لمؤازرة النص القرآني وتقويته.
وقدن أوردنا بعضا من الحاديث التي تتوعد مرتكبي الكبائر بالنار ونضيف إليها قول صلى ال عليه
وسلم " :القليل من أموال الناس يورث النار" (. )61
يذكر السالمي أن الحديث بهذا النص تفرد به الربيع وقد جاء معناه في عدة أحاديث ( منها ما رواه
البخاري في باب إثم من ظلم شيئا من الرض) عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه
وسلم " :من أخذ من الرض ومصداقه في حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" ورواه
أحمد أيضا ومصداقه في قوله تعالى ( :إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم
نارا وسيصلون سعيرا) ( 4النساء .)10عن أبي برزة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال" :
يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا ،فقيل يا رسول ال من هم؟ قال :ألم تر أن ال
يقول (:إن الذين يأكلون)". )62( . ..
والمهم تعليق السالمي بعد شرح الحديث بقوله ":وأحاديث الباب ( )63قاطعة بتعذيب الظالم إذا
مات على ظلمه فهي حجة على المرجئة مع اعترافهم بصحتها" (. )64
كما يمكن أن نذكر حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ":من كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من
النار" (. )65
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ولم يلح المحشي كثيرا على قضية الوعيد إل انه نقل ما يدل على التمييز بين من كذب على الرسول
صلى ال عليه وسلم ومن كذب على غيره ومن ذلك :قال الطيبي :والمعاصي توعد عليها بالنار...
الجواب الثاني ...:ول يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه وكذب على غيره أن يكون
مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء ،فدل قوله صلى ال عليه وسلم (فليتبوأ) على طول القامة
بل ظاهره انه ل يخرج منها لنه لم يجعل له منزل غيره.
ويعلق المحشي ":أقول هذا هو الحق ،وما ذكره (أي الطيبي وهو ليس من الباضية) من خروج
العصاة باطل" (. )66
ويعلق السالمي على هذا الحديث المذكور بما يشبه ما علق به على الحديث السابق وبصيغة أعم" ،
والحديث يدل على القطع بتعذيب أهل الكبائر وتخليدهم في النار ،وهو حجة على من خالفنا في ذلك
وال أعلم")67( .
وانظر إلى الوعيد القطعي الذي يصبه الرسول صلى ال عليه وسلم على من يدعي انه من أهل
الجنة " :من قال أنا من أهل الجنة فهو من أهل النار" .
ويعلل السالمي هذا الحكم بأنه حكم بالغيب وادعاء ما ليس لـه وذلك كبيرة توجب دخول النار ويختم
بما يلي ":وفي الحديث وجوب الخوف والرجاء لن القطع بأحد الطرفين من غير وحي كفر" ()68
.
ويستشهد محمد اطفيش عند تفسيره لقوله تعالى ( :ول تقتلوا أنفسكم) ( 4النساء )29بحديثي
الرسول صلى ال عليه وسلم .
-من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا ( . )69ومن قتل
نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا (. )70
ولم يعلق عليهما إل أن مواطن الستشهاد في تقرير إنفاذ الوعيد إذ الية تختم بقوله تعالى ( ومن
يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا) (. )71
ويورد المحشي في حاشية الترتيب ما يلي ":قال الربيع بن حبيب قال جابر بن زيد يروي عن
رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال " :ل يدخل الجنة مخنث ول ديوث ول فحلة النساء ول
الركاضة.
قيل وما الركاضة يا رسول ال؟ قال التي ل تغار" (. )72
قوله " :ل يدخل الجنة مخنث "....وجه الدليل منه أن من لم يدخل الجنة كان من أهل النار ومن
كان من أهل النار فهو كافر لقوله تعالى ( :النار وعدها ال الذين كفروا) ( 22الحج )72فعلم منه
انه ل يدخل النار إل كافر ولذلك قال الشيخ أبو نصر( :طويل)
وروي في الجامع الصغير من كتب قومنا في هذا عدة أحاديث منها " ل يدخل الجنة إل رحيم" (
)73ومنها " ل يدخل الجنة قاطع رحم" ( )74ومنها " ل يدخل الجنة خب" ( " )75ول بخيل ول
منان)76( . ..
وتأولها الشارح على قاعدة مذهبهم الفاسد من انه محمول على المستحل ليكون شركا لن الكفر
عندهم هو الشرك أو ل يدخل الجنة مع السابقين إليها أو ل يدخلها حتى يعاقب إل أن يغفر اله له
ولول التأويل لشركوا" (. )77
كما يعلق المحشي على ما أورده ابن حجر من شروح لقول الرسول عليه السلم " :إذا قال رجل
لرجل أنت عدوي فقد كفر أحدهما" ( )78بقوله " ثم لما كان الكفر عندهم خاصا بالشرك احتار في
تأويل هذه الحاديث المصرحة بكفر الموحد. )79( "...
كما يعدد المحشي من ل يكلمهم ال يوم القيامة وهؤلء الذين غضب ال عليهم نفذ فيهم الوعيد
أقول ":والذي يتحصل مما ذكره في الجامع فيمن ل يكلمهم ال يوم القيامة ول ينظر إليهم نحو
تسعة عشر صنفا :وهم المسبل إزاره خيلء والمنان الذي ل يعطي شيئا إل منة ،والمنفق سلعته
بالحلف الكاذب ،ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال امرئ مسلم ( ، )80ورجل
بايع رجل سلعة بعد العصر حلف لـه بال لقد أعطي لـه فيها كذا وكذا الخ ،ورجل حلف على سلعته
لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب ،ورجل منع فضل مائه ورجل على فضل ماء بالفلة
يمنعه من ابن السبيل ،ورجل بايع إماما ل يبايعه إل للدنيا وشيخ زان ،وملك كذاب ،وعائل سكير،
والعاق لوالديه ،والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ،والديوث ،ومدمن الخمر ،وحر باع حرا ،وحر
باع نفسه ،ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه" (. )81
هذا وإن اعتمد الباضية أحاديث تعزز موقفهم فقد اعتمد غيرهم أحاديث تدعم رأيهم في عدم إنفاذ
الوعيد وفي ذلك يقول صاحب قاموس الشريعة ":وقد صح في آيات الوعيد لفسقة المؤمنين
روايات معهم موافقة على ثبوته فيهم وروايات على العفو عنهم ،وروايات بالشفاعة وروايات
بتعذيبهم على قدر أعمالهم فصح أن روايات كثيرة معهم غير صحيحة لنها روايات تناقض بعضها
بعضا متى صحت واحدة كذب ما خالفها ل محالة" (. )82
وتبقى القضية حينئذ محل أخذ ورد بالنسبة الى الحتجاج بالحديث وذلك لختلف الروايات
والباضية مثل غيرهم تجمع لديهم كما بينا رصيد من الحديث يدعم قولهم بإنفاذ الوعيد .ومن الدلة
النقلية فإلى الدلة العقلية.
=======================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري :قال :قال رسول ال ": eأما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون
فيها ول يحيون ،ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء
بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل"( .الحبة بالكسر:
واحد الحب وهو بزر ما ل يقتات كبزر الرياحين .حميل السيل :ما يحمل من الغثاء والطين .ضبر الشيء :جمعه .ر .القرطبي:
أحكام القرآن )5/54 :ر .مسلم :إيمان .306ابن ماجة زهد . 37أحمد 20 /3ر .ونسنك :المعجم المفهرس.7/25 :
الدلة العقلية:
يصعب أن نجد أدلة عقلية صرفا في علم الكلم وإنما هي في الحقيقة أدلة مركبة العقل والسمع .جاء
العقل فيها منطلقا من النقل مؤازرا له لذلك فبعد أن عرضنا الدلة النقلية الصرف يحسن أن نقف
عند الدلة التي يغلب عليها طابع العقل ،ومنطلقنا في هذه القضية ما قاله اليجي في تلخيص
الول :أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة ( )83لوجهين :الول أنه أوعد
بالعقاب وأخبر به ،فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره وأنه محال.
الوجه الثاني :إذا علم المذنب أنه ل يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرا له على ذنبه وإغراء للغير
عليه وأنه قبيح مناف لمقصود الدعوة.
الجواب :منع تضمنه للتقرير والغراء إذ شمول الوعيد وتعريض الكل للعقاب وظن الوفاء بالوعيد
فيه من الزجر والردع ما ل يخفى واحتمال العفو عن البعض احتمال مرجوحا ل ينافي ذلك" (. )84
لقد أفلح اليجي في تلخيص هذه المواقف واكتفى بإيراد دليلين ترجع إليهما بقية الدلة لذلك سنسلك
نفس المسلك ونتأمل في مدى قوة ردوده أمام حجج القائلين بإنفاذ الوعيد.
إن اعتبر القائلون بخلف الوعيد أنه مدح في حق ال تعالى فقد رد عليهم القائلون بإنفاذ الوعيد-
والباضية منهم -بأنه من أكبر النقائض ومما جاء في هذا الصدد عند أبي عمار ":فلو كان وعده أو
وعيده مبدل أو محول أو مستثنى فيه لكانت جميع أخباره جل جلله ذات تكاذب وتناقض وهل الوعد
والوعيد إل إخبار منه عز وجل بأنه اعد للفريقين ما وعدهم بع وتوعدهم بع وقال ( :واتقوا النار
التي أعدت للكافرين) ( 3آل عمران )131وقال ( :قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها ال الذين
كفروا) ( 22الحج )72وكيف يخبر بأنه أوعد ما لم يوعد أو وعد ما لم يعد؟ أو يكون يعد ويوعد ثم
ل يفي بما وعد ما لم يوعد؟ ول يوجد شيء من ذلك على ما أخبر به ،وهذا غاية الوصف ل عز
وجل جلله بالكذب تعالى ال عما يقول المبطلون علوا كبيرا ،وقال ال عز وجل في إبليس ( يعدهم
ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا) ( 4النساء )120فحاشا ل أن تكون مواعيده كمواعيد
الشيطان" (. )85
ويقول المحشي في هذا الشأن ما يلي ":والحجة عليهم قوله تعالى ( :ما يبدل القول لدي) ( 50ق
)29يعني أن هذا إخبار من ال تعالى ولبد من وقوعه وإل لزم الكذب فإن لم يصدق فعله قوله فهو
كاذب" ( 85مكرر .
ويورد صاحب قاموس الشريعة ما يلي ":فإن قال قائل إن ال تعالى ينجز وعده ويبطل وعيده.
قيل له :إنه قال :إنه يجازي عصاة عبيده أعمالهم السيئة إذا لم يتوبوا منها وهو يعلم أنه يوقع بهم
الجزاء ولبد لهم من ذلك ،أو يكون قال ذلك وهو ل يدري أنه يوقعه بهم أم ل ،أو يكون قال ذلك
وهو يعلم أنه ل يوقعه ،فإن كان قاله وهو يعلم أنه يوقعه بهم فهذا هو الكذب وال يتعالى عن ذلك
علوا كبيرا لن من هذه صفته مذموم وقد ذم ال قوما بقوله ( :لم تقولون مال تفعلون كبر مقتا عند
ال أن تقولوا مال تفعلون) ( 61الصف .)3
فكيف يجوز أن يوصف ال تعالى بما ل يجوز أن يوصف به الكريم من خلقه وهو العز الكرم الذي
له الصفات العل والسماء الحسنى في الخرة والدنيا.
وإذا كان قال :إني أفعل بهم وأعاقبهم على معاصيهم وهو ل يدري يعاقبهم عليها أم ل فهذه صفة
الجاهل الذي ل يعلم ما يكون وال سبحانه عالم بما يكون" (. )86
والملحظ أن وجه الخلف بين القائلين بالخلف وبين الباضية يتمثل في أن القائلين بالخلف يرون
أن الكذب ل يتعلق إل بالماضي ( )87بينما يرى الباضية أن ":الكذب في الحقيقة هو الخبر عن
الشيء على خلف ما هو به ،أو هو الخبر غير المطابق للواقع سواء كان ذلك في الماضي أو
المستقبل" (. )88
وبهذا نتبين أن الباضية يعتبرون أن الخلف ضرب من الكذب وهو أمر قبيح ل يليق بال تعالى كما
يرفضون القول بالبداء.
ويرد أبو عمار على من يعتبر أن خلف الوعيد من الكرم والجود والفضال ( )90كما يلي ":قيل
لـه :ويحك قد ناظرت ما لم يكن نظيرا وشبهت ما ليس بشبيه ،وذلك أن أحدا منا قد يعد ويوعد وهو
ل علم له بالذي تصير إليه عاقبة وعده وتوعده ثم يكون من بعد ذلك تبدو لـه أمور يتبين بها أن
عاقبة وعيده إذا هو أمضاه تصير إلى فساد وتنتهي إلى هلك فيرى أن الخلف للذي توعد به أصلح
من إمضائه وإتمامه فيقصر عندما بدا لـه من إنجاز ما توعد به وال عز وجل غير موصوف بأن
يكون يجهل عاقبة أمر من المور فيكون يبدو له ما لم يكن يعلم من ذلك" (. )91
ويتعرض الصدغياني لهذه القضية بلهجة حادة مثل قوله ":وانتم الشعرية أبطلتم الوعيد لهل
الكبائر وقلتم ذهب الوعيد في البيد" ( )92ومثل قوله -وقد جمع بين المرجئة والشاعرة :-وانتم
الشعرية والمرجئة اجترحتم واذهبتم الوعيد بالبيد ،أقبح بهم من عبيد وصفوا ال بصفة الدميين
ومع ذلك ل يتقون ال ومعنى البداء ظهر وقد بدا أي ظهر لمعبودهم أمر قد خفي عنه وعجز حتى ل
ينفذ ما توعد به فحاشا ربنا من ذلك ومن وصف ال بالبدا قد وصفه بالجهل لنه خفي عليه أمر
حتى ظهر فرأى مصلحته في رجوعه كملوك الدنيا ربما يوعد ويرى أنه تدخل عليه وعثة في ملكة
فيقف ويرجع ،ما أبعد مذهب من قال بهذا بعدما قلنا لهم)94( " )93( ...
كما يتعرض المحشي لهذه القضية بقوله ":فما ذكروه من الخلف في الوعيد نوع من البداء تعالى
ال عن ذلك علوا كبيرا" (. )95
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وإن حلت المصادر الباضية على قضية امتناع البداء عن ال تعالى فهي تعتبر خلف الوعيد أمرا
قبيحا وهي بذلك ترد بشدة على من اعتبر خلف الوعيد من باب الرحمة وبالتالي يمدح صاحبه
ويحمد على ذلك ومن ذلك ما جاء عند أبي عمار في ما يلي ":ولعله يقول :أوليس ال جل جلله
رحيما بخلقه غنيا عن عذابهم يمن برحمته ول يظلم بعذابه وهو قد وعد ثوابه على الطاعة وتوعد
بعقابه على المعاصي فلم جعلتم ما توعد به من العقاب أمضى وأنجز من الذي وعد به من الثواب؟
قيل له :لسنا ننكر بل نقول بأن ال عز وجل رحيم بخلقه لطيف بعباده يمن بالرحمة ول يظلم
بالعذاب ومعنى ذلك أنه متفضل على خلقه برحمته يصيب بها من يشاء من عباده على غير
استحقاق منهم ول استيجاب ول يظلم بالعذاب فيؤاخذهم على غير ما عملوا ،أو يعذبهم على ما لم
يفعلوا ،وليس هذا من الذي قلنا بأنه يثيب أولياءه بأعمالهم على ما وعدهم ويعاقب أعداءه على ما
توعدهم في شيء" (. )96
وير جميل بن خميس على من يعتبر الخلف من الصفات المحمودة بما يلي ":واتفق أهل المذاهب
الربعة إل من شاء تعالى منهم ،على أن خلف ال لوعيده لفسقة المؤمنين من هذه المة من
الصفات المحمودة في ال تعالى لنها صفة في الناس وفي الملوك من أحمد الصفات وال تعالى
أحق لها ولم يفصلوه على ما في عقولهم من معرفتهم به أنه ل على الطلق هو محمود في الناس
وفي الملوك بل في مواضع هو من الصفات الذميمة لنه يكون على وجوه" (. )97
وبهذا نتبين أن الباضية لم يعتبروا خلف الوعيد من الرحمة وبالتالي ل يمكن أن يعتبروه من الكرم.
لقد ثبت من هذا أن الباضية يرفضون أن يكون خلف الوعيد من باب الكرم وبهذا يستوفون الرد
على تعليلت القائلين بالخلف كما ل يغفلون عن المظهر البلغي للقضية فهل نصوص الوعيد ضرب
من الخبر أو النشاء؟
وبما أن الكذب ل يمس إل السلوب الخبري هناك من تصرف في اعتبار آيات الوعد والوعيد من
السلوب النشائي الذي ل يحتمل الصدق والكذب.
وينقل يوسف المصعبي نص كلم هؤلء العلماء دون أن يسنده إلى أصحابه ( )99كما يلي ":وقال
بعضهم :الوعد إنشاء على الصح يعني إنشاء الضمان عند وجوب الوصف والكذب مخصوص
بالخبار.
قال بعض الئمة مراده أن الوعد والوعيد كلهما إنشاء فالخلف في الوعيد ليس بكذب فل نقض،
فأما الوعد فلن مقتضى الكرم أل يتخلف عنه ،فعدم جواز الخلف ل لنه كذب بل لن الكريم إذا وعد
وفي وإذا أوعد تجاوز.
ثم يرد فيقول :والجواب وال أعلم ":اعتماد النشاء مردود فغن علماء العربية نصوا على أن
الجملة الشرطية إذا كان جوابها خبرا تكون خبرية وهذه الية كذلك (. )100
وإن أراد أنها إنشائية باعتبار أمر لزم كما أشار إلى ذلك بقوله يعني إنشاء الضمان عند وجود
الوصف فتمويه ل يلتفت إليه لما يترتب عليه من الفساد مع لزوم تبديل القول على كل حال كما
أورده الخصم على نفسه ولم يجب عليه بما يصغي إليه" (. )101
فالباضية حينئذ يعتبرون نصوص الوعيد من الخبار الصادقة التي ل يصح الخلف فيها كما انهم
يرفضون مبدأ الخلف لما ينتج عنه من بطلن حكمة التشريع.
إن النفس البشرية ميالة إلى الشهوات ول سبيل إلى إبعادها عنها إل بالردع والزجر فإذا بطل الزجر
وعلم النسان أل وعيد اتبع نفسه هواها وارتكب ما ل يتصور من النواهي والمصادر الباضية تلح
على هذا المعنى وتتفق في هذا مع المعتزلة ( )102ومن ذلك ما جاء في قاموس الشريعة ":وقال
تعالى ( :وأن تغفر أقرب للتقوى) ( 2البقرة )237والمراد لمن جاء طالبا للعفو والمتعدي عليه قادر
على الزجر والدب وإل كان ذلك مما يؤدي السفهاء الجراءة والظلم للنبلء والعافي على هذا ليس
من الصفات المحمودة بل هي من أشد صفات الذم فصح أن هذه الصفة لذات ال ليست من الصفات
المحمودة وانه تعالى منزه عن ذلك ،ومنزه عن خلف الوعيد لكل من توعده لنه مما يؤدي إلى فتح
أبواب الجراءة على عصيانه وعصيان أولي المر من أوليائه من العلماء والمراء والقضاة فيجوز
إبطال وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر لمحمدة العفو عن التين المنكر التاركين الواجب
من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو
محمودا على الطلق من صفات ال وصفات الناس وهذا باطل ل يقول به إل ممسوخ العقل" (
. )103
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
كما يقول أيضا ":من زعم أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط
الحساب صراحا ،لن المحارم إنما تتقى من أجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقد أباحها" (. )104
وفي هذا المعنى يقول الوارجلني ما يلي ":ولو وعد المغفرة والرحمة من وراء ذلك لرجعت
المعاصي بحال الباحة ولم يبق إل أن يأمرهم بها" (. )105
ويزيد المصعبي خطوة في توسيع القضية وبين أن القول بخلف الوعيد " يؤدي إلى إباحة المعاصي
وكل ما جازت إباحته جاز المر به فيكون فرض المعصية أمرا جائزا وهذا محال على ال تعالى" (
. )106
وكذلك ل سبيل إلى اعتبار الوعيد مجرد تهديد لن مثل هذا الموقف يؤدي إلى الجرأءة على
المعاصي وانتهاك المحرمات فل تستقيم الدنيا قبل الخرة.
هكذا إن انطلقنا في التمهيد للحجج العقلية من تلخيص اليجي فيحسن أن نختم هذا الستدلل بما
ذكره محمد عبده في هذا الباب منطلقا من واقع المسلمين المرير القائم على مبادئ القائلين بإخلف
الوعيد حيث يقول ":إن كثيرا ممن يدعون اتباع السنة جرأوا الناس على هدم الدين بناء على أن
مدار السعادة في الخرة والنجاة من النار هو العتراف بالدين الى حد أن بعض الكبراء قال :إنني ل
أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بحرمته" (. )107
والمتأمل في واقع المسلمين عامة يدرك ما لهذا الرجاء العريض والمل الواسع في العفو عن
مرتكبي الكبائر المصرين عليها إلى الموت من أثر مقيت حيث استهان الناس بجميع الرذائل
وانتهكوا الحرمات جهارا ،ويعتبر من نفل القول أن نستدل على هذا بما عرفه الدب من خلعة
ومجون واستهتار.
وإن قالت فرق إسلمية بإنفاذ الوعيد مثل المعتزلة والزارقة فإنهم انقرضوا مع مر الزمان فالفكر
العتزالي تسرب إلى كالفكر السلمي تقريبا وإن بقي أكثر نصاعة في الفكر الشيعي والفكر
الزرقي ل نستطيع أن نقول فيه القول الفصل إل انه متهم من قبل خصومه بأنه اعتبر الكبائر من
باب الشرك ،فلم يبق حينئذ إل الباضية ممن يعتقدون إنفاذ الوعيد ،وأنت إن تأملت في بيئتهم زمن
الزدهار في الظهور أو الكتمان ( )108تجد مجتمعا أقر ما يكون إلى السلم لن من يعتقد أنه
معاقب ل محالة إن هو لم يتب يكون أكثر احترازا ممن يعتقد انه معفو عنه ،وفي أقصى الحالت
يعذب قليل ثم إلى النعيم البدي ،ول أبالغ في شيء إذا قلت إن مجتمع ميزاب حيث تطبق أصول
الباضية من أن
نظف المجتمعات السلمية في هذا العصر.
أما الباضية بجربة حيث غفل الناس عن أصولهم فقد دب إليهم الفساد ونهشهم الحرام وصار
الكثير منهم ل يتورع عن المجاهرة بالمعصية إذ ل رادع مع الجهل بالصل مثل ما حدث في جل
أطراف العالم السلمي.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما جبل نفوسة فما يزال أهله أكثر غيرة على أصول مذهبهم.
إلى هذا الحد يقف تحليلنا لقضية الوعد والوعيد ويحسن أن ننظر في بعض القضايا المتفرعة عنها
قبل أن نقتحم قضية الخلود.
إن قضية الوعد والوعيد أو بعبارة أصح قضية الوعيد ترتبط بها قضايا أخرى كانت مثار جدل بين
المسلمين نختار ترتيبها حسب تدرجها الزمني عذاب القبر ،الشفاعة ،وجود النار وفناؤها ،الورود
والخلود.
===========================
( )83ويضيف الشارح -إذا لم يتب عنها .ر .المواقف.2/446 :
( )84ويأتي الشرح كما يلي ":يعني أن الوعيد عام تناول كل واحد من المذنبين فظاهره الذي يقتضي ظن الوفاء به في حقه
فيحصل لكل منهم الظن بكونه معاقبا بذنبه ،وذلك كاف في زجر العاقل عن استقراره على ذنبه بعدم التوبة عنه ،وفي ردع غيره
عن اقترافه.
وأما توهم العفو الناشيء عن عدم وجود العقاب فاحتمال مرجوع ل يعارض ظن العقاب المقتضي للنزجار فقد ظهر أن المذنب
ل علم له بأنه ل يعاقب بل ول يظن لذلك ظنا فل تقرير ول إغراء " .اليجي المواقف .2/446
ويشير التفتازاني إلى مثل هذا المعنى حيث بين أن عموميات الوعيد ترجح جانب الوقوع وهذا ل يؤدي إلى إبطال الحكام
الشرعية ومثل هذا الترجيح كاف للبتعاد عن المعاصي .ر .التفتازاني شرح العقائد النسفية 117:
( )85أبو عمار عبد الكافي :الموجز106 -2/105 :
المحشي :حاشية على كتاب الوضع81:
( 85مكرر) المحشي :حاشية على كتاب الوضع81:
( )86جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/5 :راجح أيضا 8 :ويصرح أنه اخذ عن الجيطالي شرح النونية.
( )87ر .محمد الدواني :شرح العقائد العضدية59 :
( )88تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول الدين19:
( )89البداء :هو ظهور ما لم يعلم ،وال تبارك وتعالى يتعالى عن البداء .عثمان السوفي :كتاب السؤالت100:
( )90وفي قياس البشر إذا توعدت ثم تبين لك خطأ موقفك فإنك تتراجع ويعد ذلك من الشيم الحميدة.
( )91أبو عمار عبد الكافي :الموجز2/107 :
( )92الصدغياني :رسالة إلى أهل وارجلن4:
( )93ذكر اليات من نوع] ل يبدل القول لدي[
( )94الصدغيان :رسالة إلى أهل وارجلن ،6 :ثم يورد في نفس الصفحة أدلة القائلين بالبداء وينسب ذلك إلى مالك بن أنس
وقد رأيت في تفسير الملكي ثلثة أقوال عن مالك بن أنس:
أحدهما قال :ال تبدو له البداوات والدليل عنده قوله تعالى ] لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في
المدينة لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل[ ( 33الحزاب )60معنى لنغرينك بهم
أي ليسلطن عليهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل .قال :وقد مات رسول ال eولم يسلم عليهم ولم يقل لهم فهذا دليل على أن ال
تبدو له البدوات"...
( )95المحشي :حاشية على كتاب الوضع 83 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/8 :ويذكر أنه اخذ عن
الجيطالي شرح النونية.
( )96أبو عمار عبد الكافي :الموجز108 -2/107 :
( )97جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ،6/24 :ويتلخص تعداد الوجوه في تبيين مواطن الضعف في عفو السلطين
مما ل يليق بال تعالى ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود126 -125:
( )98جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/8 :
ر .سعيد بن تعاريت :المسلك المحمود 126 :وقد سلك التفتازاني في الوعيد مسلك الباضية فاعتبر أن الخلف في الوعيد ليس
من الكرم في شيء فيقول " :زعم بعضهم أن الخلف في الوعيد كرم والمحققون على خلف كيف وهو تبديل للقول وقد قال ال
تعالى ]:ما يبدل القول لدي[ ( 50قَ )29ر .التفتازاني :شرح العقائد النسفية 117
( )99وينسبه سعيد بن تعاريت إلى الشنواني وهو أيضا نقله عن بعضهم .المسلك المحمود126 :
( )100يقصد بقوله تعالى ] :ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[ ( 99الزلزلة )8
( )101يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين23 -22 :
( " )102إن الفاسق إذا علم انه ل يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كأن يكون مغري على القبيح ،ويكون في الحكم كأن قيل له ،افعل
فل بأس عليك" القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة650 :
( )103جميل بن خميس :القاموس26 -6/25 :
( )104نفس المصدر6/7 :
( )105أبو يعقوب الوارجلني :الدليل2/46 :
( )106يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين25 :
( )107محمد عبده :تفسير المنار 3/99 :وما استشهدنا بموقف محمد عبده إل لنبين اللتقاء بينه وبين الفكر الباضي في هذه
النقطة بالذات.
( )108انظر ما سبق 54 :تعليق 57
عذاب القبر
قال تعالى( :فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتاي أعجزت
أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) ( 5المائدة .)31
إن هذا السياق القرآني يبين أن ال علم البشر كيف يحترمون موتاهم فيوارونهم في التراب حتى ل
تبقى جثثهم كجيف الكلب وما إليها ،وفي هذا تكريم من ال تعالى يذكر به في قوله (ثم أماته
فأقبره) ( 80عبس )21فالقبر حينئذ هو الموضع الذي يدفن فيه الميت من بني آدم ،وإن علم ال
البشرية هذا المسلك من أول ما عرف النسان الموت فإن البشر اختلفوا عبر الزمان في مواراة
موتاهم فعمد من عمد منهم إلى الحراق مع المحافظة على الرماد في قوارير تحفظ ،وعمد من عمد
إلى تحنيط الموات قبل الدفن ولجأ البعض إلى الدفن الجماعي في سراديب تحت الرض ،وتفنن من
تفنن في بناء القبور ،وأهرام مصر أكبر شاهد على ذلك.
وليس غرضنا في هذا الفصل أن نحلل هذه القضية وإنما المشكل المطروح ماذا عن أحوال أهل
القبور أو ما يسمى بالحياة البرزخية ( )1وما هو موقف الباضية من ذلك؟
إن المتتبع للقرآن الكريم ل يجد إشارات واضحة لتصوير أحوال أهل القبور ،وإنما تأول المفسرون
بعض اليات ( )2ورأوا فيها دليل على ثبوت تنعم أصحاب القبور وتعذبهم ،أما في الحديث فقد
جاءت نصوص عديدة في الصحاح وغيرها تقر ما ينظر الناس في قبورهم من سعادة أو شقاء ()3
.
ويكاد يجمع المسلمون ( )4على هذا التصور باستثناء بعض المعتزلة ( )5والنكار ( )6من الباضية
ولذلك أثيرت القضية في الكتب الشعرية كما أنهم ينكرون ما جاء من أحاديث في هذا الشأن أو
يتأولونها ( )7ومن أدلتهم العقلية أو إن أردنا الدلة المادية المخالفة للمعقول:
أ) لو كان لعذاب القبر أصل لكان يجب في النباش أن ترى العقوبة المثوبة للمعاقب والمثاب فكأن
يشاهد عليه أثر الضرب وغيره لكن الواقع غير ذلك.
ب) لو كان في القبر عذاب لوجب أن يسمع أنين من لم يدفن مثل المصلوب وأن يشاهد اضطرابه.
جـ ـ ويبدي هؤلء حيرة في شأن من يحرق أو تأكله السباع (. )8
كل هذه أدلة حسب هؤلء تؤكد حياة في القبر وأل عذاب ول ثواب .لكن غفل هؤلء عن أن عالم
الغيب ل يقاس بمقياس العقل ،ول يقارن بعالم الشهادة وإنما توضح بعض معالمه النصوص المنزلة
بالنسبة إلى من يؤمن بالتنزيل وعلى هذا الساس كان رد المثبتين للحياة في القبور بما في ذلك من
شقاء أو سعادة.
يقول القاضي عبد الجبار وهو يعبر عن موقف المعتزلة الذين ألفنا أنهم معتدون بالعقل ويقدمونه
على النقل ":فأما الكلم في أن ذلك كيف يكون ...فإن ذلك مما ل يهتدي إليه من جهة العقل وإنما
الطريق إليه السمع" ( )9وذلك للرد على هؤلء المنكرين من أهل العتزال وتناولتها مصادر
الباضية للرد على النكار وقد استوفى القضية الوارجلني بحثا من القرن السادس 12/ 6مما أدى
المصادر اللحقة إلى أن تكتفي بالحالة على تحليله.
فيحسن في البداية أن نتعرض لحجج منكري الحياة البرزخية ثم نعرض بعد ذلك حجج المثبتين
وردودهم.
ومن أدلتهم النقلية قوله تعالى ( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) ( 44الدخان )56ولو أحيوا في
القبر لذاقوا موتتين ( )11أي لزم إحياؤهم فيه ثم إماتتهم بعد التعذيب.
وكذلك قوله تعالى ( :يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) ( 36يس )52قالوا لو كانوا معذبين في القبر ما
سموه مرقدا.
وكذلك قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) 30( :الروم )55
قالوا لو كانوا معذبين لستطالوا المدة ولما أقسموا انهم لم يلبثوا إل ساعة (. )12
ويورد السالمي نفس الرأي في الدعوة الى العتماد على النقل دون العقل وفي ذلك يقول ":ول
سبيل إلى العدول من مقتضاها (الحاديث) الى محض القول بالرأي وليس شعري أي مدخل للرأي
في ما غاب عنا علمه ولم تصل إليه عقولنا بل الواجب في هذا ونحوه التسليم لخبار الشارع فيه،
وقبول ما جاء فيها من لسانه فمن بلغه التواتر في ذلك وجب عليه القطع بوقوعه على حسب
الخبار لنها جاءت من طرق صحيحة" (. )13
" إن اكثر ما في هذا النباش وغيره ل يرون أثر العقوبة على الميت ومن المجوز أل يعذب ال
تعالى في هذه الحالت التي يطلع عليها النباش أو غيره أو يعذبه على وجه يستتر عنهم لوجه من
المصلحة يرى في ذلك" (. )14
وفي ذلك يقول السالمي ":وأجيب عن الول(من قتل فصلب) بأنه يحتمل أن يخلق فيه حياة ل
ندركها نحن" (. )15
ويتوسع صاحب قاموس الشريعة في ذلك كما يلي ":إن ال تعالى ل يفوته الذي قبر ول الذي لم
يقبر ،ول حجة لمن احتج بمن لم يقبر لن المخلوق الذي لم يملك الشيء الذي فاته..ولذلك ل يقدر
عليه لنه لم يوجده من بعد العدم. )16( "...
يقول السالمي في ذلك ":وأجيب عن الثاني(من أكلته السباع) انه مبني على انه يشترط في الحياة
وجود البنية بتمامها ونحن ل نقول به لمكان أن يخلق ال لكل جزء انفرد حياة يحس بها ألم
العذاب" (. )17
وقبل أن نتحول إلى الردود القائمة على الدلة النقلية يحسن أن نلحظ أننا لم نجد في المرحلة
المقررة من اهتم بالدلة العقلية والردود عليها من ذلك المحشي وهو أحد أقطاب هذه المرحلة اكتفى
بتحليل الحاديث دون أن يكترث بحجج المنكرين العقلية (. )18
يقول أبو يعقوب الوارجلني ":وفي القرآن إشارة إليه على رأي المفسرين وهم القدوة في ذلك" (
)19إل انهم لم يذكروا ولو آية واحدة وكذلك المحشي في حاشية الترتيب ( )20وكذلك السالمي (
)21إل أننا إذا تتبعنا تيسير التفسير نجد أن محمد اطفيش تعرض إلى الموضوع في ما يلي:
)1قوله تعالى ( :قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل) (
40غافر .)11
فأورد أقوال لعدة علماء مفادها إثبات عذاب القبر وقال السدي ( " )22والحياء الولى إحياؤهم في
القبر للسؤال" (. )23
)2قوله تعالى( :النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد
العذاب) (. )24
يذكر صاحب التيسير أن الية دليل على ثبوت عذاب البرزخ في ما قبل ،ثم يزيد القضية تحليل
فيقول ":لكن الية في الرواح" ووردت أخبار بثبوته للبدان وفيها أرواحها وذلك قبل قيام الساعة
( )25ثم استشهد بعدة أحاديث (. )26
ويقول السالمي ":ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه الية حتى خرج
بها عن أسلوب النظم الشريف فقال فيها ":تقديم وتأخير والصل ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل
فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (" )27
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
)3قولـه تعالى( :مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا) ( )28يبين
محمد اطفيش أنها نار البرزخ التي يحرق بها قبل البعث ،يحرقون بها في الماء وفي ذلك إثبات
عذاب القبر (. )29
وأثناء الرد على المنكرين لعذاب القبر يقلب السالمي عليهم الحجة ويعتبر أن في اليتين المستشهد
بهما دللة على عذاب القبر:
( يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) ( 36يس )52واجيب بأنهم سموه مرقدا(مرحلة القبر) نظرا إلى ما
شاهدوا من هول الموقف حتى صار القبر بالنسبة إليهم كالمرقد ،وكذلك في شأن عدم استطالة مدة
القبر فمدة البرزخ بالضافة الى ما بعدها من البد أقل من ساعة" (. )30
( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) ( 44الدخان )56ويجاب بأن الخطاب لهل الجنة فإذا أحياهم
ال في القبر لما أراده منهم فل يسمى بعد تلك الحياة موتا بالضافة إليهم .كيف وقد ورد في الحديث
أن المؤمن يرى منزله في النار إن لو عصى ومنزله في الجنة إن لو أطاع فيريد أن ينهض إليه
فيقال لـه :لم يأت أوان ذلك ،نم سعيدا نومة العروس" (. )31
تلك هي الدلة القرآنية وصدق أبو يعقوب الوارجلني في موقفه حيث اعتبر أنها إشارات على رأي
المفسرين إذ ل نلمس في هذه النصوص تصريحا ظاهرا ولذلك احتيج الى التأويل وقد عزز
المفسرون جميعا موقفهم بالحديث بينما رأينا من المفسرين من لم يقبلوا مثل هذا التأويل فسكتوا
عنه لنهم يقرون بعذاب القبر إل أنهم لم ينتبهوا مثل هذا التأويل ولهم ذلك.
==================================
( ) )1البرزخ :الحاجز بين شيئين ،وما بين الموت والحياة ،فمن مات فقد دخل البرزخ قال تعالى] ومن ورائهم برزخ إلى يوم
يبعثون[( 23المؤمنون .)100
( )2انظر ما يلي643 :
( )3انظر ما يلي أثناء التحليل646 :
( )4اعتبر الشعري أن الصحابة أجمعوا على القول بعذاب القبر .ر .البانة .184 :
( )5يقول اليجي :وأنكره ( إحياء الموتى في قبورهم ضرار بن عمرو ،وبشر المريسي ،وأكثر المتأخرين من المعتزلة).
المواقف.2/451 :
ويذكر القاضي عبد الجبار أن ضرار بن عمرو كان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة ،ويرد تشنيع ابن الراوندي على
المعتزلة في عذاب القبر .ر .الصول الخمسة .720 :والملحظ أن الشعري قد بالغ عندما اعتبر أن كل المعتزلة أنكروا عذاب
القبر :البانة ص .181ويقول جميل بن خميس السعدي في هذا الشأن " وأنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض لن
الميت جماد ل حركة له ول إدراك فتعذيبه محال" قاموس الشريعة.6/216 :
( )6انظر تعريف النكار في ما سبق213 :
ويذكر صاحب قاموس الشريعة أن ناصر ابن أبي نبهان من إباضية عمان ممن ينكرون عذاب القبر .ر .جميل بن خميس
السعدي :قاموس الشريعة . 219 .6/216 :وهذا موقف يعتبر شاذا بالنسبة إلى رأي جمهور الباضية .
( )7ر .عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح.2/358 :
( )8ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .733اليجي :المواقف.2/452 :
( )9القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.732 :
( )10يتفاوتون في النكار .لقد رأينا أن ضرار بن عمرو ،معتزليا أو جبريا ،وبشر المريسي ينكران القضية إطلقا.
بينما ل ينكر الجبائي والبلخي إل سوء تسمية الملكين بمنكر ونكير إذ ل يليق حسب رأيهما أن تسند مثل هذه السماء القبيحة إلى
الملئكة.
ويتصور أبو الهذيل العلف وبشر بن المعتمر أن تعذيب الكافر ل يتم إل بين النفختين .أما الصالحي وابن جرير الطبري وطائفة
من الكرامية فييجزون التعذيب بدون إحياء.ر .اليجي :المواقف.452 -451 /2 :
( )11ر .عبد ال السالمي :المشارق 273 :ر .اليجي :المواقف.2/452 :
( )12ر .عبد ال السالمي :المشارق 273 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/219 :
( )13عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح.2/358 :
( )14القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .733
ملحظة :لقد ورد النهي عن انتهاك حرمات القبر إذ حرمة الميت كحرمة الحي ،ويورد امحمد اطفيش الحديث التالي وهو قوله
عليه السلم ":حرمة أحيائنا كحرمة موتانا" .وفاء الضمانة( 1/294 :لم يرد هذا الحديث في معجم ونسنك) .
( )15عبد ال السالمي :المشارق.274 :
( )16جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ،6/198 :واليجي يذهب إلى نفس الرأي بدليل أن صاحب السكتة حي أنا ل
نشاهد حياته ر .المواقف.2/453 :
( )17عبد ال السالمي :المشارق.274 :
( )18ر .المحشي :حاشية الترتيب82 -4/67 :
( )19أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان ط .2:2/318
( )20ر .المحشي :حاشية الترتيب82 -6/67 :
( )21ر .عبد ال السالمي :شرح الجامع الصحيح.361 -2/348 :
( )22السدي(ت )128/745إسماعيل بن عبد الرحمن .تابعي حجازي الصل .وهو صحاب التفسير والمغازي والسير.ر.
الزركلي :العلم.1/313 :
( )23امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 5/107 :1ر .السالمي :المشارق 272 :وقد سلك كل من الرازي .41 -27/40 :
والقرطبي 298 -15/297 :في تفسيرهما نفس المسلك إل أن الرازي ناقش حجج المنكرين بينما اعتبر ابن عاشور 23/98 :أن
الية بمعزل عن أن يستدل بها لثبوت الحياة عن السؤال في القبر .أما جواد مغنية 442 -6/441 :فإنه لم يشر البته إلى القضية.
( 40 )24غافر 46والسياق يشير إلى آل فرعون.
( )25امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 1:5/1273
( )26سنوردها بعد قليل انظر .646:ويتفق الرازي 27/73:والقرطبي 319 -15/318:في تفسيرهما على أن الية دليل على
إثبات عذاب القبر ،ويعدد القرطبي أسماء من قالوا بذلك وهم :مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب ،ويدعم موقفه بعدة
أحاديث.
بينما ذكر ابن عاشور 23/58:القضية باحتراز فذكر أنه عذاب قبل عذاب يوم القيامة وأن أرواحهم تشاهد المواضع التي أعدت
لهم في جهنم .وسلك مغنية 6/456 :نفس المسلك ":إن ذلك بعد الموت وقبل يوم القيامة".
ويقول الشعري تعليقا على هذه الية في "باب الكلم عن عذاب القبر"" .فجعل عذابهم يوم تقوم الساعة بعد عرضهم على النار
في الدنيا غدوا وعشيا" وقال ":سنعذبهم مرتين ،مرة بالسيف ومرة في قبورهم ،ثم يردون إلى عذاب غلظ في الخرة" البانة
.182:
( )27عبد ال السالمي :المشارق 272 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/202 :
( 71 )28نوح 25والسياق عن قوم نوح.
( )29ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 6/363 :1
ويقف الرازي في تفسيره 145 /30 :نفس الموقف :تمسك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله تعالى :ويذكر الية وينسب
القرطبي 311 -18/310:القول للقشيري.
أما ابن عاشور 29/212 :ومغنية 7/431:فلم يشيرا إلى الموضوع عند تفسير هذه الية
والملحظ أن نفس هذه اليات هي التي يعتمدها القاضي عبد الجبار للتدليل على ثبوت عذاب القبر فيقول ":أما ثبوته فالذي يدل
عليه قوله تعالى ]:مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا 71([..نوح )25فالفاء للتعقيب من غير مهلة ،وإدخال النار ل
وجه له إل التعذيب ،ويدل عليه أيضا قوله تعالى ]:النار يعرضون عليها غدوا وعشيا[( 40غافر )46الية ووجه دللته على
عذاب القبر ظاهر غير أنه يختص بآل فرعون ول يعم جميع المكلفين.
والدللة التي تعم قوله تعالى ]:ربنا أمتنا اثنين وأحيينا اثنين[(غافر )11ول تكون الماتة والحياء مرتين إل وفي إحدى المرتين
إما التعذيب في القبر أو التبشير على ما نقوله .ثم ينفي قول من قال إن الماتة الولى حال النسان وهو نطفة".
القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة.731 :
( )30عبد ال السالمي :المشارق272 :
( )31ر .ابن ماجة :جهاد ،16ر .ونسنك :المعجم المفهرس 2/201الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/19عدد .982
لقد خصص الربيع في الجامع الصحيح بابا لموضوع القبور في الجزء الثاني ( )33ورجع الى ذلك
في حديث طويل آخر الجزء الرابع ( )34ووقعت الشارة إلى ذلك في مطلع الجزء الول (. )35
وقد جمع أبو يعقوب الوارجلني عشرة أحاديث في هذا الشأن ( )36ول يجب أن نغفل عن أنه
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
مرتب الجامع الصحيح ،وإن كان من علماء الكلم فصلته بالحديث متينة ،ولذلك لم يجد أبلغ من
الحاديث للرد على من ينكر عذاب القبر وسأكتفي بذكر
أحاديث واضحة الدللة على عذاب القبر وثوابه مستعينا بما جاء حولها من شروح للمحشي ()37
والسالمي (. )38
)1عن رسول ال صلى ال عليه وسلم " :كان بعلم أصحابه هذا الدعاء ،كما يعلمهم السورة من
القرآن وهو يقول :اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر" (. )39
)2أبو عبيدة عن جابر بن زيد أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " :إن
أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان
من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك ال يوم القيامة" (. )40
)1جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم -وذكره عنه غيره -انه عليه السلم قال :إذا
وضع الميت في قبره وسوي عليه فإنه يسمع نعال القوم حين ينصرفون عنه لنه حمل من بيته
وروحه مع الملئكة فإذا وضع في قبره يأتيه ملكان أصواتهما كالرعد القاصف ،وأبصارهما كالبرق
الخاطف فيقعدان فيقولن له ":يا هذا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " فإن كان مؤمنا قال :ال
ربي والسلم ديني ومحمد نبي "،فقال له ":على هذا أحييت وعليه أمتّ وعليه تبعث ،انظر عن
يسارك" فيفتح له باب في قبره إلى النار فيقال له ":هذا منزلك لو عصيت ال فأما إذ أطعته فأنظر
عن يمينك" فيفتح له باب في قبره إلى الجنة فيدخل عليه برد منزله ولذته فيرد أن ينهض ،فيقال
له ":لم يأت أوان ذلك ،نم سعيدا نومة العروس" فما شيء أحب إليه من قيام الساعة حتى يصير
إلى أهل ومال وإلى جنة النعيم ،وأما إذا كان كافرا فيقعدانه فيقولن له ":من ربك؟" فيقول ل
أدري .فيقولن ":ما تقول في هذا الرجل" -يعني محمد صلى ال عليه وسلم فيقول ":كنت أقول
فيه كما يقول الناس" فيقولن ":ل دريت ول تليت على هذا عشت وعليه مت وعليه تبعث .انظر
عن يمينك" فيفتح له باب من الجنة فيقال له ":هذا منزلك لو أطعت ال فأما إذ عصيته فانظر عن
شمالك فيفتح له باب من قبره الى جهنم فيدخل عليه غم منزله وأذاه ما شيء أبغض إليه من قيام
الساعة فيصير إلى العذاب" (. )41
إن في هذه الحاديث ذكرا صريحا لعذاب القبر ففي الول دعوة إلى الستعاذة منه ،وفي الحديثين
الخرين تصوير دقيق لما يقع للميت منذ أن يوضع في قبره فيسمع نعال القوم الى أن يترك إما في
روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار.
وقد صعب على شارح هذه الحاديث وغيرها تصور هذا النوع من الحياة فلذلك تأولوا النصوص
بطرق مختلفة تتلخص في ما يلي:
ويقول المحشي ملخصا هذه القضية ":قوله :وكان جابر ممن يثبت عذاب القبر" وهذا هو الصحيح
والمشهور بين العلماء وهل واقع على الروح فقط أو عليه وعلى سائر الجسد؟
قال ابن حجر ( )45في حق البخاري ( ": )46لم يتعرض المصنف لترجمة كون عذاب القبر يقع
على الروح فقط أو عليها وعلى سائر الجسد وفيه خلف شهير عند المتكلمين وكأنه تركه لن الدلة
التي يرضاها ليست قاطعة في أحد المرين فلم يتقلد الحكم في ذلك.
وكفى بإثبات وجوده خلفا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو ()47
وبشر المريسي ( )48ومن وافقهما وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم
وأكثروا من الحتجاج له .وذهب بعض المعتزلة كالجبائي إلى انه يقع على الكفار دون المؤمنين
وبعض الحاديث التية ترد عليهم" (. )49
والمهم أساسا أن هذه النصوص تثبت أن القبر جزء من عالم الجزاء بقي على أية صورة يتم هذا
الجزاء فذاك محط الخلف والتأويل إل أن هذا ل ينبغي أن يدفع إلى إنكار الصل إذ مهما كانت الحال
التي يكون عليها النسان فإنه يحس بهذا الجزاء وليس مجرد جثة تأكلها الحشرات.
ويجدر أن نشير أيضا إلى أن التأويل شمل قضية أخرى متصلة بالعمل فهل أن هذا الجزاء خاص
بالكفار دون المؤمنين كما يقول الجبائي أو انه خاص بالمؤمنين فقط؟ أو ل يشمل إل العصاة من
أهل الصلة؟
قال القرطبي ( : )50وهذا (العرض)( في حق المؤمن والكافر واضح فأما المؤمن المخلط فيحتمل
في حقه أيضا لنه يدخل الجنة في الجملة" (. )51
ويرد المحشي على القرطبي بقوله ":الحتمال ل أصل له عندنا فإن المخلط كافر فيعرض عليه
مقعده من النار ول واسطة كما يدل عليه الحديث" (. )52
فالقضية ترجع إلى موضوع السماء والحكام ( )53وبما أن الباضية اعتبروا كافر النعمة من أهل
الوعيد أثبتوا أنه من المعذبين في القبر أما من اعتبر العصاة مغفورا وإن لم يتوبوا فطبيعي أن
يعتبرهم من أهل السعادة في القبر.
ويلح تبغورين على أن عذاب القبر لهل الكفر والنفاق فيقول ":إنما عذاب القبر في أهل الكفر
والنفاق وليس هو لهل التقى والخلص وهو الصحيح" (. )54
ول يغفل العلماء عن التنبيه إلى الشهداء فهؤلء أحياء عند ربهم يرزقون بصريح قوله تعالى ( :ول
تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) ( 3آل عمران .)196
فهؤلء يقول فيهم القرطبي ":ويحتمل أن يقال إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم
باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الن" (. )55
وفي آخر الفصل الذي يرد فيه أبو يعقوب الوارجلني على المنكرين يورد خطبة لعلي ابن أبي طالب
يقر بان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .كما يورد قصة مفادها أن جماعة أتوا
يستفتون عبدال بن عباس في أمر قبر رجل كلما حفروا لـه وجدوا أسود قد مل القبر فقال ابن
عباس" ذلك الغل الذي يغل به" وأمرهم أن يدفنوه قائل" فوال لو حفرتم الرض كلها لوجدتموه
فيها" وتبين من استفسار أهله أنه كان يأخذ قوته من متاع الناس.
ويلح بعد ذلك على ما شاع في أمة محمد مما أبصروه عيانا في المقابر ثم يقول أبو يعقوب ":ولو
أردنا ذكر شيء من ذلك .مما رأينا وعاينا وعاينوه هم بأنفسهم ل تسع الحال ،وإنفسح المجال،
وفاق القيل والقال مما ل ينكره عاقل" (. )56
ويختم أبو يعقوب تحليل القضية بالتهوين من أمرها فيقول ":ومسألة عذاب القبر ليست من مسائل
الديانات ،فمن جهلها سلم ومن علمها غنم ،ومن تورط فيها ندم" (. )57
واضح حينئذ أن الباضية يثبتون ما في القبر من ثواب أو عقاب ويجعلون من مات على كبيرة دون
أن يتوب في زمرة المعاقبين.
وقد هون الوارجلني القضية فلم يعتبرها من مسائل الديانات وعذر فيها من جهل .وكذلك السالمي
رأى أنه يصح الخلف في عذاب القبر ( )58وكذلك صاحب قاموس الشريعة ":والختلف في هذا
جائز" ويقول أيضا" إن هذا كله في علم الغيب ل يصح فيه التحقيق" (. )59
=====================================
ملحظة :ويحسن أن نذكر بالختلف الوارد في شأن أن يعذب الميت ببكاء النائحين عليه ،ويفصل المحشي القضية كما يلي:
أقول ":وهذا ل يناسب ما هو المذعب من أن ال عدل ل ينسب إليه الجور في حكم ول فعل ،وأنه ل يؤاخذ أحدا بما لم يصدر
منه لقوله تعالى ]:وما ربك بظلم للعبيد[ ( 41فصلت ،)46وقوله ]:ل يظلم ربك أحدا[ ( 18الكهف .)49وقوله ]:وما ظلمناهم
ولكن كانوا هم الظالمين[( 43الزخرف )76أي ل يؤاخذهم بغير ما اكتسبوا ،ول يعذبهم بغير ما اجترموا فإنه تعالى نفى عن
نفسه هذه الصفة وجعل مؤاخذة النسان بما لم يصدر منه ظلما...فالحق ما ذهبت إليه عائشة رضي ال عنها ] أل تزر وازرة
وزر أخرى[( 53النجم )38إل أن صح الحديث (أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيتأول بما يكون للميت فيه مدخل كأن أوصى
بذلك أو لم ينه أهله من قبل كما تقدم في بعض التأويلت وال اعلم بحقيقة الحال ".حاشية الترتيب.4/74 :
ويقف السالمي نفس الموقف ويختم بقوله ":ومن سلم من ذلك كله فاحتاط فنهاهم ثم خالفوه فعذابه تألمه بما يراه من مخالفة
أمره وإقدامهم على معصية ربه" .عبدال السالمي :شرح الجامع الصحيح.2/353 :
( )42ويرجح جميل بن خميس السعدي هذه الصورة فيقول ":إن الروح ل تعقل إل في جسدها ،وأظن أنه الصح" .قاموس
الشريعة .6/216:ويقول ابن حزم في ذلك ":ولم يرو أحد أن في عذاب القبر رد الروح إل المنهال بن عمرو وليس بالقوي".
المحلى.1/22 :
( )43ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي.ر .حاشية الترتيب .4/75 :كما ينقل المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر
أن الرواح على أفنية القبور .ر .حاشية الترتيب.4/76 :
( )44ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي .ر .حاشية الترتيب . 4/75 :كما ينقل المحشي أيضا أن ابن عبد البر
يذكر أن الرواح على أفنية القبور .ر .حاشية الترتيب.4/76 :
( )45ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي .ر .حاشية الترتيب4/75 :
ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة .6/216 :
ملحظة :لقد أورد جميل بن خميس السعدي كل هذه القوال في سياق واحد دون أن ينسبها إلى أصحابها .قاموس الشريعة:
.6/215
( )46البخاري (. )870 -256/810 -194ر .الزركلي :العلم .6/258
( )47انظر ما سبق.308 :
( )48بشر المريسي (ت )218/833فقيه معتزلي عارف بالفلسفة .ر .الزركلي :العلم .2/28
( )49المحشي :حاشية الترتيب 81 -4/80 :نقل عن ابن حجر.
( )50القرطبي :حاشية الترتيب(ت )1273 /671المفسر.
( )51المحشي :حاشية الترتيب.4/75 :
( )52نفس المصدر.
ملحظة :لقد أثيرت قضية الختلف في شأن الكافر أيسأل في القبر أم ل؟ وقد جاء في ذلك ما يلي عند المحشي ":وأما إذا كان
كافرا ،هذا الكلم يدل على أن سؤال القبر عام في المؤمن والمنافق خلفا لمن يزعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي اليمان
محقا كان أو باطل .قال ابن حجر :مستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبراء التابعين قال :إنما
يفتن رجلن مؤمن ومنافق وأما الكافر فل يسأل عن محمد ول يعرفه.
وهذا موقوف ،والحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي ألوى بالقبول.
وجزم الترمذي بأن الكافر يسأل ...حاشية الترتيب .110 -8/109 :يثبت من هذا أن الباضية يتفقون مع ابن حجر والترمذي في
أن الكافر كفر شرك أو كفر نعمة يسأل في قبره لما ثبت في ذلك من الحاديث المرفوعة إلى رسول ال . e
( )53انظر ما سبق488 :
( )54تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول الدين.73 :
( )55ر .المحشي :حاشية الترتيب.4/75 :
( )56أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.323 -322 :
( )57أبو يعقوب الوارجلني :الدليل والبرهان.3/322 :
( )58ر .عبد ال السالمي :المشارق274 :
( )59جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/216 :
الشفاعة:
الشفاعة من شفع والشفع هو الزوج ،وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع :طلب .والشفاعة كلم الشفيع
للملك في حاجة يسألها لغيره ،وشفع إليه :في معنى طلب إليه ،والشافع :الطالب لغيره يتشفع به
إلى المطلوب.
هذا ما جاء في لسان العرب ( )1أما عمرو التلتي فيعرفها بأنها " سؤال النبي صلى ال عليه وسلم
من ال الذن للمؤمنين في دخول منازلهم في الجنة بعد الفراغ من الحساب وبعد سؤال المؤمنين
النبي أن يرسل لهم من ال تعالى ذلك الذن" ( )2ويشير إلى أنها تعني في اللغة :الوسيلة والطلب
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وفي العرف :سؤال الخير للغير ( ، )3ويأتي تعريف السالمي أكثر شمول حيث يقول ":وشرعا:
طلب تعجيل دخول الجنة أو زيادة درجة فيها من الرب عز وجل لعباده المؤمنين فتكون للنبياء
وغيرهم ،ويختص نبينا عليه السلم منها بخصلة هي تقدمه إليها قبل كل شافع ،فل تفتح بابها إل
له ،ثم من بعده يشفع من شاء ال أن يشفع .قيل وهو المقام المحمود الذي في قوله تعالى ( :عسى
أن يبعثك ربك مقاما محمودا) ( 17السراء )79أي يحمدك فيه الولون والخرون حيث لم يجدوا
قبلك شافعا" (. )4
إن المتأمل في هذه التعاريف يلمس بوضوح مدى اتصال القضية بموضوع الوعد والوعيد ()5
فالقائلون بإنفاذ الوعيد مثل الباضية ل يعتبرون أن في الشفاعة دفعا للضر إل في مستوى الدنيا أما
في مستوى الخرة فهي زيادة في جلب النفع ويقول القاضي عبد الجبار في هذا الصدد عند مناقشة
المرجئة ( ": )6بل لو جعل الصل في هذا الباب النفع ويرجع بدفع الضرر إليه لكان أولى وأوجب"
( )7ومثل هذا التجاه واضح غاية الوضوح في تعريف التلتي والسالمي الذي جاء معبرا عن
موقف الباضية.
أما التعاريف الخرى فقد عكست فكرة أصحابها في خلف الوعيد واعتبرت أن الشفاعة تتمثل في
جلب النفع ودفع الضر والضر هنا هو الكبائر إل أن صاحب المنار سلك مسلكا آخر في التعريف
اعتمد فيه على التمثيل وانتهى إلى أن إرادة ال حسب علمه ،وعلمه أزلي فل سبيل إذن إلى فسخ
إرادة ال تعالى وإنما تكون الشفاعة إكراما للشافع حيث توافق شفاعته علم ال الزلي (. )8أما
مغنية فقد أكد على أن الشفاعة عند ال ل تكون إل بإذنه بهذا تختلف عن الشفاعة لدى المخلوقين
لنها قد تكون بإذنهم وقد تكون بدون إذن منهم (. )9
ويحسن هنا أن نشير إلى ما ألح عليه صاحب المنار من تأثر المسلمين بما كان عند الوثنين واليهود
من تصورات فاسدة في شأن الشفاعة مما غرس في المجتمعات السلمية بعض العادات هي أبعد
ما يكون عن السلم يذكر منها ما يعطي لغاسل الميت من النقد ويسمونه "أجرة المعدية" أي أجرة
نقله إلى الجنة (. )10
واضح إذن أن لتصور مفهوم الشفاعة تأثيرا حضاريا واضحا ،لكن قبل أن نقف عند هذا التأثير في
المجتمع السلمي عامة وفي البيئة الباضية خاصة يحسن أن نتعرض لما اتفقت عليه الفرق
السلمية في شأن الشفاعة ولما اختلفت فيه.
:
يقول القاضي عبد الجبار ":ل خلف بين المة في أن شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم ثابتة" (
)11والمتفق عليه نقطتان)12( :
أ) الشفاعة العظمى :أو المقام المحمود ( )13وتكون في المحشر عندما يطول النتظار ( )14فيلجأ
الصالحون إلى النبياء واحدا بعد واحد فيعتذرون إلى أن يصلوا إلى محمد صلى ال عليه وسلم
فيستجيب لهم ويدعو ربه فيأذن لهم بدخول منازلهم في الجنة (. )15
ب)الشفاعة بمعنى رفع الدرجات في الجنة ( )16كما ذكر في تعريفها ( )17ويجيب القاضي عبد
الجبار على هذا السؤال :انصح الشفاعة في مزيد التفضل لمن حالته موفورة في النعم؟ بما يلي":
قيل له نعم وقد ذكر ال تعالى ذلك في كتابه بقوله ( ل يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء )28
فوصف ذلك شفاعة وإن كان لهل الجنة ويدل عليه قوله تعالى في حملة العرش( .يسبحون بحمد
ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) ( 40غافر .)7
والستغفار يجري مجرى الشفاعة وقد ثبت في الشاهد أن الزيادة في النعم والحسان قد تطلب
بالشفاعات كما أن التخلص من الشدائد قد يطلب بذلك" (. )18
ويجيب المحشي على سؤال افتراضي من هذا النسق ":فإن قال قائل :إن المؤمنين قد وعدهم ال
في كتابه الجنة فما حاجتهم الى الشفاعة؟ بما يلي :قيل له" إن الشفاعة زيادة في الثواب وتشريف
في المنازل وأيضا فإن المؤمنين تكون عليهم الذنوب والتبعات من قبل الرحام والقرابات ومن
حقوق الجيران والولد والزوجات وما أشبه ذلك ،أل ترى إلى قول ال تعالى وحكاية عن المؤمنين
( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) ( 66التحريم )8فأخبر أنهم
يسألونه إتمام نورهم وغفران ذنوبهم وهم يمشون على قناطر جهنم قبل دخول الجنة ،ويدل على
ذلك ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال :ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل
صالح وبرحمة ال وشفاعتي" (. )19
ويقول الجيطالي أيضا ":والشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها إلى الثواب ولكن
الشفاعة زيادة لهم في الثواب وتشريف في المنازل" (. )20
والشاعرة أيضا يقولون بهذا المعنى إذ جاء عند البيجوري عند تعداد الشفاعات ما يلي ":منها
شفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها" (. )21
ويقول يوسف المصعبي ":وما صاحب الكشاف فقال ":عن الشفاعة ثم في زيادة الفضل ل غير"
فيؤخذ منه أن المعتقد عندهم مساو لما هو عندنا من نفي الشفاعة في الكبائر وتخصصها برقع
الدرجات كما دل على ذلك قوله تعالى ( :ول يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء )28وغير ذلك
كما هو معلوم (. )22
أما جواد مغنية فإنه لم يشر إلى القضية وسلك مسلكا آخر فيه احتزاز كبير سنشير إليه بعد حين (
. )23
والملحظ أن في هذا التفاق حول هاتين النقطتين نظرا لنهما لمن تأتيا منفصلتين عن بقية
الموضوع ،ودفاعا من اثبتوا الشفاعة للتائبين عن موقفهم يدل على صراع في النقطة الثانية ،أما
في النقطة الولى فالتفصيل فيها واضح إذ يرى مثبتو الشفاعة لهل الكبائر أن الشفاعة عامة بينما
يرى الخرون أنها خاصة بالصالحين.
وقبل أن نبين حجج هؤلء وأولئك يحسن أن نشير إلى الحقيقة التالية وهي :أن الباضية يعتبرون
أن الشفاعة واحدة ويقول يوسف المصعبي في ذلك نقل عن الجيطالي ما يلي ":وكلمه أيضا في
شرح النونية صريح في أنها في المحشر والظاهر أنها قبل الحساب ،ويستمر حكمها إلى الشفاعة
في زيادة الثواب وتشريف المنازل وأن ذلك كله في الموقف قبل دخول الجنة فل يدخل أحد الجنة إل
وقد علم منزله الذي صار إليه بالعمل الصالح ورحمة ال وشفاعة المصطفى وغيره ممن تحصل
منه الشفاعة فإذا دخل أحد منزله فل ينتقل منه بعد ذلك فل منافاة بين كونها في المحشر للراحة
من الموقف وكونها لزيادة الثواب ورفع المنازل فإن الشفاعة واحدة لكنها تتضمن ذلك كله" (. )24
أما الشاعرة فيعتبرونها شفاعات يصلون بها إلى الثمانية :وانه صلى ال عليه وسلم له ثمان
شفاعات نذكر منها ثلثا على سبيل المثال:
-1أعظمها شفاعته المختصة به للراحة من طول الموقف وهو أول المقام المحمود.
-2وثانيها :في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي مختصة به في قول النووي (. )25
-1وثالثها :فيمن استحق دخول النار أل يدخلها وفي اختصاصها به أيضا تردد)26( ."...
إن هذا العرض يثبت اختلفا في تصور قضية الشفاعة وإن اتفق على ثبوتها فبم يستدل هؤلء
وأولئك؟
============================
( )1ابن منظور :لسان العرب :مادة شفع.
( )2عمرو التلتي :نخبة المتين.165 :
( )3ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117وجه ر .عبد العزيز الثميني :النور . 299ر .يوسف المصعبي :حاشية على
تفسير الجللين ورقة 33قفا .عبدال السالمي :المشارق.287 :
والملحظ أن الباضية اتجهوا هذا التجاه في تفسير الشفاعة من وقت مبكر اعتمادا على ما جمعه الربيع بن حبيب من أحاديث
.ر .النامي الطروحة 237:وتجدر الشارة إلى أن تبغورين بن عيسى الملشوطي يقر بنفس المعنى إل أنه لم يعرف الشفاعة
تعريفا اصطلحيا واضحا ،وكذلك فعل يوسف المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين (ر .كتاب أصول الدين.71 -70 :
وحاشية المصعبي عليه ,)116 -111 :كما أن البرادي لم يضبط التعريف الصطلحي في رسالة الحقائق.
( )4عبدال السالمي :المشارق.287 :
ملحظة :وللتوسع في تعريف الشفاعة عند الشاعرة والمعتزلة والشيعة راجع ما يلي :القرطبي ،أحكام القرآن .1/378 :الطاهر
بن عاشور :التحرير والتنوير .1/486القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .688:محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.1/97:
( )5يقول القاضي عبد الجبار " :ووجه اتصاله(فصل في الشفاعة) بباب الوعيد هو أن هذا أحد شبه المرجئة الذين يوردون
علينا طعنا في القول بدوام عقاب الفاسق" .الصول الخمسة .687 :
( )6وقالت المرجئة ":إن موضوع الشفاعة إنما هو لدفع الضرر عن المشفوع له ل غير ".القاضي عبد الجبار :الصول
الخمسة 69:
( )7القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .690 :
( )8محمد عبده :تفسير المنار " 308 /1وإنما هي( الشفاعة) إظهار كرامة الشافع بتنفيذ الرادة الزلية عقب دعائه" .واضح
أن صاحب المنار خالف الشاعرة رغم انتمائه إليهم ،ورأى أن الصواب حليف الذين ل يتوسعون في أمر الشفاعة ،ويرى أنها ل
يمكن أن تشمل أهل الكبائر.
( )9ر .محمد جواد مغنية :التفسير الكاشف.98 -1/97:
( )10ر .محمد عبده :تفسير المنار .1/306
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
:
يقول جواد مغنية ":والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول إيجابا أما من حيث
المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على صحة
النقل عن ال ورسوله" (. )28
أما محمد عبده فيرى أنه ليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة وما جاء متن آيات عديدة
تشير إلى الشفاعة ليس إل من المتشابهات ( )29وفعل نجد نفس اليات يتأولها الطرفان كل حسب
النفي أو الثبات.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويقول أبو السعود ":وقد تمسكت المعتزلة بهذه الية على نفي الشفاعة لهل الكبائر والجواب أنها
خاصة بالكفار لليات الواردة في الشفاعة والحاديث المروية فيها" (. )33
-وقوله تعالى ( :ول يشفعون إل لمن ارتضى) ( )34لقد جاء عند الرازي ما يلي ":وجه الستدلل
به أن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى وكل من كان مرتضى عند ال تعالى وجب أن يكون من
أهل الشفاعة وغنما قلنا إن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى لنه مرتضى عند ال بحسب
إيمانه وتوحيده ...وإذا ثبت أن صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملئكة وجب دخوله في شفاعة
النبياء وشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم ضرورة أنه ل قائل بالفرق" ( )35ويقول الشعري
إجابة عمن سأل عن هذه الية " فالجواب عن ذلك (:إل لمن ارتضى) فهم يشفعون له" (. )36
-وقوله تعالى ( :ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) ()37
يقول الرازي ":والتقدير أن المجرمين ل يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إل إذا كانوا اتخذوا عند
الرحمن عهدا ،فكل من اتخذ عند الرحمن عهدا وجب دخوله فيه ،وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن
عهدا وهو التوحيد والسلم فوجب أن يكون داخل تحته" (. )38
-وقوله تعالى( :ما للظالمين من حميم ول شفيع) ( )39يقول الرازي فالجواب عنه أن قوله ( وما
للظالمين من حميم ول شفيع) نقيض لقولنا للظالمين حميم وشفيع لكن قولنا للظالمين حميم وشفيع
موجبة كلية ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية والسالبة يكفي في صدقها تحقيق ذلك السلب في
بعض الصور ،ول يحتاج فيه إلى تحقيق ذلك السلب في جميع الصور وعلى هذا نحن نقول بموجبه
عندنا لن عندنا أنه ليس لبعض الظالمين حميم ول شفيع يجاب وهم الكفار فأما أن يحكم على كل
واحد منهم بسلب الحميم والشفيع فل (." )40
-وقوله تعالى ( :فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ( )41يقول الرازي " فهذا وارد في حق الكفار وهو
يدل بسبب التخصيص على ضد هذا الحكم في حق المؤمنين" (. )42
تلك بعض اليات التي رأى فيها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر دليل على موقفهم وقد اكتفينا بما جاء
عند الرازي لنه حلل القضية بحماس وكل من جاء بعده لم يخرج عن الدائرة التي رسمها (. )43
واضح أن العمدة الساسية في قضية إثبات الشفاعة هي حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ويقول
محمد عبده في هذا الشأن ":ولكن ورد الحديث بإثباتها" (. )44
ومعلوم أن الستشهاد بالحديث يثير اكثر إشكال من القرآن الكريم ذاك لن التأويل مع القرآن يتمثل
نصا متفقا عليه عنه المسلمين بينما تتعلق بالحديث قضيتان فقضية السند وقضية المتن ويكفي أن
يضاف نفي لجملة ما فينقلب المعنى من الثبات الى عكسه وموضوع الشافعة تكدره هذه النقطة
بالذات كما سنرى.
وسنحاول أن ننتخب بعضا من الحاديث لنتبين كيف بتصرف مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ومن ذلك:
-ما جاء عن أبي هريرة قال " :أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع
وكانت تعجبه فنهش ثم قال :أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذلك؟ قالوا ":ل يا رسول ال"
قال ":يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس
فيبلغ الناس من الغم والكرب مال يطيقون فيقول بعض الناس لبعض ":أل ترون ما أنتم فيه؟ أل
ترون ما قد بلغكم أل تذهبون إلى من يشفع لكم إلى ربكم"؟ فيقول بعض الناس لبعض ":أبوكم
آدم" فيأتون آدم فيقولون ":يا آدم أنت أبو البشر خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملئكة
فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا" فيقول لهم ":إن ربي قد
غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته.
نفسي ،نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح" .فياتون نوحا فيقولون ":يا نوح أنت أول الرسل
إلى أهل الرض وسماك ال عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" فيقول لهم ":إن
ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإن كانت لي دعوة دعوت بها
إلى قومي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم" .فياتون إبراهيم عليه السلم فيقولون ":أنت
إبراهيم نبي ال وخليله من أهل الرض اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" .فيقول لهم
إبراهيم ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وذكر كذباته
نفسي ،نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى" .فيأتون موسى ويقولون ":يا موسى أنت
رسول ال فضلك ال برسالته وبكلمه على الناس اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" .فيقول
لهم موسى ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت
نفسا لم أؤمر بقتلها ،نفسي ،نفسي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم" .فيأتون عيسى
فيقولون :أنت رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد ،اشفع لنا الى
ربك أل ترى ما نحن في؟" فيقول لهم عيسى ":إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله
ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر له ذنبا ،نفسي ،نفسي ،اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد" فيأتون
فيقولون ":يا محمد أنت رسول ال وخاتم النبيين وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع
لنا الى ربك أل ترى ما نحن فيه؟" فأنطلق وأستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا
فيدعني ما شاء ال أن يدعني ثم يقول لي ":يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع ،وسل تعطه واشفع
تشفع" فأحمد ربي بمحامد علمنيها ،ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول ":يا رب
ما بقي في النار إل من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" )45( .
يقول الرازي بعد أن أثبت أن هذا واحد من الخبار ":وغن كان مرويا بالحاد إل أنها (الخبار)
كثيرة جدا وبينها قدر مشترك واحد وهو خروج أهل العقاب من النار بسبب الشفاعة فيصير هذا
المعنى مرويا على سبيل التواتر فيكون حجة وال أعلم")46( .
-وقوله صلى ال عليه وسلم " :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" )47( .
رغم صراحة هذا النص فإن الرازي اضطر أمام مطاعن المنكرين من المعتزلة أن يقول ":واعلم أن
النصاف أنه ل يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر ولكن بمجموع الخبار الواردة في
باب الشفاعة" (. )48
-وما رواه أبو هريرة قال " :لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي
شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء ال من مات من أمتي ل يشرك بال شيئا" قال رسول
ال صلى ال عليه وسلم . )49( :
يقول الرازي ":والستدلل به أن الحديث صريح في أن شفاعته صلى ال عليه وسلم تنال كل من
مات من أمته ل يشرك بال شيئا وصاحب الكبيرة كذلك فوجب أن تناله الشفاعة" (. )50
-وما جاء عن أبي سعيد الخدري قال " :وأما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول
يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وقال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن
الشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على انهار الجنة ،ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات
الحبّة تكون في حميل السيل" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم . )51( :
وقد اعتبره ابن حزم دليل على الشفاعة لهل الكبائر وإن لم تشر إليه الكتب الخرى التي وقفنا
عليها مثل تفسير الرازي وتفسير القرطبي وتفسير ابن عاشور.
-وما جاء عند الشعري ":ونقول إن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا ()52
بشفاعة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول ال صلى
ال عليه وسلم " (. )53
هذه مجموعة الحاديث التي يستدل بها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ويناقش الشعري المعتزلة
بشدة لنفيهم مثل هذه الشفاعة الى أن يقول ":وإنما الشفاعة المعقولة في من استحق عقابا أن
يوضع عنه عقابه أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل به عليه فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فل
وجه لهذا" (. )54
تلك هي الدلة النقلية التي أثبت بها هؤلء الشفاعة لهل الكبائر فكيف كان رد المنكرين لها على
هذا الصحيح؟
==========================
( )27الشاعرة والمامية ".والذي يذهب إليه أبو هاشم هو أنه تحسن الشفاعة مع إصرار المذنب على الذنب كما في العفو".
القاضي عبد الجبار :الصول.688 :
( : )55
ذكرنا أن كل الفرق مقرة بوقوع الشفاعة إل أن الختلف بدا واضحا في من تكون هذه الشفاعة
والباضية والمعتزلة يعتبرون أنها خاصة بالمؤمنين الموفين فما أدلتهم على ذلك من كتاب ال ومن
سنة نبيه صلى ال عليه وسلم ؟
لقد جمع عمرو التلتي كل اليات التي احتج بها المثبتون في سياق واحد مع آيات أخر ،واعتبرها
دليل على أن الشفاعة للمؤمنين فقط فقال ":إن أصحابنا رحمهم ال تعالى قالوا إن الشفاعة حتى ل
شك فيه وإنها للمؤمنين ل لهل الكبائر العاصيين والفجار الفاسقين لقولـه تعالى ( :ول يشفعون إل
لمن ارتضى) ( 21النبياء )56( )28وسنبين موقف المنكرين من نفس اليات التي اعتمدها
المثبتون لتبيين مدى قوة حجتهم.
-قوله تعالى ( ول يقبل منها شفاعة) ( 2البقرة )48لقد رد يوسف المصعبي على البيضاوي بأن
العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب ( )57ولقد نفى محمد اطفيش عن هذه الية التخصيص
الذي احتج به المثبتون فقال ":ول يخفى أن النفس التي ذكر ال عز وجل أنها ل تجزي عنها نفس
ول يقبل شفاعة شافع لها ،ول فداء ول تنصر هي التي أوبقتها معاصيها وماتت مصرة عن حق
لزمها فكل نفس بهذه الصفة ل شفاعة فيها مشركة أو فاسقة ،فل شفاعة لهل الكبائر المصرين
والخطاب في قوله(واتقوا) ولو كان لبني إسرائيل لكن قوله( ول تجزي نفس عن نفس شيئا) الخ
عام ول يمكن أن يقال خاص" ( )58ثم يذكر كل الحاديث التي تدعم موقفه (. )59
-وقوله ( :ل يشفعون إل لمن ارتضى) ( 21النبياء )28يقول يوسف المصعبي ":قوله أن لهم
ومثله قول البيضاوي أن يشفع لـه مهابة منه وفي هذا التفسير صرف للية عن ظاهرها لتكون
وفق معتقدهم من جواز الشفاعة للعصاة مع أن الية بظاهرها ناعية على بطلن ما ذهبوا إليه .وأما
صاحب الكشاف ففسرها على ظاهرها حيث قال ":ومن تحفظهم انهم ل يحسرون أن يشفعوا إل
لمن ارتضاه ال وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم والحاصل أن الشفاعة تكون لراحة
الخلق من الوقوف وتمسى الشفاعة العظمى وتكون للمسلمين برفع الدرجات كما هو معلوم" ()60
.
ويقول السالمي ":ففي الولى (يشير الى هذه الية) تصريح بان الشفاعة مقصورة على من
ارتضاه ال تعالى (." )61
-وقوله تعالى ( :ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) ( 19مريم )62( )87قال
تبغورين ":وعهده الوفاء بدينه" ( )63ويقول محشية ":هذا أحد تفسيرين ذكرهما الشيخ هود
والثاني المحافظة على الصلوات الخمس وقال بعضهم إل من اتخذ عند الرحمن عهدا بعمل صالح"
( )64كما يقول يوسف المصعبي ":المناسب لما هو المعتقد عندنا ما فسر به العهد صاحب الكشاف
حيث قال ":واتخاذ العهد الستظهار باليمان والعمل" (. )65
كما يرى أن في استدلل تبغورين بهذه الية نظرا " وذلك أن المقصود إنما هو الرد بهذه الدلة
على من يثبت الشفاعة للعصاة الموحدين كما دل سياق كلمه .وظاهر هذه الية يدل على أن
الشافعي ل يأتيها -الشفاعة -إل إن كان ممن اتخذ عند الرحمن عهدا على ما سبق من تفسير العهد،
والكلم في المشفوع له ل في الشافع وال أعلم" ( . )66والحقيقة أن الية تحتمل المشفوع لـه
أيضا كما ذهب إلى ذلك الرازي وإن اتخذ موقفا آخر في التأويل ( )67وكما أشار إلى ذلك
الزمخشري كما ذكرنا ذلك في التعليق.
-وقوله تعالى ( :ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع) ( 40غافر :)18قال محمد اطفيش ":أي ل
شفيع البتة فضل عن أن يطاع فل شفاعة ول طاعة شفيع قال الحسن :وال ما يكون لهم البتة
شفيع ( )68وهذا هو المراد...ويجوز أن يراد الظالم مشركا أو موحدا" (. )69
ويقول السالمي :وفي الثالثة( يشير إلى هذه الية) دليل على نفيها (الشفاعة عن الظالم وهو اسم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره فل تخص المشركين كما زعموا فغنها وإن كان سبب نزولها فيهم
فل عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ" (. )70
-وقوله تعالى ( :فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ( 74المدثر )48
يقول محمد اطفيش ":أو المراد انتفاء الشافع فضل عن أن يشفع وذلك من نفي اللزم بانتفاء
الملزوم والسبب انتفاء المسبب كقولك ":ل أراك هنا" أي ل تكن هنا فضل عن أن أراك" (. )71
هذه وقفات منكري الشفاعة لهل الكبائر عند بعض اليات ويحسن أن نذكر بقية اليات التي
يستشهدون بها كما جاءت في شرح النونية.
" ...وقولـه تعالى ( :يومئذ ل تنفع الشفاعة إل لمن أذن له الرحمن) ( 20طه )109وقوله تعالى
حكاية عن أهل الكبائر ( :فما لنا من شافعين ول صديق حميم) ( 26الشعراء )100وقوله:
( واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا) ( 31لقمان )33أي ل
يجزي والد عن ولده المطيع أمر ال عز وجل ونهيه ول مولود عن والده المضيع لهما أيضا" (
. )72
وجاء ذكر آيات أخر في أصول تبغورين :مثل (يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم ينصرون) (
44الدخان .)41
كما يقول تبغورين" وكيف يشفع النبي صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر بعدما أخبر ال عنهم أنهم
أعداؤه في قوله ( الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين) ( 43الزخرف )67وفي قوله:
( فإن ال عدو للكافرين) ( 2البقرة )98وقالت الملئكة عليهم السلم (فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم) ( 40غافر ...)7
وقول ال ( :ل ينال عهدي الظالمين) ( 2البقرة )124وقال ال في الزاني ( :ول تأخذكم بهما رأفة
في دين ال) ( 24النور )3هذا في حدود الدنيا التي يتراحم فيها العباد بالترك والعفو والعراض
عنها وكيف بالخرة التي ل تواصل فيها ول تراحم" ( )73مع الستشهاد بما جاء في آيات تثبيت
الخلود لمرتكبي الكبائر (. )74
كما أورد أبو مهدي ما يلي ":وقال ال تعالى ( :يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) ...الية
( )75وقال في امرأة نوح ولوط ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما
من ال شيئا) ( 66التحريم )10فكيف طمع أهل الكبائر المصرين عليها مع هذا في شفاعة الرسول
صلى ال عليه وسلم " (. )76
وقبل أن نقارن بين الستدللت يحسن أن نورد احتجاج منكري الشفاعة لهل الكبائر بالحديث
الشريف.
==================
( )55المعتزلة والباضية .
( )56ر .عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117قفا .ر .عبد العزيز الثميني النور 301 :وسلك السالمي نفس المسلك ر.
المشارق .287وكذلك المحشي حاشية الترتيب 4/102 :وكذلك تبغورين :أصول الدين 71 -70وكذلك القاضي عبد الجبار
الصول 689 :وفي كتاب فضل العتزال .208 -207 :وأورد الرازي احتجاجهم بهذه اليات للرد عليها .التفسير الكبير.1/63 :
( )57ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 33قفا
( )58امحمد اطفيش هيميان الزاد ط .23 /2 :2
( )59انظر ما يلي سنورد هذه الحاديث .677
ويقول الزمخشري" :فان قلت هل فيه دليل على أن الشفاعة للعصاة؟" قلت ":نعم لنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقا أخلت
به من فعل أو ترك ،ثم نفى ألن تقبل منها شفاعة شفيع ،فعلم أنها ل تقبل للعصاه" .الزمخشري :الكشاف .1/279
ويذكر الرازي عن المعتزلة في شأن هذه الية ما يلي ":هذه الية قالوا إنها تدل على نفي الشفاعة من ثلثة أوجه:
الول :قوله تعالى ] :ل تجزي نفس عن نفس شيئا[ ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكان قد أجزت نفس عن نفس شيئا.
الثاني :قوله تعالى ]:ول يقبل منها شفاعة[ وهذه نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الشفاعة.
الثالث :قوله تعالى ]:وهم ل ينصرون[ ( 41فصلت )16ولو كان محمد eشفيعا لحد من العصاة لكان ناصرا له وذلك على
خلف الية" .الرازي :التفسير الكبير ..3/56ويقول القاضي عبد الجبار ":إن من حكم ذلك اليوم أن المرء ينتفع بعمله دون
هذه المور وأن العقاب ل يتخلصون إل بما يكون منهم في الدنيا من التوبة وتلفي المعصية ".القاضي عبد الجبار :تنزيه
القرآن عن المطاعن .24 :
( )60يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 580قفا و 581وجه .ر .الزمخشري :الكشاف.2/569 :
( )61عبدال السالمي :المشارق.287 :
ويستدل القاضي عبد الجبار بالية في سياق نفي الشفاعة لهل الكبائر في الصول ،289:وفي فضل أهل العتزال.207 :
ويورد الرازي قول المعتزلة فيها بما نصه ":أخبر تعالى عن ملئكته أنهم ل يشفعون لحد إل أن يرتضيه ال عز وجل ،
والفاسق ليس بمرتضي عند ال تعالى :وإذا لم تشفع الملئكة فكذا النبياء عليهم السلم لنه ل قائل بالفرق "،الرازي :التفسير
الكبير .3/57
( )62قال الزمخشري ويجوز أن ينتصب (عهدا) على تقدير حذف المضاف أي إل شفاعة من اتخذ ،والمراد ل يملكون أن يشفع
لهم ،واتخاذ العهد الستظهار بالعمل الصالح ...وقيل كلمة الشهادة أو يكون من عهد المير إلى فلن بكذا ،إذا أمره به أي ل
يشفع إل المأمور بالشفاعة المأذون له فيها وتعضده مواضع في التنزيل ].وكم من ملك في السماوات ل تغني شفاعتهم شيئا إل
من بعد أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى[ ( 53النجم )26الكشاف.2/525 :
( )63تبغورين :أصول الدين.71 :
( )64يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين115:
( )65يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 562قفا .ثم نقل الحديث الذي ذكره الكشاف .واكتفى بذلك.
( )66يوسف المصعبي :حاشية على أصول تبغورين116 :
( )67انظر ما سبق664 :
( )68وقد نقل الزمخشري نفس الرواية عن الحسن .الكشاف.3/421 :
( )69محمد أطفيش تيسير التفسير ط 5/112 :1
ويستشهد القاضي عبد الجبار بالية في نفس السياق فيقول ":فال تعالى نفى أن يكون للظالمين شفيع البتة فلو كان النبي شفيعا
للظالمين لكان ل أجل ول أعظم منه .الصول الخمسة .689كما يقول :ذلك ( :أي ورود الية بعد قوله تعالى ]:وأنذرهم يوم
الزقة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين[ يمنع من صرف قوله]:ما للظالمين[ إلى أن الراد بها للدنيا دون الخرة .فضل العتزال:
208ويقول الزمخشري :فان قلت :ما معنى قوله تعالى ]:ول شفيع يطاع[؟
قلت :يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا ،وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة ...فان قلت :فعلى أي الحتمالين يجب
حمله؟ قلت :على نفي المرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم أولياء ال ل يحبون ول يرضون إل من أحبه ال ورضيه وإن ال ل
يحب الظالمين فل يحبونهم ،وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم .قال تعالى ] :وما للظالمين من أنصار[( 2البقرة
)270وقال ]:ول يشفعون إل لمن ارتضى[( 21النبياء )28ولن الشفاعة ل تكون إل في زيادة التفضل ،وأهل التفضل وزيادته
إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى]:ويزيدهم من فضله[(4النساء . )173الكشاف 421 -3/420
وينقل الرازي عن المعتزلة ما يلي ":والظالم هو التي بالظلم وذلك يتناول الكافر وغيره" .التفسير الكبير.3/56 :
( )70عبدال السالمي :المشارق.287 :
( )71محمد أطفيش تيسير التفسير ط .6/415 :1
يقول الزمخشري :أي لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملئكة والنبيين وغيرهم لم تنفعهم شفاعتهم لن الشفاعة لمن ارتضاه
ال وهم مسخوط عليهم ،وفيه دليل على أن الشفاعة تنفع لنها تزيد درجات المرتضين .الكشاف .4/187 :ويختصر الرازي
استدلل المعتزلة بالية كما يأتي ":ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت الشفاعة قد تنفعهم وذلك ضد الية .التفسير:
.3/57ويعتبر محمد عبده الية ناطقة بنفي منفعة الشفاعة .تفسير المنار 1/307 :ويحسن هنا أن نورد حوصلة مهمة لصاحب
المنار حول عدة آيات في الشفاعة خلص منها إلى انتقاء وجود نص قطعي الدللة على الشفاعة في القرآن الكريم" في القرآن
آيات ناطقة بنفي الشفاعة مطلقا كقوله تعالى في وصف يوم القيامة ] ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة[ ( 2البقرة )254وأخرى
ناطقة بنفي الشفاعة كقوله عز وجل ] :فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ (74المدثر )48وآيات تفيد النفي بمثل قوله ]:إل بإذنه[(2
البقرة )255وقوله ]:إل لمن ارتضى[( 21النبياء )28فمن الناس من يحكم الثاني بالول ،ومنهم من يرى أنه ل منافاة بينهما
فتحتاج إلى حمل أحدهما على الخر لن مثل هذا الستثناء أي الستثناء بالذن والمشيئة معهود في أسلوب القرآن في مقام
القطعي للشعار بأن ذلك بإذنه ومشيئته عز وجل .كقوله تعالى ] :سنقرئك فل تنسى إل ما شاء ال[ ( 87العلى )7وقوله]:
خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك[(11هود .)108فليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ولكن
ورد الحديث بإثباتها في معناها .تفسير المنار.1/307 :
( )72عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 117قفا .عبد العزيز الثميني :النور301 :
( )73تبغورين بن عيسى الملشوطي :أصول تبغورين.71 :
( )74انظر ما يلي729 :
( )75الحزاب ]30يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على ال يسيرا[
( )76أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي.156 -155 :
-جاء في الجامع الصحيح ما يلي :ذكر لنا في حديث الشفاعة ( )78أن أهل اليمان يحبسون في
الموقف بعدما قد بشروا عند الموت وبعد ما أجابوا عند المحنة في القبور أن ال ربهم قد غفر لهم
وأخذهم كتبهم بأيمانهم وابيضت وجوههم وثقلت موازينهم وأراد ال أن يدخلهم الجنة بالشفاعة
والشفاعة مخزونة ل يصل إليها نبي ول ملك حتى يفتحها الرسول صلى ال عليه وسلم قال
والنبياء ومن اتبعهم محبوسون الولون والخرون ،قال :فينما هم كذلك فيقولون ":لو استشفعنا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الى ربنا فيريحنا من هذا المقام" فيقول بعضهم لبعض ":عليكم بآدم" فيأتونه فيقولون ":أنت الذي
خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملئكته فلو استشفعت لنا الى ربك فيريحنا من هذا
المقام" فيقول ":فني أكلت الشجرة التي نهاني ال عنها وإني استحيي من لقاء ربي ولكن عليكم
بنوح فإنه أول نبي أرسله" فيأتون نوحا فيقولون ":لو استشفعت لنا ربك" فيقول ":غني سألت
ربي ما ليس لي به علم وأنا استحي من لقاء ربي لكن عليكم بإبراهيم خليل الرحمن" فيأتونه
فيقولون له ":لو استشفعت لنا ربك" .فيقول إني استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بموسى كليم
ال" .فيأتونه فيقولون له ":لو استشفعت لنا ربك" فيقول ":غني قتلت نفسا فأنا استحي من لقاء
ربي ولكن عليكم بعيسى فإنه روح ال وكلمته" فيأتونه فيقولون لـه ":لو استشفعت لنا ربك"
فيقول ":إني عبدت من دون ال فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم
عبد قد غفر ال ما تقدم من ذنبه وما تأخر" قال النبي صلى ال عليه وسلم ":فيأتوني فامشي بين
سماطين من المؤمنين فأقرع باب الجنة فإذا فتح لي (كذا) ثم يقال لي ":يا محمد اشفع نشفعك
فيقول :يا رب ما بقي إل من حبسه القرآن" يعني وجب عليه الخلود في النار" قال لهل العلم :هو
المقام المحمود الذي يحمده فيه الولون والخرون حيث نجاهم ال من ذلك المقام ويحمده الولون
بما فتح لهم من الشفاعة وكانت مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها رسول ال صلى ال عليه
وسلم فإذا شفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يشفع آدم في وقت له في ولده ثم يشفع النبياء كل
نبي يشفع لمته ويشفع المؤمنون وكذلك شاء ال أن يدخل المؤمنون الجنة بالشفاعة حتى بلغنا أن
الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته إذا كانوا مؤمنين متقين" ( )79ويحلل المحشي هذا الحديث
تحليل ضافيا ويستشهد بأقوال من سبقه من علماء الباضية خاصة منهم الجيطالي وتبغورين
ويتبنى مواقفهم كما يقارنها بأقوال ورادة في الصحاح ويناقشها وتتمثل عصارة تحليله في قوله:
وهي (الشفاعة) عند أصحابنا في الحساب بعد طول مقام على أرجلهم وبعد أن بشر أصحاب اليمان
وأخذوا كتبهم بأيمانهم فشع لهم حتى أراحهم ال من الموقف وهي تشريف منازلهم وترفيع
لدرجاتهم لن من أوجب له القرآن الخلود في النار ل شفاعة له" (79مكرر ) .
كما يرد بشدة على القوال التي حشرت المتقين في عذاب أهوال يوم القيامة فيقول نقل عن
تبغورين ":وهذا من تزيين الشيطان لهم في أحاديثهم وكيف يكون هذا في المسلمين بعد قول ال
عز وجل ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) ( 19مريم )86
وقوله ( :ل يسمعون حسيسها) ( 21النبياء )102أم كيف يكون المؤمن مضبطا على بطنه وقد قال
ال في كتابه ( ل خوف عليهم ول هم يحزنون) ( 46الحقاف )13وما وصفهم من الغضارة
والنضارة ...ولكن الصراط المستقيم هو دين ال الذي افترضه ال على عباده والعدل الذي أنزله
وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات ولذلك يشبهونه بحد السيف المرهف والشفرة الرقيقة
الدقيقة فل يميزها إل ذو الحجا والنهي والبصيرة النافذة مع عون ال وتوفيقه" (. )80
ثم يقول مبينا موقفه الشخصي ":أقول :ومما يدل على أن المسلمين ليس عليهم شيء من أهوال
الخرة وإن كانوا يشاهدونها قول عز وجل ( :ل يحزنهم الفزع الكبر) ( 21النبياء ...)103وقوله:
( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) ( 75القيامة )23أي منتظرة متى يؤذن لها في دخول الجنة
الى غير ذلك من اليات الدالة على أن المسلم ل حرج عليه يوم القيامة في موطن من المواطن لن
ال ل يجمع على شخص واحد آمنين أو خوفين بل من أمن في الدنيا خاف في الخرة ،ومن خاف
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
في الدنيا أمن في الخرة ،وفي الحديث " ل راحة للمؤمن دون لقاء ربه" ( )81الى غير ذلك من
الحاديث فالظاهر أن معنى قول المسلمين عند طلب الشفاعة " فيريحنا من هذا المقام" أي لما فيه
من النظر إلى الهوال وأن يصل إليهم منها شيء لنهم آمنون مطمئنون جعلنا ال منهم آمنين" (
. )82
-وما جاء عن جابر بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم " :ليست شفاعتي لهل الكبائر من
أمتي" ...يحلف جابر عند ذلك ما لهل الكبائر شفاعة لن ال أوعد أهل الكبائر النار في كتابه ،وإن
جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لهل الكبائر فوال ما عن القتل والزنا والسحر وما أوعد
ال عليه النار .وذكر عن أنس بن مالك يقول :إنكم لتعملون أعمال هي أدق في أعينكم من الشعر ما
كنا نعدها على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل من الكبائر" (. )83
ويقول السالمي في شأن هذا الحديث ":وخالفت الشاعرة فيها (الشفاعة) فأثبتوها لهل الكبائر
تعويل على حديث رووه " :شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ( )84ويجاب بوجوه:
وثالثها :انه عارضته رواية مثلها ونصها " :ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي" فهذه بتلك على
أن هذه قد عضدها الكتاب وتلك قد خالفته فوجب إما القول بوضع تلك الرواية إذ لو كانت الشفاعة
لهل الكتاب لتقرب إليه المتقربون بالكبائر (. )85
وإما القول بأنها معلقة بشرط دل عليه الكتاب وهو ما إذا تابوا فإن من فعل كبيرة وتاب منها كان
مستحقا لن يشفع له غيره ،ول يلزم من هذا تخصيص الشفاعة لمن أتى الكبيرة ثم تاب منها دون
من أوفى في طول عمره لتغليب من عصى فتاب على من لم يعص قط والفائدة في تخصيصهم بالذكر
دفع إياسهم من رحمة ال وتسهيل الطريق لهم ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا
من رحمة ال) ( 39الزمر . )86( " )53
ويستدل المحشي بما أورده الجيطالي من أدلة من القرآن ومن الحديث الى أن يصل إلى ما نقله
منسوبا الى جابر بن زيد وهو قوله ":وال ما شفاعة الملئكة والنبيين والمؤمنين إل للتائبين"
وكان يقول ":ما نالت دعوة مؤمن منافقا قط" وقوله ":الشفاعة ليست لمن استوجب العقاب
فيصير بها إلى الثواب ،ولكن الشفاعة للمؤمنين زيادة لهم في الثواب وتشريف المنازل وبال
التوفيق" (. )87
ثم ينقل المحشي نصوصا عن الجيطالي والغزالي أساسها أن ما كان يعتبر كبائر عند الصحابة
وعلماء الخرة صار يعتبر من الصغائر أو من المعروف أحيانا في العصور المتأخرة هذا توضيحا
لتعليق جابر بن زيد على رواية أنس بن مالك (. )88
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ثم إلى جانب هذا الحديث تورد المصادر الباضية أحاديث أخرى في هذا النسق إل أنها ل تلتفت إلى
بقية الحاديث التي اعتمدها المثبتون ( . )89ومما ترويه هذه المصادر :ما جاء عن جابر بن زيد
عن النبي صلى ال عليه وسلم " :ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل صالح وبرحمة ال
وشفاعتي" .
-وبنفس السند " :ل تنال شفاعتي الغالي في الدين ول الجافي عنه" (. )90
-قال صلى ال عليه وسلم " :صنفان من أمتي ل تنالهما شفاعتي يوم القيامة ...قال :القدرية
والمرجئة " (. )91
ويورد تبغورين أحاديث أخرى بدون سند وهي قوله صلى ال عليه وسلم " :يا فاطمة بنت رسول
ال ويا صفية عمة الرسول اعمل لنفسكما فإني ل أغني عنكما من ال شيئا" (. )92
-وقولـه صلى ال عليه وسلم " :ل ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي ول ينال شفاعتي زان ول
سارق ول مدمن على الخمر ول قاتل النفس التي حرم ال إل بالحق" (. )93
وقوله عليه السلم " :وليذاذن رجال عن حوضي كما يذاذ البعير الضال ،وأقول ":هلم هلمّ أصحابي
،أصحابي" فيقال لي ":قد غيروا بعدك ولم يزالوا مرتدين على أعقابهم .فأقول سحقا ،سحقا.
فاختلجوا دوني فيمر بهم ذات الشمال" (. )94
ذلك تقريبا ما تجمع لدى الباضية من نصوص الحديث في باب الشفاعة ،ونحن نرى أنها تتظافر
لتثبت أل شفاعة لهل الكبائر فكيف يمكن أن نقارن بينها وبين ما ورد عند غير الباضية؟
======================
( )77ر .محمد عبده :تفسير المنار.1/307 :
( )78جاء في التعليق "...:والمخبر عن ذلك جابر بن زيد ...فالحديث مرسل وقد ثبت في الصحاح المتفق عليها وال أعلم"
انظر ما سبق 665 :وما يلي.
( )79الربيع بن حبيب :المسند 4/23 :عدد ،1004ونقلنا ما نسبه الربيع لهل العلم لنه يزيد الموضوع توضيحا .ر .ابن ماجة:
زهد 37أحمد بن حنبل. 3/116 :ر .ونسنك المعجم المفهرس.2/536 :
( 79مكرر) المحشي :حاشية الترتيب . 8/137ر .عبدال السالمي :المشارق.289 :
( )80المحشي :حاشية الترتيب ،8/146نقل عن تبغورين :أصول الدين.69 -68 :
( )81لم يرد في معجم ونسنك.
( )82المحشي :حاشية الترتيب .147 -8/146
( )83الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22:عدد . 1004ر .أحمد الشماخي :الرد على صولة الغدامسي.46:
( )84انظر ما سبق667 :
( )85يقو القاضي عبد الجبار ردا على المرجئة ":ثم يقال لهؤلء المرجئة :أليس أن المة اتفقت على قولهم :اللهم اجعلنا من
أهل الشفاعة ،فلو كان المر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء لن يجعلهم ال تعالى من الفساق وذلك خلف".
الصول الخمسة 692 :كما يقول أيضا ":وإنما تعلقوا بأخبار أكثرها مضطربة ،وما يعرف منها فهو روي :أن شفاعتي لهل
الكبائر من أمتي" وذلك إن صح فالمراد به إذا تابوا وأنابوا ".فضل العتزال.208 :
كما يقول أيضا ":والجواب أن هذا الخبر لم يثبت صحته أول ،ولو صح فإنه منطوق بطريق الحاد عن النبي ومسألتنا طريقها
العلم ،فل يصح الحتجاج به .ثم إنه معارض بأخبار رويت عن النبي في باب الوعيد نحو قوله ":ول يدخل الجنة نمام ول مدمن
خمر ول عاق" ...فليس بان يوجد بما أورده أولى من أن يوجد بما رويناه فيجب اطراحها جميعا أو حمل أحدها على الخر
فنحمله على ما يقتضيه كتاب ال وسنة رسوله .ويقول المراد به شفاعتي لهل الكبائر من أمتي إذا تابوا" الصول الخمسة
.691وعن الحديث ر .ونسنك :المعجم المفهرس 7/1 :ر .مسلم :إيمان .168أحمد بن حنبل.391 .5/389 :
( )86عبدال السالمي :المشارق.288 :
( )87اسماعيل الجيطالي :القناطر ط .321 /1 :2
( )88ر .المحشي :حاشية الترتيب .8/133ويورد الرازي تحليل طويل لحتجاج المعتزلة في الرد على من نسب إلى النبي عليه
السلم أن الشفاعة لهل الكبائر من المة السلمية عند معارضة الرواية فيعتبرون أنها من الحاد مردودة إذا خالفت القرآن،
ويرون أنه ل يصح أن تخص أهل الكبائر لن في ذلك حرمانا لهل الثواب ،ويلحون على أنه ظني والظني ل ينفع في العقيدة.
وعند التسليم بها جدل يؤولونها على أنها استفهامية للنكار من باب قوله ":هذا ربي" ،كما يفترضون أن كلمة لهل الكبائر قد
تحتمل أهل اكبر الطاعات .الرازي :التفسير الكبير.3/63 :
( )89وسنذكر ردهم على الحدثيين الخرين في قضية الخلود .انظر ما يلي ص .753
( )90الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22 :عدد 1003 -1002 -1001لم ترد في معجم ونسنك .هذا ما ينقله شارح النونية
ورقة 117قفا وامحمد اطفيش :هيميان الزاد ط .24 -23 /1 :2
( )91الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/11عدد .806لم يرد في معجم ونسنك.
( )92عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 118وجه .عبد العزيز الثميني :النور .303ر .عبدال السالمي ر .المشارق.290 :
وعن الحديث ر .البخاري :وصايا 11تفسير سورة الشعراء الية .2الدارمي رقاق .23أحمد بن حنبل . 1/206ر .ونسنك :
المعجم المفهرس.5/15 :
( )93ل يوجد في معجم ونسنك.
( )94تبغورين :أصول الدين . 71 -70ر .مسلم :طهارة .39ابن ماجة :زهد .36الموطأ :طهارة 28ر .ونسنك :المعجم
المفهرس .2/194
:
لقد تجاذب الطرفان النصوص القرآنية التي ل يأتيها الباطل منن بين يديها ول من خلفها وكل من
أحس بشيء من الضعف في التأويل والتوضيح يلجأ إلى التدعيم بالحديث الشريف -ودائرة
الختلف واسعة بالنسبة إلى هذه النصوص بين التواتر لفظا ومعنى أو معنى فقط وبين الرسال
واليصال -للوصول الى تقوية الموقف المتبني.
أما خلصة القول في الستدللت القرآنية فتتمثل في العتماد الكلي على التأويل عند الطرفين إذ ل
نجد نصا صريحا يحدد موضوع الشفاعة من جميع جوانبه ،وغاية ما هنالك أن الشفاعة حق ،وان
مردها كبقية المور إلى ال تعالى ولن تكون إل بإذنه ولهذا اختلف الناس في تعيين الشفعاء
والمشفوع لهم وهل هي شفاعة واحدة أو شفاعات؟ وهل هي يوم القيامة أو تمتد الى ما بعد الجزاء
لتنقل قوما من النار إلى الجنة ( )95؟
والمتأمل في مختلف التأويلت يلفت انتباهه أمر جلي وهو أن الشاعرة ومن سلك مسلكهم في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
إثبات الشفاعة لهل الكبائر -وهم عادة يحجمون عن التأويل بل يعيرون به المعتزلة -كانوا أكثر
توغل في التأويل في موضوع الشفاعة ومواقف الرازي من اليات المذكورة أكبر دليل على ذلك.
معنى هذا انهم اعوزهم الظاهر فاضطروا للرد على خصومهم لستعمال نفس السلح لتقرير ما
جنحوا إليه مما يتماشى مع موقفهم العام من خلف الوعيد ومن القول بالخروج من النار.
أما الطرف المقابل -الباضية والمعتزلة -فليس من الغريب أن يعتمد على التأويل إذ أقر به من
البداية ورأى أل سبيل إلى فهم القرآن الكريم بدون اعتبار أن له ظاهرا وباطنا (. )96
وقد كان مدار التأويل على نقطتين هما الخصوص والعموم واحتمالت وظائف الكلمات.
أ) الخصوص والعموم:
فكل اليات النافية للشفاعة عن الظالمين اعتبرها المثبتون خاصة بالمشركين بينما اعتبرها
المنكرون عامة تشمل العصاة من أهل الصلة وفي الغالب يتقارب الحتجاج بين الطرفين إل أن
احتجاج الرازي كان معتمدا اعتمادا كليا على استنتاجات القياس المنطقي لتخصيص النص
بالمشركين.
أما في ما يتعلق بالسياقات التي تثبت الشفاعة ( لمن ارتضى) فقد وصل فيها تأويل الرازي إلى حد
اعتبار أن مرتكب الكبيرة -الذي مات مصرا على كبيرته -مرتضى عند ال تعالى على أساس أنه
تلفظ بكلمة اليمان ( )97والحقيقة أنه إذا كان مرتكب الكبيرة مرتضى فما الحكمة من تحريمها ومن
هنا تكتسب قضية الشفاعة مع الوعيد والخلود بعدها الحضاري العميق ( . )98وفي تأويل مثل هذه
السياقات تبدو حجج المنكرين مستساغة أكثر.
أما العزف على وتر البلغة والعراب فهذا طبيعي في فهم النصوص إل أنه لم يلجأ إليه إل نادرا في
مثل قوله تعالى ( :ول شفيع يطاع) حيث يقول الزمخشري وينقل عنه محمد اطفيش ":المطاع
مجاز في المشفع لن حقيقة الطاعة نحو حقيقة المر في أنها ل تكون إل لمن فوقك (فإن قلت ما
معنى قوله تعالى(ول شفيع يطاع)؟ قلت :يحتمل أن يتناول نفي الشفاعة والطاعة معا وان يتناول
الطاعة دون الشفاعة ( ) )99كما تقول ما عندي كتاب يباع فهو محتمل نفي البيع وحده وأن عندك
كتابا إل انك ل تبيعه ونفيها جميعا وأل كتاب عندك ول كونه مبيعا ونحوه ":ول ترى الضب بها
ينجحر" يريد نفي الضبّ وانجحاره" (. )100
والحقيقة أن القضية البلغية هنا تعلقت بنفي الشفيع أو إثباته ولم تتعلق بالمشفوع له حيث رجع
المر الى التخصيص والتعميم (. )101
فمدار التأويل حينئذ على التخصيص والتعميم ولذلك حلل الرازي الكلم في آيتين ثم أحال على هذين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ذلك أهم ما يقام عن الستدللت القرآنية أما الستدللت بالحديث فهي أيضا رغم أنها جاءت
موضحة للقرآن الكريم فإنها لم تسلم من التأويل إذا لم يطعن في صحتها تماما والقرب لدى هؤلء
وهؤلء إذا تعارضت الحاديث وتضاربت أن يطعن كل في صحة الحديث الذي يحتج به الخر.
أولهما :ذلكم الحديث الطويل الذي أثبته الطرفان مع اختلف جوهري في النقط الحساسة واتفاق
في السياق العام (. )102
ويتمثل الختلف في بداية الحديث خاصة حيث إن الذاكرين للشفاعة عند الباضية هم أهل اليمان
من أتباع النبياء وهم الذين يطلبونها من ال ول دخل للبقية فيها .أما عند البخاري ومسلم فالطلب
عام ويتقدم الناس جميعا كافرهم ومؤمنهم لطلب الشفاعة ومن هنا اختلف الموقفان.
كما يقع إشكال في ما يصيب المسلمين الموفين من تعب يوم القيامة مع أن النصوص صريحة في
أل تعب لهؤلء (. )103
أما قبيل الخر فقد ناقش الشاعرة قولة عليه السلم " ثم أخرجهم من النار فأدخلهم الجنة" (
)104والحال أنهم ما يزالون في الموقف فقال ابن حجر في قوله :ثم أخرجهم من النار " قال
الداودي :كان راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة
في الراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الخراج من النار ،وذلك إنما يكون بعد
التحول من الموقف ...وهو إشكال قوي" (. )105
أما خاتمة الحديث فمتفق عليها عند الطرفين" ما بقي من حبسه القرآن أي أوجب عليه الخلود"
وهنا يرجع المر إلى التأويل فمن الذين حبسهم القرآن عن الشفاعة المشركون فحسب أم يشمل
المر مرتكبي الكبائر المصرين؟
وهكذا رغم التفاق على إثبات الشفاعة اعتمادا على هذا الحديث بقي الخلف قائما في شأن
المشفوع لهم.
ثانيهما ":النفي والثبات اعتمادا على نفس النص " :ليست الشفاعة لهل الكبائر من أمتي" "
شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" .
رغم لجوء المنكرين إلى تأويل هذا الحديث عند التسليم بصحته جدل على انه يخص التائبين فإن
الرازي لم يعتبره كافيا وحده بل يعتبر أنه في حاجة إلى الحاديث الخرى لتعاضده.
والمتأمل في النص يحار في أمر هذا الحديث فهل كان التحوير بالزيادة أو بالنقصان؟ هل وجد النفي
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فحذف أو لم يوجد فأضيف ؟ ولبد من أحد الحتمالين لكن ل نستطيع أن نجزم جزما نهائيا ()106
بهذا ول بذاك وغاية ما هنالك أن الباضية جزموا بان النفي دخيل وحتى إن وجد فإمامهم جابر بن
زيد يعفي أنس بن مالك من أن يكون قد استعمل كلمة كبائر بمفهومها الصطلحي وإنما حمل ذلك
الستعمال على التهويل بمفهوم أن حسنات الفجار سيئات عند البرار.
لكن لنا أن نتساءل لماذا لم يتفاوض جابر بن زيد مع أنس بن مالك مع ما بينهما من مودة ()107
في شأن هذا الحديث ولو فعل لراحا المة من داء الختلف ولكان القول فصل؟
أما بقية الحاديث المستشهد بها عند الطرفين فهي ل تزيد الهوة إل عمقا وكلما اتسعت رقعة
الختلف كان لها أثر أوسع في سلوك كل من الطرفين (. )108
وبعد التأمل في احتجاج ( )109كل من الطرفين -المنكرين والمثبتين -لم يبقى إل أن ننظر في تحديد
الشفعاء وكيف ل يشفعون إل بإذن ال تعالى.
لقد أوردنا في آخر حديث الشفاعة العظمى ما نسب إلى أهل العلم ( )110ومفاده أن الرسول صلى
ال عليه وسلم يفتح الشفاعة المخزونة ثم يليه في الشفاعة بقية النبياء ويذكر النص بعد ذلك
الشهداء.
ويفهم من قوله تعالى على لسان الملئكة ( :فاغفر للذين تابوا) ( 40غافر )4أن الملئكة يمكنهم
ال تعالى من الشفاعة وقد بين جابر بن زيد ذلك بقوله " ما شفاعة والنبياء إل للتائبين" (. )111
ويفهم من كلم السالمي أن هناك شفعاء بعد الرسول عليه السلم حيث يقول ":وغنما خص شفاعة
الرسول صلى ال عليه وسلم ( )112بالذكر دون شفاعة غيره لن من لم تنفعه شفاعته لم تنفعه
شفاعة غيره بطريق الولى (. )113
فالشفاعة حينئذ حسب الباضية تكرم يمن به ال تعالى على الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ثم
على الملئكة والنبياء والصالحين من المؤمنين وليس معنى ذلك كما ذكرنا أن الشفاعة تبدل إرادة
ال الزلية بل هي مطابقة لما سطر في الزل (. )114
هؤلء هم أصناف الشفعاء فهل تكون شفاعتهم مطلقة؟ وغن لم تكن مطلقة فما هي حدودها؟
=================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومما يذكر أيضا من تخريج ابن ماجة في سننه عن ابن مالك قال ":قال رسول ال : eيصف الناس يوم القيامة صفوفا -وقال
ابن النمير -أهل الجنة – فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول يا فلن أما تذكر يوم استقيت فسقيتك شربة! قال :فيشفع
له ،ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له ،قال ابن النمير ويقول :يا فلن أما تذكر يوم بعثتني
لحاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له .القرطبي :أحكام القرآن .275 -3/273وعن الحديث المذكور :ر .ابن ماجة أدب .8ر.
ونسنك :المعجم المفهرس.3/318 :
:
لقد بينا الختلف في ضبط حدودها بالنسبة إلى المشفوع لهم ،وبقي أن نثبت حدودها بالنسبة الى
المشفوع عنده وهو ال تبارك وتعالى .
يختلف أمر الشفاعة اختلفا جوهريا بين الدنيا والخرة فغن كانت الشفاعة لدى العظماء في الدنيا
تكون بدون إذن منهم وبدون علم لديهم وقد تقلب مجرى الحقائق فالعادل يقبل الشفاعة لثبوت
خطئه والظالم يقبلها لرضاء الشفيع ولو كان ذلك على حساب المحكوم عليه ،فهي عند ال أرفع
وأسمى ولن تكون إل بإذن ال تعالى ولمن ارتضاه تعالى ورفع مقامه .قال عز وجل ( :من ذا الذي
يشفع عنده إل بإذنه) ( 2البقرة )255وقال ( :ما من شفيع إل من بعد إذنه) ( 10يونس )3وقال:
(يومئذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن له الرحمن) ( 20طه )109وقال ( :ول تنفع الشفاعة عنده إل
لمن أذن له) ( 34سبأ .)23
وقال يوسف المصعبي في تفسير آية البقرة ( :من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه) :أي ل حد يشفع.
قال في الكشاف ( :من ذا الذي يشفع عنده) بيان لملوكته وكبريائه وأن أحدا ل يتمالك أن يتكلم يوم
القيامة إل إذ أذن له في الكلم كقوله ( :ل يتكلمون إل من أذن له الرحمن) ( 78النبأ )115( . )38
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويقول محمد اطفيش ":الستفهام إنكاري فهو نفي بدليل إل أي انتفى لعظم شأنه تعالى وكبريائه أن
يخلص أحدا غيره منه تعالى بتوسل وخضوع إليه فكيف يخلصه عنادا أو محاربة إل بأن يأذن له
بالشفاعة...الية مخبرة أنه ل شفاعة لحد عنده إل بإذنه وإنما يشفع النبياء والمؤمنون.
( وعنده) متعلق بشفيع أو بمحذوف حال من ضمير يشفع والمعنى على الول :من ذا الذي يوقع
عنده الشفاعة وعلى الثاني من ذا الذي يشفع حال كونه قريبا إليه تعالى عن النسب ،وقرب المسافة
وهذا أقوى فإنه إ ذا كان ل يشفع أحد عنده بأمر من المور إل بإذنه أو بمحذوف حال من المستتر
فيه أي ل يشفع في حال إل ثابتا بإذن ال" (. )116
واضح من خلل هذه التحاليل أن الفرق السلمية متفقة على أن شفاعة الشافعين ل تتم إل بإذن ال
إل أن دائرة هؤلء تضيق وتتسع حسب منطلق أهل الثبات وأهل النكار ويبدوا أن أحسن ما قيل
في هذا الباب هو قول محمد عبده بأن إذنه غير معروف (. )117
وفعل فإن تحديد هذا الذن يعتبر ضربا من التطاول على الغيب يحسن بالمسلمين أن يتساموا عنه
الحقيقة أن المر ل من بعد ومن قبل ويتجلى ذلك يوم القيامة في قوله عز من قائل ( والمر يومئذ
ل) ( 82النفطار .)19
يبدو بعد هذه التأملت أنه لم يبق إل أن نختم الحديث عن الشفاعة وذلك بعرض مواقف العلماء من
صلتها بأصول الدين.
أما المصادر الباضية فتعتبر أن صلتها بعلم أصول الدين وثيقة فالجيطالي مثل يقول ":إنها حق
فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن" ( )118ويميز السالمي بين المتأول فيعتبره كافرا كفر نعمة وبين
غير المتأول فيعتبره مشركا (. )119
وهذا موقف متأصل عند الباضية يرجع إلى إمامهم جابر بن زيد حيث كان يحلف انه ما لهل
الكبائر شفاعة لن ال قد أوعدهم النار في كتابه ( )120وما يزال مستمرا إلى يومنا هذا.
ومهما يكن من أمر فإننا نتفق مع جواد مغنية في أن أحسن شفيع للنسان إنما هو عمله وبه يكون
من أولياء ال والملئكة والرسل والنبياء والحقيقة أن الشافع الحق إنما هو ال رب العالمين ،إذ
يقول عز من قائل ( :ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على
العرش ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون) ( 32السجدة )121( )4كما يقول ( :قل ل
الشفاعة جميعا له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون) ( 39الزمر )122( )44فال حينئذ هو
" مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق" (. )123
والحقيقة فإن قضية الشفاعة تبقى وثيقة الصلة بالوعد والوعيد وقضية الخلود ،ولنجمع الحديث
عن البعد الحضاري للكل في آخر المطاف ولعله يحسن الن أن نقف عند قضية متفرغة عن
موضوع الخلود وهي هل أن الجنة والنار مخلوقتان الن أم لم تخلقا بعد؟ وهل هما فانيتان في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
النهاية أم ل؟
=================================
( )115يوسف المصعبي :حاشية على الجللين .72 :الزمخشري :الكشاف ،1/384ويسكت القاضي في تنزيه القرآن عن
الشفاعة في آية البقرة ويونس وطه إل أنه تعرض لها في سورة سبأ كما تعرض لها في متشابه القرآن في سورة طه وهذا قوله
في سورة طه ":يدل على قولنا في الشفاعة وأنها ل تكون لعداء ال لنه تعالى بين أنها ل تنفع إل من اختص بهذين الشرطين:
أحدهما أن يكون الذن واضحا في بابه.
والثاني أن يكون مرضي الطريقة في القول ،فمن يقول الكذب ومال يجوز ل يجب أن يكون داخل في الشفاعة على وجه .متشابه
القرآن 2/494 :ويقول في سورة سبأ ":من المراد بذلك"؟
وجوابنا أن المراد بذلك الملئكة ،بين تعالى أنهم ل يشفعون إل بإذنه وأنهم بخلف الشياطين فل يقع منهم إل ما هو طاعة ل
تعالى" .تنزيه القرآن .339 :
( )116امحمد اطفيش :هيمان الزاد ط .3/355 :2
ويتبنى محمد عبده نفس الموقف حيث يقول ] من ذا الذي يشفع عنده[ منهم فيحمله على ترك مقتضى ما مضت به سنته ،
وقضت به حكمته وأوعدت به شريعته ،ومن تعذيب من دسى نفسه بالعقائد الباطلة ،ودنسها بالخلق السافلة ،وأفسد في الرض
وأعرض عن السنة والفرض ،من ذا الذي يقدم على هذا من عبيده إل بإذنه والمر كله له صورة وحقيقة ،وليس هذا الستثناء
نصا في أن الذن سيقع ،وإنما هو كقوله ]:يوم يأت ل تكلم نفس إل بإذنه[( 11هود )105فهو تمثيل لنفراده بالسلطان والملك
في ذلك اليوم ] :يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل[( 82النفطار )19ولهذا قال البضاوي في تفسير الجملة بيان
لكبرياء شأنه وأنه ل أحد يساويه أو يدانيه ويستقبل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضل عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبه.
وقال الستاذ المام ما محصلة :إن في هذا الستثناء قطعا لمل الشافعين والمتكلمين على الشفاعة المعروفة التي كان يقول بها
المشركون وأهل الكتاب عامة ببيان انفراده تعالى بالسلطان والملك وعدم جرأة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه
وإذنه غير معروف لحد من خلقه .تفسير المنار 31 -3/30 :3/30 :راجع في هذا الشأن القرطبي :أحكام القرآن 3/275
والطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير .3/21 :وكل منها يوسع في إذن ال تعالى اعتمادا على نصوص من الحديث.
( )117ر .محمد عبده تفسير المنار.3/31 :
( )118إسماعيل الجيطالي :قناطر الخيرات ط 1/230 :2
( )119ر .عبدال السالمي :المشارق.287 :
( )120الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 4/22 :وانظر ما سبق679 :
ملحظة :يجدر أن نشير إلى أن كل من الطاهر بن عاشور وجواد مغنية قد اعتبر أن موضوع الشفاعة ليس من القضايا
الصولية الساسية .فيقول الطاعر ابن عاشور" والحق أن المسألة( الشفاعة) أعلق بالفروع منها بالصول لنها لتتعلق بذات
ال ول بصفاته" الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير .1/438
ويقول جواد مغنية ":والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول ايجابا
أما حيث المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على صحة النقل عن ال
ورسوله فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن بالشفاعة وإل فهو معذور ...وبهذا يتبين معنا أن الشفاعة ليست أصل من
أصول الدين وأن من أنكرها مؤمن بال ورسوله واليوم الخر ،فهو مسلم بل ريب" .التفسير الكاشف.1/97 :
( )121ر .امحمد اطفيش :تيسير التفسير.4/776 :
( )122ر .امحمد اطفيش5/74 :
( )123الطاهر بن عاشور :التحرير والتنوير24/27 :
قبل أن نعرض موقف الباضية من الخلود في الجنة والنار يحسن أن نشير إلى قضيتين أثيرتا على
هامش قضية الخلود وهما :هل الجنة والنار موجودتان الن ،وهل ستفنيان؟
إن الفرق السلمية تجاذبت النصوص التي تثير هذه القضية وقد كان للباضية نصيب في هذا
التجاذب.
والحقيقة أن الموقف من القضية يمكن أن يكون باليجاب أو السلب أو الوقوف .وقد قال بالوقوف
خميس الرستاقي ":ونحن نقول :عن الجنة والنار حق ونؤمن بذلك ،ونرد علم ذلك إلى ال تعالى
وهو العالم بجميع خلقه" (. )2
يقول السالمي ":ذهب جمهورنا (الباضية ) والشاعرة ( )3وبعض المعتزلة ( )4إلى أنهما
موجودان" (. )5
وتتلخص حجج هؤلء كما جاءت عند ابن محبوب وعثمان السوفي ( )6وعمر التلتي ( )7ويوسف
المصعبي ( )8والسالمي ( )9ومحمد اطفيش ( )10كما يلي ":الجنة والنار مخلوقتان موجودتان
الن لقصة آدم وحواء في الجنة وإخراجهما وكذا النار إذ ل قائل بالفرق لقوله تعالى ( أعدت
للمتقين) ( 3آل عمران )133وقوله ( أعدت للكافرين) ( 2البقرة )24وقوله ( :ولقد رآه نزلة
أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) ( 53النجم .)14
ومن الحاديث التي يحتج بها هؤلء ما جاء عنه عليه السلم " أن أرواح الشهداء تجعل في
حواصل طيور خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" ( . )11وقوله ":الجنة
مخلوقة وهي في السماء والنار مخلوقة وهي في الرض" ( )13( . )12وقوله صلى ال عليه
وسلم " :اطلعت على الجنة فوجدت أقل أهلها الغنياء والنساء ،وأطلعت على النار فوجدت أكثر
أهلها الغنياء والنساء" ( )14ول يطلع إل على شيء قد خلق وفرغ منه (. )15
إن كانت تلك حجج المثبتين فالمنكرون ( )16لم يقبلوا هذه الحجج وأقواها قصة آدم عليه السلم
فقالوا في شأنها ":آدم كان رجل في الجنة أي بستان له على ربوة أي محل مرتفع ،فعصى ربع
فأنزله لبطن الوادي" (. )17
وهؤلء يرون أنهما يخلقان ليوم الجزاء إذ ل حاجة إلى وجودهما الن ومن أدلتهم:
" قوله تعالى ( :أكلها دائم) ( 13الرعد )35بمعنى مأكولها دائم أي ل ينقطع مع قوله تعالى ( :كل
شيء هالك إل وجهه ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) ( 55الرحمن )27فلو كانت الجنة
مخلوقة الن لزم فناؤها وهلكها فل تكون دائمة والنار مثلها إذ ل قائل بالفرق.
وقوله تعالى ( :وجنة عرضها السماوات والرض) ( 3آل عمران )133فلو كانتا موجودتين للزم
تداخل الجسام لن الية صريحة في أن عرض الجنة هو عرض السماوات والرض" (. )18
ويقول أبو هاشم في باب الستدلل العقلي ":لو وجدنا فل تكونان إل في عالم الفلك أو العناصر أو
في عالم آخر" (. )19
وقد تصدى القائلون بوجودهما لهذه الحجج فبينوا أنه ل حاجة إلى تأويل قصة آدم وحواء في
الجنة ،وتأويلها من غير ضرورة إلحاد في الدين (. )20
وأما الجمع بين الدوام والهلك للوصول إلى أنهما فانيتان فهو من باب التأويل المردود إذ كيف
تفنيان بفناء الدنيا وهنالك تبدأ وظيفتهما ويقول السالمي في هذا الصدد ":وأجيب عنه بأن دوام
مأكول إنما هو على سبيل البدل بمعنى أنه إذا فني واحد جيء بآخر ،أي ل يتصور دوام مأكول واحد
بعينه فل تنافي.
أو نقول :إن فناءهما أن تتفرق أجزاؤهما وتبقى ذواتهما على ما هي عليه فتكونان فانيتين صورة
باقيتين ذاتا.
أو نقول :إن كون ذاتيهما قابلتين للفناء كاف في كونهما فانيتين فإن ما أمكن فيه الفناء لذاته فإن
على الحقيقة ورفع الفناء عنه فعل لعارض عرض عليه من خارج ل يدفع ذلك المكان الذاتي.
أقول :وهذا هو الجواب لن الول والثاني وإن أمكنا فهما يحتاجان إلى دليل يدل على أن ذات الجنة
والنار فانية فعل على الول وأن صورتهما دون ذاتهما فعل أيضا على الثاني " (. )21
أما اعتبار العرض دليل على وجوب التداخل فهذا دليل تمجه البلغة القرآنية لن الصورة من أبلغ
وجوه التشبيه يعاضدها التشبيه الصريح في الية الخرى ( كعرض السماء والرض) ( 57الحديد
.)21
أما الول :فلن الفلك ل تقبل الخرق واللتئام فل يخالطها شيء من الكائنات الفاسدات وهو باطل
لن الفلك أجسام ،وإذا كانت أجساما فلبد لها من صانع وكذا العراض فهي قابلة للتغير وال عز
وجل يغيرهما.
إن المتأمل في حجج الطرفين يجد أنها تمكن من الحتمالين إل أن حجة واحدة ترجح كفة القائلين
بوجودهما الن وهي قصة آدم عليه السلم إذ جاء فيها تأويل المنكرين في منتهى درجات الضعف.
وما دام آدم قد سكن الجنة مع زوجته وهبطا منها بعد ذلك ليبتليهما ال في الدنيا فل سبيل إلى إنكار
وجودهما وما جاء من آيات تشير إلى الهلك يجب أن تتأول للتناسق مع السياق السبق فاتضح من
خلل ما ذكر أن القول بخلقهما الن هو الصح (. )23
ويندرج تحت هذا السياق أيضا التفكير في محلها الن إن وجدتا ويتفق جمهور الباضية والشاعرة
( )24على تفضيل الوقوف (. )25
===============================
( )1أي في الحياة الدنيا قبل البعث.
( )2خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج . 525 /1ر .يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 22قفا وقد أشار إلى
إن المتثبت في المصادر يتبين وجود موقفين متقابلين في هذه القضية وهما:
2ـ وموقف يقول بعدم الفناء وتلتقي فيه بقية الفرق التي تقول بخلود المشركين فحسب والتي تقول
بخلود المشركين والعصاة من المصرين من المسلمين.
ولكل حججه وردوده وقد حوصل تفسير المنار هذه الحجج في ست وملخصها:
)2دللة القرآن قطعية إذ أخبر سبحانه أن عذاب جهنم مقيم ( )26وانه ( ل يفتر عنهم) ()27
(الكفار) وانهم ( ...ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) ( 7العراف .)40
)3لو خرج الكفار من جهنم لم يختص الخروج بأهل اليمان ولكانوا بمنزلة واحدة والسنة شاهدة
على ذلك.
)5اتفاق عقائد السلف على ذلك ومن قال بغير ذلك مبتدع.
والفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله وبين من يبطل حبسه بخراب
الحبس وانتفاضه.
)5التمييز بين الجنة والنار فالتفاق على الفناء للجنة أما النار فل .
تلك وجوه الحتجاج كما نقلها صاحب المنار عن الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي فما هو
موقف الباضية في هذا المعترك؟
الحقيقة أن الباضية يقبلون حجج القائلين بالدوام لكنهم يضيفون إليها خلود المصرين على
العصيان من المسلمين وبالتالي يردون الوجه الثلث من وجوه احتجاج القائلين بالدوام.
وقد جاءت نصوص العقيدة مصرحة بعدم فناء الجنة والنار معا فمن ذلك قول أبي الربيع سليمان بن
يخلف" وندين بأن الجنة والنار ل انقضاء لهما ول غاية لدوامهما" ()29
.
ومن ذلك قوله عامر الشماخي ":وندين بان الجنة والنار دائمتان ل يفنيان" (. )30
ومن ذلك شرح التلتي لقول عامر الشماخي " دائمتان " " باقيتان" "مستمرتان" ل يفنيان :أي
ل يذهبان ول يزولن ( )31وكذلك يقول السالمي (. )32
ومما نقله صاحب قاموس الشريعة عن شرح النونية في الرد على القائلين بالفناء ":وأما الجهمية
فالحجة عليهم قول ال تعالى في وصف الجنة( :أكلها دائم) ( 13الرعد )35وقوله ( ل يمسهم فيها
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
نصب وما هم منها بمخرجين) ( 15الحجر )48وقوله ( :خالدين فيها) ( 2البقرة 3 -162آل
عمران )15وفي أمثالها من القرآن (." )33
واضح أن القضية لم تقع الشارة إليها إل عرضا في نصوص القرون المعنية بالدرس ولكن مدار
النقاش حول خلود أهل الكبائر غير التائبين أو عدم خلودهم وذلك لن الباضية يعيشون في محيط
أشعري يرميهم بالبتداع في هذا الشأن وهم يحاولون الدفاع عن موقفهم والتمسك بأقوال سلفهم.
ثم إلى جانب هذا تثير كتب أصول الدين قضية وثيقة الصلة بالوعيد والخلود واصطلح على تسميتها
بالورود انطلقا من استعمال مشتقات هذه الصيغة في عديد من اليات.
ورود النار:
جاء في لسان العرب عن ابن سيده :ورد الماء وغيره وردا وورودا وورد عليه :أشرف عليه ،دخله
أو لم يدخله وعن الجوهري :ورد فلن ورودا :حضر.
هذا ما جاء تقريبا من المعاني اللغوية إل أن ابن منظور توغل في التفسير العقائدي أكثر من الشرح
اللغوي (. )34
واضح من الروايات التي نقلها ابن منظور أن ابن إسحاق تحمس للقائلين بأن الورود ل يعني
الدخول فلنتبين حجج هؤلء وأولئك .وما هذا الحتجاج إل ضرب من التأمل في النصوص القرآنية
وتفسير بعضها ببعض ليعزز كل من الطرفين الموقف الذي يتناسق مع الوجهة العامة لتفكيره.
جاء في التفسير الكبير ":القول الثاني :عن الورود هو الدخول ويدل عليه الية والخبر.
أما الية فيقول تعالى ( :إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لها واردون) ( 21النبياء
)98وقال ( :فاوردهم النار وبئس الورد المورود) ( 11هود )98ويدل عليه قوله تعالى ( :أولئك
عنها مبعدون) ( 21النبياء )101والمبعد هو الذي لول التبعيد لكان قريبا فهذا غنما يحصل لو
كانوا في النار ثم أنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى ( :ونذر الظالمين فيها جثيا) (19
مريم )72وهذا يدل على انهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلبد
وأن يكونوا قد دخلوا النار.
وعن جابر ( )37انه سئل عن هذه الية فقال ":سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول" :
الورود الدخول ل يبقى بر ول فاجر إل دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما حتى إن للناس
ضجيجا من بردها (. )39( " )38
ثم يورد تأويلت القائلين بهذا القول ومفادها أنه دخول بغير خوف ول ضرر أو أن يخمد ال النار
عند عبورهم أو أن يغير طبع النار كما كان في حق إبراهيم عليه السلم (. )40
=========================
( )26ر .أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف35 :
( )27ر .عامر الشماخي :كتاب الديانات ،44:والية (الزخرف )75
( )28ر .محمد عبده :تفسير المنار81 .8/77 :
( )29أبو الربيع سليمان بن يخلف :كتاب التحف35 :
( )30عامر الشماخي :كتاب الديانات44:
( )31عامر الشماخي :شرح كتاب الديانات67:
( )32السالمي .المشارق305 :و . 307ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج 1/525 :جميل بن خميس السعدي :قاموس
الشريعة . 6/12 :
( )33جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة ، 6/12 :وشرح النونية هو شرح إسماعيل الجيطالي.
( )34نرى من الصالح إيراد هذه الشروح فهي لغوية عقائدية :وقوله تعالى ]:وإن منكم إل واردها[( 19مريم )71فسره ثعلب
فقال :يردونها مع الكفار ول يدخلها المسلمون ،والدليل على ذلك قوله عز وجل ]:إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها
مبعدون[( 21النبياء )101وقال الزجاج :هذه آية كثر اختلف المفسرين فيها ،وحكى كثير من الناس أن الخلق جميعا يردون
النار فينجو المتقي ويترك الظالم ،وكلهم يدخلها.
والورود خلف الصدر .وقال بعضهم :قد علمنا الورود ولم نعلم الصدور ،ودليل من قال هذا قوله تعالى ] :ثم ننجي الذين اتقوا
ونذر الظالمين فيها جثيا[ ( 19مريم )72وقال قوم :الخلق يردونها فتكون على المؤمنين بردا وسلما .وقال ابن مسعود والحسن
وقتادة :إن ورودها ليس دخولها وحجتهم في ذلك قوية جدا لن العرب تقول :وردنا ماء كذا ولم يدخلوه .قال ال عز وجل]:
ولما ورد ماء ماء مدين[(28القصص )23ويقال ":إذا بلغت إلى البلد ولم تدخله :قد وردت بلد كذا وكذا.
قال أبو اسحاق :والحجة قاطعة عندي في هذا ما قال ال تعالى ]:إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ل يسمعون
حسيسها[( 21النبياء )101قال :فهذا ،وال أعلم دليل على أن أهل الحسنى ل يدخلون النار .وفي اللغة ورد بلد كذا وماء كذا إذا
أشرف عليه دخله أو لم يدخله قال :فالورود بالجماع ليس بدخول .ابن منظور :لسان العرب :مادة ورد
( )35عبدال بن رواحة (ت 8/629انصاري من الخزرج ر .الزركلي :العلم 21694
( )36الية مريم :72لم يرد عند ونسنك وإنما ورد حديثا جاء فيه ذكر الصدور " :يرد الناس النار ثم يصدرون عنها" .ر.
الترمذي تفسير سورة 5الدرامي :رقاق . 89ر .ونسنك :المعجم المفهرس 7/192
( )37جابر بن عبدال (16ق )697 -607 /78 -أنصاري من الخزرج .ر .الزركلي :العلم 2/92
( )38ر .مسلم :إيمان .316أحمد بن حنبل 3/383ر .ونسنك :المعجم المفهرس7/192 :
( )39الرازي :التفسير الكبير21/243 :
( )40ر .الرازي :التفسير الكبير21/244 :
يقول القاضي عبد الجبار ":وربما قيل في قوله تعالى ( :وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما
مقضيا) ( 19مريم )71بعد ذكر جهنم أليس يدل ذلك على أن كل من يحشر يرد النار فكيف يصح
ذلك في أهل الثواب؟
وجوابنا أنه بمعنى الوقوع فيها كقوله تعالى في قصة موسى ( ولما ورد ماء مدين) ( 28القصص
)23وهذه طريقة العرب في الورود بمعنى القرب ولذلك قال بعده ( ثم ننجي الذين اتقوا) ( 19مريم
)72لنهم إذا قربوا سلك بأهل الثواب مسلك الجنة وأدخل أهل العقاب النار ول بد أن يتأول على ما
ذكرناه فإنه تعالى يبين أن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون ومن هذه حالته ل يجوز أن
يلقى في النار ويظن به ذلك وبين تعالى بعده بقوله ( ويزيد ال الذين اهتدوا هدى) ( 19مريم )76
أنه عز وجل يخص المهتدي بألطاف من حيث آمن واهتدى وأن ذلك يؤديه إلى الباقيات الصالحات
وذكر قبله ( قل من كان في الضللة فليمدد لـه الرحمن مدا) ( 19مريم )75انه تعالى يبقيهم
ليزولوا عن الضللة ويفعل بالمهتدين الهدى ليثبتوا على اليمان" (. )41
كما يذكر الفائدة من هذا الدنو فيقول ":غنما أراد تعالى بذلك أن المؤمنين إذا قربوا منها وعاينوها
وعلموا أن المخلص لهم منها ما فعلوه ن الطاعات في ما سلف وأن أعداءهم يقعون فيها لجل
معاصيهم السابقة عظم عند ذلك سرورهم فيكون ذلك زائدا في سرورهم فيكون ذلك زائدا في
سرورهم ونعيمهم" ()42
كما يقول ":ولو لم يحمل على ما قلناه لوجب أن يقال في النبياء والمؤمنين إن ال يدخلهم النار
وليس ذلك بمذهب لحد ولو كان فيه خلف لم يمتنع أن يقال :إنهم يردون النار ويجنبهم تعالى
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وقد سلك الباضية نفس المسلك وفي ذلك يقول يوسف المصعبي بعد أن أورد أقوال القائلين
بالدخول ":الورود عندنا محمول على ورود النظر دون الدخول قالوا ول يلزم الدخول بدليل قوله
تعالى في حق موسى عليه السلم ( :ولما ورد ماء مدين) ( 28القصص )23فإنه من المعلوم أنه
لم يدخله واستدل أصحابنا على ذلك بقوله تعالى ( :ل يمسهم السوء) ( 3آل عمران )174وبقوله:
( أولئك عنها مبعدون) ( 21النبياء )101بعدها (." )44
إن احتجاج هؤلء وأولئك أثبت أن اللغة -وهي أساس الفهم -آزرت الذين اعتبروا أن الورود هو
الدنو والقرب والوصول ولذلك التجأ الطرف الثاني إلى عديد من التأويلت فقد بين الطاهر ابن
عاشور ( - )45هو من هؤلء أقرب -أنها غير مستساغة وبين بوضوح أل اعتداد بما ذكره الرازي
من فوائد تنجز للداخلين بشكل من الشكال" (. )46
الصراط:
كنا أشرنا إلى حقيقة الصراط عند استلل الباضية على عدم جواز تعذيب الموفين يوم القيامة ()47
وقد وضح تبغورين موقف الباضية بقوله " الصراط المستقيم دين ال القيم الذي افترض ال على
عباده والعدل الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات" (. )48
واكتفى صاحب النونية بالشارة إلى هذا الموقف من الصراط حيث قال( :طويل)
إل أن إسماعيل الجيطالي يقول ":والذي عندي -وال أعلم -أن الصراط المذكور في القرآن على
وجهين :أحدهما طريق السلم كما قدمنا .والثاني أنه الجسر الموضوع على متن جهنم المرتب
عليه القناطر السبع التي هي مراصد ومجالس للعباد حتى يسألوا عن السبع السؤالت المشهورة (
)50هذا مشهور في كتب أصحابنا ويدل على هذا قوله تعالى ( فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم
إنهم مسؤولون) ( 37الصافات )23إذ يستحيل حمل الصراط المذكور هاهنا على طريق السلم
وال اعلم ،فهذا ممكن في العقل لنه ليس فيه ما يحيله ول في الشرع ما يبطله فإن القادر على أن
يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير النسان على الصراط وال أعلم بكيفيته" (. )51
أما في الشرح النونية فلم يذكر إل الموقف الول وهو المعنى المجازي " وقال أصحابنا رحمهم ال
في الصراط ما قاله الناظم فيه من أنه دينه عز وجل الذي هو الطريق المستقيم المؤدي الى دار
النعيم ويوصف بالرقة والحدة على المجاز باعتبار الهلك المعتري للنسان بأقل حركة منه على
خلفه" (. )52
ويحوصل السالمي مبينا أسماء من ذهب من الباضية الى الجمع بين الموقفين فيقول :فقد ذهب مثل
ما ذهبوا ( الشاعرة) إليه بعض أصحابنا منهم الشيخ هود بن محكم وأبو القاسم البرادي والشيخ
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويقرر السالمي أن المسألة ليسن من باب الدين ويذكر بعض اليات استدل بها من اعتبروا الصراط
جسرا منها قوله تعالى ( :فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) ( 36يس )66وقوله تعالى ( :فاهدوهم
الى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون) ( 37الصافات )23وقوله تعالى ( :أفمن يمشي مكبا
على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) ( 67الملك .)22
ويبين أنه أجيب بان الصراط في اليات بمعنى الطريق ول دللة فيهما على الجسر المذكور.
كما يذكر أنهم استدلوا على ثبوت الجسرية بالحاديث المروية وأجيب أنها أحاديث أحادية ل توجب
المور العتقادية والذي يظهر لي إبقاء الحاديث على أصلها من غير تعرض لردها على راويها
وتفويض أمره إلى ال فمن صدقها من غير قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه بالراوي ول
بأس عليه إن شاء ال (. )54
والحقيقة أن المتأمل في ورود هذه الكلمة في القرآن الكريم يتبين أنها يغلب عليها مفهوم الدين
وطريق الهداية في ما عدا اليات المذكورة آنفا والتي استشهد بها القائلون على أن الصراط جسر
على جهنم فهي توحي بذلك إل أن تتأول عن طريق المجاز لتواكب بقية اليات.
وهنا تعترضنا الحاديث في هذا الشأن وهي ثروة عقائدية في حاجة إلى أن تمحص أكثر عن طريق
المقارنة المدققة بين مواقف مختلف الفرق السلمية.
والمهم أن القضية تبقى تبعية تامة لقضيتي الوعد والوعيد والخلود من حيث البعد الحضاري
والتأثير في الواقع الجتماعي ولذلك ذكر السالمي أنها ليست من قضايا أصول الدين الساسية
فالقائلون بإنفاذ الوعيد والخلود يغلب عليهم تفسير الصراط بالمنهج السلمي الموصل إلى النجاة
والقائلون يطهر بخلف الوعيد وعدم الخلود رجحوا تفسير الصراط بالجسر عسى أن يطهر المسلم
من ذنوبه مع القامة المؤقتة في الجحيم قبل أن يستقر نهائيا في الجنة.
وتبقى في النهاية أسرار يوم القيامة من علم الغيب الذي استأثر به المولى تعالى وأولى بالمؤمن أن
يختار المواقف الكثر احترازا ليكون من الناجين فيسلك مسلك الدين باعتباره المسلك القوم.
قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) ( 17السراء )9فإن وجد الجسر بجميع مواصفاته
المبالغ في وصفها يكن من العابرين بسلم.
وبالوقوف عند قضية الصراط نكون قد استوفينا المواضيع التي جاءت على هامش القضيتين الم
وهما الوعد والوعيد والخلود ولم يبق إل أن نقتحم معركة القائلين بالخلود في النار والقائلين بعدمه
والجدل فيها يشتد ويحتدم لن القضية قضية مصير أبدي وهي في الحقيقة محور حياة النسان.
==============================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
جاء في لسان العرب :الخلد :دوام البقاء في دار ل يخرج منها خالد يخلد خلدا وخلودا بقي وأقام.
ودار الخلد :الخرة لبقاء أهلها فيها ،وخلده ال وأخلده تخليدا ،وقد أخلد ال أهل دار الخلد فيها
وخلدهم وأهل الجنة خالدون مخلدون آخر البد (. )1
إن كانت اللغة بينت أن الخلود دوام البقاء ( )2فإن أهل التفسير وجدوا من الشواهد في النصوص
ما يحول اللفظة عن معناها فكان هذا مصدر اختلف كبير في اتخاذ مواقف متضاربة متناقضة.
ومعلوم أن القرآن الكريم يشير إلى أن القضية طرحت عند اليهود وقد تدرعوا بأنهم شعب ال
المختار وأنهم أحباؤه فلذلك اعتقدوا أن النار ل يمكن أن تمسهم إل أياما معدودة إل أن القرآن رد
عليهم وبكتهم واتخذت اليتان الواردتان في القضية منطلقا للنقاش بين الفرق السلمية وخصصها
أغلبهم باليهود (. )3
كما أن الختلف الذي قام بين الفرق السلمية في شأن السماء ( )4كان له تأثير بالغ في تقرير
مصائر الناس ،ذاك أن كل يفهم النص حسب تحديده الصطلحي ولهذا تكثر عبارة " وهذا الوجه
اللئق على أصولنا" (. )5
فل سبيل إلى التوفيق مثل بين من يعتبر أن اليمان مجرد اعتقاد بالقلب ،وبين من يعتبر أن العمل
جزء ل يتجزأ منه.
والواضح في القضية أن الختلف لم يكن في شأن الخلود في الجنة كما لم يكن من قبل في شأن
الوعد ذاك لن الجنة كل يشتاق إليها ولم يقل واحد في شأنها بالمكث الطويل وإنما جاء الخلف حادا
ورغم مساس القضية بالغيبيات نجد من هون من شأنها على أساس أنها ليست من اللهيات ول من
الرساليات كما يشير إلى ذلك محمد اطفيش بقوله ":عن خلود الموحد وعدمه ليس من الصول
التي يكون بها تفسيق معتقد أحدهما" ( )6والجلل الدواني حيث يقول بعد حديث عن الصفات":
والحال انه ل حرج على من قال فيها بخلف الصواب فأحرى أن يكون ذلك في ما ليس من اللهيات
ول من الرساليات كمسألة الخلود" (. )7
لكن إلى جانب هذا نجد من اعتبر أنها من القضايا العقائدية الساسية فهذا رشيد رضا يقول ":فإن
هذه المسألة قديمة ،وهي اكبر مشكلت الدين" ( )8وكذلك جواد مغنية فإنه يقول أثناء حديثه عن
هذه القضية ":ونحن نتكلم في المور العقائدية القطعية ل في المسائل الفرعية الظنية" ( )9وكذلك
أحمد الخليلي في تعليقه على كتاب المشارق يقول ":مسألة الخلود في النار من مسائل العتقاد
المهمة" (. )10
وكذلك محمد علي ناصر الجعفري يقول ":وليعلم أن عقد القلب المعتبر في أصول الدين إنما هو
بالنسبة إلى الثار الخروية كالتخلص من الخلود في النار" (. )11
وكذلك يقول الرازي ":واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل" (. )12
والراجح أنها من القضايا العقائدية الساسية لن كل حياة النسان مرتبطة بمصيره واعتقاد الخلود
وعدمه يجول مجرى حياة النسان تحويل جذريا ولول تصور عالم الجزاء لما استقام الدين بما فيه
من عقيدة وشريعة.
والمتأمل في النصوص السلمية قرآنا وسنة يتبين أنها خصصت الجانب الوفى منها للتعريف بعالم
الجزاء ول تكاد تخلو سورة تقريبا من التذكير بالدار الخرة وعدا أو وعيدا.
وانطلقا من هذه النصوص التي جاء فيها ذكر الخلود مرات مشفوعا بالتأبيد ومرات غير مشفوع
به ،ومرات صريحا للمشركين ومرات صريحا للعصاة من أهل الصلة كان الخلف بين الصوليين
فما هي أبرز المواقف في هذه القضية وما هي مكانة الباضية منها؟ وما هي الحجج المعتمدة نقل
وعقل عن صح للعقل أن يحكم؟ وما هي البعاد الحضارية لهذه المواقف؟
لقد لخصها السالمي في خمسة حيث يقول ":والناس فيه على مذاهب :أحدها :وهو قول الشعرية:
إن أهل الشرك مخلدون في النار وأهل الكبائر مما عدا الشرك إما أن يعفى عنهم فل يدخلونها وإما
أن يعذبوا بقدر أعمالهم ثم يخرجون منها.
المذهب الثاني :عن أهل النار مشركهم وفاسقهم غير مخلدين فيها ،ونسب هذا إلى طائفة خرجت
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
عن السلم.
المذهب الثالث :إن أهل الكبائر غير معذبين قطعا وإنما العذاب لهل الشرك خاصة ونسب هذا إلى
مقاتل وبعض المفسرين.
المذهب الرابع :إن الجنة والنار فانيان بعد دخول أهل كل واحد منهما فيها ،ونسب هذا القول إلى
جهم بن صفوان.
المذهب الخامس :وهو مذهب أهل الستقامة والمعتزلة :إن أهل الكفر من معاصي ال كانوا
مشركين أو فاسقين مخلدون في النار دائما ،لكن أهل الستقامة يقولون ":إن التعذيب بعدل ال
والثواب بفضله ،والمعتزلة يقولون بوجوب ( )13ذلك عليه تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد
في التحسين والتقبيح العقليين" (. )14
والمتأمل في كتب الصول يلمس أن الصراع بقي على أشده بين أصحاب الموقف الول ()15
وأصحاب الموقف الخامس (. )16
والملحظ أيضا أنه يصعب الوقوف عند كل النصوص القرآنية التي تجاذبها الطرفان ولذلك سننتخب
منها ما نرى أنه أكثر تعبيرا عن القضية إذ كل ما استشهد به يمس الموضوع من قريب أو من بعيد.
وسنسلك في هذه المرة مسلك عرض حجج الطرفين في نفس الوقت لنلخص إلى الستنتاجات العامة
بعد ذلك ومنهجنا يقوم على عنصرين أساسيين:
قال تعالى ( :وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل اتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال عهده أم
تقولون على ال ما ل تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون) ( 2البقرة . )81 -80
وقال تعالى ( :ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون
فكيف إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون) ( 3آل عمران .)24
نحن أمام سياقين قرآنيين يتكرر فيهما ادعاء اليهود أن النار لن تمسهم إل أياما معدودة مع اختلف
جزئي في الجمع والفراد ،والحقيقة أن هذا الختلف ل يغير المعنى في شيء ( )17إذ سواء أكانت
اليام قليلة أو كثيرة المهم في الخروج من النار كما أن جل المفسرين يتعرضون لسياق سورة آل
عمران عند تحليل السياق الول ويكتفون بالحالة على ما سبق عند تفسير السياق الثاني ()18
وتتمثل مواطن الختلف -وهي أساس البحث -في ما يلي:
ويورد محمد عبده ما يلي ":وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك" (. )20
أما الرازي فلم يذهب إلى أنها تعني الشرك حيث قال ":أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي قال
تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها) ( 42الشورى ( )40من يعمل سوء يجز به) ( 4النساء ( . )123
)21
وأما القرطبي فلم يشر إلى تفسير الكلمة تماما (. )22
وأما أبو السعود فيقول ":من كسب سيئة فاحشة من السيئات أي كبيرة من الكبائر كدأب هؤلء
الكفرة" (. )23
وأما جواد مغنية فيقول ":السيئة تعم الشرك وغيره من الذنوب ولكن المراد منها هنا خصوص
الشرك بقرينه قوله تعالى ( :فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) .قال صاحب مجمع البيان إن
إرادة الشرك من السيئة يوافق مذهبنا أي مذهب المامية" (. )24
ويقول ابن عاشور ":والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليه بقوله:
( وأحاطت به خطيئته) (. )25
يقول الزمخشري ( ":من كسب سيئة) من السيئات يعني كبيرة من الكبائر" (. )26
يقول أبو مهدي ( ":من كسب سيئة) وهي الشرك في ما وجدنا في التفسير" (. )27
ويقول يوسف المصعبي ":وما ذكره الكشاف هو الموافق لما عليه أصحابنا رحمهم ال كما هو
معلوم" (. )28
ويكتفي البرادي بقوله ":حقيقة السيئة ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (. )29
ويقول محمد اطفيش ":سيئة خصلة قبيحة وهي الذنب الكبير ،سواء كانا نفاقا أو شركا ومن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الذنوب الكبيرة الصرار فإنه نفسه كبيرة سواء على الصغيرة أو الكبيرة لقوله تعالى ( :فأولئك
أصحاب النار) ويحتمل وجه آخر وهو أن السيئة ذنب صغير أو كبير...
ثم يناقش قول من قال :إن السيئة هنا بمعنى الشرك فيقول :وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس
رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه ال إنها الشرك قلت :ما ذكرته
أولى مما ذكراه فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ تلك تفسير منهما ،ل حديث ول
سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار ،ولم يحصروا دخولها على الشرك
ومعترفون بان لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدي وادعاء أن الخلود
في الموحدين بمعنى المكث الطويل وفي المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة في حقيقتها
ومجازها وهو ضعيف وأيضا ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب بغيره لن
الشرك أقوى" (. )30
وقال محمد عبده ":للسيئة هنا إطلقها وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك ولو
صح هذا الوعيد لما كان لقوله ( :وأحاطت به خطيئته) معنى فإن الشرك أكبر السيئات وهو يستحق
الوعيد لذاته كيفما كان" (. )31
أما عن الخطيئة فقد قرأت بصيغة الفراد والجمع " خطيئاته" وجاء تفسيرها متأثرا بتفسير السيئة
فيقول فيها منكرو الخلود ما يلي:
لقد ذكرنا أن ابن عباس اعتبر الخطيئة أوبئة الشرك الذي يموت عليه صاحبه (. )32
وأما الرازي فيفهم من كلمه أنه يعتبر الخطيئة مرادفة للسيئة فيقول ":ولما كان من الجائز أن
يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار بين تعالى أن الذي
يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به ،ومعلوم أن لفظ الحاطة حقيقة في إحاطة جسم آخر
كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك هاهنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة".
ثم بعد أن يبين لم حمل السيئة على الكبيرة يقول ":فكأنه تعالى يقول بلى من كسب كبيرة وأحاطت
كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (. )33
وأما البيضاوي فيحملها على الكفر بسبب الحاطة فيقول ":ولذلك فسرها السلف بالكفر" (. )34
وأما أبو السعود فينقل عدة روايات في فهم الخطيئة حيث يقول ".…:فسرها السلف بالكفرة" (
. )35
وقيل السيئة الكفر والخطيئة الكبيرة وقيل العكس وقيل الفرق بينهما أن الولى قد تطلق على ما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يقصد بالذات والثانية تغلب على ما يقصد بالعرض لنها من الخطأ " ( )36وأما كل من القرطبي (
)37ومغنية ( )38فلم يقفا عند كلمة خطيئة.
وأما ابن عاشور فيتوسع في التحليل فيقول ":وقوله وأحاطت به خطيئاته " الخطيئة اسم لما
يقترفه النسان من الجرائم وهي فعلية بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء والحاطة مستعارة لعدم
الخلو عن الشيء لن ما يحيط بالمرء ل يترك لـه منفذا للقبال على غير ذلك ،قال تعالى ( :وظنوا
أنهم أحيط بهم) ( 10يونس )22وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لنها تجري على جميع الخطايا
ول يعتبر مع الكفر عمل صالح)39( "....
تلك هي مواقف المنكرين والملحظ أنه وقع اللحاح على الحاطة أكثر من الطالة في تفسير
الخطيئة على أنه ورد فيها القول وعكسه بالنسبة إلى السيئة فواضح إذن أن السطح متموج ،وكل
يجذب المفاهيم من طرف لتعزيز موقفه.
أما الزمخشري فيقول ":وقيل في الحاطة كان ذنبه أغلب من طاعته وسأل رجل الحسن عن
الخطيئة فقال :سبحان ال أل أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة؟ انظر في المصحف فكل آية نهى
فيها ال عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة" (. )40
أما أبو مهدي فيقول ":وأحاطت به خطيئاته وهي الكبائر في ما وجدنا أيضا" ( )42ولم يتعرض
البرادي لتعريف الخطيئة (. )43
أما محمد اطفيش فيقول ":ربطته وأوجبت له دخول النار فصار ل خلص له منها كمن أحاط به
العدو أو الحريق أو حائط السجن وذلك بان مات غير تائب وقيل معنى الحاطة أن ذنبه أغلب من
طاعته ومن مشارقة أصحابنا من يقول ذلك.
شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر في مضرة على شيء وأحاطت رمزا وشبه إيباق خطيئاته له إلى
النار وقصرها إياها على النار بدوران الشيء الضار على شيء....
والخطيئة في قراءة الفراد يحتمل أن تكون هي السيئة المذكورة أول ويحتمل أن يراد به الجنس
كما صرحت به قراءة الجمع....
ثم يورد أن السيئة ما يقصد بالذات والخطيئة ما يكون عرضا ويضرب لذلك أمثلة كما يورد جواب
الحسن إل انه يرد فيه بالتعليق التالي ":وهذا الذي قال إنما هو في القرآن وليس متعينا في جميعه
أيضا وأما في غيره فالخطيئة تحتمل الصغيرة وكذا السيئة والذنب والمعصية وال أعلم " (. )44
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما محمد عبده فيقول ":ومعنى إحاطة الخطيئةهو حصرها لصاحبها وأخذها بجوانب إحاسه
ووجدانه كأنه محبوس فيها ل يجد لنفسه مخرجا منها يرى نفسه حرا مطلقا وهو أسير الشهوات
وسجين الموبقات ورهين الظلمات؟ وغنما تكون الحاطة بالسترسال في الذنوب والتمادي على
الصرار قال تعالى ( :كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) ( 83المطففين )14أي من الخطايا
والسيئات ففي كلمة يكسبون معنى السترسال والستمرار وران عليه غطاه وستره أي أن قلوبهم
قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه .ثم أورد حديثا
يؤازر موقفه وختم بقوله :لمثل هذا كان السلف يقولون ":المعاصي بريد الكفر" (. )45
من خلل ما ذكر من تفسير السيئة وإحاطة الخطيئة ( )46نتبين أنه سال مداد كثير نتيجة تأملت
العقول وكل ذلك إما لتيسير المر على أهل الكبائر المصرين لما في قلوبهم من إيمان أو لحشر
هؤلء مع المشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا .فالسيئة والخطيئة تتأرجحان بين الشرك
والكبيرة والصغيرة واللغة تحتمل ذلك وإن كان الشرك مستبعدا ولذلك ناقشه حتى من باب التعسف
والتسلط على اللغة .أما عن الحاطة فهذا يعتبر أل إحاطة إل بالشرك والخر يلح على أن الذنوب
هي الخرى تحجب القلب وتطمس ما تسرب إليه من نور اليمان.
والذي يقلبه العقل ول تلفظه اللغة أن السيئة وإحاطة الخطيئة أو الخطيئات إنما هي المعاصي مهما
كان نوعها ولذلك يترجح أن الخلود شامل للمشركين وللعصاة المصرين الذين ماتوا دون أن يتوبوا
وجاهروا خالقهم بما نهاهم عنه رغم البشير والنذير فهؤلء وغن آمنوا فإنهم لم ينتفعوا بإيمانهم
في الدنيا فكيف يمكن أن ينتفعوا به في الخرة.
===================
( )17يقول الرازي ":إن السم إن كان مذكرا فالصل في صفة جمعه التاء يقال كوز وكيزان مكسورة وثياب مقطوعة ،وإن كان
مؤنثا كان الصل في صفة جمعه اللف والتاء يقال جرة وجرار مكسورات وخابية وخواب مكسورات إل انه قد يوجد الجمع
باللف والتاء في ما واحده مذكر في بعض الصور نادرا محو حمام حمامات وحمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله تعالى]
في أيام معدودات[(3آل عمران )24و] في أيام معلومات[( 22الحج )28فال تعالى تكلم في سورة البقرة بما هو الصل وهو
قوله تعالى ] أياما معدودة[ ،وفي آل عمران بما هو الفرع" .التفسير الكبير ( 3/142 :وسبطر تفيد معنى الثقل أو السرعة).
( )18الرازي :التفسير الكبير " 7/233 :فالكلم في تفسيره قد تقدم في سورة البقرة" كذلك القرطبي" 4/51 :وقد مضى الكلم
في معنى قولهم :لن تمسنا النار في البقرة ،مع العلم أنه لم يستوف القضية تحليل حتى هنالك" 12 -2/10
( )19ابن عباس :تنوير المقباس .12 :وقد نيه إلى ذلك امحمد اطفيش حيث قال ":روى قومنا عن ابن عباس رضي ال عنهما
أن السيئة هنا الشرك" .هيمان الزاد ط .2/140 :2
( )20محمد عبده :تفسير المنار1/144:
( )21الرازي :التفسير الكبير3/144 :
( )22القرطبي :أحكام القرآن1/12 :
( )23تفسير أبي السعود 1/147
( )24جواد مغنية :التفسير الكاشف1/137 :
( )25الطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير1/581 :
( )26الزمخشري :الكشاف1/292 :
( )27أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي144 :
( )28يوسف المصعبي :حاشية على تفسير الجللين ورقة 42قفا
( )29البرادي :رسالة الحقائق40:
( )30امحمد اطفيش :هيمان الزاد ط 2/140 :2
( )31محمد عبده :تفسير المنار1/363 :
( )32انظر ما سبق719 :
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ل شك أن آية تقرير الخلود جاءت في سياق محاجة اليهود الذين يزعمون انهم ل يبقون في النار إل
أياما معدودة والنكار عليهم لنهم يقولون مال يعلمون لذلك ذهب بعض إلى أن الخلود خاص باليهود
وذهب البعض الخر إلى إلحاق كل من أحاطت به خطيئاته من جميع المم بهم في الخلود.
إن ما جاء ضمنيا عند القرطبي ( )47ومغنية ( )48وأشار إليه الرازي عند ردوده على المعتزلة (
)49عبر عنه بوضوح كل من أبي السعود وابن عاشور.
أما أبو السعود فيقول... ":أولئك الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات وإحاطة خطاياهم بهم
أصحاب النار أي ملزموها في الخرة حسب ملزمتهم في الدنيا لما يستوجبها من السباب التي من
جملتها ما هم عليه من تكذيب آيات ال وتحريف كلمه والفتراء عليه وغير ذلك إنما لم يخص
الجواب بحالهم بأن يقال مثل بلى إنهم أصحاب النار الخ ،لما في التعميم من التهويل وبيان حالهم
بالبرهان والدليل مع ما مر من قصد الشعار بالتعليل.
(هم فيها خالدون) دائما أبدا فأني لهم التفصي عنها بعد سبعة أيام أو أربعين يوما كما زعموا فل
حجة في الية الكريمة على خلود صاحب الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر " (. )50
أما بان عاشور فقد جاءت صيغة أدق في ربط من كسب بما سبق من السياق حيث يقول ":وقوله
بلى إبطال لقولهم لن تمسنا النار إل أياما معدودة وكلمات الجواب تدخل على الكلم السابق ل على
ثم يمضي في تحديد السيئة والخطيئة ( )51إلى أن يقول ":فذلك لم تكن في الية حجة للزاعمين
خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ ل يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو ل يخلو
من عمل صالح وحسبك من ذلك سلمة اعتقاده من الكفر وسلمة لسانه من النطق بكلمة الكفر
الخبيثة.
والقصر المستفاد من التعريف في قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قصر إضافي لقلب
اعتقادهم" (. )52
فالسياق حسب هؤلء خاص بالكفار واليهود جزء ل يتجزأ من هؤلء فماذا عن حجج الطرف الخر
الذي يعمم الخلود ويدخل فيه مرتكبي الكبائر المصرين على الموت؟
أما الزمخشري فلم يحلل قضية التعميم والتخصيص لكت يفهم من تفسيره للسيئة والخطيئة أنه يعمم
( )53ولم يتعرض يوسف المصعبي للقضية ( . )54وقد أورد الرازي ضمن عرض حجج المعتزلة
تحليلهم لهذه الية وإثباتهم فيها دللتها على العموم "....فثبت بما ذكرنا أن الستثناء يخرج من
الكلم ما لوله لوجب دخوله فيه وذلك يدل على أن صيغة " من" في معرض الشرط للعموم" ()55
.
وأما محمد اطفيش فيقول ":فأولئك البعداء مقامات الخير وإنما عبر بإشارة البعيد تلويحا لهذا
المعنى ...أصحاب النار أس مستحقوها بكسبهم أو ملزموها في الخرة كما لزموا موجباتها في
الدنيا وهي الذنوب.
( هم فيها خالدون) دائمون فيها لنهم وقد أحاطت بهم خطاياهم مصرون فلم يكن للبثهم فيها آخر كما
أن المصر ل آخر للمعصية وملزمتها عنده والناس إما مصر وإما غير مصر مرحوم يدخل الجنة"
(. )56
أما صاحب المنار فيقول ":قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خادون) " خبر" ( من كسب سيئة
وأحاطت به خطيئته ) أي هم أصحاب دار العذاب في الخرة الحقاء بها دون من لم يصل الى
درجتهم في الدنيا وهو من في قلبه شيء من نور اليمان وتوحيد ال تعالى وما يتبعه من الخير" (
. )57
واضح من خلل هذه التحاليل أن كل من الطرفين حرص على تطويع التركيب لغرضه وكل منهما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بعد عرض أدلته يصل إلى النتيجة المقررة من البداية والراجح أن " من" هي أقرب إلى التعميم
منها إلى التخصيص .
واضح من خلل ما بينا أن مخصصي الخلود الذين تأولوا السيئة بالشرك والكفر ليسوا في حاجة
الى القول بالمكث الطويل بالنسبة إلى الخلود .ويقول أبو السعود في هذا الصدد ":ول حاجة إلى
حمل الخلود على اللبث الطويل" (. )58
بينما البيضاوي وقد اعتبر السيئة من القبائح فإنه يقول في تفسير قوله تعالى ( هم فيها خالدون)
دائمون أو لبثون لبثا طويل (. )59
ويرد على القائلين باللبث الطويل محمد عبده بما يلي ":ومن المفسرين من ترك السيئة في الية
على إطلقها فلم يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا إن المراد بالخلود طول مدة المكث لن
المؤمن ل يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول
حياته .أولوا هذا التأويل هروبا من قول المعتزلة إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار وتأييدا
لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة والقرآن فوق المذهب يرشد الى أن من " تحيط به خطيئته" ل
يكون أو ل يبقى مؤمنا" (. )60
وموقف الباضية صريح من هذين السياقين إذ يعتبرون أنهما شاملن لصحاب الكبائر والكل خالد
في الجحيم أبد البدين وسنعود إلى الستنتاج عندما نحوصل الحديث عن بقية النصوص.
هذا وإن تأرجحت المواقف لصلة السياقين باليهود هنا فماذا عن اليات المتعلقة بالخلود بصفة
عامة؟
إن اليات الواردة في هذا المعنى يمكن أن نقسمها إلى ثلثة أقسام:
أ) آيات جاءت كلمة" خالدين مجردة من " أبدا" وأخرى متبوعة بها".
ب) آيات علقت العذاب بالمشيئة.
================================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ل يمكن استيفاء كل اليات الواردة في هذا المعنى لكثرتها وسنكتفي بالوقوف عند بعضها لنتبين
كيف يدافع كل من الطرفين عن موقفه.
-قوله تعالى ( :ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له
عذابا مهينا) ( 4النساء )61( .)93
-وقوله تعالى ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ال من عاصم
كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 10يونس .)27
-وقوله تعالى ( ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (4
النساء .)14
-وقوله تعالى ( :ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) ( 72الجن .)23
أول ما يلحظ عند التأمل في هذه اليات ومثيلتها في كتاب ال تعالى يتبين أن سورة الجن تفردت
بإضافة التأبيد للخلود ومع ذلك يجد لها نفاة الخلود للعصاة مخرجا،أما بالنسبة إلى اليات الخرى
فالخطب أهون والتأويلت ل تبعد عما ذكر في آية سورة البقرة بل في أغلب الحيان تقع الحالة
على ما ذكر هناك ( )62لن القضية استوفاها جل المفسرين تحليل هنالك ،وإنما وقع التنبيه الى
بعض النكت في ما بعد.
-تأويل الخلود بطول المكث :خاصة في آيتي سورة النساء حيث إن المر يتعلق بالقتل العمد (الية
)93والنص يحتمل أن يكون القاتل من أهل الصلة والمقتول كذلك ،ويتعلق بتجاوز الحدود في
سياق يتحدث عن المواريث والنص يحتمل أيضا أن يتعلق الوعيد بمن يظلم في قسمة التركات وما
اكثر هؤلء في الوساط السلمية ،وقد ذهب هذا المذهب كل من البيضاوي ( )63والقرطبي ()64
وأبي مسعود ( )65وابن عاشور (. )66
-التعميم :إن كان المر واضحا ،وكانت العبارة صريحة في المواقف السابقة فقد جاء المر عاما
في بعض الحيان وقد ظهر هذا خاصة عند ابن عباس ( )67وجواد مغنية ( )68في اليات المشار
إليها من سورة النساء والجن .ومن صيغة التعميم الى السكوت عن القضية.
-السكوت :وقد يرى المفسرون أل فائدة في الرجوع الى ما ذكر فيمرون على قضية الخلود دون
الوقوف عندها ،ومثال ذلك ما نجده عند البيضاوي ( )69وأبي مسعود ( )70ومغنية ( )71في آية
النساء 14عن المواريث والرازي ( )72وجواد مغنية ( )73مع آية سورة يونس وإن لم يقف
هؤلء مثل هذه المواقف فإنهم يلجئون الى تخصيص الخلود الدائم للكفار.
-تخصيص الخلود للمشركين :وهذا ما عبر عنه كل من أبي السعود ( )74وابن عاشور ( )75وفي
آيتي سورة يونس وسورة الجن.
هذه تقريبا حوصلة عامة لمواقف المفسرين -منكري الخلود لهل الكبائر -من هذه اليات ويواكبهم
في ذلك الصوليون ونذكر منهم مثل اليجي حيث يقول ردا على المعتزلة ":ول نسلم (أن من
اكتسب كبيرة فقد تعدى حدوده بل) تعدى (بعض حدوده والمراد من قتل مؤمنا لنه مؤمن ول يكون
ذلك القاتل إل كافرا) فاليات المذكورة ل تتناول صاحب الكبيرة (سلمنا) تناولها إياه (لكن الخلود)
المذكور ( )76فيها (هو المكث الطويل وما ذكرتم معارض بما يقال حبس مخلد وخلد ال ملكه" (
. )77
والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة
أهل الصلة في النار ،فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟.
والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة
أهل الصلة في النار ( ، )78فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟
يتفق الباضية والمعتزلة ( )79والموسومون بالخارجية ويساندهم في ذلك ممد عبده على أن هذه
اليات وأخواتها في القرآن الكريم أكبر دليل على ما ذهبوا إليه من اعتقاد الخلود البدي اللنهائي
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الذي يشمل العصاة الذين ماتوا دون أن يتوبوا الى ال تعالى مع القول بتفاوت العذاب بينهم وبين
من ماتوا على الشرك ول يخلو تحليل أصولي في الموضوع من الستشهاد بهذه اليات وأخواتها
ونكتفي بذكر نص أبي مهدي لنه استوعب ما جاء قبله وعليه اعتمد من جاء بعده.
يقول أبو مهدي بعد أن حلل آية البقرة ( )81التي وقفنا عندها ( :وأحاطت به خطيئاته) وهي الكبائر
في ما وجدنا أيضا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ( 2البقرة )81وقوله ( :يريدون أن
يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) ( 5المائدة )37وقال ( :وما هم بخارجين
من النار) ( 2البقرة )167وقال ( :ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) ( 43الزخرف
)77أي مقيمون ،وقال ( :وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها) -إلى قوله-
( ولهم عذاب مقيم) ( 9التوبة )68فإن قال قائل هذه الية في أهل الشرك خصوصا قيل له ( :وكذلك
قوله تعالى ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) ( 4النساء
)14وقوله ( :ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) ( 72الجن )23وقال:
( والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق) -الى قوله ( -ويخلد
فيها مهانا) ( 25الفرقان )69فإن قالوا هذه اليات كلها في الشرك قيل لهم وكذلك النهي عن الكبائر
إنما هو في أهل الشرك فل يجد في ذلك فرقا .وقال ( :كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (
22الحج )22وقال ( :عن البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها
بغائبين) ( 82النفطار )16 -13وقوله ( :سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا محيض) ( 14
إبراهيم )21أي من مذهب ومخرج" (. )80
ويقف تفسير المنار إلى نفس الموقف حيث يقول محمد عبده في شأن منتهك حدود ال ":وظاهر
الية أن العاصي المتعدي للحدود يكون خالدا في النار" ( )81كما يقول في شأن القائل المتعمد "
فهو جدير بالخلود في النار والغضب واللعنة" ( )82ويضيف رشيد رضا فيقول ":أقول وقد استكبر
الجمهور خلود القاتل في النار وأوله بعضهم بطول المكث فيها وهذا يفتح باب التأويل لخلود الكفار
فيقال إن المراد به طول المكث أيضا" (. )83
ثم أعطى صاحبا المنار بعدا حضاريا لهذا الموقف سنعود إليه في الستنتاجات (. )84
-قوله تعالى ( :ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من
النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا .قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما
شاء ال إن ربك حكيم عليم) ( 6النعام .)128
-وقوله تعالى ( :فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات
والرض إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (. )85
لقد تضاربت الراء في شأن التعليق بالمشيئة ( )86كما تضاربت في شأن تعليق المغفرة بالمشيئة
وأطال المفسرون الكلم ....وذكروا وجوها جعلت المعنى من الطلسم ( )87إل أن الجدل يدور حول
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ثلثة محاور:
)1تصور إمكانية خروج المشركين من النار ،ومثل هذا التصور يرده المفسرون بسرعة وإنما
يذكرونه لتفنيده (. )88
)1استثناء الموحدين العصاة ،وهذا ما رجحه كل من قالوا بخروجهم من النار فاعتبروا الستثناء
من أدلتهم وهذا ما نقل عن ابن عباس ":وإل ما شاء ربك أن يخرجهم من أهل التوحيد من كانت
شقاوته بذنب دون الكفر فيدخله بإيمانه خالصا" (. )89
وهذا ما ختم به الرازي مختلف الوجوه التي ذكرت في الستثناء قائل ":إخراج أهل التوحيد من
النار....وهذا كلم قوي في هذا الباب" ( . )90وقاس على هذا النسق كل من أبي السعود ()91
ورشيد رضا ( )92وابن عاشور ( . )93وجواد مغنية ( )94والكل يلح على تركيز موقفهم باختتام
تفسير الية بقوله تعالى ( :إن ربك فعال لما يريد) (11هود . )107وفي تحليل جواد مغنية وضوح
وتبسيط لنه اعتبر السياق من المحكم لذلك أجبنا أن نورده حيث يقول ":ويتلخص بان من يدخل
جهنم بأي ذنب من الذنوب فل يستطيع الخروج منها بنفسه ول بشفيع ومعين ،ول بفداء فهو من
هذه الجهة خالد فيها ...ولكن إذا شاء ال أن يخرجه منها خرج ،وانتفى عنه وصف الخلود في النار
لن إرادته تعالى ل يحدها شيء" ( إن ربك فعال لما يريد) وكل شيء يرجع في النهاية إلى إرادته
ول ترجع إرادته إل إليه وحده فسبب الخلود يؤثر أثره ما دام الخالق مريدا له ذلك ،وغن لم يشأ لم
يكن عمل بمبدأ ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) ( 36يس )95( .)82
واضح حينئذ أن هؤلء يعتبرون " أن صاحب الكبيرة غير مخلد ،وإن عذب فإنهم يقولون هو في
مشيئة ال إن شاء غفر وعفا عنه بل تعذيب ،وإن شاء شفع فيه من شاء ،وإن شاء عذبه في ناره
بقدر عمله أو إلى ما شاء ال من المدة ثم يقطعون بخروجه منها" (. )96
هذا عن المشيئة عند هؤلء فماذا عن هذه المشيئة عند من رأوا خلود العصاة المصرين الى
الموت؟
==========================
( )61لقد أشرنا في ما سبق إلى مواقف العلماء من قاتل العمد 623 :وما يلي .746
( )62ر .الرازي :التفسير الكبير 240 /10 ،30/165 :ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف2/408 :
( )63ر .البضاوي :أنوار التنزيل1/98 :
( )64ر .القرطبي :أحكام القرآن 5/335:و 82 /5إنه عبر بالستعارة في قوله" :فالخلود مستعار لمدة ما"
( )65ر .تفسير أبي السعود1/567 :
( )66ر .ابن عاشور :التحرير والتنوير4/268 :و 5/164
( )67ر .ابن عباس :تنوير المقباس173:
( )68ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف 7/442 ،2/408 :فيقول مثل " :وذكر ال سبحانه في هذه الية ( 4النساء )93أن
جزاءه في الخرة الخلود في جهنم والغضب واللعنة من ال والعذاب العظيم"2/408 :
( )69ر .البضاوي :أنوار التنزيل1/81 :
( )70ر .تفسير أبي السعود1/495 :
( )71ر .جواد مغنية :التفسير الكاشف2/269 :
( )72الرازي :التفسير الكبير17/234 :
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يلتقي الباضية والمعتزلة في هذا الموقف وفي هذا الصدد ينقل أبو مهدي ما جاء عن الجيطالي في
شرح النونية كما يلي ":وأما ما احتجوا به من قوله تعالى ( إل ما شاء ربك) فقالوا أن يخرج أهل
الكبائر من النار فإن هذا تقول وذهاب عن الظاهر بغير دليل.
وأيضا فإن أهل التفسير اختلفوا فيها ،فقال بعضهم ( إل ما شاء ربك) من الزيادة في الخلود وقيل
في العذاب ونظيره قوله تعالى ( :فلن نزيدكم إل عذابا) ( 78النبأ )30وقال آخرون ( :إل ما شاء
ربك) من مكثهم في الدنيا وقيل ":في البرزخ" وقيل ":ما لبثوا في ظهور آبائهم" وقيل ":في
أرحام أمهاتهم" وقيل ":ما لبثوا في المحشر قبل أن يدخلوها" ....فكل ذلك ما شاء ال وهو الذي
استثناه فمن زعم غير ذلك فعليه بالدليل ولو كان في هذا ما يدل على الخروج لدل على خروج
النس والجن أجمعين ،وكذلك قوله تعالى ( :يا معشر الجن قد استكثرتم من النس قال النار مثواكم
خالدين فيها إل ما شاء ال) ( 6النعام . )97( )128
كما ينقل عن البرادي ما يلي ":الوجه الثاني ( )98أن الستثناء الكائن في الية مقرونة بمثله من
الستثناء أعني قوله تعالى ( :وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والرض
إل ما شاء ربك) ( 11هود )108فإن جاز أن يخرج أهل النار من النار بهذا الستثناء جاز مثله في
أهل الجنة ول فرق لن اليتين جاءتا مجيئا عاما ،ول أظن عاقل يرد على ال سبحانه في كتابه ول
يكذب خبره ،وقد قال سبحانه في غير ما موضع من كتابه ( :خالدين فيها أبدا) ( 2آل عمران .15
)198 .136وقال ( :عطاء غير مجذوذ) ( 11هود )108وقال ( أكلها دائم وظلها) ( 13الرعد )35
فإذا بطل على أهل الجنة واستحال في حقهم الخروج منها بخبر ال الصادق فقد بطل الستثناء الذي
تعلقوا به وما صاروا إليه ،قال سبحانه ( :يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم
عذاب مقيم) ( 5المائدة )37وقال ( :كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) ( 32السجدة )20
وإن كان الزمخشري خص آية سورة النعام بالمشركين وتأول المشيئة بتحويلهم من عذاب قصد
التشفي ( 1 )100فإنه يرفض أن يكون الستثناء دال على خروج أهل الكبائر فقال ":ول يخدعنك
عنه قول المجبرة" عن المراد بالستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة فإن الستثناء الثاني
( )101ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم" (.1 )102
أما محمد اطفيش فبعد أن يورد جل الراء الواردة في شأن الستثناء يقول ":والولى في هذا جعل
الستثناء منقطعا وقيل المعنى إل ما شاء ربك لو فرض أنه تعالى وعز وجل يشاء إخراجهم فهو
تعليق بالمحال فيكون ذلك برهانا على البدية كقوله تعالى عز وجل ( :حتى يلج الجمل في سم
الخياط) ( 7العراف . )103( " )40
فالباضية حينئذ كما فعلوا من زمن المام جابر في تعليق المغفرة بالمشيئة اعتبروا التعليق
بالمشيئة دليل على الخلود للمشركين والعصاة لن إرادة ال ل تتحول ( )104ول مبدل لكلماته وهو
الفعال لما يريد.
أما محمد اطفيش فيعتمد على التفسير المأثور ويختار التفويض في شأن المشيئة فيقول ":أما ما
ورد في التفسير بالمأثور في الستثناء هنا فيؤيد ما جرينا عليه من تفويض المر الى ال تعالى
وعدم الحكم على مشيئته في هذا المر الغيبي وهو ما رواه ابن جرير ( )105عن ابن عباس قال:
إن هذه الية آية ل ينبغي لحد أن يحكم على ال في خلقه أل ينزلهم جنة ول نارا" (. )106
ومن هذه المقارنات بين الراء المتقابلة نفهم شيئا فشيئا كيف يوجه السياق القرآني حسب
منطلقات محددة فتكون نفس اليات دليل لهؤلء وأولئك فهل تكون اليات التي تحدد المكث
بالحقاب وبدوام السماوات والرض هي الخرى في هذا النسق؟
-قال تعالى ( :فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات
والرض إل ما شاء ربك) ( 11هود .)107
-وقال تعالى ( :إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لبثين فيها أحقابا) ( 78النبأ .)23 -21
فمن هم الشقاء والطغاة وما المقصود من هذين التحديدين بدوام السماوات والرض وبالحقاب؟
ذلك هو مثار الجدل في شأن هذه اليات.
إن المتأمل في مواقف منكري خلود أهل الكبائر ومثبتيه يلمس بوضوح أن مركز الكلم كان قائما
على تحديد مفهوم الطغيان والشقاوة فمنكرو الخلود اعتبروا أن الشقاوة والطغيان بمعنى الكفر وقد
جاء هذا واضحا عند ابن عباس ( )107والبيضاوي ( )108وأبي السعود ( )109وابن عاشور (
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
، )110أما الرازي فلن يصرخ بمدلول الشرك إل أن السياق في التفسير يؤكد أنه يعتبر أن اليتين
متعلقتان بالمشركين فهو يقول":الشقي هو الذي يكون من أهل العقاب" ( )111كما يقول ":المراد
بالطاغين من تكبر على ربه وطغى في مخالفته ومعارضته" ( )112ثم يتوغل في الرد على من
يعتبر أن عذاب الكفار منقطع)113( .
أما الباضية والمعتزلة فقد ذهبوا الى أن الطغيان والشقاوة يشملن المشركين والعصاة من أهل
الصلة فإن لم يفسر الزمخشري كلمة الطاغين ( )114فإنه يرى " أن الشقي هو الذي وجبت له
النار لساءته" ( )115وكذلك محمد اطفيش فإنه يقول ":الشقي سيئ الحال في عذاب وتعب في
النار بعمله لموجب العذاب" ( . )116ويقول ":الطاغين شامل للموحد الفاسق" ( )117وكذلك
يقول السالمي ":فإن اسم الشقي شامل لهما (الفاسق والمشرك) (. )119( )118
فواضح إذن أن المشكلة ترجع الى تحديد السماء واختلف الفرق فيها ( )120أما في ما يتعلق
بمفهوم الحقاب ودوام السماوات والرض فهم مجمعون على أن القصد منها التأبيد.
-أما قوله تعالى ( :خالدين فيها ما دامت السماوات والرض) فقالوا إن المقصود من ذلك التأييد
على أحد وجهين:
)1أن تراد سماوات الخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة إلى البد والدليل على أن لها سماوات
وأرضا قوله تعالى ( :يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات) إبراهيم )48وقوله ( :وأورثنا
الرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) (] 39الزمر )74ولنه لبد لهل الخرة مما يقلهم ويظلهم
سماء يخلقها ال أو يظلم العرش وكل ما أظلك فهو سماء.
)2أن يكون عبارة عن التأييد ونفي النقطاع كقول العرب :ما دام تعار ،وأقام ثبير ،وما لح كوكب
وغير ذلك من كلمات التأييد (. )121
-أما قوله تعالى ( :لبثين فيها أحقابا) فقد أجمعوا على أنها تعني التأييد ويقول ابن عباس في
ذلك ":مقيمين في جهنم أحقابا بعد حقب -ثم يقول بعد تحديد الحقب -ويقال ول يعلم عدد تلك
الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (. )122
وتعددت المواقف من مدة الحقب ونكتفي بإيراد ما روي عن ابن عباس " والحقب الواحد ثمانون
سنة ،والسنة ثلثمائة وستون يوما ،واليوم الواحد ألف سنة مما يعد أهل الدنيا ،ويقال ل يعلم عدد
تلك الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (. )123
ويورد الزمخشري وجها آخر وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره ،وحقب فلن إذا
أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه فينتصب حال عنهم :يعني لبثين فيها حقبين جحدين (. )124
وإن وقع الجماع على التأييد عند الجمهور مع اختلف في شمول عصاة المسلمين المصرين على
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
عصيانهم إلى الموت فيشير الرازي الى من نفى الخلود المؤبد حتى عن المشركين ( )152مبينا أن
من حججهم هاتين اليتين ،ثم يرد عليهم بنفس المعاني التي ذكرنا ملحا على أن القول بالتأييد
لهؤلء هو قول الجمهور العظم من المة ومعزوزا موقفه بأدلة أخرى قائمة على المنطق ل نرى
من الضروري إيرادها لننا لسنا في نطاق الرد على هؤلء (. )126
والساس بالنسبة الى الفكر الباضي يتمثل في ما نقله أبو مهدي عن الجيطالي في سياق الرد على
القائلين بإخراج أهل الكبائر ":وأما قوله ( لبثين فيها أحقابا) فليس فيه دليل على الخروج أيضا
لنه قال ( :إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا) ( 78النبأ )22 .21الى آخرها ،فهي عامة لجميع
من دخلها من أهل الشرك ومن أهل الكبائر فمن ادعى التخصيص فعليه بالدليل وإن تفسيرها في ما
وجدت في كتب التفسير ( لبثين فيها أحقابا) وهو حقب أي زمانا ل غاية له ويقال الحقب ثمانون
ألف سنة كل يوم منه ألف سنة كلما مضى حقب تبعه حقب إلى مال غاية له....
وجاء أيضا في نفس الرسالة :وقوله تعالى ( :لبثين فيها أحقابا) ( 78النبا )23قال قتادة أحقابا ل
انقطاع لها ،وقيل الهاء من قوله فيها عائدة على الرض أي لبثين في الرض ،وقال بعضهم
( لبثين فيها أحقابا ل يذوقون فيها بردا ول شرابا) أي يمكثون أزمنة يعذبون بهذا النوع من العذاب
ثم بعد ذلك يعذبون بغيره وروي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال " :الحقب ثلثون ألف
سنة" )127( ...
قال قتادة :هي أحقاب ل انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده آخر وقال الحسن :أما الحقاب فليس
لها عدة إل الخلود في النار (." )128
ويقول السالمي ":الية ( لبثين فيها أحقابا) في المشركين خاصة لقوله تعالى ( :إنهم كانوا ل
يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا) فيلزمكم عدم تخليد أهل الشرك وأنتم ل تقولون به والكتاب يرده
فوجب حمل الحقاب على عدم الغاية أي مدة غير متناهية" (. )129
وجاء عند أبي مهدي في قوله تعالى ( :ما دامت السموات والرض) إن ذلك على قطع الرجاء كقوله
تعالى ( :حتى يلج الجمل في سم الخياط) ( 7العراف )40ومثله في كلم العرب " ل أفعل ذلك حتى
يؤوب القارظان" " ول أفعله سن الحسل" أي ل ترجو إتياني كما ل يرجع الموتى الى الدنيا وحتى
يقع أسنان الحسل (وهو ولد الضب) وأسنانه ل تقع أبدا في ما ذكروا.
و " يقول الشيخ أبو القاسم ( )131رحمه ال " :وما تعلقوا به من قوله تعالى ( خالدين فيها ما
دامت السماوات والرض) فباطل من وجهين :أحدهما :أن هذا تقوله العرب على الستبعاد والتأبيد
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
كقولهم ل أفعل هذا ما اختلف الجديدان وما اختلف الليل والنهار ،وما حنت البل وما أقام الجبل وما
طرق طارق وما دامت السماوات والرض وما طما البحر هذا كله يريدون به التأييد فخاطبهم ال
بما يعقلون من كلمهم بينهم ،وعليه في العربية شواهد جاهلية وإسلمية" (. )132
ذلك أهم ما جاء من الستدللت بالقرآن الكريم ،منها ما جاء في سياق الرد على أهل الكتاب ومنها
ما جاء ذاكرا لكلمة الخلود ،ومنها ما علق الخلود بالمشيئة ومنها ما حدده بدوام السماوات
والرض أو بالحقاب وقد بينا كيف تنازع الطرفان هذه اليات وتبين أن موقف الباضية منها كلها
تمثل في توجيهها وجهة الخلود المؤبد بالنسبة الى من لم يتب من أهل الصلة مع اللحاح على
تفاوت العذاب بين هؤلء وبين أهل الشرك.
ومما يثبت تفاوت العذاب بين المشركين والفساق ما أورده السالمي ":فمن ذلك البيان ما روي عنه
عليه الصلة والسلم أنه كان يقول ":عن أهون أهل النار عذابا رجل أخمص قدميه جمرتان يغلي
منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم ،ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وأنه لهونهم عذابا ومنهم
من هو في النار الى كعبيه مع أجزاء العذاب ،ومنهم من هو في النار الى ركبتيه مع أجزاء العذاب،
ومنهم من قد اغتمر " (. )133
===========================
( )97أبو مهدي :الرد على البهلولي 148 -147 :ر .جميل بن خميس السعدي قاموس الشريعة6/14 :
( )98انظر ما يلي :الوجه الول745 :
( )99أبو مهدي عيسى بن إسماعيل :الرد على البهلولي149 :
( )100ر .الزمخشري :الكشاف2/50 :
( )101يشير إلى الستثناء الوارد في شأن أهل الجنة في الية الموالية
( )102الزمخشري :الكشاف2/294 :
( )103امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 3/269 :1
( )104انظر ما سبق :الرادة والمشيئة في مبحث القضاء والقدر 465
( )105الطبري( )923 -839 /310 -224ر .الزركلي :العلم6/294 :
( )106محمد عبده :تفسير المنار8/68 :
( )107ابن عباس :تنوير المقباس.499 :
( )108ر .البضاوي :أنوار التنزيل1/238 :و 2/293
( )109ر.تفسير ابن مسعود3/68 :و 4/816
( )110ر .ابن عاشور :التحرير والتنوير12/164 :و 30/36
( )111الرازي :التفسير الكبير18/61 :
( )112نفس المصدر31/13 :
( )113ر .نفس المصدر 18/61:
( )114ر .الزمخشري :الكشاف .4/209 :أما القاضي عبد الجبار فيختلف عن الزمخشري فيقول :الطاغين :خاص بالمشركين
ول يتأول لفساق أهل الصلة :تنزيه القرآن .466 :ويسكت في شأن الشقي في التفسير :تنزيه القرآن184 :
( )115الزمخشري :الكشاف4/293 :
( )116امحمد اطفيش :تيسير التفسير ط 3/268 :1
( )117نفس المصدر 6/467 :
( )118انظر ما سبق 514 :و 518
( )119عبدال السالمي :المشارق303 :
( )120انظر ما سبق488 :
( )121الزمخشري :الكشاف 294 -293 :2:و ابن عباس :تنوير المقباس.191 :
ر .الرازي :التفسير الكبير.18/64 :ر .البيضاوي :أنوار التنزيل 1/238 :ر .القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن. 184 :ر .تفسير
أبي السعود 3/68 :ر .محمد عبده :تفسير المنار :12/158 :ابن عاشور :التحرير والتنوير 164 /12 :امحمد اطفيش :تيسير
التفسير ط .3/368 :1والنص للزمخشري .أما جواد مغنية فقد سكت عن المر :التفسير الكاشف.4/269 :
( )122ابن عباس :تنوير المقباس. 499 :ر .الزمخشري :الكشاف .4/209 :لم يلح على قضية الدوام لكن يفهم من السياق.
كذلك الرازي :التفسير الكبير31/13:
أما القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن 446 :و البيضاوي :أنوار التنزيل. 2/293:وأبو السعود 4/816 :امحمد اطفيش :تيسير
التفسير 6/467 :ومغنية :التفسير الكاشف .7/501 :فقد صرحوا بالتأبيد .وكذلك ابن عاشور ذهب الى نفس الرأي إل أنه يتميز
باستثناء المسلمين المستخفين بحقوق ال ،أو المعتدين على الناس بغير حق ،واحتقارا ل لمجرد غلبة الشهوة فهؤلء لهم حظ
من هذا الوعيد بمقدار اقترابهم من حال أهل الوعيد" .التحرير والتنوير . 30/30 :ويصرح امحمد اطفيش بخلود الفساق من أهل
القبلة ر .تيسير التفسير ط .6/467 :1
( )123ابن عباس :تنوير المقباس499 :
( )124ر .الزمخشري :الكشاف 4/209:وقد جاءت هذه المعاني بتحليل متفاوت قصرا وطول عند كل من الرازي31/14 :
والبيضاوي .2/293 :القاضي عبد الجبار :تنزيه القرآن 446 :وأبي السعود .4/816امحمد اطفيش :تيسير التفسير6/467 :
وابن عاشور :التحرير والتنوير.30/36 :
( )125وقد رد اليجي على القائلين بهذا القول ردودا قائمة على التحليل المنطقي ر .المواقف448 -447 /2 :
( )126ر .الرازي :التفسير الكبير65 -18/63 :
( )127لقد أورد عدة أقوال في شأن سني الحقاب .والحديث لم يرد عند ونسنك :المعجم المفهرس1/487 :
( )128أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي151 -150:
( )129عبد ال السالمي :المشارق301 :
( )130أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.148 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة نقل عن شرح
النونية للجيطالي6/15 .
( )131يعني البرادي
( )132أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي .149:والوجه الثاني انظر ما سبق عن المشيئة والستثناء 735ر.
عبد ال السالمي :المشارق303 :
( )133ر . .البخاري :رقاق .51مسلم :إيمان 363لترمذي جهنم .120أحمد بن حنبل 274 /4ر .ونسنك :المعجم المفهرس:
.2/85والنص لعبد ال السالمي :المشارق. 305 :ر .خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج1/524 :
لقد ذكرنا عند الحديث عن الوعد والوعيد الحاديث التي استدل بها الباضية لثبات شمولة للعصاة
من المسلمين وأنه نافذ فيهم ل محالة ول تخرج الحاديث الواردة في باب الخلود عن هذا السياق.
-فمنها ما صرح بالخلود مع التأييد مثل قوله صلى ال عليه وسلم " :من قتل نفسه بحديدة فهو
يتوجأ في النار خالدا مخلدا ومن تحسى سما فهو يتحساه في نار جهنم خالدا أبدا" (. )2
-ومنها ما صرح بالخلود دون ذكر التأييد مثل قوله ":من قتل بعد العفو وأخذ الدية فهو خالد مخلد
في النار" (. )3
• مثل تحريم الجنة على طائفة من العصاة المصرين في قوله عليه السلم " :الجنة حرام على من
قتل ذميا أو ظلمه أو حمله مال يطيق وأنا حجيج الذمي فكيف المؤمن" ( . )5وقوله " :ل يدخل
الجنة لحم نبت من سحت ،والنار أولى به" ( . )6وقوله " :من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم ال
عليه الجنة وأوجب لـه النار .فقال رجل :وإن كان شيئا يسيرا يا رسول ال فقال رسول ال صلى ال
عليه وسلم :إن كان قضيبا من أراك" (. )7
• ومثل اليأس من رحمة ال في قوله عليه السلم " :من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر
كلمة لقي ال يوم القيامة آيسا من رحمته" (. )8
-ومنها ما عنف فيه القائلين بالخروج من النار ،كما في قوله صلى ال عليه وسلم ":لكل أمة
يهود ،ويهود أمتي المرجئة ،وهم أشبه باليهود في قولهم ( لن تمسنا النار إل أياما معدودة) )9( .
الباضية والمعتزلة يعتمدون هذه الحاديث على أساس أنها من عمومات الخبار وأن صيغة " من
فيها جاءت في معرض الشرط تفيد العموم ول تخرج المصرين من عصاة المسلمين.
وبعد أن أورد الرازي جميع اليات والحاديث التي استشهد بها المعتزلة في هذا السياق يرد عليها
بعدة أدلة نذكر منها ":إنا ل نسلم أن صيغة " من" في معرض الشرط للعموم ...والذي يدل عليه
أمور:
الول :انه يصح إدخال لفظتي الكل والبعض على " ...من" كل من دخل داري أكرمته ،وبعض من
دخل داري أكرمته ...ولو كانت لفظة " من" تفيد الستغراق لكان إدخال لفظ الكل عليها تكريرا أو
إدخال لفظ البعض عليها نقضا" (. )10
وبعد أن يذكر أدلة أخرى يقول ما معناه إن تقديم عمومات الوعد أولى من ترجيح عمومات الوعيد
لن الوفاء بالوعد أدخل في الكرم من الوفاء بالوعيد (. )11
ومهما حاول الرازي أن يلتمس من مخارج تبقى هذه الحاديث صريحة مرجحة جانب الخلود خاصة
وأنها تذكر معاصي بعينها هي معتبرة من الكبائر بإجماع المة السلمية ول حاجة لتوعد المشرك
وهو داخل النار بشركه ل محالة خالد مخلد فيها.
ول ينبغي أن نغفل عن حديث يعتمده الشعري اعتمادا كليا في البانة ليرد على المعتزلة في قولهم
بالخلود وهو " ونقول :عن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة محمد
رسول ال صلى ال عليه وسلم -وذلك -لما جاءت به الرواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم
أن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا فيها وصاروا حمما" (. )12
أما أولهما :فيتمثل في اعتباره من الحاد التي ل يمكن الستدلل بها في العقائد (. )13
وأما ثانيهما فيتمثل في تأويله كما يلي ":فأما ما يروى عنه صلى ال عليه وسلم " يخرج أقوام من
النار بعد أن امتحشوا وصاروا فحما وحمما" فإن صح فالمراد به يخرجون من الدنيا من استحقاق
العقاب بعد تحققه فيهم ،كما روى عنه عليه السلم للمؤذن وقد أتى بالشهادة قال " :خرج من
النار" يعني من حكم أهل النار وكقوله " :يتهافتون في النار تهافت الجرادة وهاأنا أخذ بحجزكم "
( )14من حيث يهديكم ويمنعهم من المعاصي.
وقد قيل في جوابهم ":إن المراد به التعبيد والمنع من خروجهم من النار حيث شرط أن يكونوا فحما
وما هذه حالة ل يقع فهو كقوله ( :ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) ( 7العراف
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ويورد صاحب قاموس الشريعة عن الجيطالي ما يلي ":وأما الحاديث التي ذكروها فهي مخالفة
لكتاب ال عز وجل مردودة لن ال تبارك وتعالى قال ( :وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي
يوحى) ( 53النجم )3وجاء عنه عليه السلم أنه قال " :وكيف أقول بخلف القرآن وبه هداني
ربي" (. )16
ومما يؤازر هذه الحاديث ما ترويه المصادر الباضية عن الحسن عن كعب قال ":وقف عمر بن
الخطاب رضي ال عنه على كدية من رمل ،فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت ":يا أمير
المؤمنين ما يبكيك؟" قال ":ذكرت أهل النار .فقلت :لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل سنة
يعذبون على حسابها ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر ولكن لم يجعل ال لهم
وقتا وما هم بخارجين منها أبدا" (. )17
الحتجاج العقلي:
إن قضية الخلود أو عدمه ليست مما يخضع للعقل المجرد وإنما هي المسائل السمعية لكن لم تخل
من بعض الحجج العقلية المنطلقة من النظر في الثواب والعقاب.
وذد نقل كل من أبي مهدي وخميس بن جميل السعدي عن كتاب الموجز نصا تفنن فيه صاحبه في
الرد على من يقول بعدم الخلود قد اعتمدناه في ما سبق عند ذكر حجج القائلين بالوعيد ل نرى فائدة
في إعادة ذكره (. )18
وبعد أن أوردنا أهم الحجج النقلية والعقلية يحسن قبل أن نصل إلى إبراز البعد الحضاري أن نذكر
ببعض المواقف التي وردت عند منكري الخلود لهل الكبائر وقد بدت في منتهى الغرابة.
===========================
( )2أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.145 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/13 :وقد أورد
قسما من هذا الحديث القاضي عبد الجبار كما يلي ":من قتل نفسه ،فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها
أبدا" فضل العتزال210 :
وقد أورد الرازي هذا الحديث أثناء عرض حجج المعتزلة من الحديث في شأن الخلود مع تغيير طفيف في العبارة وع السكوت
عمن يحتسي السم .ر .التفسير الكبير .3/150 :وعن تخريج الحديث انظر ما سبق.623 :
( )3الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/4 :عدد .761واستدل به أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.145 :ر.
جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة6/1 :ولم يرد هذا الحديث عند ونسنك.
( )4ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة . 6/13 :انظر ما سبق 575
( )5الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 754ولم يرد بصفة صريحة عند ونسنك.
( )6الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 754ر .أحمد بن حنبل .399 -3/321وصيغته ":ل يدخل الجنة من نبت
لحمه من سحت" ر .ونسنك :المعجم المفهرس6/339:
( )7ر .البخاري :توحيد .24مسلم :إيمان 218الترمذي تفسير سورة آل عمران 21النسائي :قضاة -30الدارمي بيوع -62
الموطا أقضية .11أحمد بن حنبل . 1/189ر .ونسنك :المعجم المفهرس5/430 :
( )8الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 3/3 :عدد 756
( )9الحديثان لم يردا عند ونسنك
( )10ما ذكر في الوجود الخرى يتعلق بنصوص قرآنية خاصة ومؤداه الخصوص والعموم .والرازي يرجح جانب الخصوص
ليربط الخلود بالمشركين.
( )11ر .الرازي التفسير الكبير3/153 :
( )12أبو الحسن الشعري :البانة ، 24 -14 :انظر ما سبق668 :
( )13ر .القاضي عبد الجبار :الصول الخمسة .672 :
( )14ر .البخاري :رقاق 26مسلم فضائل 17.18الترمذي أدب 82أحمد بن حنبل ...1/390ر .ونسنك :المعجم المفهرس:
1/427الحجر :من حجز يحجز فلنا عن المر حجزا :كفه ومنعه ،ويقال اخذ بحجزته أي التجا إليه واستعان به( .المعجم
الوسيط)
( )15القاضي عبد الجبار :فضل العتزال211 -210 :
( )16جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة 6/15 :والحديث لم يرد عند ونسنك
( )17أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي.145 :ر .جميل بن خميس السعدي :قاموس الشريعة6/13 :
( )18ر .أبو عمار عبد الكافي :الموجز 111، 2/108 :أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي .147 -146 :جميل بن
خميس السعدي :قاموس الشريعة .14 -6/13 :انظر ما سبق 628 :
تنبيه:
ومما يستنكف الباضية عن قبوله مواقف يحتج بها القائلون بخروج العصاة تبدو غريبة كل
الغرابة ،ومن ذلك ما جاء عند شارح جوهرة التوحيد ":وقوله :للسعيد والشقي" أي فالجنة دار
خلود للسعيد وهو من مات على السلم وإن تقدم منه كفر ،ودخل في السعيد عصاة المؤمنين فدار
خلودهم الجنة فل يخلدون في النار إن دخلوها بل ل يدوم عذابهم فيها مدة بقائهم لنهم يموتون بعد
الدخول بلحظة ما يعلم إل ال مقدارها فل يحيون حتى يخرجوا منها ،والمراد بموتهم أنهم يفقدون
إحساس ألم العذاب ل أنهم يموتون موتا حقيقيا بخروج الروح ،وبعضهم اختار أنهم يموتون
حقيقة" (. )19
ومن الردود الواردة على هذا الكلم وما شابهه ما جاء في شرح النونية ...":وقال آخرون إنهم
(أمة محمد صلى ال عليه وسلم ) يعذبون فيها (النار) على قدر أعمالهم السيئة ثم يخرجون منها
بشفاعته صلى ال عليه وسلم فينجز ال ما وعده لهم من الثواب وتبقى في وجوههم سمة سوداء
من أثر النار يعرفهم بها أهل الجنة الذي لم يدخلوا النار أصل ويسمونهم الجهنميين ( ، )20وإنهم
يشكون إليه تعالى فيبعث إليهم جبريل عليه السلم ويمسح تلك العلمة من وجوههم ويخلق في
مكانها نورا يتلل حتى إن أهل الجنة يتمنون أن لو أدخلوا النار وفعل بهم ما فعل بأولئك ،وهذا ل
يقبله إل من قاله؟ ،وقد افتروا على الرسول صلى ال عليه وسلم في ما رواه عنه من ذلك.
وقال بعض المرجئة إن أهل الجنة يتنعمون فيها وأهل النار يتنعمون فيها كما أن دود النخل يتنعم
فيه ،ودود العسل يتنعم فيه" (. )21
إن مثل هذه المواقف من العذاب النعيم ل يقبله الشرع ول يستسيغه العقل وإل فكيف يتمنى أهل
الجنة لو ذاقوا النار ليشع عليهم نور الجهنميين.
إن مثل هذا يعتبر ضربا من الستخفاف بالدين ودفعا للناس الى إشباع الشهوات بالمحرمات وهذا ما
سنحاول تحليله في البعد الحضاري للقضية.
بعد حرصنا على استيفاء حجج الباضية في هذه القضية مع مقارنتها بحجج غيرهم من الفرق
القائلة بخلف الوعيد وبالخروج من النار نرى من الضروري -كما لمحنا الى ذلك مرات أثناء
التحليل -أن نبين البعد الحضاري لهذه المواقف في الوساط الباضية في المستوى النظري
والمستوى العملي.
المستوى النظري:
أما في المستوى النظري فقد بينا أثناء عرض حججهم أنهم يلحون على عظمة ال تعالى ،وأنه ليس
كمثله شيء ،وبالتالي فثوابه ليس يشبهه ثواب وكذلك عقابه ل يشابهه عقاب ،وفي ذلك يقول
صاحب المنهج ما يلي " :والحكمة من خلود أهل النار أن العاصي إذا عصى ال فقد عصى ربا
عظيما ل نهاية لعظمته ،فكذلك عذابه خلود ل نهاية له ،ولن ثواب ال ل يشبهه ثواب ،ول ينقطع ،
ول يزول ،وعقاب ال ل يشبهه عقاب ول يزول ول ينقطع فلو كان لثوابه وعقابه نهاية وحدا ينتهي
إليه ثم ينقطع لشبهه ثواب المخلوقين وعقابهم" (. )22
كما وقع اللحاح على أن القول بخلف الوعيد ينتج عنه فقدان الوامر والنواهي قيمتها في
النصوص الشرعية ذلك لن من يعتقد إمكانية الخلص في النهاية فل سبيل الى أن يرتدع أمام
الزواجر وتصير النواهي عنده غير مختلفة عن الوامر.
المستوى العلمي:
إن القائلين بإخلف الوعيد وبعدم الخلود يمكن أن يتلخص تبرير موقفهم في قول يحيى بن معاذ
الرازي ( ": )23إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة ،فتوحيد خمسين سنة كيف ل
يهدم معصية ساعة .إلهي لما كان الكفر ل ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العدل أن
اليمان ل يضر معه شيء من المعاصي وإل فالكفر أعظم من اليمان .فإن يكن كذلك فل أقل من
رجاء العفو" (. )24
فواضح أن يحيى بن معاذ انطلق من معادلة بين طرفين متناقضين دون أن ينبه إلى الفارق الساسي
بين هذين الطرفين ويتمثل في الول الذي جاء تائبا بحق وقد عاجلته المنية ،ومعلوم أن السلم
يجب ما قبله بينما الطرف الثاني فإنه قد انحرف عن التوحيد واستمرأ المعصية ،ولم يبادر الى
التوبة حال عصيانه وقد عاجلته المنية وهو بعيد عن اليمان إذ ل يزني الزاني حين يزني وهو
مؤمن.
فتبرير يحيى بن معاذ وإن بدا مقنعا في اللحظة الولى فإن المتأمل بين فساده.
وأما التبرير الثاني أقيم على المعادلة بين اليمان والكفر وبما أنه ل تنفع مع الكفر طاعة فالعدل
يقتضي أن ل تضر مع اليمان معصية معنى ذلك أن اليمان مطية للمعاصي ل للطاعات واجتناب
المعاصي .ويحيى بن معاذ نفسه لما أحس بأن في المعادلتين كلما ختم بالستناد الى رجاء
العفو،وهذا باب فيه نظر.
صحيح أن ال تعالى عفو -يحب العفو -لكنه بين في القرآن الكريم شروط العفو والغفران .ول ينبغي
أن ينقلب التكال على العفو سبيل من سبل انتهاك حرمات ال تعالى ،وهذا ما استند إليه أهل الكتاب
الى جانب تعويلهم على انهم شعب ال المختار وقد رد عليهم القرآن الكريم بشدة ،وبين أن قولهم
بعدم الخلود من باب الماني التي يستحيل أن تتحقق.
ويقول ابن عاشور في هذا الصدد ":ووجه المناسبة أن قولهم لن تمسنا النار دل على اعتقاد مقرر
في نفوسهم يشيعونه بين الناس بألسنتهم قد أنبأ بغرور عظيم من شأنه أن يقدمهم على تلك
الجريمة أو غيرها إذ هم قد أمنوا من المؤاخذة إل أياما معدودة تعادل أيام عبادة العجل ،أو أياما عن
كل ألف سنة من العالم اليوم وأن ذلك عذاب مكتوب على جميعهم فهم ل يتوقون القدام على
المعاصي لجل ذلك" (. )25
واضح من خلل هذا النص أن اعتقاد عدم الخلود غرور عظيم يجعل النسان ل يتوقى القدام على
المعاصي مهما كانت.
ونحن نتساءل لم يعتبر نفس العتقاد دافعا الى العصيان عند أمة ول ينظر إليه بنفس العتبار عند
أمة أخرى مع العلم باشتراكها في عقيدة اليمان بال تعالى (. )26
صحيح أنه وقع العتماد على الشفاعة ولكن أتكون الشفاعة بمفهومها المطلق عامل من عوامل
دفع الناس الى العصيان أو حافزا من حوافز الشكر ل تعالى؟
الحقيقة أن المسلم الحق ل ينبغي أن يستغل جانب العفو اللهي وشفاعة المصطفى ليشبع شهواته
مما أراد وربك في النهاية غفور رحيم ،ول يمكن بحال أن يرد شفاعة النبي فيمن في قلبه دون
الذرة من اليمان إن كان ما دون الذرة موجودا ،بل يجب أن يزداد بذلك شكرا ل تعالى فيقبل على
طاعاته وينتهي عن نواهيه وبذلك ل يكون من الذين يأمنون مكر ال لنه ( ل يأمن مكر ال إل
القوم الخاسرون" ( 7العراف .)99
والباضية ومن يقول بقولهم في الوعيد والخلود كثيرا ما يتهمون بالغلو في الدين على أساس أن
مثل هذه المواقف من شأنها أن تنفر الناس من الدين.
والجواب أن الفرق كبير بين الغلو في الدين ومعناه تجاوز ما تتحماه النصوص من المعاني ،وبين
فهم النصوص بوجه معين ،وقد بينا في هذا الباب أن منطلقات الباضية من القرآن والسنة ،كما
أنهم لم يكن قصدهم تنفير الناس من الدين وإنما كان هدفهم السمى صلح المسلمين ومهما يكن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
من أمر فمنتظر الخروج من النار وإخلف الوعيد يكون أجرا على العصيان ممن يعتقد إنفاذ الوعيد
والخلود في النار.
وقبل أن نحلل مدى انعكاس هذا المعتقد على البيئة الباضية يحسن أن ننبه الى أن الباضية ل
يميزون في موقفهم هذا بين مرتكب الكبيرة الباضي وغير الباضي على عكس ما ينسب الى
الزارقة -إن صح -أن من كان في حوزتهم مؤمن وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب والشبهة
دخلت لجمهور المة من هذه الناحية إذ يحشرون الباضية في زمرة الخوارج عامة وقد وسم هؤلء
الناس بسمات هم في أغلب الحيان منها براء (. )27
==========================
( )19البيجوري :شرح جوهرة التوحيد183 :
( )20وقد أورد الطاهر ابن عاشور عند ذكر مراتب أهل النار في طور المدة ما يلي" :كما جاء في الحديث انهم يقال لهم
الجهنميون في الجنة" .التحرير والتنوير .12/165 :لم يرد ذكره في معجم ونسنك.
( )21عمرو التلتي :شرح النونية ورقة 108وجه .عبد العزيز الثميني :النور . 279جميل بن خميس السعدي :قاموس
الشريعة 6/11:
( )22خميس بن سعيد الرستاقي :المنهج1/523 :
( )23يحيى بن معاذ الرازي( )258/872واعظ ،زاهد من أهل الري.ر .الزركلي :العلم9/218 :
( )24ر .الرازي :التفسير الكبير 3/160 :وقد علق بقوله " وهو كلم حسن".
( )25الطاهر ابن عاشور :التحرير والتنوير1/579 :
( )26ومعلوم أن بني إسرائيل قبل إنكارهم لنبوة عيسى ومحمد عليهما السلم كانوا على حق.
( )27انظر ما سبق 57 :وقد أشرنا إلى أن الدراسات الموضوعية لم يتم بعد في هذا الباب لننا نملك نصوصا لهؤلء الناس
لنقراض اتجاهم.
إذا استطاعت كتب المقلت أن ترمي من تسميهم بالخوارج -والباضية من بينهم -بأنهم أهل البدع
والهواء والنحل ل لشيء إل لنهم خالفوا غيرهم في الرأي أي في فهم النصوص فإن هذه الكتب
نفسها وكتب التاريخ لم تستطع أن تخفي إعجابها بسلوك هؤلء ،وإن أول على أنه سلوك ل ينفع
اعتمادا على الحديث الذي يعتبر أن كل خشوعهم يتجاوز حناجرهم.
ول أريد أن انتصب مدافعا عن الباضية لن دفاعي عنهم ل يزيد في ميزان حسناتهم ول ينقص من
سيئاتهم وإنما من باب إحقاق الحق وإثبات نجاعة هذه العقيدة.
ول أراني مضطرا الى أن أعيد هنا ذكر ما ذكر في ما سبق من شهادات المام علي والمبرد وأحمد
أمين في استقامة هؤلء الناس وإنما أضيف بعض العينات التي تقع الشارة فيها الى قضيتنا
بوضوح وليكن ذلك على سبيل المثال ل على سبيل الستقصاء.
ومن ذلك كثرة خشوعهم عند تلوة القرآن الكريم بشهادة أبي حمزة الباضي بمحضر المام مالك "
كلما مر أحدهم بذكر الجنة بكى شوقا إليها وإذا مر بذكر جهنم شق شهقة كأنه زفير جهنم بين أذنيه
" (. )28
ومن ذلك شهادة المحدثين لمن يسمونهم بالخوارج بالمانة في نقل الحديث ل لشيء إل لنهم ل
يمكن أن يكذبوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وهم يعلمون أن الكاذب عليه مخلد في النار
إذ حديث فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه (. )29
ومن ذلك إخلص الباضية في مناصرة أهل القيروان حيث وقف جيش أبي الخطاب عن حدود ال
ولم يسلب أحدا من القتلى ( )30ذاك لن النصرة مطلوبة أما سلب حقوق الناس فيورث الخلود في
جهنم.
ومن ذلك شهادة ابن الصغير المالكي في ما تحلى به مؤسس الدولة الرستمية ورع حتى ل يأخذ من
حقوق الرعية شيئا أليس هو الذي يتولى إصلح جدران داره بنفسه ( ، )31وهل فعل مثل ذلك
خلفاء بني أمية -باستثناء عمر بن عبد العزيز -وخلفاء بني العباس؟
وانظر ما يقوله محمد عبده في ما تورثه عقيدة الخروج من النار منن الستبداد والقتل والستغلل
لدى أهل السياسة في كل عصر فهؤلء حسب صاحبي المنار -وإن استكبر الجمهور خلودهم في
النار -ل سبيل لهم إلى الخروج " نعم إن أمراء الجور الذين يسفكون دماء من يخالفون أهواءهم
وزعماء السياسة الذين يجعلون من قوانين جمعياتهم اغتيال المؤمن وغير المؤمن بغير الحق لجل
التمتع بماله ،كل أولئك الفجار الذين يقتلون مع التعمد وسبق الصرار ،جديرون بان ينالوا الجزاء
الذي توعدت به الية( 4النساء )93من الخلود في النار ولعنة ال وغضبه وعذابه العظيم الذي ل
يعرف كنهه سواه عز وجل لنهم -وإن كان فيهم من يعدون في كتب تقويم البلدان ودفاتر الحصاء
وسجلت الحكومة من المسلمين -ليسوا في الحقيقة من المؤمنين بال وبصدق كتابه ورسوله في
ما أخبرا به من وعيد على القتل وغيره ،فهم ل يراقبون ال في عمل ول يخافون عقابه على ذنب"
(. )32
كما بين صاحب المنار أن من أسباب انحلل المسلمين جرأتهم على قتل بعضهم البعض ومرجع ذلك
إلى اعتقاد عدم الخلود .ويقول في ذلك ":ومن نظر الى انحلل أمر السلم والمسلمين بعدما أقدم
بعضهم على سفك دم بعض من زمن طويل يظهر له وجه هذا ( ، )33وان القاتل ل يعذر بهذه
الجرأة على هذه الجريمة وهو لم تعرض له شبهة في أمر ال ،إذ ل رائحة للعذر في عمله بل هو
مرجح للغضب وحب النتقام وشهوة النفس على أمر ال تعالى ومن فضل شهوة نفسه الخسيسة
الضارة على نظر ال وعلى كتابه ودينه ومصلحة المؤمنين بغير شبهة ما فهو جدير بالخلود في
النار والغضب واللعنة ،ويدل على هذا قوله تعالى ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) 3( :آل
عمران )135وتأمل قوله ( يعلمون) ولو سمح ال أن يفضل أحد شهوته أو حميته على ال
ورسوله وكتابه ودينه والمؤمنين ،ووعده بالمغفرة لتجرأ الناس على كل شيء ولم يكن للدين ول
للشرع حرمة في قلوبهم " (. )34
نرى حينئذ مدى الضرر المتولد في مستوى قيادة المة عندما يعتقد هؤلء أن مجرد اليمان بال
تعالى يمسح كل شيء ولو ماتوا على الصرار ،وفي أسوأ الحوال أن يكونوا من الجهنميين الذين
يدخلون جهنم دخول شكليا ليفتخروا على أهل الجنة في ما بعد.
واضح حينئذ أن أكبر عامل لتخلي المسلمين عن الوامر والنواهي هو تسرب مثل هذه العقيدة عن
أهل الكتاب رغم أن القرآن الكريم تصدى لها وكما بينا ذلك في موضعه.
ومما بين حسن أثر هذه العقيدة عند الباضية القاعدة التي يقوم عليها فقه العبادات والمعاملت
والسلوك عندهم وهي ما يسمونه بالخذ والحوط ويعتبره غيرهم من باب التشدد والغلو في الدين.
ففي باب العبادات أكتفى بذكر ثلثة أمثلة من الطهارة في الصلة والصوم ومن الزكاة.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أما في شأن الطهارة للصلة فحالما رأوا نصوص القرآن التي تمدح المتطهرين والوعيد بعذاب
القبر لمن ل يستبرئ من البول وفي ذلك إشارة الى عذاب النار في ما بعد أوجبوا الجمع بين
التنشيف والغسل (. )35
وأنت إذا دخلت ميضآت المساجد الباضية تحس بهذا التحري فهم يخصصون مواطن لقضاء الحاجة
ل يوفرون فيها إل الورق أو ما يقوم مقامه للتنشيف والتحري فيه ( ، )36كما يوفرون مواطن
للستنجاء بالماء ،ثم أما كن ثالثة للوضوء الصغر ،ول ترى أحدا منهم يخلط في الستعمال بين
هذه الماكن كما ترى عند غيرهم ممن ل يرون بأسا بالكتفاء بالماء حيث يستنجئون في الماكن
المخصصة للوضوء الصغر .كل هذا الحتياط لن الباضية اعتقدوا أل خلف في الوعيد وما دام
النص واضحا في توعد من ل يستبرئ من البول فليكن الحتياط على ذلك الشكل.
أما في شأن اعتبار الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم فهم يرفضون الموقف الذي ينسب الى
الرسول عليه السلم أنه اغتسل في رمضان بعد طلوع الفجر ويقرون حديثا آخر وهو قوله صلى
ال عليه وسلم ":من أصبح جنبا أصبح مفطرا" ( )37وحتى في حالة صحة ورود الخبر الول
العملي فالخبر القولي أشمل واعم وأحوط ،والوعيد المسلط على المفطر عمدا في رمضان مجمع
عليه ،فلتكن الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم وهذا يخرج من الوعيد على أية حال وأتى
ذلك واضحا في هندسة بناء البيوت إذ لن تجد بيت إباضي خاليا من كان خاص للطهارة الكبرى
المر الذي ل تجده عند غيرهم حيث يتهافت الناس على الحمامات للغتسال.
أما في شأن الزكاة فتروى نصوص على أن الحلي ل يدخل في النصاب ( )38إل أن الباضية رأوا
غير ذلك واعتبروا أنه جزء من الممتلكات وأنه رصيد مدخر يستعمل عند الحاجة زيادة على المتعة
بالتزين به .أليس من الحوط أن يعتبر في النصاب وبذلك يخرج المسلم من الوعيد المسلط على
الذين يكنزون الذهب والفضة (. )39
أما أثر هذه العقيدة في باب الفتاوي فهو واضح في أوساط الباضية فمن ذلك انتشار مبدأ أداء
الكفارات ،فتجد الناس عند العزم على أداء فريضة الحج أو عند التوبة يتحرون التحري التام في
أداء حقوق ال تعالى والتنصل من حقوق العباد ،وقد أشرنا من قبل إلى قولهم بالكفارات الحتياطية
من باب أن الحسنات يذهبن السيئات وهي كفارات اجتهادية اعتمد فيها على القياس على ما نص
عليه الشرع.
ومن ذلك قولهم بتحريم استعمال الشمة والتبغ منذ دخول هاتين الفتين الى المجتمعات السلمية
ولم يقل واحد من الباضية فيها بالكراهة أو التحليل كما فعل كثير من فقهاء المذاهب الخرى .ولن
تجد في مساجد الباضية وحلقات القرآن عندهم فقهاء أو عامة يتهادون الشمة كما يفعل في حلقات
أخرى.
بقي أن ننبه إلى أثر هذه العقيدة في مستوى التعامل المادي والخلقي إذ من يعتقد أن القليل من
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
متاع الناس يورث الخلود في النار ل يمكن أن يقبل على أخذه وإن غلبت عليه شهوته سرعان ما
يبادر الى إرجاع الحق الى أهله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتجار الباضية مشهورون
بمحافظتهم على أمانات الناس ( )40إذ تجد ودائع أهل الحي غالبا محفوظة عندهم (. )41
لست بهذا التحليل أدعي أن الوساط الباضية خالية من النحارف بل إن انحراف البعض منهم
يتجاوز الحد ،لكنه ينتهك عن علم ل عن جهل وإن كان إثم هؤلء أكثر إل أن توبتهم تكون نصوحا
في ما بعد ،وكأن في ذلك التصرف نوعا من النفجار كثيرا ما يورث في أصحابه ندما وإنابة يؤديان
الى تفان بعد ذلك في العبادة .لكن كل ذلك يبقى عصيانا ذاتيا ل يتسرب شره الى المجتمع الذي
يصونه نظام الولية والبراءة ( )42المنبثق عن العقائد الصولية لتذكير الناس بالزجر اللهي عندما
ينعدم السلطان الذي يقيم الحد ويذكر الناس بعظمة ال عند الغفلة عنها.
وبهذا نتبين أن لقوانين الزجر تأثيرا كبيرا في حياة الناس ذلك أن النفوس البشرية متفاوتة في مدى
قدرتها على اللتزام ولكن ل يكون الزجر زجرا إل إذا كان حادا .وأكبر دليل على ذلك ما أقره الشرع
من الحدود وهذا مكمل لمفهوم الوعيد والعذاب الذي ينتظر من يعرض عن ذكر ال تعالى ليس معنى
ذلك أن جانب الرحمة معدوم من الشريعة في المفهوم الباضي وإنما يلح الباضية على أل ترجح
كفة على أخرى ،ونصوص العقيدة تلح كثيرا على التعادل بين الخوف والرجاء لنه إن رجحت كفة
الخوف يتحول المر كثيرا الى اليأس مما يورث التحدي والعناد وإن رجحت كفة الرجاء فإن ذلك
يؤدي الى النحلل والتواكل ولهذا جاءت المعادلة واضحة بين القول بالخلود في الجنة وفي النار.
وأكاد أقول إن ما نلحظه من الحتراز الكامل في مواقف الباضية فيه شيء من الرهان الرابح ل
محالة ( )43ذاك أنه إن صح القبول بعدم الخلود في علم ال وال يفعل ما يشاء فلن يخسر الباضي
آخرته ،وإن صح الخلود فالباضي رابح ل محالة بينما يندم من قال بعكسه حيث ل ينفع الندم.
وفي خاتمة هذا التحليل يحسن أن ننبه إلى تنبيهين أولهما الترابط الوثيق بين السس العقائدية
فقول الباضية بإنفاذ الوعيد مرتبط ارتباطا جوهريا بقولهم إن اليمان عقيدة وقول وعمل وبتحريهم
في مبدأ الولية والبراءة.
وثانيهما أننا حاولنا بقدر المكان أن نلح على بيان الحكمة من القول بإنفاذ الوعيد وبالخلود رغم أن
المصادر الباضية لم تلح على إبراز البعد الحضاري لهذه القضية بصفة مباشرة ،وغنما الواقع
العلمي المعاش أثبت الصلة الوثيقة بين السس العقائدية وبين الحياة العملية وذلك الغرض السمى
للعقيدة السلمية حيث ل تبقى النصوص حبرا على ورق فتتحول الى حيز التطبيق وفعل فقد بدا
لثر العقيدة الباضية واضحا في أوساطهم عندما كان الناس يخضعون لسلطان العقيدة وما يزال هذا
الثر واضحا في وادي ميزاب وإن انخرم في بقية الوساط الباضية بالمغرب.
=================================
( )28الدرجيني :الطبقات2/266 :
( )29الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح . 739 .738 /3 :انظر ما سبق 621
( )30الرقيق القيرواني :تاريخ إفريقية والمغرب ،مطبعة الوسط 142 -141 :1968ر .الدرجيني :الطبقات1/30 :
( )31ر .ابن الصغير المالكي :أخبار الئمة الرستميين 5:
( )32محمد عبده :تفسير المنار345 -344 /5 :
( )33يشير إلى قول من يرى أن توبة القاتل عمدا ل تقبل مع أنه يخلد في النار انظر ما سبق624 :و 730و 746
( )34محمد عبده :تفسير المنار341 -5/340 :
( )35ر .عامر الشماخي :كتاب اليضاح 46 -1/29 :
( )36باستثناء الميضآت في المواطن التي يختلطون فيها بغيرهم فإنهم يوفرون الماء
( )37الربيع بن حبيب :الجامع الصحيح 1/63 :عدد .315لم يرد في معجم ونسنك.
( )38ر .السيوطي :تنوير الحوالك ،شرح علي موطا مالك ط .دار الكتب العلمية بيروت ،لبنان د.ت1/243 :
( )39ر .إسماعيل الجيطالي :قواعد السلم2/32 :
( )40التجار بغانة وإسلم أهلها ر .الدرجيني :الطبقات2/517 :
( )41ليس معنا هذا أن هذه القيم فقدت في البيئات التي ل تعتقد الخلود.
( )42وعن موضوع الولية والبراءة ر .النامي :الطروحة 396 -331 :وهو باب من البواب الساسية فيها .وتجد فيه الحالة
على جميع المصادر .ر .بحثنا نظام العزابة 112 -98 :
( )43يقول فتح بن نوح الملوشائي في نونيته في هذا المعنى ما يلي( :طويل)
فيا ليت ما فاهت به لهواتعم
صحيح لكنا أسعد الناس بالمن
كما يقول جميل بن خميس السعدي ما يلي ":يا ليت الذي قالوه (المرجئة من أن اليمان قول ول تضر معه معصية) حقا فنكون
ممن سعد به ول يضرنا خلفهم ".قاموس الشريعة 6/48 :نقل عن شرح النونية للجيطالي.
الخاتمة العامة
لقد تبين من خلل هذا البحث انه ل يمكن أن تتم دراسة مرحلة من مراحل تراث فكري إل بتنزيله
بين المراحل المهيئة والمراحل اللحقة دون الغفلة عن توضيح مدى تعايشه مع التراث النساني
عامة.
وهذا ما حاولنا أن نفي به طيلة هذه الدراسة حيث بينا في الباب الول أن جذور العقيدة الباضية
ضاربة في الصالة لن منطلقها كعقائد الفرق الٌسلمية الخرى كتاب ال تعالى وسنة رسوله عليه
السلم مع تميز واضح من وقت مبكر بالدعوة الى التأويل والجتهاد.
ومن هذا المنطلق عايش أئمة الباضية الول أحداث الفتنة الكبرى التي هزت أركان العالم السلمي
وما تزال لما خلفت بين المسلمين من إحن استحال عليهم أن يتخلصوا من مخلفاتها الى يومنا هذا.
فتبين حينئذ نشأة الفكر الباضي ترجع الى وقت مبكر في تيار الحضارة السلمية نستطيع أن نحدده
بالربع الول من النصف الثاني من القرن الول هـ.
وقد تبعت مرحلة النشأة مراحل ثلث هيأت للمرحلة المقررة في بثنا هذا.
-مرحلة تمتد من القرن الثاني الى الخامس هـ ناضل فيها الفكر الباضي التيارات التي بدت له
منحرفة ،وانسجم ما بدا له متماشيا وكتاب ال وسننه ورسوله عليه السلم ،فرفض فكرة الرجاء
رفضا قطعيا وبين أن اليمان عقيدة وقول وعمل ،كما رفض اعتبار الموحدين مشركين ،ووقف
موقفا وسطا بين الجبر والحرية وذلك إما أثناء رد مواقف خارجية أو مواقف داخلية وفي هذه
المرحلة بدأت تتجلى معالم المدرسة الباضية المغربية بمجموعة من المؤلفات لم تدرك مستوى
النضج وإنما تجلت فيها المواقف العقدية صريحة من جل القضايا.
فهذه المرحلة هي مرحلة مخاض واصلت توسيع ما جاء مختصرا في رسائل الئمة الول وفي
سيرهم وبينت أن العلقة بقيت بين إباضية المشرق وإباضية المغرب.
ول ينبغي أن نغفل هنا عن نشأة مدرستي الشعري والماتريدي في القرن الرابه هـ وإن لم يتضح
أثرهما في هذه المرحلة فإنه سيتجلى في المرحلة اللحقة.
-وتنحصر هذه المرحلة في القرن السادس هـ وفيها أدرك التراث العقدي مستوى النضج فتصدى
للرد على كل ما جد في البيئة السلمية من انحراف وإلحاد كما جد في إبراز مميزات العقيدة
الباضية بين الفرق السلمية الخرى وبصفة خاصة المدرسة الشعرية التي مدت نفوذها على
كامل بلد المغرب بعد انتهاء النفس الشيعي.
-ثم يليها المرحلة اللحقة من القرن السابع هـ الى القرن التاسع هـ وقد أحس أصحابها أنه ليس
في المكان أكثر مما كان عدا بعض الستثناء فوقع التركيز خاصة على المختصرات التي يسهل
حفظها على من ل يقدر الصبر على المطولت السابقة.
وبهذا نصل الى المرحلة المقررة في دراستنا من القرن العاشر الى الثاني عشر وقد تركزت
استنتاجاتنا في شأنها على النقاط التالية:
والمهم أن تراث هذه المرحلة وإن لم يتميز بالبداع فإنه تميز بالفهم والستيعاب وتوفير ما يحتاج
إليه الدارس من نصوص حتى يتبين له نصاعة العقيدة الباضية بين عقائد مختلف الفرق السلمية
وخاصة منها المدرسة الشعرية.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-أما المرحلة الخيرة من القرن الثالث عشر هـ الى القرن الرابع عشر هـ فقد استطاع أقطابها أن
يعودوا الى النتاج الذاتي رغبة في زيادة التنظير والتوضيح.
والملحظ أن الباضية في كل هذه المراحل استمروا يصدرون نصوصهم في العقيدة برد تهمة
الخارجية وذلك لما نالهم منها من ضير من إخوانهم المسلمين.
تلك هي نشأة العقيدة الباضية ومختلف مراحل تطورها كما بيناها في الباب الول من هذا البحث
فماذا عن فحوى هذه العقيدة في اللهيات والنسانيات؟
لقد تمثل الحديث في الباب الثاني عن اللهيات في الوقوف عند المحكم والمتشابه.
وقد ثبت أن في محاولة علماء الكلم الربط بين المحكم والمتشابه عامل من اكبر عوامل إثراء
المكتبة السلمية ،وللباضية دور ل يستهان به في هذا الميدان ،ذلك لنهم لم يسلكوا مسلك
التفويض أو مسلك الكتفاء بالظاهر بل أقاموا تحاليلهم على التأويل ومعلوم ما في هذا المسلك من
سبل الجتهاد والبحث والتنقيب في كتاب ال تعالى وفي السنة وفي التراث الدبي عامة.
ولم يكن غرضهم من هذا التأويل تشويه العقيدة السلمية بل كانوا حريصين كل الحرص على
تحري النصوص المحكمة إن توفرت قبل الغوص في الستنباط والستنتاج.
وفعل فقد كان الساس الذي أقاموا عليه فهم المحكم هو نفسه في فهم المتشابه إل وهو الحرص
على تنزيه ال تعالى.
أنا في نطاق المحكم فقد برهنوا على وجود ال تعالى نقل وعقل ،وألحوا على تنزيه البارئ في
اعتبار الصفات عين الذات حتى اتهمهم غيرهم بالتعطيل إل أن ذلك كان رغبة منهم في نفي تعدد
القدماء.
وكم وددنا لو ألحت نصوص العقيدة عند الباضية وغيرهم على قيمة التحلي بأسماء ال الحسنى
عوض الغوص في متاهات ل طائل من ورائها ،مثل علقة السم بالمسمى وما تولد عنها من تنافر
داخل الباضية أنفسهم .وكان اولى لو اجتهد هؤلء العلماء وهم قادرون على ذلك ،في توظيف
دروس العقيدة لمصلحة المسلمين مثل التوسع في إبراز عظمة ال وقدرته من خلل أسمائه
وصفاته ،وهم عارفون من البداية أن العجز عن إدراكه إدراك فكان أحسن لو صبغت نصوص
العقيدة بصبغة وعظية عملية تحول مجرى حياة المسلمين الى محبة وانسجام وذوبان في طاعة
الواحد الديان لكن الباحث يفهم العوامل التي دفعت هؤلء الى مثل هذه المباحث وأهمها رغبتهم في
نفي التشبيه والتجسيم عن البارئ عز وجل.
وهذا يتجلى بصفة أوضح عند الباضية في إلحاحهم على التنزيه مع النصوص المتشابهة خاصة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
في ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف موجبا بأن ل عينا ويدا وما إلى ذلك من الجوارح،
وفعل فقد فهم الباضية من يومهم الول أن القرآن الكريم لو حمل على ظاهره في مثل هذه المفاهيم
لتناقض ،وأنى لكتاب ال أن يتناقض ،فعكفوا على كتاب ال تعالى وعلى الحديث الشريف وعلى ما
في اللغة من مجاز وأقروا تفاسير واضحة لكل هذه المفاهيمن وكان محط الثقل خاصة عند قضيتي
الستواء ونفي الرؤية فجاء الستواء بمعنى المر والسلطان ولهم في ذلك من الدلة الكثير نقل
وعقل أما الرؤية فأساس البحث فيها أن ال ل تدركه البصار وهو يدرك البصار ،وقد مكنهم
موقفهم الدفاعي ضد من يرون أن الستواء كاستواء المير على السرير أو ينهون عن السؤال عن
الكيفية أو يرون إمكانية الرؤية في الدنيا أو في الخرة من جولت موسعة في أساليب اللغة وفنون
البلغة مع من رأوا رأيهم من المعتزلة أثرت التراث السلمي أيما إثراء.
والمدار هنا يتمثل في أنه كان أولى بالفرق السلمية أن تتفهم مواقف بعضها البعض حتى ل يسفر
ذلك عن بغضاء وعداوة وإن كانت هذه العداوة سببا من أسباب الحرص على البحث والتحليل لن
روح الخاء هو الخر له من المزايا ما ل يحصى ،حيث يجعل الطراف المتعايشة تسعى الى إقامة
أخوة إسلمية صادقة بدل عن التنابز بألقاب مثل أهل البدعة أو كفار النعمة أو ما إلى ذلك ل لشيء
إل من أجل خلف لجمد الفكري السلمي من زمان ،وكأني بالمتشابه في القرآن الكريم حافز من
حوافز إعمال الفكر ،ومعلوم أن إعمال الفكر ل يمكن أن يفضي المتأول في تأويله وإن كانت
أحكامهم في بعض الحيان قاسية على هؤلء سواء أكانوا من غير الباضية أو من الباضية أما
المستحلون لحرمات ال فما أظن أن المسلمين يختلفون في إيقافهم عند حدهم واستتابتهم قبل اتخاذ
الموقف النهائي في شأنهم.
ومهما يكن من أمر في شأن الستواء والرؤية فإن الخلف بين المسلمين بقي نظريا بالنسبة الى ما
عرف عن محنة خلق القرآن وإن لم يحترق الباضية مباشرة بنار هذه الفتنة مثل الحنابلة في
البداية والمعتزلة في ما بعد فإن شرار هذه الفتنة انعكس على بيئتهم العمانية في البداية فاضطرت
الى موقف عام ل يبت ل بالخلق ول بالقدم لكن اباضية المغرب سرعان ما ردوا الفعل على الدولة
العباسية والمارة الغلبية فأعلن إمامهم أبو اليقظان أن الصواب في رأي القائلين بخلق القرآن،
وكتب رسالته في هذا الشأن تلكم الرسالة التي بقيت أساس كل بحث في هذه القضية ،والمهم أن هذا
المبحث الذي بدا كأنه عديم الجدوى أثرى الفكر الباضي والسلمي في مستوى التحليل البلغي
والفلسفي والعقائدي ،وتجلى أن ثورة الباضية لم تكن عنيفة على القائلين بالقدم لن نصيبا من
علمائهم قال بذلك خاصة في عمان إلى القرن السادس هـ.
ومعلوم أننا نثور على مثل هذا الصراع الدامي في هذه القضية من الناحية الشرعية الخلقية أما
من حيث الستنتاج الحضاري فإنه قد مكننا من البحث عن أسباب هذا الحدث وعن حقيقته ،وعن
أبعاده ونتائجه ولو كان المر هادئا رصينا لما وقفنا عند كل ذلك ولما بحثنا عن آراء كل الفرق في
هذا الشأن ،وقد حرصنا على إثبات ما وقع بين أيدينا من نصوص لنتبين البون الشاسع بين هذه
المواقف رغم أن المنطلق واحد ،ومعلوم أن الحماس في الجدل يفضي الى حلول متطرفة فمن
متطرف في القول بقدم الجلد الى متطرف يقول بأنه مخلوق في الماكن بالتلوة والحفظ والكتابة
والباضية وقفوا في هذا موقفا معتدى جمعوا فيه بين القدم والخلق.
ومهما يكن من أمر فإن المعركة الدامية كانت آنية وإن بقيت آثارها في التحاليل الكلمية إلى يومنا
هذا ،وقد أردك المسلمون أن القضية تجاوزتها الحداث ونحن نقول كان أولى بهؤلء جميعا أن
يحافظوا على وحدة المة السلمية التي انقسمت الى معسكرين انتقم كل منهما من الخر عندما
تحولت السلطة بيديه فما كان من المأمون أن يجعل من الموضوع قضية وأن يفرض رأيه على
المة وما كان من المتوكل بعد ذلك أن يرد الكرة بشدة لكن نفوذ السلطان كثيرا ما يعمي ويصم رغم
أن الكل يعلم أل إكراه في الدين ،فكيف يكون الكراه على موقف هو مجرد اجتهاد حول نصوص
يمكن أن يصيب فيها المجتهد كما يمكن أن يخطئ.
وقد آن للمسلمين الن أن يعتبروا من مثل هذه المحن وإن كانوا لم يستفيقوا الى الن ،ونحن نرى
أن العنصر الجنبي قد دخل ليذكي مثل هذه الختلفات وقد أفلح في كثير من ربوع العالم السلمي
إن بقي هذا الجزء من العالم إسلميا بحق.
وغن كان هذا بالنسبة الى اللهيات فكيف سيكون بالنسبة الى النسانيات حيث يتنزل الجدل في
محيط حرية النسان ومصيره؟ وذلك كان محور الباب الثالث من هذا البحث.
لقد تبين من مبحث القدر أن الباضية لم يبقوا في معزل عن مجرى الحداث السياسية ولم يقفوا عن
الخوض في هذه القضية رغم انهم يعلمون كما يعلم بقية علماء الكلم ،أنها سر من أسرار ال
تعالى.
والواضح في كل هذا أن موقفهم كان ذاتيا فلم يكن متأثرا ل بالمعتزلة الذين أطلقوا عنان الحرية
المطلقة للنسان رغم اتفاقهم والمعتزلة في جل اللهيات كما رأينا ،ول بالجبرية الذين لم يميزوا
بين حركة المضطر وحركة المختار واعتبروا حركة النسان كحركة الشعرة في مهب الريح .وقد
ظهرت بوادر العتدال من وقت مبكر بعد التحول من موقف التفويض وذلك مع أمام الباضية الثاني
أبي عبيدة مسلم.
وفعل فقد وقفوا مناظرين للمعتزلة والجبرية قبل نشأة الشعرية والماتريدية مستعملين حجج هذا
على ذاك ملحين خاصة على إمكانية تعدد الجهات بالنسبة الى الحركة الواحدة.
ومع نشأة هاتين المدرستين تبلور مفهوم الكسب ،وهو مصطلح لمفهوم اتضحت معالمه من قبل
فالفعل من العبد والخلق من ال.
ولم يستقر هذا بصفة نهائية إل بعد أن تناست الجيال ما جد من خلف بين أهل جبل نفوسة وبقية
أهل المغرب في ما يتعلق بالجبل والختيار.
واستقر الوضع على مفهوم الكسب مع بلورة مفهوم الرادة والستطاعة والعون والخذلن.
والمهم في كل هذا أن الباضية بم يجدوا النسان من المسؤولية وهذا لعمري أساسي في مثل هذا
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المبحث الكلمي وإن بدا لبعض الباحثين أن الكسب تعبير مقنع عن الجبر.
والحقيقة في ما نرى ليست كذلك وإنما القول بالكسب شعور من النسان أنه مسؤول أمام مشيئة ال
التي ل تحد ،والفرق كبير بين من يصرح بأنه مجبر ويحمل مسؤولية جميع أعماله على ال تعالى
فيفعل ما يطيب له وبين من يعتبر أن كل عمل هو من كسبه وأن له دورا فيه سيحاسب عليه بين
يدي ال.
والحقيقة أن فلسفة مثل هذا المبحث ،والبعد به من دائرة اليمان الى دائرة العقل المجرد أدت علماء
الكلم الى الوقوع في متاهات نتيجة التأثر بتحليلت يونانية وفارسية تختلف عن الفكر السلمي
من منطلقها.
والجدير بالملحظة هنا انه على المسلم المؤمن بالقضاء أن يؤمن إيمانا راسخا أن هذا اليمان ل
يزيده إل ثقة في ال تعالى ومضيا في فعل الخير المر الذي يعود على المة السلمية بالخير.
ومثل هذا اليمان الراسخ هو الذي عرفه أصحاب الرسول عليه السلم ،ففتح ال على أيديهم
أطراف العالم ،والحقيقة أن العقل مهما تمرد فإنه يركع خاشعا أمام عظمة ال التي ل تحد فإذا
استكبر ونأى فإنه يجني مرارة استكباره بعد حين ويبقى مدركا أنه لن يستطيع إزاحة الستار عن كل
الحقائق الكونية فكيف بعالم الغيب!.
وإذا ادرك النسان أن له جانبا من المسؤولية في كل ما يقوم به فلم يبق له إل أن يفكر في ثمرة
العمل في الدنيا والخرة.
أما عن ثمرة العمل في الدنيا فكثيرا ما يجنيها النسان كاملة ،وكثيرا مال يحصل إل على نصيب
منها ،وقد ل يحصل على أي نصيب منها وليعلم أنه في ذلك مبتلى من ال تعالى عسى أن يكون من
الفائزين في الدار الخرة.
ومن هنا مبحث الوعد والوعيد وما يرتبط به من خلود في الجنة أو في النار.
إن الضجة الكلمية لم تثر حول خلود الصالحين في الجنة أو خلود المشركين في النار وإنما ثارت
بعنف حول من خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا ،وقد ثارت في الوساط السلمية من مقتل عثمان
فتساءل الناس عن مرتكب الكبيرة ،وعن اليمان والكفر ،والنفاق ،والفسق وما يترتب عليها من
أحكام.
وكسائر المباحث الكلمية تأرجح المسلمون بين طرفين متناقضيين بين الرجاء القائل بأنه ل تضر
مع اليمان معصية ،وبين الحكم بالشرك على كل أنواع المعاصي.
ووقف الباضية من يومهم الول موقفا خالصا قالوا فيه بكفر النعم ،ثم ألحوا إلحاحا كبيرا على
قضية الصرار واعتبروا أل سبيل الى نجاة المصر على المعصية حتى الموت ولهذا اتهمهم الطرف
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المتسامح بالشدة وبالغفلة عن رحمة ال إل أنهم ل يرفضون فضل ال لكن يربطون القضية بالحكمة
وليس من الحكمة أن يجمع بين المؤمن الموفي وبين من مات معاندا مستكبرا على ال تعالى في
مقام واحد وبهذا قالوا بإنفاذ الوعيد في هؤلء جميعا من الباضية ومن غير الباضية.
وترتب على هذا القول بخلود كفار النعم المصرين في النار وعرضوا في ذلك من الدلة الكثير وقد
غلب على هذه الدلة طابع النقل من القرآن والسنة.
وارتبطت بهذين المبحثين قضايا أخرى مثل عذاب القبر والشفاعة وما إلى ذلك فكانت كلها خادمة
للموضوع الصلي وموجهة في اتجاهه فعذاب القبر ثابت لمن مات مصرا على المعصية ول سبيل
له إلى الشفاعة لن الشفعاء ل يشفعون إل بإذن ال وال ل يأذن بحكمته في أن يشفع في من مات
مستكبرا معرضا عن التوبة.
وفي مبحث التوبة ألح الباضية على ضرورة التحري في حقوق ال تعالى وفي حقوق العباد مع
أداء ما حدده الشرع من الكفارات.
والمهم أن مثل هذا المعتقد بين أثره الفعال في البيئة الباضية إذ دفعها الى مزيد من التحري
والمحافظة على أحكام الشريعة زمن المامة العادلة وزمن فقدانها حين أرسى علماؤها قواعد
للولية والبراءة تجعل المجتمع رقيبا على من ينتهك حرمات ال فيحرم من حقوقه المدنية حتى
يؤوب الى ال تعالى ويقلع عن المعصية التي تضر بمصلحة المة.
والمتأمل في واقع البيئة الباضية في وادي ميزاب اليوم حيث ما يزال نفوذ هذه العقيدة ساريا يرجو
لو سلك المسلمون في كل مكان مثل ذلك المسلك وبالتالي يلتقي الجميع على درب اليمان لقامة
دولة السلم.