You are on page 1of 511

‫شبكة الدرة السلمية‬

‫‪www.aldura.net‬‬

‫البعد الحضاري‬
‫للعقيدة الباضية‬
‫تأليف الشيخ الدكتور فرحات الجعبيري‬

‫تم تهذيب الطباعة بواسطة فريق العمل في شبكة الدرة السلمية‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫[*]بيانات الكتاب‬

‫[*]الهــــــداء‬

‫[*]الرمـــوز‬

‫[*]تقديم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬

‫[*]تقديم الستاذ محمد الطالبي‬

‫[*]المقــدمــة‬

‫[*]الباب الول‪ :‬الطار العام للقضية‪ :‬الفصل الول‪ :‬الباضية وتسمية الفرق‬

‫[*]تابع‪ :‬مناقشة تسمية الفرق‪:‬‬

‫[*]الفصل الثاني‪ :‬التراث الكلمي عند الباضية‬

‫[*]البــاب الثاني‪ :‬اللــــــــــهيــات‪ .‬الفصل الول‪ :‬الباضية والمحكم‬

‫[*]الفصل الثاني الباضية والمتشابه‬

‫[*]بيانات الكتاب‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫العنوان الصلي للبحث‪:‬‬

‫تحليل ما يتعلق بأصول الدين من التراث‬


‫الباضي بالمغرب في القرون التالية‪:‬‬

‫‪ 12 -11 -10‬هـ‪18 -17 -16 /‬م‬

‫قدم هذا الكتاب للحراز على شهادة التعمق في البحث العلمي بكلية الداب بالجامعة التونسية‬
‫بإشراف الستاذ محمد الطالبي ونوقش في شهر جوان ‪.1986‬‬

‫وتكونت اللجنة المناقشة من‪:‬‬

‫الستاذ محمد اليعلوي‪ :‬رئيسا‪.‬‬

‫الستاذ سعد غراب‪ :‬عضوا‪.‬‬

‫الستاذ محمد الطالبي‪ :‬عضوا‪.‬‬

‫وقبل بدرجة حسن جدا‪.‬‬

‫الهــــــداء‬

‫إلى والديّ الحبيبين‪.‬‬

‫وإلى زوجتي‪.‬‬

‫وإلى أخي محمود‪.‬‬

‫وإلى كل مسلم غيور ربّاني‪.‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أهدي هذا العمل المتواضع عسى أن يقرب بين المسلمين وأن يؤلف بين القلوب لتكون كلمة ال هي‬
‫العليا‪.‬‬

‫فرحات‬

‫الرمـــوز‬

‫ت ‪:‬قبل التاريخ ‪ :‬توفي(ت ‪ 93‬هـ)‪.‬‬

‫‪ : /‬العدد على يمين الخط‪ :‬تاريخ هجري‪ .‬وعـلى يــساره‪ :‬تاريخ ميلدي‪ .‬مثال ‪.1408/1987‬‬

‫‪ : /‬الرقم قبله يشير إلى الجزاء أو المجلد‪ ,‬وما بعده إلى الصفحة ‪.‬‬

‫= ‪ :‬التعليق يتواصل في الصفحة الموالية‪.‬‬

‫المحشي ‪ :‬محمد بن عمر ابن أبى ستة (ر‪.)147.‬‬

‫البارونية ‪ :‬المكتبة البارونية بجربة حومة الحشان‪.‬‬

‫الجواهر ‪ :‬الجواهر المنتقاه لما أخل به كتاب الطبقات( ر‪.)124.‬‬

‫المشارق ‪ :‬مشارق أنوار العقول للسالمي (ر‪.)200.‬‬

‫المنهج ‪ :‬الطالبين وبلغ الراغبين لخميس بن سعيد الرستاقي (ر‪.)221.‬‬

‫ج ‪ :‬جزء‪.‬‬

‫خ ‪ :‬مخطوط‪.‬‬

‫د‪ .‬رقم ‪ : 1‬مجلد نسخة سالم بن يعقوب من مصر موجود بمكتبته جربة‪.‬غيزن‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
www.aldura.net

.‫لونسنك‬:‫أي للفاظ الحديث‬:‫المعجم المفهرس‬

.‫نذكر عدد الصفحات أو الورقات ثم عدد السطر بكل صفحة ثم المقاس‬:‫ بالنسبة إلى المخطوطات‬-

.‫ خاصة فهرس المصادر المخطوطة‬.‫ ر‬،‫ صم‬12 ,5 /17 .24 .51 )‫(مثال‬-

.‫ راجع‬: ‫ر‬

.‫ صفحة‬: ‫ص‬

.‫ طبعة‬: ‫ط‬

‫ مجلد‬: ‫م‬

.E.I. :Encyclopedie de I’ Islam

.E.I.ancienne ed. EI2 nouvelle ed

G.A.L.:Brockelman G.,Geschichte der Arabischen Litteratur, 2 ed,


.Leyde 1943- 1949

.A.I.U.O.N.: Annali dell, Istituto Universitario Orientale di Napoli

.F.O.:Folio Orientalia, Krakow

.I.B.L.A.:Institut des Belles letters Arabes. Tunis

.J.S.S.: Journal of semitic studies

.R.A.:Revue Africaine

.S.I.:Studia Islamica

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تقديم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫الحمد ل حمدا يليق بجلل وجهه وعظيم سلطانه‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد‪ ،‬المجلي لوجه‬
‫الحق بنور برهانه‪ ،‬وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد فقد قضى ال‪ -‬ول راد لما قضى‪ -‬أن تنقسم هذه المة‪ -‬كغيرها‪ -‬إلى شيع وأحزاب( كل حزب‬
‫بما لديهم فرحون)‪ ،‬ولما عندهم منصورون‪ ،‬ومما باعد الشقة بينها وضاعف محنة النصداع التي‬
‫تعانيها إخلء الكثرين إلى مواريثهم الفكرية التي ورثوها من آبائهم وأجدادهم‪ ،‬وتلقفوها من‬
‫أشياخهم وأساتذتهم‪ ،‬حتى اعتبروها أنها الصل‪،‬فطوعوا لها نصوص الدين لن الدين‪ -‬في نظرهم‪-‬‬
‫ل يبصر إل بمنظارها‪ ،‬ولو كانت تلك النصوص كاشفة عن عوارها مباينة لها بينونة الحق من‬
‫الباطل‪ ،‬مفارقة لها مفارقة الضياء للظلم‪.‬‬

‫ومن حيث إن أصول الدين هي قواعده التي يقوم عليها صرحه الشامخ كان التفاق والختلف فيها‬
‫مقياسا لللتقاء والفتراق‪ ،‬والتقارب والتباعد بين فئات المة‪ ،‬وإن مما يعزي نفوسنا‪ ،‬ويسلس‬
‫همومنا أن يلتقي جمهور المة على أمهات هذه الصول‪ ،‬وهي‪ :‬اليمان بال‪ ،‬وملئكته‪،‬‬
‫وكتبه‪،‬ورسله‪ ،‬واليوم الخر‪ ،‬والقدر خيره وشره من ال‪ ،‬وإنما اختلفوا في تفاصيل هذا اليمان‪.‬‬

‫ويرجع هذا الختلف إلى أمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬التفاوت في فهم النص وتأويله حسبما يترجح أنه المراد‪.‬‬

‫ثانيهما‪ :‬تحفظ بعض الفئات من بعض النصوص التي لم تصل إلى درجة القطع‪ ،‬إما لريب في نقلتها‬
‫ونقلها وإما لمعارضتها بما هو أقوى منها في نظر المتحفظين في حين أن الفريق الخر يكون‬
‫مقتنعا بتلك النصوص فيعتد بها ويعول عليها‪ ،‬وثم أمر آخر له مساس بكل المرين وهو الختلف‬
‫في ترجيح النص على العقل أو العكس‪ ،‬فمن طوائف المة من بالغ في تقديس العقل حتى جعله‬
‫الصل في فهم الدين‪ ،‬وضرب بكل نص خالفه عرض الحائط إن لم يمكنه تأويله بما يتفق مع‬
‫المفاهيم التي استقر عليها عقله؛ ومنهم من أهمل جانب العقل فلم يستبصر بنوره في فهم مقاصد‬
‫النصوص‪ ،‬وإنما اكتفى بالنسياق وراء ظواهر ألفاظها فاقتنع بالشكل دون المحتوى؛ ومنهم من‬
‫وفق للتوسط بين أمرين فجمع بين النص الثابت والعقل السليم‪.‬‬

‫وإن من يمعن نظره في التراث الباضي الفكري‪ -‬متجردا عن العوامل النفسية والمؤثرات الوراثية‪-‬‬
‫يدرك كل الدراك أن الباضية أكثر فئات هذه المة اعتدال وأسلمها فكرا‪ ،‬وأقومها طريقا وأصحها‬
‫نظرا‪ ،‬وأصفاها موردا ومصدرا‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فهم لم يلقوا بالعقل في زوايا الهمال لن ال خاطب بوحيه أولي اللباب ونعى على قوم ل‬
‫يستخدمون عقولهم في فهم الحق ودرك الحقيقة‪ ،‬ونادى عليهم بالخذلن‪ ،‬وسجل عليهم بالخسران‪،‬‬
‫كما هو واضح في كثير من آيات الفرقان‪ ،‬غير أنهم لم يرفعوا العقل فوق مستواه ولم يعطوه أكثر‬
‫مما يستحق فلم يؤثروه على النص‪ ،‬وإنما جعلوه وسيلة من وسائل فهم مراده‪ ،‬وتعيين مقاصده‪،‬‬
‫قطعا أو ظنا‪ ،‬وهم في كل ذلك ينطلقون من فهم عميق للغة النص التي تستخدم تارة في حقيقتها‬
‫وأخرى في مجازها حسبما تقتضيه أصولها مراعين في ذلك جميع القرائن والحوال التي تعين على‬
‫تشخيص المراد‪.‬‬

‫وقد زخر التراث الفكري الباضي ببحوث واسعة جامعة في أصول الدين فاضت بها أقلم أساطين‬
‫علماء الباضية المتبحرّين الذين نذروا حياتهم لنصرة الحق وقمع الباطل بنصب الحجج ودرء‬
‫الشبه‪ ،‬فتعاقبوا منذ القرن الول الهجري على الضطلع بهذا الواجب وأداء هذه الرسالة غير أن‬
‫من دواعي السف أن السواد العظم من المسلمين ظلوا محرومين من النتفاع بهذه الكنوز الغالية‬
‫إما لعقد نفسية سببتها القطيعة التي اصطنعت بين أبناء هذه المة رغم كونها تعبد إلها واحدا‪،‬‬
‫وتدين بملة واحدة وتؤمن برسالة واحدة‪ ،‬وإما لقصور في تصور ما تعتقده هذه الطائفة من الحق‬
‫وما تستند إليه من الحجج‪.‬‬

‫وإن من أشائر البشائر أن نرى جماعة من رواد الدعوة السلمية ودعاة وحدة هذه المة‪ -‬سواء‬
‫كانوا من الباضيين أو غيرهم‪ -‬تحفزهم الغيرة على الحق إلى نفض الغبار الذي تراكم على هذا‬
‫التراث الفكري وإزاحة السدود التي أرختها عليه القرون الغابرة ليبرز وجهه المشرق للناظرين‬
‫ويتجلى جمالة الخاذ لطلب الحق وعشاق الحقائق‪.‬‬

‫ومن بين هؤلء الساعين لهذه الغاية النبيلة أخونا الفاضل الشيخ فرحات ابن علي الجعبيري الذي‬
‫طوف بفكره الوقاد بين معالم هذا التراث عبر العصور المتتالية منذ القرن الول الهجري إلى قرننا‬
‫هذا‪ ،‬وأرسل يراعه الملهم إلى أعماق محيطات هذا التراث وبحاره فعاد بحصيلة واسعة من جواهر‬
‫الفكر ازدان بها عق أطروحة أخينا العزيز التي اختصها بهذا الموضوع بعد ما شقق عنها أصداف‬
‫اللبس بتحليلته الواسعة وبيانه الفياض‪ ،‬فكانت أطروحته بحق منهل لكل وارد‪ ،‬ومنتجعا لكل رائد‬
‫بما فيها من فتح لقفال كانت مغلقة وتجلية لحقائق كانت مستورة‪.‬‬

‫وقد أولى عنايته الخاصة بالتراث المغربي في الثلثة القرون الهجرية العاشر‪ ،‬والحادي عشر‪،‬‬
‫والثاني عشر‪ ،‬لن موضوع بحثه‪ ،‬سوى أنه ألم في مناقشاته وتحليلته بما قدمه علماء المذهب في‬
‫هذا المجال في سائر القرون‪ ،‬سواء كانوا من أهل المشرق أو من أهل المغرب‪.‬‬

‫وإن فضيلته‪ -‬إذ يقدم هذا البحث العلمي إلى رادة الفكر السلمي المتحررين من العقد النفسية‬
‫والعصبيات المذهبية‪ -‬ليرجوا ونرجو جميعا أن يكون لهذا البحث أثر إيجابي في وقف الشاعات‬
‫الباطلة التي تصدر عن القلوب المريضة وتقذف بها اللسنة المغرضة وتسيل بها القلم المأجورة‬
‫لتمزيق شمل أمتنا السلمية وهي أحوج ما تكون إلى رأب الصدع وجمع الشمل والمودة والوئام‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وال نسأل أن يجمع شمل عباده المؤمنين على ما يحب ويرضى وصلى ال وسلم على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه‪.‬‬

‫أحمد بن حمد الخليلي‬


‫مسقط‪ 10 /‬المحرم الحرام ‪1407‬هـ‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تقديم الستاذ محمد الطالبي‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫وأفضل الصلوات على خاتم النبياء والمرسلين‪.‬‬

‫(واعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا)( آل عمران ‪)3/103‬‬

‫لكن‪ ،‬بالرغم من تحذير القرآن‪ ،‬تفرق المسلمون‪ ،‬وكفر بعضهم بعضا‪ ،‬وأهرقوا دماءهم بأيديهم‪،‬‬
‫وما زالوا يهرقونها‪...‬‬

‫ولقد ورد بالمدونة الكبرى‪ ،‬برواية سحنون عن ابن القاسم عن مالك‪ ،‬إمام دار الهجرة‪ ،‬ما نصه‪:‬‬

‫" قلت‪ :‬أرأيت قتال الخوارج‪ ،‬وما قول مالك فيهم؟‪ -‬قال‪ :‬قال مالك في الباضية والحروية‪ ،‬وأهل‬
‫الهواء كلهم‪ " :‬أرى أن يستتابوا‪ ،‬فإن تابوا وإل قتلوا"‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬وقال مالك في الحرورية‬
‫وما أشبههم‪ ":‬إنهم يقتلون إذا لم يتوبوا إذا كان المام عدل‪ ".‬فهذا يدلك على أنهم إن خرجوا على‬
‫إمام عدل‪ ،‬وهم يريدون قتاله ويدعون إلى ما هم عليه‪ ،‬دعوا إلى الجماعة والسنة‪ ،‬فان أبوا قتلوا‪".‬‬
‫(المدونة الكبرى‪ ،‬ط‪ .‬مصر ‪،1323‬ج ‪2‬ص ‪.)47‬‬

‫كان عبدال بن إباض الذي ينسب إليه المذهب الباضي مسلما مخلصا‪ ،‬ويعد المذهب الذي وضع‬
‫أسسه من أقدم المذاهب السلمية‪ ،‬إن لم يكن أقدمها كلها‪ .‬ولم يكن مالك‪ ،‬إمام دار الهجرة‪ ،‬أقل منه‬
‫إخلصا إلى السلم وغيرة عليه‪ .‬وكان ابن القاسم من أتقى أصحاب مالك وأصدقهم ورعا‪ ،‬ولم يكن‬
‫سحنون‪ ،‬الذي عنه دون المدونة‪ ،‬يقل عنه تقي وورعا‪.‬‬

‫لكن الحقيقة المرة تبقى هي‪ :‬استحل مالك دماء الباضية ومن يدعوهم بأهل الهواء‪ .‬واستحل بصفة‬
‫أعم أهل القبلة‪ ،‬على ورعهم وإخلصهم في كثير من الحيان‪ ،‬دماء بعضهم بعضا‪ ،‬وتلعنوا مليا‪،‬‬
‫وعوض أن يعتصموا بحبل ال جميعا‪ ،‬ويتحابوا فيه وفيهما بينهم‪ ،‬تفرقوا‪ ،‬وتقاتلوا‪ ،‬وتجاذبوا ال‬
‫كل إلى جانبه‪ ،‬واغتصبوه كل إلى نحلته‪.‬‬

‫فما الحل؟‬

‫وما زالت موجات التكفير سائدة إلى يومنا هذا‪ ،‬والدماء سائلة؟ّّ!‬

‫ل يملك أي فرد منا بمفرده‪ ،‬ول تملك أي مجموعة إسلمية وحدها مهما ضاقت رقعتها أو اتسعت‪،‬‬
‫حل سحريا‪ ،‬ما لم تتطور العقليات‪ ،‬وتنشرح الصدور إلى السماحة‪ ،‬والتسامح‪ ،‬واحترام آراء‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المخالف‪.‬‬

‫ول شك أن الدراسات المقارنة لمختلف المذاهب السلمية مما يعين على تطور العقليات‪ ،‬وانشراح‬
‫الصدور إلى التسامح والحترام المتبادل‪ ،‬بفضل ما توفره هذه الدراسات من فهم أعمق‪ ،‬وأكثر‬
‫إنصافا وموضوعية لراء الموالين والمخالفين‪.‬‬
‫وتنصهر الدراسة التي قام بها الستاذ فرحات الجعبيري ضمن هذه الدراسات المقارنة‪ .‬فلقد‬
‫استطاع‪ ،‬بأقصى ما يمكن من الموضوعية التي ل تخل باعتقاد المعتقد ول تشوه معتقد غيره‪ ،‬أن‬
‫يقارن بين أصول الباضية‪ ،‬وإليهم ينتمي سلوكا ومذهبا‪ ،‬وبين مقالت مخالفيهم‪ ،‬مع توخي‬
‫الختصار‪ ،‬والقتصار على أمهات المسائل‪ ،‬حتى تبقى الدراسة في حدود معقولة كيفا وكما‪.‬‬

‫ونحن نعتقد أن الدراسات المقارنة‪ ،‬وقد فتح بابها منذ قرون كل من كتب من علمائنا في "مقالت‬
‫السلمية" و"الملل والنحل"‪ ،‬هي طريق المستقبل‪ ،‬ل فقط داخل أسرنا السلمية على اختلف‬
‫اجتهاداتها‪ ،‬بل أيضا في مستوى كل عائلت أهل اليمان على اختلف أديانهم ومللهم ونحلهم‪ .‬فهذه‬
‫الدراسات‪ -‬إذا ما روعي فيها هدوء العصاب‪ ،‬وأقصى ما يستطيعه المؤمن الملتزم عقيدة وسلوكا‬
‫من موضوعية‪ ،‬وكل كائن ذي عقل حتما ملتزما من حيث يشعر ول يشعر سواء في ذلك المعتقد‬
‫وغيره المعتقد‪ -‬فإنها ستنير لكل طالب حق إن لم يكن الحق فما يقرب من الحق‪ ،‬إذ في النهاية ل‬
‫يعلم حق العلم إل ال‪ .‬ولكل أن يختار سبيله إلى ال حسب ما يمليه عليه ضميره واجتهاده‪.‬‬

‫ولقد اجتهد الستاذ فرحات الجعبيري‪ ،‬وقام بدراسته بجد وإخلص وحماس‪ ،‬واختار أن يركز بحثه‬
‫على أصول الدين عند إباضية المغرب في الفترة التي تتراوح من القرن العاشر إلى القرن الثاني‬
‫عشر‪ .‬هـ (‪ 18-17-16‬ميلديا)‪ .‬فاستخدم لذلك‪ ،‬زيادة على ما توفره المراجع‪ ،‬المصادر الساسية‬
‫المطبوعة والخطية‪ ،‬وقام بتحقيقات ميدانية في مكتبات الوساط الباضية بالجزائر وليبيا وتونس‬
‫وعمان‪ ،‬وقد ساعده على ذلك انتماؤه إلى المذهب الباضي انتماء اعتقاد وسلوك‪.‬‬

‫إن هذا الكتاب الذي أنجزه الستاذ فرحات الجعبيري يمكن أن يعتبر خدمة هامة وثمينة للفكر‬
‫الباضي والسلمي عامة‪ ،‬ولوجه من وجوه حضارتنا المغربية التي هي في حاجة أكيدة إلى البحث‬
‫حسب الطرق والساليب الجامعية‪.‬‬

‫محمد الطالبي‬
‫تونس في ‪18/9/86‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المقــدمــة‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫والصلة والسلم على أشرف المرسلين‬

‫إن كنت أنسى فل أنسى رحلتي الولى إلى وادي ميزاب‪ .‬جمادى الولى ‪/1387‬أو ت ‪ 1967‬حيث‬
‫فتح ال بين أيدينا مكتبات عشش فيها العنكبوت وباض وفرخ لن المفاتيح لم تمس أقفالها منذ ما ل‬
‫يقل عن ربع قرن‪ ،‬إلى جانب مكتبات عامرة‪ ،‬زاخرة تنبض فيها الحياة‪.‬‬

‫وهكذا فتحت العين وامتدت اليد‪.‬‬

‫فل غرابة حينئذ في أن يستوقفنا ما في تلكم الخزائن من تراث‪ ،‬وكانت الجولة الولى في لقاء مع‬
‫تنظيم ديني اجتماعي استطاع أن يصمد أمام الزمن أل وهو نظام العزابة عند الباضية في جربة‪.‬‬

‫ثم تبعتها رحلت أخرى إلى هناك‪ ،‬مع حرص على تنظيم ما بقي من مثل هذا التراث في جزيرة‬
‫جربة‪ ،‬خاصة بالمكتبة البارونية ومكتبة سالم بن يعقوب‪ ،‬إلى أن يسر ال النطلق في رحلة علمية‬
‫ثانية دفعت بنا إلى الطواف في أنحاء جبل نفوسة معقل الباضية الول في بلد المغرب‪ ،‬كما ساقتنا‬
‫إلى جناح الباضية الثاني في بلد المشرق بلد عمان‪ .‬فماذا عن هذه الرحلة العلمية الثانية مع‬
‫التراث الباضي؟‪.‬‬

‫التراث الورث والورث والرث والوارث والراث واحد‪ ،‬وهو ما ورث‪ ،‬وأصل التاء فيه واو‪ ،‬هكذا‬
‫نقل ابن منظور في لسان العرب عن الجوهري في صحاحه وابن سيده في مخصصه‪ ،‬وقد وردت‬
‫الكلمة بهذه الصيغة في قوله تعالى‪ ( :‬وتأكلون التراث أكل لما ) (‪80‬الفجر ‪.)19‬‬

‫وقد وردت في قوله عليه السلم‪ " :‬وإليك مآبي ولك تراثي" (‪ )1‬مع العلم أن النبياء ل يرثون‪،‬‬
‫فميراثه عليه السلم حينئذ للوارث الحق الذي ل إله إل هو‪ ( .‬إنا نحن نرث الرض ومن عليها‬
‫وإلينا يرجعون ) (‪ 19‬مريم ‪.)40‬‬

‫فالكلمة بهذه الصيغة وصيغها الخرى تدل على كل ما يخلفه الهالك لورثته‪ .‬ومن هذا المفهوم‬
‫اللغوي والشرعي اتسعت الكلمة لتدل على كل ما تخلفه الجيال السابقة للجيال اللحقة‪.‬‬
‫فهل سنحلل في هذا البحث كل ما أنتجه الباضية في المغرب طيلة ثلثة قرون ‪12،11،10‬هـ‬
‫وخلفوه لمن بعدهم؟‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إن مثل هذا الدراسة مفيدة ول شك لكنها في حاجة إلى جمع من المختصين في شتى الفنون لتتكامل‬
‫جوانبها وتؤتي أكلها بعد حين‪.‬‬

‫وما دام هذا مستحيل علينا الن‪ ،‬فإننا حاولنا أن نساهم في هذا البناء فاستقرأنا ما عثرنا عليه من‬
‫تراث مكتوب (‪– )2‬وهذا كثير‪ -‬عسى أن نستكنه أساسا من أسس الفكر الباضي‪.‬‬

‫وما دام بحثنا يندرج ضمن الدراسات الحضارية بقسم العربية بكلية الداب بتونس‪ ،‬ونحن نعلم أن‬
‫كلمة حضارة تعني جملة مظاهر الرقي العلمي والفني والدبي التي تنتقل من جيل إلى جيل في‬
‫مجتمع أو مجتمعات متشابهة (‪ )3‬رأينا أن نسلك مع تحليل هذا التراث مسلك الدراسات الحضارية‪،‬‬
‫فماذا عن هذا المسلك؟‬

‫بناء على منطلقنا الول (‪ )4‬في البحث جمعنا ما تيسر جمعه من هذا التراث في شتى الفنون وهو‬
‫في جله مخطوط‪ ،‬والمطبوع منه في عداد المخطوط‪ ،‬عدا بعض النصوص التي كتب لها أن ترى‬
‫النور بمنهج معاصر نقدي (‪ ،)5‬فتشبعت المسالك واتضح أن نزعة الشمول ستؤدي إما إلى الطول‬
‫الذي ل نهاية لـه‪ ،‬وإما إلى الختصار المخل الذي ل يجدي نفعا‪.‬‬

‫وبهذا تحول مسار البحث من العموم إلى الخصوص‪ ،‬وكانت الوقفة عند باب من أبواب هذا التراث‬
‫أل وهو باب أصول الدين أو علم الكلم‪ .‬وقد حاولنا تركيز هذا المسار على ثلثة أسس ستكون‬
‫الخيط الذي يربط بين أطراف هذا النسيج‪.‬‬

‫وهذه السس هي‪:‬‬

‫‪ -1‬التحري في فهم النصوص الباضية داخل الفكر الباضي لنه ككل فكر يقوم على نظام متكامل‬
‫يربط بين جميع أوصاله‪ .‬فل يمكن على سبيل المثال أن نفهم أي نص إباضي فهما صحيحا إذا لم‬
‫نضعه في إطاره من مسالك الدين وهي‪ :‬الظهور والدفاع والشراء والكتمان‪.‬‬

‫‪ -2‬التراث الباضي تراث ديني عالمي‪ :‬ماذا أفاد؟ وماذا استفاد؟ فمحاولة المقارنة حيث تمكن‬
‫المقارنة ستكشف بقدر المكان عن الخذ والعطاء واليجابيات والسلبيات في هذا التراث‪.‬‬

‫==================‬
‫(‪ )1‬ر ‪.‬الترمذي‪ .‬دعوات ‪. 78‬ر‪.‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.7/187‬‬
‫(‪ )2‬انظر الباب الول‪ ،‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫(‪ )3‬ر‪.‬معجم المصطلحات العلمية والفنية الملحق بلسان العرب مادة حضر‪.‬‬
‫(‪ )4‬تحليل التراث الباضي في المغرب في القرن ‪10 ،12،11‬هـ‪.‬وقد طلبنا من لجنة الدراسات المعمقة التخفيف من الموضوع‬
‫والكتفاء بتحليل ما يتصل بالعقيدة فوافقت مشكورة‪(.‬جويلية ‪.) 1985‬‬
‫(‪ )5‬انظر الفصل الثاني من الباب الول ‪.45‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومثل هذه المقارنة ليست مفتعلة لنك قل أن تجد أثرا إباضيا متقوقعا على نفسه بداية مما روي عن‬
‫إمام الباضية جابر بن زيد(‪ )711-93/710‬إلى آخر ما وصلنا مما طبع من النتاج الباضي‪:‬‬
‫الخوارج من أنصار المام علي كرم ال وجهه لسليمان بن داود بن يوسف (‪ )6‬بل إنك تجد الشارة‬
‫خاصة في كتب أصول الدين إلى سائر الرسالت السماوية وكذلك الديانات الوضعية مثل الزرادشتيه‬
‫والبوذية‪.‬‬

‫‪ -3‬التراث الباضي ل للتراث وإنما للحياة‪ :‬وغرضنا من هذا أن نثبت أن ومضة الحاضر ليست إل‬
‫لحظة خاطفة بين ماض سحيق ومستقبل عريض فماذا عن الماضي لنارة المستقبل؟ لعلها دروس‬
‫وعبر في عالم طغت فيه الدراسات المادية إلى حد أن الناس أعرضوا أو يكادون عن كل ما هو‬
‫روحي‪ ( .‬لقد كان في قصصهم عبرة لولي اللباب ) (‪12‬يوسف ‪.)111‬‬

‫واعتمادا على هذه السس فإننا لن نقف من هذا التراث كما يفعل كثير من المسلمين اليوم وقفة‬
‫المتأفف المكظوم‪ ،‬وإنما نقف منه بناءة تنفض عنه غبار طواحين الزمن عسى أن تتقشع سماء‬
‫وجهه‪ ،‬لينير بأصالته مستقبل أمتنا (‪ )7‬هذه الصالة التي ما يزال أعداء السلم يحاولون اجتثاثها‬
‫من تحت أرجلنا‪ ،‬ولن ندرك مثل هذه الغاية عسيرة المنال إل إذا بالقارئ المستنير بمختلف فنون‬
‫العلم العصرية إلى النتيجة المرجوة تدريجيا دون أن يصطدم في ثنايا البحث بالخلص بمعطيات‬
‫المنهجية التي تحرص على أن تكون موضوعية أو أقرب ما يكون إلى الموضوعية لن الموضوعية‬
‫الصرف لم يدركها في ما نعلم إنسان لم يؤيد بالوحي‪ ،‬ولن يدركها إنسان إل إذا تجرد من كل‬
‫مكوناته‪ ،‬وإن تجرد منها فل يمكن أن يكون إنسانا‪.‬‬

‫وقبل أن أعرض مراحل هذا البحث ل يفوتني أن أذكر بعملين معاصرين استفدت منهما استفادة ل‬
‫تنسى‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬أطروحة دولة باللغة النجليزية قدمها الستاذ عمرو خليفة النامي (‪ )8‬بجامعة كمبردج‬
‫‪ 1971‬عن تطور الفكر الباضي‪.‬‬

‫تتكون من قسمين كبيرين‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬يضم ‪ 396‬صفحة وقد قام على الفصول التالية‪ :‬نشأة الباضية‪ ،‬التعريف بإمام‬
‫الباضية الول جابر بن زيد‪ ،‬التعريف بإمام الباضية الثاني أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة‪ ،‬الفقه‬
‫الباضي‪ ،‬العقيدة الباضية‪ ،‬فرق الباضية‪ ،‬والولية والبراءة‪ ،‬مسالك الدين والمامة‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬لم نتمكن من الطلع عليه وفهرست الطروحة تشير إلى أنه تحليل لنصوص في‬
‫العقيدة والفقه حققها الباحث تحقيقا علميا وهي‪:‬‬

‫‪-‬القسم الثاني من الباب الول من كتاب قواعد السلم لسماعيل الجيطالي‪ :‬لم يطبع ولم أطلع عليه‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬كتاب أصول الدين لتبغورين بن عيسى الملشوطي مرقون بمكتبتي‪.‬‬

‫‪ -‬أجوبة ابن خلفون لبي يعقوب يوسف بن خلفون( في الفقه المقارن) مطبوع‪.‬‬

‫إن هذه الطروحة أغنتنا بمقدمتها عن إعادة عرض الدراسات المعاصرة عن الباضية في مقدمتنا‬
‫هذه (‪. )9‬‬

‫كما أن هذه الطروحة بفصولها الولى حددت أمامنا معالم نشأة الفكر الباضي بوضوح‪ ،‬المر الذي‬
‫ساعدنا على التوسع في مناقشة تسمية الفرق وتوضيح موقف الباضية من براءة النتساب إلى‬
‫الخوارج‪ .‬كما أنها بفصلها الخامس عن العقيدة الباضية(‪ )330-201‬في اللهيات والنسانيات‬
‫وضحت لنا نشأة العقيدة الباضية وعرفتنا بمصادرها إلى القرن التاسع هـ‪ /‬الخامس عشر م تعريفا‬
‫موسعا‪.‬‬

‫أما عن مرحلتنا المقررة في البحث فقد اكتفت بتعداد المصادر دون تحليليها‪.‬‬

‫ولهذا نعتبر عملنا امتدادا لما قدمته هذه الطروحة حيث عرفنا بتوسع بما وقع ذكره من المصادر‪.‬‬

‫كما أن عملنا هذا يتجاوز مرحلة الوصف والتعريف إلى إبراز البعد الحضاري لهذه العقيدة‪.‬‬

‫ول ننكر أننا مدينون لهذا العمل خاصة لما جاء فيه من دقة في التعريف بوجود الباضية عبر الزمن‬
‫ضمن الطروحة أو في التحقيق‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أطروحة دكتوراه دولة باللغة الفرنسية قدمها الب بيار كوبرلي بالسربون سنة ‪،1982‬‬
‫وهي بحث في العقيدة الباضية في ثلثة مجلدات‪ ،‬مجلدان أساسيان ومجلد للملحق‪.‬‬

‫وقد ضم المجلدان الولن ‪655‬صفحة‪ .‬أما المجلد الثالث فقد ضم ‪ 208‬صفحة وهي ترجمة لنصوص‬
‫في العقيدة الباضية مع ‪ 74‬صفحة لنصوص عربية في العقيدة الباضية أيضا (‪. )10‬‬

‫=============================‬

‫(‪ )6‬انظر فهرس المصادر والمراجع ‪.394‬‬


‫(‪ )7‬ر‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ .‬ص‪ :‬ث‪ .‬مقدمة عبدال العلئليالسفلية‬
‫(‪ )8‬انظر ما يلي ص ‪45‬‬
‫(‪ )9‬وهذه الدراسات منها ما هو للمستشرقين بمختلف اللغات‪ ،‬ومنها ما هو بالعربية للباضية ولغير الباضية ‪ .‬ر‪.‬النامي‪:‬‬
‫الطروحة ص ‪xx11-v11‬‬
‫(‪ )10‬انظر قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد تمثلت الطروحة في ثلثة أقسام‪:‬‬

‫قام القسم الول منها على عرض تاريخي لنشأة الباضية وعقيدتهم مع تحليل لنصوص في العقيدة‪.‬‬

‫أما القسم الثاني وهو أساس البحث فقد عالج القضايا التالية‪ :‬الذات والصفات‪ ،‬خلق القرآن‪ ،‬القضاء‬
‫والقدر‪ ،‬نفي الرؤية‪ ،‬المامة‪.‬‬

‫وأما القسم الثالث فهو ترجمة وعرض لبعض النصوص في العقيدة الباضية‪.‬‬
‫واضح من خلل هذه الطروحة أن النصوص الساسية المعتمدة ترجع إلى القرن ‪ 8/14‬وما قبله‬
‫وإن كان الباحث قد استفاد أيضا من النصوص المتأخرة‪.‬‬

‫والمهم بالنسبة إلينا أننا استفدنا من هذا البحث خاصة من حسن العرض والقدرة على الوصف‬
‫وعرض أسس العقيدة مع المقارنة مع الفكر السلمي والنصراني في كثير من الحيان‪.‬‬

‫إل أن الطروحة على ما فيها من دقة فإنها لم تتوسع في تحليل النصوص المقررة في مرحلتنا ق‬
‫‪11،12 ،10‬هـ‪ ،‬كما أن صاحبها اكتفى بالتعريف بالعقيدة لن عمله يندرج ضمن قسم الدراسات‬
‫الدينية‪ ،‬بينما آلينا على أنفسنا‪ ،‬وهذه العقيدة جزء من كياننا‪ ،‬أن نبين أثرها الفعال في البيئة التي‬
‫تدين بها‪.‬‬

‫وأن التقينا في بعض القضايا مثل الذات والصفات‪ ،‬وخلق القرآن ونفي الرؤية والقضاء والقدر فإننا‬
‫تجاوزنا ذلك إلى تحليل قضيتي الوعد والوعيد والخلود وتركنا مبحث المامة والولية والبراءة‬
‫وهما من الصول الجتماعية لن البحث تجاوز القدر المطلوب‪.‬‬

‫أما عن مراحل هذا البحث فتتمثل في ثلثة أبواب‪:‬‬


‫أما الباب الول‪ :‬فقد أقمنا على فصلين‪ ،‬فحاولنا أن نحدد إطار القضية العام في الفصل الول حيث‬
‫نزلنا الباضية المنزلة التي يختارون لنفسهم بين الفرق السلمية‪ ،‬وخصصنا الفصل الثاني‬
‫للتعريف بعلم الكلم مع عرض سريع لنشأته عند الباضية خاصة مع تعريف مختصر بمصادره إلى‬
‫القرن ‪ 9/15‬وتحليل موسع لمصادر المرحلة المقررة في البحث ‪ 12،11،10‬هـ‪ 18،17،16/‬م بما‬
‫فيها من إنتاج مبتكر وشروح ومختصرات ‪.‬‬

‫أما الباب الثاني‪ :‬فقد حاولنا أن نحدد فيه كل ما يتعلق بال تعالى من المباحث الكلمية‪ ،‬فأقمنا‬
‫الفصل الول على ما يغلب العتماد فيه على ما جاء محكما من القرآن الكريم كقضية وجود ال‬
‫تعالى وأسمائه وصفاته‪ ،‬وما يجب في حقه‪ ،‬وما يستحيل‪ ،‬وجاء الفصل الثاني موضحا موقف‬
‫الباضية من المتشابه خاصة في قضية الستواء ونفي الرؤية وخلق القرآن‪.‬‬

‫أما الباب الثالث‪ :‬فقد حرصنا فيه على تحليل مسألتين تتعلقان بأسس الصلبة بين ال وبين النسان‪،‬‬
‫فجاءت أولهما في الفصل الول وهي قضية القضاء والقدر وما يتعلق بها من مباحث وجاءت‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الثانية في الفصل الثاني وهي قضية الوعد والوعيد وما يتعلق بها من مباحث‪.‬‬

‫تلك هي دعائم هذا البحث وإن بدت واضحة الن فإننا لم نصل إلى ذلك إل بعد أن اعترضتنا‬
‫صعوبات جمة أبرزها‪:‬‬

‫‪ -‬عناء في استقراء عدد كبير من المخطوطات وضبط فهارس لتحديد موضوعاتها ولتيسير‬
‫الستفادة منها عند الحاجة‪.‬‬

‫‪ -‬عناء في ضرورة الطلع على أكثر ما يمكن من نصوص غير إباضية لننا قررنا منهجا مقارنا‬
‫من بداية البحث‪.‬‬

‫‪ -‬عناء في التنسيق بين هذه النصوص مع ضبط إطارها الزمني‪ .‬مع العلم أن هذا التحديد الزماني‬
‫والمكاني كلفنا نصيبا من العناء‪ ،‬إذ كثيرا ما تعوزنا المادة الكافية فنضطر إلى اعتماد مصادر من‬
‫المراحل السابقة أو اللحقة‪ ،‬أو مصادر من إباضية عمان رغم أن البحث ينحصر في إباضية‬
‫المغرب يعني جبل نفوسه وزوارة وجربة ووادي ميزاب (‪ )11‬وقد حرصنا على ذكر ذلك في إبانة‪،‬‬
‫وهذا ل يعتبر خلل في البحث لن علماء هذه المرحلة استفادوا ممن قبلهم وقد أخذ من جاء بعدهم‬
‫عنهم‪ ،‬بل في كثير من الحيان نطعم مواقف الباضية بمواقف لغير الباضية وذلك في مواطن‬
‫التفاق‪.‬‬
‫ومهما حاولنا أن نلم بشعب العقيدة السلمية بين مختلف الفرق بمنهج مقارن فإنه يصعب اللمام‬
‫بكل شتاتها لذلك جاءت الشارات إلى هذه الفرق حسب مقتضيات البحث وحسب توفر ما أمكن‬
‫توفره من المصادر والمراجع‪ ،‬وقد حرصنا على الرجوع إلى مصادر كل فرقة بصفة مباشرة إل إذا‬
‫تعذر ذلك‪ ،‬كل ذلك رغبة منا في المانة العلمية بقدر المكان‪.‬‬

‫كما حاولنا أن نوفر بين يدي القارئ كل ما يساعده على الفهم‪ ،‬ونلح خاصة على ما سعينا إلى‬
‫توفيره من تراجم لكل من ذكرنا من علماء الباضية –إل ما تعذر علينا من تراجم بعض علماء‬
‫عمان‪ -‬وذلك لعدم توفر جلها في كتب التراجم المتداولة‪ ،‬ونلح أيضا على ما يوفره البحث من‬
‫نصوص‪ ،‬وقد يطول الستشهاد بها عن قصد‪ ،‬لن هذه النصوص هي دعامة هذا البحث ومنطلقه‪،‬‬
‫والكثير منها ضرب من التحقيق لنها مقتبسة من مخطوطات نادرة وكل ذلك حتى ل تتهم استنتاجانا‬
‫بالدعاء‪ ،‬وحتى يتمكن القارئ من المقارنة بينها وبين ما يتوفر بين يديه من نصوص غير إباضية‬
‫لجأنا إلى إيراد شيء منها أحيانا وإلى الحالة على مصادرها أحيانا أخرى‪.‬‬

‫وتبقى في النهاية خاتمة البحث في رأينا سبيل من سبل تبيين حاجة المسلمين إلى توظيف تراثهم‬
‫لتتضح أمامهم مسالك المستقبل‪.‬‬

‫تلك هي قصارى الجهد‪ ،‬فما كان من سداد في هذا البحث فمن ال وما كان من خطاء فمني‪ ،‬ومهما‬
‫تبين لك أن العمل متكامل فإنك تحس إذا رجعت إليه أنه في حاجة إلى تشذيب وتحسين‪ ،‬وتكفينا في‬
‫هذا قولة أبي الفرج الصبهاني‪ ":‬إني رأيت أنه ل يكتب إنسان كتابا في يومه إل قال في غده‪ ،‬لو‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫غير هذا لكان أحسن‪ ،‬ولو زيد كذا لكان يستحسن‪ ،‬ولو قدم هذا لكان أفضل‪ ،‬ولو ترك هذا المكان‬
‫أجمل‪ ،‬وهذا من أعظم العبر‪ ،‬وهو دليل على استيلء النقص على جملة البشر‪.".‬‬

‫ونحمد ال تعالى أن رفع عن الناس الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه كما ثبت في الحديث‬
‫الشريف‪.‬‬

‫رب أنعمت فزد‪.‬‬

‫تونس في ‪4‬ذي القعدة الحرام ‪1405‬‬


‫‪ 21‬جويلية ‪1985‬‬

‫=======================‬
‫(‪ )11‬وقد انحصر الباضية في المرحلة المقررة في هذه المناطق‪ .‬انظر الخرائط في آخر البحث ‪. 837 .834‬‬

‫الباب الول‪ :‬الطار العام للقضية‪ :‬الفصل الول‪ :‬الباضية وتسمية الفرق‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) (‪8‬النفال ‪)46‬‬

‫وقال‪ ( :‬واعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا) (آل عمران ‪.)103‬‬

‫هل امتثل المسلمون وأهل الكتاب من قبل لهذه النصوص وأمثالها وكانوا أمة واحدة؟‪.‬‬

‫إن الناظر في حياة المم قديمها وحديثها ل يحار في الجابة عن هذا السؤال‪.‬‬
‫نعم تفرق الناس فكانوا ملل ونحل‪ ،‬وشيعا وأحزابا‪ ،‬وفرقا ومذاهب شتى‪ ،‬هذا شأن البشر‪ ،‬مذ عرف‬
‫للنسان تاريخ‪ ،‬فلهل الصين مذاهبهم وكذا أهل الهند وأهل فارس وكذا أهل الكتاب‪.‬‬

‫فما هو السبب يا ترى؟‬

‫لعل يرجع إلى أمر غريزي في النسان إذ لكل شخص ميوله الخاصة‪ ،‬لكن لو كلن المر على هذه‬
‫الحال لكون كل إنسان فرقة لذاته وفي هذا نظر‪.‬‬

‫أو لعله يرجع إلى تفاوت الناس في مداركهم العقلية مما يحتم اختلفا في وجهات النظر تجاه‬
‫الحداث والنصوص المعتمدة‪،‬ولكل ديانة نصوصها‪.‬‬

‫أو لعل المر يعود إلى حب الذات واتباع الهوى واحتقار الخرين‪.‬‬

‫كل هذه الفتراضات متفرقة أو مجتمعة يمكن أن تكون من أسباب افتراق الناس إلى طوائف‪.‬‬

‫فالختلف بين الناس ليس أمرا غريبا بل هو قانون من قوانين الحياة ولوله لظلت الحياة على‬
‫وتيرة واحدة من أقدم العصور‪.‬‬

‫ولكن المشكل الذي يحار العقل في استكناهه هو ما ينتج عن هذا الفتراق من تنازع وتدابر وتنافر‬
‫قاست البشرية منها ويلت وما تزال‪.‬‬

‫وهذا الداء يكون عياء إذا كان النزاع بين أهل الرسالت السماوية وبصفة أخص بين المسلمين‬
‫بداية من العقد الرابع من القرن الول للهجرة‪.‬‬

‫وهذا ما دفع المعري (‪ )1057 -973 / 449 -363‬إلى أن يصيح من أعماق محابسه‬
‫الثلثة‪.......:‬ليت شعري ما الصحيح؟‬

‫ليست مهمتنا في هذا البحث أن نحل اللغز الذي حير المعري وغيره من المفكرين وإنما يحدونا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المل على أن نفهم جانبا من واقع المة السلمية‪ -‬وهي وإن تعددت فيها الفرق ما تزال تحمل اسم‬
‫المة‪ -‬انطلقا من قسم من تراثها حسب مقتضيات موضوع البحث‪.‬‬

‫ول يخفى على أي باحث أن كل قضية هي جزء ل يتجزأ من نظام فكري متكامل إل أن المنهج‬
‫العلمي يفرض التجزئة من أجل بلوغ الحقيقة فل بد إذن من عزل الخلية عن كيانها لوضعها تحت‬
‫المجهر‪.‬‬
‫فلنحاول أن نضع قضية الفتراق تحت مجهر البحث لندرك ما الذي جعل كتب المقالت والملل‬
‫والنحل تسمي الباضية إباضية وتحشرهم في زمرة الخوارج؟ وما هو رد فعل الذين أطلقت عليهم‬
‫هذه التسمية من خلل تراثهم عامة وبصفة خاصة في المرحلة المقررة في البحث؟‪.‬‬

‫مناقشة تسمية الفرق‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تجمع كتب المقالت والملل والنحل (‪ )1‬أن جميع الفرق السلمية ترجع إلى اتجاهات ثلثة أطلقت‬
‫عليها هذه التسميات‪ :‬أهل السنة‪ ،‬الشيعة‪ ،‬الخوارج‪.‬‬

‫ثم تحرص على أن تكون الحصائية مطابقة لحديث الرسول عليه السلم‪ " :‬افترقت اليهود على‬
‫إحدى وسبعين فرقة‪ ،‬والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلثة وسبعين‬
‫فرقة"‪.‬‬

‫وفي رواية أخرى‪ " :‬ستفترق أمتي على ثلث وسبعين فرقة كلهن إلى النار ما خل واحدة ناجية‬
‫كلهم يدعي تلك الواحدة" (‪. )2‬‬

‫ثم بعد هذا الجماع ينطلق الختلف حول ادعاء الفرقة الناجية‪.‬‬

‫وأنت وإن قرأت تراث كل فرقة على حدة تحسب أنه ل يوجد في المة السلمية إل أهل اليمان‬
‫والصلح والتقوى بحيث ل تشك بأنهم جميعا من أهل الجنة (‪. )3‬‬
‫وإن أنت قلبت الصفحة وقرأت قراءة ثانية من خلل موقف كل فرقة من الفرق الخرى تخلص إلى‬
‫أن جميع المسلمين كفار وأنهم جميعا من أهل النار‪.‬‬

‫وتجدر الشارة إلى أن هذا التقسيم للمة جاء يعكس أحداث الفتنة الكبرى التي انطلقت بمقتل عثمان‬
‫سنة (‪ )4( )656 /35‬وما يزال المسلمون إلى يومنا هذا يتنفسون ما تصاعد منها من دخان‪ .‬وهذه‬
‫أهم المراحل لمجرد التذكير‪.‬‬

‫‪ )1‬مقتل عثمان (‪.)656 / 35‬‬


‫‪ )2‬مبايعة علي بن أبي طالب (‪. )5( )565 /35‬‬
‫‪ )3‬معركة الجمل(‪. )6( )567 /36‬‬
‫‪ )4‬معركة صفين (‪)7( )657 /37‬‬

‫لقد أسفرت معركة صفين عن انقسام المسلمين إلى ثلث كتل‪:‬‬

‫‪ )1‬كتلة علي بن أبي طالب‪.‬‬


‫‪ )2‬كتلة معاوية بن أبي سفيان (‪. )8‬‬
‫‪ )3‬كتلة المحكمة‪ :‬أي التي رفضت التحكيم (‪. )9‬‬

‫واستمر الصراع بين هذه الكتل على أشده حتى انتهت الدولة الموية فواصلت الدولة العباسية نفس‬
‫المنهج في هذا الصراع‪.‬‬

‫والمشكل المطروح هنا كيف انبثقت هذه التسميات التي استقرت في كتب التاريخ وكتب المقالت؟‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولم تحولت كتلة معاوية وبالتالي المويين إلى أهل السنة وصارت جماعة علي شيعة واعتبرت‬
‫المحكمة خوارج؟‬

‫يصعب أن نقرر رأيا نهائيا في القضية وليس لنا أن نأتي بالقول الفصل في معضلة سال في شأنها‬
‫من المداد ما ل يقدر‪.‬‬

‫لكن الذي ل نشك فيه هو أن هذه التسميات المستحدثة تعكس مجرى الحداث في القرن الول نعني‬
‫الحداث السياسية والسياسة جزء من الدين كما ل يخفى‪.‬‬

‫===============‬
‫(‪ )1‬نذكر على سبيل المثال‪:‬‬
‫‪ -‬أبا الحسن الشعري (‪ :)942 /330‬مقالت السلميين واختلف المصلين تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد‪ .‬ط ‪ 2‬مكتبة‬
‫النهضة المصرية ‪ 1969 /1389‬جزآن‪.‬‬
‫‪ -‬محمد بن أحمد المالطي (‪ :)988 /377‬التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع‪ .‬تحقيق محمد زاهد الحسن الكوثري‪ .‬مكتبة‬
‫المثنى ببغداد ومكتبة العارف بيروت ‪.1968 /1388‬‬
‫‪ -‬عبد القاهر البغدادي (‪ :)1037 /429‬الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم‪ .‬منشورات دار الفاق الجديدة‪ .‬بيروت‬
‫‪.1980 /1400‬‬
‫‪ -‬علي بن أحمد بن حزم( ‪ :)1064 /456‬الفصل في الملل والهواء والنحل ط ‪1321 -1317 1‬هـ‪ 5 .‬أجزاء في ‪ 4‬مجلدات‪.‬‬
‫‪ -‬محمد بن عبدالكريم الشهير ستاني (‪ :)1153 /548‬الملل والنحل ‪.‬ط ‪ 1‬بمصر‪ .1320 /1317 .‬بهامش كتاب الفصل لبن حزم ‪.‬‬
‫وينتهي بالفصل الثالث‪.‬‬
‫(‪ )2‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‪ .‬ط ‪ 2‬المطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة ‪ 1349‬الحديث عدد ‪.1/13 :41‬‬
‫ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية علي كتاب الوضع‪ .‬البارونية‪ .‬القاهرة ‪1305‬هـ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪ .‬البارونية ‪.‬القاهرة ‪1306‬هـ‪.28 /1 ،‬‬
‫ر‪ .‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ ،‬ط ‪ .2‬المطابع العالمية سلطنة عمان‪ .‬د‪.‬ت ‪.70 -66 /1‬‬
‫ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب (أي الجامع الصحيح) المطبعة الشرقية‪ .‬سلطنة عمان ‪.65 -63 /1 ،1982 /1402‬‬
‫ويقول جولد تسيهر‪ ":‬ويرجع أغلب الخطأ في هذا إلى علماء الكلم المسلمين أنفسهم إذا أساؤوا فهم حديث من الحاديث النبوية‬
‫قصد به في الصل تمجيد السلم‪ ،‬وإعلء شأنه فخصه بقدر من الفضائل والمزايا بلغت في عددها ثلثة وسبعين تقابلها من‬
‫الفضائل اليهودية إحدى وسبعون ومن المسيحية اثنتان وسبعون‪ .‬ففهمها الكلميون على أنها ثلث وسبعون فرعا أو فرقة"‪.‬‬
‫جولد تسيهر‪ :‬العقيدة والشريعة في السلم‪ .‬ط ‪ 2‬مصر ‪ .1959‬ص ‪ .187‬ونلحظ أن هذا المستشرق قلب الحديث إلى حسنة من‬
‫حسنات المسلمين‪ .‬وقد نشر عمر بن جمادي مقال موسعا في مجلة ‪ Cahiers De Tunisie‬العدد ‪ 15‬السنة ‪ .1981‬بين فيه‬
‫مختلف الروايات واستقر رأيه على أن الحديث من وضع أهل السنة ص ‪.357 -287‬‬
‫ر‪ .‬أبو داود‪ :‬سنة ‪ .1‬الترمذي إيمان ‪ .18‬ابن ماجه‪ :‬فتن ‪ .17‬احمد ابن حنبل ‪. 3/145 .2/332‬ر‪.‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪.5/13‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب(الجامع الصحيح) يقول هذه الواحدة الناجية هي ما عليه أهل الدعوة‪ 64 /1.‬يعني الباضية‪.‬‬
‫(‪ )4‬عثمان بن عفان(‪ )656 -643 /35 -23‬ولدته ‪47‬ق هـ‪.557 /‬‬
‫ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ط ‪.4/31 1954 /1374 .2‬‬
‫(‪ )5‬علي بن أبي طالب (‪ )660 -656 /35‬ولد سنة ‪ 23‬ق هـ‪.600/‬‬
‫ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.108 -107 /5‬‬
‫(‪ )6‬معركة الجمل (‪cf.EL 2II. 425 -427 .)656 /36‬‬
‫(‪ )7‬صفين‪ :‬بكسر الصاد والفاء مشددة‪ ،‬موضع الرقة على شاطئ الفرات من الجانب الغربي وفيه وقعت الحرب بين علي‬
‫ومعاوية‪.‬ر‪ .‬ياقوت الحموي‪ :‬معجم البلدان ‪ 414 /3‬وعن المعركة ر‪ .‬كوبرلي الطروحة ‪ 12 -11 /1‬وقد أحال على أهم المصادر‬
‫والمراجع‪cf.EL.IV. 422 -25 .‬‬
‫(‪ )8‬معاوية بن أبي سفيان (‪ ،)680 -661 /60 -40‬ولدته ‪ 20‬ق هـ‪ .‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪.173 -172 /8‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )9‬أول من حكم عروة بن أدية(ت ‪ " .)678 /58‬أقبل على الشعث فقال‪ :‬ما هذه الدنيئة يا أشعث وما هذا التحكيم‪ .‬أشرط أوثق‬
‫من شرط ال عز وجل"‪ .‬المبرد‪ .‬الكامل مكتبة المعارف بيروت د‪.‬‬
‫واضح أن عروة وأتباعه هم الذين اشتهروا بها‪ .‬ثم صارت شعارا للمحكمة‪" :‬ل حكم إل ل" بمعنى القول الفصل ل دون الرجال‬
‫فإذا ورد نص فل سبيل إلى اللجوء إلى الناس( انظر مناظراتهم مع ابن عباس)‪ .‬المبرد‪ :‬الكامل ‪ ،2/156‬وانظر خلفة عثمان‬
‫وعلي عند القلهاتي ‪ :‬كتاب الكشف والبيان تحقيق محمد بن عبد الجليل حوليات الجامعة التونسية عدد ‪ 1974 ،11‬خاصة ص‬
‫‪.235 -225‬‬
‫ر‪ .‬الشعري‪ :‬المقالت ‪ 1/210‬حول أول من حكم وللتعريف بعروة‬
‫ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ .17 -16 /5‬وللتعريف بالشعث بن قيس (ت ‪ )661 /40‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.334 – 1/333‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إن موازين القوى ودولب الحكم استقرت لدى المويين لذلك صاروا الممثل الرسمي فهم حينئذ أهل‬
‫السنة (‪ )10‬ول يخفى ما في هذه التسمية من استهواء للعامة وحتى الخاصة‪ ،‬ونحن نعلم مؤازرة‬
‫كثير من العلماء للحكام باسم اختيار أخف الضررين ثم إن مرور الزمن أعطى هذه التسمية نوعا من‬
‫القداسة إلى أن نسيت كلمة أهل وتحولت إلى النسبة المباشرة؛ سني وسنيون‪ .‬وإذا علمنا أن جل من‬
‫وصلت إلينا كتاباتهم في الفرق ينتمون إلى هذا التيار نتبين كيف ينبغي الحتراز من مثل هذه الكتب‪.‬‬

‫أما كتلة علي بن أبي طالب (‪ )660 /40‬التي كانت في المنطلق مدافعة عن حق شرعي ومخمدة‬
‫لثورة معاوية الهادفة سرعان ما رميت بالعلوية ثم بالشيعة وواضح ما في كلمة التشيع من روح‬
‫التعصب للشخاص ل للمبادئ‪ ،‬وزاد القضية استفحال قصر المامة على آل البيت ففي هذه التسمية‬
‫حينئذ حرب نفسية ضد هذه الكتلة التي عملت الدولة الموية على استيعابها أحيانا وعلى إبادتها‬
‫أحيانا أخرى ومع ذلك فإن هؤلء تحمسوا للتسمية وتبنوها‪.‬‬

‫وللمرء أن يتساءل أليس لهؤلء نصيب من السنة أم أن جميع ما جد فيهم من انحراف أو ما نسب‬
‫إليهم سجل‪ ،‬بينما تناسى الناس ما جد في الدولة الموية من انحراف وظلوا يسمونهم أهل السنة‬
‫وإن كان بعض خلفائهم منحرفين‪.‬‬
‫نكتفي بهذه الشارة السريعة إلى كتلة المام علي‪ ،‬ولنقف عند الكتلة الثالثة لنها منطلق بحثنا‪.‬‬

‫فلماذا لم يبق هؤلء محكمة وصاروا خوارج ثم أهل الهواء والبدع؟ ل شك أن هذه الكتلة أذاقت‬
‫كتلة معاوية‪ -‬المويين ثم أهل السنة‪ -‬المرين (‪ )11‬لن المنتمين إليها رفعوا شعارا يرجو كل مسلم‬
‫تحقيقه‪ ،‬أل وهو أن إمامة المسلمين ليست مقصورة ل على القرشيين عامة ول على آل البيت وإنما‬
‫هي حق لكل من توفرت فيه شروطها هذا مع ما أوتوا من فصاحة إلى حد أن عبد الملك بن مروان (‬
‫‪ )12( )705 -685 /86 -65‬اكتفى بسجن واحد منهم بعد أن كان عازما على قتله وهو يقول‪":‬‬
‫لول أن تفسد بألفاظك أكثر رعيتي ما حبستك" (‪. )13‬‬

‫وبما أن هذه الكتلة كانت من القوة بمكان فل سبيل إلى محاربتها إل بسلح ديني فتاك أل وهو تهمة‬
‫الخروج من الدين (‪. )14‬‬

‫والمبرد‪ -‬ويبدوا أنه علوي‪ ،‬إذ يصلي على علي وعترته في كل كتابه‪ -‬وإن أتى بأخبار هذه الكتلة‬
‫تحت عنوان" من أخبار الخوارج" فإنه يورد الحديثين اللذين يثبتان أن الخروج يعني المروق من‬
‫الدين‪.‬‬

‫أما الول فقد جاء نصه كما يلي‪ :‬بعد انتقاد رجل وصف" بأنه مضطرب الخلق غائر العينين ناتئ‬
‫الجبهة" لقسمة الرسول عليه السلم لغنائم جاءت من اليمن أدى إلى غضبه عليه السلم فقال‪:‬‬
‫"إنه سيكون من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية تنظر في النصل‬
‫فل ترى شيئا وتنظر من الرصاف (‪ )15‬فل ترى شيئا وتتمارى في الفوق (‪. )17( " )16‬‬

‫وأما الحديث الثاني فيروى عنه عليه السلم أنه لما وصفهم قال‪ " :‬سيماهم التحليق يقرأون القرآن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ل يجاوز تراقيهم علمتهم رجل مخدج (‪ )18‬اليد"‪ .‬وفي حديث عبدال بن عمرو‪ " :‬رجل يقال له‬
‫عمرو ذو الخويصرة أو الخنيصرة" (‪ )19‬هذا ما ذكره المبرد ويحسن أن نشير إلى المهلب بن أبي‬
‫صفرة (‪ )20( )702 -628 /83 -7‬في ما نسب إليه من افتراء الحاديث على الخوارج‪.‬‬

‫===================‬
‫(‪ )10‬ر‪ .‬ابن العربي‪ :‬العواصم من القواصم ‪(199‬تعليق ‪ )1‬في شان الصلح بين معاوية والحسن وذلك سنة ‪ 661 /41‬وقد سمي‬
‫عام الجماعة فاستقر المر للمويين فاختاروا أحسن السماء‪ .‬ويقول السالمي‪ ":‬تسمية أهل السنة‪ ،‬فإنه كان في الزمن الول‬
‫قبيحا لكون المراد بالسنة السّنة التي سنها معاوية في سب علي وشتمه على المنابر‪ ،‬فصار ذلك سنة ينشأ عليها الصغير ويموت‬
‫عليها الكبير حتى غيرها عمر بن عبد العزيز‪ ،‬فأهل تلك الحال هم أهل السنة في ذلك الزمان‪ ،‬ثم اندرس هذا السبب واختفى‬
‫فتمدحوا بذلك وجمعوا بين المتضادين (معاوية وعلي) في وظنوا أن السنة سنة النبي الولية وهم يعلمون أن الحق مع فريق‬
‫منهم‪ ،‬وخالفوا سنتهم الولى حين صارت الدولة لبني العباس من بني هاشم"‪ .‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ .59 /1.‬وهذا‬
‫نص اللعن‪ ":‬اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصد عن سبيلك فألعنه لعنا وبيل وعذبه عذابا اليما" محمد ماهر حمادة‪ :‬الوثائق‬
‫السياسية والدارية العائدة للعصر الموي بيروت ‪ 1974 /1394‬ص ‪ ،106‬عن شرح نهج البلغة ‪.778 /1‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬المبرد‪ :‬الكامل ‪.393-2/121‬‬
‫(‪ )12‬عبد الملك بن مروان(‪ )705-685 /86-65‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.4/312‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬المبرد‪ :‬الكامل ‪.2/171‬‬
‫(‪ )14‬الخوارج‪ " :‬كان في الزمن الول مدحا لنه جمع خارجه وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل ال تعالى‪ .‬قال عز‬
‫وجل (‪ 9‬التوبة ‪ .)46‬ثم صار ذما لكثرة تأويل المخالفين ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة أحاديث الذم في من اتصف بذلك‬
‫آخر الزمان‪ .‬ثم زاد استقباحه حين استبد به الزارقة والصفرية‪ ،‬فهو من السماء التي اختفى سببها وقبحت لغيرها‪ ،‬فمن ترى‬
‫أصحابنا (الباضية) ل يتسمون بذلك‪ ،‬وإنما يتسمون بأهل الستقامة لستقامتهم في الديانة"‪ .‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‬
‫‪ .1/59‬أما الشعري فيقول‪ " :‬وللخوارج ألقاب‪ :‬فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج‪ ،‬ومن ألقابهم –الحرورية – ومن‬
‫ألقابهم‪ :‬الشراة والحرارية‪ ،‬ومن ألقابهم المارقة‪ ،‬ومن ألقابهم الحكمة وهم يرضون بهذه اللقاب كلها إل المارقة‪ ،‬فإنهم ينكرون‬
‫أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية‪ ،‬والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب والذي‬
‫له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم‪ :‬ل حكم إل ال‪ ،‬والذي له سموا حرورية نزولهم بحرواء في أول أمرهم‪ ،‬والذي له‬
‫شراة قولهم‪ :‬شرينا أنفسنا في طاعة ال ‪ ،‬أي بعناها بالجنة‪ .‬والكور التي الغالب عليها الخارجية‪ :‬الجزيرة‪ ،‬والموصل‪ ،‬وعمان ‪،‬‬
‫وحضرموت‪ ،‬ونواح من نواحي المغرب‪ ،‬ونواح من نواحي خراسان‪ ،‬وقد كان الرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له‬
‫سجلماسة على طريق غانة"‪ .‬الشعري‪ :‬المقالت ‪ 1/207‬واضح أن الشعري سكت عن مفهوم الغزو في سبيل ال ‪ ،‬كمال غفل‬
‫من أن المحكمة يعتبرون أن عليا خرج عن بيعته عندما قبل التحكيم‪ ،‬ولذلك هم استتابوه‪ ،‬ول يعتبرون أنهم خرجوا عنه‪ ،‬إل أنه‬
‫بين أنهم يرفضون لقب المارقة وهذا أمر طبيعي إذ ل يمكن لمسلم أن يقبل مثل هذا اللقب‪ ،‬وإن ارتبط بعد حين باسم الخوارج‪.‬‬
‫(‪ )15‬الرصافة‪ :‬عقبة تشد على مدخل سنخ النصل‪ .‬ج رصائف‪ .‬يقال رصف السهم أي شد عليه رصافه‪.‬‬
‫(‪ )16‬الفوق‪ :‬من السهم‪ :‬حيث يثبت السهم منه‪ "،‬هما فوقان ج فوق وأفواق‪.‬‬
‫(‪ )17‬وقوله عليه السلم‪ ":‬من ضئضئ هذا"‪ -‬من جنس هذا‪ -‬مرق السهم من الرمية‪ ،‬إذا نفذ منها‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك أن ل‬
‫يعلق به من دمها شيئ" المبرد‪ :‬الكامل ‪.2/142‬‬
‫وقد بين السالمي أن الحديث ورد في البخاري مع ما بين النصين من اختلف وبرأة من الكذب إل أنه أشار إلى أنه" يأخذ عن‬
‫أهل الهواء"‪ .‬شرح الجامع الصحيح‪ .‬ثم أورد نصوصا من سير الشماخي والسير العمانية في الثناء على أهل النهروان وألح‬
‫على أن المخالفين( غير الباضية يروون أحاديث غير صحيحة أو يتأولون‪.‬‬
‫ثم يبين الحديث عندنا (الباضية )في علماء السوء وفي كل من خالف عمله ‪.‬شرح الجامع الصحيح ‪ε .1/58‬كتاب ال وسنة‬
‫رسوله‬
‫كما يمكن أن يحمل على غلة الخوارج من الزارقة والصفرية و القائلين بشرك أهل الكبائر فإنهم يجتهدون في التحرز والعبادة‬
‫لئل يقعوا في الشرك ‪...‬وحمله على كل من خالف الحق في عبادته أظهر‪ .‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح ‪."1/59‬‬
‫أما المحشي في حاشية الترتيب( الجامع الصحيح) فقد اكتفى بالشرح اللغوي ‪ .1/55‬وقد ورد الحديث عند الربيع بن حبيب‪:‬‬
‫الجامع الصحيح ‪ 1/12‬عدد ‪.36‬‬
‫وقد أخرجه البخاري في باب من ترك قتال الخوارج للتألف‪.‬ر‪ .‬ابن حجر‪ :‬فتح الباري‪ .‬القاهرة ‪1348‬هـ ‪.246-12/244‬‬
‫(‪ )18‬مخدج‪ :‬من خدج أي نقص‪ ،‬لم تكتمل خلقه يده‪.‬‬
‫(‪ )19‬وبين المبرد مدى اللحاح للعثور على الرجل المخدج في قتلى أهل النهروان ر‪ .‬المبرد‪ :‬المتكامل ‪ .2/163‬والكلم عن ذي‬
‫الخويصرة وتعريفه تردد المؤرخون في شأنه كثيرا ر‪ .‬ابن حجر‪ :‬فتح الباري‪.21/245 ،‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )20‬المهلب بن أبي صفرة(‪ )702-83/628-7‬ولد في دبا ونشأ بالبصرة‪ ،‬وقدم المدينة مع أبيه في أيام عمر‪ .‬انتدب لقتال‬
‫الزارقة فلقي منهم الهوال‪ ،‬ثم تغلب عليهم فقتل الكثير وشرد الكثير‪ .‬ولي خراسان ‪ 698-79‬ومات فيها ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪/8‬‬
‫‪.260‬‬

‫فالتسمية مغرضة حينئذ وإن لطفت في كثير من الحيان بتغطيتها بالخروج السياسي على علي بن‬
‫أبي طالب(‪ )660 /40‬وإن كان المر على هذه الحال فلماذا لم يسم طلحة (‪ 28‬ق هـ ‪-596 /36‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )21( )656‬والزبير (‪ ، )22( )656 /36‬وقد خرجا على علي من قبل‪ ،‬خوارج ولم يطلق هذا السم‬
‫على معاوية إذ هو الخر شق عصا الطاعة على الخليفة الشرعي ووقف ليحاربه في صفين أل أنه‬
‫خرج يطالب بدم عثمان؟ أم لنه انتصر في ما بعد بالخديعة التي أقرها جميع المؤرخين بمن فيهم‬
‫أنصار معاوية إل أنهم اعتبروها من باب الدهاء والحكمة بينما اعتبرها الخرون من باب الخيانة‬
‫وكفى‪.‬‬

‫ثم أضافت كتب الملل والنحل ثلث صفات قارة للخوارج‪ :‬أهل الهواء‪ .‬أهل البدع والمارقة‪ .‬عدا‬
‫بعضا منها تنسب شيئا من العتدال أو القرب من السنة أو من أهل السنة لبعض الفروع المنبثقة‬
‫من الخوارج (‪ )23‬إل أن هذا العنوان الخير يغطي عادة ذلك العتدال‪.‬‬

‫بهذا نفهم أن هذه التسميات لم تكن منزلة كما أنها لم تكن اعتباطية وإنما هي تابعة من واقع مرير‬
‫عرفه المسلمون إثر ثلثين سنة من المن والطمأنينة عرفوها تحت ظلل السلم الصرف الذي لم‬
‫تشبه شائبة المشاكسة والفتراق (‪. )24‬‬

‫وقبل أن نبين موقف الباضية من هذه الحداث من خلل تراثهم يحسن أن نثبت نصوصا متضاربة‬
‫في الحكم لمن عرفوا بالخوارج أو عليهم‪.‬‬

‫فهذا المام علي عندما سئل عنهم قال‪ ":‬هم من الكفر فروا" (‪. )25‬‬

‫وهذا المبرد يقول‪ ":‬والخوارج في جميع أصنافها تبرأ من الكاذيب ومن ذي المعصية الظاهرة" (‬
‫‪. )26‬‬

‫وهذا عروة بن أدية (تـ ‪ )678 /58‬يموت شهيدا لنه قال كلمة حق أمام سلطان جائر وذلك عندما‬
‫سأله زياد ابن أبيه (‪ )27( )673 -622 /53 -1‬عن نفسه فقال‪ :‬أولك لزينة وآخرك لدعوة وأنت بعد‬
‫عاص لربك" (‪. )28‬‬

‫وهذا قول أحمد أمين (‪1954 -1886 /1374 -1374‬م)‪ ":‬لقد كان في الخوارج كل العناصر التي‬
‫تكون الدب‪ :‬عقيدة راسخة ل تزعزعها الحداث وتحمس شديد لها‪ ،‬تهون بجانبه الرواح‬
‫والموال‪ ،‬وصراحة في القول والعمل ل تخشى بأسا ول ترهب أحدا‪ ،‬وديمقراطية حقة ل ترى المير‬
‫إل كأحدهم ول العظيم إل خادمهم‪ ،‬ورسم الطريق الذي ينبغي أن يسلكوه رسما مستقيما واضحا ل‬
‫عوج فيه ول غموض يجب أن يعدل الخليفة والمراء‪ ،‬وإل يقاتلوا حتى يعزلوا أو يقتلوا ويجب أن‬
‫يسير المسلمون حسب نصوص الكتاب والسنة من غير أن ينحرفوا عنها قيد شعرة‪ ،‬وإل يقاتلوا‬
‫ليحل مسلمون مخلصون طاهرون‪ ،‬ويجب أن يسلك السبيل إلى ذلك من غير تقية ومن غير مجاملة‬
‫ول مواربة ويجب أن يقابل الواقع كما هو ويشخص كما هو ويعالج كما هو على طريقة عمر بن‬
‫الخطاب ل على طريقة عمرو بن العاص‪.‬‬

‫ووراء ذلك كله نفوس بدوية‪ -‬غالبا‪ -‬فيها الستعداد للقول وفصاحة اللسان وفيها كل ما نعهده في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫البدوي من قدرة على البيان وسرعة البديهة وأداء للمعنى بأوجز عبارة وأقوى لفظ" (‪. )29‬‬

‫إنك إذا قرأت هذه النصوص ما أخالك إل أن ترجو من ال تعالى أن يجعلك خارجيا وأن يميتك‬
‫خارجيا وأن يحشرك في الجنة خارجيا لن مثل هذه الصفات ل تحيد عن القرآن والسنة قيد أنملة إذ‬
‫هم فروا من الكفر وهم أسود النهار ورهبان الليل ل يعرف الكذب والمعصية إليهم سبيل‪ ،‬كما أنهم‬
‫يصدعون بكلمة الحق ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة‪.‬‬

‫وهذه شهادات من غير الخوارج أما إذا قرأن إنتاجهم وهو مثبوت في كتب الدب والتاريخ فإنك‬
‫سترى العجب العجاب مما يجعلك تقر أنهم مسلمون بأتم معنى الكلمة‪.‬‬
‫لكن رويدا ول تتسرع في حكمك واقرأ ما جاء عن الخوارج في كتب المقالت وخاصة ما نسب إلى‬
‫بعض الفرق منهم‪.‬‬

‫وخذ لك على سبيل المثال قول الشعري (‪ ":)942 /330( )30‬فالفرقة الولى منهم (الخوارج‬
‫الباضية) يقال لهم الحفصية" كان إمامهم حفص ابن أبي المقدام"‪ .‬زعم أن بين الشرك واليمان‬
‫معرفة ال وحده فمن عرف ال سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل الخبائث‬
‫من قتل النفس واستحلل الزنا وسائر ما حرم ال من فروج فهو كافر برئ من الشرك‪. )31( "...‬‬

‫=====================‬
‫(‪ )21‬طلحة بن عبدال بن عثمان التميمي( ‪ 28‬ق هـ ‪ )656-36/596-‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.3/333‬‬
‫(‪ )22‬الزبير بن العوام السدي(ت ‪ )36/656‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.3/74‬‬
‫(‪ )23‬انظر مثل أبا زهرة‪ :‬تاريخ المذاهب السلمية‪ .‬ط دار الفكر العربي د ت ‪.1/91‬‬
‫(‪ )24‬عدا ما حدث يوم السقيفة عند وفاة الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫(‪ )25‬وقال أيضا ‪ ":‬ولما فقد علي تلك الصوات بالليل كأنها دوي النحل قال‪ :‬أين أسود النهار ورهبان الليل"‪ .‬السالمي‪ :‬شرح‬
‫الجامع الصحيح ‪.1/57‬‬
‫(‪ )26‬المبرد‪ :‬الكامل‪.2/134 :‬‬
‫(‪ )27‬زياد ابن أبيه(‪ )673-53/622-1‬من أهل الطائف‪ .‬أسلم في عهد أبي بكر‪ .‬وله علي ابن أبي طالب إمرة فارس‪ ،‬امتنع عن‬
‫معاوية‪ .‬ثم ألحقه معاوية بنسبه سنة ‪ 44/664‬لما تبين له أنه أخوه من أبيه(أبي سفيان) فكان عضده القوى‪ .‬ززله البصرة‬
‫والكوفة وسائر العراق‪ .‬فلم يزل في وليته إلى أن توفي‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.90-3/89‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬المبرد‪ :‬الكامل ‪.2/134‬‬
‫(‪ )29‬أحمد أمين‪ :‬ضحى السلم‪.‬ط ‪ 7‬مكتبة النهضة المصرية‪ .‬القاهرة‪1964 .‬‬
‫(‪ )30‬الشعري‪ )936 -324/847-260(:‬أبو الحسن علي بن إسماعيل من نسل الصحابي أبي موسى الشعري‪ .‬مؤسس مذهب‬
‫الشاعرة‪.‬كان من الئمة المتكلمين المجتهدين‪ .‬ولد في البصرة وتلقى مذهب المعتزلة وتقدم فيهم‪ .‬ثم رجع وجاهر بخلفهم‪.‬‬
‫وتوفي ببغداد ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ .5/69‬مع ملحظة أن محقق المقالت أقر تاريخ الوفاة سنة ‪.330/942‬‬
‫(‪ )31‬الشعري‪:‬المقالت ‪.1/183‬‬

‫ويقول الملطي( ‪ ": )32( )988 /377‬فأما الفرقة الولى من الخوارج فهم المحكمة الذين كانوا‬
‫يخرجون بسيوفهم في السواق فيجتمع الناس على غفلة فينادون‪ :‬ل حكم إل ل ويضعون سيوفهم‬
‫في من يلحقون من الناس‪ ،‬فل يزالون يقتلون حتى يقتلوا" (‪. )33‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويقول البغدادي(‪ ": )34( )1037 /429‬والذي جمعهم (الزارقة) من الدين أشياء منها قولهم بأن‬
‫مخالفيهم من هذه المة مشركون‪ ...‬ومنها قولهم إن القعدة ممن كان على رأيهم عن الهجرة‬
‫مشركون وإن كانوا على رأيهم‪. )35( "...‬‬

‫ول أخال إنسانا يتمنى أن يكون خارجيا بعد أن يقرأ مثل هذه النصوص التي يستحل بعض أصحابها‬
‫ما حرم ال ويكفرون بالرسل ويروعون الناس في السواق ويعتبرون مخالفيهم مشركين‪.‬‬

‫وليس لنا في نهاية المر أن ننتصب حماة للخوارج أو مشنعين عليهم وإنما غايتنا بإيراد القسم‬
‫الثاني من هذه النصوص أن نبين ما جنت على الباضية خاصة من العنت والعناء وما يزال‬
‫علماؤهم يكتبون‪ -‬وهم في قفص التهام‪ -‬لبعاد هذا النسب ولمسح هذه التهم وما يزال الناس‬
‫يكتبون عن الفرق وعمدتهم هذه المصادر وأمثالها فيزيدون في تركيز هذه التهم وإبعاد الهوة بين‬
‫الباضية وبين بقية المسلمين وكأن الباضية ليسوا من السلم في شيء‪ ،‬لنهم هم الصنف الوحيد‬
‫الذي بقى من هؤلء الخوارج (‪. )36‬‬
‫والسؤال المطروح الن تقليدي عند الباضية‪ -‬هل الباضية من الخوارج؟ وإن كان غير الباضية‬
‫يعتقدون أن الخارجية قصرت عليهم الن وكفى‪.‬‬

‫لقد اتسمت الحركة الباضية بالسرية الكاملة في بداية نشأتها ولذلك يصعب على غير الباضية أن‬
‫يتصوروا بوضوح حقيقة علقة هذه الحركة بحركة الخوارج‪.‬‬

‫والمتتبع لقدم المصادر في هذا الشأن يدرك ما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬أن المعارضة التي مني بها عثمان في الست سنوات الخيرة من حكمه شرعيه‪ ،‬وهي منبثقة من‬
‫الواقع السلمي ول دخل ليد أجنبية في ذلك إذ تسكت المصادر عن دور عبدال بن سبأ (‪ )37‬المر‬
‫الذي تلح عليه المصادر الخرى‪.‬‬

‫‪ )2‬خلفة علي شرعية (‪.)661 -656 /40 -35‬‬

‫‪ )3‬طلحة والزبير ومن معهما هم الفئة الباغية ومحاربة علي إياهم واجب شرعي (‪. )38‬‬

‫‪ )4‬محاربة علي لمعاوية شرعية‪.‬‬

‫‪ )5‬علي أفسد بيعته بقبوله التحكيم‪.‬‬

‫‪ )6‬إمامة عبدال بن وهب الراسبي (‪ )39‬الذي بايعه المحكمة بيعته شرعية‪.‬‬

‫‪ )7‬يبرءون من علي لقتله أهل النهروان ( مكرر ‪ )39‬ويعتبرون أن عليا لم يقتلهم عن ديانة وإنما‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عن هوى في نفسه‪.‬‬

‫وخلصة القول إن المحكمة على حق يرون مثلهم العلى في الحكم خلفة أبي بكر وست سنوات من‬
‫خلفة عثمان وخلفة علي حتى قبوله التحكيم‪.‬‬

‫وهؤلء هم من بقي من النهروان (‪. )40‬‬

‫=================‬
‫(‪ )32‬الملطي(ت ‪ )377/987‬محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي المقرئ‪ .‬قال عنه ابن الجزري‪ :‬نزيل عسقلن‪.‬‬
‫فقيه‪ .‬مقرئ متقن ثقة‪ .‬مات بعسقلن سنة ‪.377/987‬ر‪ .‬مقدمة كتاب التنبيه لمحمد زاهد حسن الكوثري حررها بالقاهرة‬
‫‪.1368/1949‬‬
‫(‪ )33‬الملطي‪ :‬التنبيه والرد على أهل الهواء والبدع‪.64:‬‬
‫(‪ )34‬البغدادي(ت ‪)429/2037‬عبد القاهر بن طاهر البغدادي‪ .‬ولد ونشأ في بغداد‪ ،‬ورحل إلى خراسان فاستقر في نيسابور‪،‬‬
‫ومات في اسفرائين‪ .‬من أثمة الصول ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.4/173‬‬
‫(‪ )35‬البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق‪.63-62:‬‬
‫(‪ )36‬كل من بشير إلى تعداد الفرق أو يذكر الباضية يشير إلى ذلك‪ ،‬ومن ذلك ما يذكره أبو زهرة في كتابه‪ :‬تاريخ المذاهب‬
‫السلمية ‪" :1/91‬الباضية هم أتباع عبدال بن اباص وهم أكثر الخوارج اعتدال وأقربهم إلى الجماعة السلمية تفكيرا فهم‬
‫أبعدهم عن الشطط والغلو ولذلك بقوا"‪.‬‬
‫وكذلك ما يقوله محمد عبده(‪ " :)1905-1323/1849-1265‬وغل الخوارج فكفروا من عداهم‪...‬وانتشرت فأرتهم في أطراف‬
‫البلد ولم يكفوا عن إشعال الفتن‪ .‬وبقيت منهم بقية إلى اليوم في أطراف إفريقيا وناحية من جزيرة العرب‪ .‬ويعلق رشيد رضا بما‬
‫يلي‪ " :‬إنه يعني بهذه البقية الباضية ‪...‬ولكن الباضية يتبرأون من الخوارج الذين يكفرون من يخالفهم كالصفرية والزارقة"‪.‬‬
‫محمد عبده‪ :‬رسالة التوحيد ‪ ،12‬تعليق عدد ‪،1‬ط ‪ 15‬دارالمنار‪ .‬مصر ‪ .1372‬وعن محمد عبده ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.7/131‬‬
‫(‪ )37‬عبدال بن سبأ(ت نحو ‪ )40/660‬رأس الطائفة السبئية‪ .‬وكانت تقول بألوهية علي‪ .‬أصله من اليمن‪ ،‬قيل كان يهوديا‬
‫وأظهر السلم‪.‬رحل إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان فأخرجه أهلها‪ ،‬فانصرف إلى مصر‬
‫وجهر ببدعته‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬العلم ‪.4/220‬‬
‫(‪ )38‬جابر بن زيد (ت ‪ )710/711/-93‬وأبو بلل(ت ‪ )61/680‬اتصل بأم المؤمنين عائشة(‪9‬ق هـ‪ )678-58/613-‬وعاتباها‬
‫فتابت"‪.‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ .‬المطبعة البارونية‪ .‬القاهرة ‪، 1302‬ص ‪ ،105‬الشماخي‪ :‬السير‪ ،‬المطبعة البارونية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪1301‬هـ‪،‬ص ‪.67‬‬
‫(‪ )39‬عبدال بن وهب الراسبي(‪9‬صفر ‪38/17‬جوان ‪ :658‬هو عبدال بن وهب بن راسب بن يدعان بن مالك بن نصر من الزد‪،‬‬
‫وهي قبيلة نزلت البصرة‪.‬أدرك النبي صلى ال عليه و سلم ‪ ،‬وشارك في فتوح العراق بقيادة سعد بن أبي وقاص (‪ .)55/674‬كان‬
‫من أنصار علي في حروبه‪ ،‬ثم أنكر التحكيم‪.‬بايعته المحكمة عندما ثبتت خدعة الحكمين في (‪20‬شعبان ‪ 37/31‬جانفي‬
‫‪.)658‬فطلب منهم علي الخروج للمناصرة إل أنهم استتابوه وطلبوا منه الدخول في ما دخل فيه المسلمون‪.‬‬
‫وجاء في رسالة المحكمة إلى علي بن أبي طالب‪...:‬إن كنت صادقا فادخل في ما دخل فيه المسلمون من طاعة ال وطاعة رسوله‬
‫إمام المسلمين عبدال بن وهب الراسبي‪ ،‬فقد بايعناه بعد خلعنا إياك لستحقاقك منا أن نخلعك ول وسع إل ذلك والسلم" سرحان‬
‫الزكوي‪ :‬كشف الغمة‪ ،‬ورقة ‪.281‬‬
‫وقتله في معركة النهروان هانئ بن خطاب الرحبي وزياد بن حفصة في ‪9‬صفر ‪38/17‬جوان ‪.658‬‬
‫ويعتبرون الباضية من أئمتهم‪.‬ر‪ :‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪،2/210‬والشماخي‪:‬السير ‪.51‬ر‪.‬عمار الطالبي‪ :‬آراء الخوارج الكلمية‬
‫‪ ،95-1/88‬وقد توسع في ترجمته ‪ .‬ويقول الزركلي‪ ":‬من أئمة الباضية كان ذا علم ورأي وفصاحة وشجاعة وكان عجبا في‬
‫العبارة‪ .‬أدرك النبي صلى ال عليه و سلم "‪ .‬العلم ‪.4/288‬‬
‫(‪ 39‬مكرر) النهروان‪ :‬كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي حدها العلى متصل ببغداد ‪.‬وفيها عدة بلد متوسطة‬
‫‪.‬ر‪ .‬ياقوت الحموي‪ :‬معجم البلدان ‪.327-5/324‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر ص ‪.146‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد كانت المصادر الباضية تسميهم المحكمة أو أهل النهروان أو الحرورية (‪ 40‬مكرر) ‪ ،‬أو‬
‫المسلمين أو جماعة المسلمين‪.‬‬

‫وكان على رأس هؤلء عروة بن أدية (‪ )41‬الذي قتله عبيد ال بن زياد ابن أبيه وأخوه أبو بلل‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مرداس (‪ )42‬هو الذي انطلق شاريا إثر موت أخيه واتضح أمره خاصة مع عبيد ال بن زياد (‪)43‬‬
‫‪.‬‬

‫وقد رأينا أن أبا بلل اتصل بعائشة مع جابر بن زيد (‪ ، )44‬فبتحول موقف أبي بلل إلى الشراء‬
‫اعترفت المحكمة بالرئاسة لجابر بن زيد‪.‬‬
‫وقد سلك جابر بن زيد مسلك الكتمان والتقية‪ ،‬وأمره بقتل خردلة (‪ )45‬أكبر دليل على ذلك‪.‬‬

‫وما أن صعد عبيد ال بن زياد العنف حتى ظهرت في صفوف المحكمة حركة تدعو إلى التخلي عن‬
‫الكتمان وإلى استعمال العنف ورد القوة بما هو أشد منها يتزعمها نافع بن الزرق (‪. )46‬‬

‫أما جابر بن زيد( ‪ )711 -710 /93‬ومن معه وخاصة منهم عبدال ابن اباض (‪ )47‬رأوا أل سبيل‬
‫إلى النجاة بحركتهم إل بالقعود وتركيز حركة ثقافية محورها حفظ تعاليم السلم (‪. )48‬‬

‫وبهذا انقسمت المحكمة إلى حركتين متعارضتين‪:‬‬

‫‪ -‬حركة جابر بن زيد وقد بقيت محافظة على مسالك المحكمة وبقيت تحمل نفس التسميات التي‬
‫ذكرها نافع مع أن المنافح عنها بصفة علنية هو عبدال بن إباض (‪ )49‬مع تغليب التسميتين‬
‫الخيرتين "المسلمون" "جماعة المسلمين" وإضافة "أهل الدعوة"‪.‬‬

‫‪ -‬حركة نافع بن الزرق ومن واله (‪ )50‬وقد تبنت في ما تذكر المصادر غير الزرقية مبدأ رد القوة‬
‫بالقوة اعتمادا على السس التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬اعتبار دار المخالفين دار شرك‪.‬‬

‫‪ )2‬إقرار مبدأ الستعراض (‪ )51‬أي قتل كل من يعترضهم من المخالفين بما في ذلك الطفال‬
‫والنساء‪.‬‬

‫‪ )3‬ضرورة الخروج والهجرة (‪ )52‬إلى معسكرهم أي دار السلم‪.‬‬

‫‪)4‬تحريم القعود (‪ )53‬عن الحرب واعتبار القعدة مشركين (‪. )54‬‬

‫=====================‬

‫(‪40‬مكرر) وسبب تسميتهم الحرورية محاورة علي إياهم بحروراء‪ :‬قيل هي قرية بظاهر الكوفة وقيل موضع على ملين منها ‪.‬ر‪.‬‬
‫ياقوت الحموي‪ ،‬معجم البلدان ‪ 2/245‬ويقول المبرد‪ ":‬فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها‪ ،‬فقال لهم علي‬
‫صلوات ال عليه‪ :‬ما نسميكم؟ ثم قال‪ :‬الحرورية لجتماعهم بحروراء‪ ".‬المبرد‪ :‬الكامل ‪.2/136‬‬
‫(‪ )41‬عروة بن أدية (ت ‪ :)58/678‬عروة بن حدير التميمي‪ ،‬وأدية أمه‪ .‬أول من قال‪ :‬ل حكم إل ل‪ ،‬وسيفه أول ما سل من‬
‫سيوف أباة التحكيم ‪ .‬وذلك أنه عاتب الشعث فشهر سيفه وضربه فأصابعجز بغلته‪ ،‬وحضر حرب النهروان فكان أحد الناجين‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫منها وعاش إلى زمن معاوية فجيء به إلى زياد ابن أبيه‪ ،‬فسأله عن أبي بكر وعمر فقال خيرا وسأله عن عثمان وعلي فأثنى‬
‫على عثمان في ست سنين من خلفته وشهد عليه بالكفر في البقية‪ ،‬وأثنى على علي إلى يوم التحكيم ثم كفره( والكفر كفر نعمة‬
‫ل كفر شرك) فسأله عن نفسه فأغلظ له فأبقى عليه إلى أن كانت أيام عبيد ال بن زياد فقتله عبيد ال" ‪.‬ر‪.‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‬
‫‪.225-2/214‬ر‪ .‬الشماخي السير‪.67 :‬ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.17-5/16‬‬
‫(‪ )42‬أبو بلل مرداس بن حدير(ت ‪61‬هـ‪ :)680 /‬مرداس بن حدير بن عامر ابن عبيد بن كعب الربعي الحنظلي التميمي‪ ،‬أبو‬
‫بلل ويقال له مرداس بن أدية وهي أمه‪ ،‬من عظماء الشراة‪ ،‬وأحد الخطباء البطال العباد ‪ ،‬شهد صفين مع علي‪ ،‬وأنكر التحكيم‪،‬‬
‫وشهد النهروان وسجنه عبيد ال بن زياد في الكوفة‪ ،‬ونجا من السجن فجمع نحو ثلثين رجل ونزل بهم في آسك (بالهواز بين‬
‫رامهرمز وارجان) وأذاع في الناس أنه لم يخرج ليفسد في الرض ول ليروع أحدا‪ ،‬ولكن هربا من الظلم‪ ،‬وأنه ل يقاتل إل من‬
‫يقاتله‪ ،‬ول يأخذ من الفيء إل أعطياته وأعطياته أصحابه‪ ،‬فوجه إليهم عبيد ال بن زياد جيشا كبيرا فهزموه ووجه ثانيا يقوده‬
‫عباد بن علقمة المازني فنشب قتال في يوم جمعة إلى الظهر‪ ،‬وتوادع الفريقان إلى ما بعد الصلة فلما كان مرداس وأصحابه في‬
‫صلتهم أحاط بهم عباد فقتلهم عن آخرهم وحمل رأس مرداس إلى ابن زياد‪.‬وهو أخو عروة بن حديد‪ .‬ر‪ :‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‬
‫‪،225-2/214‬ر ‪ :‬الشماخي‪ :‬السير ‪،67-66‬ر‪ :‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/86‬ر‪ .‬عوض خليفات ‪ :‬نشأة الحركة الباضية ‪،‬‬
‫ط‪.‬عمان‪.‬الردن‪1978.‬ص ‪ ،70‬وشك في انتصار ‪ 40‬على ‪ 2000‬ورجح أن الحوار أقنع القائد الموي أسلم بن زرعة بصحة‬
‫وجهة نظر مرداس‪ .‬لكن السؤال المطروح كيف قوبل هذا القائد من سادته المويين؟ وكذلك أحببنا لو علق خليفات على الخيانة‬
‫التي اعتمدها القائد الثاني لستئصال مرداس وجماعته‪ .‬وتبقى القضية فعل محل نظر‪.‬‬
‫(‪ )43‬عبيد ال بن زياد ابن أبيه(‪ :)686-67/648-28‬وال فاتح من الشجعان جبار خطيب ولد بالبصرة وكان مع والده لما مات‬
‫بالعراق فقصد الشام‪ ،‬فوله عمه معاوية خراسان سنة (‪ )53/673‬فاقأم بخراسان سنتين ثم نقله معاوية إلى البصرة أميرا عليها(‬
‫‪ )55/675‬فقاتل الخوارج واشتد عليهم وأقره يزيد على إمارته(‪ )60/679‬وكان مقتل الحسين على يديه‪ ،‬وثب عليه أهل البصرة‬
‫بعد موت يزيد (‪ )65/684‬فاختفى في الشام وقتله إبراهيم بن الشتر عندما تفرق عنه أصحابه في خازر من أرض الموصل‪.‬ر‪:‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم ‪.348-4/347‬‬
‫(‪ )44‬جابر بن زيد(‪ :)711-93/710‬هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الزدي الجوفي البصري العماني‪ ،‬والجوفي نسبة إلى ناحية‬
‫بعمان‪ .‬وأصله من فرق وهي بلدة من أعمال نزوى بالقرب منها‪ ،‬وكان من اليحمد من ولد عمرو ابن اليحمد‪ .‬ولد لسنتين بقيتا‬
‫من خلفة عمر بن الخطاب أي(سنة ‪.)642-21/641‬رحل في طلب العلم وصاحب عبدال بن عباس وكا أشهر من صحبه وقرأ‬
‫عليه‪ ،‬كما أخذ عن جمع غفير من الصحابة إذ يقول‪ ":‬أدركت سبعين رجل من أهل بدر فحويت ما بين أظهرهم إل البحر" يعني‬
‫ابن عباس لغزارة علمه‪ .‬لقد استقر في البصرة ونسب إليها وهو أصل المذهب الباضي‪ ،‬وهو أول من جمع الحديث في ديوان(‬
‫مفقود) تروي المصادر أنه وقر بعير‪.‬‬
‫وقد أخذ عنه العلم ناس كثير من بينهم المام الثاني للباضية وهو أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة التميمي‪ ،‬وعنه روى الربيع‬
‫بن حبيب كتاب الجامع الصحيح وهو عمدة الباضية في الحديث ط بالقاهرة بالمطبعة السلفية ‪ .1349‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‬
‫‪ ،212-2/205‬والشماخي‪ :‬السير‪70 :‬ر‪ :‬الناميك الطروحة ص ‪ 93-54‬وقد أحال على كل المصادر الباضية وغير الباضية‬
‫ر‪.‬عوض خليفات‪ :‬نشأة الحركة الباضية ص ‪.102-86‬‬
‫(‪ )45‬وخردلة‪ :‬أجار المام اغتياله لنه كان ضمن المحكمة ثم فضح شيئا من أسرارهم‪ .‬ر‪ :‬الشماخي‪ :‬السير‪.76-75:‬‬
‫(‪ )46‬نافع بن الزرق (ت ‪ :)65/685‬نافع بن الزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي الحروري أبو راشد‪ ،‬رأس الزارقة وإليه‬
‫نسبتهم‪ .‬كان أمير قومه وفقيههم‪ .‬من أهل البصرة صحب في أول أمره عبدال بن عباس وله أسئلة رواها عنه‪ ...‬وكان هو‬
‫وأصحابه من أنصار الثورة على عثمان ووالوا عليا إلى أن كانت قضية اللتحكيم بين على ومعاوية فاجتمعوا في حروراء وهي‬
‫قرية من ضواحي الكوفة‪.‬‬
‫ويقول الذهبي إنه كان يذهب إلى سوق الهواز ويعترض الناس بما يحير العقل‪ .‬ولما ولي عبيد ال بن زياد إمارة البصرة(‬
‫‪ )55/680‬في عهد معاوية اشتد على الحروريين وقتل زعيمهم أبا بلل سنة ‪.61/680‬‬
‫سار في نصرة عبدال بن الزبير على المويين لكن لما علم الحروريون موقفه من عثمان انفضوا من حوله‪ ،‬وكان من‬
‫المشاركين في اجتماع المحكمة في البصرة سنة(‪ .)64/683‬وتروي المصادر الباضية أن عبدال بن إباص تخلف مع آخرين‬
‫بينما خرج نافع ومن وافقوه واستمروا في مقاتلة المويين‪ ،‬وقاتله المهلب بن أبي صفرة ولقي الهوال في حربه‪ ،‬وقتل يوم‬
‫"دولب" على مقربة من الهواز‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.8/317 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬ل بد من التحري في أخبار نافع بن الزرق وجماعته فحتى المصادر الباضية انساقت مع جميع كتب التاريخ في التهجم‬
‫على الزارقة ولعلها كانت أشد لن المنطلق واحد ثم كان الفتراق بعد اجتماع البصرة‪.‬‬
‫(‪ )47‬عبدال بن اباض التميمي المري(تقبل ‪" :)86/705‬إمام أهل التحقيق والعمدة عند شغب أولي التفريق"(الشماخي‪:‬السير‬
‫‪ .)77‬سكتت المصادر عن نشأته الولى إل أنها تشير إلى أنه كان يعمل برأي المام جابر بن زيد ونسب المذهب إليه لبروزه على‬
‫المواجهة السياسية خاصة في اجتماع المحكمة بالبصرة سنة (‪ )64/683‬وانفصاله على أساس عدم جواز تشريك من يقام الذان‬
‫في مساجدهم‪ .‬وكذلك في مراسلته لعبد الملك بن مروان (‪.)705-86/685-65‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد وضح موقف الباضية من الحداث السياسية بجرأة رغم ما فيها من إساءة للمويين‪.‬ر‪ :‬البرادي‪ :‬الجواهر ‪.167-165‬‬
‫والراجح أنه توفي قبل ‪.86/705‬ر‪ :‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪،2/214‬ر‪ :‬الشماخي‪ :‬السير‪.77:‬ر‪ :‬عوض خليفات ‪ :‬نشأة الحركة‬
‫الباضية ‪،85-75‬ر‪ .‬عمار الطالبي‪ :‬أراء الخوارج الكلمية ‪.1/193‬‬
‫(‪ )48‬اجتماع عبدال بن إباض ونافع بن الزرق في صومعة الجامع‪ ":‬وذلك أمن المسلمين بعد قتل أبي بلل اجتمعوا بجامع‬
‫البصرة وعزموا على الخروج‪ ،‬وفيهم عبدال بن إباض ونافع بن الزرق ووجوه المسلمين‪ ،‬فلما جن الليل سمع عبدال دوي‬
‫القراء وترنين المؤذنين وحنين المسبحين فقال لصحابك أعن هؤلء أخرج معهم ‪ ،‬فرجع وكتم أمره"(البغطوري‪ :‬سير مشائخ‬
‫نفوسة ص ‪3‬خ بمكتبة سالم بن مروان ‪.‬البرادي‪ :‬الجواهر ص ‪.156‬‬
‫(‪ )49‬رسالة إلى عبد الملك بن مروان ‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر ص ‪.156‬‬
‫(‪ )50‬ما لم نعثر على نص للزارقة أي من إنتاجهم الخاص يبقى في أحكامنا لهم أو عليهم نظر‪ ،‬ونحن نعلم مثل أن رسالة‬
‫عبدال بن إباص تسكت عنها في ما نعلم جميع كتب التاريخ عدا ورودها في المصادر الباضية‪ ،‬رغم أن هذه المصادر تتحدث‬
‫عن عبدال بن إباص ‪ ،‬ولعل المر كذلك بالنسبة إلى نافع ابن الزرق وإن كانت كتب التاريخ تورد له عدة مراسلت وخطب لكن‬
‫ماذا تنتخب من هذا التراث؟‪.‬‬
‫(‪ )51‬الستعراض‪ :‬قتل كل المخالفين على أساس أنهم مشركون‪.‬‬
‫(‪ )52‬الهجرة‪ :‬أن تتحول إلى معسكرهم‪.‬‬
‫(‪ )53‬القعود‪ :‬وصمة رمى به الزارقة الباضية لتخليهم عن الخروج‪.‬‬
‫(‪ )54‬ودليلهم على ذلك قوله تعالى‪ (:‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (‪.6‬النعام‪)121.‬‬

‫وبقيت حركة جابر بن زيد وعبدال بن اباض تنتظر إلى أن تحول قول جماعة نافع بن الزرق إلى‬
‫عمل فبرئت منها لنها رأت فيها خروجا عن الدين بتحميل النصوص القرآنية مال تتحمل من‬
‫التأويل (‪.)55‬‬

‫وعلى هذا الساس فهم جابر بن زيد وعبدال بن إباض الخروج بأنه مروق من الدين‪ ،‬وهذا عبدال‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بن إباض يقول في رسالته إلى عبد الملك‪ ":‬إنا برآء إلى ال من ابن الزرق وصنيعه وأتباعه‪ ،‬لقد‬
‫كان حين خرج على السلم في ما ظهر لنا‪ ،‬ولكنه أحدث وارتد وكفر بعد إسلمه فنبرأ إلى ال‬
‫منهم" (‪.)56‬‬

‫وبهذا المفهوم تستعمل المصادر الباضية حديث المروق من الدين‪.‬‬

‫وعلى هذا الساس نفهم لماذا يرفض الباضية تسميتهم بالخوارج رفضا باتا لنهم يعتبرون أن‬
‫الخوارج هم المارقة من الدين‪.‬‬

‫وإن استعملت بعض المصادر القديمة كلمة خوارج وهي تعني جماعة المسلمين فإنها كانت تميز‬
‫بين الخوارج وتعتبرها مرادفة للشراء (‪ )57‬وبين خوارج الجور‪.‬‬
‫وأن تكون الكلمة مرادفة للشراء أي اعتزال الحكم الجائر على أل يقاتلوا إل من قاتلهم على طريقة‬
‫أبي بلل مرداس بن حدير (‪. )58‬‬

‫بينما خوارج الجور تعني المروق من الدين‪ ،‬والناظر في نصوص الباضية المتعارفة مثل خطبتي‬
‫أبي حمزة الشاري (‪ )59‬في مكة والمدينة وفي سيرتهم العملية عندما تحملوا أعباء المامة يتبين‬
‫أنهم يبرأون من الخوارج بهذا المفهوم قول وعمل ويعتبرون أعمالهم من الضللت والبدع‪.‬‬

‫وهذا أبو الخطاب عبد العلى المعافري (‪ )761 -757 /144 -140‬يتولى محاربة الصفرية في‬
‫القيروان عندما استنجد به أهلها (‪. )60‬‬

‫فالفارق واضح حينئذ بين " أهل الدعوة" وهي التسمية التي غلبت على من عرفوا في ما بعد‬
‫بالباضية وبين الخوارج بالمفهوم الذي بينه الباضية‪.‬‬

‫====================‬

‫(‪ )55‬ر‪ :‬البرادي‪ :‬الجواهر‪156-155 :‬‬


‫(‪ )56‬نفس المصدر‪165 :‬‬
‫(‪ )57‬الشراء‪ :‬هو مسلك من مسالك الدين عند الباضية وهي أربعة‪:‬‬
‫الظهور‪ :‬المامة الباضية شورى بينهم‪.‬‬
‫الدفاع‪ :‬تعيين أمام في حالة محاربة العدو وتنتهي إمامته بانتهاء الحرب‪.‬‬
‫الشراء‪ :‬من شروطه أن يجتمع أربعون من المخلصين فيبيعون أنفسهم في سبيل ال وهدفهم معسكر السلطان ول يقاتلون إل من‬
‫قاتلهم‪.‬‬
‫الكتمان‪ :‬تكوين نظام داخلي للباضية‪.‬‬
‫ر‪ .‬عمرو بن جميع‪ :‬مقدمة التوحيد ط ‪.1392/1973 2‬ص ‪.69‬‬
‫(‪ )58‬قال أبو بلل‪... ":‬فإني ل أجرد سيفا ول أخيف أحدا ول أقاتل إل من قاتلني" كما قال أيضا‪ ":‬أريد أن أهرب بديني وأديان‬
‫أصحابي من أحكام هؤلء الجورة"ر‪ :‬المبرد‪ :‬الكامل ‪.2/183‬‬
‫(‪ )59‬أبو حمزة المختار بن عوف(ت ‪ :)130/748‬المختار بن عوف بن سليمان بن مالك الزدي السليمي البصري‪ .‬ثائر‪ .‬من‬
‫الخطباء القادة‪ .‬ولد بعمان‪ .‬إباضي‪ .‬أرسله أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة وبلج بن عقبة نجدة لعبد ال بن يحيى (طالب الحق)‬
‫وتوجه أبو حمزة من اليمن يريد الشام لقتال مروان بن محمد وتبعه جميع أهلها‪ ،‬ومر بالمدينة فقاتله أهلها في قديد" فقاتلهم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ودخلها عنوة ثم تابع زحفه نحو الشام‪ ،‬وقد ألقى خطبة بمكة وأخرى بالمدينة ما تزال كتب الدب تنوه بقيمتها البلغية‪.‬‬
‫فوجه مروان بن محمد إليهم جيشا بقيادة عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي وانتهت المعركة بمقتل أبي حمزة ‪ 130/748‬ر‪:‬‬
‫الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ 267-2/258‬وقد أورد الخطبتين ص ‪ 266‬و ‪.267‬‬
‫ر‪ :‬الشماخي‪ :‬السيرص ‪،101-98‬ر‪ :‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.8/71‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ص ‪ 127-126‬وأبو الخطاب هو أحد حملة العلم إلى المغرب وهو من أصل يمني‪.‬‬

‫فإن كان هؤلء يعتبرون دار المخالفين دار شرك ويقولون بالستعراض والخروج وتحريم القعود‬
‫فإن أهل الدعوة يعتبرون دار المخالفين دار توحيد عدا معسكر السلطان فإنه دار حرب ل دار شرك‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪. )61‬‬

‫ول يقولون بالستعراض ول يستحلون من المحاربين إل دماءهم ول سبي ول غنيمة على طريقة‬
‫علي بن أبي طالب مع طلحة والزبير‪.‬‬

‫كما يقولون أل هجرة بعد الفتح ويقررون مبدأ القعود عن الثورة وسموا ذلك مسلك الكتمان حيث ل‬
‫يجيزون الخروج إل إذا صار عددهم نصف عدد العدو وكذا العدة والطاقة‪.‬‬

‫فثبت حينئذ أن التسميات التي اختارها هؤلء الناس لنفسهم منذ تاريخهم المبكر هي" المحكمة"‬
‫"المسلمون" "جماعة المسلمين" "أهل الدعوة" كذلك انضافت في ما بعد "أهل الحق" و"أهل‬
‫الستقامة"‪.‬‬
‫كما قبلوا على ما يبدو التسمية التي أسندت إليهم وعرفوا بها عند كتاب المقالت من القرن الرابع‬
‫هجري وهي" الباضية" ويبدو أنها لم تظهر لول مرة إل في عقيدة من عقائدهم معروفة بالدينونة‬
‫الصافية لعمروس ابن فتح (‪ 61( )896 /283‬مكرر)‪.‬‬

‫إل أن كلمة "أهل الستقامة" و"أهل الدعوة" بقيتا مستعملتين مع "الباضية" وان غلبت في‬
‫العهود الخيرة كلمة الباضية‪( .‬مع غلبة تسمية أخرى تختلف بين إباضية المشرق وإباضية‬
‫المغرب وهي "الوهبية"‪.‬‬

‫وإن رأى إباضية المشرق أنها نسبة إلى المام عبدال بن وهب الراسبي فإن إباضية المغرب يرون‬
‫أنها نسبة إلى المام عبد الوهاب بن رستم (‪ )62( )826 -787 /211 -171‬إثر التصدع الذي طرأ‬
‫في صفوف الباضية من قبل من أنكروا إمامة عبد الوهاب‪.‬‬

‫ولم يتأفف الباضية في ما نعلم من نسبتهم إلى عبدال بن إباض لنه أحد أئمتهم وإن اعتبروها‬
‫مجرد تسمية للتمييز وإل فهم متمسكون بتسميتهم الولى‪ ":‬جماعة المسلمين" وهي المحببة لديهم‬
‫مع "أهل الدعوة"‪.‬‬

‫وإن تعجب بعضهم (‪ )63‬من تأفف الباضية من حشرهم في زمرة الخوارج وحاول أن يلطف من‬
‫الحدة الواردة في كتب الملل والنحل وفي كتب المحدثين على الخوارج عامة (‪)64‬ويسعى آخر (‪)65‬‬
‫إلى أن يمسح السبة بإبراز مزايا الخوارج واعتبارهم أنصار المام علي فإن هذا ل يحول من الواقع‬
‫شيئا فإن الباضية قاسوا من هذه النسبة من إخوانهم المسلمين آلما كثيرة وسنركز خاصة على ما‬
‫جاء في نصوص القرون المقررة‪.‬‬

‫ولنذكر بعضا من هذه اللم في ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إخراج سحنون (‪ )854 -776 /240 -160‬إياهم مع جملة من أخرج من جامع عقبة عندما طهر‪-‬‬
‫حسب رأيه‪ -‬هذا الجامع من أهل الهواء والبدع (‪ )66‬ولعلهم لو لم يكونوا تحت هذا العنوان لبقوا‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وإن كان قرار المام صارما فل حياة إل لمذهب مالك (‪. )67( )795 -712 /179 -93‬‬

‫‪ -‬واقعة مانو(‪ )68( )896 /283‬التي لم يبق فيها من علماء الباضية إل اثنان بعد أن كانوا‬
‫أربعمائة والتي تقرب فيها إبراهيم الثاني الغلبي (‪ )901 -874 /289 -261‬أحسن قربى إلى ال‬
‫عندما ثبت لديه كفرهم (‪.)69‬‬

‫‪ -‬حملة المعز بن باديس(‪ )1061 -1015 /453 -406‬على جربة (‪. )70( )1039 -431‬‬

‫‪ -‬إزالة الباضية من منطقة قصطيلية (الجريد)‪ :‬فنزل عسكر لصنهاجة على قلعة بني درجين أرسله‬
‫المعز بن باديس فحاصرها حصارا شديدا وذلك سنة (‪ )1048 /440‬فلما اشتد عليهم الحصار ول‬
‫منجد لهم خرجوا عليهم خروج رجل واحد يقاتلون حتى قتلوا عن آخرهم واستبيح ما في القلعة‬
‫وهدمت وأحرقت (‪.)71‬‬

‫‪ -‬تخريب يحي بن إسحاق الميورقي (ت ‪ )1236 /633‬لسدراته ووارجلن سنة ‪ ،1326 /726‬وإن‬
‫كانت حملته أوسع من الهجوم على الباضية يقول الدرجيني في ذلك‪ ":‬فلما كانت سنة ست‬
‫وعشرين أو سبع وعشرين دخلها يحيى بن إسحاق الميورقي المتلثم فهدم كل ما دار عليه سورها‬
‫إلى المسجد وعادت وارجلن كأن لم تغن بالمس" (‪.)72‬‬

‫‪ -‬هجوم درغوث باشا على جربة سنة ‪ "1553 /960‬فهاجمهم درغوث باشا ودخل الجزيرة ونزل‬
‫على الساحل القبلي واجتمع أهل الجزيرة وقاتلوا قتال شديدا وترادفت العربان مع درغوث باشا‬
‫فانهزم أهل الجزيرة واستشهد منهم ألف ومائتا شهيد (‪ )73‬ثم بعد حين أعدم شيخها داود التلتي(‬
‫‪.)1560 /967‬‬
‫‪-‬‬
‫هذا شيء مما نال الباضية من الضير نتيجة نسبتهم إلى الخوارج‪.‬‬
‫كما أننا مهما نوهنا بالخوارج لضم الباضية إليهم فلن نقلب وجه التاريخ ونمسح ما فعل‪.‬‬

‫=========================‬

‫(‪ )61‬انظر ما يلي ص ‪506‬‬


‫(‪ 61‬مكرر) النامي‪ :‬الطروحة ‪ .2/43‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪.38-11‬‬
‫(‪ )62‬عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم(‪ .)826-211/687-171‬ثاني أئمة بني رستم أخذ العلم عن أبيه‪ .‬وتنوه المصادر‬
‫بغزارة علمه ورجاحة عقله‪ .‬وقد سلك والده مسلك عمر بن الخطاب فجعل المامة شورى بين سبعة ممن رأى فيهم‬
‫الصلح‪.‬ورغم ذلك أنكر إمامته يزيد بن فندين أحد العضاء المختارين للشورى وخلف بن السمح عامله بطرابلس لكنه استطاع‬
‫بحكمته إخماد هاتين الثورتين واستقر المر له طيلة أربعين سنة عرفت فيها المامة ازدهارا ملحوظا‪.‬ر‪ :‬ابن الصغير‪ :‬تاريخ‬
‫الدولة الرستمية بتاهرت ص ‪ 15-9‬نشر بكلية الداب والعلوم النسانية تونس ‪.1976‬ر‪ :‬سليمان ابن عبدال الباروني‪ :‬الزهار‬
‫الرياضية ‪ .2/166‬المطبعة البارونية القاهرة د‪ .‬ت ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.334-4/333‬‬
‫(‪ )63‬عمار الطالبي‪ :‬آراء الخوارج الكلمية‪.‬ط الجزائر ‪. 1/205 1398/1978‬‬
‫(‪ )64‬ويقول ‪ " :1/207‬وليس هذا دفاعا عن الخوارج" نفس المصدر السابق ‪.1/205‬‬
‫(‪ )65‬سليمان بن يوسف‪ :‬الخوارج أنصار المام علي‪ .‬دار الشعب قسنطينة الجزائر ‪.1403/1983‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )66‬كان أول من شرد أهل الهواء من المسجد الجامع‪ ،‬وكانوا فيه حلقا للصفرية والباضية مظهرين لزيغهم‪ .‬أبو العرب‬
‫القيرواني (‪ :)333/944‬طبقات علماء إفريقية وتونس‪ .‬الدار التونسية للنشر ‪1968‬ص ‪.184‬ولزيادة التفصيل عن سحنون(‬
‫‪ )854-240/771-160‬ر‪ .‬نفس المصدر ص ‪ 187-184‬مع التعليق ‪1‬ص ‪.184‬‬
‫(‪ ) )67‬بماذا قابل المام عبد الرحمن بن رستم (‪ )784-168/776-160‬هذا النغلق؟ لقد قابله بالتسامح المطلق حيث مكن‬
‫جميع الفرق من التعايش في جامع تاهرت ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/126‬‬
‫(‪ )68‬مانو‪ :‬موقع بين شط الفجاج وخليج السرت الصغير‪ ،‬جنوب قابس‪ ،‬قرب مارث أو مارث نفسها(مارتا الرومانية) ر‪ .‬محمد‬
‫حسن تحقيق السير‪ .‬م ‪.3/559‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ :‬الشماخي‪ :‬السير ‪268‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬المارة الغلبية‪.‬ط باريس ‪ .302-1966.301‬وعن إبراهيم‪:‬ر‪ .‬ح حسني عبد‬
‫الوهاب‪ :‬خلصة تاريخ تونس‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪1968.‬ص ‪.67‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪ 296 :‬وبه جميع الحالت‪ ،‬وعن المعز‪.‬ر‪.‬ج‪.‬حعبد الوهاب‪ :‬خلصة تاريخ تونس‪.109:‬‬
‫(‪ )71‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪،2/284‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ .467-466‬ر‪ .‬صالح باجية‪ :‬الباضية بالجريد‪ .‬دار بو سلمة‪ ،‬تونس‬
‫‪ 1396/1976‬ص ‪ ".151-147‬وعمدوا إلى المسجد الكبير من مساجد الوهبية وغسلوه بمياه كثيرة‪...‬يعتقدون أن ذلك لتطهير‬
‫المسجد"‪.‬‬
‫(‪ )72‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪.2/164‬‬
‫(‪ )73‬محمد أبو رأس ‪ :‬مؤنس الحبة في أخبار جربة ‪ .‬تحقيق محمد المرزوقي‪ .‬المطبعة الرسمية‪ .‬تونس ‪1960‬ص ‪113‬‬
‫ر‪ .‬ترجمة التلتي في ما يلي ‪ ،96‬وعن درغوث باشا ر‪.‬ح ح عبد الوهاب خلصة تاريخ تونس ص ‪.154‬‬

‫أما من حيث التأليف الدفاعية في باب العقيدة فما تزال تبرأ من النتساب إلى الخوارج منذ كتب أهل‬
‫الدعوة في العقيدة وقد كتبوا كثيرا في هذا الباب‪.‬‬

‫فهذا جابر بن زيد كان يأتي الخوارج فيقول لهم‪ ":‬أليس قد حرم ال دماء المسلمين بدين فيقولون‬
‫نعم‪ .‬وحرم ال البراءة منهم بدين فيقولون نعم‪ .‬فيقول‪ :‬أو ليس قد أحل ال دماء أهل الحرب بدين‬
‫بعد تحريمها بدين؟ فيقولون بلى‪ .‬فيقول وحرم ال وليتهم بدين بعد المر بها بدين‪ .‬فيقولون نعم‪.‬‬
‫فيقول هل أحل ما بعد هذا بدين فيسكتون" (‪. )74‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وهذا عبدال بن إباض يبرأ من الزارقة (‪ )75‬ويقول الشماخي‪ ":‬وله مناظرات مع الخوارج‬
‫وغيرهم" (‪.)76‬‬

‫كما ينسب إليه الزكوي ما يلي‪ ":‬والبراءة ممن زعم أن كل دار يحكم فيها بغير ما أنزل ال ل يعذر‬
‫أحد بالمقام فيها حتى يهاجروا وأن الميت والقاتل والزاني والسارق وصاحب الموبقات في دار‬
‫هجرتهم مسلمون وأن فيها الثواب عند ال‪ ،‬وأن دار الهجرة ليس فيها منافق ول فاسق وأن ليس‬
‫فيها ما كان في دار رسول ال صلى ال عليه وسلم مع إنكارهم جلد شارب الخمر وهم يجلدون من‬
‫أخطأ محبتهم وهم الزارقة وأصناف الخوارج" (‪.)77‬‬

‫وهذا عمروس بن فتح الملوشائي يقول‪ ":‬وقالت الصفرية بتشريك أهل الكبائر من أهل التوحيد‬
‫واستحلوا سبي ذراريهم وغنيمة أموالهم (‪. )78‬‬

‫وهذا أبو زكرياء يحيى الجناوني (ق ‪5‬و ‪ /6‬ق ‪11‬و ‪ )79( )12‬يقول‪ ":‬وليس منا من قال إن‬
‫الهجرة باقية بعد فتح مكة وليس منا من قال كل من يحل دمه يحل ماله" (‪. )80‬‬

‫وهذا تبغورين بن عيسى الملشوطي (‪ )12 /6‬يقول في الصفرية‪ ":‬ولو كانوا (البغاة) مشركين كما‬
‫قالت الصفرية‪ ":‬إن كل من أصاب ذنبا مشرك يحل سبيه" لحل منهم السبي والغنيمة كما قالوا‬
‫وزعموا" (‪.)81‬‬

‫ويقول أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني (‪" :)12 /6‬وزلة الخوارج نافع بن الزرق وذويه‬
‫حين تأولوا قول ال تعالى‪ ( :‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون )(‪ 6‬النعام ‪ )121‬فأثبتوا الشرك لهل‬
‫التوحيد حين أتوا من المعاصي ما أتوا ولو أصغرها" (‪.)82‬‬

‫ويقول أبو عمار عبد الكافي(‪ ":)12/ 6‬وقالت الصفرية إن كبائرهم (أهل الملة) كفر شرك‪،‬‬
‫وأسماءهم كفار مشركون محاربون كأهل حرب النبي صلى ال عليه وسلم تسفك دماؤهم وتسبى‬
‫ذراريهم وتغنم أموالهم وهم مع ذلك قد تورث أموالهم‪ ،‬وتنكح نساؤهم‪ ،‬وتؤكل ذبائحهم‪ ،‬ويحجّ‬
‫معهم‪ ،‬ويصلى معهم‪ ،‬فقسمت الزارقة واختارت فأخذوا ما أبوا وتركوا ما كرهوا" (‪. )83‬‬

‫وجاء في آخر رده عليهم ما يلي‪ ":‬ومما يؤثر عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ل هجرة‬
‫بعد فتح مكة" وقد أتى الناس على منازلهم بعد فتح مكة وغيرها من البلدان فلم يضيق على أحد‬
‫منهم في اللحوق به صلى ال عليه وسلم " (‪. )85()84‬‬

‫وهذا إسماعيل الجيطالي(‪ )1349 /750‬يقول‪ ":‬ومن الناس من ضلوا من قبل فرز ما بينهما (كبائر‬
‫الشرك وكبائر النفاق) (‪ ، )86‬فزعمت الزارقة أن المعاصي كلها كبائر شرك وكفر واستدلوا بقوله‬
‫تعالى ( ومن يعص ال ورسوله فقد ضل ضلل مبينا ) (‪ 33‬الحزاب ‪ )36‬وفي أمثاله من القرآن ‪.‬‬
‫وقالت النجدية منهم‪ :‬الكبائر كلها شرك وأما الصغائر فل" (‪. )87‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وهذا أبو القاسم البرادي (‪ )15 /9‬يبين أن الباضية ليسوا من الخوارج فيقول‪ ":‬والمؤمن عند‬
‫الخوارج هو المصوب لرأيهم المهاجر إلى معسكرهم المعتقد اعتقادهم‪ ،‬فهذا عندهم مؤمن مسلم‬
‫وإن ترك الصلة وشرب الخمر وزنا وسرق" وقال قبل ذلك‪ ":‬والمؤمن عندنا (الباضية) في أحكام‬
‫الخرة هو الموفي بجميع الدين وفي أحكام الدنيا هو المقر" (‪. )88‬‬

‫========================‬

‫(‪ )74‬الشماخي‪ :‬السير ص ‪76‬‬


‫(‪ )75‬انظر ما سبق ‪52‬تعليق ‪48‬‬
‫(‪ ) )76‬الشماخي‪ :‬السير ص ‪77‬‬
‫(‪ )77‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪ .‬آخر المجلد الثالث ص ‪ .21‬ونوافق صاحب البحث على أن نص العقيدة يصعب أن يكون من تأليف‬
‫عبدال بن إباص‪ ،‬وإن كنا ل نستبعد وجود نواة لها زمن عبدال بن إباص‪ ،‬والنص مستوحي من مراسلته مع عبد الملك بن‬
‫مروان‪ .‬سرحان بن سعيد الزكوي‪ :‬كشف الغمة ص ‪21‬‬
‫(‪ )78‬عمروس بن فتح‪ :‬الدينونة الصافية ‪.‬ص ‪.5‬خ بالمكتبة البارونية‪ .‬وللتعرف على عمروس ومن سيذكر من علماء الباضية‬
‫انظر ما يلي‪ :‬الفصل الثاني‪.‬‬
‫(‪ )79‬أنظر ما يلي‪:‬‬
‫(‪ )80‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬عقيدة نفوسة ‪.‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪ .‬آخر المجلد الثالث‪13 :‬‬
‫(‪ )81‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪ .‬حققه النامي‪.43 :‬‬
‫(‪ )82‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪ .1‬البارونية ‪ ( .1/15‬ويعد الباضية فرق مستقلة)‪.‬‬
‫(‪ )83‬أبو عمار الكافي‪ :‬الموجز ‪2/116‬‬
‫(‪ )84‬البخاري‪ :‬صيد ‪ ،10‬جهاد ‪ ،194 27 ،1‬مناقب النصار ‪ .45‬مغازي ‪ 53‬مسلم‪ :‬إمارة ‪ .86‬الترمذي‪ :‬سير ‪ .33‬النسائي‪:‬‬
‫بيعة ‪ .15‬ابن ماجه‪ :‬كفارات ‪ .12‬الدارمي‪ :‬سير ‪.69‬أحمد ‪.1/226،2/215.3/22‬ونسنك‪ :‬المعجم‪7/67 :‬‬
‫(‪ )85‬أبو عمار عبد الكافي‪2/69 .‬‬
‫(‪ )86‬انظر ما يلي ‪519‬و ‪520‬‬
‫(‪ )87‬الجيطالي‪ :‬قواعد السلم‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بكلي ط ‪ 1‬المطبعة العربية غرداية ‪1977.1/37‬‬
‫(‪ )88‬أبو القاسم البرادي‪ :‬رسالة الحقائق ط ضمن مجموعة رسائل د‪.‬ت ص‬

‫أما القرون الثلثة التي تعنينا فقد جاءت فيها صيغة البراءة من الخوارج قائمة على منهجين‪:‬‬

‫المنهج الول‪ :‬منهج مجرد خلل بعض النصوص عند التعرض لبعض مسائل الخلف مثل قضية‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬أو قضية السماء والحكام (‪. )89‬‬

‫وهذا واضح في قول المحشي(‪ ":)17 /11‬وسموا صفرية لتباعهم عبدال بن الصفار وقيل لنهم‬
‫خرجوا من دين ال‪)90( ....‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقوله‪ ":‬قالت الصفرية (‪ )91‬من أتى بالقول وضيع العمل فهو مشرك"‪.‬‬

‫وقوله‪ ":‬النجدية (‪)92‬من الخوارج (‪ )93‬فزعموا أن الناس ل يحتاجون إلى إمام وإنما عليهم أن‬
‫يقيموا كتاب ال في ما بينهم‪.‬‬

‫وليس ذلك بشيء لنه يدعو إلى السيئة في دين ال والتعطيل لحدود ال وتضييع المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وقد أمر ال عز وجل أن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن تقام حدوده‬
‫على ما بينها في كتابه" (‪.)94‬‬

‫قد يستشهد بنص طويل تحليلي من كتاب الموجز في وجوب المامة‪.‬‬

‫وقد سلك هذا المسلك يوسف المصعبي أيضا حيث يقول‪ ":‬والصفرية من الخوارج كما نبه إلى ذلك‬
‫أبو عمرو عثمان بن خليفة في رسالته الموضوعة لبيان الفرق" (‪. )95‬‬

‫ويقول أيضا‪ ":‬عمل الخوارج يعكس هذه القاعدة الفقهية ‪ ":‬كل ماله يورث حرام غنيمته وكل مال‬
‫يغنم حرام ميراثه" (‪.)96‬‬

‫ومثله عمر أو ستة إذ يقول‪ ":‬والمارقة من الزارقة والنجدية والصفرية القائلين بأن اليمان كله‬
‫توحيد والمعصية كلها شرك واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم بفعل المعصية بعد قول رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال وإني رسول ال وإنه بعثني‬
‫بالحق والبعث بعد الموت فإذا قالوها فقد حقنوا مني دماءهم وأموالهم وسبي ذراريهم إل بحقها قيل‬
‫وما حقها يا رسول ال؟ قال‪ :‬زنا بعد إحصان وارتداد بعد إيمان وقتل النفس ظلما وعدوانا" (‪.)97‬‬

‫وقال جابر بن زيد ‪:‬أزيد رابعة من كتاب ال وهي قتل الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر ال" (‪. )98‬‬

‫" ومع هذا يستحلون من مرتكب الكبيرة المناكحة والموارثة وأكل الذبيحة" (‪.)99‬‬

‫فواضح من خلل هذا المنهج أن القضية لم تنس مع بعد الزمن‪ ،‬ونصوص العقائد ملحة على التمييز‬
‫بين الباضية وبين الخوارج ونكتفي غالبا بالستشهاد بنصوص السلف من أمثال أبي يعقوب أو‬
‫السوفي دون أن ترجع إلى القضية من جذورها‪.‬‬

‫وهذا يختلف عن المنهج الثاني اختلفا جوهريا وهو منهج الردود‪.‬‬

‫====================‬

‫(‪ )89‬انظر ما يلي‪...‬إشارة إلى أن الحكام الشرعية ناتجة عن تحديد السماء فإذا قلت إن الكفر يعني الشرك فكلما أطلقت الكلمة‬
‫نتج عنها معاملة المشرك‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )90‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ص ‪ .54‬انظر التعليق الموالي‪.‬‬


‫(‪ )91‬يقول الشعري‪ ":‬ومن الخوارج الصفرية أصحاب زياد بن الصفر " المقالت‪ .1/184 :‬وكذلك البغدادي‪ :‬الفرق بين الفرق‬
‫ص ‪ .178‬ويعلق المحقق‪ ":‬سموا بمهلب ابن أبي صفرة‪ ،‬والجمهور" ص ‪ ،178‬تعليق ‪ .1‬ويرى السفراييني(‪ )471/1078‬أنهم‬
‫أتباع زياد الصفر‪ ".‬التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكين" ‪ .‬تحقيق كمال يوسف الحوت ط‪ .‬بيروت‬
‫‪:1403/1983‬ص ‪ .53‬وقد ورد ذكر عبدال بن الصفار عند الطبري‪ :‬تاريخ الملوك ‪.4/359‬‬
‫(‪ )92‬نفس المصدر ص ‪55‬‬
‫(‪ )93‬النجدية‪ :‬انظر‪ .‬الشعري‪ ،‬مقالت السلميين ‪1/174‬‬
‫(‪ )94‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ص ‪79‬‬
‫(‪ )95‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .‬ص ‪ .59‬وللتعريف بالمصعبي انظر ما يلي ‪141‬‬
‫(‪ )96‬نفس المصدر والصفحة‬
‫(‪ )97‬البخاري‪ :‬إيمان ‪ .32/36‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .17.28‬صلة ‪ .28‬زكاة ‪ .1‬اعتصام ‪ .28 .2‬أبو داود‪ :‬جهاد ‪ .95‬الترمذي‪ :‬تفسير‬
‫سورة الغاشية‪ .‬النسائي‪ :‬زكاة ‪ .3‬ابن ماجه‪ :‬فتن ‪ .3-1‬الدارمي‪ :‬سير ‪ .10‬أحمد بن حنبل ‪ .4/8‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪1/99‬‬
‫(‪ )98‬أبو عمر السوفي‪ :‬كتاب السؤالت خ مكتبة بو شداخ فاتو ص ‪ .56‬أضيف النص لتمام المعنى‪.‬‬
‫(‪ )99‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول لما عليه السلف الول‪ .‬خ المكتبة البارونية‪ ،‬الحشان جربة ص ‪.38‬‬

‫المنهج الثاني‪ :‬عرفت مناطق الباضية في هذه المرحلة تقلصا واضحا إلى أن انحصرت في جبل‬
‫نفوسة وجربة ووارجلن ووادي ميزاب‪.‬‬

‫وعايشهم في مناطقهم وأتباع المذاهب الخرى خاصة منهم المالكية وظلوا ينبزونهم بالخارجية في‬
‫قوالب متعددة أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬التكفير والبعد عن السنة‪.‬‬


‫‪ -2‬الحق مع الكثرية‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -3‬بغض الصحابة‪.‬‬
‫‪ -4‬رد شهادتهم لدى القضاة ومنعهم من التجارة أحيانا‪.‬‬
‫‪ -5‬الفرقة الناجية هي المذاهب الربعة‪.‬‬

‫وسلكوا في هذا مسالك شتى أبرزها كتابة رسائل هجومية منسوبة إلى أصحابها مثل رسالة صولة‬
‫الغدامسي والبهلولي (‪ )100‬وبعض علماء طرابلس أو رسائل خفية السم تلقى في مساجد الباضية‬
‫في وارجلن والجزائر فاندفع الباضية بحماس للرد على هذه التهم التي ما كان يمكن أن تكون لول‬
‫حشرهم في زمرة الخوارج‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫يقول الشماخي(‪ :)16 /10‬قولك‪ ":‬ومن المعلوم الذي عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وأصحابه هو ما عليه أهل السنة والجماعة"‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ما ادعيت لنفسك تدعيه لنفسها كل فرقة وهذا فصل أتعب الولين والخرين وعليك أن تبين‬
‫أهل السنة‪...‬‬

‫اعلم أن المعتزلة تقول نحن أهل العدل والتوحيد والحق معنا‪ ،‬ونحن على ما عليه الصحابة بل على‬
‫ما كان عليه أفضل المة بعد الشيخين أعني أمير المؤمنين عليا وعنه أخذوا وهو باب مدينة العلم‬
‫الراسخ الذي ل يصله أحد‪.‬‬

‫وأهل الشام من المرجئة يرون أنهم التابعون لما عليه أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وأن‬
‫غيرهم اجتمع على قتل المام المظلوم‪.‬‬

‫والشيعة يقولون الحق في أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وإن المة ظلموهم وتمسكنا‬
‫بهداهم ورفضوهم واعتصمنا بهم‪.‬‬

‫وأهل التحكيم يرون أن المة مالت إلى الدنيا بين ظالم وناكث وباع ومحكم الرجال في دين ال وترك‬
‫حكم ال في قوله ( فقاتلوا التي تبغي ) (‪ )101‬وإنهم فقهاء المة وكبراء الصحابة وأهل التقى‪:‬‬

‫والقعدة‪ -‬أعنى من قعد عن الفتنة‪ -‬يقولون إن الناس تورطوا في الفتنة وسلمنا بعد قوله عليه‬
‫السلم‪ " :‬ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" (‪.)102‬‬

‫ولكن نسأل ال أن يقودنا إلى خير العمال ما يكون سببا لنجدتنا من النار" (‪.)103‬‬

‫وفي لهجة دفاعية متحمسة تبين هذه المصادر أن تسمية أهل السنة والجماعة تسمية فضفاضة إذ‬
‫تجد من الختلف في العقائد بين من يضمهم لواؤها في كثير من الحالت أكثر مما تجده من خلف‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مع فرق أخرى ل يضمها هذا اللواء‪.‬‬

‫وهذا رد الشماخي‪ ":‬قولك‪ ":‬وأهل السنة كلهم متفقون على واحد"‪.‬‬


‫أقول ‪:‬ذلك يأباه من أخبرتك عنهم به بل يعدونهم فرقا كثيرة" (‪.)104‬‬

‫ويكفي أن نذكر بإحراق كتب الغزالي (‪)105‬لنه اعتبر أن الحق ليس مقصورا على الشعري‬
‫وتفسير مالك للداء العضال كما نقله ابن حبيب‪ ":‬ذلك أبو حنيفة (‪ )106‬ضلل الناس بوجهين‬
‫الرجاء ونقص السنن بالرأي فهو عندنا أشأم مولود في السلم ضل به خلق كثير وهم متمادون‬
‫في الضلل بما شرع لهم إلى يوم القيامة" (‪. )107‬‬

‫======================‬

‫(‪ )100‬وصولة الغدامسي والبهلولي لم نتمكن من العثور على تعريف بهما‪.‬‬


‫وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا‪ ) )101‬جزء من قوله تعالى‪ :‬بينهما فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي‬
‫تبغي حتى تفيء إلى أمر ال فإن ( ‪49‬الحجرات ‪[ )9‬فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب المقسطين‬
‫(‪ )102‬خطبة حجة الوداع‪.‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ . 120-118‬قيامة ‪ .29‬بخاري‪ :‬علم ‪ .43‬أضاحي ‪ .5‬أبو داود‪ .‬سنة ‪ .15‬الترمذي‪:‬‬
‫فتن ‪ .28‬الدارمي مناسك ‪ .76‬أحمد ‪ ...2/85‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.2/221‬‬
‫(‪ )103‬الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ ،‬خ بالمكتبة البارونية‪ ،‬الحشان جربة‪47-46 :‬‬
‫(‪ )104‬نفس المصدر‪53:‬‬
‫(‪ )105‬الغزالي(‪ )1111-505/1058-450‬ر‪.‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪.248 -7/247‬‬
‫(‪ )106‬أبو حنيفة( ‪ )767 -150/699 -80‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪5-9/4 :‬‬
‫(‪ )107‬الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪49:‬‬

‫ومدار هذه الردود مع ما فيها من العتزاز والتحدي الممزوج بالرفق أحيانا على ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬ليس الحق مقصورا على واحد منهم (يقصد المذاهب) ول في جميعهم بل الحق ما وافق الكتاب‬
‫والسنة والجماع‪.‬‬

‫‪-‬وآراء الباضية لم تخرج في يوم من اليام عن هذه الصول فهم أبعد الناس عن الكفر مذهبهم‬
‫سني ل محالة وإن لم يحشرهم الناس في ظلل أهل السنة‪.‬‬

‫كما أن حشر الباضية في زمرة الخوارج جعل التهم تسلط عليهم اعتمادا على أن‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪-2-3‬‬
‫‪:‬‬

‫فهذا أبو عبدال الصدغياني يرد على أن الكثرة ليست دليل على الحق‪ ":‬وتستظل ببني العباس‬
‫وبني أمية(‪ )108‬شراب الخمور‪ ،‬ومظهري الفجور بغاة‪ ،‬قطاع الطرق‪ ،‬وهم الشعرية كلهم يدانون‬
‫بكم وتنتصرون بهم‪ ...‬وقد كان نوح عليه السلم لبث في قومه ألف سنة إل خمسين عاما فنجا في‬
‫السفينة وحده ومعه ثلثة من بنيه ونساؤهم‪ ..‬وتبع فرعون موسى بأربعين ألف ألف‪ ،‬فلما خرجوا‬
‫من البحر بعدما غرق فرعون( قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة )(‪ 7‬العراف ‪ )138‬ثم‬
‫عبدوا العجل ثم قالوا لموسى‪ (:‬فاذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون(‪)24‬قال رب إني ل أملك‬
‫إل نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين )(‪ .5‬المائدة ‪24‬و ‪ )25‬فسماهم ال فاسقين‪...‬‬
‫وقال ( قل ل يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث )(‪ .5‬المائدة ‪ )109()100‬فالكثرة‬
‫حينئذ بصريح القرآن ليست دليل على الحق‪.‬‬

‫" كما أن قلتهم وهجرتهم ضمن القليل الذين جعلهم ال حجة على العباد ( وقليل من عبادي الشكور‬
‫)(‪ .34‬سبأ ‪( )13‬وقليل ما هم )(‪ .38‬ص ‪.)24‬‬

‫وقلت‪ :‬تفرقوا (الباضية) في البلدان بعضهم بعمان وبعضهم في المغرب‪ .‬ولقد هاجر إبراهيم وحده‬
‫ولوط‪ .‬وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة فارا منم قومه وهؤلء جعلهم ال حجة‬
‫في الدنيا بعضهم بالمشرق وبعضهم بالمغرب لئل يكون للناس على ال حجة بعد قيام البراهين‬
‫الساطعة والحجج القاطعة" (‪.)110‬‬

‫وعلى هذا الساس يقلب الصدغياني الحجة فتصير الكثرة سبة والقلة مدحة‪.‬‬

‫ويندرج ضمن هذا السياق اعتبار الباضية من فرق الخوارج الضالة عدم انضوائها تحت لواء"‬
‫المذاهب الربعة" وفي ذلك يقول أبو مهدي‪" :‬وأما قول من قال‪ :‬المذاهب أربعة فذلك قول ليس له‬
‫مستند ول برهان إذ لم تذكر الربعة في القرآن ول نص عليها صاحب الشرع والبيان بل قال‪:‬‬
‫"ستفترق"(‪ )111‬ولم يقع الجماع من الصحابة على الربعة‪ ...‬وإنما حدثت المذاهب الربعة في‬
‫القرن الثاني هـ‪ /‬الثامن م‪ ،‬فالنبي صلى ال عليه وسلم ذكر واحدة ناجية وأنتم تدعون أربعا المالكية‬
‫والشافعية والحنفية والحنبلية فقد خالف قولكم أصلكم"(‪. )112‬‬

‫ويورد التعاريتي لمحمد بن عبد العظيم المكي الحنفي‪ ":‬اعلم أنه لم يكلف ال أحدا من عباده أن‬
‫يكون حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا بل أوجب عليهم اليمان بما بعث به محمدا صلى ال عليه‬
‫وسلم والعمل بشريعته"(‪. )113‬‬

‫وقال فيها أيضا نقل عن الجلل السيوطي في كتاب الرد على من أخلد إلى الرض وجهل أن‬
‫الجتهاد في كل عصر فرض بعد كلم‪ ":‬فليعلم أن من أخذ بأقوال الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة أو‬
‫مالك ولم يرد قول من اتبع منهم ومن غيرهم إلى قول غيره‪ ،‬ولم يعتمد على ما جاء في القرآن أو‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫السنة غير صارف ذلك إلى قول إنسان بعينه‪ ،‬أنه قد خالف إجماع المة كلها أولها عن آخرها بيقين‬
‫ل شك فيه‪ ،‬وأنه ل يجد لنفسه سلفا ول إنسانا ناصرا له في جميع العصار المحمدية وقد اتبع‬
‫سبيل غير سبيل المؤمنين نعوذ بال من هذه المنزلة" (‪)114‬‬

‫=======================‬

‫(‪ ) 108‬ويذكر في الرسالة أيضا لعنهم لعلى‪ ":‬وقد كان معاوية يلعن عليا على المنابر أربعين سنة‪ ،‬وهذا مشهور والتكذيب فيه‬
‫بهتان‪ ،‬وكيف تتولون عدو ‪:‬ط من قال لخيه كافر فقد باء أحدهما بالكفر والبادي أظلم"‪ε .‬وليكم وقد قال النبي البخاري أدب‬
‫‪ .37‬مسلم إيمان ‪ .111‬أحمد بن حنبل ‪.2/18‬ر‪ .‬ونسنك‪ .‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث ‪ .6/41‬أبو عبدال الصدغيانيك رسالة‬
‫إلى أهل وارجلن‪.‬ج المكتبة البارونية ‪ :‬الحشان جربة ‪.17‬‬
‫(‪ )109‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارحلن‪15:‬‬
‫(‪ )110‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن‪ .16-15 :‬وهو متقدم عن مرحلتنا وعلى هذا النسق ينسج عيسى ابن‬
‫أبي القاسم الباروني بتاريخ صفر ‪ :1206/1791‬الرسالة الغدامسية‪ ،‬خ بالمكتبة البارونية‪ ،‬الحشان جربة‪.‬‬
‫(‪ )111‬انظر ما سبق ‪33‬‬
‫(‪ )112‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ ،‬من جواباته‪ :‬خ البارونية‪ .‬الحشان جربة ‪123‬‬
‫(‪ )113‬سعيد التعاريتي‪ :‬المسلك المحمود‪.‬ط حجرية‪ .‬تونس ‪.89/:1321‬‬
‫(‪ )114‬سعيد ابن تعاريت المسلك المحمود‪ ،89 :‬جلل الدين السيوطي‪.)1505-911/1445-849 ( :‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪:‬‬
‫‪73-4/71‬‬

‫بمثل هذا الدفاع نفهم لماذا تسمى الباضية بأهل الدعوة أو جماعة المسلمين كما أنهم لم يقبلوا أن‬
‫يكون لهم مقام في الحرم المكي كما فعلت المذاهب الربعة (‪ ،)115‬وهم يعتبرون أنفسهم أهل تقييد‬
‫ل أهل تقليد ويعتزون بأنك ل تجد للمام الذي نسبوا إليه مسألة فقهية ففقههم تبلور شيئا فشيئا وإن‬
‫كان منطلقه جابر بن زيد‪ ،‬لكن ل تجد في كتب الباضية هالة تقديس للمام جابر رغم اعتراف سائر‬
‫العلماء له بسعة العلم‪.‬‬

‫وتحس أن هذه القضايا ل تمس النتساب إلى الخوارج مباشرة لكنك إذا تأملت مليا تدرك أنها نابعة‬
‫من ذلك النتماء‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪-4‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫معلوم أن لهجة الباضية الولى كانت حادة تجاه عثمان في الست سنوات الخيرة من حكمه وكذلك‬
‫تجاه علي بعد قبوله التحكيم أما مع معاوية وعمرو بن العاص فحدث ول حرج وقاعدتهم في ذلك أن‬
‫الصحابة رغم صحبتهم للرسول عليه السلم يمكن أن يصيبوا ويمكن أن يخطئوا في اجتهادهم (‬
‫‪. )116‬‬

‫إل أن لهجة الباضية في هذه القرون قد نقصت حدتها نسبيا وانهم يحفظون في كتب العقيدة"‬
‫وندين بتصويب أهل النهروان" وسلكت أحد المسالك المعروفة وهو الولية (‪.)117‬‬

‫وهذا ما يقوله يوسف المصعبي‪ ":‬وكذا ما عليه أصحابه الراشدون المهتدون رضي ال عنهم‬
‫وأخصهم به العشرة الكرام البررة الذين بايعوه تحت الشجرة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي‬
‫وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح رضي ال عنهم‬
‫أجمعين وجعلنا لثارهم تابعين وبسننهم مستمسكين غير مبدلين ول مغيرين إلى أن نلتحق بدار‬
‫كرامتهم آمين‪.‬‬

‫ونعتقد أن الكل عدول يهتدي بهم‪ ،‬ونمسك عما شجر بينهم كما يحكى عن السيد عمر بن عبد العزيز‬
‫أنه قال‪ :‬تلك دماء طهر ال منها أيدينا فل نلوث بها ألسنتنا‪.‬‬

‫فال ربنا ومحمد نبينا والقرآن إمامنا والكعبة قبلتنا والصحابة قدوتنا‪.‬‬

‫وقد وردت آيات وأحاديث في مدحهم خصوصا وعموما وليست رسالتنا موضوعة لبسط الكلم" (‬
‫‪. )118‬‬

‫وقد عدد هذه النصوص أبو مهدي (‪ )16 /10‬بعد أن قال" قولك‪ :‬بلغنا عنكم أنكم تبغضون بعض‬
‫الصحابة فيا سبحان ال كيف نبغض الصحابة مع ورود النصوص في فضائلهم والثناء عليهم كتابا‬
‫وسنة يأبى ال ذلك والمسلمون بل هم عندنا في الحالة التي ذكرهم ال عليها من العدالة والنزاهة‬
‫والطهارة والثناء والمدحة‪.‬‬

‫قال ال تعالى‪ (:‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون‬
‫بال)(‪ .3‬آل عمران ‪.)110‬‬

‫وهم بالحالة التي وصفهم بها رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ قال‪ ":‬أصحابي كالنجوم بأيهم‬
‫اقتديتم اهتديتم" (‪.)119‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وغير ذلك من المدح والثناء عليهم‪.‬‬

‫اللهم زدنا محبتهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين (‪.")120‬‬

‫ول تفهم هذه النصوص إل بالتذكير بإطارها التاريخي حيث صار الباضية يعيشون في طور الكتمان‬
‫والهجومات عليهم عديدة فنحس أنهم عدلوا من موقفهم في هذه القضية دون أن يخلوا بأصول‬
‫مذهبهم خاصة إذا أخذت النصوص بالمفهوم العام فل شك أن الباضية يترضون على الصحابة‬
‫ونص أبي مهدي أكثر وضوحا من حيث التعميم وما أخال أبا مهدي لو سئل عن معاوية وعمرو بن‬
‫العاص خاصة أن تكون إجابته من هذا القبيل‪.‬‬

‫ول يخفى أن هذه التهمة وجهت للباضية من أجل الخارجية وقد علمنا أنها تسمية تمازج فيها‬
‫المفهوم الديني (المروق من الدين) مع المفهوم السياسي (الخروج عن علي) بالنسبة إلى غير‬
‫الباضية طبعا‪.‬‬

‫‪-5‬‬
‫في‬
‫هذه المرحلة في طرابلس ومنعهم من التجارة في البلدان التي يحكمها إسماعيل بن شريف سلطان‬
‫مراكش (‪.)121( )1726 -1671 /1139 -1083‬‬

‫=========================‬

‫(‪ )115‬أبو مهدي عيسى بن اسماعيل‪ ،‬من جواباته‪123:‬‬


‫(‪ )116‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ .‬رسالة عبدال إباص إلى عبد الملك بن مروان ‪164-158‬‬
‫(‪ )117‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول ‪25‬‬
‫(‪ )118‬يوسف المصعبي‪ :‬رسالة إلى أحمد باشا والى طرابلس‪ ،‬خ البارونية‪ .‬الحشان جربة‪5 :‬‬
‫(‪ )119‬لم يرد في معجم ونسنك‬
‫(‪ )120‬أبو مهدي عيسى بن اسماعيل‪ :‬من جواباته‪130-129 :‬‬
‫(‪ )121‬انظر ما يلي ص ‪171‬‬

‫وهذه فقرات من الرسالة التي وجهها يوسف المصعبي لهل طرابلس وعلى رأسهم أحمد باشا‪.‬‬

‫"وذلك أنه بلغنا أن جماعة من أهل الجزيرة شهدوا في قضية في مجلسهم الشريف وتنفيذهم‬
‫الحكام الشريفة‪ .‬وأخبركم بعض من يدعي العلم من الواشين أن شهادتهم غير مقبولة فدخلت‬
‫وسوسة لقلوبكم وقلوب أولي اللباب فأدهشتهم وحاروا في الجواب لتصوير كلم الواشي في قالب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الصواب وعدم اطلعكم على عقيدة الجماعة في الكتاب‪.‬‬

‫ولما بلغنا ذلك وجب علينا أن نخبركم بعقيدة الجماعة أول ونكافح الواشي وحده ثانيا بسنان اللسان‬
‫وواضح البرهان ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن ال لسميع عليم)(‪ .8‬النفال‬
‫‪.)42‬‬

‫فرتبت الرسالة على أصل وفرع وخاتمة‪:‬‬

‫فالصل في بيان عقيدتنا التي نحيى عليها ونموت إن شاء ال" (‪.)122‬‬

‫" ولنصرف العنان إلى بيان الفرع الموعود بذكره فأقول وبال التوفيق‪:‬‬

‫" هذا الصل المتقدم إنما قصدت به إيضاح المعتقد لذوي النصاف من الخوان الولة والقضاة‬
‫والعلماء ذوي الحسان دون كل غبي متعصب متعسف كذاب سباب‪...‬‬

‫وأي بهتان أعظم من رمي المسلمين بالطعن فيهم وإدخالهم عموما في جملة من ترد شهادته من‬
‫أهل الفسق والضلل من الفرق الضالة والمضلة من الروافض والخوارج‪.)123( ...‬‬

‫‪ ...‬قال أهل العلم‪ :‬والغالون هم الخوارج المارقة والصفرية وأشياعهم وغلوهم هو حكمهم بأن‬
‫جميع المعاصي شرك وجميع العصاة مشركون وبنوا على ذلك تحليل دماء المسلمين وأموالهم‬
‫وسبي ذراريهم وكفروا بعض الصحابة بذلك رضي ال عنهم إلى غير ذلك من خبائثهم"‪.‬‬

‫ثم أورد نصوصا غير إباضية في تجويز قبول شهادة المبتدع‪ ":‬والصح قبولها إن كان ضابطا‬
‫ورعا ولم تكن بدعته كفرا ولم يكن يدعو إليها"‪.‬‬

‫فإذا نص هؤلء الئمة على جواز قبول شهادة من ذكر مع ما هم عليه من اعتقادهم فكيف بشهادة‬
‫من كانت عقيدته ما رأيت وسمعت‪"...‬‬

‫ثم أورد نصوصا عديدة تبين أن الدين ليس منحصرا في المذاهب الربعة‪.‬‬

‫"قال الغزالي‪ :‬من زعم أن الحق مقصورا على واحد من النظار بعينه فهو إلى الكفر أقرب" (‪.)124‬‬

‫" الخاتمة‪ :‬أسئله للواشي في مسائل مختلفة لبراز عجزه وجهله" (‪. )125‬‬

‫وفعل لعبت الرسالة دورها وعادت شهادة الباضية إلى نصابها في طرابلس‪.‬‬

‫ويذكر عيسى ابن أبي القاسم الباروني (‪ )18 /12‬ما يوحي بأن نفس القضية‪ -‬أي رفض شهادة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباضية‪ -‬حدثت في تونس‪.‬‬

‫ول شك أن العزابة تصدوا لهذا المر لكن لم نعثر على نص التصدي ونرجح أن يكون لسعيد‬
‫الجادوي أو يوسف المصعبي اعتمادا على التاريخ الوارد في الوثيقة التي أوردها عيسى الباروني‬
‫(سنة ‪ 1120‬ربيع الثاني‪ /‬جويلية ‪.)1708‬‬

‫" وبعد فقد اتفق علماء تونس على تجويز شهادة العزابة في العموم والخصوص ل سيما أهل‬
‫الصلح لن شهادة من أتى بالقول والعمل أبلغ ممن أتى بالقول وضيع العمل" (‪.)126‬‬

‫"‪000‬وأن القادح فيهم يستتاب من ذلك‪ ،‬فان تاب وإل قتل شرعا‪".‬‬

‫حرر بتاريخ أشرف الربيعين ‪ /1120‬جويلية (‪1708 )127‬بمحضر المير حسين باي بن علي (‬
‫‪.)1734 -1705 /1147 -1117‬‬

‫إن اتضح أن محور هذه الوشايات يقوم على اعتبار الباضية من الخوارج وطعنهم في الصحابة فإن‬
‫وشاية أخرى حددت الطعن في الشيخين ونتج عنها قرار سلطاني من إسماعيل بن شريف سلطان‬
‫مراكش(‪ 11‬ذي الحجة ‪ 27 -1082‬رجب ‪ 14 /1139‬أبريل ‪ 30 -1672‬مارس ‪ )1727‬يمنع تجار‬
‫جزيرة جربة من تعاطي التجارة في البلدان التي يحكمها‪.‬‬

‫وهذه فقرات من الرسالة التي وجهها سعيد الجادوي (‪ )18 /12‬إلى السلطان المذكور‪ ":‬أتى إلى‬
‫سيادتك نمام‪ ،‬ونسب إلينا ما ل ينسب إلى مسلم‪ ...‬من بغض الشيخين أبي بكر وعمر وغيرهما‪...‬‬
‫فوال العظيم ونبيه الكريم (‪ )128‬ما هذه إل فرية عظيمة‪ ...‬وأما نحن فنقول فيهما سيدا أهل الجنة‬
‫لما ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة‪.)129( "....‬‬

‫ثم يورد عدة أحاديث ويختم بـ" هذه أحاديث تدل على أفضلية الشيخين وإنما أوردناها لنعلم من قال‬
‫فينا خلف معتقدنا فيهما" (‪.)130‬‬

‫=========================‬

‫(‪ )122‬يوسف المصعبي‪ :‬رسالة لحمد باشا‪2-1:‬‬


‫(‪ )123‬نفس المصدر‪4:‬‬
‫(‪ )124‬يوسف المصعبي‪ :‬رسالة لحمد باشا‪9 :‬‬
‫(‪ )125‬نفس المصدر‪14 -10:‬‬
‫(‪ )126‬عيسى الباروني‪ :‬رسالة في الرد على رسالة جاءت من غدامس ‪ 13‬وعيسى ابن أبي القاسم الباروني(‪ )12/18‬يستنتج‬
‫من رسالته أنه من علماء ( القرن ‪ ،)12/18‬وكذلك نستنتج نفس الملحظة من حضور أخيه عمرو ابن أبي القاسم الباروني‬
‫الجتماعي العلمي المنعقد بجامع ليمس بحومة آجيم ‪ 1146/1733‬للنظر في قضية شهادة الشهود‪ .‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاربت‪ :‬رسالة‬
‫في تراجم علماء جربة‪:‬ص ‪106‬‬
‫(‪ )127‬نفس المصدر ص‪ 14/‬ونفس الوثيقة أوردها سعيد التعاريتي‪ :‬المسلك المحم المحمود‪ .236:‬وعن حسين باي بن علي‪.‬ر‪.‬‬
‫ح عبد الوهاب‪ :‬خلصة تاريخ تونس‪179:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )128‬المفروض أل يقسم إل بال كما جاء في الحديث‪.‬‬


‫(‪ )129‬ت‪ .‬مناقب‪30 ،‬جه‪ :‬مقدمة ‪11‬ز حم ‪ .1/80‬ونسنكك المعجم ‪.3/18‬‬
‫(‪ )130‬سعيد الجادوي‪ :‬رسالة إلى سلطان مراكش‪.‬خ مكتبة سالم بن يعقوب غيزن‪ .‬جربة‪ .‬ضمن مجلد‪26-24:‬‬

‫ونفهم من هذا الطعن خطأ القادح بين المحكمة الذين يرون أن المثل العلى بعد الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم يتجلى في أبي بكر وعمر وبين الرافضة الذين يرون أنهما اغتصبا الخلفة من علي بن‬
‫أبي طالب‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن المسألة ترتكز عادة على عثمان وبصفة أخص على علي وقد بينا كيف أن‬
‫الردود تأتي عامة عدا رسالة يوسف المصعبي لحمد باشا (‪. )131‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعد أن استجلينا هذا ل ينبغي أن نغفل عما جاء في هذه الردود من المبالغات ول يخلو أي رد من‬
‫المبالغة خاصة إذا كان دفاعا عن العقيدة‪.‬‬

‫وأبرز نقطة يتجلى فيها ذلك ما أورده أبو مهدي من أحاديث في الثناء على أهل عمان والعجم‬
‫والبربر بعنوان فضائل مذهبنا‪.‬‬

‫" وفضائل مذهبنا ول الحمد ل تحصى قديما وحديثا فلو ذكرنا أكثرها في الكتاب لرأيت العجب‬
‫العجاب ولكن نذكر لك بعضها‪ .‬وذلك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صدع وبشر ببعض فضائل‬
‫أهل مذهبنا على رؤوس الشهاد فقال‪ ":‬الصخرة لهل عمان بعرفات" (‪ , )123‬وذلك معروف إلى‬
‫اليوم ول ينكره إل متجاهل وذلك دليل الكرامات‪.‬‬

‫وقد صح أيضا قوله عليه السلم بأوضح البيان " ليكثرن رواد حوضي من أهل عمان" (‪. )133‬‬

‫فيا لها من بشارة ما أعظمها وإشارة ما ألطفها‪.‬‬

‫وذكر أيضا فضائل الفرس من العجم وذلك لما نزل عليه قوله تعالى‪ (:‬ياأيها الذين آمنوا من يرتد‬
‫منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين‬
‫يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة لئم ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال واسع عليم ) (‪.5‬‬
‫المائدة ‪ )54‬أشار إلى سلمان الفارسي وكان جالسا بين يديه فقال‪ ":‬لعلهم أن يكونوا من رهط هذا"‬
‫‪.‬‬

‫وكذا للفاضل البربر من العجم مثل الحديث الذي روته عائشة رضي ال عنها عنه صلى ال عليه‬
‫وسلم وما وصاه به جبريل عليه السلم عن البربر وذلك معلوم غير مجهول‪.‬‬

‫‪ ...‬وإنما صرنا إلى ذكر هذا إزالة للبس وتكذيبا لقول من يقول إن بني مصعب (ميزاب) ليسوا على‬
‫شيء من الدين" (‪. )134‬‬

‫والملحظ أن أبا مهدي لم يختلق هذه الحاديث وإنما استقاها من كتب السير والطبقات‪.‬‬

‫ولم يكن ورودها في هذه المصادر إل رد فعل على ما انتحلته بقية الفرق لثبات أصالتها‪.‬‬

‫وهذه عقلية سادت المجتمع السلمي خاصة في القرن الثاني ه‪ /‬الثامن م حيث اكتسى الصراع‬
‫الديني صبغة عرقية جنسية حاربها السلم بقوة ولكل منطقة شعوبيتها‪.‬‬

‫والملحظ أن هذه الحاديث يقول فيها أحمد الخليلي مفتي عمان إن بعض ما يتعلق بعمان والعجم‬
‫وارد في الصحاح وقد ثبت في أهل عمان حديث ابن برزة السلمي في صحيح مسلم‪ ":‬لو أهل عمان‬
‫أتيت ما سبوك ول ضربوك" وقد ترجم له مسلم بباب فضل أهل عمان‪ .‬وكذلك روى أحمد في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مسنده‪ ":‬إني لعرف أرضا ينضح بجانبها البحر تسمى عمان‪ ،‬الحجة منها بحجتين لو أتاهم‬
‫رسولي ما سبوه ول ضربوه" ‪.‬‬

‫كما أن ما روي في العجم منه ما هو ثابت كحديث أبي هريرة عن الشيخين‪ ":‬لو تعلق الدين بالثريا‬
‫لناله رجال من الفرس" وفي رواية ‪ ":‬من العجم"‪ .‬إل أن ما يتعلق بالبربر يذكر الخليلي أنه لم‬
‫يطلع على شيء منه في مجاميع مسند الربيع بن حبيب عمدة الباضية في الحديث‪.‬‬

‫كما أن أغلب هذه الردود جاءت حادة اللهجة ويصعب على أي إنسان يقرأ مثل هذا القول‪ ":‬إن لم‬
‫تجيبوني بكل ما سألتكم عنه فدماؤكم وأموالكم حلل من ال ورسوله" (‪ ، )135‬أن يبقى محايدا‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك قول عيسى الباروني‪ ":‬أيها الجاهل تزعم أنك علمة زمانك ونحرير أوانك تدعي‬
‫العلم باللسان وتجهله بالجنان‪. )136( "...‬‬

‫"أيها الجاهل أشبعك ال بالهم والغم والحزن في الدنيا والخرة" (‪. )137‬‬

‫=============================‬
‫(‪ )131‬انظر ما سبق ‪74‬‬
‫(‪ )132‬غير وارد في المعجم المفهرس‪ .‬ويقول الشيخ الخليلي" ل أراه إل وهما"‬
‫(‪ )133‬غير وارد في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )134‬انظر‪:‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ 1/16‬اورد منه ما يلي‪:‬‬
‫"فقال‪- ":‬بت في هم شديد‪(ε .‬البربري)‪ :‬يا رسول ال‪-‬‬
‫فقال‪ :‬ما همك؟‬
‫قال‪ :‬تردد بصرك بالمس خفت أن يكون نزل في قرآن‪.‬‬
‫فقال‪:‬ل يحزنك ذلك فإنما ترديدي البصر فيك لن جبريل عليه السلم جاءني‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أوصيك بتقوى ال والبربر‪ .‬قلت‪ :‬وأي البربر؟ قال‪ :‬قوم هذا‪ ،‬وأشار إليك‪ ،‬فنظرت إليك‪ ،‬وما شأنهم؟ قال‪ :‬قوم يحيون دين‬
‫ال بعد أن كاد يموت"‪.‬‬
‫(‪ )135‬كتاب وجد في محراب وارجلن‪ ،‬مجلد به عدة رسائل‪ .‬البارونية الحشان جربة‪14:‬‬
‫(‪ )136‬عيسى الباروني‪ :‬رد على رسالة من غدامس‪12 :‬‬
‫(‪ )137‬نفس المصدر ص ‪23‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن جل هذه الرسائل تعترف بأن قضية التسمية ترجع إلى الفتنة الكبرى التي‬
‫حيرت العقول‪.‬‬

‫فهذا الشماخي يقول‪ ":‬وهذا فصل أتعب الولين والخرين" (‪ ، )138‬كما أن عمر أبا ستة يقر بما‬
‫يلي‪ ":‬ما (الفتنة الكبرى) تحيرت فيه الفكار ودهشت به عقول أولي البصار‪ ...‬وهي الواقع الربع‬
‫الواقعة بين الصحاب الخيار‪ ،‬فتنة الدار‪ ،‬وفتنة الجمل‪ ،‬وفتنة صفين وفتنة النهروان" (‪.)139‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لكن ليس باليد حيلة فلبد من موقف من هذه الفتنة مع العلم أن الحياد نفسه موقف‪.‬‬

‫وقد حاول صاحب المجموع المعول أن يعدد من تخير هذا الموقف المحايد من سلف الباضية معتمدا‬
‫على تأويل نصوص عامة وردت في آثارهم محورها قول جابر بن زيد في ما يسع جهله‪ ...":‬وإنما‬
‫عليه المساك عن جميع ما ل يعرف حتى يعلم الحق من ذلك فيتبعه والباطل فيتجنبه (‪،" )140‬‬
‫فذكر منهم إسماعيل الجيطالي وأبا يعقوب الوارجلني وركز على الدرجيني لنه لم يثر القضية في‬
‫كتاب الطبقات‪.‬‬

‫ولقد أشرنا من قبل إلى أن لهؤلء مواقف من هذه الحداث سوى صاحب الطبقات وما سكت عنها‬
‫حيادا وإنما سكت عنها تقية لن الباضية في منطقة الجريد كانت تحتضر من جراء هجومات‬
‫الفاطميين والصنهاجيين عليها لنهم يضعونها تحت لواء الخارجية (‪. )141‬‬

‫ويتفرد عمر أبو ستة هذا في ما نعلم بهذه الدعوة إلى التوقف في القضية ويلح على ذلك إلحاحا‬
‫كبيرا وقد جاءت رسالته كلها دعوة إلى التآلف بين المسلمين فيقول‪ ":‬وعلى هذا القول بالتوقف (‬
‫‪ )142‬ينبغي حمل غالب المة ول يلزمهم البحث عن ذلك‪ ...‬وهذا القول (التوقف) أقرب القوال إلى‬
‫السلمة‪...‬إن البحث والتعلق بما شجر بينهم رضوان ال عليهم أجمعين تكلف وفضول لمن لم يعلم‬
‫ذلك حيث كان مما يسع جهله " (‪.)143‬‬

‫كما يقول في نصيحة الختام‪ ":‬أوصيكم إخواني وإياي بتقوى ال العظيم في السر والعلنية وإياكم‬
‫والغلو في الدين فإنه ل يتبرأ إل ممن يتعين منه ارتكاب البدع والصرار على المعصية(‪ )...‬وحمدا‬
‫ل أن جمهور المة على الحق وأن الصل في جميعهم السلمة حيث أعاذهم ال من عبادة الوثان"‬
‫(‪. )144‬‬

‫فمن كل هذه النصوص العنيفة في رفض النتساب إلى الخوارج نفهم ما أصاب الباضية من ضير‬
‫وعنت من جراء حشرهم تحت لواء الخوارج بمعنى المروق من الدين‪.‬‬

‫وهذا ما حدا بمن جاء بعد هؤلء من علماء أن يسلكوا نفس المنهج وأذكر منهم على سبيل المثال ل‬
‫الحصر‪.‬‬

‫‪ -‬محمد بن يوسف اطفيش(‪: )145( )1914 -1820 /1332 -1236‬‬

‫إزالة العتراض على محقي أهل إباض ط حجرية على نفقة داود بن إبراهيم اليسجني ‪1314‬هـ‪.‬‬

‫‪ -‬سعيد بن علي ابن تعاريت (ت ‪:)146( )1936 /1355‬‬


‫كتاب المسلك المحمود في معرفة الردود‪ .‬ط‪ .‬حجرية ‪ 1371‬ص ‪.39 -33‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬أبا إسحاق إبراهيم اطفيش (ت ‪: )147( )1966 /1386‬‬


‫‪-‬‬
‫فصل في كتاب " الدين والعلم والحديث" لمحمد عبد الباقي بعنوان‪ :‬الباضية ليسوا خوارج وقد‬
‫ورد ص ‪ 258‬وطبع مستقل بعمان نشر مكتبة الستقامة د‪ .‬ت‪.‬‬

‫‪ -‬إبراهيم أبا اليقظان (‪: )148( )1973 /1888 /1393 -1305‬‬

‫دفع شبه الباطل عن الباضية المحقة‪ .‬خ بمكتبتي‪ .‬بحث مختصر‪.‬‬

‫‪ -‬سالم بن يعقوب (على قيد الحياة) (‪: )149‬‬

‫كراسات بها بحث مطول عن أحداث الفتنة الكبرى وفيه بين أن الباضية ليسوا خوارج‪ .‬اطلعت‬
‫عليها بمكتبته‪.‬‬

‫=========================‬

‫(‪ )138‬الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪46 :‬‬


‫(‪ )139‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪58 :‬‬
‫(‪ )140‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪59 :‬‬
‫(‪ )141‬انظر ما سبق ‪59‬‬
‫(‪ )142‬وأسوته في ذلك من توقفوا من الصحابة مثل سعد بن أبي وقاص ‪23‬ق هـ ‪ )675-55/603-‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪-4/137‬‬
‫‪ ،138‬وزيد ابن ثابت(‪11‬ق هـ‪ )665-45/611 -‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪96-3/95:‬‬
‫(‪ )143‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪60 ،59 ،58 :‬‬
‫(‪ )144‬نفس المصدر‪61:‬‬
‫(‪ )145‬امحمد بن يوسف اطفيش(‪ :)1914-1332/1820-1236‬اشتهر بقطب الئمة لغزارة علمه وكثرة مؤلفاته التي بلغت‬
‫ثلثمائة مؤلف‪ .‬منها ما طبع ومنها ما لم يطبع‪.‬‬
‫ولد بيسجن‪ .‬أخذ العلم عن أخيه إبراهيم بن يوسف اطفيش‪ .‬كان قوي الذاكرة ونبغ من العشرين من عمره‪ .‬تصدى للبدع فاشتد‬
‫عليه الظغط الجتماعي فاعتزل في بنورة طيلة سبع سنوات حيث تفرغ للتأليف ‪ .‬ولما رجع إلى يسجن عين رئيسا للحلقة وجعل‬
‫من داره معهدا للتدريس‪ .‬وأقبل عليه الطلبة من كل مناطق الباضية لتلقي مختلف العلوم السلمية والغوية‪ .‬وقد أخذ عنه سعيد‬
‫ابن تعاريت‪ ،‬وإبراهيم أبو اليقظان‪ ،‬وأبو اسحاق إبراهيم اطفيش وغيرهم ممن واصلوا بث ما أخذوه عنه‪ .‬وتوفي بيسجن سنة‬
‫‪.1332/1914‬ر‪ .‬محمد علي دبور‪ :‬نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة‪ .‬المطبعة العربية بالجزائر ‪-1389/1969.1/239‬‬
‫‪.388‬‬
‫(‪ )146‬سعيد بن علي ابن تعاريت(‪ 1936-1355/1872-1289‬ولد ونشأ بحومة صدغيان بجربة فتعلم بكتاب القرية فحفظ‬
‫نصيبا من القرآن ومبادئ العربية‪ ،‬ادخله والده جامع الزيتونة سنة ‪ 1889‬فقضى به ست سنوات وتخرج بشهادة التطويع سنة‬
‫‪.1312/1894‬‬
‫رجع إلى جربة فبقي سنة يعمل في الشهاد لكتابة العقود‪ .‬ثم أراد أن يزداد تبحرا في خصائص الباضية فرحل إلى يفرن بجبل‬
‫نفوسة سنة ‪ 1314/1896‬فأخذ عن شيخه عبدال الباروني (‪ )1331/1913‬بالبخابخة‪ .‬وكان مدة إقامته مثال للجد والجتهاد‪،‬‬
‫وأبدى قدرة فائقة في الجدل وله نوادر في ذلك‪ ،‬وهناك كتب كتاب المسلك المحمود‪.‬‬
‫ومن هناك رحل إلى وادي ميزاب ‪ 1316/1898‬حيث مكث ثمانية أشهر يحضر دروس شيخه امحمد اظفيش ويساعده في‬
‫التدريس‪.‬‬
‫ورجع إلى جربة سنة ‪ 1317/1899‬حيث استقر للوعظ والتدريس والشهاد وظل يتردد على العاصمة من حين لخر‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد اشتهر بين معاصريه بسرعة البديهة وحدة الذكاء ‪ .‬وكتابه المسلك المحمود يشهد بذلك‪.‬ر‪ .‬تقييدات عن شيخنا سالم بن‬
‫يعقوب خ بمكتبته‪ .‬ومحمد محفوظ‪ :‬تراجم المؤلفين التونسيين ‪ ،‬دار الغرب السلمي ‪ .‬بيروت ط ‪.1،1982.1/235‬‬
‫(‪ )147‬أبو اسحاق إبراهيم اطفيش(ت ‪ :)1386/1966‬ولد يسجن بوادي ميزاب‪ .‬وبها اخذ عن شيخه امحمد اطفيش (ت‬
‫‪ ،)1332/1914‬نفاه الستعمار الفرنسي إلى تونس ثم إلى مصر نتيجة لنشاطه السياسي‪ .‬استقر بالقاهرة في قسم المخطوطات‬
‫اللمغربية بدار الكتب المصرية وتفرغ للبحث والتحقيق والتدريس في بيته بدار الطلبة الباضية‪ .‬وقد استفاد تلميذه سالم ابن‬
‫يعقوب كثيرا من دروسه ومكتبته‪ .‬ويروي عنه عديدا من الخبار التي تدل على الجرأة والشجاعة‪ ،‬وهناك أخذ عنه كثير من‬
‫العمانيين والنفوسيين أيضا‪ .‬حقق كثيرا من النصوص الباضية الهامة في التاريخ والحديث والصول والفقه ونذكر منها‪ :‬تحقيق‬
‫كتاب مختصر الوضع في الصول والفقه(انظر ما يلي ‪ ).146‬كما كان محرر مجلة المنهاج التي اشتهرت بالدفاع عن قضايا‬
‫السلم‪ .‬توفي بالقاهرة سنة ‪ 1386/1966‬أخذت هذه المعلومات عن ابنه امحمد اطفيش وتلميذه سالم بن يعقوب ‪.‬ر‪ .‬عمرو‬
‫مسعود أبو القاسم ‪ :‬الربيع ابن حبيب محدثا‪ ،‬أطروحة مجستير نوقشت بكلية التربية جامعة الفاتح بليبيا سنة ‪198 :1983‬‬
‫مرقونة بمكتبتي‪ ،‬هدية من المؤلف‪.‬‬
‫(‪ )148‬إبراهيم أبو اليقظان(‪ :)1973-1393/1888-1305‬ولد بالقرارة ( جنوب شرقي الجزائر إحدى قرى وادي ميزاب) سنة‬
‫‪ .1305/1888‬درس بها ‪.‬ثم تتلمذ على امحمد اطفيش بين يسجن‪.‬والتحق بتونس للدراسة سنة ‪1330/1973‬ر‪ .‬وقام بها بنشاط‬
‫ثقافي وسياسي كما شارك في الجزائر في تأسيس جمعية العلماء‪ .‬وتفرغ للتأليف بعد سنة ‪ .1356/1938‬وترك ما يقرب من‬
‫ستين مؤلفا من بينها‪ :‬ملحق لسير الشماخي‪ .‬وتوفي بالقرارة سنة ‪ 1393/1973‬ر‪ .‬محمد ناصر‪ :‬أبو اليقظان وجهاد الكلمة ط ‪.‬‬
‫الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر ‪.1980‬‬
‫(‪ )149‬سالم بن يعقوب‪ :‬ولد بحومة غيزن بجربة في مطلع هذا القرن م‪ .‬تعاطى التجارة أول المر في مدينة بنزرت‪ .‬وكان يتردد‬
‫على تونس ويشتاق إلى الدروس‪ .‬وبقي أميا إلى التاسعة عشرة من عمره واستطاع أن يتدارك أمره بسرعة‪.‬‬
‫وأقبل بتلهف على دروس شيخه عمر بن مرزوق من كبار المصلحين بجربة آنذاك (ت ‪ )1381/1961‬بجامع الباسي‪ -‬حومة‬
‫والغ‪ -‬ثم رحل إلى تونس فعاش في مدرسة جامع الزيتونة دون أن ينتسب رسميا‪ .‬لكنه حرص بجد على دروس شيخه محمد بن‬
‫صالح الثميني المشرق على البعثات الباضية الجزائرية بتونس(ت ‪ ،)1391/1914‬وكانت دروسا ليلية محورها كتاب جامع‬
‫أركان السلم للخروصي العماني‪ ،‬وكتاب شرح النيل لقطب الئمة امحمد اطفيش(ت ‪.)1332/1933‬‬
‫ثم انتقل إلى مصر حيث بقي خمس سنوات ‪ ،1938-1357/1934-1351‬وسلك في الزهر نفس المسلك الذي سلكه في‬
‫الزيتونة‪ ،‬وعاش هناك في مدرسة الباضية بطولون‪ .‬وهنالك أيضا اخذ عن شيخه أبي اسحاق إبراهيم اطفيش (ن‬
‫‪ .)1386/1966‬وعكف هناك على مكتبة الباضية بوكالة الجاموس فنسخ من مخطوطاتها نصيبا وافرا‪ ،‬كما نسخ عدة نصوص‬
‫من دار الكتب‪.‬‬
‫ثم استقر في الجزيرة مدرسا وواعظا‪ .‬وعنه أخذت كل ما يتعلق بالباضية ‪ .‬وزائر مكتبته بغيزن يتبين أنها جامعة من كل شيء‬
‫بطرف خاصة في كل ما له صلة بالباضية من قريب أو بعيد‪.‬‬
‫وهو ما يزال على قيد الحياة‪ .‬وما رأيت من أهل العصر من هو أكثر منه إلماما بخفايا تاريخ الباضية‪.‬‬

‫‪ -‬علي يحيى معمر( ‪: )150( )1980 -1919 /1401 -1338‬‬

‫الباضية في موكب التاريخ‪ .‬الحلقة الولى‪ :‬نشأة الباضية ‪ .‬مكتبة وهبة مصر ‪1384‬هـ‪.‬‬

‫الباضية بين الفرق السلمية مكتبة وهبة القاهرة ‪ 1976 /1396‬وبه عدة فصول في الموضوع‪.‬‬

‫‪ -‬عمرو خليفة النامي (‪: )151‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أطروحة عن تطور الفكر الباضي بالنقليزية نوقشت بكمبردج ‪.43 -9 :1971‬‬

‫‪ -‬سالم بن حمود السيابي (‪()152‬على قيد الحياة)‪:‬‬

‫أصدق المناهج في تمييز الباضية من الخوارج‪ ،‬تحقيق سيدة إسماعيل كاشف مطابع سجل العرب‪،‬‬
‫القاهرة ‪.1979‬‬

‫‪ -‬أحمد الخليلي (‪()153‬على قيد الحياة)‪:‬‬

‫استجواب الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة (عُمان) في يوم الثنين ‪ 29‬رجب ‪/1404‬‬
‫‪ ،1984 -4 -30‬نشرته مجلة جبرين وهي مجلة نصف سنوية تصدرها اللجنة الثقافية بنادي طلبة‬
‫عمان في الردن‪.33 -29 :‬‬
‫وخلصة القول فقد تبين أن هذه التسميات " أهل السنة‪ ،‬شيعة‪ ،‬خوارج" لم تكن وحيا من السماء‬
‫كما أنها لم تكن من باب الصدفة وإنما تتنزل في واقع سياسي مائج لعبت فيه الشهوات دورا كبيرا‬
‫فاختار من بيده السلطان أحسن السماء ورمى معارضيه بأسوئها‪.‬‬

‫وما أن ظهرت هذه الفرق على الساحة حتى ظلت كل واحدة تدعي لنفسها الصلح والنجاة وترمي‬
‫غيرها بالطلح والهلك‪.‬‬

‫وانقسمت كل فرقة على نفسها وكذا حدث للمحكمة إذ أفرز ضغط الولة على أتباعها حركة ردت‬
‫التسلط بأشد منه واعتبرت كل مخالف مشركا وأتبعت القول بالعمل فمرقت من الدين كما جاء في‬
‫الحديث وخرجت منه‪.‬‬

‫وظل الناس يخلطون عن قصد وعن غير قصد بينها وبين من بقي من المحكمة على المنهج الول‪،‬‬
‫ولم يبق من هؤلء عبر الزمان إل من اختاروا لنفسهم أسماء هي " جماعة المسلمين" "أهل‬
‫الدعوة" " أهل الستقامة"‪.‬‬

‫وأبى هؤلء الناس إل أن يسموهم " إباضية" فقبلوا ذلك السم لنه نسبة إلى أحد أئمتهم ثم أبوا إل‬
‫أن يحشروهم في زمرة الخوارج فرفضوا هذه التسمية بكل ما أتوا من قوة قول وعمل وما يزالون‪.‬‬

‫وكلما زادوا إلحاحا في نفي هذه النسبة زاد غيرهم من الفرق الخرى إلصاقها بهم إل القليل ممن‬
‫قال هم أقرب إلى السنة ثم صارت أقرب إلى أهل السنة ويضيف لها ما يعدلها مثل " المعتدلة"‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر سواء أضافوا العتدال أو لم يضيفوا بقي الباضية تحت عنوان الخوارج‪.‬‬

‫وقد جنى هذا العنوان على الباضية من الويلت مال يحصى فلذلك قالوا عبر الزمان بلهجات‬
‫متفاوتة يغلب عليها طابع الشدة‪ -‬شدة المتهم الذي يريد أن يبعد تهمة هو منها براء‪ -‬أطلقوا علينا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ما اخترنا لنفسنا من أسماء "أهل الدعوة‪ "...‬أو حتى ما اخترتموه لنا " الباضية" المهم أل‬
‫تقولوا خوارج لن ال حرم التنابز باللقاب‪.‬‬

‫وأخيرا ما يزال علماء الباضية يرفضون هذا اللقب حتى وإن صار في بعض الوساط مدحة وعلما‬
‫على الثورة ورفض الظلم لن هذه الكلمة محملة بثقل تاريخي معين‪ ،‬ويفهمها كل قارئ حسب‬
‫معتقداته حتى ل أقول على هواه‪.‬‬

‫وخير القول أن يعمل المسلمون في ما اتفقوا فيه وأن يعذر بعضهم البعض في ما اختلفوا فيه مع‬
‫فهم الطار العام لهذه المصادر والحق ما وافق الكتاب والسنة والجماع‪.‬‬

‫وبعد الوقوف عند الطار العام يحسن أن نبين حقيقة علم الكلم وأن نتعرف على مصادره الباضية‪.‬‬

‫======================‬

‫(‪ )150‬علي يحيى معمر‪ :)1980-1401/1919-1338( :‬ولد بنالوت وبها تعلم على المقرئ عبدال بن مسعود الباروني‪ ،‬ثم‬
‫دخل المدرسة الرسمية حيث اعتنى به معلمه عيسى بن يحيى الباروني‪ ،‬وأخذ هنالك عن رمضان الليني وقد وفد من جربة‬
‫‪ 1344/1925‬لتدريس الفقه الباضي هنالك تلبية لرغبة أهل نالوت‪ .‬سافر إلى تونس سنة ‪ 1346/1927‬والتقى مرة أخرى‬
‫بشيخه رمضان الليني بمدرسة الباضية‪ ،‬وهنالك تردد على دروس جامع الزيتونة بصفة حرةن ودورس محمد الثميني‬
‫الميزابي(ت ‪ )1391/1971‬وفي تلك الثناء تردد على جزيرة جربة حيث كون مع نخبة من الشباب جمعية دينية للدفاع عن‬
‫السلم‪.‬‬
‫ثم لما بلغه صدى معهد الحياة بالقرارة – وادي ميزاب‪ -‬رحل إليه سنة ‪ ،1357/1938‬حيث بقي سبع سنوات يحضر دروس‬
‫شيخه إبراهيم بيوص(‪ )1401/1981‬في التفسير وما إلى ذلك من العلوم السلمية ويساعده على التدريس أيضا‪.‬‬
‫رجع إلى نالوت سنة ‪ ،1366/1945‬اهتم مدة بالسياسة‪ .‬ثم تفرغ بسرعة للتدريس فارتقى في سلم التعليم حتى استقر بوزارة‬
‫التعليم في منصب إداري سام‪.‬‬
‫وفي الثناء قام بعدة رحلت في العالم العربي‪ ،‬وأنتج عددا من المؤلفات في تاريخ الباضية وفي الدب‪ .‬توفي سنة ‪ 1980‬وأخذنا‬
‫هذه المعلومات عن صديقه الذي عاصره طوال حياته سليمان عون ال‪ :‬رحلة إلى جبل نفوسة سنة ‪1981‬‬
‫(‪ )151‬عمرو خليفة النامي‪ :‬ولد بنالوت ‪ 1942‬وبها تعلم‪ .‬درس بمصر حيث حصل على المجستير في الدب‪ .‬ثم رحل إلى‬
‫بريطانيا حيث أعد أطروحة عن تطور الفكر الباضي ناقشها بكمبردج سنة ‪ .1971‬ثم درس بجامعة الفاتح وكذلك استاذا مستعارا‬
‫بمشيقان بالوليات المتحدة‪ .‬ثم استقر بليبيا حيث عرف غياهب السجون‪ .‬لقد حقق عدة نصوص إباضية هامة أشار إليها في‬
‫أطروحته‪ ،‬وقد أشرنا إليها داخل هذا البحث نذكر أهمها‪ :‬سير نفوسة لمقرن البغطوري(ق ‪ ،)6/12‬ويهمنا في بحثنا تحقيقه لكتاب‬
‫أصول الدين لتبغورين(‪ )6/12‬وكتاب الرد على جميع المخالفين لبي خزر يغل ابن زلتاف(‪ )4/10‬انظر ما يلي ‪ 112‬تعليق ‪65‬‬
‫(‪ )152‬سالم بن حمود السيابي‪ :‬مؤرخ عماني معاصر‪ .‬اشتغل مدة في وزارة العدل بعمان‪ .‬ثم هو الن يشتغل بوازارة التراث‬
‫بعمان حيث يؤلف‪ ،‬ويحقق نصوصا إباضية‪ .‬كتابته على طريقة السلف تعتمد على عرض المعلومات‪ .‬وقد التقينا به في رحلتنا‬
‫الولى إلى عمان في ابريل ‪ 1983‬وهو يناهز السبعين‪.‬‬
‫(‪ )153‬أحمد الخليلي‪ :‬مفتي سلطنة عمان يرجع إلى أسرة عريقة في العلم‪ .‬نشأته الولى كانت في زنجبار‪ .‬عصامي في تكونه إذ‬
‫لم يدرس بأية مدرسة نظامية‪ .‬قوي الذاكرة‪ .‬ثقافته إسلمية شاملة‪ .‬مدرك أحوال عصره‪ .‬ويتجلى هذا في درس التفسير الذي‬
‫يلقيه أسبوعيا بجامع قابوس بروي وقد صدر منه الجزء الول بعنوان جواهر التفسير وأنوار التنزيل ط بعمان ‪.1984‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬التراث الكلمي عند الباضية‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫قال الجاحظ (ت ‪ ":)869 /255‬إنه لول مكان المتكلمين لهلكت العوام من جميع المم‪.)1( "...‬‬

‫وقال الطبري (ت ‪ ":)922 /310‬ثم حدث في دهرنا هذا حماقات خاض فيها أهل الجهل والعناد‪-‬‬
‫نوكي المة‪ -‬والرعاع يتعب إحصاؤها ويمل تعدادها‪.)2( "...‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هذان موقفان متقابلن يدلن على أن وراء القضية معركة‪ .‬فما هو علم الكلم؟ وما هي أسباب هذه‬
‫المعركة؟ وما هي نتائجها في الثقافة السلمية؟ وأين يتنزل التراث الباضي في هذا الخضم؟‪.‬‬

‫تعريف علم الكلم‪:‬‬

‫علم الكلم أو "أصول الدين" أو " علم التوحيد" هو ‪ ،‬حسب قول ابن خلدون (ت ‪،)1406 /808‬‬
‫(علم يتضمن الحجاج عن العقائد اليمانية بالدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في‬
‫العتقادات اليمانية" (‪ . )3‬وهو حسب البرادي (ق ‪ ":)15 -14 /9 -8‬النظر في العقائد القطعيات‬
‫وما ل يحل الختلف فيه من الستدلل بالدلة العقلية والسمعية في أصول العتقاد وتثبيتها" (‪. )4‬‬

‫والمقارنة بين هذين التعريفين تبين أنهما يتفقان في قيام هذا العلم على النظر والحتجاج العقلي‬
‫قصد إثبات العقائد اليمانية القطعية كما تبين أنهما يختلفان في نقطتين‪:‬‬

‫‪ :‬تتمثل في أن ابن خلدون اكتفى بذكر الدلة العقلية بينما ذكر البرادي الدلة السمعية‬
‫فالتعريف الثاني أكثر شمول خاصة إذا علمنا أن علم الكلم من العلوم الساسية العقلية التي تنطلق‬
‫من النص وأن المنهج المتبع لدى جل المتكلمين يقوم على التأويل وذلك برد المتشابه إلى المحكم‪.‬‬

‫‪ :‬تتمثل في أن ابن خلدون اعتبر أن علم الكلم سني المنشأ يرمي إلى الدفاع عن‬
‫مذهب السلف من أهل السنة ولذلك اعتبر أنه علم آني تزول فائدته بزوال السبب وقد أشار إلى ذلك‬
‫بقوله‪ ":‬فينبغي أن يعلم أن هذا العلم غير ضروري لهذا العهد على طالب العلم‪ ،‬إذ الملحدة‬
‫والمبتدعة قد انقرضوا" (‪. )5‬‬

‫بينما لم يشر التعريف الثاني إلى ما يوحي بقضية النشأة والحقيقة أن علم الكلم تبلور على يد‬
‫المعتزلة وهم أول من أقام أسسه‪.‬‬

‫كما سكت أيضا عن النزعة الدفاعية النية واعتبره علما تحصيليا ينفع في كل زمان لتثبيت أسس‬
‫العتقاد وإن كانت المصادر الباضية الخرى تذكر قضية دفع الشبه بصفة مطلقة مثل المحشي (‪)6‬‬
‫والمصعبي (‪. )7‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن علم الكلم ثبت أنه علم تحصيلي يرمي إلى تثبيت العقيدة بدفع جميع ما‬
‫يحوم حولها من شبه دخيلة على الثقافة السلمية أو نابعة من كيانها‪.‬‬

‫وإن عرف هذا العلم بالتسميات التي أشرنا إليها من البداية فلسباب أبرزها‪:‬‬
‫أنه عرف بعلم التوحيد إشارة إلى أبرز موضوعاته وهو توحيد ال تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله‬
‫وعبادته (‪. )8‬‬
‫وعرف بعلم الكلم "إما لنه كلم في كلم ال تعالى وقدمه وحدوثه وقد هزت هذه القضية أركان‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫العالم السلمي ردحا من الزمن وامتحن فيها من امتحن وقتل من قتل‪ ،‬وإما لنه في بيان طرق‬
‫الستدلل على أصول الدين أشبه بالمنطق في تنبيه مسالك الحجة في علوم أهل النظر وأبدل الكلم‬
‫بالمنطق للتفرقة بينهما" (‪. )9‬‬

‫وعرف بأصول الدين‪ ،‬ولعل ذلك يرجع إلى أن العقيدة هي الساس التي يبنى عليها الدين أو إلى‬
‫التمييز بينه وبين علم الفروع الذي عرف بالفقه" (‪. )10‬‬

‫وأهم ما يستنتج من تعدد التسميات هو أن كل مجموعة نظرت إلى المسمى بمنظار محدد من حيث‬
‫موضوعه أو من حيث منهجه أو من حيث غرضه ويبدو أن التسميتين الغالبتين هما ‪ ":‬علم‬
‫الكلم" و"أصول الدين" ولعل الوساط الفلسفية العامة ترجح الكلم بينما الوساط الدينية تغلب‬
‫أصول الدين‪.‬‬

‫وإن وقع الختلف في التسمية فإنه برز أيضا في القضايا التي تندرج ضمن هذا العلم وقد ضبط‬
‫الشهرستاني (‪ )1153 -1086 /458 -479‬الصول الكبرى التي عولجت في هذا الفن عند كل‬
‫الفرق وهي أربعة‪:‬‬

‫‪ -1‬الصفات والتوحيد فيها‪.‬‬


‫‪ -2‬القدر والعدل فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬الوعد والوعيد والسماء والحكام‪.‬‬
‫‪ -4‬السمع والعقل والرسالة والمامة (‪. )11‬‬

‫ونلحظ أن الشهرستاني في هذا الحصر يكاد يغفل عن المر بالمعروف والنهي عن المنكر إذ وإن‬
‫أمكن حشره ضمن المامة فإنه يبقى مستقل عنها خاصة عند المعتزلة‪ ،‬كما أنه ل يذكر الولية‬
‫والبراءة وهي أصل من أصول الباضية‪ .‬وعلى كل فذاك اجتهاد من الشهرستاني قصد منه السيطرة‬
‫على موضوع حير العقول‪.‬‬

‫ويحسن أن نذكر أن المصادر الباضية تكتفي بذكر أربعة من هذه القضايا أحيانا إل أنها تصل بها‬
‫إلى عشرة غالبا وهي‪ ":‬التوحيد‪ ،‬القدر‪ ،‬العدل‪ ،‬الوعد والوعيد‪ ،‬المنزلة بين المنزلتين‪ ،‬أل منزلة‬
‫بين المنزلتين‪ ،‬والسماء والصفات والمر والنهي‪ ،‬والولية والبراءة‪ ،‬والسماء والحكام" (‪. )12‬‬

‫======================‬
‫(‪ )1‬الجاحظ‪ :‬الحيوان ط عبد السلم هارون ‪ ،3،1969.4/206‬وعن الجاحظ ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.5/239‬‬
‫(‪ )2‬السيوطي‪ :‬صوت المنطق والكلم‪.‬ص ‪ 90‬نقل عن كتاب الطبرى الموسوم ب"صريح السنة" وعن الطبري ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم‪.6/294 :‬‬
‫(‪ )3‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة ‪.‬ط‪ .‬بيروت ‪ ،1967‬ص ‪ .821‬وعن ابن خلدون ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.4/106‬‬
‫(‪ )4‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪ ،22:‬نقل عن شرح البرادي لكتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني‪ .‬وعن البرادي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫انظر ما يلي ‪ 124‬تعليق ‪.95‬‬


‫(‪ )5‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪837:‬‬
‫(‪ )6‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ط البارونية حجرية‪ .‬القاهرة ‪1305‬هـ‪ " :‬علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد‬
‫الحجج ودفع الشبه" ‪7:‬‬
‫(‪ )7‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ :‬أورد نص البرادي إل أنه أضاف في بدايته ما يلي‪ ":‬علم بقواعد يتوصل بها‬
‫إلى ‪ "...‬خ بمكتبتي‪ 1:‬ر‪ .‬علي الشابي‪ :‬مباحث في علم الكلم والفلسفة ط ‪ 1‬دار بوسلمة‪ .‬تونس د‪.‬ت مناقشة تعريف ابن‬
‫خلدون‪.15-13 :‬‬
‫(‪ )8‬السالمي‪ :‬المشارق ط ‪ 2‬تعليق أحمد بن حمد الخليلي مفتي عمان‪ .‬مطابع العقيدة عمان ‪ "،1398/1978‬والتوحيد في‬
‫اصطلح المتكلمين بمعنى الفن المدون وهو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية مكتسب من أدلتها اليقينية"‪150 :‬ر‪.‬ناصر‬
‫بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر نسخة مصورة من خط المؤلف‪ -‬عمان‪ .‬د‪.‬ت " والبحث فيه (التوحيد) يطلق عليه علم الكلم‬
‫اصطلحا"‪1/21.‬‬
‫(‪ )9‬محمد عبده‪ :‬رسالة التوحيد‪5:‬‬
‫(‪ )10‬وقد ناقشت النصوص الباضية هذه التسمية نقاشا من الناحية اللغوية والمعنوية حاولنا أن نلخصه في ما أشرنا إليه‪ .‬انظر‬
‫خاصة‪ :‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح الشماخي لعقيدة التوحيد ‪ :‬ط ‪ .2‬لبنان‪ .33-32 1392/1973 .‬أبا عمار عبد الكافي‪ :‬شرح‬
‫الجهالت‪ .‬خ بالبارونية الحشان جربة‪ .121 :‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪.1/21‬‬
‫وتذكر كتب الملل والنحل تسميات أخرى نذكر منها "النظر والستدلل" "المقالت السلمية" "علم النحل" ‪.‬ر‪ :‬علي الشابي‪:‬‬
‫مباحث في علم الكلم والفلسفة ‪12:‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬الشهرستاني‪ :‬الملل والنحل ‪.1/21‬ر‪ .‬علي الشابي‪ :‬مباحث في علم الكلم والفلسفة‪ .20:‬وعن الشهرستاني ر ‪.‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪7/83‬‬
‫(‪ )12‬الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ ،‬ضمن مجموعة العقيدة الكبرى‪ .‬مطبعة الفجالة الجديدة القاهرة د‪.‬ت‪.45-43 :‬تبغورين‪ :‬أصول‬
‫تبغورين‪ :‬مرقون ملحق بأطروحة النامي‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح أصول تبغورين(موجود بمكتبتي من ص ‪62-1‬‬

‫تلك هي محاور النزاع الفكري والدامي أحيانا بين مختلف الفرق السلمية وعليها مدار علم الكلم‪.‬‬

‫فما هي العوامل التي دفعت إلى هذا النزاع؟ وما هي أبرز انعكاساتها على الثقافة السلمية وأين‬
‫يتنزل الباضي عامة في هذا الخضم وبصفة خاصة تراث المرحلة التي تعنينا أكثر؟‬

‫ليست المة السلمية أول من عرف مثل هذا الجدل الفكري في شأن المعتقد فالناظر في الديانات‬
‫الوضعيه مثل البوذية والزرادشتية يتبين أنهما أثارتا قضية اللهة وتعددها وقضية الخير والشر‬
‫ومصدرهما‪ ،‬وقضية الجزاء وما إلى ذلك (‪.)13‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما الديانات التي نشأت عن تحريف الرسالت السماوية السابقة خاصة اليهودية والمسيحية فقد‬
‫حاج القرآن أتباعهما وبين ضللهما في مواطن عدة منها‪:‬‬

‫( وقالت اليهود عزير ابن ال وقالت النصارى المسيح ابن ال ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول‬
‫الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون)(‪.9‬التوبة ‪.)30‬‬

‫وقد أشار عليه السلم إلى افتراق اليهود والنصارى (‪ )14‬إلى فرق شتى وسيكون لهذا أثر واضح‬
‫في التراث السلمي كله‪ ،‬ويهمنا هنا ما يتعلق بعلم الكلم الذي عايش هذا الرصيد الحضاري‬
‫وحرص على رد جميع ما رمي به السلم من شبهات ول يخفى أن السلم عمر بلدنا عرف أهلها‬
‫كل هذه الديانات دون أن نغفل عن الوثنية التي كانت أول من حاربه بشدة واعتنقه أناس نشأوا على‬
‫هذه العقائد منهم من كان مخلصا ومنهم من كان منافقا ماكرا‪.‬‬

‫والمتتبع لمسار المد السلمي يلمس أن العقود الثلثة الولى من تاريخه لم تعرف صراعا عقديا‬
‫داخليا وإنما كانت كل القوى موجهة لفتح قلوب الناس واكتسابهم إلى حضيرة اليمان‪.‬‬
‫لكن المتأمل في هذه العقود المشعة يلمس أن كل الفرق التي نشات من بعد وجدت فيها أساسا أقامت‬
‫عليه بناء تصورها سواء من القرآن أو من السنة أو من فهم خاص لبعض الحداث‪.‬‬

‫فالقرآن الكريم إذا استثنيت منه ما جاء في الحكام تجد أنه تركيز لعقيدة التوحيد وما يتصل بها‬
‫ودفاع عنها في قوالب برهانية قصصية مثل مجادلة إبراهيم لقومه (‪ )15‬ومحاجته لمن حاجه بأنه‬
‫هو أيضا يحيي ويميت (‪ ،)16‬وهو أيضا يرد على اليهود والنصارى وحتى على الدهريين ( وقالوا‬
‫ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر )(‪ .45‬الجاثية ‪ )24‬كما انه فيه آيات‬
‫متشابهات وفيه ما يوحي بان النسان مخير وما يوحي بان النسان مجبر (‪. )17‬‬

‫كما أن أحاديث الرسول عليه السلم تطرقت لمثل هذه القضايا وخذ لك مثالين‪ :‬حديث جبريل عليه‬
‫السلم (‪ ، )18‬وأسباب نزول سورة الخلص (‪.)19‬‬
‫وإن عرف بعض المسلمين شيئا من الحيرة البناءة في هذه المرحلة فإن المسلك بقي واحدا وهو‬
‫السلم وكفى‪.‬‬

‫وما أن انقدحت الشرارة الولى‪ -‬وهي مقتل عثمان (‪ - )20‬حتى وجد المسلمون مجال واسعا للحيرة‬
‫المضنية المفضية إلى الختلف فأثيرت قضية شرعية الخلفة ولذلك تلحق عادة بأصول الدين وإن‬
‫كانت إلى السياسة أقرب وصارت قضية سياسية عقائدية‪ -‬ونحن نعلم أل فصل بين الدين والدولة‪-‬‬
‫وارتبطت بها قضية حكم مرتكب الكبيرة اليمان أم الكفر أم الفسق‪ ،‬وتبعتها قضية القدر (‪. )21‬‬

‫وكما نبهنا من قبل بالنسبة إلى تسمية الفرق فإن نشأة علم الكلم تتنزل في الواقع السلمي العام‪،‬‬
‫وهذا العلم هو إفرازة من إفرازات هذا الواقع المتموج ثم تندرج نحو التكامل دون أن ينفصل‬
‫انفصال كليا عن هذا الواقع التاريخي الول بصفة خاصة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي هذا الظرف ظهرت بعض الوجوه يبدو أنها تقنعت بالسلم دون أن تعتقده نذكر‪ :‬عبدال بن‬
‫سبأ اليهودي الصل (‪ )22‬ومعبد الجهني (ت ‪ ، )23( )699 /80‬وغيلن الدمشقي (ت بعد‬
‫‪ )24( )105/723‬والجعد بن درهم (ت نحو ‪. )25( )736 /118‬‬

‫وظهرت وجوه تصدت لهؤلء وإن لم تسلك مسلكا واحدا في هذا التصدي نذكر منها‪ :‬الحسن‬
‫البصري (‪ ،)26( )728 -642 /110 -21‬وواصل بن عطاء (ت ‪.)27( )748 /131‬‬

‫كما نذكر من المحكمة أبا بلل مرداس وجابر بن زيد وعبدال ابن إباض ونافع بن الزرق ثم يأتي‬
‫أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة (‪. )28‬‬

‫ومن العلويين‪ :‬زيد بن علي زين العابدين (ت ‪)29( )740 /122‬ومن ماثله ممن عرفوا بالئمة عند‬
‫المامية (‪ )30‬والجعفرية (‪ )31‬والسماعيلية (‪.)32‬‬
‫هؤلء جميعا كان لهم حظ في نشأة علم الكلم ثم طوره على يد من تنبوا أفكارهم‪.‬‬
‫وفي هذا المحيط اتضح الخلف في شأن المامة فإن قالت الشيعة إنها وقف على آل البيت وقال أهل‬
‫السنة إنها وقف على القريشيين فقد قالت المحكمة إنها من حق كل من توفرت فيه شروطها مهما‬
‫كان أصله (‪.)33‬‬

‫وفي هذا الظرف تمخضت أيضا ظاهرة الرجاء (‪ )34‬المتمثلة في مبدأ ل تضر مع اليمان معصية‬
‫فزكتها الموية أيما تزكية كما ناصرت ظاهرة الجبر (‪ )35‬القائمة على أساس أل دخل للنسان في‬
‫ما يقوم به من حركات فجاءت ردود الفعل من أصحاب العدل والحرية (‪ )36‬ردا على الجبرية‬
‫وذهبوا إلى أن النسان حر مطلقا كما قالوا بالمنزلة بين المنزلتين ومن المحكمة في شأن الربط بين‬
‫اليمان والعمل‪ ،‬وتكفير العصاة تكفير نعمة ثم تكفير شرك لدى نافع بن الزرق بعد انفصاله سنة‬
‫‪ 683 /64‬عن أصحابه‪.‬‬

‫ولكل هذه المواقف صلة وثيقة بالواقع السياسي ومن أبرز الوسائل التي استعملتها هذه الفرق‬
‫لتبرير مواقفها الجدل الكلمي‪ ،‬وقد لمع في هذا الباب أصحاب العدل إلى أن اعتبروا أن الكلم من‬
‫خاصياتهم والباحث في أطوار البلغة العربية يلفت نظره هذا الهتمام بالبيان في المعارك الكلمية‬
‫وما يسمى بالمناظرات‪.‬‬

‫بهذا نتبين العوامل التي دفعت إلى انطلق علم الكلم في هذا الوقت المبكر‪ ،‬ولعله سابق في ذلك‬
‫لكثير من العلوم السلمية الخرى‪ .‬فما هي مكانة التراث الباضي في هذا الخضم يا ترى؟‬

‫=========================‬
‫(‪ )13‬انظر ‪ :‬كريستوس‪ :‬البوذية ‪ ، 458-375 :‬الزرادشتية ‪(.374-336‬دراسة باللغة الفرنسية لمجموعة من المؤلفين د‪.‬ت‪: ).‬‬
‫نجد تحديدا للنشأة وزالسس لمختلف الفرق‪.‬‬
‫(‪ )14‬انظر ما سبق ص ‪ ،33‬انظر تعدادا لفرق اليهةود وخاصة النصارى (عبد المجيد الشرفي‪ :‬الفكر السلمي في الرد على‬
‫النصارى( أطروحة دكتوراه دولة نوقشت بكلية الداب بتونس ‪ .)1982،‬الباب الول ‪. 102-11:‬ر‪ .‬كريستوس‪ :‬اليهود ‪-841 :‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ ،977‬المسيحية ‪.1335-982‬‬
‫(‪ " )15‬وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والرض وليكون من الموقنين ‪ .‬فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما‬
‫أفل قال ل أحب الفلين‪،‬فلما راى القمر بازغاقال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لكونن من القوم الضالين فلما رأى‬
‫الشمس بازغة قال هذا ربي أكبر فلما أفلت قال ياقوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والرض‬
‫حنيفا وما أنا من المشركين "‪ 6(.‬النعام ‪.)79-75‬‬
‫(‪ " )16‬ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال‬
‫إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر وال ل يهدي القوم الظالمين"(‪ .2‬البقرة ‪258‬‬
‫(‪ )17‬انظر ما يلي ‪424‬‬
‫(‪ )18‬قال جابر بن زيد ‪ :‬بينما جالس مع أصحابه إذ أتاه آت حسن الوجه طيب الرائحة فقال‪ :‬أدنو منك يا رسول ال رسول‬
‫ال ؟ قال‪ :‬نعم ‪ .‬فدنا فقال له ما اليمان؟ فقال عليه السلم ‪ :‬أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر خيره‬
‫وشره أنه من ال" فقال صدقت‪ .‬قال‪ :‬وما السلم يا رسول ال ؟ قال‪ :‬إقام الصلة وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان والغتسال‬
‫من الجنابة وحج البيت من استطاع إليه سبيل" قال صدقت‪ .‬ثم تغيب فإذا هو جبريل عليه السلم‪ .‬الحديث عدد ‪ -769‬الربيع بن‬
‫حبيب‪ .‬الجامع الصحيح‪.3/5.‬‬
‫ولفظة في الربعين النووية عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال‪ :‬بينما نحن عند رسول ال ذات يوم إذ طلع علينا رجل‬
‫شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ل يرى عليه أثر السفر ول يعرفه منا أحد حتى جلس للنبي صلى ال عليه وسلم فأسند‬
‫ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال‪ :‬يا محمد اخبرني عن السلم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬السلم‬
‫أن تشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬وتقيم الصلة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه‬
‫سبيل‪ .‬قال صدقت‪ .‬فعجبنا له يسأله ويصدقه قال‪ :‬فأخبرني عن اليمان قال‪ ":‬أن تؤمن بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬
‫وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت‪ .‬قال‪ :‬فأخبرني عن الحسان قال‪ :‬أن تعبد ال كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك‪ .‬قال‬
‫فأخبرني عن الساعة قال‪ :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ‪.‬قال‪ :‬أخبرني عن أمارتها قال‪ :‬أن تلد المة ربتها وأن ترى الحفاة‬
‫العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان‪ ،‬ثم انطلق فلبث مليا ثم قال ‪:‬يا عمر أتدري من السائل؟ قلت‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪.‬‬
‫قال فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم‪ .‬رواه مسلم‪ :‬إيمان ‪. 1‬د أبو داود ‪ :‬سنة ‪ .16‬أحمد بن حنبل ‪. 1/319‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪3/188‬‬
‫(‪ )19‬من ذك ما رواه الترمذي عن أبي بن كعب‪ .‬وروى عبيد العطار عن ابن مسعود وأبو يعلى عن جابر بن عبدال أن قريشا‬
‫قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬أنسب لنا ربك" فنزلت ‪ :‬قل هو ال أحد إلى آخرها" ‪.‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة الخلص ‪.1‬‬
‫‪ 112-2‬أحمد بن حنبل ‪. 5/134‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪ 2/9‬ر‪ .‬الطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪ .:‬تونس ‪ :‬الدار‬
‫التونسية للنشر ‪30/11 .1984‬‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق ‪35‬‬
‫(‪ )21‬انظر ما يلي ‪399‬‬
‫(‪ )22‬أشرنا إلى أن المصادر الباضية المتقدمة ل تذكر عبدال بن سبأ إل أن المصادر المتأخرة تذكره وتتفق في شأنه مع كتب‬
‫الفرق الخرى‪ .‬انظر ما سبق ‪ 47‬تعليق ‪37‬‬
‫(‪ )23‬معبد بن عبدال بن عويمر الجهني البصري ‪ :‬أول من قال بالقدر في البصرة‪ .‬سمع الحديث من ابن عباس وعمران بن‬
‫حصين وغيرهما‪ .‬انتقل من البصرة إلى المدينة فنشر فيها مذهبه وعنه أخذ غيلن الدمشقي‪ .‬قيل قتله الحجاج صبرا‪ .‬وقيل صلبه‬
‫عبد الملك بن مروان بدمشق على القول في القدر ثم قتله ‪.‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪8/177‬‬
‫(‪ )24‬غيلن بن مسلم الدمشقي( ت بعد ‪ )105/723‬يلقب أيضا القدري‪ .‬تنسب إليه فرقة الغيلنية‪ .‬هو ثاني من تكلم في القدر‪.‬‬
‫قال الشهر ستاني في الملل والنحل‪ ":‬كان غيلن يقول بالقدر خيره وشره من العبد"‪ .‬أفتى الوزاعي بقتله فصلب على باب‬
‫كيسان بدمشق ‪ .‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪5/320‬‬
‫(‪ )25‬الجعد بن درهم(ت نحو ‪ )118/736‬من الموالي‪ .‬مبتدع ‪ .‬له أخبار في الزندقة ‪ .‬سكن الجزيرة الفراتية مؤدب مروان بن‬
‫محمد لذلك يلقب مروان بالجعدي‪ .‬قال ابن الثير‪ ":‬كان مروان يلقب بالجعدي لنه تعلم من الجعد ابن درهم مذهبه في القول‬
‫بخلق القرآن والقدر‪( "...‬والقدر هنا بمعني الجبر) ر‪ .‬الزركلي العلم ‪2/114‬‬
‫(‪ )26‬الحسن البصري(‪ )728-110/642-21‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪2/242‬‬
‫(‪ )27‬واصل بن عطاء (‪ )748-131/700-80‬ر‪ .‬الزركلي العلم‪9/121 :‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬ما سبق ‪ 49‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )29‬زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب(‪ :)740-122/699-80‬أخذ العلم عن واصل بن عطاء‪ .‬خطيب وفقيه‪.‬‬
‫ينسب إليه مجموع الفقه ‪ .‬إليه ينسب الزيدية من الشيعة‪ .‬وكان يجوز إمامة المفضول مع وجود الفضل‪ .‬ول يكفر الصحابة‪ .‬قتل‬
‫بكناسة الكوفة حين خرج على واليها يوسف بن عمرو الثقفي‪ .‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪ ،99-3/98‬ومحمد أبو زهرة ‪ :‬المام زيد‬
‫حياته وعصره ‪،‬آراؤه وفقهه‪ .‬بيروت ‪.1378/1959‬وعن الزيدية ر‪EI2Tome3.P 1194 -5 .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )30‬المامية ‪ :‬ضبطت مبادئهم مع جعفر الصادق (ت ‪ )148/765‬يقولون بعصمة المام ويرون أن المامة تكون في ذرية‬
‫الحسين ويقثولون بالتقية في حالة الخوف من السلطة الظالمة ‪.‬ر‪EI2Tome3.P 1195.article.Imamat .‬‬
‫(‪ )31‬الجعفرية‪ :‬إحدى فرق الشيعة‪ .‬نسبة إلى جعفر الصادق (‪ .)765-148/699-80‬اشتهر خاصة باستنباطاته الفقهية‬
‫(ر‪.‬محمد جواد مغنية‪ .‬فقه المام جعفر الصادق عرض واستدلل ‪ .‬دار العلم للمليين بيوت‪ ،‬ابريل ‪ )1965‬والمام جعفر معترف‬
‫به من المامية والسماعيلية‪EI2Tome2.384-5et.P906 .‬‬
‫(‪ )32‬السماعيلية ‪ :‬إحدى فرق الشيعة ‪ .‬نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق‪ .‬وإليهم ترجع الدولة الفاطمية‪.‬ر‪.‬‬
‫‪EI2Tome3.P1196‬‬
‫(‪ )33‬عن المامة وشروطها ر‪ .‬فاروق عمر فوزي‪ ":‬حول طبيعة المامة لدى الخوارج الباضية في عمان "مجلة آقاق عربية‪.‬‬
‫السنة الرابعة ‪ .‬كانون الول ‪1978‬‬
‫كوبرلي‪ :‬الطروحة م ‪2‬ص ‪ 560-516‬وهناك تجد الحالة على جميع المصادر الباضية ر‪. EI2Tome3 -1192-98 .‬ر‪.‬‬
‫النامي‪ :‬الطروحة ‪236 :‬‬
‫(‪ )34‬الرجاء‪ :‬يسمى القائلون بالرجاء المرجئة من الفرق السلمية المتقدمة في الزمن ويذكر ونسينك مختلف أقوال كتاب‬
‫المقالت في شأن الرجاء‪ .‬ومن أسس المرجئة أنه ل يضر مع اليمان معصية وأن طاعة المام الجائر واجبة فل ثورة ول‬
‫خروج ويرجون النجاة لكل المؤمنين يوم القيامة وإن ماتوا على المعصية ولذلك سموا بأهل الوعد على عكس المعتزلة الذين‬
‫سموا بأهل الوعيد ‪.‬ر‪ .‬محمد الطالبي ‪ :‬الرجاء دراسات في تاريخ افريقية ‪ .‬منشورات الجامعة التونسية المطبعة الرسميةو‬
‫تونس ‪ -359 .1982‬ر‪EI1tome3.784 cf 184 .‬‬
‫(‪ )35‬الجبرية‪ :‬الجبرية أو المجبرية تسمية أطلقت على إحدى الفرق السلمية من قبل خصومهم على أساس أنهم بأن حركة‬
‫النسان كحركة الشمس ل دخل للنسان فيها‪ ،‬فهو مجبر‪ .‬وهي الفرقة المقابلة للقدرية أو المعتزلة التي تقوم بحرية النسان ‪.‬ر‪.‬‬
‫‪EI2Tome3.P .375‬‬
‫(‪ )36‬أصحاب العدل والحرية‪ :‬هذه التسمية التي يختارها من عرفهم التاريخ بالمعتزلة كما يطلق عليهم تسمية أهل الوعيد ‪-46‬‬
‫‪..EI1tome3.P cf .841‬‬

‫التراث الكلمي عند الباضية قبل القرن ‪:16 /10‬‬

‫نلحظ هنا أننا سنكتفي بعرض سريع لبرز العناوين لن هذا العمل كان محور أطروحتين سابقتين(‬
‫‪ )37‬لنلح خاصة على عرض مفصل لتراث المرحلة التي تعنينا‪.‬‬
‫لقد ذكرنا أن جابر بن زيد وعبدال بن اباض وأبا عبيدة مسلم ابن أبى كريمة يتنزلون في هذا‬
‫المحيط التاريخي من النصف الثاني للقرن الول هـ إلى النصف الول من القرن الثاني هـ‪ /‬أواخر‬
‫القرن السابع والنصف الول من القرن الثامن م‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولقد وصلتنا بعض أقوال جابر بن زيد وكذلك بعض كتابات أبي عبيدة(‪ )38‬وحرص كل من الربيع‬
‫بن حبيب(‪ )39‬وأبي غانم (‪)40‬على جميع روايات هذين المامين كما نضيف إليها رسالة عبدال بن‬
‫إباض إلى عبد الملك بن مروان(‪ )41‬وخطبتي أبي حمزة الشاري سنة ‪. )42(747 /129‬‬

‫فكل هذه النصوص تعتبر النواة الولى للعقيدة الباضية إذ فيها تصريح بمبدأ نفي الوراثة عن‬
‫المامة وتلميح إلى الولية والبراءة وإلى رفض قضية المهدي المنتظر كما أثيرت قضية القدر في‬
‫صراع داخلي(‪ )43‬واستمر الرأي على أن ال خالق الخير والشر وفي هذا تمهيد للقول الفصل في‬
‫هذه القضية‪.‬‬
‫ويورد النامي نقل عن كتاب البحث الصادق والستكشاف في شرح كتاب العدل والنصاف(‪)44‬‬
‫للبرادي قائمة بها ثلث عشرة رسالة نذكر منها‪:‬‬

‫‪ -‬رسالة جابر بن زيد إلى شيعي‪.‬‬

‫‪ -‬رسالة أبي بلل مرداس إلى المسلمين‪.‬‬

‫‪ -‬رسالة أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة وحاجب(‪ )45‬إلى أهل المغرب‪.‬‬

‫‪ -‬ورسالة الربيع بن حبيب عن عبدال بن عبد العزيز وأبي المؤرج وشعيب‪.‬‬

‫‪ -‬وسيرة محمد بن محبوب إلى أهل المغرب (‪.)46‬‬

‫كل هذه النصوص وإن كانت متعلقة بقضية النهروان إل أن عناوينها توحي بإثارة قضايا عقدية‬
‫أخرى والدليل على ذلك رسالة أبي سفيان محبوب ابن الرحيل(‪ )47‬التي وردت في كتاب كشف‬
‫الغمة وجعلها كوبرلي ملحقا بأطروحته(‪ ، )48‬ومحاور الرسالة تتمثل في التعريف بعبدال بن اباض‬
‫ومن عاصرهم وأخذ عنهم واليمان بال تعالى وأسمائه وصفاته السلم واليمان المفروضات‬
‫السنن الحلل والحرام‪ ،‬الولية والبراءة‪ ،‬البراءة من الفرق الضالة‪ ،‬الصفاتية ‪،‬الشيعة‪ ،‬الزارقة‬
‫وأصناف الخوارج‪ ،‬المعتزلة الجهمية‪ ،‬وفي كل ذلك يذكر سبب البراءة‪.‬‬
‫ومع هذا السيل من الرسائل والمراسلت ينطلق التأليف في بلد المغرب في أصول الدين وفي بقية‬
‫العلوم السلمية‪.‬‬

‫ولعل أول ما كتب في هذا الفن في المغرب كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري(‪)49‬‬
‫ويبدو أنه رد على كتاب عبدال بن زيد الفزاري ‪)50(.‬‬

‫ثم يجدر أن نذكر رسالة المام أبي اليقضان محمد بن أفلح الرستمي (‪ )896 -854 /283 -240‬في‬
‫خلق القرآن (‪،)51‬ورسالة عمروس بن فتح (ت ‪ :)853 /280‬الدينوية الصافية‪ ،‬وهي رسالة‬
‫تحليلية(‪ )52‬أبرزت ثلث نقط أساسية‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬موقف الباضية من المؤمنين والمشركين والمنافقين‪.‬‬

‫‪ -‬مواطن الخلف بين الفرق‪ :‬المرجئة ‪،‬الصفرية‪ ،‬المعتزلة‪ ،‬أهل الحديث‪ ،‬مع ذكر الدلة باختصار‪.‬‬

‫‪-‬تحليل مال يسع جهله طرفة عين وما يسع جهله من اليمان والعمل حتى يحل وقته‪.‬‬

‫=============‬

‫(‪ )37‬النامي‪ :‬الطروحة‪ ،‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.‬‬


‫(‪ )38‬أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة(نحو ‪ .)145/762‬تميمي بالولء‪ .‬اخذ العلم عن جابر بن زيد وجعفر السماك وصحار‬
‫العبدي‪ ،‬وإليه انتهت رئاسة الباضية بعد موت جابر ‪ ،‬وباشارته اسس الباضية في كل من المغرب وحضرموت دول مستقلة ‪،‬‬
‫وتخرج على يديه رجال من مختلف البلد السلمية انذاك عرفوا بـ"حملة العلم" وعن طريقهم انتشر المذهب الباضي وفقهه‬
‫في مختلف البلد السلمية‪ ،‬توفي أبو عبيدة نحو سنة ‪ .145/762‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،2/238‬الشماخي‪ :‬السير ‪،83‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم ‪8/120‬ابن خلفون‪ ،‬تعليق النامي‪120 .‬‬
‫(‪ )39‬الربيع بن حبيب بن عمرو الزدي الفراهيدي البصري ( حوالي ‪ -75‬حوالي ‪ .)786 -170/694‬ولد أبو عمرو الربيع بن‬
‫حبيب باحدى قرى السهل الساحلي (بودام) من الباطنة في عمان‪.‬‬
‫والراجح أن ولدته كانت حوالي(‪ )75/694‬إذ ادرك المام جابر بن زيد وروى عنه ‪ .‬رحل إلى البصرة لطلب العلم وفيها اخذ عن‬
‫المام جابر ابن زيد(‪ )711 -93/710‬وتتلمذ خاصة على المام أبي عبيدة مسلم ابن ابي كريمة(‪ )145/762‬وعدة من شيوخ‬
‫الباضية بالبصرة‪ .‬ثم تولى إمامة مروية الباضية هنالك بعد وفاة شيخه أبي عبيدة ‪.‬وقد اعتنى بجمع اجاديث رسول ال عن‬
‫أبي عبيدة جابر بن زيد عن جمع من الصحابة ابرزهم عبدال بن عباس(‪3‬ق هـ ‪ )687 -68/619 -‬في كتاب يعتبره الباضية‬
‫عمدتهم في الحديث‪.‬‬
‫وفد رتبه أبو يعقوب الوارجلني(ق ‪ )6/12‬وشرحه أبو عبدال محمد ابن عمر ابن ابي ستة شهر المحشي(ق ‪ )11/17‬واشتهر‬
‫شرحه بحاشية الترتيب وقد طبعته ورزارة التراث بسلطنة عمان في ‪ 8‬أجزاء (‪ )1984 -1982‬بدون تحقيق‪ .‬وقد طبع من قبل‬
‫طبعة حجرية بزنجبار لم اطلع عليها‪ ،‬كما شرحه عبدال السالمي في ‪ 4‬أجزاء وقد أعاد حفيدا المؤلف سليمان واحمد طبع الجزء‬
‫الول والثاني بمطبعة العالية بسلطنة عمان د‪.‬ت‪.‬‬
‫وحقق الجزء الثالث منه عز الدين التنوخي‪ ،‬وطبع أيضا على نفقة حفيدي المؤلف سليمان وأحمد بالمطبعة العمومية دمشق(‬
‫‪ )1383/1963‬ولم يطبع الجزء الرابع في ما نعلم‪ .‬وقد طبع الصل بعنوان الجامع الصحيح مسند الربيع ابن حبيب عدة طبعات‬
‫ويتضمن ‪ 1005‬من الحاديث‪ .‬نذكر منها الطبعة الثانية بالمطبعة السلفية بالقاهرة ‪ 1349‬بتحقيق من إسحاق إبراهيم اطفيش أحد‬
‫علماء الباضية المعاصرين(‪.)1386/1966‬‬
‫وإلى جانب نشاطه العلمي بالبصرة لقد كانت له مراسلت مع إباضية المغرب زمن الدولة الرستمية‪ .‬والراجح أن وفاته كانت‬
‫حوالي سنة ‪.170/786‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪ 2/273 :‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪. 102 :‬ر‪ .‬عمرو مسعود أبو القاسم‪ :‬الربيع بن حبيب‬
‫محدثا ‪ ،‬رسالة ماجستير قدمت بجامعة الفاتح بكلية التربية قسم اللغة العربية والدراسات السلمية بإشراف الستاذ عمرو‬
‫التومي الشيباني سنة ‪ .1983‬وتتضمن ‪ 282‬صفحة مرقونة من الحجم الكبير وقد أهداها لي صاحبها مشكورا‪ .‬وبها نجد‬
‫الحالت على مختلف المراجع‪.‬‬
‫(‪ )40‬أبو غانم بشر بن غانم الخراساني‪ :‬درس بالبصرة وأخذ عن تلميذ أبي عبيدة (ق ‪ )2/8‬وعنهم دون كتبه وأهمها المدونة‬
‫التي دون فيها أقوال تلميذ أبي عبيدة في الفقه ورواياتهم واختلفهم ‪ .‬وقد رحل في أواخر القرن الثاني الهجري إلى تاهرت مارا‬
‫بجبل نفوسة ورويت عنه المدونة في تاهرت ونسخت في جبل نفوسة ‪ ،‬نسخها عمروس بن فتح ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‬
‫‪،2/323‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪.228‬ر‪ .‬ابن خلفون المزاتي‪ :‬أجوبة ابن خلفون‪ ،‬تحقيق عمرو خليفة النامي‪ .‬دار الفتح بيروت ط‬
‫‪1394/1974:111‬‬
‫(‪ )41‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجوهر‪ ،167 -156:‬الزكوي‪ :‬كشف الغمة‪ ،‬انظر إحالة عمار الطالبي‪ :‬آراء الخوارج الكلمية‪ 197:‬تعليق ‪،3‬‬
‫ورقة ‪ ،293‬عرف بها سخاو في مجلة الدراسات الشرقية ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪38 -1/31‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪.267 -2/266.‬‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬قضية عبدال بن عبد العزيز‪ /‬وأبي المؤرخ‪ ،‬وشعيب‪ ،‬وحمزة الكوفي‪ ،‬ورفضهم من مجلس أبي عبيدة ثم مجلس الربيع‬
‫‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪2/233‬و ‪241‬و ‪ ،258‬الشماخي‪ :‬السير ‪120، 105 ،97،،81‬‬
‫‪ -‬عبدال بن عبد العزيز البصري(ق ‪ )2/8‬من تلميذ أبي عبيدة مسلم كان فقيها مفتيا‪ ،‬وكان مغرما بالقياس في آرائه الفقهية‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفتاوه مما جعل علماء الباضية يعرضون عن كثير من آرائه‪ .‬وأما روايته فهي مقبولة عندهم وقد تابعه النكار في الفقه بعد‬
‫خلفهم مع المام عبد الوهاب‪ ،‬وهو ممن روى عنهم أبو غانم الخراساني مدونته‪ ،‬ومن كتبه الموجودة حاليا كتاب" نكاح‬
‫الشغار" رواه عن أستاذيه أبي عبيدة مسلم‪ ،‬وأبي نوح صالح بن نوح الدهان‪ .‬ر‪ .‬ابن خلفون‪ :‬أجوبة ابن خلفون ص ‪-107‬‬
‫‪ .108‬الترجمة للمحقق‪.‬‬
‫‪ -‬أبو المؤرخ عمرو بن محمد (ق ‪ )2/8‬من أهل "قدم" من اليمن أخذ العلم عن أبي عبيدة مسلم‪ .‬وهو ممن روى عنهم أبو غانم‬
‫في كتبه‪ .‬وله مسائل خالف فيها أئمة الباضية وقدم إلى عمان فرجع إلى الحق"‪ .‬وهو من طبقة الربيع بن حبيب ‪ .‬ر‪ .‬ابن‬
‫خلفون‪ :‬أجوبة ابن خلفون‪ .110 :‬الترجمة للمحقق‪.‬‬
‫‪ -‬شعيب بن المعروف أبو المعروف(ق ‪ )2/8‬من طبقة الربيع بن حبيب‪ ،‬ويظهر أن موطنه مصر أو أنه أقام فيها فترة من الزمان‬
‫وكان بها عند وقوع الخلف بالمغرب على إمامة عبد الوهاب‪ ،‬فرحل إلى تاهرت وعاضد النكار‪ ،‬ثم رجع إلى طرابلس بعد هزيمة‬
‫يزيد بن فندين‪ ،‬وواصل معارضته للمام عبد الوهاب‪ ،‬وبسبب ذلك خلعه الربيع وبقية أئمة المذهب وأعلنوا البراءة منه‪.‬ر‪.‬‬
‫الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،2/274‬الشماخي‪ :‬السير‪ . 119 :‬ر‪ .‬ابن خلفون‪ :‬أجوبة ابن خلفون‪113:‬‬
‫‪ -‬حمزة الكوفي(ق ‪ )2/8‬تأثر بغيلن الدمشقي في القدر‪ .‬أقحم هذا الجدل في حلقات أبي عبيدة مسلم فرأت الجماعة الباضية في‬
‫البصرة البراءة منه بعد مناظرات ومحاولت للصلح‪ .‬وأعاد نفس القضية زمن الربيع وظل ينادي لفكرته فتبرأ منه الربيع‬
‫كذلك‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،2/241‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ 85‬و ‪120‬‬
‫(‪ )44‬خ البارونية في أصول الفقه‪ .‬وكتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني‪.‬‬
‫(‪ )45‬وعن حاجب ‪ :‬انظر ما يلي ‪ 418‬تعليق ‪54‬‬
‫(‪ )46‬النامي‪ :‬الطروحة ‪ .10‬عن مخطوطة البرادي كتاب البحث الصادق ‪1/26‬‬
‫‪-‬ـ محمد بن محبوب بن الرحيل(‪3‬محرم ‪ 29 /260‬أكتوبر ‪ :)873‬أبو عبدال محمد بن محبوب بن الرحيل بن هبيرة القرشي‪ .‬كان‬
‫رأس علماء الباضية بعد أبيه أبي سفيان‪ .‬وكانت إقامته بمكة‪ .‬وبها التقى بعمروس بن فتح فكان لقاء علميا حافل بالتثبيت في‬
‫دقائق الشريعة‪ ،‬ثم انتقل إلى عمان فتصدى لنشر العلم وينسب إليه من الكتب" سيرته إلى أهل المغرب" (مختصرة مخطوطة‬
‫وكتاب في الفقه في سبعين جزء) وقد كان علماء جربة يتدارسونه في القرن الرابع ‪ /‬العاشر‪.‬‬
‫توفي بعمان في صحار يوم الجمعة ‪ 3‬محرم ‪ 260/29‬أكتوبر ‪ .873‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،357 -323‬الشماخي‪ :‬السير ‪،227‬‬
‫ابن خلفون‪ :‬أجوبة ابن خلفون‪ .112 :‬وقد اشار المحقق إلى أن سيرته وردت عن ابن مداد " صفة نسب العلماء وموتهم‬
‫وبلدانهم"(خ)‪ 46.‬ر‪ .‬أحمد بن عبدال الرقيشي‪ :‬مصباح الظلم (خ) القطعة الخامسة‪58:‬‬
‫(‪ )47‬أبو سفيان محبوب بن الرحيل‪ ،‬النصف الثاني من القرن ‪ /2‬النصف الثاني من القرن ‪ 8‬وبداية القرن التاسع ميلدي‪ .‬أخذ‬
‫عن أبي عبيدة مسلم والربيع ابن حبيب‪ ،‬وكانت والدته تحت الربيع بن حبيب‪ .‬كان حجة في السيرة ل يكاد يشذ عنه شيء من‬
‫سيرة الرسول عليه السلم ول سير المسلمين من بعده‪ .‬وهو ممن دون أخبار أهل الدعوة‪ .‬وروى عنه أبو غانم الخراساني في‬
‫مدونته‪ .‬وقد أورد الدرجيني نص النصيحة إلى عبدال بن يحيى طالب الحق‪ .‬وجل أخبار المشارقة من الباضية مروية عنه في‬
‫كتب الطبقات والسير ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،290 -2/278‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ 119 -117‬ر‪ .‬ابن خلفون‪ :‬أجوبة ابن خلفون‪:‬‬
‫‪ .116‬التعريف للمحقق‪.‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ 22 -3/16‬في الملحق‪.‬‬
‫(‪ )49‬عيسى بن علقمة المصري(ق ‪ )3/9‬يقول عنه الشماخي‪ ":‬كان من متكلمي الباضية وحذاق علمائها" ‪ .‬ويذكر أبو عمار‬
‫عبد الكافي في كتاب شرح الجهالت أن له مؤلفا بعنوان" كتاب التوحيد الكبير" وفيه عارض من قال إن أسماء ال مخلوقة‬
‫وصفاته محدثة ‪.‬ر‪ .‬كتاب شرح الجهالت البارونية‪ 159 :‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪122‬‬
‫(‪ )50‬عبد ال بن يزيد الفزاري(ق ‪ )3/9‬كان يعيش بالكوفة بين ق ‪ 2‬و ‪ 8/ 3‬و ‪ .9‬وقد ذكره ابن حزم في الملل والنحل المطبعة‬
‫الدبية مصر ‪ 1317‬دار الفكر ‪ 2/112‬حيث يقول‪ ":‬وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة أصحاب عبدال بن يزيد الباضي‬
‫الفزاري الكوفي" ‪ .‬لقد كان خرازا‪ .‬ويقول النامي إنه عثر على كتاب له بزوارة بليبيا عنوانه " كتاب الردود" ر‪ .‬النامي ‪:‬‬
‫الطروحة ‪ :‬ص ‪263‬‬
‫(‪ )51‬لبجواهر ص ‪ .182‬انظر ما يلي ‪ 353‬تعليق ‪ 30‬للتعريف بأبي اليقظان‬
‫(‪ )52‬خ البارونية ‪ .‬وعمروس بن فتح هو من علماء نفوسة‪ .‬تقول كتب السير إنه تعلم بالمغرب عشرين سنة " قصد بلد الجريد‬
‫حاليا"‪ .‬تصدى بغزارة علمه مع أبي مهدي النفوسي لراء نفاث المخالفة‪ .‬أودع أبو غانم نسخة من المدونة عنده عند رحلته إلى‬
‫تاهرت فنسخها‪ ،‬وعنها نسخت بقية النسخ بالمغرب لن النسخة التي أودعت في تاهرت أحرقت مع ما أحرق من الكتب عند‬
‫هجوم الشيعة‪ .‬تولى القضاء لوالي المام عبد الوهاب وهو أبو منصور إلياس ‪ ،‬وكان حازما في أمره‪ ،‬أسندت إليه عدة مؤلفات‬
‫لم يصلنا منها إل كتاب" الدينوية الصافية" خ البارونية‪ 21x 16 .28 .10 .‬صم وقتله الغالبة صبرا عندما انتصروا على‬
‫الباضية في واقعة مانو سنة (‪ .)896 /283‬رحل إلى مكة وبها التقى بمحمد بن محبوب عالم عمان آنذاك فاستفاد كل منهما من‬
‫تجربة الخر ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪325 -2/320‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي هذين القرنين أي الثاني والثالث هـ‪ /‬الثامن والتاسع م‪ ،‬نما الفكر العتزالي نموا عريضا‪،‬‬
‫وحمل فيهما اللواء واصل بن عطاء(‪ )53‬وعمرو بن عبيد (‪ )54()761 -699 /144 -80‬والنظام‬
‫(ت ‪ )55()854 /231‬والجاحظ وتبلورت أصولهم الخمسة‪ :‬التوحيد‪ ،‬العدل‪ ،‬الوعد والوعيد‪ ،‬المنزلة‬
‫بين المنزلتين المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫كما خاض أبو حنيفة في هذا الباب في " الفقه الكبر" وقال بالرجاء وامتحن احمد بن حنبل (‬
‫‪ )56()855 -780 /241 -164‬والقائلين بقدم القرآن إثر صدور قرار المأمون (‪-786 /218 -178‬‬
‫‪ )57()833‬بحمل الناس على القول بخلق القرآن(‪ )58‬ومن ذلك الحين اتسم علم الكلم عند أهل‬
‫السنة بنزعة دفاعية بل كثيرا ما كفر من يتعاطى هذا العلم وقد ذكرنا في مطلع هذا الفصل موقف‬
‫الطبري منه‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول ينبغي أن نغفل عن التذكير بالتمازج الشديد بين الحضارة السلمية والحضارة الفارسية مع‬
‫ارتقاء العباسيين الذين قربوا هذا العنصر وعليه أقاموا دولتهم‪ ،‬وحرص الخلفاء على الترجمة‬
‫وأحداث بيت الحكمة احسن دليل على ذلك‪ ،‬وبهذا تمازج الفكر السلمي مع الفكر الهندي وبصفة‬
‫خاصة الفكر اليوناني الذي اعتبره النصارى اكبر مخرب للعقيدة(‪.)59‬‬

‫ثم ما أن تولى المتوكل الخلفة (‪ )60()861 -846 /247 -232‬حتى انقلب الوضع وثأر أهل السنة‬
‫لنفسهم على المستوى السياسي وعلى المستوى الفكري مع تحول الشعري عن العتزال وإرساء‬
‫منهج جديد عرف في ما بعد بالشعرية خاصة في كتابيه " البانة عن أصول الديانة" و" مقالت‬
‫السلميين" والماتريدي (ت ‪ )61()944 /333‬خاصة بكتابيه " كتاب التوحيد" و" تأويلت أهل‬
‫السنة" وبذلك قوي الصراع بين أهل السنة والمعتزلة وهجن هؤلء الكلم وحاربوه بشدة‪.‬‬

‫وقد عرف هذا القرن سيطرة المد الشيعي مع الفاطميين بالمغرب ثم بالمشرق وقد كانت المناظرات‬
‫على أشدها في بلط الفاطميين يترأسها أحد الئمة مع القاضي النعمان (ت ‪ ،)62( )974 363‬وقد‬
‫اضطر الى اللتحاق ببلط المعز لدين ال الفاطمي (‪)63( )973 -953 /362 -331‬عالمان من‬
‫علماء الكلم عند الباضية وهما أبو نوح سعيد بن زنغيل (ق ‪ )64()10 /4‬وأبو خزر يغل بن‬
‫زلتاف (ت ‪ )65()990 /380‬وتنوه كتب السير ببراعتهما في المناظرة مما دفع المعز إلى الحرص‬
‫على اصطحابهما الى القاهرة إل أنه لم يرافقه إل أبو خزر‪ .‬ولبي نوح كتاب في علم الكلم وصفه‬
‫البرادي في كتاب شفاء الحائم وبين أنه حدد مال يسع جهله ودلل على استحالة الرؤية وبين أن‬
‫الستطاعة مع الفعل كما بين أن القرآن مخلوق إل أنه هذا الكتاب ما يزال مفقودا(‪. )66‬‬

‫ولبي خزر كتاب عرف باسم كتاب أبى خزر وهو جواب على أسئلة وجهها إليه بعض شيوخ‬
‫الباضية وقد حققها عمرو النامي ومحورها الرد على المخالفين في المسائل التالية‪ :‬مسألة أسماء‬
‫ال تعالى‪ ،‬هل السم هو المسمى أو غيره؟ هل هي مخلوقة؟ مسألة الوقوف وهي متصلة بالولية‬
‫والبراءة تحديد مال يسع جهله قضية العباد والرد على المعتزلة مسألتي الستطاعة والرادة‬
‫مناقشة المرجئة والخوارج في قضية اليمان(‪. )67‬‬

‫ثم ما أن أحس علماء الباضية بعجزهم عن بعث دولة من جديد حتى فكروا في ما يعوض ذلك في‬
‫عصر الكتمان فوجدوا خير أسوة في سيرة أبي عبيدة مسلم في البصرة فكونوا نظام الحلقة الذي‬
‫اشتهر بنظام العزابة‪ ،‬وأرسى أبو عبدال محمد بن بكر قواعد هذا النظام(‪ )68‬فآتى أكله بعد حين‬
‫في باب الصول فبرزت في النصف الثاني من القرن الخامس هـ ‪/‬الحادي عشر م المؤلفات التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬كتاب التحف المخزونة في إجماع الصول الشرعية ومعانيها مفصل بابا بابا لبي الربيع سليمان‬
‫بن يخلف المزاتي (‪.)69( )1078 /471‬‬
‫‪ )2‬كتاب مسائل التوحيد لبي العباس احمد بن بكر (‪.)70( )1110 /504‬‬

‫‪ )3‬كتاب تبغورين بن عيسى الملشوطي (‪:)71( )12 /6‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ــ أصول الدين(‪.)72‬‬


‫ــ كتاب الجهالت (‪. )73‬‬

‫‪)4‬عقيدة نفوسة‪ ،‬لبي زكرياء يحيى الجناوني (‪ ،)74‬والقسم الول من كتاب مختصر الوضع في‬
‫الصول والفقه(‪.)75‬‬

‫إن هذه النصوص تعالج جميع قضايا الصول وبدأت تتخلص من قضية الردود لتقر أصول الباضية‬
‫دون أن تعتمد على كثرة الستدلل المهم أن ترسخ هذه الصول في الذهان‪ -‬مثل عقيدة نفوسة‪-‬‬
‫وإن جنح تبغورين في كتاب أصول الدين الى مناقشة كل الفرق في الصول التسعة لبراز اعتدال‬
‫مواقف الباضية أما كتاب الجهالت فهو كتاب مختصر تعليمي يعلم النسان كيف يجيب عن جميع‬
‫السئلة المحتملة في أصول الدين‪.‬‬

‫وإن تمخض المحيط الباضي عن مثل هذا النتاج الذي يوحي بأن مؤلفات الشعري لم تسر بعد إلى‬
‫هذه الوساط فإن هذا القرن عرف امتدادا واضحا في الوساط الشعرية لفكر الشعري خاصة بعد‬
‫البغدادي والبلقاني (‪ )76()1013 -950 /403 -338‬والسفراييني (ت ‪. )77()1078 /471‬‬

‫كما تأصل تيار آخر كاد يبقى منسيا لول ابن حزم الندلسي (‪ )78()1064 -994 /456 -384‬أل‬
‫وهو المذهب الظاهري أما التيار الماتريدي فقد بقي مغمورا وكانت الغلبة للتيار الشعري إل أن‬
‫التيار العتزالي قد عرف نضجا جليا مع مؤلفات القاضي عبد الجبار(‪.)79( )1025 /415‬‬

‫================‬

‫(‪ )53‬انظر ما يلي ‪ 414‬تعليق ‪42‬‬


‫(‪ )54‬عمرو بن عبيد ‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ 5/252‬انظر ما يلي ‪ 416‬تعليق ‪45‬‬
‫(‪ )55‬النظام ‪ :‬إبراهيم بن سيار‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪1/36‬‬
‫(‪ )56‬أحمد بن محمد بن حنبل ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪1/192‬‬
‫(‪ )57‬عبدال بن هارون ‪ :‬المأمون العباسي‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪4/278‬‬
‫(‪ )58‬انظر ما يلي ‪349‬‬
‫(‪ )59‬قال ابن أبي زيد القيرواني(ت ‪ ":)386/996‬رحم ال بني أمية لم يكن فيهم قط خليفة ابتدع في السلم بدعة‪ ,‬وكان اكثر‬
‫عمالهم وولتهم العرب‪ ،‬فلما زالت الخلفة عنهم ودارت إلى بني العباس قامت دولتهم بالفرس وكانت الرئاسة فيهم فاحدثوا في‬
‫السلم الحوادث التي تؤدي بهلك السلم‪ ...‬ولكنهم قد ثلموه وعوروا أركانه‪...‬‬
‫فأول الحوادث التي أحدثوها إخراج الكتب اليونانية إلى أرض السلم‪ ..‬ثم يروي سبب خروجها من بلد الروم وخشيتهم منها لن‬
‫من يقرأها يترك النصرانية ويتحول إلى دين اليونانية فأخفوها وبنوا عليها حتى ل يتوصل إليها ولما طلبها منهم يحيى بن خالد‬
‫البرمكي(‪ )190/805‬قرر مجلس البطارقة الستراحة منها ورمي المسلمين بها لتفريق كلمتهم"‪.‬‬
‫ويقرر ابن أبي زيد في النهاية أنه قل من أمعن النظر فيها وسلم من الزندقة ر‪ .‬السيوطي‪ :‬صون المنطلق والكلم‪ .‬علق عليه‬
‫علي سامي النشار ط‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت د‪.‬ت ‪8 -6 :‬‬
‫(‪ )60‬المتوكل‪ :‬جعفر بن محمد ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪2/122‬‬
‫(‪ )61‬الماتريدي‪ :‬محمد ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.7/272‬ر‪ .‬بلقاسم ابن حسن ‪ :‬آراء ابي منصور الماتريدي الكلمية‪ ،‬حلقة ثالثة‬
‫نوقشت بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين ‪ .1402/1982‬مرقونة ‪425‬ص‪.‬‬
‫(‪ )62‬القاضي النعمان‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪9/8‬‬
‫(‪ )63‬المعز لدين ال الفاطمي ‪.‬ر‪ .‬حسن حسني عبد الوهاب ‪ :‬خلصة تاريخ تونس ‪ 10:‬والتاريخ المذكور هو تاريخ خلفته‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بافريقية‪.‬‬
‫(‪ )64‬أبو نوح سعيد بن زنغيل‪ :‬من علماء النصف الثاني ق ‪ 10/ 4‬أصله من بلد الجريد‪ .‬قام على ابن تميم الفاطمي إثر مقتل‬
‫أبي القاسم يزيد بن مخلد ثم وقع التصالح معه بعد انهزام الباضية وذلك بعد أن فر زمنا واختفى بوارجلن حيث أكرمه أهلها‪.‬‬
‫كانت له براعة في علم الكلم وهو يقول عن نفسه " ناظرت عن هذه النحلة بين يدي أبي تميم(الشيعي) وأبي‬
‫منصور(الصنهاجي) وأبي الخطاب( عامل زويلة) وسائر الفرق ولم يبق مذهب إل غلبته"‪ .‬وتذكر المصادر أنه كتب في هذا الفن‬
‫لكن لم نعثر على شيء من ذلك إلى الن ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ 2/353‬وصفحات أخرى ‪.‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير(مشائخ المغرب)‬
‫أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بكلية الداب بتونس سنة ‪ 1979‬في ‪ 3‬مجلدات‪. 663 -3/662 .‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‬
‫والبرهان ط‪ .‬البارونية ‪ :3/5‬مسألة أبي نوح مع أبي تميم الفاطمي" الصنعة دليل على أن لها صانعا"‪.‬‬
‫(‪ )65‬أبو خرز يغل بن زلتاف(‪ )380/990‬من بني واسين‪ .‬سكن الحامة مع أبي القاسم يزيد بن مخلد حيث تعلما هناك الصول‬
‫على سحنون بن أيوب وتزوج الغاية‪ .‬حاصر عامل أبي تميم الفاطمي في باغاي ‪ 358/967‬اثر مقتل أبي القاسم يزيد بن مخلد‪،‬‬
‫وانهزم أبو خرز في هذه المعركة‪ .‬ثم تم الصلح بينه وبين أبي تميم سنة ‪ .359/970‬وتحول معه إلى القاهرة حيث توفي سنة‬
‫‪ .380/990‬عدة أبو يعقوب الوارجلني ضمن الئمة العشرة الذين انفردوا بآراء في علم الكلم‪ .‬وقد استقر بمصر وبها توفي وقد‬
‫حقق النامي رسالته التي جاءت بعنوان" في الرد على جميع المخالفين" وما تزال مرقونة‪ .‬ر‪ :‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 2/340‬ر‪.‬‬
‫الشماخي‪ :‬السير ‪ . 346‬ر‪ .‬محمد حسن‪ :‬تحقيق سير الشماخي م ‪ 587 -3/586‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قواعد السلم ‪1/13‬‬
‫تعليق ‪.2‬‬
‫(‪ )66‬انظر ‪ :‬النامي ‪ :‬الطروحة‪ ،288:‬تعليق ‪259‬‬
‫(‪ )67‬وهذا تلخيص أبي خرز لرسالته مع عرض منهجه‪:‬‬
‫" فقد ذكرنا ما اعتلت به المعتزلة‪ ،‬فأخذ أصحابنا بأوسط القاويل وأعدلها وأصوبها مما وافق كتاب والقياس الذي ل يقدر مبطل‬
‫على نقضه فنفينا عن ال التشبيه ال وسنة نبيه محمد فأثبتناه حيا فاعل واحدا ليس كمثله شيء ول يشبه شيء‪ ،‬وأبطلنا‬
‫حجة المشبهة‪ ,‬وأبطلنا ما اعتل به جهم وما اعتلت به المعتزلة من تثبيت جهم القدرة ل حتى ألزمه الجور ‪ ،‬ونفى المعتزلة‬
‫الجور عن ال حتى نفوا عنه القدرة على اكثر الشياء ومن ل يقدر على شيء فهو عاجز عنه‪ ،‬ومن يعذب من لم يظلم فهو جائر‬
‫ظالم‪ "...‬كتاب أبي خرز في الرد على جميع المخالفين ص ‪ .75‬مرقون بمكتبتي‬
‫(‪ )68‬انظر كتابنا‪ :‬نظام العزابة ‪ ،‬المطبعة العصرية ‪.1975‬‬
‫(‪ )69‬هو ثمرة دروس ألقاها أبو الربيع في مدرسة الجامع الكبير بجربة‪ .‬انظر كتابنا‪ :‬نظام العزابة ص ‪187‬‬
‫أبو الربيع سليمان بن يخلف المزاتي القابسي (ت ‪ :)471/1078‬نشأ بتمولست ثم درس على الشيخ أبي عبدال محمد بن بكر(‬
‫‪ )440/1048‬في أريغ فكان من أبرز تلميذه ثم انتقل إلى جربة حيث تعلم الفقه على أبي محمد ويسلن وعلم بها أصول الدين‪.‬‬
‫طكان كثير التنقل مع تلمذته‪ .‬توفي في تونين سنة ‪ 471/1078‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪ ،1/191 :‬الشماخي‪ :‬السير ‪412/414‬‬
‫وأما كتاب المخزونة في إجماع الصول الشرعية ومعانيها فقد قسمه صاحبه إلى جزأين‪ ،‬وقد عالج في الجزء الول القضايا‬
‫التالية‪ :‬ما يسمع الناس جهله‪ ،‬الولية والبراءة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي صلبها بين حقيقة اليمان والكفر‬
‫وعالج قضية خلق القرآن كما خصص فصل سماه "الديانات" اختصر فيه اسس العقيدة الباضية( وسيعود عامر الشماخي إلى‬
‫هذا المنهج‪ .‬انظر ما يلي ‪121‬‬
‫أما الجزء الثاني فقد جاء أكثر تجريدا ومن أهم أبوابه ‪ :‬باب في الحكمة وال حكيم لذاته وبذاته وفي ذاته‪ ،‬وباب ما الصفات التي‬
‫هي الموصوف بها ليس ثم معنى غير عينه‪ .‬باب في التوحيد ونفي الشياء والمساواة عن ال عز ذكره‪ ،‬باب كان ولم يكن‬
‫ويكون ول يكون وقد كان وسيكون‪ .‬وختمه ببحث عن أسماء ال وصفاته‪.‬‬
‫والملحظ أن أبا الربيع جمع في هذا الكتاب بين أصول الدين وأصول الفقه غل أن الغالب عليه هو طابع أصول الدين‪ .‬كما أن‬
‫المنهج لم يكن موحدا في كامل الكتابي إذ يختصر أحيانا ويحلل أحيانا أخرى ‪ .‬أما النزعة التعليمية فواضحة إذ نعلم أن منطلق‬
‫هذا الكتاب دروس كان يلقيها المؤلف في جربة‪ .‬ومهما يكن من أمر يبقى الكتاب رصيدا مهما في تراث الباضية لن كل من أتوا‬
‫بعده يكثرون من الحالة عليه وينوهون بفضله‪.‬‬
‫والكتاب خ البارونية عدد صفحاته ‪ 110‬من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 24‬سطرا وقد نسخ بتاريخ ‪ 1269/1853‬دون أن يذكر‬
‫اسم الناسخ‪.‬‬
‫(‪ )70‬أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر(‪ )504/1110‬أصل أسرته من نفوسة من فرسطا‪ .‬اخذ العلم عن أبيه أبي عبدال محمد‬
‫بن بكر(‪ )400/1048‬وكان من أهم تلميذه‪ .‬سكن وادي أريغ ثم تحول إلى تمولست في الجنوب التونسي وبها صنف كتبه وهي‬
‫خمسة وعشرون‪ .‬يهمنا منها رسالته في التوحيد خ موجود بالبارونية الحشان جربة‪ .‬ثم رجع إلى وادي أريغ ثم إلى تماوط‬
‫(وارجلن) وكانت وفاته بوادي أريغ سنة ‪. 504/1110‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،2/442‬الشماخي‪ :‬السير‪ 423 :‬ر‪ .‬محمد حسن‪:‬‬
‫تحقيق سير الشماخي ‪.3/614‬‬
‫هذا المؤلف أما كتاب مسائل التوحيد فعنوانه الكامل معبر عن فحواه وهو‪ ":‬مسائل التوحيد مما ل يسع الناس جهله وغير ذلك‬
‫من مسائل الكلم" ويقسم ما ل يسع جهله إلى قسمين‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬ما بينه وبين الناس‪ :‬وذلك مثل القرار بالشهادة وما يتبعها حتى تجري عليه أحكام المسلمين‪.‬‬
‫‪ )2‬ما بينه وبين ال‪ :‬ويتمثل في القرار والضمار وعلم الجملة كذلك أشار إلى ما ينبغي أن يعرف عن النبياء وعن الخرة‪.‬‬
‫كما أفرد فصول طويلة في قضية الولية والبراءة ولم يغفل عن مسالك الدين والمامة معتبرا إياها قسما من اقسام أصول الدين‪.‬‬
‫أما منهج الكتاب فيغلب عليه الختصار إذ يكتفي صاحبه بذكر مواقف الباضية من القضايا المطروحة دون عرض أدلتها إل أنه‬
‫يسند بعض المواقف التي تبدو له شائكة إلى مشائخ الباضية‪ .‬والكتاب خ بالبارونية عدد صفحاته ‪ 26‬وبكل صفحة ‪ 27‬سطرا‪.‬‬
‫(‪ )71‬تبغورين بن عيسى الملشوطي( النصف الول من ق ‪ :)6/12‬من ملشوطة (يبدو أنه في أريغ) سكن آجلو‪ .‬اخذ العلم عن‬
‫أبي الربيع سليمان بن يخلف المزاتي(‪ )471/1078‬وعن الشيخ عبدال اللنتي‪ .‬وكان كما قال الشماخي‪ ":‬أعظم الناس قدرا‬
‫واكثرهم علما وأشدهم عمل‪"..‬‬
‫ومن تأليفه‪ :‬كتاب أصول الدين حققه النامي ملحقا باطروحته( مرقون بمكتبتي الخاصة) وينسب إليه كتاب الجهالت‪ ،‬ويبدو أنه‬
‫اشترك في تأليفه عدد من الشيوخ ‪.‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ -432‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ص ‪ -116 -115‬محمد حسن‪ -‬تحقيق سير‬
‫الشماخي ‪ -3/577‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قواعد السلم ‪ 1/90‬تعليق عدد ‪1‬‬
‫(‪ )72‬حققه النامي ملحقا باطروحته عدد ‪ 2‬انظر ما يلي ‪ 140‬تعليق ‪62‬‬
‫(‪ )73‬ينسب إلى غير تبغورين‪ .‬يذكر الوسياني أنه لبي إسماعيل إبراهيم بن ملل ويذكر أبو عمار أنه لعدة مشائخ انظر ما يلي‬
‫‪ 155‬انظر ‪ :‬النامي ‪ :‬الطروحة‪.292 -291 :‬‬
‫(‪ )74‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪ ،‬عقيدة نفوسة ملحق بالطروحة ‪ 16 -3/1‬أبو زكريا يحي الجناوني ( ق ‪ )5/11‬من قرية آجناون بجبل‬
‫نفوسة اخذ عن أبي الربيع سليمان ابن أبي هارون وبه تمر نسبة الدين عند الباضية‪ .‬نذكر من مؤلفاته كتاب الوضع‪ ،‬مختصر‬
‫في الصول والفقه ط حققه أبو إسحاق إبراهيم اطفيش( انظر ما يلي ‪ 146‬والقسم الول منه في أصول الدين وقد صيغ في‬
‫اسلوب أدبي طريف وعرض عرضا منهجيا متناسقا‪.‬‬
‫وعقيدة نفوسة‪ :‬وهو مختصر تعليمي ليس في نفس الجودة السلوبية وكتاب الوضع ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ ،535‬كوبرلي‬
‫الطروحة ‪ 1/76‬وقد أحال على كثير من المراجع الجنبية إذ نعلم أن روبناتشي اليطالي قد ترجم عقيدة نفوسة ‪(,533 -595.‬‬
‫‪cf.A.I.U.O.N,NS.XVI )1964‬‬
‫ر‪ .‬محمد حسن‪ :‬تحقيق سير الشماخي ‪3/598‬‬
‫(‪ )75‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬مختصر الوضع تحقيق أبي إسحاق اطفيش ط من ص ‪ 37 -17‬أنظر ما يلي‪146 :‬‬
‫ويرجع كوبرلي أن العقيدة التي كتبت بالبربرية وترجمها ابن جميع في القرن الثامن ترجع إلى هذا القرن ‪.‬ر‪ .‬الطروحة ‪.1/80‬‬
‫(‪ )76‬الباقلني‪ :‬ر‪ .‬الزركلي‪ -‬العلم ‪7/46‬‬
‫(‪ )77‬السفراييني(ت ‪ )471/1078‬ر‪ .‬تحقيق كمال يوسف الحوت لكتاب " التبصير في الدين" ط بيروت ‪9 :1403/1983‬‬
‫(‪ )78‬ابن حزم ر‪ .‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪5/53‬‬
‫(‪ )79‬القاضي عبد الجبار‪ :‬ر‪ .‬الزركلي ‪4/47‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وما أن هبت ريح الشاعرة في عاصمة الباضية الثانية بعد سقوط تاهرت وهي سدراته ووارجلن‬
‫(‪)80‬حتى تصدى لها علماء كان لهم باع طويل في علم الكلم وظهر نتاج زاخر لم يعرف الباضية‬
‫لـه نظير وظل عمدتهم إلى يومنا هذا فشرحوا‪ ،‬وحشوا‪ ،‬واختصروا‪ ،‬وهذا المصنفات هي‪:‬‬

‫‪ -‬كتاب السؤالت ورسالة في الفرق لبي عثمان عمرو بن خليفة السوفي(‪. )81‬‬

‫‪-‬كتاب الموجز‪ ،‬وكتاب شرح الجهالت لبي عمار عبد الكافي الوارجلني (‪.)82( )1174 /570‬‬
‫‪ -‬كتاب الدليل لهل العقول لباغي السبيل بنور الدليل لتحقيق مذهب الحق بالبرهان والصدق‪.‬‬
‫(واشتهر بـ‪ :‬كتاب الدليل والبرهان)‪.‬‬

‫‪-‬كتاب العدل والنصاف في أصول الفقه والختلف‪( .‬واشتهر بـ كتاب العدل والنصاف) وكلهما‬
‫لبي يعقوب الوارجلني (‪.)83‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول بأس من ذكر عقيدة أبي سهيل(‪ )84‬وإن لم تلق نفس الرواج لكن أهميتها في سهولة استيعاب‬
‫ما فيها‪.‬‬

‫نلمس بوضوح أن الفكر الباضي أدرك مستوى النضج والقدرة على الستيعاب والدفاع في منطق‬
‫متكامل فهذا أبو عمار الذي عرف البيئة التونسية في تونس زمن الموحدين بما فيها من تيارات‬
‫يقف منافحا عن السلم فيرد على الفلسفات القديمة‪ ،‬وأهل الكتاب في الجزء الول ثم في الجزء‬
‫الثاني من موجزه يقرر أصول العقيدة الباضية ويدحض حجج الفرق الخرى ببراهين عقلية ونقلية‬
‫في لغة كلمية جدلية متماسكة‪.‬‬

‫ويمكن أن نعتبر أن مؤلفات أبي يعقوب مكملة ومركزة لما جاء عند أبي عمار ذاك أنه حدد في‬
‫الجزء الول من كتابه جميع مسائل الخلف مع الشاعرة وركز حجج الباضية في هذه المسائل كما‬
‫أنه حدد ما يسع جهله ومال يسع جهله وما بين علماء الباضية من فويرقات في هذا الشأن‬
‫وحرص على ضبط أقسام العلوم في الجزء الثاني مع العتناء بعلمي المنطق والحساب‪ ،‬وقد‬
‫ساعدته رحلته العديدة على استغلل ملحظاته في علم الكلم‪ .‬أما الجزء الثالث من كتاب الدليل‬
‫والبرهان فقد جاء متنوعا يحكى ما في البيئة الباضية من غليان فكري‪ ،‬ذاك أنه أجوبة عن رسائل‬
‫وجهت في الصل لبى عمار عبد الكافي فلما أدركته المنية تولى أبو يعقوب الجابة عنها بما يشفي‬
‫الغليل في الرد على مختلف الفرق سواء المتأصلة أو المنشقة عن الباضية مثل النكار‪.‬‬

‫أما كتاب السؤالت فقد أجاب صاحبه عن خمسة وتسعين سؤال في جميع مسائل الصول‪ ،‬وهو‬
‫ثروة فكرية عملية تمكن الباضية من الستعداد للجابة عن أية قضية من القضايا التي كانت تطرح‬
‫في حلقات المناظرات في ذلكم المحيط الذي تتعايش فيه جميع الفرق دون أن تجد أية مضايقة‪.‬‬

‫فواضح إذن تعايش التراث الباضي مع سائر التراث السلمي خاصة ومع التراث العالمي تعايشا‬
‫قويا بناء مستقل برأيه‪ ،‬معتدا بذلك الرأي فل يتردد أبو يعقوب مثل اعتماد فكر الغزالي في علم‬
‫المكاشفة(‪ )85‬وفي الثناء على رسائل إخوان الصفاء مع عرض فحواه(‪)86‬ا إل أننا لم نجد إشارة‬
‫إلى علماء آخرين برزوا في القرن (‪ )11/ 5‬مثل ابن عبد البر (‪)87()1071 -978 /463 -368‬‬
‫وفي القرن (‪ )12 /6‬مثل الشهرستاني (‪ )1153 -1086 /548 -479‬ذلك لن فكر الشعري بقي‬
‫طاغيا‪.‬‬

‫ولئن استمر الفكر الشعري في قوته على يد المتكلمين أمثال البيضاوي (ت ‪)88()1143 /685‬‬
‫والتفتازاني (‪ )89()1390 -1312/ 793 -712‬واليجي (‪ )90()1355 /756‬فإن مسح الميورقي‬
‫لسدراته واستئصال الباضية من منطقة الجريد أدى إلى تراجع واضح‪ ،‬واهتم هؤلء بسيرهم وكان‬
‫ذلك على يد الدرجيني في طباقته (في القرن السابع هـ‪ /‬الثالث عشر م) لكنهم لم يسكتوا عن‬
‫أصولهم فانبرى أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي (ق ‪ )91()23 /7‬وهو يشكو من تفريط الناس في‬
‫علم الصول‪( :‬طويل)‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فوضع نونية في اثنتين وثمانين ومائة بيت جمع فيها أصول الدين فذاع صيتها في‬
‫ما بعد حتى صارت بمثابة النشيد الرسمي تحفظ وتنشد في عدة مناسبات‪.‬‬

‫ثم شرحها الجيطالي (ت ‪)92( )1349 /750‬في مجلدين نهج فيهما منهجا تحليليا استدلليا مقارنا‬
‫ل يخلو من نزعة دفاعية وقد كتب عقيدة مختصرة عرفت باسمه وأفرد قنطرة من قناطر كتابه‬
‫الموسوم ط بقناطر الخيرات" لصول الدين بين أنه عمد فيها إلى الختصار بناء على توسعه في‬
‫ذلك في شرح النونية ول ينبغي أن نغفل عن الباب الول من أبواب كتابه قواعد السلم فهو أيضا‬
‫عرض دقيق لقضايا التوحيد‪.‬‬

‫أما عامر الشماخي (‪)93( )1390 /792‬أبرز فقهاء الباضية فإنه لم يغفل هذا الباب بل اكتنزه في‬
‫رسالة موجزة عرفت بالديانات بين فيها موقف الباضية من القضايا الصولية التسع مفتتحا كل‬
‫قضية بقوله ندين ويشفع هذا بترجمة ابن جميع (ق ‪ )94()14 /8‬لنص العقيدة الذي ألف بالبربرية‬
‫في القرن الخامس هـ‪ /‬الحادي عشر ميلدي فيما يبدو فصار العمدة في العقيدة وهو أول ما يحفظ‬
‫في جربة ووادي ميزاب إلى جانب القرآن الكريم والحديث الشريف‪.‬‬

‫ثم يسطع نجم البرادي فيمل القرن التاسع هـ‪ /‬الخامس عشر م(‪ )95‬برسالة الحقائق عرف فيها‬
‫المعنى الصطلحي لهم المفاهيم الصولية وأظهر براعته في هذا الفن وإلمامه به في شرحه‬
‫للدعائم المسمى " شفاء الحائم على الدعائم" وقد استوفى فيه ما يتعلق بأصول الدين متبعا في ذلك‬
‫منهجا تحليليا مقارنا مستفيدا من كل وصله من نصوص إباضية وغير إباضية‪.‬‬

‫بعد أن ألممنا بتراث القرون التي هيأت للمرحلة التي تعنينا أكثر‪ ،‬فلنقف عند المؤلفات الصولية في‬
‫هذه المرحلة تفصيل‪.‬‬

‫==================‬

‫(‪ )80‬انظر الخريطة ‪837‬‬


‫(‪ )81‬أبو عمرو عثمان بن خليفة السوفي(ق ‪ )6/12‬من وادي سوف ولد (قبل ‪ )471/1078‬لنه حضر مجالس أبي الربيع‬
‫سليمان بن يخلف المزاتي وهو كثير الرواية عن أبي زكرياء يحي ابن أبي بكر(ق ‪ )12 -6/11 -5‬صاحب كتاب السيرة وأخبار‬
‫الئمة‪ ،‬وكذلك عن أبي العباس أحمد ابن أبي بكر‪ .‬رحل إلى وارجلن وإلى بلد الجريد وإلى طرابلس‪.‬‬
‫من مؤلفاته‪ :‬كتاب السؤالت وهو كتاب جامع لقضايا أصولية ولغوية وتاريخية خاصة في سير الباضية وقد نسب الكتاب لغيره‬
‫أيضا‪ ،‬والحقيقة أنه كتاب تداولت عديد من اليدي على وضعه وتوجد منه عدة نسخ في مكتبات الباضية بجربة ووادي ميزاب‬
‫ونفوسة‪.‬خ مكتبة بوشداخ فاتو عدد صفحاتها ‪ 277‬بكل صفحة ‪ 24‬سطرا نسخت سنة ‪ 1184‬وناسخها عبدال النفوسي‪.‬‬
‫رسالة مختصر‪ .‬في فرق الباضية ط في الجزائر ضمن مجموعة د‪.‬ت‬
‫ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،483 -2/428‬الشماخي‪ :‬السير ‪441 -440‬و ‪ 529-524‬ر‪ .‬عمرو خليفة النامي‪ :‬ملمح عن الحركة‬
‫العلمية بوارجلن ونواحيها‪ .‬مجلة الصالة الجزائر عدد ‪42/42‬ص ‪ ،6‬صفر‪ -‬ربيع الول (‪/1397‬فيفري‪ -‬مارس ‪1977‬‬
‫ر‪ .‬محمد حسنك تحقيق سير الشماخي ‪634/3‬‬
‫(‪ )82‬أبو عمار عبد الكافي ابن أبي يعقوب التناوتي (ت قبل ‪ )570/1174‬ولد بناوت إحدى قرى وارجلن وبها نشأ نشأته‬
‫الولى‪ ،‬ثم ارتحل إلى تونس في عهد الموحدين فجد في طلب العلم‪ ،‬واستقر بعد ذلك في وارجلن وتفرغ للتأليف والتدريس‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والفتوى‪.‬‬
‫والقرن السادس هـ‪ /‬الثاني عشر م يعتبر من ازهى عصور الباضية من حيث النتاج الفكري‪.‬‬
‫وبها توفي قبل أبي يعقوب الوارجلني إذ تولى هذا الخير الجابة عن رسائل وردت على أبي عمار‪.‬‬
‫ابرز مؤلفاته‪ :‬الموجز في علم الكلم‪ .‬حققه عمار الطالبي وط بالجزائر ‪ ،1398/1978‬شرح كتاب الجهالت المنسوب لتبغورين‬
‫بن عيسى المسلوطي خ بالبارونية(انظر ما يلي ‪ 155‬تعليق ‪96‬‬
‫ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ ،2/485‬الشماخي‪ :‬السير ‪ ،441‬عمار الطالبيك آراء الخزارج الكلمية ‪ ،1/215‬علي يحي معمر‪:‬‬
‫الباضية في الجزائر‪215 :‬‬
‫(‪ )83‬أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني المتوفي(‪ )570/1174‬ولد بمدينة وارجلن جنوب شرقي الجزائر وإليها ينسب‪.‬‬
‫تفقه بها على منهج الباضية‪ .‬ثم ارتحل إلى الندلس فأقام في قرطبة زمن الموحدين‪ .‬كما ارتحل إلى عواصم بلد المشرق وأدى‬
‫فريضة الحج‪ .‬ثم توغل في أوسط إفريقيا حيث اكتشف تساوي الليل والنهار‪ .‬له عدة مؤلفات نكتفي بذكر اثنين منها‪ " :‬الدليل‬
‫والبرهان" في ثلثة أجزاء ط حجرية في مجلد واحد البارونية مصر ‪1306‬هـ في أصول الدين‪ ،‬العدل والنصاف خ‪ .‬في ثلثة‬
‫أجزاء‪ -‬أصول الفقه حققه عمروالنامي مرقون بمكتبتي وط بعمان ‪ 1984‬بدون تحقيق ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪،2/491 :‬‬
‫الشماخي‪ :‬السير ‪ ،443‬علي يحيى معمر‪ :‬الباضية في الجزائر مكتبة وهبة القاهرة ‪ .1979 -1399‬عمار الطالبي آراء الخوارج‬
‫الكلمية ‪1/216‬‬
‫(‪ )84‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ 3‬الملحق‪71-23 :‬‬
‫أبو سهل يحي بن إبراهيم بن سليمان بن إبراهيم بن ويجمن(ق ‪ :)6/12‬سليل أسرة عريقة في العلم‪ .‬عاش في ربوع وارجلن‬
‫زمن ازدهارها العلمي ‪ .‬واخذ خاصة عن أبيه وعن أبي زكرياء يحيى ابن أبي بكر الوارجلني صاحب كتاب السيرة وأخبار‬
‫الئمة‪ .‬اشتهر خاصة بكتابه الموسوم بـ"العقيدة في علم التوحيد والعلم والسير" وقد جعله كوبرلي ملحقا بأطروحته ‪-3/23‬‬
‫‪.71‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ ،508 -507‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ .1/158‬محمد حسن‪ :‬تحقيق السير ‪ 3/608‬وقد اعتبره من علماء‬
‫القرن ‪ 5‬هـ‪ 11/‬ونرجح ما أشرنا إليه أعله لخذه عن أبي زكرياء‪.‬‬
‫أما كتابه في العقيدة فقد غلب فيه القسم الخلقي على القسم العقائدي‪.‬‬
‫(‪ )85‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪3/180-1‬‬
‫(‪ )86‬نفس المصدر ‪3/194:‬‬
‫(‪ )87‬ابن عبد البر القرطبي ‪ .‬يقال له حافظ المغرب تهجم على المتكلمين في كتابه " جامع بيان العلم وفضله" ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪10/316‬‬
‫(‪ )88‬البضاوي‪ :‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪4/248‬‬
‫(‪ )89‬السعد التفتازاني ‪:‬ر‪ .‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪114 -8/113‬‬
‫(‪ )90‬عضد الدين اليجي ‪.‬ر‪ .‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪4/66‬‬
‫(‪ )91‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي( النصف الول من ق ‪ )7/13‬من قرية تملوشايت من جبل نفوسة‪ .‬اخذ العلم عن خاله أبي‬
‫يحي زكرياء بن إبراهيم‪ .‬له عدة قصائد تعليمية نذكر منها القصيدة النونية في أصول الدين‪ .‬انظر ما يلي‪ 160 :‬الشارة إلى‬
‫شروحها‬
‫ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪ ،549 -548‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪ 254 :‬ر‪ .‬محمد حسن‪ :‬تحقيق سير الشماخي ‪ 662 /3‬وقد أخطاء في‬
‫اعتباره من علماء القرن ‪ 6/12‬لن الباروني اعتبره من الطبقة الثالثة عشرة ‪.‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قواعد السلم ‪1/89‬‬
‫تعليق ‪ 1‬للمحقق‬
‫(‪ )92‬إسماعيل الجيطالي‪ ( :‬ت ‪ )750/1349‬نشأ في مدينة جيطال بجبل نفوسة‪ .‬اخذ عن أبي موسى عيسى بن عيسى‬
‫الطرميسي(ت ‪ )722/1322‬اشتهر بقوة الحافظة‪ .‬جمع بين العلم والجرأة في المر بالمعروف والنهي عن المنكر لذلك كان كثير‬
‫التنقل‪ .‬سجن بطرابلس فسعى آل جربة إلى فك سراحه؛ واستقر في جزيرة جربة بالجامع الكبير إلى أن توفي‪ ،‬وقبره هناك‪ .‬له‬
‫عدة مؤلفات نذكر منها‪ :‬كتاب قناطر الخيرات وقد طبع في ‪ 3‬أجزاء بالمطبعة البارونية ‪ 1307/1889‬وحقق عمرو النامي الجزء‬
‫فصول مهمة في أصول الدين‪ .‬وكتاب القواعد السلم جزآن وقد حققه عبد الرحمان بكلي وطبع بالمطبعة العربية بغرادية‬
‫الجزائر ‪1976‬‬
‫وقد جاءت ‪ 129‬صفحة منه في الصول ج ‪ 1‬وقد حقق النامي هذا القسم ملحقا بأطروحته كما اعتمد كوبرلي في أطروحته على‬
‫هذا القسم ( ر‪ ) 245 -104 /1 .‬ر‪ .‬المراجع المشار إليها مع المصدر المعتمد‪ :‬الشماخي‪ :‬السير‪559 -556 :‬‬
‫(‪ )93‬عامر الشماخي( ن ‪ )1390 /792‬من أجداد أحمد الشماخي صاحب السير‪ .‬اخذ عن أبي موسى بن عيسى الطرميسي(ن‬
‫‪ .)1322 /722‬اشتهر بالستقامة منذ صغره‪ .‬جلس للتدريس والتأليفطول حياته‪ .‬وقد درس بمتيون ‪ 13‬سنة وتحول إلى يفرن‬
‫‪756‬هـ‪1355 /‬م‪ .‬من أبرز تلميذه البرادي(‪ 8‬و ‪ 9‬هـ‪15 -14/‬م) صاحب كتاب الجواهر‪ .‬توفي متقدم السن( ‪ )792/1390‬له عدة‬
‫مؤلفات يهمنا منها كتاب الديانات وقد ألفه تلبية لطلب نوح بن سعيد المرساوني( انظر شروح هذا النص في ما يلي ‪ )160‬وقد‬
‫ترجمه النامي بأطروحته ص ‪ 255‬إلى النكليزية وترجمة كوبرلي إلى الفرنسية ‪ 3/195‬الملحق ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪-559 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪.561‬‬
‫(‪ )94‬هو أبو حفص عمرو بن جميع‪ :‬يقول عنه الشماخي‪ ":‬كان اماما مشهورا وكان من العلماء منظورا‪ .‬إليه تنسب العقيدة‬
‫التي كانت بالبربرية فأبدلها بلسان العربية وهي اعتماد أهل جربة وغيرهم غير نفوسة في ابتداء الطلبة" السير ‪ .561‬وقد ترجم‬
‫له الشيخ أبو إسحاق اطفيش في مقدمة تحقيق نص العقيدة واعتبره من علماء النصف الثاني من القرن ‪ ، 7/13‬وقد أدرك بداية‬
‫القرن ‪ .8/14‬وغاية ما نعرف عنه أنه درس على أحمد الدرجيني صاحب الطبقات ‪.‬ر‪ .‬ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء‬
‫جربة‪54 :‬‬
‫" ثم صار كبير المدرسين بجامع تيفروجين من جهة والغ القديمة حيث يوجد قبره" كما يقول الحيلتي(ت ‪ )1099/1688‬في‬
‫رسالته عن مشاهد علماء حربة‪ 6 :‬أما تاريخ وفاته فمجهول ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة ص ‪.253‬‬
‫أما في ما يتعلق بتعريف نص العقيدة فانظر ما يلي ‪131‬‬
‫(‪ )95‬أبو الفضل أبو القاسم البرادي( النصف الول ق ‪ )9/15‬نشأ بجبل دمر – الجنوب التونسي‪ -‬وتعلم بجبل نفوسة على عامر‬
‫الشماخي (ت ‪ )1390 /792‬وبجربة على يعيش بن موسى الزواغي بمدرسة وادي الزبيب بحومة جعبيرة‪.‬‬
‫تولى التدريس بعد ذلك بنفس المدرسة التي تعلم بها بجربة واستقر بالجزيرة حيث شارك في عضوية مجلس العزابة‪ .‬حج إلى‬
‫بيت ال الحرام سنة ‪ 775/1374‬وتاريخ وفاته يبقى مجهول ‪.‬ر‪ .‬للمؤلف‪ :‬نظام العزابة ص ‪ 209 -208‬وقد اشرت هناك إلى أهم‬
‫المصادر ‪.‬ر‪ .‬سالم العدالي‪ :‬البرادي‪ :‬حياته آثاره‪ .‬أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين ‪-1402‬‬
‫‪ 1982‬مرقونة بمكتبتي‪.‬‬
‫ورسالة الحقائق ط ‪ .‬بالجزائر د‪.‬ت مع مجموعة من المؤلفات وقد حققها سالم العدالي مرقونة بمكتبتي‪ .‬أما كتاب شفاء الحائم‬
‫فما يزال مخطوطا بالمطتبة البارونية الحشان‪ ،‬جربة‪ .‬ولسالم العدالي نسخة مصورة منه عن النسخة البارونية ‪.‬ر‪ .‬سالم العدالي‪:‬‬
‫البرادي حياته آثاره ؛ ‪147 -122‬‬

‫النتاج الباضي في أصول الدين(‪ )1‬في القرون‬

‫‪ 12 ،11 ،10‬هـ‪ 18 ،17 ،16 /‬م‬

‫تنطلق التصانيف الباضية في أصول الدين في هذه الحقبة التي تهمنا بشرح أحمد بن سعيد‬
‫الشماخي( ‪ )1522 /928‬لعقيدة التوحيد لبي حفص عمور ابن جميع(‪ ، )2‬وقد أثبت أنه " انتهى‬
‫من شرحه هذا في أوائل شهر شعبان سنة أربع وتسعمائة‪ /‬فيفري ‪ .1499‬وهو العام الثاني من‬
‫إخراج المسلمين النصارى من جربة" (‪.)3‬‬

‫وأبو العباس أحمد الشماخي (ت ‪ )1522 /928‬هو سلسل أسرة عريقة في العلم سكن يفرن وأخذ‬
‫عن أبي عفيف صالح بن نوح‪ .‬تحول بعد وفاة شيخه إلى تطاوين وتللت بجبل دمر طلبا للعلم‪ ،‬ثم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫واصل طريقه إلى تونس حيث التقى بملك إفريقية أبي عمر عثمان الحفصي( ‪-1435 /893 -839‬‬
‫‪ )1488‬سنة ‪ ،1486 /891‬وتحاور معه في مسائل فقهية‪.‬‬

‫كما التقى في إحدى رحلته بفقيه إباضي من عمان هو محمد بن عبدال السمائلي العماني ونقل‬
‫عنه عدة أخبار عن إباضية المشرق‪.‬‬

‫وكان يهتم أحيانا بتاريخ مؤلفاته من ذلك ضبطه لتاريخ انتهائه من شرح مقدمة التوحيد وذلك سنة‬
‫‪.1499 /904‬‬

‫والمشهور كما يروي ذلك مؤرخ جربة المعاصر سالم بن يعقوب أنه توفي بجربة وقبره بحومة‬
‫تيواجن‪ ،‬وذلك سنة ‪ 1522 /928‬على خلف ما يذكره لويكي‪.‬‬

‫مؤلفاته‪:‬‬

‫‪ -‬شرح عقيدة التوحيد (انظر ما يلي‪)131:‬‬

‫‪ -‬سير المشايخ‪ :‬ط حجرية القاهرة ‪ .1301‬عرف فيه بنشأة الباضية وخاصة سير مشائخ المغرب‪.‬‬

‫‪ -‬مختصر كتاب العدل والنصاف لبي يعقوب الوارجلني (‪ )12 /6‬في أصول الفقه وشرح المختصر‬
‫خ‪ .‬بمكتبتي ‪.‬وقد فرغ من تأليفه ‪.1489 /854‬‬

‫‪ -‬شرح كتاب مرج البحرين في الفلسفة والمنطق لبى يعقوب الوارجلني وهو قسم من كتاب الدليل‬
‫والبرهان‪ .‬خ بمكتبة سالم بن يعقوب غيزن‪.‬‬

‫‪ -‬أعراب مشكل الدعائم‪ ،‬لبن النظر العماني وقد انتهى من تأليفه سنة ‪ 1483 /888‬كما أثبت في‬
‫آخر النسخة البارونية خ‪ .‬لم يهتم فيه إل بالقضايا اللغوية والنحوية‪"..‬فآثرت مختصرا يتضمن‬
‫مشكل إعرابه"‪.‬‬

‫‪ -‬رسالة في الرد على صولة الغدامسي (انظر ما يلي‪) 163:‬‬

‫‪ -‬ورسائل أخرى في الفقه (‪.)4‬‬


‫ويبدو أن آخر ما صنف في هذه القرون الثلثة حاشية يوسف بن محمد المصعبي (ت ‪/1188‬‬
‫‪)5( )1774‬على كتاب أصول الدين لتبغورين ابن عيسى الملشوطي (ق ‪.)6( )12 /6‬‬

‫وبين هذا وذاك ألفت عدة تصانيف نرتبها كما يلي‪ )1( :‬المؤلفات المستقلة‪ )2( .‬الشروح‬
‫والحواشي‪ )3( .‬الردود والجوبة‪ )4( .‬المختصرات‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫========================‬

‫(‪ )1‬ملحظة‪ :‬اننا سنقحم التراجم داخل النص لنها تعتبر من صلب البحث‬
‫(‪ )2‬انظر ما سبق‪ 124 :‬تعليق ‪94‬‬
‫(‪ )3‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ‪163:‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة ص ‪.1‬سالم بن يعقوب‪ :‬كراس بمكتبته الخاصة بدون رقم‬
‫محمد حسن‪ :‬نحقيق سير الشماخي‪3/480:‬‬
‫(‪ )5‬انظر ما يلي‪140:‬‬
‫(‪ )6‬انظر ما سبق‪116 :‬تعليق ‪71‬‬

‫‪:‬‬

‫إن التأليف الذاتية في أصول الدين في هذه القرون تكاد تكون منعدمة وإننا لم نعثر إل على ثلثة‬
‫رسائل اثنتين منها لحمد بن سعيد الشماخي والثالثة لعبدال السدويكشي (‪.)7( )1658 /1068‬‬

‫ولعل هذا يرجع إلى أن ما ألف في ما مضى كثير‪ ،‬لذلك لجأ علماء هذه الحقبة إلى الشروح‬
‫والحواشي لتوضيح ما جاء من إشكال في تلك النصوص التي أقرت العقيدة الباضية بصفة نهائية‪.‬‬

‫أ‌) أما رسالة الشماخي الولى فقد جاءت موجزة وهي جواب أجاب به (‪)8‬أحد الطلبة حول قضية‬
‫العلقة بين السم والمسمى بالنسبة إلى ال تعالى‪ ،‬وهي مخطوطة بها أربع صفحات تحتوي على‬
‫مائة سطر بخط مغربي واضح(‪. )9‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد بدأها بذكر الفرق بين التسمية والسم والمسمى لغة ثم بين أن الباضية يعتبرون أن السم هو‬
‫المسمى مدلل على هذا العتبار بعدة آيات من القرآن الكريم وبثلثة أحاديث‪.‬‬

‫وقرر بعد ذلك اعتمادا على كلم الوارجلني أن الخلف بين الباضية وغيرهم اعتباري لفظي‪.‬‬

‫كما أجاب عن بعض العتراضات والستفسارات وانتهى إلى تقرير أن السم يدل على المسمى وأن‬
‫الباضية يمنعون أن يقال إن ال سمى نفسه في الزل(‪ )10‬وتبدو النزعة التعليمية واضحة في هذه‬
‫الرسالة إذ جاءت في قالب حوار (إن قلت‪ .‬قلت)‪.‬‬

‫ب‌) وأما الرسالة الثانية فقد جاءت في منتهى اليجاز وهي خ‪ .‬تحتوي على صفحة واحدة بخط‬
‫مغربي واضح بها ثلثة وعشرون سطر(‪. )11‬‬

‫وموضوعها‪ :‬صفات ال تعالى‪ ،‬وقد برهن بطريقة منطقية جدلية على أن صفات ال الذاتية غير‬
‫زائدة على الموصوف وكذلك صفاته الفعلية‪.‬‬

‫وقد بدت النزعة الجدلية بما فيها من تحد واضحة في هذه الرسالة على إيجازها‪.‬‬

‫وأما الرسالة الثالثة فهي لعبدال السدويكشي عدد صفحاتها سبعة وبها ‪ 134‬سطر(‪ . )12‬وهي‬
‫موسومة بـ" رسالة في اختلف العلماء في القرآن المجيد" وقد حدد موضوعها في الخاتمة كما‬
‫يلي‪:‬‬

‫" فقد ذكرت ما أمكنني ذكره من احتجاج الفريقين (القرآن مخلوق‪ -‬القرآن أزلي" فهي مقارنة بين‬
‫القائلين بالحدوث والقائلين بالقدم وفي ذلك يقول‪ ":‬وأما القائلون بأن القرآن قديم فهم المالكية‬
‫والشافعية والحنابلة والحنفية‪.‬‬

‫وأما القائلون بأن القرآن مخلوق فهم المعتزلة والباضية والشيعة على اختلف مذاهبها" (‪.)13‬‬

‫وقد بدت النزعة الجدلية واضحة في كل الرسالة ما دامت كل جماعة تحاول النتصار لموقفها وقد‬
‫أورد المصنف حجج الذين يعتبرون أن القرآن قديم ودفاعهم عن موقفهم في العنصر الول ثم أورد‬
‫حجج القائلين بخلق القرآن ومنهم الباضية وقد جاء القسم الثاني أطول وأوضح من القسم الول‬
‫ومرجع هذا إلى أن السدويكشي يتبنى موقف القائلين بخلق القرآن‪.‬‬

‫===============================‬
‫(‪ )7‬انظر ترجمته مع تحليل أهم آثاره‪151:‬‬
‫(‪ )8‬خيرنا وضعها هنا لنها أقرب إلى التأليف الذاتي‬
‫(‪ )9‬المكتبة البارونية ضمن مجموعة آثار أخرى بدون رقم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )10‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬رسالة في السم والمسمى‪4:‬‬


‫(‪ )11‬خ البارونية‪ :‬ضمن مجموعة من الرسائل بدون رقم‬
‫(‪ )12‬خ البارونية ضمن مجموعة من الرسائل بدون رقم‪ .‬انظر ترجمة السدويكشي في ما يلي‪151 :‬‬
‫(‪ )13‬عبدال السدويكشي‪ :‬رسالة في اختلف العلماء في القرآن المجيد‪7:‬‬

‫‪:‬‬

‫‪ )1‬شروح عقيدة التوحيد لبي حفص عمرو بن جميع(‪. )14‬‬

‫أ) شرح أبي العباس أحمد الشماخي(‪. )15‬‬


‫لقد تتبع الشارح متن العقيدة كلمة كلمة‪ ،‬فتركز الشرح على المحاور التالية‪ :‬أصل الدين‪ ،‬اليمان‪،‬‬
‫الكفر‪ ،‬السلم‪ ،‬الدين‪ ،‬الولية والبراءة‪ ،‬النبياء‪ ،‬الكتب‪ ،‬الكبيرة‪ ،‬الكلم على القرآن وأسماء ال‪،‬‬
‫الرد على الخوارج والصوفية‪ ،‬نبذة في عقيدة أهل الحق والستقامة( يعني الباضية)‪.‬‬

‫وقد بين الشارح الغاية من تأليفها في مقدمة الشرح حيث قال عند وصف المتن‪ ":‬احتوت على نكت‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولطائف يفتقر إلى تعلمها المبتدئ وربما يحتاج إلى إيضاح بعضها المنتهي‪ .‬فاستخرت ال في شرح‬
‫ما بدا لي من مشكلة‪ ...‬إسعافا لمن طلب‪ ،‬ومساعدة لمن رغب ول أزيد على ما يزيل البهام إل نادرا‬
‫لنه رحمه ال لم يضعها لتقرير المباحث وتهذيب الدلة" (‪.)16‬‬

‫والناظر في الشرح يتبين أن الشماخي عمد إلى التوسع أحيانا وإلى الختصار أحيانا أخرى‪ ،‬كما أنه‬
‫يكثر من المقارنات بين مواقف الباضية وغيرهم بطريقة جدلية واضحة‪ ،‬ثم يدعم ما يقرره من‬
‫الراء باجتهاد علماء الباضية المتقدمين دون ذكر المصدر غالبا وإنما يكتفي بذكر أسماء العلماء‬
‫فقائمة أسماء المصادر ل تتجاوز الست مثل كتاب الجهالت(‪ )17‬والدليل والبرهان‪ ،‬بينما عدد‬
‫أسماء العلماء المذكورين ل يقل عن الثلثين مثل تبغورين بن عيسى الملشوطي صاحب كتاب كتاب‬
‫الجهلت وأبي يعقوب الوارجلني صاحب الدليل والبرهان(‪ ،)18‬وهو يسند أيضا آراء غير الباضية‬
‫إلى أصحابها وإلى مصادرها أحيانا وقد تردد ذكر الزمخشري (‪)19()1194 -1079 /538 -467‬‬
‫والشعري(‪ )20‬وغيرهما في غضون الشرح عدة مرات‪.‬‬

‫ثم إن الشارح إلى جانب التعريفات الصولية والمناقشات الفكرية لم يغفل عن الشروح اللغوية فهو‬
‫كثيرا ما يحيل على الزجاج (‪.)21( )923 -855 /311 -241‬‬
‫ثم إلى جانب هذا فإن تتبع النص فرض على الشارح أن يقف عند كثير من المواضيع الفقهية‬
‫العلمية مثل الصلة والزكاة وما إلى ذلك‪.‬‬

‫فواضح إذن أن شرح الشماخي جاء معتدل بين الختصار والطول إذا قورن بشرح أبي سليمان‬
‫التلتي (ت ‪ ، )22()1560 /967‬وشرح محمد اطفيش‪ ،‬قطب الئمة‪.‬‬
‫وأخيرا فقد جاء هذا الشرح دليل واضحا على موسوعية الشارح ودقة ملحظاته وإلمامه بالقضية‬
‫من جميع جوانبها فهو يشير أحيانا إلى أنه يعمد إلى الختصار وقوفا عند التزامه في المقدمة(‪،)23‬‬
‫وأحيانا يضطر إلى تحليل بعض المسائل عندما يحس أن الشرح لم يمكنه من استيفاء الغرض فيلمح‬
‫إليها بإحدى العبارات التالية‪ :‬تنبيه(‪ .)24‬مسألة(‪ . )25‬فرع(‪ .)26‬مطلب(‪. )27‬‬

‫وسيتضح من خلل هذا البحث أن شرحه منطلق أساسي لكل من يريد أن يتعرف على عقيدة‬
‫الباضية‪.‬‬

‫======================‬
‫‪ )14‬انظر ما سبق ص ‪ 124‬للتعريف بصاحب العقيدة‪ .‬أما النص فيمكن التعرف على فحواه من خلل الشرح‪ ،‬والشماخي قد‬
‫لخص المتن كما يلي‪" :‬اعلم أن الشيخ رحمه ال تعالى لما صدر كتابه بما ل يسع جهله طرفة عين‪ ،‬ثم ذكر ما يلزم من جهل أو‬
‫أنكر خصلة من ذلك‪ ،‬ثم ذكر تفسير الدين وما يضاف إليه وأنه السلم‪ ،‬ثم عقب بشيء من المفروضات‪ ،‬وذكر الولية والبراءة‪،‬‬
‫وما يلزم منهما ولهما من الشروط والقسام‪ ،‬وذكر الملل وأحكامها‪ ،‬وكل ذلك تفسير للجملة‪ ،‬ونذكر من جملة التفسير على وجه‬
‫الستطراد جملة الكتب والنبياء والرسل‪ ...‬لينبه الغافل عن سبيل الستقامة‪.114 :"...‬‬
‫(‪ )15‬لقد حقق المتن والشرح أبو إسحاق إبراهيم اطفيش وطبعهما مع شرح أبي سليمان التلتي بالقاهرة ‪1353‬هـ‪ .‬وقد طبع‬
‫المتن مع الشرحين طبعه ثانية على نفقة الحاج خليفة بن سعيد الشيباني ‪ 1392/1973‬وقد جردت من تحقيقات أبي إسحاق‬
‫اطفيش‪ .‬وقد اعتمدنا الطبعتين إل أن الحالت جاءت على الطبعة الثانية‪.‬‬
‫(‪ )16‬الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪18:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )17‬انظر ما يلي‪155:‬‬


‫(‪ )18‬انظر ما سبق‪116:‬و ‪119‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬العلم ‪8/55‬‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق ‪ 44‬تعليق ‪31‬‬
‫(‪ )21‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬العلم ‪1/33‬‬
‫(‪ )22‬انظر أسفله بــ‪.‬‬
‫(‪ )23‬انظر ما سبق‪132:‬‬
‫(‪ )24‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪ 20:‬و ‪47‬‬
‫(‪ )25‬نفس المصدر‪132 ،122 ،48 ،38 :‬‬
‫(‪ )26‬نفس المصدر‪102:‬‬
‫(‪ )27‬نفس المصدر‪103:‬‬
‫يحسن أن نشير هنا إلى ترجمة موتيلنسكي لنص العقيدة‬
‫‪CF.Motylinski, Laqida Des Abadhites,dans Recueil de Memoires et de texts publie en l‬‬
‫‪.honneur du Xlv cogres des orientalistses,Alger,1905.P504/545‬‬

‫ت‌) شرح أبي سليمان داود بن إبراهيم التلتي (ت ‪)1560 /967‬‬

‫قبل أن نقف عند الشرح يحسن أن نتعرف على صاحبه وتتبع أخباره يعرض صورة واضحة عن‬
‫متانة العلقة بين مواطن الباضية بالمغرب في القرن ‪ 16 /10‬والخبار متوفرة‪.‬‬

‫نشأته وتعلمه‪ .‬إننا نجد عنهما تفاصيل يقينية واضحة كما يرويها عنه أحد تلميذه وهو محمد بن‬
‫زكرياء الباروني(‪ )28‬في رسالته في نسبة الدين(‪ )29‬ومفادها‪:‬‬

‫‪ )1‬الدراسة بجبل نفوسة(‪ : )30‬لقد ارتحل إليه منذ صغره وبعد أن حفظ كتاب ال درس عقيدة‬
‫التوحيد(‪ )31‬وغيرها على أبي زكرياء بن عيسى الباروني(‪. )32‬‬

‫‪ )2‬رجوعه إلى جربة‪ :‬لعله رجع زائرا فأقام مدة أراد أن يستفيد فيها فحلق على أبي القاسم بن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يونس السدويكشي(‪ ، )33‬وأبي يحيى زكرياء بن إبراهيم الهواري (‪.)34‬‬


‫‪ )3‬عودته إلى جبل نفوسة‪ :‬ثم رجع إلى الجبل فلزم أبا يوسف يعقوب بن صالح التندميرتي(‪)35‬‬
‫بأجناون‪ -‬بفتح الهمزة والجيم وتشديد النون وفتح الواو بعدها(‪ -)36‬إذ يصرح أنه أخذ عنه أكثر‬
‫مما أخذ عن غيره" (‪.)37‬‬

‫ولما ارتجل شيخه إلى جزيرة جربة(‪ )38‬انتقل الى بقالة(‪ )39‬فدرس المنطق والبيان على شيخه‬
‫إبراهيم أبى الحباس(‪ )40‬من تلميذ يونس ابن تعاريت(‪. )41‬‬

‫ثم رجع الى جزيرة جربة إل أنه لم يستقر بها‪.‬‬

‫‪ )4‬رحلـته إلى وادي ميزاب‪ :‬وحال وصوله إلى جربة بلغه صدى دروس أبي مهدي عيسى بن‬
‫إسماعيل(‪ )42‬تلميذ سعيد بن علي الجربي(‪ )43‬فالتحق بمدرسته بمليكة(‪ )44‬في وادي ميزاب‬
‫‪.1554 /961‬‬

‫نشاطه بجربة‪ :‬وما أن رجع الى جربة حتى تصدر للتدريس في مسجد القصبيين(‪ )45‬ثم انتخب‬
‫رئيسا لمجلس العزابة(‪ )46‬وصار من أهل الحل والعقد ومما يثبت ذلك قول ابن تعاريت (‪/1289‬‬
‫‪ ": )1872‬وساد بجربة وتولى مجلسها‪ -‬أي تولى رئاسة مجلس الحكم فيها انذاك‪ -‬واليه يرجع‬
‫المر في زمانه" (‪ ،)47‬ومخاطبة درغوث باشا حين هجم على الجزيرة‪ ":‬نحن جماعة العزابة"(‬
‫‪. )48‬‬

‫وقد كان مجاهدا مجتهدا في العلم والدعوة الى الحق فتصدى لدرغوث باشا وقال له في صيغة رد‪:‬‬
‫" بل الفساد من قبلك لتقديمك السافل"(‪ )49‬عندما طعن درغوث في عزابة جربة‪ .‬فما كان من‬
‫درغوث باشا إل أن أخذه خدعة وسجنه شهرا ثم قتله سنة ‪.1560 /967‬‬

‫وقبره معروف الى الن في حومة بركوك (‪ ،)50‬وما يزال أهل قرية تلت(‪ -)51‬التي ينسب إليها‪-‬‬
‫يقيمون زيارة سنوية لهذا القبر إحياء لذكراه‪.‬‬

‫وهكذا نتبين أنه مات حديث السن دون أن يفيد كثيرا من العلم الذي حصله في شبابه فخمس سنوات‬
‫على أقصى تقدير غير كافية لتكوين جيل‪ .‬وأشهر تلميذه محمد بن زكرياء الباروني الذي نقل عنه‬
‫نسبة الدين(‪.)52‬‬

‫مؤلفاته‪ )53(:‬يقول أبو اسحاق اطفيش‪ ":‬ولبي سليمان مصنفات نفع ال بها كثيرا من عباده‬
‫المؤمنين منها شرحه على متن ايساغوجي(‪ )54‬في المنطق مقرر بالجامع العظم الزيتونة بتونس‪.‬‬

‫‪ -‬شرحه على الجرومية(‪ ....)55‬لم نطلع عليه‪.‬‬

‫‪ -‬شرح عقيدة التوحيد‪ ":‬قل أن نجد ممن أدركناه من العلماء أو التلميذ من لم يكن من محفوظاته‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وذلك في بلدنا‪ -‬وادي ميزاب‪ -‬ولعل الحال في الجزيرة ونفوسة كذلك"(‪. )56‬‬

‫وهذا أبو سليمان نفسه يضبط منهجه في شرح العقيدة في المقدمة كما يلي‪.... ":‬فهذه تذكرة لشيء‬
‫من المسائل على بعض كلمات العقيدة عقيدة التوحيد من حدود وآيات وأحاديث وآثار‪ .‬مناسبة لتلك‬
‫الكلمات كان التلميذ في بعض المجالس يكتبونها كما يكتبون العقيدة (‪.)57‬‬

‫وقد جاء الشرح وفيا للمنهج المقترح في الخطبة ذاك أنه اصطبغ بصبغة وعظية واضحة بعيدة عن‬
‫النزعة الجدلية والحتجاج العقلي‪.‬‬
‫فطريقة هذا الشرح حينئذ نقلية توفر للقارئ ما يحتاج إليه من اليات والحاديث للتأكد من مفهوم‬
‫المتن وقيمته مع عدم الستغناء عن بعض الشروح اللغوية والصطلحية عندما يلزم المر لفهم‬
‫النص المشروح‪.‬‬

‫========================‬
‫(‪ )28‬أنظر ما يلي‪169 :‬‬
‫(‪ )29‬ملحق سير الشماخي‪579 :‬‬
‫(‪ )30‬جبل نفوسة‪ :‬منطقة جبلية تقع جنوب غربي مدينة طرابلس بالقطر الليبي ونفوسة هي القبيلة البربرية التي عمرت هذه‬
‫المنطقة فعرف الجبل بها لشهرتها رغم أنه عمرته قبائل بربرية أخرى‪ .‬لزيادة التوسع ر‪ .‬ياقوت الحموي‪ :‬معجم البلدان ‪-5/296‬‬
‫‪297‬‬
‫(‪ )31‬ملحق سير الشماخي‪579 :‬‬
‫(‪ )32‬لم نجد إشارة إليه في رسالة ابن تعاريت وواضح أنه مقرئي ق ‪ 10/16‬بجبل نفوسة ‪ .‬ويحسن أن نعرف بصاحب الرسالة‬
‫لننا سنعتمد كثيرا على رسالته في هذا الفصل‪ .‬وهو سعيد بن الحاج علي ابن تعاريت (ت ‪)1289/1872‬‬
‫لقد ذكر نسبته بنفسه كما يلي‪ :‬سعيد بن الحاج علي بن عمر بن سعيد بن يحيى ابن الحاج عبد الرحمن بن صالح بن أحمد بن‬
‫الحاج المعز بن يوسف ابن يحيى ابن الشيخ أبي النجاة يونس بن سعيد بن يحيى ابن تعاريت‪ .‬في أخر خ نسبة الدين لسليمان‬
‫الحيلتي بخطه‪ .‬البارونية‪.‬‬
‫ويذكر أنه أخذ عن عيسى ابن أبي القاسم الباروني وقد نسخ رسالته في الرد على الغدامسي وذكر أن الباروني كتبها‬
‫‪.)1210/1795‬‬
‫وقد اخذ عنه سعيد بن عبدال الباروني كما يذكر ذلك في نسخه لعدة مخطوطات أنه نسخها لشيخه ابن تعاريت‪.‬‬
‫وقد سمى رسالته التي بينت ما لديه من وثائق مهمة ‪ ،‬منها ما لم نعثر عليه بعد‪ ":‬في تراجم علماء الجزيرة وذكر أمرائها‬
‫السمومني وبني الجلود" ويذكر أنه فرغ منها في صفر ‪.1274/1799‬‬
‫وقد رحل إلى مصر في آخر حياته إذ توفي بالسكندرية سنة ‪1289/1872‬‬
‫(‪ )33‬وأبو القاسم بن يونس السدويكشي (ق ‪ )10/16‬ذكر سعيد بن تعريت أنه تلميذ أبي يوسف يعقوب التندميرتي سيخ أحمد‬
‫الشماخي صاحب السير كما يقول إنه "جازت به سلسلة نسب الدين"‪ .‬رسالة في تراجم علماء جربة‪ .‬خ بمكتبة سالم بن يعقوب‬
‫غيزن جربة‪48 :‬و ‪40‬‬
‫(‪ )34‬أبو يحي زكرياء بن إبراهيم الهواري(ق ‪ )10/16‬ذكر ابن تعاريت أنه اخذ العلم عن أحمد الشماخي صاحب السير ولم‬
‫يفصل في ذكر أخباره – رسالة في تراجم علماء جربة‪3:‬‬
‫(‪ )35‬أبو يوسف يعقوب بن صالح التندميرتي (ق ‪ )9/15‬ل نعرف عنه سوى أنه شيخ أحمد الشماخي صاحب السير‪ ،‬وأنه اخذ‬
‫عن أبي النجاة يونس التعاريتي‪ .‬معنى ذلك أنه عاش بين جربة وجبل نفوسة‪.‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء‬
‫جربة‪27:‬‬
‫(‪ )36‬اجناون‪ :‬مدينة غناء تسلقي في دلل على أقدام جبل أشم تضم القرى التالية نموقت في وسط الجبل القصير‪ -‬على جانب‬
‫الجبل اليمن‪ -‬مزو ويوجلين – على كتفي الجبل وتقابهما الجماري ومزغورة ‪.‬ر‪ .‬علي يحيى معمر‪ :‬الباضية في موكب التاريخ‬
‫الحلقة الثانية القسم الثاني‪ 93 :‬وقد جاء النص في قالب ادبي فقدمناه في أسلوب علمي مكتبة وهبة ‪ .‬القاهرة ‪1384‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )37‬ر‪ .‬محمد زكرياء الباروني نسبة الدين ط ملحقا بسير الشماخي‪.579 :‬‬
‫(‪ )38‬ر‪ .‬أبو إسحاق اطفيش‪ :‬مقدمة شرح العقيدة ‪8:‬‬
‫(‪ )39‬محمد بن زكرياء الباروني‪ :‬نسبة الدين ط ملحقا بسير الشماخي ‪579 :‬‬
‫(‪ )40‬إبراهيم بن احمد أبو الحباس(ق ‪ )10/16‬يذكر ابن تعريت أنه أخذ عن أبي النجاة يونس التعاريتي‪ ،‬معنى ذلك أنه عاش‬
‫في القرن ‪ 10/16‬وتعلم بجربة وهو من جبل نفوسة‪ .‬رسالة في تراجم علماء جربة‪27 :‬‬
‫(‪ )41‬أبو النجاة يونس بن تعاريت ‪( :‬ق ‪ .)10/16‬تتلمذ بجربة على شيخه زكرياء الصدغياني‪ .‬رحل إلى جبل نفوسة حيث درس‬
‫على أبي عفيف صالح ابن نوح التندميرتي‪ .‬درس بجامع تاجديت بحومة فاتو‪ ،‬تخرج على يديه عدة تلميذ أبرزهم سعيد الجربي‬
‫مصلح وادي ميزاب في القرن ‪10‬هـ‪ .‬ترأس حلقة العزابة بجربة‪ ،‬وقاد الجيش الجربي سنة ‪ 916/1511‬ضد حملة النصارى على‬
‫جربة‪.‬ر‪ .‬فرحات الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪215 :‬‬
‫(‪ )42‬أنظر ما يلي‪165 :‬‬
‫(‪ )43‬أنظر ما يلي‪ 165 :‬تعليق ‪108‬‬
‫(‪ )44‬مليكة‪ :‬إحدى قرى وادي ميزاب‪ .‬انظر الخريطة ص‬
‫(‪ )45‬بحومة قللة قرب تلت( انظر الخريطة)‪835‬‬
‫(‪ )46‬انظر بحثنا عن نظام العزابة المطبعة العصرية تونس ‪.219 -1975/218‬‬
‫(‪ )47‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪43:‬‬
‫(‪ )48‬محمد بن زكرياء الباروني نسبة الدين ملحقا بسير الشماخي‪583 :‬‬
‫(‪ )49‬محمد بن زكرياء الباروني نسبة الدين ملحقا بسير الشماخي‪583 :‬‬
‫(‪ )50‬انظر الخريطة‬
‫(‪ )51‬انظر الخريطة‬
‫(‪ )52‬انظر للتعريف به ما يلي‪169 :‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬فرحات الجعبيري‪ ،‬نظام العزابة ‪( .271‬لزيادة التعرف على هذه المؤلفات)‬
‫(‪ )54‬الحقيقة أن هذا الشرح يجب أن ينسب لبي الربيع سليمان الجربي المدني من حومة بازيم من جربة كما ذكر ذلك سعيد ابن‬
‫تعاريت ‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪ ،84 :‬ونص الشرح مطبوع وقد وردت إشارة في مقدمته إلى أن سليمان هذا نقل فيه‬
‫الشرح عن درس لحد شيوخ الزهر ‪ .‬والتلتي لم يرحل إلى مصر ولقد تسرب الخطأ لبي إسحاق اطفيش من التفاق في السم‪.‬‬
‫وشرح ايساغوجي لثير الدين البهري في المنطق ط بالمطبعة الهلية بتونس سنة ‪ 1321/1903‬في ‪ 32‬صفحة متوسط الحجم‬
‫وطبع عدة مرات‪ .‬يذكر في المقدمة أنه أخذ هذا الشرح عن الشيخ البهري ثم يحدد التاريخ كما يلي‪ ":‬وكان أول مجلس سمحت‬
‫به اليام في قراءتي لهذه الرسالة في يوم الربعاء ثاني عشر صفر المبارك ثاني شهور سنة ثلث عشرة بعد التسعمائة من‬
‫الهجرة النبوية( ‪ 12‬صفر ‪ 913/22‬افريل ‪ )1507‬على صاحبها أفضل الصلة وازكى التحية وذلك بالمدرسة الجيعانية بشاطئ‬
‫بحر النيل ببولق من أعمال مصر المحروسة"‪.‬‬
‫(‪ )55‬والجرومية متن نثري في النحو من تأليف أبي عبدال محمد بن آجروم مطبعة المنار تونس د‪.‬ت‬
‫(‪ )56‬أبو إسحاق اطفيش‪ :‬مقدمة لشرحي العقيدة ص ‪ 10‬ونلحظ أن أهل نفوسة كانوا يحفظون نصا آخر شهر بعقيدة نفوسة‬
‫لبي زكرياء الجناوني‪.‬‬
‫(‪ )57‬داود التلتي‪ :‬شرح العقيدة‪17:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ث‌) نظم التحقيق في عقود التعليق لعمرو بن رمضان التلتي‪ :‬وهو شرح لشرح أبي العباس‬
‫الشماخي لعقيدة التوحيد التي ترجمها ابن جميع(‪ )58‬عن البربرية‪.‬‬

‫وهذا التلتي نفسه يشير إلى غرضه من هذا الشرح‪ ...":‬مزيل لما فيه من الصعوبة الشديدة ومشيد‬
‫لما فيه من الفوائد النيقة يرتاح له أولو اللباب السالمة صدورهم من الحقد‪ ،‬لعذوبة لفظه المتين‬
‫وما حواه من التدقيق والتبيين" (‪.)59‬‬

‫والناظر في هذا الشرح يدرك أن التلتي قصد الشرح اللغوي‪ ،‬عدا بعض الشارات السريعة‬
‫للتعريفات الصولية كما يلحظ أنه لم يفرد فصول لبعض القضايا كما يفعل عادة في الشروح‬
‫الخرى‪.‬‬

‫والنص مخطوط بالمكتبة البارونية بحومة الحشان جربة بخط مغربي واضح‪ .‬لم يذكر الناسخ ويقول‬
‫مؤلفه في آخره إنه فرغ منه في ‪ 28‬ذي القعدة ‪ /1181‬افريل ‪.1768‬‬

‫وأخيرا يشير التلتي في مختصره نخبة المتين إلى أنه شرح عقيدة ابن جميع شرحا سماه اللؤلؤة‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المضيئة على متن العقيدة(‪ )60‬إل أننا لم نعثر عليه‪ .‬كما يشير كوبرلي في قائمة المصادر‬
‫والمراجع(‪ )61‬إلى أن للتلتي شرحا مختصرا لنفس النص بعنوان عمدة المريد لنكتة التوحيد كذلك‬
‫لم نتمكن من الحصول عليه‪.‬‬

‫ومن عقيدة التوحيد الى حاشية المصعبي على أصول تبغورين‬

‫‪ )2‬حاشية أبي يعقوب يوسف المصعبي (‪ )1774 /1188‬على كتاب أصول الدين لتبغورين (ق‬
‫‪.)62( )6/12‬‬
‫ويحسن أن نتعرف على صاحب الحاشية قبل الحاشية فمن هو أبو يعقوب هذا؟ هو أبو يعقوب‬
‫يوسف بن محمد المصعبي المليكي‪.‬‬

‫ويرجع نسبه إلى آل ويرو بملكية التي ولد بها واليها ينسب أحيانا لكن غلبت عليه النسبة الى جبال‬
‫بني مصعب‪ -‬المصعبي‪ -‬وقد انتقل مع والده(‪ )63‬من وادي ميزاب الى جزيرة جربة واستقر بها‪.‬‬
‫وهناك أخذ العلم عن سعيد بن يحيى الجادوي(‪ )64‬وعن عمر الويراني السدويكشي(‪. )65‬‬

‫ونجد ذكره في كتب التراجم في أحداث الجزيرة منذ سنة ‪ 1692 /1103‬إذ مثل جربة في هذا التاريخ‬
‫بالجتماع العلمي الذي انعقد بمدينة للوت(‪ )66‬ويذكر ابن تعاريت انه كان مفتي جربة‪ ،‬ورئيس‬
‫مجلس الحكم فيها‪ ،‬وله مجالس للتدريس في كثير من المساجد غير الجامع الكبير(‪ )67‬الذي هو‬
‫محط رحلة وكبير المدرسين به‪")68( .‬‬

‫فراره الى طرابلس ‪ :1734 -1717 /1147 -1140‬لما ثبت أن عبد الرحمن اليونسي(‪ )69‬من‬
‫حومة قشعيين(‪ )70‬يطعن في الدين ويتجسس على المسلمين اجتمعوا للنظر في أمره‪.‬‬

‫ولما ثبت عندهم ذلك أهدروا دمه دون تعيين القاتل فتصدى أحد النصار لقتله فخشي الشيخ يوسف‬
‫والشيخ سعيد الجادوي على حياتهما ففرا إلى طرابلس سنة ‪ 1717 /1140‬حيث أقاما سبع سنوات‬
‫ولم يرجعا إل عند استيلء علي باشا على تونس ‪.)71( 1743 /1147‬‬

‫الدفاع عن شرعية شهادة الجربيين‪ :‬وبين أيدينا وثيقة مهمة(‪ )72‬سنتعرض لها في عنصر الردود‬
‫والجوبة تتمثل في مراسلة أحمد باشا وإلى طرابلس سنة ‪ 1756 /1169‬للرد على من طعن في‬
‫ثبوت شهادة الباضية من فقهاء طرابلس وفعل فقد لبى الوالي طلبه وأقر هذه الشهادة‪)73(.‬‬

‫=========================‬
‫(‪ )58‬انظر ما سبق ‪ 124‬تعليق ‪.94‬‬
‫(‪ )59‬ص ‪ 1‬من نفس الكتاب‬
‫(‪ )60‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين في أصول تبغورين‪ .‬ضمن مجموعة بعنوان‪ :‬العقيدة المباركة القاهرة د‪.‬ت‪148 :‬‬
‫(‪ )61‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪595 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )62‬انظر ترجمة تبغورين في ما سبق ‪ 116‬تعليق ‪ ،71‬أما كتاب أصول الدين فقد حققه النامي تحقيقا علميا بأطروحته ما يزال‬
‫مرقونا وبه ‪ 76‬صفحة ويقول تبغورين في خطبته ما يلي‪" :‬سألتني رحمك ال أن اكتب لك كتابا أبين فيه أصول الدين الذي‬
‫اختلفت في المة حتى صاروا طرائق قددا‪ ،‬وفرقا مختلفة ‪ ...‬وسأكتب لك من ذلك إن شاء ال ما ل يعتري معتر معه الشكوك ول‬
‫يعتذر على المبتدئ حفظه بأبلغ ما أحضرني من البيان‪...‬‬
‫ثم بين فضل ال على المة بالقرآن الكريم إذ ل سبيل إلى الخروج من الخلف إل عن طريقه‪ ،‬ولذلك قال المصنف‪ ":‬إن أولى‬
‫الناس بالحق من اتبع كتاب ال ‪ ،‬وجعل محكمة إماما لمتشابهه‪ ،‬ولم يؤثر عليه القياس وما تهوى النفس"‪.‬‬
‫وقد اعتبر أصول الدين عشرة( انظر ضمن البحث)‪61 :‬‬
‫ثم وقف عند خمس مسائل ‪1:‬في الحجة‪ 2 ،‬في الستطاعة‪ 3 ،‬في العون والعصمة‪ 4 ،‬في القرآن والكلم‪ 5 ،‬في الرؤية‪.‬‬
‫وختم الكتاب بالحديث عن الشفاعة والميزان والصراط وضغطة القبر وعذابه وفي حكم من أكل الحرام هل أكل زرقه أم ل؟‪.‬‬
‫وقد سلك منهجا واحدا في كل هذه القضايا حيث ينطلق بعرض ما اتفقت عليه المة‪ ،‬ثم يتعرض للفرق التي نقضت هذا الجماع‬
‫وهي‪ :‬المجسمة والمشبهة والمعتزلة والمجبرة والمرجئة والحشوية والشكاك والجهمية والرافضة والصفرية والمزيلة‪ .‬ثم يرد‬
‫عليها فرقة مبينا موقف الباضية منها‪ .‬مدعما ذلك بالقرآن والحديث‪ .‬كما ل يغفل عن الرد على الملحدين والدهرية والثنوية‬
‫والمجوس‪.‬‬
‫فجاء الكتاب في لغة خالية من التعقيد‪ ،‬لجأ فيه صاحبه إلى الختصار قدر المكان "تركته إرادة الختصار" ولنا في هذا حجج‬
‫كثيرة تركناها مخافة أن يطول الكتاب" ‪ 19 .12 .2:‬إل أن هذا الختصار لم يكن مخل بالمقصود‪ ،‬وكثيرا ما عمد المصنف إلى‬
‫لهجة جدلية تحتد في بعض الحيان في تفنيد حجج المخالفين لتقرر حجج الباضية‪.‬‬
‫(‪ )63‬هو محمد المصعبي‪.‬‬
‫(‪ )64‬انظر ما يلي‪171 :‬‬
‫(‪ )65‬أبو حفص عمر بن علي بن ويران(ق ‪ ،)11/17‬يذكر ابن تعاريت أنه من حومة سدوكش‪ .‬كما يقول إنه اخذ عن محمد بن‬
‫زكرياء الباروني صاحب نسبة الدين الملحقة بسير الشماخي‪ .‬معنى ذلك أنه درس بجبل نفوسة ‪ .‬ويستفاد من ذلك أيضا أنه من‬
‫علماء ق ‪.11/17‬‬
‫ويذكر من مؤلقاته‪ :‬كتاب مناسك الحج ط‪ .‬مع مجموعة بعنوان ‪ :‬العقيدة المباركة مطبعة الفجالة القاهرة د‪.‬ت ‪:‬من ‪ 19‬إلى ‪.109‬‬
‫وحاشية على كتاب البيوع من كتاب اليضاح لعامر الشماخي وحاشية على كتاب النكاح للجناوني‪ ،‬والحاشيتان خ‪ ،‬ر‪ .‬سعيد بن‬
‫تعريت‪ :‬رسالة في تراجم جربة‪44 :‬‬
‫(‪ )66‬دفتر رقم ‪ 63 :1‬مكتبة سالم بن يعقوب جربة‪.‬‬
‫(‪ )67‬انظر الخريطة ‪836‬‬
‫(‪ )68‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪107:‬‬
‫(‪ )69‬تفهم من رسالة ابن تعاريت أنه أحد الباضية وقد كان يتجسس على المشائخ ويطعن في الدين لذلك أهدروا دمه على غرار‬
‫ما فعل جابر بن زيد بخردلة ر‪ .‬في قضية خردلة ‪ :‬إسماعيل الجيطالي ‪ :‬كتاب قواعد السلم ‪1/74‬‬
‫(‪ )70‬انظر الخريطة ‪835‬‬
‫(‪ )71‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪101:‬‬
‫(‪ )72‬مخطوطة ضمن مجموعة‪ .‬البارونية بدون رقم‪.‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪101 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأخيرا يذكر ابن تعاريت أنه كان مهاب الجانب يعظ المراء والحكام ول يخشى في ال لومة لئم(‬
‫‪.)74‬‬

‫وتوفي سنة ‪ 1775 -1774 /1188‬وقبره معروف في روضة الجامع الكبير(‪ )75‬ويذكر أبو اليقظان‬
‫أنه تخرج عليه عدة تلميذ أبرزهم أبو زكرياء يحيى بن صالح الذي أحيى وادي ميزاب(‪. )76‬‬

‫وترك مال يقل عن عشرين مؤلفا بين رسائل وحواش (‪.)77‬‬

‫وهذا تعريف الحاشية(‪ : )78‬لقد تتبع يوسف المصعبي كتاب أصول الدين من أوله إلى آخره فكان‬
‫يقف عند ما يبدو له غاضبا إذ كثير ما يتجاوز مال يحتاج إلى الشرح ويبدو أنه اعتمد حاشية‬
‫المحشي اعتمادا كليا إذ ل تخلو صفحة من ذكر قول من أقوال المحشي بل يجعلها في كثير من‬
‫الحيان منطلقا للشرح والتحليل وقد ذكر المحشي مال يقل عن مائة مرة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وحرص الشارح على الوقوف على جميع أبواب الكتاب وهي الصول العشرة المختلف فيها كل ذلك‬
‫توضيحا لموقف الباضية ويستشهد لـه بنصوص شتى من المهات وقد بلغ عدد الحالت على‬
‫المصادر الباضية الى ثلثين إحالة نذكر منها تفسير هود بن محكم الهواري(‪ )79‬رسالة لبي‬
‫خزريغل بن زلتاف في الرد على جميع المخالفين وكتاب الموجز أبي عمار عبد الكافي وكتاب الدليل‬
‫والبرهان لبي يعقوب الوارجلني وشروح عقيدة التوحيد الخ‪ ...‬وقد تقصر هذه الستشهادات وقد‬
‫تطول حسب الحاجة إلى ذلك‪.‬‬

‫والملحظ أنه يقارن بين مختلف النصوص وينقدها حينا‪ ،‬ويزكيها أحيانا أخرى مرجحا ما يراه‬
‫مستقيما وكثيرا ما يصلح عبارة المصنف‪ ،‬أو عبارة هذه المصادر‪.‬‬

‫كما أنه يرد على مختلف الفرق‪ ،‬ونكاد نجزم بأنه تعرض لجل الفرق المعروفة من أشاعرة ومعتزلة‬
‫وخوارج وشيعة الخ‪...‬‬

‫وفي كل هذا كان ل يتردد عن الحالة على المصادر غير الباضية وقد بلغت عدد هذه الحالت الى‬
‫ست وثلثين إحالة نذكر منها تفسير الزمخشري وتفسير البيضاوي‪.‬‬

‫وكثيرا ما ينتخب من هذه المصادر ما يتفق وآراء الباضية ليدعم به موقفهم كما ل يغفل عادة عن‬
‫شرح ما ينبغي شرحه من اللفاظ شرحا لغويا معتمدا على القاموس وعلى مختصر العين‪ .‬وفي‬
‫الثناء يتعرض الى الصيغ الصرفية والنكت البلغية‪.‬‬

‫كما حرص على تفسير ما ورد في المتن من آيات قرآنية ومن أحاديث الرسول عليه السلم‬
‫واعتماده في القرآن على تفسير هود بن محكم والبيضاوي والزمخشري أما في الحديث فيحيل على‬
‫حاشية المحشي على مسند الربيع بن حبيب(‪ )80‬مع الشارة إلى أنه لم يحل على الصحاح الخرى‪.‬‬

‫ثم إن النزعة الجدلية تبدو واضحة في كثير من المواطن حيث يناقش آراء مختلف الفرق ويتحرى‬
‫في نسبة النصوص إلى أصحابها فإن لم يتمكن من ذلك ينبه إلى أن ذلك مما بقي في حفظه‪.‬‬

‫ونلمس كذلك أنه يعمد إلى حوصلة بعض المعاني الساسية بعد التحليل ليقرب المعاني إلى القارئ‪.‬‬

‫كما نلحظ أنه ينبه الى تحريف الناسخ معتمدا على عدة نسخ من المتن‪.‬‬

‫ورغم هذا العتناء فإنه كثيرا ما يقع في توضيح ما يبدو واضحا ولعل هذا يرجع الى طغيان النزعة‬
‫التعليمية عليه‪ ،‬كما أن إحالته تأتي أحيانا عامة "كما هو مشهور" ‪ "،‬في بعض كتب قومنا"‪" ،‬‬
‫كما بين في المطولت"‪.‬‬
‫ونلمس كذلك أنه يمر على المعنى المقصود عند تحليل بعض القضايا دون أن يلح عليه‪ ،‬وقد يقع في‬
‫بعض الغموض مما يجعل الستفادة من المتن أيسر من الستفادة من الشرح‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كما أنه مر على الفصول الخيرة (الصراط‪ ،‬الميزان‪ ،‬عذاب القبر) بسرعة غير متناظرة‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر يبقى هذا الشرح عمل رصينا يدل على سعة اطلع صاحبه وثراء المكتبة‬
‫السلمية التي بين يديه‪.‬‬

‫ويحسن أن ننبه إلى أن هذا النص قد اشار عمرو التلتي الى أنه شرحه لكننا لم نحصل على هذا‬
‫الشرح(‪. )81‬‬

‫=====================‬
‫(‪ )74‬نفس المصدر ‪102:‬‬
‫(‪ )75‬ر‪ .‬سليمان الحيلتي رسالة في مشاهد علماء جربة ص ‪ .8‬وسليمان بن أحمد الحيلتي(ت ‪)1099/1688‬من أسرة عريقة‬
‫في العلم ‪.‬ولد بحومة جعبيرة – أخذ العلم خاصة عن شيخه قاسم بن سعيد اليونسي (ت ‪ .)1036/1627‬لقد اعتنى اعتناء جديا‬
‫بأخبار الجزيرة وعلمائها وأمرائها وما وقع فيها من حروب‪ ،‬لم يجمع كل هذه الملحظلت في كتاب وإنما بقيت في رسائل‬
‫متفرقة‪ ،‬وقد استفاد منها استفادة كلية سعيد ابن تعاريت في رسالته عن تراجم علماء جربة‪.‬‬
‫وما تزال بعض الرسائل موجودة بالبارونية‪ .‬وقد حققنا رسالته في شيوخ العزابة في الجزيرة(ر‪ .‬الملحق الول نظام العزابة‬
‫‪ .324‬وما زلنا في صدد تحقيق رسالته في مشاهد علماء الجزيرة‪.‬‬
‫توفي سليمان الحيلتي سنة ‪ 1099/1688‬وقبره بجامع بوليمان بحومة جعبيرة‪.‬‬
‫(‪ )76‬إبراهيم أبو اليقظان‪ :‬ملحق لسير الشماخي خ ‪ .‬ملك ورثته بالقرارة ‪52:‬‬
‫(‪ )77‬سعيد ابن تعاريت ‪ :‬رسالة من علماء جربة‪102 :‬‬
‫(‪ )78‬تحصلنا على ثلثة نسخ من هذه الحاشية وثلثتها بخط واضح ومتوفرة في مكتبتي‪.‬‬
‫‪-1‬تضم ‪ 125‬صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 21‬سطرا نسخها مهني بن يحيى التلتي ‪ .1314/1896‬وهي التي نحيل‬
‫عليها في هذا البحث لنها أول ما توفر لدينا‪.‬‬
‫‪ -2‬تضم ‪ 51‬ورقة من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 24‬سطرا نسخها عبدال بن سليمان الباروني ‪ 1184/1770‬مسطرتها ‪17‬‬
‫‪ x5،12‬صم‬
‫‪ -3‬تضم ‪ 48‬صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 24‬سطرا إل أن خطها أكثر دقة وقد نسخها مهني بن يحيى التلتي‬
‫‪ .1315/1897‬مسطرتها ‪x 10،5 18‬صم‪.‬‬
‫(‪ )79‬هود بن محكم الهواري(ق ‪2‬و ‪3/8‬و ‪ :)9‬هو قاضي المام عبد الوهاب ثاني أئمة الرستميين بتاهرت‪ ،‬وله تفسير للقرآن‬
‫الكريم ج وهو بصدد التحقيق في وادي ميزاب‪.‬ر‪ .‬بحثنا ‪ :‬نظام العزابة‪.273:‬‬
‫(‪ )80‬محمد بن عمر ابن أبي ستة‪ :‬حاشية على مسند الربيع بن حبيب ط بعمان في ‪8‬أجزاء من ‪ 1983-1982‬وتوجد منها خ‬
‫بالبارونية ‪.‬وعرفت" بحاشية الترتيب"‬
‫(‪ )81‬انظر ما يلي‪174:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )3‬حاشية المحشي على كتاب الوضع "مختصر في الصول والفقه لبى زكرياء يحيى الجناوني (‬
‫‪.) 82()11 /5‬‬

‫والمحشي هو أبو عبدال محمد بن عمر ابن أبي ستة القصبي السدويكشي (‪/1088 -1022‬‬
‫‪.)1679 -1614‬‬

‫نشأته بمصر‪ :‬ولد بجربة سنة ‪ 1614 /1022‬ثم سافر الى مصر بعد أن حفظ القرآن الكريم ليتعلم‬
‫بجامع الزهر بالقاهرة وبالمدرسة الباضية هناك وذلك سنة ‪.1631 /1040‬‬

‫وبقي هناك ثماني وعشرين سنة تلميذا نشطا في أول المر ثم تولى التدريس بالمدرسة الباضية‬
‫بحي طولون وبالزهر حيث يشار إليه بالبدر‪.‬‬

‫نشاطة بجربة‪ :‬لقد رجع إليها سنة ‪ 1658 /1068‬وأدرك شيخه عبدال السدويكشي(‪ )83‬في آخر‬
‫عمره‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وما أن توفي شيخه سنة ‪ 1658 /1068‬حتى أسندت إليه رئاسة الحلقة ومهما التدريس فاضطلع‬
‫بمهمته أحسن اضطلع‪.‬‬

‫كل مؤلفاته حواش على المصادر الباضية ولذلك اشتهر بالمحشي‪ ،‬ويبلغ عددها العشرين تقريبا‬
‫وقد جمع هذه الحواشي تلميذ علي ابن بيان (‪.)84( )17 /11‬‬

‫وتوفي بجربة سنة ‪ 1679 /1088‬وعمره ‪ 65‬سنة وقبره معروف بالمحشي بورسيغن من حومة‬
‫سدويكش (‪.)85‬‬

‫لقد تتبع المحشي قسم الصول من كتاب الوضع جملة جملة فحلل ما ينبغي تحليله وعرف ما يجب‬
‫تعريفه‪.‬‬

‫فوقف أثناء تحليل خطبة الكتاب عند مفهوم الرضا والستعانة والتصلية والدين موضحا مراتب‬
‫التقوى‪ ،‬ومعرفا أصول الدين‪ ،‬ومبينا قيمة الكتاب بالنسبة الى بعض الكتب الباضية الخرى‪ ،‬مشيرا‬
‫الى أن البرادي نسبه إلى ابي زكرياء إل أن هناك من نسبه الى الفقيه ابي زكرياء يحيى بن إبراهيم‬
‫غير مرجح هذه النسبة أو تلك غير أنه لم يعثر على اسم هذا الخير في سير الشماخي‪.‬‬

‫ثم تعرض الى التوحيد من حيث مفهومه وما يتصل به من أحكام ففسر سورة الخلص ووقف عند‬
‫اسم الجللة وصفات ال الذاتية كما وضح مفهوم الشرك وأقسامه‪.‬‬

‫ثم حدد التطابق بين مفهوم الدين والسلم واليمان عند الباضية ملحا على ضرورة الجمع بين‬
‫القول والعمل‪.‬‬

‫ثم بين أن الشياء محدثة وأن وسائل المعرفة الحس والعقل والشرع‪.‬‬

‫ثم توسع في الوقوف عند الصول التي اختلفت فيها المة كما ضبط مفاهيم اليمان والكفر والنفاق‬
‫لغة واصطلحا‪.‬‬

‫كما حلل حديث الرسول عليه السلم في شأن افتراق اليهود والنصارى والمسلمين الى فرق شتى‪.‬‬

‫ثم ذكر قوائم الدين وأركانه ومسالكه ومجاريه وحدوده وإفرازه وإحرازه كما يحددها الباضية في‬
‫كتب العقيدة‪.‬‬
‫ثم عدد مال يسع جهله من العلوم طرفة عين وعرف التكليف لغة وشرعا وذكر المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر وما يتعلق بهما‪.‬‬

‫كما وضح ما يجب في حق ال تعالى وفي حق الرسول عليه السلم وما يستحيل في حقهما وما‬
‫يجوز‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم عاد إلى أحكام الولية والبراءة وعرف أحكام الخوف والرجاء وحكم المن والدلئل فحدد مفهوم‬
‫القياس وتعرض الى تعريف العقل‪.‬‬

‫وأنهى الباب بتحديد ما يسع جهله للورود (حتى يقع) ومال يسع جهله أبدا‪.‬‬

‫وقد جاء منهجه استقرائيا حيث يتعرض لكل قضية من جميع وجوهها معتمدا على الشروح اللغوية‬
‫وقد يعمد الى فقه اللغة أحيانا كما يحقق وجوه الخلف فيها مقارنا بين آراء الفرق السلمية منتقدا‬
‫ما يرى ضرورة انتقاده بقوله‪:‬و" المناسب أن يقول"‪.‬‬

‫وقد تجلت النزعة المنطقية في تحليله لبعض المسائل كما أنه ل يتردد في مناقشة بعض المسائل‬
‫ليرجح ما يراه صوابا وهو في أغلب الحيان يحيل على المصادر المعتمدة الباضية منها وغير‬
‫الباضية ناسبا إياها بوضوح إلى أصحابها‪.‬‬

‫وفي كل هذا تتضح نزعة المحشي التعليمية حيث يريد أن يقرب المفاهيم الى المتعلم دون أن يثقل‬
‫عليه الرجوع الى المهات‪.‬‬

‫تلك هي حاشية المحشي على أصول الدين من كتاب الوضع وذاك هو منهجه فيها(‪. )86‬‬

‫أما حاشيته على باب التوحيد من كتاب قواعد السلم لسماعيل الجيطالي فيشير تلميذه علي ابن‬
‫بيان الى أنه ألفها سنة ‪ 1647 /1057‬وأنها أول حواشيه‪ .‬وفعل إن الناظر في هذه الحاشية يتبين‬
‫أنها دون حاشيته على الوضع بكثير لكنها ل تخلو من فائدة وقد بلغ عدد صفحاتها ‪ 100‬من الحجم‬
‫المتوسط وبكل صفحة ‪ 23‬سطرا‪ .‬والمخطوطة موجودة بجامع الملق بجربة وتاريخ نسخها قريب‬
‫من تاريخ وفاة الشارح إذ نسخت سنة ‪ 1697 /1109‬والناسخ هو أحمد بن عمر بن داود يقول إنه‬
‫نسخها من نسخة بخط علي ابن بيان نفسه‪.‬‬

‫ولم نعتمد هذه الحاشية كثيرا لن المسائل تتكرر بنفس الصيغة تقريبا في حاشية الوضع لذلك لم‬
‫نحل عليها إل مرات معدودات‪ .‬ومنهج المحشي هو نفسه في الحاشيتين‪.‬‬

‫==============================‬
‫(‪ )82‬انظر ترجمة الجناوني في ما سبق‪ 116 :‬تعليق ‪74‬‬
‫أأما كتاب الوضع‪ ،‬مختصر في الصول والفقه‪ ،‬فقد حققه أبو اسحاق إبراهيم اطفيش وطبع ط أولى بالقاهرة مطبعة الفجالة‬
‫الجديدة د‪.‬ت‪ .‬وطبع ط‪ .‬ثانية بالجزائر د‪.‬ت وثالثة بعمان‪ .‬الستقامة د‪.‬ت وأهم أبواب الكتاب‪ :‬التوحيد ‪ ،‬الطاهرة‪ ،‬الصلة‪ ،‬الصوم‪،‬‬
‫الزكاة‪ ،‬اليمان‪.‬‬
‫وقد ضم باب التوحيد ‪ 36‬صفحة ألم فيها المؤلف بكل قضايا التوحيد إلمام دقيقا وشامل مدعما كل ما يقرره بالحجج النقلية‬
‫والعقلية‪.‬‬
‫ويقول المصنف في هذا الشأن‪... ":‬وسألني( راغب من إخواني في ال)تلخيص أبواب من أصول الدين والمسائل الشرعيات‬
‫ليكون له مفزعا يحور إليه عند الملمات فأسعفت مراده"‪17:‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأبرز ما يلفت النتباه أسلوب المؤلف الدبي‪ ،‬واعتماده أسلوب إحصاء المسائل وتفريعها عن بعضها لتيسير حفظها واستيعابها‪.‬‬
‫وقد نسب بعض أصحابنا هذا الكتاب إلى أبي زكرياء يحي بن إبراهيم وذكر البدر الشماخي أن بعضهم نسبه لبي زكرياء يحي‬
‫الجادوي والتحقيق ما ذكره أبو القاسم البرادي رحمه ال أنه لبي زكرياء اللجناوني مختصر الوضع‪4:‬‬
‫(‪ )83‬انظر ما يلي‪151:‬‬
‫(‪ )84‬انظر ما يلي‪158:‬‬
‫(‪ )85‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪ 227-226 :‬هناك تجد الشارة إلى المصادر المعتمدة وإلى حواشي المحشي‪.‬‬
‫(‪ )86‬أما القسم المتعلق بالفقه فهو أوسع‬

‫‪ )4‬حواش على كتاب الديانات‪:‬‬

‫أ‌) حاشية على كتاب الديانات (‪ )87‬للسدويكشي ويوسف المصعبي‪ :‬والسدويكشي هو أبو محمد‬
‫عبدال بن سعيد بن أحمد بن عبد الملك السدويكشي (ت بعد ‪)1658 /1068‬‬

‫نشأته الولى ما تزال مجهولة لكن نعلم أنه تولى رئاسة مجلس العزابة سنة ‪ 1625 /1034‬سنة‬
‫وفاة رئيس السابق سعيد التغزويسني (‪ )88‬وهذا يدل على تقدم سنه لن رئاسة الحلقة يتولها أقدم‬
‫الجماعة انتسابا‪.‬‬

‫وتشير المصادر إلى أنه كان يتولى الفتاء والفصل بين المتخاصمين في مسجد بني لكين (‪. )89‬‬

‫كان جريئا في قول الحق لذلك اضطهد من قبل أمير جربة ولم تحدد المصادر اسم هذا المير‪.‬‬

‫ويقول سعيد ابن تعاريت‪ ":‬له في علم الكلم اليد العليا وتبخر في أصوله وفروعه وله مؤلفات‬
‫عديدة" (‪ )90‬يهمنا منها خاصة‪ :‬حاشيته على كتاب الديانات‪.‬‬

‫وقد حج في آخر عمره فتوفي بمكة المكرمة وذلك بعد ‪. )91( 1658 /1068‬‬

‫لقد انطلق السدويكشي في الشرح إل أنه لم ينتبه منه إذ وصل الى قول عامر الشماخي‪ ":‬وندين‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بأن ال خالق كلمه ووحيه ومحدثه وجاعله ومنزله " (‪. )92‬‬
‫أما القضايا التي وقف عندها فهي‪ :‬ذات ال تعالى وهو ليس كمثله شيء‪ ،‬موضوع نفي رؤية ال‬
‫تعالى‪ ،‬قضية علقة الصفات بالذات ‪ ،‬قضية الكسب‪ ،‬قضية خلق القرآن‪.‬‬

‫وقد اعتمد السدويكشي منهجا مقارنا مع اللحاح على إبراز آراء الباضية وتفنيد حجج الفرق‬
‫الخرى وإشارته إلى آراء الباضية تظهر بصيغة "أجيب" أو " نحن" أو "أصحابنا" أو‬
‫"المتأخرين من أصحابنا" أو " أهل الحق"‪.‬‬

‫والملحظ أن السدويكشي ل يعتمد على الستشهاد كثيرا بل منهجه جدلي استللي يقوم على تعديد‬
‫المسائل بصفة واضحة ودقيقة وفي هذا دليل على سيطرته على القضايا التي يعرضها‪ ،‬وحجته في‬
‫ذلك كتاب ال تعالى وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم مع اعتما الحجج العقلية عند الحاجة الى‬
‫ذلك‪.‬‬

‫والمخطوطة بالبارونية تقع في ‪ 49‬صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة ‪ 24‬سطرا وقد ذكر‬
‫الناسخ لقبه وهو ابن اسماعيل وأشار الى التاريخ برمز لم نتمكن من فهمه‪.‬‬

‫ب‌) هذا عن القسم الذي وقف عنده السدويكشي فماذا عن حاشية يوسف المصعبي (‪ )93‬على بقية‬
‫كتاب الديانات؟‬

‫يذكر يوسف المصعبي في آخر الحاشية أنه أتمه ليستغني الطالب عن كدح خاطره في مراجعة‬
‫المطولت تلبية لرغبة الطلبة‪.‬‬

‫وقد عالج في شرحه القضايا التالية‪ :‬الولية والبراءة‪ ،‬والوقوف مع اللحاح على الولية والبراءة‬
‫من الشخاص وذكر شروطها ومع الوقوف خاصة عند الولية والبراءة من أئمة الحكم‪ ،‬قضية‬
‫المامة وقد تعرض لها ضمن تحليل مسألة المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والوعد والوعيد‬
‫والرد على من يقول بإخلف الوعيد‪ ،‬قضية خلود أهل الكبائر‪ ،‬قضية الشفاعة ‪ ،‬قضية الدلة على‬
‫وجود الخرة وهل الجنة والنار مخلوقتان الن أم ل ‪ ،‬تعريف النفاق والكبائر والصغائر‪ ،‬ثم أخيرا‬
‫رد على من ينكر السنة والرأي‪ ،‬وميز بين العلم والجهل‪.‬‬

‫إن منهج يوسف المصعبي يختلف اختلفا كليا عن منهج السدويكشي‪ ،‬إذ بقدر ما يقلل السدويكشي‬
‫من الستشهادات يعتمد المصعبي اعتمادا كليا على الستشهاد فيدعم مواقف الباضية من القضايا‬
‫المطروحة بمنقول طويلة قد تتجاوز الصفحتين مع ذكر المصادر ومؤلفيها وقد ورد ذكر مال يقل‬
‫عن ثلثين مصنفا من مصنفات الباضية وأثنى عشر مصنفا لغير الباضية‪.‬‬
‫وفي كل هذا ل يغفل عن عرض آراء جل الفرق السلمية مع الجتهاد في الرد على مواقفها التي ل‬
‫تتفق وآراء الباضية وإثبات ما يتفق والموقف الباضي‪.‬‬

‫وفعل فقد جاء الشرح موافقا لملحظة الختام التي أشرنا اليها إذ يغني عن الرجوع الى المصادر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويضع بين يدي القارئ ما يحتاج إليه من نصوص في شأن كل قضية مع الترجيح بين مختلف‬
‫المواقف اعتمادا على موقفه الشخصي ويشير إليه بصراحة بقوله " وعندي"‪.‬‬

‫والمخطوطة موجودة بالبارونية تحتوي على ‪ 27‬صفحة من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 25‬سطرا‬
‫وقد جاء في ص ‪ 27‬أن سبب إتمام الشرح يرجح الى اقتراح عرض في مسجد ابي كثير (انظر‬
‫الخريطة) بجربة إثر قراءة بداية الشرح وقد نسخ هذه المخطوطة سعيد بن عيسى الباروني في‬
‫‪.1799 /1213‬‬

‫أ‌) الللي المنظومات في عقود الديانات‪،‬وهو شرح عمرو التلتي (‪: )94( )1173 /1187‬‬

‫أن هذا الشرح مختصر بالنسبة الى ما سبق لكنه ل يخلو من فائدة‪ ،‬وقد أطلق بشرح لغوي‬
‫واصطلحي للمفردات الساسية ثم تتبع الصول التسعة الخلفية أصل أصل‪ ،‬وفي كل أصل يقارن‬
‫بين رأي الباضية ويشير إليه بعبارات مثل" نعتقد نحن معاشر أهل الحق أو أهل الصواب" أو "‬
‫معاشر المسلمين " أو " عندنا" وبين آراء الفرق الخرى مع ضبط مواطن الختلف والتفاق‪.‬‬

‫وبما أن المنهج يقوم على الختصار ل يغفل الشارح عن الشارة الى كتبه الخرى حيث أشبع‬
‫القضايا تحليل مثل شرحه لنونية أبي نصر فتح ابن نوح الملوشائي (‪ ، )95‬كما أن الشارح سلك‬
‫مسلكا تحليليا خاليا من النزعة الجدلية إذ يعرض الراء على أنها من المسلمات دون الحتجاج لها‬
‫ل نقل ول عقل وإلى جانب هذا فإنه ل يغفل أحيانا عن التعرض إلى وجوه البلغة إذا كانت خادمة‬
‫للمعنى المقرر‪.‬‬

‫والمهم أن المتتبع لهذا الشرح الموجز يستطيع أن يتبين آراء الباضية في أصول الدين بدون كبير‬
‫عناء لما في النص من اختصار غير مخل بالمعاني‪.‬‬

‫إن كان هذا هو حظ كتاب الديانات في الشرح فما هو نصيب كتاب الجهالت من ذلك؟‬

‫=======================‬
‫(‪ )87‬وكتاب الديانات لعامر الشماخي( انظر ترجمة حياته في ما سبق ‪ )123‬في أصول الدين وهو رسالة في منتهى الدقة‬
‫والختصار‪ ،‬طبعها محمد خليفة مادي بمطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة د‪.‬ت‪ .‬ضمن مجموعة نصوص أخرى‪ 45.44.43:‬لقد‬
‫عرف فيها الشماخي موقف الباضية من المسائل التسع التي وقع الخلف فيها بين المة‪ .‬وسميت بالديانات لنه كرر فيها فعل‬
‫ندين ‪ 48‬مرة مثل قوله في أولها ‪ ":‬ندين بأن ال واحد ليس كمثله شيء في صفة ول في ذات ول في فعل" ‪ 43:‬وقوله في‬
‫آخرها‪ ":‬ندين بأن معرفة ال ل تنال بالتفكير ول بالضطرار وإنما تنال للكتساب والتعليم وذلك يصح بعد مخبر ومنبه على‬
‫ذلك"‪45:‬‬
‫وقد ترجمها كوبرلي إلى الفرنسية‪ :‬الطروحة ‪3/195‬‬
‫(‪ )88‬سعيد بن محمد التغزويسني( ‪ :)1034/1625‬نجد إشارتين عنه تثبتان أنه من علماء(ق ‪:)11/17‬‬
‫الولى أنه نسخ كتاب الصلة من تأليف مشائخ نفوسة سنة ‪ ( "999/1590‬مكتبة الشيخ حمو بغرداية ميزاب)‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬يذكر ابن تعاريت أنه كان مدرسا في جامع وادي الزبيب بجربة وكان عضوا بمجلس العزابة( دفتر رقم ‪ 1‬مكتبة سالم‬
‫بن يعقوب‪)58 :‬‬
‫وتوفي سنة ‪.1034/1625‬ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪223 :‬‬
‫(‪ )89‬انظر الخريطة ‪836‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )90‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪88:‬‬


‫(‪ )91‬ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪224:‬‬
‫(‪ )92‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪44 :‬‬
‫(‪ )93‬انظر ترجمته في ما سبق‪140 :‬‬
‫(‪ )94‬انظر ما يلي‪ :‬ترجمة عمرو التلتي‪ 160:‬والنص ط ضمن مجموع بعنوان" العقيدة المباركة" ترتيب محمد خليفة مادي‪.‬ط‬
‫الفجالة‪ .‬القاهرة‪.‬د‪.‬ت‪78-46:‬‬
‫(‪ )95‬انظر ترجمة حياته في ما سبق‪ 122:‬تعليق ‪91‬‬

‫‪)5‬الحاشية المشتركة على شرح كتاب الجهالت (‪: )96‬‬

‫لقد اعتنى ثلثة من علماء جربة بوضع حاشية على كتاب شرح كتاب الجهالت كل بمفرده‪ ،‬إل أن‬
‫عالما رابعا هو علي ابن بيان حرص على جمعها وجعل منها حاشية واحدة وقد رمز الى كل حاشية‬
‫بما يذكر باسم صاحبها‪.‬‬

‫فاختار رمز "مد" للمحشي‪ ،‬ورمز " س ن" لبي الربيع سليمان بن أحمد ابن أبي ستة‪ ،‬ورمز "‬
‫ز" لبي زيد بن أحمد ابن أبي ستة‪.‬‬

‫‪ )1‬أبو الربيع سليمان بن أحمد بن محمد ابن أبي ستة ( ق ‪ :)17/ 11‬يذكر ابن تعاريت أنه كان‬
‫قوي الحافظة ويذكر الحيلتي أنه غزير الفهم في جميع العلوم كانت نشأته في محيط أسرته العلمية‬
‫وهو ابن عم المحشي‪ ،‬له مجموعة من الفتاوي الفقهية ورسالة في أسماء ال وصفاته لم نعثر إل‬
‫على بدايتها (دفتر رقم ‪ 1‬ص ‪ 63‬مكتبة سالم بن يعقوب‪ .‬غيزن‪ ،‬جربة) فلم نتمكن من الستفادة‬
‫منه‪.‬‬

‫توفي بعد المحشي وقبره شرقي زاويته بسدويكش (‪. )97‬‬

‫‪ )2‬أبو زيد بن أحمد ابن أبي ستة (ت ‪ :)1688 /1100‬نشأ في محيط أسرته وأخذ عن المحشي ثم‬
‫سافر الى مصر ودرس بالمدرسة الباضية هناك وبالزهر ثم رجع الى جربة وساد بها وكان لـه‬
‫درس خاص لمن دونه من علماء جربة‪ ...‬يلقون السؤالت فيتحرى الصواب‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد وردت رسالة من وادي ميزاب سنة ‪ 1688 /1100‬فوضعته على رأس علماء جربة (دفتر رقم‬
‫واحد مكتبة سالم بن يعقوب‪ :‬ص ‪.)16‬‬

‫وفي آخر عمره ذهب الى الحج وتوفي في الطريق راجعا (‪. )98‬‬

‫‪ )3‬أبو الحسن علي بن سالم ابن بيان اليديسي الجربي (ت بعد ‪ )1692 /1103‬من حومة الرباح‬
‫من جربة لزم المحشي وكان من أنجب تلميذه لوله لضاعت حواشي المحشي‪.‬‬

‫وإلى جانب هذا كان مشهورا بجمال الخط‪ ،‬ونساخا بارعا‪ ،‬كما له أسئلة كثيرة موجهة إلي شيخه‪،‬‬
‫ونسب إليه سعيد ابن تعاريت رسالة في التوحيد علق عليها شيخه المحشي‪ ،‬ورسالة قيد فيها بعض‬
‫حوادث جربة وأحوالها وما وقع فيها من تاريخ الخمسين الثانية من ق ‪15 /9‬هـ‪ .‬إلى الن‪ .‬وهو‬
‫تمام المائة الحادية عشر ‪ .1689 /1100‬أم نعثر عليهما إلى الن‪ .‬كما أن له مرثية سينية في شيخه‬
‫المحشي وفتاوي‪ .‬ويشير ابن تعاريت أيضا إلى أنه حضر الجتماع العلمي المنعقد بللوت بليبيا سنة‬
‫‪ 1692 /1103‬للنظر في قضية شهادة الشهود‪.‬‬

‫توفي في أوائل المائة الثانية أي بعد ‪. )99( 1692 /1103‬‬

‫التعريف بالحاشية‪ :‬لقد اجتهد هؤلء في تبسيط ما بدا لهم غامضا في الشرح من أوله إلى آخره إذ‬
‫لم يتتبعوا النص جملة جملة‪ .‬وقد جاءت هذه الحواشي ملمة بجل مواضيع المتن والشرح ويمكن أن‬
‫نضبطها في المحاور التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬السؤال ‪ :‬قيمته ‪ ،‬آدابه‪.‬‬

‫‪ )2‬الدليل والستدلل وقيمتهما في المناظرات وفي توضيح ما يتعلق بالحدوث والخلق والجوهر‬
‫والعرض‪.‬‬

‫‪ )3‬ال تعالى‪ :‬وجوده‪ ،‬أزليته‪ ،‬وحدانيته‪ ،‬أسماؤه وصفاته‪ ،‬استحالة رؤيته‪ ،‬كلمه‪.‬‬

‫‪ )4‬تبيين أفعال العباد‪ :‬الفعال‪ ،‬الطاعة‪ ،‬التوكل‪ ،‬الكسب‪ ،‬الصلة بين العقل والقلب وبين العقل‬
‫والجسم‪...‬‬

‫‪ )5‬الصلة بين الخالق والمخلوق‪ :‬التكليف‪ ،‬المر والنهي‪ ،‬الطاعة والمعصية‪ ،‬الوعد والوعيد‪،‬‬
‫الثواب والعقاب‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )6‬الصلة بين الناس‪ :‬الولية والبراءة والوقوف‪.‬‬

‫وقد جاء الكلم في هذه القضايا مقتضيا في الغالب مكمل للشرح إل في بعض المواطن حيث تقع‬
‫الطالة بالستشهادات أو في الردود على الفرق المخالفة للباضية‪.‬‬

‫وقد جاءت هذه الحواشي مدعمة بإحالت على أهم مصادر الباضية في الصول والمصادر غير‬
‫الباضية (‪. )100‬‬

‫والمنهج المقارن متبع أيضا للتمييز بين آراء الباضية وبين آراء بقية الفرق‪.‬‬
‫والى جانب هذا نلمس اعتناء كبيرا بالشروح اللغوية وبالعراب وبالنكت البلغية‪ ،‬كما ل يغفل‬
‫أصحاب هذا العمل عادة عن تحقيق ما ينبغي تحقيقه وذلك عن طريق المقارنة بين عدة نسخ من‬
‫كتاب شرح الجهالت فيرجحون ما ينبغي ترجيحه بقولهم‪ ":‬واللئق أن يقال" ويخطئون ما يتضح‬
‫أنه بعيد عن الصواب‪.‬‬

‫وتجلى كذلك في هذا العمل النزعة التعليمية إذ تتمثل رغبتهم في تقريب المتن والشرح للقارئ مع‬
‫إراحته من عناء الرجوع الى القواميس وإلى المصادر إل للستزادة في التعمق لكن هذا يؤديهم في‬
‫كثير من الحيان الى التكلف بحيث يلمس القارئ أن كلم المتن والشرح أوضح بكثير مما ورد في‬
‫الحواشي‪.‬‬

‫والملحظ أخيرا أن حاشية أبي الربيع وأبي زيد توقفتا عند الصفحة ‪ 64‬لينهي البقية المحشي وقد‬
‫جاءت الصفحات الخيرة سريعة ولعل مرجعه ذلك الى استيفاء المسائل في البداية‪.‬‬

‫والمخطوطة موجودة في البارونية بها ‪ 77‬صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة ‪ 25‬سطرا وقد‬
‫نسخها سعيد بن عبدال الباروني لشيخه سعيد ابن تعاريت سنة ‪.1843 /1259‬‬
‫وإن لحظنا مثل هذا العتناء بهذه المتون فقد اعتنى الباضية بمتن آخر جاء شعرا أل وهو القصيدة‬
‫النونية فماذا عن هذا العتناء؟‬

‫====================‬
‫‪ )96‬ينسب إلى تبغورين( انظر ما سبق ‪ .)116‬لقد ألم المؤلف في كتاب الجهالت بأهم قضايا أصول الدين‪ :‬ال تعالى وجوده‬
‫وصفاته الذاتية كلم ال أسماؤه‪ ،‬النبياء والرسل والملئكة‪ ،‬الولية والبراءة ثم ألح على العلقة بين الدين والسلم واليمان‬
‫والتوحيد معتمدا على العلقة بين الخصوص والعموم أو العكس‪ ،‬كما يبين حكم الرادين على ال ورسوله والكاذبين عليهما‬
‫والمستحلين لما حرم ال وحكم من يدفع الجماع‪ ،‬كما وضح مختلف معاني الكفر والشرك والنفاق ومقابلتها لليمان‪ ،‬وحدد أيضا‬
‫مال يسع جهله وما يسع جهله‪.‬‬
‫وقد انطلق المؤلف للنظر في كل القضايا من السؤال التالي‪ ":‬ما دليلك على أنك مخلوق؟ ثم تدرج من المخلوق إلى الخالق‪.‬‬
‫أما المنهج المتبع فهو منهج تعليمي قائم على السؤال والجواب بمثل هذه الصيغ" إن سألت سائل"‪ ".‬ما دليلك على أنك‬
‫مخلوق؟" ‪ "،‬ما الفرق بين الكفر والشرك؟" ‪ "،‬سألت عن"‪ " ،‬فإن قال فقل"‪ "،‬وإذا قيل لك فإنك تقول"‪"،‬فإن قال قائل فقل"‪.‬‬
‫وتتجلى من خلل هذه الطريقة النزعة التعليمية فكأن المصنف يهيء تلمذته لمناظر الخرين فيقلب جميع وجوه السؤال حول‬
‫القضية الواحدة ويرجع إليها في مواطن عدة فيشرح اللفاظ شرحا لغويا واصطلحيا ويذكر بعض الفتراضات التعجيزية‪ ،‬وفي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كل ذلك يضع الجواب المناسب حسب الصول الباضية دون أن يحيل على المصادر إل نادرا‪.‬‬
‫وختم النص بفصل سمي كتاب الدلئل نسبه أبو عمار عبد الكافي إلى غير تبغورين ومحوره المطالبة بالتدليل على صفات ال‬
‫تعالى مثل العلم والقدرة والكلم الخ‪...‬‬
‫والتحليل الداخلي للنص يجعل القارئ يرجح أن الكتاب تداولت على تأليفه عدة أقلم يصعب التعرف على أصحابها‪.‬‬
‫وبالبارونية نسخة خ منه عدد صفحاتها ‪ 35‬وبكل صفحة ‪23‬سطرا‪.‬‬
‫وقد نسخها سعيد بن عبدال الباروني لشيخه سعيد بن تعاريت صاحب الرسالة في تراجم علماء جربة سنة ‪.1259/1843‬‬
‫وقد شرح هذا المتن أبو عمار عبد الكافي شرحا مفصل فتتبعه جملة جملة وحقق جميع مسائله تحقيقا معمقا من القرآن والسنة‬
‫ورأي يحيى بن أبي بكر صاحب كتاب السيرة وأخبار الئمة‪.‬‬
‫كما أنه يقرر دائما رأي الباضية مشيرا إليه بقوله‪ ":‬قال أصحابنا" ثم يرد على الراء المخالفة منبها إليها بقوله‪ ":‬عند أهل‬
‫الخلف"" الجاهلون"‪" ،‬أهل الباطل" ويذكر من بين هؤلء الروافض والمعتزلة والجهمية والمشبهة‪.‬‬
‫كما يرد على بعض المخالفين من الباضية‪.‬‬
‫ونلمس في هذا الشرح اعتمادا كبيرا على الشروخ اللغوية في فهم بعض الصيغ التي تحتاج إلى التأويل‪ ،‬أما عن النزعة الجدلية‬
‫فهي واضحة في كامل الشرح‪.‬‬
‫وتوجد مخطوطة منه بالبارونية بها ‪ 178‬صفحة بكل صفحة ‪ 25‬سطرا وهي من الحجم المتوسط وقد نسخها يحيى القناص‬
‫اليفرني بتاريخ ‪ 1123/1808‬وقد شرع في تحقيقها عمر ونيس لعداد دكتوراه مرحلة ثالثة بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول‬
‫الدين‪ ( .‬نوقشت هذه الطروحة في ماي ‪)1986‬‬
‫(‪ )97‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪79:‬‬
‫(‪ )98‬نفس المصدر‪82:‬‬
‫(‪ )99‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪80:‬‬
‫(‪ )100‬ل فائدة في إعادة ذكر المصادر التي ذكرت من قبل‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬شروح القصيدة النونية (‪: )101‬‬

‫يهمنا خاصة شرح عمرو التلتي (‪ )1773 /1187‬الموسوم بـ " الللي الميمونة على المنظومة‬
‫النونية"‪.‬‬

‫وعمرو بن رمضان التلتي (ت ‪ )1773 /1187‬ولد بجربة في حومة تلت وإليه تنسب أسرته‬
‫التلتي ولعله أخذ عن أبي الربيع سليمان الحيلتي (ت ‪ )1688 /1099‬قبل سفره الى مصر‪.‬‬

‫ويذكر سالم بن يعقوب أنه سافر الى مصر مع أسرة الغول دون أن يستأذن أهله خشية أن يمنع من‬
‫السفر‪.‬‬

‫واستقر في القاهرة يدرس في المدرسة الباضية بطولون كما كان يلقي دروسا تطوعية بالزهر‪.‬‬

‫ونتيجة لباحته تعاطي السعوط وقعت جفوة بينه وبين علماء عصره ومن بينهم تلميذه رمضان بن‬
‫أحمد الغول وقد أرسل إليه قصيدة من مصر يعاتبه على موقفه‪.‬‬
‫وكان كثير الشكوى من الفقر‪ ،‬ولم يتزوج‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫له عديد من الحواشي والمختصرات كما له ديوان شعر في شتى أغراض الشعر‪ .‬نذكر منها هنا‬
‫أهمها وهي شرحه لنونية أبي نصر فتح بن نوح الملوشائي (‪ )13 /7‬ويذكر أنه شرح أصول‬
‫تبغورين بن عيسى الملشوطي (‪ )12 /6‬وسماه‪ :‬شرح أصول تبغورين حوى اليضاح والتبيين‪.‬‬

‫وقد ذكرنا من قبل شرحه لكتاب الديانات لعامر الشماخي (‪ )8/14‬وشرحه لشرح الشماخي لعقيدة‬
‫التوحيد لغويا بحتا‪.‬‬

‫وسنقف عند مختصره لشرح أصول تبغورين (‪ )102‬وبعد تعريف الشارح نقف عند الشرح‪.‬‬
‫لقد بين الشارح أنه استفاد من شرح الجيطالي للنونية إل أنه آخذه ببعض المآخذ حاول أن يتلفاها‬
‫في هذا الشرح وتتمثل في‪:‬‬

‫‪ )1‬كثرة التكرار‪.‬‬

‫‪ )2‬جمع مال يناسب الفن من الكلمات اللغوية والشعار العربية‪.‬‬

‫‪ )3‬تقديم شروح هذه المعاني على ما له صلة بالموضوع‪.‬‬

‫‪ )4‬نوع من التفكك في الربط بين المعاني‪.‬‬

‫ثم يعتذر للجيطالي وينطلق في شرحه‪ ،‬ومنهجه في ذلك وهو أن يلم بكل ما في البيت شكل‬
‫ومضمونا ثم يختم بحوصلة يشير إليها بقوله‪ ":‬وحاصل معنى البيت وزيادة"‪.‬‬

‫وهذا عبد العزيز الثميني (‪ )103‬ينوه بهذا الشرح عندما أراد تشذيبه مما فيه من تكرار مع إضافة‬
‫معان مناسبة لمحلها فيقول‪ ":‬فوجدته شرحا جامعا للمقصود بالذات وبالقصد الول من فوائد‬
‫العقائد الدينية‪ ،‬وحاويا للمقصود بالغرض‪ ،‬وبالقصد الثاني من موائد القواعد النحوية ولطائف‬
‫السرار المعانية وكاشفا عن وجوه المخدرات البيانية‪ ،‬وجيدا بجواهر من المحسنات البديعية‪ ،‬ودرر‬
‫من القوانين المنطقية وكنوز عزيزة من المسائل الفقهية‪ ،‬واضعا للكل على طرف التمام بحيث‬
‫يجتنيه منه طالبه بأدنى إلمام" (‪. )104‬‬

‫ونضيف الى هذا التعريف التنبيه إلى أن التلتي اعتمد على منهج تحليلي مقارن يورد فيه القوال‬
‫مدعمة بأدلتها منسوبة الى أصحابها سواء أكانوا من الباضية أم غير الباضية‪.‬‬

‫وقد اتبع التلتي منهجا موحدا مع كل البيات ويتمثل في أن ينطلق من الشرح اللغوي والعراب ثم‬
‫بعد ذلك يحوصل معنى البيت بقوله‪ ":‬وحاصل معنى البيت وزيادة" وبعد ذلك يحلل القضايا‬
‫الصولية تحليل مستوفى بقدر المكان‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والمخطوطة متوفرة في البارونية بخط واضح عدد ورقاتها ‪ 236‬ورقة من الحجم المتوسط بكل‬
‫صفحة ‪ 24‬سطرا‪ .‬ويذكر في آخرها أنه فرغ من التأليف ‪ .1759 /1172‬أما النسخ فتم بجامع بني‬
‫لكين بتاريخ جمادى الولى ‪ /1265‬افريل ‪ 1848‬على يد صالح بن سعيد الباروني‪.‬‬

‫من خلل هذا العرض للشروح والحواشي نلمس بوضوح غزارتها بالنسبة الى المؤلفات الذاتية لكن‬
‫قبل أن نصل الى الستنتاج العام يحسن أن نقف عند الجوبة والردود‪.‬‬

‫الردود والجوبة‪ :‬لقد وردت على الباضية في هذه المرحلة تهجمات عديدة وذلك نتيجة لتقلص عدد‬
‫الباضية في عدة مواطن مثل مدينة غدامس وهذا اضطر علماءهم الى أن يدافعوا عن مبادئهم‪.‬‬

‫كما أن علماء الباضية كثفوا في ما بينهم التساؤل عن القضايا الخلفية العقائدية وذلك حتى‬
‫يستحثوا بعضهم على توفير أجوبة مختصرة تمكن من الدفاع عن المبدأ عند الحاجة‪.‬‬

‫ولنبدأ بعرض رد أحمد الشماخي على رسالة لصولة الغدامسي‪.‬‬

‫‪ )1‬رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي (‪ : )105‬إن نص الرد مخطوط بالبارونية بجربة‬
‫ويحتوي على ‪ 52‬صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة منها ‪ 24‬سطرا ولم يذكر تاريخ النسخ‪.‬‬

‫وبقدر حدة الرسالة جاء الرد عنيفا ومن ذلك يقول في المقدمة‪ ":‬زخرفت الخط وبالخطأ‪ ،‬وخفي‬
‫عنك ما تحت الغطا‪ ...‬وما ألجأك إلى التأليف وأنت ل تحسن الترصيف‪ )106( "...‬ثم يبين أنه يسلك‬
‫في الرد مسلك الختصار لنه تتبع جميعها يستدعي مجلدا‪.‬‬
‫ثم تتبع في جوهر الرسالة القضايا المطروحة قضية قضية مع النطلق من صيغ الغدامسي مشيرا‬
‫إليها بـ " قولك"‪.‬‬

‫وقد سعى الشماخي الى دحض جميع حجج الغدامسي معتمدا في ذلك على القرآن الكريم والسنة‬
‫الشريفة والجماع وانطلقا من مصنفات الماتريدية والشاعرة لتبيين الختلفات داخل المذاهب‬
‫الربعة‪ ،‬وهو في كل هذا ينبه الى أن جل ما ورد عنه الباضية قال به بعض الشاعرة أو بعض‬
‫الماتريدية مع الحالة كذلك على النصوص الباضية المعتمدة في أصول الدين‪.‬‬

‫والمتتبع للرد يتبين سعة اطلع الشماخي وقدرته على توجيه النصوص انطلقا من مصادر معتمدة‬
‫لدى الخصم‪.‬‬

‫ول يخلو هذا الرد من الحتجاج المنطقي إل أن لهجته اتسمت غالبا بالجدة والتهجمات السليطة‪ ،‬كنا‬
‫نود لو ترفع عنها الشماخي لسعة أفقه‪ ،‬ومع ذلك لم يغفل عن غرضه المرسوم المتمثل في تحليل‬
‫مواقف الباضية وقد عرفنا رصانته العلمية في شرحه لعقيدة التوحيد لبن جميع‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وتأتي بعد هذا الرد رسائل أبي مهدي عيسى بن إسماعيل‪.‬‬

‫‪ )2‬ردود أبي مهدي وأجوبته‪ :‬أما أبو مهدي عيسى بن اسماعيل (ت ‪ )1564 /971‬فله مجموعة‬
‫من الجوبة والردود‪ ،‬وقبل أن نتعرف على إنتاجه الفكري يحسن أن نتعرف على المؤلف‪.‬‬

‫أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬يذكر علي يحيى معمر نقل عن شيخه إبراهيم أبي اليقظان أن أبا‬
‫مهدي يرجع الى عرش أولد نائل نشأ على المذهب المالكي ثم تحول إلى الباضية فصار من‬
‫أعلمها‪ ،‬وممن تمر بهم نسبة الدّين إذ أخذ عنه محمد بن زكرياء الباروني من نفوسة وداود‬
‫التلتي من جربة (‪ )107‬ومجموعة من علماء وادي ميزاب‪.‬‬

‫أما أبو مهدي فقد أخذ عن عمي سعيد بن علي الجربي (‪ )108‬واستقر بمدينة مليكة وبها توفي سنة‬
‫‪ 1564 /971‬وإليه تنسب المقبرة المعروفة باسمه (مقبرة سيدي عيسى) هناك (‪. )109‬‬
‫ومعايشته للبيئة المالكية والباضية ستجعله أكثر قدرة من غيره على الردود لنه تحول عن اقتناع‪.‬‬
‫وهذا رده على أبي الحسن البهلولي الذي كفر الباضية واعتبرهم مكذبين بالكتاب والسنة وإجماع‬
‫المة‪.‬‬

‫=================‬
‫(‪ )101‬انظر ترجمة صاحبها‪ 85:‬وهي متن يحتوي على ‪ 128‬بيتا شمل جميع مواضيع العقيدة وقد شرح عدة مرات من ذلك‪.‬‬
‫شرح إسماعيل الجيطالي (‪.)750/1349‬‬
‫شرح عمرو الويراني(‪11-10‬هـ) ‪17-16‬م) سماه المصرح وقد شرحه يوسف المصعبي(ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ص ‪()303‬لم‬
‫نتمكن من الحصول عليها)‬
‫شرح عبد العزيز الثميني( ‪ )1223/1808‬سماه النور‪.‬ط‪ .‬بالبارونية بمصر ‪ 1306‬وصول من جديد بوادي ميزاب المطبعة‬
‫العربية غرداية ‪.1981‬‬
‫(‪ )102‬انظر ما يلي‪174:‬‬
‫(‪ )103‬عبد العزيز بن الحاج إبراهيم الثميني(‪ )1808-1223/1718-1130‬ولد بمدينة بن يسجن‪ -‬إحدى مدن وادي ميزاب‪-‬‬
‫وبها ترعرع وحفظ القرآن الكريم ثم تفرغ لتدبير أملك والده ولم يرجع إلى طلب العلم إل في الثلثين من عمره فأخذ عن شيخه‬
‫أبي زكرياء يحي بن صالح الفضلي (‪ )1202/1787‬اعتزل الناس طيلة ثمانية عشر عاما تفرغ فيها للتأليف أنتج فيها أحد عشر‬
‫مؤلفا عدا فتاويه العديدة نكتفي بذكر كتاب "النور" شرح القصيدة النونية هذب فيه شرح عمر التلتي ‪ .‬هنالك فهم قومه مكانته‬
‫العلمية فأسندوا إليه مشيخة المسجد ببلدته سنة ‪ 1201/1786‬ثم مشيخة ميزاب أي رئاسة مجلس عمي سعيد‪ ،‬المجلس العلى‬
‫لعزابة وادي ميزاب ‪ .‬توفي ببلدته سنة ‪.1223/1808‬‬
‫ر‪ .‬مقدمة كتاب النيل ط ‪ 2‬المطبعة العربية بالجزائر ‪ 1387/1967‬تحقيق عبد الرحمن بكلي‪ 17 -12 :‬وقد ذكر أهم المصادر التي‬
‫استفاد منها‪.‬‬
‫(‪ )104‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪3 :‬‬
‫(‪ )105‬لم نتمكن من التعرف على ترجمة صولة الغدامسي إل أن رسالته موجودة خ بالبارونية تضم ‪ 23‬صفحة من الحجم‬
‫المتوسط بالصفحة ‪ 23‬سطرا وقد اتبع فيها صاحبها منهجا تهجميا‪ ،‬فبين أنه يرد على سخافات عثر عليها في ورقات اتضح له‬
‫أنها في القضايا الخلفية بين الباضية والمالكية وهي‪ :‬خلق القرآن‪ ،‬استحالة الرؤية ‪،‬‬
‫‪ ،‬حقيقة اليمان ‪ ،‬الخلود‪ ،‬المنزلة بين المنزلتين ‪ ،‬والشفاعة‪ .‬أما المنهج المتبع فيتمثل في دحض ما ورد من حجج في الرسالة‬
‫مع تحميل نفس النصوص مفهوما مغايرا ويختم كل مسألة بشيء من التشنيع على الباضية ‪ .‬كما فعل في المقدمة العامة وفي‬
‫الخاتمة العامة ومن ذلك قوله ‪ " :‬ورد علي من بعض الباضية أوراق ‪...‬باح فيها(صاحبها) بما أوجب الخزي عليه وعلى قدوته‬
‫من سالفته‪ ،‬وقد كذب على ال واجترأ‪ ،‬وتجاسر على نبيه صلى ال عليه وسلم وافترى"‪1‬‬
‫(‪ )106‬نص الرسالة ‪1:‬‬
‫(‪ )107‬انظر ما يلي ‪ 169‬ما يسبق‪.133:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )108‬سعيد بن علي الخيري الجربي(ق ‪ )10/16‬نشأ في قرية آجيم‪ -‬وهذا معنى الخيري – أخذ عن شيخه ابي النجاة يونس‬
‫التعاريتي‪ ،‬وانتخب ليصلح مجتمع وادي ميزاب الذي دب إليه الفساد‪.‬‬
‫وفعل فقد قام بالمهمة أحسن قيام‪ ،‬وأهل ميزاب إلى لن يعتبرون أنه باعث نهضتهم الحالية ‪.‬‬
‫ر‪ .‬إبراهيم أبو اليقظان‪ :‬ملحق لسير الشماخي خ ملك ورثته بالقرارة ص ‪ 5‬وقد انطلق في عمله بترجمة عمي سعيد‪.‬‬
‫ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪271-269 :‬و ‪291-290‬‬
‫ر‪ .‬محمد محفوظ ‪ :‬تراجم المؤلفين التونسيين ط دار الغرب السلمي لبنان ط ‪ 281-2/280 19821‬ولم نضعه في المتن لننا لم‬
‫نعثر له على كتابات في أصول الدين‪.‬‬
‫(‪ )109‬ر‪ .‬علي يحيى معمر‪ :‬الباضية في الجزائر‪242 :‬‬

‫أ‌) رد أبي مهدي على البهلولي‪ :‬لقد بين في مقدمة هذا الرد فضائل المذهب الباضي وأسبقيته‬
‫التاريخية وختمها بقوله‪ ":‬والذي يظهر من قولك أنك لم تطلع على المذاهب وأصول الختلف‬
‫فكتبنا لك هذا الكتاب ليتبين لك الخطأ من الصواب مشتمل على العقيدة الوهبية الباضية ومتضمنا‬
‫للجواب على المسائل التية بالدلة القاطعة والبراهين الواضحة والحجج المنيرة الساطعة من‬
‫الكتاب والسنة وإجماع المة (‪. )110‬‬

‫وفعل فقد تتبع هذا المنهج فبين أسس العقيدة الباضية وحلل حديث افتراق المة ثم تناول القضايا‬
‫الخلفية‪ ،‬مثل موقف الباضية من الصحابة ومن خلق الفعال‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬والخلود والشفاعة‬
‫واستحالة الرؤية ومن خلق القرآن‪.‬‬

‫وقد اعتمد أبو مهدي على منهج مقارن مقتبسا حججه من أمهات مصادر الباضية مثل موجز أبي‬
‫عمار‪ ،‬ودليل أبي يعقوب يوسف الوارجلني‪.‬‬

‫وجاءت في كل هذا لهجته بين الحدة والرصانة وقد دلت دللة واضحة على اقتناعه الكامل بما‬
‫اختاره لنفسه بنفسه‪.‬‬

‫وقد اعتمدنا نسخة مطبوعة حجرية طبعت بتونس سنة ‪ 1903 /1321‬على ذمة الحاج محمد بن‬
‫الحاج صالح بن عيسى اليسجني المزابي ضمن مجموعة ونص الرّد جاء من ص ‪ 106‬إلى ص‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ 187‬من الحجم المتوسط وعلى هذه النسخة نحيل في بحثنا هذا‪.‬‬

‫وإلى جانب هذا نجد لبي مهدي عددا من الرسائل‪.‬‬

‫ب‌) أجوبة أبي مهدي عيسى بن إسماعيل (‪: )111‬‬

‫رسالة في إعراب كلمة الشهادة‪ :‬يخال قارئ العنوان أنه سيفوز بشيء من الصول ضمن العراب‬
‫لكن تتبعها يثبت أنها درس تطبيقي في النحو إذ حرص صاحبها على جمع ما بين يديه من الروايات‬
‫ووجوه الختلف بين اللغويين في شأن العراب‪.‬‬
‫رسالة في معنى التوحيد والوحدانية واللهية والربوبية‪ :‬لقد سلك أبو مهدي مسلك السلف في جمع‬
‫الراء حول ما يسع جهله ومال يسع جهله وهو في ذلك يميز بين اليمان والتوحيد‪.‬‬

‫والرسالة استيعاب وإعادة لما ورد عند السلف وترى المؤلف يسند التعريفات إلى أصحابها من‬
‫أمثال أبي عمار وأبي يعقوب وأبي عمرو السوفي وأبي نصر وابن جميع‪.‬‬

‫فوظيفة الرسالة ل تتمثل في الستنباط وإنما تقوم على توفير النصوص الباضية في موضوع واحد‬
‫بين يدي السائل‪.‬‬

‫ونرى المؤلف واعيا بذلك إذ يقول‪ ":‬وإنما حملني على تكرير المسائل وتقرير الدلة للسائل مع أن‬
‫الجواب في بعضها رغبة في نيل فضل الفكر‪ ،‬ولذة الذكر‪ ،‬فالمتفكر به في النعيم الدائم والصلح‬
‫القائم ولن في التكرير تقرير المعاني في النفس وتثبيتا لها في الصدور‪."...‬‬

‫جواب لهل عمان‪ :‬لقد وردت على أبي مهدي رسالة من أهل عمان سنة ‪ 1507 /913‬تتضمن‬
‫أسئلة في الصول والفروع‪ ،‬وقد جاء الرد موسعا إذ يتضمن ‪ 33‬صفحة جاءت ضمن مجموع خ‬
‫بالبارونية ويمتد من ص ‪ 63‬إلى ‪ 96‬صفحاته من الحجم المتوسط ويبلغ عدد السطر ‪ 21‬سطرا‬
‫بالصفحة‪.‬‬

‫ومراحل الرسالة تتمثل في‪ :‬تقديم يذكر بورود الرسالة‪ :‬ضبط نص الرسالة الواردة‪ .‬شرح مقدمتها‬
‫شكل ومضمونا ثم الجابة عن السئلة‪ .‬ويهمنا خاصة السؤال الول وهو في الولية وقد وردت فيه‬
‫تعريفات لعدة قضايا مثل الشفاعة وخلق القرآن‪.‬‬

‫والملحظ أن أبا مهدي يعتمد اعتمادا كليا في تحليل القضايا على المصادر الباضية وهذا طبيعي إذ‬
‫الخطاب موجه للباضية بعمان‪.‬‬

‫كما نجد ضمن هذا المجموع ‪ 8‬صفحات من ‪ 2‬إلى ‪ 9‬لم تسند إلى صاحبها لضياع بداية النص‪،‬‬
‫والمقارنة مع رد أبي مهدي علي البهلولي تجعلنا نرجح أنها من تأليفه إذ يكاد يكون النص واحدا‪،‬‬
‫إل أن اللهجة جاءت تقريرية لختلف المخاطب‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد عالج المؤلف فيها قضيتين‪:‬‬

‫قضية خلق القرآن ‪ :‬واعتمد أدلة من القرآن تثبت أنه مخلوق منها‪ :‬الجعل‪ ،‬والنزول‪ ،‬والذهاب‪،‬‬
‫والتفاضل‪ ،‬وقضية الحكاية والمحكي‪ ،‬وقد استفاد كثيرا من رسالة متقدمة في الموضوع لبي‬
‫اليقظان الرستمي (‪. )112‬‬

‫قضية استحالة رؤية ال تعالى‪ :‬فأورد أدلة من القرآن والسنة ومن أقوال الصحابة مع التذكير‬
‫ببعض حجج علماء الباضية وغيرهم ممن قالوا بالرؤية‪.‬‬
‫والمتأمل في هذه الصفحات على اختصارها يتبين أنها استوعبت القضية استيعابا مقبول‪.‬‬

‫ذلك هو بعض ما وصلنا من رسائل أبي مهدي يدل دللة واضحة على تعايشه المخلص مع الفكر‬
‫الباضي فماذا عن جواب محمد بن زكرياء الباروني؟‬

‫‪ )1‬جواب محمد بن زكرياء الباروني النفوسي‪ :‬هو أبو عبدال محمد ابن زكرياء بن عبد الرحمن‬
‫بن موسى الباروني( ت ‪ )1589 /997‬من علماء جبل نفوسة نشأته الولى بيفرن ثم رحل الى جربة‬
‫فأخذ عن أبي سليمان التلتي (‪.)1560 /967‬‬

‫وقد كتبت نسبة الدين نثرا وشعرا وهما ملحقان بآخر سير الشماخي وقد عرضها على شيخه التلتي‬
‫فاستحسنها‪.‬‬

‫وقد اخذ عنه عمر بن علي بن ويران السدويكشي‪.‬‬

‫وقتل مع جماعة من العلماء بقلعتهم بيفرن عند هجوم الثائر يحيى بن يحيى السويدي سنة ‪/997‬‬
‫‪. )113( 1589‬‬

‫وقد عالجت الرسالة عدة قضايا فقهية لكنها بسطت القول في قضيتين من قضايا الصول هما‬
‫استحالة الرؤية وخلق القرآن وجاء الحتجاج على طريقة السلف ليس فيه أي ابتكار وتتمثل قيمة‬
‫الرسالة في تقريب هاتين القضيتين من السائل أو ممن لم تتوفر بين يديه أمهات المصادر في هذا‬
‫الباب‪.‬‬

‫والمخطوطة بالبارونية تضم ‪ 5‬ورقات من الحجم المتوسط بخط دقيق وعدد السطر ‪ 39‬بالصفحة‪.‬‬
‫لم يذكر الناسخ في آخرها ‪ .‬إل أن المؤلف أشار بوضوح الى أنه انتهى من تأليفها في جمادى الولى‬
‫سنة ‪ /966‬فيفري ‪ 1559‬في يفرن بمنزلهم في القلعة‪ .‬وقد ذكر في آخرها القتال الذي كان يدور بين‬
‫التراك والعرب آنذاك في جبل نفوسة‪.‬‬
‫ثم الى جانب هذا النوع من الردود والرسائل نجد رسائل موجهة الى أولي المر عن مواقف‬
‫الباضية ومصالحهم الحياتية ومن ذلك رسالة يوسف المصعبي الى والي طرابلس‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )2‬رسالة يوسف المصعبي للدفاع عن شهادة الباضية‪ :‬رفعت قضية سنة ‪ 1742 /1155‬الى‬
‫القضاء في طرابلس فرأى بعض القضاة رد شهادة بعض الشهود لنهم إباضية ولم تذكر الوثيقة‬
‫اسم القاضي إل أنها ذكرت أن ذلك حدث زمن احمد باشا (‪.)1745 -1711 /1158 -1123‬‬

‫وأمام هذا التحدي السافر كاتب إباضية نفوسة يوسف المصعبي وقد كان التجأ إليهم من قبل سنة‬
‫‪ ،1727 /1140‬وحضر معهم الجتماع العلمي المنعقد بللوت سنة ‪ ،1691 /1103‬ليبين عقيدة‬
‫الباضية وليدافع عن صحة شهادتهم فلبى طلبهم ووجه رسالة الى والي طرابلي أحمد باشا تحتوي‬
‫على ‪ 14‬صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة ‪ 24‬سطرا ‪ .‬خ البارونية بدون رقم و د‪ .‬ت (‪)114‬‬
‫فبين في مقدمتها سبب الشكوى وقد أشرنا إليه من قبل ثم بناها على أصل وفرع وخاتمة‪.‬‬

‫أما الصل فبين فيه حقيقة الباضية في لهجة رصينة‪ ،‬فجاءت مختصرة واضحة من نوع المتون‬
‫التي تحرر ليحفظها المبتدئون‪.‬‬

‫وأما الفرع فوضح فيه اعتمادا على أقوال علماء المالكية ضرورة قبول شهادة أهل القبلة وعدم‬
‫تكفيرهم‪.‬‬

‫وأما الخاتمة فطرح فيها أسئلة تثير قضايا عقلية ونقلية في علم المناظرة وعلم الفرائض وما إلى‬
‫ذلك مبينا أنها موجهة إلى الوشاة ل لغيرهم‪ ،‬وفي هذه السئلة ضرب من التعجيز لهؤلء حتى‬
‫يقلعوا عن غرورهم‪.‬‬

‫وقد جاءت بداية الرسالة طافحة بالشكوى والسى والتأسف على ما وقع بين المسلمين‪ .‬أما بقية‬
‫الرسالة فبينت سعة اطلع المصعبي‪ ،‬وقدرته على اعتماد حجج من غير المصادر الباضية تخدم‬
‫قضيته وتنصف أصحابه‪ ،‬وفعل فقد آتت الرسالة كلها وأقرت بعد ذلك شهادة الباضية في طرابلس‬
‫هذا عن رسالة المصعبي فماذا عن رسالة الجادوي إلى مراكش؟‬

‫=======================‬
‫(‪ )110‬نص الرد‪113:‬‬
‫(‪ )111‬الرسالتان خ بالبارونية ضمن مجموعة به ثلث رسائل لبي مهدي‪ :‬الولى والثانية هما الرسالتان المذكورتان‪ ،‬والثالثة‬
‫موعظة موجهة لهل وارجلن ل علقة لها بموضوعنا‪ .‬ويحتوي المجموع على ‪ 29‬صفحة بخط واضح ولم يذكر بها ل تاريخ‬
‫الكتابة ول تاريخ النسخ‪ .‬وتضم الصفحة ‪ 22‬سطرا والولى تمتد من ص ‪ 8-1‬والثانية من ص ‪ ،21-9‬والثالثة من ‪29-21‬‬
‫(‪ )112‬انظر ما يلي‪353:‬تعليق ‪30‬‬
‫(‪ )113‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪44:‬‬
‫(‪ )114‬وطبعت ضمن مجموعة رسائل بالجزائر‪ ،‬د‪.‬ت من ص ‪ 86‬إلى ‪ ،106‬اعتمدنا النسخة المخطوطة لن المطبوعة لن‬
‫المطبوعة لم تتوفر لدينا إل في وقت متأخر‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )5‬رسالة سعيد بن يحيى الجادوي (ت بعد ‪ )1693 /1103‬الى سلطان مراكش إسماعيل بن شريف‬
‫(‪. )115( )1727 -1672 /1139 -1082‬‬
‫أما الجادوي فهو سعيد بن يحيى الجادوي الجيمي من حومة آجيم بجربة‪ .‬أخذ العلم عن أبي الربيع‬
‫سليمان ابن أبي ستة (‪ )116‬وتتلمذ عليه يوسف المصعبي وسعيد بن عيسى الباروني صاحب‬
‫رسالة في تراجم علماء جربة (ت ‪.)1872 /1289‬‬

‫ويقول عنه تلميذه الباروني‪ ":‬الفائق في العلوم المنقولة والمعقولة" ص ‪ 90‬وقد شارك مع الوفد‬
‫الجربي في الجتماع العلمي الذي انعقد في للوت سنة ‪ 1692 /1103‬للتثبت في موضوع شهادة‬
‫الشهود‪.‬‬

‫وله مجموعة فتاوي (دفتر ‪ 2‬بمقبرتهم بطرف منزل سكناهم على الجادة المارة من مسجد ليمس‬
‫الى المرسى بحومة آجيم (‪. )117‬‬

‫وأما رسالته فقد ثبت أن بعض الوشاة طعن في الباضية وذكر أنهم يبغضون الشيخين فاتخذ‬
‫اسماعيل بن شريف موقفا ضد الجربيين‪ ،‬ومنعهم من تعاطي التجارة في البلدان التي يحكمها‬
‫فتصدى سعيد الجادوي للقضية وكاتب السلطان مبينا موقف الباضية من أبي بكر وعمر بأدلة من‬
‫الحديث والسيرة ونوه بنزاهة الجربيين وأمانتهم‪.‬‬

‫وقد جاءت الرسالة في غاية الهدوء والتلطف ومعلوم أن الباضية يرضون بالجماع على أبي بكر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وعمر بل يرون أن خلفتهما مع عمر بن عبد العزيز رمز الخلفة الراشدة‪.‬‬

‫والرسالة خ بخط سالم بن سيعقوب في مكتبته تحتوي على صفحتين من كراس ضمن رسائل‬
‫أخرى‪.‬‬

‫وواضح من خلل هذه الرسائل أن الكتابة تكثفت في هذا الصدد لكن لم تخل القرون الخرى من مثل‬
‫هذه الرسائل فماذا عن هذه الجوبة؟‬

‫‪ )6‬رسائل وردود أخرى‪ :‬وتأتي في هذا النسق رسالة لبي عبدال الصدغياني مؤسس جامع وادي‬
‫الزبيب ق ‪: 13 )118( /7‬‬

‫‪ -‬موجهة لهل وارجلن‪ -‬يعرفهم حقيقة المذهب لن أهل الخلف في ذلك الزمان يحاجونهم‬
‫ويعانتونهم‪.‬‬

‫وهي خ تحتوي على ‪ 22‬صفحة من الحجم المتوسط بكل صفحة ‪ 25‬سطرا موجودة بالبارونية‪.‬‬
‫نسخت ‪.1811 /1226‬‬
‫وقد عالجت الرسالة أهم قضايا أصول الدين‪ :‬ال ل تبدو لـه البدوات‪ ،‬الكفر واليمان ‪،‬الخلود‪ ،‬الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬حكم أهل الكبائر‪ .‬كما تعرضت إلى موقف الباضية من الفتنة الكبرى ومن المويين‬
‫والعباسيين‪ ،‬وعرفت بإباضية عمان والمغرب‪.‬‬

‫وقد جاءت عناصرها مضطربة لنها كثيرا ما ترجع إلى القضايا عدة مرات‪.‬‬
‫وإلى جانب هذه الرسالة يجدر أن نذكر رسالة محمد ابن أبي القاسم الباروني في الرد على صحائف‬
‫من مزونة من الجزائر وقد طبعت ضمن مجموعة بالجزائر د‪ .‬ت‪ .‬من ص ‪.86 -70‬‬

‫وانطلقت الرسالة بالتعريف بعقيدة الباضية ثم دافعت عما اتهم به بنو ميزاب مثل موقفهم من‬
‫الصحابة‪ ،‬ثم تعرض صاحبها لقضايا لغوية‪ ،‬وعرض مجموعة من السئلة وهي ضرب من التعجيز‬
‫(لعلها ترجع إلى مطلع ق ‪.)19 /13‬‬

‫كما يمكن أن نذكر رسالة عيسى ابن أبي القاسم الباروني وقد كتبها سنة (‪ )1795 /1210‬ردا على‬
‫فقهاء غدامس وهي رد على رسالة واردة من للوت‪ .‬وهي خ بالبارونية تحتوي على ‪ 40‬صفحة‬
‫من الحجم المتوسط وبكل صفحة ‪ 22‬سطرا‪ .‬ناقصة في آخرها ول نعرف ل الناسخ ول تاريخ‬
‫النسخ‪.‬‬

‫وقد عرف فيها أسس عقيدة الباضية وموقفهم من الفروض والمحرمات‪،‬كما بين موقف الباضية‬
‫من الصحابة‪ ،‬وأورد نبذة من الحاديث عن الفرق الضالة ونوه بأئمة الباضية ثم جاء رده عنيفا‬
‫حيث بين ما في أهل غدامس من عيوب ورد على السئلة الموجهة في موضوع صلة الجمعة‬
‫والصحابة والبعث‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأما المنهج المتبع فهو قائم على الختصار‪ ،‬ويورد نص الرسالة كامل ثم يحلله ويرد عليه شيئا‬
‫فشيئا‪.‬‬

‫مع الملحظ أن العنصر الثالث ناقص من المخطوطة التي بين أيدينا‪.‬‬

‫كما يمكن أن نذكر كتاب المسلك المحمود لمعرفة الردود لسعيد بن تعاريت(انظر ص ‪ 83‬وقد جاء‬
‫ردا على ما عرف بالفتوى الكاملية التي طعن فيها صاحبها في الباضية (‪. )119‬‬

‫==================‬
‫(‪ )115‬إسماعيل بن شريف سلطان مراكش(‪11‬ذي الحجة ‪27-1082‬رجب ‪1139/14‬افريل ‪30-1972‬مارس ‪ )1727‬ثاني‬
‫سلطين العلويين بالمغرب ر‪.‬دائرة المعارف السلم كعربية‪.2/183:‬‬
‫(‪ )116‬انظر ما سبق‪157:‬‬
‫(‪ )117‬ر‪ .‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬رسالة في تراجم علماء جربة‪90:‬‬
‫(‪ )118‬كتاب‪ :‬نظام العزابة‪.247:‬‬
‫(‪ )119‬وقد ذكر النامي نصوصا أخرى منها ما توفر لدينا ومنها مالم يتوفر لدينا ر‪ .‬النامي الطروحة‪309-299:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعد الجوبة والردود لم يبق إل أن نعرف بالمختصرات وهي مختصر واحد فما هو؟‬

‫المختصرات‪ :‬إن كثر عدد الشروح والحواشي‪ ،‬فإن نصيب المختصرات دون نصيب المؤلفات الذاتية‬
‫ولعل ذلك يرجع الى توفر عدد طيب من المتون التي تقرب العقيدة من المبتدئين وقد ذكرناها من قبل‬
‫ولم نعثر إل على مختصر واحد وهو‪:‬‬

‫‪)1‬‬
‫‪ :‬نلمس من مقدمة النص أن التلتي شرح كتاب‬
‫أصول الدين لتبغورين بن عيسى الملشوطي شرحا موسعا‪ ،‬ووسمه بـ" شرح أصول تبغورين حوى‬
‫اليضاح والتبيين" (‪ )120‬ثم رغبة في التخفيف على القارئ اختصره بعنوان‪ ":‬نخبة المتين من‬
‫أصول تبغورين" وفي ذلك يقول‪ ":‬لما فرغت من شرح أصول تبغورين حوى اليضاح والتبيين‬
‫سنح لي أن ألخص ما فيه من خصائص المذهب‪ ،‬وأحررها بذكر الصواب وترك ما فيها من الجدل‬
‫الذي ل داعي إليه الن لنعدام الهمم واستيلء الزمان‪ ،‬فحررتها في عبارات بليغة وألفاظ فصيحة‬
‫أنيقة ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة ولثم عرائسها الفتاكة وسميتها " نخبة المتين من أصول‬
‫تبغورين" ص ‪.144‬‬

‫وقد تتبع التلتي في هذا المختصر‪ -‬تبعا للمنهج المحدد في المقدمة‪ -‬أهم ما ورد في الشرح من‬
‫تحليل للقضايا الصولية ونحن نعلم أن المتن ألم بها كلها‪.‬‬

‫وقد حرص على أن يقرب المفاهيم للقارئ بأيسر السبل حيث يشير الى كل قضية بقوله‪ ":‬اتفق‬
‫أئمتنا" " واتفقوا أيضا"‪ ...‬وقد بلغ عدد القضايا المطروحة الى ثلث وستين أولها أن ال موجود‬
‫وآخرها تبين أفعال العباد‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وهو في كل هذا يميز باختصار غير مخل بين رأي الباضية وبين رأي الشاعرة بصفة خاصة‪،‬‬
‫ويحيل أحيانا على شروحه المطولة مثل شرح النونية أو على كتب العمانيين أو على عبدال‬
‫السدويكشي‪.‬‬

‫كما أنه لم يتعرض الى الشروح اللغوية أو النكت البلغية رغم ميله الى ذلك‪ ،‬وإنما حرص على أن‬
‫يكون عمله اختصارا مستوفيا لهم القضايا‪.‬‬

‫وقد طبع هذا المختصر مع مجموعة من النصوص بعنوان " العقيدة المباركة" ترتيب محمد خليفة‬
‫مادي‪ .‬ط الفجالة الجديدة القاهرة د‪ .‬ت‪ .‬وذلك من ص ‪.168 -144‬‬

‫وبهذا نكون قد استوفينا تعريف ما تمكنا من الحصول عليه من التراث الكلمي عند الباضية بعد‬
‫التعرف على الطار التاريخي الذي يتنزل فيه ولم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذا التراث‪.‬‬

‫إن المتتبع للتراث الباضي يتبين بوضوح أن خوضه في قضايا العقيدة كان من وقت مبكر‪ ،‬وذلك‬
‫لن أئمة الباضية عايشوا أحداث الفتنة الكبرى من قريب‪ ،‬وموقفهم كان واضحا في شأنها وقد‬
‫كلفهم هذا الموقف كبير عناء في حياتهم وهكذا كان المر بالنسبة إلى أتباعهم عبر التاريخ‪.‬‬

‫وما كاد يدخل العقد الثاني من النصف الثاني للقرن الول هـ وبالضبط سنة ‪ 683 /64‬حتى اتضح‬
‫موقفهم من مرتكب الكبيرة على لسان إمامهم عبدال بن إباض الذي كان يتعاون مع المام جابر بن‬
‫زيد حيث اعتزل موقف القائلين بالخروج المطلق على أساس أن الموحد يجب أن يعامل معاملة‬
‫خاصة إن ظهرت عليه المعصية‪ ،‬وانطلقا من هذا الموقف المبكر توسعت النصوص الباضية في‬
‫التمييز بين الكفر والشرك وكفر النعمة كما سنوضح ذلك في الباب الثالث من أبواب هذا البحث وهم‬
‫في هذا يختلفون عن المعتزلة الذين لم يتضح قولهم بالمنزلة بين المنزلتين إل في أوائل القرن‬
‫الثاني للهجرة‪ ،‬كما يتميزون عن القائلين بالرجاء‪.‬‬

‫أما موقفهم من المامة‪ -‬ويعالج عادة مع القضايا الصولية وإن كان الى الصول الجتماعية أقرب‪-‬‬
‫فقد اتضح من تعيين المام عبدال بن وهب الراسبي بصفة عملية فهو ل ينتمي لل البيت ول‬
‫لقريش وكان انتخابه شورى بين المسلمين الذين عرفهم التاريخ بالمحكمة‪ .‬هذا قبل خروج جماعة‬
‫عن مبادئ المحكمة‪ .‬أما بعد ذلك فرسالة عبدال بن إباض الى عبد الملك ابن مروان جاءت أحسن‬
‫دليل على عدم اعترافهم بملك بني أمية الوراثي‪.‬‬

‫وفي هذا الخضم السياسي العقدي المتموج بدأت تتضح ملمح علم الكلم شيئا فشيئا فلم يكن التراث‬
‫الباضي خاليا منها بل يتضح من خلل ما جاء من رسائل وخطب ومناظرات أن الباضية اعتبروا‬
‫العمل جزء ل يتجزأ من اليمان كما تسربت الى حلقات أبي عبيدة والربيع مواقف من بعض‬
‫الباضية تتبنى قول المعتزلة في القدر فتصديا لها بقوة وأعلنا البراءة من أصحابها‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويصل صدى هذا الموقف إلي مصر فيكتب عيسى بن علقمة المصري كتابه التوحيد الكبير ليرد على‬
‫عبدال بن يزيد الفزاري في هذه القضية وفي قضية السماء والصفات كما يشير إلى ذلك أبو عمار‬
‫عبد الكافي في شرحه لكتاب الجهالت والكتاب لم يسعف الزمن به بعد‪.‬‬
‫ومن هنالك يرتبط تراث الباضية بالمغرب بتراثهم بالمشرق وتنطلق المدرسة المغربية في النتاج‪،‬‬
‫فتأتي رسالة أبي اليقضان الرستمي في خلق القرآن ورسالة عمروس بن فتح الموسومة "‬
‫بالدينونة الصافية" في أهم قضايا أصول الدين‪.‬‬

‫ولم يظهر الشعري والماتريدي في القرن الرابع هجري إل بعد أن اتضحت مواقف الباضية في‬
‫أبواب العقيدة‪ ،‬لكن الشعري حشرهم في زمرة الخوارج ونسب إليهم من الفرق مالم يرد ذكره في‬
‫مصادرهم‪ ،‬ولم يحل على هذه المصادر رغم وفرتها آنذاك في ما نتصور‪ ،‬وإن يذكر بعضا من‬
‫مواقفهم التي يرتضونها‪ .‬ومعلوم أن الشعري كان منطلقا أساسيا لما عرف في ما بعد بالشاعرة أو‬
‫بأهل السنة فغطى التراث الباضي لن الناس ظلوا يحترسون من هؤلء الذي يكفرون غيرهم‪ .‬وفعل‬
‫قد جاءت كتب المقالت في ما بعد مكررة ما قاله الشعري أحيانا بنصه وأحيانا بشيء من التصرف‪.‬‬

‫وفي هذا المحيط ظلت تنمو المدرسة الباضية بالمغرب طيلة القرن الرابع والخامس هـ الى أن‬
‫رسخت قدمها رسوخا متينا في مدينة وارجلن في القرن السادس هـ خاصة مع أبي عمار عبد‬
‫الكافي في كتاب الموجز وفي كتاب شرح الجهالت وفي كتاب أبي يعقوب الوارجلني الدليل‬
‫والبرهان‪ ،‬وفعل فقد تصديا للردود على الفلسفات اللحادية من جهة‪ ،‬وعلى جميع الفرق السلمية‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وقد وقع التركيز خاصة على المدرسة الشعرية في جميع قضايا أصول الدين مما‬
‫وقع فيه الخلف بين المدرستين‪.‬‬

‫وبعد هذا القرن الذي يعتبر العصر الذهبي بالنسبة الى البداع في علم الصول تحول مسلك التراث‬
‫الباضي الى المختصرات والشروح فهذا عامر الشماخي يولي اهتماما كبيرا بالفقه ول يكتب إل‬
‫مختصرا في العقيدة سماه كتاب الديانات‪ ،‬وهو عبارة عن مذكرة شاملة لعقيدة الباضية‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫إسماعيل الجيطالي في الباب الول من كتاب قواعد السلم وفي قسم من كتاب القناطر وإن توسع‬
‫في التحليل على شرح النونية وعلى هذا المنوال ينسج البرادي في القرن التاسع هـ في شرحه‬
‫لكتاب الدعائم لبن النظر العماني‪.‬‬

‫فخلصة الحديث عن هذه القرون التسعة أن التراث الباضي فيها حرص على رعاية البذرات الولى‬
‫في أصول الدين النابعة من فهم الئمة لكتاب ال تعالى ولسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فظلت‬
‫هذه البذرة تنمو من القرن الول هـ شيئا فشيئا إلى أن آتت أكلها في القرن السادس هـ‪ .‬وقد‬
‫استطاعت وارجلن عاصمة الباضية الثانية بعد سقوط تاهرت أن تباهي العواصم السلمية‬
‫الخرى بما ظهر فيها من شتى العلوم‪،‬ويهمنا منها في هذا البحث خاصة علم أصول الدين‪ ،‬وفعل‬
‫يعتبر هذا القرن قمة مرحلة من مراحل الفكر الباضي في أصول الدين وبداية مرحلة جديدة ذلك لن‬
‫أسس هذا الفكر تكاملت حججه النقلية والعقلية‪ ،‬والناظر في التراث الذي جاء بعد القرن السادس هـ‬
‫يدرك حقيقة ما نقول‪ ،‬إذ ل يخلو مصدر من مصادره من الحالة على كتاب الموجز أو الدليل‬
‫والبرهان‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما المرحلة الموالية‪ -‬من القرن السادس هـ الى نهاية القرن التاسع‪ -‬فقد اهتم فيها الباضية خاصة‬
‫بسيرهم وفقههم وإن لم يسكتوا عن أصول الدين‪ ،‬ورأوا أن المختصرات فيها تقرب ما جاء منظرا‬
‫محلل في ما سبق‪ ،‬مع شرحين موسعين في الصول هما شرح الجيطالي لنونية أبي نصر وقد انتقد‬
‫في ما بعد بأنه اشتغل بالقضايا الدبية اللغوية أكثر من اشتغاله بالقضايا الصولية وشرح البرادي‬
‫للدعائم وعليه نحيل في تعريف الباضية لعلم الكلم‪ ،‬والبرادي ظهر حذقه في الحرص على التعريف‬
‫المدقق للمصطلحات وفي هذا المحيط تتنزل رسالته الموسومة بـ " رسالة الحقائق" وهي على‬
‫اختصارها قد أمدت المدرسة الباضية بقاموس مهم في التعريفات ويهمنا خاصة تعريف‬
‫المصطلحات الصولية وقد وجدنا أن كل التراث الذي جاء بعد هذه المرحلة يعتمد على هذه‬
‫التعريفات اعتمادا كليا وصريحا‪.‬‬

‫=======================‬

‫(‪ )120‬لم نتمكن من الحصول على هذا الشرح الموسع‪ ،‬ونعتقد أنه ل يخل بالعمل إذ نظرنا في شرح التلتي الموسع للنونية‬
‫والقضايا هي نفسها تتكرر هنا وهناك وللتعرف على التلتي ر‪ .‬ما سبق‪160:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تلك ملحظاتنا عن هذه القرون التسعة فماذا عن القرون التي توسعنا في تحليل تراثها وهي القرون‬
‫الثلثة الموالية العاشر والحادي عشر والثاني عشر هجري؟‬

‫إن لحظنا أن قطب الشعاع كان مدينة وارجلن في القرن السادس هجري فإن تقصينا في التعرف‬
‫على مؤلفي هذا التراث يثبت أن جزيرة جربة كانت قطب الدائرة في الحركية العلمية في هذه‬
‫المرحلة‪ .‬فالشماخي وإن كان من جبل نفوسة فإنه حط رحله بالجزيرة وحتى عندما أرخ لشرحه‬
‫للعقيدة انطلق من حدث هام من أحداث الجزيرة وأما أبو سليمان التلتي فكان منطلقه من الجزيرة‬
‫واليها رجع‪ ،‬وبها ألف‪ ،‬ومنها أشع وناضل بالقول والعمل إلى أن مات شهيدا لجرأته في قول الحق‬
‫وأما السدويكشي فقد نهل في ربوع الجزيرة وفي مدارسها العلمية المعارف‪ ،‬فاتضحت قدرته‬
‫الكلمية‪ -‬وإن لم يكتب كثيرا‪ -‬في اعتداده بعقله وبقلة إحالته على من سبق وأما المحشي‪ -‬ولقبه‬
‫غلب على اسمه لكثرة حواشيه‪ -‬فقد استفاد من إقامته بالمدرسة الباضية بالقاهرة بالضافة الى‬
‫نشأته في جربة‪ ،‬فاتضح طول باعه ل في علم الصول فحسب بل في جل فنون العلوم السلمية‪،‬‬
‫وفعل فقد أشعت أسرة أبي ستة على الفكر الباضي عامة أيما إشعاع ولوالد المحشي رسالة بعنوان‬
‫‪ ":‬المجموع المعول في ما عليه السلف الول" تدل على المناخ العلمي الذي نشأ فيه المحشي وابنا‬
‫عمه سليمان وأبو زيد وقد أثبتت حاشية كل منهم على " كتاب شرح الجهالت" وفرة المصادر‬
‫والمراجع التي بين أيديهم والحرص على حسن استغللها والفضل في جمع كل هذا الشتات يرجع‬
‫إلى تلميذهم علي ابن بيان‪ ،‬ولوله لصعبت الستفادة من هذه الحواشي‪.‬‬

‫ويفد على الجزيرة في أواخر القرن الحادي عشر هـ يوسف المصعبي متعلما فيطيب له المناخ‬
‫العلمي‪ ،‬ويستقر بها إلى الوفاة‪ ،‬فيسلك مسلك المحشي في تتبع النصوص الباضية وشرحه لصول‬
‫تبغورين هو أقرب ما يكون لما يسمى بالتحقيق العلمي الن‪ ،‬ومعه يتحول الثقل من جنوب الجزيرة‬
‫بحومة سدويكش الى شمالها في مدرسة الجامع الكبير‪ .‬ويشع في هذا القرن أيضا عمرو التلتي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد حط رحله بالمدرسة الباضية بوكالة الجاموس بطولون بالقاهرة وقد استطاع بفضل ما فيه من‬
‫مصادر إباضية أن يقف طويل عند الصول الباضية فشرح وحشى واختصر وتفنن في ذلك وإن لم‬
‫تتوفر جميع نصوصه بين أيدينا فإن استيعابه لقضايا الصول واضح‪ ،‬ودفاعه عن العقيدة بين في‬
‫ما اطلعنا عليه من كتاباته وإن قدح معاصروه في سيرته‪.‬‬
‫كل هذا يؤكد ما ذكرنا‪ ،‬بالضافة إلى أن ما وجد في جبل نفوسة وفي وادي ميزاب يعتبر منطلقه من‬
‫جربة فأبو مهدي عيسى بن اسماعيل أخذ عن عمي سعيد الجربي الذي أوفدته الجزيرة لصلح‬
‫الوادي‪ ،‬وفضل أبي مهدي على الفكر الباضي عامة ل ينسى لن ردوده كانت منطلقة من اقتناع بعد‬
‫اطلع‪ ،‬إذ نشأته الولى كانت أشعرية وكذلك محمد بن زكرياء الباروني‪ ،‬وقد برز في باب التاريخ‬
‫أكثر من بروزه في باب الصول فإنه يذكر فضل شيخه أبي داود التلتي عليه‪.‬‬

‫إن مثل هذه الملحظات ل تحط من قيمة المواطن الباضية الخرى في المغرب وإنما تبين التعاون‬
‫المخلص بين هذه المواطن فإن أشعت نفوسة في المنطلق فقد رفعت المشعل تاهرت ووارجلن في‬
‫ما بعد مع الجنوب التونسي وقصطيلية منطقة الجريد حاليا‪ .‬وقد كانت هذه القرون ‪ 11 ،10‬و ‪ 12‬هـ‬
‫من نصيب الجزيرة ليرفع المشعل في ما بعد وزادي ميزاب وما يزال‪ .‬ومن يزور الوادي الن يحس‬
‫بالنفس الباضي على حقيقته‪ .‬ول يفوتنا أن نشير هنا إلى أن إشعاع موطن ليس معناه أن المواطن‬
‫الخرى موات وإنما تجد فيها سعيا إلى التجدد وإلى النهوض‪ ،‬ويكون ذلك عن طريق التزاور‬
‫والرحلة الى طلب العلم والمتتبع سلسلة نسب الدين عند الباضية بالمغرب يستحيل عليه أن يفصل‬
‫بين علماء هذه المواطن‪.‬‬

‫وبعد بسط البعد الحضاري المتعلق بالمؤلفين يحسن أن نبين ذلك بالنسبة الى مؤلفاتهم‪.‬‬

‫يعتبر من نفل القول أن نشير إلى قلة النتاج الذاتي والمختصرات ووفرة الشروح والحواشي‬
‫والجوبة والردود فما هو السبب في ذلك يا ترى؟‬

‫إن هذه الظاهرة ليست خاصة بالباضية بل هي عامة في التراث السلمي وكأن المسلمين أحسوا‬
‫بأنه ليس في المكان أكثر مما كان فعكفوا على ما عندهم مع توقف ملكة البتكار إل في القلي‬
‫النادر‪ .‬واضح أن مثل هذا التفسير يقلل من قيمة الشروح والحواشي لكن أليست هذه الشروح‬
‫والحواشي عمل فكريا؟ أو ليس اختيار المرء جزء من كيانه؟ أل يستطيع الشارح أن يبدع أثناء‬
‫الشرح وأن يتفطن إلى قضايا لم ينتبه اليها المؤلف وهل عرف الناس فكر أرسطو مثل إل عن‬
‫طريق شراحه؟‬

‫وفي هذا المحيط تتنزل الشروح والحواشي التي كتبت في أصول الدين في هذه القرون فجعلها يدل‬
‫على استيعاب واضح لما نظر في ما سبق مع فهم له وحسن استعمال فالمحشي والمصعبي والتلتي‬
‫ليسوا مجرد نقلة للنصوص وإنما يقارنون بين أقوال سلفهم ويرجحون قول هذا على ذاك‪ .‬وهذا‬
‫المنهج تتميز به عادة هذه الشروح على النصوص الصلية لنها تتخذ في الغالب منهجا واحدا من‬
‫بدايتها الى نهايتها خاصة في القضايا التي ظهرت فيها مواقف متباينة عند الباضية أنفسهم مثل‬
‫قضية خلق القرآن وسنفصل فيها الحديث في الباب الثاني من هذا البحث‪ .‬فالشروح حينئذ توفر بين‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يدي الباحث مجموعة من النصوص المتفرقة الى جانب موقف الشارح وهذا من شأنه أن ييسر على‬
‫القارئ القدرة على الستيعاب والستنتاج وهؤلء الشراح ل يكتفون بالحالة على المصادر بل في‬
‫أغلب الحيان ينقلون كامل النص المقصود‪.‬‬

‫كما أن هذه الشروح ل تغفل عادة عن المقارنة بين نصوص الباضية ونصوص غيرهم مما لم تشر‬
‫إليه النصوص المشروحة والتراث الباضي في أصول الدين وفي بقية العلوم السلمية يتميز بهذا‬
‫المنهج وهذا يفهم حضاريا لن الباضية ظلوا طول حياتهم أقلية وسط أكثرية أشعرية غالبا‪ ،‬فلذلك‬
‫يفرض عليهم تعايشهم مع الفرق الخرى أن يكونوا مطلعين على المسائل الخلفية حتى يبصروا‬
‫بها أتباعهم ليحافظوا على عقيدتهم وسط التيار العام‪ ،‬وهذا ما يكاد ينعدم في المدرسة الشعرية لن‬
‫أصحابها ل يشعرون بنفس المضايقة‪ ،‬وإنما تأتي ردودهم على ما يسمونهم بأهل البدع والهواء‬
‫عادة‪ .‬وحتى في فترات ازدهارهم لم يلجأ الباضية الى مسلك النغلق كما أشرنا الى ذلك في الفصل‬
‫الول من هذا الباب وفعل فبفضل هذا المنهج المقارن المزدوج بين علماء الباضية في ما بينهم‬
‫وبين مختلف الفرق تمكن هذه الشروح القارئ من اطلع واسع على عقائد جل الفرق السلمية‬
‫وفعل فقد فرضت علي هذه الشروح الرجوع الى عشرات من النصوص غير الباضية وهذا سيتجلى‬
‫أثناء التحليل للقضايا في ما يلي‪.‬‬

‫ثم إزاء هذا فإن هؤلء الشراح كانوا شيوخا مدرسين يتداول عليهم الطلبة صباح مساء‪ ،‬ومن كل‬
‫المستويات‪ ،‬لذلك جاءت شروحهم مفعمة بنزعة تعليمية واضحة‪ ،‬فهم ل يقتصرون على تحليل‬
‫القضايا الصولية بل يتوسعون في الشروح اللغوية والبلغية الى أبعد حد‪ ،‬بل وجدنا من يقتصر‬
‫أحيانا على هذا النوع من الشرح فقط‪ ،‬وفي هذا دللة على طول باع هؤلء في فنون اللغة وقد بلغ‬
‫عمرو التلتي في ذلك شأوا بعيدا‪ .‬كما أن هذه النزعة التعليمية تتجلى أحيانا في طرح القضايا‬
‫بمنهج يقوم على السؤال والجواب‪ ،‬مما يسر على المتعلم رد الحجة بمثلها عند الحاجة الى ذلك وإن‬
‫كان هذا المنهج يتضح أكثر في الجوبة والردود‪.‬‬

‫فهذا المسلك في الشرح والحواشي ل يبعد عما يسمى في المناهج العصرية بالتحقيق العلمي لن‬
‫الشراح كثيرا ما يضعون النصوص في إطارها التاريخي وقد اقتبسنا كثيرا من الملحظات‬
‫الحضارية من هذه الشروح‪ ،‬خاصة في ما يتعلق بسير الباضية وبتعريف العلماء فمن ذلك أن‬
‫يوسف المصعبي يشير إلى أن حاشية السدويكشي كانت منطلقا لدرس في جامع أبي كثير وهنالك‬
‫أشار عليه الحاضرون بأن يتم هذه الحاشية فهذه الشارة تعتبر منطلقا للبحث عن قيمة هذا الجامع‬
‫التاريخية وعن أولئك الذين كانوا حول يوسف المصعبي كما يفهم من الطلب أنه أعلم الحاضرين‬
‫وما إلى ذلك من الستنتاجات بعيدة الفائدة والحقيقة في النهاية أن من يريد تحقيق هذه النصوص‬
‫المشروحة تحقيقا علميا ل يمكن له أن يستغني عن هذه الشروح إذ هي لبنة من لبنات البناء‬
‫الحضاري لهذا التراث‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كما أن هذه الشروح بما فيها من إحالت على مصادر ومراجع متنوعة تدل دللة واضحة على ثراء‬
‫المكتبة السلمية عامة والباضية خاصة في جزيرة جربة وفي سائر المواطن الباضية آنذاك وفي‬
‫هذا دللة واضحة على حركة علمية نشيطة وعلى توفر عدد ل يستهان به من الناسخ وكثيرا ما‬
‫اهتدينا الى معميات عن طريق الناسخ أو عن طريق تاريخ النسخ للنصوص الباضية وللنصوص‬
‫غير الباضية‪ ،‬فمن ذلك أننا استطعنا أن نضع محمد التغزويسني في إطاره التاريخي اعتمادا على‬
‫مخطوطة أثبت أنه نسخها سنة ‪.1591 /999‬‬

‫وفعل إن التأمل في الثروة العلمية في أصول الدين وفي بقية التراث السلمي يمكن من تصور‬
‫الحياة الثقافية في هذه القرون في جميع مواطن الباضية ومدى تعايشها في ما بينها وتعاونها على‬
‫توفير الكتاب دون أن يكون لها مدد من سلطة حاكمة توفر لها ما تحتاج إليه من المن والمال بل‬
‫منطلق المر مجهود أفراد الجماعة من المثقفين ومن غير المثقفين‪.‬‬

‫هذا عن بعض البعاد الحضارية لهذه الشروح والحواشي فماذا عن الجوبة والردود؟‬

‫لئن كانت الحواشي والشروح من العمال التلقائية التي توحي بها حاجة المة الى ذلك معبرة عن‬
‫بعض البعاد الحضارية فإن الردود والجوبة أكثر اتصال بواقع الباضية المعاش‪.‬‬

‫فجذور المراسلت والردود ترجع إلى إمامي الباضية الولين وهما جابر ابن زيد ورسائله وأجوبته‬
‫ولم تدرس بعد دراسة علمية وإن حقق عمرو النامي شيئا منها‪ -‬لكن القدر حال دون الستفادة من‬
‫هذا القسم المحقق‪ -‬وطبعت عمان قسما من أجوبته الفقهية بترتيب سعيد بن خلف الخروصي سنة‬
‫‪ 1984 /1404‬وعبدال بن إباض ورده على عبد الملك بن مروان مشهور‪ .‬والباضية وضعهم‬
‫التاريخ بسرعة في قفص التهام لكن عندما تقوى دولتهم وتشع ثقافتهم تخف عنهم الهجومات‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فتنقطع كتاباتهم في الردود ويقيمون مقامها الكتابات الرصينة التي تعتمد على المنهج المقارن ول‬
‫يخلو هذا المنهج من موقف دفاعي هادئ بينما يختلف المر عن ذلك عندما تموت دولتهم‪.‬‬

‫وفعل ما أن تقلص المد الباضي في وارجلن في القرن السابع هـ حتى تجلت تهجمات على‬
‫إباضيتها من قبل الفرق الخرى وقد جاءت رسالة أبي عبدال الصدغياني من جربة تلبية لهل‬
‫وارجلن في الرد على من يطعن في عقيدة الباضية‪.‬‬

‫أما الردود الواردة في القرون ‪ 12 ،11 ،10‬هجري فسببها تقلص ظل الباضية من مدينة غدامس‬
‫وغلبة الطرف المالكي عليها وواضح أن التهجمات لم تكن واردة من مشاهير علماء المالكية‬
‫فصولة الغدامسي لول تهجمه على الباضية لما حفظ التاريخ أسمه ومهما يكن من أمر فتهجمه كان‬
‫منطلقا لرد أحمد الشماخي الذي جاء معبرا تعبيرا صريحا عنيفا عن نقط الخلف بين الشاعرة‬
‫وبين الباضية في قضايا أصولية نظرية‪ ،‬وقد دفعت هذه الردود الباضية الى مزيد من الطلع على‬
‫مصادر الفرق السلمية وخاصة ما اشتهر عند الناس بأهل السنة وألحت هذه الردود على أن‬
‫المنتمين إلى هذا اللواء يختلفون في بعض القضايا في ما بينهم أكثر من اختلف بعضهم مع‬
‫الباضية‪.‬‬

‫وإن دلت هذه الردود على شيء فأنها تدل على التنافر الطارئ بين الفرق السلمية انطلقا من‬
‫اختلف مواقفهم تجاه القرآن والسنة‪ ،‬ونحن نعلم أن هذا التنافر عزف عليه أهل السياسة عزفا قويا‬
‫من وقت مبكر‪ ،‬وقد بينا في الفصل الول كيف أن وضع الباضية تحت عنوان الخوارج جنى عليهم‬
‫جناية ظلوا يتحملون تبعاتها الى يومنا هذا‪.‬‬

‫ووددنا لو سلك الشماخي مسلكا أكثر رصانة‪ -‬لقدرته العلمية‪ -‬واستغل النقط التي تقرب بين مختلف‬
‫الفرق‪ ،‬مع توضيح أن الخلف الجتهادي ل ينبغي أن يؤدي إلى صراع وتنابز لكن أنى له ذلك‬
‫والباضية تفتك مساجدهم ويجلون عن ديارهم‪.‬‬

‫ومما يؤيد ذلك أن قضاة طرابلس أعلنوا رفضهم لشهادة الباضية سنة ‪ 1155‬هـ ل لشيء إل لنهم‬
‫إباضية‪ ،‬فانبرى يوسف المصعبي بلهجة رصينة هادئة فحاج هؤلء الفقهاء بمصادرهم‪ ،‬وكاتب‬
‫واليهم أحمد باشا مما اضطرهم إلى التراجع عن موقفهم وقبول شهادة الباضية من جديد وقد عثرنا‬
‫على رد عن شكوى الباضية بختم حسين باي تونس (‪ )1740 -1705 /1153 -1117‬مفاده إقرار‬
‫" شهادة الباضية سنة ‪ 1709 /1120‬لن شهادة من أتى بالقول والعمل أصح ممن أتى القول‬
‫وضيع العمل" (‪ )121‬ولم نعثر على الشكوى والراجح أن موجهها يوسف المصعبي نفسه‪ .‬وقد‬
‫سلك سعيد الجادوي نفس المسلك عندما قرر سلطان مراكش اسماعيل بن شريف منع الباضية من‬
‫تعاطي التجارة في مملكته لنهم يطعنون في الخليفتين أبي بكر وعمر‪.‬‬

‫إن مجموعة هذه الردود بينت أن الصراع لم يبق صراعا فكريا نظريا وإنما تحول إلى إصدار أحكام‬
‫قاسية ضد الباضية تمنعهم من حق من حقوقهم المدنية‪ ،‬ول نغفل عن أن الباضية يعتمدون على‬
‫التجارة طول حياتهم ولم يكونوا الى الوظيف إل في الفترة المتأخرة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وإلى جانب هذا جاء رد أبي مهدي على البهلولي وكأنه صراع شخصي لكنه اكتسى صبغة إباضية‬
‫عامة ذلك أن البهلولي عاب على أبي مهدي تحوله الى الباضية واتهم من وراء ذلك أهل ميزاب‬
‫بالتهم المعهودة‪ -‬مثل القول بنفي رؤية ال تعالى‪ -‬فجاء الرد في سياق عام تمثلت وظيفته خاصة‬
‫في توفير نصوص إباضية في أهم قضايا أصول الدين‪.‬‬

‫أما الجوبة فجاءت معبرة عن حسن العلقة والتعاون بين إباضية المغرب في ما بينهم ‪ ،‬وبينهم‬
‫وبين إباضية عمان وقد تميزت هذه الردود والجوبة بنزعة جدلية واضحة تتردد لهجتها بين العنف‬
‫واللطف حسب مقتضيات الحال‪.‬‬

‫وخلصة القول إن هذه الجوبة والردود جاءت معبرة عن واقع حضاري مترد تدرج فيه تقلص‬
‫الباضية شيئا فشيئا ليستقروا حيث استقروا في جربة ونفوسة ووادي ميزاب ورغم جهود هؤلء‬
‫العلماء فقد انتهت الباضية من غدامس ومن الجنوب التونسي‪.‬‬

‫وقد استمرت نزعة الردود بعد هذه المرحلة ولعل آخر ما كتب في هذا الصدد فصول من كتاب علي‬
‫يحيى معمر " الباضية بين الفرق السلمية" ط‪ .‬القاهرة ‪.1976 /1396‬‬

‫أما عن النتاج الذاتي‪ ،‬وقد بينا أنه يكاد يكون منعدما ولذلك اعتمدنا رسالتي أحمد الشماخي في‬
‫صلب تحليلنا لقضيتي السماء والصفات‪ ،‬اعتمادا كبيرا وكذلك فعلنا مع رسالة السدويكشي في‬
‫المقارنة بين القائلين بقدم القرآن والقائلين بخلقه‪.‬‬

‫أما نخبة المتين لعمرو التلتي فقيمته الحضارية تتجلى في عرضه لقضايا الصول عرضا مختصرا‬
‫مع المقارنة بمواقف الشاعرة‪.‬‬

‫فواضح إذن من خلل هذا التحليل أن تراث هذه المرحلة لم يقم على النزعة التأليفية وإنما غلب‬
‫عليه طابع التجميع والتحليل وكأنه بهذا هيأ المناخ للمرحلة اللحقة التي ستتحلى فيها النزعة‬
‫التأليفية صريحة خاصة مع قطبي الباضية بوادي ميزاب عبد العزيز الثميني ثم محمد اطفيش‪.‬‬

‫وفي الخير إن تراث هذه المرحلة وإن لم يأت بالجديد‪ ،‬فإنه دعم التراث السابق‪ ،‬وضمن‬
‫استمراريته ودفع من جاء بعده الى الستفادة من الكل وبث نفس جديد في روح هذا التراث وعسى‬
‫أن ينتبه الباضية الن إلى عرض حصيلة هذا التراث حسب المناهج العصرية حتى يطلع الناس‬
‫على هذا التراث الذي كثيرا ما اتهم أصحابه بأنهم ل تراث لهم‪.‬‬

‫وما البابان اللحقان من هذا البحث إل محاولة من هذا النوع سنسعى خللهما إلى إبراز البعد‬
‫الحضاري لهذا التراث العقدي‪.‬‬

‫فإلى الباب الثاني من هذا البحث ومحوره تحليل المباحث الكلمية المتعلقة بال تعالى‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫========================‬

‫(‪ )121‬ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة ‪309 :‬‬

‫البــاب الثاني‪ :‬اللــــــــــهيــات‪ .‬الفصل الول‪ :‬الباضية والمحكم‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫إن من المحاور الكلمية في اللهيات ما يغلب عليه طابع النطلق مما جاء محكما في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ومنها ما يغلب عليه العتماد على المتشابه‪ ،‬ولذلك سنطلق من القضايا الولى وتتمثل في‪:‬‬
‫وجود ال تعالى ‪ .‬ذاته ‪ .‬أسمائه ‪ .‬صفاته ‪ .‬ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حقه عز وجل‪ .‬فماذا‬
‫عن وجود ال تعالى؟‬

‫وجود ال تعالى‪:‬‬

‫إن السلم يثبت أن النسان الول‪ -‬وهو آدم عليه السلم‪ -‬نبي مقر بوجود من تاب عليه وأنزله إلى‬
‫الرض للبتلء أل وهو ال (‪. )1‬‬

‫لكن إذا تأملنا في التراث النساني فإننا نلمس بجلء أن العقل البشري لم يستقر على رأي في‬
‫تصوره الوجودي‪ ،‬ونظرة أولية في تاريخ الديان (‪ )2‬وفي علم الديان المقارن (‪ ، )3‬تبين أن‬
‫النسان ما قبل التاريخ تصوره الوجودي الخاص‪ ،‬وكذا أهل الصين والهند واليونان وحتى أصحاب‬
‫الرسالت السماوية‪ -‬أهل الكتاب‪ -‬يختلف تصورهم في ما بينهم في هذا الشأن‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فماذا قال علم الكلم عامة‪ ،‬وعند الباضية خاصة في هذه القضية؟‬

‫إن هذه القضية‪ -‬وجود الخالق‪ -‬ل يمكن أن تحير علماء الكلم المسلمين بأية حال لننا نعلم كما‬
‫وضح ابن خلدون (‪ )4‬ذلك أن المتكلم يختلف عن الفيلسوف اختلفا جوهريا فإن كان الفيلسوف‬
‫ينطلق من الشك المطلق عسى أن يقترب من اليقين أو يدركه فالمتكلم ينطلق من العقيدة ليبحث عن‬
‫الدلة‪.‬‬

‫وقد ذكر الغزالي عند التدليل على وجود ال تعالى أن في فطرة النسان وشواهد القرآن ما يغني عن‬
‫إقامة البرهان (‪ )5‬كما ذكر الوارجلني أنه لم يختلف ‪ ":‬اثنان بعد ثبوت الحدث أن له محدثا‪ .‬ثم‬
‫يقول‪ :‬فعلم هذا ضروري‪...‬وإنما وقع التشابط والتخابط بين الموحدة والدهرية في حدوث المحدث‬
‫ولسنا والشعرية مختلفين في شيء من هذا" (‪. )6‬‬

‫وحتى المعتزلة الذين يعتبرون أن معرفة ال ل تحصل إل بالنظر ل يشذون عن بقية الفرق‪ ،‬والدليل‬
‫على ذلك توضيح القاضي عبد الجبار هذه المسألة بما يلي‪ ":‬إن سأل سائل فقال‪ :‬ما أول ما أوجب‬
‫ال عليك؟ فقل‪ :‬النظر المؤدي إلى معرفة ال تعالى‪ ،‬لنه تعالى ل يعرف ضرورة ول بمشاهدة" (‪)7‬‬
‫‪.‬‬

‫فول كان النطلق من الجحود أو الشك لما صح أن يكون السؤال‪ ":‬ما أوجب ال عليك" لن هذا‬
‫السؤال يتضمن القرار بوجود ال (‪. )8‬‬
‫أما الماتريدي فقد بسط أدلته على وجود الخالق في " كتاب التوحيد" وأوصلها إلى أثنى عشر‬
‫دليل‪ ،‬محورها دللة المحدَث على المحدِث وتوجها بان خلق النسان أعظم آية على وجود ال (‪. )9‬‬

‫والناظر في التراث الباضي انطلقا من كلم الوارجلني المشار إليه آنفا يفهم أن اعتناء متكلمي‬
‫الباضية بالتدليل على وجود ال لم يكن من جراء خلف داخلي بين التيارات السلمية وإنما كان‬
‫دفاعيا ضد المقولت الفلسفية المخالفة للسلم‪.‬‬

‫وقد جاءت الدلة في الرد على هؤلء عقلية محضا لنهم ينكرون وجود الخالق فضل عن الوحي‬
‫وتتلخص محاورها في ما يلي‪:‬‬

‫‪ - :‬لنه محصور في الجسام والعراض والعلقة بين الجسام‬ ‫‪)1‬‬


‫والعراض تفرض الحدوث‪.‬‬

‫‪ -‬لن ما فيه من أجسام وأفلك متحرك‪.‬‬

‫‪-‬لن النسان وهو جزء من العالم متطور‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إذا ثبت أنه حادث فمن الضروري أن يكون لـه محدث‪ ،‬وهذا المحدث لبد أن يكون واحدا ل يشبه ما‬
‫أحدثه (‪ )10‬بوجه من الوجوه إذ لو أشبهه لوجب التسلسل فوجب أن يكون المحدث قديما واحدا ل‬
‫شبيه له (‪. )11‬‬

‫وتضرب لتوضيح هذا أمثلة ملموسة مثل دللة البناء على الباني‪ ،‬والكتابة على الكاتب (‪. )12‬‬

‫ويؤازر هذا الدليل العقلي الدليل اللغوي ويتمثل في أنه لبد للمفعول من فاعل (‪. )13‬‬

‫‪)2‬‬
‫إذ النسان وهو كائن حي أولى بالتأثير في النجوم (‬
‫‪. )14‬‬

‫‪ ،‬وفي هذا يتجلى تناقض السفسطائيين (‪)15‬‬ ‫‪)3‬‬


‫‪.‬‬

‫كما تعرض المصادر الباضية في المرحلة المقررة إلى هذه القضية الساسية التي تقوم عليها جميع‬
‫قضايا الدين الخرى عند تعداد مال يسع جهله (‪ )16‬طرفة عين‪ ،‬وعند تحليل الساس الول من‬
‫أسس التوحيد وهو إفراد ال تعالى وعند تعريف التكليف وعند تبيين أن حجة ال على الخلق الرسل‬
‫بصفة خاصة‪.‬‬

‫وقل أن تغفل هذه المصادر عند تعرضها لهذه القضية عن الستشهاد بقول صاحب كتاب الديانات‪:‬‬

‫" وندين بأن حجة ال على عباده الكتب والرسل‪ ...،‬وندين بأن معرفة ال ل تنال بالتفكير ول‬
‫بالضطرار وإنما تنال بالكتساب والتعليم وذلك يصح بعد مخبر ومنبه على ذلك" (‪. )17‬‬

‫ثم تتوسع في تحليل هذا المبدأ مع الرد على الفرق التي تتبنى غير هذا الموقف‪.‬‬

‫يقول الشماخي‪ " :‬واعلم أن أول ما يجب على العبد معرفة معبوده " (‪. )18‬‬

‫كما يتبع المحشي الجيطالي في حاشيته على كتاب القواعد فيضع الفصل الول من فصول باب مال‬
‫يسع جهله بعنوان " في معرفة ال عز وجل" ويضيف " لو زاد والقرار به لكان أظهر‪ ،‬إذ المعرفة‬
‫بالقلب ل تغني عن القرار باللسان" (‪. )19‬‬

‫كما يوضح المحشي قول الجناوني‪" :‬فأما علم مال يسع جهله طرفة عين فهو معرفة التوحيد‬
‫والشرك ل يسع جهلهما لن من جهله الشرك لم يعلم التوحيد‪ ،‬فوجبت معرفتها مع أول البلوغ"‪.‬‬

‫فيقول‪ ":‬خصال التوحيد التي لبد من معرفتها كثيرة كما هو معلوم لكن الذي يجب عليه أن يعلمه‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بعنوان كونه توحيدا هو قول ل إله إل ال"‪)20( ...‬‬

‫معنى ذلك الكتفاء بمعرفة ال من بقية أبواب التوحيد (‪ )21‬كما بين أن قصد الجناوني من قوله ‪":‬‬
‫يعرف ال بثلثة‪ :‬واجب وجائز ومستحيل‪ ،‬فالواجب‪ :‬اللوهية والربيوبية والوحدانية‪ ،‬والجائز ‪:‬‬
‫الخلق والفناء والعادة‪ ،‬والمستحيل‪ :‬الشريك والصاحبة والولد"‪ .‬الشارة إلى الحكام العقلية‬
‫بالنظر إلى ال تعالى‪ ،‬يعني فالثلثة الول مما ل يتصور في العقل عدمها‪ ،‬ويجب على النسان عند‬
‫أول بلوغه أن يعتقدها وذلك بان يعلم أن ال إله واحد رب‪ ،‬والثلثة الوسطى مما يجوز في حق ال‪،‬‬
‫ويجب على النسان أن يعتقد ذلك عند أول بلوغه أي بالنظر إلى حكم العقل‪ ،‬مع قطع النظر عن‬
‫إخبار ال بذلك وأما بالنظر إليه فإنه لبد من اعتقاد وجودها كما هو معلوم فصارت واجبة الوجود‬
‫أيضا إل أنها لغيرها ل لذاتها بخلف الثلثة الولى والثلثة الخيرة مما ل يتصور في العقل وجودها‬
‫ويجب على النسان عند أول بلوغه أن يعتقد ذلك" (‪. )22‬‬

‫فواضح من كلم المحشي أن الحجة في معرفة الجائز العقل دون الخبار‪ ،‬بينما معرفة الواجب‬
‫والمستحيل مما ل يتصور في العقل يحتاج إلى إخبار‪ ،‬فكيف يمكن التوفيق بين هذا الموقف وما ذكر‬
‫من قبل من أن معرفة ال على الطلق ل تنال إل بالكتساب؟ (‪ )23‬والمحشي نفسه قد أورد هذا‬
‫النص بعينه (‪. )24‬‬

‫=================‬
‫(‪( )1‬البقرة ‪ 7( .)37-30‬العراف ‪ 20( .)25-19‬طه ‪ )122 -15‬ومن ذلك قوله تعالى ‪ ):‬فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ‪،‬‬
‫إنه هو التواب الرحيم( (‪ 2‬البقرة ‪.)37‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬عادل العوا ‪ :‬علم الديان وبنية الفكر السلمي ‪ :‬مترجم عن المستشرق جيب – منشورات عويدات بيروت باريس ‪،‬‬
‫أكتوبر ‪.1977‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬عادل العوا ‪ :‬علم الديان وبنية الفكر السلمي ‪ :‬مترجم عن المستشرق جيب – منشورات عويدات بيروت باريس ‪،‬‬
‫أكتوبر ‪.1977‬‬
‫(‪ )4‬ابن خلدون ‪ :‬المقدمة ‪836 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو حامد الغزالي ‪ :‬الحياء‪ .‬مطبعة الشعب د‪.‬ت ‪1/183‬‬
‫(‪ )6‬أبو يعقوب الوارجلني ‪ :‬الدليل ‪1/44‬‬
‫(‪ )7‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬شرح الصول الخمسة ‪ .‬تحقيق عبد الكريم عثمان ‪ .‬القاهرة ‪.39 :1384/1965‬‬
‫(‪ )8‬ذكرنا هذا على سبيل المثال ل على سبيل الحصر إذ نشك في أن الشيعة والخوارج سلكوا مثل هذا المسلك إذ القرآن نفسه‬
‫يدعو إلى النظر في الخلق للقرار بوجود الخالق قال تعالى‪ (:‬ألم تر كيف خلق ال سبع سموات طبقا وجعل القمر فيهن نورا‬
‫وجعل الشمس سراجا وال أنبتكم من الرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا) (‪ 71‬نوح ‪.)15‬‬
‫(‪ )9‬بالقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪ .‬أطروحة مرحلة ثالثة نوقشت بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس‬
‫سنة ‪ 1402/1982‬مرقونة ‪163-128‬‬
‫(‪ )10‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني ‪ :‬الدليل ط ‪ 1/44 :1‬و ‪.3/5‬‬
‫(‪ )11‬أن مثل هذا التدليل ‪ ،‬وإن خل من النصوص الشرعية فإنه يقوم على رصيد قرآني‪ ،‬وأبو يعقوب الوارجلني يذكر ذلك‬
‫بوضوح‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪ .1/44‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي ‪ :‬الموجز ‪.271 -1/269‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني ‪ :‬الدليل ط ‪.1/44 :1‬‬
‫(‪ )13‬نفس المصدر والصفحة‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي ‪ :‬الموجز ‪1/271‬‬
‫(‪ )15‬نفس المصدر ‪280 :‬‬
‫(‪ )16‬ويفسر المحشي هذه العبارة بما يلي‪ ":‬معناه أنه ل يحل ول يجمل" ‪ .‬حاشية على كتاب قواعد السلم ص ‪ ،14‬وحاشية‬
‫على كتاب الوضع ص ‪102‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )17‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪45 :‬‬


‫(‪ )18‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪157 :‬‬
‫(‪ )19‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم‪14:‬‬
‫(‪ )20‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪.101:‬‬
‫(‪ )21‬هذا ما يعنينا في هذا الفصل‪ ،‬والحقيقة أن هذا مرتبط بما عرف بالجمل الثلث أي ل إله إل ال‪ ،‬محمد رسول ال‪ ،‬وأن ما‬
‫جاء به الحق من عند ال‪.‬ر‪ .‬عمر ابن جميع‪ :‬عقيدة التوحيد‪ .‬ط ‪37-34 :2‬‬
‫(‪ )22‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪105:‬‬
‫(‪ )23‬وسيأتي تعريف الواجب والجائز والمستحيل في حق ال تعالى‪ 250 :‬انظر ما سبق نص كتاب الديانات‪195 :‬‬
‫(‪ )24‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪195:‬‬

‫إن النظر في تعريف هذه المصادر للعقل وتمييزها بين العقل الغريزي والعقل المكتسب يمكن من‬
‫التوفيق بين النصين‪.‬‬

‫فهذا المحشي يختصر ما جاء في كتاب السؤالت عن تعريف العقل كما يلي‪ ":‬ثم ذكر أن جمهور‬
‫أصحابنا (‪ )25‬على أنه قوة وبصيرة في القلب منزلة منه منزلة البصر من العين" (‪. )26‬‬

‫ثم يميز بين العقل الغريزي والعقل المكتسب " فالعقل الغريزي هو القدر الصلي الذي يتعلق به‬
‫التكليف‪ ،‬والعقل الكسبي هو قدر زائد على ما يتعلق به التكليف " (‪. )27‬‬

‫وقد جاء كلم عمرو التلتي في نفس النسق إل أنه تميز بذكر آراء كثير من علماء غير الباضية‬
‫للتوضيح مع الشارة إلى كثيرة الختلف في هذا التعريف (‪. )28‬‬

‫فإذا توفر في النسان هذا العقل الغريزي وأدرك سن البلوغ وجب عليه أن يعرف ال تعالى وإلى هذا‬
‫المعنى يشير المحشي (‪ )29‬بقوله ‪ ":‬فمن واجبات العقل‪ ،‬معناها ن ضرورياته أي أن العقل يحكم‬
‫ضرورة بأن هذه الصنعة لبد لها من صنائع وهذا المحدث لبد له من محدث ل يمكن في العقل‬
‫خلف ذلك" (‪. )30‬‬

‫وألح على نفس المعنى عند توضيح المدركات العقلية حيث بين أن منها الواجب كمعرفة أن للفعل‬
‫بعد ثبوته فاعل (‪. )31‬‬

‫ونفس هذا المعنى جاء في الحواشي على شرح كتاب الجهلت حيث ذكر سليمان ابن أبي ستة أن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫صاحب الصل (‪ )32‬سأل عن حكمة المفعول في قوله‪ ":‬ما دليلك على انك مخلوق" وأورد حكمة‬
‫الفاعل يعني لك صانعا وفي هذا إشارة إلى بداهة المقدمة القائلة كل حادث لبد له من محدث وذلك‬
‫لن الحادث قد اتصف بالوجود بعد العدم فهو قابل لهما‪ ،‬فيكون ممكنا‪ ،‬وكل ممكن يحتاج في ترجيح‬
‫وجوده على عدمه إلى مؤثر" (‪. )33‬‬

‫كما أن المصعبي عند شرحه لعبارة صاحب كتاب الديانات المذكورة آنفا في أن حجة ال على الناس‬
‫الرسل ذكر أن " هذا ل ينافي أن العقل أيضا حجة ودليل على وجود الصانع وعلى وحدانيته كأن‬
‫يقال في ترتيب الدليل العقلي على وجود الصانع إن وجود الشياء ليس من ذاتها بل من غيرها‪،‬‬
‫وإل لزم المحال وهو اجتماع أمرين متنافيين وهما الستواء والرجحان بل مرجح‪( .‬بيانه) أن وجود‬
‫كل فرد من أفراد العالم مساو لعدمه وزمان وجوده مساو لغيره من المكنة وصفته التي خصصت به‬
‫مساوية لعيرها من الصفات فهذه أنواع كل واحد منها فيه أمران متساويان فلو وجد أحدهما بنفسه‬
‫بل محدث لترجح على مقابله مع أنه مساو له إذ قبول كل جرم لهما على حد سواء وقد لزم أن وجد‬
‫شيء ن العالم بنفسه بل موجد اجتماع الستواء والرجحان المتنافيين وذلك محال فثبت أن غيرها‬
‫هو الحق جل وعل هو الذي خص كل فرد من أفراد العالم بما اختص به‪ ،‬فلوله ما جد شيء من‬
‫العالم للمحال المذكور فسبحان من أفصح بوجوب وجوده افتقار الكائنات كلها إليه" (‪. )34‬‬

‫وعلى هذا الساس يمكن أن نفهم أن هذه المصادر توجب معرفة ال على كل من توفر فيه هذا القدر‬
‫من العقل الغريزي وإن كان في جزيرة من الجزر الخالدات (‪ )35‬بل يذهب المحشي إلى أكثر من هذا‬
‫فل يشترط في ذلك دوام صحة العقل " فإن صحت غزيرة العقل في تلك الحال‪ ،‬وليس مستحضرا‬
‫لمعرفة ال عز وجل‪ ،‬ول لما يسع جهله فهو مشرك وإن تجنن بعد ذلك سريعا" (‪. )36‬‬

‫إل أن هذه المصادر وإن نبهت إلى هذا المعنى في معرفة ال تعالى فإنها تلح على أن المعرفة التي‬
‫ينبني عليها التكليف ل تتم إل بالكتساب والتعليم‪ ،‬والعقل وحده ل يكون حجة لول بعثه الرسل خلفا‬
‫لهل الفكر (‪. )37‬‬

‫ويستمر الفكر الباضي على هذا النسق إلى هذا العصر كما جاء ذلك عند محمد اطفيش في شرح‬
‫عقيدة التوحيد‪ .‬ط ‪ 2‬بعمان ‪ 1983 /1403 .‬ص ‪ 37‬وعند عبدال السالمي (‪ )38‬في كتاب مشارق‬
‫أنوار العقول ط ‪ 2‬بعمان‪ ،‬تعليق وتصحيح أحمد الخليلي ص ‪.148‬‬

‫واضح من خلل هذا التحليل للنصوص المتأخرة مدى استفادتها من تراث السلف لكنها خرجت من‬
‫وطأة الردود على الدهريين وأمثالهم لتبين حدود العقل في هذه القضية وفي هذا تفاوت بين العلماء‬
‫بين الضطرار الفطري والكتساب وظلت في كل هذا بعيدة عن حيرة الفلسفة وقلقهم‪ .‬ويقرر علماء‬
‫الباضية مثل علماء جل الفرق السلمية‪ -‬عدا أصحاب العدل والشيعة المامية‪ )39( -‬إن إثبات‬
‫وجود ال عقل ومعرفته ل يترتب عنهما تكليف‪.‬‬

‫وبهذا نفهم أن الفرق السلمية أجمعت على أن ال موجود‪ -‬وهذا بديهي‪ -‬فهل سيجمعون على‬
‫موقف واحد عند الحديث عن ذاته وأسمائه وصفاته؟‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫=======================‬

‫(‪ )25‬يقصد الباضية‪.‬‬


‫(‪ )26‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪ .3:‬حاشية على كتاب الوضع‪24 :‬‬
‫(‪ )27‬المصدران السابقان‪ 8 :‬و ‪ .24‬أما امحمد اطفيش فبعد ـن فسر مفهوم العقل قال‪ ":‬وقال غيري العقل الذي يزيد وينقص هو‬
‫المكتسب فعندي أن العقل واحد مغروز في النسان‪ ،‬فهو يربو فيه إلى ما شاء ال " كتاب شامل الصل والفرع المطبعة السلفية‬
‫مصر ‪ 1/8 ،1348‬والنص يبين صعوبة التمييز بين العقل الغريزي والعقل المكتسب‪.‬‬
‫(‪ )28‬ر ‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 21‬قفا‪ ،‬وورقة ‪ 22‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )29‬وذلك عند تعليق أبي زكرياء الجناوني على كلم العرابي الذي سئل عن الدليل على أن للعالم صانعا فقال‪ :‬البعرة تدل على‬
‫البعير ‪ ،‬وأثر القدم يدل على المثير‪ ،‬فهيكل (استعمل بمعنى الجرم ) علوي بهذه اللطافة (أي الدقة) ومركز سفليبهذه الكثافة(‬
‫الثخانة ‪ ،‬وكبر الجرم) أما يدلن على الصانع الخبير ‪ ،‬وعلى هذه البيات لبي العتاهية (‪ )826-211/748-130‬إسماعيل بن‬
‫القاسم ر‪ .‬الزركلي العلم ‪( )1/318‬متقارب)‪.‬‬
‫أيا عجبا كيف يعصى الله‬
‫‪-------------‬أم كيف يجحده الجاحد‬

‫وفـــــي كــــــــل شــــيء له آية‬


‫‪-------------‬تدل على أنه واحد‬

‫ول في كل تحريكة‬
‫‪-------------‬وتسكينة أبدا شاهد‬

‫بقوله(أي الجناوني)‪ " :‬وهذه الحجة من واجبات ( الواجب ما ل يتصور في العقل عدمه) العقل التي ل خلف بين أهل العقول‬
‫فيها ‪.‬ر‪ .‬أبو زكرياء الجناوني‪ :‬كتاب الوضع‪18 -17 :‬‬
‫(‪ )30‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪19:‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪25:‬‬
‫(‪ )32‬أي تبغورين بن عيسى الملشوطي‬
‫(‪ )33‬سليمان ابن أبي ستة‪ :‬حواش على شرح كتاب الجهالت‪9:‬‬
‫(‪ )34‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪25:‬‬
‫(‪ )35‬الجزائر الخالدات‪ :‬مجموعة من الجزر تقع في الساحل الغربي الفريقي ‪.‬ر‪.‬دائرة المعارف السلمية ط ‪2:2/535‬‬
‫(‪ )36‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪14:‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬يوسف المصعبي حاشية على كتاب الديانات‪ 25 :‬ويقصد بأهل الفكر‪ :‬المعتزلة‪ .‬وقد وضع عبدال السالمي ذلك حيث بين‬
‫أل تنافر بين العقل والسماع فقال‪ ":‬واعلم أن كل ما كان حجته من طريق العقل تقوم حجته بالسماع ول عكس ‪ ،‬أي ليس كل ما‬
‫تقوم حجته بالسماع تقوم بالعقل‪ ،‬وذلك أن طريق السماع طريق قوي ل يكاد يخفى على أحد يفهم معنى اللفظ وطريق العقل خفي‬
‫ل يكاد يدركه إل ذكي"‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬الشارق‪.148 :‬‬
‫(‪ )38‬عبدال السالمي (‪ )1914 -1869 /1332 -1286‬ولد بمدينة الرستاق ببلد عمان وبها حفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم‬
‫السلمية من أصول وفقه ولغة وظهر نبوغه من السابعة عشرة من عمره وذلك لما آتاه ال من جودة الحفظ مع ذكاء نادر‪ .‬ثم‬
‫انتقل إلى بلدة المضيبي‪ .‬ثم استقر ببلدة القابل وتفرغ للتدريس والتأليف والفتوى‪ .‬وقد حدثنا ابنه محمد أثناء رحلتنا إلى عمان‬
‫عما اتسعت به حركتيه من انضباط في الحل والترحال مع سعة الفق والرغبة في المقارنة بين أقوال الباضية وأقوال غيرهم‪،‬‬
‫وزائر المكتبة التي خلفها يتبين تنوع المصادر السلمية على تنظيمها تنظيما عصريا ييسر الستفادة منها‪ .‬كما صور لنا متانة‬
‫العلقة بينه وبين إباضية المغرب وخاصة من خلل مراسلته المستمرة مع امحمد اطفيش‪.‬‬
‫إن مثل هذا النشاط العلمي مألوف بالنسبة إلى رجل ضرير إل أن غير المألوف يتمثل في الحركية العملية التي إنتهت بإحياء‬
‫افمامة في عمان على يد المام سالم بن راشد‪.‬‬
‫وقد تخرج على يديه عدد كبير من التلميذ نذكر منهم المامين محمد ابن عبدال الخليلي والمام سالم بن راشد‪.‬‬
‫كما ترك ثمانية وعشرين مؤلفا نذكر منها قصيدته" أنوار العقول في الصول " وقد شرحها في كتاب سماه" مشارق أنوار‬
‫العقول"‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وتوفي سنة ‪ 1914 /1332‬وقبره ببلدة تنوف بسفح الجبل الخضر ‪.‬‬
‫ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق(ص‪ :‬ث‪.‬ذ) وترجمة المؤلف وضعها خالد بن مهنا البطاشي‪.‬‬
‫ر‪ .‬عبدال السالمي‪ ":‬كتاب جوهر النظام" مصور عن ط ‪ 1‬بتحقيق إبراهيم اطفيش‪.‬‬
‫وترجمه المؤلف من وضع المحقق‪.‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬محمد علي ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪ .‬منشورات المكتبة العصرية بيروت د‪.‬ت‪ :‬ما جاء في شأن مناقشة‬
‫حجج الشاعرة في الرد على المعتزلة والمامة باستقلل العقل بوجود معرفة ال ‪.64 -61 :‬‬

‫ذات ال تعالى‪:‬‬

‫تعريف كلمة الذات لغة واصطلحا‪ :‬كيف يمكن الحديث عن ذات ال تعالى أو الحاطة بها ونحن نعلم‬
‫( أن ما خطر ببالك فال بخلف ذلك) وأن العجز عن إدراكه إدراك كما يقول صالح بن عمر‪( :‬رجز)‬

‫ومع هذا فإن المصادر الباضية تعرضت إلى ذكر ذات ال تعالى بما تستحق‪.‬‬
‫وقبل أن نقف عند ما ذكرته هذه المصادر رأينا من الصالح أن نقف عند تفسير كلمة الذات اعتمادا‬
‫على ما بينه ناصر بن سالم الرواحي في كتاب نثار الجوهر (‪ )41‬لن مصادر الحقبة التي تعنينا لم‬
‫تقف عند هذا الشرح على حد علمنا‪:‬‬

‫" علم أن كل شيء حصل به أمر من المور فإن كان اللفظ الدال على ذلك الشيء مذكرا قيل إنه ذلك‬
‫المر وإن كان مؤنثا قيل إنها ذات ذلك‪.‬‬

‫فهذه اللفظة وضعت لفادة هذه النسبة والدللة على ثبوت هذه الضافة‪.‬‬

‫إذا عرفت هذا فنقول إنه من المحال أن تثبت هذه الصفة لصفة ثانية وتلك الصفة لصفة ثالثة وهكذا‬
‫إلى غير نهاية‪ ،‬بل لبد وان ينتهي إلى حقيقة بنفسها مستقلة بماهيتها وحينئذ يصدق على تلك‬
‫الحقيقة أنها ذات تلك الصفات‪.‬‬
‫فقولنا إنها ذات كذا وكذا إنما يصدق في الحقيقة على تلك الماهية فلهذا السبب جعل لفظ الذات اسما‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫للحقيقة القائمة بنفسها‪ ،‬وجعلوا هذه اللفظة كاللفظة المفردة الدالة على هذه الحقيقة‪.‬‬

‫ولما كان الحق تعالى قيوما في ذاته كان إطلق اسم الذات عليه حقا وصدقا‪.‬‬

‫وبعبارة أخرى الذات هو ما يصح أن يعلم ويخبر عنه‪ ،‬منقول عن مؤنث ذي بمعنى الصاحب لن‬
‫المعنى القائم بنفسه بالنسبة إلى ما يقوم به يستحق الصاحية والمالكية‪ ،‬ولمكان النقل لم يعتبروا أن‬
‫التاء للتأنيث عوضا عن اللم المحذوفة فأجروها مجرى السماء المستقلة فقالوا ذات قديم وذات‬
‫محدث‪.‬‬

‫وقيل فيه كالتاء في الوقت والموت فل معنى لتوهم التأنيث‪.‬‬

‫وقد يطلق الذات ويراد به الحقيقة وقد يطلق ويراد به ما قام بذاته وقد يطلق ويراد به المستقبل‬
‫بالمفهومية‪ ،‬ويقابله الصفة بمعنى أنها غير مستقل بالمفهومية‪ ،‬وقد يستعمل استعمال النفس‬
‫والشيء فيجوز تأنيثه وتذكيره‪.‬‬

‫ولفظ الذات وإن لم يرد به التوقف لكنه بمعنى ما ورد به التوقيف وهو الشيء والنفس إذ معنى‬
‫النفس في حقه تعالى الموجود الذي يوصف بصفات الكمال‪ ،‬فل حاجة إلى اعتبار المشاكلة في قوله‬
‫ن مِن دُونِ الّ قَالَ‬‫خذُونِي َوُأمّيَ ِإلَـ َهيْ ِ‬ ‫ت لِلنّاسِ ا ّت ِ‬ ‫تعالى ( وَِإذْ قَالَ الّ يَا عِيسَى ابْنَ مَ ْريَمَ أَأَنتَ قُل َ‬
‫علَ ُم مَا‬
‫عِل ْم َتهُ تَ ْعلَ ُم مَا فِي َنفْسِي َولَ أَ ْ‬
‫س لِي ِبحَقّ إِن كُنتُ ُق ْل ُتهُ َف َقدْ َ‬ ‫ن لِي أَنْ َأقُو َل مَا َليْ َ‬
‫ك مَا يَكُو ُ‬
‫س ْبحَانَ َ‬
‫ُ‬
‫فِي َن ْفسِكَ ِإنّكَ أَنتَ عَلّمُ ا ْل ُغيُوبِ )(‪ 5‬المائدة ‪ )116‬بعد ورود الشرع فيجوز إطلق اسم الشيء (‪)42‬‬
‫والموجود (‪ )43‬والذات ل تعالى‪.‬‬

‫والمختار في ذات ال عدم انحلله إلى الماهية الكلية والتعيين بل هو متعين بذاته‪.‬‬

‫والموجود حقيقته هو الذات المتصفة بالقدرة والرادة والعلم والحياة وجميع الصفات المتعلقة‬
‫مصححة لحصول الثار من الذات كل بحسبه‪)44( ..‬‬

‫‪ ...‬قال جار ال (‪ : )45‬الذات مقحمة تزيينا للكلم والحق أنه من إضافة العام إلى الخاص‪...‬‬

‫‪ ...‬وبعبارة ذات الشيء حقيقته وماهيته‪.‬‬


‫قال في المصباح (‪ : )46‬وأما قولهم في ذات ال فهو قولهم في جنب ال ولوجه ال وأنكر بعضهم‬
‫أن يكون في ذلك الكلم القديم‪ ،‬ولجل ذلك قال ابن برهان (‪ : )47‬قول المتكلمين ذات ال جهل لن‬
‫أسماءه تعالى ل يلحقها تاء التأنيث فل يقال علمة وإن كان أعلم العالمين‪.‬‬

‫قال الراغب (‪ : )48‬وقد استعار أصحاب المعاني الذات فجعلوها عبارة عن عين الشيء جوهرا كان‬
‫أو عرضا واستعملوها مفردة ومضافة إلى المضمر وباللف واللم‪ ،‬وأجروها مجرى النفس فقالوا‬
‫ذاته‪ ،‬ونفسه وخاصته وليس ذلك من كلم العرب فكلم أصحابنا رحمهم ال جرى على العرف في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫استعمالها (الذات) بمعنى النفس‪ ،‬وإل فالتحقيق ما رأيت وال أعلم" (‪. )49‬‬

‫لقد نقلنا هذا التعريف على طوله لن صاحبه ألم بما قيل عن الذات إلماما واسعا وسلك في ذلك‬
‫مسلكا مقارنا ورأينا أن يفي بحاجتنا‪.‬‬

‫كتب الصول وكلمة الذات‪ :‬لقد تعرضت كتب الصول لهذه القضية من خلل الردود على كل من قال‬
‫بالتشبيه والتجسيم‪.‬‬

‫ونحن نعلم أن الجدل في هذا الموضوع ل يمكن أن يقوم إل مع المقرين بوجود ال تعالى‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء أهل الكتاب‪.‬‬

‫قاليهود مثل أسرفوا في تسبيه ال بالنسان‪ -‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪ -‬وذلك لنهم وجدوا‬
‫التوراة ملئت بالمتشابهات مثل‪ :‬الصورة والمشافهة‪ ،‬والتكلم جهرا‪ ،‬والنزول من طور سيناء انتقال‬
‫والستواء على العرش استقرارا (‪. )50‬‬

‫والنصارى في إقامتهم عقيدتهم على القانيم الثلثة ما يوحي بالتجسيم أيضا‪ ،‬وإن كان النصارى‬
‫أنفسهم يتعجبون من نسبة هذا المر إليهم إذ يعتبرون هذه القانيم من باب الصفات (‪. )51‬‬

‫ويقول أبو عمار‪ ":‬وإن هذه الفرق النصرانية تزعم أن البن كلمة الب الزلي وأن الب إنما يعلم‬
‫الشياء بكلمته‪ ،‬وأن روح القدس هو الحياة التي من أجلها وجب أن يكون الب حيا‪)52( "...‬‬

‫كما أن هؤلء يعتبرون أن ال جوهر على أساس تعريف الجوهر أنه قائم بنفسه (‪. )53‬‬

‫======================‬

‫(‪ )40‬صالح بن عمر(‪ )1928 /1347‬نشأ في يسجن بوادي ميزاب تتلمذ على امحمد اطفيش‪ .‬خلصة مراقي العوام مع مجموعة‬
‫متون د‪.‬ت‪ 29 :‬وقد جاءت البيات نثرا من قبل عند المحشي‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم‪11:‬‬
‫(‪ )41‬أبو مسلم ناصر بن سالم الرواحي(‪ )1920 -1857 /1339 -1273‬كانت نشأته الولى ببلدة محرم حيث اخذ عن أحمد‬
‫سعيد بن خلفان الخليلي‪ .‬انتقل إلى جزيرة زنجبار جنوب شرقي إفريقيا( قسم من تنزانيا حاليا) حيث كان أبوه يتولى القضاء‬
‫لسكانها‪ ،‬وبعد عودة دامت خمس سنوات إلى عمان استقر بزنجبار وخلف أباه في القضاء وعكف على التدريس والتأليف‪ .‬جمع‬
‫بين العلوم الشرعية والبراعة الدبية ‪ .‬توفي بزنجبار سنة ‪.1339/1920‬‬
‫أهم مؤلفاته " كتاب نثار الجوهر في علم الشرع الزهر " صور عن نسخة بخط المؤلف في ‪ 3‬أجزاء بعمان ‪ 1979 /1399‬وهو‬
‫شرح لكتاب " جوهر النظام" لعبد ال السالمي‪ ،‬ولقد حلل في المسائل تحليل موسعا يدل على سعة الطلع والقدرة على‬
‫الترتيب( ويهمنا القسم الول من ‪ .73 -21‬وله مؤلفات أخرى ‪.‬‬
‫ر‪ .‬مقدمة نثار الجوهر ج ‪ 1‬والتعريف قام به سالم بن حمود السيابي وأحمد ابن سعود السيابي ‪.1/33 :‬‬
‫(‪ )42‬حقيقة الشيء عندنا هو الخبر عنه‪ ،‬وعند الشعرية هو الموجود والمعدوم عندهم ليس بشيء‪ ،‬وعندنا بشيء معدوم‬
‫والعدم عندنا ليس بشيء" البرادي‪ :‬رسالة الحقائق ص ‪ .35‬وفي هذا المعنى يقول أبو زيد ابن أبي ستة‪:‬ط فالشيء حينئذ أعم‬
‫من الموجود على ما ذهب إليه أصحابنا وهو الذي تقتضيه اللغة" ‪ .‬حاشية شرح كتاب الجهالت ص ‪ .2‬وقد أورد الشعري في‬
‫المقالت آراء الفرق السلمية في معنى قولهم إن ال شيء‪ .‬المقالت ‪281 /1‬و ‪ .202 /2‬ويقول بلقاسم بن حسن‪ ":‬ويبدو أن‬
‫اغلب مفكري السلم يجيزون إطلق لفظ الشيء على اسمك ال ولكنهم يجمعون على نفي الجسمية عنه نفيا قاطعا في أي شكل‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من الشكال"‪.‬‬
‫آراء الماتريدي الكلمية‪.195 :‬‬
‫(‪ )43‬حقيقة الموجود‪ :‬الحاضر الن‪ :‬البرادي رسالة الحقائق‪35 :‬‬
‫(‪ )44‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪27 :‬‬
‫(‪ )45‬جار ال ‪ :‬الزمخشري‬
‫(‪ )46‬المصباح المنير تأليف أحمد بن محمد المقري( ‪ )1368 /770‬ط ‪ 5‬الميرية‪ .‬القاهرة ‪1922‬‬
‫(‪ :)47‬ابن برهان أحمد بن برهان( ‪ )1124 /518‬فقيه بغدادي غلب عليه علم الصول ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪279 /1‬‬
‫(‪ )48‬الراغب الصفهاني(‪ )502/1108‬الحسين بن محمد المعروف بالراغب أديب من الحكماء والعلماء سكن بغداد ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪2/279‬‬
‫(‪ )49‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪28 :‬‬
‫(‪ )50‬ر‪ .‬الشهرستاني‪ :‬الملل والنحل‪ .‬ط القاهرة ثم كلم ال موسى‪ ،‬وقال له أنا‪ . 1968 2/18‬وجاء في العهد القديم الصلح‬
‫السادس‪[ . :‬الرب ‪ ،‬وأنا ظهرت لبراهيم وإسحاق بأني الله القادر على كل شيء‬
‫ط‪ .‬دار الكتاب المقدس د‪.‬ت‬
‫(‪ )51‬ر‪ .‬محمد ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪ 10 :‬والنصاري مجمعون على أن ال تعالى واحد بالذات ويريدون‬
‫بالقانيم الصفات مع الذات‪ ،‬ويعبرون عن القانيم بالب والبن وروح القدس ويريدون بالبن الذات مع الوجود وبالبن الذات مع‬
‫العلم ويطلقون عليه اسم الكلمة ويريدون بروح القدس الذات مع الحياة‪ (.‬حوار مع جان فوتان‪ .‬معهد الباء البيض تونس)‪-‬‬
‫جويلية ‪.1982‬‬
‫(‪ )52‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪346 /1‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬عبد المجيد الشرقي‪ :‬الفكر السلمي في الرد على النصارى‪ .‬أطروحة دكتوراه دولة نوقشت بكلية الداب بتونس سنة‬
‫‪ .1982‬تعريف الجوهرك ‪ 205‬تعريف التجسيد‪ ،365 :‬تعريف القانيم ‪208‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما المشبهة فهم الذين شبهوا ال بخلقه وهم ثلث أصناف‪:‬‬

‫‪ )1‬المجسمة‪ " :‬زعموا أن معبودهم جسم كالجسام لحم ودم يختلف معهم (الناس) في السواق ول‬
‫يعرفهم‪ ،‬وتضمه معهم المساجد والمجالس ول يثبتونه ويقول أنا ربكم العلى ول ينكرونه بشرط أن‬
‫يكون وسيما قسيما جميل جليل ل قبيحا ول ذميما تعالى ال عما يقولون علوا كبيرا" (‪. )54‬‬

‫‪ )2‬القول بالتجسيم دون إثبات معاني الجسام ويزعمون أنه جسم ل كالجسام‪.‬‬

‫‪)3‬الغالطون في تأويل متشابه القرآن‪ ،‬وهم يستنكفون عن عبارة التجسيم (‪. )55‬‬

‫وخلصة الستدلل في ذلك تتمثل في ما يلي‪:‬‬

‫أ) لو كان جسما لكان مركبا من المادة والصورة الخارجتين لستحالة الجزء الذي ل يتجزأ وقد ثبت‬
‫أنه ليس بمركب ل من أجزاء عقلية ول خارجية مقدارية أو غير مقدارية‪.‬‬

‫ب) لو كان جسما لكان مقتسما في الطول‪ ،‬والعرض‪ ،‬والعمق ولو كان كذلك لحتاج إلى مكان يقوم‬
‫فيه‪ ،‬والحاجة تستلزم إمكانه فيخرج من كونه واجبا وتلزم المخالفة لمبدأ اليهودية‪.‬‬

‫أ‌)لو كان جسما لكان محل للحوادث من الحركة والسكون والجتماع والفتراق‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وكل‬
‫ما هو محل للحوادث (‪ )56‬ل يصح أن يكون إليها‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم إن الباضية يقرون أن ال ليس بجسم‪ ،‬ول بجوهر ‪ ،‬ول عرض (‪ ، )57‬ول بذي طول ول‬
‫عرض‪ ،‬ول بذي صورة ول شكل‪ ،‬ول هيئة ول مثال (‪ )58‬وإنما هو شيء (‪ )59‬هو أعظم الشياء‬
‫وأفضلها (‪ )60‬وليس يشبهه شيء‪ ،‬ويردون في ذلك على الجهمية والمشبهة الذين يعتبرون‬
‫الشيء والجسم بمعنى واحد ثم يختلفون‪ ،‬فيذهب الجهمية إلى نفي الشيئية عن ال (‪ )61‬فيعطلون‬
‫وبهذه المشبهة إلى إقرار الشيئية فيجسمون‪.‬‬

‫وخطؤهم ناجم عن خلط لغوي ذلك أن اللغة تميز بين الشيء والجسم وتعتبر الشيء أهم من الجسم‬
‫لن كل جسم شيء وليس كل شيء جسما‪.‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬لقد جئتم شيئا إدا)(‪ 19‬مريم ‪ )89‬يعني قولهم وفعلهم وهو ليس بجسم (‪. )62‬‬
‫والملحظ أن هذه المصادر ل تطيل الحديث عن تعريف ذات ال وتكتفي غالبا بالتنزيه وعلى هذا‬
‫النسق جاءت إشارات كتب ق ‪ 12 -11 -10‬بل توقفت عن الردود على المشبهة وعلى أهل الكتاب‬
‫وتعلقت خاصة باليات المتشابهات التي توحي بالتجسيم مبينة موقف الباضية منها‪.‬‬

‫فهذا عرو التلتي يذكر" أن ذاته العلية ل يعلمها إل هو " (‪ )63‬كما يبين أنه " واجب الوجود‬
‫لذاته" (‪ " )64‬وأن ذاته ل تقبل النقسام بوجه (‪ )65‬وأنها غير مشبهة بالذوات ول معطلة من‬
‫الصفات" (‪. )66‬‬
‫كما أن السدويكشي ينحو نفس المنهج فيقول‪ ":‬ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن ذاته سبحانه‬
‫وتعالى مخالفة لسائر الذوات فهو تعالى منزه عن المثل أي المشارك في تمام الماهية‪" )67( .‬‬

‫ودليلهم على هذا التنزيه كما يذكر التلتي سورة الخلص وقوله تعالى (ليس كمثله شيء )(‪42‬‬
‫الشورى ‪. )68( )11‬‬

‫ولعله يحسن أل نستوفي الحديث عن هذه السورة وهذا الجزء من الية الن لن ما جاء فيهما من‬
‫الحديث عن الذات قليل بالنسبة إلى ما جاء عن الصفات‪.‬‬

‫فهذا التلتي يكتفي بذكر ما أوردناه مع إضافة قوله‪ ":‬ل يماثله شيء من الشياء ل في ذاته‪( "....‬‬
‫‪. )69‬‬

‫كما أن المحشي يكتفي بقوله‪ ":‬ليس كمثله شيء فهو عموم فمن ادعى فيه الخصوص فعليه‬
‫بالدليل" (‪. )70‬‬

‫أما المصعبي فخلل تحليل طويل أشار إلى أن " مثل" تفيد الذات وبالتالي فالجملة ( ليس كمثله‬
‫أحد) نفت الشباه عن ذات ال تعالى‪ ،‬كما ذكر أن هذه الجملة " تنتظم التوحيد ل غير" (‪. )71‬‬

‫وحاصر القول إن ذاته تعالى هي حقيقته الخاصة التي ل يمكن أن يعلمها أحد من مخلوقاته (‪)72‬‬
‫وإنه ليس بجوهر ول بعرض وإنما هو أعظم الشياء وأفضلها وإنه جل شأنه منزه في ذاته عن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫النداد والنظراء والضداد ليس كمثله شيء‪.‬‬


‫=================================‬
‫(‪ )54‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1/41– 1‬‬
‫ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪351 /1‬‬
‫(‪ )55‬سنحلل هذه القضية في موقف الباضية من المتشابه انظر‪273 :‬‬
‫(‪ )56‬ر‪ .‬محمد ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪110:‬‬
‫(‪ " )57‬حقيقة الجوهر‪ :‬هو المتحيز‬
‫حقيقة الجسم‪ :‬هو المنقسم على حقيقة القوم(الشاعرة) ‪ ،‬وهو المتحيز على أصولنا ول فرق بينه وبين الجوهر عندنا‪.‬‬
‫حقيقة العرض‪ :‬هو ما ل يقوم بنفسه مثل حركة المتحرك‪ ،‬وسكون الساكن وحياة الحي وموت الميت‪ ".‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‬
‫ص ‪34‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬كتاب قواعد السلم ‪1/8‬‬
‫(‪ )59‬انظر ما سبق ‪166 :‬‬
‫(‪ )60‬ول يقال شيء من الشياء ول ل من الشياء إل أن تصل فتقول‪ :‬ل من الشياء المحدثات‪.‬‬
‫والباضية يعبرون أن الجسم بمعنى الجوهر ولذلك جاءت الردود على المجسمة مثل الردود على من يعتبرون أن ال جوهر‪.‬‬
‫ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قناطر الخيرات‪ .‬تحقيق عمرو النامي‪ .‬مكتبة وهبة القاهرة ‪ 1385/1965.1/293‬والشبه في التحليل‬
‫واضح مع أبي حامد الغزالي الحياء ‪1/185‬‬
‫(‪ )61‬جهم بن صفوان ل يطلق لفظ شيء على ال" الشعري‪ :‬المقالت ‪ 2/332‬والجهمية نسبة إلى جهم بن صفوان(‬
‫‪ )128/745‬فرقة غريبة حسب مقال دائرة المعارف السلمية إذ يصعب العثور على اتباع باتم معنى الكلمة لجهم ابن صفوان‪.‬‬
‫المبادئ المنسوبة إليهم هي‪ :‬القول بالجبر‪ ،‬خلق القرآن‪ .‬اتهموا بالقول بالتعطيل في الصفات يقولون بتأويل المتشابه‪EI2.‬‬
‫‪Tome 2 398‬‬
‫(‪ )62‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪:‬حاشية على كتاب الجهالت‪158 -157 :‬‬
‫ر‪ .‬أبو خزر‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪.75 -74 :‬‬
‫(‪ )63‬عمرو التلتي ‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪.49:‬‬
‫وهذا المعنى هو الذي ذكره السالمي في المشارق‪170:‬‬
‫"ذاته تعالى أي حقيقة الخاصة التي ل يمكن أن يعلمها أحد من مخلوقاته" وجاء في نفس الصفحة أيضا‪ :‬الموجودة المتصف‬
‫بصفات الكمال‪.‬‬
‫قال المناوي(‪ )1622 -1031/1545 -952‬الذات العلمية هي الحقيقة العظمى‪ ،‬والعين القيومية المستلزمة لكل سبوحية قدوسية‬
‫في كل جلل وجمال استلزاما ل يقبل النفكاك البته( وعن المحقق المناوي ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪76 -7/75‬‬
‫(‪ )64‬عمرو التلتي ‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪.49:‬‬
‫(‪ )65‬عمرو التلتي ‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪.49:‬‬
‫(‪ )66‬عمرو التلتي ‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪.49:‬‬
‫(‪ )67‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪1:‬‬
‫(‪ )68‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪ ، 145:‬انظر ما يلي ‪261‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪1 :‬‬
‫(‪ )70‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪70:‬‬
‫(‪ )71‬ر‪.‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪4:‬‬
‫(‪ )72‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 170:‬تعليق ‪1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أسماء ال تعالى‬

‫إن كانت المعلومات قليلة في ما يتعلق بذات ال تعالى فهي متوفرة نسبيا في هذا المبحث وهي تدور‬
‫حول المحاور التالية‪:‬‬
‫‪ )1‬السم لغة واصطلحا‪.‬‬
‫‪ )2‬علقة السم بالمسمى‪.‬‬
‫‪ )3‬اسم الجللة‪.‬‬
‫‪ )4‬أسماء ال الحسنى‪.‬‬

‫( ‪)1‬‬ ‫‪)1 :‬‬

‫أ‌‪-‬المدلول اللغوي‪:‬‬

‫قال المحشي‪ ":‬والخلف فيه" (اشتقاق لفظ السم) مشهور هل هو مشتق من السمو وهو العلو‬
‫والرتفاع وهو مذهب البصريين أو من السمة وهو العلمة وهو مذهب الكوفيين‪.‬‬

‫وذكر في السؤالت أن القول الول هو الصحيح وهو قولنا وأن الثاني قول غيرنا (‪. )2‬‬

‫قال شيخنا (‪ )3‬رحمه ال قوله‪ ":‬وهذا هو الصحيح" فيه إشارة إلى أن الخلف معنوي‪ ،‬فإن من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قال إنه مشتق من السمو وهو العلو يقول لم يزل ال تعالى مسمى وموصوفا قبل وجود الخلق وبعد‬
‫وجودهم وبعد فنائهم‪ ،‬ول تأثير لهم في أسمائه وصفاته وهذا قولنا ومعتقدنا وقد وافقنا على ذلك‬
‫الشعرية‪.‬‬

‫ومن قال مشتق من السمة وهي العلمة يقول كان ال تعالى في الزل بل اسم ول صفة خلق الخلق‬
‫جعلوا له أسماء وصفات فلما أفناهم بقي بل اسم ول صفة وهو قول النكار (‪ )4‬والمعتزلة وهذا خطأ‬
‫فاحش " (‪)5‬‬
‫واضح من خلل التعريف اللغوي تداخله مع التعريف الصطلحي إذ كل يعزز موقفه من المنطلق‬
‫اللغوي فماذا عن المصطلح؟‬

‫أ‌) المدلول الصطلحي‪:‬‬

‫والسم في حق ال تعالى " يدل على المسمى الذي اقتضى الصفة بنفسه" كما يقول الشماخي (‪)6‬‬
‫أو بعبارة أخرى السم هو ما دل على الذات من غير اعتبار معنى يوصف به الذات‪ ،‬وهذا معنى قول‬
‫علماء الباضية إن أسماء ال تعالى هي عين ذاته أي ليس هنالك أمر ثان غير الذات العلية (‪. )7‬‬

‫ويقول عمرو التلتي في هذا الصدد‪ ":‬أسماء ال تعالى‪ ،‬أي المعاني الدال عليها نحو‪ :‬لفظ ال‪،‬‬
‫ولفظ العالم‪ ،‬والقادر‪ ،‬والمريد‪ ،‬التي هي الذات العلية والواجبة الوجود بذاتها‪ ،‬والذات العالمة‬
‫والذات القادرة والذات المريدة" (‪. )8‬‬

‫وقد عرفها البرادي في رسالة الحقائق كما يلي‪:‬‬

‫" حقيقة السم‪ :‬ما عرف به عين أو معنى (‪ )9‬وحقيقة المسمى‪ :‬المستوجب للسم" (‪. )10‬‬

‫أما تبغورين فقد بين أن أسماء الشياء كلها على أربعة أوجه‪ :‬أسماء البنية التي بنيت عليها طبيعة‬
‫الشياء‪ ،‬مثل ‪ :‬جسم ومحدث وأشباه ذلك‪.‬وأسماء استحقها الشيء بمعنى حل فيه‪ ،‬وتداول عليه‬
‫مثل‪ :‬حي وميت ومتحرك وساكن‪ .‬وأسماء استحقها بخواتم عمله وما تصير إليه عاقبته مثل‪ :‬مؤمن‬
‫كافر‪ .‬وأسماء لقب يلقيها الناس على بعضهم بعضا وينزعونها إن شاءوا ول معنى لها تتعلق إليه‬
‫بل هي معارف بينهم‪ .‬وأسماء ال تعالى أسماء ذاته‪ ،‬ل يقال استحقها لفعال فعلها تعالى عن ذلك‬
‫علوا كبيرا" (‪)11‬‬

‫هذا في شأن التعريف الصطلحي إل أن المشكلة ل تكمن في التعريف وإنما تبدو في شأن العلقة‬
‫بين السم والمسمى‪.‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪)2‬‬

‫أما الشماخي فيوضح القضية من مطلع رسالته في السماء كما يلي‪:‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫" فإن قلت‪ :‬ما الفرق بين التسمية والسم والمسمى؟‬

‫قلت ‪ :‬التسمية‪ :‬فعل المسمى‪ ،‬المعنى الموضوع له‪.‬‬

‫والسم‪ :‬ما وضع ليتميز به المسمى من غيره‪ ،‬ويتعين أتم تعيين بدليل قوله تعالى ( هو سماكم‬
‫المسلمين من قبل) (‪ 22‬الحج ‪.)78‬‬

‫فال = مسم‪ ،‬والمخاطبون = مسمون‪ ،‬والمسلمون = هو السم" (‪. )12‬‬

‫وتذكر المصادر أن السم هو المسمى ولذلك يقول السدويكشي‪:‬‬

‫" وذهب أكثر أصحابنا إلى أن التسمية هي نفس القوال الدالة على المسمى وأن السم هو نفس‬
‫المدلول‪.‬‬

‫ثم يورد موقف ابن فورك (‪ )13‬الذي يذهب إلى " أن كل اسم هو نفس المسمى بعينه فقولك ال‬
‫قول دال على اسم المسمى وكذلك قولك عالم أو خالق فإنه يدل على الذات الموصوف بكونه عالما‬
‫خالقا ثم يذكر أن ما ذهب إليه ابن فورك هو مقتضى إطلق أصحابنا ثم يستشهد بكلم أحمد بن‬
‫سعيد (‪ )14‬فيقول‪:‬‬

‫" والخلف لفظي وقيل بل معنوي وذلك أنك إذا سميت شيئا باسمه فالنظر في ثلثة أسماء ‪ :‬ذلك‬
‫السم وهو اللفظ ومعناه قبل التسمية ومعناه بعد التسمية هو الذات التي أطلق عليها لفظ والذات‬
‫واللفظ متغايران قطعا‪.‬‬

‫والنحاة إنما يطلقون السم على اللفظ لنهم إنما يتكلمون على اللفاظ (‪ )15‬وهو غير المسمى قطعا‬
‫عند الفريقين والذات هو المسمى عند الفريقين وليس هو اللفظ قطعا‪.‬‬

‫والخلف في المر الثاني وهو معنى اللفظ قبل التسمية فعلى قواعد المتكلمين يطلقون السم عليه‪،‬‬
‫ويختلفون في أنه ثالث أم ل فالخلف عندهم في السم المعنوي هل هو المسمى أم ل ‪ ،‬ل في السم‬
‫اللفظي‪" )16( .‬‬
‫وقد أورد السدويكشي ملخصا للقضية يبين الغرض من الحديث عن السم والمسمى فيقول‪ ":‬اعلم‬
‫أن السم غير التسمية لنها تخصيص السم لشيء مغاير له أي السم‪ ،‬كما تشهد به البديهة‪.‬‬

‫وأيضا التسمية فعل الواضح وأنه منقض في ما مضى من الزمان وليس السم كذلك‪.‬‬

‫وقد اشتهر الخلف في أن السم هل هو نفس المسمى أو غيره ول يشك عاقل في أنه ليس النزاع‬
‫في لفظ فرس هل نفس الحيوان المخصوص أو غيره هذا مما ل يشتبه على أحد‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بل النزاع في مدلول السم أهو الذات من حيث هي هي‪ ،‬أم هو الذات باعتبار أمر صادق عليه‬
‫عارض له ينبني عليه" (‪)17‬‬

‫ويورد المحشي عن هذه القضية ما يلي‪ :‬قال بعضهم (‪ )18‬عند الختلف في السم هل هو عين‬
‫المسمى أو غيره؟‬

‫التحقيق أن الخلف لفظي فإنه إن أريد بالسم اللفظ فهو غير المسمى وإن أريد به المعنى فهو‬
‫عينه‪.‬‬

‫والذي يدل على أن السم عين المسمى قول ال تعالى‪ (:‬ما تعبدون إل أسماء سميتموها)(‪12‬‬
‫يوسف ‪ )40‬فإنه من المعلوم أنهم يعبدون ذات الصنم" (‪. )19‬‬

‫ويتوسع احمد الشماخي في تقليب القضية من وجوه شتى معتمدا على التحاليل المنطقية أحيانا‬
‫وعلى وجوه البلغة أحيانا أخرى‪ ،‬انطلقا من اليات التي وردت فيها كلمة اسم مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫( ول السماء الحسنى فادعوه بها) (‪ 7‬العراف ‪ )180‬وقوله‪ ( :‬يلحدون في أسمائه (‪ ) )20‬وقوله‬
‫( قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله السماء الحسنى) (‪ 17‬السراء ‪ )110‬الخ‪...‬‬

‫ويصل إلى أن الخلف اعتباري مستشهدا بموقف أبي يعقوب الوارجلني المتمثل في أن الخلف‬
‫لفظي ل معنوي‪)21( .‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬فمهما دار الحديث في شأن العلقة بين السم والمسمى فإنه يرجع إلى توضيح‬
‫الموقف الذي حدده أبو نصر (‪ )22‬في النونية بقوله‪( :‬طويل)‬

‫وضبطه عامر الشماخي في كتاب الديانات بقوله‪:‬‬

‫" وندين بأن أسماءه هو " (‪. )23‬‬

‫فتبين حينئذ أن القصد من السم ليس اللفظ وإنما مدلوله وبهذا العتبار هو عين الذات‪.‬‬

‫وبهذا يتضح أن ما ورد في هذه النصوص إنما هو امتداد لعمل السلف في اهتمامهم بالرد على‬
‫النكار الذين يلحدون في أسماء ال تعالى ويقولون إنها مخلوقة (‪. )24‬‬

‫فالفتنة الفكرية هنا داخلية خاصة وإن كانت تشمل المعتزلة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وكل هذه التحليلت مستوحاة من ردود أبي خزر (‪ )25‬وتبغورين (‪ )26‬والوارجلني (‪ )27‬وإن دل‬
‫ذلك على شيء فإنما يدل على أن القضية ما تزال قائمة في أوساط نفوسة وجربة حيث يتعايش‬
‫التجاهان في نفس المحيط عادة (‪. )28‬‬

‫ول ينبغي أن نغفل عن التذكير بأن موقف الشاعرة هو نفس موقف الباضية إذ يقول الشعري‪":‬‬
‫وإن أسماء ال يقال إنها غير ال" أما الماتريدي فيفهم من تحليله للقضية أن من السماء ما هو‬
‫غير المسمى ومنها ما هو عين المسمى وهي التي ترجع الى الصفات‪)29( .‬‬

‫فإذا تبين هذا فماذا عن اسم الجللة وأسماء ال الحسنى؟‬


‫==================================‬
‫(‪ )1‬جاء في لسان العرب‪ /‬السم‪ :‬ما يعرف به الشيء ويستدل به عليه وعند النحاة‪ :‬ما دل على معنى في نفسه غير مقترن‬
‫بزمن كرجل وفرس‪ .‬والسم الجامع لمعاني صفات ال عز وجل‪ .‬واسم الجللة‪ :‬اسمه تعالى‪( .‬ج) أسماء‪( ،‬ج) أسامي وأسام‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪3:‬‬
‫ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬كتاب العدل والنصاف‪ .‬تحقيق عمرو النامي نسخة مرقونة بمكتبتي‪47 :‬‬
‫(‪ )3‬نرجح أنه يقصد عبدال السدويكشي‪.‬‬
‫(‪ )4‬النكار‪ :‬تسمية غالبة على فرقة من فرق الباضية لم تصلنا أخبارهم إل عن طريق الفرقة الوهبية لذلك يصعب أن نقول في‬
‫شأنهم القول الفصل حتى نعثر على مصادرهم‪ .‬وتطبق عليهم تسميات أخرى نذكر منها‪ ":‬الملحدة لنهم ألحدوا في أسماء ال(‬
‫والحوار القائم في التراث الباضي في شأن قضية السم والمسمى أساسه الرد على النكار إلى جانب المعتزلة) انظر ما يلي ‪.218‬‬

‫ترجع جذور هذه الفرقة إلى عبدال بن عبد العزيز وأبي معروف شعيب‪ ،‬وعبدال بن يزيد الفزاري( انظر ما سبق ‪ )106‬عندما‬
‫خالفوا المام أبا عبيدة والربيع في عدة قضايا من بينها موضوع القدر فأعلنا عليهم البراءة‪ ،‬وانضم هؤلء إلى المنشقين عن‬
‫إمامة عبد الوهاب الرستمي بقيادة يزيد بن فندين‪ ،‬وقد رحل شعيب من مصر إلى تاهرت من أجل ذلك‪ ،‬لكن عند فشل الثورة رجع‬
‫إلى طرابلس واستمر في نشر فكرته‪ ،‬وبهذا ثم التآلف بين الطرفين واتضح أن إمامهم في الصول هو عبدال بن يزيد الفزاري(‬
‫انظر ما سبق ‪)109‬‬
‫واستمر الصراع بين الطرفين إلى زمن متأخر (وفي القرن ‪ 12 ،11 ، 10‬كانوا يعمرون الجانب الشرقي من جزيرة جربة ولهم‬
‫عزابتهم ‪.‬ر‪ .‬كتابنا‪ :‬نظام العزابة ‪ .‬انظر الخريطة) ولم يبق في ما نعلم منهم الن أحد‪.‬‬
‫ر‪ .‬دائرة المعارف السلمية الملحق ‪ ،186 -185‬النامي‪ :‬الطروحةك ‪ 271 ،261‬علي يحيى معمر‪ :‬الباضية بين الفرق‬
‫السلمية ‪.263 -253 :‬‬
‫(‪ )5‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪37:‬‬
‫(‪ )6‬أحمد الشماخي‪ :‬رسالة السماء‪4 :‬‬
‫(‪ )7‬انظر ما يلي العلقة بين السم والمسمى ‪215‬‬
‫(‪ )8‬عمرو التلتي ‪:‬شرح على كتاب الديانات‪.51 -15:‬‬
‫(‪ )9‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪ ،35 :‬ويقول عثمان بن خليفة السوفي‪ ":‬حد السم ما عرف به الشيء من غيره‪ ".‬كتاب‬
‫السؤالت‪106 :‬‬
‫(‪ )10‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪35 :‬‬
‫(‪ )11‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪ ،30:‬والبرادي يقسم السماء إلى دينية وشرعية ولغوية‪ .‬رسالة الحقائق‪44:‬‬
‫وعلى هذا التقسيم تنبني الحكام(انظر ما يلي‪)490 :‬‬
‫(‪ )12‬أحمد الشماخي‪ :‬رسالة في السماء‪1:‬‬
‫(‪ )13‬ابن فورك(‪ )406/1015‬محمد بن الحسن‪ .‬عالم بالصول والكلم من فقهاء الشافعية ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪6/313‬‬
‫(‪ )14‬هو أحمد بن سعيد الشماخي‪.‬‬
‫(‪ )15‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬كتاب العدل والنصاف‪49:‬‬
‫(‪ )16‬السدويكسي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪4:‬‬
‫(‪ )17‬السدويكسي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪4 -3:‬‬
‫(‪ )18‬لم نتمكن من تعريف المقصود ببعضهم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )19‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.37:‬‬


‫ول السماء الحسنى فادعوه‪ ) )20‬والية هي‪ 7( :‬العراف ‪ .)180‬ومعنى بها‪ ،‬وذروا الذين يلحدون في أسمائه‪ ،‬سيجزون‬
‫ما كانوا يعلمون يلحدون في أسمائه‪:‬اللحد ‪ ،‬أي تسميتهم الللة من ال‪ ،‬والعزى من العزيز‪ ،‬وتسميتهم مسيلمة رحمان‪ .‬أحمد‬
‫الشماخي‪ :‬رسالة في السماء‪5:‬‬
‫(‪ )21‬ر‪ .‬أيضا عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 38‬قفا‪ ،‬ورقة ‪ 41‬وجه‪ .‬وقد حلل نفس المعاني التي ذكرنا‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز‬
‫الثميني‪ :‬النور‪123 -118:‬‬
‫(‪ )22‬أبو نصر فتح بن نوح‪ :‬النونية‪ 3 :‬البيتان ‪28‬و ‪29‬‬
‫(‪ )23‬عامر الشماخي‪ ,‬كتاب الديانات‪ ،43 :‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬كتاب العدل والنصاف‪48 :‬‬
‫(‪ )24‬ر‪.‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪,44 -38:‬ر‪.‬تبغورين ابن عيسى الملشوطي‪:‬كتاب أصول الدينص ‪.27‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ ،44 -38 :‬ر‪ .‬تبغورين ابن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين ص ‪27‬‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين ص ‪30 -27‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬كتاب العدل والنصاف‪48 :‬‬
‫(‪ )28‬لقد حلل أحمد الخليلي مفتي عمان القضية تحليل ضافيا ورجح موقف القائلين بأن السم غير المسمى‪.‬ر‪ .‬جواهر التفسير‬
‫أنوار من بيان التنزيل‪.‬ط ‪ 1‬مطبعة اللوان الحديثة‪ .‬نشر مكتبة الستقامة ‪ .‬روي‪ .‬سلطنة عمان‪199 -194 .1404/1984 .‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪.196 -193 :‬‬

‫‪:‬‬ ‫‪)3‬‬

‫لقد حرصت المصادر التي بين أيدينا على رواية جل ما ذكر من الوجوه في شأن اسم الجللة عن‬
‫الباضية وعند غيرهم أ أعجمي أم عربي أ اسم أم صفة‪ ،‬أعلم أم غير علم‪ ،‬أمشتق أم ل؟‬

‫وقد ذكر المحشي تعليل طريفا لهذه الحيرة‪ ":‬اعلم أن العقلء كما تاهوا في ذات ال تعالى وصفاته‬
‫لحتجابها بأنوار العظمة وأستار الجبروت كذلك تحيروا في لفظ ال الدال على تلك الذات المقدسة‬
‫كأنه مسه شيء من أشعة تلك النوار‪ ،‬فحارت العقول في دركه كما حارت في درك مسماه ‪)30(".‬‬

‫وهذا الشماخي يتعرض لسم الجللة في مطلع شرحه لعقيدة التوحيد عند شرح قول المصنف‪":‬‬
‫الحمد ل" فيذكر أن ال " علم على ذات واجب الوجود المستحق لجميع المحامد" (‪.)31‬‬

‫ثم يمضي في تبيين مختلف القوال في شأن دخول اللم ويقارن بين ال وإله وكيف أن العملية‬
‫بالنسبة إليهما استعمالية أو تقديرية وفي الثناء يذكر بالتعريف مرتين‪ :‬بقوله " ال اسم لمفهوم‬
‫الواجب لذاته أو لمفهوم المستحق للعبادة"(‪.)32‬‬

‫وبقوله‪ ":‬اسم المعبود الذي ل يستحق العبادة إل هو" (‪.)33‬‬

‫ثم يستشهد بموقف سعد الدين(‪ )34‬والزمخشري وجماعة من المحققين الذين اختاروا أن ال علم‪،‬‬
‫ويورد ما ذكره الزمخشري من أدلة الذين اعتبروه مشتقا‪.‬‬

‫ويورد مرة أخرى تعريف الزمخشري وهو ‪ ":‬اعلم أن ال اسم للذات المستحق للعبودية له‪ ،‬علم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بالغلبة جامع لمعنى السماء الحسنى ما علم منها وما لم يعلم لنه ل يستحق أن يعبد إل من كان‬
‫خالقا رزاقا ول يكون خالقا إل من كان قديما حيا عالما قادرا مريدا إلى سائر الصفات"(‪. )35‬‬

‫وقد بنت على هذا النسق بقية المصادر إل أن المحشي تميز بما نقله عن عقيدة أبي سهل من تقرير‬
‫المام جابر بن زيد " أن اسم ال العظم هو ال لنه يبدأ به في كل شيء" (‪.)36‬‬
‫وبما نقله عن كتاب الموجز من تعريفات" قلنا معنى ال أنه اسم للمعبود الذي ل يستحق العبادة إل‬
‫هو" وقال قوم‪ :‬إن معناه من العلو في الصفة من قوله تألهت الشمس إذا علت‪.‬‬

‫وحكى بعض أهل العلم‪ :‬أنه اسم تبنى عليه الصفات والقول في هذا إنه اسم للمعبود الذي ل يستحق‬
‫العبادة إل إياه ول ينبغي هذا السم إل له ‪)37(.‬‬

‫وأرى من الحسن الكتفاء بهذا القدر اجتنابا لما وقعت فيه القوال من تضارب يؤدي إلى الغموض‬
‫غالبا‪.‬‬

‫وحاصل القول إن متتبع هذه المصادر يحس بتغليب مفهوم العلمية على اسم الجللة وإنها تجمع‬
‫غيرها أنه اسم ال العظم لنه ل يشاركه فيه أحد قال تعالى‪ ( :‬هل تعلم له سميا) (‪ 19‬مريم ‪)65‬‬
‫أي شبيها في اسم أو فعل (‪.)38‬‬

‫ذلك أهم ما قيل في اسم ال العظم فماذا عن بقية السماء؟‬

‫‪)4‬‬

‫إن ما جاء في شأن السماء الحسنى من آيات وأحاديث دفع العلماء إلى النظر في أمرها واستقر‬
‫الرأي على أنها توقيفية فهذا عمرو التلتي مثل يقول‪ " :‬واتفقوا أيضا على أن ال السماء الحسنى‬
‫لقوله تعالى‪ (:‬ول السماء الحسنى )(‪ 7‬العراف ‪ )180‬وعلى أنه هو المسمى نفسه بها" (‪.)39‬‬

‫كما أن الحواشي على شرح كتاب الجهالت تلح على نفس المعنى وتبين أن أسماء ال توقيفية (‬
‫‪.)40‬‬

‫وتورد هذه المصادر جميع النصوص المعتمدة في ذلك قال تعالى ( أيا ما تدعوا فله السماء‬
‫الحسنى) (‪ 17‬السراء ‪.)110‬‬

‫وقال أيضا ‪ ( :‬ال ل إله إل هو له السماء الحسنى) (‪ 20‬طه ‪.)8‬‬

‫وقال أيضا‪ ( :‬هو ال الخالق البارئ المصور له السماء الحسنى) (‪ 59‬الحشر ‪)24‬‬

‫وقوله عليه السلم‪ " :‬إن ل تسعة وتسعين اسما" ‪)41(.‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وتحيل هذه المصادر على كتاب الموجز في تفسيره لهذه السماء(‪.)42‬‬

‫ولم يكتف أبو عمار بالتفسير بل وضع للسماء تقسيما واضحا وانطلق في ذلك من فهم ما جاء في‬
‫القرآن في هذا الشأن‪.‬‬

‫" وجدنا أن هذه السماء موضوعة في كتاب ال عز وجل مستعملة لمعان ثلثة كلها قد سمى بها‬
‫نفسه ووصفها بها‪.‬‬

‫أما أحدها فللذات والمدحة‪ .‬والثاني فللفعل التي دون ما قد فعل‪ .‬والثالث لما فعل فقط "(‪)43‬‬

‫ثم يضرب أمثلة نذكر منا‪( :‬إن ربكم لرؤوف رحيم) (‪ 16‬النحل ‪( .)7‬إنك جامع الناس ليوم ل ريب‬
‫فيه) (‪ 3‬آل عمران ‪ ( .)9‬وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا) (‪ 6‬النعام ‪.)95‬‬

‫وقد أثيرت قضية أخرى في هذا الصدد تتمثل في إمكانية إضافة أسماء أخرى بعد التسعة والتسعين‬
‫أو عدمها‪.‬‬

‫ويمكن أن نصنف هذه السماء‪ -‬بعد التسع والتسعين‪ -‬كما يلي‪:‬‬

‫أ) أسماء يجوز ذكرها على شرط أن تكون مضافة إلى مفاعيلها‪ :‬مثل ( فالق الحب والنوى) (‪6‬‬
‫النعام ‪ ( .)95‬وجاعل الليل سكنا) (النعام ‪ ( ،)96‬فالق الصباح) (النعام ‪)96‬‬
‫‪.‬‬

‫وعلى هذا القياس يمكن أن يقال يا هادي الضال ويا مصبر البصائر ويا مبين المجهولت ويا كاشف‬
‫الضراء ويا دليل المتحيرين‪...‬الخ‪.‬‬

‫ب) أسماء يجوز ذكرها وتخرج على المجاز‪ :‬كأنه تقول يا سندي وأنت تقصد يا من أعتمد على‬
‫رحمته وكرمه وبره وفضله ويا من إليه أكل مطالبي وأفوض إليه أمري‪.‬‬

‫والحجة في هذا جواز قولك كما جاء في الحديث " هو الصاحب في السفر‪ ،‬والخليفة في الهل"(‬
‫‪ )44‬كما ل يضيق في حقه تعالى زارع‪ ،‬من قوله عز وجل ( أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) (‪56‬‬
‫الواقعة ‪ )64‬وذلك بمعنى إحياء الزرع وإنشائه وإنمائه وجعله زرعا باختياره وإرادته وتكوينه‪.‬‬

‫ج)أسماء يستحيل نسبتها إلى ال تعالى مثل‪ :‬ماكر‪ ،‬وساخر‪ ،‬ومستهزئ‪ ،‬ورام‪ ،‬وغاضب‪ ،‬وناس‪،‬‬
‫وخادع‪ ،‬وأمثالها من السماء المشتقة من أفعال نسبها سبحانه إلى نفسه عن طريق المشاكلة وهي‬
‫ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا مثل هذا وتقديرا كما في قوله تعالى‪ ( :‬صبغة ال)‬
‫(‪ 2‬البقرة ‪ )138‬أي تطهير ال حيث عبر عن اليمان بالصبغة لوقوعه في صحبة صبغة النصارى‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أولدهم في ماء المعمودية وهو ماء أصفر يغمسونهم فيه غير مذكور لفظا‪.‬‬

‫وهذه السماء المشتقة ورد ذكرها في ما يلي‪:‬‬

‫( ومكروا مكر ال وال خير الماكرين) (‪ 3‬آل عمران ‪ ( )54‬ويمكرون ويمكر ال وال خير‬
‫الماكرين) (‪ 8‬النفال ‪ ( )30‬فيسخرون منهم سخر ال منهم) (‪ 9‬التوبة ‪ ( )79‬وال يستهزئ بهم‬
‫ويمدهم في طغيانهم يعمهون) (‪ 2‬البقرة ‪ ( )15‬وما رميت إذ رميت ولكن ال رمى) (‪ 8‬النفال ‪)17‬‬
‫( وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما) (‪ 4‬النساء ‪ ( )93‬يا أيها الذين آمنوا ل تتولوا قوما‬
‫غضب ال عليهم) (‪ 60‬الممتحنة ‪ ( )13‬فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يوهم هذا) (‪ 7‬العراف ‪)51‬‬
‫(نسوا ال فنسيهم) (‪ 9‬التوبة ‪ ( )67‬إن المنافقين يخادعون ال وهو خادعهم) (‪ 4( )45‬النساء‬
‫‪.)142‬‬

‫وتجدر الشارة بعد هذا إلى ضرورة اعتبار الحوال والمقاصد عند ذكر مثل السماء التي لم يرد بها‬
‫التوقيف‪.‬‬

‫وقبل أن نختم يحسن أن نتعرف على موقف أهل السنة والمعتزلة كما أورده البيجوري في شرح‬
‫الجوهرة‪ ":‬واختار جمهور أهل السنة أن أسماءه تعالى توقيفية وكذا صفاته فل تثبت ل اسما ول‬
‫صفة إل إذا ورد ذلك توقيف من الشارع‪ ،‬وذهبت المعتزلة إلى جواز إثبات ما كان متصفا بمعناه ولم‬
‫يوهم نقصا وإن لم يرد به توقيف الشارع‪ ،‬ومال إليه القاضي أبو بكر الباقلني وتوقف فيه إمام‬
‫الحرمين‪ ،‬وفصل الغزالي فجوز إطلق الصفة وهي ما دل على معنى زائد على الذات‪ ،‬ومنع إطلق‬
‫السم وهو ما دل على نفس الذات‪.‬‬

‫والحاصل أن علماء السلم اتفقوا على جواز إطلق السماء والصفات على البارئ عز وجل إذ ورد‬
‫بها الذن من الشارع وعلى امتناعه إذا ورد المنع منه واختلفوا حيث ل إذن ول منع والمختار منع‬
‫ذلك وهو مذهب الجمهور‪)46(".‬‬

‫وحاصل القول إن أسماء ال الحسنى هي التي سمى بها نفسه‪ ،‬وتمجد باتصافه بأفعالها وأمر خلقه‬
‫بدعائه بها وقد أضيفت إلى السماء التوقيفية أسماء مقتبسة من القرآن والسنة على أل تستعمل إل‬
‫بشروط محددة‪.‬‬

‫والمتأمل في كتب الصول يتبين تداخل هذا المبحث مع مبحث الصفات لن التمييز بين المبحثين‬
‫دقيق ولذلك جاء التفصيل في شأن الصفات أكثر مما جاء في شأن السماء فلنتبين ما جاء في شأن‬
‫الصفات وكيف ميز بينها وبين السماء لنصل إلى استنتاج عام نحدد فيه موقف الباضية عامة‬
‫وموقف علماء القرون المقررة في البحث بصفة خاصة من هذه المباحث‪.‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )30‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.38:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )31‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪13:‬‬


‫(‪ )32‬نفس المصدر‪20 :‬‬
‫(‪ )33‬نفس المصدر‪.20 :‬ر‪ .‬عثمان خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪4 :‬‬
‫(‪ )34‬هو سعد الدين التفتازاني‪ .‬انظر ما سبق ‪ 122‬تعليق ‪89‬‬
‫(‪ )35‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪22:‬‬
‫(‪ )36‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪ 38 -37:‬وقد جاء النص في كتاب المنهج كما يلي‪ :‬قال جابر بن زيد ( رحمه ال)‪ :‬اسم‬
‫ال العظم هو ال‪ ،‬أل ترى أنه يبتدأ به في جميع الشياء؟‬
‫وإذا قلت‪ :‬ال(باللف واللم) فالسم تام‪ ،‬فإذا حذفت (اللف) قلت‪ :‬ل بقي السم تاما‪ ،‬فإذا حذفت (اللم الولى) قلت‪ :‬له بقي‬
‫السم تاما وإذا حذفت ( اللم الخير) قلت‪ :‬هـ بقيت" الهاء" وفيها السم تاما ‪.‬ر‪.‬خميس ابن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 1/352‬‬
‫وصاحب الكتاب هو خميس بن سعيد بن علي بن سعود الشقصي الرستاقي من إباضية عمان(‪ )17-11/16 -10‬والمعلومات عنه‬
‫ضنينة كما يشير إلى ذلك محقق الكتاب( كتاب منهج الطالبين) ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬منهج الطالبين وبلغ الراغبين‪،‬‬
‫تحقيق سالم بن أحمد الحارثي ط عيسى البابي الحلبي‪ ،‬القاهرة ‪.1979.1/8‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ ،1/433 :‬ويصعب أن نرجع هذه القوال إلى اصحابها لن كل مصادر المؤلف غير‬
‫متوفرة بين أيدينا ‪ .‬وقد نقل المحشي هذه التعريفات بشيء من التصرف‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪38 :‬‬
‫(‪ )38‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.38:‬‬
‫ر‪ .‬مجلة العقيدة تصدر بعمان السنة ‪ 10‬عدد ‪ 8 ،419‬شوال ‪ 1402/29‬يوليو ‪30 :1982‬‬
‫تفسير أحمد الخليلي لسم الجللة‪ .‬فالمنهج هو نفس منهج السلف‪.‬‬
‫(‪ )39‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪155:‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حواش على شرح الجهالت‪28 :‬‬
‫(‪ )41‬أحمد الشماخي‪ :‬رسالة السماء ص ‪ 2-1‬لحصاء السماء التي ورد ذكرها ر‪ .‬إبراهيم الزجاجك تفسير أسماء ال الحسنى‬
‫تحقيق أحمد يوسف الدقاق‪ .‬دار المأمون للتراث دمشق وبيروت ط ‪. 1399/1979 .2‬ر‪ .‬امحمد اطفيش شرح أسماء ل الحسنى‬
‫المسمى بذخر السنى في شرح أسماء ال الحسنى ط‪ .‬حجرية ‪1326‬هـ‪.‬‬
‫ر‪ .‬رواية الحديث مع سرد السماء عند الترمذي(‪ )3502‬وصححه ابن حبان(‪ 2384‬والحاكم ‪ ،1/16‬وانظر شرح السنة للبغوي‬
‫‪.5/32‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ ،436 -1/432‬وقد فسر أربعة وأربعين اسما ‪ .‬نذكر على سبيل المثال تفسير بعض منها‪.‬‬
‫المؤمن‪ :‬المصدق لرسله وأخبار بالعلم والشواهد‪ ،‬والمصدق لوعده ووعيده بالنجاز‪ ،‬والمصدق لكل صدق يأتي من عنده‬
‫بالحجة الظاهرة ‪.‬‬
‫الول‪ :‬الذي كان قبل خلقه‪ ،‬وهو من تأويل قديم‪.‬‬
‫الصمد‪...:‬إن عبد ال بن عباس رضي ال عنهما‪ ،‬وهو صاحب التأويل سئل عن ذلك فقال‪ :‬هو السيد الذي قد انتهى إليه‬
‫السؤدد‪ ...‬وسئل عنه عبدال بن مسعود فقال‪ :‬السيد المصمود إليه في الحوائج‪ ،‬وقال الحسن هو من صمد العباد يصمدون إليه‬
‫في حوائجهم‪ .‬وقال سعيد بن جبير مثل ذلك‪.‬‬
‫(‪ )43‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪2/193‬‬
‫(‪ )44‬والحديث ر‪ .‬الترمذي دعوات ‪ .46‬الدارمي استئذان ‪ 42‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث‪ ،‬مطبعة بريل‪ ،‬ليدن من‬
‫‪3/251 .1967 -1936‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهرمن ‪ 36‬إلى ‪ 38‬وقد أخذنا هذا النص من النثار لنه يوضح القضية ويستوفي آراء‬
‫الباضية فيها‪.‬‬
‫(‪ )46‬البيجوري‪ :‬حاشية على جوهر التوحيد‪89:‬‬
‫أما صاحب" جوهر التوحيد"‪ ،‬وهي منظومة في الصول‪ ،‬فهو‪ :‬إبراهيم بن حسن اللقاني عالم مصري أشعري متصوف(‬
‫‪)1041/1631‬‬
‫وأما صاحب الحاشية الموسومة" بتحفة المريد على جوهرة التوحيد" فهو‪ :‬إبراهيم بن محمد البيجوري ‪.‬عالم مصري شافعي‪.‬‬
‫درس بالزهر وتقلد رئاسته في ما بعد سنة ‪ 1263/1847‬وتوفي( ‪ )1277/1860‬ر‪ .‬مقدمة الكتاب شرح جوهرة التوحيد‪ .‬دار‬
‫الكتب العلمية بيروت‪ .‬مطابع يوسف بيضون ‪3 :1983 /1403‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫صفات ال تعالى‬

‫‪:‬‬

‫إن ذكرنا أن السم هو ما دل على الذات من غير اعتبار معنى يوصف به الذات (‪ )1‬فالصفة هي ما‬
‫دلت على الذات مع اعتبار معنى يوصف به الذات أو كما قال الشماخي " هي مقتضيات المسمى‬
‫الذي اقتضى الصفة‪)2( ".‬‬
‫وقد ذكر عمرو التلتي أن الصفة هي معنى شريف يوصف به ال تعالى كالقدرة والرادة (‪. )3‬‬

‫" وقال أيضا‪ :‬والصفة عند المتكلمين معنى قائم بالموصوف والوصف معنى قائم بالواصف‪.‬‬

‫وعند النحاة الصفة والوصف بمعنى واحد‪.‬‬

‫وقيل الصفة أعم لطلقها على القديم كصفات ال تعالى والحادث كصفات الخلق والنعت ل يقال إل‬
‫للحادث إذ ل يقال نعوت ال بل صفات ال" (‪. )4‬‬

‫والمهم هنا أن إطلق الصفات وارد في القرآن والسنة وقد أخبر ال عن نفسه أنه حي فاعل مثل‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم) (‪ 2‬البقرة ‪ )225‬وقوله ( هو الحي ل إله هو فادعوه‬
‫مخلصين له الدين) (‪ 40‬غافر ‪ .)65‬وقوله‪ ( :‬ألم تر كيف فعل ربك بعاد) (‪ 89‬الفجر ‪ .)6‬وقوله ( ل‬
‫يسأل عما يفعل وهم يسألون) (‪ 21‬النبياء ‪.)23‬‬

‫أما في السنة فمثل قوله صلى ال عليه وسلم حين سألته عائشة رضي ال عنها فقالت ‪ ":‬يا رسول‬
‫ال ما معنى قول ال عز وجل سميع بصير؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬السميع الذي ل تخفى‬
‫عليه الصوات والبصير الذي ل تخفى عليه اللوان ( وال أعلم)" (‪. )5‬‬

‫وأورد الربيع بن حبيب حديثا يفهم منه نفي الصفات وهو‪ :‬قال جابر ابن زيد حدثنا أنس بن مالك أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬يوشك الشرك أن ينتقل من ربع إلى ربع ومن قبيلة إلى قبيلة‬
‫قيل‪ :‬يا رسول ال وما ذلك الشرك؟ قال‪ :‬قوم يأتون بعدكم يحدون ال حدا بالصفة" (‪. )6‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن خلل ما ذكر نتبين أن الباضية يقرون بوجود الصفات إل أنهم يقسمونها إلى قسمين‪ .‬صفات‬
‫الذات وصفات الفعل فماذا عن هذا التقسيم؟‬

‫‪:‬‬

‫التعريف‪ ":‬هي أمور اعتبارية أي معان ل حقيقة لها من الخارج‪ ،‬وإنما وصف بها تعالى نفسه‬
‫ليعلمنا أن أضداد تلك الصفات منتفية عنه تعالى" (‪ )7‬فصفات الذات صفات أزلية ول تجامع ضدها‬
‫في الوجود ولو اختلف المحل فل يقال علم ال كذا وجهل كذا‪)8( .‬‬

‫ويفسر داود التلتي هذا المعنى كما يلي‪ ":‬ال حي ليس بميت عالم ليس بجاهل قادر ليس بعاجز‬
‫متكلم ليس بأخرس سميع ليس بأصم بصير ليس بأعمى مريد ليس بمستكره" (‪)9‬‬

‫تعداد الصفات الذاتية ومدلولها‪:‬‬

‫إن داود التلتي يجمع هذه الصفات في هذا البيت بعد أن فسرها كما ذكرنا قبل حين بنفي أضدادها‪:‬‬

‫(‪)10‬‬
‫(بسيط)‬
‫فهي حينئذ ‪ :‬الحياة والعلم والقدرة والرادة والكلم والبصار والسمع‪.‬‬

‫‪ )1‬الحياة‪ " :‬فمعنى كونه تعالى حيا بذاته إن ذاته تعالى كافية في استلزامها صحة الحياة له ول‬
‫حاجة فيه إلى ثبوت صفة قديمة قائمة بع زائدة مقتضية لصحة الحياة له ‪)11( ".‬‬

‫" والحياة صفة ال تعالى يراد بها نفي الموت عنه‪ ،‬والدليل على حياته تعالى تصرفه في خلقه‬
‫باليجاد والعدام والكرام واليلم والفناء والعادة والزيادة والنقص ونحو ذلك مما يستحيل‬
‫وجوده من الموات قال تعالى‪ ( :‬كل يوم هو في شأن) (‪ 55‬الرحمان ‪)29‬‬

‫ويقال ال تعالى حي ل كالحياء بمعنى أنه ليس بميت ول يموت ول يجوز عليه الموت‪.‬‬

‫حي أي ليس بميت ولم يمت قط ول يموت ول يجري عليه أن يموت‪)12( ".‬‬

‫" ويقال ال حي ومحي ومميت ( وأنه هو أمات وأحيى) (‪ 53‬النجم ‪.)44‬‬

‫ويقال ال عز وجل حي على الحقيقة ول يقال حي على المعقول لول على ما يعقل‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والمعنى في صفته حي أي أنه فعال خالق محي مميت مبق مفن ل على ما يتوهم من حياة الخلق‬
‫ذوي الرواح يتعالى عن ذلك‪)13( ".‬‬

‫‪ )2‬العلم‪ " :‬ومعنى كونه عالما بذاته كون ذاته تنكشف لها جميع المعلومات انكشافا تاما من غير‬
‫قيام صفة قديمة مقتضية لذلك النكشاف" (‪. )14‬‬

‫" وعلم ال من صفات ذاته كالحياة والقدرة‪ ...‬وسائر صفات ذاته خلفا لمن قال إنها معان ليست‬
‫بصفات وهو العالم بما كان وما يكون تعلق علمه بكل معلوم ( ل يعزب عنه مثقال ذرة في الرض‬
‫ول في السماء) (‪)15‬‬

‫" ومعنى علمه تعالى إحاطته بالشياء وانكشافها له‪ ،‬وظهورها له ‪ ،‬وإدراكه لها من غير معنى قائم‬
‫فيه به ذلك العلم‪ ،‬وأن علمه ليس ثابتا له بالدليل‪....‬‬

‫وعلم ال قديم‪ ،‬وهو يعلم نفسه بعلمه القديم‪ ،‬والمعلوم ل تعالى هو المعلوم لخلقه وإن اختلفت صفة‬
‫العلم وطرقه لن علمه بنفسه قديم وبالمشاهدة وعلم الخلق به حادث وبالدليل الموجود في ما كبر‬
‫من خلقه أو صغر‪.‬‬

‫ويقال ال عالم ويعلم وقد علم وعلم وعلم وأبصر وأدرك واستبان الشياء ويعلم أنه ليس لنفسه‬
‫شريك‪.‬‬
‫ول يقال‪ :‬ال فقيه ول يفقه ول فهم ول يفهم ول عاقل ول يعقل ول حاذق ول كيس"‪)16( .‬‬

‫ويضيف أبو مهدي موضحا معنى علم ال فيطرح قضية تفاضل الشياء في علم ال فيقول‪ ":‬العالم‬
‫من الصفات الذاتية وتعلق علمه بكل معلوم غائب وحاضر أي كل غيب وشهادة‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬هل‬
‫تتفاضل الشياء في علم ال؟ قيل‪ :‬إن أردت أن الشياء متفاضلة في علم ال على أنها متفاضلة فهو‬
‫جائز وإن أردت التفاضل على علم ال عز وجل فيكون علمه ببعض الشياء أفضل من علمه ببعض‬
‫فهذا غير جائز‪)17( ".‬‬

‫‪ )3‬القدرة‪ ":‬معنى كونه قادرا بذاته أن ذاته تعالى كافية في التأثير في جميع المقدورات من غير‬
‫احتجاج إلى قديم زائد عليه قائم به يتأتى به التأثير"‪)18( .‬‬

‫والقدرة وصف لـه تعالى يراد بها نفي العجز عنه والدليل على قدرته وجود المخلوقات من غير‬
‫سبق مثال‪.‬‬

‫ويقال ال قادر بنفسه وبذاته ول يقال بغير هاتين العبارتين‪.‬‬

‫وقدرته قديمة لم يزل موصوفا بها في الزل والحال وفي مال يزال‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويعتبر المتكلمون أن جميع الصفات غير القدرة ينتظم في القدرة (‪ ، )19‬فمن وصفه تعالى بكونه‬
‫قديرا ليس بعاجز فقد وصفه بكل صفة من صفاته ونفى عنه كل صفة من صفات خلقه‪.‬‬

‫وهو تعالى قادرا على إيجاد ما لم يوجد من الشياء لعدم استحالة وجوده‪.‬‬

‫والقدرة الولية تتعلق بما ل يجب وجوده ول عدمه تعلقا صلوحيا بمعنى أنها في الزل صالحة‬
‫لليجاد والعدام على وفق تعلق الرادة الزلية فيها ل يزال تعلقا تنجيزيا‪...‬‬

‫ويقال ال تعالى قادر ويقدر وقدير وقدر ول يقال يقدر على نفسه ول يقدر عليها‪.‬‬

‫ويقال‪ :‬الشياء على ال خفيفة يسيرة هينة ول يقال بعض الشياء أهون عليه من بعض إل في‬
‫الكافر فإنه يقال فيه هو أهون على ال من الكلب‪)20( .‬‬
‫===================================‬
‫) انظر ما سبق ‪213‬‬
‫(‪ )2‬أحمد الشماخي‪ :‬رسالة السماء‪4 :‬‬
‫الصفة لغة حسب لسان العرب‪ :‬الحالة التي يكون عليها الشيء من حليته ونعته‪ ،‬كالسواد والبياض والعلم والجهل‪ ،‬وهي عند‬
‫النحويين‪ :‬النعت‪ ،‬واسم الفاعل ‪ ،‬واسم المفعول ‪ ،‬والصفة المشبهة واسم التفضيل أيضا‪.‬‬
‫لقد حلل كل من أبي عمار الكافي في الموجز ‪ 2/180‬وأبي يعقوب الوارجلني في الدليل ط ‪11/39‬و ‪49‬و ‪ 3/14‬هذه القضية‬
‫تحليل موسعا لم يتجاوزه علماء الباضية في القرون المقررة بل اختصروه‪ ،‬وتواصل نفس التحليل في ما بعد القرن ‪18 /12‬‬
‫ونورد على سبيل التوضيح ما جاء عند ناصر بن سالم الرواحي في نثار الجوهر ‪ ( 13 :‬الوصف‪ :‬ذكر الشيء ونعته‪ .‬والصفة‪:‬‬
‫الحالة التي عليها الشيء من حالته ونعته ول تقولوا لما كالزنة التي هي قدر الشيء‪ .‬والوصف قد يكون حقا وباطل‪ .‬قال‬
‫تعالى‪ ] )16 :‬النحل ‪ )116‬تنبيها على أن ما يذكرونه كذب‪ .‬قوله عز وجل‪[ :‬تصف ألسنتكم الكذب (‪ 37‬الصافات ‪ )180‬تنبيه‬
‫على أن أكثر صفاته ليس على سبحانك ربك رب العزة عما يصفون حسب ما يعتقده كثير من الناس‪ ،‬لم يتصورعنه تشبيه وأنه‬
‫تعالى عما يقول الكفار ولهذا (‪ 16‬النحل ‪[ .)60‬ول المثل العلى قال عز وجل ‪:‬‬
‫وما جاء عند عبدال السالمي‪:‬‬
‫" والصفة هي اللفظ الدال على المعنى العتباري المفيد لثبات الكمال ل تعالى‪ .‬والصفة في غير هذا الموضع معنى قائم‬
‫بالموصوف عليه كالصفات البشرية"‪ .‬المشارق‪.172 :‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬حاشية كتاب الديانات‪49 :‬‬
‫(‪ )4‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 32‬قفا‬
‫(‪ )5‬الحديث ‪ :‬لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي‬
‫(‪ )6‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪/3‬عـ ‪ 831‬ــدد‬
‫وقد فسر المحشي قوله عليه السلم‪ " :‬يحدون ال حدا بالصفة" بقوله‪ :‬يصفونه بصفة المخلوقين‪ .‬حاشية الترتيب ( شرح‬
‫الجامع الصحيح)‪ .7/215‬لم يرد عند ونسنك‪ .‬المعجم المفهرس‬
‫(‪ )7‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين ‪147-146:‬‬
‫(‪ )8‬وقد جاء تعريف علماء هذه القرون مذكرا بتعريف سلفهم مثل ما جاء عند أبي عمار‪ ":‬وإنها ( الصفات) هي ال‪ ،‬ليست‬
‫شيئا غيره" الموجز ‪.2/187‬‬
‫وما جاء عند أبي يعقوب الوارجلني في قوله‪ ":‬الصفات ليست مغايرة للذات" الدليل ط ‪.1/48، 1‬‬
‫ويستمر نفس الموقف عنده من جاء بعد القرن ‪12‬هـ ‪18/‬م‪ .‬فهذا عبد العزيز الثميني يقول" وإنما (الصفات) ليست زائدة على‬
‫ذاته تعالى قائمة بها‪ ...‬بل هي في حقه عين ذاته"( النور‪ )104 :‬وهذا أحمد الخليلي مفتي عمان يقول في تعريف صفات‬
‫الذات‪ ":‬هي ما اتصف ال به على الحقيقة في الزل وما لم يزل‪ .‬وهي التي ل تجامع أضدادها في الوجود" (أثناء حديث لي معه‬
‫في مسقط أفريل ‪).1983‬‬
‫(‪ )9‬داود التلتي‪ :‬شرح العقيدة‪27 :‬‬
‫(‪ )10‬داود التلتي‪ :‬شرح العقيدة‪27 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )11‬عمرو التلتي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪52:‬‬


‫(‪ )12‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 32‬قفا ‪33‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )13‬أبو عمار الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت ص ‪162‬‬
‫(‪ )14‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ص ‪52‬‬
‫(‪ )15‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل رسالة لهل عمان‪ 85 :‬والية (‪ 34‬سبأ ‪)3‬‬
‫(‪ )16‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪33‬وجه و قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪108‬‬
‫(‪ )17‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل رسالة لهل عمان‪87:‬‬
‫(‪ )18‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ص ‪.52‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة‪ .‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة ‪ 1965‬ص ‪151‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 33‬ول السماء الحسنى فادعوه بها‪ ،‬قفا وجه ‪ 44‬لم ينتبه التلتي إلى قوله تعالى‪( :‬‬
‫‪ 30‬الروم ‪ )27‬وفيها وذروا الذين يلحدون في أسمائه‪ ،‬سيجزون ما كانوا يعملون إمكانية قول إن العادة أهون عليه من‬
‫البدء‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬الكلم‪ " :‬ومعنى كونه تعالى متكلما بذاته أن ذاته تعالى كافية كونه آمرا وناهيا ومستخبرا من‬
‫غير حاجة إلى قيام معنى به قديم زائد عليه مناف للسكوت والفة يدل عليه بالعبارة والكتابة‬
‫والشارة ويكون آمرا وناهيا ومخبرا ومستخبرا" (‪. )21‬‬

‫" فالكلم صفة له تعالى يراد بها نفي الخرس عنه والقرآن كلمه عز وعل وفعل من أفعاله لنه‬
‫وصفه بصفات خلقه من التصال والنفصال والتبعيض والتشابه ونحوها‪.‬‬

‫ويقال ال تعالى كلم وتكلم بعد وجود خلقه وكذا يتكلم‪.‬‬

‫ويقال ال تعالى كلم أنبياءه ورسله وقال لعباده وتكلم (متكلم بمعنى خالق الكلم)‪.‬‬

‫وتجوز على ال كلم ومتكلم ومكلم بحسب قرائن الحوال عند بعض أئمتنا‪.‬‬

‫ول يقال كلمه عباده ول قالوا لـه ول اخبروه وإنما يقال سألوه ودعوه ونحو ذلك‪)22( ".‬‬

‫‪ )2‬السمع‪ :‬ومعنى كونه تعالى سميعا بذاته " أن ذاته عز وجل كافية في اكشاف جميع المسموعات‬
‫لـه من غير احتياج فيه إلى معنى قديم زائد عليه قائم به يتأتى به ذلك النكشاف" (‪)23‬‬

‫ومعنى سميع إثبات أنه غير أصم وهو سميع بذاته ل بجزء من أجزائه أو بسمع زائد عليه‪.‬‬

‫وقد سالت السيدة عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن السميع فقال عليه‬
‫السلم‪ " :‬السميع الذي ل تخفى عليه الصوات" (‪ )24‬والذي ل تخفى عليه الصوات ليس بأصم‪.‬‬

‫ويقال ال تعالى سميع وسامع وقد سمع بمعنى عدم خفاء الصوات عليه‪ ،‬والسميع صفة له قديمة‬
‫يراد بها نفي الصمم عنه وخفاء الصوات عليه‪ ،‬وسمع ال بغير آلة وسمع الحادث بها‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وسمعه تعالى عبارة عن إدراكه الصوات وملقاته لها‪ .‬ويقال سمع بنفسه وبذاته ول يقال غير‬
‫هاتين العبارتين ول يقال ال سماع‪.‬‬

‫ويجيز أصحابنا (‪ )25‬أنه عز وجل سميع لللوان بصير للصوات وهو عندهم سميع لكل شيء‬
‫وبصير لكل شيء لن مرجع هاتين الصفتين إلى العلم ومن أدلتهم قوله تعالى‪ ( :‬بصير بما يعملون)‬
‫(‪ 2‬البقرة ‪ )96‬والعمال ليست من اللوان‪.‬‬

‫‪ )3‬البصر‪ " :‬ومعنى كونه بصيرا بذاته أن ذاته تعالى كافية في انكشاف جميع المبصرات لـه من‬
‫غير حاجة فيه إلى معنى زائد عليه قائم به يتأتى به ذلك النكشاف"‪)26( .‬‬

‫" معنى بصير إثبات أنه غير أعمى وهو بصير بذاته ل بجزء من أجزائه أو ببصر زائد على ذاته‪.‬‬

‫وقد سألت السيدة عائشة رضي ال عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم عن البصير فقال‪ " :‬الذي‬
‫ل تخفى عليه اللوان" (‪. )27‬‬

‫" والذي ل تخفى عليه اللوان ليس بأعمى ويجوز على ال تعالى مبصر بمعنى بصير‪.‬‬

‫والبصر صفة قديمة له تعالى يقصد بها نفي العمى وخفاء اللوان عنه‪.‬‬

‫ويقال إنه تعالى بصير ومبصر وأبصر اللوان وكل شيء بمعنى علمه وبصر غيره بمعنى جعله‬
‫مبصرا أو رائيا ويقال أبصر بنفسه وبذاته ول يقال غير هاتين العبارتين ول يقال بصار ول يتبصر"‬
‫(‪. )28‬‬

‫‪ )1‬الرادة‪ " :‬ومعنى كونه مريدا بذاته أن ذاته كافية في تخصيص جميع الممكنات ببعض ما يجوز‬
‫عليه من غير قائم به يتأتى من ذلك التخصيص" (‪. )29‬‬

‫" والرادة صفة ال تعالى أزلية يقصد بها نفي الكراه عنه وهي في حق المخلوق ما به يتكون‬
‫المراد على ما أراده المريد من غير إكراه له عليها"‬

‫ويراد بها المنشيئة فهما في حقه تعالى بمعنى واحد‪.‬‬

‫وقد تكون إحداهما غير الخرى في اللغة إذ يقال فيها‪ :‬أردت فلنا بمعنى قصدته ل شئته‪.‬‬

‫ويقال أردتك لكذا ل شئتك لكذا‪.‬‬

‫والرادة أكثر استعمال في التكوين والدعاة والمر‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول يقال أراد ال نفسه ول لم يردها‪.‬‬

‫وال تعالى لم يرد نفسه لن الرادة كالقدرة وإنما تقال في الفعال ل في الذوات‪.‬‬

‫والرادة والمشيئة بمعنى القدرة لن القادر هو الذي إذا شاء أن يكون شيء كان‪ ،‬وإذا لم يشأ أن‬
‫يكون لم يكن وهو عندنا عز وجل مريد لكل شيء وشاء لكل كائن" (‪. )30‬‬

‫والملحظ إن المتأمل في توضيح عمرو التلتي لمدلولت صفات الذات يلمس أنه اعتمد اعتمادا كليا‬
‫أو يكاد على أبي عمار عبد الكافي في شرح كتاب الجهالت (‪ )31‬إل إن التلتي تميز بالجمع بين‬
‫الشرح المختصر والشرح الموسع وذلك حسب متطلبات المنهج المرسوم في شرحه المختصر‬
‫لكتاب الديانات وفي شرحه الموسع للنونية (‪. )32‬‬

‫فالباضية حينئذ يعتبرون أن وجوده تعالى كاف في انكشاف‪:‬‬

‫جميع المعلومات ‪ :‬علم‬


‫جميع المسموعات ‪ :‬سمع‬
‫جميع المبصرات ‪ :‬بصر‬
‫وفي تخصيص جميع الكوائن الممكنة ‪ :‬إرادة‬
‫وفي ثبوت العلم وصحته له تعالى ‪ :‬حياة‬
‫وفي كونه آمرا ناهيا ومخبرا ومستخبرا ‪ :‬كلم‬
‫وفي التأثير في جميع المقدورات ‪ :‬قدرة‬

‫فال تعالى حينئذ عالم بذاته وسميع بذاته وبصير بذاته ومريد بذاته وحي بذاته ومتكلم بذاته وقدير‬
‫بذاته‪.‬‬

‫كما يجيز الباضية أن يقال عالم وعلمه ذاته وسميع وسمعه ذاته وهكذا‪.‬‬

‫ول يجيز الباضية أن يقال عالم بعلم أو مريد بإرادة زائدة على ذاته كما يقول الشاعرة‪.‬‬

‫فالمهم حينئذ أن ذاته تعالى كافية في حصول جميع الكمالت‪.‬‬

‫ويصح أن يقال في صفات الذات‪ :‬لم يزل كقولنا لم يزل ال عالما بما كان قبل أن يكون‪ ،‬ولم يزل‬
‫قادرا على إيجاد ما سيوجد قبل أن يوجد‪ .‬ولم يزل مريد الوجود ما علم ال أنه سيوجد قبل أن يوجد‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫وال موصوف بصفات ذاته تعالى في الزل وبعد الزل وفي ما ل يزال إذ لو كانت حادثة لتصف قبل‬
‫حدوثها بضدها ووصفه بها محال والمؤدي إلى المحال محال‪ ،‬فحدوثها محال فوجب قدمها لعدم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫جواز ارتفاع النقيضين فلو كان علمه تعالى حادثا لتصف قبل حدوثه بالجهل تعالى عنه علوا كبيرا‬
‫وهكذا باقي الصفات‪.‬‬

‫وصفات الذات ل تنفي عنه في الزل فل نقول كان ال ولم يعلم وهكذا‪.‬‬

‫ويقول أبو مهدي في هذا الصدد‪ ":‬جميع صفاته في ذاته تقول‪ :‬لم يزل موصوفا بها" (‪. )33‬‬

‫ومعنى لم يزل في صفة ال عز وجل أي لم يعدم قط‪ ،‬فأما ل يزال فمعناه أي ل يكون معدوما ول‬
‫يقال لغير ال ل يزال إل بالصلة وقد قال عز وجل‪ ( :‬ل يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم) (‪9‬‬
‫التوبة ‪ )110‬ويقولون ل يزال فلن من هذا المر حتى يموت فيه لنه لم يزل للماضي ول يزال‬
‫للمستقبل‪.‬‬

‫ول يجوز التعجب بصفات الذات لن التعجب استعظام فعل ظاهر المزية خفي السبب ولذا يقال‪ :‬إذا‬
‫ظهر السبب بطل العجب أما إذا ورد من ال تعالى فيكون حسب المحشي مصروفا إلى المخاطبين‬
‫نحو‪ (:‬فما أصبرهم على النار) (‪ 2‬البقرة ‪ ( )175‬أسمع بهم وأبصر) (‪ 19‬مريم ‪)34( )38‬‬
‫ويوضح سليمان ابن أبي ستة عدم جواز التعجب بصفات الذات أيضا بقوله‪ ":‬السر في ذلك أن من‬
‫شرط المتعجب منه أن يكون قابل للتفاوت وصفات ال سبحانه بخلف ذلك‪ .‬أما قوله تعالى‬
‫اليات_و_الحاديث( أسمع بهم) فإنما جاز باعتبار متعلقه فهو في قوة قوله‪ ":‬ما أكثر مسموعاته"‬
‫فالتعجب في الحقيقة من المسموع ل من السمع"‪)35( .‬‬

‫" فل يقال حينئذ ما أحيى ال ول ما أقدره ول ما أعظم إرادته ول ما أسمعه ول ما أبصره كما ل‬
‫يقال في شيء من صفاته اضطراري ول كسبي‪)36( ".‬‬

‫تلك هي إذن مشاركة علماء القرون المقررة في تعريف صفات الذات وتبيين مدلولتها وقد غلب‬
‫عليها نقل ما ورد في حاشية أبي عمار عبد الكافي على كتاب الجهالت مع حرص على توضيح ما‬
‫جاء غامضا في هذه الحاشية‪ .‬وقبل أن نتحول إلى تبيين موقف الباضية من أن الصفات عين الذات‬
‫يحسن أن نذكر مع أبي عمار عبد الكافي أن الباضية يعتبرون أن الرضا والولية والسخط والغضب‬
‫من صفات الذات لن الذات اللهية ل يتطرق إليها التغير ول التحول ول تتصف بالحوادث (‪ )37‬لن‬
‫هذا مهم في فهم قضيتي القدر والوعد والوعيد‪.‬‬

‫فماذا إذن عن مناقشة الباضية لمن يعتبرون أن الصفات الذاتية غير الذات؟‬
‫================================‬
‫(‪ )21‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ص ‪53‬‬
‫(‪ )22‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 34‬قفا ‪35‬وجه‪.‬ملحظة ‪ :‬انظر زيادة تفصيل في القضية عند الحديث عن مسألة القرآن في ما‬
‫يلي‪344 :‬‬
‫(‪ )23‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ص ‪53‬‬
‫(‪ )24‬انظر ما سبق‪228:‬‬
‫(‪ )25‬يعني الباضية‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )26‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 34‬قفا‪ ،‬انظر ما سبق‪229 :‬‬


‫(‪ )27‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ص ‪53‬‬
‫(‪ )28‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ 34‬قفا‬
‫(‪ )29‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪52 :‬‬
‫(‪ )30‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪34‬وجه‪ .‬ملحظة‪ :‬انظر زيادة تحليل لصفة الرادة عند تحليل قضية القدر في ما يلي ‪:‬‬
‫‪231‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي ‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪166-163 :‬‬
‫(‪ )32‬ويتواصل نفس الموقف بعد القرن ‪ 12/18‬فانظر على سبيل المثال‪ :‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 185-165 :‬وعبد العزيز‬
‫الثميني‪ :‬النور ‪ 112 -104 :‬وهو نفس كلم عمر التلتي‪ .‬وناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪26 :‬‬
‫(‪ )33‬أبو مهدي عيسى بن لسماعيل ‪ :‬رسالة لهل عمان‪85 :‬‬
‫(‪ )34‬والنص‪ :‬ر‪ .‬المحشي ‪:‬حاشية على كتاب الجهالت‪33:‬‬
‫(‪ )35‬سليمان ابن أبي ستة‪ :‬حاشية على شرح كتاب الجهالت‪33:‬‬
‫(‪ )36‬نفس المصدر والصفحة‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪1/144‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الصفة الذاتية عين الذات‪:‬‬

‫كلما اشتغلت المصادر الباضية بقضية الصفات يتصدى أصحابها للدفاع عن نظرتهم ودحض‬
‫نظريات الفرق الخرى اعتمادا على آراء الباضية أحيانا وعلى آراء مجتهدين من تلك الفرق‬
‫خالفوا فرقهم في هذه النقطة بالذات‪.‬‬
‫وعمدة المصادر الباضية النصان التاليان‪:‬‬

‫‪ -‬قول أبي عمار كما نقله المحشي‪:‬‬


‫قال أبو عمار رحمه ال ردا على الشعري في قولهم بالتعدد والتغاير والقيام بالذات ما نصه‪ ":‬فلما‬
‫أثبتوا (الشاعرة) صفات ال تعالى متغايرة متعددة ثم التمسوا لهذه المعاني المتعددة المتغايرة محل‬
‫يحلونها به ومقاما يقيمونها فيه فلم يجدوه لما كان ال في أزليته ليس معه شيء غيره فلما لم‬
‫يجدوا لها أقدموا عليه من القول بهذا مخرجا سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا فتجاسروا على‬
‫القول بأنها حالة بالصانع جل جلله فأئمة بذاته تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪...‬إلى أن قال‪ :‬وما‬
‫عسى أن يرد عليهم بأقبح من مقالتهم حيث زعموا أن ال جل جلله محل للشياء وظاهوا بذلك قول‬
‫اليعقوبية من النصارى" (‪)38‬‬

‫‪ -‬وقول السدويكشي في حاشيته على كتاب الديانات‪:‬‬


‫" احتج الشاعرة على ما ذهبوا إليه من أن الصفات مغايرة للذات بوجوه ثلثة‪:‬‬

‫الول‪ :‬ما عليه القدماء منهم وهو قياس الغائب على الشاهد وذلك أنهم قالوا‪ :‬إن العلية والحد‬
‫والشرطية ل تختلف في الشاهد والغائب بل هي فيهما سواء ول شك أن علة تسمية العالم إنما هي‬
‫قيام صفة العلم به وحد العالم هو من قام به العلم وشرط تسمية الشيء بالمشتق هو أن يكون فيه‬
‫أصل ذلك المشتق فشرط تسمية العالم عالما هو قيام العلم به فالعلم شرط لصحة التسمية بالعالم‬
‫وعلة للتسمية‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والجواب عن هذا الوجه ‪ :‬هو ما أجاب به العضد في المواقف (‪ )39‬والسيد في شرحه (‪ )40‬حيث‬
‫قال ما حاصله ‪ :‬وهذا ضعيف كيف وهذا القائس قائل ومعترف باختلف مقتضى الصفات في الشاهد‬
‫والغائب فإن القدرة في الشاهد ل يتصور فيها اليجاد بخلفها في الغائب والرادة فيه ل تختص‬
‫بخلف إرادة الغائب وكذا الحال في باقي الصفات فإذا ما وجد في أحدهما لم يوجد في الخرى فل‬
‫يصح القياس أصل‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬لو كان مفهوم كونه عالما حيا قادرا نفس ذاته لم يفد ملها على ذاته‪ ،‬وكان قولنا على‬
‫طريقة الخبار ال الواجب أو العالم أو القادر أو الحي إلى سائر الصفات بمثابة حمل الشيء على‬
‫نفسه واللزم باطل لن حمل هذه الصفات يفيد فائدة صحيحة بخلف قولنا ذاته وإذا بطل كونها‬
‫نفسها ول مجال للجزئية قطعا لستحالتها عنه تعالى تعينت الزيادة على الذات‪.‬‬

‫والجواب عن هذا الوجه‪ :‬قال العضد والسيد‪ :‬وفيه نظر لنه ل يفيد زيادة هذا المفهوم أعني مفهوم‬
‫العالم والقادر ونظائرهما على مفهوم الذات ول نزاع في ذلك وأما زيادة ما صدق عليه هذا المفهوم‬
‫على حقيقة الذات فعل يفيده هذا الدليل‪.‬‬
‫(نعم لو تصور مفهوما الوصف والذات معا بحقيقتهما وأمكن حمل الوصف على الذات دون حمل‬
‫الذات على نفسها حصل المطلوب وهو زيادة الوصف على الذات ولكن أنى ذلك التصور الواصل إلى‬
‫كنه حقيقتهما)‪.‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬لو كان العلم نفس الذات والقدرة نفس الذات لكان العلم نفس القدرة مع أنه ضروري‬
‫البطلن وكذا الحال في سائر الصفات‪.‬‬

‫الجواب عن هذا الوجه‪ :‬أنه إنما يدل على تغاير مفهومي العلم والقدرة ومغايرتهما للذات والنزاع‬
‫إنما هو في الثاني دون الول فمنشأ هذين الوجهين عدم الفرق بين مفهوم الشيء وحقيقته‪.‬‬

‫قال العضد والسيد‪ :‬وهذا الوجه من النمط الول أي الوجه السابق‪ ،‬عليه واليراد هو اليراد يعني‬
‫أنه يدل على تغاير مفهومي العلم والقدرة ومغايرتهما للذات ل على تغاير حقيقتهما ومغايرتهما لها‪.‬‬

‫قال السيد‪ :‬فإن قلت كيف يتصور كل صفة الشيء عين حقيقته مع أن كل واحد من الموصوف‬
‫والصفة يشهد بمغايرته لصاحبه وهل هذا إل كلم مخيل ل يمكن أن يصدق به كما في سائر القضايا‬
‫المخيلة التي يمتنع التصديق بها فل حاجة بنا إلى الستدلل على بطلنه‪.‬‬

‫قلت‪ :‬ليس معنى ما ذكروه أن هناك ذاتا وله صفة وهما متحدان حقيقة كما تخيلته بل معناه أن ذاته‬
‫تعالى يترتب عليه ما يترتب على ذات وصفه معا‪.‬‬

‫مثل‪ :‬ذاتك ليست كافية في اكشاف الشياء عليك‪ ،‬بل تحتاج في ذلك إلى صفة العلم التي تقوم بك‪.‬‬
‫بخلف ذاته تعالى فإنه ل يحتاج إلى انكشاف الشياء وظهورها عليه إلى صفة تقوم به بل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المفهومات بأسرها منكشفة عليه لجل ذاته‪.‬‬

‫فذاته تعالى بهذا العتبار حقيقة العلم وكذا الحال في القدرة فإن ذاته تعالى مؤثرة بذاتها ل بصفة‬
‫زائدة عليها كما في ذواتنا فهي بهذا العتبار حقيقة القدرة‪.‬‬

‫وعلى هذا تكون الذات والصفات متحدة في الحقيقة متغايرة بالعتبار والمفهوم ومرجعه إذا حقق‬
‫إلى نفي الصفات مع حصول نتائجها وثمراتها من الذات وحدها (‪. )41‬‬

‫ومن خلل هذه الردود نتبين أن المصادر الباضية تقرر مثل المعتزلة والشيعة (‪ )42‬أن الصفات‬
‫عين الذات وهذا ما يذكره التلتي في هذا الشأن " فالصفات كلها صفات سلوب‪ ،‬أي معاني اعتبارية‬
‫أريد بها سلب أمور ل تليق به سبحانه وتعالى‪ ...‬فهي عندنا (‪ )43‬أمور اعتبارية كالنكشاف في‬
‫العلم والسمع والبصر والتمكن في القدرة والتخصيص في الرادة والستلزام في الحياة ل صفات‬
‫حقيقية موجبة لذلك كما يقولون‪.‬‬

‫فلسنا قائلين بثبوت الصفات في ذاتها ول بأنها معان هي عين ذاته تعالى كما قد يتوهم من قول‬
‫أئمتنا رحمهم ال إن صفات ال عين ذاته بل نقول أمور اعتبارية ل وجود لها في ذاتها ول في ذاته‬
‫تعالى واعتبرناها لنفي أضدادها ونقول إن ذاته كافيه في النكشاف والتخصيص والستلزام‬
‫المتقدمة‪.‬‬

‫وإن هذا هو المراد من كون الصفات عين الذات ل أنها معان موجودة في نفسها في ذاتها وأنها غير‬
‫ذاته تعالى‪ ،‬لنه ل يقول بذلك جاهل فضل عن فاضل وهذا كله في صفات الذات‪ )44( .‬فماذا عن‬
‫صفات الفعل؟‬

‫صفات الفعل‪:‬‬

‫التعريف‪ :‬قال التلتي‪ ":‬أما صفات الفعال فهي عندنا مدلولت المصادر الواقع منها الشتقاق‬
‫كإيجاد الرزق الذي هو مدلول لفظ‪ :‬رزق المشتق منه رازق ورزق يرزق‪ ،‬وإيجاد الحياة الذي هو‬
‫معناه لفظ إحياء المشتق منه أحيى ويحي وهكذا"‪)45( .‬‬

‫وبعبارة أخرى هي معان حقيقية قائمة بالمخلوق اتصف تعالى بما اشتق منها كالخالق والرازق‬
‫والمحيي والمميت فإن الخلق والرزق والحياء والماتة معان حقيقية إنما هو حصول ما يترتب‬
‫عليها أي المعاني الحقيقية هو الثر الحاصل من الخلق والرزق والحياء والماتة ونحوها وإل‬
‫فالتأثير اعتباري (‪. )46‬‬

‫" وصفات الفعل تختلف عن صفات الذات من حيث إنها تجامع ضدها في الوجود عند اختلف المحل‬
‫كأن يوسع في رزق زيد ويضيق في رزق عمرو‪ ،‬وأن يرزق العلم عمرو ويخلق الجهل لزيد‪ ،‬وأن‬
‫يخلق كذا دون كذا وأن يعطي فلنا كذا ويمنع فلنا كذا‪ ،‬ويحب فلنا ويبغض فلنا ويرضى عن فلن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويسخط على فلن ويوالي فلنا ويعادي فلنا ويرحم فلنا ويعذب فلنا وهكذا"‪)47( .‬‬

‫تعداد صفات الفعل‬

‫لم تقع الشارة إلى إحصاء صفات الفعال وذلك لنها ل يمكن أن تنحصر تحت عدد مثل صفات‬
‫الذات‪.‬‬

‫أما من حيث أزليتها أو عدمها وإمكانية التعجب بها فهاك خلصة القول في ذلك من قول أبي مهدي‪:‬‬

‫" وأما صفاته في فعله فل يجوز فيها لم يزل لن في ذلك إثبات الخلق قديما لم يزل‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫يقال لم يزل معبودا ول لم يزل مذكورا وما أشبهها لن في ذلك إثبات العابد والذاكر قديمين معه‪.‬‬

‫وأما لم يزل خالقا ورازقا ومنشئا وما أشبه ذلك فجائز بأحد ثلثة شروط‪:‬‬

‫‪ -‬إما أن تصل كلمك فتقول‪ ":‬لم يزل خالقا لمخلوق سيكون‪ ،‬ورازقا لمرزوق سيكون وما أشبه‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬وإما أن تريد به القدرة على اليجاد‪.‬‬

‫‪ -‬وإما أن تعني بذلك فائدة اسم الفاعل ومعناه لنه يصلح للحال والستقبال إذ كان منونا وال أعلم‪.‬‬

‫قال الشيخ يونس ابن أبي زكرياء رحمه ال (‪ ": )48‬من قال ل يجوز على ال خالق ول رازق في‬
‫الزل فهو كافر منافق‪ .‬ومن قال ليس بخالق ول رازق في الزل فهو مشرك‪ .‬وكذا في سائر ما أشبه‬
‫ما ذكرنا‪)49( ".‬‬

‫والملحظ أن القضية خلفية بين علماء الباضية فعلماء المشرق وأهل الجبل يعتبرون صفات‬
‫الفعال حادثة قال في المنهج‪)50( :‬‬
‫" ول يجوز أن يقال ‪ :‬لم يزل بارئا ومصورا ورازقا وخالقا وما كان من صفات الفعال لن ذلك‬
‫يوجب قدم الفعل في الزل وال سبحانه وتعالى لم يزل ول شيء معه ثم أحدث الشياء" (‪)51‬‬

‫وأما علماء المغرب فقد عبر عمرو التلتي عن رأيهم كما يلي‪ ":‬والذي عليه المغاربة أن صفات ال‬
‫كلها قديمة أزلية لنه يقال‪ :‬ال تعالى خالق في الزل على معنى سيخلق‪ ،‬ورازق في الزل على‬
‫معنى سيرزق وهكذا" (‪. )52‬‬

‫وهذا ما ذكره يوسف المصعبي حيث قال‪ ":‬هل ال فاعل في أزليته؟ نعم ‪ ...‬قد سميناه بذلك في‬
‫أزليته وبعد إحداثه الشياء ولم يزل ربا خالقا" (‪)53‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وحاصل القول‪ ":‬إن صفة الذات هي التي اتصف بها تعالى بالفعل في الزل‪ ،‬وصفة الفعل هي التي‬
‫لم يتصف بها بالفعل فيه‪ ،‬وإنما يتصف بها فيما ل يزال وهو راجع إلى القول بحدوثها كما يدل له‬
‫تفسيرها المذكور وكما تقول المشارقة" (‪)54‬‬

‫فواضح إذن أن الخلف لفظي إل إن المفهوم واحد وهو إن صفات الفعال محدثة‪.‬‬

‫وإن كان ل يصح التعجب في صفات الذات فإنه يجوز التعجب في صفات الفعل نحو ما أعظم إنعام‬
‫ال على عباده وما أحكمه‪...‬‬

‫هذا عن صفات الفعال لكن الباضية تبينوا أن تقسيم الصفات إلى ذاتية وفعلية غير كاف فاقترحوا‬
‫تقسيما آخر فماذا عن هذا التقسيم؟‬
‫================================‬
‫(‪ )38‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪،41:‬ر‪.‬السالمي‪ :‬المشارق‪.180 :‬‬
‫اليعقوبي‪ :‬نسبة إلى يعقوب البراذعي الذي انتحل مذهب بطريرك السكندرية القائل بأن للمسيح طبيعة واحدة ‪،‬وهي الفكرة التي‬
‫رفضها مجمع خليقدونية عام ‪451‬م‪ .‬وتسبب عنها تمسك الكنيسة المصرية برأي بطريركها والنفصال عن الكنيسة الرومانية‪.‬‬
‫ر‪ .‬متولي يوسف شلبي‪ :‬أضواء على المسيحية ‪ .‬الدار الكويتية للطباعة والنشر ط‪:1393/1973 ،2 .‬ص ‪123‬‬
‫(‪ )39‬انظر لتعريف العضد ما سبق ‪ 57 :‬تعليق ‪90‬‬
‫ر‪ .‬في ما يتعلق بالنص المستشهد به‪ :‬اليجي‪ :‬الموقف ط‪ .‬حجرية من الحجم الكبير‪ .‬لم تذكر الطبعة د‪.‬ت ‪346 -2/345‬والتصرف‬
‫جاء في إيراد الجوبة بعد عرض كل وجه مباشرة‪.‬‬
‫(‪ )40‬السيد هو علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني(‪ )1413 -816/1340 -740‬فيلسوف من كبار علماء‬
‫العربية‪ .‬أغلب إقامته في شيراز من أهم مؤلفاته" شرح المواقف لليجي" ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪5/159‬‬
‫(‪ )41‬ر‪ .‬السدويكشيك حاشية على كتاب الدياناتك ‪ ،7-5‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ ،177 -176:‬سعيد ابن تعاريت‪ :‬المسلك‬
‫المحمود‪144-141 :‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬محمد علي ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي ‪ :‬بين هذا التفاق مع التنبيه إلى بعض الفويرقات‪158:‬‬
‫(‪ )43‬يقصد الباضية‬
‫(‪ )44‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪147:‬‬
‫ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف‪ ،2/345:‬وقد ناقش آراء أبرز الفرق‪ :‬الشاعرة الشيعة‪ ،‬المعتزلة ‪.‬ر‪ .‬إبراهيم البيجوري‪ :‬شرح جوهر‬
‫التوحيد‪. 80 -79:‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪188 -182 :‬‬
‫(‪ )45‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪ 148 -147:‬واستعمل أيضا عبارة أخرى عوضا عن قوله " منها الشتقاق""وهي" اشتقاق‬
‫الفعال والصفات منها‪.‬‬
‫(‪ )46‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪172:‬‬
‫(‪ )47‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 36‬وجه ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ . 114:‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 173:‬ر ‪.‬‬
‫أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬كتاب العدل والنصاف‪ ،71 -70:‬وقد أجرينا حوارا مع احمد الخليلي مفتي عمان في هذا الشأن بمسقط‬
‫أفريل ‪ 1983‬والموقف الباضي ما يزال على ما كان عليه السلف‪.‬‬
‫(‪ )48‬يونس بن فصيل ابن أبي مسور(ق ‪ )5/11‬أخذ العلم عن أبيه فصيل في الجامع الكبير‪ .‬نشط في تأسيس نظام العزابة مع‬
‫أبي عبدال محمد ابن أبي بكر (‪ .)400/1049‬وكان من أعضاء الحلقة التي كونت في جربة‪.‬ر‪ .‬الجعبيري‪ :‬نظام العزابة‪196 :‬‬
‫وفيه الحالة على المصادر‪.‬‬
‫(‪ )49‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪85:‬‬
‫(‪ )50‬يقصد كتاب منهج الطالبين وبلغ الراغبين لخميس بن سعيد الرستاقي وقد عرفنا بالمؤلف( انظر ما سبق‪ 56:‬تعليق ‪36‬‬
‫(‪ )51‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪ 137 :‬مع إضافة ‪ ":‬وهذا ما عليه الشاعرة‪.‬‬
‫(‪ )52‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪36‬وجه‪ .‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪173:‬‬
‫(‪ )53‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪8:‬‬
‫(‪ )54‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪174 -173:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وينقل عمرو التلتي عن المشارقة روايتهم التالية عن تقسيم الصفات إلى ثلثة أقسام"‬

‫" صفات ذاتية فقط‪ ،‬وصفات فعلية فقط‪ ،‬وصفات ذاتية باعتبار وفعلية باعتبار‪.‬‬
‫فالولى هي كل صفة دلت على نفي ضدها عنه تعالى واتصف بها بالفعل في الزل كالعلم والقدرة‬
‫والرادة والسمع والبصر والحياة‪.‬‬

‫والثانية كل صفة دلت على نفي ضدها عنه تعالى ولم يتصف بها بالفعل في الزل كالخلق والحياء‬
‫والماتة والحب والبغض والقبض والبسط والولية والبراءة‪.‬‬

‫والثالثة كل صفة تحتمل معنيين متغايرين كحكيم بمعنى نفي العبث عنه تعالى صفة ذات وبمعنى‬
‫واضع الشياء في مواضعها اللئقة بها صفة فعل وصادق فإنه بمعنى نفي الكذب عنه تعالى صفة‬
‫ذات وبمعنى مخبر بالصدق صفة فعل وسميع فإنه بمعنى نفي الصم عنه تعالى صفة ذات‪ ،‬وبمعنى‬
‫قابل الدعاء صفة فعل ولطيف فإنه بمعنى عالم صفة ذات‪ ،‬وبمعنى رحيم صفة فعل وهكذا" (‪. )55‬‬

‫واضح أن هذا التقسيم أكثر دقة من التقسيم الول وأكثر وضوحا وشمول‪.‬‬

‫وإلى جانب هذا ذكرت مصادر المرحلة المقررة وما بعدها التقسيم المعتمد عند غير الباضية‪.‬‬

‫ومن ذلك يذكر عمرو التلتي تقسيم الشاعرة الصفات إلى أربعة أقسام وحصرهم ما يجب أن يعلم‬
‫منها في عشرين صفة‪.‬‬

‫‪ )1‬الصفة النفسية‪ :‬وهي الوجود الذاتي‪.‬‬

‫‪ )2‬الصفة السلبية‪ :‬وهي خمس‪ :‬القدم‪ ،‬والبقاء ومخالفة الحوادث والقيام بالنفس والوحدانية‪.‬‬

‫‪ )3‬صفات المعاني وهي الصفات الذاتية عند الباضية ‪ :‬سبع ‪ :‬العلم والرادة والقدرة والحياة‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والسمع والبصر والكلم‪.‬‬

‫‪ )4‬صفات معنوية منسوبة إلى تلك المعاني وهي‪ :‬سبع‪ :‬العليم والمريد والقادر والحي والسميع‬
‫والبصير والمتكلم ‪)56( .‬‬

‫هذا ما تعلق بالصفات فماذا عما يجب ويستحيل ويجوز في حق ال تعالى؟‬

‫ما يجب وما يستحيل وما يجوز في حق ال تعالى؟‬


‫الواجب في حقه تعالى‪ :‬يحسن أن نبين مفاهيم كلمة الواجب إذا أضيفت إلى غيرها‪.‬‬

‫فالواجب العقلي‪ :‬هو الضروري في العقل كوجود الصانع وحسن العدل وقبح الظلم‪.‬‬

‫والواجب الشرعي‪ :‬هو ما يترتب على فعله الثواب وعلى تركه العقاب وهذا مرجعه إلى الشرع ما لم‬
‫يمنع العقل جوازه‪.‬‬

‫والواجب في حقه تعالى هو ما يترتب على ثبوته له كمال وعلى عدمه نقص ومحال كجميع صفات‬
‫الذات من حياة وعلم وما إليها والوجود والوحدانية والقدم والبقاء وعدم المثل في الذات والصفات‬
‫والفعال الخ‪)57( ...‬‬
‫ولقد عرفنا الوجود من قبل (‪ )58‬فماذا عن البقية؟‬

‫‪ )1‬الوحدانية‬

‫الواحد لغة‪ ":‬وحده‪ :‬مصدر محذوف الزوائد وله فعل والكثر اسم مصدر في موضع الحال‪ ،‬وقيل‬
‫ظرف وشذت تثنيته وجره بعلى أو بالضافة‪.‬‬

‫والواحد الذي ل جزء له ول شبيه بوجه" (‪)59‬‬

‫" الواحد في الحقيقة هو الذي ل جزء له البتة ثم يطلق على كل موجود حتى إنه ما من عدد إل‬
‫ويصح أن يوصف به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة وألف واحد‪.‬‬

‫والواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه‪:‬‬

‫الول‪ :‬ما كان واحدا في الجنس أو في النوع كقولنا‪ :‬النسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمر‬
‫واحد في النوع‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬ما كان واحدا بالتصال إما من حيث الخلقة كقولك‪ :‬شخص واحد وإما من حيث الصناعة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كقولك حرفة واحدة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ما كان واحدا لعدم نظيره إما في الخلقة كقولك‪ :‬الشمس واحدة وإما في دعوى الفضيلة‬
‫كقولك‪ :‬فلن واحد دهره ونسيج وحده‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬ما كان واحدا لمتناع التجزئ فيه إما لصغره كالهباء وإما لصلبته كاللماس‪.‬‬

‫الخامس‪ :‬للمبدأ أما لمبدأ العدد كقولك‪ :‬واحد‪ ،‬اثنان وإما لمبدأ الخط كقولك ‪ :‬النقطة الواحدة‪.‬‬

‫والوحدة في كلها عارضة‪.‬‬

‫السادس‪ :‬إذا وصف ال تعالى بالواحد فمعناه هو الذي ل يصح عليه التجزؤ ول التكثر‪ ،‬ولصعوبة‬
‫هذه الوحدة قال ال‪ ( :‬إذا ذكر ال وحده اشمأزت قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة) ( ‪ 39‬الزمر ‪)45‬‬

‫والواحد بفتح الواو والحاء المهملة‪ ،‬وهو الفرد ويوصف به غير ال‪.‬‬

‫وأحد‪ :‬مطلق ل يوصف به غير ال‪.‬‬

‫ويقال ‪ :‬فلن ل واحد له كقولك هو نسيج وحده" (‪)60‬‬

‫والوحدانية شاملة لوحدانية الذات والصفات والفعال وقد لخص المحشي الكلم في هذه القضية كما‬
‫يلي عند شرح المتن‪ :‬وإنه ل يشبه شيئا ول يشبهه شيء في اسم ول صفة ول ذات‪:‬‬

‫" قوله‪ :‬في اسم ول ذات يعني ول فعل ول عبادة كما هو معلوم وهذا يقتضي أن الواحد في حق ال‬
‫تعالى على خمسة أوجه مع أنه اقتصر في ما تقدم على ثلثة اوجه حيث قال‪ :‬وهو الواحد في ذاته‬
‫والواحد في صفاته والواحد في فعله واقتصر في كتاب السؤالت على أربعة وأسقط الواحد في‬
‫أسمائه وجوابهما مفهوم العدد ل يفيد الحصر وأن الواحد في الذات يشمل الواحد في السم لن‬
‫السم نفس المسمى"‪)61( .‬‬

‫والمهم أن مرجعها إلى ثلثة أي في الذات والصفات والفعال‪.‬‬

‫" ومعنى واحد في الذات أن ذاته ليست بذات جسم فيوصف بالتجزئة والنعدام‪.‬‬
‫ومعنى واحد في الصفة‪ :‬أي ليس أحد غيره يوصف بصفته من اللوهية والربوبية والقدرة والعلم‬
‫والرادة وفي جميع صفاه عز وجل‪.‬‬

‫ومعنى واحد في الفعل‪ :‬ليس أحد يفعل كفعله أي ل خالق الخلق ول مفني الخلق إل هو ول مرسل‬
‫الرسل ول منبئ النبياء ول منزل الكتب ول فاعل سماء ول أرضا ول شيئا من أفعاله عز وجل إل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هو"‪)62( .‬‬

‫والفرق في الواحد في حق ال تعالى وفي حق المخلوق أن الواحد في حق النسان مثل أنه واحد‬
‫من عدد من الناس ومتجزئ إلى أجزاء كثيرة والواحد في حق الخالق ما أشير إليه في الوجه‬
‫السادس من وجوه تفسير الواحد أي ل يشاركه أحد في وحدانيته ول يتجزأ تعالى عن ذلك علوا‬
‫كبيرا"‪)63( .‬‬

‫وقد حرصت المصادر على إيراد الدلة النقلية والعقلية لثبات وجوب الوحدانية ل تعالى‪.‬‬

‫أما الدلة النقلية فهي أكثر من أن تحصى مثل قوله تعالى ( قل هو ال أحد) (‪ 112‬الخلص ‪)1‬‬
‫وقوله‪ ( :‬لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا) (‪ 21‬النبياء ‪.)22‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬بني السلم على خمسة على أن يوحد ال‪)64( . "...‬‬
‫وأما الدلة العقلية فملخصها ما ذكره أبو عمار في شرح الجهالت وأحالت الحواشي على هذا‬
‫الشرح‪.‬‬

‫" أدلة التوحيد راجعة إلى طريقتين‪...‬طريقة الصفة والخرى طريقة الممانعة‪.‬‬

‫فطريقة الصفة أنه ل تخلو الذات من أن تكون ذاتا واحدة أو أكثر فإن كانت الذات ذاتا واحدة فهو ما‬
‫قلنا‪ ،‬وإن كانتا ذاتين كانتا غير خاليتين من أن تكونا بصفة واحدة أو بصفتين [ وإن كانتا أيضا‬
‫بصفة واحدة وإن كانت الذاتان بصفتين لم تجب اللوهية والربوبية إل بصفة واحدة]‪)65( .‬‬

‫وأما طريقة الممانعة فإنه ل يخلو الثنان أو اكثر منهما من أن يكونا متمانعين فإن كانا متمانعين‬
‫بطل الوصف عنهما جميعا باللوهية وإن كان واحد مانعا للخر كان المانع هو المستحق لللوهية‬
‫دون الخر‪.‬‬
‫وأما الدلة المذكورة في كتاب ال عز وجل من ذلك عز وجل ( لفسدتا) (‪ )66‬و ( لفسدت السماء‬
‫والرض ومن فيهن) (‪ ، )67‬و ( لذهب كل إله بما خلق ولعل بعضهم على بعض) (‪ 23‬المؤمنون‬
‫‪ )91‬فإنها قريبة من طريقة الممانعة‪ .‬وكذلك وقوله (‪ )68‬لم يخل كل واحد منهما من أن يكون قادرا‬
‫على الخر وغير قادر وان ينفي الخر أو يخفي أمر دونه أو يخلق أمرا دونه في مثل ذلك‪ ،‬فهو كله‬
‫راجع إلى طريقة الممانعة والممانعة راجعة إلى معنى الصفة وذلك أن الممانعة إذا وقعت بينهما كانا‬
‫موصوفين بصفة واحدة أو كانا جميعا غير متمانعين كانت الصفة أيضا واحدة فإن الممانعة من‬
‫حيث ما دارت راجعة إلى طريق الصفة" (‪)69‬‬

‫كما أن يوسف المصعبي (‪ )70‬يحيل على كتاب الموجز (‪ )71‬وواضح من خلل المقارنة أن ما جاء‬
‫محلل في كتاب الموجز قد أوجز في النص الذي أوردنا في كتاب شرح الجهالت‪.‬‬

‫أما ما يمكن أن يقال من الصيغ وما ل يمكن أن يقال فملخصه ما يلي‪:‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقال ال عز وجل واحد على الحقيقة ويقال واحد على حقيقة الوحدانية وعلى حقيقة الواحد كل ذلك‬
‫جائز ويقال واحد كالحاد ول يقال واحد ل كالواحد من الحاد‪.‬‬
‫ويقال ال تعالى موحد وموحد ويجوز في الزل موحد بالكسر وفي غير الزل موحد بالفتح والموحد‬
‫بالكسر هو الفاعل للتوحيد وبالفتح أي وحد نفسه ووحده الموحدون من عباده‪)72( .‬‬
‫==================================‬
‫(‪ )55‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪36‬قفا ‪ .‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.174 -173:‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪115 :‬‬
‫(‪ )56‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪36‬قفا وورقة ‪37‬وجه‪.‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.116 -115 :‬‬
‫وتشير المصادر غير الباضية أيضا إلى قسمين آخرين هما‪:‬‬
‫‪ -‬صفات الفعال‪ :‬وقد أرجعها الماتريدي إلى صفة التكوين‪.‬‬
‫‪ -‬الصفات الخبرية مثل اليد والوجه‪.‬‬
‫ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪198 -197:‬‬
‫(‪ )57‬وقد جمع أبو مهدي ما يجب في حق ال تعالى في رده على البهلولي‪ .114 -113:‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد‬
‫على البهلولي‪114 -113:‬‬
‫(‪ )58‬انظر ما سبق‪18:‬‬
‫(‪ )59‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪36:‬‬
‫(‪ )60‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪22:‬‬
‫وقد أخذنا النص لشموله جل ما جاء عند الباضية في الموضوع رغم أنه متأخر عن المرحلة المقررة وذلك رغبة في الستيعاب‪.‬‬
‫(‪ )61‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.69 -68:‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ ":‬وقيل في معنى الواحد‬
‫إنه واحد في الخلق والرسال والنزال"‪3:‬و ‪5‬‬
‫(‪ )62‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪21:‬‬
‫(‪ )63‬ويقول أبو زكرياء الجناوني في ذلك‪ ..":‬كل موصوف بأنه واحد فذلك جائز فالواحد على الحقيقة هو ال سبحانه لن‬
‫الخالق ل يقبل التجزيء بخلف المخلوق‪ ،‬أل ترى أن الواحد منا هو في الحقيقة اثنان جسم وروح‪ ،‬ومن اثنين ذكر وأنثى‪،‬‬
‫وباثنين طعام وشراب‪ ،‬وع اثنين حركة وسكون ‪ ،‬وال تعالى بخلف ذلك‪ .‬كتاب الوضع‪."34:‬‬
‫(‪ )64‬صحيح مسلم إيمان ‪ 19‬حسب ونسنك‪ ،‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث ‪7/157‬‬
‫(‪ )65‬في ما بين المعقفين غموض‪ ،‬لعله كما يلي‪ :‬فإن كانتا بصفة واحدة لم تجب اللوهية إل بصفة واحدة‪ ،‬وإن كانتا بصفتين‬
‫تعددت اللهة وبطلت‪.‬‬
‫( [‪ 21‬لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا‪ ) )66‬النبياء ‪.)22‬‬
‫ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والرض ومن‪. )67( )23‬المؤمنون ‪[ )71‬فيهن‬
‫(‪ )68‬يشير إلى المتن الذي يشرحه ‪ :‬أي قول تبغورين بن عيسى المشلوطي في كتاب الجهالت‪.‬‬
‫(‪ )69‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪23 -22:‬‬
‫ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬اللمع في الرد على أهل الهواء والبدع‪ ،‬مكتبة الخانجي القاهرة ‪.1955:8‬‬
‫ر‪ .‬الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد ‪ .‬المطبعة الكاثوليكية‪ ،‬بيروت ‪ 21 -20 :1970‬فالشاعرة والماتريدية يستدلون أيضا على‬
‫الوحدانية بنفس الدليل‪.‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪5:‬‬
‫(‪ )71‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪268 -1/266‬‬
‫(‪ )72‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪22 -21:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬القدم‪:‬‬

‫وهو عبارة عن نفي سبق العدم له مطلقا والدليل النقلي قوله تعالى ( هو الول) (‪ 57‬الحديد ‪)3‬‬
‫بمعنى القدم أي الذي كان قبل خلقه‪.‬‬

‫والدليل العقلي هو انه لو لم يكن تعالى قديما للزم أن يكون حادثا وافتقر حينئذ إلى محدث وذلك‬
‫يؤدي إلى التسلسل إن كان محدثه ليس أثرا له أو إلى الدور إن كان أثرا له لما في الول من تعدده‬
‫إلى مال نهاية له ولما في الثاني من كون الشيء الواحد سابقا على نفسه مسبوقا بها (‪. )73‬‬

‫‪ )2‬البقاء (‪)74‬‬

‫وهو عبارة عن عدم إلحاق العدم للوجود والدليل النقلي قوله تعالى ( هو الخر) (‪ 57‬الحديد ‪)3‬‬
‫الذي ل يفنى وهو تأويل الباقي‪ .‬وقوله تعالى‪ ( :‬ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) (‪ 55‬الرحمان‬
‫‪ ( )27‬وال خير وأبقى) (‪ 20‬طه ‪.)73‬‬

‫والدليل العقلي هو انه لو لم يكن متصفا به للزم أن تكون ذاته تعالى قابلة للوجود والعدم فيحتاج في‬
‫ترجيح وجوده إلى مخصص فيكون حادثا كيف وقد مر بالبرهان وجوب قدمه ومن هنا تعلم أن كل‬
‫ما ثبت قدمه استحال عدمه (‪. )75‬‬

‫أما عدم المثل في الذات والصفات والفعل فسنتعرض له عند الوقوف عند قوله تعالى‪ ( :‬ليس كمثله‬
‫شيء) (‪ 42‬الشورى ‪)76( .)11‬‬

‫هذا أهم ما يتعلق بالواجب في حق ال تعالى فماذا يستحيل في حقه سبحانه وتعالى؟‬

‫المستحيل في حق ال تعالى‪:‬‬

‫" والمستحيل في حقه تعالى هو كل نقص (‪ )77‬وضد لصفات كماله النفسية والسلبية والمعاينة‬
‫والمعنوية في الحكم الواجب له تعالى‪.‬‬

‫ومن قام له بالبرهان الصحيح بثبوت اللوهية لواجب الوجود سبحانه وتعالى إذا تصور في نفسه‬
‫هل يجوز في هذا الله أن يكون متصفا بشيء من النقائص أو الرذائل أو المفاسد وجب عليه نفي‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ذلك عنه في الحال لن من كانت هذه صفته فليس بإله فهذه طريق واضحة في معرفة الصفات‬
‫المستحيلة في حق ال تعالى من الفناء والموت والحدوث والعجز والفاقة والضعف والصاحبة‬
‫والولد والشريك والثاني والثالث والعمى والجهل والصمم والخرس والبكم والغفلة والسهو والسنة‬
‫والنوم والجور والظلم وهكذا في سائرها"‪)78( .‬‬
‫فواضح إذن أن المستحيل في حقه تعالى هو ضد جميع صفات الكمال والجمال (‪ )79‬فماذا عما‬
‫يجوز في حق ال تعالى؟‬

‫ما يجوز في حق ال تعالى‪:‬‬

‫يجب أن نميز بين ما يجوز في حق ال تعالى وبين الجواز العقلي أما الجواز العقلي‪ :‬فهو الذي‬
‫يتصور في الذهن وجوده وعدمه فهو نفس المسمى عند المناطقة بالمكان الخاص" ‪)80( .‬‬

‫وأما الجائز في حقه تعالى‪ ":‬فهو كل مال يترتب عليه ول عدمه نقص في حقه تعالى كالخلق‬
‫والفناء والعادة والرزق بفتح الراء"‪)81( .‬‬

‫وهي بالتالي صفات الفعال‪.‬‬

‫وإلى هذا الحد نكون قد ألممنا بأهم ما يتعلق بذات ال وصفاته وما يجب في حقه وما يستحيل وما‬
‫يجوز لكن يحسن قبل أن نختم هذا المبحث أن نفي وعدنا به من قبل‪ ،‬وهو تحليل الباضية لسورة‬
‫الخلص ولقوله تعالى‪ ( :‬ليس كمثله شيء) فماذا عن هذا التحليل؟‬

‫تحليل سورة الخلص‪:‬‬

‫قال الجناوني للتدليل على وجوب الوحدانية شرعا‪:‬‬

‫" ونبه ال تعالى عباده على ذلك بقوله‪ ( :‬قل هو ال أحد ال الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفؤا أحد)‬

‫فقوله‪ :‬قل هو ال ‪ ،‬رد على الدهرية وقوله‪ :‬أحد رد على الثنوية‬


‫وقوله ‪ :‬الصمد رد على المجسمة وقوله‪ :‬لم يلد ولم يولد رد على اليهود والنصارى‪ ،‬وقوله ‪ :‬لم‬
‫يكن له كفؤا أحد رد على المشبهة"‪)82( .‬‬

‫ويشرح المحشي هذا النص كما يلي‪ :‬فيبدأ بالعراب‪ (:‬قل هو ال أحد)‪ :‬قال العنبري يحتمل أن‬
‫يكون هو مبتدأ وال خبره وأحد خبرا ثانيا أو بدل من ال بناء على حسن إبدال النكرة غير‬
‫الموصوفة من المعرفة إذا استفيد منها ما لم يستفد من البدل منه‪ ...‬ويحتمل أن يكون هو ضمير‬
‫الشأن والجملة خبره‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم يحلل المعنى كما يلي‪:‬‬

‫وتعتبر الحدية بحسب الوصف بمعنى أنه أحد في وصفه مثل الوجوب واستحقاق العبادة‬
‫ونظائرهما‪ ،‬أو بحسب الذات أي ل تركيب فيه أصل‪.‬‬

‫وعلى الوجهين تظهر فائدة حمل الحد عليه تعالى ول يكون مثل زيد أحد‪.‬‬

‫ويعود إلى العتماد على العراب فيقول‪:‬‬

‫وظاهر كلم المصنف في قوله تعالى هو ال رد على الدهرية أن لفظ الجللة خبر فليس الضمير‬
‫ضمير شأن لن خبره ل يكون إل جملة فيوافق العراب الول‪.‬‬

‫ثم يعود إلى المعنى‪:‬‬

‫قوله‪ :‬رد على الدهرية وهم المعطلة الذين أنكروا ال رأسا وقالوا ليس إل أرحام تدفع وأرض تبلغ‬
‫وقالوا ما يهلكهم إل الدهر‪ .‬زاد أبو سهل (‪ )83‬رحمه ال وإشارة إلى تحقيق الوجود والثبات‪ .‬قوله‬
‫رد على الثنوية أي وإشارة الى تحقيق الذات‪ ،‬والثنوية هم القائلون بالنور والظلمة يعني أن الشياء‬
‫تكونت منهما في زعمهم لعنهم ال‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رد على المجسمة وفيه إشارة السيد الذي يصمد إليه في كل الحاجات لكن ينظر ما الفرق بين‬
‫المجسمة والمشبهة حتى فرق في الرد عليهما فإن المجسمة من المشبهة قطعا فالولى إسناد الرد‬
‫عليهما إلى محل واحد وهو قوله ‪ ( :‬ولم يكن له كفؤا أحد) فإنه ظاهر كل الظهور بخلف الرد‬
‫بالصمد (‪ )84‬وال أعلم‪.‬‬

‫قوله‪ :‬رد على اليهود والنصارى‪ :‬قال ال تعالى حكاية عنهم‪ ( :‬وقالت اليهود عزيز بن ال وقالت‬
‫النصارى المسبح بن ال) (‪ 9‬التوبة ‪ )30‬والرد عليهم في الحقيقة إنما هو بقوله‪ ( :‬لم يلد) فقط‪،‬‬
‫وكذا فيه الرد على المشركين حيث قالوا‪ " :‬الملئكة بنات ال" تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫قوله‪ ( :‬ولم يكن له كفؤا (‪ )85‬أحد) رد على المشبهة قال أبو سهل‪ :‬رد على من قال بتحيز الذات‬
‫وتحريف السماء والصفات" (‪. )86‬‬

‫فواضح إذن من خلل هذا التحليل وما جاء في أسباب النزول أن هذه السورة جاءت محيطة بصفات‬
‫ال تعالى‪ " .‬فال تعالى نفى عن ذاته أنواع الكثرة بقوله أحد ونفى النقص والمغلوبية بلفظ الصمد‬
‫ونفي المعلولية والعلة بلم يلد ولم يولد ونفى الضداد والنداد بقوله ( لم يكن له كفؤا أحد) ‪)87( .‬‬

‫ثم يعود الجناوني إلى السورة بمنهج آخر‪:‬‬

‫وقد قيل الشرك ثماني‪ :‬الكثرة والعدد والتقلب والنقائص والعلة والمعلول والضداد والشكال فنفى‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عن نفسه الكثرة والعدد بقوله( قل هو ال أحد) ونفى عن نفسه التقلب والنقائص بقوله( الصمد)‬
‫ونفى العلة والمعلول بقوله‪ (:‬لم يلد ولم يولد) ونفى الضداد والشكال بقوله ( لم يكن له كفؤا أحد (‬
‫‪. )88‬‬

‫فالسورة حللت بطابع لغوي عقائدي فلسفي دفاعي وحملت كل طاقات الفكر السلمي والحضارة‬
‫السلمية آنذاك والهدف من ذلك تعظيم ال تعالى وتنزيهه وإقرار عقيدة التوحيد ولذلك تسمى‬
‫السورة أيضا سورة التوحيد‪.‬‬

‫هذا عن سورة الخلص فماذا عن قوله تعالى ( ليس كمثله شيء)؟‬


‫================================‬
‫(‪ )73‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .185:‬ويقول البرادي في تعريف القدم ما يلي‪ ":‬حقيقة القدم صفة القديم‪ .‬والقديم هو‬
‫الموجود ل بعد عدم ول يعدم بعد وجود"‪ .‬رسالة الحقائق‪35:‬‬
‫(‪ )74‬يقول البرادي في تعريف البقاء‪ ":‬وجود بعد وجود" رسالة الحقائق‪ :‬ص ‪35‬‬
‫(‪ )75‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪185:‬‬
‫(‪ )76‬انظر ما يلي‪126:‬‬
‫(‪ )77‬يقول عمرو التلتي‪ :‬دون أن يحلل ‪:‬والمستحيل في حقه تعالى هو كل نقص‪ ،‬وضد للصفات العشرين(انظر ما سبق‪)250:‬‬
‫وقد استفيد من تعداد الشعرية للصفات الواجبة)‪ .‬شرح النونية ورقة ‪ 58‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )78‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪.34‬‬
‫(‪ )79‬قد جمع ما يستحيل في حق ال تعالى أبو مهدي في رده على البهلولي ‪.‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على‬
‫البهلولي‪ "116 -114 :‬ل يوصف بسرور ول فرح ول ضدها وما جاء في الحديث ‪ :‬ا‪ ،‬ال ليفرح بتوبة عبده" وما أشبهه من‬
‫الحاديث فهو مجاز عن لزم الفرح من النعام والثواب‪ .‬والحديث جاء عند البخاري دعوات ‪ .3‬وعند مسلم توبة من ‪1‬إلى ‪،7‬‬
‫وعند الترمذي‪ :‬قيامة ‪ ،49‬دعوات ‪...98‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث‪ 5/98:‬مادة فرح‪.‬‬
‫(‪ )80‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪38‬قفا ‪ .‬ر ‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 164 :‬لقد أورد نفس التعريف‪.‬‬
‫(‪ )81‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪38‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر‪.33 :‬‬
‫(‪ )82‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬كتاب الوضع ط‪ .‬مع حاشية المحشي عليه‪33 -32:‬‬
‫(‪ )83‬انظر ما سبق ‪65‬‬
‫(‪ )84‬الصمد‪ :‬الذي قد انتهى في السؤدد والشرف‪ ،‬وقيل المصمود إليه في طلب الحوائج الخ‪ ...‬ر‪ .‬المعجم الوسيط‬
‫(‪ )85‬الكفؤ‪ :‬القرين‪ .‬الند‪ .‬المثل‪ :‬النظير ر‪ .‬المعجم الوسيط‪.‬‬
‫(‪ )86‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪33 -32:‬‬
‫(‪ )87‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ط ‪ 1‬مطبعة عبد الرحمن محمد ‪ .‬القاهرة د‪.‬ت‪ ،32/185 :‬وقد استعنا بهذه الفقرة لزيادة‬
‫التوضيح‪.‬‬
‫(‪ )88‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬كتاب الوضع مع حاشية المحشي‪34 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تحليل قوله تعالى ‪ ( :‬ليس كمثله شيء) (‪ 42‬الشورى ‪)11‬‬

‫إن هذا الجزء من الية الحادية عشرة من سورة الشورى من أهم ما استدل به أثناء تحليل قضية‬
‫الذات والصفات لذلك أردنا أن نقف عنده كما وقفنا عند سورة الخلص‪.‬‬

‫فهذا أحمد الشماخي يعتبر أن هذا الجزء من الية عمدة الكلم عن الصفات فيقول‪ ":‬واعلم أن عمدة‬
‫هذا الباب (الحديث عن ذات ال) وغيره من الكلم على الصفات أن تجعل أصلك أن ال تعالى ل‬
‫يشبه شيئا‪ .‬ول يشبهه شيء"‪)89( .‬‬

‫وهذا المحشي يلح على معنى التعميم حيث يقول‪ ":‬ومع هذا (قوله عز وجل‪ ( :‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير ) قالوا (‪ )90‬ليس كمثله في العلم والقدرة‪ .‬فقلنا لهم‪ :‬ليس كمثله شيء هو‬
‫عموم فمن ادعى فيه الخصوص فعليه الدليل"‪)91( .‬‬

‫وهذا عمرو التلتي يلح على معنى العموم أيضا فيقول‪ ":‬ليس كمثله شيء" أي ل يشابهه شيء‬
‫من الشياء جليلها وحقيرها وضيائها وظلمها وحيها وميتها وإنسها وجانها وملكها وجمادها‬
‫وحيوانها وشمسها وقمرها ونجومها وسمائها وأرضها وما فيها وما بينهما وما يكون يوم القيامة‬
‫والجنة والنار في ذاته ول شيء من كمالته بوجه ما ول في حال ما" (‪)92‬‬

‫أما يوسف المصعبي فقد تابع تبغورين بن عيسى في أن الية محكمة كما ناقش قضية زيادة الكاف‬
‫أو مثل وأثبت أل شيء منهما زائد ورجح قول الزمخشري في أن الية من قبيل الكناية كما في‬
‫قولك" مثلك ل يبخل"‪)93( .‬‬

‫فالية حسب علماء الباضية في هذه القرون المقررة محكمة وهي أهم منطلقات مبحث الذات‬
‫والصفات كما أنها تفيد العموم المطلق في نفي الشبيه عن ال تعالى وتحميلها على وجه الكناية‬
‫يزيد إلحاحا على هذا التعميم‪.‬‬

‫وقد ذهب من جاء بعد هؤلء نفس المذهب بل نقل عبد العزيز الثميني نفس ما ورد عند عمرو‬
‫التلتي ونذكر منهم محمد اطفيش (‪ )94‬وناصر بن سالم الرواحي‪)95( .‬‬

‫وقبل أن نتحول إلى الوقوف عند رئيس الباضية في المتشابه يحسن أن نحوصل ما جاء إلى الن‬
‫مما يتعلق خاصة بالمحكم في حق ال تعالى مع تبيين بعده الحضاري‪.‬‬

‫معلوم أن الوثنيين تصوروا آلهتهم كما يرغبون وشكلوها أشكال مختلفة لكن السلم تميز بدعوة‬
‫الناس إلى التفكر في المخلوقات ل في الخالق وقد جاءت نصوص عديدة من القرآن في هذا النسق‬
‫نذكر منها قوله تعالى‪ ( :‬إن في خلق السماوات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الذين يذكرون ال قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت‬
‫هذا باطل سبحانك فقنا عذاب النار) (‪ 3‬آل عمران ‪)191 -190‬‬

‫أما الحاديث فقد جاءت صريحة في المر بالتفكر في الخلق والنهي عن التفكر في الخالق ومن ذلك‬
‫ما روي عن النبي عليه السلم أنه خرج على قوم وهم يتذاكرون فلما رأوا النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم سكتوا فقال‪ ":‬ما كنتم تقولون" قالوا نتذاكر في الشمس وفي مجراها قال‪ ":‬ذلكم فافعلوا‬
‫تفكروا في الخلق ول تتفكروا في الخالق" وزاد فيه الحسن‪ ":‬إن ال ل تناله الفكرة"‪)96( .‬‬

‫لكن رغم هذا النهي الصريح عن التفكر في الخالق جاءت كتب أصول الدين مفعمة بذلك إل أن‬
‫منطلق المتكلمين كان منطلقا دفاعيا للرد على مختلف الفلسفات التي تنفي وجود الخالق أو تتصوره‬
‫بوجه يختلف عن التصور السلمي‪.‬‬

‫ومنطلقات المتكلمين كانت منبثقة من القرآن إل أنهم يحاولون صياغة ما جاء فيه من حجج صياغة‬
‫عقلية برهانية‪ ،‬وقد بينا أن الفكر الباضي يتنزل في هذا المحيط وقد عالج القضية بنفس المسلك‬
‫فتأمل أصحابه من وقت مبكر في حقيقة العقل‪ ،‬وحاولوا شيئا فشيئا تحديد مجموعة من المفاهيم‬
‫صيغت في مصطلحات مثل حقيقة الجوهر والعرض والجسم والشيء والواجب والمستحيل والجائز‬
‫وما إلى ذلك‪ ،‬ولم تكن المرحلة المقررة للدرس ‪ ،11 ،10‬و ‪ 12‬إل امتداد للقرون السابقة فلم تطل‬
‫فيها البحوث المتعلقة بإثبات وجود ال تعالى لن الوسط الذي يعيش فيه الفكر الباضي لم يعد في‬
‫حاجة إلى مثل هذه المباحث وإن لم تخل من الشارة إلى ذلك‪ ،‬وتتمثل هذه الشارة في دوران‬
‫الحجج حول دليل واحد وهو افتقار الصنعة إلى الصانع وقصارى القول في هذا المبحث أن حجة‬
‫السماع هي الساس لنها أوسع بكثير من حجة العقل‪ ،‬ول يمكن أن نلمس لكل هذا بعدا حضاريا‬
‫طريفا لن المجتمع السلمي آنذاك لم يتفتح بعد على تيار حضاري آخر يدفعه إلى التأمل في القضية‬
‫من جديد كما حدث ذلك في ما بعد عند اللتقاء بالحضارة الغربية في القرن الرابع عشر هجري‪،‬‬
‫فالقضية حينئذ ثابتة‪ ،‬ول جدال في القرار بوجود ال تعالى‪.‬‬

‫أما في ما يتعلق بذات ال تعالى فقد جاء التراث الباضي في هذه المرحلة اجترارا وإعادة لما جاء‬
‫في التراث السلمي عامة والباضي خاصة ويتمثل ذلك في الرد على المجسمة والمشبهة‬
‫والنصارى واليهود كأن نصف المجتمع من هؤلء الناس مع العلم أم مثل هذه الصناف ل وجود لها‬
‫في البيئة الباضية وحتى إن وجد بعض اليهود فإنهم منغلقون على أنفسهم ل يدخلون في الجدل مع‬
‫أحد‪.‬‬

‫والحقيقة أن محاولة تحديد الذات اللهية ضرب من الترف الحضاري نرى أن المسلمين في غنى‬
‫عنه لن المتكلم يعتقد مسبقا أن العجز عن إدراكه إدراك ولعل المشكل يكمن في صعوبة تطويع اللغة‬
‫لستيعاب عالم الغيب ولذلك حاولت هذه المصادر تعريف كلمة الذات تعريفا اصطلحيا وحيثما دارت‬
‫هذه التعريفات ترجع إلى حقيقة واحدة وهي أن ال تعالى كما قال عن نفسه‪ ( :‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير) ( ‪ 42‬الشورى ‪.)11‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لكن مهما يكن من أمر فإن هذا المبحث وإن لم يمكن من ضبط دقيق لمفهوم الذات فإنه لم يخل من‬
‫تأملت لغوية دقيقة في ما يتعلق باشتقاق كلمة ذات وفي اللحاح على ضرورة تنزيه تعالى مطلقا‬
‫مع النتباه إلى أن العقل مهما نما وتكامل يبقى محدودا وإذا أدرك المفكر هذه الحقيقة حرص على‬
‫توسيع هذه الحدود‪.‬‬

‫كما أن مثل هذا المبحث ل يمكن أن نعثر على أثره الحضاري في أوساط عامة الناس لن هذا ليس‬
‫من مشاغلهم البتة فال موجود وكفى‪ .‬لكن العالم الذي فقه مثل هذه المعاني ل تخلو موعظته من‬
‫أثر في الناس إن هو علم كيف يلمس بها قلوبهم فيدفعهم إلى الشعور بعظمة الذات اللهية‬
‫والحقيقة أننا لم نجد في ما بين أيدينا من تراث في العقيدة محاولة لتطويعه لمثل هذا الغرض‪ ،‬بل‬
‫بقي نصوصا تعليمية يغلب عليها طابع التجريد يتناقلها المتعلمون صاغرا عن كابر‪.‬‬

‫ولئن كان المبحث المتعلق بالذات العلية يكتسي صبغة تجريدية محضا فإن مبحث أسماء ال تعالى ل‬
‫يخلو من مثل هذه النزعة لكنه يبدو أقرب إلى الستيعاب والفهم لن هذه السماء تتردد على ألسنة‬
‫الناس مئات المرات في اليوم بداية من اسم الجللة إلى آخر ما استنتج من استعمالت قرآنية بصفة‬
‫غير مباشرة‪.‬‬

‫وفعل فقد حرص علماء الصول على أن يستكهنوا مفهوم اسم الجللة فاختلفوا في ذلك اختلفا‬
‫كبيرا مما جعل المحشي يعبر عن تيه العقول في هذا الشأن ومرجع ذلك ضعف هذه العقول أمام‬
‫عظمة ال تعالى والملحظ أن التراث الباضي لم يتوسع في تحليل انحصار هذا السم في حرف‬
‫الهاء وإن وقعت الشارة إلى ذلك من وقت مبكر على لسان جابر ابن زيد ومدار القول إن هذا السم‬
‫اعتبر علما تنسب إليه جميع الصفات‪.‬‬

‫وأثناء التأمل في هذه السماء أثيرت قضية جدلية قليلة الجدوى أل وهي علقة السم بالمسمى وقد‬
‫بينا أن الخلف في شأنها داخلي أي بين الباضية لكن وإن كانت عديمة الجدوى في شأن العقيدة‬
‫لن الجدل أفضى إلى أن الخلف اعتباري بين من يقول إن السم هو المسمى وبين من يقول بخلف‬
‫ذلك إن السم غير المسمى فإن لها بعدا حضاريا واضحا يتمثل في أن الباحث يدرك أن الخلف‬
‫الداخلي يكون أشد أثرا في البيئة نفسها مما لو كان الخلف مع غير الباضية وقد رأينا كيف رمي‬
‫القائلون بأن السم غير المسمى وبأنها مخلوقة باللحاد وهذا أدى إلى تصدع واضح آنذاك خاصة‬
‫في الجزيرة إذ قد انغلق كل على رايه وهذا كان له أثر واضح في تقلص عدد الباضية في الجزيرة‬
‫إذ تخلى القسم الذي اتهم باللحاد شيئا فشيئا عن إباضيته وسهل تحويله إلى مذهب آخر بعد حين‬
‫ونشير إلى الجانب الشرقي من جزيرة جربة الذي تخلى سكانه عن إباضيتهم بصفة نهائية‪.‬‬

‫هذا على مستوى الواقع أما على المستوى النظري فأن هذا المبحث دفع علماء الصول إلى تقصي‬
‫صيغة وسم أو سما بكل مشتقاتها في القرآن الكريم مع التأمل في جميع استعمالتها وذلك حرصا‬
‫على توجيهها لما يوافق الموقف المتنبي وفعل فقد تفنن الشماخي في ذلك مستعينا بزاده البلغي‬
‫واللغوي مما يدل على إلمام علماء هذه المرحلة بالقضايا اللغوية وشغفهم بها‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لكنك بعد أن يأخذك بهرج هذه التحاليل التي تصير ضربا من المعميات أحيانا ترجع من حيث انطلقت‬
‫إلى حقيقة عبر عنها أصحاب المختصرات بإيجاز كامل وهي‪ " :‬ليس منا من يقول إن أسماء ال‬
‫مخلوقة"‪)97( .‬‬

‫و‘ذا استقرت هذه الحقيقة تعود المصادر فتبين أن أسماء ال الحسنى توقيفية في الصل وإن كان‬
‫بعضها يجيز استعمال أسماء لم يرد بها التوقيف وذلك حسب المقصد كما نلمس حرصا على تفسير‬
‫كل هذه السماء حسب أسس العقيدة الباضية ومصادر هذه المرحلة لم تبتكر في ذلك بل أخذت ما‬
‫جاء عند السلف‪.‬‬

‫والحقيقة أن هذا الحرص على التفسير له بعيد الثر في واقع المة وهذا ليس خاصا بالباضية لن‬
‫من يدعو ال وهو مدرك لما يقول يتفاعل مع دعائه أكثر مما ل يفقه ما يقول‪ ،‬كما أن مثل هذا الفهم‬
‫يجعل النسان حريصا على أن يتحلى بمعاني هذه السماء في مستواها النساني طبعا مع الملحظ‬
‫أن البيئة الباضية لم تعرف صورة الذكار الجماعية بل يغلب عليها طابع الذكر الفردي السري‪.‬‬

‫ثم إن كتب الصول تتحول من موضوع السماء إلى قضية الصفات وتحرص على أن تميز بين‬
‫السم والصفة لغة واصطلحا لكن يبقى التمييز ضبابيا نظريا لن كثيرا من السماء هي صفات في‬
‫نفس الوقت‪ ،‬والمشكلة ل تكمن في التمييز بين السم والصفات وإنما تكمن في تعداد الصفات وفي‬
‫ضبط علقتها بالذات‪.‬‬

‫أما بالنسبة إلى التعداد فقد جاءت محاولت متعددة لحشر الصفات ضمن أقسام مختلفة‪ ،‬والمتأمل‬
‫يلمس أن هذه التقسيمات منهجية استفادت الفرق السلمية فيها بعضها من بعض وبعدها‬
‫الحضاري يتمثل في محاولة الستيعاب حتى يميز المسلم بين ما يجب أن يوصف به تعالى وما‬
‫يستحيل في حقه وما يجوز‪.‬‬

‫وأثناء التقسيم والتحليل ثار الجدل بشدة حول علقة الصفات بالذات والمصادر الباضية في هذه‬
‫المرحلة واصلت المنافحة عما نافح عنه السلف في أن صفات الذات هي عين الذات وإذا علمنا أن‬
‫الباضية في هذا الظرف كانوا يعايشون الشاعرة الذين يعتبرون أن الصفة مغايرة للذات نفهم ما‬
‫لمسناه في هذه المصادر من حرص على اللمام بصفات الذات وتحليلها تحليل تفصيليا بقدر المكان‬
‫لن الطرف المقابل كثيرا ما يرميهم بالتعطيل كما فعل ذلك مع المعتزلة من قبل والباضية ل يرون‬
‫في تحليلهم للقضية تعطيل وإنما يعتبرونه من باب التنزيه وقد رأينا في تحليل هذه القضية‬
‫الستعانة ببعض المصادر الشعرية التي ترى رأي الباضية‪.‬‬

‫والمتأمل في الفكر العتزالي والفكر الباضي في هذا الشأن يدرك بعدهما عن فكرة التعطيل وإنما‬
‫ألحا على نفي الزيادة والغيرية حتى ينفيا الواسطة عن ال تعالى وإمكانية تصور وجود آخر مع ال‬
‫تعالى في الزل كما أن الطرف الخر الذي يقول بالغيرية أراد بذلك تقريب مفهوم الصفات إلى‬
‫التصور العقلي‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والحقيقة أنه يصعب أن نلمس بعدا حضاريا دقيقا لتصور الباضية أن الصفات عين الذات لن هذا‬
‫المبحث فكري محض بعيد عن متناول عامة الناس لكن غاية ما هنالك أن مثل هذا التصور يقوم‬
‫على تنزيه الباري عن الفتقار إلى الغير‪ ،‬ومثل هذا المبدأ يجعل النسان يستشعر عظمة ال تعالى‬
‫أكثر فيندفع في تحري العمال الصالحة التي تقربه إلى ال تعالى أكثر وليس معنى هذا أن الذي‬
‫يقول بالغيرية ل يعرف ربه وإنما من المعلوم أن قوة نسبة التنزيه حتى في العبارة تجعل أثرا أبلغ‬
‫في النفس لكن مهما حاولنا أن ننزل هذه القضية في المحيط الجتماعي فإنها تبقى من شأن أخص‬
‫خاصة المة ممن فقهوا هذه المفاهيم المجردة حقيقة الفقه‪.‬‬

‫ثم إلى جانب الوقوف عند صفات الذات تأمل الباضية في ما سموه صفات الفعال وإن بدا شيء من‬
‫الخلف بين إباضية المغرب وإباضية المشرق في أزلية هذه الصفات وحدوثها إل أن الطرفين نزعا‬
‫نزعة توفيقية دون أن يحتدم النقاش أو يؤدي إلى تنافر ولعل هذا يفسر تفسيرا حضاريا أساسه‬
‫الفاصل المكاني إذ رأينا أن الختلف مع القرب المكاني والتعايش المستمر أدى إلى التنافر والتباعد‬
‫وسترى أن مثل هذا الموقف التوفيقي سيتخذ أيضا في قضية خلق القرآن‪ ،‬ومرجع ذلك إلى أن هذين‬
‫الطرفين يرجعان إلى مدرسة أبي عبيدة مسلم بينما طرف الباضية النكار يرجع إلى الطرف الذي‬
‫خالف أبا عبيدة مسلم ورفض من الحلقة‪.‬‬

‫والباضية في تحديد صفات الفعال يتفقون والماتريدية وإن اختلفوا في التسمية لن هؤلء‬
‫يرجعونها إلى صفات التكوين‪.‬‬

‫كما يجدر أن نلحظ هنا أن تعايش الفكر الباضي مع الفكر الشعري جعله ل يرفض الستشهاد‬
‫بالتقسيم الشعري بل يورده بوضوح مع نسبته إلى أصحابه ومناقشة ما ينبغي أن يناقش منه‬
‫ويكتفي هذا الفكر بالشارة إلى التفاق مع المعتزلة ومع الشيعة في هذا المبحث وفي ذلك دللة على‬
‫سعة أفق هذا الفكر وسلوكه المسلك المقارن في أغلب الحيان مع الستفادة من هذا التراث‬
‫السلمي عامة‪.‬‬

‫بقي هنا أن نشير إلى اللحاح على تبيين مفهوم الوحدانية مع الجمع بين الدلة النقلية والعقلية‬
‫وهذا المبحث هو أساس العقيدة السلمية ول أراني مضطرا إلى تحليل البعد الحضاري لهذا‬
‫التصور لنه أساس حياة المسلمين في جميع مستوياتها سياسة واجتماعا وأخلقا واقتصادا‬
‫ومعاملت ول سبيل للمسلمين في أن يختلفوا في شأن أثر هذه العقيدة في واقعهم إن هم وحدوا ال‬
‫تعالى بحق‪.‬‬

‫وتتويجنا لهذا المبحث بالوقوف عند معاني سورة الخلص وقوله تعالى ( ليس كمثله شيء) يرمي‬
‫إلى إبراز قيمة هذين الساسين في بناء صرح العقيدة السلمية التي تربط الرض بالسماء وعالم‬
‫الشهادة بعالم الغيب فينصهر فيها المسلم وهو يعتقد أنه بين يدي عظمة ال فيرجو رحمته ويخشى‬
‫عذابه فتستقيم حياته‪.‬‬

‫تلك هي خلصة هذا المبحث وأبعاده الحضارية فلننظر في المتشابه في القرآن وتأثيره في القضايا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫العقائدية‪.‬‬
‫=========================‬
‫(‪ ) 89‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪18 :‬‬
‫(‪ )90‬يقصد المشبهة‬
‫(‪ )91‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪70 -69:‬‬
‫(‪ )92‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪26‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 93 :‬ر‪ .‬عمر التلتي ‪ :‬نخبة المتين ‪145:‬حيث‬
‫يقول‪ ":‬اتفق أئمتنا على أنه (تعالى) ل يماثله شيء من الشياء ل في ذاته ول صفاته‪ ،‬ول في شيء من كمالته بدليل سورة‬
‫الخلص وقوله تعالى‪ ":‬ليس كمثله شيء"‪.‬‬
‫(‪ )93‬يقول الزمخشري‪ ":‬قالوا‪ :‬مثلك ل يبخل‪ ،‬فنفوا البخل عن مثله‪ ،‬وهم يريدون نفيه عن ذاته‪ ،‬قصدوا المبالغة في ذلك‬
‫فسلكوا به طريق الكناية‪ ،‬لنهم إذا نفوه عنه‪...‬فإذا علم أنه من باب الكناية لم يقع فرق بين قوله "ليس كال شيء " وبين قوله‬
‫‪ ":‬ليس كمثله شيء" إل ما تعطيه الكناية من فائدتها‪ ،‬وكأنهما عبارتان متعاقبتان على معنى واحد‪ ،‬وهي نفي المماثلة عن‬
‫ذاته" الكشاف‪ .‬انتشارات افتاب طهران د‪.‬ب ‪ 463 -3/462‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ص ‪.145‬ر‪ .‬عبد‬
‫العزيز الثميني‪ :‬النور‪93:‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ 1‬الجزائر ‪1326‬هـ ‪.5/194‬‬
‫(‪ )95‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪ 31 -1/29‬ويمتاز تحليله للية باستيعاب جل ما ورد في شأن قوله عند‬
‫الباضية وعند غيرهم‪ [ .‬ليس كمثله شيء تعالى‪:‬‬
‫(‪ )96‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/17‬عدد ‪ .827‬لم نعثر عليه عند ونسنك‪ .‬المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )97‬لم نعثر على نص للنكار يعبر عن رأيهم الذي يوافق رأي المعتزلة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفصل الثاني الباضية والمتشابه‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫إن ما تعرضنا إليه إلى الن من قضايا التوحيد يعتمد جله على ما جاء محكما من القرآن الكريم وال‬
‫تعالى يقول‪ ( :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) (‪)1‬‬
‫فمعلوم إذن أن هذه القضية كانت مدار جدل عنيف بين الفرق السلمية (‪ )2‬لذلك أحببنا أن نبين‬
‫موقف الباضية من المتشابه حتى يساعدنا على تحقيق بعض قضايا التوحيد التي تعتمد على مثل‬
‫هذه اليات فما هو موقفهم يا ترى؟‪.‬‬

‫يشير النامي إلى أن المصادر الباضية تعرضت لهذه القضية من وقت مبكر ودليله على هذا ما ورد‬
‫في الجامع الصحيح للربيع بن حبيب من روايات تثبت موقف الصحابة من مثل هذه اليات‪)3( .‬‬

‫وهاك ما جاء في الجامع الصحيح بعنوان تنبيه‪ ":‬فإن سأل المسترشد عن تفسير اليات‬
‫المتشابهات والدللة على معانيها من قول ال عز وجل‪ ( :‬الرحمن على العرش استوى) (‪ 20‬طه‬
‫‪ )5‬وقوله ( وجاء ربك والملك صفا صفا) (‪ 89‬الفجر ‪ )22‬وقوله‪ (:‬بل يداه مبسوطتان) (‪ 5‬المائدة‬
‫‪ )64‬وقوله‪ ( :‬لما خلقت بيدي) (‪ 38‬ص ‪ )75‬وما أشبه ذلك من كتاب ال الذي فسرناه في ما مضى‬
‫من كتابنا بالرواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم والصحابة والتابعين بإحسان فقال السائل ما‬
‫الدليل على صدق تفسيركم وما الشهادة عليه من عندنا معنى في الستواء واليد والعين وما أشبه‬
‫ذلك ول يجوز أن يكون إل على ما نعقل‪.‬‬

‫قل للسائل‪ :‬إن جميع ما سألت عنه متشابه ل يدرك علمه بظاهره ول بنصه لن النص واحد‬
‫والمعاني متباينة فلبد من كشف معانيها وإيضاح سلبها وقد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ما من كلمة إل ولها وجهان فاحملوا الكلم على أحسن وجوهه" (‪ )4‬وقيل لن يتفقه الرجل حتى‬
‫يرى للقرآن وجوها وقال حسن‪ :‬تعلموا العربية وحسن العبارة‪ .‬وقيل ليس من كلمة إل ولها وجه‬
‫وفقا وظهر وبطن وإنما معنى ذلك عندنا الكلم المتشابه الذي يتفق لفظه ويختلف معناه" (‪. )5‬‬

‫وما تزال المصادر الباضية من ذلك الحين إلى يومنا هذا تسلك نفس المسلك فتتعرض لهذه القضية‬
‫عند الرد على المشبهة (‪ )6‬وتفرد فصول خاصة لتفسير ما يدل ظاهره على التجسيم في القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫ومبدأ هذه المصادر اللجوء إلى التأويل اعتمادا على المجاز وعلى العرف اللغوي‪ ،‬وعدم الوقوف‬
‫عند الظاهر كما يفعل أهل الحديث وأهل السنة‪ -‬حسب ما يرويه الشعري‪ -‬الذين‪ ":‬يقرون أن ال‪-‬‬
‫سبحانه‪ -‬يجيء يوم القيامة كما قال‪ ( :‬وجاء ربك والملك صفا صفا) (‪ 39‬الفجر ‪ )22‬وأن ال يقرب‬
‫من خلقه كيف شاء كما قال‪ ( :‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (‪ 50‬ق ‪. )7( )16‬‬

‫فهذا تبغورين مثل يقول‪ ":‬ولو حمل القرآن على ظاهره لتناقص وتكاذب" (‪ )8‬ويقول أيضا عند‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الرد على المشبهة‪ ":‬فلما صح عندنا وعندهم أن هذا الذي ذكرنا يخرج على غير المعقول في كثير‬
‫من لغات العرب نفيا عن ال الشبه والمعقول كما نفاه عن نفسه" (‪ )9‬ثم استشهد بحديث‪ " :‬ما من‬
‫كلم إل وله وجهان فاحملوا الكلم على أحسنه" الذي ورد في الجامع الصحيح للربيع كما ذكرنا‬
‫ذلك قبل حين ‪)10( .‬‬

‫ففلسفة الباضية في فهم ما دل ظاهره على التجسيم من القرآن والسنة واضحة غاية الوضوح إذ‬
‫تعتمد على سياق النص وعلى ما في اللغة من المجازات والستعارات وتختلف اختلفا جوهريا عن‬
‫الذين ينفون المجاز (‪. )11‬‬
‫وهاك تأويلهم لبعض هذه النصوص‪.‬‬

‫)‪:‬‬ ‫(‬
‫سأورد ثلثة نصوص تبين طريقة الباضية في التأويل ثم أكتفى بعد ذلك بذكر المفاهيم التي قرروها‬
‫لبعض المتشابه لقف في ما بعد عند ثلثة قضايا كانت مثار جدل بين الفرق السلمية لختلفها في‬
‫منطلق الفهم وهي الستواء والرؤية والكلم‪.‬‬

‫‪ -‬أما النص الول فهو تأويل قوله تعالى ( ال نور السماوات والرض) (‪ 24‬النور ‪ )35‬وأما ما‬
‫احتجوا به من قوله تعالى‪ ( :‬ال نور السماوات والرض) وقوله ( يد ال فوق أيديهم) (‪ 48‬الفتح‬
‫‪ )10‬وقوله ( تجري بأعيننا) (‪ 54‬القمر ‪ )14‬و ( في جنب ال) (‪ 39‬الزمر ‪ )56‬ونفسه وأشباه هذا‬
‫من اليات المتشابهات والروايات عن النبي عليه السلم فأغفلوا فيه النظر وحملوه على غير تأويله‬
‫وتركوا قول ال عز وجل‪ ( :‬ليس كمثله شيء) (‪ 42‬الشورى ‪ )11‬وقوله‪ ( :‬هل تعلم له سميا) ( ‪19‬‬
‫مريم ‪ )65‬وقوله‪ ( :‬الواحد القهار) (‪ 39‬الزمر ‪ )4‬وقول النبي عليه السلم‪ " :‬من صف ال بشبه‬
‫أو مثل لم يعرفه" (‪. )12‬‬

‫" واعلم أن معنى النور في اللغة الجارية بين الناس الذي ل ينكره أحد من أهل اللغة الهادي يقول‬
‫الناس للعالم‪ :‬نور البلد‪ ،‬والهدى‪ :‬نور‪ ،‬وقال ال تعالى‪ ( :‬وجعل الظلمات والنور) (‪ 6‬النعام ‪)1‬‬
‫وقال تعالى‪ ( :‬ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) ( ‪ 2‬البقرة ‪ )257‬يعني من‬
‫الكفر الى اليمان‪.‬‬

‫وفي قوله‪ ( :‬مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) (‪ 24‬النور ‪ [ )35‬فمثل هذا النور إلى المصباح] (‪)13‬‬
‫ما يدل على صواب ما قلنا إنه اليمان في قلب المؤمن‪.‬‬

‫ومن كلم النبي عليه السلم‪ " :‬احذروا فراسة المؤمن فإنه بنور ال ينظر وكاد أن يبصر الحق‬
‫بقلبه وإن لم يخبر به ويميز بين الحق والباطل بنور ال الذي أعطي له" ‪)14( .‬‬

‫وقد سمى ال القرآن نورا في غير موضع من كتابه كما سماه هدى ورحمة" (‪. )15‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬وأما النص الثاني فيتعلق بكلمة " عين" والعين أيضا تخرج على العلم والحفظ وعلى المعقول‬
‫ومعنى ( تجري بأعيننا) (‪ 54‬القمر ‪ )14‬أي بعلمنا‪ .‬وقال ال تعالى‪( :‬ثم لترونها عين اليقين) (‪102‬‬
‫التكاثر ‪ )7‬يعني يقينا ل شك فيه‪ .‬ويقولون ‪ :‬عيني على فلن وما فعل فلن يعني يريد بعلمه‪ .‬و‬
‫( ولتصع على عيني) (‪ 20‬طه ‪ )39‬أي بعلم مني ومرادي وحفظي وكذلك ( تجري باعيننا) ‪)16( .‬‬
‫‪ -‬وأما النص الثالث فيتعلق بالمجيء والذهاب‪ :‬قال‪ ( :‬وجاء ربك) (‪ 89‬الفجر ‪ )22‬أي جاء أمر‬
‫ربك‪ .‬وقال ( فأتي ال بنيانهم من القواعد) (‪ 16‬النحل ‪ )26‬يعني أمره وعقوبته‪ .‬وقال‪ ( :‬ناكسوا‬
‫رؤوسهم عند ربهم) (‪ 32‬السجدة ‪ )12‬أي خضوعهم لربهم يوم القيامة ولو حمل القرآن على‬
‫ظاهره لتناقض وتكاذب وقال الناس للميت ‪ :‬لقي ربه وصار إلى ربه ولم يريدوا أن ربه في القبر‪.‬‬
‫وقال إبراهيم عليه السلم‪ ( :‬إني ذاهب إلى ربي سيهدين) (‪ 37‬الصافات ‪ )99‬أي ذهابه إلى حيث‬
‫أمر به‪.‬ويلزم المشبهة بأن يعرفوا لربهم موضعا إذا صح عندهم أنه يزول وينتقل‪)17( .‬‬

‫هذه النصوص تبين أن الباضية يعمدون إلى جمع النصوص التي تحتوي نفس الكلمة فيقارنون في‬
‫ما بينها كما يقيسون معانيها بالمعاني المستعملة في اللغة ثم يرجحون جانب التأويل الذي يتناسق‬
‫وجملة السياق وكل هذا في جرأة واضحة تتحول أحيانا إلى التحدي والتهكم كما هو واضح خاصة‬
‫في النص الثالث وفي مطلع النص الول فل سبيل حينئذ إلى اعتماد الظاهر في مثل هذه اليات لنه‬
‫يؤدي إلى التناقض والقرآن متناسق متكامل يفسر بعضه بعضا وذلك البرهان من براهين العجاز‬
‫فيه (ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا) (‪ 4‬النساء ‪ )82‬فلم يبق إذن إل اعتماد‬
‫التأويل الذي تقلبه اللغة‪.‬‬

‫وبعد تحديد المنهج يحسن أن نورد تأويلهم لبعض المتشابه لزيادة التوضيح دون إطالة في التحليل‪.‬‬
‫====================================‬
‫(‪ ) 1‬وبقية الية‪ ...:‬فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال‬
‫والراسخون في العلم يقولون (آل عمران ‪[ .)7‬آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولوا اللباب‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬محمد الطالبي ‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪ ،‬منشورات الجامعة التونسية السلسلة الرابعة تاريخ ‪ ،‬مجلد ‪ .26‬المطبعة‬
‫الرسمية بتونس ‪ .1982‬مقال باللغة الفرنسية ‪ " :‬في العتزال فإفريقية في ق ‪ 3/9:394‬تعليق ‪ 1‬وقد عدد المؤلف أهم كتب‬
‫التفسير في تعرضها للمتشابه كما أحال على ابن قتيبة (‪ )889– 828/ 276-213‬في كتابه تأويل مسالك القرآن ط‪ .‬أحمد صقر‬
‫القاهرة ‪ ،75-72 :1954‬وهو يقول بأن الراسخين في العلم يمكن أن يفهموا المتشابه‪ ،‬وعلى القاضي عبد الجبار ‪ :‬شرح‬
‫الصول الخمسة ط أحمد كريم عثمان القاهرة ‪ ،606 -599 :1965‬وعلى السكافي (‪ )421/1030‬في كتابه درة التنزيل في بيان‬
‫اليات المتشابهات في كتاب ال العزيز‪ .‬القاهرة ‪.1980‬‬
‫ويذكر أيضا مناقشة المستشرق"كراق" للترجمات المقترحة لكلمة متشابهات‪.‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ‪ ،206 -205:‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪.14-3/13‬‬
‫(‪ )4‬لم يذكره ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )5‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪40 -3/39‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.316 -7/312‬‬
‫(‪ )6‬المشبهة‪ :‬هم الذين وصفوا ال بصفات الخلق كالوجه واليد والساق‪ ،‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫(‪ )7‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت ‪.1/348‬‬
‫(‪ )8‬تبغورين بن عيسى ‪ :‬كتاب أصول الدين‪.10 :‬‬
‫(‪ )9‬تبغورين بن عيسى ‪ :‬كتاب أصول الدين‪.9:‬‬
‫(‪ )10‬انظر ما سبق‪272 :‬‬
‫(‪ )11‬ويمكن أن نذكر في هذا الشأن بموقف ابن حزم الندلسي حيث يقول‪ ":‬ول يحل لحد أن يصرف كلم ال تعالى وكلم إلى‬
‫المجاز عن الحقيقة بدعواه الكاذبة"‪ .‬المحلى‪ .‬تحقيق أحمد محمد شاكر ‪ε .‬رسوله دار الفكر د‪.‬ت م ‪ 1‬ج ‪ 32 :1‬ر‪ .‬أيضا ابن حزم‬
‫‪ :‬المحلى م ‪ 1‬ج ‪ 34 /33 : 1‬حيث يقول ‪ ":‬ول يحل أن يزاد في ذلك ( ما جاء في القرآن مثل اليد‪ )...‬ما لم يأت به نص من قرآن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أو سنة صحيحة"‪.‬‬


‫(‪ )12‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )13‬لعل الولى أن يقال ‪( :‬ففي تشبيه هذا النور بنور المصباح)ما يدل‪...‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬الترمذي تفسير سورة الحجر ‪ .6‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث ‪.7/298.‬‬
‫(‪ )15‬تبغورين بن عيسى ‪ :‬كتاب أصول الدين‪ 8:‬وقد نقل المصعبي شيئا منه في الحاشية ‪ .12:‬وأضاف ما ال نور السماوات‬
‫والرض جاء في الموجز ‪ ":‬سئل ابن عباس عن قوله تعالى (النور ‪ )35‬فقال ‪ :‬ال عدل السماوات والرض‪،‬وهو هادي من‬
‫في السماوات والرض أل ترى (‪24‬النور ‪ )35‬وليس ل مثل‪ .‬وكذلك قال الحسن وقتادة مثل نوره كمشكاة إلى قوله‪ :‬وعمر‬
‫بن محمد وأبو مسلم المكي ومجاهد معناه‪ :‬ال عدل السماوات والرض وهو هادي من فيها" أبو عمار الكافي ‪ :‬الموجز‬
‫‪ 392 -1/391‬والمصدر الذي أخذ منه الكل هو‪ :‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 33 /3‬عدد ‪. 868‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية‬
‫الترتيب ‪ 274 -7/272‬وقد ذكر نفس المعاني مع شيء من التحليل اللغوي‪.‬‬
‫(‪ )16‬تبغورين بن عيسى ‪ :‬كتاب أصول الدين‪:‬ص ‪ ،10‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.13:‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪:‬‬
‫الجامع قال ابن عباس‪ :‬ولتربى ولتصنع على عيني الصحيح ‪ 3/36‬عدد ‪ .874‬وأما قوله تعالى‪ [ :‬تجري باعيننا بأمري‪.‬‬
‫قال الحسن ولتربي بعلمي‪ .‬والمجاهد والضحاك بعلمي وكذلك قوله‪ :‬يعني بعلمنا وحفظنا‪...‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪-7/300‬‬
‫‪ 303‬يذكر نفس المعاني تقريبا مع إيراد المعاني اللغوية لكلمة عين‪.‬‬
‫(‪ )17‬تبغورين بن عيسى ‪ :‬كتاب أصول الدين‪:‬ص ‪.10‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.14:‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪:‬‬
‫الجامع الصحيح ‪ 3/34‬عدد ‪ .868‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/274‬وقد مر على الموضوع بشيء من السرعة‬
‫‪.‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪ 1/504‬يضيف تأويل للغمام فيقول في (‪ 2‬البقرة ‪ )210‬المعنى هل ينظرون إل أن‬
‫يأتيهم ال في ظلل من الغمام قوله تعالى ‪ :‬في ذلك جاء قضاء ربك بالثواب والعقاب والجزاء ‪ .‬الغمام علمة على مجيء‬
‫القضاء والجزاء‪.‬‬

‫(‪)18‬‬

‫النفس‪ ( :‬كل نفس ذائقة الموت) (‪ 3‬آل عمران ‪ )158‬النفس المنفوسة‪ ( :‬تعلم ما في نفسي ول‬
‫أعلم ما في نفسك) (‪ 5‬المائدة ‪ )117‬أي تعلم غيبتي ول أعلم غيبتك‪.‬‬

‫( ويحذركم ال نفسه) (‪ 3‬آل عمران ‪ )54‬أي يحذركم إياه بمعنى يحذركم ال‪ .‬وقيل عقوبته‪ ( .‬كتب‬
‫ربكم على نفسه الرحمة) (‪ 6‬النعام ‪ )30‬أي على ذاته‪ ( .‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم) (‪ 17‬السراء‬
‫‪ )7‬أي لذاتكم (‪. )19‬‬

‫الوجه‪ :‬قال تعالى ( إنما نطعمكم لوجه ال) (‪ 76‬النسان ‪ )9‬أي نريد ثواب ال وقول لقصد رضا‬
‫ال‪ -‬والوجه‪ :‬القصد إلى الشيء والعمل فيه‪ -‬وقول لوجه ال أي ال‪.‬‬
‫( فأينما تولوا فثم وجه ال) (‪ 2‬البقرة ‪ )115‬يراد به فثم توجيه ال‪ ،‬أي تلقاء الكعبة والتوجه إلى‬
‫ال‪.‬‬

‫( ويبقى وجه ربك) (‪ 55‬الرحمان ‪ ( )27‬كل شيء هالك إل وجهه) (‪ 28‬القصص ‪ )88‬بمعنى الذات‪.‬‬
‫(‪)20‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫العين‪ :‬انظر ما سبق ‪.126‬‬

‫اليد‪ :‬قال تعالى ( خلقت بيدي) (‪ 38‬ص ‪ )75‬أي توليت أنا خلقه‪ .‬وقال‪ ( :‬عملت أيدينا) (‪ 39‬يس‬
‫‪ )71‬أي خلقنا نحن‪ .‬وقال‪ ( :‬يد ال فوق أيديهم) (‪ 48‬الفتح ‪ )10‬أي المنة أو القوة‪ .‬وقال( بل يداه‬
‫مبسوطتان) ( المائدة ‪ )64‬أي النعمة والقدرة وقيل نعمة الدين ونعمة الدنيا‪)21( .‬‬

‫اليمين‪ :‬قال تعالى ( والسماوات مطويات بيمينه) (‪ 39‬الزمر ‪ )67‬دليل على القدرة ومطويات‪ :‬أي‬
‫ذاهبات فانيات‪ .‬وقوله‪ ( :‬ولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه باليمين) (‪ 69‬الحاقة ‪ )45‬أي‬
‫القوة‪)22( .‬‬

‫القبضة‪ :‬القبض والبسط‪ .‬قال تعالى‪ ( :‬والرض جميعا قبضته يوم القيامة) (‪ 39‬الزمر ‪ )67‬أي‬
‫القدرة والسلطان والملك أو القدرة على إفنائها يوم القيامة‪ .‬وقال ( يقبض ويبسط) (‪ 2‬البقرة ‪)245‬‬
‫أي يضيق ويوسع‪)23( .‬‬

‫الصابع‪ ":‬أما ما جاء في الحديث من " أن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان" (‪)24‬‬
‫فهو " الحكم على الشيء والقدرة عليه" (‪ )25‬إن صح الحديث‪ .‬ويذكر خميس الرستاقي " أن "‬
‫إصبعين" قد تعني نعمتين من نعمه إحداهما‪ :‬سوق الخير إليه‪ ،‬والفسحة في التماس الرزق‪.‬‬
‫والخرى هي صرف الشرور عنه" (‪. )26‬‬

‫الساق‪ :‬قال تعالى‪ ( :‬يكشف عن ساق) (‪ 68‬القلم ‪ )42‬أي المر الشديد قال عمر‪ ":‬هي أشد ساعة‬
‫يوم القيامة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬أي يكشف عن الستر الذي بين الدنيا والخرة‪)27( .‬‬

‫القدم‪ :‬جاء في الحديث‪ " :‬إذا كان يوم القيامة واستقر أهل الجنان في النعيم وأهل النار في الجحيم‬
‫وقالت النار هل من مزيد وضع الجبار فيها قدمه وقالت قطني أي حسبي حسبي " (‪ )28‬ينبغي أن‬
‫يحمل الجبار فيه على بعض المتجبرين من العباد المعلوم ل تعالى الثابت له القدم‪)29( .‬‬

‫وجاء الحديث برواية أخرى‪ " :‬لن تمتلئ جهنم حتى يضع الجبار فيها قدمه" يريد ما قدم لها من‬
‫أهل الشقاوة الذين في علمه أنهم صائرون إلى جهنم قال ال عز وجل‪ ( :‬وبشر الذين آمنوا أن لهم‬
‫قدم صدق عند ربهم) (‪ 10‬يونس ‪)30( .)2‬‬

‫الصورة‪ :‬جاء في الحديث‪ " :‬أن ال خلق آدم على صورته" أي خلقه ال بالغا لم ينقله من نطفة‬
‫إلى علقة ومن علقة إلى مضغة ومن طفوله الى غير ذلك‪.‬‬

‫وقال بعض أهل العلم في ذلك إن ال خلق آدم على صورته أي على صورة آدم التي اختار ال له من‬
‫بين الصور‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعضهم يقول‪ " :‬إن رسول ال سمع رجل يقبح بذمه غلما له في صورة وجهه فقال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ول تقبحوا الوجوه فإن ال خلق آدم على صورته" يعني على صورة القبح‪)31( .‬‬

‫الحتجاج‪ :‬قال تعالى‪ ( :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب) (‪ 42‬الشورى ‪)51‬‬
‫أي أن ال تعالى حجب الكلم الذي سمعه موسى عن أهل السماء والرض فلم يسمعه إل موسى‬
‫عليه السلم‪ .‬وقالوا‪ :‬بمعنى المنع من غير ستر مصور بشخص‪ .‬وقالوا موسى محجوب عن ال لنه‬
‫ل يمكنه أن يراه" (‪. )32‬‬

‫أما قوله تعالى‪ ( :‬إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (‪ 83‬المطففين ‪ )15‬فمعناه كونهم محجوبين‬
‫عن ثواب ورحمته ل عن رؤيته‪)33( .‬‬
‫وقد جاء في الجامع الصحيح ما يلي‪ ":‬أخبرنا أبو قبيصة عن عبد الغفار الواسطي عن عطاء أن‬
‫علي ابن أبي طالب مر بقصاب يقول‪ :‬ل والذي احتجب بسبع سماوات ل أزيدك شيئا قال‪ :‬فضرب‬
‫علي بيده على كتفه فقال‪ :‬يا لحام إن ال لم يحتجب عن خلقه ولكن حجب خلقه عنه فقال‪ :‬أكفر عن‬
‫يميني؟ فقال‪ :‬ل لنك إنما حلفت بغير ال" (‪)34‬‬

‫الدنو‪ :‬بمعنى القرب‪ :‬قال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) (‪ 2‬البقرة ‪ )186‬وقال أيضا‬
‫( إن ربي قريب مجيب) (‪ 11‬هود ‪ )61‬وقال أيضا‪ ( :‬إنه سميع قريب) (‪ 34‬سبأ ‪ )50‬فالقرب هنا‬
‫بمعنى سرعة الجابة‪.‬‬

‫أما قوله تعالى‪ ( :‬ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (‪ 50‬ق ‪ )16‬وقوله‪ ( :‬ونحن أقرب إليه منكم‬
‫ولكن ل تبصرون) (‪ 56‬الواقعة ‪ )85‬فالمعنى فيه قرب ملزمة القدرة عليه في جميع الوقات وفي‬
‫جميع الحالت ل قرب المسافة والدنو‪)35( .‬‬

‫التجلي‪ ":‬قال تعالى‪ ( :‬فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا)( ‪ 7‬العراف ‪ )143‬أي تجلى بآية من آياته‬
‫فلم يطق الجبل حمل تلك الية وصار دكا كما قال تعالى‪ ( :‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته‬
‫خاشعا متصدعا من خشية ال) (‪ 59‬الحشر ‪ )21‬وكذلك كان الجبل دكا على ما ذكر من خشوع‬
‫الجبل" (‪)36‬‬

‫المجيء‪ :‬انظر ما سبق ص ‪.127‬‬

‫القيام‪ ":‬قال تعالى‪ ( :‬أفمن هو قائم على نفس بما كسبت) (‪ 13‬الرعد ‪ )33‬بمعنى الكفاية والتدبير‬
‫والثواب والجزاء والرزق والحصاء بجميع أعمال الملكفين"‪)37( .‬‬

‫عند‪ ":‬قال تعالى‪ ( :‬عند مليك مقتدر) (‪ 54‬القمر ‪ )55‬أراد عنده في المنزلة والرفعة والزلفى‬
‫مستحقين لثواب ال‪ .‬وقال تعالى‪ ( :‬ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم) (‪32‬‬
‫السجدة ‪ )12‬أي المنزلة الدنيئة إذ كانوا مستحقين للعقاب آيسين من الثواب" (‪. )38‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫في‪ :‬قال تعالى ( وهو الذي في السماء إله وفي الرض إله) (‪ 43‬الزخرف ‪ )84‬فالمعنى أنه إله‬
‫السماوات وإله الرض"‪)39( .‬‬
‫مع‪ :‬قال تعالى‪ ( :‬إن ال مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (‪ 16‬النحل ‪ )128‬أي معهم بالنصر‬
‫والتوفيق والتسديد" (‪)40‬‬

‫فالمهم حينئذ أن المصادر الباضية حرصت كل الحرص على نفي كل ما من شأنه أن يفهم التجسيم‬
‫والتشبيه للخالق تعالى وردت على المشبهة بشدة‪.‬‬

‫كما أنها لم تنهج منهج الحنفية الذين ذهبوا إلى إثبات اليد والوجه وغيرهما له تعالى حق لكنه‬
‫معلوم بأصله مجهول بوصفه‪.‬‬

‫ولم تنهج منهج المالكية والشافعية في الكتفاء باعتقاد الحقيقة وسنعود إلى قولة مالك في الستواء‬
‫بعد حين‪)41( .‬‬

‫وهي تتفق مع المعتزلة (‪ )42‬في تأويل المتشابهات عامة واعتماد المجاز‪.‬‬

‫هكذا نتبين أن الباضية سلكوا مسلك التأويل مع ما أوردنا من المتشابه فلنوضح موقفهم مع‬
‫موضوع الستواء لنه كان مثار جدل أكثر من غيره‪.‬‬
‫=========================‬
‫(‪ )18‬ملحظة‪ :‬نختار توضيح موقف الباضية من هذه المعاني التي اعتبرت من المتشابه دون إطالة لنقف بصفة موسعه عند‬
‫قضيتي الستواء ونفي الرؤية‪.‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/37‬عدد ‪ ،875‬التفسير مروي عن ابن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب (أي‬
‫على الجامع الصحيح ) ‪. 304 -7/303‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.399 -1/398‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/36‬عدد ‪ ،873‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب (أي على الجامع‬
‫الصحيح )‪. 300 -7/299‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.400 -1/399‬‬
‫(‪ )21‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/37‬عدد ‪ ،876‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب (أي على الجامع‬
‫الصحيح )‪. 306 -7/304‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.402 /1‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/36‬عدد ‪ ،866‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 7/269‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.403 /1‬‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/32‬عدد ‪ ،864‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 266 -7/265‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.1/404‬‬
‫(‪ )24‬تخرج الحديث‪ :‬الترمذي‪ :‬قدر ‪ ،7‬دعوات ‪ ،89‬مسلم قدر ‪ .17‬ابن ماجة مقدمة ‪ .13‬أحمد بن حنبل ‪،6/182 ،173 .2/168‬‬
‫‪ .315 ،302 ،251‬حسب ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.1/64‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.1/399‬‬
‫(‪ )26‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪1/405‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/38‬عدد ‪ ،878‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 311 -7/308‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.1/505‬‬
‫(‪ )28‬تخريج الحديث ‪ :‬ر‪ .‬البخاري تفسير سورة ق ‪ .1‬إيمان ‪ 12‬توحيد ‪ 8.25‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬جنة ‪ .38 .37 .35‬ر‪ .‬الترمذي‪ :‬جنة‬
‫‪ .20‬تفسير سورة ق ‪.‬ر‪.‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.5/326‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ‪ :‬ورقه ‪ 17‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪.75 :‬‬
‫(‪ )30‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.1/398‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/23‬عدد ‪ .844‬التأويل لبن عباس ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .234 -7/232‬أبو‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.1/398‬ر‪ .‬البخاري ‪ :‬استئذان ‪ .1‬مسلم بر ‪ .115‬جنة ‪...28‬عن ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.2/71‬‬
‫(‪ )32‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ ،406 -1/405‬وسنزيد الموضوع تحليل عند الحديث عن استحالة الرؤية وعن الكلم‪.‬‬
‫(‪ )33‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ‪ :‬ورقه ‪ 20‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪ . 80 :‬ر‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‬
‫‪ 3/30‬عدد ‪. 859‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/262‬‬
‫(‪ )34‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/20‬عدد ‪. 838‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 227 -7/226‬ر‪ .‬خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/406‬‬
‫(‪ )35‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ‪ :‬ورقه ‪ 18‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪:‬ص ‪.76 -75‬ر‪ .‬خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/408‬‬
‫(‪ )36‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/406‬انظر ما يلي ‪ :‬موضوع استحالة الرؤية ‪298‬‬
‫(‪ )37‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/510‬‬
‫(‪ )38‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/510‬‬
‫(‪ )39‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/511‬‬
‫(‪ )40‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/511‬‬
‫(‪ )41‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪ ،‬حيث أورد قول مالك ‪ :‬الستواء معلوم‪ .‬والكيف مجهول وقول أحمد بن حنبل‬
‫"استوى كما أخبر ل كما يخطر للبشر" ‪ .‬وقول الشافعي آمنت بل تشبيه‪ ،‬وصدقت بل تمثيل‪ ،‬واتهمت نفسي في الدراك ‪،‬‬
‫وأمسكت عن الخوض فيه كل المساك ‪. 240:‬ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف ‪ :367 -2/366‬حلل القضية تحليل مختصرا أثبت فيه ضرورة‬
‫المجاز ومن ذلك في شأن الوجه" تنبيه"‪ :‬الوجه وضع للجارحة ولم يوضع لصفة أخرى ‪ ،‬بل ل يجوز وضعه لما ل يعقله‬
‫المخاطب ‪ ،‬فيتعين المجاز والتجوز به عما يعقل‪ ...،‬وهو أن يتجوز به الذات وجميع الصفات ‪...‬المواقف ‪.2/366‬‬
‫(‪ )42‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪.600:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الستــــــــواء‬

‫ومن المتشابه ما تكرر سبع مرات في القرآن الكريم وهي قضية الستواء‪.‬‬

‫ففي سورة العراف (‪ )54‬ويونس(‪ )3‬والرعد(‪ )2‬والفرقان (‪ )59‬والسجدة(‪ )4‬والحديد(‪ )4‬جاءت‬


‫في صيغة‪ ( :‬ثم استوى على العرش) أما في سورة طه(‪ )5‬فقد جاءت في صيغة ( الرحمن على‬
‫العرش استوى) ‪.‬‬

‫والمصادر الباضية تعارض بشدة ما ذهب إليه المشبهة من فهم هذه الية حسب الظاهر اللغوي‬
‫وهو الستقرار كما أنها ل تتوقف كما فعل مالك ومن نهج نهجه (‪ )1‬وهو القائل‪ ":‬الستواء معلوم‬
‫والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة (‪ )2‬وعنف السائل وأطرده من حلقته‪.‬‬

‫لكن هذه المصادر تتأول النص حسب السياق وحسب ما يتماشى وعظمة ال تعالى‪.‬‬

‫فتورد مختلف معاني حرف الجر" على " الذي يفيد‪ :‬اللتزاق والفوق (‪ )3‬والغراء (‪ )4‬وحيال (‬
‫‪ )5‬والستعلء (‪. )6‬‬

‫وتقارن بين اليات التالية لتصل إلى أن المعنى المناسب وهو استواء الملك والقدرة والتدبير وهي‪:‬‬
‫( وال غالب على أمره) (‪ 12‬يوسف ‪ ( )21‬الرحمن على العرش استوى) ( ‪ 20‬طه ‪ ( ،)5‬وهو‬
‫القاهر فوق عباده) (‪ 6‬النعام ‪.)18‬‬

‫" وهذه الكلمات الثلث متساوية السبك متفارقة المعنى فإذا تأمل ذلك متأمل وجده كما قلناه وذلك‬
‫أن قوله(الرحمن) مثل قوله (ال) ومثل قوله(هو)‪ .‬وكذلك قوله(استوى) مكان قوله( غالب) ومكان‬
‫قوله(القاهر) ‪ .‬وكذلك قوله( العرش) مكان قوله (أمره) ومكان قوله (عباده) فهذه الكلم الثلث‬
‫متشابهة في العبارة والشارة فل تجوزن أيدك ال بالذي فسرنا منها صفحا توفق إن شاء ال"‪( .‬‬
‫‪)7‬‬

‫والعرش والكرسي والسماوات والرض من مخلوقات ال تعالى‪ " .‬وقوله (كرسيه) كقولك" بيته‬
‫ولو كان متى ذكر كرسيا وعرشا وجب الجلوس عليهما كان متى ذكر بيته فقد وجب أنه ينزله‬
‫ويسكنه وليس بين بيته وعرشه وكرسيه وسمائه فرق"‪)8( .‬‬

‫فقوله ( الرحمن على العرش استوى) ‪ :‬ليس هو على كون الملك على سريره بل هو على معنى‬
‫العلم والحفظ والقدرة والحاطة والظهور والسلطان‪.‬‬

‫وتستند هذه المصادر أيضا إلى ما جاء عن ابن عباس في الجامع الصحيح للربيع بن حبيب‪ ":‬قال‬
‫جابر بن زيد سئل ابن عباس عن قوله تعالى‪ ( :‬الرحمن على العرش استوى) فقال ارتفع ذكره‬
‫وثناؤه على خلقه ل على ما قال المنددون إن له أشباها وأندادا تعالى ال عن ذلك" (‪)9‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫" وعلى ما ذكره الحسن في قوله تعالى‪ ( :‬ثم استوى الى السماء وهي دخان) (‪ 41‬فصلت ‪ )11‬أي‬
‫استوى أمره وقدرته إلى السماء وقوله تعالى‪ ( :‬ثم استوى على العرش) (‪ 25‬الفرقان ‪ )59‬يعني‬
‫استوى أمره وقدرته ولطفه فوق خلقه ول يوصف ال بصفات الخلق ول يقع عليه الوصف كما يقع‬
‫على الخلق"‪)10( .‬‬

‫كما ترد هذه المصادر على من اعتبر ثم على الستئناف وتعتبر أنه أراد بها ما يلي‪ :‬وهو مع خلقه‬
‫السماوات والرض قد استوى على العرش ولم يرد أن ذلك شيء بعد شيء وتستدل بقوله تعالى‬
‫( أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا) ( ‪ 90‬البلد‬
‫‪ )18‬فلم يرد أنه فعل ما فعل ثم كان بعد فعله من الذين آمنوا‪)11( .‬‬

‫كما تنفي المصادر أن يكون الستواء قد جاء بعد العوجاج أو التكاء لما فيه من التشبيه‬
‫والستنقاص المر الذي ل يقبله عاقل‪)12( .‬‬

‫وقد حرص أحمد الشماخي في رده على الغدامسي على جمع نصوص من مصادر مختلفة تفهم‬
‫التشبيه رغم أن الغدامسي عمل على نفي ذلك مطلقا‪.‬‬

‫فأورد ما جاء في رسالة ابن أبي زيد ‪ " )13( :‬وهو على العرش المجيد بذاته" (‪. )14‬‬
‫كما أورد ما جاء في بعض شراح الرسالة‪ ":‬والذي يدل على صحة ما ذكرناه أنه فوق عرشه‬
‫المجيد دون كل مكان قوله تعالى‪ ( :‬الرحمن على العرش استوى) (‪ 20‬طه ‪ )5‬وهذا يمنع أن يوصف‬
‫أنه فوق غيره أو فيه‪)15( .‬‬

‫كما يرد على الغدامسي حيث تأول قول مالك‪ :‬الستواء معلوم على أنه الستعلء وبين أن كلمة‬
‫معلوم تفيد لغة الستقرار مبينا أن المر الذي أغضب مالكا ليس السؤال عن الستواء وإنما عن‬
‫كيفية الستواء أو لنه سأله في جمع من العوام وهذا ليس من المناسب‪)16( .‬‬

‫كما ذكر أيضا أن أحمد بن حبل ل يتأول إل ثلثة أحاديث (‪ )17‬والكل حمله على الظاهر‪.‬‬

‫ثم يذكر شواهد تاريخية زمن ابن تاشفين (‪ )18‬الذي زجر من يقول ال في كل مكان بالضرب‬
‫والقتل إلى أن جاء المهدي (‪ )19‬فحكم عليهم بحكم النصارى فقتل وسبى وغنم بعد أن حكم فيهم‬
‫أول بحكم الموحدين وما ترك بالمغرب من يقول بالتشبيه وسمى أتباعه الموحدين‪)20( .‬‬

‫فواضح إذن أن الشماخي اعتمد على نصوص تؤازر ما ذهب إليه مع أننا نجد من الشعارة من يعمد‬
‫الى المجاز مثل إمام الحرمين (‪ )21‬والقفال (‪ )22‬ومنهم من يعمد إلى الوقوف مثل الرازي ‪ ":‬أن‬
‫نقطع بكونه تعالى متعاليا عن المكان والجهة ول نخوض في تأويل الية على التفصيل بل نفوض‬
‫علمها إلى ال وهذا المذهب هو الذي نختاره ونقول به ونعتمد عليه"‪)23( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما المحشي فقد توسع في هذا الموضوع عند شرحه لما نسب من تأويل إلى ابن عباس ولعبد ال‬
‫بن عمر كما ذكرنا ذلك قبل حين‪)24( .‬‬

‫وقد اعتمد اعتمادا كليا على ما جاء عند إسماعيل الجيطالي في شرح النونية (‪ )25‬فأورد حجج‬
‫الطرف المقابل ولخصها بقوله عند النطلق في الرد‪ ":‬اعلموا أن احتجاج المشبهة في الستواء‬
‫يدور على هذه الربع كلمات‪ :‬ثم‪ ،‬استوى ‪ ،‬على ‪،‬العرش‪ ،‬فهم مطالبون بتأويل هذه الكلمات"‪( .‬‬
‫‪)26‬‬

‫ثم بين بأدلة من القرآن وكلم العرب أن " ثم" ل تكون إل للستئناف بل تكون للتراخي والمهلة‬
‫وتكون بمعنى الواو ويصل إلى أن " ثم" هنا جاءت بمعنى الدوام‪)27( .‬‬

‫وكذلك فعل مع كلمة " استوى" إل أنه اختصر ما جاء عند الجيطالي في شرح النونية ثم ختم‬
‫بقوله‪ ":‬فإذا ثبت بهذه الشواهد العقلية والحتجاجات الضرورية أن الستواء على ضروب متفاوتة‬
‫فلم لم تعمد المشبهة إلى رفعها منزلة وأعلها درجة وأبعدها تنزيها فتصف ال تعالى به إذ كان عز‬
‫وجل بعيدا من صفات الخلق ومعاني النقص‪ .‬ولو كان استواؤه على المعقول لكان تصويره لما في‬
‫الرحام على المفهوم وإتيانه بنيانهم على المعقول تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫فلما كان المر على ما ذكرنا ثبت أن ال عز وجل لم يزل مستوليا على عرشه قبل خلقه وإياه‬
‫واختراعه له بأن يوجده في أي وقت شاء ومستوليا عليه في إيجاده بأن كان ممسكا له ومبقيا له‬
‫بأن يحدث له البقاء الذي بقي به في كل وقت خلفا لمن قال‪ ":‬إن " ثم" ها هنا في معنى الستئناف‬
‫وتقدير قوله (خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) وهو مع خلقه‬
‫السماوات والرض لم يزل مستوليا على العرش وغيره بالقهر والغلبة"‪)28( .‬‬

‫ثم بعد أن بين مختلف وجوه استعمالت " على" ختم بما يلي‪ ":‬فإذا كان يخرج على ما ذكرنا فلم ل‬
‫يكون قولي " على" في ( على العرش استوى) بالقهر والغلبة دون ما ذهبت إليه المشبهة من‬
‫اللتزاق والفوقية تعالى ال عما يقولون علوا كبيرا" (‪)29‬‬

‫ثم ذكر بعد ذلك مختلف الوجوه بالنسبة إلى " العرش" وبين أنه من جملة مخلوقات ال تعالى التي‬
‫تعظم عندنا (‪ )30‬وفي قدرته عليه دللة على قدرته على غيره فقال" إنما خصه بالذكر إذ كان‬
‫مخصوصا عندنا بالشرف والتعظيم وأنه فوق جميع الخلق لن من قدر على أعالي الشياء فهو قادر‬
‫على أسفلها‪ ...‬فمتى ذكر ال تعالى أنه عال على العرش ظاهر عليه فهو دليل على أنه عال على كل‬
‫شيء" (‪. )31‬‬

‫ثم بعد أن ناقش قول مالك المشار إليه قبل حين (‪ )32‬بين لجوء المتأخرين من الشاعرة إلى‬
‫التأويل مع قولهم بأن طريقة السلف أسلم يعنون لما فيها من التوقف وطريقة الخلف أعلم يعنون لما‬
‫فيها من العلم حيث بينوا المراد به"‪)33( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هذا ما جاء عند المحشي وقد نقل جله عن إسماعيل الجيطالي في شرح النونية أما عمرو التلتي‬
‫في شرحه للنونية فقد مر على القضية مرا سريعا ويبدو أنه أدرك أن الجيطالي قد ألم بها من جميع‬
‫الوجوه فتحاشى التكرار‪.‬‬

‫فواضح إذن أن المصادر الباضية تلتقي مع المعتزلة ومع المتأخرين من الشاعرة (‪ )34‬في تأويل‬
‫الستواء‪.‬‬

‫كما أنها استفادت استفادة عريضة من صيغ الجمل التي ورد فيها ذكر الستواء فألحت على معنى‬
‫حرف الجر " على " ودللته على القدرة وعلى معنى " ثم" الذي يفيد المعية ل الستئناف وعلى‬
‫ورود صيغة الستواء للدللة على استعلء في القرآن الكريم وفي كلم العرب‪ .‬وهذا يتماشى مع‬
‫الفكر الباضي عامة الذي يرى أل سبيل الى الستفادة من هذه النصوص إل بتأويلها حسب ما‬
‫يتماشى وجلل ال تعالى‪.‬‬

‫وبعد هذا التحليل يحسن أن نستجلي البعاد الحضارية لهذه القضية‪.‬‬

‫لقد صرح القرآن نفسه أن من آياته ما هو محكم ومنها ما هو متشابه والية تحتمل في نصها أن‬
‫يكون المتشابه من علم ال فحسب كما تحتمل أن يكون للراسخين في العلم نصيب في فهم هذا‬
‫المتشابه على أساس أن يرجعوا به إلى المحكم وحذرت الزائغين من توجيه الي على مقتضى‬
‫زيغهم‪.‬‬

‫وما أن انتقل الرسول عليه السلم إلى الرفيق العلى‪ ،‬ودخل الناس في دين ال أفواجا حتى انطلق‬
‫المسلمون يسألون أصحاب الرسول عليه السلم بأسئلة دقيقة لم يسأل بمثلها الرسول عليه السلم‬
‫فمن الصحابة من آثر الوقوف ومن ذلك ما أثر عن أبي بكر" أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن‬
‫أنا فسرت القرآن برأي" (‪ )35‬ومنهم من فسر وتأول وعلى رأس هؤلء عبدال بن عباس وقد دعا‬
‫له رسول ال صلى ال عليه وسلم بقوله‪ ":‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " (‪ )36‬ول ننسى‬
‫هنا أن إمام الباضية جابر بن زيد أخذ جل علمه عن ابن عباس فهذه المدرسة حينئذ قامت من‬
‫يومها الول على منهج يعتمد على التأويل أساسا بل يعتبر أن القرآن ل يمكن أن يفهم فهما صحيحا‬
‫إذا لم يتأول أساسا بل يعتبر أن القرآن ل يمكن أن يفهم فهما صحيحا إذا لم يتأول ما تشابه منه‬
‫تأويل يتناسق في العقيدة وفي غيرها مع ما جاء محكما وتناسق هذا التأويل في العقيدة‪ -‬ويهمنا‬
‫أكثر في هذا البحث‪ -‬مع المحكم يتم على أساس تنزيه الخالق تعالى تنزيها مطلقا عن الشبيه في‬
‫ذاته وصفاته وأفعاله‪.‬‬

‫وفعل تسرب الزيغ في المحيط السلمي شيئا فشيئا من النصف الثاني من القرن الول للهجرة‬
‫وظهرت الفرق السلمية وتباينت مواقفها وتناقضت آراؤها بين تجسيم وتشبيه اعتمادا على ما في‬
‫اليات من ذكر اليد والوجه والعين وما إلى ذلك من الجوارح وبين وقوف وتفويض مع قبول للنص‬
‫كما هو وبين تأويل وتوجيه النصوص انطلقا من قيام اللغة على الحقيقة والمجاز‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والباضية من يومهم الول اعتنقوا الموقف الثالث كما ذكرنا وقد حرص الربيع بن حبيب من القرن‬
‫الثاني هجري على أن يجمع ما أثر عن الصحابة والتابعين من تأويلت لكل ما جاء من المتشابهات‬
‫في حق ال تبارك وتعالى‪ .‬وكل ما جاء من التراث الباضي في هذا الشأن في ما بعد استمر في نقل‬
‫هذا الرصيد للحتجاج به مع تحليله اعتمادا على ما ظهر من علوم البلغة خاصة منها في باب‬
‫المجاز‪.‬‬

‫وإذا علمنا أن الفكر الباضي في المغرب ظل يتعايش مع فكر أشعري هو أقرب إلى التفويض سوى‬
‫في بعض الحالت ومع بعض العلماء نستطيع أن نستجلي البعد الحضاري لهذه القضية خاصة في‬
‫المرحلة المقررة في البحث‪.‬‬

‫واضح من خلل عرضنا للقضية موقف الباضية الدفاعي ذلك لنهم يرمون‪ -‬مثل المعتزلة‪ -‬بتهمة‬
‫البدعة في الدين وهي من أسوا التهم في المحيط السلمي كما نعلم فلذلك يحتجون لموقفهم من‬
‫منطلق نقلي وعقلي‪.‬‬
‫=============================================‬
‫(‪ )1‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت ‪ :1/345‬وأن ال سبحانه ‪ [ .‬الرحمان على العرش استوى على عرشه ‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬الجامع لحكام القرآن‪ .‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر القاهرة ‪1387/1967‬ج ‪ ،220 -7/219‬وعن حياة‬
‫القرطبي( محمد بن أحمد)(ت ‪)617/1273‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/217‬‬
‫فإذا استويت‪ )3( )23‬المؤمنون ‪[ .)28‬أنت ومن معك على الفلك‬
‫(‪ )4‬عليك الطريق العظم‪.‬‬
‫أو‪ )5( )21‬البقرة ‪[ .)259‬كالذي مر على قرية‬
‫( [‪ 12‬وال غالب على أمره‪ ) )6‬يوسف ‪.)21‬‬
‫(‪ )7‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ .1/367‬نقل المحشي كامل النص ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/296‬‬
‫(‪ )8‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.1/370‬‬
‫(‪ )9‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/35‬عدد ‪. 871‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.298 -7/283‬‬
‫(‪ )10‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/36‬عدد ‪. 872‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.298 -7/283‬‬
‫(‪ )11‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.1/373‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ .1/506‬وقد أورد محاورة طريفة بين مشبه ومؤول أفضت إلى انتصار المؤول‪،‬‬
‫ومثل هذه المحاورات تعبر عن فكر معين يحاول أن يقرب المفهوم بطريقة حوارية مشوقة‪.‬‬
‫(‪ )13‬أبو محمد عبدال ابن أبي زيد القيرواني(‪ )996 -923 -386/22 -310‬قضى جل حياته بالقيروان‪ .‬لقب بمالك الصغير‬
‫لعتنائه بالفقه الملكي‪ .‬ومن أشهر مؤلفاته‪ :‬الرسالة‪ .‬قدم لها وترجمها إلى الفرنسية ليون برشي ‪ Leon Bercher‬ط ‪8‬‬
‫الجزائر ‪(1983‬وفي المقدمة نبذة عن حياة المؤلف)‪.‬‬
‫(‪ )14‬ابن أبي زيد القيرواني‪ :‬الرسالة‪. 20:‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة صولة الغدامسي‪.26:‬‬
‫(‪ )15‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة الغدامسي‪27:‬‬
‫(‪ )16‬نفس المصدر السابق ص ‪. 27‬ر‪ .‬المحشي حاشية الترتيب ‪.294 -7/293‬‬
‫(‪ )17‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على الغدامسي‪ .27:‬وهي " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن"‪ .‬انظر ما سبق ص‬
‫‪279‬تعليق ‪ "24‬الحجر السود عين ال عز وجل "‪".‬إني لجد نفس الرحمان من جانب اليمن"‪ .‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪،2/541 :‬ر‪.‬‬
‫ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.6/508‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على الغدامسي‪ .29:‬يوسف بن تاشفين (‪ )1106 -500/1019 -410‬سلطان المغرب القصى‬
‫وباني مدينة مراكش وأول من دعي بأمير المسلمين‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.295 -9/294‬‬
‫(‪ )19‬المهدي بن تومرت(‪ )1130 -524/1092 -485‬واضع اسس الدولة المرمنية الكومية ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.105 -7/104‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة الغدامسي‪.29:‬‬
‫(‪ )21‬إمام الحرمين‪ :‬عبد الملك بن عبدال الجويني(‪ )478/1085 -419‬أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي‪ .‬أسست المدرسة‬
‫النظامية من أجله ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.4/306‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )22‬القفال‪ )1114 -1037 /507 – 429 (:‬رئيس الشافعية بالعراق في عصره ملقب بفخر السلم ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‬
‫‪.6/210‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪ .22/7‬انظر ما نقله عن إمام الحرمين وعن القفال‪.‬‬
‫(‪ )23‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪.115 /14‬‬
‫(‪ )24‬انظر ما سبق‪286 :‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية خ بالبارونية ورقة ‪ 72‬وجه ورقة ‪ 77‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )26‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/285‬‬
‫(‪ )27‬ر‪.‬المحشي‪ :‬نفس المصدر ص ‪.287 -285‬‬
‫(‪ )28‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪288 -7/287‬‬
‫(‪ )29‬المحشي‪ :‬نفس المصدر‪.288:‬‬
‫(‪ )30‬وقد نقل عمروالتلتي ما روي عن ابن عباس في تعريف العرش‪ ":‬العرش خلق من خلق ال تعالى ‪ ،‬ول يعرف قدره إل‬
‫الذي خلقه" شرح النونية ورقة ‪25‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.91:‬‬
‫(‪ )31‬المحشي‪ :‬نفس المصدر‪.290:‬‬
‫(‪ )32‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.108:‬‬
‫(‪ )33‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/295‬‬
‫(‪ )34‬مثل أبي حامد الغزالي وقد قال‪ ":‬العلم بأنه تعالى مستو على العرش بالمعنى الذي أراد ال بالستواء‪ ،‬وهو الذيس ل ينافي‬
‫وصف الكبر ياء ‪ ،‬ول يتطرق إليه سمات الحدوث والفناء‪ ،‬وهو الذي أريد بالستواء إلى السماء حيث قال في وليس ذلك إل‬
‫بطريق القهر والستيلء كما ثم استوى إلى السماء وهي دخان القرآن قال الشاعر‪ (:‬رجز)‬
‫قد استوى بشر على العراق‬
‫من غير سيف ودم مهراق‬

‫واضطر أهل الحق إلى هذا التأويل ‪ ،‬كما اضطر أهل الباطل إلى تأويل قوله (الحديد ‪ )4‬إذ حمل ذلك بالتفاق على إحاطة والعلم ن‬
‫وهو معكم أينما كنتم تعالى ( قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمان) على القدرة والقهر‪ ،‬وقد حمل وحمل قوله‬
‫( الحجر السود يمين ال في أرضه) على التشريف والكرام لنه لو ترك على قوله ظاهره للزم منه المحال ‪ ،‬فكذا الستواء لو‬
‫ترك على الستقرار والتمكن لزم منه كون المتمكن جسما مماسا للعرش‪ ،‬إما مثله أو أكبر منه أو أصغر ‪ ،‬وذلك محال‪ ،‬وما يؤدي‬
‫إلى المحال فهو محال‪ .‬الحياء ‪.1/186‬‬
‫(‪ )35‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪7/315‬‬
‫(‪ )36‬نفس المصدر ‪ 316 :‬البخاري‪ :‬وضوء ‪ .10‬مسلم‪ :‬فضائل الصحابة ‪ .138‬أحمد ‪. 266 /1‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪.5/190‬‬

‫أما المنطلق النقلي فعمدتهم فيه ما جاء في الية المذكورة أعله(آل عمران ‪ )7‬من إشارة تمكن‬
‫الراسخين في العلم من التأويل مع آية أخرى هي أكثر صراحة في الحث على التأويل وهي قوله‬
‫تعالى ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (‪ 4‬النساء ‪ )83‬وما الستنباط إل فهم النص وعدم الكتفاء‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بظاهره‪...‬‬
‫وكذلك يعتمدون في هذا على ما أثر عن الرسول صلى ال عليه وسلم " ما من كلمة إل ولها وجهان‬
‫فاحملوا الكلم على أحسن وجوهه"‬

‫وكذلك يعتمدون في موقفهم هذا على مواقف بعض الصحابة مثل ابن عباس من التأويل‪.‬‬

‫أما المنطلق العقلي فهو يقوم على جانبين‪:‬‬

‫الجانب الول لغوي‪ :‬فعلى المتأول أن يكون ملما بأسرار اللغة العربية وفعل فقد اجتهدوا اجتهادا‬
‫كبيرا في استقصاء البحث في القرآن والحديث واللغة لكل كلمة تأولوها وأثبتوا من خلل ذلك أن‬
‫النص القرآني لو حمل على ظاهره لتناقض في عديد من المواطن‪.‬‬

‫وفي هذا الباب حذروا من خطرين‪ :‬أولهما اجتناب تأويل القرآن وفق الهوى عن علم وذلك رغبة في‬
‫التلبيس على الخصم أو عن جهل فيميل الفهم عن الصواب‪.‬‬

‫وثانيهما اجتناب التسرع إلى التأويل بظاهر العربية من غير استقصاء المنقول في شأن النص‪.‬‬

‫أما الجانب الثاني فيتمثل في شعورهم بان معجزة القرآن تتجلى في باب التأويل والستنباط على‬
‫أساس الخلص ل تعالى وفي هذا فتح لباب الجتهاد الذي يجعل القرآن الكريم صالحا لكل زمان‬
‫ومكان‪.‬‬

‫وإن اتضح المنطلق الدفاعي في النقل والعقل فإن مظهره يتجلى في حرص الباضية على تأويل‬
‫جميع النصوص المتشابهة في حق ال تعالى وفق منهج معين يرمي إلى تنزيه ال تعالى عما يوهم‬
‫التشبيه وظلوا بذلك أوفياء إلى الية التي جعلوها محور الحديث عن الذات والصفات ( ليس كمثله‬
‫شيء) ‪.‬‬

‫ويتمثل هذا المنهج في النطلق من موقف الطرف الذي ينكر التأويل مع ذكر ما يحتج به ثم يتدرج‬
‫به شيئا فشيئا للوصول إلى التأويل المطلوب اعتمادا على نصوص مختلفة‪.‬‬

‫كما أن هذا التحليل يدعم من حين لخر بقول بعض من الذين ينتمون إلى الطرف المقابل بالتأويل‬
‫القائم على المجاز وقد تحتد اللهجة أحيانا إلى درجة الحط من مواقف الخرين‪.‬‬

‫وهكذا جاءت النفس بمعنى الذات والعين بمعنى العلم والحفظ وجاء النور بمعنى الهداية والدنو‬
‫بمعنى سرعة الجابة‪ ،‬وما إلى ذلك من التأويلت التي ذكرنا‪.‬‬

‫وبقدر ما كانت المعركة نسبيا هادئة في شأن كثير من التأويلت فإنها احتدت أكثر في قضية‬
‫الستواء فلم يقبل الباضية البتة أن يكون الستواء على العرش كاستواء المير على السرير كما لم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقبلوا السكوت عن الجابة عن الكيف إذ يعتبرون أل كيف‪.‬‬

‫وفعل فقد رأينا في الرسائل التي تهجمت على الباضية أن الهجوم يركز على قولهم في الستواء‬
‫واعتباره بدعة إذ منطلق هؤلء إما الوقوف وهو الغالب وإما فهم النص على ظاهره‪.‬‬

‫وهنا يحسن أن نشير أن صدى مثل هذا التأويل يتجلى في المستوى النظري أكثر لكن ل يخلو من‬
‫أثر في عامة الناس الذين كانوا يحضرون دروس مشائخهم الذين يتوسعون في تحليل هذه القضايا‬
‫في حلقاتهم الخاصة وهذا من شأنه أن يجعل شيئا من الجفوة بين الناس أساسه احتراز الكثرية من‬
‫هذه القلية الخارجية المبتدعة وانتباه القلية من الذوبان في هذه الكثرية المشبهة ولهذا قل أن نجد‬
‫الندماج الكلي بين الطرفين حتى في مستوى السكن وكثيرا ما يتم التنابز بين المتعايشين بكلمات‬
‫عامة تحمل في طياتها من جملة ما تحمل خلفيات الفوارق في هذا التصور العقائدي‪.‬‬

‫هذا في المستوى الحضاري المعاش أما في المستوى العلمي النظري فقد أدى الختلف في هذه‬
‫القضية كل من الطرفين إلى الوقوف عند الية المعبرة عن الستواء كلمة كلمة‪.‬‬

‫فتفنن كل لتطويع حرف العطف " ثم" وحرف الجر" على" لما يوافق منطلقه واللغة مطواع لذلك‬
‫فمن أراد منها معنى الحقيقة تعطيه ومن أراد منها المجاز ل تعوزه‪.‬‬

‫أما الفعل " استوى" فقد نال حظا وافرا من التحليل لم يكن ليناله لول هذه القضية‪.‬‬
‫فالموضوع عقائدي إل أن الثروة الناجمة لغوية بلغية بصفة خاصة لن النزاع العقائدي ينتهي من‬
‫حيث بدأ بل لعل كل من الطرفين ينتهي من التحليل وقد زاد تمسكا بموقفه أكثر من البداية‪.‬‬

‫والمصادر الباضية في المرحلة المقررة لم تتمثل وظيفتها في الحقيقة إل في المحافظة على التراث‬
‫المنقول مع تركيز التصور العقائدي في الوساط الباضية ومثل هذا التركيز والتذكير يحفظان هذا‬
‫التصور من الذوبان لن سكوت فرق أخرى عن مبادئها أدى إلى دخولها في طي النسيان وفعل فقد‬
‫دخلت كثير من البيئات الباضية في طي النسيان وصارت أثرا بعد عين لعوامل شتى من بينها بل‬
‫لعل أساسها انطفاء الحركة العلمية فيها وهذه غدامس مثل لم يكن الدفاع منطلقا من صلبها وإنما‬
‫كان المر مددا من جبل نفوسة أو من جربة فلم يستطع المذهب أن يصمد فيها بعد تلك المرحلة أمدا‬
‫طويل‪.‬‬

‫ذلك ما أمكن استنتاجه من أبعاد حضارية لقضية المتشابه عامة وموضوع الستواء خاصة وهذا‬
‫يتدرج بنا إلي النظر في قضية استحالة الرؤية وهي قسم أساسي من أقسام المتشابه‪.‬‬

‫التوسع في تحليل مسألتين من المتشابه‪:‬‬


‫استحالة الرؤية وخلق القرآن‬

‫استحالة الرؤية‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إن جاء أمر الستواء في صيغة صرفية واحدة في السياق القرآني كما رأينا‪ -‬الفعل الماضي المسند‬
‫إلى المعلوم‪ -‬فإن قضية الرؤية تعددت فيها الكلمات والصيغ في القرآن الكريم والحديث الشريف‬
‫ولذلك تضاربت فيها الراء بين الفرق السلمية أكثر من اضطرابها في شأن الستواء إل أن المر‬
‫بقي في مستوى الجدل النظري ولم يتحول الى الصراع العملي والمحنة كما سيكون المر في قضية‬
‫الكلم وخلق القرآن فما هو موقف الباضية من قضية الرؤية ؟ وما هي النظريات العلمية المعتمدة؟‬
‫وما هو المتداد التاريخي للقضية؟ وما هي الدلة العقلية والنقلية على نفي الرؤية؟‬

‫‪:‬‬

‫تعريف الرؤية‪ :‬يقول أحمد الشماخي‪ ":‬حملتها ( الرؤية) على ما حققه أرسطو طاليس وأبو نصر (‬
‫‪ )1‬من أنها انطباع مثل صورة المدرك في العين أو على اتصال الشعة ومن قال بغير ارتسام‬
‫واتصال الشعة فهو عين نفي الرؤية إذ ل يكون النكشاف بالعين إل مع اتصال شعاعها وارتسام‬
‫مثله في العين" (‪. )2‬‬

‫والرؤية كما يعرفها السالمي هي‪ ":‬اتصال شعاع الباصرة بالمرئي وانطباع صورة المرئي في‬
‫الحدقة‪ ...‬ول يطلقها العرب على العلم ونحوه إل تجوزا لكنتة مع قرينة‪ ،‬وقال تعالى ( وما أرسلنا‬
‫من رسول إل بلسان قومه) (‪ 14‬إبراهيم ‪. )3( " )4‬‬

‫فواضح إذن من خلل هذين النصين أن الباضية اعتمدوا على النظريات اليونانية القديمة التي تقول‬
‫بأن البصار يتمثل في انطلق الشعاع من العين ليتصل بالمرئي ولينعكس على حدقة الرائي‪.‬‬

‫بينما نعلم أن ابن الهيثم (‪ )4‬ذهب إلى عكس هذه النظرية وألح على أن القضية بالعكس أي أن‬
‫الشعة تنطلق من المبصَر (اسم المفعول) ل من المبصِر( اسم الفاعل)‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذه النظرية اليونانية تعزز موقف الباضية في نفي الرؤية وعدم جوازها عقل لنها‬
‫تفرض المواجهة بين الرائي والمرئي والحاطة به وهذا مستحيل في حق ال تبارك وتعالى‪.‬‬

‫ول نريد أن نطيل في هذا البحث لننا نعتبر أن إقامة أساس عقائدي على نظرية علمية تحتاج إلى‬
‫احتراز كبير لن الحقائق العلمية نسبية ومتطورة وما يعتبر قاعدة اليوم يصير خطأ في المستقبل‪.‬‬

‫لهذا اكتفينا بهذا التلميح للقضية لنها وقعت الشارة إليها ولنتأمل الن في التطور التاريخي‬
‫للقضية‪.‬‬

‫المتداد التاريخي للقضية‪:‬‬

‫لقد حوصل كل من النامي (‪ )5‬وكوبرلي (‪ )6‬في أطروحتيهما التطور التاريخي لموقف الباضية من‬
‫الرؤية‪ ،‬فبيسن كوبرلي خاصة أن الشارة إلى نفي الرؤية جاءت أول ما جاءت على لسان المام‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عبدال بن إباض وألح النامي على ما جاء من نصوص في هذا الشأن في الجامع الصحيح للربيع‬
‫ابن حبيب بصفة خاصة‪ ،‬والمهم أن المدرسة الباضية نافحت وما تزال تنافح بالجماع (‪ )7‬على‬
‫استحالة رؤية ال تعالى في الدنيا والخرة منطلقها في ذلك فهم كتاب ال تعالى وسنة نبيه عليه‬
‫السلم‪.‬‬

‫أما عن المرحلة التي تهمنا بالخصوص فقد قاس كل من الشماخي وأبي مهدي والسدويكشي‬
‫والمحشي والتلتي على من سبقهم‪)8( .‬‬

‫وما يزال من بعدهم يتبع نفس المنهج مثل عبد العزيز الثميني في " النور" ومحمد اطفيش في‬
‫تفاسيره للقرآن الكريم والسالمي في " المشارق"‬

‫فل نجد استثناء عبر كل هذه العصور عدا ما نبه إليه كوبرلي باحتراز كبير ونحن نشاطره في هذا‬
‫الحتراز مع تبغورين في أصوله لن الشارة جاءت عابرة ول تعتبر في نهاية المر استثناء‪.‬‬

‫والناظر في كل هذه النصوص يتبين بوضوح التفاعل الكبير مع مدرسة العتزال التي تبني نفس‬
‫الموقف مع العلم أنه يصعب أن نقرر من السبق وإن كان المام عبدال بن إباض أشار إلى القضية‬
‫من زمن مبكر لكن تبنى النظرية والمنافحة عنها تتداخل فيها الراء خاصة إذا كان التجاه واحدا‪،‬‬
‫ومهما يكن من أمر فالنصوص المتداولة بين الناس (‪ )9‬تلح على العتزال أكثر من اللحاح على‬
‫الباضية وإنما يذكر الباضية ضمن الخوارج في هذا الشأن لكن هذا يعتبر تقصيرا من هذه‬
‫النصوص أو غفلة لنها كتبت بعد أن تجلت مواقف الباضية صريحة خاصة في الجامع الصحيح‬
‫للربيع ابن حبيب وقد قامت الدول الباضية بعد في المشرق والمغرب‪.‬‬

‫كما يثبت التأمل أن الختلف مع الشاعرة (‪ )10‬والماتريدية والمشبهة وغيرهم ممن يعتقد أن ال‬
‫يرى في الدنيا والخرة أو في الخرة فقط بكيف أو بل كيف‪ ،‬بلور القضية ورسخ قدم الجدل فيها‬
‫بالعتماد على الحتجاج العقلي والحتجاج النقلي مع استغلل ما ورد في النصوص بقدر المكان‬
‫في صالح هذا التجاه أو عكسه مع العلم أن النصوص واحدة وهنا تتجلى قيمة التأويل واعتماد‬
‫مختلف أنواع المجازات وما إلى ذلك من وسائل اللغة‪.‬‬

‫فماذا عن الدلة العقلية ثم النقلية؟‬

‫الدلة العقلية‪:‬‬

‫‪ )1‬عدم توفر شروط الرؤية يوجب استحالتها‪.‬‬

‫يتفق الباضية والمعتزلة (‪ )11‬على تحديد تسعة شروط للرؤية وهي‪:‬‬

‫‪ )1‬سلمة الحاسة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )2‬كون الشيء جائز الرؤية مع حضور للحاسة‪.‬‬


‫‪)3‬مقابلته للباصرة في جهة من الجهات أو كونه في حكم المقابلة كما في المرئي بالمرآة‪.‬‬
‫‪ )4‬عدم غاية الصغر‬
‫‪ )5‬عدم غاية اللطافة‪.‬‬
‫‪ )6‬عدم غاية البعد‪.‬‬
‫‪ )7‬عدم غاية القرب‪.‬‬
‫‪ )8‬عدم الحجاب الحائل‪.‬‬
‫‪ )9‬أن يكون مضيئا بذاته أو بغيره‪)12( .‬‬

‫وبما أن هذه الشروط ل تعقل إل في جسم أو عرض وال تعالى ليس كذلك فهي أقوى دليل على‬
‫استحالة الرؤية في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ويرد الباضية على من يجيز الرؤية في الخرة اعتمادا على البلكفة (‪ )13‬وعدم جواز قياس الغائب‬
‫على الشاهد بما يلي‪:‬‬

‫" قولك (صولة الغدامسي)‪ :‬قياس الغائب على الشاهد فاسد‪.‬‬

‫أقول (أحمد الشماخي)‪ :‬هذا صحييح على أصلنا الذي اعتمدنا عليه ولذا أبطلنا عليه رؤية العين ولو‬
‫جازت لكان كالجواهر والعراض واستحالت رؤيته لنه ليس محل للحوادث"‪)14( .‬‬

‫كما يردون فكرة أن اختلف العقلء في شأن الرؤية دليل على الجواز بحجة أن ادعاء العقلء تعدد‬
‫اللهة في الجاهلية ل يمكن بحال أن يثبت مثل هذا الدعاء‪.‬‬

‫‪ )2‬رد حجة أن الرؤية تتعلق بكل موجود‬

‫يقول المثبتون للرؤية ما يلي‪ ":‬إن ال موجود وكل موجود يصح أن يرى ينتج أن ال يصح أن‬
‫يرى"‪.‬‬

‫ويجيب أحمد الشماخي كما يلي‪ ":‬لو جاز ذلك( تعلق الرؤية بكل موجود) لجاز تعلقها بالصوات‬
‫والطعوم والروائح ولو جاز تعلق السمع باللوان وما ذكر والشم وبها والذوق واللمس ولو جاز في‬
‫جميعها لم يكن في الختصاص فائدة ول حكمة فيلزم أن يكون فعله عبثا وأيضا لجاز ذلك في‬
‫المعدوم كما جاز في الموجود‪....‬‬

‫فان قلت العدم يمنع تعلق الدراكات الحسية بالمعدوم‪.‬‬

‫قلت‪ :‬معلوم متميز‪ ،‬وكل معلوم متميز ثابت وكل ثابت يصح التعلق به‪ ،‬وأيضا ممكن مع ثبوت القادر‬
‫المختار وأيضا المعلومات المتجانسة فما جاز على أحد منها جاز على الخر ولو جازت الرؤية‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫واللمس والشم وغيرها عليه تعالى من غير اتصال لجاز أن يكون جسما من غير تأليف كما قال‬
‫كثير‪ ،‬أو جسما مؤلفا أو له وجه وكف وساق وقدم بغير صورة أو على صورة النسان بغير شكل أو‬
‫طويل عريض بغير نهاية‪ ،‬ويجوز أن يرى علمه لنه موجود وترى قدرته وإرادته وحياته وسمعه‬
‫وبصره وتلمس وتذاق وتشم وتسمع ويجوز إدراك البهائم للذات وسائر ما ذكر بحواسها الخمس‬
‫لن العلة واحدة ويجوز أن تلمس وتشم وتذاق ونرى ونسمع جهلنا وعلمنا وقدرهما بل يجوز ذلك‬
‫في الجماد كما أدرك الجبل ورأى ربه ويجوز أن يجلس فوق العرش أو يتكئ بغير وضع ويوصف‬
‫بالشم والذوق واللمس بغير آلة ول يوصف بكونه شيئا وهذه أقوال قد قيل بها‪.‬‬

‫وبالجملة إن التزمت هذا فانف العراض لفضا بما شئت وإن أثبت ذلك معنى وحقيقة بل أثبت له‬
‫العراض لفظا ومعنى أو انف تأثير الحواس وقل في معبودك ما بدا لك سبحان ربنا وتعالى‪،‬‬
‫واعتقادنا ما دل عليه ( لن تراني) و (ل تدركه البصار) "‪)15( .‬‬

‫وإن رد الشماخي هذا الدليل العقلي بالعتماد على مقارنة البصر ببقية الحواس ومقارنة الموجود‬
‫بالمعدوم فإن من الشاعرة أيضا من رد هذا الدليل وهذا الرازي يقول‪ ":‬إن استدللهم هذا ضعيف‬
‫لنه هناك علة تصلح للرؤية غير الوجود وهي المخلوقية في هذه الشياء وهذه العلة ل توجد في‬
‫البارئ لنه خالق ليس مخلوقا‪.‬‬

‫وقال أيضا‪ :‬إن المصحح للرؤية لبد أن يكون مشتركا بين القديم والحادث‪.‬‬

‫والمشترك إما الحدوث أو الوجود فيبطل أن يكون المصحح الحدوث فتعين أن يكون هو الوجود وإذا‬
‫كان هو الوجود فوجب كونه تعالى يصح أن يكون مخلوقا لن الوجود مشترك بينهما وإذا كان‬
‫الوجود مشتركا بينهما فيصح على هذا أن يكون ال مخلوقا لنه موجود كما في الحوادث والعلة‬
‫والوجود‪.‬‬

‫وعلى هذا ل يصح أن يكون الوجود صحيحا للرؤية حتى يؤدي ذلك إلى ثبوت رؤية الباري"‪)16( .‬‬

‫وقال الغزالي أيضا‪ ":‬إن كبرى الدليل في قياسهم هذا كاذبة إشارة إلى أن كل موجود يصح أن‬
‫يرى" (‪)17‬‬
‫وبهذا نتبين أن هذه الحجة مردودة عند الباضية والمعتزلة وحتى عند بعض الشاعرة مثل الرازي‬
‫والغزالي‪.‬‬
‫=================================‬
‫(‪ )1‬الفاربي( ‪ )950 -874 /339 -260‬يعرف بالمعلم الثاني‪ ،‬من أكبر فلسفة المسلمين عاش بين فاراب وبغداد ومصر والشام‬
‫‪.‬ر‪ .‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪.242 /7‬‬
‫(‪ )2‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة صولة الغدامسي‪.25:‬‬
‫(‪ )3‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 186 :‬واخترنا هذا التعريف لنه أكثر وضوحا من تعريف أحمد الشماخي‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن الهيثم ( الحسن) ( ‪ )411/1020‬من علماء المسلمين اهتم خاصة بعلم المبصرات وتفنن فيه ‪.‬ر‪ .‬مصطفى نطيف‪ :‬الحسن‬
‫بن الهيثم بحوثه وكشوفه البصرية‪ .‬القاهرة‪.1942 .‬‬
‫(‪ )5‬عمرو النامي‪ :‬الطروحة‪.209 -207 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )6‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.515 -469 :‬‬


‫(‪ )7‬وعلى سبيل المثال ‪:‬ر‪ .‬أبو زكرياء الجناوني‪ :‬عقيدة نفوسة ملحقة بأطروحة كوبرلي‪. 56 -55 :‬ر‪ .‬تبغورين بن عيسى‬
‫الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪. 68 -65 :‬ر‪ .‬أبو عمار الكافي‪ :‬الموجز‪.421 -414 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية خ‬
‫بالبارونية ورقة ‪ 64‬وجه إلى ورقة ‪ 70‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر الحالت على النصوص أثناء التحليل‪.‬‬
‫(‪ )9‬الشعري‪ :‬الشهرستاني والبغدادي‪.‬‬
‫(‪ )10‬يقول الغزالي‪ ":‬العلم بأنه تعالى مع كونه منزها عن الصورة والمقدار‪ ،‬مقدسا عن الجهات والقطار‪ ،‬مرئي بالعين‬
‫والبصار في الدار الخرة دار ول يرى في الدنيا تصديقا وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة القار لقوله تعالى‪ :‬ولقوله‬
‫تعالى في خطاب موسى عليه ل تدركه البصار وهو يدرك البصار لقوله عز وجل‪ [ . :‬لن تراني السلم‬
‫وليت شعري كيف عرف المعتزل من صفات رب الرباب ما جهله موسى عليه السلم؟ وكيف سأل موسى عليه السلم الرؤية مع‬
‫كونها محال؟ ولعل الجهل بذوي البدع والهواء من الجهلة الغبياء أولى من الجهل بالنبياء صلوات ال عليهم‪.‬‬
‫" وأما وجه إجراء آية الرؤية على الظاهر فهو أنه غير مؤد إلى المحال فإن الرؤية نوع كشف وعلم إل أنه أتم وأوضح من العلم‬
‫فإذا جاز تعلق العلم به وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة‪ ،‬وكما يجوز أن يرى ال تعالى وليس في مقابلتهم جاز‬
‫أن يراه الخلق من غير مقابلة‪ ،‬وكما جاز أن يعلم من غير كيفية وصورة جاز أن يرى كذلك"‪ .‬الحياء ‪ .1/187‬ويقول الظاهرية‬
‫على لسان ابن حزم ‪ ":‬وأن ال تعالى يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة‪ "...‬المحلى ‪.35-1/34‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار المغني في أبواب العدل والتوحيد‪ .‬نشر المؤسسة العربية للتأليف بالقاهرة ج ‪ /4‬عدة صفحات ‪:‬‬
‫‪...109 .50 .40 .36.39‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 198 :‬لم نجد في المرحلة المقررة مثل هذا التفصيل فاستعنا بما جاء في المشارق لزيادة‬
‫التوضيح‪.‬‬
‫(‪ )13‬البلفكة ‪ :‬كلمة مركبة تفيد بل كيف‬
‫(‪ )14‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة صولة الغدامسي‪.24:‬‬
‫(‪ )15‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة صولة الغدامسي‪ 26-25:‬وهذا تحليل لما ورد موجزا عند أبي يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‬
‫والبرهان ط ‪.64-1:63‬‬
‫(‪ )16‬عزة محمد عبد المنعم زايد ‪ :‬رؤية ال تعالى بين المثبتين والنافين‪ .‬رسالة ماجستير في العقيدة والفلسفة السلمية‪ .‬مكتبة‬
‫الستقامة ‪ .‬عمان ط ‪1‬د‪.‬ت ‪ .54 :‬وقد أخذنا نص الرازي من هذا المرجع‪.‬‬
‫(‪ )17‬الغزالي‪ :‬القتصاد في العتقاد تقديم عادل العواط ط ‪ 1‬دار المانة لبنان ‪.43 :1969 /1388‬‬

‫‪ )1‬استحالة الرؤية لستحالة التحيز والحاطة‪:‬‬

‫ينقل أبو المهدي عن أبي نوح سعيد بن زنغيل في هذا الشأن ما يلي‪ ":‬قال الشيخ أبو نوح ‪ :‬يقال‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لمن زعم أن ال يرى يوم القيامة ل يخلو من أن يرى في جميع المكنة أو في مكان دون مكان فإن‬
‫قال في جميع المكنة فقد أتى بالمحال الذي ل يعقل وجعل البصر يشاهد المشرق والمغرب في حالة‬
‫واحدة وإن قال في مكان دون مكان فقد جعله محدودا محاطا به فإن قالوا بعضه فقد جزؤوه وجعلوه‬
‫ل شيء وإن سكتوا على الكل والبعض فقد باهتوا"‪)18( .‬‬

‫وقد صاغ خميس الرستاقي نفس المعنى بعبارة أدق وفي ذلك يقول" ل يجوز في حجة العقل أن‬
‫يرى ال تبارك وتعالى جهرة بالبصار لنه ل يخلو الناظر إليه من أن يكون يراه مكان دون مكان أو‬
‫يراه في كل مكان‪.‬‬

‫فإن كان يراه في مكان دون مكان فما فضل الخالق على المخلوق إذا كان المخلوق في مكان دون‬
‫مكان والخالق كذلك؟ وهذه صفة المحدود وال تعالى جل وعل عن ذلك‪.‬‬

‫وغذا كان يراه في كل مكان فالمخلوق إذن أعظم من الخالق إذ كان هو في مكان ينال بصره من كان‬
‫في كل مكان‪.‬‬

‫وأيضا فل يخلو من أن يكون يراه حتى ل يخفى عليه منه شيء أو يخفى عليه منه شيء‪.‬‬

‫فإن كان ل يخفى عليه منه شيء إل ويراه فقد أحاط به والمحاط به صغير والمحيط به أكبر منه وإن‬
‫كان يخفى عليه منه شيء فالذي خفي عليه غير الذي لم يخف وهذه صفة المحدود والمتغاير الذي‬
‫بعضه غير بعض تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا" ‪)19( .‬‬

‫‪ )2‬عدم جواز مقارنة العلم بالرؤية‪:‬‬

‫يقول الغزالي‪ ":‬إن الرؤية نوع كشف وعلم إل أنه أتم وأوضح من العلم فإذا جاز تعلق العلم به‬
‫وليس في جهة جاز تعلق الرؤية به وليس بجهة"‪)20( .‬‬

‫وإن رأى الشماخي (‪ )21‬أن الخلف في اللفظ فيعتبر السالمي أن الخلف حقيقي حيث يقول‪ ":‬فإن‬
‫قيل‪ :‬إن بعض الصحاب قد فسر الرؤية في الحديث بالعلم (‪ )22‬وقد قنع البدر الشماخي من الفخر‬
‫الرازي والغزالي بما قاله حيث قال والخلف حينئذ لفظي‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬أراد ذلك البعض بالعلم بال زيادة العلم بصفاته حيث انكشف لهم من أمور الخرة ما يعدهم بها‬
‫كما قيل ليس الخبر كالمعاينة وعلى هذا المعنى حمل البدر كلم الفخر والغزالي حسن ظن بهما ولكن‬
‫إشارتهما دالة على إرادة العلم بحقيقة ذاته ل بصفاته فقط"‪)23( .‬‬

‫ومما يؤكد كلم السلمي صريح عبارة الغزالي‪ ":‬مرئي بالعين والبصار في الدار الخرة"‪)24( .‬‬

‫ونحن نذكر أن ما قاله الفخر الرازي والغزالي غير مقنع لن حقيقة ذاته تعالى ل تعلم وإنما تعلم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫صفاته فقط وذلك أنه لبد للشيء المعلوم من أن يتصور في ذهن العالم به وحقيقة ذاته ل تتصور ‪.‬‬
‫(‪)25‬‬

‫وبهذا نتبين الفرق بين العلم والرؤية‪.‬‬

‫‪ )3‬رفض تقوية حاسة البصر‪:‬‬

‫يقول الشعري في البانة‪ ":‬لبد من تقوية بصر النسان كي يرى ال وإن كانت العين ل تقوى على‬
‫رؤية الشمس فمن باب أولى إذا كان مع رؤية الخالق"‪)26( .‬‬

‫" وهذا مردود من جهتين‪:‬‬

‫‪ )1‬فإما أن توقية البصار يحولها عن اختصاصها في تميز اللوان والشخاص فتصير قادرة على‬
‫رؤية الروائح والصوات‪ ...‬لكن هذا ليس من الرؤية‪.‬‬

‫‪ )2‬وإما أنه ل يحولها ولكن يقوي قدرتها وهذا ر يخرجها عن طبيعتها مثل بعض الحيوانات كالسد‬
‫يرى في الظلم مال يراه غيره" (‪)27‬‬

‫‪ )4‬رفض الحاسة السادسة‪:‬‬

‫يذكر الشعري أن " ضرار" و " حفص الفرد" (‪ )28‬يقولن بإمكانية الرؤية بالحاسة السادسة‬
‫يوم القيامة (‪ )29‬إل أن خلفهما من المعتزلة رفضوا ذلك‪.‬‬

‫كما أن ابن حزم (‪ )30‬يقول بها أيضا‬

‫إل أن الباضية يرفضونها رفضا قطعيا وذلك لن تحويل وظيفة البصر يؤدي قطعا إلى إبطال‬
‫الرؤية‪.‬‬

‫فلبد من منع الرؤية في الدنيا والخرة وبأي حاسة أخرى ل بالعين ول بالقلب إذ إن تصوره القلب‬
‫يجب أن يتميز‪)31( .‬‬

‫وينقل أبو مهدي عن أبي القاسم البرادي ما يلي‪ ":‬قال الشيخ أبو القاسم‪ :‬ويقال لهم أخبرونا عن‬
‫هذه الرؤية أهي بحاسة البصر أم بحاسة أخرى غيرها‪ )32( ...‬وإن قالوا بحاسة أخرى غير حاسة‬
‫البصر قلنا‪ :‬ل تخلو هذه الحاسة في معنى البصر أن تكون مدركة لللوان أو تكون على خلف ذلك‬
‫فإن كانت في معنى البصر ففي المسألة الولى (‪ )33‬وإن قالوا مخالفة لحاسة البصر مضادة لها قلنا‬
‫أردتم إثبات الرؤية بإبطالها واحتججتم للرؤية بحجة توجب زوالها وقولكم هذا شبيه بقول من قال‬
‫شممت رائحة المسك بأذني‪)34( ".....‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )5‬البلكفة‪:‬‬

‫اعتبر الشاعرة أن الرؤية ممكنة في الخرة لكن أثبتوا أنها بل كيف لتنزيه المولى عن الشبيه‪.‬‬

‫إل أن المعتزلة والباضية يرفضون هذا الموقف بشدة‪ ،‬ويعتبرونه فرارا من الحتجاج وبيتا‬
‫الزمخشري مشهوران في هذا الصدد‪( :‬كامل)‬

‫(‪)35‬‬

‫ويقول السالمي في هذا الصدد‪ ":‬تستروا عن التشبيه فقالوا نراه في الخرة بل كيف أي ل هيئة ول‬
‫حالة نكيفها وهذا فرار من صريح التشبيه مع الوقوف فيه معنى ثم يورد بيتي الزمخشري ويختم‬
‫بقوله‪ ":‬وزيادة بل كيف لم يقم عليها دليل من كتاب ول سنة"‪)36( .‬‬

‫من خلل هذا التحليل للحجج العقلية يثبت لدينا أن المصادر الباضية لم تطل الوقوف عندها واكتفت‬
‫بتحديد ما حدده المعتزلة من عدم توفر شروط الرؤية إل أنها اضطرت لذلك في مواقف دفاعية‬
‫لدحض ما ذكرته الفرق الخرى من الحجج العقلية‪.‬‬

‫والصراع كان عنيفا مع الشاعرة إل أن حدته تخف عندما نعلم أن من الشاعرة أنفسهم من قال‬
‫بوهن هذه الحجج العقلية وقد أوردنا من قبل موقف الرازي والغزالي من الحتجاج على الرؤية بأن‬
‫كل موجود يرى وأحسن ما يدل على العزوف عن الحتجاج العقلي في هذا المبحث ما ختم به شارح‬
‫كاتب المواقف تحليله للحجج العقلية‪ ...":‬وفي هذا الترويج تكلفات أخر يطلعك عليها أدنى تأمل‬
‫فإذن الولى ما قد قيل من أن التعويل في هذه المسألة على الدليل العقيلي متعذر فلنذهب إلى ما‬
‫اختاره الشيخ أبو نصر الماتريدي من التمسك بالظواهر النقلية"‪)37( .‬‬

‫ويقول السدويكشي في حاشيته على كتاب الديانات في بداية تحليله لهذه القضية ما يلي‪ ":‬فاستدل‬
‫أصحابنا ومن وافقهم على عدم جواز الرؤية بالعقل والنقل وكذلك الشاعرة استدلوا بالعقل والنقل‬
‫وقد ضعف دليل العقل من الجانبين ولم يبق إل دليل النقل"‪)38( .‬‬

‫وإن بينا هذا فقد بقى أن نلح على تفاعل هذه المصادر مع نصوص المعتزلة لكن المعتزلة يذهبون‬
‫إلى مدى أبعد يتماشى مع مبدئهم في ترجيح العقل وأن حجة ال على الناس هي العقل بتجاوز‬
‫الرؤية المعهودة وبتحويل حال النسان ورفع المانع المر الذي يرده المعتزلة بتبيين أن تجاوز‬
‫العقول بفتح أبواب الجهالت‪)39( .‬‬

‫ومهما يكن من أمر فالباضية يلحون على تنزيه ال تعالى ويصرون على أنه ل تدركه البصار ل‬
‫في الدنيا ول في الخرة ولهم مواقف من الحجج النقلية فما هي؟‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫=========================‬
‫(‪ )18‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ 102 :‬وراجع أيضا ‪.165‬‬
‫(‪ )19‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ 1/411‬وقد أوردنا النص لزيادة التوضيح‪.‬‬
‫(‪ )20‬الغزالي ‪ :‬الحياء ‪.1/187‬‬
‫(‪ )21‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد علة صولة الغدامسي‪.18:‬‬
‫(‪ )22‬انظر ما يلي‪336 :‬‬
‫(‪ )23‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.186 :‬‬
‫(‪ )24‬الغزالي ‪ :‬الحياء ‪.1/187‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬عزة محمد عبد المنعم زايد ‪ :‬رؤية ال تعالى بين المثبتين‪.55:‬‬
‫(‪ )26‬أبو الحسن الشعري‪ :‬البانة ط المنيرية القاهرة ‪.16 :1348‬‬
‫(‪ )27‬أبو عمار الكافي‪ :‬الموجز ‪.419 -1/418‬‬
‫(‪ )28‬حفص الفرد (‪ )3/9‬متكلم أخباره نادرة ‪ .‬مصري تتلمذ على العلف بالبصرة تنسبه كتب الملل إلى المعتزلة كما تنسبه إلى‬
‫المجبرة‪ .‬اشتهر بالقول بالحاسة السادسة في رؤية الباري في الخرة‪..cf EI2 III 66.‬‬
‫ضرار بن عمرو (‪ :)3/9‬يرد اسمه عادة مع حفص الفرد‪ .‬لم تترجم له كتب الملل‪.‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬الشعريك المقالت‪ .‬مكتبة النهضة المصرية ‪1/289 1373/1954‬‬
‫(‪ )30‬ر‪ .‬ابن حزم ‪ :‬الفصل ‪ . 4/ 3‬المحلى م ‪ 1‬ج ‪ 1‬ص ‪35 -34‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.2/372 1‬‬
‫(‪ )32‬حذفنا تحليله لمنع الرؤية بالبصر من أجل استحالة التحيز في مكان‪.‬‬
‫(‪ )33‬أي استحالة البصر بالعين‬
‫(‪ )34‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪164 -163 :‬‬
‫(‪ )35‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪.2/116‬‬
‫(‪ )36‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.206 :‬‬
‫(‪ )37‬الشريف الجرجاني‪ :‬شرح المواقف ط مع النص‪.373 :‬‬
‫(‪ )38‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪2 :‬‬
‫(‪ )39‬ويقول السالمي في ذلك‪ ":‬قالوا‪ :‬اشتراط المقابلة للرؤية عادي‪ ،‬والخرة محل خرق العادات‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ل نسلم أنه عادي بل عقلي ضروري لن الرؤية التي تعرفها العرب ل تصح عقل إل لمقابل‪ ،‬ومن ادعى أنها رؤية أخرى‬
‫فعليه الدليل‪ ،‬ولو سلمنا أن اشتراط المقابلة عادي كان لنا أن نقول ما الدليل على هذا العادي مما يخرق يوم القيامة؟‬
‫فعلمنا أن رؤيته ليس كمثله شيء فان قيل‪ :‬إن الدليل على ذلك قوله تعالى‪ :‬مخالفة لرؤية المخلوقين لما يلزم في المقابلة‬
‫من التشبيه المستحيل في حقه تعالى‪ .‬قلنا‪ :‬هذا دليل نفي الرؤية أصل ل دليل على أن رؤيته مخالفة لرؤية المخلوقين فقط‪ ،‬فإنه‬
‫متى كان مرئيا لزم أن يكون مثله شيء وهو سائر المرئيات ‪...‬المشارق‪.201 :‬‬

‫الدلة النقلية‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إن كل من نفاة الرؤية ومثبتيها يعتمدون على نفس النصوص من القرآن والسنة لتدعيم مواقفهم‬
‫ومرجع هذا إلى اختلف منطلقات كل من الطرفين وإلى إحتمال هذه النصوص تآويل مختلفة إذ هي‬
‫من المتشابهات‪ ،‬ويتجلى التفاوت الكبير خاصة في استعمال نصوص الحديث بين تقوية المتن‬
‫والجرح في السند أو العكس‪.‬‬

‫فما موقف المصادر الباضية من هذه النصوص؟ وننبه إلى أن الفصل بين القرآن والسنة هنا‬
‫منهجي فحسب إذ جائت السنة مبينة للقرآن الكريم‪.‬‬

‫( ل تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير) (‪ 6‬النعام ‪)103‬‬

‫أ‌‪ -‬الدراك‪ :‬جاء في اللسان " الدرك اللحاق‪ ،‬وقد أدركه ورجل مدرك كثير الدراك وجاء فيه أيضا‪:‬‬
‫الدراك اللحوق يقال مشيت حتى أدركته وعشت حتى أدركت زمانه وأدركته ببصري أي رأيته"‪( .‬‬
‫‪)40‬‬

‫ويعلق أحمد الخليلي على هذا بما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬إن العرب تقول أدركت زمانه مع عدم الحاطة بزمانه كما نص عليه صاحب اللسان ولربما قال‬
‫أحدهم أدركت حياة فلن وهو لم يولد إل في الزمن الخير من حياته‪.‬‬

‫‪ )2‬إن العرب تسمي المطر المتوالي المتدارك مع العلم أنه ليس المقصود منه أن كل ديمة منه تحيط‬
‫بغيرها وإنما المقصود تلحق الدّيم‪.‬‬

‫‪ )3‬عدم مخالفة أحد في صواب قول من قال أدركه السهم ومن المعلوم أنه ليس المراد منه إحاطة‬
‫السهم به ولو قال قائل‪ :‬أحاط به السهم لعد من هذيان الكلم‪.‬‬

‫‪ )2‬مجيء اللفاظ المشتقة من الدراك دالة على غير معنى الحاطة كما في قوله تعالى‪( :‬حتى إذا‬
‫أدركوا فيها) (‪ 7‬العراف ‪ )38‬إذ ليس من المعقول أن يكون المراد من الية إحاطة كل فوج من‬
‫أهل النار بالخرة مع أن التفاعل يقتضي التشارك من الجانبين أو الجوانب وإنما المراد من الية‬
‫تلحق الفواج في النار والعياذ بال"‪)41( .‬‬

‫ويقول السدويكشي ‪ ":‬والدراك المضاف في هذه الية إنما هو الرؤية فمعنى قولك أدركته ببصري‬
‫معنى رأيته ل فرق إل في اللفظ [ أو هما أمران متلزمان ل يصح نفي أحدهما مع إثبات الخر فل‬
‫يجوز القول رأيته وما أدركته ببصري ول عكس ذلك فهذه الية الكريمة نفت أن تراه البصار وذلك‬
‫يتناول جميع البصار بواسطة اللم الجنسية في مقام المبالغة وفي جميع الوقات] لن قولك فل‬
‫تدركه البصار يفيد عموم الوقات فلبد أن يفيد عموم العصار والزمان فل يراه شيء من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫البصار ل في الدنيا ول في الخرة لما ذكرنا" (‪. )42‬‬

‫فالباضية والمعتزلة حينئذ يرفضون معنى الحاطة التي يبنى عليها مثبتو الرؤية جوازها إذ الية‬
‫عندهم تفيد أن نفي الحاطة يثبت جواز الرؤية‪.‬‬

‫ويقول السالمي في هذا الصدد‪ ":‬ول نسلم أن الدراك هو الرؤية المقيدة بالحاطة لنه حقيقة في‬
‫الوصول إلي الشيء وتقييده بالحاطة مجاز ل يصح إل بقرينه بل القرائن دالة على نفي مطلق‬
‫الدراك"‪)43( .‬‬

‫ب) الية تفيد المدحة‬

‫إنه تعالى تمدح بكونه ل يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح لن ما ذكر في السورة الكريمة قبل هذه‬
‫الية (‪ )44‬هي مدائح ‪ ...‬وما كان من صفاته عدمه مدحا كان وجوده نقصا فيجب تنزيه البارئ عنه‬
‫وهو على غرار نفي السنة والنوم‪)45( .‬‬

‫ويقول أبو مهدي في أن الية تعني المدحة ما يلي‪ ":‬ومما نسألهم عنه أن نقول لهم‪ :‬أخبرونا عن‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬ل تدركه البصار) هذه مدحة امتدح بها أم ل فإن قالوا‪ :‬ل فقد جاحدوا‪ ...‬وإن قالوا‬
‫مدحة امتدح بها‪ ،‬قلنا لهم هذه المدحة ثابتة له في الدنيا والخرة أم في الدنيا خاصة فإن قالوا في‬
‫الدنيا خاصة فقد جعلوا مدائح ال عز وجل تزول عنه يوم القيامة فنقول‪ :‬يلزمكم أن يكون قوله‬
‫( وهو يدرك البصار) في الدنيا خاصة لن الية جاءت مجيئا عاما‪ .‬وتكون على قولكم جميع مدائح‬
‫ال يجوز زوالها في الخرة مثل قوله تعالى‪ ( :‬ل تأخذه سنة ول نوم) (‪ 2‬البقرة ‪ )255‬وقوله‬
‫( ليس كمثله شيء) (‪ 42‬الشورى ‪ )11‬وكذلك سائر المدائح لن هذه مدحة وتلك مدحة وإن قالوا‬
‫الزوال في هذه خاصة فل حجة لهم وإن قالوا مدائح ال ثابتة في الدنيا والخرة فهو ما نقول وبطل‬
‫ما صاروا إليه‪)46( .‬‬

‫ويقول السالمي في الرد على نفي مفهوم المدحة بما يلي‪ ":‬ل يقال إن نفي الرؤية ليس من مدائحه‬
‫تعالى لنه قد اتصف به من خلقه أشياء كالعراض والرواح ونحوها وما اتصف به غيره ل يكون‬
‫مدحا له‪ .‬لنا نقول وكذلك أيضا بعض المخلوقات ل يتصف بالنوم ول بالسنة كالحائط والشجرة‬
‫ونحو ذلك فل يكون نفيهما عنه مدحا"‪)47( .‬‬

‫ويرد التعاريتي على من قال‪ ":‬إن عدم رؤيته في الدنيا مع كونه أقرب إليهم من حبل الوريد كاف‬
‫في التمدح فل ينافي رؤيته في الخرة‪.‬‬

‫بقوله‪ :‬مقتضى كونه تمدحا أن يكون على سبيل الدوام والستمرار قياسا على سائر تمدحاته تعالى"‬
‫(‪)48‬‬

‫وجاء في المسلك المحمود أيضا ما يلي‪ ":‬إن امتناع الرؤية لم يكن فيه تمدح إذ ل مدح للمعدوم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بأنه ل يرى حيث لم يكن له ذلك‪.‬‬

‫الرد‪ :‬إن عدم مدح المعدوم لشتماله على النقص الذي هو العدم‪ ،‬كما أن الصوات والروائح ل تمدح‬
‫مع عدم إمكان رؤيتها لكونها مقرونة بسمات النقص وامتناع الشيء ل يمنع التمدح بنفي الشريك‬
‫والسنة والنوم ونفي الصاحبة والولد مع امتناعها فبان أن امتناع الرؤية يدل على أنه ليس من‬
‫جنس العالمين بل هو حقيقة أخرى مخالفة لها غاية المخالفة ولما كان تعالى منفردا بهذه الصفات‬
‫مع اشتراك جميع الممكنات في صحة الرؤية صار هذا دليل على أنه ليس ممكنا من الممكنات بل‬
‫واجب وجوده تعالى"‪)49( .‬‬

‫فيبقى نفي الرؤية مدحة في نظر الباضية في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫ج)الية تفيد عموم السلب‬

‫" يقول مثبتو الرؤية‪ :‬إن لفظ البصار صيغة جمع دخل عليها اللف واللم فهي تفيد الستغراق‬
‫فقوله‪ ( :‬ل تدركه البصار) يفيد أنه ل تراه جميع البصار وهذا يفيد سلب العموم ول يفيد عموم‬
‫السلب‪)50( "..‬‬

‫فيكون المعنى ل تدركه البصار بل بعضها وهي أبصار المؤمنين وقد جاء عند أحمد الشماخي ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫" قولك‪ :‬فالمعنى سلب العموم‪ ،‬ل عموم السلب أي ل تدركه جميع البصار ونحن قائلون بموجبه‪.‬‬

‫أقول‪ :‬ل نسلم أنها لسلب العموم إذ ل مدح في سلب بعض البصار لنه شاركه فيه من حيث ل‬
‫ترونهم ولنه يلزم عليه أن تدركه بعض البصار وهي التي ل تدركه لن اللف واللم في ل تدركه‬
‫البصار" للعهد‪.‬‬

‫" قولك‪ :‬ل دللة فيه على عموم الوقات‪.‬‬

‫أقول‪ :‬له أدلة‪:‬‬

‫‪ -1‬التمدح لن المقام له ول مدح في بعض الوقات‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم القيد فتسلط النفي على أصل الفعل‪.‬‬

‫‪ -3‬يلزم ذلك في وهو يدرك البصار وفي قوله ( ل تأخذه سنة ول نوم) ( البقرة ‪)51( ")225‬‬
‫ويقول المحشي مبينا أن الية ل تقيد بوقت دون وقت ‪ ":‬ويقال لهم‪ :‬أخبرونا لية علة صار‬
‫معبودكم يرى في دار المعاد ول يرى في الدنيا اللذات أم للخبر؟ فان قلتم للذات فالذات ل تتغير وان‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قلتم للخبر فما الخبر؟‬

‫فإن قلتم ( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (‪ 75‬القيامة ‪ )23‬قلنا هذا الخبر للرؤية عندكم في‬
‫المعاد فأين الخبر الذي ل يرى في الدنيا؟ فلستم تجدونه إل أن تقولوا قوله ( ل تدركه البصار) (‪6‬‬
‫النعام ‪ )103‬فإن قالوا‪ :‬ذلك قيل لهم‪ :‬هذا الخبر عن الذات أو خبر عن وقت دون وقت‪.‬‬

‫فإن قالوا‪ :‬خبر عن الذات قلنا‪ :‬قد قلتم إن الذات ل تتغير من صفة القديم إلى صفة المحدث‪.‬‬

‫فإن قلتم عن وقت دون وقت فيلزمكم أن تقولوا بمثل ذلك في جميع ما أخبر ال به عن نفسه في‬
‫القرآن من قوله‪ (:‬ل تأخذه سنة ول نوم) (ول يؤوده حفظهما) (‪ 2‬البقرة ‪ ( )255‬ل يعزب عنه‬
‫مثقال ذرة) (‪ 34‬سبأ ‪ )3‬فتكون هذه الخبار من كتاب ال تعالى وما شاكلها في صفة ال تعالى إنما‬
‫هي لوقت دون وقت" (‪)52‬‬

‫وإن صاغ المحشي هذه الحقيقة بطريقة جدلية فإن السالمي قد صاغها بمنهج رصين حيث يقول‪":‬‬
‫قلنا ‪ :‬ل نسلم أنها لسلب العموم لنها وردت مدحا له تعالى‪ ،‬و‘دراك البصار له تعالى مزيل لهذا‬
‫التمدح زل يصح أن تزول عنه صفاته التي تمدح بها تعالى إذ لو جاز ذلك لجاز أن يكون في الخرة‬
‫متصفا بالسنة والنوم والصاحبة والولد والشريك والشبيه لن هذا كله مما تمدح به تعالى بنفيه‬
‫عنه‪ ،‬ولو جاز عليه ذلك لكان حينئذ ذليل عاجزا مقهورا مغلوبا جاهل بخيل فيستحق على ذلك‬
‫الشتم‪ -‬تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫حاصل الجواب أن قاعدة سلب العموم إنما هي ثابتة في مال إذا لم يدل دليل على أن المراد خلفها‬
‫أما إذا دل دليل على ذلك عدل عنها إلى ما يقيتضيه الدليل ودليل العدول هنا قصد التمدح بنفي‬
‫الرؤية فإن حمل على تلك القاعدة فات هذا المقصود"‪)53( .‬‬

‫ويقول محمد اطفيش‪ " :‬اللف واللم للستغراق باقية على العموم الشمولي بعد النفي فشملت‬
‫أبصار المؤمنين وأبصار الكفار كما هو الوارد في القرآن بل تلكف تأويل في قوله ( وال ل يحب كل‬
‫مختال فخور)‪)54( .‬‬
‫أما السدويكشي فقد غلب عليه الخذ عن اليجي وقد انتبه إلى ذلك يوسف المصعبي فبين أن‬
‫السدويكشي أورد اعتراضات اليجي والشريف الجرجاني على أساس أن يرد عليها (‪ )55‬لكننا لم‬
‫نجد هذا الرد ولعل عذره يتمثل في أنه لم ينته من شرح كتاب الديانات ومعلوم أن يوسف المصعبي‬
‫واصل الشرح لكنه لم يتدارك النقص الذي أشار إليه‪.‬‬

‫والمهم حينئذ أن الباضية يعتبرون أن هذه الية تدل على نفي الرؤية عن ال تعالى على الطلق‪.‬‬

‫د)تركيب الجملة‬

‫إن اختلف الجملتين إذ كانت الولى فعلية والثانية اسمية يثبت اختلفا جوهريا في المعنى فالفعلية‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫للتجدد والستمرار التجددي والسمية للدوام‪)56( .‬‬

‫إن الوقوف عند مختلف وجوه الحتجاج يبين أن كل من النفاة والمثبتين حرصوا على تدعيم‬
‫موقفهم اعتمادا على الستعمالت اللغوية إل أن جانب التأويل غلب عند الشاعرة أكثر منه عند‬
‫الباضية ولم يضطر إليه الباضية إل فغي مواقف الدفاع وتبقى الية عندهم صريحة في نفي الرؤية‬
‫المعهودة عن ال تعالى على الطلق وهذا في رأينا أقرب إلى العقل‪.‬‬

‫والملحظ أن علماء هذه المرحلة لم يتوسعوا في تحليل هذه الية كما هو مطلوب رغم أنهم أشاروا‬
‫إليها ضمن الحتجاج كما رأينا‪)57( .‬‬

‫هذا عن هذه الية فماذا عن قوله تعالى‪:‬‬

‫‪ ( -‬وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) (‪ 75‬القيامة ‪ )58( )23‬؟‬


‫=======================================‬
‫(‪ )40‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب‪ .‬ول بأس من تفسير كلمة البصر‪ :‬جاء في لسان العرب‪ :‬أبصر فلن ‪ :‬نظر ببصره فرأى‪ ،‬وأبصر‬
‫الشيء رآه والبصر العين‪ ،‬قوة البصار‪ ،‬قوة الدراك‪.‬‬
‫وجاء عند امحمد اطفيش‪ :‬والبصر السود الذي وسط العين أسود العين‪ ،‬وبه يكون البصار‪ ،‬أو القوة المودعة في ذلك السود أو‬
‫في العصبتين المؤديتين إليه‪ .‬وقد يطلق على العين لنها محل ذلك‪ .‬تيسير التفسير ط ‪.2/373 1‬‬
‫وجاء عند محمد عبده ‪ ":‬وأبصرت الشيء رأيته‪ ،‬وقيل البصر حاسة الرؤية‪ .‬ابن سيدة‪ :‬البصر حسن العين‪ ،‬والجمع أبصار‬
‫ذكره في اللسان وقال الراغب يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى ( الحزاب ‪ ،)10‬وللقوة التي فيها‪ [ .‬وإذا زاغت البصار‬
‫(النحل ‪ )77‬وقوله‪[ :‬كلمح البصر تفسير المنار دار المنار القاهرة ط الثالثة ‪.7/651 :1952 /1371‬‬
‫(‪ )41‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق تعليق ‪ 203 -202 :1‬والكلم لمحقق النص وهو أحمد الخليلي مفتي عمان حاليا واستشهدنا به‬
‫لستيعابه جميع الوجوه التي يعتمدها الباضية في فهم كلمة الدراك‪.‬‬
‫(‪ )42‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪ 2 :‬وقد أتمنا ما جاء في النص من نقص اعتمادا على عزة عبد المنعم‬
‫زايد‪ :‬رؤية ال تعالى بين المثبتين والنافين‪ 62 :‬وقد وضعنا الجزء الناقص بين معقفين والنص مأخوذ من اليجي‪ :‬المواقف مع‬
‫الشرح ‪ 377 :‬من باب الشبه‪.‬‬
‫(‪ )43‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق ص ‪.203 -202‬‬
‫(‪ )44‬بديع السماوات والرض أنى يكون له ولد ولم تكن قال تعالى في سورة النعام ‪ : -101‬له صاحبة وخلق كل شيء وهو‬
‫بكل شيء عليم(‪)101‬ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل(‪)102‬ل تدركه البصار وهو‬
‫يدرك البصار وهو اللطيف ‪[ .‬الخبير(‪)103‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪2 :‬‬
‫(‪ )46‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪165 -164 :‬‬
‫(‪ )47‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.204:‬‬
‫(‪ )48‬سعيد بت تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪.219 :‬‬
‫(‪ )49‬نفس المصدر‪.219 -218 :‬‬
‫(‪ )50‬عزة محمد عبد المنعم زايد ‪ :‬رؤية ال تعالى‪.63 :‬‬
‫(‪ )51‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ .25:‬وينقل سعيد ابن تعاريت ردا لحد الشاعرة ل تدركه يتناسق والفكر‬
‫الباضي وهو" فان قيل‪ :‬فما المرضي من أداة النفي في الية لعموم السلب أو السلب العموم‪[ .‬البصار‬
‫قلنا‪ :‬المرضي أنها لعموم السلب لنه أبلغ إثبات حجاب القدرة والعظمة وأفعل في مقابلة إثبات إدراكه تعالى‪ "...‬المسلك‬
‫المحمود‪.218 :‬‬
‫(‪ )52‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.279 -278 /7‬‬
‫(‪ )53‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.204:‬‬
‫(‪ )54‬لقمان ‪. 18‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.2/372 1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )55‬ر‪ .‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪. 3 -2 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪-104 :‬‬
‫‪.105‬‬
‫(‪. )56‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.2/372 1‬‬
‫(‪ )57‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/245‬اكتفى بتوضيح المعنى العام مع ذكر‪ " :‬وليس يرى ربنا تبارك وتعالى أحد من‬
‫خلقه" ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على كتاب الجللين‪ .‬خ البارونية في مجلدين ر‪ .‬المجلد الول ورقة ‪ 220‬قفا و ‪ 221‬وجه‪ .‬لم‬
‫يتوسع في الشرح وأحال على حاشيته على كتاب أصول الدين لتبغورين إل أنه لم يفصل القول هناك أيضا ‪.‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪:‬‬
‫شرح النونية ورقة ‪ 19‬وجه‪ .‬اكتفى بالستشهاد بالية‪.‬‬
‫(‪ )58‬ويتفق المعتزلة والباضية في فهم هذه الية ‪ :‬مسألة‪ :‬وربما في قوله إنه أقوى دليل على أن ال تعالى يرى في وجوه‬
‫يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة تعالى‪ :‬الخرة؟ وجوابنا أن من تعلق بذلك وإن كان ممن يقول بأن ال تعالى جسم فإنا ل ننازعه‬
‫في أنه يرى بل في أنه يصافح ويعانق ويلمس تعالى ال ذلك ‪ ،‬وإنما نكلمه في أنه ليس بجسم‪ ،‬وإن كان ممن ينفي الشبيهة على‬
‫ال فل بد من أن يعترف بأن النظر إلى ال تعالى ل يصح لن النظر هو تقليب العين الصحيحة نحو النظر إليه وهو الثواب‬
‫( يوسف ‪ )82‬فإنا تأولناه على أهل القرية لصحة المسألة واسأل القرية كقوله تعالى‪ :‬ووجوه يومئذ منهم‪ ،‬وبيان ذلك أن‬
‫ال ذكر ذلك ترغيبا في الثواب كما ذكر قوله ( القيامة ‪ )24‬زجرا عن العقاب فيجب حمله على ما ذكرناه باسرة تظن أن يفعل‬
‫بها فاقرة ‪...‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬تنزيه القرآن عن المطاعن ‪.‬دار النهضة الحديثة بيروت د‪.‬ت ص ‪.442‬‬

‫جاء في الدليل والبرهان‪ ":‬إن النظر في لغة العرب يتصرف على أربعة أوجه ل خامس لها‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -1‬أن تكون النظر بمعنى التعطف والرحمة قال ال تعالى‪ ( :‬ول ينظر إليهم يوم القيامة) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )77‬ولم يرد ل يراهم لن رؤيته تعالى محيطة بهم وبغيرهم وإنما هو نظر تعطف ورحمة‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يكون النظر بمعنى العتبار كما قال تعالى‪ ( :‬أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت) (‪ 88‬الغاشية‬
‫‪.)17‬‬

‫‪ -3‬بمعنى النتظار كما قال ال عز وجل‪ ( :‬ما ينظرون إل صيحة واحدة) (‪ 39‬يس ‪ )49‬أي‬
‫ينتظرون‪ .‬وقوله ( انظرونا نقتبس من نوركم) ( ‪ 57‬الحديد ‪)13‬‬

‫‪ -4‬هو النظر المعروف بالعين (‪)59‬‬

‫وجاء في الجامع الصحيح‪ :‬باب في النظر في اللغة‪ ...":‬إن النظر هو النتظار لقول ال عز وجل‬
‫( ما ينظرون إل صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون) (‪ 36‬يس ‪ )49‬يعني ما ينتظرون وليس‬
‫بمعنى النظر بالبصار وقال‪ ( :‬وما ينظر هؤلء إل صيحة واحدة ما لها من فواق) (‪ 38‬ص ‪)15‬‬
‫وقال‪ ( :‬هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة) (‪ 16‬النحل ‪ )33‬ونحوه في القرآن‪.‬‬

‫ومصداق ذلك في اللغة قول القائل‪ :‬إنما أنظر إلى ال ثم إليك يعني أنه ينتظر ما يأتيه من قبله" (‬
‫‪)60‬‬

‫ويذكر الشاعرة (‪ )61‬أن الية صريحة في وقوع الرؤية للمؤمنين في الخرة إذ يعتبرون أن نظر‬
‫بمعنى رأى وذلك أكبر نعيم في الجنة فيرد الباضية هذا الموقف من خمسة وجوه‪:‬‬

‫‪ -1‬اللغة‪:‬‬

‫إن النظر في اللغة غير الرؤية ولذا يقال ‪ :‬نظرت الهلل فلم أره‪ .‬ول يصح أن يقال رأيته فلم أره‪.‬‬
‫وإطلقه على الرؤية مجاز ل يصح إل بقرينه والعدول عن الحقيقة إلى المجاز خلف الظاهر‪.‬‬

‫والوجه ل يكفي أن يكون قرينه لنه يطلق على الذات ( ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) (‪55‬‬
‫الرحمان ‪.)27‬‬

‫فإذا كان النظر بمعنى النتظار فل يعدى بإلى‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬ل نسلم ذلك فقد قال تعالى‪ ( :‬فنظرة إلى ميسرة) ( البقرة ‪.)28‬‬

‫وقال الشاعر‪(:‬كامل)‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقال الشاعر‪(:‬كامل)‬

‫قال حسان‪( )62( :‬طويل)‬

‫وقال الشاعر‪(:‬طويل)‬

‫أي منتظرة لمعروفه‪)63( .‬‬

‫‪ -2‬سياق الية‪ :‬إن المقابلة الواردة في بقية الية ( وجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) (‬
‫‪ 75‬القيامة ‪ )25 -24‬لو فهم النظر بمعنى الرؤية لرتفعت المناسبة بين الجملتين ولتداعى بناؤها‬
‫ويقول الشماخي في هذا الصدد ما يلي‪ ":‬ويدل عليه ذكر ينظر في مقابلة تظن أي تتوقع أن يفعل‬
‫بها فعل فضيع شديد يقصم فقار الظهر كما ترتجي الوجوه الناظرة إلى ربها أن يفعل بها كل خير‪.‬‬

‫وأيضا فاعل تظن الوجوه ومعلوم أن الوجوه ل تظن وإنما تظن القلوب فيكون عبارة عن الجملة في‬
‫الول والثاني للمعادلة والموازنة بينهما"‪)64( .‬‬
‫‪ -3‬الحصر‪ :‬إن تقديم إلى في قوله ( إلى ربها ناظرة) يفيد الحصر والختصاص ولو كان من نظر‬
‫العين لنحصر نظرهم في ذات ال ومعلوم أنهم ينظرون إلى أشياء كثيرة لنهم المنون الذين ( ل‬
‫يحزنهم الفزع الكبر) (‪ 21‬النبياء ‪ ( )103‬وهم من فزع يومئذ آمنون) (‪ 27‬النمل ‪ ( )89‬ول خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون) (‪ 2‬البقرة ‪ )62‬ففي هذا الحصر دليل على معنى النتظار‪)65( .‬‬

‫‪ -4‬تقييد الية بيوم القيامة ‪ :‬يقول الشماخي‪ ":‬الية نزلت في حال القيامة فالمؤمنون ناضرة‬
‫وجوههم بالبشارات والكفار باسرة وجوههم بتحققهم الوعيد فالولون منتظرون دخول الجنة‬
‫والكافرون أن ينبذوا في الحطمة‪ ...‬وأهل الجنة في نعيم ينتظرون آخر‪ ( .‬فأما من أوتي كتابه بيمينه‬
‫فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا) (‪ 84‬النشقاق ‪ )9-7‬فل يصح أن نعتبر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫انتظار النعمة سببا للنعمة وسببا للغم وضيق الصدر"‪)66( .‬‬

‫‪ -5‬اعتماد التأويل‪ :‬واعتمد الباضية التأويل مثل المعتزلة وفي ذلك يقول يوسف المصعبي‪ ":‬وحمل‬
‫الجبائي(‪ )67( )916 -849 /303 -235‬النظر على معنى النتظار وجعل " إلى" اسما بمعنى‬
‫النعمة مفرد اللء مضافا لما بعده ل حرف جر‪ .‬والمعنى عنده‪ :‬منتظرة نعم ربها وإلى عنده مفعول‬
‫لناظرة"‪)68( .‬‬

‫وقد توسع محمد اطفيش في ذلك كما يلي‪ " :‬أو " إلى" بمعنى النعمة مفعول مقدم أو يقدر مضافا‬
‫أي ملك ربها أو ثواب ربها أو رحمة ربها والنظر بالعين أو الصل إلى إنعام ربها والنظر بمعنى‬
‫النتظار ول يرجون الرحمة إل من ال تعالى كما ل يعبدون إل إياه‪.‬‬

‫وكل حذف أو تأويل ولو كان خلف الصل مقدم على عدمه إذا كان عدمه يؤدي إلى التشبيه أو‬
‫نحوه والتقديد والتأويل هما المناسبان لقوله تعالى‪ ( :‬ليس كمثله شيء) "‪)69( .‬‬

‫‪ -6‬تفسير بعض الصحابة والتابعين النظر بمعنى النتظار‬

‫لقد أورد الربيع بن حبيب أقوال الصحابة الذين فسروا النظر بمعنى النتظار‪ .‬فمن هؤلء عبدال بن‬
‫عباس (ت ‪ )70( )687 /68‬وقد قال عندما سئل عن الية المذكورة‪ ":‬ثم ينظرون إلى ربهم متى‬
‫يأذن لهم في دخول الجنة بعد الفراغ من الحساب" ثم قال‪ ( :‬وجوه يومئذ باسرة‪ -‬يعني كالحة‪ -‬تظن‬
‫أن يفعل بها فاقرة) ‪ .‬قال‪ :‬يتوقوعون العذاب بعد العذاب وكذلك قوله‪( :‬إلى ربها ناظرة) ينتظر أهل‬
‫الجنة الثواب بعد الثواب والكرامة بعد الكرامة"‪)71( .‬‬

‫إن كانت الية السابقة لم تنل حظا وافرا من التحليل فإن الشماخي خاصة قد حلل هذه الية تحليل‬
‫وافيا وقد انطلقت نصوص الباضية في هذه المرحلة وما قبلها وما بعدها من الرصيد الذي جمعه‬
‫من وقت مبكر الربيع بن حبيب لترد بطرق شتى على من اعتبر أن ناظرة معناها الرؤية البصرية‬
‫كما أن هذه النصوص لم تغفل عن تدعيم موقفها برأي المعتزلة وباعتماد التحاليل اللغوية‬
‫والبلغية‪.‬‬

‫ويرتبط بهذه الية قول موسى‪ ( :‬رب أرني أنظر إليك) (‪ 7‬العراف ‪ )143‬فماذا عن هذا الطلب؟‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن‬
‫أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا‬
‫فلما أفاق قال سبحانك تبن إليك وأنا أول المؤمنين) (‪ 7‬العراف ‪)143‬‬

‫إن مواطن الشكال في هذه الية تتمثل في ‪ :‬طلب موسى الرؤية ( أرني أنظر إليك) حقيقة لن‪.‬‬
‫تعليق الرؤية باستقرار الجبل‪ .‬التجلي للجبل‪ .‬توبة موسى‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أ‌‪ .‬طلب موسى الرؤية‪ :‬يقول مثبتو الرؤية (‪ )72‬إن في طلب موسى الرؤية دليل على أنها ممكنة إذ‬
‫ل يجوز أن يطلب نبي أمرا مستحيل‪.‬‬

‫ويجيب الباضية بأنه سألها وهو يعلم استحالتها ليعلم قومه الجواب باستحالتها والقوم كافرون‬
‫لقولهم ( لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة) (‪ 2‬البقرة ‪ )55‬وقد اختار منهم موسى سبعين وكلهم‬
‫سمعوا ( لن تراني) ‪ .‬فإخباره ومعه السبعون أقوى في ظن القوم من إخباره بنفسه‪ .‬ومما يدل على‬
‫طلبها لقومه قوله تعالى حكاية عن موسى ( أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) (‪ 7‬العراف ‪)155‬‬
‫وقوله‪ ( :‬فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا ال جهرة) (‪ 4‬النساء ‪.)153‬‬

‫وقوله تعالى ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى ال جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون)‬
‫(‪ 2‬البقرة ‪ )55‬وأما الطلب في صيغة المفرد فمن باب التبكيت إذ إن منعت عنه فل سبيل إلى‬
‫حصولهم لهم‪)73( .‬‬
‫فالباضية وجهوا هذه الية من وقت مبكر وجهة العتذار اعتمادا على منا نقله جابر بن زيد عن‬
‫ابن عباس وقد أورد الربيع بن حبيب ما يلي‪ ":‬قال جابر بن زيد‪ :‬سئل ابن عباس رضي ال عنه‬
‫عن قوله تعالى ( رب أرني انظر إليك) فقال ذلك على وجه العتذار لقومه ليريهم ال آية من آياته‬
‫فييأسوا من رؤية ال"‪)74( .‬‬

‫ونقل المحشي عن الجيطالي ما يلي‪ ":‬قال في شرح النونية في ما يتعلق بسؤال موسى ربه الرؤية‬
‫ما نصه‪ :‬فإن قال‪ :‬أوليس إنما أشركت اليهود لجحودهم بنبينا محمد صلى ال عليه وسلم وبسؤالهم‬
‫موسى عليه السلم أن يريهم ربهم جهرة‪ -‬قيل له‪ :‬نعم‪.‬‬

‫فإن قال‪ :‬أو ليس كل من سأل ما سألت اليهود فقد أشرك‪ .‬قلنا‪ :‬نعم‪.‬‬

‫فإن قال‪ :‬وقد سأل موسى أن يرى ربه‪ ،‬قلنا‪ :‬إن موسى عليه السلم لم يسأل أن يرى ربه عيانا مثل‬
‫ما سألت اليهود وإنما قال ( رب أرني أنظر إليك) على وجه العتذار لقومه ليريهم آية من آياته‬
‫فييأسوا من رؤيته عز وجل" (‪)75‬‬

‫أ‌‪ -‬حقيقة لن‪ :‬اعتبر مثبتو الرؤية أن الزمخشري تأثر بمذهبه في تقدير معنى التأبيد للن‪ ،‬ودليل‬
‫هؤلء على ذلك أنها لو كانت تقتضي التأييد ما أكدت به في قوله تعالى‪ ( :‬ولن يتمنوه أبدا) ‪)76( .‬‬

‫وينطلق الباضية من تفسير الربيع للن بمعنى الياس حيث يقول‪ ":‬لن حرف من حروف الياس‬
‫عند النحويين أي لن يراه أحد في الدنيا ول في الخرة"‪)77( .‬‬
‫وقد اكتفى كل من أبي مهدي والمحشي بالنسبة إلى " لن" بما ذكره الربيع (‪ )78‬أما يوسف‬
‫المصعبي فقد ألح ال البتة وكل من قال إن موسى لن يرى ال قال إن غيره لن يراه"‪)79( .‬‬

‫أما سعيد ابن تعاريت فبعد أن أورد عدة أقوال تفيد أن " لن" للتأبيد يقول‪ ":‬حيث ثبت دللتها على‬
‫التأبيد‪...‬فعلى من ادعى أنها تكون لغيره أيضا الدليل فيكون تمسكنا حينئذ بالمجمع عليه‪ ،‬فثبت بما‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ذكرناه أن ال منزه عن الرؤية"‪)80( .‬‬

‫ج‪ -‬تعليق الرؤية باستقرار الجبل‪ :‬يقول المثبتون إن تعليق الرؤية بأمر ممكن وهو استقرار الجبل‬
‫يجعل الرؤية ممكنة إذ ما تعلق بالممكن ممكن‪.‬‬

‫ويجيب الباضية أن استقرار الجبل مستحيل في علم ال تعالى والمتعلق بالمستحيل مثله لن‬
‫العتبار في ذلك بالمخاطب بصيغة اسم الفاعل لن الخطاب صدر منه وهو عالم باستحالته‪.‬‬

‫ويقول المحشي في هذا الشأن‪ ":‬قال تعالى‪ ( :‬ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني)‬
‫فهذا على قطع الرجاء أي فكما أن الجبل ل يستقر فكذلك لن تراني‪ ،‬ونظيره ( ول يدخلون الجنة‬
‫حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف ‪. )81( )40‬‬

‫د‪ -‬التجلي‪ :‬جاء عند الربيع بن حبيب ما يلي‪ :‬وأما قوله ( فلما تجلى ربه للجبل) " أي فلما تجلى‬
‫ببعض آياته فلم يحتملها الجبل حتى صار دكا وخر موسى صعقا"‪)82( .‬‬

‫واكتفى المحشي بإعادة نفس النص (‪ )83‬أما يوسف المصعبي فقد مر على الية دون أن يقف عند‬
‫حقيقة التجلي (‪ )84‬لكنه أحال على تفسير الزمخشري (‪ )85‬أما عمرو التلتي هو الخر فقد نفى أن‬
‫تكون ذاته تعالى تجلت للجبل‪)86( .‬‬

‫فالباضية في هذا المعنى رفضوا تفسير الشاعرة (‪ )87‬واعتمدوا في تفسير موقفهم الذي أقره‬
‫الربيع على ما جاء عند المعتزلة وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬مسألة‪ :‬وربما سألوا عن‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬فلما تجلى ربه للجبل) كيف يصح أن يتجلى وليس بجسم وما فائدة تجليه للجبل؟‬
‫وجوابنا أن المراد بهذا التجلي الظهار وذكر ال الجبل وأراد أهله فكأنه قال فلما بين لهل الجبل أنه‬
‫ل يرى بأن جعله دكا حصل المراد في ما سألوه وهذا كقوله ( إنا عرضنا المانة على السماوات‬
‫والرض) (‪ 33‬الحزاب ‪ )72‬أراد على أهلها وكل ذلك بمنزلة (‪ 12‬يوسف ‪ 82‬وأراد أهلها"‪)88( .‬‬

‫هـ‪ -‬توبة موسى‪ :‬بما أن موسى خر صعقا أناب إلى ربه حال استيقاظه لنه أحس باستعظام ما طلب‬
‫من ال تعالى وقد بين الربيع هذا المعنى كما يلي‪ ":‬عمير بن إسماعيل قال حدثنا أبو صالح عن ابن‬
‫عباس عن جوبير عن الضحاك في قوله تعالى ( سبحانك تبت إليك) أي عن مسألتي أنى أنظر إليك (‬
‫وأنا أول المؤمنين) المصدقين بأنك ل يراك أحد‪ .‬وقال مجاهد مثل ذلك‪)89( "...‬‬

‫والمشكلة يحللها المحشي كما يلي‪ " :‬فإن قال قائل‪ :‬فإن كان موسى عندكم غير مخطئ فمم إذن‬
‫تاب؟ ومن ماذا أخذته الصاعقة؟‬

‫قيل له‪ :‬إن أهل التفسير (‪ )90‬قالوا‪ :‬إن ذلك لتقدمه بين يدي ال تعالى بالمسألة قبل أن يؤمر بذلك‪.‬‬

‫فإن زعموا أن الصاعقة وأن التوبة إنما كانتا من أجل طلب الرؤية قيل لهم فإن الصاعقة ل تصيب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أحدا إل على أمر ال ل يجوز له ول يحل فكذلك التوبة ل تكون من صاحبها إل على أمر غير جائز‬
‫له فهذا داخل عليكم"‪)91( .‬‬

‫أما يوسف المصعبي فينقل كلم الزمخشري‪ ":‬فلما أفاق من صعقته قال ( سبحانك) أنزهك مما ل‬
‫يجوز عليك من الرؤية وغيرها‪ ( ،‬تبت إليك) من طلب الرؤية ( وأنا أول المؤمنين) بأنك لست‬
‫بمرئي ول مدرك بشيء من الحواس‪ .‬فإن قلت‪ :‬فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فمم تاب؟‬
‫قلت‪ :‬من إجرائه تلك المقالة العظيمة‪.‬‬

‫وإن كان لغرض صحيح على لسانه من غير إذن فيه من ال تعالى فانظر إلى إعظام ال تعالى أم‬
‫الرؤية في هذه الية‪ ،‬وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا وكيف أصعقتهم ولم يخل كليمه من‬
‫نفيان ذلك مبالغة في إعظام المر وكيف سبح ربه ملتجئا إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على‬
‫لسانه وقال ( أنا أول المؤمنين) ‪)92( .‬‬

‫نتبين من خلل هذه التحاليل أن الباضية يجنحون دائما إلى التنزيه ويعمدون في ذلك إلى التأويل‬
‫واعتمادهم في ذلك ما تتحمله اللغة من المعاني فهم يعتبرون أل سبيل إلى أن يتجلى ال تعالى للجبل‬
‫كما يلحون بشدة على معنى التأبيد في " لن" وقد وافقهم المعتزلة وكثير من الشاعرة على ذلك‬
‫وعلى هذا الساس ينفون إمكانية الرؤية في الدنيا والخرة‪ .‬ويعتبرون هذه الية مؤيدة لقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬ل تدركه البصار وهو يدرك البصار) ‪.‬‬

‫ذلك هو موقف الباضية من طلب موسى الرؤية فماذا عن موقفهم من آيات أخر توحي بمفهوم‬
‫الرؤية؟‬
‫====================================‬
‫(‪ )59‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.67 :1‬‬
‫(‪ )60‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/29‬عدد ‪. 859‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 263 -253 /7‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬‬
‫حاشية على أصول تبغورين‪.102:‬‬
‫(‪ )61‬أبو الحسن الشعري‪ :‬البانة عن أصول الديانة‪ .‬تحقيق عبد القادر الرناؤوط مكتبة دار البيان ط ‪ 1‬دمشق بيروت ‪-1401‬‬
‫‪.37-31 :1981‬‬
‫(‪ )62‬حسان بن ثابت (‪ )674 /54‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.2/188 :‬‬
‫(‪ )63‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪. 21:‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪. 193 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪:‬‬
‫الرد على البهلولي‪.168 -167:‬‬
‫(‪ )64‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ ".21:‬كما أن وصف الوجوه بالنضارة مانع من إطلقها على البصار إذ ل‬
‫توصف البصار بذلك"‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.191 :‬‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.22:‬‬
‫(‪ )66‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.21:‬‬
‫(‪ )67‬الجبائي‪ :‬من أئمة المعتزلة وغليه نسبت الطائفة الجبائية ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.7/136:‬‬
‫(‪ )68‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪102 :‬‬
‫(‪ )69‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير‪.6/427 :‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪.4/228 :‬‬
‫(‪ )71‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/26‬عدد ‪. 853‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪161 . 160:‬‬
‫أورد كامل النص‪.‬‬
‫(‪ )72‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬الموقف ‪ 370 -368 /2‬حلل القضية تحليل موسعا واعتبر أن الية أقوى دليل على إمكانية الرؤية‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )73‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪180 :‬‬


‫(‪ )74‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/34‬عدد ‪869‬‬
‫(‪ )75‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪ . 277 -7/276‬والملحظ أنه وصل بعد التحليل إلى إعادة ما جاء عند الربيع حرفيا‪.‬‬
‫قل إن كانت‪ ) )76‬قال تعالى‪ :‬لكم الدار الخرة عند ال خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين(‪)94‬ولن (البقرة‬
‫‪[ .)95-94‬يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم وال عليم بالظالمين(‪)95‬‬
‫(‪ )77‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/34‬عدد ‪870‬‬
‫(‪ )78‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪. 160:‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/276‬‬
‫(‪ ))79‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح أصول تبغورين‪.107:‬‬
‫(‪ )80‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود ‪.225 -224 :‬‬
‫(‪ )81‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 7/277‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق ص ‪ ،189‬والية‪ :‬العراف ‪.40‬‬
‫(‪ )82‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 35 -3/34‬عدد ‪.870‬‬
‫(‪ )83‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪7/277‬‬
‫(‪ )84‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 240‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )85‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪.2/114‬‬
‫(‪ )86‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪20‬وجه‬
‫فقال الزجاج ‪ [ :‬فلما تجلى ربه للجبل‪ ) )87‬يقول الرازي‪ ":‬أما قوله تجلى أي ظهر وبان‪ ،‬ومنه يقال جلوت العروس إذا‬
‫أبرزتها" ‪.‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪.14/134‬‬
‫(‪ )88‬القاضي عبد الجبار‪ :‬تنزيه القرآن عن المطاعن‪.152 :‬‬
‫(‪ )89‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/34‬عدد ‪.870‬‬
‫(‪ )90‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪.278 -7/277‬‬
‫(‪ )91‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.278 -277 /7‬‬
‫(‪ )92‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 240‬وجه وكذلك ‪ 183‬وجه ‪.‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪. 2/115‬ر‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار‪ :‬تنزيه القرآن عن المطاعن ص ‪. 151‬ر‪ .‬محمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسيرط ‪ 2/635 ، 1‬وفي هذا المعنى يقول‬
‫القاضي عبد الجبار ‪ ":‬وقد كان ل يسألون ربهم ما سأل ال الرؤية لقومه‪ ،‬ولم يأذن جل وعز له في ذلك‪ ،‬والنبياء يرغبون‬
‫إل بعد الذن فعلى هذا الوجه قال ما قال ‪ .‬تنزيه القرآن عن المطاعن‪.151 :‬‬

‫قوله تعالى‪ ( :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (‪ 10‬يونس ‪.)26‬‬

‫يعتبر الشاعرة أن الحسنى هي الجنة وأن الزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويرد الباضية ذلك من الوجوه التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬إن الزيادة على الشيء ل تكون إل من جنسه‪.‬‬

‫‪ -2‬إن الزيادة أقل من المزيد عليه ورؤية ال عندهم أكبر من الجنة وأعل مقاما‪.‬‬

‫‪ -3‬تفاسير الصحابة والتابعين جاءت كما يلي‪ ":‬جاء عن علي ابن أبي طالب أن الزيادة غرفة من‬
‫لؤلؤ لها أربعة أبواب والغرفة هي الزيادة‪.‬‬

‫وجاء عن ابن عباس نفس القول كما أنه ذكر أن الحسنة بالحسنة والزيادة التسع لقوله تعالى ( من‬
‫جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (‪ 6‬النعام ‪.)160‬‬

‫وقال علقمة (‪ )93‬مثل هذا القول‪ :‬الحسنة بعشر أمثالها في شأن الزيادة‪)94( .‬‬

‫ويتابع المحشي هذه التأويلت فينقل كلم الجيطالي في شرح النونية حيث يقول‪ ":‬وأما تأويل‬
‫المشبهة في الزيادة المذكورة في قوله تعالى ( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) (‪ 10‬يونس ‪)26‬‬
‫وقوله ( ولدينا مزيد) (‪ 50‬ق ‪ )35‬فإنما تعسفوا في تأويلها تعسفا شديدا‪ ...‬ولم يعتبروا فيها معنى‬
‫الزيادة المذكورة في غيرها من القرآن كقوله تعالى‪ ( :‬ليجزيهم ال أحسن ما عملوا ويزيدهم من‬
‫فضله) (‪ 24‬النور ‪ )38‬وفي مثله من اليات‪ :‬غير أن القوم متى ما سمعوا بذكر شيء قريب أو بعيد‬
‫من الذي بنوا عليه اعتقادهم ذهبت إليه أهواؤهم"‪)95( .‬‬

‫وكذلك يسلك يوسف المصعبي فيذكر جميع القوال التي أوردها الربيع ثم يقول‪ ":‬فإن قلت‪ :‬حيث لم‬
‫يثبت هذا الحديث (‪ )96‬عندنا ول عند صاحب الكشاف‪ ...‬فما معنى هذه الزيادة؟ قلت‪ :‬قال الشيخ‬
‫هود رحمه ال‪ )97( :‬الحسنى الجنة وزيادة يعني الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف‪ .‬وقال‬
‫صاحب الكشاف‪ :‬وزيادة ما يزيد من التفضل ويدل عليه قوله ( ويزيدهم من فضله) (‪ 24‬النور ‪.)38‬‬
‫(‪)98‬‬

‫فالمهم بالنسبة إلى الباضية أن الزيادة ل يمكن أن تعني الرؤية بأي وجه من الوجوه‪.‬‬

‫وقوله تعالى ‪ ( :‬الذين يظنون أنهم ملقو ربهم) (‪ 2‬البقرة ‪.)46‬‬

‫يورد يوسف المصعبي في شأن هذه الية ما ملخصه أن المجوزين للرؤية يفسرون اللقاء بالرؤية‬
‫من باب المجاز لكن المانعين لها يفسرونه بما يناسب المقام كلقاء الثواب خاصة والجزاء مطلقا‬
‫والظن حسب هؤلء بمعنى اليقين فهم حينئذ يتيقنون بثبوت الجزاء والثواب منه على الخص وهو‬
‫يعتمد خاصة على الزمخشري (‪ 98‬مكرر)‬
‫أما السالمي فبين أن إطلق اللقاء على نفس الرؤية مجاز ل يصح إل بدليل ول دليل ولنه لم يرد‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ذكر اللقاء إل في مقام التخويف والتهويل وهو بخلف مقام الرؤية كما يعتقد مثبتوها ولنه اشترك‬
‫في مقام اللقاء الطائع والعاصي قال تعالى ( يا أيها النسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه) (‪84‬‬
‫النشقاق ‪( .)6‬ر‪ .‬المشارق ‪.)194‬‬

‫فل سبيل حينئذ إلى حمل اللقاء على الرؤية‪.‬‬

‫وقوله‪ ( :‬كل إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) ((‪ 83‬المطففين ‪ )15‬ينسب الربيع بن حبيب إلى‬
‫علي وابن عباس ما يلي في شأن هذه الية " فلم يزل يحجبهم عن رحمته وثوابه ول ينظر إليهم‬
‫برحمته"‪)99( .‬‬

‫أما المحشي فيورد قول البيضاوي ‪ ":‬فل يرونه بخلف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيل‬
‫لهانتهم بإهانة من يمنع عن الدخول إلى الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم" (‬
‫‪)100‬‬

‫والبيضاوي يشير إلى ما جاء عند الزمخشري محلل كما يلي‪ ":‬وكونهم محجوبين عنه تمثيل‬
‫للستخفاف بهم وإهانتهم لنه ل يؤذن على الملوك إل للوجهاء المكرمين لديهم ول يحجب عنهم إل‬
‫الدنياء المهانون عندهم‪ ...‬وعن ابن عباس وقتادة‪ :‬محجوبين عن رحمته"‪)101( .‬‬

‫ويذكر عمرو التلتي الية ويبين أن معناها أنهم " محجوبون عن ثوابه ورحمته ل عن رؤيته"‪( .‬‬
‫‪)102‬‬

‫فواضح إذن أن الباضية يرفضون الستدلل بالمخالفة في العتقاديات ول يقبلون الحجاب الحسي‬
‫بالنسبة إلى ال تعالى لما يتسلزم من الجهة فالتأويل حينئذ أن الحجاب حسي والمحجوب عنه هي‬
‫جنته ‪)103( .‬‬

‫وقوله‪ (:‬على الرائك ينظرون) (‪ 83‬المطففين ‪.)23‬‬

‫ل دللة في الية على رؤية ال تعالى لعدم ذكر المنظور فيها فيفسر بالنظر إلى ما أعد ال لهم من‬
‫الثواب في مستقر رحمته كما أرشد إليه قوله تعالى‪ ( :‬وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا) (‪79‬‬
‫النسان ‪.)20‬‬

‫هذا في ما يتعلق بالستدلل بالقرآن الكريم في شأن نفي الرؤية والباضية في هذا الحتجاج ل‬
‫يكتفون بالقرآن بل يستعينون بما جاء في الحديث في هذه القضية فبقي‪ -‬قبل أن نصل إلى‬
‫الستنتاج‪ -‬أن ننظر في أهم الحاديث التي يعتمدها مثبتو الرؤية في الخرة خاصة ويعتبرونها مبينة‬
‫لما جاء في القرآن الكريم لنتبين موقف الباضية منها‪.‬‬

‫الحاديث في شأن استحالة الرؤية‪:‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪-‬الرؤية في الدنيا‪:‬‬

‫يتفق الباضية مع جل الشاعرة والمعتزلة على أن ال ل يرى في الدنيا لكن بعض الشاعرة‬
‫اعتبروا أنها ممكنة للرسول عليه السلم‪ ،‬ويحتجون بقصة المعراج إل أن الباضية يرفضون ذلك‬
‫رفضا تاما وعمدتهم في ذلك ما صح عن عائشة أن الرسول عليه السلم رأى جبريل‪)104( .‬‬

‫وهذا نص الحديث كما يثبته الربيع بن حبيب ‪ " :‬قالت عائشة رضي ال عنها" ثلث من تكلم‬
‫بواحدة منهن فقد أعظم على ال الفرية" قال (مسروق) (‪ )105‬وكنت متكئا فجلست وقلت يا أم‬
‫المؤمنين انتظري ول تعجلي ألم يقل ال‪ (:‬ولقد رآه نزلة أخرى) (‪ 53‬النجم ‪( )13‬ولقد رآه بالفق‬
‫المبين) (‪ 81‬التكوير ‪ )23‬فقالت عائشة رضي ال عنها أنا أول هذه المة سألت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم عن ذلك فقال‪ "":‬ذلك جبريل عليه السلم ولم أره في صورته التي خلق عليها إل‬
‫مرتين رأيته قد هبط من السماء فسد جسمه ما بين السماء والرض ألم تسمع لقوله تعالى ( ل‬
‫تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير) (‪ 6‬النعام ‪ )103‬قال مسروق‪ :‬تفسير هذه‬
‫الية دليل على ما روت عائشة عن النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪ ( :‬ما كذب الفؤاد ما رأى‪....‬لقد‬
‫رأى من آيات ربه الكبرى) "‪)106( .‬‬

‫وقد ذكر المحشي عند شرح هذا الحديث‪:‬‬

‫" أن مثل هذه الرواية جاءت عند البغوي (ت ‪ )107( )899 /286‬وهي أيضا عن مسروق وبين أن‬
‫المواقف ثلثة في شأن الرؤية‪:‬‬

‫أ‌‪-‬رأى ربه بعين رأسه‪.‬‬


‫ب‌‪-‬جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده‪.‬‬
‫ت‌‪-‬رأى جبريل في صورته الحقيقية" (‪)108‬‬

‫والباضية اختاروا الرأي الخير اعتمادا على موقف عائشة (‪ )109‬فل رؤية حينئذ لبشر مهما كان‬
‫ول في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬

‫وإن اعتمد الباضية هذه الرواية التي لم ترد في بقية الصحاح فماذا يقولون في الحديث الذي أقره‬
‫مثبتو الرؤية؟‬

‫قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬هل تضامون في رؤية القمر ليلة البدر" (‪)110‬‬
‫يقول عمرو التلتي‪ ":‬معناه (الحديث) إن كان صحيحا أنكم تعلمون ربكم كما ل تشكون في القمر‬
‫ليلة البدر‪ ...‬وليس معناه تبصرونه بأعينكم كما توهم ذلك الزاعم"‪)111( .‬‬

‫ويلح يوسف المصعبي على تضعيف الحديث وإن كان لبد من قبوله فيجب أن تؤول الرؤية بالعلم‪( .‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪)112‬‬

‫واضح أن الباضية رجحوا نفي الرؤية من منطلق قرآني لذلك فهم يرفضون مثل هذا الحديث أو‬
‫يعتبرونه من الحاد التي ل يعتمد عليها في باب العقائد أو يؤولونه اعتمادا على المجاز اللغوي ‪( .‬‬
‫‪)113‬‬

‫وقبل أن نختم هذا المبحث يحسن أن نشير إلى مختلف المواقف من الرؤية كما ذكرها عمرو التلتي‬
‫حيث يقول‪ ":‬إن القائلين برؤيته تعالى اختلفوا في كيفيتها‪:‬‬

‫فقالت طائفة‪ :‬يرى يوم القيامة جهرة‪.‬‬

‫وذهبت طائفة إلى أنه يرى في صورة يخلقها ويكلم منها عباده‪.‬‬

‫وذهبت طائفة إلى أنه يرى في الدنيا والخرة‬

‫وذهبت طائفة إلى أنه ل يرى إل المخلصون‪.‬‬

‫وذهبت طائفة إلى أن المخلصين يعاينونه في الدنيا والخرة إذا أرادوا معاينته" (‪)114‬‬

‫وفي إيراد هذا الختلف دليل على اضطراب موقف القائلين بالرؤية فما هو حكمهم حسب الباضية؟‬
‫================================‬
‫(‪ )93‬علقمة( ‪ )62/281‬علقمة بن قيس الهمداني تابعي‪ .‬فقيه العراق ولد في وروى الحديث عن الصحابة ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‬
‫‪ε .5/45‬حياة النبي‬
‫(‪ )94‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 31 -30 /3‬عدد ‪. 862 -860‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪ :‬المشارق‪.194 -193 :‬‬
‫(‪ )95‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.264 -7/263‬‬
‫(‪ )96‬وهو ‪ ":‬إذا دخل أهل الجنة الجنة نودوا أن أهل الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوال ما أعطاهم ال شيئا هو أحب‬
‫إليهم منه" ر‪ .‬مسلم إيمان ‪ 316‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪478 /6‬‬
‫(‪ )97‬انظر لتعريف هود ما سبق‪ 144 :‬تعليق ‪.79‬‬
‫(‪ )98‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ .234 -2/233‬ويورد نفس ما جاء عند الربيع ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين‬
‫ورقة ‪ 287‬قفا‪ .‬والزمخشري تابع في موقفه لما جاء عند القاضي عبد الجبار حيث يقول‪ " :‬إن المراد ول يرهق بالزيادة‬
‫والتفضيل الثواب فتكون الزيادة على الحسنى‪ .‬ولذلك قال بعده ( يونس ‪ )26‬فبين أن الزيادة هي من هذا الجنس في الجنة"‬
‫تنزيه وجوهم قتر ول ذلة القرآن عن المطاعنك ‪ 177‬ر‪ .‬أيضا ‪ ،‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪20‬وجه‬
‫(‪ 98‬مكرر) ر‪ .‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 33‬وجه وقفا ‪.‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.194 :‬‬
‫(‪ )99‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/30‬عدد ‪.859‬‬
‫(‪ )100‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 7/267‬ر‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل ط مصطفى البابي الحلبي بمصر‪ ،‬من‬
‫الحج الكبير ‪.2/299 .1375/1955‬‬
‫(‪ )101‬الومخشري ‪ :‬الكشاف ‪.4/232‬‬
‫(‪ )102‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪20‬وجه‬
‫(‪ )103‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق ‪ .194‬لم نجد إشارة بهذه الدقة في مصادر المرحلة المقررة لذلك اكتفينا بما جاء عند‬
‫السالمي ‪.‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.195 :‬‬
‫(‪ )104‬وأورد محمد عبده رواية عن أبي ذر(‪ )32/652‬تدعم رواية عائشة وهي ‪ ":‬هل رأيت ربك؟ فقال ‪ :‬نور أني أراه؟" ر‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫محمد عبده ‪ :‬تفسير وسأل أبو ذر الرسول المنار ‪. 9/140‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .219‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة النجم ‪ . 7‬أحمد بن‬
‫حنبل ‪.5/157‬‬
‫(‪ )105‬مسروق بن الجدع (‪ )63/683‬تابعي من أهل اليمن قدم مكة أيام أبي بكر وسكن الكوفة‪.‬ر‪ .‬الزركلي العلم ‪.8/108‬‬
‫(‪ )106‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/15‬ما كذب الفؤاد ما رأى(‪ )11‬أفتمارونه على ما يرى(‪ )12‬ولقد رآه نزلة عدد‬
‫‪ 824‬أخرى(‪ )13‬عند سدرة المنتهى(‪ )14‬عندها جنة المأوى(‪ )15‬إذ يغشى السدرة ما يشغى(‪ )16‬ما (‪18‬النجم)‪[ .‬زراغ البصر‬
‫وما طغى(‪ )17‬لقد رأى من آيات ربه الكبرى‬
‫(‪ )107‬البغوي‪ :‬شيخ الحرم‪ .‬من حفاظ الحديث كان ثقة مأمونا ‪ .‬له مسند ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.1/113‬‬
‫الزركلي ‪ :‬العلم ‪1/113‬‬
‫(‪ )108‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪194 -7/193‬‬
‫(‪ )109‬ر‪ .‬عبد ال السالمي ‪ :‬المشارق ص ‪.203‬‬
‫(‪ )110‬وجاء الحديث بالستفهام بالهمزة"أ" ‪ ،‬كما أن تضامون جاءت أيضا تمارون أو تتمارون ‪.‬ر‪ .‬البخاري آذان ‪.129‬‬
‫الترمذي جنة ‪ .17-15‬ابن ماجة مقدمة ‪ 13‬زهد ‪. 39‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪. 5/466‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬البانة ط‬
‫بيروت ‪ 40 -39‬ينتصر للقول بالرؤية البصرية‪.‬‬
‫(‪ )111‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪20‬وجه‪.‬ر‪ .‬يوسف ‪ :‬شرح أصول تبغورين‪.101:‬‬
‫(‪ )112‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح أصول تبغورين‪ ،101:‬وقد استدل تبغورين لتأويل الرؤية بالعلم بأدلة (الفيل ‪ )1‬يعني ألم تعلم‬
‫ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل كثيرة منها قوله تعالى‪ ، :‬وهو لم ير أصحاب الفيل‪.‬ر‪ .‬تبغورين ابن عيسى الملشوطي‪:‬‬
‫كتاب أصول الدين ‪.66/67 :‬‬
‫(‪ )113‬لزيادة التوضيح ر‪ .‬عبد ال السالمي ‪ :‬المشارق ‪196:‬‬
‫(‪ )114‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 20‬قفا ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫حكم القائلين بالرؤية‪:‬‬

‫‪ -1‬القائلون بالرؤية في الدنيا يحكم عليهم بالشرك لمكابرتهم العقل والنقل بل شبهة يتمسك بها‪.‬‬
‫‪ -2‬القائلون بجواز الرؤية في الخرة يحكم عليهم بكفر النعمة (‪ )115‬لنهم تأولوا الكتاب والسنة‬
‫ولو يوفقوا إلى الحق‪.‬‬

‫أما إذا ذهب هؤلء إلى التجسيم فيحكم عليهم أيضا بكفر الشرك‪)116( .‬‬

‫وبعد هذا يمكن أن نختم البحث بما يلي‪ :‬ال تعالى يرى أو ل يرى وإن كان يرى فكيف يرى؟ وأين‬
‫يرى؟ أفي الدنيا والخرة أم في الخرة فحسب؟ تلك هي القضية التي خضنا غمارها مع التراث‬
‫الباضي في تفاعله مع بقية التراث السلمي خاصة في هذا المبحث‪ ،‬فهل لمثل هذه الحيرة صدى‬
‫حضاري واضح؟‪.‬‬

‫الحقيقة أن التراث الباضي لم يعرف حيرة ذاتية في هذه القضية لنه تبنى استحالة الرؤية من يومه‬
‫الول‪ .‬لكن ما كانت الفرق الخرى وهو يتعايش معها صباح مساء أن تسكت عنه إذ ظلت هنا أيضا‬
‫تحشره في ومرة التراث الذي يقوم على الهوى والبدعة‪.‬‬

‫وما كان هو ليسكت عن هذه التهمة التي ما زالت تلحقه منذ أن حشر في زمرة التراث الخارجي‬
‫كما رأينا‪ .‬ولهذا لم يكتف هذا التراث بقناعته الذاتية وإنما انبرى يدافع عنها‪ ،‬فالتمس منطلقا علميا‬
‫خلل النظريات المتعلقة بعلم المبصرا كما التمس غيره منطلقات أخرى لكن رأينا ضحالة هذه‬
‫المنطلقات وعدم جدواها في البحوث العقائدية لن الحقائق العلمية نسبية والحقائق العقائدية ثابتة‬
‫والثابت ل يمكن أن يبنى على النسبي الذي يمكن أن يتحول من موقف إلى آخر مناقض من لحظة‬
‫إلى أخرى‪.‬‬
‫لكن في المستوى الحضاري كان يمكن أن تثمر هذه المنطلقات كشوفا فيزيائية معتبرة إل أن البيئة‬
‫الباضية لم تعرف مثل هذه الكشوف‪.‬‬

‫كما أن هذا التراث السلمي بطرفيه المؤازرة لمكانية الرؤية والمعارض لهذه المكانية حاول أن‬
‫يدلي بحجج عقلية تؤازر هذا الموقف أو ذاك والباضية في هذا تعايشوا مع الفكر العتزالي وأخذوا‬
‫منه الكثير لكن دون أن يذوبوا في خضمه إذ لم يصلوا إلى تقديم العقل على النقل كما يفعل المعتزلة‬
‫بل اعتبروا أن حجة ال هي السماع في الدرجة الولى وكذلك كان المر بالنسبة إلى الفكر الشيعي‪.‬‬
‫أما الشاعرة وإن حاولوا البعد عن الفكر العتزالي فقد اضطروا إلى أن يتبنوا منهجه العقلي للدفاع‬
‫عن مواقفهم ولنشأة الشعري العتزالية أثر كبير في تفكيره وإن أقر لنفسه رأيا خاصا خالف به‬
‫شيوخه والمدرسة التي نشأ فيها‪ .‬ومهما يكن من أمر فقد اعترف كل من الباضية والشاعرة‬
‫والماتريدية أن الحجة العقلية مهما ارتقت تبقى هزيلة في موضوع الرؤية وذلك يفهم عقل لن‬
‫البصر في هذه القضية وهو طاقة محدودة يريد أن يبصر ال تعالى الذي يتفق المسلمون على أنه ل‬
‫يمكن أن يحد‪.‬‬
‫وغاية ما نقول في البعد الحضاري لهذا الحتجاج العقلي أنه خرج في مرحلته الخيرة من مستوى‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المعقول إلى مستوى اللمعقول‪ ،‬وذلك بتصور حاسة سادسة أو إدراك آخر أو أن تكون الرؤية بل‬
‫كيف والحقيقة أن التراث الباضي اتخذ هذه الحلول منطلقا للسخرية من الطرف الخر كما فعل‬
‫المعتزلة ومهما قلنا في هذا الشأن يبقى التصور العقلي المجرد الذي ينطلق من منطلق تنزيه ال‬
‫تعالى وعظمته أقرب الى استحالة الرؤية منه إلى إمكانها‪.‬‬

‫والمحاورات المبثوثة في التراث الباضي بين بعض الناس‪ ،‬واستفسار بعض العلماء في حلقات‬
‫عامة للحراج تدل على أن الموضوع يسترعي انتباه الناس فيحاول كل طرف أن يدعم موقفه وفعل‬
‫فإذا وجهت التهم للباضية قل أن تنسى قضية الرؤية على أساس أنها حرمان من لذة في الجنة ل‬
‫مثيل لها‪ ،‬لكن هذا ليس من منطلق عقلي وإنما من منطلق نقلي فماذا عن الحتجاج النقلي؟‬

‫إن منطلق هذا الحتجاج نصوص قرآنية من المتشابه على أساس ألفاظها أو على أساس مبناها‬
‫تجاذبها المثبتون للرؤية والنفاة لها كل حسب موقفه‪ .‬منها الحيرة تجاه رؤية الرسول عليه السلم‬
‫ربه عند سدرة المنتهى والحقيقة أن النص يصعب أن يفك سره بتحكيم العقل فحسب ولذلك استند‬
‫كل على نصوص من الحديث والباضية سندهم في هذا عائشة التي اعتبرت أن ممن يدعي أن‬
‫الرسول عليه السلم قد رأى ربه فقد أعظم على ال الفرية‪.‬‬

‫وإذا كانت الرؤية لم تتم للرسول عليه السلم فمن باب أولى أن ينفيها الباضية عن بقية الناس في‬
‫الحياة الدنيا‪.‬‬

‫ويدخل ضمن هذه القضية طلب موسى عليه السلم من ربه الرؤية وهذا الطلب قد انطلق منه‬
‫الشاعرة على أساس أن النبي ل يمكن أن يطلب أمرا مستحيل وهو معصوم وقد أطالوا في هذا‬
‫البحث واعتبروا أن هذه الية من أقوى الحجج النقلية على ثبوت الرؤية لكن الباضية ومن وافقهم‬
‫اعتبروا أن توبة موسى بعد أن صعق أقوى دليل على انه أخطأ في حق ربه‪.‬‬

‫والملحظ هنا أن الطرفين يقيمان الحجج على التأويل والستنباط رغم نفور الشاعرة من التأويل‪.‬‬
‫والذي يلفت انتباهنا من الناحية الحضارية هنا هو حرص كل من الطرفين على تتبع هذه الية حسب‬
‫تقسيم منهجي متكامل يترابط بعضه ببعض وهذا مكننا من حصر القضية في محاور محددة بدقة من‬
‫بداية التحليل‪.‬‬

‫وإن كانت قضية موسى هذه أثرت الفكر البلغي أيما إثراء فإن قضية النظر لم تخل من مثل هذا‬
‫المدد فالنظر عند طرف ل يكون إل بالبصر والنظر عند الطرف الخر إذا تعدى بإلى ل يمكن أن يفيد‬
‫إل النتظار وكذلك في شأن التقابل التركيبي الذي يقوم عليه سياق الية لكن ماذا عن صدى هذا في‬
‫أوساط المة؟ ل شيء في ما نعلم وأنى للناس أن يرتقوا إلى أن " إلى" تكون بمعنى نعمة ويصير‬
‫لها محل في العراب وإنما تهمهم النتيجة وهي في الحقيقة معروفة من البداية من موقف المتكلم‬
‫ومذهبه الفكري‪.‬‬

‫وإن كان الفكر الذي يجيز الرؤية يعتمد على طلب موسى فإن الفكر الذي يحيلها ينطلق خاصة من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ل تدركه البصار) ليعتبر النفي أبديا مع ما يدعمه من ( لن تراني) في السياق الخر ومع اعتبار‬
‫أن نفي الرؤية من مدائح ال التي ل تكون مدائح إل بدوامها في الدنيا والخرة وينتهي الجدل من‬
‫حيث بدأ فيتمسك كل برأيه ولول هذا الجدل لكتفى الناس بأول تفسير للقرآن ولما نمت المدرسة‬
‫القرآنية مثل هذا النمو والملحظ أن مراكز الهتمام في كل السور عند المفسرين تتمثل في ما جاء‬
‫متشابها وله مساس بالعقيدة أو ما جاء في باب الحكام من آيات تمس العبادات والمعاملت‪.‬‬

‫والملحظ أيضا أن اعتماد المفسرين على التأويل أثر تأثيرا واضحا في علم البلغة ومعلوم أن‬
‫الزمخشري قد اعتبر من أئمة العربية والباضية في هذه المرحلة التي تهمنا خاصة اعتمدوا اعتمادا‬
‫كليا في باب الرؤية على تحليلته مع الحالة على تفسيره بصراحة أما في شأن اليات الخرى فلم‬
‫تكن إل مكملة لليات التي اعتبرت أساسية في هذا المبحث‪.‬‬

‫بقي الحتجاج بالحديث فإن له بعده الحضاري من البداية بصفة واضحة إذ لئن كان النص القرآني‬
‫واحدا فإن للحديث مدارس وواضح في هذا الشأن أن الباضية أقروا أحاديث بنوا عليها معتقدهم ل‬
‫نجد لها ذكرا في كتب التيار الخر وكذلك هذا التيار أورد أحاديث في شأن الرؤية في الخرة ل‬
‫يقرها الباضية أو يتأولونها بوجه من الوجوه‪.‬‬

‫والبعد الحضاري أخيرا يتجلى في حكم هذا الطرف على ذلك فمجيزو الرؤية يعتبرون القائلين‬
‫بإحالتها أهل بدع وأهواء‪ .‬والقائلون بنفيها ويهمنا منهم الباضية يعتبرون القول بثبوت الرؤية‬
‫اعتمادا على التأويل معصية تجب فيها اللهجة أحيانا وتلين أخرى‪.‬‬

‫ومعلوم أن مثل هذه النصوص منها ما يصل بين أيدي الناس فينعكس على الحياة العامة لكن يبدو‬
‫أن مثل هذه المواقف سرعان ما تنسى مهما بدت خطرة عندما يحتك الناس ببعضهم في حياتهم‬
‫اليومية وفي معاملتهم التجارية وتجار الباضية ل يكاد يخلو منهم محيط‪ ،‬فالناس يحترمونهم غالبا‬
‫لما يتحلون به من حزم وأمانة عدا بعض الستثناء الذي ل تخلو منه بيئة وعدا بعض الظروف التي‬
‫يحتد فيها الخصام فتمنع شهادة الباضية أو يحرمون من التجارة نتيجة وشايات منطلقها عقائدي‬
‫غالبا‪.‬‬
‫فالملحظ حينئذ أن هذه القضايا قد ينعكس أثرها أحيانا على البيئة لكنها تبقى في الغالب تظرية‬
‫علمية في مستوى طبقة من العلماء تعرف كيف تتفاعل بنزاهة مع من يخالفها في مستوى الفهم‬
‫لنها تدرك أن الجتهاد يمكن أن يفضي إلى الختلف في النتائج حتى داخل المدرسة نفسها‪.‬‬

‫بعد أن حددنا البعد الحضاري لقضية الرؤية يجدر بنا أن نستجلي قضية تجاوز فيها الجدال حد القلم‬
‫إلى حد السياط والمحن أل وهي قضية خلق القرآن‪.‬‬
‫==============================‬
‫(‪ )115‬المعصية ‪ :‬انظر ما يلي ‪541 :‬‬
‫(‪ )116‬ر‪ .‬عمرو التلتي شرح النونية ورقة ‪ 20‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ .81‬ر عبد ال السالمي ‪ :‬المشارق‪-206 :‬‬
‫‪.207‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كلم ال وخلق القرآن‬

‫‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لقد وعدنا عند تحليل معاني الصفات الذاتية بأن نفرد فصل خاصا لصفة الكلم (‪ )1‬وذلك لربط‬
‫علماء الصول هذه القضية بموضوع خلق القرآن أو عدم خلقه‪.‬‬

‫والناظر في مختلف النصوص يتبين أن من المصادر ما هون من هذه القضية مثل تبغورين‬
‫الملشوطي في قوله‪ ":‬وإن كان بعض الناس يقولون مسألة حار فيها المتكلمون وإنما يحار فيها‬
‫من قل فهمه وضاق صدره"‪)2( .‬‬

‫واعترتها مصادر أخرى من معضلت علم الكلم مثل ابن تميمة(‪)3( )1328 -1263 /728 -661‬‬
‫حيث اعتبرها من المسائل المعضلة التي اضطرب فيها أهل الرض (‪ )4‬وقد تجمع من فتاواه في‬
‫هذه القضية مجلد ضم ‪ 62‬صفحة‪.‬‬

‫وليت المر بقي معضلة نظرية كما هو الشأن بالنسبة إلى بقية القضايا ولم يتحول إلى محنة عملية‬
‫عرفت بمحنة خلق القرآن‪)5( .‬‬

‫الكلم‪ :‬جاء في لسان العرب‪ ":‬الكلم في أصل اللغة الصوات المفيدة وعند المتكلمين ‪ :‬المعنى‬
‫القائم الذي يعبر عنه بألفاظ في اصطلح النحاة‪ :‬الجملة المركبة المفيدة"‪)6( .‬‬

‫ويقول ابن تيمية‪ ":‬وقد تنازع الناس في مسمى الكلم في الصل فقيل هو اسم اللفظ وقيل‪ :‬لكل‬
‫منهما بطريق الشتراك اللفظي‪ ،‬وقيل‪ :‬بل هو اسم عام لهما جميعا يتناولهما عند الطلق وإن كان‬
‫مع التقييد يراد به هذا تارة وهذا تارة هذا قول السلف وأئمة الفقهاء وإن كان هذا القول ل يعرف‬
‫في كثير من الكتب"‪)7( .‬‬

‫وقد أفرد الشهرستاني فصل بعنوان‪ ":‬في حقيقة الكلم النساني والنطق النفساني" حرص فيه‬
‫على إثبات العلقة الجوهرية بين ما يدور في النفس وبين المنطوق باللسان‪)8( .‬‬

‫وللقضية في رأينا صلة متينة من قضايا اللغة وهي علقة الدال بالمدلول أو علقة اللفظ بالمعنى‬
‫وتندرج أيضا ضمن قضية فلسفية أي المرين أسبق الفكر أم اللغة؟‬

‫ل نريد أن نبحر في هذا الغرض لنه يخرج بنا عن موضوعنا وإنما أحببنا أن نحدد الطار الذي‬
‫وضعت فيه قضية الكلم اللهي‪ .‬ومعلوم أن الخوض في شأنه كان أحد سببي تسمية العلم الذي‬
‫عرف بعلم الكلم على حد تعبير ابن خلدون في المقدمة‪ " ،‬سموا مجموعه (‪ )9‬علم الكلم‪ :‬إما لما‬
‫فيه من المناظرة على البدع وهي كلم صرف وإما لن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في‬
‫إثبات الكلم النفسي"‪)10( .‬‬

‫والمتأمل في مختلف وجهات النظر حول الكلم اللهي يتبين أنها تعكس نظرة كل مفكر للكلم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫البشري فمن اعتبر أن اللفظ هو الساس سهل عليه أن يقول بالخلق ومن اعتبر ما يجول في النفس‬
‫هو الساس أقر بعدم الخلق‪ ،‬ومن لم يقدم هذا على ذاك لم يقل ل بالخلق ول بعدمه‪ .‬وهناك من جمع‬
‫بين الموقفين فقال بقدم المعنى وخلق اللفظ وقد استطاع ابن تيمية أن يحصر هذه المواقف في‬
‫أربعة في النص الذي أوردناه قبل قليل‪.‬‬

‫كما يتبين كذلك أنها على صلة متينة بمواقف هذه التجاهات من صفات ال تعالى الذاتية منها‬
‫والفعلية‪.‬‬

‫فالقائلون بأن الصفات الذاتية هي عين الذات اعتبروا الكلم مخلوقا حادثا والقائلون بأنها غير الذات‬
‫اعتبروا الكلم غير مخلوق ومنهم من اعتبر الكلم صفة ذاتية من جهة نفي العجز وصفة فعلية من‬
‫حيث الخلق‪.‬‬

‫واضح من خلل عرضنا لطار هذه القضية العام أن المصادر الباضية لم تهتم بتعريف الكلم لنها‬
‫تعتمد القواميس المعروفة‪ .‬فلنحاول تعريف كلمتي " قرآن" و" خلق"‪.‬‬

‫القرآن‪ :‬إن المصادر الباضية التي تخص المرحلة المقررة لم تهتم بالتعريف اللغوي‪ ،‬وإنما تنطلق‬
‫مباشرة في عرض حجج القائلين بالقدم لترد عليها بحجج القائلين بالخلق‪.‬‬

‫والمتأمل في المصادر الباضية اللحقة يجد أن ناصر بن سالم الرواحي (‪ )11‬اهتم بهذه القضية إل‬
‫أنه يكاد ينقل كل ما جاء في لسان العرب نقل حرفيا‪.‬‬

‫وخلصة ما في اللسان (‪ )12‬تبين أننا أمام تفسرين أحدهما وهو الغالب يتمثل في اللحاح على‬
‫فكرة الجمع والضم وهذا التفسير اللغوي يواكب القائلين بخلق القرآن لن الجمع والضم من‬
‫خصائص ما هو مخلوق وثانيهما يتمثل في اعتبار أن لفظه القرآن غير مشتقة من قرأ وقد نسب‬
‫هذا القول للشافعي (‪ )13( )820 -767 /204 -150‬وعبدال بن كثير (‪( )738 -665 /120 -45‬‬
‫‪ )14‬وهو تفسير يبدو أقرب إلى نفي الخلق عن القرآن‪.‬‬

‫والمهم حسب ما جاء في اللسان أن " القرآن" خص بالكتاب المنزلة على محمد صلى ال عليه‬
‫وسلم فصار لـه كالعلم كما أن التوراة خص لما أنزل على موسى عليه السلم وكذلك النجيل خص‬
‫لما أنزل على عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫الخلق‪ :‬يقول ناصر بن سالم الرواحي‪ ":‬أصله التقدير المستقيم‪ ،‬وستعمل في إبداع الشيء من غير‬
‫أصل ول احتذاء‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬خلق السموات والرض) (‪ 6‬النعام ‪ )15( )1‬أي أبدعهما بدللة‬
‫قوله‪ ( :‬بديع السموات والرض) (‪ 2‬البقرة ‪.)117‬‬

‫ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء نحو‪ ( :‬خلقكم من نفس واحدة) (‪ 4‬النساء ‪.)1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وما كان بمعنى البداع ل يكون إل ال تعالى ولهذا فصل بين نفسه وبين غيره فقال سبحانه‪ ( :‬أفمن‬
‫يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون) (‪ 16‬النحل ‪ )17‬ويكون ما كان بالستحالة لغيره في بعض الحوال‬
‫كمعجزة عيسى عليه السلم‪.‬‬

‫والخلق ل يستعمل في كافة الناس إل على وجهين أحدهما في معنى التقدير قال‪ (:‬رجز)‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬في الكذب نحو قوله تعالى‪ ( :‬وتخلقون إفكا) (‪ 29‬العنكبوت ‪.)17‬‬

‫فإن قيل ‪ :‬قول ال تعالى‪ ( :‬فتبارك ال أحسن الخالقين) (‪ 23‬المؤمنون ‪ )14‬دليل على صحة وصفه‬
‫غيره بالخلق‪ .‬قيل‪ :‬يمكن أنه أراد تعالى أحسن المدبرين أو تقديرا وتنزيل على معتقدهم وزعمهم‬
‫الكاذب أن غيره يشركه في البداع سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا فكأنه قيل فأحسب أن‬
‫هناك مبدعين وموجدين فال أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون كما قال تعالى‪ ( :‬خلقوا كخلقه فتشابه‬
‫الخلق عليهم) (‪ 13‬الرعد ‪.)16‬‬

‫وكل موضوع استعمل فيه الخلق لوصف الكلم فالمراد به الكذب وتمسك بهذا القول كثير ممن‬
‫امتنعوا عن القول بخلق القرآن ول حجة لهم فيه إل التمحل"‪)16( .‬‬

‫ونخلص من هذا النص إلى أن الخلق بمعنى اليجاد والبداع في حق ال تعالى سواء أكان من ل‬
‫شيء أو من شيء والفرق واضح بين الخلق والختلق وحول معنى اليجاد والحداث ثار الجدل‬
‫بين القائلين بنفي خلق القرآن والقائلين بخلقه فما هو موقف أو بالحرى مواقف الباضية من هذه‬
‫القضية؟‬
‫=============================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪234 :‬‬
‫(‪ )2‬تبغورين بن عيسى المشلوطي‪ : :‬كتاب أصول الدين‪63 :‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬ابن تيمية ‪ :‬الزركلي ‪:‬العلم ‪1/140‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬ابن تيمية ‪ :‬مجموعة الفتاوي ‪ .‬جمع وترتيب عبد الرحيم بن محمد قاسم ط‪ .‬المكتب التعليمي السعودي بالمغرب مكتبة‬
‫المعارف الرباط د‪.‬ت ‪12/54‬‬
‫(‪ )5‬ر‪ .‬الطبري‪ :‬تاريخ المم والملوك ‪ .‬القاهرة ‪ ،‬الستقامة ‪1358/1939‬‬
‫(‪ )6‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب‬
‫(‪ )7‬ابن تيمية ‪ :‬الفتاوي ‪12/67‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام فيعلم الكلم‪ ،‬تصحيح الفرد جيوم‪ .‬مكتبة بغداد د‪.‬ت ‪319 -318:‬‬
‫(‪ )9‬كان بصدد تقرير فروع علم الكلم‬
‫(‪ )10‬ابن خلدون ‪ :‬المقدمة ‪834 :‬‬
‫(‪ )11‬ناصر بن سالم الرواحي ‪ :‬نثار الجوهر ‪1/40‬‬
‫(‪ )12‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب‬
‫(‪ )13‬الشافعيك ر‪ :‬الزركلي‪ :‬العلم ‪250 -6/249‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )14‬عبدال بن كثير الداري المكي أحد القراء السبعة ‪.‬ر‪ .‬الزركلي ‪ :‬العلم ‪4/255‬‬
‫‪ )])15‬والية‪[ :‬الحمد ال الذي خلق السماوات والرض وجعل الظلمات والنور‪.‬‬
‫(‪ )16‬ناصر بن سالم الرواحي ‪ :‬نثار الجوهر ‪ .1/41‬اعتمد اعتمادا كبيرا على ما جاء عند ابن منظور في لسان العرب عدا الفقرة‬
‫الخيرة فانها من استنتاجه الخاص‪ .‬واعتمدنا هذا النص لننا لم نجد في المرحلة المقررة نصا بهذا الستيفاء‪.‬‬

‫الباضية وخلق القرآن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لمحة تاريخية مع تحديد المواقف‪:‬‬

‫لم نجد الشارة إلى " خلق القرآن" ل عند الصحابة ول عند التابعين‪ ،‬فجابر بن زيد و أبو عبيدة‬
‫والربيع ووائل بن أيوب شيوخ الباضية على التوالي لم يتطرقوا لهذا الموضوع في ما نعلم‪.‬‬

‫لكن الكشف التاريخي يثبت أن الحضارة اليونانية والديانة اليهودية والمسيحية كلها خاضت في مثل‬
‫هذه القضية من قبل‪)17( .‬‬
‫فهذا هيروقليطس قد فسر الكلمة بأنها القوة العاقلة المنبثة في جميع أنحاء الكون وليس العالم‬
‫المرئي إل جانبا رمزيا ظاهرا يختفي وراء الصنف الخر من حقيقة هذا الكون‪)18( .‬‬

‫وفي الفلسفة الرواقية قد قصدوا بالعقل الكلي المدبر للكون وميزوا بين العقل الظاهر وبين العقل‬
‫الكامن‪.‬‬

‫وقد أثرت هذه الفلسفات في الفكر المسيحي فأصبحت " الكلمة" البن الول في المسيحية والروح‬
‫السارية في العالم وتشخصت في صورة المسيح‪)19( .‬‬

‫وللديانة اليهودية الكلمة " ممرا" التي نتج عنها وفقا للعهد القديم أفكار الخلق والوحي والعناية‪.‬‬

‫إن مثل هذه الفكار تسربت تدريجيا إلى المحيط السلمي وفعلت فعلها ويبدوا أن الجعد بن درهم (‬
‫‪ )737 /120‬وهو أول من روج الحديث في هذه القضية في المحيط السلمي (‪ )20‬ثم تفشت شيئا‬
‫فشيئا حتى بلغت أوجها مع المأمون‪.‬‬

‫ويبدو أن أول من تعرض للقضية في المحيط الباضي ابن يزيد الفزاري (‪ )21‬دون أن يكون لها أثر‬
‫كبير في البيئة الباضية‪.‬‬

‫ويورد أحمد الشماخي أن المعركة في شأن هذه القضية قد احتدت زمن المهنا بن جيفر (‪-226‬‬
‫‪ )850 -841 /236‬أحد أئمة عمان (‪ . )22‬وكذلك أشار إلى نفس الحادثة أبو مهدي عيسى بن‬
‫إسماعيل (‪ )23‬وتتمثل في أن القضية دخيلة على إباضية عمان ومنطلقها من مدينة البصرة ذلك أن‬
‫أبا شاكر الديصاني (‪ )24‬ألقى بين الناس فكرة قدم القرآن‪ ،‬وما أن وصل صداها إلى عمان حتى‬
‫ثارت فتنة بين علمائها وكادت تفضي إلى تصدع بينهم لول أنهم اصطلحوا بسرعة على الوقوف‬
‫على الجمال وهو أن ال تعالى خالق كل شيء وما سوى ال مخلوق وأن القرآن كلم ال ووحيه‬
‫وكتابه وتنزيله على محمد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫ويذكر البرادي وجود ثلثة مواقف في عمان في القرن الثالث هجري التاسع ميلدي وهي‪:‬‬

‫‪-1‬القرآن كلم ال وليس بصفة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪-2‬القرآن كلم ال ووحيه للرسول صلى ال عليه وسلم وهو مما يسع جهله‪.‬‬

‫‪-3‬رفض القول بخلق القرآن من التوقف فيمن يقول بذلك (‪." )25‬‬

‫كما ينقل أبو مهدي (‪ )26‬نصا عن الوارجلني مفاده أن القضية ظلت خلفية في عمان إلى القرن‬
‫السادس هجري‪ 12 /‬ميلدي‪ ،‬فمنهم من يقول بالقدم ومنهم من يقول بالحدوث ومنهم من يتوقف‬
‫دون أن يقطع عذر هؤلء ول هؤلء‪.‬‬

‫وممن يقولون بالقدم ابن النظر العماني (‪ )27‬وقد أفرد قصيدة نونية في ديوان الدعائم (‪ )28‬للدفاع‬
‫عن هذا الموقف وتبرأ ممن يقولون بالخلق‪)29( .‬‬

‫هذا عن إباضية المشرق في قضية خلق القرآن أما عن إباضية المغرب فقد استقر عندهم رأي واحد‬
‫من وقت مبكر مع رسالة المام أبي اليقظان الرستمي (‪ )30( )894 -855 /281 -231‬وقد استمر‬
‫هؤلء في الدفاع عن هذا المبدأ إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫وهنا يجدر أن نلحظ أن سجن أبي اليقظان كان زمن المتزكل أي عند رد الفعل على المعتزلة فالفكر‬
‫العتزالي كان قد تبلور بعد‪ ،‬وكذلك ننبه إلى طرد سحنون علماء المعتزلة والباضية وغيرهم من‬
‫الفرق من جامع القيروان (‪ ، )31‬فرسالة أبي اليقظان حينئذ جاءت رد فعل على العباسيين‬
‫والغالبة في نفس الوقت‪ ،‬وأقرت خلق القرآن انطلقا من حجج اعتزالية فل شك حينئذ في تأثر‬
‫الباضية بالمعتزلة في هذه القضية لكن مع شيء من التصرف كما سنبين ذلك في إبانه‪.‬‬

‫وحاصل القول إننا إن تبينا أن الباضية تمسكوا برأي واحد في ما يتعلق بالقول باستحالة رؤية ال‬
‫تعالى فإنهم وقفوا مواقف شتى من قضية خلق القرآن تتلخص في ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتفاء بالجمال دون تفصيل‪ :‬إن ال خالق كل شيء وما سوى ال مخلوق‪ ،‬وإن القرآن الكريم‬
‫كلم ال ووحيه وكتابه وتنزيله على محمد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ -2‬القرآن كلم ال وليس صفة ل فعلية ول ذاتية‪.‬‬

‫‪ -3‬القرآن غير مخلوق‪.‬‬

‫‪ -4‬القرآن مخلوق‪.‬‬

‫‪5‬ـ الوقوف في القضية دون قطع عذر القائلين بالقدم أو بالخلق‪.‬‬

‫وواضح من خلل النظر في النصوص أن الموقف الذي غلب على جمهور الباضية وبصفة خاصة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بالمغرب‪ ،‬وهذا محور بحثنا وبصفة أخص في القرون التي تعنينا‪ ،‬هو القول بخلق القرآن إذ كل من‬
‫الشماخي والسدويكشي والمحشي والتلتي والمصعبي وأبي مهدي وغيرهم جاءت مصنفاتهم ترد‬
‫على من يقول بالقدم‪ ،‬وتدعم القول بالخلق فما هي الحجج المعتمدة في هذا الشأن؟‬
‫====================‬

‫(‪ )17‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية ‪.219 -218:‬‬


‫(‪ )18‬ر‪ .‬أبو العلء عفيفي‪ :‬نظريات السلميين في الكلمة‪ .‬مجلة كلية الداب ‪ 1934‬الجامعة المصرية ص ‪34‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬الكتاب المقدس‪ :‬رسالة بولس إلى العبرانيين ‪353 :‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬ابن نباته المصري ‪ :‬شرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ‪ .‬مطبعة مصطفى الباني الحلي‪ ،‬القاهرة ‪186 :1957‬‬
‫(‪ )21‬وقد أورد تبغورين موقف عبدال بن يزيد من القرآن ‪ ":‬وحكى عن عبدال ابن يزيد وأصحابه أنهم يقولون‪ :‬القرآن وكتب‬
‫ال كلها ليست بأعراض وليس للعباد فيه فعل ‪ ،‬والقراءة فيها غيرها‪ ،‬والحكاية فيها غيرها"‪ .‬كتاب أصول الدين‪ 57 :‬و ‪61‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪16 :‬؟؟؟؟‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪180 :‬‬
‫(‪ )24‬يذكر أبو إسحاق اطفيش أنه يهودي تظاهر بالسلم لجل الدس وإلقاء الفتنة بين المسلمين ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬تحفة‬
‫العيان بسيرة أهل عمان ‪ 129 -1/128‬وقد فصل الكلم في رواية الحادثة‪ .‬ويذكر أبو مهدي عيسى بن إسماعيل أن الديصانية‬
‫قوم من الدهرية الذين ينكرون حدوث العالم‪ :‬الرد على البهلولي‪80 :‬‬
‫(‪ )25‬أبو القاسم البرادي‪ :‬كتاب شفاء الحائم خ البارونية‪. 285 :‬ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة‪234 :‬‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪. 181 :‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1.3/151‬‬
‫(‪ )27‬أحمد بن سليمان بن النظر السمائلي العماني ( ق ‪ )5/11‬تبحر في العلم منذ صغره قتل وهو ابن ‪ 35‬سنة‪ .‬وجمع قصائده‬
‫في العقيدة والفقه محمد بن وصاف العماني وسمي الديوان‪ :‬كتاب الدعائم ‪ ،‬وشرحه وقد طبع هذا الشرح في جزاءين ط‪ .‬وزارة‬
‫التراث بعمان ‪ 1982‬بتحقيق عبد المنعم عامر‪ .‬كما شرحه بعد ذلك البرادي ووسمه " بشفاء الحائم على بعض الدعائم"‪ ( .‬ر‪.‬‬
‫سالم العدالي‪ :‬البرادي حياته وآثاره ص ‪ )151 -122‬وهي خ البارونية ولسالم العدالي نسخة مصورة منها ‪ .‬كما شرحه امحمد‬
‫اطفيش ‪ .‬كتاب الدعائم طبع عدة طبعات‪ .‬اعتمدنا الطبعة التي صححها وأشرف على طبعها محمد عيران وقدم لها سالم بن محمد‬
‫الرواحي حيث عرف بالمؤلف (ص ‪ )7 -3‬ط‪ .‬دمشق ‪ .‬المطبعة العمومية ‪.1966 /1286‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬ابن النظر العماني‪ :‬كتاب الدعائم‪36 -31 :‬‬
‫(‪ )29‬ومن الباضية من يشك في نسبة هذه القصيدة لبن النظر مثل أمحمد اطفيش ر‪ .‬كتاب شرح الدعائم ط‪ .‬حجرية ‪ 1325‬هـ‬
‫‪225 /1‬و ‪ ، 229‬وعبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .246 :‬أما أبو سعيد محمد سعيد الزدي القلهاتي (‪ )11/17‬فيجزم أنها لبن النظر‬
‫العماني حسب قول امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/224‬‬
‫(‪ )30‬أبو اليقظان الرستمي‪ :‬هو محمد بن أفلح بن عبد الوهاب خامس الئمة الرستميين ولد ونشأ في تاهرت أيام إمارة أبيه ‪.‬‬
‫حج سنة ‪ 852 /238‬فقبض عليه عمال بني العباس‪ ،‬ونقل إلى بغداد فسجن وعاد إلى تاهرت بعد موت أبيه وبويع سنة‬
‫‪ .241/855‬له رصيد علمي وافر كأسلفه‪ .‬وغلى جانب رسائله وأجوبته المخطوطة حفظ البرادي رسالته في خلق القرآن‪:‬‬
‫الجواهر المنتقاه لما أخل به كتاب الطبقات ‪.‬ط‪ .‬حجرية بالبارونية القاهرة ‪ .200 -183 :1306‬وعن أبي اليقظان ر‪ .‬الزركلي‪:‬‬
‫العلم ‪ 6/265 :‬وبه الحالة على المصادر الباضية‪.‬‬
‫(‪ )31‬انظر ما سبق‪ 57 :‬ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ‪. 236 -230 :‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪381 -373 :‬‬

‫‪:‬‬

‫إن هذه القضية ترد دائما في سياقات جدلية يختلط فيها الحتجاج بالردود على من يقول بالقدم لذلك‬
‫رأينا من الصلح أن نفصل بينهما ليكون العرض أكثر وضوحا فنبدأ بذكر حجج الباضية على خلق‬
‫القرآن‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الحجج العقلية‪:‬‬

‫‪ )1‬إن القرآن يتكون من حروف‪ ،‬وحركات وأصوات مقطعة وآيات محكمة ومتشابهة وناسخ‬
‫ومنسوخ وأجزاء وأحزاب الخ كل هذا من علمات الحادث (‪. )32‬‬
‫‪ )2‬ل يمكن أن يعتبر القرآن صفة ل لن هذا يحتاج إلى وحي صريح أو توقيف وهذا غير موجود (‬
‫‪. )33‬‬

‫‪ )3‬اعتبار القرآن هو ال يجعل أصحابه من اليعقوبية (‪. )34‬‬

‫‪ )1‬القرآن شيء غير ال عز وجل فلو قيل بقدمه بطلت الوحدانية في القدم لنه يلزم حينئذ وجود‬
‫قديمين (‪. )35‬‬

‫وقد نقل أبو مهدي نصا من رسالة أبي يقضان جاء فيه ما يلي‪ " :‬اجتمعت المة على أن القرآن‬
‫كلم ال ول يخلو هذا الكلم من أن يكون شيئا أو ليس بشيء فإن كان ليس بشيء فإنه اختلف فيه‬
‫المختلفون وليس ثم شيء يختلف فيه المختلفون وينازع فيه متنازع ولو صح أنه ليس بشيء لبطل‬
‫أن تكون رسل ال جاءت بشيء وأن ال عز وجل أنزل على أنبيائه شيئا ولبطل أن يكون ثم توراة‬
‫أو إنجيل أو فرقان فثبت أن كلم ال شيء" (‪. )36‬‬

‫‪ " )5‬بما أن المحدث ل يكون إل بمحدث فل كلم بدون متكلم مختلف عن المتكلم" (‪. )37‬‬

‫‪ " )6‬ومما يدل على أن الكلم من ال حدث وأنه غيره أنه جائز أن يقال متى كلم ال موسى‪ ،‬ولم‬
‫كلم ال موسى؟ فيقال‪ :‬ليفضله بكلمه ويحتج به على خلقه‪ ،‬ول يجوز أن يقال‪ :‬لم قدر ال على‬
‫موسى كما جاز أن يقال لم كلم ال موسى‪ ،‬ول يجوز أن يقال متى علم ال موسى ول متى قدر ال‬
‫على موسى‪ ،‬وجائز أن يقال لم كلمه ومتى كلمه‪ ،‬ول يجوز أن يقال لم يزل يكلمه كما يجوز أن يقال‬
‫لم كلمه ومتى كلمه‪ ،‬ول كما يقال لم يزل يكلمه كما يجوز أن يقال لم يزل يعلمه ويقدر عليه وكما‬
‫يجوز أن يقال لم رضي ال على نبيه فيقال لنه أطاعه ويقال لم غضب ال على أعدائه فيقال لنهم‬
‫عصوه فدخل الكلم في باب الفعل"‪)38( .‬‬

‫‪ )7‬الدليل على خلق القرآن خلق النسان‪ ":‬قال أبو القاسم رحمه ال‪ :‬فإن قال ما الدليل على خلق‬
‫القرآن؟ قلنا هو الدليل على خلقك أنت أيها السائل‪ .‬فإن كان القرآن غير مخلوق فأنت أيضا غير‬
‫مخلوق وإل فجميع آثار الصنعة الموجودة فيك الدالة على خلقك موجودة فيه دالة على خلقه"‪( .‬‬
‫‪)39‬‬
‫الدلة النقلية‬

‫أدلة القرآن على أن القرآن مخلوق‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬أما الحدَث‪ :‬فقوله تعالى‪ ( :‬ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إل استمعوه وهم يلعبون) (‪21‬‬
‫النبياء ‪ ( .)2‬ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إل كانوا عنه معرضين) (‪ 26‬الشعراء ‪)5‬‬
‫فالقرآن ذكر والذكر محدَث ينتج القرآن محدَث‪ ،‬فإن الذكر هو القرآن لقوله تعالى ( وقالوا يا أيها‬
‫الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (‪ 15‬الحجر ‪ .)6‬فإن الذكر هو القرآن‪.‬‬

‫‪ -‬وأما الجعل‪ :‬فقوله تعالى‪ ( :‬إنا جعلناه قرآنا عربيا) (‪ 43‬الزخرف ‪ .)3‬وقوله ( ولكن جعلناه نورا‬
‫نهدي به من نشاء من عبادنا) (‪ 42‬الشورى ‪ )52‬فالجعل بمعنى الخلق كما في قوله تعالى‪ ( :‬هو‬
‫الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) (‪ 10‬يونس ‪ .)67‬وقوله‪ ( :‬وجعل منها زوجها) (‪ 7‬العراف‬
‫‪ .)189‬وقوله‪ ( :‬أمن جعل الرض قرارا وجعل خللها أنهارا وجعل لها رواسي) (‪ 27‬النمل ‪.)61‬‬
‫وفي أمثالها فل فرق بين الجعلين‪ ...‬فالقرآن مجعول وكل مجعول متغير وكل متغير محدث ينتج‬
‫القرآن محدث "‪)40( .‬‬

‫ويتمادى أبو مهدي على هذا النسق مع الصفات التالية‪ :‬النزول‪ ،‬وقدرة ال على الذهاب به‪،‬‬
‫والتشابه‪ ،‬والمماثلة‪ ،‬والتفصيل‪ ،‬والحفظ‪ ،‬والتلوة‪ ،‬والتجزؤ‪ ،‬والتنويع الخ‪ ...‬ليبين أنها كلها تدل‬
‫على الخلق إلى أن يقول‪ " :‬ولو استقصينا الصفات لكل القلم‪ ،‬وأعقب السأم وفي هذا كفاية لمن أراد‬
‫ال إرشاده لن هذه الصفات ل تكون إل للمخلوق‪ ،‬فل يوصف ال بها ل حقيقة ول مجازا لقوله‬
‫تعالى ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (‪ 42‬الشورى ‪ )11‬فل يوصف الخالق بما يوصف به‬
‫المخلوق ول يوصف المخلوق بما يوصف به الخالق‪ ،‬فهذا القرآن الموصوف بهذه الصفات الدالة‬
‫على خلقه لبد من محِدث وجاعِل ومنزل ومفصل له إلى غير ذلك من الوصاف التي تقتضي هذه‬
‫الصفات لبد أن يكون غيرها وقبلها وهما شيئان مختلفان‪ ،‬والول هو المقدم وهو الجاعِل الخالِق‬
‫القديم والثاني المجعول المخلوق الكائن بعد أن لم يكن" (‪. )41‬‬

‫من خلل هذه النصوص نتبين إلحاح الباضية مثل المعتزلة على توجيه هذه اليات إلى مفهوم‬
‫الخلق ثم إلى جانب هذا بينت المصادر أن القرآن شيء‪.‬‬

‫‪ -‬القرآن شيء‪:‬‬
‫يقول ال تعالى‪ ( :‬ذلكم ال ربكم ل إله إل هو خالق كل شيء) (‪ 6‬النعام ‪ )102‬ول دليل على‬
‫استثناء القرآن فهو حينئذ شيء مخلوق‪.‬‬

‫وقد سئل بعض أصحاب هذا القول (خلق القرآن) عن القرآن هل هو مخلوق أو ل؟ فقال للسائل‪:‬‬
‫سألتني عن الخالق أو المخلوق‪ .‬فوجم الذي سأل وانقطع ‪)42( .‬‬

‫الدلة من الحديث (‪: )43‬‬

‫روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال لبي بن كعب‪ :‬أي آية في كتاب ال أعظم؟ فقال له‬
‫أبي‪ :‬آية الكرسي‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم‪ ":‬أبا المنذر إن لها لسانا وشفتين تقدس ال تعالى‬
‫تحت العرش أفترون أنها تقدس خالقها ‪)44( .‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقال عليه الصلة والسلم‪ " :‬إن ال خلق طه ويس قبل أن يخلق الخلق بألفي عام" ‪)45( .‬‬

‫وقال‪" :‬تعلموا البقرة وآل عمران فإن تعلمهما بركة ول تستطيعهما المبطلة‪ ،‬وتعلموا الزهراوين‬
‫فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان‪...‬يظلن صاحبهما" (‪. )46‬‬
‫وقال أيضا‪ " :‬يأتي القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب لونه‪ .‬فيقول للتالين‪ :‬أتعرفني؟ فيقول ل‪،‬‬
‫فيقول له القرآن‪ :‬أنا القرآن الذي أحييت به ليلك فيكون قائده إلى الجنة" ‪)47( .‬‬

‫وروي عن علي ابن أبي طالب أنه قعد ذات يوم في مل من المهاجرين والنصار في خلفة عمر‬
‫وأصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يتذاكرون فضائل القرآن فقال بعضهم‪ :‬أفضل القرآن‬
‫خاتمة سورة براءة"‪ ( :‬لقد جاءكم رسول) (‪ 9‬التوبة ‪ .)129‬وقال بعضهم‪ :‬آخر سورة بني‬
‫إسرائيل‪ ( :‬قل ادعوا ال ) (‪ 17‬السراء ‪ .)111 -110‬وقال قو أفضل القرآن‪ :‬يس‪ .‬وقال بعضهم‬
‫أفضل القرآن‪ :‬السجدة‪ .‬وعلي فيهم ساكن فقال له عمر رحمه ال‪ :‬مالك يا أبا الحسن ساكن؟ فقال‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬خير البشر آدم‪ ،‬وخير العرب أنا ول فخر‪ ،‬وخير‬
‫الفرس سلمان‪ ،‬وخير الروم صهيب‪ ،‬وخير الحبشة بلل‪ ،‬وخير الجبال الطور‪ ،‬وخير البقاع مكة‪،‬‬
‫وخير الشجر السدرة‪ ،‬وأعظم القرآن البقرة آية الكرسي ‪)48( .‬‬

‫ويختم أبو مهدي إيراده لهذه الحاديث بقوله‪ ":‬ومثل هذه الحاديث كثير مما يدل على خلقه‬
‫(القرآن) " (‪ )49‬ويشير هنا إلى ورود عبارة الخلق صريحة في الحديث كما ينبه إلى معنى‬
‫التفاضل ول يكون إل بين مخلوقين‪.‬‬

‫إن كان هذا مسلك الباضية في الحتجاج لموقفهم فكيف جاءت ردودهم على القائلين بالقدم؟‬
‫============================‬
‫(‪ )32‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪174 :‬‬
‫(‪ )33‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪3 :‬‬
‫(‪ )34‬اليعقوبية‪ :‬انظر ما سبق ‪ 24 :‬تعليق ‪38‬‬
‫(‪ )35‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪175 :‬و ‪ 178‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪244 :‬‬
‫(‪ )36‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ .175 -174 :‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪183 :‬‬
‫(‪ )37‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ .192 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪.179 :‬‬
‫(‪ )38‬نفس الحالة السابقة‬
‫(‪ )39‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ 177 :‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪2/132‬‬
‫(‪ )40‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪ .3-2 :‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ 188 -186 :‬والمعتزلة وقفوا نفس الموقف‬
‫‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪532 -531 :‬‬
‫(‪ )41‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪ . 3 -2 :‬وقد اعتمد على ما جاء في رسالة أبي اليقظان في الدرجة‬
‫الولى ثم جمع ما جاء موزعا في المصادر الباضية وزاده تدقيقا وتدليل ‪ .‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ 200 -183 :‬رسالة أبي اليقظان‬
‫الرستمي في خلق القرآن ‪.‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي ‪ :109‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على‬
‫البهلولي‪( 175:‬تحليل صفة النزول) ‪ .‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ 136 -2/133‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪.1/227‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان‪.6 :‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪.1/238‬‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ 182 :‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ 198 -197 :‬هنالك تجد كل الحاديث التي‬
‫أوردنا هنا مع ملحظة أنها يذكرها الربيع بن حبيب في الجامع الصحيح سوى حديث صلة الغداة فقرأ واحد وهو‪ :‬قال‪ :‬قال‬
‫عقبة بن عامر الجهني صلى بنا رسول ال بالمعوذتين فقال‪ :‬يا عقبة إن هاتين أفضل سورة في القرآن والزبور والنجيل‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والتوراة‪ .‬الربيع بن حبيب الجامع الصحيح ‪ 3/12‬عدد ‪ ،810‬وعقبة بن عامر الجهني (‪ )58/678‬صحابي حضر فتح مصر مع‬
‫عمرو بن العاص له ‪ 55‬حديثا ‪.‬ر‪.‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ .5/37‬لم يرد عند ونسنك لكن وردت صيغة خير في قوله عليه السلم‪":‬‬
‫أعلمت سورتين من خير سورتين قرأت بهما الناس" ‪.‬ر‪14 .‬أحمد بن حنبل ‪ 150 ،4/144‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.3/23‬‬
‫(‪ )44‬ر‪ .‬مسلم مسافرين ‪ .258‬أبو داود حروف ‪ ،35‬الدارمي‪ :‬فضائل القرآن ‪14‬أحمد بن حنبل ‪ .142 .5/58‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪.1/138‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬البخاري ‪ :‬توحيد ‪ .55‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة هود ‪ ،11‬ابن ماجه‪ :‬مقدمة ‪ 13‬أحمد بن حنبل ‪ . 12 -4/11‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪.2/72‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬الدارمي‪ :‬فضائل القرآن ‪ 15‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪5/349‬‬
‫(‪ )47‬ر‪ .‬الدارمي‪ :‬فضائل القرآن ‪ 1‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪5/481‬‬
‫(‪ )48‬جاءت أحاديث بهذا المعنى تورد صيغة التفضيل( أعظم) عند الدرامي‪ :‬فضائل القرآن ‪ .5‬مسلم‪ 258 :‬أبي داود حروف ‪،1‬‬
‫وتر ‪ . 17 ،15‬أحمد ابن حنبل ‪ 142 .5/58‬البخاري‪ :‬تفسير سورة النفال ‪ .2‬الحجر ‪ .3‬فضائل القرآن ‪ 9‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس للفاظ الحديث ‪4/281‬‬
‫(‪ )49‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪182 :‬‬

‫‪:‬‬

‫قبل أن نورد مختلف الردود الواردة في المصادر الباضية يحسن أن نعرف بمواقف الفرق التي كثر‬
‫تردد ذكرها وهي على التوالي المعتزلة (‪ ، )50‬الماتريدية ‪ ،‬الشعرية‪ ،‬أصحاب الحديث‪ ،‬الحنابلة‪،‬‬
‫الظاهرية‪ ،‬الشيعة‪.‬‬

‫مواقف الفرق الخرى‬

‫المعتزلة وخلق القرآن‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لقد لخص الشعري جميع أقوال المعتزلة في خلق القرآن وهي كما يلي‪)51( :‬‬

‫‪ -1‬يزعمون أن كلم ال جسم‪ ،‬وأنه مخلوق وأنه ل شيء إل جسم‪.‬‬

‫‪2‬ـ يزعمون أن كلم الخلق عرض وهو حركة لنه ل عرض عندهم إل الحركة‪ ،‬وأن كلم الخلق‬
‫جسم وأن ذلك الجسم صوت متقطع مؤلف مسموع‪ ،‬وهو فعل ال وخلقه وإنما يفعل النسان القراءة‬
‫والقراءة الحركة‪ ،‬وهي غير القرآن وهذا قول النظام (‪ )52‬وأصحابه‪.‬‬

‫وأحال النظام أن يكون كلم ال في أماكن كثيرة أو في مكانين في وقت واحد وزعم أنه في المكان‬
‫الذي خلقه ال فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬أبو الهذيل (‪ )53‬وأصحابه يزعمون أن القرآن مخلوق ل وهو عرض ويوجد في أماكن كثيرة‬
‫في وقت واحد إذ تله تال فهو يوجد في تلوته وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫حفظه حافظ وجد مع حفظه‪ ،‬فهو يوجد في الماكن بالتلوة والحفظ والكتابة ول يجوز عليه النتقال‬
‫والزوال‪ .‬وكذلك قوله في كلم الخلق إنه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد‪.‬‬

‫‪ -4‬قول جعفر بن حرب (‪ )54‬وأكثر البغداديين يزعمون أن كلم ال عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن‬
‫يوجد في مكانين في وقت واحد‪ ،‬وزعموا أن المكان الذي خلقه ال فيه محال انتقاله وزواله منه‬
‫ووجوده في غيره‪.‬‬

‫‪ -5‬قول أصحاب معمر (‪ : )55‬يزعمون أن القرآن عرض والعراض عندهم قسمان‪ :‬قسم منها‬
‫يفعله الحياء وقسم منها يفعله الموات ومحال أن يكون ما يفعله الموات فعل للحياء والقرآن‬
‫مفعول وهو عرض‪ ،‬ومحال أن يكون ال فعله في الحقيقة لنهم يحيلون أن تكون العراض فعل ل‬
‫وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه‪ ،‬إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما سمع فهو‬
‫فعل للمحل الذي حل فيه‪.‬‬

‫‪6‬ـ قول السكافي (‪ )56‬يزعم أن كلم ال عرض مخلوق‪ ،‬وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد‬
‫" (‪)57‬‬

‫فواضح أن المعتزلة وإن اختلفوا اختلفات جزئية فإنهم أجمعوا على أنه مخلوق وفي تقديم‬
‫الزمخشري للكشاف أقوى دليل حيث يقول‪ ":‬الحمد ل الذي أنزل القرآن كلما مؤلفا منظما ونزله‬
‫بحسب المصالح منجما وجعله بالتحميد مفتتحا وبالستعاذة مختتما وأوحاه على قسمين‪ :‬متشابها‬
‫ومحكما ‪ ،‬وفصّله وسور‪ ،‬وسورة آيات‪ ،‬وميز بينهن بفصول وغايات‪ ،‬وما هي إل صفات مبتدأ‬
‫مبتدع‪ ،‬وسمات منشإ مخترع‪ ،‬فسبحان من استأثر بالوليات والقدم‪ ،‬ووسم كل شيء سواه بالحدوث‬
‫عن العدم أنشأه كتابا ساطعا تبيانه قاطعا برهانه وحيا ناطقا ببينات وحجج قرآنا عربيا غير ذي‬
‫عوج" (‪. )58‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الماتريدية (‪: )59‬‬


‫إن كثير من منطلقات الماتريدية انبثقت عن أبي حنيفة وقد نسب لـه القولن أي بالقدم والخلق (‪)60‬‬
‫إل أن ابن حنبل نفى عن أبي حنيفة القول بالخلق (‪ )61‬فماذا عن موقف أبي منصور؟‬

‫إنه يقرر أن ال متكلم وأن لـه كلما في الحقيقة وإن اختلفت الراء في ماهيته وكنهه بدليل اتفاق‬
‫النبياء على ذلك‪ ،‬وبدليل اتصافه بصفات الكمال والكلم من أوكد الصفات إذ المخلوق ل يجوز أن‬
‫يكون أكمل من خالقه‪.‬‬

‫وأثناء الستدلل من القرآن نفهم أن الماتريدي يقر بالكلم النفسي إل أنه ينكر سماعه وهو بهذا‬
‫قريب من المعتزلة القائلين بأن ال خلق الكلم في الشجرة ولم يسمع موسى كلم ال حقيقة (‪)62‬‬
‫والنظر في الكلم النساني يبين أنه مستويان‪:‬‬

‫‪ -‬نفسي‪ :‬وهو المعنى النفسي الذي يدور بخلد النسان وليس له صوت‪.‬‬

‫‪ -‬بالصوت‪ :‬وهو التعبير اللفظي عن الكلم النفسي‪.‬‬

‫واعتمادا على هذا الساس اعتبر الماتريدية أن ل كلما نفسيا وهو الصورة العلمية للكلم واستدلوا‬
‫على ذلك بنصوص من القرآن والسنة‪ ،‬وعدوه صفة أزلية قديمة قائمة بالذات كما أثبتوا له كلما‬
‫لفظيا أساسه المر والنهي والخبر وعدوه حادثا مخلوقا لن اللفاظ تقتضي بمجرد النطق بها‪.‬‬

‫فالماتريدية حينئذ يرون أن معاني القرآن قديمة ثابتة لدى ال تعالى ثم يخلق عليها من الدللت مثل‬
‫الكتب السماوية‪.‬‬

‫الشعرية (‪: )63‬‬

‫لقد قسم الشعري كلمه إلى قسمين كلم نفسي وكلم لفظي‪:‬‬

‫أما النفسي فهو قديم أزلي‪.‬‬

‫وأما اللفظي فيمكن أن يتغير باعتباره ما يسمع وما يكتب‪.‬‬

‫ويعتبر الشعري أن الكلم صفة ل من صفات الذات‪ ،‬وما دام صفة فهو قديم (‪ . )64‬وينقل محمد‬
‫اطفيش عن الشعري ما يلي‪:‬‬

‫" قال أبو الحسن الشعري إمام الشاعرة‪ :‬الكلم صفة واحدة قائمة بذات ال تعالى ومع كونه‬
‫واحدا هو توراة وزبور وإنجيل وقرآن وأمر ونهي وخبر واستخبار وهو زائد على الذات"‪)65( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقول الرازي‪ ":‬وأما الشعري وأتباعه فإنهم زعموا أن كلم ال تعالى صفة قديمة يعبر عنها بهذه‬
‫الحروف والصوات " (‪. )66‬‬

‫وجاء في كتاب نهاية القدام‪ ":‬فكانت السلف على إثبات القدم والزلية لهذه الكلمات دون التعرض‬
‫لصفة أخرى وراءها‪ ،‬وكانت المعتزلة على إثبات الحدوث والخلقية لهذه الحروف والصوات دون‬
‫التعرض لمر وراءها فأبدع الشعري قول ثالثا وقضى بحدوث الحروف وهو خرق الجماع وحكم‬
‫بأن ما نقرأه كلم ال مجازا ل حقيقة وهو عين البتداع فهل قد ورد السمع بأن ما نقرأه ونكتبه‬
‫كلم ال تعالى دون أن يتعرض لكيفيته وحقيقته كما ورد السمع بإثبات كثير من الصفات من الوجه‬
‫واليدين إلى غير ذلك من الصفات الخبرية" ‪)67( .‬‬

‫فالمدرسة الشعرية تتفق مع الماتريدية في إقرار الكلم النفسي واللفظي لكنهما تختلفان في جواز‬
‫سماع الكلم النفسي فإن كان الماتريدية ينكرون سماعه فإن الشعرية يقرون إمكان سماعه بناء‬
‫على أن السماع يتعلق بكل موجود قياسا على الرؤية فإن كل موجود يصح أن يرى فالكلم النفسي‬
‫موجود فيجوز عندئذ سماعه‪.‬‬

‫أصحاب الحديث وأهل السنة‪:‬‬

‫" ويقولون (أصحاب الحديث وأهل السنة) إن القرآن كلم ال غير مخلوق والكلم في الوقف‬
‫واللفظ‪ ،‬من قال باللفظ أو الوقف فهو مبتدع عندهم ل يقال‪ :‬اللفظ بالقرآن مخلوق ول يقال غير‬
‫مخلوق" (‪. )68‬‬

‫وأما السلف فقالوا‪ ":‬لم يزل ال متكلما إن شاء وإن الكلم صفة كمال ومن تكلم أكمل ممن ل يتكلم‪،‬‬
‫كما إن من يعلم ويقدر أكمل ممن ل يعلم ول يقدر ومن يتكلم بمشيئته وقدرته أكمل ممن يكون الكلم‬
‫لزما لذاته وليس له عليه قدرة ول فيه مشيئة والكمال إنما يكون بالصفات القائمة بالموصوف ل‬
‫بالمور المباينة له ول يكون الموصوف متكلما عالما قادرا إل بما يقوم به الكلم والعلم والقدرة‬
‫وإذا كان ذلك فمن لم يزل موصوفا بصفات الكمال أكمل ممن حدثت له بعد أن لم يكن متصفا بها لو‬
‫كان حدوثها ممكنا فكيف إ كان ممتنعا؟ فتبين أن الرب لم يزل ول يزال موصوفا بصفات الكمال‬
‫منعوتا نعوت الجلل ومن أجلها الكلم‪ ،‬فلم يزل متكلما إذا شاء ول يزال كذلك وهو يتكلم إذا شاء‬
‫بالعربية كما تكلم بالقرآن العربي وما تكلم ال به فهو قائم به ليس مخلوقا منفصل عنه فل تكون‬
‫الحروف التي هي مباني أسماء ال الحسنى وكتبه المنزلة مخلوقة لن ال تكلم بها" (‪. )69‬‬

‫الحنابلة ‪:‬‬

‫" قال أحمد بن حنبل لرجل‪ :‬ألست مخلوقا؟ قال بلى‪ ،‬قال أليس كلمك منك؟ قال بلى‪ .‬قال أليس‬
‫كلمك مخلوقا؟ قال‪ :‬بلى فال تعالى غير مخلوق وكلمه منه ليس بمخلوق" (‪. )70‬‬

‫وقالت الحنابلة ومنهم ابن تيمية‪ :‬كلمه تعالى حروف وأصوات تقوم بذاته تعالى وإنه قديم وقد‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بالغوا في قدمه حتى زعم بعضهم أن الجلد والغلف قديمان فكيف بالمصحف (‪. )71‬‬

‫وما بالهم قال الدّوّاني (‪ )72‬لم يقولوا بقدم الكاتب والمجلد وصانع الغلف‪.‬‬

‫وغل بعضهم في ذلك فقال إن الحروف مطلقا سواء وقعت في كلم ال أو في كلم الدميين قديمة‪،‬‬
‫فحكمها في جميع المقولت ل يندرج تحت الخلق بل إنها من قبيل الكلم المنسوب إلى صفة البارئ‬
‫تعالى وهو قادر على أن يتكلم بالصفة ويقول الحروف من غير أن يحتاج إلى اللت والمخارج (‬
‫‪. )73‬‬

‫وجاء في حوار بين الفخر الرازي وأحد الحنابلة ما يلي‪ " :‬واتفق أني قلت يوما لبعضهم لو تكلم ال‬
‫بهذه الحروف إما أن يتكلم بها دفعة واحدة أو على التعاقب والتوالي والول باطل لن التكلم بجملة‬
‫هذه الحروف دفعة واحدة ل يفيد هذا النظم المركب من هذه الحروف المتوالية كلم ال تعالى‪.‬‬
‫والثاني باطل لنه تعالى لو تكلم بها على التوالي والتعاقب كانت محدثة‪.‬‬

‫ولما سمع ذلك الرجل هذا الكلم قال الواجب علينا أن نقر ونمرّ‪ ،‬يعني نقرّ بأن القرآن قديم ونمرّ‬
‫على هذا الكلم وفق ما سمعناه فتعجبت من سلمة قلب ذلك القائل" (‪. )74‬‬

‫فالحنابلة حينئذ يقولون بالقدم على الطلق ول يميزون بين اللفظ والمعنى في ذلك‪.‬‬

‫قول الظاهرية‪:‬‬

‫يقول ابن حزم‪ " :‬والقرآن كلم ال وعلمه غير مخلوق‪ .‬قال عز وجل‪(:‬ولول كلمة سبقت من ربك‬
‫لقضي المر)(‪ 10‬يونس ‪ )19‬فأخبر عز وجل أن كلمه هو علمه وعلمه لم يزل غير مخلوق‪.‬‬

‫وهو المكتوب في المصاحف والمسموع من القارئ والمحفوظ في الصدور والذي نزل به جبريل‬
‫على قلب محمد صلى ال عليه وسلم كل ذلك كتاب ال تعالى وكلمه القرآن حقيقة ل مجازا من قال‬
‫في شيء من هذا إنه ليس هو القرآن ول هو كلم ال تعالى فقد كفر لخلف ال تعالى ورسوله‪،‬‬
‫وإجماع أهل السلم‪...‬‬

‫ول يحل لحد أن يصرف كلم ال تعالى وكلم رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ ....‬إلى المجاز عن‬
‫الحقيقة بدعواه الكاذبة (‪." )75‬‬

‫فالظاهرية يقولون حينئذ بالقدم أيضا‪.‬‬

‫الشيعة‬

‫أما الشيعة المامية والجعفرية والزيدية فيقولون بخلق كلم ال أي بخلق القرآن وقد أورد محمد‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫علي ناصر تحليل للقضية في كتاب أصول الدين السلمي (‪ )76‬ورد على الشاعرة في قولهم‬
‫بالقدم وبالكلم النفسي وهاك خاتمة تحليله‪:‬‬

‫" ومجمل القول إنه تعالى متكلم بمعنى موجد الكلم وإن كلمه سواء كان بمعناه المصدري أو اسما‬
‫لنفس الصوات المشتملة على الحروف دالة على معنى صفات الفعل كالخالق والرازق من صفاته‬
‫وما إلى ذلك وهو حادث والقول بقدمه مع قيامه بذات ال قياما حلوليا قول بتعدد القدماء وهو باطل‬
‫فإذا كان القول بحدوثه يوجب الكفر كما ذهب إلى ذلك أبو حنيفة وتلميذه أبو يوسف فالقول بقدمه‬
‫أولى بإيجاب الكفر لنه قول بتعدد القدماء وذلك يوجب الكفر بإجماع المسلمين فلماذا يكفر القائل‬
‫بخلق القرآن وحدوثه ول يكفر من قال بقدمه مع استلزامه تعدد القدماء؟ (‪." )77‬‬

‫فالشيعة حينئذ يقولون بخلق القرآن ويرفضون الكلم النفسي‪.‬‬

‫من خلل هذا العرض لراء بعض الفرق السلمية في هذه القضية نتبين التباين الشاسع في ما‬
‫بينها ومرد ذلك إلى اختلف منطلقات هذه المدارس فهذه تغلب العقل والخرى تغلب النقل‪ ،‬والثالثة‬
‫تريد أن توفق بين المرين‪.‬‬

‫ومما يزيد القضية تعقيدا أنه ل وجود لنص صريح في القرآن والسنة (‪ )78‬يفصل بين المتناظرين‬
‫عدا ما جاء في القرآن مما اعتبر متشابها فتجاذبته المدارس كل نحو نزعتها‪.‬‬

‫وكل هذه التحاليل لها صلة متينة بموقف هذه الفرق من صفات الذات وصفات الفعل فماذا عن هذا‬
‫الجدل حول اليات المتعلقة بالموضوع وكيف جاءت ردود الباضية على القائلين بخلق القرآن؟‬
‫======================================‬
‫(‪ )50‬ذكرنا المعتزلة لضبط الفويرقات بين علمائها في هذا الشأن وإن كانت تتفق في المبدأ مع الباضية‪.‬‬
‫(‪ )51‬اخترنا هذا التلخيص لشموله‪ ،‬والشعري ملم بأقوال المعتزلة إل أنه قد رفضها ولذلك اعتبرها زعما‪ .‬وقد ذكر بعضا منها‬
‫امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪ 1/233‬وذلك لتدعيم موقفه ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪ .562 -527 :‬تجد إشارات‬
‫إلى فويرقات بين علماء المعتزلة إل أته ألح على بسط الحجج على خلق القرآن ورد القول بالقدم‪.‬‬
‫(‪ )52‬النظام (ت ‪ )231/845‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪1/36‬‬
‫(‪ )53‬أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلف البصري (‪. )850 -753 /235 -135‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪7/355‬‬
‫(‪ )54‬جعفر بن حرب(‪ )850 -236/793 -177‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪117 -2/116‬‬
‫(‪ )55‬معمر بن عباد السلمي(‪ ،)215/830‬كان أعظم القدرية غلوا ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪8/190‬‬
‫(‪ )56‬السكافي( محمد بن عبدال ) ‪. )854 /240‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪7/92‬‬
‫(‪ )57‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت ‪269 -1/267‬‬
‫(‪ )58‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪8 -1/1‬‬
‫(‪ )59‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية ‪ 231 -219 :‬في الطروحة تحليل واضح للقضية ‪.‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬أبو حنيفة‪ :‬الفقه الكبر ‪ .‬شرح أبي المنتهى ط ‪ .‬مجلس المعارف النظامية في الهند‪ .‬حيدر أباد ‪1321‬هـ‪ .109 :‬يقول إن‬
‫القرآن كلم ال تعالى‪ ،‬في المصاحف مكتوب‪ ،‬وفي القلوب محفوظ ‪ ،‬وعلى اللسن مقروء‪ ،‬منزل‪ ،‬وقراءتنا له مخلوقة‪ ،‬والقرآن‬
‫غير مخلوق‪ε .‬وعلى النبي‬
‫(‪ )61‬الخطيب البغدادي‪ :‬تاريخ بغدادي ‪ .388/ 13‬يرى أن أبا حنيفة قال بخلق القرآن‬
‫(‪ )62‬أحمد بن حنبل‪ :‬الرد على الجهمية والزنادقة القاهرة ‪16 :1956‬‬
‫(‪ )63‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬البانة ط ‪ 1‬دمشق بيروت ‪84 -51 :‬‬
‫(‪ )64‬الفاضل ابن عاشور‪ :‬محاضرات بكلية الشريعة بتونس سنة ‪ .1966 -1965‬خ بمكتبتي‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )65‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعئم ‪1/231‬‬


‫(‪ )66‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪27/187‬‬
‫(‪ )67‬الشهرستاني‪ :‬نهاية القدام‪314 -313 :‬‬
‫(‪ )68‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت ‪1/346‬‬
‫(‪ )69‬ابن تميمة‪ :‬مجموعة الفتاوى‪12/52 :‬‬
‫(‪ )70‬ابن تميمة‪ :‬مجموعة الفتاوى‪12/64 :‬‬
‫(‪ )71‬يقول ابن حجر‪ ":‬وقد نسب إليه (ابن حنبل) ما لم يقل من قدم الصوت والحروف والمداد ‪ .‬أما السالمية فقد اعتقدت أن‬
‫الحرف والصوت قديمان‪.‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪ .‬القاهرة ‪1348‬هـ ‪ 422 -13/421‬ر‪.‬أبو عمار الكافي‪ :‬الموجز‬
‫‪ 1/147‬والقول قد أورده المحقق‪ ،‬عمار الطالبي في المقدمات‪.‬‬
‫(‪ )72‬الدواني( ‪ )1512 -1427 /918 -830‬محمد بن اسعد قاض باحث يعد من الفلسفة ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪6/257‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬سعيد ين تعاريت ‪ :‬المسلك المحمود ‪ 148 :‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪244 :‬‬
‫(‪ )74‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪188 -27/187‬‬
‫(‪ )75‬ابن حزم‪ :‬المحلى‪32 -1/31 :‬‬
‫(‪ )76‬ر‪ .‬محمد علي ناصر الجعفري‪ :‬كتاب أصول الدين‪154 -137 :‬‬
‫(‪ )77‬نفس المصدر‪154 -153 :‬‬
‫(‪ )78‬لقد ذكرنا أن أباضية أوردنا حديثا يذكر الخلق لكنه غير متفق عليه‪ ،‬وإن ورد في بعض الصحاح والمساند‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬وكلم ال موسى تكليما) (‪ 4‬نساء ‪: )79( )164‬‬

‫يقول يوسف المصعبي عند تفسير هذه الية‪ ":‬وقوله ت" تفسير الجللين" بل واسطة أي أن ال‬
‫كلم موسى عليه السلم بدون واسطة‪.‬‬

‫أقول‪ :‬استدلوا على ذلك بالتأكيد بالمصدر ورد بأن التأكيد بالمصدر إنما يرفع التجوز في نفس الفعل‬
‫ل في السناد المسمى بالمجاز العقلي وهو المدعى ول يرتفع إل بالتأكيد بالنفس والعين"‪)80( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وينقل السدويكشي محاورة دارت بين أبي القاسم البرادي وبعض فقهاء المالكية في قابس كما يلي‪:‬‬

‫" وقد ذكر عمنا قاسم البرادي أنه التقى مع بعض فقهاء قومنا بقابس فتكلم معه في هذه المسألة‬
‫إلى أن قال له‪ :‬هل تعلم له شيئا من النحو؟ فقال له‪ :‬شيئا طفيفا‪.‬‬

‫فقال له‪ :‬مثل لي بالمصدر؟‬

‫فقال‪ :‬قلت له ضربت ضربا‪ ،‬وكان قولك ضربت يحتمل الحقيقة والمجاز فلما قلت ضربا ارتفاع‬
‫المجاز وبقيت الحقيقة‪.‬‬

‫فقال لـه المخالف‪ :‬وكذلك لما قال ال تعالى‪ (:‬وكلم ال موسى تكليما) احتمل الحقيقة والمجاز فلما‬
‫قال تكليما ارتفع المجاز وبقيت الحقيقة (فالتزمه)‪ .‬وهو غلط فاحش لن التأكيد بالمصدر إنما يرفع‬
‫التجوز عن الفعل نفسه ل عن الفاعل‪.‬‬

‫فإن قلت قام زيد قياما فالصل قام زيد قام زيد فإن أردت تأكيد الفاعل أتيت بالنفس‪.‬‬
‫وهاهنا إنما أكد الفعل ولو قصد تأكيد الفاعل لقال وكلم ال نفسه موسى فل حجة إذن في الية"‪( .‬‬
‫‪)81‬‬

‫كما يلح السدويكشي أيضا على أن الكلم كان بواسطة فيقول‪ " :‬إن كلمه تعالى لموسى عليه‬
‫السلم كان بواسطة كما كلم سائر أنبيائه وخص بأن كليم ال مثل ما خص إبراهيم بخليل ال وإن‬
‫كان كل نبي خليل ال خلفا لما هو المعتقد عند غيرنا من أنه كلمه بدون واسطة‪....‬‬

‫ومعلوم أن الكلم إذا حمل على ظاهره يلزم التحديد المحض في قوله تعالى ( فلما أتاها نودي من‬
‫شاطئ الوادي اليمن في البقعة المباركة من الشجرة)( ‪ 28‬القصص ‪)82( ." )30‬‬

‫ويأتي محمد اطفيش فيقر نفس الموقف إل أنه يزيده تحليل مع ذكر بعض الستشهادات (‪)83‬‬
‫فالساس عند الباضية في فهم هذه الية يتمثل في أن ال تعالى ل يمكن أن يكلم موسى إل بواسطة‬
‫إذ الكلم المباشر يفرض التحيز وهذا محال في حق ال تعالى ‪ ،‬فال خلق الكلم في الشجرة أو عن‬
‫طريق ملك‪ ،‬والباضية في النهاية يرجعون إلى تفويض المر ل تعالى وفي ذلك يقول أحمد‬
‫الشماخي‪ ":‬والحق أن سماع موسى عليه السلم كسماع الملئكة‪ ،‬كيف شاء ال أن يسمع"‪)84( .‬‬
‫وما احتج به القائلون بالكلم المباشر من التأكيد اعتبر تأكيدا للفعل ل للفاعل لن تأكيد الفاعل ل‬
‫يكون إل بعين أو نفس كأن تقول " كلم ال نفسه موسى تكليما"‪ .‬ومسلك التأويل واضح في هذا‬
‫الرأي وذلك ليتماشى مع تنزيه ال تعالى‪)85( .‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال) (‪ 9‬التوبة ‪:)6‬‬

‫أورد الرازي اعتماد المعتزلة على هذه الية للستدلل على أن كلم ال محدث وقول من ساهم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الحشوية والحمقى من الناس الذين يثبتون قدم الحروف والصوات ثم ناقش قول ابن فورك من‬
‫الشافعية القائل‪ :‬إذا سمعنا هذه الحروف والصوات فقد سمعنا كلم ال تعالى مبينا إنكار الشافعية‬
‫له‪ ،‬ثم رد على المعتزلة مبينا أن ما خلقه ال من أصوات انقضى وما نسمعه من حروف وأصوات‬
‫إنما هي من فعل النسان‪.‬‬

‫ثم أورد قول الجبائي الذي رفضه المعتزلة وهو كلم ال شيء مغاير للحروف والصوات وهو باق‬
‫مع قراءة كل قارئ (‪. )86‬‬

‫أما السدويكشي فقال‪ ":‬وأما قوله‪ ( :‬فأجره حتى يسمع كلم ال) وقوله ( وكلم ال موسى تكليما) (‬
‫‪ 4‬النساء ‪.)164‬‬

‫فإن قلتم إن الكلم هو الذي أدرك السمع وصار السمع مفعول وصار الكلم فاعل فقد كذبتم القرآن‬
‫واللسان الذي جاءت به هذه الشريعة لقوله تعالى‪ ( :‬يسمع كلم ال) فالكلم مفعول به والسمع‬
‫فاعل لن الكلم مسموع والسمع سامع لنه هو الذي يسمع الكلم ويدركه ومستحيل أن يكون ما‬
‫يدرك ليس بمخلوق ومفعول به وهذا ظاهر عند جميع العقلء ممن يعرف اللسان الذي هو معيار‬
‫هذا الشرع‪ ،‬عصمنا ال من أن يشبه علينا فنتبع أهواءنا بغير هدى منه‪.‬‬

‫وقالوا لهم أيضا إن السمع هو الذي بلغ الكلم وأدركه فمعلوم بالضرورة أن السمع مخلوق‪ ،‬ومعلوم‬
‫بالضرورة أن المخلوق ل يدركه إل المخلوق مثله مما ل يدفعه أحد في هذا المعنى" (‪. )87‬‬

‫ولم نعثر للمصعبي ول للمحشي على تحليل على تحليل لهذه الية (‪ )88‬فيوسف المصعبي لم‬
‫يتعرض ولو بالشارة لهذه القضية عند تفسيره للية ‪ ،‬وكما أنه لم يتعرض لها في حاشيته على‬
‫كتاب أصول تبغورين ‪)89( .‬‬
‫فالمهم حينئذ أن عبدال السدويكشي عبر عن موقف الباضية وانطلق في تبريره لفكرة الخلق من‬
‫منطلق لغوي بحت فبما أن الكلم وقع عليه الفعل فهو مخلوق لن هذا من شأن المخلوق ولن‬
‫القديم ل يمكن أن يقع عليه الفعل‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول لـه كن فيكون) (‪ 16‬النحل ‪:)40‬‬

‫لم نعثر على تفسير متكامل لهذه الية في مصادر المرحلة المقررة (‪ )90‬لذلك استعنا بما ورد فيها‬
‫عند محمد اطفيش لنه ألم بها إلماما شامل وهذا نص كلمه‪ ":‬قيل كيف يكون القرآن حادثا مخلوقا‬
‫وفيه الكلمة الزلية التي بها خلق الخلق‪ ،‬فلو كان " كن" مخلوقا يخلق به غيره لحتاج إلى قول‬
‫آخر يخلق به كن فيتسلسل وإن قال بالنقطاع بل تسلسل فمن أول المر بغير لفظ كن‪.‬‬

‫قلنا‪ ":‬معنى توجه الرادة الزلية إلى إيجاد شيء لوانه ول لفظ هناك‪.‬‬

‫ثم إذا صار القائل إلى ذلك فالحتجاج باسم ال إذ ذكر في القرآن أولي فيقول كيف يذكر ال وهو‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قديم في القرآن وهو حادث مخلوق فما الفرق إل قديم؟‬

‫قلنا‪ :‬ذكر الشيء غير نفس الشيء وأيضا‪ ،‬فلم يذكر في القرآن وهو موجود ما مضى وما سيكون‬
‫وهذا الحتجاج كاللعب‪.‬‬

‫ومن العجيب أنه ل يصح الخطاب إل لموجود والمعدوم ل يخاطب فكيف يخاطب ال المعدوم بكن‪،‬‬
‫كيف يخاطب مال يفهم لنه معدوم‪ ،‬وخطاب المعدوم عبث عند جميع أهل العقول‪.‬‬

‫فمعنى كن اليجاد بسرعة بل توقف على شيء فكن قول فعل ل قول خطاب‪ ،‬وكيف يقول عاقل إن‬
‫ال ل يخلق شيئا إل بعد أن يستعين عليه بقول كن وال ل يعجز ول تلحقه مشقة"‪)91( .‬‬

‫ويرد الباضية على من اعتبر كلمة " الحق" بمعنى كن في قوله تعالى‪ ( :‬ما خلقنا السماوات‬
‫والرض وما بينهما إل بالحق وأجل مسمى) (‪ 46‬الحقاف ‪ )3‬وقوله‪ ( :‬ما خلقناهما إل بالحق) (‪44‬‬
‫الدخان ‪ )39‬وقوله‪ ( :‬وخلق ال السماوات والرض بالحق) (‪ 29‬العنكبوت ‪ ،)44‬بأن معنى الحق‬
‫بالصواب والحكمة ل بالباطل والعبث بل لظهار القدرة والتكليف وأما كن فتمثيل لسرعة وقوع ما‬
‫توجهت إرادته تعالى إلى خلقه ل ببطء ول تكلف (‪. )92‬‬

‫ويرد الرازي على من اعتبروا هذه الية دليل على قدم القرآن بما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬إذا ل تفيد التكرار‪ ،‬وإذا كان كذلك ثبت أنه ل يلزم في كل ما يحدثه ال تعالى أن يقول له كن فلم‬
‫يلزم التسلسل‪.‬‬

‫‪ -2‬هذا القول يلزم أن تكون "كن" قديمة وهذا باطل لنها مركبة‪.‬‬

‫‪ -3‬إن الرجل إذا قال إن فلنا ل يقدم على قول ول على فعل إل ويستعين فيه بال تعالى فإن عاقل ل‬
‫يقول إن استعانته بال فعل من أفعاله فيلزم أن تكون كل استعانة مسبوقة باستعانة أخرى إلى غير‬
‫النهاية لن هذا الكلم بحسب العرف باطل فكذلك ما قالوه‪.‬‬

‫‪ -4‬إن هذه الية مشعرة بحدوث الكلم من وجود‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن قول ال تعالى‪ (:‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه) يقتضي كون القول واقعا بالرادة وما كان كذلك‬
‫فهو محدث‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنه علق القول بكلمة إذا ول شك أن لفظه " إذا" تدخل للستقبال‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن قوله‪ (:‬أن نقول له) ل خلف أن ذلك ينبئ عن الستقبال‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫د‪ -‬أن قوله‪ (:‬كن فيكون) يدل على أن حدوث الكون حاصل عقب قول " كن" فتكون كلمة " كن"‬
‫متقدمة على حدوث الكون بزمان واحد والمتقدم على المحدث بزمان واحد يجب أن يكون محدثا‪.‬‬

‫هـ‪ -‬أنه معارض بقوله تعالى‪ ( :‬وكان أمر ال مفعول) (‪ 4‬النساء ‪ 33 -47‬الحزاب ‪( )37‬وكان أمر‬
‫ال قدرا مقدورا) (‪ 33‬الحزاب ‪ ( )38‬ال نزل أحسن الحديث) (‪ 39‬الزمر ‪ ( )23‬فليأتوا بحديث‬
‫مثله) (‪ 52‬الطور ‪ ( )34‬ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) (‪ 46‬الحقاف ‪.)12‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فهب أن الية ل تدل على قدم الكلم ولكنكم ذكرتم أنها تدل على حدوث الكلم فما الجواب؟‬
‫قلنا‪ :‬نصرف هذه الدلئل إلى الكلم المسموع الذي هو مركب من الحروف والصوات ونحن نقول‬
‫بكونه محدثا مخلوقا وال أعلم (‪." )93‬‬

‫إن المتأمل في ما جاء به محمد اطفيش من حجج وما استعنا به من قول الرازي الذي يوافق قول‬
‫الباضية بأن الية تدل على الحدوث وإن كان يقصر ذلك الكلم المسموع يتبين لمَ لمْ يقف علماء‬
‫هذه المرحلة عند هذه الية في هذا السياق من الحتجاج فهي تأتي في درجة ثانية للستدلل‬
‫بالنسبة إلى اليات التي ذكر فيها الكلم صراحة‪.‬‬

‫وقد حرص محمد اطفيش على توضيح موقف الباضية في هذا الشأن وميز بين ما سماه قول الفعل‬
‫وقول الخطاب فكن حينئذ هي قول فعل ل يحتاج معها إلى الستعانة بقول خطاب‪.‬‬

‫‪-‬قولـه تعالى‪ ( :‬وما كان لبشر أن يكلمه ال إل وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي‬
‫بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) (‪ 42‬الشورى ‪.)51‬‬

‫ينقل يوسف المصعبي في شأن هذه الية ما يلي‪:‬‬

‫" وقد تعرض في شرح النونية (‪ )94‬لتفسير هذه الية أعني قوله تعالى‪ (:‬وما كان لبشر‪)...‬‬
‫وحاصل ما يؤخذ منه تقل عن بعض أهل التفسير أن الوحي على وجهين وهما‪ :‬إلهام ‪ ،‬ووحي‬
‫أرسال‪ ،‬والثاني فيه قسمان لنه ربما ظهر جبريل عليه السلم للرسول‪ ،‬وربما أسمع جبريل الرسول‬
‫الوحي من غير أن يرى صورته وتنزيل الية على هذه القسام الثلثة وإن كان خلف الظاهر‪ ،‬لكن‬
‫يجب ارتكابه لما في الحمل على الظاهر من المحذور" (‪. )95‬‬

‫وإن لم تقف المصادر الباضية في المرحلة المقررة طويل عند هذه الية التي اعتمدها القائلون‬
‫بالقدم (‪ )96‬فإن ما نقله يوسف المصعبي عن اسماعيل الجيطالي يدل دللة واضحة على رفض‬
‫الباضية كل ما من شأنه أن يوحي بالتجسيم ولذلك عمدوا إلى التأويل مع إحساسهم أنه خلف‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫================================‬
‫(‪ )79‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪. 11/109‬ر‪ .‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬تحقيق وتصحيح لجنة من العلماء دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ط ‪ 2‬بيروت ‪ .456 -2/454 -1389/1970‬وعن ابن كثير (‪ )774/1373‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪1/317‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ونفى قراءة نسبها إلى المعتزلة تنصب اسم الجللة وعارضها بشدة ‪.‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪583 -1/582‬‬
‫(‪ )80‬يوسف المصعبيك حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 185‬قفا ويذكر أنه بسط الكلم في ما كتبه في العقائد ويشير إلى‬
‫حاشيته على أصول تبغورين‪97 :‬‬
‫(‪ )81‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪19:‬‬
‫(‪ )82‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪19:‬‬
‫(‪ )83‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.470 – 21/469‬‬
‫(‪ )84‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.16 :‬ر‪ .‬عبدال السدويكشي‪ :‬رسالة في خلق القرآن‪5 :‬‬
‫(‪ )85‬لمك تقع الشارة في المصادر الباضية إلى تأويل الية بمعنى‪ :‬جرح ال موسى بأظافر المحن ومخالب الفتن على أساس‬
‫أن تكون كلم بمعنى جرح ‪.‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ 583 -1/582‬وقد رد الزمخشري هذا التأويل وتابعه في ذلك الشارح ونوه‬
‫بذلك بقوله‪ " :‬وصدق الزمخشري وأنصف إنه لمن بدع التفاسير التي ينبو عنها الفهم ول يبين بها إل الوهم" ‪.583‬‬
‫(‪ )86‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪. 228 -15/227‬ر‪ .‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪. 3/366‬ر‪ .‬الزمخشري ‪ 175 /2‬لم يشر‬
‫إلى قضية خلق القرآن في هذا الموضع‪.‬‬
‫(‪ )87‬عبدال السدويكشي‪ :‬رسالة في خلق القرآن‪.5 :‬ر القاضي عبد الجبار الصول الخمسة‪ 551 :‬اعتبر الية دالة على الكلم‬
‫محدث‪.‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 260‬وجه‬
‫(‪ )89‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪100 -90 :‬‬
‫(‪ )90‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 241‬وجه وبداية القفا‪ .‬لم يهتم بهذه القضية بل اعتنى بموضوع‬
‫القدرة على البعث‪.‬‬
‫(‪ )91‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/237‬‬
‫(‪ )92‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/241‬‬
‫(‪ )93‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪. 33 -20/32‬ر‪ .‬ابن كثير‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪ ،4/195‬لم يتعرض للقضية ‪.‬ر‪.‬‬
‫الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ ،2/410‬أشار خاصة إلى سهولة الخلق والبعث على ال ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪560 :‬‬
‫بين أن "كن" مركبة وهذا دليل على الحدوث‪ ،‬كما بين أن الية تواكب القول بالخلق لورود" (النحل ‪ )40‬ودخولها على‬
‫المضارع يفيد الستقبال أن تقول له كن فيكون أن" قبل "كن" وذلك يقتضي الحدوث ‪.‬ر‪ .‬أيضا‪561 :‬‬
‫(‪ )94‬يقصد إسماعيل الجيطالي‪.‬‬
‫(‪ )95‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪97 :‬‬
‫(‪ )96‬وقد ميز الرازي بين الشعري والماتريدية في هذا الشأن فالشعرية يعتبرون أن املك والرسول يسمعان ذلك الكلم المنزه‬
‫عن الحرف والصوت من وراء حجاب بينما يبين أبو منصور الماتريدي أن الصفة القديمة يمتنع أن تسمع والمسموع هو أصوات‬
‫وحروف يخلقها ال في الشجرة‪.‬‬
‫ويورد الرازي أيضا حجج المعتزلة ويوجهها كلها إلى الكلم اللفظي دون الكلم النفسي ‪.‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير‬
‫‪ 27/188‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ 3/476‬ومفاد ما جاء عنده أل السبيل إلى الكلم المباشر‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون) (‪ 56‬الواقعة ‪ )78‬يقول أحمد الشماخي في شأن‬
‫هذه الية ما يلي‪:‬‬

‫" قولك‪ :‬كتاب مكنون " إنه مصون اتفاقا"‪.‬‬

‫أقول‪ :‬قال بعضهم محظوظ أي مصون عند ال أو محفوظ عن الباطل‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قولك‪ :‬وهو اللوح المحفوظ والتوراة والنجيل والزبور والقرآن‪.‬‬

‫أقول‪ :‬لم أعثر على أن أحدا من المفسرين فسر الكتاب المكنون بمجموع اللوح المحفوظ والتوراة‬
‫والنجيل والزبور ول من فسره بالتوراة وحده ول بالنجيل ول بالزبور غيرك ول يسوغه العقل ول‬
‫يقبله الفهم لن القرآن ليس في التوراة ول في النجيل ول في الزبور بل هو اللوح أو كتاب في‬
‫السماء على قول ابن عباس‪.‬‬

‫وفي الية أدلة على أنه مخلوق‪:‬‬

‫أقسم ال على أنه في كتاب مكنون أي اللوح وضمير يمسه أي المصحف أي ل يمس المكتوب فيه‬
‫أي ل ينبغي أن يمس المكتوب منه إل المقربون وأن المكتوب منه قرآن‪ ،‬ووصفه بأنه تنزيل‬
‫للمبالغة أي منزل من رب العالمين ووصف بالمصدر لنه نزل نجوما فكان نفسه تنزيل فكان اسم له‬
‫يقال جاء في التنزيل ونطلق عليه التنزيل وسماه حديثا"‪)97( .‬‬

‫فأحمد الشماخي حول النقاش بسرعة إلى ما يدعم معتقده واتخذ الية دليل على أن القرآن مخلوق‬
‫اعتمادا على ما رأينا في ما سبق من أدلة الباضية على أنه منزل ومكتوب وما إلى ذلك‪.‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬قل لئن اجتمعت النس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ل يأتون بمثله ولو كان‬
‫بعضهم لبعض ظهيرا) (‪ 17‬السراء ‪:)88‬‬

‫لقد اعتمد يوسف المصعبي قول الزمخشري في تفسير هذه الية فنقله حرفيا ونصه كما‬
‫يلي‪...":‬والعجب من زعمهم أن القرآن قديم مع اعترافهم بأنه معجز وإنما يكون المعجز حيث تكون‬
‫القدرة فيقال‪ :‬ال قادر على خلق الجسام والعباد عاجزون عنه‪ ،‬وأما المحال الذي ل مجال فيه‬
‫للقدرة ول مدخل لها فيه كتأتي القديم فل يقال للفاعل قد عجز عنه ول هو معجز ولو قيل ذلك لجاز‬
‫وصف ال بالعجز لنه ل يوصف بالقدرة على المحال إل أن يكابروا فيقولون هو قادر على المحال‪،‬‬
‫فإن رأس مالهم المكابرة وقلب الحقائق" (‪. )98‬‬

‫ثم جاء محمد اطفيش في ما بعد فقرر في شأن هذه الية ما يلي‪ ":‬واستدلوا بهذه الية على قدم‬
‫القرآن بدليل أنهم ل يأتون بمثله لكونه صفة ذات ول قدرة لحد على خلقها وليست مما يحدث فهو‬
‫كقوله تعالى‪ ( :‬لو كان فيهما آلهة إل ال لفسدتا) (‪ 21‬النبياء ‪ )22‬فإنه ل يمكن تعدد الله‪.‬‬

‫قلت‪ :‬الية في العجاز بالفصاحة والبلغة والخبار بالغيوب وغير ذلك مما يرجع إلى اللفاظ‬
‫ومعانيها‪ ،‬وما يتعلق بالقرآن من جنس الكلم المخلوق إل أنه لم يخلق ال كلما مثله ول أقدر أحدا‬
‫على النطق بمثله فليس من باب نفي تعدد الله" (‪. )99‬‬

‫فالمصعبي حينئذ وجد عند الزمخشري أحسن مستند فتبنى موقفه الذي يقوم على استنتاج منطقي‬
‫أساسه أن التعجيز ل يمكن أن يتعلق بالقديم أما محمد اطفيش فبين أن موضوع الية بلغي بحت‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬الرحمن علم القرآن خلق النسان) (‪ 55‬الرحمن ‪)2-1‬‬

‫لم نجد في ما اطلعنا عليه من مصادر المرحلة المقررة تحليل للية لذلك نعتمد ما جاء عند محمد‬
‫اطفيش في ما بعد وهو يقول‪ ":‬استدلوا بها( حيث قالوا) فأخبر بتعليم القرآن وبخلق النسان ولول‬
‫أن القرآن قديم لقال خلق القرآن والنسان‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬ل أن يخبر بما يشاء أخبر هنا بتعليم القرآن امتنانا وذكرا للنعمة‪ ،‬وكذلك قال‪ ( :‬ذلك أمر ال‬
‫أنزلـه إليكم) (‪ 65‬الطلق ‪ )5‬ولم يقل خلقه‪ .‬قلنا‪ :‬ل يلزم أل يكون مخلوقا كل ما يذكره بالخلق وإنما‬
‫أراد أنه أنزل إليكم معاني القرآن بألفاظ القرآن وذاته وصفته ل تنزل وكذا ( إذا قضينا إلى موسى‬
‫المر) (‪ 28‬القصص ‪ )44‬ل يلزم أن يكون مخلوقا لما قال قضينا ولم يقل خلقنا وله أن يذكر‬
‫المخلوق بما شاء من خلق ومن غير خلق" (‪. )100‬‬

‫يتبين أن محمد اطفيش اعتبر أن صيغة علم القرآن ل تكفي للدللة على القدم لنها وردت هنا بمعنى‬
‫المتنان وذكر النعمة وسلك مسلكا مقارنا مع آية أخرى ليوضح أنه ل يلزم أل يكون مخلوقا كل ما‬
‫لم يذكره بالخلق‪.‬‬

‫‪ -‬قول ال تعالى‪( :‬أل له الخلق والمر) (‪ 7‬العراف ‪)54‬‬


‫يستدل القائلون بالقدم بالية كما يلي‪:‬‬

‫" قال الخلق والمر ثابتان جميعا له وعزل الخلق عن المر‪ ،‬فالخلق كله غير المر والمر القرآن‬
‫وهو خارج عن الخلق‪ ...‬ولو كان الخلق شامل لكلمه لقال( أل له الخلق) ولم يذكر المر قال ال‬
‫تعالى‪ ( :‬ذلك أمر ال أنزله إليكم) ( ‪ 65‬الطلق ‪. )101( " )5‬‬

‫ويجيب القائلون بالخلق‪:‬‬

‫قلنا‪ :‬المر القضاء والتصرف في الكائنات وتصرفه فعل منه خلق ومنه إفناء والقرآن داخل في‬
‫الخلق أو المر ‪ .‬القرآن داخل في الخلق وخصه بالذكر لمزيته‪.‬‬

‫وقد قال تعالى‪ ( :‬وكان أمر ال قدرا مقدورا) (‪ 33‬الحزاب ‪ )38‬فهل هذا المر القرآن أيضا فإن كان‬
‫فقد جعله مقدورا فهو مخلوق وإن جعله غير القرآن فلماذا يجعل تارة المر القرآن وتارة غير‬
‫القرآن تحكما بل مرجح لتفسيره بالقرآن في قوله تعالى‪ ( :‬أل له الخلق والمر) " (‪. )102‬‬

‫فاتضح حينئذ أن استدلل الباضية مستوحى من التحليل العتزالي إذ بين أن الخلق داخل في المر‬
‫وإنما خص بالذكر لمزيته‪.‬‬

‫‪ -‬قولـه تعالى‪ ( :‬ما نفدت كلمات ال) (‪ 31‬لقمان ‪ )27‬وقوله أيضا عن عيسى عليه السلم ( وكلمته‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ألقاها إلى مريم) (‪ 4‬النساء ‪: )171‬‬

‫أليس القرآن قسما من الكلمات والكلمات قديمة ويرد محمد اطفيش باعتبار الكلمات بمعنى العلم (‬
‫‪ )103‬وباعتبار أن كلمة بالنسبة إلى عيسى تعني وجد بقوله "كن" أي بتوجيه الرادة اللهية إلى‬
‫وجوده ويورد مناظرة بين مسلم ونصراني أفضت إلى استحالة اعتبار الكلمة قديمة لن ذلك يفضي‬
‫إلى أن ال تعالى يتجزأ وذاك محال‪ ،‬والدليل قوله تعالى ( وسخر لكم ما في السماوات وما في‬
‫الرض جميعا منه) ( ‪ 45‬الجاثية ‪ )13‬حيث تفيد منه من خلقه (‪ . )104‬وهذا ما أقره الرازي (‬
‫‪ )105‬والزمخشري (‪ )106‬إذ اعتبرا أن الكلمة بمعنى المر أي إيجاد عيسى من غير واسطة أب‬
‫ول نطفة‪.‬‬

‫وما أوردت هذا التحليل إل لتمام المعنى لن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه المعاني في‬
‫ما اطلعنا عليه ولعلها أشارت إلى ذلك في ما لم يقع بين أيدينا من المصادر‪ .‬والمدار على أن ما‬
‫ذكرناه يتماشى واعتماد التأويل والباضية موقفهم صريح في هذا الشأن كما بينا ذلك في ما سبق‪.‬‬

‫وقبل أن نصل إلى مرحلة الستنتاج يحسن أن نقف عند قضيتين الولى‪ :‬ما عبر عنه بالعلقة بين‬
‫الحكاية والمحكي‪ .‬والثانية ما عبر عنه بالكلم النفسي‪.‬‬
‫===============================================‬
‫(‪ )97‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪. 17-16 :‬ر‪.‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ ،62/61‬لم يتعرض لهذه القضية‬
‫أما عن حاشية يوسف المصعبي على الجللين فلم نتمكن من الحصول على القسم الذي جاءت به هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )98‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 360‬قفا ‪.‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪2/465‬‬
‫(‪ )99‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪243 -1/242‬‬
‫(‪ )100‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪243 -1/242‬‬
‫(‪ )101‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪.243 -1/242‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ص ‪ 545‬بين أن التعليم ل يتصور‬
‫إل في المحدثات‪.‬‬
‫(‪ )102‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪. 1/245‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ 544 :‬وقد ألح على قيمة الفصل وبين‬
‫أنه ل يدل على اختلف الجنسين بل يفيد التفضيل‪.‬‬
‫(‪ )103‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/243‬‬
‫(‪ )104‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪:‬تيسر التفسير ط ‪477 -22/476‬‬
‫(‪ )105‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪11/115‬و ‪8/38‬‬
‫(‪ )106‬ر‪ .‬الزمخشري ‪ :‬الكشاف ‪1/284‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الرد على من يفرق بين الحكاية والمحكي‪:‬‬

‫قال أبو مهدي (‪ ": )107‬ل يقال إن هذه الصفات (التفصيل‪ ،‬الجعل‪ ،‬الحفظ‪ )...‬التي سردتها وأثبتتها‬
‫بالدلة إنما هي عبارة وحكاية عن القرآن فتكون الحكاية مخلوقة والمحكي غير مخلوق لنا نقول ل‬
‫تخلو الحكاية من أن تكون موافقة أو مخالفة له‪ ،‬فإن كانت موافقة له لزم خلف المعقول بأن يكون‬
‫شيئان متساويان مختلفين في الخلق وعدمه بأن يكون أحدهما مخلوقا والخر غير مخلوق والقاعدة‬
‫أن ما جاز على النظير جاز على نظيره فهل هذه إل تفاهة‪.‬‬

‫وإن كانت مخالفة فذلك خروج على لسان العرب وأئمة اللغة لنها حكاية مماثلة له ومعبرة عنه‬
‫ونقل بالمعنى فلو صح أن تكون مخالفة للزم التناقض فتحكي الخبر الصادق فيكون كاذبا‪ ،‬والخبر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الكاذب فيكون صادقا‪ ،‬والمدح ذما‪ ،‬والذم مدحا‪ ،‬والقرآن شعرا‪ ،‬والشعر قرآنا إلى غير ذلك من‬
‫الشياء المتناقضة لتجويز المخالفة بين الحكاية والمحكي فل ينبغي أن يكذب بخبر ول مخبر‪ ،‬ول‬
‫تنكر حكاية ول مقالة فعلى هذا كيف يكون الصدق صدقا والكذب كذبا‪ ،‬بل يكون الصدق كذبا والكذب‬
‫صدقا فهذا هو الحال ول يقول به عاقل فضل عن فاضل فلما بطل هذا صح أن الحكاية ل تكون‬
‫خلف المحكي فإن كانت الحكاية مخلوقة محدثة مجعولة في سائر أوصافها مما ثبت بتلك الدلة (‬
‫‪ )108‬فالمحكي أيضا كذلك‪.‬‬

‫وأيضا إن كانت الحكاية غير المحكي فما هو القرآن الحكاية أم المحكي؟‬

‫فإن كان القرآن الذي نزل به الروح المين على قلب محمد صلى ال عليه وسلم هو هذه الحكاية‬
‫فهو إذن مخلوق إذ هو محل النزاع وهو الذي قال ال (فيه) ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه) (‪ 75‬القيامة‬
‫‪ ،)18‬وقال ( نزل به الروح المين على قلبك) (‪ 26‬الشعراء ‪.)193‬‬
‫وإن كان القرآن هو المحكي القائم بذاته تعالى وهو لم ينزل فقد ظاهوا بقولهم هذا قول من قال ( ما‬
‫أنزل ال على بشر من شيء) (‪ 6‬النعام ‪ )91‬وهذا مخالف للجماع‪...‬‬

‫وأيضا لو كانت الحكاية غير المحكي لكان النبي قد أتى بخلف ما أتى به جبريل وما أتى جبريل‬
‫خلف ما نقله عن مكائيل‪ ،‬وما أتى به مكائيل خلف ما نقله إسرافيل‪ ،‬فيكون كل واحد منهم أتى‬
‫بخلف ما أتى به غيره وإل فكيف يجوز في الشيء مال يجوز في مثله‪ ،‬وهل هذا إل تجاهل‪.‬‬

‫وأيضا لو لم يكن هو القرآن وكان عبارة وحكاية لما صح التحدي والعجاز بسورة منه ولجاز أن‬
‫يعارض بعبارة مثل تلك العبارة لنه كما جاز لمن أتى به التعبير عنه والحكاية يجوز لغيره الناكرين‬
‫لما أتى به أن يعارضوه بعبارة وحكاية مثله‪ ،‬لكنهم استيقنوا أن تتساقط مقدرتهم دونهم ولم تظهر‬
‫معجزتهم على أن يأتوا بمثله ولم يبلغ من الجزالة وحسن النظم المبالغ التي بدت بلغة لكل ناطق‬
‫وشقت غبار كل سابق ولم يتجاوز الحد الخارج من قوى الفصحاء ولم يقع وراء مطامع أعين‬
‫البصراء إل أنه ليس بكلم البشر وأنه كلم خالق القوى والقدر فهؤلء المقرون منهم اعتقدوا أنه‬
‫كلم ال ولم يرتكبوا هذا التأويل الفاسد لما تكرر ذكره في القرآن في أربعة وخمسين موضعا على‬
‫ما ذكر ابن عطية تأويل ما ذكر ليس بسديد والتأويل ل يصار إليه إل إذا وجدوا ما يمنع الظواهر‬
‫ويحيلها‪.‬‬

‫وأيضا هذه العبارة هل هي القرآن أم غيره؟‬

‫فإن قلتم إنها ليست بالقرآن فهل هي قديمة أم محدثة؟ فإن قلتم إنها قديمة فقد أثبتم القدم لغير‬
‫القرآن الذي قلتم إنه كلم ال وإنه قديم أزلي‪.‬‬

‫وإن قلتم هي القرآن وإنها قديمة فقد رددتم على الية والدلة التي دلت على حدوثها وهي التي تقدم‬
‫ذكرها‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وإن قلتم إنها هي القرآن وإنها محدثة فقد أقررتم بما أنكرتم أول ورجعتم إلى الحق والصواب" (‬
‫‪. )109‬‬

‫وقد نقلنا هذا التحليل بأكمله لنتبين أن جل ما جاء في الموضوع كان تابعا لنقطة النطلق أي رسالة‬
‫أبي اليقظان إل أن المر لم يخل من بعض الضافات التي تدعم الموقف ذلك الستشهاد بما ذكره ابن‬
‫عطية‪.‬‬

‫والمتأمل في هذا النص‪ ،‬يدرك أن منطقه لغوي بحت إذ عبر بعبارتي الحكاية والمحكي‪ ،‬والحقيقة‬
‫هي اللفظ والمعنى‪ ،‬والتحليل بني على أساس أل سبيل إلى الفصل بين الدال والمدلول بينما يفصل‬
‫بينهما بعض القائلين بالقدم مثل الرازي حيث يعتبر أن المعنى أو المعنى النفسي قديم وأن اللفظ‬
‫محدث وهذا منهجه دائما في الرد على المعتزلة وهذا أيضا موقف من مواقف الباضية وإن لم‬
‫يعبروا عنه بهذه الصيغة وإنما قالوا الكلم صفة ذات من حيث إن ال ليس بأخرس فهو صفة فعل‬
‫من جهة أن ال خالق كلمه‪.‬‬

‫موقف الباضية من الكلم النفسي‪:‬‬

‫لقد حلل يوسف المصعبي هذه القضية تحليل متكامل وقد استفاد مما جاء في الموضوع عند غير‬
‫الباضية وعند الباضية وقد سبقه في ذلك أبو يعقوب الورارجلني لذلك وسننطلق من تحليل‬
‫الوارجلني لنبين ما أضافه المصعبي وعمله من صلب هذا البحث‪.‬‬

‫يقول أبو يعقوب الوارجلني‪ ":‬فإن عورضنا"‪ ،‬وقال‪ " :‬إذا جعلتم القول في النفس من غير صوت‬
‫فقولوا في الكلم كذلك فهذا دليل على أن الكلم كلم ال عز وجل صفة له في ذاته أزلية‪ .‬قلنا‪ :‬لبد‬
‫في الكلم والقول من نظم الحروف فيتعدى ذلك النفس فإن لم تكن حروف ول نظم كان ذلك علما‪،‬‬
‫والعلم اعتقاد في النفس والكلم والقول معنى جاوز النفس إلى نظم الحروف المعنوية فهذا الفرق‬
‫بين العلم وبين الكلم في النفس وبين القول أيضا‪ ،‬ولبد من معنى زائد على العلم وهو تصوير‬
‫المعنى في النفوس وهذا الزائد هو القول ويكون بغير صوت‪ ،‬ول يتوجه إلى الغير" (‪. )110‬‬

‫وينقل يوسف المصعبي ما جاء في رد أحمد الشماخي على صولة الغدامسي وهاك نصه‪ ":‬قوله‬
‫(الغدامسي)‪ :‬المعنى النفسي صفة غير العلم والرادة‪.‬‬

‫قلت‪ (:‬احمد الشماخي)‪ ":‬دعوى مجردة عن الدليل لن ما في النفس‪:‬‬

‫‪ -‬إما العلم سواء تعلق بمفرد ويسمى معرفة وتصورا ويدخل فيه الشك والوهم لنه تصور النسبة‬
‫بغير حكم أو تعلق بمركب ويسمى تصديقا واعتقادا ويدخل فيه الظن والعتقاد الجازم الثابت‬
‫المطابق للواقع ويدخل في التصور العلم باللفاظ أي حفظها وأنها وضعت لكذا من المعاني‪.‬‬

‫‪ -‬وإما الفكر‪ :‬وهو ترتيب المعاني في النفس على وجه مخصوص والقدرة عليها تسمى القوة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المفكرة وإرادة شيء من الفعال فليس في النفس إل هذه الوجه ومن ادعى غيرها فعليه البيان" (‬
‫‪. )111‬‬

‫كما ينقل عن عبدال بن محمد النزوي العماني (‪ )112‬ما يلي‪ ":‬ثبت أن القرآن من علم ال عز‬
‫وجل لم يزل عالما ولم يزل متكلما وأن علمه وكلمه من صفاته الذاتية وأنهما ليسا بمحدثين مع‬
‫عدم الجوارح من الكلم والعلم والسمع‪. )113( "....‬‬

‫ثم يختم المصعبي بموقفه الخاص فيقول‪ ":‬فعلى ما يفهم‪ ...‬من صريح كلم بعض المشارقة (‪)114‬‬
‫ل يبقى نزاع إل في اللفظ والعتبار بخلف ما هو المشهور عن القوم من إثبات الكلم النفسي غير‬
‫العلمي فإن الخلف حينئذ حقيقي ولكن ل دليل لهم على إثباته مع ما يلزم من الفساد‪. )115( "...‬‬

‫فموقف الباضية حينئذ يتمثل في رفض الكلم النفسي إل أنهم اعتبروا الزلية متمثلة في العلم أو‬
‫في ما عبروا عنه بقولهم‪ :‬كلمه صفة ذات من جهة وكل ذلك رغبة منهم في البتعاد عن تشبيه‬
‫الغائب بالشاهد لن ذلك يوحي بشيء من التجسيم والتشبيه‪.‬‬

‫وبعد أن حددنا مفهوم القرآن والكلم‪ ،‬وضبطنا مواقف جل الفرق في هذه القضايا وعرضنا أدلة‬
‫الباضية والنقلية على أن القرآن مخلوق وإن كان البعض منهم يرى غير ذلك‪ ،‬يجدر أن نخلص إلى‬
‫الحوصلة التالية وفيها نتبين بعد القضية الحضاري‪:‬‬

‫‪ -1‬إن اختلف المنطلقات الساسية كلف علماء الصول عناء كبيرا في هذه القضية‪ ،‬وأبرزها وجهة‬
‫نظر كل فرقة إلى صفات البارئ سبحانه وتعالى ولذلك كثيرا ما يكون الجدل مفتعل من البداية‪.‬‬

‫‪ -2‬إن هذه القضية ظلت تتأرجح بين ثلثة أسس‪ :‬الساس البلغي‪ ،‬والساس الفلسفي‪ ،‬والساس‬
‫العقائدي‪.‬‬

‫أ‌) أما بالنسبة إلى الساس البلغي‪ ،‬وهو أبرز المحاور لن معجزة القرآن في بلغته قبل كل شيء‪،‬‬
‫فالقضية تتمثل في علقة اللفظ بالمعنى فمن ربط بينهما قال بقدم المعنى مع اختلف في أنه كلم‬
‫نفسي أو علم وبحدوث اللفظ‪ .‬وقد جاءت أثناء الجدل عبارات الدال والمدلول والحكاية والمحكي‬
‫وكذلك النظم وكل فرقة تجاذبت هذه العلقة حسب تصورها الخاص داخل نظامها الفكري الذي تبنته‬
‫حتى ل يقع تضارب بين عناصر ذلك النظام‪.‬‬

‫وأثيرت قضية أقسام الكلم بين النشاء والخبر‪ ،‬أو المر والنهي والخبر والستخبار‪ ،‬فإن صح القدم‬
‫في الخبر فإنه ل يصح في المر إذ ل يجوز آمر بدون مأمور‪.‬‬

‫والملحظ في كثير من مواطن الجدل أنك تخال أنك مع درس في البلغة بعيدا عن الصول لكن‬
‫تدرك بعد حين أن البلغة خادمة للغرض‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ب) أما الساس الفلسفي‪ -‬إن صح التعبير‪ -‬فيتضح في قضية الكلم النفسي فالقائلون بالقدم انطلقوا‬
‫من نصوص من القرآن والحديث واللغة ورأوا أن ما يدور في النفس من المعاني يمكن أن يعتبر‬
‫كلما بدليل ما يحدث في النفس من حوار داخلي واتخاذ مواقف وما إلى ذلك إل أن المنكرين للكلم‬
‫النفسي اعتبروا أن كل ذلك من باب العلم وانعكس هذا المفهوم البشري على الكلم اللهي‪ ،‬فال‬
‫أيضا له كلم نفسي ويذهب هؤلء إلى أنه يمكن أن يسمع وإن رأى آخرون أنه ل يمكن أن يسمع‪.‬‬
‫فالقضية حينئذ فلسفية نظرية ول يمكن أن تحل بموقف واحد بل لبد من أن تتعدد فيها المواقف فل‬
‫عجب إذا لحظنا ذلك التشعب الجزئي أحيانا والكلي أحيانا أخرى‪.‬‬

‫والقضية ليست تجريبية حتى في المستوى البشري فكيف بها في المستوى الغيبي‪.‬‬

‫ج)أما الساس العقائدي فيتمثل في محاولة إدراك كنه كلم ال تعالى لنه عليه مدار العمل ومدار‬
‫الجزاء ولذلك يتحول الجدل في هذه القضية إلى أنه تكفر الفرق بعضها البعض‪ ،‬ول تسامح في مثل‬
‫هذه القضايا الصولية وما منحه القائلين بالقدم مع المأمون أول ثم القائلين بالخلق في ما بعد إل‬
‫صورة لرتباط العقيدة بالواقع المعاش ومدار كل الفرق أساسه الحرص على تنزيه ال تعالى ونسبة‬
‫جميع صفات الكمال إليه‪ ،‬ولذلك لم يختلفوا في نسبة الكلم إلى ال وإنما اختلفوا في نوعية هذا‬
‫الكلم وفي قدمه وحدوثه‪ .‬وما دام القرآن قسما من كلم ال تعالى فقد انصب الجدل حوله وإن كانت‬
‫الشارات كثيرة إلى بقية الوحي اللهي ولعل أكثرها كان يدور حول كلم ال لموسى عليه السلم‬
‫ونحن نعلم أنه كليم ال‪.‬‬

‫وفي النهاية فالقرآن كلم ال قديم عند البعض معنى ولفظا ومحدث عند آخرين معنى ولفظا وقديم‬
‫المعنى محدث اللفظ عند جماعة أخرى‪.‬‬
‫ومهما يكن أمر هذا الجدل فإن المسلمين ل يختلفون في أن القرآن هدى للمتقين فاستمدوا منه‬
‫عقيدتهم وعبادتهم ومعاملتهم السياسية والقتصادية والجتماعية والخلقية‪.‬‬

‫أما عن النصوص الباضية فالغالب عليها بعد مناظرة بقية الفرق والتعايش معها جنبا إلى جنب في‬
‫نفس الطار المكاني والزماني ما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬الطلق العام في المختصرات‪:‬‬

‫‪ " -‬وندين بأن ال خالق كلمه ووحيه‪ ،‬ومحدثه وجاعله ومنزله" (‪. )116‬‬

‫‪ " -‬ليس منا من يقول‪ :‬إن القرآن ليس بمخلوق" (‪. )117‬‬

‫‪ )2‬التفصيل في الشروح‪.‬‬

‫كلم ال‪ - :‬صفة ذات‪ :‬من جهة أنه متكلم ليس بأخرس‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬صفة فعل‪ :‬من حيث إنه خالق الكلم‪.‬‬

‫ويقول عبدال السدويكشي في ذلك ما يلي‪ ":‬وعندنا معشر الباضية الوهبية أن كلم ال تعالى له‬
‫معنيان‪:‬‬

‫الول‪ :‬أنه صفة ذاتية كالعلم والقدرة منافية للفة مثل الخرس‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬أنه صفة فعلية بمعنى خلق الكلم حيث شاء‪.‬‬

‫فمعنى كونه متكلما على الول أنه ليس بأخرس وعلى الثاني أنه خالق الكلم" (‪)118‬‬

‫وقد حلل أبو يعقوب الوارجلني قضية نفي الخرس عن ال تعالى كما يلي‪ ":‬فمن أين ارتباط الكلم‬
‫بالحي ل ارتباط له به‪.‬‬

‫فإن قالوا لستحالة حدوث الكلم لكان أخرس قبل حدوثه والخرس ضد الكلم ونقيضه ‪.‬‬
‫قلنا وبال التوفيق‪ ":‬إن هذا الحكم وهذا التحكم ل يلزم لنه يجوز أن يكون من لم يتكلم ساكتا ل‬
‫أخرس ليس كالعلم لن من لم يكن عالما فهو جاهل‪ ،‬ومن لم يكن قادرا كان عاجزا‪ ،‬ليس الخرس‬
‫بنقيض الكلم‪ ،‬بل السكوت نقيضه (‪. )119‬‬

‫ويلزمهم أيضا أن الخلق معه لم يزل لنه لو أحدث ال الخلق لكان قبل حدوثه عاجزا ويلزمهم أيضا‬
‫أن يجعلوا الخلق من المعاني القديمة القائمة بالذات كالكلم ولعمري لهو أشبه بمذهبهم‪.‬‬

‫وإن لم يكن العجز بنقيض الخلق‪ ،‬فليس الخرس بنقيض الكلم غير أن الخرس زمانه ل يستقيم معه‬
‫الكلم‪.‬‬

‫وكذلك العجز آفة ل يستقيم معه الخلق وهما منفيان عنه بالقدرة وقد يكون الحي ساكتا ل متكلما ول‬
‫أخرس‪ .‬وهل يصح في الحي أن يكون غير عالم وأن يكون غير قادر أو مريد أو راض أو ساخط؟‬
‫فهاتيك مهما انخرمت منها صفة انخرمت الحياة وليس ذلك في الكلم البتة وال ولي التوفيق" (‬
‫‪. )120‬‬

‫وبهذا نتبين أن الباضية يختلفون في هذه النقطة عن المعتزلة إذ يعتبر الباضية أن السكوت نقيض‬
‫الكلم‪ ،‬بينما يرى المعتزلة أن الكلم ل نقيض له (‪. )121‬‬

‫فواضح أن موقف علماء المرحلة المقررة امتداد لما جاء من قبل كما بينا ذلك من كلم الوارجلني‬
‫واستمر نفس الموقف في ما بعد كما جاء ذلك عند محمد اطفيش إذ يقول‪ ":‬وال متكلم ومعناه ل‬
‫يوصف بالخرس " (‪. )122‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لقد غلب على جمهور الباضية بالمغرب والمشرق القول بالخلق لكن ذكرنا أن من المشارقة من قال‬
‫بالقدم فكيف كان موقف الباضية من هؤلء؟‬
‫=========================‬
‫(‪ )107‬والتحليل مستوحي من رسالة المام أبي اليقظان " الجواهر" ‪ 190 -189‬مع بعض الضافات ‪.‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‬
‫ط ‪ 52 -1/51 1‬ويصل إلى نفس النتيجة إل أنه يستعمل كلمة " العبارة" عوضا عن الحكاية وقد استعملها أبو مهدي في آخر‬
‫كلمه ‪.‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪ 1/227‬سلك نفس المسلك ومن ذلك يقول ‪ ":‬ال سمى هذه اللفاظ قرآنا ول ترجمة عن‬
‫الكلم النفسي‪".‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما سبق‪.356 :‬‬
‫(‪ )109‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل ‪ :‬جواب لهل عمان ‪ . 8 -6 :‬ثم ختم الجواب بما ذكر آنفا من الحجج العقلية‪ .‬انظر ما سبق‬
‫‪354:‬‬
‫(‪ )110‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪2/159 ، 2‬‬
‫(‪ )111‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .94 :‬ويشير القاضي عبد الجبار إلى أن ابن فروك ذهب إلى أن المرجح‬
‫بالكلم إلى الفكر ورد عليه بأن مثل هذا القول نابع من المجوسية التي تقوم بأن ال تعالى فكر فكرة رديئة فتولد من فكرته‬
‫الشيطان‪ .‬الصول الخمسة‪533 :‬‬
‫(‪ )112‬لم نتمكن من التعريف به‬
‫(‪ )113‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .95 :‬ونذكر بأننا بينا في ما سبق ‪ : 352‬أن من إباضية عمان من يقوم‬
‫بالقدم لكنهم لم يقولوا بالكلم النفسي وغنما قالوا بالعلم‪.‬‬
‫(‪ )114‬يقصد الباضية بالمشرق وخاصة بعمان‪.‬‬
‫(‪ )115‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪95:‬‬
‫(‪ )116‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 44 :‬والملحظ هنا أن عامر الشماخي حشر هذه القضية ضمن القدر وخلق الفعال كما‬
‫يفعل المعتزلة ( ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ :‬يقول ‪ ":‬ووجه اتصاله بباب العدل هو أن القرآن فعل أفعال ال ‪:‬‬
‫‪ ، "527‬إل أن بقية النصوص ضمن الحديث عن الصفات‪.‬‬
‫(‪ )117‬أحمد الشماخي‪:‬شرح عقيدة التوحيد ‪.152 :‬‬
‫(‪ )118‬عبد ال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪14 :‬‬
‫(‪ )119‬هذه حجة الطرف المقابل أوردها ليرد عليها‪.‬‬
‫(‪ )120‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.51 -50 /1،1‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ ".‬فإن الكلم ل ضد له من جنسه ول من غيره جنسه"‪557 :‬‬
‫(‪ )122‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/236‬‬

‫) تفهم مواقف الباضية الخرى‪:‬‬

‫أما السالمي فيلتمس العذر لمن يقول بالقدم كما يلي‪ ":‬اعلم أنه ل وجه لقول من قال من أهل‬
‫المذهب إن القرآن قديم إل أن يريدوا أن ال تعالى ليس بأخرس فيعتبرون بهذه العبارة القاصرة عن‬
‫ذلك المعنى المطلوب فتنتفي عنهم البراءة بهذا الحتمال حسن ظن بالمسلمين ‪ ،‬ولكون مذهبهم‬
‫معروفا في قولهم إن صفات الذات عين الذات فيجيب رد تلك العبارة منهم إلى هذه القاعدة المنيعة"‬
‫(‪. )123‬‬
‫أما محمد اطفيش فيشدد اللهجة على من يجيز عدم النكار على القائلين بالقدم وهاك موقفه بعد‬
‫عرض موقفين من مواقف أهل عمان ملتمسا مخرجا للموقف الول‪.‬‬

‫" إن من أهل عمان من أصحابنا من يقول بقدمه ( القرآن) على معنى العلم به إجمال وتفصيل لفظا‬
‫ومعنى على ما سيكون إذا خلقه وهذا ل بأس به إل أن التلفظ بقدمه هكذا ل يجوز لنه يوهم ما ل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يجوز‪.‬‬

‫ومنهم من يقول‪ -‬كما يقول سائر أهل المذهب‪ -‬إنه مخلوق حادث ول يسمى قديما‪ ،‬وعلم ال قديم‬
‫قطعا‪.‬‬

‫‪ ...‬وفي بعض الثر أنه لم ينكر سائر أصحابنا على من يقول بقدمه من أصحابنا لئل ينتشر الخلف‬
‫والفتن وهو ضعيف لن المسألة من الصول عند التحقيق لن مرجعها إلى الكلم النفسي وفي‬
‫العقيدة " ليس منا من قال إن القرآن ليس بمخلوق"‪ ،‬فكيف يسوغ فيها السكوت عن النكار " (‬
‫‪. )124‬‬

‫هذا ما أورده المتأخرون من الباضية في شأن القضية أما علماء المرحلة المقررة فلم نعثر لديهم‬
‫على نص يبسط المسألة على أساس التماس العذر أو التشديد ولعل مرجع ذلك إلى أن الموقف‬
‫استقر عند الكل على القول بخلق القرآن‪.‬‬

‫وبعد هذا يحسن أن نشير إلى مسألة تتصل بالخلق‪ ،‬فبما أنه مخلوق فهل هو جسم أو عرض؟‬

‫الكلم شيء وعرض‪:‬‬

‫وإن بينت المصادر الباضية أن القرآن مخلوق فإنها لم تعتبره جسما لنه لو كان جسما لكان قائما‬
‫بنفسه ومحتمل للصفات بل تعتبره شيئا مصدقا لقوله تعالى‪... ( :‬إذ قالوا ما أنزل ال على بشر من‬
‫شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى‪ 6( )..‬النعام ‪.)91‬‬

‫كما تعتبره عرضا فهذا الوارجلني يقول‪ ":‬وقوله‪ :‬عرض فعله تعالى في غيره وذلك ل يؤدي إلى‬
‫حدوثه تعالى‪ )125( "...‬كما أن محمد اطفيش يعبر عن نفس المعنى بقوله‪ ":‬وأي ضرر في أن‬
‫القرآن عرض يفنى ويتجدد تقيده القلوب والوراق‪ ...‬وليس كل محدث سريع الفناء فهل العرش‬
‫والكرسي والسماوات والرض ونحوهم سريعو الفناء‪. )126( "....‬‬

‫فالقرآن حينئذ كلم ال مخلوق ليس بجسم (‪ )127‬إل أنه شيء وعرض‪.‬‬

‫وما دام القرآن فإن لـه وجودا في العيان ووجودا في الذهان ووجودا في العبارات‪ ،‬ووجودا في‬
‫الكتابة‪ ،‬لكن عند التأمل يثبت أن ما في الخارج ليس مدلول ما في الذهن بل مدلول اللفظ‪ ،‬وعلم ال‬
‫يتعلق بجميع ذلك ومن هذا المنطلق صح التفسير والتأويل (‪. )128‬‬

‫فالكلم على الطلق صفة ذاتية من جهة وصفة فعلية من جهة أخرى بينما القرآن هو غير ال‬
‫وليس بصفة إذ ما يصح فيه من إنزال وتفصيل ل يجوز على ال تعالى‪.‬‬

‫ويحسن أن نختم بما وصل إليه أبو إسحاق في تعليقه على مقدمة التوحيد‪:‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫" اعلم أن هذه المسألة مما احتدم الخلف فيها بين المة فارتطم فيها من ارتطم‪ ...‬مما ليس في‬
‫شيء من الحق وإنما جرت فيها مغالطة‪ ،‬والجهتان مختلفتان‪.‬‬

‫فذهب المشنعون بسوء الفهم شر مذهب والحق كما وضحه المام شمس الدين أبو يعقوب في الدليل‬
‫وبين طريق كل من الفريقين القائلين بخلق القرآن والقائلين بقدمه‪.‬‬

‫فالولون قصروا على القرآن المتلو المحفوظ في الصدور والمصحف الموصوف من ال بالمحدث‬
‫والمنزل والجعل والذهاب الخ‪ .‬ولم ينظروا الى القرآن الذي هو علم ال إذ ل ريب في قدمه‪.‬‬

‫والخرون قصروا على القرآن القديم الذي هو علم ال وصفته وكلمه فقالوا بقدمه وبالسكوت عن‬
‫المحفوظ في المصحف والصدور الخ‪.‬‬

‫هذا مع إعراضنا عن الفريقين الغالي الزاعم بقدم المكتوب في المصحف بل المصحف وما إلى ذلك‬
‫من سخف القول البعيد عن المعقول‪.‬‬

‫فأنت ترى الختلف لفظيا بين الفريقين ل غير" (‪. )129‬‬

‫وخلصة القول‪ :‬إن كلم ال قديم من حيث هو علم عند الباضية والمعتزلة والمامية والزيدية‬
‫والخوارج‪ ،‬ومن حيث هو كلم نفسي عند الشاعرة والماتريدية‪ ،‬ومحدث من حيث هو لفظ منزل‬
‫عند هؤلء جميعا باستثناء الحنابلة الذين يرون قدم هذا الجانب أيضا ومن يقفون في القضية من‬
‫السلف الول‪.‬‬
‫والمهم أن هذه القضية وإن بدت عديمة الجدوى فإنها قد أثرت المكتبة السلمية في شتى الفنون‬
‫من فلسفة وبلغة وعقيدة وأسفرت عن إنتاج غزير وإن سالت من أجلها دماء وقامت دونها أحقاد‬
‫ذلك شأن الفكر إذا سخر لغراض سياسية ومنافع آنية‪.‬‬

‫وهكذا مع هذه القضية ننتهي من باب اللهيات لنتحول إلى باب النسانيات حيث سنكتفي بالنظر في‬
‫قضيتي القدر‪ ،‬والوعد والوعيد‪.‬‬
‫=======================================‬
‫(‪ )123‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪246 -245 :‬‬
‫(‪ )124‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪224 -1/2323‬‬
‫(‪ )125‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1،1/69‬‬
‫(‪ )126‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/273‬‬
‫(‪ )127‬وفي هذا رد على بعض المعتزلة وعلى عبدال بن يزيد الفزاري من الباضية‪ .‬انظر ما سبق ‪ 350 :‬و ‪.361‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪15 -14 :‬‬
‫(‪ )129‬إبراهيم اطفيش‪ :‬تعليق عدد ‪ 3‬على مقدمة التوحيد وشروحها ط القاهرة ‪.112 :1353‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫االباب الثالث النسانيات الفصل الول القضاء والقدر‬

‫تميهد‪:‬‬

‫قال تعالى‪( :‬ل يسأل عما يفعل وهم يسألون) (‪ 21‬النبياء ‪ )23‬وجاء في سياق الحوار بين موسى‬
‫عليه السلم والذي آتاه ال علما من لديه قوله تعالى‪( :‬قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر‬
‫على ما لم تحط به خبرا) ( ‪ 18‬الكهف ‪ )1( )67‬وأنى لموسى أن يصبر على سفينة تخرق بدون‬
‫سبب ظاهر‪ ،‬وعلى فتى يقتل عبثا‪ ،‬وعلى جدار يبنى مقابل رفض للضيافة‪.‬‬

‫ولقد ثار موسى على الرجل الذي عاهدة بأن يلتزم بالصمت‪ ،‬وكان الفراق بينهما بعد أن فسر له سر‬
‫تصرفه بأمر ال تعالى‪ ،‬فالسفينة حرقت لتبقى لصحابها‪ ،‬والغلم قتل حتى يبدل ال والديه من هو‬
‫أقرب منه رحما‪ ،‬والجدار بني حفاظا على كنز ولدي الرجل الصالح‪ ،‬تحير موسى واستفسر لنه‬
‫حكم على الحداث اعتمادا على الظاهر فجاء التفسير يدل على أن وراء الظاهر باطنا ل يعلمه إل ال‬
‫أو من آتاه ال من لدنه علما (‪. )2‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول يخفي على أي عاقل أن علم النسان محدود مهما بلغ ( وما أوتيتم من العلم إل قليل) (‪17‬‬
‫السراء ‪ )85‬لن العقل إذا سخر في المحسوسات التي في دائرته يمكن أن يصنع العجائب‪ ،‬أما إذا‬
‫تحول إلى عالم الماوراء أو الغيب فإنه ل يدرك إل تخمينات تتضارب فيها آراء الفلسفة من النقيض‬
‫إلى النقيض‪.‬‬

‫وما عرفنا عالما يعتبر قضية القضاء والقدر من مشمولت العالم المادي فهي حتما قضية ما ورائية‬
‫غيبية‪.‬‬

‫والناظر في الثقافات العالمية عبر العصور يتبين أن النسان عبر عن وجهة نظره في هذه القضية‬
‫بوجه من الوجوه‪ ،‬وتجاوز التساؤل عن فعله إلى التساؤل عن فعل ال عيسى أن يدرك حقيقة‬
‫مصيره بعد الموت‪.‬‬

‫إن الذين يقرون أن آدم أول البشر يتساءلون لم أكل آدم من الشجرة؟ فأنزل إلى الرض (‪ ، )3‬ولم‬
‫عصى إبليس ربه ولم يسجد لدم (‪)4‬‬

‫أما المتتبع للقصص القرآني فيجد أن قضية المصير من المحاور الساسية التي يستند إليها‬
‫المعارضون للنبياء عامة وخذ لك مثالين‪:‬‬

‫‪ -1‬فليس بدعا أن يكون احتجاج إبراهيم قائما على نفي اللوهية عن النجوم والقمر والشمس لنها‬
‫زائلة ثم ليثبتها للذي فطر السماوات والرض(‪ 6‬النعام ‪ )79 -73‬إذ نعلم أن الحضارة البابلية كانت‬
‫تعتبر أن المصائر مرتبطة بالنجوم وأنها مصدر الخير والشر‪)5( .‬‬

‫وما دام إبراهيم حول مفهومهم للمصير وربط ذلك بال تعالى وكسر أصنامهم ألقوه في الجحيم (‪21‬‬
‫النبياء ‪ )70 -50‬فكانت النار عليه بردا وسلما‪.‬‬

‫‪ -2‬أما فرعون فتلمس من مجادلته لموسى أنه يريد أن يجعل مصائر الناس بيده فادعى اللوهية‬
‫وما يزال موسى يقنعه بالمعجزات (‪ )6‬أن مصير الناس بيد ال إلى أن آمن من آمنت به بنو‬
‫إسرائيل حين أدركه الغرق فنجاه ال ببدنه ليكون آية للعالمين (‪ 10‬يونس ‪.)92‬‬

‫ثم إن الناظر في الكتاب المقدس يجد أن المصادر بيد ال وأن القضية شغلت اليهود والنصارى‬
‫وتحيروا فيها كما تحير غيرهم (‪ )7‬وما يزالون‪.‬‬

‫كما أن الناظر إلى الحضارات العالمية الخرى يتبين أن قضية الخير والشر تجسمت عند المانوية‬
‫الفارسية في اتخاذ آلهة لكل منهما (‪ )8‬أما الفكر اليوناني فقد طرحت فيه قضية القدر طرحا عنيفا‬
‫على المستوى الفلسفي (‪ )9‬ول ينبغي أن نغفل عن الوثنية الجاهلية في الجزيرة العربية التي‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تجسمت فيها القضية في الشكوى من الدهر واليام‪)10( .‬‬

‫فواضح أن قضية القدر ليست وليدة الفكر الباضي أو وليدة ظرف من ظروف الحضارة السلمية‬
‫وإنما هي قضية إنسانية ل سبيل إلى تحديد تاريخ مضبوط لنشأتها فتبقى القضية بالنسبة إلى بحثنا‬
‫متمثلة في التعرف على طرح الباضية لموضوع القدر وبصفة خاصة في المرحلة المقررة في‬
‫البحث‪.‬‬

‫وقبل أن نحلل هذه القضية حسب محاور ثلثة‪:‬‬

‫‪ :-1‬قضية القضاء والقدر‪ :2 ،‬قضية الجبر والختبار‪ :3 ،‬ما يرتبط بهما من قضايا ‪ :‬مثل‬
‫الستطاعة والعون يحسن أن ننبه إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬إن تراث الباضية في القرون التي تعنينا قد جاء ملما بالتراث الذي سبقه إعادة (‪ )11‬وتلخيصا‬
‫وتوجيها مع التعايش مع بقية التراث السلمي عامة سواء من أجل التفاق في وجهة النظر أو من‬
‫أجل الختلف وذلك في منطق الرد والدفاع فضروري حينئذ أن نبني التحليل على مراعاة التطور‬
‫التاريخي للموضوع من زمن الرسالة فصاعدا‪.‬‬

‫‪ -‬إن القضايا المشار إليها في مراحل متداخلة تداخل جوهريا فرأينا أن نفصل بينهما فصل منهجيا‬
‫وذلك رغبة في زيادة التوضيح‪.‬‬

‫وبعد هذا نأتي إلى قضية القضاء والقدر‪.‬‬


‫====================================‬
‫(‪ )1‬انظر هذه القصة في سورة الكهف من الية ‪ 59‬إلى ‪ .82‬لم يرد في القران الكريم اسم الرجل الذي آتاه ال تعالى علما لدنيا‬
‫ذكر المفسرون أنه الخضر ‪ ،‬ولذلك عرفت القصة بقصة موسى الخضر ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة‬
‫‪ 363‬وجه إلى ورقة ‪ 365‬وجه ‪.‬ر‪ .‬الفخر الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪. 107 -81 /21‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط‬
‫‪.256 /2 2‬‬
‫(‪ )2‬العلم اللدني‪ :‬علم رباني يصل لصاحبه عن طريق اللهام ‪.‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪1/6‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬متولي الشعراوي‪ :‬محاضرة في تحليل قصة آدم ضمن المحاضرة العامة التي لقيت بالندوة العالمية للشباب السلمي‪،‬‬
‫وقد نشرت بمجلدات تحت عنوان " قضايا الفكر السلمي المعاصر" مع المحاضرات التي القيت في الندوة‪ .‬الرياض المملكة‬
‫العربية السعودية ط ‪.1396/1976‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬صادق جلل العظم‪ :‬نقد الفكر الديني ط ‪ 3‬دار الطليعة بيروت ‪.135 -79 :1972‬‬
‫(‪ )5‬ر‪ .‬محمد الطالبي ‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪.390 :‬‬
‫(‪ )6‬تسع آيات ‪ :‬السراء ‪ ،101‬النمل ‪.12‬‬
‫(‪ )7‬انظر ما جاء في إنجيل لوقا‪ ...:‬ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديئا‪ ،‬ول شجرة رديئة تثمر ثمرا جيدا لن كل شجرة تعرف‬
‫من ثمرها فإنهم ل يجتنون من الشوك تينا ول يقطفون من العليق عنبا‪ .‬النسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلح‬
‫والنسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فإنه من فضلة نصائح يسوع عندما شبه الملكوت بملك البشر‪ ":‬لن كثيرين‬
‫يدعون وقليلين ينتخبون" الصحاح ‪ .14 -22‬يبدو من خلل هذه النصوص أن نزعة الجبر هي الغالبة ‪ ،‬إل أن الكنيسة جنحت‬
‫إلى الحرية دون الغفلة عن المدد اللهي ‪.‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪ 392 -391 :‬تعليق ‪.2‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية‪ 386 :‬تأمل تعليق عدد ‪ 4‬تجد إحالت عن المراجع التي تتعلق بتأثير الفكر‬
‫الفارسي في الحضارة السلمية في موضوع القدر‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية‪ 389 :‬تعليق عدد ‪ 3‬يذكر مرجعا يقارن بين الفكر اليوناني والمسيحي في‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قضية القدر‪.‬‬
‫(‪ )10‬يقول لبيد‪:‬‬
‫يوم إذا أتى عليّ وليلة‬
‫وكلهما بعد المضاء يعود‬

‫وأراه يأتي مثل يوم لقيته‬


‫لم ينصرم‪ ،‬وضعفت وهو شهيد‬

‫فؤاد أفرام البستاني ‪ :‬المجاني الحديثة ط ‪ 3.‬ا لكاثوليكية بيروت ‪. 1/139 :1966‬‬

‫(‪ )11‬سنضطر أحيانا إلى اعتماد مصادر متقدمة عن المرحلة المقررة بعض القضايا لن هذه المصادر تكتفي بالتذكير بما جاء‬
‫عند سبق وسننبه إلى ذلك في إبانه ‪.‬‬

‫‪ -1‬قضية القضاء والقدر‪:‬‬

‫جاء في النونية ‪ ( :‬طويل)‬

‫(‪)12‬‬

‫وجاء في كتاب الديانات‪ ":‬وندين بأن القدر خيره وشره كله من ال" (‪. )13‬‬

‫أردنا أن ننطلق من هذين النصين لنهما مصب لما جاء قبل القرن السابع والثامن‪ /‬الثالث عشر‬
‫والرابع عشر ومنبع لما جاء بعدهما (‪ )14‬كما أنهما يصوران موقف الباضية بوضوح واختصار‬
‫وهو وجوب اليمان بأن القدر خيره وشره من ال فما معنى القدر؟ وما معنى القضاء؟ وكيف يكون‬
‫القدر خيره وشره من ال؟ وما هو موقف المسلمين من ذلك؟‬

‫المفهوم اللغوي (‪ : )15‬القدر‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من قدر يقدر ويقال بفتح الدال والقدر بسكونها ويجمع على أقدار‪.‬‬

‫يورد لسان العرب مال يقل عن ثمانية عشر تفسيرا نذكر منها‪ :‬قضى‪ ،‬حكم‪ ،‬يسر‪ ،‬علم‪ ،‬دبّر‪ ،‬قسم‪،‬‬
‫وكلها تحوم حول قدرة ال تعالى المطلقة وقد جاء القسم الول من الشرح عقائديا ول يمكن لبن‬
‫منظور أن يسكت عن ذلك إل أنه اكتفى بذكر مواقف دون أخرى وكان من الولى أن يذكر مواقف‬
‫فرق أخرى غير القدرية‪ -‬ويقصد المعتزلة‪ -‬وأهل السنة ونكتفي من بين هذه القوال بذكر قول أبي‬
‫منصور‪ :‬وتقدير ال الخلق تيسيره كل منهم لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء وذلك‬
‫أنه علم منهم قبل خلقه فكتب علمه الزلي المسابق فيهم وقدره تقديرا" (‪ )16‬وفيه‪ :‬نموذج واضح‬
‫للتداخل بين الجانب اللغوي والجانب العقائدي‪.‬‬

‫القضاء‪ :‬الحكم‪ ...‬ويقال قضى يقضي قضاء‪ ،‬ويورد لها ما يقارب عن ثلثين معنى نذكر منها ‪:‬‬
‫حكم‪ ،‬فصل‪ ،‬أحكم‪ ،‬أمضى‪ ،‬خلق‪ ،‬أتم‪ ،‬قدر‪.‬‬

‫قال الزهري‪ :‬القضاء في اللغة على وجوه مرجعها إلى انقطاع الشيء وتمامه وكل ما أحكم عمله أو‬
‫أتم ختم أو أدى أداء أو أوجب أو أعلم أو أنفذ أو أمضى فقد مضي وجاءت هذه الوجوه كلها في‬
‫الحديث‪.‬‬

‫وقد غلبت الصبغة العقائدية على الصبغة اللغوية ولم يسند هذه الصبغة إلى فرقة دون فرقة بل‬
‫جاءت في سياق عام ويربطها ربطا محكما بالقدر فيقول‪ :‬ومنه القضاء المقرون بالقدر‪ ،‬والمراد‬
‫بالقدر التقدير وبالقضاء الخلق كقوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات) (‪ 41‬فصلت ‪ )12‬أي خلقهن‪.‬‬

‫فالقضاء والقدر أمران متلزمان ل ينفك أحدهما عن الخر لن أحدهما بمنزلة الساس وهو القدر‬
‫والخر بمنزلة البناء وهو القضاء فمن رام الفصل بينهما فقد رام البناء بنقضه‪.‬‬

‫فواضح إذن من خلل الشرح اللغوي أن هاتين اللفظتين من اللفاظ المشتركة ذات اللفظ الواحد‬
‫والمعاني الكثيرة (‪ )17‬وهذا يزيد القضية تعقيدا عند تأويل أهل الفرق للنصوص التي وردت فيها‬
‫الكلمتان في القرآن والسنة ومواقف الصحابة‪.‬‬

‫ويقول المحشي في العلقة بين اللفظين‪ ":‬فعلى هذا الشرح الذي ورد بين القضاء والقدر عموم‬
‫وخصوص من وجه يجتمعان في الخلق وينفرد كل واحد منهما في بقية معانيه كما هو ظاهر" (‬
‫‪. )18‬‬

‫كما تجدر الملحظة أن اللفظتين لم تردا مقرونتين في الكتاب على الطريقة التي ألفها المتكلمون‬
‫والفلسفة من جعلها مرادفتين لـ" الجبر والختيار" أو ما أطلق عليه " حرية النسان"‪)19( .‬‬

‫ليس معنى ذلك أن اللفظتين لم تستعمل في هذه النصوص وإنما جاءت كل منهما على حدة لتدل‬
‫على معان مختلفة حسب السياق فهل أحدثت كل منهما بعضا من الشكال زمن الرسالة؟‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫===============================================‬
‫(‪ )12‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ 3 :‬البيتان عدد ‪.37 , 36‬‬
‫(‪ )13‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪.43 :‬‬
‫(‪ )14‬انظر ما سبق عن شروح النونية وكتاب الديانات‪.‬‬
‫(‪ )15‬نترك ذكر المفهوم الصطلحي أثناء التحليل إذ نجد أنه يختلف من فرقة إلى أخرى ‪ .‬ملحظة أحببنا أن نعتمد لسان العرب‬
‫لن كل التحاليل اللغوية الواردة في مصادر الباضية ل تخرج عن هذا التفسير ولنذكر على سبيل المثال ما جاء في شرح‬
‫النونية‪ ":‬والقدر يتصرف على ثمانية أوجه‪:‬‬
‫‪ -1‬يخرج على ( ‪87‬العلى ‪ )3‬أي خلق وبثق لهم ما يأتون وما والذي قدر فهدى الخلق كقوله تعالى يدرون‪ ،‬وقيل قدر‪ :‬خلق‬
‫فهدى إلى سبيل التغذية‪ ،‬وهدى الذكر إلى النثى ‪ ،‬وقيل هدى الرضيع الثدي‪.‬‬
‫وأنزلنا من السماء ماء‪ - 2‬ويخرج على التقدير كقوله تعالى‪( :‬المؤمنون ‪ )18‬أي بتقدير‪[ .‬بقدر‬
‫إل امرأته قدرنا إنها من‪ - 3‬ويخرج على الوجود (‪ 15‬الحجر ‪ )60‬أي وجدناها من الباقين في العقوبة والعذاب‪[ .‬الغابرين‬
‫‪ -4‬ويخرج على (‪ 77‬المرسلت ‪ [ .)23‬فقدرنا فنعم القادرون التصوير‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪ -5‬ويخرج على (‪ 54‬القمر ‪ )12‬أي قضي‪ [ .‬فالتقى الماء على أمر قد قدر القضاء‬
‫‪ -6‬ويخرج على الضيق ( [‪ 21‬فظن أن لن نقدر عليه‪ )65‬الطلق ‪ )7‬وقوله‪ [ :‬ومن قدر عليه رزقه كقوله تعالى‪ :‬النبياء‬
‫‪ )87‬أي نضيق عليه الرض ‪.‬‬
‫نحن‪ - 7‬ويخرج على التسوية‪ ،‬قال تعالى‪ 56( :‬الواقعة ‪ )60‬أي سوينا‪ .‬وال أعلم ‪.‬ر‪ .‬عمرو خليفة السوفي‪[ :‬قدرنا بينكم‬
‫الموت كتاب السؤالت‪. 202 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 126‬وجه وقفا‪ .‬وقد أخذ كتاب السؤالت ‪.‬ر‪ .‬عمرو‬
‫التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 50‬قفا‪ ،‬لم يتوسع في الشرح اللغوي ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/114‬وقد نظم السالمي سبعة‬
‫منها في ما يلي‪ ( :‬هزج)‬

‫معاني القدر سبع هاك نظما‬


‫حواها وهي خلق فيه يحلو‬

‫وتقدير وتصوير وجود‬


‫قضاءثم تضييق ومثل‬

‫عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪311:‬‬

‫(‪ )16‬ثم يذكر بقية المعاني التي تبعد عن قضيتنا ويدعمها بأمثلة‪.‬‬
‫(‪ )17‬ر‪ .‬عبد الحليم محمد قنبس وخالد عبد الرحمن العك‪ :‬مسألة القضاء والقدر‪ ...‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫حلب‪ ،‬دمشق ‪ 1979‬ص ‪.82 – 81‬‬
‫(‪ )18‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪1/114 :‬‬
‫(‪ )19‬عبد الحليم محمد قنبس‪ :‬مسألة القضاء والقدر‪ 11 :‬و ‪.104‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫إن التراث الباضي كبقية التراث السلمي يقرأ الحداث من منطلقات عقائدية تبلورت عبر السنين‬
‫فيفهم منه بوضوح أن قضية القدر أثيرت في حياة الرسول عليه السلم لكن لم يكن وراء إثارتها‬
‫خلفيات سياسية أو فلسفية أو اجتماعية بل كان الصحابة يسألون ليزدادوا إيمانا وكفى كما أنه عليه‬
‫السلم ذكر القدر في مواقف شتى دون أن يسأله سائل ويمكن أن نضع هذه الحاديث تحت العناوين‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬أحاديث توجب اليمان بالقدر والرضاء به (مكرر ‪. )19‬‬

‫‪ )2‬أحاديث تبين أن كل شيء بقدر وأنه علم ال الزلي (‪)20‬‬

‫‪ )3‬أحاديث تنهى عن الخوض في القدر (‪)21‬‬


‫‪ )4‬أحاديث تتوعد من يخوض في القدر (‪)22‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والملحظ أن هذه الحاديث مهما وقع الطعن في صحة البعض منها فإنها تبقى معبرة عن تساؤل‬
‫هؤلء الصحابة الذين كانوا يقرون بالجبر قبل السلم عن القضية عسى أن يدركوا هذا السر إل‬
‫أنهم سرعان ما تطمئن قلوبهم لن الرسول عليه السلم ل ينطق عن الهوى‪.‬‬

‫ويتواصل الحوار بين أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم مع اتساع دائرته فهذا أبو بكر يقول في‬
‫شيء سئل عنه‪ ":‬أقول برأيي فإن يكن صوابا فمن ال وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان" (‪)23‬‬
‫وهذا ابن عباس له عدة مواقف نكتفي بذكر اثنين منها‪:‬‬
‫الول‪ :‬سئل ابن عباس عن القدر فقال‪ ":‬الناس فيه ثلثة منازل من جعل للعباد في المر مشيئة فقد‬
‫ضاد ال في أمره ومن أضاف إلى ال شيئا مما يتنزه عنه فقد افترى على ال إثما عظيما ومن قال‪:‬‬
‫إني رحمت بفضل ال فذلك الذي سلم له دينه ودنياه جميعا‪ ،‬ولم يعلم ال في خلقه ولم يجهله في‬
‫حكمه" (‪. )24‬‬

‫الثاني‪ :‬وقال ابن عباس‪ ":‬ل يأتيني رجل من هؤلء الذين يتكلمون في القدر ويزعمون أن أفعال‬
‫العباد مفوضة إليهم أما يقرأون هذه الية ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) (‪ 76‬النسان ‪ )30‬وقوله‬
‫تعالى ( يدخل من يشاء في رحمته) (‪ 42‬الشورى ‪ 79 .8‬النسان ‪ )31‬أي في دينه وقوله ( من‬
‫يشاء ال يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) (‪ 6‬النعام ‪ ( )39‬وكل صغير وكبير مستطر)‬
‫(‪ 54‬القمر ‪( )53‬إنا كل شيء خلقناه بقدر) (‪ 54‬القمر ‪ )49‬وقال ( ما أنتم عليه بفاتنين إل من هو‬
‫صال الجحيم) (‪ 37‬الصافات ‪ )163‬أي ما أنتم بمضلين إل من سبقت عليه الشقوة ومن هو صال‬
‫الجحيم (‪. )25‬‬

‫ول يفوتنا أن نذكر بموقف عمر عندما تحير مع جمع من الصحابة أيحلون بقرية عم فيها الوباء‪،‬‬
‫وكيف فر عمر اجتنابها فانتقد انه فار من قضاء ال فأجاب‪ :‬فررنا من قدر ال إلى قدر ال‪)26( .‬‬

‫ثم تنطلق الفتنة الكبرى بقتل عثمان وتبدأ المعارك الدامية بين المسلمين فتطوع كل طائفة النصوص‬
‫لوجهة نظرها وتذكر المصادر خبرا طريفا يصور حيرة الناس في التوفيق بين اليمان بالقدر‬
‫والحصول على الثواب‪.‬‬

‫روي عن الصبع بن نباتة أنه قال‪ :‬لما رجع علي بن أبي طالب من صفين قام له شيخ فقال‪ :‬يا أمير‬
‫المؤمنين أخبرنا عن سيرنا إلى الشام أهو بقضاء وقدر‪ ،‬فقال علي‪ :‬والذي خلق الجنة وبرأ النسمة‬
‫ما وطئنا موطنا ول هبطنا واديا ول علونا تلعة إل بقضاء وقدر‪ ،‬فقال الشيخ‪ :‬أحتسب عنائي فل‬
‫أرى من الجر شيئا‪ ،‬فقال له علي‪ :‬بل أيها الشيخ لقد عظم ال أجركم في مسيركم وأنتم سائرون‬
‫وفي مصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالتكم مكرهين ول إليها مضطرين‪.‬‬

‫فقال الشيخ‪ :‬كيف لم نكن مضطرين والقضاء والقدر ساقنا وعنهما كان مسيرنا وانصرفنا ‪ ،‬فقال‬
‫علي‪ :‬ويلك أيها الشيخ لعلك ظننت قضاء لزما وقدرا حاتما لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب‬
‫والوعد والوعيد والمر والنهي ولم تكن لئمة على مذهب ول محمد لمحسن تلك مقالة عبدة‬
‫الوثان‪ ،‬وجند الشيطان واعداء الرحمان وشهود الرفة وأهل العمى عن الصواب وهم قدرية المة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومجوسها‪.‬‬

‫إن ال تعالى‪ ،‬أم تخييرا ونهي تحذيرا وكلف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل‬
‫الرسل عبثا ولم يخلق السماوات والرض وما بينهما باطل ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا‬
‫من النار فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول‪ (:‬بسيط)‬

‫فواضح حينئذ أن عليا نفى نفيا مطلقا ما شعر به الشيخ من جبر يجعل عمله عبثا قضاء لزما وقدرا‬
‫حاتما وبين أنه لو كان المر كذلك لبطل الشرع وأوضح أن ذلك من قول أهل العمى وسماهم‬
‫القدرية( وهنا ترادف الجبر)‪.‬‬

‫ثم ما أن استقر المر لمعاوية الذي حول الخلفة إلى ملك عضوض حتى تسيّست القضية بصفة‬
‫نهائية وتباينت المواقف بين الدولة الحاكمة والكتل المعارضة‪.‬‬

‫أما معاوية وأنصاره فقد اعتبروا القضاء ضربا من الجبر لقناع الناس بوجوب طاعتهم مبينين أن‬
‫المنكر لفعال الخليفة ظالم فانظر إلى معاوية يقول في إحدى خطبه‪ " :‬إنما أنا خازن من خزان ال‬
‫أعطي من أعطاه ال‪ ،‬وأمنع من منعه ال" فقام إليه أبو الدرداء فقال له‪ :‬كذبت يا معاوية وال إنك‬
‫لتعطي من منعه ال وتمنع من أعطاه وكذبه أيضا عبادة بن الصامت‪)28( .‬‬

‫وسيجد المحكمة وأنصار علي في هذين الموقفين أحسن سند لقناع الناس بأن معاوية اغتصب‬
‫الحكم إل أن معاوية مصر على ذلك‪ ،‬ومدرك لمرامي ما يقول إذ يعلم أن مثل هذا اليهام من شأنه أن‬
‫يستهوي عامة الناس ومن يركنون إلى الحياد وهاهو يقول في مقام آخر ‪ ":‬لو لم يرني ربي أهل‬
‫لهذا المر ما تركني وإياه ولو كره ال تعالى ما نحن فيه لغيره" (‪. )29‬‬
‫وقد درج على ذلك خلفاء بني أمية وولتهم باستثناء الخليفة العادل عمر ابن عبد العزيز (‪)30‬‬
‫فدسوا له السم لما أحسوا أنه سيفسد عليهم ما ألفوه من الظلم‪.‬‬

‫ولقد سبق أن أشرنا إلى أن جذور الباضية تنطلق من المحكمة الولى (‪ )31‬والجدير بالملحظة انه‬
‫لم يؤثر عن عبدال بن وهب الراسبي موقف من القدر وكذلك الشراة الول (‪ )32‬لنهم ردوا الفعل‬
‫بالفعل الى أن استقر رأي الباضية على الكتمان ويفهم من رسالة عبدال بن إباض لعبد الملك‬
‫رفضه لعتبار أن ال قام مع معاوية وعجل نصره وبين لـه إن ذلك من باب البتلء وضرب مثال‬
‫فرعون والذي حاج إبراهيم فقد أعطى ال فرعون ملكا وظهر في الرض وأعطى الذي حاج إبراهيم‬
‫في ربه ملكا (‪ )33‬معنى ذلك أن ملك معاوية ومن تبعه مغتصب وطاعته ليست واجبة‪.‬‬
‫==============================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ 19‬مكرر) مثل حديث جبريل عليه السلم ‪ :‬قال ‪ :‬يا رسول ال ما اليمان‪ :‬قال‪ ":‬أن تؤمن بال ‪ ،‬وتؤمن بالقدر كله" ‪.‬ر‪.‬‬
‫تخريجه في ما سبق‪ 98 :‬تعليق ‪ 18‬وما رواه الربيع قال‪ ": :‬إنك لن تجد ولن تؤمن وتبلغ حقيقة بلغني عن عبادة بن الصامت‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال اليمان حتى تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال‪ "...‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 1/19‬عدد ‪ 72‬وقد‬
‫ورد الحديث بعده روايات والمهم جمله" تؤمن بالقدر خيره وشره أنه من ال " ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ 1.7‬أبو داود ‪ :‬سنة ‪،16‬‬
‫الترمذي‪ :‬قدر ‪ ، 10‬إيمان النسائي‪ :‬إيمان ‪ 6 .5‬ابن ماجه مقدمة ‪ 10 ،9‬أحمد بن حنبل ‪5/185... 4/129 ...2/107، 28 .1/27‬‬
‫‪. 317 .‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 5/317‬وعبادة بن الصامت صحابي(ت ‪ )34/654‬ر‪ .‬الزركلي‪ /‬العلم ‪4/30‬‬
‫(‪ )20‬ويتواصل الحديث المذكور كما يلي‪ ...:‬قال ( عبادة بن الصامت) ‪ :‬قلت يا رسول ال‪ :‬كيف لي أنا أعلم خيره وشره قال‪:‬‬
‫تعلم أن ما أخطأكم يكن ليصيبك‪ ،‬وما أصابك لم يكن ليخطئك ‪ ،‬فان مت على غير ذلك دخلت النار‪.‬‬
‫‪ -‬ومثل قوله عليه السلم ‪ ":‬كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 1/19‬عدد ‪. 71‬ر‪.‬‬
‫المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪. 1/119 :‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬قدر ‪ ،18‬الطبراني‪ :‬قدر ‪ ،4‬أحمد بن حنبل ‪. 2/11‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪. 5/317‬‬
‫‪ -‬ومثل ما رواه جابر فقال‪ :‬سئل عباس عمن قال إنه يستطيع أن يعمل بما أمر ال به ويكف عما نهاه ال عنه من غير أن يخلق‬
‫ال فعله‪ ،‬فقال‪ :‬سأل سراقة ما العمل يا رسول ال في أمر مبتدأ مستأنف أم في شيء قد فرغ منه" قال‪ " :‬بل في شيء قد فرغ‬
‫منه"‪ .‬ثم قال ففيهم العمل إذا يا رسول ال؟ فقال‪ :‬اعملوا فكل ميسر لما خلق له"‪ .‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/10‬عدد‬
‫‪. 796‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬قدر ‪ ،4‬تفسير سورة الليل‪ .‬أحمد بن حنبل ‪. 4/67‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.4/375‬‬
‫‪ ":‬القدر سر ال فل تفشوا سر ال"‪ )ε)21‬مثل قوله رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عمر ‪.‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪.‬‬
‫المنهج ‪ 1/428‬وتخريج الحديث للمحقق‪ .‬ولم يرد الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس ول عند الربيع بن حبيب‪.‬‬
‫ومثل‪ ":‬إذا ذكر القدر فأمسكوا " أخرجه الطبراني بسند حسن من حديث ابن مسعود رفعه ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/115‬‬
‫لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫‪ ":‬ما كان مفر إل كان مفتاحه تكذيبا بالقدر" ‪.‬ر‪ )ε)22.‬مثل قوله الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪3/10‬عدد ‪. 796‬ر‪.‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .7/113‬لم يخرجه ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )23‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/11‬عدد ‪ .807‬نلحظ دخول عنصر جديد‪ ،‬وهو أن الصواب من ال بينمات الخطأ فمن‬
‫أبي بكر ومن الشيطان‪ ,‬وهذا سيكون منطلقا لمواقف في المستقبل ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.150 /7‬‬
‫(‪ )24‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب‪1/117 :‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي ‪ .‬المنهج ‪.424 -1/423‬‬
‫(‪ )25‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ .‬المنهج ‪ .1/427‬واضح من موقفي ابن عباس أن القدر بدأ يحير الناس فها هم ثلثة أصناف‬
‫كما يشير إلى ذلك يتكلمون في القدر ومنطلقهم من متشابه القرآن ولذلك جاء الرد مدعما بالقرآن مع شيء من التفسير‪.‬‬
‫‪ )ε)26‬وللرسول عليه السلم موقف يمكن أن يقاس عليه موقف عمر وهو أنه كان إذا مر بهدف مائل أسرع المشي فقيل‪ :‬يا‬
‫رسول ال أتفر من قضاء ال؟ قال ‪ :‬أفر من قضاء ال وقدره ‪ .‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/118‬وقال في هذا الحديث إشارة‬
‫إلى اخذ الحذر ‪.‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/424‬‬
‫ويقول الغزالي في ذلك‪ ...:‬فلذلك أمسك عمر لما سئل عن القدر فقال للسائل‪ :‬بحر عميق ل تلجه‪ ،‬ولما كرر السؤال قالك طريق‬
‫مظلم ل تسلكه ولما كرر ثالثا قال‪ ":‬سر ال قد خفي عليك فل تفشه" ‪ .‬كتاب الربعين في أصول الدين‪ 11:‬والملحظ أن ذكر مثل‬
‫هذه المواقف يجب أن يستفاد منها بحذر‪.‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 115 -1/114‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪426 -1/425‬‬
‫وقد أورد المحشي مواقف أخرى لعلي أين أبي طالب من هذا القبيل ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب ‪.134 -7/132‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬كتاب فضل العتزال‪.144 :‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬كتاب فضل العتزال‪.143 :‬‬
‫(‪ )30‬عمرو بن عبد العزيز( ‪. )720 -681 /101 -61‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.5/209‬‬
‫(‪ )31‬انظر ما سبق‪48 :‬‬
‫(‪ )32‬انظر ما سبق‪48 :‬‬
‫(‪ )33‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجوهر‪.163 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما جابر بن زيد فموقفه من القدر هو موقف الصحابة ولم يؤثر عنه تحليل خاص للقضية رغم أن‬
‫الشقة بدأت تتسع بين من كانت آراؤهم منطلقا للقائلين بالجبر والحرية (‪ )34‬ونجد في الجامع‬
‫الصحيح أنه يلجأ الى الحديث عندما تطرح عليه القضية مع الملحظة أن جل الحاديث الواردة هناك‬
‫لم يمر سندها بجابر ومثال ذلك الحديث عدد ‪ )35( 796‬حيث يؤكد الرسول عليه السلم على العمل‬
‫رغم أن كل ميسر لما خلق له‪.‬‬

‫كما يتجلى موقفه السلفي (‪ )36‬في رده على الحجاج (‪ )714 -660 /95 -40‬حين استعان به يزيد‬
‫ابن أبي مسلم (‪ )38‬ليخفف عن الحجاج ما ألم به من حيرة في شأن القدر فما كان منه إل أن يأمره‬
‫بترديد خطبة الرسالة فتفطن عند ذلك إلى انه ورد فيها قوله عليه السلم " من يهد ال فل مضل له‬
‫ومن يضلل فل هادي له" (‪. )39‬‬

‫وفي طبقة جابر بن زيد ممن أخذ عنهم أبو عبيدة صحار العبدي (‪ )40‬فإنه كان يقول في القدرية‪":‬‬
‫كلموهم في العلم فإن أقروا به نقضوا وإن أنكروا كفروا" (‪. )41‬‬

‫وما يكاد يتولى إمامة الباضية أبو عبيدة مسلم ابن أبي كريمة حتى يحس بوطأة الصراع حول القدر‬
‫من بعض اتباعه من الداخل ومن واصل بن عطاء (‪ )42‬واتباعه الذين افصلوا عن شيخهم الحسن‬
‫البصري (‪ )43‬من الخارج‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما الصراع الخارجي فتذكر كتب الطبقات لبي عبيدة مسلم مواقف على واصل بن عطاء وعلى‬
‫القائلين بالقدر (‪. )44‬‬

‫فأما موقفه مع واصل فقد جاء كما يلي‪:‬‬

‫" وحكى بعض أصحابنا أن واصل بن عطاء المعتزلي صاحب عمرو بن عبيد(‪)45( )761 /144‬‬
‫كان يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول‪ :‬لو قطعته قطعت الباضية قال فبينما هو في المسجد الحرام ومعه‬
‫أصحابه إذ أقبل أبو عبيدة ومعه أصحابه فقيل لواصل هذا أبو عبيدة قال نعم‪ ،‬قال أنت الذي بلغني‬
‫أنك تقول‪ :‬إن ال يعذب على القدر‪ .‬قال أبو عبيدة‪ :‬ما هكذا قلت لكن قلت إن ال يعذب على المقدور‪،‬‬
‫فقال أبو عبيدة وأنت واصل ابن عطاء قال نعم‪ :‬قال أنت الذي بلغني عنك أنك تقول إن ال يعصي‬
‫بالستكراه قال فنكس واصل رأسه فلم يجب بشيء‪ .‬ومضى أبو عبيدة وأقبل أصحاب واصل على‬
‫واصل يلومونه ويقولون كنت تتمنى لقاء أبي عبيدة فسألته فخرج وسألك فلم تجب فقال واصل‪:‬‬
‫ويحكم بنين بناء منذ أربعين سنة فهدمه وأنا قائم فلم اٌعد ولم أبرح مكاني" (‪. )46‬‬

‫ويروي أبو سفيان محبوب بن الرحيل‪ :‬بلغنا أن أبا عبيدة رحمه ال جاءه رجل فكلمه في القدر فقال‬
‫له أبو عبيدة ‪ :‬هل علم ال ما العباد عاملون‪ ،‬وإلى ما هم صائرون قبل أن يخلقهم‪ .‬فقال له الرجل‪:‬‬
‫ما أسرع ما استعنت بالعلم يا أبا عبيدة وإنما هذه مسائل الضعفاء فقال له‪ :‬أجب هذا الضعيف فلم‬
‫يجبه وافترقا" (‪. )47‬‬

‫وقال أبو سفيان‪ :‬سمعت الربيع يقول‪ :‬إن عبد السلم بن عبد القدوس (‪ )48‬عظم أم القدر وقال فيه‬
‫قول شديدا وكره الكلم فيه فقال الربيع فأخبرت بذلك أبا عبيدة فقال‪ :‬ما قال عبد السلم شيئا ما‬
‫القدر إل رأي من رأي الناس اختلفوا فيه ليس فيه نكاح ول انتحال هجرة ول سباء ول غنيمة‬
‫وصغر أمر القدر (‪. )49‬‬

‫من هذا نتبين أن المواقف ما يزال سلفيا بحتا يجتنب تحليل القضية والتصرف فيها فأبو عبيدة يثبت‬
‫لواصل الفرق بين القدر والمقدور (‪ )50‬ويرد عليه بأن موقف واصل القائل بأن المعصية من خلق‬
‫النسان يؤدي إلى أن ال يعصي بالستكراه (‪ )51‬كما أن رده على الرجل الذي سأله عن القدر يثبت‬
‫تمسكه برأي شيخه صحار الذي يعتبر أن أقوى حجة على القائلين بالقدر هي الحالة على علم ال‬
‫تعالى‪ .‬وواضح في النهاية من خلل نصيحة للربيع أنه يدعو أنصاره إلى التقليل من الخوض في‬
‫القدر امتثال لوامر الرسول عليه السلم‪.‬‬

‫هذا عن الصراع مع من يقولون من غير الباضية بالقدر ورد الباضية عليهم كما بينا كان واضحا‬
‫إل أن الزمة ستشتد داخل المذهب وسيفرض الواقع على أبي عبيدة أن يتخذ موقفا مضبوطا‬
‫سيكون له بعيد الثر في ما بعد‪.‬‬
‫يروي أبو سفيان ما دار بين حمزة الكوفي (‪ )52‬وأبي عبيدة من جدل حاد حول قضية القدر انتهى‬
‫بقول أبي عبيدة ‪ ":‬يا حمزة على هذا القول فارقت غيلن" (‪ )53‬وحاول حاجب الطائي (‪ )54‬أن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يستصلح من أمر حمزة لكنه أصر وظل يستدرج النساء والضعفاء الى القول بأن السيئات من العباد‬
‫فهنالك اجتمع الناس عند حاجب بمحضر أبي عبيدة وتمت البراءة منه‪)55( .‬‬

‫وسيكون لحمزة هذا أثر فعال في اشعال نار الفتنة مع شعيب وأبي المؤرج وعبدال بن زيد الفزاري‬
‫(‪ )56‬عندما أنكر يزيد بن فندين (‪ )57‬إمامه المام عبد الوهاب بن عبد الرحمان الرستمي‪)58( .‬‬

‫والمهم حينئذ أن أبا عبيدة وجمهور الباضية في القرن الثاني هجري‪ /‬الثامن ميلدي استقروا على‬
‫أن القدر كله من ال تعالى وقد سلك الربيع ابن حبيب نفس المسلك‪.‬‬

‫ويجدر أن نشير هنا إلى نصين يثبتان الحتكاك بين المعتزلة والباضية في المشرق والمغرب فهذا‬
‫وائل بن أيوب الحضرمي (‪ )59‬يناظر كهلن المعتزلي وأصحابه وهذا مهدي النفوسي يتقدم الى‬
‫الفتى المعتزلي فيرتفع مستوى الجدل بينهما حتى يشبهه أبو زكريا بالصفق بين الحجرين‪ ،‬لكن هذا‬
‫النص ل يذكر مواضيع هذه المناظرة‪)60( .‬‬

‫نلمس أن هذه المرحلة لم تكن مرحلة تنظير في باب القدر وإنما هي مناظرات قل أن تكون مع‬
‫الجبرية بل مدارها مع القائلين بالقدر لذلك لم نعثر على تعريف نظري دقيق لكلمتي قضاء وقدر إل‬
‫أن الحوار تحول مع أبي خزر (‪ )101 /4‬وأبي الربيع سليمان ابن يخلف(‪ )11 /5‬وأبي العباس أحمد‬
‫ابن بكر(‪ )5/11‬حول قضايا متصلة بالقضاء والقدر مثل‪ ":‬الجبر والختبار" " خلق الفعال" "‬
‫الستطاعة"‪.‬‬

‫ويجب أن ننتظر القرن ‪ 6/12‬خاصة مع كتاب السؤالت لتجد تعريفات نظرية ظل يعتمدها علماء‬
‫الباضية في ما بعد وحتى أبو عمار عبد الكافي (‪ )6/12‬وخاصة الموجز فقد سلك مسلكا جدليا‬
‫دفاعيا‪.‬‬

‫ول يفوتنا هنا أن ننبه إلى نشأة المدرسة الشعرية والماتريدية في القرن الرابع‪ ،10 /‬فبلورتا ما‬
‫جاء من إشارات من قبل لهذا الموضوع عند أبي حنيفة وغيره وواصلتا مناظرة أهل العتزال وبهذا‬
‫تركز الجدل حول " خلق الفعال" بعد أن كان المر تسليما إيمانيا خالصا بان القدر كله من ال‬
‫تعالى وسيبقى هذا القرار العقائدي ثابتا في منطلق كل تحليل وسنبين تقارب التحاليل بين هاتين‬
‫المدرستين وبين تحاليل الباضية ولننظر الن في أهم التعريفات الصطلحية لكلمتي القضاء‬
‫والقدر‪.‬‬
‫========================================‬
‫(‪ )34‬أن البيئة السلمية في البصرة وغيرها كانت تعج آنذاك بمختلف العناصر الدخيلة على السلم من أهل الكتاب ومن بلد‬
‫فارس ومن بلد الهند‪ ،‬وهذا من شأنه أن يزيد الجدل حدة حول قضية القدر وغيرها من القضايا العقائدية التي تشترك فيها جميع‬
‫الملل‪ ،‬وفي هذا الصدد تذكر كتب المقالت أن مرجع القول بالقدر يعود إلى سوسن النصراني الذي اظهر السلم فصحبه معبد بن‬
‫عبدال الجهني الذي ظل التابعون يحذرون منه إلى أن أخذه هشام بن عبد الملك بن مروان(‪ )743 -125/690 -71‬فأمر بقطع‬
‫يديه ورجليه‪.‬‬
‫أما القول بالجبر فيرجع إلى الجهم بن صفوان (‪ )128/745‬من موالي بني راسب راس الجهمية‪ .‬قال الذهبي‪ :‬الضال المبتدع‬
‫هلك في زمان صغار التابعين‪ ،‬وقد زرع شرا عظيما وأمر نصر بن سيار بقتله فقتل ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪ .1/138‬وقد اخذ هذا‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المذهب عن الجعد بن درهم‪ .‬انظر ما سبق ‪ 100‬تعليق ‪. 25‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ص ‪.229‬‬
‫وقد تأرجحت مواقف جميع الفرق السلمية بين هذين الموقفين‪ ،‬وقد يقع التردد بين الموقفين حتى داخل كل فرقة نتيجة‬
‫فويرقات في الفهم بين علمائها‪.‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما سبق ص ‪ 98‬تعليق ‪.18‬‬
‫(‪ )36‬ونعني بذلك عدم تجاوز قول الرسول عليه السلم في التسليم بالقضاء‪.‬‬
‫(‪ )38‬الحجاج بن يوسف الثقفي (‪. )714 -95/660 -40‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.1/175‬‬
‫(‪ )39‬ل يوجد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )40‬صحار العبدي‪ ( :‬ق ‪ )1/7‬من طبقة جابر بن زيد ومن شيوخ أبي عبيدة مسلم ابن أبي كريمة ينسب إليه بحث في القدر‬
‫‪.‬ر‪.‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪.2/223‬‬
‫ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ‪. 81‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.418 :‬‬
‫(‪ )41‬الشماخي‪ :‬السير‪.81 :‬‬
‫(‪ )42‬واصل بن عطاء(‪ )797 -80/181/700‬تعتبر كتب الفرق أنه مؤسس فرقة المعتزلة والمعتزلة تبنوا هذا السم رغم أنهم‬
‫يفضلون عليه" أهل العدل والتوحيد"‪ .‬يرجعون جذور مذهبهم إلى الصحابة ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال وطبقات‬
‫المعتزلة ص ‪ 214‬انظر ترجمته بنفس المصدر‪ 234 :‬ويختلف تاريخ الوفاة عما ذكره الزركلي وقد حدده ب ‪. 748 /131‬ر‪.‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم ‪ ( 19/121‬انظر ما سبق ‪)110‬‬
‫(‪ )43‬الحسن البصري( ‪ :)728 -110/642-21‬تابعي كان إمام أهل البصرة ولد بالمدينة سنة ‪21‬هـ وشب في كنف علي ابن أبي‬
‫طالب وسكن البصرة ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال‪ 229 -215 :‬وتعليق ‪ 168‬ص ‪ 215‬بتنازعه أهل السنة والمعتزلة‪،‬‬
‫ويختلفان في قوله في القدر إل أنه يقول بالقدر على رأي المعتزلة‪ .‬ر‪ .‬محمد الطالبي‪ :‬دراسات في تاريخ إفريقية تعليق ‪ 2‬ص‬
‫‪ .398‬والباضية رغم أنهم ل ينسبونه إليهم يبرئونه من القول بالقدر‪ .‬وقال أبو محمد النهدي( من علماء الباضية ) هو‬
‫( الحسن البصري) أبعد الناس عن القدر‪.‬‬
‫(‪ )44‬إن كل الفرق تتبرأ من أن تكون قدرية فالمعتزلة يقولون‪ :‬القدرية هم الذين يزعمون أنه تعالى قدر المعاصي‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫كالعذر للعاصي حتى اعتقد بعضهم أنه ل يقدر ول يصلح منه غير ما قدر ال‪ ...‬وأصحابنا نفوا المعاصي عن ال وهم أثبتوها‬
‫فيجب أن يكون اللقب لزما لهم ‪ "...‬ويعتبرون هؤلء أن القدرية لقب للذم فمن حمل ذنبه على ال أولى بالذم ممن برأ ال وحمل‬
‫ذنبه على نفسه" ‪.‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال‪167 :‬‬
‫إل أن الباضية يتفقون مع الشاعرة في اعتبار المعتزلة قدرية وفي ذلك يقول أبو عمار عبد الكافي‪ "...‬سموا المعتزلة" مجوسا‬
‫لنهم يضيقون على أنفسهم‪ ،‬وغيرهم يجعله ال دون نفسه‪ ،‬ومدعي الشيء أولى بأن يسمى به‪ ،‬دون من جعله لغيره‪ ،‬ولنهم‬
‫ضارعوا المجوس بل زادوا على المجوس وذلك أن المجوس نفت عن ال خلق الشرور‪ ،‬وزادت القدرية ( المعتزلة) نفي خلق‬
‫الخير عن ال عز وجل‪ :‬الموجز ‪. 2/62‬ر‪.‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.149 :‬‬
‫أما الشيعة فمنهم من يعتبر المعتزلة قدرية ومنهم من يرى خلف ذلك وفي ذلك يقول الجعفري بعد أن يبين أن الشاعرة يتهمون‬
‫المعتزلة بالقدرية والعكس بالعكس‪ :‬والذي يظهر من أخبار أئمتنا أن القدرية هم المعتزلة كما يصرح بذلك كثير من المتكلمين‪،‬‬
‫غير أن الذي يظهر من كلم أمير المؤمنين"ع" في نهج البلغة وبعض الخبار عن أئمتنا‪ .‬خلف ذلك " أصول الدين السلمي‬
‫‪."34‬‬
‫والناظر في كتب الفرق السلمية يتبين أن كلمة قدرية غلبت على تسمية المعتزلة بينهم وبين المجبرة والنسب أن يسموا أهل‬
‫العدل والتوحيد‪.‬‬
‫(‪ )45‬عمرو بن عبيد( ‪ )144/761‬يعده المعتزلة من الطبقة الرابعة انظر ما سبق‪. 110 :‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال‬
‫‪ 242 :‬تعليق ‪ 308‬ومن ‪.250 -242 :‬‬
‫(‪ )46‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪ ،2/246‬أن النقد الداخلي للنص يدفع القارئ إلى الستفادة منه بحذر ذلك لن النص يستعمل كلمة‬
‫إباضية للحديث عن إتباع أبي عبيدة وقد بينا في ما سبق أن هذه التسمية لم تستعمل في النصوص إل من القرن الرابع ‪4/10‬‬
‫(انظر ص ‪ )56‬لواصل بن عطاء أن التسمية الغالبة هي المحكمة أو "أهل الستقامة"‪.‬‬
‫هذا من جهة‪ .‬أما جهة أخرى فيصعب أن نتصور أن مثل هذين العلمين يتم تعارفهما في الحج وهما يعيشان معا في مدينة‬
‫البصرة‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر يبقى النص معبرا عن مدى الختلف من البداية بين المعتزلة والباضية في شأن القدر رغم أنهما يلتقيان في‬
‫قضايا أخرى كما رأينا ‪.‬‬
‫وقد ظلت المصادر الباضية تعتمد هذا النص ‪ ،‬وقل أن تذكر مسألة القدر دون أن يستشهد بهذه المناظرة‪.‬‬
‫(‪ )47‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 1/429‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ‪ /1‬ورقة ‪.137‬‬
‫(‪ )48‬لم نتمكن من التعريف به‪.‬‬
‫(‪ )49‬ويعلق خميس بن سعيد الرستاقي صاحب المنهج على الموقف كما يلي‪ :‬قال المؤلف رحمه ال ‪ :‬إن ذلك قاله لترك البحث‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عن أمر القدر والخوض فيه وإل فهو عظيم عنده لن النسان يخرج عن دين السلم بأقل شيء منه‪ ،‬وقد غضب ال على عزير‬
‫لجل سؤاله عن كلمة القدر ‪ ،‬وضل كثير من أهل المذاهب بسبب القدر‪ ،‬فالقدر بحر عميق قد هلك في بشر كثير ‪.‬ر‪ .‬خميس بن‬
‫سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪. 1/430‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪.2/233‬‬
‫ويضيف عمرو التلتي في شرح النونية ما يلي منسوبا إلى أبي عبيدة ‪ :‬فمن أقر بكون ال عالما بالشياء قبل وجودها فقد أقر‬
‫بالقدر ‪ .‬شرح النونية ‪ :‬ورقة ‪ 79‬وجه ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ص ‪.212‬‬
‫(‪ )50‬وهذا سيكون نواة لتطور الموضوع في المستقبل‪ :‬القدر من خلق ال والمقدور من كسب النسان‪.‬‬
‫(‪ )51‬وقد كان أبو عبيدة في خضم المعركة كما سنبين بعد حين‪ ،‬فمن أتباعه من كان على اتصال بغيلن الدمشقي أنظر ما سبق ‪:‬‬
‫‪ 106‬تعليق ‪ 43‬ول نستبعد أن يكون أبو عبيدة قد عرف غيلن هذا‪.‬‬
‫(‪ )52‬انظر ما سبق ‪ 106‬تعليق ‪43‬‬
‫(‪ )53‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪ 2/244‬وغيلن الدمشقي‪.‬‬
‫(‪ )54‬حاجب الطائي ( ق ‪ )2/8‬من طبقة أبي عبيدة‪ .‬دعم الحركة الباضية تدعيما ماليا‪ .‬وكانت تعقد المجالس السرية بمنزله ‪.‬ر‪.‬‬
‫الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 253 -2/248‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪.92 -90 :‬‬
‫(‪ )55‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 2/244‬ر‪ .‬السير‪. 85 -84 :‬ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ص ‪. 213‬ر‪ .‬علي يحي معمر‪ :‬الباضية بين الفرق‬
‫السلمية‪.256 -254 :‬‬
‫(‪ )56‬انظر ما سبق ‪ 106‬تعليق ‪ 43‬للتعرف على الشخصيات المذكورة‪.‬‬
‫(‪ )57‬يزيد بن فندين( ق ‪ )2/8‬كان ضمن السبعة الذين جعل المام عبد الرحمان بن رستم المامة شورى بينهم‪ .‬وثار على المام‬
‫عبد الوهاب بن رستم ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 1/46‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪ .154 :‬سليمان الباروني الزهار الرياضية في أئمة‬
‫وملوك الباضية المطبعة البارونية مصر د‪.‬ت ‪. 2/99‬ر‪ .‬بحاز إبراهيم باكير‪ :‬الدولة الرستمية‪ ،‬دراسة في الوضاع القتصادية‬
‫والحياة الفكرية‪ -‬مجستر في التاريخ السلمي‪ .‬نوقشت بكلية الداب بجامعة بغداد ‪ ( 1404/1983‬مرقونة بمكتبتي)‪-119 :‬‬
‫‪.121‬‬
‫(‪ )58‬انظر ما سبق ‪ 56 .‬تعليق ‪68‬‬
‫(‪ )59‬وائل بن أيوب الحضرمي من علماء النصف الثاني من القرن الثاني‪ 8 /‬يقول عنه الشماخي‪ :‬هو من أفاضل أصحابنا علما‬
‫وزهدا وتقى وأمرا ونهيا ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات ‪. 2/278‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير‪.105:‬‬
‫وقد ذكر الشماخي هذه المناظرة عندما ترجم له لكنه لم يوردها‪ ،‬وقد جاءت كاملة في حاشية يوسف المصعبي على أصول‬
‫تبغورين ص ‪ 81‬انظر ما يلي ص ‪ 452‬من البحث لن الجدل قام حول الستطاعة ‪ ،‬وخلل هذه المناظرة سئل وائل بن أيوب عن‬
‫القدر انتهاء المور إلى أوقاتها وبلوغها إلى آجالها وإرجاعها إلى أقدارها‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ص‬
‫‪.81‬‬
‫(‪ )60‬ثم جاءت بينهما (مهدي والفتى المعتزل) وجوه من المناظرة والناس يعلمون ما يقولن‪ ،‬فلم يفلح أحد على صاحبه‪ ،‬ثم‬
‫إنهما دخل في فنون العلم فخفي ذلك عمن حضرهما‪ ،‬غير أن المام يعلم ما يقولن‪ ،‬حتى صار كلمهما عند جماعة من حضرهما‬
‫كالصفق بين الحجر عند ألمام وعند غيره‪ ،‬فما كان بأوشك (كذا) أن غلبه المهدي ‪.‬ر‪ .‬أبو زكرياء يحي بن أبي بكر‪ :‬كتاب السيرة‬
‫وأخبار الئمة ‪ ،‬تحقيق إسماعيل العربي إصدارات المكتبة الوطنية الجزائر ‪. 71 : 1399/1979‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪-1/61‬‬
‫‪.61‬‬
‫ومهدي النفوسة (أواخر ق ‪ )2/9‬من علماء الكلم هو المقوم في الجدال الذي له اليد العليا في البرهان والستدلل ‪.‬ر‪ .‬الدرجيني‬
‫‪ :‬الطبقات ‪ 2/513‬واشتهر باستعانة المام عبد الوهاب به ( وهو من نفوسة) لمناظرة المعتزلة ‪ .‬ر‪ .‬أبو زكرياء يحي بن أبي‬
‫بكر‪ :‬كتاب السيرة وأخبار الئمة ص ‪. 67‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪. 314 -2/313‬ر‪ .‬الشماخي‪ :‬السير ص ‪.170‬‬
‫ر‪ .‬بحاز إبراهيم ‪ :‬الدولة الرستمية‪367 -365 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫جاء في كتاب السؤالت‪ ":‬القدر هو انتها المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها (‪." )61‬‬

‫وجاء في شرح كتاب الديانات‪ ":‬القدر معناه أن ال تبارك وتعالى قدر الشياء في الزل وعلم‬
‫سبحانه وتعالى أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة فهي‬
‫تقع بحسب ما قدره سبحانه وتعالى"‪)62( .‬‬

‫ويقول عمر والتلتي‪ ":‬القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة ويقول‬
‫أيضا‪ :‬القضاء هو انتهاء المور إلى أوقاتها (‪ )63‬وارتجاعها إلى مقدوراتها"‪)64( .‬‬

‫وأوجز تعريف أورده محمد اطفيش كما يلي‪ ":‬القدر هو إيجاد ال الجسام والعراض والقضاء هو‬
‫الحاكم بها في الزل فهو صفة ذات أو إثبات في اللوح فهو صفة فعل"‪)65( .‬‬

‫وبهذا يجمع هذا التعريف بين موقف الشاعرة_ (‪ )66‬الذين يعتبرون التقدير صفة فعل بمعنى إيجاد‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ال تعالى الشياء في الخارج على قدر مخصوص وبين قول الماتريدية (‪ )67‬الذين يعتبرونه صفة‬
‫ذات بمعنى تقدير المور في الزل أي إحاطة علمه به‪ ،‬مع العلم أن الموقف العام يلح على انه صفة‬
‫ذات ‪.‬‬

‫نكتفي بهذه التعريفات مع الشارة إلى ورود تعريفات أخرى جمعها التلتي في شرح النونية (‪)68‬‬
‫لنلخص من هذا إلى النتائج الثلث التالية‪:‬‬

‫‪ )1‬إن هذه التعريفات يكتنفها ضرب من الغموض وكأنها قد مسها شيء من سر القدر‪ ،‬ومعلوم أن‬
‫اللغة التي تواضع عليها الناس يصعب أن تحد القضايا الغيبية حدا دقيقا كحدها لما يتعلق بعالم‬
‫الشهادة‪.‬‬

‫‪ )2‬كثيرا ما يتداخل التعريفات ومرجع ذلك إلى أن اللفظين تشتركان في الحقل الدللي لغة فل غرابة‬
‫إن وجدنا مثل هذا التشابك‪.‬‬

‫‪ )3‬نقر العلقة التي جعلها بينهما ابن منظور في لسان العرب وهي علقة الساس بالبناء فمن يعتبر‬
‫القدر أساسا أي كان في الزل لبد أن يعتبر القضاء بناء وهو ما يحدث في الوجود بعد أن لم يكن‪،‬‬
‫والعكس بالعكس والنتيجة في النهاية واحدة وهي العلقة بين القدر والمقدور والقضاء والمقتضي‪.‬‬

‫وخلصة القول إن الساس المجمع عليه هو وجوب اليمان بأن القدر من ال تعالى (‪ )69‬مع‬
‫اختلفات بعد ذلك في الفهم والتأويل تتأرجح بين الجبر المطلق والحرية المطلقة‪.‬‬
‫كما يجدر أن نلحظ أن هذه التعريفات الصطلحية خرجت عن دائرة الصراع السياسي والخلقي‬
‫الذي عرفته القضية خاصة في القرن الول والثاني للهجرة ‪ /7‬و ‪ 8‬حيث كان اتخاذ المواقف‬
‫العقائدية يؤدي إلى السجن أو الى المشنقة في كثير من الحيان وكأن القضية ضربا من الترف‬
‫الفكري والجدل العقائدي لكن كل النصوص التعليمية ل تغفل عن التذكير بهذا الصل من أصول‬
‫الدين‪)70( .‬‬

‫كما أن التراث الباضي وهو جزء من التراث السلمي لم يعتبر اليمان بالقضاء والقدر مصدرا من‬
‫مصادر التواكل كما يبدو ذلك على ألسنة بعض العوام وكما يبدو في الشبهات التي تثيرها الفلسفات‬
‫الغربية عادة حول الديانات عامة وحول السلم خاصة وذلك لن هذا التراث لم يشعر أهله بعد بما‬
‫يشعر به الناس الن من تبعية الرقعة التي تدين بالسلم للقوى العالمية الخرى التي ل تدين بالقدر‬
‫وليس لنا في هذا المقام أن نحلل هذه القضية وإنما ننبه إلى أن المسلمين الذين آمنوا بالقدر حق‬
‫اليمان كانوا سادة العالم‪ ،‬ولم يكونوا في آخر القافلة‪.‬‬

‫وبعد النظر في المحور الول نتدبر أمر المحور الثاني وهو الجبر والختيار‪.‬‬
‫==========================================‬
‫(‪ ) 61‬عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .202 :‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ‪ /1‬ورقة ‪ 126‬وجه ر‪ .‬المحشي‪:‬‬
‫حاشية الترتيب ‪.1/114‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )62‬عبدال السدويكشي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪13 :‬‬


‫(‪ )63‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.151 :‬‬
‫(‪ )64‬وأضاف التفسير التالي‪ ":‬أي علمه تعالى بانتهاء المور أي بلوغها ووصولها إلى أوقاتها التي قدرها أي عينها لها‪،‬‬
‫وبرجوعها بعد ذلك العلم إلى ما قدرها لها من نحو موت وبعث بعده سعادة وشقاوة‪ ،‬أو إنهاؤه المر وإيصاله إياها بالتربية‬
‫المحكمة إلى أوقاتها وإرجاعه إياها إلى ما قدره لها‪.‬‬
‫عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.151 :‬‬
‫(‪ )65‬امحمد اطفيش‪ :‬الذهب الخالص بالعلم القالص‪ .‬تحقيق أبي إسحاق اطفيش ‪.‬ط ‪ 2‬دار البعث الجزائر قسنطينة ‪1400/1980‬‬
‫‪.22 :‬‬
‫_(‪ )66‬القضاء يتمثل في إرادة ال الزلية المقتضية الموجودات على ترتيب خاص والقدر‪ :‬تعلق الرادة بالشياء في أوقاتها‬
‫المخصوصة‪.‬‬
‫الشيخ زادة‪ :‬نظم الفرائد وجمع الفوائد ط ‪ 1‬القاهرة ‪ .1317/22‬أحمد أمين‪ :‬ظهر السلم ‪.4/92‬‬
‫(‪ )67‬القضاء‪ ":‬هو المر اللهي الزلي‪ ".‬الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪ 306 :‬القدر‪ :‬هو تحديد ال أزل كل شيء بحده الذي سيوجه‬
‫به من نفع‪ ،‬وما يحيط به من زمان ومكان"‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪ .315 :‬وهذا نص للبيجوري فيه مقارنة‬
‫بين موقف الماتريدي والشاعرة ‪ ":‬اعلم أن الشاعرة والماتريدية اختلفوا في كل من القضاء والقدر‪ ،‬فالقدر عند الشاعرة ‪:‬‬
‫إيجاد الشياء على قدر مخصوص ووجه معين أراده تعالى‪ ،‬فيرجع عندهم لصفة فعل لنه عبارة عن اليجاد وهو من صفات‬
‫الفعال‪.‬‬
‫وعند الماتريدية نتحديد ال أزل كل مخلوق بحده الذي يوجد عليه من حسن وقبح ونفع وضر إلى غير ذلك أي علمه تعالى أزل‬
‫صفات المخلوقات فيرجع عندهم لصفة العلم وهي من صفات الذات‪.‬‬
‫القضاء عند الشاعرة ‪ :‬إرادة ال الشياء في الزل على ما هي عليه في ما ل يزال ‪ ،‬فهو من صفات الذات عندهم‪.‬‬
‫وعند الماتريدية‪ :‬إيجاد ال الشياء مع زيادة الحكام والتقان فهو صفة فعل عندهم فالقدر حادث والقضاء قديم عند الشاعرة‬
‫ول كذلك عند الماتريدية ‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ص ‪.113‬‬
‫(‪ )68‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 52‬و ‪.53‬‬
‫(‪ )69‬يقول أبو عمار في هذا الصدد ‪ ":‬وإنما عمدت إلى هذا النوع من المسائل في باب التوحيد مع كثرة ما يدخل على القدرية‬
‫من المسائل من الدلئل ليتبين للناظر أنه أصل في هذا المعنى من أصول التوحيد الذي ل يتم إل به‪ ،‬ول يقوم إل عليه" الموجز ‪:‬‬
‫‪.2/28‬‬
‫(‪ )70‬ومن ذلك ما جاء في عقيدة عمان‪ :‬وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ‪.‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة م ‪ 3‬الملحق‪ 17 :‬وكذلك ما جاء‬
‫عند أبي الربيع سليمان بن يخلف في كتاب التحف وندين باثبات القدر‪ .1/36 .‬وما جاء عند عامر الشماخي " وندين بأن القدر‬
‫خيره وشره من ال" كتاب الديانات‪ .43 :‬وقد وقف علماء المرحلة المقررة مع كتاب الديانات عند هذه القضية طويل‪ :‬ر‪ .‬عبدال‬
‫السدويكشي حاشية على كتاب الديانات‪ 13 :‬وعمرو التلتي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.59 -58 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫)‪ -2‬الجبر والختبار‬

‫إن الخوض في قضية القدر أثار عدة قضايا كثيرا ما تطغى على المناظرات وتنسى القضية الصل‪.‬‬

‫من ذلك هل للنسان دخل في اختيار أفعاله أو هو مجبر عليها؟ أو بعبارة أخرى هل له القدرة على‬
‫خلق أفعاله أو هو مخلوق وما فعل؟ وينبني على ذلك مدى تحديد مسؤولية النسان التي تربط بها‬
‫المر والنهي وما ينتج عنهما من ثواب وعقاب‪.‬‬

‫ومن ذلك من خالق المعصية؟ وما دخل إبليس فيها؟‬

‫ومن ذلك قضية العلقة بين العلم والقدرة والرادة‪.‬‬

‫ومن ذلك قضية الستطاعة والعصمة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن ذلك العلقة بين مشيئة ال ومشيئة النسان‪.‬‬

‫فلننظر أول في قضية الجبر والختيار لنبين موقف الباضية منها؟‬


‫إن التراث الذي يعنينا ككل التراث السلمي يستمد جذوره من مواقف العلماء الول من كتاب ال‬
‫تعالى وسنة رسوله عليه السلم وبذلك تتبلور كل قضية عبر امتداد هذا التراث الزمني‪.‬‬

‫وما دام الباضية يقرون أن النصوص التي تتعلق بالقضية من المتشابه (‪ )71‬فقد عملوا على‬
‫تأويلها مستعينين بالمحكم من القرآن الكريم وبسنة الرسول عليه السلم‪.‬‬

‫وإنك لتحس وأنت تتأمل في هذا التراث شعور أصحابه بأن من اليات ما يغلب عليها جانب الجبر‬
‫ومنها ما يغلب عليها جانب تخيير النسان‪.‬‬

‫فمن اليات التي توحي بالختيار‪ :‬قوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) (‪42‬‬
‫الشورى ‪.)30‬‬

‫وقوله تعالى‪ ( :‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (‪ 18‬الكهف ‪.)29‬‬

‫وقوله تعالى‪ ( :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) (‪ 2‬البقرة ‪.)286‬‬

‫ومن اليات التي توحي بالجبر‪ :‬قوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال رب العالمين) (‪76‬‬
‫النسان ‪.)30‬‬

‫وقوله تعالى ( ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن‬
‫ذلك على ال يسير) (‪ 57‬الحديد ‪.)22‬‬

‫وقوله تعالى ( ول تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إل أن يشاء ال) (‪ 18‬الكهف ‪)24 -23‬‬

‫كما أن هذا التراث يرجع بالقضية إلى زمن الرسول عليه السلم والصحابة وأئمة المذهب ليستقي‬
‫من مواقفهم الحل المناسب‪.‬‬

‫ومن ذلك ما روي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬سيكون قوم في هذه المة يعملون‬
‫بالمعاصي فيقولون‪ :‬هي من ال قضاء وقدر‪ ،‬فإذا لقيتموهم فأعلموهم أني بريء منهم" (‪ )72‬فقال‬
‫رجل منهم‪ :‬بأبي أنت وأمي يا رسول ال متى يرحم ال العباد؟ ومتى يعذبهم؟ فقال‪ ":‬يرحم عباده‬
‫إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي منا ويعذب ال عباده إذا عملوا بالمعاصي فقالوا هي من ال قضاء‬
‫وقدر فالطاعة والمعصية هما من خلق ال‪ ،‬ومن العباد عمل" (‪. )73‬‬

‫ومن ذلك ما ثبت عن علي ابن أبي طالب عندما سئل عن أفعال العباد أنه قال‪ ":‬هي من ال خلق‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن العباد فعل" (‪. )74‬‬

‫ومن ذلك ما جاء في الجامع الصحيح من كلم الربيع تعليقا على مجموعة من الحاديث في القدر‬
‫قوله‪ (:‬فهذه الروايات تدل على أن ال خلق فعل العبد ة وأن العبد لم يفعله دون ال إذ قدره وعلمه‬
‫وعلم ما هو صائر إليه" (‪. )75‬‬

‫فواضح إذن من خلل هذه المواقف أنها كانت منطلق الكتساب لدى الباضية وقبل أن نتبين مفهوم‬
‫الكسب يحسن أن نورد حجج الباضية النقلية والعقلية في الرد على القائلين بالجبر وعلى القائلين‬
‫بالختيار‪.‬‬

‫ويحسن أن نلحظ هنا أننا بعد نظرنا في كل ما بين أيدينا من التراث الباضي قديمة وحديثه لم نجد‬
‫أكثر دقة وشمول من الفصول التي خصصها أبو عمار عبد الكافي في كتاب الموجز للرد على‬
‫المجبرة والقدرية فما جاء قبله كان في غاية الختصار وما جاء بعده كان عالة عليه (‪ )76‬ودونه‬
‫استيفاء للقضية ولعل مرجع ذلك إلى اعتماد المتأخرين (‪ )77‬على شرح المتون مما يجعل ما‬
‫يوردون من معلومات مبعثرا هنا وهناك‪.‬‬

‫لذلك سنعمد إلى حوصلة هذه الحجج بقدر المكان إذ نرى أنها تصور موقف الباضية من التجاهين‬
‫المتناقضين المر الذي أدى إلى اتخاذ موقف وسط‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من النصوص القرآنية‬

‫تأويل ما اعتمده القدرية‪:‬‬


‫‪ -1‬نسبة الفعال إلى العباد دون ال تعالى في قوله تعالى‪ ( :‬فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) (‪5‬‬
‫المائدة ‪ .)30‬وقوله ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا) (‪ 12‬يوسف ‪ )18‬وقوله‪ ( :‬وقل اعملوا فسيرى‬
‫ال عملكم ورسوله) (‪ 9‬التوبة ‪ )105‬وقوله‪ ( :‬جزاء بما كانوا يعملون) (‪ 32‬السجدة ‪.)17‬‬

‫إن في هذا ردا على الجهمية الذين ل يقولون بالختيار للعباد ول يثبتون الكتساب لهم‪ .‬أما عند‬
‫الباضية فتخرج اليات من باب الكسب‪)78( .‬‬

‫‪ -2‬تفسير القرآن بالقرآن‪ :‬وذلك بمقارنة السياقات ببعضها‪.‬‬

‫قال تعالى في شأن تحريف اليهود للتوراة‪ ( :‬يقولون هو من عند ال وما هو من عند ال) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )78‬يقول المعتزلة اعتمادا على النفي إن في الية دليل على خلق النسان فعله‪ .‬ويقول أبو‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عمار بعد استدلله بقوله تعالى‪ ( :‬فسلموا على أنفسكم تحية من عند ال مباركة طيبة) (‪ 24‬النور‬
‫‪)79( )61‬‬
‫توضيحه أن " من عند" ل تدل على الخلق وإنما تدل على المر ما يلي‪:‬‬

‫" يريد تحريف اليهود للكتاب ليس هو من الكتاب ول من عند ال نزل ردا عليهم في قولهم‪ :‬إنه من‬
‫الكتاب ومن عند ال نزل‪ ،‬ولم تكن اليهود تذهب في قولهم ذلك إلى خلق ال الفعل فيكون ال قدر‬
‫عليهم في ذلك (‪)80‬‬
‫‪ ،‬فعبارة " من عند" ل تعني الخلق وإنما قد تعني المر كما جاء في سورة النور الية ‪.61‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام) (‪ 5‬المائدة ‪ )81( )103‬يقول‬
‫القدرية إن ال نفى عن نفسه أن يكون جعل ( بمعنى خلق) شيئا من فعل المشركين والية حسب‬
‫أبي عمار يجب أن تفهم على ضوء اليتين التاليتين‪ ( :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما‬
‫لعبين ) (‪ 21‬النبياء ‪ )16‬و ( وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطل) (‪ 38‬ص ‪ )27‬اللتين‬
‫تدلن على أن ال لم يخلق ما خلق عبثا كما يدعي أهل التكذيب بال وإنما خلقها ليحق الحق ويبطل‬
‫الباطل‪ ( .‬ما خلقناهما إل بالحق) (‪ 44‬الدخان ‪ )39‬فكذلك مدلول آية المائدة أن ال لم يجعل هذه‬
‫النعام لن تبحر ول أن تسيب ول أن تتخذ وصيلة ول حاما كما قالوا وإنما جعلها حمولة مأكولة (‬
‫‪. )82‬‬

‫‪ -3‬أل يعلم من خلق‪:‬‬

‫يرى أبو عمار أن قوله تعالى ( وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور أل يعلم من‬
‫خلق) (‪ )83‬أقوى دليل على أن ما أسر العباد وما أظهروه من خلق ال تعالى‪ ،‬ويؤكد على أن فيها‬
‫احتجاجا على من قالوا ل يكون الفعل مخلوقا (‪. )84‬‬

‫‪ -4‬ل تخصيص لقوله تعالى‪ (:‬خالق كل شيء) (‪)85‬‬

‫ومن أقوى الدلة التي أطنب فيها أبو عمار ووقع ترديدها أكثر من غيرها في بقية المصادر دللة‬
‫قوله تعالى (خالق كل شيء) و ( خلق كل شيء) (‪ 6‬النعام ‪)101‬؟ حيثما وجدنا في القرآن على‬
‫المتداح والعموم رغم محاولة القدرية اعتبارها مخصصة بآيات أخرى (‪ ، )86‬ويقول أبو عمار في‬
‫آخر التحليل ‪ ":‬وقد امتدح عز وجل بقوله ( خالق كل شيء) بإجماع لو جاز لحد أن يقول هي‬
‫خاصة لجاز لمن يزعم أن إبليس ليس بمخلوق‪)87( "...‬‬

‫وعلى هذا النسق يفسر أبو عمار قوله تعالى ( وال خلقكم وما تعلمون) (‪ 37‬الصافات ‪ )96‬بأنه يدل‬
‫على أفعال العباد ل على الصنام كما ذهب إلى ذلك المعتزلة وكذلك بين أن في قوله عز وجل ( خلق‬
‫السماوات والرض وما بينهما) (‪ 25‬الفرقان ‪ )59‬دللة على أن ال خالق أفعال العباد لنها تقع بين‬
‫السماوات والرض‪)88( .‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هذا تأويل ما اعتمده القدرية فماذا عن تأويل ما حمله الجبرية على ظاهره (‪)89‬‬
‫==========================================‬
‫(‪ )71‬انظر موقف الباضية من المتشابه في ما سبق‪ ، 271 :‬والمر ليس خاصة بالباضية إذ يقول علي الشابي‪ ":‬فآيات الجبر‬
‫عند المعتزلة وآيات الختيار عند المجبرة من المتشابه ل حتياج الطرفين إلى تأويلها‪ ".‬المعتزلة بين الفكر والعمل‪ :‬الشركة‬
‫التونسية للتوزيع تونس ‪70 :1979‬‬
‫(‪ )72‬غير وارد في المعجم المفهرس حسب ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )73‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/117‬وقد توقف عند قوله عليه السلم‪ :‬أنا برئ منهم" وقد نقلنا النص عن خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/424‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ .63 -2/63‬ويورد المحشي عدة أقوال منسوبة إلى المام علي‪ :‬حاشية الترتيب ‪7/132‬‬
‫وكذلك لبن عباس ‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/135‬‬
‫(‪ )75‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 11 -3/10‬عدد ‪ 802‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/132‬ويشرح كما يلي‪ ":‬فيه إشارة‬
‫على أن فعل العبد له جهتان‪ :‬جهة خلق تضاف إلى ال ‪ ،‬وجهة كسب‪ ،‬بحركة وسكون‪ ،‬تضاف إلى العبد" ‪ .‬انظر ما يلي‪442 :‬‬
‫(‪ )76‬أشير إلى المشارق للسالمي وإلى شرح الدعائم لمحمد اطفيش لما لهما من الهمية لكنهما في رأيي دون تحليل الموجز‬
‫من حيث الوضوح والستيعاب والتكامل‬
‫(‪ )77‬اقصد خاصة علماء المرحلة المقررة في البحث‪ ،‬ومن أدلة اعتماد هؤلء العلماء على كتاب الموجز‪ :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬‬
‫حاشية على أصول تبغورين‪ .21 :‬وبهذا يبرا اعتمادنا أحيانا على أبي عمار عبد الكافي لنه وإن لم يكن من المرحلة المقررة فإن‬
‫نصوصه اعتمدت اعتمادا كليا وخاصة إذا علمنا أن للمحشي حاشية على كتاب الموجز إل أننا لم نحصل عليها‪ .‬والملحظ أننا ل‬
‫نلجأ ‘إلى هذا إل عند الضرورة لستيفاء جوانب الموضوع‪.‬‬
‫(‪ )78‬والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض لهذه القضية عند تتبعه لهذه اليات في حاشية على تفسير الجللين ‪.‬ر‪ .‬ورقة‬
‫‪ 194‬وجه ورقة ‪ 310‬وجه ورقة ‪ 265‬قفا‪ .‬لذلك اعتمدنا أبا عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.2/53‬‬
‫(‪ )79‬ونقل يوسف المصعبي ما جاء عند البيضاوي في شأن آية آل عمران ‪ 76‬فقال‪ " :‬أي ليس هو نازل من عنده‪ ،‬وهذا ل‬
‫يقتضي أن يكون وما هو من عند ال قوله تعالى فعل العبد فعل ال تعالى"‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل ‪1/66‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 129‬وجه‪ .‬ولم يتعرض المصعبي للقضية في سورة النور ورقة ‪ 618‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )80‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/54 :‬‬
‫(‪ )81‬روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال‪ :‬البحيرة التي يمنح ذرها للطواغيت فل يحلبها أحد من الناس‪ ،‬والسائبة التي‬
‫يسيبونها للهتهم فل يحمل عليها شيء‪ ،‬والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج البل لنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسمونها‬
‫لطواغيتهم أن وصلت إحداها بأخرى ليس بينهما ذكر‪ ،‬والحام فحل البل يضرب الضراب المعدود فإذا قضي ضرابه ودعوه‬
‫للطواغيت وأعفوه من الحمل عليه وسموه الحامي‪ .‬جلل الدين السيوطي‪ :‬تفسير الجللين ‪ .‬دار العربية للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع بيروت ‪.164 :1388/1968‬‬
‫والملحظ أن يوسف المصعبي لم يتعرض للقضية عند تفسيره لهذه الية ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ‪ 208‬وجه وإنما اكتفى‬
‫بالستدلل على الشرح اللغوي الذي نقله الجللن عن البخاري‪.‬‬
‫(‪ )82‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/55 :‬‬
‫(‪ )83‬الملك ‪ 14 -13‬أن ما بين أيدينا من حاشية يوسف المصعبي على تفسير الجللين لم يصل إلى التفسير تفسير هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )84‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.60 -2/59 :‬‬
‫(‪ )85‬وقد جاءت في النعام ‪ 102‬والرعد ‪ 16‬والزمر ‪ 62‬والمؤمنون ‪.62‬‬
‫تدمر كل شيء بأمر‪ ) )86‬مثل وأوتيت من كل (النعام ‪ [ )44‬وفتحنا عليهم أبواب كل شيء (الحقاف ‪ ،)25‬ربها‬
‫( النمل ‪ )23‬يفسرها أبو عمار حسب رأي المعتزلة‪[ .‬شيء‬
‫(‪ )87‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ .2/59 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 130‬قفا‪ .‬أما يوسف المصعبي فلم‬
‫يتعرض للقضية في حاشيته على شرح الجللين ‪.‬ر‪ .‬ورقة ‪ 220‬وجه وورقة ‪ 321‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/60 :‬‬
‫(‪ )89‬ل يمكن استيفاء جميع اليات لذلك نكتفي ببعض النماذج المعبرة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬الطبع على القلب والختم على السمع‪:‬‬

‫لقد جاءت آيات كثيرة بهذه الصيغ نذكر منها قوله تعالى‪ ( :‬ختم ال على قلوبهم وعلى سمعهم) (‬
‫‪. )90‬‬
‫وقولـه تعالى‪ ( :‬بل طبع ال عليها بكفرهم فل يؤمنون إل قليل) (‪ 4‬النساء ‪)91( )155‬‬
‫يعتبر الجبرية أن النسان مجبر على الكفر ويأتي رد الباضية كما يلي‪ ":‬إن ال ختم على قلوبهم‬
‫وعلى سمعهم وعلى أبصارهم وطبع عليها بكفرهم الذي اكتسبوه واختاروه فجعل الكفر في نفسه‬
‫خاتما وطابعا على قلوبهم حيث خلقه في عينه خلفا لعين اليمان ومضادا له فهما ل يجتمعان في‬
‫قلب ول في سمع ول في بصر ول في جارحة فاختيار الكافر والكفر هو المانع له والطابع على قلبه‬
‫والخاتم على سمعه وبصره حتى ل يكون يفعل ضده من اليمان في حال فعله الكفر" (‪. )92‬‬

‫‪ )2‬مشيئة ال‬

‫كثيرا ما يحتج أهل الشرك على شركهم بمشيئة ال ومن ذلك ما جاء على لسانهم في قوله تعالى‪:‬‬
‫( وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم) (‪ 43‬الزخرف ‪ ... )93( )20‬عبادتنا‬
‫للملئكة بمشيئة ال تعالى إذ لو لم يشأ لم نعبدهم بل يجبرنا على ترك عبادتهم أو يهلكنا إن لم يرض‬
‫عبادتهم فعبادتنا لهم واجبة أو حسنة أو أحسن أو جائزة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وذلك باطل لن ال خلق الطاعة والمعصية وشاء المعصية كما شاء الطاعة فل يلزم من صدور‬
‫المعصية منهم أنه أباحها أو استحسنها أو أوجبها‪.‬‬

‫( ما لهم بذلك من علم)‪ ...‬فإن المشيئة ل تقتضي رضى بشيء ول قبحا ول نهيا بل تقتضي أنها‬
‫ليست أمرا بمعصية ول نهيا عن طاعة (‪. )94‬‬

‫ويزيد هذا الموقف توضيحا ما جاء في كتاب المنهج ‪ ":‬والذي نقوله إن ل تعالى مشيئتين في‬
‫خلقه‪.‬‬

‫إحدهما مشيئة المر الذي أرسل به الرسل وهدى به السبل‪.‬‬

‫والمشيئة الخرى مشيئة في خلق الخلق وقسم الرزاق وما أراد في إنفاذ ما قد سبق عنده في علمه‬
‫من المور وما به الخلق عاملون وإليه صائرون‪.‬‬

‫ولو كانت المشيئة من أمر ال تعالى واحدة كما قالت القدرية (‪ )95‬لم يختلف على ال في ما أراد‬
‫من الخلق كما لم يختلف إرادته في خلق السماوات والرض وغير ذلك وكان العباد في أمرهم به‬
‫مطيعين كما أطاعته السماوات والرض إذا أجابتا حين قال للسماوات والرض ( ائتيا طوعا أو كرها‬
‫قالتا أتينا طائعين) (‪ 41‬فصلت ‪." )96( )11‬‬

‫بهذه الطريقة وجد الباضية مخرجا لما جاء في القرآن بصيغة المشيئة يوحي بالجبر فيميزوا بين‬
‫مشيئتين مشيئة لمر ومشيئة إرادة‪.‬‬

‫كما يحتج الجبرية بقوله تعالى ( وما تشاؤون إل أن يشاء ال) (‪ 81‬التكوير ‪ )29‬فيخرجها الباضية‬
‫بهذا المسلك‪.‬‬

‫" وما تشاؤون شيئا أو اتخاذ سبيل إل أن يشاء ال‪ :‬إل وقت مشيئة ال لمشيئتكم‪...‬وال عز وجل‬
‫شاء كفر الكافرين وإيمان المؤمنين بل إجبار وخلق الكفر والطاعة وللكافر والمؤمن اختيار مخلوق‬
‫ل عز وجل " (‪. )97‬‬

‫فكل هذه المواقف من السياق القرآني تبعد التصور الباضي عن القول بالجبر وإن بدت في بعض‬
‫الحيان غامضة‪.‬‬

‫أما ربط الهداية والضلل بالمشيئة كما جاء في قوله تعالى ( فيضل ال من يشاء) (‪ 14‬إبراهيم ‪.)4‬‬

‫فلم يطل كل من عمر والتلتي (‪ )98‬ويوسف المصعبي (‪ )99‬الوقوف عنده وإنما اكتفيا بالحالة‬
‫على تحليل إسماعيل الجيطالي (‪ )100‬وقد عبر عن ذلك بصفة أوضح محمد اطفيش كما يلي‪" :‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وإضلل ال خذلن وهدايته توفيق‪ ،‬ول إجبار وهما أزليان ول يتخلفان" (‪. )101‬‬

‫كما جاء في تفسير قوله تعالى ( ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من‬
‫يشاء) (‪ 16‬النحل ‪ )93‬ما يلي‪ ( :‬ولو شاء ال لجعلكم أمة واحدة) على السلم بالجبار وليس‬
‫الجبار حكمة إذ ل يمدح المجبر ول يذم فهو ل يستحق ثوابا ول عقابا أو لو شاء ال لجعلكم على‬
‫السلم باختياركم ولكن يضل من يشاء بالخذلن عن الهدى لختيار الضلل بالكسب الختياري‪،‬‬
‫ويهدي من يشاء بالتوفيق إليه لختيار المهدي‪ ،‬وكل الختيارين مخلوق ل سبحانه ومع خلقه ل‬
‫إجبار هذا مذهبنا فللعبد قدرة مؤثرة بإذن ال عز وجل مخلوقة له تعالى ول واجب على ال عز‬
‫وجل وتوفيقه لمن يشاء فضل وإحسان " (‪. )102‬‬

‫فل خلص حينئذ من قضية الجبر حسب الباضية إل عن طريق العون والخذلن (‪ )103‬مع تحديد‬
‫القدرة المؤثرة التي تجعل النسان مسؤول على كسبه‪.‬‬

‫وقد سلك الباضية نفس المسلك مع ربط الغفران والتعذيب بالمشيئة‪)104( .‬‬

‫وبعد عرضنا نماذج من الستدلل بالقرآن يحسن أن نقف عند نماذج من الحديث الشريف‪.‬‬

‫تأويل ما اعتمده القدرية والجبرية من نصوص الحديث الشريف‬

‫‪ -‬أحاديث يحتج بها على القدرية‪:‬‬

‫‪ )1‬ما جاء في لعن القدرية واعتبارهم مجوس المة‪ :‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬القدرية مجوس‬
‫هذه المة إن مرضوا فل تعودوهم وإن ماتوا فل تصلوا عليهم" ‪)105( .‬‬

‫وما شبه هؤلء بالمجوس إل لنهم يضيفون الخلق لنفسهم بل تجاوزوا إلى أن هؤلء ل ينسبون‬
‫إلى أنفسهم إل خلق الشرور والقدرية ينسبون لنفسهم خلق الخير والشر‪)106( .‬‬

‫ويزيد صاحب التيسير تشنيعا على القدرية حيث ينقل عن علماء ما وراء النهي‪ ":‬القدرية شر من‬
‫المجوس لن للمجوس آلة تعدّ والمعتزلة ل تعدّ آلهتهم لن كل فاعل عندهم خالق لفعله حتى‬
‫الدواب‪)107( .‬‬

‫‪ )2‬نسبة الخلق إلى ال مع أن الفعل فعل النسان‬

‫‪ -‬روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل ‪ " :‬إن ال لم يخلق شيئا أحب إليه من‬
‫العتاق" (‪ " )108‬ولم يخلق شيئا أبغض إليه من الطلق" (‪ . )109‬وقد علمنا أن العتاق والطلق‬
‫فعل العباد "‪)110( .‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬روي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قيل لـه‪ " :‬يا رسول ال لو سعرت لنا سعرا فقال‪ :‬إن ال هو‬
‫المسعر (‪ )111‬والعباد يحمدون على أن يرخصوا السعار ويذمون إذا غلوها‪.‬‬

‫‪ -‬وروي عنه عليه السلم مر على جنازة رجل من النصار فقال‪ " :‬اللهم نقه من الذنوب والخطايا‬
‫كما تنقي الثوب البيض من الدنس" (‪ . )112‬والعباد هم الذين يقصرون الثياب وأضاف رسول ال‬
‫ذلك إلى ال لنه المقدر لذلك المجري له على أيدي العباد (‪. )113‬‬

‫‪ )3‬نسبة خلق الخير والشر إلى ال صراحة‬

‫جاء في الحديث القدسي‪ (" :‬أنا ال الذي ل إله إل أنا خالق الخير والشر فطوبى لمن خلقته ليكون‬
‫الخير على يديه‪ ،‬وويل لمن خلقته ليكون الشر على يديه" (‪. )114‬‬

‫‪ )4‬نسبة خلق أفعال العباد إلى ال‬

‫جاء في الحديث‪ " :‬خلق ال العالمين وأفعالهم" كما جاء أيضا‪ " :‬خلق ال كل صانع وصنعته" (‬
‫‪. )115‬‬

‫تلك هي بعض النصوص النبوية التي يحتج بها الباضية عامة على القدرية‬
‫فمـاذا عن الحاديث على الجبرية؟‬
‫========================‬
‫(‪ )90‬البقرة ‪ 7‬اكتفى يوسف المصعبي هنا بالعتناء بالجانب البلغي وبالمقارنة بين موقف المعتزلة والشاعرة في ما يتعلق‬
‫بالمجاز دون أن يشير إلى موقف الجبرية من الية ‪.‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 7‬وجه وقفا‪.‬‬
‫(‪ )91‬لقد أورد يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري في شأن الية وهو ‪ "...‬وذلك أنهم أرادوا بقولهم قلوبنا غلف أن ال‬
‫خلق قلوبنا غلفا أي في أكنة ل يتوصل إليها شيء من الذكر والموعظة‪ ...‬كمذهب المجبرة أخزاهم ال‪ ،‬فقيل لهم بل خذلها ال‬
‫ومنعها اللطاف بسبب كفرهم فصارت كالمطبوع عليها ل أن تخلق غلفا غير قابلة للذكر ول متمكنة من قبوله( ر‪ .‬الكشاف‬
‫‪. )1/578‬ر‪ .‬فبما حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 183‬قفا ‪ .‬وبداية الية في سورة النساء هي‪ :‬نقضهم ميثاقهم وكفرهم‬
‫بآيات ال وقتلهم النبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع ال عليها بكفرهم فل يؤمنون إل قليل‬
‫(‪ )92‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/88 :‬‬
‫(‪ )93‬لم يبلغ ما بين أيدينا من حاشية المصعبي إلى هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.1:5/240‬‬
‫(‪ )95‬القدرية الذين يثبتون القدر وجاءت مرادفة للجبرية‪.‬‬
‫(‪ )96‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪.455-1/454‬‬
‫(‪ )97‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.6/449 ،1‬‬
‫(‪ )98‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 69‬وجه إلى ورقة ‪ 76‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )99‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على الجللين ورقة ‪ 341‬وجه وورقة ‪ 347‬وجه لم يشر إلى القضية تماما وإنما تعرض لها في‬
‫ورقة ‪ 341‬وجه فاكتفى بنقل شيء من كلم البضاوي‪.‬‬
‫(‪ )100‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 152‬وجه إلى ‪ 167‬قفا ‪ .‬وملخص ما جاء عند أبي نصر في النونية من بيت ‪45‬‬
‫إلى بيت ‪ 57‬يتمثل في نفي القول بالجبر مع تبيين أن الهداية هدايتان هداية بيان وهداية توفيق‪ ،‬وأن النسان محاسب على‬
‫كسبه‪.‬ر‪ .‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪5-4‬‬
‫(‪ )101‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.5/458 ،1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )102‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.5/641 ،1‬‬


‫(‪ )103‬انظر ما يلي‪477 :‬‬
‫(‪3‬ال عمران ‪ )129‬فالغفران له بالتوفيق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‪ ) )104‬إلى التوبة‪ ،‬ويعذب من يشاء تعذيبه‬
‫بالخذلن ‪.‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ .2:2/166‬والملحظ أن يوسف المصعبي لم يشر إلى الية تماما ‪.‬ر‪ .‬حاشية على‬
‫تفسير الجللين ورقة ‪ 139‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )105‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪ .789‬رواه أبو داود في سننه عن حذيفة ولفظه‪ ":‬لكل أمة مجوس‬
‫ومجوس هذه المة الذين يقولون ل قدر الخ‪...‬‬
‫ومثل حديث المسند في سنن أبي داود عن أبي عمر مع لفظ وإن مرضوا فل تشهدوهم وذلك في باب القدر من السنن‪ ،‬وانكر ابن‬
‫حزم صحة هذا الحديث لطريق السناد لن في سنده عن أبي داود جعفر بن الحارث وهو مطعون فيه‪ .‬وأورده ابن الجوزي في‬
‫الموضوعات ( مقدمة التبصير في الدين لزاهد الكوثري‪ )5-4 :‬أخذ عن تعليق عدد ‪ 9‬الموجز ‪.2/62‬‬
‫(‪ )106‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/117‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/62 :‬‬
‫(‪ )107‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪.3/114 1‬‬
‫(‪ )108‬يعني مما رغب فيه من غير فرض‪.‬‬
‫(‪ )109‬يعني مما هو دون ما نهى عنه من المعصية‬
‫(‪ )110‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 2/63 :‬والملحظ أن الحدثين لم يردا عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )111‬رواه مسلم في باب التسعير عن قتادة وحميد عن أنس ولفظه‪ ":‬قال ‪ :‬إن ال هو المسعر الناس يا رسول ال غل‬
‫السعر‪ ،‬فسعر لنا فقال رسول ال القابض الباسط الرزاق‪ ،‬وإني لرجو أن القي ال وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ول‬
‫في مال" ‪.‬ر‪ .‬أبو عمار الكافي‪ :‬الموجز ‪ 2/63‬تعليق ‪. 8‬ر‪ .‬الترمذي‪ :‬البيوع ‪ ،72‬أبو داود‪ :‬يبوع‪ 50 -49 :‬ابن ماجة‪ :‬تجارات‬
‫‪ ،27‬الدرامي‪ :‬بيوع ‪ ،12‬أحمد بن حنبل ‪. 287 ،156 ،3/85 272 -2/227‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.2/463‬‬
‫(‪ )112‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬آذان ‪ ،89‬دعوات ‪ ،46 ،44 ،39‬مسلم ‪ :‬مساجد ‪ ،147‬جنائز ‪ ،867 -85‬ذكر ‪ .49‬أبو داود ‪ :‬صلة ‪.121‬‬
‫الترمذي‪ :‬دعاء‪ 101 ،76 :‬النسائي‪ :‬طهارة ‪ 49 .48‬مياه ‪ ،6‬غسل ‪ ، 3‬افتتاح ‪ .15‬جنائز ‪ ،77‬استعاذة ‪ .26 ،18‬ابن ماجة‪:‬‬
‫إقامة ‪ 1‬جنائز ‪ 23‬دعاء ‪ ،3‬الدارمي‪ :‬صلة ‪ 37‬أحمد بن حنبل ‪.207 ،57 ،28 ،6/23 ،3/354 ،2/494‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪6/544‬‬
‫(‪ )113‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/63 :‬‬
‫(‪ )114‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 54‬قفا‪ ،‬وأورده الجيطالي في شرح النونية ورقة ‪ 27‬ورواه عن وهب بن منبه‪ .‬أما‬
‫صاحب المنهج فذكر النص بطريقة أخرى قائل‪ :‬ويوجد في بعض الثار أن ال تعالى قال‪ ":‬ل إله إل أنا‪ ،‬خلقت الشر وقدرته‪،‬‬
‫فويل لمن خلقته للشر وقدرته على يديه فإني ل أسأل عما أفعل وهم يسألون" خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ 1/433‬ولم‬
‫يرد الحديث عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ويورد أبو عمار عن وهب بن منبه على أنه نقله عن بعض الكتب‪ ،‬الموجز ‪.2/64‬‬
‫(‪ )115‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪ 1/165‬ولم يرد الحديثان عند ونسنك في المعجم المفهرس ويعتبر أبو عمار النص الثاني‬
‫من أقوال حذيفة بن اليمان ويورده كما يلي‪ " :‬إن ال خلق كل صانع وصنعته" ر‪ .‬الموجز ‪.2/64‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬أحاديث يحتج بها على الجبرية‪:‬‬

‫‪ )1‬توعّد من يحملون ذنوبهم على ال‪:‬‬

‫‪ -‬سئل صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬متى يرحم ال عباده؟" فقال‪ ":‬ما لم يعملوا بالمعاصي ثم يقولوا‬
‫إنها من عند ال جبر ولو شاء ال ما أشركوا" ‪.‬‬

‫‪ -‬وبلغنا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬خمسة ل تطفأ نيرانهم يوم القيامة‪...‬ورجل‬
‫حمل ذنبه على ال مثل من قال هو مجبر ليس له فعل"‬

‫‪ -‬وأنه قال‪ " :‬خصلتان ل تنفع معهما صلة ول صوم الشرك بال وأن يزعم أن ال جبره على‬
‫معصيته " (‪. )116‬‬

‫ويقول الرسول عليه السلم‪ " :‬سيكون في هذه المة قوم يعملون المعاصي ثم يقولون هي من ال‬
‫قضاء وقدر فإذا أدركتموهم فأعلموهم أني برئ منهم " ‪)117( .‬‬

‫‪ )1‬تأويل أحاديث توحي بالجبر‪:‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يسأل الجبرية عن معنى قوله عليه السلم‪ ":‬إن السعيد من بطن أمه والشقي من بطن أمه فيجيب‬
‫الباضية بما يلي‪ ":‬والشقي في بطن أمه" بما علم ال أنه سيشقى به من فعله وسوء اختياره‬
‫لنفسه وجرأته على ربه وكذلك السعيد سعيد في بطن أمه بما علم ال أنه سيسعد به من فعله‬
‫ولتباعه لمر ربه وحسن نظره لنفسه (‪. )118‬‬

‫فإن قالوا ما معنى قول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لن يدخل الجنة أحد بعمله"‪ ،‬قيل‪ ":‬ول‬
‫أنت يا رسول ال"‪ ،‬قال‪ ":‬ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" (‪. )119‬‬

‫قيل إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم ل حول ول قوة إل بال‬
‫أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال ول يستعصم‬
‫عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له ويغمده برحمته‬
‫التي ل تخيب من تغمد بها‪ ،‬وعلى هذا المعنى أمر ال المؤمنين بأن يقولوا‪ ( :‬اهدنا الصراط‬
‫المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين) (‪ ، )120‬وهذا من باب‬
‫العون من ال لوليائه ‪ ،‬والهداية لهل دينه‪ .‬وليس هذا من معنى ما ذهبتم إليه في شيء من أنه‬
‫يضطر العباد على أفعالهم ويجبرهم عليها فل يذمون ول يحمدون" (‪. )121‬‬

‫ويحسن أن نذكر هنا بتعليق الربيع على مجموعة الحاديث الواردة في القدر (‪ )122‬من ذلك قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لما خلق ال آدم عليه السلم أخرج من ظهره ذريته كالذر فأخذ مواثيقهم‬
‫وأمرهم بالسجود فأبت طائفة وأجابت طائفة‪ ،‬فمن أجاب يومئذ فهم المؤمنون وهم السعداء‪ ،‬ومن‬
‫أبى يومئذ فهم الكافرون وهم الشقياء" (‪. )123‬‬

‫والملحظ غالبا أنه كثيرا ما يقع استغلل ما يعتمده الجبرية للرد على القدرية والعكس بالعكس‪.‬‬
‫ويقول أبو خزر في هذا الصدد‪ ":‬وذلك أنا نظرنا الى اليات التي احتجت بها المعتزلة واليات التي‬
‫احتجت بها المجبرة والمجبلة فضربنا بعضها بعض" (‪. )124‬‬

‫وتعتبر النصوص الباضية أن مرجع الخطأ لدى الفريقين اعتبارهما أن الفعل ل تكون له إل علة‬
‫واحدة والصواب أن للفعل جهتين مفترقتين إحداهما جهة خلق ل والتدبير والتقدير‪ ،‬والخرى جهة‬
‫التحرك للعبد والسكون والطاعة والمعصية‪ ،‬فجعلتم هاتين الجهتين المختلفتين جهة واحدة فأبطلت‬
‫المجبرة واحدة وأبطلت القدرية واحدة فضللتم بعد ذلك جميعا عن سبيل ال ضلل بعيد (‪. )125‬‬

‫وقبل أن نتحول إلى عرض الحجج العقلية يحسن أن نلحظ أننا جمعنا بين النصوص القرآنية‬
‫ونصوص الحديث لما رأينا بينهما من تقارب في معالجة القضية وكان يمكن أن نسلك مسلكا آخر‬
‫وهو الجمع بين القرآن والحديث هنا هناك‪ ،‬كما تجدر الشارة إلى أن كثيرا من الحاديث المتعمدة‬
‫ينبغي أن تؤخذ باحتراز لن عددا منها كما نبهنا الى ذلك لم يرد ل عند الربيع في الجامع الصحيح‬
‫ول في بقية الصحاح والمساند التي اعتمدها ونسنك في المعجم المفهرس‪ ،‬وقد أوردناها من باب‬
‫المانة العلمية لنها كثر ترددها في التراث الذي نحن بصدد تحليله‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن الحجج النقلية على القدرية والجبرية إلى الحجج العقلية؟‬

‫الحجج العقلية‪:‬‬
‫الحتجاج العقلي في الرد على القدرية‪:‬‬

‫يضع أبو عمار مقدمة يسميها مسألة الجهات ويعتبرها في غاية الهمية في حل قضية القدر‪":‬‬
‫والعلم بالجهات هو عمود هذا الباب الذي يرفع عليه سمكة وأسه الذي تقوم عليه دعائمه" (‪)126‬‬
‫‪.‬‬

‫وضبط في هذه المقدمة أن للفعل جهات كثيرة فهو محدث وطاعة ومعصية‪ ،‬ويكون حسنا وقبيحا‪،‬‬
‫والساس أن له جهة خلق وهي ال‪ ،‬وجهة كسب وهي للنسان‪.‬‬

‫أما المعتزلة فيعتبرون القائلين بنفي خلق أفعال العباد عن ال ثلث طوائف قبل أن يردوا عليهم‪:‬‬

‫‪ -1‬طائفة تقول‪:‬الفعال والحركات كلها من الطبائع‪ :‬الطبيعة‪.‬‬

‫‪ -2‬والثانية تقول‪ :‬أفعال الضطرار ل فاعل لها‪.‬‬

‫‪3‬ـ والثالثة تقول‪ :‬كل شيء خلق ال ما عدا أفعال المكتسبين (‪. )127‬‬

‫وسنختار من بين الحجج التي اعتمدها أبو عمار ثلثا جدلية نظرية واثنتين تقومان على الصيغ‬
‫اللغوية‪.‬‬

‫أ) الحجج النظرية‪:‬‬

‫‪ -1‬حجة الحركة والسكون‪:‬‬

‫ينطلق أبو عمار بطرح سؤال على القدرية الذين زعموا أن الفعال غير مخلوقة ل وهو‪ ":‬هل تخلو‬
‫هذه الفعال من أن تكون حركة أو سكونا؟" وعندما يقرون أنها إما حركة أو سكون يتدرج بهم‬
‫تدريجا جدليا مزدوجا يفرض اختيار أحد موقفين‪:‬‬

‫‪ -‬محدثة أو غير محدثة‪.‬‬

‫فإن كانت غير محدثة فقد أبطلوا وإن كانت محدثة فمن أحدثها؟ وهل تدل بحدوثها على حدوث من‬
‫حلت به ووصف بها؟‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويصل بهم في النهاية الى السؤال التالي‪ ":‬من جعلها إذن تدل على حدوث ما قامت به ووصف‬
‫بها؟" فيفضي إلى جواب حتمي فل يجدون إل أن يقولوا إن ال جعل هذه الفعال من حركات العباد‬
‫وسكونهم واجتماعهم وافتراقهم دالة على حدوث أجسامهم وجعل ذلك دللة على وحدانيته جل ثناؤه‬
‫وربوبيته كما جعل سائر الفعال من الشياء كذلك كانت الشياء متساوية في وجه الدللة على ال‬
‫جل جلله (‪. )128‬‬

‫‪ -2‬حجة عجز الفعال عن أن تقوم بنفسها‪:‬‬

‫يفضي الجدل إن نسبوا ذلك الى العباد الى انقلب القيم وأن يصير العصاة ممدوحين على معاصيهم‬
‫وبذلك يتحتم نسبة ذلك إلى ال تعالى فهو الذي جعل الفعال عاجزة محتاجة ملزمة للفناء مستحيل‬
‫عنها البقاء وجعلها محدثة غير قديمة كائنة بعد أن لم تكن‪ ،‬وجعلها دالة على قدم محدث جميع ذلك‬
‫وثبوت ربوبيته ووحدانيته (‪. )129‬‬

‫‪ -3‬رد ادعاء الشركة في الفعل بين ال والنسان‪:‬‬

‫وتعتبر هذه الحجة أقوى حجج القدرية إذ ما دام الفعل ل وللعبد وهو ل يتجزأ فهو شركة بينهما‬
‫والشركة عن ال منفية‪.‬‬

‫ويمهد أبو عمار للرد بالتمييز بين الشركة الحقيقية والمجازية‪ ،‬فالشركة الحقيقية كاشتراك رجلين‬
‫في مال تجارة على قدر النسب والمجازية كتعاون رجلين على عمل ما‪ .‬وفي كل الحالين ل يجوز أن‬
‫يقال إن ال شاركهما‪ ،‬وإن كان المال ملك ال ( وآتوهم من مال ال الذي آتاكم) (‪ 24‬النور ‪ )33‬في‬
‫الولى‪ ،‬وكان ال قواهما على التعاون في الثانية‪ ،‬وذلك لختلف جهات الضافة في الفعل ومعانيه‪.‬‬

‫فسبيل خلق ال لفعل كسبيل ملك ال المال وتقويته للرجلين‪.‬‬

‫وسبيل اختيار العبد لفعله واكتسابه كسبيل المشتركين في المال والمتعاونين على عمل‪.‬‬
‫فالمهم حينئذ أن أبا عمار يعتبر أن هذه المسألة التي يعتد بها المعتزلة " هي عند المبتدءين من‬
‫أهل الثبات المثبتين للقدر مسألة ساقطة ومعارضة واهية فضل عن حذاق متكلميهم" (‪. )130‬‬

‫أ‌) حجتان تقومان على الصيغ اللغوية‪:‬‬

‫يعتمد المعتزلة على صيغتين هما‪ ":‬لو جاز كذا‪...‬لكان كذا" و" هل ثمّ إل ال وما خلق" يفضيان‬
‫الى ضرب من المستحيل فيسعى أبو عمار إلى الرد عليهما‪.‬‬

‫‪ )1‬معارضة القدرية بلو جاز‪:‬‬

‫يعتبر المعتزلة أن الفعل ل يتجزأ ول يمكن أن يكون من فاعلين لذلك لو جاز أن يكون الفعل واحدا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من فاعلين لجاز أن يكون حركة واحدة من متحركين وسكون واحد من ساكنين‪.‬‬

‫فيرد أبو عمار القاعدة التي انطلق منها المعتزلة ويعتبرها حكما بغير حجة ثم يعتمد على مبدأ تعدد‬
‫الجهات ليبرهن على جواز أن يكون فعل واحد من فاعلين مثل جواز إضافة اللون الى اثنين على‬
‫وجهين مختلفين أحدهما الخلق والخر الحلول‪ .‬فيقال هو خلق ال حل في جسد فلن‪ ،‬كذلك بالنسبة‬
‫إلى الفعل الواحد فهو من ال خلق ومن النسان كسب (‪. )131‬‬

‫‪ )2‬معارضة القدرية بهل ثمّ؟‬

‫يعتبر المعتزلة ما دام ليس ثمّ إل ال وما خلق ينبغي أن تنتفي الوامر والنواهي والثواب والعقاب‪.‬‬

‫فيرد أبو عمار بقوله‪ ":‬ليس ثمّ إل ال وما خلق ل على نفي الكتساب ول يجوز إرسال الجواب‬
‫حتى يوصل بالصلة التي تبين بها الجواب"‪ .‬فإن قالوا مماذا غضب ال من نفسه أو من خلقه‪...‬قيل‬
‫لهم‪ :‬غضب من فعل العبد الذي هو ل خلق ول يقال غضب من خلقه‪.‬‬

‫وترجع ردود أبي عمار على كل الصيغتين الى ما قرره من لمكان تعدد الجهات المر الذي يرفضه‬
‫المعتزلة (‪. )132‬‬
‫وقبل أن نتحول الى تعريف الكسب يحسن أن نذكر حجتين عقليتين في الرد على الجبرية‪.‬‬

‫الحتجاج العقلي في الرد على الجبرية‪:‬‬

‫يعتبر الجبرية أن ال فعال ول يجوز أن يكون فعال غيره‪ ،‬فلذلك ل يكون الثواب والعقاب إل عطاء‬
‫من ال ول دخل للعبد فيه‪.‬‬

‫يعتبر أبو عمار أن الجبرية أخطأوا من الجهة التي أخطأ منها القدرية وذلك بنسبتهم الفعل الى جهة‬
‫واحدة فنسب الجبرية الفعل إلى ال بينما نسبه القدرية إلى النسان والجواب حسب أبي عمار‬
‫واضح مما ذكر من قبل‪.‬‬

‫ومن بين الحجج التي يذكرها على الجبرية‪:‬‬

‫‪ -1‬الفرق بين السّالمين وأهل الزمانات‬

‫لو كان الناس جميعا مجبرين فلم التمييز بين السالمين وأهل الزمانان‪ ،‬ونحن نعلم أن ال أسقط‬
‫أمورا على أهل الزمانات وبسط لهم المعذرة‪ ( .‬ليس على العمى حرج‪ ،‬ول على العرج حرج‪ ،‬ول‬
‫على المريض حرج) (‪ 48‬الفتح ‪ )17‬من ذلك إسقاط القرار بالتوحيد قول على الخرس وإبطال‬
‫فرض الحج والجهاد على المقعد‪ ،‬بينما أوجب ذلك على الصحاء السّالمين‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم يتدرج بهذا التحليل إلى اعتبار أن مثل هذا التصور دفع الملحدين إلى أن يعيبوا على ضعفه المة‬
‫فعملوا على السعي إلى إبطال التوحيد والمر والنهي (‪. )133‬‬

‫‪-2‬حجة المشيئة (‪)134‬‬

‫يعتبر الجبرية أن مشيئة ال وعلمه ل يبقيان معنى للكسب والختيار فيجيب أبو عمار" الذي‬
‫سألتمونا عنه من هذا أنه ليس في قولنا ال شاء لجميع ما يكون من الخلق عمل العباد وغيره‪،‬‬
‫وأنه عالم بجميع ذلك وليس شيء بخارج من علمه‪ ،‬ول مجاوز لرادته ومشيئته مما يوجب أن‬
‫يكون ال مكرها للعالمين على أعمالهم ول جابرا لهم على ما يكون منهم من اختيارهم كما أنا‬
‫وإياكم جميعا نقول‪ :‬إن ال عالم بجميع ما يحدثه في خلقه ومريد لما يقدره عليهم‪ ،‬ول يكون من‬
‫ذلك إل ما علم وأورد وليس في ذلك أيضا ما يوجب أن يكون ال جل جلله مجبورا على أفعاله في‬
‫خلقه‪ ،‬ول مضطرا عليها إذا كان ل يجاوز شيء من ذلك علمه ول إرادته وليس العلم والرادة‬
‫باللذين يجبران أحدا على فعل ما فعل ول بمانعين له عن فعل ما لم يفعل (‪." )135‬‬

‫بهذا نتبين أن الفكر الباضي يميز بين المشيئة وبين الجبر تمييزا قطعيا وبهذا يترك المجال للختيار‬
‫البشري لتتجلى الحكمة من المر والنهي والثواب والعقاب وبذلك يتميز فعل الختيار عن حركات‬
‫الضطرار‪.‬‬

‫وواضح إذن من خلل هذه الردود على المعتزلة والجبرية أن الباضية سلكوا مسلكا آخر عبروا‬
‫عنه بالكسب فمتى نشأ هذا المصطلح وما مدلوله؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )116‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 57‬وجه ‪.‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 137‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )117‬البرادي‪ :‬شفاء الحائم ‪ .‬نقل عن سالم العدالي‪ :‬البرادي حياته وآثاره ‪ 312 :‬مع الملحظ أن كل هذه الحاديث لم ترد عند‬
‫ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )118‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪. 87 -2/86 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 133‬قفا‪.‬‬
‫فعلم ال ليس معناه الجبر وعلى هذا المعنى تحمل بقية الحاديث الواردة في هذا المعنى‪ .‬وجاء الحديث بصيغة‪ ":‬الشقي من‬
‫شقي في بطن أمه"‪ .‬عند مسلم قدر ‪ ،3‬ابن ماجة مقدمة ‪ ،7‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.1/192‬‬
‫(‪ )119‬البخاري‪ :‬رقاق ‪ 18 :‬مرضى ‪ ،19‬مسلم‪ :‬منافقين‪ .78 .76 .75 .73 .71 :‬ابن ماجه‪ :‬زهد ‪ ،20‬الدرامي‪ :‬رقاق ‪،24‬‬
‫أحمد بن حنبل‪...256 .2/235 :‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪.4/559 :‬‬
‫(‪ )120‬الفاتحة ‪.7‬‬
‫(‪ )121‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪. 2/86 :‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 133‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )122‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪ 802‬انظر ما سبق‪ 427 :‬يفهم أل جبر إذ الخلق من ال والفعل من العبد‪.‬‬
‫(‪ )123‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/10‬عدد ‪.802‬‬
‫والملحظ أن المحشي ختم شرحه لهذا الحديث ولتعليق الربيع عليه بمجموعة من القوال منسوبة إلى علي ابن أبي طالب مفادها‬
‫أل جبر وأن المدار على توفيق ال تعالى ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 135 -7/132‬وجاء بصيغة ‪ ":‬فأخرج من صلبه كل ذرية‬
‫ذرأها‪ "...‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪ 272 /1‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪2/174‬و ‪(134/ 7‬كلمة ميثاق)‪.‬‬
‫(‪ )124‬ر‪ .‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪.36 :‬‬
‫(‪ )125‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.7/132‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/90 :‬‬
‫(‪ )126‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 42 -2/41 :‬وقد تعرض لمثل هذه القضية في التعريفات العامة بنفس العنوان تقريبا" في‬
‫الجهات" ر‪ .‬الموجز ‪ 20 -2/19‬ونجد صدى لهذا في المرحلة المقررة عند المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 7/117‬لكنه لم يتوسع في‬
‫القضية ولعل مرجع ذلك إلى الكتفاء بما جاء عند سلف الباضية ‪ ،‬كما أن القضية لم تعد قائمة الذات لن البيئة التي يعايشها‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباضية أشعرية ‪ ،‬والطرفان يقولن بالكسب مع وجود فويرقات بسيطة‪.‬‬


‫وإتماما للفائدة سيكون منطلقنا من كتاب أبي عمار‪ :‬الموجز‪ .‬لنه أشبع القضية بحثا‪ ،‬وعلماء المرحلة المقررة عالة عليه خاصة‬
‫في هذا الجانب من الحتجاج العقلي‪.‬‬
‫(‪ )127‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.24 -23 /2 :‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.27 -2/26 :‬‬
‫(‪ )129‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.28 -2/27 :‬‬
‫(‪ )130‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ :2/48 :‬والسبب في الخلف هو اختلف منطلق البحث فالمعتزلة يعتبرون أن الفعل ل‬
‫يتجزأ ول يمكن أن يكون له إل جهة واحدة‪ ،‬بينما يعتبر الباضية كما رأينا أن للفعل عدة جهات‪ .‬انظر تحليل للقضية نفسها عند‬
‫البرادي‪ :‬فيذكر مثال البناء‪ ،‬ففعله في الترصيف‪ ،‬والحجارة والطين من خلق ال تعالى فل شركة ‪.‬ر‪ .‬سالم العدالي‪ ،‬حياته وآثاره‪:‬‬
‫‪.325 -321‬‬
‫(‪ )131‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/36 :‬‬
‫(‪ )132‬نفس المصدر ‪.2/44‬‬
‫(‪ )133‬وهذا ما أشرنا إليه من قبل من الشبهات التي يثيرها كثير من أهل الفلسفة حول السلم معتبرين القضاء بمثابة ما جاء‬
‫في قول القائل‪ ( :‬البسيط)‬
‫ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء‬
‫(‪ )134‬انظر ما سبق‪ 432 :‬وقد كان المنطلق نقليا وخلصت النصوص إلى التمييز بين مشيئتين‪.‬‬
‫(‪ )135‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.2/85 :‬‬

‫الكـسـب‬

‫إن الناظر في ما بقي من نصوص عن الئمة الول أمثال جابر بن زيد وأبي عبيدة والربيع (‪ )1‬ل‬
‫يجد أثرا لستعمال كلمة الكسب بالمفهوم الصطلحي الذي اصطبغت به في ما بعد‪ ،‬وإنما نلمس أن‬
‫المفهوم سابق للمصطلح ذلك أن هؤلء الئمة لم يجنح واحد منهم الى طرفي القضية وإنما وقفوا‬
‫بشدة ضد أصحابهم الذين نزعوا نزعة غيلن الدمشقي وتبرأوا منهم وأطردوهم من حلقاتهم (‪. )2‬‬

‫وقد جاء التصريح واضحا في عقيدة عمان بالبراءة من المعتزلة ومن الجبرية‪:‬‬

‫" والبراءة ممن زعم أن‪ ...:‬ليس ل مشيئة في أعمال العباد وأنهم عملوا خلف ما شاء ال‪ ...‬وهم‬
‫القدرية والمعتزلة‪"...‬‬

‫" والبراءة ممن زعم أن ال جبر العباد على الطاعة والمعصية‪ ...‬وهم الجهمية وأشياعهم" (‪. )3‬‬

‫أما النصوص المغربية التي وصلتنا قبل رسالة أبي خزر وحتى بعدها فإنها تذكر كلمة الكسب أو‬
‫الكتساب ذكرا عابرا مما يدل على أن المصطلح لم يتبلور بعد‪.‬‬

‫ومن ذلك ما جاء في كتاب مسائل التوحيد في صدد الحديث عن التمييز بين الطبع والجبر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والختيار‪ ":‬وذلك أن الختيار كل ما اختاره النسان واكتسبه من غير كره ول ضرورة في الخذ‬
‫والترك وما يقوم عنها من قصده واختياره" (‪. )4‬‬
‫ومنع أيضا ما جاء في عقيدة نفوسة‪ ":‬وقيل إن الجن والنس مكلفون مأمورون مكتسبون‪...‬‬
‫والحركة على وجهين حركة مضطرة ما يتحرك من غير قصد ول اكتساب وهو مثل المرتعش‬
‫والكائن في السفينة وحركة مكتسبة بالقصد والكتساب" (‪. )5‬‬

‫لكن الناظر في ردود أبي خزر على المعتزلة والجبرية معا يتبين بوضوح أن الباضية وقفوا موقفا‬
‫وسطا وليس الكسب في النهاية إل منزلة بين الجبرية المطلقة والقدرية المطلقة قد يقترب منن هذا‬
‫الجانب حينا ومن الجانب الثاني حينا آخر كما سنحاول أن نتبين ذلك بعد حين (‪. )6‬‬

‫وهذا قوله جاء صريحا في ذلك‪ ":‬فأخذنا من ذلك (‪ )7‬بالوسط وهو أعدل القولين وأصوبهما فنفينا‬
‫عن النسان ما ليس من فعله وأضفنا ذلك الى ال بالمعنى الذي يحسن به الضافة إليه‪. )8( "...‬‬
‫ويميز أبو خزر بوضوح بين حركة المضطر وحركة المكتسب ويثبت لحركة المكتسب وفعله طرفين‬
‫فيقول‪ ":‬ونسبنا الفعل الى النسان بمعنى ما فعل‪ ،‬ونسبنا الخلق إلى ال بمعنى ما خلق" (‪)9‬‬
‫ويقول أيضا‪ ":‬والذي أضفنا إلى النسان من الفعل فهو كله من الجهة التي أضفنا إليه أنه تحرك‬
‫وسكن وكفر وآمن‪ ،‬لم شاركه من هذه الجهة أحد‪ .‬والذي يضاف إلى ال أنه خلق فعل العباد‪ ،‬فالفعل‬
‫كله مخلوق ولم يشترك مع ال في خلقه أحد" (‪. )10‬‬

‫وبهذا يتضح مفهوم الكسب الصطلحي وإن لم يسلك أبو خزر في ذلك مسلكا نظريا وإنما يستفاد‬
‫ذلك كما رأينا من خلل ردوده على المعتزلة والمجبرة وضرب حجج بعضهم ببعض‪.‬‬

‫ويحسن أن نشير هنا إلى موقف من مواقف الباضية تفرد به مشائخ جبل نفوسة (‪ )11‬ولم يمح إل‬
‫بعد ظهور النونية في القرن السابع هـ‪ /‬الثالث عشر م‪ ،‬وهو المعبر عنه بالجبل باللم وسكون الباء‬
‫واستمرت الشارة إليه إلى يومنا هذا على سبيل الذكر فقط‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫جبَل ال الخلق‪ :‬خلقهم ويقال جبله على كذا طبعه‪ .‬وفي الثر‪ ":‬جبلت القلوب على‬ ‫والجبل لغة من َ‬
‫حب من أحسن إليها"‪)12( .‬‬
‫أما في الصطلح حسب ما اتفق عليه المشائخ من أهل الجبل مثل أبي هارون الجللمي (‪ )13‬وأبي‬
‫يحيى الفرسطائي (‪ )14‬وغيرهما" (‪ )15‬فهو‪ ":‬ومعنى كونهم مجبولين على أفعالهم أنهم‬
‫مخلوقون على أن يفعلوا ما علم ال أنهم يفعلونه قبل أن يخلقهم ل أنهم مجبورون عليه ول دخل‬
‫لهم فيه ولو بالكتساب كما تقول الجبرية‪ ،‬ومما يستدلون به على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬واتقوا ال‬
‫الذي خلقكم والجبلة الولين) (‪ 26‬الشعراء ‪ )184‬وقوله تعالى في الفطرة إنها الخلق‪ ( :‬فاطر‬
‫السماوات والرض) (‪ 6‬النعام ‪ )14‬أي خالقهما وقوله‪ ( :‬فطرة ال التي فطر الناس عليها) (‪30‬‬
‫الروم ‪ )30‬أي خلق الناس عليها وقوله في الطبع‪ ( :‬بل طبع ال عليها بكفرهم) (‪ 4‬النساء ‪)155‬‬
‫فالقلوب مطبوع عليها بالكفر الذي فعلوه واكتسبوه ل على ما قالت الجهمية إنهم مجبورون" (‪)16‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪.‬‬

‫ومن أدلتهم في الحديث قوله عليه السلم‪ " :‬جبلت هذه القلوب على حب من أحسن إليها وبغض ما‬
‫أساء إليها" ‪)17( .‬‬

‫أما في الدلة العقلية فهم يميزون بين هذا الجبل وما يسمونه بجبل الطبيعة ذاك أن المجبول بهذا‬
‫المعنى ينتقل من الحب الى البغض أما فعل الطبيعة فل تغير فيه فالثلج لن يتحول عن البرودة إلى‬
‫ضدها من الحرارة أبدا كما أن الجبل الطبيعي ل يجري عليه ذم ول مدح فل يقال للبيض لم كنت‬
‫أبيض؟‬

‫ومشائخ جبل نفوسة يحتجون بكل هذه الدلة على أصحابهم من أهل المغرب (‪ )18‬الذين يقولون‬
‫بالختيار ويعتبرون أن موقفهم أفضل لورود ذكره في القرآن والسنة كما ذكر بينما الختيار لم يرد‬
‫ذكره ل في القرآن ول في السنة وإنما قال تعالى‪ ( :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة‬
‫من أمرهم) (‪ 28‬القصص ‪. )19( )68‬‬

‫والناظر في حجج مشائخ أهل المغرب يتبين أنها الحجج التي يستدل بها على الكسب إذ ل يذهب‬
‫هؤلء إلى نفي الفعل عن ال تعالى كما يقول المعتزلة‪.‬‬

‫فواضح من هذا التحليل أن الخلف بين الطرفين يتمثل في نسبة القتراب من الجبر والختيار إذ‬
‫نحس أن منزلة القائلين بالجبل أقرب الى الجبر وإن لم يقل أصحابها به بينما منزلة القائلين‬
‫بالختيار أقرب الى موقف المعتزلة وإن لم تصل إلى درجتهم في تخصيص العبد بالفعل‪ ،‬والموقف‬
‫الذي سيغلب على الفكر الباضي هو موقف مشائخ أهل المغرب كما اتضحت معالمه عند أبي خزر‬
‫الذي أشرنا إليه من قبل (‪)20‬‬
‫======================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪104 :‬‬
‫(‪ )2‬انظر ما سبق‪ 106 :‬تعليق ‪43‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬سرحان بن سعيد الزكوي‪ :‬كتاب كشف الغمة عن‪ :‬كوبرلي‪ :‬الطروحة م ‪ 3‬الملحق‪.22 :‬‬
‫(‪ )4‬أبو العباس أحمد ابن أبي بكر‪ :‬كتاب مسائل التوحيد‪.6 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو زكرياء يحيى الجناوني‪ :‬عقيدة نفوسة ‪.‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة‪.3/22 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر ما يلي‪ 453 :‬عرض مواقف بعض الفرق من الكسب‪.‬‬
‫(‪ )7‬يشير إلى حجج المعتزلة والجبرية من القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )8‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪.37 :‬‬
‫(‪ )9‬نفس المصدر‪.41 :‬‬
‫(‪ )10‬نفس المصدر‪.42 :‬‬
‫(‪ )11‬لقد ذكر الجيطالي بعضا منهم وسنعرف بهما مباشرة‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ )13‬أبو هارون الجللي( موسى بن يونس النفوسي)‪ :‬النصف الثاني من القرن ‪ 3/9‬من مشاهير فقهاء جبل نفوسة من آجللم‬
‫ر‪ .‬محمد حسن ‪ :‬تحقيق سير الشماخي‪.664 :‬‬
‫(‪ )14‬ابن يحيى بن أبي القاسم الفرسطائي‪ .‬أواخر القرن ‪3‬هـ بداية ‪4‬هـ ‪ 9/‬و ‪10‬م فقيه إباضي وتاجر‪ ،‬دعا إلى السلم في‬
‫السودان وقد أسلم ملكها على يده له مسجده في فرسطاء‪ .‬ر‪ .‬محمد حسن ‪ :‬تحقيق سير الشماخي‪.670:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )15‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪135‬وجه‪.‬‬


‫(‪ )16‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪135‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )17‬لم يرد الحديث بهذه الصيغة عند ونسنك في المعجم المفهرس وأنما جاءت أحاديث أخرى ورد فيها ذكر الجبل مثل‪ ":‬وإنه‬
‫يصير إلى ما جبل عليه" ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.206 /4‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬في المعجم المفهرس ‪ .1/318‬والنص من نفس المصدر السابق‬
‫ورقة ‪ 134‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )18‬يقصد الجنوب التونسي ومنطقة الجريد وأريغ ببلد الجزائر التي تقابل تقرت حاليا‪.‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪134‬و ‪.135‬‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق ‪449‬‬

‫وقبل أن يزيد موقف الكسب توضيحا يحسن أن نشير إلى ظهور موقفين جديدين يتماشيان مع ما‬
‫أشرنا إليه عند الباضية من توسط وهما رأي الشعري والماتريدي وهذان الرأيان تبلورا في ما بعد‬
‫في المدرستين الشعرية والماتريدية‪.‬‬

‫أما الشعري" فالكسب عنده ينتهي إلى أن للعبد إرادة وقدرة حادثة فإذا توجهت إرادة العبد نحو‬
‫عمل ما خلق ال قدرة العبد وخلق معها الفعل‪ ،‬فقدرة العبد مهمتها كسب الفعل وقدرة ال مهمتها‬
‫خلق الفعل وهكذا فإن النسان قد منحه ال قدرة كاسبة ليس لها تأثير في خلق الفعل وإنما يفيض‬
‫ال عليها هذه القدرة الحادثة فتكتسب الفعل بقدرة ال وهذا القصد أو الجزم هو مناط التكليف‬
‫والثواب والعقاب" (‪)21‬‬
‫وبما أن هذه القدرة ل أثر لها في إيجاد الفعل فإن عنصر الختيار ينتفي وبعبارة أخرى فإن كان‬
‫الكسب نفسه مخلوقا ل تعالى مثل الفعل نفسه فذلك يؤدي حتما إلى الجبر ولهذا صار كسب‬
‫الشعري مضرب المثال في الخلفاء فيقال‪ :‬أخفى من كسب الشعري ومهما يكن من أمر يبقى الفرق‬
‫بين الخلق والكسب في أن الخلق يحيط بالمخلوق من كل وجه بينما الكسب ل يفرض إحاطة الكاسب‬
‫بالمكسوب من كل وجه‪)22( .‬‬
‫أما الماتريدي فهو أيضا قد قال بالكسب ومن ذلك ما جاء في كتاب التوحيد‪ ":‬وليس في إضافتنا‬
‫(الفعال) ل سبحانه نفي لمشاركة النسان بل هي ل خلقا وإيجادا وللنسان كسبا واختيارا" (‪)23‬‬
‫‪.‬‬
‫ويرى الماتريدي أن المؤثر في أصل الفعل قدرته تعالى‪ ،‬وفي وصفه قدرة العبد فإذا ضرب زيد يتيما‬
‫تأديبا أو ظلما فأصل الفعل وهو الحركة المشتركة بين الضربين مخلوق بقدرته تعالى‪ ،‬وكون‬
‫الضرب طاعة وحسنا في الول ومعصية وقبحا في الثاني حاصل بتأثير قدرة العبد وهذا التأثير‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يسميه الماتريدية الختيار وسماه أحيانا الكسب (‪. )24‬‬


‫والمقارنة بين الكسبين تثبت أن نسبة الختيار أوسع عند الماتريدي‪.‬‬

‫ومعلوم أن تحليل المدرستين للكسب بلور هذا المفهوم عبر الزمن (‪ )25‬وليس لنا أن نتوسع في‬
‫ذلك لكن قد نشير إلى مواقف بعض العلم من المدرستين خلل تفاعلها مع الفكر الباضي وتجدر‬
‫الملحظة أن التعايش الفكري ظل واضحا بين هاتين المدرستين والفكر الباضي على خلف ما كان‬
‫بينه وبينهما من تنافر في قضية الذات والصفات وقضية خلق القرآن‪)26( .‬‬
‫وبعد هذه اللمحة التي تساعد على تفهم تفاعل المدارس السلمية في ما بينها وكيف أنها تخدم‬
‫بعضها البعض حتى وإن تنافرت‪ ،‬يحسن أن نذكر بأن مفهوم الكسب اتضح عند الباضية في القرن‬
‫السادس هـ ‪12/‬م (‪ )27‬ونكتفي ما جاء في كتاب الموجز عند الرد على القدرية والمجبرة للتدليل‬
‫على ذلك‪ ":‬قال جميع الفرق من أهل القبلة الخوارج والباضية والشيعة والمرجئة‪ :‬إن العالم وما‬
‫فيه من جوهر وعرض وخير وشر وطاعة ومعصية ما يرى من ذلك وما ل يرى مما كان منه ومما‬
‫سيكون‪ -‬وما يتوهم كونه‪ -‬أن لو كان كيف كان يكون‪ ،‬فهو خلق ال وتدبير له‪ ،‬وال المقدر لجميع‬
‫ذلك والمدبر له‪ ،‬وهو الصانع له‪ ،‬والمالك وليس شيء منه بخارج من تدبير ال‪ ،‬وتقديره وملكه‬
‫وسلطانه وإرادته وعلمه ما يضاف إلى العباد من ذلك وما ل يضاف إليهم وليس في أنه مضاف إلى‬
‫العباد بأنهم إكتسبوه واختاروه وتحركوا به‪ ،‬وسكنوا وأطاعوا به وعصوا ما يزيل تدبير ال عنه‪،‬‬
‫ول ما يخرجه من خلقه وتقديره وقدرته‪ ،‬وسلطانه وعلمه‪ ،‬كما انه ليس تدبير ال لذلك وخلقه له‪،‬‬
‫وجعله على ما هو له من كيفية في عينه‪ ،‬وبالذي يزيل عنه أن يكون كسبا للعباد واختيارا لهم‪،‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه من هذا القول هو ما عليه جمهور المة وصدر السلم" (‪. )28‬‬

‫وجاء فيه أيضا أثناء الرد على الجهمية المجبرة‪ ":‬وقال أهل الحق‪ :‬إن ال قدر جميع الفعال‬
‫وخلقها‪ ،‬وقضاها من فاعليها ولسنا نقول إنه جبر أحدا على ما كان منه من طاعة أو معصية‪ ،‬ول‬
‫نقول إن أحدا أوتي في شيء من التقصير عن طاعة ربه من قبل ال في تقديره لما كان منه من‬
‫فعله ول قضائه‪ ،‬ول علمه أنه سيكون منه‪ ،‬والجبر منع واستكراه ولم نر أحدا من العاملين للطاعة‬
‫والمعصية مستكرهين على شيء من فعلهم وهم لكل ما فعلوه من ذلك مريدون ولجميع ما أتوا من‬
‫الفعل المفعول عن المتروك مختارون وإليه قاصدون فبطل بذلك قول جهم من قال بقوله من أصناف‬
‫المجبرة" (‪. )29‬‬

‫من خلل هذين النصين وقد أوردناهما على طولهما لما رأينا فيهما من احتراز وتدقيق نتبين أن‬
‫نسبة الختيار في الكسب جلية في الفكر الباضي وفي ذلك بيان للحكمة من المر والنهي‪ ،‬والثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬وقد جاء في كتاب السؤالت ما يلي‪ ":‬ستة مبطلة للجبل والجبر مثبتة للختيار‬
‫والكتساب‪ ":‬المر والنهي‪ ،‬والحمد والذم‪ ،‬والثواب والعقاب" (‪. )30‬‬

‫ويتضح مبدأ تبني مفهوم الكسب في القرن السابع هـ‪13 /‬م مع أبي نصر القائل في نونيته التي ما‬
‫يزال صداها الى اليوم في الوساط الباضية فهي من المتون التي تحفظ من الصغر على نغم أشبه ما‬
‫يكون بنغم المدائح‪(:‬طويل)‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪)31‬‬

‫وكذلك في القرن الثامن هـ‪14/‬م مع عامر الشماخي في كتاب الديانات حيث يقول‪ ":‬وندين بأن أفعال‬
‫العباد اكتسبوها وعملوها ولم يجبروا عليها ولم يضطروا إليها" (‪ ، )32‬والملحظ أنه أورد هذا في‬
‫باب العدل لنفي الظلم عن ال ولم يذكره في باب القدر إل أنه لم يغفل في باب القدر عن نسبة خلق‬
‫أفعال العباد الى ال‪...":‬وندين بأن ال خالق أفعال العباد ومحدثها ومريدها" (‪. )33‬‬

‫والحاصل من النصين كما ألفنا ذلك اعتبار جهتين للفعل الواحد‪ ،‬الخلق ل والكسب للنسان‪ ،‬أما‬
‫الجيطالي في القرن الثامن هـ= ‪14‬م وإن بدا مدافعا عن نظرية الجبل في شرح النونية فقد غلب‬
‫(القول بالكسب) على تحاليله ومواقفه خاصة أثناء الرد على المعتزلة وقد تبنى في ذلك نصوصا‬
‫كاملة من كتاب الموجز الذي يدافع بشدة عن القول بالكسب والختيار (‪)34‬‬

‫أما القرن التاسع هـ = ‪ 15‬م فيتسم بهذا التحليل الموجز الذي نسبه يوسف المصعبي الى البرادي‬
‫ويتمثل في ما يلي‪ :‬ما للنسان في فعله‪ :‬القصد إليه‪ ،‬الكتساب‪ ،‬الختيار له‪ ،‬التحرك‪ ،‬السكون‪،‬‬
‫مطيع إن أمر ال‪ ،‬عاص إن نهى ال‪ .‬ما ل من فعل النسان‪ :‬التقدير‪ ،‬التفكير‪ ،‬الرادة‪ ،‬الخلق‪،‬‬
‫الحداث العلم به على ما هو عليه في كيفيته وفي حينه الذي يقع فيه" (‪34‬مكرر) ‪.‬‬

‫إل أن البرادي رغم تخصيصه رسالة لتعريف مفهوم الباضية لعديد من المصطلحات فإنه لم يضبط‬
‫تعريفا للكسب‪.‬‬

‫أما القرون الثلثة التي تعنينا أكثر فقد اهتم فيها بتحليل القضية كل من عبدال السدويكشي ومحمد‬
‫ابن أبي ستة المحشي وقاسم الويراني‪ ،‬ويوسف المصعبي وعمرو التلتي‪.‬‬

‫أما عبدال السدويكشي فيثبت بوضوح أن مسألة الكسب من غوامض علم الكلم ويصرح بأن‬
‫الكسب يخلص من مضيق ويتدرج الى هذه النتيجة بعد عدة تحاليل ينطلق فيها من تحديد الفعل‬
‫فيذكر في ذلك أنه " عرض يوجد مع الستطاعة" أو " ما وجد بعد عدم" ثم يبين أن الكسب تبرير‬
‫للتكليف لن ال وحده هو المنفرد بالخلق وهو أثر القدرة الحادثة وإن كانت حقيقته غير معلومة‬
‫وهنا يقرر أن القدرة الحادثة (‪34‬مكرر) تتعلق ببعض أفعال النسان كالصعود دون البعض‬
‫كالسقوط‪.‬‬

‫ثم يفضي به التحليل إلى تقرير ما عبر عنه باختلف الضافات وهو شبيه بما رأينا من قبل باختلف‬
‫الجهات (‪ )35‬فيقول‪ ...":‬فالكسب ل يوجب وجود المقدور ولجل اتصاف الفاعل بذلك كان مرجعا‬
‫لختلف الضافات ككون الفعل طاعة أو معصية حسنا أو قبيحا فإن التصاف بالقبح بالقصد‬
‫والرادة قبيح بخلف خلق القبيح فإنه ل ينافي المصلحة والعاقبة الحميدة بل ربما اشتمل عليهما"‪.‬‬
‫(‪)36‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعد أن يوضح حكمة ال في الخلق حتى في ما بدا لنا خبيثا يثبت أن المر يختلف بالنسبة إلى‬
‫كسب النسان" فإنه قد يفعل الحسن وقد يفعل القبيح فجعلنا كسبه للقبيح بعد ورود النهي عنه قبيحا‬
‫سفها موجبا لستحقاق الذم والعقاب" (‪. )37‬‬

‫وبعد أن يرد على المعتزلة بإثباته إمكانية وقوع المقدور الواحد تحت قدرتين (‪ )38‬يقول‪ ":‬لما ثبت‬
‫بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وبالضرورة أن لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال كحركة‬
‫البطش واحتجنا في التخلص من هذا المضيق الى القول بأن ال تعالى خالق والعبد كاسب‪ ،‬وتحقيقه‬
‫أن صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل كسب‪ ،‬وإيجاد ال الفعل عقب ذلك الصرف خلق (‪. )39‬‬

‫ثم يختم بقوله‪ ":‬وهذا القدر من المعنى ضروري وإن لم نقدر على أن نزيد في تلخيص العبارة‬
‫المفصحة عن تحقيق كون فعل العبد بخلق ال وإيجاده مع ما للعبد من القدرة والختيار وإن عبروا‬
‫عن الفرق بينهما بمثل‪ :‬الكسب ما وقع بآلة‪ ،‬والخلق ما وقع بل آلة " (‪. )40‬‬

‫وبعد أن ميز بين الحركة الرادية والضرورية للرد على الجبرية تخلص إلى ما يلي‪ ":‬ل يقال الجبر‬
‫لزم لكم حيث لم يجعلوا للعبد تأثيرا في أفعاله لنا نقول بأن الجبر المحظور هو الحسي وأما العقلي‬
‫وهو سلب الخالقية عن العبد‪ ،‬فهو متوجه على جميع الفرق بل هو محض اليمان كما أن ما أراده‬
‫تعالى من العبد لبد من وقعه باختياره فإن الوجوب بالختيار هو محقق الختيار ل مناف له" (‪)41‬‬
‫‪.‬‬

‫فتحاليل السدويكشي قد استفادت ول شك من كل ما سبق إل أن نزعته في التحليل ل تعتمد على نقل‬


‫النصوص وإنما على استيعاب القضية ثم تحرير مراحلها تحريرا ذاتيا ومصل هذا المنهج مكن‬
‫السدويكشي من السيطرة على القضية نسبيا ودفعه إلى أن يبوح بصراحة بدقة القضية وصعوبة‬
‫التمكن منها إذ يشعر أن العبارة عاجزة عن تحمل المعاني الخفية التي يحس بها من يحلل مثل هذه‬
‫القضية‪.‬‬

‫فتحاليل السدويكشي قد استفادت ول شك من كل ما سبق إل أن نزعته في التحليل ل تعتمد على نقل‬


‫النصوص وإنما على استيعاب القضية ثم تحرير مراحلها ذاتيا ومثل هذا المنهج مكن السدويكشي‬
‫من السيطرة على القضية نسبيا ودفعه الى أن يبوح بصراحة بدقة القضية وصعوبة التمكن منها‪ ،‬إذ‬
‫يشعر أن العبارة عاجزة عن تحمل المعاني الخفية التي يحس بها من يحلل مثل هذه القضية‪.‬‬

‫ونلخص من تحليله هذا إلى تعريفين واضحين لمصطلح الكسب وهما‪:‬‬

‫‪ -1‬صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل‪.‬‬

‫‪ -2‬ما وقع بآلة‪)42( .‬‬


‫========================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )21‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪. 304 -303 :‬ر‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪ .104 :‬والظاهر أنه يغلب‬
‫مفهوم الجبر ومن ذلك يقول‪ " :‬وبالجملة فليس للعبد تأثير ما فهو مجبور باطنا ومختار ظاهرا‪ ،‬فإن قيل إذا كان مجبورا باطنا‬
‫فل معنى للختيار الظاهري لن ال قد علم وقوع الفعل ول بد ‪ ،‬وخلق في العبد القدرة عليه‪ .‬وأجيب بأنه تعالى ل يسأل عما‬
‫يفعل‪ .‬ولذلك قال سيدي إبراهيم الدسوقي‪ ":‬من نظر للخلق بعين الحقيقةعذرهم‪ ،‬ومن نظر لهم بعين الشريعة مقتهم فالعبد‬
‫مجبور في صورة مختار"‪ .‬شرح جوهرة التوحيد‪. 105 :‬ر‪ .‬الغزالي‪ :‬كتاب الربعين‪ :13 :‬وقد رجح التوسط بين الجبر‬
‫والختيار‪.‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬حمودة غرابة‪ :‬الشعري( أبو الحسن) مكتبة الخانجي القاهرة ‪.115 :1953‬‬
‫(‪ )23‬أبو منصور الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪.39:‬‬
‫(‪ )24‬ر‪ .‬أبو منصور الماتريدي‪ :‬كتاب التوحيد‪. 257 -228 :‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪.303 :‬‬
‫(‪cf. Gimaret. Theories de I acte humain en theologie musulmane, ParisVrin , 1980. p61- )25‬‬
‫‪234, 361‬‬
‫(‪ )26‬انظر ما سبق ‪ 240:‬و ‪354‬و ‪364‬‬
‫ملحظة‪:‬‬
‫ويحسن أن نشير هنا إلى ما جاء عند الشيعة والمعتزلة‪ :‬أما عن الشيعة فينسب المحشي إلى جعفر الصادق ما يلي‪ ...:‬أمر بين‬
‫أمرين ل جبر ول تفويض ( حاشية الترتيب ‪ ،1/117‬ر‪ .‬محمد علي ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪)40 :‬‬
‫وهؤلء يقولون بالمنزلة بين المنزلتين( يختلف المصطلح عن الستعمال العتزالي) ولهم في ثلثة تفاسير‪:‬‬
‫‪ -1‬أن للفعل الصادر عن إرادة العبد سببين بعيدا وقريبا‪ ،‬فالبعيد إرادة ال والقريب إرادة العبد ‪ ،‬فبالنظر إلى السبب القريب ل‬
‫جبر‪ ،‬وبالنظر إلى السبب البعيد ل تفويض‪ ،‬فالشاعرة قصروا نظرهم على السبب البعيد فقالوا بالجبر والمعتزلة قصروا نظرهم‬
‫على السبب القريب فقالوا بالتفويض‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه‪ ،‬وباعتبار تأثير إرادة ال فيه تكوينا‪ ،‬إذ هو خالق العبد وإرادته‪ ،‬وإن‬
‫كان الجزء الخير للسبب الكافي إرادة العبد فهو ال فل تفويض فيه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الفعل باعتبار صدوره عن إرادة العبد ل جبر عليه‪ ،‬وباعتبار إن ال أقدره على ذلك فهو ل فل تفويض فيه"‪ .‬محمد علي‬
‫ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين السلمي‪.41 :‬‬
‫أما المعتزلة فل يقولون بالكسب ولكنهم يفسرون اللفظة تفسيرهم الخاص وفي ذلك يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬كل فعل يستجلب‬
‫به نفع أو يستجلب به ضرر يدلك على ذلك هو أن العرب إذا اعتقدوا في فعل أنه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سموه كسبا‬
‫ولهذا سموا هذه الحرف مكاسب والمحترف بها كاسبا والجوارح من الطير كواسب" شرح الصول الخمسة‪.364 -363 :‬‬
‫(‪ )27‬إن ما جاء في مصادر هذا القرن( ‪ )6/12‬يحوم حول هذا التعريف‪.‬‬
‫(‪ )28‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.26 -2/25 :‬‬
‫(‪ )29‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.81 -2/80 :‬‬
‫(‪ )30‬عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .158 :‬كما يقول السوفي في نفس الصفحة‪ ":‬وحد الكتساب وجود الرادة‬
‫والختيار‪ ...‬وحد الضطرار عدم الرادة" ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .18 :‬وقد نقل النص عن كتاب‬
‫السؤالت ‪.‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.1/116‬‬
‫(‪ )31‬أبو نصر فتح الملوشائي‪ :‬النونية البيت عدد (‪)32‬‬
‫(‪ )32‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 43 :‬و ‪.44‬‬
‫(‪ )33‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 43 :‬و ‪.44‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 130‬وجه ‪ 153‬قفا‪.‬‬
‫(‪ 34‬مكرر) ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ص ‪.21‬‬
‫(‪ 34‬مكرر) هذا التعبير مقتبس من المدرسة الشعرية مع الجويني‪ .‬انظر الرشاد ‪ .97‬انظر أطروحة كوبرلي‪ 432 :‬تعليق ‪.50‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما سبق‪442:‬‬
‫(‪ )36‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.7:‬‬
‫(‪ )37‬نفس المصدر‪8:‬‬
‫(‪ )38‬قدرة ال بجهة الخلق ‪ ،‬وقدرة العبد بجهة الكسب‪.‬‬
‫(‪ )39‬نفس العبارة تقريبا نجدها في شرح جوهرة التوحيد " أما ثبت بالبرهان أن الخالق هو ال سبحانه وتعالى وبالضرورة أن‬
‫لقدرة العبد مدخل في بعض الفعال كحركة البطش دون البعض كحركة الرتعاش احتجنا في التخلص من هذا المضيق بأن ال‬
‫خالق للفعل لكن للعبد في الختيار منه كسبن والمقدور الواحد يدخل تحت قدرتين بجهتين مختلفتين فيدخل العبد بجهة الكسب"‪.‬‬
‫البيجوري شرح جوهرة التوحيد‪ .104 :‬وفي هذا دللة على التفاعل بين المدرستين‪.‬‬
‫(‪ )40‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.8:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )41‬عبدال السدويكشي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪.8:‬‬


‫(‪ )42‬وقد جاء في المنهج ما يلي‪ ":‬وحقيقة الكسب كل فعل وقع باستطاعة محدثة مع الفعل"‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪:‬‬
‫المنهج ‪1/469‬‬

‫أما محمد ابن أبي ستة‪ -‬المحشي‪ -‬فقد تبنى موقف كتاب السؤالت (‪ )43‬وقد أشرنا إليه من قبل‪( .‬‬
‫‪)44‬‬

‫أما تحاليل قاسم الويراني فتبدو طريفة إذ بين اختلف الباضية في القضية‪ ،‬وبين ما ينتابها من‬
‫غموض فقال‪ ":‬ومال بهم المر في ذلك إلى أن قالوا ليس كونه كسبا من العبد ما يخرجه عن كونه‬
‫خلقا من ال وأنت خبير بأن هذا ل يشفي الغليل‪ ،‬ثم قرر أن حقيقة المر في ذلك‪ :‬أن ال تعالى خلق‬
‫العبد ليبلوه وجعل له الختيار في ما يجترحه‪ .‬ومعنى الختيار إذ سنح بباله فعل شيء وتردد في‬
‫فعله وتركه نشأ عن تردده الميل إلى أحد الجانبين وترجيحه فالميل هو المعبر عنه بالرادة‬
‫والترجيح هو المعبر أحد الجانبين ويسمى كسبا بإعتبار أنه مبنى ما يصدر عنه فإذا طفق في إخراج‬
‫ذلك من العدم إلى الوجود فالمخرج هو ل تعالى وتقدس والعقاب المترتب على الفاعل باختيار الفعل‬
‫وإرادته إياه" (‪. )45‬‬

‫والساس بالنسبة إلى الويراني أنه حاول أن يتخلص مما ل يشفي الغليل فلم يصل هو أيضا إلى‬
‫ذلك‪ ،‬إل أنه أضاف فكرة الميل والترجيح واتضح أن الكسب حسب رأيه هو الترجيح المعبر عنه‬
‫بالختيار لنه منطلق كل ما يصدر عنه‪.‬‬

‫أما عمرو التلتي فقد تعرض للقضية في مواطن عدة في شروحه ومختصراته والناظر في هذه‬
‫النصوص يتبين نزعته الى المقارنة مع ما جاء خاصة عند الشاعرة والماتريدية إلى أن يوشك أن‬
‫يختلط المر على القارئ ول غرابة في ذلك لن المواقف متفقة غالبا وإن بدت فيها فويرقات في‬
‫نسبة القتراب من الجبر المطلق والختيار المطلق والبتعاد عنهما‪ .‬ونكتفي بما أورده في شرحه‬
‫على كتاب الديانات من التعاريف وهي‪:‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ " -‬عند غير الباضية‪ :‬الكسب هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور‪ .‬وقيل‪ :‬هو صرف العبد قدرته‬
‫وإرادته الى المقدور‪.‬‬

‫ويستشهد بما جاء في جوهرة التوحيد ويذكر من ذلك‪ (:‬رجز)‪.‬‬

‫(‪)46‬‬

‫‪ -‬والذي في كتبنا أن الكسب‪:‬‬

‫صرف العبد قدرته وإرادته للفعل‪.‬‬


‫وقيل ‪ :‬هو ترجيح العبد الفعل على غيره‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬هو الحركة والسكون وهذا القول الثالث غير ظاهر‪ ،‬لن كل من الحركة والسكون فعل ل‬
‫كسب"‪)47( .‬‬

‫وطرافة التلتي تتمثل في ما يوفره بين يدي القارئ من نصوص تمكنه من المقارنة بيسر‪ ،‬وتكثر‬
‫في هذه القضية صيغة " وأصحابنا" و" الشاعرة" وعبارة " كما تقول الئمة الماتريدية" وفي‬
‫هذا دللة على تقارب وجهات النظر‪.‬‬

‫والملحظ أن مدار هذه التعاريف واحد لنها تتفق على تحميل الفاعل المسؤولية في إتيان الفعل‬
‫ليستقيم التكليف‪.‬‬

‫أما يوسف المصعبي فقد سلك مسلك النقل هو أيضا‪ ،‬إل أنه اكتفى بإيراد النصوص الباضية مع‬
‫شيء من الحذف الذي ل يخل بالمعنى ثم خلص إلى النتيجة التالية‪ ":‬فتحصل من كلمهم رحمهم‬
‫ال اختلف في تحقيق مسمى الكسب‪.‬‬

‫فالشيخ عبدال( يعني السدويكشي) ذكر أنه صرف العبد قدرته وإرادته الى الفعل‪.‬‬
‫والشيخ إسماعيل(أي الجيطالي) رحمه ال ذكر أنه الحركة والسكون‪ ،‬وهو المتبادر من كلم صاحب‬
‫الموجز (أي أبا عمار عبد الكافي) والشيخ قاسم( الويراني) ذكر أن الترجيح يسمى كسبا واختيارا"‬
‫(‪. )48‬‬

‫وما يزال الموقف هو نفسه إلى الن ذاك أن الكسب باب من أبواب نفي الجبر وتمكين النسان من‬
‫الختيار وفي ذلك يقول السالمي‪( :‬رجز)‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪)49‬‬

‫ثم يقول‪:‬‬

‫(‪)50‬‬

‫ويقول أيضا في جوهر النظام‪(:‬رجز)‬

‫(‪)51‬‬

‫ويعلق ناثر جوهر النظام معرفا الكسب كما يلي‪ ":‬والمنسوب منها (الفعال) إلى الخلق مجرد كسب‬
‫يسمى القدرة الحادثة في العبد مقترنة بالفعل المخلوق ل فيه" (‪. )52‬‬

‫إن هذا العرض لنشأة فكرة الكسب وتطورها تدريجيا الى مصطلح تبين أن الفكر الباضي ظل وفيا‬
‫لموقف الئمة الول الذين أخذوا عن أصحاب الرسول عليه السلم إل أن الحداث السياسية‪ ،‬وقد‬
‫قلبت الوضاع في القرن الول هـ‪17/‬م من جراء أحداث الفتنة الكبرى التي أسفرت عن معتقدين‬
‫متناقضين أحدهما مواكب للدولة يفهم القدر على أنه جبر‪ ،‬والثاني معارض للدولة يفهم القدر على‬
‫أنه فعل العبد فحسب ليبرهن على اغتصاب الحكم من المويين ‪ ،‬دفعت بالباضية إلى إتخاذ موقف‬
‫معتدل من القضية رغم معارضتهم للحكم الموي لن هذا الموقف ل يبرئ ساحة المويين ول‬
‫يتعارض مع علم ال في الزل وإرادته وتجلى ذلك صريحا على لسان الربيع ابن حبيب الذي بين أن‬
‫الخلق من ال والفعل من العبد‪)53( .‬‬

‫ومهما بدت مواقف الباضية التي ذكرنا متباينة في الظاهر من الكسب فهي لم تخرج عن هذا‬
‫النطاق‪ ،‬إذ لم يقل واحد من هؤلء العلماء ل بالجبر المطلق ول بالختيار المطلق‪ ،‬وحتى ما بدا‬
‫قريبا من الجبر من قول مشائخ جبل نفوسة ما قبل القرن السابع هـ‪13/‬م فقد ميزوه عن الجبر‬
‫وكذلك بالنسبة إلى مشائخ المغرب فإن قالوا بالختيار فكان ذلك من باب التعبير عن الكسب‪.‬‬

‫وإن كان التيار الجبري والعتزالي دفعا الباضية الى ضرب حجج بعضهم ببعض فإنهم وجدوا في‬
‫المدارس الشعرية والماتريدية والشيعية‪ -‬الزيدية خاصة‪ -‬أحسن مساندة لبلورة مفهوم الكسب‪.‬‬

‫والملحظ أن القضية بقيت في نطاق الصراع الفكري خاصة بعد انقراض المعتزلة واندماجهم في‬
‫تيارات أخرى ولذلك ل نجد في رسائل الردود لهذه القضية أثرا ‪ ،‬ذلك لن المحيط الذي يتعايش معه‬
‫إباضية المغرب أشعري ويغلب عليه الطابع المالكي والكل يقول بالكسب وإن وجدت بعض‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفويرقات كما أشرنا إلى ذلك سابقا‪.‬‬

‫وهكذا تمضي القرون فيتبلور المفهوم شيئا فشيئا ليصاغ في متون أحيانا ومحلل أحيانا أخرى في‬
‫دراسات مستقلة‪ ،‬أو في شروح لهذه المتون فتتضح ناحية التنظير ويذكر هؤلء العلماء تعاريف‬
‫للكسب تمكن من التعبير عن الفكر الباضي في القضية في قالب نظري ميسر‪ ،‬لكن هذه التعاريف‬
‫مهما بلغت فإنها ل تشفي الغليل كما ذكر قاسم الويراني‪ ،‬إل أنها تقرب المعنى للنسان‪.‬‬

‫والواضح من خلل هذه التعاريف أنها تجعل مفهوم الكسب عند الباضية أقرب إلى مفهوم الكسب‬
‫عند الماتريدي حيث يستركان في توسيع نسبة الختيار بينما يظل الكسب عند الشعري أقرب إلى‬
‫الجبر‪ ،‬وإنك لتجد ذلك واضحا في اللفاظ المختارة للتحديد مثل الصرف‪ ،‬والميل ‪ ،‬والترجيح‪ ،‬وفي‬
‫كل هذا سعى الفكر الباضي إلى أن يجعل للنسان مسؤوليته مع تأدب مع ال تعالى في إرادته‬
‫وعلمه وقدرته‪.‬‬

‫ول يمكن أن نقف عند هذا الحد إذ ارتبطت بقضية القدر والكسب قضايا أخرى‪ ،‬فلنحاول أن نثبت‬
‫كيف نظر الباضية إلى هذا الرتباط‪.‬‬
‫==========================‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.73 -70 :‬‬
‫(‪ )44‬انظر ما سبق‪456 :‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ :‬ص ‪ ،21‬وقد نقل عن قاسم الويراني‪ :‬شرح النونية‪ ،‬وقد ذكرنا أننا لم‬
‫نتمكن من الحصول على هذا الشرح‪.‬‬
‫(‪ )46‬إبراهيم اللقاني‪ :‬جوهر التوحيد‪.104 :‬‬
‫(‪ )47‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪.57 :‬‬
‫(‪ )48‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.21 :‬‬
‫(‪ )49‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 313 :‬و ‪.326‬‬
‫(‪ )50‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 313 :‬و ‪.326‬‬
‫(‪ )51‬عبد ال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪.11 :‬‬
‫(‪ )52‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار الجوهر ‪.1/38‬‬
‫(‪ )53‬انظر ما سبق‪427 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تحليل قضايا تتعلق بالقضاء والقدر‬

‫تأتي على رأس هذه القضايا قضية الرادة اللهية وعلقتها بفعل النسان‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫لم يقع التركيز على قضية الرادة في ما وقع بين أيدينا من تراث المرحلة المقررة وهذا عمرو‬
‫التلتي يكتفي بتلخيص الموضوع دون أن يدعمه بما يحتاج من الحجج على أساس أنها عرضت من‬
‫قبل لذلك سنورد تلخيصه هذا ثم نعتمد على ما جاء من تحاليل عند أبي عمار عبد الكافي لستيفاء‬
‫الغرض‪.‬‬

‫وملخص عمرو التلتي هو‪ ":‬وإن الرادة عندنا توجد مع المراد ل قبله ول بعده كالستطاعة لنها‬
‫علة فيه‪ ،‬والعلة ل تفارق معلولها‪ ،‬وقالت المعتزلة قبله ل معه ول بعده‪ ،‬وهي عندنا قسمان إرادة‬
‫العزم وإرادة التمني‪ ،‬فالولى توجد مع الفعل والثانية توجد قبله‪ ،‬وقد يتخلف المراد عنها كأن توجد‬
‫هي ول يوجد هو لنها ليست علة فيه‪ ،‬وإن إرادة العزم للشرك والمعاصي إرادة خلق ل أمر‪ ،‬وإرادة‬
‫اليمان والطاعة إرادة خلق ل أمر‪ ،‬وإن الكافر مكلف عندنا باليمان وسائر الطاعات‪ ،‬وبالنكفاف‬
‫عن الكفر وسائر المعاصي وإن العاجز والزمن غير مكلفين" (‪. )1‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما أبو عمار فيشبع القضية بحثا ويمكن أن نعرض تحليله كما يلي‪ :‬قال ال تعالى‪ ( :‬إنما قولنا‬
‫لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (‪ 16‬النحل ‪ )40‬ويقول أيضا‪ ( :‬فعال لما يريد) (‪ 11‬هود‬
‫‪.)107‬‬

‫ل خلف في أن ال فعال لما يريد لكن ما حقيقة هذه الرادة؟ وما صلتها بالمر؟‬
‫وما علقتها بأفعال العباد؟ وما علقتها بالخلق بصفة مطلقة؟ وما علقتها بالمراد؟‬

‫لقد حرص أبو عمار على أن يثبت موقف الباضية من هذه العلقات في نطاق مجادلة أهل العتزال‪.‬‬

‫فإن أقر المعتزلة أن الرادة صفة فعل فقد أثبت الباضية أنها صفة ذات أزلية واجبة لـه تعالى لن‬
‫الستكراه عن ال منفي‪ ،‬ل يجوز أن يوصف به في حين من الحيان (‪ )2‬فال تعالى ما يزال مريدا (‬
‫‪. )3‬هذا في ما يتعلق بتحقيقه الرادة‪.‬‬
‫أما عن صلتها بالمر فغن أقر المعتزلة أنها عين المر فقد بين الباضية أنها غير المر‪ ":‬ويقال‬
‫للمعتزلة في قولهم‪ :‬إن الرادة من ال فعل يفعله وهو عين المر بالطاعة‪ ،‬فإذا أحدث الرادة لشيء‬
‫فعله وإذا أحدث الرادة لليمان يأمر باليمان‪ ،‬ول يجوز أن يكون يأمر بالشيء وهو غير مريد لـه‪،‬‬
‫فإذا أراده أمر به‪ ،‬فالرادة غير المر" (‪. )4‬‬

‫وأما عن صلتها بأفعال العباد فيحددها عند ربطها بالطاعة والمعصية‪.‬‬

‫ففي ما يتعلق بالطاعة‪ ":‬فإنا ل ننكر أن يقال ‪:‬إن ال أراد طاعته من عباده على معنى أمرهم بها‬
‫ودعاهم إليها" (‪. )5‬‬

‫وتصطدم الرادة بمعاصي العباد فيطرح المشكل التالي‪ :‬هل أراد ال أن يعصى؟‬

‫ويجيب أبو عمار‪ :‬إن كنت تريد أراد ال أن يعصى بمعنى أمر بالمعصية فل‪ ،‬بل أراد ال أن يطاع‬
‫بهذا المعنى‪ ،‬وإن كنت تريد أراد المعصية أي جعلها خلفا للطاعة غير مستكره على أن تكون‬
‫المعصية من العصاة والكفر من الكافرين فهذا ما نقول‪ ،‬فالرادة في هذا الموضع نفي الستكراه" (‬
‫‪. )6‬‬

‫ويبين البرادي بوضوح هذا المعنى بما يلي‪ ":‬إن الفائدة في قولنا‪ ":‬أراد ال المعصية وشاءها‬
‫ثلثة أشياء‪:‬‬

‫‪ -1‬أحدها‪ :‬أراد خلقها وشاءها ل على معنى المر بها والدعاء إليها مثل ما هو في الطاعة‪.‬‬

‫‪ -2‬والثاني‪ :‬أراد النهي عنها والذم لها والمعاقبة عليها وجعلها مخالفة لطاعته‪.‬‬

‫‪ -1‬والثالث‪ :‬معنى أرادها وشاءها على نفي الستكراه عن ال عز وجل فيكون معنى أرادها وشاءها‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لم يكن ال مغلوبا عليها ولم تقع من فاعلها على كره منه" (‪. )7‬‬

‫وبهذا التأويل للرادة يكون الرد على المعتزلة في أسئلتهم التي هي ضرب من التعجيز والموقف‬
‫الباضي في الرادة يتمثل في اللحاح على نفي الستكراه عن ال تعالى‪ ،‬وكذلك في العلم نفي الجهل‬
‫عنه تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫وأما عن علقة الرادة بالخلق فيفصح عنها أبو عمار في رده على المعتزلة أيضا الذين يقولون ‪:‬‬
‫عن الرادة لن يخلق الخلق هي خلقه له‪ :‬فبين أن الرادة مغايرة للخلق ومتقدمة عليه ودليله على‬
‫ذلك قوله تعالى‪ ( :‬إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) (‪ 16‬النحل ‪. )8( )40‬‬

‫ويختم أبو عمار تحليله لهذه القضية بما يلي‪ ":‬وهذا الذي قلنا به في الرادة هو قول الباضية‬
‫والزيدية والمرجئة والعامة وما عليه صدر السلم بنقلهم الجملة التي يتوارثونها عن الماضين من‬
‫السلف " إن ما شاء ال كان وما لم يشأ لم يكن"( تبارك ال رب العالمين) (‪)9‬‬

‫وأما في علقتها بالمراد فيقول أبو خزر ما يلي‪ ":‬والذي نقول من ذلك إن الرادة مع المراد ل قبل‬
‫ول بعد‪ ،‬وذلك أن الرادة علة للمراد ومحال أن تفارق العلة المعلول" (‪ )10‬ثم يميز بين إرادة العزم‬
‫ويؤكد أنها ل تكون إل مع الفعل‪ ،‬وبين إرادة التمني وهي تكون ول يكون المراد لنها ليست بعلة‬
‫له‪.‬‬

‫فالرادة حينئذ صفة ذات‪ ،‬وهي مغايرة للمر‪ ،‬كما أنها تتخلف عن الخلق وتتقدمه‪ ،‬ول ينكر‬
‫الباضية أن يريد ال المعصية لكن ل بمعنى المر بها وإنما بمعنى نفي الستكراه عن ال تعالى‪،‬‬
‫وبمعنى النهي عنها والمعاقبة عليها‪ ،‬وجعلها مخالفة للمعصية‪ ،‬كما يقرون أن إرادة العزم تكون مع‬
‫المراد بينهما تكون إرادة التمني ول يكون المراد‪.‬‬

‫وترتبط بهذه القضية مسألة الستطاعة‪.‬‬


‫==============================‬
‫(‪ )1‬عمر التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 70‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثمينيك النور‪193 :‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/73 :‬‬
‫(‪ )3‬وهنا يحسن أن نذكر بان الباضية يرون أن ال ل يأمر بما ل يريد‪ ،‬وذلك من باب الحكمة‪ ،‬بينما يرى الشعرية إمكانية أن‬
‫يأمر ال بما ل يريد ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪70 /1 2‬‬
‫(‪ )4‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/78 :‬‬
‫(‪ )5‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪73 /2 :‬‬
‫(‪ )6‬نفس المصدر ‪ ، 76 :‬ويبين يوسف المصعبي موقف المعتزلة كما يلي‪ " :‬ويقول المعتزلة‪ :‬إن المعاصي غير داخلة تحت‬
‫إرادة ال تعالى لن الرادة تستلزم المر عندهم"‪ ،‬حاشية على أصول تبغورين‪80 :‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬سالم العدالي‪ :‬البرادي‪ :‬حيلته وآثاره‪320 :‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما سبق‪374 :‬‬
‫(‪ )9‬أبو عمار عبد الكافي‪80 - 2/79 :‬‬
‫(‪ )10‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬رسالة في الرد على جميع المخالفين‪55 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫الستطاعة لغة مصدر استطاع الشيء بمعنى أطاقه وقدر عليه وأمكنه ‪)11( .‬‬
‫والقضية المطروحة في هذا الباب تمس علقة الستطاعة بفعل النسان‪ ،‬ويحسن أن نمهد‬
‫للموضوع بنقل المناظرة التي دارت بين إباضي ومعتزلي‪.‬‬

‫قال كهلن الواصلي لبي أيوب الباضي (‪ : )12‬أتنكر أن الستطاعة باقية‪.‬‬


‫فقال أبو أيوب‪ :‬نعم‪ ،‬وأدعي أنها فانية‪.‬‬
‫قال كهلن‪ :‬وال يكذبك إذ يقول‪ ( :‬فاتقوا ال ما استطعتم) (‪ 64‬التغابن ‪.)16‬‬

‫فقال أبو أيوب‪ :‬أرأيت هذه الية التي تلوت محكمة أو متشابهة فيكون تأويلها على خلف تنزيلها؟‬

‫قال كهلن‪ :‬بل أنها محكمة ل ينبغي لها من التأويل غير ما سمعت فيها من التنزيل‪.‬‬

‫قال أبو أيوب‪ :‬أليس وهي فرض أن تتقوا ال ما استطعتم والستطاعة باقية فيكم‪.‬‬

‫قال كهلن‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال أبو أيوب‪ :‬فكل ما استطعتم من تقوى قد كفرتم إن فرطتم‪.‬‬

‫قال كهلن‪ :‬نعم‪.‬‬

‫قال أبو أيوب‪ :‬فإنكم تستطيعون صدقة أموالكم‪ ،‬وعتق رقبتكم‪ ،‬وقيام ليلكم‪ ،‬وصيام نهاركم‪ ،‬فلو‬
‫كذبتم على هذه الية لكان خيرا لكم من أن لو صدقتم‪ ،‬أما شهدتم أنكم تستطيعون ما عددنا من‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫التقوى فضيعتم‪.‬‬

‫فتعجل كهلن لسأله عن غيرها‪)13( .‬‬

‫هذا النص دليل على أن القضية مطروحة من عهد مبكر‪ ،‬من النصف الثاني من القرن الثاني‪8/‬م (‬
‫‪ )14‬كما بين أن الجدل ثار حول الية المطروحة عن الستطاعة فإن اعتبرها المعتزلي محكمة‬
‫ليبرر موقفه من أن الستطاعة باقية فإن الباضي وضعها ضمن المتشابهة الذي يحتمل التأويل‬
‫ليبرز أنها فانية‪ ،‬إذ لو كانت باقية لوجب أل يتوقف النسان لحظة عما عدد من التقوى‪ ،‬فالستطاعة‬
‫تفنى بانتهاء الفعل لتتجدد استطاعة أخرى‪.‬‬

‫قم أن الجدل تركز بعد ذلك على تحديد مفهوم الستطاعة؟ وهل هي مع الفعل أو قبل الفعل؟ وهل‬
‫يكلف النسان بما ل يطاق؟‬
‫وقد جاء تحليل يوسف المصعبي (‪ )15‬موسعا لهذه القضية وشامل لها لما جاء قبله من نصوص‬
‫خاصة عند أبي خزر وتبغورين والمحشي فماذا عن تحديد مفهوم الستطاعة؟‬

‫تحديد الستطاعة‪:‬‬

‫يعتبر الباضية أن الستطاعة هي صحة الجوارح وسلمتها من شوائب الفات ويعبرون عنها‬
‫أحيانا بالقوة (‪ )16‬ويشيرون إلى أنواع من الستطاعات مثل استطاعة المال‪ ،‬واستطاعة السبيل‪،‬‬
‫واستطاعة الخلقة (‪ ، )17‬واستطاعة الفعل‪ ،‬وينبهون إلى أن الجدل قائم حول استطاعة الفعل‬
‫ويشير تبغورين إلى أن معنى " يستطيع‪ ،‬ويمكن‪ ،‬ويفعل واحد عندنا" (‪. )18‬‬

‫صلة الستطاعة بالفعل وتكليف النسان بما ل يطاق‪:‬‬

‫بما إن المعتزلة يعتبرون الستطاعة باقية فإنهم يرون أنها سابقة للفعل بينما يلح الباضية على أنها‬
‫مع الفعل وتنتهي بانتهائه لتظهر استطاعة أخرى مع فعل آخر وهكذا ودليلهم على هذا ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬دللة الفعل على القوة‪:‬‬

‫"‪ ...‬إذ جومع (‪ )19‬على أن الفعل دل على القوة وأنه إذا فني الدليل فني المدلول وذلك أنه من شأن‬
‫القوة أنها ل تبقى حالين‪ ،‬وكذلك الفعل ل يبقى حالين‪ ،‬فكيف يكون أحدهما دليل والخر مدلول عليه‬
‫إذا لم يجتمعا" (‪. )20‬‬

‫‪ -2‬وجود الفعل بزوال الفة‪:‬‬

‫"‪ ...‬لما كانت الفة تمنع الفعل صحّ عندهم (الباضية) أن الفة إذا زالت وجد الفعل‪ ،‬لن الفة ضد‬
‫القوة‪ ،‬فالضد ثابت حتى يتأتى ضده فيزيله فاستدلوا بهذا المعنى على أن القوة مع الفعل إذا زالت‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفة التي تمنع من الفعل وإل بطلت الضداد ومناظرة الشيء بنظيره" (‪. )21‬‬

‫‪ -3‬العجز عن الجمع بين فعلين في وقت واحد‪:‬‬


‫" ول يستطع العبد إل فعل ما هو فيه لنه ل يستطيع أن يخلق خلقه يستطيع بها أن يكون فاعل‬
‫تاركا‪ ،‬ول مطيعا عاصيا‪ ،‬ول قائما قاعدا‪ ،‬ول قابضا باسطا‪ ،‬ول آخذا تاركا في حال واحدة‪ ،‬هذا ما ل‬
‫يصح"‪)22( .‬‬

‫‪4‬ـ تأويل قوله تعالى‪ ( :‬فاتقوا ال ما استطعتم) (‪ 64‬التغابن ‪)16‬‬

‫في هذا قولن‪ ":‬اتقوا ال ما استطعتم فعل شيء من الشياء وهو الذي قدمناه أن ال ل يكلف أحدا‬
‫إل مستطيعا لخذ ما كلف أو تركه‪ ،‬وذلك أنه إذا أشغل قوته بما كلف لم يستطع تركه وإذا ترك لم‬
‫يستطع فعله بإشغال قوته في ترك ما كلف لنه ل يستطيع الخذ والترك جميعا‪.‬‬

‫والقول الثاني‪ :‬اتقوا ال ما استطعتم ما دمتم أحياء" (‪. )23‬‬

‫‪ -5‬تأويل قوله تعالى‪ ( :‬ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون) (‪ 11‬هود ‪)20‬‬
‫" وليس المعنى في هذا أنهم ل يسمعون الصوات ول يبصرون اللوان ولكن هذا سمع القبول ل‬
‫يقبلون ما دعاهم إليه النبي عليه السلم إذ شغلوا قوتهم بترك القبول لما دعاهم إليه‪ ،‬وكذلك " ل‬
‫يبصرون" على معنى ل يفعلونه‪ ،‬فوصفهم ال أنهم ل يستطيعون فقلنا كما قال ال عز وجل إنهم ل‬
‫يستطيعون ل لزمانه حلت بهم ول لمانع من الفعل‪ ،‬وقال ال تعالى‪ ( :‬وما منع الناس أن يؤمنوا إذ‬
‫جاءهم الهدى إل أن قالوا أبعث ال بشرا رسول) (‪ 17‬السراء ‪ )94‬فكان قولهم الذي هو فعلهم هو‬
‫المانع لهم‪ .‬وأجاز الناس بينهم‪ ،‬وهو قول الرجل ما أستطيع أن أنظر إليك لبغضه لـه‪ ،‬فكان بغضه‬
‫مشغل له شاغل من استعمال النظر إليه وهذا بين واضح أن يكون من أحد في فعل شيء أنه غير‬
‫مستطيع لضده لشغاله قوته بما قصد إليه وفعله ل لزمانه ول لمنع من الفعل" (‪. )24‬‬

‫تلك هي أبرز الدلة التي يعتمدها الباضية في الرد على المعتزلة ليؤكدوا أن الستطاعة مع‬
‫الفعل‪...‬وهم إلى جانب هذا يردون قول الجبرية الذين يعتبرون أن الستطاعة هي المستطيع أو هي‬
‫اللت والجوارح‪ .‬ويقول تبغورين في هذا الصدد ما يلي‪ ":‬ومن زعم أن الستطاعة هي المستطيع‬
‫أو هي اللت والجوارح أو غير ذلك ففي إثبات العراض (‪ )25‬ما يبطل قولهم‪ ،‬ويدخل عليهم ما‬
‫ذكرنا من البالغ في أول أحوال بلوغه ل يخلو من أن يكون آخذا أو تاركا‪ ،‬أو متحركا أو ساكنا‪ ،‬كما‬
‫قلنا في صدر الكتاب فأيما قالوا من ذلك ألزمهم أن تكون إرادته واستطاعته معه إل أن يأتوا بمحال‬
‫ل يفهم ول يعقل‪...‬‬
‫والجسم عندنا وعندهم ل يخلو من حركة أو سكون باكتساب أو ضرورة وما كان باكتساب‬
‫فباستطاعته وإرادة وما كان باضطرار فبزمانه وعجز‪ ،‬وهذا ل يخلو من الحياء والموات وقد‬
‫استحالت منهم الفعال والتكليف وليس فيهم الكلم‪ ،‬فلما كان هذا ثبت أن الستطاعة مع الفعل‬
‫والرادة مع المراد والتقرب مع المتقرب به كما قلنا‪ .‬وكذلك المر مع الفعل إما أمر به أو تركه‪"....‬‬
‫(‪)26‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبهذا يتجلى نزعة التوسط في رفض الموقفين‪.‬‬

‫والباضية يتفقون مع الشاعرة والماتريدية في أن الستطاعة مع الفعل (‪ )27‬وقد حرص يوسف‬


‫المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين أن يلم بالقضية من جميع جوانبها وتتجلى طرافته في‬
‫المقارنة بين النصوص والمقابلة بينها وقد جاءت استشهاداته في شرحه مكملة لما لم يتعرض إليه‬
‫تبغورين‪)28( .‬‬

‫وبقي أن نشير إلى أن هذا التراث يتلقى مع المعتزلة والماتريدية في أنه ل يجوز التكليف بما ل‬
‫يطاق وذلك بمنافاته للحكمة اللهية (‪ )29‬على عكس الشاعرة الذين يجيزون ذلك بناء على قدرة‬
‫ال المطلقة التي ل تحد (‪. )30‬‬

‫وخلصة القول إن ما يتعلق بالستطاعة في القرآن يعتبر من المتشابه وإن الستطاعة مع الفعل‬
‫وإنها تفنى بانتهائه وإن حكمة ال تقتضي أل يكلف النسان بما ل يطاق‪ ،‬وهذا يبين أن صلة هذا‬
‫المبحث وثيقة بالكسب إذ رأينا أن من التعاريف الواردة للكسب أنه كل فعل وقع باستطاعته محدثة‬
‫مع الفعل‪.‬‬

‫وإن كانت الستطاعة مرتبطة بهذا المبحث فإننا كثيرا ما نجد أن التراث الباضي يعتمد على معنى‬
‫العصمة والعون والتوفيق والخذلن ليتخلص من المضائق المحرجة التي توحي بفكرة الجبر‪.‬‬
‫=====================================‬
‫(‪ )11‬ابن منظور الفريقي‪ :‬لسان العرب‪ .‬وجاء في المنهج‪ ":‬الستطاعة في اللغة القدرة على الشيء‪ ،‬قال ال تعالى‪ ]:‬فمن لم‬
‫يستطع فإطعام ستين مسكينا[ (‪ 58‬المجادلة ‪ .)4‬من لم يقدر أطعم وزال عنه فرض الصوم لزوال اسم الستطاعة"‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/469‬‬
‫(‪ )12‬لم نتمكن من التعريف بكهلن‪ ،‬أما عن أبي أيوب فانظر‪ 419 :‬تعليق ‪59‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ . 80 :‬إن مثل هذه المناظرات تنتهي دائما بتسليم الطرف المقابل‬
‫بسهولة‪ .‬انظر ما سبق ص ‪ 470‬تعليق ‪ ( 46‬مناظرة أبي عبيدة مع واصل بن عطاء)‪.‬‬
‫(‪ )14‬لقد كتب المام أبو اليقظان محمد بن أفلح الرستمي رسالة في الستطاعة‪ .‬ر‪ .‬الدريجني‪ :‬الطبقات ‪.2/319‬‬
‫ويذكر البرادي أن مناظرات كانت تقوم مع المعتزلة زمن المام المذكور أعله ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجوهر ‪180 -179‬‬
‫وقد كتب أبو عمار عبد الكافي كتابا في الستطاعة ما يزال مفقودا ‪.‬ر‪ .‬الشماخي ‪ :‬السير ‪441‬‬
‫(‪ )15‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪85 -74 :‬‬
‫(‪ )16‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ ،74 :‬وقد ذكر تبغورين تعريفات أخرى ‪.‬ر‪ .‬كتاب أصول الدين‪.51 :‬‬
‫التعبير بالقوة مقتبس من أبي خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪.‬‬
‫(‪ )17‬استطاع المال‪ :‬مثل القدرة على الزواج ‪ ،‬استطاع السبيل‪ :‬بالنسبة إلى الحج استطاعة الخلقة‪ :‬ل يستطيع النسان الطيران‪.‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪52 :‬‬
‫(‪ )19‬نقطة اتفاق مع المعتزلة أن الفعل دليل على القوة‪.‬‬
‫(‪ )20‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )21‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )22‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/470‬‬
‫(‪ )23‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪50 :‬‬
‫(‪ )24‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪ 51 :‬وهذا يفسر كيف أن الكفر يشغل الكافر عن استطاعة اليمان‪ ،‬وأن‬
‫اليمان يشغل المؤمن عن استطاعة الكفر‪.‬‬
‫(‪ )25‬لتعريف العرض انظر ما سبق‪ 280 :‬تعليق ‪57‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )26‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪55:‬‬


‫(‪ )27‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن ‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪304 :‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪85-74 :‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪1/208‬‬
‫(‪ )30‬ر‪ .‬بلقاسم بن حسن ‪ :‬آراء الماتريدي الكلمية‪304 :‬‬

‫‪:‬‬

‫جاءت في القرآن الكريم عدة آيات تثبت أن النسان ل يدرك اليمان إل بفضل من اله‪ .‬فمنها (ولول‬
‫فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) (‪ 24‬النور ‪ )21‬كما جاء مثل ذلك في عدة‬
‫أحاديث نذكر منها قوله عليه السلم‪ " :‬لن يدخل الجنة أحد بعلمه‪ .‬قيل ول أنت يا رسول ال قال‪:‬‬
‫ول أنا إل أن يتغمدني ال برحمته" ‪)31( .‬‬
‫وتحاول المصادر الباضية أن توفق بين مسؤولية النسان في فعله‪ ،‬وبين هذا المدد اللهي الذي‬
‫يمن به على من يشاء من عباده فنقول‪ ":‬العون والعصمة (‪ )32‬والتوفيق والتسديد والتأييد‪،‬‬
‫وشرح الصدر الذي خص ال تعالى بها المؤمنين مترادفة على معنى واحد‪ ،‬وهو أمر يوجده ال‬
‫تعالى فيهم حال إيمانهم ووفائهم بدينه تعالى يحول بينهم وبين الكفر والضلل على أنه أفضل تفضل‬
‫به عليهم عاصم وحافظ لهم من الشيطان وطرقه وأعوانه وذلك المر كيفية نفسانية يجدها المؤمن‬
‫من نفسه إذا خل ونفسه حالة وافية بدينة عز وجل كما يجده الصائم من نفسه كيفية مانعه لـه من‬
‫إبطاله‪،‬وعلى أنه لول تفضل ال تعالى على المؤمنين بها ما زكا أحد منهم لقوله تعالى‪ ( :‬ولول‬
‫فضل ال عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين) (‪ 2‬البقرة ‪." )33( )64‬‬

‫وقد جاءت الشارة إلى هذا المعنى من زمن مبكر مع أبي عبيدة عندما قيل له‪ :‬ل يستطيع الكافر‬
‫اليمان قال‪ :‬ما ازعم أن من يستطيع أن يأتي بحزمة حطب من الحل إلى الحرام ل يستطيع أن يصلي‬
‫ركعتين وما أزعم أنه يستطيع ذلك إل أن يوفقه ال (‪. )34‬‬

‫وتزيد النصوص تدقيق مسألة العون فتورد التساؤل التالي‪ :‬هل العون جزء واحد أو أجزاء متغايرة؟‬
‫وتثبت قولين‪:‬‬

‫‪ -1‬لكل جزء من اليمان جزء من العون‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -2‬العون جزء واحد موضوع لكل اليمان (‪. )35‬‬

‫ومهما يكن هذا التفصيل فإن النتيجة واحدة ذاك أن اليمان بجميع شعبه ل يتم إل بعون ال‬
‫وتوفيقه‪.‬‬

‫ثم إلى جانب هذا تتعرض المصادر الى حقيقة الخذلن فتبين أنه" ليس بمعنى فيوصف لنه ترك من‬
‫ال للكافر إذا لم يعطه من فضله شيئا يعصمه به بل وكله إلى نفسه والوكلن في مثل هذا ليس‬
‫بشيء إذا لم يفعل ضده" (‪. )36‬‬
‫والترك من ال على وجهين‪ :‬فكل ترك ليس فيه فعل ضده فليس بفعل ول شيء‪ .‬وكل ترك فيه فعل‬
‫ضده فهو شيء ومثل ذلك ترك ال أن يميتك أي أحياك‪...‬هذا ليس بشيء‪...‬وذلك الترك ليس بشيء‬
‫إل صلة في الكلم وزيادة على ما وصفنا (‪. )37‬‬

‫فالخذلن حينئذ ضد العون وإن كان العون فعل والخذلن تركا‪.‬‬

‫ويبين هذا التراث في النهاية أن العون يكون للمؤمن في حال فعله اليمان والخذلن للكافر في وقت‬
‫فعله الكفر ل قبل ول بعد (‪ )38‬ول حجة لهم على ال أن يعينهم ول أن يهديهم إلى دينه بعد أن جعل‬
‫فيهم قوة يقدرون بها على فعل اليمان ومكن لهم بذلك ما يأتون من ذلك وما يتركون‪)39( .‬‬

‫إن هذه التحاليل تثبت دائما الفرار من الجبر المطلق ومن الحرية المطلقة ول أن يعصم من يشاء‬
‫وأل يعصم من يشاء ل يسأل عما يفعل في خلقه وهم يسألون عما أوجبه عليهم‪.‬‬

‫بعد أن مررنا بسرعة على موضوع العصمة والخذلن يحسن أن ننظر في علقة الدعاء والرزق‬
‫والجل بالقدر‪ .‬فإن كان الرزق محددا من ال تعالى والجل مقدرا فلماذا الدعاء؟‬

‫‪ :‬إن كان المعتزلة يرون أن الدعاء تعبير عن العبادة والخشوع فإن الباضية‬
‫والشاعرة يرون أن الدعاء من القدر وفي هذا الصدد يقول الجيطالي‪ ":‬فاعلم أن القدر والطلب ل‬
‫يتنافيان فرب أمر قدر ال وصوله إليك بعد الطلب فل يصل إليك إل بطلب‪ ،‬والطلب أيضا من القدر‬
‫ول فرق بين المر المطلوب وبين الطلب فإنهما مقدوران فمن هنا ثبت أنهما ل يتنافيان" (‪. )40‬‬

‫فالدعاء حينئذ باب من أبواب تيسير المطلوب ول يتنافى مع قدر ال تعالى‪.‬‬

‫‪ )41( :‬إن ال هو الرزاق العليم فهو رازق لعباده‪ ،‬وتطرح المشكلة في مستوى ما‬
‫يأكله النسان من حرام وتأتي الجابات كما يلي‪ ":‬والظاهر أن الرزق هو ما ينتفع به حلل كان أو‬
‫حراما أو مكروها كما هو مذهب الشاعرة (‪ )42‬وقال تبغورين‪ ":‬وقال المسلمون ومن وافقهم من‬
‫الباضية والمرجئة‪ :‬من أكل الحرام فقد أكل رزقه وغذاء ولم يأكل رزقه ملكا"‪)43( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فالرزق حينئذ نوعان‪ :‬رزق غذاء ويكون حلل أو حراما (‪ )44‬ورزق ملك ول يكون إل حلل‪ .‬كما‬
‫أنه ل يأكل أحد رزق أحد‪ .‬والساس في الرزق أن ال يوسع لمن يشاء ويضيق عمن يشاء وكل ذلك‬
‫من باب البتلء إلى أجل معين‪.‬‬

‫الجل‪ :‬وتطرح المشكلة كما يلي‪ :‬من قتل مظلوما هل مات قبل أجله أو في أجله؟‬
‫والجواب كما يقرر تبغورين" وقول المسلمين في ذلك إن الناس ل يموتون قبل آجالهم ول يأكلون‬
‫غير أرزاقهم لقول ال عز وجل‪ ( :‬فقد جعل ال لكل شيء قدرا) (‪ 65‬الطلق ‪ )3‬يعني وقتا ل‬
‫يتقدمهم ول يتأخر عنهم كما قال‪ ( :‬ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) (‪ 15‬الحجر ‪)45( . )5‬‬

‫ويثبت هذا التراث أل اعتداد بقول المعتزلة إن من مات مظلوما مات قبل أجله‪.‬‬
‫ويثبت عبدال السالمي في النهاية أن القضية ليست من المسائل الدينية(الصولية التي يفسق بها‬
‫من خالف فيها (‪. )46‬‬

‫وبعد عرض هذه القضايا المتعلقة بالقدر (‪ )47‬لم يبق إل أن نقف عند البعد الحضاري لهذه القضية‪:‬‬

‫إن لقضية القدر طرفين يتوغل أحدهما في عالم الغيب مع علم ال وقدرته وإرادته ويمتد الطرف‬
‫الثاني في عالم الشهادة حيث تتم حركات جميع المخلوقات وسكناتها بما في ذلك النسان ويبدو‬
‫أكثرها تعقيدا‪.‬‬

‫والمتأمل في تاريخ البشرية يحس أن القضية انطلقت مع خلق النسان واستكبار إبليس عن السجود‬
‫لدم‪ ،‬وما أن هبط الجميع إلى الرض بعضهم لبعض عدو حتى ظلوا يتجاذبون طرفي حبل القضاء‬
‫والقدر‪ ،‬ول تكاد تخلو حضارة من إثارة هذه القضية سواء كانت وثنية أو قائمة على الوحي المنزل‬
‫من السماء‪.‬‬
‫وفي محيط عرف الخوض في هذه القضية انتشرت الحضارة السلمية بين العرب الذين كانوا‬
‫يقولون بالجبر وبين اليهود والنصارى ثم المجوس والهنود‪ ،‬وكان التفاعل وكان الخذ والعطاء‬
‫والقبول والرفض‪.‬‬

‫ومعلوم أن منطلق هذه الحضارة الوحي القرآني والنبوي وقد جاءا طافحين بتوضيح هذه القضية‬
‫وجعلها أسا من السس التي ل يتم اليمان إل بها‪ ،‬وألح النبي خاصة على أنها سر من أسرار ال‬
‫تعالى ونهى عن الخوض فيها‪.‬‬

‫لكن المسلمين لم ينتهوا عن الخوض فيها عدا الرعيل الول من الصحابة الذين غلب عليهم طابع‬
‫اليمان بما يرون من إعجاز في القرآن الكريم‪ ،‬وبما يلمسون في سيرة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫من قدوة حسنة وفي كلمه ما يغنيهم عن الجدل والعناد‪.‬‬

‫وما أن هبت عاصفة الفتنة الكبرى حتى ثارت قضية القدر وعاد تجاذب طرفي الحبل بشدة فأصحاب‬
‫السلطان ضغطوا على طرف الغيب فجنحوا إلى القول بالجبر حتى يقنعوا الناس أنهم يستمدون‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫نفوذهم من ال والقوى المعارضة ضغطت على طرف عالم الشهادة بقوة واعتبرت أن هذا النفوذ‬
‫عمل بشري محض واستبداد ل دخل لعالم الغيب فيه‪.‬‬

‫ولم يغب الباضية عن هذا الغليان الحضاري بل كان لهم موقفهم من اللحظة الولى ورغم أنهم من‬
‫صف المعارضة‪ ،‬ومواقفهم من المويين معروفة لم يجنحوا إلى ما جنح إليه المعتزلة ول إلى ما‬
‫جنح إليه الجبرية بل كان موقفهم مع المام جابر موقف الرسول عليه السلم‪ ":‬من يهده ال فل‬
‫مضل له ومن يضلل فل هادي له" ثم إن الحتكاك الحضاري بسائر الفرق الناشئة في مدينة البصرة‬
‫حيث برزت حلقات المناظرات وتمازجي الحضارات وأثيرت القضايا العقائدية بقوة‪ ،‬بحسن نية‬
‫وبسوء نية‪ ،‬والبصرة هي منطلق دعوة الباضية ومركزها الول‪ ،‬دفع بأبي عبيدة إمام الباضية‬
‫الثاني إلى التمييز بين القدر والمقدور لتبكيت واصل بن عطاء‪ ،‬وبين أن القدر من ال والمقدور من‬
‫النسان‪ ،‬وإلى البراءة من بعض أتباعه الذين ولوا وجوههم شطر نزعة غيلن الدمشقي‪ ،‬وعلى هذا‬
‫المسلك درج الربيع بن حبيب حيث جمع كل ما وصله من أحاديث في هذا الموضوع في الجامع‬
‫الصحيح وعلق عليها بأن الخلق من ال والفعل من العبد‪.‬‬

‫وفي هذا المحيط المتموج تولدت عن قضية القدر مسائل كثيرة أبرزها قضية الجبر والختيار أو ما‬
‫عرف بخلق الفعال بل صارت مركز الجدل بين المتكلمين وكلما أثيرت قضية القدر تتجه النظار إلى‬
‫هذه المسألة مع مسائل أخرى مثل الستطاعة والرادة والعلم‪.‬‬
‫وبحكم التطور الحضاري وأثر الفكر اليوناني الفلسفي تحول الكفر السلمي تدريجيا من طور الجدل‬
‫المتحمس الدفاعي الى طور التعقيد والتنظير وسلك الباضية نفس المسلك فنشأت التعريفات‬
‫الصطلحية وقالوا إن القضاء هو إيجاد ال تعالى الشياء في اللوح المحفوظ دفعة واحدة والقدر‬
‫هو انتهاء المور إلى أوقاتها وارتجاعها إلى مقدورها وثبت أن اللفظتين تلتقيان في الحقل الدللي‬
‫وهذا ما جعل التمييز بينهما صعبا مما أدى إلى غموض في التعريفات‪.‬‬

‫وما أن اعتزل الشعري المعتزلة وظهر على الناس بمقالته وإبانته وانطلق من وراء النهر‬
‫الماتريدي بلمعة وتوحيده حتى سرى في المة نبع جديد تسمى بأهل السنة صاغ صياغة جديدة فكرا‬
‫ساريا عند الناس وإن ثار على العتزال فلم يسلم من الجدل الكلمي‪.‬‬

‫والباضية على الساحة يتأملون ويقارنون بين مختلف التيارات وموقفهم ثابت فلم يذوبوا في الفكر‬
‫العتزالي رغم اللتقاء في عدة قضايا كما لم يبتلعهم هذا التيار الجديد وإن اتفقوا معه في بعض‬
‫القضايا ومن بينها قضية القضاء والقدر وما تفرع عنها من قضية خلق الفعال التي انصهرت في‬
‫القول بالكسب‪.‬‬

‫وثبت أن جذور مفهوم الكسب ترجع إلى بداية القرن الثاني‪ 8/‬مع أبي عبيدة والربيع إل أن‬
‫المصطلح لم يتبلور عند الباضية إل في ما بعد فقالوا هو صرف العبد قدرته وإرادته إلى الفعل مع‬
‫الشارة إلى الترجيح والختيار‪.‬‬

‫والباضية كبقية الفرق السلمية تلمس في تراثهم إدراكهم أن قضية القدر من غوامض علم الكلم‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأن اللتجاء إلى تحديد جهتين للفعل الواحد‪ ،‬الخلق ل‪ ،‬والفعل للنسان ليس معناه الشركة‪ ،‬وإنما‬
‫هو مخرج من مضيق ولذا تجد أن هذا الفكر تفاعله مع الحداث تقوى فيه نسبة القتراب من الجبر‬
‫كما جاء عند علماء جبل نفوسة القائلين بالجبل وتقوى فيه نسبة القتراب من الختيار كما جاء ذلك‬
‫عند علماء المغرب‪ ،‬إل أن النزعة التي بقيت طاغية عند الباضية عامة هي تقوية نسبة الختيار‬
‫حتى يتحمل النسان مسؤوليته وتتجلى الحكمة في المر والنهي في ما يترتب عنهما من الثواب‬
‫والعقاب‪ ،‬وتتميز حركات الختيار عن حركات الضطرار مع اعتقاد أن ال تعالى خالق كل شيء‬
‫وأنه على كل شيء قدير‪.‬‬

‫ويتلخص موقفهم في قولهم إن فعل العبد ل يوجد إل بخمسة‪:‬‬

‫‪ -1‬إرادة ال تعالى‪.‬‬

‫‪ -2‬إرادة العبد‪.‬‬

‫‪ -3‬اكتساب العبد‪.‬‬

‫‪ -4‬إعانة ال إن كان طاعة وخذلنه إن كان معصية‬

‫‪ -5‬خلقه له في وقت الفعل ل قبله ول بعده‪)48( .‬‬

‫والجدير بالملحظة أن المنهج المتبع في كل هذا الخصم هو منهج علم الكلم عامة إذ يكون المنطلق‬
‫من النصوص قرآنا وسنة ثم يأتي تأويلها وفهمها حسب مقتضيات اللغة‪ ،‬وملبسات القضية‪،‬‬
‫وارتباطها بسائر الفكر الباضي وهذا يتجلى بوضوح عند ربط القضية بإرادة ال مع اعتبارها من‬
‫صفات الذات وعند تبيين أن الستطاعة مع الفعل وأن الكسب ل يتم إل بعون ال إن كان طاعة‬
‫وبخذلن ال إن كان معصية‪.‬‬

‫وقد جاء المنهج العام في تقرير القضية في التحاليل النظرية وحتى في الشروح قائما على الرد على‬
‫المعتزلة وعلى الجبرية‪ ،‬وبعد استغلل حجج هذا الطرف على الطرف الثاني يستقر الموقف الوسط‬
‫ويدعم بحجج نقلية وعقلية‪ ،‬فتغلب النزعة العقلية عند البعض أمثال أبي عمار والسدويكشي وتغلب‬
‫النزعة النقلية عند البعض الخر مثل ما نجد عند الجيطالي ويوسف المصعبي‪.‬‬

‫فواضح إذن أن نزعة الباضية والزيدية والشاعرة والماتريدية جاءت توفيقية دون أن تغفل عن أن‬
‫النسان مجبر في ما هو خاضع للرادة الكونية مما سموه بالضطرار وأنه مكتسب في ما يقع تحت‬
‫دائرة الختيار ويبقى ال تعالى خالق كل شيء‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعد هذا ندرك أن القضاء سيظل سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول النسان أن يكشف هذا السر‬
‫وسيظل النسان لهثا وراء استكشاف هذا السر عسى أن يقف أمام الغيب وجها لوجه كما يقف أمام‬
‫قضايا أخرى‪.‬‬

‫أما المؤمن الذي أيقن بعقله أن القرآن من ال‪ ،‬وآمن بأن القدر خيره وشره من ال تعالى‪ ،‬فإن هذا‬
‫القدر يتجلى له في كل حركاته وسكناته فكم من مرة يقدر أن يفعل كذا فل يتم إل ما قدر ال‪ ،‬وكم من‬
‫مرة يقدر أل يفعل كذا فل يتم إل ما قدر اله كما يتجلى في ما حوله من أحداث تدفع إلى التسليم‬
‫بالقدر فهذا يسقط من الطابق السادس فل يصاب بسوء وما يكاد يستبشر بوضعه فيذهب ليأتي‬
‫لصحابه بالمشروبات تعبيرا عن الفرح حتى تدوسه سيارة تقضي عليه وهذا قطار يكاد يدوس رجل‬
‫عابرا من سكته فيتحول في تلك اللحظة عن مجراه ليصطدم بمسكن مجاور فيقضي عليه وعلى من‬
‫فيه‪ ،‬وما إلى ذلك من الحداث التي يحار العقل أمامها‪.‬‬

‫ولعل من أحسن ما يمكن أن تفصل به المسألة أن تبقى قضية القدر في دائرة اليمان وأن يوضع‬
‫الفعل في دائرة الشرع وليجتهد النسان في العمل مع العلم أن كل ميسر لما خلق له‪.‬‬

‫كما أنه على النسان أل يخلط بين دائرتين ‪ ،‬دائرة مشيئة ال تعالى التي ل تحد‪ ،‬ودائرة مشيئة‬
‫النسان المحدودة الضيقة‪ ،‬وعليه أل يقيس هذه بتلك فيشتبه المر عليه ويبعد عن طريق الصواب‬
‫ومن يقارن بين المطلق والمحدود لن يصل إلى نتيجة ثابتة وسوف يبقى دائما يبحث في حندس ل‬
‫مخرج منه‪.‬‬

‫وإن تبين من خلل هذا المبحث أن النسان مسؤول فماذا عن الجزاء في الخرة أو ما عرف بالوعد‬
‫والوعيد؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 56‬وجه‪ .‬انظر ما سبق ‪ 440 :‬تعليق ‪119‬‬
‫(‪ )32‬جاء في المنهج ‪ :‬والعصمة هي الحراسة من مواقعة المعصية ‪ ،‬والقدرة على الطاعة‪ .‬والعاصم هو ال تعالى ‪ ،‬والمعصوم‪:‬‬
‫المكلف‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.1/467 :‬‬
‫(‪ )33‬والنص ليوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪78:‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )35‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )36‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪ .59:‬وتناقش المصادر القضية من جانب آخر وهو إمكانية إطلق‬
‫السماء على غير شيء‪ ،‬ويحتج الباضية لمكان ذلك باطلق السماء على الزل والعدم والمحال وإن لم يكن واحدا منها‬
‫موجودا ويعتمدون في ذلك على أن السماء ل يشترط في التسمية بها وجود مسمياتها ‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول‬
‫تبغورين‪ .89 :‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 78‬وجه ‪.‬ر‪ .‬يوسف عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪. 210 -209 :‬ر‪ .‬المحشي‪:‬‬
‫حاشية على قواعد السلم‪16 :‬‬
‫(‪ )37‬وقد وقع اللحاح على هذه القضية أنها تختلف عن موقف الشاعرة الذين يقولون" إن الخذلن هو خلق قدرة المعصية في‬
‫العبد" ‪.‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬الباتة‪ 153:‬حيث يقول أثناء الرد على المعتزلة " فل بد لهم أن يثبتوا لهم الخذلن للكفر الذي‬
‫خلقه ال فيهم"‪.‬‬
‫(‪ )38‬لنه لو كان قبل لكان حجة للعبد على ال يوم القيامة ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/468‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.86 :‬‬
‫(‪ )40‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬كتاب قواعد السلم ‪1/31‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ " )41‬الرزق بكسر الراء بمعنى المرزوق‪ ،‬وهو ما ساقه ال تعالى إلى النسان لينتفع به سواء كان بملكه أو بدون ملكه بأن‬
‫كان ملكا للغير فظلمه إياه وانتفع به‪ ،‬سواء كان مما يؤكل أو مما يلبس أو يتقى به من الحر والبرد أو نحو ذلك‪ ،‬كان المنتفع به‬
‫عاقل أو غير عاقل‪ ،‬وهذا مذهبنا ومذهب جمهور الشاعرة‪ ...‬وفي هذا اختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الرزق هو ما يملك‬
‫ل ما ينتفع به مطلقا" ‪.‬ر عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.268 :‬‬
‫(‪ )42‬لقد بين أبو الحسن الشعري أن من أكل حراما فقد أكل رزقه وميز بين رزق التغذية ورزق التمليك ‪.‬ر‪ .‬البانة ط دمشق –‬
‫بيروت‪152 -151 :‬‬
‫(‪ )43‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪. 74 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪118:‬‬
‫(‪ )44‬وقد يكون شبهة كما ذكر عبدال السالمي‪ ":‬والشبهة أن يتجاذب الشيء أصلن أصل يحله‪ ،‬وأصل يحرمه ول مرجح‬
‫لواحد منهما‪ ،‬والواجب فيه التوقف" المشارق‪269 :‬‬
‫(‪ )45‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬كتاب أصول الدين‪. 76 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.125 -124:‬‬
‫ر‪ .‬إبراهيم اللقاني‪ :‬جوهرة التوحيد مع الشرح‪191:‬‬
‫وموقف الباضية هو موقف الشاعرة ‪.‬ر‪ .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬الباتة‪. 150 :‬ر‪ .‬إبراهيم اللقاني‪ :‬جوهرة التوحيد مع الشرح‪:‬‬
‫‪ .160‬وفي ذلك يقول عبدال السالمي‪ ":‬كل من مات وفارقت روحه جسده بأي سبب كان أو بل سبب فهو ميت بأجله‪ ...‬هذا‬
‫مذهبنا ومذهب الشاعرة‪ .‬المشارق‪266 :‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪267:‬‬
‫(‪ )47‬وقد وقفنا عندها بشيء من الختصار لستيفاء المعنى لن كل قضية منها يمكن أن تفرد ببحث موسع‪.‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح الدعائم ‪.1/183‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفصل الثاني الوعد والوعيد وقضية الخلود‬

‫تمهيد‪:‬‬

‫لقد انتهينا إلى أن القدر يبقى سرا من أسرار ال تعالى مهما حاول علماء الكلم الجتهاد في حل هذا‬
‫اللغز الغيبي‪.‬‬

‫وقد بينا أن الشكال يتفاقم كلما حاول هؤلء العلماء الربط بين العمل وما يترتب عليه من ثواب‬
‫وعقاب‪ ،‬وجاءت النتائج متباينة بين الجبرية والقدرية وحاول القائلون بالكسب ومنهم الباضية‬
‫التوسط بين الطرفين فحملوا النسان طرفا من المسؤولية ليستقيم المر والنهي‪.‬‬

‫ومن البديهي أن المر والنهي ينبني عليهما المتثال أو عدم المتثال وبالتالي تطرح قضية الجزاء‬
‫أو ما اصطلح على تسميته عند علماء أصول الدين بالوعد والوعيد (‪. )1‬‬

‫وإن كانت صلة هذه القضية بالقضاء والقدر وثيقة فلعل صلتها أوثق بما اصطلح عليه بعنوان"‬
‫السماء والحكام" إشارة إلى المسميات التي تميز بها الفرق بين مستويات المتثال لوامر ال‬
‫تعالى ونواهيه‪ ،‬ومستويات عدم المتثال وما ينبني على ذلك من الحكام في الدنيا والخرة‪)2( .‬‬
‫والمتأمل في كتب أصول الدين يدرك يقينا أن سبب الخلف بين الفرق يرجع إلى الختلف في تحديد‬
‫المسميات وإذا كان المنطلقات متباينة فل يمكن أن تكون النتائج متفقة‪.‬‬

‫واضح إذن أن لقضية الوعد والوعيد طرفين‪ ،‬طرفا غيبيا وطرفا في علم الشهادة‪ ،‬وإذا علمنا أن‬
‫الحدود بين الرض والسماء ليست في منتهى الدقة ندرك أن القضية لبد من أن تحير المتكلمين‬
‫وقد حيرتهم فعل وجعلتهم بين متفائل تفاؤل مطلقا يحشر كل من قال ل إله إل ال وإن مات مصرا‬
‫على المعصية في الجنة بوجه من الوجوه‪ ،‬وبين متشائم تشائما مطلقا يعتبر أن المعصية شرك ومن‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫جزؤ عليها يحل دمه وماله وسبي ذراريه ول سبيل له إلى النجاة وكان منهم المتشائم والمتفائل‬
‫والمعتدل في شأن مصير من خلط عمل صالحا وآخر سيئا‪.‬‬

‫وقبل أن نحلل هذه القضية يحسن أن نقف عند مسألة السماء والحكام‪.‬‬

‫قضية السماء والحكام‬

‫يقول الحق تبارك وتعالى‪ ( :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم السلم دينا)‬
‫(‪ 5‬المائدة ‪.)3‬‬

‫انطلقا من هذا المفهوم الواضح السامي أشع السلم بفتوحاته على أطراف العالم‪ ،‬لكن ما كاد‬
‫ينتهي العقد الثالث من القرن الول هجري‪ /‬القرن السابع ميلدي‪ ،‬حتى جدت أحداث جسام (‪)3‬‬
‫أسالت الدماء واطالت اللسن وقدحت الذهان‪ ،‬وحركت القلم‪ ،‬وما تزال‪.‬‬

‫وقد أسفرت هذه الحداث عن تقسيم المسلمين إلى ثلث كتل (‪ )4‬استقلت كل منها بمفاهيم خاصة‬
‫تجاه بعض القضايا وعن هذه الكتل تولدت جميع الفرق السلمية‪.‬‬
‫ولقد حللنا موقف الباضية من تسمية الفرق وبينا رفضهم المطلق لسمة الخارجية (‪ )5‬فماذا الن‬
‫عن موقفهم من مرتكب الكبيرة؟ أمؤمن هو؟ أمسلم هو؟ أكافر هو؟ أم هو فاسق في منزلة بين‬
‫المنزلتين؟‬

‫وقبل أن نجيب عن هذه السئلة يحسن أن نحدد مفهوم كلمات تحولت عن مدلولها اللغوي الى‬
‫مصطلحات شرعية تعتبر مفاتيح ل سبيل إلى ولوج البناء الفكري لكل فرقة دون امتلكها ومعرفة‬
‫استعمالها بدقة‪ .‬وهذه المصطلحات هي‪ :‬اليمان والكفر‪ ،‬والنفاق والشرك‪.‬‬

‫ويحسن أن نلحظ ملحظتين قبل النطلق في التعريف‪:‬‬

‫الولى‪ :‬منهجية‪ :‬وتتمثل في أننا ل نعتبر البحث في المسألة فصل مستقل وإنما هو توطئة لفصل‬
‫الوعد والوعيد لذلك سيكون التحليل مختصرا‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬توضيحيه‪ ،‬وتتمثل في موقف الباضية من السماء عامة‪ ،‬يقول البرادي " واعلم أن‬
‫السماء على أصولنا تنقسم ثلثة أقسام‪ :‬أسماء دينية‪ ،‬وأسماء شرعية‪ ،‬وأسماء لغوية‪.‬‬

‫فالسماء الدينية تتعلق بها أحكام الدنيا والخرة‪ .‬والسماء الشرعية تتعلق بها‬
‫التكاليف مثل الصحة والفساد‪ ،‬والجزاء وعدمه والعادة والحتياط‪.‬‬

‫والسماء اللغوية هي المستعملة لموضوعها من غير نقل إلى شيء‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فالسماء الدينية مثل اليمان‪ ،‬والكفر‪ ،‬والشرك والسلم‪ ،‬والدّين‪ ،‬والبّر‪ ،‬والحسان‪ ،‬والنفاق‬
‫والفسق والكبيرة والصغيرة‪ .‬فهذه أسماء جعلت أساسا للشريعة وعلق إليها الثواب والعقاب‬
‫والحدود والولية والبراءة‪ ،‬لم تكن العرب تعرفها قبل ورود الشرع بها‪ ،‬ول تتخاطب بها على هذه‬
‫الصفة حتى أوقفهم الشرع عليها‪ ،‬وخاطبهم بها‪ ...‬وجميع المعارف وأصول الديانات متعلقة بهذه‬
‫السماء راجعة إليها‪.‬‬

‫‪...‬وأكثر اختلفات المة إنما جاء من قبل هذه السماء الدينية‪)6( "...‬‬
‫فماذا حينئذ عن هذه السماء الدينية؟‬

‫‪)7( :‬‬

‫إن تعايش المسلمون الول مع هذه الكلمة بصفاء تام إذ هي التي حولتهم من ظلمات الجاهلية إلى‬
‫نور السلم (‪ ، )8‬فإن من جاء بعدهم‪ ،‬وبعد ظهور الفتن يقول لمن يدعي اليمان رويدك‪ ،‬أامنت‬
‫بقلبك‪ ،‬أم بلسانك‪ ،‬أم بهاما معا؟ وهل اعتبرت العمل من اليمان أم ل؟ وحسب الجواب يوضع‬
‫المسؤول في زمرة فرقة من الفرق‪ .‬وتتفق كتب الفرق والصول على ما لخصه ابن حزم في ما‬
‫يلي‪ ":‬قال أبو محمد‪ :‬اختلفت الناس في ماهية اليمان‪ -:‬فذهب قوم إلى أن اليمان إنما هو معرفة‬
‫ال تعالى بالقلب فقط‪ ،‬وإن ظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته‪ ،‬فإذا عف‬
‫ال تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة‪ ،‬وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن‬
‫الشعري البصري (‪ )9‬وأصحابهما‪.‬‬

‫‪ -‬وذهب قوم إلى أن اليمان بال هو إقرار باللسان وان اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن‬
‫من أهل الجنة وهذا قول محمد بن كرام السيجستاني وأصحابه‪.‬‬

‫‪ -‬وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج (‪ )10‬إلى أن اليمان‬
‫هو المعرفة بالقلب بالدّين والقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل خير فرض‬
‫كان أم نافلة فهي إيمان‪ ،‬وكلما ازداد النسان خير ازداد إيمانه وكلما عصى نقص إيمانه " (‪)11‬‬
‫فتتلخص المواقف حينئذ في أربعة‪:‬‬

‫‪ )1‬اليمان بالقلب فقط‪.‬‬

‫‪ )2‬اليمان باللسان فقط‪.‬‬

‫‪ )3‬اليمان بالقلب واللسان فقط‪.‬‬

‫‪ )4‬اليمان بالقلب واللسان والعمال‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد سلكت المصادر الباضية عند تعريف اليمان مسلك المقارنة أحيانا ومسلك الرد والدفاع أحيانا‬
‫أخرى‪)12( .‬‬

‫وهي تثبت أن اليمان في اللغة يعني التصديق (‪ )13‬بل ينقل المحشي عن كتاب السؤالت أنه‬
‫محصور في التصديق ‪)14( .‬‬

‫ويحلل الشماخي الصيغة الصرفية للكلمة كما يلي‪ ":‬فاليمان لغة أفعال من المن متعد إلى واحد ثم‬
‫نقل بالهمزة إلى الثاني أي أمنته التكذيب أي صدقته‪ ،‬أو بمعنى صرت ذا أمن منه أي وثقت به‪،‬‬
‫فمعناه إما التصديق مطلقا أو الوثوق فعدي بالباء لتضمنه معنى اعترف وأقر"‪)15( .‬‬

‫ويبين الشماخي أيضا التكامل بين المعنى اللغوي والشرعي‪ ":‬وأيضا ل ننكر استعمال اليمان في‬
‫معناه اللغوي‪ ،‬ول ينافي الستعمال الشرعي مع ثبوت النقل" (‪. )16‬‬

‫كما تلح المصادر على أن اليمان في الصطلح الديني اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل‬
‫بالركان (‪ )17‬ويتفاوت التوسع في تحليل هذا المفهوم من مصدر الى أخر فهذا الشماخي يقول عن‬
‫اليمان ‪ ":‬وفي الشرع أن تشهد ل بالوحدانية ولمحمد صلى ال عليه وسلم بالرسالة‪ ،‬وبأن ما‬
‫جاء به حق من جميع المأمورات ووظائف الدين التي كلف بها عباده "‪)18( .‬‬

‫كما يعبر عن ذلك بصيغة أخرى فيقول‪ ":‬وفي الشرع اليمان توحيد‪ :‬كمعرفة ال عز وجل والرسول‬
‫وما جاء به‪ ،‬وغير ذلك مما ل يسع جهله‪ .‬وغير التوحيد‪ :‬وهو جميع ما أمر ال به سبحانه وتعالى‬
‫ولو إماطة الذى وإذا حصلت الطاعة حصل وجوب الثواب واليمان" (‪. )19‬‬

‫ويقول البرادي‪ ":‬حقيقة اليمان على أصولنا التصديق ل عز وجل باللسان والقلب والجوارح "‪( .‬‬
‫‪)20‬‬

‫كما يقول محمد اطفيش" واليمان ‪ :‬التصديق في اللغة‪ ،‬وكذلك اليمان عندنا في الشرع التصديق‬
‫في القلب بما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم والقرار بالعمل وكل طاعة إيمان نفل أو فرضا‬
‫عندنا وعند الخوارج والعلف وعبد الجبار" (‪. )21‬‬
‫وفي نطاق الرد على المرجئة والجهمية والكرامية الذين يعتبرون أن اليمان بسيط يثبت الباضية‬
‫أنه مركب وفي ذلك يقول المحشي‪:‬واليمان عندنا مركب من القول والعمل كما هو معلوم‪ .‬قال‬
‫الشيخ أبو نصر ‪(:‬طويل)‬

‫(‪)22‬‬

‫وجاءت الشارة الى هذا المعنى في حواش شرح الجهالت كما يلي‪ ":‬وأجزاء اليمان أكثر من‬
‫أجزاء التوحيد" (‪. )23‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقد عالج هذه القضية أبو خزر من قبل فقال مستدرجا المرجئة‪ ":‬نسأل المرجئة عن اليمان ما‬
‫هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار فقد أبطلوا أن تكون معرفة ال إيمانا‪ ،‬يقال لهم أخبرونا عن هذا القرار‬
‫ما هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار‪ ،‬فقد طلبوا أن تكون معرفة ال إيمانا يقال لهم أخبرونا عن هذا القرار‬
‫ما هو؟ فإن قالوا‪ :‬هو القرار أن ال واحد ل شريك له وأن محمدا عبده ورسوله‪ ،‬ما جاء به حق‪،‬‬
‫يقال لهم‪ :‬هذه ثلث خصلت بعضها غير بعض‪ ،‬القرار بال غير القرار بأن محمدا رسول ال غير‬
‫القرار بما جاء به حق‪ ،‬لنه يقر بهذا من ينكر هذا يقر بال أنه واحد من أنكر أن يكون محمد‬
‫رسول ال ‪ .‬فإن قال‪ :‬القرار بال إيمان أبطل أن يكون القرار بمحمد إيمانا‪ .‬وكذلك بما جاء به حق‬
‫غير القرار بأن محمدا رسول ال فإذا جاز عندكم أن يكون اليمان ثلث خصال لم ل يجوز لغيركم‬
‫أن يجعله أربع خصال أو أكثر فيجعل الصلة والزكاة وغير ذلك من الفرائض من اليمان‪ .‬إذ أقررتم‬
‫أن اليمان خصال" (‪. )24‬‬
‫========================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪.95:‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬تعريف المؤمن والكافر والمنافق والمشرك‪508 -474 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما سبق‪35 :‬و ‪36‬‬
‫(‪ )4‬انظر ما سبق‪35 :‬و ‪36‬‬
‫(‪ )5‬انظر ما سبق‪25 -24 :‬‬
‫(‪ )6‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪45-44 :‬‬
‫ويختلف هذا التقسيم عن تقسيم المعتزلة مثل إذ يقسمونها إلى شرعي وعرفي ولغوي‪ .‬وعند التأمل ندرك أن ما اعتبره المعتزلة‬
‫شرعيا يشمل الديني والشرعي عند الباضية ‪ :‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪. 710 :‬‬
‫(‪ )7‬ملحظة‪ :‬إن الباضية يعتبرون ‪ ":‬أن الدين والسلم واليمان تصدق شرعا على شيء واحد‪ ،‬وإن اختلف مفهوماتها" ‪.‬ر‪.‬‬
‫أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ‪ .34‬وهذا يحتاج إلى مبحث موسع يتجاوز حدود هذه التوطئة‪.‬‬
‫(‪ )8‬قال النبي ‪ e‬لحارثة‪ :‬كيف أصبحت يا حارثة؟ قال‪ :‬مؤمنا؟ قال‪ :‬فما حقيقة إيمانك ؟ قال‪ :‬عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى‬
‫عندي حجرها وذهبها‪ ،‬وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا‪ ،‬وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون‪ ،‬وكأني أسمع عواء أهل النار‪.‬‬
‫فقال له رسول ال ‪: e‬شهيدا سعيدا"‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ .1/576‬لم يرد عند ونسنك‬
‫(‪ )9‬الحقيقة أن الشعري يقول في البانة غير ذلك‪ ":‬وندين أن اليمان قول وعمل يزيد وينقص‪ "...‬البانة ط ‪24 :1981‬‬
‫(‪ )10‬مع العلم أن ابن حزم يحشر الباضية مع الخوارج‬
‫(‪ )11‬ابن حزم ‪ :‬الفصل ‪.189 -3/188‬‬
‫جاء مثل هذا التحليل عند‪ :‬عمروس بن فتح‪ :‬الدينونة الصافية‪5 :‬و ‪ .7‬أبي عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ .104 -2/90‬السالمي‪:‬‬
‫المشارق‪ .332-331 :‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ .201 :2‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ 454 /2‬مع شرح الجرجاني واخترنا‬
‫نص ابن حزم لوضوح المنهجي‪.‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪. 87 ،84 ،54 ،52 :‬ر‪ .‬مجموعة من المحشين‪ :‬حاشية على شرح كتاب الجهالت‬
‫‪.58 -56‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ‪ . 128 .33‬الرد على صولة الغدامسي ‪.38 -29‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ‪38‬و ‪ .128‬الرد على صولة ‪38 -29 :‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪87 :‬‬
‫(‪ )15‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪29:‬‬
‫(‪ )16‬المصدر السابق‪35 :‬‬
‫‪ ))17‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37 :‬‬
‫المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪ .44:‬عمر أبو ستة المجموع المعول‪21 :‬‬
‫(‪ )18‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد‪ 33:‬والملحظ أن صيغة اليمان في القرآن الكريم جاءت دالة تارة على التصديق‪،‬‬
‫وتارة عليه وعلى غيره من العمل والقرار‪ ،‬وتارة على غيره‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ط ‪.201 :2‬‬
‫ملحظة‪ :‬يحسن أن نعرف بمفهوم اليمان عند الشاعرة والمعتزلة وفي ذلك يقول البيجوري‪ ":‬وهذا شرط كمال على المختار‬
‫عند أهل السنة‪ ،‬فمن أتى بالعمل فقد حصل الكمال‪ ،‬ومن تركه فهو مؤمن لكنه فوت على نفسه الكمال إذا لم يكن مع ذلك انحلل‪،‬‬
‫أو عناد للشارع‪ ،‬أو شك في مشروعيته وإل فهو كافر في ما علم من الدين بالضرورة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وذهبت المعتزلة إلى أن العمل شطرا من اليمان لنهم يقولن بأنه العمل والنطق والعتقاد‪ ".‬شرح جوهرة التوحيد‪45 :‬‬
‫ويلخص القاضي عبد الجبار مواقف المعتزلة من اليمان كما يلي‪ ":‬وجملة ذلك أن اليمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن‬
‫أداء الطاعات والفرائض دون النوافل‪ ،‬واجتناب المقبحات‪ .‬وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل‬
‫واجتناب المقبحات‪ ،‬وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة‪ :‬الصول الخمسة‪.707 :‬‬
‫انظر في هذا الشأن أيضا ‪ :‬اليجي‪ :‬المواقف ‪ 2/454‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار الصول الخمسة‪705 :‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح مقدمة التوحيد‪33:‬‬
‫(‪ )20‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪37 :‬‬
‫(‪ )21‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح مقدمة التوحيد ط ‪199 :2‬‬
‫(‪ )22‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ .‬البيتان ‪7 :98 ،97‬‬
‫ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪9:‬‬
‫(‪ )23‬مجموعة من المحشين‪ :‬حواش على كتاب الجهالت‪68:‬‬
‫(‪ )24‬أبو خرز ‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪57 -56 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي هذا الصدد تسميت المصادر في اعتبار العمال داخلة في اليمان فيقول الشماخي في رده على‬
‫صولة الغدامسي‪ ":‬ودليل النقل‪:‬‬

‫‪( -‬وما كان ال ليضيع إيمانك) (‪ )25‬أي صلتكم‪.‬‬


‫‪( -‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم لياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم‬
‫يتوكلون الذين يقيمون الصلة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم‬
‫ومغفرة ورق كريم) (‪ 8‬النفال ‪)2 ،4‬وإنما للحصر أولئك هم المؤمنون حقا يفيد الحصر‬
‫والتخصيص ومن ليس من أهل الية أولئك هو المؤمن كذبا أو ليسوا بمؤمنين‪.‬‬

‫‪( -‬أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا) (‪ 32‬السجدة ‪ )18‬فإن قسيم الشيء ل يكون قسما منه‪ ،‬وهذه‬
‫الية ل وجوب لها إل تعنتا ‪...‬وقوله عليه السلم‪ " :‬اليمان نيف وسبعون شعبة أعلها شهادة أن‬
‫ل إله إل ال وأدناها إماطة الذى عن الطريق" (‪. )26‬‬

‫وقوله‪ " :‬الحياء شعبة من اليمان" (‪. )27‬‬

‫‪ -‬وقوله لوفد عبد القيس‪ " :‬أتدرون ما اليمان؟ " ففسره بالشهادتين وذكر الصلة والصوم‬
‫والزكاة والحج" (‪. )28‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ " :‬ل أمانة ل عهد له‪ ،‬ل إيمان ل أمانة له‪ ،‬ل إيمان لمن ل صلة له" (‪. )29‬‬
‫ومثل هذا كثير وسئل عليه السلم عن أفضل العمال فقال‪" :‬إيمان ل شك فيه" (‪" )30‬فجعله من‬
‫العمال"‪)31( .‬‬

‫ول يغفل الباضية عن صحة إيمان من اخترتهم المنية قبل وجوب العمل (‪ )32‬ويقول السالمي في‬
‫ذلك‪" :‬إن العمل ل يكون من اليمان إل إذا كان لزما فيخرج القول بأن جميع الطاعات إيمان‪ ،‬وفيه‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تنبيه على أنه يأتي على المكلف حال وليس عليه من العمال البدينة مفترض‪ ،‬كما إذا لم تبلغه‬
‫الحجة بشيء من السمعيات أو كان ولم يأت عليه وقت يجب فيه عليه عمل" (‪. )33‬‬

‫وقيل‪ :‬كل طاعة فهي من اليمان ول يقال كل طاعة ل هي إيمان وليس كل طاعة ل إيمانا لن فيها‬
‫الوسائل وترك الوسائل ل يكفر واليمان إذا ترك كان تركه كفرا (‪. )34‬‬
‫والمهم في إلحاح الباضية على اعتبار العمال الواجبة من اليمان وأن الخلل بشيء منها يفسد‬
‫اليمان كله‪ ،‬وهذا موقف من الصرامة بمكان كان له الثر الفعال في البعد الحضاري لهذه القضية‬
‫لدى الباضية (‪. )35‬‬

‫ثم إلى جانب هذا طرحت قضية الزيادة والنقصان وللباضية فيها ثلثة مواقف‪:‬‬

‫‪ )1‬اليمان يزيد وينقص‪.‬‬

‫‪ )2‬اليمان يزيد ول نقول ينقص وإنما يقال يضعف‪.‬‬

‫‪ )3‬اليمان يزيد ول ينقص‪.‬‬

‫وتذكر المصادر عادة المواقف الثلثة‪ .‬أما عن الموقف الول فيقول أبو عمار عبد الكافي‪ ":‬وقال‬
‫عز وجل‪( :‬فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا) (‪ 9‬التوبة ‪ )124‬أي يعملون بما في السورة من‬
‫الفرائض فيزدادوا بذلك إيمانا ‪ ،‬وقال‪( :‬هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع‬
‫إيمانهم) (‪ 48‬الفتح ‪ )4‬فهؤلء قوم مؤمنون مستكملون اليمان قد أخبر ال عنهم أنهم مع ذلك‬
‫يزدادوا إيمانا مع إيمانهم فدل ذلك على أن اليمان خصائل كثيرة تزداد وتنقص" (‪. )36‬‬

‫ويستدل لذلك صاحب المنهج بحديث للرسول عليه السلم وبأثر لعلي ابن أبي طالب فيقول‪" :‬‬
‫وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬اليمان يزيد وينقص" (‪ )37‬وذلك بتأثير الطاعات‬
‫في القلب‪ .‬وقال علي ابن أبي طالب‪ " :‬إن اليمان يبدو لمعة بيضاء في القلب فإذا عمل العبد‬
‫بالطاعات الصالحات نمت وزادت حتى يبيض القلب كله‪)38( "...‬‬

‫وفي هذا المعنى يقول أبو مهدي‪ ":‬واليمان يزداد وينقص وخصاله محدودة" (‪ )39‬وإلى مثل هذا‬
‫الرأي ذهب أبو حزر بعد الرد على المرجئة حيث أثبت أن اليمان خصال فقال‪ ":‬إن اليمان يزداد‬
‫وينقص"‪)40( .‬‬

‫أما الموقف الثاني‪ :‬فتنسبه المصادر العمانية إلى أبي سعيد الكدمي وهو في الحقيقة نوع من‬
‫التحري في اختيار العبارة‪ ،‬ومواكبة للموقف العام القائل بأن اليمان كل إذا انتقص جزء منه فسد‬
‫كله‪ ،‬وهذا ما ينقله عنه صاحب المنهج‪ ":‬وقال أبو سعيد رحمه ال‪ :‬اليمان يزيد ول ينقص لنه إذا‬
‫انتقص منه شيء بطل كله‪ ،‬ويقال إن اليمان يضعف ول ينقص (‪. )41‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما صاحب القاموس فيضيف‪ ":‬ول يلحقه اسم النقصان هكذا في قول أصحابنا" (‪. )42‬‬

‫أما الموقف الثالث‪ :‬ويبدوا أنه الراجح عند المشارقة فيحلله أحمد الخليلي في تعليقه على قول‬
‫السالمي‪ ":‬في وجهة (اليمان) الشرعي ليس بنقس"‪ ،‬فيقول‪ ":‬ذهب أصحابنا رحمهم ال إلى أن‬
‫اليمان يزيد ول ينقص‪ ،‬وهذا المذهب إذ تؤمل له أصالته في العقيدة سواء حملنا اليمان على‬
‫حقيقته اللغوية أو حقيقته الشرعية‪ .‬فإن حمل على حقيقته اللغوية وهو التصديق الذي هو قاعدة‬
‫اليمان تجلت صحة هذا المذهب من حيث إن أول واجب يخاطب به النسان التيان بالجملة التي كان‬
‫يدعو إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي تتألف من كليات تنطوي تحتها جزئيات اليمان‬
‫العتقادي‪ ،‬ول يلزمه أن يعتقد شيئا من تفاصيلها التي لم تقم بها الحجة عليه‪ ،‬فإذا قامت عليه‬
‫بشيء من هذه الجزئيات وجب اعتقاده‪ ،‬وتصبح بذلك دائرة اليمان أوسع من ذي قبل‪ ،‬فإن معرفة‬
‫الشيء إجمال تختلف عن معرفته تفصيل ول يمكن أن يرجع النسان من العلم إلى الجهل‪ ،‬وعليه‬
‫فإن إنكار شيء مما قامت عليه الحجة في تفسيرها إما أن يؤدي إلى الشرك وإما إلى كفر النعمة‬
‫وكل منهما مناف لليمان‪.‬‬

‫وإن حمل على معناه الشرعي الذي يستمل العتقاد والقول والعمل‪ ،‬جلت صحة هذا المذهب حيث إن‬
‫أول ما يتعبد به النسان العتقاد‪ ،‬وإذا اعتقد ما لزمه اعتقاده ولم يحضره فرض قولي أو عملي كان‬
‫مؤمنا كان كامل اليمان‪ ،‬وإذا وجب عليه شيء من القوال أو الفعال وأداه كما وجب عليه ازداد‬
‫إيمانه‪ ،‬وإذا أخل بهذا الواجب إنهدم إيمانه كله وال أعلم" ‪)43( .‬‬

‫وينبه السالمي إلى أن القاعدة تتعلق بالشخص الواحد دون المقارنة بين شخص وآخر إذ اليمان‬
‫بهذا العتبار متفاوت (‪. )44‬‬

‫كما يعتبر أن تسمية ما رفع من الواجبات على النساء نقصانا من باب الخلف اللفظي (‪. )45‬‬

‫إن المتأمل في هذه المواقف الثلثة يتبين أن الول اعتمد على المنطق في تقرير النقصان إذ كل ما‬
‫يزيد ينقص إل أن الموقفين الخرين تبنيا ما هو أقرب إلى أسس الباضية في اليمان وتحري‬
‫الكدمي في العبارة يبدو أسلم إذ الضعف يختلف عن النقص‪ ،‬لن الطاعة تبقى قائمة مع الضعف فل‬
‫ينهدم اليمان‪ ،‬أما مع النقص فإن الطاعة تنهدم فيخشى من ذلك انهدام اليمان ‪ ،‬ومعلوم أن النسان‬
‫يستحيل عليه أن يأتي بالطاعات دائما على الوجه الكمل إذ تعتريه حالت ضعف وحالت قوة‪.‬‬

‫والتأمل في هذه النقطة يبدو في الظاهر كأنه من ترف القول‪ ،‬لكن ارتباطها خاصة بالعمل يعطيها‬
‫بعدا حضاريا يجعل المؤمن يسعى إلى المزيد من الطاعات والجادة فيها حتى يقترب من مصاف‬
‫الصديقين والشهداء والصالحين والنبياء‪ ،‬وبمثل هذا التنافس في طلب الزيادة والخشية من‬
‫النقصان يصلح المجتمع‪ ،‬وهذا له بعد حضاري في الحفاظ على توازن المجتمع الخلقي إذ المر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والملحظ أن الباضية لم يشيروا إلى قضية تعليق اليمان بالمشيئة لكن كانوا يتحرون الجواب‬
‫عندما يطرح عليهم السؤال التالي‪ ":‬أمؤمن أنت"؟‬

‫ويقول صاحب المنهج في ذلك ‪ ":‬ومن سئل عن اليمان‪ -‬وهو مؤمن‪ -‬فقيل له‪ :‬أمؤمن أنت؟ فإنه‬
‫يقول‪ :‬إن كنت تريد أني من أهل القرار باليمان فنعم أنا مقر باليمان وبجميع أحكامه‪ ،‬وإن كنت‬
‫تريد باليمان اليمان الحقيقي الذي قال ال تعالى فيه‪ ( :‬أولئك هم المؤمنون حقا) (‪ 8‬النفال ‪ )4‬علم‬
‫لي في ذلك ‪ ،‬وعلمه عند ال" (‪. )46‬‬

‫ثم يقول بعد تحليله للقضية‪ ":‬فل يجوز لحد أن يقول أنا مؤمن حقا‪ ،‬ول يكون هذا من الشك في‬
‫اليمان‪ ،‬ول يجوز لحد أن يقول‪ :‬إنه من أهل الجنة‪ ،‬لن ذلك من تكلف علم الغيب الذي لم يجعله‬
‫ال لحد من عباده إل النبياء والمرسلين" (‪. )47‬‬

‫ومعلوم أن هذه القضية أثارت نقاشا طويل في الوساط السلمية من وقت مبكر‪ ،‬إذ يرجعها‬
‫القائلون بها إلى ابن مسعود وفي ذلك يقول ابن حزم‪ ":‬واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن‬
‫فروينا عن ابن مسعود وجماعة من الفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك فكان يقول‪ :‬أنا‬
‫مؤمن إن شاء ال" (‪. )48‬‬

‫وينسب شارح جوهرة التوحيد أبياتا إلى بعض الفاضل تحوصل الخلف في هذه القضية فيقول‪:‬‬
‫(رجز)‬

‫(‪)49‬‬

‫ومار الخلف بين النزعتين في النظر إلى اليمان الحالي أو اليمان في المستقبل‪ ،‬فأما من نظر إلى‬
‫اليمان الحالي فلم يجز الستثناء لن ذلك يوحي بالشك في اليمان‪ ،‬وأما من نظر إلى اليمان في‬
‫المستقبل وإمكانية بقائه إلى النهاية‪ ،‬وإمكانية زواله قبل الموت‪ ،‬فقد أجاز الستثناء لن فيه‬
‫تفويضا إلى ال تعالى‪ ،‬والساس في النهاية هو ما قال به الغزالي وهو التعليق بالمشيئة للتبرك لن‬
‫النسان ل يعلم خاتمة أمره‪ ،‬والمدار على الخواتم‪)50( .‬‬

‫ويذهب ابن حزم إلى أبعد من هذا بالنسبة إلى من يعلم من نفسه أنه مؤمن فيقول‪ ":‬فواجب عليه أن‬
‫يقول إنه مؤمن مسلم قطعا عند ال تعالى في وقتي هذا‪ ،‬ول فرق في قوله أنا مؤمن مسلم‪ ،‬وبين‬
‫قوله أنا أسود أو أنا أبيض وهكذا سائر صفاته التي ل يشك فيها‪ ،‬وليس هذا من باب المتداح‬
‫والعجب في شيء" (‪. )51‬‬

‫إل أنه ل يغفل في نهاية الفصل عن التنبيه إلى تفويض أمر المستقبل إلى ال إذ ( وما تدري نفس‬
‫ماذا تكسب غدا" (‪ 31‬لقمان ‪.)34‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هذا في ما يتعلق بقضية الستثناء فماذا عما بقي من ملحظات عن تعريف اليمان وما يترتب على‬
‫التوقية في الدنيا والخرة؟‬
‫==================================‬
‫(‪ )25‬البقرة ‪ ]:143‬وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إل لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إل على‬
‫الذين هدى ال وما كان ال ليضيع إيمانكم إن ال بالناس لرءوف رحيم[‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬إيمان‪ .3 :‬أبو داود‪ :‬سنة ‪ 14‬الترمذ ي‪ :‬إيمان‪ . 6:‬النسائي‪ :‬إيمان‪ .16 :‬ابن ماجة‪ :‬مقدمة‪.9 :‬أحمد بن حنبل‬
‫‪.445 .414 .2/379‬ر‪ . .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪1/109‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان‪ .58 ،57 :‬البخاري‪ :‬إيمان‪ .3 :‬أبو داود‪ :‬سنة ‪ 14‬النسائي‪ :‬إيمان‪ .16 :‬ابن ماجة‪ :‬مقدمة‪.9 :‬أحمد بن‬
‫حنبل ‪ 442 .2/414‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪3/133‬‬
‫(‪ )28‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪. 251 ،210 ،154 ،3/135:‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪120 /1‬‬
‫(‪ )30‬النسائي‪ :‬إيمان ‪ .1‬الزكاة ‪ .49‬الدارمي‪ :‬صلة‪ .135 :‬رقاق‪ 28:‬أحمد بن حنبل‪.3/412 .2/2589 :‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس‪3/166 :‬‬
‫(‪ )31‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.36 -35:‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪203 -201 2‬‬
‫(‪ )32‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪35:‬‬
‫(‪ )33‬السالمي‪ :‬المشارق‪333 :‬‬
‫(‪ )34‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/57‬‬
‫(‪ )35‬انظر ما يلي‪753 :‬‬
‫(‪ )36‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪98 -97 /2‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬ابن ماجة‪ :‬مقدمة ‪. 9‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.2/371‬‬
‫(‪ )38‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 1/569‬ر‪ .‬ابن حزم ‪ :‬الفصل ‪ .3/194‬يبين أنه يزيد وينقص حتى في التصديق حسب‬
‫المتعلق إذ تصديق الرسل ليس كتصديق عامة الناس‪.‬‬
‫أما عن موقف الشاعرة فتأمل ما جاء عند البيجوري‪ ":‬فتلخص أن القسام ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬يزيد وينقص‪ :‬وهو إيمان المة إنسا وجنا‪.‬‬
‫‪ -2‬ل يزيد ول ينقص‪ :‬وهو إيمان الملئكة على المشهور‪.‬‬
‫‪ -3‬يزيد ول ينقص‪ :‬وهو إيمان النبياء‬
‫وبعد أن بين الحجج العقلية عند القائلين إنه يزد وينقص ذكر أن أبا حنيفة يعتبر أنه ل يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫أما الخطاب فيبين أنه يزيد ول ينقص حيث قال‪ ":‬اليمان الكامل ثلثة أمور‪ :‬قول وهو ل يزيد ول ينقص‪ ،‬وعمل هو يزيد‬
‫وينقص‪ ،‬واعتقاد وهو يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫ويختم بقوله ‪ :‬إن اليمان يزيد وينقص كما هو التحقيق"‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪.51 -50‬‬
‫‪ )39‬أبو مهدي‪ :‬رسالة إلى عمان‪86 :‬‬
‫(‪ )40‬أبو خرز ‪ :‬الرد على جميع المخالفين‪631 :‬‬
‫(‪ )41‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/574‬‬
‫(‪ )42‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪6/47 :‬‬
‫(‪ )43‬أحمد الخليلي‪ :‬تعليق ‪. 1‬ر‪ .‬السالمي‪ :‬المشارق ‪334‬‬
‫(‪ )44‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق ‪335-334‬‬
‫(‪ )45‬نفس المصدر‪335 :‬‬
‫(‪ )46‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪575 /1‬‬
‫(‪ )47‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/576‬‬
‫(‪ )48‬ابن حزم الفصل‪227 /3 :‬‬
‫(‪ )49‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪103 :‬‬
‫(‪ )50‬ر‪ .‬تعليق محمد الطالبي‪ :‬فصل الرجاء‪ ،‬دراسات في تاريخ إفريقية ‪ 372 .‬عدد ‪1‬‬
‫(‪ )51‬ابن حزم الفصل‪228 /3 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول بأس هنا من التنبيه إلى أن الباضية يعتمدون في التعريف أحيانا في الضداد وفي هذا يقول‬
‫الشماخي‪ ":‬فاليمان توحيد يقابله الشرك‪ ،‬وغير توحيد يقابله كفر النعم" (‪. )52‬‬

‫هذا في مجال الرد على من اعتبر أن اليمان يقابله الكفر‪ ،‬ويعتبر الشماخي أن الكفر يقابله الشكر‪.‬‬
‫قال تعالى‪ ( :‬إما شاكرا وإما كفورا) (‪ 76‬النسان ‪ )3‬ويبين أن المقابلة في علة اليمان وعلة الكفر‬
‫إذ على اليمان المر‪ ،‬وعلة الكفر النهي‪ ،‬فكل مأمور به إيمان وكل منتهى عنه كفر (‪. )53‬‬

‫وإلى جانب هذا يقع الحرص أحيانا على التمييز بين صيغة الفعل وصيغة اسم الفاعل إذ يصح أن‬
‫نقول آمن في شأن العصاة لكن ل يصح أن يقال مؤمن في شأنهم ‪ ،‬وفي ذلك يقول الشماخي‪ ":‬يقال‬
‫آمن ول يقال مؤمن لن معناه أقر ولم يوف‪ ،‬والمؤمن هو الموفي ولو كان من آمن يقال له مؤمن‬
‫لكان المذكورون في قوله‪ ( :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (‪ 2‬البقرة ‪ ) 85‬مؤمنين" (‬
‫‪. )54‬‬

‫ول ينبغي أن نغفل عن إشارة عمر أبن أبي ستة إلى التمييز بين إيمان المجتهد وإيمان المقلد‪ ،‬فإذا‬
‫كان إيمان المجتهد قائما على الدلة النقلية والعقلية‪ ،‬فإن إيمان المقلد (‪ )55‬هو الخذ بقول الغير‬
‫جزما ممن ثبت صلحه عند المقلد ‪ ،‬والساس في الجمع بين العقيدة والقول والعمل سواء أكان ذلك‬
‫عن اجتهاد أو تقليد‪.‬‬

‫كل هذا الحرص مداره حينئذ اللحاح على أن اليمان الحق ل يستحق إل بجميع خصاله من فعل‬
‫وترك‪ ،‬ومن تكاملت فيه هذه الخصال يكون مؤمنا موفيا‪.‬‬

‫وفي هذا المعنى يقول أبو نصر‪(:‬طويل)‬

‫(‪)56‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويحلل الجيطالي المعنى كما يلي‪ ":‬البيت الثاني يقول من مات على غير الوفاء بجميع الفرائض‪،‬‬
‫وترك جميع الكبائر‪ ،‬فمصيره إلى النار والبوار‪ ،‬فإن قال القائل‪ :‬كيف أبطلتم جميع طاعات العبد‬
‫بترك خصلة واحدة؟ قيل له‪(:‬أوف بعهدكم) إن الثواب متعلق بالوفاء بجميع الدين‪ ،‬كما قال ال‬
‫تعالى‪ ( :‬وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم) (‪ 2‬البقرة ‪ )40‬فمن لم يوف بعهد ال فل عهد له‪ ،‬ولن‬
‫الثواب فضل من ال تعالى من غير وجوب ول إيجاب لنه المالك القهار‪.‬‬

‫وأما في جوده وكرمه فنعم‪ ،‬فكما قال ال تعالى‪ ( :‬وكان حقا علينا نصر المؤمنين) (‪ 30‬الروم ‪،)47‬‬
‫وله على عباده المر والنهي‪ ،‬فإن انزاحوا عن محارمه وامتثلوا أوامره‪ ،‬كان لهم عليه الوفاء فضل‬
‫وكرما‪ ،‬فإن تركوا خصلة منها كان عليهم العقاب فضل عن الثواب" (‪. )57‬‬

‫هكذا يتضح أن في موقف الباضية صرامة ل تصل إلى ما ينسب إلى الصفرية والزارقة من شدة‬
‫تتمثل في نفي عمن لم يهاجر إليهم‪ ،‬وتبعد بهم عن انحلل المرجئة الذين دفعوا المة السلمية إلى‬
‫الستهانة بالعمل أمرا ونهيا‪.‬‬

‫ومن هنا يتضح البعد الحضاري لهذا التصور الذي لم يتزحزح عنه الباضية العارفون بعقيدتهم إلى‬
‫يومنا هذا‪ ،‬ولن تتكامل الصورة إل بعد معرفة موقفهم من حقيقة الكفر‪.‬‬

‫ولعله يحسن‪ ،‬قبل أن نتحول إلى ذلك‪ ،‬أن نذكر ما يترتب على اليمان‪ ،‬وهو كما تبينا اعتقاد وقول‬
‫وعمل ل يتحقق إل إذا تكاملت أجزاؤه فإنه يزداد ويضعف ويقابله الشرك من حيث هو توحيد‪ ،‬وكفر‬
‫النعم من حيث هو عمل‪ ،‬قد يكون عن اجتهاد وقد يكون عن تقليد في الدنيا والخرة" (‪. )58‬‬

‫أما في الدنيا فيلخص ذلك شارح النونية كما يلي‪ ":‬ولية الموفى منهم بالدين وحبه وطلب الغفران‬
‫لـه ونصيحته وإعانته على البر والتقوى‪ ،‬وترك ضره وبغضه واغتيابه‪ ،‬وغير ذلك من حقوقه‬
‫الواجبة له ظاهرا وباطنا‪.‬‬

‫وأما في الخرة فقد وعد ال تعالى بأن يفي بوعده أل وهو جنة النعيم‪.‬‬

‫وبعد تعريف اليمان فلنعرف الكفر‪.‬‬


‫حقيقة الكفر‪:‬‬

‫رأينا في الباب الول عند الحديث عن افتراق المة كيف أن مختلف الفرق تسم بعضها البعض بسمة‬
‫الكفر‪ ،‬وتتأرجح المواقف في ذلك بين طرفين متناقضين‪ ،‬طرف من عرفوا بالخوارج هؤلء الذين‬
‫تروي عنهم مصادر الفرق الخرى أنهم يعتبرون كل من خالفهم كافرا مشركا‪ ،‬وإن صلى وصام‪،‬‬
‫وطرف عرفوا بأهل الرجاء هؤلء الذين اشتهروا بقولتهم‪ ":‬ل تضر مع اليمان معصية"‪ .‬بين‬
‫هؤلء وأولئك تتنزل جميع الفرق السلمية‪ ،‬فما هي منزلة الباضية في هذا الخصم؟ وما هو‬
‫مفهوم الكفر عندهم؟ وما هو حكم الكافر في الدنيا والخرة؟‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لقد تبرأ عبدال بن إباض إمام الباضية من اللحظة الولى من نافع بن الزرق‪ ،‬وميز بين كفر‬
‫الشرك وبين كفر النعم‪ ،‬واستمر هذا الموقف إلى يومنا هذا إل أن بقية الفرق لم تنتبه إلى هذا‬
‫التمييز بوضوح لنها تحشر الباضية في زمرة الخوارج فماذا عن كفر النعم؟‬

‫أ‌) الباضية وكفر النعم؟‬

‫إن هذا الموقف تأصل من وقت مبكر مع الئمة الول‪ ،‬ويتضح ذلك خاصة في ما جمعه الربيع بن‬
‫حبيب في الجامع الصحيح من أحاديث جاءت بعنوان‪ ":‬الحجة على من قال إن أهل الكبائر ليسوا‬
‫بكافرين" (‪. )59‬‬

‫وعوض أن أتتبع التطور التاريخي للقضية رأيت من الصلح أن أعتمد خاصة على مصادر المرحلة‬
‫المقررة في تعريف كفر النعم لن هذا المصطلح ظل نفسخ عبر الزمن‪)60( .‬‬

‫الكفر لغة‪:‬‬

‫يورد الشماخي (‪ )61‬والمحشي (‪ )62‬أن الكفر هو الستر والتغطية‪ ،‬وسمي الليل كافرا لنه يستر كل‬
‫شيء بظلمته (‪ )63‬وهو أيضا الجحود لقوله تعالى‪ ( :‬وما يفعلوا من خير فلن يكفروه) (‪ 3‬آل‬
‫عمران ‪ )115‬ويشير المحشي إلى أن كلمة كفر قد تعني البحر لنه يحجب كل شيء كما أن الحارث‬
‫يسمى كافرا باعتباره يستر البذر"‪)64( .‬‬

‫فالكفر لغو حينئذ هو الستر والتغطية (‪. )65‬‬

‫الكفر شرعا‪:‬‬

‫ينقل المحشي عن عقيدة أبي سهل أن الكفر في الشرع " هو جميع ما أوجب ال عليه العقاب"‬
‫وذلك عند شرحه للتعريف الذي تبناه الجناوني وهو " الستفاد الى ولي النعمة" (‪)66‬‬

‫أما الشماخي فيقول‪ " :‬وأطلقت كلمة الكفر في عرف الشرع على الشرك تارة وعلى النفاق أخرى‪،‬‬
‫وهو ضد اليمان والكفران جحود النعم" (‪. )67‬‬

‫فاتضح حينئذ أن الباضية يقسمون الكفر إلى قسمين هما كفر الشرك وكفر النعم‪ ،‬وقد كان هذا‬
‫التمييز مصدر إشكال للفرق الخرى‪ ،‬لن كلمة الكفر تطلق في أغلب النصوص بدون إضافة الشرك‬
‫أو النعم‪ ،‬ولهذا كثيرا ما تتهم الفرق الخرى الباضية بأنهم يكفرون غيرهم دون الوقوف على هذا‬
‫التمييز الصطلحي‪ -‬كفر النعم‪ -‬من القرآن الكريم والسنة الشريفة وقد جمع الشماخي هذه الدلة في‬
‫رده على صولة الغدامسي كما يلي‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫" فإن قلت ضد اليمان الكفر كما تقدم‪ ،‬ولو كانت العبادات إيمانا لكان تاركها كافرا‪.‬‬

‫قلت‪ :‬المر كذلك‪ ،‬ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج (‪ )68‬قال تعالى‪ ( :‬ول على الناس حج‬
‫البيت من استطاع إليه سبيل ومن كفر فإن ال غني عن العالمين) (‪ 3‬آل عمران) والخطاب‬
‫للمصدقين‪ .‬وقال تعالى‪ ( :‬هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر) (‪ 27‬النمل ‪ )40‬وقال تعالى‪:‬‬
‫( ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون) (‪ 5‬المائدة ‪ ،)44‬وقال تعالى‪ ( :‬ومن كفر بعد ذلك‬
‫فأولئك هم الفاسقون) (‪ 24( )69‬النور ‪ )55‬وقال تعالى‪ ( :‬فكفرت بأنعم ال) (‪ 16( )70‬النحل‬
‫‪. )71( )112‬‬

‫وبعد هذا الستدلل بالقرآن الكريم يورد ما ل يقل عن عشرين حديثا محور بعضها إطلق الكفر‬
‫صراحة على المصدقين ونذكر منها قوله عليه السلم حين سأله الرجل عي فريضة الحج فقال‪" :‬‬
‫أفي كل عام يا رسول ال ؟ فقال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬لو قلت نعم لوجبت‪ ،‬ولو وجبت لم تفعلوا‪،‬‬
‫ولو لم تفعلوا لكفرتم‪ ،‬ولكن إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا وإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما استطعتم"‬
‫(‪ . )72‬وقولـه صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ليس بين العبد والكفر إل تركه الصلة" (‪ )73‬وقوله صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ " :‬إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" (‪ ، )74‬ومحور البعض الخر نفي‬
‫العصاة من دائرة الجماعة المسلمة مثل قوله عليه السلم‪ " :‬من غشنا فليس منا" (‪. )75‬‬

‫ثم يختم هذا الستدلل بقوله‪ ":‬وكثرة الدليل تمنع التأويل" (‪ )76‬وإن بدت لهجته قاطعة هنا لنه‬
‫كان في صدد الرد‪ ،‬فقد جاء موقفه أكثر احترازا عند معالجة نفس القضية في شرح عقيدة التوحيد‬
‫حيث يقول‪ ":‬وهو‪ -‬كفر النعم‪ -‬كثر وإن كان في بعضها احتمال الوجه الول‪ -‬الشرك‪ -‬وأستغفر ال‬
‫من حمل كتابه على غير معناه‪ ،‬وللمة في الكفر خلف وتشعيب" (‪. )77‬‬

‫ويحاول الشماخي أن يعلل هذا التقسيم في سياق جدلي فيقول‪ ":‬فإن قلت لي علة جعلت بعض‬
‫الكفر شركا وبعضه غير الشرك ‪ ،‬فالجواب‪ :‬أن تذكر علة المخصوص فيقال لعلة المساواة‪ ،‬ولو‬
‫خصصت بالسؤال النفاق لكان الجواب بالخلف" (‪. )78‬‬

‫ويعتبر في سياق آخر أن المفهوم الثاني مجاز " أقول‪ :‬لم نقل إن كفرهم شرك بل كفر نعمة ‪ ،‬وهو‬
‫مجاز" (‪. )79‬‬
‫================================‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪34:‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪34:‬‬
‫(‪ )54( )54‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪44 :‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬عمر أبو ستة‪ :‬المجموع المعول‪24 :‬‬
‫(‪ )56‬أبو نصر فتح بن نوح ‪ :‬النونية البيتان ‪:89 .88‬‬
‫(‪ )57‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 69 /6 :‬نقل عن شرح النونية للجيطالي‪.‬‬
‫(‪ )58‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 136‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪344‬‬
‫(‪ )59‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 5 -3/2‬والحاديث من عدد ‪ 743‬إلى عدد ‪ .767‬انظر ما يلي حيث اعتمدنا هذه‬
‫الحاديث في قضية الوعد والوعيد وقضية الخلود‪.‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪.121 /2‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪42 -1/37 ، 2‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )61‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪127 :‬‬


‫(‪ )62‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37 :‬‬
‫(‪ )63‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪85 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪26 :‬‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬ابن منظور لسان العرب مادة كفر‬
‫(‪ )66‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪86:‬‬
‫(‪ )67‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪ 127 :‬وعن الشرك والنفاق انظر ما يلي‪ 518 :‬و ‪514‬‬
‫(‪ )68‬يعني الزارقة والصفرية‬
‫(‪ )69‬والسياق عن وعد ال للمؤمنين‪.‬‬
‫(‪ )70‬والسياق عن قرية مطمئنة كان يأتيها رزقها رغدا‪.‬‬
‫(‪ )71‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.37 :‬‬
‫(‪ )72‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪. 2/2‬ر‪.‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة المائدة ‪ .05‬النسائي‪ :‬مناسك ‪ .1‬ابن ماجة ‪ :‬مناسك ‪2:‬‬
‫الدارمي‪ :‬مناسك ‪. 4‬أحمد بن حنبل ‪ 291 ،1/255‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪ 7/138‬مع اختلف في الصيغة‪.‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬مسلم إيمان ‪ .134‬الدارمي سنة ‪ .15‬الترمذي إيمان ‪ .9‬ابن ماجة اقامة ‪ .77‬الدارمي صلة ‪ ،29‬أحمد بن حنبل ‪.3/23‬‬
‫‪.142 .60‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.6/37‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .1/1‬أحمد بن حنبل ‪.142 .2/23.60‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.6/34‬‬
‫(‪ )75‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .164‬أبو داود‪ :‬بيوع ‪ .50‬الترمذي‪ :‬بيوع ‪ .72‬ابن ماجة‪ :‬تجارات ‪ 36‬الدرامي‪ :‬بيوع ‪. 10‬أحمد ‪.2/50‬‬
‫‪ 4/45 .3/466‬ونسنك ‪4/515‬‬
‫(‪ )76‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪38:‬‬
‫(‪ )77‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪127 :‬‬
‫(‪ )78‬نفس المصدر‬
‫(‪ )79‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪44:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويزيد المحشي القضية توضيحا حيث يعتبر كفر النعمة فسقا فيقول‪ ":‬واعلم أن الكافر والفاسق‬
‫واحدا" كما يقول ‪ ":‬صاحب الكبيرة نسميه فاسقا كافرا"‪ ،‬ويستدل لذلك بقوله تعالى‪( :‬وأما الذين‬
‫فسقوا فمأواهم النار) (‪ 32‬السجدة ‪ )20‬وقوله‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪ 22‬الحج ‪)72‬‬
‫فالفاسق الذي جعل مأواه النار هو الكافر الذي وعده النار فثبت التساوي" (‪. )80‬‬

‫كما يستدل يوسف المصعبي بقول البرادي الذي يسوي بين الفسق وكفر النعمة حيث يقول" الفسق‬
‫أيضا الخروج من اليمان(جانب العمل)‪ .‬تقول العرب فسقت الرطبة أي نفينا عنها قشرتها وخرجت‬
‫منها‪ .‬وذلك بعد أن بين أثناء الرد على المعتزلة الذين يعتبرون الفسق منزلة بين المنزلتين‪ ،‬أن‬
‫الفسق والكفر مترادفان بدليل قوله تعالى‪ ( :‬وقو نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) (‪51‬‬
‫الذاريات ‪ )46‬وقوله تعالى‪ ( :‬ففسق عن أمره ربه) (‪ 18‬الكهف ‪ .)50‬ثم يعلق على كلم تبغورين‬
‫بقوله‪":‬فالمناسب للمصنف رحمه ال أن يثبت التساوي بين الكفر والفسق بالقرآن" (‪. )81‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي أيضا في شأن التسوية بين كفر النعمة والنفاق ما يلي‪ ":‬وأما الباضية‪...‬‬
‫فصاحب الكبيرة عندهم بريء من الشرك واليمان موسوم بالكفر والنفاق كما قال تعالى‪( :‬مذبذبين‬
‫بين ذلك ل إلى هؤلء ول إلى هؤلء) (‪ 4‬النساء ‪)82( .)143‬‬

‫وقد وضح أبو عمار القضية من قبل بعد أن أورد هذه الية كما يلي‪ ":‬ل إلى المشركين في الحكم‬
‫والسيرة ‪ ،‬ول إلى المؤمنين في السم والثواب ‪ ،‬كما قال عز وجل‪ ( :‬ما هم منكم ول منهم) (‪58‬‬
‫المجادلة ‪ )83( )14‬نفاهم من المؤمنين أن يكونوا معهم في التسمية باليمان والمودة في الدين‪،‬‬
‫ونفاهم من المشركين أن يكونوا معهم في التسمية بالشرك وأحكام المشركين"‪)84( .‬‬

‫ويشير الشماخي أيضا إلى أن كفر النعمة يرادف مفهوم الفجور والعصيان أيضا (‪. )85‬‬

‫وهكذا يتضح أن الباضية يعتبرون أن كفر النعمة مرادف للفسق والنفاق (‪ )86‬والفجور والعصيان‪،‬‬
‫فالكفر حينئذ أعم من الشرك ويقول يوسف المصعبي في ذلك‪":‬‬
‫وأما على أصلنا من كون الكفر أعم من الشرك فيصدق على المنافق والفاسق" (‪. )87‬‬

‫وقد حلل أبو عمار هذا التساوي في صدد الرد على المعتزلة فقال‪ ":‬قاسم الكافرين والفاسقين‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والضالين والظالمين والفجار مشتمل على جميع أسماء أهل النار‪ ،‬كما أن اسم المؤمنين والمسلمين‬
‫والمهتدين والبارين مشتمل على جميع أسماء أهل الجنة‪ ،‬وستدل على ذلك بعديد من اليات مثل‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬واتقوا النار التي أعدت اللكافرين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )131‬حيث سمى أهل النار كافرين‬
‫وقوله تعالى‪ ( :‬وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم) (‪ 56‬الواقعة ‪)93‬‬
‫حيث سماهم ضالين‪:‬‬

‫ويختم بقوله‪ ":‬فذل بهذا الذي قلنا أن هذه السماء كلها مقرونة بإثبات الوعيد‪ ،‬منوطة بوجوب‬
‫العقاب ‪ ،‬ولن يجوز أن يكون وجوب العقاب إل للكفر‪ ،‬كما ل يجوز أن يكون وجوب الثواب إل‬
‫لليمان"‪)88( .‬‬

‫وإن عتبرت المصادر الباضية أن كفر النعمة مرادف للفسق وما إلى ذلك فهي تجعله ضد اليمان‬
‫كما أشرنا إلى ذلك في التعريف الشرعي‪)89( .‬‬

‫ولتوضيح هذه الضدية ينقل يوسف المصعبي عبارة أبي عمار التالية‪ ":‬إنما يضاد المؤمن الكافر‬
‫ويضاد الكافر المؤمن" (‪ )90‬ويقول أيضا‪ ":‬إن اليمان والكفر ضدان فل يرتفعان معا كسائر‬
‫الضداد" (‪. )91‬‬

‫كما جاء الحديث عن هذه الضدية خلل تحليل مفهوم الستطاعة والعون‪ ،‬وفي ذلك يقول يوسف‬
‫المصعبي‪ ":‬والكافر ممنوع من اليمان يعني بالشتغال بالكفر ‪ ،‬فلذلك ل يكون معذورا لن منعه‪،‬‬
‫وعدم استطاعته إنما جاءا من قبله كما دل عليه قوله تعالى‪ ( :‬وما منع الناس أن يؤمنوا‪18( )...‬‬
‫الكهف ‪. )92( )93( )55‬‬

‫فالمهم إذن أن الدخول في اليمان هو الخروج من الكفر كما أن الدخول في الكفر هو الخروج من‬
‫اليمان‪.‬‬

‫وتجدر الملحظة هنا أن هذه المصادر تجعل للكفر قواعد وأركانا‪ ،‬وقد تستعمل كلمة قوائم عوض‬
‫قواعد‪ ،‬وذلك للتحذير من كل ما يوصل إلى الكفر بنعم ال تعالى‪.‬‬

‫أما قواعده ‪ ،‬أو قوائمه فهي‪ :‬الجهل والحمية والكبر والحسد‪ .‬وأما أركانه فهي‪ :‬الرغبة والرهبة‬
‫والشهوة والغضب (‪ . )94‬وتكتفي هذه المصادر بتوضيح معاني هذه الكلمات بالعتماد على‬
‫نصوص من القرآن ومن الحديث لتبين مدى صلتها بالكفر‪.‬‬

‫ومن كفر النعمة إلى مرادفه النفاق‪.‬‬


‫==========================‬
‫(‪ )80‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪.55 :‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪35‬‬
‫(‪ )81‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪36‬‬
‫(‪ )82‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تبغورين ‪26‬‬
‫(‪ )83‬وبقية الية ] ألم تر إلى تولوا قوما غضب ال عليهم‪[...‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )84‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪2/117‬‬


‫(‪ )85‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪45:‬‬
‫(‪ )86‬انظر ما يلي‪514 :‬‬
‫(‪ )87‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )88‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪127 -2/126‬‬
‫(‪ )89‬انظر ما سبق‪.508 :‬‬
‫(‪ )90‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪32:‬‬
‫أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪ 125 -2/124‬ويضيف مجموعة من الكلمات المتضادة بقوله‪ ":‬ويضاد الموحد المشرك‪ ،‬كما أن‬
‫المشرك يضاد المهتدي‪ ،‬كما أن المهتدي يضاد الضال‪ ...‬وكذلك يضاد المؤمن الكافر‪ ،‬كما يضاد الكافر المؤمن‪ ،‬فمن تدبر ما قلنا‬
‫من هذا وجده كما وصفنا إن شاء ال "‪ .‬وهذا في صدود الرد على المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين‬
‫(‪ )91‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪35 :‬‬
‫(‪ )92‬وبقية الية ] إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إل أن تأتيهم سنة الولين أو يأتيهم العذاب قبل[‪.‬‬
‫(‪ )93‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪.79 :‬‬
‫(‪ )94‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪.57 -54:‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪98.99‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباضية والنفاق‪:‬‬

‫ذكرنا أن كلمة النفاق تأتي بمعنى كفر النعمة إل أن المصادر الباضية تتوسع في بسط مفهومها‬
‫فهي لغة‪ :‬كما جاء في الصبحاح‪ :‬والنافقاء إحدى حجرتي اليربوع يكتمها ويظهر غيرها‪ ،‬وهو‬
‫موضع يرققه فإذا أوتي من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فإنتفق‪ ،‬أي خرج‪ .‬والجمع النوافق‬
‫إلى أن قال ‪ :‬ونافق أي أخذ في نافقاء‪ ،‬ومنه اشتقاق المنافق في الدّين الخ‪. )95( "...‬‬

‫وقال صاحب كتاب العدل والنصاف‪ ":‬أبواب حجر اليربوع‪ :‬القاصعاء والرهطاء والنافقا‪ :‬باب‬
‫مستخف يخرج منه عند الضرورة إذا خاف‪ ،‬فأخفاه عن العيون" (‪. )96‬‬

‫النفاق شرعا‪ :‬قال في كتاب العدل والنصاف‪ ":‬هو اسم شرعي فسره أهل العلم فقالوا اختلف‬
‫السريرة والعلنية‪ ،‬واختلف القول والعمل‪ ،‬واختلف المدخل والمخرج‪ ،‬وهذه المقالة تروي عن‬
‫الحسن البصري ومعناه عن حذيفة بن اليمان (‪ )97‬وهو قول جل الصحابة" (‪. )98‬‬

‫ويقول المصعبي ‪ ":‬والذي عليه أصحابنا ومن وافقهم أن النفاق في الفعال ل في العتقاد فل فرق‬
‫بين منافق العصر وغيره من الموحدين" (‪. )99‬‬

‫ويلح المصعبي على أن النفاق يكون في الفعال عند شرحه لقوله تعالى‪ ( :‬ومنهم من عاهد ال لئن‬
‫آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون‬
‫فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) (‪ 9‬التوبة‬
‫‪ )77 -75‬فيقول‪ ":‬قلت فظاهر هذه القصة( قصة ثعلبة) يدل كما ذهب إليه الصحاب على أن النفاق‬
‫في الفعال لمن أنصف" (‪. )100‬‬

‫كما بين أن النفاق واليمان ل يجتمعان عند تعليقه على هذه اليات بقوله‪ ":‬فلما أخبرهم عن الوعد‬
‫باللسان وعقب بالنفاق في القلب عقوبة لهم‪ ،‬ولن يستقيم اليمان والنفاق في قلب واحد" (‪. )101‬‬

‫ويقول الشماخي‪ ":‬اعلم أن أصل النفاق الخلف لقوله تعالى‪ ( :‬فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم‬
‫يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) (‪ 9‬التوبة ‪.)77‬‬
‫ويفسر ذلك المحشي كما يلي‪ ":‬يعني أن أصل النفاق الذي ينبني عليه هو الحلف والكذب لن الصل‬
‫ما يبنى عليه غيره كما يدل عليه ظاهر الية‪ ،‬وليس المراد أن الحلف والكذب هما عين النفاق بل‬
‫سببان له‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويضيف الشماخي ذكر نوعين من أنواع النفاق‪:‬‬

‫أول‪ :‬نفاق الخيانة وهو ما ضيع من الفرائض وارتكاب الكبائر بشهوة‪ ،‬وقد قال عليه السلم‪ ":‬إذا‬
‫حدث كذب‪ ،‬وإذا ائتمن خان‪ ،‬وإذا وعد أخلف" (‪. )102‬‬

‫ثانيا‪ :‬نفاق التحليل والتحريم وهو ما يقوله أهل الخلف من غير الحق وما ارتكبوه بتأويل وديانة"‬
‫(‪. )103‬‬

‫وقد عدد الشماخي عند تعريفه للكبائر جميع كبائر النفاق فقال‪ ":‬وقال أصحابنا ‪ :‬الكبيرة كفر‬
‫وضلل وفسق‪ ...‬فمنه شرك‪ ،‬ومنه نفاق وهو جميع ما حرمه ال تعالى إن افتراقه غير محلل‪ ،‬أو‬
‫ترك شيئا مما أوجب عليه محرما له‪ ،‬ككسب الحرام‪ ،‬وأكله من أموال الناس‪ ،‬ومن الميتة‪ ،‬والدم‪،‬‬
‫ولحم الخنزير‪ ،‬والخمر‪ ،‬والنبيذ‪ ،‬والمسكر‪ ،‬والبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬وأنجاس أهل الشرك‪ ،‬وذبائحهم‪،‬‬
‫وجميع الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا ومقدماته‪ ،‬والربا ‪ ،‬والغش‪ ،‬والتطفيف‪ ،‬والبغي‪،‬‬
‫والسرقة‪ ،‬والخيانة‪ ،‬وقول الزور مطلقا‪ ،‬من الكذب‪ ،‬والقذف‪ ،‬والشهادة‪ ،‬وحكم الجور‪ ،‬والرشوة‬
‫عليه‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬وفعل الميسر‪ ،‬وعقوق الوالدين‪ ،‬وقطيعة الرحم‪ ،‬ومنع الحق مطلقا ولو نفقة‬
‫عبدك وامرأتك‪ ،‬والسحر‪ ،‬والتنابز وكتمان الشهادة‪ ،‬وترك الصلة والصوم‪ ،‬ومنع الزكاة‪ ،‬وترك‬
‫الحج‪ ،‬والكبر والحسد‪ ،‬وسوء الظن‪ ،‬واليأس من الرحمة‪ ،‬وأمن مكر ال‪ ،‬والصرار على الصغيرة‬
‫والعصبية‪ ،‬والرغبة في الستحلل ‪ ،‬أو التحريم مع التحليل" (‪. )104‬‬

‫أما أصناف المنافقين فقد عددها المصعبي تبعا للصل الذي يشرحه (‪ )105‬فقال‪ ":‬وإنما كان أول‬
‫النفاق في أهل القبلة بتركهم الهجرة فسماهم ال منافقين‪.‬‬

‫ومن المنافقين من أصاب النفاق بإيذاء الرسول صلى ال عليه وسلم في الصدقات‪.‬‬

‫ومنهم من نافق بمنعه الصدقة مثل ثعلبة وغيره‪.‬‬


‫ومنهم ( الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين ل يجدون إل جهدهم) (‪9‬‬
‫التوبة ‪.)79‬‬

‫ومنهم المخلفون عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في الجهاد‪.‬‬

‫ومنهم (الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين) (‪ 9‬التوبة ‪.)107‬‬

‫ذاك هو مفهوم النفاق‪ ،‬وتلك هي أصناف الكبائر التي تندرج تحته‪ ،‬وهؤلء هم أصناف المنافقين‬
‫حسب المصادر الباضية‪ ،‬فماذا عن الشرك ؟‬
‫==================================‬
‫(‪ )95‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪86:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )96‬نفس المصدر‬


‫(‪ )97‬حذيفة بن اليمان( ت ‪ )656 /36‬صحابي‪ .‬فاتح ‪ .‬صاحب سر النبي في المنافقين ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪181 -2/180‬‬
‫(‪ )98‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 17 :‬و حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )99‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 17 :‬و حاشية على أصول تبغورين‪26:‬‬
‫(‪ )100‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪29:‬‬
‫(‪ )101‬نفس المصدر‬
‫(‪ )102‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬شهادات ‪ .28‬وصايا ‪ 8‬مظالم ‪ .17‬أدب ‪ 63‬مسلم ليمان ‪ 108 ،107‬أبو داود سنة ‪ 15‬الترمذي إيمان ‪14‬‬
‫النسائي إيمان ‪ .20‬أحمد بن حنبل ‪ 198 -2/189‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.5/549‬‬
‫(‪ )103‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪128:‬‬
‫(‪ )104‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪150 -145 :‬‬
‫(‪ )105‬والصل هم لتبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين ‪.24 .22‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‬
‫‪32 -25‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الباضية والشرك‬

‫لقد ذكرنا أثناء تعريف الكفر أن الباضية يقسمونه إلى قسمين فحللنا ما يتعلق بالقسم الثاني وهو‬
‫كفر النعمة وبقي أن نقف عند القسم الول وهو الشرك فكيف عرفته المصادر؟‬

‫لم نلمس أي اهتمام بالمدلول اللغوي إل في إشارة عابرة عند المحشي عند المقابلة بين التوحيد‬
‫والشرك حيث بين أن التوحيد أوسع من الفراد كما أن الشرك أوسع من المساواة ثم قال في صيغة‬
‫جدلية‪ ":‬اللهم إل أن يقال مراد أصحابنا رحمهم ال أن ذلك معناهما بحسب اللغة" (‪. )106‬‬

‫أما المدلول الشرعي فقد حددته المصادر كما يلي‪ ":‬الشرك يكون جحودا كفعل أهل الدهر والثنوية‪،‬‬
‫ويكون مساواة كشرك من سواهم والصل فيه المساواة أي أن تساوي بين ال والخلق في صفة أو‬
‫فعل أو ذات" (‪. )107‬‬

‫فالشرك حينئذ نوعان‪ :‬شرك جحود ويفسر التلتي ذلك بقوله‪ ":‬إنكار ال رأسا" (‪ )108‬وتضيف‬
‫المصادر "إنكار رسول من الرسل أو كتاب من كتبه‪ ،‬أو آية أو كلمة أو حركة أو سكون من كتبه‪ ،‬أو‬
‫صفة من صفاته أو فعل من أفعاله" (‪. )109‬‬

‫وشرك مساواة أي جعل شريك ل تعالى عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬

‫فالمشرك حينئذ هو الجاحد أو المساوي بين ال والخلق (‪. )110‬‬

‫وفعل الشرك أن يعبد غير ال أو يقرب إلى ال بمعصية أو باللسان خاصة (‪. )111‬‬
‫ول تطيل المصادر في الستدلل على الشرك من السياق القرآني بل تكتفي بالشارة إلى أن كلمة كفر‬
‫يغلب على استعمالها معنى الشرك في القرآن الكريم مثل قوله تعالى‪ ( :‬وإن الذين كفروا سواء‬
‫عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) (‪ 2‬البقرة ‪.)6‬‬

‫وتتعرض المصادر إلى الحديث عن الشرك عند توضيح الصلة بين العلم والعمل فيقول أبو مهدي‬
‫مثل‪ ":‬والشرك يصح فيه العلم وإن عمل به بطل العلم" (‪. )112‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كما تعتبر أنه ل يسع جهل الشرك ويقول الشماخي في هذا الصدد‪ ":‬ول يسع جهل الشرك‪ ،‬لن من‬
‫جهله لم يعلم التوحيد‪ ،‬ومن لم يعلم التوحيد فهو مشرك فينتج من جهل الشرك مشرك" (‪. )113‬‬

‫ويعدد الشماخي كبائر الشرك كما عدد كبائر النفاق‪ ":‬فمنه (الكبير) شرك وهو منا كان تكذيبا ل‬
‫وإنكارا لشيء مما أمر به نصا‪ ،‬كإنكار توحيد ال أو شبهه بخلقه أو سواه بغيره في ذات أو صفة‪،‬‬
‫أو ينكر وجوده أو يجهل معرفته أو ينكر حرفا من كتبه‪ ،‬أو نبيا أو رسول‪ ،‬أو ملكا أو جهل البعث‪،‬‬
‫أو شك في وجه من وجوه التوحيد التي ل يسع جهلها‪ ،‬أو وصف ال بصفات النقص كما وصفت‬
‫المشبهة‪ ،‬أو يتقرب إلى ال بمعصية منصوص عليها‪ ،‬أو يترك بعض الطاعات ويقول أمر ال بذلك‪،‬‬
‫أو يتقرب إلى الخلق بأفعاله من جميع الطاعات كالذبح والصلة‪ ،‬أو يدعو إلى عبادة غير ال‪،‬‬
‫ويدخل في ما ذكرنا الستحلل لما حرم ال تعالى نصا‪ ،‬أو يحرم ما أحل ال نصا بغير تأويل‪ ،‬أو‬
‫جهل الشرك ويدلك على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (‪ 6‬النعام ‪( ")121‬‬
‫‪. )114‬‬

‫وهكذا على هذا الساس من الفهم تقوم الحكام إذ الفرق واضح بين أحكام كبائر الشرك‪ ،‬وكبائر‬
‫النفاق فماذا عن صلة السماء بالحكام؟‬

‫الحكام المترتبة على هذه السماء‪:‬‬

‫يقول أبو عمار عبد الكافي‪ ":‬فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة‪:‬‬

‫‪ )1‬القتل للمشركين‪ ،‬والسبي‪ ،‬والغنيمة‪ ،‬وتحريم الذبائح‪ ،‬وتحريم المناكحة‪ ،‬والموارثة‪ ،‬والمدافنة‬
‫معهم إل ما يحل من أهل العهد من ذلك‪.‬‬

‫‪ )2‬وتحريم القتل للمنافقين (كفار النعم) إذا هم لم يظهروا نفاقهم‪ ،‬وتحريم السبي‪ ،‬والغنيمة منهم‪،‬‬
‫وتحليل الذبائح‪ ،‬والمناكحة والموارثة‪ ،‬والمدافنة معهم‪ ،‬وتجريح شهاداتهم‪ ،‬وإبطال عدالتهم‪،‬‬
‫وإقامة الحدود عليهم وفيهم‪ ،‬ولذلك يروى عن الحسن أنه قال‪ ":‬وإن الحدود في المنافقين" (‪)115‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ )1‬وللمؤمنين وجوب الولية والمودة والمحبة في الدين‪ ،‬والستغفار لهم‪ ،‬وتجويز شهاداتهم‪،‬‬
‫وإثبات عدالتهم‪ ،‬والتزكية لهم‪.‬‬

‫فهذه أحكام ثلثة لسماء ثلثة‪ ،‬قال ال عز وجل‪ (:‬إنا عرضنا المانة على السماوات والرض‬
‫والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها النسان إنه كان ظلوما جهول‪ ،‬ليعذب ال المنافقين‬
‫والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب ال على المؤمنين والمؤمنات وكان ال غفورا رحيما)(‬
‫‪ 33‬الحزاب ‪ )73-72‬فجعلهم ثلث منازل معروفة غير مجهولة في كتاب ال عز وجل" (‪. )116‬‬

‫وقد عبر عامر الشماخي عن هذا المعنى بقوله‪ ":‬ندين بأن منزلة النفاق (كفر النعمة) بين منزلة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫اليمان ومنزلة الشرك‪ ،‬وندين بأن المنافقين ليسوا بمؤمنين ول بمشركين‪ ،‬وندين بأن المشركين‬
‫ليسوا بمؤمنين ول منافقين‪ ،‬وندين بان المؤمنين ليسوا بمنافقين ول بمشركين‪ ،‬ومن سمى كل‬
‫واحد منهم باسم صاحبه فقد كفر" (‪. )117‬‬

‫وبين صلة الحكام بهذه السماء كما يلي‪ ":‬وندين بأن السماء تابعة‪ ،‬أي موافقة للحكام"‪)118( .‬‬

‫هذا عن الصلة بين السماء والحكام ويحسن أن نبين صلة هذا بمواقف لبعض الفرق السلمية‬
‫الخرى قبل أن نتحول إلى قضية الوعد والوعيد والخلود‪.‬‬

‫واضح من خلل هذا العرض أن الباضية يتفقون وسائر الفرق السلمية في شأن المؤمن الموفي‬
‫وفي شأن المشرك إل أنهم يختلفون عن غيرهم في شأن كفر النعمة‪.‬‬

‫فإن قال المعتزلة بالمنزلة بين المنزلتين واعتبروا مرتكب الكبيرة فاسقا ولم يطلقوا عليه تسمية‬
‫الكفر كما فعل ذلك الباضية مع إضافة " النعمة" فإن الختلف بينهما لفظي لن حكم الفاسق عند‬
‫المعتزلة هو حكم كافر النعم عند الباضية ‪ ،‬وفي ذلك يقول يوسف المصعبي" أما عند المعتزلة‬
‫فكلمة كفر مختصة بالشرك‪...‬والخلف بيننا وبينهم في الحقيقة لفظي بالنظر إلى إطلق لفظ الكفر‬
‫وعدمه أما أحكامه فهي متفقة عندنا وعندهم في الدنيا والخرة" (‪. )119‬‬

‫أما عن موقف الزارقة والصفرية من اعتبار العصاة مشركين على أن الكفر ل يعتبر إل شركا فإن‬
‫رد الباضية كان عمليا كما أشرنا إلى ذلك من قبل وكانت القطيعة بين الطرفين من اجتماع صومعة‬
‫البصرة وقد أشار الشماخي إلى ذلك بقوله‪ ":‬ولكن يسمى كفر نعمة خلف الخوارج" (‪ ، )120‬وقد‬
‫توسع أبو عمار عبد الكافي من قبل في الرد على هؤلء (‪ )121‬فالخلف حينئذ جذري بين الطرفين‬
‫كما لحظنا أن الخلف جذري بين الباضية والمرجئة في شأن اليمان‪)122( .‬‬

‫أما عن موقف الشاعرة من القضية فيقول المصعبي‪ ":‬وأصل الشعرية الكافر خاص بالشرك" (‬
‫‪ )123‬إل أن احمد الشماخي يشير في رده على الغدامسي إلى أن مفهوم كفر النعمة موجود عند‬
‫الشاعرة" (‪. )124‬‬

‫فالمفهوم الغالب حينئذ عند الشاعرة أن الكفر يعني الشرك ولذلك يكون الصدام بين الطرفين ‪ ،‬لكن‬
‫عند التأمل يثبت أن الخلف في البداية لفظي خاصة في ما يترتب عليه من أحكام الدنيا‪ .‬فالباضية‬
‫متفقون والشاعرة على أن العصاة من أهل القبلة يحرم قتلهم‪ ،‬ويحرم سبيهم والغنيمة منهم‪ ،‬ويحل‬
‫دماؤهم‪ ،‬ومناكحتهم ‪ ،‬وموارثتهم‪ ،‬والمدافنة معهم‪ .‬وتجرّح شهادتهم‪ ،‬وتبطل عدالتهم‪ ،‬وتقام عليهم‬
‫الحدود عند ثبوت إدانتهم بالبينات الشرعية‪ ،‬إل أن الباضية يتجاوزون الشاعرة في تبطيق البراءة‬
‫الشخصية (‪ )125‬من هؤلء حتى يقلعوا عن معاصيهم التي يجاهرون بها‪.‬‬

‫أما في ما يتعلق بأمر الخرة فالخلف جذري كما سنبين ذلك بعد حين (‪. )126‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫=============================‬
‫(‪ )106‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع ‪ .9‬لم يطل في المدلول اللغوي لنه لم يكن مثار جدل‬
‫(‪ )107‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪ 127 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان ‪91‬‬
‫(‪ )108‬أبو سليمان التلتي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪128 :‬‬
‫(‪ )109‬ر‪ .‬نفس المصدر‪.‬‬
‫(‪ )110‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان ‪91‬‬
‫(‪ )111‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪126 :‬‬
‫(‪ )112‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى إسماعيل‪ :‬جواب لهل عمان ‪91‬‬
‫(‪ )113‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪130 :‬‬
‫(‪ )114‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح عقيدة التوحيد‪148 :‬‬
‫(‪ )115‬ملحظة‪ :‬إن هذا الحكم يتعلق بمن ثبت عليه كفر النعمة من الباضية وغير الباضية وهذا تغفل عنه كتب الفرق لنها‬
‫تتصور أن هذا ل يطبق إل على المخالفين‪.‬‬
‫(‪ )116‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪.118 -117 :‬‬
‫(‪ )117‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب الديانات‪ 45 -445 :‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات ‪70 -68‬‬
‫(‪ )118‬نفس المصدرين السابقين‪ 45 :‬و ‪73‬‬
‫(‪ )119‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ 35 :‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة‪ :‬الصل الرابع ‪ :‬المنزلة‬
‫بين المنزلتين ‪. 711 -696‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف‪2/459 :‬‬
‫ولزيادة تحليل ردود الباضية على المعتزلة ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪129-2/123 :‬‬
‫(‪ )120‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪37:‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪122 -2/118‬‬
‫(‪ )122‬انظر ما سبق‪505 :‬‬
‫(‪ )123‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪ .26 :‬وهو قول الشيعة المامية أيضا ‪.‬ر‪ .‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير‬
‫الكاشف ‪.1/139‬‬
‫(‪ )124‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ 44 :‬وفي هذا الصدد فقد جاء عند يحي بن سلم وهو من أسلف الشاعرة‬
‫أن الكفر على أربعة وجوه‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬الكفر يعني الكفر نفسه‪ ،‬يعني الكفر بتوحيد ال والنكار له‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬الكفر يعني الجحود‪.‬‬
‫والوجه الثالث ‪ :‬الكفر يعني كفر النعمة‪ .‬وذلك في البقرة] واشكروا لي ول تكفرون[(‪ ،)152‬ول تكفروا نعمتي‪ .‬وقال في النمل‪]:‬‬
‫أأشكر أم أكفر[ (‪ )40‬يعني أم أكفر النعمة‪ .‬وفي لقمان] ومن كفر[(‪ )12‬يعني كفر النعمة‪ ،‬وقال فرعون‪ ]:‬وفعلت فعلتك التي فعلت‬
‫وأنت من الكافرين[ ( الشعراء ‪ )19‬يعني الكافرين إذ ربيتك صغيرا وأحسنت إليك ‪ ،‬ونحوه كثير‪.‬‬
‫والوجه الرابع ‪ :‬الكفر يعني البراءة‬
‫ر‪ .‬يحي بن سلم‪ :‬التصاريف‪ .‬قدمت له وحققته هند شلبي‪ .‬الشركة التونسية للنشر والتوزيع‪ .‬تونس ‪ 1979‬ص ‪.105 -104‬‬
‫وعن ابن سلم‪ .‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪9/2‬‬
‫ويعدد سعيد بن تعاريت أسماء القائلين بكفر النعمة من غير الباضية فيقول‪ " :‬وهو مذهب الحسن البصري وعليه ابن مجاهد‬
‫والمحدثون والبخاري‪ ،‬وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم‪ ،‬وهي رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه‪ ،‬وهي‬
‫قول ابن حبيب من المالكية كما ذكر ذلك أبو الفرج في شرح الربعين النونية وقال خليل في توضيحه‪ :‬أعلم أن ابن حبيب وافقه‬
‫على تكفير تارك الصلة كثير من المحدثين كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهم‪ ،‬وكترك صوم رمضان اهـ‪.‬‬
‫ونقل الفاكهاني على رسالة في باب الصلة عن ابن حبيب وابن عبد الحكم وابن عيينة أن تارك الصلة عامدا أو مفرطا كافر وكذا‬
‫تارك الزكاة والصوم والحج" ‪ .‬المسلك المحمود‪65 -64 :‬‬
‫ملحظة ‪ :‬واضح أن كلمة كفر" استعملت عند هؤلء جميعا بمعنى كفر النعم لكنها لم تأخذ بعدا اصطلحيا حضاريا كما هو المر‬
‫عند الباضية إلى حد أنها صارت من خصائصهم العقائدية التي يتميزون بها عن غيرهم‪.‬‬
‫(‪ )125‬وهذا المبدأ يكون قوي المفعول عند انعدام المام العادل الذي يقيم الحدود ويردع المتمردين على حدود ال تعالى‪.‬‬
‫(‪ )126‬انظر ما يلي مبحث الوعد والوعيد والخلود‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الوعد والوعيد‬

‫لغة‪ :‬جاء في لسان العرب ما يلي‪ :‬وعده المر وبه عدة ووعدا وموعدا وموعدة‪ ،‬وهو من المصادر‬
‫التي جاءت على مفعول ومفعولة‪ ...‬قال ابن جني‪ :‬ومما جاء من المصادر مجموعا معمل قوله‪":‬‬
‫مواعيد عرقوب أخاه بيثرب" والوعد من المصادر المجموعة ‪ ،‬قالوا‪ :‬الوعد حكاه ابن جني‪.‬‬

‫وقال مجاهد في قوله تعالى‪( :‬ما أخلفنا موعدك بملكنا) (‪ 20‬طه ‪ )87‬قال‪ :‬الموعد العهد‪ ،‬وكذلك‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬فأخلفتم موعدي) (‪ 20‬طه ‪ )86‬قال‪ :‬عهدي‪ .‬وقوله عز وجل ( وفي السماء رزقكم‬
‫وما توعدون) (‪ 51‬الذاريات ‪ )22‬قال‪ :‬رزقكم المطر‪ ،‬وما توعدون‪ :‬الجنة‪ ،‬قال قتادة في قوله‬
‫تعالى‪( :‬واليوم الموعود) (‪ 58‬البروج ‪ )2‬إنه يوم القيامة‪.‬‬

‫وفرس واعد‪ :‬يعدك جريا بعد جري‪ ،‬وأرض واعدة‪ :‬كأنها تعد بالنبات‪ .‬وسحاب واعد‪ :‬كأنه يعد‬
‫بالمطر‪ .‬يوم واعد‪ :‬يعد بالحر‪ ...‬ويقال للدابة والماشية إذا رجي خيرها وإقبالها واعد‪ ،‬وقال‬
‫الراجز‪ (:‬رجز)‬

‫ويقال ‪ :‬هذا غلم تعد مخايله كرما‪ ،‬وشيمه تعد جلدا وصرامة‪.‬‬

‫والوعيد والتوعد‪ :‬التهدد‪ ،‬وقد أوعده وتوعده‪.‬‬

‫قال الجوهري‪ :‬الوعد يستعمل في الخير والشر‪.‬‬

‫قال ابن سيده‪ :‬وفي الخير الوعد والعدة‪ ،‬وفي الشر اليعاد والوعيد فإذا قالوا أوعدته بالشر أثبتوا‬
‫اللف مع الباء‪ ،‬وأنشد لبعض الرجاز‪ (:‬رجز)‬

‫قال الجوهري‪ :‬تقديره أوعدني بالسجن ‪ ،‬وأوعد رجلي بالدهم‪ .‬ورجله شثنة أي قوية على القيد‪.‬‬

‫قال الزهري‪ :‬كلم العرب وعدت الرجل خيرا‪ ،‬ووعدته شرا (‪)1‬‬
‫وأوعدته خيرا‪ ،‬وأوعدته شرا‪ ،‬فإذا لم يذكروا الخير قالوا‪ :‬وعدته ولم يدخلوا ألفا‪ ،‬وإذا لم يذكروا‬
‫الشر قالوا‪ :‬أوعدته ولم يسقطوا اللف‪ ،‬وأنشد لعامر بن طفيل‪(:‬طويل)‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪)2‬‬
‫وإذا أدخلوا الباء لم يكن إل في الشر‪ ،‬كقولك أوعدته بالضرب‪ ،‬وقال ابن العرابي ‪ :‬أوعدته خيرا‪،‬‬
‫وهو نادر وأنشد(بسيط)‬

‫قال الزهري‪ :‬هو الوعد والعدة في الخير والشر‪...‬‬

‫ويقال ‪ :‬اتعدت الرجل إذا أوعدته‪ ،‬قال العشى‪ :‬فإن تتعدني أتعد بمثلها‪...‬‬

‫أبو اليهثم ‪ :‬أوعدت الرجل أوعده إيعادا وتوعدته توعدا واتعدت اتعادا‪.‬‬

‫ووعيد الفحل‪ :‬هديره إذا هم أن يصول‪.‬‬

‫نتبين من خلل ما اورده ابن منظور من الشروح والشواهد أن مادة وعد تستعمل لمدلولت مادية‬
‫كجري مادية كجري الفرس ونبات الرض‪ ،‬ولمدلولت معنوية كمخايل الغلم التي تعد كرما‪ .‬كما‬
‫نلحظ تداخل في الحق الدللي بين صيغة المجرد وعد وصيغة المزيد أوعد فكلهما تستعملن للخير‬
‫والشر‪ ،‬ويبدو أن مرور الزمن غلب دللة الخير لوعد ودللة الشر لوعد‪ ،‬ومن هناك كان منطلق‬
‫مصطلح الوعد والوعيد وإن لم يشر إلى ذلك ابن منظور كما رأينا في تفسيره مادتي قضاء وقدر‪،‬‬
‫حيث غلب الشرح الصطلحي العقائدي على الشرح اللغوي‪ ،‬ولعل ذلك يرجع إلى أن موضوع الوعد‬
‫والوعيد لم يقرح المتكلمين كما قرحهم موضوع القضاء والقدر‪.‬‬

‫اصطلحا‪ :‬معلوم أن الوعد والوعيد أصل من أصول المعتزلة لذلك نجدهم أكثر اعتناء من الفرق‬
‫الخرى بالتعريف الصطلحي‪.‬‬

‫وهذا القاضي عبد الجبار يعرف الوعد والوعيد كما يلي‪:‬‬

‫" أما الوعد فهو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلى الغير ‪ ،‬أو دفع ضر عنه في المستقبل‪ ،‬ول فرق أن‬
‫يكون حسنا مستحقا وبين أن ل يكون كذلك" (‪)3‬‬
‫‪.‬‬

‫وأما الوعيد‪ ،‬فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلى الغير‪ ،‬أو تفويت نفع عنه في المستقبل‪ ،‬ول‬
‫فرق بين أن يكون حسنا مستحقا‪ ،‬وبين أن ل يكون كذلك"‪.‬‬

‫أما الباضية فقد جاء تعريفهم كما يلي‪:‬‬

‫والوعد هو الخبار بالخير كما في قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الفردوس نزل) (‪ 18‬الكهف ‪.)107‬‬

‫والوعيد هو الخبار بالشر كما في قوله تعالى‪ ( :‬إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار‬
‫جهنم خالدين فيها) (‪ 98‬البينة ‪.)6‬‬

‫ويذكر التلتي أن " الوعد يكون في الخير والشر لقوله تعالى‪ ( :‬وعد ال الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (‪ 48‬الفتح ‪ )29‬وقوله‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪22‬‬
‫الحج ‪ ، )72‬والوعيد ل يكون إل في الشر" (‪)4‬‬
‫‪ .‬وجاء في قاموس الشريعة ما يلي‪ ":‬الوعد هو ما وعد ال أهل طاعته من الثواب في الخرة وهو‬
‫حق‪ .‬والوعيد ما أوعد ال أهل الكفر والمعاصي من العقاب في الخرة وهو حق" (‪)5‬‬
‫‪.‬‬

‫فالتعريف الصطلحي بقي في مستوى التعريف اللغوي إل أن الخير والشر يقصد منهما الثواب‬
‫والعقاب في الخرة والستدلل القرآني شاهد على ذلك‪.‬‬

‫فالمهم حينئذ أن التعريف الصطلحي يربط العمل بالجزاء الخروي‪ ،‬وصارت الكلمتان مقترنتين‬
‫للدللة على أصل من الصول التي اختلفت الفرق في شأنها‪ ،‬وإن كان الختلف ل يتعلق إل‬
‫بالوعيد‪...‬‬

‫ذلك هو التعريف الصطلحي فماذا عن الطوار التاريخية التي مرت بها هذه القضية؟ وما هي‬
‫العوامل التي دفعت إلى قيام هذا الخلف بين المسلمين في شأن الوعيد بعد أن كانوا على رأي واحد‬
‫زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ وما هو موقف الباضية وسط هذا الخضم بصفة عامة‬
‫وبصفة أخص بالنسبة إلى المرحلة التي تعنينا؟‬
‫==============================‬
‫(‪ )1‬من ذلك قوله تعالى‪ ]:‬وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها النهار[(‪ 9‬التوبة ‪)72‬‬
‫وقوله تعالى‪ ]:‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم[(‪ 9‬التوبة ‪)68‬‬
‫(‪ )2‬هذا البيت يذكره القائلون بإخلف الوعيد‪ ،‬ويعتبرونه شاهدا لغويا يدعم موقفهم إل أن القائلين باثبات الوعيد يعتبرون أن‬
‫الحجاج بالنصوص النقلية قرآن أو حديثا أقوى‪.‬‬
‫(‪ )3‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪135 -134 :‬‬
‫(‪ )4‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ص ‪.277 -276‬‬
‫نلحظ اتفاقا مع المعتزلة في أن الوعد والوعيد من السلوب الخيري وليس من السلوب النشائي‪( .‬انظر ما يلي ص‪)633 :‬‬
‫(‪ )5‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ ،‬ط‪ .‬دار جريدة عمان للصحافة والنشر سلطنة عمان ‪ .1983‬نشر وزارة التراث‬
‫القومي بعمان‪. 6/5 .‬‬
‫والمؤلف من علماء الباضية بعمان(ق ‪ )13/19‬حسب ما ورد في تقديم الجزء الول من كتاب قاموس الشريعة‪ 15 :‬للمحقق عبد‬
‫الحفيظ شلبي‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫إن السلم صريح في إطلق قضية الجزاء من بدء الخليقة إذ يربطها القرآن الكريم بهبوط آدم من‬
‫الجنة إذ يقول تعالى‪( :‬اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل خوف عليه ول‬
‫هم يحزنون‪ ،‬والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪)39-38‬‬

‫ويتجدد التذكير بالوعيد قبيل ارتكاب أول جريمة على وجه الرض حيث يقول هابيل لخيه قابيل‪:‬‬
‫(لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني أخاف ال رب العالمين‪ ،‬إني أريد أن‬
‫تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) (‪ 5‬المائدة ‪.)29 -28‬‬

‫فمفهوم الوعد والوعيد‪ -‬وهو محور قضيتنا‪ -‬قديم حينئذ قدم وجود النسان على وجه البسيطة‪،‬‬
‫ولذلك يبين القرآن الكريم أن وظيفة النبياء والرسل تتمثل في التبشير بالثواب والنذار من سوء‬
‫المآب‪ .‬قال تعالى‪( :‬وما نرسل المرسلين إل مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فل خوف عليهم ول‬
‫هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون) (النعام ‪.)49-48‬‬
‫كما أن الناظر في الديانات الوضيعة يلمس تأثرها من قريب أو من بعيد بما أنزل من رب العالمين إذ‬
‫لكل منها تصور خاص للثواب والعقاب‪ ،‬ونذكر على سبيل المثال أن المزدكية تثبت أن النسان إثر‬
‫موته يحاسب‪ ،‬ثم توزن سيئاته وحسناته‪ ،‬فإن ثقلت حسناته فإلى النعيم البدي‪ ،‬وإن استوت‬
‫حسناته وسيئاته فإلى قرار هادئ ليس فيه إل الشعور بالبرودة والحرارة‪ ،‬وأما إن ثقلت سيئاته‬
‫فإلى جهنم حيث يسام سوء العذاب طيلة تسعة آلف سنة ثم تفتح جهنم ليكون بعث جديد يجدد العالم‬
‫ويطهر العصاة بصفة نهائية ويعيش الناس إلى البد في عالم ل شر فيه (‪)6‬‬

‫واضح من خلل هذا التصور أثر الوحي السماوي الذي استمر مع جميع النبياء والرسل‪ ،‬والمهم‬
‫عند الفرس أن إنفاذ الوعيد مؤقت بزمن محدود وأل خلود في العذاب‪.‬‬

‫أما أهل الكتاب فقد أثيرت عندهم قضية الخلود في النار وعدمه‪ ،‬كما جاء ذلك في قوله تعالى‪ ( :‬ذلك‬
‫بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون) (‪ 3‬آل عمران ‪)24‬‬
‫وفي قوله تعالى‪ ( :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل أتخذتم عند اله عهدا فلن يخلف ال‬
‫عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون) (‪ 2‬البقرة ‪.)80‬‬

‫والرد القرآني صريح على هؤلء إذ اعتبر أن قولهم من باب الفتراء ومن باب أن يقول النسان‬
‫على ال ما ليس له به علم (‪)7‬‬
‫‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والمتأمل في كتاب ال يتبين قيام رسالة السلم كبقية الرسالت السابقة على التبشير والنذار‪،‬‬
‫وهاك على سبيل المثال آيتين جاء فيهما لفظ الوعد والوعيد صريحا‪ .‬الولى قوله تعالى ( لكن الذين‬
‫اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها النهار وعد ال ل يخلف ال الميعاد)‬
‫(‪ 39‬الزمر ‪ )20‬والثانية قوله تعالى‪ ( :‬وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم‬
‫يتقون أو يحدث لهم ذكرا" (‪ 20‬طه ‪.)113‬‬

‫ومعلوم أن منطلقات كتب أصول الدين هي النصوص النقلية من قرآن كريم وحديث شريف (‪)8‬‬
‫‪ ،‬ولذلك نحس أن قضية الوعد والوعيد وقعت إثارتها زمن الرسول عليه السلم والقرآن يتنزل إل‬
‫أن إجاباته عليه السلم لم تفسح المجال لي جدل كما سيقع في ما بعد‪ ،‬ومن ذلك ما جاء عن جابر‬
‫بن زيد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬هلك المصرون"‪ -‬ثلثا‪ -‬فقال رجل‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫فأين قول ال تعالى (إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)(‪ 4‬النساء) فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬أفيكم أحد يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب‪ :‬أنا يا رسول ال‪،‬‬
‫فقال اقرأ‪ (:‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (‪ 20‬طه ‪ )82‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ":‬لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا" (‪)9‬‬
‫فالسائل حينئذ استفسر عن المشيئة المتعلقة بمغفرة ما دون الشرك من المعاصي فجاء جواب‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم شافيا انطلقا من آية أخرى بينت أن المشيئة تتعلق بمن تاب وآمن‬
‫وعمل صالحا ‪ ،‬وبذلك فهي ل تشمل المصر على المعاصي‪.‬‬

‫ومن ذلك ما جاء في الحديث عند وقوف الرسول صلى ال عليه وسلم عند قبرين قوله‪ " :‬رجلن‬
‫يعذبان في القبر ول يعذبان على كبير‪ ،‬أما أحدهما فإنه ل يستبرئ من البول والغائط وأما الثاني‬
‫فالذي يمشي بين الناس بالنميمة" ‪)10( .‬‬

‫المهم أن المرحلة لم تكن مرحلة جدل وإنما هي مرحلة عمل‪ ،‬والقول الفصل الذي ل يرد للرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫وما أن انتقل الرسول صلى ال عليه وسلم إلى الرفيق العلى وبويع أبي بكر الخلفة حتى أثار‬
‫النقاش حول معنى الزكاة وكان موقف الخليفة حازما حيث اعتبر أن مانع الزكاة مرتد‪ ،‬ويجب أن‬
‫يحارب رغم انه يتفوه بالشهادتين‪ ،‬ويؤدي الفرائض الخرى‪ ،‬وقولته في هذا شهيرة‪ ":‬وال لو‬
‫منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول ال صلى ال عليه وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف"‪ .‬وهنالك‬
‫يسأله عمر‪ " :‬كيف تقاتل قوما يشهدون أن ل إله إل ال وقد أخبر الرسول أن من قالها فقد عصم‬
‫دمه وماله؟" (‪)11‬‬
‫فيأتي جواب أبي بكر حاسما ودقيقا‪ ":‬ألم يقل الرسول " إل بحقها؟" أل إن الزكاة من حقها" (‪)12‬‬
‫‪.‬‬

‫وبهد هذا الحوار الحاد بين موقفين متضاربين استقر المر على تكفير مانع الزكاة وانتهت حروب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الردة بعد حين واستقر الوضع‪ .‬وتستقر الخلفة زمن عمر وما كان للمسلمين وقت للجدل وهم‬
‫مشغولون بتبليغ رسالة السلم في أطراف البلد‪ ،‬ومع ذلك جاء في بعض أقوال عمر ما يوحي بأن‬
‫التساؤل حول الوعد والوعيد مطروح ومن ذلك قوله‪ ":‬الشاك في وعد ال كالشاك في ال‪ ،‬وما‬
‫شكوا في وعد ال حتى شكوا في ال" (‪)13‬‬
‫‪ .‬وكذلك ما جاء عن الحسن عن كعب (‪)14‬‬
‫قال‪ :‬وقف عمر بن الخطاب على كدية من رمل‪ ،‬فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت يا أمير‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ما يبكيك؟ قال ذكرت أهل النار فقلت‪ :‬لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل ستة يعذبون‬
‫على حسابها‪ ،‬ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر‪ ،‬لكن لم يجعل لهم وقتا وما هم‬
‫بخارجين منها أبدا" (‪. )15‬‬

‫وليس لنا أن نقتضي كل مواقف الصحابة وأقوالهم (‪)16‬‬


‫‪ ،‬والساس أن كل ما ذكر يوحي بأن قضية التمييز بين المعاصي وما يترتب عليها من الحكام ومن‬
‫الوعد والوعيد تثار مع حدوث وقائع لم يكن لها مثيل زمن الرسول عليه السلم‪.‬‬

‫ويستفحل المر في أخريات حياة عثمان‪ ،‬وتختلف مواقف الصحابة تجاه بعض تصرفات الخليفة‬
‫فمن مخطئ ومصوب ومتوقف‪ ،‬إل أن مجرى الحداث ل ينتظر أحدا‪ ،‬وتكون القطرة التي تفيض‬
‫الكأس ويقتل عثمان‪ ،‬وينطلق النزاع الدموي ممزوجا بالجدل الكلمي خاصة حول حكم مرتكب‬
‫الكبيرة ومصيره‪ ،‬ويشير ابن تيمية إلى أن الخوارج هم أول من أثار هذه القضية (‪)17‬‬
‫فحكموا عليه بالشرك‪ -‬حسب ما ينسب إليهم‪)18( -‬‬
‫فحل دمه وسبيه وغنم ماله‪)19( .‬‬

‫إل أن المر في رأينا ل ينحصر في هؤلء‪ ،‬بل شملت القضية كل المسلمين خاصة وأن النتماءات لم‬
‫تكن واضحة كوضوحها الن‪ ،‬وعلى هذا الموقف من مرتكب الكبيرة سينبني القول في الوعد‬
‫والوعيد‪.‬‬

‫ومن هنا ستأخذ القضية أبعادا سياسية وماورائية‪ ،‬فالمويون جنحوا إلى التسامح وإلى الرجاء أو‬
‫إلى القول بإخلف الوعيد وذلك لتجرئهم على ارتكاب الكبائر واستهانتهم بها‪ ،‬فغلبوا جانب الرحمة‬
‫اللهية على جانب العدل ‪ ،‬كما غلبوا الجبر على جانب الختيار ليوحوا للعامة أن خلفتهم بقضاء‬
‫وأن طاعتهم أمر واجب‪.‬‬

‫وأما العلويون فالزيدية منهم قد اشتركوا مع المعتزلة في سلب اليمان عن مرتكب الكبيرة‪ ،‬إل أن‬
‫المامية لم يخرجوه من السلم‪)20( .‬‬

‫وأما المحكمة الول فقد أدنوا عثمان في السنوات الست الخيرة من حكمه‪ ،‬وأوجبوا على علي‬
‫التوبة من قبوله التحكيم ثم اختلف موقفهم في شأن مرتكب الكبيرة من اجتماع البصرة (‪)21‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فكثيرا منهم كفروه كفر شرك وأحلوا دمه وسبي ذراريه وغنم ماله (‪. )22‬‬
‫وهنا قعد عنهم عبدال بن إباض إمام الباضية ولم يجز الخروج ومن ذلك الحين سيتبلور موقف‬
‫الباضية تدريجيا ليتخذ من البداية خطأ واحد ستتوارثه الجيال جيل بعد جيل إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫ويتجلى هذا الموقف في العقيدة العمانية المنسوبة إلى عبدال ابن اباض‪ ،‬وجاء فيها ما‬
‫يلي‪....":‬وان يؤمن‪...‬أن ال ل يخلف وعده ول يبطل وعيده" (‪)23‬‬
‫‪.‬‬

‫وفي هذه الثناء بدأت تتبلور مدرسة العتزال مع غيلن الدمشقي وواصل ابن عطاء والحسن‬
‫البصري من قبل لن المعتزلة يعتبرونه من طبقاتهم ويتجلى موقفهم في هذه المحاور التي دارت‬
‫بين عمرو بن عبيد وأبي عمرو بن العلء النحوي‪)24( .‬‬

‫إن أبا عمرو بن العلء النحوي المعروف بالقرآن وإعرابه‪ ،‬التقى مع عمرو ابن عبيد المعتزلي فقال‬
‫له‪ :‬يا أبا عثمان‪ ،‬ما شيء بلغني عنك في الوعيد؟ فقال له‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬إن ال وعد وعدا وأوعد‬
‫وعيدا‪ ،‬فال منجز وعده ووعيده‪ .‬فقال يا أبا عثمان‪ ،‬إن ال وعد وعدا وأوعد وعيدا فال منجز‬
‫وعده ومؤخر وعيده‪ ،‬أما تعلم أن العرب ل تعد ترك الوعيد ذما‪ ،‬وإنما تعده تكرما‪ ،‬وفضل أما‬
‫سمعت الذي يقول ‪( :‬طويل)‬

‫فقال هؤلء العرب يمتدحون بخلف الوعيد وإنجاز الوعد‪ ،‬ويرون أن هذا تكرم وفضل‪.‬‬

‫فقال عمرو بن عبيد‪ :‬يا أبا عمرو‪ ،‬وشغلك العراب عن الصواب؟ أما سمعت أن الذي يقول شعرا‪:‬‬
‫(بسيط)‪.‬‬

‫فهذا ممدوح على هذه الصفة‪ ،‬إذ ل يخلف وعده‪ ،‬ول ما توعد به‪ ،‬وال تعالى أصدق القائلين‪ .‬وقد‬
‫قال‪ ( :‬ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعدكم‬
‫ربكم حقا قالوا نعم) (‪ 7‬العراف ‪ )44‬وقال‪ ( :‬ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد) (‪ 50‬ق ‪)29‬‬
‫وقال‪ ( :‬ل تبديل لكلمات ال) ‪.‬‬

‫هذه المناظرة صورة لما كان يدور حول القضية من جدل وكل ينتصر لرأيه اعتمادا على القرآن‬
‫الكريم وعلى أشعار العرب‪.‬‬

‫وسبق أن روينا اعتماد جابر بن زيد على حديث الرسول عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‪)25‬‬
‫‪ ،‬وكذلك يروى عنه أنه سأله رجل قائل‪ ":‬يا أبا الشعثاء‪،‬أرأيت قول ال تعالى ( إن ال ل يغفر أن‬
‫يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )48‬فقال جابر‪ :‬أو أنبأك ال لمن يشاء أن يغفر؟‬
‫قال‪ :‬وأين أنبأني يا أبا الشعثاء؟ قال‪ ( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (‪4‬‬
‫النساء ‪)26( )31‬‬
‫فالوعيد حينئذ نافذ لمن مات مصرا على المعصية ولهذا نلمس التفاق بين الباضية والمعتزلة في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إنفاذ الوعيد‪.‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )6‬ر‪ .‬كريستوس‪367 -366 :‬‬
‫(‪ )7‬انظر ما يلي‪ 718 :‬كيف كانت اليتان مثار جدل بين الفرق السلمية ‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما يلي ‪ 600 :‬وما يليها‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪ 22:‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ . 37:‬عمرو بن خليفة‬
‫السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪. 52 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 6/9‬والحديث لم يرد عند ونسنك في المعجم‬
‫المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )10‬جاء الحديث عند أحمد بن حنبل‪ ":‬إنهما ليعذبان في الغيبة والبول" ‪.39 -2/5‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪. 1/234‬ر‪.‬‬
‫الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/25‬عدد ‪487‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬اعتصام ‪ ،2‬جهاد ‪ ،102‬زكاة ‪ ،1‬استتابة ‪.3‬‬
‫مسلم‪ :‬إيمان ‪ ،33 ،32‬أبو داود‪ :‬زكاة ‪ .1‬الترمذي‪ :‬إيمان النسائي‪ :‬زكاة ‪ .3‬جهاد ‪ .1‬تحريم ‪ .1‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫للفاظ الحديث ‪.4/249‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جهاد ‪ ،102‬صلة ‪ ،28‬زكاة ‪ ،1‬حدود ‪ ،9‬اعتصام ‪ ،2‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ 36 -32‬الترمذي‪ :‬إيمان ‪ ،1‬تفسير سورة‬
‫الغاشية ‪ .‬أبا داود ‪ :‬زكاة ‪ ،1‬جهاد ‪ .95‬النسائي‪ :‬زكاة ‪ .3‬جهاد ‪ ،1‬تحريم ‪ ، 1‬إيمان ‪ .15‬ابن ماجة‪ :‬فتن ‪ .1‬الدارمي‪ :‬سير ‪.15‬‬
‫ابن حنبل‪. 5/246 ، 9 ،4/8 :‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.1/485‬‬
‫(‪ )13‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/10‬‬
‫(‪ )14‬كعب الحبار(ت ‪ )32/652‬هو كعب بن ماتع الحميري من يهود اليمن‪ ،‬أسلم زمن أبي بكر ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/85 :‬‬
‫(‪ )15‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/13‬‬
‫(‪ )16‬نذكر بما لحظناه من قبل أن مثل هذه المواقف ينبغي أن يحترز في شأنها‪.‬‬
‫(‪ )17‬ابن تيمية ‪ :‬الفتاوى الكبرى‪1/37 :‬‬
‫(‪ )18‬يشهد ابن تيمية بعدم الطلع المباشر على كتب الخوارج ويبين أن اطلعه كان عن طريق خصومهم ‪.‬ر‪ .‬نفس المصدر‬
‫السابق ‪1/37‬‬
‫(‪ )19‬انظر ما سبق‪53 -52 :‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬الشيخ المفيد ( محمد بن النعمان) (ت ‪ )413/1022‬أوائل المقالت في المذاهب المختارات‪ ،‬تعليق السيد هبة الدين‬
‫الشهرستاني‪ .‬تبريز ‪. 15 :1364‬ر‪ .‬عمارا لطالبي ‪ :‬آراء الخوارج الكلمية ‪1/135‬‬
‫(‪ )21‬انظر ما سبق‪ 52 :‬تعليق ‪.48‬‬
‫(‪ )22‬حسب روايات خصومهم‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ 3 :‬الملحق العربية‪17 :‬‬
‫(‪ )24‬والمعتزلة لقبوا بالوعيدية لقولهم بإنفاذ الوعيد ‪.‬ر‪ .‬القاضيس عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪.672 -611 :‬‬
‫(‪ )25‬انظر ما سبق‪.531 :‬‬
‫(‪ )26‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪. 39:‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪. 2/45 ،2‬ر‪ .‬جميل بن‬
‫خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/9‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويأتي الربيع بن حبيب بعد حين ليجمع كل ما بلغه من أحاديث عن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫تثبت إنفاذ الوعيد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وذلك في ما اصطلح على تسميته بكفر النعمة (‬
‫‪)27‬‬
‫‪ ،‬ومن ذلك الحين جاء التدعيم في بقية التراث الباضي معتمدا اعتمادا كليا على هذه الحاديث‪.‬‬

‫وسنكتفي بذكر ما يلي منها‪:‬‬

‫‪ )1‬التوعد بجهنم صراحة لهل الكبائر‪.‬‬

‫‪ -‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لول أن أهل السماوات وأهل الرض اشتركوا في دم امرئ مسلم حراما‬
‫لكبهم ال جميعا على مناخرهم في النار" ‪)28( .‬‬

‫‪ -‬وقال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من آذى مؤمنا أو روعة أطال ال روعته في جهنم" (‪)29‬‬
‫‪.‬‬

‫‪ )2‬النذير بالحرمان من الجنة‬

‫‪ --‬قال الربيع بن حبيب ‪ ،‬قال جابر بن زيد يروي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ل‬
‫يدخل الجنة مخنث ول ديوث (‪ )30‬ول فحلة النساء ول الركاضة‪ ،‬قيل وما الركاضة يا رسول ال‬
‫قال‪ :‬التي ل تغار" (‪. )31‬‬

‫وينسج عمروس بن فتح على نفس النسق في معرض الرد على المرجئة فيقول‪ ...":‬وما ردوا من‬
‫تنفيذ وعيد ال‪ ،‬وهو أسبه بقول اليهود ( وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة) (‪ 2‬البقرة ‪( ")80‬‬
‫‪. )32‬‬

‫وكذلك يقول أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ ":‬وندين بإنفاذ الوعد والوعيد وأن ال ل يخلف الميعاد‪،‬‬
‫ول يبدل القول لديه وأنه منجز وعده ووعيده" (‪)33‬‬
‫‪ .‬ويعيد أو سهل العبارة تقريبا بقوله‪ ":‬اتفقت المة على أن ال صادق في وعده وأنه ل يبدل القول‬
‫لديه وانه ل يخلف الميعاد‪. )34( "...‬‬

‫ول أراني مضطرا بأن أورد مثل هذه الصيغة من أقوال جميع من كتبوا في أصول الدين إلى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬فل اختلف عند الباضية في هذا الصل‪ .‬وأكتفي بما جاء عند عمرو التلتي في كتاب نخبة‬
‫المتين للتعبير عن رأي علماء المرحلة المقررة وهو‪ ":‬واتفقوا (أئمة الباضية) على أن ال تعالى‬
‫ل يخلف وعده ول وعيده‪. )35( "...‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فالساس حينئذ أن الباضية ما يزالون منذ نشأتهم إلى يومنا هذا يتمسكون بموقف واحد أل وهو‬
‫صدق ال في وعده ووعيده‪ ،‬فكيف تتجلى العوامل التي دفعتهم إلى ذلك من خلل احتجاجهم‬
‫لموقفهم وردهم على القائلين بخلف الوعيد من الفرق السلمية؟‬

‫تحديد من ينفذ فيهم الوعيد‪:‬‬

‫قبل أن نعرض الدلة على إنفاذ الوعيد يحسن أن نحدد من يشملهم هذا النفاذ‪.‬‬
‫لقد سبق أن رأينا موقف الباضية من السماء وما يترتب عليها من الحكام (‪)36‬‬
‫وقولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر كفر نعمة فهل أن جميع الذنوب تعتبر كبائر أم أن المعاصي‬
‫مستويات متفاوتة؟‪..‬‬

‫لقد كانت هذه القضية مثار جدل من زمن مبكر فهذا ابن عباس يعتبر أن المعاصي من الكبائر‬
‫باعتبار عظمة من يعصي‪)37( .‬‬

‫وعلى هذا الساس بني الزارقة موقفهم كما يذكر عنهم‪ ،‬بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك واعتبروا أن كل‬
‫عصيان شرك‪ ،‬وحجتهم في ذلك قوله تعالى‪ ( :‬وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) (‪ 6‬النعام ‪( .)121‬‬
‫‪)38‬‬

‫وما قعد عبدال بن إباض منذ إجتماع صومعة البصرة عن هؤلء إل لمخالفتهم في الحكم بالشرك‬
‫على جميع المسلمين واستحلل دمائهم وسبي ذراريهم وغنم متاعهم‪)39( .‬‬

‫ومن ذلك الحين اتضح لدى الباضية عدم الخلط بين الشرك وبين بقية الذنوب فماذا عن المعاصي؟‬
‫وهل يترتب عليها دائما نفس الحكم؟‬

‫إن المتأمل في كتاب ال تعالى مثل قوله عز وجل‪ ( :‬إن اله ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )48‬ومثل قوله‪ (:‬إن تتجنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم)(‪4‬‬
‫النساء ‪ )31‬ومثل قوله‪ ( :‬الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬وفي‬
‫حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬مثل الحديث المذكور أعله في شأن اللذين يعذب أحدهما‬
‫من أجل إهمال الستبراء والخر من أجل ما كان يأتيه من النميمة بين الناس (‪)40‬‬
‫‪ ،‬وفي كتب الصول والفقه يتبين بوضوح أن الذنوب تتفاوت حسب عوامل متعددة فما هي أهم‬
‫تسميات الذنوب المنصوص عليها في القرآن الكريم؟‬
‫=================================‬
‫(‪ )27‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 5 -3/2‬الباب الول ‪ :‬الحجة على من قال إن أهل الكبائر ليسوا بكافرين‪.‬‬
‫(‪ )28‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4 /3‬عدد ‪. 757‬ر‪ .‬الترمذي ديات ‪ .8‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪146 /2 :‬‬
‫(‪ )29‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4 /3‬عدد ‪. 758‬ر‪ .‬الدارمي‪ :‬أدب ‪ .85‬الترمذي فتن ‪ .3‬أحمد بن حنبل ‪ 362 /5 :‬وجاء‬
‫بصيغة ل يحل لمسلم أن يروع مسلما ‪ .‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪.320 /2 :‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )30‬ديوث‪ :‬من داث فلن‪ :‬فقد الغيرة والخجل فهو ديوث (بدون شدة) ‪ .‬وتديث فلن‪ :‬قاد على أهله ‪ ( .‬المعجم الوسيط)‬
‫(‪ )31‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2 /3‬عدد ‪. 743‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪ .134 .128 .2/69 :‬النسائي ‪ .2/162‬انظر ص‬
‫‪ .621‬لزيادة التوسع‬
‫(‪ )32‬عمروس بن فتح‪ :‬الدينوية الصافية‪60 :‬‬
‫(‪ )33‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف ‪1/35‬‬
‫(‪ )34‬أبو الربيع‪ :‬العقيدة‪ .‬ر‪ .‬كوبرلي‪ :‬الطروحة ‪ :‬الملحق العربية‪70 /3 :‬‬
‫(‪ )35‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪ ،154 :‬وانظر كذلك شرحه لكتاب الديانات حيث يقول‪ ":‬وندين بأن ال ل يخلف وعده ول‬
‫عيده‪ ،‬كما في قوله تعالى‪ ] :‬ما يبدل القول لدي[ ( ‪ 50‬قَ ‪67 :)29‬‬
‫(‪ )36‬انظر ‪520 :‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه‬
‫(‪ )38‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬رسالة الفرق ط‪ .‬حجرية د‪.‬ت ‪6122 :‬‬
‫(‪ )39‬انظر ما سبق ‪22 -21 :‬‬
‫(‪ )40‬انظر ما سبق‪ .531 :‬وجاء في حاشية عبدال السدويكشي على كتاب اليضاح ما يلي‪ :‬قال العلماء وما يعذبان في كبير‪ ،‬أي‬
‫في ظنهما‪ ،‬أو كبير تركه عليهما‪ ،‬أو عند الناس وإن كان كبيرا عند ال ‪ ،‬وبه يبطل ما توهم أن النميمة ليست من الكبائر وال‬
‫أعلم‪ .‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب اليضاح ‪ ،‬تحقيق لجنة من الساتذة ‪ ،‬مطبعة الوطن بيروت ‪ ،1970 /1390‬ط ‪ .1/9 .2‬وقد أورد‬
‫اليجي هذا الحديث للتدليل على عذاب القبر كما يلي‪ ":‬مر عليه السلم بقبرين فقال‪ :‬إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بل لن‬
‫أحدهما كان ل يستبرئ من البول‪ ،‬وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة"‪ .‬ولم يشر إلى أن المعصية من الكبائر أو الصغائر‪ .‬اليجي ‪:‬‬
‫المواقف‪2/452 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫إن امتنع آي القرآن الكريم ينتبه إلى وجود عدة أسماء لمدلول الخروج عن طاعة ال تعالى بوجه‬
‫من الوجوه عدا الشرك وهذه السماء هي‪ :‬السيئة ‪ ،‬الكفر (‪)41‬‬
‫‪ ،‬الجرام‪ ،‬الثم‪ ،‬الذنب‪ ،‬المعصية‪ ،‬الفاحشة ‪ ،‬الوزر‪ ،‬الخطيئة‪ ،‬الكبيرة‪ ،‬الصغيرة‪ ،‬اللمم (‪)42‬‬
‫‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫نجد عند الباضية ترتيبين للذنوب‪:‬‬

‫أما الترتيب الول فقد روعي فيه صلة النسان بال وصلته بالخرين‪ ،‬واعتمادهم في ذلك ما صح‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم كما يرويه أبو عبيدة عن ناس من الصحابة أنه قال‪ ":‬الذنوب‬
‫على وجهين ‪ ،‬ذنب بين العبد وربه وذنب بين العبد وصاحبه ‪ ،‬فالذنب بين العبد وربه إذا تاب منه‬
‫كان كمن ل ذنب له‪ ،‬أما بينه وبين صاحبه فل توبة له حتى يرد المظالم الى أهلها"‪)43( .‬‬

‫وأما الترتيب الثاني فاجتهادي وهو تنازلي‪ ،‬وفي ذلك يقول الوارجلني " الشرك أعظم الذنوب‪،‬‬
‫والكبير دونه فوق المعصية‪ ،‬والمعصية دون الكبير وفوق السيئة‪ ،‬والسيئة دون المعصية وفوق‬
‫الخطيئة‪ ،‬والخطيئة دون السيئة وفوق الكراهية‪ ،‬والكراهية دون الخطيئة وفوق الباحة" (‪)44‬‬
‫‪.‬‬

‫تعريف الصوليين‪ :‬رغم كثرة استعمال الصوليين لهذه الكلمات فإنهم ل يعتنون غالبا بتحديدها‬
‫تحديدا ثابتا واضحا ذلك يرجع إلى تقاربها من حيث الستعمال في القرآن الكريم كما بينا ذلك‪.‬‬

‫وقد حاول البرادي مستعينا بما جاء قبله أن يضع لها تعاريف في رسالة الحقائق ومع ذلك فإنه غفل‬
‫عن تعريف الثم والفاحشة والوزر والخطيئة واللمم‪.‬‬

‫فما هي المعصية؟ يقول البرادي‪ ":‬المعصية هي فعل ما نهى عنه فاعله وكذلك الذنب"‪)45( .‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي معرفا المعصية مع زيادة تدقيق" والمذهب‪...‬أن المعصية كل ما قارنه‬
‫النهي من شرك وغيره"‪ .‬ثم يبين مخالفة الخوارج كما يلي‪ ":‬وخالف في الصل الثاني أعني قولنا‬
‫وليست المعصية كلها شركا الخوارج حيث زعموا أن المعصية كلها شرك‪. )46( "....‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويورد أبو عمار في شرح الجهالت ما يلي‪ ":‬إن من المعصية استفسادا ومنها غير استفساد ‪،‬‬
‫فالكبائر كلها استفساد والصغائر ليست باستفساد ‪ ،‬ويقال كل كبيرة معصية‪ ،‬وليس كل معصية‬
‫كبيرة‪ ،‬كما يقال كل صغيرة معصية وليس كل معصية صغيرة‪ .‬ول يقال في المعصية إنها غير كبيرة‪،‬‬
‫ول في الكبيرة إنها غير معصية‪ ،‬كما ل يقال في المعصية إنها غير الصغيرة ول في الصغيرة إنها‬
‫غير المعصية‪ ،‬وإنما يقال ‪ :‬الكبيرة غير الصغيرة‪ ،‬والصغيرة غير الكبيرة‪ ،‬وكذلك يقال إن من‬
‫المعصية كبيرة وصغيرة‪ ،‬والكبيرة ما قارن العقاب والصغيرة ما قارن الستثناء" (‪)47‬‬
‫‪.‬‬

‫وإن اعتبر أبو عمار المعصية اسما عاما (‪)48‬‬


‫فإن أبا يعقوب الوارجلني يعتبرها دون الكبيرة وفوق السيئة (‪. )49‬‬

‫ومن خلل هذه التعريفات نتبين أن الغالب على المعصية أنها اسم مرادف للذنب وهي كل ما قارن‬
‫النهي‪ ،‬وتنقسم إلى كبائر وصغائر‪.‬‬

‫فماذا عن السيئة؟ السيئة‪ ":‬ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (‪)50‬‬
‫وإن جاء تعريف البرادي لغويا جافا فإن الوارجلني اكتفى بترتيب السيئة واعتبرها دون المعصية‬
‫وفوق الخطيئة (‪ ، )51‬أما أبو عمار عبد الكافي فقد اعتبر السيئة اسما عاما مثل المعصية (‪)52‬‬
‫وكذلك فعل صاحب المنهج حيث يقول‪ ":‬والسيئات هي كل ما عصي ال به من صغير وكبير" (‪)53‬‬

‫‪.‬‬

‫وإن لم تطل هذه المصادر في تعريف هذه التسميات فإنها توسعت أكثر عند تقسيمها إلى كبيرة‬
‫وصغيرة فما هي الكبيرة؟‬

‫‪:‬‬

‫" حقيقة الكبيرة على أصولنا ما أوجب ال عليه حدا في الدنيا وعقابا في الخرة‪ ،‬وهي ضربان‬
‫معلوم ومجهول" (‪)54‬‬
‫‪ ،‬ويكتفي أبو عمار باعتبار الكبيرة استفسادا وأنها ما قارنها العقاب‪)55( .‬‬

‫ويقول عمرو التلتي‪ ":‬إن الكبائر جمع كبيرة‪ ،‬وهي عند بعضهم ما توعد عليه بخصوصه في‬
‫الكتاب أو السنة كالقتل والزنا وعند آخرين ما فيه حد كالقذف ‪ ،‬وعند قوم كل ذنب ول صغيرة‬
‫عندهم نظرا إلى عظمة من عصى‪ -‬تعالى‪ -‬وشدة عقابه وهذا هو اللئق بمذهبنا المبني على اليقين‬
‫والحتياط‪ .‬وعند آخرين كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة ديانته كسرقة لقمة‬
‫والتطفيف بتمرة" (‪. )56‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫" وقال ابن عباس‪ :‬الكبائر ما ذكره ال في سورة النور من أولها إلى قوله‪ ( :‬وتوبوا إلى ال جميعا‬
‫أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) (‪ 24‬النور ‪ )31‬فأوجب ال لهم الفلح بالتوبة من جميع الذنوب‬
‫بقوله‪ ( :‬قد أفلح المؤمنون) (‪ 23‬المؤمنون ‪.)1‬‬

‫وقال ابن مسعود رضي ال عنه " الكبائر ما ذكره ال في سورة النساء الى قوله‪ ( :‬إن تجتنبوا‬
‫كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخل كريما) (‪ 14‬النساء ‪)57( .")31‬‬

‫ويستوفي السالمي القضية تمحيصها بإيراد تحديدات ابن حجر ومناقشتها وهي سبع‪ ،‬وتحديدات‬
‫الغزالي ولسنا نرى من الضروري إيرادها كلها وإنما محورها ما ذكره عمرو التلتي‪ ،‬والساس في‬
‫أن السالمي عول على التحديد الخامس وهو عين ما ذكره البرادي‪ ،‬الحد في الدنيا والوعيد في‬
‫الخرة‪ .‬وقد جاء ذلك في قوله‪ ":‬ولما كان الحد الخامس(أنها ما أوجب الحد أو توجه إليه الوعيد)‬
‫من هذه الحدود هو الذي عول عليه جمهور الصحاب رحمهم ال وكان ما عداه من الحدود مدخول‬
‫عول عليه الناظم" (‪. )59( )58‬‬

‫ويضيف محمد اطفيش تقليدا آخر لحد الكبيرة ينسبه إلى ابن عباس ويتمثل في الصرار حيث يقول‪:‬‬
‫قال ابن عباس‪ ":‬كل ذنب قام عليه العبد حتى يموت فهو كبيرة وكل ذنب تاب منه العبد قبل أن‬
‫يموت فليس بكبيرة" (‪. )60‬‬

‫ويلحظ التلتي أن كل ما صدق عليه أنه كبيرة يصدق عليه أنه كفر وأنه ذو عقاب ‪ ،‬وكل ما صدق‬
‫عليه أنه ذو عقاب يصدق عليه انه كبيرة وانه كفر كالزنا وترك الزكاة (‪)61‬‬
‫وقد عبر صاحب النونية عن ذلك كما يلي‪(:‬طويل)‬

‫(‪)62‬‬
‫فللكبيرة من خلل هذه التعاريف طرفان‪ ،‬طرف في الدنيا وهو إقامة الحد‪ ،‬وإن كانت الكبائر‬
‫المذكورة في القرآن والسنة تشمل كثيرا مما ل حد فيه‪ ،‬وطرف في الخرة وهو الوعيد والعقاب‬
‫ويشمل الكل ولذلك عمم أبو عمار وقال ما يشمله العقاب مهما كان نوعه في الدنيا وعقاب الخرة‬
‫أشد‪.‬‬

‫ثم إلى جانب هذا تقسم المصادر الكبائر إلى معلومة ومجهولة معنى ذلك أنها ل يمكن أن تقع تحت‬
‫الحصر‪.‬‬

‫أما المعلومة منها فهي التي ورد ذكرها في القرآن الكريم (‪)63‬‬
‫وفي سنة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال‪ " :‬اجتنبوا الكبائر السبع الموبقات‪ ،‬الشرك بال والقتل والسحر وأكل الربا وأكل مال‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫اليتامى‪ ،‬والفرار من الزحف وقذف المحصنات" (‪. )64‬‬

‫كما تقسمها إلى كبائر شرك وكبائر نفاق (‪ )65‬ويقول أبو عمار في هذا الشأن‪ ":‬فإن قال الكبائر‬
‫كلها معلومة ؟ فقل إن بعض الكبائر معلوم لما جاء فيه من النص وبعضها مجهول‪ :‬يريد أن كل ما‬
‫جاء فيه من ال وعيد فهو معلوم‪ ،‬وما لم يأت فيه من ال وعيد فمجهول غير معلوم ‪ .‬ومن قول‬
‫بعض العلماء إن لم يأت من ال فيه دليل يدل على انه كبير فإنهم يناظرونه بالذي أتى فيه عنه‬
‫وعيد‪ ،‬فما كان مثله وما هو أكبر منه فهو كبير وال أعلم" (‪. )66‬‬

‫وقد عبر عمرو التلتي عن هذا الموقف باختصار ونسبه إلى أصحابنا أي علماء الباضية‪)67( .‬‬
‫وقد حرص هؤلء العلماء على إحصاء ما علم من الكبائر (‪ )68‬مع شعورهم أنها ل يمكن أن تقع‬
‫تحت الحصر‪ ،‬وفي ذلك ينقل الشماخي ما جاء عن جابر بن زيد أن أنس يروي أشياء من الكبائر لم‬
‫يروها الناس أدق من الشعر" (‪ )69‬فماذا عن الصغائر؟‬
‫================================‬
‫(‪ )41‬انظر ما سبق‪506 :‬‬
‫(‪ )42‬لم نجد – حسب مطالعتنا – تمييزا اصطلحيا دقيقا بين هذه السماء لذلك سنكتفي بالوقوف عند خمسة تتردد أكثر من‬
‫غيرها وهي‪ ":‬المعصية " السيئة ‪ ،‬الكبيرة ‪ ،‬الصغيرة‪ ،‬اللمم‪.‬‬
‫(‪ )43‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 66 /2 :‬عدد ‪691‬‬
‫ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 118 -115 /6‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح تحقيق عز الدين التنوخي‪ ،‬المطبعة‬
‫العمومية دمشق ‪ .496 /3 .1963 /1383‬لم يرد الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )44‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.‬ط ‪2/3، 1‬‬
‫(‪ )45‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )46‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على كتاب الديانات‪ .11 :‬ويحيل على عمرو بن خليفة السوفي‪ :‬رسالة في الفرق السلمية ‪61 .‬‬
‫ملحظة‪ :‬تعريف المعتزلة للمعصية‪ ":‬وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير مع نوع من الرتبة‪ ،‬وهو أن يكون العاصي دون‬
‫المعصي‪ ،‬ولهذا ل يقال عصى المير فلنا كما يقال عصى فلن المير ‪ ،‬ول يفهم من إطلق هذه الكلمة غير معصية ال تعالى ‪،‬‬
‫حتى إنك لو أردت غيرها لقيدت فقلت‪ :‬عصى فلن أباه ‪ ،‬أو جده ‪ ،‬أو المير إلى غير ذلك‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة‬
‫‪.611 :‬‬
‫تعريف الشاعرة للذنب‪ ":‬عبارة عن كل ما هو مخالف لمر ال تعالى في ترك أو فعل‪ ".‬الغزالي‪ :‬الحياء‪11/2093 :‬‬
‫(‪ )47‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪ ،90 :‬وجاءت نفس الصيغ في الموجز ‪121 -120 /2‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز ‪121 /2‬‬
‫(‪ )49‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪43 /2 ،1‬‬
‫(‪ )50‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )51‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪43 /2 ،1‬‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪91:‬‬
‫(‪ )53‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪.2/252‬‬
‫ويذهب الشاعرة نفس المذهب غذ يعرف البيجوري السيئة كما يلي‪ ":‬هي ما يذم فاعله شرعا‪ ،‬صغيرة كانت أو كبيرة ‪ ،‬وسميت‬
‫سيئة لن فاعلها يساء ( كذا ) عند المقابلة عليها يوم القيامة‪ ".‬شرح جوهرة التوحيد‪173 :‬‬
‫(‪ )54‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪ ،38 :‬ر‪ .‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي حيث يقول في النونية ‪ ( :‬ص ‪ 6‬عدد ‪ ( :)83‬طويل)‬
‫فحد الكبير الحد في عاجل الدنيا‬
‫وسوء العذاب يا شر مسكن‬

‫ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ . 2/206‬ويضيف على الحد والعقاب أو لعن ال عليه أو رسوله‪ ...‬أو ما أجمع عليه أهل‬
‫العلم أنه من الكبائر فهو كذلك ‪ ،‬وما أشبه الكبير فهو كبير" المنهج ‪.2/217‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪ 90:‬ويقول أيضا ‪ ":‬لو سأل فقال لم كانت الصغيرة غير الكبيرة؟ قيل للعقاب‬
‫الذي ليس في الصغيرة‪ "...‬نفس المصدر ‪ .91‬ويقول أيضا ‪ ":‬كل معصية جاءت فيها صفة زائدة على النهي في كتاب ال تعالى‪،‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي سنة رسوله وفي آثارهم‪ ،‬إن ذلك دللة على وجوب العقاب وكونها كبيرة" ‪ .‬الموجز ‪2/278‬‬
‫(‪ )56‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 104‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.271 -270 :‬‬
‫(‪ )57‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 106‬وجه و قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪. 275 :‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار‬
‫الجوهر‪.1/74 :‬‬
‫(‪ )58‬عبدال السالمي نفسه‬
‫(‪ )59‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪375:‬‬
‫(‪ )60‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد إلى دار المعاد‪ ،‬مطابع سجل العرب عمان‪ .‬نشر وزارة التراث القومي ط ‪. 1402/1982 ،2‬‬
‫‪281 /4‬‬
‫(‪ )61‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 112‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )62‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشاني‪ :‬النونية ‪ 6‬عدد ‪85‬‬
‫ملحظة‪ :‬يحسن أن نورد هنا تعريف المعتزلة للكبيرة‪ :‬يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬إن الكبيرة في عرف الشرع هو ما يكون‬
‫عقاب فاعله أكثر من ثوابه إما محققا أو مقدرا"‪ .‬الصول الخمسة ‪( . 232 :‬وانظر معنى محققا ومقدرا‪ 550 :‬تعليق ‪.78‬‬
‫أما الشاعرة فالكبائر عندهم ‪ ":‬هي الذنوب العظيمة من حيث المؤاخذة " البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪.174:‬‬
‫وهذا يبين اتفاق الباضية والشاعرة وإن اختلفت الصيغة فما عبر عنه الباضية بالعقاب عبر عنه الشاعرة بالمؤاخذة‪ ،‬وهذا‬
‫يختلف عن رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الموازنة بين الثواب والعقاب‪.‬‬
‫(‪ )63‬انظر ما سبق ‪ 544‬سورة النساء وسورة النور‪.‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت ‪52 :‬‬
‫ر‪ .‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن ‪2 :‬‬
‫وقد جاء الحديث عند البخاري أدب ‪6‬ـ إيمان ‪ ،16‬ديات ‪ .2‬استتابة ‪ .1‬الترمذي‪ :‬تفسير سورة النساء ‪ .7 ،6 ،4‬النسائي‪ :‬تحريم‬
‫قسامة ‪ .48‬الدارمي ‪ :‬ديات ‪ .9‬أحمد بن حنبل ‪ 495 /3 .214 .2/201‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ . 5/516‬والملحظ أن هذه‬
‫السبع تختلف أثناء التعداد فنجد مثل عقوق الوالدين واليمين الغموس وقول الزور ‪ ،‬والسحر‪.‬‬
‫وقد أورد البيجوري هذا الحديث ثم بين أن السبع ليست بقيد بل غير ذلك وهذا رأينا تصرف طيب في فهم الحديث لن الكبائر ل‬
‫تنحصر في هذا العدد ‪.‬ر‪ .‬شرح جوهرة التوحيد ‪174 :‬‬
‫(‪ )65‬انظر ما سبق‪514 :‬‬
‫(‪ )66‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪92:‬‬
‫(‪ )67‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 109‬قفا‪ ،‬ورقة ‪ 111‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪282 -287 :‬‬
‫وعن معنى قياس مالم يرد ذكره على ما جاء فيه نص يقول أبو نصر فتح ابن نوح الماوشائي ‪( :‬طويل)‬
‫وما لم يجئ فيه الوعيد فإنه‬
‫النونية ‪ 6 :‬بيت ‪ .84‬يقاس إلى النصوص فيه المبين‬

‫(‪ )68‬أنظر اليات والحاديث التي اعتمدت‬


‫أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 279 -270 :‬عدد جملة من الكبائر بعنوان في وسم الكبائر بسمة الوعيد ‪.‬ر‪ .‬أمحمد اطفيش‪ :‬جامع‬
‫الشمل في حديث خاتم الرسشل‪ .‬المطبعة الشرقية عمان‪ .‬نشر وزارة التراث القومي ‪ :1984 /1404‬ص ‪ " 239 -228‬ما جاء‬
‫في الكبائر"‪.‬‬
‫(‪ )69‬أحمد الشماخي ‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ .46 :‬وسيستغل النص بصفة أوسع في موضوع الشفاعة ‪ .‬انظر ما يلي ‪:‬‬
‫‪679‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫جاء في رسالة الحقائق ما يلي‪ ":‬حقيقة الصغيرة في كتاب الجهالت ما جاء فيه من ال الستثناء‬
‫وليس بسديد عندي لن الستثناء جاء في الكبائر بعد التوبة منها فيلزم على قوله أن تدخل في‬
‫الصغائر ‪ ،‬والحد السديد عندي فيها هو ما يكفر باجتناب الكبائر‪ ،‬وهي كلها عندنا غير معلوم ول‬
‫معين ونعنيها في الحكم خاصة" (‪. )70‬‬

‫ويقول أبو عمار‪ ":‬فكل ما كان مغفورا لهله‪ ،‬متروك المؤاخذة عليه فهو صغير غير كبير‪ ،‬وغير‬
‫كفر"‬
‫(‪ )71‬ويضيف في شرح كتاب الجهالت أنها ليست استفسادا فإن قال‪ :‬لم ل تكون الصغيرة استفسادا‬
‫وهي منتهى عنها؟ قيل‪ :‬إنما لم تكن استفسادا لعلة أنها ليست الكفر‪ ،‬فإن قال‪ :‬وما العلة التي لمن‬
‫تكن بها الصغائر كفرا؟ فقل‪ :‬لن ال أوجب فيها الستثناء‪ ،‬فإن قال ما وجه النهي عن الصغائر إذا‬
‫لم تكن استفسادا؟ قيل‪ :‬لئل يكونوا مستخفين بحق ال في ما دون الكبائر‪ .‬فإن قال‪ :‬ولم حتى قضيت‬
‫أن في المنهي عنه صغيرا؟ قيل له‪ :‬لما جاء في ذلك من الخبر الصادق" (‪. )72‬‬

‫وكذلك يذكر يوسف المصعبي أن الصغيرة معفو عنها في حق المؤمن (‪ )73‬فينقل عن محمد بن‬
‫محبوب في قوله تعالى‪ ( :‬إل اللمم) وهو ما دون الكبائر من الذنوب التي تكون بين ال وبين عباده‬
‫مثل الغمزة واللمزة والنظرة‪ ،‬وما كان أهله يدينون بالتوبة منه بالستغفار فذلك هو اللمم‪ .‬وكل ما لم‬
‫بالقلب منة ذكر المعصية‪ ،‬أو هم بها العبد ‪ ،‬أو نوى فعلها‪ ،‬من غير شتم المؤمنين ول وقوع في‬
‫أعراضهم فهذا إذا نسي أن يستغفر ال منه‪ ،‬وال واسع المغفرة إذا كان الفاعل ممن يدين ال تعالى‬
‫بالتوبة منه‪ ،‬ومن جميع ما نهى ال عنه (‪. )74‬‬
‫وسلك السالمي مع الصغيرة مسلكه مع الكبيرة فأورد عدة تعاريف وناقشها ‪ ،‬ومن ذلك ما ذهب إليه‬
‫مالك من أن الكبائر معاصي أهل البدع‪ ،‬والصغائر معاصي أهل السنة‪ .‬وهو باطل لن في معاصي‬
‫أهل السنة الزنا‪ ،‬وشرب الخمر وقتل النفس‪ ،‬إلى غيرها من الكبائر التي جاء النص بأنها موبقات‪.‬‬
‫ومن ذلك ما قيل من أن الكبائر معاصي إبليس‪ ،‬والصغائر معاصي من سواه وهو باطل أيضا لنه إما‬
‫أن يريد بمعصية إبليس الستكبار والوسوسة للناس وبغض الحق وأهله فالكبائر غير منحصرة في‬
‫ما ذكر وإما أن يريد بها أن المعاصي التي تصدر من غير إبليس صغائر ول تصدر الكبيرة إل من‬
‫إبليس فيلزمه جهل الشرك‪ ،‬وقتل النفس‪ ،‬والزنا وشرب الخمر ونحوهما‪ ،‬من غير إبليس صغائر ول‬
‫يشك عاقل في بطلنه (‪. )75‬‬

‫ويجمع السالمي مختلف الراء الواردة عند الباضية في ما يلي‪ (":‬قوله وعكسه الصغيرة ) (‪)76‬‬
‫أي عكس الكبيرة من الذنوب هو الصغير ‪ ،‬والمراد بالعكس هنا مطلق المخالفة أي ما عدا الكبير من‬
‫الذنوب فهو صغير بناء على المذهب المشرقي أن الصغائر موجودة في الخارج وأنها معلومة‬
‫للعلماء وهو مذهب النكار (‪ )77‬وجمهور قومنا‪ ،‬وذهب أصحابنا من أهل المغرب وبعض أهل‬
‫المشرق إلى أنها موجودة لكنها غير معينة" (‪. )78‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫هذا ما جاء عند من يقرون بوجود الصغائر أو لم تعلم فماذا عمن ينفون الصغائر؟‬

‫يقول عمرو التلتي‪ ":‬وقد اختلف العلماء في وجود الصغيرة فقال بعض المرجئة ل وجود لها وإن‬
‫كل ما عصي ال به كبيرا نظرا إلى عظمة الرب جل جلله ل إلى الفعل الذي عصي به وهو‬
‫المشهور عن أئمة المذهب رحمهم ال تعالى وهو اللئق بأصولهم المبنية على التحقيق والحتياط‪،‬‬
‫ووفاقا لبن عباس رضي ال عنه حيث قال‪ ":‬ليس في ما عصى ال به صغيرة" (‪. )79‬‬

‫واضح أن هذا الموقف مردود لنه يتعارض وما جاء في القرآن الكريم من نصوص صريحة تثبت‬
‫ذكر الصغائر من ذلك قوله تعالى‪ ( :‬كل صغير وكبير مستطر) (‪ 54‬القمر ‪ )53‬وقوله تعالى‪ ( :‬ما‬
‫لهذا الكتاب ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها) (‪ 18‬الكهف ‪ )49‬وقوله تعالى‪( :‬الذين يجتنبون‬
‫كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪.)32‬‬

‫وقد انتبه التلتي إلى القضية فبين أن بعض الصحاب حمل كلم ابن عباس على خلف ظاهره ‪،‬‬
‫وهو أن المراد منه توفير المعاصي والترهيب منها ل عدم وجود الصغائر (‪ )80‬ويستشهد بكلم ابن‬
‫محبوب المذكور أعله (‪ )81‬في تعريف الصغائر‪.‬‬

‫فالساس في هذه التعاريف أن عند الباضية خلفا في وجود الصغيرة‪ ،‬فجاء قول ينفي وجودها‬
‫أصل بناء على حديث ابن عباس ونسب إلى أئمة المذهب بدون تحديد‪ ،‬وجاء قول يقر بوجودها‬
‫وهو ما عليه جمهور الباضية إل أن أهل المشرق منهم والنكار يعتبرون أنها معلومة لكن المغاربة‬
‫وبعض المشارق يرون أنها غير محددة وعلى هذا المعنى ألح كل من البرادي وأبا عمار وعثمان بن‬
‫خليفة السوفي‪)82( .‬‬

‫والملحظ أن الذين يعتبرون أن الصغائر معلومة يكتفون بذكر بعضها ومن ذلك ما ذكره ابن‬
‫محبوب‪ ،‬ويذكر السالمي منها الكذب إن خف والرقص واللعب (‪ )83‬إل أن الذين يتوقفون عن‬
‫تعدادها يبينون أن في ذلك حكمة‪ ،‬وهاك توضيح عمرو التلتي لهذه الحكمة‪ ":‬وقال أصحابنا‪...‬‬
‫وغيرهم الصغائر كلها غير معلومة لنه ليس من الحكمة أن يبينها ال تعالى لعباده لنه لو بينها‬
‫لهم لستخفوا بحقه تعالى‪ ،‬وعصوه بفعلها‪ ...‬فثبت أنها غير معلومة‪ ،‬وأن عدم علمها أولى للعباد‬
‫وأدخل في زجرهم عن عصيان ال تعالى بوجه من الوجوه لنهم كلما أرادوا ارتكاب ذنب خافوا‬
‫كونه كبيرة وتركوه" (‪. )84‬‬

‫نتبين من هذا حينئذ أن الموقف القائل بجهل الصغائر أقرب إلى الحكمة من التشريع الذي يورد حكم‬
‫الصغائر ‪ ،‬ويبين السالمي أن للصغائر حكمين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أنها مغفورة بفعل الحسنات بشرط اجتناب الكبائر قال تعالى‪ ( :‬إن الحسنات يذهبن السيئات) (‪11‬‬
‫هود ‪ )114‬وقال تعالى‪ ( :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) (‪ 4‬النساء ‪)31‬‬
‫والمراد بالسيئات هنا الصغائر‪ .‬وقال تعالى‪ ( :‬والذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم إن‬
‫ربك واسع المغفرة) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬والمراد باللمم الصغائر من الذنوب‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أ‌‪ -‬أن الصرار عليها كبيرة قال تعالى‪ ( :‬ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) فمدحهم بعدم‬
‫الصرار على المعصية وفي مدحه تعالى لهم بعدم الصرار ذم للصرار وما ذمه تعالى فهو كبير‪،‬‬
‫بيانه انه تعالى ل يذم شيئا وهو يرضاه لعباده وقد قال تعالى‪ ( :‬ول يرضى لعباده الكفر) (‪ 39‬الزمر‬
‫‪ )7‬فاستنتج من اليتين أن الصرار كفر نعمة" (‪. )85‬‬

‫فالساس بالنسبة إلى المسلم أن يحرص على عدم اقتراف الذنوب صغيرها وكبيرها سواء استطاع‬
‫أن يميز بين الصغائر والكبائر أو لم يستطع ذلك‪ .‬وإن وقع فما عليه إل أن يسارع إلى التوبة‬
‫النصوح فماذا عن التوبة والصرار والحباط؟‬
‫=============================‬
‫(‪ )70‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪38 :‬‬
‫(‪ )71‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ .2/121 :‬ويوضح صاحب المنهج الفرق بين الكبائر والصغائر كما يلي‪ ":‬والفرق بين‬
‫ارتكاب الصغائر والكبائر من المؤدي للفرائض المجتنب للمحارم أن المواقع للكبائر يكفر بمواقعتها في حين ذلك كان منه على‬
‫العلم أو الجهل ‪ ،‬أو الرأي أو الدين ‪ ،‬ول ينفس له ذلك طرفة عين دون التوبة من ذلك والرجوع عنه والقلع‪.‬‬
‫وبارتكاب الصغائر من الذنوب مع اجتناب الكبائر على الجهل للصغائر مع التوبة منه في الجملة سالم بذلك لنه دائن بالتوبة من‬
‫جميع الكبائر والصغائر ‪ ،‬ولنه غير كافر ول هالك بمواقعة الصغير حتى يصر عليه ويعزم أنه ل يتوب منه‪ ".‬خميس بن سعيد‬
‫الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪.2/222 :‬‬
‫(‪ )72‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪90:‬‬
‫(‪ )73‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على الديانات‪12 :‬‬
‫(‪ )74‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬قفا‪ .‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج ‪ .2/198 :‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪:‬‬
‫النور‪284 :‬‬
‫(‪ )75‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪377:‬‬
‫(‪ )76‬يشير إلى المنظومة التي هو بصدد شرحها وهي من نظمه‪.‬‬
‫(‪ )77‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪ .66 :‬ويذكر نفس الموقف انظر تعريف النكار‪ 213 :‬تعليق ‪4‬‬
‫(‪ )78‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .376 :‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.66 :‬‬
‫ملحظة‪:‬‬
‫تعريف المعتزلة‪ ":‬وأما الصغيرة فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه إما محققا أو مقدرا"‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول‬
‫الخمسة ‪ 632 :‬ثم يعلل الحتزاز بقوله إما محققا وأما مقدار كما يلي‪ ":‬واحترزنا من الموضعين ( الموضع الثاني الكبيرة انظر‬
‫ما سبق ‪ 545‬تعليسق ‪ )62‬بقولنا إما محققا وإما مقدار عن كان له ثواب لكان يكون محبطا بما ارتكبه من المعصية ‪ ،‬أو يكون‬
‫عقاب ما أتى به من الصغيرة مكفرا من جنب ما يستحقه من الثواب" الصول الخمسة ‪.632 :‬‬
‫تعريف الشاعرة ‪ ":‬وكل ما خرج عن حد الكبيرة وضابطها فهو صغيرة" البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪196 :‬‬
‫أما المرجئة فينسب إليهم الشعري قولين‪ ،‬فمنهم من يقر بوجود الصغائر ومنهم من ل يقر إل بالكبائر ‪.‬ر‪ .‬المقالت‪.1/5 :‬‬
‫(‪ )79‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪. 284 :‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪ :‬نثار‬
‫الجوهر‪ 73 -1/72 :‬والنص مقتبس من أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪.92 :‬‬
‫(‪ )80‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪. 284 :‬ر‪ .‬ناصر بن سالم الرواحي‪:‬‬
‫نثار الجوهر‪.1/73 :‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬يناقش الختلف الوارد حول وجود الصغيرة ثم يقرر أنه ل بد من صغير وكبير‪".‬‬
‫الدليل والبرهان ط ‪ .103 /3 ،2‬أما عن المعتزلة فيعدد الشعري مواقفهم في شأن هذا الختلف إلى ثلثة أقاويل أساس التمييز‬
‫فيها قائم على ما جاء فيه الوعيد أو ما كان عمدا‪ ( .‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت ‪ ،)1/332‬إل أن القاضي عبد الجبار يلح كما‬
‫ذكرنا من قبل على التمييز بين الكبير والصغير لن الدليل الشرعي يفرض ذلك ‪ ،‬بينما لو وكل المر إلى العقل لكانت المعاصي‬
‫كبائر ‪.‬ر‪ .‬الصول الخمسة ‪634 -633 :‬‬
‫أما الخوارج كما ينسب إليهم ذلك فغنهم ل يعترفون بالصغائر ويحلل القول في ذلك ‪ :‬الصول الخمسة ‪633 :‬‬
‫أما الشاعرة فكما رأينا من تعريفهم يقرون بوجود الكبائر والصغائر ويحلل القول في ذلك الغزالي في الحياء ‪.‬ر‪-2093/ 11 .‬‬
‫‪.2105‬‬
‫(‪ )81‬ويشير إلى قول ابن محبوب الذي أورده من قبل وهو ‪ ":‬ما دون الكبائر هي الذنوب التي بين العبد وبين ال تعالى مثل‬
‫الغمزة و الهمزة والنظرة وما كان أهله يتدينون بالتوبة منه والستغفار فذلك هو اللمم وكل قائم بالقلب من ذكر المعصية والهم‬
‫بها ونية العمل لها من غير شتم المؤمنين ول وقوع في عراضهم فهو من اللمم ‪ ،‬ونسيان الستغفار منه ل يضر صاحبه إن كان‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يدين بالتوبة منه ومن جميع ما نهى ال عنه" عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 10‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪284‬‬
‫(‪ )82‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.66 :‬‬
‫(‪ )83‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪376:‬‬
‫(‪ )84‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 110‬قفا‪ 111 ،‬وجه ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ .285 :‬وقد جاء هذا المعنى محلل‬
‫بصفة أدق عند أبو عمار عبد الكافي‪ :‬شرح كتاب الجهالت‪. 93 -92 ،90 :‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 376:‬ةهذا مسلك‬
‫المعتزلة إذا اعتبر القاضي عبد الجبار أن معرفة الصغائر ضرب من الغراء بالقبيح وذلك ما ل يجوز على ال تعالى‪ ".‬الصول‬
‫الخمسة ‪.635 :‬‬
‫(‪ )85‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ ،378 :‬وقد جاء نفس المعنى عند عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 111‬وجه قفا ‪ .‬وقد خيرنا‬
‫عبارة السالمي لدقتها ووضوحها‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪287 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ما الذي ينفي إنفاذ الوعيد؟‬

‫قبل أن نتحول إلى إنفاذ الوعيد‪ ،‬وأدلة الباضية على أنه واجب وجوب حكمه يحسن أن نذكر ما أتاح‬
‫ال تعالى للعباد من فرص في هذه الحياة للنجاة من وعيد الخرة‪.‬‬

‫إن قضية المعاصي تترتب عليها مسألة العقاب إل أن النسان قد يغفل عن هذا العقاب حينا‪ ،‬وقد‬
‫ينتبه أحيانا أخرى ‪ ،‬فجعل ال للنسان سبيل إلى الخلص مما اقترف من الكبائر‪ ،‬وهذا الباب هو‬
‫التوبة ‪ ،‬فما هي التوبة؟ ومتى تكون نافعة ومتى تكون غير نافعة؟ وهل تحبط أعمال المؤمن‬
‫باقتراف المعاصي والصرار عليها؟‬

‫حقيقة التوبة‪:‬‬

‫التوبة لغة من تاب توبا وتوبة ومتابا وتابة‪ :‬رجع عن المعصية‪.‬‬

‫والتوبة‪ :‬العتراف والندم والقلع ‪ ،‬والعزم على أل يعاود النسان ما اقترفه (‪)1‬‬

‫وقد عرف الرسول عليه السلم التوبة بقوله " التوبة من الذنب أل تعود إليه أبدا" (‪ )2‬وبقوله "‬
‫الندم التوبة" (‪ . )3‬وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ ":‬صفة التوبة النصوص أن يتوب العبد‬
‫من ذنب فعله‪ ،‬ويعتقد الندامة عليه والنقلع وأل يعود إلى عصيان ال بعد ذلك أبدا‪ ،‬ويردّ التبائع‬
‫على قدر ما كانت عليه ‪ ،‬فغن عاد بعد ذلك فليست الولى بتوبة نصوح" (‪. )4‬‬
‫ويقول البرادي في رسالة الحقائق‪ ":‬حقيقة التوبة الندم بالقلب والعزم على الترك مع المكان‪ .‬وقال‬
‫غيرنا الرجوع عن الطريق البعيد إلى الطريق القريب" (‪. )5‬‬

‫ويعرفها عمرو التلتي كما يلي‪ ":‬التوبة‪ :‬بمعنى القلع من الذنب‪ ،‬والندم عليه‪ ،‬والعزم على عدم‬
‫العود إليه" (‪. )6‬‬

‫ويقول التلتي أيضا‪ " :‬ل توجد التوبة إل بوجود ستة أشِياء‪ :‬الندم على الذنب الماضي‪ ،‬والعزم‬
‫على عدم العودة إليه‪ ،‬وأداء الحقوق لهلها‪ ،‬وقضاء الفرائض المضيقة كلها‪ ،‬والحزن المؤدي إلى‬
‫ضعف البدن بحيث يلتزق جلده على عظمه‪ ،‬وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما ذاقت حلوة المعصية"‬
‫(‪. )7‬‬

‫نلحظ من خلل هذه التعريفات أنها تتكامل ‪ ،‬فإن سكت البرادي عن العزم على عدم العودة فقد ذكره‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫التلتي‪ ،‬إل أن البرادي ألح على نقطة مهمة وهي العزم على الترك مع المكان‪ ،‬وكأنه بهذا يخرج‬
‫من عجز عن إتيان تلك المعصية لسبب ما‪ ،‬وفي هذا كلم سيأتي في ما بعد عند الكلم عن توبة‬
‫العاجز (‪ ، )8‬مع التنبيه إلى تدارك ما يمكن تداركه من قضاء فروض وأداء حقوق‪ .‬ول نرى فائدة‬
‫في زيادة التحليل لن التوبة متفق عليها عند جميع المسلمين وغن اختلفوا في بعض جزئيات كما‬
‫سنبين ذلك فماذا عن حكمها شرعا؟‬

‫حكم التوبة‪:‬‬

‫يقول عثمان بن خليفة السوفي في هذا الشأن‪ ":‬والكف عن الذنوب فرض‪ ،‬ومعرفة ذلك فرض" (‬
‫‪. )9‬‬

‫ويعبر عمرو التلتي عن نفس المعنى بقوله‪ ":‬واتفقوا (أئمة الباضية) على أن التوبة واجبة على‬
‫المسلمين (وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون ) (‪ 24‬النور ‪)10( .)31‬‬

‫ويزيد ذلك تحليل بقوله‪ ":‬وإنها (التوبة) واجبة على المكلف في أول أحوال بلوغه‪ ،‬وغن لم يعلم‬
‫لنفسه ذنبا لنه قل من يسلم منه‪ ،‬ولن حقوق ال أعظم واكثر من أن يقوم بها" (‪. )11‬‬
‫ويشبع عبدال السالمي القضية تحليل فيقول‪ ":‬فهي (التوبة) إما واجبة‪ ،‬وإما مندوبة‪ ،‬فالفور‬
‫واجب منها‪ ،‬وهو ما إذا عصى المكلف فإنه يجب عليه أن يرجع عن عصيانه في الفور فأما وجوبها‬
‫فمأخوذ من قوله تعالى‪ ( :‬وتوبوا إلى ال جميعا أيها المؤمنون) (‪ 24‬النور ‪ )31‬وأما وجوب‬
‫الفورية فيها فلما في تأخيرها من الصرار المحرم قطعا (‪. )12‬‬

‫وأما المندوب منها فهو تكرار توبة من عصى فتاب إذا تذكر ذنبه الذي تاب فإنه يندب له أن يعيد‬
‫توبته‪ ،‬ول يجب عليه إعادتها خلفا لبعضهم لن الصحابة ومن كان لسلم بعد كفره يتذاكرون ما كان‬
‫منهم في الجاهلية من الكفر ول يجددون له توبة" (‪. )13‬‬

‫ويلح محمد اطفيش على وجوب التوبة رغم صعوبة ترك الذنوب فيقول‪ ":‬والتوبة من الصغائر‬
‫والكبائر واجبة ولو كان ل طاقة للنسان على ترك الذنب لن التوبة حق ال وإجلل له واجب على‬
‫كل حال" (‪. )14‬‬

‫فالمسلمون يكادون يجمعون على وجوب التوبة والنصوص صريحة في ذلك من القرآن والسنة‬
‫فماذا عن القبول من ال تعالى؟‬

‫قبول التوبة من ال تعالى‪:‬‬

‫قبل أن ننظر في قضية قبول التوبة يحسن أن نحلل هنا موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل‪.‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )1‬ر‪ .‬ابن منظور ‪ :‬لسنان العرب‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )2‬امحمد اطفيش‪ :‬جامع الشمل ‪ 239 :‬وذكر أنه رواه ابن مردوية والبيهقي في شعبة عن ابن مسعود‪.‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬الغزالي‪ :‬الحياء ‪ .11/2073‬ويقول المحقق عن الحديث إنه جاء عند ابن ماجة وابن حبان والحاكم‪ .‬أما ابن ماجة فصحح‬
‫اسناده من حديث ابن مسعود ‪ .‬ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين ‪.‬ر‪ .‬الحياء ‪ :‬تعليق ‪: 1‬‬
‫‪.2073‬‬
‫جاء بصيغة " التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم ‪ "...‬احمد ‪ .1/446‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث ‪.1/284‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪.216 :‬‬
‫ملحظة‪:‬لقد جاءت عدة تعريفات للتوبة كلها تحوم حول ما ذكرنا فلذلك نكتفي بالحالة على مصادرها‪ .‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة‬
‫السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪215 :‬و ‪. 216‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪. 3/106 ،2‬ر‪.‬خميس بن سعيد الرستاقي‪:‬‬
‫المنهج ‪. 249 -2/245‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شامل الصل والفرع ‪( 1/68 :‬وقد نبه إلى أداء الكفارات)‪.‬‬
‫أما الشاعرة فيعرفونها كما يلي‪ ":‬وفي الشرع ‪ :‬الندم على المعصية من حيث هي معصية مع عزم أل يعود إليها إذا قدر‬
‫عليها‪ ".‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ .2/450‬ويضيف البيجوري مبدأ إرجاع حقوق العباد لكن المحقق بذكر أن الندم وحده كاف مع‬
‫التفويض إلى ال تعالى كما وقع لدم عليه السلم‪ .‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪.196 :‬ر‪ .‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحري‬
‫والتنوير ط ‪ 1/438 :2‬حيث بين أن التوبة علم علم وحال وعمل‪.‬‬
‫(‪ )5‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪ 39 :‬وعن القول المنسوب إلى غير الباضية ر‪ .‬الغزاليك حديث الربعين ‪143 :‬‬
‫(‪ )6‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬و ‪347‬‬
‫(‪ )7‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬و ‪347‬‬
‫(‪ )8‬انظر ما يلي‪571 :‬‬
‫(‪ )9‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪219:‬‬
‫(‪ )10‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪159 :‬‬
‫(‪ )11‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه و قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪.357 :‬‬
‫ويعبر الغزالي عن موقف الشاعرة كما يلي‪" :‬إذا عرفت حقيقة التوبة انكشفت لك أنها واجبة على كل أحد وفي كل حال ‪ ".‬كتاب‬
‫الربعين ‪ 144‬ر‪ .‬الحياء ‪ .11/2073 :‬أما البيجوري والقرطبي فلم يكتفيا بذكر الوجوب بل ناقشا المعتزلة في قول بعضهم بعدم‬
‫الوجوب‪.‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪. 157 :‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬احكام القرآن ‪ .5/90‬وينقل اليجي عن المدي أن المر ظاهر‬
‫في الوجوب لكنه غير قاطع لجواز أن يكون رخصة إيذانا بقبولها ودفعا للقنوط ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف ‪.2/451‬‬
‫أما موقف المعتزلة فيلخصه الشعري كما يلي‪ ":‬واختلفوا (المعتزلة) في وجوب التوبة ‪ :‬فقال قائلون‪ :‬التوبة من المعاصي‬
‫فريضة ‪ ،‬وأنكر ذلك آخرون"‪ .‬المقالت ‪.2/170‬‬
‫(‪ )12‬انظر ما يلي‪ 575 :‬و ‪.589‬‬
‫(‪ )13‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .416 :‬ويناقش السالمي الجبائي من المعتزلة الذي يرى أل توبة من الصغير لنه يكفر باجتناب‬
‫الكبير فيقول‪:‬ط تكفيرها باجتناب الكبائر ل ينافي وجوب التوبة منها على الجمال"‪ :‬المشارق‪.416 :‬‬
‫ويتفق الباضية والشاعرة في وجوب الفورية واعتبار التأخير ذنبا آخر‪ .‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪ .196 :‬وينبه‬
‫البيجوري إلى الختلف مع المعتزلة الذين يعتبرون أن الذنب يتعدد الزمن بينما يعتبر الشاعرة أنه ذنب واحد ولو تراخي ‪.‬‬
‫والباضية في هذا يلحون على قضية الصرار(انظر ما يلي‪)575 :‬‬
‫(‪ )14‬امحمد اطفيش‪ :‬شامل الصل والفرع‪1/77 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫موقف الباضية من علقة الثواب بالعمل‪:‬‬

‫بناء على التحسين والتقبيح العقليين يقرر المعتزلة وجوب الثواب على ال تعالى كما يوجبون عليه‬
‫قبول توبة التائبين‪.‬‬

‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وأما الشروط في استحقاق الثواب والعقاب في الفعال فكالشروط في‬
‫استحقاق المدح والذم عليهما (‪ )15‬غير أنه لبد من اعتبار شرط آخر فيهما وهو أن يكون الفاعل‬
‫ممن يصح أن يثاب أو يعاقب‪ ،‬وإن شئت قلت الشرط هو أن يكون الفاعل ممن يفعله لشهوة أو‬
‫شبهة‪ ...‬وغنما لم يكن بد من اعتبار هذا الشرط لنه لو لم يعتبر للزم استحقاق القديم تعالى‬
‫العقوبة‪ ،‬ومعلوم أنه لو قدر وقوع القبيح من جهته لم يستحق العقوبة وإن استحق الذم‪ ،‬تعالى عن‬
‫ذلك علوا كبيرا" (‪. )16‬‬

‫ثم يبين أن المؤثر في استحقاق المدح والثواب"إنما هو فعل النسان للواجب واجتنابه للقبيح وما‬
‫يجري هذا المجرى" (‪ )17‬ويخلص إلى النتيجة التالية‪ ":‬وإذا قد عرفت هذه الجملة فاعلم أنه‬
‫تعالى إذا كلفنا الفعال الشاقة فلبد من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله‪ ،‬بل ل يكفي هذا‬
‫القدر حتى يبلغ في الكثرة حدا ل يجوز البتداء بمثله ول التفضل به وإل كان ل يحسن التكليف‬
‫لجله" (‪. )18‬‬

‫ويرد على من يعتبر أن ال يثيب على ما ليس فيه مشقة بقوله‪ ":‬إنا ل نوجب أن يكون في نفس‬
‫الفعل مشقة‪ ،‬بل يجوز أن يكون في سببه أو في مقدمته أو في ما يتبعه ويتصل به" (‪. )19‬‬

‫وهكذا يتناسق هذا الموقف مع قول المعتزلة بالعدل اللهي‪ ،‬وبهذا يتضح قولهم بأن الثواب‬
‫استحقاق وأنه ثمرة من ثمرات اليمان والعمل الصالح‪ ،‬وبالتالي فهو واجب على ال تعالى إذ العدل‬
‫اللهي يقتضي أن يجارى المحسن حسب ما قدمت يداه‪.‬‬

‫وقبل أن نورد حجج مخالفيهم على هذا الموقف يحسن أن نشير إلى أن أبا القاسم خالف أصحابه في‬
‫هذا الرأي وذهب إلى أن الثواب جود من ال تعالى‪ ":‬عن القديم تعالى إنما كلفنا هذه الفعال الشاقة‬
‫لما له علينا من النعم العظيمة فإن ذلك غير ممتنع ‪ ،‬فمعلوم أن من أخذ غيره من قارعة الطريق‬
‫فرباه‪ ،‬وأحسن تربيته‪ ،‬وخوله وموله‪ ،‬وأنعم عليه بضروب النعم‪ ،‬جاز له أن يكلفه فعل يلحقه بذلك‬
‫مشقة‪ ،‬نحو أن يقول‪ :‬ناولني هذا الكوز أو تمم هذا السطر‪ ،‬ول يجب أن يغرم في مقابل ذلك شيئا‬
‫آخر‪ ،‬كذلك في القديم تعالى فنعمه عندنا ل تحصى وأياديه لدينا ل تحصى‪ ،‬ولما ذهب في ذلك إلى ما‬
‫ذكرناه قال‪ :‬إنه إنما يثيب المطيعين ل لنهم استحقوا ذلك بل للجود" (‪. )20‬‬

‫ويرد القاضي عبد الجبار على أبي القاسم ردا شديدا معتبرا أن في هذا القبول تناقضا وبمثابة من‬
‫قال‪ ":‬يجب أن تفعل ويجب أل تفعل وهذا محال" (‪. )21‬‬

‫تبين من هذه النصوص حينئذ أن جمهور المعتزلة يوجبون الثواب على ال تعالى فماذا عن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الشاعرة؟‬

‫يقول البيجوري‪ ":‬وبالجملة فهو سبحانه وتعالى ل تنفعه طاعة ول تضرع معصية‪ ،‬والكل بخلقه‬
‫فليست الطاعة مستلزمة للثواب‪ ،‬وليست المعصية مستلزمة للعقاب‪ ،‬وإنما هما أمارتان تدلن على‬
‫الثواب لمن أطاع والعقاب لمن عصى" (‪. )22‬‬

‫فالشاعرة يعتبرون أن الثواب وعد من ال وأنه تفضل وغنما يقع لخباره بذلك لن ال تعالى‬
‫يستحيل في حقه أن يحتم عليه المر (‪. )23‬‬

‫أما الباضية فيقول عنهم الشعري‪ ":‬وقالوا (يقصد جل الباضية) ‪ :‬جزاء ال في العباد أكثر من‬
‫تفضله‪ ،‬وعافيته أكثر من ابتدائه‪ ،‬والثواب واجب بالستخلف والتفضل والبتلء ابتداء"‪)24( .‬‬

‫فهل اتخذ الباضية فعل موقف المعتزلة في إيجاب الثواب بالستحقاق على ال كما يذكر الشعري‬
‫رغم مخالفتهم في وجوب الصلح والصلح على ال؟‬

‫وفي هذا الشأن يقول عمرو التلتي‪ ":‬واتفقوا أيضا على أن ال تعالى ل يجب عليه لعباده شيء من‬
‫الصلح والصلح لنه لو وجب عليه ما خلق الكافر الفقير المعذب في الدنيا بالفقر وفي الخرة‬
‫بالعذاب الليم المخلد فيه‪ ،‬المبتلى في الدنيا بالسقام والمحن والفات‪ ،‬ولنه لو وجب عليه ما بقي‬
‫للتفضل محل‪ ،‬ولم يكن له خيرة في النعام‪ ،‬وهو باطل لقوله تعالى‪ ( :‬وربك يخلق ما يشاء ويختار)‬
‫(‪ 28‬القصص ‪ )68‬وقوله‪( :‬يختص برحمته من يشاء) (‪ 2‬البقرة ‪. )25( )105‬‬
‫وبما أن الباضية ل يقولون بوجوب الصلح والصلح على ال فإنهم يعتبرون أل موجب على ال‬
‫في شأن الثواب‪ ،‬وهذا الوارجلني‪ ،‬عند تحليل ما يتعلق بالوعد والوعيد ‪ ،‬يذكر ما يثبت أل موجب‬
‫على ال وأن الوجوب وجوب حكمة فيقول‪ ":‬ل موجب على ال وإنما الوجوب في حق الحكمة" (‬
‫‪ )26‬كما يرد على من قال بان الثواب حتم بقوله‪ ":‬فالذين قالوا إن الثواب حتم على ال قد أساءوا‬
‫الدب إنما كان ينبغي لهم أن يقولوا حتم في واجب الحكمة بعد أن يصح ما قالوا إنه واجب" (‪. )27‬‬

‫ويؤيد هذا الموقف ما جاء في الموجز عند تفسير حديث الرسول عليه السلم (‪ )28‬حيث يقول‪":‬‬
‫إن معنى ذلك من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل قولهم‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪،‬‬
‫أراد رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أحدا ل ينال شيئا من الخير الذي هو طاعة ال‪ ،‬ول‬
‫يستعصم عن شيء من معصية ال فيدخل بذلك الجنة إل أن يعينه ال على ذلك ويوفقه له‪ ،‬ويغمده‬
‫برحمته التي ل يخيب من تغمد بها"‪)29( .‬‬

‫فموقف الباضية صريح في رفض موقف المعتزلة القائل بوجوب الستحقاق والفرق شاسع بين‬
‫الوجودي وجوب الحكمة ووجوب الستحقاق إذ وجوب الستحقاق إنما يتوجه من القوي إلى‬
‫الضعيف وذلك من علمات النقص التي تعالى ال عنها علوا كبيرا‪ ،‬بينما وجوب الحكمة فضل من‬
‫ال ورحمة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولعل الشعري وقعت بين يديه بعض المتون المختصرة (‪ )30‬التي وردت فيها كلمة الوجوب‬
‫فأضاف الستحقاق رغم أنه أشار إلى التفضل‪ ،‬وتحول فيها كلمة الوجوب فأضاف الستحقاق رغم‬
‫أنه أشار إلى التفضل وتحول بذلك المعنى عن الصل وعن سياق مبادئ الباضية العامة وأبرزها‬
‫في هذا الشأن اعتبارهم أن التحسين والتقبيح شرعيان فالحسن ما حسنه الشرع ووعد عليه حسن‬
‫الثواب والقبيح ما قبحه الشرع وتوعد عليه سوء العقاب‪.‬‬

‫ونورد نصين متأخرين عن زمن الشعري لعلهما يشعران بما جاء قبلهما مما لم يصلنا من‬
‫النصوص‪.‬‬

‫الول في القرن الخامس‪ " 11 /‬وذلك أن وليته(ال) وجوب الثواب لوليائه وعداوته وجوب‬
‫العقاب لعدائه" (‪. )31‬‬

‫والثاني من القرن الثامن‪ ": 14 /‬ومما يجب على المكلف أن يعلم أن ال أمر بطاعته وأوجب عليها‬
‫ثوابا‪ ،‬ونهى عن معصيته وأوجب عليها عقابا" (‪. )32‬‬
‫وما كان يخفى على الجيطالي أن الوجوب وجوب الحكمة بعد تحليل الوارجلني للقضية في الدليل‬
‫والبرهان‪.‬‬

‫ويشير أحمد الشماخي كذلك إلى أن الثواب فضل من ال إل انه يضيف أنه خاص بالمتقين‪ ":‬قولك‪:‬‬
‫بل يفضل ال" أقول‪ :‬المر كذلك لكنه أخبر أنه فضله ورحمته خاصان بالمتقين (فسأكتبها للذين‬
‫يتقون) (‪ 7‬العراف ‪ )156‬وكثر في القرآن ( بما كنتم تعملون) (‪ 5‬المائدة ‪ ( )105‬بما أسلفتم) (‪69‬‬
‫الحاقة ‪ )24‬وما شاكلها‪ .‬فإن حملنا أخبار ال تعالى على الصدق فقد أخبرنا بأنها خالصة‬
‫للمؤمنين(فسأكتبها للذين يتقون) كما هو مذهب كل مؤمن مسلم" (‪. )33‬‬

‫ويذكر عمرو التلتي أن " كل نعمة فضل من ال تعالى‪ ،‬وأن كل نقمة عدل منه عز وجل" (‪. )34‬‬

‫وإذا تأملنا في المصادر الباضية المتأخرة نتبين بوضوح مناقشتها لهذه المقولة وردها لرأي‬
‫المعتزلة القائلين بوجوب الثواب على ال ومن ذلك ما جاء في كتاب المعارج‪:‬‬

‫" ذهبت المعتزلة أيضا بناء على قولهم بتحكيم العقل إلى وجوب ثواب الطاعة عقل على ال تعالى‪،‬‬
‫واحتجوا على ذلك من الكتاب العزيز بقوله تعالى‪ ( :‬ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ثم‬
‫يدركه الموت فقد وقع أجره على ال وكان ال غفورا رحيما) (‪ 4‬النساء ‪ )100‬قالوا‪ :‬فهذه الية تدل‬
‫على أن العمل يوجب الثواب على ال لنه تعالى قال‪( :‬فقد وقع أجره على ال) وذلك يدل على قولنا‬
‫من ثلثة أوجه‪ :‬أحدهما انه ذكر لفظ الوقوع‪ ،‬وحقيقة الوجوب هي الوقوع والسقوط قال تعالى‪:‬‬
‫( فإذا وجبت جنوبها) (‪ 22‬الحج ‪ )39‬أي وقعت وسقطت‪ .‬وثانيها‪ :‬أنه ذكر بلفظ الجر والجر عبارة‬
‫عن المنفعة المستحقة‪ ،‬فأما الذي ل يكون مستحقا فذلك ل يسمى أجرا بل هبة‪ .‬وثالثها‪ :‬قوله(على‬
‫ال) وكلمة(على) للوجوب قال تعالى‪ ( :‬ول على الناس حج البيت) (‪ 3‬آل عمران ‪.)97‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأجيب بأنه ل نزاع في وجوب الثواب على الطاعة لكن ذلك بحكم الوعد والعلم والتفضل والكرم ل‬
‫بحكم الستحقاق الذي لو لم يفعل لخرج عن اللهية‪...‬فهو سبحانه وتعالى يقبل توبة التائب تفضل‬
‫منه ووفاء بوعده ويثيب المطيع تفضل منه‪ ،‬ووفاء بوعده وال أعلم" (‪. )35‬‬
‫ويقول أيضا‪...":‬أهل الستقامة يقولون إن التعذيب بعدل ال والثواب بفضله والمعتزلة يقولون‬
‫بوجوب ذلك عليه‪ ،‬تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد في التحسين والتقبيح العقليين" (‪. )36‬‬

‫فالمهم حينئذ أن موقف الباضية جاء موقفا ذاتيا مستفيدا من هذا وذاك دون أن يكون تابعا تبعية‬
‫مطلقة لي طرف‪ ،‬فهم يرون أن الثواب واجب وجوب حكمة تتناسق والعدل اللهي‪ ،‬فال يوجب‬
‫على نفسه ما يشاء دون أن يوجب عليه أحد‪ ،‬وعبر الشاعرة عن ذلك بقولهم إنه يمكن أن يعكس‬
‫فيعاقب المحسن ويثيب المسيء‪ ،‬وفي موقفهم رد عنيف على المعتزلة‪ ،‬كما أن الباضية ألحوا‬
‫إلحاحا كبيرا على جانب الفضل والرحمة وهذا هو الموقف المستقر في الفكر الباضي عبر القرون (‬
‫ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) (‪ 24‬النور ‪ )21‬لن عمل النسان مهما‬
‫كان ل يمكن أن يعادل ما يتمتع به من نعم‪ ،‬فالثواب حينئذ في مستوى صلته بعمل النسان الموفي‬
‫أقرب إلى الوجود لرتباط النتيجة بالسبب‪ ،‬وفي مستوى صلته بالمثيب إنما هو تفضل ورحمة لن‬
‫ال غني عن العالمين‪.‬‬

‫وعلى هذا ينبني موقف الباضية من قبول التوبة‪.‬‬


‫=============================‬

‫(‪ " )15‬فكذلك المدح أيضا قسمان على ما ذكرنا ‪ ،‬فقسم يتبعه الثواب من جهة ال تعالى والشرطة في استحقاقه شرطان‪:‬‬
‫أحدهما يرجع إلى الفعل وهو أن تكون له منفعة زائدة على حسنة ‪ ،‬والخر يرجع إلى الفاعل وهو أن يكون عالما بأن له صفة‬
‫زائدة على حسنة ‪ ،‬فل بد من اعتبارهما معا كما في الذم ‪ ،‬ولهذا قلنا‪ :‬إن الصبيان ل يستحقون على أفعالهم المدح‪ ،‬لما لم يعلموا‬
‫أن لها صفة زائدة على الحسن"‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪.613 :‬‬
‫(‪ )16‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )17‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )18‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪614 -613 :‬‬
‫(‪ )19‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪617-616 :‬‬
‫(‪ )20‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪618 :‬‬
‫(‪ )21‬نفس المصدر ‪619‬‬
‫(‪ )22‬البيجوري ‪:‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .108 :‬بل يذهب إلى أكثر من ذلك وهو إمكانية العكس ‪ ،‬فحتى لو عذب ال المطيع‬
‫وأثاب العاصي لكان حسنا ‪ .‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ 2/451‬حيث يبين أل وجوب‬
‫(‪ )23‬انظر أدلتهم عند الجويني‪ :‬الرشاد ‪ ،‬تحقيق محمد يوسف موسى وعلي عبد المنعم عبد الحميد مطبعة السعادة مصر‬
‫‪ 381 : 1369‬وعند ابن تيمية‪ :‬مناهج السنة ط ‪ 1‬مصر ‪1/129 :1321‬‬
‫ومنها من النقل‪:‬‬
‫قوله تعالى ] ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله[ (الروم ‪ )45‬وقوله تعالى‪ ] :‬ولول فضل ال عليكم ورحمته ما زكا‬
‫منكم من أحد أبدا[ (النور ‪ .)21‬وقوله عليه السلم‪ " :‬لن يدخل أحد منكم الجنة من أحد قالوا‪ :‬ول أنت يا رسول ال ‪ ،‬قال‪ :‬ول أنا‬
‫‪ .‬إل أن يتغمد ني ال برحمته منه وفضل" (انظر تخريج الحديث ‪ 440‬تعليق ‪.)119‬‬
‫ومن العقل‪:‬‬
‫يتحقق الوجوب في حق من لو فرض منه ترك الوجوب لستحق الذم أو العقاب‪ ،‬وال منزه عن ذلك ‪ ،‬ولو قدر أنه عذب من يشاء‬
‫لم يكن لحد منعه وقد قال تعالى ‪ ]:‬قل فمن يملك من ال شيئا[ ( المائدة ‪ – )17‬عبادات العبد ل تفي بنعم ال تعالى عليه شكر له‬
‫عليها ‪ ،‬فلم استحقاق الثواب في أعمال وقعت عوضا عن جزء قليل من نعيم استوفاه العبد‪.‬‬
‫(‪ )24‬أبو الحسن الشعري‪ :‬المقالت‪1/188 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )25‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪160:‬‬


‫(‪ )26‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1/58 :1‬‬
‫(‪ )27‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪1/58 :1‬‬
‫(‪ )28‬يشير إلى الحديث الذي ورد فيه قوله عليه السلم‪ :‬إل أن يتغمد ني ال برحمته‪ .‬انظر‪562:‬‬
‫(‪ )29‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 2/87 :‬مع الملحظ أن أبا عمار لم يلح على قضية الثواب لنه في صدد الرد على الجبرية‪.‬‬
‫(‪ )30‬ومعلوم أن الشعري ل يحيل على مصادره‪.‬‬
‫(‪ )31‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف ‪1/38 :‬‬
‫(‪ )32‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر‪327 -1/326 :‬‬
‫(‪ )33‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪41 :‬‬
‫(‪ )34‬عمرو التلتي ‪ :‬نخبة المتين‪160:‬‬
‫(‪ )35‬عبدال السالمي‪ :‬المعارج‪ .‬مطابع سجل العرب‪ ،‬عمان‪ ،‬نشر وزارة التراث القومي ‪1/174‬‬
‫(‪ )36‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ .294 :‬وقد عبر امحمد اطفيش عن نفس المعنى ر‪ .‬تيسير التفسير ط ‪ 2/482 ، 2‬وكذلك ط ‪، 2‬‬
‫‪.2/141‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قبول التوبة فضل أم استحقاق؟‬

‫إن أحسن ما يرجوه التائب أن يقبل ال توبته‪ ،‬وأن يعفو عن معاصيه وأن يبدل سيئاته حسنات‪ ،‬وأن‬
‫يدخله جنة النعيم‪ ،‬إل أن علماء الكلم أثاروا نقطة الستحقاق والفضل هنا كما فعلوا بالنسبة إلى‬
‫الثواب‪.‬‬

‫فالمعتزلة يرون انه يجب على ال قبول التوبة نقل وعقل‪ .‬أما النقل فاعتقادهم على قوله تعالى‪:‬‬
‫( إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب ال عليهم‬
‫وكان ال عليما حكيما) (‪ 4‬النساء ‪ )17‬حيث اعتبروا أن(على) بمعنى الوجوب ولول ذلك لكانت‬
‫الية مساوية لقوله تعالى (فأولئك يتوب ال عليهم) (‪ 4‬النساء ‪.)17‬‬

‫يرد السالمي بما يلي‪ ":‬وأجيب عن ذلك بأنه تعالى وعد بقبول التوبة من المؤمنين فإذا وعد ال‬
‫بشيء وكان الخلف في وعده محال كان ذلك شبيها بالواجب فبهذا التأويل صح إطلق كلمة(على)‬
‫وبهذا الطريق ظهر الفرق بين قوله( إنما التوبة على ال) وبين قوله( فأولئك يتوب ال عليهم)‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬فلم أخبر عن قبول التوبة‪ ،‬وكل ما أخبر ال عن وقوعه كان واجب الوقوع فيلزمكم أل‬
‫يكون فاعل مختارا‪.‬‬

‫أجيب بأن الخبار عن الوقوع تبع للوقوع‪ ،‬والوقوع تبع لليقاع ‪ ،‬والتبع ل يغير الصل‪ ،‬فكان فاعل‬
‫مختارا في ذلك اليقاع فسقط احتجاجهم بالية" (‪. )37‬‬

‫ثم يرد على قولهم بوجوب قبولها عقل اعتمادا على تحليل الفخر الرازي الذي يدلي بأربعة حجج‬
‫نكتفي بذكر واحدة منها‪ ":‬إن التوبة فعل يحصل باختيار العبد على قولهم‪ ،‬فلو صار ذلك علة‬
‫للوجوب على ال لصار فعل العبد مؤثرا في ذات ال وفي صفاته‪ ،‬وذلك ل يقوله عاقل" (‪. )38‬‬

‫ومن خلل هذه الردود نتبين اتحاد الموقف بين الباضية والشاعرة فالكل يرى أن قبول التوبة‬
‫أفضل من ال تعالى‪ .‬وهذا السالمي يقول‪ ":‬منتهى التوبة وثمرتها حط الوزار بمعنى إزالة الثام‬
‫عن المذنب وتلك الثمرة إنما هي بمحض تفضل منه تعالى ل بوجوب عليه" (‪. )39‬‬

‫فقبول التوبة حينئذ تفضل من ال تعالى وفضل ورحمة فمتى تقبل التوبة ومتى ل تقبل؟‬

‫متى تقبل توبة التائبين؟‬

‫يقول ال تعالى‪ ( :‬إنما التوبة على ال للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك‬
‫يتوب ال عليهم وكان ال عليما حكيما) (‪ 4‬النساء ‪.)17‬‬

‫بين محمد اطفيش أن الجهالة تتمثل في السفه وتشمل من علم ومن لم يعلم‪ ،‬ويستدل بقول قتادة‪:‬إن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أصحاب الرسول صلى ال عليه وسلم أجمعوا على أن كل ما عصي ال به فهو جهالة ولو مع علم‬
‫وان كل من عصى ال فهو جاهل ولو كلن عالما (‪. )40‬‬
‫كما بين أن التوبة من قريب يفسرها حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬عن ال يقبل توبة‬
‫العبد ما لم يغرغر" (‪. )41‬‬

‫إن هذا المعنى ل ينفي المبادرة إلى التوبة حال الوقوع في المعصية إل أنه يجعل فسحة للتائب‬
‫ويؤازره هذا رد ال تعالى على إبليس حينما طلب المهال وأثبت أنه لن يخرج من قبل آدم ما دام‬
‫فيه الروح بما يلي‪ " :‬وعزتي ل احجب عنه التوبة ما دام فيه الروح" ‪ )42( .‬هذا في ما يتعلق‬
‫بالجهالة وسعة الزمن‪ ،‬بقي أن نذكر ببعض الشروط‪.‬‬

‫شروط التوبة‪:‬‬

‫سبق أن ذكرنا عند التعريف شروط التوبة فيستحسن أن نقف عندها بشيء من التحليل‪:‬‬

‫‪ )1‬الندم‪" :‬هو غم يصيب النسان ويتمنى أن ما وقع منه لم يقع وذلك حياء من ال تعالى وأسفا‬
‫على عدم رعاية حقه" (‪. )43‬‬

‫ومن أسباب الندم خوف عدم القبول‪ ،‬ومن علمات مخالفة الهوى‪ ،‬وكثرة البكاء‪ ،‬وقلة الكلم‬
‫والطعام والمقام (‪. )44‬‬

‫‪ )2‬الستغفار‪:‬هو طلب الغفران للذنب سواء كان ذلك الطلب بالقول والقلب أو بالقلب فقط لقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا لذنوبهم) (‪ 3‬آل عمران‬
‫‪ .)135‬ويرجع ذلك إلى أصل الذنب فالمعصية القلبية يناسبها الستغفار القلبي والجهرية يناسبها‬
‫الستغفار القولي (‪. )45‬‬

‫‪ )3‬العزم على أل يعود في المستقبل إليه أو إلى مثله‪ :‬والفرق واضح بين العاجز والقادر‪ ،‬أما القادر‬
‫على العودة فل تعتبر توبته نصوحا حتى يمكن من الذنب عشر مرات مع توفر السباب الداعية له‬
‫وامتناعه منه‪)46( .‬‬

‫وأما العاجز فالشرط في حقه عزمه على الترك لو عادات إليه قدرته على الذنب (‪. )47‬‬

‫‪ )1‬الرجوع بانكسار‪ :‬ول تتم التوبة إل بالقلع بصفة نهائية عن الذنب بتذلل وانكسار نفس لن ما‬
‫فات من العمر ل يمكن أن يرجع‪.‬‬

‫وإثبات هذتا الشرط يخرج المقلع اضطرارا خشية تعزيز من المام أو نتيجة فقدان جارحة وفي‬
‫نفسه لو يستطيع لفعل (‪. )48‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بقي أن نشير إلى أمرين‪:‬‬

‫‪ )1‬فمن كانت معصيته في حق ال تعالى فهذه الشروط كافية لكن يتحدد الفرق بين المستحل‬
‫للمعاصي وبين المحرم لها‪.‬‬

‫أما المحرم (‪ )49‬لها‪ :‬أي الذي يعتقد أنه ينتهك حرمات ال فعليه مع التوبة استدراك ما فاته‬
‫بالقضاء مع أداء الكفارة‪.‬‬

‫وتجدر الشارة إلى الحج والزكاة بالنسبة إلى من كان موسرا حالة العصيان‪ ،‬وصار معسرا عند‬
‫التوبة ‪ ،‬والرأي الراجح أنه معفو عنه‪ ،‬ومنهم من يأمره بالوصية وإلى جانب هذا أداء الكفارة‬
‫وللباضية تحليل موسع للكفارات (‪. )50‬‬

‫وأما المستحل (‪ ّ )51‬فيعامل معاملة من أسلم بعد كفر‪ ،‬والسلم يجب ما قبله‪ ،‬والدينونية عليه‬
‫سوى الرجوع إلى الحق والدينونة ببطلن ما كان عليه (‪. )52‬‬

‫‪ )2‬ومن كانت معصيته تعلق بها حق من حقوق العباد فتوبته تكون حسب الستحلل والتحريم‪.‬‬

‫أما المستحلّ‪ :‬فتجزيه التوبة من ذلك الشيء دون غرمه سواء كان قائما في يده أو كان قد أتلفه‬
‫وهذا القول ظاهر في المشركين لقوله تعالى‪ ( :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) (‪8‬‬
‫النفال ‪ )38‬كما أن السيرة أيدت ذلك لن الرسول عليه السلم لم يسترجع الدور التي انتزعها‬
‫المشركون من المسلمين حتى بعد إسلمهم عند فتح مكة‪ .‬وقد قال عمر‪ :‬ولسنا بنازعين شيئا من يد‬
‫أحد إذ أسلم عليه‪ ،‬وعلى هذا اجتمعت المة المحمدية (‪. )53‬‬

‫بقي الخلف في المرتد (‪ )54‬والذمي (‪ )55‬وما اغتصبه المشركون من المسلمين (‪ )56‬والموحد‬


‫والمستحلّ بتأويل الخطأ (‪. )57‬‬

‫وأما المحرّم فعليه التنصل من حقوق العباد فيؤديها لصحابها إن كان قادرا‪ ،‬وإن كان غير قادر‪ ،‬أو‬
‫تعذر عليه وجود أصحابها أو تعذر عليه ما يتخلص به فإنه يجب عليه حينئذ أن يعتقد الخلص عند‬
‫القدرة عليه‪ ،‬فإن حضره الموت ولم يجد سبيل إلى الخلص وجبت عليه الوصية ول شيء عليه‬
‫فوق ذلك‪ .‬أما إذا عفا صاحب الحق فل غرم‪)58( .‬‬

‫أما إذا غفل عن ذلك في توبته فلبد من المقاصة وذلك بأن يؤخذ من حسنات الظالم ويعطي‬
‫للمظلوم‪ ،‬فإذا نفذت حسنات الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم‪)59( .‬‬

‫واضح من خلل ما ذكرنا أن الباضية وسائر علماء السلم (‪ )60‬قالوا وأطالوا في موضوع التوبة‬
‫والتائبين ‪ ،‬لذلك نكتفي بهذا القدر مع اللحاح على أن المصادر الباضية تركز خاصة على أن وعد‬
‫ال تعالى خاص للتائب الذي ختم عمره بالتوبة وهذا ما سيتجلى بوضوح في المباحث اللحقة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبعد أن علمنا إجمال متى تقبل التوبة فمتى ل تقبل هذه التوبة؟‬
‫=================================‬

‫(‪ )37‬عبدال السالمي‪ :‬المعارج ‪174 -1/172‬‬


‫(‪ )38‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق ‪. 421 -420‬ر‪ .‬الفخر الرازي التفسير الكبير ‪. 3 -10/2‬ر‪ .‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪:‬‬
‫‪.198 -197‬وقد أورد مختلف الفويرقات بين علماء الشاعرة ومحورها أن التوبة إما أن تقبل قطعا بدليل قطعي أو ظنا بدليل‬
‫ظني‪.‬‬
‫ر‪ .‬القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪ .91 -5/90‬ويختم بقوله‪ :‬والعقيدة أنه ل يجب على ال شيء عقل‪ ،‬فأما السمع فظاهره قبول توبة‬
‫التائب وذلك من فضل ال ورحمته"‪.‬‬
‫(‪ )39‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.420 :‬‬
‫ولم يتوسع يوسف المصعبي في القضية وإنما اكتفى بذكر عبارة البيضاوي أن قبول التوبة كالمحتوم على ال بمقتضى وعده من‬
‫تاب عليه إذا قبل توبته ‪ (.‬البيضاوي ‪ :‬أنوار التنزيل ‪ )1/83‬وذلك لتوضيح عبارة الجللين " التي كتب على نفسه قبولها‬
‫بفضله"‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 158‬قفا‪ .‬ولذلك سنعتمد تفسير امحمد اطفيش رغم تأخره عن المرحلة المقررة‬
‫لستكمال القضية‪.‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/285 ، 2‬‬
‫(‪ )41‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة ‪ .‬وعن الحديث ر‪ .‬الترمذي ‪ :‬دعوات ‪ 98‬ابن ماجة ‪ :‬زهد ‪ ، 30‬أحمد بن حنبل ‪.153 -2/132‬‬
‫‪ .425 .3‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪4/480‬‬
‫(‪ )42‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪ .282‬والحديث القدسي لم نجد ذكره عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )43‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ ،417 :‬واكتفى عمرو التلتي بذكر السف شرح النونية ورقة ‪ 142‬وجه‪ ،‬وكذلك عبد العزيز‬
‫الثميني‪ :‬النور‪ 356 :‬بينما يزيد السالمي فكرة الندم لوجه ال تعالى لن الندم قد يكون لجل مصيبة حصلت له ‪.‬ر‪ .‬المشارق‪:‬‬
‫‪417‬‬
‫(‪ )44‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 142‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ :‬ص ‪357‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 144‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ . 362 :‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪:‬‬
‫‪ 418‬وعن المعاصي القلبية مثل الحسد ‪ .‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 202‬وجه قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬‬
‫‪ .477 -476‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪431 -424 :‬‬
‫(‪)45‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 360 :‬وعن موقف الشاعرة ر‪ .‬البيجوري‬
‫‪:‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .196:‬وأورد قولين أحدهما يقر ضرورة العزم ‪ ،‬والخر يقر بعدم اشتراطه بل التفويض كاف‪.‬‬
‫(‪ )47‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪418 :‬‬
‫(‪ )48‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪418 :‬‬
‫(‪ )49‬المحرم‪ :‬المنتهك هو ما يأتي الشياء المحرمة في دينه على غير اعتقاد لها باستحلل ‪ .‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪:‬‬
‫‪443‬‬
‫(‪ )50‬ر‪ .‬فتاوي أبي النجاة يونس التعاريتي جمعها تلميذه سلمة الجناونيز البارونية بدون رقم ‪ .‬مجموع فتاوي عبدال‬
‫السدويكشي ط‪ .‬بالبارونية ‪1315‬هـ مجموعة فتاوي المحشي ط‪ .‬بالبارونية ‪1315‬هـ وقد جمع القول في قضية الكفارات إبراهيم‬
‫بيوض (ت ‪ )1401/1981‬نشأ بمدينة القرارة وفيها حفظ القرآن الكريم‪ .‬عصامي في تكونه لنه تحمل المسؤولية من صغره ‪ .‬لم‬
‫يدرس في غير وادي ميزاب ‪ ،‬اهتم بالتدريس وبالصلح الجتماعي ومنطلقة في ذلك القرآن الكريم‪ ،‬وقد فسره في حلقات‬
‫متلحقة طيلة نصف قرن‪ ،‬ويسعى تلميذه الن إلى تخريجه من المسجلت بعنوان " في رحاب القرآن" ‪ .‬ويعتبر رائد النهضة‬
‫الميزابية واستمر إلى وفاته شيخا للمجلس العلى لنظام العزابة بوادي ميزاب‪.‬‬
‫وإلى جانب هذا كان له نشاط علمي على مستوى القطر الجزائري إذ كان من العضاء الموسسين لجمعية العلماء ‪ ،‬كما كانت له‬
‫مواقف سياسية جرئية زمن الستعمار إذ رفض فكرة فصل الجنوب عن الشمال ‪.‬ر‪ .‬محمد علي دبوز‪ :‬نهضة الجزائر الحديثة ‪:‬‬
‫‪81-6 /3‬‬
‫وعن الكفارات ‪ :‬ر‪ .‬مخطوطة الفتوى بمكتبتي الخاصة بخط كاتبه الخاص وبإمضائه‪.‬‬
‫(‪ )51‬المستحل‪ :‬هو الذي يأتي الشياء المحرمة في دين ال اعتقادا منه أنها حلل معتمدا على التأويل ‪.‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪:‬‬
‫المشارق‪443:‬‬
‫(‪ )52‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪:‬ص ‪ .360‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪438‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا ‪ .‬لم يتوسع في القضية التوسع المطلوب وكذلك تبعه عبد العزيز الثميني‪:‬‬
‫النور‪:‬ص ‪ .360‬لكن قد توسع في القضية عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 450 -447 :‬ولذلك اعتمدنا تحاليله لستكمال الفائدة رغم‬
‫أنه خارج عن مرحلتنا‪ ،‬وقد اتضح استيعاب للموضوع حيث ذكر أقول أبرز علماء الباضية في المشرق والمغرب‪.‬‬
‫(‪ )54‬المرتد ‪ :‬إذا أخذ شيئا من أموال المسلمين عند ارتداده هل يرد عند التوبة؟ أما الحنيفة فيوجبون عليه لكن الباضية يعفونه‬
‫منه اعتبارا أنه مثل المشركين‪.‬‬
‫(‪ )55‬الذمي‪ :‬إذا اغتصب من أموال المسلمين وهو تحت الذمة يرجعه عند إسلمه‪ ،‬يذهب الزمخشري ويؤيده امحمد اطفيش إلى‬
‫وجوب الرد لكن جمهور الباضية ل يفرقون بينه وبين المشرك فل رد عليه‪.‬‬
‫(‪ )56‬ما اغتصبه المشركون من المسلمين هل يكون لهم قبل أن يسلموا وليس لصاحبه أن يأخذه منهم وتجوز معاملتهم فيه أم ل‬
‫‪ :‬قولن‪:‬‬
‫أ‪ -‬ذهب إلى جواز معاملتهم فيه دون أخذه كل من الربيع بن حبيب وأبي يعقوب الوارجلني والمحققين من أهل المغرب وصححه‬
‫القطب (امحمد اطفيش)‬
‫ب‪ -‬وذهب إلى الخذ وعدم المعاملة كل من ابن بركة وصاحبه السؤالت (أبي عمرو السوفي) والمام أفلح والمحقق الخليلي‬
‫ولكل من الطرفين دليله الشرعي‪.‬‬
‫(‪ )57‬الموحد المستحيل بتأويل الخطأ أقوال‪:‬‬
‫أ) مثل المشركين ل إرجاع‪.‬‬
‫ب) عليه أن يرجع‪.‬‬
‫ج) إن تاب ومعه عين ما أخذ يرجعه‪ ،‬وإن تاب وليس معه ما أخذ فل غرم‪ ،‬والدليل سرية أسامة بن يزيد وموقفه مع الرجل الذي‬
‫صرح بكلمة اليمان عندما حوصر فقتله أسامة على أساس أنه تعوذ بها‪ ،‬فنهره الرسول عليه السلم ونزل قوله تعالى ‪ ]:‬ول‬
‫تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا[(‪ 4‬النساء ‪ )94‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪ ،‬تعليق أبي اساق اطفيش عدد ‪ 1‬ص‬
‫‪ 267‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 143‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬المحشي ‪ :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪ :‬ورقة ‪ 265‬وجه إلى ‪ 270‬قفا ر‪ .‬عبد ال السلمي‪ :‬المشارق‪. 445 :‬ر‪.‬‬
‫خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ 232 -2/231 :‬وقد حلل القضية تحليل موسعا‪.‬‬
‫وهذا الموقف هو ما قال به الشاعرة مع شيء من الفارق بين الشافعة والمالكية وفي ذلك يقول البيجوري ‪ ":‬فان تعلقت‬
‫المعصية به( حق آدمي) فلها شرط رابع وهو رد الظلمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه تفصيل عندنا معاشر الشافعية وأما‬
‫عند المالكية فيكفي تحصيل البراءة إجمال ‪ ،‬وفيه فسحة ‪ ،‬فإن لم يقدر على ذلك بأن كان مستغرق الذمم فالمطلوب منه الخلص‬
‫وكثرة التضرع إلى ال تعالى لعله يرضي عنه خصماءه يوم القيامة " شرح جوهرة التوحيد ‪197 -196‬‬
‫(‪ )59‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/232 :‬‬
‫(‪ )60‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪. 104 -3/102 ،2‬ر‪ .‬ابن تيمية ‪ :‬الفتاوي الكبرى ‪ .501 -7/487‬ويذكر عدة‬
‫أسباب لدفع الذنوب مثل المصائب ويرد قول من يقول بأن الذنوب ل تدفع إل بالتوبة ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫متى ل تقبل التوبة؟‬

‫لقد بينا أن قبول التوبة فضل من ال تعالى لذلك ينبغي لمن ابتلى بشيء من المعاصي أل يتوانى في‬
‫التوبة‪ ،‬ويتوب في حال المكان قبل أن يغلق عليه باب التوبة (‪ )61‬فمتى يغلق باب التوبة؟‬

‫الصرار على الذنب‪:‬‬

‫تميز المصادر الباضية بين التمادي والصرار وفي ذلك يقول عمرو التلتي‪ ":‬إن الفرق بين‬
‫المصر والمتمادي أن المصر هو الناوي لعدم التوبة من عصيانه وللقاء ربه به كالمشرك‪.‬‬
‫والمتمادي هو الناوي للتوبة من عصيانه في وقت ما‪ ،‬وللقائه تعالى بها فهذا ترجى له النجاة من‬
‫النار دون الول" (‪. )62‬‬

‫ولسنا في حاجة إلى إطالة الحديث عن المتمادي فهو غافل يرجى أن ينتبه من غفلته ليرتقي في‬
‫مدارج التوبة‪ ،‬وإنما القضية مع المصر فقد جاءت في شأنه عدة آراء‪.‬‬

‫الصرار‪:‬‬

‫لغة‪ :‬أصررت على الشيء إذا أقمت ودمت عليه ومنه قوله تعالى‪ ( :‬ولم يصروا على ما فعلوا وهم‬
‫يعلمون) (‪ 3‬آل عمران ‪ )63( )135‬وقال أبو الهيثم‪ :‬أصرّي أي اعزمي كأنه يخاطب نفسه من‬
‫قولك‪ /‬أصرّ على فعله يصرّ إصرارا إذا عزم على أن يمضي فيه ول يرجع‪ ...‬وأصرّ على الذنب لم‬
‫يقلع عنه‪ .‬وفي الحديث‪ " :‬ما أصر من استغفر" (‪ )64‬أصر على الشيء يصر عليه إصرارا إذا‬
‫لزمه وداومه وثبت عليه‪ ،‬وأكثر ما يستعمل في الشر والذنوب يعني من أتبع الذنب الستغفار فليس‬
‫بمصر عليه وإن تكرر منه‪ .‬وفي الحديث ‪ " :‬ويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوه وهم‬
‫يعلمون" (‪. )65‬‬

‫أما المعنى الشرعي‪:‬فقد جاء ضمن الشروح اللغوية وفي استدلل ابن منظور بالقرآن والحديث‬
‫أحسن برهان على ذلك وقد غلب المعنى الصطلحي الشرعي على المفهوم اللغوي إلى أن صارت‬
‫كلمة الصرار أكثر ارتباطا بالذنب والعصيان‪.‬‬

‫وتلح المصادر الباضية مع تغريف الصرار على أل سبيل للمصر إلى النجاة يوم القيامة لنه معاند‬
‫محاد ل ولرسوله وقد شمل الوعيد الذين يحادون ال ورسوله‪.‬‬

‫وهذا أبو نصر يصوغ هذا المعنى في ما يلي‪( :‬طويل)‬

‫وقد اعتبر أبو عمرو السوفي الصرار من الكبائر متشهدا بقوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‬
‫‪. )67‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وسئل عثمان بن خلفة السوفي‪ ":‬هل يكون الصرار بالحديث أو بالشتغال بغير التوبة قال‪ :‬ل‪ ،‬حتى‬
‫يقول ل أتوب‪ ،‬قال‪ :‬والصرار القامة على الذنب والعتقاد للعودة إليه"‪)68( .‬‬

‫ويلح الصدغياني على هلك المصرين بمناقشة الشاعرة في رجاء المغفرة لهل الكبائر المصرين‬
‫عليها فيقول بعد سرد عدة أدلة‪ ":‬ومثل هذا كثير في الوعيد لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم‬
‫مصرين" (‪ )69‬كما يقول في نفس الرسالة‪ ":‬وقلتم أنتم (الشاعرة) مؤمن ولي ال ل يعذب مع‬
‫الصرار على الذنب دون التوبة والستغفار‪ ...‬والكبائر ينوب بعضها عن بعض فمن أصر على‬
‫كبيرة فقد خرج من اليمان ودخل الكفر" (‪. )70‬‬

‫ويقول أبو مهدي أيضا بعد عرض الدلة حول إنفاذ الوعيد للمصرين‪ " :‬ومثل هذا كثير من الوعيد‬
‫لهل الكبائر الذين ماتوا على كبائرهم مصرين"‪)71( .‬‬
‫وتعرض أحمد الشماخي للقضية في رده على صولة الغدامسي (‪ )72‬وفي شرح العقيدة ونكتفي‬
‫بذكر النص الثاني‪ ":‬كل مصر كافر‪ ،‬وإن المقام على الكبائر والصرار على الصغائر تصير العمال‬
‫هباء فتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط"‪)73( .‬‬

‫ويورد عمرو التلتي موقف الباضية كما يلي‪ ":‬وقال أصحابنا رحمهم ال تعالى‪ ":‬من عمل‬
‫صغيرة أو كبيرة وأصل عليها واستكبر وتهاون بها ولم يتب منها حتى مات عليها أدخله ال عز‬
‫وجل النار‪.‬‬

‫وان من أصر ولو على أخذ حبة بغير حق وجبت له النار ولو أمضى عمره في طاعة ال عز وجل‬
‫وأنفق ماله في سبيل ال ول يقبل منه شيء من ذلك ولو مثقال ذرة حتى يتوب‪ ،‬فإن تاب رجونا له‬
‫أن يجدد ال له ثواب عمله السابق منه حال إصراره كما يدل لذلك نحو قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ":‬من كذب وأصر فهو في النار مخلد" وقوله عز وجل في الحديث القدسي‪ ":‬ل أقبل عثرة‬
‫المصرين في الدنيا والخرة" (‪. )74‬‬

‫وإن الصرار على المعاصي ل شيء أعظم منه عند ال تعالى لما فيه من عدم مبالة صاحبه من‬
‫سخط ال واستخفافه به واستقلله به وبارتكاب المعاصي (‪. )75‬‬

‫وتطيل كتب إباضية المشرق التحليل في هذا الشأن ونكتفي بذكر شيء مما أورده خميس الرستاقي‬
‫حيث يقول‪ ":‬ومن الكبائر التي صحت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم الصرار على جميع‬
‫المعاصي وكذلك في كتاب ال تعالى وإجماع أهل العدل وكمن الكتاب قوله تعالى‪ (:‬ومن لم يتب‬
‫فأولئك هم الظالمون) (‪ 49‬الحجرات ‪ )11‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬هلك المصرون"‪...‬‬
‫والجماع من أهل العدل في ما دانوا به انه ل يكون الغفران من ال تعالى على الصرار على الذنوب‬
‫قلت أو كثرت صغرت أو كبرت" (‪. )76‬‬

‫هذا شيء من النصوص قديمها وحديثها يثبت إنفاذ الوعيد في المصرين وهم في الحقيقة ليسوا من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الذين ل تقبل توبتهم رغم توجههم للتوبة وإنما هم قوم أعرضوا عن التوبة إعراضا تاما عن وعي‬
‫وإدراك‪ ،‬فهؤلء ل يمكن بحال أن تهدي لهم التوبة رغم إعراضهم عنها‪ ،‬وقد اتضح أن الباضية‬
‫يستدلون لذلك بالنصوص قرآنية منها قوله تعالى أثناء عرض بعض صفات المتقين الذين يكرمهم‬
‫ال بجنة النعيم‪ ( :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا ال فاستغفروا ومن يغفر الذنوب‬
‫إل ال ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (‪ 3‬آل عمران ‪.)135‬‬

‫ويقول محمد اطفيش (‪ )77‬عند شرح هذه الية‪ ":‬يعلمون أني أعاقب على الصرار والصرار على‬
‫الذنب كبيرة في حق من علمه ذنبا ومن لم يعلمه لكنه في حق من علم أقبح وأكبر فقد يعذر الجاهل‬
‫في أمر ول يعذر العالم" (‪. )78‬‬

‫ثم يقول بعد قليل‪ ":‬وذكر الجر للعالمين ولم يبق للمصرين إل العقاب لحديث‪ ":‬هلك المصرون"‬
‫وغيره من الحاديث واليات الدالة على عقابه الملحقة الفاسق بالمشرك" (‪. )79‬‬

‫وقد جاءت آيات أخر في ذم المصرين إل أنها جاءت متعلقة بالكفار وببعض صفاتهم وهي قوله‬
‫تعالى في قوم نوح‪ ( :‬واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا) (‪ 45‬الجاثية ‪ )8‬وقوله تعالى‬
‫في ذم أصحاب الشمال‪( :‬وكانوا يصرون على الحنث العظيم) (‪ 56‬الواقعة ‪.)46‬‬

‫ومن الحاديث المعتمدة في هذا الشأن قوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‪ )80‬وقوله‪ " :‬ل‬
‫صغير مع إصرار ول كبير يكبر مع توبة واستغفار" (‪ )81‬وقوله‪ " :‬ل توبة مع إصرار" (‪)82‬‬
‫وقولـه‪ ... :‬والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه" (‪ )83‬وقوله‪ " :‬من كذب‬
‫وأصر فهو في النار مخلد" (‪. )84‬‬

‫من خلل ما ذكر يتضح أن الصرار من الكبائر ولعله من أكبرها الن المصر على المعصية ل سبيل‬
‫له إلى النجاة ولذلك ألحت المصادر الباضية على أن المصر حتى على الصغيرة يعتبر كافرا كفر‬
‫نعمة حكمة أن ينفذ فيه الوعيد فيخلد في النار كما على جماعة المسلمين أن يبرءوا منه إن ثبت‬
‫لديهم إصراره وعناده‪ ،‬وقد استدلوا على ذلك بالقرآن وبأحاديث منها ما ذكره غيرهم ومنها ما لم‬
‫يذكره غيرهم (‪. )85‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )61‬ر‪.‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/239 :‬‬
‫(‪ )62‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 116‬وجه ‪ .‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 297 :‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‬
‫والبرهان ط ‪2/109‬‬
‫(‪ )63‬انظر ‪579 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬أبو داود‪ :‬وتر ‪ .26‬الترمذي‪ :‬دعوات ‪. 106‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 3/293‬ر‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.219 .2/165 :‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪. 3/298‬ر‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬
‫(‪ )66‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية ‪ 6 :‬بيت ‪86‬‬
‫(‪ )67‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪52 :‬‬
‫(‪ )68‬نفس المصدر ‪. 216 :‬ر امحمد اطفيش‪ :‬شرح النيل ( موسوعة فقهية) ط ‪ 2‬دار الفتح بيروت ‪404 /17 ، 1972 -1392‬‬
‫(‪ )69‬أبو عبدال الصدغياني‪ :‬رسالة لهل وارجلن ‪4 -3 :‬‬
‫(‪ )70‬المصدر السابق‪2 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )71‬أبو مهدي ‪ :‬الرد على البهلولي ‪140 :‬‬


‫(‪ )72‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪40 -39:‬‬
‫(‪ )73‬أحمد الشماخي‪ :‬شرح العقيدة‪51 :‬‬
‫(‪ )74‬وجاء عند ونسنك ما يشبهه " ويل للمصرين الذي يصرون على ما فعلوا" أحمد ‪ ...2/165‬ونسنك‪ 3/298 :‬انظر ما يلي‪:‬‬
‫‪580‬و ‪588‬‬
‫(‪ )75‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 15‬قفا‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪297 :‬‬
‫(‪ )76‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ 219 /2 :‬ر‪ .‬كذلك ‪ 253 -252 /2‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪378 -376 :‬‬
‫(‪ )77‬لقد اكتفى يوسف المصعبي بذكر قول الزمخشري وهو ‪ ":‬وفي هذه اليات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلث طبقات‬
‫متقون وتائبون ومصرون‪ ،‬وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم‪ ،‬دون المصرين‪ ،‬ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه‪".‬‬
‫الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ ،1/465‬وهذا القول معبر عن رأي الباضية ‪.‬ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 139‬وجه‬
‫(‪ )78‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد إلى دار المعاد ط ‪4/283، 2‬‬
‫(‪ )79‬نفس المصدر السابق ‪285‬‬
‫(‪ )80‬انظر ما سبق‪530 :‬‬
‫(‪ )81‬وجاء برواية أخرى ‪ ":‬ل كبيرة مع الستغفار ‪ ،‬ول صغيرة مع الصرار " أخرجه اسحاق عن عائشة ورواه الطبراني عن‬
‫أبي هريرة ‪ .‬ورواه الثعلبي أيضا عنه‪ .‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ .2/212 :‬التعليق السابق ص ‪ ، 210‬تعليق ‪1‬‬
‫للمحقق‪.‬‬
‫(‪ )82‬رواه القرطبي ولم أجد له سندا ‪.‬ر‪ .‬نفس المصدر السابق ص ‪ ، 210‬تعليق ‪ 1‬للمحقق‪.‬‬
‫(‪ )83‬امحمد اطفيش‪:‬جامع الشمل‪239 :‬‬
‫والملحظ أن هذه الحاديث المذكورة لم ترد عند ونسنك في المعجم المفهرس ‪ .‬انظر ما سبق ‪577‬‬
‫(‪ )84‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪55 :2‬‬
‫(‪ )85‬والملحظ أن كل من القرطبي ومحمد عبده جواد مغنية يقتربون كثيرا من موقف الباضية في هذه القضية ‪.‬ر‪ .‬القرطبي‪:‬‬
‫أحكام القرآن ‪ 4/215‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪ ،4/136 :‬محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف‪ .‬دار العلم للمليين بيروت ط ‪2‬‬
‫‪159 -158/ :1981‬‬

‫الحباط‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لغة‪ ":‬حبط حبطا وحبوطا‪ :‬عمل عمل ثم أفسده وال أحبطه‪ .‬وفي التنزيل‪ ( :‬فأحبط أعمالهم) (‪47‬‬
‫محمد ‪9‬و ‪ .)18‬الزهري‪ :‬إذا عمل الرجل عمل ثم أفسده قيل حبط عمله وأحبط صاحبه‪ ،‬وأحبط ال‬
‫أعمال من يشرك به‪ .‬وفي الحديث ‪ ":‬أحبط ال عمله" أي أبطله (‪. )86‬‬

‫قال الزهري‪ :‬ول أرى حبط العمل وبطلنه مأخوذا إل من حبط البطن لن صاحب البطن يهلك وكذلك‬
‫عمل المنافق يحبط غير أنهم سكنوا الباء من قولهم حبط عمله يحبط حبطا‪ ،‬وحركوها من حبط بطنه‬
‫يحبط حبطا ‪ ،‬كذلك ثبت لنا عن ابن السكيت وغيره‪ .‬ويقال حبط دم القتيل يحبط حبطا إذ هدر‪.‬‬
‫وحبطت البئر حبطا إذا ذهب ماؤها‪ .‬وقال أبو عمرو الحباط أن تذهب ماء الركية فل يعود كما كان"‬
‫(‪. )87‬‬

‫ولقد أثار المعتزلة قضية الحباط من وقت مبكر وهذا تعريفهم له‪ ":‬وجملة القول في ذلك هو أنا قد‬
‫ذكرنا أن المكلف إما أن تخلص طاعاته أو معاصيه أو يجمع بينهما ويخلطه‪ ،‬فإذا أجمع بينهما فل‬
‫سبيل إلى التساوي على ما تقدم‪ ،‬فليس إل أن يكون أحدهما أكثر من الخر‪ ،‬والخر أقل منه‪ ،‬فيسقط‬
‫القل بالكثر وهذا هو الذي نعنيه بالحباط والتكفير" (‪. )88‬‬

‫ويختلف أبو علي وأبو هاشم في الموازنة بين الطاعات والمعاصي فيرى أبو علي أن المعصية‬
‫تحبط الطاعة تماما‪ ،‬بينما يرى أبو هاشم أن فعل الطاعات يخفف على المعاصي من العذاب ‪،‬‬
‫وينتصر الجبائي لبي هاشم ومن ردوده‪ ،‬على أبي علي قوله‪ ":‬أما ما ذكره (أبو علي) أول‪ ،‬وهو‬
‫أن الفاسق لقدامه على المعاصي وارتكاب الكبائر أخرج نفسه من أن يستحق الثواب فل يصح ‪ ،‬لن‬
‫الفاسق أتى بالطاعة على الوجه الذي كلف وامر به‪ ،‬وعلى حد(كذا) لو تفرد عن الكبيرة لكان‬
‫يستحق عليها الثواب وارتكابه الكبيرة بعد ذلك ل يخرجه من أن يكون مستحقا للثواب ففسد ما‬
‫ظنه" (‪. )89‬‬

‫أما المرجئة فتركوا الباب مفتوحا ورجوا لمن يخلط بين الطاعات والمعاصي الغفران وخلود الجنان‪.‬‬
‫ويقول أبو يعقوب الوارجلني " وهنا (بالنسبة الى المصر على ارتكاب الكبائر) اختلفنا مع‬
‫المرجئة‪ ،‬فرجوا لـه الجنة مع مناصبته ال تعالى بالفجور" (‪. )90‬‬
‫والملحظ أن المصادر الباضية لم تطل الكلم عن قضية الحباط إذ يقع التعرض عليها غالبا عرضا‬
‫عند الحديث عن توبة المرتد ولعل مرجع ذلك إلى ورود المسألة في آية البقرة في شأن المرتد‪ .‬قال‬
‫تعالى‪ ( :‬ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪.)217‬‬

‫والملحظ أن صيغة ح‪.‬ب‪.‬ط وردت في القرآن الكريم ست عشرة مرة جلها متعلقة بالمشركين‬
‫والمنافقين (‪ )91‬نذكر منها قوله تعالى‪ ( :‬ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد ال شاهدين على‬
‫أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) ( ‪ 9‬التوبة ‪)92( .)17‬‬

‫والبقية لها صلة بالكبائر يستشهد منها عادة بقوله تعالى في سوء الدب مع الرسول عليه السلم‪( :‬‬
‫يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ول تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أن تحبط أعمالكم وانتم ل تشعرون) (‪ 49‬الحجرات ‪.)2‬‬

‫والساس حينئذ أل خلف بين المة في إحباط أعمال المشركين والمنافقين وغنما الخلف في ما‬
‫يتعلق بالمرتدين وبصالح أعمال مرتكبي الكبائر فما هو موقف الباضية من ذلك؟‬

‫الحباط والتائبون من الردة‪:‬‬

‫قال عثمان بن خليفة السوفي‪ ":‬وندين باستتابة المرتد وقتله إن أبي‪...‬وفي المرتد سنتان‪ ،‬سنة‬
‫عمر وسنة معاذ" (‪ )93‬وبين أن عمر أمر أن يستتاب ثلثا ثم يقتل إن امتنع بينما أمر معاذ بأن‬
‫يقتل مباشرة (‪. )94‬‬

‫ويورد المحشي مختلف القوال في المرتد مع إبراز موقف الباضية فيقول‪ ":‬وأما المرتد فالحاصل‬
‫أن فيه ثلثة أقوال إذا رجع إلى السلم ‪:‬‬

‫أ‪ -‬منهم من يقول ل يبطل عمله ول ثوابه حتى يموت على ذلك‪ ،‬وهو مذهب الشافعي واستدل بظاهر‬
‫قوله تعالى‪ ( :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر) (‪ 2‬البقرة ‪.)217‬‬

‫ب‪ -‬ومنهم من يقول‪ :‬بطل ثواب عمله ول يطالب بالعادة إل في الحج‪ ،‬وهو مذهب مالك‪.‬‬

‫جـ ومنهم من يقول بطل عمله وثوابه ويطالب بالعادة وهو الراجح عند أصحابنا على ما يفهم من‬
‫كلم السؤالت (‪ )95‬حيث صدر به وال أعلم لقوله تعالى‪ ( :‬لئن أشركت ليحبطن عملك) (‪ 39‬الزمر‬
‫‪.)56‬‬

‫وأما الية التي استدل بها الشافعي فأجيب عنها بأنه سبحانه وتعالى رتب الردة والموت على الكفر‬
‫شيئين الحباط والخلود في النار فالول مرتب على الردة والثاني على الموت عليها‪ ،‬فل دليل في‬
‫الية على ما ذكره الشافعي‪.‬‬

‫فإن تاب أعاد ما مضى على التفصيل السابق في السؤالت فيمن ارتد زلة فكيف بمن ارتد متعمدا‪.‬‬
‫نعم ظاهر الثر المحكمي عن بعض أصحابنا المشارقة في كيفية توبة المرتد يدل على أنه كالشرك‬
‫الصلي فيكون قول رابعا في المرتد‪ .‬ولعل الرخصة التي ذكرها في السؤالت تشير إلى هذا‪ ،‬لكن‬
‫ذكرها فيمن ارتد زلة" (‪. )96‬‬

‫وقد توسع كل من محمد اطفيش وعبدال السالمي (‪ )97‬في القضية وأقاما عدة مقارنات ل تخرج‬
‫عما ذكره المحشي عدا في بعض الجزئيات‪.‬‬

‫تلك هي مواقف عدد من العلماء في شأن الحباط والمرتد ويعجبنا منها تنبيه مغنية على ضرورة‬
‫إعادة ما فاته أثناء الرتداد وبالنسبة إلى البقية ففي خلف العلماء رحمة للمة ولكل دليله‪ ،‬ومن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫رأى الحباط والعادة اختار ما هو اكثر احترازا وهذا شأن الباضية في جل اختياراتهم‪.‬‬

‫صاحبة بدعة يدعو إلى بدعته‪:‬‬

‫إن مصادر المرحلة المقررة لم تقف عند هذه القضية (‪ )98‬في ما وقع بين أيدينا ولعل ذلك يرجع‬
‫إلى أن أبا يعقوب الوارجلني قد حللها تحليل موسعا‪.‬‬

‫ومنطلق ذلك ما جاء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬أبى ال أن يقبل عمل صاحب‬
‫بدعة حتى يدع بدعته" (‪. )99‬‬

‫وقد ميز أبو يعقوب بين المجتهد المتأول الذي ل يقطع عذر الخرين وبين المبتدع الذي يقطع عذر‬
‫الخرين ويحول قوله إلى العمل‪ ،‬واستشهد بموقف أئمة الباضية من نافع بن الزرق كيف أنهم‬
‫ألحقوه بالمبتدعين لنه حمل السيف لحمل الناس على رأيه‪.‬‬

‫كما بين الرسول عليه السلم قطع في ثلث فرق القدرية والمرجئة والمارقة‪.‬‬

‫ثم صنف المبتدعين إلى ستة أصناف وقد تفاوت حكمه عليها (‪. )100‬‬

‫وأشار إشارة مهمة تبين يأس هؤلء من رحمة ال فيقول‪ ":‬وسعة رحمة ال كثيرة ول مطمع فيها‬
‫لصنفين‪ :‬مصر على معصية ال عازم أن يلقى ال عز وجل بها يوم القيامة ومبتدع في دين ال عز‬
‫وجل منعكس متنكس عن ال عز وجل" (‪. )101‬‬

‫فمن خلل ما جاء عند الوارجلني نتبين احتراز الباضية في شأن المبتدع فهم ل يخرجونه عن‬
‫الملة إل إذا ثبت لديهم تحريفه للنصوص وحمل الناس على ذلك (‪. )102‬‬

‫كما انهم يشترطون في توبته أن يخبر من كان يدعوهم بضللته فإن تابوا مثله فتلك بغيته وإن‬
‫واصلوا غيهم فهو معذور (‪. )103‬‬

‫والمهم حينئذ أننا رأينا أن الباضية قاسوا من نسبتهم إلى البدعة (‪ )104‬لذلك كان موقفهم من‬
‫المبتدعين من الحتراز بمكان‪.‬‬

‫ذلك هو موقف الباضية من المبتدع الداعي الى بدعته فماذا عن مرتكب الكبيرة؟‬
‫================================‬
‫(‪ )86‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )87‬لسان العرب مادة حبط‬
‫(‪ )88‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪625 :‬‬
‫(‪ )89‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪630 :‬‬
‫ويلخص الرازي موقف المعتزلة كما يلي‪ :‬فقال المثبتون للحباط والتفكير‪ :‬المراد أن عقاب الردة الحادثة يزيل ثواب اليمان‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫السابق إما بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم‪ ،‬وجمهور المتأخرين من المعتزلة ‪ ،‬أول بشرط على ما هو مذهب أبي‬
‫علي‪ :‬الفخر الرازي التفسير الكبير ‪6/38 :‬‬
‫(‪ )90‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪109 :‬‬
‫(‪ )91‬ما يعبر عنه الباضية نفاق العصر أي المخرج من الملة ‪ ،‬أنظر ما سبق ‪514 :‬‬
‫(‪ )92‬ر‪ 6 .‬النعام ‪ ،81‬التوبة ‪ 18 .69‬الكهف ‪ 39 .105‬الزمر ‪ 33 .65‬الحزاب ‪ 47 .19‬محمد ‪ 9‬و ‪28‬و ‪3 .32‬آل عمران ‪.22‬‬
‫‪ 5‬المائدة ‪ ( 53‬عن النفاق)‬
‫(‪ )93‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪258:‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬نفس المصدر والصفحة ‪.‬ر‪ .‬عن موقف معاذ القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪3/47 :‬‬
‫(‪ )95‬واختلفوا في من ارتد زلة عن دينه ثم رجع سريعا إلى دينه‪ ،‬قال يغسل ثيابه وجسده ويعيد ما مضى من صلته وصيامه‬
‫وقال بعض ل يعيد إل الحج ‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪26 :‬‬
‫(‪ )96‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ .1/94 :‬حاشية على كتاب قواعد السلم ‪62:‬‬
‫(‪ )97‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪:‬شرح النيل ط ‪ ،14/786 :2‬هيميان الزاد إلى دار المعاد ط ‪ .187 -186 /4 2‬تيسير التفسير ط‬
‫‪ ،12/329‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.103 -1/102 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬ويتعرض كل من الزمخشري في الكشاف(‪ )1/357‬والرازي في التفسير الكبير (‪ )6/38‬والقرطبي في أحكام القرآن (‬
‫‪ )49 -3/46‬ومحمد عبده في تفسير المنار( ‪ ،)2/318‬ومحمد جواد مغنية في التفسير الكاشف( ‪ )1/326‬في تفسيرهم للية ‪217‬‬
‫من سورة البقرة ‪ ،‬ول يبعد حديثهم عن قول من ذكرنا من علماء الباضية ‪ ،‬مع ملحظة أن محمد عبده ألح على جانب الحباط‪.‬‬
‫(‪ )98‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .68 -8/65‬وقد حلل البدعة من وجه آخر حيث بين مفهومها اللغوي ثم ميز بين البدعة‬
‫السيئة والبدعة الحسنة‪.‬‬
‫(‪ )99‬امحمد اطفيش‪:‬جامع الشمل‪ .237 :‬وقد ذكر أنه رواه ابن ماجة وابن أبي عاصم عن ابن عباس‪.‬ر‪ .‬أبن ماجة ‪ :‬مقدمة ‪7‬‬
‫‪.‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪1/152‬‬
‫(‪ )100‬ر‪ .‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪34/112 ،2‬و ‪116 -115‬‬
‫(‪ )101‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬نفس المصدر ط ‪2/57 :1‬‬
‫(‪ )102‬وقد بين ابن تيمية أن العلماء قد تنازعوا في تكفير أهل البدع والهواء وتخليدهم في النار‪ ،‬وما من الئمة إل من حكي‬
‫عنه قولن كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم‪.‬ر‪ .‬الفتاوي الكبرى‪ 619 -7/618 :‬كما يشير الغزالي إلى ثقل وزر المبتدع لنه يضل‬
‫كثيرا من عباده ر‪ .‬كتاب الربعين ‪.149 :‬‬
‫(‪ )103‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬جوهر النظام‪266 :‬‬
‫(‪ )104‬انظر ما سبق‪ 57 :‬وما يليها ‪.‬‬

‫الحباط ومرتكب الكبيرة‪:‬‬

‫إذا لحظنا الخلف بالنسبة إلى المرتد فمن باب أولى أن يكون الخلف أشد بالنسبة إلى أصحاب‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الكبائر فماذا عن موقف الباضية؟‬


‫يقول ابن جعفر (ق ‪ ":)3/9‬والمسيء من عباد ال من ختم عمره بالصرار ولو على مثقال ذرة‬
‫فالمسيء يوم القيامة ل يقبل ال منه حسنة ول ثواب لـه عليها يوم القيامة‪ ،‬إذ كان في حكم ال أن‬
‫حسنات المصر محبوطة" (‪. )105‬‬

‫كما يقول أيضا‪ ":‬وكذلك السيئات هي لهلها وغنما أهل السيئات فهم كل من مات مصرا‪ ،‬غير تائب‬
‫منيب وقد قال ال تعالى‪ ( :‬ليس بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب) (‪ 4‬النساء ‪ )123‬يعني أمة محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم (ول أماني أهل الكتاب) يعني الذين أتوا الكتاب من قبلهم اليات_و_الحاديث‬
‫(من يعمل سوء يجز به)(‪ 4‬النساء ‪ )123‬يعني من يعمل سوء ممن يموت مصرا عليه يجز به‪ ( .‬ول‬
‫يجد له وليا ول نصيرا) (‪ 4‬النساء ‪.)123‬‬

‫وقال ‪ ( :‬إن ال ل يظلم ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) (‪ 4‬النساء ‪)40‬‬
‫فإنما يضاعف مثقال ذرة من الحسنات لمن لقبه تائبا ل لمن لقبه مصرا على معصيته‪( ،‬وما ربك‬
‫بظلم للعبيد) (‪ 41‬فصلت ‪ )46‬كان في عدله أن المصر حسناته محبوطة وسيئاته غير مغفورة وإذ‬
‫كان في عدله بتعطفه وفضله أن سيئات التائب مغفورة وحسناته مقبولة مشكورة" (‪. )106‬‬

‫ويسلك احمد الشماخي نفس المسلك فيقول‪ ":‬كل مصر كافر‪ ،‬وإن المقام على الكبائر والصرار‬
‫على الصغائر تصير العمال هباء (‪ ، )107‬وتحبط ويغضب ال على أهلها ويسخط‪ .‬ثم يستدل بقوله‬
‫تعالى‪( :‬ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) (‪ 2‬البقرة ‪ .)264‬وقوله (اتبعوا ما أسخط ال وكرهوا‬
‫رضوانه فأحبط أعمالهم)( ‪ 47‬محمد ‪ )28‬وقوله‪ ( :‬يا أيها الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق‬
‫صوت النبي ول تجهروا لـه بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وانتم ل تشعرون) (‪49‬‬
‫الحجرات ‪ )2‬وقول عائشة ‪ " :‬بلغوا زيدا أنه قد أبطل حجه وغزوه وجهاده مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم إن لم يتب" وقوله عليه السلم‪ " :‬الرياء يحبط العمل" (‪ )108‬وعنه‪ " :‬من كذب‬
‫وأصر في النار مخلد" (‪. )109‬‬

‫ويطالب صولة الغدامسي بالنص المثبت للحباط فيجيبه الشماخي كما يلي‪ ":‬أقول‪ :‬المر كما ذكرت‬
‫والنص قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬هلك المصرون" ‪. )110‬‬
‫وفي اليضاح في كتاب البيوع ما يدل على هذا حيث قال في فصل بيوع الذرائع‪ ":‬وحجة من أبطلها‬
‫ما روي عن عائشة رضي ال عنها قالت لسرية زيد بن أرقم‪ )111( :‬أبلغني زيدا انه قد أبطل غزوه‬
‫وجهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبطل حجه وصلته وصيامه إن لم يتب‪ ،‬وذلك أن زيدا‬
‫ابتاع جارية من سريته بثمانمائة درهم إلى خروج العطايا فاشترتها منه السرية نقدا بستمائة درهم‬
‫وال أعلم‪ ...‬فظاهر هذا يقتضي أن إبطال العمل مشروط بعدم التوبة" (‪. )112‬‬

‫ويعيد محمد اطفيش نفس الدلة التي أوردها الشماخي وغيره‪ ،‬مثل قوله عليه السلم‪ " :‬هلك‬
‫المصرون" بعد أن قدم لها بقوله‪ ":‬أدلة الصرار المبطلة للعمل أدلة على أنه ل تعد الحسنات‬
‫والسيئات ويعتبر الكثر‪ ،‬وعلى أن الكبيرة تبطل العمال كقوله عليه السلم‪ " :‬هلك المصرون" (‬
‫‪. )113‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويتخذ السالمي نفس الموقف بقوله‪ ":‬في اليتين‪ ( :‬ل ترفعوا أصواتكم) (‪ 49‬الحجرات ‪ ( )2‬ول‬
‫تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى) (‪ 2‬البقرة ‪ )264‬أيضا دليل على إحباط العمل بالكبيرة من الذنوب‬
‫لن رفع الصوت والجهر به ليس بشرك إجمال وكذا المن والذى وكذلك قوله صلى ال عليه وسلم‬
‫في الحديث التي‪ " :‬الرياء يحبط العمل كما يحبطه الشرك (‪. )115( " )114‬‬

‫أما صاحب المنهج فقد تعرض لقضية الحباط وتوسع فيها ومن ذلك قوله‪ ":‬وقيل إن المقام على‬
‫الكبائر والصرار على الصغائر يصير العمل هباء ويسخط ال على أهلها وبالتوبة من الذنوب‬
‫والقلع عنها يتجاوز ال لهلها وعنها‪.‬‬

‫وهذه المسألة التي بان بها أصحابنا عن مخالفيهم فقال مخالفوهم‪ :‬إن كل من أقر بال وبالنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وصام وصلى وحج وعمل الفرائض وفي خلف ذلك يسرق ويزني ويكذب ويرتكب‬
‫أنواع المعاصي قالوا‪ ( :‬خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب عليهم) (‪ 9‬التوبة ‪)102‬‬
‫(‪ ، )116‬وغلبت حسناته سيئاته ‪ ،‬والسيئة واحدة والحسنة عشر أمثالها‪ ،‬والحسنات يذهبن‬
‫السيئات فبلغ من قولهم إن ال ل يعذب أحدا من أهل المعاصي بسيئات عملها وهو مقيم عليها" (‬
‫‪. )117‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬قال أصحابنا‪ ":‬إن كل من عصى ال بصغير من الذنوب أو كبير وهو عالم به وأصر عليه‬
‫ولو حبة مما ظلم فقد وجبت له نار جهنم خالدا فيها وبطل عنه جميع إحسانه ولم ينتفع بسالف‬
‫إيمانه‪ ،‬ولو أذاب بدنه في عبادة ال وأتبعه‪ ،‬وأنفق ماله في سبيل ال وأذهبه‪ ،‬لم يقبل شيء من‬
‫عمله حتى يقلع عن تلك الذنوب والمعاصي السالفة ويتوب منها‪ ،‬ثم عند التوبة يقبل ال حسناته‬
‫ويشكره ويتجاوز عن سالف سيئاته ويغفرها له‪ ،‬لن ال يحب التوابين ويتقبل من المتقين" (‪)118‬‬
‫‪.‬‬

‫ومن ذلك بالنسبة إلى التائب من الكبائر‪ ":‬وأما من تاب من الكبائر فقول يرد عليه عمله الصالح‬
‫وقول إنه يعوض في مستقبل عمره‪ ،‬ويضاعف له في عمله إذا صدق في توبته وإن عصى ال المدة‬
‫الطويلة ثم تاب محا ال عنه جميع ذنوبه ورضي عمله إذا مات على صدق اليمان" (‪. )119‬‬

‫وهكذا إن بين الشماخي والمحشي(من المرحلة المقررة) موقف الباضية من القول بالحباط فإن‬
‫يوسف المصعبي اكتفى بالتلميح الى ذلك دون أن يحلل (‪. )120‬‬

‫أما من استوت سيئاته فرأي جمهور الباضية انه من أهل العراف إل أن يوسف المصعبي ينقل عن‬
‫عثمان السوفي بعدم إمكانية استواء الحسنات والسيئات لن من سبقت له الحسنى سيئاته مغفورة له‬
‫ومن سبقت له الشقاوة والعياذ بال أعماله محبطة فل يتصور استواء الحسنات والسيئات (‪. )121‬‬

‫وعمدة موقف الباضية صريح الية‪ ( :‬وعلى العراف رجال يعرفون كل بسيماهم) (‪ 7‬العراف‬
‫‪ )46‬وتفسير ابن عباس الذي يقول‪ ":‬العراف حائط بين الجنة والنار ‪ ،‬عليه رجال يعرفون أهل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم‪ ،‬وأهل العراف قوم استوت حسناتهم‬
‫وسيئاتهم" (‪. )122‬‬
‫من خلل ما عرضنا من نصوص مدى تضارب الراء في هذه القضية ونخلص بالنتيجة التالية‪،‬‬
‫وهي أن موقف الباضية جاء صلبا في شأن المصرين فمن مات على إصراره يخلد في النار وهم ل‬
‫يطالبون التائب بإعادة ما أتى من الواجبات عند عصيانه (‪ ، )123‬كما يرون مبدأ الموازنة بين‬
‫الحسنات والسيئات مع اعتقاد أن الحسنات تخفف من ثقل السيئات‪ ،‬لكن المدار في النهاية ل يقوم‬
‫على هذه الموازنة وإنما أساسه حسن الخاتمة (‪ ، )124‬وإلى جانب ذلك يقرون أن الستواء بين‬
‫الحسنات والسيئات ممكن‪ ،‬ومآل من استوت حسناتهم وسيئاتهم العراف حيث ل نعيم ول شقاء‪.‬‬
‫وفي هذا الشأن تلح المصادر الباضية على أن يحرص المؤمن على التعديل بين الخوف والرجاء‬
‫حتى ل يغلب عليه المل فيجنح إلى التهاون ول يغلب عليه اليأس فيميل إلى العناد (‪. )125‬‬

‫كل هذا طبعا قبل أن يغلق باب التوبة فمتى يغلق هذا الباب؟‪.‬‬
‫=============================‬

‫(‪ )105‬ابن جعفر ‪ :‬الجامع‪ .1/86 :‬وابن جعفر(ق ‪ )10 -4/9 -3‬هو أبو جابر محمد جعفر الزكوي من بلدة أزكى في داخلية‬
‫عمان‪ .‬من أصحاب مدرسة الرستاق‪.‬ر‪ .‬تقديم كتاب الجامع‪.13 -1/10 :‬لعبد المنعم عامر‪.‬‬
‫(‪ )106‬ابن جعفر ‪ :‬الجامع‪87 -1/86 :‬‬
‫ويقول المعتزلة بسقوط الثواب‪ ،‬وقد جاء عند القاضي عبد الجبار ما يلي‪:‬‬
‫"وعلم أن الثواب يسقط بوجهين ‪:‬أحدهما بالندم على ما أتى به من الطاعات والثاني بمعصية هي أعظم منه"‪ .‬الصول الخمسة‪:‬‬
‫‪643‬‬
‫(‪ )107‬قال تعالى‪ ] :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا[ (‪25‬الفرقان ‪)23‬‬
‫(‪ )108‬لم يرد النص بهذه الصيغة ولكن جاء بصيغة أخرى تفهم نفس المعنى وهي "اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا"‬
‫معنى ذلك أنهم ل أجر لهم في الخرة ‪.‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل‪. 5/428 :‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬المعجم المفهرس ‪ .2/202‬وقد جاء عند الربيع بن‬
‫حبيب كما يلي‪":‬يدعى المرائي يوم القيامة بأربعة أسماء على رؤوس الخلئق يا غادر‪ ،‬يا فاجر‪ ،‬يا خاسر بطل عملك‪ ،‬وخسر‬
‫أجرك فخذ أجرك ممن عملت له فل أجر لك عندي يا مرائي‪" .‬الجامع الصحيح‪ 4/20 :‬عدد ‪986‬‬
‫(‪ )109‬انظر ما سبق‪578 :‬و ‪ 580‬وما يلي ‪747‬‬
‫(‪ )110‬انظر ما سبق‪. 533 :‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪42 :‬‬
‫(‪ )111‬زيد بن أرقم (ت ‪ )68/687‬صحابي شهد صفين مع عليز ومات بالكوفة ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪3/95‬‬
‫(‪ )112‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 1/92‬وقد نقل النص عن عامر الشماخي‪ :‬كتاب اليضاح ط ‪3/45 -2‬‬
‫(‪ )113‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ 2‬ص ‪55‬‬
‫(‪ )114‬انظر ما سبق‪ 588 :‬وجاء حديث يقترب منه ونصه" أن الرياء شرك ر‪ .‬الترمذي‪ :‬نذور ‪ .9‬ابن ماجة‪ :‬فتن ‪ .16‬أحمد بن‬
‫حنبل ‪.5/418‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪2/203‬‬
‫(‪ )115‬عبدال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح ‪.103 -1/102‬‬
‫(‪ )116‬قيل‪ :‬ألوئك قوم أساؤوا ثم تابوا إلى ال من ذنوبهم ‪ .‬وقيل‪ :‬إن هذه نزلت في أبي لبابة حين قال لبني قريضة إنه الذبح‬
‫ورأى أنه قد خان ال ورسوله ‪ ،‬فندم وتاب وربط نفسه بسارية المسجد حتى تاب ال عليه وعلى الثلثة الذين خلفوا‪ .‬خميس بن‬
‫سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/211 :‬‬
‫(‪ )117‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪210 /2 :‬‬
‫(‪ )118‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪211 -2/210 :‬‬
‫(‪ )119‬نفس المصدر ‪.215 :‬‬
‫وقفنا عند تفسير قوله تعالى‪ ]:‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلصوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال يتوب عليهم إن ال غفور‬
‫رحيم[ (‪9‬التوبة ‪ )102‬في عدة تفاسير‪.‬‬
‫أما ابن عباس (في المقباس)‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬والطاهر ابن عاشور فقد مروا على الية دون التعرض لقضية الحباط ‪ .‬واكتفى‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الزمخشري بإثارة نكتة بلغية تتعلق بمفهوم الخلط بين التوبة والثم (ر‪ .‬الكشاف ‪ )2/210‬أما الرازي فيعتبر أن القول بالحباط‬
‫باطل (التفسير الكبير ‪ )177، 16/174‬وكذلك محمد جواد مغنية ( ر‪ .‬التفسير الكاشف ‪.)327 -2/326‬‬
‫ويشبع اليجي القضية تحليل حيث يرد على المعتزلة والخوارج القائلين بالحباط (ر‪ .‬المواقف ‪.)449 -2/448‬‬
‫وبهذا نتبين أن الشاعرة والمامية يتفقان في نفي إحباط العمال بينما يتفق الخوارج والمعتزلة في القول بالحباط أما المرجئة‬
‫فيرون أنه ل تضر مع اليمان معصية‪.‬‬
‫(‪ )120‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 280‬وجه وقفا‪.‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 231‬وجه‬
‫(‪ )122‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪. 217 -2/216 :‬ر‪ .‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس في تفسير ابن عباس‪ .‬دار النوار‬
‫المحمدية للطبع والنشر القاهرة ‪ 1393/1972‬ص ‪128‬‬
‫ولزيادة التوضيح ر‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪ ،1/161 :‬الزمخشري ‪ :‬الكشاف ‪ ،2/81‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.89 -14/86‬‬
‫القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪.7/211‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار ‪ .433 -8/431‬محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف ‪.333 -8/331‬‬
‫والطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪143 -8/140 :‬‬
‫وتورد هذه التفاسير مختلف القوال في أصحاب العراف وتصل إلى اثني عشر والراجح عند أغلبهم أنهم من استوت حسناتهم‬
‫وسيئاتهم‪.‬‬
‫(‪ )123‬ويقول المحشي في ذلك ‪ " :‬وأما مرتكب الكبيرة فالظاهر أنه ل يعيد" حاشية الترتيب‪1/93 :‬‬
‫(‪ )124‬ر‪ .‬البرادي‪ :‬الجواهر‪ 225 :‬حيث عقد فصل للحديث عن أهوال الموت ‪.‬‬
‫(‪ )125‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح النيل ‪ 604 -16/586 :‬وقد حوصل أهم ما جاء في كتب أصول الدين عند الباضية وعند‬
‫غيرهم‪.‬‬

‫قضية غلق باب التوبة‪:‬‬

‫إن هذه القضية غيبية ل مجال للعقل فيها وتشير النصوص الواردة في شأنها إلى أن الغلق يتم في‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الحالت التالية‪ :‬عند غرغرة الموت ‪ ،‬عند نزول العذاب‪ ،‬عند طلوع الدابة التي تكلم الناس‪ ،‬وعند‬
‫طلوع الشمس من مغربها‪.‬‬

‫‪ -‬الغرغرة‪:‬‬

‫من غرغرت الروح أي ترددت في الحلق عند الموت (‪. )126‬‬

‫قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من تاب قبل أن يغرغر قبل ال منه" (‪. )127‬‬

‫وقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد الحديث المذكور دون أن يتوسع في الموضوع‪)128( .‬‬

‫وجاء في المنهج ما يلي‪ ":‬والتوبة مقبولة ما لم يحضر الموت‪ ،‬وأفر بما قيل إن ال يقبل توبة العبد‬
‫ما لم يتغرغر بالموت" (‪. )129‬‬
‫كما جاء فيه أيضا‪ ":‬وقال تعالى‪ ( :‬ثم يتوبون من قريب) (‪ 4‬النساء ‪ )17‬قبل أن تحبط الحسنات‬
‫بالسيئات فتحبطها ‪ ،‬وقيل ما دام العبد صحيحا قبل المرض والموت‪ .‬وقيل ما كان قبل الموت فهو‬
‫قريب وقيل ما كان قبل معانيه ملك الموت فهو قريب‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لما هبط إبليس لعنه ال قال‪ :‬وعزتك وعظمتك ل أفارق‬
‫ابن آدم حتى تفارق روحه جسده‪ ،‬فقال ال عز وجل‪ :‬وعزتي وعظمتي ل أحجب التوبة عن عبدي‬
‫حتى يغرغر بها" (‪. )130‬‬

‫وهذا جاء مؤازرا لقوله تعالى في سورة النساء‪ ( :‬وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا‬
‫حضر أحدهم الموت قال إني تبت الن) (‪ 4‬النساء ‪ )18‬ولقد فسر محمد اطفيش هذه الية متعمدا‬
‫على عدة أحاديث توحي بقبول التوبة قبيل الغرغرة مثل‪ ":‬قوله عليه السلم في آخر خطبة " من‬
‫تاب وقد بلغت روحه حلقه تاب ال عليه" (‪ )131‬وقوله‪ " :‬من تاب قبل الغرغرة قبلت توبته" (‬
‫‪ )132‬رواه الترمذي عن ابن عمر‪...‬ثم يقول‪ :‬ويجاب بأن الغرغرة أحط من الحلق وأن الموحد تقبل‬
‫عنه ما دام فيه الروح والعلم ل تعالى‪ .‬ثم يعلق بقوله‪ ":‬وظاهر الية العكس"‪.‬‬

‫ثم يضيف ‪ ":‬وعن ابن عباس لو غرغر المشرك بالسلم لرجوت له خيرا كثيرا‪ .‬وعنه صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬يغفر ال لعبده ما لم يقع الحجاب" (‪ )133‬قيل وما وقوع الحجاب؟ قال‪ ":‬تخرج‬
‫نفسه وهي مشركة" ويجاب أيضا بأن معنى الية أن المسوف والمصر ل تتحقق توبتها‪ ،‬وقيل ل‬
‫تقبل توبة اليس" (‪. )134‬‬

‫والملحظ من كلم صاحب التيسير وما جمعه من نصوص الحديث أنه إلى القبول أميل إل أن الية ل‬
‫تحتمل ‪ ،‬فلذلك صرح بان ظاهر الية العكس‪.‬‬

‫وبهذا يتضح أن الباضية يعتبرون مثل الشاعرة أن الغرغرة تسد باب التوبة فما هو موقفهم من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫التوبة عند نزول العذاب؟‬

‫‪ -‬ل توبة عند نزول العذاب‪:‬‬


‫قال تعالى‪ ( :‬فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بال وحده وكفرنا بما كنا به مشركين‪ -84-‬فلم يك ينفعهم‬
‫إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة ال التي قد خلت في عباده وخسر هنالك المبطلون) (‪ 40‬غافر ‪.)85‬‬

‫ول ترى ضرورة في زيادة تحليل إذ الية صريحة في أن هذا ناموس من نواميس الحياة لم يستثن‬
‫إل مرة واحدة مع قوم يونس عليه السلم ( فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم يونس لما‬
‫آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين) (‪ 10‬يونس ‪.)98‬‬

‫وقد بين يوسف المصعبي أن توبتهم كانت نصوحا وان يونس اختفى قبل أن يأذن له ال لذلك قبلت‬
‫(‪. )135‬‬

‫‪ -‬خروج الدابة‪:‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا ل‬
‫يوقنون) (‪ 27‬النمل ‪.)82‬‬

‫لقد اكتفى يوسف المصعبي بإيراد ما جاء عند البيضاوي والزمخشري في شأن هذه الدابة (‪، )136‬‬
‫وقد اختلف المفسرون في صفاتها اختلفا كثيرا (‪ )137‬والحسن الوقوف عند ظاهر النص‬
‫والعتبار والستعداد قبل حلول مثل هذه العلمة من علمات الساعة‪.‬‬

‫‪ -‬طلوع الشمس من مغربها‪:‬‬

‫لقد وردت أحاديث كثيرة في هذا الشأن ومنها قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إن للتوبة بابا عرض‬
‫ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب ل يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها" (‪. )138‬‬

‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب ال عليه" (‪. )139‬‬

‫هذا في ما يتعلق بانقضاء فرصة التوبة بقي أن المصادر الباضية تشير إلى أن هناك ذنوبا ل سبيل‬
‫إلى التوبة منها وأخرى تغفر بدون فماذا عن هذا وذاك؟‬
‫‪ -‬ما ل سبيل إلى التوبة منه‪:‬‬

‫جاء في كتاب السؤالت‪ ":‬ومن أفعال المكتسب مال يمكن التوبة منها في قول جل أصحابنا وذلك‬
‫نحو ‪ :‬المتردي من الجبل والمهاوي التي يهلك فيها" (‪. )140‬‬

‫وهذا واضح لن المنتحر ليس في إمكانه أن يتدارك أمره وهو بالتالي أغلق باب التوبة على نفسه‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بنفسه‪.‬‬

‫‪ -‬ما يغفر بدون توبة‪:‬‬

‫وذلك لعفو ال بمنه وكرمه عنها على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث قال‪ " :‬عن ال‬
‫تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" (‪ )141‬وفي حديث آخر‪ " :‬إن ال‬
‫تعالى تجاوز لمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به" (‪. )142‬‬

‫فدل هذان الحديثان على أن العفو والتجاوز منه تعالى إنما هو لربعة أمور‪ :‬الخطأ والنسيان‬
‫والستكراه وحديث النفس‪.‬‬

‫وبهذا تبينا الحالت التي يغلق فيها باب التوبة‪ ،‬وكيف أنه يستحيل على المنتحر أن يتدارك أمره‪ ،‬إل‬
‫أن ال رحيم بعباده حيث يتجاوز عنهم ما ارتكبوه خطأ أو نسيانا‪ ،‬وما بقي في مستوى الحديث‬
‫النفسي وما استكرهوا عليه‪ .‬ومع ذلك فإن النسان كثيرا ما يغفل عن أمر ربه فل يبادر إلى التوبة‬
‫بل يصر على الكبائر وهو بهذا يغلق باب التوبة على نفسه بنفسه وفي هؤلء يتم إنفاذ الوعيد فما‬
‫هي أدلة الباضية النقلية والعقلية على هذا النفاذ؟‬
‫===================================‬

‫(‪ )126‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪.‬‬


‫(‪ )127‬امحمد اطفيش‪ :‬جامع الشمل‪ 240 :‬ويذكر أنه رواه الحاكم ‪ .‬وجاء عند أحمد بن حنبل ‪ 5/362‬ونصه‪ ":‬من تاب قبل أن‬
‫يغرغر نفسه قبل ال منه" ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪4/480 :‬‬
‫(‪ )128‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 158‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )129‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪2/243 :‬‬
‫(‪ )130‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪ .2/229 :‬حديث قدسي لم يرد عند ونسنك لكن جاء ما يفيد معناه في حديث‬
‫للرسول عليه السلم‪ :‬إن ال يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"‪ .‬ر‪ .‬الترمذي ‪ :‬دعوات ‪ 98‬أبن ماجة ‪ :‬زهد ‪ 30 :‬الموطأ‪ :‬حدود ‪2‬ز‬
‫أحمد بن حنبل ‪.153 ،2/133‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪4/480‬‬
‫(‪ )131‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )132‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )133‬غير وارد في المعجم المفهرس‬
‫(‪ )134‬امحمد اطفيش ‪:‬تيسير التفسير ‪.2/286‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لقد استفدنا من الرستاقي و امحمد اطفيش لننا لم نجد بحثا موسعا في ما بين أيدينا من نصوص المرحلة المقررة ‪.‬‬
‫ولزيادة التوضيح ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪،10/7‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار ‪ ..350 -4/449‬والطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير‬
‫‪ .4/281‬والكل يلح على عدم قبول التوبة في حال الغرغرة‪ ،‬وفي ذلك يقول صاحب المنار‪ " :‬وعلينا أن نأخذ بالحوط والسلم"‬
‫ويقارن البيجوري بين الشاعرة والماتريدية فيقول‪:‬ط ول فرق في عدم صحة التوبة في حال الغرغرة عند الشاعرة بين الكافر‬
‫والمؤمن العاصي وأما عند الماتريدية فل تصح من الكافر في حال الغرغرة وتصح من المؤمن حينئذ‪ "..‬جوهرة التوحيد‪197 :‬‬
‫(‪ )135‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪293‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )136‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 648‬قفا‪ ،‬وورقة ‪ 649‬وجه‬
‫(‪ )137‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪. 24/218‬ر‪ .‬القرطبي ‪ :‬أحكام القرآن ‪ 238 -13/234‬ر‪ .‬محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير‬
‫الكاشف ‪6/40‬‬
‫(‪ )138‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬جامع الشمل‪ .239 :‬الطبراني في كبيره‪ .‬لم يرد عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪13 -4/12‬‬
‫(‪ )"139‬ر‪ .‬امحمد اطفيش ‪ :‬جامع الشمل‪.240 :‬ر‪ .‬مسلم عن أبي هريرة ‪ :‬الذكر ‪ .43‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪. 2/275‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المعجم المفهرس ‪ .1/282‬وجاء نفس المر عند الشاعرة ر‪ .‬البيجوري‪ :‬جوهرة التوحيد ‪.197‬‬
‫(‪ )140‬عثمان السوفي ‪ :‬كتاب السؤالت‪ ،218 :‬وفي هذا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم‪ ":‬من تردى من جبل فقتل نفسه‬
‫فهو في نار جهنم" انظر ما يلي‪.623 :‬‬
‫(‪ )141‬ر‪ .‬ابن ماجة ‪ :‬الطلق ‪ 16‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس ‪.6/443‬‬
‫(‪ )142‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬اليمان ‪ .15‬الطلق ‪ .11‬الترمذي‪ :‬الطلق ‪ .8‬تفسير سورة البقرة ‪ .27‬ابن ماجة ‪ :‬طلق ‪ .14‬أحمد بن حنبل‬
‫‪.2/255‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬المعجم المفهرس ‪.1/433‬‬

‫أدلة الباضية على إنفاذ الوعيد‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أجمع المسلمون على إنفاذ الوعيد في المشركين الذين يموتون على الشرك‪ ،‬والنصوص قطعية في‬
‫ذلك‪ ،‬منها قوله تعالى‪ ( :‬إنه من يشرك بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من‬
‫أنصار) (‪ 5‬المائدة ‪ )72‬وقوله تعالى ( ويوم نحشرهم ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم‬
‫فزيلنا بينهم‪ .‬وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون) (‪ 10‬يونس ‪.)28‬‬

‫ثم اختلفوا في ما سوى الشرك من المعاصي وقد بينا موقف الباضية من السماء وموقفهم من‬
‫الحكام (‪ )1‬فما هي أدلتهم على موقفهم من إنفاذ الوعيد في كفار النعم؟‬

‫وكيف يحتجون على من يرى بإخلف الوعيد نقل وعقل؟‬

‫الحجج النقلية من القرآن الكريم‪:‬‬

‫لقد تجاوزت الفرق السلمية ما تشابه من اليات المتعلقة بالوعيد ويمكن أن نحصر المواقف في‬
‫ثلثة (‪: )2‬‬
‫‪ )1‬نفاة النفاذ على الطلق‪ ،‬وينسب هذا الموقف إلى بعض فرق المرجئة‪.‬‬

‫‪ )2‬مثبتو الوعيد على الطلق لمن يموت على المعصية من الكبائر وينسب هذا الموقف الى‬
‫المعتزلة والصفرية والزيديةوالباضية والماتريدية (‪. )3‬‬

‫‪ )3‬القائلون بالمشيئة بمعنى إن شاء ال أنفذ‪ ،‬وإن لم يشأ لم ينفذ‪ ،‬وينسب هذا الموقف إلى‬
‫الشاعرة والشيعة المامية‪.‬‬

‫وقد كان مدار الجدل حول عديد من اليات سنحاول أن نرتبها حسب أهميتها في الموضوع عسى أن‬
‫نوضح مدى تفاعل آراء الباضية مع آراء أبرز الفرق السلمية‪.‬‬

‫المجموعة الولى من اليات (‪: )4‬‬

‫‪ ( -‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (‪. )5‬‬

‫‪ ( -‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (‪ 20‬طه ‪)6( .)82‬‬

‫‪( -‬إن ال يغفر الذنوب جميعا) (‪ 39 )1‬الزمر) (‪)7‬‬

‫إن ما اطلعنا عليه من كتب أصول الدين عند الباضية في المرحلة المقررة وما قبلها وما بعدها لم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تهتم في موقفها من هذه اليات بأسباب النزول وإنما أقامت هذا الموقف اعتمادا على السس‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -‬النقل عن الرسول والصحابة والسلف‪.‬‬

‫‪ -‬التأويل وعدم القتصار على الظاهر‪.‬‬

‫‪ -‬الربط بين الخصوص والعموم‪.‬‬

‫‪ -‬الستثناء والشريطة أو ما سمي بالمشيئة‪.‬‬

‫‪ -‬التحليل البلغي‪.‬‬

‫والملحظ أن نزعة التحليل جاءت جدلية تغلب عليها اللهجة الدفاعية‪ ،‬وهذا ناتج عن الحتكاك‬
‫الحضاري ببقية الفرق السلمية ‪ ،‬وتتفاوت اللهجة مرونة وحدة حسب العصور وتجدر الشارة إلى‬
‫أن هذا الموقف جاء ذاتيا لم يعول فيه أصحابه على تحليل المعتزلة وغيرهم ممن اتفقوا في القول‬
‫بإنفاذ الوعيد عدا ما جاء في العصر الحديث في تفسير محمد اطفيش وليس من الغريب أن يأخذ‬
‫هؤلء العلماء عن بعضهم البعض وقد غلب على المتأخرين مسلك الحالة على السابقين ممن‬
‫توفرت نصوصهم أكثر إل أنها كلها سكتت عن أول من ركز هذا الموقف بوضوح (‪ ، )8‬وهو أبو‬
‫خزر يغل بن زلتاف(ق ‪4‬هـ‪10/‬م) وسنورد هذا النص بعد حين (‪ )9‬لما له من أهميته ولننظر الن‬
‫في اعتماد المنهج النقلي‪.‬‬

‫أ‌‪ -‬اعتماد المنهج النقلي (‪: )10‬‬

‫لقد تناقلت المصادر الباضية نصوصا عن المام جابر بن زيد يرفعها الى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم وتتمثل في ما يلي‪ :‬روي عن جابر بن زيد رحمه ال أن رجل قال يا أبا الشعثاء‪ ،‬أرأيت قول‬
‫ال تعالى‪ ( :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به) الية فقاله جابر‪ :‬أوأنبأك ال لمن يشاء أن يغفر؟ قال وأين‬
‫أنبأني يا أبا الشعثاء‪ ،‬قال ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) (‪ 4‬النساء ‪.)31‬‬

‫وذكر جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " هلك المصرون" ثلثا فقال رجل يا رسول ال‬
‫فأين قوله تعالى ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " أفيكم أحد‬
‫يقرأ سورة طه؟ فقال أبي بن كعب أنا يا رسول ال فقال اقرأ ( وإني لغفار لم تاب وآمن وعمل‬
‫صالحا ثم اهتدى)(‪ 20‬طه ‪ )82‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " لهؤلء وقعت المشيئة ثلثا (‬
‫‪ )11‬وكان جابر يذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم يقول " من أطمع في الجنة من آيسه ال منها‬
‫جمع ال بينهما في النهار" (‪. )12‬‬

‫أما الوارجلني فينقل عن جابر في الرد على من ربط المر بالمشيئة كما يلي‪ ":‬وقد عارضوا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بالمشيئة مشيئة الباري سبحانه حيث يقول ( إن ال ل يغفر أن يشرك به) وقال جابر بن زيد‪ :‬قد‬
‫أخبرنا ال تعالى بمشيئته فيهم أولها التوبة قال ال عز وجل ( وإني لغفار لمن تاب) والثاني‬
‫الحسنات قال تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) (‪ 11‬هود ‪ )114‬والثالث‪:‬‬
‫السترجاع عند المعصية قال ال تعالى ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ل وإنا إليه راجعون‬
‫أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (‪ 2‬البقرة ‪.)156‬‬

‫فوعد أفضل من المغفرة وما وراء هذا معاند مصر طاغ مستكبر وقالب فروته يدعو الى بدعته ول‬
‫سبيل للمشيئة في هذين لبطال الحكمة فيهما" (‪. )13‬‬

‫هذه نصوص نقلية ل نجد لها أثر عند غير الباضية يتناقلها الباضية عن إمامهم جابر بن زيد‬
‫مسندة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تتظافر في ما بينها فتفسر قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء)‬
‫تفسيرا واضحا ل تترك المشيئة مطلقة بل تربطها بضرورة التوبة‪ ،‬وعلة ذلك إقرار حكمة ال تعالى‬
‫إذ ليس من الحكمة أن يسوى بين التائب والمصر (‪. )14‬‬

‫ومع ذلك لم تكتف كتب الصول بهذا التحليل النقلي بل لجأت الى التحليل العقلي اعتمادا على مقارنة‬
‫النصوص القرآنية والربط بينها حتى يتعزز موقفهم القائل بأن هذه الية ل تنفي إنفاذ الوعيد كما‬
‫يذكر ذلك غيرهم (‪. )15‬‬

‫ب‪ -‬التأويل وعدم الكتفاء بالظاهر (‪: )16‬‬


‫قال أبو خزر‪ :‬ومما تحتج به المرجئة ول نعلم لهم في كتاب ال حجة أوثق في أنفسهم منها قول ال‬
‫( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) فقالوا إن الكبائر التي هي دون الشرك‬
‫فإن ال يغفرها بل توبة‪.‬‬

‫يقال لهم أخبرونا عن هذه الية أتحملونها على ظاهرها أو تحتها معنى؟ فإن قالوا ليس تحتها معنى‬
‫وحملوها على ظاهرها فإنما قال ال( عن ال ل يغفر أن يشرك به) فهو إذن ل يغفر الشرك لمن‬
‫تاب‪ ،‬وإن كان تحت الية معنى غير ظاهرها فينبغي أن يكون إنما يغفر لمن تاب من الكبائر‪ ،‬ويغفر‬
‫الصغائر لمن اجتنب الكبائر لن ذلك كله دون الشرك‪ ،‬ولو حمل القرآن على ظاهره لتناقض ‪ .‬أل‬
‫ترى أنه قال في هذا الموضع ل يغفر الشرك‪ ،‬فلو حمل القرآن على ظاهره لم يغفر الشرك به لمن‬
‫تاب منه‪.‬‬

‫وقال في موضع آخر ( إن ال يغفر الذنوب جميعا) فدخل في الجميع الشرك وغيره من الذنوب فلو‬
‫حملت الية على ظاهرها لكان الشرك مغفورا بل توبة‪ ،‬لنه قال( يغفر الذنوب جميعا)‪.‬‬

‫ومما يبين أنها في التائبين قول ال عز وجل ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء ال وأحباؤه قل‬
‫فلم يعذبكم (أي ال) بذنوبكم بل انتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) (‪ 5‬المائدة‬
‫‪ )18‬ولو حمل هذا أيضا على ظاهره لغفر لليهود والنصارى بل توبة وكذلك المنافقين قوله ( ليعذب‬
‫ال المنافقين والمنافقات إن شاء أو يتوب عليهم) (‪ 33‬الحزاب ‪ )73‬وفي إجماعهم أنه ل يغفر‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لليهود والنصارى والمنافقين إل بتوبة ما يقضي على الية الخرى ( ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما‬
‫دون ذلك لمن يشاء) (‪ 4‬النساء ‪ )116‬للتائبين ويغفر الصغائر للمجتنبين للكبائر لن ما اجتمع عليه‬
‫الخصمان قاض على ما اختلفوا فيه" (‪. )17‬‬

‫هذا ما جاء عن أبي خزر‪ ،‬أما أبو يعقوب الوارجلني فقد عبر عن هذا المعنى كما يلي‪ ":‬فإن قيل‪:‬‬
‫تعلق التوبة بالية( إن ال ل يغفر‪ )...‬لم يوجد ظاهرا ول مضمرا قلنا بل وجد ظاهرا ومضمرا‪ .‬أما‬
‫الظاهر فقول ال تعالى( وإني لغفار لمن تاب) وأما المضمر فلن التوبة في إزاحة المعاصي وبطلن‬
‫العقاب عن المعاصي بل توبة ول رجوع يدل على إباحتها وليس لمغفرة المعاصي بالمشيئة ل‬
‫بالتوبة طائل‪،‬أشبه شيء بالباحة" (‪. )18‬‬
‫ويسلك أبو عمار مسلكا قريبا من هذا التأويل إل أن تحليله أدق مما سبق‪ ،‬ولم يعرج على اليهود‬
‫والمنافقين وإنما اكتفى بالربط بين الصغائر والكبائر‪ .‬فيقول في صدد الرد على القائلين بعدم‬
‫النفاذ‪ ":‬فإن سألوا عن قول ال عز وجل ( إن ال ل يغفر)‪ ...‬قيل لهم فقد قال ال أيضا (إن ال‬
‫يغفر الذنوب جميعا) ولم يخص ذنبا من ذنب ول غير شرك من شرك فيجب بهذا من قول ال أن‬
‫يكون يغفر الشرك وغير الشرك والقرآن يصدق بعضه بعضا‪ .‬والذي قال أهل التفسير في تأويل قول‬
‫ال عز وجل ( إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) يقول ل يتجاوز عن شرك‬
‫لقيه به عبده‪ ،‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقالوا‪ :‬إن ما دون الكبائر مغفور لهله متروك لهم إذا‬
‫هم اجتنبوا الكبائر فوقع الغفران على الصغائر التي يوجب عليها العقاب وأكد ذلك بقوله ( إن‬
‫تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه يكفر عنكم سيئاتكم) (‪ 4‬النساء ‪ )31‬فدل على أنهم إن اجتنبوا الكبائر‬
‫كفرت عنهم سيئاتهم التي هي دون الكبائر فإن لم يجتنبوا فل‪ ،‬وقوله ( لمن يشاء) فقد شاء أن يغفر‬
‫لمجتنب الكبائر ما دون الكبائر ولم يشأ أن يغفر لمرتكبها إذا هو لقي ال بها‪.‬‬

‫وقال ال عز وجل ( الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش إل اللمم) (‪ 53‬النجم ‪ )32‬يريد من ألم‬
‫منهم بما دون الكبائر فقال ( إن ربك واسع المغفرة) (‪ 35‬النجم ‪ )32‬وهو تأويل سهل قريب والحمد‬
‫ل" (‪. )19‬‬

‫نلمس من هذه التأويلت أنها لم تنتهج نهج الجدل العقلي في تحميل النصوص مال تحتمل وإنما‬
‫سلكت مسلكا مقارنا حصل منه تعزيز للقول بإنفاذ الوعيد في أهل الكبائر‪ .‬وواضح أنها نصوص‬
‫متكاملة تأخذ من بعضها البعض لتصل إلى نفس النتيجة والمدار في كل ذلك أنه كما يخرج‬
‫المشركون والمنافقون وأهل الكتاب من عموم الية ينبغي أن يخرج أهل الكبائر المصرون وتبقى‬
‫المشيئة مرتبطة بأهل الصغائر والمتأمل مليا يتبين أن هذه التخريجات ليست إل صياغة كلمية لما‬
‫نقله جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وسيبقى في هذا المحيط ما عبر عنه‬
‫بالخصوص والعموم‪.‬‬
‫================================‬
‫(‪ )1‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )2‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ‪ :‬ورقة ‪ 107‬وجه ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪.277‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس‬
‫الشريعة ‪6/6‬‬
‫(‪ )3‬وذهبت الماتريدية إلى أنه يمتنع تخلف الوعيد كما يمتنع تخلف الوعد ول يرد على ذلك أن الوعيد يتخلف في المؤمن‬
‫المغفور له لن اليات الواردة بعموم الوعيد مخرج منها المؤمن المغفور له‪ ،‬من إنقاذ الوعيد ولو في واحد التي في قوله‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وواجب تعذيب ارتكب‪...‬كبيرة‪ "...‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪102 -101 :‬‬
‫(‪ )4‬وقد اخترنا هذا النسق لن هذه اليات يستدل بها في ما بينها وكلما تعرض موقف لواحدة قل أن يسكت عن الخريات‪ ،‬وحجة‬
‫الجميع في ذلك أن القرآن كلم واحد مواقفه ما يلي‪ ":‬لن القرآن في حكم كلم واحد‪ "...‬الكشاف‪.3/403 :‬‬
‫وقد نبه محمد جواد مغنية إلى هذا التفاعل بين اليات بوضوح وصراحة في قوله ‪ ":‬وبعد أن تمهد معنا هذا نقارن بين ثلث‬
‫آيات ومن نتيجة المقارنة يتضح المراد من قوله تعالى] إن ال ل يغفر أن يشرك به[‪ ،‬وهي آية ‪ 53‬الزمر‪,‬آية طه والثالثة هي‬
‫الية المذكورة ‪ :‬النساء ‪48‬و ‪ .116‬التفسير الكاشف ‪.2/343‬‬
‫وما صرح به مغنية جاء ضمنيا في جميع ما اطلعنا عليه من كتب الصول وكتب التفسير التي سنحيل عليها أثناء التحليل‪.‬‬
‫(‪ )5‬قد تكررت مرتين في سورة النساء ويحسن أن نذكر ما جاء بعدها لنه تقع الشارة إليه أثناء التحليل ‪ .‬والية ختمت بقوله‬
‫تعالى] من يشرك بال فقد افترى إثما عظيما[(‪ 4‬النساء ‪ ،)48‬وقد جاءت بعدها إشارة إلى الذين يزكون أنفسهم مع تبيين أن ال‬
‫يزكي من يشاء‪.‬‬
‫وما الية ‪ 116‬فقد جاءت بعد توعد الذين يشاقون الرسول وختمت بقوله تعالى‪ ] :‬ومن يشرك بال فقد ضل ضلل بعيدا[(‪4‬‬
‫النساء ‪.)116‬‬
‫(‪ )6‬وقد جاءت آية كاملة في سياق تحذير بني إسرائيل من الطغيان في نعم ال تعالى والكفر بها‪.‬‬
‫(‪ )7‬هذه الجملة جزء من الية التالية‪ ]:‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال يغفر الذنوب‬
‫جميعا إنه هو الغفور الرحيم[‪ .‬وقد جاءت مبشرة في سياق أساسه التحذير من مغبة السيئات لما ينجر عنها من سوء العقاب ‪.‬‬
‫وقد جاء بعدها أمر بالنابة وهو قوله تعالى‪ ] :‬وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم ل تنصرون[ (‪ 39‬الزمر‬
‫‪.)54‬‬
‫(‪ )8‬هذا بناء على ما بين أيدينا من نصوص وإل فأن دقة النص ووضوحه تدلن على أن صاحبه أخذ هو الخر عمن سبقه مثل‬
‫كتاب التوحيد الكبير لعيسى ابن علقمة المصري أو غيره‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر ما يلي‪605 :‬‬
‫(‪ )10‬وقد وردت هذه النقول عند كل من أبي يعقوب الوارجلني وأبي مهدي والشماخي والتلتي والثميني وابن تعاريت وقد‬
‫جمعها صاحب قاموس الشريعة مع اختصار لما أضافه الوارجلني ولذلك سنجمع بين النصين مع العلم أن ما يسند إلى جابر‬
‫مروي عن الرسول ‪ e‬وقد أشرنا إلى ذلك باختصار في التمهيد ‪ .‬انظر ما سبق ‪487 :‬و ‪530‬‬
‫(‪ )11‬انظر ‪530 :‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 108‬وجه‪ ،‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ .158 :‬يوسف‬
‫المصعبي ‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا و ‪ 167‬وجه ‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪ 279 -278‬جميل بن خميس‬
‫السعدي ‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/9 :‬و ‪.10‬‬
‫والحديث ‪ :‬من أطمع في الجنة‪ "...‬لم يرد عند ونسنك‬
‫(‪ )13‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل ‪. 2/45‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪ . 39 :‬نقل نص أبي يعقوب مكتفيا‬
‫بذكر اليات فاختصاره جاء وافيا ووددنا لو أحال أبي يعقوب‪.‬‬
‫(‪ )14‬إن تمسك الباضية بالحكمة فقد عولت الفرق الخرى على الفضل والرحمة‪.‬‬
‫(‪ )15‬يقول اليجي في المواقف‪ 2/449 :‬مع الشرح (الثاني اليات الدالة عليه) أي على العفو عن الكبيرة قبل التوبة نحو قوله‬
‫‪ ]:‬ويغفر من دون ذلك لمن يشاء[(النساء ‪ )31‬فإن ما عدا الشرك داخل فيه‪ ،‬ول يمكن التقييد بالتوبة لن الكفر مغفور معها‪،‬‬
‫فيلزم تساوي ما نفي عنه الغفران وما ثبت له وذلك مما ل يليق بكلم عاقل فضل عن كلم ال (و) قوله ] إن ال يغفر الذنوب‬
‫جميعا[( ‪ 39‬الزمر ‪ )53‬فإن عام للكل فل يخرج عنه إل ما أجمع عليه (و) قوله ] وإن رك لذو مغفرة للناس على ظلمهم[‬
‫والتقرير ما ذكرناه آنفا إلى غير ذلك من اليات الكثيرة ‪449 :‬‬
‫ويورد البيجوري وهو في صدد النتصار إلى قول الشاعرة بعدم إنقاذ الوعيد ما يلي‪ :‬قال ال تعالى ‪ ]:‬إن ال ل يغفر أن يشرك‬
‫به[ وهذه الية مقيدة لقوله تعالى ‪ ]:‬إن ال يغفر الذنوب جميعا[‪ .‬كما ينقل حديثا عن الرسول عليه السلم‪ ":‬من وعده ال على‬
‫عمل ثوابا فهو منجز له ‪ ،‬ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"‪.‬‬
‫جوهرة التوحيد ‪ .101‬ولم يرد عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.7/255 :‬‬
‫(‪ )16‬ر‪ .‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين ‪ 62 -61 :‬ر‪ .‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪:‬‬
‫‪.158‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي ‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/9 :‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.302 -301 :‬‬
‫(‪ )17‬أبو خرز يغل بن زلتاف‪ :‬الرد على جميع المخالفين ‪.62 -61 :‬‬
‫لقد استفاد أبو عمار عبد الكافي من هذا النص إل أنه صاغه صياغة جدلية أدق ر‪ .‬الموجز‪ .2/115 :‬كما استغله عبدال السالمي‬
‫استغلل ذكيا في ما قرره من ردود ‪.‬ر‪ .‬المشارق‪ 302 -301 :‬وكذلك فعل جميل ابن خميس السعدي مع تصرف واضح في صيغة‬
‫الجدل‪.‬ر‪ .‬قاموس الشريعة ‪6/9‬‬
‫(‪ )18‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪ ، 159 -158 :‬ينقل أبو مهدي النص عن أبي يعقوب الوارجلني ولم‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫نتمكن من تحديده في ما بين أيدينا من مؤلفات أبي يعقوب‪.‬‬


‫(‪ )19‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪115 -2/113 :‬‬

‫جـ ) العلقة بين الخصوص والعموم‪:‬‬

‫يقول أبو مهدي بعد أن أورد ما نقل عن جابر بن زيد (‪ ": )20‬والعموم يحمل على الخصوص عند‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الصوليين والعاقل ل يستدل بالعموم حتى يعلم أنه باق على عمومه لن اكثر العمومات قد خصصت‬
‫بل حكي عن بعضهم أنه قال‪ :‬ما من عام إل قد خص إل قوله تعالى ( وال بكل شيء عليم) (‪2‬‬
‫البقرة ‪ )282‬والية الكريمة (يغفر لمن يشاء) معناها إن تاب" (‪. )21‬‬
‫واضح أن أبا مهدي يعتبر قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء) نصا عاما يخصصه قوله تعالى ( إني لغفار‬
‫لمن تاب‪ )...‬فيترتب على ذلك أل غفران بدون توبة كما تقول طائفة من المرجئة وأل إرجاء للمشيئة‬
‫كما يقول الشاعرة فتفسير العام بالخاص يوجب تقييد المشيئة بالتوبة‪.‬‬

‫د‪ -‬عدم تعليق الغفران بالمشيئة فحسب‪:‬‬

‫إن يوسف المصعبي يكتفي بإيراد جملة مما جاء عند أبي يعقوب الوارجلني نقل عن جابر بن‬
‫زيد‪ ":‬شاء أن يغفر للتائب لقوله تعالى ( إني لغفار لمن تاب) ثم يحيل على كتاب الدليل والبرهان (‬
‫‪ )22‬والحقيقة أن هذه المسألة حللها كل من أبي عمار عبد الكافي وعبدال السالمي (‪ )23‬تحليل‬
‫وافيا‪ .‬وقد حرص السالمي على استيعاب كل ما سبقه من أقوال وصاغ ذلك في حلقات مترابطة‬
‫متدرجة متكاملة أقامها على حوار هادي أساسه (فإن قيل أو قالوا ‪ .‬قلنا) هدفه الوصول الى‬
‫تخصيص المشيئة بضرورة التوبة النصوح التي استوفت جميع الشروط" فمن شاء أن يغفر لـه‬
‫وقفه على تلك الشروط فوفى بها‪ ،‬فهذه فائدة التعليق بالمشيئة" (‪. )24‬‬

‫هـ‪ -‬التحليل البلغي (‪: )25‬‬

‫ويورد يوسف المصعبي كلم الزمخشري حيث يقول‪ ":‬فإن قلت‪ :‬قد ثبت أن ال عز وجل يغفر‬
‫الشرك لمن تاب منه‪ ،‬وانه ل يغفر ما دون الشرك إل بالتوبة فما وجه قوله ( إن ال ل يغفر أن‬
‫يشرك به) قلت‪ :‬الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعا موجهين إلى قوله تعالى‪ -‬لمن يشاء‪-‬‬
‫كأنه قيل إن ال ل يغفر لمن يشاء الشرك‪ ،‬ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك على أن المراد بالول‬
‫من لم يتب وبالثاني من تاب ونظيره قولك‪ :‬إن المير ل يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء‪ ،‬تريد‬
‫ل يبذل الدينار لمن ل يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله" (‪. )26‬‬

‫وقد زاد كل من محمد اطفيش (‪ )27‬وسعيد بن تعاريت (‪ )28‬القضية تحليل في ما بعد‪.‬‬


‫فالباضية حينئذ استفادوا هذا الدليل من المعتزلة وتبنوه‪ ،‬ومهما يكن من أمر فإن هذا التخريج‬
‫البلغي ليس من التعسف في شيء كما ذهب إلى ذلك السيد علي بن محمد الجرجاني في حاشيته‬
‫على الكشاف حيث يختم انتقاده بقوله‪ ":‬وما هذا إل من جعل القرآن تبعا للرأي نعوذ بال من ذلك"‬
‫(‪ )29‬ما دامت اللغة العربية تتحمل ذلك‪ ،‬والزمخشري ل يشق له غبار في هذا الباب وهو من أئمة‬
‫اللغة قبل كل شيء‪.‬‬

‫والملحظ أن هذه الجملة تكررت بنفس الصيغة وفي نفس السورة ليس بينهما إل ثماني وستين آية‪،‬‬
‫وقد اعتبر يوسف المصعبي مثل الزمخشري أن ذلك من باب التأكيد (‪. )30‬‬

‫ذلك هو موقف الباضية من هذه اليات وقد جمعوا فيها بين العتماد على النقل وعلى التأويل‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والربط بين الخصوص والعموم‪ ،‬والتحليل البلغي ليصلوا إلى أن المشيئة مرتبطة ارتباطا جوهريا‬
‫بالتوبة وهكذا يخرج المصرون من هذه المشيئة وهم في هذا يتفقون والمعتزلة بينما يختلفون عن‬
‫الشاعرة الذين يتركون المشيئة مطلقة فتشمل المصرين أيضا وقد نبه إلى ذلك يوسف المصعبي (‬
‫‪ )31‬بوضوح‪.‬‬

‫المجموعات الخرى من اليات‪:‬‬

‫وإذا كان مثار الجدل شديدا مع اليات السابقة فإن آيات أخرى ل تخلو من مثل ذلك الجدل ‪ ،‬ولذلك‬
‫رأينا أن ننظر في بعض الجموعات الخرى مع العلم أننا ل يمكن أن نستوفيها عن آخرها وإنما‬
‫ننتخب ما جاء أكثر تعبيرا عن مسلك الباضية في الدفاع عن موقفهم وكذلك مسلك الفرق الخرى‬
‫في توظيف هذه اليات في الخط المغاير ومنها‪:‬‬

‫‪ )1‬آيات مفادها أل تبديل لكلمات ال‬

‫وما دام عنوان القضية إنفاذ الوعيد أو خلف الوعيد فللقائلين بالنفاذ أن يحتجوا بمثل هذه اليات‬
‫على عدم جواز الخلف وللخرين أن يردوا معتبرين الخلف من باب التفضل والرحمة وال ( ل يسأل‬
‫عما يفعل) (‪ 21‬النبياء ‪ )23‬ومن هذه اليات ما يلي‬

‫‪ ( -‬ما يبدل القول لدي) ‪)32( .‬‬

‫‪ ( -‬إن ال ل يخلف الميعاد) ‪)33( .‬‬


‫‪ ( -‬فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) ‪.‬‬

‫‪( -‬فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا قالوا نعم) (‪.)34 )34‬‬

‫‪ ( -‬ل تبديل لكلمات ال) (‪.)35 )35‬‬

‫يقول أبو عمار بعد الستشهاد بهذه اليات‪ " :‬وذلك أن ال عز وجل وعد قوما وتوعد آخرين‪،‬‬
‫فجعل وعده بالجنة لوليائه المؤمنين وجعل وعيده النار لعدائه الكافرين‪ ،‬ولن يجوز أن يكون‬
‫وعده أو وعيده مبدل ول محول ول مستثنى فيه‪ ،‬ول مرجوعا عنه إذ ل يجوز أن تكون أخباره جل‬
‫جلله متكاذبة ول متناقضة" (‪. )36‬‬

‫ويعتبر عمرو التلتي كذلك أن في عدم التعذيب تبديل القول وهو نقص في حقه تعالى ل يجوز عليه‬
‫(‪. )37‬‬

‫وجاءت اليات في قاموس الشريعة في سياق الرد على من يعتبر أن إخلف الوعيد أمر ممدوح مع‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تبيين أن الممدوح بحق هو من ل يخلف وعده ووعيده (‪. )38‬‬

‫أما محمد اطفيش فبين أن (ما يبدل القول لدي) تحمل عدة تأويلت كلها توعد‪ ،‬وذلك منن بينها "‬
‫مطلق الوعد والوعيد" (‪ )39‬وجاء موقفه صريحا من قوله تعالى ( ل تبديل لكلمات ال) أي ل‬
‫تبديل ل لوعده ول لوعيده ول لشيء مما قضى وهذا لعمومه (‪. )40‬‬

‫واضح أن هذه اليات فعل بها مثل اخوتها السابقة وكل وجهها وجهته واستدل بها على الطرف‬
‫المقابل والمهم أن الباضية ل سبيل لهم من أن يسلموا من هذا المسلك ما دام النص من المتشابه‬
‫ويتحمل التأويل ول لوم عليهم في ذلك لنهم يقرون بالتأويل من بداية الشوط كما رأينا (‪. )41‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )20‬انظر ما سبق‪603 :‬‬
‫(‪ )21‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪158 :‬‬
‫ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا و ‪ 167‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )23‬لقد حرر هذه القضية كل من أبي عمار في الموجز ‪ 2/115‬والسالمي في المشارق ‪ 302 -301‬ونختار نص السالمي لنه‬
‫جاء أكثر شمول ول شك أنه استفاد من كلم أبي عمار الذي جاء واضحا دقيقا إل أنه مختصر‪.‬‬
‫(‪ )24‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪302:‬‬
‫(‪ )25‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪532 /1‬‬
‫(‪ )26‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 167‬وجه‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪532 /1‬‬
‫(‪ )27‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/336 :2‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪128 -127 :‬‬
‫(‪ )29‬السيد علي الجرجاني‪ :‬حاشية على الكشاف‪1/533:‬‬
‫ولو تأمل الجرجاني نفسه في ما قاله لوجد هو أيضا أنه حمل النص على رأيه وهذا اتهام قل من يسلم منه من أهل التفسير‬
‫والتأويل‪.‬‬
‫ورأينا أنه ل حرج في ذلك ما دام النص يحتمل‪ ،‬وتلك قيمة المتشابهات في القرآن الكريم‪ .‬انظر ما سبق‪ 271 :‬وما يليها‬
‫(‪ )30‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪177‬قفا‬
‫ملحظة‪ :‬لقد نبه صاحب المنار إلى أن المفسرين ذهبوا إلى أن التكرار من باب التأكيد والولى أن يعلل تعليل نفسيا ‪ ،‬ومحوره‬
‫أن القصد من العادة إثارة النفوس حسب متطلبات السياق لن القرآن كتاب هداية ‪.‬ر‪ .‬تفسير المنار‪ 5/418 :‬ويطرب محمد جواد‬
‫مغنية لهذا التحليل وينقل نص المنار بحذافره‪.‬ر‪ .‬التفسير الكاشف‪.2/440 :‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 166‬قفا ورقة ‪177 :‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )32‬لقد جاءت هذه الجملة في سياق تخاصم أهل النار ردا من ال تعالى والية هي‪ ]:‬قال ل تختصموا لدي وقد قدمت إليكم‬
‫بالوعيد(‪)28‬ما يبدل القول لدي وما أنا بظلم للعبيد[ (‪ 50‬قَ‪.)29 -28‬‬
‫(‪ )33‬جاء في سياق توعد الغافلين عن العذاب] ول يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى‬
‫يأتي وعد ال إن ال ل يخلف الميعاد[(‪ 13‬الرعد ‪.)31‬‬
‫(‪ )34‬والسياق في حوار أهل الجنة وأهل النار والية هي‪ ]:‬ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا‬
‫فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم[(‪ 7‬العراف ‪)44‬‬
‫(‪ )35‬جاءت في سياق تبشير أولياء ال والية ] لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الخرة ل تبديل لكلمات ال ذلك هو الفوز‬
‫العظيم[(‪ 10‬يونس ‪.)64‬‬
‫(‪ )36‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ ،2/105 :‬انظر قضية أن الوعيد خبر أو إنشاء في ما بعد‪633 :‬‬
‫(‪ )37‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬قفا ‪.‬ر عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪278‬‬
‫(‪ )38‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/10 :‬‬
‫(‪ )39‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪6/513 :1‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪.3/76‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫والملحظ أن يوسف المصعبي لم يقف عند القضية عند شرحه لهذه اليات إل وقفة عابرة ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة‬
‫‪ 291‬وجه‪.‬‬
‫ويذهب المعتزلة نفس المذهب فيقول القاضي عبد الجبار ما يلي‪ " :‬ويدل على أن الوعيد الوارد عن ال ل يتبدل ول يتغير ‪ ،‬وأنه‬
‫ل يجوز أن يكون فيه إضمار وشرط ‪ ،‬ول أن يكون خارجا عن وجه التعمية ول يجوز فيه الخلف لن كل ذلك يقتضي التبديل ‪،‬‬
‫وقد أبى ال تعالى ذلك في وعيده ‪ ،‬وبين أنه وإن فعل ما توعد به فليس بظلم للعبيد لن لم يفعل بهم إل ما استحقوه من العقاب‬
‫على ما كان منهم من المعاصي "‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/626‬‬
‫(‪ )41‬انظر ما سبق ‪.271‬‬

‫‪ )2‬آيات مفادها أن العذاب على من كذب وتولى‪:‬‬

‫‪ ( -‬فأنذرتكم نارا تلظى ل يصلها إل الشقى الذي كذب وتولى) (‪. )42‬‬

‫‪( -‬إنا قد أوحى إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) ‪)43( .‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬فاتقوا النار التي وقودها والحجارة أعدت للكافرين) (‪. )44‬‬

‫وقد سلك السالمي مع هذه اليات مسلكا يتمثل في ذكر موقف من يرون القصر على صنف ‪ ،‬ثم‬
‫يجيب‪ :‬آية سورة الليل‪ :‬قال فقد قصر الرب تعالى النار على من كذب وتولى والفاسق يكذب‪.‬‬

‫الجواب (‪ : )45‬إن قصر إصلء النار إنما هو على الشقي وهو اسم شامل للمشترك والفاسق وما‬
‫بعد الشقي وهو وصف له‪ ،‬لم يتناوله القصر لكن فهم منه على سبيل الصفة وقد عرفت أن مفهوم‬
‫الصفة دليل ظني اختلف في وجوب العمل به فضل من أن يثبت به العلم العتقادي‪.‬‬

‫‪ -‬آية سورة طه‪ :‬وجوابه‬

‫" ليس في الية قصر العذاب على المكذب المتولي وغنما فيها إخبار عنه انه معذب وخص بالذكر‬
‫في الية لقتضاء المقام ذلك فإنه في خطاب فرعون لعنه ال فلو إن العذاب على من كذب وتولى أو‬
‫فعل كبيرة مع التصديق لم يناسب المقام"‪.‬‬

‫‪ -‬آية سورة البقرة‪ " :‬وصح استدلله بها لنه يخص اسم الكافر بالمشرك وجوابه‪ :‬ل نسلم‬
‫تخصيصه به فغن الفاسق كافر كفر نعمة ولو سلمنا اختصاص اسم الكافر بالمشرك لقلنا إن جوابها‬
‫كجواب التي قبلها" (‪. )46‬‬

‫ويقول صاحب قاموس الشريعة في شأن هذه الية ما يلي‪ ":‬الجواب هو إنا بينا أنه ل يجب أن يحكم‬
‫بأن المتروك حاله خلف المذكور وإذا كان كذلك لم يدل قوله تعالى ( أعدت للكافرين) أنها لم تعد‬
‫لغيره وذلك يسقط التعلق" (‪. )47‬‬
‫ويمر محمد اطفيش على آية سورة البقرة دون أن يشير إلى القضية إل انه صرح في آية سورة‬
‫الليل بما يلي‪ ":‬والحصر إضافي أي إنما يدخل المشرك الشقي ل الموحد المطيع فيبقى الموحد‬
‫الفاسق لم يذكر فيؤخذ حكمه من الي الخر والحاديث وهو دخول النار وعدم الخروج" (‪. )48‬‬

‫وإنه لمن نفل القول أن نذكر أن المسلك واحد وأساسه استغلل الي لسياق الفكر العام لدى كل‬
‫جماعة والمتشابه يحتمل كل هذه الوجوه‪.‬‬

‫كما نلحظ أن حجج الباضية هي نفس حجج المعتزلة وما دام الموقف واحدا فل حرج في ذلك‪،‬‬
‫يبقى أن السالمي جعل كل هذه النصوص في سياق واحد مما جعل الموقف أكثر وضوحا‪ ،‬ول يجب‬
‫أن نغفل عن حقيقة أساسية وهي الختلف في السماء فمدلول كلمتي " كافر" و" فاسق" يختلف‬
‫كما رأينا (‪ )49‬من فرقة إلى أخرى‪.‬‬

‫وقبل أن نختم القول مع هذا المسلك من الحتجاج القرآني يحسن أن نذكر مجموعة أخرى من‬
‫اليات مفادها إنفاذ الوعيد في عصاة أهل الصلة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )3‬مرتكب الكبيرة وآيات الوعيد (‪: )50‬‬

‫‪ ( -‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (‪. )51‬‬

‫‪ ( -‬ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا) ‪)52( .‬‬

‫‪ ( -‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له عذابا أليما) ‪.‬‬
‫(‪)53‬‬
‫هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن‬
‫عمدا‪.‬‬

‫هذه ثلثة كبائر تجمع الفرق على أنها كبائر وهي أكل أموال اليتامى والناس بالباطل وقتل المؤمن‬
‫عمدا‪.‬‬

‫ويقول أبو عمار في شأن هذه اليات وآيات أخرى (‪ " : )54‬وهذا كله في كتاب ال عز وجل وعيد‬
‫لهل الكبائر من أهل الملة على كبائرهم‪ ،‬أو يقول قائل إنه وعيد للمشركين على هذه الكبائر‪ ،‬وليس‬
‫بوعيد لهل الكبائر من أهل التوحيد؟ ويقال عند ذلك فكذلك النهي عن هذه الكبائر إنما هو نهي‬
‫للمشركين‪ ،‬وليس هو لهل الكبائر من أهل التوحيد لما كان هذا الوعيد جاء مقرونا بالنهي ول يجد‬
‫في ذلك فرقا أبدا مع ما في قوله بذلك من الفساد الذي ل يتوهم غايته ول تكيف نهايته إذا كان‬
‫الوعيد للمشركين أن يكون ال غنما حض المشركين على أل يولوا أدبارهم للمسلمين ويتوعدهم‬
‫على أن يفعلوا ذلك فيقول‪ :‬ومن يولي دبره من المشركين للمؤمنين فقد باء بغضب من ال ومأواه‬
‫جهنم وبئس المصير‪...‬وهذا من الهذيان الذي ل يتكلم به المجنون المغلوبون على عقولهم أو من‬
‫هو في مثل حالهم" (‪. )55‬‬

‫وينقل يوسف المصعبي ما جاء عند الزمخشري ومفاده أن الية من الدلة القطعية على إنفاذ الوعيد‬
‫في أهل الصلة ويختم السياق بتعجب ممن يرون خلف الوعيد كما يلي‪ ":‬والعجب من قوم يقرأون‬
‫هذه الية ويرون ما فيها‪ ...‬ثم ل تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل‬
‫إليهم مناهم‪ ،‬أن يطعموا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة‪)56( "...‬‬

‫ويذكر عمرو التلتي بعد إيراد مثل هذه النصوص أن " القول بحمل تلك النصوص على خلف‬
‫ظاهرها غير معول عليه" (‪. )57‬‬

‫وكذلك يبين السالمي أن الوعيد يشمل مرتكبي الكبائر وهم كفار نعمة حسب المصطلح الباضي (‬
‫‪. )58‬‬

‫ويتبنى جميل السعدي موقف أبي عمار في التحدي والتهكم إلى أن يقول‪ ":‬ولعمري إن من زعم أن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط الحساب صراحا لن المحارم إنما‬
‫تتقي من اجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقط أباحها" (‪. )59‬‬

‫ولم يشر محمد اطفيش إلى هذه القضية الكلمية عند تفسيره لهذه اليات (‪. )60‬‬

‫واضح من خلل هذا التحليل أن حجج الباضية والمعتزلة أقرب إلى الظاهر في هذه اليات وان‬
‫الرازي اضطر في ردوده إلى أن يستعمل حجج المعتزلة في تفسيق المؤمن للرد عليهم فحمل الية‬
‫أكثر مما تتحمل‪.‬‬

‫والحق‪ -‬حسب ما رأينا‪ -‬وغن كانت المجموعتان السابقتان تحتملن مختلف وجوه التأويل لن‬
‫ظاهرها واضح فهي تستهل بنداء المؤمنين ثم تذكر المعصية وما ينتظرها من عذاب مبين‪ ،‬وغاية‬
‫القائلين بعدم إنفاذ الوعيد أن يرجعوا إلى القول بالعذاب المؤقت فالخروج من النار من طريق الفضل‬
‫أو الشفاعة وهو مال يقول به الباضية‪.‬‬

‫وبعد الستدلل بالقرآن الكريم يأتي الستدلل بالحديث الشريف؟‪.‬‬

‫الحجج النقلية من الحديث الشريف‪:‬‬

‫إن المتمتع لما عرضه الباضية وغيرهم من الدلة النقلية يلمس بوضوح وفرة النصوص القرآنية‬
‫وندرة الحتجاج بنصوص الحديث وذلك أن جل الحاديث المتعلقة بالموضوع لم تبلغ درجة التواتر‬
‫لكنه يلجا إليها من حين لخر لمؤازرة النص القرآني وتقويته‪.‬‬

‫وقدن أوردنا بعضا من الحاديث التي تتوعد مرتكبي الكبائر بالنار ونضيف إليها قول صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬القليل من أموال الناس يورث النار" (‪. )61‬‬

‫يذكر السالمي أن الحديث بهذا النص تفرد به الربيع وقد جاء معناه في عدة أحاديث ( منها ما رواه‬
‫البخاري في باب إثم من ظلم شيئا من الرض) عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬من أخذ من الرض ومصداقه في حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" ورواه‬
‫أحمد أيضا ومصداقه في قوله تعالى‪ ( :‬إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم‬
‫نارا وسيصلون سعيرا) (‪ 4‬النساء ‪ .)10‬عن أبي برزة‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬‬
‫يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا‪ ،‬فقيل يا رسول ال من هم؟ قال‪ :‬ألم تر أن ال‬
‫يقول‪ (:‬إن الذين يأكلون)"‪. )62( . ..‬‬

‫والمهم تعليق السالمي بعد شرح الحديث بقوله‪ ":‬وأحاديث الباب (‪ )63‬قاطعة بتعذيب الظالم إذا‬
‫مات على ظلمه فهي حجة على المرجئة مع اعترافهم بصحتها" (‪. )64‬‬
‫كما يمكن أن نذكر حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬من كذب علي معتمدا فليتبوأ مقعده من‬
‫النار" (‪. )65‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ولم يلح المحشي كثيرا على قضية الوعيد إل انه نقل ما يدل على التمييز بين من كذب على الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ومن كذب على غيره ومن ذلك‪ :‬قال الطيبي‪ :‬والمعاصي توعد عليها بالنار‪...‬‬

‫الجواب الثاني‪ ...:‬ول يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه وكذب على غيره أن يكون‬
‫مقرهما واحدا أو طول إقامتهما سواء ‪ ،‬فدل قوله صلى ال عليه وسلم (فليتبوأ) على طول القامة‬
‫بل ظاهره انه ل يخرج منها لنه لم يجعل له منزل غيره‪.‬‬

‫ويعلق المحشي ‪ ":‬أقول هذا هو الحق‪ ،‬وما ذكره (أي الطيبي وهو ليس من الباضية) من خروج‬
‫العصاة باطل" (‪. )66‬‬

‫ويعلق السالمي على هذا الحديث المذكور بما يشبه ما علق به على الحديث السابق وبصيغة أعم‪" ،‬‬
‫والحديث يدل على القطع بتعذيب أهل الكبائر وتخليدهم في النار‪ ،‬وهو حجة على من خالفنا في ذلك‬
‫وال أعلم"‪)67( .‬‬

‫وانظر إلى الوعيد القطعي الذي يصبه الرسول صلى ال عليه وسلم على من يدعي انه من أهل‬
‫الجنة‪ " :‬من قال أنا من أهل الجنة فهو من أهل النار" ‪.‬‬

‫ويعلل السالمي هذا الحكم بأنه حكم بالغيب وادعاء ما ليس لـه وذلك كبيرة توجب دخول النار ويختم‬
‫بما يلي‪ ":‬وفي الحديث وجوب الخوف والرجاء لن القطع بأحد الطرفين من غير وحي كفر" (‪)68‬‬
‫‪.‬‬

‫ويستشهد محمد اطفيش عند تفسيره لقوله تعالى‪ ( :‬ول تقتلوا أنفسكم) (‪ 4‬النساء ‪ )29‬بحديثي‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ -‬من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا (‪ . )69‬ومن قتل‬
‫نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا أبدا (‪. )70‬‬

‫ولم يعلق عليهما إل أن مواطن الستشهاد في تقرير إنفاذ الوعيد إذ الية تختم بقوله تعالى ( ومن‬
‫يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على ال يسيرا) (‪. )71‬‬

‫ويورد المحشي في حاشية الترتيب ما يلي‪ ":‬قال الربيع بن حبيب قال جابر بن زيد يروي عن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬ل يدخل الجنة مخنث ول ديوث ول فحلة النساء ول‬
‫الركاضة‪.‬‬

‫قيل وما الركاضة يا رسول ال؟ قال التي ل تغار" (‪. )72‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قوله ‪" :‬ل يدخل الجنة مخنث‪ "....‬وجه الدليل منه أن من لم يدخل الجنة كان من أهل النار ومن‬
‫كان من أهل النار فهو كافر لقوله تعالى‪ ( :‬النار وعدها ال الذين كفروا) (‪ 22‬الحج ‪ )72‬فعلم منه‬
‫انه ل يدخل النار إل كافر ولذلك قال الشيخ أبو نصر‪( :‬طويل)‬

‫وروي في الجامع الصغير من كتب قومنا في هذا عدة أحاديث منها " ل يدخل الجنة إل رحيم" (‬
‫‪ )73‬ومنها " ل يدخل الجنة قاطع رحم" (‪ )74‬ومنها " ل يدخل الجنة خب" (‪ " )75‬ول بخيل ول‬
‫منان‪)76( . ..‬‬

‫وتأولها الشارح على قاعدة مذهبهم الفاسد من انه محمول على المستحل ليكون شركا لن الكفر‬
‫عندهم هو الشرك أو ل يدخل الجنة مع السابقين إليها أو ل يدخلها حتى يعاقب إل أن يغفر اله له‬
‫ولول التأويل لشركوا" (‪. )77‬‬

‫كما يعلق المحشي على ما أورده ابن حجر من شروح لقول الرسول عليه السلم‪ " :‬إذا قال رجل‬
‫لرجل أنت عدوي فقد كفر أحدهما" (‪ )78‬بقوله " ثم لما كان الكفر عندهم خاصا بالشرك احتار في‬
‫تأويل هذه الحاديث المصرحة بكفر الموحد‪. )79( "...‬‬

‫كما يعدد المحشي من ل يكلمهم ال يوم القيامة وهؤلء الذين غضب ال عليهم نفذ فيهم الوعيد‬
‫أقول‪ ":‬والذي يتحصل مما ذكره في الجامع فيمن ل يكلمهم ال يوم القيامة ول ينظر إليهم نحو‬
‫تسعة عشر صنفا‪ :‬وهم المسبل إزاره خيلء والمنان الذي ل يعطي شيئا إل منة‪ ،‬والمنفق سلعته‬
‫بالحلف الكاذب‪ ،‬ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقطع بها مال امرئ مسلم (‪ ، )80‬ورجل‬
‫بايع رجل سلعة بعد العصر حلف لـه بال لقد أعطي لـه فيها كذا وكذا الخ‪ ،‬ورجل حلف على سلعته‬
‫لقد أعطي فيها أكثر مما أعطي وهو كاذب‪ ،‬ورجل منع فضل مائه ورجل على فضل ماء بالفلة‬
‫يمنعه من ابن السبيل‪ ،‬ورجل بايع إماما ل يبايعه إل للدنيا وشيخ زان‪ ،‬وملك كذاب‪ ،‬وعائل سكير‪،‬‬
‫والعاق لوالديه‪ ،‬والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ‪ ،‬والديوث‪ ،‬ومدمن الخمر‪ ،‬وحر باع حرا‪ ،‬وحر‬
‫باع نفسه‪ ،‬ورجل أبطل كراء أجير حين جف رشحه" (‪. )81‬‬

‫هذا وإن اعتمد الباضية أحاديث تعزز موقفهم فقد اعتمد غيرهم أحاديث تدعم رأيهم في عدم إنفاذ‬
‫الوعيد وفي ذلك يقول صاحب قاموس الشريعة‪ ":‬وقد صح في آيات الوعيد لفسقة المؤمنين‬
‫روايات معهم موافقة على ثبوته فيهم وروايات على العفو عنهم‪ ،‬وروايات بالشفاعة وروايات‬
‫بتعذيبهم على قدر أعمالهم فصح أن روايات كثيرة معهم غير صحيحة لنها روايات تناقض بعضها‬
‫بعضا متى صحت واحدة كذب ما خالفها ل محالة" (‪. )82‬‬

‫وتبقى القضية حينئذ محل أخذ ورد بالنسبة الى الحتجاج بالحديث وذلك لختلف الروايات‬
‫والباضية مثل غيرهم تجمع لديهم كما بينا رصيد من الحديث يدعم قولهم بإنفاذ الوعيد‪ .‬ومن الدلة‬
‫النقلية فإلى الدلة العقلية‪.‬‬
‫=======================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ 92 )42‬الليل ‪ 16 -15 -14‬جاءت اليات متكاملة‪.‬‬


‫(‪ 20 )43‬طه ‪ 48‬جاءت في سياق تبليغ موسى وهارون الدعوة لفرعون‪.‬‬
‫(‪ 2 )44‬البقرة ‪24‬جاءت في سياق يدعو الناس عامة إلى الخضوع إلى ال تعالى ولي النعم ويتحدى المشركين بأن يأتوا بسورة‬
‫من مثل القرآن الكريم فإن عجزوا فل سبيل إل الخشية من العذاب‪.‬‬
‫(‪ )45‬لقد ذكر ثلثة إجابات اكتفينا بذكر جواب منها‪.‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لم يتعرض يوسف المصعبي للقضية تماما عند تفسير هذه اليات ر‪ .‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 22‬قفا‪ ،‬ورقة‬
‫‪ 469‬وجه ‪ .‬لذلك اعتمدنا على السالمي‪ ،‬واخترناه للمامه بالقضية وجمعه بين كل هذه اليات في سياق واحد‪.‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪300 :‬‬
‫(‪ )47‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/18 :‬‬
‫(‪ )48‬امحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد ‪ 1/359 ،2‬ر‪ .‬تيسير التفسير ط ‪613 -6/612 ،1‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لم يهتم مغنية في تفسيره بهذه القضية في سورة البقرة م ‪ 1‬ص ‪ 65‬لكن الرازي رد بوضوح على المعتزلة فقال‪]:‬‬
‫أعدت للكافرين[ وليس فيه ما يدل على أن هناك نيرانا أخرى غير موصوفة بهذه الصفات معدة لفساق أهل الصلة"‪ .‬التفسير‬
‫الكبير‪2/122 :‬‬
‫أما آية سورة الليل فقد ألح كل من الزمخشري‪ 262 -4/261 :‬والقاضي عبد الجبار في تنزيه القرآن عن المطاعن‪،466 -465 :‬‬
‫وفي متشابه القرآن ‪ 2/692‬على أن السياق ل يخرج فساق أهل الصلة‪.‬‬
‫ويتأول الرازي حجج القاضي حجة حجة فيضفها ثم يقرر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬ل يصلها ‪ :‬ل يلزمها في حقيقة اللغة‪ ،‬يقال صلى الكافر النار إذا لزمها مقاسيا شدتها وحرها‪ ،‬وعندنا أن هذه الملزمة ل‬
‫تثبت إل للكافر ‪ ،‬أما الفاسق فإما أل يدخلها ‪ ،‬أو إن دخلها تخلص منها‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يخص عموم هذا الظاهر باليات التالية على وعيد الفاسق ‪ 29/204.‬إل أن جواد مغنية ‪ 7/575‬ينطلق من تفسير عبده‬
‫ليقارن بين الشقي والشقى ثم يقول‪ " :‬والتفاوت بين الشقي والشقى إنما هو في أليم العذاب وشدته ل في أصل العذاب‪ ،‬وعليه‬
‫يكون المراد بالشقى هنا من عصى ال وأعرض عن أمره سواء أعرض عنه لن ل يؤمن بال وشريعته أم آمن به وبشريعته‬
‫ولكنه قصر وتهاون‪ ،‬ل فرق بين الثنين لن اليمان وسيلة للعمل وليس غاية في نفسه‪ ،‬فقد ثبت بنص القرآن أن من آمن ولم‬
‫يعمل فهو والكفر بمنزلة سواء قال تعالى‪ ]:‬ل ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا[ (‪ 6‬النعام‬
‫‪ )158‬أي لم تؤمن إطلقا أو آمنت ولم تعمل‪.‬‬
‫(‪ )49‬انظر ما سبق ‪506‬‬
‫(‪ )50‬ل يمكن أن نذكرها كلها وإنما نكتفي بذكر ما جاء في سورة النساء‪.‬‬
‫(‪ 4 )51‬النسائي ‪ 10‬جاءت الية في سياق توزيع الميراث والظلم في ذلك‪.‬‬
‫(‪ 4 )52‬النسائي ‪ 30‬والوعيد للذين يأكلون الموال بينهم بالباطل‪.‬‬
‫(‪ 4 )53‬النسائي ‪ 93‬والسياق في حكم كفارة من يقتل أخاه المؤمن خطأ‪.‬‬
‫(‪ )54‬مثل قوله تعلى‪ ] :‬يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فل تولوهم الدبار‪ ،‬ومن يولهم يومئذ دبره إل متحرفا‬
‫لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من ال ومأواه جهنم وبئس المصير[(‪ 8‬النفال ‪.)16‬‬
‫(‪ )55‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪113 -2/122 :‬‬
‫(‪ )56‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 175‬وجه ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .1/554 :‬والملحظ أن‬
‫المصعبي لم يتعرض للقضية مع اليتين ‪10‬و ‪ 30‬من سورة النساء ‪.‬ر‪ .‬ورقة ‪ 156‬وجه وورقة ‪ 156‬وجه وورقة ‪ 162‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )57‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 107‬قفا ‪.‬ر عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪278‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق ‪299‬‬
‫(‪ )59‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/7 :‬‬
‫(‪ )60‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪2/272 ،2‬و ‪310‬و ‪.385‬‬
‫والملحظ أن القاضي عبد الجبار لم يتعرض لقضية إنقاذ الوعيد في أهل الكبائر في تنزيه القرآن عن المطاعن‪88 :‬و ‪93‬و ‪104‬‬
‫وقد نقلنا رأي المعتزلة عن الزمخشري ‪ .‬وكذلك لم يقف محمد جواد مغنية في تفسير الكاشف عند القضية ر‪2/260 .‬و ‪304‬و‬
‫‪.408‬‬
‫أما الرازي فقد رد على المعتزلة بشدة وبين أن الوعيد مختص بالكفار ر‪ .‬التفسير الكبير ‪ .10/73‬وكذلك سلك القرطبي نفس‬
‫المسلك ر‪ .‬أحكام القرآن ‪5/154‬و ‪158‬و ‪.334‬‬
‫(‪ )61‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/66‬عدد ‪ .690‬لم يتعرض المحشي عند شرح هذا الحديث لقضية الوعيد ر‪ .‬حاشية‬
‫الترتيب ‪ .6/115‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك في المعجم المفهرس‪.‬‬
‫(‪ )62‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ 32/494:‬تعليق ‪ 495‬والحديث المستشهد به لم يرد عند ونسنك‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )63‬وهو باب الوعيد في الموال‪.‬‬


‫(‪ )64‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪3/495:‬‬
‫(‪ )65‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ج ‪ 2‬عدد ‪. 639‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬علم ‪ ،38‬جنائز ‪ ،33‬أنبياء ‪ ،50‬أدب ‪ .109‬مسلم ‪ :‬زهد‬
‫‪ ،72‬أبو داود ‪ :‬علم ‪ .4‬الترمذي‪ :‬فتن ‪ ،70‬علم ‪ 13 ،8‬تفسير الفاتحة ‪ ،1‬مناقب ‪ ،19‬ابن ماجة مقدمة ‪ .4‬الدارمي مقدمة ‪46 .25‬‬
‫أحمد بن حنبل ‪ ...2/47‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪5/10 :‬‬
‫(‪ )66‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪6/256:‬‬
‫(‪ )67‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ .3/600:‬ويشير الشارح إلى أن هناك من حكم بالشرك على من يكذب على رسول‬
‫ال ‪ e‬ومن ها هنا اختلف قومنا في تشريك الكاذب على رسول ال ‪ e‬وفي قبول توبته (أ) وعندنا أنه ل يشرك بل يكفر كفر نعمة‪،‬‬
‫وأن توبته بشرطها مقبولة"‪.‬‬
‫أ) ويعلق المحقق –التنوخي‪ -‬بما يلي ‪ :‬علينا أل نحسب أن تشريك المسلم هين بل هو عند ال عظيم ‪ ،‬يفعل ذلك المتألون كما مر‬
‫بنا (ب) على ال الرحيم الغفار يقولون هذا في الجنة وهذا في النار فالذي يطمئن إليه القلب ويرضى عنه الرب أن نجعل هذا‬
‫الكفر كفر نعمة ل كفر إلحاد برب العباد‪ ،‬ولو شددنا في التفكير لخرجنا اكثر مسلمي هذا العصر من اليمان ‪ ،‬ولحجرنا واسعا‬
‫على المسلم في التشديد في الكذب‪ ،‬ول سيما بعد أن عم البلء‪ ،‬فلنرحم من في الرض يرحمنا من في السماء‪.‬ر‪ .‬عبدال السالمي‬
‫‪ :‬شرح الجامع الصحيح ‪3/600 :‬‬
‫ب) (كما مر بنا إشارة إلى حديث الرسول عليه السلم" ويل للمتألين من أمتي الذين يقولون فلن في الجنة وفلن في النار"‪.‬‬
‫" وجاء في اللسان(أل) وقد تأليت وائتليت وآليت على الشيء وآليته على حذف الحرف‪ :‬أقسمت وفي الحديث‪ :‬ومن يتأل على‬
‫ال يكذبه أي من حكم عليه وحلف كقولك وال ليدخلن ال فلنا النار‪ ،‬وينجحن ال ويقولون ‪ :‬فلن في الجنة وفلن في النار‪.‬‬
‫عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪ 3/597 :‬تعليق عدد ‪ 1‬للتنوخي‪.‬‬
‫(‪ )68‬والحديث ‪ ":‬من قال أنا أهل الجنة فهو من أهل النار" جاء عند الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/737‬ص ‪ .73‬ويذكر‬
‫عبدال السالمي أنه الحديث الثاني في البخاري من باب ( الدخول على الميت بعد الموت إذا ادرج في كفنه) ‪.‬ر‪ .‬شرح الجامع‬
‫الصحيح ‪ 597 -3/596‬مع تعليق المحقق عدد ‪ 2‬ويصعب التمييز عند ونسنك بين هذا الحديث وغيره لنه جمع كل الحاديث التي‬
‫ورد فيها ذكر "أهل الجنة "‪ .‬تحت عنوان واحد ‪.‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪.1/377‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ .‬مسلم إيمان ‪ .175‬الترمذي طب ‪ .7‬النسائي‪ :‬جنائز ‪ ،68‬الدارمي الديانات ‪ . 10‬أحمد بن حنبل ‪. 2/254‬ر‪ .‬ونسنك‪:‬‬
‫المعجم المفهرس ‪.250 /2‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ .83‬أدب ‪ 73 .44‬مسلم إيمان ‪ 177 .175‬الترمذي‪:‬إيمان ‪ ،16‬طب ‪ .7‬النسائي إيمان ‪ .31 .7‬جنائز ‪68‬‬
‫الدارمي‪ :‬ديات ‪ .10‬أحمد بن حنبل ‪. 2/254‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 5/268‬انظر ما يلي ‪.746 :‬‬
‫(‪ )71‬النسائي ‪.30‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪. 310 -2/309 ،2‬‬
‫(‪ )72‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/2‬عدد ‪ .743‬لم يرد هذا الحديث عند ونسنك بهذه الصيغة لكن جاء بصيغة اللعن"‬
‫لعن النبي المخنثين من الرجال‪ ".‬البخاري‪ :‬لباس ‪ ،62‬حدود ‪ 33‬الترمذي أدب ‪ .34‬الدارمي ‪ :‬استئذان ‪ ،21‬أحمد بن حنبل ‪/1‬‬
‫‪. 225‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪ .86 /2‬وجاء أن الديوث ممن ل ينظر ال إليهم يوم القيامة ‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.128 .69 ،134 /2‬‬
‫النسائي ‪. 69‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪ 162 /2 :‬انظر ما سبق‪.537 :‬‬
‫(‪ )73‬لم يذكره ونسنك لكن نجد نصا قريبا منه وهو "إنما يرحم ال من عباده الرحماء" ر‪ .‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ ،32‬إيمان ‪،9‬‬
‫مرضى ‪ ،9‬توحيد ‪...25‬ر‪ .‬المعجم المفهرس ‪2/237‬‬
‫(‪ )74‬ر‪ .‬مسلم بر ‪ .19 .18‬أحمد بن حنبل ‪ 229 /4 .83 ,3/14 ،284 /2 :‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪2/237‬‬
‫(‪ )75‬الخب ‪ :‬من خب يخب خبا‪ :‬خدع وغش فهو خب‪(.‬المعجم الوسيط)‬
‫(‪ )76‬ر‪ .‬الترمذي‪ :‬بر ‪ .41‬أحمد بن حنبل ‪ 7 ،1/4‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪6/273‬‬
‫(‪ )77‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪7/1:‬و ‪2‬‬
‫(‪ )78‬ولفظه في البخاري‪ :‬إذا قال الرجل لخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ر‪ .‬البخاري أدب ‪ ،.73‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ ،111‬الموطأ‪:‬‬
‫كلم ‪ .1‬أحمد بن حنبل ‪ 60 .44 .2/18‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪6/41‬‬
‫(‪ )79‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪14 -7/13 :‬‬
‫(‪ )80‬قال الخطابي‪ :‬خص وقت العصر بتعظيم الثم فيه وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة في كل وقت لن ال عظيم شأن هذا‬
‫الوقت بأن جعل الملئكة تجتمع فيه وهو وقت ختام العمال والمور بخواتمها ‪.‬‬
‫(‪ )81‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ .7/32:‬ويقصد بذلك من ماتوا على ذلك وإل فمن تاب تاب ال عليه‪.‬‬
‫(‪ )82‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 6/37 :‬ومن الحاديث المعتمدة عند القائلين بعدم إنقاذ الوعيد قوله ‪ ": e‬من‬
‫وعده ال على عمل ثوابا فهو منجز له‪ ،‬ومن أوعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن شاء عذبه وإن شاء غفر له"‪ .‬ر‪ .‬البخاري ‪:‬‬
‫تفسير سورة الممتحنة ‪ ،3‬توحيد ‪ ،31‬حدود ‪ ،14 -8‬مسلم حدود ‪ ،16‬إيمان ‪ .11‬النسائي‪ :‬صلة ‪.6‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪4/163‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومنها أيضا ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري‪ :‬قال‪ :‬قال رسول ال ‪ ": e‬أما أهل النار الذين هم أهلها فيها فإنهم ل يموتون‬
‫فيها ول يحيون‪ ،‬ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجيء‬
‫بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل"‪( .‬الحبة بالكسر‪:‬‬
‫واحد الحب وهو بزر ما ل يقتات كبزر الرياحين ‪ .‬حميل السيل‪ :‬ما يحمل من الغثاء والطين‪ .‬ضبر الشيء ‪ :‬جمعه ‪.‬ر‪ .‬القرطبي‪:‬‬
‫أحكام القرآن‪ )5/54 :‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .306‬ابن ماجة زهد ‪ . 37‬أحمد ‪ 20 /3‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.7/25 :‬‬

‫الدلة العقلية‪:‬‬

‫يصعب أن نجد أدلة عقلية صرفا في علم الكلم وإنما هي في الحقيقة أدلة مركبة العقل والسمع‪ .‬جاء‬
‫العقل فيها منطلقا من النقل مؤازرا له لذلك فبعد أن عرضنا الدلة النقلية الصرف يحسن أن نقف‬
‫عند الدلة التي يغلب عليها طابع العقل‪ ،‬ومنطلقنا في هذه القضية ما قاله اليجي في تلخيص‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مواقف القائلين بإنفاذ الوعيد والرد عليهم‪":‬‬


‫وأما العقاب ففيه بحثان‪:‬‬

‫الول‪ :‬أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة (‪ )83‬لوجهين‪ :‬الول أنه أوعد‬
‫بالعقاب وأخبر به‪ ،‬فلو لم يعاقب لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره وأنه محال‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬غايته وقوع العقاب فأين وجوبه‪.‬‬

‫الوجه الثاني‪ :‬إذا علم المذنب أنه ل يعاقب على ذنبه كان ذلك تقريرا له على ذنبه وإغراء للغير‬
‫عليه وأنه قبيح مناف لمقصود الدعوة‪.‬‬

‫الجواب‪ :‬منع تضمنه للتقرير والغراء إذ شمول الوعيد وتعريض الكل للعقاب وظن الوفاء بالوعيد‬
‫فيه من الزجر والردع ما ل يخفى واحتمال العفو عن البعض احتمال مرجوحا ل ينافي ذلك" (‪. )84‬‬
‫لقد أفلح اليجي في تلخيص هذه المواقف واكتفى بإيراد دليلين ترجع إليهما بقية الدلة لذلك سنسلك‬
‫نفس المسلك ونتأمل في مدى قوة ردوده أمام حجج القائلين بإنفاذ الوعيد‪.‬‬

‫أول‪ :‬موقف الباضية من خلف الوعيد‬

‫‪ )1‬خلف الوعيد كذب وأمر قبيح‪:‬‬

‫إن اعتبر القائلون بخلف الوعيد أنه مدح في حق ال تعالى فقد رد عليهم القائلون بإنفاذ الوعيد‪-‬‬
‫والباضية منهم‪ -‬بأنه من أكبر النقائض ومما جاء في هذا الصدد عند أبي عمار‪ ":‬فلو كان وعده أو‬
‫وعيده مبدل أو محول أو مستثنى فيه لكانت جميع أخباره جل جلله ذات تكاذب وتناقض وهل الوعد‬
‫والوعيد إل إخبار منه عز وجل بأنه اعد للفريقين ما وعدهم بع وتوعدهم بع وقال‪ ( :‬واتقوا النار‬
‫التي أعدت للكافرين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )131‬وقال‪ ( :‬قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها ال الذين‬
‫كفروا) (‪ 22‬الحج ‪ )72‬وكيف يخبر بأنه أوعد ما لم يوعد أو وعد ما لم يعد؟ أو يكون يعد ويوعد ثم‬
‫ل يفي بما وعد ما لم يوعد؟ ول يوجد شيء من ذلك على ما أخبر به‪ ،‬وهذا غاية الوصف ل عز‬
‫وجل جلله بالكذب تعالى ال عما يقول المبطلون علوا كبيرا‪ ،‬وقال ال عز وجل في إبليس ( يعدهم‬
‫ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إل غرورا) (‪ 4‬النساء ‪ )120‬فحاشا ل أن تكون مواعيده كمواعيد‬
‫الشيطان" (‪. )85‬‬

‫ويقول المحشي في هذا الشأن ما يلي‪ ":‬والحجة عليهم قوله تعالى‪ ( :‬ما يبدل القول لدي) (‪ 50‬ق‬
‫‪ )29‬يعني أن هذا إخبار من ال تعالى ولبد من وقوعه وإل لزم الكذب فإن لم يصدق فعله قوله فهو‬
‫كاذب" (‪ 85‬مكرر ‪.‬‬

‫ويورد صاحب قاموس الشريعة ما يلي‪ ":‬فإن قال قائل إن ال تعالى ينجز وعده ويبطل وعيده‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قيل له‪ :‬إنه قال‪ :‬إنه يجازي عصاة عبيده أعمالهم السيئة إذا لم يتوبوا منها وهو يعلم أنه يوقع بهم‬
‫الجزاء ولبد لهم من ذلك‪ ،‬أو يكون قال ذلك وهو ل يدري أنه يوقعه بهم أم ل‪ ،‬أو يكون قال ذلك‬
‫وهو يعلم أنه ل يوقعه‪ ،‬فإن كان قاله وهو يعلم أنه يوقعه بهم فهذا هو الكذب وال يتعالى عن ذلك‬
‫علوا كبيرا لن من هذه صفته مذموم وقد ذم ال قوما بقوله‪ ( :‬لم تقولون مال تفعلون كبر مقتا عند‬
‫ال أن تقولوا مال تفعلون) (‪ 61‬الصف ‪.)3‬‬
‫فكيف يجوز أن يوصف ال تعالى بما ل يجوز أن يوصف به الكريم من خلقه وهو العز الكرم الذي‬
‫له الصفات العل والسماء الحسنى في الخرة والدنيا‪.‬‬

‫وإذا كان قال‪ :‬إني أفعل بهم وأعاقبهم على معاصيهم وهو ل يدري يعاقبهم عليها أم ل فهذه صفة‬
‫الجاهل الذي ل يعلم ما يكون وال سبحانه عالم بما يكون" (‪. )86‬‬

‫والملحظ أن وجه الخلف بين القائلين بالخلف وبين الباضية يتمثل في أن القائلين بالخلف يرون‬
‫أن الكذب ل يتعلق إل بالماضي (‪ )87‬بينما يرى الباضية أن ‪ ":‬الكذب في الحقيقة هو الخبر عن‬
‫الشيء على خلف ما هو به‪ ،‬أو هو الخبر غير المطابق للواقع سواء كان ذلك في الماضي أو‬
‫المستقبل" (‪. )88‬‬

‫وبهذا نتبين أن الباضية يعتبرون أن الخلف ضرب من الكذب وهو أمر قبيح ل يليق بال تعالى كما‬
‫يرفضون القول بالبداء‪.‬‬

‫‪ )2‬قضية البداء (‪: )89‬‬

‫ويرد أبو عمار على من يعتبر أن خلف الوعيد من الكرم والجود والفضال (‪ )90‬كما يلي‪ ":‬قيل‬
‫لـه‪ :‬ويحك قد ناظرت ما لم يكن نظيرا وشبهت ما ليس بشبيه‪ ،‬وذلك أن أحدا منا قد يعد ويوعد وهو‬
‫ل علم له بالذي تصير إليه عاقبة وعده وتوعده ثم يكون من بعد ذلك تبدو لـه أمور يتبين بها أن‬
‫عاقبة وعيده إذا هو أمضاه تصير إلى فساد وتنتهي إلى هلك فيرى أن الخلف للذي توعد به أصلح‬
‫من إمضائه وإتمامه فيقصر عندما بدا لـه من إنجاز ما توعد به وال عز وجل غير موصوف بأن‬
‫يكون يجهل عاقبة أمر من المور فيكون يبدو له ما لم يكن يعلم من ذلك" (‪. )91‬‬

‫ويتعرض الصدغياني لهذه القضية بلهجة حادة مثل قوله‪ ":‬وانتم الشعرية أبطلتم الوعيد لهل‬
‫الكبائر وقلتم ذهب الوعيد في البيد" (‪ )92‬ومثل قوله‪ -‬وقد جمع بين المرجئة والشاعرة‪ :-‬وانتم‬
‫الشعرية والمرجئة اجترحتم واذهبتم الوعيد بالبيد‪ ،‬أقبح بهم من عبيد وصفوا ال بصفة الدميين‬
‫ومع ذلك ل يتقون ال ومعنى البداء ظهر وقد بدا أي ظهر لمعبودهم أمر قد خفي عنه وعجز حتى ل‬
‫ينفذ ما توعد به فحاشا ربنا من ذلك ومن وصف ال بالبدا قد وصفه بالجهل لنه خفي عليه أمر‬
‫حتى ظهر فرأى مصلحته في رجوعه كملوك الدنيا ربما يوعد ويرى أنه تدخل عليه وعثة في ملكة‬
‫فيقف ويرجع‪ ،‬ما أبعد مذهب من قال بهذا بعدما قلنا لهم‪)94( " )93( ...‬‬
‫كما يتعرض المحشي لهذه القضية بقوله‪ ":‬فما ذكروه من الخلف في الوعيد نوع من البداء تعالى‬
‫ال عن ذلك علوا كبيرا" (‪. )95‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )3‬قضية المدح والرحمة‪:‬‬

‫وإن حلت المصادر الباضية على قضية امتناع البداء عن ال تعالى فهي تعتبر خلف الوعيد أمرا‬
‫قبيحا وهي بذلك ترد بشدة على من اعتبر خلف الوعيد من باب الرحمة وبالتالي يمدح صاحبه‬
‫ويحمد على ذلك ومن ذلك ما جاء عند أبي عمار في ما يلي‪ ":‬ولعله يقول‪ :‬أوليس ال جل جلله‬
‫رحيما بخلقه غنيا عن عذابهم يمن برحمته ول يظلم بعذابه وهو قد وعد ثوابه على الطاعة وتوعد‬
‫بعقابه على المعاصي فلم جعلتم ما توعد به من العقاب أمضى وأنجز من الذي وعد به من الثواب؟‬

‫قيل له‪ :‬لسنا ننكر بل نقول بأن ال عز وجل رحيم بخلقه لطيف بعباده يمن بالرحمة ول يظلم‬
‫بالعذاب ومعنى ذلك أنه متفضل على خلقه برحمته يصيب بها من يشاء من عباده على غير‬
‫استحقاق منهم ول استيجاب ول يظلم بالعذاب فيؤاخذهم على غير ما عملوا‪ ،‬أو يعذبهم على ما لم‬
‫يفعلوا‪ ،‬وليس هذا من الذي قلنا بأنه يثيب أولياءه بأعمالهم على ما وعدهم ويعاقب أعداءه على ما‬
‫توعدهم في شيء" (‪. )96‬‬

‫وير جميل بن خميس على من يعتبر الخلف من الصفات المحمودة بما يلي‪ ":‬واتفق أهل المذاهب‬
‫الربعة إل من شاء تعالى منهم‪ ،‬على أن خلف ال لوعيده لفسقة المؤمنين من هذه المة من‬
‫الصفات المحمودة في ال تعالى لنها صفة في الناس وفي الملوك من أحمد الصفات وال تعالى‬
‫أحق لها ولم يفصلوه على ما في عقولهم من معرفتهم به أنه ل على الطلق هو محمود في الناس‬
‫وفي الملوك بل في مواضع هو من الصفات الذميمة لنه يكون على وجوه" (‪. )97‬‬

‫وبهذا نتبين أن الباضية لم يعتبروا خلف الوعيد من الرحمة وبالتالي ل يمكن أن يعتبروه من الكرم‪.‬‬

‫‪ )4‬خلف الوعيد والكرم‪:‬‬


‫إن حجة الباضية في رفض مبدأ الكرم تتمثل في أن ال يكون أكرم لو عفا عن المشركين وفي ذلك‬
‫ينقل جميل بن خميس العدوي عن شرح النونية ما يلي‪ ":‬فإن قالوا أوليس خلف التوعد مما يعد‬
‫عند العرب من الجود‪ ،‬ويستحق به صاحبه لعلة فاعله المدح وحسن الثواب فلم ل يكون عند ال عز‬
‫وجل بهذا أولى إذ هو غني عن تعذيب العباد؟ قلنا أو ليس من عفا منا عن المر العظيم والذنب‬
‫الجسيم أبلغ له في المدح وحسن الثناء؟ فإن قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قلنا‪ :‬فلم أوجبتم الوعيد من ال سبحانه في‬
‫أهل الشرك؟ إذن أو ليس عفوه أعظم المدح له؟ فإن حاولوا فصل بينها فل يجدوه" (‪. )98‬‬

‫لقد ثبت من هذا أن الباضية يرفضون أن يكون خلف الوعيد من باب الكرم وبهذا يستوفون الرد‬
‫على تعليلت القائلين بالخلف كما ل يغفلون عن المظهر البلغي للقضية فهل نصوص الوعيد ضرب‬
‫من الخبر أو النشاء؟‬

‫‪ )5‬قضية الخبر والنشاء‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وبما أن الكذب ل يمس إل السلوب الخبري هناك من تصرف في اعتبار آيات الوعد والوعيد من‬
‫السلوب النشائي الذي ل يحتمل الصدق والكذب‪.‬‬

‫وينقل يوسف المصعبي نص كلم هؤلء العلماء دون أن يسنده إلى أصحابه (‪ )99‬كما يلي‪ ":‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬الوعد إنشاء على الصح يعني إنشاء الضمان عند وجوب الوصف والكذب مخصوص‬
‫بالخبار‪.‬‬

‫قال بعض الئمة مراده أن الوعد والوعيد كلهما إنشاء فالخلف في الوعيد ليس بكذب فل نقض‪،‬‬
‫فأما الوعد فلن مقتضى الكرم أل يتخلف عنه‪ ،‬فعدم جواز الخلف ل لنه كذب بل لن الكريم إذا وعد‬
‫وفي وإذا أوعد تجاوز‪.‬‬

‫ثم يرد فيقول‪ :‬والجواب وال أعلم‪ ":‬اعتماد النشاء مردود فغن علماء العربية نصوا على أن‬
‫الجملة الشرطية إذا كان جوابها خبرا تكون خبرية وهذه الية كذلك (‪. )100‬‬

‫وإن أراد أنها إنشائية باعتبار أمر لزم كما أشار إلى ذلك بقوله يعني إنشاء الضمان عند وجود‬
‫الوصف فتمويه ل يلتفت إليه لما يترتب عليه من الفساد مع لزوم تبديل القول على كل حال كما‬
‫أورده الخصم على نفسه ولم يجب عليه بما يصغي إليه" (‪. )101‬‬

‫فالباضية حينئذ يعتبرون نصوص الوعيد من الخبار الصادقة التي ل يصح الخلف فيها كما انهم‬
‫يرفضون مبدأ الخلف لما ينتج عنه من بطلن حكمة التشريع‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬موقف الباضية مما ينتج عن الخلف‪:‬‬

‫‪ -‬الغراء على القبيح وإبطال المر والنهي‪:‬‬

‫إن النفس البشرية ميالة إلى الشهوات ول سبيل إلى إبعادها عنها إل بالردع والزجر فإذا بطل الزجر‬
‫وعلم النسان أل وعيد اتبع نفسه هواها وارتكب ما ل يتصور من النواهي والمصادر الباضية تلح‬
‫على هذا المعنى وتتفق في هذا مع المعتزلة (‪ )102‬ومن ذلك ما جاء في قاموس الشريعة‪ ":‬وقال‬
‫تعالى‪ ( :‬وأن تغفر أقرب للتقوى) (‪ 2‬البقرة ‪ )237‬والمراد لمن جاء طالبا للعفو والمتعدي عليه قادر‬
‫على الزجر والدب وإل كان ذلك مما يؤدي السفهاء الجراءة والظلم للنبلء والعافي على هذا ليس‬
‫من الصفات المحمودة بل هي من أشد صفات الذم فصح أن هذه الصفة لذات ال ليست من الصفات‬
‫المحمودة وانه تعالى منزه عن ذلك‪ ،‬ومنزه عن خلف الوعيد لكل من توعده لنه مما يؤدي إلى فتح‬
‫أبواب الجراءة على عصيانه وعصيان أولي المر من أوليائه من العلماء والمراء والقضاة فيجوز‬
‫إبطال وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر لمحمدة العفو عن التين المنكر التاركين الواجب‬
‫من المعروف إذا كان العفو محمودا على الطلق من التاركين الواجب من المعروف إذا كان العفو‬
‫محمودا على الطلق من صفات ال وصفات الناس وهذا باطل ل يقول به إل ممسوخ العقل" (‬
‫‪. )103‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كما يقول أيضا‪ ":‬من زعم أن الوعيد في أهل الشرك خصوصا لقد أباح الدماء والحرام وأسقط‬
‫الحساب صراحا‪ ،‬لن المحارم إنما تتقى من أجل العقاب فمن أبطل الوعيد فقد أباحها" (‪. )104‬‬

‫وفي هذا المعنى يقول الوارجلني ما يلي‪ ":‬ولو وعد المغفرة والرحمة من وراء ذلك لرجعت‬
‫المعاصي بحال الباحة ولم يبق إل أن يأمرهم بها" (‪. )105‬‬
‫ويزيد المصعبي خطوة في توسيع القضية وبين أن القول بخلف الوعيد " يؤدي إلى إباحة المعاصي‬
‫وكل ما جازت إباحته جاز المر به فيكون فرض المعصية أمرا جائزا وهذا محال على ال تعالى" (‬
‫‪. )106‬‬

‫وكذلك ل سبيل إلى اعتبار الوعيد مجرد تهديد لن مثل هذا الموقف يؤدي إلى الجرأءة على‬
‫المعاصي وانتهاك المحرمات فل تستقيم الدنيا قبل الخرة‪.‬‬

‫هكذا إن انطلقنا في التمهيد للحجج العقلية من تلخيص اليجي فيحسن أن نختم هذا الستدلل بما‬
‫ذكره محمد عبده في هذا الباب منطلقا من واقع المسلمين المرير القائم على مبادئ القائلين بإخلف‬
‫الوعيد حيث يقول‪ ":‬إن كثيرا ممن يدعون اتباع السنة جرأوا الناس على هدم الدين بناء على أن‬
‫مدار السعادة في الخرة والنجاة من النار هو العتراف بالدين الى حد أن بعض الكبراء قال‪ :‬إنني ل‬
‫أنكر أنني آكل الربا ولكنني مسلم أعترف بحرمته" (‪. )107‬‬

‫والمتأمل في واقع المسلمين عامة يدرك ما لهذا الرجاء العريض والمل الواسع في العفو عن‬
‫مرتكبي الكبائر المصرين عليها إلى الموت من أثر مقيت حيث استهان الناس بجميع الرذائل‬
‫وانتهكوا الحرمات جهارا‪ ،‬ويعتبر من نفل القول أن نستدل على هذا بما عرفه الدب من خلعة‬
‫ومجون واستهتار‪.‬‬

‫وإن قالت فرق إسلمية بإنفاذ الوعيد مثل المعتزلة والزارقة فإنهم انقرضوا مع مر الزمان فالفكر‬
‫العتزالي تسرب إلى كالفكر السلمي تقريبا وإن بقي أكثر نصاعة في الفكر الشيعي والفكر‬
‫الزرقي ل نستطيع أن نقول فيه القول الفصل إل انه متهم من قبل خصومه بأنه اعتبر الكبائر من‬
‫باب الشرك‪ ،‬فلم يبق حينئذ إل الباضية ممن يعتقدون إنفاذ الوعيد‪ ،‬وأنت إن تأملت في بيئتهم زمن‬
‫الزدهار في الظهور أو الكتمان (‪ )108‬تجد مجتمعا أقر ما يكون إلى السلم لن من يعتقد أنه‬
‫معاقب ل محالة إن هو لم يتب يكون أكثر احترازا ممن يعتقد انه معفو عنه‪ ،‬وفي أقصى الحالت‬
‫يعذب قليل ثم إلى النعيم البدي‪ ،‬ول أبالغ في شيء إذا قلت إن مجتمع ميزاب حيث تطبق أصول‬
‫الباضية من أن‬
‫نظف المجتمعات السلمية في هذا العصر‪.‬‬

‫أما الباضية بجربة حيث غفل الناس عن أصولهم فقد دب إليهم الفساد ونهشهم الحرام وصار‬
‫الكثير منهم ل يتورع عن المجاهرة بالمعصية إذ ل رادع مع الجهل بالصل مثل ما حدث في جل‬
‫أطراف العالم السلمي‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما جبل نفوسة فما يزال أهله أكثر غيرة على أصول مذهبهم‪.‬‬

‫إلى هذا الحد يقف تحليلنا لقضية الوعد والوعيد ويحسن أن ننظر في بعض القضايا المتفرعة عنها‬
‫قبل أن نقتحم قضية الخلود‪.‬‬

‫إن قضية الوعد والوعيد أو بعبارة أصح قضية الوعيد ترتبط بها قضايا أخرى كانت مثار جدل بين‬
‫المسلمين نختار ترتيبها حسب تدرجها الزمني عذاب القبر‪ ،‬الشفاعة ‪ ،‬وجود النار وفناؤها‪ ،‬الورود‬
‫والخلود‪.‬‬

‫===========================‬
‫(‪ )83‬ويضيف الشارح‪ -‬إذا لم يتب عنها ‪.‬ر‪ .‬المواقف‪.2/446 :‬‬
‫(‪ )84‬ويأتي الشرح كما يلي‪ ":‬يعني أن الوعيد عام تناول كل واحد من المذنبين فظاهره الذي يقتضي ظن الوفاء به في حقه‬
‫فيحصل لكل منهم الظن بكونه معاقبا بذنبه‪ ،‬وذلك كاف في زجر العاقل عن استقراره على ذنبه بعدم التوبة عنه‪ ،‬وفي ردع غيره‬
‫عن اقترافه‪.‬‬
‫وأما توهم العفو الناشيء عن عدم وجود العقاب فاحتمال مرجوع ل يعارض ظن العقاب المقتضي للنزجار فقد ظهر أن المذنب‬
‫ل علم له بأنه ل يعاقب بل ول يظن لذلك ظنا فل تقرير ول إغراء "‪ .‬اليجي المواقف ‪.2/446‬‬
‫ويشير التفتازاني إلى مثل هذا المعنى حيث بين أن عموميات الوعيد ترجح جانب الوقوع وهذا ل يؤدي إلى إبطال الحكام‬
‫الشرعية ومثل هذا الترجيح كاف للبتعاد عن المعاصي ‪.‬ر‪ .‬التفتازاني شرح العقائد النسفية ‪117:‬‬
‫(‪ )85‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪106 -2/105 :‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪81:‬‬
‫(‪ 85‬مكرر) المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪81:‬‬
‫(‪ )86‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ .6/5 :‬راجح أيضا‪ 8 :‬ويصرح أنه اخذ عن الجيطالي شرح النونية‪.‬‬
‫(‪ )87‬ر‪ .‬محمد الدواني‪ :‬شرح العقائد العضدية‪59 :‬‬
‫(‪ )88‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪19:‬‬
‫(‪ )89‬البداء ‪ :‬هو ظهور ما لم يعلم‪ ،‬وال تبارك وتعالى يتعالى عن البداء‪ .‬عثمان السوفي‪ :‬كتاب السؤالت‪100:‬‬
‫(‪ )90‬وفي قياس البشر إذا توعدت ثم تبين لك خطأ موقفك فإنك تتراجع ويعد ذلك من الشيم الحميدة‪.‬‬
‫(‪ )91‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪2/107 :‬‬
‫(‪ )92‬الصدغياني‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن‪4:‬‬
‫(‪ )93‬ذكر اليات من نوع] ل يبدل القول لدي[‬
‫(‪ )94‬الصدغيان ‪ :‬رسالة إلى أهل وارجلن‪ ،6 :‬ثم يورد في نفس الصفحة أدلة القائلين بالبداء وينسب ذلك إلى مالك بن أنس‬
‫وقد رأيت في تفسير الملكي ثلثة أقوال عن مالك بن أنس‪:‬‬
‫أحدهما قال‪ :‬ال تبدو له البداوات والدليل عنده قوله تعالى ] لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في‬
‫المدينة لنغرينك بهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيل[ (‪ 33‬الحزاب ‪ )60‬معنى لنغرينك بهم‬
‫أي ليسلطن عليهم ثم ل يجاورونك فيها إل قليل‪ .‬قال ‪ :‬وقد مات رسول ال ‪ e‬ولم يسلم عليهم ولم يقل لهم فهذا دليل على أن ال‬
‫تبدو له البدوات‪"...‬‬
‫(‪ )95‬المحشي‪ :‬حاشية على كتاب الوضع‪ 83 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ 6/8 :‬ويذكر أنه اخذ عن‬
‫الجيطالي شرح النونية‪.‬‬
‫(‪ )96‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪108 -2/107 :‬‬
‫(‪ )97‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ،6/24 :‬ويتلخص تعداد الوجوه في تبيين مواطن الضعف في عفو السلطين‬
‫مما ل يليق بال تعالى ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪126 -125:‬‬
‫(‪ )98‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/8 :‬‬
‫ر‪ .‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪ 126 :‬وقد سلك التفتازاني في الوعيد مسلك الباضية فاعتبر أن الخلف في الوعيد ليس‬
‫من الكرم في شيء فيقول‪ " :‬زعم بعضهم أن الخلف في الوعيد كرم والمحققون على خلف كيف وهو تبديل للقول وقد قال ال‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫تعالى‪ ]:‬ما يبدل القول لدي[ (‪ 50‬قَ‪ )29‬ر‪ .‬التفتازاني‪ :‬شرح العقائد النسفية ‪117‬‬
‫(‪ )99‬وينسبه سعيد بن تعاريت إلى الشنواني وهو أيضا نقله عن بعضهم ‪ .‬المسلك المحمود‪126 :‬‬
‫(‪ )100‬يقصد بقوله تعالى‪ ] :‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره[ (‪ 99‬الزلزلة ‪)8‬‬
‫(‪ )101‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪23 -22 :‬‬
‫(‪ " )102‬إن الفاسق إذا علم انه ل يعاقب وإن ارتكب الكبيرة كأن يكون مغري على القبيح‪ ،‬ويكون في الحكم كأن قيل له‪ ،‬افعل‬
‫فل بأس عليك" القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪650 :‬‬
‫(‪ )103‬جميل بن خميس‪ :‬القاموس‪26 -6/25 :‬‬
‫(‪ )104‬نفس المصدر‪6/7 :‬‬
‫(‪ )105‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل‪2/46 :‬‬
‫(‪ )106‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪25 :‬‬
‫(‪ )107‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪ 3/99 :‬وما استشهدنا بموقف محمد عبده إل لنبين اللتقاء بينه وبين الفكر الباضي في هذه‬
‫النقطة بالذات‪.‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما سبق‪ 54 :‬تعليق ‪57‬‬

‫عذاب القبر‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قال تعالى‪( :‬فبعث ال غرابا يبحث في الرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال يا ويلتاي أعجزت‬
‫أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين) (‪ 5‬المائدة ‪.)31‬‬
‫إن هذا السياق القرآني يبين أن ال علم البشر كيف يحترمون موتاهم فيوارونهم في التراب حتى ل‬
‫تبقى جثثهم كجيف الكلب وما إليها‪ ،‬وفي هذا تكريم من ال تعالى يذكر به في قوله (ثم أماته‬
‫فأقبره) (‪ 80‬عبس ‪ )21‬فالقبر حينئذ هو الموضع الذي يدفن فيه الميت من بني آدم‪ ،‬وإن علم ال‬
‫البشرية هذا المسلك من أول ما عرف النسان الموت فإن البشر اختلفوا عبر الزمان في مواراة‬
‫موتاهم فعمد من عمد منهم إلى الحراق مع المحافظة على الرماد في قوارير تحفظ‪ ،‬وعمد من عمد‬
‫إلى تحنيط الموات قبل الدفن ولجأ البعض إلى الدفن الجماعي في سراديب تحت الرض‪ ،‬وتفنن من‬
‫تفنن في بناء القبور‪ ،‬وأهرام مصر أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬

‫وليس غرضنا في هذا الفصل أن نحلل هذه القضية وإنما المشكل المطروح ماذا عن أحوال أهل‬
‫القبور أو ما يسمى بالحياة البرزخية (‪ )1‬وما هو موقف الباضية من ذلك؟‬

‫إن المتتبع للقرآن الكريم ل يجد إشارات واضحة لتصوير أحوال أهل القبور‪ ،‬وإنما تأول المفسرون‬
‫بعض اليات (‪ )2‬ورأوا فيها دليل على ثبوت تنعم أصحاب القبور وتعذبهم‪ ،‬أما في الحديث فقد‬
‫جاءت نصوص عديدة في الصحاح وغيرها تقر ما ينظر الناس في قبورهم من سعادة أو شقاء (‪)3‬‬
‫‪.‬‬

‫ويكاد يجمع المسلمون (‪ )4‬على هذا التصور باستثناء بعض المعتزلة (‪ )5‬والنكار (‪ )6‬من الباضية‬
‫ولذلك أثيرت القضية في الكتب الشعرية كما أنهم ينكرون ما جاء من أحاديث في هذا الشأن أو‬
‫يتأولونها (‪ )7‬ومن أدلتهم العقلية أو إن أردنا الدلة المادية المخالفة للمعقول‪:‬‬

‫أ) لو كان لعذاب القبر أصل لكان يجب في النباش أن ترى العقوبة المثوبة للمعاقب والمثاب فكأن‬
‫يشاهد عليه أثر الضرب وغيره لكن الواقع غير ذلك‪.‬‬

‫ب) لو كان في القبر عذاب لوجب أن يسمع أنين من لم يدفن مثل المصلوب وأن يشاهد اضطرابه‪.‬‬

‫جـ ـ ويبدي هؤلء حيرة في شأن من يحرق أو تأكله السباع (‪. )8‬‬

‫كل هذه أدلة حسب هؤلء تؤكد حياة في القبر وأل عذاب ول ثواب‪ .‬لكن غفل هؤلء عن أن عالم‬
‫الغيب ل يقاس بمقياس العقل‪ ،‬ول يقارن بعالم الشهادة وإنما توضح بعض معالمه النصوص المنزلة‬
‫بالنسبة إلى من يؤمن بالتنزيل وعلى هذا الساس كان رد المثبتين للحياة في القبور بما في ذلك من‬
‫شقاء أو سعادة‪.‬‬

‫الدلة على ثبوت الحياة البرزخية‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقول القاضي عبد الجبار وهو يعبر عن موقف المعتزلة الذين ألفنا أنهم معتدون بالعقل ويقدمونه‬
‫على النقل‪ ":‬فأما الكلم في أن ذلك كيف يكون ‪...‬فإن ذلك مما ل يهتدي إليه من جهة العقل وإنما‬
‫الطريق إليه السمع" (‪ )9‬وذلك للرد على هؤلء المنكرين من أهل العتزال وتناولتها مصادر‬
‫الباضية للرد على النكار وقد استوفى القضية الوارجلني بحثا من القرن السادس ‪ 12/ 6‬مما أدى‬
‫المصادر اللحقة إلى أن تكتفي بالحالة على تحليله‪.‬‬

‫فيحسن في البداية أن نتعرض لحجج منكري الحياة البرزخية ثم نعرض بعد ذلك حجج المثبتين‬
‫وردودهم‪.‬‬

‫حجج منكري الحياة البرزخية‪:‬‬

‫إن هؤلء المنكرين (‪ )10‬يحتجون بأدلة نقلية وعقلية‪:‬‬

‫ومن أدلتهم النقلية قوله تعالى ( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) (‪ 44‬الدخان ‪ )56‬ولو أحيوا في‬
‫القبر لذاقوا موتتين (‪ )11‬أي لزم إحياؤهم فيه ثم إماتتهم بعد التعذيب‪.‬‬

‫وكذلك قوله تعالى‪ ( :‬يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) (‪ 36‬يس ‪ )52‬قالوا لو كانوا معذبين في القبر ما‬
‫سموه مرقدا‪.‬‬
‫وكذلك قوله تعالى ( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة) ‪ 30( :‬الروم ‪)55‬‬
‫قالوا لو كانوا معذبين لستطالوا المدة ولما أقسموا انهم لم يلبثوا إل ساعة (‪. )12‬‬

‫ويورد السالمي نفس الرأي في الدعوة الى العتماد على النقل دون العقل وفي ذلك يقول‪ ":‬ول‬
‫سبيل إلى العدول من مقتضاها (الحاديث) الى محض القول بالرأي وليس شعري أي مدخل للرأي‬
‫في ما غاب عنا علمه ولم تصل إليه عقولنا بل الواجب في هذا ونحوه التسليم لخبار الشارع فيه‪،‬‬
‫وقبول ما جاء فيها من لسانه فمن بلغه التواتر في ذلك وجب عليه القطع بوقوعه على حسب‬
‫الخبار لنها جاءت من طرق صحيحة" (‪. )13‬‬

‫ردّ ما احتج به المنكرون من ادلة عقلية‪:‬‬

‫أ‌) مسألة عدم مشاهدة أثر العذاب عند النبش‪:‬‬

‫" إن اكثر ما في هذا النباش وغيره ل يرون أثر العقوبة على الميت ومن المجوز أل يعذب ال‬
‫تعالى في هذه الحالت التي يطلع عليها النباش أو غيره أو يعذبه على وجه يستتر عنهم لوجه من‬
‫المصلحة يرى في ذلك" (‪. )14‬‬

‫ب‌) مسألة عدم المشاهدة ليست حجة‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي ذلك يقول السالمي‪ ":‬وأجيب عن الول(من قتل فصلب) بأنه يحتمل أن يخلق فيه حياة ل‬
‫ندركها نحن" (‪. )15‬‬

‫ويتوسع صاحب قاموس الشريعة في ذلك كما يلي‪ ":‬إن ال تعالى ل يفوته الذي قبر ول الذي لم‬
‫يقبر‪ ،‬ول حجة لمن احتج بمن لم يقبر لن المخلوق الذي لم يملك الشيء الذي فاته‪..‬ولذلك ل يقدر‬
‫عليه لنه لم يوجده من بعد العدم‪. )16( "...‬‬

‫ج)مسالة من أكلته السباع‪:‬‬

‫يقول السالمي في ذلك‪ ":‬وأجيب عن الثاني(من أكلته السباع) انه مبني على انه يشترط في الحياة‬
‫وجود البنية بتمامها ونحن ل نقول به لمكان أن يخلق ال لكل جزء انفرد حياة يحس بها ألم‬
‫العذاب" (‪. )17‬‬
‫وقبل أن نتحول إلى الردود القائمة على الدلة النقلية يحسن أن نلحظ أننا لم نجد في المرحلة‬
‫المقررة من اهتم بالدلة العقلية والردود عليها من ذلك المحشي وهو أحد أقطاب هذه المرحلة اكتفى‬
‫بتحليل الحاديث دون أن يكترث بحجج المنكرين العقلية (‪. )18‬‬

‫الدلة النقلية من القرآن الكريم‪:‬‬

‫يقول أبو يعقوب الوارجلني‪ ":‬وفي القرآن إشارة إليه على رأي المفسرين وهم القدوة في ذلك" (‬
‫‪ )19‬إل انهم لم يذكروا ولو آية واحدة وكذلك المحشي في حاشية الترتيب (‪ )20‬وكذلك السالمي (‬
‫‪ )21‬إل أننا إذا تتبعنا تيسير التفسير نجد أن محمد اطفيش تعرض إلى الموضوع في ما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬قوله تعالى‪ ( :‬قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل) (‬
‫‪ 40‬غافر ‪.)11‬‬

‫فأورد أقوال لعدة علماء مفادها إثبات عذاب القبر وقال السدي (‪ " )22‬والحياء الولى إحياؤهم في‬
‫القبر للسؤال" (‪. )23‬‬

‫‪ )2‬قوله تعالى‪( :‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد‬
‫العذاب) (‪. )24‬‬

‫يذكر صاحب التيسير أن الية دليل على ثبوت عذاب البرزخ في ما قبل‪ ،‬ثم يزيد القضية تحليل‬
‫فيقول‪ ":‬لكن الية في الرواح" ووردت أخبار بثبوته للبدان وفيها أرواحها وذلك قبل قيام الساعة‬
‫(‪ )25‬ثم استشهد بعدة أحاديث (‪. )26‬‬
‫ويقول السالمي‪ ":‬ولقد تكلف ابن أبي نبهان وهو ممن ينكر عذاب القبر تأويل هذه الية حتى خرج‬
‫بها عن أسلوب النظم الشريف فقال فيها‪ ":‬تقديم وتأخير والصل ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل‬
‫فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا (‪" )27‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )3‬قولـه تعالى‪( :‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون ال أنصارا) (‪ )28‬يبين‬
‫محمد اطفيش أنها نار البرزخ التي يحرق بها قبل البعث‪ ،‬يحرقون بها في الماء وفي ذلك إثبات‬
‫عذاب القبر (‪. )29‬‬

‫وأثناء الرد على المنكرين لعذاب القبر يقلب السالمي عليهم الحجة ويعتبر أن في اليتين المستشهد‬
‫بهما دللة على عذاب القبر‪:‬‬

‫( يا ويلتنا من بعثنا من مرقدنا) (‪ 36‬يس ‪ )52‬واجيب بأنهم سموه مرقدا(مرحلة القبر) نظرا إلى ما‬
‫شاهدوا من هول الموقف حتى صار القبر بالنسبة إليهم كالمرقد‪ ،‬وكذلك في شأن عدم استطالة مدة‬
‫القبر فمدة البرزخ بالضافة الى ما بعدها من البد أقل من ساعة" (‪. )30‬‬

‫( ل يذوقون فيها إل الموتة الولى) (‪ 44‬الدخان ‪ )56‬ويجاب بأن الخطاب لهل الجنة فإذا أحياهم‬
‫ال في القبر لما أراده منهم فل يسمى بعد تلك الحياة موتا بالضافة إليهم‪ .‬كيف وقد ورد في الحديث‬
‫أن المؤمن يرى منزله في النار إن لو عصى ومنزله في الجنة إن لو أطاع فيريد أن ينهض إليه‬
‫فيقال لـه‪ :‬لم يأت أوان ذلك‪ ،‬نم سعيدا نومة العروس" (‪. )31‬‬

‫تلك هي الدلة القرآنية وصدق أبو يعقوب الوارجلني في موقفه حيث اعتبر أنها إشارات على رأي‬
‫المفسرين إذ ل نلمس في هذه النصوص تصريحا ظاهرا ولذلك احتيج الى التأويل وقد عزز‬
‫المفسرون جميعا موقفهم بالحديث بينما رأينا من المفسرين من لم يقبلوا مثل هذا التأويل فسكتوا‬
‫عنه لنهم يقرون بعذاب القبر إل أنهم لم ينتبهوا مثل هذا التأويل ولهم ذلك‪.‬‬
‫==================================‬

‫(‪ ) )1‬البرزخ‪ :‬الحاجز بين شيئين‪ ،‬وما بين الموت والحياة‪ ،‬فمن مات فقد دخل البرزخ قال تعالى] ومن ورائهم برزخ إلى يوم‬
‫يبعثون[(‪ 23‬المؤمنون ‪.)100‬‬
‫(‪ )2‬انظر ما يلي‪643 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما يلي أثناء التحليل‪646 :‬‬
‫(‪ )4‬اعتبر الشعري أن الصحابة أجمعوا على القول بعذاب القبر ‪.‬ر‪ .‬البانة ‪.184 :‬‬
‫(‪ )5‬يقول اليجي ‪ :‬وأنكره ( إحياء الموتى في قبورهم ضرار بن عمرو ‪ ،‬وبشر المريسي‪ ،‬وأكثر المتأخرين من المعتزلة)‪.‬‬
‫المواقف‪.2/451 :‬‬
‫ويذكر القاضي عبد الجبار أن ضرار بن عمرو كان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة‪ ،‬ويرد تشنيع ابن الراوندي على‬
‫المعتزلة في عذاب القبر ‪.‬ر‪ .‬الصول الخمسة ‪ .720 :‬والملحظ أن الشعري قد بالغ عندما اعتبر أن كل المعتزلة أنكروا عذاب‬
‫القبر‪ :‬البانة ص ‪ .181‬ويقول جميل بن خميس السعدي في هذا الشأن " وأنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض لن‬
‫الميت جماد ل حركة له ول إدراك فتعذيبه محال" قاموس الشريعة‪.6/216 :‬‬
‫(‪ )6‬انظر تعريف النكار في ما سبق‪213 :‬‬
‫ويذكر صاحب قاموس الشريعة أن ناصر ابن أبي نبهان من إباضية عمان ممن ينكرون عذاب القبر ‪.‬ر‪ .‬جميل بن خميس‬
‫السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ . 219 .6/216 :‬وهذا موقف يعتبر شاذا بالنسبة إلى رأي جمهور الباضية ‪.‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.2/358 :‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ .733‬اليجي‪ :‬المواقف‪.2/452 :‬‬
‫(‪ )9‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة‪.732 :‬‬
‫(‪ )10‬يتفاوتون في النكار‪ .‬لقد رأينا أن ضرار بن عمرو‪ ،‬معتزليا أو جبريا ‪ ،‬وبشر المريسي ينكران القضية إطلقا‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بينما ل ينكر الجبائي والبلخي إل سوء تسمية الملكين بمنكر ونكير إذ ل يليق حسب رأيهما أن تسند مثل هذه السماء القبيحة إلى‬
‫الملئكة‪.‬‬
‫ويتصور أبو الهذيل العلف وبشر بن المعتمر أن تعذيب الكافر ل يتم إل بين النفختين‪ .‬أما الصالحي وابن جرير الطبري وطائفة‬
‫من الكرامية فييجزون التعذيب بدون إحياء‪.‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف‪.452 -451 /2 :‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 273 :‬ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف‪.2/452 :‬‬
‫(‪ )12‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 273 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/219 :‬‬
‫(‪ )13‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.2/358 :‬‬
‫(‪ )14‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪.733‬‬
‫ملحظة‪ :‬لقد ورد النهي عن انتهاك حرمات القبر إذ حرمة الميت كحرمة الحي‪ ،‬ويورد امحمد اطفيش الحديث التالي وهو قوله‬
‫عليه السلم‪ ":‬حرمة أحيائنا كحرمة موتانا"‪ .‬وفاء الضمانة‪( 1/294 :‬لم يرد هذا الحديث في معجم ونسنك) ‪.‬‬
‫(‪ )15‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.274 :‬‬
‫(‪ )16‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ،6/198 :‬واليجي يذهب إلى نفس الرأي بدليل أن صاحب السكتة حي أنا ل‬
‫نشاهد حياته ر‪ .‬المواقف‪.2/453 :‬‬
‫(‪ )17‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.274 :‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪82 -4/67 :‬‬
‫(‪ )19‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.2:2/318‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪82 -6/67 :‬‬
‫(‪ )21‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.361 -2/348 :‬‬
‫(‪ )22‬السدي(ت ‪ )128/745‬إسماعيل بن عبد الرحمن‪ .‬تابعي حجازي الصل‪ .‬وهو صحاب التفسير والمغازي والسير‪.‬ر‪.‬‬
‫الزركلي‪ :‬العلم‪.1/313 :‬‬
‫(‪ )23‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪ 5/107 :1‬ر‪ .‬السالمي ‪ :‬المشارق‪ 272 :‬وقد سلك كل من الرازي ‪.41 -27/40 :‬‬
‫والقرطبي ‪ 298 -15/297 :‬في تفسيرهما نفس المسلك إل أن الرازي ناقش حجج المنكرين بينما اعتبر ابن عاشور‪ 23/98 :‬أن‬
‫الية بمعزل عن أن يستدل بها لثبوت الحياة عن السؤال في القبر‪ .‬أما جواد مغنية ‪ 442 -6/441 :‬فإنه لم يشر البته إلى القضية‪.‬‬
‫(‪ 40 )24‬غافر ‪ 46‬والسياق يشير إلى آل فرعون‪.‬‬
‫(‪ )25‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪1:5/1273‬‬
‫(‪ )26‬سنوردها بعد قليل انظر ‪ .646:‬ويتفق الرازي ‪ 27/73:‬والقرطبي ‪ 319 -15/318:‬في تفسيرهما على أن الية دليل على‬
‫إثبات عذاب القبر‪ ،‬ويعدد القرطبي أسماء من قالوا بذلك وهم ‪ :‬مجاهد وعكرمة ومقاتل ومحمد بن كعب ‪ ،‬ويدعم موقفه بعدة‬
‫أحاديث‪.‬‬
‫بينما ذكر ابن عاشور ‪ 23/58:‬القضية باحتراز فذكر أنه عذاب قبل عذاب يوم القيامة وأن أرواحهم تشاهد المواضع التي أعدت‬
‫لهم في جهنم ‪ .‬وسلك مغنية‪ 6/456 :‬نفس المسلك ‪ ":‬إن ذلك بعد الموت وقبل يوم القيامة"‪.‬‬
‫ويقول الشعري تعليقا على هذه الية في "باب الكلم عن عذاب القبر"‪" .‬فجعل عذابهم يوم تقوم الساعة بعد عرضهم على النار‬
‫في الدنيا غدوا وعشيا" وقال‪ ":‬سنعذبهم مرتين ‪ ،‬مرة بالسيف ومرة في قبورهم ‪ ،‬ثم يردون إلى عذاب غلظ في الخرة" البانة‬
‫‪.182:‬‬
‫(‪ )27‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪ 272 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/202 :‬‬
‫(‪ 71 )28‬نوح ‪ 25‬والسياق عن قوم نوح‪.‬‬
‫(‪ )29‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪6/363 :1‬‬
‫ويقف الرازي في تفسيره‪ 145 /30 :‬نفس الموقف ‪ :‬تمسك أصحابنا في إثبات عذاب القبر بقوله تعالى ‪ :‬ويذكر الية وينسب‬
‫القرطبي‪ 311 -18/310:‬القول للقشيري‪.‬‬
‫أما ابن عاشور ‪ 29/212 :‬ومغنية ‪ 7/431:‬فلم يشيرا إلى الموضوع عند تفسير هذه الية‬
‫والملحظ أن نفس هذه اليات هي التي يعتمدها القاضي عبد الجبار للتدليل على ثبوت عذاب القبر فيقول ‪ ":‬أما ثبوته فالذي يدل‬
‫عليه قوله تعالى ‪ ]:‬مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا‪ 71([..‬نوح ‪ )25‬فالفاء للتعقيب من غير مهلة‪ ،‬وإدخال النار ل‬
‫وجه له إل التعذيب ‪ ،‬ويدل عليه أيضا قوله تعالى‪ ]:‬النار يعرضون عليها غدوا وعشيا[(‪ 40‬غافر ‪ )46‬الية ووجه دللته على‬
‫عذاب القبر ظاهر غير أنه يختص بآل فرعون ول يعم جميع المكلفين‪.‬‬
‫والدللة التي تعم قوله تعالى‪ ]:‬ربنا أمتنا اثنين وأحيينا اثنين[(غافر ‪ )11‬ول تكون الماتة والحياء مرتين إل وفي إحدى المرتين‬
‫إما التعذيب في القبر أو التبشير على ما نقوله‪ .‬ثم ينفي قول من قال إن الماتة الولى حال النسان وهو نطفة"‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة‪.731 :‬‬
‫(‪ )30‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪272 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )31‬ر‪ .‬ابن ماجة‪ :‬جهاد ‪ ،16‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ 2/201‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/19‬عدد ‪.982‬‬

‫الدلة النقلية من الحديث الشريف‪:‬‬

‫لقد خصص الربيع في الجامع الصحيح بابا لموضوع القبور في الجزء الثاني (‪ )33‬ورجع الى ذلك‬
‫في حديث طويل آخر الجزء الرابع (‪ )34‬ووقعت الشارة إلى ذلك في مطلع الجزء الول (‪. )35‬‬

‫وقد جمع أبو يعقوب الوارجلني عشرة أحاديث في هذا الشأن (‪ )36‬ول يجب أن نغفل عن أنه‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫مرتب الجامع الصحيح‪ ،‬وإن كان من علماء الكلم فصلته بالحديث متينة‪ ،‬ولذلك لم يجد أبلغ من‬
‫الحاديث للرد على من ينكر عذاب القبر وسأكتفي بذكر‬
‫أحاديث واضحة الدللة على عذاب القبر وثوابه مستعينا بما جاء حولها من شروح للمحشي (‪)37‬‬
‫والسالمي (‪. )38‬‬

‫‪ )1‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬كان بعلم أصحابه هذا الدعاء‪ ،‬كما يعلمهم السورة من‬
‫القرآن وهو يقول‪ :‬اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم وأعوذ بك من عذاب القبر" (‪. )39‬‬

‫‪ )2‬أبو عبيدة عن جابر بن زيد أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪ " :‬إن‬
‫أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان‬
‫من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك ال يوم القيامة" (‪. )40‬‬

‫‪ )1‬جابر بن زيد عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وذكره عنه غيره‪ -‬انه عليه السلم قال‪ :‬إذا‬
‫وضع الميت في قبره وسوي عليه فإنه يسمع نعال القوم حين ينصرفون عنه لنه حمل من بيته‬
‫وروحه مع الملئكة فإذا وضع في قبره يأتيه ملكان أصواتهما كالرعد القاصف‪ ،‬وأبصارهما كالبرق‬
‫الخاطف فيقعدان فيقولن له‪ ":‬يا هذا من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ " فإن كان مؤمنا قال‪ :‬ال‬
‫ربي والسلم ديني ومحمد نبي‪ "،‬فقال له‪ ":‬على هذا أحييت وعليه أمتّ وعليه تبعث‪ ،‬انظر عن‬
‫يسارك" فيفتح له باب في قبره إلى النار فيقال له‪ ":‬هذا منزلك لو عصيت ال فأما إذ أطعته فأنظر‬
‫عن يمينك" فيفتح له باب في قبره إلى الجنة فيدخل عليه برد منزله ولذته فيرد أن ينهض‪ ،‬فيقال‬
‫له‪ ":‬لم يأت أوان ذلك‪ ،‬نم سعيدا نومة العروس" فما شيء أحب إليه من قيام الساعة حتى يصير‬
‫إلى أهل ومال وإلى جنة النعيم‪ ،‬وأما إذا كان كافرا فيقعدانه فيقولن له‪ ":‬من ربك؟" فيقول ل‬
‫أدري‪ .‬فيقولن‪ ":‬ما تقول في هذا الرجل"‪ -‬يعني محمد صلى ال عليه وسلم فيقول‪ ":‬كنت أقول‬
‫فيه كما يقول الناس" فيقولن‪ ":‬ل دريت ول تليت على هذا عشت وعليه مت وعليه تبعث‪ .‬انظر‬
‫عن يمينك" فيفتح له باب من الجنة فيقال له‪ ":‬هذا منزلك لو أطعت ال فأما إذ عصيته فانظر عن‬
‫شمالك فيفتح له باب من قبره الى جهنم فيدخل عليه غم منزله وأذاه ما شيء أبغض إليه من قيام‬
‫الساعة فيصير إلى العذاب" (‪. )41‬‬

‫إن في هذه الحاديث ذكرا صريحا لعذاب القبر ففي الول دعوة إلى الستعاذة منه‪ ،‬وفي الحديثين‬
‫الخرين تصوير دقيق لما يقع للميت منذ أن يوضع في قبره فيسمع نعال القوم الى أن يترك إما في‬
‫روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار‪.‬‬
‫وقد صعب على شارح هذه الحاديث وغيرها تصور هذا النوع من الحياة فلذلك تأولوا النصوص‬
‫بطرق مختلفة تتلخص في ما يلي‪:‬‬

‫أ) حياة حقيقية بالجسد والروح (‪)42‬‬

‫ب) حياة بالروح فقط (‪. )43‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ج)حياة الروح مع جزء أو أجزاء من الجسد (‪. )44‬‬

‫ويقول المحشي ملخصا هذه القضية‪ ":‬قوله‪ :‬وكان جابر ممن يثبت عذاب القبر" وهذا هو الصحيح‬
‫والمشهور بين العلماء وهل واقع على الروح فقط أو عليه وعلى سائر الجسد؟‬

‫قال ابن حجر (‪ )45‬في حق البخاري (‪ ": )46‬لم يتعرض المصنف لترجمة كون عذاب القبر يقع‬
‫على الروح فقط أو عليها وعلى سائر الجسد وفيه خلف شهير عند المتكلمين وكأنه تركه لن الدلة‬
‫التي يرضاها ليست قاطعة في أحد المرين فلم يتقلد الحكم في ذلك‪.‬‬

‫وكفى بإثبات وجوده خلفا لمن نفاه مطلقا من الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو (‪)47‬‬
‫وبشر المريسي (‪ )48‬ومن وافقهما وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم‬
‫وأكثروا من الحتجاج له‪ .‬وذهب بعض المعتزلة كالجبائي إلى انه يقع على الكفار دون المؤمنين‬
‫وبعض الحاديث التية ترد عليهم" (‪. )49‬‬

‫والمهم أساسا أن هذه النصوص تثبت أن القبر جزء من عالم الجزاء بقي على أية صورة يتم هذا‬
‫الجزاء فذاك محط الخلف والتأويل إل أن هذا ل ينبغي أن يدفع إلى إنكار الصل إذ مهما كانت الحال‬
‫التي يكون عليها النسان فإنه يحس بهذا الجزاء وليس مجرد جثة تأكلها الحشرات‪.‬‬

‫ويجدر أن نشير أيضا إلى أن التأويل شمل قضية أخرى متصلة بالعمل فهل أن هذا الجزاء خاص‬
‫بالكفار دون المؤمنين كما يقول الجبائي أو انه خاص بالمؤمنين فقط؟ أو ل يشمل إل العصاة من‬
‫أهل الصلة؟‬

‫قال القرطبي (‪ : )50‬وهذا (العرض)( في حق المؤمن والكافر واضح فأما المؤمن المخلط فيحتمل‬
‫في حقه أيضا لنه يدخل الجنة في الجملة" (‪. )51‬‬

‫ويرد المحشي على القرطبي بقوله‪ ":‬الحتمال ل أصل له عندنا فإن المخلط كافر فيعرض عليه‬
‫مقعده من النار ول واسطة كما يدل عليه الحديث" (‪. )52‬‬
‫فالقضية ترجع إلى موضوع السماء والحكام (‪ )53‬وبما أن الباضية اعتبروا كافر النعمة من أهل‬
‫الوعيد أثبتوا أنه من المعذبين في القبر أما من اعتبر العصاة مغفورا وإن لم يتوبوا فطبيعي أن‬
‫يعتبرهم من أهل السعادة في القبر‪.‬‬

‫ويلح تبغورين على أن عذاب القبر لهل الكفر والنفاق فيقول‪ ":‬إنما عذاب القبر في أهل الكفر‬
‫والنفاق وليس هو لهل التقى والخلص وهو الصحيح" (‪. )54‬‬

‫ول يغفل العلماء عن التنبيه إلى الشهداء فهؤلء أحياء عند ربهم يرزقون بصريح قوله تعالى‪ ( :‬ول‬
‫تحسبن الذين قتلوا في سبيل ال أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (‪ 3‬آل عمران ‪.)196‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فهؤلء يقول فيهم القرطبي‪ ":‬ويحتمل أن يقال إن فائدة العرض في حقهم تبشير أرواحهم‬
‫باستقرارها في الجنة مقترنة بأجسادها فإن فيه قدرا زائدا على ما هي فيه الن" (‪. )55‬‬

‫وفي آخر الفصل الذي يرد فيه أبو يعقوب الوارجلني على المنكرين يورد خطبة لعلي ابن أبي طالب‬
‫يقر بان القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار‪ .‬كما يورد قصة مفادها أن جماعة أتوا‬
‫يستفتون عبدال بن عباس في أمر قبر رجل كلما حفروا لـه وجدوا أسود قد مل القبر فقال ابن‬
‫عباس" ذلك الغل الذي يغل به" وأمرهم أن يدفنوه قائل" فوال لو حفرتم الرض كلها لوجدتموه‬
‫فيها" وتبين من استفسار أهله أنه كان يأخذ قوته من متاع الناس‪.‬‬

‫ويلح بعد ذلك على ما شاع في أمة محمد مما أبصروه عيانا في المقابر ثم يقول أبو يعقوب‪ ":‬ولو‬
‫أردنا ذكر شيء من ذلك‪ .‬مما رأينا وعاينا وعاينوه هم بأنفسهم ل تسع الحال‪ ،‬وإنفسح المجال‪،‬‬
‫وفاق القيل والقال مما ل ينكره عاقل" (‪. )56‬‬

‫ويختم أبو يعقوب تحليل القضية بالتهوين من أمرها فيقول‪ ":‬ومسألة عذاب القبر ليست من مسائل‬
‫الديانات‪ ،‬فمن جهلها سلم ومن علمها غنم‪ ،‬ومن تورط فيها ندم" (‪. )57‬‬
‫واضح حينئذ أن الباضية يثبتون ما في القبر من ثواب أو عقاب ويجعلون من مات على كبيرة دون‬
‫أن يتوب في زمرة المعاقبين‪.‬‬

‫وقد هون الوارجلني القضية فلم يعتبرها من مسائل الديانات وعذر فيها من جهل‪ .‬وكذلك السالمي‬
‫رأى أنه يصح الخلف في عذاب القبر (‪ )58‬وكذلك صاحب قاموس الشريعة‪ ":‬والختلف في هذا‬
‫جائز" ويقول أيضا" إن هذا كله في علم الغيب ل يصح فيه التحقيق" (‪. )59‬‬
‫=====================================‬

‫(‪ )32‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪.273 :‬‬


‫(‪ )33‬الربيع بن حبيب‪ 25 -2/24 :‬وخاصة عدد ‪484‬و ‪ 487‬و ‪.488‬‬
‫(‪ )34‬نفس المصدر‪ 19 -4/18 :‬عدد ‪.982‬‬
‫(‪ )35‬نفس المصدر‪ 1/13 :‬عدد ‪.43‬‬
‫(‪ )36‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان ط ‪.321 -3/318 :2‬‬
‫(‪ )37‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪:‬‬
‫‪ 1/65‬أورد الحديث ولم يشر إلى القضية‪.‬‬
‫‪ 81 -4/67‬حلل القضية تحليل ضافيا‪.‬‬
‫‪ 112 -8/105‬تحليل مع الحالة إلى ج ‪ 4‬باستمرار‪.‬‬
‫(‪ )38‬السالمي‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪:‬‬
‫‪ 71 -1/70‬اكتفى بذكر بعض آداب زيارة القبور‪.‬‬
‫‪ 361 -348 /2‬تحليل مفصل واضح‪ ،‬أما الجزء الخير فلم يطبع بعد‪.‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬أبو داود‪:‬أدب ‪ 101‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪.4/168‬‬
‫(‪ )40‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 2/24 :‬عدد ‪ 484‬ر‪.‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ ،90‬بدء الخلق ‪ ،8‬رقاق ‪، 42‬مسلم ‪ :‬جنة ‪65،6‬‬
‫‪ 6‬الترمذي‪ :‬جنائز ‪ .70‬النسائي‪ :‬جنائز ‪.116‬ابن ماجة‪ :‬زهد ‪ .32‬الموطأ‪ :‬جنائز ‪ . 48‬أحمد بن حنبل ‪...2/16‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪.5/442‬‬
‫(‪ )41‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/18:‬عدد ‪. 982‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬جنائز ‪ .87 ،68‬مسلم جنة ‪ 82 .81‬أبو داود‪ :‬جنائز ‪74‬‬
‫سنة ‪ .24‬النسائي‪ :‬جنائز ‪ .110 .108‬أحمد بن حنبل ‪. 2/126‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس ‪.5/226‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ملحظة‪ :‬ويحسن أن نذكر بالختلف الوارد في شأن أن يعذب الميت ببكاء النائحين عليه‪ ،‬ويفصل المحشي القضية كما يلي‪:‬‬
‫أقول ‪ ":‬وهذا ل يناسب ما هو المذعب من أن ال عدل ل ينسب إليه الجور في حكم ول فعل ‪ ،‬وأنه ل يؤاخذ أحدا بما لم يصدر‬
‫منه لقوله تعالى‪ ]:‬وما ربك بظلم للعبيد[ (‪ 41‬فصلت ‪ ،)46‬وقوله‪ ]:‬ل يظلم ربك أحدا[ (‪ 18‬الكهف ‪ .)49‬وقوله‪ ]:‬وما ظلمناهم‬
‫ولكن كانوا هم الظالمين[(‪ 43‬الزخرف ‪ )76‬أي ل يؤاخذهم بغير ما اكتسبوا ‪ ،‬ول يعذبهم بغير ما اجترموا فإنه تعالى نفى عن‬
‫نفسه هذه الصفة وجعل مؤاخذة النسان بما لم يصدر منه ظلما‪...‬فالحق ما ذهبت إليه عائشة رضي ال عنها ] أل تزر وازرة‬
‫وزر أخرى[(‪ 53‬النجم ‪ )38‬إل أن صح الحديث (أي الميت يعذب ببكاء أهله عليه) فيتأول بما يكون للميت فيه مدخل كأن أوصى‬
‫بذلك أو لم ينه أهله من قبل كما تقدم في بعض التأويلت وال اعلم بحقيقة الحال‪ ".‬حاشية الترتيب‪.4/74 :‬‬
‫ويقف السالمي نفس الموقف ويختم بقوله‪ ":‬ومن سلم من ذلك كله فاحتاط فنهاهم ثم خالفوه فعذابه تألمه بما يراه من مخالفة‬
‫أمره وإقدامهم على معصية ربه"‪ .‬عبدال السالمي ‪ :‬شرح الجامع الصحيح‪.2/353 :‬‬
‫(‪ )42‬ويرجح جميل بن خميس السعدي هذه الصورة فيقول ‪ ":‬إن الروح ل تعقل إل في جسدها ‪ ،‬وأظن أنه الصح"‪ .‬قاموس‬
‫الشريعة ‪ .6/216:‬ويقول ابن حزم في ذلك ‪ ":‬ولم يرو أحد أن في عذاب القبر رد الروح إل المنهال بن عمرو وليس بالقوي"‪.‬‬
‫المحلى‪.1/22 :‬‬
‫(‪ )43‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪ .4/75 :‬كما ينقل المحشي أيضا أن ابن عبد البر يذكر‬
‫أن الرواح على أفنية القبور ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪.4/76 :‬‬
‫(‪ )44‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪ . 4/75 :‬كما ينقل المحشي أيضا أن ابن عبد البر‬
‫يذكر أن الرواح على أفنية القبور‪ .‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪.4/76 :‬‬
‫(‪ )45‬ينقل المحشي عن ابن حجر أنه أحد قولي القرطبي ‪.‬ر‪ .‬حاشية الترتيب‪4/75 :‬‬
‫ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪.6/216 :‬‬
‫ملحظة ‪ :‬لقد أورد جميل بن خميس السعدي كل هذه القوال في سياق واحد دون أن ينسبها إلى أصحابها‪ .‬قاموس الشريعة‪:‬‬
‫‪.6/215‬‬
‫(‪ )46‬البخاري (‪. )870 -256/810 -194‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.6/258‬‬
‫(‪ )47‬انظر ما سبق‪.308 :‬‬
‫(‪ )48‬بشر المريسي (ت ‪ )218/833‬فقيه معتزلي عارف بالفلسفة ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.2/28‬‬
‫(‪ )49‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪ 81 -4/80 :‬نقل عن ابن حجر‪.‬‬
‫(‪ )50‬القرطبي‪ :‬حاشية الترتيب(ت ‪ )1273 /671‬المفسر‪.‬‬
‫(‪ )51‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.4/75 :‬‬
‫(‪ )52‬نفس المصدر‪.‬‬
‫ملحظة‪ :‬لقد أثيرت قضية الختلف في شأن الكافر أيسأل في القبر أم ل؟ وقد جاء في ذلك ما يلي عند المحشي‪ ":‬وأما إذا كان‬
‫كافرا‪ ،‬هذا الكلم يدل على أن سؤال القبر عام في المؤمن والمنافق خلفا لمن يزعم أن السؤال إنما يقع على من يدعي اليمان‬
‫محقا كان أو باطل‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬مستندهم في ذلك ما رواه عبد الرزاق من طريق عبيد بن عمير أحد كبراء التابعين قال‪ :‬إنما‬
‫يفتن رجلن مؤمن ومنافق وأما الكافر فل يسأل عن محمد ول يعرفه‪.‬‬
‫وهذا موقوف ‪ ،‬والحاديث الناصة على أن الكافر يسأل مرفوعة مع كثرة طرقها الصحيحة فهي ألوى بالقبول‪.‬‬
‫وجزم الترمذي بأن الكافر يسأل ‪...‬حاشية الترتيب‪ .110 -8/109 :‬يثبت من هذا أن الباضية يتفقون مع ابن حجر والترمذي في‬
‫أن الكافر كفر شرك أو كفر نعمة يسأل في قبره لما ثبت في ذلك من الحاديث المرفوعة إلى رسول ال ‪. e‬‬
‫(‪ )53‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )54‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول الدين‪.73 :‬‬
‫(‪ )55‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.4/75 :‬‬
‫(‪ )56‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.323 -322 :‬‬
‫(‪ )57‬أبو يعقوب الوارجلني‪ :‬الدليل والبرهان‪.3/322 :‬‬
‫(‪ )58‬ر‪ .‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪274 :‬‬
‫(‪ )59‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪6/216 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الشفاعة‪:‬‬

‫الشفاعة من شفع والشفع هو الزوج‪ ،‬وشفع لي يشفع شفاعة وتشفع‪ :‬طلب‪ .‬والشفاعة كلم الشفيع‬
‫للملك في حاجة يسألها لغيره‪ ،‬وشفع إليه‪ :‬في معنى طلب إليه‪ ،‬والشافع‪ :‬الطالب لغيره يتشفع به‬
‫إلى المطلوب‪.‬‬

‫هذا ما جاء في لسان العرب (‪ )1‬أما عمرو التلتي فيعرفها بأنها " سؤال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫من ال الذن للمؤمنين في دخول منازلهم في الجنة بعد الفراغ من الحساب وبعد سؤال المؤمنين‬
‫النبي أن يرسل لهم من ال تعالى ذلك الذن" (‪ )2‬ويشير إلى أنها تعني في اللغة‪ :‬الوسيلة والطلب‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وفي العرف‪ :‬سؤال الخير للغير (‪ ، )3‬ويأتي تعريف السالمي أكثر شمول حيث يقول‪ ":‬وشرعا‪:‬‬
‫طلب تعجيل دخول الجنة أو زيادة درجة فيها من الرب عز وجل لعباده المؤمنين فتكون للنبياء‬
‫وغيرهم‪ ،‬ويختص نبينا عليه السلم منها بخصلة هي تقدمه إليها قبل كل شافع‪ ،‬فل تفتح بابها إل‬
‫له‪ ،‬ثم من بعده يشفع من شاء ال أن يشفع‪ .‬قيل وهو المقام المحمود الذي في قوله تعالى‪ ( :‬عسى‬
‫أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (‪ 17‬السراء ‪ )79‬أي يحمدك فيه الولون والخرون حيث لم يجدوا‬
‫قبلك شافعا" (‪. )4‬‬
‫إن المتأمل في هذه التعاريف يلمس بوضوح مدى اتصال القضية بموضوع الوعد والوعيد (‪)5‬‬
‫فالقائلون بإنفاذ الوعيد مثل الباضية ل يعتبرون أن في الشفاعة دفعا للضر إل في مستوى الدنيا أما‬
‫في مستوى الخرة فهي زيادة في جلب النفع ويقول القاضي عبد الجبار في هذا الصدد عند مناقشة‬
‫المرجئة (‪ ": )6‬بل لو جعل الصل في هذا الباب النفع ويرجع بدفع الضرر إليه لكان أولى وأوجب"‬
‫(‪ )7‬ومثل هذا التجاه واضح غاية الوضوح في تعريف التلتي والسالمي الذي جاء معبرا عن‬
‫موقف الباضية‪.‬‬

‫أما التعاريف الخرى فقد عكست فكرة أصحابها في خلف الوعيد واعتبرت أن الشفاعة تتمثل في‬
‫جلب النفع ودفع الضر والضر هنا هو الكبائر إل أن صاحب المنار سلك مسلكا آخر في التعريف‬
‫اعتمد فيه على التمثيل وانتهى إلى أن إرادة ال حسب علمه‪ ،‬وعلمه أزلي فل سبيل إذن إلى فسخ‬
‫إرادة ال تعالى وإنما تكون الشفاعة إكراما للشافع حيث توافق شفاعته علم ال الزلي (‪. )8‬أما‬
‫مغنية فقد أكد على أن الشفاعة عند ال ل تكون إل بإذنه بهذا تختلف عن الشفاعة لدى المخلوقين‬
‫لنها قد تكون بإذنهم وقد تكون بدون إذن منهم (‪. )9‬‬

‫ويحسن هنا أن نشير إلى ما ألح عليه صاحب المنار من تأثر المسلمين بما كان عند الوثنين واليهود‬
‫من تصورات فاسدة في شأن الشفاعة مما غرس في المجتمعات السلمية بعض العادات هي أبعد‬
‫ما يكون عن السلم يذكر منها ما يعطي لغاسل الميت من النقد ويسمونه "أجرة المعدية" أي أجرة‬
‫نقله إلى الجنة (‪. )10‬‬

‫واضح إذن أن لتصور مفهوم الشفاعة تأثيرا حضاريا واضحا‪ ،‬لكن قبل أن نقف عند هذا التأثير في‬
‫المجتمع السلمي عامة وفي البيئة الباضية خاصة يحسن أن نتعرض لما اتفقت عليه الفرق‬
‫السلمية في شأن الشفاعة ولما اختلفت فيه‪.‬‬

‫‪:‬‬

‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬ل خلف بين المة في أن شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم ثابتة" (‬
‫‪ )11‬والمتفق عليه نقطتان‪)12( :‬‬
‫أ) الشفاعة العظمى‪ :‬أو المقام المحمود (‪ )13‬وتكون في المحشر عندما يطول النتظار (‪ )14‬فيلجأ‬
‫الصالحون إلى النبياء واحدا بعد واحد فيعتذرون إلى أن يصلوا إلى محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫فيستجيب لهم ويدعو ربه فيأذن لهم بدخول منازلهم في الجنة (‪. )15‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ب)الشفاعة بمعنى رفع الدرجات في الجنة (‪ )16‬كما ذكر في تعريفها (‪ )17‬ويجيب القاضي عبد‬
‫الجبار على هذا السؤال‪ :‬انصح الشفاعة في مزيد التفضل لمن حالته موفورة في النعم؟ بما يلي‪":‬‬
‫قيل له نعم وقد ذكر ال تعالى ذلك في كتابه بقوله ( ل يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪)28‬‬
‫فوصف ذلك شفاعة وإن كان لهل الجنة ويدل عليه قوله تعالى في حملة العرش‪( .‬يسبحون بحمد‬
‫ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) (‪ 40‬غافر ‪.)7‬‬

‫والستغفار يجري مجرى الشفاعة وقد ثبت في الشاهد أن الزيادة في النعم والحسان قد تطلب‬
‫بالشفاعات كما أن التخلص من الشدائد قد يطلب بذلك" (‪. )18‬‬

‫ويجيب المحشي على سؤال افتراضي من هذا النسق‪ ":‬فإن قال قائل‪ :‬إن المؤمنين قد وعدهم ال‬
‫في كتابه الجنة فما حاجتهم الى الشفاعة؟ بما يلي‪ :‬قيل له" إن الشفاعة زيادة في الثواب وتشريف‬
‫في المنازل وأيضا فإن المؤمنين تكون عليهم الذنوب والتبعات من قبل الرحام والقرابات ومن‬
‫حقوق الجيران والولد والزوجات وما أشبه ذلك‪ ،‬أل ترى إلى قول ال تعالى وحكاية عن المؤمنين‬
‫( يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) (‪ 66‬التحريم ‪ )8‬فأخبر أنهم‬
‫يسألونه إتمام نورهم وغفران ذنوبهم وهم يمشون على قناطر جهنم قبل دخول الجنة‪ ،‬ويدل على‬
‫ذلك ما روي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ :‬ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل‬
‫صالح وبرحمة ال وشفاعتي" (‪. )19‬‬

‫ويقول الجيطالي أيضا‪ ":‬والشفاعة ليست لمن استوجب العقاب فيصير بها إلى الثواب ولكن‬
‫الشفاعة زيادة لهم في الثواب وتشريف في المنازل" (‪. )20‬‬

‫والشاعرة أيضا يقولون بهذا المعنى إذ جاء عند البيجوري عند تعداد الشفاعات ما يلي‪ ":‬منها‬
‫شفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها" (‪. )21‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي‪ ":‬وما صاحب الكشاف فقال‪ ":‬عن الشفاعة ثم في زيادة الفضل ل غير"‬
‫فيؤخذ منه أن المعتقد عندهم مساو لما هو عندنا من نفي الشفاعة في الكبائر وتخصصها برقع‬
‫الدرجات كما دل على ذلك قوله تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )28‬وغير ذلك‬
‫كما هو معلوم (‪. )22‬‬

‫أما جواد مغنية فإنه لم يشر إلى القضية وسلك مسلكا آخر فيه احتزاز كبير سنشير إليه بعد حين (‬
‫‪. )23‬‬

‫والملحظ أن في هذا التفاق حول هاتين النقطتين نظرا لنهما لمن تأتيا منفصلتين عن بقية‬
‫الموضوع‪ ،‬ودفاعا من اثبتوا الشفاعة للتائبين عن موقفهم يدل على صراع في النقطة الثانية‪ ،‬أما‬
‫في النقطة الولى فالتفصيل فيها واضح إذ يرى مثبتو الشفاعة لهل الكبائر أن الشفاعة عامة بينما‬
‫يرى الخرون أنها خاصة بالصالحين‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقبل أن نبين حجج هؤلء وأولئك يحسن أن نشير إلى الحقيقة التالية وهي‪ :‬أن الباضية يعتبرون‬
‫أن الشفاعة واحدة ويقول يوسف المصعبي في ذلك نقل عن الجيطالي ما يلي‪ ":‬وكلمه أيضا في‬
‫شرح النونية صريح في أنها في المحشر والظاهر أنها قبل الحساب‪ ،‬ويستمر حكمها إلى الشفاعة‬
‫في زيادة الثواب وتشريف المنازل وأن ذلك كله في الموقف قبل دخول الجنة فل يدخل أحد الجنة إل‬
‫وقد علم منزله الذي صار إليه بالعمل الصالح ورحمة ال وشفاعة المصطفى وغيره ممن تحصل‬
‫منه الشفاعة فإذا دخل أحد منزله فل ينتقل منه بعد ذلك فل منافاة بين كونها في المحشر للراحة‬
‫من الموقف وكونها لزيادة الثواب ورفع المنازل فإن الشفاعة واحدة لكنها تتضمن ذلك كله" (‪. )24‬‬

‫أما الشاعرة فيعتبرونها شفاعات يصلون بها إلى الثمانية ‪ :‬وانه صلى ال عليه وسلم له ثمان‬
‫شفاعات نذكر منها ثلثا على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -1‬أعظمها شفاعته المختصة به للراحة من طول الموقف وهو أول المقام المحمود‪.‬‬

‫‪ -2‬وثانيها‪ :‬في إدخال قوم الجنة بغير حساب وهي مختصة به في قول النووي (‪. )25‬‬

‫‪ -1‬وثالثها‪ :‬فيمن استحق دخول النار أل يدخلها وفي اختصاصها به أيضا تردد‪)26( ."...‬‬

‫إن هذا العرض يثبت اختلفا في تصور قضية الشفاعة وإن اتفق على ثبوتها فبم يستدل هؤلء‬
‫وأولئك؟‬
‫============================‬
‫(‪ )1‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة شفع‪.‬‬
‫(‪ )2‬عمرو التلتي‪ :‬نخبة المتين‪.165 :‬‬
‫(‪ )3‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬وجه ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪. 299‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على‬
‫تفسير الجللين ورقة ‪ 33‬قفا‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫والملحظ أن الباضية اتجهوا هذا التجاه في تفسير الشفاعة من وقت مبكر اعتمادا على ما جمعه الربيع بن حبيب من أحاديث‬
‫‪.‬ر‪ .‬النامي الطروحة ‪ 237:‬وتجدر الشارة إلى أن تبغورين بن عيسى الملشوطي يقر بنفس المعنى إل أنه لم يعرف الشفاعة‬
‫تعريفا اصطلحيا واضحا‪ ،‬وكذلك فعل يوسف المصعبي في حاشيته على أصول تبغورين (ر‪ .‬كتاب أصول الدين‪.71 -70 :‬‬
‫وحاشية المصعبي عليه‪ ,)116 -111 :‬كما أن البرادي لم يضبط التعريف الصطلحي في رسالة الحقائق‪.‬‬
‫(‪ )4‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬وللتوسع في تعريف الشفاعة عند الشاعرة والمعتزلة والشيعة راجع ما يلي ‪ :‬القرطبي‪ ،‬أحكام القرآن‪ .1/378 :‬الطاهر‬
‫بن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير ‪ .1/486‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ .688:‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.1/97:‬‬
‫(‪ )5‬يقول القاضي عبد الجبار‪ " :‬ووجه اتصاله(فصل في الشفاعة) بباب الوعيد هو أن هذا أحد شبه المرجئة الذين يوردون‬
‫علينا طعنا في القول بدوام عقاب الفاسق"‪ .‬الصول الخمسة ‪.687 :‬‬
‫(‪ )6‬وقالت المرجئة‪ ":‬إن موضوع الشفاعة إنما هو لدفع الضرر عن المشفوع له ل غير‪ ".‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول‬
‫الخمسة ‪69:‬‬
‫(‪ )7‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪.690 :‬‬
‫(‪ )8‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار ‪ " 308 /1‬وإنما هي( الشفاعة) إظهار كرامة الشافع بتنفيذ الرادة الزلية عقب دعائه"‪ .‬واضح‬
‫أن صاحب المنار خالف الشاعرة رغم انتمائه إليهم‪ ،‬ورأى أن الصواب حليف الذين ل يتوسعون في أمر الشفاعة‪ ،‬ويرى أنها ل‬
‫يمكن أن تشمل أهل الكبائر‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.98 -1/97:‬‬
‫(‪ )10‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار ‪.1/306‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )11‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪688 :‬‬


‫(‪ )12‬ويقول الطاهر بن عاشور‪ ":‬واتفق المسلمون على ثبوت الشفاعة يوم القيامة للطائعين والتائبين لرفع الدرجات ولم‬
‫يختلف في ذلك الشاعرة والمعتزلة فهذا اتفاق على تخصيص العموم ابتداء"‪ .‬التحرير والتنوير‪. 1/487 :‬‬
‫(‪ )13‬وعن المقام المحمود ينقل المحشي عن إسماعيل الجيطالي ما يلي‪ ":‬وقال أيضا في قنطرة اليمان‪ :‬في ما يجب على‬
‫النسان أن يعتقده ‪ :‬التاسعة ‪ :‬الشفاعة وهي حق‪ ،‬فمن كذب بها فقد كذب القرآن‪ ،‬وهو المقام المحمود قال ال لنبيه عليه‬
‫السلم‪ ] :‬عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا[( ‪17‬السراء ‪ )79‬أي يحمده فيه الولون والخرون‬
‫يحمده الخرون بما فتح لهم من الشفاعة ‪ ،‬وكانت مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها النبي عليه السلم ‪.‬‬
‫ويحمده الخرون حيث نجاهم من هول المقام‪ ".‬إسماعيل الجيطالي كتاب قناطر الخيرات‪. 230 :‬‬
‫المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.8/137 :‬‬
‫راجع في هذا الشأن القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ .312 -10/309 :‬ويورد في ذلك أربعة أقوال‪:‬‬
‫‪ )1‬الشفاعة العظمى‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يكون لواء الحمد بيد الرسول عليه السلم‪.‬‬
‫‪ )3‬أن يجلس الرسول عليه السلم على الكرسي مع ال تعالى‪.‬‬
‫‪ )4‬إخراج الرسول عليه السلم من يخرج بشفاعته من النار‪ .‬ويلح على أن أصحها القول الول‪ ،‬ويدعم ذلك بما رواه البخاري‬
‫عن جابر بن عبدال أن رسول ال ‪ e‬قال‪ " :‬من قال حين سمع النداء (الذان) اللهم ربي هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت‬
‫محمد ‪ e‬الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة"‪ .‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬آذان ‪ .8‬تفسير‬
‫سورة السراء ‪ .11‬مسلم‪ :‬صلة ‪ .43‬النسائي‪ :‬آذان ‪ .38 -37‬ابن ماجة‪ :‬آذان ‪ .4‬أحمد بن حنبل ‪.3/245 .2/168‬ر‪ .‬ونسنك‬
‫المعجم المفهرس ‪.3/151‬‬
‫(‪ )14‬هناك اختلف جزئي سنعود إليه عند ذكر الحديث وتحليله‪.‬‬
‫(‪ )15‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/23 :‬عدد ‪ .1004‬ويقول المحشي في شاشية الترتيب‪ " ،8/139 :‬وقد طلبها‬
‫المسلمون ليستريحوا كما ذكر في الحديث عندنا دون الكفار خلف لما رواه قومنا من أن أهل الموقف جميعا يفزعون إلى من‬
‫ذكر من المرسلين" ‪.‬ر‪ .‬اليجي‪ :‬المواقف‪. 2/449 :‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.64 -1/63 :‬‬
‫(‪ )16‬يقول القرطبي وهو يعدد أنواع الشفاعات‪ ":‬الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لهلها وترفيعها ‪ ،‬وهذه ل ينكرها‬
‫المعتزلة‪ .‬وتنكر شفاعة الحشر الول "‪ .‬أحكام القرآن ‪ .10/310:‬ويقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬فأما قولنا في إثبات الشفاعة فهو‬
‫معروف ‪ ،‬ونزعم أن من أنكره فقد أخطأ الخطأ العظيم لكنا نقول لهل الثواب دون أهل العقاب‪ ،‬ولوليائه دون أعدائه‪ ،‬ويشفع ‪e‬‬
‫في أن يزيدهم تفضيل عظيما"‪ .‬فضل العتزال ‪.207 :‬‬
‫(‪ )17‬انظر ما سبق ‪654 :‬‬
‫(‪ )18‬القاضي عبد الجبار‪ :‬فضل العتزال ‪.208 -207‬‬
‫(‪ )19‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ 8/102‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 118‬وجه عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ .302‬وجاء‬
‫الحديث بصيغة " فيدخلهم الجنة برحمته بعد شفاعة من يشفع "ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪.2/400‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‬
‫‪.3/152‬‬
‫(‪ )20‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪.1/321 :2‬‬
‫(‪ )21‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد ‪ .187 :‬أما الرازي فقد ناقش بقوة هذا الموقف وألح على أن التائب ليس في حاجة إلى‬
‫شفاعة وهو بذلك مخالف لما جاء عند الشاعرة ‪ :‬التفسير الكبير ‪ .62 -1/61:‬أما اليجي فإنه لم يحلل القضية بل أشار إليها‬
‫إجمال وأحال على تفسير الرازي ‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف‪.2/450 :‬‬
‫(‪ )22‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 91‬وجه‪.‬‬
‫(‪ )23‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.98 -1/97:‬انظر ‪ 694‬تعليق‪ 120 :‬ملحظة‪.‬‬
‫(‪ )24‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين ‪.112 -111:‬‬
‫(‪ )25‬النووي( ‪ )1277 -1233 /676 -631‬يحي بن شرف النووي الشافعي‪ .‬علمة بالفقه والحديث ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪:‬‬
‫‪.9/183‬‬
‫(‪ )26‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬وجه وقفا‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ 300‬ويورد البيجوري ستة منها ثم يقول‬
‫‪ ":‬ومنها غير ذلك كما ذكره السيوطي"‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪.187 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪:‬‬

‫أدلة مثبتي الشفاعة لهل الكبائر (‪)27‬‬

‫يقول جواد مغنية‪ ":‬والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول إيجابا أما من حيث‬
‫المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على صحة‬
‫النقل عن ال ورسوله" (‪. )28‬‬

‫أما محمد عبده فيرى أنه ليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة وما جاء متن آيات عديدة‬
‫تشير إلى الشفاعة ليس إل من المتشابهات (‪ )29‬وفعل نجد نفس اليات يتأولها الطرفان كل حسب‬
‫النفي أو الثبات‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أ) الدلة من القرآن الكريم (‪: )30‬‬


‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ول يقبل منها شفاعة) (‪ )31‬يقول الرازي في تفسير هذه الية‪ ":‬هب أن العبرة‬
‫بعموم اللفظ ل بخصوص السبب إل إن تخصيص مثل هذا العام بذلك السبب المخصوص يكفي فيه‬
‫أدنى دليل فإذا قامت الدلئل على وجود الشفاعة وجب المصير الى تخصيصها"‪)32( .‬‬

‫ويقول أبو السعود‪ ":‬وقد تمسكت المعتزلة بهذه الية على نفي الشفاعة لهل الكبائر والجواب أنها‬
‫خاصة بالكفار لليات الواردة في الشفاعة والحاديث المروية فيها" (‪. )33‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ )34‬لقد جاء عند الرازي ما يلي‪ ":‬وجه الستدلل‬
‫به أن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى وكل من كان مرتضى عند ال تعالى وجب أن يكون من‬
‫أهل الشفاعة وغنما قلنا إن صاحب الكبيرة مرتضى عند ال تعالى لنه مرتضى عند ال بحسب‬
‫إيمانه وتوحيده‪ ...‬وإذا ثبت أن صاحب الكبيرة داخل في شفاعة الملئكة وجب دخوله في شفاعة‬
‫النبياء وشفاعة محمد صلى ال عليه وسلم ضرورة أنه ل قائل بالفرق" (‪ )35‬ويقول الشعري‬
‫إجابة عمن سأل عن هذه الية " فالجواب عن ذلك‪ (:‬إل لمن ارتضى) فهم يشفعون له" (‪. )36‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) (‪)37‬‬

‫يقول الرازي‪ ":‬والتقدير أن المجرمين ل يستحقون أن يشفع لهم غيرهم إل إذا كانوا اتخذوا عند‬
‫الرحمن عهدا‪ ،‬فكل من اتخذ عند الرحمن عهدا وجب دخوله فيه‪ ،‬وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن‬
‫عهدا وهو التوحيد والسلم فوجب أن يكون داخل تحته" (‪. )38‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪( :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع) (‪ )39‬يقول الرازي فالجواب عنه أن قوله ( وما‬
‫للظالمين من حميم ول شفيع) نقيض لقولنا للظالمين حميم وشفيع لكن قولنا للظالمين حميم وشفيع‬
‫موجبة كلية ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية والسالبة يكفي في صدقها تحقيق ذلك السلب في‬
‫بعض الصور‪ ،‬ول يحتاج فيه إلى تحقيق ذلك السلب في جميع الصور وعلى هذا نحن نقول بموجبه‬
‫عندنا لن عندنا أنه ليس لبعض الظالمين حميم ول شفيع يجاب وهم الكفار فأما أن يحكم على كل‬
‫واحد منهم بسلب الحميم والشفيع فل (‪." )40‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (‪ )41‬يقول الرازي " فهذا وارد في حق الكفار وهو‬
‫يدل بسبب التخصيص على ضد هذا الحكم في حق المؤمنين" (‪. )42‬‬

‫تلك بعض اليات التي رأى فيها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر دليل على موقفهم وقد اكتفينا بما جاء‬
‫عند الرازي لنه حلل القضية بحماس وكل من جاء بعده لم يخرج عن الدائرة التي رسمها (‪. )43‬‬

‫أ‌) الدلة من الحديث الشريف‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫واضح أن العمدة الساسية في قضية إثبات الشفاعة هي حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ويقول‬
‫محمد عبده في هذا الشأن‪ ":‬ولكن ورد الحديث بإثباتها" (‪. )44‬‬

‫ومعلوم أن الستشهاد بالحديث يثير اكثر إشكال من القرآن الكريم ذاك لن التأويل مع القرآن يتمثل‬
‫نصا متفقا عليه عنه المسلمين بينما تتعلق بالحديث قضيتان فقضية السند وقضية المتن ويكفي أن‬
‫يضاف نفي لجملة ما فينقلب المعنى من الثبات الى عكسه وموضوع الشافعة تكدره هذه النقطة‬
‫بالذات كما سنرى‪.‬‬

‫وسنحاول أن ننتخب بعضا من الحاديث لنتبين كيف بتصرف مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ومن ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬ما جاء عن أبي هريرة قال‪ " :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما بلحم فرفع إليه الذراع‬
‫وكانت تعجبه فنهش ثم قال‪ :‬أنا سيد الناس يوم القيامة هل تدرون لم ذلك؟ قالوا‪ ":‬ل يا رسول ال"‬
‫قال‪ ":‬يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس‬
‫فيبلغ الناس من الغم والكرب مال يطيقون فيقول بعض الناس لبعض‪ ":‬أل ترون ما أنتم فيه؟ أل‬
‫ترون ما قد بلغكم أل تذهبون إلى من يشفع لكم إلى ربكم"؟ فيقول بعض الناس لبعض‪ ":‬أبوكم‬
‫آدم" فيأتون آدم فيقولون ‪ ":‬يا آدم أنت أبو البشر خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملئكة‬
‫فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه‪ ،‬أل ترى ما قد بلغنا" فيقول لهم‪ ":‬إن ربي قد‬
‫غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته‪.‬‬
‫نفسي ‪ ،‬نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح"‪ .‬فياتون نوحا فيقولون‪ ":‬يا نوح أنت أول الرسل‬
‫إلى أهل الرض وسماك ال عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه" فيقول لهم‪ ":‬إن‬
‫ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإن كانت لي دعوة دعوت بها‬
‫إلى قومي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم"‪ .‬فياتون إبراهيم عليه السلم فيقولون‪ ":‬أنت‬
‫إبراهيم نبي ال وخليله من أهل الرض اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه"‪ .‬فيقول لهم‬
‫إبراهيم‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وذكر كذباته‬
‫نفسي‪ ،‬نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى"‪ .‬فيأتون موسى ويقولون‪ ":‬يا موسى أنت‬
‫رسول ال فضلك ال برسالته وبكلمه على الناس اشفع لنا إلى ربك أل ترى ما نحن فيه"‪ .‬فيقول‬
‫لهم موسى‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله ولن يغضب بعده مثله وإني قتلت‬
‫نفسا لم أؤمر بقتلها ‪،‬نفسي ‪ ،‬نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم"‪ .‬فيأتون عيسى‬
‫فيقولون‪ :‬أنت رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد‪ ،‬اشفع لنا الى‬
‫ربك أل ترى ما نحن في؟" فيقول لهم عيسى‪ ":‬إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب مثله قبله‬
‫ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر له ذنبا ‪،‬نفسي‪ ،‬نفسي‪ ،‬اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد" فيأتون‬
‫فيقولون‪ ":‬يا محمد أنت رسول ال وخاتم النبيين وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع‬
‫لنا الى ربك أل ترى ما نحن فيه؟" فأنطلق وأستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجدا‬
‫فيدعني ما شاء ال أن يدعني ثم يقول لي‪ ":‬يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع‪ ،‬وسل تعطه واشفع‬
‫تشفع" فأحمد ربي بمحامد علمنيها‪ ،‬ثم أشفع فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة ثم أرجع فأقول‪ ":‬يا رب‬
‫ما بقي في النار إل من حبسه القرآن أي وجب عليه الخلود" ‪)45( .‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقول الرازي بعد أن أثبت أن هذا واحد من الخبار‪ ":‬وغن كان مرويا بالحاد إل أنها (الخبار)‬
‫كثيرة جدا وبينها قدر مشترك واحد وهو خروج أهل العقاب من النار بسبب الشفاعة فيصير هذا‬
‫المعنى مرويا على سبيل التواتر فيكون حجة وال أعلم"‪)46( .‬‬
‫‪ -‬وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ‪)47( .‬‬

‫رغم صراحة هذا النص فإن الرازي اضطر أمام مطاعن المنكرين من المعتزلة أن يقول‪ ":‬واعلم أن‬
‫النصاف أنه ل يمكن التمسك في مثل هذه المسألة بهذا الخبر ولكن بمجموع الخبار الواردة في‬
‫باب الشفاعة" (‪. )48‬‬

‫‪ -‬وما رواه أبو هريرة قال‪ " :‬لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته وإني اختبأت دعوتي‬
‫شفاعة لمتي يوم القيامة فهي نائلة إن شاء ال من مات من أمتي ل يشرك بال شيئا" قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪. )49( :‬‬

‫يقول الرازي‪ ":‬والستدلل به أن الحديث صريح في أن شفاعته صلى ال عليه وسلم تنال كل من‬
‫مات من أمته ل يشرك بال شيئا وصاحب الكبيرة كذلك فوجب أن تناله الشفاعة" (‪. )50‬‬

‫‪ -‬وما جاء عن أبي سعيد الخدري قال‪ " :‬وأما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم ل يموتون فيها ول‬
‫يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم وقال بخطاياهم فأماتهم ال إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن‬
‫الشفاعة فجيء بهم ضبائر فبثوا على انهار الجنة‪ ،‬ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات‬
‫الحبّة تكون في حميل السيل" قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪. )51( :‬‬

‫وقد اعتبره ابن حزم دليل على الشفاعة لهل الكبائر وإن لم تشر إليه الكتب الخرى التي وقفنا‬
‫عليها مثل تفسير الرازي وتفسير القرطبي وتفسير ابن عاشور‪.‬‬

‫‪ -‬وما جاء عند الشعري‪ ":‬ونقول إن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا (‪)52‬‬
‫بشفاعة محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم تصديقا لما جاءت به الروايات عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم " (‪. )53‬‬
‫هذه مجموعة الحاديث التي يستدل بها مثبتو الشفاعة لهل الكبائر ويناقش الشعري المعتزلة‬
‫بشدة لنفيهم مثل هذه الشفاعة الى أن يقول‪ ":‬وإنما الشفاعة المعقولة في من استحق عقابا أن‬
‫يوضع عنه عقابه أو في من لم يعده شيئا أن يتفضل به عليه فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فل‬
‫وجه لهذا" (‪. )54‬‬

‫تلك هي الدلة النقلية التي أثبت بها هؤلء الشفاعة لهل الكبائر فكيف كان رد المنكرين لها على‬
‫هذا الصحيح؟‬
‫==========================‬
‫(‪ )27‬الشاعرة والمامية‪ ".‬والذي يذهب إليه أبو هاشم هو أنه تحسن الشفاعة مع إصرار المذنب على الذنب كما في العفو"‪.‬‬
‫القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول‪.688 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )28‬محمد جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪.1/97:‬‬


‫(‪ )29‬ر‪ .‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )30‬ل نرى ضرورة بأن نورد كل ما استدل به وإنما ننتخب ما نراه أكثر تعبيرا عن الغرض‪.‬‬
‫(‪ 2 )31‬البقرة ‪ .48‬والخطاب موجه في السياق لبني إسرائيل والية هي‪ ]:‬واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا ول يقبل‬
‫منها شفاعة ول يؤخذ منها عدل ول هم ينصرون[‪.‬‬
‫(‪ )32‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65:‬‬
‫(‪ )33‬أبو السعود ‪ :‬تفسير أبي المسعود ‪ 1/121‬وعن أبي السعود (‪ )1879 /1295‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪.3/142‬‬
‫(‪ 21 )34‬النبياء ‪ 28‬والحديث في السياق عن فضائل الملئكة والية ] يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ول يشفعون إل لمن‬
‫ارتضى وهم من خشيته مشفقون[‪.‬‬
‫(‪ )35‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.22/60‬‬
‫(‪ )36‬الشعرية ‪ :‬البانة ‪.178‬‬
‫(‪ 19 )37‬مريم ‪ 87‬والسياق يذكر حال المتقين والمجرمين يوم القيامة‪ ،‬وهو ‪ ]:‬يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفدا(‬
‫‪)85‬ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا(‪)86‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا[(‪ 19‬مريم ‪.)87 -85‬‬
‫(‪ )38‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.60 -3/59‬‬
‫(‪ 40 )39‬غافر ‪ 18‬والية ‪ ]:‬وأنذرهم يوم الزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع[‪.‬‬
‫(‪ )40‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫(‪ 74 )41‬المدثر ‪ 48‬والسياق يعرض الجواب عن تساؤل أصحاب اليمين عن السباب التي أدت بالمجرمين إلى الجحيم‪ ].‬قالوا لم‬
‫نك من المصلين(‪)43‬ولم نك نطعم المسكين(‪)44‬وكنا نخوض مع الخائضين(‪)45‬وكنا نكذب بيوم الدين(‪)46‬حتى أتانا اليقين(‬
‫‪)47‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين[‪.‬‬
‫(‪ )42‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫(‪ )43‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪ .380 -1/379 :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪. 1/487 :‬ر‪ .‬اليجي ‪:‬المواقف‪.2/450 :‬‬
‫(‪ )44‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬أنبياء ‪ .3‬تفسير سورة السراء ‪ .5‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ 328 .327‬أبو داود‪ :‬اطعمه ‪ (6‬الترمذي‪ :‬طعمه ‪ ، 34‬قيامة‬
‫‪ ،10‬ابن ماجة طعمه ‪ 28‬أحمد ابن حنبل ‪...1/334‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪ .2/176‬ويقول الرازي بعد نقل الحديث‪":‬‬
‫واكثر هذا الخبر مخرج بلفظة في الصحيحين" ‪ .‬التفسير الكبير‪.3/65 :‬‬
‫(‪ )46‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.1/65 :‬‬
‫(‪ )47‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪ .63 -3/62 :‬رواه أبو داود رقم ‪ 4739‬في السنة باب في الشفاعة ‪ ،‬والترمذي رقم ‪( 2437‬‬
‫‪ )2438‬في الزهد باب رقم ‪ ، 12‬وأحمد في المسند‪ ،‬وابن حبان والحاكم عن انس رضي ال عنه ‪ ،‬والترمذي وابن ماجة والحاكم‬
‫عن جابر بن عبدال رضي ال عنهما‪ ،‬وهو حديث صحيح ‪.‬ر‪ .‬تحقيق البانة تعليق ‪.178 :46‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس‬
‫‪.3/151‬‬
‫(‪ )48‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.3/63‬‬
‫(‪ )49‬نفس المصدر‪ .63 :‬وعن الحديث ر‪ .‬البخاري توحيد ‪ ،31‬دعوات ‪ .1‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .345 ،334‬الترمذي ‪ :‬دعوات ‪. 130‬‬
‫ابن ماجة ‪ :‬زهد ‪ .37‬الدارمي ‪:‬سير ‪ ،28‬رقاق ‪ .85‬الموطأ ‪ :‬قرآن ‪ .26‬أحمد ابن حنبل ‪...1/281‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪:‬‬
‫‪ 3/152‬وقد أورده ابن حزم في المحلى ‪ 1/17:‬إل أنه وقف عند قوله ‪ ":‬لمتي يوم القيامة" وكذلك فعل الطاهر بن عاشور‪:‬‬
‫التحرير والتنوير‪.1/487 :‬‬
‫(‪ )50‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير ‪.3/63‬‬
‫(‪ )51‬رواه ابن حزم بسنده في المحلى ‪ 1/17:‬وسنده هو‪ :‬حدثنا نصر بن علي حدثنا بشر يعني ابن الفضل‪ -‬عن أبي سلمة‪ -‬هو‬
‫سعيد بن زيد – عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري‪ .‬انظر ما سبق‪.626 :‬‬
‫(‪ )52‬محشت النار جلده‪ :‬أحرقته‪ .‬ما يلي‪750 -749 :‬‬
‫(‪ )53‬حديث الخراج من النار أخرجه البخاري ‪ 11/399‬في الرقاق‪ ،‬باب الصراط جسر جهنم‪ .‬ومسلم رقم ‪ 182‬في اليمان باب‬
‫معرفة طريق الرؤية من حديث أبي هريرة‪ .‬والدارمي‪ 28 -1/27 :‬باب ما اعطى النبي ‪ e‬من الفضل من حديث انس بن مالك‪.‬‬
‫وحديث الشفاعة رواه البخاري ‪ 397 -13/395‬في التوحيد باب كلم الرب تعالى يوم القيامة مع النبياء وغيرهم و ‪13/332‬‬
‫باب قوله تعالى‪ ] :‬لما خلقت بيدي[(ص ‪ )75‬و ‪ 398 /13‬باب قوله تعالى ‪ ] :‬وكلم موسى تكليما[(‪ 4‬النساء ‪ )164‬و ‪ 122 /8‬في‬
‫تفسير سورة البقرة باب‪ ] :‬علم آدم السماء كلها[(‪ 2‬البقرة ‪ )31‬ومسلم رقم ‪ 193‬من حديث انس بن مالك ‪ ،‬والبخاري ‪6/264‬و‬
‫‪ 265‬ومسلم (‪ )194‬في اليمان‪ :‬باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها من حديث أبي هريرة ‪ .‬والبخاري ‪11/367‬و ‪ 371‬من حديث‬
‫جابر‪ .‬الشعري‪ :‬البانة‪ 23 :‬وتخريج الحاديث عن نفس الكتاب تعليق ‪ 2‬ص ‪ 14‬وتعليق ‪ 10‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )54‬الشعرية‪ :‬البانة‪.179 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫( ‪: )55‬‬

‫ذكرنا أن كل الفرق مقرة بوقوع الشفاعة إل أن الختلف بدا واضحا في من تكون هذه الشفاعة‬
‫والباضية والمعتزلة يعتبرون أنها خاصة بالمؤمنين الموفين فما أدلتهم على ذلك من كتاب ال ومن‬
‫سنة نبيه صلى ال عليه وسلم ؟‬

‫أ‌) الدلة من القرآن الكريم‪:‬‬

‫لقد جمع عمرو التلتي كل اليات التي احتج بها المثبتون في سياق واحد مع آيات أخر‪ ،‬واعتبرها‬
‫دليل على أن الشفاعة للمؤمنين فقط فقال‪ ":‬إن أصحابنا رحمهم ال تعالى قالوا إن الشفاعة حتى ل‬
‫شك فيه وإنها للمؤمنين ل لهل الكبائر العاصيين والفجار الفاسقين لقولـه تعالى‪ ( :‬ول يشفعون إل‬
‫لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )56( )28‬وسنبين موقف المنكرين من نفس اليات التي اعتمدها‬
‫المثبتون لتبيين مدى قوة حجتهم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى ( ول يقبل منها شفاعة) (‪ 2‬البقرة ‪ )48‬لقد رد يوسف المصعبي على البيضاوي بأن‬
‫العبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب (‪ )57‬ولقد نفى محمد اطفيش عن هذه الية التخصيص‬
‫الذي احتج به المثبتون فقال‪ ":‬ول يخفى أن النفس التي ذكر ال عز وجل أنها ل تجزي عنها نفس‬
‫ول يقبل شفاعة شافع لها‪ ،‬ول فداء ول تنصر هي التي أوبقتها معاصيها وماتت مصرة عن حق‬
‫لزمها فكل نفس بهذه الصفة ل شفاعة فيها مشركة أو فاسقة‪ ،‬فل شفاعة لهل الكبائر المصرين‬
‫والخطاب في قوله(واتقوا) ولو كان لبني إسرائيل لكن قوله( ول تجزي نفس عن نفس شيئا) الخ‬
‫عام ول يمكن أن يقال خاص" (‪ )58‬ثم يذكر كل الحاديث التي تدعم موقفه (‪. )59‬‬

‫‪ -‬وقوله‪ ( :‬ل يشفعون إل لمن ارتضى) (‪ 21‬النبياء ‪ )28‬يقول يوسف المصعبي‪ ":‬قوله أن لهم‬
‫ومثله قول البيضاوي أن يشفع لـه مهابة منه وفي هذا التفسير صرف للية عن ظاهرها لتكون‬
‫وفق معتقدهم من جواز الشفاعة للعصاة مع أن الية بظاهرها ناعية على بطلن ما ذهبوا إليه‪ .‬وأما‬
‫صاحب الكشاف ففسرها على ظاهرها حيث قال‪ ":‬ومن تحفظهم انهم ل يحسرون أن يشفعوا إل‬
‫لمن ارتضاه ال وأهله للشفاعة في ازدياد الثواب والتعظيم والحاصل أن الشفاعة تكون لراحة‬
‫الخلق من الوقوف وتمسى الشفاعة العظمى وتكون للمسلمين برفع الدرجات كما هو معلوم" (‪)60‬‬
‫‪.‬‬

‫ويقول السالمي ‪ ":‬ففي الولى (يشير الى هذه الية) تصريح بان الشفاعة مقصورة على من‬
‫ارتضاه ال تعالى (‪." )61‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ل يملكون الشفاعة إل من اتخذ عند الرحمان عهدا) (‪ 19‬مريم ‪ )62( )87‬قال‬
‫تبغورين ‪ ":‬وعهده الوفاء بدينه" (‪ )63‬ويقول محشية‪ ":‬هذا أحد تفسيرين ذكرهما الشيخ هود‬
‫والثاني المحافظة على الصلوات الخمس وقال بعضهم إل من اتخذ عند الرحمن عهدا بعمل صالح"‬
‫(‪ )64‬كما يقول يوسف المصعبي‪ ":‬المناسب لما هو المعتقد عندنا ما فسر به العهد صاحب الكشاف‬
‫حيث قال‪ ":‬واتخاذ العهد الستظهار باليمان والعمل" (‪. )65‬‬
‫كما يرى أن في استدلل تبغورين بهذه الية نظرا " وذلك أن المقصود إنما هو الرد بهذه الدلة‬
‫على من يثبت الشفاعة للعصاة الموحدين كما دل سياق كلمه‪ .‬وظاهر هذه الية يدل على أن‬
‫الشافعي ل يأتيها‪ -‬الشفاعة‪ -‬إل إن كان ممن اتخذ عند الرحمن عهدا على ما سبق من تفسير العهد‪،‬‬
‫والكلم في المشفوع له ل في الشافع وال أعلم" (‪ . )66‬والحقيقة أن الية تحتمل المشفوع لـه‬
‫أيضا كما ذهب إلى ذلك الرازي وإن اتخذ موقفا آخر في التأويل (‪ )67‬وكما أشار إلى ذلك‬
‫الزمخشري كما ذكرنا ذلك في التعليق‪.‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع) (‪ 40‬غافر ‪ :)18‬قال محمد اطفيش‪ ":‬أي ل‬
‫شفيع البتة فضل عن أن يطاع فل شفاعة ول طاعة شفيع قال الحسن‪ :‬وال ما يكون لهم البتة‬
‫شفيع (‪ )68‬وهذا هو المراد‪...‬ويجوز أن يراد الظالم مشركا أو موحدا" (‪. )69‬‬

‫ويقول السالمي ‪ :‬وفي الثالثة( يشير إلى هذه الية) دليل على نفيها (الشفاعة عن الظالم وهو اسم‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫لكل من ظلم نفسه أو ظلم غيره فل تخص المشركين كما زعموا فغنها وإن كان سبب نزولها فيهم‬
‫فل عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ" (‪. )70‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين) (‪ 74‬المدثر ‪)48‬‬

‫يقول محمد اطفيش ‪ ":‬أو المراد انتفاء الشافع فضل عن أن يشفع وذلك من نفي اللزم بانتفاء‬
‫الملزوم والسبب انتفاء المسبب كقولك‪ ":‬ل أراك هنا" أي ل تكن هنا فضل عن أن أراك" (‪. )71‬‬
‫هذه وقفات منكري الشفاعة لهل الكبائر عند بعض اليات ويحسن أن نذكر بقية اليات التي‬
‫يستشهدون بها كما جاءت في شرح النونية‪.‬‬

‫"‪ ...‬وقولـه تعالى‪ ( :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة إل لمن أذن له الرحمن) (‪ 20‬طه ‪ )109‬وقوله تعالى‬
‫حكاية عن أهل الكبائر‪ ( :‬فما لنا من شافعين ول صديق حميم) (‪ 26‬الشعراء ‪ )100‬وقوله‪:‬‬
‫( واخشوا يوما ل يجزي والد عن ولده ول مولود هو جاز عن والده شيئا) (‪ 31‬لقمان ‪ )33‬أي ل‬
‫يجزي والد عن ولده المطيع أمر ال عز وجل ونهيه ول مولود عن والده المضيع لهما أيضا" (‬
‫‪. )72‬‬

‫وجاء ذكر آيات أخر في أصول تبغورين‪ :‬مثل (يوم ل يغني مولى عن مولى شيئا ول هم ينصرون) (‬
‫‪ 44‬الدخان ‪.)41‬‬

‫كما يقول تبغورين" وكيف يشفع النبي صلى ال عليه وسلم لهل الكبائر بعدما أخبر ال عنهم أنهم‬
‫أعداؤه في قوله ( الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو إل المتقين) (‪ 43‬الزخرف ‪ )67‬وفي قوله‪:‬‬
‫( فإن ال عدو للكافرين) (‪ 2‬البقرة ‪ )98‬وقالت الملئكة عليهم السلم (فاغفر للذين تابوا واتبعوا‬
‫سبيلك وقهم عذاب الجحيم) (‪ 40‬غافر ‪...)7‬‬

‫وقول ال‪ ( :‬ل ينال عهدي الظالمين) (‪ 2‬البقرة ‪ )124‬وقال ال في الزاني‪ ( :‬ول تأخذكم بهما رأفة‬
‫في دين ال) (‪ 24‬النور ‪ )3‬هذا في حدود الدنيا التي يتراحم فيها العباد بالترك والعفو والعراض‬
‫عنها وكيف بالخرة التي ل تواصل فيها ول تراحم" (‪ )73‬مع الستشهاد بما جاء في آيات تثبيت‬
‫الخلود لمرتكبي الكبائر (‪. )74‬‬

‫كما أورد أبو مهدي ما يلي‪ ":‬وقال ال تعالى‪ ( :‬يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة) ‪...‬الية‬
‫(‪ )75‬وقال في امرأة نوح ولوط ( كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما‬
‫من ال شيئا) (‪ 66‬التحريم ‪ )10‬فكيف طمع أهل الكبائر المصرين عليها مع هذا في شفاعة الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم " (‪. )76‬‬

‫وقبل أن نقارن بين الستدللت يحسن أن نورد احتجاج منكري الشفاعة لهل الكبائر بالحديث‬
‫الشريف‪.‬‬
‫==================‬
‫(‪ )55‬المعتزلة والباضية ‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )56‬ر‪ .‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ‪.‬ر‪ .‬عبد العزيز الثميني النور‪ 301 :‬وسلك السالمي نفس المسلك ر‪.‬‬
‫المشارق ‪ .287‬وكذلك المحشي حاشية الترتيب‪ 4/102 :‬وكذلك تبغورين‪ :‬أصول الدين ‪ 71 -70‬وكذلك القاضي عبد الجبار‬
‫الصول‪ 689 :‬وفي كتاب فضل العتزال ‪ .208 -207 :‬وأورد الرازي احتجاجهم بهذه اليات للرد عليها‪ .‬التفسير الكبير‪.1/63 :‬‬
‫(‪ )57‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 33‬قفا‬
‫(‪ )58‬امحمد اطفيش هيميان الزاد ط ‪.23 /2 :2‬‬
‫(‪ )59‬انظر ما يلي سنورد هذه الحاديث ‪.677‬‬
‫ويقول الزمخشري‪" :‬فان قلت هل فيه دليل على أن الشفاعة للعصاة؟" قلت ‪ ":‬نعم لنه نفى أن تقضي نفس عن نفس حقا أخلت‬
‫به من فعل أو ترك‪ ،‬ثم نفى ألن تقبل منها شفاعة شفيع‪ ،‬فعلم أنها ل تقبل للعصاه"‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪.1/279‬‬
‫ويذكر الرازي عن المعتزلة في شأن هذه الية ما يلي‪ ":‬هذه الية قالوا إنها تدل على نفي الشفاعة من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول ‪ :‬قوله تعالى‪ ] :‬ل تجزي نفس عن نفس شيئا[ ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكان قد أجزت نفس عن نفس شيئا‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬قوله تعالى‪ ]:‬ول يقبل منها شفاعة[ وهذه نكرة في سياق النفي فتعم جميع أنواع الشفاعة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قوله تعالى‪ ]:‬وهم ل ينصرون[ (‪ 41‬فصلت ‪ )16‬ولو كان محمد ‪ e‬شفيعا لحد من العصاة لكان ناصرا له وذلك على‬
‫خلف الية"‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير ‪ ..3/56‬ويقول القاضي عبد الجبار ‪ ":‬إن من حكم ذلك اليوم أن المرء ينتفع بعمله دون‬
‫هذه المور وأن العقاب ل يتخلصون إل بما يكون منهم في الدنيا من التوبة وتلفي المعصية ‪ ".‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬تنزيه‬
‫القرآن عن المطاعن ‪.24 :‬‬
‫(‪ )60‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 580‬قفا و ‪ 581‬وجه ‪.‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪.2/569 :‬‬
‫(‪ )61‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫ويستدل القاضي عبد الجبار بالية في سياق نفي الشفاعة لهل الكبائر في الصول ‪ ،289:‬وفي فضل أهل العتزال‪.207 :‬‬
‫ويورد الرازي قول المعتزلة فيها بما نصه‪ ":‬أخبر تعالى عن ملئكته أنهم ل يشفعون لحد إل أن يرتضيه ال عز وجل ‪،‬‬
‫والفاسق ليس بمرتضي عند ال تعالى ‪ :‬وإذا لم تشفع الملئكة فكذا النبياء عليهم السلم لنه ل قائل بالفرق‪ "،‬الرازي‪ :‬التفسير‬
‫الكبير ‪.3/57‬‬
‫(‪ )62‬قال الزمخشري ويجوز أن ينتصب (عهدا) على تقدير حذف المضاف أي إل شفاعة من اتخذ‪ ،‬والمراد ل يملكون أن يشفع‬
‫لهم‪ ،‬واتخاذ العهد الستظهار بالعمل الصالح ‪...‬وقيل كلمة الشهادة أو يكون من عهد المير إلى فلن بكذا‪ ،‬إذا أمره به أي ل‬
‫يشفع إل المأمور بالشفاعة المأذون له فيها وتعضده مواضع في التنزيل‪ ].‬وكم من ملك في السماوات ل تغني شفاعتهم شيئا إل‬
‫من بعد أن يأذن ال لمن يشاء ويرضى[ (‪ 53‬النجم ‪ )26‬الكشاف‪.2/525 :‬‬
‫(‪ )63‬تبغورين ‪ :‬أصول الدين‪.71 :‬‬
‫(‪ )64‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪115:‬‬
‫(‪ )65‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 562‬قفا‪ .‬ثم نقل الحديث الذي ذكره الكشاف‪ .‬واكتفى بذلك‪.‬‬
‫(‪ )66‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على أصول تبغورين‪116 :‬‬
‫(‪ )67‬انظر ما سبق‪664 :‬‬
‫(‪ )68‬وقد نقل الزمخشري نفس الرواية عن الحسن ‪ .‬الكشاف‪.3/421 :‬‬
‫(‪ )69‬محمد أطفيش تيسير التفسير ط ‪5/112 :1‬‬
‫ويستشهد القاضي عبد الجبار بالية في نفس السياق فيقول‪ ":‬فال تعالى نفى أن يكون للظالمين شفيع البتة فلو كان النبي شفيعا‬
‫للظالمين لكان ل أجل ول أعظم منه ‪ .‬الصول الخمسة ‪ .689‬كما يقول ‪:‬ذلك‪ ( :‬أي ورود الية بعد قوله تعالى‪ ]:‬وأنذرهم يوم‬
‫الزقة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين[ يمنع من صرف قوله‪]:‬ما للظالمين[ إلى أن الراد بها للدنيا دون الخرة‪ .‬فضل العتزال‪:‬‬
‫‪ 208‬ويقول الزمخشري‪ :‬فان قلت‪ :‬ما معنى قوله تعالى‪ ]:‬ول شفيع يطاع[؟‬
‫قلت ‪ :‬يحتمل أن يتناول النفي الشفاعة والطاعة معا‪ ،‬وأن يتناول الطاعة دون الشفاعة‪ ...‬فان قلت‪ :‬فعلى أي الحتمالين يجب‬
‫حمله؟ قلت‪ :‬على نفي المرين جميعا من قبل أن الشفعاء هم أولياء ال ل يحبون ول يرضون إل من أحبه ال ورضيه وإن ال ل‬
‫يحب الظالمين فل يحبونهم‪ ،‬وإذا لم يحبوهم لم ينصروهم ولم يشفعوا لهم‪ .‬قال تعالى ‪ ] :‬وما للظالمين من أنصار[(‪ 2‬البقرة‬
‫‪ )270‬وقال‪ ]:‬ول يشفعون إل لمن ارتضى[(‪ 21‬النبياء ‪ )28‬ولن الشفاعة ل تكون إل في زيادة التفضل‪ ،‬وأهل التفضل وزيادته‬
‫إنما هم أهل الثواب بدليل قوله تعالى‪]:‬ويزيدهم من فضله[(‪4‬النساء ‪ . )173‬الكشاف ‪421 -3/420‬‬
‫وينقل الرازي عن المعتزلة ما يلي‪ ":‬والظالم هو التي بالظلم وذلك يتناول الكافر وغيره"‪ .‬التفسير الكبير‪.3/56 :‬‬
‫(‪ )70‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫(‪ )71‬محمد أطفيش تيسير التفسير ط ‪.6/415 :1‬‬
‫يقول الزمخشري‪ :‬أي لو شفع لهم الشافعون جميعا من الملئكة والنبيين وغيرهم لم تنفعهم شفاعتهم لن الشفاعة لمن ارتضاه‬
‫ال وهم مسخوط عليهم‪ ،‬وفيه دليل على أن الشفاعة تنفع لنها تزيد درجات المرتضين‪ .‬الكشاف‪ .4/187 :‬ويختصر الرازي‬
‫استدلل المعتزلة بالية كما يأتي‪ ":‬ولو أثرت الشفاعة في إسقاط العقاب لكانت الشفاعة قد تنفعهم وذلك ضد الية ‪ .‬التفسير‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ .3/57‬ويعتبر محمد عبده الية ناطقة بنفي منفعة الشفاعة‪ .‬تفسير المنار‪ 1/307 :‬ويحسن هنا أن نورد حوصلة مهمة لصاحب‬
‫المنار حول عدة آيات في الشفاعة خلص منها إلى انتقاء وجود نص قطعي الدللة على الشفاعة في القرآن الكريم" في القرآن‬
‫آيات ناطقة بنفي الشفاعة مطلقا كقوله تعالى في وصف يوم القيامة ] ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة[ (‪ 2‬البقرة ‪ )254‬وأخرى‬
‫ناطقة بنفي الشفاعة كقوله عز وجل ‪] :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين[ (‪74‬المدثر ‪ )48‬وآيات تفيد النفي بمثل قوله‪ ]:‬إل بإذنه[(‪2‬‬
‫البقرة ‪ )255‬وقوله‪ ]:‬إل لمن ارتضى[(‪ 21‬النبياء ‪ )28‬فمن الناس من يحكم الثاني بالول ‪ ،‬ومنهم من يرى أنه ل منافاة بينهما‬
‫فتحتاج إلى حمل أحدهما على الخر لن مثل هذا الستثناء أي الستثناء بالذن والمشيئة معهود في أسلوب القرآن في مقام‬
‫القطعي للشعار بأن ذلك بإذنه ومشيئته عز وجل‪ .‬كقوله تعالى‪ ] :‬سنقرئك فل تنسى إل ما شاء ال[ (‪ 87‬العلى ‪ )7‬وقوله‪]:‬‬
‫خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك[(‪11‬هود ‪ .)108‬فليس في القرآن نص قطعي في وقوع الشفاعة ولكن‬
‫ورد الحديث بإثباتها في معناها‪ .‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )72‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪301 :‬‬
‫(‪ )73‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين‪.71 :‬‬
‫(‪ )74‬انظر ما يلي‪729 :‬‬
‫(‪ )75‬الحزاب ‪ ]30‬يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على ال يسيرا[‬
‫(‪ )76‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل ‪ :‬الرد على البهلولي‪.156 -155 :‬‬

‫ب) الحتجاج بالحديث الشريف‪:‬‬


‫إن المتأمل في احتجاج الطرفين يدرك حقيقة ما وصل إليه محمد عبده (‪ )77‬من أن الساس في‬
‫إثبات الشفاعة هو حديث الرسول صلى ال عليه وسلم ذلك أن كل محتج إذا استعصى عليه التأويل‬
‫يفزع إلى الحديث ليدعم موقفه ومعلوم أن الحديث جاء مبينا لما جاء مجمل في كتاب ال تعالى لكن‬
‫هنا تختلف الروايات وباختلفها تتباين المواقف وتتباعد وسنقف عند نفس الحاديث التي استدل بها‬
‫مثبتو الشفاعة لهل الكبائر كما يرويها المثبتون‪.‬‬

‫‪ -‬جاء في الجامع الصحيح ما يلي‪ :‬ذكر لنا في حديث الشفاعة (‪ )78‬أن أهل اليمان يحبسون في‬
‫الموقف بعدما قد بشروا عند الموت وبعد ما أجابوا عند المحنة في القبور أن ال ربهم قد غفر لهم‬
‫وأخذهم كتبهم بأيمانهم وابيضت وجوههم وثقلت موازينهم وأراد ال أن يدخلهم الجنة بالشفاعة‬
‫والشفاعة مخزونة ل يصل إليها نبي ول ملك حتى يفتحها الرسول صلى ال عليه وسلم قال‬
‫والنبياء ومن اتبعهم محبوسون الولون والخرون‪ ،‬قال‪ :‬فينما هم كذلك فيقولون‪ ":‬لو استشفعنا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الى ربنا فيريحنا من هذا المقام" فيقول بعضهم لبعض‪ ":‬عليكم بآدم" فيأتونه فيقولون‪ ":‬أنت الذي‬
‫خلقك ال بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملئكته فلو استشفعت لنا الى ربك فيريحنا من هذا‬
‫المقام" فيقول‪ ":‬فني أكلت الشجرة التي نهاني ال عنها وإني استحيي من لقاء ربي ولكن عليكم‬
‫بنوح فإنه أول نبي أرسله" فيأتون نوحا فيقولون‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك" فيقول‪ ":‬غني سألت‬
‫ربي ما ليس لي به علم وأنا استحي من لقاء ربي لكن عليكم بإبراهيم خليل الرحمن" فيأتونه‬
‫فيقولون له‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك"‪ .‬فيقول إني استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بموسى كليم‬
‫ال"‪ .‬فيأتونه فيقولون له‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك" فيقول‪ ":‬غني قتلت نفسا فأنا استحي من لقاء‬
‫ربي ولكن عليكم بعيسى فإنه روح ال وكلمته" فيأتونه فيقولون لـه‪ ":‬لو استشفعت لنا ربك"‬
‫فيقول‪ ":‬إني عبدت من دون ال فأنا استحي من لقاء ربي ولكن عليكم بمحمد صلى ال عليه وسلم‬
‫عبد قد غفر ال ما تقدم من ذنبه وما تأخر" قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬فيأتوني فامشي بين‬
‫سماطين من المؤمنين فأقرع باب الجنة فإذا فتح لي (كذا) ثم يقال لي‪ ":‬يا محمد اشفع نشفعك‬
‫فيقول‪ :‬يا رب ما بقي إل من حبسه القرآن" يعني وجب عليه الخلود في النار" قال لهل العلم‪ :‬هو‬
‫المقام المحمود الذي يحمده فيه الولون والخرون حيث نجاهم ال من ذلك المقام ويحمده الولون‬
‫بما فتح لهم من الشفاعة وكانت مخزونة ل يصل إليها أحد حتى يفتحها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فإذا شفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يشفع آدم في وقت له في ولده ثم يشفع النبياء كل‬
‫نبي يشفع لمته ويشفع المؤمنون وكذلك شاء ال أن يدخل المؤمنون الجنة بالشفاعة حتى بلغنا أن‬
‫الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته إذا كانوا مؤمنين متقين" (‪ )79‬ويحلل المحشي هذا الحديث‬
‫تحليل ضافيا ويستشهد بأقوال من سبقه من علماء الباضية خاصة منهم الجيطالي وتبغورين‬
‫ويتبنى مواقفهم كما يقارنها بأقوال ورادة في الصحاح ويناقشها وتتمثل عصارة تحليله في قوله‪:‬‬
‫وهي (الشفاعة) عند أصحابنا في الحساب بعد طول مقام على أرجلهم وبعد أن بشر أصحاب اليمان‬
‫وأخذوا كتبهم بأيمانهم فشع لهم حتى أراحهم ال من الموقف وهي تشريف منازلهم وترفيع‬
‫لدرجاتهم لن من أوجب له القرآن الخلود في النار ل شفاعة له" (‪79‬مكرر ) ‪.‬‬

‫كما يرد بشدة على القوال التي حشرت المتقين في عذاب أهوال يوم القيامة فيقول نقل عن‬
‫تبغورين‪ ":‬وهذا من تزيين الشيطان لهم في أحاديثهم وكيف يكون هذا في المسلمين بعد قول ال‬
‫عز وجل ( يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) (‪ 19‬مريم ‪)86‬‬
‫وقوله‪ ( :‬ل يسمعون حسيسها) (‪ 21‬النبياء ‪ )102‬أم كيف يكون المؤمن مضبطا على بطنه وقد قال‬
‫ال في كتابه ( ل خوف عليهم ول هم يحزنون) (‪ 46‬الحقاف ‪ )13‬وما وصفهم من الغضارة‬
‫والنضارة‪ ...‬ولكن الصراط المستقيم هو دين ال الذي افترضه ال على عباده والعدل الذي أنزله‬
‫وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات ولذلك يشبهونه بحد السيف المرهف والشفرة الرقيقة‬
‫الدقيقة فل يميزها إل ذو الحجا والنهي والبصيرة النافذة مع عون ال وتوفيقه" (‪. )80‬‬

‫ثم يقول مبينا موقفه الشخصي‪ ":‬أقول ‪ :‬ومما يدل على أن المسلمين ليس عليهم شيء من أهوال‬
‫الخرة وإن كانوا يشاهدونها قول عز وجل‪ ( :‬ل يحزنهم الفزع الكبر) (‪ 21‬النبياء ‪ ...)103‬وقوله‪:‬‬
‫( وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة) (‪ 75‬القيامة ‪ )23‬أي منتظرة متى يؤذن لها في دخول الجنة‬
‫الى غير ذلك من اليات الدالة على أن المسلم ل حرج عليه يوم القيامة في موطن من المواطن لن‬
‫ال ل يجمع على شخص واحد آمنين أو خوفين بل من أمن في الدنيا خاف في الخرة ‪ ،‬ومن خاف‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫في الدنيا أمن في الخرة‪ ،‬وفي الحديث " ل راحة للمؤمن دون لقاء ربه" (‪ )81‬الى غير ذلك من‬
‫الحاديث فالظاهر أن معنى قول المسلمين عند طلب الشفاعة " فيريحنا من هذا المقام" أي لما فيه‬
‫من النظر إلى الهوال وأن يصل إليهم منها شيء لنهم آمنون مطمئنون جعلنا ال منهم آمنين" (‬
‫‪. )82‬‬

‫‪ -‬وما جاء عن جابر بن زيد عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ليست شفاعتي لهل الكبائر من‬
‫أمتي" ‪ ...‬يحلف جابر عند ذلك ما لهل الكبائر شفاعة لن ال أوعد أهل الكبائر النار في كتابه‪ ،‬وإن‬
‫جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لهل الكبائر فوال ما عن القتل والزنا والسحر وما أوعد‬
‫ال عليه النار‪ .‬وذكر عن أنس بن مالك يقول‪ :‬إنكم لتعملون أعمال هي أدق في أعينكم من الشعر ما‬
‫كنا نعدها على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم إل من الكبائر" (‪. )83‬‬

‫ويقول السالمي في شأن هذا الحديث‪ ":‬وخالفت الشاعرة فيها (الشفاعة) فأثبتوها لهل الكبائر‬
‫تعويل على حديث رووه‪ " :‬شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" (‪ )84‬ويجاب بوجوه‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬انه خبر واحد ل يعارض القطعي‪.‬‬

‫وثانيها‪ :‬أنه لو لم يعارض قطعيا لما أوجب العلم‪.‬‬

‫وثالثها‪ :‬انه عارضته رواية مثلها ونصها‪ " :‬ل تنال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي" فهذه بتلك على‬
‫أن هذه قد عضدها الكتاب وتلك قد خالفته فوجب إما القول بوضع تلك الرواية إذ لو كانت الشفاعة‬
‫لهل الكتاب لتقرب إليه المتقربون بالكبائر (‪. )85‬‬

‫وإما القول بأنها معلقة بشرط دل عليه الكتاب وهو ما إذا تابوا فإن من فعل كبيرة وتاب منها كان‬
‫مستحقا لن يشفع له غيره‪ ،‬ول يلزم من هذا تخصيص الشفاعة لمن أتى الكبيرة ثم تاب منها دون‬
‫من أوفى في طول عمره لتغليب من عصى فتاب على من لم يعص قط والفائدة في تخصيصهم بالذكر‬
‫دفع إياسهم من رحمة ال وتسهيل الطريق لهم ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا‬
‫من رحمة ال) (‪ 39‬الزمر ‪. )86( " )53‬‬

‫ويستدل المحشي بما أورده الجيطالي من أدلة من القرآن ومن الحديث الى أن يصل إلى ما نقله‬
‫منسوبا الى جابر بن زيد وهو قوله‪ ":‬وال ما شفاعة الملئكة والنبيين والمؤمنين إل للتائبين"‬
‫وكان يقول‪ ":‬ما نالت دعوة مؤمن منافقا قط" وقوله‪ ":‬الشفاعة ليست لمن استوجب العقاب‬
‫فيصير بها إلى الثواب‪ ،‬ولكن الشفاعة للمؤمنين زيادة لهم في الثواب وتشريف المنازل وبال‬
‫التوفيق" (‪. )87‬‬

‫ثم ينقل المحشي نصوصا عن الجيطالي والغزالي أساسها أن ما كان يعتبر كبائر عند الصحابة‬
‫وعلماء الخرة صار يعتبر من الصغائر أو من المعروف أحيانا في العصور المتأخرة هذا توضيحا‬
‫لتعليق جابر بن زيد على رواية أنس بن مالك (‪. )88‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثم إلى جانب هذا الحديث تورد المصادر الباضية أحاديث أخرى في هذا النسق إل أنها ل تلتفت إلى‬
‫بقية الحاديث التي اعتمدها المثبتون (‪ . )89‬ومما ترويه هذه المصادر‪ :‬ما جاء عن جابر بن زيد‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ما منكم من أحد يدخل الجنة إل بعمل صالح وبرحمة ال‬
‫وشفاعتي" ‪.‬‬

‫‪ -‬وبنفس السند‪ " :‬ل تنال شفاعتي الغالي في الدين ول الجافي عنه" (‪. )90‬‬

‫‪ -‬قال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬صنفان من أمتي ل تنالهما شفاعتي يوم القيامة‪ ...‬قال‪ :‬القدرية‬
‫والمرجئة " (‪. )91‬‬

‫ويورد تبغورين أحاديث أخرى بدون سند وهي قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬يا فاطمة بنت رسول‬
‫ال ويا صفية عمة الرسول اعمل لنفسكما فإني ل أغني عنكما من ال شيئا" (‪. )92‬‬

‫‪ -‬وقولـه صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ل ينال شفاعتي أهل الكبائر من أمتي ول ينال شفاعتي زان ول‬
‫سارق ول مدمن على الخمر ول قاتل النفس التي حرم ال إل بالحق" (‪. )93‬‬

‫وقوله عليه السلم‪ " :‬وليذاذن رجال عن حوضي كما يذاذ البعير الضال‪ ،‬وأقول‪ ":‬هلم هلمّ أصحابي‬
‫‪ ،‬أصحابي" فيقال لي‪ ":‬قد غيروا بعدك ولم يزالوا مرتدين على أعقابهم‪ .‬فأقول سحقا‪ ،‬سحقا‪.‬‬
‫فاختلجوا دوني فيمر بهم ذات الشمال" (‪. )94‬‬
‫ذلك تقريبا ما تجمع لدى الباضية من نصوص الحديث في باب الشفاعة‪ ،‬ونحن نرى أنها تتظافر‬
‫لتثبت أل شفاعة لهل الكبائر فكيف يمكن أن نقارن بينها وبين ما ورد عند غير الباضية؟‬
‫======================‬
‫(‪ )77‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪.1/307 :‬‬
‫(‪ )78‬جاء في التعليق‪ "...:‬والمخبر عن ذلك جابر بن زيد ‪ ...‬فالحديث مرسل وقد ثبت في الصحاح المتفق عليها وال أعلم"‬
‫انظر ما سبق‪ 665 :‬وما يلي‪.‬‬
‫(‪ )79‬الربيع بن حبيب‪ :‬المسند‪ 4/23 :‬عدد ‪ ،1004‬ونقلنا ما نسبه الربيع لهل العلم لنه يزيد الموضوع توضيحا ‪.‬ر‪ .‬ابن ماجة‪:‬‬
‫زهد ‪ 37‬أحمد بن حنبل‪. 3/116 :‬ر‪ .‬ونسنك المعجم المفهرس‪.2/536 :‬‬
‫(‪ 79‬مكرر) المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪. 8/137‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.289 :‬‬
‫(‪ )80‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ ،8/146‬نقل عن تبغورين‪ :‬أصول الدين‪.69 -68 :‬‬
‫(‪ )81‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )82‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪.147 -8/146‬‬
‫(‪ )83‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 4/22:‬عدد ‪ . 1004‬ر‪ .‬أحمد الشماخي‪ :‬الرد على صولة الغدامسي‪.46:‬‬
‫(‪ )84‬انظر ما سبق‪667 :‬‬
‫(‪ )85‬يقو القاضي عبد الجبار ردا على المرجئة ‪ ":‬ثم يقال لهؤلء المرجئة‪ :‬أليس أن المة اتفقت على قولهم‪ :‬اللهم اجعلنا من‬
‫أهل الشفاعة‪ ،‬فلو كان المر على ما ذكرتموه لكان يجب أن يكون هذا الدعاء لن يجعلهم ال تعالى من الفساق وذلك خلف"‪.‬‬
‫الصول الخمسة ‪ 692 :‬كما يقول أيضا‪ ":‬وإنما تعلقوا بأخبار أكثرها مضطربة‪ ،‬وما يعرف منها فهو روي‪ :‬أن شفاعتي لهل‬
‫الكبائر من أمتي" وذلك إن صح فالمراد به إذا تابوا وأنابوا‪ ".‬فضل العتزال‪.208 :‬‬
‫كما يقول أيضا‪ ":‬والجواب أن هذا الخبر لم يثبت صحته أول ‪ ،‬ولو صح فإنه منطوق بطريق الحاد عن النبي ومسألتنا طريقها‬
‫العلم‪ ،‬فل يصح الحتجاج به‪ .‬ثم إنه معارض بأخبار رويت عن النبي في باب الوعيد نحو قوله ‪ ":‬ول يدخل الجنة نمام ول مدمن‬
‫خمر ول عاق"‪ ...‬فليس بان يوجد بما أورده أولى من أن يوجد بما رويناه فيجب اطراحها جميعا أو حمل أحدها على الخر‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فنحمله على ما يقتضيه كتاب ال وسنة رسوله‪ .‬ويقول المراد به شفاعتي لهل الكبائر من أمتي إذا تابوا" الصول الخمسة‬
‫‪ .691‬وعن الحديث ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪ 7/1 :‬ر‪ .‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ .168‬أحمد بن حنبل‪.391 .5/389 :‬‬
‫(‪ )86‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.288 :‬‬
‫(‪ )87‬اسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪.321 /1 :2‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب ‪ .8/133‬ويورد الرازي تحليل طويل لحتجاج المعتزلة في الرد على من نسب إلى النبي عليه‬
‫السلم أن الشفاعة لهل الكبائر من المة السلمية عند معارضة الرواية فيعتبرون أنها من الحاد مردودة إذا خالفت القرآن‪،‬‬
‫ويرون أنه ل يصح أن تخص أهل الكبائر لن في ذلك حرمانا لهل الثواب‪ ،‬ويلحون على أنه ظني والظني ل ينفع في العقيدة‪.‬‬
‫وعند التسليم بها جدل يؤولونها على أنها استفهامية للنكار من باب قوله‪ ":‬هذا ربي" ‪ ،‬كما يفترضون أن كلمة لهل الكبائر قد‬
‫تحتمل أهل اكبر الطاعات ‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.3/63 :‬‬
‫(‪ )89‬وسنذكر ردهم على الحدثيين الخرين في قضية الخلود‪ .‬انظر ما يلي ص ‪.753‬‬
‫(‪ )90‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح‪ 4/22 :‬عدد ‪ 1003 -1002 -1001‬لم ترد في معجم ونسنك‪ .‬هذا ما ينقله شارح النونية‬
‫ورقة ‪ 117‬قفا وامحمد اطفيش‪ :‬هيميان الزاد ط ‪.24 -23 /1 :2‬‬
‫(‪ )91‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/11‬عدد ‪ .806‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )92‬عمرو التلتي ‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 118‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ .303‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪.290 :‬‬
‫وعن الحديث ر‪ .‬البخاري‪ :‬وصايا ‪ 11‬تفسير سورة الشعراء الية ‪ .2‬الدارمي رقاق ‪ .23‬أحمد بن حنبل ‪ . 1/206‬ر‪ .‬ونسنك ‪:‬‬
‫المعجم المفهرس‪.5/15 :‬‬
‫(‪ )93‬ل يوجد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )94‬تبغورين‪ :‬أصول الدين ‪. 71 -70‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬طهارة ‪ .39‬ابن ماجة‪ :‬زهد ‪ .36‬الموطأ ‪ :‬طهارة ‪ 28‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس ‪.2/194‬‬

‫‪:‬‬

‫لقد تجاذب الطرفان النصوص القرآنية التي ل يأتيها الباطل منن بين يديها ول من خلفها وكل من‬
‫أحس بشيء من الضعف في التأويل والتوضيح يلجأ إلى التدعيم بالحديث الشريف‪ -‬ودائرة‬
‫الختلف واسعة بالنسبة إلى هذه النصوص بين التواتر لفظا ومعنى أو معنى فقط وبين الرسال‬
‫واليصال‪ -‬للوصول الى تقوية الموقف المتبني‪.‬‬

‫أما خلصة القول في الستدللت القرآنية فتتمثل في العتماد الكلي على التأويل عند الطرفين إذ ل‬
‫نجد نصا صريحا يحدد موضوع الشفاعة من جميع جوانبه‪ ،‬وغاية ما هنالك أن الشفاعة حق‪ ،‬وان‬
‫مردها كبقية المور إلى ال تعالى ولن تكون إل بإذنه ولهذا اختلف الناس في تعيين الشفعاء‬
‫والمشفوع لهم وهل هي شفاعة واحدة أو شفاعات؟ وهل هي يوم القيامة أو تمتد الى ما بعد الجزاء‬
‫لتنقل قوما من النار إلى الجنة (‪ )95‬؟‬

‫والمتأمل في مختلف التأويلت يلفت انتباهه أمر جلي وهو أن الشاعرة ومن سلك مسلكهم في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إثبات الشفاعة لهل الكبائر‪ -‬وهم عادة يحجمون عن التأويل بل يعيرون به المعتزلة‪ -‬كانوا أكثر‬
‫توغل في التأويل في موضوع الشفاعة ومواقف الرازي من اليات المذكورة أكبر دليل على ذلك‪.‬‬

‫معنى هذا انهم اعوزهم الظاهر فاضطروا للرد على خصومهم لستعمال نفس السلح لتقرير ما‬
‫جنحوا إليه مما يتماشى مع موقفهم العام من خلف الوعيد ومن القول بالخروج من النار‪.‬‬

‫أما الطرف المقابل‪ -‬الباضية والمعتزلة‪ -‬فليس من الغريب أن يعتمد على التأويل إذ أقر به من‬
‫البداية ورأى أل سبيل إلى فهم القرآن الكريم بدون اعتبار أن له ظاهرا وباطنا (‪. )96‬‬

‫وقد كان مدار التأويل على نقطتين هما الخصوص والعموم واحتمالت وظائف الكلمات‪.‬‬
‫أ‌) الخصوص والعموم‪:‬‬

‫فكل اليات النافية للشفاعة عن الظالمين اعتبرها المثبتون خاصة بالمشركين بينما اعتبرها‬
‫المنكرون عامة تشمل العصاة من أهل الصلة وفي الغالب يتقارب الحتجاج بين الطرفين إل أن‬
‫احتجاج الرازي كان معتمدا اعتمادا كليا على استنتاجات القياس المنطقي لتخصيص النص‬
‫بالمشركين‪.‬‬

‫أما في ما يتعلق بالسياقات التي تثبت الشفاعة ( لمن ارتضى) فقد وصل فيها تأويل الرازي إلى حد‬
‫اعتبار أن مرتكب الكبيرة‪ -‬الذي مات مصرا على كبيرته‪ -‬مرتضى عند ال تعالى على أساس أنه‬
‫تلفظ بكلمة اليمان (‪ )97‬والحقيقة أنه إذا كان مرتكب الكبيرة مرتضى فما الحكمة من تحريمها ومن‬
‫هنا تكتسب قضية الشفاعة مع الوعيد والخلود بعدها الحضاري العميق (‪ . )98‬وفي تأويل مثل هذه‬
‫السياقات تبدو حجج المنكرين مستساغة أكثر‪.‬‬

‫ب‌) البلغة والعراب‪:‬‬

‫أما العزف على وتر البلغة والعراب فهذا طبيعي في فهم النصوص إل أنه لم يلجأ إليه إل نادرا في‬
‫مثل قوله تعالى‪ ( :‬ول شفيع يطاع) حيث يقول الزمخشري وينقل عنه محمد اطفيش‪ ":‬المطاع‬
‫مجاز في المشفع لن حقيقة الطاعة نحو حقيقة المر في أنها ل تكون إل لمن فوقك (فإن قلت ما‬
‫معنى قوله تعالى(ول شفيع يطاع)؟ قلت‪ :‬يحتمل أن يتناول نفي الشفاعة والطاعة معا وان يتناول‬
‫الطاعة دون الشفاعة (‪ ) )99‬كما تقول ما عندي كتاب يباع فهو محتمل نفي البيع وحده وأن عندك‬
‫كتابا إل انك ل تبيعه ونفيها جميعا وأل كتاب عندك ول كونه مبيعا ونحوه‪ ":‬ول ترى الضب بها‬
‫ينجحر" يريد نفي الضبّ وانجحاره" (‪. )100‬‬

‫والحقيقة أن القضية البلغية هنا تعلقت بنفي الشفيع أو إثباته ولم تتعلق بالمشفوع له حيث رجع‬
‫المر الى التخصيص والتعميم (‪. )101‬‬

‫فمدار التأويل حينئذ على التخصيص والتعميم ولذلك حلل الرازي الكلم في آيتين ثم أحال على هذين‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫التحليلين في ما جاء من آيات أخر‪.‬‬

‫ذلك أهم ما يقام عن الستدللت القرآنية أما الستدللت بالحديث فهي أيضا رغم أنها جاءت‬
‫موضحة للقرآن الكريم فإنها لم تسلم من التأويل إذا لم يطعن في صحتها تماما والقرب لدى هؤلء‬
‫وهؤلء إذا تعارضت الحاديث وتضاربت أن يطعن كل في صحة الحديث الذي يحتج به الخر‪.‬‬

‫والقضية تتلخص أيضا في نقطتين‪:‬‬

‫أولهما ‪ :‬ذلكم الحديث الطويل الذي أثبته الطرفان مع اختلف جوهري في النقط الحساسة واتفاق‬
‫في السياق العام (‪. )102‬‬

‫ويتمثل الختلف في بداية الحديث خاصة حيث إن الذاكرين للشفاعة عند الباضية هم أهل اليمان‬
‫من أتباع النبياء وهم الذين يطلبونها من ال ول دخل للبقية فيها‪ .‬أما عند البخاري ومسلم فالطلب‬
‫عام ويتقدم الناس جميعا كافرهم ومؤمنهم لطلب الشفاعة ومن هنا اختلف الموقفان‪.‬‬

‫كما يقع إشكال في ما يصيب المسلمين الموفين من تعب يوم القيامة مع أن النصوص صريحة في‬
‫أل تعب لهؤلء (‪. )103‬‬

‫أما قبيل الخر فقد ناقش الشاعرة قولة عليه السلم " ثم أخرجهم من النار فأدخلهم الجنة" (‬
‫‪ )104‬والحال أنهم ما يزالون في الموقف فقال ابن حجر في قوله‪ :‬ثم أخرجهم من النار " قال‬
‫الداودي‪ :‬كان راوي هذا الحديث ركب شيئا على غير أصله وذلك أن في أول الحديث ذكر الشفاعة‬
‫في الراحة من كرب الموقف وفي آخره ذكر الشفاعة في الخراج من النار‪ ،‬وذلك إنما يكون بعد‬
‫التحول من الموقف‪ ...‬وهو إشكال قوي" (‪. )105‬‬

‫أما خاتمة الحديث فمتفق عليها عند الطرفين" ما بقي من حبسه القرآن أي أوجب عليه الخلود"‬
‫وهنا يرجع المر إلى التأويل فمن الذين حبسهم القرآن عن الشفاعة المشركون فحسب أم يشمل‬
‫المر مرتكبي الكبائر المصرين؟‬
‫وهكذا رغم التفاق على إثبات الشفاعة اعتمادا على هذا الحديث بقي الخلف قائما في شأن‬
‫المشفوع لهم‪.‬‬

‫ثانيهما‪ ":‬النفي والثبات اعتمادا على نفس النص‪ " :‬ليست الشفاعة لهل الكبائر من أمتي" "‬
‫شفاعتي لهل الكبائر من أمتي" ‪.‬‬

‫رغم لجوء المنكرين إلى تأويل هذا الحديث عند التسليم بصحته جدل على انه يخص التائبين فإن‬
‫الرازي لم يعتبره كافيا وحده بل يعتبر أنه في حاجة إلى الحاديث الخرى لتعاضده‪.‬‬

‫والمتأمل في النص يحار في أمر هذا الحديث فهل كان التحوير بالزيادة أو بالنقصان؟ هل وجد النفي‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫فحذف أو لم يوجد فأضيف ؟ ولبد من أحد الحتمالين لكن ل نستطيع أن نجزم جزما نهائيا (‪)106‬‬
‫بهذا ول بذاك وغاية ما هنالك أن الباضية جزموا بان النفي دخيل وحتى إن وجد فإمامهم جابر بن‬
‫زيد يعفي أنس بن مالك من أن يكون قد استعمل كلمة كبائر بمفهومها الصطلحي وإنما حمل ذلك‬
‫الستعمال على التهويل بمفهوم أن حسنات الفجار سيئات عند البرار‪.‬‬

‫لكن لنا أن نتساءل لماذا لم يتفاوض جابر بن زيد مع أنس بن مالك مع ما بينهما من مودة (‪)107‬‬
‫في شأن هذا الحديث ولو فعل لراحا المة من داء الختلف ولكان القول فصل؟‬

‫أما بقية الحاديث المستشهد بها عند الطرفين فهي ل تزيد الهوة إل عمقا وكلما اتسعت رقعة‬
‫الختلف كان لها أثر أوسع في سلوك كل من الطرفين (‪. )108‬‬

‫وبعد التأمل في احتجاج (‪ )109‬كل من الطرفين‪ -‬المنكرين والمثبتين‪ -‬لم يبقى إل أن ننظر في تحديد‬
‫الشفعاء وكيف ل يشفعون إل بإذن ال تعالى‪.‬‬

‫الشفعاء وحدود شفاعتهم‪:‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬فما تنفعهم شفاعة الشافعين (‪ 74‬المدثر ‪.)48‬‬


‫وقال‪ ( :‬فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا) (‪ 7‬العراف ‪ )53‬في اليتين إشارة إلى تعدد الشافعين فمن‬
‫هم هؤلء‪...‬؟‬

‫لقد أوردنا في آخر حديث الشفاعة العظمى ما نسب إلى أهل العلم (‪ )110‬ومفاده أن الرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم يفتح الشفاعة المخزونة ثم يليه في الشفاعة بقية النبياء ويذكر النص بعد ذلك‬
‫الشهداء‪.‬‬

‫ويفهم من قوله تعالى على لسان الملئكة‪ ( :‬فاغفر للذين تابوا) (‪ 40‬غافر ‪ )4‬أن الملئكة يمكنهم‬
‫ال تعالى من الشفاعة وقد بين جابر بن زيد ذلك بقوله " ما شفاعة والنبياء إل للتائبين" (‪. )111‬‬

‫ويفهم من كلم السالمي أن هناك شفعاء بعد الرسول عليه السلم حيث يقول‪ ":‬وغنما خص شفاعة‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم (‪ )112‬بالذكر دون شفاعة غيره لن من لم تنفعه شفاعته لم تنفعه‬
‫شفاعة غيره بطريق الولى (‪. )113‬‬

‫فالشفاعة حينئذ حسب الباضية تكرم يمن به ال تعالى على الرسول محمد صلى ال عليه وسلم ثم‬
‫على الملئكة والنبياء والصالحين من المؤمنين وليس معنى ذلك كما ذكرنا أن الشفاعة تبدل إرادة‬
‫ال الزلية بل هي مطابقة لما سطر في الزل (‪. )114‬‬

‫هؤلء هم أصناف الشفعاء فهل تكون شفاعتهم مطلقة؟ وغن لم تكن مطلقة فما هي حدودها؟‬
‫=================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )95‬عن المسائل المذكورة انظر ما يلي‪ 689 :‬وما يلي‪.‬‬


‫(‪ )96‬انظر ما سبق‪.655 :‬‬
‫(‪ )97‬وهنا يتحول الخلف الى موضوع السماء حيث تتفاوت الفرق السلمية في درجات الرجاء ‪.‬أما الباضية فقولهم فصل‬
‫وهو أل إرجاء ‪ .‬انظر ما سبق‪:‬‬
‫(‪ )98‬انظر ما يأتي‪.753 :‬‬
‫(‪ )99‬ما جاء بين القوسين ذكر في ما سبق وأعيد هنا ليتضح المعنى‪.‬‬
‫(‪ )100‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .421 -420 :‬محمد اطفيش تيسير التفسير ط ‪ 5/112 :1‬ويقول محشي الكشاف في كتاب‬
‫النتصاف ‪ :‬قوله تعالى ] ما للظالمين من حميم ول شفيع يطاع[ قال فيه‪ :‬يحتمل أن يكون المنفي الشفيع الذي هو الموصوف‬
‫وصفته وهي الطاعة‪ ،‬ويحتمل المنفي الصفة وهي الطاعة والشفيع ثابت‪ .‬اهـ كلمه‪.‬‬
‫قلت إنما جاء الحتمال من حيث دخول النفي على مجموع الموصوف والصفة ونفي المجموع كما يكون بنفي كل واحد من جزأيه‬
‫كذلك يكون نفي أحدهما على أن المراد هنا كما قال نفي المرين جميعا‪ .‬حاشية الكشاف‪.421 -3/420 :‬‬
‫(‪ )101‬ويقول الرازي في هذا الصدد‪ ":‬والجواب على جميع أدلة المعتزلة بحرف واحد وهو أن أدلتهم على نفي الشفاعة تفيد‬
‫نفي جميع أقسام الشفاعات‪ ،‬وأدلتنا على إثبات الشفاعة تفيد إثبات شفاعة خاصة والخاص والعام إذا تعارضا قدم الخاص على‬
‫العام‪ ،‬فكانت دلئلنا مقدمة على دلئلهم"‪ .‬التفسير الكبير‪.3/65 :‬‬
‫(‪ )102‬اما المعتزلة فينقل عنهم الرازي ما يلي‪:‬‬
‫أ) أن هذه الخبار طويلة فل يمكن ضبطها بلفظ الرسول ‪ ،e‬فالظاهر أن الرازي رواها بلفظ نفسه‪ ،‬وعلى هذا التقدير ل يكون‬
‫شيء منها حجة‪.‬‬
‫ب) وأنها خبر عن واقعة واحدة وأنها رويت على وجوه مختلفة مع الزيادات والنقصانات وذلك أيضا مما يطرق التهمة إليها‬
‫‪...‬التفسير الكبير ‪.3/64‬‬
‫(‪ )103‬انظر ما سبق‪678 :‬و ‪679‬‬
‫(‪ )104‬الظاهر أن ابن حجر اعتمد رواية تختلف عن النص الذي أثبتناه‪ 667 -665 :‬إذا ل نجد في هذا النص قوله‪ ":‬أخرجهم‬
‫من النار" بل ل نجد إل قوله‪" :‬أدخلهم الجنة" ول غرابة في ذلك إذ نبهنا الى كثرة الخلف في رواية هذا الحديث‪667 :‬‬
‫(‪ )105‬ر‪ .‬المحشي‪ :‬حاشية الترتيب‪.8/148 :‬‬
‫(‪ )106‬هذا يحتاج الى عمل خاص وجهد طويل أوسع من هذا العمل‪.‬‬
‫(‪ )107‬ر‪.‬ترجمة حياة جابر ص ‪. 19‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات ‪.2/205‬‬
‫(‪ )108‬انظر ما يلي‪754 :‬‬
‫(‪ )109‬وقد جاءت الشارة إلى ضرب من الحتجاج العقلي عند عمرو التلتي حيث يقول‪ ":‬فمن زعم أن الشفاعة تكون لهل‬
‫الكبائر لزمه القول بأنهم يدخلون الجنة‪ ،‬وأن المة كلها في الجنة‪ ،‬وذلك خلف ما في الكتاب والسنة من أن المة مخلدين في‬
‫النار وهم أهل الكبائر الميتون عليها غير التائبين منها‪ ،‬ولنها لو كانت لهم لم يجز سؤال الكون من أهلها لستلزامه سؤال الكون‬
‫من أهل النار غير الجائز‪ .‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا ورقة ‪ 118‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور‪ 302 :‬وقد وقف عند مثل هذا‬
‫الحتجاج عبد الجبار ‪.‬ر‪ .‬فضل العتزال‪ 209 -208 :‬والصول الخمسة ‪ .688 :‬وقد رد الرازي بشدة على القفال القائل بأنه ل‬
‫يجوز في حكمة ال تعالى التسوية بين أهل الطاعة وأهل المعصية ‪ ،‬ولبين تأثره بالعتزال مع قلة نصيبه أن مثل هذا الحتجاج‬
‫ثانوي تماما في مثل هذه القضية الغيبية‪.‬‬
‫(‪ )110‬انظر ما سبق‪678 :‬‬
‫(‪ )111‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 117‬قفا عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور ‪.301‬‬
‫(‪ )112‬يشير إلى قوله في المتن الذي شرحه‪( :‬رجز)‬
‫شفاعة الرسول للتقي‬
‫من الورى وليس للشقي‬

‫(‪ )113‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.288 :‬‬


‫(‪ )114‬يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وجملة ذلك أن فائدة الشفاعة رفع مرتبة الشفيع والدللة على منزلته من المشفوع (كذا)‬
‫الصول الخمسة‪.689 :‬‬
‫ويفهم من كلم الرازي في إثبات حجج المثبتين للشفاعة لهل الكبائر أنه ل خلف في تحديد الشفعاء‪ .‬التفسير الكبير‪63 -1/59 :‬‬
‫أما القرطبي فيورد ما ذكره ابن عطية من أن العلماء والصالحين ل يشفعون إل لمن لم يصل على النار وهو بين المنزلتين‪ ،‬أو‬
‫وصل ولكن له أعمال صالحة‪ ،‬وينتقده بشدة ويتعجب كيف لم يطلع ابن عطية على ما جاء في صحيح مسلم من أن المر أوسع‬
‫من ذلك حيث تظل الشفاعة تتكرر إلى أن يخرج من له مثقال ذرة من خير في قلبه‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومما يذكر أيضا من تخريج ابن ماجة في سننه عن ابن مالك قال‪ ":‬قال رسول ال ‪ : e‬يصف الناس يوم القيامة صفوفا‪ -‬وقال‬
‫ابن النمير‪ -‬أهل الجنة – فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول يا فلن أما تذكر يوم استقيت فسقيتك شربة! قال‪ :‬فيشفع‬
‫له‪ ،‬ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهورا؟ فيشفع له‪ ،‬قال ابن النمير ويقول‪ :‬يا فلن أما تذكر يوم بعثتني‬
‫لحاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪ .275 -3/273‬وعن الحديث المذكور‪ :‬ر‪ .‬ابن ماجة أدب ‪.8‬ر‪.‬‬
‫ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪.3/318 :‬‬

‫‪:‬‬

‫لقد بينا الختلف في ضبط حدودها بالنسبة إلى المشفوع لهم‪ ،‬وبقي أن نثبت حدودها بالنسبة الى‬
‫المشفوع عنده وهو ال تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫يختلف أمر الشفاعة اختلفا جوهريا بين الدنيا والخرة فغن كانت الشفاعة لدى العظماء في الدنيا‬
‫تكون بدون إذن منهم وبدون علم لديهم وقد تقلب مجرى الحقائق فالعادل يقبل الشفاعة لثبوت‬
‫خطئه والظالم يقبلها لرضاء الشفيع ولو كان ذلك على حساب المحكوم عليه‪ ،‬فهي عند ال أرفع‬
‫وأسمى ولن تكون إل بإذن ال تعالى ولمن ارتضاه تعالى ورفع مقامه‪ .‬قال عز وجل‪ ( :‬من ذا الذي‬
‫يشفع عنده إل بإذنه) (‪ 2‬البقرة ‪ )255‬وقال‪ ( :‬ما من شفيع إل من بعد إذنه) (‪ 10‬يونس ‪ )3‬وقال‪:‬‬
‫(يومئذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن له الرحمن) (‪ 20‬طه ‪ )109‬وقال‪ ( :‬ول تنفع الشفاعة عنده إل‬
‫لمن أذن له) (‪ 34‬سبأ ‪.)23‬‬

‫وقال يوسف المصعبي في تفسير آية البقرة‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه) ‪ :‬أي ل حد يشفع‪.‬‬
‫قال في الكشاف‪ ( :‬من ذا الذي يشفع عنده) بيان لملوكته وكبريائه وأن أحدا ل يتمالك أن يتكلم يوم‬
‫القيامة إل إذ أذن له في الكلم كقوله‪ ( :‬ل يتكلمون إل من أذن له الرحمن) (‪ 78‬النبأ ‪)115( . )38‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويقول محمد اطفيش‪ ":‬الستفهام إنكاري فهو نفي بدليل إل أي انتفى لعظم شأنه تعالى وكبريائه أن‬
‫يخلص أحدا غيره منه تعالى بتوسل وخضوع إليه فكيف يخلصه عنادا أو محاربة إل بأن يأذن له‬
‫بالشفاعة‪...‬الية مخبرة أنه ل شفاعة لحد عنده إل بإذنه وإنما يشفع النبياء والمؤمنون‪.‬‬

‫( وعنده) متعلق بشفيع أو بمحذوف حال من ضمير يشفع والمعنى على الول‪ :‬من ذا الذي يوقع‬
‫عنده الشفاعة وعلى الثاني من ذا الذي يشفع حال كونه قريبا إليه تعالى عن النسب‪ ،‬وقرب المسافة‬
‫وهذا أقوى فإنه إ ذا كان ل يشفع أحد عنده بأمر من المور إل بإذنه أو بمحذوف حال من المستتر‬
‫فيه أي ل يشفع في حال إل ثابتا بإذن ال" (‪. )116‬‬
‫واضح من خلل هذه التحاليل أن الفرق السلمية متفقة على أن شفاعة الشافعين ل تتم إل بإذن ال‬
‫إل أن دائرة هؤلء تضيق وتتسع حسب منطلق أهل الثبات وأهل النكار ويبدوا أن أحسن ما قيل‬
‫في هذا الباب هو قول محمد عبده بأن إذنه غير معروف (‪. )117‬‬

‫وفعل فإن تحديد هذا الذن يعتبر ضربا من التطاول على الغيب يحسن بالمسلمين أن يتساموا عنه‬
‫الحقيقة أن المر ل من بعد ومن قبل ويتجلى ذلك يوم القيامة في قوله عز من قائل ( والمر يومئذ‬
‫ل) (‪ 82‬النفطار ‪.)19‬‬

‫يبدو بعد هذه التأملت أنه لم يبق إل أن نختم الحديث عن الشفاعة وذلك بعرض مواقف العلماء من‬
‫صلتها بأصول الدين‪.‬‬

‫أما المصادر الباضية فتعتبر أن صلتها بعلم أصول الدين وثيقة فالجيطالي مثل يقول‪ ":‬إنها حق‬
‫فمن كذب بها فقد كذب بالقرآن" (‪ )118‬ويميز السالمي بين المتأول فيعتبره كافرا كفر نعمة وبين‬
‫غير المتأول فيعتبره مشركا (‪. )119‬‬

‫وهذا موقف متأصل عند الباضية يرجع إلى إمامهم جابر بن زيد حيث كان يحلف انه ما لهل‬
‫الكبائر شفاعة لن ال قد أوعدهم النار في كتابه (‪ )120‬وما يزال مستمرا إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإننا نتفق مع جواد مغنية في أن أحسن شفيع للنسان إنما هو عمله وبه يكون‬
‫من أولياء ال والملئكة والرسل والنبياء والحقيقة أن الشافع الحق إنما هو ال رب العالمين‪ ،‬إذ‬
‫يقول عز من قائل‪ ( :‬ال الذي خلق السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على‬
‫العرش ما لكم من دونه من ولي ول شفيع أفل تتذكرون) (‪ 32‬السجدة ‪ )121( )4‬كما يقول‪ ( :‬قل ل‬
‫الشفاعة جميعا له ملك السماوات والرض ثم إليه ترجعون) (‪ 39‬الزمر ‪ )122( )44‬فال حينئذ هو‬
‫" مالك إجابة شفاعة الشفعاء الحق" (‪. )123‬‬

‫والحقيقة فإن قضية الشفاعة تبقى وثيقة الصلة بالوعد والوعيد وقضية الخلود‪ ،‬ولنجمع الحديث‬
‫عن البعد الحضاري للكل في آخر المطاف ولعله يحسن الن أن نقف عند قضية متفرغة عن‬
‫موضوع الخلود وهي هل أن الجنة والنار مخلوقتان الن أم لم تخلقا بعد؟ وهل هما فانيتان في‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫النهاية أم ل؟‬
‫=================================‬
‫(‪ )115‬يوسف المصعبي ‪ :‬حاشية على الجللين‪ .72 :‬الزمخشري‪ :‬الكشاف ‪ ،1/384‬ويسكت القاضي في تنزيه القرآن عن‬
‫الشفاعة في آية البقرة ويونس وطه إل أنه تعرض لها في سورة سبأ كما تعرض لها في متشابه القرآن في سورة طه وهذا قوله‬
‫في سورة طه‪ ":‬يدل على قولنا في الشفاعة وأنها ل تكون لعداء ال لنه تعالى بين أنها ل تنفع إل من اختص بهذين الشرطين‪:‬‬
‫أحدهما أن يكون الذن واضحا في بابه‪.‬‬
‫والثاني أن يكون مرضي الطريقة في القول‪ ،‬فمن يقول الكذب ومال يجوز ل يجب أن يكون داخل في الشفاعة على وجه ‪ .‬متشابه‬
‫القرآن ‪ 2/494 :‬ويقول في سورة سبأ‪ ":‬من المراد بذلك"؟‬
‫وجوابنا أن المراد بذلك الملئكة ‪،‬بين تعالى أنهم ل يشفعون إل بإذنه وأنهم بخلف الشياطين فل يقع منهم إل ما هو طاعة ل‬
‫تعالى"‪ .‬تنزيه القرآن ‪.339 :‬‬
‫(‪ )116‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪.3/355 :2‬‬
‫ويتبنى محمد عبده نفس الموقف حيث يقول ] من ذا الذي يشفع عنده[ منهم فيحمله على ترك مقتضى ما مضت به سنته ‪،‬‬
‫وقضت به حكمته وأوعدت به شريعته‪ ،‬ومن تعذيب من دسى نفسه بالعقائد الباطلة‪ ،‬ودنسها بالخلق السافلة‪ ،‬وأفسد في الرض‬
‫وأعرض عن السنة والفرض‪ ،‬من ذا الذي يقدم على هذا من عبيده إل بإذنه والمر كله له صورة وحقيقة‪ ،‬وليس هذا الستثناء‬
‫نصا في أن الذن سيقع‪ ،‬وإنما هو كقوله‪ ]:‬يوم يأت ل تكلم نفس إل بإذنه[(‪ 11‬هود ‪ )105‬فهو تمثيل لنفراده بالسلطان والملك‬
‫في ذلك اليوم‪ ] :‬يوم ل تملك نفس لنفس شيئا والمر يومئذ ل[(‪ 82‬النفطار ‪ )19‬ولهذا قال البضاوي في تفسير الجملة بيان‬
‫لكبرياء شأنه وأنه ل أحد يساويه أو يدانيه ويستقبل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضل عن أن يعاوقه عنادا أو مناصبه‪.‬‬
‫وقال الستاذ المام ما محصلة‪ :‬إن في هذا الستثناء قطعا لمل الشافعين والمتكلمين على الشفاعة المعروفة التي كان يقول بها‬
‫المشركون وأهل الكتاب عامة ببيان انفراده تعالى بالسلطان والملك وعدم جرأة أحد من عبيده على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه‬
‫وإذنه غير معروف لحد من خلقه‪ .‬تفسير المنار‪ 31 -3/30 :3/30 :‬راجع في هذا الشأن القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪3/275‬‬
‫والطاهر ابن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪ .3/21 :‬وكل منها يوسع في إذن ال تعالى اعتمادا على نصوص من الحديث‪.‬‬
‫(‪ )117‬ر‪ .‬محمد عبده تفسير المنار‪.3/31 :‬‬
‫(‪ )118‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قناطر الخيرات ط ‪1/230 :2‬‬
‫(‪ )119‬ر‪ .‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪.287 :‬‬
‫(‪ )120‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‪ 4/22 :‬وانظر ما سبق‪679 :‬‬
‫ملحظة‪ :‬يجدر أن نشير إلى أن كل من الطاهر بن عاشور وجواد مغنية قد اعتبر أن موضوع الشفاعة ليس من القضايا‬
‫الصولية الساسية ‪ .‬فيقول الطاعر ابن عاشور" والحق أن المسألة( الشفاعة) أعلق بالفروع منها بالصول لنها لتتعلق بذات‬
‫ال ول بصفاته" الطاهر بن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير ‪.1/438‬‬
‫ويقول جواد مغنية‪ ":‬والعقل ل يحكم بالشفاعة من حيث الوقوع ل سلبا ول ايجابا‬
‫أما حيث المكان فإن العقل ل يرى أي محذور من وجود الشفاعة وعليه يتوقف وقوعها وثبوتها على صحة النقل عن ال‬
‫ورسوله فمن ثبت لديه هذا النقل وجب عليه أن يؤمن بالشفاعة وإل فهو معذور ‪ ...‬وبهذا يتبين معنا أن الشفاعة ليست أصل من‬
‫أصول الدين وأن من أنكرها مؤمن بال ورسوله واليوم الخر‪ ،‬فهو مسلم بل ريب"‪ .‬التفسير الكاشف‪.1/97 :‬‬
‫(‪ )121‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير‪.4/776 :‬‬
‫(‪ )122‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪5/74 :‬‬
‫(‪ )123‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪24/27 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وجود الجنة والنار الن وفناؤهما‬

‫قبل أن نعرض موقف الباضية من الخلود في الجنة والنار يحسن أن نشير إلى قضيتين أثيرتا على‬
‫هامش قضية الخلود وهما‪ :‬هل الجنة والنار موجودتان الن‪ ،‬وهل ستفنيان؟‬

‫‪ )1‬قضية وجود الجنة والنار الن (‪)1‬‬

‫إن الفرق السلمية تجاذبت النصوص التي تثير هذه القضية وقد كان للباضية نصيب في هذا‬
‫التجاذب‪.‬‬

‫والحقيقة أن الموقف من القضية يمكن أن يكون باليجاب أو السلب أو الوقوف‪ .‬وقد قال بالوقوف‬
‫خميس الرستاقي ‪ ":‬ونحن نقول ‪ :‬عن الجنة والنار حق ونؤمن بذلك‪ ،‬ونرد علم ذلك إلى ال تعالى‬
‫وهو العالم بجميع خلقه" (‪. )2‬‬

‫أ‌) القائلون بأن الجنة والنار قد خلقتا بعد‪:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقول السالمي‪ ":‬ذهب جمهورنا (الباضية ) والشاعرة (‪ )3‬وبعض المعتزلة (‪ )4‬إلى أنهما‬
‫موجودان" (‪. )5‬‬

‫وتتلخص حجج هؤلء كما جاءت عند ابن محبوب وعثمان السوفي (‪ )6‬وعمر التلتي (‪ )7‬ويوسف‬
‫المصعبي (‪ )8‬والسالمي (‪ )9‬ومحمد اطفيش (‪ )10‬كما يلي‪ ":‬الجنة والنار مخلوقتان موجودتان‬
‫الن لقصة آدم وحواء في الجنة وإخراجهما وكذا النار إذ ل قائل بالفرق لقوله تعالى ( أعدت‬
‫للمتقين) (‪ 3‬آل عمران ‪ )133‬وقوله ( أعدت للكافرين) (‪ 2‬البقرة ‪ )24‬وقوله‪ ( :‬ولقد رآه نزلة‬
‫أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى) (‪ 53‬النجم ‪.)14‬‬

‫ومن الحاديث التي يحتج بها هؤلء ما جاء عنه عليه السلم " أن أرواح الشهداء تجعل في‬
‫حواصل طيور خضر تسرح في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" (‪ . )11‬وقوله‪ ":‬الجنة‬
‫مخلوقة وهي في السماء والنار مخلوقة وهي في الرض" (‪ )13( . )12‬وقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬اطلعت على الجنة فوجدت أقل أهلها الغنياء والنساء‪ ،‬وأطلعت على النار فوجدت أكثر‬
‫أهلها الغنياء والنساء" (‪ )14‬ول يطلع إل على شيء قد خلق وفرغ منه (‪. )15‬‬

‫ب‌) القائلون بعدم الوجود الن‪:‬‬

‫إن كانت تلك حجج المثبتين فالمنكرون (‪ )16‬لم يقبلوا هذه الحجج وأقواها قصة آدم عليه السلم‬
‫فقالوا في شأنها‪ ":‬آدم كان رجل في الجنة أي بستان له على ربوة أي محل مرتفع‪ ،‬فعصى ربع‬
‫فأنزله لبطن الوادي" (‪. )17‬‬

‫وهؤلء يرون أنهما يخلقان ليوم الجزاء إذ ل حاجة إلى وجودهما الن ومن أدلتهم‪:‬‬
‫" قوله تعالى‪ ( :‬أكلها دائم) (‪ 13‬الرعد ‪ )35‬بمعنى مأكولها دائم أي ل ينقطع مع قوله تعالى‪ ( :‬كل‬
‫شيء هالك إل وجهه ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام) (‪ 55‬الرحمن ‪ )27‬فلو كانت الجنة‬
‫مخلوقة الن لزم فناؤها وهلكها فل تكون دائمة والنار مثلها إذ ل قائل بالفرق‪.‬‬

‫وقوله تعالى‪ ( :‬وجنة عرضها السماوات والرض) (‪ 3‬آل عمران ‪ )133‬فلو كانتا موجودتين للزم‬
‫تداخل الجسام لن الية صريحة في أن عرض الجنة هو عرض السماوات والرض" (‪. )18‬‬

‫ويقول أبو هاشم في باب الستدلل العقلي‪ ":‬لو وجدنا فل تكونان إل في عالم الفلك أو العناصر أو‬
‫في عالم آخر" (‪. )19‬‬

‫ج)الرد على القائلين بعدم الوجود الن‪:‬‬

‫وقد تصدى القائلون بوجودهما لهذه الحجج فبينوا أنه ل حاجة إلى تأويل قصة آدم وحواء في‬
‫الجنة‪ ،‬وتأويلها من غير ضرورة إلحاد في الدين (‪. )20‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأما الجمع بين الدوام والهلك للوصول إلى أنهما فانيتان فهو من باب التأويل المردود إذ كيف‬
‫تفنيان بفناء الدنيا وهنالك تبدأ وظيفتهما ويقول السالمي في هذا الصدد‪ ":‬وأجيب عنه بأن دوام‬
‫مأكول إنما هو على سبيل البدل بمعنى أنه إذا فني واحد جيء بآخر‪ ،‬أي ل يتصور دوام مأكول واحد‬
‫بعينه فل تنافي‪.‬‬
‫أو نقول‪ :‬إن فناءهما أن تتفرق أجزاؤهما وتبقى ذواتهما على ما هي عليه فتكونان فانيتين صورة‬
‫باقيتين ذاتا‪.‬‬

‫أو نقول‪ :‬إن كون ذاتيهما قابلتين للفناء كاف في كونهما فانيتين فإن ما أمكن فيه الفناء لذاته فإن‬
‫على الحقيقة ورفع الفناء عنه فعل لعارض عرض عليه من خارج ل يدفع ذلك المكان الذاتي‪.‬‬

‫أقول‪ :‬وهذا هو الجواب لن الول والثاني وإن أمكنا فهما يحتاجان إلى دليل يدل على أن ذات الجنة‬
‫والنار فانية فعل على الول وأن صورتهما دون ذاتهما فعل أيضا على الثاني " (‪. )21‬‬

‫أما اعتبار العرض دليل على وجوب التداخل فهذا دليل تمجه البلغة القرآنية لن الصورة من أبلغ‬
‫وجوه التشبيه يعاضدها التشبيه الصريح في الية الخرى ( كعرض السماء والرض) (‪ 57‬الحديد‬
‫‪.)21‬‬

‫بقيت الدلة العقلية الثلث لقد جاء دحضها كما يلي‪:‬‬

‫أما الول‪ :‬فلن الفلك ل تقبل الخرق واللتئام فل يخالطها شيء من الكائنات الفاسدات وهو باطل‬
‫لن الفلك أجسام‪ ،‬وإذا كانت أجساما فلبد لها من صانع وكذا العراض فهي قابلة للتغير وال عز‬
‫وجل يغيرهما‪.‬‬

‫وأما الثاني‪ ( :‬في العناصر) فلنه قول بالتناسخ‪....‬‬

‫وأما الثالث‪ ( :‬في عالم آخر) فلن العالم بسيط‪)22( ...‬‬

‫إن المتأمل في حجج الطرفين يجد أنها تمكن من الحتمالين إل أن حجة واحدة ترجح كفة القائلين‬
‫بوجودهما الن وهي قصة آدم عليه السلم إذ جاء فيها تأويل المنكرين في منتهى درجات الضعف‪.‬‬
‫وما دام آدم قد سكن الجنة مع زوجته وهبطا منها بعد ذلك ليبتليهما ال في الدنيا فل سبيل إلى إنكار‬
‫وجودهما وما جاء من آيات تشير إلى الهلك يجب أن تتأول للتناسق مع السياق السبق فاتضح من‬
‫خلل ما ذكر أن القول بخلقهما الن هو الصح (‪. )23‬‬
‫ويندرج تحت هذا السياق أيضا التفكير في محلها الن إن وجدتا ويتفق جمهور الباضية والشاعرة‬
‫(‪ )24‬على تفضيل الوقوف (‪. )25‬‬
‫===============================‬
‫(‪ )1‬أي في الحياة الدنيا قبل البعث‪.‬‬
‫(‪ )2‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪. 525 /1‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 22‬قفا وقد أشار إلى‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫القول بالوقوف دون أن ينسبه إلى صاحبه‪.‬‬


‫(‪ )3‬يقول الشعري‪ ":‬ونقر أن الجنة والنار مخلوقان" ويقول أيضا ‪ " :‬ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان"‪ .‬المقالت‪.1/349 :‬‬
‫(‪ )4‬يذكر اليجي منهم أبا علي الجبائي وبشر بن المعتمر‪ .‬المواقف ‪ 2/445 :‬كما تذكر المصادر الحسن البصري ومعلوم أن جل‬
‫الفرق تتجاذبه‬
‫(‪ )5‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪335 -334 :‬‬
‫(‪ )6‬ر‪ .‬عثمان بن خليفة السوفي‪ :‬كتاب السؤالت ‪90 :‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬عمر التلتي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪67 :‬‬
‫(‪ )8‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪ . 17 -16 :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 22‬قفا‪.‬‬
‫(‪ )9‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪279 -278:‬‬
‫(‪ )10‬امحمد اطفيش ‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪46 -45 :2‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬الترمذي ‪ .‬فضائل الجهاد ‪ .13‬الدارمي‪ :‬جهاد ‪ . 18‬أحمد بن حنبل ‪.6/386‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪3/201 :‬‬
‫(‪ )12‬جاءت أحاديث بعنوان ‪ ":‬ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة" ‪.‬ر‪ .‬البخاري بدء الخلق ‪. 10 ،8‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم‬
‫المفهرس‪2/73:‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪:‬حاشية على كتاب الديانات‪. 17 :‬ر‪ .‬من المراجع الشعرية اليجي ‪ :‬المواقف ‪ 2/445‬واللقاني‬
‫والبيجوري‪ :‬جوهرة التوحيد وشرحها‪182 :‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬البخاري ‪ :‬رقاق ‪ .16‬بدء الخلق ‪ .8‬الترمذي ‪ :‬جهنم ‪ .11‬أحمد بن حنبل ‪...1/234‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪4/14 :‬‬
‫(‪ )15‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪1/524 :‬‬
‫(‪ )16‬أبو سهل الفارسي‪ ،‬وأبو المؤثر الصلت بن خميس وابن أبي نبهان من الباضية ‪ ،‬وأبو هاشم وعبد الجبار وضرار بن‬
‫عمرو من المعتزلة‪.‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪ .17 :‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ .45 :2‬عبدال‬
‫السالمي ر‪ .‬المشارق‪ .278 :‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ .2/445‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )17‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬شرح كتاب الديانات‪ .17 :‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )18‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪278 :‬‬
‫(‪ )19‬ر‪ .‬اليجي ‪ :‬المواقف ‪ .2/445‬امحمد اطفيش ‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪46 -45 :2‬‬
‫(‪ )20‬ر‪ .‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪182 :‬‬
‫(‪ )21‬عبدال السالمي ‪ .‬المشارق‪278 :‬‬
‫(‪ )22‬ر‪ .‬امحمد اطفيش‪ :‬شرح عقيدة التوحيد ط ‪ 46 .45 :2‬اليجي ‪ :‬المواقف‪ .2/445 :‬وواضح أن امحمد اطفيش استفاد‬
‫استفادة كلية من كلم اليجي لن المقارنة بين النصين تبين ذلك‪ ،‬ول حرج ما دام الموقف واحدا‪ .‬وكان ألوى لو أحال عليه لنه‬
‫من عاداته يحيل على مراجعه‪.‬‬
‫ويشير الجرجاني إلى أن في هذا الحتجاج ردا على من ينكر وجودها مطلقا ل على من ينكر وجودهما في الحال فقط‪.‬ر‪ .‬شرح‬
‫المواقف‪2/445 :‬‬
‫(‪ )23‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪.279:‬‬
‫(‪ )24‬البيجوري‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪ .182 :‬ولم يرد نص صريح في تعيين مكان الجنة والنار كما شرح المقاصد ‪ ،‬والكثرون‬
‫على أن الجنة فوق السماوات السبع وتحت العرس‪ ،‬وأن النار تحت الراضين السبع‪ ،‬والحق تفويض علم ذلك إلى اللطيف الخبير‬
‫كما في شرح المصنف ‪.‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪1/525 :‬‬
‫(‪ )25‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪ .‬المشارق‪. 277:‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬قضية فناء الجنة والنار أو دوامهما‪:‬‬

‫إن المتثبت في المصادر يتبين وجود موقفين متقابلين في هذه القضية وهما‪:‬‬

‫‪ -1‬موقف يقول بفنائهما وينسب إلى الجهمية‪.‬‬

‫‪2‬ـ وموقف يقول بعدم الفناء وتلتقي فيه بقية الفرق التي تقول بخلود المشركين فحسب والتي تقول‬
‫بخلود المشركين والعصاة من المصرين من المسلمين‪.‬‬

‫ولكل حججه وردوده وقد حوصل تفسير المنار هذه الحجج في ست وملخصها‪:‬‬

‫‪ )1‬إجماع الصحابة والتابعين على ذلك والمخالف مبتدع‪.‬‬

‫‪ )2‬دللة القرآن قطعية إذ أخبر سبحانه أن عذاب جهنم مقيم (‪ )26‬وانه ( ل يفتر عنهم) (‪)27‬‬
‫(الكفار) وانهم‪ ( ...‬ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف ‪.)40‬‬

‫‪ )3‬لو خرج الكفار من جهنم لم يختص الخروج بأهل اليمان ولكانوا بمنزلة واحدة والسنة شاهدة‬
‫على ذلك‪.‬‬

‫‪ )4‬من المعلوم بالضرورة‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )5‬اتفاق عقائد السلف على ذلك ومن قال بغير ذلك مبتدع‪.‬‬

‫‪)6‬دوام تعذيب الكفار يقضي به العقل كما يقضي به السمع‪.‬‬

‫إل أن القائلين يرددون هذه الحجج واحدة وملخصها كما يلي‪:‬‬

‫‪ )1‬رفض الجماع على أساس أن هناك من الصحابة من قال بغير ذلك‪.‬‬


‫‪ )2‬النصوص القرآنية تقتضي خلود الكفار فيها ما دامت باقية ول يخرجون منها مع بقائها‪.‬‬

‫والفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله وبين من يبطل حبسه بخراب‬
‫الحبس وانتفاضه‪.‬‬

‫‪ )3‬نصوص السنة مثل القرآن ‪ :‬نفس الرد‪.‬‬

‫‪ )4‬ليس من المعلوم بالضرورة سوى خلود المشركين ما دامت باقية‪.‬‬

‫‪ )5‬التمييز بين الجنة والنار فالتفاق على الفناء للجنة أما النار فل ‪.‬‬

‫‪)6‬ل دخل للعقل في هذه المسألة (‪. )28‬‬

‫تلك وجوه الحتجاج كما نقلها صاحب المنار عن الدر المنثور في التفسير المأثور للسيوطي فما هو‬
‫موقف الباضية في هذا المعترك؟‬

‫الحقيقة أن الباضية يقبلون حجج القائلين بالدوام لكنهم يضيفون إليها خلود المصرين على‬
‫العصيان من المسلمين وبالتالي يردون الوجه الثلث من وجوه احتجاج القائلين بالدوام‪.‬‬

‫وقد جاءت نصوص العقيدة مصرحة بعدم فناء الجنة والنار معا فمن ذلك قول أبي الربيع سليمان بن‬
‫يخلف" وندين بأن الجنة والنار ل انقضاء لهما ول غاية لدوامهما" (‪)29‬‬
‫‪.‬‬

‫ومن ذلك قوله عامر الشماخي‪ ":‬وندين بان الجنة والنار دائمتان ل يفنيان" (‪. )30‬‬

‫ومن ذلك شرح التلتي لقول عامر الشماخي " دائمتان " " باقيتان" "مستمرتان" ل يفنيان‪ :‬أي‬
‫ل يذهبان ول يزولن (‪ )31‬وكذلك يقول السالمي (‪. )32‬‬

‫ومما نقله صاحب قاموس الشريعة عن شرح النونية في الرد على القائلين بالفناء‪ ":‬وأما الجهمية‬
‫فالحجة عليهم قول ال تعالى في وصف الجنة‪( :‬أكلها دائم) (‪ 13‬الرعد ‪ )35‬وقوله ( ل يمسهم فيها‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫نصب وما هم منها بمخرجين) (‪ 15‬الحجر ‪ )48‬وقوله‪ ( :‬خالدين فيها) (‪ 2‬البقرة ‪ 3 -162‬آل‬
‫عمران ‪ )15‬وفي أمثالها من القرآن (‪." )33‬‬

‫واضح أن القضية لم تقع الشارة إليها إل عرضا في نصوص القرون المعنية بالدرس ولكن مدار‬
‫النقاش حول خلود أهل الكبائر غير التائبين أو عدم خلودهم وذلك لن الباضية يعيشون في محيط‬
‫أشعري يرميهم بالبتداع في هذا الشأن وهم يحاولون الدفاع عن موقفهم والتمسك بأقوال سلفهم‪.‬‬

‫ثم إلى جانب هذا تثير كتب أصول الدين قضية وثيقة الصلة بالوعيد والخلود واصطلح على تسميتها‬
‫بالورود انطلقا من استعمال مشتقات هذه الصيغة في عديد من اليات‪.‬‬

‫ورود النار‪:‬‬

‫جاء في لسان العرب عن ابن سيده‪ :‬ورد الماء وغيره وردا وورودا وورد عليه‪ :‬أشرف عليه‪ ،‬دخله‬
‫أو لم يدخله وعن الجوهري‪ :‬ورد فلن ورودا‪ :‬حضر‪.‬‬

‫هذا ما جاء تقريبا من المعاني اللغوية إل أن ابن منظور توغل في التفسير العقائدي أكثر من الشرح‬
‫اللغوي (‪. )34‬‬

‫واضح من الروايات التي نقلها ابن منظور أن ابن إسحاق تحمس للقائلين بأن الورود ل يعني‬
‫الدخول فلنتبين حجج هؤلء وأولئك‪ .‬وما هذا الحتجاج إل ضرب من التأمل في النصوص القرآنية‬
‫وتفسير بعضها ببعض ليعزز كل من الطرفين الموقف الذي يتناسق مع الوجهة العامة لتفكيره‪.‬‬

‫‪ )1‬حجج القائلين بان الورود يفيد الدخول‪:‬‬

‫جاء في التفسير الكبير‪ ":‬القول الثاني‪ :‬عن الورود هو الدخول ويدل عليه الية والخبر‪.‬‬
‫أما الية فيقول تعالى‪ ( :‬إنكم وما تعبدون من دون ال حصب جهنم أنتم لها واردون) (‪ 21‬النبياء‬
‫‪ )98‬وقال‪ ( :‬فاوردهم النار وبئس الورد المورود) (‪ 11‬هود ‪ )98‬ويدل عليه قوله تعالى‪ ( :‬أولئك‬
‫عنها مبعدون) (‪ 21‬النبياء ‪ )101‬والمبعد هو الذي لول التبعيد لكان قريبا فهذا غنما يحصل لو‬
‫كانوا في النار ثم أنه تعالى يبعدهم عنها ويدل عليه قوله تعالى‪ ( :‬ونذر الظالمين فيها جثيا) (‪19‬‬
‫مريم ‪ )72‬وهذا يدل على انهم يبقون في ذلك الموضع الذي وردوه وهم إنما يبقون في النار فلبد‬
‫وأن يكونوا قد دخلوا النار‪.‬‬

‫أما الخبر فهو أن عبدال بن رواحة (‪)35‬‬


‫قال‪ :‬اخبر ال عن الورود ولم يخبر بالصدور‪ ،‬فقال عليه السلم‪ ":‬يا ابن رواحة ‪ .‬اقرأ ما بعدها‬
‫( ثم ننجي الذين اتقوا) (‪ )36‬وذلك يدل على ابن رواحة فهم من الورود الدخول والنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ما أنكر عليه في ذلك‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وعن جابر (‪ )37‬انه سئل عن هذه الية فقال‪ ":‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬‬
‫الورود الدخول ل يبقى بر ول فاجر إل دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلما حتى إن للناس‬
‫ضجيجا من بردها (‪. )39( " )38‬‬

‫ثم يورد تأويلت القائلين بهذا القول ومفادها أنه دخول بغير خوف ول ضرر أو أن يخمد ال النار‬
‫عند عبورهم أو أن يغير طبع النار كما كان في حق إبراهيم عليه السلم (‪. )40‬‬
‫=========================‬
‫(‪ )26‬ر‪ .‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف‪35 :‬‬
‫(‪ )27‬ر‪ .‬عامر الشماخي ‪ :‬كتاب الديانات‪ ،44:‬والية (الزخرف ‪)75‬‬
‫(‪ )28‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪81 .8/77 :‬‬
‫(‪ )29‬أبو الربيع سليمان بن يخلف‪ :‬كتاب التحف‪35 :‬‬
‫(‪ )30‬عامر الشماخي ‪ :‬كتاب الديانات‪44:‬‬
‫(‪ )31‬عامر الشماخي ‪ :‬شرح كتاب الديانات‪67:‬‬
‫(‪ )32‬السالمي ‪ .‬المشارق‪305 :‬و ‪. 307‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ 1/525 :‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس‬
‫الشريعة ‪. 6/12 :‬‬
‫(‪ )33‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة ‪ ، 6/12 :‬وشرح النونية هو شرح إسماعيل الجيطالي‪.‬‬
‫(‪ )34‬نرى من الصالح إيراد هذه الشروح فهي لغوية عقائدية‪ :‬وقوله تعالى‪ ]:‬وإن منكم إل واردها[(‪ 19‬مريم ‪ )71‬فسره ثعلب‬
‫فقال‪ :‬يردونها مع الكفار ول يدخلها المسلمون‪ ،‬والدليل على ذلك قوله عز وجل ‪ ]:‬إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها‬
‫مبعدون[(‪ 21‬النبياء ‪ )101‬وقال الزجاج‪ :‬هذه آية كثر اختلف المفسرين فيها‪ ،‬وحكى كثير من الناس أن الخلق جميعا يردون‬
‫النار فينجو المتقي ويترك الظالم ‪ ،‬وكلهم يدخلها‪.‬‬
‫والورود خلف الصدر‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬قد علمنا الورود ولم نعلم الصدور‪ ،‬ودليل من قال هذا قوله تعالى‪ ] :‬ثم ننجي الذين اتقوا‬
‫ونذر الظالمين فيها جثيا[ (‪ 19‬مريم ‪ )72‬وقال قوم‪ :‬الخلق يردونها فتكون على المؤمنين بردا وسلما‪ .‬وقال ابن مسعود والحسن‬
‫وقتادة ‪ :‬إن ورودها ليس دخولها وحجتهم في ذلك قوية جدا لن العرب تقول‪ :‬وردنا ماء كذا ولم يدخلوه‪ .‬قال ال عز وجل‪]:‬‬
‫ولما ورد ماء ماء مدين[(‪28‬القصص ‪ )23‬ويقال‪ ":‬إذا بلغت إلى البلد ولم تدخله‪ :‬قد وردت بلد كذا وكذا‪.‬‬
‫قال أبو اسحاق‪ :‬والحجة قاطعة عندي في هذا ما قال ال تعالى‪ ]:‬إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ل يسمعون‬
‫حسيسها[(‪ 21‬النبياء ‪ )101‬قال‪ :‬فهذا‪ ،‬وال أعلم دليل على أن أهل الحسنى ل يدخلون النار‪ .‬وفي اللغة ورد بلد كذا وماء كذا إذا‬
‫أشرف عليه دخله أو لم يدخله قال‪ :‬فالورود بالجماع ليس بدخول‪ .‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ :‬مادة ورد‬
‫(‪ )35‬عبدال بن رواحة (ت ‪ 8/629‬انصاري من الخزرج ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪21694‬‬
‫(‪ )36‬الية مريم ‪ :72‬لم يرد عند ونسنك وإنما ورد حديثا جاء فيه ذكر الصدور‪ " :‬يرد الناس النار ثم يصدرون عنها"‪ .‬ر‪.‬‬
‫الترمذي تفسير سورة ‪ 5‬الدرامي‪ :‬رقاق ‪. 89‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس ‪7/192‬‬
‫(‪ )37‬جابر بن عبدال (‪16‬ق‪ )697 -607 /78 -‬أنصاري من الخزرج ‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم ‪2/92‬‬
‫(‪ )38‬ر‪ .‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .316‬أحمد بن حنبل ‪ 3/383‬ر‪ .‬ونسنك‪ :‬المعجم المفهرس‪7/192 :‬‬
‫(‪ )39‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪21/243 :‬‬
‫(‪ )40‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪21/244 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬حجج من اعتبروا أن الورود ليس بمعنى الدخول‪:‬‬

‫يقول القاضي عبد الجبار‪ ":‬وربما قيل في قوله تعالى‪ ( :‬وإن منكم إل واردها كان على ربك حتما‬
‫مقضيا) (‪ 19‬مريم ‪ )71‬بعد ذكر جهنم أليس يدل ذلك على أن كل من يحشر يرد النار فكيف يصح‬
‫ذلك في أهل الثواب؟‬

‫وجوابنا أنه بمعنى الوقوع فيها كقوله تعالى في قصة موسى ( ولما ورد ماء مدين) (‪ 28‬القصص‬
‫‪ )23‬وهذه طريقة العرب في الورود بمعنى القرب ولذلك قال بعده ( ثم ننجي الذين اتقوا) (‪ 19‬مريم‬
‫‪ )72‬لنهم إذا قربوا سلك بأهل الثواب مسلك الجنة وأدخل أهل العقاب النار ول بد أن يتأول على ما‬
‫ذكرناه فإنه تعالى يبين أن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون ومن هذه حالته ل يجوز أن‬
‫يلقى في النار ويظن به ذلك وبين تعالى بعده بقوله ( ويزيد ال الذين اهتدوا هدى) (‪ 19‬مريم ‪)76‬‬
‫أنه عز وجل يخص المهتدي بألطاف من حيث آمن واهتدى وأن ذلك يؤديه إلى الباقيات الصالحات‬
‫وذكر قبله ( قل من كان في الضللة فليمدد لـه الرحمن مدا) (‪ 19‬مريم ‪ )75‬انه تعالى يبقيهم‬
‫ليزولوا عن الضللة ويفعل بالمهتدين الهدى ليثبتوا على اليمان" (‪. )41‬‬

‫كما يذكر الفائدة من هذا الدنو فيقول‪ ":‬غنما أراد تعالى بذلك أن المؤمنين إذا قربوا منها وعاينوها‬
‫وعلموا أن المخلص لهم منها ما فعلوه ن الطاعات في ما سلف وأن أعداءهم يقعون فيها لجل‬
‫معاصيهم السابقة عظم عند ذلك سرورهم فيكون ذلك زائدا في سرورهم فيكون ذلك زائدا في‬
‫سرورهم ونعيمهم" (‪)42‬‬
‫كما يقول‪ ":‬ولو لم يحمل على ما قلناه لوجب أن يقال في النبياء والمؤمنين إن ال يدخلهم النار‬
‫وليس ذلك بمذهب لحد ولو كان فيه خلف لم يمتنع أن يقال ‪ :‬إنهم يردون النار ويجنبهم تعالى‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الضرر فيها كما نقوله في الملئكة الموكلة بالعذاب" (‪. )43‬‬

‫وقد سلك الباضية نفس المسلك وفي ذلك يقول يوسف المصعبي بعد أن أورد أقوال القائلين‬
‫بالدخول‪ ":‬الورود عندنا محمول على ورود النظر دون الدخول قالوا ول يلزم الدخول بدليل قوله‬
‫تعالى في حق موسى عليه السلم‪ ( :‬ولما ورد ماء مدين) (‪ 28‬القصص ‪ )23‬فإنه من المعلوم أنه‬
‫لم يدخله واستدل أصحابنا على ذلك بقوله تعالى‪ ( :‬ل يمسهم السوء) (‪ 3‬آل عمران ‪ )174‬وبقوله‪:‬‬
‫( أولئك عنها مبعدون) ( ‪ 21‬النبياء ‪ )101‬بعدها (‪." )44‬‬

‫إن احتجاج هؤلء وأولئك أثبت أن اللغة‪ -‬وهي أساس الفهم‪ -‬آزرت الذين اعتبروا أن الورود هو‬
‫الدنو والقرب والوصول ولذلك التجأ الطرف الثاني إلى عديد من التأويلت فقد بين الطاهر ابن‬
‫عاشور (‪ - )45‬هو من هؤلء أقرب‪ -‬أنها غير مستساغة وبين بوضوح أل اعتداد بما ذكره الرازي‬
‫من فوائد تنجز للداخلين بشكل من الشكال" (‪. )46‬‬

‫الصراط‪:‬‬

‫كنا أشرنا إلى حقيقة الصراط عند استلل الباضية على عدم جواز تعذيب الموفين يوم القيامة (‪)47‬‬
‫وقد وضح تبغورين موقف الباضية بقوله " الصراط المستقيم دين ال القيم الذي افترض ال على‬
‫عباده والعدل الذي أنزله وهو دقيق ل يوافق الهوى ول الشهوات" (‪. )48‬‬

‫واكتفى صاحب النونية بالشارة إلى هذا الموقف من الصراط حيث قال‪( :‬طويل)‬

‫إل أن إسماعيل الجيطالي يقول‪ ":‬والذي عندي‪ -‬وال أعلم‪ -‬أن الصراط المذكور في القرآن على‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما طريق السلم كما قدمنا‪ .‬والثاني أنه الجسر الموضوع على متن جهنم المرتب‬
‫عليه القناطر السبع التي هي مراصد ومجالس للعباد حتى يسألوا عن السبع السؤالت المشهورة (‬
‫‪ )50‬هذا مشهور في كتب أصحابنا ويدل على هذا قوله تعالى ( فاهدوهم الى صراط الجحيم وقفوهم‬
‫إنهم مسؤولون) (‪ 37‬الصافات ‪ )23‬إذ يستحيل حمل الصراط المذكور هاهنا على طريق السلم‬
‫وال اعلم‪ ،‬فهذا ممكن في العقل لنه ليس فيه ما يحيله ول في الشرع ما يبطله فإن القادر على أن‬
‫يطير الطير في الهواء قادر على أن يسير النسان على الصراط وال أعلم بكيفيته" (‪. )51‬‬

‫أما في الشرح النونية فلم يذكر إل الموقف الول وهو المعنى المجازي " وقال أصحابنا رحمهم ال‬
‫في الصراط ما قاله الناظم فيه من أنه دينه عز وجل الذي هو الطريق المستقيم المؤدي الى دار‬
‫النعيم ويوصف بالرقة والحدة على المجاز باعتبار الهلك المعتري للنسان بأقل حركة منه على‬
‫خلفه" (‪. )52‬‬

‫ويحوصل السالمي مبينا أسماء من ذهب من الباضية الى الجمع بين الموقفين فيقول‪ :‬فقد ذهب مثل‬
‫ما ذهبوا ( الشاعرة) إليه بعض أصحابنا منهم الشيخ هود بن محكم وأبو القاسم البرادي والشيخ‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إسماعيل في القناطر وقطب الئمة في الهيميان وجامع الشمل" (‪. )53‬‬

‫ويقرر السالمي أن المسألة ليسن من باب الدين ويذكر بعض اليات استدل بها من اعتبروا الصراط‬
‫جسرا منها قوله تعالى‪ ( :‬فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون) (‪ 36‬يس ‪ )66‬وقوله تعالى‪ ( :‬فاهدوهم‬
‫الى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون) (‪ 37‬الصافات ‪ )23‬وقوله تعالى‪ ( :‬أفمن يمشي مكبا‬
‫على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) (‪ 67‬الملك ‪.)22‬‬

‫ويبين أنه أجيب بان الصراط في اليات بمعنى الطريق ول دللة فيهما على الجسر المذكور‪.‬‬

‫كما يذكر أنهم استدلوا على ثبوت الجسرية بالحاديث المروية وأجيب أنها أحاديث أحادية ل توجب‬
‫المور العتقادية والذي يظهر لي إبقاء الحاديث على أصلها من غير تعرض لردها على راويها‬
‫وتفويض أمره إلى ال فمن صدقها من غير قطع بكفر من خالفه فيها فقد أحسن ظنه بالراوي ول‬
‫بأس عليه إن شاء ال (‪. )54‬‬

‫والحقيقة أن المتأمل في ورود هذه الكلمة في القرآن الكريم يتبين أنها يغلب عليها مفهوم الدين‬
‫وطريق الهداية في ما عدا اليات المذكورة آنفا والتي استشهد بها القائلون على أن الصراط جسر‬
‫على جهنم فهي توحي بذلك إل أن تتأول عن طريق المجاز لتواكب بقية اليات‪.‬‬

‫وهنا تعترضنا الحاديث في هذا الشأن وهي ثروة عقائدية في حاجة إلى أن تمحص أكثر عن طريق‬
‫المقارنة المدققة بين مواقف مختلف الفرق السلمية‪.‬‬

‫والمهم أن القضية تبقى تبعية تامة لقضيتي الوعد والوعيد والخلود من حيث البعد الحضاري‬
‫والتأثير في الواقع الجتماعي ولذلك ذكر السالمي أنها ليست من قضايا أصول الدين الساسية‬
‫فالقائلون بإنفاذ الوعيد والخلود يغلب عليهم تفسير الصراط بالمنهج السلمي الموصل إلى النجاة‬
‫والقائلون يطهر بخلف الوعيد وعدم الخلود رجحوا تفسير الصراط بالجسر عسى أن يطهر المسلم‬
‫من ذنوبه مع القامة المؤقتة في الجحيم قبل أن يستقر نهائيا في الجنة‪.‬‬

‫وتبقى في النهاية أسرار يوم القيامة من علم الغيب الذي استأثر به المولى تعالى وأولى بالمؤمن أن‬
‫يختار المواقف الكثر احترازا ليكون من الناجين فيسلك مسلك الدين باعتباره المسلك القوم‪.‬‬

‫قال تعالى ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) (‪ 17‬السراء ‪ )9‬فإن وجد الجسر بجميع مواصفاته‬
‫المبالغ في وصفها يكن من العابرين بسلم‪.‬‬

‫وبالوقوف عند قضية الصراط نكون قد استوفينا المواضيع التي جاءت على هامش القضيتين الم‬
‫وهما الوعد والوعيد والخلود ولم يبق إل أن نقتحم معركة القائلين بالخلود في النار والقائلين بعدمه‬
‫والجدل فيها يشتد ويحتدم لن القضية قضية مصير أبدي وهي في الحقيقة محور حياة النسان‪.‬‬
‫==============================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )41‬القاضي عبد الجبار‪ :‬تنزيه القرآن عن المطاعن‪250 :‬‬


‫(‪ )42‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/486‬‬
‫(‪ )43‬القاضي عبد الجبار‪ :‬متشابه القرآن ‪.2/486‬‬
‫(‪ )44‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 560‬قفا‪ .‬ر‪ .‬عبدال السالمي ‪ .‬المشارق‪ 309 -308:‬ر‪ .‬خميس بن‬
‫سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج ‪ .522 /1‬فالورود عند أصحابنا‪ :‬النتهاء والمرور والجتياز‪.‬‬
‫وقد جاء مثل هذا عند الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير‪ .152 -16/151.‬وعند محمد جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف ‪5/193‬‬
‫(‪ )45‬ر‪ .‬الطاهر بن عاشور ‪ :‬التحرير والتنوير ‪152-16/151‬‬
‫(‪ )46‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪2/245 ،21/445 :‬‬
‫ويعدد ست فوائد نذكر منها واحدة‪ ":‬أن فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم‬
‫يبقون فيها"‪ .‬التفسير الكبير ‪21/244 :‬‬
‫ولزيادة التوسع في القضية عامة ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ 2/520 :‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪ .2/19 :‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪:‬‬
‫‪.141 -11/135‬‬
‫(‪ )47‬انظر ما سبق‪ 678 :‬مكرر‪.‬‬
‫(‪ )48‬تبغورين بن عيسى الملشوطي‪ :‬أصول تبغورين‪69 :‬‬
‫(‪ )49‬أبو نصر فتح بن نوح الملوشائي‪ :‬النونية عدد ‪133:10 .132‬‬
‫لسان العرب‪ :‬اكتفى بذكر أن أصل الصاد سين أو زاي ولم يشر إلى الشرح اللغوي مادة صرط‪.‬‬
‫وجاء في المعجم الوسيط ‪ :‬الطريق ‪ ،‬قال تعالى‪ ]:‬ول تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل ال[(‪7‬العراف ‪.)86‬‬
‫ويقول القاضي عبد الجبار ‪ ":‬ومن جملة ما يجب القرار به واعتقاده الصراط وهو طريق بين الجنة والنار يتسه على أهل الجنة‬
‫ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه‪ ،‬وقد دل عليه القرآن ‪:‬قال ال تعالى‪ ]:‬اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت‬
‫عليهم[(‪ 1‬الفاتحة ‪ )7‬فلسنا نقول في الصراط ما يقول الحشوية‪ ،‬أن ذلك أدق من الشعر وأحد من السيف‪ ،‬وأن المكلفين يكلفون‬
‫اجتيازه والمرور به‪ ,‬فمن اجتازه فهو من أهل الجنة‪ ،‬ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل النار‪ ،‬فإن تلك الدار ليست هي بدار تكليف‪،‬‬
‫حتى يصح إيلم المؤمن وتكليفه المرور على ما هذا سبيله في الدقة والحدة‪ ،‬وأيضا فقد ذكرنا أن الصراط هو الطريق وما‬
‫وصفوه ليس من الطريق بسبيل ففسد كلمهم فيه‪ ".‬القاضي عبد الجبار‪ :‬الصول الخمسة ‪ 728‬ر‪ .‬أيضا ‪ 738 -737 :‬نفس‬
‫المصدر‪.‬‬
‫(‪ )50‬إشارة إلى ما ينتظر النسان من أسئلة يوم القيامة عبر عنها الجيطالي بالقناطر ولذلك سمى كتابه قناطر الخيرات‪.‬‬
‫(‪ )51‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬القناطر ط ‪2:1/318.319‬‬
‫(‪ )52‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 186‬قفا و ‪ 187‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪.440‬‬
‫(‪ )53‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪ .286 :‬أما عن موقف الشاعرة فانظر البيجوري حيث يقول‪ " :‬الصراط‪ ...‬ومعناه لغة‪:‬‬
‫الطريق الواضح مأخوذ من صرطة إذا ابتلعه لنه يبتلع المارة‪ .‬وشرعا‪ :‬جسر ممدود على متن جهنم يرده الولون والخرون‬
‫حتى الكفار ‪ ،‬خلفا للحليمي حيث ذهب الى أنهم ل يمرون عليه ولعله أراد الطائفة التي ترمى في جهنم من الموقف بل صراط‪...‬‬
‫ثم ذكر مختلف القوال في أنواع العبور وطول المدة الزمنية وتفاوتها من شخص الى آخر ‪ ،‬وذكر ما جاء في هذا الشأن من‬
‫الحاديث من ذلك قوله عليه السلم" ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجوز"‪.‬‬
‫وذكر في نهاية كلمه الحكمة من مرورهم على الصراط ‪ ،‬وهي ظهور النجاة من النار وأن يتحسر الكفار بفوز المؤمنين بعد‬
‫اشتراكهم في المرور"‪ .‬شرح جوهرة التوحيد ‪181 -180 :‬‬
‫وقد أورد عمرو التلتي هذا النص كله‪ .‬شرح النونية ورقة ‪ 186‬وجه وقفا ر‪ .‬عبد العزيز الثميني ‪ :‬النور‪ ،440 -438 :‬وعن‬
‫الحديث المذكور ر‪ .‬البخاري آذان ‪ .129‬توحيد ‪ 24‬مسلم ‪ :‬إيمان ‪ .299‬ابن ماجة زهد ‪ 33‬أحمد بن حنبل ‪. 17 -3/11 .2/293‬ر‪.‬‬
‫ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪3/300 :‬‬
‫(‪ )54‬ر‪ .‬عبدال السالمي ر‪ .‬المشارق‪286 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫قضية الخلود أو عدمه‬

‫جاء في لسان العرب‪ :‬الخلد‪ :‬دوام البقاء في دار ل يخرج منها خالد يخلد خلدا وخلودا بقي وأقام‪.‬‬
‫ودار الخلد‪ :‬الخرة لبقاء أهلها فيها‪ ،‬وخلده ال وأخلده تخليدا‪ ،‬وقد أخلد ال أهل دار الخلد فيها‬
‫وخلدهم وأهل الجنة خالدون مخلدون آخر البد (‪. )1‬‬

‫إن كانت اللغة بينت أن الخلود دوام البقاء (‪ )2‬فإن أهل التفسير وجدوا من الشواهد في النصوص‬
‫ما يحول اللفظة عن معناها فكان هذا مصدر اختلف كبير في اتخاذ مواقف متضاربة متناقضة‪.‬‬

‫ومعلوم أن القرآن الكريم يشير إلى أن القضية طرحت عند اليهود وقد تدرعوا بأنهم شعب ال‬
‫المختار وأنهم أحباؤه فلذلك اعتقدوا أن النار ل يمكن أن تمسهم إل أياما معدودة إل أن القرآن رد‬
‫عليهم وبكتهم واتخذت اليتان الواردتان في القضية منطلقا للنقاش بين الفرق السلمية وخصصها‬
‫أغلبهم باليهود (‪. )3‬‬

‫كما أن الختلف الذي قام بين الفرق السلمية في شأن السماء (‪ )4‬كان له تأثير بالغ في تقرير‬
‫مصائر الناس‪ ،‬ذاك أن كل يفهم النص حسب تحديده الصطلحي ولهذا تكثر عبارة " وهذا الوجه‬
‫اللئق على أصولنا" (‪. )5‬‬

‫فل سبيل إلى التوفيق مثل بين من يعتبر أن اليمان مجرد اعتقاد بالقلب‪ ،‬وبين من يعتبر أن العمل‬
‫جزء ل يتجزأ منه‪.‬‬

‫والواضح في القضية أن الختلف لم يكن في شأن الخلود في الجنة كما لم يكن من قبل في شأن‬
‫الوعد ذاك لن الجنة كل يشتاق إليها ولم يقل واحد في شأنها بالمكث الطويل وإنما جاء الخلف حادا‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عنيفا في شأن الخلود في النار وعدمه‪.‬‬

‫ورغم مساس القضية بالغيبيات نجد من هون من شأنها على أساس أنها ليست من اللهيات ول من‬
‫الرساليات كما يشير إلى ذلك محمد اطفيش بقوله‪ ":‬عن خلود الموحد وعدمه ليس من الصول‬
‫التي يكون بها تفسيق معتقد أحدهما" (‪ )6‬والجلل الدواني حيث يقول بعد حديث عن الصفات‪":‬‬
‫والحال انه ل حرج على من قال فيها بخلف الصواب فأحرى أن يكون ذلك في ما ليس من اللهيات‬
‫ول من الرساليات كمسألة الخلود" (‪. )7‬‬

‫لكن إلى جانب هذا نجد من اعتبر أنها من القضايا العقائدية الساسية فهذا رشيد رضا يقول‪ ":‬فإن‬
‫هذه المسألة قديمة‪ ،‬وهي اكبر مشكلت الدين" (‪ )8‬وكذلك جواد مغنية فإنه يقول أثناء حديثه عن‬
‫هذه القضية‪ ":‬ونحن نتكلم في المور العقائدية القطعية ل في المسائل الفرعية الظنية" (‪ )9‬وكذلك‬
‫أحمد الخليلي في تعليقه على كتاب المشارق يقول‪ ":‬مسألة الخلود في النار من مسائل العتقاد‬
‫المهمة" (‪. )10‬‬

‫وكذلك محمد علي ناصر الجعفري يقول‪ ":‬وليعلم أن عقد القلب المعتبر في أصول الدين إنما هو‬
‫بالنسبة إلى الثار الخروية كالتخلص من الخلود في النار" (‪. )11‬‬

‫وكذلك يقول الرازي‪ ":‬واعلم أن هذه المسألة من معظمات المسائل" (‪. )12‬‬

‫والراجح أنها من القضايا العقائدية الساسية لن كل حياة النسان مرتبطة بمصيره واعتقاد الخلود‬
‫وعدمه يجول مجرى حياة النسان تحويل جذريا ولول تصور عالم الجزاء لما استقام الدين بما فيه‬
‫من عقيدة وشريعة‪.‬‬

‫والمتأمل في النصوص السلمية قرآنا وسنة يتبين أنها خصصت الجانب الوفى منها للتعريف بعالم‬
‫الجزاء ول تكاد تخلو سورة تقريبا من التذكير بالدار الخرة وعدا أو وعيدا‪.‬‬

‫وانطلقا من هذه النصوص التي جاء فيها ذكر الخلود مرات مشفوعا بالتأبيد ومرات غير مشفوع‬
‫به‪ ،‬ومرات صريحا للمشركين ومرات صريحا للعصاة من أهل الصلة كان الخلف بين الصوليين‬
‫فما هي أبرز المواقف في هذه القضية وما هي مكانة الباضية منها؟ وما هي الحجج المعتمدة نقل‬
‫وعقل عن صح للعقل أن يحكم؟ وما هي البعاد الحضارية لهذه المواقف؟‬

‫مختلف المواقف من قضية الخلود‪:‬‬

‫لقد لخصها السالمي في خمسة حيث يقول‪ ":‬والناس فيه على مذاهب‪ :‬أحدها‪ :‬وهو قول الشعرية‪:‬‬
‫إن أهل الشرك مخلدون في النار وأهل الكبائر مما عدا الشرك إما أن يعفى عنهم فل يدخلونها وإما‬
‫أن يعذبوا بقدر أعمالهم ثم يخرجون منها‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬عن أهل النار مشركهم وفاسقهم غير مخلدين فيها‪ ،‬ونسب هذا إلى طائفة خرجت‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عن السلم‪.‬‬

‫المذهب الثالث‪ :‬إن أهل الكبائر غير معذبين قطعا وإنما العذاب لهل الشرك خاصة ونسب هذا إلى‬
‫مقاتل وبعض المفسرين‪.‬‬

‫المذهب الرابع‪ :‬إن الجنة والنار فانيان بعد دخول أهل كل واحد منهما فيها‪ ،‬ونسب هذا القول إلى‬
‫جهم بن صفوان‪.‬‬

‫المذهب الخامس‪ :‬وهو مذهب أهل الستقامة والمعتزلة‪ :‬إن أهل الكفر من معاصي ال كانوا‬
‫مشركين أو فاسقين مخلدون في النار دائما‪ ،‬لكن أهل الستقامة يقولون‪ ":‬إن التعذيب بعدل ال‬
‫والثواب بفضله‪ ،‬والمعتزلة يقولون بوجوب (‪ )13‬ذلك عليه تعالى عن ذلك بناء على أصلهم الفاسد‬
‫في التحسين والتقبيح العقليين" (‪. )14‬‬

‫والمتأمل في كتب الصول يلمس أن الصراع بقي على أشده بين أصحاب الموقف الول (‪)15‬‬
‫وأصحاب الموقف الخامس (‪. )16‬‬

‫والملحظ أيضا أنه يصعب الوقوف عند كل النصوص القرآنية التي تجاذبها الطرفان ولذلك سننتخب‬
‫منها ما نرى أنه أكثر تعبيرا عن القضية إذ كل ما استشهد به يمس الموضوع من قريب أو من بعيد‪.‬‬
‫وسنسلك في هذه المرة مسلك عرض حجج الطرفين في نفس الوقت لنلخص إلى الستنتاجات العامة‬
‫بعد ذلك ومنهجنا يقوم على عنصرين أساسيين‪:‬‬

‫‪ )1‬القرآن الكريم ودحضه ادعاء اليهود‪.‬‬


‫‪ )2‬القرآن الكريم وقضية الخلود عامة‪.‬‬
‫=============================‬
‫(‪ )1‬ر‪ .‬ابن منظور ‪ :‬لسان العرب مادة خلد مع الملحظ أنه لم يشر إلى النار‪.‬‬
‫(‪ )2‬عدا ما جاء في اللسان من باب المجاز حيث يقال للجبال والحجارة والصخور خوالد لطول بقائها بعد دروس الطلل‪.‬ر‪ .‬ابن‬
‫منظور ‪ :‬لسان العرب مادة خلد‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ما يلي‪718 :‬‬
‫(‪ )4‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )5‬الرازي‪ :‬تفسير الكبير ‪. 3/158‬ر‪ .‬جواد مغنية ‪ :‬التفسير الكاشف‪ 1/137 :‬يقول‪ ":‬يوافق مذهبنا"‬
‫(‪ )6‬سعيد بن تعاريت‪ :‬المسلك المحمود‪ 130 :‬نقل عن‪ ":‬كتاب ازالة العتراض عن محقي أهل أباض"‪.‬‬
‫(‪ )7‬نفس المصدر والصفحة‬
‫(‪ )8‬رشيد رضا‪ :‬تفسير المنار‪1/401 :‬‬
‫(‪ )9‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/401 :‬‬
‫(‪ )10‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪ 219 :‬تعليق عدد ‪ 1‬وهو محقق الكتاب في طبعته الثانية ‪.‬‬
‫(‪ )11‬ناصر الجعفري‪ :‬أصول الدين‪50 :‬‬
‫(‪ )12‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬
‫(‪ )13‬انظر ما سبق‪559 :‬‬
‫(‪ )14‬السالمي ‪ :‬المشارق‪ .294 :‬وقد أورد ابن حزم التقسيم التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬أما من قال بأن صاحب الكبيرة يخلد‪..‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -2‬وأما من خص القاتل بالتخليد‪.‬‬


‫‪ -3‬وأما من قال أن ال تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء‪.‬‬
‫‪ -4‬وأما من قال بمثل هذا أنه قال‪ :‬ال تعالى إن عذب واحدا منهم عذب الجميع‪.‬‬
‫‪ -5‬وأما من قال بالموازنة ‪.‬ر‪ .‬ابن حزم الفصل‪ 52 -4/46 :‬وابن حزم يقول بالقول الثالث‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬وإن النار حق دار مخلوق ل يخلد فيها مؤمن‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬يدخل النار من شاء ال تعالى من المسلمين الذين رجحت كبائرهم وسيئاتهم على حسناتهم ثم يخرجون منها بالشفاعة‬
‫ويدخلون الجنة ‪ .‬ابن حزم‪ :‬المحلى ‪1/10‬‬
‫ويقول الرازي‪ ":‬اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر‪ :‬فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان ‪ :‬ومنهم من أثبت‬
‫الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج‪ ،‬ومنهم من أثبت وعيدا منقطعا وهو قول بشر المريسي والخالد‪ .‬ومن الناس‬
‫من قطع بأنه ل وعيد لهم وهو قول شاذ ينسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر‪.‬‬
‫والقول الثالث إنا نقطع بأنه سبحانه وتعالى يعفو عن بعض المعاصي‪ ،‬ولكنا نتوقف في حق كل أحد على التعيين أنه هل يعفو‬
‫عنه أم ل ‪ ،‬ونقطع بأنه تعالى إذا عذب أحدا منهم مدة ف‘نه ل يعذبه أبدا بل يقطع عذابه‪ ،‬وهذا قول أكثر الصحابة والتابعين‬
‫وأهل السنة والجماعة وأكثر المامية"‪ .‬التفسير الكبير ‪3/145‬‬
‫(‪ )15‬وهو موقف الماتريدية حسب ما يذكر أبو السعود في تفسيره (‪ )1/147‬والشيعة الزبدية كما ينقل ذلك عن إمامهم زيد أبو‬
‫زهرة في كتابه‪ :‬المام زيد ص ‪ 204‬والشيعة المامية كما ينقل أبو زهرة عن الشيخ المفيد في أوائل المقالت وكما ذكر ذلك‬
‫الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.3/145 :‬‬
‫(‪ )16‬وهو موقف من وسموا بالخارجية جميعا ‪.‬‬

‫‪ -‬الدلة من القرآن الكريم ‪:‬‬

‫‪ )1‬القرآن الكريم يدحض ادعاء اليهود‪:‬‬

‫قال تعالى‪ ( :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة قل اتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال عهده أم‬
‫تقولون على ال ما ل تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها‬
‫خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪. )81 -80‬‬

‫وقال تعالى‪ ( :‬ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون‬
‫فكيف إذا جمعناهم ليوم ل ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون) (‪ 3‬آل عمران ‪.)24‬‬

‫نحن أمام سياقين قرآنيين يتكرر فيهما ادعاء اليهود أن النار لن تمسهم إل أياما معدودة مع اختلف‬
‫جزئي في الجمع والفراد‪ ،‬والحقيقة أن هذا الختلف ل يغير المعنى في شيء (‪ )17‬إذ سواء أكانت‬
‫اليام قليلة أو كثيرة المهم في الخروج من النار كما أن جل المفسرين يتعرضون لسياق سورة آل‬
‫عمران عند تحليل السياق الول ويكتفون بالحالة على ما سبق عند تفسير السياق الثاني (‪)18‬‬
‫وتتمثل مواطن الختلف‪ -‬وهي أساس البحث‪ -‬في ما يلي‪:‬‬

‫أ‌‪ -‬تحديد السيئة والخطيئة وإحاطتها‪.‬‬

‫ب‌‪ -‬هل يشمل الخلود أهل الكبائر أم هو خاص بأهل الكتاب‪.‬‬

‫ج‪ -‬الخلود بقاء مؤبد أم مكث مؤقت‪.‬‬


‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أ) تحديد السيئة وإحاطة الخطيئة‪:‬‬

‫‪ -‬السيئة عند منكري الخلود لهل الكبائر‪:‬‬


‫قال ابن عباس‪ ":‬من كسب سيئة أي أشرك بال وأحاطت به خطيئته أوبئة شركه أي مات عليه" (‬
‫‪. )19‬‬

‫ويورد محمد عبده ما يلي‪ ":‬وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك" (‪. )20‬‬

‫أما الرازي فلم يذهب إلى أنها تعني الشرك حيث قال‪ ":‬أما السيئة فإنها تتناول جميع المعاصي قال‬
‫تعالى ( وجزاء سيئة سيئة مثلها) (‪ 42‬الشورى ‪ ( )40‬من يعمل سوء يجز به) (‪ 4‬النساء ‪( . )123‬‬
‫‪)21‬‬

‫وأما القرطبي فلم يشر إلى تفسير الكلمة تماما (‪. )22‬‬

‫وأما أبو السعود فيقول‪ ":‬من كسب سيئة فاحشة من السيئات أي كبيرة من الكبائر كدأب هؤلء‬
‫الكفرة" (‪. )23‬‬

‫وأما جواد مغنية فيقول‪ ":‬السيئة تعم الشرك وغيره من الذنوب ولكن المراد منها هنا خصوص‬
‫الشرك بقرينه قوله تعالى‪ ( :‬فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ‪ .‬قال صاحب مجمع البيان إن‬
‫إرادة الشرك من السيئة يوافق مذهبنا أي مذهب المامية" (‪. )24‬‬

‫ويقول ابن عاشور‪ ":‬والمراد بالسيئة هنا السيئة العظيمة وهي الكفر بدليل العطف عليه بقوله‪:‬‬
‫( وأحاطت به خطيئته) (‪. )25‬‬

‫‪ -‬السيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر‪:‬‬

‫يقول الزمخشري ‪ ( ":‬من كسب سيئة) من السيئات يعني كبيرة من الكبائر" (‪. )26‬‬

‫يقول أبو مهدي‪ ( ":‬من كسب سيئة) وهي الشرك في ما وجدنا في التفسير" (‪. )27‬‬

‫ويقول يوسف المصعبي‪ ":‬وما ذكره الكشاف هو الموافق لما عليه أصحابنا رحمهم ال كما هو‬
‫معلوم" (‪. )28‬‬

‫ويكتفي البرادي بقوله‪ ":‬حقيقة السيئة ما أساء فيه المرء إلى نفسه" (‪. )29‬‬

‫ويقول محمد اطفيش ‪ ":‬سيئة خصلة قبيحة وهي الذنب الكبير‪ ،‬سواء كانا نفاقا أو شركا ومن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الذنوب الكبيرة الصرار فإنه نفسه كبيرة سواء على الصغيرة أو الكبيرة لقوله تعالى‪ ( :‬فأولئك‬
‫أصحاب النار) ويحتمل وجه آخر وهو أن السيئة ذنب صغير أو كبير‪...‬‬

‫ثم يناقش قول من قال‪ :‬إن السيئة هنا بمعنى الشرك فيقول‪ :‬وإن قلت روى قومنا عن ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما أن السيئة هنا الشرك وكذا قال الشيخ هود رحمه ال إنها الشرك قلت‪ :‬ما ذكرته‬
‫أولى مما ذكراه فإن لفظ السيئة عام وحمله على العموم أولى إذ تلك تفسير منهما‪ ،‬ل حديث ول‬
‫سيما أنهما وقومنا يعترفون بأن الكبيرة تدخل فاعلها النار‪ ،‬ولم يحصروا دخولها على الشرك‬
‫ومعترفون بان لفظ الخلود يطلق على المكث الكبير سواء كان أبديا أو غير أبدي وادعاء أن الخلود‬
‫في الموحدين بمعنى المكث الطويل وفي المشرك بمعنى المكث الدائم استعمال للكلمة في حقيقتها‬
‫ومجازها وهو ضعيف وأيضا ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره لكنه أنسب بغيره لن‬
‫الشرك أقوى" (‪. )30‬‬

‫وقال محمد عبده‪ ":‬للسيئة هنا إطلقها وخصها مفسرنا (الجلل) وبعض المفسرين بالشرك ولو‬
‫صح هذا الوعيد لما كان لقوله‪ ( :‬وأحاطت به خطيئته) معنى فإن الشرك أكبر السيئات وهو يستحق‬
‫الوعيد لذاته كيفما كان" (‪. )31‬‬

‫‪ -‬الخطيئة عند منكري الخلود لهل الكبائر‪:‬‬

‫أما عن الخطيئة فقد قرأت بصيغة الفراد والجمع " خطيئاته" وجاء تفسيرها متأثرا بتفسير السيئة‬
‫فيقول فيها منكرو الخلود ما يلي‪:‬‬

‫لقد ذكرنا أن ابن عباس اعتبر الخطيئة أوبئة الشرك الذي يموت عليه صاحبه (‪. )32‬‬

‫وأما الرازي فيفهم من كلمه أنه يعتبر الخطيئة مرادفة للسيئة فيقول‪ ":‬ولما كان من الجائز أن‬
‫يظن أن كل سيئة صغرت أو كبرت فحالها سواء في أن فاعلها يخلد في النار بين تعالى أن الذي‬
‫يستحق به الخلود أن يكون سيئة محيطة به‪ ،‬ومعلوم أن لفظ الحاطة حقيقة في إحاطة جسم آخر‬
‫كإحاطة السور بالبلد والكوز بالماء وذلك هاهنا ممتنع فنحمله على ما إذا كانت السيئة كبيرة"‪.‬‬

‫ثم بعد أن يبين لم حمل السيئة على الكبيرة يقول‪ ":‬فكأنه تعالى يقول بلى من كسب كبيرة وأحاطت‬
‫كبيرته بطاعاته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (‪. )33‬‬

‫وأما البيضاوي فيحملها على الكفر بسبب الحاطة فيقول‪ ":‬ولذلك فسرها السلف بالكفر" (‪. )34‬‬

‫وأما أبو السعود فينقل عدة روايات في فهم الخطيئة حيث يقول‪ ".…:‬فسرها السلف بالكفرة" (‬
‫‪. )35‬‬

‫وقيل السيئة الكفر والخطيئة الكبيرة وقيل العكس وقيل الفرق بينهما أن الولى قد تطلق على ما‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫يقصد بالذات والثانية تغلب على ما يقصد بالعرض لنها من الخطأ " (‪ )36‬وأما كل من القرطبي (‬
‫‪ )37‬ومغنية (‪ )38‬فلم يقفا عند كلمة خطيئة‪.‬‬

‫وأما ابن عاشور فيتوسع في التحليل فيقول‪ ":‬وقوله وأحاطت به خطيئاته " الخطيئة اسم لما‬
‫يقترفه النسان من الجرائم وهي فعلية بمعنى مفعولة من خطى إذا أساء والحاطة مستعارة لعدم‬
‫الخلو عن الشيء لن ما يحيط بالمرء ل يترك لـه منفذا للقبال على غير ذلك‪ ،‬قال تعالى‪ ( :‬وظنوا‬
‫أنهم أحيط بهم) (‪ 10‬يونس ‪ )22‬وإحاطة الخطيئات هي حالة الكفر لنها تجري على جميع الخطايا‬
‫ول يعتبر مع الكفر عمل صالح‪)39( "....‬‬

‫تلك هي مواقف المنكرين والملحظ أنه وقع اللحاح على الحاطة أكثر من الطالة في تفسير‬
‫الخطيئة على أنه ورد فيها القول وعكسه بالنسبة إلى السيئة فواضح إذن أن السطح متموج‪ ،‬وكل‬
‫يجذب المفاهيم من طرف لتعزيز موقفه‪.‬‬

‫‪ -‬الخطيئة عند مثبتي الخلود لهل الكبائر‪:‬‬

‫أما الزمخشري فيقول‪ ":‬وقيل في الحاطة كان ذنبه أغلب من طاعته وسأل رجل الحسن عن‬
‫الخطيئة فقال‪ :‬سبحان ال أل أراك ذا لحية وما تدري ما الخطيئة؟ انظر في المصحف فكل آية نهى‬
‫فيها ال عنها وأخبرك أنه من عمل بها أدخله النار فهي الخطيئة المحيطة" (‪. )40‬‬

‫وينقل يوسف المصعبي نفس النص (‪. )41‬‬

‫أما أبو مهدي فيقول‪ ":‬وأحاطت به خطيئاته وهي الكبائر في ما وجدنا أيضا" (‪ )42‬ولم يتعرض‬
‫البرادي لتعريف الخطيئة (‪. )43‬‬

‫أما محمد اطفيش فيقول‪ ":‬ربطته وأوجبت له دخول النار فصار ل خلص له منها كمن أحاط به‬
‫العدو أو الحريق أو حائط السجن وذلك بان مات غير تائب وقيل معنى الحاطة أن ذنبه أغلب من‬
‫طاعته ومن مشارقة أصحابنا من يقول ذلك‪.‬‬

‫شبه الخطيئات بنحو الحائط الدائر في مضرة على شيء وأحاطت رمزا وشبه إيباق خطيئاته له إلى‬
‫النار وقصرها إياها على النار بدوران الشيء الضار على شيء‪....‬‬

‫والخطيئة في قراءة الفراد يحتمل أن تكون هي السيئة المذكورة أول ويحتمل أن يراد به الجنس‬
‫كما صرحت به قراءة الجمع‪....‬‬

‫ثم يورد أن السيئة ما يقصد بالذات والخطيئة ما يكون عرضا ويضرب لذلك أمثلة كما يورد جواب‬
‫الحسن إل انه يرد فيه بالتعليق التالي‪ ":‬وهذا الذي قال إنما هو في القرآن وليس متعينا في جميعه‬
‫أيضا وأما في غيره فالخطيئة تحتمل الصغيرة وكذا السيئة والذنب والمعصية وال أعلم " (‪. )44‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما محمد عبده فيقول‪ ":‬ومعنى إحاطة الخطيئةهو حصرها لصاحبها وأخذها بجوانب إحاسه‬
‫ووجدانه كأنه محبوس فيها ل يجد لنفسه مخرجا منها يرى نفسه حرا مطلقا وهو أسير الشهوات‬
‫وسجين الموبقات ورهين الظلمات؟ وغنما تكون الحاطة بالسترسال في الذنوب والتمادي على‬
‫الصرار قال تعالى‪ ( :‬كل بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) (‪ 83‬المطففين ‪ )14‬أي من الخطايا‬
‫والسيئات ففي كلمة يكسبون معنى السترسال والستمرار وران عليه غطاه وستره أي أن قلوبهم‬
‫قد أصبحت في غلف من ظلمات المعاصي حتى لم يبق منفذ للنور يدخل إليها منه‪ .‬ثم أورد حديثا‬
‫يؤازر موقفه وختم بقوله‪ :‬لمثل هذا كان السلف يقولون‪ ":‬المعاصي بريد الكفر" (‪. )45‬‬
‫من خلل ما ذكر من تفسير السيئة وإحاطة الخطيئة (‪ )46‬نتبين أنه سال مداد كثير نتيجة تأملت‬
‫العقول وكل ذلك إما لتيسير المر على أهل الكبائر المصرين لما في قلوبهم من إيمان أو لحشر‬
‫هؤلء مع المشركين في نار جهنم خالدين فيها أبدا‪ .‬فالسيئة والخطيئة تتأرجحان بين الشرك‬
‫والكبيرة والصغيرة واللغة تحتمل ذلك وإن كان الشرك مستبعدا ولذلك ناقشه حتى من باب التعسف‬
‫والتسلط على اللغة‪ .‬أما عن الحاطة فهذا يعتبر أل إحاطة إل بالشرك والخر يلح على أن الذنوب‬
‫هي الخرى تحجب القلب وتطمس ما تسرب إليه من نور اليمان‪.‬‬

‫والذي يقلبه العقل ول تلفظه اللغة أن السيئة وإحاطة الخطيئة أو الخطيئات إنما هي المعاصي مهما‬
‫كان نوعها ولذلك يترجح أن الخلود شامل للمشركين وللعصاة المصرين الذين ماتوا دون أن يتوبوا‬
‫وجاهروا خالقهم بما نهاهم عنه رغم البشير والنذير فهؤلء وغن آمنوا فإنهم لم ينتفعوا بإيمانهم‬
‫في الدنيا فكيف يمكن أن ينتفعوا به في الخرة‪.‬‬
‫===================‬
‫(‪ )17‬يقول الرازي‪ ":‬إن السم إن كان مذكرا فالصل في صفة جمعه التاء يقال كوز وكيزان مكسورة وثياب مقطوعة‪ ،‬وإن كان‬
‫مؤنثا كان الصل في صفة جمعه اللف والتاء يقال جرة وجرار مكسورات وخابية وخواب مكسورات إل انه قد يوجد الجمع‬
‫باللف والتاء في ما واحده مذكر في بعض الصور نادرا محو حمام حمامات وحمل سبطر وسبطرات وعلى هذا ورد قوله تعالى]‬
‫في أيام معدودات[(‪3‬آل عمران ‪ )24‬و] في أيام معلومات[( ‪22‬الحج ‪ )28‬فال تعالى تكلم في سورة البقرة بما هو الصل وهو‬
‫قوله تعالى ] أياما معدودة[‪ ،‬وفي آل عمران بما هو الفرع"‪ .‬التفسير الكبير‪ ( 3/142 :‬وسبطر تفيد معنى الثقل أو السرعة)‪.‬‬
‫(‪ )18‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ " 7/233 :‬فالكلم في تفسيره قد تقدم في سورة البقرة" كذلك القرطبي‪" 4/51 :‬وقد مضى الكلم‬
‫في معنى قولهم‪ :‬لن تمسنا النار في البقرة ‪ ،‬مع العلم أنه لم يستوف القضية تحليل حتى هنالك" ‪12 -2/10‬‬
‫(‪ )19‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪ .12 :‬وقد نيه إلى ذلك امحمد اطفيش حيث قال ‪ ":‬روى قومنا عن ابن عباس رضي ال عنهما‬
‫أن السيئة هنا الشرك"‪ .‬هيمان الزاد ط ‪.2/140 :2‬‬
‫(‪ )20‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/144:‬‬
‫(‪ )21‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬
‫(‪ )22‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪1/12 :‬‬
‫(‪ )23‬تفسير أبي السعود ‪1/147‬‬
‫(‪ )24‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )25‬الطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )26‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/292 :‬‬
‫(‪ )27‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪144 :‬‬
‫(‪ )28‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )29‬البرادي‪ :‬رسالة الحقائق‪40:‬‬
‫(‪ )30‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪2/140 :2‬‬
‫(‪ )31‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/363 :‬‬
‫(‪ )32‬انظر ما سبق‪719 :‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )33‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/144 :‬‬


‫(‪ )34‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/29 :‬‬
‫(‪ )35‬وقد حدد هذه التفسير‪ ،‬بينما لم يحدد سند بقية القوال‬
‫(‪ )36‬تفسير أبي مسعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )37‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪1/12 :‬‬
‫(‪ )38‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )39‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )40‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/929 :‬‬
‫(‪ )41‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )42‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪144 :‬‬
‫(‪ )43‬البرادي ‪ :‬رسالة الحقائق‪40 :‬‬
‫(‪ )44‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد ط ‪2/141 :2‬‬
‫(‪ )45‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/363:‬‬
‫(‪ )46‬وما لم يذكر أكثر‬

‫أ‌) هل العبرة بالخصوص أم يمكن التعميم؟‬

‫ل شك أن آية تقرير الخلود جاءت في سياق محاجة اليهود الذين يزعمون انهم ل يبقون في النار إل‬
‫أياما معدودة والنكار عليهم لنهم يقولون مال يعلمون لذلك ذهب بعض إلى أن الخلود خاص باليهود‬
‫وذهب البعض الخر إلى إلحاق كل من أحاطت به خطيئاته من جميع المم بهم في الخلود‪.‬‬

‫‪ -‬موقف المخصصين وحججهم‪:‬‬

‫إن ما جاء ضمنيا عند القرطبي (‪ )47‬ومغنية (‪ )48‬وأشار إليه الرازي عند ردوده على المعتزلة (‬
‫‪ )49‬عبر عنه بوضوح كل من أبي السعود وابن عاشور‪.‬‬

‫أما أبو السعود فيقول‪... ":‬أولئك الموصوفون بما ذكر من كسب السيئات وإحاطة خطاياهم بهم‬
‫أصحاب النار أي ملزموها في الخرة حسب ملزمتهم في الدنيا لما يستوجبها من السباب التي من‬
‫جملتها ما هم عليه من تكذيب آيات ال وتحريف كلمه والفتراء عليه وغير ذلك إنما لم يخص‬
‫الجواب بحالهم بأن يقال مثل بلى إنهم أصحاب النار الخ‪ ،‬لما في التعميم من التهويل وبيان حالهم‬
‫بالبرهان والدليل مع ما مر من قصد الشعار بالتعليل‪.‬‬
‫(هم فيها خالدون) دائما أبدا فأني لهم التفصي عنها بعد سبعة أيام أو أربعين يوما كما زعموا فل‬
‫حجة في الية الكريمة على خلود صاحب الكبيرة لما عرفت من اختصاصها بالكافر " (‪. )50‬‬

‫أما بان عاشور فقد جاءت صيغة أدق في ربط من كسب بما سبق من السياق حيث يقول‪ ":‬وقوله‬
‫بلى إبطال لقولهم لن تمسنا النار إل أياما معدودة وكلمات الجواب تدخل على الكلم السابق ل على‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ما بعدها فمعنى بلى بل أنتم تمسكم النار مدة طويلة‪.‬‬


‫وقوله (من كسب سيئة) سند لما تضمنته بلى من إبطال قولهم أي ما أنتم إل ممن كسب سيئة الخ‬
‫ومن كسب سيئة وأحاطت به خطيئاته فأولئك أصحاب النار فأنتم منهم ل محالة‪ ....‬فمن في قوله "‬
‫من كسب سيئة" شرطية بدليل الفاء في جوابها وهي في الشرط من صيغ العموم‪...‬‬

‫ثم يمضي في تحديد السيئة والخطيئة (‪ )51‬إلى أن يقول‪ ":‬فذلك لم تكن في الية حجة للزاعمين‬
‫خلود أصحاب الكبائر من المسلمين في النار إذ ل يكون المسلم محيطة به الخطيئات بل هو ل يخلو‬
‫من عمل صالح وحسبك من ذلك سلمة اعتقاده من الكفر وسلمة لسانه من النطق بكلمة الكفر‬
‫الخبيثة‪.‬‬

‫والقصر المستفاد من التعريف في قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) قصر إضافي لقلب‬
‫اعتقادهم" (‪. )52‬‬

‫فالسياق حسب هؤلء خاص بالكفار واليهود جزء ل يتجزأ من هؤلء فماذا عن حجج الطرف الخر‬
‫الذي يعمم الخلود ويدخل فيه مرتكبي الكبائر المصرين على الموت؟‬

‫‪ -‬موقف المعممين وحججهم‪:‬‬

‫أما الزمخشري فلم يحلل قضية التعميم والتخصيص لكت يفهم من تفسيره للسيئة والخطيئة أنه يعمم‬
‫(‪ )53‬ولم يتعرض يوسف المصعبي للقضية (‪ . )54‬وقد أورد الرازي ضمن عرض حجج المعتزلة‬
‫تحليلهم لهذه الية وإثباتهم فيها دللتها على العموم‪ "....‬فثبت بما ذكرنا أن الستثناء يخرج من‬
‫الكلم ما لوله لوجب دخوله فيه وذلك يدل على أن صيغة " من" في معرض الشرط للعموم" (‪)55‬‬
‫‪.‬‬
‫وأما محمد اطفيش فيقول‪ ":‬فأولئك البعداء مقامات الخير وإنما عبر بإشارة البعيد تلويحا لهذا‬
‫المعنى‪ ...‬أصحاب النار أس مستحقوها بكسبهم أو ملزموها في الخرة كما لزموا موجباتها في‬
‫الدنيا وهي الذنوب‪.‬‬

‫( هم فيها خالدون) دائمون فيها لنهم وقد أحاطت بهم خطاياهم مصرون فلم يكن للبثهم فيها آخر كما‬
‫أن المصر ل آخر للمعصية وملزمتها عنده والناس إما مصر وإما غير مصر مرحوم يدخل الجنة"‬
‫(‪. )56‬‬

‫أما صاحب المنار فيقول‪ ":‬قوله ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خادون) " خبر" ( من كسب سيئة‬
‫وأحاطت به خطيئته ) أي هم أصحاب دار العذاب في الخرة الحقاء بها دون من لم يصل الى‬
‫درجتهم في الدنيا وهو من في قلبه شيء من نور اليمان وتوحيد ال تعالى وما يتبعه من الخير" (‬
‫‪. )57‬‬

‫واضح من خلل هذه التحاليل أن كل من الطرفين حرص على تطويع التركيب لغرضه وكل منهما‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫بعد عرض أدلته يصل إلى النتيجة المقررة من البداية والراجح أن " من" هي أقرب إلى التعميم‬
‫منها إلى التخصيص ‪.‬‬

‫ج)الخلود بقاء مؤبد أو مكث طويل‪:‬‬

‫واضح من خلل ما بينا أن مخصصي الخلود الذين تأولوا السيئة بالشرك والكفر ليسوا في حاجة‬
‫الى القول بالمكث الطويل بالنسبة إلى الخلود‪ .‬ويقول أبو السعود في هذا الصدد‪ ":‬ول حاجة إلى‬
‫حمل الخلود على اللبث الطويل" (‪. )58‬‬

‫بينما البيضاوي وقد اعتبر السيئة من القبائح فإنه يقول في تفسير قوله تعالى ( هم فيها خالدون)‬
‫دائمون أو لبثون لبثا طويل (‪. )59‬‬

‫ويرد على القائلين باللبث الطويل محمد عبده بما يلي‪ ":‬ومن المفسرين من ترك السيئة في الية‬
‫على إطلقها فلم يؤولها بالشرك ولكنهم أولوا جزاءها فقالوا إن المراد بالخلود طول مدة المكث لن‬
‫المؤمن ل يخلد في النار وإن استغرقت المعاصي عمره وأحاطت الخطايا بنفسه فانهمك فيها طول‬
‫حياته‪ .‬أولوا هذا التأويل هروبا من قول المعتزلة إن أصحاب الكبائر يخلدون في النار وتأييدا‬
‫لمذهبهم أنفسهم المخالف للمعتزلة والقرآن فوق المذهب يرشد الى أن من " تحيط به خطيئته" ل‬
‫يكون أو ل يبقى مؤمنا" (‪. )60‬‬

‫وتعليق محمد عبده على هؤلء يغني عن زيادة التحليل‪.‬‬

‫وموقف الباضية صريح من هذين السياقين إذ يعتبرون أنهما شاملن لصحاب الكبائر والكل خالد‬
‫في الجحيم أبد البدين وسنعود إلى الستنتاج عندما نحوصل الحديث عن بقية النصوص‪.‬‬

‫هذا وإن تأرجحت المواقف لصلة السياقين باليهود هنا فماذا عن اليات المتعلقة بالخلود بصفة‬
‫عامة؟‬

‫القرآن الكريم وقضية الخلود عامة‪:‬‬

‫إن اليات الواردة في هذا المعنى يمكن أن نقسمها إلى ثلثة أقسام‪:‬‬

‫أ) آيات جاءت كلمة" خالدين مجردة من " أبدا" وأخرى متبوعة بها"‪.‬‬
‫ب) آيات علقت العذاب بالمشيئة‪.‬‬

‫ج) آيات حددت اللبث بالحقاب أو بدوام السماوات والرض‪.‬‬

‫================================‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )47‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن‪2/7 :‬‬


‫(‪ )48‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪1/137 :‬‬
‫(‪ )49‬الرازي‪ :‬التفسير‪ 3/153:‬حيث يقول‪ ":‬فأولئك أصحاب النار يقتضي أن أصحاب النار ليسوا إل هم يقتضي وذلك يقتضي أن‬
‫ل يكون صاحب الكبيرة من أهل النار"‪.‬‬
‫(‪ )50‬تفسير أبي السعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )51‬انظر ما سبق‪722 -721 :‬‬
‫(‪ )52‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/581 :‬‬
‫(‪ )53‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪1/292 :‬‬
‫(‪ )54‬ر‪ .‬يوسف المصعبي‪ :‬حاشية على تفسير الجللين ورقة ‪ 42‬قفا‬
‫(‪ )55‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪3/147 :‬‬
‫(‪ )56‬امحمد اطفيش‪ :‬هيمان الزاد‪2/144 :‬‬
‫(‪ )57‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪1/368 :‬‬
‫(‪ )58‬تفسير أبي السعود‪1/147 :‬‬
‫(‪ )59‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪.1/29 :‬‬
‫(‪ )60‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪364 -1/363 :‬‬

‫أ‌) آيات الخلود أو ما يفيد معناه‬

‫ل يمكن استيفاء كل اليات الواردة في هذا المعنى لكثرتها وسنكتفي بالوقوف عند بعضها لنتبين‬
‫كيف يدافع كل من الطرفين عن موقفه‪.‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب ال عليه ولعنه وأعد له‬
‫عذابا مهينا) (‪ 4‬النساء ‪)61( .)93‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى ( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ال من عاصم‬
‫كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 10‬يونس ‪.)27‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى ( ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (‪4‬‬
‫النساء ‪.)14‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) (‪ 72‬الجن ‪.)23‬‬
‫أول ما يلحظ عند التأمل في هذه اليات ومثيلتها في كتاب ال تعالى يتبين أن سورة الجن تفردت‬
‫بإضافة التأبيد للخلود ومع ذلك يجد لها نفاة الخلود للعصاة مخرجا‪،‬أما بالنسبة إلى اليات الخرى‬
‫فالخطب أهون والتأويلت ل تبعد عما ذكر في آية سورة البقرة بل في أغلب الحيان تقع الحالة‬
‫على ما ذكر هناك (‪ )62‬لن القضية استوفاها جل المفسرين تحليل هنالك‪ ،‬وإنما وقع التنبيه الى‬
‫بعض النكت في ما بعد‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ويكن أن نلخصها عند منكري الخلود لهل الكبائر كما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬تأويل الخلود بطول المكث‪ :‬خاصة في آيتي سورة النساء حيث إن المر يتعلق بالقتل العمد (الية‬
‫‪ )93‬والنص يحتمل أن يكون القاتل من أهل الصلة والمقتول كذلك‪ ،‬ويتعلق بتجاوز الحدود في‬
‫سياق يتحدث عن المواريث والنص يحتمل أيضا أن يتعلق الوعيد بمن يظلم في قسمة التركات وما‬
‫اكثر هؤلء في الوساط السلمية‪ ،‬وقد ذهب هذا المذهب كل من البيضاوي (‪ )63‬والقرطبي (‪)64‬‬
‫وأبي مسعود (‪ )65‬وابن عاشور (‪. )66‬‬

‫‪ -‬التعميم‪ :‬إن كان المر واضحا ‪ ،‬وكانت العبارة صريحة في المواقف السابقة فقد جاء المر عاما‬
‫في بعض الحيان وقد ظهر هذا خاصة عند ابن عباس (‪ )67‬وجواد مغنية (‪ )68‬في اليات المشار‬
‫إليها من سورة النساء والجن‪ .‬ومن صيغة التعميم الى السكوت عن القضية‪.‬‬

‫‪ -‬السكوت‪ :‬وقد يرى المفسرون أل فائدة في الرجوع الى ما ذكر فيمرون على قضية الخلود دون‬
‫الوقوف عندها‪ ،‬ومثال ذلك ما نجده عند البيضاوي (‪ )69‬وأبي مسعود (‪ )70‬ومغنية (‪ )71‬في آية‬
‫النساء ‪ 14‬عن المواريث والرازي (‪ )72‬وجواد مغنية (‪ )73‬مع آية سورة يونس وإن لم يقف‬
‫هؤلء مثل هذه المواقف فإنهم يلجئون الى تخصيص الخلود الدائم للكفار‪.‬‬

‫‪ -‬تخصيص الخلود للمشركين‪ :‬وهذا ما عبر عنه كل من أبي السعود (‪ )74‬وابن عاشور (‪ )75‬وفي‬
‫آيتي سورة يونس وسورة الجن‪.‬‬

‫هذه تقريبا حوصلة عامة لمواقف المفسرين‪ -‬منكري الخلود لهل الكبائر‪ -‬من هذه اليات ويواكبهم‬
‫في ذلك الصوليون ونذكر منهم مثل اليجي حيث يقول ردا على المعتزلة‪ ":‬ول نسلم (أن من‬
‫اكتسب كبيرة فقد تعدى حدوده بل) تعدى (بعض حدوده والمراد من قتل مؤمنا لنه مؤمن ول يكون‬
‫ذلك القاتل إل كافرا) فاليات المذكورة ل تتناول صاحب الكبيرة (سلمنا) تناولها إياه (لكن الخلود)‬
‫المذكور (‪ )76‬فيها (هو المكث الطويل وما ذكرتم معارض بما يقال حبس مخلد وخلد ال ملكه" (‬
‫‪. )77‬‬

‫والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة‬
‫أهل الصلة في النار ‪ ،‬فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟‪.‬‬

‫والساس حينئذ لدى هؤلء جميعا أن رحمة ال أوسع من غضبه فلذلك ل يرتضون تخليد عصاة‬
‫أهل الصلة في النار (‪ ، )78‬فما هو موقف القائلين بخلود العصاة المصرين من هذه اليات؟‬

‫موقف الباضية والمعتزلة من هذه اليات‪:‬‬

‫يتفق الباضية والمعتزلة (‪ )79‬والموسومون بالخارجية ويساندهم في ذلك ممد عبده على أن هذه‬
‫اليات وأخواتها في القرآن الكريم أكبر دليل على ما ذهبوا إليه من اعتقاد الخلود البدي اللنهائي‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الذي يشمل العصاة الذين ماتوا دون أن يتوبوا الى ال تعالى مع القول بتفاوت العذاب بينهم وبين‬
‫من ماتوا على الشرك ول يخلو تحليل أصولي في الموضوع من الستشهاد بهذه اليات وأخواتها‬
‫ونكتفي بذكر نص أبي مهدي لنه استوعب ما جاء قبله وعليه اعتمد من جاء بعده‪.‬‬

‫يقول أبو مهدي بعد أن حلل آية البقرة (‪ )81‬التي وقفنا عندها‪ ( :‬وأحاطت به خطيئاته) وهي الكبائر‬
‫في ما وجدنا أيضا ( فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (‪ 2‬البقرة ‪ )81‬وقوله‪ ( :‬يريدون أن‬
‫يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم) (‪ 5‬المائدة ‪ )37‬وقال‪ ( :‬وما هم بخارجين‬
‫من النار) (‪ 2‬البقرة ‪ )167‬وقال‪ ( :‬ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) (‪ 43‬الزخرف‬
‫‪ )77‬أي مقيمون‪ ،‬وقال‪ ( :‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها) ‪ -‬إلى قوله‪-‬‬
‫( ولهم عذاب مقيم) (‪ 9‬التوبة ‪ )68‬فإن قال قائل هذه الية في أهل الشرك خصوصا قيل له‪ ( :‬وكذلك‬
‫قوله تعالى ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين) (‪ 4‬النساء‬
‫‪ )14‬وقوله‪ ( :‬ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) (‪ 72‬الجن ‪ )23‬وقال‪:‬‬
‫( والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق) ‪ -‬الى قوله‪ ( -‬ويخلد‬
‫فيها مهانا) (‪ 25‬الفرقان ‪ )69‬فإن قالوا هذه اليات كلها في الشرك قيل لهم وكذلك النهي عن الكبائر‬
‫إنما هو في أهل الشرك فل يجد في ذلك فرقا‪ .‬وقال‪ ( :‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (‬
‫‪ 22‬الحج ‪ )22‬وقال‪ ( :‬عن البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها‬
‫بغائبين) (‪ 82‬النفطار ‪ )16 -13‬وقوله‪ ( :‬سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا محيض) ( ‪14‬‬
‫إبراهيم ‪ )21‬أي من مذهب ومخرج" (‪. )80‬‬

‫ويقف تفسير المنار إلى نفس الموقف حيث يقول محمد عبده في شأن منتهك حدود ال‪ ":‬وظاهر‬
‫الية أن العاصي المتعدي للحدود يكون خالدا في النار" (‪ )81‬كما يقول في شأن القائل المتعمد "‬
‫فهو جدير بالخلود في النار والغضب واللعنة" (‪ )82‬ويضيف رشيد رضا فيقول‪ ":‬أقول وقد استكبر‬
‫الجمهور خلود القاتل في النار وأوله بعضهم بطول المكث فيها وهذا يفتح باب التأويل لخلود الكفار‬
‫فيقال إن المراد به طول المكث أيضا" (‪. )83‬‬

‫ثم أعطى صاحبا المنار بعدا حضاريا لهذا الموقف سنعود إليه في الستنتاجات (‪. )84‬‬

‫ب) اليات التي علقت العذاب بالمشيئة‪:‬‬

‫‪ -‬قوله تعالى‪ ( :‬ويوم نحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من‬
‫النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا‪ .‬قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما‬
‫شاء ال إن ربك حكيم عليم) (‪ 6‬النعام ‪.)128‬‬

‫‪ -‬وقوله تعالى‪ ( :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات‬
‫والرض إل ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد) (‪. )85‬‬
‫لقد تضاربت الراء في شأن التعليق بالمشيئة (‪ )86‬كما تضاربت في شأن تعليق المغفرة بالمشيئة‬
‫وأطال المفسرون الكلم‪ ....‬وذكروا وجوها جعلت المعنى من الطلسم (‪ )87‬إل أن الجدل يدور حول‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ثلثة محاور‪:‬‬

‫‪ )1‬تصور إمكانية خروج المشركين من النار‪ ،‬ومثل هذا التصور يرده المفسرون بسرعة وإنما‬
‫يذكرونه لتفنيده (‪. )88‬‬

‫‪ )1‬استثناء الموحدين العصاة‪ ،‬وهذا ما رجحه كل من قالوا بخروجهم من النار فاعتبروا الستثناء‬
‫من أدلتهم وهذا ما نقل عن ابن عباس ‪ ":‬وإل ما شاء ربك أن يخرجهم من أهل التوحيد من كانت‬
‫شقاوته بذنب دون الكفر فيدخله بإيمانه خالصا" (‪. )89‬‬

‫وهذا ما ختم به الرازي مختلف الوجوه التي ذكرت في الستثناء قائل‪ ":‬إخراج أهل التوحيد من‬
‫النار‪....‬وهذا كلم قوي في هذا الباب" (‪ . )90‬وقاس على هذا النسق كل من أبي السعود (‪)91‬‬
‫ورشيد رضا (‪ )92‬وابن عاشور (‪ . )93‬وجواد مغنية (‪ )94‬والكل يلح على تركيز موقفهم باختتام‬
‫تفسير الية بقوله تعالى‪ ( :‬إن ربك فعال لما يريد) (‪11‬هود ‪ . )107‬وفي تحليل جواد مغنية وضوح‬
‫وتبسيط لنه اعتبر السياق من المحكم لذلك أجبنا أن نورده حيث يقول‪ ":‬ويتلخص بان من يدخل‬
‫جهنم بأي ذنب من الذنوب فل يستطيع الخروج منها بنفسه ول بشفيع ومعين‪ ،‬ول بفداء فهو من‬
‫هذه الجهة خالد فيها‪ ...‬ولكن إذا شاء ال أن يخرجه منها خرج‪ ،‬وانتفى عنه وصف الخلود في النار‬
‫لن إرادته تعالى ل يحدها شيء" ( إن ربك فعال لما يريد) وكل شيء يرجع في النهاية إلى إرادته‬
‫ول ترجع إرادته إل إليه وحده فسبب الخلود يؤثر أثره ما دام الخالق مريدا له ذلك‪ ،‬وغن لم يشأ لم‬
‫يكن عمل بمبدأ ( إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (‪ 36‬يس ‪)95( .)82‬‬

‫واضح حينئذ أن هؤلء يعتبرون " أن صاحب الكبيرة غير مخلد‪ ،‬وإن عذب فإنهم يقولون هو في‬
‫مشيئة ال إن شاء غفر وعفا عنه بل تعذيب‪ ،‬وإن شاء شفع فيه من شاء‪ ،‬وإن شاء عذبه في ناره‬
‫بقدر عمله أو إلى ما شاء ال من المدة ثم يقطعون بخروجه منها" (‪. )96‬‬

‫هذا عن المشيئة عند هؤلء فماذا عن هذه المشيئة عند من رأوا خلود العصاة المصرين الى‬
‫الموت؟‬
‫==========================‬
‫(‪ )61‬لقد أشرنا في ما سبق إلى مواقف العلماء من قاتل العمد‪ 623 :‬وما يلي ‪.746‬‬
‫(‪ )62‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪ 240 /10 ،30/165 :‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪2/408 :‬‬
‫(‪ )63‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/98 :‬‬
‫(‪ )64‬ر‪ .‬القرطبي‪ :‬أحكام القرآن ‪5/335:‬و ‪ 82 /5‬إنه عبر بالستعارة في قوله‪" :‬فالخلود مستعار لمدة ما"‬
‫(‪ )65‬ر‪ .‬تفسير أبي السعود‪1/567 :‬‬
‫(‪ )66‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪4/268 :‬و ‪5/164‬‬
‫(‪ )67‬ر‪ .‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪173:‬‬
‫(‪ )68‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪ 7/442 ،2/408 :‬فيقول مثل ‪ " :‬وذكر ال سبحانه في هذه الية (‪ 4‬النساء ‪ )93‬أن‬
‫جزاءه في الخرة الخلود في جهنم والغضب واللعنة من ال والعذاب العظيم"‪2/408 :‬‬
‫(‪ )69‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/81 :‬‬
‫(‪ )70‬ر‪ .‬تفسير أبي السعود‪1/495 :‬‬
‫(‪ )71‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪2/269 :‬‬
‫(‪ )72‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪17/234 :‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )73‬جواد مغنية‪ :‬ر‪.‬التفسير الكاشف‪2/152:‬‬


‫(‪ )74‬أبي السعود‪ :‬التفسير الكبير‪2/488 :‬و ‪4/780‬‬
‫(‪ )75‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪11/148 :‬و ‪245 /29‬‬
‫(‪ )76‬وقد ذكر معها آية البقرة ‪ 81‬إحاطة الخطيئة‪.‬‬
‫(‪ )77‬اليجي مع شرح للجرجاني‪ .2/447 :‬ما داخل قوسين لليجي ‪ ,‬والبقية لشارحه‪.‬‬
‫(‪ )78‬وقد حلل الرازي قضية الغفران والعفو والرحمة أثناء ردوده على المعتزلة‪ .‬التفسير الكبير‪ .159 -3/155 :‬وكذلك نقل‬
‫صاحب المنار تحليل موسعا لهذا الموضوع ‪ .‬تفسير المنار‪ .98 -81 /8 :‬ألح فيه صاحبه كثيرا على أن العذاب من الرحمة وأن‬
‫دخول النار تطهير وأنه من رحمة ال أل يبقى في النهاية أحد في جهنم ‪ ،‬وذلك للرد عليه‪.‬‬
‫(‪ )79‬ر‪ .‬ابن حزم الفصل‪ 4/46 :‬يورد هذه اليات في سياق ذكر حجج من يقول إن صاحب الكبيرة يخلد في النار ‪ .‬الرازي‪:‬‬
‫التفسير الكبير‪ :‬أنها تفيد العموم اعتمادا على صيغة (من ) في معرض الشرط‪.‬‬
‫(‪ )80‬أبو مهدي ‪ :‬الرد على البهلولي‪ .145 -144 :‬ونفس هذه الية تقريبا نقلها صاحب قاموس الشريعة عن شرح النونية‬
‫للجيطالي ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ /‬قاموس الشريعة‪ 13 -6/12 :‬والكل أخذ عن أبي عمار عبد الكافي ‪ :‬الموجز‪-2/110 :‬‬
‫‪ 112‬مع الملحظ أن امحمد اطفيش لم يحلل المر في التفسير‪ :‬الهيميان ط ‪2/281 :2‬و ‪ 383‬واكتفى بما ذكره في آية سورة‬
‫البقرة(‪)81‬‬
‫(‪ )81‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪4/432:‬‬
‫(‪ )82‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪4/432 :‬‬
‫(‪ )83‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪ .5/341 :‬والغريب أن رشيد رضا بعد ذلك في آية سورة يونس يقول‪ " :‬خالدون فيها ل‬
‫يبرحونها لنه ليس لهم مأوى سواها كما تقدم في آية أخرى ‪ ،‬وقد يدخلها بعض عصاة المؤمنين فيعاقبون على ما اجترحوا من‬
‫سيئات ثم يخرجون منها‪ ".‬تفسير المنار‪11/352 :‬‬
‫(‪ )84‬انظر ما يلي‪758 :‬‬
‫(‪11 )85‬هود ‪ 107‬جاءت في سياق المقابلة بين مصير الشقياء والسعداء إذ تقول الية الموالية‪ ] :‬وأما الذين سعدوا ففي الجنة‬
‫خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ[ ‪.108‬‬
‫(‪ )86‬انظر ما سبق‪608 :‬‬
‫(‪ )87‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/210 :‬‬
‫(‪ )88‬ر‪ .‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪.18/64 :‬‬
‫ويقول في ذلك القاضي عبد الجبار ‪ ":‬وربما قيل في قوله تعالى‪ ]:‬قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء ال[ أو ليس في ذلك‬
‫دللة على أن في الجن والنس من الكفار من ل يخلد في النار‪ .‬جوابنا أن المراد ما شاء ال ممن ل يبقى على كفره‪.‬‬
‫ولنه تعالى قال‪ ]:‬النار مثواكم خالدين فيها[ ومن الجائز أن نؤمن بعضهم فقال‪ ]:‬إل ما شاء ال[‪ .‬تنزيه القرآن ‪138‬‬
‫(‪ )89‬ابن عباس ‪ :‬تنوير المقباس‪191 :‬‬
‫(‪ )90‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪18/66 :‬‬
‫(‪ )91‬ر‪ .‬تفسير أبي مسعود‪3/69 :‬‬
‫(‪ )92‬ر‪ .‬رشيد رضا ‪ :‬تفسير المنار‪216 /12 :‬‬
‫(‪ )93‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪12/165 :‬‬
‫(‪ )94‬ر‪ .‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/270 :‬‬
‫(‪ )95‬جواد مغنية‪ :‬التفسير الكاشف‪4/270 :‬‬
‫(‪ )96‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪300 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ )1‬ل دليل في الستثناء على خروج العصاة‬

‫يلتقي الباضية والمعتزلة في هذا الموقف وفي هذا الصدد ينقل أبو مهدي ما جاء عن الجيطالي في‬
‫شرح النونية كما يلي‪ ":‬وأما ما احتجوا به من قوله تعالى ( إل ما شاء ربك) فقالوا أن يخرج أهل‬
‫الكبائر من النار فإن هذا تقول وذهاب عن الظاهر بغير دليل‪.‬‬
‫وأيضا فإن أهل التفسير اختلفوا فيها‪ ،‬فقال بعضهم ( إل ما شاء ربك) من الزيادة في الخلود وقيل‬
‫في العذاب ونظيره قوله تعالى‪ ( :‬فلن نزيدكم إل عذابا) (‪ 78‬النبأ ‪ )30‬وقال آخرون‪ ( :‬إل ما شاء‬
‫ربك) من مكثهم في الدنيا وقيل‪ ":‬في البرزخ" وقيل‪ ":‬ما لبثوا في ظهور آبائهم" وقيل‪ ":‬في‬
‫أرحام أمهاتهم" وقيل‪ ":‬ما لبثوا في المحشر قبل أن يدخلوها"‪ ....‬فكل ذلك ما شاء ال وهو الذي‬
‫استثناه فمن زعم غير ذلك فعليه بالدليل ولو كان في هذا ما يدل على الخروج لدل على خروج‬
‫النس والجن أجمعين‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪ ( :‬يا معشر الجن قد استكثرتم من النس قال النار مثواكم‬
‫خالدين فيها إل ما شاء ال) (‪ 6‬النعام ‪. )97( )128‬‬

‫كما ينقل عن البرادي ما يلي‪ ":‬الوجه الثاني (‪ )98‬أن الستثناء الكائن في الية مقرونة بمثله من‬
‫الستثناء أعني قوله تعالى‪ ( :‬وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والرض‬
‫إل ما شاء ربك) (‪ 11‬هود ‪ )108‬فإن جاز أن يخرج أهل النار من النار بهذا الستثناء جاز مثله في‬
‫أهل الجنة ول فرق لن اليتين جاءتا مجيئا عاما‪ ،‬ول أظن عاقل يرد على ال سبحانه في كتابه ول‬
‫يكذب خبره‪ ،‬وقد قال سبحانه في غير ما موضع من كتابه‪ ( :‬خالدين فيها أبدا) (‪ 2‬آل عمران ‪.15‬‬
‫‪ )198 .136‬وقال‪ ( :‬عطاء غير مجذوذ) (‪ 11‬هود ‪ )108‬وقال ( أكلها دائم وظلها) (‪ 13‬الرعد ‪)35‬‬
‫فإذا بطل على أهل الجنة واستحال في حقهم الخروج منها بخبر ال الصادق فقد بطل الستثناء الذي‬
‫تعلقوا به وما صاروا إليه‪ ،‬قال سبحانه‪ ( :‬يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم‬
‫عذاب مقيم) (‪ 5‬المائدة ‪ )37‬وقال‪ ( :‬كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها) (‪ 32‬السجدة ‪)20‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وقال‪ ( :‬وما هم عنها بغائبين) (‪ 82‬النفطار ‪.)99 )1( )16‬‬

‫وإن كان الزمخشري خص آية سورة النعام بالمشركين وتأول المشيئة بتحويلهم من عذاب قصد‬
‫التشفي (‪ 1 )100‬فإنه يرفض أن يكون الستثناء دال على خروج أهل الكبائر فقال‪ ":‬ول يخدعنك‬
‫عنه قول المجبرة" عن المراد بالستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة فإن الستثناء الثاني‬
‫(‪ )101‬ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم" (‪.1 )102‬‬

‫أما محمد اطفيش فبعد أن يورد جل الراء الواردة في شأن الستثناء يقول‪ ":‬والولى في هذا جعل‬
‫الستثناء منقطعا وقيل المعنى إل ما شاء ربك لو فرض أنه تعالى وعز وجل يشاء إخراجهم فهو‬
‫تعليق بالمحال فيكون ذلك برهانا على البدية كقوله تعالى عز وجل‪ ( :‬حتى يلج الجمل في سم‬
‫الخياط) (‪ 7‬العراف ‪. )103( " )40‬‬

‫فالباضية حينئذ كما فعلوا من زمن المام جابر في تعليق المغفرة بالمشيئة اعتبروا التعليق‬
‫بالمشيئة دليل على الخلود للمشركين والعصاة لن إرادة ال ل تتحول (‪ )104‬ول مبدل لكلماته وهو‬
‫الفعال لما يريد‪.‬‬

‫أما محمد اطفيش فيعتمد على التفسير المأثور ويختار التفويض في شأن المشيئة فيقول‪ ":‬أما ما‬
‫ورد في التفسير بالمأثور في الستثناء هنا فيؤيد ما جرينا عليه من تفويض المر الى ال تعالى‬
‫وعدم الحكم على مشيئته في هذا المر الغيبي وهو ما رواه ابن جرير (‪ )105‬عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫إن هذه الية آية ل ينبغي لحد أن يحكم على ال في خلقه أل ينزلهم جنة ول نارا" (‪. )106‬‬

‫ومن هذه المقارنات بين الراء المتقابلة نفهم شيئا فشيئا كيف يوجه السياق القرآني حسب‬
‫منطلقات محددة فتكون نفس اليات دليل لهؤلء وأولئك فهل تكون اليات التي تحدد المكث‬
‫بالحقاب وبدوام السماوات والرض هي الخرى في هذا النسق؟‬

‫ج) تحديد اللبث بدوام السماوات والرض‪:‬‬

‫‪ -‬قال تعالى‪ ( :‬فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات‬
‫والرض إل ما شاء ربك) (‪ 11‬هود ‪.)107‬‬

‫‪ -‬وقال تعالى‪ ( :‬إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا لبثين فيها أحقابا) (‪ 78‬النبأ ‪.)23 -21‬‬
‫فمن هم الشقاء والطغاة وما المقصود من هذين التحديدين بدوام السماوات والرض وبالحقاب؟‬
‫ذلك هو مثار الجدل في شأن هذه اليات‪.‬‬

‫إن المتأمل في مواقف منكري خلود أهل الكبائر ومثبتيه يلمس بوضوح أن مركز الكلم كان قائما‬
‫على تحديد مفهوم الطغيان والشقاوة فمنكرو الخلود اعتبروا أن الشقاوة والطغيان بمعنى الكفر وقد‬
‫جاء هذا واضحا عند ابن عباس (‪ )107‬والبيضاوي (‪ )108‬وأبي السعود (‪ )109‬وابن عاشور (‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ ، )110‬أما الرازي فلن يصرخ بمدلول الشرك إل أن السياق في التفسير يؤكد أنه يعتبر أن اليتين‬
‫متعلقتان بالمشركين فهو يقول‪":‬الشقي هو الذي يكون من أهل العقاب" (‪ )111‬كما يقول‪ ":‬المراد‬
‫بالطاغين من تكبر على ربه وطغى في مخالفته ومعارضته" (‪ )112‬ثم يتوغل في الرد على من‬
‫يعتبر أن عذاب الكفار منقطع‪)113( .‬‬

‫أما الباضية والمعتزلة فقد ذهبوا الى أن الطغيان والشقاوة يشملن المشركين والعصاة من أهل‬
‫الصلة فإن لم يفسر الزمخشري كلمة الطاغين (‪ )114‬فإنه يرى " أن الشقي هو الذي وجبت له‬
‫النار لساءته" (‪ )115‬وكذلك محمد اطفيش فإنه يقول‪ ":‬الشقي سيئ الحال في عذاب وتعب في‬
‫النار بعمله لموجب العذاب" (‪ . )116‬ويقول‪ ":‬الطاغين شامل للموحد الفاسق" (‪ )117‬وكذلك‬
‫يقول السالمي‪ ":‬فإن اسم الشقي شامل لهما (الفاسق والمشرك) (‪. )119( )118‬‬

‫فواضح إذن أن المشكلة ترجع الى تحديد السماء واختلف الفرق فيها (‪ )120‬أما في ما يتعلق‬
‫بمفهوم الحقاب ودوام السماوات والرض فهم مجمعون على أن القصد منها التأبيد‪.‬‬

‫‪ -‬أما قوله تعالى‪ ( :‬خالدين فيها ما دامت السماوات والرض) فقالوا إن المقصود من ذلك التأييد‬
‫على أحد وجهين‪:‬‬

‫‪ )1‬أن تراد سماوات الخرة وأرضها وهي دائمة مخلوقة إلى البد والدليل على أن لها سماوات‬
‫وأرضا قوله تعالى‪ ( :‬يوم تبدل الرض غير الرض والسماوات) إبراهيم ‪ )48‬وقوله‪ ( :‬وأورثنا‬
‫الرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) (‪] 39‬الزمر ‪ )74‬ولنه لبد لهل الخرة مما يقلهم ويظلهم‬
‫سماء يخلقها ال أو يظلم العرش وكل ما أظلك فهو سماء‪.‬‬

‫‪ )2‬أن يكون عبارة عن التأييد ونفي النقطاع كقول العرب‪ :‬ما دام تعار ‪ ،‬وأقام ثبير‪ ،‬وما لح كوكب‬
‫وغير ذلك من كلمات التأييد (‪. )121‬‬

‫‪ -‬أما قوله تعالى‪ ( :‬لبثين فيها أحقابا) فقد أجمعوا على أنها تعني التأييد ويقول ابن عباس في‬
‫ذلك‪ ":‬مقيمين في جهنم أحقابا بعد حقب‪ -‬ثم يقول بعد تحديد الحقب‪ -‬ويقال ول يعلم عدد تلك‬
‫الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (‪. )122‬‬

‫وتعددت المواقف من مدة الحقب ونكتفي بإيراد ما روي عن ابن عباس " والحقب الواحد ثمانون‬
‫سنة‪ ،‬والسنة ثلثمائة وستون يوما‪ ،‬واليوم الواحد ألف سنة مما يعد أهل الدنيا‪ ،‬ويقال ل يعلم عدد‬
‫تلك الحقاب إل ال فل ينقطع عنهم" (‪. )123‬‬

‫ويورد الزمخشري وجها آخر وهو أن يكون من حقب عامنا إذا قل مطره وخيره‪ ،‬وحقب فلن إذا‬
‫أخطأه الرزق فهو حقب وجمعه فينتصب حال عنهم ‪ :‬يعني لبثين فيها حقبين جحدين (‪. )124‬‬

‫وإن وقع الجماع على التأييد عند الجمهور مع اختلف في شمول عصاة المسلمين المصرين على‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫عصيانهم إلى الموت فيشير الرازي الى من نفى الخلود المؤبد حتى عن المشركين (‪ )152‬مبينا أن‬
‫من حججهم هاتين اليتين‪ ،‬ثم يرد عليهم بنفس المعاني التي ذكرنا ملحا على أن القول بالتأييد‬
‫لهؤلء هو قول الجمهور العظم من المة ومعزوزا موقفه بأدلة أخرى قائمة على المنطق ل نرى‬
‫من الضروري إيرادها لننا لسنا في نطاق الرد على هؤلء (‪. )126‬‬

‫والساس بالنسبة الى الفكر الباضي يتمثل في ما نقله أبو مهدي عن الجيطالي في سياق الرد على‬
‫القائلين بإخراج أهل الكبائر‪ ":‬وأما قوله ( لبثين فيها أحقابا) فليس فيه دليل على الخروج أيضا‬
‫لنه قال‪ ( :‬إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مآبا) (‪ 78‬النبأ ‪ )22 .21‬الى آخرها‪ ،‬فهي عامة لجميع‬
‫من دخلها من أهل الشرك ومن أهل الكبائر فمن ادعى التخصيص فعليه بالدليل وإن تفسيرها في ما‬
‫وجدت في كتب التفسير ( لبثين فيها أحقابا) وهو حقب أي زمانا ل غاية له ويقال الحقب ثمانون‬
‫ألف سنة كل يوم منه ألف سنة كلما مضى حقب تبعه حقب إلى مال غاية له‪....‬‬

‫وجاء أيضا في نفس الرسالة‪ :‬وقوله تعالى‪ ( :‬لبثين فيها أحقابا) (‪ 78‬النبا ‪ )23‬قال قتادة أحقابا ل‬
‫انقطاع لها‪ ،‬وقيل الهاء من قوله فيها عائدة على الرض أي لبثين في الرض‪ ،‬وقال بعضهم‬
‫( لبثين فيها أحقابا ل يذوقون فيها بردا ول شرابا) أي يمكثون أزمنة يعذبون بهذا النوع من العذاب‬
‫ثم بعد ذلك يعذبون بغيره وروي عن الرسول صلى ال عليه وسلم أنه قال‪ " :‬الحقب ثلثون ألف‬
‫سنة" ‪)127( ...‬‬

‫قال قتادة‪ :‬هي أحقاب ل انقطاع لها كلما مضى حقب جاء بعده آخر وقال الحسن‪ :‬أما الحقاب فليس‬
‫لها عدة إل الخلود في النار (‪." )128‬‬

‫ويقول السالمي‪ ":‬الية ( لبثين فيها أحقابا) في المشركين خاصة لقوله تعالى‪ ( :‬إنهم كانوا ل‬
‫يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا) فيلزمكم عدم تخليد أهل الشرك وأنتم ل تقولون به والكتاب يرده‬
‫فوجب حمل الحقاب على عدم الغاية أي مدة غير متناهية" (‪. )129‬‬

‫وجاء عند أبي مهدي في قوله تعالى‪ ( :‬ما دامت السموات والرض) إن ذلك على قطع الرجاء كقوله‬
‫تعالى‪ ( :‬حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف ‪ )40‬ومثله في كلم العرب " ل أفعل ذلك حتى‬
‫يؤوب القارظان" " ول أفعله سن الحسل" أي ل ترجو إتياني كما ل يرجع الموتى الى الدنيا وحتى‬
‫يقع أسنان الحسل (وهو ولد الضب) وأسنانه ل تقع أبدا في ما ذكروا‪.‬‬

‫وقال الشاعر‪( :‬طويل)‬

‫وأمثاله هذا ما يتكلمون به على اليأس وقطع الطمع" (‪. )130‬‬

‫و " يقول الشيخ أبو القاسم (‪ )131‬رحمه ال‪ " :‬وما تعلقوا به من قوله تعالى ( خالدين فيها ما‬
‫دامت السماوات والرض) فباطل من وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن هذا تقوله العرب على الستبعاد والتأبيد‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫كقولهم ل أفعل هذا ما اختلف الجديدان وما اختلف الليل والنهار‪ ،‬وما حنت البل وما أقام الجبل وما‬
‫طرق طارق وما دامت السماوات والرض وما طما البحر هذا كله يريدون به التأييد فخاطبهم ال‬
‫بما يعقلون من كلمهم بينهم‪ ،‬وعليه في العربية شواهد جاهلية وإسلمية" (‪. )132‬‬

‫ذلك أهم ما جاء من الستدللت بالقرآن الكريم ‪ ،‬منها ما جاء في سياق الرد على أهل الكتاب ومنها‬
‫ما جاء ذاكرا لكلمة الخلود‪ ،‬ومنها ما علق الخلود بالمشيئة ومنها ما حدده بدوام السماوات‬
‫والرض أو بالحقاب وقد بينا كيف تنازع الطرفان هذه اليات وتبين أن موقف الباضية منها كلها‬
‫تمثل في توجيهها وجهة الخلود المؤبد بالنسبة الى من لم يتب من أهل الصلة مع اللحاح على‬
‫تفاوت العذاب بين هؤلء وبين أهل الشرك‪.‬‬

‫ومما يثبت تفاوت العذاب بين المشركين والفساق ما أورده السالمي‪ ":‬فمن ذلك البيان ما روي عنه‬
‫عليه الصلة والسلم أنه كان يقول‪ ":‬عن أهون أهل النار عذابا رجل أخمص قدميه جمرتان يغلي‬
‫منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم‪ ،‬ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وأنه لهونهم عذابا ومنهم‬
‫من هو في النار الى كعبيه مع أجزاء العذاب‪ ،‬ومنهم من هو في النار الى ركبتيه مع أجزاء العذاب‪،‬‬
‫ومنهم من قد اغتمر " (‪. )133‬‬
‫===========================‬
‫(‪ )97‬أبو مهدي‪ :‬الرد على البهلولي‪ 148 -147 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي قاموس الشريعة‪6/14 :‬‬
‫(‪ )98‬انظر ما يلي‪ :‬الوجه الول‪745 :‬‬
‫(‪ )99‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل‪ :‬الرد على البهلولي‪149 :‬‬
‫(‪ )100‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪2/50 :‬‬
‫(‪ )101‬يشير إلى الستثناء الوارد في شأن أهل الجنة في الية الموالية‬
‫(‪ )102‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪2/294 :‬‬
‫(‪ )103‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪3/269 :1‬‬
‫(‪ )104‬انظر ما سبق ‪ :‬الرادة والمشيئة في مبحث القضاء والقدر ‪465‬‬
‫(‪ )105‬الطبري( ‪ )923 -839 /310 -224‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪6/294 :‬‬
‫(‪ )106‬محمد عبده ‪ :‬تفسير المنار‪8/68 :‬‬
‫(‪ )107‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪.499 :‬‬
‫(‪ )108‬ر‪ .‬البضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪1/238 :‬و ‪2/293‬‬
‫(‪ )109‬ر‪.‬تفسير ابن مسعود‪3/68 :‬و ‪4/816‬‬
‫(‪ )110‬ر‪ .‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪12/164 :‬و ‪30/36‬‬
‫(‪ )111‬الرازي‪ :‬التفسير الكبير‪18/61 :‬‬
‫(‪ )112‬نفس المصدر‪31/13 :‬‬
‫(‪ )113‬ر‪ .‬نفس المصدر ‪18/61:‬‬
‫(‪ )114‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .4/209 :‬أما القاضي عبد الجبار فيختلف عن الزمخشري فيقول ‪ :‬الطاغين‪ :‬خاص بالمشركين‬
‫ول يتأول لفساق أهل الصلة‪ :‬تنزيه القرآن‪ .466 :‬ويسكت في شأن الشقي في التفسير ‪ :‬تنزيه القرآن‪184 :‬‬
‫(‪ )115‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪4/293 :‬‬
‫(‪ )116‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير ط ‪3/268 :1‬‬
‫(‪ )117‬نفس المصدر ‪6/467 :‬‬
‫(‪ )118‬انظر ما سبق ‪514 :‬و ‪518‬‬
‫(‪ )119‬عبدال السالمي‪ :‬المشارق‪303 :‬‬
‫(‪ )120‬انظر ما سبق‪488 :‬‬
‫(‪ )121‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ 294 -293 :2:‬و ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪.191 :‬‬
‫ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪.18/64 :‬ر‪ .‬البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪ 1/238 :‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪:‬تنزيه القرآن‪. 184 :‬ر‪ .‬تفسير‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أبي السعود‪ 3/68 :‬ر‪ .‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪ :12/158 :‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪ 164 /12 :‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير‬
‫التفسير ط ‪ .3/368 :1‬والنص للزمخشري‪ .‬أما جواد مغنية فقد سكت عن المر‪ :‬التفسير الكاشف‪.4/269 :‬‬
‫(‪ )122‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪. 499 :‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ .4/209 :‬لم يلح على قضية الدوام لكن يفهم من السياق‪.‬‬
‫كذلك الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪31/13:‬‬
‫أما القاضي عبد الجبار ‪:‬تنزيه القرآن‪ 446 :‬و البيضاوي‪ :‬أنوار التنزيل‪. 2/293:‬وأبو السعود‪ 4/816 :‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير‬
‫التفسير‪ 6/467 :‬ومغنية ‪ :‬التفسير الكاشف‪ .7/501 :‬فقد صرحوا بالتأبيد‪ .‬وكذلك ابن عاشور ذهب الى نفس الرأي إل أنه يتميز‬
‫باستثناء المسلمين المستخفين بحقوق ال ‪ ،‬أو المعتدين على الناس بغير حق‪ ،‬واحتقارا ل لمجرد غلبة الشهوة فهؤلء لهم حظ‬
‫من هذا الوعيد بمقدار اقترابهم من حال أهل الوعيد"‪ .‬التحرير والتنوير‪ . 30/30 :‬ويصرح امحمد اطفيش بخلود الفساق من أهل‬
‫القبلة ر‪ .‬تيسير التفسير ط ‪.6/467 :1‬‬
‫(‪ )123‬ابن عباس‪ :‬تنوير المقباس‪499 :‬‬
‫(‪ )124‬ر‪ .‬الزمخشري‪ :‬الكشاف‪ 4/209:‬وقد جاءت هذه المعاني بتحليل متفاوت قصرا وطول عند كل من الرازي‪31/14 :‬‬
‫والبيضاوي‪ .2/293 :‬القاضي عبد الجبار ‪:‬تنزيه القرآن‪ 446 :‬وأبي السعود ‪ .4/816‬امحمد اطفيش‪ :‬تيسير التفسير‪6/467 :‬‬
‫وابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪.30/36 :‬‬
‫(‪ )125‬وقد رد اليجي على القائلين بهذا القول ردودا قائمة على التحليل المنطقي ر‪ .‬المواقف‪448 -447 /2 :‬‬
‫(‪ )126‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪65 -18/63 :‬‬
‫(‪ )127‬لقد أورد عدة أقوال في شأن سني الحقاب‪ .‬والحديث لم يرد عند ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪1/487 :‬‬
‫(‪ )128‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪151 -150:‬‬
‫(‪ )129‬عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪301 :‬‬
‫(‪ )130‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪.148 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة نقل عن شرح‬
‫النونية للجيطالي‪6/15 .‬‬
‫(‪ )131‬يعني البرادي‬
‫(‪ )132‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪ .149:‬والوجه الثاني انظر ما سبق عن المشيئة والستثناء ‪ 735‬ر‪.‬‬
‫عبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪303 :‬‬
‫(‪ )133‬ر‪ . .‬البخاري‪ :‬رقاق ‪ .51‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ 363‬لترمذي جهنم ‪ .120‬أحمد بن حنبل ‪ 274 /4‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪:‬‬
‫‪ .2/85‬والنص لعبد ال السالمي‪ :‬المشارق‪. 305 :‬ر‪ .‬خميس بن سعيد الرستاقي ‪ :‬المنهج‪1/524 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬الدلة من الحديث الشريف‪:‬‬

‫لقد ذكرنا عند الحديث عن الوعد والوعيد الحاديث التي استدل بها الباضية لثبات شمولة للعصاة‬
‫من المسلمين وأنه نافذ فيهم ل محالة ول تخرج الحاديث الواردة في باب الخلود عن هذا السياق‪.‬‬
‫‪ -‬فمنها ما صرح بالخلود مع التأييد مثل قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من قتل نفسه بحديدة فهو‬
‫يتوجأ في النار خالدا مخلدا ومن تحسى سما فهو يتحساه في نار جهنم خالدا أبدا" (‪. )2‬‬

‫‪ -‬ومنها ما صرح بالخلود دون ذكر التأييد مثل قوله‪ ":‬من قتل بعد العفو وأخذ الدية فهو خالد مخلد‬
‫في النار" (‪. )3‬‬

‫وقوله " من كذب وأصر فهو مخلد في النار" (‪. )4‬‬

‫‪ -‬ومنها ما عبر عن الخلود في النار بطريقة غير مباشرة‪:‬‬

‫• مثل تحريم الجنة على طائفة من العصاة المصرين في قوله عليه السلم‪ " :‬الجنة حرام على من‬
‫قتل ذميا أو ظلمه أو حمله مال يطيق وأنا حجيج الذمي فكيف المؤمن" (‪ . )5‬وقوله‪ " :‬ل يدخل‬
‫الجنة لحم نبت من سحت‪ ،‬والنار أولى به" (‪ . )6‬وقوله‪ " :‬من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم ال‬
‫عليه الجنة وأوجب لـه النار‪ .‬فقال رجل‪ :‬وإن كان شيئا يسيرا يا رسول ال فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إن كان قضيبا من أراك" (‪. )7‬‬

‫• ومثل اليأس من رحمة ال في قوله عليه السلم‪ " :‬من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر‬
‫كلمة لقي ال يوم القيامة آيسا من رحمته" (‪. )8‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬ومنها ما عنف فيه القائلين بالخروج من النار‪ ،‬كما في قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬لكل أمة‬
‫يهود ‪ ،‬ويهود أمتي المرجئة‪ ،‬وهم أشبه باليهود في قولهم ( لن تمسنا النار إل أياما معدودة) ‪)9( .‬‬
‫الباضية والمعتزلة يعتمدون هذه الحاديث على أساس أنها من عمومات الخبار وأن صيغة " من‬
‫فيها جاءت في معرض الشرط تفيد العموم ول تخرج المصرين من عصاة المسلمين‪.‬‬

‫وبعد أن أورد الرازي جميع اليات والحاديث التي استشهد بها المعتزلة في هذا السياق يرد عليها‬
‫بعدة أدلة نذكر منها‪ ":‬إنا ل نسلم أن صيغة " من" في معرض الشرط للعموم‪ ...‬والذي يدل عليه‬
‫أمور‪:‬‬

‫الول‪ :‬انه يصح إدخال لفظتي الكل والبعض على‪ " ...‬من" كل من دخل داري أكرمته‪ ،‬وبعض من‬
‫دخل داري أكرمته‪ ...‬ولو كانت لفظة " من" تفيد الستغراق لكان إدخال لفظ الكل عليها تكريرا أو‬
‫إدخال لفظ البعض عليها نقضا" (‪. )10‬‬

‫وبعد أن يذكر أدلة أخرى يقول ما معناه إن تقديم عمومات الوعد أولى من ترجيح عمومات الوعيد‬
‫لن الوفاء بالوعد أدخل في الكرم من الوفاء بالوعيد (‪. )11‬‬

‫ومهما حاول الرازي أن يلتمس من مخارج تبقى هذه الحاديث صريحة مرجحة جانب الخلود خاصة‬
‫وأنها تذكر معاصي بعينها هي معتبرة من الكبائر بإجماع المة السلمية ول حاجة لتوعد المشرك‬
‫وهو داخل النار بشركه ل محالة خالد مخلد فيها‪.‬‬

‫ول ينبغي أن نغفل عن حديث يعتمده الشعري اعتمادا كليا في البانة ليرد على المعتزلة في قولهم‬
‫بالخلود وهو " ونقول‪ :‬عن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا بشفاعة محمد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وذلك‪ -‬لما جاءت به الرواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أن ال عز وجل يخرج قوما من النار بعد أن امتحشوا فيها وصاروا حمما" (‪. )12‬‬

‫ويقف القاضي عبد الجبار من هذا الحديث موقفين‪:‬‬

‫أما أولهما‪ :‬فيتمثل في اعتباره من الحاد التي ل يمكن الستدلل بها في العقائد (‪. )13‬‬

‫وأما ثانيهما فيتمثل في تأويله كما يلي‪ ":‬فأما ما يروى عنه صلى ال عليه وسلم " يخرج أقوام من‬
‫النار بعد أن امتحشوا وصاروا فحما وحمما" فإن صح فالمراد به يخرجون من الدنيا من استحقاق‬
‫العقاب بعد تحققه فيهم‪ ،‬كما روى عنه عليه السلم للمؤذن وقد أتى بالشهادة قال‪ " :‬خرج من‬
‫النار" يعني من حكم أهل النار وكقوله‪ " :‬يتهافتون في النار تهافت الجرادة وهاأنا أخذ بحجزكم "‬
‫(‪ )14‬من حيث يهديكم ويمنعهم من المعاصي‪.‬‬

‫وقد قيل في جوابهم‪ ":‬إن المراد به التعبيد والمنع من خروجهم من النار حيث شرط أن يكونوا فحما‬
‫وما هذه حالة ل يقع فهو كقوله‪ ( :‬ل يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) (‪ 7‬العراف‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪." )15( )40‬‬

‫ويورد صاحب قاموس الشريعة عن الجيطالي ما يلي‪ ":‬وأما الحاديث التي ذكروها فهي مخالفة‬
‫لكتاب ال عز وجل مردودة لن ال تبارك وتعالى قال‪ ( :‬وما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي‬
‫يوحى) (‪ 53‬النجم ‪ )3‬وجاء عنه عليه السلم أنه قال‪ " :‬وكيف أقول بخلف القرآن وبه هداني‬
‫ربي" (‪. )16‬‬

‫ومما يؤازر هذه الحاديث ما ترويه المصادر الباضية عن الحسن عن كعب قال‪ ":‬وقف عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه على كدية من رمل‪ ،‬فجلس إليها فبكى حتى بل لحيته فقلت‪ ":‬يا أمير‬
‫المؤمنين ما يبكيك؟" قال‪ ":‬ذكرت أهل النار‪ .‬فقلت‪ :‬لو جعل عدد كل حبة من هذا الرمل سنة‬
‫يعذبون على حسابها ثم يخرجون من النار لطمعوا بالخروج يوما من الدهر ولكن لم يجعل ال لهم‬
‫وقتا وما هم بخارجين منها أبدا" (‪. )17‬‬

‫الحتجاج العقلي‪:‬‬

‫إن قضية الخلود أو عدمه ليست مما يخضع للعقل المجرد وإنما هي المسائل السمعية لكن لم تخل‬
‫من بعض الحجج العقلية المنطلقة من النظر في الثواب والعقاب‪.‬‬

‫وذد نقل كل من أبي مهدي وخميس بن جميل السعدي عن كتاب الموجز نصا تفنن فيه صاحبه في‬
‫الرد على من يقول بعدم الخلود قد اعتمدناه في ما سبق عند ذكر حجج القائلين بالوعيد ل نرى فائدة‬
‫في إعادة ذكره (‪. )18‬‬

‫وبعد أن أوردنا أهم الحجج النقلية والعقلية يحسن قبل أن نصل إلى إبراز البعد الحضاري أن نذكر‬
‫ببعض المواقف التي وردت عند منكري الخلود لهل الكبائر وقد بدت في منتهى الغرابة‪.‬‬
‫===========================‬
‫(‪ )2‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪.145 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ 6/13 :‬وقد أورد‬
‫قسما من هذا الحديث القاضي عبد الجبار كما يلي‪ ":‬من قتل نفسه ‪ ،‬فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها‬
‫أبدا" فضل العتزال‪210 :‬‬
‫وقد أورد الرازي هذا الحديث أثناء عرض حجج المعتزلة من الحديث في شأن الخلود مع تغيير طفيف في العبارة وع السكوت‬
‫عمن يحتسي السم ‪.‬ر‪ .‬التفسير الكبير‪ .3/150 :‬وعن تخريج الحديث انظر ما سبق‪.623 :‬‬
‫(‪ )3‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/4 :‬عدد ‪ .761‬واستدل به أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪.145 :‬ر‪.‬‬
‫جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪6/1 :‬ولم يرد هذا الحديث عند ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )4‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ . 6/13 :‬انظر ما سبق ‪575‬‬
‫(‪ )5‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/3 :‬عدد ‪ 754‬ولم يرد بصفة صريحة عند ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )6‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/3 :‬عدد ‪ 754‬ر‪ .‬أحمد بن حنبل ‪ .399 -3/321‬وصيغته‪ ":‬ل يدخل الجنة من نبت‬
‫لحمه من سحت" ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪6/339:‬‬
‫(‪ )7‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬توحيد ‪ .24‬مسلم‪ :‬إيمان ‪ 218‬الترمذي تفسير سورة آل عمران ‪ 21‬النسائي ‪ :‬قضاة ‪ -30‬الدارمي بيوع ‪-62‬‬
‫الموطا أقضية ‪ .11‬أحمد بن حنبل ‪. 1/189‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪5/430 :‬‬
‫(‪ )8‬الربيع بن حبيب ‪ :‬الجامع الصحيح ‪ 3/3 :‬عدد ‪756‬‬
‫(‪ )9‬الحديثان لم يردا عند ونسنك‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )10‬ما ذكر في الوجود الخرى يتعلق بنصوص قرآنية خاصة ومؤداه الخصوص والعموم ‪ .‬والرازي يرجح جانب الخصوص‬
‫ليربط الخلود بالمشركين‪.‬‬
‫(‪ )11‬ر‪ .‬الرازي التفسير الكبير‪3/153 :‬‬
‫(‪ )12‬أبو الحسن الشعري‪ :‬البانة ‪ ، 24 -14 :‬انظر ما سبق‪668 :‬‬
‫(‪ )13‬ر‪ .‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬الصول الخمسة ‪.672 :‬‬
‫(‪ )14‬ر‪ .‬البخاري‪ :‬رقاق ‪ 26‬مسلم فضائل ‪ 17.18‬الترمذي أدب ‪ 82‬أحمد بن حنبل ‪...1/390‬ر‪ .‬ونسنك ‪ :‬المعجم المفهرس‪:‬‬
‫‪ 1/427‬الحجر‪ :‬من حجز يحجز فلنا عن المر حجزا‪ :‬كفه ومنعه‪ ،‬ويقال اخذ بحجزته أي التجا إليه واستعان به‪( .‬المعجم‬
‫الوسيط)‬
‫(‪ )15‬القاضي عبد الجبار ‪ :‬فضل العتزال‪211 -210 :‬‬
‫(‪ )16‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ 6/15 :‬والحديث لم يرد عند ونسنك‬
‫(‪ )17‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪.145 :‬ر‪ .‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪6/13 :‬‬
‫(‪ )18‬ر‪ .‬أبو عمار عبد الكافي‪ :‬الموجز‪ 111، 2/108 :‬أبو مهدي عيسى بن إسماعيل الرد على البهلولي‪ .147 -146 :‬جميل بن‬
‫خميس السعدي‪ :‬قاموس الشريعة‪ .14 -6/13 :‬انظر ما سبق ‪628 :‬‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫ومما يستنكف الباضية عن قبوله مواقف يحتج بها القائلون بخروج العصاة تبدو غريبة كل‬
‫الغرابة‪ ،‬ومن ذلك ما جاء عند شارح جوهرة التوحيد‪ ":‬وقوله‪ :‬للسعيد والشقي" أي فالجنة دار‬
‫خلود للسعيد وهو من مات على السلم وإن تقدم منه كفر‪ ،‬ودخل في السعيد عصاة المؤمنين فدار‬
‫خلودهم الجنة فل يخلدون في النار إن دخلوها بل ل يدوم عذابهم فيها مدة بقائهم لنهم يموتون بعد‬
‫الدخول بلحظة ما يعلم إل ال مقدارها فل يحيون حتى يخرجوا منها‪ ،‬والمراد بموتهم أنهم يفقدون‬
‫إحساس ألم العذاب ل أنهم يموتون موتا حقيقيا بخروج الروح‪ ،‬وبعضهم اختار أنهم يموتون‬
‫حقيقة" (‪. )19‬‬

‫ومن الردود الواردة على هذا الكلم وما شابهه ما جاء في شرح النونية‪ ...":‬وقال آخرون إنهم‬
‫(أمة محمد صلى ال عليه وسلم ) يعذبون فيها (النار) على قدر أعمالهم السيئة ثم يخرجون منها‬
‫بشفاعته صلى ال عليه وسلم فينجز ال ما وعده لهم من الثواب وتبقى في وجوههم سمة سوداء‬
‫من أثر النار يعرفهم بها أهل الجنة الذي لم يدخلوا النار أصل ويسمونهم الجهنميين (‪ ، )20‬وإنهم‬
‫يشكون إليه تعالى فيبعث إليهم جبريل عليه السلم ويمسح تلك العلمة من وجوههم ويخلق في‬
‫مكانها نورا يتلل حتى إن أهل الجنة يتمنون أن لو أدخلوا النار وفعل بهم ما فعل بأولئك‪ ،‬وهذا ل‬
‫يقبله إل من قاله؟‪ ،‬وقد افتروا على الرسول صلى ال عليه وسلم في ما رواه عنه من ذلك‪.‬‬
‫وقال بعض المرجئة إن أهل الجنة يتنعمون فيها وأهل النار يتنعمون فيها كما أن دود النخل يتنعم‬
‫فيه‪ ،‬ودود العسل يتنعم فيه" (‪. )21‬‬

‫إن مثل هذه المواقف من العذاب النعيم ل يقبله الشرع ول يستسيغه العقل وإل فكيف يتمنى أهل‬
‫الجنة لو ذاقوا النار ليشع عليهم نور الجهنميين‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫إن مثل هذا يعتبر ضربا من الستخفاف بالدين ودفعا للناس الى إشباع الشهوات بالمحرمات وهذا ما‬
‫سنحاول تحليله في البعد الحضاري للقضية‪.‬‬

‫بعد حرصنا على استيفاء حجج الباضية في هذه القضية مع مقارنتها بحجج غيرهم من الفرق‬
‫القائلة بخلف الوعيد وبالخروج من النار نرى من الضروري‪ -‬كما لمحنا الى ذلك مرات أثناء‬
‫التحليل‪ -‬أن نبين البعد الحضاري لهذه المواقف في الوساط الباضية في المستوى النظري‬
‫والمستوى العملي‪.‬‬

‫المستوى النظري‪:‬‬

‫أما في المستوى النظري فقد بينا أثناء عرض حججهم أنهم يلحون على عظمة ال تعالى‪ ،‬وأنه ليس‬
‫كمثله شيء‪ ،‬وبالتالي فثوابه ليس يشبهه ثواب وكذلك عقابه ل يشابهه عقاب‪ ،‬وفي ذلك يقول‬
‫صاحب المنهج ما يلي‪ " :‬والحكمة من خلود أهل النار أن العاصي إذا عصى ال فقد عصى ربا‬
‫عظيما ل نهاية لعظمته‪ ،‬فكذلك عذابه خلود ل نهاية له‪ ،‬ولن ثواب ال ل يشبهه ثواب‪ ،‬ول ينقطع ‪،‬‬
‫ول يزول‪ ،‬وعقاب ال ل يشبهه عقاب ول يزول ول ينقطع فلو كان لثوابه وعقابه نهاية وحدا ينتهي‬
‫إليه ثم ينقطع لشبهه ثواب المخلوقين وعقابهم" (‪. )22‬‬

‫كما وقع اللحاح على أن القول بخلف الوعيد ينتج عنه فقدان الوامر والنواهي قيمتها في‬
‫النصوص الشرعية ذلك لن من يعتقد إمكانية الخلص في النهاية فل سبيل الى أن يرتدع أمام‬
‫الزواجر وتصير النواهي عنده غير مختلفة عن الوامر‪.‬‬

‫المستوى العلمي‪:‬‬

‫إن القائلين بإخلف الوعيد وبعدم الخلود يمكن أن يتلخص تبرير موقفهم في قول يحيى بن معاذ‬
‫الرازي (‪ ": )23‬إلهي إذا كان توحيد ساعة يهدم كفر خمسين سنة‪ ،‬فتوحيد خمسين سنة كيف ل‬
‫يهدم معصية ساعة‪ .‬إلهي لما كان الكفر ل ينفع معه شيء من الطاعات كان مقتضى العدل أن‬
‫اليمان ل يضر معه شيء من المعاصي وإل فالكفر أعظم من اليمان‪ .‬فإن يكن كذلك فل أقل من‬
‫رجاء العفو" (‪. )24‬‬

‫فواضح أن يحيى بن معاذ انطلق من معادلة بين طرفين متناقضين دون أن ينبه إلى الفارق الساسي‬
‫بين هذين الطرفين ويتمثل في الول الذي جاء تائبا بحق وقد عاجلته المنية‪ ،‬ومعلوم أن السلم‬
‫يجب ما قبله بينما الطرف الثاني فإنه قد انحرف عن التوحيد واستمرأ المعصية‪ ،‬ولم يبادر الى‬
‫التوبة حال عصيانه وقد عاجلته المنية وهو بعيد عن اليمان إذ ل يزني الزاني حين يزني وهو‬
‫مؤمن‪.‬‬

‫فتبرير يحيى بن معاذ وإن بدا مقنعا في اللحظة الولى فإن المتأمل بين فساده‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫وأما التبرير الثاني أقيم على المعادلة بين اليمان والكفر وبما أنه ل تنفع مع الكفر طاعة فالعدل‬
‫يقتضي أن ل تضر مع اليمان معصية معنى ذلك أن اليمان مطية للمعاصي ل للطاعات واجتناب‬
‫المعاصي‪ .‬ويحيى بن معاذ نفسه لما أحس بأن في المعادلتين كلما ختم بالستناد الى رجاء‬
‫العفو‪،‬وهذا باب فيه نظر‪.‬‬

‫صحيح أن ال تعالى عفو‪ -‬يحب العفو‪ -‬لكنه بين في القرآن الكريم شروط العفو والغفران‪ .‬ول ينبغي‬
‫أن ينقلب التكال على العفو سبيل من سبل انتهاك حرمات ال تعالى‪ ،‬وهذا ما استند إليه أهل الكتاب‬
‫الى جانب تعويلهم على انهم شعب ال المختار وقد رد عليهم القرآن الكريم بشدة‪ ،‬وبين أن قولهم‬
‫بعدم الخلود من باب الماني التي يستحيل أن تتحقق‪.‬‬

‫ويقول ابن عاشور في هذا الصدد‪ ":‬ووجه المناسبة أن قولهم لن تمسنا النار دل على اعتقاد مقرر‬
‫في نفوسهم يشيعونه بين الناس بألسنتهم قد أنبأ بغرور عظيم من شأنه أن يقدمهم على تلك‬
‫الجريمة أو غيرها إذ هم قد أمنوا من المؤاخذة إل أياما معدودة تعادل أيام عبادة العجل‪ ،‬أو أياما عن‬
‫كل ألف سنة من العالم اليوم وأن ذلك عذاب مكتوب على جميعهم فهم ل يتوقون القدام على‬
‫المعاصي لجل ذلك" (‪. )25‬‬

‫واضح من خلل هذا النص أن اعتقاد عدم الخلود غرور عظيم يجعل النسان ل يتوقى القدام على‬
‫المعاصي مهما كانت‪.‬‬

‫ونحن نتساءل لم يعتبر نفس العتقاد دافعا الى العصيان عند أمة ول ينظر إليه بنفس العتبار عند‬
‫أمة أخرى مع العلم باشتراكها في عقيدة اليمان بال تعالى (‪. )26‬‬

‫صحيح أنه وقع العتماد على الشفاعة ولكن أتكون الشفاعة بمفهومها المطلق عامل من عوامل‬
‫دفع الناس الى العصيان أو حافزا من حوافز الشكر ل تعالى؟‬

‫الحقيقة أن المسلم الحق ل ينبغي أن يستغل جانب العفو اللهي وشفاعة المصطفى ليشبع شهواته‬
‫مما أراد وربك في النهاية غفور رحيم‪ ،‬ول يمكن بحال أن يرد شفاعة النبي فيمن في قلبه دون‬
‫الذرة من اليمان إن كان ما دون الذرة موجودا‪ ،‬بل يجب أن يزداد بذلك شكرا ل تعالى فيقبل على‬
‫طاعاته وينتهي عن نواهيه وبذلك ل يكون من الذين يأمنون مكر ال لنه ( ل يأمن مكر ال إل‬
‫القوم الخاسرون" (‪ 7‬العراف ‪.)99‬‬

‫والباضية ومن يقول بقولهم في الوعيد والخلود كثيرا ما يتهمون بالغلو في الدين على أساس أن‬
‫مثل هذه المواقف من شأنها أن تنفر الناس من الدين‪.‬‬

‫والجواب أن الفرق كبير بين الغلو في الدين ومعناه تجاوز ما تتحماه النصوص من المعاني‪ ،‬وبين‬
‫فهم النصوص بوجه معين‪ ،‬وقد بينا في هذا الباب أن منطلقات الباضية من القرآن والسنة‪ ،‬كما‬
‫أنهم لم يكن قصدهم تنفير الناس من الدين وإنما كان هدفهم السمى صلح المسلمين ومهما يكن‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫من أمر فمنتظر الخروج من النار وإخلف الوعيد يكون أجرا على العصيان ممن يعتقد إنفاذ الوعيد‬
‫والخلود في النار‪.‬‬

‫وقبل أن نحلل مدى انعكاس هذا المعتقد على البيئة الباضية يحسن أن ننبه الى أن الباضية ل‬
‫يميزون في موقفهم هذا بين مرتكب الكبيرة الباضي وغير الباضي على عكس ما ينسب الى‬
‫الزارقة‪ -‬إن صح‪ -‬أن من كان في حوزتهم مؤمن وإن ارتكب من المعاصي ما ارتكب والشبهة‬
‫دخلت لجمهور المة من هذه الناحية إذ يحشرون الباضية في زمرة الخوارج عامة وقد وسم هؤلء‬
‫الناس بسمات هم في أغلب الحيان منها براء (‪. )27‬‬
‫==========================‬
‫(‪ )19‬البيجوري ‪ :‬شرح جوهرة التوحيد‪183 :‬‬
‫(‪ )20‬وقد أورد الطاهر ابن عاشور عند ذكر مراتب أهل النار في طور المدة ما يلي‪" :‬كما جاء في الحديث انهم يقال لهم‬
‫الجهنميون في الجنة"‪ .‬التحرير والتنوير‪ .12/165 :‬لم يرد ذكره في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )21‬عمرو التلتي‪ :‬شرح النونية ورقة ‪ 108‬وجه‪ .‬عبد العزيز الثميني‪ :‬النور ‪ . 279‬جميل بن خميس السعدي‪ :‬قاموس‬
‫الشريعة ‪6/11:‬‬
‫(‪ )22‬خميس بن سعيد الرستاقي‪ :‬المنهج‪1/523 :‬‬
‫(‪ )23‬يحيى بن معاذ الرازي( ‪ )258/872‬واعظ‪ ،‬زاهد من أهل الري‪.‬ر‪ .‬الزركلي‪ :‬العلم‪9/218 :‬‬
‫(‪ )24‬ر‪ .‬الرازي ‪ :‬التفسير الكبير‪ 3/160 :‬وقد علق بقوله " وهو كلم حسن"‪.‬‬
‫(‪ )25‬الطاهر ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪1/579 :‬‬
‫(‪ )26‬ومعلوم أن بني إسرائيل قبل إنكارهم لنبوة عيسى ومحمد عليهما السلم كانوا على حق‪.‬‬
‫(‪ )27‬انظر ما سبق‪ 57 :‬وقد أشرنا إلى أن الدراسات الموضوعية لم يتم بعد في هذا الباب لننا نملك نصوصا لهؤلء الناس‬
‫لنقراض اتجاهم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫انعكاسات هذا الموقف على المحيط الباضي‬

‫إذا استطاعت كتب المقلت أن ترمي من تسميهم بالخوارج‪ -‬والباضية من بينهم‪ -‬بأنهم أهل البدع‬
‫والهواء والنحل ل لشيء إل لنهم خالفوا غيرهم في الرأي أي في فهم النصوص فإن هذه الكتب‬
‫نفسها وكتب التاريخ لم تستطع أن تخفي إعجابها بسلوك هؤلء‪ ،‬وإن أول على أنه سلوك ل ينفع‬
‫اعتمادا على الحديث الذي يعتبر أن كل خشوعهم يتجاوز حناجرهم‪.‬‬

‫ول أريد أن انتصب مدافعا عن الباضية لن دفاعي عنهم ل يزيد في ميزان حسناتهم ول ينقص من‬
‫سيئاتهم وإنما من باب إحقاق الحق وإثبات نجاعة هذه العقيدة‪.‬‬

‫ول أراني مضطرا الى أن أعيد هنا ذكر ما ذكر في ما سبق من شهادات المام علي والمبرد وأحمد‬
‫أمين في استقامة هؤلء الناس وإنما أضيف بعض العينات التي تقع الشارة فيها الى قضيتنا‬
‫بوضوح وليكن ذلك على سبيل المثال ل على سبيل الستقصاء‪.‬‬

‫ومن ذلك كثرة خشوعهم عند تلوة القرآن الكريم بشهادة أبي حمزة الباضي بمحضر المام مالك "‬
‫كلما مر أحدهم بذكر الجنة بكى شوقا إليها وإذا مر بذكر جهنم شق شهقة كأنه زفير جهنم بين أذنيه‬
‫" (‪. )28‬‬

‫ومن ذلك شهادة المحدثين لمن يسمونهم بالخوارج بالمانة في نقل الحديث ل لشيء إل لنهم ل‬
‫يمكن أن يكذبوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهم يعلمون أن الكاذب عليه مخلد في النار‬
‫إذ حديث فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه (‪. )29‬‬

‫ومن ذلك إخلص الباضية في مناصرة أهل القيروان حيث وقف جيش أبي الخطاب عن حدود ال‬
‫ولم يسلب أحدا من القتلى (‪ )30‬ذاك لن النصرة مطلوبة أما سلب حقوق الناس فيورث الخلود في‬
‫جهنم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومن ذلك شهادة ابن الصغير المالكي في ما تحلى به مؤسس الدولة الرستمية ورع حتى ل يأخذ من‬
‫حقوق الرعية شيئا أليس هو الذي يتولى إصلح جدران داره بنفسه (‪ ، )31‬وهل فعل مثل ذلك‬
‫خلفاء بني أمية‪ -‬باستثناء عمر بن عبد العزيز‪ -‬وخلفاء بني العباس؟‬

‫وانظر ما يقوله محمد عبده في ما تورثه عقيدة الخروج من النار منن الستبداد والقتل والستغلل‬
‫لدى أهل السياسة في كل عصر فهؤلء حسب صاحبي المنار‪ -‬وإن استكبر الجمهور خلودهم في‬
‫النار‪ -‬ل سبيل لهم إلى الخروج " نعم إن أمراء الجور الذين يسفكون دماء من يخالفون أهواءهم‬
‫وزعماء السياسة الذين يجعلون من قوانين جمعياتهم اغتيال المؤمن وغير المؤمن بغير الحق لجل‬
‫التمتع بماله‪ ،‬كل أولئك الفجار الذين يقتلون مع التعمد وسبق الصرار ‪ ،‬جديرون بان ينالوا الجزاء‬
‫الذي توعدت به الية(‪ 4‬النساء ‪ )93‬من الخلود في النار ولعنة ال وغضبه وعذابه العظيم الذي ل‬
‫يعرف كنهه سواه عز وجل لنهم‪ -‬وإن كان فيهم من يعدون في كتب تقويم البلدان ودفاتر الحصاء‬
‫وسجلت الحكومة من المسلمين‪ -‬ليسوا في الحقيقة من المؤمنين بال وبصدق كتابه ورسوله في‬
‫ما أخبرا به من وعيد على القتل وغيره‪ ،‬فهم ل يراقبون ال في عمل ول يخافون عقابه على ذنب"‬
‫(‪. )32‬‬

‫كما بين صاحب المنار أن من أسباب انحلل المسلمين جرأتهم على قتل بعضهم البعض ومرجع ذلك‬
‫إلى اعتقاد عدم الخلود‪ .‬ويقول في ذلك‪ ":‬ومن نظر الى انحلل أمر السلم والمسلمين بعدما أقدم‬
‫بعضهم على سفك دم بعض من زمن طويل يظهر له وجه هذا (‪ ، )33‬وان القاتل ل يعذر بهذه‬
‫الجرأة على هذه الجريمة وهو لم تعرض له شبهة في أمر ال‪ ،‬إذ ل رائحة للعذر في عمله بل هو‬
‫مرجح للغضب وحب النتقام وشهوة النفس على أمر ال تعالى ومن فضل شهوة نفسه الخسيسة‬
‫الضارة على نظر ال وعلى كتابه ودينه ومصلحة المؤمنين بغير شبهة ما فهو جدير بالخلود في‬
‫النار والغضب واللعنة‪ ،‬ويدل على هذا قوله تعالى ( ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) ‪ 3( :‬آل‬
‫عمران ‪ )135‬وتأمل قوله ( يعلمون) ولو سمح ال أن يفضل أحد شهوته أو حميته على ال‬
‫ورسوله وكتابه ودينه والمؤمنين‪ ،‬ووعده بالمغفرة لتجرأ الناس على كل شيء ولم يكن للدين ول‬
‫للشرع حرمة في قلوبهم " (‪. )34‬‬

‫نرى حينئذ مدى الضرر المتولد في مستوى قيادة المة عندما يعتقد هؤلء أن مجرد اليمان بال‬
‫تعالى يمسح كل شيء ولو ماتوا على الصرار ‪ ،‬وفي أسوأ الحوال أن يكونوا من الجهنميين الذين‬
‫يدخلون جهنم دخول شكليا ليفتخروا على أهل الجنة في ما بعد‪.‬‬

‫واضح حينئذ أن أكبر عامل لتخلي المسلمين عن الوامر والنواهي هو تسرب مثل هذه العقيدة عن‬
‫أهل الكتاب رغم أن القرآن الكريم تصدى لها وكما بينا ذلك في موضعه‪.‬‬

‫ومما بين حسن أثر هذه العقيدة عند الباضية القاعدة التي يقوم عليها فقه العبادات والمعاملت‬
‫والسلوك عندهم وهي ما يسمونه بالخذ والحوط ويعتبره غيرهم من باب التشدد والغلو في الدين‪.‬‬

‫ففي باب العبادات أكتفى بذكر ثلثة أمثلة من الطهارة في الصلة والصوم ومن الزكاة‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫أما في شأن الطهارة للصلة فحالما رأوا نصوص القرآن التي تمدح المتطهرين والوعيد بعذاب‬
‫القبر لمن ل يستبرئ من البول وفي ذلك إشارة الى عذاب النار في ما بعد أوجبوا الجمع بين‬
‫التنشيف والغسل (‪. )35‬‬

‫وأنت إذا دخلت ميضآت المساجد الباضية تحس بهذا التحري فهم يخصصون مواطن لقضاء الحاجة‬
‫ل يوفرون فيها إل الورق أو ما يقوم مقامه للتنشيف والتحري فيه (‪ ، )36‬كما يوفرون مواطن‬
‫للستنجاء بالماء‪ ،‬ثم أما كن ثالثة للوضوء الصغر‪ ،‬ول ترى أحدا منهم يخلط في الستعمال بين‬
‫هذه الماكن كما ترى عند غيرهم ممن ل يرون بأسا بالكتفاء بالماء حيث يستنجئون في الماكن‬
‫المخصصة للوضوء الصغر ‪ .‬كل هذا الحتياط لن الباضية اعتقدوا أل خلف في الوعيد وما دام‬
‫النص واضحا في توعد من ل يستبرئ من البول فليكن الحتياط على ذلك الشكل‪.‬‬

‫أما في شأن اعتبار الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم فهم يرفضون الموقف الذي ينسب الى‬
‫الرسول عليه السلم أنه اغتسل في رمضان بعد طلوع الفجر ويقرون حديثا آخر وهو قوله صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ":‬من أصبح جنبا أصبح مفطرا" (‪ )37‬وحتى في حالة صحة ورود الخبر الول‬
‫العملي فالخبر القولي أشمل واعم وأحوط‪ ،‬والوعيد المسلط على المفطر عمدا في رمضان مجمع‬
‫عليه‪ ،‬فلتكن الطهارة الكبرى شرطا من شروط الصوم وهذا يخرج من الوعيد على أية حال وأتى‬
‫ذلك واضحا في هندسة بناء البيوت إذ لن تجد بيت إباضي خاليا من كان خاص للطهارة الكبرى‬
‫المر الذي ل تجده عند غيرهم حيث يتهافت الناس على الحمامات للغتسال‪.‬‬

‫أما في شأن الزكاة فتروى نصوص على أن الحلي ل يدخل في النصاب (‪ )38‬إل أن الباضية رأوا‬
‫غير ذلك واعتبروا أنه جزء من الممتلكات وأنه رصيد مدخر يستعمل عند الحاجة زيادة على المتعة‬
‫بالتزين به‪ .‬أليس من الحوط أن يعتبر في النصاب وبذلك يخرج المسلم من الوعيد المسلط على‬
‫الذين يكنزون الذهب والفضة (‪. )39‬‬

‫أما أثر هذه العقيدة في باب الفتاوي فهو واضح في أوساط الباضية فمن ذلك انتشار مبدأ أداء‬
‫الكفارات‪ ،‬فتجد الناس عند العزم على أداء فريضة الحج أو عند التوبة يتحرون التحري التام في‬
‫أداء حقوق ال تعالى والتنصل من حقوق العباد‪ ،‬وقد أشرنا من قبل إلى قولهم بالكفارات الحتياطية‬
‫من باب أن الحسنات يذهبن السيئات وهي كفارات اجتهادية اعتمد فيها على القياس على ما نص‬
‫عليه الشرع‪.‬‬

‫ومن ذلك قولهم بتحريم استعمال الشمة والتبغ منذ دخول هاتين الفتين الى المجتمعات السلمية‬
‫ولم يقل واحد من الباضية فيها بالكراهة أو التحليل كما فعل كثير من فقهاء المذاهب الخرى‪ .‬ولن‬
‫تجد في مساجد الباضية وحلقات القرآن عندهم فقهاء أو عامة يتهادون الشمة كما يفعل في حلقات‬
‫أخرى‪.‬‬

‫بقي أن ننبه إلى أثر هذه العقيدة في مستوى التعامل المادي والخلقي إذ من يعتقد أن القليل من‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫متاع الناس يورث الخلود في النار ل يمكن أن يقبل على أخذه وإن غلبت عليه شهوته سرعان ما‬
‫يبادر الى إرجاع الحق الى أهله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وتجار الباضية مشهورون‬
‫بمحافظتهم على أمانات الناس (‪ )40‬إذ تجد ودائع أهل الحي غالبا محفوظة عندهم (‪. )41‬‬

‫لست بهذا التحليل أدعي أن الوساط الباضية خالية من النحارف بل إن انحراف البعض منهم‬
‫يتجاوز الحد‪ ،‬لكنه ينتهك عن علم ل عن جهل وإن كان إثم هؤلء أكثر إل أن توبتهم تكون نصوحا‬
‫في ما بعد‪ ،‬وكأن في ذلك التصرف نوعا من النفجار كثيرا ما يورث في أصحابه ندما وإنابة يؤديان‬
‫الى تفان بعد ذلك في العبادة‪ .‬لكن كل ذلك يبقى عصيانا ذاتيا ل يتسرب شره الى المجتمع الذي‬
‫يصونه نظام الولية والبراءة (‪ )42‬المنبثق عن العقائد الصولية لتذكير الناس بالزجر اللهي عندما‬
‫ينعدم السلطان الذي يقيم الحد ويذكر الناس بعظمة ال عند الغفلة عنها‪.‬‬
‫وبهذا نتبين أن لقوانين الزجر تأثيرا كبيرا في حياة الناس ذلك أن النفوس البشرية متفاوتة في مدى‬
‫قدرتها على اللتزام ولكن ل يكون الزجر زجرا إل إذا كان حادا‪ .‬وأكبر دليل على ذلك ما أقره الشرع‬
‫من الحدود وهذا مكمل لمفهوم الوعيد والعذاب الذي ينتظر من يعرض عن ذكر ال تعالى ليس معنى‬
‫ذلك أن جانب الرحمة معدوم من الشريعة في المفهوم الباضي وإنما يلح الباضية على أل ترجح‬
‫كفة على أخرى‪ ،‬ونصوص العقيدة تلح كثيرا على التعادل بين الخوف والرجاء لنه إن رجحت كفة‬
‫الخوف يتحول المر كثيرا الى اليأس مما يورث التحدي والعناد وإن رجحت كفة الرجاء فإن ذلك‬
‫يؤدي الى النحلل والتواكل ولهذا جاءت المعادلة واضحة بين القول بالخلود في الجنة وفي النار‪.‬‬

‫وأكاد أقول إن ما نلحظه من الحتراز الكامل في مواقف الباضية فيه شيء من الرهان الرابح ل‬
‫محالة (‪ )43‬ذاك أنه إن صح القبول بعدم الخلود في علم ال وال يفعل ما يشاء فلن يخسر الباضي‬
‫آخرته‪ ،‬وإن صح الخلود فالباضي رابح ل محالة بينما يندم من قال بعكسه حيث ل ينفع الندم‪.‬‬

‫وفي خاتمة هذا التحليل يحسن أن ننبه إلى تنبيهين أولهما الترابط الوثيق بين السس العقائدية‬
‫فقول الباضية بإنفاذ الوعيد مرتبط ارتباطا جوهريا بقولهم إن اليمان عقيدة وقول وعمل وبتحريهم‬
‫في مبدأ الولية والبراءة‪.‬‬

‫وثانيهما أننا حاولنا بقدر المكان أن نلح على بيان الحكمة من القول بإنفاذ الوعيد وبالخلود رغم أن‬
‫المصادر الباضية لم تلح على إبراز البعد الحضاري لهذه القضية بصفة مباشرة‪ ،‬وغنما الواقع‬
‫العلمي المعاش أثبت الصلة الوثيقة بين السس العقائدية وبين الحياة العملية وذلك الغرض السمى‬
‫للعقيدة السلمية حيث ل تبقى النصوص حبرا على ورق فتتحول الى حيز التطبيق وفعل فقد بدا‬
‫لثر العقيدة الباضية واضحا في أوساطهم عندما كان الناس يخضعون لسلطان العقيدة وما يزال هذا‬
‫الثر واضحا في وادي ميزاب وإن انخرم في بقية الوساط الباضية بالمغرب‪.‬‬
‫=================================‬
‫(‪ )28‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات‪2/266 :‬‬
‫(‪ )29‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‪ . 739 .738 /3 :‬انظر ما سبق ‪621‬‬
‫(‪ )30‬الرقيق القيرواني‪ :‬تاريخ إفريقية والمغرب‪ ،‬مطبعة الوسط ‪ 142 -141 :1968‬ر‪ .‬الدرجيني ‪ :‬الطبقات‪1/30 :‬‬
‫(‪ )31‬ر‪ .‬ابن الصغير المالكي‪ :‬أخبار الئمة الرستميين ‪5:‬‬
‫(‪ )32‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪345 -344 /5 :‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫(‪ )33‬يشير إلى قول من يرى أن توبة القاتل عمدا ل تقبل مع أنه يخلد في النار انظر ما سبق‪624 :‬و ‪730‬و ‪746‬‬
‫(‪ )34‬محمد عبده‪ :‬تفسير المنار‪341 -5/340 :‬‬
‫(‪ )35‬ر‪ .‬عامر الشماخي‪ :‬كتاب اليضاح ‪46 -1/29 :‬‬
‫(‪ )36‬باستثناء الميضآت في المواطن التي يختلطون فيها بغيرهم فإنهم يوفرون الماء‬
‫(‪ )37‬الربيع بن حبيب‪ :‬الجامع الصحيح‪ 1/63 :‬عدد ‪ .315‬لم يرد في معجم ونسنك‪.‬‬
‫(‪ )38‬ر‪ .‬السيوطي‪ :‬تنوير الحوالك‪ ،‬شرح علي موطا مالك ط‪ .‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ،‬لبنان د‪.‬ت‪1/243 :‬‬
‫(‪ )39‬ر‪ .‬إسماعيل الجيطالي‪ :‬قواعد السلم‪2/32 :‬‬
‫(‪ )40‬التجار بغانة وإسلم أهلها ر‪ .‬الدرجيني‪ :‬الطبقات‪2/517 :‬‬
‫(‪ )41‬ليس معنا هذا أن هذه القيم فقدت في البيئات التي ل تعتقد الخلود‪.‬‬
‫(‪ )42‬وعن موضوع الولية والبراءة ر‪ .‬النامي‪ :‬الطروحة ‪ 396 -331 :‬وهو باب من البواب الساسية فيها‪ .‬وتجد فيه الحالة‬
‫على جميع المصادر ‪.‬ر‪ .‬بحثنا نظام العزابة ‪112 -98 :‬‬
‫(‪ )43‬يقول فتح بن نوح الملوشائي في نونيته في هذا المعنى ما يلي‪( :‬طويل)‬
‫فيا ليت ما فاهت به لهواتعم‬
‫صحيح لكنا أسعد الناس بالمن‬

‫كما يقول جميل بن خميس السعدي ما يلي‪ ":‬يا ليت الذي قالوه (المرجئة من أن اليمان قول ول تضر معه معصية) حقا فنكون‬
‫ممن سعد به ول يضرنا خلفهم‪ ".‬قاموس الشريعة ‪ 6/48 :‬نقل عن شرح النونية للجيطالي‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫الخاتمة العامة‬

‫لقد تبين من خلل هذا البحث انه ل يمكن أن تتم دراسة مرحلة من مراحل تراث فكري إل بتنزيله‬
‫بين المراحل المهيئة والمراحل اللحقة دون الغفلة عن توضيح مدى تعايشه مع التراث النساني‬
‫عامة‪.‬‬

‫وهذا ما حاولنا أن نفي به طيلة هذه الدراسة حيث بينا في الباب الول أن جذور العقيدة الباضية‬
‫ضاربة في الصالة لن منطلقها كعقائد الفرق الٌسلمية الخرى كتاب ال تعالى وسنة رسوله عليه‬
‫السلم مع تميز واضح من وقت مبكر بالدعوة الى التأويل والجتهاد‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق عايش أئمة الباضية الول أحداث الفتنة الكبرى التي هزت أركان العالم السلمي‬
‫وما تزال لما خلفت بين المسلمين من إحن استحال عليهم أن يتخلصوا من مخلفاتها الى يومنا هذا‪.‬‬
‫فتبين حينئذ نشأة الفكر الباضي ترجع الى وقت مبكر في تيار الحضارة السلمية نستطيع أن نحدده‬
‫بالربع الول من النصف الثاني من القرن الول هـ‪.‬‬

‫وقد تبعت مرحلة النشأة مراحل ثلث هيأت للمرحلة المقررة في بثنا هذا‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة تمتد من القرن الثاني الى الخامس هـ ناضل فيها الفكر الباضي التيارات التي بدت له‬
‫منحرفة‪ ،‬وانسجم ما بدا له متماشيا وكتاب ال وسننه ورسوله عليه السلم‪ ،‬فرفض فكرة الرجاء‬
‫رفضا قطعيا وبين أن اليمان عقيدة وقول وعمل‪ ،‬كما رفض اعتبار الموحدين مشركين ‪ ،‬ووقف‬
‫موقفا وسطا بين الجبر والحرية وذلك إما أثناء رد مواقف خارجية أو مواقف داخلية وفي هذه‬
‫المرحلة بدأت تتجلى معالم المدرسة الباضية المغربية بمجموعة من المؤلفات لم تدرك مستوى‬
‫النضج وإنما تجلت فيها المواقف العقدية صريحة من جل القضايا‪.‬‬

‫فهذه المرحلة هي مرحلة مخاض واصلت توسيع ما جاء مختصرا في رسائل الئمة الول وفي‬
‫سيرهم وبينت أن العلقة بقيت بين إباضية المشرق وإباضية المغرب‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ول ينبغي أن نغفل هنا عن نشأة مدرستي الشعري والماتريدي في القرن الرابه هـ وإن لم يتضح‬
‫أثرهما في هذه المرحلة فإنه سيتجلى في المرحلة اللحقة‪.‬‬

‫‪ -‬وتنحصر هذه المرحلة في القرن السادس هـ وفيها أدرك التراث العقدي مستوى النضج فتصدى‬
‫للرد على كل ما جد في البيئة السلمية من انحراف وإلحاد كما جد في إبراز مميزات العقيدة‬
‫الباضية بين الفرق السلمية الخرى وبصفة خاصة المدرسة الشعرية التي مدت نفوذها على‬
‫كامل بلد المغرب بعد انتهاء النفس الشيعي‪.‬‬

‫‪ -‬ثم يليها المرحلة اللحقة من القرن السابع هـ الى القرن التاسع هـ وقد أحس أصحابها أنه ليس‬
‫في المكان أكثر مما كان عدا بعض الستثناء فوقع التركيز خاصة على المختصرات التي يسهل‬
‫حفظها على من ل يقدر الصبر على المطولت السابقة‪.‬‬

‫وبهذا نصل الى المرحلة المقررة في دراستنا من القرن العاشر الى الثاني عشر وقد تركزت‬
‫استنتاجاتنا في شأنها على النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬وفرة الشروح والحواشي على حساب النتاج الذاتي‪.‬‬


‫‪ -2‬وفرة الجوبة والردود‪.‬‬

‫‪ -3‬جربة قطب الدائرة‪.‬‬

‫‪ -4‬ثراء المدرسة الباضية خاصة والمدرسة السلمية عامة‪.‬‬

‫‪-5‬استمرار النزعة المقارنة‪.‬‬

‫‪ -6‬طغيان النزعة التعليمية‪.‬‬

‫‪ -7‬تعاون بين مناطق الباضية‪.‬‬

‫‪ -8‬دفاع مستميت عن العقيدة عن طريق الحجة والقناع‪.‬‬

‫والمهم أن تراث هذه المرحلة وإن لم يتميز بالبداع فإنه تميز بالفهم والستيعاب وتوفير ما يحتاج‬
‫إليه الدارس من نصوص حتى يتبين له نصاعة العقيدة الباضية بين عقائد مختلف الفرق السلمية‬
‫وخاصة منها المدرسة الشعرية‪.‬‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫‪ -‬أما المرحلة الخيرة من القرن الثالث عشر هـ الى القرن الرابع عشر هـ فقد استطاع أقطابها أن‬
‫يعودوا الى النتاج الذاتي رغبة في زيادة التنظير والتوضيح‪.‬‬

‫والملحظ أن الباضية في كل هذه المراحل استمروا يصدرون نصوصهم في العقيدة برد تهمة‬
‫الخارجية وذلك لما نالهم منها من ضير من إخوانهم المسلمين‪.‬‬

‫تلك هي نشأة العقيدة الباضية ومختلف مراحل تطورها كما بيناها في الباب الول من هذا البحث‬
‫فماذا عن فحوى هذه العقيدة في اللهيات والنسانيات؟‬

‫لقد تمثل الحديث في الباب الثاني عن اللهيات في الوقوف عند المحكم والمتشابه‪.‬‬

‫وقد ثبت أن في محاولة علماء الكلم الربط بين المحكم والمتشابه عامل من اكبر عوامل إثراء‬
‫المكتبة السلمية‪ ،‬وللباضية دور ل يستهان به في هذا الميدان‪ ،‬ذلك لنهم لم يسلكوا مسلك‬
‫التفويض أو مسلك الكتفاء بالظاهر بل أقاموا تحاليلهم على التأويل ومعلوم ما في هذا المسلك من‬
‫سبل الجتهاد والبحث والتنقيب في كتاب ال تعالى وفي السنة وفي التراث الدبي عامة‪.‬‬

‫ولم يكن غرضهم من هذا التأويل تشويه العقيدة السلمية بل كانوا حريصين كل الحرص على‬
‫تحري النصوص المحكمة إن توفرت قبل الغوص في الستنباط والستنتاج‪.‬‬

‫وفعل فقد كان الساس الذي أقاموا عليه فهم المحكم هو نفسه في فهم المتشابه إل وهو الحرص‬
‫على تنزيه ال تعالى‪.‬‬

‫أنا في نطاق المحكم فقد برهنوا على وجود ال تعالى نقل وعقل‪ ،‬وألحوا على تنزيه البارئ في‬
‫اعتبار الصفات عين الذات حتى اتهمهم غيرهم بالتعطيل إل أن ذلك كان رغبة منهم في نفي تعدد‬
‫القدماء‪.‬‬

‫وكم وددنا لو ألحت نصوص العقيدة عند الباضية وغيرهم على قيمة التحلي بأسماء ال الحسنى‬
‫عوض الغوص في متاهات ل طائل من ورائها‪ ،‬مثل علقة السم بالمسمى وما تولد عنها من تنافر‬
‫داخل الباضية أنفسهم‪ .‬وكان اولى لو اجتهد هؤلء العلماء وهم قادرون على ذلك‪ ،‬في توظيف‬
‫دروس العقيدة لمصلحة المسلمين مثل التوسع في إبراز عظمة ال وقدرته من خلل أسمائه‬
‫وصفاته‪ ،‬وهم عارفون من البداية أن العجز عن إدراكه إدراك فكان أحسن لو صبغت نصوص‬
‫العقيدة بصبغة وعظية عملية تحول مجرى حياة المسلمين الى محبة وانسجام وذوبان في طاعة‬
‫الواحد الديان لكن الباحث يفهم العوامل التي دفعت هؤلء الى مثل هذه المباحث وأهمها رغبتهم في‬
‫نفي التشبيه والتجسيم عن البارئ عز وجل‪.‬‬

‫وهذا يتجلى بصفة أوضح عند الباضية في إلحاحهم على التنزيه مع النصوص المتشابهة خاصة‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫في ما جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف موجبا بأن ل عينا ويدا وما إلى ذلك من الجوارح‪،‬‬
‫وفعل فقد فهم الباضية من يومهم الول أن القرآن الكريم لو حمل على ظاهره في مثل هذه المفاهيم‬
‫لتناقض‪ ،‬وأنى لكتاب ال أن يتناقض‪ ،‬فعكفوا على كتاب ال تعالى وعلى الحديث الشريف وعلى ما‬
‫في اللغة من مجاز وأقروا تفاسير واضحة لكل هذه المفاهيمن وكان محط الثقل خاصة عند قضيتي‬
‫الستواء ونفي الرؤية فجاء الستواء بمعنى المر والسلطان ولهم في ذلك من الدلة الكثير نقل‬
‫وعقل أما الرؤية فأساس البحث فيها أن ال ل تدركه البصار وهو يدرك البصار‪ ،‬وقد مكنهم‬
‫موقفهم الدفاعي ضد من يرون أن الستواء كاستواء المير على السرير أو ينهون عن السؤال عن‬
‫الكيفية أو يرون إمكانية الرؤية في الدنيا أو في الخرة من جولت موسعة في أساليب اللغة وفنون‬
‫البلغة مع من رأوا رأيهم من المعتزلة أثرت التراث السلمي أيما إثراء‪.‬‬
‫والمدار هنا يتمثل في أنه كان أولى بالفرق السلمية أن تتفهم مواقف بعضها البعض حتى ل يسفر‬
‫ذلك عن بغضاء وعداوة وإن كانت هذه العداوة سببا من أسباب الحرص على البحث والتحليل لن‬
‫روح الخاء هو الخر له من المزايا ما ل يحصى ‪ ،‬حيث يجعل الطراف المتعايشة تسعى الى إقامة‬
‫أخوة إسلمية صادقة بدل عن التنابز بألقاب مثل أهل البدعة أو كفار النعمة أو ما إلى ذلك ل لشيء‬
‫إل من أجل خلف لجمد الفكري السلمي من زمان‪ ،‬وكأني بالمتشابه في القرآن الكريم حافز من‬
‫حوافز إعمال الفكر ‪ ،‬ومعلوم أن إعمال الفكر ل يمكن أن يفضي المتأول في تأويله وإن كانت‬
‫أحكامهم في بعض الحيان قاسية على هؤلء سواء أكانوا من غير الباضية أو من الباضية أما‬
‫المستحلون لحرمات ال فما أظن أن المسلمين يختلفون في إيقافهم عند حدهم واستتابتهم قبل اتخاذ‬
‫الموقف النهائي في شأنهم‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر في شأن الستواء والرؤية فإن الخلف بين المسلمين بقي نظريا بالنسبة الى ما‬
‫عرف عن محنة خلق القرآن وإن لم يحترق الباضية مباشرة بنار هذه الفتنة مثل الحنابلة في‬
‫البداية والمعتزلة في ما بعد فإن شرار هذه الفتنة انعكس على بيئتهم العمانية في البداية فاضطرت‬
‫الى موقف عام ل يبت ل بالخلق ول بالقدم لكن اباضية المغرب سرعان ما ردوا الفعل على الدولة‬
‫العباسية والمارة الغلبية فأعلن إمامهم أبو اليقظان أن الصواب في رأي القائلين بخلق القرآن‪،‬‬
‫وكتب رسالته في هذا الشأن تلكم الرسالة التي بقيت أساس كل بحث في هذه القضية‪ ،‬والمهم أن هذا‬
‫المبحث الذي بدا كأنه عديم الجدوى أثرى الفكر الباضي والسلمي في مستوى التحليل البلغي‬
‫والفلسفي والعقائدي‪ ،‬وتجلى أن ثورة الباضية لم تكن عنيفة على القائلين بالقدم لن نصيبا من‬
‫علمائهم قال بذلك خاصة في عمان إلى القرن السادس هـ‪.‬‬

‫ومعلوم أننا نثور على مثل هذا الصراع الدامي في هذه القضية من الناحية الشرعية الخلقية أما‬
‫من حيث الستنتاج الحضاري فإنه قد مكننا من البحث عن أسباب هذا الحدث وعن حقيقته‪ ،‬وعن‬
‫أبعاده ونتائجه ولو كان المر هادئا رصينا لما وقفنا عند كل ذلك ولما بحثنا عن آراء كل الفرق في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬وقد حرصنا على إثبات ما وقع بين أيدينا من نصوص لنتبين البون الشاسع بين هذه‬
‫المواقف رغم أن المنطلق واحد‪ ،‬ومعلوم أن الحماس في الجدل يفضي الى حلول متطرفة فمن‬
‫متطرف في القول بقدم الجلد الى متطرف يقول بأنه مخلوق في الماكن بالتلوة والحفظ والكتابة‬
‫والباضية وقفوا في هذا موقفا معتدى جمعوا فيه بين القدم والخلق‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬


‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫ومهما يكن من أمر فإن المعركة الدامية كانت آنية وإن بقيت آثارها في التحاليل الكلمية إلى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬وقد أردك المسلمون أن القضية تجاوزتها الحداث ونحن نقول كان أولى بهؤلء جميعا أن‬
‫يحافظوا على وحدة المة السلمية التي انقسمت الى معسكرين انتقم كل منهما من الخر عندما‬
‫تحولت السلطة بيديه فما كان من المأمون أن يجعل من الموضوع قضية وأن يفرض رأيه على‬
‫المة وما كان من المتوكل بعد ذلك أن يرد الكرة بشدة لكن نفوذ السلطان كثيرا ما يعمي ويصم رغم‬
‫أن الكل يعلم أل إكراه في الدين‪ ،‬فكيف يكون الكراه على موقف هو مجرد اجتهاد حول نصوص‬
‫يمكن أن يصيب فيها المجتهد كما يمكن أن يخطئ‪.‬‬

‫وقد آن للمسلمين الن أن يعتبروا من مثل هذه المحن وإن كانوا لم يستفيقوا الى الن‪ ،‬ونحن نرى‬
‫أن العنصر الجنبي قد دخل ليذكي مثل هذه الختلفات وقد أفلح في كثير من ربوع العالم السلمي‬
‫إن بقي هذا الجزء من العالم إسلميا بحق‪.‬‬

‫وغن كان هذا بالنسبة الى اللهيات فكيف سيكون بالنسبة الى النسانيات حيث يتنزل الجدل في‬
‫محيط حرية النسان ومصيره؟ وذلك كان محور الباب الثالث من هذا البحث‪.‬‬

‫لقد تبين من مبحث القدر أن الباضية لم يبقوا في معزل عن مجرى الحداث السياسية ولم يقفوا عن‬
‫الخوض في هذه القضية رغم انهم يعلمون كما يعلم بقية علماء الكلم‪ ،‬أنها سر من أسرار ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫والواضح في كل هذا أن موقفهم كان ذاتيا فلم يكن متأثرا ل بالمعتزلة الذين أطلقوا عنان الحرية‬
‫المطلقة للنسان رغم اتفاقهم والمعتزلة في جل اللهيات كما رأينا‪ ،‬ول بالجبرية الذين لم يميزوا‬
‫بين حركة المضطر وحركة المختار واعتبروا حركة النسان كحركة الشعرة في مهب الريح‪ .‬وقد‬
‫ظهرت بوادر العتدال من وقت مبكر بعد التحول من موقف التفويض وذلك مع أمام الباضية الثاني‬
‫أبي عبيدة مسلم‪.‬‬

‫وفعل فقد وقفوا مناظرين للمعتزلة والجبرية قبل نشأة الشعرية والماتريدية مستعملين حجج هذا‬
‫على ذاك ملحين خاصة على إمكانية تعدد الجهات بالنسبة الى الحركة الواحدة‪.‬‬

‫ومع نشأة هاتين المدرستين تبلور مفهوم الكسب‪ ،‬وهو مصطلح لمفهوم اتضحت معالمه من قبل‬
‫فالفعل من العبد والخلق من ال‪.‬‬

‫ولم يستقر هذا بصفة نهائية إل بعد أن تناست الجيال ما جد من خلف بين أهل جبل نفوسة وبقية‬
‫أهل المغرب في ما يتعلق بالجبل والختيار‪.‬‬

‫واستقر الوضع على مفهوم الكسب مع بلورة مفهوم الرادة والستطاعة والعون والخذلن‪.‬‬

‫والمهم في كل هذا أن الباضية بم يجدوا النسان من المسؤولية وهذا لعمري أساسي في مثل هذا‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المبحث الكلمي وإن بدا لبعض الباحثين أن الكسب تعبير مقنع عن الجبر‪.‬‬

‫والحقيقة في ما نرى ليست كذلك وإنما القول بالكسب شعور من النسان أنه مسؤول أمام مشيئة ال‬
‫التي ل تحد‪ ،‬والفرق كبير بين من يصرح بأنه مجبر ويحمل مسؤولية جميع أعماله على ال تعالى‬
‫فيفعل ما يطيب له وبين من يعتبر أن كل عمل هو من كسبه وأن له دورا فيه سيحاسب عليه بين‬
‫يدي ال‪.‬‬

‫والحقيقة أن فلسفة مثل هذا المبحث‪ ،‬والبعد به من دائرة اليمان الى دائرة العقل المجرد أدت علماء‬
‫الكلم الى الوقوع في متاهات نتيجة التأثر بتحليلت يونانية وفارسية تختلف عن الفكر السلمي‬
‫من منطلقها‪.‬‬

‫والجدير بالملحظة هنا انه على المسلم المؤمن بالقضاء أن يؤمن إيمانا راسخا أن هذا اليمان ل‬
‫يزيده إل ثقة في ال تعالى ومضيا في فعل الخير المر الذي يعود على المة السلمية بالخير‪.‬‬

‫ومثل هذا اليمان الراسخ هو الذي عرفه أصحاب الرسول عليه السلم‪ ،‬ففتح ال على أيديهم‬
‫أطراف العالم‪ ،‬والحقيقة أن العقل مهما تمرد فإنه يركع خاشعا أمام عظمة ال التي ل تحد فإذا‬
‫استكبر ونأى فإنه يجني مرارة استكباره بعد حين ويبقى مدركا أنه لن يستطيع إزاحة الستار عن كل‬
‫الحقائق الكونية فكيف بعالم الغيب!‪.‬‬

‫وإذا ادرك النسان أن له جانبا من المسؤولية في كل ما يقوم به فلم يبق له إل أن يفكر في ثمرة‬
‫العمل في الدنيا والخرة‪.‬‬

‫أما عن ثمرة العمل في الدنيا فكثيرا ما يجنيها النسان كاملة‪ ،‬وكثيرا مال يحصل إل على نصيب‬
‫منها‪ ،‬وقد ل يحصل على أي نصيب منها وليعلم أنه في ذلك مبتلى من ال تعالى عسى أن يكون من‬
‫الفائزين في الدار الخرة‪.‬‬

‫ومن هنا مبحث الوعد والوعيد وما يرتبط به من خلود في الجنة أو في النار‪.‬‬

‫إن الضجة الكلمية لم تثر حول خلود الصالحين في الجنة أو خلود المشركين في النار وإنما ثارت‬
‫بعنف حول من خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا‪ ،‬وقد ثارت في الوساط السلمية من مقتل عثمان‬
‫فتساءل الناس عن مرتكب الكبيرة‪ ،‬وعن اليمان والكفر‪ ،‬والنفاق ‪ ،‬والفسق وما يترتب عليها من‬
‫أحكام‪.‬‬
‫وكسائر المباحث الكلمية تأرجح المسلمون بين طرفين متناقضيين بين الرجاء القائل بأنه ل تضر‬
‫مع اليمان معصية‪ ،‬وبين الحكم بالشرك على كل أنواع المعاصي‪.‬‬

‫ووقف الباضية من يومهم الول موقفا خالصا قالوا فيه بكفر النعم‪ ،‬ثم ألحوا إلحاحا كبيرا على‬
‫قضية الصرار واعتبروا أل سبيل الى نجاة المصر على المعصية حتى الموت ولهذا اتهمهم الطرف‬
‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬
‫شبكة الدرة السلمية‬
‫‪www.aldura.net‬‬

‫المتسامح بالشدة وبالغفلة عن رحمة ال إل أنهم ل يرفضون فضل ال لكن يربطون القضية بالحكمة‬
‫وليس من الحكمة أن يجمع بين المؤمن الموفي وبين من مات معاندا مستكبرا على ال تعالى في‬
‫مقام واحد وبهذا قالوا بإنفاذ الوعيد في هؤلء جميعا من الباضية ومن غير الباضية‪.‬‬

‫وترتب على هذا القول بخلود كفار النعم المصرين في النار وعرضوا في ذلك من الدلة الكثير وقد‬
‫غلب على هذه الدلة طابع النقل من القرآن والسنة‪.‬‬

‫وارتبطت بهذين المبحثين قضايا أخرى مثل عذاب القبر والشفاعة وما إلى ذلك فكانت كلها خادمة‬
‫للموضوع الصلي وموجهة في اتجاهه فعذاب القبر ثابت لمن مات مصرا على المعصية ول سبيل‬
‫له إلى الشفاعة لن الشفعاء ل يشفعون إل بإذن ال وال ل يأذن بحكمته في أن يشفع في من مات‬
‫مستكبرا معرضا عن التوبة‪.‬‬

‫وفي مبحث التوبة ألح الباضية على ضرورة التحري في حقوق ال تعالى وفي حقوق العباد مع‬
‫أداء ما حدده الشرع من الكفارات‪.‬‬

‫والمهم أن مثل هذا المعتقد بين أثره الفعال في البيئة الباضية إذ دفعها الى مزيد من التحري‬
‫والمحافظة على أحكام الشريعة زمن المامة العادلة وزمن فقدانها حين أرسى علماؤها قواعد‬
‫للولية والبراءة تجعل المجتمع رقيبا على من ينتهك حرمات ال فيحرم من حقوقه المدنية حتى‬
‫يؤوب الى ال تعالى ويقلع عن المعصية التي تضر بمصلحة المة‪.‬‬

‫والمتأمل في واقع البيئة الباضية في وادي ميزاب اليوم حيث ما يزال نفوذ هذه العقيدة ساريا يرجو‬
‫لو سلك المسلمون في كل مكان مثل ذلك المسلك وبالتالي يلتقي الجميع على درب اليمان لقامة‬
‫دولة السلم‪.‬‬

‫مكتبة الكتب السلمية‬ ‫شبكة الدرة السلمية‬

You might also like