Professional Documents
Culture Documents
www.aldura.net
تأليف
عدون جهلن
إهداء
مصطلحات
مقدمة
هيكل البحث
مدخل
oأصل التسمية
oالباضية في المشرق
oالباضية في المغرب
الترشيح
البيعة
الصفقة
حالت استثنائية عند البيع
oموجبات عزل المام
oهل يجوز الخروج على السلطان الجائر
oموقف المة من المام العادل
oمسؤوليات المام وواجباته
المسؤوليات المنية
المسؤوليات الدارية
المسؤوليات الدينية
المسؤوليات القتصادية
المسؤوليات الجتماعية
•
الرابع :أعوان المام •الفصل
oمجلس الشورى
oالوزير
oالقاضي
oالولة
oالحسبة والشرطة
oالجيش
الخــاتمـة
نتــائج البحـث
استدراك
إهداء
ع .جهلن
بعد أن اكتملت فصول البحث وتناقشت ،لتؤلف هذا الكتاب المتواضع ،أجدني ملزما -من باب العتراف بالجميل
وشعورا بواجب شكر النعمة -أن أتقدم بالثناء الطيب والشكر الجزيل لمن كان السبب في إخراج هذا النجاز إلى حيز
الوجود .وأخص بالذكر أستاذي الدكتور أبو عمران الشيخ ،إذ تكرم بالموافقة على موضوع الرسالة ،وتحمل أعباء
الشراف على البحث ،فرعاني رعاية الوالد لولده،وكان لي خير أستاذ وموجّه.
ثم ل أنسى فضل أستاذي الدكتور محمد ناصر علي لما وجدت عنده من قلب مفعم بالخلص ،وعقل نير مرشد،
ولسان رطب نصوح لقد تعلمت منه أن الخلق الطيب والستقامة في السلوك ،والخلص في العمل ،أهم وأولى من
الثقافة والمنصب ،فكان لي خير قدوة.
كما أوجه خالص شكري وعظيم امتناني لكل يد بيضاء امتدت لتساعدني من قريب أو بعيد لنجاز هذا العمل ،راجيا
من المولى العلي القدير أن يثيب الجميع بخير ما عنده من أجر عظيم وعطاء جزيل ،إنه سميع مجيب.
مصطلحات
أ = الستاذ
ت = توفي
تح = تحقيق
تر = ترجمة
تص = تصحيح
تع = تعليق
جـ = الجزاء
ح = الحاج
د = .الدكتور
ش = الشيخ
صـ = الصفحة
ط = الطبعة
ق = القرن
م = التاريخ الميلدي
مجـ = مجلد
مج = مجلة
مخ = مخطوط
مط = المطبعة
نا = الناشر
مقدمة
يعالج هذا البحث موضوع الفكر السياسي وما يتعلق به من آراء حول المامة .ونظام الحكم عند الباضية ،مع التركيز
على آراء الشيخ محمد بن يوسف اطفيش اليسجني المعروف بقطب اليمة ( .)1914-1818! 1332-1236
ول شك في أن الباضية قد ساهمت في إثراء الفلسفة السلمية بأن جمعت إلى آرائها الفقهية والكلمية مواقف
واضحة ومبادئ ثابتة في السياسة ،فشكلت بذلك نظرية مميزة ضمن الفلسفة السياسية عند المسلمين .وبما أن
الباضية لم تدرس آراؤهم السياسي -بالخصوص -كما درست آراء الشاعرة والمعتزلة والشيعة قديما وحديثا .فأن
موضوعا يتناول بالبحث آراء الباضية ويكشف الستار عن الجانب السياسي لفكر هذه الفرقة الذي لم يخرج معظمه
من خزائن المخطوطات ،ل ريب سيسدّ فراغا في جانب من الفكر السلمي لم يحظ باهتمام الدارسين .ومن هنا تبرز
أهمية الموضوع.
ومن أهم الدوافع إلى اختيار هذا الموضوع ما نلحظه من غياب الدراسات العلمية حول الباضية الشيء الذي جعل
هذه لم تعرف على حقيقتها سواء في أصولها العقيدية أم آرائها الكلمية أو السياسية إل عند القليل من الدارسين
الفكر السلمي وهذا مما يستوجب العمل الدؤوب لدراسة فكرها دراسة أكاديمية موضوعية.
ومن البواعث أيضا ما نلحظه من الواقع السيء للمسلمين الذين لم يوحدوا في السياسة رأيا ،ولم يستقروا في نظم
الحكم على مبدأ ،وهم باقون على ما هم عليه ما داموا ذوي نزوع إلى تشريع نظم وسن قوانين تبعد عن الفطرة التي
فطر ال الناس عليها.
وبما أن الباضية فرق إسلمية تعتمد في وضع مبادئها على أصول التشريع السلمي فإن الراء السياسية عندها
تمثل رافدا هاما للتيار السلمي في الفكر السياسي بما تقدم من تجربة ناضجة في نظام الحكم وتسييس الرعية
بمقتضى الشرع.
أما عن بواعث التركيز على آراء الشيخ اطفيش فتتلخص فيما يلي:
أ -شعورا مني بضرورة الهتمام بعلماء المغرب العربي الذين لم يوف نصيبهم من العناية إل قليل ،ولم تدرس
أفكارهم دراسة جدية إل نادرا ،هذا على القل إذا قارنا ذلك بحجم الدراسات التي تناولت فكر المشارقة من العلماء
وإيمانا مني بقيمة التراث المغربي فإني أراه أولى بالهتمام من غيره فكيف إذا كان العالم جزائريا؟
ب -عندما اهتم الدارسون بالفلسفة السياسية عند المسلمين رجعوا إلى مصادر الفكر السياسي السلمي فبحثوا في
تراث الفارابي (ت 339هـ 950-م) وابن أبي الربيع(ق 3هـ 9-م) والغزالي(505هـ1111-م) وابن خلدون(ت
808هـ 1406-م) وغيرهم دون اللتفات إلى مفكرين إباضيين ل يقل تراثهم أهمية من غيرهم فتساءلت عما إذا كان
للباضيين إسهام في المجال السياسي ومن ثم كانت دراستي أشبه ما تكون بعملية تنقيب عن كل ما لـه علقة
بموضوع السياسة في التراث اٌباضي ،فوجدت معظم مادة البحث قد تناولها الشيخ اطفيش بالدراسة موضحا رأيه
فيها ،وهو تعبير عن رأي الباضية في الوقت ذاته .كما وجدت آراءه تتسم بعمق التفكير وبعد النظر مما يدل على
استكمال النظرية السياسية وثبوت مبادئها لديه وليس ذلك غريبا إذا علمنا أن الشيخ اطفيش عاش في نهاية القرن
13هـ 19-م ويكون بذلك قد استفاد من التجربة السياسة للباضية عبر مراحل تاريخها ،فضل عن اطلعه على
مؤلفات من سبقه من مؤلفي الباضية وأخص بالذكر منهم :الشيخ تبغوريين بن عيس (ق 5هـ 1174 -م) أبو
يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلني(ت 450هـ 1174-م) أبو عمار عبد الكافي الباضي(ق 6هـ 11-م) أبو طاهر
إسماعيل بن موسى الجيطالي(ت 750هـ 1350-م) ،وأخيرا الشيخ عبد العزيز الثميني(ت 1223هـ1808 /م) .
ومن هنا فقد تأكدت لدي قناعة بأن دراسة فكر القطب يعني اللمام بالفكر الباضي في الوقت نفسه.
ويهدف البحث فيما يهدف إلى التعريف بالنظرية السياسة الباضية ،وتحليلها ثم تقييم أبعادها الفكرية بالنقد
والمقارنة ،وهذا من أجل فتح باب جدير بالهتمام في الفلسفة السلمية لم يحظ بالدراسة والنقد حتى الن.
أما إشكاليات البحث فقد صيغت في شكل أسئلة يحاول البحث الجابة عليها .اعتمادا على المصادر الباضية ويمكن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
لكن لم يكن ذلك بالمر الهين .فلقد اعترضتني صعوبات منذ الخطوات الولى للبحث .من أهمها ما يلي:
-1لم أجد دراسة معاصرة تناولت هذا الموضوع بالبحث باستثناء إشارات عابرة ضمن دراسات ذات طابع تاريخي أو
عقيدي غير متخصصة في السياسة نذكر منها -على سبيل المثال -تحليل د.عمار طالبي(معاصر) لمبحث المامة وهو
ملحق لكتاب الموجز لبي عمار عبد الكافي .ودراسة أ .دنجال ( G.Dangelمعاصر) في كتابه :المامة الباضية
في تاهرت )L, Imamat Ibadite de Tahert)416-909ودراسة أ .بيار كبيرلي (معاصر) P.Cupery
حول المامة عند الباضية في فصل ضمن كتابه مدخل لدراسة المذهب الباضي وعقيدتهIntroduction a.
I,ctude de L,Ibadisme et de sa theologie
ومحاضرة أ .محمد الثميني( معاصر) مفهوم الشورى والديموقراطية في التاريخ العربي لدى الدول الرستمية .ولعل
أول محاولة معاصرة لدراسة الفكر الباضي دراسة تحليلية مقارنة كانت من طرف الشيخ علي يحيى معمر(ت 1979
م) في كتابه الباضية بين الفرق السلمية عند كتاب المقالت القديم والحديث .ثم جاء بعده د .عوض الجتماعية
والتربوية عند الباضية في شمال أفريقيا .والتنظيمات السياسية والدارية عند الباضية في مرحلة الكتمان.
وفيما عدا هذه الدراسات ل نكاد نقف على إشارة للفكر السياسي الباضي -حسب اطلعنا -أما عن حركة الخوارج
فهي كذلك لم تحظ بالدراسة الكافية.
-2بما أن الباضية لم يهتموا بالجانب النظري في المجال السياسي إل قليل فأنهم لم يتركوا آثارا مستقلة لهذا الجانب
مما اضطرني إلى البحث عن كل ما له علقة بموضوع السياسة ،بين كتب الفقه وأصول الدين ضمن المباحث
الجتماعية ،كالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،والمامة والولية والبراءة ،والحكام والدماء ،هذا إذا استثنينا ما
وجدته في (قاموس الشريعة) للشيخ جميل بن خميس السعدي العماني(ق 19م) وهذا القاموس عبارة عن موسوعة
فقهية تقع في 90مجلدا .أفرد لموضوع المامة فيه بكتاب خاص ل يزال مخطوطا .وبما أن البحث مركز على آثار
القطب فإني لم أعتمد على الخطوط المذكورة التزاما بمنهجية الدراسة.
-3أمام ندوة المصادر اضطررت للرجوع إلى تاريخ باعتباره مصدرا بديل للمادة نظرا لهميته في دراسة الفكر
الباضي علما ان الباضية حريصون على تطبيق مبادئهم ،وتجسيدها عمليا ولذلك كانت التجربة الباضية غنية في
الميدان السياسي ومن هنا تزداد صعوبة البحث بالخلط بين التاريخ والفلسفة.
-4من بين المصادر الباضية المهمة يوجد منها عدد ل يزال مخطوطا وهذه الخيرة ينعدم وجودها في المكتبات
العامة فضل عن الوطنية والجامعية ،فسعيت للحصول عليها في الخزائن الخاصة بقرى وادي مزاب وتكلف مني ذلك
جهدا وعناء.
هيكل البحث
قسمت البحث إلى :مدخل وبابين ،يضم كل منهما أربعة فصول ،ثم الخاتمة.
في المدخل اختصرت أسباب نشأة الفكر السياسي عند المسلمين وما نتج عن ظهور المذاهب السياسية ،وكان ذلك
تمهيدا في صميم الموضوع والتركيز على المذهب الباضي.
الفصل الثاني :عرضت فيه أصول العقيدة عند الباضية ،وهي تسعة :التوحيد ،العدل ،القضاء والقدر ،الولية
والبراءة ،المر والنهي ،الوعد والوعيد ،المنزلة بين المنزلتين ،ل منزلة بين المنزلتين ،السماء والجسام ،ثم
وضحت آراء الباضية ومواقفهم من بعض المسائل الخلفية بين المذاهب ومن أهمها :نفي الرؤية ومسألة الخلود،
وخلق القرآن.
الفصل الثالث :بينت علقة الباضية بالفرق السلمية مع الشارة إلى أوجه التفاق والختلف مع كل من الشعرية
والمعتزلة والشيعة والخوارج.
الفصل الرابع :بعد التعريف بالباضية وآرائهم وعلقتهم بغيرهم حصرت دائرة البحث حول شخصية الشيخ محمد بن
يوسف اطفيش فتعرضت إلى حياته وآثاره والتعريف بمعالم فكره.
الفصل الثاني خصصته لنظرية مسالك الدين عند الباضية وهي نظرية سياسية اجتماعية ،تحدد مواقف الباضية من
الوضاع التي تعترضهم كما تحدد نوع المامة وطبيعة كل سلطة سياسية تختلف باختلف المراحل الربع لمسالك
الدين وهي:
-1الظهور.
-2الدفاع عن الدين والدولة.
-3الشراء واعلن الثورة ضد الفساد والعدو الظالم.
-4الكتمان وفيه يبتعد الباضية عن المجال السياسي ويتنازلون عن إقامة الدولة ليشتغلوا بالصلح الديني
والجتماعي.
الفصل الثالث :وهو خاص بالمام في مرحلة الظهور ،وتناولت فيه مسألة اختيار المام وتنصيبه وقبل ذلك شروط
الٌمامة ومؤهلته ،وموجبات عزله أو الخروج عليه .وبينت موقف المة من المام العادل .كما حددت واجبات المام
الساسية ومسؤولياته ،ومنها المنية والدارية والدينية والقتصادية والجتماعية.
الفصل الرابع :عرضت فيه جهاز الحكم المتكون -علوة على المام -من مجلس الشورى والوزير والقاضي والولة
والحسبة والشرطة والجيش مع تحديد مهام وصلحيات كل من يتولى هذه المناصب.
الخاتمة :استخلصت فيها نتائج البحث الساسية ،وأجملت فيها القول حول ديموقراطية السلطة في الدولة الباضية
بالمقارنة مع الراء السياسية عند فلسفة السلم.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ل يزال الصراع بين الفكر والواقع يشكل أهم ميزات العصر الحديث ،حيث أصبحت الفكار تحدد أهداف النسان
وغايته .وتوجه الجماعات في نمط من السلوك والممارسة ضمن مسيرة حضارية ،وبالفكار تتحد الشعوب أو تختلف،
ويتخذها الساسة مطية للمحافظة على السلطة .وما نظم الحكم المختلفة إل تجسيدات عملية للفكار السياسية
والجتماعية أفرزها واقع النسان من خلل حاجاته الجتماعية والقيم الروحية والمادية والتطلع نحو الفضل.
فانطلقا من جدلية الفكر الواقع ،تتشكل المذاهب السياسية والجتماعية والخلقية ،وتختلف هذه باختلف الغايات
والتجاهات وظروف الحياة التي يعيشها النسان إل أنها تسعى جميعا إلى التوفيق بين الجوانب الساسية في حياة
المجتمع وهي ثلثة:
· الجانب الروحي متمثل في عقيدة تشكل القاعدة النظرية.
· والجانب المادي في شكل نظم اقتصادية.
· والجانب التنظيمي متمثل في جهاز والترتيب الدارية.
ولعل أهم هذه الجوانب هو الجانب الروحي إذ ل يقوم مذهب سياسي أو اجتماعي إل على أصول عقائدية(دينية) أو
فكرية فلسفية تستمد جذورها من مناخ عدة منها الواقع فتكون الوضاع القائمة وما تفرزها الحياة البشرية من
خبرات بمثابة الصول التجريبية ،التي يستخدمها إعلم الفلسفة السياسية في وضع تعاليم وصياغة آرائهم ومثال ذلك
حضارة شرق آسيا التي قامت على مبادئ الكنفوشيسية( )1كما كانت آراء هيجل(، )2ونيتشة( )3هي السند الفكري
للحزب الشتراكي اللماني(النازي) كما غدت آراء هيجل الدعامة الفكرية لكارل ماركس( )4ومن واله من مفكري
الشتراكية(.)5
أما عند المسلمين فتعود جذور الفكر السياسي لديهم إلى أصول العقيدة السلمية بالضافة إلى حصيلة الراء
السياسية لمفكري السلم وفقهائه ونذكر -على سبيل المثال -الراء السياسية التي وضعها المهدي ابن تومرت(ق
12م) وهي تشكل الطار النظري والسند الفكري للدولة الموحدية( )6ولعل أهم ما يتميز به الفكر السياسي عند
المسلمين أنه ل يفصل بين الدين والدولة فالعلقة بين الجانبين ليست مصطنعة بل أصيلة تنبع من التعاليم الدينية
ويفرضها الجتماع المدني بحيث ينتفي التفاصيل بين الجانبين لن الواحد منهما يكمل الخر لتنظيم أحوال الدولة
وسياسة الرعية.
إل أن هذه العلقة قد تتعرض إلى زعزعة فتحيد عن أصلها بفعل الحتكاك الحضاري ،وتغير الظروف وتعاقب الدهور.
فإذا حدث شيء من ذلك ،هيمن المضمون الجتماعي والمصلحة الدنيوية على الجانب الروحي ،وعندئذ تضعف فعالية
القيم الدينية والتعاليم السماوية في غياب الوعي السلمي وفتور الوازع الديني .وهذا ما حدث في التاريخ السلمي
بتفاوت بين الدول السلمية من حيث اتساع أو ضيق الهوة الفاصلة بين الجانب الديني والجانب السياسي -الدنيوي-
على أن هذا التفاوت قد نلحظه في الدولة الواحدة بين فترات زمنية متباعدة.
وهذه الدراسة التي بين أيدينا تلقي ضوءا على التجربة الباضية في موضوع الحكم وهي تجربة إسلمية حاولت أن
تبقي العلقة بين الدين والدولة قائمة على أسس تضمن التوفيق بين الجانبين من أجل تحقيق المصالح الدنيوية في
حدود الشرع.
---------------------------------------
)1نسبة إلى كونفوشيوس (نحو 379 -551ق.م) فيلسوف صيني ل يقر بال.
)2فريدريك هيجل Hegel )1770- 1831م) فيلسوف ألماني قال الكائن والفكر شيء واحد.
)3نيتشه Nietzche)1844-1900م) فيلسوف ألماني يقوم مذهبه على إرادة القوة.
Marx )1817-1883 )4م) من رجال السياسة والفلسفة الجتماعية عاش في ألمانيا.
)5فؤاد محمد شبل الفكر السياسي ،القاهرة 1974م جـ ،1ص .15
)6دولة شيعية في المغرب والندلس ،أشهر سلطينها :عبد الرحمن بن علي.
يتمحور الفكر السياسي عند المسلمين حول مسألة الخلفة أو المامة وهي خلفة النبي في إدارة شؤون المسلمين
وتسييس الرعية ،فصاحب هذه المهنة هو الحاكم العلى لجماعة المسلمين.
تولى الخلفة أول أبو بكر(رضي ال عنه) فالتزم بالكتاب والسنة وحرص على تطبيق العدالة الجتماعية بعيدا عن
العصبية ،والتمييز العنصري فخل عهده من الفتراق ،ثم تله عمر بن الخطاب (رضي ال عنه ) فاتسمت سياسته
بالعدالة المطلقة ،واجتهد في وضع القوانين والنظم في إطار الحدود الشرعية بحسب ما تقتضيه المصلحة العليا
للمة ،التي اتسعت رقعتها وضمت ألوانا جديدة من الجناس محملة برصيد فكري مميز وقيم أخلقية واجتماعية لم
يعهدها المجتمع العربي في شبه الجزيرة العربية ،فعاش الجميع في ظل القيادة السلمية ،ل فرق فيما بين عربي
وأعجمي إل بالتقوى.
لكن باعتلء عثمان(رضي ال عنه) عرش السلطة تغيرت الوضاع وبدأ الضعف يدب في الساسة فضل عن العامة
ونتج عن ذلك ظهور النعرة القبلية من جديد واستفحل خطر العصبية التي أذابها السلم واستمر الوضع في ترد إلى
حين قتل عثمان وخلفه علي(رضي ال عنه) ولم يتمكن من رأب الصدع فتطور الخلف إلى صراع مسلح ،ومن ثم
تخربت المة السلمية فصارت فرقا ومذاهب تدعي كل منها إن الحق بجانبها ،وغيرها على ضلل ،وكان الخلف
يبدو في ظاهره خلفا فقهيا -دينيا -لكنه يعكس في حقيقته صراعا بين الشرائح الجتماعية والطبقات ذات السيادة.
وبقي الحال على هذا النحو إلى أن استقر الحكم عند العباسيين ،وفي خضم هذا الصراع حول منصب الخلفة ظهر
كتاب مسلمون تناولوا هذه القضية بالبحث والدراسة والنظرية ،من أجل إضفاء الشرعية للحداث السياسية .وتأييد
الزعماء القائمين برعاية المسلمين ،أو نقد الوضاع ومحاربة أصحاب السلطة لحتكارهم مقاليد الحكم دون موجب
شرعي وكان هؤلء الفقهاء والمفكرون يعبرون في الغالب عن آراء الفرق التي ينتمون إليها.
فأثارت الشيعة مسألة أحقية علي(رضي ال عنه) وأبنائه في تولي منصب الخلفة المر الذي شجع الخوارج على
الرد عليهم ،كما فعل غيرهم من أهل السنة وكان مصدر التشريع هو القاسم المشترك والمنطلق الول بين العلماء
ومفكري السلم .غير إن الراء اختلفت حول القضية نفسها وتباينت وجهات النظر بينهم فراح كل يؤول النص
حسبما يمليه اتجاهه السياسي ويفسر الحداث من زاوية مذهبه.
ويمكن تحديد مواضع الخلف السياسي في جملة من المسائل ،لكل منها موقفان متعارضان ينتج عنها مجموعة
محاور منا تتولد المذاهب السياسية عند المسلمين ،ونعرض هذه المحاور على الشكل التالي:
ومن هذه المحاور تفاعلت الراء وتبلورت النظريات لتسفر عن مبادئ أساسية قامت عليها تكتلت وأحزاب سياسية
أربعة ،نعرضها بالترتيب حسب ظهورها تاريخيا ،ويوافق ذلك ترتيبها من حيث القوة والنفوذ.
أول -حزب بني أمية ويعتمد في الحكم على المبادئ الساسية التالية -وجوب نصب الخليفة بالبيعة والشورى على أن
يكون قرشيا عدل ،طاعته واجبة والخروج عليه غير جائز" ومن هذا التكتل انبثقت مذاهب الشاعرة والماتريدية"
الثرية والمعتزلة"(.)7
ثانيا -حزب بني هاشم ،والمبدأ الساسي الذي يقوم عليه في موضوع الحكم .إن الخلفة تنحصر في آل البيت وتنتقل
بوصية المام لمن بعده ويكون معصوما ومن هذا التكتل ظهرت فرق الشيعة.
ثالثا -حزب عبدال بن وهب الراسبي(المحكمة) كان ظهوره نتيجة للصراع بين الحزاب المتقدمة .ويعتمد هذا الحزب
في موضع الحكم على المبادئ التالية -البيعة والشورى والعدالة دون اعتبار الجنس فإن استوفى المام هذه المقاييس
والتزم بها "وجبت طاعته ول يجوز الخروج عليه"( ،)8أما إذا انحرف كان أمر الخروج عليه بيد أهل الحل والعقد
وهو جائز وليس واجب .ومن هذا التكتل ظهرت فرق الباضية.
رابعا -الحزب المتطرف ،وهو متفرع عن الحكمة الولى من أهم مبادئه في السياسة أن المامة غير واجبة عند
البعض ،وعند آخرين من الحزب نفسه المامة مشاعة لكل المسلمين بشرط الكفاءة والعدل .وتتم بالختيار المطلق،
فإذا جار المام وجب أن يعزل وإل يحارب ويقتل .إل إن هذا الحزب لم يدم طويل لنتهاجه السلوب الثوري وتطرف
آرائه .ومنه انبثقت الخوارج.
على ضوء هذا العرض نستطيع تلخيص الراء السياسية العامة التي تنبني عليها فلسفة الحكم عند المسلمين ،فيما
يلي(:)9
أ -المامة من قريش يعين بالبيعة ،طاعته واجبة ولو جار (الحكم وراثي معتدل)
ب -المامة في آل البيت فقط بالوصية وهي من أصول الدين والمام معصوم(.الحكم وراثي متطرف).
جـ -تعيين المام بالشورى والبيعة ،سواء من قريش أو من غيرها ،طاعته واجبة والخروج عليه جائزة إذا جار
(الحكم ديمقراطي معتدل).
د -المامة حق لكل إنسان عن طريق النتخاب الحر يطاع المام ما دام عادل ،ويقتل إذا جار وقد ل تجب المامة(
الحكم ديمقراطي متطرف).
بعد هذه المقدمة حول نشأة الفكر السياسي عند المسلمين ،نعود إلى فرقة الباضية لنركز البحث حول آرائها في
السياسة من خلل مفكريها عامة وآثار قطب الئمة ش .محمد بن يوسف اطفيش بصفة أخص.
وقبل ذلك ،نعرف المذهب الباضي ،من حيث نشأته ،وأصوله العقيدية وعلقته بغيره من المذاهب ،ثم نتعرض لحياة
القطب وآثاره.
------------------------------------------------
)7علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ ،ص .403
)8علي يحيى معمر ،الباضية بين الفرق ،مكتبة وهبة ،ط 1القاهرة 1976م.
)9نقل عن علي يحيى معمر الباضية بين الفرق ،ص (404بتصرف).
إذا تعرضنا في هذا الفصل إلى السباب العامة والظروف الخاصة التي ساعدت على نشأة الفرقة الباضية فليس ذلك
من قبيل التعريف بالمذهب الذي نحن بصدد دراسته من الجانب السياسي ،وعليه فإن الحديث سيكون مركزا على
الحداث التاريخية ذات الصلة الوثيقة بظروف النشأة والتي تمثل السباب المباشرة لظهور الباضية كفرة إسلمية
مميزة بأصولها واتباعها .وما سوى ذلك من تفاصيل وجزئيات فسنتركها للراغب في التوسيع والتحقيق يلتمسها في
المصادر والمراجع المعتمدة(.)1
يقول أ.علي يحيى معمر(1979 -1915م) ":المذهب الباضي ليس مذهبا سريا وليست أصوله التي ينبني عليها
خافية أو مجهولة وليس اتباعه ممن يستترون أو يختفون"( )2وليس المذهب الباضي سوى (تعاليم السلمية
السامية وأصول المستقاة من نبعه الصافي كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم الصحيحة روتها ثقاة عدول
ذوو عقول راجحة(.)3
أما النشأة فتعود أسبابها إلى الظروف السياسية بالدرجة الولى حينما اشتدت أزمتها في الثلثين الخيرين من القرن
الول للهجرة بالضافة إلى الوضع الجتماعي المتناقض( )4مما تولد عن ذلك اختلف أمة محمد صلى ال عليه
وسلمحول بعض القضايا في الفقه والسياسة .....وكان ذلك سببا لجتهاد العلماء من الصحابة والتابعين .ومن ثم
تعددت الراء وتباينت الفكار فكثر الجدل والمناظرات بين العلماء وبالتالي ظهور على الكلم عند المسلمين .ولما
صار لكل عالم أتباعه وشيعته ،تخربت المة السلمية ،وصارت فرقا ومذاهب ،تدّعي كل فرقة أن الحق إلى جانبها
وأن غيرها على ضلل ،وأنها الوحيدة الناجية من بين الفرق التي أشار إليها الرسول صلى ال عليه وسلم في حديث
الفتراق( .)5فبادر الخوارج بتسمية أنفسهم أهل الحق ،وكانوا أول فرقة زعمت أنها على حق وما سواها على
ضلل( )6في حين الذي بالغت الشيعة وكذا المويون في تكفير الخوارج واتهامهم بالزيغ والضلل ،ونعتوهم بالمارقة
وأهل الهواء( ،ولم يتورعوا من وضع الحاديث في ذم الخوارج ،كما وضعت أحاديث في ذم القدرية والمرجثة(.)7
وفي هذه الظروف المتوترة ،لم يكن الصراع الفكري وحيدا في إذكاء نار الفتنة بل تفاقم الوضع وتحول الخلف من
حرب كلمية إلى صراع مسلح ،وكان الخليفة الثالث عثمان بن عفان(رضي) أول ضحية في هذا الصراع ،ثم تطورت
الحداث بعد ذلك ،واشتد الخلف ،وتقاتل المسلمون في معركة الجمل(سنة 36هـ 657/م) وفي وقعة صفين سنة(
37هـ657 /م) وما حدث بعدهما من فتن وانقسامات.
أما الباضية كفرقة مستقلة ،مميزة فإنها لم تظهر جليا في تلك الظروف ولم تكن آراؤها قد تبلورت نظرا للتغير
السريع في مجريات الحداث ،فلم يستقر الوضع آنذاك جيدا لتنضج الفكار وبالتالي تتميز الفرق عن بعضها ،ولذلك
اختلفت المؤرخون في تحديد تاريخ معين لظهور الباضية كفرقة إسلمية ذات استقلل فكري وأصول واضحة
ومبادئ محددة ورجال معينين.
وفي سبيل تحديد الصول التاريخية لنشأة الباضية نورد بعض ما قيل في الموضوع من أجل الخلوص إلى رأي
واضح في ذلك.
يقول أ.محمد الشيخ بالحاج(معاصر)( :إن الصول السياسية للباضية ظهرت في اجتماع السقيفة( )8وان لم يسموا
بذلك السم كما تسمى بقية الفرق آنذاك بأسمائها)( ،)9ويشاطره الرأي د.عمار طالبي (معاصر) فيرى إن (أصل من
أصول الخوارج وريا من آرائهم كان موجودا إبان اجتماع السقيفة)( .)10والمقصود بالصول السياسة مبدأ
الشورى ،والديموقراطية المتمثلة في حرية اختيار الخلفية ،ومبدأ أحقية كل مسلم في الوصول إلى هذا المنصب بقطع
النظر عن جنسه ولونه وانتمائه الطائفي ،وهذا ما صرح به ابن عبادة الخزرجي(ت 16هـ637/م) مع جماعة من
النصار قالوا -في اجتماع السقيفة -بجواز المامة في غير قريش ،ولعل هذه أول مسألة يختلف حولها المسلمون بعد
وفاة الرسول إذن فالخلف السياسي نتج عنه ظهور جماعة تطالب بتطبيق القيم السلمية المطلقة ،كالعدل
والمساومة وحرية إبداء الرأي ،وطالبت بتطبيقها ،كما تبنتها الباضية والتزمت بها عمليا.
وهل يمكن القول بعد هذا إن جذور نشأة الفكر السياسي عند الباضية ،وبالتالي نشأة الباضية تعود إلى ظهور
المطالبين بتطبيق هذه المبادئ؟ .الواقع أنه ل يمكن الفصل بسهولة في هذا الشأن .خاصة والمر يتعلق بظهور فرقة
ل يمكن عزلها بظهور الخوارج ،وترتبط نشأتها بنشأة الخوارج ،حسبما تؤكده المصادر التاريخية -إباضية كانت أم
غيرها -فإن د.عمار طالبي يرى(إن النزعة الخارجية ،وأن أصل الخوارج نبت في عهد النبي نفسه ،ومن ثم فهو
سابق للثورة على الخليفة عثمان(ت 35هـ656/م) رضي ال عنه ،وعلى معركتي الجمل(36هـ657 /م) وصفين(
37هـ657/م) وما لحقها من فتن(.)11
ومهما كان المر فالمسألة تتعلق بظهور الباضية أما علقتها بالخوارج ،فسيأتي تفصيل ذلك في فصل لحق .وإذا
عدنا إلى ظهور الباضية وتحديد تاريخ نشأتها فأننا نجد المستشرق تادوز لويسكي يذكر في دائرة المعارف -اعتمادا
على المؤرخين المعاصرين إن ظهور الباضية كان سنة 65هـ 684م عندما انفصل عبدال بن إباض( )12عن
المتطرفين الخوارج( )13بمناسبة الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه أهل التوحيد الخرين( ،)14لكنه يستبعد هذا
التحديد ليؤكد أن جذور الباضية أقدم من ذلك فهو يلحق تاريخ نشأة هذه الفرقة بظهور جماعة القعدة(.)15
أما المام عبد الوهاب( )16فيعتبر إن وقعة صفين( )17هي الحدث الول الذي نتج عنه ظهور فرقة الباضية إل أن
المام لم يسم هذه الفرقة بالباضية باعتبار أن التسمية حادثة يقول في رسالة لـه أهل طرابلس ":لما اشتدت الحرب
وارتاب المبطلون وحكموا الحكمين....اختلفت المة...وصار الناش شيعتين...فاختلف المسلمون بالحق الذي تمسكوا
به فاختلفت عليهم كلمة المختلفين يقاتلونهم على دين ال الحنيف والملة الصادقة"( )18ويعني المام بالمسلمين
المختفين بالحق ،جماعة المحكمة( )19كما سميت هذه الجماعة بالخوارج لخروجهم عن علي (رضي)( .)20وهذه
تسمية أطلقها عليهم مخالفوهم في الفكرة ومعارضوهم في الرأي سواء من أصحاب علي أو من أتباع معاوية .وحين
نزلوا حروراء( )21سموا بالحرورية وكان عددهم آنذاك حوالي 12ألفا( )22ثم نعتوا بأهل النهروان لما خرجوا من
الكوفة إلى النهروان(.)23
وفي أثناء ذلك لم تتميز عن غيرها في شكل فرقة مستقلة بآرائها إل بعد النفصال الذي حدث بين أهل النهروان ،بعد
الهزيمة التي حلت بهم على يد أصحاب علي(رضي) وحينئذ ثار البعض ممن بقوا فعزموا على النتقام بالعنف بينما
فضلت جماعة منهم اللتزام بالهدوء والروية والجنوح إلى المسألة خاصة وأنهم يشكلون أقلية ضعيفة ل يقدرون
على الدفاع عن أنفسهم فضل عن تغيير الوضع لذلك قررت هذه الجماعة السفر إلى البصرة( .)24وبانتقال هذه
الجماعة وتمركزها في البصرة أصبحت تشكل فريقا تحول"من حزب علني معارض إلى حزب سري يتطلع إلى
الوصول إلى السلطة"( )25وإقامة دولة إسلمية جمهورية.
وبعد وفاة أبي بلل انتقلت زعامة الفرقة إلى عبدال بن إباض( )26الذي انفصل عن الخوارج( )27سنة 65هـ
ومكث بالبصرة مع أصحابه بعد خروج المتطرفين منها .يذكر هذه الحادثة عبدال بن إباض نفسه( ")28وهكذا بدأت
الفترة الولى من الباضية التي يمكن تسميتها بمرحلة الكتمان( )29فيكون -إذن -مكوث غيرها من المتطرفين
الخوارج ،ومن ثم يمكن اعتبار هذه الحادثة من الناحية التاريخية سببا مباشرا لظهور فرقة الباضية.
إل أنه ينبغي الشارة إلى أن التأسيس الحقيقي للفرقة كان على يد المام جابر بن زيد الزدي العماني( )30الذي
انضم إلى جماعة أبي بلل مرداس بن أدية التميمي بعد مجيئه إلى البصرة( .)31فكان لنضمام جابر إلى هذه
الجماعة أثر بالغ في نشأة الباضية وتحديد معالم أفكارها وآرائها ،ولعل أهم شيء يجعل المام جابر يميل نحو
جماعة بلل موقف هؤلء من الوضاع السائدة آنذاك حيث يرون أن القتال بين أتباع العقيدة السلمية أمر ل يقبله
العقل ول الدين.
ولذلك آثرت هذه الجماعة الدخول في الكتمان( )32على هذا الختيار اجتهد المام جابر في نشر دعوته سرا حتى ل
يتعرض لكل ما يؤذيه ويبيد أتباعه ،وهذا ما شجع المعتدلين من بقية المحكمة على اللتفاف حوله والستزادة من
علمه ،ولم يلبث أن أصبح رئيس الجماعة والمؤسس الحقيقي للحركة( )33وحظي المام بمكانة عالية وثقة واسعة
في مجتمع البصرة بفضل ثقله العلمي وموقفه العتدالي؛ كما لعب العراق ،الحجاج بن يوسف الثقفي(95 -76هـ /
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
714 -695م) ودامت العلقة بين جابر والحجاج في غاية من الثقة والود مدة طويلة"(.)34
وفي الحقيقة إن هذه السياسة التي كان المام جابر ينتهجها والتي تقوم على مبدأ العتدال والبتعاد ما أمكن عن بؤر
التوتر وعدم الجهر بالرأي في وجه المخالفين ،فضل عن استعراض الناس ،واللتجاء إلى العنف لثبات رأي أو دفاع
عنه .كانت هذه السياسة هي الوسيلة الناجحة للمحافظة على التواجد الباضي في وسط مفعم بالخلف كثير الفتن ،ل
يرحم فيه أصحاب السلطة كل من شذ عن الرأي العام الذي تسيطر عليه السرة الموية -آنذاك -وكان هذا النوع من
التعامل السياسي يفرض على الباضية -ومنظريها بالخصوص -الحتكاك المباشر مع المخالفين وإظهار الرضى
والود ،لكن ليس على حساب المبادئ الساسية للمذهب .وتذكر المصادر أن جابر كان" يشترك مع الخوارج
المتطرفين في مناقشات سياسية"( )35وكان عبدال بن إباض -من قبله -ينتهج السلوب نفسه في سياسة اللين مع
الخليفة الموي عبد الملك عن طريق المراسلت ...وقد سجل التاريخ رسالتين لعبدال بن إباض تدل على العلقة
الودية بينهما"( )36كما كان عبدال بن إباض صاحب مناظرات كلمية مع الخوارج.
وجملة القول أن ظهور الباضية ونشأتها تعود جذورها إلى التجمع العام لطائفة المحكمة في النهروان سنة 37هـ/
685م بعد الذي وقع في وقعة صفين ،من تحكيم الحكمين ،وقد رفعت هذه الطائفة شعارها" قبلت الدنية ول حكم إل
ال"(.)37
أما ظهور الباضية كفرقة مستقلة بآرائها معينة باتباعها وأعلمها ،فكان ذلك تدريجا وفي مراحل استلزمت عقدا من
الزمن انتهى بإعلن عبدال بن إباض صراحة رفضه الخروج من البصرة مع المتطرفين من الخوارج وذلك سنة
65هـ فكانت هذه الحادثة العلن الرسمي لظهور الباضية وتميزها عن بقية المذاهب.
------------------------------------------
)1للمزيد من التفاصيل حول نشأة الباضية أنظر :رسالة المام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم إلى أهل
طرابلس ،ذكرها الشيخ بواب بن سلم في كتابه (شرائح الدين) مع نسخة الشيخ ناصر المرموري ،ص 33
الشماخي ،كتاب السير -الدرجيني طبقات المشائخ بالمغرب جـ 1أبو القاسم البرادي ،الجواهر المنتقاة -أبو الحسن
الشعري ،مقالت السلميين ،ص -64الحافظ بن كثير البداية والنهاية ،جـ 7ص.ص -310-273عبد الحليم
محمود التفكير الفلسفي في السلم ص.ص -186-185سليمان الباروني باشا ،الزهار الرياضية -سالم بن حمود
السيابي ،طلقات المعهد الرياضي ص -79علي يحيى معمر الباضية في موكب التاريخ(جميع الحلقات) وكتابه:
الباضية بين الفرق السلمية -محمود إسماعيل ،الحركات السرية في السلم ص.ص -18-14عوض محمد
خليفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية -صالح بن أحمد الصواف ،المام جابر بن زيد العماني ص .196
Marcel Mercier, La civilisation urbaine au M,Zab , p.p14-61 marghoub belhadj
,Le development politique en Algerie p.14. Aicha Daddi- Addoun, Sociologie
et Histoier des Algeriens Ibadites, p.p:103-14u, T. Lewicki, Encyclopedia de L
Islame, nouvelle edition, tome3, G.P. Maisonneuve et la roue S.A, Paris, 1971
article: Al Ibadiyya, p.p.669-682
)2علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ 669-682الحلقة( )1نشأة المذهب الباضي ط ،1مط دار الكتاب
العربي ،مكتبة وهبة القاهرة1384 ،هـ1964/م) ص .5
)3عبد الرحمن بن عمر بكلي(3.10.1901م13.1.1964 /م) فتاوي البكري مط العربية غرداية الجزائر 1983
جـ 1ص .357
)4ظهرت بوادر التناقض الجتماعي بتكون الطبقية عندما تراكمت رؤوس الموال لدى العيان في قريش من ناحية
واحتكار بني أمية لمناصب السلطة من ناحية أخرى وذلك في عهد ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان (رضي)
للمزيد من التوضيح راجع نشأة الفكر السياسي وأسبابه عند المسلمين في مدخل هذا البحث.
)5عبد القاهر البغدادي (ت429 .هـ1037/م) الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم ،ط 5دار الفاق الجديدة
بيروت ،1982ص.ص .6 -4
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
)6محمد بن جرير الطبري(ت310 .هـ922/م) تاريخ المم والملوك ،مط الحسينية ،القاهرة 1336هـ ،جـ ،5ص
.75
)7عمار طالبي آراء الخوارج الكلمية ،ش.و.ن.ت .الجزائر ،78جـ ،1ص .33
)8اجتمع الصحابة (مهاجرون وأنصار) إثر وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة سنة 11هـ/
632م ،للنظر في شأن خلفة الرسول صلى ال عليه وسلم.
)9أ .محمد الشيخ بالحاج ،معاصر ،مقابلة شخصية ،صيف .1984
)10د .عمار طالبي آراء الخوارج الكلمية ،ش.و.ن.ت .الجزائر ،78جـ ،1ص .44
)11م.س.ص .35
)12حاول زعماء الخوارج استدراج عبدال بن اباض للخروج معهم فامتنع وأخبرهم أنه ل يخرج على قوم يرتفع
الذان من صوامعهم ،والقرآن من مساجدهم .علي يحيى معمر ،الباضية ،مط العربية ،غرداية ،1985 ،ص.35.
)13للمزيد من التفاصيل حول الخوارج ،راجع الفصل الثالث من هذا الباب.
.T. Lewicki, E.I, Ibadiyya, tom 3, p.669 )14
)15من القعدة جماعة ظهرت في البصرة ،في منتصف ق 1هـ 7-م ،من أشد رجالها أبو بلل مرداس بن أدية
التميمي
)16عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،ثاني أئمة الدولة الرستمية.
)17حول أحداث صفين راجع :الحافظ بن كثير ،البداية والنهاية ط ،3مكتبة المعارف بيروت لبنان ،1981 ،جـ ،7
ص.ص .310-273
)18رسالة الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،ذكرها بواب بن سلم في كتابه ،شرائع الدين (مخ) نسخة
الستاذ الشيخ ناصر المرموري ،ص .25
)19سموا بذلك لرفضهم تحكيم علي(رضي) الحكمين ورضاه بما نتج عن ذلك راجع :عوض خليفات ،الصول
التاريخية للفرقة الباضية ،ط ،2مط الشرقية ،سلطنة عمان د.ثا ،ص 0
209أنظر الحافظ بن كثير ،البداية والنهاية ،ط ،3مكتبة المعارف بيروت ،لبنان ،1981جـ 7ص.ص .310-273
عمار طالبي آراء الخوارج الكلمية ،جـ 1ص ،87صالح بن أحمد الصوافي :المام جابر بن زيد العماني وآثاره في
الدعوة مط وزار التراث القومي والثقافة ،سلطنة عمان.1983 ،
)21حروراء قرية بناحية الكوفة.
)22ابن جرير الطبري ،المم والملوك ،دار القلم بيروت ،ص .33
)23صالح بن أحمد الصوافي ،المام جابر بن زيد العماني وآثاره في الدعوة ،مط وزارة التراث القومي والثقافة،
سلطنة عمان 1983م ،ص ،212نقل عن القلهاني في الكشف والبيان ،تح د.سيدة الكاشف ،جـ ،2ص .252
)24قررت الجماعة المعتدلة ممن تبقى بعد وقعة النهروان الرحيل إلى البصرة تحت زعامة أبي بلل مرداس بن أذية
التميمي الذي نصب إماما للشراة فيما بعد.
)25عوض محمد خليفات(معاصر) التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية في مرحلة الكتمان سلطنة عمان،
د.تا ،ص .4
)26كثير من المؤرخين وكتاب المقالت يحسبون إن عبدال خرج في أيام مروان وأنه قتل في معركة تبالة وهو خطأ
تاريخي لن عبدال بن اباض الذي تنسب إليه الباضية توفي في أواخر أيام عبد الملك ،ونسب إليه المذهب لنه كان
أكثر ظهور في الميدان السياسي عند الدولة الموية.
)27هم أتباع نافع بن الزرق -في نظر الباضية.
)28في رسالة كتبها إلى عبد الملك بن مروان (86-65هـ).
.T. Lewicki, E.I,2e edi tom 3, article: EI- Ibadiyya, p.669.T )29
)30حول شخصية المام جابر ،راجع :صالح الصوافي ،المام جابر بن زيد.
)31عوض محمد خليفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية ص .6
)32حول مفهوم الكتمان ،راجع :الفصل الثالث من الباب الثاني من هذا البحث.
)33عوض محمد خليفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية ص .6أنظر كذلك :صالح الصوافي ،المام جابر بن
زيد ص 197وانظرLewicki , E.I., p670:
)34نقل عن الشماخي في السير ص 47
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يحدد الشيخ محمد ين يوسف اطفيش( )38الصيغة الصحيحة لتسمية أصحاب جابر ين زيد ويقول ":الباضية بكسر
الهمزة على أنها الصح"( ،)39إل أننا نجد الباضية -بفتح الهمزة -تستعمل عادة في المشرق كما في المغرب ،وقد
استعملها البرادي في كتابه الجواهر المنتقاة( .)40ومهما يكن فالتسمية بالباضية حادثة أطلقها المويون على
أصحاب عبدال بن إباض نسبة إلى أبيه أباض بن تميم اللت بن ثعلبة التميمي ،يقول البرادي عن الباضية" إمامهم
عبدال ونسبوا إلى أبيه اباض لنه أعرف من عبدال وأشهر منه"( .)41لكن الباضية ل يعتبرون عبدال إماما لهم
ول يضعونه في مرتبة المام جابر بن زيد من حيث العلم والتفقه في الدين ،فعبدال -إذن" -لم يكن إمام مذهب خاص
أخذ به أتباعه ،وقلدوه فيه...فلم يكن هو من الشيوخ المؤسسين للمذهب"( .)42أما عن الداعي إلى نسبة المذهب
إلى عبدال ابن اباض دون غيره من مشاهير الباضية ،فلن عبدال كان كما يقول سالم السيابي (ق 14هـ) ":أثقل
على زعماء أهل الباطل من الصخرة"( )43ومما حصل المويين على نسبة المذهب إلى عبدال بن اباض أن الخير
كانت كل مقاصده"ل وفي ال فكانت له بذلك شهرة أضفت عليه لباس زعامة دينية تبعه عليها أهل الحق فأضيفوا
إليه وعرفوا به فكان سورهم المنيع من جانب السلطان"( )44وأكثر من ذلك كان عبدال يمثل همزة وصل بين
جماعة الباضية والسلطة القائمة.
ويمكن القول من ناحية أخرى أن السبب الول في عدم نسبة المذهب إلى مؤسسه الحقيقي المام الفقيه جابر بن زيد
أن الظروف فرضت على جابر أن يعمل في الخفاء ،بعيدا عن أعين المخالفين ،لن أي أمر يكشف انتماءه للباضية
وولءه لجماعة أبي بلل مرداس ،فأنه يعرضه -ل محالة -إلى خطر يعود عليه وعلى المذهب بالضرر ،خاصة وان
جابرا يحظى بمكانة محترمة لدى العامل الموي الحجاج بن يوسف فنظرا لذلك اختار المام جابر سياسة التأقلم حسب
الظروف فهو -من جهة يعمل لرساء أسس المذهب وتوطيد أركانه سرا عن طريق عقد حلقات دروس لتكوين رجال
المذهب الذين سيكلفون بنشر المذهب في بلد السلم .ومن ناحية أخرى لم يكن المام جابر في معزل عن المجتمع
ولم يكن يعيش على هامش الحداث ،بل سعى إلى ربط أواصر الخوة السلمية مه ممثل الخليفة في البصرة ،حتى ل
يتعرض إلى العيون المتربصة.
ومن ثم فأن تسمية المذهب بالباضية ل تغني أن عبدال بن اباض هو الزعيم الروحي للمذهب وغيره تابع لـه -كما
يدعي بعض المؤرخين وكتاب المقالت ،ونستدل على ذلك باجماع المؤرخين الباضيين" على أن عبدال بن اباض
كان يصدر في كل أقواله وأفعاله عن جابر بن زيد"( ،)45كما كان يفعل أبو بلل مرداس بن أدية.
ومما يثبت هذا أن التسمية بالباضية لم يخترعها اتباع هذه الفرقة بل أطلقها عليهم مخالفوهم( )46فظل الباضية
يقاومون هذه التسمية ،لكنهم "مع مرور الزمن وإصرار مخالفيهم على تسميتهم بهذا السم ،قبلوا به خاصة وأنهم لم
يجدوا فيه ما يؤذيهم أو يسيء إلى سمعتهم"( .)47يقول السيابي تأكيدا لذلك":وهذه التسمية جاءتنا من مخالفينا
فقبلناها غير متبرمين منها .)48("....فالباضية إذن -قديما وحديثا يجمعون على أن السم الحقيقي لمذهبهم ليس
الباضية وإنما التسمية المفضلة لديهم هي أهل الستقامة( )49أو "أهل الدعوة أو جماعة المسلمين أو أهل
الستقامة والحق"( ،)50ويبدو أن هذه التسميات التي اختارها الباضية لنفسهم كانت مقصودة يهدف منها تمييز
مجموعة خاصة انبثقت من جماعة المحكمة التي تتفق معها الباضية حول الموقف السياسي الرافض للتحكيم .وبما
أن المحكمة انقسمت إلى فرق فإن الباضية اختارت لنفسها تسمية أهل الدعوة والستقامة لمرين:
الول :ل ينبغي أن تكون التسمية بانتساب جماعة معينة إلى شخص معين ،فالصل في النتساب أن يكون للدين الذي
وحد الشعوب وأذاب الطائفية في أمة واحدة هي أمة السلم ،وعلى هذا يؤكد الباضية بأنهم ل يتمذهبون مذهبا غير
الحق( )51حتى" إذا جارى الباضية المؤرخين وانتسبوا إلى عبدال بن اباض واتخذوا لهم اسما كسائر الفرق فل
يعني أنهم يقلدون الرجال ويقدسون أقوالهم ،انما أمامهم الحق الذي ل يهتدون يغير هدية ول يقلدون سواه هو محمد
بن عبدال صلى ال عليه وسلم ليس لغيره حق في المامة إل بالسوة الحسنة"(.)52
الثاني :التسمية بأهل الستقامة تشير إلى تخصيص جماعة دون غيرها تتميز بالمحافظة على تعاليم الشريعة التي ل
تقبل التبديل والتغيير .واللتزام بأصول العقيدة السلمية ،إذن فنعت الباضية بهذه الصفة يقتضي وجود فرق أخرى
حادث عن سواء السبيل ،ولم يلتزم بالمنهج الذي يرتضيه ال تعالى ،أو -على القل -ل تتفق مع الباضية حول
مسائل تتعلق بالصول فضل عن الفروع .وترمي الباضية من وراء ذلك أن تتميز -خاصة -عن الخوارج الذين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ومهما يكن من أمر التسمية فان العبرة بالمبادئ ومدى حرص الرجال باللتزام بالصول والعمل بإخلص وفق ما
يرتضيه الخالق ،وما كان اليمان يوما بالنتساب والتمني.
-------------------------------------------
)38أنظر حياة محمد اطفيش في الفصل الرابع من هذا الباب.
)39أنظر الشيخ محمد اطفيش ،الرسالة الشافية...الجزائر د.تا ،ص 49
Lewicki , E.I., p669 )40
)41أبو القاسم البرادي ،الجواهري المنتقاة...
)42سالم بن حمود السيابي ،إزالة الوعثاء عن أتباع الشعثاء تحقيق وشرح د .سيدة إسماعيل كاشف .مط سجل
العرب ،ص .57
)43سالم بن حمود السيابي ،طلقات المعهد الرياضي ص .77
)44سالم السيابي ،إزالة الوعثاء عن أتباع الشعثاء ص .57
)45عوض محمد خلسفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية ص .9
)46أنظر علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ ،حلقة -ص ،6وكذلك سالم السيابي ،إزالة الوعثاء...ص
.49
)47عوض محمد خليفات التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية في مرحلة الكتمان ،مسقط ،سلطنة عمان ،
د.تا ،ص .5
)48سالم السيابي ،إزالة الوعثاء ص .49
)49نور الدين السالمي في هامش :ان لم تعرف الباضية لمحمد اطفيش ص .26
)50عوض محمد خليفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية ،ص .5
)51سالم السيابي ،إزالة الوعثاء عن أتباع أبي الشعثاء ،ص .49
)52علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ ،الحلقة ،1ل .6
إذا سجلنا تاريخ نشأة الباضية بظهور عبدال بن اباض على الساحة السياسية في البصرة وبالتحديد في عهد الخليفة
الموي عبد الملك بن مروان(86-65هـ) فأننا نستطيع رصد الحركة الباضية في المشرق انطلقا من البصرة على يد
المام جابر بن زيد الذي اتبع سياسة عبدال بن اباض تجاه السلطة فكانت الفترة الولى من زعامة جابر ذات مردود
جيد لصالح الباضية لدخوله في علقات سلمية مع الحجاج -بواسطة زيد بن أبي مسلمة كاتب الحجاج( )53واستطاع
أثناء ذلك أن ينشط في نشر الدعوة سرا ،وفي مأمن من مكر السلطة .وانطلق في ذلك أول من قبيلته (أزد) العمانية،
فوجه إليها كل عنايته ،وبحكم مركزه بين أقاربه فأنه لم يتلق صعوبة في إقناعهم ،ولدرايته الجيدة بأبناء عمومته
وبهذا انضم إليه عدد وفير كان لهم الفضل في نقل تعاليم المذهب إلى أماكن عديدة من الجزيرة العربية.
ومن أسباب نجاح جابر في دعوته ما كان يتمتع به من مكانة علمية ودراية واسعة بعلوم القرآن الكريم والحديث
وحتى" شهد لـه الكثير من أهل العلم بالضبط والفطانة والصدق والمانة فنقلوا آثاره في مؤلفاتهم واحتجوا بأقواله
في أحكامهم" ( ،)54وقد تتلمذ عليه مشائخ كثيرون عرفوا فيما بعد بعلماء السنة المر الذي جعل ياقوت الحموي
يعده من أئمة السنة( )55ومن أبرز تلميذه وأكثرهم علما أبو عبيد مسلم بن أبي كريمة( )56الذي انتهت إليه رئاسة
المذهب بعد وفاة جابر( )57الذي وطد أركان الدعوة الباضية حتى أصبحت حركة سياسية شاملة اجتذبت عناصر من
قبائل وأجناس متعددة( .)58فكان على الزعيم الجديد أن يجتهد ما استطاع للمحافظة والدفاع عن المذهب وان يسعى
في الوقت نفسه لنشر الدعوة في كل جهة من البلد السلمية وكل ذلك من دون إثارة غضب السلطة أو التعرض
للمخالفين بأذى.
وبالفعل ،استطاع أبو عبيدة أن يشكل حكومة سرية تتكون من خيرة المشائخ ورجال العلم منهم :جعفر بن السماك
وصحار العبيدي ،من الطبقة الثانية(150-50هـ) وضمام بن السائب وأبو نوح ،من الطبقة الثالثة(150-100هـ).
ومن أجل ضمان استمرارية الدعوة الباضية في مأمن من الفتن وضع أبو عبيدة تنظيما خاصا للمجالس السرية
تختلف باختلف مهامها وبرامج عملها ،وترتيب طبقاتها ويمكن أن نصنف هذه المجالس إلى ثلثة أنواع(.)59
أ) المجالس العامة :تضم كل شخص ينتمي إلى أهل الدعوة الباضية تعقد هذه المجالس عادة في بيت أحد المشائخ أو
بيوت العجائز ،حيث يطمئن المجتمعون ،ويبتعدون ما أمكن عن أماكن الريبة ،وبعيدا عن عيون السلطة .ومهمة هذه
المجالس هي نشر الدعوة عن طريق المواعظ والدروس التي يلقيها المشائخ حول عقيدة المذهب وتعاليمه ،وقد
يكلف المجتمعون بأوامر يجب تنفيذها.
ب) مجالس العيان :وهي خاصة بعلماء الدعوة وزعمائها يجتمعون في سرية تامة ويبحثون في شؤون الدعوة
وقضايا السياسة ودراسة الوضاع ،ثم يقررون خطة العمل التي يجب اللتزام بها ،وتعتبر هذه المجالس بمثابة الهيئة
العليا لحركة سرية تدرس وتخطط وتنظم وتقرر ثم تشرف على تنفيذ التوصيات.
جـ) مجالس العلم :وهي حلقات للدراسة ،يحضرها طلبة العلم الذين يفدون إلى البصرة من جهات مختلفة ،ومن
جنسيات متعددة ،يتلقون العلم وأصول العقيدة ويتدربون على منهجية الدعوة وكل ذلك عن المام أبي عبيدة مسلم بن
أبي كريمة.
وكانت تعقد هذه الحلقات في سرداب بناحية البصرة( )60ل يعرفه إل رواده من المشائخ والعلماء والدعاة الباضيين
المعروفين بحملة العلم .واستطاع أبو عبيدة أن يجعل من البصرة مركزا لنشر الدعوة الباضية فمنها كان (حملة
العلم) يتخرجون ويتوزعون في كل أنحاء البلد السلمية وكان هؤلء تربطهم بالمركز علقات قوية حتى انه اذا
استجد أمر واستعصى النظر فيه عادوا بالقضية إلى مشائخ البصرة.
ولما توطدت دعائم الحركة واتسعت ميادين نشاطها اقتضى الحال إن يتخذ المام أبو عبيدة مستشارا لـه فعين حاجب
الطائي مساعدا لـه" فكان مسؤول عن الشؤون العسكرية والمالية والدعوة خارج البصرة"(.)61
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وبفضل السياسة الرشيدة المبنية على مبدأ اللين والتسامح -وفي الوقت نفسه -العمل في سرية ويجد لرساء دعائم
الدعوة ،تمكن أبو عبيدة أن يكسب ود السلطة ويحظى بثقة لدى الحكام المويين إل أن العلقة بين السلطة الحاكمة
وجماعة الباضية لم تكن دائما في حالة جيدة ،فكثيرا ما شابها الحذر والتخوف من الجانبين وخاصة عندما يعين
عامل جديد على البصرة أو يستلم خليفة جديد مقاليد السلطة المركزية ،فيسعى الباضية مبادرين بإرسال الوفود إلى
السلطة بقصد إيجاد سبل التفاهم والتقارب ،وهذا ما حدث -مثل -في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز(101-99هـ)
فقد أرسل إليه أبو عبيدة حينما اعتلى العرش وفدا بقيادة جعفر بن السماك وسالم الهللي( الطبقة الثاني -50
100هـ) وقد تكرر إرسال هذا الوفد لدى الخليفة عمر عندما توفي ولده عبد الملك بن عمر()62
وفي عهد يزيد بن عبد الملك(105-101هـ) بظهور فرقة متطرفة في الوساط الباضية ،تنادي بالثورة ضد الحكم
فتصدى لها الجيش الموي وقضى عليها في معركة العقر سنة 102هـ وقتل فيها يزيد بن المهلب -زعيم الثورة(-
.)63فكانت هذه الحادثة بمثابة نقطة تحول حاسمة في سياسة الحركة الباضية ،فقد تأثر المهالبة وقادة الزد بما
يقع ،فغضب الباضية على العمال المويين ،وطالبوا بضرورة النتقام وتغيير الوضع يجعل حد للحكم الموي
ولسياسة القمع التي ينتجها ولة البصرة.
وأمام هذه الوضاع كان المام أبو عبيدة يجتهد في تهدئة الثوار ويدعو إلى التريث والتزام الهدوء بل" كان معارضا
لي تصرف مباشرة"( )64لتمسكه بمبدأ اللين وكسب الخلفاء إلى جانبه ومع كل ذلك وجد المام نفسه ملزما بإعادة
النظر في سياسة الحركة ،وشرع في التفكير العميق إيجاد مخرج مناسب يتماشى والتعاليم الساسية للباضية ،وبعد
استشارة المشائخ وزعماء المذهب اضطر إلى تغيير موقفه خوفا من وقوع انقسام داخل صفوف الباضية ،علما أن
الغلبية كانوا يطالبون بضرورة النتقال من مرحلة الكتمان إلى مرحلة الظهور( . )65إل أن ذلك لم يكن بالمر
الهين ،فالمسألة تتطلب الكثير من التعقل والستعداد الجيد ،خاصة وان المام أبو عبيدة يرى أن القضية يتوقف عليها
مصير الحركة الباضية فهو يعتبر جيدا بما آلت إليه الحركات الخارجية المتطرفة من تشريد وإبادة وبناء على ذلك
تبني وجهة نظر معقولة تضمن له تحقيق دولة إباضية في حالة الظهور وبأقل كلفة وتتلخص نظريته فيما يلي:
-1ل يمكن "أن يخرج الباضية من البصرة لقامة إمامة مستقلة في ضاحية من ضواحي البصرة كما فعل نافع بن
الزرق وأتباعه"( ،)66لن ذلك يؤدي إلى صراع مع السلطة الحاكمة ،وإمكانيات الباضية غير كافية لرد العدو
والدفاع عن النفس.
-2يستحسن البدء -أول -بإقامة حكومة مؤقتة سرية داخل البصرة تتولى تنظيم الحركة الباضية داخل وخارج
العراق ومن مهامها الساسية تكوين الدعاة تكوينا دينيا واجتماعيا وسياسيا ثم تكليفهم بإقامة دولة اباضية في جهات
مختلفة من الوطن السلمي ،كبداية لقامة إمامة اباضية شاملة على أنقاض الدولة الموية.
وبفضل هذه السياسة خرجت الحركة الباضية من البصرة لتنتشر في أرجاء العالم السلمي فوصلت إلى الكوفة
والموصل وبقية أنحاء العراق ،ودخلت مكة والمدينة ووسط الحجاز ثم اتجهت نحو الجنوب لتستقر في اليمن
وحضرموت.
وفي عمان وجدت الدعوة الباضية تربة صالحة لتنمو وتزدهر ،المر الذي أتاح لعمان أن يلعب دورا هاما في
تاريخ الباضية حتى قيل ":بدأ العلم بالمدينة وفرخ بالبصرة وطار إلى عمان"( )67وهذا ما أكده التاريخ حيث
أصبحت الديار العمانية المركز الروحي للشعاع الباضي خاصة بعد انتقال مشائخ البصرة إليها كما يعود الفضل إلى
عمان في انتقال الباضية نحو الهند والصين عبر جزيرة ابن كعوان (كيشم)( .)68كما انتشرت الدعوة كذلك في
خرسان بالفرس عن طريق حملت العلم التي وجهها أبو عبيدة إلى تلك المناطق.
وعلى غرار انتشار الباضية جنوبا وشرقا فقد واصلت سيرها نحو المغرب عن طريق مصر التي أصبحت هي
الخرى مركزا مهما للدعوة الباضية.
---------------------------------------------------
)53نقل عن الشماخي في السير ،ص.ص 74-71والمبرد في الكامل ص .56
)54سالم السيابي ،إزالة الوعثاء عن أتباع أبي الشعثاء ،ص .15
)55ياقوت الحموي معجم البلدان ،مجلد ،2ص .243
)56حول شخصية المام أبو عبيدة بن مسلم راجع سير الشماخي ص 83وأنظر طبقات الدرجيني جـ 1وجـ ،2
البرادي الجواهر المنتقاة.
)57اختلفت الروايات حول تاريخ وفاة المام جابر والغالب بين سنة 93هـ و 96هـ أو 103هو الرجح سنة 93هـ،
راجع الجواهر المنتقاة ص ،155بواب بن سلم ،شرائع الدين(مخ) ص ،38سير الشماخي ص .77
)58عوض خليفات ،التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية في مرحلة الكتمان ص .5
)59للمزيد من التفاصيل حول تنظيمات المجالس راجع عوض محمد خليفات في التنظيمات السياسية والدارية عند
الباضية...ص ،7-6وانظر الصول التاريخية للفرقة الباضية ،للمؤلف نفسه ،ص.ص 41-36
)60أنظر أبو زكريا يحيى بن أبي بكر(ت )471.كتاب سير الئمة وأخبارهم تح :إسماعيل العربي ،ط ،2دار الغرب
السلمي ،بيروت 1982ص ،65-55الدرجيني ،طبقات المشائخ بالمغرب تح ،إبراهيم طلي جـ ،2ص ،21
الشماخي السير ،ص ،142علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ حلقة ،3ص.ص .15-13
)61عوض خليفات ،الصول التاريخية الباضية ،ص .41
T. Lewicki , En, Is., p671 )62
نقل عن الشماخي في السير ص.ص ،80-79وأبي الحسن في السير العمانية ص .111.666.667
)63عوض خليفات ،الصول التاريخية للفرقة الباضية ص .44-43
T. Lewicki , E. Is., p670 )64
)65م.س ،ص ،671نقل عن الشماخي في السير ص .83
)66م.س .ص .671
)67نور الدين السالمي ،اللمع ،ص .183
)68توجد بالقرب من سواحل كيرمان مقابل رأس مسندم.
يقول المام عبد الرحمن بن رستم( ":)69أول من جاء يطلب مذهب الباضية ونحن بالقيروان -أفريقيا -سلمة بن
سعد( )70قدم علينا من أرض البصرة ومعه عكرمة مولى ابن العباس(ت 107هـ)...فسلمة يدعو إلى مذهب
الباضية وعكرمة يدعو إلى مذهب الصفرية"( )71ويبدوا أن مجيء هذين الرجلين إلى المغرب كان بدافع نشر
الدعوة ،ول يكون ذلك إل ضمن خطة مدروسة وضعها المام أبو عبيدة فقد كان يرسل "بعض الدعاة لستطلع
أحوال الناس في المغرب ومعرفة اتجاهاتهم ودراسة عاداتهم وتقاليدهم وطرق معيشتهم ومقدار تطورهم الفكري
والحضاري ودرجة ولئهم للسلطة الحاكمة"( )72ليسهل على المام اختيار الشخاص الذين يستطيعون تحمل أعباء
الدعوة وسياسة الرعية ،وتنفيذ أحكام ال بالعدل ،وتحقيق المساواة بين الناس دون اعتبار للنسب أو الجنس أو
اللون ،فوقع المأمول ونجح سلمة بن سعد في مهمته بإيجادها أرضا بكرا وشعبا مطواعا فنالت دعوته إقبال واسعا"
ولم يكد يمضي على دخوله إلى المغرب عشرون سنة حتى تكونت جماعة معتبرة من الباضيين في طرابلس يتزعمها
رجل يدعى :عبدال بن مسعود التجيبي( )73الذي آزراته قبيلته هوارة التي اعتنقت المذهب الباضي ثم تبعتها زنانة
في شرق طرابلس ،ونفوسة في الجبل -الذي يحمل إلى اليوم اسم جبل نفوسة -وبفضل هذه القبائل البربرية انتشر
المذهب الباضي في شمال أفريقيا.
وبعد مقتل عبدال بن مسعود التجيبي على يد عامل طرابلس( )74اجتمع أهل الحق والستقامة" لما أنسوا من
أنفسهم القوة والمنعة وانتخبوا المام الحارث الكندي( ....)75فقام بالمر وساس البلد خير سياسة( ).....فكان أول
إمام بويع بالمغرب هذا المام"( )76لكن بعض الدارسين المعاصرين( )77يرون أن الزعامة كانت مشتركة بين
الحارث وصاحبه عبد الجبار بن قيس المرادي ،ووقع بينهما خلف حول الحكم حتى انتهى بهما المر إلى القتال
فطعن أحدهما الخر.
لكن المصادر الباضية تنفي هذا القول ،وتؤكد أن المامة كانت للحارث بينما تولى عبد الجبار مهمة القضاء( )78أما
قصة موتهما فهي مسألة غامضة لم يستطع المؤرخون الوصول إلى معرفة الحقيقة وتفسير ما حدث .وإن غلب على
ظن الباضية إن العملية كانت من تدبير العداء لثارة الخلف بين أتباع المذهب وتفكيك وحدتهم( )79وهذا ما يؤكده
ابن خلدون في تاريخه ،ويذكر أن مقتل الحارث وعبد الجبار كان على يد عبد الرحمن بن حبيب( )80الذي زحف
إليهما سنة 131هـ في قتل البربر(.)81
بعد موت الحارث وعبد الجبار تولى إسماعيل بن زياد النفوسي الذي مات بعد وليته مباشرة سنة 132هـ ،وبموته
انتهت الدولة الباضية وحافظوا على أصول المذهب.
وفي هذه الثناء كانت البعثة العلمية على وشك الرجوع من المشرق ،أما عن هذه البعثة فتتكون من خمسة رجال
اختيروا للسفر إلى البصرة واللتحاق بمعهد أبي عبيدة .ومما يلحظ في هذه الجماعة أنها لم تكن خاصة لقبيلة دون
أخرى ،أو جنس دون غيره بل تضم عناصر مختلفة تجمع بين العربي والبربري والفارسي ،كيف ل؟ والسلم أذاب
هذه العناصر في أمة واحدة قائدها الرسول ودستورها القرآن والسنة .وأعضاء الجماعة هم على التوالي :أبو درارا
إسماعيل بن درار الغدمسي(من ليبيا -حليا )-وأبو درار القبلي النفزاوي (من مدينة نفزاوة جنوب تونس) وعاصم
السدراتي( من سدراته بالقرب من وارجلن جنوب الجزائر ،وعبد الرحمن بن رستم (أصله فارسي أقام في القيروان)
وأخيرا أبو الخطاب عبد العلى بن السمح المعفاري (عربي من اليمن) .اتصل هؤلء بالمام أبي عبيدة ،ومكثوا في
حضرته أعواما عديدة يتلقون العلم وأصول العقيدة ومنهج الدعوة ،وبعد استكمالهم الدراسة أمرهم المام بالعودة إلى
وطنهم وأصدر لهم تعليمات بتكوين إمامة اباضية مستقلة في طرابلس.
وهناك في الغرب اجتهد أعضاء البعثة في تبليغ أمانة الدعوة ،وعملوا كل ما في وسعهم لتحقيق أهدافهم ونشر
مبادئهم وقد ركزوا في ذلك -خصوصا على "المبادئ العامة البسيطة التي يفهمها عامة الناس ...مثل المساواة في
الحقوق والواجبات بين المسلمين ،وأحقية كل مسلم في الوصول إلى أعلى مراتب السلطة ،على أن هذا المر ليس
مقصورا على قريش ول على العرب وأعلنوا أنهم سيطبقون العدل والحق ...ولقيت هذه الشعارات تجاوبا سريعا لدى
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
البربر الذين اشتكوا طويل من ظلم الولة ومن فقدان العدل والمساواة مع أقرانهم من العرب المسلمين"( )82وكانت
النتيجة أن تكللت مجهودات هؤلء الدعاة بإعلنهم الدخول في مرحلة الظهور فأسسوا إمامة مستقلة رئيسها أبو
الخطاب عبد العلى بن السمح الذي أخذ زمام المور بجد ،حتى تمكن الباضية بقيادته الستيلء على مدينة طرابلس
بانقلب أبيض ،لم تسل فيه قطرة دم ،ثم واصل أبو الخطاب في توسيع رقعة نفوذه ،لتشمل جزيرة جربة ،ومدينة
القيروان التي كانت تحت سلطة الصفرية من قبيلة ورفجومة ،وبهذا تكونت دولة اباضية كبرى شملت ليبيا وتونس
وشرق الجزائر( )83إل أن القدر لم يكتب لهذه الدولة أن تعيش أكثر من أربع سنين ،فقد تصدى لها الخليفة العباسي
أبو جعفر المنصور(158-95هـ)( )84وبعث بجيش للقضاء عليها تحت قيادة محمد بن الشعث( )85الذي تقابل مع
أبي الخطاب وأصحابه (بموضع يقال لـه "تورغا" قرب مدينة طرابلس( ،)86وهناك أستشهد أبو الخطاب ومن معه
من أصحابه ،ولما بلغ الخبر عبد الرحمن بن رستم( )87وهو في طريقه بمدد من الرجال إلى أبي الخطاب -تفرق من
معه فتوجه برفقة ابنه عبد الوهاب إلى بلد المغرب الوسط ،وهناك اعتصم مع من اجتمع حوله من قبائل البربر
بجبل "سوفجج" بالقرب من مدينة تاهرت( )88ولما كانت سنة 160هـ اجتمع أعيان القبائل الباضية بعد أن قويت
شوكتهم وأنسو من أنفسهم القوة والطاقة" فأرادوا التولية فنظروا في عامة القبائل فوجدوا في كل قبيلة رأسا أو
رأسين كل يصلحون للمارة فاشتوروا فيما بينهم.....فاتفق رأيهم جميعا على تولية عبد الرحمن رستم ومبايعته،
فبايعوه على المامة.)89("...
وكانوا قد شرعوا في بناء تاهرت ليتخذوها عاصمة لدولتهم( )90وبالفعل أصبحت مركزا مهما للنشاط الباضي في
شمال أفريقيا حتى سميت بأم العسكر)(.)91
ازدهرت الحياة واستقرت الوضاع في عهد الرستميين" ،وبلغ المذهب الباضي أوج عظمته العلمية والسياسية حيث
كان أساسا لحضارة لم يشهد المغرب الوسط مثيل لها من قبل( )92غير أن الحداث تغيرت فدخلت الدولة الرستمية
في طورها الثاني ،ولم يكن بأحسن مما يريده الباضية .فقد ظهرت فيه بوادر الضعف والنقسام ،خاصة بعد احتلل
الغالبة الشريط الفاصل بين طرابلس وتيهرت سنة 224هـ .وما أحدثه النكار( )93والواصلية( )94من شقاق وتمرد
على السلطة بالضافة إلى تحريات القبائل المعارضة للنظام ،ومطالبة العمال بالستقلل عن السلطة المركزية ،وما
نتج عن الخلف العقائدي من نزاع وصراع كل ذلك ساهم في أضعاف الدولة وفقد الئمة القوة على التحكيم في
الوضاع ،ثم كانت معركة "مانو" سنة 283هـ بمثابة الضربة القاضية للنظام الرستمي ،فلم تستطع تيهرت سنة
296هـ 909 -م أن تقوى على رد العداء فسقطت أمام جيوش أبي عبدال الشيعي ،وفر أبو يوسف يعقوب -آخر
الئمة الرستميين -مع أفراد أسرته وأعيان دولته إلى سدراته قرب وارجلن ،وهناك حاول الباضية تأسيس دولة
جديدة ،لكن الظروف لم تكن مناسبة ولم تتحقق هذه المنية منذ ذلك التاريخ .وبهذا دخل الباضية في مرحلة الكتمان،
من جديد ،وهي الوسيلة الفضلى للمحافظة على كيانهم ،وبلوغ الهداف العليا والمتمثلة في نشر الدعوة -ولو سرا-
وتحقيق الوحدة بين أتباع المذهب وتخفيف حدة التوتر بينهم وبين مخالفيهم من السنيين والشيعة ولجل ذلك اعتمد
الباضية على أمرين في طور الكتمان:
أول :تنظيم هيئة خاصة بمثابة السلطة ،تقوم مقام المام أو الخليفة ،في مرحلة الظهور ،وتتكون هذه الهيئة من
العلماء وأعيان القبائل تشرف على هيئات أخرى تفرعت عنها تدعى بمجالس العزابة( )95وتتواجد هذه الخيرة في
كل تجمع للباضية وإليها يرجع النظر في كل المور التي تخص الباضية سواء في الحياة الدينية أو الجتماعية .ول
يزال هذا التنظيم قائما على سوقه ،معمول به لدى اباضية الجزائر في وادي ميزاب .وقد اهتدى الباضية إلى وضع
هذا التنظيم في بداية القرن الخامس الهجري على يد الشيخ أبي عبدال محمد ابن بكر(.)96
ثانيا :البتعاد -ما أمكن -عن مواطن المخالفين واللتجاء إلى الماكن النائية التي يقل ارتيادها فالباضية يعتقدون أنه
بانزوائهم بعيدا عن أعين العداء يستطيعون حفظ مذهبهم وكيانهم وتحقق وحدتهم وتماسك جماعتهم .فاعتمادا على
ذلك شرع قسم من الباضية يغادرون وارجلن و"واد ريغ" ليستقروا في وادي ميزاب حيث أسسوا هنالك مدنا في
ظروف طبيعية قاسية ،ول يزالون في تلك المناطق إلى اليوم.
أما اباضية طرابلس فقد التجأوا إلى جبل نفوسة ومدينة زوارة الواقعة على الشاطئ الغربي لليبيا وقسم آخر منهم
استقر في جزيرة جربة التونسية( )97حيث ل يزالون حتى اليوم.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وتجدر الشارة ونحن في صدد الحديث عن الباضية في المغرب ،إلى دور هذه الفرقة السلمية وإسهامها في نشر
السلم بين أهالي السودان( )98عن طريق التجارة ،وقد شهدت الفترة الرستمية بشكل خاص نموا خاصا في نمو
العلقات القتصادية بين الباضيين والبلدان المتاخمة للدولة الرستمية جنوبا .فقد أوفد المام أفلح بن عبد الوهاب(
582-205هـ) سفيرا لـه إلى بلط ملك غانة أو " قاو"( )99كما تشير المصادر الباضية إلى أن عددا من التجار
الباضيين كانوا ينتقلون بين الجريد وغانة خلل القرن الرابع والخامس الهجري( ،)100وهذا مما
يؤكد إسهام الباضية في خدمة السلم بشمال أفريقيا.
-----------------------------------------------------------------
)69مؤسس الدولة الرستمية في تيهرت سنة 160هـ ،أنظر الدرجيني طبقات المغرب جـ 1ص ،21تاريخ أبي
زكريا تح إسماعيل العربي ص .71
)70شيخ من البصرة ظهر في مطلع ق 2هـ يالقيروان.
)71الدرجيني ،طبقات المشائخ بالمغرب جـ 1ص ،11الشماخي ،السير ص .98
)72عوض خليفات ،التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية ،ص .7
)73إسماعيل العربي في مقدمة تحقيقه لكتاب سير الئمة وأخبارهم لبي زكريا يحيى بن أبي بكر ،ط ،2دار الغرب
السلمي بيروت ص 16
)74م.س،ص ،16نقل عن ابن الحكيم ،فتوح مصر ص .224
)75ويدعى الحارث بن تليد الحضرمي ،وجد قتيل مع صاحبه عبد الجبار بن قيس المرادي وسيف أحدهما في رقبة
الخر سنة 131أو 132هـ ،وحول هذه المسألة نشأ خلف فقهي -عقيدي تنبى إشكالية على الولية المعينة هل
تنتقل الى الوقوف أم ل؟ واليقين هل يدفعه الشك أو ل يدفعه ال اليقين ،راجع طبقات الدرجيني تح إبراهيم طلي ،مط
قستطينية الجزائر د.تا .جـ ،1ص .25-24
)76أبو اسحاق إبراهيم اطفيش في هامش كتاب الوضع لبي زكريا يحيى بن أبي الخير ،مط الفجالة الجديدة،
القاهرة د.تا.ص .8
) 77إسماعيل العربي في مقدمة كتاب سير الئمة وأخبارهم لبي زكريا ص 16وأنظر كذلك
T .Lewicki, En .Is. p. 677
Pierre Cuperly, Introduction a I'etude de I'Idadisme et de sa theologie O.PU
.Alger. 1984, p.p 293-294
) 78أبو اسحاق إبراهيم اطفيش في تقديمه لكتاب الوضع لبي زكريا .ص .8
) 79م.س ،الصفحة نفسها ،وأنظر الدرجيني ،الطبقات ج 1ص .24
) 80عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن .عامل جعفر بن المنصور في أفريقيا قتله عبد الملك بن جعفر سنة
140هـ.
) 81ابن خلدون كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر...ج .6ص 223
) 82عوض خليفات ،التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية ،ص .9
) 83للمزيد من التفاصيل حول نشأة الخطابية راجع :الدرجيني طبقات المشائخ ج ،1ص .24أبو زكريا ،سير
الئمة وأخبارهم تح إسماعيل العربي ،ص.ص ،65-57الشماخي ،كتاب السير ،ص .131وأنظر
Aicha Daddi- Addoun, Sociologie et histoire des Algeriens Ibadites, Im, EL-
Arabia, Ghardaia, 1977, P.103, T. Lewicki E.L.P 675, Gerard Dangel L'Imamat
.Ibadite de Tahert p.37
) 84هو عبدال بن محمد بن علي بن عباس اشتهر بحبه للفلسفة والعلوم الفقهية والداب .نقل عاصمة العباسيين
الى بغداد راجع الكامل لبن أثير ج 5ص .172
) 85محمد بن الشعث الخزاعي ،أكبر قواد العباسيين في عهد أبي جعفر المنصور ت148.هـ في غزوة للروم.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ل يختلف اثنان في إن الباضية فرقة إسلمية ل تحيد أصولها العقيدية عن النبع الصافي للشريعة السلمية ،الكتاب
والسنة .لكن الخلف قد يقع حول بعض الراء في المسائل الخلفية بين المذاهب .فيكثر الجدل حول هذه الراء من
حيث صحتها أو فسادها ،ومن حيث قربها أو بعدها عن أصول العقيدة السلمية.
وحيث إن الفرق انما يتميز بعضها عن بعض بما تحدده من آراء اجتهادية تختلف باختلف وجهات النظر لدى كل
فرقة ،فانه من تمام التعريف بالمذهب الباضي يحسن بنا أن نعرض آراء هذه الفرقة في المسائل اللهية والنسانية
معتمدين على ما توفر لدينا من مصادر(.)1
اجتمع علماء الباضية( )2على إن المسائل التي وقع عليها اختلف الناس تسعة ،وهي التوحيد ،والعدل ،والقضاء
والقدر ،والولية والبراءة ،والمر والنهي ،والوعد والوعيد ،والمنزلة بين المنزلتين ،وان ل منزلة بين المنزلتين،
والسماء والحكام.
تلك هي الموضوعات التي أثارت الجدل والمناظرات بين المتكلمين وكتاب المقالت .ولما حدد الباضية موقفهم منها
واتضحت آرائهم حولها غدت أصول للعقيدة عند الباضية .كما تحددت عقيدة المعتزلة بأصولها الخمسة على أن
الخلف بين الباضية والمعتزلة لم يكن حادا حول هذه الصول حتى ان الباحثين في الفلسفة السلمية أثبتوا توافقا
في الراء بين الباضية والمعتزلة ،منها الصفات عن ال تعالى ،وخلق القرآن ،ونفي الرؤية(" )3كما تقترب العقائد
الباضية وآراؤهم السياسية والدينية بصفة عامة في كثير من المسائل الهامة بعقائد أهل السنة"(.)4
-1التوحيد:
وهو إفراد المعبود بالعبادة ،والتصديق بوحدانية الخالق ذاتا وصفاتا وأفعال والقرار بوجود واجد الموجودات ،وهو
ال الذي ل إله إل هو ،متعال عن صفات المخلوقات فل أول ول آخر ،وهو شيء ل كالشياء( )5لن أوليته سابقة
لكل شيء مخلوق وآخريته باقية بع فناء كل مخلوق فسبق ال ل بداية له وبقاء ال ل نهاية له ،فلزلية ل وحده لن
ما سواه مخلوق والمخلوق موجود بعد عدم حيث ل زمان ول مكان لن العدل انتفاء الشيء أصل إل ال وكذا البدية
ل وحده لن كل شيء هالك إل وجهه ،وهلك الشيء هو فناء الموجود بعد الوجود وهو حال العدم حيث كون ال ول
شيء.
واعتبارا بهذا فل يصح التوحيد إل بأفراد الخالق عن المخلوق في "ذاته وأقواله وأفعاله وأحكامه وعبادته وصفاته
وسائر كمالته"( ،)6فلو تشابه مع الخلق -كما تزعم المشبهة -في أقل قليل لدخل عليه العجز منه ول جناح إلى ما
احتاجوا "فليس هناك ذات تشبه ذاته تعالى .ول تقبل ذاته النقسام ول تشبه صفاته الصفات ،ول يدخل أفعاله
الشراك فإن الفعل له سبحانه خلقا وان ينسب إلى غيره كسبا"()7
وأهم مبحث في التوحيد هو صفات ال تعالى وقد كان موضوع خلف كبير بين المتكلمين ،أما الباضية فالصفات
عندهم ثلثة أنواع:
أ) صفات وجبة ل -كالوجود والزلية والبدية والحياة والعلم.
ب -صفات جائزة ل يوصف بها حين يفعلها ،ول يوصف بها إذا لم يفعلها لجواز فعلها أو تركها .وتنقسم الصفات
الواجبة إلى قسمين ،ذاتية وفعلية أما صفات الفعل فأنها "تجامع ضدها في الوجود عند اختلف المحل"( )8ومثاله
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أن يهب ال للواحد ذكرا وللخر أنثى ،أو أن يعطي العلم لفلن ويخلق الجهل للخر ،وصفات الفعال قديمة أزلية
كصفات الذات فيوصف ال بأنه خالق في الول اعتبار ما سيخلق ،وإنه عالما بما كان قبل أن يكون.
أما صفات الذات كالعلم والقدرة والرادة فأنها ل تجامع ضدها في الوجود ولو اختلف المحل ،فل يقال قدر ال على
فعل شيء وعجز عن فعل شيء .وصفات الذات أنور اعتبارية ل وجود لها في ذاتها ول في ذاته تعالى وانما
المقصود بها نفي أضدادها المستحيلة في حق ال تعالى فوصف ال بالعلم نفي الجهل عنه بينما الصفات عند
الشاعرة وهي "معاني بالباضية قائمة بذاته تعالى زائدة عليها"( )9فهي عند الشعري حقيقة أزلية لكنها ليست
كصفات البشر وهي عند الحشوية والمشبهة حقيقة ثابة شبيهة بصفات النسان ،أما الباضية فترى ان الصفات هي
عين الذات( )10والمراد بهذا ان ذاته تعالى كافية في النكشاف والتخصيص والتأثير والستلزام ،فكون ال عالما
بذاته يعني أن ذاته منكشف لها جميع المعلومات انكشافا تاما من غير قيام صفة قديمة مقتضية لذلك النكشاف فال
غني عن كل معنى قديم زائد عليه قائم به للنكشاف.
وكون ال في كل مكان انما بالحفظ والقدرة وكونه في الشياء ومعها على معنى العلم بها والحاطة لها بالزيادة
وبالنقصان ل على الحلول والتمكن( )11واستواء ال على العرش وعلى كل شيء غير معقول( )12لقصر عقل
النسان عن إدراك ذات ال وصفاته ،ويقتضي هذا أن يؤول العرش بالسلطان واليد بالقدرة والوجه بالوجود وهذا
مذهب المعتزلة في التأويل وإنكارهم لزيادة الصفات عن الذات يوافقهم في ذلك الباضية" وهو عين ما حققه السيد
الجرجاني في شرح المواقف"( )13خلفا للمشبه والحشوية والمتمسكين بظاهر النص ،فأثبتوا حلول ال على
العرش وجلوسه على الكرسي تعالى ال عن ذلك علوا كبيرا.
-----------------------------------------------------------
)1الربيع بن حبيب بن عمر الزدي البصري(ت 170هـ) ،الجامع الصحيح ،نا دار الفتح للطباعة والنشر بيروت ومكتبة الستقامة ،مسقط
عمان ،مط العمومية دمشق1 ،رمضان 1388هـ ،ج 1ص ،20-19ج 3ص ،29-26أبو زكريا يحيى بن الخير الجناوي ،الوضع ص
،16-11تبغورين بن عيسى الملوشاني ،نخبة المتين من أصول تبغورين ،ضمن كتب مختارة ،مط العربية ،غارداية ،د.تا .ص -175
.200أسماعي الجيطالي(أبو طاهر) (ت750.هـ) قواعد السلم ،تح مر ،ش.بكلي عبد الرحمن ،ط ،1مط العربية غارداية ،أبريل
1976م ،ج 1ص ،34-31أوب عمار عبد الكافي(ق 6هـ) الموجز ،تح د.عمار طالبي ،ش.و.ن.ت .الجزائر 1978م ،ج 1ص -429
،430ج 2ص ،92-91ص ،106-104ص ،117-116عبدال بن حميد السالمي (ت )1914.مشارق أنوار العقول ،تح أحمد بن حمد
الخليلي ،ط 2مسقط عمان 1978م ،ص ،295 ،198 ،175عمر بن جميع ابو حفص ،مقدمة التوحيد وشروحها ،القاهرة 1353هـ،
ص 26-21أحمد بن سعيد الدرجيني(أبو العباس ت670 .هـ) ،طبقات المشائخ بالمغرب ،تح إبراهيم طلي ،مط البعث ،قسطينية د .تا ،ج
2ص ،246محمد بن يوسف اطفيش(ت1914.م) الذهب الخالص ،تح وتع أبو اسحاق إبراهيم اطفيش ،مط البعث ،قستطينية1980 ،م،
ص ،26-22علي يحيى معمر (ت1979.م) الباضية في موكب التاريخ حلقة 1ص ،92-68بكلي عبد الرحمن فتاوي البكري ج 1و .2
) 2من اباضية المغرب :ش عامر بن علي الشامخي(92هـ )1390/ش.تبغورين بن عيسى الملوشاني (ق 6هـ) ،ش .عمر التلتي
ش.عبد العزيز الثميني(ق 19م)
) 3راجع د.عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،ج 1ص .140
T. Lewicki E.L ) 4
) 5ش.محمد بن يوسف اطفيش ،الذهب الخالص ،مط السلفية القاهرة 1343م ،ص .7
( 6ش.عمر بن رمضان الثلتي ،نخبة المتين من أصول تبغورين ،ضمن كتاب تحت عنوان "كتب مختارة" مط العربية غارداية د.تا .ص
.175
( 7نور الدين السالمي ،مشارق أنوار العقول ،ط ،2مط العقيدة ،عمان ،1978ص .150
( 8نور الدين السالمي ،مشارق أنوار العقول ،ص .173
( 9ش.عمر بن رمضان الثلتي ،نخبة المتين من أصول تبغورين ص .178
) 10راجع صالح الصوافي ،المام جابر بن زيد ،ص .235 ،234
) 11عبد العزيز الثميني ،معالم الدين في الفلسفة وأصول الدين(مخطوط) ورقة .353
) 12ش.علي بن عامر الشماخي ،متن الديانات ،ضمن كتب مختارة ،ص .47
.2العدل
أجمع المسلمون على أن ال عدل ل ينسب إليه الجور ول يوصف به ،سواء في أحكامه أو أفعاله( )14وانما الخلف
بين المتكلمين يتركز حول الحرية النسانية وهي مرتبطة بالعدل اللهي هل النسان حر في تصرفاته أي خالق
لفعاله؟ أم أن الخلق ل ول طاقة للعبد في اختيار ما يريده؟ اختلف الخوارج حول هذا فافترقت الرافضة إلى أربع
فرق( )15في القول بالستطاعة ،ومن الخوارج من بالغ في مسألة العدل اللهي حتى زعموا ان ال ل يقدر أن يظلم
"فكان ال عدل محض ل يوصف بالقدرة على الظلم فضل عن ان يصدر عنه أو أن يخلقه"( )16ويفسر صاحب متن
الديانات ،ش.عامر بن علي الشماخي (ت 792هـ) ،قوله تعالى:
] إن ال ل يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون[ ( ،)17بأن ال ل يؤاخذ الناس بما لم يكتسبوه من عمل
كما ل يعذبهم على ما لم يقترفوه من فعل( )18ما دام ال ل يجبر أحدا على فعل خلفا للمجبرة( )19التي زعمت أن
ال أجبر الناس على أفعالهم التي زجهم عنها ثم عذبهم عليها( )20وليس الجهمية وحدهم يقولون بالجبر فالخوارج
أيضا منهم من يقول بذلك وقد ذكر ابن حزم الندلسي أن طائفة من الزارقة ترى الجهم بن صفوان(.)21
أما الباضية فيدينون بأن الفعال خلق ال تعالى وهي في ذات الوقت كسب النسان وبهذا تتأكد حرية العبد وقدرته
على الختيار من دون أن يتعارض ذلك مع مشيئة ال وإدارته في الخلق الذي يتفرد به دون غيره ،أما الستطاعة
هي التخلية ،وان الستطاعة ل تبقى توقتين ،وهي كل شيء غير استطاعة ضده( )22فالستطاعة على فعل يستوجب
استطاعة على عدم فعل الشيء هذا رأي الباضية أما الرافضة من الشيعة فترى ان الستطاعة قبل الفعل وليس معه
وهي الصحة وبها يستطيع المستطيع فكل صحيح مستطيع( .)23كما اختلفت الزيدية من الشيعة( )24في الستطاعة
فمنهم من يزعم ان الستطاعة مع الفعل والمر قبل الفعل ومنهم من يرى ان الستطاعة قبل الفعل وهي مع الفعل
مشغولة في حال الفعل( )25القول في العدل أنه وضع الشياء في مواضعها واعطاء كل ذي حق حقه وتنزيل كل
شخص منزلته( )26وان ال في جميع أحكامه وأفعاله وأنه ليس بظلم للعبيد.
--------------------------------------------------
) 14عامر بن علي الشماخي ،متن الديانات ص ،47أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،نشر وتعليق إبراهيم
اطفيش ،ط ،1مط الفجالة القاهرة ،د.تا .ص .22
) 15أبو الحسن الشعري ،مقالت السلميين ،تحقيق محمد محي الدين ،ط ،2دار الحداثة ،85جـ ، 1ص .111
) 16عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،ش.و.ن.ت ،.الجزائر 1978م ،جـ ،1ص .153
) 17سورة يونس ،الية .44
) 18عامر بن علي الشماخي ،متن الديانات ،ص .47
) 19أصحاب جهم بن صفوان ،الذي قال بالجبار والضطرار الى العمال ،وانكر الستطاعة كلها ...وقال ل فعل ول عمل لحد غير ال
تعالى ،عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ص ،199ويقال لهم الجبرية أو المجبرة لقولهم بالجبر ،الى ان النسان مسير ل مخير في
جميع أفعاله.
) 20أبو زكريا يحيى ،كتاب الوضع ص .22
) 21ابن حزم الندلسي ،الفصل في الملل والنحل ،جـ 3ص .22
) 22أبو الحسن الشعري ،مقالت السلميين جـ ،1ص .174
) 23أبو الحسن الشعري ،مقالت السلميين جـ ،1ص .112
) 24أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ،كان المرجثة ل يفضلون أحدا على زيد بن علي فهو إمامهم وصاحب الفضيلة
على من سواه ،للمزيد من التفاصيل حول الزيدية ،انظر ،مروج الذهب للمسعودي ،تح ،محمد محي الدين عبد الحميد ،جـ ،3ص ،218
وشرح نهج البلغة لبن أبي الحديد ،جـ ،1ص ،315وانظر ابن الثير في تاريخه الكامل ،مط بولق جـ ،5ص .90
) 25أبو الحسن الشعري ،مقالت السلميين ،جـ ،1ص .140
26ش.عمر الثلتي ،شرح متن الديانات ضمن كتب مختارة ،مط العربية غرداية ،دتا ،ص .52
-3القضاء و القدر
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
كل شيء بقضاء ال وقدره ،فالقضاء هو إرادة ال الزلية المتعلقة بالشياء على ما هي عليه ،فإرادته ل حدود لها
في الزل وعليه فإن كل شيء داخل تحت قضائه تعالى ،لن قضاءه سابق للشياء ،والقدر هو علم ال بمقادير
الشياء وأزمانها قبل إيجادها( )27يوجد ما سبق في علمه ان يوجد .فكل حادث صادر عن علمه وقدرته وإرادته
وهذا ل يتعارض مع إرادة العبد في اختيار أعماله ،فأفعال العبد مكتسبة له مخلوقة ل ،وحيث أن ال خالق لكل شيء
وعالم بكل شيء ومريد كل شيء ،فأن القدر خيره وشره من ال فنقضت القدرية( )28قولهم بزعمهم ان ال تعالى لم
يخلق أفعالهم القبيحة لن ال ل يصدر منه مال يرضى( )29لقوله تعالى( :وال خلقكم وما تعلمون)
ويستدل الشيخ محمد اطفيش (ت 1914م) على ذلك بحديث الرسول صلى ال عليه وسلم يقول فيه ":المور كلها
خيرها وشرها من ال تعالى"( .)30وفي حديث عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ":إذا أراد
ال إنفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم حتى فيهم قضاؤه وقدره فإذا مضى أمره رد إليهم عقولهم ووقعت
الندامة" ()31
-----------------------------------------
) 27المرجع السابق ص .52
) 28القدرية من المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء 0ت 131هـ) سموا بالقدرية لجماعهم على ان العباد يفعلون أفعالهم بالقدرة التي
خلقها ال فيهم ،وزعم منهم ان القدرة فعل الجسم القادر بها وليست من فعل ال تعالى ،عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ،ص .96
) 29أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،ص .22
) 30رواه الطبري في الوسط ،ذكره ش.محمد اطفيش في جامع الشمل في حديث خاتم الرسل طبع حجري بخط اليد في 436ص ،جاء
في نهاية الكتاب قد يم طبع هذا الكتاب بإعانة الملك الوهاب في غرة شهر ذي الحجة سنة ألف وثلثمائة وأربعة ،على ذمة المطبعة
البارونية ،مصر ،ص .252
) 31المصدر السابق ص ،251رواه الديلمي عن أنس.
.4الولية والبراءة
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الولية هي القرب والمحبة والولء والرضى وهي "القيام للغير بالمر والنصر ،والهتمام بالمصالح والحفظ
والتصال "....وشرعا الترحم والستغفار للمؤمنين لسلمهم وطاعتهم والثناء عليهم مع الحب في القلب"(، )32
والولية واجبة على المسلمين فمن أنكرها ولم يوال جملة المسلمين فقد أشرك وقيل منافق من تركها أو جهلها.
والبراءة لغة البعد عن الشيء والتخلص منه ،فهي واجبة أيضا على المؤمنين بأن يظهروا البغض وعدم الرضى
للكافر لكفره بل وشتمه ولعنه فواجب عند الباضية براءة الشخاص لوجود علة براءة الجملة وهي فعل الكبيرة أو
الصرار على الصغيرة وكل مظاهر الشرك والكفر ،لقول عمر رضي ال عنه " من رأينا فيه شرا تبرأنا منه"()33
ووجوب ولية الجملة وبراءة الجملة ل يعني ولية كل الناس أو البراءة منهم جميعا" .واصل الولية الموافقة في
الحق ،فالمتوافقان فيه متواليان ولو لم يعلم أحدهما بالخر ،أو تبرأ منه بظاهر الحال والبراءة بالعكس"( .)34وبين
الولية والبراءة توجد حالة الوقوف ،وهي واجبة فيمن لم يعلم عنه شيء عن حاله ولم يظهر منه موجب الولية ول
موجب البراءة لقوله تعالى( :ول تقف ما ليس لك به علم)()35
وقوله صلى ال عليه وسلم" :قف عما ل تعلم"( )36وقد يجب إبقاء الشخص على ما هو عليه من وقوف أو براءة
أو ولية ،إذا فعل ما لم يعلم حكمه .وولية ال لوليائه ورضاه عمهم ،وعلمه بما يستوجبون من ثواب وتوفيقهم
لطاعته وتنعيمهم ،وعداوته لعدائه سخطه عليهم وعلمه بما يستوجبون من العقاب ،وخذلنهم وعدم توفيقه لهم
على الطاعة ،وتعذيبهم لهم" ،وولية وعداوته ل تغيران الزمان ول تقلبان بتقلب الحوال"( )37كما يزعم النكار(
)38والشيعة( .)39فالسعيد في ولية ال ولو في حال معصيته والشقي في براءته ولو في حال وفائه( )40فال قد
سبق في علمه "ما كان وما يكون وما لم يكن ان لو كان كيف كان يكون"( )41بالنسبة لتعلق علم ال بالمعدوم ،فهو
على علم بمستقبل أطفال المشركين قبل وجودهم ولذلك يدين الباضية بالوقوف في أطفال المنافقين والمشركين،
خلفا للصفرية من الخوارج والزارقة والنجدية حين استباحوا قتل الطفال تبعا لبائهم.
ولعل الولية والبراءة من الصول التي درسها الباضية بعمق وانفردت عما سواها من الفرق بالقول بولية الشخص
وبراءة الشخص بحكم الظاهر ،ولذلك نجد دراسات مستفيضة لفقهاء الباضية وعلمائها( )42حول مسألة الولية
والبراءة والوقوف ،ففصلوا القول في شروط الولية والبراءة ووجوبها ،وبينوا بشكل دقيق الجهات التي تتم بها كل
من الولية الشخصية والبراءة الشخصية ،كما حددوا بدقة من تجب فيه الولية والبراءة سواء في الجملة أم
الشخص ،وتجدر الشارة إلى أن اهتمام الباضية بهذا الجانب لم ينحصر في نطاق الجتهاد الفقهي والنظر العقلي
فحسب وانما تعداه إلى الميدان العملي والتطبيق الفعلي فتجسدت هذه الراء والحكام في واقع الحياة اليومية داخل
المجتمعات الباضية.
ويمكن توضيح أصل الولية والبراءة وشروطها والجهات التي تتم بها وفيمن تجب فيه بواسطة الجداول التوضيحية
التالية(.)43
-----------------------------------------------------------------------------
) 32ش.محمد اطفيش ،الذهب الخالص ،ص .32
) 33المصدر السابق ،ص .45
) 34المصدر السابق ،ص 42
) 35سورة السراء ،الية .36
) 36المصدر السابق ،ص .58
) 37ش.عامر بن علي الشامخي متن الديانات ضمن كتب مختارة ،ص .48
) 38فرقة تفرعت عن الباضية في زمن الدولة الرستمية وانقرضت ،أنكرت إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي ،فاصل افتراقهم
سياسي ،ومن أسماء هذه الفرقة :النكاث ،واليزيدية ،والنحوية.
) 39يقولون بتقلب ولية ال وعداوته ،وهذا القول مستمد من اليهود ،وهم يقولون بأن ال تعالى تبدو له البدوات ،إبراهيم اطفيش في
هامش كتاب الوضع ،ص 22
) 40ش.محمد اطفيش ،الذهب الخالص ،ص .54
) 41أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،ص .22
) 42منهم عمر بن جميع ،مقدمة التوحيد وشروحها ،أبو طاهر إسماعيل الجيطالي ،قواعد السلم ،أبو زكريا يحيى ،كتاب الوضع،
ش.عبد العزيز الثميني معالم الدين في الفلسفة وأصول الدين(مخطوط) ،نور الدين السالمي مشارق أنوار العقول ،ش.محمد أطفيش :شرح
تبغورين(مخطوط) الذهب الخالص...
) 43استخلصنا مادة الجدول من المصادر التالية :أبو زكريا :كتاب الوضع ص .34 -32إسماعيل الجيطالي قواعد السلم جـ ،1ص
.83 -45الشيخ أطفيش ،الذهب الخالص ص .ص .57 -32نور الدين عبدال ابن حميد السالمي ،مشارق أنوار العقول ،علق عليه
وصححه أحمد بن حمد الخليلي ،ص .ص .355 -336
.5المر والنهي
المر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم في كل زمان ومكان ،على قدر الستطاعة .وتجسد هذا
الصل إذا قويت الروح السلمية في السلوك النساني ضمن علقاته الجتماعية لن الكافر بدين ال ل تقوى عزيمته
على فعل الخير والنصح لصالح المجتمع وفي سبيل ال ،فمتى كانت علقة العبد بربه مرضية فيأتمر بأوامر الخالق
وينتهي بنواهيه فإن ذلك ينعكس على سلوك النسان وعلقته بينه وبين غيره ممن يعيش في محيطه ،فمبدأ المر
بالمعروف والنهي عن المنكر من الصول الجتماعية والخلقية ونجد الهتمام نفسه عند المعتزلة حيث "أجمعت
على وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر مع المكان والقدرة ،باللسان واليد والسيف كيف قدروا على ذلك"(
.)44وعلى وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر بيني الباضية حكمهم على وجوب المامة لن المسلمين ل
تستقيم أمورهم إل بتعين سلطان يتولى أمرهم وينفذ حكم ال بالعدل بين الناس وقد وردت في ذلك نصوص كثيرة
تحث على ضرورة نصب المامة ،وتحرض الناس على المتثال لوامر ال ورسوله وأولي المر ،ووجوب طاعتهم.
-------------------------------------------------------------------------------
) 44أبو الحسن الشعري ،مقالت السلميين ،جـ ،1ص .311
-6الوعد والوعيد
وهما من اختصاص ال تعالى ،وقد اتفق الموحدون على ان ال صادق في وعده ووعيده ،إل المرجثة زعمت أن ال
ل يخلف وعده وقد يخلف وعيده( )45إكراما منه ورحمة وإشفاقا على عباده.
ووعد ال هو أخباره تعالى عباده الصالحين بالخير وتبشيرهم إياه بالثواب في الخرة في قوله تعالى( :إن الذين
آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزل ) ()46
أما الوعيد فهو الخبار بالشر والعقاب لعداء ال من مشركين وكافرين ومنافقين في الخرة كما في قوله تعالى:
(إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريئة) ( )47فمصير أهل
الوعد هو الخلود في الجنة ومصير أهل الوعيد هو الخلود في النار ،والجنة والنار دائمتان ل تفنيان وكل من الثواب
والعقاب في الخرة مغير للثواب والعقاب في الدنيا( )48وحيث أن ال صادق في وعده ووعيده( )49فإنه منفذ حكمه
على المؤمن والكافر كما وعد وأوعد فل يمكن تصور خلف ال لقواله ،لن المسألة تتعلق بالعدل اللهي في أفعاله
والصدق اللهي في اختباره وعدله يقتضي إثابة المطيع وعقاب العاصي وصدقه يقتضي عدم خلفه لقواله وكلم ال
ل تبديل له ول تحويل لقوله تعالى(:إن ال ل يخلف الميعاد))50
وحكم ال ل معقب له لنه ثابت ل يتغير ،فلو حدث ذلك لكان ال قد تراجع عن أحكامه وهذا مستحيل على ال ،بدليل
النصوص الصريحة في ذلك .أما عن آيات الرحمة والعفو فهي فوق العدل ،وهي خاصة للتائبين والمستغفرين
والنادمين على معاصيهم لن التائب من الذنب كمن ل ذنب له.
---------------------------------------------------------------
) 45أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،ص .23
) 46الكهف الية .107
) 47البينة الية 6
) 48عامر بن علي الشماخي ،متن الديانات ،ضمن كتب مختارة ص .49
) 49عبد العزيز الثميني ،معالم الدين (مخطوط) ورقة ،355عامر بن علي الشماخي ،متن الديانات ،ص ،48أبو زكريا ،الوضع ،ص
23
)50آل عمران الية 6
قد ل يكون العبد مؤمنا كما ل يكون مشركا في ذات الوقت ،فهو في منزلة بين قطبين متناقضين هما اليمان والشرك.
وهذه المنزلة هي النفاق( ،)51وهذه المنازل الثلث يستحيل الجمع بينها( ،فالمتصف بواحدة منها ل يوصف
بالخرى( .)52وقد فرق ال بينهما في قوله تعالى( :ليعذب ال المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ،ويتوب
ال على المؤمنين والمؤمنات) (.)53
فالمنافق ليس بمشرك لنه موحد وليس بمؤمن لنه عاص لقوله صلى ال عليه وسلم ":ل يسرق السارق حين
يسرق وهو مؤمن ول يزني حين يزني وهو مؤمن".
وهذا خلفا اللشعرية التي تعتبر أن ظاهرة النفاق عرفت في زمن النبي صلى ال عليه وسلم فقط ول وجود لها بعد
ذلك والذي يظهر اليمان ويبطن الشرك يعتبر عندهم مشركا ،بينما الباضية يرون ان النفاق متوقف على الفعل ل
على العتقاد ،وزعمت المرجثة( )54أن ل منزلة بين منزلة الشرك واليمان وجعلوا اليمان كله توحيدا وجعلوا
الكفر كله شركا(.)55
-----------------------------------------------------------
( 51النفاق هو العتقاد والقرار ثم الخيانة في العمل ،وقد بينه الرسول صلى ال عليه وسلم بقوله" :ثلث من كن فيه هو منافق ولو
صلى وصام وزعم انه مسلم ،من اذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ،وإذا ائتمن خان".
( 52معالم الدين في الفلسفة وأصول الدين ،عبد العزيز الثميني(مخطوط) ورقة .355
( 53الحزاب الية .73
( 54المرجثة ثلثة أصناف :صنف منهم جمعوا بين الرجاء في اليمان وبين القدر على المذاهب والمعتزلة ،فهؤلء مرجثة قدرية،
وصنف قالوا بالرجاء والجبر على مذهب جهم فهم معدودون في الجهمية ،والصنف الثالث منهم مرجثة خالصة عن القدر والجبر ،وسموا
بالمرجثة لتأخيرهم العمل على اليمان وقيل لنهم تركوا القطع على عقاب من لم يتب عن كبيرة حتى ،البغدادي ،كتاب الملل والنحل ،ص
.139
( 55أبو زكريا يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،ص .24
اليمان والكفر( )56ضدان ل يجتمعان كالحركة والسكون والحياة والموت فل يعقل أن يكون العبد مؤمنا وكافرا في
وقت واحد فهو إما مؤمن أو كافر ول منزلة بين الكفر واليمان كما أنه ل توجد منزلة بين التوحيد والشرك فإما أن
يكون العبد موحدا وأما أن يكون مشركا .إن وحد وعصى فهو موحد ل مشرك ،كافر ل مؤمن ليس له حالة ثالثة
لقوله تعالى:
(وهو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن) ( )57وقوله تعالى( :إما شاكرا وإما كفورا) ()58
هذا ما اجتمع عليه الباضية على غير مذهب المعتزلة حين جعلوا الفسق منزلة بين اليمان والكفر (فقالوا انه
كالبلق ل يسمى لما به من السواد أبيض ول يسمى لما به من البياض أسود)(.)59
وبهذا تنفرد الباضية بالقول بأن ل منزلة بين المنزلتين خلفا للشاعرة فأصل الخلف إذا حول مصير صاحب الكبيرة
فقالت الشعرية :انه مؤمن بتوحيده لكنه فاسق بكبيرته وحيث أنه مؤمن فثوابه الجنة ولو عصى ،أي انه ل يخلد في
النار ،أما واصل (ت 131هـ)( )60فلم يرض بهذا واعتبر صاحب الكبيرة فاسقا ووضعه في منزلة بين اليمان
والكفر ،واستتبع هذا بالحكم على الفاسق بالتأبيد في النار ان لم يتب على قول الباضية ،إل أن الباضية أوجبوا لـه
الخلود لنه كافر غير تائب بينما المعتزلة أخرجوه من الكفر "وقالوا لم نسمه مؤمنا لن هذا من أسماء المدح"()61
وليس بكافر لنه موحد ،وفيه بعض اليمان ،وصاحب طاعات كثيرة وقالت الزارقة من الخوارج انه مشرك كافر.
--------------------------------------------------------------------
56الكفر هنا كفر نعمة ل كفر جحود وشرك وهذا مصطلح اباضي خاص.
( 57الغابن ،الية .2
( 58البلد ،الية .10
) 59علي يحيى معمر ،الباضية بين الفرق السلمية ،مكتبة وهبة ،ط 1القاهرة 1976م ،ص ،315نقل عن ش .تبغورين بن داود بن
عيسى.
) 60واصل بن عطاء الغزالي البلع كان في أول أمره مع الشاعرة لكنه اعتزل عنهم بقوله بالمنزلة بين المنزلتين ،فسمي أتباعه
بالمعتزلة.
)61عبد القادر البغدادي 0أبو منصور) الملل والنحل ،تح د .ألبير نصر نادر ،ط ، 2دار الشروق بيروت 1970م ،ص .83
-9السماء والحكام
وهذا أصل يختص به الباضية دون غيرهم ،قالوا به حين عدم التفاق بين المتكلمين وكتاب المقالت وفقهاء الفرق
حول إطلق السماء المناسبة على مسمياتها ووصف الموصوفات بأوصافها الحقيقية واطلق الحكام الصحيحة على
ما تستحق تلك الحكام ويقصد بالسماء اللفاظ والصفات التي تطلق على العبد وقد تدل هذه على المعاني الحسنة
كالمؤمن والتقي والصالح والموحد....وقد تدل المعاني القبيحة كالكافر والفاسق والمشرك أما الحكام فهي " المور
المحكوم بها على العباد كالولية والبراءة والسبي والقتل والجزية )62("...وسائر أحكام ال سواء حسنة كالثواب
بالنعيم في الجنة أو قبيحة كالجزاء بالعقاب والخلود في النار وأكثر اختلف الفرق انما جاء من قبيل السماء وتحديد
ما نسميه بالمصطلحات ،فنجد عدة معاني وتأويلت للسم الواحد ،وهذا الختلف في تحديد معنى السم ينتج عنه
اختلف حول الحكم الذي ينطبق عليه.
ومن أجل ذلك اجتهد الباضية في تحديد المصطلحات وحرصوا على تحري الدقة في تفسير معاني السماء وانطلقا
من ذلك وضعوا القاعدة الساسية ،وهي "ان السماء تابعة للحكام"(.)63
فأحكام الموحدين -مثل -ليست كأحكام المشركين والعكس صحيح لن الموحد والمشرك اسمان مختلفان لمسلمين تمام
الختلف واختلفها في السم يقتضي اختلفها ما في الحكم وقد يبدو هذا واضحا ومقبول -عقليا -لكنه لم يسلم من
اختلف المتكلمين حوله ،فقد زعم عيسى بن عمير ،وأحمد بن الحسين أن أهل الكتاب ليسوا بمشركين ،وتحريمهما
منهم ما يحرم من المشركين .وإذا كان الخلف حول حقيقة الشرك والتوحيد أمرا واقعا فإن الختلف حول بقية
السماء أمر ل مناص منه وذلك أنهم اختلفوا في الطاعة واليمان والمعصية والكفر ،فقال بعضهم ان الطاعة
واليمان كلهما توحيد وغير توحيد ،والكفر كله شرك ،والمعصية منها شرك وغير شرك ،وقال بعضهم -الطاعة كل
ما قارنه المر من توحيد أو غيره ،والمعصية كل ما قارنه الثواب من توحيد أو غيره ،والمعصية كل ما قارنه النهي
من شرك أو غيره ،والمعصية كل ما قارنه العقاب من شرك أو غيره ،وهذا القول الخير هو قول الباضية()64
وعلى هذا يكون التوحيد هو كل ما قارنه الفراد وترك المساواة والشرك ما قارنه التساوي ووصف الخالق بصفة
المخلوق والنفاق ما قارنه الخلف والكذب وكتمان الشيء مع إظهار خلفه.
-----------------------------------------------
) 62ش.عمر التلتي ،شرح متن الديانات لعامر الشماخي ،ضمن كتب مختارة ص .53
) 63ش .عامر بن علي الشماخي ،متن الديانات ،ص ،49أبو زكريا ،كتاب الوضع ،ص ،25ش.عبد العزيز الثميني ،معالم
الدين(مخطوط) ورقة .353
) 64أبو زكرياء يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،ص .25
حقيقة اليمان عند الباضية هو التصديق بما يجب التصديق به شرعا من نحو وجود ال وكمالته وبعث رسله
ورسالة محمد وحقيقة ما جاء به من عند ال ،واللفظ بالشهادة شطر اليمان ل شرط في كماله حيث ل يكتمل اليمان
إل بالعمل الصالح بالطاعة والعبادة والسلم لغة الخضوع والنقياد وفي الشرع أعمال الجوارح والقلب بجمع
المأمورات( )65وهو مركب من قول وعمل فل يوصف العبد بالسلم إل إذا أقر بالتوحيد وعمل الفرائض.
والدين ما أمر ال به عباده أن يطيعوه به من كل قول وعمل وهي العبادات المعتبرة( )66والواقع ان كل من اليمان
والسلم والدين أسماء تصدق من حيث الشرع على شيء واحد وان اختلفت المعاني وهو عبادة ال بتوحيده قول
وتنفيذ مأموراته بالعمل الصادق ،لقوله تعالى:
(وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين ()67
وقال(:إن الدين عند ال السلم()68
وللدين قواعد وأركان ومسالك ومجاري وحدود وإفراز وإحراز ،لبد من معرفتها للتميز بين السلم والكفر
والتفريق بين المؤمن والمنافق والمشرك ،وفيما يلي بيان ذلك في الجداول التية:
=================
) 65بدر الدين أبو العباس أحمد الشماخي ،شرح مقدمة التوحيد لعمر بن جميع ،صححها وعلق عليها أبو إسحاق إبراهيم اطفيش،
القاهرة 1353هـ ،ص 25
) 66المصدر السابق ،نفس الصفحة.
) 67البينة ،الية .5
) 68آل عمران ،الية 19
) 69المجاري بمعنى :مصادر التشريع ،والذي في كتاب الوضع لبي زكرياء ص (،29ومجارية ثلثة ،الكتاب والسنة والجماع) اقتصر
على الجماع لن القياس مستمد من الكتاب والسنة ،وفي عقيدة التوحيد ص :44الرأي عوض الجماع ،وهو أعم لنه يشمل القياس
والجماع ،ويضيف أ.محمد الشيخ بالحاج ضمن الرأي بعض أنواع الستدلل خاصة المصالح المرسلة وسد الذرائع ،والخروج من
الخلف ،والستصحاب والعرف والقواعد الفقهية العامة ،محمد الشيخ بالحاج :الجتهاد في المذهب الباضي ص ،19والواقع ان الباضية
من أشد الفرق تمسكا بالسنة والجماع الى درجة أنهم يدينون بتكفير من أنكر الرأي والسنة ،انظر عامر بن علي الشماخي متن الديانات
ص ،49أما القطب فيحكم بالشرك على من أنكر واحدا من الثلثة :القرآن والسنة والجماع ،وهن اصل القياس ،محمد اطفيش شامل
الصل والفرع ،مط السلفية القاهرة 1348هـ ،جـ ، 1ص .9وبهذا يكون المستشرق( موتيلينسكي) قد أخطأ -رغم درايته الواسعة بالعقيدة
عند الباضية -حين أشار في مقال له في دائرة المعارف السلمية ،ان الباضية ل تعتمد الجماع والقياس وتكتفي بدل من ذلك بالرأي،
ولم ينته الى ان الرأي يتضمن الجماع والقياس للهم ال ان يكون قد أطلع على مقالة السكاكية -وهي إحدى الفرق الشاذة عن الباضية في
المغرب -تنكر السنة والرأي زاعمة ان القرآن وحده كاف للتشريع أخذا من قوله تعالى (:وما فرطنا في الكتاب من شيء) النعام ،38
فنسب المستشرق هذه المقالة الى مجموع الباضية.
) 70الفراز :جمع فرز وهو عزل الشيء عن غيره ،والفرز المقصود هنا التمييز بين المؤمن والمنافق والمشرك فلكل حكمه عند ال.
) 71الحراز :جمع حرز وهو حفظ الشيء وصيانته.
-1نفي الرؤية:
رؤية ال تعالى -وهي البصار بالعين المجردة -عند الباضية كما عند المعتزلة مستحيلة على النسان في الخرة
فضل عن الدنيا ،لدلة نقلية صريحة وعقلية قاطعة.
أما عند الشاعرة فالرؤية جائزة لكن ليس بالبصار الذي بعرفه النسان في الدنيا ،لن حكم تلك الدار ليس كهاته.
فال يرى عند جمهور الشاعرة بالبصار لكن بدون حلول وكيف وجد ،والباضية ل يقتنعون من تأويل الفخر الرازي
وأبو حامد الغزالي(ق 5هـ11/م) الرؤية بالعلم لن حقيقة ال تعالى ل تعلم وانما تعلم صفاته فقط ،وذلك أنه ل بد
للشيء المعلوم أن يتصور في ذهن العالم به وحقيقة ال تعالى ل تتصور(.)72
أما المعتزلة فأجمعت على أن ال ل يرى بالبصار لكن اختلفت هل يرى بالقلوب -فقال أبو الهذيل العلف(-135
235هـ) وأكثر المعتزلة ان ال يرى بقلوبنا( – )73ويقصدون معرفة ال بالقلب وهذا تأويل مقبول لدى الباضية
والخوارج وطوائف من المرجثة والزبدية ،أما الحشوية فتعتقد برؤية ال في الخرة كما ترى جميع الشياء المرئية
في الدنيا.
على ان الباضية والمعتدلين منهم خاصة (ل يمنعون أن يكون معنى الرؤية هو كمال العلم به تعالى) ومعرفة ال
بالبصيرة القلبية فإذا كانت هنالك حالة ل تدخل تحت قيود الدراك النساني عن طريق حاسة البصر المعهود لدى
النسان ول تؤدي إلى التحديد والتشبيه فل مانع من ذلك ،وهذا ما لم يثبته النص ول سلم به العقل.
-2مسألة الخلود:
مسألة الخلود متعلقة بالعدل اللهي وهذا متعلق بالوعد والوعيد وما ينتج عنه من ثواب وعقاب فالجزاء عند ال
نوعان ل ثالث بهما لقوله تعالى:
(فأما الذين شقوا في النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك فعال لما
يريد ،وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والرض إل ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ)()74
وقال تعالى:
(فريق في الجنة وفريق في السعير) ()75
وبناء على هذا يكون مصير العبد الذي مات على كبيرة ولم يتب منها تعنتا وعصيانا جهنم خالدين فيها أبدا ،وإذا كان
من معاني الخلود طول المكوث فإن البدية تعني اللنهاية .ودفعا لللتباس أكد ال تعالى طول المكوث في النار بالبقاء
البدي في آية الجن حيث يقول:
(ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) (.)76
وال ل يخلف وعده ول وعيده كما ل تبدو له البدوات ،يوافق الباضية في هذا الرأي الخوارج والمعتزلة بينما يرى
الشاعرة أن العدل اللهي يقتضي التمييز بين الموحد العاصي الذي خلط عمل سيئا مع أعمال حسنة وبين المشرك
الذي لم تصدر عنه حسنة واحدة ،وعلى ذلك فل يعقل أن يجتمع الموحد والمشرك تحت حكم واحد ويخلدان في العذاب
معا إلى البد ،ومخرج ذلك أن ينال العاصي نصيبه من العذاب إلى أن يستوفي مقدار ذنبه ثم يلتحق بالسعداء في
الجنة ،وأيا كان نوع النعيم الذي سيلتحق به فإنه حكمه تغير -كان من زمرة أهل النار وأصبح مع أهل النعيم في
الجنة ،وهذا مال يرضى به الباضية ،أما المرجثة "فتترك القطع على عقاب من لم يتب عن كبيرة حتى يموت"()77
فيتولى ال أمره ان شاء عذبه وإن شاء نعمه.
=================
) 72نور الدين السالمي ،مشارق أنوار العقول ،ص .186
) 73الشعري مقالت السلميين ،جـ ،1ص .265
) 74هود الية .108
) 75الشورى ،الية .7
-3خلق القرآن:
يدين الباضية بخلق القرآن ويوافقهم في ذلك المعتزلة ،والقرآن – كما يعتقد الباضية -هو كلم ال ووحيه،
وتنزيله ،وكتابه ،واستقر في قلب محمد صلى ال عليه وسلم عن طريق الوحي بواسطة جبريل عليه السلم وهو آخر
الكتب المنزلة ومهيمنا عليها ،جاء بلسان عربي مبين وهو الدستور اللهي للشريعة السلمية.
وأدلة الباضية على خلق القرآن كثيرة ،نقلية وعقلية نذكر على سبيل المثال ما قاله المام أفلح( )78في رسالة له
حول مسألة خلق القرآن ،ويقول ":إذا ثبت أن كلم ال شيء لم يخل من أحد ثلثة أوجه ،أما أن يكون هو ال ،أو
يكون بعض ال كالجزء من الكل أو يكون غير ال فإنه هو ال ضاهوا اليعقوبية( ،)79فيكون الكلم هو المعبود،
ويكون هو السميع البصير....وأجمعت المة أيضا أل يوجد كلم إل وثم متكلم قبل الكلم ،ولو لم يكن المكلم قبل الكلم
ولم يكن المكلم أول بأن يكون مكلما من الكلم فيكون الكلم إذا هو المكلم ،والمكلم هو الكلم ،والكلم مكلما مخاطبا،
والكليم مكلما مخاطبا ،فلم يجز أن يكون الكلم هو المكلم والمكلم هو الكلم ثبت ان هذا غير هذا ....وثبت وجوب
الحدوث الثاني ...وفي هذا إيجاب الخلق وإثبات وحدانية الصانع"( )80ومن الدلة الكثيرة ما يلي:
• ال وحده يوصف بالقدم فلو كان القرآن قديما لما كان ال متفردا بالقدم.
• الكتب السماوية المنزلة ليست قديمة والقرآن واحد منها فهو ليس بقديم.
• القرآن كلم محفوظ منزل متلو ومكتوب ،ممكن فناؤه فهو حادث ممكن عدمه.
يعرض الجدول التالي بعض اليات التي ذكر ال فيها القرآن مقرونا بأفعال الحدوث ،يقابلها الفعال نفسها الدالة على
الحدوث في غير القرآن من الشياء:
==================
) 78أفلح عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي ثالث الئمة الرستميين(240 -190هـ).
) 79اليعقوبية طائفة من النصارى تزعم ان عيسى عليه السلم هو ال.
) 80رسالة المام أفلح ذكرها أبو القاسم البرادي في الجواهر المنتقاة (مخطوط).
ل تحل غنائم المسلمين المحاربين إل الخيل والسلح وكل ما فيه قوة في الحروب" ،أما الذهب والفضة فترد إلى
أصحابها عند الغنيمة"( )82على خلف موقف الخوارج الذين أجازوا الستعراض وأحلوا دماء المخالفين وسبي
نسائهم وقتل ذراريهم ،ولعل هذا أوضح دليل على الختلف الذي يميز الباضية عن الخوارج علما أن الباضية
يجيزون شهادة مخالفيهم ومناكحتهم والتوارث بينهم ،أما دماء المخالفين فحرام في السر بل حتى في العلنية إل في
حالة حرب ودفاع عن النفس ،وهذا ما ل تقول به الخوارج.
ل فرق بين الباضي وغيره إذا أحدث حدثا في دينه مما يقدح في إسلمه فحكم الباضية واحد يطلق على كل موحد
عاص وإنما اختلف الحكم من قبيل نوع الحدث ودرجة المعصية.
فإن كان الحدث انكارا ل وللقرآن وللنبي عليه السلم خرج المحدث من ملة السلم ،وصار مشركا حلل الدم والمال
وتحرم مناكحته وموارثته ،ويسمى بالملة التي دخل فيها ان كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ويلحقه حكمها.
وان كان حدثه معصية أوجبت له النار وهو مقر بالقرآن فيجري عليه حكم بقدر معصيته ،وقد انتقضت وليته ،فإن
تاب قبلت منه توبته ،وإل برئ المسلمون منه وإن كان حدثه في شبهة أو تأويل شبهة امتنع بحدثه صار باغيا يقاتل
حتى يفئ إلى أمر ال ،ل يتعدى عليه ول يغنم ماله ول تسبى له ذرية ول تنكح له زوجة ما كانت في عدته ما أقر
القرآن والنبي صلى ال عليه وسلم وليس المنكر بالتأويل منكرا بالقرآن والنبي صلى ال عليه وسلم فإن ذلك ل يعد
خروجا من ملة السلم والحكم فيه حكم نبي ال صلى ال عليه وسلم في ملته من أهل النكار والتكذيب…"()83
هذا مجمل رأي الباضية فيمن أحدث من العمال أو القوال ما يمس به عقيدته أو يهدم به أعماله ،وهو موقف وسط
بين تسامح الشاعرة وغلو الخوارج.
==================
) 81سنعرض للحديث بالتفصيل عن موقف الباضية من معسكر السلطان في الفصل الثاني من الباب الثاني.
) 82عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ،ص .83
) 83اكتفينا برأي المام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في موقف الباضية ممن أحدث في الدين وهو يعبر عن رأي المذهب،
أنظر تفصيل ذلك في رسالة للمام عبد الوهاب لهل طرابلس ،ذكرها بواب بن سلم في كتابه شرائع الدين( ،مخطوط) توجد نسخة
مصورة منه عند الشيخ الناصر المرموري ،القرارة ولية غرداية ،السالة في ص.27 -26 :
يقرر الباضية المعاصرون بالجماع( )84أن الحث في أحداث من سبقنا كفتنة الصحابة مثل ليس من وراؤه فائدة
ول أثر محمود ينفع المة ،بل ل يزيد لها إل تشتيتا( وعليه فالخير كل الخير للمسلم الذي يستبرئ لدينه وعرضه ،أن
ل يفني عمره في التنقيب عن هنات أشخاص أصبحوا في ذمة التاريخ(.)85
ولعل أحسن تعبير عن رأي الباضية في الفتن بين الصحابة ،ما قاله العلمة خلفان بن جميل السيابي من علماء
عمان 0توفي 1392هـ) خلصة قوله" :ان دماء الفتن طهر ال منها أيدينا فلنطهر منها ألسنتنا:
(تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون)
فالصحابة كلهم عدول في الولية قبل الفتراق أما بعد الفتراق فمن توقف ولم يدخل في الفتنة فهو على حاله في
الولية ،وأما الذين دخلوا الفتنة....فأصحابنا الولون حكموا على كل ما عاينوه"( )86ولذلك نجد في بعض كتب
الباضية الوائل أخبار عن أحداث الفتن يروونها كما سمعوها عن أسلفهم بكل انصاف دون غلو ول مبالغة كما يفعل
غيرهم.
فهذا أبو يعقوب الوارجلني يذكر زلة عثمان بن عفان(رضي) ويعدها في أربعة أمور هي :استعمال أقاربه وصرفه
لموال الفيء في أقاربه وترك المر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطرفه في يوم الدار( )87مع العلم أن الوارجلني
لم يكتف بالنظر إلى مآخذ عثمان فقد ذكر حسناته وامتدحه في أيامه قبل احداثه في الدين ،والشيء نفسه بالنسبة إلى
الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رضي) فكتب عنه بأمانة مبينا ما لـه وما عليه ،ويذكر من زلته التحكيم ،وقتله
لصحاب النهروان وقد نهوه عن التحكيم ،وفيهم المحق والمبطل( )88فالوارجلني لم يكفّر هنا الصحابة ول أتباعهم
كما يفعل الخوارج ثم أنه يعترف بوجود المحق والمبطل بين أهل النهروان.
أما الشيخ محمد يوسف اطفيش (توفي 1914م) فيصرح بأن الصحابة كلهم عدول لنهم ليسوا كغيرهم لما ورد في
حقهم من نصوص صحيحة ،وقد أحسن حين اختار الوقوف فيمن أدرك عثمان أو عليا وحضر ما انتقم عليهما فيه إل
أن صوب الخطأ أو خطأ صوابه( )89فالواجب على من لم يدرك الحق أن يقف كما وقف أبو عبيدة مسلم وشيخه
جابر بن زيد عن الخوض في فتن الصحابة.
أما عن التهم التي توجه إلى الباضية لنهم يقدحون في أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من كرامتهم فأنها ل
تخلو من الغلو والمبالغة ذلك ان الباضية ليسوا وحدهم في هذا المجال ولم يكونوا الوحيدين من الذين كتبوا عن
الصحابة واحداث الفتن فقد شاركهم في ذلك الكثير من الكتاب والمؤرخين ،وقد اتسم موقف الباضية بتحري الحقيقة
ولم يزيدوا على ان بينوا ما حدث سواء في عهد عثمان أو علي رضي ال عنهما بكل انصاف.
ويصف الشيخ أحمد بن حمد الخليلي(معاصر) ما كتبه الباضية انه "يتسم بالدب والحشمة وتعظيم مقام المام علي
واحترام قرابته من النبي صلى ال عليه وسلم حتى في مقام العتاب"( )90ومع ذلك فالباضية -كما يصرح به الشيخ
الخليلي "مستعدون أن يطووا صحائف تلك الفتن التي حدثت في عهد صحابة الرسول صلى ال عليه وسلم ول
ينبسوا فيها ببنت شفة ،ول يخطون فيها حرفا واحدا ولكن ل بد من احترام أهل النهروان أيضا وعدم النيل منهم،
فيجب على المسلمين جميعا أن يتساعدوا ( )...حتى تعود للمسلمين وحدتهم ،ول يثيروا أشياء حدثت قبل 14قرنا
هم في ألف غنى عن إثارتها في هذا العصر الذي هم فيه أحوج ما يكونون إلى ما يجمع الشمل ويؤلف بين القلوب"(
)91وبهذا تتضح نوايا الباضية الطيبة ،وموقفهم من التهامات الباطلة.
===================
) 84من الباضية المعاصرين نذكر :ش.نور الدين السالمي ،أبو اسحاق إبراهيم اطفيش ،ش.بيوض إبراهيم بن عمر ش.أبو اليقظان
يبدوا أن الخلف لم يكن حادا بين الباضية والشاعرة خاصة في المسائل التعبدية أما العقيدة فقد حاول أبو يعقوب
الوارجلني حصر مواطن الخلف بين الفرقتين فوجدها تتلخص فيما يلي)1(:
أطلقوا -أي الشعرية -على الباري صفات لها معاني قديمة ليست هي ذات ال فأوجبوا التغاير ،وبمقتضى هذه
المعاني كان ال موصوفا بها فبالعلم كان عالما وبالقدرة كان قادرا ،فهي قائمة بالذات بينما عند الباضية هي عين
ذات ال سبحانه وليست زائدة عنه.
وصفوا ال بالوجه واليدين وارأس والعينين ،والقبضة والساق والستواء والميل ....بينما ينزه الباضية عن ال هذه
الصفات والتشبيهات.
الكلم من المعاني التي وصفوه بها ،وكذا المر والنهي المندرجين في الكلم والقرآن وسائر كتب ال المنزلة ،كل ذلك
من المعاني التي يوصف بها.
العدل والحسان والفضل والمن والنعام صفاته تعالى لكنها أفعال محدثة ،ويضيف الوارجلني -أما الشعرية لسنا
مختلفين حول وحدانية ال وعدم حدوث المحدث وخصمنا جميعا الدهرية الضالة.
وفي الحديث عن الشعرية تشير إلى أن العلقة بين الباضية وأهل السنة حسنة وتشهد تقاربا ملحوظا في الراء
والفكار.
إذا استثنينا بعض المسائل المختلف حولها كالخلود والقدرة ،وخلق القرآن ولذلك نجد الكثير من الدارسين للفكر
السلمي يثبتون هذا التوافق فل يذكرون الختلف بين الباضية وأهل السنة إل أحيانا( )2ويشير ش .محمد أبو
زهرة إلى هذا التقارب فيقول عن الباضية أنهم "أكثر الخوارج اعتدال وأقربهم إلى الجماعة السلمية تفكيرا .فهم
أبعدهم عن الشطط والغلو"( )3ال أنه كان من الحرى أن يقول أقربهم إلى أهل السنة لن في قوله "أقربهم إلى
الجماعة السلمية" تلميح إلى أنهم ليسوا من الجماعة السلمية.
وفي الواقع ل يحسن أن نرى الباضية على أنها فرقة ليست من أهل السنة وان ل علقة لها بالسنة إل من حيث
القتراب ،لن المعروف عن الباضية أنها تولي عناية خاصة وعظيمة جدا للسنة النبوية ،وهذا ما يثبته أحد الساتذة
المنصفين حين يقول :ان المدقق في المصادر الفقهية الباضية يجد ان أصحاب المذهب الباضي من أكثر المسلمين
اتباعا للسنة الشريفة والقتداء بها ،أما ما تلصقه بهم بعض المصادر من تهم فإنما هو ناتج عن أحد أمرين الجهل أو
التعصيب"(.)4
ومما يؤكد ذلك أن أئمة السنة الذين دونها واشتهروا بها انما جاءوا بعد جابر بن زيد(إمام الباضية) بمدة طويلة()5
فيكون جابر قد سبق علماء السنة ورواة الحديث ظهورا ولذلك "أقبل عليه نقله السنة للخذ عنه فروى عنه البخاري
ومسلم في صحيحيهما"( )6أما المة الربعة الذين هم أساس المذاهب الربعة المشهورة ( )7فأنهم جاءوا بعد جابر
كذلك .وبيان ذلك ان المام أبا حنيفة لم يدرك من حياة المام جابر سوي ثلث عشرة سنة(.)8
أما لمام مالك فلم يدرك المام جابر سوي عشر سنوات على أقصى تقدير ـ أو سنة واحدة على أقرب تقديرـ نظراً
للختلف حول تاريخ وفاة المام جابر ،والمرجع سنة وهي السنة التي وُلد فيها المام مالك (.)9
أما مولد المامين الشافعي وأحمد بن حنبل فكان بعد ذلك التاريخ .وبهذا يكون المام جابر متقدم ًا على الئمة الربعة.
إذاً فوجه اللتقاء بين الباضية والسنة يتضح من شخصية المام جابر بن زيد الذي ينسبه ياقوت الحموي ( ت
626هـ 1228-م ) في معجمه إلى أهل السنة واعتبره " أحد أئمة السنة من أصحاب عبد ال بن عباس" ()10
لـكثرة مـلزمته لعبدا ل ورواية الحديث عنه كما روى " عن عبد ال بن عمر وأبي هريرة وعائشة وغيرهم ،وهو
يعتبر من أبرز التابعين "(.)11
هذا بعض ما يتعلق بالتقارب واللتقاء بين أهل الخر لم يكن على خلف كبير مع أهل السنة .وحسبه أن يحظى بثقة
المويين ويرتبط بعلقة طيبة مع الخليفة عبد الملك بن مروان على غرار العلقة القائمة بين المام جابر بن زيد
والحجاج بن يوسف وان كان هذا الخير لم يكن على علم بحقيقة النتماء المذهبي لجابر .بينما عبدال بن اباض "
كان المجاهد علناً المناضل في سبيل تحقيق الحقائق وتصحيح قضايا العقول فيما أحدثه أهل المقالت ،وكان شديداً
في ال تعالى له مناظرات مع أهل النطس والتفلسف"( )12وكانت أقاويله كما يذكر أبو العباس المبرد أقرب القاويل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
إلى السنة( )13ويمكن القول بعد الذي تقدم ان الخلف بين الباضية وأهل السنة لم يكن حول الصول ،بل تمركز
حول بعض الفروع الجزئية ،يذكر منها الستاذ أحمد أمين مسألة الزواج ،فيقول عن الباضية " أنهم ل يرون الزواج
يصح إل فيما بينهم"( )14وهذا غير صحيح لنه لم يرد في مؤلفات الباضية قول من هذا القبيل ،وهو مستبعد اللهم
إلّ أن يكون الباضية يشترطون شروطاً ذات طابع إسلمي لتمسكهم بالمبادئ الشرعية فيتعذر لغير الباضي اللتزام
بها ،والواقع يثبت في موضع آخر من كتابه فجر السلم ( ،)15ان الباضية " لم يغالوا في الحكم على مخالفيهم
كالزارقة بل قالوا ـ يحل التزاوج منهم ويتوارث الخارجي وغيره ونزعتهم أميل الى المسالمة".
وفي مسألة المامة يتفق الباضية مع أهل السنة في وجوب المامة ،وان ( طريق عقد المامة هو الختيار بالجتهاد،
وانه ليس للنبيء صلي ال عليه وسلم نص على إمامة واحد بعينه خلف قول من زعم من الرافضة أنه نص على
إمامة علي (رضي ال عنه ) نصاً مقطوع ًا بصحته )( ، )16إل أن أهل السنة وضعوا النسب من قريش شرطاً
للمامة ( ،)17والباضية لم يعتبروا القرشية شرطاً وانما تقدم من باب الولوية ،واتفق الفريقان أيضاً على تفضيل
أبي بكر وعمر وعلي وعثمان (رضي ال عنهم ) وأنهم جميعاً عدول ،خلفاً للشيعة التي فضّلت عليّا عمّا سواه .
======================
يكاد يتفق المؤرخون ويجمع الدارسون للفكر السلمي علي أن التطابق الفكري ولتفاق حول أصول العقيدة حاصل
بين الباضية و المعتزلة في أغلبية آرائهم سواء المتعلقة بأصول العقيدة أو الكلم ،أو السياسة(.)18
وفي كثير من الحيان يؤدي هذا التقارب إلى عدم التمييز بين الفرقتين وهذا ما جعل المؤرخ البكري يصف الباضية
بالمعتزلة وسماهم الواصلية الباضية .
أما ابن تميمة فيصف المعتزلة أنهم مغانيث الخوارج( )19ذلك ان واصل بن عطا وافق الخوارج في تخليد أصحاب
الكبائر في النار إذا ماتوا ولم يتوبوا( ،)20ومن المسائل الكثيرة التي يتفق عليها الباضية والمعتزلة نذكر منها:
الوعد والوعيد ،ويترتب عنها التفاق على الخلود في النار -كما أشرنا -وخلق القرآن وان ال ل يرى في الجنة وان
ال ل يغفر الكبائر إل بالتوبة ،وحصل التفاق على وجوب "العقل للواجبات والتكاليف بمجرده وباستقلل عن الشرع
وفي تأويل آية الستواء والمتشابهات عامة"( )21وفي مجال السياسة يتفق المعتزلة مع الباضية في وجوب المامة
على المة لحفظ الدين والمصالح الدنيوية وفي أحقية كل مسلم في منصب المام.
ولكن هذا التوافق بين آراء الفريقين يجعلنا نتساءل عن التأثير بينهما وأيهما أخذت عن الخرى؟
يقول المستشرق الفونسو نيلينو :لحظ جولد تسيهر( )22أن رسالة العقيدة الباضية لعمر بن جميع التي نشرها
موتيلينسكي تضعنا أمام أقوال ذات طابع معتزلي واضح" ويورد شاهدا على ذلك المسائل التية:
-3كل تشبيه ظاهر وبخاصة استواء ال على العرش يجب تأويله تأويل مجازيا( ...)23ومما يشير التساؤل أكثر ان
الجزء الكبر من الباضية في شمال أفريقيا يتنبئون آراء المعتزلة بل هم معتزلون -كما يقول الفونسو نلينو()24
لذلك يتساءل هل هم أخذوا مبادئ العتزال وهم في الشرق قبل أن ينزحوا إلى بلد المغرب ،أم هم تقبلوه في شمال
أفريقيا تحت تأثير اتصالهم بالدارسة من الشيعة؟ ...لكن كيف يغيب عن الستاذ نلينو أن أرض المغرب لم تشهد
العتزال قبل نزوح الخوارج إليها؟.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أل يكون سبق الباضية على المعتزلة دليل على تأثير السابق في اللحق؟ وليس
العكس كما يرى المطلي من أن الخوارج ظهر فيهم " مذاهب المعتزلة فمنهم من ترك مذهبه وقال بالعتزال"()25
وان صح هذا الرأي فأنه ينطبق على الخوارج وليس على الباضية ،لنه لم يرد عن الباضية أنهم غيروا في آرائهم،
اللهم ما ورد عن أبي كريمة وحمزة الكوفي وعطية والحارث أنهم أحدثوا في عهد أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة
(خليفة جابر في إمامة الباضية) بقولهم بالقدر على رأي المعتزلة فتصدى لهم أبو عبيدة وعزلهم عن المجتمع
الباضي وتبرأ منهم()26
==========================
) 18أنظر الشعري ،البانة عن أصول الديانة ،المنيرية ،القاهرة د.تا ،ص ،42 ،32أحمد أمين ،ضحى السلم ،جـ ،3مهدي طالب
هاشم ،نشأة الحركة الباضية في المشرق العربي ،ص ،305أجناس جولد تسيهر ،العقائد ،ص ،281 ،163وانظر كذلك نيلينو الفونسو
في :أنظر
كذلك تادوز لويسكيT. Lewitcki, E.I. 2e ed T.3 :
) 19انظر عمار طالبي ،أبو عمار عبد الكافي والنسق الكلمي ،مقال في مجلة الصالة العدد .41
) 20عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،جـ ،1ص .184
) 21المرجع السابق نفس الصفحة
هذا في المشرق ،أما في شمال أفريقيا فإن المصادر الباضية تشير إلى الصراع الذي كان سائدا بين الباضية
والواصلية ،وهو صراع يقوم على المناقشات الكلمية حول المسائل الخلفية بين المذهبين ـ وان قلت ـ ولم تشر هذه
المصادر إلى تأثير أحدهما في الخر إلى حد أن يتخلى أحد الجانبين عن آرائه ،والجدير بالذكر ان الصراع كان فكرياً
في بداية المر ثم تحول إلى صراع مسلح ( )27ويبدو ان الصراع الفكري بين المعتزلة والباضية كان قديماً ففي
عهد أبي عبيدة يذكر الدرجيني في طبقاته أن واصل بن عظاء المعتزلي كان "يتمنى لقاء أبي عبيدة ويقول لو قطعته
قطعت الباضية "...فلقيه في الطواف يوماً فقال واصل :انت ابو عبيدة؟ قال :نعم ،قال انت الذي بلغني انك تقول ان
ال يعذب على القدر؟ قال أبو عبيدة ما هكذا قلت لكن قلت أن ال يعذب علي المقدور ،فقال أبو عبيدة أنت واصل بن
عطاء قال نعم قال أنت الذي بلغني عنك أنك تقول :ان ال يعصى بالستكراه ،فنكس واصل رأسه فلم يجبه بشيء
( )...وقال لصحابه :ويحكم بنيت بناء منذ أربعين سنه فهدمه وأنا قائم فلم أقعد ،ولم أبرح مكاني( ،)28فيتضح لنا
مما سبق ان الباضية والمعتزلة تتفقان في كثير من المسائل الكلمية لكن ما قيل عن الباضية أنها تأثرت بالمعتزلة
وأخذت عنها وتبنت مقالتها في نفي الصفات وخلق القرآن( )29يحتاج إلى مراجعة ،بدليل أن هذه المقالت لم تكن
مذاعة بين الناس قبل ظهور الجهمية( )30في أوائل المائة الثانية للهجرة ،وعليه فإن الباضية لم تكن آراؤهم في
التوحيد قد تبلورت إل في أوائل القرن الثاني ،فإن هذا الرأي وان كان يبدو معقو ًل لكننا ل نستطيع القطع به لن
القائلين به اعتمدوا على المصادر التاريخية وكتاب المقالت دون الرجوع ألى تصانيف الباضية .
ولعل أحسن معتمد يمكن الرجوع إليه مسند المام الربيع بن حبيب الذي أخذ العلم عن أبي عبيدة بن جابر بن زيد،
الذي كرس حياته لخدمت العلم فكان يسأل عن دينه وعقيدته فضل عن مسائل العبادات والمعاملت ،ولذلك نجد
المسند مفعم ًا بالحاديث النبوية التي تعالج أصول الدين ومسائل العقيدة ،وقد رتبها الشيخ أبو يعقوب وجمعها وبلغ
عددها 140حديثاً حول اليمان والتفكير والشرك والقدر ،وتعظيم ال عز وجل ،ونفي التشبيه والستواء (...)31
وبعد هذا فل يمكن القول ان الباضية لم يهتموا ببعض مسائل العقيدة حتى ظهرت مقالت الجهمية والمعتزلة فاطلعوا
عليها ثم تبنوها وإذا كان لبد من التأثير فليكن من جانب المعتزلة كما يقول عثمان بن عبد العزيز الناصري الحنبلي
(ق 13هـ ) الذي يقرر ان المعتزلة أخذوا عن الخوارج فيقول (:وأما المعتزلة فغالب مذهبهم في المة مكتسب من
مذهب الخوارج )(.)32
وهذا الرأي أقرب الى الحتمال نظراً لتقدم المام جابر بن زيد على رؤوس المعتزلة ،وتبلورت الراء الباضية قبل
ظهور مقالت الخوارج والمعتزلة والجهمية ،وأهل السنة ،وهذا ما أكده المام الشيخ بيوض (ت 14جانفي 1981م)
عندما ناقش هذه المسألة حيث يقول :إذا كان واصل قد لزم مجلس الحسن البصري عشرين سنة قبل ان يعتزله كما
ذكر الشيخ أبو يعقوب الوارجلني( )33مع أننا ل نعلم على وجه التحديد السنة التي اعتزل فيها واصل مجلس
الحسن ،ال أنه ستفاد من مجموع الروايات والتواريخ ان ذلك كان في أواخر أيام الحسن أي في أواخر القرن الول
للهجرة ،وعلى ذلك يكون امام الباضية متقدما كثيرا على امام الواصلية والمعتزلة ،وتكون فلسفة الباضية في
الدارة النسانية والعدل اللهي(القدر) قد تبلورت قبل أن يظهر واصل بن عطاء ومذهبه)( )34بدليل ان الباضية قد
ناقشوا مسألة استحالة رؤية ال ومسألة الستواء بحضور بعض الصحابة كعائشة وعبدال بن عباس وعبدال بن
عمر ،فهل يمكن القول :أن المعتزلة تأثرت بالباضية وأخذوا رأيهم في مسألة الرؤية والستواء مع ان الباضية قد
سبقوهم إليها؟ علما ان المعتزلة تستدل على مقالتها بنفس حجج الباضية -ل اعتقد ان منصفا يقول ذلك .ورب قائل
يقول :ان الباضية لم تكن تمثل فرقة دينية تقوم آراؤها على النظر العقلي والحجج المنطقية وانها لم تشتغل بالدرجة
الولى بقضايا العقيدة ،وأصول الدين كما اشتهرت بذلك المعتزلة التي تعد فرقة دينية لنها نشأت من اشتغالها بأصول
العقيدة فكانت آراؤها تتعلق بالتفكير الديني بينما الباضية والخوارج ل تمثل فرقا دينية لنها نشأت حول التفكير في
السياسة ول شأن لها بالعقائد إل بالعرض إذن حزب ديني كما يفضل د.عبد الحليم محمود()35
لكن الواقع يثبت ان الباضية لم تترك مسألة في الفقه والمعاملت والخلق العامة كما في السياسة فضل عن مسائل
العقيدة إل وتناولتها بالبحث والدراسة وحددت رأيها فيها أما عن منهج التفكير المعتمد لدى الباضية فهو لم يسلم
من النقد فقد شاع لدى المؤرخين والباحثين أن الخوارج عامة ليس لهم منهج عقلي ال ان د.عمار طالبي يقرر بعد
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
بحث مستفيض حول مقالت الخوارج فيقول" :ان الخوارج لم يكونوا من أهل الظاهر وانما كانوا من ذوي منهج
عقلي وتأويل للنصوص بما يتفق مع أصولهم ،فالمعتزلة ان هم إل تصوير لصول الخوارج الولى"( )36علما ان
د.عمار طالبي يعد الباضية فرقة خارجية.
وجملة القول ان العلقة بين الباضية والمعتزلة متقاربة يجمع بينهما موافقة واسعة في أغلب مسائل العقيدة وأصول
الدين ،وليس ذلك غريبا ما دام المنهج واحد يعتمد على التفكير العقلي والدلة المنطقية في حدود النصوص الشرعية.
=====================
) 27راجع أبي زكريا يحيى بن أبي بكر ،كتاب سير الئمة وأخبارهم ،تحقيق إسماعيل العربي ،ط ،2دار المغرب السلمي ،بيروت
1982م ،ص 101وما بعدها ،انظر كذلك أبو العباس الدرجيني طبقات المشائخ بالمغرب جـ ،1ص 60ـ أما ابن الصغير(ق 3هـ) لم يشر
الى الصراع مع المعتزلة راجع كتاب أخبار الئمة الرستميين ،تحقيق د.محمد ناصر إبراهيم ،بحار المطبوعات الجميلة ،الجزائر 1986م.
( 28الدرجيني ،طبقات المشائخ ،بالمغرب ،جـ ،2ص .246
( 29أحمد أمين ،ضحى السلم ،جـ 3
عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،جـ ،1ص 185نقل عن ابن تيمية.
محمد بلعراد ،الحركة الباضية في تاهرت ،مجلة الصالة العدد ، 41ص .44
( 30أتباه جهم بن صفوان الذي قال بالجبار والضطرار الى العمال ونفي الستطاعات كلها ،عبد القادر البغدادي ،الملل والنحل ،ص
.145وجهم بن صفوان الراسبي يكثر ذكره في التاريخ ،قال عنه الطبري انه كان كاتبا للحارث بن سريع الذي خرج في خرسان في آخر
دولة بني أمية(أنظره في حوادث سنة 128هـ) وجهم من الجبرية الخالصة ،ووافق المعتزلة في نفي الصفات الزلية وزاد عليهم بأشياء،
انظر الملل والنحل للشهرستاني ( )113 -1محمد محي الدين في هامش مقالت الشعري جـ ،1ص .224
( 31راجع الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب ،الجزء الثالث.
( 32عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،جـ ،1ص .186
( 33أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الوارجلني ،الدليل والبرهان ،جـ ،1ص .15
( 34إبراهيم بن عمر بيوض ،في رسالة له الى أ.منير سلطان ،ذكرها الشيخ علي يحيى معمر في كتابه الباضية بين الفرق السلمية عند
كتاب المقالت في القديم والحديث ،مكتبة وهبة ،ط ،1القاهرة ،1976ص .240
) 35د.عبد الحليم محمود ،التفكير الفلسفي في السلم ،ط ،3دار النصر للطباعة ،القاهرة 1968م ،جـ ،1ص 105وما بعدها.
) 36د.عمار طالبي ،أبو عمار عبد الكافي والنسق الكلمي ،الصالة العدد ،44سنة 1977م.
قبل وقعة صفين لم تكن المة السلمية تعرف التحزب السياسي ول النقسامات المذهبية كان الجميع يعيش في وئام
تحت قيادة رشيدة ،وفي ظل الوحدة التي أذابت النعرات القبلية والعصبية الجاهلية ،لكن هذه الوحدة لم يدم حالها
بسبب الفتن ومنها وقعة صفين التي أفرزت شقين في صفوف المام علي طائفة وقفت إلى جانبه تناصره وتبارك
خطواته ومنها فرقة الشيعة ،وطائفة نقمت عليه ما أحدث بقبوله التحكيم ومنها فرقة الباضية.
فأساس الخلف بدا في ظروف سياسية ،ثم شمل العقيدة فبالغت الشيعة في تقديس المام علي -كرم ال وجهه -إلى
درجة التأليه ،واعتقدوا أنه معصوم من الخطأ لنه وصي الرسول الكريم ففضلوه على غيره من الصحابة ،وقالوا ان
المامة واجبة وهي حكر على نسل علي في آل البيت .في الحين الذي رفضت فيه الباضية هذه المقالت على أنها
ليست من السلم في شيء مع الحترام الكامل للمام علي رضي ال عنه والعتراف بمكانته وفضله على السلم أما
المامة مع كونها واجبة فهي ليست من اختصاص آل البيت دون غيرهم بل هي حق مشاع بين المسلمين ل فرق بين
عربي وأعجمي إل بالتقوى مع الحتفاظ بالولوية للقرشيين أن تساووا وانطلقا من المبادئ العامة لكل من الشيعة
فإن احتمال التفاق والتقارب بين الفرقتين يبقى للتناقض الصارخ بين الراء من جهة ولتعدد مواطن الختلف بين
المذهبين من جهة أخرى وابرازها تمسك الباضية بالمبدأ الشرعي الصحيح على حساب كل شيء مهما عظم ولو
كان علي بن أبي طالب ويقابل هذا تمسك الشيعة بمبدأ الفضلية للمام وتعظيمه ولو على حساب النص الصريح.
وفي سبيل المقارنة بين مواقف الشيعة والخوارج يذكر ابن تميمة كثيرا من المثلة ،مع ميله للخوارج -والباضية
منهم في رأيه -لنهم القرب إلى الحد من الشيعة وأصدق وأعقل وأكثر اتباعا للحق منهم( )37وهم أهل دين ظاهرا
وباطنا وإن كانوا أصحاب ظللة وجهالة ومروق -في نظره -ويذكر ان حجة الخوارج أقوى من حجة الشيعة ،وان
تدينهم أصح لنهم ل يكذبون( ، )38بينما الشيعة -كما يقرر ابن تيمية -تكذب النبي صلى ال عليه وسلم وعلى
الصحابة كذبا كثيرا أما الخوارج فل يفعلون ذلك(.)39
وهكذا نلحظ ان أسباب الخلف كثيرة ودواعي التفاق قليلة ،ورغم ذلك لم يشهد التاريخ مشادات عنيفة بين الشيعة
والباضية كما لم يسجل التاريخ صراعات مسلحة بين الطائفتين ولعل السبب يعود في ذلك إلى وجود عدو مشترك
ممثل في السلطة الحاكمة التي كانت تحارب باستمرار مذاهب الخوارج والشيعة على السواء.
ولذلك توجه اهتمام المذاهب المضطهدة إلى التصدي للحكم القائم ومحاولة تغيير الوضاع ،وسواء نجحت في مسعاها
أم فشلت فإن ذلك حال دون اقتتال الخوارج والشيعة فيما بينهم ،وأكثر من ذلك نجد أخبارا تشير إلى قيام علقات
ودية بين الباضية والشيعة ،كتلك التي ذكرها الجاحظ عن هشام بن الحكم وعبدال بن زيد الباضي أنهما كانا
متصاحبين وكانت بينهما شركة في التجارة(.)40
وليس غريبا إذا علمنا أن الباضية يكنون لخوانهم في الدين كل التقدير والحترام فهم ل يستعرضون ول يبادرون
بالقتل إل في حالة الضرورة وبعد إقامة الحجة على خصمهم ،حسبما عليه أصولهم ولدينا أمثلة في تاريخ الباضية
تشير إلى نواياهم الطيبة في التعايش السلمي مع مخالفيهم...ففي عهد الدولة الرستمية التجأت طوائف كثيرة من
الشيعة إلى الدولة الرستمية ففتحت لهم هذه الخيرة ذراعيها ورحبت بهم وأكرمتهم وعرفت لهم مقامهم الرفيع ومقام
جدهم علي بن أبي طالب ،وقد وجد العلويون -وهم أبناء محمد بن سليمان العلوي أخو إدريس الكبر مؤسس الدولة
الدريسية -وجد هؤلء في الدولة الرستمية -كما يقول أ.محمد علي دبوز( )41من الجلل والتعظيم ما جعلهم سادة
في المدن التي نزلوا فيها.
وليس غريبا عن الباضية أن يعاملوا مخالفيهم بهذا التعامل الخوي ما دامت تعاليمهم تحث على التقارب وجمع
الشمل وقد سعى أئمة الباضية منذ البداية على ان تكون دعوتهم عبارة عن حركة إسلمية شاملة ،وبالفعل كانت
كذلك فانتشرت شرقا وغربا واجتذبت عناصر مختلفة من قبائل وأجناس ل فرق بين مسلم وآخر.
وهذا أبو حمزة الشاري يقف على منبر رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة يخاطب جموع الناس من مذاهب شتى
ويقول ":الناس منا ونحن منهم إل عابد وكفرة الكتاب وإمام جائر" وفي خطبته بالمدينة قال :الناس منا ونحن منهم
إل ثلثة :حاكم بغير ما أنزل ال وتبع له وراض بعمله(.)42
وفي ظلل هذا الشعار تعايش الباضية والشيعة في سلم ،أما عن الخلفات الفكرية فيلخصها ش.عبد العزيز الثميني
في ثلثة أمور هي ":قولهم في المامة بالولى مع تركهم التخطية لكل من ولي ثم تجويزهم لعلي تحكيم الحكمين
وقولهم بتشريك أهل التأويل ممن زعم ان ال يرى يوم القيامة"( )43وفيما عدا ذلك يشترك الباضية والشيعة دونما
خلف أما الخلفات الجزئية فل تؤخذ مقياسا للتباين بين المذاهب وسببا للصراع بينها.
====================
) 37عمار طالبي ،آراء الخوارج ،جـ ،1ص ،182نقل عن ابن تيمية في منهاج السنة.
) 38المرجع السابق ،نفس الصفحة ،نقل عن ابن تيمية منهاج السنة جـ ،2ص .197
) 39المرجع السابق ،نفس الصفحة.
) 40المرجع السابق ،ص ،183نقل عن الجاحظ ،البيان والتبيين ،جـ ،1ص .55 -54
) 41أنظر محمد علي دبوز ،تاريخ المغرب الكبير ،ط 1963 ،1م ،جـ ،3ص .337 -336
) 42الدرجيني ،طبقات المشائخ ،جـ .269 ،267 ،2
) 43عبد العزيز الثميني ،معالم الدين(مخطوط) ورقة 342في خاتمة المعالم.
من هم الخوارج؟ وما علقة الباضية بالخوارج؟ ما رأي الباضية في الخوارج؟ هل الباضية خوارج؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها في الموضوع ،تعرض لها كل باحث في تاريخ الفرق السلمية ،والمذاهب الكلمية رغم
ذلك لم يحسم الخلف بعد في مسألة الخوارج وعلقتهم بالباضية ،ول يزال الشكال مبسوطا للبحث والتحقيق ،ما دام
حول الموضوع آراء متضاربة ،ان لم نقل متناقضة ،وهذا ما يدعو إلى التساؤل عما دها المؤرخين وكتاب المقالت
والمشتغلين بتاريخ الفلسفة السلمية أن يخلطوا إلى قول يفصل النزاع ويوحد الرأي خصوصا وأحداث القضية ل
تزال قريبة ومصادر تاريخها متوفرة.
والحقيقة أن مسألة كهذه ل أرى ما يلزم الوقوف عندها طويل فما أحوجنا للبحث فيما هو أجدر بالهتمام في تاريخ
أمتنا وحاضرنا ومستقبلنا .وما أحوج المسلمين اليوم إلى التعارف الكامل والتقارب ونبذ الخلفات المذهبية على ان
المذهبية ل تزول بالقوة والغلبة انما زوالها بالمعرفة والتعارف والعتراف.
نتطرق في بحثنا لمسألة الخوارج ،لما لها من علقة وثيقة بموضوع البحث ،ول نزيد على أن نعرض باختصار أهم
ما قيل في الموضوع مع ابداء فيه ثم استخلص القول القرب إلى الحقيقة.
يقول د.عمار طالبي :ان الباضيين المتأخرين ينكرون أن يمون مذهبهم مذهبا خارجيا أشد النكار ويتبرأون من
الخوارج أشد البراءة معارضين في ذلك ما كتبه أصحاب المقالت وما كتبه المؤرخون )44(.....والواقع ان انكار
الباضية تسميتهم بالخوارج ل يقتصر فقط على المتأخرين منهم لننا نجد الوائل كذلك يرفضون انتماءهم للخوارج،
وأكثر من ذلك يتبرأون منهم ويكفرونهم ،وهذا ما نستخلصه من رسالة عبدال بن اباض الذي يحدد فيها موقف
الباضية من الخوارج ويتمثل الموقف في نقطتين:
أولهما اعتراف ابن اباض بموالته للخوارج واتفاقه معهم من حيث المواقف السياسية فيقول:هذا خبر الخوارج يشهد
ال والملئكة انا لمن عاداهم أعداء ولمن والهم أوليا )45("...يقول هذا بعد أن ذكر المواقف السياسة للخوارج
وتتلخص في انكارهم لعثمان بن عفان ما أحدث ،وإنكارهم للزبير وطلحة حين نكثا ،وانكارهم لمعاوية حين بغى،
وإنكارهم لعلي حين رضي بالتحكيم.
والموقف الثاني ،يتلخص في انكار ما أحدثه ابن الزرق بخروجه عن الجماعة ومروقه عن الدين ،فقال" :غير أنا
نبرأ من ابن الزرق وصنيعه وأتباعه"( )46ويقصد بالصنيع أحداثه في الدين وبالتباع الخوارج ،ونجد الرأي نفسه
عند أبي يعقوب الوارجلني في الدليل والبرهان ،فهو يرفض اطلق لفظ الخوارج على الباضية رفضا قاطعا،
والخوارج عندهم المارقة والمرجثة والقدرية( )47وفي ثنايا الكتاب يتهجم على الخوارج كلما ذكرهم ويبين مواطن
خلفهم مع الباضية.
ونجد من جهة أخرى ان الباضية (قديما وحديثا) يتولون عبدال بن وهب الراسبي ،وعروة بن حدير وأخاه أبا بلل
مرداس وحرقوص بن زهير السعدي وغيرهم ممن أنكروا التحكيم ،ويتولون كذلك جميع الصحابة ممن شهد الفتنة أو
لم يشهدها ؛ أيجوز هذا أن نلحق الباضية بالخوارج لنهم يوالونهم ويتفقون معهم في بعض المسائل ،كيف نسميهم
خوارج وهم أخذوا أصول دينهم عن الصحابة الكرام والتابعين العدول؟ أو بعبارة أخرى هل يشفع في الباضية
مواقفهم المعتدلة والقريبة من آراء السنة لنمنع اطلق لفظ الخوارج عليهم رغم انحدارهم من طائفة المحكمة؟ علما
ان التفاق حاصل بين المؤرخين على ان المحكمة خرجت عن معسكر علي(رضي) لقبوله تحكيم الحكمين فسميت
بالمحكمة لرفضها التحكيم وبالخوارج لخروجها عن سلطة علي.
ويبدوا بعد الذي تقدم ذكره ان الشكال ينحصر في لفظ -الخوارج -وما دام المر كذلك فان المام سيتضح بتوضيح
معنى الخروج وتحديد مصطلح الخوارج وبعد ذلك يسهل اطلق السم على المسمى.
يتفق الكثير من المؤرخين على ان لفظه "الخوارج" تطلق على "المحكمة" الولى الذين أنكروا التحكيم -كما رأينا-
حين خرجوا عن علي (رضي) يوم صفين بعد انعزاله وقد كانوا أقرب مناصريه خاصته ،فلما حاربهم بالنهروان غذت
هذه التسمية تطلق على كل من حضر النهروان -ضد علي (رضي) أو من قال برأيهم.
وذهب فريق آخر من الصوليين وكتاب المقالت إلى ان الخوارج قوم من أمة السلم مرقوا من الدين وخرجوا عن
السلم ،بإنكارهم أصل من أصول الدين كحالة(ابن الزرق وأشياعه( )....فقد أحدث وارتد وكفر بعد اسلمه)()48
فرقع الخلط بين الخروج عن علي والخروج عن الدين ،وأصبح أهل النهروان (المحكمة) في حكم الخارجين عن
الدين ،ول يخلو هذا الحكم من الصدق باعتبار ان المارقين -أو الخارجين عن الدين -صادف أن ظهروا ضمن جماعة
النهروان -فيما بعد -مما سهل على كتاب المقالت -في بلط بني أمية وبني هاشم -أن ينعتوا أهل النهروان بالمارقين
وذوي الهواء وسموهم "خوارج".
والقول الثالث في الموضوع يفسر الخروج (بالجهاد في سبيل ال)( )49استنادا إلى قوله تعالى( :ومن يخرج من
بيته مهاجرا إلى ال ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على ال )()50
فإذا بحثنا في التاريخ بقصد إيجاد مكانة الباضية ضمن المدلولت لكلمة الخروج وجدنا آراء متعددة لكنها تنحصر في
النهاية بين موقفين أساسيين أولهما الحكم على الباضية بأنها فرقة من الخوارج وثانيها ان الباضية ليست من فرق
الخوارج فأين المصيب من المخطئ في هذين الحكمين؟.
أما أتباع ابن اباض وخاصة المتأخرين منهم فأنهم يرفضون انتسابهم للخوارج ،ويدافعون عن ذلك بقوة في حين نجد
منهم من يغض الطرف عن ذلك ويقبل بالتسمية على ان المقصود بالخروج للجهاد في سبيل ال أو الخروج سياسيا
ل خروجا عن الدين ومروقا منه(.)51
====================
) 44عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،جـ ،1ص .203
) 45عبدال بن اباض ،في رسالة كتبها الى عبد الملك بن مروان ذكرها البرادي في الجواهر
) 46المصدر السابق.
) 47أبو يعقوب الوارجلني ،الدليل والبرهان ،جـ ،1ص .15
) 48عبدال بن اباض في رسالته الى عبد الملك بن مروان.
) 49علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ الحلقة ،1ص .19
) 50سورة النساء ،الية .100
) 51عمار طالبي ،آراء الخوارج الكلمية ،جـ 1ص .30
نقتصر الكلم على ذكر أراء الباضية في الخوارج لتحديد مواقفهم من القضية ول نذكر مخالفيهم لسببين :أولهما
وضوح موقف المخالفين وأجماعهم عليه والمتمثل في أن كلمة الخوارج تطلق على الخارجين عن علي(رضي)()52
ومنهم الباضية فهي فرقة من الخوارج .ثانيها ان المقام ل يتسع لمناقشة هذه المسألة لتساعها وتشعبها إذ ليس
بحثنا في التاريخ.
يقول عبدال بن اباض( )53في تعريفه للخوارج(:هم أصـحاب عثمان الذين أنكروا عليه ما أحدث من بدعته
وفارقوه....وهم أصحاب الزبير وطلحة حين نكثا وأصحاب معاوية حين بغى ،وهم أصحاب علي بن أبي طالب حين
بدل حكم ال ،فهم فارقوا هؤلء كلهم وأبوا أن يقروا بحكم البشر دون حكم ال وكانوا يتولون في دينهم نبي ال صلى
ال عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي ال عنهما ،ويدعون إلى سبيلهم فهذا خبر الخوارج نشهد ال انا لمن عاداهم
أعداء وانا لمن والهم أوليا( )....بألسنتنا وقلوبنا( )...غير انا نبرأ من ابن الزرق وصنيعه وأتباعه(.)54
فقد أقر عبدال بن اباض أنه يلتقي مع الخوارج حين خرجوا عن الئمة الذين بدلوا حكم ال بحكم البشر ،وفي نفس
الوقت يعلن براءته ممن خرج عن الدين .فتفهم من كلمه أنه لم يحشر نفسه مع الخوارج فهو ليس منهم لكنه
يوافقهم في رأيهم.
لكن الشيخ علي معمر ( )1979-1915يخالف ابن اباض في رأيه وهو يرى أن مدلول الخروج ل يلحظ فيه المعنى
السياسي النوري ولذلك لم تطلق هذه الكلمة عن قتلة عثمان ،ول على معاوية وجيشه ول علي ان فندين( .)55بل
ويذهب إلى أكثر من ذلك وينكر أن تكون كلمة الخروج معرفة أيام صفين ،حتى ان الفرق الخارجة عن الدين
كالزارقة والنجدات لم تتميز حينذاك عن المحكمة ،ويستدل في ذلك بحديث أم نافع بن خليفة ":إن الناس يومئذ على
ثلثة أصناف ،صنف جبابرة وأتباعهم ،وصنف فساق يشربون النبيذ ويضيعون الصلة ....وليس هنالك صفرية ول
أزارقة ول شكاك وانما الذين يسمون القراء)56(".....
ونجد الرأي نفسه عند الشيخ التعاريتي الجربي الوهبي( أوائل ق 14هـ) حين يقول ردا على الشيخ محمد ابن
مصطفى مفتي طرابلس (أوائل ق 14هـ)" :وقولك أنهم من جملة الخوارج باطل"( )57وهو يعني بالخروج السياسي
لنه يقول فيما بعد "ول نقول بالخروج عن سلطين الجور.)58("...
وعن الخوارج -دائما يقول أبو يعقوب يوسف الوارجلني(توفي 570هـ1174/م) "وزلة الخوارج نافع بن الزرق
وذويه حين تأولوا قوله تعالى( وان أطعتموهم إنكم لمشركون) ( )59فأثبتوا الشرك لهل التوحيد.)60("...
وقد رأينا أن عبدال من رأي نافع بن الزرق لو كان القوم مشركين لكان أصوب الناس "قاتله ال ،من رأى رأي نافع
بن الزرق لو كان القوم مشركين لكان أصوب الناس رأيا وحكما فيما يشير إليه لكنه قد كذب وكذبنا فيما يقول"()61
إذا فالخوارج في نظر الباضية هم الزارقة والنجدات والصفرية كانوا مع الباضية فخرجوا عنهم بخروجهم عن
الدين لما قالوا بتحليل الموال والدماء بالمعصية .والحديث الوارد في الخوارج انما كان المقصود منه هؤلء لن في
آخر الحديث (يستحلون الموال والدماء بالمعصية والباضية ل تستحلها)()62
أما الشيخ السالمي العماني (1286هـ1332-هـ) فنه يقر بخروج الباضية لكن بمفهوم الجهاد إلى سبيل ال يقول
في هذا الصدد" :ولما كثر بذل نفوسهم -أي الباضية -في رضى ربهم وكانوا يخرجون للجهاد طوائف....سموا
بالخوارج جمع خارجة وهي الطائفة التي تخرج في سبيل ال أخذا من قوله تعالى (ولو أرادوا الخروج لعدوا
لـه )....فهذه هي أصل تسميتهم بالخوارج وهي تسمية محمودة وسبب مشكور ،ولما فارقتنا الزارقة والصفرية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
أخذوا عنا اسم الخروج "وانقلب المدح ذما واختصصنا باسم أهل الستقامة"(. )63
هذه آراء الباضية في الخوارج -مجملة باختصار -قد تبدو لول وهلة مختلفة حينا ومتوافقة حينا آخر لكن سرعان ما
يزول الختلف حينما نأخذ مدلول كلمة الخروج بعين العتبار حيث ل تنصرف عن هذه الدللت الثلث:
-1الخروج من الدين وهو انكار الثابت القطعي من أحكام الدين أو مخالفة المقطوع به من النصوص.
-3الخروج في سبيل ال واعلن الثورة ضد الظلم والكفر اعلء لكلمة ال امتثال لقوله تعالى( :ومن يخرج من بيته
مهاجرا إلى ال ورسوله.)64()..
ولو حكمنا العقل ،للنظر في شأن الباضية وما يناسبها من المدلولت السابق ذكرها لقلنا :أما الخروج بالمدلول
الديني فإن التاريخ لم يثبت للباضية مروقا ول فسوقا فعقيدتهم وأصولهم ليس فيها ما قد يقدح وهي مدونة في
أمهات الكتب فهم ليسوا خوارج إذن(*).
أما الخروج بالمدلول السياسي فقد ثبت ان أهل النهروان فارقوا عليا والباضية منهم ،وكان ذلك اجتهادا منهم على
ان البيعة قد سقطت عن أعناقهم بعد أن ظهر عجز المام وفقده للحنكة السياسة وأصبح ل يتمتع بالهلية والكفاءة
ورضي بالتحكيم وما ينجم عنه ،وليس في هذا الخروج مساس بالعقيدة .على "ان اطلق اسم على مجموعة من
الناس ليس بذي أهمية إذا كان هذا الطلق مجرد تسمية"(.)65
أما الخروج للجهاد فمطلب عظيم وغاية شريفة ومن ل يتمنى أن يقع أجره على ال وهو خارج في سبيله ولذلك لم
يدخر الباضية جهدا في طلب الشهادة وقد خرجوا ورغبوا للخروج جهادا في سبيل ال.
=====================
) 52المرجع السابق من ص 15الى .30
) 53له مواقف كلمية وجدالية ،ولد في زمن معاوية وتوفي في زمن عبد الملك.
) 54عبدال بن اباض في رسالته الى عبد الملك بن مروان ،البرادي الجواهر المنتقاة.
) 55ابن فندين أنكر إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم ،سنة 171هـ ،علي يحيى معمر ،الباضية في موكب التاريخ ،حلقة ،1
ص .33
) 56علي يحيى معمر ،الباضية بين الفرق ،ص .384
يغلب على ظن الكثير من الباحثين والدارسين للفكر السلمي ان الباضية فرقة خارجية تفضل النطواء والنغلق
حول نفسها وتؤثر العزلة على الحتكاك بغيرها من الفرق ( )66وقد وصف المؤرخون وكتاب المقالت أتباع
الباضية بأنهم أهل بدع وأهواء وضلل( )67ونعوتهم بالمروق والغلو والتعصب ول غرابة في ذلك لمرين:
الول :اعتماد المؤلفين على مؤرخي الفرق وكتابة المقالت ،الذين يكتبون ويؤرخون انطلقا من موقف مبدأي الدفاع
عن كيان الدولة والتأييد الدائم للسلطة الحاكمة سواء أكانت أموية أو عباسية.
ولهذا ينبغي على الكاتب أن يتصدى لكل التيارات المعارضة لنظام الحكم القائم وعليه أن يثبت -بأي طريقة -أن القلية
الخارجة عن السلطة هي كذلك خارجة عن الدين ،وحيث ان الباضية تقرر أصولها السياسية بأن الخلفة منصب
مشاع بين الناس يحق لكل مسلم إذا توفرت فيه الهلية والكفاءة أن يتوله ،وهذا يعني :المعارضة الصريحة لنظام
الحكم القائم على الوراثة ،ولجل ذلك عاشت الباضية حياة الضطهاد في كثير من مراحل تاريخها مما اضطر أتباعها
إلى الدخول في الكتمان واخفاء أمرهم إلى حين استجماع قوتهم ماديا وفكريا ولعل هذا ما يفسره البعض بالنزواء
والنغلق.
الثاني :عدم اطلع الدارسين على التأليف الباضية والرجوع إلى مصادرهم والكتفاء بتأليف المخالفين .ولعل السبب
في ذلك يعود إلى نقص المصادر الباضية وان صح هذا فسببه الظروف الصعبة التي كانت يعيشها الباضية -كما
أشرنا.
ومهما يكن من أمر فإن الباحث ل ينكر ما لقته الباضية من اضطهاد من طرف الحكام أو ببغض وكره من طرف
المذاهب الخرى أو تحامل واتهام بالزيغ ونعت بالخروج عن الدين من طرف المؤرخين وكتاب المقالت ورغم ذلك
كله يتقبل الباضية ذلك بحسرة ول يقابلون بالمثل إل نادرا في حالة الدفاع عن النفس إذا كان المر اقتتال أو دفاعا
عن الدين إذا بلغ المر انتهاكا لصل من أصوله أو تعد لحد من حدود ال.
وفيما عدا ذلك فالتسامح والتجاوز عن الهفوات وكظم الغيظ من شيم الباضية حرصا على التآلف والتقارب وجمع
الشمل ،أما الخلفات المذهبية فتراها الباضية ناضجة عن الجتهاد المشروع ومحاولة فهم الشريعة السلمية كتاب
ال وسنة رسوله وهي المنبع الوحيد الذي تأخذ منه جميع الفرق ،وانطلقا من هذا المفهوم يرى الباضية
والمعاصرون خاصة :أن عهد المذهبية قد ولى وزمان الصراعات بين الفرق السلمية قد فات أوانه ،وأنه ينبغي
العتراف "أن جميع الفرق والمذاهب السلمية تقف متساوية على صعيد واحد فليس فيها فرقة أفضل من فرقة ول
مذهبا خير من مذهب"()68
"والحقيقة التي ل سبيل إلى إنكارها أن المسلمين في حاجة إلى التعارف الكامل في هذا العصر الذي تيسرت فيه
وسائل اللقاء وفي حاجة إلى أن يطلعوا جميعا عل الحق الذي حمل كل فرقة جانبا منه"(.)69
والواقع أن كل فرقة إسلمية قد ساهمت في خدمة السلم من زاوية معينة فل ينبغي لفرقة أن تعتبر نفسها ممثلة
السلم وغيرها تابع.
وبما أن الفرق نتجت عن اختلف العلماء واجتهاداتهم فإن الراء التي استخلصوها ل تخلو من الهفوات .ففي علم كل
عالم مأخوذ ومتروك ،وعليه فالجدى بالمسلمين اليوم أن يبحثوا في إيجابيات الفرق ويستثمرها ويغضوا الطرف عن
سلبيات المذاهب ما دام الشتغال بها يورث الفرقة والصراع ول ينكر أحد أن لكل فرقة إسلمية حسنات على المة
لخصها ش.علي يحي معمر فيما يلي(.)70
فضل الشيعة على المة جهدهم في إثبات حق آل البيت في الحياة وفي الحكم ولول الشيعة لقضي جبروت بني أمية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وميزة الخوارج كفاحهم المرير لما استنام المسلمون وسكتوا عن النحراف بدولتهم من الخلفة إلى الملكية فقاوموا
تسلط الديكتاتورية الملكية على الحكم في السلم وإخراجه من نظام الشورى إلى نظام الملك العضوض.
ولول المعتزلة لكانت الفلسفة القديمة بما أوتيت من براعة الجدل وذكاء التمويه قد استطاعت أن تنحرف بعقيدة
المسلمين عن السلم.
ولول الباضية لما كانت هناك حلقة في العتدال والتوسط بين الفرق المتطرفة فقد حاولت تقليل التباعد بين الراء
سواء في العقيدة أو السياسة.
ولول أهل السنة الذين ناصروا الدولة الموية ثم العباسية لما بلغ العرب ما بلغوا من حضارة قوامها السلم أعطت
دفعا قويا للحظارة النسانية.
ولول الظاهرية والحنابلة الذين تمسكوا بالنص واعتمدوا عليه دون العقل لما خدمت النصوص السلمية على هذا
المستوى العلمي الدقيق الذي نفتخر ونعتز به.
ولول النزعة العقلية المتحررة من الفقهاء المعتمدة على العقل والمنطق في مناقشة النصوص والثار لبقى الفقه
السلمي تحت أثقال من الركود والجمود.
هذا هو الطار العام الذي يشمل الفكر السلمي وتتفق فيه الفرق السلمية كل واحدة بما تحمل من شعارات خاصة.
فالكل متكامل والكل يخدم الوحدة السلمية ،وهذا هو رأي الباضية في طبيعة الفكر السلمي الذي ينبغي أن يكون
حركة إنسانية شاملة تذوب فيها العصبية والطائفية لتحل محلها القناعات المذهبية التي تكمل بعضها البعض لتخدم
السلم والمسلمين.
===================
) 66انظر أجناس جولد تسيهر ،العقيدة والشريعة في السلم ،ترجمة محمد يوسف موسى عبد العزيز عبد الحق ،علي حسن عبد القادر،
دار الرائد العربي ،بيروت ،د.تا ص .174
) 67الشعري ،مقالت السلميين ،ص ،156عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ،ص ، 82 ،55وانظر كتاب الملل والنحل ،ص
.79 ،57
) 68علي يحيى معمر ،الباضية بين الفرق السلمية ،ص .5
) 69د.عمر خليفة النامي ،مقدمة تحقيقه لكتاب قناطر الخيرات لسماعيل الجيطالي ،جـ ،1ص .4
) 70علي يحيى معمر ،الباضية بين الفرق السلمية ،ص .375 -373
الفصل الرابع
أول :حياته
ب -شخصيته
جـ -تلميذه
ثانيا :تآليفه
ثالثا :فكره
ب -فلسفة العلوم
أول :حياته
في بلدة "آت يسجن"( )1إحدى قرى وادي ميزاب( )2ولد الشيخ محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح بن عبد
الرحمن بن عيسى أطفيش( )3سنة 1236هـ 1818/م( ،)4توفي والده في كهولته فذاق البن طعم اليتم منذ سنة
الرابعة ،لكن أمه بالغت في الحنو عليه وعوضته برعايتها وحسن تربيتها ما فقده من أبيه( )5فلما توسمت فيه بوادر
النبوغ وشهدت فيه الذكاء والفطنة عهدت به إلى أحد المؤدبين لحفظ القرآن فختمه وأتقن حفظه وهو ابن ثماني
سنوات( )6وأسرع الطفل إلى دور العلم فزاحم بالركب زملءه في حلق العلم ،وأظهر ميل قويا لحضور مجالس
العلماء فنال المبادئ الولى في اللغة وعلوم الدين.
وعند رجوع أخيه الكبر الشيخ إبراهيم بن يوسف اطفيش من رحلته العلمية في المشرق انقطع إليه الشيخ محمد
اطفيش فأتم على يده دراسته الثانوية وأخذ كل مفاتيح العلوم الشرعية والعربية ،كما درس عليه المنطق والحساب
والفلك ،ودرس عنه التفسير والحديث والفقه وأصول التشريع وعلم الكلم ،وفي العربية :النحو والصرف والبلغة
كما درس التاريخ السلمي وتاريخ العالم كله()7
وكان أساتذة الشيخ إبراهيم اطفيش قد رحل إلى المشرق لطلب العلم بعد ان تخرج في "آت يسجن" على تلميذ
الشيخ عبد العزيز الثميني(1130هـ1718/م – 1223هـ1808 /م) .وفي المشرق أقام في عُمان مدة بتخصص في
الشريعة واللغة العربية على علمائها ثم رحل إلى مصر وأقام فيها أرع سنين لطلب العلم في الزهر( ، )8ولما عاد
إلى وطنه الجزائر انتصب للوعظ والتدريس في "آت يسجن" إلى أن توفي حوالي 1310هـ ،وترك تلميذ كثيرين
منهم الشيخ محمد اطفيش.
ومما يروى عن ذكاء الشيخ اطفيش وشدة نبوغه أنه ل يكاد يبدأ الكتاب في فن جديد...حتى يختم الكتاب بنفسه دون
حضرة شيخه ،وكان يقول الساتذة" :حسبي من دروسك ،إن شئت قررت البواب كلها وشرحت لك ما فيها"()9
ولما اشتد عوده واستساغ حلوة العلم شمر عن ساعديه واعتمد على نفسه في طلب العلم فأقبل على الكتاب يلتهم
المعرفة من بطونها "وكان ل يسمع بخزانة حافلة إل ويتخذ كل الوسائل للطلع عليها فيستعير نفائسها ليدرسها
وإذا تعذرت الستعارة بذل أكبر الجور لمن ينسخها له من أهل البلدة"( )10ومن حسن حظه أن دعاه نجل الشيخ
عبد العزيز الثميني ليقدم له خزانة والده قائل له" :هذه كتب والدي ومؤلفاته تحت تصرفك فخذ منها ما شئت وفي
أي وقت شئت"(.)11
وهكذا وجد الشيخ نفسه أما عدد من خزائن الكتب( )12فلم تتق نفسه إلى الرحيل إلى خارج الوطن طلبا للعلم،
واكتفى بما لديه وما حوله وما يأتيه من مصادر العلم والمعرفة ،وما كاد يصل الخامسة عشرة من عمره حتى جلس
للتدريس مع أخيه وشيخه في المدرسة ،ولما بلغ العشرين كان أكبر عالم في وادي ميزاب ففتح دارا للتعليم ،وعكف
على التأليف وشمر للصلح الجتماعي والسير بالنهضة الحديثة(.)13
وليس هذا بالمر الهين على مفكر أعزل نشأ في وطن عظمت فيه المحن وانعدمت وسائل الراحة وقلت مذكيات
المواهب ،بل عاش في وسط كثير الفتن اشتدت فيه وطأة الضطهاد للعلماء العاملين وقويت فيه شوكة الذين
يستنكفون عن قبول الحق والمتثال للواجب( )14فليس قليل ما لقاه من اضطهاد حتى أخرج من بلدته ،لكن عزيمته
ل تزيد إل صلبة فما يزال يذوب عن الدين بالنصح والرشاد والمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتنقيح العلوم
بالتدريس والتأليف إلى أن انتقل الى عالم الرواح عند تنفس الفجر ليوم السبت 23ربيع الثاني 1332هـ1914/م(
)15عن عمر يناهز 96عاما في خدمة العلم والسلم.
=======================
) 1وتسمى "بني يزقن" تقع في ولية غرداية ،تأسست عام 1321م ،من اندماج خمسة قرى قديمة على مقربة من المدينة الحالية
وهي :تيريشين ،موركي ،اجنوناي ،تلفللت ،بوكياو ،حسبما جاء في رسالة ش.اطفيش.
) 2قرى وادي ميزاب هي :تاجنينت ،بنوره ،ملكية ،غرداية ،آت يسجن ،القرارة ،بريان.
) 3يذكر الشيخ أبو إسحاق ان نسب ش.اطفيش ينتهي الى أبي حفص عمر بن الخطاب ،انظر ترجمة القطب في مقدمة الذهب الخالص،
أما أ.محمد علي دبوز فينهي نسب القطب الى عمر بن حفص الهنتاتي وإليه تنتسب العائلة الحفصية المالكة في تونس بعد الموحدين ،وهو
من قبيلة مصمودة البربرية انظر نهضة الجزائر جـ ،1ص .290
) 4راجع :أبي اسحاق إبراهيم اطفيش ،الدعاية الى سبيل المؤمنين ،ص ،107وكذلك محمد على دبوز نهضة الجزائر ،الحديثة ،جـ ،1
ص ،290وكذلك الذهب الخالص.
) 5محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .290
) 6المرجع السابق ،جـ ،1ص .290
) 7محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة وثورتها المباركة ،جـ ،1ص .301
) 8المرجع السابق ،ص .285
) 9المرجع السابق ،ص .301
) 10المرجع السابق،ص .304
) 11تعتبر خزانة الثميني أول الخزائن التي حصل القطب عليها ودرسها فكونته لذلك نجده ينوه بالشيخ عبد العزيز الثميني ويثني عليه
ويذكر فضله عليه ويراه أكبر أساتذته من ناجيتين ،أولهما دراسته على تلميذ الثميني وثانيهما دراسته لتأليفه انظر محمد علي دبوز
نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .285
) 12من خزائن الكتب التي حظي بها القطب خزانة زوجته التي ورثتها عن أبيها وكان عالما خاطبت هذه الزوجة تلميذ القطب من وراء
ستار وفي ليلة زفافها قائلة(اشهدوا أنني قد وهبت خزانة الكتب وهذه الدار للقطب فهما ملك له) انظر محمد علي دبوز نهضة الجزائر ،جـ
،1ص .305
) 13محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .302
) 14أبو إسحاق إبراهيم اطفيش ،ص أ من مقدمته لكتاب الذهب الخالص للشيخ محمد أطفيش.
) 15أبو إسحاق إبراهيم اطفيش ،الدعاية الى سبيل المؤمنين ،ص .109
ب –شخصيته
تحدث العديد من الكتاب والعلماء حول شخصية القطب ،وأطالوا في ذكر مناقبه ونشاطه الفكري والجتماعي ،وأغلب
المتحدثين عنه من المشرق ومن سلطنة عمان خاصة ،ولعل المشارقة كانوا أكثر اهتماما بالقطب من أبناء طينته في
المغرب سواء في عصره أو في أيامنا .فلم يألوا جهدا في جمع تراثه وطبعه ونشره ،وهذا مما يدل على علو مكانته
بين علماء المشرق "فقد ذاع صيته حتى صار مرجع المسلمين في جميع القطار في مشكلتهم"( )16مما يقول فيه
شاعر(:)17
لم يكن القطب عظيما بين العلماء فحسب بل كان ذا منزلة سامية لدى الملوك ،وخاصة السلطان عبد الحميد الثاني (
1824م1918-م)( )19وسلطين عمان( )20وزنجبار( )21ومنهم من أهدى له الوسمة إكراما له "واعترافا
بمنزلته السامية في العلم والدين"(.)22
كان شديد المقاومة للبدع ،آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ،شديد الغيرة على الدين ل يخاف في ال لومة لئم()23
ول يهاب جبارا ول يعظم لديه خطر ذا هيبة ووقار ،قوي الرادة حصيف الرأي( )24حريص على وحدة المسلمين
كثير الدعاء بالنصر للمة السلمية .يرى من الواجب أن يكون السلم في عز وأهله في منعة ،ويرى أم كل ما لم يلم
بشعب اسلمي كائنا من كان من الرهاق فهو نكبة أصابت المة( )25ولذلك يعتبر خدمة السلم والمسلمين من أكبر
الواجبات التي يجب أن يتحملها ومن هنا كانت أفكاره تتسم بالموضوعية (ل يتعصب لمذهب اسلمي فيحصر فيه
نفسه ،فهو كثير الدراسة لكتب المذاهب السلمية كلها( )...وفي تآليفه يعرض بأمانة أقوال المذاهب فيناقشها في
نزاهة ويقارن بينها)(.)26
ونجده في الوقت ذاته يعتد بمذهبه أيمانا منه بصحة آرائه فيقول" :نحن أهل الحق تحقيقا ل تقريبا فقط( )27ولسنا
نستكمل بغيرنا( )...وان كلم الدرعي وابن حزم (1063-994م) وابن خلدون(808 -732هـ 1406-1332/م)
وابن حجر (ت 852هـ1449/م) كلم خير فينا ل كلم سوء)( ،)28وهو يقصد بهذا إظهار مذهبه على حقيقته وإزالة
الحواجز بين الفرق لنها تعود إلى أصل واحد هي كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ويظهر ايمانه بوحدة
المسلمين وإخلصه للدين في قوله:
كما يظهر إيمانه الصادق بالعمل والجهاد وغيرك من أجل توحيد كلمة المسلمين وجمع ما تفرق من المة في قوله:
وسعيا لتحقيق هذا الشعار كرس الشيخ أطفيش حياته لنشر العلم وخدمة الدين ،فأخذ منه ذلك كله وقته حتى حرم
نفسه من الراحة فكان يقضي معظم ليله يؤلف ل يعرف النوم( )31إل قليل ،يغتنم أقصى ما يمكن من وقته فكان
يؤلف في السفينة( )32أثناء رحلته إلى الحجاز" ،وكان يكتب أو يقرأ وهو على دابته مسافرا إلى البادية"(.)33
وحرصا على حسن استغلله نظم حياته اليومية تنظيما دقيقا ،فبلغ معدل ساعات العمل أكثر من 16ساعة()34
موزعة كالتي:
فترة قصيرة بعد طلوع الشمس :يلم بدار إحدى زوجاته لفطور خفيف.
بين الفطور والزوال :دروس منتظمة للتلميذ في حلقات وإذا لم تكن يجلس للتلوة إلى العصر.
فترة قصيرة بعد العصر :يلم بندوة العزابة يعرضون عليه أهم مشاكل للدلء برأيه فيها.
بين العصر والمغرب :يستقبل الناس في مكتبه للجابة على أسئلتهم وإصدار الفتاوى.
ذلك هو النظام اليومي لنشاط القطب خلل أيام السبوع لما بلغ درجة الجتهاد أما يوم الجمعة فقد يخصصه
للستراحة أحيانا فيذهب في الصباح إلى بستانه.
=======================
) 16المصدر السابق ،ص .108
) 17الشاعر الشيخ محمد بن شيخان العماني ،أكبر شعراء بني قحطان.
) 18مقدمة الذهب الخالص ،ص .جـ ،ط.
) 19سلطان عثماني( 1909 -1876م) تربطه بالقطب مراسلت عديدة.
) 20سلطنة مستقلة في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية مساحتها 121 .370كلم 2وعدد سكانها أكثر من مليوني نسمة،
عاصمتها مسقط ،وأهم مدنها مطرح وصور .ونخل ونزوى وصحار وظفار احتلها البرتغاليون سنة 1508م فأجلوهم اليعاربة .اقتصادها
قائم على الزراعة والصيد والبترول.
) 21زنجبار() جزيرة في المحيط الهندي مقابلة لتنغانيكا تؤلف مع جزيرة بمبا وتنغانيكا دولة تنزانيا عاصمتها دار السلم.
) 22إبراهيم اطفيش الدعاية الى سبيل المؤمنين ،ص .108
) 23المصدر السابق ،ص .108
) 24إبراهيم اطفيش ،مقدمة الذهب الخالص ،للقطب ص .5
) 25المصدر السابق ،ص ج.
) 26محمد على دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،3ص .306
) 27ردا على القائلين :ان الباضية أقرب المذاهب الخارجية الى السنة.
) 28سالم السيابي ،إزالة الوعثاء ،...ص 54نقل عن ش.اطفيش في الرد على العقبي.
) 29ش.اطفيش ،الذهب الخالص( ،المقدمة) ،ص :هـ
) 30المصدر السابق ،ص :ح ،يريد بالطول الجيل العاصم وعليه يرتقي ويهتدي به ،أما عبارة جنحايا فغير واضحة ،عله يقصد الجنحة
ليسمو بها.
) 31محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .309
) 32المرجع السابق ،ص 309
) 33المرجع السابق ،ص 308
) 34المرجع السابق ،ص 308
) 35ملخص عن أ.محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .310 -309
جـ -تلميذه
تلمذ على يد القطب نخبة طيبة من المشائخ جاؤوا من كل قرى الوادي طلبا للعلم والمعرفة ،فوجدوا إقبال وحفاوة كما
وجدوا علما وأدبا ،وفي جو من الجد والنضباط والحرص على التحصيل تخرجوا فمنهم من واصل السير في طلب
العلم ونال ،ومنهم من تفرغ للعمل الجتماعي وخدمة الصالح العام ومنهم من شمر للعمل في الميدان القتصادي في
الزراعة والتجارة والكل تجمعهم النية الصادقة والعزم الخالص لخدمة الدين وقيادة النهضة الصلحية حيثما حلوا
وارتحلوا.
وتجدر الشارة إلى أن الثار الحميدة للتربية والتكوين في معهد القطب قد ظهرت في كل من الجزائر وتونس وليبيا،
عن طريق تلميذ القطب وتلميذهم.
ومن تلميذ القطب نذكر -على سبيل المثال -ش.ح.عمر بكلي ،وش.ح.داود بن سعيد ابن يوسف من العطف()36
وش.ح.صالح عمر ،وش.محمد بن سليمان ابن أدريسو من بني يسجن ،وش.الحاج الناصر بن إبراهيم الداغور،
وش.اعمارة بن صالح موسى المال من بريان( ،)37وش .بابكر بن الحاج مسعود ،وش.ح.يوسف حدبون من
غارداية( ،)38وش.ح.إبراهيم البركي ،وش.ح.عمر بن يحي ،وش.ح.محمد القاضي من القرارة( ،)39وش.سليمان
باشا الباروني وأخوه ش.يحيى من ليبيا(.)40
ومن تلميذ القطب الذين ساهموا في بعث النهضة الصلحية خارج الجزائر نذكر ابن أخيه ش.إبراهيم بن يوسف
أطفيش (أبو إسحاق) في القاهرة( ،)41وش.إبراهيم ابن عيسى أبو اليقظان ،وش .محمد بن ح.صالح الثميني،
وش.صالح بن يحيى بن ح.سليمان( )42في تونس.
المة الجزائرية أمة مسلمة والوربيون أمة مشركة كافرة .واستعمار الفرنسيين الجزائر يعني قهر المسلمين
ومحاربة السلم .من هذا المنطق يرفض ش.أطفيش تواجد الكفار على أرض السلم وبالتالي يمقت ظاهرة
الستعمار في أي شكل من أشكاله ،ويعز عليه أن يهضم شعب إسلمي وسلب حريته أو يناله أدنى ضيم( )43ولذلك
قارع المستعمر بكل ما أوتي من حيلة حتى أنه دخل في حرب ديبلوماسية مع الفرنسيين حين ساروا لح تلل منطقة
ميزاب سنة 1882م .فقام القطب وأنصاره يعارضون الحتلل واحتج القطب لدى قائد الحملة بكل جرأة وأنكر عليه
نقض المعاهدة( )44وأفهمه ان ميزاب في غنى عنه وعن خدمات دولته وأنهم ل يرضون بالحتلل وأسمعه كلما
قاسيا( )...فخاف القائد أن يثير عليه ميزاب والصحراء فاعتقله( )....حتى احتل غرداية وشحنها بالجند وأمن على
نفسه من الثورة فأطلق سراحه( )45لكن القطب لم يهدأ ولم يستسلم للواقع فراح يحرك الشعب ،ويستنهض الهمم
ويثير الرأي العام كلما سنحت لـه الفرصة لذلك .وكان يغرس في تلميذه كره الفرنسيين واحتقار المستعمرين
المتجبرين.
ومن الطريف أنه "كان يلصق الطوابع البريدية التي تحمل صور المستعمرين مقلوبة"( )46استهزاء ونكاية بهم،
ومن نوادر اعتداده بدينه ووطنه أنه زاره بعض القسس وكبار الولة من الجانب فوقفوا معه في مستوى واحد من
الرض لكنه أبى ذلك فارتفع إلى درجة ولما استفسر أحدهم ،قال":السلم يعلو ول يعلى عليه"( )47ولما حاول
المستعمر هدم الجامع الكبير بالعاصمة كتب قطب رسالة احتجاج إلى الوالي العام يحذره فيها من القتراب إلى بيوت
ال وتوعده بالنتقام ل تعالى.
ومن رسائله الحتجاجية لرسالته إلى الحكومة الفرنسية ذكر فيها ظلم الولة لبناء الشعب" ،ومنعهم من الحج
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
والسفر إلى الخارج"( )48وفي رسالة أخرى بعثها إلى "بوان كاري" بمناسبة اغتيال أحد الوزراء الفرنسيين في
باريس جاء فيها -بأسلوب تهكمي" -لقد تمادى بكم ظلم المسلمين فكان ال يراقبكم حتى أصبح وزراؤكم يقتلون في
الطرقات كالكلب )49("...فلما اشتد غضب الفرنسيين من تصرفات القطب الجرئية قرروا إيقافه عند حده" ،فحاولوا
أن يستقدموه إلى فرنسا للمحاكمة ،لكنهم عدلوا عن ذلك حين قال أحدهم" :من العار على فرنسا أن تستدعي رجل
أما أن يحاججها فتكون أضحوكة أمام الدول ،وأما أن تحاججه وهو أعزل ليس له إل علمه ،فخير لكم أن تتركوا
الرجل فتتناسوه"()50
هكذا كان الشيخ أطفيش يحارب الستعمار بقوة الحجة والكلمة المؤثرة ،يتألم لما يرى من العسف والحيف وقهر
المسلمين بالقطر الجزائري وكامل المة السلمية ،شديد الحرص على إقامة شعائر الدين والمحافظة على مقومات
المة السلمية التي هي الوحدة والحرية ،وإحياء اللغة العربية.
=============
ثانيا :تآليفه
من مزايا الشيخ أطفيش انتاجه الغزير ،فقد وهبه ال قلما سيال ،وفكرا غريزا وإرادة قوية ل تعجز عن التأليف،
ولذلك تعددت تصانيفه وكثرت مؤلفاته حتى اختلف المهتمون بتراثه حول عدد مؤلفاته فقال أ.محمد علي دبوز أنها
تجاوزت المائة(.)51
وقال الشيخ أبو اسحاق إبراهيم اطفيش" :إحصاء تآليفه غير يسير وقد تجاوزت المئات وأما أجوبته فل تحصى()52
أما أ.إبراهيم عبد العزيز فقال أنها تزيد عن ( )320مؤلف ومهما يكن من أمر فإن الخلف دليل الوفرة .ولعل من
أسباب هذه الوفرة إن قلم القطب كان جوال بين مختلف فنون العلم ولذلك نجد الشيخ أطفيش يؤلف كتابين أو ثلثة أو
أكثر في ذات الوقت حول موضوعات مختلفة.
ومن أهم الفنون التي كتب فيها ما يلي :التفسير ،الصول ،التوحيد ،الحديث والسيرة ،الفقه ،الفرائض اللغة وآدابها
وفنونها ،التجويد ،التاريخ ،النحو ،الصرف ،العروض ،الحساب والجبر ،المنطق ،الفلسفة ،الطب ،الفلك ،الفلحة.
وفيما يلي ذكر أهم تآليفه في الفنون المختلفة:
أ -التفسير:
فسر القطب كتاب ال ثلث مرات ،وهذا شاهد على تبحره في علوم القرآن وغزارة مادته ،وهو تفسيره يهتم
بجانبين ،الناحية اللفظية واللغوية والناحية العلمية والفقهية( ،)53ومن الملحظ أن طريقته في التفسير تغايرت "بين
ما ألفه من التفاسير في العشرينات من عمره في غضاضة شبابه وبين ما ألفه في عقود نضجه بعد العقد الخامس(
")54وترتيب تفاسيره كما يلي:
-1هميان الزاد ليوم المعاد ،فسر فيه القرآن كله في ستة أجزاء(" )55ويقع في 14مجلدا يناهز الواحد منها 600
صحيفة أو تزيد"( )56طبع في زنجبار حوالي سنة 1350هـ وأعيد طبعه مؤخرا في سلطنة عمان.
-2تيسير التفسير ،وهو أحسن تفاسيره يقع في سبعة أجزاء ،طبع في الجزائر سنة 1326هـ.
-3داعي العمل ليوم المل ،من سورة الرحمن إلى سورة الناس ،يقع في أربعة أجزاء ،ويبدوا أنه آخر تفاسير
القطب ،فقد وافته المنية قبل إتمامه( )57لكن أ.بيار كوبيرلي( ) Pierre Cuperlyيرجح أن يكون القطب قد
وضع هذا التفسير بين هميان والزاد وتيسير التفسير ويعتقد أن نسخته الكاملة موجودة في مكتبة مسقط بسلطنة
عمان(.)58
ومن تآليفه القطب في موضوع القرآن رسالته المسماة "جامع حرف ورش" 56صفحة مطبوعة في الجزائر في سنة
1325هـ.
ب –الحديث والسيرة:
-جامع الشمل في حديث خاتم الرسل،ج ،1ص ،436طبع حجري البارونية 1304هـ.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
د -الفقه:
-شامل الصل والفرع ،في الطهارات والصلة ،ألفه لما بلغ درجة الجتهاد في جزأين ،ج ،1ص ،387ج ،2ص
،264مط السلفية ،القاهرة 1348هـ.
-شرح النيل وشفاء العليل ،للشيخ العزيز وهو عبارة عن دائرة معارف في الفقه الباضي ،طبعة جديدة24،جزاءا/
17مجلدا ،دار الفتح ،بيروت.
-الذهب الخالص المنوه بالعلم القالص ،حققه وعلق عليه أبو اسحاق إبراهيم اطفيش ،ج ،1ص ،340مط السلفية،
القاهرة 1343هـ.
-شرح معالم الدين في الفلسفة وأصول الدين لعبد العزيز الثميني (مخ).
==============
-حاشية في المحو(مخ).
-أجور الشهور(مخ).
-خطبة العيدين(مط)
-بيان البيان(مخ).
-جواب في المعاملة.
-مسلك الفلك(يبدو أن الكتاب ليس من تأليف القطب لعدم وجود ما يثبت ذلك)
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ك -أشعاره:
لم يكن الشيخ اطفيش شاعرا نابغا ،لكن اهتمامه بالدب وتذوقه للشعر العربي ،يبعث في نفسه ميل إلى نظم الشعر
أحيانا ،فكتب قصائد عديدة ولعل أول ما كتب من الشعر (أرجوزته في نظم المغني في خمسة آلف بيت)( .)59أما
الموضوعات التي تناولها في شعره فكثيرة منها" :المواعظ ،مدح الرسول صلى ال عليه وسلم ،الدعاية إلى العلم
والنهضة الحديثة( )60وفي فنون الفقه والقراءات( )...والنصائح والحكم"(.)61
من نماذج شعره البديعة في مدح الرسول صلى ال عليه وسلم قصيدة تبلغ 180بيتا ،مطلعها(:)62
وله قصيدة بائية في 117بيتا ،في النصائح والحكم منها هذه البيات(:)63
ل -مراسلته:
للقطب رسائل عديدة ومتنوعة فمنها رسائله النتقادية يرد فيها على الطاعنين في الدين ،ومنها رسائل الفتاء،
ورسائل الحتجاج إلى الحكام ،أما رسائل الخوانيات فقليلة ان لم تكن معدومة ،وأهم مراسلته تلك التي بعثها إلى
العلماء في عصره ،ومنهم المام محمد عبده ،وش.سالم بوحاجب في الزيتونة وش.دحلن مفتي مكة ،والهادي باي(
)64وسلطين عمان وزنجبار وتركيا.
=============
) 59أبو إسحاق إبراهيم اطفيش ،مقدمة الذهب الخالص ،ص :هـ يقول ان القصيدة مفقودة.
) 60محمد علي دبوز نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .355
) 61أبو إسحاق إبراهيم اطفيش ،مقدمة الذهب الخالص ،ص :ز
) 62المصدر السابق ،نفس الصفحة.
) 63محمد علي دبوز نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .355
) 64إبراهيم عبد العزيز ،نبذة من حياة القطب.
ثالثا :فكره
يتضح لنا جليا ونحن نطلع على آثار القطب أنه كان شمولي التفكير واسع الطلع ،ملما بمختلف فنون العلوم ،غير
أنه يركز بشكل واضح على علوم الشريعة وما يخدم الشريعة من لغة وفنون على ما سواها من أنواع العلوم .وبناء
على ذلك يمكن لنا أن نصنف الشيخ أطفيش ضمن الفقهاء وعلماء الشريعة والصوليين ،وفقهاء اللغة ،والمفسرين
لكتاب ال ويكون حينئذ صاحب فضل في هذه العلوم ،متبوئا مكانة الصدارة بين المشتغلين بهذه الفنون ،أكثر مما
لوصفناه ضمن الفلسفة علماء الطبيعة ،المشتغلين بالعلوم التجريبية.
ونظرا لذلك سيكون الحديث حول فكره في هذا المبحث محدودا لننا ل نتعرض إلى الجانب الشرعي والفقهي من
مجموع فكره ،كما ل نتعرض إلى تحليل آرائه السياسية لنها متضمنة في البواب اللحقة( )65أما آراؤه الكلمية
فهي في مجموعها متطابقة مع الراء الباضية جملة وتفصيل ،حتى أننا ل نكاد نلمس اختلفا في المسائل العقيدية
بينه وبين أسلفه أو بينه وبين لحقيه من علماء الباضية إل نادرا .ولذلك ل تخرج آراؤه الكلمية والسياسية عن
الحالت الثلث التالية:
-ومن خلل هذه الحالت يتضح تمكن القطب في مسائل العقيدة كما تظهر مكانته العلمية أثناء طرح المشاكل
ومعالجتها معتمدا على المنطق العقلي والتفكير الموضوعي.
لم يفرد الشيخ أطفيش كتابا من تأليفه في الفلسفة وعلم الكلم رغم اهتمامه الكبير بهذا الفن .ويتضح لنا هذا الهتمام
من خلل قراءته لتصانيف أسلفه في هذا الموضوع ،ثم أنه لم يكتف بالقراءة فحسب بل كان يعلق عليها ويسجل
آراءه وانطباعاته وفي كثير من الحيان كان يعمد إلى شرح مؤلف بأكمله في موضوع الفلسفة وعلم الكلم ،وهذا ما
فعله حين وقف على عقيدة تبغورين وهو كتاب صغير في علم الكلم تحدث فيه مؤلفه ش.تبغورين بن عيسى
الملوشائي (ق3.هـ11/م) عن أصول الباضية التسعة( .)66فإذا بالقطب يشرحه شرحا وافيا لينجز منه كتابا يفوق
حجمه 300ورقة(.)67
كما شرح عقيدة التوحيد لبي حفص عمر بن جميع (ق 8هـ) وهي متن من متون أصول الدين .ولعل أهم إنجاز في
علم الكلم شرحه لكتاب معالم الدين في الفلسفة وأصول الدين للشيخ عبد العزيز الثميني (ت 1223هـ1808/م)
حتى وان لم يكمله فقد قام بمجهود كبير في تحليله ومناقشة موضوعاته ،وفيه تعرض إلى ذكر الفرق السلمية
والرد على مقالتها ،كما تصدى للرد على الدهريين والفلسفة اليونانيين ،وإلى جانب هذه الشروح وضع حواشي
عديدة في الكلم والفلسفة أهمها حاشية الموجز لبي عمار عبد الكافي ،وحاشية شرح النونية لعبد العزيز الثميني في
أصول الدين والتوحيد.
وكان ل بد للشيخ اطفيش أن يهتم بالمنطق حين تعرض للكلم والفلسفة فوضع مؤلفا حول المنطق سماه إيضاح
المنطق في بلد المشرق.
ب -فلسفة العلوم:
اهتم القطب بالطب فوضع مؤلفا سماه تحفة الحب في أصل الطب( )68ضمنه وصفات طيبة مع عرض الحالت
المرضية التي تنتاب النسان والحيوان ويلحظ فيه تركيزه على الجوانب النفسية والروحية فكان يستشهد باليات
القرآنية والحدايث النبوية .فكان أقرب إلى الوعظ والنصح ووصف الحالت المرضية منه إلى علم الطب المعتمد على
النظر العقلي في الظواهر الطبيعية وتحليلها واجراء التجارب ،ومع ذلك فإن القطب لم يهمل هذا الجانب حيث عمد في
كثير من الحيان على التجربة مستعينا بخبرته التي أكتسبها في حياته اليومية.
أما الفلك ،فهو الخر كان موضع اهتمام القطب ،ولعله تأثر بالقصادي في دراسته للفلك ،حين اطلع على كتابه
"الفلك" فشرحه القطب ول يزال مخطوطا كما ينسب إليه كتاب مسلك الفلك ،وهو مؤلف ضخم عرض فيه ظواهر
الفلك متتبعا الكواكب في مسيرها والنجوم في حركاتها .وكذا نشاط الشمس والقمر ودوران الرض وما نتج عنها من
تعاقب الليل والنهار ،مدعما أقواله بأشكال توضيحية ،ولكن نسبة الكتاب إلى القطب تبقى موضع شك إذ لم نجد في
الكتاب قرينة تثبت نسبته إليه ،وليس بعيدا أن يكون لغيره فاهتم به ودرسه ،علما ان الكتاب مخطوطا وكتابته رديئة(
.)69
وفي علم النبات وضع القطب كتابا سماه النحلة في غرس النخلة( )70وفيه استعرض جميع أنواع النباتات المثمرة
مع ذكر مواسم غرسها وجني ثمارها ،وما تستحق من عناية ،وركز الكلم أكثر على النخلة لنها عمدة الفلحة في
محيطه من ناحية ولمكانتها السامية وفضلها على سائر النباتات من ناحية أخرى .فهي أول شجرة استقرت على
الرض وهي شجرة مباركة( ،)71وهي عمة النسان "لنها خلقت من فضلة طين آدم عليه السلم ،ولنها تشبه
النسان من حيث استقامة قدها وطولها وامتياز ذكرها من بين الناث واختصاصها باللقاح( )...وإن رائحة طلعها
كرائحة المني ولطلعها غلف كمشيمة الجنين ،وانها تموت بقطع رأسها ،والجماز من النخلة كالمخ من النسان
ومنها :الغنم...والعشق...ومني الحمل...وسقوط ثمارها بعد الحمل.)72("...
ومن الطريف في الموضوع أن القطب يرى علج بعض أمراضها يتم بطرق العلج النفسي ،كالعشق وهو ميل شجرة
إلى أخرى فيخف حملها وتهزل وعلجها أن يشد بينها وبين معشوقها بحبل أو يعلق عليها سعف معشوقتها! أو تلقح
من طلعها ،أما علج مرض منع الحمل أن يأخذ الفلح فأسا ويقول لها حضرة رجل آخر" :أنا أريد أن أقطع هذه
النخلة لنها منعت الحمل ،وبعد المفاوضة تضرب ثلث ضربات( )...وبقدرته تعالى يخلق لها سمعا وعقل تسمع
وتفهم وإذا سمعت وفهمت فإنها تثمر بإذن ال"(.)73
وهذا يذكرنا بنظرية التوازي عند ابن سينا ،وهي التشابه بين النبات والحيوان في (الفعال والنفعالت المتعلقة
بالغذاء إيرادا على البدن ،وتوزيعا وإبانة للفضل ،وتوليدا للبرز المتولد عنه )74()...وكذا ظهور العراض المرضية
عليها كلها يحدث لدى النسان.
=====================
تناول القطب الجانب الخلقي في تفكيره من وجهة نظر الشرع وما أجمع عليه المجتمع من آداب وعادات وقيم
أصبحت مألوفة في العرف العام وفي حدود التعاليم السلمية ،ولذلك اتسمت المباحث الخلقية عند الشيخ اطفيش
بالنزعة الدينية ،فما حلل شرعا جائز أخلقيا واجتماعيا وما هو محرم شرعا فممنوع أخلقيا واجتماعيا.
ولعل أحسن ما كتبه القطب في الخلقيات ،شرحه للجزء الخير من النيل تحت عنوان الفعال المنجية من المهلكة،
وهذا في الواقع تلخيص لكتاب تبيين أفعال العباد لبي العباس( ،)75تعرض فيه القطب إلى الخلق العامة الواجب
مراعاتها بين الناس في المجتمع السلمي وحدد فيه العلقات النسانية وفق الكتاب والسنة ،وبين فيه ما يجوز للعبد
من أفعال وما ل يجوز ،وفي الذهب الخالص الركن السابع منه للحقوق والمظالم والمحارم والداب والخلق العامة
وفي الداب عالج بعض الظواهر الجتماعية كاللباس والشرب والكل والجماع والعلقات الزوجية ،مبينا آدابها وما
يستحسن فيها من أمور يقبلها الشرع والمجتمع ،كما وضع معالم الخلق المؤدية بالنسان السعادة ومنها حسن
الحديث ،ووفاء العهد واداء المانة ،وترك الخيانة ،وحفظ الجار ،ورحمة اليتيم ولين الكلم وبذل السلم ،وحفظ
الجناح وخير المور أوسطها ،فيحسن الترفع بل كبر والتواضع بل ذل ،ومن مفسدات الخلق :تشبيك الصابع،
والعبث باللحية ،وإدخال الصبع في النف ،والتمطي ،وطرد الذباب عن الوجه تطرفا إل للضرورة.
وإذا جلست فبسكون وتنظيم وترتيب ،وإذا صغيت فأحسن بل تعجب ،ول طلب العادة إل في طلب العلم( )76وفي
الجماليات اهتم القطب بالجانب اللغوي وتعمق في علوم العربية لستخراج أسرارها فكتب في النحو العربي وقواعد
العراب وعلم الخط ،ورسم الحروف ،وكان مولعا بالشعر ،وأكثر ميله للدب الندلسي لما امتاز به من فخامة المعنى
ومتانة المبنى ورقة السلوب ودفعه هذا الميل لقرض الشعر فكتب قصائد في الطبيعة وجمالها ،وكان يدعو تلميذه
بالتغني بها في حفلتهم( )77وكم كانت نطيب نفسه وينشرح صدره لسماع الناشيد مما يدل على سلمة الذوق
ورهافة الحس الجمالي.
كان ذلك عرضا موجزا لجوانب مختلفة من فكر الشيخ اطفيش أحسبه كافيا لطلعنا على شخصية القطب ومكانته
العلمية هذه الشخصية التي قدمت الكثير من المعارف لثراء الفكر السلمي ،لكننا لم نأخذ مما ترك إل القليل،
وعسانا بعد هذه الطللة على معالم فكره أن نهتم بتراثه ونستثمر ما فيه من ثمار علمية.
=================
) 75أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر ،تبيين أفعال العباد(مخ) نسخة خزانة الشيخ بالحاج بالقرارة.
) 76أنظر محمد اطفيش الذهب الخالص ،ص .ص .339 -291
) 77محمد علي دبوز ،نهضة الجزائر الحديثة ،جـ ،1ص .355
الباب الثاني
الفكر السياسي عند الباضية
المامة والخلفة والمارة والرئاسة ،عبارات مختلفة في اللفظ متفقة في المعنى العام( )1وهي "رئاسة عامة في
أمور الدين والدنيا لشخص وهي خلفة الرسول في إقامة الدين وحفظ حوزة الملة( )2تعهد لمن هو أهل لها على أن
يفرض على الرعية كافة أتباعه وطاعته ما لم يأمر بمعصية الخالق ،فالمهمة الساسية هي إقامة الدين وتطبيق
أحكام ال والمحافظة على وحدة المسلمين والدفاع عن المة وهي مهام الرسول صلى ال عليه وسلم من بعد البعثة
إلى حين وفاته فكل من تولى هذه المهام يعتبر خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم في رعاية شؤون المة.
والواقع أن الخلفة بالمفهوم العام ل يعني الحاكمية والسلطة المطلقة لن ذلك من اختصاص ال ،أما النسان فحسبه
أن ينفذ تعاليم الحاكم العلى وهو ال فيكون بذلك قد خلف ال في الرض ،وبهذا ل تنحصر الخلفة في الرض على
جنس معين بل هي حق لمن صدق إيمانه وعمل صالحا( )3قال تعالى:
(وعد ال الذين آمنوا وعلموا الصالحات ليستخلفهم في الرض.)4()..
وقد يطلق لفظ الملك على المامة إل أنه يختلف عنها في أمور منها إن الملك يميز بين تعاليم الدين ومصالح الدنيا
ففي شؤون الدنيا يتقيد وضعية يجمعها دستور ينفق عليه نخبة من العقلء وساسة الدولة فتكون سياسة الدولة حينئذ
عقلية ل شرعية دنيوية ل دينية ،بينما المامة فإنها تجمع بين الدين والدنيا ،وتصدر الحكام من الشرع ومن العقل
ان عدم النص وقد يحدد أن تخرج السلطة عن معنى الخلفة لتصير ملكا عضوضا إذا فسق الخليفة وحاد عن الشرع،
أو أن يتولى الخليفة منصبه بغير رضى المسلمين أو تكون مبايعته غير حرة ،أو أن يخرج عن حدود العدالة ففي هذه
الحالة ل تعتبر وليته خلفة نبوية لكنها تعتبر ملكا دنيويا ،كما قال ذلك ابن تيمية(.)5
ويطلق أحيانا على صاحب الحق في الخلفة ،السلطان "كناية عن المام ووجه التشبيه :القدرة على إنفاذ المور
والحكام ،قال تعالى:
( وآتينا موسى سلطانا مبينا) ( )6أي تسليطا واستيلء.
إل أن ش.اطفيش يأخذ من السلطان مفهوم القوة المرافقة للظلم( )7والتصرف بغير حق ،فل يرى صوابا تسمية
المام العادل بالسلطان.
أما المير فلفظ يطلق على الحاكم لكثرة ما يأمر أو لنفاذ أوامره ،بينما أمير المؤمنين فلفظ يطلق في الغالب على
المام الذي يبسط نفوذه على كل بلد السلم فإذا لم يستطع ذلك أو اقتصر نفوذه على رقعة ضيقة فإنه ل يستحق هذا
اللقب.
وبما أن الباضية لم يتمكن لهم هذا النفوذ منذ نشأتهم سواء في المشرق أو في المغرب فأنهم لم يتخذوا لئمتهم هذا
اللقب ،هذا ما قال به الشيخ أطفيش( )8والشهرستاني( )9لكن الشيخ السيابي يرد على ذلك بقوله" :هذا غلط بل
يسموز أمامهم -أي الباضية -أمير المؤمنين وإمام المسلمين ول مشاحة في الصطلح على التسميات فإنها ألقاب...
ولعلهم يحترمون بذلك قدر أمير المؤمنين أو لعلهم تركوا ذلك لما سمعوا الناس يقولون بأمير المؤمنين للفلسفة
والظلمة من الملوك العتاة والجورة الطغاة"(.)10
أما الشيخ عبد الرحمن بكلي (ت13/1/1986.م) فيرى ان القطار السلمية لو اتحدوا على توحيد الرئاسة "اعتبر
من ينتخب منهم أميرا للمؤمنين واعتبر كل من كان إماما أو رئيسا في كل قطر من تلك القطار عامل له وهذه
النظرية ل يمكن تطبيقها عمليا إل إذا هيمنت النزعة السلمية وسيطرت روحها على تلك القطار كما كان الشأن في
صدر السلم"(.)11
ومن التسميات التي استعملها الباضية :إمام البيعة ،أو امام الظهور إذا انتخب المام بصفة عادية أو إمام الدفاع في
حالة الكتمان أو الدفاع وفيما عدا ذلك نجد امام الحكام وإمام أهل التحقيق(.)12
ونجد أحيانا اباضية شمال أفريقيا يسمون الحاكم بالملك رغم ان هذه التسمية تتنافى تماما مع العقيدة الباضية لن
مفهوم الملك لديهم مخالف للدين .ولعل هذه التسمية تكون قد تسربت من اللسان البربري التي تعني الرئيس والحاكم
والكبير والعظيم.....
ومهما يكن من أمر فإن التسمية الغالبة والمألوفة عند الباضية هي المام فلمام كما يرى الشيخ اطفيش حاكم عدل
يعطي بحق ويأخذ بحق ،أما الملك فيأخذ بحق ويعطي بل حق .أما السلطان ،وهو المتسلط الذي يأخذ بل حق ويعطي
بل حق( .)13وإضافة إلى هذا فإن الباضية حين أطلقوا لفظ المام دون غيره من اللقاب ،فإنهم يقصدون من
المامة مفهوم القتداء كاقتداء المأموم بإمام الصلة( )14فضل عما ورد في ذلك من نصوص كقوله تعالى:
( وجعلنا للمتقين إماما) ( )15وقوله تعالى ( :إني جاعلك للناس إماما)(.)16
ومن السنة قوله صلى ال عليه وسلم :المام الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته( )17وقولـه (من نزع
يده عن طاعة إمامه فإنه يأتي يوم القيامة ل حجة له)(.)18
ويلتقي الباضية مع الشيعة في تسمية الحاكم بالمام غير إن الشيعة يطلقون لفظ المام على خلفائهم ما داموا يدعون
لهم في الخفاء حتى إذا استولوا على الدولة يحولون اللقب إلى أمير المؤمنين( )19أما الباضية ل يفعلون ذلك.
ومهما يكن من أمر الخلف بين الفرق السلمية حول تحديد لقب للحاكم فإن جميع التسميات من إمام وخليفة وأكير
المؤمنين قصد منها تمييز النظام السياسي السلمي عن النظام الملكي بالمفهوم اليوناني والفارسي والروماني،
والمم التي تختلف اختلفا جوهريا عن المة السلمية من حيث أصول العقيدة ونظام الحكم.
===================
) 1تبغورين بن عيسى نخبة المتين من أصول تبغورين ،ص ،188انظر أيضا ،ش .محمد اطفيش في شرح العقيدة ،ص .437
) 2الشيخ محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد(ط حجري) ص .437
نلحظ ان تعريف المامة والخلفة عن الباضية مشابه الى حد بعيد التعاريف الخرى فالماوردي(ت 450هـ 9مثل يعرفها بقوله(المامة
موضوعة الخلفة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا) ،الحكام السلطانية ص ،5ويعرفها ابن خلدون (1406 -1332م) بقوله (:هي
حمل الكلفة بمقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الخروية والدنيوية( )...وهي خلفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة
الدنيا) المقدمة ص ،159وهي كما يرى محمد بن عبد ربه (زمام المور ،ونظام الحقوق وقوام الحدود والقطب الذي عليه مدار الدين
والدنيا) شهاب الدين النوري ،نهاية الرب في فنون الدب السفر ط ،ص ،5أما الماوردي فيستوحي مفهوم الخلفة من قوله تعالى:
(ليستخلفهم في الرض كما استخلف الذين من قبلهم)
فيغطي مفهومين للخلفة :الول :ان السلم يستعمل لفظ الخلفة() بدل لفظ الحاكمية لن الخلفة للنسان والحاكمية ل وحده ،الثاني :ان
ال وعد جميع المؤمنين بالستخلف فالخلفة عمومية فكل مؤمن خليفة ل .المودودي ،نظرية السلم السياسية ص .46
) 3أنظر أبو العلى المودودي ،نظرية السلم السياسية ،ص 46
) 4الشورى55 ،
) 5أنظر محمد أبو زهرة ،تاريخ المذاهب السلمية ،دار الفكر العربي القاهرة 1976م ،جـ ،1ص 103
) 6الشماخي ،مقدمة التوحيد وشروحها ،ص .113
) 7محمد أطفيش شرح عقيدة التوحيد ص .427
) 8محمد اطفيش ،شرح النيل ،جـ ،14ص .ص .373 -372
هل المامة واجبة؟ أم جائزة؟ أم أنها ليست بلزمة إطلقا؟ ما رأي الباضية في ذلك؟ وما هي أدلة مشروعيتها؟
يجدر التعرض إلى موقف غير الباضية من وجوب المامة أو جوازها ليتضح الرأي الباضي بجلء ضمن المذاهب
السلمية لتيسير المقارنة بين وجهات النظر.
ونبدأ أول بـالمعتزلة :فحيث أنها تعتمد على "النظر العقلي كمنهج للتفكير الفلسفي)( )20فإنها لم تتخذ موقفا موحدا
في مسألة المامة ،فذهب فريق منها يقول :ان وجوب المامة انما عن طريق الشرع وفي هذه الحالة تكون واجبة
بثبوت الدلة النقلية ،أما حكم العقل فأنه ل وجوب للمامة لنه ليس في العقل ما يدل على وجوبها يمثل هذا الفريق
مشائخ البصرة"(.)21
الفريق الثاني يقول بوجوب إقامة المامة اعتمادا على العقل الذي يؤكد على وجوب إقامتها .يمثل هذا الفريق
البغداديون والجاحظ من البصرة(.)22
أما غير المعتزلة من العلماء فيجمعون على وجوب المامة .وهذا ابن خلدون يؤكد "إن نصب المام واجب قد عرف
وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ووجب بالعقل لضرورة الجتماع للبشر واستحالة حياتهم ووجودهم
منفردين) ومن ضرورة الجتماع التنازع لزدحام الغراض "...لكنه يرد على القائلين بوجوب المامة عقل دون
الشرع(.)23
كما يثبت ابن تميمة وجوب المامة فيقول " :ولية أمر المسلمين من أعظم واجبات الدين بل قيام للدين إل بها"()24
لكنه بالرغم من دعوته إلى رئاسة الدولة كواجب ديني ال أنه يثبتها لموجب ل يقل أهمية من الشرع وهو اقتضاء
المصلحة الجتماعية ،ويقرر ذلك رغم انه عاش قبل ابن خلدون بنحو ثمانين سنة ،فهو يقول( :ان بني آدم ل تتم
مصلحتهم ال بالجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ،ول بد عند اجتماعهم من رأس"(.)25
رأي الشيعة:
المامة عند الشيعة واجبة ،بل هي جزء من أصول عقيدتهم ول يتم الدين إل بها .تجب بالنص لشخص من الشخاص
من آل البيت عن الرسول صلى ال عليه وسلم فالدليل الدال على وجوب النبوة يدل على وجوب المامة( )26وتنقسم
الشيعة إلى فرق لكل منها رأيها في المامة.
* الئمة أوصياء استودعهم النبي أسرار الشريعة التي لم يبين منها إل قليل.
* ما يقولـه الوصياء شرع إسلمي لنه تتميم للرسالة ،وكلمهم شرع وهو بمثابة كلم النبي.
* يجوز أن تجري خوارق العادة على يد المام لتثبت إمامته ويسمونها معجزة.
* المام أحاط بكل شيء علما وفي أمور الشريعة خاصة يقول الطوسي "أنه قد ثبت ان المام إمام في سائر الدين
ومتولي الحكم في جميعه،جليه ودقيقة.)27("...
* يتمتع المام بالفيض اللهي من المعرفة فيكون فوق الناس قدرا وعلما ،اختص بعلم الشريعة الذي ليس عند الناس
لنه فوق مداركهم.
* ل يلزم أن يكون المام ظاهرا بل يصح أن يكون خفيا مستورا ،ومع ذلك تجب طاعته ،ول بد سيظهر قبل قيام
الساعة لنه المهدي الذي سيهدي الناس.
* المام ليس مسؤول أمام الناس وليس لحد من الناس أن يخطئه مهما يأت من أعمال بل كان ما يفعله خير ل شر
فيه فهو معصوم.
* المام ل يكون إل أفضل الناس ،ويجوز لـه في حالة التقية أن يقول أنه ليس بإمام(.)29
* ان عليا كان مصيبا في جميع أحواله وانه لم يخطئ في شيء من أمور الدين(.)30
: -
سميت بالزيدية نسبة إلى صاحبها المذهب ،زيد بن علي بن الحسين البسط(ت 126هـ744/م) من آراء هذه الفرقة
في المامة ما يلي:
* يشترط في المام أن يكون عالما زاهدا جوادا شجاعا .يخرج داعيا الناس إلى إمامته.
النجدات:
أتباع نجدة بن عامر الحنفي (ت 669هـ) ،الدين عنده أمران :أحدهما القرار بما جاء من عند ال بعد معرفته
ومعرفة رسوله وتحريم دماء المسلمين وأموالهم ،وثانيها أن النار يدخلها من خالفه في دينه ،وان النصر على
المعصية مشرك ولو بكذبة ،وغير المصر مسلم ولو زنى وشرب الخمر .)33(...ورأي النجدات في المامة أنها غير
مفروضة ،والناس ليسوا ملزمين بتعيين المام وإقامة حدود ال لن مهمة المام مراقبة الرعية وحملهم على طاعة
ال فإن هم استقاموا فإن المام ل لزوم له(.)34
وممن يقول النجدات الزارقة والصفرية :فهم يرون عدم وجوب نصب المام أصل ،وبعض منهم قالوا يجب عند
المن ل عند الفتنة ،كهشام بن عمر القوصي وأتباعه( )35وذهب غيرهم إلى أن المامة ل تنعقد إل باجماع المة
عن بكرة أبيهم ويعني هذا استبعاد نصب المام ما دام هناك خلف...
السكاكية:
وهم أتباع عبدال السكاك اللواتي( )36الذي يرى أن شروط المامة ل تتوفر في أي أحد حتى في الذان والصلة(
)37وعليه فالمامة غير واجبة ل في المن ول في الحرب لعدم وجود من يستحقها ال أن هذه الفرقة من الباضية
لم تعمر طويل فقد تلشت من الوجود منذ أواخر القرن (5هـ11/م)(.)38
==============
) 20د.عبد الرزاق قسوم ،محاضرة في موضوع المعتزلة ألقاها بمعهد الفلسفة جامعة الجزائر في 1981 .11 .16م أنظر في موضوع
المعتزلة ،ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلغة ،جـ ،1ص ،215الفرق بين الفرق للبغدادي.
) 21ابن أبي الحديد ،شرح نهج البلغة ،جـ ،1ص ،215أطفيش شرح العقيدة ص .436
) 22المرجعان السابقان ،علي أبو ملحم ،المناحي الفلسفة عند الجاحظ ،ص .132
) 23ابن خلدون المقدمة ،جـ ،1ص .ص .340– 339
) 24ابن تيمية ،السياسة الشرعية ،ص .161
) 25المرجع السابق ،ص 161
) 26محسن المين ،أعيان الشيعة ،اعتقادهم في المامة والخلفة ،جـ ،1قسم ،2ص ،6النيوبختي ،فرق الشيعة ،ص ،9الشهرستاني،
الملل والنحل ،جـ ،1ص ،146ابن تيمية يرد على تكريتي الشيعي منهاج السنة.
) 27محمد أبو زهرة ،تاريخ المذاهب السلمية ،ص 55فما بعد أنظر أيضا عبد الحليم الفرابي في رأيه عن الرئيس.
) 28محمد أبو زهرة ،تاريخ المذاهب السلمية ،ص 55فما بعد أنظر أيضا عبد الحليم الفرابي في رأيه عن الرئيس.
) 29عبد الحليم محمود ،التفكير الفلسفي في السلم ص .166
) 30المصدر السابق ،ص 166أنظر:
.Merghoub B. Le development politique en Algerie, p.14
) 31المصدر السابق ،ص 180وأنظر المقدمة لبن خلدون ص ..354
) 32ابن خلدون المقدمة ،دار الكتاب اللبناني1981 ،م ،ص .350
) 33عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ،ص ،66الشهرستاني ،الملل والنحل ،جـ ،1ص .122
) 34الموجز لبي عمار عبد الكافي ،جـ ،2ص ،233للشهرستاني ،الملل والنحل جـ ،1ص 124انظر أيضا أبو ستة في حاشية الوضع
باب المامة وانظر محمد اطفيش جامع الوضع والحاشية ،ص .27
) 35اطفيش ،شرح العقيدة ،ص .436
) 36من قنطرار بالجريد التونسي ،عاش في أوائل ق 6هـ ،انفصل عن الباضية بآرائه المتطرفة منها إبطال الذان وصلة الجماعة.
) 37صالح باجيه ،الباضية بالجريد ،ط ،1دار بوسلمة للنشر ،تونس ص .39
) 38عوض محمد خليفات ،النظم الجتماعية والتربوية عن الباضية ،ط ،1عمان ،1982ص 105انظر أيضا الدرجيني ،طبقات
المشائخ بالمغرب ،جـ ،1ص .119 -118
إقامة المامة عند الباضية أمر واجب على المسلمين -حيثما وكيفما كانوا -يقول الشيخ تبغورين بن عيسى(ق 5هـ)
(وعقد المامة فريضة عندنا لفرض ال المر والنهي ،والقيام بالعدل وإقامة الحدود على ما بينه في كتابه فاجتمعت
المة على أن هذه الحدود مع وجوبها ل تقام إل بالئمة وولتهم فثبت أن عقد المامة على المسلمين واجب وحق
لزم(.)39
أما الشيخ اطفيش(1818م1914 -م) فيرى أنها "من الصول لما صح عن عمر وغيره من المر بقتل من تعين
نصبه إماما فأبى قبولها .ال أنها ليست مما يقدح تخلفه في صفة ال تعالى فمعنى كونها من الصول أنه ل يجوز
الخلف فيها( .)40وفي شرحه للنيل يقول" :إن المر والنهي ل يتمان إل بإمام عدل ،فنصبه واجب ،إذا كان
المسلمين على نصف عدوهم الذي يتقون شوكته ،ويرد الشيخ اطفيش بقوة على القائلين بعدم وجوب نصب المام
ودليلهم على عدم النصب ،ان النسان تأبى نفسه أن يتولى عليها غيرها ،ولن منصب المام قد تحتكره طائفة دون
أخرى فيكون الصراع ويعظم الضرر .وحيث المام غير معصوم فقد يكفر ويحمل الناس على الكفر فيكفرون أو
يقاتلونه ويقاتلهم بمن معهم فيكون الضرر أشد.
وقد يحتج القائل بعدم نصب المام بوجوه أخرى منها :ان الناس إذا توفرت مصالحهم الدينية والدنيوية فإن الحاجة
إلى نصب المام غير واردة والدليل أن أهل البادية الخارجين عن أحكام السلطان قد انتظمت أحولهم بل امام ،فيرد
الشيخ اطفيش على ذلك بقوله" :إن ضرر عدم نصب المام -في الحالة الولى -أكثر لن كثيرا من الناس ينقاد إلى
مثله فكيف إلى من هو أعظم ،وإذا كفر لم يترك على كفره فقتاله مأمور به شرعا"( .)41أما عن أحوال أهل البادية
فإن الواقع يثبت أنها غير منتظمة "وفيهم فتن عظيمة ل يبقى بعضهم على بعض ول يقيمون على فرض ول على
سنة ومتى اتفقوا فإنما يتفقون على باطل ثم انه يتوزع إلى بواطل فيختلفون أيضا"(.)42
وقد يستدلون على عدم تعيين المام بأن النتفاع بالمام انما يكون بالوصول إليه وطرح المشاكل عنده وهذا أمر
متعذر لنه ل يستطيع كل واحد من الرعية الوصول إلى المام كلما ظهرت لديه أمور دينية أو دنيوية فيجيب الشيخ
أطفيش "بأن النتفاع بالمام ل يكون بالوصول إليه فقط بل يكون أيضا بوصول أحكامه وسياسته إليهم.)43("....
أما المامية من الشيعة فتقول بوجوب نصب المام على ال ل على النسان .وذلك لطفا من ال بعباده ليتوصول إلى
طاعته ،فإن الشيخ أطفيش يرى في رأيهم هذا تصرفا ومغالة ،ذلك إن المامة إذا وجبت -على حد قولهم -فإن رأيهم
فإن الوجوب مقدور عليه ،وأيضا يحصل اللطف بالمام لزجره وانصرافه الضعيف والقوي"(.)44
والواقع ان المامية -في رأي القطب -مخطئون في قولهم بوجوب نصب المامة على ال لنهم لم يوجبوا ذلك على
ال في هذا الزمان -بعد موت علي(رضي) -وانما الذي يوجبونه هو امام معصوم مختف ،ويترتب على ذلك خطآن،
الول :أبطلوا لطف ال لعدم ظهور المام لن ظهوره بين الناس لطف من ال ،الثاني:لزم عن عدم الظهور كونه
تعالى تاركا للواجب ،ما داموا يقرون أن نصب المام واجب على ال.
ثم يتصدى القطب لمناقشة رأي الخوارج( )45المتمثل في عدم وجوب نصب المام لن تنصيبه يثير الفتنة ،لختلف
الهواء ،فبعض يحب نصب فلن ،وبعض يحب نصب الخر ،فيتعذر حينئذ التفاق الجماعي على تعيين واحد ،حتى
وأن نصب المام بالغلبية ،فإن بوادر الخلف وأصول الفتنة ستظهر في الفئة القليلة الناقمة على المام فيحصل
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الضرر ،والسبب راجع إلى اختلف الناس حول الشروط المطلوب توفرها لدى المام وحيث أنه يتعذر اجتماع كل
الشروط عند واحد فانه بالتالي يتعذر تعيين المام.
هذا محمل رأي الخوارج في عدم النصب لكن الشيخ اطفيش يرد عليهم ويعطي البديل لحل هذه المسألة فيقول" :إن
هذا نفسه أدل على الوجوب( )...فيقدم العلم وان تساويا فالروع( )...وإن تساويا ،فالسن ،وقد يقدم الليق مع وجود
العلم فتندفع الفتنة بهذا التفصيل ومن أبي ففاتن ،ففتنته باغية ،ول تخلو الدنيا منن انكار حق وقبول باطل والزجر
عند ذلك( ،)46وهكذا يرد القطب على الخوارج ،ورده صميم دليلهم فإذا كان الدليل يقوم على درء الناس فإن المشكل
إذن ينحصر في التفاق على شخص يصلح للمامة ويرضى عنه الجميع ،وإذا كان كذلك فالحل في التفاق.
وأحسن وسيلة هي ضبط الشروط وتحديد المواصفات الموضوعية المطلوب توفرها لدى المرشح للمامة ،على ان
تكون هذه الشروط محل رضاء الجميع ،وحتى تكون كذلك يضع القطب جملة من الشروط مع ترتيب عقلني لها
حسب الهمية ،فقدم العلم أول ويليه الورع في حالة التساوي ثم السن المتمتع بالخبرة والحنكة الكافية ،على أن هذا
الترتيب يخضع عند الضرورة للتعديل المناسب( )47فقد يرشح العالم لكنه ضعيف في السياسة قليل الخبرة بأمور
الحرب ،غير بصير والحتمال الثاني أل يكون العالم المترشح للمامة ذا نفوذ في قومه ،ول يتمتع بالشعبية الكافية
مما يثير نصبه فتنة بين الرعية ،وهنا تقتضي المصلحة العامة التنازل عن أحد الشروط المطلوبة تلبية لرغبة الرأي
العام ،وهذا من أصول الديموقراطية ،غير ان الشيخ اطفيش ل يقول بتحقيق مطالب الناس فردا فردا لن التفاق العام
على قضية ل يمكن حصوله لختلف الهواء والغراض بين الناس ،فحينئذ يلجأ إلى الخذ بمبدأ الغلبية الصائبة
"ومن أبي ففاتن وفتنته باغية"( ،)48لن الطبيعة النسانية ل تخلو من العوجاج والتطرف السلبي من أجل تحقيق
الغراض الخاصة بأية وسيلة حتى بإنكار حق وقبول باطل"( ،)49وفي هذه الحالة يجب حسم الموقف بالقوة
المشروعة ،ويصبح الزجر ضروريا حتى تفيء الباغية إلى أمر ال تعالى.
ومجمل القول أن الباضية ترى أن المامة فرض واجب لنها ضرورية من أجل تطبيق الحكام اللهية ونشر العدالة
بين الرعية ،والعدل في توزيع الثروات ومحاربة المرتدين( )50ويتفق مع الباضية أغلب المذاهب السلمية في
ضرورة نصب المام.
====================
) 39تبغورين ،رسالة في أصول الدين مخطوطة ،انظر سيرة ش.أبي الحسن العماني ،في سير أهل عمان مخطوط جـ ،1ورقة ،95راجع
أيضا :أبو عمار عبد الكافي الموجز ،جـ ،2ص ...223كذلك :أطفيش جامع الوضع والحاشية ،ص .27
) 40اطفيش ،شرح العقيدة ،ص .436
) 41محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .438
) 42المصدر السابق ،ص .439
) 43المصدر السابق ،ص .439
) 44محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .440
) 45الخوارج القائلون بعدم وجوب نصب المام هم الصفرية والزارقة والنجدية.
) 46محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .440
Pierre Cuperly, Introduction a I,ctude de L,Ibadisme et de sa theologie O.P.U. Alger, ) 47
.1984, p.296
) 48محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .440
) 49المصدر السابق ،نفس الصفحة.
.Pierre Cuperly, Introduction a I,ctude de L,Ibadisme p.291 ) 50
شرع ال في القرآن أحكاما ل يتصور تنفيذها دون وجود دولة تتولى تنفيذها كقتل القاتل( )52وقطع اليد()53
ومعاقبة الساعي في الرض فسادا( )54وغيرها من الحكام التي تستلزم وجود سلطة تطبق ما شرع ال ،هذا فضل
عن اليات التي تشير صراحة إلى ضرورة إقامة الدولة منها قوله تعالى:
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ()55
وقال:
( إن ال يأمركم أن تؤدوا المانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل) ()56
أما الدلة النقلية من السنة فكثيرة نذكر منها قوله صلى ال عليه و سلم ":المام الذي على الناس راع وهو مسؤول
عن رعيته"( ، )57وقال":تخيروا لمامتكم وتخيروا لنطفكم"( ،)58وقال في طاعة المراء:أطيعوهم ما لم يمنعوكم
الصلوات الخمس"( ،)59وإلى جانب هذه الدلة وغيرها نجد في حرص عمر بن الخطاب وأبي عبيدة من قتل
المرشح للمامة أن أبي ورفضها ،دللة صريحة على وجوبها.
لما كان اجتماع المة على ان حدود ال ل تنفذ إل بالئمة العدول ولتهم...ثبت أن عقد المامة على المسلمين فرض
واجب وحق لزم ،يقول أبو عمار عبد الكافي :ولما كانت الفروض التي ذكرناها منوطة بالمامة التي ل تقام إل معها
فكل ما كان من الفرص ل يتم إل به فهو فرض مثله والمة ل تجتمع على شيء ثم تختلف فيه( )60أما الشيخ
اطفيش فيرى وجوبها إلى جانب ما تقدم -اقتضاء للمصلحة الجتماعية من دفع الضرر وجلب المصالح يقول :فإذا
وجد في نصب المام دفع ضرر مظنون واجب إجماعا ،وعليه فنصب المام واجب"(.)61
وإذا كان فضل الرسول صلى ال عليه و سلم مصدرا أساسيا للتشريع ،فإنه أقام دولة مثالية في أسلوب جديد لم
يعهده العرب من قبل فولى الولة ،وعين القضاة ،وأرسل القواد وأقام الحدود وعقد العهود ،ونمى أموال بيت المال
فوزعها بالعدل بين مستحقيها .هذه أسوة الرسول صلى ال عليه و سلم في شخص الحاكم والقائد ،وراعي الرعية،
فالمسلمون مأمورون بالقتداء بها ،ل على أنها مشروعة فحسب ،بل لقتضاء المصلحة العامة وضرورة الجتماع
لها.
ومن بين هذه المصالح الجتماعية ،وحدة المة واتحادها ل يتحقق إل بوجود سلطة يخضع لها كل فرد في المة،
وتنقاد لها جميع الطوائف والقليات ،وهو ما انتبه إليه زعماء القبائل البربرية قبل ميلد الدولة الرستمية حين وجدوا
أنه ل مناص من تعيين إمام فقالوا" :قد علمتم أنه ل يقيم أمرنا إل إمام نرجع إليه في أحكامنا وينصف مظلومنا من
ظالمنا ،ويقيم لنا صلتنا ونؤدي إليه زكاتنا ويقسم فيئنا"( )62إذن فقد اجتمعت الدلة النقلية والعقلية على وجوب
نصب المام وإقامة الدولة ،لكن ل يزال في المسألة إشكال يطرح نفسه بعد الخذ بمبدأ وجوب نصب المام والشكال
ينحصر في طرق ثبوت المامة وشروطها.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
=======================
) 51ذكر الشيخ اطفيش أكثر من أربعين حديثا من السنة بشكل مباشر وغير مباشر وجوب المامة انظر شرح النيل ،جـ ،14ص ...267
) 52المائدة الية .45
) 53المائدة ،الية .38
) 54المائدة ،الية 33
) 55آل عمران ،الية .104
) 56النساء اليات .59 -58
) 57رواه البخاري ومسلم.
) 58الربيع بن حبيب ،الجامع الصحيح ،ص ،204رواه جابر عن ابن عباس.
) 59المصدر السابق ،ص .203
) 60أبو عمار عبد الكافي ،الموجز تح عمار طالبي ،جـ ،2ص .234
) 61أطفيش ،شرح العقيدة ،ص ،436انظر :سعيد التعريتي ،المسلك المحمود ص .49
) 62ابن الصغير أخبار الئمة الرستميين ،تحقيق وتعليق ،د.محمد ناصر .أ.إبراهيم بهاز المطبوعات الجميلة الجزائر 1986م ،ص .ص
.26 -25
اختلفت المذاهب السلمية حول طرق إثبات المامة ال أنها اتفقت جميعا على إثباتها بالنص من رسول ال صلى ال
عليه و سلم أما الطرق المختلف حولها فهي ثبوتها بالنص من المام السابق أو بأهل الحل والعقد ولو كانوا غير
مجتهدين( )63بمعنى الختيار والبيعة أو عن طريق الدعوة وهي ان يباين الظلمة من هو أهل للمامة ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو الناس إلى اتباعه.
وبيان الخلف ان المامية( )64تنفي طريق الختيار والدعوة ،واتفقت الشاعرة والمعتزلة والخوارج والصالحية من
الزيدية على ان الختيار طريق إليها أيضا وهو مذهب الباضية ،أما الجارودية( )65من الزيدية فتجعل الدعوة طريقا
لثبوت المامة()66
ومن أدلة الشيعة على إثبات المامة بالنص :ان المامة نيابة عن ال ورسوله فل تثبت بأهل البيعة وإل كان المام
خليفة عنهم ل عن ال ورسوله ،وير القطب عليهم "بان اختيار أهل البيعة دليل على نصب ال ورسوله للمام
وحكمها به كسائر إنفاذ الحكام ،فالبيعة مظهرة له ل مثبته(.)67
ومن أدلتهم ان أهل البيعة ل يجوز لهم التصرف على غيرهم فكيف يملكون ذلك -كما يرى الشيخ اطفيش -ان بيعة
أهل البيعة هي إمارة من ال ورسوله ،وحكمها ينطبق على سائر الرعية لنهم ممثلون عنهم ،أما القضاء فأمر يثبت
بما دون البيعة " وهو إقامة المام له وبإمكان الرجوع فيه الى المام وان لم يكن امام فل بد من البيعة للقاضي أو
إقامة الجماعة أو ذي إمارة له تغني"( ،)68ثم ان البيعة ل يشترط فيها الجماع بل تصح ولو بواحد كعقد عمر
للصديق .كما ل يشترط على المام ان يعلم كل شيء فإذا لم يعلم سأل أو اجتهد .إذن فل مجال لضرورة النص عقل.
=======================
) 63محمد اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .443
) 64انظر حول المامية وفرقها ،عبد القاهر البغدادي ،الفرق بين الفرق ،ص .39 ،17
) 65انظر حول الجارودية ،المصدر السابق ،ص .16
) 66محمد اطفيش .شرح عقيدة التوحيد ،ص .229
) 67المصدر السابق ،ص .443
) 68المصدر السابق ،ص .443
كثر الحديث بين الفقهاء ومؤرخي الفلسفة السلمية حول جواز تعدد الئمة وعدم الجواز ،فالقائلون بالجواز
يستدلون بتراضي علي(رضي) ومعاوية سنة أربعين للهجرة على اقتسام الشام والعراق فكتب معاوية الى علي يقول
له" :أما اذا شئت فلك العراق ولي الشام ،وتكف السيف عن هذه المة ول تهرق دماء المسلمين"()69
هذا ما ذهب إليه قوم من الكرامية ( )70وهو جواز نصب أمامين أو أكثر في وقت واحد....
والرأي الخر يرى انه ل يجوز تعدد الئمة إطلقا استنادا الى حديث لعمر بن الخطاب يقول فيه ":إن ال واحد
والسلم واحد ول يستقيم سيفان في غمد واحد" يعني إمامين في وقت واحد(.)71
والرأي الثالث في الموضوع :ان المامة ل تجوز لشخصين في آن واحد بنفس البلد ال اذا "بعد المدى وتخلل بين
المامين شسوع النوى ،فالحتمال في ذلك مجال ،وهو خارج من القواطع"( )72وهذا رأي الباضية في الغالب ،فقد
أقر التعاريتي بقوله" :ل يجوز تعدد الئمة في صقع متضائق القطار خلفا للماوردية"( ،)73أما اذا اتسع نطاق البلد
أو كان البحر فاصل بين القطرين بحيث ل يطيق المام الواحد تولي جميع شؤونه فانه يجوزه"( )74وهو ما ذهب
إليه الشيخ عبد العزيز الثميني في قوله" :ول يرى إمامان لعسكر واحد وجاز لعساكر ولبلد متفرقة"(.)75
ويبدوا ان العمل جرى بالسماح بتواجد عدة أئمة اباضية في عدة بلدان من العالم السلمي في آن واحد(" )76مثل
ما عقد لعبدال بن يحيى طالب الحق( )77في المشرق في حين كانت إمامة الباضية قائمة بالمغرب"( .)78على أي
حال فإن الرأي الصحيح في نظر الباضية هو ما جاء على لسان الشيخ عبد الرحمن بكلي (ت )86-1-13.في قوله:
يجوز إقامة امام بكل قطر ول يجوز إقامة امامتين في قطر أو مصر واحد لما يتولد على ذلك من شتات الشمل
واختلف الكلمة وتنازع النفوذ( )...وهو ما استقر عليه العمل اليوم في سائر القطار السلمية"( .)79وقد أشار
الشيخ اطفيش إلى هذا الرأي في قوله ":الواجب امام واحد ولكن لو فصلت أقوام ل تطاق فانه يصح إمامان وأكثر"(
)80ال ان هذا ينافي قول اباضية المشرق في انه "ل يجوز إمامان في الدنيا ال في خصلة واحدة هي ان يفصل
بينهما البحر"(.)81
=====================
) 69الطبري ،تاريخ المم والملوك ،مط الحسينية ،القاهرة 1355هـ ،جـ ،5ص .140
) 70فرقة من المجسمة تنتسب الى محمد بن كرام السجشتاني المتوفى سنة 256هـ ،تزعم هذه الفرقة ان عليا ومعاوية كانا إمامين،
يجب على الناس اتباع كل واحد منهما( )...غير ان عليا كان إماما على السنة ومعاوية على خلف السنة ،فأجازت الكرامية كون إمامين أو
أكثر في وقت واحد من وقوع القتال له .أنظر عبد القاهر البغدادي كتاب الملل والنحل حققه وقدم له وعلق عليه د.ألبير نصري نادر ،ط ،2
دار المشرق بيروت ،1986ص .ص .154 -149
) 71ش .أبو الحسن العماني ،سير أهل عمان ،جـ ،1ص ،100البقلني نصوص من الفكر السياسي ليوسف أيبش ،ص ،50عبد القاهر
البغدادي أصول الدين ،ص ،128الماوردي ،الحكام السلطانية ،ص ،9ابن 1986حزم الفصل في الملل والنحل جـ ،4ص 87
) 72الجويني ،إمام الحرمين(ت 478هـ) الرشاد الى قواطع الدلة في أصول العتقاد نقله يوسف أيبش في كتابه نصوص الفكر
السياسي ،ص .179
) 73لكن الماوردي لم يخالف التعاريتي ،انظر الماوردي ،الحكام السلطانية.
) 74سعيد التعاريتي ،المسلك المحمود ،....ص .50
) 75عبد العزيز الثميني ،كتاب النيل وشفاء العليل ،جـ ،3ص .886
) 76تادوز لويكي ،دائرة المعارف السلمية مادة الباضية،
.T. Lewicki, En. Is, 2e edition
) 77أبو إسحاق الحضرمي ،مختصر الخصال ،أما طالب الحق فتولى المامة باليمن ،واستولى على الحرمين سنة 130هـ.
رغم اعتقاد الباضية بوجوب المامة واقتناعهم بضرورة تعين المام فانهم ل يرونها واجبة في ظروف خاصة ،معنى
ذلك ان وجوب المامة مشروط بتوفر العوامل المساعدة على إقامتها ونظرا لذلك وضع علماء الباضية جملة من
الشروط ينبغي مراعتها في اختيار المام واعلن الدولة.
وينبغي الشارة الى ان هذه الشروط قد تختلف الظروف التي يعيشها الباضية من ناحية ،وقد تختلف من ناحية أخرى
باختلف نوع المام المراد إعلنها فشروط إمامة الظهور ليست هي شروط إمامة الدفاع ،أو إمامة الشراء ،أو إمامة
الكتمان ،وعليه فإننا نركز الن على شروط إمامة الظهور ،التي هي ثلثة -كما يرى أبو اسحاق الحضرمي (ق 5هـ).
أحدهما :قوة أهل الدعوة ،وذلك أن يغلب على ظنهم ان يغلبوا أهل الباطل ،والثانية أن يكون أهل الدعوة()82
أربعين رجل أحرارا بالغين أصحاء والثالث أن يكون فيهم ستة رجال فصاعدا أهل علم بأصول الدين والفقه من ذوي
ورع وصلح في الدين( )83فإذا اجتمع للباضية هذه الشروط يصبح إعلن المامة أمرا واجبا فيعقدونها لفضلهم أو
من يستحقها منهم(.)84
لكن نلحظ ان الشرط الثاني متعلق بعدد الرجال فانه في الواقع يخص المامة في مرحلة الدفاع أما في مرحلة الظهور
فيجب ان يكون عدد المسلمين (كنصف عدوهم في جميع ما يحتاجون إليه)( )85لقوله تعالى:
(الن خفف ال عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) (
.)86
يحدد الشيخ محمد اطفيش ( )1914-1818أهم ما يحتاج إليه لقيام الدولة بقوله( :ما يكفي من سلح وكراع وعلم
ومال)( )87فاشتراطه للكفاية لـه معنى كبير لن محاولة قيام الدولة بدون العداد لها -مسبقا -أعدادا كافيا وقويا ل
يضمن النجاح والستمرار للمحاولة.
السلح :رمز القوة ،وبدونه ل تستطيع المة الدفاع عن نفسها ول الظهور على أعدائها ،بل حتى المن الداخلي ل
يمكن تحقيقه ان لم يكن للسلطة سلح كاف ،ويستتبع السلح بالضرورة جيشا كفؤا قادرا قويا ،حسن التدريب.
الكراع :ويرمز الى الوسائل والتجهيزات بمختلف أنواعها وهي غير محددة النوع والكيف ،لختلفها من عصر الى
أخر ،وحيث ان أهل القرون الماضية يعولون على الحيوان فمه معاشهم فمنه اللباس والكل والشرب وعليه ينتقلون
ويحملون متاعهم ،وبه يدافعون ويحرسون .فإنهم جعلوا توفره من شروط إقامة الدولة ونظرا للعتبارات المتقدمة،
على انه من الممكن الستغناء عنه واستبداله بما هو أفضل وأصلح خصوصا وان النسان يعيش عصر اللة
المتطورة والتكنولوجيا المبدعة.
العلم :ويرمز الى الثقافة الضرورية تجاه الدولة ،وهي بمثابة العقل من الجسد والعلم يحمله العلماء وذوو الحجا فعلى
كواهلهم تقوم الدولة وبيدهم يكون زمام المور.
المال :وهو قوام العمال ،ويرمز الى الجانب المادي الذي ل بد منه لضمان سير المور بوجه أفضل.
هذه أهم الشروط الواجب توافرها لقامة الدولة واعلن الظهور ،وتأتي في الدرجة الثانية بعد العناصر الساسية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-1السلطة :وتتمثل في المام الذي يتولى أمور المسلمين ،ويرعى شؤونهم ويساعده جهاز الحكم من قضاة وعمال
ومجلس الشورى والقائمين بالحسبة والجيش.
-2المة أو الرعية التي تتولى السلطة قيادتها ورعايتها ويشترط فيها أن تكون في العدد كنصف العدو -على القل-
كما أشرنا.
==================
) 82المقصود بأهل الدعوة ،جماعة الباضية ،انظر أصل التسمية في الفصل الول من الباب الول.
) 83أبو إسحاق الحضرمي ،مختصر الخصال( ،مخطوط) ورقة 7ب.
) 84راجع شروط المام ،الفصل الول الباب الرابع.
) 85محمد بن عمر أبو ستة ،حاشية الوضع ،باب مسالك الدين(مخطوط).
) 86النفال ،الية .66
) 87محمد بن يوسف اطفيش ،شرح عقيدة التوحيد ،ص .436
الفصل الثاني
أنواع المامة (مسالك الدين)
أول :الظهور
أ-علقة الباضية بالمم في مرحلة الظهور
ب -الحكم في الموال والكنائس والبيع
جـ -علقة الباضية بأهل الخلف في مرحلة الظهور
د -حكم الدار ومعسكر السلطان.
ثانيا :الدفاع
أ-موجبات الدفاع
ب -نتائج الدفاع
ثالثا :الشراء
أ-شروط مرحلة الشراء
ب -أهداف الشراة
رابعا :الكتمان
أ-التنظيم الجتماعي في مرحلة الكتمان
ب -علقة الباضية بمخالفيهم في مرحلة الكتمان
جـ -نظام العزابة
د -نظام العشيرة
(الذين جعل لكم الرض مهادا وسلك لكم فيها سبل) (.)2
أما المسالك اصطلحا فهي "الطرق التي يتوصل بها إنفاذ الحكام الشرعية( ،)3وهي تعبر عن مراحل المامة لـ
الباضية -التي يمكن ان تجتازها في مختلف أدوار حياتها إزاء واجب الدعوة لدين ال)4("....
ويعتبر هذا الصل "مسالك الدين" من أهم ما يتميز به الباضية في مجال الفكر السياسي .فهو يضع جملة من
التعاليم والمبادئ يحدد الباضية وفقها مواقفهم السياسية في مختلف الظروف الزمانية والمكانية سواء المتعلقة
بالشؤون الداخلية حيث تتواجد التجمعات الباضية أو المتعلقة بالشؤون الخارجية متمثلة في علقاتهم بالدول الخرى
أو تكتلت مخالفيهم.
ولعل السر في استمرار البقاء الباضي ،منذ ان سطع نور السلم الى يوم هذا سواء البقاء الفكري في عقيدتهم
وتعاليمهم .أو البقاء الجتماعي في قبائلهم وشعائرهم ،يعود الى هذا الصل الذي يضمن لهم أسباب التكيف والتأقلم
مع الحياة وتطوراتها مع المم وسياستها ،مع المخالفين وعقائدهم ،كل ذلك ضمن الطار الشرعي وفي حمى الكتاب
والسنة.
وخلصة ما يهدف إليه هذا الصل "مسالك الدين" هو التخطيط لقامة دولة إسلمية عادلة دستورها القرآن والسنة،
حكامها خبراء في أمور الدين والدنيا فإن لم يتحقق هذا المطلب بان عدمت شروط إقامة الدولة وجب حينئذ تصحيح
الوضاع أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ،بمختلف الوسائل والنهج المشروعة ،فقد يضطر الموقف لعلن الثورة
ضد الجور والفساد ،وقد تقتضي الحكمة انتهاج سياسة اللين والعمل في الخفاء من الصلح وتغيير المنكر بالتي هي
أحسن(.)5
وفيما يلي عرض تحليلي لمسالك الدين الربعة :وهي الظهور ،والدفاع ،والشراء ،والكتمان مع إبراز العلقة بين
تعاليم الباضية مبادئها وبين ما تقوم عليه نظرية مسالك الدين من أبعاد سياسية.
=================
أول :الظهور
الظهور (هو الصل والمأمور به)( )6يمثل المرحلة الولى من مسالك الدين وتعتبر أفضل المراحل وأحسنها وعادة ما
تكون هذه المرحلة "تتويجا للمساعي والجهود للحالت الثلث :الكتمان والدفاع والشراء" وهي الهدف الذي بتقاتل
ويستشهد في سبيله الباضية وعند النتصار تسمى هذه الحالة بالظهور .ويعني بها قيام حكومة اباضية وفقا لتعاليم
المذهب الباضي( )7تسير على منهج الشرع السلمي ،فتنفذ أحكام ال وتقيم الحدود وتصون الحقوق وترد الظلم
وتحفظ الثغور وتحمل دعوة السلم الى بلد الكفر( ، )8لن الدولة حينئذ تكون قد ظهرت على غيرها .بعد ان تكاملت
فيها جميع الوظائف العامة والساسية ويكون المجتمع السلمي فيها حرا ول يطغي عليه ذو سلطان"()9
ومرحلة الظهور -ل تتحقق ال "بالمامة الكبرى لنفاذ حقوق ال وحقوق العباد ،ل يزول إمامهم ال بأحداث في
السلم أو زوال عقل أو عدم نفع.)10("....
ويضع الباضية جملة من الشروط الواجب توافرها لعلن الظهور وإقامة الدولة سبقت الشارة إليها( )11أما أدلة
مشروعية الظهور فكثيرة منها قوله تعالى:
(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (.)13
ويشير الباضية إلى أمثلة من التاريخ للدول في حالة الظهور منها ظهور النبي بمكة بعد إسلم عمر(رضي) ثم
ظهوره بالمدينة بعد الهجرة وظهور أبي بكر وعمر يصليان الجمعة ،ويجمعان الزكوات والغنائم( )14و ظهور الدولة
الخطابية( )15في طرابلس الغرب والدولة الرستمية في الجزائر.
وفي الواقع يمكن ان نلحظ نوعين من الظهور :الول :للظهور الكامل حيث تتحقق المامة العادلة -كما ينبغي ان
تكون وفق المبادئ العامة للفكر السياسي الباضي وفي إطار الحدود الشرعية ويمثل هذا النوع حالة الدولة الرستمية
في عز أوجها.
والنوع الثاني وهو الظهور الناقص أو الظهور الضعيف ،وفيه تكون المة ظاهرة ومستقلة وذات سيادة لكنها ل
تحقق كل الهداف المرجوة ول تبلغ كمال الظهور ول المامة العظمى فتضعف عن تطبيق بعض المبادئ السياسية
كالنتخاب الخاص والبيعة الشرعية ،أو تعجز عن تطبيق الحكام الشرعية كإقامة الحدود وإعلن الجهاد يمثل هذا
النوع حالة المة العمانية في نهاية القرن العشرين.
الباضية ل يرون قهر غيرهم ول التدخل في شؤونهم وغايتهم ان يعيش الجميع في وئام وتفاهم ،وهذا ما يلمسه
الدارس لتاريخ الدولة الرستمية حيث سلك الباضية فيها "سياسة التعايش السلمي مع جيرانهم( )...واحترموا مبدأ
الحرية والعدل والمساواة وغيرها .)16("...كما تمتاز دولة الرستمين "بانتماء السكان فيها الى فرق دينية شتى
وفي الوقت ذاته يجتهد الباضية في تبليغ الرسالة ،والدعوة الى السلم كلما سنحت الظروف لذلك ،وأما علقتهم
بأهل الذمة فيجب ان تكون علقة الضعيف المحمي بالقوي الرحيم .والضعيف هو غير المسلم الذي يدفع الجزية،
وهنا يفصل الوارجلني الكلم في علقة الباضية بأهل الذمة فيقول" :ان عطل أهل الذمة ما عليهم من الخراج ومن
الجزية سنين عديدة فإنا نأخذهم بذلك"( ، )18يعني بالقوة لن السكوت عن ذلك تعبيرا عن الضعف أما اذا غاب أهل
الذمة في بلد بعيدة غير بلدنا فأتوا علينا فإنا نأخذ منهم شيئا من الجزاء ال إذا مكثوا في بلدنا سنة كاملة سواء
تلك البلد التي جاؤوا منها بلد شرك أو بلد إسلم( )19ول نعشر أموالهم إل لعام واحد ،فإن هم ادعوا أنهم أعطوا
الجزية أو العشر لبعض أهل تلك البلد التي جاؤوا منها أو لهل الخلف ولهم على ذلك(.)20
أما اذا كانت إقامتهم دون العام فل عليهم شيء .وهم على هذا الحال ما داموا في ملتهم إما أن اختاروا السلم -وهذا
هو المرغوب فيه -أصبحوا في حكم المسلمين فيبطل عنهم الفيء والجزية والخراج "وإن كانت بلدهم بلد صلح ل
بلد فيء فمن أسلم فله اسلمه وماله وعليه فيه الصلح والعشر"( )21وبهذا تحفظ الحقوق في إطار شرعي من غير
ظلم ول جور.
قد يظهر الباضية في ناحية من البلد على الملوك أو السلطين فيقيمون دولة إسلمية فما حكم الموال ومخلفات
الملوك؟
يجيب الوارجلني على ذلك بالتفصيل لكننا نكتفي بخلصة ما قرره :
أما الغنائم فان أعطى الملوك فيها السهام وردوها الى بيت مال المسلمين "تركناهم وفعلتهم وان كانت قائمة لم
يمضوا فيها بأمر أجريناها على السهام"( )22ويعطي لكل ذي حق حقه.
أما الموال التي جمعت من الضرائب أو بعقاب من عمل المعاصي أو خالف أمر الملك فإن دخلت في بيت مال
المسلمين بقيت فيها ال إذا كانت أموال أخذت عنوة وجورا فإن كانت عقارا قائمة بأعيانها أو أموال معلومة في يد
من أعطوها له وعرف أصحابها أعيدت لهم أما ان جهل أصحابها فإنها للدولة تودع في بيت المال.
وقد يحصل ان ينقض الملوك عهدا أو عذرا أو مظالم كانت قائمة بينهم ،بين أهل الذمة والمحاربين ،فهناك يجب
الصلح "سواء كان النقص أو الغدر من أهل السلم أو من أهل الذمة والمحاربين ،فمن امتنع أجرينا عليه حكم
السلم وأهله ومن امتنع قاتلناه وحاربناه"( ، )23وإذا أحدث أهل الذمة أيام الملوك دسائس وبيع ينظر في أمرها
فإن بنوها بطرق غير شرعية كاستخدامهم للرشوة ،والحيلة والقوة والظلم فحكمها الهدم .وإن بنوها على يد السلطان
ل الملك فانهم يمنعون منها لن السلطان يحكم بالجور والظلم فليست أوامره مقبولة ول أعماله شرعية.
أما اذا بنوا معابدهم بأمر الملك ،أو بعد طلب رضاه ،وتحت رعايته فالحكم فيها تركها لهم.
=================
) 6محمد بن عمر أبو ستة ،حاشية الوضع( ،مخ) غير مرقم ،وانظر مقدمة التوحيد وشروحها لعمر بن جميع ط القاهرة1353 ،هـ ،ص
50
) 7مهدي طالب هاشم نشأة الحركة الباضية بالمشرق ،ص .298
) 8علي يحيى معمر الباضية بين الفرق السلمية.
) 9علي يحيى معمر الباضية في موكب التاريخ ،الحلقة ،1ص .93
أول واجب للمام أن يدعوا أهل الخلف الى ترك ما به خالفوا "فإن أجابوا للطاعة فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على
المسلمين"( )24وكان العدل والمساواة في كل شيء لهم حقوقهم من الفيء والغنائم والصدقات "ولهم علينا دفع
الظلم عنهم وان غزوا معنا فلهم سهامهم كما لنا( )25أما اذا امتنع منهم عن أداء الواجبات عوقب بما يرده إلى
سواء السبيل.
أما اذا فضل المخالفون بالمكوث في بلدهم واقامة دولة لهم فيها ليجروا أحكامهم وفق مبادئهم فان الباضية
يتركونهم لشأنهم على شرط ان يعترفوا بالدولة الباضية ويذعنوا لطاعتها ويصبحوا في حكم المحميين ،على الدولة
الباضية والدفاع عنهم ،يقول الوارجلني" :نأخذ منهم كل ما يجب من الحقوق ونردها في فقرائهم وذوي الحاجة
منهم ،ول نتركهم يظهرون منكرا بين أيدينا( )...ونمنعهم ان يحدثوا في أيامنا...إل أن يكون أمرا ل مكروه تحته فلنا
الخيار"()26
وإذا حدث أن وقع صراع مسلح فالباضية ل يتبعون مدبرا ول يجهزون على جريح ول يقتلون النساء والطفال
والشيوخ ،فإذا هزم الباضية فأموال المخالفين مردودة عليهم إل ما كان لبيت مال المسلمين.
كان ذلك عرضا لحوال الباضية في مرحلة الظهور فما حالهم في الدفاع؟
===============
) 24أبو زكرياء يحيى بن أبي الخير الجناوني ،كتاب الوضع ،مط الفجالة ،القاهرة ،د.تا ص .17
) 25الوارجلني ،الدليل والبرهان ،جـ ،3ص .54
) 26المصدر السابق ص .54
ثانيا :الدفاع
مرحلة الدفاع بعد الظهور أقل مرتبة ودرجة وفضل سميت بالدفاع لن المسلمين يشغلهم الدفاع عن أنفسهم ودينهم
ومكتسباتهم عن إقامة الدولة والظهور على العداء ،ويكون المسلمون حينئذ قد ضعفوا وتخلفو عن شرف الظهور،
لنقص إمكانياتهم وقلة عددهم وع ذلك "يجب ال يهادنوا الظلم وان ل يستكينوا للطغيان وان ل يسمحوا لليدي العابثة
ان تهتك حرماتهم وتحول دون أمور دينهم وتتحكم في أعمالهم وعبادتهم"( )27بل ويصبح أمر الدفاع واجبا فيلجأ
الباضية الى اختيار امام يقود الجماعة لسترجاع حقوقهم وتدعى إمامته بإمامة الدفاع.
يرى أ.مهدي طالب هاشم (معاصر) ان إمامة الدفاع تعقد بعد موت المام الشاري( )28وقد اعتمد حسب قوله على
رواية الدرجيني في طبقاته التي تشير الى تعيين عبدال بن سعيد الحضرمي إماما للدفاع بعد موت المام الشاري
عبدال بن يحيى الكندي (طالب الحق)( .)29لكن يبدوا ان إمامة الدفاع ل تعقب المام الشاري بالضرورة أما رواية
الدرجيني فلم تثبت تعيين الحضرمي بعد طالب الحق ،وان الذي ذكره كان في سياق الخروج على الظلمة ،ومبايعة
رجل "يقال لـه حسن بعدما وقع في أمر عبدال بن سعيد الذي أنكروا عليه أشياء )30("...ولعله من الرجح ان تعقد
إمامة الدفاع بعد زوال الظهور وضعف الدولة الباضية.
أ-موجبات الدفاع
أ -مداهمة العدو للمة ،وسيطرته على الوضع ،وقد يكون هذا العدو من خارج الدولة ،استهدف الرض والشعب
وأطاح بالمامة القائمة وقد يكون العدو من الداخل كظهور حزب منشق يقوم بثورة ضد الحكم القائم .أو من الخارج
بتدخل أجنبي في شؤون الدولة وهذا هو الغالب.
ب -تفشي الفساد وإشاعة الفاحشة ،وكثرة الظلم بسبب انحراف المام عن الجادة وتخليه عن المانة وخيانته ل
ورسوله والمؤمنين(.)31
حينئذ يجتمع المسلمون على امام ينصبونه "وتجري عليه الحكام التي تقع في حالة إماما للظهور -وتجب عليهم
طاعته"( )32فيعلنون الدفاع عن الدين والمة مبتدئين أول بتحذير الظالم وارشاده ونصحه واقناعه بالرجوع الى
سواء السبيل فإذا امتنع وتعنت استكبارا عن الخضوع لمر ال حينئذ تشمر الجماعة الثورة على الظلم والبغي
والجور والكفر والستعمار....
يسمى قائد الثورة امام الدفاع لـه على المة الثائرة حق الطاعة والمتثال ما دامت الثورة قائمة ،فإذا هدأت واستقرت
الوضاع أصبح واحدا من أفراد المة "تزول إمامته بزوال الثورة ،فتجدد لـه أو لغيره لحادث ،وقيل يجوز نصبه على
استمرار وإبقاءه اذا نصب بل قيد استمرار ول نفي استمرار فل يزول بزوال الحرب"( )33فالعبرة بشروط التنصيب.
أول :تنتصر المة الثائرة وترجع المور الى نصابها وتستقيم الوضاع وفي هذه الحالة تحتمل نتيجتين:
-1تستجيب الدولة الباغية الى الرشد الى أهل الحق وفي كل الحالتين ل يكون لزعيم الثورة حق في المامة كما
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
رأينا.
أ -يستشهد الثوار عن بكرة أبيهم ،بعد أن أدوا واجبهم وهذا مطلب عظيم أجره ونتيجة مرغوب فيها.
ب -تبقى أقلية من الثوار ل حول لهم ول قوة ،فيختارون بين أمرين :أما الستراحة وطريق السلم فيدخلون في
مرحلة الكتمان ،واما تجديد العزم والدخول في مرحلة الشراء.
وللدفاع أمثلة في التاريخ كأيام عبدال بن وهب الراسبي (بايعوه إذ غشيهم العدو فاستشهد بالنهروان ومن معه من
المسلمين إل يسيرا)( .)34وأبو حاتم ابن حبيب يعقوب الملزوزي (منذ بويع ما استكان للشيطان ول طلب الراحة
للبقاء بل جرد سيفه وأقام دين ال طاعة فقاتل جنود الظلم)(.)35
================
ثالثا :الشراء
يأتي الشراء كمرحلة ثالثة من مسالك الدين تتفق هذه المرحلة مع الدفاع من حيث الهداف المتعلقة بالطاحة
بالسلطان الجائر وتصحيح الوضاع السياسية والجتماعية وكذا المطالبة بتنفيذ أحكام الشريعة لكن تختلف وإياها في
أسلوب التغيير وطريقة تنفيذ العمليات ،حيث يعتمد الشراة في تحركاتهم على الحيلة والمباغتة والعنف من أجل تغيير
المنكر وتصحيح الوضاع في أوساط الدولة الفاسدة.
يقول الشيخ علي يحيى معمر(1979-1915م)( :ان هذا التنظيم يشبه ان يكون شعبا على دولة ظالمة ،مسلمة أو
مسألة راضية بالذل حتى ل تطمئن الى تنفيذ خططها الجائرة وقد ل تكون لها نتائج غير هذا القلق يخيم على
الظالمين)( )36والذين يتولون هذه المهمة يسمون "الشراة" لنهم باعوا أنفسهم بالجنة "أو لشراء أنفسهم من
النار ،أو لشراء الجنة بأنفسهم ،فإن الشراء يطلق أيضا للبيع(.)37
قال تعالى:
يشترط الباضية عند خروج الشراة معلنين الثورة ضد الحكم أن يكون عددهم من أربعين فما فوق "تأسيا بالنبي
صلى ال عليه وسلم أول أمره( )...فلما اكتمل عدد من آمن به أربعون نزل عليه قوله تعالى:
فأمر بإظهار دعوته والجهر بها"( )41وان ل يعودوا الى أهلهم ال ان يموتوا أو يصبح عددهم ثلثة أو اقل .يقول
القطب (اطفيش محمد)" :وإمام الشراء اذا نزل عن ثلثة فليس عليه وقيل عليه شيء وقيل يجاهد حتى يظهر أمر
ال أو يموت"(.)42
هذا بعض ما يشترطه الباضية فيمن يهب نفسه عن طواعية للجهاد ابتغاء مرضاة ال .لكن هناك تساؤل يفرض
نفسه في الموضوع ،كيف يعود الثلثة الى أهلهم وقد عاهدوا ال بالخروج للموت؟ يقول الشيخ عبد الرحمن
بكلي(معاصر) ذلك عندي اجتهادا منهم -رحمهم ال -ولول ان أكون قد تجرأت على مقام أئمتنا( )...لقلت :ل يسوغ
لمن بلع نفسه ل أن يعود الى أهله ولو بقي وحيدا بل يظل موفيا لصفقته أو يستشهد( .)43ولعل في المر مقصدا
آخر مفاده ان البقية الباقية يؤثرون على أنفسهم ليحرموا من الشهادة في سبيل إعادة الكرة من جديد ويشكلوا نواة
لجماعة أخرى تعلن الثورة على الفساد وبهذا يستمر البقاء الباضي...
أما الشروط أثناء الخروج فقاسية تأخذ طابعا عقائديا(" )44ل يقبلها ال الفدائيون الذين وهبوا حياتهم لحياة المة
السلمية"( )45ويمكن حصر هذه الشروط والتعاليم فيما يلي:
-1ل يعود الشراة الى ديارهم بعد الخروج ال في حالت استثنائية يمكن للواحد ان يدخل منزلـه اضطرارا من اجل
استمرارية الثورة للتزود أو لجمع الذخيرة والستخبار.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-2يعتبر العائد الى منزله -لمهمة -غريبا عنه وفي حكم المسافر فيقصر في صلته وعندما يكون في سعف الجبال
وفي بطون الودية( )...يعتبر في منزلـه وبين أهله.)46()...
-3أن ل يستقروا في مكان واحد ول يركنوا الى الراحة لن مهمتهم تقتضي التنقل الدائم واليقظة المستمرة استعدادا
لمباغتة العدو في كل لحظة.
-4أن ل يعترضوا سبيل المسالمين ول يروعوا المنين وان ل يمسوا الشيوخ والنساء والطفال بسوء وكل ضعيف.
-5أن ل يهلكوا الحرث والزرع والغلل وان ل يهدموا السوار والمباني...ال لضرورة تقتضيها المصلحة.
-6أن ل يتخلوا عن رسائلهم حتى ينتهي بهم المر الى النجاح أو القتل والقتل أقرب المرين لهم(.)47
الغاية القصوى التي خرج من أجلها الشراة تتمثل في إعلن الثورة ضد الظلم والفساد ،وتغيير نظام الحكم ان لم يحكم
الرعية بمقتضى الشرع ،أو كان الحاكم من غير الملة أصل دخل البلد مستعمرا ،حينئذ ينشد الشراة أهدافا مرحلية
تكون مطية لبلوغ الهدف السمى ،وتتلخص الهداف فيما يلي:
" -5ضرب مضاجع ومعاقل السلطة الجائز وزعزعة هيبتها حتى تشعر المة السلمية ان هناك قوة روحية...إلهية
أقوى واشد من القوة المادية الحاكمة التي وصلت الى الحكم عن طريق الوسائل اللأخلقية لجل حب الرئاسة
ومفاتنها"(.)48
يقيم الشيخ علي يحيى معمر مرحلة الشراء بقوله" :انه تنظيم رائد للفدائية في السلم عندما يتحكم الظلم وتعطل
أحكام ال بأحكام السلطان"( )49وقد سجل التاريخ صفحات خالدة لثورات رائعة في مرحلة الشراء نذكر منها ":
ثورة أبو بلل مرداس الثميني ،وأخيه عروة -أول من قال ل حكم ال ال -وقريب بن مرة الودي وزحاف الطائي("...
)50قال أبو القاسم سعيد العماني ":بلغنا ان هؤلء كانوا يخرجون بأمر أمامهم جابر بن زيد العماني ويحبون سيرة
الحرب لئل تموت دعوتهم"(.)51
هذه سيرة الشراة وبعض أعمالهم في حالة الحرب وطغيان الجور ،وفيما يلي مهام الشراة في حالة السلم وتحت
الدولة العادلة.
حيث يقوم نظام الحكم على أصوله ويجتهد المام في تطبيق الحكام الشرعية ،فإن الشراة الذين عاهدوا ال على
المر بالمعروف والنهي عن المنكر ل تأخذهم في ذلك لومة لئم ول خوف من الموت ،فأنهم ل يجنحون الى الراحة
والقعود عن أداء واجبهم حتى في حالة السلم والرخاء حيث تشغلهم عناية الدولة ومراقبة السلطة في تسيير
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
شؤونها ،ومتابعة الئمة وأعوانهم في تنفيذهم لوامر ال واقامة حدوده...ول يخفى ما لهذه المهمة من آثار إيجابية
في سياسة المة كما يسمح مركزهم هذا بالتوسط بين الرعية وساستها وحل الكثير من المعضلت بفضل إخلصهم
يقول الشيخ سليمان الباروني( )52في شأن الشراة" :انهم يمتحنون دائما الئمة والعمال"( )53فيراقبونهم في
أعمالهم واخلقهم ومعاملتهم ول يخفى الشراة نتائج تحرياتهم بل يعلنون عن كل شيء وجدوه فيطلعون الرعية بذلك
ان كان خيرا يحمدون ويثنون وان كان غير ذلك يذمون وينتقدون ويطالبون بالصلح "وعلى ذلك يكون مدار أقوال
الناس فيهم"( )54وبفضل هذا النظام الرقابي ينضبط الئمة ويحرص الحكام على السير السوي ويجعلون نصب
أعينهم "علم الجميع بإخلصهم العمل ل في إصلح المة وإقامة الدين"(.)55
والواقع ان نظام الشراء عند الباضية ،يشبه الى حد كبير حركة ثورية مبدؤها مقاومة الظلم أما بالدعوة السلمية أو
بالقوة ان اقتضى المر ذلك( ،)56وتتميز هذه الحركة بالتخطيط المسبق لها وتنظيماتها الدقيقة التي تشبه تنظيمات
الحزاب السرية المعاصرة( )57من ثم كانت حركة الدعوة الباضية تحاول دائما "التغيير والتبديل نحو الفضل ()...
ضمن مفاهيم ومبادئ وأهداف داخل إطار السلم وقيم العروبة(.)58
==========================
رابعا :الكتمان
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
المرحلة الرابعة من مسالك الدين هي الكتمان ،وهي أدنى درجات الجهاد في سبيل ال ،وفيها تفتر القوة ،وتضعف
النفوس ،فيعجز المسلمون عن رد المظالم وإنكار المنكر-ال بالقلب -فترضى المة بالواقع وتستسلم الحكم الجبابرة
ول تجد سبيل للثورة ضد الحكم ،فيضطر ذوو الغيرة على الدين حينئذ لكتمان أمرهم وانعزالهم بعيدا عن المجتمع
الفاسد ويوجهون نشاطهم لمورهم الداخلية ويكونون بذلك قد دخلوا مرحلة الكتمان وهو تنظيم خاص للمجتمع
الباضي الذي عجز عن إقامة الدولة لعدم توفر الشروط الكافية للظهور(.)59
وتمتاز مرحلة الكتمان بتنظيم جيد يقوم على مبادئ وتعاليم دقيقة تدل على قدرة الباضية على التنظيم المتسم
بالعقلنية والواقعية والعتدال في التفكير وإصدار الحكام ووضع المبادئ كما تدل مرحلة الكتمان على "النضج
السياسي لدى الباضية فالكتمان ل يعني السكوت وعدم الحركة وانما هو مرحلة أعداد لستلم السلطة"(.)60
ال ان الواقع يشير الى ان الباضية في الكتمان المعاصر ل يفكرون في العودة الى الظهور لن الظروف الحالية
مختلفة عما كانت عليه في القرون الولى للهجرة لن وجود سلطة إسلمية قائمة بشؤون الدولة تغني الباضية عن
الخوض في المجال السياسي ،ولذلك "لم يقم من الباضية قائم يدعو لنفسه أو يعمل لغيره أو يساعد أحدا للوصول
الى الحكم منذ أواخر القرن الثالث للهجرة الى اليوم"(.)61
وفي مرحلة الكتمان يركز الباضية نشاطهم على جانبين ،الول :التنظيم الداخلي للمجتمع في المجال الديني
والجتماعي والتربوي والقتصادي والثاني :العلقات الخارجية للمجتمع الباضي بغيره من الطواف والمذاهب.
ما من نشاط داخلي للمجتمع الباضي في مرحلة الكتمان ال يقوم أساسا على مبدأ (المحافظة على الدين) حتى اصبح
هذا المبدأ عنوان المرحلة وهدفها فقالوا "من ضيع دينه فليس جاريا على حكم الكتمان( ، )62ومع المحافظة على
الدين يجب المحافظة على المجتمع شكل ومضمونا شكل من حيث المؤسسات من السرة ومجلس العائلة والعشيرة
الى المسجد والبلدة ومجلس أعيان المساجد ...ومضمونا من حيث القيم والعادات والتقاليد والتراث الصيل بمختلف
أنواعه وفنونه ،مع الهتمام بالجانب الثقافي لما له من فعالية في استنهاض الهمم وشحذ العزائم وذلك يحسن تربية
النشء والعناية بتعليمه وتلقينه أصول دينه ومن ناحية أخرى اهتمام المثقفين بدراسة أصول المذهب ونشرها لضمان
استمرار البقاء الفكري ،وهو ما دأب عليه الباضية "فقد حاولوا في السنين الخيرة ان يستنهضوا همتهم ونشاطهم
وان يستعيدوا الشعور بكيانهم فغمدوا الى طبع عدد من كتبهم الرئيسية في علم الكلم"( )63والفقه والتاريخ وكل
ذلك ل يتحقق ال بإنشاء جمعيات ومؤسسات خيرية تتكفل "بإرشاد الناس الى الخير العام وتهذيب نفوسهم وتسعى
الى غرس فضائل السلم وقيمه الخلقية وتربية النشء تربية دينية إسلمية سليمة ونشر الوعي الديني بين طبقات
الشعب"(.)64
والمؤسسات الدينية عديدة تختلف باختلف المهام المنوطة بها كالمسجد والعشيرة والمدارس والمعاهد والنوادي
ودور اليتامى يقوم برعاية هذه المؤسسات وتوجيهها هيئة عامة متمثلة في حلقة العزاب وهو نظام محكم يقوم مقام
السلطة في مرحلة الكتمان يقول ابو عمار عبد الكافي(ق 6هـ12/م)" :ومنزلة الحلقة أي نظام العزابة التي أثبتها
المشائخ حين عدم أهل المذهب السلطان العادل وتبوؤها ونزولها منزلة السلطان العادل في العدل سواء"(.)65
وتشير المصادر الباضية إلى انه كان للعزابة في دور الكتمان مهام سياسية فضل عن المهام الدينية والجتماعية
فكان على المجلس توليه المراء وعزلهم يقول الشيخ أبو سليمان التلتي(توفي 462هـ) "نحن جماعة العزابة ليس
بأيدينا ول إلينا تولية المراء ول عزلهم في هذا الزمان"( )66ويعلق الشيخ على يحيى معمر على هذا بقوله" :يدل
هذا على ان تولية المراء وعزلهم كان من عمل العزابة لكنه نزع من أيديهم في هذا العصر"( )67غير أني استبعد
ان يكون لهيئة العزابة دور في المجال السياسي علما ان العزابة كنظام ديني واجتماعي ل يظهر ال في مرحلة
الكتمان حيث ل تكون السلطة السياسية في يد الباضية والواقع يفرض عليهم ذلك ومن ثم يتعذر عليهم التدخل في
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
شؤون السياسة فضل عن تولية أو عزل المير يومي أبو عمار عبد الكافي الى ذلك حين يعتبر الحلقة في منزلة
السلطان وليست هي السلطة(.)68
أما هذه العلقة فإنها غير ثابتة -في الواقع -حيث نجدها تتسم بالتقارب والتآزر حينا وبالتباعد والتنافر حينا آخر وفي
الحالة الثانية تركن الجماعة الباضية النزواء حول نفسها رافضة كل ما يأتي من الخارج.
ويبدو ان هذا التارجح بين الحالتين ناتج أساسا عن التغيير الحاصل في الظروف الزمانية والمكانية وبما ان الباضية
يضطرون للدخول في مرحلة الكتمان هروبا بدينهم بسبب الفساد وتسلط الحكم الجائر فهذا مما يدعو بالضرورة الى
النعزال مع إبقاء العلقات الخوية بالمخالفين على الدوام دون إثارة الفتنة ما لم تمس الجماعة في سياسة الحياد
اليجابي وأول ما ينبغي في ذلك اللتجاء الى مواقع منعزلة "بعيدة عن مواطن التصال بين المم فيقطنون بقعا تكاد
نسيل منسيا"(.)69
ومن مظاهر النغلق في مرحلة الكتمان البتعاد عن مجالس المخالفين وعدم دراسة مؤلفاتهم مخافة التأثر بهم
والذوبان في مجتمعهم يقول الشيخ أبو الربيع سليمان بن يخلف النفطي(أواخر ق 5هـ) يوصي اتباع الباضية
":احذروا من ذلك سواكم )70("....ويؤكد هذا نقمة المشائخ على أبي يعقوب يوسف ابن خلفون (أواخر ق 6هـ)
شغفه بمطالعة كتب الشراف( )71وغيره من تصانيف المخالفين(.)72
ربما كان الباضية مبالغين في موقفهم عند الكتمان خوفا من الوقوع في مزالق الثم ال أنه حدث مثل هذا في فترة
من التاريخ فأنه -ل محالة -وقع تحت تأثير قوي من العصبية والطائفية ،في عصر بلغ فيه الصراع المذهبي أوجه
على ان هذا النعزال ل يخلو من محاسن ،أهمها تفرغ العلماء للدراسة والتأليف والتدوين وكان يتم ذلك في المغاور
وبطون الودية طلبا للعلم سرا ،وبذلك لم تنقطع الحركة العلمية في مرحلة الكتمان ،
يقول أ.محمد الشيخ بالحاج "انه رغم تلك الوضعية القاسية المؤلمة فان الحركة العلمية أو الفقهية لم ينلها من ذلك
ال التستر والختفاء مع العمل الدؤوب دون انقطاع أو جمود أو إغلق لباب الجتهاد عند الباضية ( )73علما "ان
هذا التستر والختفاء فرض عليهم بالظلم والبطش ولم يرضوه لنفسهم اختيارا"()74
وحيث ان موقف الباضية من المخالفين يتغير بتغير الظروف في مرحلة الكتمان ،فان العلقة بين الباضية وغيرهم
قد تطورت نحو الحسن ،بعد صفاء الجو من غيوم التطاحن والصراع ،فحل الوفاق محل الخلف مع الحترام المتبادل
للراء والفكار ،يقول الشيخ علي يحيى معمر يدعو الى مزيد من التقارب والتفاهم والتحاد ضد أعداء السلم:
"عندما تكون الدولة القائمة جائرة يجب على المسلمين ان يستمعوا لها ويطيعوا في غير معصية ال وعليهم ان
يحاربوا معا أعداء السلم وان يدفعوا لها ما تطلبه ظروف الحرب من أموال ودماء وان يساعدوها في حفظ المن
والقيام بالمشاريع العامة"(.)75
==================
العزابة جمع لكلمة عزاب وهو السم الذي يحمله العضو في حلقة العزابة والحلقة( )76نظام ديني اجتماعي تربوي
تطور عبر مراحل التواجد الباضي بين وادي أريغ ووادي مزاب ليصبح مجلسا للعزابة "وهو أعلى سلطة في المكان
الذي يوجد فيه ،ويمثل سلطة المام( )...ويقوم مقامه في جميع مهامه باستثناء إقامة الحدود التي يعطلها الباضية
في طور الكتمان )77("...ويرجع تاريخ تأسيس نظام العزابة الى أوائل القرن الخامس الهجري على يد الشيخ أبي
عبدال محمد بن بكر( )78حين استقر مع تلميذه في مدينة " تينسلي"( )79وفي غار "التسعي"( )80شرع الشيخ
أبي عبدال في وضع نظام الحلقة سنة 409هـ( )81ولما استكمل التنظيم وأرسى قواعده وآدابه وشروطه انتقل
الشيخ بتلميذه الى منطقة "وادي ميزاب" وبذلك دخل نظام العزابة الى المنطقة وهو ل يزال بها ساريا مفعوله الى
اليوم والعزاب رجل اعتزل العوائق الدنيوية وعزب عن الملذات (ولزم الطريق وطلب العلم ،وسير أهل الخير وحافظ
عليها ،وعمل بها فإن حمل جميع هذه الصفات سمي عزابيا.)82()...
تتألف الحلقة غالبا من أثنى عشر عضوا لكل مهامه الخاصة ،وقد يرتفع عدد العضاء الى اكثر من ذلك حسبما
تتطلبه الحاجة الدينية والجتماعية ،أما شروط العضوية فكثيرة أهمها ان يكون المرشح اباضيا متفانيا في خدمة
مذهبه واتباعه وان يكون حافظا للقرآن الكريم ،زاهدا في الدنيا وملذاتها "وإذا تحدد الشخص جعل له رقيب ليراقب
سلوكه وتصرفاته"( .)83أما شيخ العزابة فيشترط فيه ان يكون ذكيا لبقا ورعا لطيفا مع أصحابه يبقى في منصبه
مدى الحياة( )84وهو الموجه الول لباضية بلدته.
مهام العضاء(:)85
-1شيخ العزابة :يتولى الوعظ والرشاد وتبليغ إعلنات العزابة الى العامة ،وإليه يرجع المر في الحل والعقد وسير
شؤون الحلقة وقد ينوبه نائب له.
-3المام :يتولى إمامة الناس في الصلة ،وهو الذي يعلن حكم البراءة على المحكوم عليه بذلك من طرف مجلس
العزابة ،وقد يقوم المام بإعلن العفو باسم أعضاء الحلقة ان لم يكن الشيخ حاضرا.
-5ثلثة معلمين للصبيان :يتولون مهمة تعليمهم القراءة والكتابة والشراف على سير محاصرهم والمحافظة على
نظام المسجد.
والى جانب المهام المذكورة يتولى مجلس العزابة رعاية المصالح الجتماعية للمجتمع( )86فيأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر ،ويسهر على حل المشاكل والخصومات بين الناس ويحارب الفات الجتماعية كما يقوم بالشراف على
الكثير من المسائل التي تمس حياة المواطنين الدينية والجتماعية والثقافية.
========================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
) 76كانت الحلقة تشتمل على الشيخ وجماعة التلميذ يعلمهم العلم ويلقنهم السير فكأنهم ملحقون ولو أنهم مفترقون الدرجيني ،الطبقات،
جـ ،1ص .4
) 77عوض محمد خليفات ،التنظيمات السياسية والدارية...ص .13
) 78راجع ترجمته في طبقات الدرجيني ،جـ ء ،ص ،377وفي سير الشامخي ص .384
) 79أوتنسلي بالقرب من توقرت(وادي أريغ) تعرف الن باسم بلدة أعمر.
) 80أو تسعماي نسبة الى سنة ،409أنظر طبقات الدرجيني ،جـ ،1ص .170
) 81الدرجيني ،طبقات المشائخ بالمغرب ،جـ ،1ص .170
) 82المصدر السابق ،ص .4
) 83عوض محمد خليفات ،التنظيمات السياسية والدارية...ص .15
) 84المصدر السابق ،ص .14
) 85عمر سليمان بوعصبانة وعبدال خرفي ،نشأة وعمران ميزاب ومؤسساته الدينية والجتماعية ،جناح التاريخ بالسبوع الثقافي
الثالث لجمعية قدماء التلميذ ،القرارة 1979م( ،مطبوعة بخط اليد على الستناسيل) ص.7 -6 :
) 86أنظر محمد بلغراد عن الوركي في العلم حول دور العزابة ،الصالة عدد ،41صفحة .44
العشيرة مجموعة أسرة بينها قرابة الرحم ويلتقي نسبها في جد واحد ،إل أن رباط الخوة السلمية وروح التعاون
والتآزر والحب في ال يجعل من هذه العائلت أسرة واحدة متحدة تربطها بغيرها من العشائر روابط التعارف
والتكامل الجتماعي والتعاون لما فيه الصالح العام والتنا صح في ال بحيث تذوب في هذه القيم الراسخة علقة الدم
والعصبية القبلية الجاهلية ،وللعشيرة في وادي مزاب نظام محكم يقوم أصل على مبادئ الشريعة والتعاليم السلمية
السامية ،يكفل للمجتمع الباضي العيش في أمن وسلم ورخاء .وبفضل التكافل الجتماعي الذي يفرضه نظام العشيرة
تغيب في الباضية مظاهر الفقر والتسول والتشرد ،وتخف حدة الطبقية ،وتتساوى الفئات الجتماعية من حيث
المظهر ,كما يفرض العرف العام تحديد وتوحيد أنماط السلوك الجتماعي في الحياة اليومية والمناسبات في التقاليد
والعادات ،فتختفي بسبب ذلك ـ مثل ـ ظاهرة المغالة في مقدار ونوعية الصداق ،وبذلك يتيسر لبسط الناس بناء
أسرة إسلمية بأقل التكاليف ويعود الفضل في كل ذلك إلى دور الساجد بالدرجة الولى ثم العشيرة التي تتمتع
بصلحيات واسعة تخولها الشراف عن كثب على الحياة الدينية والجتماعية والتربوية لبنائها.
يشرف على نشاط العشيرة مجلس أدارى ينتخب من مجموع أبناء العشيرة ،وهذا المجلس يختار من بين أعضائه
رئيساً للعشيرة ويكون أفضلهم علم ًا وورعاً وصلحاً وهو ممثل العشيرة في حلقة العزابة.
أما صلحيات العشيرة فمتعددة التساع ومجالت اشرافها ،حتى انه يتعذر حصرها ،لكن يمكن تقسيمها إلى قسمين
هما :
-تقدير النفقة للفقير المحتاج ،أما لمرض أو عجز أو نزول مصيبة عليه أو إتلف ماله ،أو الشيخوخة والكبر وغير
ذلك.
-تقدر للمتزوجة من العشيرة نفقة لها ولولدها بالعدل والمعروف في حالة تهاون الزوج عن ذلك ،وكذا في حالة
الطلق.
-تعين وكيلً للمبذر لماله والمسيء التصرف فيه سفها حتى ل يضيع مستقبل أولده ،وكذا بالنسبة للمجنون.
ل للسرة التي غاب عنها وليها ولم يترك نفقة .وتقدر لها نفقة حتى ل تضيع السرة ،وتتعرض للفقر.
-تعيين وكي ً
وهو إن لم يكن لزماً فهو ضروري لتتكامل حياة المجتمع ،ومن أهم مجالته ما يلي (:)88
-تعاون العشائر بالمساعدات المادية والمعنوية وعن طريق الحملت التطوعية لصالح البلدة والمجتمع منها على
سبيل المثال :
-التعاون على بناء المشاريع الخيرية العامة مثل المدارس والمساجد ودور العشائر والنوادي ،والسدود .
ل ونهاراً.
-التعاون على حفظ المن في البلد وذلك ببناء السوار حول المدينة ،وتنظيم الحراسة العامة لي ً
هذا هي العشيرة التي تقوم على مبادئ إسلمية يعتمد عليها اباضية الجزائر لتنظيم شؤونهم الجتماعية والتربوية
وهي تقوم مقام الدولة في أداء الخدمات الجتماعية في حالة الظهور ،يقول الشيخ أبو اليقظان " :لو أن بلد السلم
حافظت على نظام العشيرة فيها كما حافظت عليه بلد ميزاب لكان أولئك السواد العظم من الفقراء واليتامى
والمساكين والرامل ( )...والسفهاء والمجانين وأمثالهم مكفولين غير مضطرين إلى ملجئ تأويهم أو إلى الطرق
للتسول )89( "....والواقع أنه مهما سعت الحكومة في القيام بشؤون المواطنين الداخلية – وما أكثرها وأعقدها –
فأنها ل تستطيع تحقيق مساعيها في غياب هذه المؤسسات الخيرية التي تعمل جاهدة للصالح العام وتقدم خدمات
كبرى للدولة بدون مساس بسيادتها وهيبتها.
هذه نظرة خاطفة على النشاط الباضي في مرحلة الكتمان وما يتعلق بها من تنظيمات تأخذ طابعاً اجتماعياً ودينياً ،
وتبتعد ما أمكن عن الخوض في المجال السياسي ،لن الهدف الول من الكتمان هو التركيز على الحياة الداخلية
للمجتمع ،بالمحافظة على الدين والسعي في تطبيقه ،وبتنظيم الحياة الجتماعية.
ويمكن أن نلحظ ما دمنا في آخر مراحل مسالك الدين ان الكتمان ينقسم إلى نوعين :الول :مرحلة الختفاء والتستر
المتطرف والنعزال التام وهي شبيهة بحالة القعود مثل ما كان عليه المام جابر بن زيد وأبو عبيدة مسلم في العراق،
وأبو الربيع سليمان بن يخلف النفطي (ق 5هـ) ومن عاصره في الجريد حيث كانوا يبالغون في أخف الموسم ،نظراً
الظروف القاسية في زمانهم .
والنوع الثاني :هو الكتمان المعتدل أو الظاهر حيث يتمتع فيه الباضية بحرية الرأي واظهار نشاطهم بين المم إل
أنهم يعجزون عن أقامة دولة مستقلة لهم ول يرغبون في ذلك .ومثال هذا النوع حالة إباضية شمال إفريقيا بعد
سقوط الدولة الرستمية .
فنسمي الحالة الولى بالكتمان الخفي ،والحالة الثانية بالكتمان الظاهر ،وفي كل من الخفي والظاهر يترأس الجماعة
الباضية إمام الكتمان يدعى إمام المسلمين أو إمام القوم أو إمام التحقيق كما كان يسمى عبد ال ابن إباض في صدر
نشأة المذهب (.)90
إل أن هذه المامة ل تأخذ بعدًا سياسياً ،فالمام في مرحلة الكتمان يكون بمثابة الرئيس (في حكومة ) ديموقراطية
اباضية تدعى جماعة المسلمين)( )91تتولى هذه الحكومة أو السلطة رعاية الشؤون الداخلية والتنظيمات الجتماعية
للجماعة الباضية ،وتتشكل هذه الحكومة من مجلس متكون من خيرة المشائخ ينتخبون من بينهم رئسا تسند إليه
مهام إمامة الكتمان ،من أمثلة هذا التنظيم – مجلس المشائخ في عهد المام جابر بن زيد وأبي عبيدة مسلم بن أبي
كريمة ،ثم الربيع بن حبيب ومن جاء بعدهم في المشرق ،وفي المغرب نجد مجلس المشائخ في عهد يعقوب بن
سهلون (ق 4هـ) وأبي نوح سعيد بن زنغيل (ق 5هـ) وأبي عبدال محمد بن بكر (ق 5هـ) وأبي الربيع سليمان بن
يخلف المزاتي (ق 6هـ) ثم أخيراً مجالس العزابة التي قل نشاطها أو توقف نهائياً لدى اباضية شمال أفريقيا ()92
باستثناء قرى وادي مزاب الكائنة في جنوب الجزائر والتي ل تزال مجالس العزابة فيها تقوم بمهامها الدينية
والجتماعية وإليها يعود تنظيم النشاط الباضي في مرحلة الكتمان.
=====================
الفصل الثالث
إمام الظهور
بما أن التفكير السياسي لدى الباضية "منشئوه العقيدة الدينية .وتقوم المامة على تطبيق مبدأ المر بالمعروف
والنهي عن المنكر"( )1وانطلقا من مبدأ الفضلية للتقى والصلح دون اعتبار العرق والنسب ،عمل بروح التعاليم
السلمية في المجال السياسي والجتماعي القائم على مبدأ الحرية النسانية والمساواة فإن الباضية اختاروا التجاه
الديمقراطي السلمي كنظام سياسي واجتماعي لنه النظام الوحيد الذي يكفل الحريات السياسية للموطن.
كما يضمن صيانة حقوق الفرد ضمن حدود الشريعة ،ومن أهم حريات المواطن اختيار من يتولى رعايته ومن أبسط
حقوق تولي السلطة اذا تأهل لها .ونظرا لهذه المنطلقات الساسية كان رأي الباضية في المامة "هو الرأي الذي
يؤيده التجاه الحديث ويؤيده كل مخلص لدينه ووطنه"( .)2ومن أهم مزاياه المحافظة على مبدأ الشورى وهو عمود
الديموقراطية في الحكم ،ولذلك أولى الباضية عناية كبيرة بمفهوم الشورى فكانوا "وحدهم الذين طبقوه في الحكم
بعد الخليفتين أبي بكر وعمر"(.)3
ونظرا لهمية التجربة الباضية في مجال الحكم فأننا سوف نركز الحديث حول تطبيق الشورى والديمقراطية من خلل
عرضنا لجهاز الحكم المتمثل في المام كمسؤول أول في الدولة ثم أعوانه ومساعديه كمجلس الشورى والقضاة
والعمال والحسبة والجيش .وهي أطراف متكاملة لتأليف شيء واحد هو السلطة بأنواعها الثلثة :التشريعية
والتنفيذية والقضائية .ونظرا لهمية المام سنفرد لـه خاصا ثم نتطرق الى أعوانه في فصل لحق.
=================
عندما نسأل :من أحق بمنصب المام؟ نكون قد أثرنا أهم مسألة في الفكر السياسي عند المسلمين ولعلها أول مشكلة
سياسية اختلف حولها الفقهاء والعلماء فترتب عليها ظهور الحزاب السياسية والفرق الدينية ،وسبب هذا الختلف
يعود الى تحديد الشروط المطلوب توفرها لدى المرشح لمنصب المام أو الخليفة أو أمير المؤمنين ،وبالرغم من
اتفاق جميع المذاهب على الشروط الصلية كالعلم والجتهاد والذكاء والشجاعة والنزاهة والعدل والحرص على
مصلحة المسلمين ،والتقى والورع...فإن الخلف يبقى واردا حول بعض الشروط التي تعتبر مكملة ل أصلية ،ومنها
شرط النتساب الى بني هاشم الذي تطالب به الشيعة( ،)4أو فرع من آل البيت كالقرشية(.)5
أما المامية فاشترطت ان يكون المام "عالما بأصول الدين وفروعه بالفعل ل بالقوة وان يكون معصوما"( ،)6وكذا
اشترط السماعيلية وزاد بعضهم اشتراط "ظهور المعجزة على يده"( )7ويرد الشيخ محمد اطفيش على هذه الراء
بأن "خلفة أبى بكر وعمر وعثمان ليسوا من بني هاشم ول عالمين بالفروع والصول كلها بالفعل بل لهم اجتهاد
ومعونة من الصحابة كعلي"(()8رضي) ،بل حتى علي ولم يكن من بين هؤلء الربعة معصوم ،أما ظهور المعجزات
فهي مسألة تخص النبياء وحدهم.
ومن الشروط كذلك الولوية للفضل والعلم ،وجواز الخروج عن المام اذا جار أو عدم جوازه وطاعته أول اذا لم
يعدل )9("...كما تسبب في الخلف مسألة ترشيح المام وطريقة اختياره ثم تنصيبه وبيعته ،وصلحياته ومهامه.
إذن فما موقف الباضية من كل ذلك؟ وما هي الشروط الواجب توافرها عند المرشح للمامة؟
في الواقع يتعذر تحديد هذه الشروط بشكل دقيق وثابت نظرا لتعدد الراء حولها وعدم وجود اتفاق شامل يجمع بين
قدماء الباضية ومعاصريهم ولكن يبقى المبدأ الساسي المتمثل في المنهج الديموقراطي وأحقية كل مسلم لمنصب
المامة دون اعتبار اللون والجنس ،يبقى هو المبدأ الذي يؤمن به كان مفكر اباضي ويمكن الملحظة كذلك ان
الشروط الى جانب كثرتها تتصف حينا بالصرامة والمبالغة عند بعض الباضية وتتصف حينا آخر بالبساطة والسهولة
عند الخرين.
وفيما يلي بيان أهم الشروط كما تتصورها النخبة من علماء الباضية مع التركيز على آراء الوارجلني ومحمد
اطفيش.
ونبدأ أول بتحديد القطب للشروط فيقول" :ان يكون مجتهدا في الصول والفروع ليقوم بأمر الدين والدنيا متمكنا من
إقامة الحجة وإزالة الشبه وتصحيح العقائد"(.)10
وأول ما يلفت النتباه ان القطب لم يشترط ان يكون المام عالما في الصول والفروع بل اشترط الجتهاد لن الجتهاد
أعم من العلم ول يبلغ المام درجة الجتهاد ال اذا كان عالما .وفي نص القطب الشارة الى ضرورة تمكن المام من
العلوم الدنيوية الى جانب العلوم الدينية حتى يستطيع القيام بالمور الدنيوية كذلك ،وهي ملزمة لمور الدين ،لنه ل
فصل بين الدين والدولة في الحكم السلمي.
وهكذا نلمس تأكيد القطب على الجانب العلمي في المام وهو مذهب الباضية عامة حيث "يركزون على العلم فكيف
يمكن تطبيق الحكام والقيام بالواجبات ومراعاة الحقوق بدون علم"(.)...
ومن كمال العلم ان يكون المام "فصيحا بالعربية"( )11وهذا شرط اضافه القطب ولم ينته إليه سواه ولعله لحظ ان
اللسان البربري يغلب على أهل زمانه وأدرك ان العلم ل ينال بالبرية بالقدر الذي يناله بالعربية لغة القرآن والعلوم
العقلية والنقلية ،ويضيف القطب الى شروطه بان يكون المام "ذا رأي بالحروب والثغور والجيوش شجاعا ولو كان
ل يباشر الحرب ليدافع عن الدين والحوزة"( ،)12وهذا ما يسميه المام الغزالي بالنجدة ،واظهار الشوكة والقوة
ووفرة العدل والستظهار بالجنود من أجل قمع البغاة والطغاة ومجاهدة الكفر والعتاه(.)13
ويتفق القطب مع الغزالي في عدم اشتراط مباشرة المام للحرب بنفسه كما انه ل يخرج عليه اذا باشرها بنفسه وإذا
ستغنى المام بجيشه عن الخوض في الحروب جاز لـه المشاركة بالرأي والتدبير( )14لن المقصود الول هو الدفاع
عن الحوزة بأي وسيلة يراها المام ناجعة ،ومن مظاهر الشجاعة والنجدة أل يفشل المام "ول يلين ول يهو لـه
الحدود وضرب الرقاب"( ،)15وهذا مذهب الجمهور أل ان البعض لم يوجبوا هذه الشروط ا قد ل تجتمع في واحد
لكن القطب يرى وجوب نصبه "اذا وجد من يصلح به دفع الفساد ولو دون ذلك بأن يكون لـه علم يكفي أو معه عالم
يقتدي به"( ،)16أو خبير بشؤون الحرب يستشيره ،ومن شروط المام "ان يكون عدل لئل يأخذ بل عدل أو يقتل بل
عدل"( ،)17ويقتضي عدل المام ان يكون الناس كلهم سواسية في عيني المام فل يميز بين الرعية ول يميل الى
عنصر أو قبيلة دون أخرى على نحو ما كان عليه الخلفاء الراشدون .فالمام الذي يؤثر بعض أقاربه على الناس فهو
ممن ل يعدل ول يكون امام مستقيما ال ان يكون الناس عنده كلهم سواء في الحق ،سواء القريب أو البعيد ،الشريف
أو الوضيع ،الذكر أو النثى ،الصغير أو الكبير( )...ول يتفاضل الناس عنده ال بتقوى ال (( )....إن أكرمكم عند ال
أتقاكم) ( )18فمن لم يكن كذلك فهو ليس من أهل العدل.)19("...
=========================
وهذه الشروط المتقدمة من العلم والورع والشجاعة والعدل متوقفة على شروط أساسية تسبقها بالولوية من حيث
تعلقها بالجانب الخلقي -الجسماني -في النسان وأهمها ان يكون عاقل( )20ذا بصيرة وفطنة وذكاء ،وأن ل يكون
"أعمى ول أصم ول أخرس ،وليس بمزمن ول مقطوع اليدين والرجلين )21("...لن أي نقص في المام من الناحية
الجسمية يترتب عنه نقص في أداء مهامه فل يعقل ان يتقلد المجنون أو العمى أو الصم وغيرهم من المعتوهين
زمام المور وهم ل يتمكنون حتى من تدبير أنفسهم.
هذه جملة من الشروط المتعلقة بالجانب الجسماني ويضاف إليها شروط ترتبط بها من حيث كونها غريزية في
النسان غير مكتسبة واهمها ان ل يكون صبيا( )22لن البلوغ مناط التكليف والتكليف ملك المر ول تكليف على
صبي وأن يكون حرا( )23فل تنعقد المامة للعبد لنه ل يملك أمره فهو أشبه ما يكون بالحيوان يتصرف فيه مالكه
حسب هواه ويسخره لغراضه ،وان يكون ذكرا( )24فل تنعقد المامة لمرأة مهما أوتيت من كفاءة وتأهل ،نظرا
لما يعتريها من حالت نفسية ومرضية تعقدها عن القيام بشؤونها ولذلك ل يحق لها منصب القضاء فكيف بإمامة
المسلمين.
هذه شروط فطرية لدى النسان أما الشروط الممكن اكتسابها أو التي تنمو وتزيد بالكسب فهي المتعلقة بالجانب
الخلقي ،وهي كثيرة منها ان يكون المام "مشاورا أهل الرأي والعدل عفيفا عن الطمع محتمل...رحيما حليما
مصلحا بين الناس"( ،)25ول يبلغ ذلك ال اذا كان "عزيزا في قومه ،ذا حسب ونسب"( )26ولكن ينبغي ان يتفاضل
الناس معه " ال بقدر فضلهم في العلم"( )27وهذا يقتضي ان يكون متواضعا ل الى درجة الذل مترفعا ل الى درجة
التكبر ،وان ل يكون "كذابا ول مخلفا ول حسودا ول حقودا ،ول بخيل ول عجول ،ول مبذرا ول غدارا ول
مكارا ، )28("...وبذلك يكسب ود الرعية ويحظى بالتأييد ،فإذا رضي الناس بالمام كان موضع ثقتهم فيسهل له
القيادة وتدبير شؤونهم.
ويصور لنا ش .أبو الحسن العماني شخصية المام كما ينبغي أن تكون فيقول :أن يكون خيرا أهل عصره()29
ويكون أقوى طبائع عقله ثم يصل قوة عقله بشدة الفحص( )30وكثرة سماعه بحسن العادة( )31فإذا جمع إلى عقله
علماً وإلى علمه حزماً ،وإلى حزمه عزماً ،فذلك الذي يعد لغزالدولة ونكابة العدو ،ويقوى على إقامة الحق ،ويكون
عدلً مرضياً ،ول يكون يلي أمور المسلمين على ظاهر الرأي أكثر من واحد ،)32("....أما أ .محمد بن الشيخ
(معاصر) فيجمع المقاييس المعتبرة للمامة عند الباضية فيما يلي " :الكفاءة والتأهل بالرسوخ في علم القرآن
والسنة ،مع قدم الهجرة( )33وكبر السن ،ووفرة التجربة دون اعتبار للحسب والنسب ول للعرق والجنس" (.)34
وحول هذه الشروط الخيرة المتعلق بالنتساب إلى جنس معين نجد خلفاً جزئياً بين فقهاء الباضية ينحصر في
مسألة القرشية ،هل من اللزم أن ينتسب المام إلى قريش ؟.
الواقع أن الباضية ل يرون اشتراط القريشية في عقد المامة ،ويتفق معهم الخوارج في أن مصب المامة ليس من
حق فرد معين دون غيره ،ول حكرًا على أسرة دون أسرة ،أو جنساً دون آخر ،إنما الخلفة حق مشاع بين جميع من
تتوفر فيه الكفاءة المرجوة من المسلمين عامة ل العرب فحسب كما كان الحال قبل اتساع رقعة السلم ،ولذلك كان
الخوارج في صدر السلم يعارضون حصر الخلفة في سللة معينة ،ويعتبرونها حقاً لكل عربي" (.)35
ولما انتشر السلم ودخلت فيه جماعات من غير العرب عدلوا عن قولهم فنادوا بأن المامة "حق لكل مسلم تتوفر
فيه شروطها "(.)36
أما حديث الرسول صلى ال عليه وسلم الئمة من قريش فيحمله الباضية من باب الترجيح باعتبار ما كانت عليه
قريش في عهد النبي صلى ال عليه وسلم من مكانة وسيادة بين قبائل العرب ،أما وقد تغيرت المور تبعًا لذلك ولم
تحافظ قريش اليوم _ إن وجدت – على ذلك الدور الريادي ،فإن مقاييس الختيار تتغير تبعاً لذلك ،وبالتالي يبطل مبدأ
الفضلية .
=======================
فانطلقاً من هذا العتبار " لم يشترط الباضية القرشية لصحة الخلفة وانما تكون مرجحا – إن وجدت – وتساوت
الكفاءات الخرى"( ،)37بينما تعتبره الشيعة والشاعرة وفرق السنة شرطا ل بد منه ،ولذلك يعده الغزالي (أبو
حامد) من الشروط العشرة الواجبة للمامة ،لنه " مأخوذة من التوقيت ومن إجماع أهل العصار الخالية على ان
المامة ليست ال في هذا النسب"(.)38
والواقع أنه ليس الباضية أو الخوارج هم أول من قال بعدم حصر الخلفة في قريش " وانما سبقهم إليه كبار
الصحابة عندما ناقضوا أول خليفة في السلم فقد قال بعض النصار للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير ولو لم يكن
النصار يعرفون ان يجوز ان يتولى المارة غير قريشي لما قالوا ذلك(.)39
وفي العصر الحديث نجد المفكر أبو العلى المودودي يرفض فكرة حصر الخلفة في أسرة أو طبقة وإل ما كانت
الخلفة السلمية ديموقراطية(.)40
أما مسألة الفضلية وهي ان يتولى رجل منصب المامة مع وجود من هو أعلم منه ،فإن الباضية يجيزون ذلك خلفا
للمامية من الشيعة ،أما الشاعرة فيقولون برأي الباضية في ذلك(.)41
ومما جاء في رسالة من علماء الباضية في المشرق الى أهل المغرب في عهد المام عبد الرحمن قولهم" :وأما ما
ذكرتهم من تولية رجل وفي جماعة المسلمين من هو أعلم منه فذلك جائز اذا كان -المام المرشح -مستكمل لشروط
المامة وكان من أهل الفضل والدين والعدل والسياسة والمنزلة المرضية فقد ولى أبو بكر الصديق (رضي) وزيد بن
ثابت أرضى منه وعلي أقضى منه ومعاذ بالحلل والحرام أعرف منه وأبي بكتاب ال أقرأ منه( )...ومع هذا فلم يكن
أحد منهم أولى منه بالمامة"( )42لن ثبوت المامة -كما يرى القطب" -ل يفيد القطع بالفضلية"( )43ويبدو ان
المامية منعوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل لنهم يرون ذلك قبيحا عقل"(.)44
بينما الباضية ل يرون في ذلك مذمة ما دام الهدف هو تحقيق المصلحة العامة وهذا ما عليه الجمهور ،ومع ذلك
ذهب قوم الى "نصب الفضل وان أثار فتنة لم تجب كما اذا كانت الرعايا ل ينقادون للفاضل بل للمفضول وإل وجبت
إقامة الفضل"(.)45
ويحسم القطب الموقف بالنظر الى ما يصلح أمر المسلمين بمن يصلح للمامة ،فإن كان المفضول أقوم بها وأعرف
بشأنها وأصلح لها من الفاضل ولي أمرها وان تساويا في ذلك فالرجح تولية الفضل "فالمهم أن تتوفر في المام
المزايا العامة المطلوبة للمامة"( )46أما ش.أبو الحسن العماني فلعله مبالغ "في اشتراطه ان يكون المام خير أهل
عصره"( )47كما أخطأ أ.دنجيل( ) (معاصر) حين يعتبر الفضلية شرطا لتولي المامة عند الباضية( )48والواقع
انه يتعذر الحصول على رجل يكون خير أهل عصره ،وأفضلهم علما وورعا وشجاعة وحلما وأقدرهم على تحمل
المسؤولية وادارة شؤون الدولة ،يصعب العثور عليه ما دامت الفضلية نسبية ،فقد يفضل الرجل أخاه في العلم ول
يبلغ درجة ورعه وزهده وقد يكون الفارس أشجع القوم وأجهلهم في ذات الوقت ،أما ان يجمع الرجل جميع المحاسن
فهذا نادر.
وجملة القول في شروط المامة ان المقياس العام لها عند الباضية -في نظر أ.بيار كبيرلي(معاصر) "هو مقياس
أخلقي مرتبط بالتعاليم الدينية مع التركيز على العلم"( )49والكفاءة المؤهلة لمنصب المامة.
أما الموانع التي تحول دون ترشيح الرجل للمامة فهي عدم توفر الشروط السابق ذكرها بالضافة الى ارتكاب الكبيرة
لن مرتكبها ليس بمؤمن ولحظ في الكفر لمنصب المامة ولكن ما السبيل اذا جهل المسلمون باطن الرجل وقد تقدم
للمامة وهو مرتكب لكبيرة دون علم الناس به؟ هنا يحمل القطب الشخص المرشح للمامة مسؤولية ذلك فيقول" :
حرام على النسان ان يتولى المامة أو نحو ذلك مع علمه بخيانة نفسه أو عزمه عليها ،أو سؤال ذلك )50("...أما
ان يولي النسان فاسقا مع علمه بفسقه أمرا من أمور المسلمين فحرام بل ريب بالجماع.
====================
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
يعتبر حفل التنصيب وتسليم مهام السلطة للمامة الجديد والعلن بذلك -رسميا -هي المرحلة الثانية من تطبيق مبدأ
الديموقراطية بعد اجتياز المرحلة الولى -المهمة هي اختيار المام كما تعتبر مراسيم تنصيب المام تجسيدا عمليا
للفكار النظرية في الميدان السياسي .وأهم ما يشترط في هذه المناسبة ان تجري مراسيم حفل التنصيب في جو سليم
صاف خال من أي خلف ،تسوده الثقة المتبادلة بين أهل المشورة ،والصراحة في القول ورحابة الصدر لقبول الحق
والموضوعية في التفكير ،والحرية في ابداء الرأي ،والعتماد على مبدأ المصلحة العامة قبل المصالح الخاصة ،وتتم
عملية التنصيب على النحو التالي:
أ-الترشيح
يجتمع مجلس الشورى لختيار من يقدمونه لمنصب المامة والمجلس ل ينعقد لهذا الغرض ال في الحالت التية:
لختيار امام جديد ليخلف إماما سابقا لـه وفي هذه الحالة ل يجوز للمجلس ان يختار إماما ال اذا تحققت وفاة المام
الذي سيخلف أو بعد التحقيق من شغور المنصب بأن يعزل المام القائم بموجب( ،)51كما انعزل ابو بكر بن أفلح بن
عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي من الولية وانسلخ منها الفساد سيرته في الحكم فبايع المسلمون أخاه محمد
ابو اليقظان (241هـ281-هـ) للمامة(.)52
لختيار أول امام لدولة اباضية تؤسس من جديد ومثال ذلك توليه أبي حمزة المختار بن عوف( )53للمامة الباضية
في جنوب الجزيرة العربية وتوليه أبى الخطاب عبد العلى بن السمح( )54للمامة في طرابلس وتولية عبد الرحمن
بن رستم( )55للمامة في تاهرت.
وفي الغالب تتم عماية الختيار بترشيح جماعة من الكفاء "من اثنين الى ستة" من طرف أعضاء مجلس الشورى-
ان وجد -على ان يكون محايدا .كما حدث لتولية الئمة الرستميين أو من طرف مجلس العيان(الزعماء الروحيون
للمذهب) مثل مشائخ البصرة.
وبعد تحديد القائمة المرشحة تجري المفاوضات بين أعضاء بكل نزاهة حتى يستقر رأيهم فيمن هو أحق بالمامة عن
تراض وفق الشروط اللزمة وقد ل يحصل الجماع التام على واحد وثمة يؤخذ برأي الغلبية .وهنالك صورة أخرى
لتعيين المام وذلك ان يجتمع المرشحون للمامة من طرف المام السابق ،فيتفقون بينهم على من يولونه أمر
المامة ،أما مجلس الشورى فينحصر دوره في هذه الحالة على الشراف والمراقبة والتزكية.
إذن فطريقة تعين المام بالشورى تختلف باختلف الظروف السياسية والمنية لكل عصر وأمة ،كما تختلف باختلف
الحكم القائم .فالخلفاء الراشدون الربعة كانت طريقة كل واحد منهم في التنصيب تختلف عن الخر(.)56
والمشهور عند الباضية ان أهل الشورى الذين يتولون تعين المام خمسة" وانما جعلت لستة وتعقد لواحد ،ويبقى
الخمسة ،وهم كالحجة على غيرهم ،وقيل ان اقل ما يعقد له اثنان لن المامة ل تصح ال عن مشورة وتراض من
الخاصة وهم الحجة .فإذا وقع التراضي به من الخاصة فهو امام"( .)57ويستدل
القطب على ذلك بحالة عمر بن الخطاب الذي تولى الخلفة " باختيار أبي بكر إياه إماما ًللناس – بعد استشارة
الصحابة وإبداء رضاهم – فكان الضي به دون العقد أوجب لصحة ذلك"( ،)58وهذا شبيه بما حدث في تولية أبي
الخطاب عبد العلى بن السمح للمامة فقد اختاره شيخه أبو عبيدة لهذا المنصب – وإن لم يصرح بذلك له – وبالفعل
حدث فقدمه زملؤه.
ب -البيعة
بعد ان يستقر الرأي الخير على المام الجديد ،تتم بيعته من طرف الخاصة ،ثم بقية المسلمين برضاهم له وقبولهم
لخلفته 0
والبيعة هي –اصطلحاً -تأيد المرشح للخلفة والموافقة عليه( ،)59ول تتم البيعة ال بالعقد ،وهو أهم ما فيها.
وللعقد صيغ مختلفة منها ما ذكره القاضي أبو يعلى بقولـه " :بايعناك بيعة رضي على إقامة العدل والنصاف والقيام
بفروض المامة"( .)60أما الصيغة المشهورة لدى الباضية فيذكرها ش 0محمد أطفيش بقوله " :إذا قام ممثل أهل
الشورى لعلن بيعة المام بقول " :قد بايعت فلن بن فلن على طاعة ال وطاعة الرسول ،وعلى المر بالمعروف
والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل ال )61("....وعند انتهاء المثل من ذكر الشروط التي ولى المرشح المامة
على أساسها ،يقوم المام ليرد على المبايعة بقوله " :قد بايعتني إماماً على موضع كذا ( )62ومن رضي بذلك على
طاعة ال وطاعة الرسول ( )...والمر بالمعروف والنهي عن المنكر )63("...وبعد ذلك يشرع الحاضرون في أداء
الصفقة .
أهمية العقد:
ليس العقد واجب ًا ولكنه ضروري لتمام البيعة ".فإذا كانت المامة فريضة فالعقد فيها وسيلة والفرض إذا ثبت
بالجماع لم يسقط بعدم الوسيلة ول بتركها ،وقيل ان الرضى والتسليم يقومان مقام العقد"( .)64والواقع ان للصفقة
بعدا إلزاميا ،يزيد للبيعة تأكيدا وترسيخا وهو بمثابة الرمز الشرعي لثبوت المامة لدى المرشح لها .فإذن يحمي
الرعية مثلما يحمي لسلطته التي يحكم بها هو رضي أهل الحل والعقد وقبولهم لوليته نظرا لقناعتهم بكفاءة المام
وأهليته للحكم وقابليته له .
ومن أهم خصائص العقد ومزاياه يحددها أ.كبيرلي ( ) Pictrc Cuperlyفيما يلي)65( :
* يوجب العقد فسخ البيعة في حالة خيانة المام أو جور ،فيتبرا منه .
* على كل مسلم مساندة المام ومساعدته – ما أمكن عمل ينص العقد .
=========================
) 51راجع موجبات عزل المام أو الخروج عنه في موضع لحق من هذا الفصل.
) 52لم يتوضح المصادر الباضية ما اذا كانت تولية أبي اليقظان وقعت في حياة أخيه أبي بكر أم بعد وفاته فإن ابن الصغير يقول" :
صارت الدعوة والمامة كلها لبي اليقظان " ويصف أخاه أبا بكر في ذات الوقت أنه خرج (ل حيا ول ميتا) أنظر تاريخ الئمة الرستميين
لبن الصغير ،تح د.محمد ناصر و أ.إبراهيم بحاز ص 74بينما لم يذكر أبو زكريا شيئا عن أبي بكر حين ذكر ولية أبي اليقضان أما
الدرجيني فتوحي روايته بأن المام محمد بن أفلح وأخوه حيا لكنه تجرد من مهام المامة ،انظر الدرجيني في طبقاته جـ ،1ص ،83ولعل
الواية القريبة من الحتمال ان أبا بكر ترك مهام المامة لخيه محمد بعد رجوعه من المشرق فاجتهد في إدارة شؤون الدولة بصفته وزير
ومساعدا لخيه الذي اشتغل بالترف وأهمل رعاية المة أما إمامة محمد فلم تعقد له ال بعد وفاة أبي بكر وهذا ما ذهب إليه أ.محمد علي
دبوز في كتابه تاريخ المغرب الكبير ط ،1القاهرة 1963م ،جـ 3ـ ص.585 -568 :
) 53هو أبو حمزة الشاري من قبيلة الزد في عمان قاد ثورة اباضية ضد المويين في الحجاز انظر ترجمته في طبقات الدرجيني جـ ،2
ص .272 -258
) 54انظر ترجمته في طبقات الدرجيني جـ ،1ص ،29 ،23 ،19وتاريخ أبي زكريا ص .37
) 55انظر ترجمته في تاريخ الدبوز ،جـ 3ص ،315 -295:بحاز إبراهيم الدولة الرستمية ص .29
) 56حسين مؤنس معالم تاريخ المغرب والندلس ،ص .103
) 57محمد اطفيش شرح النيل جـ 14ص .213
) 58م.س .جـ 14ص 213
جـ -الصفقة
بعد تلوة العقد وقبول المام كل الشروط ،يمد يده لصفقة المبايعة،وهى " رمز للوفاق المتبادل"( )66بين الطرفين
اللذين يربط بينها عقد البيعة .وهما المام وجماعته.
وتتم الصفقة بحضور العلماء الثقات فيتقدم أفضلهم فيمد يده اليمنى ليمسكها المام بيمناه فيقول العالم – المبايع : -
"قد بايعناك ل ورسوله "...فيجيبه المام(" :نعم) ثم يفعل ذلك الثاني والثالث وما أكثر فهو أفضل"( ،)67ومن تمام
مراسيم حفل التنصيب – حسبما يذكر ش .أطفيش أن " تجعل الكمة ( )68في راس المام والخاتم في يده وينصب
العلم بحذائه )69("...وفي الخير يقوم الخطيب لقراءة الخطبة على جمهور المسلمين"( )70يعلن فيها نتائج
النتخاب وما أسفر عنه من تولية المام وموافقة مجلس الشورى وأعيان البلد وعلمائها ورضاهم عن المام الجديد
ومبايعتهم له ،ويستحسن أن تلقى هذه الخطبة بالمسجد بعد صلة الجمعة حتى يعم الخبر بين المسلمين وينتشر
بسرعة .
قد يحدث أن يرفض المرشح للمامة بيعة المسلمين لـه وذلك لسباب كثيرة ،كان يعظم أمر المامة في عينيه إدراكا
منه خطورة هذا المنصب وتورعا منه مخافة الوقوع فيما ل يرضي ربه خاصة وقد ورد في القرآن والسنة نصوص
تنذر بالعذاب في الخرة لمن لم يحكم بما أنزل ال ،وفي تاريخ الباضية أمثلة عديدة لرجال ثقات عدول عرضت
عليهم المامة والرئاسة فدفعوها ،ومنهم أبو الخطاب عبد العلى بن السمح (ت 44.هـ) لم يقبل الولية على
طرابلس إل بعد إلحاح شديد من جماعة المسلمين ،وبعد تفكير طويل أدرك أنه من حق المة عليه قبول الولية
لكفاءته وتأهله لها دون غيره ،وحدث مثل ذلك لمسعود الندلسي سنة 171هـ فاختفي عن العين – بعيداً عن البلدة
– حتى ل تعرض عليه المامة خلفا للمام عبد الرحمن بن رستم ،كما يحدث ذلك للكثير ممن يرى أن المناصب
السامية سيما رئاسة الدولة تكليفا للنسان بمسؤوليات ثقال قد ل يقوى على تحملها ،وليست تشريف ًا لـه ورفعاً من
شأنه وليست مصدر الحظوظ والغنائم ،والكسب بل فيها التكاليف كثيرة ،والواجبات صعبة ،ومن وراء ذلك الحساب
عسير عند ال.
وفي هذه الحالة يحسم الموقف بقرار قد يبدو قاسيا ومبالغا فيه ،يلخصه أبو يعقوب الوارجلني (ق 6هـ) في قوله:
"إذا اتفق المسلمون وأهل الحل والعقد على تولية رجل إمرة المؤمنين( )....ولم يكن في المؤمنين من هو أولى منه(
)71فإنه يقتل ان هو أبى قبول البيعة ،فإن كانوا عددا امتنعوا فرأى المسلمون أن يقتلوهم كلهم قتلوهم ال ان يكون
فيهم من فاقهم في المور التي تصلح للولية ،فيتوجه إليه القتل وحده"(.)72
ومما يحتمل وقوعه بعد إتمام البيعة ان تظهر من هو أولى من المام المنتخب وفي هذه الحالة "ل يجوز ان ينخلع
أمير المؤمنين من الولية كما ل يسوغ للمسلمين ان يخلعوه ويولوا غيره"( )73فعلى المام ال يستغني عمن هو
أفضل منه في المشورة وطلب العون.
وهو ما ذهب إليه ش.تبغورين(ق 11-5م) حيث يقول" :والمام ان أبى ان يقبل المامة اذا رفعها إليه المسلمون
قتلوه ونظروا في غيره"( ،)74ويستدل على ذلك بما فعله عمر بن الخطاب إذ أمر أصحاب الشورى من بعده بقتل
من رفض الخلفة كما أمر بذلك مسلم بن أبي كريمة"( )75حين هم بتوديع حملة العلم القافلين الى المغرب.
ويضيف ش.أبو يعقوب الوارجلني حالة أخرى قد تطرأ على المام فيقول" :أما اذا اسر أمير المؤمنين في حرب
المسلمين وأكره على الكفر( )...أنكره لهم ول بأس عليه ،وان اكرهوه على ان ينخلع فأخلع فل بأس وهو على
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وليته"( .)76فالوارجلني يجيز التقية للمام درءا لما هو أخطر ،أما إبقاءه على الولية فأمر لم يوضحه الوارجلني
جيد ،فالمفهوم المتبادر من كلمه ان المام اذا اكره على التخلي عن منصبه جاز له التخلي من باب التقية ويترتب
على ذلك نصب امام جديد خلفا لـه ،ويكون بذلك معذورا ل يتبرأ منه فهو في الولية ،ولكن قد يفهم من كلم
الوارجلني حالة ثانية وهي ان المام بعد إكراهه يتخلى عن المامة بالقول فقط -وهذه تقية بالقول -ولكنه في نظر
جماعته ل يزال إماما عليهم -علميا -وهذا ما يشير إليه بقوله "فهو في الولية" بمعنى ولية أمر المسلمين(المامة)
ولعل المفهوم الثاني أقرب للحتمال.
ومن الحالت الستثنائية عند البيعة أن يشذ واحد أو جماعة من أهل الشورى باشتراط شيء يخدم مصلحة خاصة ،أو
باشتراط ما ل يرضى عنه الشرع .
وفي هذه الحالة ل ينظر إلى هذا الشتراط لنه باطل والبيعة صحيحة ،وقد حدث مثل هذا أثناء تولية المام عبد
الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي ،حين اشترط ابن فندين( )77على ال يقضي المام أمرا دون جماعة معلومة يقصد
بذلك أن يصبح هو وجماعته مستشارين للمام ل يقدم على فعل شيء ال اذا أذنت لـه هذه الجماعة ،لكن مجلس
الشورى لم يقبل هذه البدعة ،فكتب العلماء يستفتون المشارقة في هذه المسألة فكان ردهم كما يلي:
" أما ما ذكرتموه من أمر الشرط فليس من سيرة المسلمين ان يجعلوا في المامة شرطا ان ل يقطع المام أمرا دون
جماعة معلومة المامة صحيحة والشرط باطل )78("...وهذا معقول إذ لو جاز الشتراط على المام لصبح المر
فوضى لن مطالب الناس ل حدود لها والغراض الخاصة ل فائدة ترجى منها ،ثم ان المام تتقلص حريته ول يملك
القدرة على فرض أحكامه وانفاذها ما دامت عوائق الشتراط تقف دون ذلك.
==================
حيث أن المام في نظر الباضية شخص كسائر المسلمين ل يختلف عنهم في شيء سوى أنه مكلف بمهام رئاسة
الدولة ،وهذا منصب لم يعهد إليه إل على شروط عاهد على السير وفقها يوم تعيينه ،فإن ظهر أنه حاد عنها ولم
يطبق الحكام الشرعية وغير السنة وحكم بالهوى وعطل الحدود واعتدى فيها وأحل مال ال وجعله دولة بين
الغنياء وأخذ بالذنب من ل ذنب لـه ورغب عن سبيل أئمة الهدى وفسق عن أمر ربه فإن إطاعته معصية لربه ،
ومعصيته هدي ذلك بأن ال يقول (:وجعلنا منهم أئمة يدعون إلى النار) ( )79فمن ضيع أمر ال بنقض ميثاقه
استوجب بنقضه لعنة ال ( )80ومن لحقته لعنة ال ل يستحق المامة وإن وليها يعزل عنها ،وهو في براءة ال
ورسوله والمسلمين ،يقول الشيخ أطفيش مبينا رأي الباضية في علقة المسلم بالمام الجائر " :من علم بجور إمام
تبرأ منه وممن تبعه إلى جوره "( )81لكنه يستثني من هم تحت لوائه إذا أكرهوا (الجواز القعود تحت الجائر ()82
المخالف والموافق مطلقا ( )83إذن فعقد المامة عند الباضية قابل للفسخ وإذا فسخ بطلت ول تبطل المامة إل
بحدث في المام "بعد العذار والنذار وتمادي المحدث على الصرار والستكبار فحينئذ يجب القيام عليه ،وابطال ما
صار من أمر المسلمين إليه "(.)84
ويستل الباضية على جواز عزل المام بنصوص عديدة منها قوله صلى ال عليه وسلم سيكون بعدي خلفاء ل
يعملون بما يعلمون ول يفعلون بما يؤمرون فمن أنكر عليهم نجا ومن اعتزلهم سلم ومن كان معهم فهو منهم"(.)85
ومن الحاديث التي يستدل بها ش .أطفيش حديث رواه أبو أمامه عن النبي صلي ال عليه وسلم أنه قال " :إذا رأيت
أمتي تهاب الظالم أن تقول لـه أنت ظالم فقد تودع منهم "( )86وفي حديث آخر عن عميرة قال رسول ال صلي ال
عليه وسلم " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم ال بعذاب منه "(.)87
وقد يرى الباضية جواز عزل المام من باب وجوب المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وعمل بقوله صلي ال عليه
وسلم " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه ،وذلك اضعف اليمان "(.)88
وبعد ان عرفنا موقف الباضية القاضي بجواز عزل المام نلحض فيما يلي أهم السباب التي توجب عزل المام .
أ-الردة :وهي انكار ركن من أركان السلم ،أو أن يرتكب المام ما يوجب إقامة الحد عليه ،كترك الصلة ،أو شرب
الخمر أو الزنا ...أو اختلس أموال الناس بالباطل( ،)89ويحسن في هذه الحالة أن يسبق عزل المام تحذيره ونصحه
وإرشاده ،فإن تاب واستقام فهو في وليته وأن أبى وتمادى وجب عزله وتغييره.
ب -موجبات خلقية حادثة :ل يملك المام ردها ،ومنها زوال العقل ،أو الصابة بالصمم والبكم ،أو المرض إذا كان
مزمنا بحيث يمنعه على أداء واجباته ،وفي هذه الحالة قولن :الول ل تعقد المامة لغيره حتى يموت ،تسقط إمامته
لعدم قدرته على العمل وفقده للكفاءة التي من أجلها عقدة لـه البيعة"( )90ولعل القول الوسط أن يرجع المر إلى
المام نفسه فيستشار في إمكانية نصب غيره أو عدمه ،فإن رأى المام بقاءه في السلطة بحيث ل يترتب عن ذلك
اضطراب في شؤون الحكم وكان له وزيرا مؤهل يقوم مقامه ويساعده العوان ومجلس الشورى فذلك جائز أما أن
رضي المام بالتخلي عن منصبه لغيره عن طواعية فذلك احسن .
هذا إذا كانت الدولة تحت حكم الباضية ،أما إذا كان المر من غير الباضية وأحدث ما يوجب عزله ،استدرجه
الباضية باللطف واجتهدوا في إرشاده ونصحه بالتي هي احسن ،فإن أبي حاولوا عزله ،وإن رأوا عزله يؤدي الى
فتنة تحملوا أخف الضررين وهو إبقاؤه في الحكم وطاعته مالم يأمر بمعصية الخالق( ، )91ويوافق هذا الرأي ما
ذهب إليه الشاعرة وأهل السنة .
يقول ش .محمد ابو زهرة (معاصر) ":ان المختار للخلفة النبوية إذا فسق خرجت خلفته عن معنى الخلفة النبوية
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
وصارت خلفته ملكا عضوضا ويستوي مع من لم يختر فل يطاع في معصيته قط ،لقوله صلى ال عليه وسلم ":على
المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره فإن أمر بمعصية فل سمع ول طاعة"()92
ومن المحتمل في مسالة عزل المام ،أن يتقدم هذا الخير بطلب الستقالة من منصبه بإرادة منه ،لسبب أو لخر فما
هو رأى الباضية في ذلك؟ الحقيقة أنني لم أقف على قول لحد علماء الباضية في هذا الموضوع ول أضن القطب
تعرض لهذه الحالة ،ولكن يبدو أنه يجوز لمام – ‘ذا رأى عدم قدرته على تولي المامة كما يجب – أن يعرض
موضوع استقالته على مجلس الشورى للبث فيها ،وللمجلس أن يرفض استقالة المام ان لم تكن أعذاره كافية لذلك.
وتذكر المصادر الباضية أن المام أبا حاتم الملزوزي( )93غضب مرة على أتباعه لما أحدثوا من سلب لقتلهم
قال ":والن أما رددتم السلب واما اعتزلت أموركم وتركت الولية )94("...فأقل ما يقال في عزل المام لنفسه أنه
من المسكوت عنه لدى الباضية .فمتى كان ل بد منه جاز وال عدمه أحسن .
==================
) 79القصص .41
) 80المام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم في رسالة له الى أهل طرابلس ذكرها بواب بن سلم في شرائع الدين (مخ) نسخة ش.
ناصر المرموري ص.29:
) 81محمد اطفيش الذهب الخالص ص .46
) 82جواز القعود تحت الجائز من باب جواز التقية" :يجوز ان تستسلم لجميع أحكامهم عليكم ما لم تكن بدعة" اما ما يتعلق بلموال
فيقول :ان جميع ما يلزمك من حقوق ال عز وجل ان طلبها منك الملوك فواسع لك ان تدفع اليهم كل ما كان ظاهرا كالحليب والتمر
والنعام اما ما كان باطنا كالذهب فل "(الدليل والبرهان ج 3ص 0 ) 66
) 83ش 0أطفيش ،الذهب ،الخالص ،ص0 46:
) 84من جواب المشارقة الى اباضية المغرب في عهد المام عبد الوهاب ،الدريجينى طبقات المشائخ بالمغرب ج 1ص50 :
0انضركذلك،كتاب سير الئمة وأخبارهم لبي زكريا (تح) اسما عيل العربي دار الغرب السلمي ،ط ،1982 ،2ص.92:
) 85عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم رسالته الى أهل طرابلس ،ضمن كتاب شرائع الدين لبن سلم (مخ) ص ،29:لم يذكر المام
سند الحديث.
) 86رواة احمد والطبرانى والحاكم واليهقى في شعبة 0محمد اطفيش جامع الشمل فى حديث خير الرسل،ص 2350
) 87رواة ابو داود والترمزى وابن ماجد ،محمد اطفيش ،جامع الشمل فى حديث خير الرسل ،ص 0 235
) 88عز الدين بليق ،منهاج الصالحين 0،ص ، 410 :الحديث رواة مسلم عن آبي سعيد الخدرى 0
) 89محمد الشيخ بالحاج أستاذ بمعهد الحياة-القرارة ولية غرداية فى مقابلة شخصية 0
) 90ش 0محمد اطفيش ترتيب موسى بن عامر( مخ) خزانة ش 0بالحاج القرارة ،غيرمرقم 0
) 91ش 0سعيد التعاريتي،المسلك المحمود في معرفة الردود ......ص. 50:
) 92محمد ابو زهرة ن تاريخ المذاهب السلمية ،ج 1ص. 106.
) 93عين إماما للدفاع سنة 145ه واستطاع ان يتزعم ويجمع حولة كل قوى من الخوارج حتى سنة 155ه السنة التي قتل فيها ابو
حاتم بمكان يدعى (جنبى) وذلك من طرف جنود يزيد بن حاتم ،انضر .تاريخ ابن الصغير عن أئمة تاهرت الرستميين ،مقال ل
موتيلنسكى ،تر .د .محمد ناصر ،تاريخ ابن الصغير ص. 19:
) 94الدرجينى ،طبقات المشائخ بالمغرب ،ج 1ص .38:
من السلطان الجائر -أول -في نظر الباضية؟ يصف ش .علي يحيى معمر رجال السياسة في الدولة الجائرة بأنهم "ل
يرضيهم العدل في دولتهم ول حتى ان يقوم بدولة بجانبهم لن الحكم العادل كفيل بأن يكشف للناس مساوئ حكمهم
وأن يطلق ألسنتهم بالنقد وربما بالنقمة ثم الثورة"( )95ولذلك يسلكون طريق الظلم والقهر ول يهمهم سوى
الزعامة والهيمنة على كل حركة مناوبة لهم باستخدام "كل أنواع الحرب من كيد ودعاية كاذبة وتشويه للحقائق....
وتعذيب وضرب بالسيف ان اقتضى المر"( )95وفي الغالب يكون الحاكم الجائر قد وصل الى السلطة بالقوة والغلبة
يسميه ش.اطفيش" :السلطان المتسلط لنه يأخذ بل حق ويعطي بل حق"( )96ومن طبائع السلطين الجورة ميلهم
الى الترف والسراف في امتلك والقصور "ويستخدمون لبناء ذلك العامة"( )98من الناس.
أما سيرتهم في إنفاذ الحكام فغير محمودة وكيف يعاف شارب الخمر سلطان ل يصحو من سكرته ال نادرا ،أو يقيم
حد الزنا من ل يتورع من مخالطة النساء...؟
اذا كان جور السلطان على هذا النحو فما موقف الباضية منه يقول أبو الحسن الشعري(ت 324هـ أو 330هـ):
"الباضية ل ترى اعتراض الناس بالسيف -خلفا للخوارج -لكنهم يرون إزالة أئمة الجور ومنعهم من ان يكونوا أئمة
بأي شيء قدروا عليه"( .)99لكن اذا رجعنا الى المصادر الباضية وجدنا رأيهم على المر لذلك ول يترتب عنه فتنة
أشد من بقائه مع حوره فإن مسألة الخروج أمر آخرـ فيمكننا القول -بدون تحفظ -أن الباضية يجمعون على عدم
وجوب الخروج على السلطان.
أما جواز ذلك ففيه أقوال قد تختلف الظروف والحوال وبالتالي يختلف موقف الباضية من السلطان الجائر بين ظرف
وآخر ،خاصة اذا علمنا ان الفكر السياسي والجتماعي لدى الباضية يقوم على مبدأ العتدال واللجوء الى الموقف
الذي ل ينتج عنه هلك والتسامح اذا اشتد المر وتأزم الوضع ،وقد يتصف أحيانا بالقوة والصرامة والستماتة أما
الحق اذا سمح الحال بذلك.
من هذا المنطلق نفسر رأي الباضية في الخروج عن السلطان الجائر بتا رجح بين الجواز وعدمه.
أما وجوب الخروج فلم يقل به أباضي بل نجد ش .أطفيش يرد بشدة على من يتهم الباضية بالقول بوجوب الخروج
على رأي الخوارج فيقول في المذهب الخالص مثل ":نحن ل نقول بالخروج عن سلطين الجور الموحدين"()100
ومن نسب إلينا وجوب الخروج فقد جهل مذهبنا "()101
والموقف المعتدل حسبما يراه القطب أن يكتفي الباضية باعلن البراءة من المام الجائر وكذا من تبعه في جوره مع
ولية كل من كان تحت لوائه لجواز القعود تحت" الجائر المخالف والموافق مطلقا"(.)102
هذا رأي الباضية في علقتهم بالحاكم الجائر وهو ما أكده ش.علي يعي معمر في قوله ":إذا ابتليت المة بان كان
حاكمها ظالما فان الباضية ل يرون وجوب الخروج عليه لسيما إذا خيف أن يؤدي ذلك إلى فتنة وفساد أو يترتب
على الخروج ضرر أكب مما هم فيه"(.)103
ومما يؤكد مذهب الباضية في عدم الخروج ما ذكر عن عبدال بن اباض انه عندما اجتمع واصحابه عازمين الخروج
وفيهم نافع بن الزرق ووجوه المسلمين سمع في جوف الليل دوي القراء وترنين المؤذنين وحنين المسبحين فقال
لصحابه أعن هؤلء أخرج معكم؟ فرجع وكتم أمره واختفى( )104حتى وان كانت مناسبة هذه الحادثة في غير
الخروج عن السلطان الجائر فإننا نستفيد منها موقف ابن اباض الرافض مبدأ الخروج ومما يثبت عدم التجائه
للخروج انه لم يرد عنه تنظيم حملة للخروج على حليفة عصره بل كانت هناك علقة طيبة مدعمة بمراسلت تربط
بينه وبين الخليفة عبد الملك بن مروان.
هذا عن عدم وجوب الخروج أما عن جوازه فنسجل رأى الباضية من خلل موقف الوارجلني حيث يقول ":إن
مذهب أهل الدعوة في الخروج على الملوك الظلمة والسلطين الجورة جائز"( )105ونجد الرأي نفسه عند ش .علي
يحي معمر( )106وهو رأي وسط بين موقف الشاعرة والسنية القائل بمنع الخروج على السلطين الجور ول يحل
قتالهم بل التسليم لهم على ظلمهم أولى( )107الخوارج القائل بوجوب الخروج على سلطين الجور مهما تكلف
المر.
والواقع أن جواز الخروج عند الباضية مشروط بأمور عديدة أهمها الستطاعة ،وعدم الوقوع في التهلكة بسبب
الخروج ،ولتحديد ذلك يقول ش .علي يحي معمر " :ل ينبغي هدم حكم قائم ال إذا تأكدت الستطاعة للقيام بحكم خير
منه دون حدوث ما يخشى على المسلمين أو يلحق بهم أضرار تفوق ما هم عليه من أضرار( ،)108أما إذا أمن
المسلمون من هذه المآخذ فاقدامهم على تغير المنكر جائز الستيلء على مدينة طرابلس والطاحة بحاكمها وتولى
زمام المور خلفا له ،ذلك بحركة منظمة مخطط لها فلم تقم حرب ولم يهرق دم(.)109
هذا رأي الباضية في موقفهم أمام السلطان الجائر مجمعون عليه إذا استثنينا ش .سالم السيابي (عماني معاصر)
الذي يتحمس للخروج على السلطين والملوك وصراعهم بقصد حملهم على المنهج الشرعي الذي أوجب السير
عليه ،ويحرض على ارتكاب الخطار لمقاتلة الملوك الجورة حتى يرجعوا الى الحق( ،)110فيتحامل ش .السالمي
على القائلين بعدم جواز الخروج المتمسكين بالصبر فيقول " :فعلى القل أين المر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وهو كما ثبت اجماعاً أنه اليد أولً وهل اليد إل العصا ثم السيف؟ ،وكيف ل يجوز الخروج عليهم وهم يفسدون في
الدين ويبدلون حكم ال بحكم القوانين وهذا هو الكفر والواضح"(.)111
=======================
حيث أننا تعرضنا لموقف الباضية من المام اذا جار أو السلطان إذا طغى وتجبر .فإنه يجدر بنا كذلك عرض موقفهم
من المام العادل.
فأول ما يجب على الرعية طاعته والخلص في النقياد له ول ينبغي ان يطيعوه ،خوفا منه أو تقريبا له وانما لكون
طاعته واجبة من ال على الرعية .وقد وردت نصوص عديدة تصرح بوجوب طاعة أولي المر ،ومنها قوله صلى ال
عليه وسلم " ان أمر عليكم عبد حبشي مجذوع النف وأقام فيكم كتاب ال وسنتي فاسمعوا له وأطيعوا"(.)112
أما العصيان والتمرد على المام فحرام قطعا ،يقول أ.كبيرلي نقل عن الباضية " :والتمرد على المام من ابشع
الجرائم بل يجب على العكس مساندته ضد أعدائه"( )113فالثورة على المام العادل منكرة عند الباضية( )114وكل
عمل يؤدي الى إحداث شغب وتشويش في الدولة ممنوع يجب إيقاف صاحبه وتأديبه ،ومن الحاديث الواردة في هذا
الشأن قوله صلى ال عليه وسلم ":من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة
جاهلية"(.)115
وقوله صلى ال عليه وسلم " :من خلع يدا من طاعة لقي ال يوم القيامة ول حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة
مات ميتة جاهلية"(.)116
وهكذا يوجب الشرع طاعة أولي المر بل ويقرنها بطاعة ال ورسوله .يقول صلى ال عليه وسلم " :من أطاعني فقد
أطاع ال ومن عصاني فقد عصى ال ومن يطع المير فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني"( )117وهذا تأكيد
لقوله تعالى:
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم )118()...الية.
وإذا ظهر من المام نقصا وتهاونا أو إهمال بواجب من واجباته كان ل بد من الرعية والخاصة بصفة أولى نصحه
وتحذيره وتنبيه قال صلى ال عليه وسلم " :الدين النصيحة" ولما سأله الصحابة لمن النصيحة قال" :ل ولكتابه
ورسوله ولئمة المسلمين وعامتهم"( .)119والواقع ان نصح المام وارشاده وتحذيره واجب حتى في حالة جوره
فكيف اذا عدل وأخطأ؟ قال صلى ال عليه وسلم " :أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"(.)120
وانما المطلوب في النصيحة أن تكون بلطف ورفق تأدبا بمقام المام حتى ل تجرح كرامته ،كما انه ينبغي للمام ان
يقبل النصيحة ممن جاءت ول يترفع عن قبول الحق اذا ظهر.
================
)112يعلق أبو إسحاق إبراهيم اطفيش على هذا الحديث بقوله " :انما أمر نبينا صلى ال عليه وسلم بطاعة العبد على سبيل المثل في
وجوب الطاعة وإل فالعبد ل تجوز إمامته للصلة فكيف بأمر المسلمين وهذا رد لمن زعم ان المامة ال في قريش انظر في هامش كتاب
الوضع لبي زكريا يحيى بن أبي الخير ص 23وروى الحديث المام الربيع بن حبيب في مسند عن جابر عن ابن عباس بلفظ " ان أمر
عليكم عبد حبشي مجدوع النف فاسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم كتاب ال" راجع الجامع الصحيح مسند الربيع بن حبيب ط 2عام 1388هـ،
جـ ،3ص 211
.Pierre Cuperly, Introduction a I, etude de I, Ibadisme ..p.292 ) 113
) 114فاروق عمر التاريخ السلمي وفكر القرن العشرين ط 2دار اقرأ بيروت لبنان 1406هـ 1985م ص 56نقل عن أبي المؤثر
الحداث والصفات (مخ) بدار الكتب المصرية القاهرة ورقة 4و .5
) 115متفق عليه ،عن ابن عباس ذكر أ.عز الدين بليق في منهاج الصالحين من أحاديث سنة خاتم النبياء والمرسلين .دار الفتح بيروت
1978ص .466
) 116م.س.ص 466رواه مسلم عن ابن عمر (رضي).
اذا انتخب المام وتمت لـه البيعة الشرعية أصبح هو المسؤول الول في الدولة ،وتمتع بصلحيات مطلقة في حدود
الشرع فله ان يحكم بما يراه صوابا ،ويجتهد في إقامة العدل بين الناس واعطاء كل ذي حق حقه ،ويحسن له في ذلك
ان يستعين بمجلس الشورى أو بوزير ،ولكن اعتماده على المستشارين والوزراء ل يرفع عنه المسؤولية .لن المام
الباضي ل يتمتع "بحصانة معينة فهو مسؤول عن إجراءاته والقرارات التي يتخذها"( )121وبالتالي فانه يتحمل كل
تبعية ناتجة عن تصرفاته أو قراراته الغير شرعية ،وهو بذلك ل يختلف عن غيره من أفراد رعيته ،فان أمر المام
بإقامة الحد على أحد من غير استحقاق وأدى ذلك الى موته وجب "على المام دفع الدية من ماله الخاص"()122
وهذا خلفا للقائلين بعصمة المام من الشيعة.
أما مهام المام وواجباته فكثيرة ومختلفة ،خاصة اذا اتسعت رقعة حوزته ودخلت تحت لوائه أمم عديدة وشملت
دولته أقطارا كثيرة ويمكن جمع أهم واجبات المام في الميادين التية :المن ،الدارة ،الدعوة ،القتصاد ،الجتهاد.
ففي هذه الميادين يكون مدار نشاط المام وله في كل منها مسؤوليات محددة وفيما يلي بيان ذلك.
أ-المسؤوليات المنية
من أول مهام المام في مرحلة الظهور السهر على توفير المن لشعبه وحماية الدولة من كل مكروه ،ولذلك يعتبر
المام الباضي قائد الجيوش( )123مثل ما كان عليه الئمة الرستميون ،وقد ضرب المام أفلح أروع مثال في القوة
والشجاعة وكان عبد الوهاب في شبابه يقاتل وحده ما يقارب خمسمائة رجل(.)124
ومن متطلبات المن ان يمنع المام رعيته من استعمال السلح بل عليه "أن يحظر حمل السلح"( )125اذا خيف
منهم البطش والهلك كما يدخل ضمن الحتياطات المنية مراقبة مداخل ومخارج المدينة وبقيم الحراسة على البواب
وعند اقتضاء الحاجة يراقب حدود الدولة فيمنع الخارج من البلد والداخل فيه لمن ل يرغب فيه ،ولكن تبقى حرية
التنقل والحركة مكفولة فالسفر مباح من حيث المبدأ "فل يجوز حجره ول منعه على أحد ال ان يكون سفره في
معصية فمنعه يكون على وجه المر بالمعروف والنهي عن المنكر"( )126وقد يكون السفر والرتحال واجبا فيأمر
به المام لسباب أمنية خالصة مثل ما فعله يعقوب بن أفلح( )127حين أمر السكان بالهروب الى وارجلن عند
سقوط تيهرت(.)128
ومن المسؤوليات المنية ان يعاقب المام كل محارب( )129ظهر في البلد لقوله تعالى:
(إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من
خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم) (.)130
ال ان الوارجلني يقول ان العلماء اختلفوا في ظاهر هذه الية وباطنها ويعني بذلك أنهم لم يحددوا المسؤول على
تنفيذ الحكام الواردة فيها أهو المام أم سائر المسلمين .فقال " :بعضهم المام ول ينفذه غيره كسائر الحدود وقال
بعضهم ان حكم ال جائز لمن قدر على إنفاذه .وقال بعضهم أما القتل فجائز في الظهور( )...أما سوى ذلك فل يجوز
ال للمام"()131
ويدخل في حكم المحاربين كل من سعى في فتنة واحداث القلئل وأثار الشغب في المجتمع وروع المنين فعلى المام
ان يتصدى لهم ويقاتلهم " وأن كانت في تلك الفتنة والحكم فيهم ان تقتل تلك السلطين وجميع جنودها وتعفي العامة
ومن أجبروه على الدخول معهم في فتنتهم"( )132إذن فتوفير المن في الدولة هو أهم شيء يعتني به المام ويرى
الوارجلني ان الدفاع عن الوطن وقهر كل ظالم أراد العتداء عليه حق من حقوق الرض التي يأكل المام خراجها(
،)133إذ ل يستقيم أمر الدولة لم تضمن أمنها ول استقرار أوضاعها.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
على المام ان يحسن اختيار العناصر ذات الكفاءة والمؤهلت العالية لمساعدته في إدارة شؤون الدولة ،وعليه ان
يقوم بتنصيب قضاته وعماله وباقي مستخدميه بنفسه ،ول يجوز للعامة أن يولوا على أنفسهم من يرغبون فيه دون
إشراف المام على ذلك مثل ما حدث في عهد المام عبد الوهاب حيث " ائتمرت العامة من الناس ان يولوا على
أنفسهم خلف بن السمح"( )134وظنوا ان ذلك أوفق لمير المسلمين "...ولما بلغ ذلك الى المام كتب إليهم معاتبا
وأبطل ما قدموا عليه(.)135
فإذا عين المام القضاة والولة والقائمين بالحسبة والجباة وجب عليه متابعتهم ومراقبة أعمالهم ويتعهدهم بالعناية
الكافية لنجاز خدماتهم في أحسن وجه .ومن واجب المام عزل الوالي الفاسد "اذا شكته الرعية ول يكلفهم على ذلك
بينة( )...بل يعزله ويولي غيره من أهل المانة والفضل"( )136ويذكر ابن الصغير ان قبائل مزاته وسدراته وغيرهم
بعثوا جماعة الى المام عبد الوهاب يشتكون من أحوالهم فقال قائلهم للمام" :ان رعيتك قد ضجرت من قاضيك
وصاحب بيت مالك والقائم بشرطتك فاعزلهم عنهم .وول عليهم خيارهم"( )137فأثنى عليهم المام وفوضهم لختيار
من يرونه صالحا(.)138
وكما يجب على المام مراقبة عماله فكذلك يجب على الرعية بأن يتعاهدها ول يغفل عنها وان لم يفعل فهو مقصر في
حقهم.
===================
حيث ان الفكر السياسي عند الباضية ل يفصل بين الدين والدولة فإن المام ل ينبغي منه إهمال جانب على حساب
الخر ،ومن أهم مسؤوليات المام الدينية الدعوة الى دين ال ما أمكن ،والحرص في خدمة السلم والتمسك بمبادئه
والمحافظة على قيمه وتعاليمه.
تنقسم الدعوة الى قسمين ،دعوة داخلية ،ودعوة خارجية ،أما الداخلية فتتعلق برعاية المصالح الدينية للمواطنين
ومنها إمامة الصلة فإن تعذر على المام اللتزام بها في سائر الصلوات فل ينبغي على القل ان يتخلى عن إمامة
صلة الجمعة( )139كما يجب على المام ان يجتهد في إرشاد الناس لمعرفة دينهم بالوعظ وعقد الحلقات وتعيين
المشائخ للفتاء والتدريس وتبليغ الدعوة ومن واجب المام السعي في بناء المساجد وحمل الرعية على عمارتها.
تشمل الدعوة الداخلية للمام نشاطه في استدراج المخالفين الى ترك ما به افترقوا "فإن أجابوا للدعوة واهتدوا
صاروا إخواننا لهم ما لنا وعليهم ما علينا ووسعنا وإياهم العدل ،)140("...أما ان اختاروا البقاء على مذهبهم
وفضلوا " النفراد ببلدهم وأجروا فيها أحكامهم تركناهم وذلك ما لم يكن ردا على آية محكمة أو سنة قائمة"()141
ويعين المام واحدا منهم يقوم بواجب الحقوق عليهم ،ول يتركهم المام يظهرون منكرا ول أن يحدثوا ما لم يكن ال
ان يكون أمرا ل مكروه تحته( ،)142ويجب في كل ذلك ان يعترفوا بالسيادة للمام فيأتمروا بأوامره وينتهوا
بنواهيه.
أما الدعوة الخارجية فيتركز نشاط المام على دعوة أمراء أهل الكتاب واليهود والنصارى والصابئين مطلقا وعبدة
الصنام وجاحدي ال...يدعو هؤلء جميعا الى السلم "فإن قاتلهم وسباهم وغنمهم"( )143ويفرض عليهم المام
جزية يدفعونها ما دام المام قادرا على منع الظلم عنهم ،فإذا جمع مال أعطى فقراء أهل الجزية منها ،وفقراء أهل
الزكاة منها ولو مخالفين"( )144ول يأخذ الجزية غير المام وإل لم يعامل فيها أو يأخذها كل من منع الظلم عنهم"(
، )145هذا رأي القطب في واجب المام على أهل الكتاب .أما ش.أبو زكريا ل يرى قبول الجزية منهم ويحل سبيهم
وغنيمة أموالهم وسفك دمائهم ما داموا على شركهم( .)146أما اذا استجابوا للدعوة ودخلوا في السلم فلهم ما
للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
يدخل في الميدان القتصادي كل ما له علقة بتنمية الموارد المالية في الدولة من زراعة وتجارة وصناعة ،وجمع
الزكاة وجبي الخراجات ،وغنائم الحروب ،وما يجمع الجزية ،وغير ذلك .وجميعها تقع تحت تصرف المام فيتولها
بنفسه مباشرة أو يعين من يقوم بأعبائها.
الزراعة والتجارة والخدمات الحرفية يجب أن تخضع لنظام عام تحت إشراف المام ل ينبغي لصحاب هذه الصنائع أن
يحيدوا عنه وال تعرضوا للعقوبات( )147وعادة ما يتولى الشراف على مراقبة هذه البضائع رجل يعينه المام يدعو
المحتسب وقد يستعين هذا بأعوان.
أما الزكاة فيضع القطب نظاما لها ويترك للمام حرية التصرف فيه بالزيادة والنقصان حسبما تقتضيه الظروف .فبعد
أن يجمع عمال المام الزكاة المفروضة ،يقسمها المام ثلثة أسهم فيعطي كل بلدة ثلث زكاتها .وقد يعطي لها النصف
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
ان رأى ذلك ،وتوزع الزكاة بين أهل البلدة جميعاً " ولو مخالفين أما الباقي فيرفعه لمصالح السلم وأن يرى المام
ضرورة رفع الزكاة كلها لموجب أو تفريق زكاة البلد كلها فيها جاز لـه"( )148ومن موجبات رفع الزكاة كلها ان
يحتاج المام إلى مال لتجهيز الجيش للجهاد ،أو جمعه لتبرع به لصالح فقراء بلد مسلم محتاج .وقد يكون الموجب
اكتفاء سكان البلدة مادياً بحيث ل يحتاجون إلى مال وفير.
ويبين ش .أطفيش طريقة توزيع المال على المحتاجين فيقول ":يعطى الفقير مؤونة سنة ودينه وما يتزوج به أن
ويعتبر فيها الفضل فالفاضل والمحتاج وذو السن والضعف"( )149وغالبا ما تقدر المؤونة التي تكفي للسنة فتعطى
للمحتاج أما إذا كان ذا عيال فيزداد له قيمة خادم أو ما يصير به غنياً ،وتصرف الزكاة في غير ما تقدم على النحو
التالي)150( :
* الغازي :وهو في حكم المسافر في مهمة يعطى له ما يكفيه ذهاب ًا ورجوعاً أو ثمن مؤونة عام .
وينبغي للمام أن يحصي مدا خيل الدولة المالية من الزكاة والضرائب والرسوم ومال الجزية وخراج الرض "
والكفارات ،والموال الموقفات واللقطات ..والوصايا المعينات والؤبدات وغير المربدات كالوصايا للمساجد والسداد،
والطرق المسبلة ،وقبض الديات من قاتل العمد والخطأ الذي ل ولى له من القتلى وكذلك فطرة البدان" (.)151
وبعد إحصاء هذه المداخيل يشرع المام في توزيعها بين المستحقين من الرعية .وبالقسط والعدل وفق مبادئ
الشريعة .وله أن يستثمر منها لصالح الدولة .
وحيث أن المام الباضي يعتبر أمينا عاما على بيت مال المسلمين فإنه المسؤول الول على أملك الدولة ويتحمل كل
المسؤوليات المالية .على أنه من الممكن أن يعين وزيرا ليعينه في مهام المالية وينوبه عند الحاجة كما يجوز له
تعين العمال والجباة لجمع الزكاة " وينبغي أن يكون جابي الزكاة بمنزلة المام في زوال العاهات وصحة المانات لنه
علم من أعلمه وشعبه من أحكامه( .)152وهنا يؤكد الباضية على ضرورة اللتزام بالعدالة في عملية جمع الزكاة
ولذلك يتعين على المام أن يختار الرجل المؤهل للقيام بهذه المهمة.
ومن مهام المام العتناء بالوقاف والحبوس ( )153فلنها ملك للمسلمين جميعاً وعادة ما يكلف المام وكيل لكل
مسجد يهتم بشؤون أوقافه وحبوسه.
إلى جانب ما تقدم من مهام المام ومسؤولياته يجب عليه كذلك أن يهتم بمصالح المسلمين الجتماعية وأن يتعاهد
رعيته بالعناية اللزمة ،ول يغفل عنهم في شيء من شؤونهم الجتماعية وأهمها العناية باليتام والرامل والشيوخ
وأبناء السبيل ،وإكرام الضيوف ،وعلى المام أن يتأدب للرعية " ويتفقد أحوالهم بل حيف على أحد وأن يعود
مرضاهم ويشهد جنائزهم ويفتح لهم بابه ويباشر أمرهم بنفسه"( )154فل يجوز له أن يحتجب عن الشعب ال في
أوقات الضرورة .لقوله صلي ال عليه وسلم " من وله ال شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم ...حجبه
ال عن حاجته يوم القيامة .
ومن أهم حقوق المواطنين التي يجب على المام مراعاتها ،تأمين الحرية النسانية لنها من أسمى المبادئ التي
قررتها الشريعة السلمية فعلى المام بالخصوص أن يكفل حرية التفكير وحرية العتقاد وحرية التنقل وغيرها لكن
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
في الحدود التي يتعدى الواحد حدود حريته على حساب حقوق الخرين وأي قيد يفرضه المام على رعيته في هذه
الحريات بعتبر مساسا بالكرامة النسانية التي أوصي ال على حمايتها قال تعالى ( :ولقد كرمنا بني آدم )155( )...
=======================
الفصل الرابع
أعوان المام
ثانيا :الوزير
ثالثا :القاضي
رابعا :الولة
سادسا :الجيش
ل يختلف جهاز الحكم في الدولة الباضية كثيرا عن الجهزة الخرى في الدول السلمية من حيث الشكل ،حيث نجد-
تقريبا -في كل دولة حاكما هو المسؤول الول -قد يكون إماما أو خليفة أو ملكا أو سلطانا أو أميرا -والى جانبه
أعوان "يمثلون الحكومة يساعدون الحاكم في تسيير شؤون الدولة وهم في الغالب :الوزراء والعمال والولة
والقضاة والجباة وقواد الجيوش وصاحب بيت المال وصاحب الشرطة والمحتسب وغيرهم( ، )1وقد تختلف التسميات
واللقاب بين حكومة وأخرى ال ان المناصب المذكورة تبقى هي عمدة السلطة وصاحبة الحق في تدبير شؤون
الرعية هذا من حيث الشكل.
أما نوع النظام فل يخلو من تفاوت واختلف بين دولة وأخرى ففي الحين الذي يقوم فيه النظام الملكي على الوراثة
وولية العهد حيث يشترط في المام البوة( )2لتولية السلطة ،نجد شرط الكفاءة في النظام الديموقراطي هو أول
من هنا نلحظ أن مؤسسات السلطة في الدولة الباضية وان اتفقت مع مثيلتها في الدول الخرى ال أنها أقيمت
أساسا لتجسيد مبدأ الديموقراطية وتطبيق هذا المبدأ من خلل ممارسة السلطة في الحياة اليومية فلنأخذ -مثل-
الوزير يراه ابن أبي الربيع(ق 3هـ9/م) " شريكا في الملك"( )3مع الملك دون غيره حتى ان الملك " ل يشاور أحدا
دونه ول يقدم أحدا عليه"( )4وبهذا يصبح الحكم حكرا على فرد واحد في شخص الملك والوزير لنه في حكم الملك،
وهكذا اختار ابن أبي الربيع الشكل (الموناركي) من أشكال الحكومات"( )5أما الوزير في نظر ش.اطفيش ل يعدو
كونه رجل كسائر الرعية أوتي خبرة في تدبير شؤون الحكم فالتزم جانب المام لمساعدته في مهامه فالوزير
مستشار وليس مالكا.
نعود الى نظام الحكم في الدولة الباضية الذي يتكون طاقم السلطة فيه من مجلس أعلى للشورى والوزير والولة
والقضاة والشرطة والجيش وفي حالت خاصة يتقلص جهاز الحكم لينحصر في المام ومجلس الشورى فحسب وذلك
ان كانت الدولة فتية حديثة النشأة قليلة العدد كما يمكن لجهاز السلطة ان يتسع ويكبر ليشمل العديد من المناصب
حسب اقتضاء الحاجة فيزداد عدد الوزراء والولة والقضاة وقواد الجيوش ويستعين هؤلء بعمال وجباة وسعاة
يعملون تحتهم وهذا في حال اتساع رقعة الدولة وازدهارها وارتفاع عدد سكانها.
وفيما يلي عرض لهم المناصب الحكومية التي يستعين بها المام في أداء مهامه:
=====================
) 1يضيف ابن أبي الربيع :كتاب عارف ،حاجب عاقل ،حاكم عادل ،حكيم مجرب ،جليس صالح ،صاحب الطعام والشراب ،انظر كتابه
سلوك الممالك في تدبير الممالك.
) 2وهو ان يكون من أهل بيت الملك انظر ابن أبي الربيع المسالك..تح ناجي التريكي ص .176
) 3م.س ،ص 193
) 4م.س ،ص .193
) 5محمد جلل شرف ،نشأة الفكر السياسي وتطوره في السلم ،ص .149
من خلل مجلس الشورى يتجسد مبدأ ديموقراطية السلطة في نظام الحكم في الدولة الباضية .والمجلس هو أعلى
هيئة سياسية في البلد" ،وهو ممثل الشعب"( )6لدى الحكومة ،أما أعضاؤه "فجماعة من خيرة العلماء المجتهدين
من أهل الخير والصلح ممن يمتازون بالتضلع في العلم والتبريز في الدراية بشؤون الدين وأصوله العقائدية
والفرعية"(.)7
وللمجلس صلحيات واسعة ل يحق للشعب أن يتدخل فيها ومن أهم صلحياته ما يلي(: )8
أ -التشريع الجتهادي – في حدوده– وبهذا يكون المجلس هو المرجع الول للمام في المسائل الجتهادية.
ب -اختيار المام وتنصيبه ،ثم مراقبته في تصرفاته وأعماله في تسييس الرعية وذلك في الطار الديني.
جـ -الهتمام بالمسائل السياسية والعلقات الدولية( )9ومساعدة المام في معالجة المشاكل.
د -إصدار القرارات الهامة كإعلن الحرب أو الهدنة في السياسة الحربية واعلن التقشف وتحديد الميزانية في
السياسة القتصادية وفي الغالب تصدر هذه القرارات عن المام بعد استشارة المجلس.
هـ -التصال المباشر بالشعب قصد التعرف على أحواله ومشاكله ومطالبه( )10ونظرا لذلك يحسن ان يتكون المجلس
" من ممثلي الشعب بمختلف طبقاته وقبائله"(.)11
و -دراسة تقارير الولة والقضاة والعمال ،ورؤساء الشرطة وإصدار الحكام المناسبة والفصل في النزاعات(.)12
ز -والمجلس هو الهيئة الوحيدة التي لها حق النظر "في قضية عزل المام من دون تردد ان هو حاد عن طريق
الحق(.)13
ان وجود هذه الهيئة العليا في الدولة كقاعدة يرتكز عليها الحكم ،ويعتمد عليها المام في أداء مهامه السياسية وفي
رعاية شؤون المة يعني استبعاد كل أشكال الستبداد بالرأي الواحد والتصرف وفق رغبات فرد واحد كما هو الشأن
في النظمة الملكية ،والدولة الباضية حين تقيم على مبدأ الشورى انما ترمي بذلك تطبيق المبادئ السلمية والعمل
بما جاء في القرآن الكريم مثل قوله تعالى:
ثم ان المام ل تكتمل مؤهلته ال اذا كان مشاورا أهل المشورة في أموره كيف ل والمشورة مبدأ ميز ال به
المؤمنين عن غيرهم " وأمرهم شورى بينهم"( )15وهو ما كان عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم وصحابته
الكرام(.)16
وثمة ملحظة تلعب دورا مهما في الميدان السياسي وهي أن أعضاء مجلس الشورى ل ينبغي لهم ان ينقسموا الى
جماعات ول يشكلوا كتل حزبية داخل المجلس "لن السلم يأبى تحزب أهل المشورة"( )17وأفضل طريقة لبداء
الرأي هو ان يتبنى كل واحد وجهة نظره ويدلي برأيه بصفته الفردية ،على ان يكون محميا بحصانة سياسية لنتمائه
الى هيئة رسمية.
هذا رأي الباضية في ممارسة السلطة النيابية ولعل هذا ما يدعى اليوم بمنع تعدد الحزاب مع إبقاء حرية التعبير عن
الرأي ضمن أطر شرعية وإذا نظرنا الى طبيعة الحكم الذي قامت عليه الدول السلمية وجدنا الباضية " وحدهم
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
=======================
ثانيا :الوزير
الوزير في الدولة الباضية هو المستشار للمام ومساعده وناصحه ونائبه وهو النسان المقرب للمام يلزمه
فيتدارس معه المسائل السياسية وكل ما يتعلق بتدبير شؤون الرعية ،يرى ان مهمة الوزير هي "القيام بمصالح ملك
السلطان وهي أربعة :عمارة بلده وتقويم أجناده ،وتثمير مواده ،وحياطة رعيته"( )19أما ابن أبي الربيع فيقول" :
ل بد من وزير..معين على حوادث الدهور يكشف صواب التدبير( )...وهو شريك في الملك المشير فيه بحفظ
أركانه.)20("....
ويبدو أنه ل خلف بين الباضية والعباسيين في ضرورة اتحاد الوزير لما له من دور كبير في الحكم لكن الفرق يظهر
جليا في أن الوزير العباسي يأخذ منصب رئيس الحكومة بمعنى أنه يملك صلحيات غير محدودة للتصرف في شؤون
المملكة وقد ل يكون وجود الملك ال شكليا ،بينما الوزير لدى الباضية مختلف عن ذلك ،فصلحياته محدودة في
الستشارة وإبداء الرأي والنصح والتحذير إما ان يصدر القرار وينفذ باسم الملك فل أعتقد انه يجوز له ذلك ،ثم ان
الوزير الباضي مراقب من طرف مجلس الشورى وهو معرض في أي وقت لتغييره اذا أحدث ما يوجب ذلك ،بينما
الوزير العباسي ل مراقب لـه ،بل يتمتع بتفويض من الملك يتصرف بموجبه كما يشاء في شؤون الدولة.
والوزير الباضي كما يرى ش .اطفيش هو يمين المام ودليله اذا صلح الوزير صلح المام وإذا فسد الوزير أفسد
المام ،ولذلك يتشدد في اختيار من يصلح للوزارة ،ويستشهد القطب بقول رسول ال صلى ال عليه وسلم " :اذا
أراد ال بالمير خيرا جعل له وزير صدق أن نسي ذكره وان ذكر أعانه ،وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء ان
نسى لم يذكره وان ذكر لم يعنه"( )21وينبغي للمام ان يحسن اختيار وزيره فإذا اختاره أحبه وقربه وجعله موضع
ثقته قال المام عبد الوهاب في وصف علقته بوزيره السمح( ": )22قد علمتم ان السمح وزيري وأحب الناس إلي
وأنصحهم ولن أريد مفارقته"( )23ولنا مثال حي للوزير المثالي في الدولة الرستمية وهو أبو اليقضان محمد بن
أفلح( )24الذي كلفه أخوه أبو بكر بن أفلح بمهام الوزارة بعد رجوعه من المشرق فكان " يقوم بشؤون الدولة
الكبرى كالنظر في رسائل العمال والولة...وفض المشاكل التي يرفعها الى المام ومراقبة مال الدولة وصرفه في
وجوهه وقراءة البريد السياسي الذي يأتيه من الملوك والمراء ...والجابة عنه"( ، )25وكان يتخذ أعلى مسجد في
المدينة مجلسا له لمباشرة أعماله " فمن تكلم إليه من الناس بين العمال والقضاة وأصحاب الشرطة نظر في ذلك
نظرا شافيا وأجرى الحق على من رضي وسخط عظم قدره أو صغر ولم تأخذه في ال لومة لئم"( ، )26وفي أخر
النهار يتصل بالمام ليخبره عن أحوال الرعية وأحداث اليوم فإذا كان الصباح أخبره بأنباء الليل.
هكذا كانت سيرة الوزير الباضي وهي ما ينبغي أن تكون عليه ،وقد ل يقدر الوزير الواحد على هذه العباء فللمام
ان يتخذ أكثر من وزير واحد( )27ان احتاج إليهم.
=========================
ثالثا :القاضي
من المفروض أن يتولى المام مهمة القضاء بنفسه ،لكن حيث أنه ل يستطيع ذلك نظرا لتساع الحوزة وارتفاع
الكثافة السكانية وكثرة ما يحدث بين الناس من خصوم ومنازعات فإنه يتعين عليه تولية غيره لمنصب القضاء وهو
من أكبر المراكز الدارية في الدولة( )28فإذا لم يكف واحد عين أكثر من قاض حسبما تقتضيه المصلحة العامة
فيجعل على رأسهم قاضيا عاما تسند إليه مهمة قاضي القضاة وهي الشراف العام على النشاط القضائي وتولية
القضاة في الماكن البعيدة بتكليف من المام وفي الغالب يساعده جماعة من العلماء يشكلون مجلسا قضائيا أعلى
يتولى البث في القضايا بعد الستئناف ويعمل هذا المجلس تحت إشراف المام وللمام ان يعول القاضي متى شاء
يقول ش.اطفيش " ولو بدون سبب ،فإذا عزله انعزل ولكن ل يجوز ان يعزله لهوى نفسه أو عبثا"(.)29
ويشترط ش.اطفيش في القاضي ان يكون " :عادل ،عالما ،فطنا ،عدل ،وتتضمن العدالة :الحرية والسلم والبلوغ
والعقل وعدم الفسق ول ينبغي ان يكون أعمى ول ضعيفا ل يقوم بأمور المسلمين"( )30أما المام عبد الوهاب بن
عبد الرحمن بن رستم فيحدد شروط القاضي أو المفتي في خمس خصال ل بد منها فإذا نقصت واحدة كانت وصمة في
المام فل ينبغي له ان يقضي والخصال الخمسة هي(:)31
-1أن يكون عالما بما مضى من الكتاب والسنة فإنه ل يستقيم ان يكون صاحب رأي ليس له علم بالسنة والثار
والحاديث.
أ) أل يرتشي.
ب)حليم عن الخصم يعني يتحلم عن الخصمين وان تصاخبا وتشاجرا بين يديه.
والواقع ان شروط اختيار القضاة والولة والجباة هي نفس شروط اختيار المام " فل ينبغي ان يستعمل على القضاة
ال الوثوق به في مثل صفة المام في صلحه وورعه وفقه وفهمه وعقله وعلمه بالكتاب والسنة والثار ووجه الفقه
الذي يؤخذ منه القياس والرأي"(.)33
-1الفصل في النزاعات والحكم بين الناس بالكتاب والسنة واقامة حدود ال بتفويض من المام ورد المظالم الى
أهلها.
ويبدو ان الشعب في الدولة الباضية كان له حق اختيار القاضي مثلما يحق له انتخاب المام ،فالمصادر التاريخية
تشير الى ان الخاصة من الناس كانوا يقترحون على المام تنصيب القاضي الذي يختارونه من بينهم .ولعل من أشهر
القضاء في الدولة الرستمية محمد بن عبدال( )34وقبله محكم الهواري الذي اختاره قومه للقضاء فألحوا عليه ليقبل
المنصب فقالوا لـه" :انك ان خالفتنا أجبرناك وان أطعتنا شكرناك )35("...ولما رضي نزول عند رغبتهم ثم توليته
رسميا من طرف المام أفلح بن عبد الوهاب لمنصب القضاء.
والقاضي يباشر أعماله في مكان خاص يدعى دار القضاء( )36مجهز بكل ما يحتاج إليه ويعين له خادما وكاتبا كما
يخصص له المام مرتبا سنويا من بيت المال لقوته.
===============
) 28مهدي طالب هاشم الحركة الباضية في المشرق العربي ط ،1بغداد 1981صك 249انظر كذلك:
Dangel Gerrard, I ,Imamat Ibadite de Tahert, p.p 116
) 29محمد اطفيش شرح النيل جـ ،13ص ،13وهنا يعترض أ.محمد ش.بالحاج على عزل القاضي بدون سبب ويرى ان الصواب في
منع العزل ال بموجب شرعي لزم (مقابلة شخصية القرارة صيف .)1984
) 30محمد اطفيش شرح النيل جـ 13ص .18
)31نلخصه من رسالة المام عبد الوهاب الى أهل طرابلس ضمن كتاب شرائع الدين لبن سلم (مخ) نسخة ش.ناصر المرموري ص:
18و .19
) 32تشبه هذه الشروط ما اشترطه الخليفة عمر بن عبد العزيز في القاضي ابن عبد ربه العقد الفريد ط ،3دار الكتاب العربي بيروت ،
جـ 1ص .84
) 33رسالة السلم عبد الوهاب ضمن كتاب شرائع الدين لبن سلم (مخ) ص.28:
) 34هو أبو عبدال محمد بن عبدال بن أبي الشيخ ولي القضاء في عهد المام أفلح بن عبد الوهاب قال فيه ابن الصغير" :فلم يزل
قاضيهم..يحسن السيرة فيهم ويأمر بأمر أبي اليقضان وينهي الى نهيه ل تأخذه في ال لومة لئم "وله مواقف مشرفة في القضاء انظر
ابن الصغير أخبار الئمة الرستميين ص .78
) 35م.س ،ص .50
) 36م.س ،ص 51
رابعا :الولة
الولة هم نواب المام في النواحي التي يشرفون عليها وحيث أنهم كذلك فينبغي أن يكونوا في مستوى المام من حيث
التأهل والكفاءة سواء من الناحية الجسمية أو الخلقية أو الفكرية ولذلك يؤكد الباضية على ان " القول في أحكام
الوالي كالقول في أحكام المام ،وأن القول في جابي الزكاة كالقول في المام"( )37ول ينبغي للمام ان يحابي قرابته
على غيرهم وحرام عليه تعيين أبناء أسرته في مناصب الدولة ويغفل عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة ال"( )38ويقول
في حديث آخر " من استعمل رجل من عصابة (جماعة) وفيهم من هو أرضى ل منه فقد خان ال ورسوله
والمؤمنين"( )39وإذا حدث ان ولى المام عامل ظالما فأنه يستتاب مع إصلح ما أفسد وإل يحارب ويعزل.
وعلى المام مراقبة ولته وجباته ومحاسبتهم في أعمالهم بل حتى في ممتلكاتهم تطبيقا لمبدأ " :من أين لك هذا؟"
فل يحق للوالي قبول العطايا ال ان كانت من المام جزاء له على حسن سرته " .أما العطايا الدارة -المرتب المعلوم-
فهي لصاحبها عمل أو لم يعمل ولعقبه من بعده وان لم يكن له عقب فلمن يوصي به من بعده"( )40فإن عف الوالي
عن العطايا فليس لمير المؤمنين منه شيء( )41وقد يؤمر الوالي بإنجاز مشروع فيكتتب مال لها ،وجب عليه حينئذ
تنفيذ المشروع وإل أعاد المال الى بيت المال.
وفي حالت أخرى يقول الوارجلني على سبيل المثال " :وان اكتتب في غزوة وتخلف عنها بعدما أخذ عطاءه فإن
لمير المؤمنين معاقبته"( )42ويمضي الوارجلني في بيان حكم الموال الحاصلة للولة خاصة بعد انتهاء حكم
السلطان من غير الباضية فإن اقتطع هذا للولة شيئا من أراضي الفيء فان لهم ان يأخذوه وينتفعوا به ولو حاباهم
بذلك دون نظائرهم أو دون أهل الصلح فذلك لهم قطيعة -هبة -ل كما فعل عثمان بمروان بن الحكم وبما حاباه في
أمر الخمس"( )43أما الفيء( )44فيجوز لجميع المسلمين الكل منه بأفواههم ول يتخذون منه خيبة ما دام وقفا لم
يدفعوه لحد.
والذي نستفيده من هذه النظم الدقيقة وغيرها ان الباضية يستشعرون روح المسؤولية القيادية ويتحرون العدل
والقسط سواء في الحكم بين الناس أو في توزيع الثروات المشاعة بينهم .فالمسؤولية في كل ذلك موزعة بين
أعضاء الحكومة ابتداء من المام ومستشاريه وكل راع مسؤول عن رعيته -كما قال صلى ال عليه وسلم.
=====================
( 37عمر فاروق التاريخ السلمي ص 50نقل عن الصائفي كنز الديب...ص 93ب
( 38رواه الحاكم عز الدين بليق منهاج الصالحين ص .432
( 39رواه الحاكم ،م.س ،ص .432
( 40الوارجلني الدليل والبرهان ج 3ص .57
( 41م.س ،ج 3ص .57
( 42م.س ،ج 3ص .57
( 43الوارجلني الدليل والبرهان ج 3ص ،55يستثنى حالة عثمان لن الخمس من حق المسلمين.
) 44الفيء هو ما يغنم من الموال ويعني هما المنتوجات الزراعية من أراضي الغنائم.
تقتضي طبيعة المعاملت التجارية والنشاط القتصادي وكذا الحركة اليومية للسكان وجود تنظيم يتولى الشراف على
هذا النشاط النساني في المدينة وهو ما يعرف بنظام الحسبة منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب( )45اعتمدته الدولة
الباضية وطورته ووجهته لصالح أعماله وقوامه شباب متحمس ،ورجال أكفاء ،ينخرطون فيه عن طواعية()46
يقومون بأعمالهم بالتناوب ليل ونهارا خدمة لدولتهم.
ينبغي على الئمة وولتهم أن يختاروا لشرطتهم إل " الرجال العقلء المناء المثقفين المخلصين ذوي الحزم
واللطافة ،ل يعنفون فيذلون الشعب ،ول يضعفون فيتمرّد عليهم )...(،يطبقون قانون الدولة على الناس ل يحاربون
أحدا ول يستثنون إنساناً.)47("...
ويستحسن أن يكون الشرطة من الوافدين على المدينة الذين جاؤوا من نواحي أخرى من الدولة حتى ل تكون لهم
عشائر يحابونها ول أقرباء كثيرون ينحازون لهم ،وهذا ما يشير إليه ابن الصغير في تاريخه حيث يقول ":وكانت
نفوسة( )48تلي عقد تقديم القضاة وبيوت الموال وانكار المنكر في السواق والحتساب على الفساق"( )49وفي
موضع أخر يقول ":وجل من كان عندنا في البلد من نفوسة يتسمون بهذا السم"( )50إذن فرجال الحسبة والشرطة
في عاصمة الدولة الرستمية تيهرت كانوا أجانب وأغلبهم من جبل نفوسة.
يتسع مجال نشاط الشرطة باتساع البلدة وكثرة مواطنيها وبحسب ما تقتضيها الضرورة ويمكن تشبيه الحسبة
ومهامها بالحماية المدنية في عصرنا وأعمال الشرطة -الحالية -والدرك الوطني من حيث نوع المهام التي تقوم بها
وطبيعة الخدمات الجتماعية التي تقدمها للمواطنين كمحاربة الفات الجتماعية وحفظ المن الداخلي فضل عن مهام
اللجان الصحية ومراقبي السعار ومنظمي الحركة التجارية في السواق......
-1المحافظة على الدين والخلق ،تنفيذا لتعليمات السلطة فتجوب أنحاء البلدة بحثا عن العصاة والمتمردين ،وتمسك
على تارك الصلة ،وآكلي رمضان وشاربي الخمر ،فتقودهم الى المام لينفذ حكم ال فيهم(.)51
-2مراقبة السواق ،فتنهى عن الغش والحتكار وزيادة السعار فإن تحققت من تاجر يخدع أو بائع يغش قمعته
وأنزلت عليه ما يستحقه من عقوبات(.)52
-3العتناء بالنظافة العامة وتحريض المواطنين عليها فتأمر أهل الحي بإزالة القذى( )53وإماطة الذى وتعودهم
على تنظيف دورهم وكناسة شوارعهم وعدم التكالية والنانية.
-4إعانة المواطنين في قضاء مآربهم ومساعدة الضعفاء في شؤونهم وتهدي الضال ،وتغيث الملهوف ،وتقود
العمى وترشد الغريب.
-5مراقبة المقاييس والوزان عند التجار ومراقبة البضائع المعروضة للبيع للتأكد من سلمتها ومراقبة العملة
المتداولة للتأكد من صحتها وعدم تزييفها(.)54
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-6يهتم المحتسب " في بيع الماء والمهات بالستبراء والمواضعة للمحافظة على رؤوس الموال وبعثا للثقة في
النفوس"(.)55
-7مراقبة الصناعة " لضمان سيرها ولتحقيق العدل والتفاهم بين أرباب الصناعة وصبيانهم ولمنع العش في
المصنوعات أو إدخال ما ليس منها ولمنع إنتاج المصنوعات المحرمة"( )56كتحضير السموم.
-8رعاية الحيوان وحمايته والرفق به ،فإن رأى الشرطة " دابة حمل عليها فوق طاقتها أنزلوا حملها وأمروا
صاحبها بالتخفيف عنها"( )57وان رأوا قطا بائسا مهمل أمروا صاحبه بالعناية به ،وإذا كان مجهول الدار نقل الى
حيث يطعم"( )58وكذا يفعل بالكلب المهمل.
-9حماية المواطنين من الفات والجوائح والكوارث وكل ما يضرهم ومنها مراقبة البنية فان رأت الشرطة "بنيانا
يتداعى أخلته من سكانه وأمرت أصحابه بهدمه"( )59وان رأت حريقا أخمدته.
-10السهر على توفير الراحة للمواطنين ومنع كل ما يقلق راحتهم " فإذا أنشأ أحد في وسط المدينة صناعة تضر
الحي والجيران بأوساخها أو نتنها أو عجيجها منعوه وعينوا له مكانا لصناعته خارج المدينة مع أهل حرفته"(.)60
تلك هي الحسبة( )61والشرطة التي اعتمد عليها الئمة الباضية في تسيير شؤون الدولة ومراقبة الرعية وقد نشط
هذا التنظيم بشكل أوسع في عهد المام أبي اليقضان( )62وهو تنظيم اسلمي تطور عبر مراحل التاريخ السلمي
ول يختلف كثيرا بين دولة وأخرى.
===================
) 45حول نظام الحسبة انظر :مقدمة ابن خلدون ،الماوردي :الحكام السلطانية محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ج 3ص 362
موسى لقبال :الحسبة المذهبية ،ص .16
) 46يرى أ .محمد دبوز ان الشرطة الرستمية ل يتقاضون أجرا بل هم متطوعون ولذلك سمي النظام بالحسبة لحتساب الجر عند ال
أنظر تاريخ المغرب ج ،3ص .361
) 47محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ،ج ،3ص .363
) 48هي نفوسة الجبل بالمغرب الدنى (ليبيا) ل نفوسة المغرب الوسط غرب تيهرت م.س.
) 49ابن الصغير تاريخ الرستميين ،تح د.محمد ناصر و أ.إبراهيم بحاز ص.54:
) 50م.س ،ص .38
) 51محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ،ج ،3ص .363
) 52م.س ،ص 362نقل عن ابن الصغير يقول أ .إبراهيم بحاز" :ل يشير ابن الصغير الى نوعية العقاب أهو جسماني أو مالي" انظر
إبراهيم بحاز الدولة الرستمية ص .248
) 53ابن الصغير تاريخ الئمة الرستميين ص .17
) 54موسى لقبال الحسبة المذهبية ...ط ،1ش.و.ن.ت .الجزائر 1971م ،ص 70
) 55م.س ،ص 70
) 56موسى لقبال الحسبة المذهبية ص 71:نقل عن أحمد بن سعيد التسيير في أحكام التسعير
) 57ابن الصغير تاريخ الئمة الرستميين ص .17
) 58محمد علي دبوز تاريخ المغرب الكبير ،ج ،3ص .363
) 59م.س ،ص 363
) 60م.س ،ص 363
) 61للمزيد من التفاصيل عن الحسبة انظر
Cheikh Berkri, Annales de I, Institute d, etudes Orientales , Alger 1957, tome 15, p.p.: 71- 72
) 62أبو اليقظان بن محمد بن أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي(0261هـ 281هـ) انظر ترجمته ابن الصغير تاريخ الئمة
ص 77:الدرجيني طبقات...جـ ،1ص 83
سادسا :الجيش
من أغرب ما نجده في الفكر السياسي الباضي أما المام ل يحتاج الى جيش نظامي دائم ،وعلى أهبة الستعداد وقد
يبدو لول وهلة هذا المبدأ مثالي الى حد بعيد ،لكن اذا علمنا ان الحكم الباضي يقوم على الديموقراطية وحرية النقد
وكفالة الحقوق النسانية فإننا ل نستبعد وجود علقة حميمة جدا تربط بين الحاكم والمحكوم هذه العلقة الطيبة
تفرض آليا على المواطن مساعدة إمامه ونصرته وتأييده وإخلص الطاعة له ،وأكثر من ذلك الستماتة في الذود
عنه وحمايته من كل مكروه وأمام هذه الحالة ل يكون المام ملزما باتخاذ الجند وتنظيم الجيش( )63لنه ليس في
حاجة الى حماية عسكرية ما دام آمنا.
من أجل ذلك كله لم يهتم الباضية بتنظيم الجيوش ولم يروا ضرورة في حماية المام والمدينة بالقلع والحصون
والسوار.
هذا من ناحية أخرى يرى فقهاء الباضية ان وجود الجيش المسلح في الدولة تحت قيادة المام "خطرا على المجتمع
لنه يؤدي الى فرض سلطة ديكتاتورية جائرة يمارسها المام معتمدا على الجيش"( )64وبهذا يتحول نظام الحكم من
دولة ديموقراطية عادلة الى دولة ديكتاتورية مستبدة ،ومن أجل هذا أصر الباضية على " ضرورة حل الجيش
وتفرقه بعد كل معركة"(.)65
إذن فمبدأ الستغناء عن الجيش النظامي في الدولة الباضية ينبع من أصل نظري ليأخذ بعدا سياسيا وحيث أنه كذلك
فإن التجربة العملية أثبتت حقيقتين مختلفتين تمام الختلف وهما:
-1نجاح المبدأ في تحقيق الهدف المرجو منه والمتعلق بتطبيق ديموقراطية السلطة ،وإقامة العدل بين الناس وهذا
ما نجده في تاريخ الدولة الرستمية وغيرها من الدول الباضية.
-2عدم صلحية هذا المبدأ من حيث افتقار الدولة الى قوة عسكرية منظمة تنظيما حسنا مستعدة للدفاع عن أمن
الدولة في أي لحظة ،وهذا ما كانت عليه الدولة الرستمية ،ونتج عن سقوطها في يد العبيديين (الفاطميين) بسبب
العجز عن الدفاع عن نفسها لعدم وجود جيش نظامي دائم.
لكن هذا المبدأ ل يعني ان الدولة الباضية مفتقرة تمام الى جيش يحميها من العداء سواء من داخل الدولة أو
خارجها فالمصادر الباضية تشير الى ان الجيش في الدولة الباضية ليس حكوميا بمعنى ان الدولة لم تجهز قوة
عسكرية موحدة وانما الجيش فيها يتكون من مجموعة جيوش كل واحد ينتمي الى قبيلته " وكانت كل قبيلة تسلح
نفسها وتستعد للحرب لتجيب داعي المام اذا استنفرها ودعاها لحروبها المشروعة"( )66وإذا انتهت الحرب
ووضعت أوزارها تفرق الجنود ورجع كل جيش الى قبيلته وهكذا تتولى كل قبيلة تسليح نفسها بتدريب جنودها على
أساليب الحرب وتعلم فرسانها فنون القتال استعدادا ليوم الكريهة.
ونظرا لعدم صلحية هذا المبدأ في ضمان استمرار التواجد الباضي تنازل هؤلء عن المبدأ " وهذا ما يلحظ بوضوح
في مرحلة الدفاع والشراء"( )67وهذا ما جعل ش.اطفيش يرى ضرورة إنشاء جيش نظامي يتولى المام بنفسه
مراقبته والشراف عليه لكن يحسن لـه ان يعين عليه رئيسا يتولى قيادة الجيش ونظرا لهمية هذا المنصب فإنه
ينبغي للمام ان يختار من بين رجاله الكفاء واحدا يفوقهم تأهل وخبرة ،ويصف الشيخ أطفيش قائد الجيش فيقول" :
أن يكون ذا بسالة ونجدة وجرأة وشجاعة ثابت الجنان ،صلب القلب ،رابط الجأش ،صادق البأس قد توسط الحروب
ومارس الرجال ومارسوه ونازل القران وقارع البطال عارف بمواضع الفرص خبير بمواقع القلب( )68والميمنة
والميسرة من الحروب وما الذي شحنه من البطال والحماة من ذلك بصير بصفوف العدو ومواقع الغرة منه،
ومواضع الشدة منه"(.)69
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
فإذا كان القائد على هذه الصفات والخصال كان الساعد اليمن للمام ونال الصدارة في قلبه فيصبح رأيه نافذا لحذقه
وخبرته ويكون للجميع خير قدوة بسيرته المحمودة وخصاله المشكورة.
أما مهام القائد فتتركز أساسا على استتاب المن واستقرار أحوال البلد والدفاع عن حمى الوطن،ولذلك يجب عليه
تدبير المور بحزم وبكل جدية ويتصرف بحكمة ودهاء حتى ولو اقتضى المر الى استعمال الحيلة والمراوغة وهنا
يصور ش.اطفيش حالت من المراوغة وأساليب الحيلة وخدع الحرب يجوز للقائد اللتجاء إليها في أوقات الحرب،
من هذه الحيل ما يلي " :يبث جواسيسه في معسكر عدوه ،ويستعلم أخباره ويستميل رؤساءهم وقادتهم وذوي
الشجاعة منهم ،ويدس إليهم ويعدهم وعدا جميل ويوجه إليهم ضربة الخدعة( )...وينشئ على ألسنتهم كتبا مدلسة
إليهم ويبثها في عسكرهم ويكتب في السهام أخبارا مزورة ويرمي بها في جيوشهم ويضرب بينهم فيما فيه الشر من
ذلك"( )70وما الحرب ال خدعة.
================
الخــاتمـة
وبعد ،هل استطاع الباضية تحقيق المجتمع العادل وفق المبادئ المنشودة والتنظير السياسي القائم على تأكيد الحرية
في القول والفعل والديموقراطية في نظام الحكم؟
أما عن اختيار المام -وهو الميدان الذي يكشف بحق درجة ممارسة الديموقراطية -فمن الملحظ ان المامة في
الدولة الرستمية -مثل )1(-لم تخرج عن السرة الفارسية ،إذ بقيت بين أفرادها على ان النتقال لم يكن بالمعنى
الضيق للوراثة ،بأن يأخذ البن المامة عن أبيه ،ومع ذلك فالوراثة بقيت في آل رستم( )2مما "غلب مبدأ الوراثة
على مبدأ الختيار والشورى بصورة طبيعية الى حد كبير بالرغم من تحمس الباضيين لمبدئهم وانكارهم على غيرهم
الخذ بمبدأ الوراثة في ولية أمور المسلمين"(.)3
وهذا مما جعل الباحثين ومؤرخي الدولة الرستمية يعتبرون نظام الحكم فيها أقرب الى الملكية منه الى الجمهورية()4
بل ويسمون الدولة الرستمية بمملكة تاهرت(.)5
فالتجربة الباضية -كما يرى حسين مؤنس(معاصر) -لم توفق الى تحقيق المثل العلى للحكم الذي كانت تتصوره،
غير انه يؤكد في الوقت نفسه ان الحكم الباضي في إقليم تاهرت كان حكما عادل ،وان أحوال الناس في مجتمعهم
كانت أسعد بكثير من أحوالهم في ضل غيرهم من حكام المغرب المعاصرين لهم( )6وهذا نتيجة الخذ بمبدأ الحرية
العامة الذي ما كان يتمتع به المواطن خارج الدولة الباضية هذه الحرية وان كانت مقيدة نسبيا يمكن تلخيص بعض
مظاهرها فيما يلي(:)7
-1تواجد مختلف القوميات من بربر وعرب وفرس والديانات السماوية بمختلف مذاهبها نتيجة للنفتاح على العالم
الخارجي وهذا ل يتحقق ال بانتهاج سياسة حرية التعايش مع الخرين.
-2عقد حلقات البحث والمناقشة بين مختلف الفئات خاصة بين الباضية والواصلية والمعتزلة وسائر الفرق
بالمغرب(.)8
-3تكريم الباضية للئمة السنيين وغيرهم ممن كانوا يدعون للمناظرة والمناقشة( )9في جو تسوده الحرية الفكرية(
.)10
-4ازدهار الحياة الفكرية جنبا الى جنب مع الحياة القتصادية( )11مع التحكم في الحركة التجارية ومراقبة السواق
مما يدل على ان الحرية القتصادية موجهة لضمان نجاح الخطة القتصادية للمة.
ويمكن القول بناء على ما تقدم ان الحكم في الدولة الباضية يقوم على ثلثة مبادئ أساسية هي:
أول -مبدأ الحرية والمساواة لتحقيق العدالة الجتماعية وفق التعاليم الشرعية للدولة السلمية.
ثانيا -مبدأ الديموقراطية المقيدة ويتولها الحاكم بمعية العمال ومجلس الشورى والعلماء والمسلمين عامة ،فالحاكمية
شعبية مقيدة تحت سلطة ال القاهرة ،لن الحاكم الحقيقي هو ال والذين من دونه انما هم رعايا في سلطانه العظيم،
ومن هنا كانت الديموقراطية مقيدة ،بينما المطلقة يكون الحكم فيها للشعب الذي يشرع ويقنن حسبما تراه عقول
الناس وهذا ليس من السلم في شيء.
ثالثا -مبدأ القوة كوسيلة لتحقيق الغايات الساسية للدولة والوقوة -هذه -قد تشتد فتستخدم الوسائل المادية للزجر
والردع وقد تكتفي بالجانب المعنوي للقوة كاستخدام النفوذ الجتماعي والرأي العام ويتجلى دور القوة أكثر في
الميادين التالية:
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
-1المنع من العدوان ،أما خارجي بالدفاع عن الدولة ومكتسباتها ،وأما داخلي بإطفاء الفتن وإصلح ذات البين
وتوفير المن بين المواطنين.
-2إزالة الشر من جذوره ،ومحاربة الفات الجتماعية وتغيير المنكر بالوسائل المناسبة عمل بمبدأ " المر
بالمعروف والنهي عن المنكر"
فعلى الحاكم إذن تسييس الرعية وحمل المواطنين على الطاعة بالحزم والعزم ورباطة الجأش مع الحنكة السياسة
واستخدام وسائل التربية والستعانة بالرأي العام والنفوذ الجتماعي حسبما تقتضيه الظروف والحوال فإن استقامت
له المور فذلك وإل فالقوة أفيد والزجر والردع أنسب لتذليل المستعصيات وحل المشاكل وهذا ما دأب عليه الئمة
الرستميون.
ولنأخذ سيرة المام عبد الوهاب( 208 -168هـ823 -784/م) على سبيل المثال فنجدها تتسم بالقوة والصرامة
والحرص على التحكم في الوضاع وفرض السلطة الزاجرة اذا اقتضى المر ،لكن ليس بالمفهوم الديكتاتوري كما
يرى أ.جودت عبد الكريم(معاصر) فهو يبالغ في حق المام عبد الوهاب حين يصف سياسته بالمكيافيلية( )12لنه
مهما اعتمد المام عبد الوهاب على القوة والصرامة فإنه ل يبلغ سياسة الميكيافيلية التي تقوم على احتكار السلطة
ولو على حساب الدين والخلق النسانية والقيم العليا ،فهذا لم يحدثه المام عبد الوهاب ول غيره من الئمة
الرستميين بل كانوا ملتزمين دوما بالمنهج السلمي ومحافظين على التعاليم الدينية ،مع أننا ل ننكر سياسة القوة
التي ربما اعتمد عليها امام رستمي في حالة الضرورة وذلك ما يشير إليه مؤرخ الدولة الرستمية ابن الصغير(ق
3هـ) فقد سلك المام أفلح بن عبد الوهاب(258-208هـ) نهج والده في إدارة شؤون الدولة فاعتمد على سياسة
القوة للتحكم في زمام السلطة خاصة لما ازدهرت الدولة في أيامه وبلغت شأوا عظيما من الرقي الحضاري حتى خاف
من اجتماع القبائل عليه لزالة ملكه ،فعمد الى ضرب القبائل بعضها ببعض ( فـأرش بين لواته وزناته ،وما بين لواته
ومطماطه وما بين الجند والعجم حتى تنافرت النفوس ووقعت الحروب وصارت كل قبيلة ملطفة للمام أفلح()...
.)13
ومهما يكن من أمر المام عبد الوهاب أو أفلح أو غيرهما مت الئمة الباضية فإن العبرة بالمواقف المشرفة في
ممارسة الحكم التي تنم عن علو الهمة والكفاءة العالية والحنكة السياسية في تدبير شؤون الدولة سواء أكان باللين
والطف أم بالقوة والصرامة في حدود الشرع ولكن ليس بالحيلة والعنف وفق السياسة الميكافيلية -كما يرى أ.جودت
عبد الكريم -ثم ان العبرة الجديرة بالتنويه ان القوة ان استخدمت لصالح الدولة فإنها لم تكن في معزل عن
الديموقراطية لن القوة في غياب الحرية والديموقراطية معناها ،ديكتاتورية الحكم ،وهذا لم يحدث في دولة اباضية
في مشرق المة السلمية أو مغربها.
هذه نظرة حول طبيعة الحكم لدى الباضية من الناحية العملية أما من الناحية الفكرية فإن الملحظة الولى تثبت
بوضوح ان الباضية لم يكونوا منظرين في الناحية الفكرية فإن الملحظة الولى تثبت بوضوح ان الباضية لم يكونوا
منظرين في السياسة بقدر ما كانوا واقعيين عمليين ولذلك يندر ان نجد مؤلفا خاصا لموضوع الحكم لدى المفكرين
الباضيين مثلما نجد مؤلفات كثيرة في السياسة للفارابي ،والماوردي ،وابن أبي الربيع ،والمهدي ابن تومرت
وغيرهم .ولذلك جاءت معظم الراء السياسية عند الباضية موزعة بين الموضوعات الفقهية والصولية والخلقية،
وتتضح لنا هذه النظرية من خلل شخصية الشيخ اطفيش الذي ركزنا هذه الدراسة على آرائه السياسية فهو لم يترك
لنا كتابا خاصا في السياسة وانما تعرض لهذا الموضوع أثناء معالجته للمسائل الفقهية والصولية والكلمية،
والموضوعات ذات الطابع النساني والجتماعي بصفة عامة ،ولعل السبب في ذلك ان القطب لم يكن فيلسوفا أو
مفكرا سياسيا بل كان فقيها وعالما في العقيدة وأصول الدين ،وهذا لم يمنعه من الهتمام بالمسائل السياسية فقد دلت
آثاره على إطلعه الواسع في مجال الفكر السياسي ووعيه بنظم الحكم السائد في عصره وما قبله.
والسبب الخر ربما يعود الى ان القطب -كغيره من علماء الباضية -ينظر الى السياسة كعلم مستقل بذاته قاصرا على
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
موضوع الحكم بل السياسة عنده جزء من حياة النسان الزاخر بأنواع عديدة من النشطة المتكاملة حيث ل يمكن
الفصل بين وجوه النشاط الروحي والخلقي والجتماعي والسياسي والعلمي والقتصادي...ومن هنا ندرك حتمية
الربط بين الدين والدنيا وهذا الربط ل يتحقق ا بواسطة الدولة أو على القل تنظيم يعهد للخاصة ليتولى القيادة
ورعاية شؤون العامة.
ومن هنا نستطيع فهم وجهة القطب السياسية حيث لم يذهب مذهبّ الفارابي الفلسفي الذي استقى من الفلطونية
البعد المثالي في نظام الحكم القائم على مبادئ نظرية عقلية يتعذر تجسيدها في واقع عملي .وانما كان مفهوم
السياسة عند الشيخ اطفيش مرتبطا بواقع النسان المفتقر الى موجه يحدد له معالم الطريق نحو السعادة في الدارين
وحيث ان ال قد تكفل هذا التوجيه بواسطة شريعة سماوية فل يبقى للنسان ال التزام بها وتطبيقها ولكن ذلك ل يتم
ال على يد السلطة في شخص المام وأعوانه.
==================
) 1اخترنا الدولة الرستمية كمثال واقعي بحق نموذجا للتجربة الباضية في نظام الحكم وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة.
) 2رشيد بوروبية الجزائر في التاريخ ج 3ص .76
) 3حسين مؤنس ،معالم تاريخ المغرب والندلس ص .104
) 4جودت عبد الكريم يوسف ،العلقات الخارجية للدولة الرستمية ص .52
) 5انظر رشيد بوروبية الجزائر في التاريخ ج ،3ص 76وكذلك الفرد بيل ،الفرق السلمية في الشمال الفريقي ،ص 49أيضا إسماعيل
العربي في تعليقه في كتاب السير لبي زكرياء أثناء تحقيقه له ص ،.19إبراهيم بحاز ،الدولة الرستمية ص ،117وأيضا.
.Cheikh Berkri: Le Kharjisme Berber
) 6حسين مؤنس ،معالم تاريخ المغرب والندلس ص 105
) 7جودت عبد الكريم العلقات الخارجية للدولة الرستمية ص .55
) 8البرادي الجواهر المنتقاة فيما أخل به صاحب الطبقات (مخ) غير مرقم.
) 9ابن الصغير أخبار الئمة الرستميين ،ص.102:
) 10الفرد بيل الفرق السلمية ،ط ،2دار الغرب السلمي ،بيروت ،1981ص .149
) 11حول الحياة الفكرية والقتصادية أنظر إبراهيم بحاز الدولة الرستمية
) 12يقول أ.جودت عبد الكريم "يبدو ان حرص عبد الوهاب على إمامته قد نزع عنه ثوب الردع والمثالية ،فكان ميكيافيلي النزعة ل
يتريث في ضرب الرؤوس ببعضها والعتماد على سياسة (فرق تسد) وعلى استقطاب القبائل بالهبات والكرام "...العلقات الخارجية
للدولة الرستمية المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984م ص .64
) 13ابن الصغير أخبار الئمة الرستميين ،ص ،55يعلق د.محمد ناصر و أ.إبراهيم بحاز على قول ابن الصغير بأنه (أمر خطير وهو
اتهام المام أفلح بسياسة فرق تسد) وواضح من كلماته الخيرة انه يستبعد مثل هذه السياسة عن المام أفلح ول يرد ان يتحمل المسؤولية
لذلك يقول "...فيما قالوا ،وال أعلم فيمن رأى ذلك" وانظر وداد القاضي ابن الصغير مؤرخ الدولة الرستمية مجلة الصالة عدد 45ص
44ورد هذا التعليق في هامش أخبار الئمة الرستميين ،لبن الصغير تحقيق وتعليق د.محمد ناصر و أ.إبراهيم بحاز ،ص .55
نتــائج البحـث
ان الحديث عن الباضية ذو شجون ،وموضوع البحث بكر ومشوق فل أدعي أني ألمت بالموضوع وأعطيت له حقه
من البحث فحسبي أن أكون قد فتحت باب في الفلسفة السياسة السلمية جديرا بالهتمام والدراسة ،أمل من غيري
أن يواصل السير في هذا الموضوع.
وفي سبيل الخلوص الى نتائج البحث ،يمكن تحديد المعالم الساسية للفكر السياسي عند الباضية في النقاط العشر
التالية:
أول :ان أهم ما يتميز به الفكر الباضي في المجال السياسي نظرية مسالك الدين التي تعبر بعد نظر وأصالة في
التفكير ،وبفضلها يستطيع الباضية ان يحددوا مواقفهم ويضعوا الحلول المناسبة لكل الظروف التي تعترض سبيل
حياتهم كما تضمن لهم المحافظة على كيانهم ومؤسساتهم واسمرار تواجدهم فكريا وجسديا.
ثانيا :النظرية السياسية الباضية تقوم على فلسفة سلوكية واقعية في جانبها العملي ،وتشمل العلقات السياسية
والجتماعية ضمن نظام الدولة الذي يهدف الى غايات أخلقية إنسانية قبل ان تهدف الى غايات مادية دنيوية مجردة
من الروح.
ثالثا :الدولة الباضية دولة عقائدية ،بمعنى تستقي تشريعاتها وتعاليمها من أصول العقيدة الراسخة ،وتعتمد في وضع
قوانينها على أصول التشريع السماوي ،فليست اذا دولة دينية بالمعنى الوروبي الحديث حيث يحتكر فيها رجال
الدين السلطة فينتصبون من الرؤساء من يشاءون ويحكمون بين الناس بما تهوى أنفسهم.
رابعا :تقوم النظرية السياسية الباضية على مبدأ الديموقراطية كمنهج عام للتجاه السياسي ،حيث يتحرر النسان
من الخضوع المطلق للوطن أو القومية أو لفئة معينة متمثلة في السلطة الحاكمة والقوة الغالبة أو لفرد في شخص
الملك أو السلطان فل حاكمية ال ل.
خامسا :المامة الباضية روحية دينية وزمنية دنيوية ،الحاكم فيها يتمتع بصلحيات المامة السياسة في الحكم
ورعاية المة في مصالحها الدنيوية ويسعى الى إرضاء رغبات المواطن في حدود ما يجيبه الشرع ،كما يتمتع في
الوقت نفسه بصلحيات المامة الدينية في تنفيذ الحكام وتطبيق التعاليم السلمية خلفا للدولة العلمانية التي تفصل
بين الدين وما يتصل به من شعائر وبين الدنيا وما يتعلق بها من مصالح.
سادسا :تهدف الدولة الباضية في سياستها الداخلية وقوانينها ونظمها ومؤسساتها الى الصلح الديني والجتماعي
عمل بمبدأ المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وتجسيدا لمبادئ العقيدة .كما تهدف من سياستها الخارجية الى
حماية العقيدة من كل اعتداء ،ونقل دعوتها -ما أمكن -إلى ما حولها من المم بالتي هي أحسن مع الحترام المتبادل
للفكار والتعاليم المذهبية.
سابعا :الدولة الباضية دولة إنسانية حضارية -إنسانية لتقديمها الهدف الخلقي والنساني على الهدف السياسي
والمادي ،وهي حضارية لهتمامها بما يخول لها التقدم والزدهار والنتعاش القتصادي بتشجيع النشاط العلمي
والثقافي بعد الهتمام بحفظ المن.
ثامنا :الدولة الباضية قائمة على أسس ثابتة بثبوت العقيدة كما أنها تتسم في الوقت ذاته بإمكانية التطور في أشكالها
التنظيمية الخاضعة للجتهاد واستعمال العقل استعدادا للتكيف مع الظروف والتبدل بتبدل الطوار الجتماعية المختلفة
عبر العصور في حدود الشرع.
تاسعا :الفكر السياسي عند الباضية وحيد المنبع ،لم يتسق أصوله من التجاهات الفكرية المختلفة عدا التجاه
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
السلمي متمثل في الكتاب والسنة واجتهاد العلماء وعلية فإن الباضية لم يتأثروا بغيرهم عموما ،حتى ولو جاز لنا
القول أنهم تأثروا بالغير فإن ذلك من قبيل الحتمال ل أكثر لعدم توفر الدلة الكافية في ذلك ثم ان مجال التأثر -ان
كان -فهو ضئيل جدا ل يعدو أن ينحصر في مسائل كلمية ،وقد أشار د.عمار طالبي(معاصر) الى ذلك بقوله ( :ان
المؤلف -أبو عمار عبد الكافي الباضي -الذي درس بتونس في عهد الموحدين الذين تبنوا مذهب الشاعرة( )...ل
يبعد أن يكون قد تأثر بمناهجهم وطريقة بحثهم ،رغم انه خالفهم في أشياء لكن ذلك ل يجعله في منأى عن التأثر بهم
في الشياء المشتركة على القل"( )14وهذا في الكلم أما ما يتعلق بالسياسة وغيرها من العلوم فيبدو ان الباضية-
والمتقدمين منهم بالخصوص -لم تكن لديهم رغبة في دراستها ،خاصة الفكر اليوناني بمختلف فنونه الفلسفية،
لعتقادهم ان ما عندهم من علوم إسلمية نقلية وعقلية تغنيهم من الستزادة من الفكر اليوناني وفلسفات الشرق
والغرب فانطلقا من هذا التصور يمكن القول ان الفكر الباضي وحيد المنبع ،اسلمي النزعة ،لم يتأثر بالتجاهات
الفكرية عند اليونان وهذا بالرغم من وجود أوجه عديدة للتفاق بين الباضية والمعتزلة ذات النزعة العقلية المتأثرة
الى حد بعيد بالفكر اليوناني.
عاشرا :يمكن الخلوص الى القول بعد الذي تقدم من البحث أن المساهمة الباضية في المجال السياسي لم يبلغ مبلغ
كل من الفارابي وابن سينا والماوردي وغيرهم من فلسفة السلم في الفكر السياسي من جانبه النظري ومع ذلك
فإن الباضية قد نجحت الى حد بعيد بأن سلمت من الوقوع في الهوة الفاصلة بين التنظير السياسي والتطبيق
الميداني .يشير د.عبدال شريط(معاصر) الى هذه الهوة التي لم ينج فلسفة العرب من الوقوع فيها باستثناء العلمة
ابن خلدون الذي يعتبره( )...الوحيد الذي نجا من الوقوع في الهوة السحيقة التي تفصل الدولة النظرية عن الدولة
الواقعية ويضيف د.شريط قائل ":هذه الهوة التي وقع فيها أخوان الصفاء والفارابي والغزالي والماوردي وكل أولئك
قال عنهم ابن خلدون أنهم تحدثوا عنها من جهة النظر والتقدير والفتراض ،وكونوا بهذا السلوب ازدواجية فادحة
الخطار في تاريخ المجتمع العربي ،راح يتصور ان من طبيعة الشياء ان تكون الدولة النظرية شيئا والواقعية شيئا
آخر" وليس من شك ان ظاهرة الهوة تنجب عن السهاب في التنظير المجرد والتكديس الفكري دون ان ينعكس ذلك
في واقع معاش يجسد التصور الذهني للمبادئ والتعاليم السياسية.
وإذا انطلقنا من هذا المنظور نجد المر على غير ذلك بالنسبة للتجربة الباضية في الميدان السياسي حيث تنعدم
الهوة نظرا لما تتميز به المبادئ من الواقعية وخلوا من البعد المثالي مما جعل تطبيقها أمر ممكنا وتجسيدها عمليا
أمر يسير.
وفي ختام هذه الدراسة المتواضعة ل يسعنا ال ان نجدد الدعوة للعناية أكثر بالفكر الباضي ودراسته دراسة علمية
موضوعية ،ونحن على يقين ان أي دراسة منصفة لهذه الفرقة السلمية ستنتهي الى حقيقة ان الحركة الباضية
منذ نشأتها اجتهدت داخل الطار الشرعي من أجل تطوير المجتمع السلمي ودفعه نحو الفضل ول أدل على ذلك من
تعاليمها التي ل تحيد عن المنهج السلمي ول تتعدى حدوده سواء في المجال العقائدي أو السياسي أو الجتماعي
ونحن ل ندعي للباضية العصمة وبلغ الكمال ،لكننا نتساءل لماذا غابت عن المؤرخين وكتاب المقالت ومن اعتمد
عليهم من الدارسين المعاصرين هذه الحقيقة الواضحة؟
==============
البعاد :أو الهجران ،ألفاظ تترادف على معنى واحد وذلك متى أجرم واحد من أهل المذهب جرما ،أو ظهرت عليه
خزيه أو أتى بنقيصة في قول أو عمل أو تضييع فإنه يهاجره كل أهل الصلح فل يكلم ول يؤم ول يؤاكل ول يجالس
ول يحضر جماعة فإن تاب واستغفر قبل منه ورجع الى الجماعة ورفعت عنه البراءة ويكون بقاؤه في وحشة
الهجران بقدر عظم الجرم أو صغره ،وتوبة المجرم أو إصراره فمنهم من يتوب ويرجع في الحال ،ومنهم من يبقى
أياما أو أعواما أو عمره ان عظم الجرم وداوم المجرم على الصرار وترك الستغفار.
السلم :السلم هو الدين ،سمي إسلما لنقياد الملتزم به الى ال تعالى والذعان له ،والتذلل بين يديه واتباع أوامره
واجتناب نواهيه ،وسمي دينا لنه يدان ل به أي يتقرب به الى ال.
أصحابنا :هو الصطلح الذي يطلقه الباضية على أنفسهم في الغالب وقد يطلقون "أهل الدعوة" وأيضا " أهل
الستقامة".
إمامة الدين :أئمة الدين نوع خاص من الئمة وهم المجتهدون ممن لم يتول المارة كجابر بن زيد وأبو عبيدة
والربيع ابن حبيب وغيرهم في القديم ،وعبد العزيز الثميني والشيخ محمد اطفيش حديثا.
اليمان :هو التصديق بالقلب والقرار باللسان يزداد اليمان بقوة النظر العتباري والفكري والعمال الصالحة
وينقص بالغفلة عن ذلك والعمال المحرمة ،واليمان نفسه علم ل شك ول ظن.
البيضة :سميت جماعة المام بيضة تسمية باسمة لنه بيضة البلد ،أي وحده الذي يجتمع إليه ويقبل قوله ،أو تقديرا
للمضاف.
التسليم :هو النقياد لمر ال تعالى ،والخضوع له وترك العتراض عليه وهو الثبوت عند نزول البلء.
التفويض :هو ترك اختيار ما فيه الخطر الى اختيار الخالق العلم بمصالح الخلق وقيل هو ترك الطمع.
التقية :هي الفعل المكروه عليه ،أما ان يكون قول أو فعل للتقاء به عن النفس ،وتتنوع باعتبار ذاتها الى ما يقبل
الكراه عليه والى ما ل يقبل الكراه عليه كما تتنوع باعتبار حكم الشارع فيها الى ثلثة :الباحة والحرمة ثم الباحة
فيما يباح عند الضرورة
التلميذ :اسم للواحد المبتدئ عند الدخول في (الحلقة) سواء كان طال فنون أو مقتصرا على الصلحية فقط وأصل هذا
اللفظ فارسي.
التوحيد :إفراد ال عن الخلق وأفعالهم وصفاتهم ،ولو شابه معهم في أقل قليل لدخل عليه العجز منه ولحتاج الى ما
احتاجوا.
الجمع :أو المجتمع أو الميعاد ،ألفاظ مترادفة على معنى واحد وهو ان يجمع الشيخ تلميذه على وعظ يفيدهم أو
لتذكير أمرهم أو لصلح فساد أو تلفي فوات أو أمر بمعروف أو نهي عن المنكر ،مع الختيار أن يكون ذلك يوم
الثنين والخميس ويكون في أي وقت دعت إليه الحال ليل أو نهارا وفي أي يوم كان.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
الجملة :المقصود بالجملة شهادة ان ل إله ال ال وان محمدا رسول ال وان ما جاء به حق من عند ربه ،يسمى
الباضية هذه الكلمات بالجملة لتعبيرها عن كلمات اليمان المتضمنة لكل جزيئات وعليها يقوم اليمان اعتقاديا أو
علميا ولذلك ينقسم تفسيرها الى جانبين متكاملين :الول متعلق بالعقيدة كاليمان بوحدانية ال وصفاته ورسله وكتبه
واليوم الخر والثاني متعلق بالتطبيق العملي الذي هو اللتزام بكل ما أمر ال به واجتناب كل ما نهى عنه.
الختمة :اجتماع (أعضاء الحلقة) لذكر ال والدعاء عند طلوع الشمس وعند غروبها بشيخ أو بغير شيخ ،وكأنهم
يختمون به عمل الليل وعمل النهار كما تقام الختمة على أثر النتهاء من تلوة القرآن الكريم كله.
الخوف :توقع حلول مكروه أو فوات شيء عزيز ويصطلح به على الشفاق من عذاب ال تعالى.
الدفاع :إحدى مراحل مسالك الدين ،يختار الباضية إماما لهم للدفاع عن المة اذا داهمها العدو وتنتهي مهمة المام
الحرب ،أنظر المزيد في الباب الثاني.
الرجاء :لغة المل وعرفا توقع حصول محبوب في المستقبل واصطلحا :الطمع في ثواب ال مع وجود الطاعة.
الرضاء :هو قبول أمر ال ونهيه وكل ما يأتي منه تعالى من خيرا أو شر من غير اعتراض على حكمه وتقديره.
الشراء :إحدى مراحل مسالك الدين يختار الباضية اذا كانوا أقلية مضطهدة قائدا لهم يخرجون للجهاد في سبيل ال
الى ان ينتصروا أو يموتوا جميعا ،سموا بالشراة لنهم اشتروا الجنة بأنفسهم راجع الباب الثاني.
الشرك :يثبت الشرك بجحود الخالق أو بوصف الخالق بصفات المخلوق أو بوصف المخلوق بالصفات المختصة
بالخالق ،كما يثبت بإنكار كتاب من كتب ال أو ببعض كتابه.
الشفاعة :طلب الخير من الغير للغير ،وهي هنا طلب النبي صلى ال عليه وسلم من ال تعالى التعجيل بدخول الجنة،
وهي أيضا طلب المؤمن من ال زيادة درجة أخيه المؤمن في الجنة ،والشفاعة ل يستحقها ال المؤمن الموفي بدينه،
ومن اعتقد ثبوتها للعصاة الموحدين كفرَ كُـفر نفاق ومن أنكرها أشرك.
صفات ال الذاتية :بمعنى ان صفات ال هي عين ذاته ،وليست شيئا مستقل عنه ،فذاته تعالى كافية في التصال
بالكمال المطلق وليست في حاجة الى ما تكمل به ،وبهذا يكون ال عالما بذاته ،مريدا بذاته ،وهكذا جميع صفاته
الذاتية أي ذاته كافية في التصاف بالعلم والرادة والقدرة والسمع والبصر...
صفات ال الجائزة :وتسمى صفات الفعل وهي التي يمكن نفيها عن ال تعالى في الزل دون الحاضر والمستقبل
كالخلق والرزاق ،فصفات الفعل هي التي لم يتصف بها ال في الزل بل فيها ل يزال ،وهي التي تجامع ضدها في
الوجود اذا اختلف المحل فنجد ال يرزق المال لفلن ول يرزقه لخر أو يهب العلم زيدا ول يهبه لعمر ،فالصفات
الجائزة يوصف ال بها ان فعلها ول يوصف بها ان لم يفعلها.
صفات ال الواجبة :وتسمى صفات الذات وهي التي ل يتصور نفيها عن ال مطلقا سواء في الزل أو في الحاضر أو
في البد ومن خصائص الصفات الواجبة أنها ل تجامع ضدها في الوجود ولو اختلف المحل ،فيستحيل وصف ال
بالعلم والجهل.
صفات ال المستحيلة :هي أضداد الصفات الواجبة ،كالحدوث والعدم والفناء والموت والعجز والجهل والكراه
والصمم ،ومشابهة الجسام مطلقا وهذه صفات خاصة بالمخلوق الناقص ومستحيلة على ال الذي ل يتصف ال
بالكمال المطلق.
الظهور :أولى مراحل مسالك الدين وفيها يكون الباضية في قوة ومنعة مكتفين عددا وعدّة فيقيمون دولة مستقلة
كحالة النبي صلى ال عليه وسلم في المدينة والخلفاء الراشدين من بعده.
القدر :إجراء الحكم السابق تفصيل بتعيين السباب وتخصيص العيان بأوقات وأزمان بحسب قابليتها واستعدادها
وتعليق كل حال من أحوالها بزمان معين وسبب مخصوص.
القديم :من سبق وجوده وجود الحدث فكل من لم يكن ثم كان فهو المحدث وكل من كان ول تكوين فهو قديم.
القضاء :هو الحكم الكلي الجمالي على أعيان الموجودات بأحوالها من الزل الى البد وهذا يقتضي اليمان بأن ال
خالق لفعال العبد الختيارية والضطرارية والعبد اكتسب أفعاله الختيارية اختيارا منه ل جبر بقدرة خارجية.
قومنا :يريد بها الباضية أصحاب المذاهب الربعة وقد يطلق على جميع المخالفين من المذهب.
الكبيرة :ما وعد في الخرة سواء أوعد عليه في الدنيا أم ل ،إذ ليس كل كبيرة ينكل عليها أو يعاقب عليها في الدنيا
ولو في زمان المام ودخلت الكبائر كلها في قوله تعالى ( :ويحرم عليهم الخبائث) وهي كالشرك والسحر وأكل مال
بباطل وقتل النفس واعانة عليه ولو بكلمة وشرب المفتر والمسكر كالخمر...
الكتمان :المرحلة الخيرة من مراحل مسالك الدين يهتم الباضية فيها بالصلح الداخلي للمجتمع والمحافظة على
الدين ويبتعدون عن المجال السياسي ،ول يقيمون دولة لهم.
الكفر :ترك شيء من الواجبات أو فعل شيء من المحرمات والكفر مقيد بالكبائر ويكون أما بالشراك أو بعمل سائر
الكبائر وليس العزم على الكفر كفرا حتى يفعله.
كفر الجحود :وهو ما نشأ على نفي وجود ال أو نفيا لصفاته أو نفيا لوحدانيته أو انكار شيء من كمالته أو شيئا من
أفعاله ،ويسمى الكافر بالجحود مشركا.
كفر النعمة :سمي كذلك لعدم شكر النعمة ،وهو ما نشأ عن تأويل الخطأ كاستحلل ما حرمه ال بتأويل الخطأ من
فاعله أو قائله أو ما فعل انتهاكا كالقتل والزنى والربا ويسمى الكافر بالنعمة منافق.
كلم ال :المراد بكلم ال نفي الخرس عنه ل بمعنى التكلم المعروف بين الناس لنه لو كان كذلك لحتاج الى أداة
يتكلم بها كالحنجرة واللسان والشفتين.
المحارب :كل من أخاف السبيل وأعلن الفساد في الرض من خصالة الموجبة للقتل والنفاق وإشهار السلح ،قال
تعالى:
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
(إنما جزاء الذين يحاربون ال ورسوله ويسعون في الرض فسادا ان يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من
خلف أو ينفوا من الرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الخرة عذاب عظيم)
النفاق :الخروج من غير المدخل واخفاء غير ما ظهر وشرعا مخالفة الفعل للقول أو السر للعلنية أو المنافق من
أظهر التوحيد وأخفى الشرك والنفاق داخل في الكفر.
الثانية :ورع الصالحين وهو ترك المحارم جميعا وترك ما ل حرج فيه مخافة الوقوع فيما فيه الحرج وفعل الفرائض
كلها مع الجتهاد في فعل النوافل.
الثالثة :ورع الصديقين وهو الزيادة على ورع الصالحين بترك ما ل حرج فيه ل لخوف الوقوع فيما فيه الحرج مع
الحرص على فعل البر بقدر الطاقة.
الوقوف :الكف عن القدوم في أحد بولية أو براءة لعدم معرفة حالة بصلح أو فساد وأنواع الوقوف خمسة :وقوف
السلمة ،وقوف الرأي ،وقوف السؤال ،وقوف الشكال ،ووقوف الشك.
اليقين :هو العلم الراسخ الذي ل يشوبه شك ول اضطراب كأنه مشاهدة أو مكاشفة ،واليقين يدعو الى قصر المل
وقصره يدعو الى الزهد المورث للحكمة الموروثة للنظر في العواقب وعلمته النظر الى ال في كل شيء والرجوع
إليه في كل أمر.
استدراك
البراءة :لغة البعد عن الشيء والتخلص منه وشرعا البغض والشتم واللعن للكافر على كفره ،أنظر "البعاد"
الحراز :جمع حرز وهو حفظ الشيء وصيانته وحرز الدين المحافظة عليه.
الفراز :جمع فرز وهو عزل الشيء وتمييزه عن غيره والفرز هنا هو التمييز بين المؤمن والمنافق والمشرك فلكل
حكمة عند ال.
* محمد بن عمر القصبي المغربي الوهبي (أبو عبدال الملقب بأبي ستة):
.13حاشية الوضع ،خزانة الشيخ بالحاج ،القرارة ،رقم .37
* أحمد أمين
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
* ألفرد بل (مستشرق)
.32الفرق السلمية في الشمال الفريقي ،من الفتح العربي الى اليوم ،تر عن الفرنسية عبد الرحمن بدوي ،ط ،2
دار الغرب السلمي 1981م.
* جولد تسيهر(ألماني)
.36العقيدة والشريعة في السلم ،تر وتع محمد يوسف موسى وآخرون ،دار الرائد العربي ،بيروت ،مصورة عن ط
دار الكتاب المصري 1946م.
* الشيخ الحاج صالح بن عمر اليسجني (ت 1347هـ) و ش.إبراهيم بن بكير حفار (ت 1954م):
* رشيد بوروبية ،موسى لقبال ،عبد الحميد حاجيات عطاء ال دهينه ،محمد بلقراد:
.41الجزائر في التاريخ ،العهد السلمي ،من الفتح الى بداية العهد العثماني ،وزارة الثقافة والسياحة ،المؤسسة
الوطنية للكتابة ،جـ ،3الجزائر 1984م.
.43إزالة الوعثاء عن اتباع أبي الشعثاء ،شرح د .سيد إسماعيل كاشف ،مطابع سجل العرب ،القاهرة 1979
.52التكميل لما أخل به كتاب النيل ،تص ونشر حفيد المؤلف محمد بن صالح الثميني مطبعة العرب ،تونس،
1944م.
مكتبة الكتب السلمية شبكة الدرة السلمية
شبكة الدرة السلمية
www.aldura.net
.53النور ،شرح قصيدة "النونية" للشيخ أبي نصر فتح بن نوح الملوشائي (ق 7هـ) قام بتجديد طبعة أ.بأفلج بأيوب
بن أحمد تصوير فوتوغرافي عن أصل مط طبع حجري مط العربية ،غرداية ،جوان1981 ،م.
* عبدال بن حميد سلوم السالمي (نور الدين) توفي 1332هـ 1914/م :
.54تحفة العيان بسيرة أهل عمان ،جـ ،1ط ،2مط الشباب القاهرة1350 ،هـ ،جـ ء ،ط ،مط السلفية ،القاهرة،
1374هـ.
.55مشارق أنوار العقول ،تص أحمد بن حمد الخليلي ،ط ،مسقط 1981م.
* عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي ( أبو منصور) توفي 429هـ :
.59الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم ،تح لجنة إحياء التراث العربي ط ،دار الفاق الجديدة ،بيروت،
1982م.
.60كتاب الملل والنحل حققه وقدم لـه وعلق عليه د.البير نصر نادر ط ،2دار المشرق ،بيروت 1970م.
* علي بن أحمد سعيد الندلسي (ابن حزم) توفي 456هـ 1065/م :
.64الفصل في المل والنحل والهواء ،ط ،2القاهرة 1320هـ.
.68الباضية في موكب التاريخ ،جـ ، 1ط ،1دار الكتاب العربي القاهرة 1964م.
.72التنظيمات السياسية والدارية عند الباضية في مرحلة الكتمان ،وزارة العدل والوقاف والشؤون السلمية،
مسقط ،د.تا.
.73الصول التاريخية للفرقة الباضية ،ط ،2وزارة التراث القومي والثقافة ،مط الشرقية مسقط ،سلطنة عمان،
د.تا.
* فاروق عمر(معاصر)
.74التاريخ السلمي وفكر القرن العشرين دراسات نقدية في تفسير التاريخ ،ط ،2دار اقرأ ،بيروت ،لبنان
1406هـ1985/م.
* محمد بن يوسف اطفيش (قطب الئمة) بني يسقن 1818م1914 -م :
.82إن لم تعرف الباضية يا جزائري ،رسالة في الرد على العقبي الطاعن في الدين ،معها حواشي الشيخ عبدال بن
حميد سلوم السالمي ،أمر بطبع الكتاب فيصل بن تركي ،سلطنة عمان ،فرغ من تأليفه 3جمادى الولى عام
1328هـ.
.83شرح عقيدة التوحيد ،طبع حجري ،بخط الحاج محمد بن الحاج صالح.
.84شرح كتاب النيل ،وشفاء العليل ،جـ 13و ،14ط ،2دار الفتح ،بيروت 1972م.
.85الذهب الخالص المنوه بالعلم القالص تح وتع :أبي اسحاق إبراهيم اطفيش ،ط ،2مط البعث ،قسنطينة،
1400هـ1980 /م.
.86شامل الصل والفرع ،جـ 1و ،2التزم بطبعه وتصحيحه أبو اسحاق إبراهيم اطفيش ،مط السلفية بمصر،
القاهرة 1348هـ.
.87تفقيه الغامر بترتيب لقط موسى بن عامر ،طبع حجري ،كتب في أخر الكتاب ،تم طبعه ليوم 12من شوال عام
1319هـ ،على يد ملتزم طبعه :داود بن إبراهيم بن داود اليسجني.
.88كتاب المعلقات(مخ) طبع حجري ،كتب في الورقة الخيرة قد تم طبع هذا الكتاب المستطاب بإعانة الملك الوهاب
على ذمة ملتزمة...محمد بن يوسف الباروني...بقلم حسن العنابي الشاذلي ،د .تا نسخة المكتبة الوطنية ،الجزائر.
.90كتاب جامع الشمل في حديث خاتم الرسل طبع حجري بخط اليد (ص )436جاء في نهاية الكتاب :قد تم طبع هذا
الكتاب بإعانة الملك الوهاب في غرة ذي الحجة 1304هـ ،البارونية.
.92إزالة العتراض عن محقي آل اباض ،وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ،مط الشرقية ،مسقط
.1982
.91وفاء الضمانة بأداء المانة ،مط الزهار البارونية القاهرة 1326هـ.
.92إزالة العتراض عن محقي آل اباض ،وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ،مط الشرقية ،مسقط
.1982
المعـــاجم
* معجم البلدان:
للشيخ شهاب الدين أبي عبدال ياقوت الحموي ،دار بيروت للطباعة والنشر بيروت1984 ،م
الدوريات
المحاضرات
* محمد بن بابه الشيخ الحاج ،أستاذ التاريخ السلمي والشريعة بمعهد الحياة الثانوية القرارة ،ولية غرداية::
الجتهاد في المذهب الباضي ،محاضرة ألقاها بمناسبة انعقاد ملتقى الفكر السلمي ،قسنطينة ،يوليو 1983م.
المقابـلت
* الشيخ صالح بزملل( محافظ مكتبة القطب) بني يسقن ،في صيف 1984م.
* الدكتور عمار طالبي(مدير جامعة المير عبد القادر للعلوم السلمية "سابقا قسنطينة) في الجزائر ماي 1984م،
وقسنطينة أفريل 1985م.
* الشيخ محمد بن بابة الشيخ بالحاج (أستاذ الشريعة والتاريخ السلمي ،معهد الحياة) القرارة في صيف 1984م.
* الدكتور محمد عبد الباقي (أستاذ بمعهد الفلسفة جامعة الجزائر ،سابقا) أفريل 1986م.
* الدكتور محمد ناصر (أستاذ الدب الجزائري بمعهد اللغة والدب العربي ،جامعة الجزائر) في القرارة صيف
1984م.
* الستاذ بيار كبيرلي P. Cuperlyمدير المركز السقفي للدراسات والبحاث) ،الجزائر في .1986 .1 .12
المراجع الجنبية
الدوريات الجنبية
)Brkri )Chikh *
Le Kharjisme Berbere, Quelques Aspects du Royaume Rustumide, Annales -
de I, Institut d, Etudes Orientales )A.I.E.O.(, University d, Alger, Tome 15, Alger
.1975
)Dhina )Amar *
Ibn Rostoum, Fondateur du Royaume Ibadite de tahert, EI- Moudjahed, 27- -
.28/ 07/1984
).Moutylinski )A. de C *
L, Aquida des Abadites, Recueil de Memories et de textes publies en I,
.Honneur de 14em Congres Internationale des Orientalistes, imp. Alger, 1905