Professional Documents
Culture Documents
عيداروس القصير
مقدمة
من المعلوم أن القوى السياسية المصرية كلها ،تقريبا ،قد ركزت نشاطها
السبببياسي الفكري والعملي ،طوال العاميبببن الماضييبببن ،ببببل تكاد تكون
قصبرته خلل معظبم هذه الفترة ،على قضيبة "التغييبر" بمعنبى الصبلح
السياسي والدستوري ،ل يستثنى من ذلك النظام الحاكم نفسه.
دوافبع النظام الحاكبم فبي ذلك هبي التجاوب مبع متطلبات الصبلح الذي
تدعبو إليبه أمريكبا ومشروع الشرق الوسبط الكببير مبن جهبة ،واللتفاف
حول مطالب القوى الداخليبة الديموقراطيبة مبن جهبة أخرى .أمبا أسبباب
ودوافبببع قوى المعارضبببة وراء هذا التركيبببز ،بإسبببتثناءات ضئيلة فقبببد
صبدرت عبن عامليبن أسباسيين ،العامبل الول الميبل الليببرالي السبائد منبذ
سنين عديدة خاصة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي في أحزاب وقوى
المعارضببة المصببرية ،والذي يعتبببر حريببة تداول الحكببم والنتخابات
التعدديببة والضمانات لحريتهببا ونزاهتهببا الحلقببة السبباسية فببي عملهببا
السياسي والقضية التي يجب أن تحظى بإجماع وتحالف قوى المعارضة
المختلفبة وأن تكون محبل اصبطفافها الول والرئيسبي أيبا كانبت القضايبا
السبياسية أو القتصبادية المباشرة الخرى ،وأيبا كانبت خلفاتهبا بشأنهبا.
أمببا العامببل الثانببي فهببو أن أصببحاب هذا الميببل ،أو أكثريتهببم ،وكذلك
الخوان المسببلمون وكببل مببن أراد اغتنام الفرصببة ،اعتبببروا الخطاب
المريكببي والعالمببي عببن نشببر الحريببة والديموقراطيببة واحترام حقوق
النسان في الدول العربية ظرفا ملئما ودعوة لتشديد النكير على النظام
الديكتاتوري فببي مصببر والفوز بحريببة تداول الحكببم ومببا تتطلبببه مببن
حريات وضمانات دسبتورية وقانونيبة .فمنهبم مبن رأى تلقيبا أو تقاطعبا
بيبن المشروع الوطنبي للديموقراطيبة وبيبن المشروع المريكبي والشرق
الوسبطي الكببير رغبم تناقبض طبيعتهمبا وأهدافهمبا ،ومنهبم مبن سبعى بل
مواربة إلى الستقواء بأمريكا أو عرض نفسه على أمريكا كبديل للنظام،
أو تحرك تحبببت مقولة تحييبببد القوى الدوليبببة فبببي الصبببراع مبببع النظام
المصببري حول قضايببا الديموقراطيببة والتببي هببي مجرد تغليببف لمقولة
تحييببد أمريكببا القديمببة الشهيرة ،فليسببت هذه القوى الدوليببة ،وفببي واقببع
المببر ،إل أمريكببا والدول الكبببرى التببي تسببيطر على مقدراتنببا وتهاجببم
المنطقبة عسبكريا وسبياسيا وفبي القلب منهبا بلدنبا ،وتتدخبل فبي جميبع
شئونها الداخلية.
علوة على ذلك اعتببرت أغلب قوى المعارضبة ،خاصبة المحجوببة عبن
الشرعيببة ،أن الوضببع الداخلي ملئم أيضببا لجذب الجماهيببر للمشاركببة
اليجابية الواسعة والعمل السياسي المباشر بالمظاهرات والمؤتمرات في
معركبة "التغييبر" ،حيبث سباد بيبن أوسباطها تقديبر أو اعتقاد بأن المبر
يتطلب فبببي المقام الول جرأة النخببببة السبببياسية والمثقفبببة المعارضبببة
بالمبادرة إلى رفببع سببقف لغببة فضببح النظام والتحريببض ضده ،وإطلق
شعار تعبوي كشعار "ل للتجديببد ل للتوريببث" .وسببرعان مببا شمببل هذا
التقديببر حزب التجمببع والحزب الناصببري وجماعات معارضببة أخرى
وظهر المزيد من التجمعات والتحالفات والحركات "الحتجاجية" .ومع
تكرار التظاهرات و"الوقفات" الحتجاجيبة وتحرك نادى القضاة وبعبض
أسبباتذة الجامعات ارتفعببت المال بقرب نجاح الحركببة ،وتجلى فببي لغببة
أكثرية الحزاب والجماعات المعارضة وممارستها ما يشبه الرهان على
إمكان إسبقاط النظام بالعصبيان المدنبي أو على القبل حمبل رئيسبه مبارك
على عدم التجديبد لدورة جديدة عندمبا تنتهبي دورتبه الرابعبة فبي سببتمبر
.2005
إل أن النظام الحاكبببم لم يتردد طويل فبببي محاولتبببه ،سبببواء للسبببتجابة
للمطالب المريكيبببببة والعالميبببببة بالتجاه لجراء تعديلت دسبببببتورية
وسببياسية تسببمح بتعدد القوى والحزاب المتنافسببة على التكيببف والقبول
بالمشروعات السبتعمارية المريكيبة والعالميبة فبي المنطقبة ،أو لللتفاف
حول المطالب الديموقراطيبة "الحقيقيبة" فبي مصبر والتبي تحاول جاهدة
وفبي مواجهبة توجهات سبياسية وأيديولوجيبة وثقافيبة داخليبة غيبر ملئمبة
أن تفبببك اللتباس وتفبببض خلط الوراق بيبببن مشروع "الديموقراطيبببة
الوطنيببة" والمشروع الليبببرالي الجديببد" ،ديموقراطيببة" الخضوع للقوى
السببتعمارية ،أي الحكببم الذاتببي فببي كنببف وتحببت وصبباية المبرياليببة
المريكيببة والعالميببة .هذا دافببع ومغزى مبادرة الرئيببس مبارك فببي 26
فببراير 2005لتعديبل المادة 76مبن الدسبتور لسبتبدال نظام النتخاب
المباشبر لرئيبس الجمهوريبة بنظام السبتفتاء ،والتبي نجحبت إلى حبد كببير
فببي تحقيببق أهدافهببا .وممببا سبباعد على ذلك ،أن المظاهرات والحركات
الحتجاجيببة ظلت محصببورة فببي القلة السببياسية والمثقفببة وعجزت عببن
اسبتدعاء جماهيبر الشعبب للمشاركبة فيهبا سبواء قببل التعديبل التعجيزي
للمادة 76أو بعبد تزويبر السبتفتاء عليبه وإصبداره .ومبع ذلك وكمبا هبو
ثاببت فإن الحركات والتجمعات النخبويبة الحتجاجيبة التبي شكلت فبي تلك
الفترة – ومبن جاراهبا مبن الحزاب كحزب التجمبع والحزب الناصبري
والكرامببة تحببت التأسببيس وغيرهببا .لم تقدر مدى عزوف الجماهيببر عببن
التجاوب معهببا ،وظلت ترفببع شعار ل للتجديببد داعيببة للعمببل السببياسي
الجماهيري المباشبر لتحقيبق مطالبهبا ودعبت لمقاطعبة انتخابات الرئاسبة
بحجة عدم إكسابها الصفة الشرعية.
أمبا الخوان فناوروا بمقاطعبة انتخابات الرئاسبة ليدعموا فبي نهايبة المبر
مرشببح حزب الغببد ،ويضعفوا مرشببح حزب الوفببد .فلمببا أذنببت سبباعة
النتخابات البرلمانيبة فإذ بالجميبع يتسبابقون لخوضهبا دون أن يجبد جديبد
في الظروف والوضاع والقوانين التي دعت أغلبهم لمقاطعة النتخابات
الرئاسية ،والتي كانت المشاركة فيها بمثابة تحضيرا مباشرا للنتخابات
البرلمانيبة ،وشكلت فجأة الجبهبة الوطنيبة للتغيبر والتبي لم تكشبف عبن أي
جدوى أو فعالية في المعركة النتخابية.
الفصل الول
نتائج النتخابات ودللتها
جاءت نتائج النتخابات كما يلي :
-1تراجسسع نسسسبي لقوة النظام ،تقدم ملموس للخوان ،انحسسسار القوى
الديموقراطية([: )]1
أعضاء مجلس الشعبب الذيبن يكسببون العضويبة بالنتخاب 444عضوا
والمنتخبون عام 2005هبم فقبط 432عضوا ول زال 12مقعدا شاغرا
لوقف النتخابات في 6دوائر ،بينما كان أعضاء المجلس المنتخب سنة
2000فقبط 442حيبث كان مقعدان شاغريبن .وكانبت نتائج انتخابات
2005مقارنة بنتائج انتخابات 2000كما يلي :
أ -تراجبع عدد نواب الحزب الحاكبم إلى 311عضوا بنسببة %70مبن
إجمالي عدد المجلس المختاريبببن بالنتخاب ،بينمبببا كانوا 388عضوا
بنسبببة %87مببن إجمالي نفببس العدد فببي انتخابات .2000وتكررت
ظاهرة أعضاء الحزب الفائزيبببن مسبببتقلين عائديبببن بعبببد الفوز للحزب.
وكان نواب الحزب الحاكببم الفائزيببن بإسببمه رسببميا 145عضوا بينمببا
كانوا 175عضوا فببي انتخابات 2000والفائزيببن المسببتقلين العائديببن
166عضوا في انتخابات 2005بينما كانوا 213في انتخابات .2000
ب -فاز الخوان ببب 88عضوا بنسببة %20تقريببا بدل مبن 17عضوا
بنسبة %4سنة .2000
جبب -تراجبع مجموع نواب الحزاب والجماعات المعارضبة الخرى إلى
14عضوا بنسبة %3من إجمالي عضوية المجلس المنتخبة بدل من 17
عضوا بنسببة %4فبي المجلس السبابق منهبا 6للوفبد بدل من 7وللتجمبع
2بدل من 6بالمجلس السابق و 2للكرامة بدل من 1ول شئ للناصري
بدل من 3و للغد المنشق 2وللحرار المنشق .2
د – المسببتقلون بلغوا 19عضوا (منهببم ثلثببة قومييببن ناصببريين فببي
البرلمان الحالي) بينما كانوا في البرلمان السابق 20عضوا .
وبذلك كشفببت النتخابات عببن تراجببع نسبببي وملموس أيضببا فببي نفوذ
الحزب الحاكبم بيبن صبفوف مبن أدلوا بأصبواتهم ،وعبن اسبتمرار التفكبك
فببي قاعدة النظام السببياسية والذي ظهببر فببي انتخابات ( 2000ظاهرة
الخروج على ترشيحات الحزب فببي النتخابات البرلمانيببة وبوادر لميول
اسبتقللية لبعبض النواب) .واسبتمرار التفكبك ،وهبو أمبر متوقبع ،يمكبن أن
يؤدي مبع اشتداد عدم شعبيبة النظام الحاكبم إلى انشقاق أو أكثبر مبن نواب
وأعضاء فببي الحزب الحاكببم ممببن يشكلون حاليببا قاعدة النظام السببياسية
وانضمامهببم لحزاب أخرى أو أحزاب جديدة قببد تشكببل مسببتقبل أو إلى
جماعببة الخوان المسببلمون الذيببن يقتربون بصببورة ملموسببة مببن تمثيببل
نفس القاعدة الجتماعية للسلطة الحالية وهي الطبقة الرأسمالية الكبيرة،
لكن بقناع الدين السلمي .وكما هو واضح لم يكن تراجع وضع النظام
الحاكبم فبي نسببة القوى السبياسية فبي المجتمبع المصبري لصبالح القوى
الشعبيبة أو لصبالح القوى الديموقراطيبة بمختلف مراتبهبا وفصبائلها -هذه
القوى التبي لم تتمكبن مبن الحفاظ على العضويبة الضئيلة التبي كانبت لهبا
في البرلمان السابق – وإنما كان تراجعه لصالح جماعة الخوان ،والتي
ل محبببببل لعتبارهبببببا مبببببن القوى الديموقراطيبببببة رغبببببم رطانتهبببببا
"الديموقراطيبة" الجديدة ،واعترافهبا أخيرا بان الشعبب مصبدر السبلطات
وأن تكوين الحزاب المتعددة حق مشروع وليس محرما بالنص القرآني.
فهذا العتراف وغيره مبن بنود "الديموقراطيبة" الخوانيبة يقبع فبي إطار
تمسببكهم التام بالمبدأ الول الذي قامببت عليببه ول تزال الجماعببة وهببو
الرجوع إلى الديبببن كمرجعيبببة للدولة وللسبببياسة وكافبببة مجالت الحياة
الجتماعيبببة والثقافيبببة ،وعلى الفتوى الدينيبببة – وليبببس بحبببث الحالة
الموضوعية وفقا للواقع المعيش بنظامه القتصادي والجتماعي وعلومه
الحديثبة والمعاصبرة – كمصبدر السبياسات والتشريعات .إنبه المبدأ الذي
يجسبده شعارهبم الذي دخلوا ببه النتخاب "السبلم هبو الحبل" ،وهبو مبا
ينسببف أسببس الدولة الحديثببة ويحطببم وحدة الشعببب فببي مجتمببع متعدد
الديانات ،ويقضبي حقيقبة على أي حديبث جدي عبن الديموقراطيبة التبي
تبدأ مسبيرتها الحقيقيبة فبي بلدنبا بحريبة العقيدة والتفكيبر وحبق المواطنبة
وإلغاء كل قيد عليه بسبب الدين أو الجنس أو اللون أو العرق.
-2استمرار غياب الغلبية :
بغلت نسبببة التصببويت %26.2مببن المقيديببن فببي جداول النتخاب
بالمقارنبة مبع %25فبي انتخابات 2000بفارق زيادة .%1.2والفارق
الحقيقبي ل شبك أنبه أكثبر مبن ذلك لن نسببة التزويبر أقبل ممبا كانبت عليبه
مبن جراء التحسبن النسببي فبي الشراف القضائي وفبي إجراءات العمليبة
النتخابيبة وإدارتهبا .ومبع ذلك فنسببة التصبويت لزالت ضعيفبة .فثلثبة
أرباع السبكان أكثبر من 18سبنة ل يشاركون فبي النتخابات ول فبي أي
نشاط سياسي آخر يتطلب مشقة ووقتا ووعيا أكثر واستعدادا أعلى بكثير
ممببا تتطلبببه مشاركببة بسببيطة فببي الدلء بالصببوت يوم النتخاب .أمببا
المشاركون فبي النشاط السبياسي الحزببي وغيبر الحزببي المسبتمر والدائم
بكبل فصبائله ممبن أدلوا بأصبواتهم فهبو شديبد التواضبع ول يتعدى نسببة
منهم تقع كما نرى في خانة الحاد.
أما النساء فلم يحصلن إل على 4مقاعد فقط في المجلس الجديد رغم كل
الضجيج الجاري حول تمكين المرأة والموال الطائلة التي تصرف يوميا
على مجلس المرأة واللجان والحملت المظهرية والدعائية.
ومن تحصيل الحاصل أن الجهد المكثف للقوى السياسية والصحافة حول
قضايا النتخابات والصلح السياسي والدستوري ،والتنديد بفساد الحكم
وبالوضاع القتصادية والمعيشية المتفاقمة للجماهير ،ورفع سقف لغة
نقد وفضح النظام الحاكم ورموزه لمدة تزيد عن عام لم يترك أثرا إيجابيا
ملموسا على نسبة عزوف الجماهيبر عن سباحة النشاط السبياسي والعام .
ولذلك يصبح لنبا أن نسبتنتج أن خطاب القوى السبياسية والصبحافة بوجبه
عام وخطاب المعارضبة الديموقراطيبة بوجبه خاص لم يؤثبر – ببل وقليل
مببا توجببه إلى أو تعامببل مببع – السببباب العمببق لبتعاد الجماهيببر عببن
العمبل السبياسي خاصبة والعام بصبفة عامبة .فإذا كان صبحيحا أن عزوف
الجماهيببر هببو أسبباسا أو مجرد نتاج الخوف والتهيببب مببن الصببدام مببع
الحكومبة وأجهزة الشرطبة أو عدم الثقبة فبي نزاهبة النتخابات ،فمبا الذي
يبعدهبا – وهبي تعانبي فبي حياتهبا اليوميبة المريبن مبن سبياسات الحكبم
القائم – عبن العمبل العام والسبياسي بعبد أن تخطبت القوى المناوئة للنظام
الخطوط الحمراء السببابقة فببي نقببد الحكببم ورموزه ورئيسببه ،وكسببرت
بعبببض القيود الصبببارمة على حريبببة التعببببير الجماهيري بالمظاهرات
والندوات والمؤتمرات أو عببببر وسبببائل العلم مبببن قنوات وفضائيات
تليفزيونيبببة مرئيبببة على نطاق جماهيري واسبببع والصبببحافة الحزبيبببة
والخاصبة المسبتقلة وهببة نادي القضاة وجمعياتبه العموميبة للتشديبد على
الشراف القضائي على النتخابات ونزاهتهبببا؟ مبببا الذي يبعدهبببا عبببن
المشاركبة فبي عمليبة سبياسية قانونيبة وبسبيطة ول تعترض عليهبا السبلطة
وهببي الدلء بالصببوت فببي صببندوق النتخاب؟ ولماذا لم تؤد الضمانات
المحسببنة نسبببيا فببي الشراف القضائي والحبببر الفسببفوري والصببندوق
الزجاجببي وتوقيببع الناخببب فببي كشوف الناخبببين ومراقبببة نادي القضاة
والمراصببد المتعددة الداخليببة والخارجيببة للعمليببة النتخابيببة إلى رفببع
ملموس فببي نسبببة التصببويت؟ هناك ول شببك سبببب أعمببق بببل أسببباب
متعددة.
في المحافظات الريفية ترتفع نسبة التصويت عن الب %26وتقترب من
%50وتتخطاهبا فبي بعبض الدوائر وفبي المدن تنخفبض عنهبا لتهببط إلى
%10وما دونها في بعض الدوائر .فالقل تعليما وثقافة وهم سكان تلك
المحافظات هبم الكثبر تصبويتا وهذا نتاج التراببط السبري والعصببيات
العائليببة القوى فببي الريببف .ومببن زاويببة أخرى فإن الطبقات الشعبيببة
وفئات الطبقببة الوسببطى الكثببر انسببحاقا وانشغال فببي التلبيببة اليوميببة
لحتياجاتهبا المعيشبة ليسبت أقبل تصبويتا مبن الفئات الميسبورة ،فالغلبيبة
الغائببة تنتمبي لكبل الطبقات ،ول يلغبي ذلك حقيقبة أن الكتلة الرئيسبية فبي
هذه الغلبيببة الغائبببة تنتمببي للطبقات الشعبيببة والفئة الدنيببا مببن الطبقببة
الوسطى بحكم تشكيلها لكثر من أربعة أخماس السكان ،إل أنه يشير إلى
أن يوم العمل الطويل المنهك للطبقات الشعبية ل يجعلها أقل تصويتا من
الفئات غيبر المنهكبة وغيبر المسبتوعبة فبي عمبل يوم طويبل ومجهبد ،وإن
كان يحبببد ول شبببك مبببن المكانيبببة أو الفرصبببة والوقبببت اللزم للنشاط
الجتماعي عامة والسياسي خاصة.
فإذا كانت الغلبية الغائبة تنتمي إلى مستويات ثقافية وتعليمية واجتماعية
مختلفبة لكان علينبا أن نجبد أو نضبع أيدينبا على السبباب الكببر والعمبق
لعزوف الجماهير عن العمل السياسي وهو ما سنرجع إليه لحقا.
-3العوامل الساسية المؤثرة في اختيارات الناخبين للمرشحين :
إن الهببم مببن نسبببة التصببويت العامببة فببي قياس مدى التطور السببياسي
للجماهيبر ،وعيبا واسبتعدادا نضاليبا ،هبي المفاهيبم والعوامبل التبي قررت
اختياراتها ومفاضلتها بين المرشحين المتقدمين لكسب ثقتها وأصواتها.
وحسببب مشاهداتنببا فببي بعببض الدوائر والتغطيببة الصببحفية والعلميببة
المصبرية والعربيبة والعالميبة للنتخابات البرلمانيبة المصبرية 2005فإن
هذه المفاهيم والعوامل كانت كما يلي :
أ -مفهوم نائب الخدمات :
كانببت قدرة المرشببح على توفيببر الخدمات العامببة للدائرة والشخصببية
لبنائهبا المفهوم الول أو الرئيسبي فبي تقريبر اختيارات الناخببين .وهبو
مفهوم ومعيار رئيسببي تكشببف عنبه بدرجات متفاوتبه قليل كببل انتخابات
برلمانية مصرية حتى الن .فالنائب من وجهة النظر الشعبية الدارجة –
وبصببفة رئيسببية – هببو نقيببب الدائرة ومندوبهببا لدى الجهات الحكوميببة
والسببلطات الرسببمية وحاميهببا أيضببا مببن بطببش جهاز شرطتهببا وجهاز
جبايتهبا ،وهبو أيضبا لببد أن يكون ثريبا أو ميسبور الحال وأن يكون قادرا
دائمبا قببل وبعبد فوزه على تحقيبق القدر الكافبي مبن "اليسبر" للنفاق على
متطلبات مهمته ومنها المشاركة بنفسه في تقديم الخدمات لهالي الدائرة
والصدقات للمعوزين من أبنائها .ويرجع هذا المفهوم بأصوله إلى عصر
مبا قببل الدولة الحديثبة .فهبو مورث عبن عصبر النقابات الطائفيبة وكببير
"الحتة" وفتوة الحارة "الشهم" وحاميها أو شيخ القرية أو الناحية ورجلها
القوي الصببالح .وقببد سبباعد على اسببتمرار هذا المفهوم بطببء وسببطحية
وهجينيببة حركببة النهضببة والتحديببث عامببة والنهضببة والتجديببد الثقافببي
والفكري خاصببة .وممببا سبباعد بصببورة مباشرة على تخلف الوعببي
السياسي للجماهير مظهرية ،وهزال جدوي ،الحياة البرلمانية المصرية،
بالنسببة للطبقات الشعبيبة خاصبة ،رغبم عمرهبا المديبد الذي بلغ حتبى الن
حوالي 140سنة منذ إنشاء مجلس شورى القوانين سنة .1866فلم يبرز
من جراء ذلك مفهوم النائب السياسي وظل مفهوم نائب الخدمات مهيمنا.
ومبن المهبم التنويبه بأن هيمنبة هذا المفهوم يصبب فبي تحببيذ إمبا اختيار
مرشحبا مواليبا للحكومبة أو له رواببط وثيقبة بأهبل الحكبم تجعبل له أكببر
نصبيب ممكبن مبن الخدمات التبي يجلبهبا للدائرة عبن طريبق هذه الرواببط
والمصببالح المتبادلة ،أو اختيار المرشببح الذي يقوم بالعمببل الجتماعببي
الخيري ويدعمببه كمنهببج أسبباسي لتخفيببف وطأة المشاكببل القتصببادية
والجتماعيبة بديل عبن المنهبج والسبياسات الكفيلة بمواجهتهبا وحلهبا حل
حقيقيا أو جذريا .وكل الختيارين يدعمان نفوذ وسطوة رأس المال على
حياة ووعي وحركة الجماهير ويكرسان تخلفها السياسي.
ب -دور المال أو سلطان الثروة :
دائمبا مبا كانبت ثروة المرشبح عامل هامبا فبي التأثيبر على إرادة الناخببين
فبي المجتمبع المصبري وكبل المجتمعات الطبقيبة بل اسبتثناء .وهذه واحدة
من أخطر عيوب ونواقص "الديموقراطية" الليبرالية .لكن دور المال أو
سلطان الثروة في النتخابات البرلمانية المصرية ،2005وكذلك إلى حد
مشابببه فببي انتخابات ،2000قببد تجاوز كثيرا هذا الدور المعتاد ليصبببح
القوة أو العامل الموضوعي الول المؤثر على اختيارات الناخب .وتبدي
ذلك في كثافة بل وفحش النفاق على الدعاية النتخابية وعلى شراء عدد
كببير مبن أصبوات الناخببين وخاصبة الفقراء أو المتسبولين الذيبن ذهبوا
للتصبويت مقاببل الحصبول على "رزق" يوم أو بضعبة أيام ،علوة على
مبا حصبل عليبه بالطببع سبماسرة هذه الصبوات .ول مجازفبة كببيرة فبي
القول بأن الغلبية الساحقة ممن فازوا وأيا كانت صفاتهم أو أحزابهم أو
جماعتهببم لم تقببل نفقاتببه النتخابيببة عببن مليون أو عدة ملييببن ومنهببم
العشرات الذين انفق كل منهم عشرات المليين من الجنيهات.
ويرجببع هذا الدور المسببيطر لثروة المرشببح إلى تخلف الوعببي السببياسي
للناخببببين ،وضاءلة عدد المنتميبببن منهبببم للحزاب والتيارات السبببياسية
خاصبببة التجاهات الديموقراطيبببة والشتراكيبببة ،وسبببيادة مفهوم نائب
الخدمات والصبدقات ،وتدنبي نسببة التصبويت والذي مبن شأنبه رفبع نسببة
مبن يتبم شراء أصبواتهم بصبورة مباشرة أو غيبر مباشرة إلى إجمالي مبن
أدلوا بأصواتهم.
جب -جهاز الدولة :
رغببم التحسببن النسبببي فببي إدارة النتخابات البرلمانيببة وفببي الشراف
القضائي عليهبببا فقبببد شهدت وقائع وصبببور متعددة للتدخبببل والتأثيبببر
والخلل المباشببر مببن جانببب أجهزة للدولة بسببير وحيدة ونزاهببة هذه
النتخابات ،والتبي تركبت تأثيرا ملموسبا فبي نتائجهبا .جداول الناخببين ل
تزال مليئة بالخطاء والتكرار وأسماء المتوفين والقيود الجماعية ،وليس
لذلك مبرر أو سبب إل استخدامها عند اللزوم في التزوير .الشرطة تارة
لزمبت الصبمت إزاء عمليات البلطجبة والعنبف السبافرين والشراء العلنبي
لصبوات الناخببين المرتزقبة والمتسبولين كمبا حدث بالذات فبي المرحلة
الولى ،وتارة تدخلت بالعدوان على الناخببببين ومنعهبببم مبببن التصبببويت
لسببقاط مرشحيببن معينيببن وإنجاح غيرهببم .وتكشببف تقاريببر صببحفية
وإعلمية وتصريحات بعض القضاة وأعضاء النيابة من المشرفين على
النتخابات فببي بعببض الدوائر ،ومببا أعلن فببي الجمعيببة العموميببة لنادي
القضاة عددا مببن وقائع التدخببل والتزويببر والعدوان على الناخبببين ،بببل
وأيضبا على بعبض القضاة وأعضاء النياببة المشرفيبن على لجان فرعيبة
لحملهببم على الخلل بسببلمة وحيدة عمليببة إدارة النتخابات والشراف
عليهبا ،هذا فضل عبن التزويبر السبافر لنتائج بعبض الدوائر ،والشكالت
التي أقامتها الدولة لمنع تنفيذ الحكام القضائية الصادرة بقبول الطعن في
جداول الناخببين أو صبفات وشروط الترشيبح عندمبا تكون صبادرة ضبد
بعببض مرشحببي الحزب الحاكببم وغيرهببا مببن صببور التدخببل والتأثيببر
المباشر على نتائج النتخابات.
ول يقتصببر تأثيببر جهاز الدولة على التدخببل المباشببر .فالتدخببل والتأثيببر
غيببر المباشببر ل يقببل أهميببة وإنمببا يفوق تدخله المباشببر .ويرجببع ذلك
لسببببين .السبببب الول أن الحزب الحاكببم ليببس حزبببا بالمعنببى المعتاد
للحزاب السببياسية وإنمببا هببو حزب الدارة ،امتداد التنظيببم أو الحزب
الواحبببد القديبببم ،هيئة التحريبببر والتحاد القومبببي ومبببا سبببمي التحاد
الشتراكبي ،وهبو مندمبج فبي جهاز الدولة وكأداة لهبا تحركبه كيبف تشاء .
وعندما يواجه مرشح مستقل أو مرشح حزب آخر مرشح الحزب الحاكم
فهببو يواجببه جهاز الدولة بسببطوته ومببا بيببن يديببه مببن وسببائل ترهيببب
وترغيببب للناخبببين البسببطاء .أمببا السبببب الثانببي فهببو أن جهاز الدولة
ومؤسبساتها الدائمبة التبي ل تتغيبر بتغيبر الوزراء والحكومات – ورغبم
اسببتقلله النسبببي المفترض فببي الدولة المصببرية ،وفببي كببل نظام للدولة
الرأسبمالية ،عبن المصبالح الخاصبة لفراد الطبقبة الرأسبمالية والمصبالح
الضيقببة لفئاتهببا أو شرائحهببا – يصببون وبفضببل هذا السببتقلل النسبببي
بالذات المصببالح المشتركببة للطبقببة الرأسببمالية وفئاتهببا القوى السببائدة
اقتصبباديا ،كمببا يرعببى فببي ذات الوقببت الحدود والشروط الدنيببا لحياة
الطبقات الضعبف والمسبتغَلة والمسبودة اقتصباديا ،وبالتالي الحفاظ على
النظام الجتماعببي القائم الذي يحرسببه هذا الجهاز .إل أن هذا السببتقلل
النسببي المفترض لجهاز الدولة المصبرية هبو اسبتقلل محدود وضعيبف
للغايبة وأقبل ممبا هبو ضروري لتحقيببق مببا يسببمى نزاهببة الحكببم .ويبدو
التدخببل والندماج يببن جهاز الدولة وأصببحاب المصببالح الخاصببة مببن
الفئات الرأسمالية وأصحاب الحظوة الذين يُراد إثرائهم ظاهرا للعيان إلى
حببد ملموس .ول تقطببع فترة النتخابات بالطبببع تواصببل هذا الندماج أو
التداخل بل على العكس ينال مرشحي هذه المصالح أقصى مساندة ممكنة
بصببورة خفيببة أو سببافرة بدرجببة أو أخرى .يُعزي البعببض هذا التداخببل
بمجرد الفسبباد ،وهببو فسبباد ل شببك فيببه ،لكببن المسببألة أعمببق مببن فسبباد
أشخاص المسببئولين والحكام وتتعلق بضعببف وتخلف الطبقببة الرأسببمالية
المصرية وخاصة الفئات صاحبة مركز النقل في سلطة الدولة وعجزها
عببن تحقيببق تراكببم الرباح والثروة الخاصببة التببي تحققهببا بدون مسبباندة
وتجيّز وتسهيلت أجهزة الدولة المعنية.
ومبن المهبم اللتفاف لحقيقبة أن لجهاز الدولة فبي جميبع الدول حتبى الدول
الموصبوفة بالكثبر حريبة وديموقراطيبة فبي عالمنبا المعاصبر دور كببير
مؤثبر على نتيجبة النتخابات ومتدخبل وفاعبل فبي كبل نزاع سبياسي فبي
المجتمبع .ومبن المفيبد التعرف على أسببابه فبي هذه الدول ضمبن الجهبد
المبذول لمعرفة طريقنا إلى الديموقراطية.
ج ْذرْ أو مصدر هذا التأثير يظل باقيا وملموسا حتى لو التزمت الحكومة
بعدم التدخل السافر أو شكلت لجنة للشراف على النتخابات تتمتع بقدر
ملموس مببببن السببببتقلل أو حتببببى حكومببببة محايدة لجراء النتخابات
ووفرت الشراف القضائي مبن البدايبة للنهايبة .فجهاز الدولة موجود فبي
كبل هذه الترتيبات وهبو الذي يعبد القوانيبن قببل اعتمداهبا ويصبدر اللوائح
والقرارات بشأنها.
ففببي مجتمببع تتعارض وتتناقببض فيببه المصببالح بيببن الطبقات والفئات
الجتماعيبة كمبا تتعارض أو تتناقبض التيارات والتوجهات اليديولوجيبة
والسببياسية إزاء القضايببا والمصببالح الوطنيببة والقوميببة وإزاء المشاكببل
والوضاع القتصببادية والجتماعيببة ،فإن جهاز الدولة الذي يقببف فوق
المجتمع ويبدو كما لو كان حكما بين القوى الجتماعية وممثل لها جميعا
ليبببس جهازا محايدا ببببل متحيزا وممثل للطبقبببة أو الفئات الجتماعيبببة
المهيمنببة على القتصبباد والمجتمببع ويسبباندها فببي كببل صببراع أو تحببد
تتعرض له.
فمؤسببببسات وأجهزة الدولة الدائمببببة كالجهاز الداري (البيروقراطيببببة)
والشرطببة والمببن والقضاء هببي حجببر الزاويببة فببي الحفاظ على النظام
القتصببادي الجتماعببي .ول تغيببر الحكومات والوزراء الذيببن يتعاقبون
على رئاسبتها العليبا منطبق وأهداف ونظام هذه المؤسبسات وإنمبا يُفَعِلون
أو ل يُ َفعِلون بهذا القدر أو ذلك أدائهبببا العملي ل غيبببر مبببا بقبببي النظام
الجتماعببي قائمببا .لذلك فإن إدارة النظام السببياسي وحكومتببه للمجتمببع
بواسببطة مؤسببسات وأجهزة الدولة القائمببة تعنببي بالضرورة إدارتببه فببي
إطار مصالح الطبقات والفئات المسيطرة على القتصاد والمجتمع ودون
الخلل بالسس الجوهرية لهذه السيطرة ،وبالتال ليس من المتصور أن
تكون الحكومات ومبن ورائهبا أجهزة الدولة ومؤسبساتها محايدة أو غيبر
متحيزة للمصببالح والقوى السببائدة اقتصبباديا واجتماعيببا التببي تمتلك هذه
المصببالح .والفارق فببي هذا المجال بيببن الدولة الغيببر ديموقراطيببة وبيببن
الدولة الديموقراطيبة فبي عالمنبا الرأسبمالي المعاصبر هبو فارق بيبن عجبز
الدولة الولى عبن ،وبيبن قدرة الدولة الثانيبة على ،جعبل انحيازهبا خفيبا
وليس مباشرا سافرا وتدخلها لطيفا ناعما وليس فظا خشنا .هذا الفارق ل
يقضببي بالطبببع على الكراه والكبببت السببياسي فببي الدولة الرأسببمالية
الديموقراطيببة لكنببه يخفببف وطأتهمببا وتقييببد أشكالهمببا المباشرة وحصببر
مجالت وحالت استخدامها تقييدا وحصرا واضحين وصارمين.
وهذا الفارق فارق تطور اجتماعبببببي يقبببببع فبببببي قاعدتبببببه فبببببي البلد
الديموقراطية تطور اقتصادي مكتمل أو شبه مكتمل للطبقة المسيطرة ،
أي الطبقة الرأسمالية ،وما يسبق ذلك وما يلحق به بصورة أساسية من
تطور سببياسي وثقافببي .وتقوى هذه التطورات مجتمعببة وبفعلهببا المتبادل
قدرة الطبقببة المسببيطرة على خلق أو تفعيببل آليات إزاحببة الصببراعات
الطبقيبة أو احتوائهبا ،ومبن ثبم تطويبر وتشديبد آليات الهيمنبة اليديولوجيبة
على المجتمبع ،أي آليات تزييبف وعبي الطبقات الكادحبة والمسبتغلة ،ممبا
يخلق بدوره إمكانيببة السببتغناء عببن أو التقليببل مببن العتماد على القمببع
الغليببظ أو التدخببل السببافر فببي العمليببة النتخابيببة أو غيرهببا مببن أشكال
الصببراع السببياسي طالمببا أن النظام القتصببادي الجتماعببي ليببس مهددا
تهديدا فوريببا أو مباشرا ،وتعتمببد بدل مببن القمببع الفببظ والتدخببل المباشببر
أشكال التحيبببز والتدخبببل غيبببر المباشرة والملتويبببة .أمبببا الدول الغيبببر
ديموقراطيبة فإنهبا كقاعدة عامبة متخلفبة اقتصباديا ومبا يسببق هذا التخلف
وينتج عنه – وبصورة أساسية أيضا – من تخلف ثقافي وسياسي يجعلها
غيبر قادرة عبن السبتغناء عبن العتماد على القهبر الغليبظ والتدخبل الفبظ
في النتخابات ،ومصادرة كل نضال سياسي ديموقراطي جدي من اجل
الحفاظ على سبلطتها السبياسية ومبن ثبم نظامهبا القتصبادي الجتماعبي
المتخلف.
إل أنبه مبن الثاببت تاريخيبا أيضبا أن ظهور إمكانيبة السبتغناء عبن القهبر
والقمع الغليظ وإقامة نظم حكم ديموقراطية في الدول الرأسمالية المتقدمة
ل يتحقببق بصببورة عفويببة ومببن تلقاء نفسببه بمجرد تطور قوة الطبقببة
الرأسببمالية واكتمال بنيانهببا القتصببادي ،وإنمببا أقيمببت هذه النظببم وفببي
المقام الول بفضببل تطور ونضببج الحركببة السببياسية للطبقات الشعبيببة
والمتوسطة وفي مقدمتها الطبقة العاملة والتي انتزعت انتزاعا حقها في
القتراع العام وغيره مبببببن الحقوق والحريات .أمبببببا تطور القتصببببباد
الرأسبمالي واكتمال بنيان الطبقبة الرأسبمالية ،فليبس العامبل الول فبي قيام
الديموقراطيبة ،وإنمبا هبو العامبل الول الذي جعبل بقاء النظام الرأسبمالي
وسببببيطرته على الصببببراع الطبقببببي أمرا ممكنببببا رغببببم نظام الحكببببم
الديموقراطبي ومبا أتاحبه مبن حريات عامبة .لقدا أتاح التطور القتصبادي
مساحات واسعة أمام الطبقة الرأسمالية للمناورة ترغيبا وترهيبا للطبقات
العاملة والكادحببة .وقببد لعببب السببتعمار والتوسببع السببتعماري القديببم
والجديببد دورا أسبباسيا فببي هذه المضمار ،بمببا أتاحببه مببن أرباح النهببب
والسببببتغلل السببببتعماري حُوِلتببب ْب فتات منهببببا لبعببببض فئات العمال
والكادحيببن ،وبمببا حركببه مببن نزعات تعصببب قومببي وعنصببري وضببد
شعوب البلدان المسبتعمرَة أو التابعبة إزاحبة وتسبريبا للصبراعات الطبقيبة
الداخلة فبي الدول "الديموقراطيبة" السبتعمارية ،ممبا أتاح بدوره ظروفبا
موضوعيبة ملئمبة لتزييبف وعبي الطبقات العاملة والكادحبة وهبو العامبل
الثانببي الذي جعببل بقاء الرأسببمالية رغببم نظام الحكببم الديموقراطببي أمرا
ممكنبا .لذلك فإن الفارق الرئيسبي ،فيمبا يتعلق بإمكانيبة إقامبة ديموقراطيبة
سبياسية ،بيبن الدولة الغيبر ديموقراطيبة وبيبن الدولة الديموقراطيبة هبو :
ضعبف القوى الديموقراطيبة والشعبيبة وعجزهبا فبي الدولة الولى مقاببل
قوة القوى الديموقراطية والشعبيبة وقدرتهبا على انتزاع الحريات وفرض
النظام الديموقراطي في الدولة الثانية.
فقدرة القوى الديموقراطيببة والشعبيببة هببي العامببل أو الشرط الحاسببم فببي
ظهور واسبتمرار النظبم الديموقراطيبة ،هذا الشرط الذي قبد يؤدي – وقبد
أدى بالفعبل – إلى إقامبة نظبم ديموقراطيبة وشعبيبة بدرجبة أو أخرى فبي
السببنوات الخيرة فببي أمريكببا اللتينيببة فببي دول نهبببت وفرض عليهببا
التخلف القتصببادي مببن قبببل المبرياليببة المريكيببة كفنزويل وبوليفيببا
والبرازيل وشيلي.
وإذا عدنا إلى الحالة المصرية نجد أن أيا من الشرطين الساسيين اللذين
نشأت على أسببباسهما النظبببم الديموقراطيبببة ليبببس متوفرا حتبببى الن.
فالقتصبباد متخلف وتابببع ول تملك الطبقببة القوى المسببيطرة اقتصبباديا
إمكانية الحكم بوسائل ديموقراطية حقيقية أي انتفاء إمكانية الديموقراطية
الليبرالية .أما القوى الديموقراطية والشعبية فهي حاليا في غاية الضعف
والنحسببار .كمببا أثبتببت النتخابات البرلمانيببة وكببل مياديببن ومجالت
الصبراع السبياسي والقتصبادي فبي المجتمبع المصبري ،وهبو مبا يعنبي
حتببى الن غياب إمكانيببة انتزاع فوري للحريات الديموقراطيببة .وفرض
نظام حكبم ديموقراطبي شعببي ول حكبم ديموقراطبي لبيرالي وطنبي فورا
ول فبي الفبق القريبب ،ول يزال الطريبق شاقبا وطويل ومتعرجبا إلى هذه
الغايات.
د – استغلل الدين والمشاعر الدينية :
كان اسببتغلل الديببن والمشاعببر الدينيببة للمسببلمين مببن العوامببل الهامببة
المؤثرة فببي النتخابات البرلمانيببة والتغيببر الذي كشببف عنببه فببي ميزان
القوى السبببياسية .فقبببد فازت جماعبببة الخوان المسبببلمين وتحبببت شعار
"السلم هو الحل" بب 88عضوا من بين نحو 150مرشحا تقدمت بهم
وكانبت قادرة على الفوز بأكثبر مبن 100عضبو منهبم لول تدخبل المبن
السبببافر فبببي المرحلة الثالثبببة فبببي عشيبببة التصبببويت باعتقال كوادرهبببا
وأعضائهببا ومنببع التصببويت فببي اللجان الفرعيببة التببي يتمتعون بتفوق
واضبح فيهبا فبي بعبض الدوائر ،هذا بخلف مبا تردد بقوة ومبن أطراف
مختلفة عن تغيير أو تزوير نتيجة الفرز في بعض الدوائر ضد مرشحي
الجماعة الفائزين كدائرة دمنهور والدقي والزقازيق.
واسبببتقطب هذا الفوز تأييبببد الجماهيبببر النازعبببة إلى معارضبببة النظام
جبَهُب عبن الحزاب والقوى الديموقراطيبة ببل وهمبش حَ
السبياسي الحاكبم و َ
وجودها البرلماني والسياسي في المجتمع المصري.
كانببت العوامببل الربعببة السببابقة العوامببل السبباسية التببي أثرت على
اختيارات الناخببببين ،يضاف إليهبببا عامبببل خامبببس بالنسببببة لمرشحبببي
الحزاب والخوان ،وهبببببو مدى وجود القاعدة التنظيميبببببة الحزبيبببببة
العريضببة الفعالة والمنتشرة فببي كببل أو معظببم الدوائر .وإذا كانببت هذه
العوامل هي التي تحكمت في نتيجة النتخابات لحق القول بأن الحزاب
والقوى الديموقراطيببة كانببت خارج المنافسببة تمامببا وبعيدة أيضببا عببن
إمكانيببة إحراز أي تحسببن لوضعهببا الهزيببل فببي البرلمان السببابق وفببي
المجتمبع ،ببل يمكننبا الزعبم بأن أغلب مبن فاز مبن نوابهبا العشرة تقريببا
الفائزيببن مببع التسبباهل الشديببد فببي تعريببف "الديمقراطببي" فاز بصببفته
الفرديبة وبحكبم روابطبه وخدماتبه لهالي دائرتبه ل بوصبفه ممثل للحزب
أو القوة السياسية التي ينتمي إليها.
لقبد اقتصبرت المنافسبة الفعليبة والصبراع على حصبد الصبوات والفوز
بالمقاعبد على مرشحبي الحكومبة (الوطنبي الرسبمي والوطنبي المسبتقل)
والخوان .وقبد اسبتمد كبل منهمبا قدرتبه على المنافسبة والفوز مبن أربعبة
عوامبل مبن بيبن العوامبل السباسية الخمسبة التبي قررت النتائج .اعتمبد
الحزب الوطنببببببببببي على نائب الخدمات وأجهزة الدولة والمال وجهازه
التنظيمي الذي يمتلك فعالية نسبية – رغم مظهرية وانتهازية عضويته –
يستمدها من مجرد انتشاره في كل المواقع ومساندة الدارة .أما الخوان
فقبببد اعتمدوا على نائب الخدمات ومخاطببببة المشاعبببر الدينيبببة والمال
وجهازهببم التنظيمببي الواسببع المنضبببط والملتزم .واشترك الطرفان بذلك
فبي اعتماد كبل منهمبا على عناصبر ثلثبة متشابهبة هبي الخدمات والمال
وجهاز التنظيببم الحزبببي ،واختلفببا فببي اسببتغلل الحزب الوطنببي جهاز
الدولة واسبببتغلل الخوان للديبببن .وحيبببث تعتمبببد الخدمات على المال
لتمويلهببا يصببح القول بأن التنظيميببن المتنافسببين اعتمببد أحدهمببا وهببو
الحزب الوطني على المال والدولة بينما اعتمد الخر وهو الخوان على
المال والديبن .وقبد يغيبب عبن البعبض أن المال الذي اعتمبد عليبه الخوان
هبو مبن نفبس طبيعبة المال الذي اعتمبد عليببه الحزب الحاكببم ،إنبه رأس
المال ،رأس المال الكببير المصبري وكذلك العرببي والجنببي الذي أسبهم
فببي دعببم صببعود الخوان السببياسي والنتخابببي بصببورة مباشرة وغيببر
مباشرة .فالموال التبببببي تمول نشاط الخوان وخدماتهبببببم وحملتهبببببم
النتخابيبببة مصبببدرها الرئيبببس رأسبببماليين مصبببريين مضافبببا إليهبببا
الرأسماليين العرب والجانب المؤيدين لهم.
لذلك فإن القوى الرئيسية التي خاضت النتخابات البرلمانية والسائدة في
الحياة السبياسية المصبرية اليوم مبن قببل ومبن بعبد النتخابات هبي تحالف
رأس المال وجهاز الدولة فببي جانببب ،وتحالف رأس المال والديببن الذي
يعببئ المشاعبر الدينيبة للمسبلمين ويعدهبم بكسبب الدنيبا والخرة معبا فبي
الدولة السببببلمية المسببببتهدفة لزاحببببة التحالف القائم (النظام الحالي)
والسبيطرة بدل منبه على الدولة فبي الجانبب الخبر .فنحبن إذن فبي وضبع
سبببياسي داخلي يتنازع فيبببه على تمثيبببل وقيادة رأس المال أو الطبقبببة
الرأسببببمالية المسببببيطرة على القتصبببباد والدولة فريقان يختلفان حول
الغلف اليديولوجبي للدولة ل على طبيعتهبا الجتماعيبة وسبياساتها التبي
تشهبد تقارببا كببيرا بينهمبا ،بمبا فبي ذلك سبياستها العربيبة والدوليبة ،نلمسبه
فبي موقبف الخوان مبن الحتلل المريكبي للعراق ومبا يسبمى العمليبة
السببياسية فيببه وموقفهببم التهادنببي والبرجماتببي (العملي) مببن التدخببل
المريكببي والعالمببي فببي الشئون الداخليببة لمصببر والمنطقببة تحببت قناع
الديموقراطية أو باسم الشرق الوسط الكبير.
إن القوى البرجوازيبة الديمقراطيبة فبي مصبر ليسبت الن خارج المنافسبة
الراهنة على الحكم فحسب بل وليس لها أيضا وجود أو تأثير ملموس في
التطورات السياسية الجارية .أما القوى الشتراكية والشعبية فهي هامشية
الوجود والتأثيبببر ولببببد أن تجري مياه كثيرة وغزيرة قببببل أن يصببببح
وجودهبا ملموسبا ودورهبا فعال فبي حياة شعبنبا ،وهبو مبا يتوقبف قببل أي
شبئ آخبر على تحررهبا مبن المفاهيبم والخطوط السبياسية التبي همشبت
دورها الذي يتوقف عليه في نهاية المر مستقبل بلدنا وشعبنا.
-4سمات الحياة السياسية والطابع غير الثوري للزمة العامة في البلد :
جاء فوز الخوان الفعلي والمحتجز ليؤكد سمات أساسية لحياتنا السياسية
والثقافيبببة .أول هذه السبببمات أن الجزر والركود هبببو الطاببببع الرئيسبببي
للحركببة الجماهيريببة .هذا مببا أدى – ومببا يؤدي – إلى أن يصببب تفاقببم
الزمببة العامببة والقتصببادية والسببياسية المزمنببة فببي صببالح مببا سببمي
"الصحوة" السلمية كما تقودها جماعة الخوان المسلمون .فلقد كان –
ول يزال – صبببعود حركبببة "السبببلم" السبببياسي خلل العقود الثلثبببة
الماضيببة هببو لزمببة ووجببه آخببر لوضببع الجزر والركود وغدا عامل
أسباسيا مبن عوامبل اسبتمراره .إن "السبلم" السبياسي فبي مصبر بالذات
نكوص عن الحالة العقلية أو ضرورة إعمال العقل وانطلق الفكر اللذين
تتطلبهمبا الحداثبة .وهبو صبحوة الرجعيبة الدينيبة لتحافبظ على وتشدد مبن
الجوانبب الرجعيبة والمتخلفبة فبي واقعنبا السبياسي والجتماعبي والثقافبي
والفكري بحجبة أن ذلك هبو شرع ال ،وهبو تكريبس لنسبحاب الجماهيبر
مبن مجابهبة قضايبا ومشكلت المجتمبع الحقيقيبة وأسببابها الجوهريبة التبي
يطرحهبا الواقبع المعيبش ،وصبرف اهتمامهبا إلى قضايبا ومشكلت مفتعلة
ووهميببة أو على الكثببر "فرعيببة وجانبيببة" .وهببو كذلك دعوة وحركببة
لحلل أو اسبتبدال وسبائل وأشكال التضامبن الطائفبي أو العمبل الخيري
فببي أفضببل الحوال ،بوسببائل وأشكال التضامببن الجتماعببي الوطنببي
والطبقبي والفئوي ،وللنصبراف عبن الرابطبة الجامعبة وحبق المواطنبة
المصرية لصالح إزكاء التمييز والتفرقة على أساس الدين وتأجيج جذوة
الفتنببة الطائفيببة لطلقهببا عنببد القتضاء لتحطيببم البقببة الباقيببة مببن وحدة
الشعب.
ولجزر الحركة الجماهيرية الطويل في مصر أسبابه التاريخية السياسية
والقتصبادية والوجدانيبة المسبتقلة عبن نمبو وصبعود السبلم السبياسي
سبنعود إليهبا لحقبا ،لكبن اسبتمراره يسباهم فبي تشكيبل الترببة الصبالحة
لصببعود هذا التيار والذي غدا كمببا قلنببا سببابقا عامل هامببا مببن عوامببل
استمرار الجزر وإعاقة نهوض الجماهير النقابي والسياسي والثقافي.
وثانبي هذه السبمات هبو تدنبي وتشوش الوعبي السبياسي للجماهيبر وغياب
أو غموض إدراكهببا للمصببادر والسببباب السبباسية لمعاناتهببا وضعببف
وهوان الوطبن أمام أعدائه السبتعماريين والصبهاينة .وإل مبا كان سبهل
على مببن يسببتغلون المشاعببر الدينيببة المقدسببة أن يتطوعوا بالتفسببيرات
والحلول المضللة والسببباذجة وأن يجدوا رغبببم ذلك آذانبببا صببباغية مبببن
جمهور عريبض ،ول كان باسبتطاعة النظام الحاكبم الحصبول على عشبر
مبا حصبل عليبه مبن أصبوات الناخببين .ولتدنبي وتشوش الوعبي السبياسي
أسببابه المتعددة الممتدة مبا بيبن عناصبر وجماعات المثقفيبن والسبياسيين
وبيبن الجمهور الواسبع مبن المتعلميبن والمييبن .فعلى مسبتوى السبياسيين
والمثقفيبن الذيبن يؤثرون بدرجبة كببرى أم صبغرى فبي جمهور المتعلميبن
والمييبن ،فالملحبظ أن التوجهات السبائدة فبي أوسباطهم ل تسبتند ،أول
تستند بدرجة ملموسة ومنسقة ،إلى الحقائق التاريخية والحالية الكبرى أو
الكثبر أهميبة فبي عصبرنا وبلدنبا .ومبن هذه الزاويبة – فضل عبن زوايبا
أخرى – فهم مسئولون إلى حد كبير عن تراجع وتشوش الوعي السياسي
للجماهيبر فالتوجهات السبائدة بينهبم خلل السبنوات القليلة الماضيبة وحتبى
انتهاء النتخابات البرلمانيبة شكلهبا اتجاهان يلتقيان فبي تزييبف وتشويبش
وعبي الجماهيبر رغبم مبا بينهمبا مبن خلف ،الول هبو تيار اتخاذ الديبن
المرجعيبة الوحيدة أو الرئيسبية للسبياسة والحياة .وقبد روج خطاببا فكريبا
يسجن ويستهلك القدر العظم من طاقة الفرد المصري على إعمال العقل
والتفكيبر فبي التعرف على مبا هبو حرام ومبا هبو حلل مبن منظور وفهبم
السبلف "الصبالح" وبمبا ل يتجاوزهبم مبع الميبل لقلهبم مبن حيبث العمبق
وقيمة الفكر .والتجاه الثاني عصري خليط من مفاهيم النهضة والتحديث
ومن تأثيرات مفاهيم التجاهات المحلية والعالمية اليديولوجية التفكيكية
والنفعيببة ،التببي تدعببى سببقوط اليديولوجيات والمبادئ العامببة والنسبباق
الكليبة ،هذه التجاهات التبي روجهبا الغرب السبتعماري والسبائرين فبي
ركاببه فبي بلدنبا خلل العقديبن الخيريبن ،هذه التجاهات الخيرة التبي
تتخلل بدرجبة أو أخرى التيارات العلمانيبة وشببه العلمانيبة التاريخيبة فبي
مصببر؛ الليبراليببة والقوميببة والشتراكيببة .ومببن أهببم ملمببح هذا التجاه
الملمبح التفكيكبي الذي يجمبع مبا بيبن القوى والحزاب والعناصبر المكونبة
لهذا التجاه العريببض فببي التعامببل مببع قضايببا بلدنببا والمنطقببة ،وهببي
القضايبا المترابطبة بطبيعبة الشياء وحقائق الصبراع الجاريبة فبي أبعادهبا
المحليببة والقليميببة والدوليببة .ول يضببر هذا التجاه الوعببي السببياسي
للجماهيبر ويدفبع لترديبه فحسبب ببل يترك أيضبا السباحة خاليبة أمام التيار
الدينببي لملء الفراغ الذي يخلقببه منهجببه التفكيكببي والختزالي .أمببا على
مسببتوى الجمهور العريببض فقببد تدهور المسببتوى الثقافببي العام ومببن ثببم
الوعببي السببياسي كنتاج لنهيار مؤسببسة التعلم مببا قبببل العالي والعالي،
وانتشار النزعببة التفكيكيببة الختزاليببة فببي الثقافببة المصببرية ،والصببحوة
الرجعيبببة الدينيببة ،والثقافببة الضحلة المشوهببة السبببتهلكية العلنيبببة
العلمية التي تروجها الدولة ووسائل العلم المحلية والعالمية.
ثالث هذه السبببمات هبببو أن فشبببل قوى التحرر والتجديبببد فبببي المجتمبببع
المصببري (والعربببي أيضببا) فببي التغلب على عقبات التحرر السببياسي
والتقدم القتصببادي والجتماعببي يطرح منببذ سبببعينيات القرن الماضببي
بصبفة رئيسبية وحتبى الن ميل عامبا ماضويبا (الرجوع للماضبي) لتخاذ
الرؤيببة الدينيببة إطارا أو منهجببا عامببا لفهببم أسببباب هزائمنببا وتدهور
أوضاعنببا ،ولعتبار الديببن المرجعيببة الوحيدة أو الرئيسببية لسببتراتيجية
وجميبببع سبببياسات المواجهبببة ويسبببتدعي على أسببباسها نماذج وأهداف
وممارسبات باتبت متعارضبة مبع حقائق الحياة الحديثبة والمعاصبرة ،فبي
مقدمببة هذه الحقائق موضوعات وقضايببا وقوى الصببراع الحقيقيببة على
الساحتين الداخلية والدولية .لذلك يدفع هذا الميل في نهاية المر إلى هوة
سببحيقة مببن التخلف الجتماعببي والثقافببي وقهببر واسببتغلل الجماهيببر
الكادحبة قبد يهون دونهبا مبا نحبن فيبه الن على شدة وطأة وهوان حالنبا
الراهن.
وقد شكلت هذه السمات الثلث في ترابطها هذه الحالة التي تعانيها الحياة
السببياسية المصببرية ومنببذ سببنين طويلة وحتببى الن وهببي حالة مجتمببع
يعانبي أزمبة عامبة يؤدي تفاقمهبا إلى المزيبد مبن تراكبم قوى اسبتدامتها ل
تراكببم قوى حلهببا وتجاوزهببا أي أزمببة عامببة غيببر ثوريببة ،وهببي حالة
مخالفبة لحالة مجتمعات أخرى يكون فيهبا الفشبل مرة أو مرتيبن مثل هبو
أكبببر الدوافببع لحراز النجاح والصببرار عليببه ،أو يكون تفاقببم أزماتهببا
مفضيببا بصببورة مباشرة أو على مدى زمنببي محدود نسبببيا إلى تراكببم
سببريع لدوافببع وعوامببل حلهببا وتجاوزهببا .هذه المجتمعات تعيببش أزمببة
ثوريبببة ،المجتمعات التبببي تبلورت فيهبببا إلى حبببد ملموس قوي التغييبببر
التقدمبي الجذري والثوري كمبا كانبت عليبه فبي السبنوات القليلة الماضيبة
عددا مبن دول أمريكبا اللتينيبة التبي شرعبت وبقدر كببير مبن النجاح فبي
تجاوز أزماتها وفي مقدمتها فنزويل.
وقبد ظهرت هذه الحالة لحياتنبا السبياسية أي الطاببع غيبر الثوري للزمبة
العامة في البلد بصورة أولية في أعقاب هزيمة ،1967وتبلورت تباعا
مبع تراكبم تداعياتهبا السبلبية المتمثلة فبي التراجبع عبن مشروع اسبتكمال
التحرر الوطنبي وبناء أسبس التقدم القتصبادي والتحرر الجتماعبي .ففبي
أعقاب الهزيمببة التببي فاقببت أسببوأ التوقعات وفببي ظببل غياب المنظمات
السبياسية الديمقراطيبة والشعبيبة الجماهيريبة التبي قضبى نظام 23يوليبو
على مببا كان قائمببا منهببا ،ومببع التراجعات السببياسية المتواليببة للنظام
السببياسي ،كان رد الفعببل الدفاعببي العفوي عببن الذات الوطنيببة والقوميببة
أمام الهجوم الستعماري الصبهيوني هو اللجوء إلى الديبن للعتصبام به،
وهو رد فعبل أفرزه تكويننا الثقافبي ذا المرتكبز السباسي الدينبي والذي لم
يكن قد تجذر فيه الفكر التنويري والعقلني المعاصر .وهو رد ساهم في
حينه بدور كبير في وقاية الذات من النسحاق التام أمام إجرام وضراوة
العدو ،لكنبه مبع ذلك ل يصبلح إطارا أو منهجبا عامبا رئيسبيا ل لمواجهبة
المبرياليبببة والصبببهيونية ومخططاتهمبببا وهزيمتهمبببا ول لبناء مقومات
التقدم السببياسي والقتصببادي والثقافببي والتحرر الجتماعببي والنسبباني
لشعوبنبا .لذلك نمبى ورسبخ على المدى البعبد عوامبل الضعبف فبي قوى
تحرر وتقدم المجتمبببع وأدى إلى تآكلهبببا ،وهبببو مبببا نشاهده اليوم ظاهرا
للعيان المباشببر فببي النحطاط الثقافببي والسببياسي الرائج وتفاهبة وبدائيببة
خطاببة الفكري وخاصبة صبيغته الدينيبة الرائجبة .وهبل أدل على ذلك مبن
الفتاوى والحاديبببث حول إرضاع الكببببير وجماع الزوجبببة عاريبببة أو
بملبسها وحجاب المرأة أو سفورها ولزومها منزل الزوجية أو خروجها
للعمل والمساهمة في الحياة الجتماعية وعدم جواز إقامة واقتناء التماثيل
وغيرهبببا مبببن عشرات القضايبببا الدالة على النكوص إلى جهالة وطغيان
القرون الوسطى وعصر ما قبل الدولة الحديثة.
ويرجببع السبببب الرئيسببي لسببتمرار وتوطببد سببمة النكوص للماضببي
ولتخاذ الديببن مرجعيببة وحيدة أو رئيسببية للحياة السببياسية والثقافيببة فببي
بلدنببا إلى أن مشروع مقاومببة المبرياليببة والصببهيونية المؤسببس على
ضرورات وقوى التجديببد والتحرر الجتماعببي والسببياسي والثقافببي قببد
تراجبع ببل تفكبك وانهار خلل نفبس الفترة .ل شبك أن التطورات الدوليبة
غيبر الملئمبة التبي حدثبت فبي ذات الفترة قبد دفعبت فبي اتجاه التراجبع
والتفكبك ،لكبن تظبل الوضاع الداخليبة هبي المسبئول الول ،وفبي مقدمبة
هذه الوضاع :السببتراتيجية القتصببادية والسببياسية للطبقببة أو الفئات
الرأسبببمالية المهيمنبببة على القتصببباد وسبببلطة الدولة التبببي تخلت عبببن
المشروع وارتضبت التبعيبة والعيبش فبي كنبف السبتعمار والحدود التبي
يسمح بها من جهة ،والتجاهات التهادنية والتفكيكية التي سادت صفوف
القوى الوطنيببة والديمقراطيببة بعببد هزيمببة 1967والتببي لم تكببف عببن
التخاذل والتراجبع أمام المبرياليبة والصبهيونية حتبى وصبلت مبع احتلل
العراق وحتى الن إلى موقف عدائي وشبه عدائي من المقاومة العراقية
البطلة وموقفهببببا الملتبببببس (بببببل والمريببببب أحيانببببا) مببببن مشروع
"الديموقراطيبة" المريكبي ،مبع اسبتمرار وتجذر موقفهبا النهزامبي مبن
الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
الفصل الثاني
جزر الحركة الجماهيرية وأسبابه الساسية
طوال ثلثة أرباع القرن العشريبن الولى ،على تنوع أو اختلف مراحبل
التطور الجتماعي والسياسي فيها ،كانت مواقف وحركة الجماهير حول
مطالبها القتصادية والسياسية تمر بدورات من المد والجزر ،مرحلة من
النشاط واليقظبة والتصباعد يعقبهبا تراجبع وخمود وركود ،إل أن مرحلة
المبد مبا كانبت لتنهبى بمكاسبب كببيرة أو صبغيرة أو حتبى بدون مكاسبب
وتدخبل الحركبة مرحلة الخمود والجزر لبضعبة شهور أو سبنوات معدودة
إل لتبدأ مببن جديببد مرحلة مببن نشاط ونهوض الحركببة .وخلل الربببع
الراببع مبن القرن لم تتوقبف تمامبا بالطببع احتجاجات وتحركات الجماهيبر
القتصببببادية كالعتصببببامات أو الضراب عببببن قبببببض المرتبات أو
الضراب عبببن العمبببل أحيانبببا ،ببببل وقامبببت بعبببض أحداث وتحركات
جماهيريبة كببيرة بعضهبا اقتصبادي ذا طاببع سبياسي كانتفاضبة 19 ،18
ينايبر ،1977أو ذات طاببع سبياسي كانتفاضبة جنود المبن المركزي فبي
الثمانينيات ،أو سببياسية كهبببة الشهيببد سببليمان خاطببر بمحافظببة الشرقيببة
والجامعات المصبببببرية فبببببي الثمانينيات ،ومظاهرات طلب الجامعات
المصبرية ضبد العدوان المريكبي والثلثينبي على العراق ،1991وهببة
طلب مصببر السببياسية سببنة 2000تضامنببا مببع النتفاضببة الفلسببطينية
الثانيببة "انتفاضببة القصببى" ،ومظاهرات 21 ،20مارس 2003ضببد
الغزو المريكي للعراق ،هذا بخلف النتفاضات المحلية في هذه المدينة
أو تلك ممببا عرف أمنيببا بالحوادث المؤسببفة وأغلبهببا كانببت صببداما بيببن
الشرطبة والجماهيبر الغاضببة إثبر موت أحبد المواطنيبن جراء التعذيبب أو
الضرب حتى الموت على أيدي ضباط المباحث والشرطة.
إل أن الحداث والتحركات الجماهيريبة خلل الثلثيبن عامبا الخيرة بمبا
في ذلك التحركات الكبيرة والسياسية الطابع كانت أحداثا متفرقة منعزلة
عبن السبياق والطاببع العام المقيبم للحركبة وهبو الركود .ولم يكبن أيبا منهبا
حلقة أو بداية أو ذروة لمرحلة أو موجة يقظة وتصاعد تدريجية بطيئة أو
سببريعة ،وإنمببا كانببت ومضات أو شرارات احتكاك أو تصببادم حاد بيببن
مصببالح أو مطامببح أو مشاعببر الجماهيببر وبيببن ممارسببات قوى القهببر
والسببتغلل الداخلي أو قوى القهببر والسببتغلل والعدوان السببتعماري
والصهيوني سرعان ما انطفأت في المناخ الخامل الذي انطلقت فيه .لقد
ازدادت الحركبة النقابيبة العماليبة الرسبمية تعفنبا وبيروقراطيبة ومبن ثبم
انصببياعا للحكومبة وأصبحاب العمال وعداءً للقواعبد العماليبة وانعزال
عنها .أما الحركة العمالية الواقعية النابعة من القواعد والمعبرة عنها التي
بدأت فببي التشكببل والنطلق بإضراب عمال مصببانع أسببكو فببي شبببرا
الخيمة 1968وتصاعدت في السبعينيات من القرن الماضي ،فقد تآكلت
وخمدت فبي أواخبر الثمانينيات والتسبعينيات وغدا أدائهبا متهافتبا وعاجزا
أمام أخطبر العتداءات على الحقوق العماليبة التبي تشهدهبا مصبر خلل
خمسببين عامببا تحببت عناويببن الخصببخصة والمعاش المبكببر وتشجيببع
المستثمرين المحليين والجانب وحماية أمن الدولة ،كما أزداد انصراف
الطبقببة العاملة عببن ،وانحسببار دورهببا فببي ،الحياة السببياسية للمجتمببع
المصببري .وخلل نفببس الفترة كادت تموت بببل ماتببت بالفعببل الحركببة
الطلبيبة ومبن ثبم فقدت القوى الوطنيبة الديموقراطيبة والتقدميبة مصبدر
أسبباسي لنموهببا وتجددهببا بالجيال الجديدة .ول ينال مببن هذه الحقيقببة –
وإنمبببا يؤكدهبببا – بقاء وانفراد الجماعات السبببلمية بالطلب ،فاختزال
مرجعية الدنيا أو السياسة وحصرها في الدين كاختزالها في مرجعية أمن
الدولة يقضبي على حريبة الحركبة والفعبل والمعتقبد والفكبر والنقاش الحبر
والبحببث العقلنببي والعلمببي ،ومببن ثببم على وجود أو نهوض الحركببة
الطلبية بل والحياة الجامعية التي تستحق هذا الوصف.
وخلل نفبس الفترة انخفضبت كثيرا درجبة تسبييس الجماهيبر وتجمدت أو
تقلصبببت قواعبببد الحزاب والمنظمات والقوى الديمقراطيبببة والتقديمبببة
وانسببحب مببن بعضهببا عمليببا أو رسببميا الكثيببر مببن أعضائهببا ،وازداد
عزوف الجماهير عن دعواتها ونداءاتها وتكرس انصراف الجماهير عن
المشاركبببة فبببي النتخابات البرلمانيبببة والمحليبببة .وانتشرت المراكبببز
والجمعيات الهليببة الممولة مببن الخارج التببي تتبنببى كببل منهببا أجندة قببد
يكون بعضها صحيحا إل أنها جزئية ومنفصلة عن النضال الوطني العام
وتحجبب قضايبا اكثبر أهميبة حيبث ل تشجبع حكومات الدول السبتعمارية
ومخابراتهببا ومؤسببساتها وشركاتهببا هذه الجمعيات وتمولهببا إل لغرض
حجببب وإزاحببة القضايببا الجوهريببة والعامببة ضمببن مخططهببا التفكيكببي
للمجتمبع المصبري والمجتمعات العربيبة الذي اتخبذ أخيرا صبيغة الشرق
الوسببببط الكبببببير .كمببببا تغلغلت أيديولوجيات المبرياليببببة والعولمببببة
(المبرياليببة الجماعيببة ) والمركببة فببي الطبقببة الحاكمببة ودائرة واسببعة
نسببيا مبن المثقفيبن والمتعلميبن عببر منظمات المجتمبع المدنبي السبابقة،
وأيضبا وأسباسا ،عببر القنوات الرسبمية الحكوميبة والعلميبة ومراكبز
الدراسببات والبحوث الصببحفية والحكوميببة والهليببة (الممولة أجنبيببا)
وجمعيات ومنظمات كبار رجال العمال والغرف التجاريبببببة ومنظمات
العمال المشتركبة مبع الدول الكببرى ،وكذلك عببر تبعيبة مناهبج وقضايبا
وتوجيهات الدراسببببة والبحببببث الكاديمببببي فببببي الجامعات المصببببرية
للتجاهات الكاديميبة المرتبطبة عضويبا بمصبالح الحتكارات فبي الدول
الكببرى السبتعمارية وبعثات الدراسبة والتدريبب فبي هذه الدول .وأصببح
المشهبد الثقافبي والسبياسي الغالب قببل وبعبد احتلل العراق فبي الوسباط
العلمانيبببة وشببببه العلمانيبببة مشهدا ليبراليبببا يطمبببس المفاهيبببم والحقائق
الساسية للنظام المبريالي العالمي المتجدد ،وتركت بذلك الساحة للتيار
الديني للرد والتصدي لعدوانية النظام المبريالي ،وهو في الحقيقة ل يرد
ول يتصبدى وإنمبا ينجبر ويدفبع بالجماهيبر إلى الوقوع فبي فبخ مبا سبُمي
صبراع الحضارات والديانات بالضببط كمبا يريبد أعداؤنبا السبتعماريون
والصبهاينة تقسبيما لصبفوفنا وتعبئة لشعوبهبم لتأييبد العدوان علينبا بذريعبة
محارببة الرهاب السبلمي .وكبل مبا سببق يجسبد انحسبار وتشوه مفاهيبم
وأسبببباليب النضال الطبقببببي الشعبببببي والعمالي فببببي أشكاله السببببياسية
والقتصبادية والفكريبة ،وانحسبار وتشوه مفاهيبم وأشكال النضال الوطنبي
سببواء على الصببعيد المصببري أو العربببي ،هذا النحسببار والتشوه هببو
المعيار البارز والرئيسبي لجزر وركود الحركبة الجماهيريبة الطويبل فبي
بلدنبا .فمبا هبي السبباب أو المصبادر السباسية التبي أنتجتبه وتعيبد إنتاجبه
حتى الن؟
هناك أربعة مصادر وأسباب أساسية وهي كما يلي :
-1صعود خطاب وطريق الخلص الفردي :
تضافرت عدة عوامبل منبذ منتصبف عقبد سببعينيات القرن الماضبي على
إحياء وصبببعود خطاب وطريبببق الخلص أو الحبببل الفردي بيبببن أفراد
جماهيببر الشعببب .فقببد أصبببح الفرد المصببري يميببل ميل شديدا للنظببر
لمصلحة الفردية وحل مشكلت حياته وتنمية دخله ورفع مستوى معيشته
بمعزل عبن غيره مبن الفراد ،وبعيدا عبن مصبالحهم وعبن حبل أو عدم
حبل مشاكلهبم ورفبع مسبتوى معيشتهبم ،وسبواء كان الفراد الخريبن مبن
نفبس الطبقبة أو الفئة أو حتبى المنشأة التبي ينتمبي هبو نفسبه إليهبا أو مبن
غيرهبببا مبببن طبقات وفئات ومنشآت المجتمبببع الخرى .وبعبارة أخرى
انحسبار أمله أو تعلقبه أو ارتباطبه بحبل مشاكله وتحقيبق مصبلحته الفرديبة
والسرية في إطار وضمن الحل الجماعي الوطني للمشكلت التي يعود
حلهبا بالنفبع على مجموع الشعبب ،أو الحبل الجماعبي الطبقبي للمشكلت
الخاصبة بالطبقبة أو الفئة الجتماعيبة التبي ينتسبب إليهبا .وهبو ممبا يفسبر
جزر الحركبة الجماهيريبة وركودهبا الطويبل سبواء تعلق المبر بقضايبا
النضال الجتماعببي الطبقببي فببي فترة شهدت اعتداءات وانتهاكات كثيفببة
لحقوق أسباسية ببل ومكتسببة مسببقاً للجماهيبر الكادحبة وارتفاعبا حادا فبي
تكاليبف المعيشبة وفقرا نسببيا ومطلقبا مسبتشريا ،أو تعلق المبر بقضايبا
النضال الوطنببي فببي فترة اسببتمر فهببا انتهاك السببيادة المصببرية وفقدان
حريببببة القرار الوطنببببي المسببببتقل مببببن جراء اتفاقيات كامببببب ديفيببببد
السبببتسلمية وعلقات التبعيبببة للوليات المتحدة المريكيبببة وتصببباعد
العدوان المريكي والصهيوني على العالم العربي بأسره.
العوامل التي أحيت وصعدت نفسية وطريق الخلص الفردي هي التالية
:
أ -هزيمة 1967وتداعياتها السياسية السلبية :
فاق هول الهزيمبة كمبا ذكرنبا أسبوأ التوقعات .لكبن جماهيبر الشعبب أببت
التسبليم بالهزيمبة وانتفضبت مبن أعماق القرى إلى قلب العاصبمة مدويبة
"حنحارب" ،مطالبة عبد الناصر بالستمرار في الحكم والمقاومة ،ومع
ذلك خذلتهبا سياسات النظام قبل حرب أكتوبر وخاصة بعدها؛ بتراجعاته
أمام العدو ،وبإصبببراره على مصبببادرة حرياتهبببا ومبادرتهبببا وحركتهبببا
المسبببتقلة ،ففقدت تدريجيبببا روحهبببا المعنويبببة العاليبببة وانفرط التفافهبببا
العريببببض حول أهداف :التحريببببر واسببببتكمال السببببتقلل والسببببيادة
المصببرية ،وبناء القتصبباد الحديببث المعتمببد على الذات وبمببا يضمببن
الحقوق القتصبببادية والجتماعيبببة للطبقات الشعبيبببة كأولويببة للسبببياسة
القتصبادية والجتماعيبة للدولة ،وعلقات الرتباط الحيوي بيبن اسبتقلل
ورقببي مصببر وتقدمهببا وبيببن تحريببر فلسببطين والدول العربيببة مببن أي
احتلل أو تبعيبة للسبتعمار .لقبد صبدمت الجماهيبر بوهبم القوة العسبكرية
التبي أسببغها إعلم النظام على نفسبه ،إل أن مبا أضعبف تباعبا المعنويات
العاليبة التبي احتفظبت بهبا الجماهيبر رغبم هذه الصبدمة وأسبلمها لنفسبية
الخلص الفردي هو تراجعات النظام ذاته عن مشروعه وثوابته السابقة
فضل عبن تمسبكه بسبياسة مصبادرة حريات الجماهيبر ومبادرتهبا تحبت
شعار ل صوت يعلو على صوت المعركة.
كان الحفاظ على المعنويات النضاليبة والميول الثوريبة للجماهيبر يقتضبي
عندئذ طرح وبروز مشروع بديبببببل للتحريبببببر والتطور القتصبببببادي
والسبياسي المسبتقل والتقدم والتحرر الجتماعبي .إل أن القوى المفترض
صبلحيتها لطرحبه وبناء التفاف جماهيري حوله – بعبد تراجبع نظام 23
يوليبو السبياسي – وهبي القوى الشعبيبة والشتراكيبة ،كانبت قبد تفككبت
تحبت ضربات النظام وأيدت أغلبيبة قادتهبا وكوادرهبا السبابقة اسبتراتيجية
النظام؛ إزالة آثار العدوان والحبببل السبببلمي وقرار مجلس المبببن /242
.1967وحتبى عندمبا عادت لتنظيبم نفسبها مجددا بعبد وفاة عببد الناصبر
واصبلت نفبس الموقبف تحبت تأثيبر ذيليتهبا للناصبرية وتبعيتهبا الفكريبة
للسببوفييت الذيببن كانوا قببد تخلوا منببذ سببنوات طويلة عببن خببط المقاومببة
والتحرير .حقا لقد ظهرت – ومن قبل الهزيمة – مجموعة من بين أشلء
الحركببة الشيوعيببة ونشطببت مببن قبيببل الهزيمببة وفور وقوعهببا للدعوة
لسبتراتيجية حرب تحريبر تعتمبد على الجيبش الوطنبي والشعبب المسبلح
معا ،إل أنها حوصرت من قبل رفاقها السابقين ومن النظام الذي طاردها
ونكل بها في المعتقلت ومصادر دخلها ومعيشتها.
قامبت اسبتراتيجية مواجهبة الهزيمبة وتحبت شعار إزالة آثار العدوان على
سببياسة الحببل السببلمي وفقببا لقرار مجلس المببن 1967 /242وتأكيده
بالقرار ،1973 /338وهبو قرار يكافببئ العدو على عدوانببه بالعتراف
بإسبرائيل واغتصباب أراضبي 1948والمرور فبي قناة السبويس وخليبج
العقبة مقابل النسحاب من "أراضي" وليس "الراضي" المحتلة 1967
بمبا يسبمح بضبم أراضبي أو تجريبد الراضبي التبي تنسبحب منهبا إسبرائيل
مبن السبلح المصبري والعرببي ووجود قوات دوليبة وأمريكيبة بهبا كمبا
حدث في النسحاب من سيناء فيما بعد .وشملت سياسة الحل السلمي من
المنظور المصببري الرسببمي إعادة بناء القوات المسببلحة لخوض جولت
قصبيرة ومحسبوبة مبن القتال ضبد احتلل سبيناء لفتبح طريبق المفاوضات
كلمبا أغلقهبا العدو بشروطبه المشددة ،كمبا أدت إلى تقويبة الميبل لمهادنبة
أمريكا تحت شعار تحييدها وتشجيعها على الضغط على إسرائيل ،إل أن
الخطببر مببن قبول هذه التنازلت رغببم خطرهببا البالغ هببو تداعياتهببا
السببياسية الكثببر انهزاميببة والتببي أدت فببي عهببد السببادات ومبارك إلى
تنازلت سببياسية وعسببكرية لسببرائيل وأمريكببا تجاوزت إلى حببد بعيببد
التنازلت التببي أظهرتهببا نصببوص القراريببن .338 ،242فقببد خلقببت
مهادنببة أمريكببا والتنازل التاريخببي الفادح أمام الكيان الصببهيوني بعببد
الهزيمبة – وفبي ظبل وضبع سبياسي داخلي يفتقبد للجماهيبر المنظمبة فبي
أحزاب ومنظمات وطنيبببة ديموقراطيبببة وثوريبببة – الترببببة السبببياسية
والفكريبببة والملئمبببة لبعبببث القوى الرجعيبببة السببباعية لللتحاق بعجلة
السبببتعمار المريكبببي وإعادة تدعيبببم وضبببع ومصبببالح كبار الملك
الزارعيبن والرأسبمالية الكببيرة مبن جهبة ،وبعبث القوى الرجعيبة الخرى
الداعيبة للسبلفية السبياسية الدينيبة مبن جهبة أخرى .وقبد سباهم هذا البعبث
الرجعببي بدوره الهام فببي إحباط الجماهيببر وإضعاف ميولهببا النضاليببة
والثوريبببة وأسبببلمها لنفسبببية الخلص الفردي ،ول فرق كببببير مبببن هذه
الزاويببة بيببن الرجعيببة السببياسية الدينيببة وغيببر الدينيببة فخطاب السببلم
السياسي يعد بمعنى من المعاني خطابا للخلص الخلقي الفردي.
كان تنفيبذ شروط القرار 242على الجانبب المصبري والعرببي يصبطدم
بوجود قوى وطنية ثورية فلسطينية ومصرية وعربية تنتهج استراتيجية
حرب التحريببر ،إلى جوار وجود قوى وطنيببة وسببطية مببن ناصببريين
وقومييبن عرب وشيوعييبن مبن المدرسبة السبوفيتية يدعون بإمكانيبة الحبل
السلمي وتنفيذ قرار مجلس المبن 242دون اللتحاق فبي نهايبة المطاف
بركبب أمريكبا أو السبتسلم لسبرائيل!! ،هذا بخلف الخوان المسبلمون
وجماعات إسبببلمية أخرى لم تعبببر آنذاك أدنبببى اهتمام بمواجهببة وطرد
الحتلل وإنما ركزت جهودها على تدعيم وجودها ونفوذها مستفيدة من
الضعببف النسبببي للنظام الذي ألحقتببه بببه هزيمببة .1967وقببد أسببفرت
الصبراعات السياسية بين هذه التجاهات المتعارضة – والتي نشببت فبي
وضببع سببياسي غابببت فيببه ول تزال الحزاب والمنظمات الجماهيريببة
الممثلة للطبقات الشعبيببة – عببن صببعود وسببيطرة أكثببر القوى والكتببل
الطبقيببة السببياسية اسببتعدادا للخضوع للسببياسة المريكيببة والسببتسلم
للمشروع الصهيوني ،مما فاقم بدوره انصراف الجماهير عن الشان العام
الوطني والطبقي واستسلمها لنفسية وطريق الخلص الفردي.
ب -الفقار مع نزع وسائل النضال :
يخطئ الليبراليون عندما يتباكون على عصر ذهبي للحرية والديمقراطية
تحبت سبلطة الحتلل البريطانبي والقصبر الملكبي .فلم تقبم ول يمكبن أن
تقوم ديموقراطيببة تحببت الحتلل .فمببا حدث هببو أن جماهيببر الشعببب
انتزعببت مدى واسببعا نسبببيا مببن الحريات بنضالهببا وخاصببة أثناء ثورة
1919المجيدة وخلل عقبد الربعينيات .وكانبت هذه الحريات تتعرض
دائما لعتداءات وانتهاكات السلطة ويقاومها الشعب في سجال لم يتوقف
إلى أن حدثببت مؤامرة حريببق القاهرة 26ينايببر ،1952ثببم قيام حركببة
الضباط الحرار بالسبتيلء على السبلطة فبي 23يوليبو 1952وتأسبيس
نظام 23يوليو .إل أنه من الثابت تاريخيا أن نظام 23يوليو قد بدأ مبكرا
جدا في انتهاك الحريات النسبية المكتسبة سابقا .فمنذ أغسطس 1952بدأ
بأقصببى وسببائل العنببف والقهببر نزع وسببائل النضال العمالي ووسببائل
الكفاح المطلببي لفئات الشعبب المختلفبة بإعدام العامليبن الشهيديبن خميبس
والبقري بعبد محاكمبة صبورية عسبكرية فبي كفبر الدوار عقاببا وإرهاببا
لعمال كفر الدوار الذين اضربوا عن العمل ولعمال مصر كلها.
كما سعى منذ اليام الولى لفرض العسكريين (طعيمة والطحاوي) على
الحركبة النقابيبة العماليبة وإفسباد القادة النقابيين ورشوة الصبفر منهم (كما
حدث في أزمة مارس 1954وغيرها من المناسبات) واعتقال عددا من
خيرة القادة النقابيين الشرفاء والمؤسسين في الفترة .1954 – 53إل أنه
رغبم هذه الجراءات التعسبفية والبوليسبية وغيرهبا الكثيبر لم ينجبح النظام
تمامبا آنذاك فبي ضرب وحصبار الحركبة النقابيبة العماليبة ،رغبم مواصبلة
مطاردة النقابييببببن المناضليببببن وقمببببع الضرابات العماليببببة بالدبابات
(إضراب مصببانع الشوربجببي فببي إمبابببة) ،ومحاولة عزل وتصببفية
النقابات العامببببة المشكلة خارج المصببببانع وإحلل النقابات المصببببنعية
محلها تسهيل لمهمة الدارة والمن في السيطرة على قياداتها أو التنكيل
بهبا ،وبرغبم تدخبل الحكومبة المباشبر و الكثيبف فبي تشكيبل التحاد العام
( )1956واتحاد العمال العرب (.)1957 لنقابات عمال مصر
الخطوة الفعالة لنجاح النظام فبي إحكام قبضتبه على الحركبة النقابيبة وكبل
المنظمات الشعبيببة هببي القرار رقببم 8لسببنة 1958باشتراط العضويببة
العاملة للتحاد القومببي (ثببم التحاد الشتراكببي لحقببا )1961للترشيببح
لعضويببة مجلس إدارة أي منظمببة نقابيببة أو أي منظمببة وهيئة تمثيليببة
منتخبببببة .وتوالت إجراءات وخطوات نزع أسببببلحة ووسببببائل النضال
العمالي والشعبببي فاعتقببل تقريبببا كببل النقابييببن العمالييببن والمناضليببن
والشرفاء ضمبن العتقالت الكببرى لعضاء وأنصبار الحركبة الشيوعيبة
المصببرية ( ،)1964 -1959والتقليببس التدريجببي للتصببنيف النقابببي
للنقابات العامة الذي بدأ بب 64نقابة ليصل اليوم إلى 23نقابة فقط تجمع
النقاببة العامبة الواحدة منهبا فبي عضويتهبا مهنبا وأعمال غيبر متجانسبة أو
متشابهبة أو مترابطبة ،ممبا يضعبف وحدة عمال النقاببة العامبة وتضامبن
نقاباتهبا الفرعيبة ولجانهبا النقابيبة ،ويسبهل مهمبة أمبن الدولة وأصبحاب
العمال في السيطرة على الحركة النقابية وإخضاعها وإنهائها كمنظمات
كفاحيبة للعمال والجراء ،ومواصبلة صبارمة لمصبادرة الحريات النقابيبة
والعامة.
إل أنبه – ومبن الوجبه الخبر – ورغبم تمكبن النظام الناصبري مبن تصبفية
الحركبة النقابيبة المسبتقلة وتحويبل النقابات واتحادهبا العام إلى جهاز مبن
أجهزة الدولة للسبيطرة على حركبة الجراء وقمعهبا وبالتالي نزع وسبائل
النضال المنظبببم الجماعبببي والنقاببببي مبببن أيدي الطبقبببة العاملة (وكذلك
الطبقات الشعبيبببة الخرى) ،فقبببد ظلت نفسبببية (ببببل عقليبببة) الخلص
الجماعبي (خلص الوطبن مبن السبتعمار والتبعيبة السبتعمارية والتخلف
القتصادي والجتماعي ،وخلص الطبقات الشعبية من شروط وظروف
العمبل المجحفبة ومبن الفقبر وفوارق الطبقات والسبتغلل "التطلع للحبل
الشتراكبي") هبي السبائدة فبي صبفوف الطبقبة العاملة والطبقات الشعبيبة
الخرى حتببى أواخببر عقببد السببتينيات .ومرجببع ذلك السبباسي أن النظام
الناصببري كان ل يزال يحقببق للطبقات الشعبببة والمتوسببطة مكتسبببات
اقتصبادية واجتماعيبة مبن جهبة وأنبه كان يتبنبى "رسبميا" أهداف الشعبب
فبي مقاومبة السبتعمار والصبهيونية وتحريبر فلسبطين والوحدة العربيبة
والتصببنيع والسببتقلل القتصببادي والتقدم الجتماعببي ويدغدغ -بغبض
النظببر عببن جديببة وصببلحية سببياساته وتنظيماتببه فببي هذا الشأن – حلم
العمال والفلحيبن الفقراء وسبائر الطبقات الشعبيبة فبي العدل الجتماعبي
بمفهوم عصرنا وهو الشتراكية ،وأن الجماهير كانت بدورها تعتقد إلى
حببد ملموس بمصببداقية النظام وخاصببة قائده عبببد الناصببر رغببم أسببلوبه
الفردي والديكتاتوري في الحكم.
منذ بداية السبعينيات وحتى الن ،وإضافة إلى التداعيات السلبية لهزيمة
– 1967وخاصة تراجعات النظام المتوالية أمام أمريكا وإسبرائيل التي
أشرنببا إليهببا سببابقا – وإلى اسببتمرار تحويببل الحركببة النقابيببة العماليببة
الرسمية إلى أداة للحكومة وأمن الدولة وأصحاب العمال والقمع العنيف
للضرابات والحتجاجات العماليبة ومصبادرة الحريات النقابيبة والعامبة
تحبببت شعارات دولة المؤسبببسات وسبببيادة القانون والتعدديبببة الحزبيبببة
المشوهة ،نقول إضافة إلى كل ذلك تكاثرت عمليات بل وسياسات الدولة
لفقار الجماهيبببر العماليبببة وصبببغار المواطنيبببن ومتوسبببطيهم والفئات
الكادحببة الخرى فببي الحضببر والرياف .تضخمببت السببعار بصببورة
فاحشبة ومتواصبلة مبع الثبات النسببي للجور والمرتبات النقديبة فانهارت
بصبورة متواصبلة الجور الحقيقيبة وقيمبة الدخول النقديبة الثابتبة ،وتنامبي
عجببز الجهاز النتاجببي والقتصببادي عببن اسببتيعاب العاطليببن والزيادة
السنوية في قوة العمل ،وتهافتت سياسة تشغيل العاطلين والخريجين ،ثم
تم إلغاء التزام الدولة بتعيين الخريجين وتخليها عن مسئوليتها في تشغل
العامليببن وإلقائهببا على عاتببق القطاع الخاص الذي لم يسببتوعب أعدادا
ملموسبة منهبم ،وتدهورت الخدمات السباسية وارتفعبت تكلفتهبا وتفاقمبت
أزمببة السببكان وفاق حلهببا قدرة الطبقات الشعبيببة والمتوسببطة وخاصببة
الشباب حتببى صببارت الجور والمرتبات الحقيقيببة للغالبيبة السبباحقة مبن
السبكان ل تكفبي مجرد بقاء الفرد وأسبرته على قيبد الحياة .وغدا العتماد
على أجر أو مرتب الوظيفة أو دخل المزارع القزمية الصغيرة للفلحين
الفقراء وأجور عملهم عند الغير يساوي التضور جوعا ،فما بالك بنفقات
التعليم والصحة وزواج الجيال الجديدة من الشباب والشابات.
في ظل هذه الوضاع المتدهورة والبائسة وإزاء فقدان الجماهير الكادحة
المقهورة وسببائل وأسببلحة النضال الجماعببي وغياب المنظمات النقابيببة
والديموقراطيبة المناضلة والمقاتلة دفاعبا عبن الكادحيبن ،كان نمبو نفسبية
الخلص الفردي والندفاع نحو تلمس سبل الحلول الفردية أمرًا ل مجال
لتجنبه بالعمل في مهنة ثانية أو وظيفة ثانية وثالثة .وامتد بذلك يوم العمل
للكادح المصبري إلى 18 ،15سباعة لمجرد تلبيبة احتياجاتبه الضروريبة،
اللهببم إل إذا وجببد فرصببة هجرة للعمببل بالخارج تاركببا ذويببه للمجهول
وأسببوأ الحتمالت قبببل أن يأتيهببم بالدخببل الذي يحافببظ على أو يرفببع
مستوى معيشتهم.
جب -الهجرة وتصدير العمالة المصرية :
حلم الثراء والحراك الطبقي إلى مصاف الطبقة الرأسمالية أو على القل
إلى مصباف البرجوازيبة الصبغيرة الميسبورة كان هبو دافبع العدد القليبل
للمهاجريبن المصبريين فبي الخمسبينيات والسبتينيات مبن القرن الماضبي
إلى أمريكا الشمالية واستراليا وغرب أوربا ،وكذلك كان دافع بعض من
سببافروا بعببد طفرة أسببعار البترول 1973إلى السببعودية ومشيخات
الخليبج .أمبا منبذ 1974وحتبى أوائل عقبد التسبعينيات فقبد تدفبق ملييبن
المصبريين للعمبل فبي البلد العربيبة البتروليبة ببل وغيبر البتروليبة التبي
كانت تفتقر إلى العمالة المصرية النشيطة الرخيصة الجر لمجرد توفير
مصبدر للوفاء باحتياجاتهبم الضروريبة ،بعبد أن عزت فرص العمبل فبي
بلدنا المصرية للعاطلين وخاصة بعد أن أصبحت دخول المشتغلين منهم
مبن وظائفهبم أو أعمالهبم الصبغيرة المسبتقلة أقبل فبي قوتهبا الشرائيبة ممبا
يقيبم الود أو يوفبر الحياة الدميبة الكريمبة أو المسبتورة .وباتبت القاعدة
المرعية السائدة اجتماعيا وثقافيا في الطبقات الشعبية والفقيرة في الريف
والمدن ،أن على الشاب الذي يبلغ سن العمل متعلما أو لم يكمل تعلميه أو
أميا أن يتغرب في أحد البلد العربية أو الجنبية ليكمل ما ينقص أسرته
مبن نفقات العيبش الضروريبة أو توفيبر حياة كريمبة لهبا فضل عبن توفيبر
نفقات زواجبه وتأسبيس أسبرته الخاصبة .وغدا الحبل فبي الخارج لمبن يجبد
فرصة لذلك من جهة أو العمل طول الوقت في الداخل إن وجد الفرصة
لذلك أيضببا مببن جهببة أخرى ،هببو الملذ الوحيببد للوفاء بمتطلبات حياة
السبر المصبرية .ومبن الثاببت تاريخيبا أن الدولة تبنبت رسبميا فبي أوائل
1974ضمببن سببياسة النفتاح القتصببادي التببي أعلنهببا وزيببر القتصبباد
وحدد خطواتها الساسية تصدير العمالة المصرية للخارج كتوجه رئيس
لسبياسة تشغيبل العاطليبن ولكبل مبن ل يقببل أن يرضببى براتببه أو دخله
الهزيببل مببن عمله .لذلك أصببح الحببل خارج مصببر أو خارج المنشأة أو
المهنببة الصببلية التببي يعمببل بهببا المشتغلون مببن العامليببن ،وبالمخالفببة
لقوانيببن الدولة والقطاع العام والخاص التببي تحظببر العمببل عنببد الغيببر
وبتشجيبع مبن الدولة أو غبض الطرف مبن جنابهبا ،هبو المصبدر السباسي
للدخبل الذي يعتمبد عليبه الكادحون مبن عمال وموظفيبن وفلحون فقراء.
أدى ذلك فبي آن واحبد لطلق وتعميبم منحنبى الحبل أو الخلص الفردي
وإلى سبحب جهبد كببير مبن قوة العمبل المصبرية نسببة هامبة منهبا عمالة
ماهرة وعاليببة التدريببب مببن دورهببا فببي بناء القتصبباد المصببري ،وإلى
إضعاف أداء وإنتاجيببة العمببل فببي المنشآت القتصببادية المصببرية وفببي
الجهاز الداري للدولة ،و انتشار الفسبببباد المالي والداري فيهببببا ،وبات
العامليبن فبي هذا الجهاز وتلك المنشآت ل يركزون بالهبم ومبن ثبم جهدهبم
فبي أعمالهبم فبي منشآتهبم ،بقدر مبا يتطلعون ويتحينون الفرص إمبا للسبفر
للخارج أو توفيبر جهدهبم فبي الدارات أو المنشآت التبي يعملون فيهبا فبي
الصبباح أو الورديبة لصبالح العمبل الثانبي والثالث الضافبي مسباء أو بعبد
انتهاء الورديببة فببي عملهببم الصببلي .ومببن النتائج التببي ترتبببت على
استشراء هذه الميول الفردية والنسحابية بين جماهير العاملين انصرافها
عبن طريبق التضامبن والنضال المشترك لبناء الطبقبة أو المهنبة الواحدة
دفاعا عن حقوقها ،وكذلك ضعف دفاعها والتفافها حول الهداف الوطنية
والقوميبة فبي التحرر الوطنبي الفعلي والديموقراطيبة والتقدم القتصبادي
والجتماعي.
د -سياسة نشر أيديولوجية الحل الفردي :
لم ينتشبر مسبعى الحبل أو الخلص الفردي بصبورة عفويبة نتيجبة لعوامبل
موضوعيببة (الفقببر وفرض الحلول الفرديببة كالهجرة...الخ) فحسببب بببل
وأيضا – وأساسا – بصورة معتمدة واعية أيديولوجيا وساعية قصدا إلى
النتائج السياسية التي ترتبت على انتشاره وهيمنته على غالبية الجماهير.
فإلى جوار السببياسات المقررة لنزع وسببائل النضال النقابببي والمطلبببي
وسبياسة تصبدير العمالة كتوجبه رئيبس لتشغيبل العامليبن والزيادة السبنوية
فبي قوة العمبل غذت الدولة أيديولوجيبة (ذهنيبة) الخلص الفردي وعملت
على نشرها في الثقافة الجماهيرية .تطري وسائل العلم الرسمية – منذ
السببعينيات وحتبى الن – وتدعبو العامليبن الجراء إلى اسبتكمال الدخول
الضروريبة لمعيشتهبم باحتراف مهنبة إضافيبة أو القيام بعمبل إضافبي إلى
جوار الوظيفبة الصبلية ،وتروج نموذج الحراك الطبقبي الفردي الصباعد
و"الشطارة" فبي تحقيبق الثراء الفردي وانتهاز فرصبة .وتعددت البرامبج
التلفزيونيبببة والذاعيبببة فبببي إطار هذا التوجبببه سبببواء بالدعوة المباشرة
الصببريحة أو عبببر الدرامببا التلفزيونيببة والذاعيببة (المسببلسلت) .عملت
سبببياسات الدولة – ول تزال – على تغييبببر بعبببض القيبببم الجتماعيبببة
اليجابيبة والجماعيبة التبي كانبت قبد سبادت نسببيا فبي المجتمبع المصبري،
كاحترام العلم والتعليبم ،والجتهاد والتقان والكيبف فبي العمبل قببل الكبم،
ونبببذ الفرديببة المفرطببة والنتهازيببة والتقديببر العالي نسبببيا للتضامببن
والمصببالح المشتركببة بيببن أبناء الطبقببة أو الفئة الجتماعيببة أو المهنببة
الواحدة ،وإعلء شأن التحرر الوطنبببببي والعزة الوطنيبببببة والقوميبببببة
واللتفاف حول التوجببه السببياسي والقتصببادي والجتماعببي الذي يعود
بثماره على مجموع الشعبب ل على الفئة أو الطبقبة التبي تسبتغله وتقهره
وحدها.
شجعت أجهزة الدولة – ومن قمة السلطة أيضا – النتهازية أو استغلل
معاناة الجماهير في تحقيق الثراء الفردي بل والفساد عمدا ،وليس بمجرد
غبض الطرف عنبه .فرئيبس الجمهوريبة فبي السببعينيات قال بعبد انتفاضبة
19 ،18يناير 1977أنا عملت للبلد سعر الشقة اللي كان ثمنها كذا ارتفع
ثمنها إلى كذا....الخ ،كما برر في مناسبة أخرى ودافع عن الفساد المالي
والتجاري الذي انتشبببر معتببببرا له كطريقبببة عاديبببة فبببي مرحلة إحياء
الرأسبمالية المصبرية ،وعلى أسباس أنبه مسبتقبل سبتستخدم الموال التبي
تراكمت بهذه الوسائل البدائية والفاسدة بالطريقة المعتادة والمشروعة في
التراكم الرأسمالي ( أي سيتم غسلها باللغة الحالية) .لكن الفساد والوسائل
غير المشروعة والهمجية لم تتوقف حتى الن بل انتشرت ،وكلما زكمت
رائحتها النوف تقدم الدولة من آن لخر كبشا أو بضعة أكباش فداء دون
تضببع حدا للسببياسات واليديولوجيببة التببي تعيببد النتاج الموسببع للفسبباد
والسلب والنهب الفج والمباشر.
هذا ويشكببل توجببه انسببحاب الدولة مببن دورهببا المباشببر فببي القتصبباد
وخطاب الخصببببببخصة ،وخطاب المشروع الخاص الصببببببغير لشباب
الخريجيبببن والعاطليبببن كتوجبببه الدولة الرئيسبببي لتشغيبببل الخريجيبببن
والعاطليبن ،وإلقاء مسبئولية التشغيبل وحبل مشكلة البطالة المتزايدة على
عاتببق القطاع الخاص مكونات هامببة وأسبباسية فببي أيديولوجيببة وثقافببة
الخلص الخاص والفردي.
ومبن الواضبح أن نشبر ذهنية الخلص الفردي وآليات تفعليها كان شرطبا
لزمببا وملزمببا للسببياسة المصببرية والعربيببة النهزاميببة أمام الكيان
الصبببهيوني والتبعيبببة السبببياسية والعسبببكرية لمريكبببا خاصبببة والقوى
الستعمارية العالمية عامة.
-2التفكيك الفكري السياسي ،والجتماعي :
أُخضببع الشعببب المصببري طوال أكثببر مببن ثلثيببن عاماً – ول يزال –
لعمليات تفكيك فكري وسياسي استهدفت وطالت وعيه بروابطه الوطنية
والقوميبة الجامعببة لوحدتببه الوطنيببة ولعروبتببه ،ووعببي طبقاتببه الكادحببة
بمصببالحها المشتركببة ،ووجود وفعاليببة أشكال التنظيببم ووسببائل النضال
التي تعبر أو تحاول التعبير عن هذه الطبقات في السبعينيات والثمانينيات
من القرن الماضي رغم وجودها المحدود والمضروب عليه الحصار في
تلك الفترة ،كما استهدفت وفككت إلى حد كبير الوعي بحزمة السياسات
والعلقات الضروريبببة للتطور السبببياسي والقتصبببادي والجتماعبببي
والثقافي.
كمبببا جرت – ول تزال – لشعبنبببا عمليات تفكيبببك اجتماعبببي اسبببتهدفت
ونجحببببت – إلى حببببد كبببببير – فببببي الضرار بالقاعدة الموضوعيببببة
(القتصادية – الجتماعية) لنضاله السياسي الوطني والطبقي والنضال
النقاببي؛ أي الضرار بإمكانات التطور والنمبو القتصبادي التبي تملكهبا
بلدنبا (فتزداد نسببة المهمشيبن مبن الشعبب) ،والضرار بوضوح وتبلور
الوضعيببة الطبقيببة ا لعماليببة خصببوصا والجيرة عمومببا ( حيببث يشكببل
الجراء العمود الفقري لي حركبببة جماهيريبببة ناهضبببة ) وذلك بإكراه
العامببل أو الموظببف الصببغير فضل عببن سببائر الفقراء – ومببن أجببل أن
يحصبلوا علي الحبد الدنبي للمعيشبة – علي الدخول فبي أكثبر مبن علقبة
مبن علقات النتاج والكسبب ،وهبو إكراه يفقبد فيبه العامبل تركيبز جهده
علي مهنة أو منشأة واحدة وتتجاذبه مصالحه الموزعة بين أكثر من جهة
فيتآكبببل انتمائه لجماعبببة عمبببل محددة واحدة فتتآكبببل بدورهبببا رواببببط
التضامبن والتعامبل التبي ينشبأ على أسباسها النضال النقاببي وكبل نضال
عام.
أ -التفكيك الفكري والسياسي :
فعلى الصببعيد الفكري والسببياسي أطلقببت وروجببت السببلطة السببياسية
المصرية والفئات الجتماعية التي تمثلها منذ أكثر من ثلثة عقود وحتى
الن – وبدعببم مببن المبرياليببة المريكيببة والكيان الصببهيوني – خطاباً
لتفكيك العلقات والرتباطات الضرورية والتي كانت قد تشكلت إلى حد
ملموس فبي مراحبل كفاح شعبنبا السبابقة فبي ذهنبه ووجدانبه بيبن السبيادة
والكرامببة الوطنيببة وبيببن التطور والتقدم القتصببادي والجتماعببي ،بيببن
التحرر الوطنبي الكامبل وبيبن التقدم القتصبادي والعدل الجتماعبي ،بيبن
الستقلل والمن القومي المصري وبين تحرير فلسطين والدول العربية
المحتلة أو الخاضعبة للتبعيبة السبتعمارية .الدافبع لترويبج هذه التوجهات
التفكيكيببة وكمببا هببو واضببح ،أغراض سببياسية مباشرة انهزاميببة تمريراً
وتبريراً للصلح الستسلمي مع "إسرائيل" وعلقات التبعية القتصادية
والسبياسية والعسبكرية لمريكبا خاصبة والدول السبتعمارية عامبة .وقبد
شمببل الخطاب وآليات نشره ترويببج أيديولوجيببة الخلص الفردي كمببا
ذكرنبا سبابقاً وأيديولوجيبة الخلص القطري (مبن القطبر) المصبري وهمبا
ل تحملن أي خلص للشعب بأي معنى حقيقي.
لم يقببف المببر عنببد هذا الحببد فقببد تبلور وراج خطاب تفكيكببي عالمببي
بمصبباحبة وفببي أعقاب سببقوط دول أوروبببا الشرقيببة والتحاد السببوفيتي
وانطلق اسببتراتيجيات السببيطرة السببتعمارية والهيمنببة المريكيببة مببن
عقالها وصعود ورواج أنماط التفكير ما بعد الحداثي([ )]2بإجاباته غير
العقلنيبة والتفكيكيبة على السبئلة التبي طرحهبا هذا السبقوط وإعادة قراءة
إنجازات الفترة مببن منتصببف القرن التاسببع عشببر وحتببى الن (مرحلة
الحداثبة) .وقبد وظفبت المبرياليبة الجابات مبا بعبد الحداثيبة فبي مخططهبا
التفكيكببي الشامببل الموجببه ضببد أمببم وشعوب وطبقات العالم المسببتغلة
والمضطهدة بوجبببببه عام والبلدان المسبببببتهدفة بمخططات السبببببيطرة
السببتعمارية المباشرة بوجببه خاص كالبلد العربيببة والسببلمية ،بحكببم
موقعهببا السببتراتيجي الحاكببم على خريطببة الكرة الرضيببة وحيازتهببا
لكبر احتياطي للبترول ،وروجته في مصر – كما في الدول الخرى –
بد ًء بالمثقفيبن والسبياسيين ،فأنتشبر بدرجات ومسبتويات وأشكال مختلفبة
فببي التيارات الفكريببة والسببياسية المختلفببة دامجببا داخله خطاب التفكيببك
المحلى الذي كانبت تروجبه مبن قببل السبلطة السبياسية وأجهزتهبا الثقافيبة
والعلمية،
وتببم النتشار بطريقببة مزدوجببة عفويببة مببن جهببة وتنظيميببة واعيببة
أيديولوجية من جهة أخرى .فقد سمح الضطراب الثقافي والسياسي الذي
شهده عالمنببا عشيببة وغداة انهيار التحاد السببوفيتي بملء الفكببر غيببر
العقلنبي والتفكيكبي الرائج الفراغ الفكري الناشبئ عبن النهيار مبن جهبة،
ل لترويجبه كمبا تبنبت قوى الرأسبمالية العالميبة (المبرياليبة) مخططًا شام ً
ووضعبه قيبد التنفيبذ الموسبع فبي المجتمبع المصبري والمجتمعات العربيبة
وغيرهبا مبن الدول المتخلفبة والتابعبة ضمبن طور جديبد مبن المبرياليبة
يعيد إخضاع ما يمكن إخضاعه للستعمار القديم مرة أخرى.
روجببت المبرياليببة ودوائرهببا الكاديميببة والثقافيببة ووسببائل إعلمهببا
مقولتهببا المخربببة والمفككببة لوعببي ونضال الشعوب والمببم المضطهدة
تحت عناوين العولمة والديمقراطية وحقوق النسان والقليات مثل :فك
الرتباط بيبن الجغرافيبا والسبمات المحليبة والقوميبة وبيبن تطور العلقات
الجتماعيبة الداخليبة ،تفكيبك مفهوم السبيادة الوطنيبة ومفهوم ودور الدولة
الوطنية ،فك حزمة السياسات والعلقات الضرورية والمترابطة للتطور
السياسي والقتصادي والجتماعي وإحالتها إلى أجندات صغيرة منعزلة
وحلقات منفصلة عن بعضها البعض ؛ الطفل ،المرأة ،البيئة ،النتخابات
التعدديببة وتداول الحكببم كمرادف للديمقراطيببة ،حقوق النسببان الفرديببة
المنفصببلة عببن شروط كسبببها ...الخ ،هذه المقولت والجندات التببي ل
تستهدف إل حجب السياسات والممارسات المسئولة عن تردي أوضاعنا
السبياسية والثقافيبة وتخلف وتدهور أوضاعنبا القتصبادية والجتماعيبة.
ل لترويببج خطابهببا التفكيكببي كمببا أنشأت المبرياليببة الليات المتعددة أو ً
السبتعماري عببر الدراسبات والبحوث "العلميبة" المزعومبة ،ومنظمات
المجتمبببع المدنبببي الممولة أجنببببياً والتبببي تسببباهم علوة على ذلك فبببي
اسبببتقطاب وإفسببباد بعبببض عناصبببر الحزاب والجماعات أو الحلقات
الديمقراطيببة والشتراكيببة ،وإعادة تدريببب وتأهيببل الكوادر الصببحفية
والعلميببة والكاديميببة والثقافيببة والقانونيببة والداريببة والقتصببادية
لتسببتوعب وتردد وتروج اليديولوجيببة المبرياليببة الجديدة ،وثانياً إنشاء
آليات تفرض هذا الخطاب – إذا تطلب المبببببببببر – عببببببببببر العقوبات
القتصبادية والسبياسية أو تدبيبر النقلبات أو التدخبل العسبكري المباشبر
بذرائع التدخببل النسبباني وفرض احترام حقوق النسببان أو القليات أو
نشببر الحريببة والديمقراطيببة كمببا يزعببم قادة أمريكببا وغيرهببا مببن الدول
السببتعمارية .ودخببل مخطببط التفكيببك الوافببد طور جديدًا مباشراً وأكثببر
توسببعًا بعببد احتلل العراق بطرح وبدء تنفيببذ مشروع الشرق الوسببط
الكببير واسبتهدافاته الكببرى فبي تفكيبك الهويبة الوطنيبة والقوميبة العربيبة،
وتوطيد بناء ركائز محلية اجتماعية سياسية أيديولوجية للسيطرة الجنبية
وللتبعية الستعمارية عبر إطلق العنان لليات السوق الحر (المتوحش)
وتشكيبل أو دعبم قيام ونمبو أحزاب وجماعات سبياسية تتنافبس فيمبا بينهبا
في إطار الخضوع والتبعية للمبريالية المريكية والعالمية.
ولعبل ممبا يؤكبد تسبرب وانتشار تأثيبر الخطاب والمخطبط التفكيكبي فبي
صبفوف الحزاب والقوى والجماعات الوطنيبة الديمقراطيبة والتقدميبة –
وليس الليبراليين الجدد وغيرهم ممن يقبلون بعلقات التبعية الستعمارية
وحدهم – هو طرح الكثيرون من المنتسبين لتلك الحزاب والقوى قضية
الديمقراطيببة والنضال مببن أجلهببا بمعزل عببن القضايببا والصبببراعات
السباسية الخرى ،والتبي ل يمكبن كسبب الديمقراطيبة بدون إحراز تقدم
ملموس وحاسبم على طريبق النضال لحلهبا ،وخاصبة قضايبا النضال ضبد
العدو المريكبي والكيان الصبهيوني وضبد التبعيبة للمبرياليبة المريكيبة
والعالميبة ،وقضايبا النضال مبن أجبل كسبب الحريات الفكريبة والسبياسية
والنقابيبة وعلى رأسبها حبق المواطنبة الكاملة للمصبرين بدون أدنبى تفرقبة
بسبب الدين أو الجنس.
فلقد ظل مطلب الديمقراطية وبصفة أساسية في عامي – 2005 ،2004
بل وقبل ذلك – معلقاً في الفراغ ومفصولً عن القضية الرئيسية (القضية
الوطنيبة) وعبن شروطهبا الوليبة وهبي الحريات ،وهذا هبو أحبد السبباب
الساسية في الحصاد المر للقوى الديمقراطية في النتخابات البرلمانية.
ب -التفكيك القتصادي الجتماعي :
ل يتسبببع المقال لمحاولة رصبببد كاملة لمصبببادر ومظاهبببر التفكبببك –
وبالحرى التفكيبك – الجتماعبي وسبنركز على مصبدرين نعتبرهمبا أهبم
المصادر خاصة في علقتهما بموضوعنا وهما :