You are on page 1of 588

‫موسوعة فقه العبادات‪ -‬ركوب ‪-‬شم‬

‫ركوب‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬مصدر ركب ‪ .‬يقال ‪ :‬ركب الدّابّة‬ ‫‪ - 1‬الّركوب لغ ً‬
‫ل ما علي عليه فقد ركب ‪.‬‬ ‫يركبها أي عل عليها ‪ ،‬وك ّ‬
‫ص بالبل ‪ .‬ول يخرج الّركوب في‬ ‫وقيل ‪ :‬هو خا ّ‬
‫ي)‪:‬‬ ‫الصطلح عن ذلك ‪ ( .‬الحكم التّكليف ّ‬
‫أ ‪ -‬صلة التّطوّع راكبًا ‪:‬‬
‫‪ - 2‬ل خلف بين الفقهاء في إباحة صلة التّطوّع‬
‫سفر الطّويل ‪ -‬وهو ما يجوز‬ ‫على الّراحلة ‪ ،‬في ال ّ‬
‫صلة ‪ -‬وقال ابن عبد البّر ‪ :‬أجمعوا على‬ ‫فيه قصر ال ّ‬
‫صلة أن‬ ‫ل من سافر سفًرا يقصر فيه ال ّ‬ ‫أنّه جائز لك ّ‬
‫سفر القصير‬ ‫ما ال ّ‬ ‫جهت ‪ ،‬أ ّ‬‫يتطوّع على دابّته حيثما تو ّ‬
‫صلة على‬ ‫وهو ما ل يباح فيه القصر فإنّه يباح فيه ال ّ‬
‫الّراحلة عند الجمهور واستدلّوا بقوله تعالى ‪:‬‬
‫صلة على‬ ‫م وجه اللّه } وبال ّ‬ ‫{ فأينما تولّوا فث ّ‬
‫سرت الية ‪ ،‬وقال ابن عمر ‪ :‬نزلت هذه‬ ‫الّراحلة ف ّ‬
‫جه بك بعيرك ‪،‬‬ ‫ة ‪ ،‬أي حيث تو ّ‬ ‫ص ً‬‫الية في التّطوّع خا ّ‬
‫وعن عبد اللّه بن دينارٍ قال ‪ { :‬كان عبد اللّه بن‬
‫سفر على راحلته‬ ‫عمر رضي الله عنهما يصلّي في ال ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫جهت يومئ ‪ ،‬وذكر عبد اللّه أ ّ‬ ‫أينما تو ّ‬
‫البخاري عن‬
‫ّ‬ ‫الله عليه وسلم كان يفعله } ‪ .‬وأخرج‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ابن عمر قال ‪ { :‬كان النّب ّ‬
‫جهت به يومئ‬ ‫سفر على راحلته حيث تو ّ‬ ‫يصلّي في ال ّ‬
‫إيماء صلة اللّيل إل ّ الفرائض ويوتر على راحلته } »‬
‫‪ .‬ولمسلم ٍ ‪ { :‬غير أنّه ل يصلّي عليها المكتوبة } ‪،‬‬
‫ن إباحة‬ ‫سفر وطويله ; ول ّ‬ ‫ولم يفّرق بين قصير ال ّ‬
‫صلة على الّراحلة تخفيف في التّطوّع كي ل يؤدّي‬ ‫ال ّ‬
‫إلى قطعها وتقليلها ‪ ،‬وهذا يستوي فيه الطّويل‬

‫‪1‬‬
‫والقصير ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يشترط أن يكون سفر‬
‫ما إن لم يكن سفر قصرٍ فل يتنّفل على‬ ‫قصرٍ ‪ ،‬أ ّ‬
‫الدّابّة ‪.‬‬
‫شروط جواز التّنّفل على الّراحلة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬يشترط لجواز التّنّفل على الّراحلة ما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ترك الفعال الكثيرة بل عذرٍ كالّركض ‪.‬‬
‫ما‬
‫صلة ‪ .‬فلو صار مقي ً‬ ‫سفر إلى انتهاء ال ّ‬ ‫‪ - 2‬دوام ال ّ‬
‫صلة عليها وجب إتمامها على الرض‬ ‫في أثناء ال ّ‬
‫مستقبًل القبلة ‪ ،‬وإلى هذا ذهب المالكيّة ‪،‬‬
‫مد من‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬والحنابلة وأبو يوسف ‪ ،‬ومح ّ‬ ‫وال ّ‬
‫صلة‬ ‫م ال ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬يجوز له أن يت ّ‬
‫صلة ‪ ،‬وصلة التّطوّع ‪.‬‬ ‫عليها ‪ .‬وتفصيله في ال ّ‬
‫استقبال القبلة في صلة التّطوّع على الّراحلة ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ :‬إن أمكن استقبال‬ ‫‪ - 4‬قال ال ّ‬
‫صلة كركوعها‬ ‫القبلة على الّراحلة وإتمام أركان ال ّ‬
‫وسجودها لزمه ذلك ‪ ،‬وإن لم يمكن فل يلزمه ذلك ‪،‬‬
‫ن رسول اللّه صلى الله‬ ‫س‪{:‬أ ّ‬ ‫لما روي عن أن ٍ‬
‫عليه وسلم كان إذا سافر ‪ ،‬فأراد أن يتطوّع استقبل‬
‫جهه ركابه } ‪.‬‬ ‫م صلّى حيث و ّ‬ ‫بناقته القبلة فكبّر ث ّ‬
‫ص وجوب الستقبال بتكبيرة الحرام ‪ ،‬فل يجب‬ ‫ويخت ّ‬
‫م يجعل‬ ‫شرط ‪ ،‬ث ّ‬ ‫صلة بال ّ‬‫فيما سواه ; لوقوع أوّل ال ّ‬
‫ما بعده تابعًا له ‪ .‬وقال المالكيّة والحنفيّة ‪ :‬ل يلزمه‬
‫ما‬
‫الستقبال وإن أمكنه ‪ ،‬ولو في تكبيرة الحرام أ ّ‬
‫سفينة ونحوها كالعماريّة وهي نوع من‬ ‫راكب ال ّ‬
‫صلة‬ ‫سفن يدور فيها كيف يشاء ‪ ،‬ويتمكّن من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫إلى القبلة ‪ ،‬فعليه استقبال القبلة في صلته ‪.‬‬
‫قبلة الّراكب وجهته ‪:‬‬
‫جهته ‪ ،‬فإن‬ ‫‪ - 5‬قبلة المصلّي على الّراحلة حيث و ّ‬
‫عدل عنها ل إلى جهة القبلة فسدت صلته ‪ ،‬لنّه‬

‫‪2‬‬
‫ترك قبلته عمدًا ‪ .‬فإن عدل إلى القبلة فل تبطل‬
‫صلته ‪ ،‬لنّها الصل ‪ ،‬وإنّما جاز تركها للعذر ‪.‬‬
‫وتفصيله في مصطلح ( استقبال ) ‪.‬‬
‫أداء صلة الفرض راكبًا ‪:‬‬
‫سفينة‬ ‫‪ - 6‬يجوز أداء صلة الفرض راكبًا في ال ّ‬
‫ما يمكن معه استقبال‬ ‫ونحوها كالمحّفة والعماريّة م ّ‬
‫القبلة وإتمام أركانها ‪ ،‬واختلفوا في الّراحلة ‪ :‬فقال‬
‫الجمهور ‪ :‬ل يجوز أداؤها على دابّةٍ ‪ ،‬سواء أكانت‬
‫ف ‪ .‬فإن صلّى على‬ ‫ة أم سائرة ً إل ّ لعذرٍ كخو ٍ‬ ‫واقف ً‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن‬ ‫لعذر لم تلزمه العادة ‪ .‬وقال ال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫راحلته‬
‫م الفرض جاز وإن‬ ‫جه إلى القبلة وأت ّ‬ ‫ة وتو ّ‬ ‫كانت واقف ً‬
‫ما إن‬ ‫ة ‪ ،‬لستقراره في نفسه ‪ .‬أ ّ‬ ‫لم تكن معقول ً‬
‫م‬‫جه إلى القبلة ‪ ،‬أو لم يت ّ‬ ‫كانت سائرة ً ‪ ،‬أو لم يتو ّ‬
‫ن سير الدّابّة منسوب‬ ‫أركانها فل يجوز إل ّ لعذرٍ ; ل ّ‬
‫صلة في حالة العذر ‪.‬‬ ‫إليه ‪ ،‬ويعيد ال ّ‬
‫اتّباع الجنازة راكبًا ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى أنّه ينبغي لمشيّع‬ ‫‪ - 7‬ذهب ال ّ‬
‫ف‪.‬‬ ‫ض أو ضع ٍ‬ ‫لعذر كمر ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الجنازة أن ل يتبعها راكبًا إل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم رأى‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫فقد روي { أ ّ‬
‫ن‬‫سا ركبانًا في جنازةٍ فقال ‪ :‬أل تستحيون ؟ إ ّ‬ ‫أنا ً‬
‫ملئكة اللّه يمشون على أقدامهم ‪ ،‬وأنتم على‬
‫ب } ‪ .‬وإذا اتّبعها راكبًا يكون خلف‬ ‫ظهور الدّوا ّ‬
‫ما الّركوب في الّرجوع فل بأس به ‪ .‬ول‬ ‫الجنازة ‪ .‬أ ّ‬
‫ن المشي‬ ‫بأس باتّباع الجنازة راكبًا عند الحنفيّة ‪ ،‬ولك ّ‬
‫أفضل منه ; لنّه أقرب إلى الخشوع ‪ ،‬ويكره أن‬
‫إضرار‬
‫ٍ‬ ‫ن ذلك ل يخلو عن‬ ‫يتقدّم الّراكب الجنازة ; ل ّ‬
‫بالنّاس ‪.‬‬
‫صلة المجاهد راكبًا ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ - 8‬يجوز للمجاهد أن يصلّي راكبًا إذا التحم القتال‬
‫ولم يتمكّن من تركه ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فإن خفتم‬
‫فرجاًل أو ركبانًا } ‪ .‬والتّفصيل في ( صلة الخوف )‬
‫‪.‬‬
‫ج راكبًا ‪:‬‬
‫الح ّ‬
‫ب ‪ ،‬ونحوها أفضل من‬ ‫ج راكبًا على الدّوا ّ‬ ‫‪ - 9‬الح ّ‬
‫ن ذلك فعله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬ ‫ج ماشيًا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الح ّ‬
‫شكر ‪ ،‬وإلى هذا ذهب المالكيّة‬ ‫ولنّه أقرب إلى ال ّ‬
‫حا في‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬ولم نجد للحنابلة تصري ً‬ ‫والحنفيّة وال ّ‬
‫هذه المسألة ‪.‬‬
‫الطّواف راكبًا ‪:‬‬
‫حة طواف الّراكب‬ ‫‪ - 10‬ل خلف بين الفقهاء في ص ّ‬
‫م سلمة رضي الله عنها ‪،‬‬ ‫إذا كان له عذر لحديث أ ّ‬
‫قالت ‪ { :‬شكوت إلى رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم أنّي أشتكي فقال ‪ :‬طوفي من وراء النّاس‬
‫وأنت راكبة } ‪ .‬واختلفوا في حكم الطّواف راكبًا بل‬
‫شافعيّة إلى أنّه ل يجب عليه دم‬ ‫عذرٍ فذهب ال ّ‬
‫ي‬‫ن النّب ّ‬
‫س رضي الله عنهما ‪ { :‬إ ّ‬ ‫لحديث ابن عبّا ٍ‬
‫جة الوداع على‬ ‫صلى الله عليه وسلم طاف في ح ّ‬
‫ن } ‪ .‬وقال جابر ‪:‬‬ ‫بعيرٍ ‪ ،‬يستلم الّركن بمحج ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم على راحلته‬ ‫{ طاف النّب ّ‬
‫ن اللّه تعالى‬ ‫صفا والمروة } » ‪ .‬ول ّ‬ ‫بالبيت وبين ال ّ‬
‫أمر بالطّواف مطلًقا فكيفما أتى به أجزأه ‪ ،‬ول يجوز‬
‫ل ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد ‪.‬‬ ‫تقييد المطلق بغير دلي ٍ‬
‫وذهب الحنفيّة والمالكيّة وأحمد في إحدى الّروايات‬
‫ن المشي في الطّواف من واجبات‬ ‫عنه ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫عذر وهو قادر على‬ ‫ٍ‬ ‫الطّواف ‪ ،‬فإن طاف راكبًا بل‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬‫المشي وجب عليه دم ‪ ،‬واستدلّوا عليه ‪ :‬بأ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ { :‬الطّواف بالبيت‬

‫‪4‬‬
‫ن الطّواف عبادة تتعلّق بالبيت‬ ‫صلة } ‪ .‬ول ّ‬ ‫بمنزلة ال ّ‬
‫ن اللّه‬ ‫صلة ‪ ،‬ول ّ‬‫فلم يجز فعلها راكبًا لغير عذرٍ كال ّ‬
‫أمر بالطّواف بقوله ‪ { :‬وليطّوّفوا بالبيت العتيق } ‪،‬‬
‫صا‬
‫ة ‪ ،‬فأوجب ذلك نق ً‬ ‫ف حقيق ً‬ ‫والّراكب ليس بطائ ٍ‬
‫فيه فوجب جبره بالدّم ‪ ،‬وزاد الحنفيّة ‪ :‬إن كان‬
‫بمكّة فعليه العادة ‪ ،‬وإن عاد إلى بلده فعليه دم ‪.‬‬
‫ما‬‫وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬طواف ) ‪ .‬أ ّ‬
‫سعي راكبًا فيجزئه لعذرٍ ‪ ،‬ولغير عذرٍ بالتّفاق ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ضمان الّراكب ما تجنيه الدّابّة ‪:‬‬
‫ن‬
‫ي وأحمد إلى أ ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫‪ - 11‬ذهب أبو حنيفة وال ّ‬
‫الّراكب يضمن ما تتلفه الدّابّة بيدها حال ركوبه من‬
‫س ‪ .‬واختلفوا في ضمان ما تجنيه برجلها ‪،‬‬ ‫ل أو نف ٍ‬ ‫ما ٍ‬
‫ن‬
‫فقال الحنفيّة والحنابلة في روايةٍ عن أحمد ‪ :‬إ ّ‬
‫الّراكب ل يضمن ما جنته دابّته برجلها ; لنّه ل يمكنه‬
‫حفظ رجلها عن الجناية فل يضمنها كما لو لم تكن‬
‫شافعيّة وهو رواية عن أحمد ‪:‬‬ ‫يده عليها ‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫يضمن الّراكب ما تجنيه الدّابّة في حال ركوبه مطلًقا‬
‫‪ .‬سواء جنت بيدها ‪ ،‬أم برجلها ‪ ،‬أم برأسها ‪ ،‬لنّها‬
‫في يده ‪ ،‬وعليه تعهّدها وحفظها ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل‬
‫يضمن الّراكب ما تعطبه الدّابّة بيدها أو رجلها أو‬
‫ذنبها ‪ ،‬إل ّ أن يكون ذلك من شيءٍ فعله بها ‪.‬‬
‫والتّفصيل في ( ضمان ‪ ،‬وإتلف ) ‪.‬‬
‫ما يقوله الّراكب إذا ركب دابّته ‪:‬‬
‫ن للّراكب إذا استوى على دابّته أن يكبّر‬ ‫‪ - 12‬يس ّ‬
‫خر لنا هذا وما‬ ‫م يقرأ آية ‪ { :‬سبحان الّذي س ّ‬ ‫ثلثًا ث ّ‬
‫كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون } ‪ .‬ويدعو‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فعن‬ ‫بالدّعاء المأثور عن النّب ّ‬
‫ي بن ربيعة قال ‪ { :‬شهدت عليًّا رضي الله عنه‬ ‫عل ّ‬
‫ما وضع رجله في الّركاب قال‬ ‫أتي بدابّةٍ ليركبها ‪ ،‬فل ّ‬

‫‪5‬‬
‫ما استوى على ظهرها قال ‪:‬‬ ‫‪ :‬بسم اللّه ‪ ،‬فل ّ‬
‫خر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا‬ ‫{ سبحان الّذي س ّ‬
‫م قال ‪ :‬الحمد للّه ثلث‬ ‫إلى ربّنا لمنقلبون } ‪ .‬ث ّ‬
‫م قال ‪:‬‬ ‫ت‪،‬ث ّ‬ ‫م قال ‪ :‬اللّه أكبر ثلث مّرا ٍ‬ ‫ت‪،‬ث ّ‬ ‫مّرا ٍ‬
‫سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ‪ ،‬إنّه ل يغفر‬
‫م ضحك ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يا أمير‬ ‫الذ ّنوب إل ّ أنت ‪ ،‬ث ّ‬
‫ي‬
‫أي شي ٍء ضحكت ؟ قال ‪ :‬رأيت النّب ّ‬ ‫المومنين من ّ‬
‫م ضحك ‪،‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلت ث ّ‬
‫أي شي ٍء ضحكت ؟ قال ‪:‬‬ ‫فقلت ‪ :‬يا رسول اللّه من ّ‬
‫ن ربّك سبحانه يعجب من عبده إذا قال ‪ :‬اغفر لي‬ ‫إ ّ‬
‫ذنوبي ‪ ،‬يعلم أنّه ل يغفر الذ ّنوب غيري } ‪ .‬وإذا‬
‫ن‬
‫سفر دعا بما جاء في صحيح مسلم ٍ ‪ { :‬أ ّ‬ ‫ركب لل ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى‬
‫م قال ‪:‬‬ ‫جا إلى سفرٍ كبّر ثلثًا ث ّ‬ ‫على بعيره خار ً‬
‫خر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا‬ ‫{ سبحان الّذي س ّ‬
‫م إنّا نسألك في سفرنا‬ ‫إلى ربّنا لمنقلبون } ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫هذا البّر والتّقوى ‪ ،‬ومن العمل ما ترضى ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫م‬
‫م أنت‬ ‫هوّن علينا سفرنا هذا ‪ ،‬واطو عنّا بعده ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫سفر ‪ ،‬والخليفة في الهل ‪ .‬اللّه ّ‬
‫م‬ ‫صاحب في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سفر وكآبة المنظر وسوء‬ ‫إنّي أعوذ بك من وعثاء ال ّ‬
‫المنقلب في المال والهل } ‪ .‬وكذلك الحكم إذا‬
‫ركب أيّ نوٍع من وسائل الّركوب‬
‫======================‬
‫ركوع‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬النحناء ‪ ،‬يقال ‪ :‬ركع يركع ركوع ًا‬ ‫‪ - 1‬الّركوع لغ ً‬
‫وركعًا ‪ ،‬إذا طأطأ رأسه أو حنى ظهره ‪ ،‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬الّركوع هو الخضوع ‪ ،‬ويقال ‪ :‬ركع الّرجل‬
‫شيخ ‪:‬‬ ‫إذا افتقر بعد غنًى وانحطّت حاله ‪ ،‬وركع ال ّ‬

‫‪6‬‬
‫انحنى ظهره من الكبر ‪ .‬والّراكع ‪ :‬المنحني ‪ ،‬وك ّ‬
‫ل‬
‫سها‬ ‫س ركبته الرض أو ل تم ّ‬ ‫ب لوجهه فتم ّ‬ ‫شي ٍء ينك ّ‬
‫بعد أن ينخفض رأسه فهو راكع ‪ ،‬وجمع الّراكع ركّع‬
‫صلة في الصطلح ‪ :‬هو طأطأة‬ ‫وركوع ‪ .‬وركوع ال ّ‬
‫الّرأس أي خفضه ‪ ،‬لكن مع انحناءٍ في الظّهر على‬
‫صلة ‪ .‬وهي أن ينحني‬ ‫هيئةٍ مخصوصةٍ في ال ّ‬
‫المصلّي بحيث تنال راحتاه ركبتيه مع اعتدال خلقته‬
‫وسلمة يديه وركبتيه ‪ ،‬وذلك بعد القومة الّتي فيها‬
‫صلة فهو ل يخرج عن‬ ‫ما في غير ال ّ‬ ‫القراءة ‪ .‬أ ّ‬
‫غوي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المعنى الل ّ‬
‫صلة ) ‪:‬‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الخضوع ‪.‬‬
‫ل والستكانة والنقياد‬ ‫ة ‪ :‬الذ ّ ّ‬
‫‪ - 2‬الخضوع لغ ً‬
‫والمطاوعة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬رجل أخضع ‪ ،‬وامرأة خضعاء‬
‫ل ‪ .‬وخضع النسان ‪ :‬أمال‬ ‫وهما ‪ :‬الّراضيان بالذ ّ ّ‬
‫رأسه إلى الرض أو دنا منها ‪ ،‬وهو تطامن العنق‬
‫ودنوّ الّرأس من الرض ‪ ،‬والخضوع ‪ :‬التّواضع‬
‫والتّطامن ‪ ،‬وهو قريب من الخشوع يستعمل في‬
‫صوت ‪ ،‬والخضوع يستعمل للعناق ‪ .‬والخضوع‬ ‫ال ّ‬
‫صة ‪.‬‬ ‫م من الّركوع ‪ ،‬إذ الّركوع هيئة خا ّ‬ ‫أع ّ‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫سجود‬‫ة ‪ :‬مصدر سجد ‪ ،‬وأصل ال ّ‬ ‫سجود لغ ً‬ ‫‪ - 3‬ال ّ‬
‫التّطامن والخضوع والتّذلّل ‪ ،‬يقال ‪ :‬سجد البعير إذا‬
‫خفض رأسه عند ركوبه ‪ ،‬وسجد الّرجل إذا وضع‬
‫سجود في الصطلح ‪ :‬وضع‬ ‫جبهته على الرض ‪ .‬وال ّ‬
‫الجبهة أو بعضها على الرض ‪ ،‬أو ما اتّصل بها من‬
‫صلة ‪ .‬ففي‬ ‫ت مستقّرٍ على هيئةٍ مخصوصةٍ في ال ّ‬ ‫ثاب ٍ‬
‫ن‬
‫سجود نزول من قيام ٍ ‪ ،‬لك ّ‬ ‫ل من الّركوع وال ّ‬ ‫ك ٍّ‬
‫سجود أكثر منه في الّركوع ‪.‬‬ ‫النّزول في ال ّ‬

‫‪7‬‬
‫ي)‪:‬‬ ‫صلة ‪ ( :‬الحكم التّكليف ّ‬ ‫أوًّل ‪ :‬الّركوع في ال ّ‬
‫ن الّركوع ركن من أركان‬ ‫مة على أ ّ‬ ‫‪ - 4‬أجمعت ال ّ‬
‫صلة لقوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا‬ ‫ال ّ‬
‫واسجدوا } الية ‪ ،‬وللحاديث الثّابتة ‪ ،‬منها قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلته ‪:‬‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫عن أبي هريرة { أ ّ‬
‫وسلم دخل المسجد ‪ ،‬فدخل رجل فصلّى ‪ ،‬فسلّم‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فرد ّ ‪ ،‬وقال ‪ :‬ارجع‬ ‫على النّب ّ‬
‫ل ‪ ،‬فرجع يصلّي كما صلّى ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬ ‫ل ‪ ،‬فإنّك لم تص ّ‬ ‫فص ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬ ‫جاء فسلّم على النّب ّ‬
‫ل ‪ -‬ثلثًا ‪ -‬فقال ‪ :‬والّذي‬ ‫ل فإنّك لم تص ّ‬ ‫ارجع فص ّ‬
‫بعثك بالحقّ ما أحسن غيره ‪ ،‬فعلّمني ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا‬
‫سر معك من‬ ‫م اقرأ ما تي ّ‬ ‫صلة فكبّر ‪ ،‬ث ّ‬ ‫قمت إلى ال ّ‬
‫م ارفع حتّى‬ ‫ن راكعًا ث ّ‬
‫م اركع حتّى تطمئ ّ‬ ‫القرآن ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬
‫ن ساجدًا ‪ ،‬ث ّ‬ ‫م اسجد حتّى تطمئ ّ‬ ‫ما ‪ ،‬ث ّ‬‫تعدل قائ ً‬
‫سا ‪ ،‬وافعل ذلك في صلتك‬ ‫ن جال ً‬ ‫ارفع حتّى تطمئ ّ‬
‫كلّها } » ‪.‬‬
‫الطّمأنينة في الّركوع ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 5‬ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة وال ّ‬
‫ن‬
‫والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة ) إلى أ ّ‬
‫ح‬
‫ض ‪ ،‬ل تص ّ‬ ‫ّ‬
‫الطمأنينة في الّركوع بقدر تسبيحة فر ٍ‬
‫صلة بدونها ‪ .‬ومن أدلّة الجمهور على وجوب‬ ‫ال ّ‬
‫صة‬ ‫الطّمأنينة ‪ :‬قوله صلى الله عليه وسلم في ق ّ‬
‫ن راكعًا } ‪.‬‬ ‫م اركع حتّى تطمئ ّ‬ ‫المسيء صلته ‪ { :‬ث ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫الحديث ‪ .‬ولقول النّب ّ‬
‫ة الّذي يسرق من صلته ‪ ،‬قالوا‬ ‫{ أسوأ النّاس سرق ً‬
‫‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬وكيف يسرق من صلته ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫ي صلى‬ ‫م ركوعها ول سجودها } ‪ .‬وروي عن النّب ّ‬ ‫يت ّ‬
‫الله عليه وسلم { أنّه كان إذا ركع استوى ‪ ،‬فلو‬

‫‪8‬‬
‫ب على ظهره الماء لستقّر ‪ ،‬وذلك لستواء‬ ‫ص ّ‬
‫ظهره ولطمئنانه فيه } ‪ .‬وحديث أبي مسعودٍ‬
‫ي صلى الله‬ ‫البدريّ رضي الله عنه قال ‪ :‬قال النّب ّ‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ل تجزئ صلة الّرجل حتّى يقيم‬
‫سجود } ‪ .‬وفي روايةٍ { ل‬ ‫ظهره في الّركوع وال ّ‬
‫تجزئ صلة ل يقيم الّرجل فيها صلبه في الّركوع‬
‫سجود } ‪ .‬قال التّرمذيّ ‪ :‬والعمل على هذا عند‬ ‫وال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫أهل العلم من أصحاب النّب ّ‬
‫ومن بعدهم ‪ .‬وقد رأى أبو حذيفة رضي الله عنه‬
‫سجود فقال ‪ :‬ما صلّيت ‪ ،‬ولو‬ ‫م الّركوع وال ّ‬ ‫رجًل ل يت ّ‬
‫ت على غير الفطرة الّتي فطر اللّه عليها‬ ‫تم ّ‬ ‫م ّ‬
‫مدًا صلى الله عليه وسلم فإذا رفع رأسه من‬ ‫مح ّ‬
‫د‬
‫ك هل أتى بقدر الجزاء أو ل ‪ ،‬ل يعت ّ‬ ‫مش ّ‬ ‫الّركوع ث ّ‬
‫ن الصل عدم ما ش ّ‬
‫ك‬ ‫به ويلزمه إعادة الّركوع ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الطّمأنينة في الّركوع‬ ‫فيه ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن‬
‫ح بدونها ; ل ّ‬ ‫صلة تص ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ضا ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ليست فر ً‬
‫المفروض من الّركوع أصل النحناء والميل ‪ ،‬فإذا‬
‫أتى بأصل النحناء فقد امتثل ‪ ،‬لتيانه بما ينطلق‬
‫عليه السم الوارد في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين‬
‫ما‬‫آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم } ‪ .‬الية ‪ .‬أ ّ‬
‫الطّمأنينة فدوام على أصل الفعل ‪ ،‬والمر بالفعل ل‬
‫صلة ‪،‬‬ ‫يقتضي الدّوام ‪ .‬وهي عندهم من واجبات ال ّ‬
‫سهو إذا‬ ‫ولهذا يكره تركها عمدًا ‪ ،‬ويلزمه سجود ال ّ‬
‫ي أنّها سنّة‬ ‫تركها ساهيًا ‪ ،‬وذكر أبو عبد اللّه الجرجان ّ‬
‫سهو‬ ‫مدٍ ول يلزم بتركها سجود ال ّ‬ ‫عند أبي حنيفة ومح ّ‬
‫‪ ،‬وروى الحسن عن أبي حنيفة فيمن لم يقم صلبه‬
‫في الّركوع ‪ ،‬إن كان إلى القيام أقرب منه إلى تمام‬
‫الّركوع لم يجزه ‪ ،‬وإن كان إلى تمام الّركوع أقرب‬
‫ل‪.‬‬‫ة للكثر مقام الك ّ‬ ‫منه إلى القيام أجزأه ‪ ،‬إقام ً‬

‫‪9‬‬
‫هيئة الّركوع ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الهيئة المجزئة في الّركوع أن ينحني انحناءً‬
‫صا قدر بلوغ راحتيه ركبتيه بطمأنينةٍ ‪ ،‬بحيث‬ ‫خال ً‬
‫ينفصل رفعه من الّركوع عن هويّه ‪ ،‬على أن يقصد‬
‫من هويّه الّركوع ‪ ،‬وهذا في معتدل الخلقة من‬
‫النّاس ل طويل اليدين ول قصيرهما ‪ ،‬فلو طالت‬
‫يداه أو قصرتا أو قطع شيء منهما أو من أحدهما‬
‫لم يعتبر ذلك ‪ ،‬ولم يزد على تسوية ظهره ‪ ،‬فإن لم‬
‫تقرب راحتاه من ركبتيه بالحيثيّة المذكورة لم يكن‬
‫ذلك ركوع ًا ‪ ،‬ولم تخرجه عن حد ّ القيام إلى‬
‫الّركوع ‪ ،‬وكذا إن قصد من هبوطه غير الّركوع ‪.‬‬
‫والعاجز ينحني قدر إمكانه ‪ ،‬فإن عجز عن النحناء‬
‫م بطرفه ‪ ،‬ولو عجز عن القيام‬ ‫أصًل أومأ برأسه ث ّ‬
‫وصلّى قاعدًا ينحني لركوعه بحيث تحاذي جبهته ما‬
‫قدّام ركبتيه من الرض ‪ ،‬والكمل أن تحاذي جبهته‬
‫ن أكمل‬ ‫موضع سجوده ‪ .‬وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫هيئات الّركوع أن ينحني المصلّي بحيث يستوي‬
‫صحيفة ‪ ،‬ول يخفض‬ ‫ظهره وعنقه ‪ ،‬ويمدّهما كال ّ‬
‫ظهره عن عنقه ول يرفعه ‪ ،‬وينصب ساقيه إلى‬
‫الحقو ‪ ،‬ول يثني ركبتيه ‪ ،‬ويضع يديه على ركبتيه ‪،‬‬
‫ويأخذ ركبتيه بيديه ‪ ،‬ويفّرق أصابعه حينئذٍ ‪ ،‬فإن‬
‫ة ‪ ،‬فعل بالخرى‬ ‫ة أو عليل ً‬
‫كانت إحدى يديه مقطوع ً‬
‫ما ذكرنا ‪ ،‬وفعل بالعليلة الممكن ‪ ،‬فإن لم يمكنه‬
‫وضع اليدين على الّركبتين أرسلهما ‪ ،‬ويجافي الّرجل‬
‫م بعضها إلى‬ ‫ما المرأة فتض ّ‬ ‫مرفقيه عن جنبيه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ض ‪ ،‬ولو لم يضع يديه على ركبتيه ولكن بلغ ذلك‬ ‫بع ٍ‬
‫القدر أجزأه ‪ ،‬إل ّ أنّه يكره التّطبيق في الّركوع ‪ ،‬وهو‬
‫أن يجعل المصلّي إحدى كّفيه على الخرى ث ّ‬
‫م‬
‫يجعلهما بين ركبتيه أو فخذيه إذا ركع ‪ .‬والتّطبيق‬

‫‪10‬‬
‫م نسخ ‪ ،‬قال‬ ‫كان مشروع ًا في أوّل السلم ث ّ‬
‫ص رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫{ مصعب بن سعد بن أبي وقّا ٍ‬
‫م‬
‫ي‪،‬ث ّ‬ ‫صلّيت إلى جنب أبي فطبّقت بين كّف ّ‬
‫وضعتهما بين فخذيّ ‪ ،‬فنهاني أبي وقال ‪ :‬كنّا نفعله‬
‫فنهينا عنه ‪ ،‬وأمرنا أن نضع أيدينا على الّركب } ‪.‬‬
‫ساعديّ رضي الله عنه قال ‪ { :‬أنا‬ ‫وعن أبي حميد ٍ ال ّ‬
‫أعلمكم بصلة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫قالوا ‪ :‬فاعرض ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان رسول اللّه صلى الله‬
‫ما ورفع‬ ‫صلة اعتدل قائ ً‬ ‫عليه وسلم إذا قام إلى ال ّ‬
‫يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ‪ ،‬فإذا أراد أن يركع‬
‫م قال ‪ :‬اللّه‬ ‫رفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ‪ ،‬ث ّ‬
‫م اعتدل ‪ ،‬فلم يصوّب رأسه ولم يقنع‬ ‫أكبر ‪ ،‬وركع ‪ ،‬ث ّ‬
‫‪ ،‬ووضع يديه على ركبتيه ‪ .‬الحديث ‪ .‬قالوا ‪ -‬أي‬
‫صحابة رضي الله عنهم ‪ : -‬صدقت ‪ ،‬هكذا صلّى‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم } ‪ .‬وذكر أبو حميدٍ ‪:‬‬ ‫النّب ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وضع يديه على‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫{أ ّ‬
‫ركبتيه كأنّه قابض عليهما } ‪ .‬وذهب قوم من‬
‫سلف منهم عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه‬ ‫ال ّ‬
‫ن التّطبيق في الّركوع سنّة لما رواه من أنّه‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يفعله ‪.‬‬ ‫رأى النّب ّ‬
‫رفع اليدين عند تكبير الّركوع ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة وهو‬ ‫‪ - 7‬ذهب جمهور الفقهاء من ال ّ‬
‫ن رفع اليدين عند تكبيرة‬ ‫ك إلى أ ّ‬ ‫رواية عن مال ٍ‬
‫الّركوع وعند الّرفع منه سنّة ثابتة ‪ ،‬فيرفع يديه إلى‬
‫حذو منكبيه كفعله عند تكبيرة الحرام ‪ ،‬أي يبدأ رفع‬
‫يديه عند ابتداء تكبيرة الّركوع وينتهي عند انتهائها ‪،‬‬
‫صحيحة في ذلك ‪ ،‬منها ما روى‬ ‫لتضافر الحاديث ال ّ‬
‫مد بن عمرو بن عطاءٍ أنّه سمع أبا حميدٍ في‬ ‫مح ّ‬
‫عشرةٍ من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه‬

‫‪11‬‬
‫وسلم أحدهم أبو قتادة رضي الله عنه قال ‪ { :‬أنا‬
‫أعلمكم بصلة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫فذكر صفة صلته ‪ ،‬وفيه أنّه رفع يديه عند الّركوع }‬
‫ل ‪ :‬كان‬ ‫‪ .‬وقال البخاريّ ‪ :‬قال الحسن وحميد بن هل ٍ‬
‫أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرفعون‬
‫أيديهم ‪ -‬يعني عند الّركوع ‪ . -‬وإلى هذا ذهب‬
‫شام والبصرة ‪ .‬وقال‬ ‫ي وعلماء الحجاز وال ّ‬ ‫الوزاع ّ‬
‫الحنفيّة والثّوريّ وابن أبي ليلى وإبراهيم النّخع ّ‬
‫ي‬
‫ن المصلّي ل يرفع يديه‬ ‫ك‪:‬إ ّ‬ ‫وهو المشهور عن مال ٍ‬
‫إل ّ لتكبيرة الحرام ‪ .‬لدلّةٍ منها ‪ :‬قول عبد اللّه بن‬
‫ن بكم صلة رسول‬ ‫مسعود ٍ رضي الله عنه ‪ :‬لصلّي ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم فلم يرفع يديه إل ّ في أوّل‬
‫ن‬
‫ب رضي الله عنه ‪ { :‬إ ّ‬ ‫مّرةٍ ‪ .‬وقول البراء بن عاز ٍ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح‬
‫م ل يعود } ‪.‬‬ ‫ب من أذنيه ث ّ‬ ‫صلة رفع يديه إلى قري ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫وقول ابن مسعود ٍ رضي الله عنه ‪ { :‬صلّيت خلف‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمر رضي‬ ‫النّب ّ‬
‫الله عنهما فلم يرفعوا أيديهم إل ّ عند افتتاح‬
‫صلة } ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫التّكبير عند ابتداء الّركوع ‪:‬‬
‫ن‬
‫‪ - 8‬ذهب أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫سنّة أن يبتدئ الّركوع بالتّكبير للحاديث النّبويّة‬ ‫من ال ّ‬
‫الواردة في ذلك منها ‪ ) 1 ( :‬ما روى أبو هريرة‬
‫رضي الله عنه قال ‪ { :‬كان رسول اللّه صلى الله‬
‫م‬‫صلة يكبّر حين يقوم ‪ ،‬ث ّ‬ ‫عليه وسلم إذا قام إلى ال ّ‬
‫م يقول ‪ :‬سمع اللّه لمن حمده‬ ‫يكبّر حين يركع ‪ ،‬ث ّ‬
‫حين يرفع صلبه من الّركعة } ‪ .‬الحديث ‪ ) 2 ( .‬وعن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه ‪ { :‬أنّه كان يصلّي بهم‬
‫فكبّر كلّما خفض ورفع ‪ ،‬فإذا انصرف قال ‪ :‬إنّي‬

‫‪12‬‬
‫لشبهكم صلة ً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم }‬
‫‪ ) 3 ( .‬وعن ابن مسعود ٍ رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫{ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يكبّر في‬
‫ض ‪ ،‬ورفٍع ‪ ،‬وقيام ٍ ‪ ،‬وقعودٍ ‪ ،‬وأبو بكرٍ وعمر‬ ‫ل خف ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ن من‬ ‫رضي الله عنهما } ‪ ) 4 ( .‬ولنّه شروع في رك ٍ‬
‫صلة‬ ‫صلة فشرع فيه التّكبير كحالة ابتداء ال ّ‬ ‫أركان ال ّ‬
‫ن تكبيرة الّركوع كغيرها من‬ ‫‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫صلة الّتي تبطل‬ ‫تكبيرات النتقال من واجبات ال ّ‬
‫سهوا أو‬
‫ً‬ ‫صلة بتركها عمدًا ‪ ،‬وتسقط إذا تركت‬ ‫ال ّ‬
‫سهو ‪ ،‬لقوله صلى الله‬ ‫جهًل ‪ ،‬ولكنّها تجبر بسجود ال ّ‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي } وثبت {‬
‫أنّه صلى الله عليه وسلم ‪ .‬كان يبتدئ الّركوع‬
‫بالتّكبير } ‪ .‬وإلى هذا ذهب إسحاق بن راهويه ‪.‬‬
‫ن للمام عند الجمهور والحنابلة معًا أن يجهر‬ ‫ويس ّ‬
‫بهذه التّكبيرة ‪ ،‬ليعلم المأموم انتقاله ‪ ،‬فإن لم‬
‫ض أو غيره بلّغ عنه المؤذ ّن أو غيره ‪.‬‬ ‫يستطع لمر ٍ‬
‫التّسبيح في الّركوع ‪:‬‬
‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة التّسبيح في‬
‫ما نزلت‬ ‫الّركوع لحديث عقبة بن عامرٍ قال ‪ { :‬ل ّ‬
‫{ فسبّح باسم ربّك العظيم } قال رسول اللّه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬اجعلوها في ركوعكم } ‪ .‬واختلفوا‬
‫ن‬
‫فيما وراء ذلك من الحكام ‪ .‬ومذهب الحنفيّة أ ّ‬
‫التّسبيح في الّركوع سنّة ‪ ،‬وأقلّه ثلث ‪ ،‬فإن ترك‬
‫التّسبيح أو نقص عن الثّلث كره تنزيهًا ‪ .‬والّزيادة‬
‫وتر ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫على الثّلث للمفرد أفضل بعد أن يختم على‬
‫ن‬‫ل به القوم ‪ .‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬ ‫ول يزيد المام على وجهٍ يم ّ‬
‫سجود واجبات ‪ .‬وذهب المالكيّة‬ ‫تسبيحات الّركوع وال ّ‬
‫ظ كان ‪،‬‬ ‫ن التّسبيح في الّركوع مندوب بأيّ لف ٍ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫والولى سبحان ربّي العظيم وبحمده ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّه‬

‫‪13‬‬
‫سنّة ‪ ،‬والتّسبيح ل يتحدّد بعدد ٍ بحيث إذا نقص عنه‬
‫يفوته الثّواب ‪ ،‬بل إذا سبّح مّرة ً يحصل له الثّواب ‪،‬‬
‫وإن كان يزاد الثّواب بزيادته ‪ .‬وينهى عن الطّول‬
‫ن المطلوب‬ ‫المفرط في الفريضة ‪ ،‬بخلف النّفل ; ل ّ‬
‫ن‬
‫شافعيّة ‪ :‬يس ّ‬ ‫ق المام التّخفيف ‪ .‬وقال ال ّ‬ ‫في ح ّ‬
‫ة‬
‫سنّة بتسبيح ٍ‬ ‫التّسبيح في الّركوع ‪ ،‬ويحصل أصل ال ّ‬
‫واحدةٍ ‪ ،‬وأقلّه سبحان اللّه ‪ ،‬أو سبحان ربّي ‪ ،‬وأدنى‬
‫الكمال سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلثًا ‪ ،‬وللكمال‬
‫م تسع ‪،‬‬‫م سبع ‪ ،‬ث ّ‬ ‫درجات ‪ .‬فبعد الثّلث خمس ‪ ،‬ث ّ‬
‫م إحدى عشرة ‪ ،‬وهو الكمل ‪ ،‬ول يزيد المام على‬ ‫ث ّ‬
‫الثّلث ‪ ،‬أي يكره له ذلك ; تخفيًفا على المأمومين ‪.‬‬
‫ويزيد المنفرد وإمام قوم ٍ محصورين راضين‬
‫م لك ركعت ‪ ،‬وبك آمنت ‪ ،‬ولك‬ ‫بالتّطويل ‪ { :‬اللّه ّ‬
‫خي‬ ‫أسلمت ‪ ،‬خشع لك سمعي وبصري وم ّ‬
‫وعظمي ‪ ،‬وما استقلت به قدمي } ‪ .‬وذهب الحنابلة‬
‫إلى أنّه يشرع للمصلّي أن يقول في ركوعه ‪:‬‬
‫سبحان ربّي العظيم ‪ ،‬وهو أدنى الكمال ‪ ،‬والواجب‬
‫سنّة ثلث ‪ ،‬وهو أدنى الكمال ‪ ،‬والفضل‬ ‫مّرة ‪ ،‬وال ّ‬
‫القتصار على سبحان ربّي العظيم ‪ ،‬من غير زيادةٍ (‬
‫ب للمام التّطويل ‪ ،‬ول الّزيادة‬ ‫وبحمده ) ‪ .‬ول يستح ّ‬
‫ث كي ل يشقّ على المأمومين ‪ .‬وهذا إذا لم‬ ‫على ثل ٍ‬
‫يرضوا بالتّطويل ‪.‬‬
‫قراءة القرآن في الّركوع ‪:‬‬
‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على كراهة قراءة القرآن في‬
‫ي رضي الله عنه قال ‪ { :‬نهاني‬ ‫الّركوع لحديث عل ٍ ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن‬
‫س رضي الله‬ ‫وأنا راكع أو ساجد } ‪ .‬وعن ابن عبّا ٍ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪{ :‬‬ ‫عنهما أ ّ‬
‫ما‬‫أل وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا ‪ ،‬فأ ّ‬

‫‪14‬‬
‫سجود فاجتهدوا‬ ‫ما ال ّ‬‫ب ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الّركوع فعظّموا فيه الّر ّ‬
‫ن الّركوع‬ ‫في الدّعاء ‪ ،‬فقمن أن يستجاب لكم } ول ّ‬
‫ض ‪ ،‬والقرآن أشرف‬ ‫ل وانخفا ٍ‬ ‫سجود حال ذ ٍّ‬ ‫وال ّ‬
‫الكلم ‪.‬‬
‫الدّعاء في الّركوع ‪:‬‬
‫‪ - 11‬ذهب المالكيّة إلى كراهة الدّعاء في الّركوع ‪،‬‬
‫شافعيّة إلى استحباب الدّعاء في الّركوع ‪،‬‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن‬ ‫ن { النّب ّ‬‫ل ّ‬
‫م ربّنا‬‫يقول في ركوعه وسجوده ‪ :‬سبحانك اللّه ّ‬
‫ي رضي‬ ‫م اغفر لي } ‪ .‬ولما روى عل ّ‬ ‫وبحمدك اللّه ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان إذا‬ ‫ن النّب ّ‬‫الله عنه { أ ّ‬
‫م لك ركعت ‪ ،‬ولك خشعت وبك آمنت‬ ‫ركع قال ‪ :‬اللّه ّ‬
‫خي‬ ‫‪ ،‬ولك أسلمت ‪ ،‬خشع لك سمعي وبصري وم ّ‬
‫وعظمي وعصبي } ‪.‬‬
‫إدراك الّركعة بإدراك الّركوع مع المام ‪:‬‬
‫ن من أدرك المام في‬ ‫‪ - 12‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫الّركوع فقد أدرك الّركعة ‪ ،‬لقول النّب ّ‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬من أدرك الّركوع فقد أدرك‬
‫الّركعة } ولنّه لم يفته من الركان إل ّ القيام ‪ ،‬وهو‬
‫م يدرك مع المام بقيّة‬ ‫يأتي به مع تكبيرة الحرام ‪ ،‬ث ّ‬
‫الّركعة ‪ ،‬وهذا إذا أدرك في طمأنينةٍ الّركوع أو انتهى‬
‫إلى قدر الجزاء من الّركوع قبل أن يزول المام‬
‫عن قدر الجزاء ‪ .‬وعليه أن يأتي بالتّكبيرة منتصبًا ‪،‬‬
‫فإن أتى بها بعد أن انتهى في النحناء إلى قدر‬
‫الّركوع أو ببعضها ل تنعقد ; لنّه أتى بها في غير‬
‫م يأتي بتكبيرةٍ‬ ‫محلّها قال بعضهم ‪ :‬إل ّ النّافلة ‪ -‬ث ّ‬
‫ط إليه ‪ ،‬فالولى ركن ل‬ ‫أخرى للّركوع في انحطا ٍ‬
‫ن ‪ ،‬وقد تسقط‬ ‫ل ‪ ،‬والثّانية ليست برك ٍ‬ ‫تسقط بحا ٍ‬
‫في مثل هذه الحالة ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫إطالة الّركوع ليدرك الدّاخل الّركعة ‪:‬‬
‫ل يريد‬‫س المام وهو في الّركوع بداخ ٍ‬ ‫‪ - 13‬لو أح ّ‬
‫صلة معه هل يجوز له النتظار بتطويل الّركوع‬ ‫ال ّ‬
‫ليلحقه أم ل ؟ ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ل‬
‫ن انتظاره فيه تشريك في العبادة بين‬ ‫ينتظره ; ل ّ‬
‫ل وبين الخلق ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬ول‬ ‫اللّه عّز وج ّ‬
‫ن المام مأمور‬ ‫يشرك بعبادة ربّه أحدًا } ‪ .‬ول ّ‬
‫بالتّخفيف رفًقا بالمصلّين ‪ .‬فعن أبي هريرة رضي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫الله عنه قال ‪ :‬قال النّب ّ‬
‫ن فيهم‬ ‫{ إذا صلّى أحدكم للنّاس فليخّفف فإ ّ‬
‫سقيم والكبير ‪ ،‬وإذا صلّى أحدكم لنفسه‬ ‫ضعيف وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي‬
‫فليطوّل ما شاء } ‪ .‬وإلى هذا ذهب الوزاع ّ‬
‫واستحسنه ابن المنذر ‪ ،‬وهذا إذا كان يعرف‬
‫ما إذا لم يعرفه فل بأس بالنتظار ‪ ،‬قال‬ ‫الدّاخل ‪ ،‬أ ّ‬
‫ابن عابدين ‪ :‬لو أراد التّقّرب إلى اللّه من غير أن‬
‫يتخالج في قلبه شيء سوى اللّه لم يكره اتّفاقًا لكنّه‬
‫مى مسألة الّرياء ‪ ،‬فينبغي التّحّرز عنها ‪.‬‬ ‫نادر ‪ ،‬وتس ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬إلى‬ ‫وذهب الحنابلة وهو أحد القوال عند ال ّ‬
‫أنّه يكره النتظار إذا كان يشقّ على المأمومين ‪،‬‬
‫ة من الدّاخل ‪ ،‬وإن لم‬ ‫ن الّذين معه أعظم حرم ً‬ ‫ل ّ‬
‫يشقّ عليهم لكونه يسيًرا ينتظره ‪ ،‬لنّه ينفع الدّاخل‬
‫ول يشقّ على المأمومين ‪ .‬وإلى هذا ذهب أبو مجلزٍ‬
‫ي ‪ ،‬وعبد الّرحمن بن أبي ليلى‬ ‫ي والنّخع ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شعب ّ‬
‫ح‬
‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫وإسحاق وأبو ثورٍ ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫ط هي ‪:‬‬ ‫عندهم إلى استحباب النتظار بشرو ٍ‬
‫أ ‪ -‬أن يكون المسبوق داخل المسجد حين النتظار ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أن ل يفحش طول النتظار ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أن يقصد به التّقّرب إلى اللّه ل التّودّد إلى‬
‫الدّاخل أو استمالة قلبه ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ل ‪ ،‬لشرف المنتظر ‪،‬‬ ‫ل وداخ ٍ‬ ‫د ‪ -‬أن ل يميّز بين داخ ٍ‬
‫ن النتظار‬ ‫أو صداقته ‪ ،‬أو سيادته ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ ،‬ل ّ‬
‫ما‬
‫بدون تمييزٍ إعانة للدّاخل على إدراك الّركعة ‪ .‬أ ّ‬
‫صلة خارٍج عن محلّها ‪ ،‬أو بالغ في‬ ‫س بقادم ٍ لل ّ‬ ‫إذا أح ّ‬
‫النتظار كأن يطوّله تطويًل لو وّزع على جميع‬
‫صلة لظهر أثره ‪ ،‬أو لم يكن انتظاره للّه تعالى ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫أو فّرق بين الدّاخلين للسباب المذكورة ‪ ،‬فل‬
‫ب النتظار قطعًا بل يكره ‪ ،‬فإن انتظر لم‬ ‫يستح ّ‬
‫تبطل صلته في الّراجح عندهم ‪ ،‬وحكي عن بعضهم‬
‫صلة ‪ ،‬وهو قول ضعيف غريب ‪.‬‬ ‫بطلن ال ّ‬
‫ثانيًا ‪ -‬الّركوع لغير اللّه ‪:‬‬
‫‪ - 14‬قال العلماء ‪ :‬ما جرت به العادة من خفض‬
‫ل الّركوع‬ ‫الّرأس والنحناء إلى حدٍّ ل يصل به إلى أق ّ‬
‫‪ -‬عند اللّقاء ‪ -‬ل كفر به ول حرمة كذلك ‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫كراهته لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لمن قال له ‪:‬‬
‫{ يا رسول اللّه ‪ ،‬الّرجل منّا يلقى أخاه أو صديقه‬
‫أينحني له ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬أفيلتزمه ويقبّله ؟ قال‬
‫‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬أفيأخذ بيده ويصافحه ؟ قال ‪ :‬نعم } ‪.‬‬
‫د‬
‫ما إذا انحنى ووصل انحناؤه إلى ح ّ‬ ‫الحديث ‪ .‬أ ّ‬
‫الّركوع فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّه إن لم يقصد‬
‫تعظيم ذلك الغير كتعظيم اللّه لم يكن كفًرا ول‬
‫ن صورته تقع في‬ ‫ما ‪ ،‬ولكن يكره أشد ّ الكراهة ل ّ‬ ‫حرا ً‬
‫العادة للمخلوق كثيًرا ‪ .‬وذهب بعضهم إلى حرمة‬
‫ن صورة‬ ‫ذلك ولو لم يكن لتعظيم ذلك المخلوق ‪ ،‬ل ّ‬
‫هيئة الّركوع لم تعهد إل ّ لعبادة اللّه سبحانه ‪ .‬قال‬
‫ي ‪ :‬من البدع المحّرمة النحناء عند‬ ‫صدّيق ّ‬‫ابن عّلن ال ّ‬
‫ما إذا وصل انحناؤه للمخلوق‬ ‫اللّقاء بهيئة الّركوع ‪ ،‬أ ّ‬
‫إلى حد ّ الّركوع قاصدًا به تعظيم ذلك المخلوق كما‬
‫د‬
‫ن صاحبه يرت ّ‬ ‫كأ ّ‬‫يعظّم اللّه سبحانه وتعالى ‪ ،‬فل ش ّ‬

‫‪17‬‬
‫عن السلم ويكون كافًرا بذلك ‪ ،‬كما لو سجد لذلك‬
‫المخلوق ‪.‬‬
‫=================‬
‫رماد‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الّرماد في اللّغة ‪ :‬دقاق الفحم من حراقة النّار ‪،‬‬
‫والجمع ‪ :‬أرمدة وأرمداء ‪ ،‬وأصل المادّة ينبئ عن‬
‫الهلك والمحق ‪ ،‬يقال ‪ :‬رمد رمدًا ورمادةً ورمودةً ‪:‬‬
‫هلك ‪ ،‬ولم تبق فيه بقيّة ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬مثل‬
‫الّذين كفروا بربّهم أعمالهم كرمادٍ اشتدّت به الّريح‬
‫ف } ‪ .‬ضرب اللّه مثًل لعمال الكّفار‬ ‫في يوم ٍ عاص ٍ‬
‫شديدة الّرماد في‬ ‫في أنّه يمحقها كما تمحق الّريح ال ّ‬
‫ة‬
‫ف ‪ .‬ويقال ‪ :‬فلن " عظيم الّرماد " ‪ ،‬كناي ً‬ ‫يوم ٍ عاص ٍ‬
‫عن الكرم ‪ ،‬كما ورد في الحديث ‪ .‬والّرماد في‬
‫غوي نفسه ‪ ،‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫الصطلح يستعمل في المعنى الل ّ‬
‫شيء ‪.‬‬ ‫ما بقي بعد احتراق ال ّ‬
‫صعيد ) ‪:‬‬‫صلة ) ‪ ( :‬التّراب وال ّ‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫س‬
‫‪ - 2‬التّراب ما نعم من أديم الرض ‪ ،‬وهو اسم جن ٍ‬
‫‪ ،‬والطّائفة منه تربة ‪ ،‬وهي ظاهر الرض ‪ ،‬وجمع‬
‫صعيد وجه الرض ترابًا كان‬ ‫التّراب أتربة وتربان ‪ .‬وال ّ‬
‫ن‬
‫الزهري ‪ :‬ومذهب أكثر العلماء أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أو غيره ‪ ،‬قال‬
‫مموا صعيدًا طيّبًا }‬ ‫صعيد في قوله تعالى ‪ { :‬فتي ّ‬ ‫ال ّ‬
‫هو التّراب الطّاهر الّذي على وجه الرض ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالّرماد ‪ :‬طهارة الّرماد ‪:‬‬
‫ن الّرماد الحاصل من‬ ‫‪ - 3‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫شيء الطّاهر طاهر ما لم تعتره النّجاسة ;‬ ‫احتراق ال ّ‬
‫جسه ‪ ،‬بل هو سبب التّطهير‬ ‫شيء ل ين ّ‬ ‫ن حرق ال ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ما‬
‫عند بعض الفقهاء ‪ ،‬وقد ثبت في الحديث أنّه { ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ ‪،‬‬ ‫جرح وجه النّب ّ‬

‫‪18‬‬
‫أخذت فاطمة رضي الله عنها حصيًرا فأحرقته حتّى‬
‫م ألزقته فاستمسك الدّم } ‪ .‬مع‬ ‫صار رمادًا ‪ ،‬ث ّ‬
‫{ منعه صلى الله عليه وسلم عن التّداوي بالنّجس‬
‫س بعد‬‫ل نج ٍ‬ ‫ما الّرماد الحاصل من أص ٍ‬ ‫والحرام } ‪ .‬أ ّ‬
‫مد وهو‬ ‫احتراقه فاختلفوا فيه ‪ :‬فذهب أبو حنيفة ومح ّ‬
‫المفتى به عند الحنفيّة والمختار المعتمد عند‬
‫ي وابن رشد ٍ من المالكيّة وخلف‬ ‫ي والتّونس ّ‬ ‫اللّخم ّ‬
‫ن الّرماد الحاصل من‬ ‫الظّاهر عند الحنابلة إلى أ ّ‬
‫س طاهر ‪ ،‬والحرق‬ ‫ج ٍ‬ ‫س أو متن ّ‬ ‫احتراق شيءٍ نج ٍ‬
‫كالغسل في التّطهير ‪ .‬قال في الدّّر ‪ ( :‬وإل ّ لزم‬
‫نجاسة الخبز في سائر المصار ) أي لنّه كان يخبز‬
‫بالّروث النّجس ‪ ،‬ويعلق به شيء من الّرماد ‪ ،‬ومثله‬
‫ن النّار تأكل ما فيه من‬ ‫ما ذكره الحطّاب ‪ .‬ول ّ‬
‫النّجاسة ‪ ،‬أو تحيله إلى شيءٍ آخر ‪ ،‬فيطهر‬
‫بالستحالة والنقلب ‪ ،‬كالخمر إذا تخلّلت ‪ .‬وعلى‬
‫ذلك فالمخبوز بالّروث النّجس طاهر ولو تعلّق به‬
‫صلة به قبل غسل الفم‬ ‫ح ال ّ‬ ‫شيء من رماده ‪ ،‬وتص ّ‬
‫صلة ‪ ،‬كما ذكره‬ ‫من أكله ‪ ،‬ويجوز حمله في ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وهو ظاهر المذهب‬ ‫ي ‪ .‬وذهب ال ّ‬ ‫الدّسوق ّ‬
‫عند الحنابلة ومقابل المعتمد عند المالكيّة وقول أبي‬
‫ن الّرماد الحاصل من‬ ‫يوسف من الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن أجزاء النّجاسة قائمة ‪،‬‬ ‫احتراق النّجس نجس ; ل ّ‬
‫والحراق ل يجعل ما يتخلّف منه شيئًا آخر ‪ ،‬فل تثبت‬
‫ي‪:‬ل‬ ‫الطّهارة مع بقاء العين النّجسة ‪ .‬قال البهوت ّ‬
‫تطهر نجاسة باستحالةٍ ‪ ،‬ول بنارٍ ‪ ،‬فالّرماد من‬
‫الّروث النّجس نجس ‪.‬‬
‫مم بالّرماد ‪:‬‬ ‫التّي ّ‬
‫مم قوله تعالى ‪:‬‬ ‫‪ - 4‬الصل في مشروعيّة التّي ّ‬
‫مموا صعيدًا طيّبًا } قال الحنفيّة ( عدا أبي‬ ‫{ فتي ّ‬

‫‪19‬‬
‫صعيد ما صعد أي ظهر من‬ ‫يوسف ) والمالكيّة ‪ :‬ال ّ‬
‫مم‬ ‫أجزاء الرض ‪ ،‬فهو ظاهر الرض ‪ ،‬فيجوز التّي ّ‬
‫ل ما هو من جنس الرض ‪ ،‬كما يؤيّده حديث ‪:‬‬ ‫بك ّ‬
‫ل ما‬ ‫{ جعلت لي الرض مسجدًا وطهوًرا } ‪ .‬وك ّ‬
‫شجر والحشيش‬ ‫يحترق بالنّار فيصير رمادًا ‪ ،‬كال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪:‬‬ ‫فليس من جنس الرض ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫س قال ‪( :‬‬ ‫صعيد هو التّراب ‪ ،‬كما نقل عن ابن عبّا ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫صعيد ‪ :‬تراب الحرث ‪ ،‬والطّيّب ‪ :‬الطّاهر ) والمراد‬ ‫ال ّ‬
‫مم‬ ‫بالحرث أرض الّزراعة ‪ ،‬وعلى ذلك فل يجوز التّي ّ‬
‫بالّرماد ولو كان طاهًرا عند جميع الفقهاء ; لنّه ليس‬
‫ب ول من جنس الرض ‪ .‬وذهب جمهور الفقهاء‬ ‫بترا ٍ‬
‫شافعيّة والحنابلة ) إلى أنّه إن دقّ‬ ‫( المالكيّة وال ّ‬
‫مم به كذلك ‪،‬‬ ‫الخزف أو الطّين المحرق لم يجز التّي ّ‬
‫ن‬
‫مم بأجزاء الرض المحروقة ل ّ‬ ‫كما ل يجوز التّي ّ‬
‫الطّبخ أخرجها عن أن يقع عليها اسم التّراب ‪ .‬وقال‬
‫ط‬
‫الحنفيّة ‪ :‬إذا أحرق تراب الرض من غير مخال ٍ‬
‫ن المتغيّر لون‬ ‫مم به ‪ ،‬ل ّ‬ ‫حتّى صار أسود جاز التّي ّ‬
‫ن الّرماد إذا كان من‬ ‫التّراب ل ذاته ‪ ،‬كما صّرحوا بأ ّ‬
‫مم ‪ ،‬وإن كان من الحجر‬ ‫الحطب ل يجوز به التّي ّ‬
‫يجوز ‪.‬‬
‫ماليّة الّرماد وتقوّمه ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المال ما يميل إليه الطّبع ‪ ،‬ويجري فيه البذل‬
‫والمنع ‪ ،‬والمتقوّم ما يباح النتفاع به شرعًا ‪ .‬وك ّ‬
‫ل‬
‫طاهرٍ ذي نفٍع غير محّرم ٍ شرع ًا مال عند الفقهاء ‪،‬‬
‫وهو متقوّم بتعبير الحنفيّة ‪ .‬وعلى ذلك فالّرماد‬
‫ح بيعه وشراؤه عند الفقهاء ‪،‬‬ ‫الطّاهر مال متقوّم يص ّ‬
‫ما يباح النتفاع به شرع ًا ‪ ،‬وقد ثبت النتفاع به‬ ‫لنّه م ّ‬
‫في التّداوي في حديث فاطمة رضي الله عنها‬
‫صا‬‫جار على استعماله خال ً‬ ‫ٍ‬ ‫المتقدّم ف ‪ .‬فالعرف‬

‫‪20‬‬
‫ومخلوطًا بإلقائه في الرض لستكثار الّريع في‬
‫ص بالنّهي عن‬‫الّزراعة ‪ ،‬ونحوها ‪ .‬ولم يرد الن ّ ّ‬
‫استعماله ‪ ،‬فكان متموًّل منتفعًا به عند النّاس يجوز‬
‫بيعه وشراؤه ‪ .‬كذلك الّرماد الحاصل من حرق‬
‫جس عند من يقول بطهارته وهم‬ ‫النّجس أو المتن ّ‬
‫الحنفيّة وبعض المالكيّة ‪ ،‬وهو رواية عند الحنابلة ‪،‬‬
‫ن الّرماد الحاصل من احتراق النّجس طاهر يجوز‬ ‫فإ ّ‬
‫سا ‪ ،‬وهم‬ ‫ما من يقول ببقائه نج ً‬ ‫النتفاع به عندهم ‪ .‬أ ّ‬
‫شافعيّة ومن معهم فيختلف حكمه باختلف أصل‬ ‫ال ّ‬
‫سا‬‫الّرماد ‪ .‬فإن كان أصل الّرماد قبل احتراقه نج ً‬
‫شرع ‪ ،‬كالخمر‬ ‫ما في ال ّ‬ ‫بحيث ل يعتبر ماًل متقوّ ً‬
‫ي‬
‫والخنزير ‪ ،‬والميتة والدّم المسفوح ‪ ،‬ورجيع الدم ّ‬
‫ونحوها ‪ ،‬وكالكلب والحشرات عند أكثر الفقهاء ‪،‬‬
‫وسباع البهائم الّتي ل نفع فيها عند البعض مع‬
‫ل فيها ‪ ،‬فما يتخلّف من حرق هذه الشياء من‬ ‫تفصي ٍ‬
‫ق على حاله من النّجاسة ‪ ،‬فل يعتبر ماًل‬ ‫الّرماد با ٍ‬
‫ن المتخلّف من النّجاسة جزء منها ‪،‬‬ ‫ما عندهم ل ّ‬ ‫متقوّ ً‬
‫والحرق ل يجعله شيئًا آخر ‪ .‬قال الدّردير ‪ :‬النّجاسة‬
‫إذا تغيّرت أعراضها ل تتغيّر عن الحكم الّذي كانت‬
‫ي عنه ف ‪- 7‬‬ ‫عليه عمًل بالستصحاب ‪ ( .‬ر ‪ :‬بيع منه ّ‬
‫‪. ) 12‬‬
‫==================‬
‫رمضان ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫شهر المعروف ‪ ،‬قيل في تسميته‬ ‫‪ - 1‬رمضان اسم لل ّ‬
‫شهور من اللّغة القديمة‬ ‫ما نقلوا أسماء ال ّ‬ ‫‪ :‬إنّهم ل ّ‬
‫شهر‬ ‫موها بالزمنة الّتي وقعت فيها ‪ ،‬فوافق هذا ال ّ‬ ‫س ّ‬
‫مي بذلك ‪ .‬ثبوت شهر رمضان‬ ‫أيّام رمض الحّر ‪ ،‬فس ّ‬
‫‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ - 2‬يثبت شهر رمضان برؤية هلله ‪ ،‬فإن تعذ ّرت‬
‫ما ‪ .‬واختلف‬ ‫يثبت بإكمال عدّة شعبان ثلثين يو ً‬
‫ل من تثبت الّرؤية بشهادتهم ‪ .‬فذهب‬ ‫الفقهاء في أق ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬إلى ثبوت شهر‬ ‫الحنفيّة وال ّ‬
‫ل واحد ٍ ‪ .‬وقيّد الحنفيّة اعتبار رؤية‬ ‫رمضان برؤية عد ٍ‬
‫سماء غير مصحيةٍ ‪ ،‬بأن يكون‬ ‫ل واحد ٍ بكون ال ّ‬ ‫عد ٍ‬
‫ما إذا لم يكن في‬ ‫فيها علّة من غيم ٍ أو غبارٍ ‪ ،‬أ ّ‬
‫سماء علّة فل تثبت الّرؤية إل ّ بشهادة جمٍع يقع‬ ‫ال ّ‬
‫شهر‬ ‫ل القائلون بثبوت ال ّ‬ ‫العلم بخبرهم ‪ .‬واستد ّ‬
‫برؤية العدل ‪ ،‬بحديث عبد اللّه بن عمر ‪ -‬رضي الله‬
‫عنهما ‪ -‬قال ‪ { :‬تراءى النّاس الهلل ‪ ،‬فأخبرت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أنّي رأيته فصامه ‪ ،‬وأمر‬ ‫النّب ّ‬
‫النّاس بصيامه } ‪ .‬واستدلّوا كذلك بحديث ابن‬
‫ي إلى‬ ‫س رضي الله عنهما قال ‪ { :‬جاء أعراب ّ‬ ‫عبّا ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬إنّي رأيت الهلل‬ ‫النّب ّ‬
‫‪ -‬يعني رمضان ‪ -‬قال ‪ :‬أتشهد أن ل إله إل ّ اللّه ؟‬
‫مدًا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬يا‬ ‫ن مح ّ‬‫أتشهد أ ّ‬
‫بلل ‪ ،‬أذ ّن في النّاس أن يصوموا غدًا } ‪ .‬وذهب‬
‫شافعيّة ‪ :‬إلى أنّه ل يثبت‬ ‫المالكيّة وهو قول عند ال ّ‬
‫شهر رمضان إل ّ برؤية عدلين واستدلّوا بحديث‬
‫ن أمير مكّة ‪-‬‬ ‫ي قال ‪ { :‬إ ّ‬‫الحسين بن الحارث الجدل ّ‬
‫ب ‪ -‬قال ‪ :‬عهد إلينا رسول اللّه‬ ‫الحارث بن حاط ٍ‬
‫صلى الله عليه وسلم أن ننسك للّرؤية ‪ ،‬فإن لم نره‬
‫ل نسكنا بشهادتهما } ‪ .‬والخبار‬ ‫وشهد شاهدا عد ٍ‬
‫ة أو‬
‫برؤية هلل رمضان متردّد بين كونه رواي ً‬
‫ة وهم الحنفيّة والحنابلة‬ ‫شهادةً ‪ ،‬فمن اعتبره رواي ً‬
‫شافعيّة قبل فيه قول المرأة ‪ .‬ومن‬ ‫وهو قول عند ال ّ‬
‫ح عند‬ ‫اعتبره شهادة ً وهم المالكيّة وهو الص ّ‬
‫شافعيّة لم يقبل فيه قول المرأة ‪ .‬فإن لم تمكن‬ ‫ال ّ‬

‫‪22‬‬
‫رؤية الهلل وجب استكمال عدّة شعبان ثلثين‬
‫ما ‪ ،‬وهو قول الجمهور ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة‬ ‫يو ً‬
‫شافعيّة ورواية في مذهب الحنابلة ‪ -‬واستدلّوا‬ ‫وال ّ‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫س ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬أ ّ‬ ‫بحديث ابن عبّا ٍ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ { :‬صوموا لرؤيته ‪،‬‬
‫وأفطروا لرؤيته ‪ ،‬فإن حال بينكم وبينه سحابة ‪،‬‬
‫شهر استقباًل } ‪ .‬وفي‬ ‫فأكملوا العدّة ول تستقبلوا ال ّ‬
‫روايةٍ ‪ { :‬ل تصوموا قبل رمضان ‪ ،‬صوموا للّرؤية‬
‫وأفطروا للّرؤية ‪ ،‬فإن حالت دونه غياية فأكملوا‬
‫ثلثين } ‪ .‬وفي روايةٍ أخرى هي المذهب عند‬
‫ة ولم ير الهلل‬ ‫سماء مصحي ً‬ ‫الحنابلة أنّه إذا كانت ال ّ‬
‫ما ‪ ،‬فإذا‬ ‫ليلة الثّلثين أكملت عدّة شعبان ثلثين يو ً‬
‫سماء قتر أو غيم ولم ير الهلل ‪ ،‬قدّر‬ ‫كان في ال ّ‬
‫ما ‪ ،‬وصيم يوم الثّلثين‬ ‫ة وعشرين يو ً‬ ‫شعبان تسع ً‬
‫ك ) احتياطًا بنيّة رمضان ‪ ،‬واستدلّوا‬ ‫ش ّ‬
‫( يوم ال ّ‬
‫بحديث ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ‪ { :‬إذا‬
‫م‬‫رأيتموه فصوموا ‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا ‪ ،‬فإن غ ّ‬
‫سروا قوله ‪ { :‬فاقدروا له }‬ ‫عليكم فاقدروا له } وف ّ‬
‫ة وعشرين‬ ‫أي ضيّقوا له ‪ ،‬وهو أن يجعل شعبان تسع ً‬
‫ما ‪ .‬وجمهور الفقهاء على عدم اعتبار الحساب‬ ‫يو ً‬
‫في إثبات شهر رمضان ‪ ،‬بنا ًء على أنّنا لم نتعبّد إلّ‬
‫شافعيّة ‪ .‬وانظر‬ ‫بالّرؤية ‪ .‬وخالف في هذا بعض ال ّ‬
‫التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬رؤية الهلل ‪ ،‬وتنجيم ) ‪.‬‬
‫اختلف مطالع هلل رمضان ‪:‬‬
‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو قول عند‬
‫شافعيّة ‪ :‬إلى عدم اعتبار اختلف المطالع في‬ ‫ال ّ‬
‫إثبات شهر رمضان ‪ ،‬فإذا ثبت رؤية هلل رمضان‬
‫صوم جميع المسلمين في جميع‬ ‫في بلد ٍ لزم ال ّ‬

‫‪23‬‬
‫البلد ‪ ،‬وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ح‬
‫ة ‪ .‬والص ّ‬ ‫مة كافّ ً‬
‫{ صوموا لرؤيته } وهو خطاب لل ّ‬
‫شافعيّة اعتبار اختلف المطالع ‪ ،‬وتفصيل ذلك‬ ‫عند ال ّ‬
‫في مصطلحي ‪ ( :‬رؤية الهلل ‪ ،‬ومطالع ) ‪.‬‬
‫‪ - 4‬واتّفق الفقهاء على اعتبار شهادة عدلين في‬
‫ل ‪ ،‬وبه ينتهي رمضان ‪ ،‬ولم يخالف‬ ‫شوا ٍ‬
‫ّ‬ ‫رؤية هلل‬
‫ثور ‪ ،‬فقال ‪ :‬يقبل قول الواحد ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫في هذا إل ّ أبو‬
‫ودليل اعتبار شهادة العدلين حديث ابن عمر رضي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم { أنّه‬ ‫الله عنهما عن النّب ّ‬
‫ل واحدٍ على رؤية الهلل ‪ -‬هلل‬ ‫أجاز شهادة رج ٍ‬
‫رمضان ‪ -‬وكان ل يجيز على شهادة الفطار إلّ‬
‫شهادات‬ ‫سا على باقي ال ّ‬ ‫بشهادة رجلين } ‪ .‬وقيا ً‬
‫الّتي ليست ماًل ‪ ،‬ول يقصد منها المال ‪ ،‬كالقصاص‬
‫والّتي يطّلع عليها الّرجال غالبًا ‪ ،‬ولنّها شهادة على‬
‫ل ل يدخل بها في العبادة ‪ ،‬فلم تقبل فيها إلّ‬ ‫هل ٍ‬
‫شهود ‪.‬‬ ‫شهادة اثنين كسائر ال ّ‬
‫ص شهر رمضان عن‬ ‫خصائص شهر رمضان ‪ :‬يخت ّ‬
‫شهور بجملةٍ من الحكام والفضائل ‪:‬‬ ‫غيره من ال ّ‬
‫الولى ‪ :‬نزول القرآن فيه ‪:‬‬
‫ة واحدةً من اللّوح المحفوظ‬ ‫‪ - 5‬نزل القرآن جمل ً‬
‫سماء الدّنيا ‪ ،‬وذلك في شهر‬ ‫إلى بيت العّزة في ال ّ‬
‫م نزل‬ ‫رمضان ‪ ،‬وفي ليلة القدر منه على التّعيين ‪ .‬ث ّ‬
‫ة ‪ .‬كما‬ ‫ث وعشرين سن ً‬ ‫صًل بحسب الوقائع في ثل ٍ‬ ‫مف ّ‬
‫ورد في القرآن الكريم ‪ { :‬شهر رمضان الّذي أنزل‬
‫ت من الهدى‬ ‫فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّنا ٍ‬
‫والفرقان } وقوله سبحانه تعالى ‪ { :‬إنّا أنزلناه في‬
‫ليلة القدر } ‪ .‬وقد جاء في التّفسير عن مجاهدٍ ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قوله ‪ { :‬ليلة القدر خير من ألف‬
‫شهور ليلة القدر » ‪ .‬وورد‬ ‫شهرٍ } ‪ ،‬ليس في تلك ال ّ‬

‫‪24‬‬
‫ي وغيرهما ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬ ‫شافع ّ‬ ‫مثله عن قتادة وال ّ‬
‫جريرٍ وابن كثيرٍ ‪ .‬الثّانية ‪ :‬وجوب صومه ‪:‬‬
‫‪ - 6‬صوم رمضان أحد أركان السلم الخمسة كما‬
‫ن‬
‫جاء في حديث ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪ { :‬بني السلم‬ ‫النّب ّ‬
‫مدًا‬ ‫ن مح ّ‬ ‫س ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ّ اللّه ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫على خم ٍ‬
‫ج‬‫صلة ‪ ،‬وإيتاء الّزكاة ‪ ،‬وح ّ‬ ‫رسول اللّه ‪ ،‬وإقام ال ّ‬
‫ل الكتاب الكريم على‬ ‫البيت ‪ ،‬وصوم رمضان } ‪ .‬ود ّ‬
‫وجوب صومه ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين‬
‫صيام كما كتب على الّذين من‬ ‫آمنوا كتب عليكم ال ّ‬
‫قبلكم لعلّكم تتّقون } وقوله تعالى ‪ { :‬شهر‬
‫ت‬‫رمضان الّذي أنزل فيه القرآن هدًى للنّاس وبيّنا ٍ‬
‫شهر‬ ‫من الهدى والفرقان فمن شهد منكم ال ّ‬
‫ما أجمعت عليه‬ ‫فليصمه } ‪ .‬الية ‪ .‬وفرضيّة صومه م ّ‬
‫مة ‪ .‬وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬صوم ) ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صدقة فيه ‪:‬‬ ‫الثّالثة ‪ :‬فضل ال ّ‬
‫صدقة في رمضان أفضل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سنّة على أ ّ‬ ‫‪ - 7‬دلّت ال ّ‬
‫س‬
‫شهور ‪ ،‬من ذلك حديث ابن عبّا ٍ‬ ‫من غيره من ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أجود‬ ‫قال ‪ { :‬كان النّب ّ‬
‫النّاس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين‬
‫يلقاه جبريل ‪ ،‬وكان جبريل عليه السلم يلقاه ك ّ‬
‫ل‬
‫ي‬
‫ليلةٍ في رمضان حتّى ينسلخ ‪ ،‬يعرض عليه النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم القرآن ‪ ،‬فإذا لقيه جبريل‬
‫عليه السلم كان أجود بالخير من الّريح المرسلة }‬
‫شرع إعطاء ما ينبغي‬ ‫‪ .‬قال ابن حجرٍ والجود في ال ّ‬
‫ضا رمضان‬ ‫صدقة ‪ ،‬وأي ً‬ ‫م من ال ّ‬ ‫لمن ينبغي ‪ ،‬وهو أع ّ‬
‫ن نعم اللّه على عباده فيه زائدة‬ ‫موسم الخيرات ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يؤثر‬ ‫على غيره ‪ ،‬فكان النّب ّ‬

‫‪25‬‬
‫ن ليلة القدر‬ ‫متابعة سنّة اللّه في عباده ‪ .‬الّرابعة ‪ :‬أ ّ‬
‫في رمضان ‪:‬‬
‫ضل اللّه تعالى رمضان بليلة القدر ‪ ،‬وفي بيان‬ ‫‪-8‬ف ّ‬
‫منزلة هذه اللّيلة المباركة نزلت سورة القدر‬
‫ووردت أحاديث كثيرة منها ‪ :‬حديث أبي هريرة ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬أتاكم رمضان شهر مبارك فرض‬
‫ل عليكم صيامه ‪ ،‬تفتح فيه أبواب‬ ‫اللّه عّز وج ّ‬
‫ل فيه مردة‬ ‫سماء ‪ ،‬وتغلق فيه أبواب الجحيم ‪ ،‬وتغ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شياطين ‪ ،‬للّه فيه ليلة خير من ألف شهرٍ ‪ ،‬من‬ ‫ال ّ‬
‫حرم خيرها فقد حرم } ‪ .‬وحديث أبي هريرة ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له‬
‫ما تقدّم من ذنبه } » ‪ .‬وينظر التّفصيل في مصطلح‬
‫‪ ( :‬ليلة القدر ) ‪ .‬الخامسة ‪ :‬صلة التّراويح ‪:‬‬
‫‪ - 9‬أجمع المسلمون على سنّيّة قيام ليالي رمضان ‪،‬‬
‫ن المراد بقيام رمضان صلة‬ ‫ووي أ ّ‬
‫ّ‬ ‫وقد ذكر الن ّ‬
‫التّراويح يعني أنّه يحصل المقصود من القيام بصلة‬
‫التّراويح ‪ .‬وقد جاء في فضل قيام ليالي رمضان‬
‫قوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من قام رمضان‬
‫إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدّم من ذنبه } ‪ .‬وينظر‬
‫التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬إحياء اللّيل ) ومصطلح ‪( :‬‬
‫سادسة ‪ :‬العتكاف فيه ‪:‬‬ ‫صلة التّراويح ) ‪ .‬ال ّ‬
‫ن العتكاف في العشر‬ ‫‪ - 10‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫الواخر من رمضان سنّة مؤكّدة ‪ ،‬لمواظبة النّب ّ‬
‫ي‬
‫صلى الله عليه وسلم عليه ‪ ،‬كما جاء في حديث‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬
‫عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ { -‬أ ّ‬
‫عليه وسلم كان يعتكف العشر الواخر من رمضان‬
‫م اعتكف أزواجه من‬ ‫حتّى توفّاه اللّه تعالى ‪ ،‬ث ّ‬

‫‪26‬‬
‫الخدري رضي الله‬
‫ّ‬ ‫بعده } ‪ .‬وفي حديث أبي سعيد ٍ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫عنه { أ ّ‬
‫يعتكف في العشر الوسط من رمضان ‪ ،‬فاعتكف‬
‫ما حتّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي اللّيلة‬ ‫عا ً‬
‫الّتي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال ‪ :‬من كان‬
‫اعتكف معي فليعتكف العشر الواخر } ‪ .‬الحديث ‪.‬‬
‫ويراجع التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬اعتكاف ‪. ) 207 5‬‬
‫سابعة ‪ :‬قراءة القرآن الكريم في رمضان والذ ّكر ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ب في رمضان استحبابًا مؤكّدًا مدارسة‬ ‫‪ - 11‬يستح ّ‬
‫القرآن وكثرة تلوته ‪ ،‬وتكون مدارسة القرآن بأن‬
‫يقرأ على غيره ويقرأ غيره عليه ‪ ،‬ودليل الستحباب‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن جبريل كان يلقى النّب ّ‬ ‫{أ ّ‬
‫ل ليلةٍ من رمضان فيدارسه القرآن } ‪.‬‬ ‫في ك ّ‬
‫وقراءة القرآن مستحبّة مطلًقا ‪ ،‬ولكنّها في رمضان‬
‫صالحة في‬ ‫آكد ‪ .‬الثّامنة ‪ :‬مضاعفة ثواب العمال ال ّ‬
‫رمضان ‪:‬‬
‫صدقة في شهر رمضان ‪ ،‬لحديث ابن‬ ‫‪ - 12‬تتأكّد ال ّ‬
‫ن النّاس‬ ‫شهور ; ول ّ‬ ‫س المتقدّم ; لنّه أفضل ال ّ‬ ‫عبّا ٍ‬
‫فيه مشغولون بالطّاعة فل يتفّرغون لمكاسبهم ‪،‬‬
‫فتكون الحاجة فيه أشد ّ ‪ ،‬ولتضاعف الحسنات به ‪.‬‬
‫قال إبراهيم ‪ :‬تسبيحة في رمضان خير من ألف‬
‫صائم ‪:‬‬‫تسبيحةٍ فيما سواه ‪ .‬التّاسعة ‪ :‬تفطير ال ّ‬
‫ي رضي الله عنه قال‬ ‫‪ - 13‬لحديث زيد بن خالد ٍ الجهن ّ‬
‫‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من‬
‫ما كان له مثل أجره ‪ ،‬غير أنّه ل ينقص من‬ ‫فطّر صائ ً‬
‫صائم شيئًا } ‪ .‬العاشرة ‪ :‬فضل العمرة في‬ ‫أجر ال ّ‬
‫رمضان ‪:‬‬
‫‪ - 14‬العمرة في رمضان أفضل من غيره من‬
‫س قال ‪ :‬قال رسول اللّه‬ ‫شهور لحديث ابن عبّا ٍ‬ ‫ال ّ‬

‫‪27‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬عمرة في رمضان تعدل‬
‫ة}‪.‬‬ ‫ج ً‬
‫ح ّ‬
‫سب في رمضان للتّفّرغ للعبادة ‪:‬‬ ‫ترك التّك ّ‬
‫ن الكتساب فرض‬ ‫‪ - 15‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫للمحتاج إليه بقدر ما ل بد ّ منه ‪ .‬واختلف الفقهاء‬
‫أيّهما أفضل ‪ :‬الشتغال بالكسب أفضل ‪ ،‬أم التّفّرغ‬
‫ن الشتغال بالكسب‬ ‫للعبادة ؟ ‪ .‬فذهب البعض إلى أ ّ‬
‫م ‪ ،‬فمن اشتغل‬ ‫ن منفعة الكتساب أع ّ‬ ‫أفضل ; ل ّ‬
‫م نفع عمله جماعة المسلمين ‪،‬‬ ‫بالّزراعة ‪ -‬مثًل ‪ -‬ع ّ‬
‫ومن اشتغل بالعبادة نفع نفسه فقط ‪ .‬وبالكسب‬
‫يتمكّن من أداء أنواع الطّاعات كالجهاد والح ّ‬
‫ج‬
‫صدقة وبّر الوالدين وصلة الرحام والحسان إلى‬ ‫وال ّ‬
‫القارب والجانب ‪ ،‬وفي التّفّرغ للعبادة ل يتمكّن إلّ‬
‫صلة ‪ .‬ومن ذهب‬ ‫صوم وال ّ‬ ‫من أداء بعض النواع كال ّ‬
‫ن النبياء‬
‫ج بأ ّ‬
‫ن الشتغال بالعبادة أفضل احت ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫والّرسل عليهم الصلة والسلم ما اشتغلوا بالكسب‬
‫مة الوقات ‪ ،‬وكان اشتغالهم بالعبادة أكثر ‪،‬‬ ‫في عا ّ‬
‫ل هذا على أفضليّة الشتغال بالعبادة ; لنّهم‬ ‫فيد ّ‬
‫عليهم الصلة والسلم كانوا يختارون لنفسهم أعلى‬
‫الدّرجات ‪ .‬وعليه فمن ملك ما يكفي حاجته في‬
‫رمضان كان الفضل في حّقه التّفّرغ للعبادة طلبًا‬
‫قه‬‫شهر ‪ ،‬وإل ّ كان الفضل في ح ّ‬ ‫للفضل في هذا ال ّ‬
‫سب حتّى ل يترك ما افترض عليه من تحصيل‬ ‫التّك ّ‬
‫ما ل بد ّ منه ‪ .‬وقد أخرج أحمد في مسنده عن وهب‬
‫ي قال ‪ :‬شهدت عبد اللّه بن عمرٍو‬ ‫بن جابرٍ الخيوان ّ‬
‫في بيت المقدس وأتاه مولًى له فقال ‪ :‬إنّي أريد أن‬
‫شهر هاهنا ‪ -‬يعني رمضان ‪ -‬قال له عبد‬ ‫أقيم هذا ال ّ‬
‫اللّه ‪ :‬هل تركت لهلك ما يقوتهم ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أما ل ‪ ،‬فارجع فدع لهم ما يقوتهم ‪ ،‬فإنّي سمعت‬

‫‪28‬‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ‪ { :‬كفى‬
‫ما أن يضيّع من يقوت } وقد ترجم‬ ‫بالمرء إث ً‬
‫الخطيب في كتابه الجامع لخلق الّراوي وآداب‬
‫سامع لهذا الحديث بقوله ‪ :‬ذكر ما يجب على‬ ‫ال ّ‬
‫طالب الحديث من الحتراف للعيال واكتساب‬
‫الحلل ‪ .‬وانظر مصطلح ‪ ( :‬اكتساب ) ‪.‬‬
‫====================‬
‫رمل‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الّرمل ‪ -‬بتحريك الميم ‪ : -‬الهرولة ‪ .‬رمل يرمل‬
‫رمًل ورملنًا ‪ .‬كما في القاموس وغيره ‪ .‬وأحسن‬
‫ن لمعنى الّرمل قول صاحب النّهاية ‪ :‬رمل يرمل‬ ‫بيا ٍ‬
‫رمًل ورملنًا ‪ :‬إذا أسرع في المشي وهّز كتفيه » ‪( .‬‬
‫ي)‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫ن في‬‫‪ - 2‬الّرمل سنّة من سنن الطّواف ‪ ،‬يس ّ‬
‫ف بعده سعي ‪،‬‬ ‫ل طوا ٍ‬ ‫الشواط الثّلثة الولى من ك ّ‬
‫صة‬‫وعليه جمهور الفقهاء ‪ ،‬وسنّيّة الّرمل هذه خا ّ‬
‫بالّرجال فقط دون النّساء ‪ .‬انظر مصطلح ‪:‬‬
‫( طواف ) ‪.‬‬
‫رمي‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬يطلق بمعنى القذف ‪ ،‬وبمعنى‬ ‫‪ - 1‬الّرمي لغ ً‬
‫شيء ‪ ،‬إذا قذفته ‪،‬‬ ‫شيء وبال ّ‬‫اللقاء ‪ ،‬يقال ‪ :‬رميت ال ّ‬
‫شيء من يدي أي ‪ :‬ألقيته فارتمى ‪ ،‬ورمى‬ ‫ورميت ال ّ‬
‫ضا ألقاه ‪ ،‬كأرمى ‪ ،‬يقال ‪ :‬أرمى الفرس‬ ‫شيء أي ً‬ ‫بال ّ‬
‫سهم عن القوس وعليها ‪،‬‬ ‫براكبه إذا ألقاه ‪ .‬ورمى ال ّ‬
‫ة ‪ .‬ول يقال ‪ :‬رميت بالقوس إلّ‬ ‫ل بها ‪ ،‬رميًا ورماي ً‬
‫إذا ألقيتها من يدك ‪ ،‬ومنهم من يجعله بمعنى رميت‬
‫عنها ‪ .‬ورمى فلن فلنًا ‪ ،‬أي قذفه بالفاحشة كما‬

‫‪29‬‬
‫في قوله تعالى ‪ { :‬والّذين يرمون المحصنات } ‪.‬‬
‫حا ‪:‬‬‫الّرمي اصطل ً‬
‫‪ - 2‬استعمل الفقهاء الّرمي في المعاني اللّغويّة‬
‫سابقة ومنها رمي الجمار الّذي هو منسك واجب‬ ‫ال ّ‬
‫سهام ونحوها ‪،‬‬ ‫ج ‪ .‬والّرمي بال ّ‬ ‫من مناسك الح ّ‬
‫والّرمي بمعنى القذف ‪ ( .‬أوًّل ) رمي الجمار ‪- 3‬‬
‫رمي الجمار ‪ ،‬هو رمي الحصيات المعيّنة العدد في‬
‫صة بالّرمي في منًى ( الجمرات ) ‪.‬‬ ‫الماكن الخا ّ‬
‫شاخص ( العمود ) الّذي يوجد‬ ‫وليست الجمرة هي ال ّ‬
‫في منتصف المرمى ‪ ،‬بل الجمرة هي المرمى‬
‫شاخص ‪ ،‬فليتنبّه لذلك ‪.‬‬ ‫المحيط بذلك ال ّ‬
‫‪ - 4‬والجمرات الّتي ترمى ثلثة ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫صغرى ‪ ،‬أو الدّنيا ‪،‬‬ ‫مى ال ّ‬ ‫أ ‪ -‬الجمرة الولى ‪ :‬وتس ّ‬
‫ميت "‬ ‫وهي أوّل جمرةٍ بعد مسجد الخيف بمنًى ‪ ،‬س ّ‬
‫دنيا " من الدّنوّ ; لنّها أقرب الجمرات إلى مسجد‬
‫الخيف ‪.‬‬
‫مى الوسطى ‪ ،‬بعد‬ ‫ب ‪ -‬الجمرة الثّانية ‪ :‬وتس ّ‬
‫الجمرة الولى ‪ ،‬وقبل جمرة العقبة ‪.‬‬
‫ضا "‬‫مى أي ً‬ ‫ج ‪ -‬جمرة العقبة ‪ :‬وهي الثّالثة ‪ ،‬وتس ّ‬
‫الجمرة الكبرى " وتقع في آخر منًى تجاه مكّة ‪،‬‬
‫وليست من منًى ‪ ( .‬ر ‪ :‬منًى ) ‪ .‬وترمى هذه‬
‫الجمرات كلّها من جميع الجهات ‪.‬‬
‫ي لرمي الجمار ‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫ن رمي الجمار واجب من‬ ‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ج ف ‪ . ) 165 - 153‬واستدلّوا‬ ‫ج‪(.‬ر‪:‬ح ّ‬ ‫واجبات الح ّ‬
‫سنّة فالحاديث‬ ‫ما ال ّ‬‫سنّة والجماع ‪ .‬أ ّ‬ ‫على ذلك بال ّ‬
‫كثيرة منها ‪ :‬حديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقف في‬ ‫{أ ّ‬
‫جة الوداع بمنًى للنّاس يسألونه ‪ ،‬فجاءه رجل‬ ‫ح ّ‬

‫‪30‬‬
‫فقال ‪ :‬لم أشعر ‪ ،‬فحلقت قبل أن أذبح ؟ قال ‪:‬‬
‫اذبح ول حرج فجاء آخر فقال ‪ :‬لم أشعر فنحرت‬
‫قبل أن أرمي ؟ قال ‪ :‬ارم ول حرج } الحديث ‪ ،‬فقد‬
‫أمر بالّرمي ‪ ،‬والمر للوجوب ‪ .‬وكذلك فعله صلى‬
‫الله عليه وسلم وقد ثبت عنه في الحاديث الكثيرة‬
‫صحيحة ‪ ،‬وقد قال ‪ { :‬خذوا عنّي مناسككم } ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫مة أجمعت‬ ‫ن ال ّ‬‫ي‪:‬إ ّ‬‫ما الجماع ‪ :‬فقول الكاسان ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫زهري‬
‫ّ‬ ‫على وجوبه ‪ ،‬فيكون واجبًا ‪ .‬وما روي عن ال ّ‬
‫ج فهو قول شاذ ّ مخالف‬ ‫من أنّه ركن من أركان الح ّ‬
‫لجماع من قبله ‪ ،‬وقد بيّن العلماء بطلنه ‪.‬‬
‫حة رمي الجمار ‪:‬‬ ‫شروط ص ّ‬
‫حة رمي الجمار شروط هي ‪:‬‬ ‫‪ - 6‬يشترط لص ّ‬
‫حة ك ّ‬
‫ل‬ ‫ج ‪ :‬لنّه شرط لص ّ‬ ‫أ ‪ -‬سبق الحرام بالح ّ‬
‫ج‪.‬‬‫أعمال الح ّ‬
‫ب ‪ -‬سبق الوقوف بعرفة ‪ :‬لنّه ركن إذا فات فات‬
‫ج ‪ ،‬والّرمي مرتّب عليه ‪.‬‬ ‫الح ّ‬
‫ح الّرمي‬ ‫ي حجًرا ‪ :‬فل يص ّ‬ ‫ج ‪ -‬أن يكون المرم ّ‬
‫بالطّين ‪ ،‬والمعادن ‪ ،‬والتّراب عند الجمهور‬
‫ح بالمرمر ‪،‬‬ ‫شافعيّة والحنابلة ) ويص ّ‬ ‫( المالكيّة وال ّ‬
‫ص قبل طبخه ‪ ،‬ويجزئ حجر‬ ‫وحجر النّورة أي الج ّ‬
‫شافعيّة لنّه حجر في‬ ‫صحيح عند ال ّ‬ ‫الحديد على ال ّ‬
‫ن فيه حديدًا كامنًا يستخرج‬ ‫هذه الحال ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫بالعلج ‪ ،‬وفيما يتّخذ منه الفصوص كالفيروزج ‪،‬‬
‫والياقوت ‪ ،‬والعقيق ‪ ،‬والّزمّرد ‪ ،‬والبلّور ‪ ،‬والّزبرجد‬
‫حهما الجزاء لنّها أحجار ‪.‬‬ ‫شافعيّة أص ّ‬ ‫وجهان عند ال ّ‬
‫ي أن يكون‬ ‫شرط في المرم ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ح عندهم الّرمي بالتّراب ‪،‬‬ ‫من جنس الرض ‪ ،‬فيص ّ‬
‫ص ‪ ،‬والكحل ‪ ،‬والكبريت ‪ ،‬والّزبرجد ‪،‬‬ ‫والطّين ‪ ،‬والج ّ‬
‫ح بالمعادن ‪،‬‬ ‫والّزمّرد ‪ ،‬والبلّور ‪ ،‬والعقيق ‪ ،‬ول يص ّ‬

‫‪31‬‬
‫ضة ‪ ،‬واختلفوا في جواز الّرمي‬ ‫والذ ّهب ‪ ،‬والف ّ‬
‫شارحون وغيرهم ‪ ،‬بناءً‬ ‫بالفيروزج والياقوت ‪ :‬منعه ال ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫على أنّه يشترط كون الّرمي بالّرمي به استهان ً‬
‫وأجازه غيرهم بناءً على نفي ذلك الشتراط ‪.‬‬
‫ي صلى الله‬ ‫ل الجمهور بما ثبت من فعل النّب ّ‬ ‫استد ّ‬
‫عليه وسلم كما في حديث جابرٍ { يصف رمي جمرة‬
‫ل حصاةٍ‬ ‫ت ‪ -‬يكبّر مع ك ّ‬ ‫العقبة ‪ :‬فرماها بسبع حصيا ٍ‬
‫منها ‪ -‬مثل حصى الخذف } ‪ .‬وبقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في أحاديث كثيرةٍ ‪ { :‬ارموا الجمار بمثل‬
‫حصى الخذف } وفي عدد ٍ منها أنّه قال ذلك { وهو‬
‫ووي‬
‫ّ‬ ‫واضع أصبعيه إحداهما على الخرى } ‪ .‬قال الن ّ‬
‫‪ :‬فأمر صلى الله عليه وسلم بالحصى ‪ ،‬فل يجوز‬
‫العدول عنه ‪ ،‬والحاديث المطلقة محمولة على هذا‬
‫ل الحنفيّة بالحاديث الواردة في‬ ‫المعنى » ‪ .‬واستد ّ‬
‫ة عن صفةٍ مقيّدةٍ ‪ ،‬كقوله صلى‬ ‫المر بالّرمي مطلق ً‬
‫الله عليه وسلم ‪ { :‬ارم ول حرج } متّفق عليه ‪.‬‬
‫ي صلى‬ ‫ي ‪ :‬والّرمي بالحصى من النّب ّ‬ ‫قال الكاسان ّ‬
‫الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم محمول‬
‫ح من‬ ‫على الفضليّة ‪ ،‬توفيًقا بين الدّلئل ‪ ،‬لما ص ّ‬
‫ن المطلق ل يحمل على المقيّد ‪،‬‬ ‫مذهب أصحابنا أ ّ‬
‫بل يجري المطلق على إطلقه ‪ ،‬والمقيّد على‬
‫تقييده ما أمكن ‪ ،‬وهاهنا أمكن بأن يحمل المطلق‬
‫على الجواز ‪ ،‬والمقيّد على الفضليّة ‪ .‬وقال الحنفيّة‬
‫ن المقصود فعل الّرمي ‪ ،‬وذلك يحصل‬ ‫ضا ‪ :‬إ ّ‬
‫أي ً‬
‫بالطّين ‪ ،‬كما يحصل بالحجر ‪ ،‬بخلف ما إذا رمى‬
‫مى نثًرا ل رميًا ‪ .‬ول‬ ‫ضة ; لنّه يس ّ‬ ‫بالذ ّهب أو الف ّ‬
‫ن الحوط في ذلك مذهب الجمهور ‪ ،‬قال‬ ‫يخفى أ ّ‬
‫ن أكثر المحّققين على أنّها‬ ‫الكمال بن الهمام ‪ :‬إ ّ‬
‫أمور تعبّديّة ‪ ،‬ل يشتغل بالمعنى فيها ‪ -‬أي بالعلّة ‪-‬‬

‫‪32‬‬
‫ما أن يلحظ مجّرد الّرمي ‪ ،‬أو مع‬ ‫والحاصل أنّه إ ّ‬
‫الستهانة ‪ ،‬أو خصوص ما وقع منه عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬والوّل يستلزم الجواز بالجواهر ‪ ،‬والثّاني‬
‫بالبعرة والخشبة الّتي ل قيمة لها ‪ ،‬والثّالث بالحجر‬
‫صا ‪ ،‬فليكن هذا أولى ‪ ،‬لكونه أسلم ‪ ،‬ولكونه‬ ‫خصو ً‬
‫الصل في أعمال هذه المواطن ‪ ،‬إل ّ ما قام دليل‬
‫ي به ‪ ،‬فقد ورد‬ ‫ما صفة المرم ّ‬ ‫على عدم تعيينه ‪ .‬أ ّ‬
‫في الحاديث أنّه { مثل حصى الخذف } وحصى‬
‫الخذف هي الّتي يخذف بها ‪ ،‬أي ترمى بها الطّيور‬
‫سبّابة‬‫والعصافير ‪ ،‬بوضع الحصاة بين أصبعي ال ّ‬
‫سنّة في‬ ‫ن ال ّ‬
‫والبهام وقذفها ‪ .‬وقد اتّفقوا على أ ّ‬
‫مصة‬ ‫الّرمي أن يكون بمثل حصى الخذف ‪ ،‬فوق الح ّ‬
‫‪ ،‬ودون البندقة ‪ ،‬وكرهوا الّرمي بالحجر الكبير ‪،‬‬
‫شافعيّة ‪ -‬وهو رواية عن أحمد ‪ -‬الّرمي‬ ‫وأجاز ال ّ‬
‫سنّة‬ ‫مصة ‪ ،‬مع مخالفته ال ّ‬ ‫صغير الّذي كالح ّ‬ ‫بالحجر ال ّ‬
‫; لنّه رمي بالحجر فيجزئه ‪ .‬ولم يجز ذلك المالكيّة ‪،‬‬
‫بل ل بد ّ عندهم أن يكون أكبر من ذلك ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل‬
‫صى كحصى الخذف ‪ ،‬ل أصغر‬ ‫يجزئ الّرمي إل ّ بح ً‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫ول أكبر ‪ .‬وهو مرويّ عن أحمد ‪ ،‬ووجهه أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أمر بهذا القدر ‪ ،‬ونهى عن‬
‫تجاوزه ‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب ‪ ،‬والنّهي يقتضي‬
‫الفساد ‪.‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫سبع متفّرقا ٍ‬ ‫د ‪ -‬أن يرمي الجمرة بالحصيات ال ّ‬
‫سبع‬‫واحدةً فواحدة ً ‪ ،‬فلو رمى حصاتين معًا أو ال ّ‬
‫ت‬‫ة ‪ ،‬فهي حصاة واحدة ‪ ،‬ويلزمه أن يرمي بس ٍّ‬ ‫جمل ً‬
‫سواها وهو المعتمد في المذاهب ‪ .‬والدّليل عليه ‪:‬‬
‫ن المنصوص عليه تفريق الفعال فيتقيّد بالتّفريق‬ ‫أ ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫الوارد في ال ّ‬

‫‪33‬‬
‫هـ ‪ -‬وقوع الحصى في الجمرة الّتي يجتمع فيها‬
‫شافعيّة‬ ‫الحصى ‪ :‬وذلك عند الجمهور ( المالكيّة وال ّ‬
‫ي ‪ :‬الجمرة مجتمع الحصى ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫والحنابلة ) قال ال ّ‬
‫ل ما سال من الحصى ‪ ،‬فمن أصاب مجتمعه‬
‫سع الحنفيّة‬ ‫أجزأه ‪ ،‬ومن أصاب سائله لم يجزه ‪ .‬وتو ّ‬
‫فقالوا ‪ :‬لو رماها فوقعت قريبًا من الجمرة يكفيه ;‬
‫ما ل يمكن الحتراز عنه ‪ ،‬ولو وقعت‬ ‫ن هذا القدر م ّ‬ ‫ل ّ‬
‫بعيدًا منها ل يجزيه ; لنّه لم يعرف قربه إل ّ في‬
‫ن ما يقرب من‬ ‫ي‪:‬ل ّ‬ ‫ص ‪ .‬قال الكاسان ّ‬ ‫مكان مخصو ٍ‬
‫ما‬‫ذلك المكان كان في حكمه ‪ ،‬لكونه تبعًا له ‪ .‬وأ ّ‬
‫مقدار المسافة القريبة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ثلثة أذرٍع فما دون‬
‫سره به المحّقق‬ ‫ل ‪ ،‬وهو الّذي ف ّ‬ ‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬ذراع فأق ّ‬
‫كمال الدّين بن الهمام ‪ ،‬وهو أحوط ‪.‬‬
‫و ‪ -‬أن يقصد المرمى ويقع الحصى فيه بفعله اتّفاقًا‬
‫في ذلك ‪ :‬فلو ضرب شخص يده فطارت الحصاة‬
‫ح ‪ .‬كذلك لو رمى في‬ ‫إلى المرمى وأصابته لم يص ّ‬
‫صوا‬ ‫ح ‪ .‬ون ّ‬ ‫الهواء فوقع الحجر في المرمى لم يص ّ‬
‫على أنّه لو رمى الحصاة فانصدمت بالرض خارج‬
‫ن مثًل‬ ‫ل في الطّريق أو ثوب إنسا ٍ‬ ‫الجمرة ‪ ،‬أو بمحم ٍ‬
‫م ارتدّت فوقعت في المرمى اعتد ّ بها لوقوعها في‬ ‫ث ّ‬
‫المرمى بفعله من غير معاونةٍ ‪ .‬ولو حّرك صاحب‬
‫المحمل أو الثّوب فنفضها فوقعت في المرمى لم‬
‫شافعيّة ‪:‬‬ ‫خرين من ال ّ‬ ‫يعتد ّ بها ‪ .‬وما قاله بعض المتأ ّ‬
‫ليس لها إل ّ وجه واحد ‪ ،‬ورمي كثيرين من أعلها‬
‫صه في‬ ‫ي نفسه ‪ ،‬ون ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫باطل ‪ ،‬هو خلف كلم ال ّ‬
‫م ‪ :‬ويرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ‪ ،‬ومن‬ ‫ال ّ‬
‫حيث رماها أجزأه ‪ .‬والدّليل على ذلك أنّه ثبت رمي‬
‫صحابة من أعلها ‪ ،‬ولم‬ ‫ق كثيرٍ في زمن ال ّ‬ ‫خل ٍ‬
‫يأمروهم بالعادة ‪ ،‬ول أعلنوا بالنّداء بذلك في النّاس‬

‫‪34‬‬
‫ن وجه اختياره عليه الصلة والسلم للّرمي من‬ ‫‪ ،‬وكأ ّ‬
‫الوادي أنّه يتوقّع الذى لمن في أسفلها إذا رموا من‬
‫أعلها ‪ ،‬فإنّه ل يخلو من النّاس ‪ ،‬فيصيبهم الحصى ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ترتيب الجمرات في رمي أيّام التّشريق ‪ :‬وهو‬
‫صغرى الّتي تلي مسجد الخيف ‪،‬‬ ‫أن يبدأ بالجمرة ال ّ‬
‫م جمرة العقبة ‪ .‬وهو مذهب‬ ‫م الوسطى ‪ ،‬ث ّ‬ ‫ث ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ) فهذا‬ ‫الجمهور ( المالكيّة وال ّ‬
‫حة الّرمي ‪ .‬فلو عكس التّرتيب‬ ‫التّرتيب شرط لص ّ‬
‫صغرى وجب عليه‬ ‫م ال ّ‬‫م الوسطى ث ّ‬ ‫فبدأ من العقبة ث ّ‬
‫إعادة رمي الوسطى والعقبة عندهم ليتحّقق‬
‫ن هذا التّرتيب سنّة ‪ ،‬إذا‬ ‫التّرتيب ‪ .‬ومذهب الحنفيّة أ ّ‬
‫ن له العادة ‪ .‬وهو قول الحسن وعطاءٍ ‪.‬‬ ‫ل به يس ّ‬ ‫أخ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم رتّبها كذلك‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫استدلّوا بأ ّ‬
‫‪ ،‬كما ثبت عن { ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان‬
‫ل‬‫ت يكبّر على إثر ك ّ‬ ‫يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيا ٍ‬
‫م يتقدّم حتّى يسهل ‪ ،‬فيقوم مستقبل‬ ‫حصاةٍ ‪ ،‬ث ّ‬
‫م يرمي‬ ‫القبلة ‪ ،‬فيقوم طويًل ويدعو ويرفع يديه ‪ ،‬ث ّ‬
‫ل ويقوم‬ ‫شمال فيسته ّ‬ ‫م يأخذ ذات ال ّ‬ ‫الوسطى ‪ ،‬ث ّ‬
‫مستقبل القبلة ‪ ،‬فيقوم طويًل ‪ ،‬ويدعو ‪ ،‬ويرفع يديه‬
‫م يرمي جمرة ذات العقبة من بطن‬ ‫ويقوم طويًل ‪ ،‬ث ّ‬
‫م ينصرف فيقول ‪ :‬هكذا‬ ‫الوادي ول يقف عندها ‪ ،‬ث ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يفعله } ‪ .‬فاستد ّ‬
‫ل‬ ‫رأيت النّب ّ‬
‫به الجمهور على وجوب ترتيب الجمرات ‪ ،‬كما فعله‬
‫سره الحنفيّة بأنّه‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وف ّ‬ ‫النّب ّ‬
‫ل لهم‬ ‫سنّيّة ‪ ،‬ل الوجوب ‪ ،‬واستد ّ‬ ‫على سبيل ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬
‫سأ ّ‬ ‫بحديث ابن عبّا ٍ‬
‫خره فل شيء‬ ‫قال ‪ { :‬من قدّم من نسكه شيئًا أو أ ّ‬
‫عليه } ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫ح ‪ ( -‬الوقت ) ‪ :‬فللّرمي أوقات يشترط مراعاتها ‪،‬‬
‫ل منها ‪ .‬تفصيله فيما‬ ‫في رمي العدد الواجب في ك ٍّ‬
‫يلي ‪ :‬وقت الّرمي وعدده ‪:‬‬
‫جل هي‬ ‫‪ - 7‬وقت رمي الجمار أربعة أيّام ٍ لمن لم يتع ّ‬
‫مى " أيّام‬ ‫‪ :‬يوم النّحر " وثلثة أيّام ٍ بعده ‪ ،‬وتس ّ‬
‫ن لحوم الهدايا تشّرق‬ ‫ميت بذلك ل ّ‬ ‫التّشريق » ‪ .‬س ّ‬
‫شمس لتجفيفها ‪.‬‬ ‫فيها ‪ ،‬أي تعّرض لل ّ‬
‫أ ‪ -‬الّرمي يوم النّحر ‪:‬‬
‫‪ - 8‬يجب في يوم النّحر رمي جمرة العقبة وحدها‬
‫ت ‪ .‬وأوّل وقت الّرمي‬ ‫فقط ‪ ،‬يرميها بسبع حصيا ٍ‬
‫ليوم النّحر يبدأ من طلوع فجر يوم النّحر عند‬
‫ة عن أحمد ‪ .‬وهذا‬ ‫الحنفيّة والمالكيّة وفي رواي ٍ‬
‫الوقت عندهم أقسام ‪ :‬ما بعد طلوع الفجر من يوم‬
‫شمس وقت الجواز مع الساءة ‪،‬‬ ‫النّحر إلى طلوع ال ّ‬
‫شمس إلى الّزوال وقت مسنون ‪،‬‬ ‫وما بعد طلوع ال ّ‬
‫وما بعد الّزوال إلى الغروب وقت الجواز بل إساءةٍ ‪،‬‬
‫واللّيل وقت الجواز مع الساءة عند الحنفيّة فقط‬
‫ما عند المالكيّة فينتهي الوقت‬ ‫ول جزاء فيه ‪ .‬أ ّ‬
‫شمس ‪ ،‬وما بعده قضاء يلزم فيه الدّم ‪.‬‬ ‫بغروب ال ّ‬
‫ي صلى‬ ‫وتحديد الوقت المسنون مأخوذ من فعل النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم فإنّه رمى في ذلك الوقت ‪ .‬وذهب‬
‫ن أوّل وقت جواز الّرمي‬ ‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يوم النّحر إذا انتصفت ليلة يوم النّحر لمن وقف‬
‫ة‬
‫بعرفة قبله ‪ .‬وهذا الوقت ثلثة أقسام ٍ ‪ :‬وقت فضيل ٍ‬
‫إلى الّزوال ‪ ،‬ووقت اختيارٍ إلى الغروب ‪ ،‬ووقت‬
‫ل الحنفيّة‬‫جوازٍ إلى آخر أيّام التّشريق ‪ .‬استد ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬
‫س{أ ّ‬ ‫بحديث ابن عبّا ٍ‬
‫بعثه في الثّقل وقال ‪ :‬ل ترموا الجمرة حتّى تصبحوا‬
‫} ‪ .‬فأثبتوا جواز الّرمي ابتدا ًء من الفجر بهذا‬

‫‪36‬‬
‫س رضي الله عنهما قال ‪:‬‬ ‫الحديث ‪ .‬وعن ابن عبّا ٍ‬
‫{ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقدّم‬
‫س ‪ ،‬ويأمرهم يعني ل يرمون‬ ‫ضعفاء أهله بغل ٍ‬
‫شمس } ‪ .‬فأثبتوا بهذا الحديث‬ ‫الجمرة حتّى تطلع ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫ل ال ّ‬ ‫الوقت المسنون ‪ .‬واستد ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬
‫بحديث عائشة رضي الله عنها { أ ّ‬
‫م سلمة ليلة النّحر ‪ ،‬فرمت قبل‬ ‫عليه وسلم أرسل بأ ّ‬
‫م مضت فأفاضت } ‪ .‬وجه الستدلل أنّه‬ ‫الفجر ‪ ،‬ث ّ‬
‫علّق الّرمي بما قبل الفجر ‪ ،‬وهو تعبير صالح لجميع‬
‫اللّيل ‪ ،‬فجعل النّصف ضابطًا له ; لنّه أقرب إلى‬
‫ما آخر وقت الّرمي يوم‬ ‫ما قبل النّصف ‪ .‬أ ّ‬ ‫الحقيقة م ّ‬
‫النّحر فهو عند الحنفيّة إلى فجر اليوم التّالي ‪ ،‬فإذا‬
‫خره عنه بل عذرٍ لزمه القضاء في اليوم التّالي ‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫وعليه دم للتّأخير ‪ ،‬ويمتد ّ وقت القضاء إلى آخر أيّام‬
‫التّشريق ‪ .‬وعند المالكيّة ‪ :‬آخر وقت الّرمي إلى‬
‫خره إلى‬ ‫المغرب ‪ ،‬وما بعده قضاء ‪ ،‬ويجب الدّم إن أ ّ‬
‫المغرب على المشهور عندهم ‪ .‬وآخر وقت الّرمي‬
‫شافعيّة والحنابلة يمتد ّ إلى آخر أيّام‬ ‫أدا ًء عند ال ّ‬
‫ل أبو حنيفة‬ ‫ي ‪ .‬واستد ّ‬ ‫التّشريق ; لنّها كلّها أيّام رم ٍ‬
‫س ‪ { :‬أنّه صلى الله عليه وسلم‬ ‫بحديث ابن عبّا ٍ‬
‫سأله رجل قال ‪ :‬رميت بعدما أمسيت ؟ فقال ‪ :‬ل‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫ضا { أ ّ‬‫س أي ً‬ ‫حرج } ‪ .‬وحديث ابن عبّا ٍ‬
‫خص للّرعاة أن يرموا ليًل } ‪ .‬وهو‬ ‫الله عليه وسلم ر ّ‬
‫ن وقت الّرمي في اللّيل جائز ‪ ،‬وفائدة‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫يد ّ‬
‫الّرخصة زوال الساءة عنهم تيسيًرا عليهم ‪ ،‬ولو‬
‫كان الّرمي واجبًا قبل المغرب للزمهم به ; لنّهم‬
‫يستطيعون إنابة بعضهم على الّرعي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّرمي في اليوم الوّل والثّاني من أيّام‬
‫التّشريق ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ - 9‬وهما اليومان الثّاني والثّالث من أيّام النّحر ‪:‬‬
‫يجب في هذين اليومين رمي الجمار الثّلث على‬
‫صغرى الّتي تلي‬ ‫التّرتيب ‪ :‬يرمي أوًّل الجمرة ال ّ‬
‫م يرمي جمرة‬ ‫م الوسطى ‪ ،‬ث ّ‬ ‫مسجد الخيف ‪ ،‬ث ّ‬
‫ت‪.‬‬‫ل جمرةٍ بسبع حصيا ٍ‬ ‫العقبة ‪ ،‬يرمي ك ّ‬
‫‪ - 1‬يبدأ وقت الّرمي في اليوم الوّل والثّاني من‬
‫أيّام التّشريق بعد الّزوال ‪ ،‬ول يجوز الّرمي فيهما‬
‫مة‬‫قبل الّزوال عند جمهور العلماء ‪ ،‬ومنهم الئ ّ‬
‫الربعة على الّرواية المشهورة الظّاهرة عن أبي‬
‫ن الفضل أن يرمي‬ ‫حنيفة ‪ .‬وروي عن أبي حنيفة أ ّ‬
‫في اليوم الثّاني والثّالث ‪ -‬أي من أيّام النّحر ‪ -‬بعد‬
‫الّزوال فإن رمى قبله جاز ‪ ،‬وهو قول بعض الحنابلة‬
‫‪ .‬وروى الحسن عن أبي حنيفة ‪ :‬إن كان من قصده‬
‫جل في النّفر الوّل فل بأس بأن يرمي في‬ ‫أن يتع ّ‬
‫اليوم الثّالث قبل الّزوال ‪ ،‬وإن رمى بعده فهو‬
‫أفضل ‪ ،‬وإن لم يكن ذلك من قصده ل يجوز أن‬
‫يرمي إل ّ بعد الّزوال ‪ ،‬وذلك لدفع الحرج ; لنّه إذا‬
‫نفر بعد الّزوال ل يصل إلى مكّة إل ّ باللّيل فيحرج‬
‫ضا عن‬ ‫في تحصيل موضع النّزول ‪ .‬وهذا رواية أي ً‬
‫أحمد ‪ ،‬لكنّه قال ‪ :‬ينفر بعد الّزوال ‪ .‬استد ّ‬
‫ل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كما ثبت‬ ‫الجمهور بفعل النّب ّ‬
‫عنه ‪ .‬فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ { :‬كنّا‬
‫شمس رمينا } ‪ .‬وعن جابرٍ قال‬ ‫نتحيّن ‪ ،‬فإذا زالت ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة‬ ‫‪ { :‬رأيت النّب ّ‬
‫ما بعد ذلك فإذا زالت‬ ‫حى ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫يوم النّحر ض ً‬
‫شمس } ‪ .‬وهذا باب ل يعرف بالقياس ‪ ،‬بل‬ ‫ال ّ‬
‫شارع ‪ ،‬فل يجوز العدول عنه ‪.‬‬ ‫بالتّوقيت من ال ّ‬
‫ل للّرواية بجواز الّرمي قبل الّزوال بقياس‬ ‫واستد ّ‬
‫نحر ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ن الك ّ‬
‫ل أيّام‬ ‫أيّام التّشريق على يوم النّحر ; ل ّ‬

‫‪38‬‬
‫ويكون فعله صلى الله عليه وسلم محموًل على‬
‫ل لجواز الّرمي ثاني أيّام التّشريق‬ ‫سنّيّة ‪ .‬واستد ّ‬
‫ال ّ‬
‫قبل الّزوال لمن كان من قصده النّفر إلى مكّة بما‬
‫ذكروا أنّه لرفع الحرج عنه ; لنّه ل يصل إل ّ باللّيل ‪،‬‬
‫خرين من الحنفيّة هذه الّرواية‬ ‫وقد قوّى بعض المتأ ّ‬
‫توفيًقا بين الّروايات عن أبي حنيفة ‪ .‬والخذ بهذا‬
‫مناسب لمن خشي الّزحام ودعته إليه الحاجة ‪ ،‬ل‬
‫سيّما في زمننا ‪.‬‬
‫ما نهاية وقت الّرمي في اليوم الوّل والثّاني‬ ‫‪ - 2‬وأ ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫من أيّام التّشريق ‪ :‬فقد ذهب ال ّ‬
‫ن آخر الوقت بغروب شمس اليوم الّرابع من‬ ‫إلى أ ّ‬
‫أيّام النّحر ‪ ،‬وهو آخر أيّام التّشريق الثّلث ‪ ،‬فمن‬
‫ترك رمي يوم ٍ أو يومين تداركه فيما يليه من‬
‫ح الّذي‬ ‫الّزمن ‪ ،‬والمتدارك أداء على القول الص ّ‬
‫شافعيّة وهكذا لو ترك‬ ‫ص ال ّ‬ ‫اختاره النّوويّ واقتضاه ن ّ‬
‫ح أنّه يتداركه في‬ ‫رمي جمرة العقبة يوم العيد فالص ّ‬
‫اللّيل وفي أيّام التّشريق ‪ .‬ويشترط فيه التّرتيب‬
‫فيقدّمه على رمي أيّام التّشريق ‪ .‬كذلك أوجب‬
‫المالكيّة والحنابلة التّرتيب في القضاء ‪ .‬وصّرح‬
‫الحنابلة بوجوب ترتيبه في القضاء بالنّيّة ‪ .‬وإن لم‬
‫يتدارك الّرمي حتّى غربت شمس اليوم الّرابع فقد‬
‫ن أيّام‬‫فاته الّرمي وعليه الفداء ‪ .‬ودليلهم ‪ :‬أ ّ‬
‫خره من أوّل وقته إلى‬ ‫التّشريق وقت للّرمي ‪ ،‬فإذا أ ّ‬
‫ما الحنفيّة والمالكيّة‬ ‫آخره لم يلزمه شيء ‪ .‬وأ ّ‬
‫صلوا ‪ :‬فذهب‬ ‫مف ّ‬ ‫ل يوم ٍ بيومه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫فقيّدوا رمي ك ّ‬
‫الحنفيّة إلى أنّه ينتهي رمي اليوم الثّاني من أيّام‬
‫النّحر بطلوع فجر اليوم الثّالث ‪ ،‬ورمي اليوم الثّالث‬
‫خر الّرمي إلى‬ ‫بطلوع الفجر من اليوم الّرابع ‪ .‬فمن أ ّ‬
‫ما بعد وقته فعليه قضاؤه ‪ ،‬وعليه دم عندهم ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫والدّليل على جواز الّرمي بعد مغرب نهار الّرمي‬
‫حديث الذن للّرعاء بالّرمي ليًل ‪ .‬وذهب المالكيّة‬
‫ل يوم ٍ ‪ ،‬وما بعده‬ ‫إلى أنّه ينتهي الداء إلى غروب ك ّ‬
‫قضاء له ‪ ،‬ويفوت الّرمي بغروب الّرابع ‪ ،‬ويلزمه دم‬
‫في ترك حصاةٍ أو في ترك الجميع ‪ ،‬وكذا يلزمه دم‬
‫خر شيئًا منها إلى اللّيل ‪.‬‬ ‫إذا أ ّ‬
‫ج ‪ -‬الّرمي ثالث أيّام التّشريق ‪:‬‬
‫خر ولم ينفر من‬ ‫‪ - 10‬يجب هذا الّرمي على من تأ ّ‬
‫صله‬ ‫منًى بعد رمي ثاني أيّام التّشريق على ما نف ّ‬
‫وهذا الّرمي آخر مناسك منًى ‪ .‬واتّفق العلماء على‬
‫ن الّرمي في هذا اليوم بعد الّزوال رمي في الوقت‬ ‫أ ّ‬
‫‪ ،‬كما رمى في اليومين قبله ‪ ،‬اقتداءً بفعله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬واختلفوا في جواز تقديمه ‪:‬‬
‫ح‬
‫صاحبان إلى أنّه ل يص ّ‬ ‫مة الثّلثة وال ّ‬‫فذهب الئ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫الّرمي قبل الّزوال ‪ ،‬استدلًل بفعل النّب ّ‬
‫سا لرمي هذا اليوم على اليومين‬ ‫عليه وسلم وقيا ً‬
‫ح الّرمي فيهما قبل الّزوال ‪،‬‬ ‫سابقين ‪ ،‬فكما ل يص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ح قبل زوال اليوم الخير ‪ .‬وقال أبو‬ ‫كذلك ل يص ّ‬
‫ب للّرمي في هذا اليوم بعد‬ ‫حنيفة ‪ :‬الوقت المستح ّ‬
‫الّزوال ‪ ،‬ويجوز أن يقدّم الّرمي في هذا اليوم قبل‬
‫الّزوال ‪ ،‬بعد طلوع الفجر ‪ .‬قال في الهداية ‪:‬‬
‫س رضي الله عنهما ;‬ ‫ومذهبه مرويّ عن ابن عبّا ٍ‬
‫ق‬
‫ما ظهر أثر التّخفيف في هذا اليوم في ح ّ‬ ‫ولنّه ل ّ‬
‫التّرك ‪ ،‬فلن يظهر في جوازه ‪ -‬أي الّرمي ‪ -‬في‬
‫ن آخر وقت‬ ‫الوقات كلّها أولى ‪ .‬واتّفقوا على أ ّ‬
‫شمس ‪ ،‬كما اتّفقوا‬ ‫الّرمي في هذا اليوم غروب ال ّ‬
‫ن وقت الّرمي لهذا اليوم ولليّام الماضية لو‬ ‫على أ ّ‬
‫خره أو شيئًا منه يخرج بغروب شمس اليوم‬ ‫أ ّ‬
‫الّرابع ‪ ،‬فل قضاء له بعد ذلك ‪ ،‬ويجب في تركه‬

‫‪40‬‬
‫الفداء ‪ .‬وذلك " لخروج وقت المناسك بغروب‬
‫شمسه ‪.‬‬
‫( شروط الّرمي ) ‪:‬‬
‫حة رمي الجمار ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ 10‬م ‪ -‬يشترط لص ّ‬
‫أ ‪ -‬أن يكون هناك قذف للحصاة ولو خفيًفا ‪ .‬فكيفما‬
‫حصل أجزأه ‪ ،‬حتّى قال النّوويّ ‪ :‬ول يشترط وقوف‬
‫الّرامي خارج المرمى ‪ ،‬فلو وقف في طرف‬
‫المرمى ورمى إلى طرفه الخر أجزأه » ‪ .‬ولو طرح‬
‫ن‬
‫حا أجزأه عند الحنفيّة والحنابلة ; ل ّ‬ ‫الحصيات طر ً‬
‫الّرمي قد وجد بهذا الطّرح ‪ ،‬إل ّ أنّه رمي خفيف ‪،‬‬
‫شافعيّة إلى‬ ‫فيجزئ مع الساءة ‪ .‬وذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ما لو وضعها وضعًا فل‬ ‫أنّه ل يجزئه الطّرح بتاتًا ‪ .‬أ ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ح اتّفاقًا ; لنّه ليس برم ٍ‬ ‫يص ّ‬
‫ت لك ّ‬
‫ل‬ ‫ب ‪ -‬العدد المخصوص ‪ :‬وهو سبع حصيا ٍ‬
‫جمرةٍ ‪ ،‬حتّى لو ترك رمي حصاةٍ واحدةٍ كان كمن‬
‫سبع عند المالكيّة ‪ ،‬وعند الجمهور تيسير‬ ‫ترك ال ّ‬
‫بقبول صدقةٍ في ترك القليل من الحصيات ‪،‬‬
‫ج ف ‪) 273‬‬ ‫اختلفت فيه اجتهاداتهم ( ر ‪ :‬ح ّ‬
‫‪ .‬واجب الّرمي ‪:‬‬
‫‪ - 11‬يجب ترتيب رمي يوم النّحر بحسب ترتيب‬
‫أعمال يوم النّحر ‪ ،‬وهي هكذا ‪ :‬رمي جمرة العقبة ‪،‬‬
‫فالذ ّبح ‪ ،‬فالحلق ‪ ،‬فطواف الفاضة ‪ ،‬وذلك عند‬
‫ن ترتيبها سنّة عندهم ‪،‬‬ ‫شافعيّة فإ ّ‬ ‫الجمهور ‪ ،‬خلفًا لل ّ‬
‫وعند الجمهور تفصيل واختلف في كيفيّة هذا‬
‫ج ف ‪) 196 - 195‬‬ ‫التّرتيب ( انظر مصطلح ‪ :‬ح ّ‬
‫وسبق الحكم في ترتيب رمي الجمرات الثّلث ( ف‬
‫‪)6‬‬
‫سنن الّرمي ‪:‬‬
‫ن في الّرمي ما يلي ‪:‬‬ ‫‪ - 12‬يس ّ‬

‫‪41‬‬
‫أ ‪ -‬أن يكون بين الّرامي وبين الجمرة خمسة أذرٍع‬
‫ن ما دون ذلك يكون‬ ‫ص الحنفيّة ; ل ّ‬ ‫فأكثر ‪ ،‬كما ن ّ‬
‫حا أجزأه إل ّ أنّه مخالف‬ ‫حا ‪ ،‬ولو طرحها طر ً‬ ‫طر ً‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫لل ّ‬
‫سبع ‪ ،‬بحيث ل يزيد‬ ‫ب ‪ -‬الموالة بين الّرميات ال ّ‬
‫الفصل بينها عن الذ ّكر الوارد ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬لقط الحصيات دون كسرها ‪ ،‬وله أخذها من‬
‫منزله بمنًى ‪.‬‬
‫س‪،‬‬ ‫صى نج ٍ‬ ‫د ‪ -‬طهارة الحصيات ‪ ،‬فيكره الّرمي بح ً‬
‫ويندب إعادته بطاهرٍ ‪ ،‬وفي وجهٍ اختاره بعض‬
‫س ‪ ،‬ويجب إعادته‬ ‫الحنابلة ‪ :‬ل يجزئ الّرمي بنج ٍ‬
‫صحيح في مذهبهم الجزاء مع‬ ‫ن ال ّ‬‫بطاهرٍ ‪ ،‬لك ّ‬
‫الكراهة ‪.‬‬
‫ما رمي به ‪ ،‬فلو خالف‬ ‫هـ ‪ -‬أل ّ يكون الحصى م ّ‬
‫ما رمى به هو أو‬ ‫ورمى بها كره ‪ ،‬سواء كان م ّ‬
‫غيره ‪ ،‬وهو مذهب الجمهور ‪ .‬وقال بعض المالكيّة ‪:‬‬
‫ل يجزئ ‪ ،‬ومذهب الحنابلة ‪ :‬إن رمى بحجرٍ أخذه‬
‫ل الجمهور بعموم لفظ‬ ‫من المرمى لم يجزه ‪ .‬استد ّ‬
‫ي‬
‫الحصى الوارد في الحاديث الواردة في تعليم النّب ّ‬
‫حة‬‫صلى الله عليه وسلم الّرمي ‪ ،‬وذلك يفيد ص ّ‬
‫الّرمي بما رمي به ولو أخذ من المرمى ‪ .‬واستد ّ‬
‫ل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أخذ من‬ ‫ن { النّب ّ‬ ‫الحنابلة بأ ّ‬
‫غير المرمى ‪ ،‬وقال ‪ :‬خذوا عنّي مناسككم } ولنّه‬
‫لو جاز الّرمي بما رمي به ‪ ،‬لما احتاج أحد إلى أخذ‬
‫الحصى من غير مكانه ول تكسيره ‪ ،‬والجماع على‬
‫خلفه ‪.‬‬
‫ل حصاةٍ ‪ ،‬ويقطع التّلبية مع أوّل‬ ‫و ‪ -‬التّكبير مع ك ّ‬
‫حصاةٍ يرمي بها جمرة العقبة يوم النّحر عند‬

‫‪42‬‬
‫الجمهور ‪ .‬وينظر الخلف والتّفصيل في بحث ‪:‬‬
‫( تلبية ) ‪.‬‬
‫ي بعده رمي‬ ‫ل رم ٍ‬ ‫ز ‪ -‬الوقوف للدّعاء ‪ :‬وذلك إثر ك ّ‬
‫آخر ‪ ،‬فيقف بين الّرميّين مدّةً ويطيل الوقوف‬
‫يدعو ‪ ،‬وقدّر ذلك بمدّة ثلثة أرباع الجزء من‬
‫ن أن يقف‬ ‫ة ‪ .‬فيس ّ‬ ‫القرآن ‪ ،‬وأدناه قدر عشرين آي ً‬
‫صغرى وبعد الوسطى ‪ ،‬لنّه في‬ ‫بعد رمي الجمرة ال ّ‬
‫ي ليس‬ ‫ل رم ٍ‬ ‫وسط العبادة ‪ ،‬فيأتي بالدّعاء فيه ‪ ،‬وك ّ‬
‫ن العبادة قد انتهت‬ ‫بعده رمي ل يقف فيه للدّعاء ; ل ّ‬
‫‪ ،‬فل يقف بعد رمي جمرة العقبة يوم النّحر ‪ ،‬ول بعد‬
‫سنّة فعل‬ ‫ضا ‪ .‬ودليل هذه ال ّ‬ ‫رميها أيّام التّشريق أي ً‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في حديث‬ ‫النّب ّ‬
‫سابق ‪.‬‬‫ابن عمر ال ّ‬
‫مكروهات الّرمي ‪:‬‬
‫‪ - 13‬يكره في الّرمي ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الّرمي بعد المغرب في يوم النّحر عند الحنفيّة ‪،‬‬
‫ي ‪ :‬ففي‬ ‫سرخس ّ‬ ‫وبعد زواله عند المالكيّة ‪ ،‬قال ال ّ‬
‫شمس ‪ ،‬ولكنّه لو‬ ‫ظاهر المذهب وقته إلى غروب ال ّ‬
‫رمى باللّيل ل يلزمه شيء » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّرمي بالحجر الكبير ‪ ،‬سواء رمى به كبيًرا ‪ ،‬أو‬
‫رمى به مكسوًرا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الّرمي بحصى المسجد ‪ ،‬فل يأخذه من مسجد‬
‫ن الحصى تابع للمسجد ‪ ،‬فل يخرج منه ‪.‬‬ ‫الخيف ; ل ّ‬
‫د ‪ -‬الّرمي بالحصى النّجس عند الجمهور ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل‬
‫يجزئ الّرمي بالحصى النّجس ‪.‬‬
‫سبع ‪ ،‬في رمي ك ّ‬
‫ل‬ ‫هـ ‪ -‬الّزيادة على العدد ‪ ،‬أي ال ّ‬
‫جمرةٍ من الجمرات ‪.‬‬
‫صفة الّرمي المستحبّة ‪:‬‬

‫‪43‬‬
‫ج لرمي الجمرات فيرفع الحصى‬ ‫‪ - 14‬يستعد ّ الحا ّ‬
‫ب أن يرفع من‬ ‫قبل الوصول إلى الجمرة ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ت مثل حصى الخذف ‪ ،‬فوق‬ ‫المزدلفة سبع حصيا ٍ‬
‫مصة ودون البندقة ليرمي بها جمرة العقبة في‬ ‫الح ّ‬
‫اليوم الوّل من أيّام الّرمي ‪ ،‬وهو يوم عيد النّحر ‪،‬‬
‫وإن رفع سبعين حصاة ً من المزدلفة أو من طريق‬
‫ب ‪ ،‬وهذا هو عدد‬ ‫مزدلفة فهو جائز ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مستح ّ‬
‫ل أيّام الّرمي ‪ ،‬ويجوز أخذ‬ ‫الحصى الّذي يرمى في ك ّ‬
‫ل موضٍع بل كراهةٍ ‪ .‬إل ّ من عند‬ ‫الحصيات من ك ّ‬
‫الجمرة ‪ ،‬فإنّه مكروه ‪ ،‬ويكره أخذها من مسجد‬
‫ما ‪،‬‬
‫ن حصى المسجد تابع له فيصير محتر ً‬ ‫الخيف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ة‬‫ويندب غسل الحصى مطلًقا ‪ ،‬ولو لم تكن نجس ً‬
‫ج‬
‫م يأتي الحا ّ‬ ‫عند الحنفيّة ‪ ،‬ورواية عند الحنابلة ‪ .‬ث ّ‬
‫جة وهو يوم النّحر ‪،‬‬ ‫منًى يوم العاشر من ذي الح ّ‬
‫ل على هذا التّرتيب ‪:‬‬ ‫وعليه في هذا اليوم أربعة أعما ٍ‬
‫م ذبح الهدي وهو واجب على‬ ‫رمي جمرة العقبة ‪ ،‬ث ّ‬
‫م يطوف‬ ‫صر ‪ ،‬ث ّ‬ ‫م يحلق أو يق ّ‬ ‫المتمتّع والقارن ‪ ،‬ث ّ‬
‫سعي عند‬ ‫طواف الفاضة ‪ ،‬وإن لم يكن قدّم ال ّ‬
‫طواف القدوم فإنّه يسعى بعد طواف الفاضة ‪،‬‬
‫ج فور وصوله منًى إلى جمرة العقبة ‪،‬‬ ‫جه الحا ّ‬‫ويتو ّ‬
‫وتقع آخر منًى تجاه مكّة ‪ ،‬من غير أن يشتغل بشيءٍ‬
‫آخر قبل رميها ‪ ،‬فيرميها بعد دخول وقتها بسبع‬
‫أي جهةٍ يرميها واحدةً فواحدةً يكبّر مع‬ ‫ت من ّ‬ ‫حصيا ٍ‬
‫ل حصاةٍ ويدعو ‪ ،‬وكيفما أمسك الحصاة ورماها‬ ‫ك ّ‬
‫ح ‪ ،‬دون تقييد ٍ بهيئةٍ ‪ ،‬لكن ل يجوز وضع الحصاة‬ ‫ص ّ‬
‫ن أن يرمي بعد طلوع‬ ‫في المرمى وضعًا ‪ ،‬ويس ّ‬
‫سنّة إلى الّزوال ‪ ،‬ويباح‬ ‫شمس ‪ ،‬ويمتد ّ وقت ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫بعده إلى المغرب ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ما كيفيّة الّرمي فهي أن يبعد عن الجمرة الّتي‬ ‫‪ - 15‬أ ّ‬
‫يجتمع فيها الحصى قدر خمسة أذرٍع فأكثر على ما‬
‫اختاره الحنفيّة ‪ ،‬ويمسك بالحصاة بطرفي إبهام‬
‫ومسبّحة يده اليمنى ‪ ،‬ويرفع يده حتّى يرى بياض‬
‫إبطيه ‪ ،‬ويقذفها ويكبّر ‪ .‬وقيل ‪ :‬يضع الحصاة على‬
‫ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبّحة ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫ب أن يضع الحصاة بين سبّابتي يديه اليمنى‬ ‫يستح ّ‬
‫واليسرى ويرمي بها ‪.‬‬
‫ما صيغة التّكبير فقد جاءت في الحديث‬ ‫‪ - 16‬أ ّ‬
‫ل حصاةٍ » ‪ .‬فيجوز بأيّ صيغةٍ‬ ‫ة " يكبّر مع ك ّ‬ ‫مطلق ً‬
‫صيغة ‪:‬‬ ‫من صيغ التّكبير ‪ .‬واختار العلماء نحو هذه ال ّ‬
‫ضا‬
‫شيطان ور ً‬ ‫{ بسم اللّه واللّه أكبر ‪ ،‬رغ ً‬
‫ما لل ّ‬
‫جا مبروًرا وسعيًا مشكوًرا ‪،‬‬ ‫م اجعله ح ًّ‬‫للّرحمن ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫وذنبًا مغفوًرا } والمستند في ذلك ما ورد من الثار‬
‫صحابة ‪ .‬ولو رمى وترك الذ ّكر فلم‬ ‫الكثيرة عن ال ّ‬
‫سنّة‬ ‫يكبّر ولم يأت بأيّ ذكرٍ جاز ‪ ،‬وقد أساء لتركه ال ّ‬
‫ة يرميها ويشتغل‬‫‪ .‬ويقطع التّلبية مع أوّل حصا ٍ‬
‫م‬‫بالتّكبير ‪ .‬وينصرف من الّرمي وهو يقول ‪ { :‬اللّه ّ‬
‫جا مبروًرا ‪ ،‬وسعيًا مشكوًرا وذنبًا مغفوًرا }‬ ‫اجعله ح ًّ‬
‫‪ .‬ووقت الّرمي في هذه اليّام بعد الّزوال ‪ ،‬ويندب‬
‫تقديم الّرمي قبل صلة الظّهر في المذاهب الثّلثة ‪،‬‬
‫وعند الحنفيّة يقدّم صلة الظّهر على الّرمي ‪- 17 .‬‬
‫وقد بحثوا في أفضليّة الّركوب أو المشي في رمي‬
‫ب‬
‫الجمار ‪ ،‬واختلفوا في ذلك وكانوا يركبون الدّوا ّ‬
‫فكان الّرمي للّراكب ممكنًا ‪ .‬فذهب أبو يوسف وهو‬
‫المختار عند الحنفيّة إلى أنّه يرمي جمرة العقبة‬
‫راكبًا وغيرها ماشيًا في جميع أيّام الّرمي ‪ ،‬وقال أبو‬
‫مد ‪ :‬الّرمي كلّه راكبًا أفضل ‪ .‬وعند‬ ‫حنيفة ومح ّ‬
‫المالكيّة يرمي جمرة العقبة يوم النّحر كيفما كان‬

‫‪45‬‬
‫ي ‪ :‬يرمي جمرة العقبة‬ ‫شافع ّ‬ ‫وغيرها ماشيًا ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫يوم النّحر راكبًا ‪ ،‬وكذلك يرميها يوم النّفر راكبًا ‪،‬‬
‫ي " ‪ ،‬واختار‬ ‫ب إل ّ‬
‫ويمشي في اليومين الخرين أح ّ‬
‫ي استحباب المشي‬ ‫صاحب الفتاوى الظّهيريّة الحنف ّ‬
‫إلى الجمار مطلًقا ‪ ،‬وهو الكثر عند الحنابلة ‪ .‬عن‬
‫{ ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يأتي الجمار‬
‫في اليّام الثّلثة بعد يوم النّحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا ‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان يفعل‬ ‫ن النّب ّ‬‫ويخبر أ ّ‬
‫م إذا فرغ من الّرمي ثاني أيّام العيد وهو‬ ‫ذلك } ‪ .‬ث ّ‬
‫أوّل أيّام التّشريق رجع إلى منزله في منًى ‪ ،‬ويبيت‬
‫تلك اللّيلة فيها ‪ ،‬فإذا كان من الغد وهو ثاني عشر‬
‫جة ‪ ،‬وثالث أيّام النّحر ‪ ،‬وثاني أيّام التّشريق‬ ‫ذي الح ّ‬
‫رمى الجمار الثّلثة بعد الّزوال على كيفيّة رمي‬
‫م إذا رمى في هذا اليوم فله أن‬ ‫سابق ‪ .‬ث ّ‬ ‫اليوم ال ّ‬
‫ينفر أي يرحل ‪ ،‬بل كراهةٍ لقوله تعالى ‪ { :‬فمن‬
‫جل في يومين فل إثم عليه } ‪ .‬ويسقط عنه رمي‬ ‫تع ّ‬
‫مى هذا اليوم يوم النّفر الوّل‬ ‫اليوم الّرابع ‪ ،‬لذلك يس ّ‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 18‬وإن لم ينفر لزمه رمي اليوم الّرابع ‪ ،‬وهو‬
‫جة ‪ ،‬ثالث أيّام التّشريق ‪،‬‬ ‫الثّالث عشر من ذي الح ّ‬
‫سابقة في‬ ‫يرمي فيه الجمرات الثّلث على الكيفيّة ال ّ‬
‫ح الّرمي في‬ ‫ضا ‪ ،‬لكن عند أبي حنيفة يص ّ‬ ‫ثاني يوم ٍ أي ً‬
‫سنّة ‪،‬‬‫هذا اليوم من الفجر مع الكراهة لمخالفته ال ّ‬
‫شمس‬ ‫وينتهي وقت الّرمي في هذا اليوم بغروب ال ّ‬
‫أداءً وقضاءً ‪ ،‬فإن لم يرم حتّى غربت شمس اليوم‬
‫فات الّرمي وتعيّن الدّم فداءً عن الواجب الّذي تركه‬
‫ن المكث في منًى‬ ‫‪ ،‬ويرحل بعد الّرمي ‪ ،‬ول يس ّ‬
‫مى هذا النّفر الثّاني ‪ ،‬وهذا اليوم يوم‬ ‫بعده ‪ ،‬ويس ّ‬
‫خر بمنًى ويرمي اليوم‬ ‫النّفر الثّاني ‪ .‬والفضل أن يتأ ّ‬

‫‪46‬‬
‫خر فل إثم عليه لمن‬ ‫الّرابع ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ومن تأ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم تكميًل‬ ‫اتّقى } واتّباع ًا للنّب ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ما ما ورد من ركوب النّب ّ‬ ‫للعبادة ‪ .‬أ ّ‬
‫وسلم في الّرمي فأجيب عنه بأنّه " محمول على‬
‫ي ل رمي بعده ‪ ،‬أو على التّعليم ليراه النّاس‬ ‫رم ٍ‬
‫ج " والجواب الثّاني أولى‬ ‫فيتعلّموا منه مناسك الح ّ‬
‫ل عليه قوله في اليوم الوّل وهو راكب ‪:‬‬ ‫وأقوى ‪ ،‬يد ّ‬
‫{ لتأخذوا عنّي مناسككم } ‪.‬‬
‫آثار الّرمي ‪ :‬يترتّب على رمي الجمار أحكام هامة‬
‫مة من وجوبه ‪ ،‬وهذه‬ ‫ج ‪ ،‬سوى براءة الذ ّ ّ‬ ‫في الح ّ‬
‫الثار هي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أثر رمي جمرة العقبة ‪:‬‬
‫‪ - 19‬يترتّب على رمي جمرة العقبة يوم النّحر‬
‫ج عند المالكيّة ‪ ،‬وهو‬ ‫التّحلّل الوّل من إحرام الح ّ‬
‫قول عند الحنابلة ‪ ،‬خلفًا للحنفيّة الّذين قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫ن‬
‫ل عند‬ ‫التّحلّل الوّل يكون بالحلق ‪ ،‬وعلى تفصي ٍ‬
‫شافعيّة والحنابلة ( ر ‪ :‬مصطلح إحرام ف ‪- 122‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪. ) 125‬‬
‫ب ‪ -‬أثر رمي الجمار يومي التّشريق ‪ :‬النّفر الوّل ‪:‬‬
‫ج الجمار أوّل وثاني أيّام التّشريق‬ ‫‪ - 20‬إذا رمى الحا ّ‬
‫جل في‬ ‫ب التّع ّ‬‫يجوز له أن ينفر ‪ ،‬أي يرحل إن أح ّ‬
‫النصراف من منًى ‪ ،‬هذا هو النّفر الوّل ‪ ،‬وبهذا‬
‫مة‬
‫النّفر يسقط رمي اليوم الخير ‪ ،‬وهو قول عا ّ‬
‫جل في يومين فل‬ ‫العلماء ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬فمن تع ّ‬
‫خر فل إثم عليه لمن اتّقى } ‪ .‬وفي‬ ‫إثم عليه ومن تأ ّ‬
‫صحيح ‪ :‬قال‬ ‫ي ال ّ‬ ‫حديث عبد الّرحمن بن يعمر الدّيل ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬أيّام منًى ثلثة‬
‫خر فل‬ ‫جل في يومين فل إثم عليه ومن تأ ّ‬ ‫‪ :‬فمن تع ّ‬
‫إثم عليه } ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ج ‪ -‬أثر الّرمي ثالث أيّام التّشريق ‪ :‬النّفر الثّاني ‪:‬‬
‫ج الجمار في اليوم الثّالث من أيّام‬ ‫‪ - 21‬إذا رمى الحا ّ‬
‫التّشريق انصرف من منًى إلى مكّة ‪ ،‬ول يقيم بمنًى‬
‫مى هذا النّفر النّفر‬‫بعد رميه هذا اليوم ‪ ،‬ويس ّ‬
‫الثّاني ‪ ،‬واليوم يوم النّفر الثّاني ‪ ،‬وهو آخر أيّام‬
‫التّشريق ‪ ،‬وبه ينتهي وقت رمي الجمار ‪ ،‬ويفوت‬
‫على من ل يتداركه قبل غروب شمس هذا اليوم ‪،‬‬
‫وبه تنتهي مناسك منًى ‪.‬‬
‫حكم ترك الّرمي ‪:‬‬
‫‪ - 22‬يلزم من ترك الّرمي بغير عذرٍ الثم ووجوب‬
‫بعذر ل يأثم ‪ ،‬لكن ل يسقط الدّم‬ ‫ٍ‬ ‫الدّم ‪ ،‬وإن تركه‬
‫عنه ‪ ،‬ولو ترك حصاةً واحدةً عند المالكيّة ‪ ،‬ويجزئه‬
‫شاة عن ترك الّرمي كلّه ‪ ،‬أو عن ترك رمي يوم ٍ ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة في حصاةٍ وحصاتين‬ ‫وتسامح ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وأنزل الحنفيّة الكثر منزلة‬ ‫فجعلوا في ذلك صدق ً‬
‫ل مع وجوب جزاءٍ عن النّاقص ‪ ( .‬انظر تفصيل‬ ‫الك ّ‬
‫جف)‪.‬‬ ‫أحوال ترك الّرمي في مصطلح ‪ :‬ح ّ‬
‫النّيابة في الّرمي ‪:‬‬
‫صة بالمعذور ‪ ،‬تفصيل حكمها‬ ‫‪ - 23‬وهي رخصة خا ّ‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬المعذور الّذي ل يستطيع الّرمي بنفسه ‪،‬‬
‫كالمريض ‪ ،‬يجب أن يستنيب من يرمي عنه ‪،‬‬
‫وينبغي أن يكون النّائب قد رمى عن نفسه ‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن رمى عن نفسه فليرم عن نفسه أوًّل الّرمي‬
‫من استنابه ‪ ،‬ويجزئ هذا الّرمي‬ ‫م يرمي ع ّ‬ ‫كلّه ‪ ،‬ث ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬ ‫عن الصيل عند الحنفيّة وال ّ‬
‫الحنفيّة والمالكيّة قالوا ‪ :‬لو رمى حصاةً عن نفسه‬
‫ن‬
‫شافعيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫وأخرى عن الخر جاز ويكره ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫صة بمن به علّة ل يرجى زوالها قبل انتهاء‬ ‫النابة خا ّ‬

‫‪48‬‬
‫شافعيّة‬ ‫س ‪ .‬وعند ال ّ‬ ‫ض أو محبو ٍ‬ ‫أيّام التّشريق كمري ٍ‬
‫ل جمرةٍ عن نفسه أوًّل ‪،‬‬ ‫قول ‪ :‬أنّه يرمي حصيات ك ّ‬
‫م يرميها عن المريض الّذي أنابه إلى أن ينتهي من‬ ‫ث ّ‬
‫الّرمي ‪ ،‬وهو مخلّص حسن لمن خشي خطر الّزحام‬
‫‪.‬‬
‫صغير ‪،‬‬ ‫ي ال ّ‬ ‫صب ّ‬ ‫ب ‪ -‬من عجز عن الستنابة كال ّ‬
‫ي وليّه اتّفاقًا ‪،‬‬ ‫صب ّ‬ ‫والمغمى عليه ‪ ،‬فيرمي عن ال ّ‬
‫وعن المغمى عليه رفاقه عند الحنفيّة ‪ ،‬ول فدية‬
‫عليه وإن لم يرم عند الحنفيّة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪:‬‬
‫فائدة الستنابة أن يسقط الثم عنه إن استناب‬
‫وقت الداء { وإل ّ فالدّم عليه ‪ ،‬استناب ‪ ،‬أم ل ‪ ،‬إلّ‬
‫صغير ومن ألحق به ‪ ،‬وإنّما وجب عليه الدّم دون‬ ‫ال ّ‬
‫صغير ومن ألحق به كالمغمى عليه ; لنّه‬ ‫ال ّ‬
‫المخاطب بسائر الركان } ‪.‬‬
‫صيد بالّرمي بالمحدّد ‪:‬‬ ‫صيد ال ّ‬ ‫( ثانيًا ) الّرمي في ال ّ‬
‫سهام المحدّدة للحاديث‬ ‫صيد بالّرمي بال ّ‬ ‫‪ - 24‬يجوز ال ّ‬
‫صيد من هو أهل‬ ‫صحيحة والجماع ‪ ،‬فإن رمى ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي فقتله بحد ّ ما رماه به‬ ‫للتّذكية من مسلم ٍ أو كتاب ٍ ّ‬
‫سكّين ‪،‬‬ ‫سيف ‪ ،‬وال ّ‬ ‫سهم الّذي له نصل محدّد ‪ ،‬وال ّ‬ ‫كال ّ‬
‫سنان ‪ ،‬والحجر المحدّد والخشبة المحدّدة وغير‬ ‫وال ّ‬
‫ط ذكرها الفقهاء‬ ‫ل أكله بشرو ٍ‬ ‫ذلك من المحدّدات ح ّ‬
‫ل ما يصاد بالّرمي ‪.‬‬ ‫لح ّ‬
‫صيد بالّرمي بالمثّقل ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ل ما صيد بالمثّقل‬ ‫‪ - 25‬يرى جمهور الفقهاء أنّه ل يح ّ‬
‫ل ما أصابه الّرامي بما ل حد ّ له‬ ‫ويعتبر وقيذ ًا ‪ .‬فل يح ّ‬
‫فقتله كالحجر ‪ ،‬وخشبةٍ ل حد ّ لها ‪ ،‬أو رماه بمحدّدٍ‬
‫عدي بن حاتم ٍ رضي‬ ‫ّ‬ ‫فقتله بعرضه ل بحدّه لما روى‬
‫الله عنه قال ‪ { :‬سألت رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم عن صيد المعراض قال ‪ :‬إذا أصبت بحدّه‬

‫‪49‬‬
‫فكل ‪ ،‬فإذا أصاب بعرضه فقتل فل تأكل فإنّه‬
‫وقيذ } ‪ .‬ولما ورد أنّه عليه الصلة والسلم { نهى‬
‫عن الخذف وقال ‪ :‬إنّه ل يصاد به صيد ول ينكأ به‬
‫ن وتفقأ العين } ‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫عدوّ ‪ ،‬ولكنّها قد تكسر ال ّ‬
‫ة‬
‫صغار بطريقةٍ مخصوص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صى‬ ‫والخذف ‪ :‬الّرمي بح ً‬
‫بين الصابع ‪ .‬وينظر تفصيله في بحث ( خذف ) ‪.‬‬
‫صيد بما ل‬ ‫شافعيّة أنّه إذا أصاب ال ّ‬ ‫وصّرح الحنفيّة وال ّ‬
‫ي ومكحول‬ ‫ل وإن جرحه ‪ .‬وذهب الوزاع ّ‬ ‫حد ّ له ل يح ّ‬
‫ل صيد‬ ‫شام إلى أنّه يح ّ‬ ‫وغيرهما من علماء ال ّ‬
‫المعراض مطلًقا فيباح ما قتله بحدّه وعرضه ‪ .‬قال‬
‫ووي ‪ :‬إنّه إذا كان الّرمي بالبنادق وبالخذف‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫صيد ‪ ،‬وكان الغالب‬ ‫( بالمثّقل ) إنّما هو لتحصيل ال ّ‬
‫صائد وذكّاه‬ ‫فيه عدم قتله فإنّه يجوز ذلك إذا أدركه ال ّ‬
‫‪ ،‬كرمي الطّيور الكبار بالبنادق ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪:‬‬
‫صيد ) والمراد بالبندق في كلم النّوويّ ومن عهده ‪:‬‬
‫كرات من الطّين بحجم حبّة البندقة ‪.‬‬
‫اتّخاذ الحيوان هدفًا يرمى إليه ‪:‬‬
‫ضا ‪ .‬فقد قال‬ ‫‪ - 26‬يحرم اتّخاذ شيءٍ فيه الّروح غر ً‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل تتّخذوا شيئًا‬
‫ي‬
‫ضا } ‪ .‬أي ل تتّخذوا الحيوان الح ّ‬ ‫فيه الّروح غر ً‬
‫ضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها ‪،‬‬ ‫غر ً‬
‫وهذا النّهي للتّحريم لنّه أصله ‪ ،‬ويؤيّده حديث { ابن‬
‫ما‬‫ة يترامونها ‪ ،‬فل ّ‬ ‫عمر أنّه مّر بنفرٍ قد نصبوا دجاج ً‬
‫رأوا ابن عمر تفّرقوا عنها ‪ .‬فقال ابن عمر ‪ :‬من‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬ ‫فعل هذا ؟ إ ّ‬
‫لعن من فعل هذا } وروى مسلم من حديث هشام‬
‫ك أنّه قال ‪ :‬دخلت مع جدّي‬ ‫بن زيد بن أنس بن مال ٍ‬
‫ك دار الحكم بن أيّوب فإذا قوم قد‬ ‫أنس بن مال ٍ‬
‫ة يرمونها ‪ .‬قال ‪ :‬فقال أنس ‪ { :‬نهى‬ ‫نصبوا دجاج ً‬

‫‪50‬‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم }‬
‫‪ .‬قال العلماء ‪ :‬صبر البهائم أن تحبس وهي حيّة‬
‫ي وغيره في‬ ‫صنعان ّ‬ ‫لتقتل بالّرمي ونحوه ‪ .‬قال ال ّ‬
‫ما للحيوان ‪ ،‬وتضييعًا‬ ‫ن فيه إيل ً‬
‫وجه حكمة النّهي ‪ :‬إ ّ‬
‫ما يذكّى ‪،‬‬ ‫لماليّته ‪ ،‬وتفويتًا لذكاته إن كان م ّ‬
‫ولمنفعته إن كان غير مذكًّى ‪ .‬وينظر بحث ‪:‬‬
‫( تعذيب ) ‪.‬‬
‫( ثالثًا ) الّرمي في الجهاد ( تعلّم الّرمي ) ‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أصحابه على‬ ‫ث النّب ّ‬‫‪ - 27‬ح ّ‬
‫ضهم على مواصلة التّدّرب عليه ‪ ،‬وحذ ّر‬ ‫الّرمي وح ّ‬
‫من تعلّم الّرمي فتركه ‪ ،‬روى سلمة بن الكوع رضي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬مّر‬ ‫ن النّب ّ‬‫الله عنه { أ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫على نفرٍ من أسلم ينتضلون فقال النّب ّ‬
‫ن أباكم كان‬ ‫عليه وسلم ‪ :‬ارموا بني إسماعيل فإ ّ‬
‫ن ‪ .‬قال ‪ :‬فأمسك أحد‬ ‫راميًا ‪ ،‬ارموا ‪ ،‬وأنا مع بني فل ٍ‬
‫الفريقين بأيديهم ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬ما لكم ل ترمون ؟ قالوا ‪ :‬كيف نرمي وأنت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ارموا‬ ‫معهم ؟ فقال النّب ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫سر النّب ّ‬‫فأنا معكم كلّكم } ‪ .‬وف ّ‬
‫وسلم القوّة الّتي أمر اللّه بها في قوله تعالى‬
‫{ وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ } بالّرمي ‪ ،‬كما‬
‫في حديث عقبة بن عامرٍ قال ‪ { :‬سمعت رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول ‪:‬‬
‫ن القوّة‬
‫ة ‪ ،‬أل إ ّ‬ ‫وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّ ٍ‬
‫ن القوّة الّرمي }‬ ‫ن القوّة الّرمي ‪ ،‬أل إ ّ‬ ‫الّرمي ‪ ،‬أل إ ّ‬
‫‪ .‬وعن { خالد بن زيدٍ قال ‪ :‬كنت راميًا أرامي عقبة‬
‫ي ‪ ،‬فمّر ذات يوم ٍ فقال يا خالد ‪:‬‬ ‫بن عامرٍ الجهن ّ‬
‫اخرج بنا نرمي ‪ ،‬فأبطأت عليه فقال ‪ :‬يا خالد ‪ :‬تعال‬
‫أحدّثك ما حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬

‫‪51‬‬
‫وأقول لك كما قال رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫سهم الواحد ثلثة نفرٍ الجنّة‬ ‫ن اللّه يدخل بال ّ‬ ‫وسلم ‪ :‬إ ّ‬
‫‪ :‬صانعه الّذي احتسب في صنعته الخير ‪ ،‬ومنبّله ‪،‬‬
‫ي‬
‫ب إل ّ‬ ‫والّرامي به ‪ ،‬ارموا واركبوا ‪ ،‬وأن ترموا أح ّ‬
‫من أن تركبوا ‪ ،‬وليس من اللّهو إل ّ ثلث ‪ :‬تأديب‬
‫الّرجل فرسه ‪ ،‬وملعبته زوجته ‪ ،‬ورميه بنبله عن‬
‫م تركه فهي نعمة‬ ‫قوسه ‪ ،‬ومن علم الّرمي ث ّ‬
‫ل على فضل‬ ‫كفرها } ‪ .‬وهناك أحاديث أخرى تد ّ‬
‫ن‬‫الّرمي والتّحريض عليه منها ما روى أبو نجيٍح أ ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ { :‬من رمى‬
‫رر } ‪ .‬وقال‬ ‫بسهم ٍ في سبيل اللّه فهو له عدل مح ّ ٍ‬
‫ووي في تعليقه على الحاديث الّتي ذكرها مسلم‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫ث عليه ‪ :‬في هذه الحاديث‬ ‫في فضل الّرمي ‪ ،‬والح ّ‬
‫فضيلة الّرمي والمناضلة ‪ ،‬والعتناء بذلك بنيّة الجهاد‬
‫في سبيل اللّه تعالى ‪ ،‬وكذلك المشاجعة ‪ ،‬وسائر‬
‫سلح ‪ ،‬وكذا المسابقة بالخيل‬ ‫أنواع استعمال ال ّ‬
‫وغيرها ‪ ،‬والمراد بهذا كلّه التّمّرن على القتال ‪،‬‬
‫والتّدّرب ‪ ،‬والتّحذ ّق فيه ‪ ،‬ورياضة العضاء بذلك ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬فضل الّرمي عظيم ‪ ،‬ومنفعته‬ ‫وقال القرطب ّ‬
‫عظيمة للمسلمين ‪ ،‬ونكايته شديدة على الكافرين ‪،‬‬
‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬يا بني إسماعيل‬
‫ن أباكم كان راميًا } وتعلّم الفروسيّة‬ ‫ارموا فإ ّ‬
‫واستعمال السلحة فرض كفايةٍ وقد يتعيّن ‪.‬‬
‫( المناضلة ) ‪:‬‬
‫سهام ‪،‬‬ ‫‪ - 28‬المناضلة هي المسابقة في الّرمي بال ّ‬
‫مي‬ ‫ة ‪ ،‬وس ّ‬ ‫والمناضلة مصدر ناضلته نضاًل ومناضل ً‬
‫مى نضًل ‪ ،‬فالّرمي‬ ‫م يس ّ‬
‫سهم التّا ّ‬ ‫الّرمي نضاًل ل ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫ح‬
‫ة ‪ .‬وتص ّ‬ ‫مي نضاًل ومناضل ً‬ ‫به عمل بالنّضل فس ّ‬
‫سهام بالتّفاق ‪ .‬وأجاز‬ ‫المناضلة على الّرمي بال ّ‬

‫‪52‬‬
‫شافعيّة المناضلة ‪ -‬بجانب ما تقدّم ‪ -‬على رماٍح ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي‬
‫بأحجار بمقلٍع ‪ ،‬أو بيدٍ ‪ ،‬ورم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬
‫وعلى رم ٍ‬
‫ل نافٍع في الحرب بما يشبه ذلك‬ ‫ق ‪ ،‬وك ّ‬‫بمنجني ٍ‬
‫سيوف‬ ‫كالّرمي بالمسّلت ‪ ،‬والبر ‪ ،‬والتّردّد بال ّ‬
‫والّرماح ‪ .‬وقد تجب المناضلة إذا تعيّنت طريًقا‬
‫لقتال الكّفار ‪ ،‬وقد يكره أو يحرم ‪ -‬حسب اختلف‬
‫المذاهب ‪ -‬إذا كان سببًا في قتال قريب كافرٍ لم‬
‫ب اللّه ورسوله ‪ ،‬وبذلك تعتري المناضلة الحكام‬ ‫يس ّ‬
‫التّكليفيّة الخمسة ‪.‬‬
‫( رابعًا ) الّرمي في القذف الّرمي بالّزنا ‪:‬‬
‫د‬
‫شهادة يوجب ح ّ‬ ‫‪ - 29‬الّرمي بالّزنا ل في معرض ال ّ‬
‫القذف لقوله تعالى ‪ { :‬والّذين يرمون المحصنات‬
‫م لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً }‬ ‫ث ّ‬
‫ما الّرمي‬ ‫والمراد ‪ :‬الّرمي بالّزنا بإجماع العلماء ‪ .‬وأ ّ‬
‫شهود‬ ‫م عدد ال ّ‬ ‫شهادة فينظر ‪ :‬إن ت ّ‬ ‫في معرض ال ّ‬
‫ة وثبتوا على شهادتهم أقيم حد ّ الّزنا على‬ ‫أربع ً‬
‫م العدد ‪ ،‬بأن‬ ‫ي ول شيء عليهم ‪ ،‬وإن لم يت ّ‬ ‫المرم ّ‬
‫شهد اثنان أو ثلثة فعليهم حد ّ القذف عند أكثر‬
‫شافعيّة في القول المقابل للظهر‬ ‫الفقهاء ‪ .‬ويرى ال ّ‬
‫شهود ‪ -‬عند‬ ‫ن ال ّ‬ ‫والحنابلة في إحدى الّروايتين ‪ :‬أ ّ‬
‫عدم تمام العدد ‪ -‬ل حد ّ عليهم لنّهم شهود فلم‬
‫ة أحدهم فاسق ‪.‬‬ ‫يجب عليهم الحد ّ كما لو كانوا أربع ً‬
‫وللتّفصيل ( ر ‪ :‬قذف ) ‪.‬‬
‫================‬
‫رهبانيّة ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬من الّرهبة ‪ ،‬وهي الخوف والفزع‬ ‫‪ - 1‬الّرهبانيّة لغ ً‬
‫ب ‪ ،‬ومنها الّراهب ‪ :‬وهو المتعبّد‬ ‫مع تحّرزٍ واضطرا ٍ‬
‫في صومعةٍ من النّصارى يتخلّى عن أشغال الدّنيا‬

‫‪53‬‬
‫وملذ ّها زاهدًا فيها معتزًل أهلها ‪ ،‬والجمع ‪ :‬رهبان ‪،‬‬
‫وقد يكون الّرهبان واحدًا ‪ ،‬والجمع رهابين وترهّب‬
‫الّرجل إذا صار راهبًا ‪ .‬والّرهبانيّة ‪ - :‬بفتح الياء ‪-‬‬
‫منسوبة إلى الّرهبان وهو الخائف ‪ ،‬فعلن من‬
‫م‬
‫ضا ‪ -‬بض ّ‬ ‫رهب ‪ ،‬كخشيان من خشي ‪ .‬وتكون أي ً‬
‫ب‬
‫ب كراك ٍ‬ ‫ة إلى الّرهبان وهو جمع راه ٍ‬ ‫الّراء ‪ -‬نسب ً‬
‫ي ل يخرج عن المعنى‬ ‫ن ‪ .‬والمعنى الصطلح ّ‬ ‫وركبا ٍ‬
‫اللّغويّ ‪.‬‬
‫صلة ) ‪:‬‬‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬العزلة ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬التّجنّب وهي اسم مصدرٍ ‪ ،‬وهي‬ ‫‪ - 2‬العزلة لغ ً‬
‫ي عن‬ ‫ضد ّ المخالطة ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫ن العزلة من‬ ‫ذلك ‪ .‬والفرق بينها وبين الّرهبانيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫وسائل الّرهبانيّة ‪ ،‬وهي على خلف الصل ‪ ،‬وقد تقع‬
‫عند فساد الّزمان لغير التّرهّب فل تحرم ‪.‬‬
‫سياحة ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫سياحة في اللّغة ‪ :‬الذ ّهاب في‬ ‫‪ - 3‬من معاني ال ّ‬
‫الرض للتّعبّد والتّرهّب ‪ ،‬ول يخرج المعنى‬
‫ما‬‫سياحة هكذا م ّ‬ ‫ي عن ذلك ‪ .‬وكانت ال ّ‬ ‫الصطلح ّ‬
‫يتعبّد به رهبان النّصارى ‪ ،‬ولذا جاء في الحديث ‪:‬‬
‫سياحة بمعنى‬ ‫متي الجهاد } ‪ ،‬وتأتي ال ّ‬ ‫{ سياحة أ ّ‬
‫سياحة بالمعنى الوّل قريبة من‬ ‫صوم ‪ .‬فال ّ‬ ‫إدامة ال ّ‬
‫الّرهبانيّة ‪ .‬وينظر مصطلح ( سياحة )‬
‫ي)‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫شريعة عن الّرهبانيّة ‪ -‬بمعناها الّذي كان‬ ‫‪ - 4‬نهت ال ّ‬
‫يمارسه رهبان النّصارى ‪ -‬وهو الغلوّ في العبادات ‪،‬‬
‫والتّخلّي عن أشغال الدّنيا وترك ملذ ّها ‪ ،‬واعتزال‬
‫النّساء ‪ ،‬والفرار من مخالطة النّاس ‪ ،‬ولزوم‬
‫صوامع والدّيارات أو التّعبّد في الغيران والكهوف ‪،‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪54‬‬
‫سياحة في الرض على غير هدًى بلحوقهم‬ ‫وال ّ‬
‫بالبراريّ والجبال ‪ ،‬وحمل أنفسهم على المشّقات‬
‫في المتناع من المطعم والمشرب والملبس‬
‫شاقّة‬‫والمنكح ‪ ،‬وتعذيب النّفس بالعمال التّعبّديّة ال ّ‬
‫ة في عنقه ‪ .‬ودليل‬ ‫كأن يخصي نفسه أو يضع سلسل ً‬
‫ذلك قوله تعالى ‪ { :‬قل يا أهل الكتاب ل تغلوا في‬
‫ق ول تتّبعوا أهواء قوم ٍ قد ضلّوا من‬ ‫دينكم غير الح ّ‬
‫سبيل } ‪.‬‬ ‫قبل وأضلّوا كثيًرا وضلّوا عن سواء ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬عليك‬ ‫وقول النّب ّ‬
‫بالجهاد ‪ ،‬فإنّه رهبانيّة السلم } ‪ .‬وقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ولن يشاد ّ الدّين أحد إل ّ غلبه } ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من رغب عن‬
‫ن‬
‫سنّتي فليس منّي } ‪ .‬واتّفق العلماء على أ ّ‬
‫الفضل للمسلم أن يختلط بالنّاس ‪ ،‬ويحضر‬
‫جماعاتهم ومشاهد الخير ومجالس العلم ‪ ،‬وأن يعود‬
‫مريضهم ‪ ،‬ويحضر جنائزهم ‪ ،‬ويواسي محتاجهم ‪،‬‬
‫ويرشد جاهلهم ‪ ،‬ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‬
‫‪ ،‬ويدعو للخير ‪ ،‬وينشر الحقّ والفضيلة ‪ ،‬ويجاهد في‬
‫سبيل اللّه لعلء كلمة اللّه ‪ ،‬وإعزاز دينه مع قمع‬
‫صبر على أذاهم ‪ .‬قال‬ ‫نفسه عن إيذاء المسلمين وال ّ‬
‫ن الختلط بالنّاس على هذا الوجه هو‬ ‫ووي ‪ :‬إ ّ‬
‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫المختار الّذي كان عليه رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم وسائر النبياء صلوات اللّه وسلمه عليهم ‪،‬‬
‫وكذلك الخلفاء الّراشدون ‪ ،‬ومن بعدهم من‬
‫صحابة والتّابعين ‪ ،‬ومن بعدهم من علماء‬ ‫ال ّ‬
‫المسلمين وأخيارهم لقوله تعالى { وتعاونوا على‬
‫مةٍ‬‫البّر والتّقوى } وقوله تعالى ‪ { :‬كنتم خير أ ّ‬
‫أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬
‫ب الّذين‬‫ن اللّه يح ّ‬‫المنكر } وقوله تعالى ‪ { :‬إ ّ‬

‫‪55‬‬
‫يقاتلون في سبيله صًّفا كأنّهم بنيان مرصوص } ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬العبادة في الهرج‬
‫ي } وقوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫كهجرةٍ إل ّ‬
‫{ المؤمن الّذي يخالط النّاس ويصبر على أذاهم‬
‫أعظم أجًرا من الّذي ل يخالطهم ول يصبر على‬
‫مة أو فساد‬ ‫أذاهم } ‪ .‬هذا إذا لم تكن هناك فتنة عا ّ‬
‫سائد ل يستطيع إصلحه ‪ ،‬أو غلب على ظنّه وقوعه‬
‫ب له في هذه‬ ‫في الحرام بسبب المخالطة فيستح ّ‬
‫ن‬
‫ة ل تصيب ّ‬ ‫الحالة العزلة لقوله تعالى ‪ { :‬واتّقوا فتن ً‬
‫ة } ‪ .‬وقوله صلى الله عليه‬ ‫ص ً‬‫الّذين ظلموا منكم خا ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬خير النّاس رجل جاهد بنفسه وماله ‪،‬‬
‫شعاب يعبد ربّه ويدع النّاس‬ ‫ب من ال ّ‬
‫ورجل في شع ٍ‬
‫من شّره } ‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫{ يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها‬
‫شغف الجبال ومواقع القطر يفّر بدينه من الفتن } ‪.‬‬
‫=================‬
‫روث ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬رجيع ( فضلة ) ذي الحافر ‪ ،‬واحده‬ ‫‪ - 1‬الّروث لغ ً‬
‫روثة والجمع أرواث ‪ .‬ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ‬
‫بأوسع من ذلك فيطلق عندهم على رجيع ذي الحافر‬
‫وغيره كالبل والغنم ‪ .‬وقريب منه الخثي ‪ ،‬والخثي‬
‫للبقر ‪ ،‬والبعر للبل والغنم ‪ ،‬والذ ّرق للطّيور ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬والخرء للطّير والكلب والجرذ‬ ‫والعذرة للدم ّ‬
‫سرقين هو رجيع ما‬ ‫سرجين أو ال ّ‬ ‫والنسان ‪ .‬وال ّ‬
‫سوى النسان ‪.‬‬
‫حكم الّروث من حيث الطّهارة والنّجاسة ‪:‬‬
‫ن‬
‫شافعيّة في وجهٍ أ ّ‬ ‫‪ - 2‬يرى المالكيّة والحنابلة وال ّ‬
‫روث ما يؤكل لحمه طاهر ‪ .‬وبهذا قال عطاء‬

‫‪56‬‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫ي والثّوريّ ‪ ،‬واستدلّوا بما روي { أ ّ‬ ‫والنّخع ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يصلّي في مرابض الغنم‬
‫‪ .‬وقال ‪ :‬صلّوا في مرابض الغنم } ‪ .‬وصلّى أبو‬
‫موسى في موضٍع فيه أبعار الغنم فقيل له ‪ :‬لو‬
‫تقدّمت إلى هاهنا ‪ .‬قال ‪ :‬هذا وذاك واحد ‪ .‬ولم يكن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما يصلّون‬ ‫للنّب ّ‬
‫عليه من الوطئة والمصلّيات وإنّما كانوا يصلّون‬
‫على الرض ‪ ،‬ومرابض الغنم ل تخلو من أبعارها‬
‫ن يؤكل لحمه‬ ‫وأبوالها ; ولنّه متحلّل معتاد من حيوا ٍ‬
‫ما روث غير مأكول اللّحم فنجس‬ ‫فكان طاهًرا ‪ .‬أ ّ‬
‫عند هؤلء الفقهاء ‪ ،‬وقد صّرح المالكيّة بنجاسة روث‬
‫مكروه الكل كمحّرمه وإن لم يستعمل النّجاسة ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ -‬على المذهب ‪ -‬بنجاسة‬ ‫وقال الحنفيّة وال ّ‬
‫الّروث من جميع الحيوانات المأكول اللّحم وغيرها ‪.‬‬
‫م اختلف الفقهاء في صفة نجاسة الرواث ‪ :‬فعند‬ ‫ث ّ‬
‫ة ‪ ،‬وعند أبي‬ ‫ة غليظ ً‬‫أبي حنيفة هي نجسة نجاس ً‬
‫ن‬‫يأ ّ‬‫ة ‪ .‬وذكر الكرخ ّ‬ ‫ة خفيف ً‬‫مد ٍ نجاس ً‬‫يوسف ومح ّ‬
‫ص يد ّ‬
‫ل‬ ‫النّجاسة الغليظة عند أبي حنيفة ما ورد ن ّ‬
‫ل على‬ ‫ص معارض له يد ّ‬ ‫على نجاسته ‪ ،‬ولم يرد ن ّ‬
‫طهارته ‪ ،‬وإن اختلف العلماء فيه ‪ .‬والخفيفة ما‬
‫صان في طهارته ونجاسته ‪ .‬وعند أبي‬ ‫تعارض ن ّ‬
‫مد ٍ الغليظة ما وقع التّفاق على نجاسته‬ ‫يوسف ومح ّ‬
‫‪ .‬والخفيفة ما اختلف العلماء في نجاسته وطهارته ‪.‬‬
‫‪ - 3‬بناءً على هذا الصل فالرواث كلّها نجسة نجاس ً‬
‫ة‬
‫ل على‬ ‫ص يد ّ‬ ‫ة عند أبي حنيفة لنّه ورد ن ّ‬ ‫غليظ ً‬
‫نجاستها وهو حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال‬
‫ي صلى الله عليه وسلم طلب منه أحجار‬ ‫ن النّب ّ‬
‫‪{:‬إ ّ‬
‫الستنجاء فأتى بحجرين وروثةٍ فأخذ الحجرين ورمى‬
‫بالّروثة وقال ‪ :‬هذا ركس } أي ‪ :‬نجس ‪ .‬وليس له‬

‫‪57‬‬
‫ص معارض ‪ ،‬وإنّما قال بعض العلماء بطهارتها‬ ‫ن ّ‬
‫ص فكانت‬ ‫بالّرأي والجتهاد ‪ ،‬والجتهاد ل يعارض الن ّ ّ‬
‫صاحبين نجاسة ما‬ ‫ة ‪ .‬وعلى قول ال ّ‬ ‫نجاستها غليظ ً‬
‫ن‬
‫ن العلماء اختلفوا فيها ‪ .‬كما أ ّ‬ ‫يؤكل لحمه خفيفة ل ّ‬
‫في الرواث ضرورة ً ‪ ،‬وعموم البليّة لكثرتها في‬
‫الطّرقات فتتعذ ّر صيانة الخفاف والنّعال عنها ‪ ،‬وما‬
‫مت بليّته خّفت قضيّته ‪ .‬ويتفّرع عن اختلف‬ ‫ع ّ‬
‫الصلين أنّه إذا أصاب الثّوب من الّروث أكثر من‬
‫صلة فيه عند أبي حنيفة ‪ .‬وقال‬ ‫قدر درهم ٍ لم تجز ال ّ‬
‫صاحبان ‪ :‬يجزئه حتّى يفحش ‪ ،‬ول فرق عندهما‬ ‫ال ّ‬
‫ل ما يعتبر فيه‬ ‫بين المأكول وغير المأكول ‪ .‬وفي ك ّ‬
‫مدٍ وهو رواية‬ ‫الفاحش فهو مقدّر بالّربع في قول مح ّ‬
‫عن أبي حنيفة ‪ .‬وقال أبو يوسف ‪ :‬شبر في شبرٍ ‪.‬‬
‫مدٍ في‬ ‫وفي رواية ذراع في ذراٍع ‪ .‬وروي عن مح ّ‬
‫شا‬‫صلة وإن كان كثيًرا فاح ً‬ ‫الّروث أنّه ل يمنع جواز ال ّ‬
‫ن هذا آخر أقاويله حين كان بالّريّ وكان‬ ‫‪ .‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫الخليفة بها ‪ ،‬فرأى الطّرق والخانات مملوءةً من‬
‫الرواث وللنّاس فيها بلوًى عظيمة ‪ .‬وعند المالكيّة‬
‫ب‬‫ف والنّعل من أرواث الدّوا ّ‬ ‫ما أصاب الخ ّ‬ ‫يعفى ع ّ‬
‫وأبوالها في الطّرق والماكن الّتي تطرقها الدّوا ّ‬
‫ب‬
‫كثيًرا ; لعسر الحتراز من ذلك ‪ ،‬بخلف ما أصاب‬
‫ف والنّعل كالثّوب والبدن فل عفو ‪ .‬أ ّ‬
‫ما‬ ‫غير الخ ّ‬
‫شافعيّة فنجاسة الّروث عندهم ل يعفى عنها إل ّ إذا‬ ‫ال ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ما ل يدركه الطّرف فيعفى عنها في قو ٍ‬ ‫كانت م ّ‬
‫وعند المام أحمد يعفى عن يسير فضلت سباع‬
‫البهائم وجوارح الطّير والبغل والحمار ‪ .‬وظاهر‬
‫ن اليسير ما ل يفحش في القلب ‪.‬‬ ‫مذهب أحمد أ ّ‬
‫س ‪ .‬وقال ابن أبي ليلى ‪:‬‬ ‫وهو قول ابن عبّا ٍ‬
‫صلة‬ ‫سرقين ليس بشيءٍ ‪ ،‬قليله وكثيره ل يمنع ال ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪58‬‬
‫سا لما‬‫; لنّه وقود أهل الحرمين ولو كان نج ً‬
‫استعملوه ‪ ،‬كما لم يستعملوا العذرة ‪ .‬ولتفصيل ذلك‬
‫انظر مصطلح ‪ ( :‬نجاسة ) ‪.‬‬
‫الستنجاء بالّروث ‪:‬‬
‫ل‬
‫شافعيّة والحنابلة والمالكيّة في قو ٍ‬ ‫‪ - 4‬ذهب ال ّ‬
‫والثّوريّ وإسحاق إلى عدم جواز الستنجاء بالّروث‬
‫ل هذا الفريق من‬ ‫طاهًرا كان أو غير طاهرٍ ‪ .‬واستد ّ‬
‫الفقهاء على ما ذهبوا إليه بما يأتي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ { :‬اتّبعت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وخرج لحاجته فقال ‪:‬‬ ‫النّب ّ‬
‫بعظم‬
‫ٍ‬ ‫ابغني أحجاًرا أستنفض بها أو نحوه ول تأتني‬
‫ث}‪.‬‬ ‫ول رو ٍ‬
‫‪ - 2‬حديث سلمان رضي الله عنه قال ‪ { :‬نهى‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الّروث‬
‫ن الّروث نجس في نفسه عند من‬ ‫والعظام } ‪ .‬ول ّ‬
‫قال بنجاسته والنّجس ل يزيل النّجاسة ‪ .‬وقال‬
‫المالكيّة ‪ :‬ل يجوز الستنجاء بالّروث النّجس ويجوز‬
‫ب‬
‫ن الّروث طعام دوا ّ‬ ‫بالطّاهر منه مع الكراهة ; ل ّ‬
‫ن يرجع علًفا كما كان عليه ‪ .‬ويرى الحنفيّة‬ ‫الج ّ‬
‫ص الوارد في‬ ‫ن الن ّ ّ‬‫كراهة الستنجاء بالّروث ل ّ‬
‫الستنجاء بالحجار معلول بمعنى الطّهارة ‪ ،‬وقد‬
‫حصلت بالّروث كما تحصل بالحجار ‪ ،‬إل ّ أنّه كرهه‬
‫بالّروث لما فيه من استعمال النّجس وإفساد علف‬
‫ن‪.‬‬‫ب الج ّ‬ ‫دوا ّ‬
‫م اختلف الفقهاء في العتداد بالستنجاء بالّروث‬ ‫‪ -5‬ث ّ‬
‫ن من‬‫‪ :‬فذهب الحنفيّة والمالكيّة وابن تيميّة إلى أ ّ‬
‫خالف واستنجى بالّروث يعتد ّ به إن حصل به النقاء‬
‫ي ‪ :‬فإن فعل ذلك ( استنجى بالّروث )‬ ‫‪ .‬قال الكاسان ّ‬
‫ة ( سنّة الستنجاء )‬ ‫ما سن ّ ً‬ ‫يعتد ّ به عندنا ‪ ،‬فيكون مقي ً‬

‫‪59‬‬
‫ل واحدٍ جهتان‬ ‫ة ‪ ،‬ويجوز أن يكون لفع ٍ‬ ‫ومرتكبًا كراه ً‬
‫مختلفتان فيكون بجهةٍ كذا وبجهةٍ كذا ‪ .‬ويرى‬
‫ن من خالف واستنجى‬ ‫شافعيّة وجمهور الحنابلة أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ح ‪ .‬واستدلّوا بحديث ابن مسعودٍ‬ ‫بالّروث لم يص ّ‬
‫ن الّزاد من رسول‬ ‫رضي الله عنه { في سؤال الج ّ‬
‫عظم‬
‫ٍ‬ ‫اللّه صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬لكم ك ّ‬
‫ل‬
‫ذكر اسم اللّه عليه يقع في أيديكم ‪ ،‬أوفر ما يكون‬
‫ل بعرةٍ علف لدوابّكم فقال رسول اللّه‬ ‫ما ‪ ،‬وك ّ‬‫لح ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فل تستنجوا بهما ‪ ،‬فإنّهما‬
‫طعام إخوانكم } ‪ .‬والنّهي يقتضي الفساد وعدم‬
‫الجزاء ‪.‬‬
‫م استنجى بعده بمباٍح‬ ‫ما من استنجى بالّروث ث ّ‬ ‫‪ -6‬أ ّ‬
‫حة من الفقهاء‬ ‫ص ّ‬
‫كحجرٍ فقد اختلف من يرى عدم ال ّ‬
‫فيه على التّجاهات التّالية ‪:‬‬
‫صحيح عند جمهور‬ ‫‪ - 1‬عدم الجزاء مطلًقا ‪ ،‬وهو ال ّ‬
‫شافعيّة وهو قول عند الحنابلة ‪ ،‬وبنا ًء على هذا‬ ‫ال ّ‬
‫التّجاه يتعيّن الستنجاء بالماء بعده ‪.‬‬
‫شافعيّة‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫‪ - 2‬الجزاء مطلًقا وهو قول عند ك ٍّ‬
‫والحنابلة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬الجزاء إن أزال شيئًا ‪ ،‬وهو قول ذكره ابن‬
‫ي في الّرعاية الكبرى واختاره ‪ .‬وأجاز‬ ‫حمدان الحنبل ّ‬
‫س من‬ ‫ل طاهرٍ ونج ٍ‬ ‫ابن جريرٍ الستنجاء بك ّ‬
‫الجمادات ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪ :‬استجمار ‪ ،‬استنجاء ) ‪.‬‬
‫بيع الّروث ‪:‬‬
‫‪ - 7‬اختلف الفقهاء في حكم بيع الّروث ‪ ،‬وينظر‬
‫التّفصيل في بحث ( زبل ) ‪.‬‬
‫==================‬
‫ريح ‪.‬‬
‫التّعريف‬

‫‪60‬‬
‫سماء‬ ‫‪ - 1‬الّريح في اللّغة ‪ :‬الهواء المسيّر بين ال ّ‬
‫والرض ‪ ،‬والّريح بمعنى الّرائحة ‪ :‬عرض يدرك‬
‫م ‪ ،‬يقال ‪ :‬ريح زكيّة ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل يطلق‬ ‫ش ّ‬ ‫سة ال ّ‬ ‫بحا ّ‬
‫ما الّرائحة‬ ‫اسم الّريح إل ّ على الطّيّب من النّسيم ‪ .‬أ ّ‬
‫فهي النّسيم طيّبًا كان أم نتنًا ‪ .‬وجمعها ‪ :‬رياح ‪،‬‬
‫وأرواح ‪ ،‬وأراويح ‪ .‬ويستخدم لفظ ( الّرياح ) في‬
‫الّرحمة ‪ ،‬ولفظ ( الّريح ) في العذاب ‪ ،‬ومنه حديث‬
‫حا } ‪ .‬والّريح ‪:‬‬ ‫حا ول تجعلها ري ً‬ ‫م اجعلها ريا ً‬ ‫‪ { :‬اللّه ّ‬
‫سبيلين ‪ .‬ول يخرج المعنى‬ ‫الهواء الخارج من أحد ال ّ‬
‫ي عن هذه المعاني اللّغويّة ‪.‬‬ ‫الصطلح ّ‬
‫الحكام المتعلّقة بالّريح ‪ :‬الدّعاء عند هبوب الّريح ‪:‬‬
‫ب للمرء عند هبوب الّريح أن يسأل اللّه‬ ‫‪ - 2‬يستح ّ‬
‫خيرها ويتعوّذ من شّرها ‪ ،‬ويكره سبّها لقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ { :‬الّريح من روح اللّه تأتي‬
‫بالّرحمة وبالعذاب ‪ ،‬فإذا رأيتموها فل تسبّوها ‪،‬‬
‫وسلوا اللّه خيرها ‪ ،‬واستعيذوا باللّه من شّرها } ‪.‬‬
‫م إنّي أسألك خيرها ‪ ،‬وخير‬ ‫ويقول في دعائه ‪ { :‬اللّه ّ‬
‫ما فيها وخير ما أرسلت به ‪ ،‬وأعوذ بك من شّرها ‪،‬‬
‫ومن شّر ما فيها وشّر ما أرسلت به } ‪ .‬ويقول ‪:‬‬
‫ة ‪ ،‬ول تجعلها عذابًا ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫م‬ ‫م اجعلها رحم ً‬ ‫{ اللّه ّ‬
‫حا } ‪.‬‬‫حا ‪ ،‬ول تجعلها ري ً‬ ‫اجعلها ريا ً‬
‫سبيلين ‪:‬‬ ‫الّريح الخارج من ال ّ‬
‫ن خروج ريٍح من دبر‬ ‫‪ - 3‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫النسان ينقض الوضوء لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫ت أو ريٍح } ‪ .‬واختلفوا في‬ ‫‪ { :‬ل وضوء إل ّ من صو ٍ‬
‫نقضه إذا خرج من قبل المرأة أو من ذكر الّرجل ‪.‬‬
‫ن خروج‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬وبعض الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫الّريح من قبل المرأة أو ذكر الّرجل ناقض‬
‫للطّهارة ‪ ،‬لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل‬

‫‪61‬‬
‫ت أو ريٍح } ‪ .‬وقال الحنفيّة‬ ‫وضوء إل ّ من صو ٍ‬
‫ن الّريح الخارج من القبل أو الذ ّكر‬ ‫والمالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫ل النّجاسة فهو‬ ‫ض ‪ ،‬لنّها ل تنبعث عن مح ّ‬ ‫ليس بناق ٍ‬
‫كالجشاء ‪ .‬وهو قول عند الحنابلة ‪ .‬والتّفصيل في‬
‫مصطلح ‪ ( :‬حدث )‬
‫الستنجاء من الّريح ‪:‬‬
‫‪ - 4‬الّريح الخارجة من الدّبر ليست بنجسةٍ ‪ ،‬فل‬
‫يستنجى منها لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من‬
‫استنجى من الّريح فليس منّا } وقال أحمد ‪ :‬ليس‬
‫في الّريح استنجاء في كتاب اللّه ول في سنّة‬
‫جس سراويله المبتلّة إذا‬ ‫رسوله ‪ ،‬فهي طاهرة فل تن ّ‬
‫خرجت ‪ .‬والتّفصيل في ( استنجاء ) ‪.‬‬
‫( وجوب إزالة ريح النّجاسة ) ‪:‬‬
‫شيء‬ ‫‪ - 5‬يجب إزالة ريح النّجاسة عند تطهير ال ّ‬
‫جس ‪ ،‬وفي ذلك خلف وتفصيل ينظر في‬ ‫المتن ّ‬
‫مصطلح ‪ ( :‬نجاسة ) ‪.‬‬
‫إخراج الّريح في المسجد ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يكره إخراج الّريح في المسجد وإن لم يكن فيه‬
‫ما يتأذ ّى منه بنو‬ ‫ن الملئكة تتأذ ّى م ّ‬ ‫أحد لحديث ‪ { :‬إ ّ‬
‫آدم } ‪ .‬ويخرج من يفعل ذلك ‪ ،‬كما يكره حضور‬
‫المسجد لمن أكل شيئًا له رائحة كريهة كالبصل‬
‫النّيء ونحوه ‪ ،‬وتسقط عنه الجماعة إن تعذ ّر عليه‬
‫إزالة ريحها ‪ ،‬ومثل ذلك من له صنان ‪ ،‬أو بخر ‪،‬‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬من أكل من هذه‬
‫ن مسجدنا } ‪.‬‬ ‫شجرة فل يقرب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ثبوت حد ّ شرب الخمر بفوح ريحها من فمه ‪:‬‬
‫‪ - 7‬ل يثبت حد ّ شرب الخمر بوجود ريحها في فمه‬
‫ما ذاقها‬ ‫لحتمال أنّه تمضمض بها ‪ ،‬أو ظنّها ماءً فل ّ‬
‫جها ‪ ،‬أو أنّه تناول شيئًا آخر تشبه ريحه ريح‬ ‫م ّ‬

‫‪62‬‬
‫الخمر ‪ ،‬والحتمال شبهة يسقط به الحد ّ لقوله صلى‬
‫شبهات } ‪،‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪ { :‬ادرءوا الحدود بال ّ‬
‫وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم ‪ .‬وقال المالكيّة ‪:‬‬
‫يثبت حد ّ شرب الخمر بوجود الّريح ‪ ،‬وهي إحدى‬
‫ل على شربه للخمر‬ ‫ن الّريح تد ّ‬‫روايتين عن أحمد ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ابن مسعودٍ رضي الله‬ ‫فأجري مجرى القرار ‪ ،‬وأ ّ‬
‫عنه جلد رجًل وجد منه ريح الخمر ‪ .‬ولتفصيل ذلك‬
‫انظر مصطلح ‪ ( :‬سكر ) ‪.‬‬
‫ب الّريح ) ‪:‬‬ ‫( البول في مه ّ‬
‫ب الّريح ; لئلّ‬ ‫‪ - 8‬يكره التّبوّل والتّغوّط في مه ّ‬
‫يصيبه رشاش النّجاسة ‪ ،‬ول يكره استقبال القبلة‬
‫ن النّهي عن استقبالها‬ ‫عند إخراج الّريح ; ل ّ‬
‫ف‬
‫واستدبارها مقيّد بحالة قضاء الحاجة ‪ ،‬وهو منت ٍ‬
‫في الّريح ‪.‬‬
‫التّخلّف عن الجمعة والجماعة لشدّة الّريح ‪:‬‬
‫‪ - 9‬يجوز التّخلّف عن الجماعة والجمعة لشتداد‬
‫قة‬
‫ق بين الفقهاء ‪ ،‬وذلك للمش ّ‬ ‫الّريح ‪ ،‬وهو مح ّ‬
‫ل اتّفا ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في اللّيلة‬ ‫‪ ،‬ولقول النّب ّ‬
‫المطيرة وذات الّريح ‪ { :‬أل صلّوا في الّرحال } ‪.‬‬
‫ولتفصيل ذلك ينظر مصطلح ‪ ( :‬صلة الجماعة ) ‪.‬‬
‫================‬
‫ريش ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬كسوة الطّائر ‪ ،‬والواحدة ريشة ‪،‬‬ ‫‪ - 1‬الّريش لغ ً‬
‫صوف‬ ‫شعر في النسان ونحوه ‪ ،‬وال ّ‬ ‫وهو يقابل ال ّ‬
‫للغنم ‪ ،‬والوبر للبل ‪ ،‬والحراشف للّزواحف ‪،‬‬
‫ضا اللّباس الفاخر ‪،‬‬ ‫والقشور للسماك ‪ ،‬والّريش أي ً‬
‫والثاث ‪ ،‬والمال ‪ ،‬والخصب ‪ ،‬والحالة الجميلة ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وجمعه أرياش ورياش ‪ .‬ول يخرج استعمال الفقهاء‬
‫للكلمة عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫صوف ‪:‬‬ ‫شعر والوبر وال ّ‬ ‫صلة ) ‪ :‬ال ّ‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫ف‬
‫ما ليس بصو ٍ‬ ‫شعر ‪ :‬ما ينبت على الجسم م ّ‬ ‫‪ - 2‬ال ّ‬
‫شعر يقابله الّريش في‬ ‫ول وبرٍ للنسان وغيره ‪ .‬وال ّ‬
‫الطّيور فهما متباينان ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالّريش ‪:‬‬
‫أ ‪ ( -‬طهارة الّريش ) ‪:‬‬
‫شعر في‬ ‫ن الّريش يوافق ال ّ‬ ‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫أحكامه ‪ ،‬ومقيس عليه ‪ ،‬واتّفقوا على طهارة ريش‬
‫الطّير المأكول حال حياته إذا كان متّصًل بالطّير ‪،‬‬
‫ضا ‪-‬‬‫ما إذا نتف أو تساقط فيرى الجمهور ‪ -‬أي ً‬ ‫أ ّ‬
‫ن الطّاهر منه هو‬ ‫ما المالكيّة فيرون أ ّ‬ ‫طهارته ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما القصب‬ ‫الّزغب ‪ ،‬وهو ما يحيط بقصب الّريش ‪ ،‬أ ّ‬
‫ن الّريش‬ ‫شافعيّة في روايةٍ أ ّ‬ ‫فنجس ‪ ،‬ويرى ال ّ‬
‫المتساقط والمنتوف نجس ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهي‬
‫ميتة } ودليل الجمهور قوله تعالى ‪ { :‬ومن أصوافها‬
‫ن } والّريش‬ ‫وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاع ًا إلى حي ٍ‬
‫مقيس عليها ‪ ،‬ولو قصر النتفاع على ما يكون على‬
‫شعور والصواف ‪ ،‬قال‬ ‫المذكّى لضاع معظم ال ّ‬
‫سنّة فيهما‬ ‫صصت ال ّ‬ ‫بعضهم ‪ :‬وهذا ‪ .‬أحد موضعين خ ّ‬
‫ن عموم قوله صلى الله عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫بالكتاب ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ص‬
‫ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهي ميتة } ‪ .‬خ ّ‬
‫بقوله تعالى ‪ { :‬ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها }‬
‫‪ .‬الية ‪ .‬ومذهب جمهور العلماء ‪ -‬في الجملة ‪-‬‬
‫طهارة ريش الطّير المأكول إذا مات ‪ .‬ولهم تفصيل‬
‫في ذلك ‪ :‬قال صاحب الختيار من الحنفيّة ‪ :‬شعر‬
‫ن الحياة ل يحلّهما ‪ ،‬حتّى ل‬ ‫الميتة وعظمها طاهر ‪ ،‬ل ّ‬

‫‪64‬‬
‫يتألّم الحيوان بقطعهما ‪ ،‬فل يحلّهما الموت ‪ ،‬وهو‬
‫ف والظّلف‬ ‫جس ‪ ،‬وكذلك العصب والحافر والخ ّ‬ ‫المن ّ‬
‫ن والمنقار‬ ‫س ّ‬ ‫صوف والوبر والّريش وال ّ‬ ‫والقرن وال ّ‬
‫والمخلب لما ذكرنا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ومن أصوافها‬
‫ن بها‬ ‫ن } امت ّ‬ ‫وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاع ًا إلى حي ٍ‬
‫ي أو الميّت‬ ‫ل بين المأخوذ من الح ّ‬ ‫علينا من غير فص ٍ‬
‫ضا بقوله صلى الله عليه وسلم { في‬ ‫‪ .‬واستدلّوا أي ً‬
‫شاة ميمونة ‪ :‬رضي الله عنها إنّما حرم أكلها } وفي‬
‫ن ما عدا اللّحم ل يحرم‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫روايةٍ { لحمها } فد ّ‬
‫‪ ،‬فدخلت الجزاء المذكورة ‪ ،‬وفيها أحاديث أخر‬
‫ن المعهود فيها قبل الموت الطّهارة‬ ‫صريحة ; ول ّ‬
‫فكذا بعده ; لنّه ل يحلّها ‪ .‬وقيّدها في الدّّر المختار ‪:‬‬
‫ة من الدّسومة ‪ .‬ومذهب المالكيّة‬ ‫بأن تكون خالي ً‬
‫بالنّسبة لريش الميتة كمذهبهم بالنّسبة للّريش‬
‫ن الّزغب طاهر دون‬ ‫المنتوف والمنفصل ‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫ن ذلك مشروط بجّز الّزغب ولو بعد‬ ‫القصب ‪ ،‬ولك ّ‬
‫ب غسله بعد جّزه ‪ .‬وكذا‬ ‫نتف الّريش ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫الحنابلة يوافقون الجمهور في طهارة ريش الميتة ‪،‬‬
‫غير أنّهم يستثنون من ذلك أصول الّريش إذا نتف‬
‫سا ; لنّه من جملة أجزاء‬ ‫سواء أكان رطبًا أم ياب ً‬
‫شعر والّريش‬ ‫ن أصول ال ّ‬ ‫الميتة ‪ ،‬أشبه سائرها ; ول ّ‬
‫شا ‪ .‬وفي‬ ‫جزء من اللّحم ‪ ،‬لم يستكمل شعًرا ول ري ً‬
‫ن أصل الّريش إذا كان رطبًا ‪،‬‬ ‫روايةٍ أخرى للحنابلة أ ّ‬
‫ونتف من الميتة ‪ ،‬فهو نجس ; لنّه رطب في مح ٍّ‬
‫ل‬
‫س ‪ ،‬وهل يكون طاهًرا بعد غسله ؟ على وجهين‬ ‫نج ٍ‬
‫جس ‪.‬‬ ‫شعر إذا تن ّ‬ ‫‪ :‬أحدهما ‪ :‬أنّه طاهر كرءوس ال ّ‬
‫والثّاني ‪ :‬أنّه نجس لنّه جزء من اللّحم لم يستكمل‬
‫شا ‪ ،‬وهو المعتمد كما سبق ‪ .‬ومذهب‬ ‫شعًرا ول ري ً‬
‫ن ريش الميتة نجس ‪،‬‬ ‫صحيح ‪ -‬أ ّ‬ ‫شافعيّة ‪ -‬في ال ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪65‬‬
‫لنّه جزء متّصل بالحيوان اتّصال خلقةٍ فنجس‬
‫بالموت كالعضاء ‪ ،‬واستدلّوا بقوله تعالى ‪:‬‬
‫شعر‬ ‫م يشمل ال ّ‬ ‫{ حّرمت عليكم الميتة } وهذا عا ّ‬
‫سلف إلى‬ ‫والّريش وغيرهما ‪ .‬وذهب جماعة من ال ّ‬
‫ن الّريش ينجس بالموت ‪ ،‬ولكنّه يطهر بالغسل ‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫م سلمة ‪ { :‬ل بأس بمسك الميتة‬ ‫واستدلّوا بحديث أ ّ‬
‫إذا دبغ ‪ ،‬ول بأس بصوفها وشعرها وقرونها إذا غسل‬
‫ما الطّير غير المأكول فمذهب الحنفيّة‬ ‫بالماء } ‪ .‬أ ّ‬
‫والمالكيّة في ريشه كمذهبهم في ريش الطّير‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى‬ ‫المأكول أنّه طاهر ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫نجاسة ريش الطّير الميّت غير المأكول ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫الحنابلة لهم تفصيل في ذلك ‪ .‬قال في المغني ‪:‬‬
‫ن فشعره ‪ -‬أي وريشه ‪ -‬مثل بقيّة‬ ‫ل حيوا ٍ‬‫وك ّ‬
‫أجزائه ‪ ،‬ما كان طاهًرا فشعره وريشه طاهر ‪ ،‬وما‬
‫سا فشعره ‪ -‬ريشه ‪ -‬كذلك ‪ ،‬ول فرق في‬ ‫كان نج ً‬
‫ن الحيوانات الّتي‬ ‫حالة الحياة وحالة الموت ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫سنّور وما‬ ‫حكمنا بطهارتها لمشّقة الحتراز منها ‪ ،‬كال ّ‬
‫دونه في الخلقة ‪ ،‬فيها بعد الموت وجهان ‪ :‬أحدهما ‪:‬‬
‫أنّها نجسة ‪ ،‬لنّها كانت طاهرة ً مع وجود علّة‬
‫ض ‪ ،‬وهو الحاجة إلى العفو عنها‬ ‫التّنجيس لمعار ٍ‬
‫للمشّقة ‪ ،‬وقد انتفت الحاجة ‪ ،‬فتنتفي الطّهارة ‪.‬‬
‫ح ; لنّها كانت‬ ‫والثّاني ‪ :‬هي طاهرة ‪ ،‬وهذا أص ّ‬
‫طاهرة ً في الحياة ‪ ،‬والموت ل يقتضي تنجيسها ‪،‬‬
‫فتبقى الطّهارة ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫ن من ح ٍ ّ‬ ‫حكم الّريش على عضوٍ مبا ٍ‬
‫شافعيّة ‪ :‬أنّه لو قطع جناح‬ ‫‪ - 4‬قال البغويّ من ال ّ‬
‫ل في حياته فما عليه من الّريش نجس‬ ‫طائرٍ مأكو ٍ‬
‫تبعًا لميتته ‪ .‬وانظر التّفصيل في ‪ ( :‬شعر )‬
‫‪ .‬حكم الّريش على الجلد المدبوغ ‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ - 5‬إذا دبغ جلد الميتة وعليه شعر ( أو ريش ) قال‬
‫ن الدّباغ ل يؤثّر في تطهيره ‪.‬‬ ‫م ‪ :‬ل يطهر ل ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫ي أنّه‬‫شافع ّ‬‫الجيزي عن ال ّ‬
‫ّ‬ ‫وروى الّربيع بن سليمان‬
‫يطهر ; لنّه شعر ‪ -‬ريش ‪ -‬نابت على جلدٍ طاهرٍ‬
‫فكان كالجلد في الطّهارة ‪ ،‬كشعر الحيوان حال‬
‫شافعيّة ‪ .‬وينظر التّفصيل‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫الحياة ‪ ،‬والوّل أص ّ‬
‫‪ :‬في ( دباغ ) ‪ ( ،‬شعر ) ‪.‬‬
‫صيد للمحرم أو في الحرم‬ ‫حكم الجناية على ريش ال ّ‬
‫‪:‬‬
‫صيد أو شعره أو وبره‬ ‫‪ - 6‬إن نتف المحرم ريش ال ّ‬
‫ن النّقص زال ‪ ،‬أشبه‬ ‫فعاد ما نتفه فل شيء عليه ; ل ّ‬
‫صيد غير ممتنٍع‬ ‫ما لو اندمل الجرح ‪ ،‬فإن صار ال ّ‬
‫حا صار به غير‬ ‫بنتف ريشه ونحوه فكما لو جرحه جر ً‬
‫ممتنٍع ‪ -‬أي عليه جزاء جميعه ‪ -‬وإن نتفه فغاب ولم‬
‫يعلم خبره فعليه نقصه ‪ .‬وينظر التّفصيل في ‪:‬‬
‫( حرم ) ‪ ( ،‬صيد ) ‪.‬‬
‫الستنجاء بالّريش ‪:‬‬
‫‪ - 7‬ل يحرم الستنجاء بالّريش إذا كان طاهًرا قالعًا ‪،‬‬
‫ك هل وجدت فيه تلك‬ ‫ولو استنجى بشي ٍء منه وش ّ‬
‫شافعيّة الجزاء ‪.‬‬ ‫شروط أو ل ؟ فالمعتمد عند ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وينظر ( استنجاء ) ‪ ( ،‬شعر ) ‪.‬‬
‫سلم في الّريش ) ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫صوف والّريش‬ ‫شعر وال ّ‬ ‫سلم في الوبر وال ّ‬ ‫ح ال ّ‬
‫‪ - 8‬يص ّ‬
‫ما لم يعيّن حيوانها ‪ .‬انظر التّفصيل في ‪ ( :‬سلم ) ‪،‬‬
‫( شعر ) ‪ ( ،‬صوف ) ‪.‬‬
‫نتف الّريش بالماء الحاّر ‪:‬‬
‫نجيم‬
‫ٍ‬ ‫‪ - 9‬في فتاوى النقرويّ ( نقًل عن فتاوى ابن‬
‫في الحظر والباحة ) ‪ :‬سئل عن الدّجاج إذا ألقي‬
‫في الماء حال الغليان لينتف ريشه ‪ ،‬قبل شقّ بطنه‬

‫‪67‬‬
‫جس ‪ ،‬ولكن يغسل بالماء‬ ‫جس ؟ فأجاب ‪ :‬يتن ّ‬ ‫هل يتن ّ‬
‫ي على‬ ‫ت فيطهر ‪ .‬وجاء في شرح الّزرقان ّ‬ ‫ثلث مّرا ٍ‬
‫ل للمالكيّة ‪ :‬ليس من اللّحم المطبوخ‬ ‫مختصر خلي ٍ‬
‫بالنّجاسة الدّجاج المذبوح ‪ ،‬يوضع في ماءٍ حا ّ ٍر‬
‫ن هذا ليس‬ ‫لخراج ريشه من غير غسل المذبح ; ل ّ‬
‫بطبٍخ حتّى تدخل النّجاسة في أعماقه ‪ ،‬بل يغسل‬
‫ويؤكل ‪.‬‬
‫===================‬
‫رجل *‬ ‫ِ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬قدم النسان وغيره ‪ ،‬وهي مؤنّثة‬ ‫‪ - 1‬الّرِجل لغ ً‬
‫وجمعها أرجل ‪ ،‬ورجل النسان هي من أصل الفخذ‬
‫ن‬
‫ضرِب ْ َ‬‫إلى القدم ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬وَل ي َ ْ‬
‫ن } ورجل أرجل‬ ‫من زِينَتِهِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بأ َ‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ما‬
‫َ َ‬‫م‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ِ ّ‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ِ ْ‬
‫أي ‪ :‬عظيم الّرجل ‪ ،‬والّراجل خلف الفارس ومنه‬
‫جال ً أَوْ ُركْبَانا ً } ‪.‬‬ ‫م فَرِ َ‬‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬‫ن ِ‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬فَإ ْ‬
‫ي يختلف باختلف الحال فيراد به‬ ‫ومعناه الصطلح ّ‬
‫القدم مع الكعبين كما هو في قوله تعالى‪:‬‬
‫م إِلَى الْكَعْبَين } ‪ ،‬ويراد به دون المفصل‬ ‫َ‬
‫جلَك ُ ْ‬ ‫{ َوأْر ُ‬
‫ساق والقدم ‪ ،‬كما هو الحال في قطع رجل‬ ‫بين ال ّ‬
‫سارقة ‪.‬‬ ‫سارق وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ويطلق تارة ً فيراد به من أصل الفخذ إلى القدم ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫وردت الحكام المتعلّقة بالّرجل في عددٍ من أبواب‬
‫الفقه منها ما يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الوضوء ‪:‬‬
‫ن غسل الّرجلين مع‬ ‫‪ - 2‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ساق‬ ‫الكعبين ‪ -‬وهما العظمان النّاتئان عند مفصل ال ّ‬
‫َ‬
‫والقدم ‪ -‬من فروض الوضوء لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أيُّهَا‬

‫‪68‬‬
‫َ‬
‫جوهَك ُ ْ‬
‫م‬ ‫سلُوا ْ وُ ُ‬ ‫صلةِ فاغ ْ ِ‬ ‫م إِلَى ال َّ‬‫مت ُ ْ‬‫منُوا ْ إِذ َا قُ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ال ّذِي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫جلَك ُ ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫حوا ْ بُِرؤُو ِ‬
‫سك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬
‫ق وَا ْ‬
‫مَرافِ ِ‬ ‫م إِلَى ال ْ َ‬ ‫َوأيْدِيَك ُ ْ‬
‫صحيحة الّتي وردت‬ ‫ن } ‪ .‬وللحاديث ال ّ‬ ‫ْ‬
‫إِلى الكَعْبَي ِ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫في غسل الّرجلين ‪ ،‬ومنها ما روي في وضوء النّب ّ‬
‫ل ثلثا ً « ‪.‬‬ ‫ل رج ٍ‬ ‫صلى الله عليه وسلم » أنّه غسل ك ّ‬
‫م غسل رجله اليمنى إلى الكعبين‬ ‫ظ‪»:‬ث ّ‬ ‫وفي لف ٍ‬
‫م غسل رجله اليسرى مثل ذلك « ‪.‬‬ ‫ت‪،‬ث ّ‬ ‫ثلث مّرا ٍ‬
‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ويل للعقاب‬
‫ضئون وأعقابهم‬ ‫من النّار« وذلك عندما رأى قوما ً يتو ّ‬
‫سها الماء ‪.‬‬ ‫تلوح لم يم ّ‬
‫ضأ ‪ ،‬فترك‬ ‫ن رجل ً تو ّ‬ ‫وعن عمر رضي الله عنه أ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫موضع ظفرٍ على قدمه فأبصره النّب ّ‬
‫عليه وسلم فقال ‪ » :‬ارجع فأحسن وضوءك ‪ ،‬فرجع‬
‫م صلّى « ‪.‬‬ ‫ث ّ‬
‫ن الفرض في الّرجلين هو‬ ‫سلف إلى أ ّ‬ ‫وذهب بعض ال ّ‬
‫مهاجر‬
‫ٍ‬ ‫المسح ل الغسل ‪ ،‬وذلك أخذا ً بقراءة‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حوْا بُِرءُو ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬‫"أرجلِكم" في قوله تعالى ‪َ { :‬وا ْ‬
‫َ‬
‫ةل‬ ‫م } فإنّها تقتضي كون الرجل ممسوح ً‬ ‫جلِك ُ ْ‬ ‫َوأْر ُ‬
‫ة‪.‬‬ ‫مغسول ً‬
‫بري‬
‫ّ‬ ‫مد بن جريرٍ الط ّ‬ ‫وذهب الحسن البصريّ ومح ّ‬
‫ضئ مخيّر بين غسل الّرجلين وبين‬ ‫ن المتو ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ل واحدةٍ من القراءتين قد ثبت‬ ‫نك ّ‬ ‫مسحهما ‪ ،‬ل ّ‬
‫كونها قراءةً وتعذ ّر الجمع بين مقتضيهما وهو وجوب‬
‫الغسل بقراءة النّصب ووجوب المسح بقراءة الجّر ‪،‬‬
‫فيخيّر المكلّف إن شاء عمل بقراءة النّصب فغسل ‪،‬‬
‫وإن شاء عمل بقراءة الخفض فمسح ‪ ،‬وأيّهما فعل‬
‫يكون آتيا ً بالمفروض ‪ ،‬كما هو الحال في المر بأحد‬
‫الشياء الثّلثة في كّفارة اليمين ‪ .‬والتّفصيل في‬
‫مصطلح ‪ ( :‬وضوء ‪ ،‬مسح ) ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫سرقة ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬حد ّ ال ّ‬
‫سارق قطع يده‬ ‫ن حد ّ ال ّ‬ ‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ة فَاقْطَعُواْ‬ ‫سارِقَ ُ‬‫سارِقُ َوال َّ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬وَال َّ‬
‫ه عَزِيٌز‬ ‫ن اللّهِ َوالل ُّ‬ ‫م‬ ‫ً‬ ‫ال‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫سب‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫زاء‬ ‫ج‬ ‫ما‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬‫أَ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫سارق يده اليمنى ‪،‬‬ ‫م } وأوّل ما يقطع من ال ّ‬ ‫حكِي ٌ‬ ‫َ‬
‫ن البطش بها أقوى فكانت البداية بها أردع ‪ ،‬ولنّها‬ ‫ل ّ‬
‫سرقة ‪ ،‬فكانت العقوبة بقطعها أولى ‪.‬‬ ‫آلة ال ّ‬
‫‪ - 4‬واتّفقوا على أنّه إن سرق ثانيا ً قطعت رجله‬
‫اليسرى لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن‬
‫سارق ‪» :‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم أنّه قال في ال ّ‬ ‫النّب ّ‬
‫سارق فاقطعوا يده ‪ ،‬فإن عاد فاقطعوا‬ ‫إذا سرق ال ّ‬
‫رجله « ولنّه في المحاربة الموجبة قطع عضوين‬
‫إنّما تقطع يده ورجله ‪ ،‬ول تقطع يداه ‪ ،‬وحكي عن‬
‫عطاءٍ وربيعة أنّه إن سرق ثانيا ً تقطع يده اليسرى‬
‫َ‬
‫ن‬‫ما } ول ّ‬ ‫لقوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬فَاقْطَعُوا ْ أيْدِي َ ُه َ‬
‫سرقة والبطش فكانت العقوبة بقطعها‬ ‫اليد آلة ال ّ‬
‫أولى ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ -‬بعد أن ذكر هذا القول ‪-‬‬
‫وهذا شذوذ يخالف قول جماعة فقهاء المصار من‬
‫صحابة والتّابعين ومن بعدهم‬ ‫أهل الفقه والثر من ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬واختلف الفقهاء فيما إذا سرق ثالثا ً بعد قطع يده‬
‫اليمنى ورجله اليسرى ‪.‬‬
‫فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل يقطع منه شيء‬
‫ن عمر رضي الله عنه‬ ‫بل يعّزر ويحبس ‪ ،‬واستدلّوا بأ ّ‬
‫ق أقطع اليد والّرجل قد سرق يقال له ‪:‬‬ ‫أتي بسار ٍ‬
‫ي رضي الله‬ ‫سدوم ‪ ،‬وأراد أن يقطعه ‪ ،‬فقال له عل ّ‬
‫ل ‪ ،‬فحبسه عمر ‪ ،‬ولم‬ ‫عنه ‪ :‬إنّما عليه قطع يد ٍ ورج ٍ‬
‫يقطعه ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ن عليّا ً رضي‬ ‫ولما روى أبو سعيد ٍ المقبريّ عن أبيه أ ّ‬
‫م أتي به‬ ‫ق فقطع يده ‪ -‬اليمنى ‪ -‬ث ّ‬ ‫الله عنه أتي بسار ٍ‬
‫م أتي به‬ ‫الثّانية وقد سرق فقطع رجله ‪ -‬اليسرى ‪ -‬ث ّ‬
‫الثّالثة وقد سرق‪ ،‬فقال لصحابه ‪ :‬ما ترون في‬
‫هذا ؟ قالوا ‪ :‬اقطعه يا أمير المؤمنين ‪ ،‬فقال ‪ :‬قتلته‬
‫إذن وما عليه القتل ‪ ،‬ل أقطعه ‪ ،‬إن قطعت يده‬
‫ي شيءٍ يأكل الطّعام ‪ ،‬وبأيّ شيءٍ يتو ّ‬
‫ضأ‬ ‫فبأ ٍ ّ‬
‫وبأي شيءٍ‬ ‫ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬وبأيّ شيءٍ يغتسل من جنابته ‪،‬‬ ‫لل ّ‬
‫بأي‬
‫ّ‬ ‫بأي شيءٍ يمشي ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سح ‪ ،‬وإن قطعت رجله‬ ‫يتم ّ‬
‫شيءٍ يقوم على حاجته ‪ ،‬إنّي لستحيي من اللّه أن‬
‫ل أدع له يدا ً يبطش بها ‪ ،‬ول رجل ً يمشي عليها ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬
‫ضربه بخشبةٍ وحبسه ‪.‬‬
‫زهري‬
‫ّ‬ ‫ي وال ّ‬ ‫ي والنّخع ّ‬ ‫شعب ّ‬ ‫وإلى هذا ذهب الحسن وال ّ‬
‫وري ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ماد والث ّ‬ ‫وح ّ‬
‫شافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى‬ ‫وذهب المالكيّة وال ّ‬
‫أنّه إن سرق ثالثا ً قطعت يده اليسرى ‪ .‬فإن سرق‬
‫رابعا ً قطعت رجله اليمنى ‪ ،‬لما روى أبو هريرة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬‫رضي الله عنه » أ ّ‬
‫م إن‬ ‫سارق ‪ :‬إن سرق فاقطعوا يده ‪ ،‬ث ّ‬ ‫قال في ال ّ‬
‫م إن سرق فاقطعوا يده ‪،‬‬ ‫سرق فاقطعوا رجله ‪ ،‬ث ّ‬
‫م إن سرق فاقطعوا رجله « ‪.‬‬ ‫ث ّ‬
‫ولنّه فعل أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما ‪ ،‬وإلى‬
‫هذا ذهب قتادة وأبو ثورٍ ‪ ،‬وابن المنذر ‪ ،‬وتقطع رجل‬
‫ساق والقدم ‪.‬‬ ‫سارق من المفصل بين ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ج ‪ -‬قاطع الطّريق ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 6‬ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة وال ّ‬
‫ن قاطع الطّريق إذا أخذ المال ولم‬ ‫والحنابلة إلى أ ّ‬
‫يقتل ‪ ،‬وكان المال الّذي أخذه بمقدار ما تقطع به يد‬
‫سارق ‪ ،‬فإنّه تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ‪،‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪71‬‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حارِبُو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫جَزاء ال ّذِي َ‬ ‫ما َ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬إِن َّ َ‬
‫قتَّلُوا ْ أ َ ْو‬‫سادا ً أَن ي ُ َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫ر‬
‫ْ‬
‫ن فِي ال َ‬ ‫سعَوْ َ‬‫ه َوي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫سول َ‬ ‫َوَر ُ‬
‫ف}‬ ‫ُ‬ ‫يصلَّبوا ْ أَو تَقط ّع أ َ‬
‫َ‬
‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬
‫ُ ّ ْ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫جل‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫ِ ْ َ ْ‬ ‫م‬ ‫يه‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫وبهذا تتحّقق المخالفة المذكورة في الية ‪ ،‬وهي‬
‫أرفق به في إمكان مشيه ‪.‬‬
‫ن المام مخيّر ‪ ،‬فيحكم بين‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫صلب والقطع والنّفي ‪ ،‬سواء قتل وأخذ‬ ‫القتل وال ّ‬
‫المال ‪ ،‬أم قتل فقط ‪ ،‬أو أخذ المال فقط ‪ ،‬أم خوّف‬
‫دون أن يقتل أو يأخذ المال ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح‬
‫‪ ( :‬حرابة ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬دية الّرِجل ‪:‬‬
‫ة‬
‫ن في قطع الّرجلين دي ً‬ ‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ة ‪ ،‬وفي قطع إحداهما نصف الدّية ‪ ،‬وفي قطع‬ ‫كامل ً‬
‫أصبع الّرجل عشر الدّية ‪ ،‬وفي أنملتها ثلث العشر‬
‫إل ّ البهام ففي أنملتها نصف العشر إذ ليس فيه إلّ‬
‫ن‬
‫أنملتان لحديث عمرو بن حزم ٍ عن أبيه عن جدّه أ ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كتب له في كتابه‬
‫‪ » :‬وفي الّرجل الواحدة نصف الدّية « ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البّر ‪ :‬كتاب عمرو بن حزم ٍ معروف‬
‫عند الفقهاء وما فيه متّفق عليه عند العلماء إل ّ قليلً‬
‫‪.‬‬
‫ن قطع الّرجل يوجب نصف الدّية‬ ‫واتّفقوا أيضا ً على أ ّ‬
‫إذا كان من الكعبين أو من أصول الصابع الخمسة ‪،‬‬
‫ساق أو من الّركبة أو‬ ‫واختلفوا فيما إذا قطعت من ال ّ‬
‫من الفخذ أو من الورك ‪.‬‬
‫فذهب الجمهور " المالكيّة ‪ ،‬والحنابلة وبعض‬
‫ن قطع‬ ‫شافعيّة وهو رواية عن أبي يوسف " إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن الّرجل‬ ‫الّرجل من هذه الماكن ل تزيد به الدّية ‪ ،‬ل ّ‬
‫اسم لهذه الجارحة إلى أصل الفخذ‪ ،‬فل يزاد على‬

‫‪72‬‬
‫ساق أو الفخذ ليس لها أرش‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شرع ‪ ،‬ول ّ‬ ‫تقدير ال ّ‬
‫مقدّر شرعا ً ‪ ،‬فيكون تبعا ً لما له أرش مقدّر وهي‬
‫القدم ‪.‬‬
‫ل‬
‫شافعيّة إلى وجوب حكومة عد ٍ‬ ‫وذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫في ذلك زيادة ً على نصف الدّية الواجب في القدم ‪.‬‬
‫ل)‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬دية ‪ ،‬وحكومة عد ٍ‬
‫هـ – هل الّرِجل من العورة ؟‬
‫ن رجل المرأة الحّرة عورة‬ ‫‪ - 8‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ما عدا قدميها ‪.‬‬
‫سّرة والّركبة من‬ ‫ن ما بين ال ّ‬ ‫وذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫الّرجل عورة بالنّسبة للّرجال ‪.‬‬
‫سّرة من الّرجل‬ ‫م اختلفوا في كون الّركبتين وال ّ‬ ‫ث ّ‬
‫عورة ‪.‬‬
‫وينظر ‪ ( :‬عورة ) ‪.‬‬
‫===============‬
‫زبل ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫سرقين ‪ ،‬وهما فضلة الحيوان‬ ‫ة ‪ :‬ال ّ‬‫‪ - 1‬الّزبل لغ ً‬
‫الخارجة من الدّبر ‪ ،‬والمزبلة مكان طرح الّزبل‬
‫وموضعه ‪ ،‬والجمع مزابل ‪ .‬ويستعمل الفقهاء هذا‬
‫ي‬
‫سر الحصكف ّ‬ ‫غوي ‪ .‬وف ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللّفظ بنفس المعنى الل ّ‬
‫شرنبلليّة ‪ :‬هو‬ ‫سرقين بالّزبل ‪ ،‬وفي ال ّ‬ ‫ي ال ّ‬
‫والبهوت ّ‬
‫سرقين أصلها‬ ‫رجيع ( فضلة ) ما سوى النسان ‪ .‬وال ّ‬
‫‪ ( :‬سركين ) بالكاف فعّربت إلى الجيم والقاف ‪،‬‬
‫سرقين‬ ‫فيقال سرجين وسرقين ‪ ،‬والّروث وال ّ‬
‫سرقين‬ ‫ن ال ّ‬ ‫يأ ّ‬ ‫لفظان مترادفان ‪ .‬وعن الصمع ّ‬
‫سرقين هو رجيع ما‬ ‫ن ال ّ‬‫الّروث ‪ .‬ونقل ابن عابدين أ ّ‬
‫ل من الّروث ‪،‬‬ ‫سوى النسان ‪ .‬ويختلف الّزبل عن ك ٍّ‬
‫والخثي ‪ ،‬والبعر ‪ ،‬والخرء ‪ ،‬والنّجو ‪ ،‬والعذرة ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫فالّروث للفرس والبغل والحمار ‪ ،‬والخثي للبقر‬
‫والفيل ‪ ،‬والبعر للبل والغنم ‪ ،‬والذ ّرق للطّيور ‪،‬‬
‫والنّجو للكلب ‪ ،‬والعذرة للنسان ‪ ،‬والخرء للطّير‬
‫والكلب والجرذ والنسان ‪ .‬وقد يستعمل بعض هذه‬
‫سعًا ‪.‬‬‫ض تو ّ‬ ‫اللفاظ مكان بع ٍ‬
‫حكم الّزبل من حيث الطّهارة والنّجاسة ‪ :‬اختلف‬
‫الفقهاء في حكم طهارته وتفصيل ذلك في مصطلح‬
‫‪ ( :‬روث ) ‪.‬‬
‫صلة في المزبلة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة في‬ ‫شافعيّة كراهة ال ّ‬ ‫‪ - 2‬يرى الحنفيّة وال ّ‬
‫صلة‬ ‫المزبلة إذا لم تكن بها نجاسة ‪ .‬وجازت ال ّ‬
‫بمزبلةٍ عند المالكيّة إذا أمنت من النّجس ‪ -‬بأن جزم‬
‫ققت نجاستها أو ظنّت‬ ‫ما إذا تح ّ‬ ‫ن طهارتها ‪ -‬أ ّ‬ ‫أو ظ ّ‬
‫صلة فيها ‪ ،‬وإذا صلّى أعاد أبدًا ‪ ،‬وإن‬ ‫فل تجوز ال ّ‬
‫ك في نجاستها أعاد في الوقت على الّراجح بناءً‬ ‫ش ّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫على ترجيح الصل على الغالب وهو قول مال ٍ‬
‫حا للغالب على‬ ‫ب ‪ :‬يعيد أبدًا ترجي ً‬ ‫وقال ابن حبي ٍ‬
‫صلة في‬ ‫حة ال ّ‬
‫الصل ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى عدم ص ّ‬
‫المزبلة ولو طاهرة ً ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪ :‬صلة ) ‪.‬‬
‫صلة بالثّوب المصاب بالّزبل ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ما يؤكل‬ ‫‪ - 3‬الّزبل منه ما هو طاهر ‪ ،‬كذرق الطّيور م ّ‬
‫لحمه عند جمهور الفقهاء ‪ ،‬وفضلة سائر الحيوانات‬
‫الّتي يؤكل لحمها عند المالكيّة والحنابلة ‪ ،‬فإذا‬
‫جسه ‪،‬‬ ‫أصاب شيء منها بدن النسان أو ثوبه ل ين ّ‬
‫ما الّزبل النّجس ‪ ،‬كفضلة‬ ‫ول تفسد صلته عندهم ‪ .‬أ ّ‬
‫الحيوانات الّتي ل يؤكل لحمها ‪ ،‬وكذلك فضلة‬
‫الحيوانات مأكولة اللّحم عند من يقول بنجاستها‬
‫ففيه ما يأتي من التّفصيل ‪ :‬قال الحنفيّة ‪ :‬النّجاسة‬
‫ل‪،‬‬‫صلة قدر الدّرهم فأق ّ‬ ‫الغليظة يعفى عنها في ال ّ‬

‫‪74‬‬
‫ل ‪ ،‬وللتّمييز‬ ‫والخفيفة يعفى عنها قدر ربع الثّوب فأق ّ‬
‫بينهما ( ر ‪ :‬نجاسة ) ‪ .‬فإذا أصاب الثّوب من الّروث‬
‫أو من أخثاء البقر أكثر من قدر الدّرهم لم تجز‬
‫ص الوارد فيه‬ ‫ن الن ّ ّ‬‫صلة فيه عند أبي حنيفة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وهو قوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬هذا رجس أو‬
‫ركس } لم يعارضه غيره ‪ ،‬فيكون من النّجاسة‬
‫صلة‬‫مد ‪ :‬يجزئه ال ّ‬ ‫الغليظة ‪ .‬وقال أبو يوسف ومح ّ‬
‫ن للجتهاد فيه‬ ‫حتّى يفحش ‪ ،‬أي يصل ربع الثّوب ; ل ّ‬
‫ن فيه‬‫مساغًا فيثبت التّخفيف في نجاستها ‪ .‬ول ّ‬
‫ضرورة ً لعدم خلوّ الطّرق فيه ‪ .‬وإن أصابه خرء ما ل‬
‫صقر والبازي والحدأة‬ ‫يؤكل لحمه من الطّيور كال ّ‬
‫صلة فيه عند‬ ‫وكان أكثر من قدر الدّرهم جازت ال ّ‬
‫أبي حنيفة وأبي يوسف ; لنّها تذرق من الهواء‬
‫ضرورة ‪ .‬وقال‬ ‫والتّحامي عنها متعذ ّر فتحّققت ال ّ‬
‫ضرورة ‪ ،‬ول‬ ‫ن التّخفيف لل ّ‬ ‫مد ‪ :‬ل تجوز ; ل ّ‬ ‫مح ّ‬
‫ضرورة هنا لعدم المخالطة ‪.‬‬
‫اقتناء الّزبل واستعماله ‪.‬‬
‫‪ - 4‬الّزبل الطّاهر يجوز اقتناؤه ‪ ،‬واستعماله في‬
‫الّزراعة والتّسخين وإنضاج الخبز ونحوها ‪ .‬واختلفوا‬
‫في الّزبل النّجس ‪ .‬فقال الحنفيّة ‪ :‬يجوز اقتناؤه‬
‫واستعماله في تنمية الّزرع وإنضاج الخبز ونحوهما ‪.‬‬
‫كذلك يجوز الستفادة من الّزبل واقتناؤه للّزراعة‬
‫شافعيّة لكنّه يكره ذلك عندهم ‪ .‬وقالوا ‪:‬‬ ‫عند ال ّ‬
‫الّزرع النّابت على الّزبل ليس بنجس العين ‪ ،‬لكن‬
‫ينجس بملقاة النّجاسة فإذا غسل طهر ‪ ،‬وإذا سنبل‬
‫فحبّاته الخارجة طاهرة ‪ .‬والصل عند المالكيّة أنّه ل‬
‫س ‪ ،‬لكنّهم استثنوا منه أشياء منها‬ ‫يجوز النتفاع بنج ٍ‬
‫‪ :‬جعل عذرةٍ بماء سقي الّزرع فيجوز عندهم ‪،‬‬
‫ن الخبز المخبوز على نار الّروث‬ ‫والمعتمد عندهم أ ّ‬

‫‪75‬‬
‫النّجس طاهر ولو تعلّق به شيء من الّرماد ‪ .‬ولم‬
‫نعثر للحنابلة على كلم ٍ في استعمال الّزبل ‪ ،‬لكنّهم‬
‫صّرحوا بعدم جواز بيع الّزبل النّجس ‪ ،‬كما سيأتي‬
‫في الفقرة التّالية ‪.‬‬
‫بيع الّزبل ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يرى الحنفيّة جواز بيع الّزبل لتّفاق أهل المصار‬
‫في جميع العصار على بيعه من غير إنكارٍ ‪ ،‬ولنّه‬
‫يجوز النتفاع به ‪ ،‬فجاز بيعه كسائر الشياء ‪ .‬وذكر‬
‫ل للمالكيّة ‪:‬‬
‫ابن عرفة في بيع الّزبل ثلثة أقوا ٍ‬
‫أ ‪ -‬المنع ‪ ،‬وهو قياس ابن القاسم للّزبل على‬
‫ك‪.‬‬ ‫العذرة في المنع عند مال ٍ‬
‫ب ‪ -‬الجواز ‪ ،‬وهو قول لبن القاسم ‪.‬‬
‫ضرورة ‪ ،‬وهو قول أشهب ‪ .‬وتزاد‬ ‫ج ‪ -‬الجواز لل ّ‬
‫المدونة وفهم أبي الحسن ‪ .‬هذا‬ ‫ّ‬ ‫الكراهة على ظاهر‬
‫والعمل عند المالكيّة على جواز بيع الّزبل دون‬
‫ن القول‬ ‫ضرورة ‪ .‬قال الحطّاب ‪ :‬واعلم أ ّ‬ ‫العذرة لل ّ‬
‫بالمنع هو الجاري على أصل المذهب في المنع من‬
‫ضرورة ‪.‬‬ ‫بيع النّجاسات ‪ ،‬والقول بالجواز لمراعاة ال ّ‬
‫ن‬
‫ومن قال بالكراهة تعارض عنده المران ‪ ،‬ورأى أ ّ‬
‫أخذ الثّمن عن ذلك ليس من مكارم الخلق ‪.‬‬
‫ن العلّة في الجواز إنّما هي‬ ‫والقول الخر رأى أ ّ‬
‫الضطرار ‪ ،‬فل بد ّ من تحّققها بوجود الضطرار إليه‬
‫شافعيّة ‪ :‬بيع زبل البهائم المأكولة وغيرها‬ ‫‪ .‬وقال ال ّ‬
‫س‬ ‫ّ‬
‫باطل وثمنه حرام ‪ .‬واستدلوا بحديث ابن عبّا ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ن النّب ّ‬
‫رضي الله عنه أ ّ‬
‫ن اللّه إذا حّرم على قوم ٍ شيئًا حّرم عليهم‬ ‫{إ ّ‬
‫ن الّزبل نجس العين فلم يجز بيعه‬ ‫ثمنه } ‪ .‬ول ّ‬
‫حة بيع الّزبل‬‫كالعذرة ‪ .‬ويرى الحنابلة عدم ص ّ‬

‫‪76‬‬
‫النّجس بخلف الطّاهر منه ‪ ،‬كروث الحمام ‪ ،‬وبهيمة‬
‫ي عنه ) ‪.‬‬ ‫النعام ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪ :‬نجاسة ‪ ،‬وبيع منه ّ‬
‫================‬
‫زبور ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الّزبور ‪ :‬فعول من الّزبر ‪ ،‬وهو الكتابة ‪ ،‬بمعنى‬
‫المزبور أي ‪ :‬المكتوب ‪ .‬وجمعه ‪ :‬زبر ‪ .‬والّزبور ‪:‬‬
‫ن‬
‫سلم ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫صلة وال ّ‬‫كتاب داود على نبيّنا وعليه ال ّ‬
‫التّوراة هي المنّزلة على موسى عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬والنجيل هو المنّزل على عيسى عليه‬
‫مدٍ صلى‬ ‫الصلة والسلم ‪ .‬والقرآن المنّزل على مح ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ { :‬وآتينا داود‬
‫ة وخمسين سورةً ‪ ،‬ليس فيها‬ ‫زبوًرا } ‪ .‬وكان مائ ً‬
‫حكم ‪ ،‬ول حلل ‪ ،‬ول حرام ‪ ،‬وإنّما هي حكم‬
‫ومواعظ ‪ ،‬والتّحميد والتّمجيد والثّناء على اللّه تعالى‬
‫ي‪.‬‬‫‪ ،‬كما قال القرطب ّ‬
‫س الّزبور للمحدث ‪:‬‬ ‫ي ) ‪ :‬أوًّل ‪ :‬م ّ‬‫الحكم الجمال ّ‬
‫س القرآن‬ ‫‪ - 2‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز م ّ‬
‫سه إل ّ المطهّرون }‬ ‫للمحدث ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬ل يم ّ‬
‫س القرآن‬ ‫‪ .‬ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل يم ّ‬
‫إل ّ طاهر } ‪ .‬وألحق بعض الفقهاء به كتب التّفسير‬
‫ما‬
‫إذا كان القرآن فيه أكثر ‪ ( .‬ر ‪ :‬مصحف ) ‪ .‬أ ّ‬
‫سماويّة الخرى ‪ ،‬كالتّوراة والنجيل والّزبور‬ ‫الكتب ال ّ‬
‫فاختلفوا فيها ‪ :‬فقال المالكيّة والحنابلة ‪ :‬ل يكره‬
‫س التّوراة والنجيل والّزبور ‪ ،‬وزاد الحنابلة ‪:‬‬ ‫م ّ‬
‫ث إن وجدت ; لنّها‬ ‫وصحف إبراهيم وموسى وشي ٍ‬
‫ص إنّما ورد في القرآن ‪ .‬وقال‬ ‫ليست قرآنًا ‪ ،‬والن ّ ّ‬
‫ل‬
‫ن في التّوراة ونحوها غير مبد ّ ٍ‬ ‫نأ ّ‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إن ظ ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪77‬‬
‫ن المبدّل منها ‪ -‬وهو‬ ‫سه ‪ ،‬ويفهم من هذا أ ّ‬ ‫كره م ّ‬
‫سه عندهم ‪.‬‬ ‫الغالب ‪ -‬ل يكره م ّ‬
‫ثانيًا ‪ :‬وجوب اليمان بالّزبور ‪:‬‬
‫‪ - 3‬اليمان بما أوتي النّبيّون من ربّهم واجب من‬
‫ق ‪ ،‬والّزبور كتاب أنزل على داود عليه‬ ‫غير تفري ٍ‬
‫الصلة والسلم كما تقدّم فيجب اليمان به ‪ ،‬كما‬
‫وجب اليمان على ما أنزل إلى سائر النبياء عليهم‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬قولوا آمنّا باللّه‬
‫وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل‬
‫وإسحاق ويعقوب والسباط وما أوتي موسى‬
‫د‬
‫وعيسى وما أوتي النّبيّون من ربّهم ل نفّرق بين أح ٍ‬
‫منهم ونحن له مسلمون } ‪ .‬يعني ل نفّرق بينهم بأن‬
‫ض كما فعل اليهود‬ ‫نؤمن ببعض النبياء ونكفر ببع ٍ‬
‫والنّصارى ‪ ،‬بل نشهد لجميعهم أنّهم كانوا رسل اللّه‬
‫ق والهدى ‪ .‬واليمان الواجب‬ ‫وأنبياءه بعثوا بالح ّ‬
‫بالّزبور وسائر الكتب المنّزلة قبل القرآن العظيم هو‬
‫اليمان بها على ما أنزلت عليه قبل أن يدخل عليها‬
‫التّحريف ‪.‬‬
‫=================‬
‫زخرفة ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫شيء ‪،‬‬ ‫ة الّزينة وكمال حسن ال ّ‬ ‫‪ - 1‬الّزخرفة لغ ً‬
‫ة‬
‫ل زين ٍ‬ ‫ميت ك ّ‬ ‫مس ّ‬‫والّزخرف في الصل الذ ّهب ‪ ،‬ث ّ‬
‫زخرفًا ‪ .‬والمزخرف المزيّن ‪ ،‬وتزخرف الّرجل إذا‬
‫تزيّن وزخرف البيت أي زيّنه ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪:‬‬
‫{ ولبيوتهم أبوابًا وسرًرا عليها يتّكئون وزخرفًا ‪} ...‬‬
‫ل ما زوّق أو زيّن فقد زخرف ‪ ،‬وزخرف القول ‪،‬‬ ‫وك ّ‬
‫أي المزوّقات من الكلم ‪ .‬ول يخرج معناه‬
‫غوي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ي عن معناه الل ّ‬ ‫الصطلح ّ‬

‫‪78‬‬
‫صلة ) ‪ :‬التّزويق ‪:‬‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫ة الّزينة ‪ ،‬وأصله من الّزاووق ‪،‬‬ ‫‪ - 2‬الّزوق لغ ً‬
‫ن‬
‫ل مزي ّ ٍ‬ ‫مي ك ّ‬ ‫م كثر حتّى س ّ‬ ‫والمزوّق المزيّن به ‪ ،‬ث ّ‬
‫وزوقت الكلم والكتاب إذا أحسنته‬ ‫ّ‬ ‫مزوقًا ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بشيءٍ‬
‫ي أن‬ ‫وقوّمته ‪ ،‬وفي الحديث ‪ { :‬إنّه ليس لي أو لنب ٍ ّ‬
‫مزوقًا } ‪ .‬أي مزيّنًا "‬ ‫ّ‬ ‫يدخل بيتًا‬
‫ي ) ‪ :‬زخرفة المساجد ‪:‬‬ ‫( الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 3‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره زخرفة‬
‫ش ‪ ،‬أو صبٍغ ‪ ،‬أو‬ ‫ضةٍ ‪ ،‬أو نق ٍ‬ ‫ب أو ف ّ‬ ‫المسجد بذه ٍ‬
‫ما يلهي المصلّي عن صلته ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬ ‫كتابةٍ أو غير ذلك م ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ‪ .‬فعن ابن‬ ‫النّب ّ‬
‫س رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى‬ ‫عبّا ٍ‬
‫الله عليه وسلم ‪ { :‬ما أمرت بتشييد المساجد }‬
‫س‬
‫ص ‪ ،‬قال ابن عبّا ٍ‬ ‫شيد أي الج ّ‬ ‫والتّشييد ‪ :‬الطّلء بال ّ‬
‫‪ :‬لتزخرفنّها كما زخرفت اليهود والنّصارى ‪ .‬وعن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫س رضي الله عنه أ ّ‬ ‫أن ٍ‬
‫ساعة حتّى يتباهى النّاس في‬ ‫قال ‪ { :‬ل تقوم ال ّ‬
‫ن عمر‬ ‫المساجد } ‪ .‬وروى البخاريّ في صحيحه أ ّ‬
‫ن النّاس‬ ‫رضي الله عنه أمر ببناء مسجد ٍ وقال ‪ :‬أك ّ‬
‫مر أو تصّفر فتفتن النّاس ‪.‬‬ ‫من المطر ‪ ،‬وإيّاك أن تح ّ‬
‫وقال أبو الدّرداء رضي الله عنه ‪ :‬إذا حلّيتم‬
‫مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدّبار عليكم ‪.‬‬
‫صلة بالنّظر إليه‬ ‫ن ذلك يلهي المصلّي عن ال ّ‬ ‫ول ّ‬
‫ساعة ‪.‬‬ ‫ن هذا من أشراط ال ّ‬ ‫ل بخشوعه ; ول ّ‬ ‫فيخ ّ‬
‫واتّفق الفقهاء على أنّه ل يجوز زخرفة المسجد أو‬
‫ن الفاعل يضمن ذلك‬ ‫نقشه من مال الوقف ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ي عنه ول مصلحة فيه وليس‬ ‫ويغرم القيمة ; لنّه منه ّ‬
‫ببناءٍ ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬إل ّ إذا خيف طمع الظّلمة ‪ ،‬كأن‬
‫ن عن‬ ‫اجتمعت عنده أموال المسجد وهو مستغ ٍ‬

‫‪79‬‬
‫العمارة فل بأس بزخرفته ‪ .‬وكذلك ما لو كانت‬
‫الّزخرفة لحكام البناء ‪ ،‬أو كان الواقف قد فعل مثله‬
‫‪ ،‬لقولهم ‪ :‬إنّه يعمر الوقف كما كان ‪ ،‬فل بأس به‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وذهب بعض الفقهاء ومنهم الحنابلة وأحد‬
‫شافعيّة إلى أنّه يحرم زخرفة‬ ‫الوجهين لدى ال ّ‬
‫ضةٍ وتجب إزالته كسائر‬ ‫ب أو ف ّ‬‫المسجد بذه ٍ‬
‫المنكرات ; لنّه إسراف ‪ ،‬ويفضي إلى كسر قلوب‬
‫ب أو‬ ‫الفقراء ‪ ،‬كما يحرم تمويه سقفه أو حائله بذه ٍ‬
‫صل منه شيء بالعرض‬ ‫ضةٍ ‪ ،‬وتجب إزالته إن تح ّ‬ ‫ف ّ‬
‫على النّار ‪ ،‬فإن لم يجتمع منه شيء بالعرض على‬
‫النّار فله استدامته حينئذ ٍ لعدم الماليّة ‪ ،‬فل فائدة‬
‫ما‬
‫ن عمر بن عبد العزيز ل ّ‬ ‫في إتلفه ‪ ،‬ولما روي أ ّ‬
‫ما‬‫ولي الخلفة أراد جمع ما في مسجد دمشق م ّ‬
‫موّه به من الذ ّهب فقيل له ‪ :‬إنّه ل يجتمع منه شيء‬
‫فتركه ‪ ،‬وأوّل من ذهّب الكعبة في السلم وزخرفها‬
‫وزخرف المساجد الوليد بن عبد الملك ‪ ،‬ولذلك‬
‫عدّها كثير من العلماء من أقسام البدعة المكروهة ‪.‬‬
‫شافعيّة وهو قول عند‬ ‫وذهب بعض الفقهاء من ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬أو‬ ‫الحنفيّة ‪ :‬إلى استحباب زخرفة المسجد بذه ٍ‬
‫ش ‪ ،‬أو صبٍغ ‪ ،‬أو كتابةٍ أو غير ذلك لما‬ ‫ضةٍ ‪ ،‬أو نق ٍ‬‫ف ّ‬
‫شعائر السلميّة ‪.‬‬ ‫فيه من تعظيم المسجد وإحياء ال ّ‬
‫وذهب الحنفيّة في الّراجح عندهم إلى أنّه ل بأس‬
‫ب أو‬
‫ص أو ماء ذه ٍ‬‫بزخرفة المسجد أو نقشه بج ٍّ‬
‫نحوهما من الشياء الثّمينة ما لم يكن ذلك في‬
‫المحراب أو جدار القبلة ; لنّه يشغل قلب‬
‫المصلّي ‪ ،‬وما لم يكن كذلك في حائط الميمنة أو‬
‫ضا يلهي المصلّي القريب منه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬ ‫الميسرة ‪ ،‬لنّه أي ً‬
‫زخرفة هذه الماكن من المسجد فمكروهة عندهم‬

‫‪80‬‬
‫ضا ‪ .‬والتّفاصيل في مصطلح ( مساجد ‪ ،‬وقف ‪،‬‬ ‫أي ً‬
‫ذهب ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬زخرفة المصحف ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة‬
‫شافعيّة وهو أحد القوال لدى الحنابلة إلى جواز‬ ‫وال ّ‬
‫ما‬
‫ضة وغيرهما تعظي ً‬ ‫زخرفة المصاحف بالذ ّهب والف ّ‬
‫للقرآن وإعزاًزا للدّين ‪ .‬واتّفق هؤلء على حرمة‬
‫الّزخرفة بالذ ّهب لما عدا المصحف من كتب العلم‬
‫ب‬
‫الخرى ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى كراهة زخرفته بذه ٍ‬
‫ب‬ ‫ضةٍ لتضييق النّقدين ‪ ،‬وإلى حرمة كتابته بذه ٍ‬ ‫أو ف ّ‬
‫ضةٍ ‪ ،‬ويؤمر بحكّه ‪ ،‬فإن كان يجتمع منه شيء‬ ‫أو ف ّ‬
‫ل آخر‬ ‫يتموّل به زكّاه إن بلغ نصابًا أو بانضمام ما ٍ‬
‫له ‪ ،‬قال أبو الخطّاب ‪ :‬يزكّيه إن بلغ نصابًا ‪ ،‬وله‬
‫ل‪،‬‬‫شافعيّة في قو ٍ‬ ‫حكّه وأخذه ‪ .‬وإلى هذا ذهب ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬جواز زخرفته بالذ ّهب‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫والقول الص ّ‬
‫ي بخلف الّرجل فل يجوز له ‪ ،‬وتجوز‬ ‫صب ّ‬‫للمرأة وال ّ‬
‫ضة للّرجل أو المرأة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يجوز‬ ‫زخرفته بالف ّ‬
‫زخرفة المصحف بالذ ّهب ل للّرجل ول للمرأة ‪.‬‬
‫والتّفاصيل في مصطلح ‪ ( :‬مصحف ‪ ،‬ذهب )‬
‫ج ‪ ( -‬زخرفة البيوت ) ‪:‬‬
‫‪ - 6‬ذهب الجمهور إلى حرمة زخرفة البيوت‬
‫ما الّزخرفة بغيرها فل‬ ‫ضةٍ ‪ ،‬أ ّ‬
‫ب أو ف ّ‬ ‫والحوانيت بذه ٍ‬
‫بأس بها ما لم تخرج إلى حد ّ السراف ‪ .‬وكذلك‬
‫سقف والحائط والجدار ; لما فيه من‬ ‫يحرم تمويه ال ّ‬
‫السراف والخيلء ‪ ،‬وكسر قلوب الفقراء ‪ .‬وتجب‬
‫إزالته ; لنّه منكر من المنكرات ‪ ،‬كما تجب زكاته‬
‫مه إلى غيره ‪ ،‬فإن لم‬ ‫إن بلغ نصابًا بنفسه أو ض ّ‬
‫يجتمع منه شيء بعرضه على النّار فله استدامته ‪،‬‬

‫‪81‬‬
‫ول زكاة فيه لعدم الماليّة ‪ .‬وانظر مصطلح ‪ ( :‬نقش‬
‫)‪.‬‬
‫ضة في‬ ‫‪ -7‬هذا وتجوز الّزخرفة بغير الذ ّهب والف ّ‬
‫القمشة والخشب وغير ذلك وسائر المتعة ما لم‬
‫يصل إلى درجة السراف ‪.‬‬
‫==============‬
‫زرع ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬الّزرع في اللّغة ‪ :‬ما استنبت بالبذر ‪ -‬تسمي ً‬
‫ة‬
‫بالمصدر ‪ -‬ومنه يقال ‪ :‬حصدت الّزرع أي ‪ :‬النّبات ‪،‬‬
‫مى زرعًا إلّ‬ ‫والجمع ‪ :‬زروع ‪ .‬قال بعضهم ‪ :‬ول يس ّ‬
‫شعير ‪،‬‬ ‫ض طريّ ‪ .‬وقد غلب على البّر وال ّ‬ ‫وهو غ ّ‬
‫ل شي ٍء يحرث ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬ ‫وقيل ‪ :‬الّزرع ‪ :‬نبات ك ّ‬
‫ي‬
‫الّزرع ‪ :‬طرح البذر ‪ .‬ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫غوي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن المعنى الل ّ‬
‫صلة ) ‪:‬‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الغرس ‪:‬‬
‫شجرة‬ ‫‪ - 2‬الغرس مصدر غرس يقال ‪ :‬غرست ال ّ‬
‫شجر مغروس وغرس وغراس ‪ .‬فالفرق‬ ‫سا فال ّ‬
‫غر ً‬
‫شجر ‪.‬‬ ‫ص بال ّ‬
‫بينه وبين الّزرع ‪ ،‬أنّه مخت ّ‬
‫الحكام الّتي تتعلّق بالّزرع ‪ :‬إحياء الموات ‪:‬‬
‫ن من جملة ما تحيا به‬ ‫‪ - 3‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫الرض زرعا أو الغرس فيها ‪ .‬وقد تقدّم في مصطلح‬
‫( إحياء الموات ) ( ‪. ) 249 - 248 2‬‬
‫( زكاة الّزروع ) ‪:‬‬
‫ن الّزكاة واجبة في الّزروع‬ ‫مة على أ ّ‬ ‫‪ - 4‬أجمعت ال ّ‬
‫من حيث الجملة ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح ( زكاة‬
‫)‪.‬‬
‫بيع الّزروع ‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ - 5‬إذا باع الرض وأطلق ‪ ،‬دخل ما فيها من الّزرع‬
‫ن الّزرع تابع ولو‬ ‫سواء اشتد ّ وأمن العاهة أم ل ; ل ّ‬
‫بيع وحده لم يجز إل ّ بعد اشتداده ليأمن العاهة ‪ .‬وإذا‬
‫خل الرض ‪ .‬ويجوز بيع الرض‬ ‫باع الّزرع لم تد ّ‬
‫واستثناء ما فيها من الّزرع ‪ .‬وتفصيله في ( بيع ) ‪.‬‬
‫بيع المحاقلة ‪:‬‬
‫ة‬
‫‪ - 6‬المحاقلة ‪ :‬هي بيع الحنطة في سنبلها بحنط ٍ‬
‫ن بيع‬ ‫صا ‪ .‬ول خلف بين الفقهاء في أ ّ‬ ‫مثل كيلها خر ً‬
‫المحاقلة غير صحيح ‪ ،‬إذ هو فاسد عند الحنفيّة‬
‫باطل عند الجمهور ‪ ،‬وتفصيله في ( بيع ) ( ‪، 138 9‬‬
‫‪. ) 168‬‬
‫بيع ما يكمن في الرض ‪:‬‬
‫‪ - 7‬اختلف الفقهاء في بيع ما يكمن في الرض من‬
‫الّزرع قبل قلعه ‪ ،‬كالبصل ‪ ،‬والثّوم ‪ ،‬ونحوهما ‪،‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى عدم الجواز ‪ .‬وذهب‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫ط ‪ .‬وقد سبق‬ ‫الحنفيّة والمالكيّة إلى الجواز بشر ٍ‬
‫تفصيله في مصطلح ( جهالة ‪. ) 171 - 170 9‬‬
‫إتلف الّزرع ‪:‬‬
‫ب من الّزروع‬ ‫‪ - 8‬فّرق الفقهاء بين ما تتلفه الدّوا ّ‬
‫نهاًرا وبين ما تتلفه ليًل ‪ ،‬فذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫ن‬
‫ن‬‫ب;ل ّ‬ ‫التلف إذا كان ليًل ضمن صاحب الدّوا ّ‬
‫ما إذا وقع التلف نهاًرا ‪،‬‬ ‫فعلها منسوب إليه ‪ .‬وأ ّ‬
‫ب وحدها فل ضمان على صاحبها عند‬ ‫وكانت الدّوا ّ‬
‫ن العادة الغالبة حفظ الّزرع نهاًرا من‬ ‫الجمهور ‪ ،‬ل ّ‬
‫قبل صاحبه ‪ .‬وقد سبق الكلم على هذا في مصطلح‬
‫( إتلف ‪. ) 224 1‬‬
‫=================‬
‫زعفران ‪.‬‬
‫التّعريف‬

‫‪83‬‬
‫ي مقمر من الفصيلة‬ ‫‪ - 1‬الّزعفران نبات بصل ّ‬
‫ي مشهور‬ ‫ي طب ّ ّ‬ ‫ري ونوع صيف ّ‬ ‫سوسنيّة منه أنواع ب ّ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ .‬وزعفرت الثّوب صبغته فهو مزعفر ‪.‬‬
‫ي لستعمال الّزعفران ‪:‬‬ ‫الحكم الجمال ّ‬
‫أ ‪ -‬حكم المياه الّتي خالطها طاهر كالّزعفران ‪:‬‬
‫ن الماء الّذي خالطه‬ ‫مة على أ ّ‬ ‫‪ - 2‬اتّفق الئ ّ‬
‫الّزعفران أو غيره من الشياء الطّاهرة الّتي تنف ّ‬
‫ك‬
‫عن الماء غالبًا متى غيّرت أحد أوصافه الثّلثة ‪ ،‬فإنّه‬
‫طاهر ‪ .‬ولكنّهم اختلفوا في طهوريّته ‪ ،‬فذهب‬
‫الجمهور إلى أنّه غير مطهّرٍ لنّه ل يتناوله اسم الماء‬
‫مموا‬‫المطلق لقوله تعالى ‪ { :‬فلم تجدوا ماءً فتي ّ‬
‫ما‬‫صعيدًا طيّبًا } ‪ .‬فالماء هنا على إطلقه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫شيء الّذي خالطه ‪ ،‬فيقال‬ ‫المخالط فيضاف إلى ال ّ‬
‫ن ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى‬ ‫ن ‪ ،‬أو ريحا ٍ‬ ‫مثًل ‪ :‬ماء زعفرا ٍ‬
‫ما المتغيّر‬ ‫أنّه مطهّر ما لم يكن التّغيّر عن طبٍخ ‪ .‬أ ّ‬
‫بالطّبخ مع شيءٍ طاهرٍ فقد أجمعوا على أنّه ل يجوز‬
‫الوضوء ول التّطهّر به ‪ ( .‬ر ‪ :‬مياه ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الختضاب بالّزعفران ‪:‬‬
‫ك‬
‫ب الختضاب بالّزعفران لحديث أبي مال ٍ‬ ‫‪ - 3‬يستح ّ‬
‫ي عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ { :‬كان خضابنا مع رسول‬ ‫الشجع ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم الورس والّزعفران }‬
‫شيب‬ ‫ن أحسن ما غيّرتم به ال ّ‬ ‫وعن أبي ذّرٍ ورفعه { إ ّ‬
‫الحنّاء والكتم } ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬الحديث يد ّ‬
‫ل‬
‫ن الخضاب غير مقصورٍ عليهما بل يشاركهما‬ ‫على أ ّ‬
‫غيرهما من أنواع الخضاب في أصل الحسن ‪.‬‬
‫ولحديث أبي أمامة قال ‪ { :‬خرج رسول اللّه صلى‬
‫الله عليه وسلم على شيخةٍ من النصار بيض لحاهم‬
‫فروا وخالفوا‬ ‫مروا وص ّ‬‫فقال ‪ :‬يا معشر النصار ح ّ‬
‫صفرة هي أثر الّزعفران ‪ .‬واتّفق‬ ‫أهل الكتاب } ‪ ،‬وال ّ‬

‫‪84‬‬
‫ي بالّزعفران‬ ‫صب ّ‬‫مة على جواز خضب رأس ال ّ‬ ‫الئ ّ‬
‫وبالخلوق ( قال بعض الفقهاء ‪ :‬هو طيب مائع فيه‬
‫صفرة ) وقال ابن حجرٍ ‪ :‬الخلوق طيب يصنع من‬
‫ن وغيره ‪ .‬وفي حديث بريدة رضي الله عنه‬ ‫زعفرا ٍ‬
‫قال ‪ { :‬كنّا في الجاهليّة إذا ولد لحدنا غلم ذبح‬
‫ما جاء اللّه بالسلم كنّا‬ ‫شاةً ولطّخ رأسه بدمها ‪ ،‬فل ّ‬
‫ن}‬ ‫نذبح شاةً ونحلق رأسه ونلطّخه بزعفرا ٍ‬
‫تزعفر الّرجل ‪:‬‬
‫ما الّرجل فقد‬ ‫‪ - 4‬الصل جواز التّزعفر للمرأة ‪ .‬أ ّ‬
‫ي أنّه قال ‪ :‬أنهى الّرجل‬ ‫شافع ّ‬ ‫ي عن ال ّ‬ ‫نقل البيهق ّ‬
‫ل أن يتزعفر ‪ ،‬وآمره إذا تزعفر أن‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫الحلل بك ّ‬
‫خص في المعصفر ‪ ،‬لنّني لم أجد أحدًا‬ ‫يغسله ‪ ،‬وأر ّ‬
‫ي رضي الله عنه ‪ :‬نهاني‬ ‫يحكي عنه إل ّ ما قال عل ّ‬
‫ول أقول نهاكم ‪ .‬وقال الحنفيّة والحنابلة ‪ :‬بكراهة‬
‫لبس الثّياب المصبوغة بالّزعفران والمعصفر‬
‫للّرجال للحاديث الواردة ‪ ،‬منها حديث عبد اللّه بن‬
‫عمرو بن العاص رضي الله عنه قال ‪ :‬رأى رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم على ثوبين معصفرين ‪،‬‬
‫ن هذه من ثياب الكّفار فل تلبسها } ‪.‬‬ ‫فقال ‪ { :‬إ ّ‬
‫وقد حملوا النّهي على الكراهة ل على التّحريم ‪،‬‬
‫س رضي الله عنه ‪ { :‬رأى‬ ‫وهو مشهور ‪ ،‬لقول أن ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم على عبد الّرحمن بن‬ ‫النّب ّ‬
‫ف أثر صفرةٍ فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قال ‪ :‬إنّي تزوّجت‬ ‫عو ٍ‬
‫ب فقال ‪ :‬بارك اللّه لك‬ ‫امرأةً على وزن نواةٍ من ذه ٍ‬
‫خص‬ ‫ك أنّه ر ّ‬
‫‪ .‬أولم ولو بشاةٍ } ‪ . .‬وقد روي عن مال ٍ‬
‫في لبس المزعفر والمعصفر في البيوت وكرهه في‬
‫س قال ‪ { :‬دخل رجل‬ ‫المحافل والسواق ‪ .‬وعن أن ٍ‬
‫ة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر صفر ٍ‬ ‫على النّب ّ‬
‫فكره ذلك ‪ ،‬وقلّما كان يواجه أحدًا بشي ٍء يكرهه ‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫ما قام قال ‪ :‬لو أمرتم هذا أن يترك هذه‬ ‫فل ّ‬
‫ن لبس هذين ل يعدو‬ ‫صفرة } ‪ .‬وهذا دليل على أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما لمره رسول اللّه صلى‬ ‫الكراهة ‪ ،‬فلو كان محّر ً‬
‫الله عليه وسلم أن يغسله ولما سكت عن نصحه‬
‫د‬
‫وإرشاده ‪ .‬هذا والكراهة لمن تزعفر في بدنه أش ّ‬
‫س‬
‫من الكراهة لمن تزعفر في ثوبه ‪ ،‬لحديث أن ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫رضي الله عنه { نهى النّب ّ‬
‫مار‬
‫أن يتزعفر الّرجل } ‪ .‬ولبي داود من حديث ع ّ ٍ‬
‫قال ‪ { :‬قدمت على أهلي ليًل وقد تشّققت يداي ‪،‬‬
‫ي صلى الله‬ ‫فخلقوني بالّزعفران ‪ ،‬فغدوت على النّب ّ‬
‫حب‬ ‫ي ولم ير ّ‬ ‫عليه وسلم فسلّمت عليه فلم يرد ّ عل ّ‬
‫م قال ‪ :‬ل‬ ‫بي ‪ .‬وقال ‪ :‬اذهب فاغسل هذا عنك ‪ ،‬ث ّ‬
‫مخ‬‫تحضر الملئكة جنازة الكافر بخيرٍ ‪ ،‬ول المتض ّ‬
‫بالّزعفران ‪ ،‬ول الجنب } ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪ :‬ألبسة )‬
‫‪ ( -‬أكل الّزعفران ) ‪:‬‬
‫‪ - 5‬يحرم أكل كثير الّزعفران لنّه يزيل العقل ‪ ،‬وقد‬
‫شافعيّة بذلك وعدّوه من المسكرات‬ ‫صّرح ال ّ‬
‫الجامدة الّتي تحرم ‪ ،‬ول حد ّ فيها ‪ ،‬بل فيها التّعزير ‪.‬‬
‫وهي طاهرة في ذاتها بخلف المائعات من‬
‫المسكرات ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أكل الّزعفران في الحرام ‪:‬‬
‫صا أو شربه للمحرم‬ ‫‪ - 6‬يحظر أكل الّزعفران خال ً‬
‫ما إذا خلط‬ ‫مة اتّفاقًا ; لنّه نوع من الطّيب ‪ .‬أ ّ‬ ‫عند الئ ّ‬
‫بطعام ٍ قبل الطّبخ وطبخه معه فل شيء عليه قليًل‬
‫كان أو كثيًرا ‪ ،‬عند الحنفيّة والمالكيّة ‪ .‬وكذا عند‬
‫الحنفيّة لو خلطه بطعام ٍ مطبوٍخ بعد الطّبخ فإنّه ل‬
‫بطعام‬
‫ٍ‬ ‫ما إذا خلطه‬ ‫شيء على المحرم في أكله ‪ .‬أ ّ‬
‫غير مطبوٍخ ‪ ،‬فإن كان الطّعام غالبًا فل شيء عليه‬
‫ول فدية إن لم توجد الّرائحة ‪ ،‬وإل ّ يكره عندهم عند‬

‫‪86‬‬
‫وجود الّرائحة الطّيّبة ‪ .‬وإن كان الطّيب غالبًا وجب‬
‫في أكله الدّم سواء ظهرت رائحته أو لم تظهر ‪،‬‬
‫ما عند المالكيّة فك ّ‬
‫ل‬ ‫كخلط الّزعفران بالملح ‪ .‬وأ ّ‬
‫طعام ٍ خلط بعد الطّبخ بالّزعفران فهو محظور على‬
‫صور وفيه الفدية ‪ .‬وعند الحنفيّة‬ ‫المحرم في ك ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬وجب فيه‬ ‫والمالكيّة ‪ ،‬إن خلط الّزعفران بمشرو ٍ‬
‫شافعيّة‬ ‫الجزاء قليًل كان الطّيب أو كثيًرا ‪ .‬وعند ال ّ‬
‫والحنابلة ‪ ،‬إذا خلط الّزعفران بغيره من طعام ٍ أو‬
‫ب ‪ ،‬ولم يظهر له ريح أو طعم فل حرمة ول‬ ‫شرا ٍ‬
‫فدية ‪ ،‬وإل ّ ففيه الحرمة وعليه الفدية ‪.‬‬
‫و ‪ -‬حكم لبس المزعفر من الثّياب أثناء الحرام ‪:‬‬
‫ن المحرم ل يجوز له أن‬ ‫‪ - 7‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫يلبس الثّوب المصبوغ بالورس والّزعفران ‪ ،‬لقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما فيما يلبس المحرم من الثّياب ‪ { :‬ول‬
‫سه زعفران أو ورس } ‪.‬‬ ‫تلبسوا من الثّياب شيئًا م ّ‬
‫ش مزعفرٍ أو‬ ‫ويلتحق بالثّياب الجلوس على فرا ٍ‬
‫ن ‪ .‬ول يضع عليه ثوبًا مزعفًرا ‪ ،‬ولو‬ ‫ب بزعفرا ٍ‬ ‫مطي ّ ٍ‬
‫علق بنعاله زعفران أو طيب وجب أن يبادر إلى‬
‫نزعه ‪ ( .‬ر ‪ :‬ألبسة ‪ -‬ب فقرة ‪ 14‬وإحرام ) ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬التّداوي بالّزعفران في الحرام ‪:‬‬
‫صل‬ ‫‪ - 8‬التّداوي ملتحقة أحكامه بالطّعام ‪ ،‬وقد ف ّ‬
‫ن على المتداوي‬ ‫الحناف في الطّيب الّذي ل يؤكل بأ ّ‬
‫إحدى الكّفارات الثّلث أيّها شاء ‪ ،‬إذا فعله المحرم‬
‫لضرورةٍ وعذرٍ ‪ ( .‬ر ‪ :‬إحرام ) ‪.‬‬
‫================‬
‫زكاة الحلي‬
‫ي التَّعْرِي ُ‬
‫ف‪:‬‬ ‫حل ِ ٌّ‬
‫ُ‬

‫‪87‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ما يُتََزي َّ ُ‬ ‫ي وَهُوَ َ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫معُ ال ْ َ‬ ‫ج ْ‬
‫َ‬
‫ة‪َ :‬‬ ‫ي لُغَ ً‬ ‫حل ِ ُّ‬ ‫‪ - 1‬ال ْ ُ‬
‫ت‬‫حلِي َ ْ‬ ‫مةِ ‪ .‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫جارِ الْك َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت أ ْو اْل َ ْ‬ ‫معْدِنِيَّا ِ‬ ‫صوِغ ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة‪.‬‬ ‫حالِي َ ٌ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫ي ‪ ,‬فَهِ َ‬ ‫حل ِ َّ‬ ‫ت ال ْ ُ‬ ‫س ْ‬ ‫حلْيًا لَب ِ َ‬ ‫مْرأة ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ْ‬
‫معْنَى‬ ‫ج ال َْ‬ ‫ن ‪ .‬وََل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫وتحلَّى بال ْحل ِي أ َ‬
‫خُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫زي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬
‫ِ ُ ِّ ْ‬ ‫ََ َ‬
‫ُّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫معْنَى اللغَوِ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عنْد َ الُْفَقهَاءِ ع َ ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ح ُّ‬ ‫صطَِل ِ‬ ‫اِل ْ‬
‫م‬ ‫س ٌ‬ ‫ةا ْ‬ ‫ة ‪ - 2 :‬الّزِين َ ُ‬ ‫صلَةِ ) ‪ :‬الّزِين َ ُ‬ ‫ت ال ِّ‬ ‫ظ ذ َا ُ‬ ‫( اْلَلَْفا ُ‬
‫ي ِلَنَّهَا‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ة أَع َ ُّ‬ ‫ه ‪ .‬وَالّزِين َ ُ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ما يُتََزي َّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫معٌ لِك ُ ِّ‬ ‫جا ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ضا ‪.‬‬ ‫ي أي ْ ً‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ن بِغَيْرِ ال ْ ُ‬ ‫تَكُو ُ‬
‫ي‪:‬‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ة بِال ْ ُ‬ ‫متَعَل َِّق ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حكَا ُ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫ل‪-3:‬‬ ‫جا‬ ‫ر‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ة الذ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬‬ ‫أ‬ ‫‪:‬‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ة الذ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫أَ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شكَالِهَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ميِع أ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ي الذ ّهَ ِ‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫خاذ ُ ُ‬ ‫ل ات ِّ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ع َلى الَّر ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ح َّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬
‫موم ِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬أ ِ‬ ‫‪ .‬وَذَل ِ َ‬
‫ك لِعُ ُ‬
‫م عَلَى ذ ُكُورِهَا } ‪.‬‬ ‫حُر َ‬ ‫متِي َو َ‬ ‫ث أ ُ َّ‬ ‫حرِيُر ِلِنَا ِ‬ ‫ب َوال ْ َ‬ ‫الذَّهَ ُ‬
‫ة اْلُولَى ‪:‬‬ ‫حال َ ُ‬ ‫ن ‪ :‬ال ْ َ‬ ‫حالَتَا ِ‬ ‫حرِيم ِ َ‬ ‫ن الت َّ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ستَثْنَى ِ‬ ‫وَي ُ ْ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫خاذِ أن ْ ٍ‬ ‫جوازِ ات ِّ َ‬ ‫مهُوُر إلَى َ َ‬ ‫ج ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫جةِ ‪ .‬ذَهَ َ‬ ‫حا َ‬ ‫خاذُه ُ لِل ْ َ‬ ‫ات ِّ َ‬
‫من الذ َّ‬ ‫أَ‬
‫ة‬
‫ج َ‬ ‫ث { عَْرفَ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫جةِ إلَيْهِ ‪ .‬ل ِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫ب لِل ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ٍّ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خذ َ أنًْفا ِ‬ ‫ب ‪ ,‬فَاِت ّ َ‬ ‫م الك ِل ِ‬ ‫ه يَوْ َ‬ ‫سعَد َ الذِي قُلِعَ أنُْف ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫بْ‬
‫مَره ُ النَّب ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن ع َلَيْهِ ‪ ,‬فَأ َ‬ ‫ق فَأنْت َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َور‬
‫َ‬ ‫وسلم فَاِت َ َ َ‬
‫ة وَهُوَ‬ ‫حنِيَف َ‬ ‫ب أبُو َ‬ ‫ب } ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫ن ذَهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ َ أنًْفا ِ‬ ‫ّ‬
‫ن أ َ ْو‬ ‫س ِّ‬ ‫خاذِ ال ِّ‬ ‫جوَازِ ات ِّ َ‬ ‫ف إلَى عَدَم ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ل ِلبِي يُو ُ‬
‫قَو ٌ َ‬
‫ْ‬
‫ن الن َّ َّ‬ ‫َ‬
‫ضةِ ‪ِ ,‬ل َّ‬ ‫ن الِْف َّ‬ ‫َ‬
‫ص وََردَ‬ ‫ل دُو َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ب لِلّرِ َ‬ ‫شدِّهِ بِالذ ّهَ ِ‬ ‫َ‬
‫حال َ ُ‬
‫ة‬ ‫ضةِ ‪ .‬ال ْ َ‬ ‫ن بِالِْف َّ‬ ‫َ‬
‫ضُروَرةِ الن ّت ْ ِ‬ ‫ن غَيْرِهِ وَل ِ َ‬ ‫ف دُو َ‬ ‫فِي اْلَن ْ ِ‬
‫شافِعِي َّ ُ‬
‫ة‬ ‫ب ال َّ‬ ‫ب ‪ .‬ذَهَ َ‬ ‫ل بِالذ ّهَ ِ‬
‫َ‬
‫قتَا ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ة آَل ِ‬ ‫حلِي َ ُ‬ ‫ة ‪ :‬تَ ْ‬ ‫الثَّانِي َ ُ‬
‫ب‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ل بِالذَّهَ‬ ‫ِ‬ ‫قتَا‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫حلِيَةِ آَل ِ‬ ‫از ت َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫جو‬ ‫ة إلَى عَدَم ِ َ‬ ‫في َّ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل أ َ َّ‬ ‫ِل َ َّ َ‬
‫ل إ ّل‬ ‫جا ِ‬ ‫م عَلَى الّرِ َ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫حل ِّي بِالذ ّهَ ِ‬ ‫ن الت َّ َ‬ ‫ص َ‬ ‫ن اْل ْ‬
‫جوازِ ‪ .‬وَِل َ َّ‬
‫ن‬ ‫ل ع َلَى ال ْ َ َ‬
‫ل ول َم يَثْب ُت ما يَد ُ ُّ‬
‫ْ َ‬ ‫ه الدَّلِي ُ َ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫خ َّ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫حنَابِل َ ُ‬
‫ة‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫مالِكِي َّ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫خيََلءَ ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫ف وَ ُ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫فِيهِ ِزيَادَة َ إ ْ‬
‫َ‬
‫ل بِهِ‬ ‫ص َ‬ ‫ما ات َّ َ‬ ‫سوَاءٌ َ‬ ‫ب َ‬ ‫ف بِالذ ّهَ ِ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫حلِيَةِ ال َّ‬ ‫جوازِ ت َ ْ‬ ‫‪ :‬إلَى َ َ‬
‫َ‬
‫مدِ ‪,‬‬ ‫ه كَالْغِ ْ‬ ‫ل عَن ْ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ما انَْف َ‬ ‫ض ‪ ,‬أ ْو َ‬ ‫قب َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قبِيعَةِ وَال ْ ِ‬ ‫كَال ْ َ‬

‫‪88‬‬
‫مَر ‪ -‬رضي‬ ‫ن عُ َ‬ ‫قبِيعَةِ ِل َ َّ‬ ‫جواَز ع َلَى ال ْ َ‬ ‫ة ال ْ َ َ‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫صَر ال ْ َ‬ ‫َوقَ َ‬
‫ب‪,‬‬ ‫ن ذَهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫سبَائ ِ ُ‬ ‫ف فِيهِ َ‬ ‫سي ْ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫الله عنه ‪ -‬كَا َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ن ذَهَ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ماٌر ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫فهِ ِ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ن فِي َ‬ ‫ف كَا َ‬ ‫حنَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن بْ ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫وَع ُث ْ َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ف النَّب ِ ِ ّ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ت قَبِيعَ ُ‬ ‫{ وَكَان َ ْ‬
‫ضةٍ } ‪.‬‬ ‫ن فِ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ل‪:‬‬ ‫جا ِ‬ ‫ضةِ لِلّرِ َ‬ ‫ة الِْف َّ‬ ‫حلْي َ ُ‬ ‫ب‪ِ -‬‬
‫س‬ ‫ة عَلَى َ َ ُ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ث ال ْ ُ‬ ‫ق الُْفَقهَاءُ ِ‬ ‫‪ - 5‬اتََّف َ‬
‫جوازِ لب ْ َ ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن أ ْو‬ ‫س ٍّ‬ ‫خاذِ ِ‬ ‫از ات ِّ َ‬ ‫جوَ ِ‬ ‫ضةٍ ‪ ,‬وَع َلَى َ‬ ‫ن فِ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫خات َ ً‬ ‫ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫الَّر ُ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫حْر ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫حلِيَةِ آَل ِ‬ ‫از ت َ ْ‬ ‫جوَ ِ‬ ‫ضةٍ ‪ ,‬وَع َلَى َ‬ ‫ن فِ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أن ْ ٍ‬
‫ك يُنْظَُر فِي‬ ‫ل فِي ذَل ِ َ‬ ‫صي ٌ‬ ‫ب تَْف ِ‬ ‫مذ َاه ِ ِ‬ ‫ضةِ ‪ .‬وَلِل ْ َ‬ ‫بِالِْف َّ‬
‫سوعَةِ ( ج ‪ . ) 11‬وَقَي َّ َ‬
‫د‬ ‫موْ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م" ِ‬ ‫خت ُّ ٌ‬ ‫صطَلَِح " ت َ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫عيِّي َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫ن َل يَزِيد َ ع َلَى دِْرهَ َ‬ ‫م بِأ ْ‬ ‫خات َ َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مالِكِي َّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫شافعي َة وال ْحنابل َ َ‬
‫ف‬
‫سَرا ِ‬ ‫حد َّ اْل ِ ْ‬ ‫ن َل يَبْلُغَ بِهِ َ‬ ‫ة بِأ ْ‬ ‫َوقَيَّدَه ُ ال َّ ِ ِ ّ ُ َ َ َ ِ ُ‬
‫َ َ َ َّ‬
‫حنَابِلَةِ ثََلث َ ُ‬
‫ة‬ ‫س ‪ .‬وَلِل ْ َ‬ ‫مثال ال ِ ِ‬ ‫لب‬ ‫جاوََز بِهِ ع َادَة ً أ ْ‬ ‫فََل يَت َ َ‬
‫ما عَدَا ال ْ َ‬ ‫ل بِالِْف َّ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫خات َ َ‬ ‫ضةِ فِي َ‬ ‫جا ِ‬ ‫حل ِّي الّرِ َ‬ ‫ل فِي ت َ َ‬ ‫أقْوَا ٍ‬
‫ة ‪َ .‬والثَّانِي ‪ :‬الْكََراهَ ُ‬ ‫َ‬
‫ة‪,‬‬ ‫م ُ‬ ‫حْر َ‬ ‫حدُهَا ‪ :‬ال ْ ُ‬ ‫سَلِح أ َ‬ ‫ة ال ِّ‬ ‫حلْي َ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫ف عَلَى‬ ‫ب الُْفُروِع ‪َ :‬ل أعْرِ ُ‬ ‫َ‬ ‫َوالثَّال ِ ُ‬
‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَال َ ُ‬ ‫ث َ‬
‫صا ع َ َ‬
‫خنَا‬ ‫شي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫مد َ وَكََل ُ‬ ‫َ‬ ‫ح‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ضةِ ن َ ًّ‬ ‫س الِْف َّ‬ ‫ِ‬ ‫حرِيم ِ لُب ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫ة ) يَد ُ ُّ‬
‫ل إ ّل‬ ‫جا ِ‬ ‫سهَا لِلّرِ َ‬ ‫حةِ لُب ْ ِ‬ ‫ل ع َلَى إبَا َ‬ ‫مي َّ َ‬ ‫ن تَي ْ ِ‬ ‫( يَعْنِي اب ْ َ‬
‫ه أ َ ْو‬ ‫شب ُّ ٌ‬ ‫ما فِيهِ ت َ َ‬ ‫م َّ‬ ‫ي ِ‬ ‫مهِ ‪ ,‬أ ْ‬
‫َ‬
‫حري ِ‬ ‫شْرع ُ ع َلَى ت َ ْ ِ‬
‫ل ال َّ‬ ‫ما د َ َّ‬
‫َ‬
‫ن ع َلَى َ‬ ‫َ‬
‫حوِهِ ‪.‬‬ ‫ب وَن َ ْ‬ ‫صلِي ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫شك ْ ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫ف أوْ َ‬ ‫سَرا ٌ‬
‫ُ‬
‫إ ْ‬
‫ل‬ ‫ضةِ فَإن َّه يَد ُ ُّ‬ ‫خاتَم ِ الِْف َّ‬ ‫س ع َلَى َ‬ ‫قيَا‬ ‫ك بِال ْ ِ‬ ‫ستَدَل ّوا لِذَل ِ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ه‪,‬‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ما هُوَ أوْلَى ِ‬ ‫معْنَاه ُ ‪ ,‬وَ َ‬ ‫ما هُوَ فِي َ‬ ‫حةِ َ‬ ‫ع َلَى إبَا َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ه ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل عَد َ ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫ل وَاْل ْ‬ ‫فتَِقُر إلَى دَلِي ٍ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫حرِي ُ‬ ‫َوالت َّ ْ‬
‫م‬‫خات َ َ‬ ‫ل عَدَا ال ْ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ضةِ لِلّرِ َ‬ ‫ي الِْف َّ‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫حرِيم ِ ُ‬ ‫ة إلَى ت َ ْ‬ ‫مالِكِي َّ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حا‬ ‫صرِي ً‬ ‫فيَّةِ ت َ ْ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫جد ْ لِل ْ َ‬ ‫م نَ ِ‬ ‫ف وَل َ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف وَال ْ ُ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫ة ال َّ‬ ‫حلْي َ َ‬ ‫وَ ِ‬
‫َ‬
‫عنْدَ‬ ‫ح ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫مَر َّ‬ ‫ة وَهُوَ ال ْ ُ‬ ‫في َّ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫سألَةِ ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فِي هَذِهِ ال ْ َ‬
‫خاتَم ِ الِْف َّ‬ ‫َ‬ ‫حنَابِلَةِ إلَى إبَا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ضةِ‬ ‫ب فِي َ‬ ‫سيرِ الذ ّهَ ِ‬ ‫حةِ ي َ ِ‬
‫َ‬ ‫ن يَِق َّ‬ ‫شريط َ َ َ‬
‫ن‬
‫ضةِ وَأ ْ‬ ‫ن الِْف َّ‬ ‫ب عَ ْ‬ ‫ل الذَّهَ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ل َ ِ‬ ‫جا ِ‬ ‫لِلّرِ َ‬

‫‪89‬‬
‫جر‬
‫ح َ ِ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫مارِ ي ُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك كَال ْ ِ‬ ‫ضةِ ‪ ,‬وَذَل ِ َ‬ ‫ن تَابِعًا لِلِْف َّ‬ ‫يَكُو َ‬
‫ما‬ ‫ما فِي َ‬ ‫ه يُكَْرهُ ‪ .‬أ َ َّ‬ ‫َ‬
‫مالِكِيَّةِ أن َّ ُ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫مد ُ ِ‬ ‫معْت َ َ‬ ‫ص ‪ .‬وَال ْ ُ‬ ‫الَف ِّ‬
‫ْ‬
‫ملُِج ‪,‬‬ ‫ل كَالد ُّ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ي لِلّرِ َ‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضةِ ِ‬ ‫م الِْف َّ‬ ‫خات َ َ‬ ‫عَدَا َ‬
‫سوار ‪ ,‬والط ّوق ‪ ,‬والتَّاج ‪ ,‬فَلِل َّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫جهَا ِ‬ ‫شافِعِيَّةِ فِيهِ َو ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َوال ِّ َ ِ َ‬
‫ه‬‫شب َّ ْ‬ ‫م يَت َ َ‬ ‫ما َل َ ْ‬ ‫جوَاُز َ‬ ‫م ‪َ ,‬والثَّانِي ال ْ َ‬ ‫حرِي ُ‬ ‫ل الت َّ ْ‬ ‫‪ :‬اْلَوَّ ُ‬
‫م اْلَوَانِي ‪,‬‬ ‫حرِي ُ‬ ‫ضةِ إ ّل ت َ ْ‬ ‫ت فِي الِْف َّ‬ ‫م يَثْب ُ ْ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ساءِ ‪ِ .‬لن َّ ُ‬
‫َ‬
‫بِالن ِّ َ‬
‫ساءِ ‪.‬‬ ‫ه بِالن ِّ َ‬ ‫شب ُّ َ‬ ‫ن الت َّ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ض َّ‬ ‫جهٍ يَت َ َ‬ ‫ي ع َلَى َو ْ‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حرِي ُ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫واتََفق الُْفَقهاءُ ع َلَى جواز ات ِ َ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ٍّ‬ ‫ف أ ْو ِ‬ ‫خاذ ِ أن ْ ٍ‬ ‫َ َ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ‬
‫حلِيَةِ‬ ‫از ت َ ْ‬ ‫ة إلَى َ‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫ة وَال ْ َ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫ضةٍ ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫فِ َّ‬
‫جوَ ِ‬
‫م وَالثَّغَْر‬ ‫جا َ‬ ‫ج وَالل ِّ َ‬ ‫سْر َ‬ ‫ضةِ عَدَا ال َّ‬ ‫ب بِالِْف َّ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫آَل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫حرام ‪ِ ,‬ل َ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ّ ِ‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ر‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬ ‫اب‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫لِلدَّابَّةِ فَهُوَ َ َ ٌ‬
‫في َّ ُ‬
‫ة‬ ‫حن َ ِ‬ ‫صَر ال ْ َ‬ ‫ق ‪َ ,‬وقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ساب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ث‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ستَدَلُّوا بِال ْ‬ ‫َوا ْ‬
‫ِ‬
‫ط‪.‬‬ ‫ف فََق ْ‬ ‫سي ْ ِ‬ ‫حلْيَةِ ال َّ‬ ‫جوَاَز ع َلَى ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫مالِكِي َّ ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ب َوالِْف َّ‬ ‫َ‬ ‫حلْي َ ُ‬
‫ساءِ ‪:‬‬ ‫ضةِ لِلن ِّ َ‬ ‫ة الذ ّهَ ِ‬ ‫ِ‬
‫خاذ ال ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫حل ِ ِ ّ‬ ‫مْرأةِ أنْوَاعَ ُ‬ ‫ازِ ات ِّ َ ِ َ‬ ‫جو‬
‫َ‬ ‫معَ الُْفَقهَاءُ ع َلَى َ‬ ‫َ‬ ‫ج‬‫‪-6‬أ ْ‬
‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫خاتَم ِ ‪,‬‬ ‫ق ‪ ,‬وَالْعَْقدِ ‪َ ,‬وال ْ َ‬ ‫ميعًا كالط ْ ِ‬
‫و‬ ‫ج ِ‬ ‫ضةِ َ‬ ‫ب َوالِْف َّ‬ ‫الذ ّهَ ِ‬
‫ملُِج ‪ ,‬وَالَْقَلئ ِ ِ‬
‫د‬ ‫ل ‪ ,‬وَالتَّعَاوِيذِ ‪َ ,‬والد ُّ ْ‬ ‫خا ِ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫سوارِ ‪َ ,‬وال ْ َ‬ ‫َوال ِّ َ‬
‫خذ ُ فِي الْعُن ُق ‪ ,‬وك ُ ُّ‬ ‫ما يُت َّ َ‬
‫ما‬ ‫ل َ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ‪ ,‬وَك ُ ِّ‬ ‫خان ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫‪ ,‬وَال ْ ُ‬
‫شب ُّ َ‬
‫ه‬ ‫ف أ ْو الت َّ َ‬ ‫سَرا ِ‬ ‫حد َّ اْل ِ ْ‬ ‫م يَبْلُغْ َ‬ ‫ه وَل َ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫ن لُب ْ َ‬ ‫يَعْتَد ْ َ‬
‫ضةِ‬ ‫ب وَالِْف َّ‬ ‫ل الذ ّهَ ِ‬
‫َ‬ ‫مْرأَةِ نِعَا َ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ل ‪ .‬وَفِي لب ْ َ ِ‬
‫ُ‬ ‫جا ِ‬ ‫بِالّرِ َ‬
‫مذْهَ ُ‬
‫ب‬ ‫م وَهُوَ َ‬ ‫حرِ َي ُ‬ ‫ما الت َّ ْ‬ ‫حدُهُ َ‬ ‫شافِعِيَّةِ ‪ :‬أ َ‬ ‫جهان لِل َّ‬
‫وَ ْ َ ِ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫حهُ َ‬ ‫ص ُّ‬ ‫ف الظ ّاهِرِ ‪َ ,‬وأ َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ما فِيهِ ِ‬ ‫حنَابِلَةِ ل ِ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫مالِكِي َّ ُ‬
‫ة‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ملْبُو َ‬ ‫سائِرِ ال ْ َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫اْلِبَا َ‬
‫ة إلَى عَدم جواز تحلِية ال ْ َ‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫وال َّ‬
‫ة‬
‫مْرأ ِ‬ ‫َ ِ َ َ ِ َ ْ َ ِ َ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ن الت َّ َ‬ ‫ب أ ْو بِالِْف َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شبُّهِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما فِيهِ ِ‬ ‫ضةِ ل ِ َ‬ ‫ب بِالذ ّهَ ِ‬ ‫حْر ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫آَل ِ‬
‫س‬‫ن عَبَّا ٍ‬ ‫ن اب ْ ِ‬ ‫حيِح عَ ْ‬ ‫ص ِ‬ ‫ث ال َّ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫جاءَ فِي ال ْ َ‬ ‫ل ‪ .‬وَ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫بِالّرِ َ‬
‫ُ َّ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل ‪ { :‬لَعَ َ‬ ‫قَا َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫شبِّهَا ِ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ساءِ ‪َ ,‬وال ْ ُ‬ ‫ل بِالن ِّ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّرِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫شبِّهِي َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ش ُّ‬
‫ي‬ ‫شا ِ‬ ‫ف ِفي هَذ َا ال َّ‬ ‫خال َ َ‬ ‫ل } ‪ .‬وَ َ‬ ‫جا ِ‬ ‫ساءِ بِالّرِ َ‬ ‫الن ِّ َ‬

‫‪90‬‬
‫جوازِ الت َّ ْ‬ ‫من ال َّ‬
‫حلِيَةِ بِنَا ًء‬ ‫شافِعِيَّةِ فََقاَل ‪ :‬ب ِ َ َ‬ ‫ي ِ ْ‬ ‫َوالَّرافِعِ ُّ‬
‫ساءِ غَيَْر‬ ‫مالِهَا لِلن ِّ َ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ب وَا ْ‬ ‫حْر ِ‬ ‫س آلَةِ ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫جوازِ لُب ْ‬ ‫ى َ َ‬ ‫ع َل َ‬
‫َّ‬
‫ساءِ أَوْلَى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫لن‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الت‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫ّ‬ ‫حلِيَةِ ‪ِ ,‬ل َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الت‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ز‬ ‫ُ‬ ‫جو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ل‬ ‫ح‬
‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فيَّةِ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ص لِل ْ َ‬ ‫ف عَلى ن َ ٍّ‬
‫م نَِق ْ َ‬ ‫ل ‪ .‬وَل َ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّرِ َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫جوازِ ِ‬ ‫َ‬ ‫بِال ْ َ‬
‫سأَلَةِ ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫فِي هَذِهِ ال ْ َ‬
‫ضةٍ ‪:‬‬ ‫ب أ َ ْو فِ َّ‬ ‫موَّهِ بِذَهَ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ة وال َّ‬
‫ح‬ ‫ص ِّ‬ ‫ة فِي اْل َ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬ ‫مالِكِي َّ ُ َ‬ ‫ة وَال ْ َ‬ ‫في َّ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫‪ - 7‬ذَهَ َ‬
‫ضةٍ‬ ‫ب أ َ ْو فِ َّ‬ ‫موِّهَ بِذَهَ ٍ‬ ‫ما ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ل الَّر ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫جوازِ ا ْ‬ ‫إلَى َ َ‬
‫خاتَم ِ ‪ ,‬إذ َا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ي كَال ْ َ‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ها ْ‬ ‫جوُز ل َ ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫م َّ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫يءٌ بِاْلِذ َابَةِ َوالْعَْرض عَلَى النَّارِ ‪ِ ,‬ل َ َّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫خل ُ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ِ‬
‫صاَر‬ ‫ك فَ َ‬ ‫ستَهْل َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫فةِ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ه ال ِّ‬ ‫ضةِ ع َلَى هَذ ِ ِ‬ ‫ب َوالِْف َّ‬ ‫الذَّهَ َ‬
‫مَقاب ِ ُ‬
‫ل‬ ‫ة وَهُوَ ُ‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫موَّهِ ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫م َ‬ ‫كَالْعَدَم ِ وَهُوَ تَابِعٌ لِل ْ ُ‬
‫عنْد َ ال َّ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫جوازِ ا ْ‬ ‫شافِعِيَّةِ إلَى عَدَم ِ َ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ِّ‬ ‫اْل َ‬
‫موِيهِ‬ ‫مةِ الت َّ ْ‬ ‫حْر َ‬ ‫ضةٍ َوإِلَى ُ‬ ‫ب أ َ ْو فِ َّ‬ ‫موَّهَةِ بِذَهَ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫اْل َوانِي ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه غَيْرِ اْلوَانِي بِالذ ّهَ ِ‬
‫ب‬ ‫موِي ُ‬ ‫حنَابِل َ َةِ ت َ ْ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫جوُز ِ‬ ‫ما ‪ .‬وَي َ ُ‬ ‫بِهِ َ‬
‫ل من الذَّهَب أوَ‬ ‫ُ‬ ‫ص‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫الل‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫َي‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ث‬ ‫ُ‬ ‫حي‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫َ‬
‫ض‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫أَ‬
‫ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ض ع َلى الن ّارِ ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن ع ُرِ َ‬ ‫يءٌ إ ْ‬ ‫ش ْ‬ ‫ضةِ َ‬ ‫َ‬ ‫الِْف ّ‬
‫ضةِ ‪:‬‬ ‫ب َوالِْف َّ‬ ‫ِ‬ ‫ن غَيْرِ الذَّهَ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ي ِ‬ ‫حل ِ ُّ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫واِع‬ ‫‪ - 8‬اتََفق الُْفَقهاءُ ع َلَى جواز تحل ّي ال ْ َ َ‬
‫مْرأ ُةِ بِأن ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ َ َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ‬
‫ما‬ ‫ق َوالل ّؤْلُؤِ ‪ .‬ك َ َ‬ ‫قي ِ‬ ‫ت وَالْعَ ِ‬ ‫سةِ كَالْيَاقُو ِ‬ ‫في َ‬ ‫جوَاهِرِ الن َّ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ل ‪ .‬وَكَرِهَ ُ‬
‫ه‬ ‫جا ِ‬ ‫جوازِهِ لِلّرِ َ‬ ‫ة إلَى َ َ‬ ‫ة الثََّلث َ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ب اْلَئ ِ َّ‬ ‫ذَهَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال َّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ب ‪ِ ,‬لن َّ ُ‬ ‫جهَة اْلد َ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حنَابِلَةِ ِ‬ ‫ض ال ْ َ‬ ‫ة وَبَعْ ُ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬
‫َ‬
‫في َّ ُ‬
‫ة‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫ختَل َ َ‬ ‫ف ‪َ .‬وا ْ‬ ‫سَر ِ‬ ‫جهَةِ ال َّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ساءِ أ ْو ِ‬ ‫ي الن ِّ َ‬ ‫ِز ِ ّ‬
‫ختَاَر‬ ‫مةِ ‪ .‬وَا ْ‬ ‫جار الْكَرِي َ‬ ‫ح َ ِ‬ ‫ل بِاْل َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫حل ِّي الَّر ُ‬ ‫حكْم ِ ت َ َ‬ ‫فِي ُ‬
‫سا‬‫ل قِيَا ً‬ ‫ح َّ‬ ‫فيَّةِ ال ْ ِ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫خا ْ‬ ‫ضي َ‬ ‫مةِ َوقَا ِ‬ ‫س اْلَئ ِ َّ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫خات َ ِ‬ ‫ق ‪َ .‬واتََّفقَ الُْفَقهَاءُ ع َلَى كََراهَةِ َ‬ ‫قي ِ‬ ‫ع َلَى الْعَ ِ‬
‫س)‬ ‫ن الن ُّ َ‬ ‫فر وال َّ‬ ‫حدِيدِ َوال ُّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫حا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫ضْر ٌ‬ ‫شبَهِ ( وَهُوَ َ‬
‫والَْقصدير لِلَرجل وال ْمرأ َ‬
‫ص ْ ِ َ‬
‫ك فِي‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫َ ََ‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫ْ ِ ِ ّ ُ ِ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫جاءَ‬ ‫جل َ‬ ‫ً‬ ‫ن َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‪{:‬إ ّ‬ ‫ث بَُريْدَة َ رضي الله عنه قَا َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫َ‬

‫‪91‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خات َ ٌ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ َ‬ ‫إلَى النَّب ِ ِ ّ‬
‫منْك ري َ َ‬ ‫َ‬
‫صنَام ِ ؟‬ ‫ح اْل ْ‬ ‫ِ‬ ‫جد ُ ِ‬ ‫ما لِي أ ِ‬ ‫ه‪َ :‬‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫شبَهٍ ‪ ,‬فََقا َ‬ ‫َ‬
‫ما لِي‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫حدِيدٍ فََقا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫خات َ ٌ‬ ‫جاءَ وَع َلَيْهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ث ُ َّ‬ ‫ح ُ‬ ‫فَطََر َ‬
‫ة أَ‬ ‫أَ‬
‫ل ‪ :‬يَا‬ ‫ه ‪ ,‬فََقا َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ل النَّارِ ‪ .‬فَطََر َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫حل‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫رى‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫خذُهُ ؟ قَا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫خذْهُ ِ‬ ‫ل ‪ :‬ات ّ ِ‬ ‫يءٍ أت ّ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ي َ‬ ‫ن أ ِّ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اللهِ ‪ِ ,‬‬ ‫َر ُ‬
‫موِع‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ي فِي ال ْ َ‬ ‫ختَاَر النَّوَوِ ُّ‬ ‫مثَْقاًل } ‪َ .‬وا ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ق وََل تُت ِ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َور‬
‫ل صلى الله عليه‬ ‫سو َ‬ ‫ن الَّر ُ‬ ‫ستَدًِّل بِأ َ َّ‬ ‫م ْ‬ ‫م الْكََراهَةِ َ ُ‬ ‫عَد َ َ‬
‫ب‬ ‫سهَا { اذْهَ ْ‬ ‫ة نَْف َ‬ ‫ب الْوَاهِب َ َ‬ ‫خط َ َ‬ ‫ل لِل ّذِي َ‬ ‫وسلم قَا َ‬
‫مكُْروهًا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫حدِيد ٍ } وَلَوْ كَا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫خات َ ً‬ ‫س وَلَوْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فَالْت َ ِ‬
‫ب رضي الله‬ ‫قي‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ستَد َ َّ‬ ‫ا‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫يأ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫خاتَم ِ النَّب ِ ِ ّ‬ ‫ن ع َلَى َ‬ ‫عنه وَكَا َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ِ‬ ‫م النَّب ِ ِ ّ‬ ‫خات َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ل { ‪ :‬كَا َ‬ ‫قَا َ‬
‫ي‪":‬‬ ‫ل النَّوَوِ ُّ‬ ‫م قَا َ‬ ‫ة } ‪ .‬ث ُ َّ‬ ‫ض ٌ‬ ‫ي ع َلَيْهِ فِ َّ‬ ‫ملْوِ ٍ ّ‬ ‫حدِيدٍ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫حدِيثَي ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ل يُكَْره ُ لِهَذ َي ْ ِ‬
‫ختَاُر أن َّ ُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ي)‪:‬‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫( َزكَاة ُ ال ْ ُ‬
‫ي‬‫حل ْ ِ‬ ‫ب الَّزكَاةِ فِي ال ْ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫جو‬ ‫‪ - 9‬اتََّفقَ الُْفَقهَاءُ ع َلَى وُ ُ‬
‫حل ْ َ‬
‫ي‬ ‫ل َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خذ َ الَّر ُ‬ ‫ن يَت َّ ِ‬ ‫ما ‪ ,‬كَأ ْ‬ ‫حَّر ً‬ ‫م َ‬ ‫ماًل ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫لا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ل به ع َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل غَي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫فعْ ٍ‬ ‫صلِهِ ب ِ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ه عَد َ َ ِ ِ‬ ‫ل ‪ِ ,‬لن َّ ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ب لِِل ْ‬ ‫الذ ّهَ ِ‬
‫ة‬‫م ً‬ ‫حَّر َ‬ ‫م َ‬ ‫ة ُ‬ ‫صيَاغ َ ً‬ ‫ه ِ‬ ‫صيَاغَت ُ ُ‬ ‫م فِعْلِهِ وَهُوَ ِ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ط ُ‬ ‫سَق َ‬ ‫مبَاٍح فَ َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ب الَّزكَاةِ فِيهِ ‪.‬‬ ‫جو ِ‬ ‫ن وُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫حكْم ِ اْل ْ‬ ‫ي ع َلَى ُ‬ ‫‪ ,‬وَبَِق َ‬
‫قتَنَى‬ ‫م ْ‬ ‫مكْنُوزِ ال ْ ُ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫جوبِهَا فِي ال ْ َ‬ ‫ما اتََّفُقوا ع َلَى وُ ُ‬ ‫ك ََ َ‬
‫ما وََل‬ ‫حرِ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ماًل ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫قتَنِيهِ ا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫صد ْ بِهِ ُ‬ ‫م يَْق ِ‬ ‫ال ّذِي ل َ ْ‬
‫َ‬
‫صاَر كَغَي ِْ‬
‫ر‬ ‫ماءِ فَ َ‬ ‫صد ٌ لِلن ََّ َ‬ ‫مْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫حا ‪ِ ,‬لن َّ ُ‬ ‫مبَا ً‬ ‫مكُْروهًا وََل ُ‬ ‫َ‬
‫حةِ‬ ‫مبَا َ‬ ‫صيَاغَةِ ال ْ ُ‬ ‫ميَةِ إ ّل بِال ِّ‬ ‫ن التَّن ْ ِ‬ ‫ج عَ ْ‬ ‫خُر ُ‬ ‫صوِغ ‪ ,‬وََل ي َ ْ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ال ْ‬
‫ل‬‫ُ ْ َ ِ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ست‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ي‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫حل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫فوا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫خت‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫ِ َ‬ ‫‪.‬‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫وَنِيَّةِ الل‬
‫ضةِ‬ ‫خاتَم ِ الِْف َّ‬ ‫مْرأَةِ َو َ‬ ‫ب لِل ْ َ‬ ‫ي الذ ّهَ ِ‬
‫َ‬
‫حل ْ ِ‬ ‫حا ك َ َ‬ ‫مبَا ً‬ ‫ماًل ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫ة وال َّ‬
‫ي فِي‬ ‫شافِعِ ُّ‬ ‫حنَابِل َ ُ َ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫مالِكِي َّ ُ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ‪ .‬فَذَهَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫لِلَّر ُ‬
‫الَْقديم وأ َ‬
‫فتَى بِهِ فِي‬ ‫م ْ‬ ‫جدِيدِ وَهُوَ ال ْ ُ‬ ‫ن فِي ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫قوْل َ‬ ‫َ‬ ‫حد ُ ال ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ َ‬
‫مبَاِح‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫ب الَّزكَاةِ ِفي ال ْ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫ب إلَى عَدَم ِ وُ ُ‬ ‫مذْهَ ِ‬ ‫ال ْ َ‬

‫‪92‬‬
‫ر‬
‫جاب ِ ٍ‬ ‫مَر َو َ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن اب ْ‬ ‫ل عَ ْ‬ ‫قوْ ُ‬ ‫ل ‪َ .‬وُروِيَ هَذ َا ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ماءَ ‪ -‬رضي‬ ‫س َ‬ ‫ك َوأ ْ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫س َوأن َ ِ‬ ‫ن ع َبَّا ٍ‬ ‫ة َواب ْ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫وَع َائ ِ َ‬
‫سم وال َّ‬
‫ن‬
‫مدِ ب ْ ِ‬ ‫ح َّ‬ ‫م َ‬ ‫ي َوقَتَادَةَ وَ ُ‬ ‫شعْب ِ ِ ّ‬ ‫الله عنهم ‪َ -‬والَْقا ِ ِ َ‬
‫حاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ ‪.‬‬ ‫س َ‬ ‫مَرةَ وَأبِي ع ُبَيْد ٍ َوإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ي وَ ُع َ ْ‬ ‫عَل ِ ٍ ّ‬
‫مَر‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ة َواب ْ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن عَائ ِ َ‬ ‫ن آثَارٍ ع َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما وََرد َ ِ‬ ‫ستَدَل ّوا ب ِ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫جابِرٍ رضي الله عنهم ‪ ,‬فََقد ْ ُروِيَ عَ ْ‬ ‫ماءَ َو َ‬ ‫س َ‬ ‫َوأ ْ‬
‫خيهَا فِي‬ ‫ت أَ ِ‬ ‫ت تَلِي بَنَا ِ‬ ‫ة رضي الله عنها أنَّهَا كَان َ ْ‬
‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫ع َائ ِ َ‬
‫ن‬
‫ي عَ ْ‬ ‫ه الَّزكَاةَ ‪َ .‬وُروِ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ي فََل ت ُ ْ‬ ‫حل ِ ُّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫جرِهَا لَهُ َّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫حل ِّي بَنَاتِهِ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ه كَا َ‬ ‫مَر رضي الله عنهما أن َّ ُ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫اب ْ ِ‬
‫ن الَّزكَاةَ ‪.‬‬ ‫حلِيِّهِ َّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫ب ث ُ َّ‬ ‫ه الذَّهَ َ‬ ‫جوارِي َ ُ‬ ‫وَ َ َ‬
‫َ‬
‫ت أبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أنَّهَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ماءَ بِن ْ ِ‬ ‫س َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫َوُروِ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫حوًا ِ‬ ‫ب ‪ ,‬وََل تَُز ِكّيهِ ن َ ْ‬ ‫حل ِّي ثِيَابَهَا الذَّهَ َ‬ ‫ت تُ َ‬ ‫كَان َ ْ‬
‫جابًِرا رضي الله‬ ‫ل َ‬ ‫سأ َ َ‬ ‫جًل َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ي أ َ َّ‬ ‫ن ألًْفا ‪َ .‬وُروِ َ‬
‫خمسي َ‬
‫َ ْ ِ َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫جابٌِر َل ‪ ,‬فََقا َ‬ ‫ل َ‬ ‫ي أَفِيه َزكَاةٌ ؟ فََقا َ‬ ‫ِ‬ ‫حل ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫عنه ع َ ْ‬
‫ْ‬
‫مأثُوُر‬ ‫جابٌِر كَثِيٌر ‪ .‬وَال ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ار فََقا َ‬ ‫ف دِين َ ٍ‬ ‫ن يَبْلُغُ أَل ْ َ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫َوإ ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ه عَ ْ‬ ‫ما َروَت ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ة رضي الله عنها ي ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ع َائ ِ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫َ‬
‫ل ع َلَى أنَّهَا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ل صلى الله عليه وسلم فَي ُ ْ‬ ‫سو َِ‬ ‫الَّر ُ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه وَأعْل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫خا ‪ ,‬فَإِنَّهَا َزوْ ُ‬ ‫سو ً‬ ‫من ْ ُ‬ ‫مته َ‬ ‫ما عَل ِ ْ‬ ‫ه إ ّل فِي َ‬ ‫خالِْف ُ‬ ‫تُ َ‬
‫ت‬ ‫ة كَان َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫حْف َ‬ ‫ه َ‬ ‫خت َ ُ‬ ‫ن أُ ْ‬ ‫مَر فَإ ِ َّ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ك اب ْ ُ‬ ‫س بِهِ ‪ ,‬وَكَذَل ِ َ‬ ‫الن ّا ِ‬
‫َ‬
‫حلِي ِّهَا َل‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬ ‫حك ْ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم وَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج النَّب‬ ‫َزوْ َ‬
‫ُّ‬
‫ستَدَلوا‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه فِيهِ ‪ .‬ك َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫خَفى ع َنْهَا ُ‬ ‫خَفى ع َلَيْهِ وََل ي َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫ث‬ ‫ن َواْلَثَا ِ‬ ‫ب الْبَد َ ِ‬ ‫مبَاِح ع َلَى ثِيَا ِ‬ ‫ي ال ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫حل ْ‬ ‫س ال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫قيَا‬ ‫بِ ِ‬
‫َ‬
‫مبَاٍح‬ ‫ل ُ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫صدَة ٌ فِي ا ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫قرِ فِي أنَّهَا ُ‬ ‫ل الْب َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫وَع َوَا ِ‬
‫في َّ ُ‬
‫ة‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ب الَّزكَاةِ فِيهَا ‪ .‬وَذَهَ َ‬ ‫جو ُ‬ ‫ط وُ ُ‬ ‫سَق َ‬ ‫فَ َ‬
‫ب‬ ‫جدِيدِ إلَى وُ ُ‬ ‫خرِ فِي ال ْ َ‬ ‫ل اْل َ‬ ‫ي فِي ال ْ َ‬ ‫شافِعِ ُّ‬ ‫وال َّ‬
‫جو ِ‬ ‫قوْ ِ‬ ‫َ‬
‫يٌ‬
‫مْروِ ّ‬ ‫ل ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ستَعْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫مبَاِح ال ْ ُ‬ ‫ي َال ْ ُ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫الَّزكَاةِ فِي ال ْ َ‬
‫س‪,‬‬ ‫ن عَبَّا ٍ‬ ‫مَر ‪َ َ ,‬واب ْ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫ب َواب ْ ِ‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ََر ب ْ ِ‬ ‫ن عُ َ‬ ‫عَ ْ‬
‫سى‬ ‫مو َ‬ ‫ص ‪ ,‬وَأبِي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن العَا ِ‬ ‫مرِو ب ْ ِ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫اْل َ‬
‫وَ‬
‫ن‬ ‫ْ‬ ‫اب‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫او‬ ‫جبَيْرٍ وَع َطَاءٍ ‪ ,‬وَط َ‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ش‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬

‫‪93‬‬
‫ن عَبْدِ‬ ‫مَر ب ُْ ِ‬ ‫ن َزيْدٍ ‪ ,‬وَعُ َ‬ ‫جابِرِ ب ْ ِ‬ ‫جاهِد ٍ ‪َ ,‬و َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫مهَْرا َ‬ ‫ِ‬
‫ث‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ستَدَل ّوا ب ِ َ‬ ‫ب ‪َ .‬وا ْ‬ ‫حبِي ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ي ‪ ,‬وَاب ْ‬ ‫الْعَزِيزِ َ‪َ ,‬والُّزهْرِ ِ ّ‬
‫ت النَّب ِ َّ‬ ‫نا َ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫مَرأة ً أت َ ْ‬ ‫مرٍو { أ َّ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ع َبْد ِ اللهِ ب ْ ِ‬
‫ن‬‫سكَتَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة لَهَا َوفِي يَدِ ابْنَتِهَا َ‬ ‫معَهَا ابْن َ ٌ‬ ‫عليه وسلم وَ َ‬
‫ن َزكَاةَ هَذ َا ؟‬ ‫ل لَهَا ‪ :‬أتُعْطِي‬ ‫َ‬ ‫ب فََقا َ‬ ‫ن ذَهَ‬ ‫م‬ ‫غَلِيظَتَا‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قَال َت ‪َ :‬ل ‪ .‬قَا َ َ‬
‫ما‬
‫ه بِهِ َ‬ ‫سوَِّرك الل ّ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫سُّرك أ ْ‬ ‫ل ‪ :‬أي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ما إلَى‬ ‫ما فَأل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫خلَعَتْه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قتْه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫ن نَارٍ ؟ قَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫سواَري ْ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫َّ‬
‫ما لِلهِ‬ ‫ت ‪ :‬هُ َ‬ ‫وسلم وَقَال َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّب‬
‫ة رضي الله‬ ‫ش َ‬ ‫ث عَائ ِ َ‬ ‫حدِي ِ‬ ‫ستَدَل ّوا ب ِ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫َ‬ ‫سولِهِ } ‪ .‬ك َ‬ ‫َوَر ُ‬
‫ُ َّ‬ ‫ل ع َل َ َّ‬
‫سول اللهِ صلى الله عليه‬ ‫ي َر ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ت { دَ َ‬ ‫عنها قَال َ ْ‬
‫ما‬ ‫ق ‪ ,‬فََقا َ‬ ‫َ‬ ‫وسلم فَرأ َ‬
‫ل‪َ :‬‬ ‫ْ َ َ ِ ٍ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ٍ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫َ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ن لك يَا َر ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أتََزي ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫صنَعْته َّ‬ ‫قلت ‪َ :‬‬ ‫ْ‬ ‫ة ‪ ,‬فَ ُ‬ ‫ش ُ‬ ‫هَذ َا يَا ع َائ ِ َ‬
‫َ‬ ‫اللَّه ‪ .‬قَا َ َ‬
‫شاءَ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ؟ قُلْت ‪َ :‬ل ‪ ,‬أ ْو َ‬ ‫ن َزكَاتَهُ َّ‬ ‫ل ‪ :‬أتُؤ ْتِي َ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ام‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ما‬ ‫ُ َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫حل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫}‬ ‫ار‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الن‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫سب‬ ‫ْ‬ ‫ح‬
‫َ‬ ‫َا‬ ‫ذ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ه‬‫الل ُ‬
‫ٍ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ق ً‬ ‫خل ْ َ‬ ‫جاَرةِ ِ‬ ‫ماءِ اْلِعْدَاد ُ لِلت ِّ َ‬ ‫ل الن َّ َ‬ ‫وَدَلِي ُ‬
‫م‬
‫ن بِعَد َ ِ‬ ‫ل الَْقائِلُو َ‬ ‫ص َ‬ ‫ي ) ‪ - 10 :‬فَ َّ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫سارِ ال ْ َ‬ ‫م انْك ِ َ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫( ُ‬
‫ه‬‫ي ‪ ,‬فَل َ ُ‬ ‫حل ْ ُ‬ ‫سَر ال ْ َ‬ ‫ما إذ َا انْك َ َ‬ ‫ي َ‬ ‫حل ْ َ ِ‬ ‫ب الَّزكَاةِ ِفي ال ْ َ‬ ‫جو ِ‬ ‫وُ ُ‬
‫ل ‪ :‬اْلَوَّ ُ‬ ‫َ‬
‫مال َ ُ‬
‫ه‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ساُر ا ْ‬ ‫منَعَ اِلنْك ِ َ‬ ‫ن َل ي َ ْ‬ ‫ل‪:‬أ ْ‬ ‫حوَا ٌ‬ ‫حينَئِذ ٍ أ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫سارِ وََل َزكَاةَ فِيهِ ‪ .‬وَهُوَ َ‬ ‫ه فََل أثََر لِِلنْك ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫وَلُب ْ َ‬
‫شافعيَة وال ْحنابلَة ‪ .‬وقَيَده ال ْحنابل َة بأ َ‬
‫ي تَْر َ‬
‫ك‬ ‫ِ َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫ال َّ ِ ِ ّ ِ َ َ َ ِ ِ َ ّ َ ُ َ َ ِ ُ ِ‬
‫َ‬
‫ج‬
‫حتَا َ‬ ‫ه فَي َ ْ‬ ‫مال َ ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ساُر ا ْ‬ ‫منَعَ اِلنْك ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫سهِ ‪ .‬الثَّانِي ‪ :‬أ ْ‬ ‫لُب ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫إلَى سبك وصوغ ‪ .‬فَتجب زكَاته ‪ ,‬وأ َ‬
‫ت‬‫ل وَقْ ُ‬ ‫ْ ِ‬ ‫حو‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و‬
‫َ ِ ُ َ ُ ُ َ ّ‬ ‫َ ْ ٍ َ َ ْ ٍ‬
‫ث‪:‬‬ ‫شافِعِيَّةِ ‪ .‬الثَّال ِ ُ‬ ‫مالِكِيَّةِ وال َّ‬
‫َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫سارِ ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫اِلنْك ِ َ‬
‫ج إلَى‬ ‫َ‬
‫حتَا ُ‬ ‫ن َل ي َ ْ‬ ‫ل وَلَك ِ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ساُر اِل ْ‬ ‫منَعَ اِلنْك ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫حام ِ وَهَذ َا عَلَى‬ ‫ح بِاْلِل ْ َ‬ ‫صَل َ‬ ‫ل اْل ِ ْ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫صوٍْغ َوي َ ْ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫سب ْ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ‪ ,‬أوْ كَنََز ُ‬
‫ه‬ ‫ه تِبًْرا أ ْو دََراهِ َ‬ ‫جعْل َ ُ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ن قَ َ‬ ‫ل‪:‬أ‪-‬إ ْ‬ ‫حوا ٍ‬ ‫أ ْ َ‬
‫و‬
‫سارِ ‪ .‬وَهُ َ‬ ‫ن يَوْم ِ اِلنْك ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫حوْل ُ ُ‬ ‫ه َوانْعََقد َ َ‬ ‫ت َزكَات ُ ُ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫مالِكِيَّةِ وال َّ‬
‫ه‬‫ح ُ‬ ‫صَل َ‬ ‫صد َ إ ْ‬ ‫ن يَْق ِ‬ ‫شافِعِيَّةِ ‪ .‬ب ‪ -‬أ ْ‬ ‫َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫َ‬
‫شافِعِيَّةِ‬ ‫مالِكِيَّةِ وال َّ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫فََل َزكَاة َ فِيهِ وَهُوَ َ‬
‫َ‬

‫‪94‬‬
‫عنْدَ‬ ‫ه ِ‬ ‫ت َزكَات ُ ُ‬ ‫جب َ ْ‬ ‫شيْئًا وَ َ‬ ‫صد ْ َ‬ ‫م يَْق ِ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫حنَابِلَةِ ‪ .‬ج ‪ -‬إ ْ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫عنْدَ‬ ‫ب ِ‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫مالِكِيَّةِ ‪َ .‬وال ْ َ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫شافِعِيَّةِ وََل ت َ ِ‬ ‫ال َّ‬
‫مطْلًَقا فََل‬ ‫ل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫منَعَ اِل ْ‬ ‫ساَر إذ َا َ‬ ‫ن اِلنْك ِ َ‬ ‫حنَابِلَةِ أ َ َّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫َزكَاةَ فِي ال ْ َ‬
‫ة إلَى‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫ة وَال ْ َ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫ي ‪ - 11 :‬ذَهَ َ‬ ‫حل ْ‬ ‫جاَرةُ ال ْ َ‬ ‫إ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ن غَي ِْ‬
‫ر‬ ‫م ْ‬ ‫سهِ أ ْو ِ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جَرةٍ ِ‬ ‫ي بِأ ْ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫جاَر ِ‬
‫َ‬
‫جوازِ إ َ‬ ‫َ َ‬
‫معَ‬ ‫صودَةً َ‬ ‫مْق ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ح ً‬ ‫مبَا َ‬ ‫ة ُ‬ ‫فعَ ً‬ ‫من ْ َ‬ ‫فعُ بِهَا َ‬ ‫ن يُنْت َ َ‬ ‫ه ع َي ْ ٌ‬ ‫سهِ ‪ِ .‬لن َّ ُ‬ ‫جن ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫مالِكِي َّ ُ‬
‫ة‬ ‫ي ‪ .‬وَكَرِهَ ال ْ َ‬ ‫ضِْ‬ ‫جاَرتُهَا كَاْلَرا ِ‬ ‫تإ َ‬ ‫جاَز ْ‬ ‫بََقائِهَا فَ َ‬
‫س ‪ ,‬وَاْلَوْلَى‬ ‫ِ‬ ‫ن النَّا‬ ‫شأ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫ي ِلن َّ ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫حل ْ‬ ‫جاَرةَ ال ْ َ‬ ‫إ َ‬
‫ْ‬
‫ف عَلَى َرأ ِ‬
‫ي‬ ‫م نَِق ْ‬ ‫ف ‪ .‬وَل َ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ه ِلَنَّهَا ِ‬
‫م‬ ‫إع َاَرت ُ ُ‬
‫سألَةِ ‪.‬‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫فيَّةِ فِي ال ْ َ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة إلَى‬ ‫حنَابِل َ ُ‬ ‫ة َوال ْ َ‬ ‫شافِعِي َّ ُ‬ ‫ب ال َّ‬ ‫ي ‪ - 12 :‬ذَهَ َ‬ ‫حل ْ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫َوقْ ُ‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫ة ابْتََاع َ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫حْف َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َروَى نَافِعٌ أ َ َّ‬ ‫ي لِ َ‬ ‫حل ْ ِ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫حةِ َوقْ ِ‬ ‫ص َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫خط ّا ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ساءِ آ ِ‬ ‫ه ع َلَى ن ِ َ‬ ‫ست ْ ُ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ن ألًْفا َ‬ ‫شَري ْ ِ‬ ‫حلِيًّا بِعَ ْ‬ ‫ُ‬
‫مالِكِيَّةِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫مذْهَ ِ‬ ‫ه ‪ .‬وَظَاهُِر َ‬ ‫ج َزكَات َ ُ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫ت َل ت ُ ْ‬ ‫فَكَان َ ْ‬
‫مطْلًَقا ‪ :‬الْعَ َ ِ‬
‫قار‬ ‫ك ُ‬ ‫ملُو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ال ْ َ‬ ‫از َوقْ ِ‬ ‫جوَ ِ‬ ‫جواُز بِنَاءً ع َلَى َ‬ ‫ال ْ َ َ‬
‫ي‬
‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫جوُز َوقْ ُ‬ ‫ن ‪ .‬وََل ي َ ُ‬ ‫حيَوَا ِ‬ ‫ي وَال ْ َ‬ ‫مثْل ِ ِ ّ‬ ‫قوَّم ِ َوال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫فيَّةِ بنَاءً ع َلَى أ َ َّ َ‬
‫از‬
‫جوَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م عَد َ ُ‬ ‫عنْدَهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ن اْل ْ‬ ‫ِ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ي‬‫ع ِّ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ف ال َّ‬ ‫م الْوَقْ ِ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫قار ِل َ َّ‬ ‫ف فِي غَي ْ َرِ الْعَ َ ِ‬ ‫الْوَقْ ِ‬
‫ل يُنْظَُر‬ ‫صي‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لت‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫قار‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫‪,‬‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫التَأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ِ‬
‫ف"‬ ‫ح " وَقْ ٌ‬ ‫صطَل َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ف‪:‬‬ ‫ة الت ّعْرِي ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ٌ‬ ‫فِ َّ‬
‫جاءَ فِي‬ ‫ة ‪َ ,‬و َ‬ ‫معُْروفَ ٌ‬ ‫جوْهَرِيُّ ‪َ -‬‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما قَا َ‬ ‫ة ‪ -‬كَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫‪ - 1‬الِْف َّ‬
‫َ‬ ‫ط ‪ :‬الِْف َّ‬
‫ب‬‫ح ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ل لِل َّ‬ ‫ض قَاب ِ ٌ‬ ‫صٌر أبْي َ ُ‬ ‫ة ع ُن ْ ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫سي ِ‬ ‫جم ِ الْوَ ِ‬ ‫معْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ْ‬
‫ن أَكْثَرِ ال ْ‬ ‫َ‬
‫حَراَرةِ‬ ‫صيًل لِل ْ َ‬ ‫موَادِّ تَوْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل‪ِ ,‬‬ ‫ِ‬ ‫صْق‬ ‫ق وَال َّ‬ ‫ِ‬ ‫َوالط ّْر‬
‫َّ‬
‫م‬
‫خد َ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫سةِ ال‬ ‫جوَاهِرِ النَِّفي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َوالْكَهَْربَاءِ ‪ ,‬وَهُوَ ِ‬
‫ت‬ ‫ص ْ‬ ‫خت َ َّ‬ ‫ةا ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ب ‪ :‬الِْف َّ‬ ‫ل الَّراِغ ُ‬ ‫قود ِ ‪َ .‬وقَا َ‬ ‫ك الن ُّ ُ‬ ‫ص ِّ‬ ‫فِ َي َ‬
‫ت‬ ‫ظ ذ َا ُ‬ ‫جوَاهِرِ ‪ ( .‬اْلَلَْفا ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل بِهَا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫متَعَا َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫بِأد ْ َو ِ‬
‫ف‪,‬‬ ‫معُْرو ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫معْد ِ ُ‬ ‫ب ‪ :‬ال ْ َ‬ ‫ب ‪ - 2 :‬الذَّهَ ُ‬ ‫صلَةِ ) ‪ :‬الذَّهَ ُ‬ ‫ال ِّ‬

‫‪95‬‬
‫وصلَته بال ْف َ َ‬
‫منِيَّةِ‬ ‫ن فِي النَّْقدِيَّةِ ‪َ ,‬وث َ َ‬ ‫شتَرِكَا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ضةِ أنَّهُ َ‬ ‫َ ِ ُ ُ ِ ِ ّ‬
‫ة بِالِْف َّ‬ ‫متَعَل َِّق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْل َ ْ‬
‫ضةِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫حكَا ُ‬ ‫قةِ ‪ .‬اْل ْ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ل ال ْ ِ‬ ‫ص ِ‬ ‫شيَاءِ فِي أ ْ‬
‫ن الِْف َّ‬ ‫‪ :‬أ ‪ -‬استِعْما ُ َ‬
‫ضةِ ‪- 3 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫صنُوعَةِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل اْل َوانِي ال ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫صنُوعَةِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن اْل َوانِي ال ْ َ‬ ‫مَ ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شْر َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫اتََّفقَ الُْفَقهَاءُ ع َلَى أ َّ‬
‫ضة حرام ‪ ,‬مستدل ِّين بأَدل ّة ‪ ,‬منها ‪ :‬ع َ ُ‬
‫م‬
‫ن أ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ ِ َ ِ ِ ٍ ِ َْ‬ ‫ن الِْف َّ ِ َ َ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النَّب ِ َّ‬ ‫َ‬
‫ة رضي الله عنها ‪ ,‬أ َّ‬ ‫م َ‬ ‫سل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ضةِ إن َّ َ‬ ‫ب فِي آنِيَةِ الِْف َّ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ل ‪ { :‬ال ّذِي ي َ ْ‬ ‫وسلم قَا َ‬
‫ن‬ ‫رواهُ الْبََراءُ ب ْ ُ‬ ‫ما َ َ‬ ‫م } ‪ َ .‬وَب ِ َ‬ ‫جهَن َّ َ‬ ‫جُر فِي بَطْنِهِ نَاَر َ‬ ‫جْر ِ‬ ‫يُ َ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ُ‬ ‫ل ‪ { :‬نَهَانَا َر ُ‬ ‫ب قَا َ‬ ‫ع َازِ ٍ‬
‫ب فِيهَا‬ ‫شرِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ضةِ ‪ ,‬فَإِن َّ ُ‬ ‫ب فِي الِْف َّ‬ ‫وسلم ع َن ال ُّ‬
‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫ْ‬
‫ي‪:‬‬ ‫ل الن ّوَوِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫خَرةِ } ‪ .‬قَا َ‬ ‫ب ِفي ال ِ‬ ‫ْ‬ ‫شَر ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫فِي الدُّنْيَا ل ْ‬
‫َ‬ ‫ت اْل ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫قَا َ َ‬
‫ل‬ ‫حرِيم ِ اْلك ْ ِ‬ ‫ة ع َلَى ت َ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫معَ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫حابُنَا ‪ :‬أ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫لأ ْ‬
‫ب أ َ ْو‬ ‫ل فِي إنَاءِ ذَهَ ٍ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ ََ‬ ‫ن اِل ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬ ‫ب َوغَيْرِه ِ َ‬ ‫شْر َ ِ‬
‫وال ُّ‬
‫َ‬
‫ي فِي‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ن دَاوُد ‪ ,‬وَإ ِ ّل قَوْ َ‬ ‫ضةٍ إ ّل َ‬ ‫فِ َّ‬
‫شافِعِ ِ ّ‬ ‫ي عَ ْ‬ ‫حك ِ َ‬ ‫ما ُ‬
‫م ال ُّ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫شْر ُ‬ ‫حُر َ‬ ‫ه إذ َا َ‬ ‫ه ‪ -‬وَِلن َّ ُ‬ ‫جعَ ع َن ْ ُ‬ ‫الَْقدِيم ِ ‪َ -‬وقَد ْ َر َ‬
‫ف‪.‬‬ ‫سَر ِ‬ ‫مدَّة ً وَأَبْلَغُ فِي ال َّ‬ ‫ل ُ‬ ‫ه أَطْوَ ُ‬ ‫َ‬
‫ل َ أوْلَى ‪ِ ,‬لن َّ ُ‬
‫فَاْلَك ْ ُ َ‬
‫ح ُّ‬
‫ب‬‫مذ َاه ِ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ق بَي ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل اتَِّفا‬ ‫م َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه النَّوَوِ ُّ‬ ‫وَهَذ َا ال ّذِي قَال َ ُ‬
‫سائُِر أَنْوَاِع‬ ‫ب ‪ ,‬وَكَذ َا َ‬ ‫شْر ِ‬
‫حريم اْلَك ْل وال ُّ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫رب‬ ‫ْ‬
‫اْل َ‬
‫ت بِهَا ‪,‬‬ ‫ت َوالبُيُو ِ‬ ‫ْ‬ ‫حوَانِي ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫منْهَا تَْزيِي ُ‬ ‫ت ‪ ,‬وَ ِ‬ ‫ماَل ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫اِل ْ‬
‫معَ‬ ‫ن‪َ ,‬‬ ‫مي ْ ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن قَبْلِهِ إ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ص ع َلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَ ِ‬ ‫ما ن َ َّ‬ ‫كَ َ‬
‫مَقام ِ بِالْكََراهَةِ‬ ‫ة ع َبَُّروا فِ َي هَذ َا ال ْ َ‬ ‫في َّ َ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حظَةِ أ َ َّ‬ ‫مَل َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫حَرام ِ ‪ ,‬وَأ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫حرِيم ِ الك ْ ِ‬ ‫ة تَ ْ‬ ‫عل َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ميَّةِ ل ال َ‬ ‫حرِي ِ‬ ‫الت ّ ْ‬
‫ف‪.‬‬ ‫سَر ُ‬ ‫خيََلءُ َوال َّ‬ ‫ضةِ ‪ ,‬أوْ ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن الِْف َّ‬ ‫وال ُّ‬
‫ي ‪ :‬ع َي ْ ُ‬ ‫ب هِ َ‬ ‫شْر ِ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ما ٍ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ضةِ دُو َ‬ ‫ب ‪ -‬اقْتِنَاءُ الِْف َّ‬
‫ضةِ عَلَى غَي ْ َِ‬
‫ر‬ ‫ن اقْتِنَاءَ الِْف َّ‬ ‫ماءُ ع َلَى أ َ َّ‬ ‫معَ الْعُل َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫‪-4‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ما‬‫حيٍح ‪َ ,‬وأ َّ‬ ‫ص ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ا‬ ‫م إذ َا ك َ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ح‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫صوَرةِ اْل َ َوانِي َ‬ ‫ُ‬
‫َ ٍ‬
‫ما‬ ‫م َّ‬ ‫حوِهَا ِ‬ ‫صوَرةِ اْل َوانِي َون َ ْ‬ ‫ضةِ ع َلَى ُ‬ ‫ن الِْف َّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما كَا َ‬ ‫َ‬
‫ي الوَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ماءِ فِيهِ آَراءٌ ‪ :‬الَّرأ ُ‬ ‫ه ‪ ,‬فَلِلعُل َ‬ ‫مال ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫مك ِ ُ‬ ‫يُ ْ‬
‫مالِكِيَّةِ ‪,‬‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ة الَّرا ِ‬ ‫فيَّةِ ‪ ,‬وَالّرِ َواي َ ُ‬ ‫حن َ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫وَهُوَ قَوْ ُ‬

‫‪96‬‬
‫حنَابِلَةِ‬ ‫عنْد َ ال ْ َ‬ ‫ب ِ‬ ‫مذْهَ ُ‬ ‫شافِعِيَّةِ ‪َ ,‬وال ْ َ‬ ‫عنْد َ ال َّ‬ ‫َواْلَظْهَُر ِ‬
‫م‬‫حُر ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫ضةِ ت َ ْ‬ ‫ن اقْتِنَاءَ أ َ َوانِي الِْف َّ‬ ‫ن أ َ َّ‬ ‫وَهَؤَُلءِ يََروْ َ‬
‫خاذ ُ ُ‬
‫ه‬ ‫جوُز ات ِّ َ‬ ‫ه َل ي َ ُ‬ ‫مال ُ ُ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫جوُز ا ْ‬ ‫ما َل ي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مالُهَا ‪ِ ,‬ل َ َّ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫م‪,‬‬ ‫حُر ُ‬ ‫حَّرم ٍ ‪ ,‬فَي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫خاذَهُ يُؤَدِّي إلَى ا ْ‬ ‫ن ات ِّ َ‬ ‫‪ ,‬وَِل َ َّ‬
‫ْ‬ ‫خمر ‪ ,‬وِل َ‬
‫ه‬
‫ما فِي ِ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ست‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك ال ْ َ ْ ِ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كَإ ِ ْ‬
‫خاذِ ‪ ,‬وَِل َ َّ‬
‫ن‬ ‫جود ٌ فِي اِلت ِّ َ‬ ‫موْ ُ‬ ‫ف ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫خيََلءِ َوال َّ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫حال َ ُ‬
‫ي الث ّانِي ‪:‬‬ ‫م ‪ .‬الَّرأ ُ‬ ‫حُر ُ‬ ‫ث ‪ ,‬فَي َ ْ‬ ‫ة هَذِهِ ع َب َ ٌ‬ ‫خاذ َ َوال ْ َ‬ ‫اِلت ِّ َ‬
‫ملْهَا وَهُ َ‬
‫و‬ ‫ستَعْ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫م إذ َا ل َ ْ‬ ‫حُر ُ‬ ‫ضةِ َل ي َ ْ‬ ‫خاذ َ أَوَانِي الِْف َّ‬ ‫ن ات ِّ َ‬ ‫أ َ َّ‬
‫ة أ َ ْو‬ ‫ي ‪َ ,‬ورِ َواي َ ٌ‬ ‫شافِعِ ِ ّ‬
‫عنْد َ ال َّ‬ ‫ل ِ‬ ‫مد َ ّوَنَةِ ‪َ ,‬وقَوْ ٌ‬ ‫ظَاهُِر ال ْ ُ‬
‫ل فََل‬ ‫ما‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ست‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫ر‬ ‫خب‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫حمد َ ‪ِ ,‬ل َ‬ ‫وجه ع َن أ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ ٌ‬
‫ير‬
‫حرِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ثِيَا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫خذ َ الَّر ُ‬ ‫ما لَوْ ات َّ َ‬ ‫خاذ ُ ‪ ,‬ك َ َ‬ ‫م اِلت ِّ َ‬ ‫حُر ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ة‬
‫ض ِ‬ ‫ملَهَا ‪ ,‬فَكَذ َا اقْتِنَاءُ أَوَانِي الِْف َّ‬ ‫ستَعْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬
‫واقْتناهَا دو َ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ي عَلَى ت َ ْ‬ ‫شافِعِ ُّ‬ ‫ص ال َّ‬ ‫مالِهَا ‪ .‬وَقَد ْ ن َ َّ‬
‫حرِيمِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫دُو َ‬
‫صرِ ‪:‬‬ ‫خت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل فِي ال ْ ُ‬ ‫ي ‪ ,‬فََقا َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ب َزكَاةِ ال ْ ُ‬ ‫خاذِ فِي بَا ِ‬ ‫اِلت ِّ َ‬
‫ق َزك ّيَاهُ فِي‬ ‫َ‬ ‫ب أ َ ْو وَر‬ ‫ل أَو ا َ‬ ‫ن ات َّ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مَرأةٌ إنَاءَ ذَهَ ٍ‬ ‫ج ٌ ْ ْ‬ ‫خذ َ َر ُ‬ ‫فَإ ِ ْ‬
‫ي الثَّال ِ ُ‬ ‫خاذُه ‪ .‬الَرأ ْ‬ ‫َ‬
‫ث‬ ‫ّ ُ‬ ‫ما ات ِّ َ ُ‬ ‫منْهُ َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫س لِ َ‬ ‫ه لَي ْ َ‬ ‫ن ِلن َّ ُ‬ ‫قوْلي ْ ِ‬
‫ال ْ َ َ‬
‫د‬
‫ص ِ‬ ‫خاذ ُ بَِق ْ‬ ‫ن اِلت ِّ َ‬ ‫ن إذ َا كَا َ‬ ‫ما يَكُو ُ‬ ‫م إن َّ َ‬ ‫حرِي َ‬ ‫ن الت َّ ْ‬ ‫‪ :‬أ َ َّ‬
‫صدِ الْعَاقِبَةِ ‪ ,‬أ َ ْو‬ ‫خاذُهُ بَِق ْ‬ ‫ن ات ِّ َ‬ ‫ما إذ َا كَا َ‬ ‫ل ‪ ,‬أ َ َّ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫اِل ْ‬
‫ما‬‫ة ‪ ,‬وَهُوَ َ‬ ‫م َ‬ ‫حْر َ‬ ‫يءٍ ‪ ,‬فََل ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫جتِهِ ‪ ,‬أَوْ بِنْتِهِ ‪ ,‬أَوْ َل ل ِ َ‬ ‫لَِزوْ َ‬
‫َ‬
‫م اقْتِنَاؤُهُ أ ْ‬
‫ي‬ ‫حُر َ‬ ‫ل الدَّْردِيُر ‪َ :‬و َ‬ ‫يُ ‪ .‬وَقَا َ‬ ‫ه الْعَدَوِ ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫ج َ‬ ‫َر َّ‬
‫َ‬
‫ل‪,‬‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫ة لِِل ْ‬ ‫ه ذ َِريعَ ٌ‬ ‫خاُرهُ وَلَوْ لِعَاقِبَةِ دَهْرٍ ‪ِ ,‬لن َّ ُ‬ ‫ادِّ َ‬
‫مد ِ ‪ ,‬وَقَوْلُنَا ‪ " :‬وَلَوْ لِعَاقِب َ ِ‬
‫ة‬ ‫معْت َ َ‬ ‫ه ع َلَى ال ْ ُ‬ ‫ل بِ ِ‬ ‫م ُ‬ ‫ج ُّ‬ ‫وَكَذ َا الت َّ َ‬
‫ل ‪ ,‬وَهُوَ‬ ‫شعُِر بِهِ التَّعْلِي ُ‬ ‫ل ‪ ,‬وَي ُ ْ‬ ‫ضى النَّْق ِ‬ ‫قت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫د َ َهْرٍ " هُوَ ُ‬
‫ل وََل‬ ‫ج ٍ‬ ‫جوُز لَِر ُ‬ ‫م بِهِ ‪ ,‬إذ ْ اْلِنَا ُء َل ي َ ُ‬ ‫جْز ُ‬ ‫ال ّذِي يَنْبَغِي ال ْ َ‬
‫ِل َ‬
‫ي‪.‬‬ ‫حل ِ ِ ّ‬ ‫ف ال ْ ُ‬ ‫خَل ِ‬ ‫خاذِهِ لِلْعَاقِبَةِ ‪ ,‬ب ِ ِ‬ ‫معْنَى ِلِت ِّ َ‬ ‫مَرأةِ ‪ ,‬فََل َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫صدِ‬ ‫ن بَِق ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ن اقْتِنَاءَهُ إ ْ‬ ‫ل أ َّ‬ ‫ص ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ي ‪ :‬وَال ْ َ‬ ‫سوقِ ُّ‬ ‫ل الد ُّ ُ‬ ‫َوقَا َ‬
‫صد ِ الْعَاقِبَةِ أ َ ْو‬ ‫ن لَِق ْ‬ ‫ن كَا َ‬ ‫ق ‪َ ,‬وإ ِ ْ‬ ‫م بِاتَِّفا ٍ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ستِعْ َ‬ ‫اِل ْ‬
‫َ‬
‫ن‪,‬‬ ‫ل قَوَْل ِ‬ ‫يءٍ ‪ ,‬فَِفي ك ُ ٍّ‬ ‫ش ْ‬ ‫صد ِ َ‬ ‫ل أوْ َل لَِق ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ج ُّ‬ ‫الت َّ َ‬
‫منْعُ ‪.‬‬ ‫مد ُ ال ْ َ‬ ‫معْت َ َ‬ ‫َوال ْ ُ‬

‫‪97‬‬
‫=================‬
‫رأي القرضاوي في زكاة الحلي والواني‬
‫والتحف الذهبية والفضية‬

‫وقال القرضاوي في فقه الزكاة‬


‫المبحث الثاني‬
‫في زكاة الحلي والواني والتحف الذهبية والفضية‬
‫زكاة الحلي والواني والتحف الذهبية والفضية‬
‫من تمام البحث في زكاة الذهب والفضة‪ :‬معرفة‬
‫الحكم فيما يتخذ منهما أواني للستعمال‪ ،‬أو تحًفا‬
‫للزينة والترف‪ ،‬أو تماثيل لنسان أو حيوان أو‬
‫غيرهما‪ ،‬أو حليًا للنساء أو للرجال‪ :‬هل تجب الزكاة‬
‫في ذلك أم ل ؟ أم تجب في بعضه دون بعض؟‬
‫أواني الذهب والفضة وتحفهما فيها الزكاة‬
‫والذي ل خلف فيه بين علماء السلم‪ :‬أن ما حرم‬
‫استعماله واتخاذه من الذهب والفضة‪ ،‬تجب فيه‬
‫الزكاة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬الواني التي جاء الحديث الصحيح‬
‫بتحريمها والوعيد على من استعملها‪ ،‬لما فيها من‬
‫مظاهر الترف والسرف (انظر في حكم تحريم آنية‬
‫الذهب والفضة وحكمته‪ :‬كتابنا "الحلل والحرام"‬
‫فصل "في البيت") ولنها تعد ‪-‬حينئذ‪ -‬نقودًا مكنوزة‬
‫وثروة معطلة بدون حاجة ويستوي في هذه الحال‬
‫ما استعمل منها للطعام والشراب‪ ،‬وما اتخذ زينة‬
‫وتحفة فكلهما من الترف المذموم وذلك كما قال‬
‫في المغنى‪ :‬إن ما حرم استعماله‪ ،‬حرم اتخاذه على‬
‫هيئة الستعمال ويستوي في ذلك الرجال والنساء‪،‬‬
‫لن المعنى المقتضى للتحريم يعمهما‪ ،‬وهو الفضاء‬
‫إلى السرف والخيلء‪ ،‬وكسر قلوب الفقراء‪،‬‬

‫‪98‬‬
‫فيستويان في التحريم وإنما أبيح للنساء التحلي‬
‫لحاجتهن إليه‪ ،‬للتزين للزواج‪ ،‬وليس هذا بموجود‬
‫في النية ونحوها فتبقى على التحريم‪.‬‬
‫والتماثيل محرمة ولو كانت من برونز أو نحاس‪ ،‬فإذا‬
‫كانت من فضة أو ذهب تضاعفت حرمتها (انظر‬
‫المرجع السابق)‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن قدامة‪ :‬إذا ثبت هذا فإن فيها‬
‫الزكاة‪ ،‬بغير خلف بين أهل العلم‪ ،‬ول زكاة فيها‬
‫حتى تبلغ نصابًا بالوزن‪ ،‬أو يكون عنده ما يبلغ نصابًا‬
‫بضمها إليه (المغنى‪.)16 ،3/15 :‬‬
‫وهناك قول باعتبار قيمتها ل وزنها‪ ،‬نقله صاحب‬
‫المغنى عن بعض الحنابلة (المغنى‪ )16 ،3/15 :‬فإن‬
‫حسن الصنعة‪ ،‬وبراعة الصياغة والفن‪ ،‬ترتفع بقيمتها‬
‫ارتفاع ًا كبيًرا فاعتبار القيمة أولى‪ ،‬لما فيه من رعاية‬
‫حظ الفقراء والمستحقين‪ ،‬وما فيه من تغليظ على‬
‫هؤلء المترفين الذين انتهكوا ما حرم الله‪.‬‬
‫حلي الرجال المحرم فيه الزكاة‬
‫ومثل النية والتحف الذهبية والفضية للرجال‬
‫والنساء‪ :‬ما يتخذه الرجال من حلى حرمه الشرع‬
‫عليهم (راجع في ذلك "الحلل والحرام" فصل "في‬
‫الملبس والزينة")‪.‬‬
‫فإن الحلي ليس من حاجات الرجل ول من‬
‫مقتضيات فطرته‪ ،‬ولهذا حرمت عليه شريعة السلم‬
‫التحلي بالذهب‪ ،‬ولم يبح له إل التختم بالفضة (قال‬
‫ابن قدامة‪ :‬ويباح للرجال من الفضة‪ :‬الخاتم "لن‬
‫ما من ورق"‬ ‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬اتخذ خات ً‬
‫متفق عليه‪ ،‬وحلية السيف‪ ،‬بأن تجعل قبضته فضة‬
‫سا قال‪" :‬كانت قبضة سيف‬ ‫أو تحليتها بفضة‪ ،‬فإن أن ً‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فضة"‪ ،‬وقال‬

‫‪99‬‬
‫هشام بن عروة‪ :‬كان سيف الزبير محلى بالفضة‬
‫رواهما الثرم بإسناده "المغنى‪ )"15 ،3/14 :‬ومثل‬
‫هذا ل يبلغ التحلي به نصابًا‪.‬‬
‫فإذا كان لبعض الرجال حلي من الذهب ‪-‬خاتم أو‬
‫طوق أو سلسلة أو نحوها‪ -‬وبلغت قيمته نصابًا‬
‫بنفسه‪ ،‬أو بما عنده من مال آخر‪ ،‬فإن الزكاة تجب‬
‫فيه‪ ،‬لنه مال معطل كان في المكان أن ينمى‬
‫وينتفع به‪ ،‬أو يضاف إلى رصيد الدولة من الذهب‬
‫وتعطيله ليس لشباع حاجة فطرية معقولة كما هو‬
‫الشأن في حلى النساء‪ ،‬بل هو خروج عن الفطرة‬
‫وشرود عن المنهج القويم‪ ،‬واعتداء لحدود الله‪،‬‬
‫وإيجاب الزكاة عليه تنبيه له على خطئه‪ ،‬وتذكير له‬
‫بإخراج هذا المال إلى حيز النماء والتثمير‪ ،‬وأداء‬
‫وظيفته في التداول والمبادلة‪.‬‬
‫ول يباح من الذهب إل ما دعت الضرورة إليه كالنف‬
‫في حق من قطع أنفه‪ ،‬لما روى عن عبد الرحمن‬
‫بن طرفة "أن جده عرفجة بن سعد قطع أنفه يوم‬
‫الكلب‪ ،‬فاتخذ أنًفا من ورق فأنتن عليه‪ ،‬فأمره‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فاتخذ أنًفا من ذهب"‬
‫(رواه أبو داود)‪.‬‬
‫وقال المام أحمد‪ :‬ربط السنان بالذهب إذا خشي‬
‫عليها أن تسقط قد فعله الناس‪ ،‬فل بأس به عند‬
‫الضرورة وما عدا ذلك فهو حرام يجب تزكيته‬
‫ضا‪ ،‬اعتبار النصاب بالقيمة ل بالوزن‬ ‫والراجح هنا أي ً‬
‫كما ذكرناه لننا ننظر إلى هذا الحلي باعتباره متاعًا‪،‬‬
‫ما من الذهب ولو‬ ‫فإذا بلغت قيمته ما يساوى ‪ 85‬جرا ً‬
‫كان وزنه أقل من ذلك وجبت فيه الزكاة على ما‬
‫اخترناه‪.‬‬
‫حلي الللئ والجواهر للنساء ل زكاة فيها‬

‫‪100‬‬
‫أما الحلي من غير الذهب والفضة أعنى حلي‬
‫الجواهر من اللؤلؤ والمرجان والزبرجد والماس‬
‫ونحوها فل زكاة فيه‪ :‬لنه مال غير نام‪ ،‬بل هو حلية‬
‫ومتاع للمرأة أباحه الله بنص كتابه حين ذكر البحر‬
‫فقال‪( :‬وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) (النحل‪-14 :‬‬
‫وتكرر هذا المعنى في عدة سور)‪.‬‬
‫ولم يخالف في ذلك إل بعض أئمة العترة من‬
‫الشيعة‪ ،‬فقد ذهب إلى أن ما قيمته نصاب من‬
‫الجواهر‪ ،‬يجب أن يزكى‪ ،‬لنها مال نفيس بلغ نصابًا‬
‫فيجب فيه الزكاة‪ ،‬عمل ً بعموم قوله تعالى‪( :‬خذ من‬
‫أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) التوبة‪.)103 :‬‬
‫وتقرير ذلك‪ :‬أن كلمة "أموالهم" جمع مضاف‪ ،‬وهو‬
‫يفيد العموم‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬خذ من كل واحد من‬
‫أموالهم‪ ،‬وذلك هو معنى العموم‪ ،‬وحلى الجواهر‬
‫مال نفيس يندرج في هذا العموم وهو المطلوب‬
‫(انظر "الروض النضير " في فقه الزيدية مقارنًا‬
‫بالمذاهب الخرى‪.)410 ،2/409 :‬‬
‫وأجاب الجمهور‪ :‬على التسليم بأن الية تفيد العموم‬
‫في جميع أنواع المال ‪-‬بأن السنة القولية والعملية‬
‫قد خصصت هذا العموم بالموال النامية أو القابلة‬
‫للنماء‪ ،‬فالعلة هي النماء حقيقة أو تقديًرا‪ ،‬وليست‬
‫هي النفاسة حتى يدار الحكم عليها (المرجع‬
‫السابق) وهذه الجواهر تتخذ للحلية وللنتفاع‬
‫الشخصي‪ ،‬ل للنماء والستغلل وهذا ما لم تتخذ‬
‫كنًزا أو تتجاوز الحد المعقول‪ ،‬كما سنرجحه بعد‪.‬‬
‫الخلف في حلي الذهب والفضة للنساء‬
‫أما حلى الذهب والفضة للنساء‪ ،‬فلم يرد في شأنها‬
‫شيء في كتب صدقات النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬ول جاء نص صحيح صريح بإيجاب الزكاة‬

‫‪101‬‬
‫فيه أو نفيها عنه‪ ،‬وإنما وردت أحاديث اختلف‬
‫الفقهاء في ثبوتها‪ ،‬كما اختلفوا في دللتها (سنذكر‬
‫قريبًا أهم هذه الحاديث)‪.‬‬
‫ما نظروا إلى‬ ‫ضا‪ :‬أن قو ً‬
‫ومن أسباب الختلف أي ً‬
‫المادة التي صنع منها الحلي‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنها نفس‬
‫المعدن الذي خلقه الله ليكون نقدًا‪ ،‬يجرى به‬
‫التعامل بين الناس‪ ،‬والذي وجبت فيه الزكاة‬
‫بالجماع‪ ،‬ومن ثم أوجبوا فيه الزكاة كسبائك الذهب‬
‫والفضة ونقديهما‪.‬‬
‫وأن آخرين نظروا إلى أن هذا الحلي بالصناعة‬
‫والصياغة خرج من مشابهة النقود‪ ،‬وأصبح من‬
‫الشياء التي تقتنى لشباع الحاجات الشخصية‬
‫كالثاث والمتاع والثياب‪ ،‬وهذه ل تجب فيها الزكاة‬
‫بالجماع‪ ،‬لن الزكاة ‪-‬كما عرفنا من هدى الرسول‪-‬‬
‫إنما تجب في المال النامي أو القابل للنماء‬
‫والستغلل‪ ،‬ومن هنا قال هؤلء‪ :‬ل زكاة في الحلي‪.‬‬
‫وهذا الخلف إنما هو في حكم الحلي المباح‪ ،‬أما‬
‫الحلي الذي حرمه السلم‪ ،‬فقد أجمعوا على وجوب‬
‫زكاته‪.‬‬
‫وسنرد المختلفين هنا إلى فريقين‬
‫أولً‪ :‬فريق القائلين بتزكية الحلي كالنقود مطلًقا‪،‬‬
‫بإخراج ربع عشره كل عام‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬والفريق الثاني‪ :‬من لم ير ذلك‪ ،‬بأن لم يوجب‬
‫فيه زكاة قط‪ ،‬أو أوجبها مرة واحدة في العمر‪ ،‬أو‬
‫أوجبها بقيود معينة‪.‬‬
‫القائلون بزكاة الحلي‬
‫روى البيهقي وغيره عن علقمة أن امرأة ابن‬
‫مسعود سألته عن حلى لها فقال‪ :‬إذا بلغ مائتي‬
‫درهم ففيه الزكاة قالت‪ :‬أضعها في بنى أخ لي في‬

‫‪102‬‬
‫حجري؟ قال‪ :‬نعم قال البيهقي‪ :‬وقد روى هذا‬
‫مرفوع ًا إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وليس‬
‫بشيء (السنن الكبرى‪ ،4/134 :‬باب "من قال في‬
‫الحلي زكاة")‪.‬‬
‫ضا (السنن الكبرى‪ ،4/134 :‬باب "من قال‬ ‫وروى أي ً‬
‫في الحلي زكاة") عن شعيب بن يسار أن عمر كتب‬
‫إلى أبى موسى‪" :‬أن مر من قبلك من نساء‬
‫المسلمين أن يصدقن حليهن"‪.‬‬
‫ولكن هذا ليس بثابت عن عمر (قال البيهقي‪ :‬هذا‬
‫مرسل؛ شعيب بن يسار لم يدرك عمر)‪ ،‬ولذا روى‬
‫ابن أبى شيبة عن الحسن قال‪ :‬ل نعلم أحدًا من‬
‫الخلفاء قال‪ :‬في الحلي زكاة (المصنف‪.)4/28 :‬‬
‫وروى البيهقي عن عائشة قالت‪ :‬ل بأس بلبس‬
‫الحلي إذا أعطيت زكاته (السنن الكبرى ‪ -‬الصفحة‬
‫السابقة‪ ،‬وانظر "الموال" ص ‪ )440‬ولكن صح عن‬
‫عائشة خلف ذلك كما سيجيء‪.‬‬
‫وعن عبد الله بن عمرو ‪-‬أنه كان يكتب إلى خازنه‬
‫سالم‪ -‬أن يخرج زكاة حلى بناته كل سنة (المرجع‬
‫السابق)‪ ،‬وروى عنه أبو عبيد أنه حلى ثلث بنات له‬
‫بستة آلف دينار‪ ،‬فكان يبعث مولى له جليدًا كل‬
‫عام فيخرج زكاته منه (الموال ص ‪.)440‬‬
‫وفى أسانيد هذه الثار كلم‪ ،‬لذا قال أبو عبيد‪ :‬لم‬
‫تصح زكاة الحلي عندنا عن أحد من الصحابة إل عن‬
‫ابن مسعود (المصدر السابق ص ‪ )446‬قال ابن‬
‫حزم‪ :‬وهو عنه في غاية الصحة (المحلى‪.)6/75 :‬‬
‫والقول بزكاة الحلي روى عن سعيد بن المسيب‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير‪ ،‬وعطاء‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫شداد‪ ،‬وجابر بن زيد‪ ،‬وابن شبرمة‪ ،‬وميمون بن‬
‫مهران‪ ،‬والزهري‪ ،‬والثوري‪ ،‬وهو قول أبى حنيفة‬

‫‪103‬‬
‫وأصحابه والوزاعى‪ ،‬والحسن ابن حي (انظر‬
‫مصنف ابن أبى شيبة‪ ،4/27 :‬والموال ص ‪- 441‬‬
‫‪ ،442‬والمحلى لبن حزم‪ ،6/76 :‬والمغنى لبن‬
‫قدامة‪ - 3/100 :‬مع أنه قد روى عن ابن المسيب‪:‬‬
‫أن زكاة الحلي إعارته كما سيأتي)‪.‬‬
‫أدلة هذا القول‬
‫‪ -1‬واستند القائلون بزكاة الحلي أول ً إلى إطلق‬
‫الية الكريمة‪( :‬والذين يكنزون الذهب والفضة ول‬
‫ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)‬
‫(التوبة‪ )34 :‬فالذهب والفضة في الية يشمل الحلي‬
‫كما يشمل النقود والسبائك‪ ،‬فما لم تؤد الزكاة منها‬
‫فهي كنز يكوى به صاحبه يوم القيامة‪.‬‬
‫‪ -2‬واستندوا ثانيًا إلى عموم قوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :-‬في الرقة ربع العشر وليس فيما دون‬
‫خمس أواق صدقة" مفهومه‪ :‬أن فيها صدقة إذا‬
‫بلغت خمس أواق‪ ،‬وإلى عموم ما جاء في زكاة‬
‫الذهب مثل‪" :‬ما من صاحب ذهب ل يؤدى زكاته"‬
‫الحديث‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫‪ -3‬واستدلوا ثالثًا بما ورد من الحاديث في زكاة‬
‫الحلي خاصة‪ ،‬وقد صححها طائفة من الئمة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫(أ) ما روى أبو داود من طريق عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده‪ :‬أن امرأة (عند ابن أبى شيبة وأبى‬
‫عبيد أنها امرأة من اليمن) أتت رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬ومعها ابنة لها‪ ،‬وفى يد ابنتها‬
‫مسكتان (أسوارتان) غليظتان من ذهب‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫أتعطين زكاة هذا؟ قالت‪ :‬ل قال‪ :‬أيسرك أن‬
‫يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال‪:‬‬
‫فخلعتهما فألقتها إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫وقالت‪ :‬هما لله ورسوله (الحديث سكت عنه أبو‬

‫‪104‬‬
‫داود قال المنذري في مختصر السنن‪ :‬وأخرجه‬
‫الترمذي بنحوه وقال‪ :‬لم يصح في هذا الباب عن‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬شيء‪ ،‬وأخرجه‬
‫النسائي مسندًا ومرسلً‪ ،‬وذكر أن المرسل أولى‬
‫بالصواب ‪ -‬انظر مختصر السنن للمنذري‪،2/175 :‬‬
‫وذكره في كتاب الزكاة من "الترغيب" وأشار إليه‬
‫بعلمة الضعف‪ ،‬حيث صدره بلفظه‪" :‬روى" وأهمل‬
‫الكلم عليه في آخره‪ ،‬وهذا علمة السناد الضعيف‪،‬‬
‫كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه "الترغيب"‪،1/555 :‬‬
‫‪ - 556‬طبع مصطفى الحلبي ‪ -‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫وسيأتي رأى أبى عبيد فيه وتعليقنا عليه‪.‬‬
‫وقال الحافظ في التلخيص ص ‪ :183‬أخرجه أبو داود‬
‫من حديث حسين المعلم وهو ثقة عن عمرو وفيه‬
‫رد على الترمذي حيث جزم بأنه ل يعرف إل من‬
‫حديث ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو‪ ،‬وقد‬
‫ضا‪..‬أ هـ)‪.‬‬
‫تابعهم حجاج بن أرطأة أي ً‬
‫(ب) وما روى أبو داود ‪-‬واللفظ له‪ -‬والدارقطني‬
‫والحاكم والبيهقي عن عائشة أنها قالت‪" :‬دخل على‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،-‬فرأى في‬
‫يدي فتخات من ورق‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا يا عائشة ؟‬
‫فقالت‪ :‬صنعتهن أتزين لك ‪-‬يا رسول الله‪ -‬قال‪:‬‬
‫أتؤدين زكاتهن ؟ قالت‪ :‬ل‪ ،‬أو ما شاء الله‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫قال‪ :‬هو حسبك من النار" (قال الحافظ في‬
‫التلخيص ص ‪ :184‬إسناده على شرط الصحيح "أ‬
‫هـ" ولكن هذا الحديث يخالف ما صح عن عائشة‬
‫أنها كانت ل تزكى حلى بنات أخيها مع ما صح عنها‬
‫من تزكية مال اليتامى) (والفتخات‪ :‬خواتيم كبار كان‬
‫النساء يتحلين بها)‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ثم ما رواه أبو داود وغيره عن أم سلمة قالت‪ :‬كنت‬
‫حا من ذهب‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬أكنز‬ ‫ألبس أوضا ً‬
‫هو ؟ قال‪" :‬ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس‬
‫بكنز"‪.‬‬
‫قال المنذري‪ :‬في إسناده عتاب بن بشير ‪-‬أبو‬
‫الحسن الحراني‪ -‬وقد أخرج له البخاري‪ ،‬وتكلم فيه‬
‫غير واحد (مختصر السنن‪( )2/175 :‬والوضاح‪ :‬نوع‬
‫من الحلي)‪.‬‬
‫القائلون بعدم وجوب الزكاة في الحلي‬
‫(يمكننا أن ندخل ضمن هذا المذهب من قال بزكاة‬
‫الحلي مرة واحدة في العمر‪ ،‬كما هو مروى عن‬
‫أنس‪ ،‬ومن قال بأن زكاة الحلي عاريته كما هو‬
‫مروى عن بعض الصحابة والتابعين كما سيأتي لن‬
‫غرضنا من القول بعدم الزكاة في الحلي‪ :‬عدم‬
‫الزكاة الحولية المقدرة المعهودة)‪.‬‬
‫قال ابن حزم في المحلى‪ :‬قال جابر بن عبد الله‬
‫وابن عمر‪ :‬ل زكاة في الحلي‪ ،‬وهو قول أسماء بنت‬
‫ضا عن عائشة‪ ،‬وهو عنها صحيح‪،‬‬ ‫أبى بكر‪ ،‬وروى أي ً‬
‫وهو قول الشعبي وعمرة بنت عبد الرحمن‪ ،‬وأبى‬
‫ضا عن طاووس‬ ‫جعفر محمد بن على‪ ،‬وروى أي ً‬
‫والحسن وسعيد بن المسيب‪ ،‬واختلف فيه قول‬
‫سفيان الثوري‪ ،‬فمرة رأى فيه الزكاة‪ ،‬ومرة لم يرها‬
‫أ هـ (المحلى‪.)6/176 :‬‬
‫وهو قول القاسم بن محمد ابن أخي عائشة‪ ،‬وإليه‬
‫ذهب مالك بن أنس‪ ،‬وأحمد بن حنبل‪ ،‬وإسحاق بن‬
‫راهويه‪ ،‬وهو أظهر قولي الشافعي كما قال‬
‫الخطابى (معالم السنن‪ ،3/176 :‬وهو المذهب‬
‫المعتمد لدى الشافعية كما في المجموع‪)6/136 :‬‬
‫وهو مذهب أبى عبيد كما سيأتي‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫أدلة هذا القول‬
‫تتلخص أدلة هذا القول فيما يلي‬
‫أولً‪ :‬أن الصل براءة الذمم من التكاليف ما لم يرد‬
‫بها دليل شرعي صحيح‪ ،‬ولم يوجد هذا الدليل في‬
‫زكاة الحلي‪ ،‬ل من نص‪ ،‬ول من قياس على‬
‫منصوص‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن الزكاة إنما تجب في المال النامي أو المعد‬
‫للنماء‪ ،‬والحلي ليس واحدًا منهما‪ ،‬لنه خرج عن‬
‫النماء بصناعته حليًا يلبس ويستعمل وينتفع به فل‬
‫زكاة فيه‪ ،‬وهذا كما قلنا في العوامل من البل‬
‫والبقر‪ ،‬فقد خرجت باستعمالها في السقي والحرث‬
‫عن النماء وسقطت عنها الزكاة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يؤيد هذا الستدلل ما صح عن عدة من‬
‫الصحابة‪ ،‬رضى الله عنهم‪ ،‬من عدم وجوب الزكاة‬
‫فيه‪.‬‬
‫فقد روى مالك في الموطأ عن القاسم بن محمد‬
‫(معالم السنن‪ ،3/176 :‬وهو المذهب المعتمد لدى‬
‫الشافعية كما في المجموع‪ :)6/136 :‬أن عائشة زوج‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كانت تلي بنات أخيها‬
‫يتامى في حجرها يلبسن الحلي‪ ،‬فل تخرج عن‬
‫حليهن الزكاة (هو القاسم بن محمد بن أبى بكر ابن‬
‫أخي عائشة‪ ،‬وأحد الفقهاء السبعة في المدينة)‪.‬‬
‫وروى عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يحلى بناته‬
‫وجواريه الذهب ثم ل يخرج عن حليهن الزكاة‬
‫(الموطأ‪- 1/250 :‬طبع الحلبي‪ -‬باب "مال زكاة فيه‬
‫من الحلي والتبر والعنبر")‪.‬‬
‫وروى ابن أبى شيبة عن القاسم قال‪ :‬كان ما لنا‬
‫عند عائشة‪ ،‬وكانت تزكيه إل الحلي‪ ،‬وعن عمرة‬

‫‪107‬‬
‫ما في حجر عائشة‪ ،‬وكان لنا حلى‬ ‫قالت‪ :‬كنا أيتا ً‬
‫فكانت ل تزكيه‪.‬‬
‫وروى ابن شيبة وأبو عبيد وغيرهما مثل ذلك عن‬
‫جابر بن عبد الله وأسماء بنت أبى بكر بالضافة إلى‬
‫عائشة وابن عمر (انظر المصنف لبن أبى شيبة‪:‬‬
‫‪ ،4/28‬والموال ص ‪.)443‬‬
‫فعن أبى الزبير عن جابر قال‪ :‬ل زكاة في الحلي‪،‬‬
‫قلت‪ :‬إنه يكون فيه ألف دينار‪ ،‬قال‪ :‬يعار ويلبس‪،‬‬
‫وفى رواية قال‪ :‬إن ذلك لكثير‪.‬‬
‫وعن أسماء‪ :‬أنها كانت ل تزكى الحلي‪ ،‬قال‬
‫الشافعي‪ :‬ويروى عن ابن عباس وأنس بن مالك‬
‫‪-‬ول أدرى أثبت عنهما‪ -‬معنى قول هؤلء‪" :‬ليس في‬
‫الحلي زكاة" (الم‪ -2/41 :‬طبع الفنية المتحدة‪،‬‬
‫والقول بعدم الزكاة رواه عن أنس أبو عبيد ص ‪442‬‬
‫والبيهقي‪.)4/138 :‬‬
‫قال القاضي أبو الوليد الباجي في شرح الموطأ‪:‬‬
‫وهذا مذهب ظاهر بين الصحابة‪ ،‬وأعلم الناس به‬
‫عائشة‪ ،‬رضى الله عنهما‪ ،‬فإنها زوج النبي ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،-‬ومن ل يخفى عليها أمره في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وكذلك عبد الله بن عمر‪ ،‬فإن أخته حفصة كانت‬
‫زوج النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬وأمر حليها ل‬
‫يخفى على النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬ول يخفى‬
‫عليها حكمه فيه (المنتقى شرح الموطأ ‪ -‬لبى الوليد‬
‫الباجي‪.)2/107 :‬‬
‫ومما يدل على انتشار هذا بين الصحابة والتابعين ما‬
‫قاله يحيى بن سعيد‪ :‬سألت عمرة عن زكاة الحلي‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬ما رأيت أحدًا يزكيه (المصنف لبن أبى‬
‫شيبة‪ ،4/28 :‬وانظر الموال ص ‪.)442‬‬

‫‪108‬‬
‫وعن الحسن قال‪ :‬ل نعلم أحدًا من الخلفاء قال‪ :‬في‬
‫الحلي زكاة (المصنف لبن أبى شيبة‪ ،4/28 :‬وانظر‬
‫الموال ص ‪.)442‬‬
‫رابعًا‪ :‬روى ابن الجوزي في "التحقيق" بسند عن‬
‫عافية بن أيوب عن الليث بن سعد عن أبى الزبير‬
‫عن جابر عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ ،-‬قال‪:‬‬
‫ليس في الحلي زكاة (ورواه البيهقي في "المعرفة"‬
‫من حديث عافية بن أيوب عن الليث عن أبى الزبير‬
‫عن جابر ثم قال‪ :‬ل أصل له‪ ،‬وإنما يروى عن جابر‬
‫من قوله وعافية قيل‪ :‬ضعيف‪ ،‬وقال ابن الجوزي‪ :‬ل‬
‫حا‪ ،‬وقال البيهقي‪ :‬مجهول‪ ،‬ونقل ابن‬ ‫أعلم فيه جر ً‬
‫أبى حاتم توثيقه عن أبى زرعه (التلخيص ص ‪.)183‬‬
‫[وانظر‪ :‬الجرح والتعديل قسم ‪ 2‬من المجلد ‪ 3‬ص‬
‫‪ ،245‬وفيها أن أبا زرعة سئل عنه فقال‪" :‬هو مصري‬
‫ليس به بأس"‪ ،‬ولم يذكر ابن أبى حاتم شيئًا عنه‬
‫أكثر من هذا)‪.‬‬
‫وقال البيهقي‪ :‬عافية مجهول‪ ،‬وقال ابن الجوزي‪ :‬ما‬
‫حا‪ ،‬وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق‬ ‫نعلم فيه جر ً‬
‫العيد‪ :‬رأيت بخط شيخنا المنذري أنه قال‪ :‬عافية‬
‫ابن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه (انظر‬
‫نصب الراية‪ 375 ،2/374 :‬والمراعاة على المشكاة‪:‬‬
‫‪.)3/82‬‬
‫سا‪ :‬قال ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬يا معشر‬ ‫خام ً‬
‫النساء تصدقن ولو من حليكم" (رواه البخاري في‬
‫باب "صلة العيدين" من صحيحه مطولً‪ ،‬ثم ذكره‬
‫في الزكاة ‪ -‬باب "الزكاة على الزوج واليتام في‬
‫الحجر"‪ -‬انظر "فتح الباري"‪ ،211 ،3/210 :‬ورواه‬
‫الترمذي في كتاب "الزكاة" ‪-‬باب "ما جاء في زكاة‬
‫الحلي"‪ -‬انظر "صحيح الترمذي بشرح ابن العربى"‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫‪( )3/129‬رواه البخاري والترمذي وغيرهما) قال ابن‬
‫العربى‪ :‬هذا الحديث يوجب بظاهره أن ل زكاة في‬
‫الحلي‪ ،‬بقوله للنساء‪" :‬تصدقن ولو من حليكم" ولو‬
‫كانت الصدقة فيه واجبة لما ضرب المثل به صدقة‬
‫التطوع (شرح الترمذي‪ )131 ،3/130 :‬يعنى أنه ل‬
‫يحسن أن يقال‪ :‬تصدقوا ولو من البل السائمة أو‬
‫تصدقوا ولو مما أخرجت الرض من القمح أو مما‬
‫أثمرت النخيل من التمر‪ ،‬ما دامت الصدقة من هذه‬
‫الشياء لزمة ومفروضة‪ ،‬إنما يقال مثلً‪ :‬تصدق ولو‬
‫من لبن بقرتك‪ ،‬تصدق ولو من طعامك وزادك‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك مما ل تجب فيه الزكاة المفروضة‪.‬‬
‫مناقشة وترجيح قول المانعين لوجوب الزكاة في‬
‫الحلي‬
‫والذي أرجحه بعد هذا المعترك الفقهي‪ :‬أن قول‬
‫المانعين لوجوب الزكاة في الحلي أقوى وأولى‪ ،‬مع‬
‫تفصيل وقيود سأذكرها‪.‬‬
‫فهذا القول هو الذي يوافق المبادئ العامة في وعاء‬
‫(الوعاء‪ :‬كلمة يستعملها رجال المالية والضرائب في‬
‫الموال التي تفرض عليها الضرائب وهذا هو‬
‫المصطلح الشائع في مصر وفي بعض البلد العربية‬
‫الخرى كسوريا يستخدمون بدلها‪ :‬المطرح أو‬
‫المصدر) الزكاة‪ ،‬ويجعل لها نظرية مطردة ثابتة‪،‬‬
‫وهى نظرية الوجوب في المال النامي بالفعل‪ ،‬أو‬
‫الذي من شأنه أن ينمى‪ ،‬كالنقود‪ ،‬فهي مال قابل‬
‫لن ينمى‪ ،‬بل يجب أن ينمى ول يكنز فيستحق‬
‫صاحبه العذاب بخلف الحلي المباح للمرأة المعتاد‬
‫لمثلها‪ ،‬فإنه زينة ومتاع شخصي لها‪ ،‬يشبع حاجة من‬
‫حوائجها التي فطرها الله عليها‪ ،‬وهى الرغبة في‬
‫التزين والتجمل وقد راعى السلم هذه الحاجة‬

‫‪110‬‬
‫الفطرية‪ ،‬فأباح لها من ذلك ما حرم على الرجال‬
‫من الذهب والحرير‪.‬‬
‫وإذن يكون الحلي للمرأة كالثياب النيقة‪ ،‬والثاث‬
‫الفاخر‪ ،‬وألوان الزينات والمتعة الرائعة التي تقتنيها‬
‫ما عليها‪.‬‬
‫في البيت مما ليس محر ً‬
‫بل يكون حلى الذهب والفضة هنا كحلي الجواهر‬
‫والللئ والحجار الكريمة التي تلبسها وتتحلى بها‪،‬‬
‫وقد أباحها الله بنص القرآن (في مثل قوله تعالى‬
‫في الية "‪ "14‬من سورة النحل‪ :‬وتستخرجوا منه‬
‫حلية تلبسونها)‪.‬‬
‫وهذه الللئ والجواهر الغالية‪ ،‬وتلك الثياب والمتعة‬
‫الثمينة ‪-‬معفاة من وجوب الزكاة بإجماع الئمة مع‬
‫أنها مال عظيم‪ ،‬له قيمة كبيرة‪.‬‬
‫ولكن الزكاة ‪-‬كما تبين لنا من الهدى النبوي‪ -‬ل تجب‬
‫في كل مال‪ ،‬وإنما تجب ‪-‬كما قلنا‪ -‬في المال النامي‬
‫أو القابل للنماء وما ذلك إل ليبقى الصل‪ ،‬وتؤخذ‬
‫الزكاة من النماء والفضل ولهذا شرط السوم في‬
‫الماشية‪ ،‬وشرط النماء والفضل عن الحوائج‬
‫الصلية وأعفيت دور السكنى ودواب الركوب‬
‫وأدوات الستعمال من الزكاة اتفاقًا‪.‬‬
‫ولقد قرر فقهاء الحنفية أنفسهم ‪-‬الموجبون للزكاة‬
‫في الحلي‪ -‬أن سبب وجوب الزكاة هو‪ :‬ملك مال‬
‫معد مرصد للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة (انظر‬
‫البحر الرائق‪.)2/218 :‬‬
‫فهل ينطبق هذا على حلى المرأة المباح‪ ،‬وهو ليس‬
‫مرصدًا للنماء والزيادة‪ ،‬ول فاضلً‪ ،‬ما دام مستعملً‬
‫في حدود القدر المعتاد لمثلها؟‬
‫ضا الزكاة عن "المواشي‬ ‫ولقد أسقط الحنفية أي ً‬
‫العاملة" في السقي والحرث ونحوها مع وجوب‬

‫‪111‬‬
‫الزكاة في كنسها المتخذ للنماء وهو السائمة ‪-‬لنها‬
‫صرفت عن جهة النماء إلى الستعمال‪ ،‬فأصبحت‬
‫كالدوات والشياء المعدة للنتفاع الشخصي‪ ،‬وهو‬
‫القول الراجح لما بيناه فى موضعه‪.‬‬
‫فكيف جاز عند الحنفية ‪-‬وهم أصحاب قياس‪ -‬أن‬
‫يسقطوا الزكاة عن العوامل‪ ،‬ويوجبوها في الحلي‬
‫المباح‪ ،‬وهما من باب واحد؟‬
‫إن يقيني أن الشريعة ل تفرق بين متماثلين ثبت‬
‫تماثلهما وإذا رأينا هذه التفرقة في قضية دل ذلك‬
‫على خطأ في تصورنا وحكمنا ولهذا احتج أبو عبيد‬
‫على من أوجب زكاة الحلي وأسقط زكاة العوامل‬
‫بأنه فرق بين متماثلين‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫وأوضح من ذلك‪ :‬أنه يستبعد في حكم الشريعة‬
‫العادلة‪ :‬أن يعفى من الزكاة حلى اللؤلؤ والماس‬
‫والجواهر الثمينة‪ ،‬التي يقدر الفص الواحد منها‬
‫بآلف الدنانير‪ ،‬ول يتحلى بها عادة إل النساء الثريات‬
‫والمقتدرات‪ ،‬وزوجات الثرياء الكبار وبناتهم ثم‬
‫توجب الشريعة الزكاة في حلى الذهب والفضة‪،‬‬
‫التي يتحلى بها عادة المتوسطات الحال‪ ،‬بل كثير‬
‫من الفقيرات‪ ،‬كما نرى في نساء الريف والقرى‪،‬‬
‫وزوجات الفلحين والعمال ورقاق الحال إلى اليوم؟‬
‫هل يعقل أن تبيح الشريعة الغراء لهؤلء النساء‬
‫الستمتاع بحلي الذهب والفضة ثم تأتي فتفرض‬
‫عليهن إخراج ربع عشره في كل عام‪ ،‬على حين‬
‫تعفى أرباب اللؤلؤ والماس ونحوهما؟‬
‫إن الذي نعقله هو إعفاء هؤلء وأولئك جميعًا؛ لن‬
‫هذا الحلي وذاك متاع شخصي‪ ،‬وليس مال ً مرصدًا‬
‫للنماء‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫لقد كان المام الهادي ‪-‬من الزيدية‪ -‬منطقيًا مع‬
‫نفسه حين ذهب إلى وجوب الزكاة في حلى الذهب‬
‫والفضة وفي الجواهر والللئ جميعًا؛ إذ لم يجد‬
‫فرقًا معتبًرا بينهما أما إعفاء أحد الصنفين إعفاء‬
‫كليًا‪ ،‬وإيجاب الزكاة في الخر‪ ،‬فل يسوغ في منطق‬
‫من يرون تعليل أحكام الشريعة‪ ،‬ويرون أنها ل تفرق‬
‫بين متماثلين‪ ،‬وهم الجمهور العظم من الئمة‪.‬‬
‫ومما يعضد ما رجحناه‪ :‬أن القاعدة في كل مال‪ :‬أن‬
‫يؤخذ زكاته منه نفسه؛ من الصل والنماء معًا‪ ،‬أو‬
‫من النماء فقط ول يخرج عن هذه القاعدة‪ ،‬إل‬
‫لضرورة‪ ،‬كما في أخذ السياه من البل إذا كانت‬
‫أقل من خمس وعشرين وقد وضحنا حكمة ذلك في‬
‫زكاة البل‪.‬‬
‫وهنا كيف تستطيع المرأة إخراج الزكاة من حليها إذا‬
‫كانت ل تملك غيره‪ ،‬كما هو شأن الكثيرات ؟ إن‬
‫معنى ذلك‪ :‬أن تكلف بيعه أو بيع جزء منه‪ ،‬أو بيع‬
‫شيء آخر من متاعها‪ ،‬حتى يمكنها أداء ما وجب‬
‫عليه فيه‪.‬‬
‫فهل جاءت الشريعة بمثل هذا في باب الزكاة كله‪،‬‬
‫فيما عدا ما ذكرناه من قضية البل والشياه؟ هل‬
‫كلفت الشريعة المزكى أن يدفع زكاة ماله من مال‬
‫آخر؟ أو كلفته ببيع ماله ليدفع منه الزكاة؟‬
‫ذلك ما لم تجيء به الشريعة فيما رأيت‪ ،‬فكيف‬
‫خالفت هذا الصل هنا؟‬
‫وكل هذا تأييد لنظرية "المال النامي" الذي يفترض‬
‫ما‬
‫أن تؤخذ الزكاة من نمائه ليبقى الصل سال ً‬
‫لصاحبه‪ ،‬ومصدر دخله متجدد له‪.‬‬
‫إن نتيجة إيجاب الزكاة في الحلي ‪-‬وهو ل ينمى‪ -‬أن‬
‫نأتي على مقدار ثمنه في جملة سنين‪ ،‬وهذا ما أخبر‬

‫‪113‬‬
‫به بعض من أوجب فيه الزكاة‪ ،‬فقد سئل ميمون بن‬
‫مهران عن زكاة الحلي‪ ،‬فقال‪" :‬إن لنا طوقًا‪ ،‬لقد‬
‫زكيته حتى آتى على نحو من ثمنه" (الموال ص‬
‫‪ )442‬وأرى أن روح الشريعة في الزكاة تأبى هذا‪.‬‬
‫وإذا كان وجوب الزكاة في المال يدور على النماء‬
‫تبين لنا صحة ما ذكره ابن العربى في أحكام‬
‫القرآن‪" :‬أن قصد النماء لما أوجب الزكاة في‬
‫العروض وهى ليست بمحل ليجاب الزكاة ‪-‬كذلك‬
‫قصد قطع النماء في الذهب والفضة باتخاذها حليًا‬
‫يسقط الزكاة‪ ،‬فإن ما أوجب ما لم يجب يصلح‬
‫لسقاط ما وجب‪ ،‬وتخصيص ما عم وشمل" أ هـ‬
‫(أحكام القرآن لبن العربى‪ ،2/919 :‬وانظر شرح‬
‫الترمذي له‪.)3/131 :‬‬
‫على أن النصوص التي أوجبت الزكاة في الفضة‬
‫والذهب إنما لحظت فيهما اعتبار "الثمينة" ولهذا‬
‫عبرت عن الفضة بالورق والرقة ‪-‬وهي النقود‬
‫الفضية‪ -‬وعبرت عن الذهب بالدنانير ‪-‬وهي النقود‬
‫الذهبية‪ -‬حتى الية الكريمة التي تقول‪( :‬والذين‬
‫يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في سبيل الله)‬
‫(التوبة‪ )34 :‬يدل ذكر الكنز والنفاق فيها على أن‬
‫المراد بالذهب والفضة فيها‪ :‬النقود‪ ،‬لنها هي التي‬
‫تكنز وتنفق‪ ،‬أما الحلي المعتاد المستعمل‪ ،‬فل يعتبر‬
‫كنًزا‪ ،‬كما أنه ليس معدًا للنفاق بطبيعته‪.‬‬
‫وهذا الذي رجحناه هو الذي اختاره وأيده الفقيه‬
‫الحجة المام أبو عبيد في كتابه القيم "الموال"‬
‫ويحسن بي أن أسوق هنا نص عبارته لما فيها من‬
‫نصاعة الحق وقوة الدليل‪ ،‬قال رحمه الله‪:‬‬
‫"أن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إذا بلغت‬
‫الرقة خمس أواق ففيها ربع العشر" فخص رسول‬

‫‪114‬‬
‫الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بالصدقة‪" :‬الرقة" من‬
‫بين الفضة‪ ،‬وأعرض عن ذكر ما سواه فلم يقل ‪-‬إذا‬
‫بلغت كذا ففيها كذا‪ ،‬ولكنه اشترط الرقة من بينها‬
‫ول يعلم هذا السم في الكلم المعقول عند العرب‬
‫يقع إل على الورق (الفضة) المنقوشة‪ ،‬ذات السكة‬
‫السائرة في الناس (يجب أن نذكر أن أبا عبيد إمام‬
‫في اللغة‪ ،‬كما هو في الفقه والثر‪ ،‬وله كتاب‬
‫"غريب الحديث" صنعه في أربعين سنة‪ ،‬وقد طبع‬
‫في حيدر آباد بالهند عام ‪1384‬هـ (‪1964‬م) وظهر منه‬
‫ثلثة أجزاء من أربعة) (يعني النقود الفضية)‪.‬‬
‫"وكذلك والواقي ليس معناها إل الدراهم‪ ،‬كل أوقية‬
‫ما‪ ،‬ثم أجمع المسلمون على الدنانير‬ ‫أربعون دره ً‬
‫المضروبة أن الزكاة واجبة عليه كالدراهم‪ ،‬وقد ذكر‬
‫ضا في بعض الحديث المرفوع (ذكرنا‬ ‫الدنانير أي ً‬
‫أشهرها فى نصاب النقود)‪.‬‬
‫"فلم يختلف المسلمون فيهما‪ ،‬واختلفوا في الحلى‪،‬‬
‫وذلك أنه يستمتع به ويكون جمالً‪ ،‬وأن العين (نقد‬
‫الذهب)‪ ،‬والورق (نقد الفضة) ل يصلحان لشيء من‬
‫الشياء إل أن يكونا ثمنًا لها‪ ،‬ول ينتفع منهما بأكثر‬
‫من النفاق لهما‪ ،‬فبهذا بان حكمهما من حكم الحلي‬
‫الذي يكون زينة ومتاع ًا فصار هنا كسائر الثاث‬
‫والمتعة‪ ،‬فلهذا أسقط الزكاة عنه من أسقطها‪.‬‬
‫"ولهذا المعنى قال أهل العراق‪ :‬ل صدقة في البل‬
‫والبقر العوامل‪ ،‬لنها شبهت بالمماليك والمتعة‪ ،‬ثم‬
‫أوجبوا الصدقة في الحلي‪.‬‬
‫"وأوجب أهل الحجاز الصدقة في البل والبقر‬
‫العوامل‪ ،‬وأسقطوها عن الحلي وكل الفريقين قد‬
‫كان يلزمه أن يجعلهما واحدًا‪ :‬إما إسقاط الصدقة‬
‫عنهما جميعًا‪ ،‬وإما إيجابها فيهما جميعًا‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫"وكذلك هما عندنا‪ ،‬سبيلهما واحد‪ ،‬ل تجب الصدقة‬
‫عليهما‪ ،‬لما قصصنا من أمرهما فأما الحديث‬
‫المرفوع الذي ذكرناه أول هذا الباب‪ ،‬حين قال‬
‫للمرأة اليمانية‪ ،‬ذات المسكتين من ذهب‪" :‬أتعطين‬
‫زكاته" ؟ فإن هذا الحديث ل نعلمه يروى إل من‬
‫ما وحديثًا (قد‬
‫وجه بإسناد قد تكلم الناس فيه قدي ً‬
‫سبق أن الحديث من رواية عمرو بن شعيب عن‬
‫أبيه عن جده وعمرو بن شعيب بن محمد ابن عبد‬
‫الله بن عمرو بن العاص أحد علماء زمانه (ت ‪118‬‬
‫هـ) اختلف في توثيقه وتضعيفه‪ ،‬فممن وثقه ابن‬
‫معين‪ ،‬وابن راهويه والوزاعى‪ ،‬وصالح جزرة‪ ،‬وذكر‬
‫البخاري في تاريخه توثيقه‪ ،‬ومع هذا لم يحتج به في‬
‫جامعه‪.‬‬
‫وعن أحمد بن حنبل‪ :‬عمرو بن شعيب له مناكير‪،‬‬
‫وإنما نكتب حديثه لنعتبر به‪ ،‬فأما أن يكون حجة فل‬
‫وقال عنه مرة أخرى‪ :‬ربما احتججنا بحديثه‪ ،‬وربما‬
‫وجس في القلب منه‪.‬‬
‫وقال أبو زرعة‪ :‬إنما أنكروا عليه كثرة روايته عن‬
‫أبيه عن جده‪ ،‬قالوا‪ :‬إنما سمع أحاديث يسيرة‪ ،‬وأخذ‬
‫صحيفة كانت عنده فرواها‪ ،‬كما عيب عليه أنه كان‬
‫ل يسمع بشيء إل حدث به‪.‬‬
‫سئل ابن المدني عنه فقال‪ :‬ما روى عنه أيوب وابن‬
‫جريج فذلك كله صحيح‪ ،‬وما روى عمرو عن أبيه عن‬
‫جده فإنما هو كتاب وجده‪ ،‬فهو ضعيف‪ ،‬وعن يحيى‬
‫بن معين نحوه‪.‬‬
‫وقال ابن حبان‪ :‬إذا روى عن الثقات غير أبيه يجوز‬
‫الحتجاج به‪ ،‬وإذا روى عن أبيه عن جده‪ ،‬ففيه‬
‫مناكير كثيرة‪ ،‬فل يجوز عندي الحتجاج بذلك‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫وانتهى الذهبي في "الميزان" إلى أن حديثه من‬
‫قبيل الحسن (ميزان العتدال‪.)268 - 3/263 :‬‬
‫وقال الحافظ في الفتح‪ :‬ترجمة عمرو قوية على‬
‫المختار‪ ،‬ولكنه حيث ل تعارض (أ هـ) وهنا قد‬
‫عورضت بما صح عن عائشة وابن عمر وجابر‬
‫وغيرهم من الصحابة من عدم إخراج زكاة الحلي‪،‬‬
‫وقد عاصر عبد الله بن عمرو ‪-‬جد شعيب أبى‬
‫عمرو‪ -‬هؤلء الصحابة‪ ،‬فلم يلزمهم بما سمع من‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬في شأن المرأة‬
‫وابنتها ولو فعل لرجعوا عن أقوالهم‪ ،‬ولنقل ذلك‬
‫والله أعلم)‪ ،‬فإن يكن المر على ما روى‪ ،‬وكان عن‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬محفوظًا‪ ،‬فقد‬
‫يحتمل معناه أن يكون أراد بالزكاة العارية‪ ،‬كما‬
‫فسرته العلماء الذين ذكرناهم‪ :‬سعيد بن المسيب‬
‫والشعبي والحسن وقتادة في قولهم‪" :‬زكاته‬
‫عاريته" (كان من عادة العرب إذا زفت عروس ل‬
‫تستطيع أن تزين نفسها أو يزينها أهلها بالحلي‬
‫المعتاد في العرس أن يعيرها أقاربها وجيرانها من‬
‫حليهم ما تتزين به ليلة العرس‪ ،‬بل كن يستعرن‬
‫ضا كما جاء ذلك في حديث عن‬ ‫الثياب الجميلة أي ً‬
‫عائشة رضي الله عنها وفى عصرنا تؤجر بعض‬
‫المحلت "فساتين" الزفاف وما يكملها من أدوات‪،‬‬
‫للعرائس بأجور عالية‪ ،‬ليعدنها بعد العرس فحبذا لو‬
‫نظمت بعض الجمعيات الخيرية النسائية إعارة‬
‫الحلي ونحوه من الفساتين التي تهمل بعد الزفاف‬
‫ول تلبس‪ -‬لمن يحتجن إليه‪ ،‬مع اتخاذ الضمانات‬
‫اللزمة ويكون ذلك نوع ًا من الزكاة)‪.‬‬
‫ضا‪ ،‬كفرض الرقة لما‬ ‫ولو كانت الزكاة في الحلي فر ً‬
‫اقتصر النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من ذلك على‬

‫‪117‬‬
‫أن يقوله لمرأة يخصها به عند رؤية الحلي عليها‬
‫دون الناس‪ ،‬ولكان هذا كسائر الصدقات الشائعة‬
‫المنتشرة عنه في العالم من كتبه وسننه‪ ،‬ولفعلته‬
‫الئمة بعده‪ ،‬وقد كان الحلي من فعل الناس في آباد‬
‫الدهر‪ ،‬فلم نسمع له ذكًرا في شيء من كتب‬
‫صدقاتهم‪.‬‬
‫"وكذلك حديث عائشة في قولها‪" :‬ل بأس بلبس‬
‫الحلي إذا أعطيت زكاته" ل وجه له عندي سوى‬
‫العارية‪ ،‬لن القاسم بن محمد بن أخيها ‪-‬كان ينكر‬
‫عليها أن تكون أمرت بذلك أحدًا من نسائها أو بنات‬
‫أخيها ولم تصح زكاة الحلي عندنا عن أحد من‬
‫الصحابة إل عن ابن مسعود‪ ،‬فأما حديث عبد الله بن‬
‫عمرو في تزكيته حلى بناته‪ ،‬ففي إسناده نحو مما‬
‫في إسناد الحديث المرفوع‪.‬‬
‫"والقول الخر هو عن عائشة وابن عمر وجابر بن‬
‫عبد الله وأنس بن مالك ثم من وافقهم من التابعين‬
‫بعد ومع هذا كله ما تأولنا فيه سنة النبي ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬المصدقة لمذهبهم عند التدبر والنظر" أ‬
‫هـ (الموال ص ‪.)446‬‬
‫وبعد هذا الكلم النير عن أبى عبيد‪ :‬أحب أن أسجل‬
‫هنا بعض الملحظات على أدلة القائلين بتزكية‬
‫الحلي‪.‬‬
‫تفنيد أدلة الموجبين لزكاة الحلي‬
‫‪ -1‬أما ما يستدل به الموجبون من قوله تعالى‪:‬‬
‫(والذين يكنزون الذهب والفضة ول ينفقونها في‬
‫سبيل الله) (التوبة‪ )34 :‬الية‪ ،‬وقولهم‪ :‬إن الحلي‬
‫من الكنوز‪ ،‬فيرده‪ :‬أن إطلق الكنز على الحلي‬
‫المتخذ للستمتاع بعيد (كما قال الدهلوي في الحجة‬
‫البالغة‪ )2/509 :‬إنما تريد الية‪ :‬الذهب والفضة التي‬

‫‪118‬‬
‫من شأنها أن تنفق بدليل‪( :‬ول ينفقونها) وذلك إنما‬
‫يكون في النقود ل في الحلي الذي هو زينة ومتاع؛‬
‫إذ لم يوجب أحد إنفاق الحلي المباح إل في‬
‫ضرورات تقدر بقدرها‪.‬‬
‫وأما الحاديث التي استند إليها الموجبون لزكاة‬
‫الحلي‪ ،‬فللمانعين مواقف منها‪ ،‬من حيث ثبوتها‪ ،‬أو‬
‫من حيث دللتها‪.‬‬
‫فأما الحديث الول فمتفق على صحته‪" :‬وفى الرقة‬
‫ربع العشر" ولكن الرقة ‪-‬كما سبق‪ -‬إنما هي‬
‫الدراهم المضروبة‪ ،‬ول تطلق على الحلي المصوغ‪.‬‬
‫‪ -2‬وأما الحاديث الخرى‪ ،‬فمنهم من ردها من حيث‬
‫السند‪ ،‬كالترمذي الذي قال‪" :‬ل يصح في هذا الباب‬
‫شيء" (صحيح الترمذي بشرح ابن العربى‪،3/131 :‬‬
‫باب "ما جاء في زكاة الحلي")‪.‬‬
‫وحتى ابن حزم‪ ،‬فمع أنه يقول بوجوب الزكاة في‬
‫الحلي‪ ،‬لم يعتمد على هذه الحاديث‪ ،‬بل أنكر على‬
‫من احتج بها‪ ،‬قال‪ :‬واحتج من رأى إيجاب الزكاة في‬
‫الحلي بآثار واهية ل وجه للنشغال بها (المحلى‪:‬‬
‫‪ ،)6/78‬وإنما اعتمد ابن حزم على العمومات الواردة‬
‫في زكاة الفضة والذهب‪.‬‬
‫فلنقف وقفة للنظر في أسانيد هذه الحاديث‪.‬‬
‫أما حديث عمرو بن شعيب فقد رأينا‪ :‬أن النسائي‬
‫رواه مسندًا ومرسلً‪ ،‬ورجح المرسل‪ ،‬وأن المنذري‬
‫أشار في الترغيب إليه بعلمة الضعف‪ ،‬وقد سمعنا‬
‫قول أبى عبيد فيه‪ ،‬وعلقنا عليه بما يكفي‪.‬‬
‫وأما حديث الفتخات المروى عن عائشة ففي‬
‫إسناده يحيى بن أيوب الغافقي (ت ‪ 168‬هـ) احتج به‬
‫الشيخان وغيرهما‪ ،‬وهو صدوق‪ ،‬ولكن قال الذهبي‪:‬‬
‫قال فيه ابن معين‪ :‬صالح الحديث‪ ،‬وقال أحمد‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫سيئ الحفظ وقال ابن القطان وأبو حاتم‪ :‬ل يحتج‬
‫به‪ ،‬وقال النسائي‪ :‬ليس بالقوى وقال الدارقطني‪:‬‬
‫في بعض حديثه اضطراب وذكر له عدة مناكير‬
‫(انظر‪ :‬الميزان للذهبي‪ ،3/282 :‬الترجمة (‪- )2438‬‬
‫طبع مطبعة المساعدة ‪ -‬سنة ‪ 1325‬هـ)‪.‬‬
‫ومن كان بهذه المنزلة عند أئمة الجرح والتعديل‪،‬‬
‫فل يحتج بحديثه في موضوعات الخلف وبخاصة أن‬
‫عائشة قد صح عنها العمل بخلف هذا الحديث كما‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫وأما حديث أم سلمة‪ ،‬فقد رأينا قول المنذري‪ :‬فيه‬
‫عتاب بن بشير‪ ،‬وقد أخرج له البخاري‪ ،‬وتكلم فيه‬
‫غير واحد‪.‬‬
‫وقال الذهبي في "الميزان" في ترجمته‬
‫"قال أحمد‪ :‬أرجو أل يكون به بأس‪ ،‬أتى عن خصيف‬
‫بمناكير‪ ،‬أراها من قبل خصيف وقال النسائي‪ :‬ليس‬
‫بذاك في الحديث وقال ابن المدني‪ :‬كان أصحابنا‬
‫يضعفونه وقال ابن معين‪ :‬ثقة وقال مرة‪ :‬ضعيف‬
‫وقال على‪ :‬ضربنا على حديثه وقال ابن عدى‪ :‬أرجو‬
‫أنه ل بأس به (ميزان العتدال‪ )3/27 :‬ومعنى هذا‪:‬‬
‫أن أحدًا من هؤلء الئمة لم يجزم بتوثيقه وفيهم من‬
‫جزم بضعفه‪.‬‬
‫ول يهولن القارئ أن البخاري أخرج له‪ ،‬فقد ذكر‬
‫الحافظ ابن حجر‪ :‬أنه ليس له في البخاري إل‬
‫حديثان‪ :‬أحدهما تابع عليه‪ ،‬والثاني ذكره مقرونًا‬
‫بغيره (هدى الساري "مقدمة الفتح"‪.)190 - 2/189 :‬‬
‫وقال الحافظ الزيلعى في "نصب الراية"‪" :‬صاحبا‬
‫الصحيح إذا أخرجا لمن تكلم فيه فإنما ينتقيان من‬
‫حديث ما تابع عليه‪ ،‬وظهرت شواهده وعلم أن له‬

‫‪120‬‬
‫أصلً‪ ،‬ول يرويان ما تفرد به‪ ،‬سيما إذا خالفه الثقات"‬
‫(نصب الراية‪.)1/342 :‬‬
‫هذا وقد تفرد بهذا الحديث ‪-‬عن عتاب بن بشير‪-‬‬
‫ثابت بن عجلن‪ ،‬كما قال البيهقي (المرجع نفسه‪:‬‬
‫‪.)2/372‬‬
‫ضا‪ :‬فابن‬ ‫وثابت ‪-‬وإن أخرج له البخاري‪ -‬تكلم فيه أي ً‬
‫معين وثقة‪ ،‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬أنا متوقف فيه‪،‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬صالح وذكره "ابن عدى" وساق له‬
‫ثلثة أحاديث غريبة وذكره "العقيلي" في كتاب‬
‫"الضعفاء" وقال‪ :‬ل يتابع على حديثه قال‪ :‬فمما أنكر‬
‫عليه حديث عتاب بن بشير عن عطاء عن أم سلمة‬
‫وساق الحديث الذي معنا وقال الحافظ عبد الحق‪:‬‬
‫ثابت ل يحتج به‪ ،‬فناقشه على قوله أبو الحسن بن‬
‫ضا فيه تحامل عليه‬ ‫القطان وقال‪ :‬قول العقيلي أي ً‬
‫وقال‪ :‬إنما يمر بهذا من ل يعرف بالثقة مطلًقا أما‬
‫من عرف بها فانفراده ل يضر‪ ،‬إل أن يكثر ذلك منه‬
‫قال الذهبي معقبًا على ابن القطان‪ :‬أما من عرف‬
‫بالثقة فنعم وأما من وثق‪ ،‬ومثل أحمد المام يتوقف‬
‫فيه‪ ،‬ومثل أبى حاتم يقول‪ :‬صالح الحديث ("صالح‬
‫الحديث" من ألفاظ المرتبة الدنيا من مراتب‬
‫التعديل‪ ،‬عدها بعضهم الرابعة‪ ،‬وبعضهم السادسة‪،‬‬
‫وهو ما أشعر بالقرب من التجريح‪ ،‬كما قال‬
‫السخاوي في شرح "اللفية" والسندس في شرح‬
‫النخبة انظر‪ :‬الرفع والتكميل ص ‪:)124 ،116 ،109‬‬
‫فل نرقيه إلى رتبة الثقة‪ ،‬فتفرد هذا يعد منكًرا‪،‬‬
‫فرجح قول العقيلي وعبد الحق" (الميزان‪- 1/364 :‬‬
‫‪.)365‬‬
‫أما البخاري فإنما أخرج لثابت حديثًا واحدًا في‬
‫الذبائح‪ ،‬وله أصل عنده في الطهارة‪ ،‬كما قال‬

‫‪121‬‬
‫الحافظ (هدى الساري‪ )209 ،2/155 :‬وهذا ‪-‬كما‬
‫عرفنا من طريقة الشيخين‪ -‬ليس بالتوثيق المطلق‪،‬‬
‫كما ذكر الزيلعى ولهذا لم يرو أحد الشيخين هذا‬
‫الحديث ول أي حديث في تزكية الحلي‪.‬‬
‫وإذا كان حديث أم سلمة يدور على ثابت بن عجلن‬
‫وعتاب بن بشير‪ ،‬وكانا هما بما ذكرنا من المنزلة‬
‫عند أئمة النقد؛ ما بين موثق ومضعف ومتوقف‪،‬‬
‫فمثلهما ل يحتج به في مسائل الخلف‪ ،‬التي‬
‫تتعارض فيها الدلئل‪ ،‬وتتعاون كفتا الميزان‪ ،‬فضلً‬
‫عن المسائل التي تعارضها شواهد معتبرة كما في‬
‫إيجاب تزكية الحلي‪.‬‬
‫وقد قال ابن حجر في مقدمة "تهذيب التهذيب"‬
‫(الجزء الول ص ‪ :)5‬وفائدة يراد كل ما قيل في‬
‫الرجل من حرج وتوثيق‪ ،‬تظهر عند المعارضة‬
‫(انتهى) كما في مسألتنا‪.‬‬
‫ومما يشكك في صحة هذه الحاديث في نظري‪:‬‬
‫أنها لم تشتهر بين الصحابة‪ ،‬رغم اختلفهم في هذا‬
‫المر الذي يكاد يمس كل أسرة‪ ،‬وتشتد حاجتهم إلى‬
‫معرفة الحكم فيه‪ ،‬ولو عرفت هذه الحاديث بين‬
‫الصحابة لحسمت النزاع‪ ،‬وارتفع الخلف‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يرتفع‪.‬‬
‫فإما أن تكون الحاديث منسوخة أو غير صحيحة‪،‬‬
‫وإل فيستبعد أن يختلف الصحابة في هذا المر‪ ،‬ول‬
‫يرد بعضهم على بعض بما سمع من الرسول ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،-‬كما هو شأنهم في مسائل الخلف‬
‫الخرى‪.‬‬
‫وقد جاء عن عائشة من أصح طريق ‪-‬كما قال ابن‬
‫حزم‪ -‬أنها خالفت ما روى عنها آنًفا (قال الحافظ‬
‫في التلخيص ‪ -‬بعد حديث الفتخات‪" :‬يمكن الجمع‬

‫‪122‬‬
‫بينهما بأنها كانت ترى الزكاة فيها‪ ،‬ول ترى إخراج‬
‫الزكاة مطلًقا من مال اليتام" أ هـ‪ .‬وهو تأويل بعيد‬
‫عن المتبادر من الحديث)‪ ،‬فكيف يمكن هذا؟‬
‫ولذا قال البيهقي وأقره النووي والمنذري‬
‫(المجموع‪ ،6/35 :‬ومختصر السنن‪ :)2/176 :‬إن رواية‬
‫القاسم وابن أبى مليكة عن عائشة في تركها إخراج‬
‫زكاة الحلي عن بنات أخيها ‪-‬مع ما ثبت من مذهبها‬
‫من إخراج زكاة أموال اليتامى‪ -‬توقع ريبة في هذه‬
‫الرواية المرفوعة‪ ،‬فهي ل تخالف النبي ‪-‬صلى الله‬
‫خا‬
‫عليه وسلم‪ ،-‬فيما روته عنه‪ ،‬إل فيما علمته منسو ً‬
‫(قال الكمال ابن الهمام في فتح القدير (‪-)1/526‬‬
‫بعد أن ذكر الحاديث والثار المؤيدة لمذهب الحنفية‬
‫في القول بزكاة الحلي‪ :‬واعلم أن مما يعكر على ما‬
‫ذكرنا‪ :‬ما في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم‬
‫عن أبيه‪ :‬أن عائشة ‪-‬رضى الله عنها‪ -‬كانت تلي‬
‫بنات أخيها يتامى في حجرها‪ ،‬فل تخرج من حليهن‬
‫الزكاة" وعائشة راوية حديث "الفتخات" وعمل‬
‫الراوي بخلف ما روى‪ ،‬عندنا بمنزلته للناسخ‪،‬‬
‫خا ويجاب عنه بأن الحكم بأن ذلك‬ ‫فيكون ذلك منسو ً‬
‫نسخ عندنا هو إذا لم يعارض مقتضى النسخ معارض‬
‫يقتضي عدمه‪ ،‬وهو ثابت هنا‪ ،‬فإن كتابة عمر إلى‬
‫الشعري تدل على أنه حكم مقرر‪ ،‬وكذا من ذكرنا‬
‫معه من الصحابة فإذا رفع التردد في النسخ‪،‬‬
‫والثبوت متحقق ل يحكم بالنسخ" أ هـ‪.‬‬
‫وقد عرفنا أن كتابة عمر إلى أبى موسى لم تصح؛‬
‫لن في الرواية انقطاعًا‪ ،‬ولهذا أنكر الحسن أن‬
‫يكون أحد من الخلفاء قال بزكاة الحلي‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫وذكر أبو عبيد‪ :‬أن القول بزكاته لم يصح عن أحد‬
‫من الصحابة إل عن ابن مسعود وبهذا ثبت كلم‬
‫البيهقي وغيره من وقوع الريب في رواية الفتخات)‪.‬‬
‫(جـ) ومن العلماء من تأول هذه الحاديث المذكورة‬
‫‪-‬على تقدير صحتها‪ -‬بأن زكاة الحلي إنما وجبت في‬
‫ما‪ ،‬فلما صار‬ ‫الوقت الذي كان الحلي من الذهب حرا ً‬
‫حا للنساء سقطت زكاته بالستعمال‪ ،‬كما تسقط‬ ‫مبا ً‬
‫زكاة الماشية بالستعمال قال البيهقي‪ :‬وإلى ذلك‬
‫ذهب كثير من أصحابنا‪ ،‬ثم ساق أخباًرا تدل على‬
‫تحريم التحلي بالذهب‪ ،‬ثم أخرى تدل على إباحته‬
‫للنساء‪ ،‬ثم قال‪ :‬فهذه الخبار وما ورد في معناها‬
‫تدل على إباحة التحلي بالذهب للنساء‪ ،‬واستدللنا‬
‫بحصول الجماع على إباحته لهن‪ ،‬على نسخ الخبار‬
‫الدالة على تحريمه فيهن خاصة (هذا الجماع الذي‬
‫نقله البيهقي في سننه‪ ،4/142 :‬وذكره ابن حجر في‬
‫الفتح‪ ،10/260 :‬واستقر العمل به في سائر العصور‪،‬‬
‫وفي شتى أقطار السلم ‪-‬يعارض ما ذهب إليه‬
‫المحدث الشيخ ناصر الدين اللباني في رسالته عن‬
‫"آداب الزفاف" ف ‪ :29‬أن التحلي بالذهب حرام‬
‫على النساء حرمته على الرجال‪ ،‬إل ما كان مقطعًا‬
‫كالزرار ونحوها‪.‬‬
‫ومما يؤيد نقل الجماع هنا أمران‪:‬‬
‫أولً‪ :‬اختلف الئمة في وجوب زكاة الحلي للنساء‪،‬‬
‫وحديثهم عنه حديث المر المفروغ من إباحته‪ ،‬ولو‬
‫ما لوجبت فيه الزكاة بالجماع‪.‬‬
‫كان محر ً‬
‫ثانيًا‪ :‬استقرار العمل على الباحة للنساء في شتى‬
‫المصار والعصار ‪-‬منذ عهد الصحابة فمن بعدهم‪-‬‬
‫دون نكير من أحد من المسلمين‪ ،‬وهذه المة ل‬
‫تجتمع على ضللة كل هذه القرون‪ ،‬وتستبيح ما حرم‬

‫‪124‬‬
‫الله ورسوله دون تأويله‪ ،‬ول إنكار من أحد من أهل‬
‫العلم‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن أحاديث حل الذهب والحرير‬
‫للنساء هي المتأخرة والناسخة إذ ل يعقل أن تكون‬
‫الحاديث المحرمة هي الناسخة ثم يعمل الصحابة‬
‫رضوان الله عليهم بضدها ولكنى أوافق الشيخ في‬
‫تحريم ما بلغ حد السرف وتجاوز المعتاد‪ ،‬كالخواتيم‬
‫الكبار ونحوها‪ ،‬ويمكن حمل بعض الحاديث الواردة‬
‫في التحريم على ذلك ول يتسع المجال لمناقشة‬
‫الموضوع هنا)‪.‬‬
‫ويعكر على هذا التأويل أن حديث عائشة كان عن‬
‫"فتخات من ورق" أي فضة‪ ،‬ولم يقل أحد إن الفضة‬
‫كانت محرمة ثم أبيحت (السنن الكبرى‪- 4/140 :‬‬
‫‪ )142‬وفي حديث أم سلمة إقرار لها على لبسه‪.‬‬
‫وقد يخطر تأويل آخر في حديث عائشة وأم سلمة‬
‫‪-‬إن صحت روايتهما‪ -‬ذلك أن النبي ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬كان يعامل نساءه وأهل بيته معاملة خاصة‬
‫فيها شيء من التقشف‪ ،‬ومجافاة الزينة والترف؛‬
‫لما لهن من مكان القدوة بين نساء المة‪ ،‬ولهذا قال‬
‫تعالى‪( :‬يا نساء النبي لستن كأحد من النساء)‬
‫(الحزاب‪( ،)32 :‬يا نساء النبي من يأت منكن‬
‫بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين)‬
‫(الحزاب ‪.)30‬‬
‫صا بهن‪ ،‬ومن أجل ذلك لم‬ ‫ما خا ً‬
‫فلعل هذا كان حك ً‬
‫يرد عنهن أنهن أفتين بذلك لنساء المة عامة‪ ،‬ومن‬
‫أجله لم تزك عائشة حلي بنات أخيها وهن في‬
‫حجرها‪ ،‬مع أنها كانت تخرج الزكاة من سائر‬
‫أموالهن‪ ،‬كما صحت بذلك الرواية‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫(هـ) ومن العلماء من أول هذه الحاديث ‪-‬على‬
‫فرض صحتها‪ -‬بأن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫رأى فيها إسرافًا ومجاوزة للمعتاد (انظر نهاية‬
‫المحتاج‪ )2/88 :‬فأوجب فيها الزكاة كفارة وتطهيًرا‪.‬‬
‫وما يعضد هذا التأويل وصف "المسكتين" اللتين‬
‫كانتا في يدي ابنة المرأة بالغلظ و"الفتخات"‬
‫فسروها بأنها‪ :‬خواتيم كبار فلعلها كانت أكبر مما‬
‫ينبغي وفي هذا دليل لمن قال بتزكية الحلي المحرم‬
‫أو المكروه (المرجع السابق)‪.‬‬
‫ومن الصحابة من قال بزكاة الحلي‪ ،‬ولكن قال‪:‬‬
‫تجب مرة واحدة‪ ،‬وهو مروى عن أنس بن مالك‬
‫‪-‬رضي الله عنه‪ -‬فل تتكرر زكاة الحلي بتكرر الحول‬
‫(انظر المحلى‪ ،6/78 :‬والسنن الكبرى‪.)4/138 :‬‬
‫ومن الصحابة والتابعين من فسر زكاة الحلي‬
‫تفسيًرا آخر‪ :‬فليست زكاته كزكاة النقود بإخراج ربع‬
‫العشر‪ ،‬بل زكاته إعارته في العرس ونحوه لمن‬
‫تحتاج إليه‪ ،‬ويرون ذلك واجبًا‪.‬‬
‫وروى ذلك البيهقي عن ابن عمرو وابن المسيب‬
‫(السنن الكبرى‪.)4/140 :‬‬
‫وروى أبو عبيد وابن أبى شيبة ذلك عن‪ :‬سعيد بن‬
‫المسيب‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬وقتادة‪ ،‬والشعبي‪ ،‬أن‬
‫زكاة الحلي إعارته (الموال ص ‪ ،443‬والمصنف‪:‬‬
‫‪.)4/28‬‬
‫وكل هذه الحتمالت الواردة في دللة الحاديث‬
‫المذكورة تسقط الستدلل بها وفًقا للقاعدة‬
‫المشهورة‪ :‬إذا تطرق إلى الدليل الحتمال‪ ،‬سقط به‬
‫الستدلل وهذا كله مبنى على افتراض التسليم‬
‫بصحة هذه الحاديث فكيف وفى كل منها ما ذكرناه‬
‫من أسباب الضعف؟‬

‫‪126‬‬
‫والغريب في هذه القضية‪ :‬أن فقهاء مدرسة الرأي‬
‫‪-‬كما يسمون‪ -‬يستدلون على مذهبهم فيها بالحديث‬
‫والثر‪ ،‬وفقهاء مدرسة الحديث يستدلون بالرأي‬
‫والنظر (وهذا يدلنا على أن تقسيم الئمة المتبوعين‬
‫إلى أهل رأى‪ ،‬وأهل حديث ‪-‬تقسيم فيه كثير من‬
‫المبالغة؛ فإن أهل الرأي ل يرفضون الحديث‪ ،‬وأهل‬
‫الحديث ل يرفضون الرأي والنظر‪ -‬كما رأينا‪-‬‬
‫والقضية تحتاج إلى تمحيص وقد أثبت أستاذنا‬
‫العلمة الشيخ محمد أبو زهرة فى كتابه عن "مالك"‬
‫ضا‪ ،‬وأيد ذلك بالدلة الناصعة‪.‬‬ ‫أنه من أهل الرأي أي ً‬
‫فليراجع‪.).‬‬
‫وأما ما ورد عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود‬
‫‪-‬وقد صح ذلك عنه‪ -‬وابن عمرو بن العاص ‪-‬وفي‬
‫صحته كلم‪ -‬فالملحظ‪ :‬أنهم لم يفتوا بذلك الناس‬
‫كافة‪ ،‬ولم يرد عنهم أنهم ألزموا به الجميع‪.‬‬
‫وكل ما ورد عنهم أنهم عملوا بذلك في خاصة‬
‫أنفسهم وبيوتهم‪ ،‬فامرأة ابن مسعود تسأله عن‬
‫طوقها الذهبي‪ :‬أتؤدى زكاته ؟ فيجيبها‪ :‬نعم وسؤالها‬
‫ما بينهم‬‫عنه يدل على أن حكم الحلي لم يكن متعل ً‬
‫وابن عمرو يزكى حلى بناته كل عام فل يبعد أن‬
‫يكون هذا ورع ًا منهم‪ ،‬وعمل ً بالحتياط لنفسهم‬
‫ما‪.‬‬
‫وأهلهم في أمر لم يعرفوا فيه عن الرسول حك ً‬
‫الثر الوحيد الذي يخرج عن هذه الدائرة هو ما قيل‬
‫إن عمر كتب إلى أبى موسى أن يأمر نساء‬
‫المسلمين أن يزكين حليهن‪ ،‬ولكن هذا لم تثبت‬
‫صحته‪ ،‬وأنكر الحسن أن يكون أحد من الخلفاء‬
‫أوجب زكاة الحلي‪.‬‬
‫ما اتُّخذ من الحلي كنًزا ففيه الزكاة‬

‫‪127‬‬
‫وما اخترناه من عدم زكاة الحلي إنما نعنى به‬
‫المستعمل المنتفع به‪ ،‬فهذا الذي قلنا‪ :‬إنه زينة‬
‫ومتاع‪ ،‬أما ما اتخذ مادة للكنز والدخار‪ ،‬واعتبره‬
‫أصحابه بمنزلة الدنانير المخزونة‪ ،‬والنقود المكنوزة‪،‬‬
‫فمثل هذا يجب أن يزكى‪.‬‬
‫ولذا روى عن سعيد بن المسيب‪ :‬الحلي إذا لبس‬
‫وانتفع به فل زكاة فيه‪ ،‬وإذا لم يلبس ولم ينتفع به‬
‫ففيه الزكاة (الموال ص ‪.)443‬‬
‫وقال مالك‪ :‬من كان عنده تبر وحلي من ذهب أو‬
‫فضة ل ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل‬
‫عام‪ ،‬يوزن فيؤخذ ربع عشره‪ ،‬إل أن ينقص عن وزن‬
‫عشرين ديناًرا عينًا أو مائتي درهم فإن نقص عن‬
‫ذلك فليس فيه الزكاة‪ ،‬وإنما تكون فيه الزكاة إذا‬
‫كان إنما يمسكه لغير اللبس‪ ،‬فأما التبر والحلي‬
‫المكسور الذي يريد أهله إصلحه ولبسه فإنما هو‬
‫بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله‪ ،‬فليس على أهله‬
‫فيه زكاة (الموطأ وشرحه المنتقى‪ 2/107 :‬وقد تبين‬
‫من قول مالك أن الحلي إذا انكسر ولم يمكن‬
‫إصلحه‪ ،‬أو لم ينو إصلحه‪ :‬تجب فيه الزكاة انظر‪:‬‬
‫بلغة السالك‪ ،1/19 :‬والروضة للنووي‪ 2/261 :‬وينعقد‬
‫الحول من يوم النكسار)‪.‬‬
‫وقال النووي‪ :‬قال أصحابنا‪ :‬لو اتخذ حليًا ولم يقصد‬
‫حا‪ ،‬بل قصد‬ ‫به استعمال ً محر ً‬
‫ما ول مكروهًا ول مبا ً‬
‫كنزه واقتناءه‪ ،‬فالمذهب الصحيح وجوب الزكاة فيه‬
‫وبه قطع الجمهور (المجموع‪ ،6/36 :‬والروضة‪:‬‬
‫‪.)2/260‬‬
‫ونحو هذا ما قاله الليث بن سعد‪ :‬ما كان من حلى‬
‫يلبس ويعار فل زكاة فيه‪ ،‬وما كان من حلى اتخذ‬
‫ليحرز من الزكاة ففيه الزكاة (المحلى‪،)6/76 :‬‬

‫‪128‬‬
‫ومعنى هذا أن القصد منه ليس اللبس والستعمال‪،‬‬
‫بل الفرار من الزكاة‪.‬‬
‫قال ابن حزم ردًا على قول الليث‪ :‬ولو كان هذا‬
‫لوجب على من اشترى بدراهمه داًرا أو ضيعة‬
‫ليحرزها من الزكاة أن يزكيها (المرجع السابق)‬
‫ونحن نقول‪ :‬إن روح الشريعة التي جاءت بإبطال‬
‫الحيل‪ ،‬ومعاملة المحتال بنقيض قصده تحتم هذا‪.‬‬
‫وكذلك قرر الحنابلة‪ :‬أن ما اتخذ حليًا فراًرا من‬
‫الزكاة ل تسقط عنه (المغنى‪.)3/11 :‬‬
‫وسنعود لمسالة الحتيال على إسقاط الزكاة في‬
‫باب أداء الزكاة إن شاء الله‪.‬‬
‫وحلي الرجل الذي يحلي به أهله أو يعيره لمن‬
‫يتحلى به أو يعيده لذلك‪ ،‬شأنه شأن الحلي الذي‬
‫تملكه المرأة‪ ،‬لنه مصروف عن جهة النماء إلى‬
‫استعمال مباح‪.‬‬
‫ما جاوز المعتاد من الحلي ففيه الزكاة‬
‫وما بلغ من الحلي حد السرف ومجاوزة المعتاد‬
‫يجب أن يزكى‪ ،‬وذلك أن وجه إسقاط الزكاة عن‬
‫الحلي ‪-‬مع أنه مادة النقدين‪ -‬هو أن الشريعة أباحت‬
‫استعماله والتزين به للمرأة‪ ،‬فصار بمنزلة الثياب‬
‫ومتاع البيت‪.‬‬
‫أما ما جاوز حد العتدال فهو محرم أو مكروه‪،‬‬
‫واستعمال غير معترف به شرع ًا ولذا قال النووي‪:‬‬
‫قال أصحابنا ‪-‬يعنى الشافعية‪ :‬كل حلى أبيح للنساء‬
‫فإنما يباح إذا لم يكن فيه سرف ظاهر‪ ،‬فإن كان‬
‫كخلخال وزنه مائتا دينار‪ ،‬فالصحيح الذي قطع به‬
‫معظم العراقيين تحريمه (المجموع‪.)6/40 :‬‬
‫وقال ابن حامد ‪-‬من الحنابلة‪ -‬في الحلي‪ :‬يباح ما لم‬
‫يبلغ ألف مثقال فإن بلغها حرم‪ ،‬وفيه الزكاة لما‬

‫‪129‬‬
‫روى أبو عبيد والثرم عن عمرو بن دينار قال‪ :‬سئل‬
‫جابر عن الحلي ‪ -‬هل فيه زكاة ؟ قال‪ :‬ل! فقيل له‪:‬‬
‫ألف دينار ؟ فقال‪ :‬إن ذلك لكثير (المغنى‪3/11 :‬‬
‫وانظر الثر رقم (‪ )1275‬من الموال ص ‪ ،442‬ورواه‬
‫ضا الشافعي والبيهقي‪ -‬انظر السنن الكبرى‪:‬‬ ‫أي ً‬
‫‪ )4/138‬ولنه يجر إلى السرف والخيلء‪ ،‬ول يحتاج‬
‫إليه في الستعمال (المغنى‪.)3/11 :‬‬
‫وهذا استدلل قوى‪ ،‬ولكن صاحب "المغنى" رجح‬
‫بأن الشرع أباح التحلي مطلًقا من غير تقييد‪ ،‬فل‬
‫يجوز تقييده بالرأي والتحكيم (المرجع السابق‪:‬‬
‫‪.)3/11‬‬
‫ونسى الشيخ ‪-‬رحمه الله‪ -‬أن استعمال المباحات‬
‫في الشريعة مقيد بقيدين‪ :‬عدم السراف‪ ،‬وعدم‬
‫الختيال‪.‬‬
‫وفي هذا جاء عن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪:-‬‬
‫"كلوا واشربوا والبسوا من غير سرف ول مخيلة"‬
‫(رواه البخاري في صحيحه معلًقا ‪-‬انظر تفسير ابن‬
‫كثير‪ -2/182 :‬طبع عيسى الحلبي)‪ ،‬ورواه النسائي‬
‫في سننه ‪-‬كتاب الزكاة‪ -‬الحتيال في الصدقة‪-5/79 :‬‬
‫طبع المطبعة المصرية بالزهر)‪.‬‬
‫ويمكن أن يحمل حديث المرأة اليمنية ‪-‬التي دخلت‬
‫على الرسول وفى يد ابنتها مسكتان غليظتان من‬
‫ذهب‪ ،‬فقال لها ما قال‪ -‬على أن هذا القدر كان‬
‫مجاوًزا للمعتاد‪ ،‬وفيه إسراف‪ ،‬بالنسبة لبنة المرأة‪،‬‬
‫ولهذا وصفت المسكتان بالغلظ ومن العلماء من‬
‫أول هذا الحديث بذلك‪ ،‬وأن الزكاة إنما شرعت‬
‫للزيادة فيه على قدر الحاجة (نصب الراية‪،2/375 :‬‬
‫والمرقاة الجزء الرابع) ولعل هذا ما جعل عبد الله‬
‫بن عمرو يزكى حلي بناته‪ ،‬فقد رووا أنه حلى ثلث‬

‫‪130‬‬
‫بنات له بستة آلف دينار (رواه أبو عبيد ص ‪)440‬‬
‫وهذا قدر كبير تجاوز المعتاد ولكن هل يزكى القدر‬
‫الزائد أم الجميع؟ الظاهر من الحاديث المذكورة‬
‫أن الجميع يزكى حينئذ كأن ذلك نوع من التكفير عن‬
‫هذا الغلو في استعمال المباح والله أعلم‪.‬‬
‫إن القول بالباحة المطلقة‪ ،‬وبعدم إيجاب الزكاة‬
‫مطلًقا‪ ،‬جعل مجموعة من ثروة المة تعطل في‬
‫نفائس من الحلي‪ ،‬قد يمر العام والعوام ول تتحلى‬
‫به المرأة‪ ،‬مما اضطرهم أن يودعوها في خزانات‬
‫خاصة في المصارف (البنوك) خشية عليها من‬
‫سطو اللصوص‪.‬‬
‫ولكن ما حد السراف؟‬
‫إن حد ذلك ‪-‬فيما أرى‪ -‬يختلف باختلف الشخاص‬
‫والبيئات والحوال‪ ،‬فحلي بألف دينار قد يكون‬
‫مناسبًا لثرية أو زوجة ثرى في بلد غني مثل أمريكا‪.‬‬
‫وقد يكون نصفه أو ربعه أو دون ذلك إسرافًا في‬
‫بعض البلد التي ل يجد النسان فيها قوت يومه إل‬
‫بشق النفس‪ ،‬فل بد من النظر في الباحة إلى ثراء‬
‫الفرد وثراء المة معًا والحكم في هذا هو العرف‬
‫(قال الرملي في "نهاية المحتاج" وهو يتحدث عن‬
‫خاتم الفضة للرجل وكم تكون زنته أمثقال ً أم أكثر ؟‬
‫قال‪" :‬المعتمد ضبطه بالعرف‪ ،‬فما خرج عنه كان‬
‫إسرافًا كما في الخلخال للمرأة وعلى ما تقرر‬
‫فالوجه اعتبار عرف أمثاله كالملبس" أ هـ)‪.‬‬
‫ما ول مكروهًا لدلت‬ ‫على أن هذا لو لم يكن حرا ً‬
‫مجاوزة المعتاد فيه على أنه إنما اتخذ كنًزا ل حلية‪.‬‬
‫ولعل مما يوضح هذا في عصرنا أن من الناس من‬
‫يتخذ من الحلي والجواهر وسيلة من وسائل تهريب‬
‫النقود‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫وينبغي أن يكون هذا هو حكم اللؤلؤ والياقوت‬
‫والماس وكل الحجار الكريمة والجواهر النفيسة‪،‬‬
‫فما اتخذ منها للحلية والزينة ولم يبلغ درجة‬
‫السراف فل زكاة فيه‪ ،‬وما جاوز المعتاد مجاوزة‬
‫بينه فهو من السراف المحرم‪ ،‬ول يصح أن يتمتع‬
‫بالعفاء من الزكاة وكذلك ما اتخذ بقصد الكتناز‬
‫جدير أن تجب فيه الزكاة‪ ،‬إذ اقتناؤه حينئذ حيلة‬
‫للتهرب مما في المال من حق معلوم للسائل‬
‫والمحروم‪ ،‬والنية هي الفيصل في هذا‪ ،‬ويدل عليها‬
‫مجاوزة المعتاد‪.‬‬
‫وما دام وجوب الزكاة يدور على مجاوزة المعتاد‪،‬‬
‫فإن القدر المعتاد يعفى من وجوب الزكاة ولو أخرج‬
‫عنه كله فهو أولى وأحوط‪ ،‬مرافقة لظاهر الحاديث‪،‬‬
‫كما ذكرنا‪.‬‬
‫تلخيص أحكام زكاة الذهب والفضة حسب الرأي‬
‫الراجح‬
‫نستطيع تلخيص أحكام هذا المبحث ‪-‬حسبما‬
‫رجحناه‪ -‬فيما يلي‪:‬‬
‫(أ) من ملك مصوغًا من الذهب أو الفضة نظر في‬
‫أمره‪ ،‬فإن كان للقتناء والكتناز ‪-‬ذخيرة للزمن‪-‬‬
‫وجبت فيه الزكاة‪ ،‬لنه مرصد للنماء‪ ،‬فهو كغير‬
‫المصوغ من السبائك والنقود المضروبة‪.‬‬
‫(ب) وإن كان معدًا للنتفاع والستعمال الشخصي‬
‫ما‬
‫نظرنا في نوع هذا الستعمال‪ ،‬فإن كان محر ً‬
‫كأواني الذهب والفضة والتحف والتماثيل‪ ،‬وما يتخذه‬
‫الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب أو‬
‫نحو ذلك وجبت فيه الزكاة؛ لنه عدل به عن أصله‬
‫بفعل غير مباح فسقط حكم فعله‪ ،‬وبقى على حكم‬
‫الصل‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫(ج) ومن الستعمال المحرم ما كان فيه سرف‬
‫ظاهر من حلي النساء‪ ،‬ويعرف ذلك بمجاوزة‬
‫المعتاد لمثل هذه المرأة في مثل بيئتها وعصرها‬
‫وثروة أمتها‪.‬‬
‫(د) وإن كان الحلي معدًا لستعمال مباح كحلي‬
‫النساء ‪-‬في غير سرف‪ -‬وما أعد لهن‪ ،‬وخاتم الفضة‬
‫للرجال‪ :‬لم تجب فيه الزكاة؛ لنه مال غير نام‪ ،‬لنه‬
‫من حاجات النسان وزينته كثيابه‪ ،‬وأثاثه ومتاعه‪،‬‬
‫وقد أعد لستعمال مباح‪ ،‬فلم تجب فيه الزكاة‬
‫كالعوامل من البل والبقر‪.‬‬
‫(هـ) ول فرق بين أن يكون الحلي المباح مملوكًا‬
‫لمرأة تلبسه أو تعيره أو يكون مملوكًا لرجل يحلى‬
‫به أهله أو يعيره أو يعده لذلك‪.‬‬
‫(و) وما وجبت فيه الزكاة من الحلي أو النية أو‬
‫التحف يزكى زكاة النقدين‪ ،‬فيخرج ربع عشره (‬
‫‪2.5‬بالمائة) كل حول‪ ،‬وحده أو مع بقية ماله‪ ،‬إن كان‬
‫له مال‪.‬‬
‫(ز) وهذا بشرط أن يكون نصابًا أو يكمل بمال عنده‬
‫ما من الذهب‪.‬‬ ‫قدر نصاب‪ ،‬وهو خمسة وثمانون جرا ً‬
‫والمعتبر‪ :‬القيمة ل الوزن لن للصنعة أثرها في‬
‫زيادة القيمة‪.‬‬
‫================‬
‫زكاة الفطر ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫‪ - 1‬من معاني الّزكاة في اللّغة ‪ :‬النّماء ‪ ،‬والّزيادة ‪،‬‬
‫شيء ‪ ،‬وما أخرجته من مالك‬ ‫صلح ‪ ،‬وصفوة ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫لتطهّره به ‪ .‬والفطر ‪ :‬اسم مصدرٍ من قولك ‪ :‬أفطر‬
‫صائم إفطاًرا ‪ .‬وأضيفت الّزكاة إلى الفطر ; لنّه‬ ‫ال ّ‬
‫سبب وجوبها ‪ ،‬وقيل لها فطرة ‪ ،‬كأنّها من الفطرة‬

‫‪133‬‬
‫ووي ‪ :‬يقال للمخرج ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الّتي هي الخلقة ‪ .‬قال الن ّ‬
‫فطرة ‪ .‬والفطرة ‪ -‬بكسر الفاء ل غير ‪ -‬وهي لفظة‬
‫مولّدة ل عربيّة ول معّربة بل اصطلحيّة للفقهاء ‪،‬‬
‫صلة‬‫ة على المختار ‪ ،‬كال ّ‬ ‫ة شرعي ّ ً‬ ‫فتكون حقيق ً‬
‫والّزكاة ‪ .‬وزكاة الفطر في الصطلح ‪ :‬صدقة تجب‬
‫بالفطر من رمضان ‪ .‬حكمة مشروعيّتها ‪:‬‬
‫‪ - 2‬حكمة مشروعيّة زكاة الفطر الّرفق بالفقراء‬
‫سؤال في يوم العيد ‪ ،‬وإدخال‬ ‫بإغنائهم عن ال ّ‬
‫سرور عليهم في يوم يسّر المسلمون بقدوم العيد‬ ‫ال ّ‬
‫صوم‬ ‫عليهم ‪ ،‬وتطهير من وجبت عليه بعد شهر ال ّ‬
‫س‬ ‫ّ‬
‫من اللغو والّرفث ‪ .‬روى أبو داود عن ابن عبّا ٍ‬
‫رضي الله تعالى عنهما قال ‪ { :‬فرض رسول اللّه‬
‫صائم‬ ‫صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ‪ ،‬طهرةً لل ّ‬
‫ة للمساكين ‪ ،‬من أدّاها‬ ‫من اللّغو والّرفث ‪ ،‬وطعم ً‬
‫صلة فهي زكاة مقبولة ‪ ،‬ومن أدّاها بعد‬ ‫قبل ال ّ‬
‫صدقات } ‪.‬‬ ‫صلة فهي صدقة من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي)‪:‬‬ ‫( الحكم التّكليف ّ‬
‫ن زكاة الفطر واجبة‬ ‫‪ - 3‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫ل القائلون بالوجوب بما‬ ‫ل مسلم ٍ ‪ .‬واستد ّ‬ ‫على ك ّ‬
‫رواه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال ‪:‬‬
‫{ فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة‬
‫الفطر من رمضان على النّاس صاعًا من تمرٍ ‪ ،‬أو‬
‫ر ‪ ،‬أو عبدٍ ‪ ،‬ذكرٍ أو‬‫ل ح ٍّ‬‫صاع ًا من شعيرٍ ‪ ،‬على ك ّ‬
‫أنثى من المسلمين } ‪ .‬وبقوله صلى الله عليه‬
‫ل حّرٍ وعبدٍ صغيرٍ أو كبيرٍ ‪،‬‬ ‫وسلم ‪ { :‬أدّوا عن ك ّ‬
‫ر أو صاع ًا من تمرٍ أو شعيرٍ } وهو‬ ‫نصف صاٍع من ب ّ ٍ‬
‫ل للمالكيّة‬ ‫أمر ‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب ‪ .‬وفي قو ٍ‬
‫ي‪.‬‬ ‫مقابل للمشهور ‪ :‬إنّها سنّة ‪ ،‬واستبعده الدّسوق ّ‬

‫‪134‬‬
‫شرائط وجوب أداء زكاة الفطر ‪ :‬يشترط لوجوب‬
‫أدائها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 4‬أوًّل ‪ :‬السلم ‪ :‬وهذا عند جمهور الفقهاء ‪ .‬وروي‬
‫ح عندهم أنّه يجب على‬ ‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫عن ال ّ‬
‫الكافر أن يؤدّيها عن أقاربه المسلمين ‪ ،‬وإنّما كان‬
‫السلم شرطًا عند الجمهور ; لنّها قربة من‬
‫صائم من الّرفث واللّغو ‪ ،‬والكافر‬ ‫القرب ‪ ،‬وطهرة لل ّ‬
‫ليس من أهلها إنّما يعاقب على تركها في الخرة ‪5 .‬‬
‫‪ -‬ثانيًا ‪ :‬الحّريّة عند جمهور الفقهاء خلفًا للحنابلة ;‬
‫ن العبد ل يملك ‪ ،‬ومن ل يملك ل يملّك ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫‪ -6‬ثالثًا ‪ :‬أل يكون قادًرا على إخراج زكاة الفطر ‪،‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في معنى القدرة على إخراجها ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى عدم‬ ‫فذهب المالكيّة وال ّ‬
‫اشتراط ملك النّصاب في وجوب زكاة الفطر ‪.‬‬
‫ن معنى القدرة على إخراج‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫صدقة الفطر أن يكون مالكًا للنّصاب الّذي تجب فيه‬
‫ل كان ‪ ،‬سواء كان من الذ ّهب أو‬ ‫أي ما ٍ‬
‫الّزكاة من ّ‬
‫سوائم من البل والبقر والغنم ‪ ،‬أو من‬ ‫ضة ‪ ،‬أو ال ّ‬ ‫الف ّ‬
‫عروض التّجارة ‪ .‬والنّصاب الّذي تجب فيه الّزكاة‬
‫ضة مائتا درهم ٍ ‪ .‬فمن كان عنده هذا القدر‬ ‫من الف ّ‬
‫س‬
‫ل وملب ٍ‬ ‫فاضًل عن حوائجه الصليّة من مأك ٍ‬
‫س ‪ ،‬وجبت عليه زكاة الفطر ‪.‬‬ ‫ن وسلٍح وفر ٍ‬ ‫ومسك ٍ‬
‫وفي وجهٍ آخر للحنفيّة إذا كان ل يملك نصابًا تجوز‬
‫صدقة عليه مع‬ ‫صدقة عليه ‪ .‬ول يجتمع جواز ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وجوبها عليه ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إذا كان قادًرا على‬
‫ل من صاٍع وعنده‬ ‫المقدار الّذي عليه ولو كان أق ّ‬
‫قوت يومه وجب عليه دفعه ‪ ،‬بل قالوا ‪ :‬إنّه يجب‬
‫عليه أن يقترض لداء زكاة الفطر إذا كان يرجو‬
‫ما ‪ ،‬وإن كان ل يرجو القضاء‬ ‫القضاء ; لنّه قادر حك ً‬

‫‪135‬‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ :‬إنّها تجب‬ ‫ل يجب عليه ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫على من عنده فضل عن قوته وقوت من في نفقته‬
‫ن‬ ‫ً‬
‫ليلة العيد ويومه ‪ ،‬ويشترط كونه فاضل عن مسك ٍ‬
‫ح ‪ .‬واتّفق جميع القائلين‬ ‫وخادم ٍ يحتاج إليه في الص ّ‬
‫ن المقدار الّذي‬ ‫بعدم اشتراط ملك النّصاب على أ ّ‬
‫جا إليه ل تجب عليه زكاة الفطر ‪،‬‬ ‫عنده إن كان محتا ً‬
‫ل الجمهور على عدم اشتراط‬ ‫قادر ‪ .‬استد ّ‬‫ٍ‬ ‫لنّه غير‬
‫ي‪،‬‬‫ن من عنده قوت يومه فهو غن ّ‬ ‫ملك النّصاب بأ ّ‬
‫فما زاد على قوت يومه وجب عليه أن يخرج منه‬
‫زكاة الفطر ‪ ،‬والدّليل على ذلك ما رواه سهل بن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫الحنظليّة عن النّب ّ‬
‫{ من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من النّار ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬وما يغنيه ؟ قال ‪ :‬أن يكون‬
‫ن من عنده‬ ‫ل الحديث على أ ّ‬ ‫له شبع يوم ٍ وليلةٍ } ‪ .‬د ّ‬
‫ما زاد‬
‫ي وجب عليه أن يخرج م ّ‬ ‫قوت يومه فهو غن ّ‬
‫ل الحنفيّة ومن وافقهم‬ ‫على قوت يومه ‪ .‬واستد ّ‬
‫على اشتراط ملك النّصاب بقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ { :‬ل صدقة إل ّ عن ظهر غنًى } ‪ .‬والظّهر ها‬
‫ي بمنزلة‬ ‫ن المال للغن ّ‬ ‫هنا كناية عن القوّة ‪ ،‬فكأ ّ‬
‫الظّهر ‪ ،‬عليه اعتماده ‪ ،‬وإليه استناده ‪ ،‬والمراد أ ّ‬
‫ن‬
‫صدقة إذا كانت له قوّة من‬ ‫التّصدّق إنّما تجب عليه ال ّ‬
‫غنًى ‪ ،‬ول يعتبر غنيًّا إل ّ إذا ملك نصابًا ‪.‬‬
‫من تؤدّى عنه زكاة الفطر ‪:‬‬
‫ن زكاة الفطر يجب أن يؤدّيها‬ ‫‪ - 7‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ل من تلزمه‬ ‫عن نفسه من يملك نصابًا ‪ ،‬وعن ك ّ‬
‫ة ‪ .‬والمراد بالولية أن‬ ‫ة كامل ً‬ ‫نفقته ‪ ،‬ويلي عليه ولي ً‬
‫صغير ‪،‬‬‫ينفذ قوله على الغير شاء أو أبى ‪ ،‬فابنه ال ّ‬
‫ل أولئك‬ ‫صغيرة ‪ ،‬وابنه الكبير المجنون ‪ ،‬ك ّ‬ ‫وابنته ال ّ‬
‫ق التّصّرف في ما لهم بما يعود عليهم بالنّفع‬ ‫له ح ّ‬

‫‪136‬‬
‫ن زكاة‬ ‫شاءوا أو أبوا ‪ .‬وينبني على هذه القاعدة أ ّ‬
‫شخص عن نفسه لقوله صلى الله‬ ‫الفطر يخرجها ال ّ‬
‫م بمن تعول } ‪.‬‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬ابدأ بنفسك ‪ ،‬ث ّ‬
‫ما‬
‫صغار إذا كانوا فقراء ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ويخرجها عن أولده ال ّ‬
‫الغنياء منهم ‪ ،‬بأن أهدي إليهم مال ‪ ،‬أو ورثوا ماًل ‪،‬‬
‫صدقة من مالهم عند أبي حنيفة وأبي‬ ‫فيخرج ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬بل‬ ‫ن زكاة الفطر ليست عبادةً محض ً‬ ‫يوسف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي ‪ ،‬كما‬ ‫صب ّ‬‫فيها معنى النّفقة ‪ ،‬فتجب في مال ال ّ‬
‫مد‬ ‫وجبت النّفقة في ماله لقاربه الفقراء ‪ ،‬وقال مح ّ‬
‫‪ :‬تجب في مال الب لنّها عبادة محضة ‪ ،‬وهو ليس‬
‫ما أولده الكبار ‪ ،‬فإن‬ ‫ف‪.‬أ ّ‬ ‫من أهلها ; لنّه غير مكل ّ ٍ‬
‫كانوا أغنياء وجب عليهم إخراج الّزكاة عن أنفسهم ‪،‬‬
‫ة ‪ ،‬وإن كانوا فقراء ل‬ ‫ة كامل ً‬ ‫من يلون عليهم ولي ً‬ ‫وع ّ‬
‫ة‬‫يخرج الّزكاة عنهم ; لنّه وإن كانت نفقتهم واجب ً‬
‫ق‬
‫ة فليس له ح ّ‬ ‫ة كامل ً‬ ‫عليه إل ّ أنّه ل يلي عليهم ولي ً‬
‫التّصّرف في مالهم إن كان لهم مال إل ّ بإذنهم ‪ .‬وإن‬
‫صدقة من‬ ‫كان أحدهم مجنونًا ‪ ،‬فإن كان غنيًّا أخرج ال ّ‬
‫ماله ‪ ،‬وإن كان فقيًرا دفع عنه صدقة الفطر ; لنّه‬
‫ق‬
‫ة ‪ ،‬فله ح ّ‬ ‫ة كامل ً‬ ‫ينفق عليه ‪ ،‬ويلي عليه ولي ً‬
‫التّصّرف في ماله بدون إذنه ‪ .‬وقال الحنفيّة بناءً‬
‫على قاعدتهم المذكورة ‪ :‬ل تجب عن زوجته لقصور‬
‫ما قصور الولية ‪ ،‬فإنّه ل يلي‬ ‫الولية والنّفقة ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬‫عليها إل ّ في حقوق النّكاح فل تخرج إل ّ بإذنه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬ ‫التّصّرف في مالها بدون إذنها فل يلي عليه ‪ .‬وأ ّ‬
‫قصور النّفقة فلنّه ل ينفق عليها إل ّ في الّرواتب‬
‫كالمأكل والمسكن والملبس ‪ .‬وكما ل يخرجها عن‬
‫زوجته ل يخرجها عن والديه وأقاربه الفقراء إن كانوا‬
‫ة ‪ .‬وذهب‬ ‫ة كامل ً‬ ‫كباًرا ; لنّه ل يلي عليهم ولي ً‬
‫شخص عن‬ ‫ن زكاة الفطر يخرجها ال ّ‬ ‫المالكيّة إلى أ ّ‬

‫‪137‬‬
‫ل من تجب عليه نفقته ‪ .‬وهم الوالدان‬ ‫نفسه وعن ك ّ‬
‫الفقيران ‪ ،‬والولد الذ ّكور الفقراء ‪ ،‬والناث‬
‫ن ‪ .‬والّزوجة‬ ‫الفقيرات ‪ ،‬ما لم يدخل الّزوج به ّ‬
‫ل ‪ ،‬وزوجة والده الفقير‬ ‫ن ذوات ما ٍ‬ ‫والّزوجات وإن ك ّ‬
‫لحديث ابن عمر ‪ { :‬أمر رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫صغير والكبير والحّر‬ ‫وسلم بصدقة الفطر عن ال ّ‬
‫من تمونون } ‪ .‬أي ‪ :‬تنفقون عليهم ‪ .‬وذهب‬ ‫والعبد م ّ‬
‫شخص عن‬ ‫ن صدقة الفطر يخرجها ال ّ‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل من تجب عليه نفقته من‬ ‫نفسه ‪ ،‬وعن ك ّ‬
‫ك ‪ ،‬وهم ‪ :‬أوًّل‬ ‫المسلمين ‪ ،‬لقرابةٍ ‪ ،‬أو زوجيّةٍ ‪ ،‬أو مل ٍ‬
‫ة ‪ ،‬سواء‬ ‫ة رجعي ّ ً‬ ‫‪ :‬زوجته غير النّاشزة ولو مطلّق ً‬
‫كانت حامًل أم ل ‪ ،‬أم بائنًا حامًل ‪ ،‬لوجوب نفقته ّ‬
‫ن‬
‫ل فأنفقوا‬ ‫ن أولت حم ٍ‬ ‫عليه ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وإن ك ّ‬
‫ن } ومثلها الخادم إذا كانت‬ ‫ن حتّى يضعن حمله ّ‬ ‫عليه ّ‬
‫نفقته غير مقدّرةٍ ‪ ،‬فإن كانت مقدّرةً بأن كان يعطى‬
‫صدقة ;‬ ‫ل شهرٍ ‪ ،‬ل يخرج عنه ال ّ‬ ‫ل يوم ٍ ‪ ،‬أو ك ّ‬‫أجًرا ك ّ‬
‫لنّه أجير والجير ل ينفق عليه ‪ .‬ثانيًا ‪ :‬أصله وفرعه‬
‫ذكًرا أو أنثى وإن علوا ‪ ،‬كجدّه وجدّته ‪ .‬ثالثًا ‪ :‬فرعه‬
‫وإن نزل ذكًرا أو أنثى صغيًرا أو كبيًرا ‪ ،‬بشرط أن‬
‫يكون أصله وفرعه فقراء ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن كان ولده‬
‫صدقة عنه ‪ ،‬وقالوا‬ ‫الكبير عاجًزا عن الكسب أخرج ال ّ‬
‫‪ :‬ل يلزم البن فطرة زوجة أبيه الفقير ; لنّه ل تجب‬
‫عليه نفقتها ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّه يجب إخراج‬
‫ل من تجب عليه نفقته‬ ‫صدقة عن نفسه ‪ ،‬وعن ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫من المسلمين ‪ ،‬فإن لم يجد ما يخرجه لجميعهم بدأ‬
‫م القرب‬ ‫مه ‪ ،‬فأبيه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫بنفسه ‪ ،‬فزوجته ‪ ،‬فأ ّ‬
‫فالقرب على حسب ترتيب الرث ‪ ،‬فالب وإن عل‬
‫شقيق مقدّم على‬ ‫شقيق ‪ ،‬والخ ال ّ‬ ‫مقدّم على الخ ال ّ‬
‫ي فيخرج من ماله ‪.‬‬ ‫صغير الغن ّ‬ ‫ما ابنه ال ّ‬ ‫ب‪.‬أ ّ‬ ‫الخ ل ٍ‬

‫‪138‬‬
‫( سبب الوجوب ووقته ) ‪:‬‬
‫ن وقت وجوب زكاة الفطر‬ ‫‪ - 8‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ححين‬ ‫طلوع فجر يوم العيد ‪ ،‬وهو أحد قولين مص ّ‬
‫للمالكيّة ‪ .‬واستدلّوا بما رواه نافع عن ابن عمر‬
‫رضي الله عنهما قال ‪ { :‬أمر رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدّى قبل خروج النّاس‬
‫ن أداءها الّذي‬ ‫ل الحديث على أ ّ‬ ‫صلة } ‪ .‬د ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫شارع هو قبل الخروج إلى مصلّى العيد ‪،‬‬ ‫ندب إليه ال ّ‬
‫ن تسميتها‬ ‫ن وقت وجوبها هو يوم الفطر ‪ ،‬ول ّ‬ ‫فعلم أ ّ‬
‫ن وجوبها بطلوع فجر يوم‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫صدقة الفطر ‪ ،‬تد ّ‬
‫ن الفطر إنّما يكون بطلوع فجر ذلك‬ ‫الفطر ; ل ّ‬
‫ل ليلةٍ من‬ ‫ما قبله فليس بفطرٍ ; لنّه في ك ّ‬ ‫اليوم ‪ ،‬أ ّ‬
‫ليالي رمضان يصوم ويفطر ‪ ،‬فيعتبر مفطًرا من‬
‫شافعيّة في‬ ‫صومه بطلوع ذلك اليوم ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫ن الوجوب هو بغروب‬ ‫الظهر والحنابلة ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫شمس آخر يوم ٍ من رمضان ‪ ،‬وهو أحد قولين‬
‫س رضي الله عنهما ‪:‬‬ ‫للمالكيّة ‪ ،‬لقول ابن عبّا ٍ‬
‫{ فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صدقة‬
‫صائم من اللّغو والّرفث ‪ ،‬وطعم ً‬
‫ة‬ ‫الفطر طهرة ً لل ّ‬
‫صلة فهي زكاة‬ ‫للمساكين ‪ ،‬فمن أدّاها قبل ال ّ‬
‫صلة فهي صدقة من‬ ‫مقبولة ‪ ،‬ومن أدّاها بعد ال ّ‬
‫ن صدقة الفطر‬ ‫ل الحديث على أ ّ‬ ‫صدقات } ‪ .‬د ّ‬ ‫ال ّ‬
‫تجب بغروب شمس آخر يوم ٍ من رمضان ‪ ،‬من جهة‬
‫صدقة إلى الفطر ‪ ،‬والضافة تقتضي‬ ‫أنّه أضاف ال ّ‬
‫صة بالفطر ‪ ،‬وأوّل‬ ‫صدقة المخت ّ‬ ‫الختصاص ‪ ،‬أي ال ّ‬
‫فطرٍ يقع عن جميع رمضان هو بغروب شمس آخر‬
‫يوم ٍ من رمضان ‪ .‬ويظهر أثر الخلف فيمن مات بعد‬
‫شافعيّة‬‫غروب شمس آخر يوم ٍ من رمضان ‪ :‬فعند ال ّ‬
‫ومن وافقهم تخرج عنه صدقة الفطر ; لنّه كان‬

‫‪139‬‬
‫موجودًا وقت وجوبها ‪ ،‬وعند الحنفيّة ومن وافقهم ل‬
‫تخرج عنه صدقة الفطر لنّه لم يكن موجودًا ‪ ،‬ومن‬
‫ولد بعد غروب شمس آخر يوم ٍ من رمضان تخرج‬
‫عنه صدقة الفطر عند الحنفيّة ومن وافقهم ; لنّه‬
‫صدقة‬ ‫وقت وجوبها كان موجودًا ‪ ،‬ول تخرج عنه ال ّ‬
‫شافعيّة ومن وافقهم ; لنّه كان جنينًا في بطن‬ ‫عند ال ّ‬
‫شمس‬ ‫مه وقت وجوبها ‪ .‬ومن أسلم بعد غروب ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫صدقة عند‬ ‫من آخر يوم ٍ من رمضان ‪ ،‬ل تخرج عنه ال ّ‬
‫شافعيّة ومن وافقهم ; لنّه وقت وجوبها لم يكن‬ ‫ال ّ‬
‫أهًل ‪ ،‬وعند الحنفيّة ومن وافقهم تخرج عنه صدقة‬
‫الفطر ; لنّه وقت وجوبها كان أهًل ‪.‬‬
‫( وقت وجوب الداء ) ‪:‬‬
‫ن وقت وجوب أداء‬ ‫‪ - 9‬ذهب جمهور الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن المر بأدائها غير مقيّدٍ‬ ‫سع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫زكاة الفطر مو ّ‬
‫ت ‪ ،‬كالّزكاة ‪ ،‬فهي تجب في مطلق الوقت وإنّما‬ ‫بوق ٍ‬
‫ت أدّى كان مؤدّيًا ل قاضيًا‬ ‫يتعيّن بتعيّنه ‪ ،‬ففي أيّ وق ٍ‬
‫ب إخراجها قبل الذ ّهاب إلى‬ ‫ن المستح ّ‬ ‫‪ ،‬غير أ ّ‬
‫المصلّى ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬اغنوهم‬
‫في هذا اليوم } ‪ .‬وذهب الحسن بن زيادٍ من‬
‫ن وقت وجوب الداء مضيّق‬ ‫الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫عذر كان‬
‫ٍ‬ ‫كالضحيّة ‪ ،‬فمن أدّاها بعد يوم العيد بدون‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫ما ‪ ،‬وهو مذهب المالكيّة وال ّ‬ ‫آث ً‬
‫واتّفق جميع الفقهاء على أنّها ل تسقط بخروج وقتها‬
‫مته لمن هي له ‪ ،‬وهم مستحّقوها‬ ‫; لنّها وجبت في ذ ّ‬
‫‪ ،‬فهي دين لهم ل يسقط إل ّ بالداء ; لنّها ح ّ‬
‫ق‬
‫ق اللّه في التّأخير عن وقتها فل يجبر‬ ‫ما ح ّ‬
‫للعبد ‪ ،‬أ ّ‬
‫إل ّ بالستغفار والنّدامة‬
‫‪ .‬إخراجها قبل وقتها ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ - 10‬ذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز تقديمها‬
‫عن وقتها يومين لقول ابن عمر رضي الله تعالى‬
‫بيوم‬
‫ٍ‬ ‫عنهما ‪ :‬كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد‬
‫ن إخراجها‬ ‫شافعيّة إلى أنّه يس ّ‬ ‫أو يومين ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬ومحّرم‬ ‫قبل صلة العيد ويكره تأخيرها عن ال ّ‬
‫تأخيرها عن يوم العيد بل عذرٍ ; لفوات المعنى‬
‫المقصود ‪ ،‬وهو إغناء الفقراء عن الطّلب في يوم‬
‫خرها بل عذرٍ عصى وقضى ‪ ،‬لخروج‬ ‫سرور ‪ ،‬فلو أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الوقت ‪ .‬وروى الحسن بن زياد ٍ عن أبي حنيفة أنّه‬
‫ة أو سنتين كالّزكاة ‪.‬‬ ‫يجوز تقديمها عن وقتها سن ً‬
‫وذهب بعض الحنفيّة إلى أنّه يجوز تقديمها في‬
‫حح للحنفيّة ‪.‬‬‫رمضان فقط ‪ ،‬وهو قول مص ّ‬
‫( مقدار الواجب ) ‪:‬‬
‫ن الواجب إخراجه في‬ ‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫الفطرة صاع من جميع الصناف الّتي يجوز إخراج‬
‫الفطرة منها عدا القمح والّزبيب ‪ ،‬فقد اختلفوا في‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫المقدار فيهما ‪ :‬فذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ن الواجب إخراجه في القمح هو صاع منه ‪.‬‬ ‫‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫صاع ومقداره كيًل ووزنًا ‪ .‬واستد ّ‬
‫ل‬ ‫وسيأتي بيان ال ّ‬
‫الجمهور على وجوب صاٍع من بّرٍ بحديث أبي سعيدٍ‬
‫الخدريّ رضي الله تعالى عنه قال ‪ { :‬كنّا نخرج‬
‫زكاة الفطر إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم صاع ًا من طعام ٍ ‪ ،‬أو صاعًا من تمرٍ ‪ ،‬أو صاع ًا‬
‫ط‪،‬‬ ‫ب ‪ ،‬أو صاع ًا من أق ٍ‬ ‫من شعيرٍ ‪ ،‬أو صاع ًا من زبي ٍ‬
‫فل أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت } ‪.‬‬
‫ن الواجب إخراجه من القمح‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ما الّزبيب‬ ‫نصف صاٍع ‪ ،‬وكذا دقيق القمح وسويقه ‪ ،‬أ ّ‬
‫فروى الحسن عن أبي حنيفة أنّه يجب نصف صاٍع‬
‫ن الّزبيب تزيد قيمته على قيمة القمح ‪،‬‬ ‫كالبّر ‪ ،‬ل ّ‬

‫‪141‬‬
‫مد ‪ -‬إلى أنّه يجب‬ ‫صاحبان ‪ -‬أبو يوسف ومح ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬واستدلّوا على ذلك بما روي عن‬ ‫صاع من زبي ٍ‬
‫الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ { : -‬كنّا نخرج‬ ‫ّ‬ ‫أبي سعيد ٍ‬
‫إذ كان فينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة‬
‫ك ‪ ،‬صاعًا‬ ‫ر أو مملو ٍ‬ ‫ل صغيرٍ وكبيرٍ ‪ ،‬ح ّ ٍ‬ ‫الفطر عن ك ّ‬
‫ط ‪ ،‬أو صاع ًا من طعام ٍ ‪ ،‬أو صاعًا من شعيرٍ ‪،‬‬ ‫من أق ٍ‬
‫ب ‪ ،‬فلم نزل‬ ‫أو صاع ًا من تمرٍ ‪ ،‬أو صاع ًا من زبي ٍ‬
‫جا أو معتمًرا ‪،‬‬ ‫نخرج ‪ ،‬حتّى قدم علينا معاوية حا ًّ‬
‫فكلّم النّاس على المنبر ‪ ،‬وكان فيما كلّم به النّاس‬
‫شام يعني‬ ‫ن مدّين من سمراء ال ّ‬ ‫أن قال ‪ :‬إنّي أرى أ ّ‬
‫ما‬‫القمح تعدل صاع ًا من تمرٍ ‪ ،‬فأخذ النّاس بذلك ‪ ،‬أ ّ‬
‫أنا فل أزال أخرجه أبدًا ما عشت ‪ ،‬كما كنت‬
‫ن الّذي كان يخرج‬ ‫ل الحديث على أ ّ‬ ‫أخرجه } ‪ .‬د ّ‬
‫على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاع‬
‫ل الحنفيّة على وجوب نصف صاٍع‬ ‫من الّزبيب ‪ .‬استد ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬‫من بّرٍ بما روي { أ ّ‬
‫خطب قبل الفطر بيوم ٍ أو يومين ‪ ،‬فقال ‪ :‬أدّوا صاع ًا‬
‫من بّرٍ بين اثنين ‪ ،‬أو صاع ًا من تمرٍ ‪ ،‬أو شعيرٍ ‪ ،‬عن‬
‫ر ‪ ،‬وعبد ٍ صغيرٍ أو كبيرٍ }‬ ‫ك ّ‬
‫ل ح ٍّ‬
‫( نوع الواجب ) ‪:‬‬
‫‪ - 12‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجزئ إخراج زكاة الفطر‬
‫القيمة من النّقود وهو الفضل ‪ ،‬أو العروض ‪ ،‬لكن‬
‫إن أخرج من البّر أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف‬
‫شعير أو التّمر أو الّزبيب‬ ‫صاٍع ‪ ،‬وإن أخرج من ال ّ‬
‫فصاع ‪ ،‬لما روى ابن عمر ‪ -‬رضي الله تعالى عنهما‬
‫‪ -‬قال ‪ { :‬كان النّاس يخرجون على عهد رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم صاع ًا من شعيرٍ أو تمرٍ أو‬
‫ما كان عمر ‪،‬‬ ‫ب } ‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬فل ّ‬ ‫ت أو زبي ٍ‬ ‫سل ٍ‬
‫وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطةٍ ‪ ،‬مكان‬

‫‪142‬‬
‫م قال الحنفيّة ‪ :‬ما سوى‬ ‫صاٍع من تلك الشياء ‪ .‬ث ّ‬
‫هذه الشياء الربعة المنصوص عليها من الحبوب‬
‫كالعدس والرز ‪ ،‬أو غير الحبوب كاللّبن والجبن‬
‫واللّحم والعروض ‪ ،‬فتعتبر قيمته بقيمة الشياء‬
‫المنصوص عليها ‪ ،‬فإذا أراد المتصدّق أن يخرج‬
‫صدقة الفطر من العدس مثًل ‪ ،‬فيقوّم نصف صاٍع‬
‫ش‬‫صاع ثمانية قرو ٍ‬ ‫من بّرٍ ‪ ،‬فإذا كانت قيمة نصف ال ّ‬
‫ش‬ ‫ً‬
‫مثل ‪ ،‬أخرج من العدس ما قيمته ثمانية قرو ٍ‬
‫مثًل ‪ ،‬ومن الرز واللّبن والجبن وغير ذلك من‬
‫شارع ‪ ،‬يخرج من‬ ‫ص عليها ال ّ‬ ‫الشياء الّتي لم ين ّ‬
‫العدس ما يعادل قيمته ‪ .‬وذهب المالكيّة ‪ ،‬إلى أنّه‬
‫يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والرز ‪ ،‬والفول‬
‫سلت والتّمر والقط والدّخن ‪.‬‬ ‫شعير وال ّ‬‫والقمح وال ّ‬
‫وما عدا ذلك ل يجزئ ‪ ،‬إل ّ إذا اقتاته النّاس وتركوا‬
‫سابقة ‪ ،‬ول يجوز الخراج من غير الغالب ‪،‬‬ ‫النواع ال ّ‬
‫إل ّ إذا كان أفضل ‪ ،‬بأن اقتات النّاس الذ ّرة فأخرج‬
‫شبع ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫حا ‪ .‬وإذا أخرج من اللّحم اعتبر ال ّ‬ ‫قم ً‬
‫صاع من البّر يكفي اثنين إذا خبز ‪ ،‬أخرج من‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة إلى أنّه‬ ‫اللّحم ما يشبع اثنين ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫يخرج من جنس ما يجب فيه العشر ‪ ،‬ولو وجدت‬
‫أقوات فالواجب غالب قوت بلده ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من غالب‬
‫قوته ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مخيّر بين القوات ‪ ،‬ويجزئ العلى‬
‫من الدنى ل العكس ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أنّه يخرج‬
‫شعير ‪ ،‬لحديث أبي‬ ‫من البّر أو التّمر أو الّزبيب أو ال ّ‬
‫سابق وفيه ‪ { :‬كنّا نخرج زكاة الفطر على‬ ‫سعيد ٍ ال ّ‬
‫عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صاعًا من‬
‫طعام ٍ ‪ ،‬أو صاع ًا من شعيرٍ ‪ ،‬أو صاعًا من تمرٍ ‪} ...‬‬
‫الحديث ويخيّر بين هذه الشياء ‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫ب‬
‫المخرج قوتًا ‪ .‬ويجزئ الدّقيق إذا كان مساويًا للح ّ‬

‫‪143‬‬
‫ل ما يصلح‬ ‫في الوزن ‪ ،‬فإن لم يجد ذلك أخرج من ك ّ‬
‫أرز أو نحو ذلك ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قوتًا من ذرةٍ أو‬
‫صاع مكيال متوارث من عهد النّبوّة ‪ ،‬وقد‬ ‫‪ - 13‬وال ّ‬
‫اختلف الفقهاء في تقديره كيًل ‪ ،‬واختلفوا في‬
‫تقديره بالوزن ‪ .‬وينظر تفصيله في مصطلح‬
‫( مقادير ) ‪.‬‬
‫مصارف زكاة الفطر ‪:‬‬
‫‪ - 14‬اختلف الفقهاء فيمن تصرف إليه زكاة الفطر‬
‫على ثلثة آراءٍ ‪ :‬ذهب الجمهور إلى جواز قسمتها‬
‫على الصناف الثّمانية الّتي تصرف فيها زكاة‬
‫المال ‪ ،‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬زكاة ) ‪ .‬وذهب المالكيّة‬
‫وهي رواية عن أحمد واختارها ابن تيميّة إلى‬
‫تخصيص صرفها بالفقراء والمساكين ‪ .‬وذهب‬
‫شافعيّة إلى وجوب قسمتها على الصناف الثّمانية‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ،‬أو من وجد منهم ‪.‬‬
‫( أداء القيمة ) ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى أنّه ل‬ ‫‪ - 15‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ن‬‫ص بذلك ‪ ،‬ول ّ‬ ‫يجوز دفع القيمة ‪ ،‬لنّه لم يرد ن ّ‬
‫ض منهم‬ ‫القيمة في حقوق النّاس ل تجوز إل ّ عن ترا ٍ‬
‫‪ ،‬وليس لصدقة الفطر مالك معيّن حتّى يجوز رضاه‬
‫أو إبراؤه ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجوز دفع القيمة‬
‫سر للفقير أن‬ ‫في صدقة الفطر ‪ ،‬بل هو أولى ليتي ّ‬
‫يشتري أيّ شيءٍ يريده في يوم العيد ; لنّه قد ل‬
‫جا إلى الحبوب بل هو محتاج إلى‬ ‫يكون محتا ً‬
‫ملبس ‪ ،‬أو لحم ٍ أو غير ذلك ‪ ،‬فإعطاؤه الحبوب ‪،‬‬
‫شوارع ليجد من يشتري‬ ‫يضطّره إلى أن يطوف بال ّ‬
‫ل من قيمتها‬ ‫س أق ّ‬ ‫ن بخ ٍ‬‫منه الحبوب ‪ ،‬وقد يبيعها بثم ٍ‬
‫الحقيقيّة ‪ ،‬هذا كلّه في حالة اليسر ‪ ،‬ووجود الحبوب‬
‫شدّة وقلّة‬‫ما في حالة ال ّ‬ ‫ة في السواق ‪ ،‬أ ّ‬ ‫بكثر ٍ‬

‫‪144‬‬
‫الحبوب في السواق ‪ ،‬فدفع العين أولى من القيمة‬
‫مراعاة ً لمصلحة الفقير ‪ ،‬وينظر التّفصيل في الّزكاة‬
‫‪.‬‬
‫مكان دفع زكاة الفطر ‪:‬‬
‫‪ - 16‬تفّرق زكاة الفطر في البلد الّذي وجبت على‬
‫المكلّف فيه ‪ ،‬سواء أكان ماله فيه أم لم يكن ; ل ّ‬
‫ن‬
‫الّذي وجبت عليه هو سبب وجوبها ‪ ،‬فتفّرق في البلد‬
‫الّذي سببها فيه ‪.‬‬
‫نقل زكاة الفطر ‪:‬‬
‫‪ - 17‬اختلف في نقل الّزكاة من البلد الّذي وجبت‬
‫فيه إلى غيره ‪ ،‬وتفصيله ينظر في مصطلح ‪:‬‬
‫( زكاة ) ‪.‬‬
‫=================‬
‫زكاة ‪.‬‬
‫التّعريف‬
‫ة ‪ :‬النّماء والّريع والّزيادة ‪ ،‬من زكا‬ ‫‪ - 1‬الّزكاة لغ ً‬
‫ي رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫يزكو زكاة ً وزكاءً ‪ ،‬ومنه قول عل ٍ ّ‬
‫صلح ‪ ،‬قال اللّه‬ ‫ضا ال ّ‬ ‫العلم يزكو بالنفاق ‪ .‬والّزكاة أي ً‬
‫تعالى { فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيًرا منه زكاةً } ‪.‬‬
‫حا ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬ولول فضل‬ ‫قال الفّراء ‪ :‬أي صل ً‬
‫اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحدٍ أبدًا } أي‬
‫ن اللّه يزكّي من يشاء } أي‬ ‫ما صلح منكم { ولك ّ‬
‫يصلح من يشاء ‪ .‬وقيل لما يخرج من حقّ اللّه في‬
‫ما فيه من‬ ‫المال " زكاة " ‪ ،‬لنّه تطهير للمال م ّ‬
‫ق ‪ ،‬وتثمير له ‪ ،‬وإصلح ونماء بالخلف من اللّه‬ ‫ح ٍّ‬
‫تعالى ‪ .‬وزكاة الفطر طهرة للبدان ‪ .‬وفي الصطلح‬
‫ل مخصوصةٍ ‪،‬‬ ‫ق يجب في أموا ٍ‬ ‫‪ :‬يطلق على أداء ح ٍ ّ‬
‫ص ويعتبر في وجوبه الحول‬ ‫على وجهٍ مخصو ٍ‬
‫ضا على المال المخرج‬ ‫والنّصاب ‪ .‬وتطلق الّزكاة أي ً‬

‫‪145‬‬
‫ساعي‬ ‫نفسه ‪ ،‬كما في قولهم ‪ :‬عزل زكاة ماله ‪ ،‬وال ّ‬
‫يقبض الّزكاة ‪ .‬ويقال ‪ :‬زكّى ماله أي أخرج زكاته ‪،‬‬
‫والمزكّي ‪ :‬من يخرج عن ماله الّزكاة ‪ .‬والمزكّي‬
‫ضا ‪ :‬من له ولية جمع الّزكاة ‪ .‬وقال ابن حجرٍ ‪:‬‬ ‫أي ً‬
‫صدقة‬ ‫ن الّزكاة تطلق على ال ّ‬ ‫ي‪:‬إ ّ‬ ‫قال ابن العرب ّ‬
‫م‬‫الواجبة والمندوبة ‪ ،‬والنّفقة والحقّ ‪ ،‬والعفو ‪ .‬ث ّ‬
‫شرع ‪.‬‬ ‫ذكر تعريفها في ال ّ‬
‫صلة ) ‪:‬‬ ‫( اللفاظ ذات ال ّ‬
‫صدقة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫صدقة ‪ :‬تطلق بمعنيين ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما أعطيته من‬ ‫‪ - 2‬ال ّ‬
‫المال قاصدًا به وجه اللّه تعالى فيشمل ما كان‬
‫واجبًا وهو الّزكاة ‪ ،‬وما كان تطوّع ًا ‪ .‬والثّاني ‪ :‬أن‬
‫ة‪،‬‬‫ص ً‬
‫تكون بمعنى الّزكاة ‪ ،‬أي في الحقّ الواجب خا ّ‬
‫ومنه الحديث ‪ { :‬ليس فيما دون خمس ذودٍ‬
‫ة ‪ -‬هو‬‫صاد مخّفف ً‬‫صدقة } ‪ .‬والمصدق ‪ -‬بفتح ال ّ‬
‫ساعي الّذي يأخذ الحقّ الواجب في النعام ‪ ،‬يقال‬ ‫ال ّ‬
‫ساعي فصدق القوم ‪ ،‬أي أخذ منهم زكاة‬ ‫‪ :‬جاء ال ّ‬
‫صاد ‪ -‬هو‬ ‫صدّق ‪ -‬بتشديد ال ّ‬ ‫أنعامهم ‪ .‬والمتصدّق والم ّ‬
‫صدقة ‪.‬‬‫معطي ال ّ‬
‫ب ‪ -‬العطيّة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬العطيّة ‪ :‬هي ما أعطاه النسان من ماله لغيره ‪،‬‬
‫سواء كان يريد بذلك وجه اللّه تعالى ‪ ،‬أو يريد به‬
‫ل من الّزكاة‬ ‫م من ك ٍّ‬‫التّودّد ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬فهي أع ّ‬
‫صدقة والهبة ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ي)‪:‬‬ ‫( الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 4‬الّزكاة فريضة من فرائض السلم ‪ ،‬وركن من‬
‫سنّة‬ ‫ل على وجوبها الكتاب وال ّ‬ ‫أركان الدّين ‪ .‬وقد د ّ‬
‫والجماع ‪ .‬فمن الكتاب قوله تعالى ‪ { :‬وأقيموا‬
‫صلة وآتوا الّزكاة } ‪ .‬وقوله ‪ { :‬فإن تابوا وأقاموا‬ ‫ال ّ‬

‫‪146‬‬
‫صلة وآتوا الّزكاة فإخوانكم في الدّين } وقوله ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ضة ول ينفقونها في‬ ‫{ والّذين يكنزون الذ ّهب والف ّ‬
‫ب أليم ٍ يوم يحمى عليها في‬ ‫شرهم بعذا ٍ‬ ‫سبيل اللّه فب ّ‬
‫نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا‬
‫ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } ‪ .‬وقد‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ما أدّيت زكاته‬ ‫قال النّب ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫سنّة قول النّب ّ‬ ‫فليس بكنزٍ } ومن ال ّ‬
‫س } وذكر منها‬ ‫وسلم ‪ { :‬بني السلم على خم ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫إيتاء الّزكاة { وكان النّب ّ‬
‫صدقات ‪ ،‬وأرسل معاذ ًا‬ ‫سعاة ليقبضوا ال ّ‬ ‫يرسل ال ّ‬
‫ن اللّه افترض‬ ‫إلى أهل اليمن ‪ ،‬وقال له ‪ :‬أعلمهم أ ّ‬
‫ة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتر ّد‬ ‫عليهم صدق ً‬
‫على فقرائهم } ‪ .‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫{ من آتاه اللّه ماًل فلم يؤد ّ زكاته مثّل له يوم‬
‫القيامة شجاع ًا أقرع له زبيبتان ‪ ،‬يطوّقه يوم القيامة‬
‫م يقول ‪ :‬أنا‬ ‫م يأخذ بلهزمتيه ‪ -‬يعني شدقيه ‪ -‬ث ّ‬ ‫‪،‬ث ّ‬
‫ما الجماع فقد أجمع‬ ‫مالك ‪ ،‬أنا كنزك } ‪ .‬وأ ّ‬
‫المسلمون في جميع العصار على وجوبها من حيث‬
‫صحابة رضي الله عنهم على قتال‬ ‫الجملة ‪ ،‬واتّفق ال ّ‬
‫ن أبا هريرة رضي الله‬ ‫مانعيها ‪ .‬فقد روى البخاريّ أ ّ‬
‫ما توفّي رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫عنه قال ‪ :‬ل ّ‬
‫وسلم وكان أبو بكرٍ رضي الله عنه ‪ ،‬وكفر من كفر‬
‫من العرب ‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه ‪ :‬كيف تقاتل‬
‫النّاس وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫{ أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا ‪ :‬ل إله إل ّ اللّه‬
‫قه‬ ‫‪ .‬فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إل ّ بح ّ‬
‫وحسابه على اللّه } ‪ .‬فقال أبو بكرٍ ‪ :‬واللّه لقاتل ّ‬
‫ن‬
‫ن الّزكاة حقّ المال‬ ‫صلة والّزكاة ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫من فّرق بين ال ّ‬
‫‪ .‬واللّه لو منعوني عناقًا كانوا يؤدّونها إلى رسول‬

‫‪147‬‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال‬
‫عمر ‪ :‬فواللّه ما هو إل ّ أن قد شرح اللّه صدر أبي‬
‫ق‪.‬‬ ‫بكرٍ رضي الله عنه ‪ ،‬فعرفت أنّه الح ّ‬
‫أطوار فرضيّة الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬إيتاء الّزكاة كان مشروع ًا في ملل النبياء‬
‫ق إبراهيم وآله‬ ‫سابقين ‪ ،‬قال اللّه تعالى في ح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ة يهدون‬ ‫م ً‬
‫عليهم الصلة والسلم ‪ { :‬وجعلناهم أئ ّ‬
‫صلة‬ ‫بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام ال ّ‬
‫وإيتاء الّزكاة وكانوا لنا عابدين } ‪ .‬وشرع للمسلمين‬
‫ي ‪ ،‬كما في‬ ‫صدقة للفقراء ‪ ،‬منذ العهد المك ّ ّ‬ ‫إيتاء ال ّ‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬فل اقتحم العقبة وما أدراك ما‬
‫ما‬‫ك رقبةٍ أو إطعام في يوم ٍ ذي مسغبةٍ يتي ً‬ ‫العقبة ف ّ‬
‫ذا مقربةٍ أو مسكينًا ذا متربةٍ } وبعض اليات المكّيّة‬
‫ما ‪،‬‬‫جعلت للفقراء في أموال المؤمنين حًّقا معلو ً‬
‫كما في قوله تعالى ‪ { :‬والّذين في أموالهم ح ّ‬
‫ق‬
‫سائل والمحروم } ‪ .‬وقال ابن حجرٍ ‪:‬‬ ‫معلوم لل ّ‬
‫اختلف في أوّل فرض الّزكاة فذهب الكثرون إلى‬
‫أنّه وقع بعد الهجرة ‪ ،‬وادّعى ابن خزيمة في صحيحه‬
‫ج بقول جعفرٍ‬ ‫ن فرضها كان قبل الهجرة ‪ .‬واحت ّ‬ ‫أ ّ‬
‫صيام }‬ ‫صلة والّزكاة وال ّ‬ ‫ي ‪ { :‬ويأمرنا بال ّ‬ ‫للنّجاش ّ‬
‫ويحمل على أنّه كان يأمر بذلك في الجملة ‪ ،‬ول‬
‫يلزم أن يكون المراد هذه الّزكاة المخصوصة ذات‬
‫ن فرض‬ ‫ل على أ ّ‬ ‫ما يد ّ‬
‫النّصاب والحول ‪ .‬قال ‪ :‬وم ّ‬
‫ن صيام‬ ‫الّزكاة وقع بعد الهجرة اتّفاقهم على أ ّ‬
‫ن الية الدّالّة‬ ‫رمضان إنّما فرض بعد الهجرة ; ل ّ‬
‫ف ‪ ،‬وثبت من حديث‬ ‫على فرضيّته مدنيّة بل خل ٍ‬
‫قيس بن سعد ٍ قال ‪ { :‬أمرنا رسول اللّه صلى الله‬
‫م‬
‫عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الّزكاة ‪ ،‬ث ّ‬

‫‪148‬‬
‫نزلت فريضة الّزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ‪ ،‬ونحن‬
‫نفعله } ‪.‬‬
‫فضل إيتاء الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬يظهر فضل الّزكاة من أوجهٍ ‪:‬‬
‫صلة في كتاب اللّه تعالى ‪ ،‬فحيثما‬ ‫‪ - 1‬اقترانها بال ّ‬
‫صلة اقترن به المر بالّزكاة ‪ ،‬من ذلك‬ ‫ورد المر بال ّ‬
‫صلة وآتوا الّزكاة وما‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬وأقيموا ال ّ‬
‫تقدّموا لنفسكم من خيرٍ تجدوه عند اللّه } ‪ .‬ومن‬
‫هنا قال أبو بكرٍ في قتال مانعي الّزكاة ‪ :‬واللّه‬
‫صلة والّزكاة ‪ ،‬إنّها لقرينتها‬ ‫ن من فّرق بين ال ّ‬ ‫لقاتل ّ‬
‫في كتاب اللّه ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أنّها ثالث أركان السلم الخمسة ‪ ،‬لما في‬
‫س ‪ :‬شهادة أن ل‬ ‫الحديث { بني السلم على خم ٍ‬
‫صلة ‪،‬‬ ‫مدًا رسول اللّه ‪ ،‬وإقام ال ّ‬ ‫ن مح ّ‬ ‫إله إل ّ اللّه وأ ّ‬
‫ج البيت } ‪.‬‬ ‫وإيتاء الّزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وح ّ‬
‫‪ - 3‬أنّها من حيث هي فريضة أفضل من سائر‬
‫ي‬
‫صدقات لنّها تطوّعيّة ‪ ،‬وفي الحديث القدس ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما افترضته‬ ‫يم ّ‬‫ب إل ّ‬‫ي عبدي بشيءٍ أح ّ‬ ‫{ ما تقّرب إل ّ‬
‫ما فضل إيتاء الّزكاة من حيث هي صدقة‬ ‫عليه } ‪ .‬أ ّ‬
‫صدقات فيأتي في مباحث ‪ ( :‬صدقة التّطوّع )‬ ‫من ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫حكمة تشريع الّزكاة ‪:‬‬
‫صدقة وإنفاق المال في سبيل اللّه‬ ‫ن ال ّ‬‫‪-7‬أ‪-‬أ ّ‬
‫ب‬
‫ح والبخل ‪ ،‬وسيطرة ح ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫يطهّران النّفس من ال ّ‬
‫المال على مشاعر النسان ‪ ،‬ويزكّيه بتوليد مشاعر‬
‫الموادّة ‪ ،‬والمشاركة في إقالة العثرات ‪ ،‬ودفع‬
‫حاجة المحتاجين ‪ ،‬أشار إلى ذلك قول اللّه تعالى ‪.‬‬
‫ة تطهّرهم وتزكّيهم بها } ‪،‬‬ ‫{ خذ من أموالهم صدق ً‬
‫وفيها من المصالح للفرد والمجتمع ما يعرف في‬

‫‪149‬‬
‫صدقات حدًّا أدنى‬ ‫موضعه ‪ ،‬ففرض اللّه تعالى من ال ّ‬
‫ألزم العباد به ‪ ،‬وبيّن مقاديره ‪ ،‬قال الدّهلويّ ‪ :‬إذ‬
‫لول التّقدير لفّرط المفرط ولعتدى المعتدي ‪ .‬ب ‪-‬‬
‫الّزكاة تدفع أصحاب الموال المكنوزة دفعًا إلى‬
‫إخراجها لتشترك في زيادة الحركة القتصاديّة ‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫يشير إلى ذلك قول النّب ّ‬
‫ما له مال فليتّجر فيه ‪ ،‬ول يتركه حتّى‬ ‫أل من ولي يتي ً‬
‫صدقة } ‪.‬‬ ‫تأكله ال ّ‬
‫ج ‪ -‬الّزكاة تسد ّ حاجة جهات المصارف الثّمانية‬
‫وبذلك تنتفي المفاسد الجتماعيّة والخلقيّة النّاشئة‬
‫عن بقاء هذه الحاجات دون كفايةٍ ‪.‬‬
‫أحكام مانع الّزكاة ‪ :‬إثم مانع الّزكاة ‪:‬‬
‫ما هو كبيرة من‬ ‫‪ - 8‬من منع الّزكاة فقد ارتكب محّر ً‬
‫ن عقوبته‬ ‫سنّة ما يفيد أ ّ‬ ‫الكبائر ‪ ،‬وورد في القرآن وال ّ‬
‫ص ‪ ،‬كما في حديث مسلمٍ‬ ‫في الخرة من نوٍع خا ٍّ‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ما من صاحب كنزٍ ل‬
‫يؤدّي زكاته إل ّ أحمي عليه في نار جهنّم ‪ ،‬فيجعل‬
‫صفائح ‪ ،‬فيكوى بها جنباه وجبينه ‪ ،‬حتّى يحكم اللّه‬
‫بين عباده في يوم ٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ ‪،‬‬
‫ما إلى النّار ‪ ،‬وما من‬ ‫ما إلى الجنّة وإ ّ‬ ‫م يرى سبيله إ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ل ل يؤدّي زكاتها إل ّ بطح لها بقاٍع قرقرٍ‬ ‫صاحب إب ٍ‬
‫ن عليه ‪ ،‬كلّما مضى عليه أخراها‬ ‫كأوفر ما كانت تست ّ‬
‫ردّت عليه أولها ‪ ،‬حتّى يحكم اللّه بين عباده ‪ ،‬في‬
‫م يرى سبيله‬ ‫يوم ٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ ‪ ،‬ث ّ‬
‫ما إلى النّار ‪ ،‬وما من صاحب غنم ٍ ل‬ ‫ما إلى الجنّة وإ ّ‬ ‫إ ّ‬
‫يؤدّي زكاتها ‪ ،‬إل ّ بطح لها بقاٍع قرقرٍ ‪ ،‬كأوفر ما‬
‫كانت ‪ ،‬فتطؤه بأظلفها وتنطحه بقرونها ‪ ،‬ليس فيها‬
‫عقصاء ول جلحاء ‪ ،‬كلّما مضى عليه أخراها ردّت‬

‫‪150‬‬
‫يوم‬
‫ٍ‬ ‫عليه أولها ‪ ،‬حتّى يحكم اللّه بين عباده ‪ ،‬في‬
‫م يرى‬ ‫ما تعدّون ‪ ،‬ث ّ‬ ‫كان مقداره خمسين ألف سنةٍ م ّ‬
‫ما إلى النّار } ‪.‬‬ ‫ما إلى الجنّة وإ ّ‬ ‫سبيله إ ّ‬
‫العقوبة لمانع الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 9‬من منع الّزكاة وهو في قبضة المام تؤخذ منه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬أمرت‬ ‫قهًرا لقول النّب ّ‬
‫مد‬ ‫أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا ‪ :‬ل إله إل ّ اللّه مح ّ‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم‬
‫وأموالهم إل ّ بحّقها وحسابهم على اللّه } ومن حّقها‬
‫الّزكاة ‪ ،‬قال أبو بكرٍ رضي الله عنه بمحضر‬
‫ق المال " وقال رضي الله عنه ‪:‬‬ ‫صحابة ‪ :‬الّزكاة ح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫واللّه لو منعوني عقاًل كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ‪ .‬وأقّره‬
‫صحابة على ذلك ‪ .‬وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى‬ ‫ال ّ‬
‫ن مانع الّزكاة إذا أخذت منه قهًرا ل يؤخذ معها من‬ ‫أ ّ‬
‫ي في القديم ‪ ،‬وإسحاق‬ ‫شافع ّ‬ ‫ماله شيء ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫بن راهويه ‪ ،‬وأبو بكرٍ عبد العزيز من أصحاب أحمد‬
‫ة له ‪ ،‬مع‬ ‫ن مانع الّزكاة يؤخذ شطر ماله عقوب ً‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫جوا بقول النّب ّ‬ ‫أخذ الّزكاة منه ‪ .‬واحت ّ‬
‫ل أربعين‬ ‫ل في ك ّ‬ ‫ل سائمة إب ٍ‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬في ك ّ‬
‫ن ‪ ،‬ل تفّرق إبل عن حسابها ‪ ،‬من أعطاها‬ ‫بنت لبو ٍ‬
‫مؤتجًرا فله أجرها ‪ ،‬ومن منعها فإنّا آخذوها وشطر‬
‫مدٍ منها‬ ‫ل لل مح ّ‬ ‫ماله عزمة من عزمات ربّنا ‪ ،‬ل يح ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ل لقول الجمهور بقول النّب ّ‬ ‫شيء } ‪ .‬ويستد ّ‬
‫ق سوى‬ ‫الله عليه وسلم ‪ { :‬ليس في المال ح ّ‬
‫صحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا‬ ‫ن ال ّ‬
‫الّزكاة } ‪ .‬وبأ ّ‬
‫ما من‬ ‫نصف أموال العراب الّذين منعوا الّزكاة ‪ .‬فأ ّ‬
‫جا عن قبضة المام ومنع الّزكاة ‪ ،‬فعلى‬ ‫كان خار ً‬
‫صحابة قاتلوا الممتنعين من‬ ‫ن ال ّ‬ ‫المام أن يقاتله ; ل ّ‬

‫‪151‬‬
‫أدائها ‪ ،‬فإن ظفر به أخذها منه من غير زيادةٍ على‬
‫قول الجمهور كما تقدّم ‪ .‬وهذا فيمن كان مقًّرا‬
‫بوجوب الّزكاة ‪ ،‬لكن منعها بخًل أو تأوًّل ‪ ،‬ول يحكم‬
‫بكفره ‪ ،‬ولذا فإن مات في قتاله عليها ورثه‬
‫ة عن‬ ‫المسلمون من أقاربه وصلّي عليه ‪ .‬وفي رواي ٍ‬
‫أحمد يحكم بكفره ول يورث ول يصلّى عليه ‪ ،‬لما‬
‫ضتهم‬ ‫ما قاتل مانعي الّزكاة ‪ ،‬وع ّ‬ ‫ن أبا بكرٍ ل ّ‬
‫روي أ ّ‬
‫الحرب قالوا ‪ :‬نؤدّيها ‪ ،‬قال ‪ :‬ل أقبلها حتّى تشهدوا‬
‫ن قتلنا في الجنّة وقتلكم في النّار ‪ ،‬ووافقه عمر ‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ل على‬ ‫صحابة فد ّ‬ ‫ولم ينقل إنكار ذلك عن أحد ٍ من ال ّ‬
‫ما من منع الّزكاة منكًرا لوجوبها ‪ ،‬فإن‬ ‫كفرهم ‪ .‬وأ ّ‬
‫كان جاهًل ومثله يجهل ذلك لحداثة عهده بالسلم ‪،‬‬
‫أو لنّه نشأ بباديةٍ بعيدةٍ عن المصار ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪،‬‬
‫فإنّه يعّرف وجوبها ول يحكم بكفره لنّه معذور ‪،‬‬
‫ما ناشئًا ببلد السلم بين أهل العلم‬ ‫وإن كان مسل ً‬
‫فيحكم بكفره ‪ ،‬ويكون مرتدًّا ‪ ،‬وتجري عليه أحكام‬
‫ضرورة ‪.‬‬ ‫ما من الدّين بال ّ‬ ‫المرتد ّ ‪ ،‬لكونه أنكر معلو ً‬
‫من تجب في ماله الّزكاة ‪:‬‬
‫ن البالغ العاقل المسلم‬ ‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ة ‪ ،‬رجًل كان أو امرأةً‬ ‫الحّر العالم بكون الّزكاة فريض ً‬
‫تجب في ماله الّزكاة إذا بلغ نصابًا ‪ ،‬وكان متمكّنًا‬
‫شروط في المال ‪.‬‬ ‫مت ال ّ‬ ‫من أداء الّزكاة ‪ ،‬وت ّ‬
‫واختلفوا فيما عدا ذلك كما يلي ‪:‬‬
‫صغير والمجنون ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الّزكاة في مال ال ّ‬
‫ن‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 11‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫صغير والمجنون ذكًرا‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫الّزكاة تجب في مال ك ٍّ‬
‫ي‬
‫كان أو أنثى ‪ ،‬وهو مرويّ عن عمر ‪ ،‬وابنه ‪ ،‬وعل ٍ ّ‬
‫وابنه الحسن ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وجابرٍ ‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫د‬
‫سيرين ومجاهد ‪ ،‬وربيعة ‪ ،‬وابن عيينة ‪ ،‬وأبو عبي ٍ‬

‫‪152‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫وغيرهم ‪ .‬واستدلّوا بقول النّب ّ‬
‫ما له مال فليتّجر فيه ‪ ،‬ول‬ ‫وسلم ‪ { :‬أل من ولي يتي ً‬
‫صدقة الّزكاة‬ ‫صدقة } والمراد بال ّ‬ ‫يتركه حتّى تأكله ال ّ‬
‫ن اليتيم ل يخرج من ماله صدقة‬ ‫المفروضة ; ل ّ‬
‫ي أن يتبّرع من مال اليتيم‬ ‫تطوٍّع ‪ ،‬إذ ليس للول ّ‬
‫ن الّزكاة تراد لثواب المزكّي ومواساة‬ ‫بشيءٍ ; ول ّ‬
‫ي والمجنون من أهل الثّواب وأهل‬ ‫صب ّ‬ ‫الفقير ‪ ،‬وال ّ‬
‫ق‬
‫ن الّزكاة ح ّ‬ ‫شيرازيّ ‪ ،‬وبأ ّ‬ ‫المواساة على ما قال ال ّ‬
‫يتعلّق بالمال ‪ ،‬فأشبه نفقة القارب وأروش‬
‫الجنايات وقيم المتلفات ‪ .‬وقال الدّردير ‪ :‬إنّما وجبت‬
‫في مالهما لنّها من باب خطاب الوضع ‪ .‬ويتولّى‬
‫ي يقوم‬ ‫ن الول ّ‬ ‫ي إخراج الّزكاة من مالهما ; ل ّ‬ ‫الول ّ‬
‫مقامهما في أداء ما عليهما من الحقوق ‪ ،‬كنفقة‬
‫ي أن ينوي أنّها زكاة ‪ ،‬فإن لم‬ ‫القريب ‪ ،‬وعلى الول ّ‬
‫ي بعد البلوغ ‪،‬‬ ‫صب ّ‬ ‫ي وجب على ال ّ‬ ‫يخرجها الول ّ‬
‫والمجنون بعد الفاقة ‪ ،‬إخراج زكاة ما مضى ‪ .‬وروي‬
‫ي أنّهم قالوا ‪:‬‬ ‫وري والوزاع ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن ابن مسعود ٍ والث ّ‬
‫ي ‪ ،‬أو يفيق‬ ‫صب ّ‬‫تجب الّزكاة ‪ ،‬ول تخرج حتّى يبلغ ال ّ‬
‫ي ليس له ولية الداء ‪ ،‬قال‬ ‫ن الول ّ‬ ‫المجنون ‪ ،‬وذلك أ ّ‬
‫ابن مسعود ٍ ‪ :‬احص ما يجب في مال اليتيم من‬
‫الّزكاة ‪ ،‬فإذا بلغ فأعلمه ‪ ،‬فإن شاء زكّى وإن شاء‬
‫ي بعدئذٍ إن لم يز ّ‬
‫ك‬ ‫ك ‪ ،‬أي ل إثم على الول ّ‬ ‫لم يز ّ‬
‫ن أمواله الظّاهرة‬ ‫ي ‪ .‬وذهب ابن شبرمة إلى أ ّ‬ ‫صب ّ‬‫ال ّ‬
‫ما الباطنة فل ‪ .‬وقال‬ ‫من نعم ٍ وزرٍع وثمرٍ يزكّى ‪ ،‬وأ ّ‬
‫سعيد بن المسيّب ‪ :‬ل يزكّي حتّى يصلّي ويصوم ‪،‬‬
‫ي ‪ ،‬وسعيد بن جبيرٍ والحسن‬ ‫ل ‪ ،‬والنّخع ّ‬ ‫وقال أبو وائ ٍ‬
‫ي ‪ ،‬وذهب أبو حنيفة‬ ‫صب ّ‬ ‫البصريّ ‪ :‬ل زكاة في مال ال ّ‬
‫ن الّزكاة ل‬‫س إلى أ ّ‬ ‫ي وابن عبّا ٍ‬ ‫وهو مرويّ عن عل ٍ ّ‬
‫صغير والمجنون ‪ ،‬إل ّ أنّه يجب‬ ‫تجب في مال ال ّ‬

‫‪153‬‬
‫العشر في زروعهما وثمارهما ‪ ،‬وزكاة الفطر عنهما‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ل لهذا القول بقول النّب ّ‬ ‫‪ .‬واستد ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬رفع القلم عن ثلثةٍ ‪ :‬عن المجنون‬
‫المغلوب على عقله حتّى يفيق ‪ ،‬وعن النّائم حتّى‬
‫ي حتّى يحتلم } ‪ .‬ولنّها عبادة ‪،‬‬ ‫صب ّ‬ ‫يستيقظ ‪ ،‬وعن ال ّ‬
‫فل تتأدّى إل ّ بالختيار تحقيًقا لمعنى البتلء ‪ ،‬ول‬
‫سا على‬ ‫ي والمجنون لعدم العقل ‪ ،‬وقيا ً‬ ‫صب ّ‬
‫اختيار لل ّ‬
‫ي لنّه ليس من أهل العبادة ‪،‬‬ ‫م ّ‬‫عدم وجوبها على الذ ّ ّ‬
‫وإنّما وجب العشر فيما يخرج من أرضهما لنّه في‬
‫ما‬
‫معنى مؤنة الرض ‪ ،‬ومعنى العبادة فيه تابع ‪ .‬وم ّ‬
‫ث أو غيره ‪ ،‬ذكر‬ ‫يتّصل بهذا زكاة مال الجنين من إر ٍ‬
‫شافعيّة طريقين والمذهب أنّها ل‬ ‫فيه النّوويّ عند ال ّ‬
‫ن الجنين ل‬ ‫تجب ‪ ،‬قال ‪ :‬وبذلك قطع الجمهور ; ل ّ‬
‫يتيّقن حياته ول يوثق بها ‪ ،‬فل يحصل تمام الملك‬
‫واستقراره ‪ ،‬قال ‪ :‬فعلى هذا يبتدئ حول ماله من‬
‫حين ينفصل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّزكاة في مال الكافر ‪:‬‬
‫ي اتّفاقًا ‪،‬‬
‫‪ - 12‬ل تجب الّزكاة في مال الكافر الصل ّ‬
‫ميًّا ; لنّه حقّ لم يلتزمه ; ولنّها‬ ‫حربيًّا كان أو ذ ّ‬
‫وجبت طهرة ً للمزكّي ‪ ،‬والكافر ل طهرة له ما دام‬
‫على كفره ‪ .‬وأخذ عمر رضي الله عنه الّزكاة‬
‫ة من نصارى بني تغلب عندما رفضوا دفع‬ ‫مضاعف ً‬
‫الجزية ورضوا بدفع الّزكاة ‪ .‬وقد ذهب الجمهور إلى‬
‫ن ما يؤخذ منهم يصرف في مصارف الفيء ; لنّه‬ ‫أ ّ‬
‫مد بن الحسن إلى أنّه‬ ‫في حقيقته جزية ‪ ،‬وذهب مح ّ‬
‫يصرف في مصارف الّزكاة وهو قول أبي الخطّاب‬
‫ما المرتد ّ ‪ ،‬فما وجب عليه من الّزكاة‬ ‫من الحنابلة ‪ .‬أ ّ‬
‫في إسلمه ‪ ،‬وذلك إذا ارتد ّ بعد تمام الحول على‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬لنّه‬ ‫النّصاب ل يسقط في قول ال ّ‬

‫‪154‬‬
‫ل فل يسقط بالّردّة كالدّين ‪ ،‬فيأخذه المام‬ ‫ق ما ٍ‬ ‫ح ّ‬
‫من ماله كما يأخذ الّزكاة من المسلم الممتنع ‪ ،‬فإن‬
‫أسلم بعد ذلك لم يلزمه أداؤها ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى‬
‫أنّه تسقط بالّردّة الّزكاة الّتي وجبت في مال المرتدّ‬
‫ن من شرطها النّيّة عند الداء ‪ ،‬ونيّته‬ ‫قبل الّردّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ة ‪ ،‬فتسقط بالّردّة‬ ‫العبادة وهو كافر غير معتبر ٍ‬
‫صلة ‪ ،‬حتّى ما كان منها زكاة الخارج من الرض‬ ‫كال ّ‬
‫ما إذا ارتد ّ قبل تمام الحول على النّصاب فل‬ ‫‪ .‬وأ ّ‬
‫يثبت الوجوب عند الجمهور من الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪،‬‬
‫ن‬‫شافعيّة أ ّ‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫شافعيّة ‪ .‬والص ّ‬ ‫وهو قول عند ال ّ‬
‫ملكه لماله موقوف فإن عاد إلى السلم تبيّن بقاء‬
‫ملكه وتجب فيه الّزكاة وإل ّ فل ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬من لم يعلم بفرضيّة الّزكاة ‪:‬‬
‫شافعيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬وابن‬ ‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن العلم بكون‬ ‫المنذر ‪ ،‬وزفر من الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ة ليس شرطًا لوجوبها ‪ ،‬فتجب الّزكاة‬ ‫الّزكاة مفروض ً‬
‫ي إذا أسلم في دار الحرب وله سوائم‬ ‫على الحرب ّ‬
‫شريعة السلميّة ‪،‬‬ ‫ومكث هناك سنين ول علم له بال ّ‬
‫ويخاطب بأدائها إذا خرج إلى دار السلم ‪ .‬وذهب‬
‫ن العلم بكون الّزكاة‬ ‫أبو حنيفة وصاحباه إلى أ ّ‬
‫ة شرط لوجوب الّزكاة فل تجب الّزكاة على‬ ‫فريض ً‬
‫صورة المذكورة ‪.‬‬ ‫ي في ال ّ‬ ‫الحرب ّ‬
‫د ‪ -‬من لم يتمكّن من الداء ‪:‬‬
‫ن التّمكّن من‬ ‫ي إلى أ ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫‪ - 14‬ذهب مالك وال ّ‬
‫م‬
‫الداء شرط لوجوب أداء الّزكاة ‪ ،‬فلو حال الحول ث ّ‬
‫تلف المال قبل أن يتمكّن صاحبه من الداء فل زكاة‬
‫ن المالك لو أتلف‬ ‫عليه ‪ ،‬حتّى لقد قال مالك ‪ :‬إ ّ‬
‫المال بعد الحول قبل إمكان الداء فل زكاة عليه إذا‬
‫ن‬
‫ج لهذا القول بأ ّ‬ ‫لم يقصد الفرار من الّزكاة ‪ .‬واحت ّ‬

‫‪155‬‬
‫صلة‬ ‫الّزكاة عبادة فيشترط لوجوبها إمكان أدائها كال ّ‬
‫ن التّمكّن‬‫صوم ‪ .‬وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫من الداء ليس شرطًا لوجوبها ‪ ،‬لمفهوم قول النّب ّ‬
‫ي‬
‫ل حتّى‬‫صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل زكاة في ما ٍ‬
‫يحول عليه الحول } ‪ .‬فمفهومه وجوبها عليه إذا‬
‫ن الّزكاة عبادة ماليّة ‪ ،‬فيثبت‬ ‫حال الحول ‪ ،‬ول ّ‬
‫مة مع عدم إمكان الداء ‪ ،‬كثبوت‬ ‫وجوبها في الذ ّ ّ‬
‫مة المفلس‬ ‫الدّيون في ذ ّ‬
‫م ( أموال بيت المال ) ‪:‬‬ ‫الّزكاة في المال العا ّ‬
‫ن مال الفيء ‪ ،‬وخمس‬ ‫ص الحنابلة على أ ّ‬ ‫‪ 14‬م ‪ -‬ن ّ‬
‫ما يرجع إلى‬ ‫ل ما هو تحت يد المام م ّ‬ ‫الغنيمة ‪ ،‬وك ّ‬
‫صرف في مصالح المسلمين ل زكاة فيه ‪ .‬ولم‬ ‫ال ّ‬
‫ضا لهذه المسألة مع مراعاتها‬ ‫نجد لدى غيرهم تعّر ً‬
‫ما ول عمًل أخذ الّزكاة‬ ‫في التّطبيق ‪ ،‬إذ لم يعهد عل ً‬
‫مة ‪.‬‬ ‫من الموال العا ّ‬
‫الّزكاة في الموال المشتركة والموال المختلفة‬
‫والموال المتفّرقة ‪:‬‬
‫شخص المسلم‬ ‫‪ - 15‬الّذي يكلّف بالّزكاة هو ال ّ‬
‫بالنّسبة لماله ‪ ،‬فإن كان ما يملكه نصابًا وحال عليه‬
‫شروط ففيه الّزكاة ‪ ،‬فإن كان المال‬ ‫مت ال ّ‬ ‫الحول وت ّ‬
‫ة بينه وبين غيره ‪ ،‬وكان المال نصابًا فأكثر فل‬ ‫شرك ً‬
‫شركاء عند الجمهور ‪ ،‬وهو قول‬ ‫زكاة على أحد ٍ من ال ّ‬
‫شافعيّة حتّى يكون نصيبه نصابًا ‪ ،‬ول يستثنى‬ ‫عند ال ّ‬
‫من ذلك عند الحنفيّة شيء ‪ ،‬ويستثنى عند الجمهور‬
‫سائمة المشتركة فإنّها تعامل‬ ‫شافعيّة ال ّ‬ ‫ومنهم ال ّ‬
‫ل واحد ٍ في القدر الواجب وفي‬ ‫معاملة مال رج ٍ‬
‫سائمة المختلطة‬ ‫النّصاب عند غير المالكيّة ‪ ،‬وكذا ال ّ‬
‫ل من الخليطين فيها لكنّها‬ ‫‪ -‬أي الّتي يتميّز حقّ ك ٍّ‬
‫تشترك في المرعى ونحوه من المرافق ‪ -‬وذهب‬

‫‪156‬‬
‫ن المال المشترك‬ ‫شافعيّة على الظهر إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل واحدٍ في‬ ‫والمال المختلط يعامل معاملة مال رج ٍ‬
‫النّصاب والقدر الواجب ‪ ،‬وهو رواية أخرى عند‬
‫ري‬
‫ل والج ّ ّ‬ ‫جح العمل بها بعضهم كابن عقي ٍ‬ ‫الحنابلة ر ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫جوا بعموم قول النّب ّ‬ ‫‪ .‬واحت ّ‬
‫ق خشية‬ ‫{ ل يفّرق بين مجتمٍع ول يجمع بين متفّر ٍ‬
‫صدقة } ‪ .‬ولمعرفة تفصيل القول في ذلك‬ ‫ال ّ‬
‫والخلف فيه ينظر مصطلح ( خلطة ) ‪ .‬هذا إذا كان‬
‫ما إن كان مال الّرجل مفّرقًا‬ ‫المال في بلد ٍ واحد ٍ ‪ ،‬أ ّ‬
‫بين بلدين أو أكثر ‪ ،‬فإن كان من غير المواشي فل‬
‫ل واحدٍ ‪ .‬وإن كان من‬ ‫أثر لتفّرقه ‪ ،‬بل يزكّى زكاة ما ٍ‬
‫المواشي وكان بين البلدين مسافة قصرٍ فأكثر‬
‫جحها‬ ‫فكذلك عند الجمهور ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد ر ّ‬
‫ل‬
‫ل ما ٍ‬ ‫نك ّ‬ ‫صاحب المغني ‪ .‬والمعتمد عند الحنابلة أ ّ‬
‫ما سواه ‪ ،‬فإن كان كل المالين‬ ‫منها يزكّى منفردًا ع ّ‬
‫نصابًا زكّاهما كنصابين ‪ ،‬وإن كان أحدهما نصابًا‬
‫م نصابًا دون الخر ‪.‬‬ ‫ب زكّى ما ت ّ‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫والخر أق ّ‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬ل أعلم هذا القول عن غير أحمد ‪.‬‬
‫ما أثّر اجتماع مال‬ ‫ج من ذهب إلى هذا بأنّه ل ّ‬ ‫واحت ّ‬
‫الجماعة حال الخلطة في مرافق الملك ومقاصده‬
‫ل واحدٍ وجب تأثير‬ ‫م الوجوه حتّى جعله كما ٍ‬ ‫على أت ّ‬
‫الفتراق الفاحش في المال الواحد حتّى يجعله‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ج أحمد بقول النّب ّ‬ ‫كمالين ‪ .‬واحت ّ‬
‫ل‬
‫ل ما ٍ‬‫نك ّ‬ ‫ق } ول ّ‬ ‫وسلم ‪ { :‬ول يجمع بين متفّر ٍ‬
‫تخرج زكاته ببلده ‪.‬‬
‫شروط المال الّذي تجب فيه الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 16‬يشترط في المال الّذي تجب فيه الّزكاة من‬
‫حيث الجملة شروط ‪:‬‬
‫ن‪.‬‬ ‫‪ - 1‬كونه مملوكًا لمعي ّ ٍ‬

‫‪157‬‬
‫ة ( أي كونه مملوكًا رقب ً‬
‫ة‬ ‫‪ - 2‬وكون مملوكيّته مطلق ً‬
‫ويدًا ) ‪.‬‬
‫‪ - 3‬وكونه ناميًا ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وأن يكون زائدًا على الحاجات الصليّة ‪.‬‬
‫‪ -5‬حولن الحول ‪.‬‬
‫ل نوٍع من المال‬ ‫‪ -6‬وبلوغه نصابًا ‪ ،‬والنّصاب في ك ّ‬
‫بحسبه ‪.‬‬
‫‪ -7‬وأن يسلم من وجود المانع ‪ ،‬والمانع أن يكون‬
‫على المالك دين ينقص النّصاب ‪.‬‬
‫ن ‪ :‬فل‬ ‫شرط الوّل ‪ :‬كون المال مملوكًا لمعي ّ ٍ‬ ‫‪ - 17‬ال ّ‬
‫زكاة فيما ليس له مالك معيّن ‪ ،‬ومن هنا ذهب‬
‫ن الّزكاة ل تجب في سوائم الوقف ‪،‬‬ ‫الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن في‬ ‫والخيل المسبّلة ; لنّها غير مملوكةٍ ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫الّزكاة تمليكًا ‪ ،‬والتّمليك في غير الملك ل يتصوّر ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬ول تجب الّزكاة في ما استولى عليه العدوّ ‪،‬‬
‫وأحرزوه بدارهم ; لنّهم ملكوه بالحراز ‪ ،‬فزال ملك‬
‫المسلم عنه ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل زكاة في الموصى‬
‫به لغير معيّنين ‪ .‬وتجب في الموقوف ولو على غير‬
‫ن الوقف عندهم ل‬ ‫ن كمساجد ‪ ،‬أو بني تميم ٍ ; ل ّ‬ ‫معي ّ ٍ‬
‫سلف‬ ‫يخرجه عن ملك الواقف ‪ ،‬فلو وقف نقودًا لل ّ‬
‫يزكّيها الواقف أو المتولّي عليها منها كلّما مّر عليها‬
‫حول من يوم ملكها ‪ ،‬أو زكّاها إن كانت نصابًا ‪ ،‬وهذا‬
‫إن لم يتسلّفها أحد ‪ ،‬فإن تسلّفها أحد زكّيت بعد‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫صل ال ّ‬‫قبضها منه لعام ٍ واحد ٍ ‪ .‬وف ّ‬
‫ن ‪ ،‬كالفقراء ‪،‬‬ ‫فقالوا ‪ :‬إذا كان الوقف على غير معي ّ ٍ‬
‫ط ونحوه‬ ‫أو كان على مسجد ٍ ‪ ،‬أو مدرسةٍ ‪ ،‬أو ربا ٍ‬
‫ما ل يتعيّن له مالك ل زكاة فيه ‪ .‬وكذا النّقد‬ ‫م ّ‬
‫الموصى به في وجوه البّر ‪ ،‬أو ليشترى به وقف‬
‫ن فإنّه يملكه‬ ‫ن ‪ ،‬بخلف الموقوف على معي ّ ٍ‬ ‫لغير معي ّ ٍ‬

‫‪158‬‬
‫فتجب فيه الّزكاة عند الحنابلة ‪ ،‬وهو قول عند‬
‫ن ملكه ينتقل‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬وقيل عندهم ‪ :‬ل تجب ; ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫إلى اللّه تعالى ل إلى الموقوف عليه ‪.‬‬
‫ة‪:‬‬ ‫شرط الثّاني ‪ :‬أن يكون ملكيّة المال مطلق ً‬ ‫‪ - 18‬ال ّ‬
‫م‪:‬‬ ‫وهذه عبارة الحنفيّة ‪ ،‬وعبّر غيرهم بالملك التّا ّ‬
‫وهو ما كان في يد مالكه ينتفع به ويتصّرف فيه ‪.‬‬
‫والملك النّاقص يكون في أنواٍع من المال معيّنةٍ ‪،‬‬
‫منها ‪:‬‬
‫قادر على‬ ‫ٍ‬ ‫ل مالكه غير‬ ‫ضمار ‪ :‬وهو ك ّ‬
‫ل ما ٍ‬ ‫‪ - 1‬مال ال ّ‬
‫النتفاع به لكون يده ليست عليه ‪ ،‬فمذهب أبي‬
‫حنيفة ‪ ،‬وصاحبيه ‪ ،‬وهو مقابل الظهر عند‬
‫شافعيّة ‪ ،‬ورواية عند الحنابلة أنّه ل زكاة عليه‬ ‫ال ّ‬
‫ل ‪ ،‬والمال المفقود ‪ ،‬والمال‬ ‫ضا ّ‬‫فيه ‪ ،‬كالبعير ال ّ‬
‫سلطان‬ ‫ساقط في البحر ‪ ،‬والمال الّذي أخذه ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مصادرة ً ‪ ،‬والدّين المجحود إذا لم يكن للمالك بيّنة ‪،‬‬
‫والمال المغصوب الّذي ل يقدر صاحبه على أخذه ‪،‬‬
‫والمسروق الّذي ل يدري من سرقه ‪ ،‬والمال‬
‫صحراء إذا خفي على المالك مكانه ‪،‬‬ ‫المدفون في ال ّ‬
‫فإن كان مدفونًا في البيت تجب فيه الّزكاة عند‬
‫جوا بما‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬أي لنّه في مكان محدودٍ ‪ .‬واحت ّ‬
‫ي رضي الله عنه أنّه قال ‪ :‬ليس في‬ ‫روي عن عل ٍ ّ‬
‫ن المال إذا لم يكن النتفاع به‬ ‫ضمار زكاة ول ّ‬ ‫مال ال ّ‬
‫والتّصّرف فيه مقدوًرا ل يكون المالك به غنيًّا ‪ .‬قالوا‬
‫سبيل ( أي المسافر عن وطنه )‬ ‫‪ :‬وهذا بخلف ابن ال ّ‬
‫ن مالكه يقدر على‬ ‫ن الّزكاة تجب في ماله ; ل ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫النتفاع به ‪ ،‬وكذا الدّين المقّر به إذا كان على مليءٍ‬
‫ضائع ونحوه‬ ‫ن المال ال ّ‬ ‫‪ .‬وذهب مالك إلى أ ّ‬
‫ل صاحبه عنه أو كان‬ ‫كالمدفون في صحراء إذا ض ّ‬
‫ل ل يحاط به ‪ ،‬فإنّه يزكّى لعام ٍ واحدٍ إذا وجده‬ ‫بمح ٍّ‬

‫‪159‬‬
‫شافعيّة‬ ‫صاحبه ولو بقي غائبًا عنه سنين ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫ن الّزكاة‬‫في الظهر وهو رواية عند الحنابلة إلى أ ّ‬
‫ضائع ولكن ل يجب دفعها حتّى‬ ‫تجب في المال ال ّ‬
‫سنوات‬ ‫يعود المال ‪ .‬فإن عاد يخرجها صاحبه عن ال ّ‬
‫سبب الملك ‪ ،‬وهو ثابت ‪ .‬قالوا‬ ‫ن ال ّ‬‫الماضية كلّها ; ل ّ‬
‫‪ :‬لكن لو تلف المال ‪ ،‬أو ذهب ولم يعد سقطت‬
‫الّزكاة ‪ .‬وكذا عندهم المال الّذي ل يقدر عليه‬
‫صاحبه لنقطاع خبره ‪ ،‬أو انقطاع الطّريق إليه ‪.‬‬
‫والمال الموروث صّرح المالكيّة بأنّه ل زكاة فيه إلّ‬
‫بعد قبضه ‪ ،‬يستقبل به الوارث حوًل ‪ ،‬ولو كان قد‬
‫أقام سنين ‪ ،‬وسواء علم الوارث به أو لم يعلم ‪.‬‬
‫الّزكاة في مال السير ‪ ،‬والمسجون ونحوه ‪:‬‬
‫‪ - 19‬من كان مأسوًرا أو مسجونًا قد حيل بينه وبين‬
‫ن‬
‫التّصّرف في ماله والنتفاع به ‪ ،‬ذكر ابن قدامة أ ّ‬
‫ذلك ل يمنع وجوب الّزكاة عليه ; لنّه لو تصّرف في‬
‫ماله ببيٍع وهبةٍ ونحوهما نفذ ‪ ،‬وكذا لو وكّل في ماله‬
‫ن كون الّرجل‬ ‫ما عند المالكيّة فإ ّ‬ ‫نفذت الوكالة ‪ .‬أ ّ‬
‫مفقودًا أو أسيًرا يسقط الّزكاة في حّقه من أمواله‬
‫الباطنة ‪ ،‬لنّه بذلك يكون مغلوبًا على عدم التّنمية‬
‫ضائع ‪ ،‬ولذا يزكّيها إذا‬‫فيكون ماله حينئذ ٍ كالمال ال ّ‬
‫ضائعة ‪ .‬وفي قول‬ ‫أطلق لسنةٍ واحدةٍ كالموال ال ّ‬
‫ي ‪ :‬ل زكاة عليه فيها أصًل ‪ .‬وفي‬ ‫الجهوريّ والّزرقان ّ‬
‫ي ‪ :‬ل تسقط الّزكاة عن السير‬ ‫قول البنان ّ‬
‫ل عام ٍ ‪ ،‬لكن ل‬ ‫والمفقود ‪ ،‬بل تجب الّزكاة عليهما ك ّ‬
‫يجب الخراج من مالهما بل يتوقّف مخافة حدوث‬
‫ما المال الظّاهر فقد اتّفقت كلمة المالكيّة‬ ‫الموت ‪ .‬أ ّ‬
‫ن الفقد والسر ل يسقطان زكاته ; لنّها محمولن‬ ‫أ ّ‬
‫على الحياة ‪ ،‬ويجوز أخذ الّزكاة من مالهما الظّاهر‬
‫ن نيّة المخرج تقوم‬ ‫وتجزئ ‪ ،‬ول يضّر عدم النّيّة ; ل ّ‬

‫‪160‬‬
‫ضا لهذه‬ ‫مقام نيّته ‪ .‬ولم نجد لغير من ذكر تعّر ً‬
‫المسألة ‪.‬‬
‫زكاة الدّين ‪:‬‬
‫‪ - 20‬الدّين مملوك للدّائن ‪ ،‬ولكنّه لكونه ليس تحت‬
‫يد صاحبه فقد اختلفت فيه أقوال الفقهاء ‪ :‬فذهب‬
‫س‬
‫ابن عمر ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وعكرمة مولى ابن عبّا ٍ‬
‫رضي الله عنهم ‪ ،‬إلى أنّه ل زكاة في الدّين ‪ ،‬ووجهه‬
‫أنّه غير نام ٍ ‪ ،‬فلم تجب زكاته ‪ ،‬كعروض القنيّة‬
‫( وهي العروض الّتي تقتنى لجل النتفاع‬
‫ن الدّين‬ ‫ي ) ‪ .‬وذهب جمهور العلماء إلى أ ّ‬ ‫شخص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل مرجوّ الداء ‪ ،‬ودين حا ّ‬
‫ل‬ ‫ل قسمان ‪ :‬دين حا ّ‬ ‫الحا ّ‬
‫ل المرجوّ الداء ‪:‬‬ ‫غير مرجوّ الداء ‪ - 21 .‬فالدّين الحا ّ‬
‫ل له ‪ ،‬وفيه أقوال ‪:‬‬ ‫هو ما كان على مقّرٍ به باذ ٍ‬
‫ن‬‫فمذهب الحنفيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬وهو قول الثّوريّ ‪ :‬أ ّ‬
‫ل عام ٍ لنّه مال مملوك له‬ ‫زكاته تجب على صاحبه ك ّ‬
‫‪ ،‬إل ّ أنّه ل يجب عليه إخراج الّزكاة منه ما لم يقبضه‬
‫سنين ‪ .‬ووجه‬ ‫ل ما مضى من ال ّ‬ ‫‪ ،‬فإذا قبضه زكّاه لك ّ‬
‫مة فلم يلزمه‬ ‫هذا القول ‪ :‬أنّه دين ثابت في الذ ّ ّ‬
‫الخراج قبل قبضه ; ولنّه ل ينتفع به في الحال ‪،‬‬
‫ل ل ينتفع به ‪.‬‬ ‫وليس من المواساة أن يخرج زكاة ما ٍ‬
‫ن الوديعة الّتي يقدر صاحبها أن يأخذها في‬ ‫على أ ّ‬
‫ت ليست من هذا النّوع ‪ ،‬بل يجب إخراج‬ ‫أيّ وق ٍ‬
‫ي في الظهر ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫زكاتها عند الحول ‪ .‬ومذهب ال ّ‬
‫ماد بن أبي سليمان ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبي عبيد ٍ أنّه‬ ‫وح ّ‬
‫يجب إخراج زكاة الدّين المرجوّ الداء في نهاية ك ّ‬
‫ل‬
‫ل ‪ ،‬كالمال الّذي هو بيده ‪ ،‬لنّه قادر على أخذه‬ ‫حو ٍ‬
‫والتّصّرف فيه ‪ .‬وجعل المالكيّة الدّين أنواعًا ‪ :‬فبعض‬
‫ل عام ٍ وهي دين التّاجر المدير عن‬ ‫الدّيون يزكّى ك ّ‬
‫ل من‬ ‫ة باعها ‪ ،‬وبعضها يزكّى لحو ٍ‬ ‫ثمن بضاعةٍ تجاري ّ ٍ‬

‫‪161‬‬
‫ة عند قبضه ولو أقام عند المدين‬ ‫أصله لسنةٍ واحد ٍ‬
‫سنين ‪ ،‬وهو ما أقرضه لغيره من نقدٍ ‪ ،‬وكذا ثمن‬
‫بضاعةٍ باعها محتكر ‪ ،‬وبعض الدّيون ل زكاة فيه ‪،‬‬
‫وهو ما لم يقبض من نحو هبةٍ أو مهرٍ أو عوض جنايةٍ‬
‫ما الدّين غير المرجوّ الداء ‪ ،‬فهو ما كان‬ ‫‪ - 22 .‬وأ ّ‬
‫ل ‪ ،‬وفيه مذاهب ‪:‬‬ ‫على معسرٍ أو جاحد ٍ أو مماط ٍ‬
‫فمذهب الحنفيّة فيه كما تقدّم ‪ ،‬وهو قول قتادة‬
‫ثور ‪ ،‬ورواية عن أحمد ‪ ،‬وقول‬ ‫ٍ‬ ‫وإسحاق ‪ ،‬وأبي‬
‫ي ‪ :‬أنّه ل زكاة فيه لعدم تمام‬ ‫شافع ّ‬ ‫مقابل للظهر لل ّ‬
‫مقدور على النتفاع به ‪ .‬والقول‬ ‫ٍ‬ ‫الملك ; لنّه غير‬
‫الثّاني وهو قول الثّوريّ ‪ ،‬وأبي عبيد ٍ ورواية عن‬
‫ي هو الظهر ‪ :‬أنّه يزكّيه إذا‬ ‫شافع ّ‬ ‫أحمد ‪ ،‬وقول لل ّ‬
‫ي‬
‫سنين ‪ ،‬لما روي عن عل ٍ ّ‬ ‫قبضه لما مضى من ال ّ‬
‫رضي الله عنه في الدّين المظنون " إن كان صادقًا‬
‫فليزكّه إذا قبضه لما مضى ‪ .‬وذهب مالك إلى أنّه إن‬
‫ما فيه الّزكاة يزكّيه إذا قبضه لعام ٍ واحدٍ وإن‬ ‫كان م ّ‬
‫ما ‪ .‬وهو قول عمر بن عبد‬ ‫أقام عند المدين أعوا ً‬
‫ي ‪ .‬واستثنى‬ ‫العزيز ‪ ،‬والحسن واللّيث ‪ ،‬والوزاع ّ‬
‫ة فل زكاة‬ ‫شافعيّة والحنابلة ما كان من الدّين ماشي ً‬ ‫ال ّ‬
‫سوم ‪،‬‬ ‫ن شرط الّزكاة في الماشية عندهم ال ّ‬ ‫فيه ; ل ّ‬
‫جل ‪:‬‬ ‫سوم ‪ .‬الدّين المؤ ّ‬ ‫مة ل يتّصف بال ّ‬ ‫وما في الذ ّ ّ‬
‫شافعيّة ‪:‬‬ ‫‪ - 23‬ذهب الحنابلة وهو الظهر من قولي ال ّ‬
‫جل بمنزلة الدّين على المعسر ;‬ ‫ن الدّين المؤ ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن من قبضه في الحال فيجب‬ ‫ن صاحبه غير متمك ّ ٍ‬ ‫ل ّ‬
‫سابقة ‪.‬‬ ‫سنوات ال ّ‬ ‫إخراج زكاته إذا قبضه عن جميع ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬أنّه يجب دفع زكاته‬ ‫ومقابل الظهر عند ال ّ‬
‫عند الحول ولو لم يقبضه ‪ .‬ولم نجد عند الحنفيّة‬
‫ل ‪ .‬أقسام الدّين‬ ‫جل والحا ّ‬ ‫والمالكيّة تفريًقا بين المؤ ّ‬
‫عند الحنفيّة ‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫ن الدّيون كلّها نوع واحد ‪،‬‬ ‫صاحبان إلى أ ّ‬ ‫‪ - 24‬ذهب ال ّ‬
‫فكلّما قبض شيئًا منها زكّاه إن كان الدّين نصابًا أو‬
‫مه إلى ما عنده نصابًا ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى‬ ‫بلغ بض ّ‬
‫ن الدّين ثلثة أقسام ٍ ‪ :‬الوّل ‪ :‬الدّين القويّ ‪ :‬وهو‬ ‫أ ّ‬
‫ي ‪ ،‬كقرض نقدٍ ‪ ،‬أو ثمن مال‬ ‫ل زكو ٍ ّ‬ ‫ما كان بدل ما ٍ‬
‫سائمةٍ ‪ ،‬أو عرض تجارةٍ ‪ .‬فهذا كلّما قبض شيئًا منه‬
‫زكّاه ولو قليًل ( مع ملحظة مذهبه في الوقص في‬
‫ضة ‪ ،‬فل زكاة في المقبوض من دين‬ ‫الذ ّهب والف ّ‬
‫ما ويكون فيها‬ ‫دراهم مثًل إل ّ إذا بلغت ‪ 40‬دره ً‬
‫ن أصله زكويّ فيبنى‬ ‫درهم ) وحوله حول أصله ; ل ّ‬
‫ة واحدة ً ‪ .‬الثّاني ‪ :‬الدّين‬ ‫على حول أصله رواي ً‬
‫ضعيف ‪ :‬وهو ما لم يكن ثمن مبيٍع ول بدًل لقرض‬ ‫ال ّ‬
‫نقد ٍ ‪ ،‬ومثاله المهر والدّية وبدل الكتابة والخلع ‪ ،‬فهذا‬
‫متى قبض منه شيئًا وكان عنده نصاب غيره قد‬
‫انعقد حوله يزكّيه معه كالمال المستفاد ‪ ،‬وإن لم‬
‫يكن عنده من غيره نصاب فإنّه ل تجب فيه الّزكاة‬
‫إل ّ إذا قبض منه نصابًا وحال عليه الحول عنده منذ‬
‫قبضه ; لنّه بقبضه أصبح ماًل زكويًّا ‪ .‬الثّالث ‪ :‬الدّين‬
‫ما ل تجب‬ ‫سط ‪ :‬وهو ما كان ثمن عرض قنيةٍ م ّ‬ ‫المتو ّ‬
‫فيه الّزكاة ‪ ،‬كثمن داره أو متاعه المستغرق بالحاجة‬
‫الصليّة ‪ .‬ففي روايةٍ ‪ ،‬يعتبر ماًل زكويًّا من حين باع‬
‫ما باعه فتثبت فيه الّزكاة لما مضى من الوقت ‪ ،‬ول‬
‫م ما يقبضه منه نصابًا ‪ ،‬وفي‬ ‫يجب الداء إل ّ بعد أن يت ّ‬
‫روايةٍ أخرى ‪ :‬ل يبتدئ حوله إل ّ من حين يقبض منه‬
‫نصابًا ‪ ،‬لنّه حينئذ ٍ أصبح زكويًّا ‪ ،‬فصار كالحادث‬
‫ابتداءً ‪.‬‬
‫الجور المقبوضة سلًفا ‪:‬‬
‫مد بن‬ ‫ي عن مح ّ‬ ‫‪ - 25‬مذهب الحنابلة ‪ ،‬ونقله الكاسان ّ‬
‫شافعيّة ‪:‬‬ ‫ي ‪ ،‬وهو قول عند ال ّ‬ ‫الفضل البخاريّ الحنف ّ‬

‫‪163‬‬
‫جلة لسنين إذا حال عليها الحول‬ ‫ن الجرة المع ّ‬ ‫إ ّ‬
‫جر زكاتها كلّها ‪ ،‬لنّه يملكها ملكًا تا ًّ‬
‫ما‬ ‫تجب على المؤ ّ‬
‫من حين العقد ‪ .‬بدليل جواز تصّرفه فيها ‪ ،‬وإن كان‬
‫ربّما يلحقه دين بعد الحول بالفسخ الطّارئ ‪ .‬وعند‬
‫ما إلّ‬ ‫جر فيما قبضه مقد ّ ً‬ ‫المالكيّة ل زكاة على المؤ ّ‬
‫بتمام ملكه ‪ ،‬فلو آجر نفسه ثلث سنين بستّين‬
‫ة ول‬ ‫جل ً‬ ‫ستّين مع ّ‬ ‫ل سنةٍ بعشرين ‪ ،‬وقبض ال ّ‬ ‫ديناًرا ‪ ،‬ك ّ‬
‫شيء له غيرها ‪ ،‬فإذا مّر على ذلك حول فل زكاة‬
‫سنة الولى لم‬ ‫ن العشرين الّتي هي أجرة ال ّ‬ ‫عليه ; ل ّ‬
‫يتحّقق ملكه لها إل ّ بانقضائها ; لنّها كانت عنده‬
‫بمثابة الوديعة ‪ ،‬فلم يملكها حوًل كامًل ‪ ،‬فإذا مّر‬
‫الحول الثّاني زكّى عشرين ‪ ،‬وإذا مّر الثّالث زكّى‬
‫أربعين إل ّ ما أنقصته الّزكاة ‪ ،‬فإذا مّر الّرابع زكّى‬
‫ل عند المالكيّة وهو الظهر‬ ‫الجميع ‪ .‬وفي قو ٍ‬
‫ن ما لم‬ ‫شافعيّة ‪ :‬ل تجب إل ّ زكاة ما استقّر ; ل ّ‬ ‫لل ّ‬
‫سقوط ‪ ،‬فتجب زكاة العشرين‬ ‫يستقّر معّرض لل ّ‬
‫ن الغيب كشف أنّه‬ ‫الولى بتمام الحول الوّل ‪ ،‬ل ّ‬
‫م الحول الثّاني فعليه‬ ‫ملكها من أوّل الحول ‪ .‬وإذا ت ّ‬
‫سنة‬ ‫زكاة عشرين لسنةٍ وهي الّتي زكّاها في آخر ال ّ‬
‫الولى ‪ ،‬وزكاة عشرين لسنتين ‪ ،‬وهي الّتي استقّر‬
‫عليها ملكه الن ‪ ،‬وهكذا ‪ .‬ولم نجد عند الحنفيّة‬
‫ضا لهذه المسألة ‪.‬‬ ‫تعّر ً‬
‫زكاة الثّمن المقبوض عن بضائع لم يجر تسليمها ‪:‬‬
‫‪ - 26‬إذا اشترى ماًل بنصاب دراهم ‪ ،‬أو أسلم نصابًا‬
‫في شيءٍ فحال الحول قبل أن يقبض المشتري‬
‫ق لم يجر‬ ‫المبيع ‪ ،‬أو يقبض المسلّم فيه ‪ ،‬والعقد با ٍ‬
‫فسخه ‪ ،‬قال الحنابلة ‪ :‬زكاة الثّمن على البائع ; ل ّ‬
‫ن‬
‫م لو فسخ العقد لتلف المبيع ‪ ،‬أو‬ ‫ملكه ثابت فيه ‪ .‬ث ّ‬
‫تعذ ّر المسلّم فيه ‪ ،‬وجب رد ّ الثّمن كامًل ‪ .‬وصّرح‬

‫‪164‬‬
‫ن البضاعة‬ ‫شافعيّة بما هو قريب من ذلك وهو أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫المشتراة إذا حال عليها الحول من حين لزوم العقد‬
‫تجب زكاتها على المشتري وإن لم يقبضها ‪.‬‬
‫شرط الثّالث ‪ :‬النّماء ‪ :‬ووجه اشتراطه على‬ ‫‪ - 27‬ال ّ‬
‫ن المقصود من شرعيّة الّزكاة‬ ‫ما قال ابن الهمام ‪ ،‬أ ّ‬
‫بالضافة إلى البتلء مواساة الفقراء على وجهٍ ل‬
‫يصير به المزكّي فقيًرا ‪ ،‬بأن يعطي من فضل ماله‬
‫قليًل من كثيرٍ ‪ ،‬واليجاب في المال الّذي ل نماء له‬
‫سنين ‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫يؤدّي إلى خلف ذلك مع تكّرر ال ّ‬
‫سوائم بالدّّر والنّسل ‪ ،‬وفي‬ ‫والنّماء متحّقق في ال ّ‬
‫الموال المعدّة للتّجارة ‪ ،‬والرض الّزراعيّة‬
‫العشريّة ‪ ،‬وسائر الموال الّتي تجب فيها الّزكاة ‪،‬‬
‫ول يشترط تحّقق النّماء بالفعل بل تكفي القدرة‬
‫على الستنماء بكون المال في يده أو يد نائبه ‪.‬‬
‫شرط خرجت الثّياب الّتي ل تراد لتجارةٍ‬ ‫وبهذا ال ّ‬
‫جا إليها أو ل ‪ ،‬وأثاث‬ ‫سواء كان صاحبها محتا ً‬
‫المنزل ‪ ،‬والحوانيت ‪ ،‬والعقارات ‪ ،‬والكتب لهلها أو‬
‫غير أهلها ‪ ،‬وخرجت النعام الّتي لم تعد ّ للدّّر‬
‫والنّسل ‪ ،‬بل كانت معدّة ً للحرث ‪ ،‬أو الّركوب ‪ ،‬أو‬
‫ضة ل يشترط فيهما النّماء‬ ‫اللّحم ‪ .‬والذ ّهب والف ّ‬
‫ة ‪ ،‬فتجب الّزكاة فيهما ‪،‬‬ ‫بالفعل ; لنّهما للنّماء خلق ً‬
‫نوى التّجارة أو لم ينو أصًل ‪ ،‬أو نوى النّفقة ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫وفقد النّماء سبب آخر في عدم وجوب الّزكاة في‬
‫ضمار بأنواعها المتقدّمة ; لنّه ل نماء إلّ‬ ‫أموال ال ّ‬
‫ضمار ل قدرة عليه ‪.‬‬ ‫بالقدرة على التّصّرف ‪ ،‬ومال ال ّ‬
‫شرط يصّرح به الحنفيّة ‪ ،‬ويراعيه غيرهم في‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫تعليلتهم دون تصريٍح به ‪.‬‬
‫شرط الّرابع ‪ :‬الّزيادة على الحاجات الصليّة‬ ‫‪ - 28‬ال ّ‬
‫شرط يذكره الحنفيّة ‪ .‬وبناءً عليه قالوا ‪ :‬ل‬ ‫‪ :‬وهذا ال ّ‬

‫‪165‬‬
‫زكاة في كتب العلم المقتناة لهلها وغير أهلها ولو‬
‫سكنى وأثاث المنزل‬ ‫كانت تساوي نصبًا ‪ ،‬وكذا دار ال ّ‬
‫ن المشغول‬ ‫ب الّركوب ونحو ذلك ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬ ‫ودوا ّ‬
‫ك بما‬ ‫سره ابن مل ٍ‬ ‫بالحاجة الصليّة كالمعدوم ‪ ،‬وف ّ‬
‫يدفع عنه الهلك تحقيًقا كثيابه ‪ ،‬أو تقديًرا كدينه ‪.‬‬
‫ك من هذا النّوع أن يكون لديه‬ ‫وقد جعل ابن مل ٍ‬
‫نصاب دراهم أمسكها بنيّة صرفها إلى الحاجة‬
‫الصليّة فل زكاة فيها إذا حال عليها الحول عنده ‪،‬‬
‫ن‬
‫لكن اعترضه ابن نجيم ٍ في البحر الّرائق ‪ ،‬بأ ّ‬
‫الّزكاة تجب في النّقد كيفما أمسكه للنّماء أو للنّفقة‬
‫‪ ،‬ونقله عن المعراج والبدائع ‪ .‬ولم يذكر أيّ من‬
‫ً‬
‫ن‬‫شرط مستق ّل ‪ ،‬ولعلّه ; ل ّ‬ ‫أصحاب المذاهب هذا ال ّ‬
‫س معيّنةٍ من المال إذا‬ ‫شرع في أجنا ٍ‬ ‫الّزكاة أوجبها ال ّ‬
‫ل منها ‪ ،‬فإذا وجد ذلك‬ ‫ب كام ٍ‬‫حال الحول على نصا ٍ‬
‫وجبت الّزكاة ‪ ،‬واستغناءً بشرط النّماء ‪ .‬والنّتيجة‬
‫واحدة ‪.‬‬
‫شرط الخامس ‪ :‬الحول ‪ :‬المراد بالحول أن‬ ‫‪ - 29‬ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬فإن‬ ‫ة قمري ّ ً‬ ‫ة كامل ً‬‫م على المال بيد صاحبه سن ً‬ ‫يت ّ‬
‫م فل زكاة فيه ‪ ،‬إل ّ أن يكون بيده مال آخر بلغ‬ ‫لم تت ّ‬
‫م‬
‫ما يض ّ‬ ‫نصابًا قد انعقد حوله ‪ ،‬وكان المالن م ّ‬
‫ن الثّاني‬ ‫أحدهما إلى الخر ‪ ،‬فيرى بعض الفقهاء ‪ ،‬أ ّ‬
‫يزكّى مع الوّل عند تمام حول الوّل ‪ ،‬كما يأتي بيانه‬
‫ي صلى الله‬ ‫تفصيًل ‪ .‬ودليل اعتبار الحول قول النّب ّ‬
‫ل حتّى يحول عليه‬ ‫عليه وسلم ‪ { :‬ل زكاة في ما ٍ‬
‫الحول } ‪ .‬ويستثنى من اشتراط الحول في الموال‬
‫الّزكويّة الخارج من الرض من الغلل الّزراعيّة ‪،‬‬
‫والمعادن ‪ ،‬والّركاز ‪ ،‬فتجب الّزكاة في هذين‬
‫النّوعين ولو لم يحل الحول ‪ ،‬لقوله تعالى في‬
‫الّزروع { وآتوا حّقه يوم حصاده } ولنّها نماء‬

‫‪166‬‬
‫بنفسها فلم يشترط فيها الحول ‪ ،‬إذ أنّها تعود بعد‬
‫ذلك إلى النّقص ‪ ،‬بخلف ما يشترط فيه الحول فهو‬
‫مرصد للنّماء ‪ .‬وسيأتي تفصيل ذلك في النّوعين في‬
‫ن ما أرصد للنّماء اعتبر له‬ ‫موضعه ‪ .‬والحكمة في أ ّ‬
‫الحول ‪ ،‬ليكون إخراج الّزكاة من النّماء لنّه أيسر ;‬
‫ن الّزكاة إنّما وجبت مواساةً ‪ ،‬ولم يعتبر حقيقة‬ ‫ل ّ‬
‫ط ‪ ،‬فاعتبر‬ ‫النّماء ; لنّه ل ضابط له ‪ ،‬ول بد ّ من ضاب ٍ‬
‫الحول ‪.‬‬
‫المال المستفاد أثناء الحول ‪:‬‬
‫‪ - 30‬إن لم يكن عند المكلّف مال فاستفاد ماًل‬
‫زكويًّا لم يبلغ نصابًا فل زكاة فيه ول ينعقد حوله ‪،‬‬
‫م‬
‫م عنده نصاب انعقد الحول من يوم ت ّ‬ ‫فإن ت ّ‬
‫النّصاب ‪ ،‬وتجب عليه زكاته إن بقي إلى تمام الحول‬
‫‪ .‬وإن كان عنده نصاب ‪ ،‬وقبل أن يحول عليه الحول‬
‫م‬
‫ما يض ّ‬ ‫استفاد ماًل من جنس ذلك النّصاب أو م ّ‬
‫إليه ‪ ،‬فله ثلثة أقسام ٍ ‪ :‬الوّل ‪ :‬أن تكون الّزيادة من‬
‫سائمة ‪،‬‬ ‫نماء المال الوّل ‪ .‬كربح التّجارة ‪ ،‬ونتاج ال ّ‬
‫فهذا يزكّى مع الصل عند تمام الحول ‪ .‬قال ابن‬
‫قدامة ‪ :‬ل نعلم في ذلك خلفًا ‪ ،‬لنّه تبع للنّصاب من‬
‫جنسه ‪ ،‬فأشبه النّماء المتّصل ‪ .‬القسم الثّاني ‪ :‬أن‬
‫يكون المستفاد من غير جنس المال الّذي عنده ‪،‬‬
‫ة ‪ .‬فهذا‬ ‫ض ً‬‫كأن يكون ماله إبًل فيستفيد ذهبًا أو ف ّ‬
‫النّوع ل يزكّى عند حول الصل ‪ .‬بل ينعقد حوله يوم‬
‫استفادته إن كان نصابًا ‪ ،‬اتّفاقًا ‪ ،‬ما عدا قوًل شاذًّا‬
‫أنّه يزكّيه حين يستفيده ‪ .‬ولم يعّرج على هذا القول‬
‫مة الفتيا ‪.‬‬ ‫أحد من العلماء ‪ ،‬ول قال به أحد من أئ ّ‬
‫القسم الثّالث ‪ :‬أن يستفيد ماًل من جنس نصا ٍ‬
‫ب‬
‫عنده قد انعقد حوله وليس المستفاد من نماء المال‬
‫الوّل ‪ .‬كأن يكون عنده عشرون مثقاًل ذهبًا ملكها‬

‫‪167‬‬
‫ل في أوّل‬ ‫م يستفيد ألف مثقا ٍ‬ ‫في أوّل المحّرم ‪ ،‬ث ّ‬
‫جة ‪ ،‬فقد اختلف العلماء في ذلك ‪ :‬فذهب‬ ‫ذي الح ّ‬
‫م إلى الوّل في‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه يض ّ‬ ‫ال ّ‬
‫النّصاب دون الحول ‪ ،‬فيزكّي الوّل عند حوله أي‬
‫في أوّل المحّرم في المثال المتقدّم ‪ ،‬ويزكّي الثّاني‬
‫ل من‬ ‫جة ولو كان أق ّ‬ ‫لحوله أي في أوّل ذي الح ّ‬
‫مه إلى الوّل نصابًا ‪ .‬واستدلّوا‬ ‫ب ‪ ،‬لنّه بلغ بض ّ‬ ‫نصا ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل زكاة‬ ‫بعموم قول النّب ّ‬
‫ل حتّى يحول عليه الحول } ‪ .‬وبقوله ‪ { :‬من‬ ‫في ما ٍ‬
‫استفاد ماًل فل زكاة عليه حتّى يحول عليه الحول‬
‫ل ما يأتي‬ ‫مك ّ‬ ‫عند ربّه } ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه يض ّ‬
‫في الحول إلى النّصاب الّذي عنده فيزكّيهما جميعًا‬
‫م إلى جنسه‬ ‫عند تمام حول الوّل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنّه يض ّ‬
‫مه إليه في الحول كالنّصاب ‪،‬‬ ‫في النّصاب فوجب ض ّ‬
‫م في‬ ‫ن النّصاب سبب ‪ ،‬والحول شرط ‪ ،‬فإذا ض ّ‬ ‫ول ّ‬
‫مه إليه في الحول‬ ‫النّصاب الّذي هو سبب ‪ ،‬فض ّ‬
‫ل يستفاد‬ ‫ل ما ٍ‬ ‫ن إفراد ك ّ‬‫الّذي هو شرط أولى ; ول ّ‬
‫سائمة ‪،‬‬ ‫ل يفضي إلى تشقيص الواجب في ال ّ‬ ‫بحو ٍ‬
‫واختلف أوقات الواجب ‪ ،‬والحاجة إلى ضبط‬
‫مواقيت التّملّك ‪ ،‬ووجوب القدر اليسير الّذي ل‬
‫يتمكّن من إخراجه ‪ ،‬وفي ذلك حرج ‪ ،‬وإنّما شرع‬
‫الحول للتّيسير ‪ ،‬وقد قال اللّه تعالى { وما جعل‬
‫سا على نتاج‬ ‫عليكم في الدّين من حرٍج } وقيا ً‬
‫سائمة وربح التّجارة ‪ .‬واستثنى أبو حنيفة ما كان‬ ‫ال ّ‬
‫م ‪ ،‬لئل ّ يؤدّي إلى الثّني ‪.‬‬ ‫ل قد زكّي فل يض ّ‬ ‫ثمن ما ٍ‬
‫سائمة‬ ‫وذهب المالكيّة إلى التّفريق في ذلك بين ال ّ‬
‫سائمة كقول أبي حنيفة ‪،‬‬ ‫وبين النّقود ‪ ،‬فقالوا في ال ّ‬
‫ساعي ‪ ،‬فلو‬ ‫سائمة موكولة إلى ال ّ‬ ‫ن زكاة ال ّ‬ ‫قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫م لدّى ذلك إلى خروجه أكثر من مّرةٍ ‪،‬‬ ‫لم تض ّ‬

‫‪168‬‬
‫م ‪ ،‬فإنّها موكولة إلى أربابها ‪.‬‬ ‫بخلف الثمان فل تض ّ‬
‫سادس ‪ :‬أن يبلغ المال نصابًا ‪:‬‬ ‫شرط ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 31‬والنّصاب مقدار المال الّذي ل تجب الّزكاة في‬
‫ل منه ‪ ،‬وهو يختلف باختلف أجناس الموال‬ ‫أق ّ‬
‫الّزكويّة ‪ ،‬فنصاب البل خمس منها ‪ ،‬ونصاب البقر‬
‫ثلثون ‪ .‬ونصاب الغنم أربعون ‪ ،‬ونصاب الذ ّهب‬
‫ضة مائتا درهم ٍ ‪ ،‬ونصاب‬ ‫عشرون مثقاًل ‪ ،‬ونصاب الف ّ‬
‫ق ‪ .‬ونصاب عروض‬ ‫الّزروع والثّمار خمسة أوس ٍ‬
‫ضة ‪ .‬وفي بعض‬ ‫التّجارة مقدّر بنصاب الذ ّهب أو الف ّ‬
‫ما يلي‬ ‫ما تقدّم تفريعات وخلف ينظر في مواضعه م ّ‬
‫من هذا البحث ‪ .‬والحكمة في اشتراط النّصاب‬
‫ن الّزكاة وجبت مواساةً ‪ ،‬ومن كان‬ ‫واضحة ‪ ،‬وهي أ ّ‬
‫فقيًرا ل تجب عليه المواساة ‪ ،‬بل تجب على الغنياء‬
‫ن الّزكاة تؤخذ من الغنياء لترد ّ على‬ ‫إعانته ‪ ،‬فإ ّ‬
‫شرع النّصاب أدنى حد ّ الغنى ;‬ ‫الفقراء ‪ .‬وجعل ال ّ‬
‫ي إلى‬ ‫ن من ملكه فهو غن ّ‬ ‫ن الغالب في العادات أ ّ‬ ‫ل ّ‬
‫تمام سنته ‪.‬‬
‫الوقت الّذي يعتبر وجود النّصاب فيه ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة على المعتمد في‬ ‫‪ - 32‬ذهب ال ّ‬
‫ن من شرط وجوب الّزكاة وجود‬ ‫المذهب ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫النّصاب في جميع الحول من أوّله إلى آخره ‪ ،‬فلو‬
‫نقص في بعضه ولو يسيًرا انقطع الحول فلم تجب‬
‫ة‬
‫الّزكاة في آخره ‪ .‬قالوا ‪ :‬فلو كان له أربعون شا ً‬
‫م ولدت واحدة انقطع‬ ‫فماتت في الحول واحدة ث ّ‬
‫الحول ‪ .‬فإن كان الموت والنّتاج في لحظةٍ واحدةٍ‬
‫لم ينقطع ‪ ،‬كما لو تقدّم النّتاج على الموت ‪،‬‬
‫ل حتّى يحول‬ ‫جوا بعموم حديث { ل زكاة في ما ٍ‬ ‫واحت ّ‬
‫ن المعتبر طرفا‬ ‫عليه الحول } ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫م النّصاب في أوّله وآخره وجبت‬ ‫الحول ‪ ،‬فإن ت ّ‬

‫‪169‬‬
‫الّزكاة ولو نقص المال عن النّصاب في أثنائه ‪ ،‬ما‬
‫ة ‪ ،‬فإن انعدم لم ينعقد الحول إلّ‬ ‫لم ينعدم المال كلّي ّ ً‬
‫عند تمام النّصاب ‪ ،‬وسواء انعدم لتلفه ‪ ،‬أو لخروجه‬
‫ً‬
‫عن أن يكون مح ّل للّزكاة ‪ ،‬كما لو كان له نصاب‬
‫ل عند‬ ‫ة ‪ .‬وفي قو ٍ‬ ‫سائمةٍ فجعلها في الحول علوف ً‬
‫ل إل ّ أنّه نقص‬ ‫ل كام ٍ‬ ‫الحنابلة ‪ :‬إذا وجد النّصاب لحو ٍ‬
‫صا يسيًرا كساعةٍ أو ساعتين وجبت الّزكاة ‪ .‬ولو‬ ‫نق ً‬
‫م‬
‫زال ملك المالك للنّصاب في الحول ببيٍع أو غيره ث ّ‬
‫عاد بشراءٍ أو غيره استأنف الحول لنقطاع الحول‬
‫ة ففي‬ ‫الوّل بما فعله ‪ ،‬لكن إن فعل ذلك حيل ً‬
‫انقطاع الحول خلف ينظر في ما سبق تحت عنوان‬
‫ن‬
‫( الحيل لسقاطها ) ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫شرط أن يحول الحول على ملك النّصاب أو ملك‬ ‫ال ّ‬
‫أصله ‪ ،‬فالوّل كما لو كان يملك أربعين شاةً تمام‬
‫الحول ‪ ،‬والثّاني كما لو ملك عشرين شاةً من أوّل‬
‫مت بذلك أربعين قبل تمام‬ ‫الحول فحملت وولدت فت ّ‬
‫الحول ‪ ،‬فتجب الّزكاة في النّوعين عند حول الصل‬
‫ب فيشتري‬ ‫ضا ‪ ،‬أن يكون عنده دينار ذه ٍ‬ ‫‪ .‬ومثاله أي ً‬
‫ة للتّجارة فيبيعها بعشرين ديناًرا قبل تمام‬ ‫به سلع ً‬
‫الحول ‪ ،‬ففيها الّزكاة عندما يحول الحول على ملكه‬
‫م به النّصاب هو‬ ‫م إلى أصله فيت ّ‬ ‫للدّينار ‪ ،‬والّذي يض ّ‬
‫سائمة وربح التّجارة ‪ ،‬بخلف المال المستفاد‬ ‫نتاج ال ّ‬
‫ق آخر كالعطيّة والميراث فإنّه يستقبل بها‬ ‫بطري ٍ‬
‫حولها‬
‫سابع ‪ :‬الفراغ من الدّين ‪:‬‬ ‫شرط ال ّ‬ ‫‪ .‬ال ّ‬
‫شرط معتبر من حيث الجملة عند‬ ‫‪ - 33‬وهذا ال ّ‬
‫ي في قديم قوليه ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬‫جمهور الفقهاء ومنهم ال ّ‬
‫ن الدّين مانع من وجوب الّزكاة ‪.‬‬ ‫وعبّر بعضهم بأ ّ‬
‫ما بيده فل زكاة‬ ‫فإن زاد الدّين الّذي على المالك ع ّ‬

‫‪170‬‬
‫عليه ‪ ،‬وكذا إن لم يبق بيده بعدما يسد ّ به دينه‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫جوا بقول النّب ّ‬ ‫نصاب فأكثر ‪ .‬واحت ّ‬
‫ل ألف درهم ٍ وعليه ألف‬ ‫وسلم ‪ { :‬إذا كان لرج ٍ‬
‫درهم ٍ فل زكاة عليه } ‪ .‬وقوله ‪ { :‬أمرت أن آخذ‬
‫صدقة من أغنيائكم فأردّها على فقرائكم } ‪ .‬ومن‬ ‫ال ّ‬
‫عليه ألف ومعه ألف فليس غنيًّا ‪ ،‬ولقول عثمان‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه‬
‫ك بقيّة ماله ‪ .‬ول يعتبر الدّين مانعًا‬ ‫دين فليؤدّه وليز ّ‬
‫ما إن‬ ‫مة قبل وجوب الّزكاة ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫إل ّ إن استقّر في الذ ّ ّ‬
‫وجب بعد وجوب الّزكاة لم تسقط ; لنّها وجبت في‬
‫مته ‪ ،‬فل يسقطها ما لحقه من الدّين بعد ثبوتها ‪.‬‬ ‫ذ ّ‬
‫ماد ‪ ،‬وربيعة إلى‬ ‫ي في الجديد ‪ ،‬وح ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ن الحّر المسلم إذا‬ ‫ن الدّين ل يمنع الّزكاة أصًل ; ل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ملك نصابًا حوًل وجبت عليه الّزكاة فيه لطلق‬
‫الدلّة الموجبة للّزكاة في المال المملوك ‪.‬‬
‫الموال الّتي يمنع الدّين زكاتها والّتي ل يمنع ‪:‬‬
‫ما الموال الباطنة وهي النّقود وعروض‬ ‫‪ - 34‬أ ّ‬
‫ن الدّين يمنع الّزكاة‬ ‫ن الجمهور القائلين بأ ّ‬ ‫التّجارة فإ ّ‬
‫ن الدّين يمنع الّزكاة فيها ‪ ،‬ولو كان من‬ ‫ذهبوا إلى أ ّ‬
‫ما الموال‬ ‫غير جنسها على ما صّرح به المالكيّة ‪ .‬وأ ّ‬
‫سائمة والحبوب والثّمار والمعادن‬ ‫الظّاهرة وهي ال ّ‬
‫ل‬
‫شافعيّة على قو ٍ‬ ‫فذهب الجمهور ( المالكيّة وال ّ‬
‫والحنابلة في الّرواية المعتمدة في المذهب ) إلى‬
‫ن الدّين ل يمنع وجوب الّزكاة فيها ‪ ،‬روي عن أحمد‬ ‫أ ّ‬
‫ن المصدّق إذا جاء فوجد إبًل أو بقًرا أو‬ ‫أنّه قال ‪ :‬ل ّ‬
‫ما لم يسأل ‪ :‬أيّ شيءٍ على صاحبها من الدّين ‪،‬‬ ‫غن ً‬
‫وليس المال ‪ -‬يعني الثمان ‪ -‬هكذا ‪ .‬والفرق بين‬
‫ن تعلّق الّزكاة بالظّاهرة‬ ‫الموال الظّاهرة والباطنة أ ّ‬
‫آكد ; لظهورها وتعلّق قلوب الفقراء بها ; ول ّ‬
‫ن‬

‫‪171‬‬
‫الحاجة إلى حفظها أوفر ‪ ،‬فتكون الّزكاة فيها آكد ‪.‬‬
‫واستثنى الحنابلة على الّرواية المشهورة الدّين‬
‫الّذي استدانه المزكّي للنفاق على الّزرع والثّمر ‪،‬‬
‫فإنّه يسقطه لما روي عن ابن عمر ‪ :‬يخرج ما‬
‫استدان أو أنفق على ثمرته وأهله يزكّي ما بقي ‪.‬‬
‫ن الدّين يمنع الّزكاة في‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ما ما وجب في‬ ‫سوائم ‪ ،‬أ ّ‬ ‫الموال الباطنة وفي ال ّ‬
‫الخارج من الرض فل يمنعه الدّين ‪ ،‬كما ل يمنع‬
‫ن العشر والخراج مؤنة الرض ‪،‬‬ ‫الخراج ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫ولذا يجبان في الرض الموقوفة وأرض المكاتب‬
‫وإن لم تجب فيهما الّزكاة ‪ .‬وذهب الحنابلة في‬
‫ن الدّين يمنع الّزكاة في الموال‬ ‫روايةٍ إلى أ ّ‬
‫وري‬
‫ّ‬ ‫الظّاهرة والباطنة ‪ ،‬ونقله ابن قدامة عن الث ّ‬
‫ي‪.‬‬‫وإسحاق واللّيث والنّخع ّ‬
‫الدّيون الّتي تمنع وجوب الّزكاة ‪:‬‬
‫ن الدّين الّذي يمنع وجوب‬ ‫‪ - 35‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫الّزكاة هو ما كان له مطالب من جهة العباد سواء‬
‫كان دينًا للّه كزكاةٍ وخراٍج ‪ ،‬أو كان للعباد ‪ ،‬وسواء‬
‫ً‬ ‫ًّ‬
‫جل‬ ‫ّ‬ ‫المؤ‬ ‫زوجته‬ ‫صداق‬ ‫ولو‬ ‫‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ج‬
‫ّ‬ ‫مؤ‬ ‫أو‬ ‫ل‬ ‫كان حا‬
‫ب لزمته بقضاءٍ أو‬ ‫ة لزوجته ‪ ،‬أو لقري ٍ‬ ‫للفراق ‪ ،‬أو نفق ً‬
‫ن‬‫ض ‪ ،‬وكذا عندهم دين الكفالة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬ ‫ترا ٍ‬
‫الكفيل محتاج إلى ما بيده ليقضي عنه دفعًا‬
‫ما ما لم يكن له مطالب من‬ ‫للملزمة أو الحبس ‪ .‬أ ّ‬
‫جهة العباد فل يمنع وجوب الّزكاة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬كدين‬
‫ج ‪ ،‬ومثلها الضحيّة ‪ ،‬وهدي‬ ‫النّذر والكّفارة والح ّ‬
‫المتعة ‪ ،‬ودين صدقة الفطر ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى‬
‫ن زكاة المال الباطن يسقطها الدّين ولو كان دين‬ ‫أ ّ‬
‫ًّ‬
‫ة ‪ ،‬أو زكاة فطرٍ ‪ ،‬أو كان للعباد حال كان أو‬ ‫زكا ٍ‬
‫جًل ‪ ،‬أو كان مهر زوجةٍ أو نفقة زوجةٍ مطلًقا ‪ ،‬أو‬ ‫مؤ ّ‬

‫‪172‬‬
‫نفقة ولدٍ أو والد ٍ إن كان قد حكم بها القاضي ‪.‬‬
‫واختلف قول المالكيّة في مثل دين الكّفارة والهدي‬
‫ي أنّه ل‬ ‫الواجب فاختار منها خليل وابن راشدٍ القفص ّ‬
‫يمنع وجوب الّزكاة لعدم المطالب من العباد ‪،‬‬
‫ن المام يطالب الممتنع‬ ‫ب أنّه يمنع ل ّ‬ ‫واختار ابن عتّا ٍ‬
‫بإخراج ما عليه من مثل هذه الدّيون ‪ .‬وذهب‬
‫ي مطلًقا يمنع وجوب‬ ‫ن دين الدم ّ‬ ‫الحنابلة إلى أ ّ‬
‫ل‪:‬ل‬ ‫ل ‪ :‬يمنع وفي قو ٍ‬ ‫ما دين اللّه ففي قو ٍ‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫شروط إسقاط الّزكاة بالدّين ‪:‬‬
‫ن الدّين يسقط الّزكاة في قدره من‬ ‫‪ - 36‬القائلون بأ ّ‬
‫المال الّزكويّ ‪ ،‬اشترط أكثرهم أن ل يجد المزكّي‬
‫ماًل يقضي منه الدّين سوى ما وجبت فيه ‪ .‬فلو كان‬
‫له مال آخر فائض عن حاجاته الساسيّة ‪ ،‬فإنّه‬
‫زكوي‬
‫ّ‬ ‫يجعله في مقابلة الدّين ‪ ،‬لكي يسلم المال ال ّ‬
‫م قد قال المالكيّة والحنابلة ‪ :‬إنّه‬ ‫فيخرج زكاته ‪ .‬ث ّ‬
‫يعمل بذلك سواء كان ما يقضي منه من جنس‬
‫الدّين أو غير جنسه ‪ .‬فلو كان عليه دين مائتا درهمٍ‬
‫وعنده عروض قنيةٍ تساوي مائتي درهم ٍ فأكثر‬
‫وعنده مائتا درهم ٍ ‪ ،‬جعل العروض في مقابلة الدّين‬
‫ظ للفقراء ‪ .‬وكذا إن كان عليه دين وله مالن‬ ‫لنّه أح ّ‬
‫زكويّان ‪ ،‬لو جعل أحدهما في مقابل الدّين لم يكن‬
‫عليه زكاة ‪ ،‬ولو جعل الخر في مقابلة الدّين كان‬
‫عليه زكاة ‪ ،‬فإنّه يجعل في مقابلة الدّين ما هو أح ّ‬
‫ظ‬
‫درهم‬
‫ٍ‬ ‫للفقراء ‪ ،‬كمن عليه دين مائة درهم ٍ وله مائتا‬
‫وتسع من البل ‪ ،‬فإذا جعلنا في مقابلة الدّين الربعة‬
‫من البل الّزائدة عن النّصاب لكون الربعة تساوي‬
‫ة‬
‫المائة من الدّراهم أو أكثر منها وجب ذلك رعاي ً‬
‫ما معه من الدّراهم‬ ‫ظ الفقراء ‪ ،‬لنّنا لو جعلنا م ّ‬ ‫لح ّ‬

‫‪173‬‬
‫ة في مقابلة الدّين سقطت زكاة الدّراهم ‪ .‬وذكر‬ ‫مائ ً‬
‫ما يمكن أن يجعل في مقابلة الدّين‬ ‫ضا م ّ‬‫المالكيّة أي ً‬
‫ل المرجوّ ‪،‬‬ ‫فيمنع سقوط الّزكاة ‪ :‬الدّين الحا ّ‬
‫ن‬‫والموال الّزكويّة الخرى ولو جرت تزكيتها ‪ ،‬وأ ّ‬
‫العرض يقوّم وقت الوجوب ‪ ،‬وأخرجوا من ذلك نحو‬
‫جل أو‬ ‫ضائع ‪ ،‬والدّين المؤ ّ‬ ‫شارد ‪ ،‬والمال ال ّ‬ ‫البعير ال ّ‬
‫غير المرجوّ لعدم صلحيّة جعله في مقابلة الدّين‬
‫الّذي عليه ‪ .‬ومذهب الحنفيّة ‪ -‬ومثله حكي عن‬
‫اللّيث بن سعد ٍ على ما نقله صاحب المغني وهو‬
‫ن‬
‫رواية عن أحمد على ما ذكره صاحب الفروع ‪ -‬أ ّ‬
‫ي فائض‬ ‫زكوي ومال غير زكو ٍ ّ‬
‫ّ‬ ‫من كان عنده مال‬
‫عن حاجته الساسيّة وعليه دين فله أن يجعل في‬
‫مقابلة الدّين المال الّزكويّ ‪ ،‬ولو من غير جنسه ‪،‬‬
‫فإن بقي منه نصاب فأكثر زكّاه وإل ّ فل زكاة عليه ‪،‬‬
‫ن غير مال الّزكاة يستحقّ للحوائج ‪ ،‬ومال‬ ‫قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫صرف إليه أيسر ‪،‬‬ ‫الّزكاة فاضل عنها ‪ ،‬فكان ال ّ‬
‫وأنظر بأرباب الموال ‪ .‬قالوا ‪ :‬ولو كان له مالن‬
‫زكويّان من جنسين أو أكثر جاز له أن يجعل أيًّا‬
‫منهما أو بعضه في مقابلة الدّين والخيار له ‪ .‬فلو‬
‫كان عنده دراهم ودنانير وعروض تجارةٍ وسوائم‬
‫يصرف الدّين ليسرها قضاءً ‪ ،‬ولو كان عنده نصاب‬
‫ل وعليه شاة دينًا ‪ ،‬جاز جعلها في‬ ‫بقرٍ ونصاب إب ٍ‬
‫مقابلة شي ٍء من البقر لئل ّ يجب عليه التّبيع ; ل ّ‬
‫ن‬
‫شاة ‪.‬‬ ‫التّبيع فوق ال ّ‬
‫زكاة المال الحرام ‪:‬‬
‫ة أو‬ ‫‪ - 37‬المال الحرام كالمأخوذ غضبًا أو سرق ً‬
‫رشوةً أو ربًا أو نحو ذلك ليس مملوكًا لمن هو بيده ‪،‬‬
‫ن الّزكاة تمليك ‪ ،‬وغير‬ ‫فل تجب عليه زكاته ; ل ّ‬
‫ن الّزكاة تطهّر‬ ‫المالك ل يكون منه تمليك ; ول ّ‬

‫‪174‬‬
‫المزكّي وتطهّر المال المزكّى لقوله تعالى ‪ { :‬خذ‬
‫ة تطهّرهم وتزكّيهم بها } وقال‬ ‫من أموالهم صدق ً‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ل يقبل اللّه صدق ً‬
‫ة‬ ‫النّب ّ‬
‫ل } ‪ .‬والمال الحرام كلّه خبث ل يطهر ‪،‬‬ ‫من غلو ٍ‬
‫والواجب في المال الحرام ردّه إلى أصحابه إن‬
‫أمكن معرفتهم وإل ّ وجب إخراجه كلّه عن ملكه‬
‫على سبيل التّخلّص منه ل على سبيل التّصدّق به ‪،‬‬
‫وهذا متّفق عليه بين أصحاب المذاهب ‪ .‬قال‬
‫الحنفيّة ‪ :‬لو كان المال الخبيث نصابًا ل يلزم من هو‬
‫بيده الّزكاة ; لنّه يجب إخراجه كلّه فل يفيد إيجاب‬
‫صغير للدّردير من‬ ‫شرح ال ّ‬ ‫التّصدّق ببعضه ‪ .‬وفي ال ّ‬
‫المالكيّة ‪ :‬تجب الّزكاة على مالك النّصاب فل تجب‬
‫شافعيّة كما‬ ‫ب ومودٍع ‪ .‬وقال ال ّ‬ ‫ك كغاص ٍ‬ ‫على غير مال ٍ‬
‫ي وأقّره ‪ :‬إذا لم يكن في يده‬ ‫ووي عن الغزال ّ‬ ‫ّ‬ ‫نقله الن ّ‬
‫ج عليه ول زكاة ‪ ،‬ول‬ ‫إل ّ مال حرام محض فل ح ّ‬
‫تلزمه كّفارة ماليّة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬التّصّرفات‬
‫الحكميّة للغاصب في المال المغصوب تحرم ول‬
‫صلة‬‫ب وال ّ‬ ‫ح ‪ ،‬وذلك كالوضوء من ماءٍ مغصو ٍ‬ ‫تص ّ‬
‫ب ‪ ،‬وكإخراج‬ ‫ب أو في مكان مغصو ٍ‬ ‫ب مغصو ٍ‬ ‫بثو ٍ‬
‫ج منه ‪ ،‬والعقود الواردة‬ ‫زكاة المال المغصوب ‪ ،‬والح ّ‬
‫ن المال‬ ‫عليه كالبيع والجارة ‪ .‬وعلى القول بأ ّ‬
‫صور‬ ‫المغصوب يدخل في ملك الغاصب في بعض ال ّ‬
‫كأن اختلط بماله ولم يتميّز فإنّه يكون بالنّسبة‬
‫ما كان الدّين يمنع‬ ‫للغاصب ماًل زكويًّا ‪ ،‬إل ّ أنّه ل ّ‬
‫ن ذلك‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬والغاصب مدين بمثله أو قيمته ‪ ،‬فإ ّ‬
‫يمنع الّزكاة فيه ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬من ملك أمواًل‬
‫غير طيّبةٍ أو غصب أمواًل وخلطها ‪ ،‬ملكها بالخلط‬
‫ويصير ضامنًا ‪ ،‬وإن لم يكن له سواها نصاب فل‬
‫زكاة عليه فيها وإن بلغت نصابًا لنّه مديون وأموال‬

‫‪175‬‬
‫المدين ل تنعقد سببًا لوجوب الّزكاة عند الحنفيّة ‪،‬‬
‫فوجوب الّزكاة مقيّد بما إذا كان له نصاب سواها ‪،‬‬
‫ن الّزكاة حينئذ ٍ إنّما تجب فيما زاد عليها‬ ‫ول يخفى أ ّ‬
‫ن المال المغصوب الّذي ل يقدر صاحبه‬ ‫مإ ّ‬‫ل فيها ‪ .‬ث ّ‬
‫على أخذه ل زكاة عليه فيه ‪ ،‬ومتى قدر صاحبه عليه‬
‫سنين لنّه‬‫فقيل ‪ :‬ليس عليه زكاة لما مضى من ال ّ‬
‫كان محجوًزا عنه ولم يكن قادًرا على استنمائه‬
‫صا ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عليه زكاته لما‬ ‫( تنميته ) فكان ملكه ناق ً‬
‫شافعيّة في الجديد ‪ .‬وقال‬ ‫مضى ‪ ،‬وهذا مذهب ال ّ‬
‫الحنابلة ‪ :‬يخرج زكاته ويعود بها على الغاصب ‪،‬‬
‫وليس ذلك عند الحنابلة من باب تزكية الغاصب‬
‫للمال الحرام ‪ ،‬وإنّما ذلك لنّه نقص حصل في المال‬
‫وهو بيد الغاصب أشبه ما لو تلف بعضه ‪.‬‬
‫القسم الثّاني الصناف الّتي تجب فيها الّزكاة‬
‫ل منها أوًّل ‪ :‬زكاة‬ ‫وأنصبتها ومقادير الّزكاة في ك ٍّ‬
‫الحيوان ‪:‬‬
‫ن البل والبقر والغنم هي‬ ‫‪ - 38‬أجمع الفقهاء على أ ّ‬
‫من الصناف الّتي تجب فيها الّزكاة ‪ ،‬واستدلّوا لذلك‬
‫بأحاديث كثيرةٍ ‪ ،‬منها حديث أبي هريرة المتقدّم في‬
‫ي للّزكاة ‪ ،‬وفي الخيل خلف ‪،‬‬ ‫مسألة الحكم التّكليف ّ‬
‫ما البغال والحمير وغيرها من أصناف الحيوان‬ ‫وأ ّ‬
‫فليس فيها زكاة ما لم تكن للتّجارة ‪.‬‬
‫شروط وجوب الّزكاة في الحيوان ‪ :‬يشترط في‬
‫الماشية لوجوب الّزكاة فيها تمام الحول ‪ ،‬وكونها‬
‫شروط المتقدّم‬ ‫نصابًا فأكثر ‪ ،‬بالضافة إلى سائر ال ّ‬
‫ة على التّفصيل‬ ‫م ً‬
‫بيانها لوجوب الّزكاة في الموال عا ّ‬
‫المتقدّم ‪ .‬ويشترط هنا شرطان آخران ‪:‬‬
‫سوم ‪ :‬ومعناه أن يكون غذاؤها على‬ ‫‪ - 39‬الوّل ‪ :‬ال ّ‬
‫ة لم تجب‬ ‫الّرعي من نبات البّر ‪ ،‬فلو كانت معلوف ً‬

‫‪176‬‬
‫ن‬
‫شافعيّة والحنابلة ; ل ّ‬ ‫فيها الّزكاة عند الحنفيّة وال ّ‬
‫في المعلوفة تتراكم المئونة ‪ ،‬فينعدم النّماء من‬
‫حيث المعنى ‪ ،‬واستدلّوا لذلك بما في حديث بهز بن‬
‫ل سائمة‬ ‫حكيم ٍ عن أبيه عن جدّه مرفوع ًا ‪ { :‬في ك ّ‬
‫ن } ‪ .‬وحديث ‪ { :‬في‬ ‫ل أربعين بنت لبو ٍ‬ ‫ل في ك ّ‬ ‫إب ٍ‬
‫ل بمفهومه‬ ‫سائمة شاة } ‪ .‬فد ّ‬ ‫س من البل ال ّ‬ ‫ل خم ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫م اختلف القائلون‬ ‫ن المعلوفة ل زكاة فيها ‪ .‬ث ّ‬ ‫على أ ّ‬
‫سائمة هي‬ ‫ن ال ّ‬ ‫بهذا ‪ ،‬فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫الّتي تكتفي بالّرعي في أكثر الحول ‪ ،‬فلو علفها‬
‫ة ولم تجب‬ ‫صاحبها نصف الحول أو أكثر كانت معلوف ً‬
‫سوائم‬ ‫ن أصحاب ال ّ‬ ‫ن القليل تابع للكثير ; ول ّ‬ ‫زكاتها ل ّ‬
‫ل يجدون بدًّا من أن يعلفوا سوائمهم في بعض‬
‫شافعيّة على‬ ‫الوقات كأيّام البرد والثّلج ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫ن الّتي تجب فيها الّزكاة هي الّتي ترعى‬ ‫ح إلى أ ّ‬ ‫الص ّ‬
‫ل الحول ‪ ،‬وكذا إن علفت قدًرا قليًل تعيش بدونه‬ ‫ك ّ‬
‫ن تجب فيها الّزكاة ‪ ،‬فإن علفت أكثر من‬ ‫ضرر بي ّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بل‬
‫ن الّزكاة‬ ‫ذلك فل زكاة فيها ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫سائمة‬ ‫سائمة كوجوبها في ال ّ‬ ‫تجب في النعام غير ال ّ‬
‫ل الحول ‪ .‬قالوا ‪ :‬والتّقييد‬ ‫ةك ّ‬ ‫حتّى لو كانت معلوف ً‬
‫سوم هو الغالب على‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سائمة ل ّ‬ ‫في الحديث بال ّ‬
‫ي لبيان الواقع ل‬ ‫مواشي العرب ‪ ،‬فهو قيد اتّفاق ّ‬
‫مفهوم له ‪ .‬نظيره قوله تعالى ‪ { :‬وربائبكم الّلتي‬
‫في حجوركم } فإنّها تحرم ولو لم تكن في الحجر ‪.‬‬
‫ة ‪ ،‬فالبل‬ ‫شرط الثّاني ‪ :‬أن ل تكون عامل ً‬ ‫‪ - 40‬ال ّ‬
‫المعدّة للحمل والّركوب ‪ ،‬والنّواضح ‪ ،‬وبقر الحرث‬
‫ة ‪ .‬هذا مذهب‬ ‫سقي ل زكاة فيها ولو كانت سائم ً‬ ‫وال ّ‬
‫ح ومذهب‬ ‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬وهو قول ال ّ‬
‫الحنابلة ‪ ،‬واستدلّوا بحديث ‪ { :‬ليس في العوامل‬
‫والحوامل والبقر المثيرة شيء } ‪ .‬والحوامل هي‬

‫‪177‬‬
‫المعدّة لحمل الثقال ‪ ،‬والبقر المثيرة هي بقر‬
‫الحرث الّتي تثير الرض ‪ ،‬ولحديث ‪ { :‬ليس في‬
‫البقر العوامل شيء } ‪ .‬وذهب المالكيّة وهو قول‬
‫ن العمل ل يمنع الّزكاة في‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫آخر لل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫الماشية لعموم قول النّب ّ‬
‫ن استعمال‬ ‫ل خمس ذود ٍ شاة } ‪ .‬ول ّ‬ ‫{ في ك ّ‬
‫ق ومنفعةٍ تحصل للمالك فل‬ ‫سائمة زيادة رف ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫يقتضي ذلك منع الّزكاة ‪ ،‬بل تأكيد إيجابها ‪- 41 .‬‬
‫ساعي إن كان هناك ساٍع ‪،‬‬ ‫شرط الثّالث ‪ :‬بلوغ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شرط بل‬ ‫فإن لم يكن هناك ساٍع فل يشترط هذا ال ّ‬
‫ة‬
‫ص ً‬‫شرط للمالكيّة خا ّ‬ ‫يكتفى بمرور الحول ‪ .‬وهذا ال ّ‬
‫‪ .‬وبنوا عليه أنّه إذا مات شيء من المواشي أو ضاع‬
‫ط من المالك بعد الحول وقبل مجيء‬ ‫بغير تفري ٍ‬
‫ساعي فل زكاة فيه ‪ ،‬وإنّما يزكّى الباقي إن كان‬ ‫ال ّ‬
‫ب الماشية قبل بلوغ‬ ‫فيه الّزكاة وإل ّ فل ‪ .‬ولو مات ر ّ‬
‫ساعي فل زكاة ‪ ،‬ويستقبل الوارث حوًل ‪ ،‬ول‬ ‫ال ّ‬
‫ساعي ‪ .‬قالوا ‪ :‬وإن‬ ‫تجزئ إن أخرجها قبل وصول ال ّ‬
‫ب الماشية عن عددها فأخبره‬ ‫ساعي ر ّ‬ ‫سأل ال ّ‬
‫م رجع إليه فوجدها قد زادت أو‬ ‫بعددها فغاب عنه ث ّ‬
‫نقصت بموت شيءٍ منها ‪ -‬أو بذبحه ‪ -‬فالمعتبر‬
‫ساعي عن الوصول مع‬ ‫الموجود ‪ .‬وإن تخلّف ال ّ‬
‫عذر فأخرج‬ ‫ٍ‬ ‫لعذر أو لغير‬
‫ٍ‬ ‫إمكان وصوله وكان تخلّفه‬
‫المالك الّزكاة أجزأه وإن لم تجب عليه بمجّرد مرور‬
‫الحول ‪ ،‬وإنّما يصدّق ببيّنته ‪.‬‬
‫ي من بهيمة النعام والمتولّد بين‬ ‫الّزكاة في الوحش ّ‬
‫ي‪:‬‬‫ي والوحش ّ‬ ‫الهل ّ‬
‫ح‬
‫‪ - 42‬ذهب جمهور العلماء ومنهم الحنابلة في الص ّ‬
‫ي من البل‬ ‫عندهم ‪ ،‬إلى أنّه ل زكاة في الوحش ّ‬
‫ن اسم البل والبقر والغنم ل‬ ‫والبقر والغنم ‪ ،‬وذلك ل ّ‬

‫‪178‬‬
‫يتناولها عند الطلق ; ولنّها ل تجزئ في الهدي‬
‫والضحيّة ‪ .‬وفي روايةٍ أخرى عن أحمد فيها الّزكاة ‪،‬‬
‫ما‬‫ن السم يشملها فتدخل في الخبار الواردة ‪ .‬وأ ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ن مذهب أبي حنيفة‬ ‫ي فإ ّ‬ ‫ي والوحش ّ‬ ‫ما تولّد بين الهل ّ‬
‫مه‬‫ك أنّه إن كانت الوحشيّة أ ّ‬ ‫مروي عن مال ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وهو قول‬
‫ي أباه‬ ‫ة والوحش ّ‬ ‫مه أهلي ّ ً‬ ‫فل زكاة فيه ‪ ،‬وإن كانت أ ّ‬
‫مه في أحكامه ‪.‬‬ ‫ن ولد البهيمة يتبع أ ّ‬ ‫ففيه الّزكاة ; ل ّ‬
‫ي ‪ ،‬وهو القول المشهور عند المالكيّة ‪:‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫ي مطلًقا ‪،‬‬ ‫ي والوحش ّ‬ ‫ل زكاة في المتولّد بين الهل ّ‬
‫ومال إليه ابن قدامة من الحنابلة ; لنّه ليس في‬
‫ص ول إجماع ول قياس صحيح ‪،‬‬ ‫أخذ الّزكاة منها ن ّ‬
‫شرع ‪ .‬وقال الحنابلة وهو قول‬ ‫فل تتناوله نصوص ال ّ‬
‫ثالث عند المالكيّة ‪ :‬تجب الّزكاة في المتولّد‬
‫مهات ‪،‬‬ ‫مطلًقا ‪ ،‬سواء كانت الوحشيّة الفحول أو ال ّ‬
‫سائمة والمعلوفة تجب فيه‬ ‫ن المتولّد بين ال ّ‬ ‫كما إ ّ‬
‫الّزكاة إذا سام ‪.‬‬
‫أ ‪ ( -‬زكاة البل ) ‪:‬‬
‫‪ - 43‬البل اسم جمٍع ليس له مفرد من لفظه‬
‫صغير‬ ‫وواحده الذ ّكر ‪ :‬جمل ‪ ،‬والنثى ‪ :‬ناقة ‪ ،‬وال ّ‬
‫حوار إلى سنةٍ ‪ ،‬وإذا فطم فهو فصيل ‪ ،‬والبكر هو‬
‫ي من البل والنثى بكرة ‪ .‬وللعرب تسميات‬ ‫الفت ّ‬
‫سنّة‬ ‫للبل بحسب أسنانها ورد استعمالها في ال ّ‬
‫م‬
‫واستعملها الفقهاء ‪ ،‬كابن المخاض ‪ ،‬وهو ما أت ّ‬
‫مه تكون‬ ‫نأ ّ‬ ‫مي بذلك ل ّ‬ ‫ة ودخل في الثّانية ‪ ،‬س ّ‬ ‫سن ً‬
‫ض ‪ ،‬وابن اللّبون‬ ‫غالبًا قد حملت ‪ ،‬والنثى بنت مخا ٍ‬
‫مي بذلك‬ ‫م سنتين ودخل في الثّالثة ‪ ،‬س ّ‬ ‫وهو ما أت ّ‬
‫ن‪،‬‬ ‫مه تكون قد ولدت بعده فهي ذات لب ٍ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ن ‪ ،‬والحقّ ما دخل في الّرابعة ‪،‬‬ ‫والنثى بنت لبو ٍ‬
‫ميت بذلك لنّها استحّقت أن‬ ‫قة ‪ ،‬س ّ‬ ‫والنثى ح ّ‬

‫‪179‬‬
‫يطرقها الفحل ‪ ،‬والجذع هو الّذي دخل في الخامسة‬
‫; لنّه جذع أي أسقط بعض أسنانه ‪ ،‬والنثى جذعة ‪.‬‬
‫وهذه النواع الربعة هي الّتي تؤخذ الناث منها في‬
‫الدّية ‪ ،‬وقد يؤخذ الذ ّكور منها كابن اللّبون ‪ ،‬على‬
‫ل يذكر فيما يلي ‪ .‬المقادير الواجبة في زكاة‬ ‫تفصي ٍ‬
‫البل ‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم المقادير‬ ‫‪ - 44‬بيّن النّب ّ‬
‫البخاري‬
‫ّ‬ ‫الواجبة في زكاة البل ‪ ،‬وهي في حديث‬
‫المذكور فيما يلي بكماله لكثرة الحاجة إليه في‬
‫ن { أبا‬ ‫س رضي الله عنه أ ّ‬ ‫المسائل التّالية ‪ :‬عن أن ٍ‬
‫جهه‬ ‫ما و ّ‬ ‫بكرٍ رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب ل ّ‬
‫إلى البحرين بسم الله الرحمن الرحيم ‪ .‬هذه‬
‫صدقة الّتي فرض رسول اللّه صلى الله‬ ‫فريضة ال ّ‬
‫عليه وسلم على المسلمين ‪ ،‬والّتي أمر اللّه بها‬
‫رسوله ‪ ،‬فمن سئلها من المسلمين على وجهها‬
‫فليعطها ‪ ،‬ومن سئل فوقها فل يعط ‪ :‬في أربٍع‬
‫وعشرين من البل فما دونها من الغنم من ك ّ‬
‫ل‬
‫س‬
‫سا وعشرين إلى خم ٍ‬ ‫س شاة ‪ ،‬فإذا بلغت خم ً‬ ‫خم ٍ‬
‫ض أنثى ‪ ،‬فإذا بلغت ستًّا‬ ‫وثلثين ففيها بنت مخا ٍ‬
‫ن أنثى ‪،‬‬ ‫س وأربعين ففيها بنت لبو ٍ‬ ‫وثلثين إلى خم ٍ‬
‫فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستّين ففيها حّقة‬
‫طروقة الجمل ‪ ،‬فإذا بلغت واحدةً وستّين إلى‬
‫س وسبعين ففيها جذعة ‪ ،‬فإذا بلغت ‪ -‬يعني ستًّا‬ ‫خم ٍ‬
‫ن ‪ ،‬فإذا بلغت‬ ‫وسبعين ‪ -‬إلى تسعين ففيها بنتا لبو ٍ‬
‫إحدى وتسعين إلى عشرين ومائةٍ ففيها حّقتان‬
‫طروقتا الجمل ‪ .‬فإذا زادت على عشرين ومائةٍ‬
‫ل خمسين حّقة ‪.‬‬ ‫ن ‪ ،‬وفي ك ّ‬ ‫ل أربعين بنت لبو ٍ‬ ‫ففي ك ّ‬
‫ومن لم يكن معه إل ّ أربع من البل فليس فيها‬
‫سا من البل‬ ‫صدقة إل ّ أن يشاء ربّها ‪ ،‬فإذا بلغت خم ً‬

‫‪180‬‬
‫ففيها شاة ‪ .‬وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت‬
‫أربعين إلى عشرين ومائةٍ شاة ‪ .‬فإذا زادت على‬
‫عشرين ومائةٍ إلى مائتين شاتان ‪ ،‬فإذا زادت على‬
‫مائتين إلى ثلثمائةٍ ففيها ثلث ‪ ،‬فإذا زادت على‬
‫ل مائةٍ شاة ‪ ،‬فإذا كانت سائمة‬ ‫ثلثمائةٍ ففي ك ّ‬
‫ة من أربعين شاة ً واحدةً فليس فيها‬ ‫الّرجل ناقص ً‬
‫صدقة إل ّ أن يشاء ربّها ‪ .‬وفي الّرقّة ربع العشر ‪،‬‬
‫ة فليس فيها شيء إلّ‬ ‫فإن لم تكن إل ّ تسعين ومائ ً‬
‫أن يشاء ربّها } ‪ .‬وفي موضٍع آخر روى البخاريّ من‬
‫ن أبا بكرٍ رضي الله عنه كتب له‬ ‫سأ ّ‬ ‫حديث أن ٍ‬
‫صدقة الّتي أمر اللّه رسوله صلى الله عليه‬ ‫فريضة ال ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬من بلغت عنده من البل صدقة الجذعة‬
‫وليست عنده جذعة وعنده حّقة فإنّها تقبل منه‬
‫الحّقة ‪ ،‬ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له ‪ ،‬أو‬
‫ما ‪ .‬ومن بلغت عنده صدقة الحّقة‬ ‫عشرين دره ً‬
‫وليست عنده الحّقة وعنده الجذعة فإنّها تقبل منه‬
‫ما أو شاتين ‪.‬‬ ‫الجذعة ويعطيه المصدّق عشرين دره ً‬
‫ومن بلغت عنده صدقة الحّقة وليست عنده إل ّ بنت‬
‫ن ويعطي شاتين أو‬ ‫ن فإنّها تقبل منه بنت لبو ٍ‬ ‫لبو ٍ‬
‫ن وعنده‬ ‫ما ‪ .‬ومن بلغت صدقته بنت لبو ٍ‬ ‫عشرين دره ً‬
‫حّقة فإنّها تقبل منه الحّقة ويعطيه المصدّق عشرين‬
‫ن‬
‫ما أو شاتين ‪ .‬ومن بلغت صدقته بنت لبو ٍ‬ ‫دره ً‬
‫ض فإنّها تقبل منه‬ ‫وليست عنده ‪ ،‬وعنده بنت مخا ٍ‬
‫ما أو شاتين‬ ‫ض ‪ ،‬ويعطي معها عشرين دره ً‬ ‫بنت مخا ٍ‬
‫} ‪ - 45 .‬وبناءً على هذا الحديث ‪ ،‬تؤخذ الّزكاة من‬
‫البل حسب الجدول التّالي ‪ :‬عدد البل القدر‬
‫الواجب من ‪ - 1‬إلى ‪ 4‬ليس فيها شيء ‪ .‬من ‪9 - 5‬‬
‫فيها شاة واحدة ‪ .‬من ‪ 14 - 10‬فيها شاتان من ‪- 15‬‬
‫‪ 19‬فيها ‪ 3‬شياهٍ من ‪ 24 - 20‬فيها ‪ 4‬شياهٍ من ‪- 25‬‬

‫‪181‬‬
‫ض‬
‫ض ( فإن لم يوجد فيها بنت مخا ٍ‬ ‫‪ 35‬فيها بنت مخا ٍ‬
‫ن من‬ ‫ن ذكر ) ‪ .‬من ‪ 45 - 36‬بنت لبو ٍ‬ ‫يجزئ ابن لبو ٍ‬
‫‪ 60 - 46‬حّقة من ‪ 75 - 61‬فيها جذعة من ‪90 - 76‬‬
‫ن من ‪ 120 - 91‬فيها حّقتان من ‪- 121‬‬ ‫فيها بنتا لبو ٍ‬
‫ن من ‪ 139 - 130‬فيها حّقة وبنتا‬ ‫‪ 129‬فيها ‪ 3‬بنات لبو ٍ‬
‫ن من ‪- 150‬‬ ‫ن من ‪ 149 - 140‬حّقتان وبنت لبو ٍ‬ ‫لبو ٍ‬
‫ن‬
‫ق من ‪ 169 - 160‬فيها ‪ 4‬بنات لبو ٍ‬ ‫‪ 159‬فيها ‪ 3‬حقا ٍ‬
‫ن ‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫ل‬ ‫ل ‪ 40‬بنت لبو ٍ‬ ‫وهكذا في ما زاد ‪ ،‬في ك ّ‬
‫شافعيّة ‪،‬‬ ‫‪ 50‬حّقة ‪ .‬وهذا الجدول جارٍ على مذهب ال ّ‬
‫ي‬
‫ورواية في مذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو قول الوزاع ّ‬
‫وإسحاق ‪ ،‬وأوّله إلى ‪ 120‬مجمع عليه ‪ ،‬لتناول حديث‬
‫س له ‪ ،‬وعدم الختلف في تفسيره ‪ .‬واختلف‬ ‫أن ٍ‬
‫ساعي بين‬ ‫فيما بين ‪ 129 - 121‬فقال مالك يتخيّر ال ّ‬
‫ن ‪ ،‬وذهب أبو عبيدٍ ‪ ،‬وهو‬ ‫قتين وثلث بنات لبو ٍ‬ ‫ح ّ‬
‫ن‬‫ن فيها حّقتين ; ل ّ‬ ‫الّرواية الخرى عن أحمد إلى أ ّ‬
‫الفرض ل يتغيّر إل ّ بمائةٍ وثلثين ‪ - 46 .‬وذهب‬
‫ن الفريضة تستأنف بعد ‪ ، 120‬ففي ك ّ‬
‫ل‬ ‫الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫قتين ‪،‬‬ ‫ما زاد عليها شاة بالضافة إلى الح ّ‬ ‫سم ّ‬
‫خم ٍ‬
‫ن‬‫ض أو بنت لبو ٍ‬ ‫فإن بلغ الّزائد ما فيه بنت مخا ٍ‬
‫وجبت إلى أن يبلغ الّزائد ما فيه حّقة فتجب ‪ ،‬ويمثّل‬
‫ذلك الجدول التّالي ‪ :‬عدد البل القدر الواجب ‪- 121‬‬
‫‪ 124‬حّقتان ‪ 129 - 125‬حّقتان وشاة ‪134 - 130‬‬
‫حّقتان وشاتان ‪ 139 - 135‬حّقتان و ‪ 3‬شياهٍ ‪- 140‬‬
‫ض‬
‫‪ 144‬حّقتان و ‪ 4‬شياهٍ ‪ 149 - 145‬حّقتان وبنت مخا ٍ‬
‫ق وشاة ‪- 160‬‬ ‫ق ‪ 3 159 - 155‬حقا ٍ‬ ‫‪ 3 154 - 150‬حقا ٍ‬
‫ه‬
‫ق و ‪ 3‬شيا ٍ‬ ‫ق وشاتان ‪ 3 169 - 165‬حقا ٍ‬ ‫‪ 3 164‬حقا ٍ‬
‫ق‬
‫ق و ‪ 4‬شياهٍ ‪ 3 185 - 175‬حقا ٍ‬ ‫‪ 3 174 - 170‬حقا ٍ‬
‫ن ‪- 196‬‬ ‫ق وبنت لبو ٍ‬ ‫ض ‪ 3 195 - 186‬حقا ٍ‬ ‫وبنت مخا ٍ‬
‫ن ‪205‬‬ ‫ق أو ‪ 5‬بنات لبو ٍ‬ ‫ق ‪ 4 204 - 200‬حقا ٍ‬ ‫‪ 4 199‬حقا ٍ‬

‫‪182‬‬
‫جوا‬ ‫ن وشاة وهكذا ‪ .‬واحت ّ‬ ‫ق أو بنات لبو ٍ‬ ‫‪ 4 209 -‬حقا ٍ‬
‫بما في حديث قيس بن سعد ٍ أنّه قال ‪ :‬قلت لبي‬
‫مد بن عمرو بن حزم ٍ ‪ :‬أخرج لي كتاب‬ ‫بكر بن مح ّ‬
‫صدقات الّذي كتبه رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫ال ّ‬
‫وسلم قال ‪ :‬فأخرج كتابًا في ورقةٍ وفيه ‪ { :‬فإذا‬
‫زادت البل على مائةٍ وعشرين استؤنفت‬
‫الفريضة } ‪.‬‬
‫وفي زكاة البل مسائل فرعيّة منها ‪:‬‬
‫ن الّذي يؤخذ في زكاة البل الناث دون‬ ‫‪ - 47‬أ ‪ -‬أ ّ‬
‫الذ ّكور ‪ ،‬إل ّ ابن اللّبون إن عدم بنت المخاض كما‬
‫في الحديث المتقدّم ‪ ،‬بخلف البقر فتؤخذ منها‬
‫الذ ّكور كما يأتي ‪ .‬فإن كان المال كلّه ذكوًرا أجزأ‬
‫شافعيّة وهو المقدّم عند‬ ‫ح عند ال ّ‬‫الذ ّكر على الص ّ‬
‫الحنابلة ‪ ،‬وعند المالكيّة يلزم الوسط ولو انفرد‬
‫ن‬‫س ّ‬ ‫ة وسطًا من ال ّ‬ ‫الذ ّكور ‪ ،‬والظّاهر أنّه يريدون ناق ً‬
‫المطلوب ‪.‬‬
‫شاة الّتي تؤخذ في زكاة البل إن‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ - 48‬ب ‪ -‬أ ّ‬
‫ضأن ‪ ،‬أو ثنيّة من المعز‬ ‫كانت أنثى ( جذعة من ال ّ‬
‫ما الذ ّكر ‪،‬‬‫فما فوق ذلك ) أجزأت بل نزاٍع ‪ .‬وأ ّ‬
‫شاة عليه ‪ ،‬وهو‬ ‫فيحتمل أن يجزئ لصدق اسم ال ّ‬
‫شافعيّة ‪.‬‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫المعتمد عند المالكيّة ‪ ،‬والص ّ‬
‫ما وجب عليه سنًّا‬ ‫ج ‪ -‬إن تطوّع المزكّي فأخرج ع ّ‬
‫ن الواجب جاز ‪ ،‬مثل أن يخرج بدل‬ ‫س ّ‬ ‫أعلى من ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬أو عن‬ ‫ة أو جذع ً‬ ‫ن أو حّق ً‬ ‫بنت المخاض بنت لبو ٍ‬
‫ة ‪ .‬قال ابن قدامة ‪ :‬ل نعلم‬ ‫ة أو جذع ً‬ ‫بنت اللّبون حّق ً‬
‫ن‬‫ب{أ ّ‬ ‫ي بن كع ٍ‬ ‫في ذلك خلفًا ‪ .‬لما في حديث أب ّ‬
‫ة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال لمن قدّم ناق ً‬ ‫النّب ّ‬
‫ض ‪ :‬ذاك الّذي عليك ‪.‬‬ ‫ة عن بنت مخا ٍ‬ ‫ة سمين ً‬ ‫عظيم ً‬
‫فإن تطوّعت بخيرٍ آجرك اللّه فيه ‪ ،‬وقبلناه منك } ‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫ما‬
‫ة أجزأه ‪ ،‬وكذا ع ّ‬ ‫شاة ناق ً‬ ‫‪ -‬د ‪ -‬إن أخرج بدل ال ّ‬
‫س وعشرين ; لنّه‬ ‫شياه فيما دون خم ٍ‬ ‫وجب من ال ّ‬
‫ما دونها أولى ‪ .‬وهذا‬ ‫يجزئ عن ‪ ، 25‬فإجزاؤه ع ّ‬
‫ح عند‬‫ي ‪ ،‬وهو الص ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫مذهب أبي حنيفة وال ّ‬
‫المالكيّة ‪ ،‬وذهب الحنابلة إلى أنّه ل يجزئ ‪ ،‬لنّه‬
‫أخرج عن المنصوص عليه غيره من غير جنسه فلم‬
‫يجزئه ‪ ،‬كما لو أخرج عن أربعين من الغنم بعيًرا ‪.‬‬
‫ي وابن المنذر‬ ‫شافعيّة والحنابلة والنّخع ّ‬ ‫هـ ‪ -‬ذهب ال ّ‬
‫ن فلم يكن في‬ ‫ن من وجب عليه في إبله س ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن الّذي فوقه‬ ‫س ّ‬ ‫ن فله أن يخرج من ال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫إبله ذلك ال ّ‬
‫ساعي شاتين‬ ‫ما يؤخذ في زكاة البل ‪ ،‬ويأخذ من ال ّ‬ ‫م ّ‬
‫ن الّذي تحته‬ ‫س ّ‬ ‫ما ‪ ،‬أو أن يخرج من ال ّ‬ ‫أو عشرين دره ً‬
‫ساعي معها شاتين‬ ‫ما يجزئ في الّزكاة ويعطي ال ّ‬ ‫م ّ‬
‫س‬ ‫ّ‬
‫ما ‪ .‬واستدلوا بما في حديث أن ٍ‬ ‫أو عشرين دره ً‬
‫ن المزكّي إذا لم‬ ‫المتقدّم بيانه ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن الواجب ‪ ،‬أو كان عنده فله أن يدفع‬ ‫س ّ‬ ‫يكن عنده ال ّ‬
‫ن الدون وزيادة‬ ‫س ّ‬‫قيمة ما وجب ‪ ،‬أو يدفع ال ّ‬
‫ن‬‫الدّراهم بقدر النّقص ‪ ،‬كما لو أدّى ثلث شياهٍ سما ٍ‬
‫ض‬‫ن عن بنت مخا ٍ‬ ‫ط ‪ ،‬أو بعض بنت لبو ٍ‬ ‫عن أربٍع وس ٍ‬
‫‪ ،‬وذلك على أصلهم في جواز إخراج القيمة في‬
‫الّزكاة ‪.‬‬
‫نصاب زكاة البقر والقدر الواجب ‪:‬‬
‫سنّة نصاب زكاة البقر والقدر الواجب ‪،‬‬ ‫‪ - 51‬بيّنت ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫وذلك فيما روى مسروق { أ ّ‬
‫وسلم بعث معاذ ًا رضي الله عنه إلى اليمن وأمره‬
‫ل حالم ٍ ديناًرا ‪ ،‬ومن البقر من ك ّ‬
‫ل‬ ‫أن يأخذ من ك ّ‬
‫ة } ‪ .‬وروي عن‬ ‫ل أربعين مسن ّ ً‬ ‫ثلثين تبيعًا ‪ ،‬ومن ك ّ‬
‫معاذ ٍ رضي الله عنه نحو ذلك ‪ ،‬وفي حديثه‬
‫{ وأمرني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن ل‬

‫‪184‬‬
‫ة أو جذع ًا ‪-‬‬ ‫آخذ فيما بين ذلك شيئًا إل ّ إن بلغ مسن ّ ً‬
‫ن الوقاص ل شيء فيها } ‪- 52 .‬‬ ‫يعني تبيعًا ‪ -‬وأ ّ‬
‫وبنا ًء على الحديثين المذكورين تؤخذ زكاة البقر‬
‫حسب الجدول التّالي ‪ :‬عدد البقر القدر الواجب ‪- 1‬‬
‫‪ 29‬ل شيء فيها ‪ 39 - 30‬تبيع ( أو تبيعة ) ‪59 - 40‬‬
‫مسنّة ‪ 69 - 60‬تبيعان ‪ 79 - 70‬تبيع ومسنّة ‪89 - 80‬‬
‫تبيعان ‪ 3 99 - 90‬أتبعةٍ ‪ 109 - 100‬تبيعان ومسنّة ‪110‬‬
‫ت‬‫‪ 119 -‬تبيع ومسنّتان ‪ 4 129 - 120‬أتبعةٍ أو ‪ 3‬مسنّا ٍ‬
‫ل ثلثين تبيع أو تبيعة ‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫ل‬ ‫‪ .‬وهكذا في ك ّ‬
‫أربعين مسنّة ‪ .‬وعلى هذا تجري مذاهب جماهير‬
‫العلماء ‪ ،‬وفي ذلك خلف في بعض المواضع ‪ ،‬منها‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 53‬أ ‪ -‬ذهب سعيد بن المسيّب والّزهريّ خلفًا‬
‫ن في البقر من ( ‪ ) 24 - 5‬في‬ ‫لسائر الفقهاء ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫ن البقرة‬ ‫سا على زكاة البل ; ل ّ‬ ‫س شاة قيا ً‬ ‫ل خم ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ة في الهدي والضحيّة ‪ - 54 .‬ب ‪ -‬ومنها ‪:‬‬ ‫تعدل ناق ً‬
‫ما التّبيع الذ ّكر فيؤخذ‬ ‫أخذ الذ ّكر في زكاة البقر ‪ :‬أ ّ‬
‫ص عليه في حديث‬ ‫اتّفاقًا ‪ ،‬فهو بمنزلة التّبيعة ‪ ،‬للن ّ ّ‬
‫ن الذ ّكر فمذهب الحنفيّة أنّه يجوز‬ ‫ما المس ّ‬‫س ‪ ،‬وأ ّ‬‫أن ٍ‬
‫شافعيّة والحنابلة ل يؤخذ‬ ‫أخذه ‪ .‬ومذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ص ورد فيها ‪ - 55 .‬ج ‪-‬‬ ‫إل ّ المسنّة النثى ل ّ‬
‫ن الن ّ ّ‬
‫م له‬ ‫ومنها في السنان ‪ ،‬فالتّبيع عند الجمهور ما ت ّ‬
‫م لها سنتان‬ ‫سنة وطعن في الثّانية ‪ ،‬والمسنّة ما ت ّ‬
‫م له‬ ‫وطعنت في الثّالثة ‪ ،‬وعند المالكيّة التّبيع ما ت ّ‬
‫م لها ثلث‬ ‫سنتان ودخل في الثّالثة ‪ ،‬والمسنّة ما ت ّ‬
‫ن‬
‫سنين ودخلت في الّرابعة ‪ - 56 .‬د ‪ -‬ومنها أ ّ‬
‫الوقص الّذي من ( ‪ ) 59 - 41‬ل شيء فيه عند‬
‫صاحبين‬ ‫الجمهور ‪ ،‬وهو رواية عن أبي حنيفة وقول ال ّ‬
‫‪ ،‬وهو المختار عند الحنفيّة لظاهر ما تقدّم من‬

‫‪185‬‬
‫ن‬‫الحديث ‪ .‬وذهب أبو حنيفة في ظاهر الّرواية إلى أ ّ‬
‫ما زاد على الربعين ليس عفوًا ‪ ،‬بل يجب فيه‬
‫بحسابه ‪ ،‬ففي الواحدة الّزائدة عن الربعين ربع‬
‫عشر مسنّةٍ ‪ ،‬وفي الثّنتين نصف عشر مسنّةٍ ‪،‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬وإنّما قال هذا فراًرا من جعل الوقص ( ‪) 19‬‬
‫ن جميع‬ ‫وهو مخالف لجميع أوقاص زكاة البقر ‪ ،‬فإ ّ‬
‫أوقاصها تسعة تسعة ‪.‬‬
‫زكاة الغنم ‪:‬‬
‫ما ورد‬ ‫سنّة والجماع ‪ ،‬فم ّ‬ ‫‪ - 57‬زكاة الغنم واجبة بال ّ‬
‫س المتقدّم ذكره في زكاة البل ‪.‬‬ ‫فيها حديث أن ٍ‬
‫( ف ‪ . ) 46‬وبنا ًء على الحديث المذكور تؤخذ زكاة‬
‫الغنم طبًقا للجدول التّالي ‪ :‬عدد الغنم القدر‬
‫الواجب ‪ 39 - 1‬ل شيء فيها ‪ 120 - 40‬شاة ‪- 121‬‬
‫‪ 200‬شاتان ‪ 3 399 - 201‬شياهٍ ‪ 4 499 - 400‬شياهٍ‬
‫‪ 5 599 - 500‬شياهٍ وهكذا ما زاد عن ذلك في ك ّ‬
‫ل‬
‫مائة شاةٍ شاة مهما كان قدر الّزائد ‪ .‬وعلى هذا‬
‫تجري مذاهب جمهور الفقهاء ‪ ،‬وأوّل هذا الجدول‬
‫وآخره مجمع عليه ‪ - 58 .‬واختلف فيه فيما بين (‬
‫ي وأبو بكرٍ من الحنابلة‬ ‫‪ ) 399 - 300‬فقد ذهب النّخع ّ‬
‫م ل يتغيّر القدر‬ ‫ة‪،‬ث ّ‬ ‫ن فيه أربع شياهٍ ل ثلث ً‬ ‫إلى أ ّ‬
‫الواجب إلى ( ‪ ) 500‬فيكون فيها خمس شياهٍ كقول‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ل هؤلء بأ ّ‬ ‫الجمهور ‪ ،‬واستد ّ‬
‫س المتقدّم جعل الثّلثمائة حدًّا‬ ‫وسلم في حديث أن ٍ‬
‫شياه الثّلثة فوجب أن يتغيّر الفرض‬ ‫لما تجب فيه ال ّ‬
‫عندها فيجب أربعة ‪.‬‬
‫ن‬
‫صة بها ‪ - 59 .‬أ ‪ -‬منها أ ّ‬ ‫وفي زكاة الغنم مسائل خا ّ‬
‫شاة تصدق على الذ ّكر والنثى ومن هنا ذهب‬ ‫ال ّ‬
‫الحنفيّة والمالكيّة إلى جواز إخراج الذ ّكر في زكاة‬
‫شاة إذا أمر بها مطلًقا أجزأ فيها‬ ‫ن ال ّ‬
‫الغنم ‪ ،‬ول ّ‬

‫‪186‬‬
‫ن‬
‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫الذ ّكر كالضحيّة والهدي ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫الغنم إن كانت إناثًا كلّها أو كان فيها ذكور وإناث‬
‫فيتعيّن إخراج الناث ‪ .‬وذهب الحنابلة كذلك إلى أنّه‬
‫ل يجوز إخراج الذ ّكر في صدقة الغنم إذا كان في‬
‫النّصاب شيء من الناث ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّذي يؤخذ في صدقة الغنم هو الثّنيّة ‪ ،‬والثّن ّ‬
‫ي‬
‫في اصطلح الفقهاء ‪ -‬خلفًا لما عند أهل اللّغة ‪ -‬ما‬
‫ل‬‫م له سنة فما زاد ‪ ،‬فتجزئ اتّفاقًا ‪ ،‬فإن كانت أق ّ‬ ‫ت ّ‬
‫ضأن أو المعز ‪،‬‬ ‫من ذلك لم تجزئ سواء كانت من ال ّ‬
‫ن عمر بن‬ ‫ج له بأ ّ‬‫وهذا قول أبي حنيفة ‪ ،‬واحت ّ‬
‫ساعي ‪ :‬اعتد ّ عليهم‬ ‫الخطّاب رضي الله عنه قال لل ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫سخلة ول تأخذها منهم ‪ .‬وذهب ال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫م لها ستّة‬ ‫ن الجذعة ‪ -‬وهي ما ت ّ‬ ‫والحنابلة إلى أ ّ‬
‫ضأن ‪ -‬ل من المعز ‪ -‬تجزئ‬ ‫أشهرٍ ‪ -‬إن كانت من ال ّ‬
‫صاحبان ‪ :‬يجزئ الجذع من‬ ‫في الّزكاة ‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫ضأن سواء كان الجذع ذكًرا أو أنثى ‪ ،‬وهو رواية‬ ‫ال ّ‬
‫ن الجذع نحوًا من‬ ‫عن أبي حنيفة ‪ ،‬واختلفوا في س ّ‬
‫ك فيه ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬تجزئ‬ ‫اختلف أصحاب مال ٍ‬
‫ضأن أو المعز ‪ ،‬لكن‬ ‫الجذعة سواء أكانت من ال ّ‬
‫ن الجذع ‪ ،‬فقال بعضهم‬ ‫ك في س ّ‬ ‫اختلف أصحاب مال ٍ‬
‫‪ :‬أدناه سنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬عشرة أشهرٍ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ثمانية ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬ستّة ‪.‬‬
‫مة في زكاة البل والبقر والغنم ‪:‬‬ ‫مسائل عا ّ‬
‫س من البل والبقر والغنم ينقسم‬ ‫ل جن ٍ‬ ‫‪ - 61‬أ ‪ -‬ك ّ‬
‫إلى نوعين ‪ ،‬فالبل نوعان ‪ :‬العراب وهي البل‬
‫ي ( جمع‬ ‫العربيّة ‪ ،‬وهي ذات سنام ٍ واحدٍ ‪ ،‬والبخات ّ‬
‫بختيّةٍ ) وهي إبل العجم والتّرك ‪ ،‬وهي ذات سنامين‬
‫‪ .‬والبقر نوعان ‪ :‬البقر المعتاد ‪ ،‬والجواميس ‪.‬‬
‫صوف ‪ ،‬واحدتها‬ ‫ما ضأن ‪ ،‬وهي ذوات ال ّ‬ ‫والغنم ‪ :‬إ ّ‬

‫‪187‬‬
‫شعر ‪ ،‬واحدتها‬ ‫ما معز ‪ ،‬وهي ذوات ال ّ‬ ‫ضأنة ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ضأن‬ ‫عنز ‪ ،‬والذ ّكر تيس ‪ ،‬ويقال للذ ّكر والنثى من ال ّ‬
‫والمعز ‪ :‬شاة ‪ .‬والمقادير الواجبة في الجداول‬
‫م أحدهما‬ ‫س نوعيه ‪ ،‬ويض ّ‬ ‫ل جن ٍ‬ ‫سابقة تشمل من ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫أي‬
‫ما من ّ‬ ‫إلى الخر في تكميل النّصاب إجماعًا ‪ .‬أ ّ‬
‫النّوعين تؤخذ الّزكاة ففيه تفصيل ‪ - 62 .‬ب ‪ -‬فإن‬
‫كان عنده أحد النّوعين فزكاته منه تجزئه اتّفاقًا ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬
‫ة بقيمة العربيّة‬ ‫إن أخرج عن البل العراب مثًل بختي ّ ً‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪،‬‬ ‫ضا ‪ ،‬وهو مذهب ال ّ‬ ‫فجائز أي ً‬
‫وكذلك المعتمد عند المالكيّة ‪ ،‬لكن ل يشترط‬
‫ن فيه‬ ‫عندهم رعاية القيمة ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل يجوز ; ل ّ‬
‫ة ‪ ،‬وهو قول القاضي من‬ ‫تفويت صفةٍ مقصود ٍ‬
‫الحنابلة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬الواجب إخراج الّزكاة من‬
‫ما إن اختلف النّوعان ‪:‬‬ ‫النّوع الّذي عنده ‪ - 63 .‬ج ‪ -‬أ ّ‬
‫فقد قال الحنفيّة وإسحاق ‪ :‬إذا اختلف النّوعان تجب‬
‫الّزكاة من أكثرهما ‪ ،‬فإن استويا فعند الحنفيّة يجب‬
‫الوسط أي أعلى الدنى ‪ ،‬أو أدنى العلى ‪ ،‬وإذا علم‬
‫الواجب فالقاعدة عندهم جواز شيءٍ بقيمته سواء‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪:‬‬ ‫من النّوع الخر أو غيره ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫صه ‪ ،‬فلو كانت إبله كلّها‬ ‫ل نوٍع ما يخ ّ‬ ‫يؤخذ من ك ّ‬
‫ة أخذ الفرض من جنس ما عنده ‪،‬‬ ‫ة أو أرحبي ّ ً‬‫مهري ّ ً‬
‫وهذا هو الصل ; لنّها أنواع تجب فيها الّزكاة ‪،‬‬
‫ل نوٍع منه ‪ ،‬كأنواع الثّمرة والحبوب ‪،‬‬ ‫فتؤخذ زكاة ك ّ‬
‫ضأن معًزا ‪ ،‬أو عكسه جاز في‬ ‫قالوا ‪ :‬فلو أخذ عن ال ّ‬
‫ل عند‬ ‫ح بشرط رعاية القيمة ‪ ،‬وفي قو ٍ‬ ‫الص ّ‬
‫ضأن عن المعز دون العكس ‪،‬‬ ‫شافعيّة ‪ :‬يؤخذ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫وعراب البقر عن الجواميس دون العكس ; ل ّ‬
‫ضأن والعراب أشرف ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إن وجبت‬ ‫ال ّ‬
‫واحدة في نوعين فمن الكثر ‪ ،‬فإن تساويا خيّر‬

‫‪188‬‬
‫ل نوٍع واحدةً‬ ‫ساعي ‪ ،‬وإن وجب ثنتان أخذ من ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل إلّ‬‫إن تساويا ‪ ،‬فإن لم يتساويا لم يأخذ من الق ّ‬
‫ص‪.‬‬ ‫بشرطين ‪ :‬كونه نصابًا لو انفرد ‪ ،‬وكونه غير وق ٍ‬
‫ل نوٍع‬ ‫وإذا زادت عن ذلك وأمكن أن يؤخذ من ك ّ‬
‫م بعضه إلى‬ ‫بانفراده أخذ منه ‪ ،‬وما لم يمكن يض ّ‬
‫ساعي عند‬ ‫ض ‪ ،‬فيأخذ من الكثر ‪ ،‬ويخيّر ال ّ‬ ‫بع ٍ‬
‫ضأن و ‪ 160‬من المعز يؤخذ‬ ‫التّساوي ففي ‪ 340‬من ال ّ‬
‫ضأن عن ثلثمائة ضأنةٍ ‪ ،‬وواحدة من‬ ‫ثلث من ال ّ‬
‫المعز عن المائة ‪ ،‬وتؤخذ عنز واحدة عن الربعين‬
‫ن المعز أكثر فإن كانت‬ ‫ستّين من المعز ; ل ّ‬ ‫ة وال ّ‬‫ضأن ً‬
‫ساعي في‬ ‫ضأن و ‪ 150‬من المعز خيّر ال ّ‬ ‫‪ 350‬من ال ّ‬
‫المائة المجتمعة بين ضأنةٍ وعنزٍ ‪.‬‬
‫صفة المأخوذ في زكاة الماشية ‪:‬‬
‫‪ - 64‬ينبغي أن يكون المأخوذ في الّزكاة من الوسط‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ثلث من‬ ‫‪ ،‬لقول النّب ّ‬
‫ن فقد طعم طعم اليمان ‪ :‬من عبد اللّه‬ ‫فعله ّ‬
‫وحده ‪ ،‬وأنّه ل إله إل ّ اللّه ‪ ،‬وأعطى زكاة ماله طيّب ً‬
‫ة‬
‫ل عام ٍ ‪ ،‬ل يعطي الهرمة ‪،‬‬ ‫بها نفسه رافدة ً عليه ك ّ‬
‫شرط اللّئيمة ‪،‬‬ ‫ول الدّرنة ‪ ،‬ول المريضة ‪ ،‬ول ال ّ‬
‫ن اللّه لم يسألكم‬ ‫ولكن من وسط أموالكم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫خيره ‪ ،‬ولم يأمركم بشّره } ‪ .‬الحديث ‪ .‬وهذا‬
‫ساعي طلب‬ ‫يقتضي أمرين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أن يتجنّب ال ّ‬
‫ة به نفسه ‪،‬‬ ‫خيار المال ‪ ،‬ما لم يخرجه المالك طيّب ً‬
‫ساعي ‪:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم لل ّ‬ ‫وقد قال النّب ّ‬
‫{ إيّاك وكرائم أموالهم } ‪ .‬قال عمر رضي الله عنه‬
‫لساعيه ‪ :‬ل تأخذ الّربى ‪ ،‬ول الماخض ‪ ،‬ول الكولة ‪،‬‬
‫ول فحل الغنم والّربى هي القريبة العهد بالولدة ;‬
‫لنّها تربّي ولدها ‪ .‬والماخض الحامل ‪ ،‬والكولة الّتي‬
‫تأكل كثيًرا ; لنّها تكون أسمن ‪ ،‬وفحل الغنم هو‬

‫‪189‬‬
‫ضراب ‪ .‬فإن كانت ماشية الّرجل كلّها خياًرا‬ ‫المعد ّ لل ّ‬
‫ساعي من‬ ‫‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء فقيل ‪ :‬يأخذ ال ّ‬
‫أوسط الموجود ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكلّف شراء الوسط من‬
‫ذلك الجنس ‪ .‬المر الثّاني ‪ :‬أن ل يكون المأخوذ من‬
‫شرار المال ‪ ،‬ومنه المعيبة ‪ ،‬والهرمة ‪ ،‬والمريضة ‪،‬‬
‫ة ‪ ،‬فقد‬ ‫ة أو مريض ً‬ ‫ة أو هرم ً‬ ‫لكن إن كانت كلّها معيب ً‬
‫ذهب بعض الفقهاء إلى أنّه يجوز إخراج الواجب منها‬
‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكلّف شراء صحيحةٍ أخذ ًا بظاهر النّهي‬
‫ة مع‬ ‫الوارد في الحديث ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يخرج صحيح ً‬
‫مراعاة القيمة ‪.‬‬
‫زكاة الخيل ‪:‬‬
‫‪ - 65‬ذهب جمهور الفقهاء ومنهم صاحبا أبي حنيفة‬
‫ن الخيل الّتي ليست للتّجارة ل زكاة فيها ولو‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ة أو‬ ‫ة واتّخذت للنّماء ‪ ،‬وسواء كانت عامل ً‬ ‫كانت سائم ً‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫غير عاملةٍ ‪ ،‬واستدلّوا بقول النّب ّ‬
‫وسلم ‪ { :‬ليس على المسلم في فرسه وغلمه‬
‫صدقة } وقوله ‪ { :‬قد عفوت عن صدقة الخيل‬
‫ن الخيل‬ ‫والّرقيق } ‪ .‬وذهب أبو حنيفة وزفر إلى أ ّ‬
‫ة ذكوًرا وإناثًا ففيها الّزكاة ‪ ،‬وليس‬ ‫إذا كانت سائم ً‬
‫في ذكورها منفردة ً زكاة ‪ ،‬لنّها ل تتناسل ‪ ،‬وكذلك‬
‫ت ‪ ،‬وفي روايةٍ عن أبي حنيفة في‬ ‫في الناث منفردا ٍ‬
‫الناث المنفردات زكاة لنّها تتناسل بالفحل‬
‫ضا أنّها تجب في الذ ّكور‬ ‫المستعار ‪ ،‬وروي عنه أي ً‬
‫ي صلى الله‬ ‫ج له بقول النّب ّ‬ ‫ضا ‪ .‬واحت ّ‬ ‫المنفردات أي ً‬
‫ل‬
‫ل أجر ‪ ،‬ولرج ٍ‬ ‫عليه وسلم { في الخيل ‪ :‬هي لرج ٍ‬
‫ل وزر } فساق الحديث إلى أن‬ ‫ستر ‪ ،‬وعلى رج ٍ‬
‫قال في الّذي هي له ستر ‪ { :‬ولم ينس حقّ اللّه‬
‫في رقابها ول في ظهورها } فحقّ ظهورها العاريّة ‪،‬‬
‫ن‬
‫وحقّ رقابها الّزكاة ‪ ،‬وبما ورد عن يعلى بن أميّة أ ّ‬

‫‪190‬‬
‫أخاه عبد الّرحمن بن أميّة اشترى من أهل اليمن‬
‫ص ‪ ،‬فندم البائع ‪ ،‬فلحق بعمر ‪،‬‬ ‫سا أنثى بمائة قلو ٍ‬ ‫فر ً‬
‫سا لي ‪ ،‬فكتب عمر‬ ‫فقال ‪ :‬غصبني يعلى وأخوه فر ً‬
‫إلى يعلى أن الحق بي ‪ ،‬فأتاه فأخبره الخبر ‪ ،‬فقال‬
‫سا‬
‫ن فر ً‬ ‫ن الخيل لتبلغ هذا عندكم ؟ ‪ ،‬ما علمت أ ّ‬ ‫‪:‬إ ّ‬
‫ة شاةً ول نأخذ‬ ‫ل أربعين شا ٍ‬ ‫يبلغ هذا ‪ .‬فنأخذ عن ك ّ‬
‫س ديناًرا ‪ .‬فقّرر‬ ‫ل فر ٍ‬ ‫من الخيل شيئًا ؟ ‪ ،‬خذ من ك ّ‬
‫ن عثمان‬ ‫زهري أ ّ‬
‫ّ‬ ‫على الخيل ديناًرا ديناًرا ‪ .‬وعن ال ّ‬
‫رضي الله عنه كان يصدّق الخيل ‪ ،‬أي يأخذ زكاةً‬
‫م قال أبو حنيفة ‪ :‬إن شاء المزكّي أعطى‬ ‫منها ‪ ،‬ث ّ‬
‫س ديناًرا ‪ ،‬وإن شاء قوّم خيله وأعطى‬ ‫ل فر ٍ‬ ‫عن ك ّ‬
‫ل مائتي درهم ٍ خمسة دراهم ‪.‬‬ ‫عن ك ّ‬
‫زكاة سائر أصناف الحيوان ‪:‬‬
‫مة الفقهاء إلى أنّه ل زكاة في سائر‬ ‫‪ - 66‬ذهب عا ّ‬
‫الحيوان غير ما تقدّم ‪ ،‬ما لم تكن للتّجارة ‪ ،‬فليس‬
‫جوا لذلك بما‬ ‫في البغال والحمير وغيرها زكاة ‪ .‬واحت ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم سئل‬ ‫ن النّب ّ‬
‫في الحديث { أ ّ‬
‫ل أجر ‪ } ...‬الحديث‬ ‫عن الخيل فقال ‪ :‬هي لرج ٍ‬
‫م { سئل عن الحمير ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم ينزل‬ ‫المتقدّم ‪ ،‬ث ّ‬
‫ي فيها إل ّ هذه الية الفاذ ّة ‪ { :‬فمن يعمل مثقال‬ ‫عل ّ‬
‫ذّرةٍ خيًرا يره } } ‪.‬‬
‫ضة والعملت المعدنيّة‬ ‫ثانيًا ‪ :‬زكاة الذ ّهب والف ّ‬
‫ضة ‪ :‬زكاة الذ ّهب‬ ‫والورقيّة ‪ - 67‬أ ‪ -‬زكاة الذ ّهب والف ّ‬
‫ضة واجبة من حيث الجملة بإجماع الفقهاء ‪،‬‬ ‫والف ّ‬
‫لقول اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬والّذين يكنزون الذ ّهب‬
‫ب‬
‫شرهم بعذا ٍ‬ ‫ضة ول ينفقونها في سبيل اللّه فب ّ‬ ‫والف ّ‬
‫أليم ٍ يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها‬
‫جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم‬
‫ي صلى الله‬ ‫فذوقوا ما كنتم تكنزون } ‪ .‬مع قول النّب ّ‬

‫‪191‬‬
‫عليه وسلم ‪ { :‬ما أدّيت زكاته فليس بكنزٍ } ‪.‬‬
‫ضةٍ ل يؤدّي‬ ‫ب ول ف ّ‬ ‫وقوله ‪ { :‬ما من صاحب ذه ٍ‬
‫منها حًّقا إل ّ إذا كان يوم القيامة صّفحت له صفائح‬
‫من نارٍ فأحمي عليها في نار جهنّم ‪ ،‬فيكوى بها جنبه‬
‫وجبينه وظهره ‪ } ...‬الحديث ‪ .‬فالعذاب المذكور في‬
‫الية للكنز مطلًقا بيّن الحديث أنّه لمن منع زكاة‬
‫النّقدين ‪ ،‬فتقيّد به ‪.‬‬
‫ضة ‪:‬‬‫ما تجب فيه الّزكاة من الذ ّهب والف ّ‬
‫مت‬ ‫ضة إذا ت ّ‬‫‪ - 68‬تجب الّزكاة في الذ ّهب والف ّ‬
‫مة للّزكاة المتقدّم بيانها من الحول‬ ‫شروط العا ّ‬‫ال ّ‬
‫ضة‬‫والنّصاب وغيرهما في جميع أنواع الذ ّهب والف ّ‬
‫مى‬ ‫سواء المضروب منها دنانير أو دراهم ( وقد يس ّ‬
‫العين ‪ ،‬والمسكوك ) ‪ ،‬وفي التّبر وهو غير‬
‫سبائك ‪ ،‬وفي المصوغ منها على‬ ‫المضروب ‪ ،‬وال ّ‬
‫شكل آنيةٍ أو غيرها ‪ .‬ول يستثنى من ذلك إل ّ شيئان‬
‫ضة الّذي يعدّه‬ ‫ي من الذ ّهب والف ّ‬ ‫‪ :‬الوّل ‪ :‬الحل ّ‬
‫حا ‪ .‬قال‬ ‫مالكه لستعماله في التّحلّي استعماًل مبا ً‬
‫ة ‪ ،‬فل يكون فيه زكاة‬ ‫المالكيّة ‪ :‬ولو لعارةٍ أو إجار ٍ‬
‫شافعيّة على المذهب ‪ ،‬لنّه‬ ‫عند الجمهور ومنهم ال ّ‬
‫صة ‪،‬‬‫من باب المقتنى للستعمال كالملبس الخا ّ‬
‫وكالبقر العوامل ‪ .‬وذهب الحنفيّة وهو قول مقابل‬
‫ي‬
‫شافعيّة ‪ :‬إلى وجوب الّزكاة في الحل ّ‬ ‫للظهر عند ال ّ‬
‫ضة ‪ .‬وينظر تفصيل‬ ‫‪ ،‬كغيرها من أنواع الذ ّهب والف ّ‬
‫ي)‬‫القول في وجوبها وبيان الدلّة في مصطلح ( حل ّ‬
‫ما المقادير الواجبة والنّصاب فتأتي في موضعها‬ ‫أ ّ‬
‫ضة‬‫من هذا البحث ‪ .‬الثّاني ‪ :‬الذ ّهب والف ّ‬
‫المستخرجان من المعادن ( من باطن الرض ) ‪،‬‬
‫فيجب فيهما الّزكاة بمجّرد الستخراج إذا بلغ‬

‫‪192‬‬
‫ل ‪ ،‬ويأتي تفصيل‬ ‫المستخرج نصابًا بدون اشتراط حو ٍ‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ضة والقدر الواجب فيهما ‪:‬‬ ‫نصاب زكاة الذ ّهب والف ّ‬
‫‪ - 69‬نصاب الذ ّهب ‪ :‬نصاب الذ ّهب عند جمهور‬
‫الفقهاء عشرون مثقاًل ‪ ،‬فل تجب الّزكاة في أق ّ‬
‫ل‬
‫ة‬
‫ضة أو عروض تجار ٍ‬ ‫منها ‪ ،‬إل ّ أن يكون لمالكها ف ّ‬
‫يكمل بهما النّصاب عند من قال ذلك على ما سيأتي‬
‫بيانه ‪ ،‬ولم ينقل خلف في ذلك إل ّ ما روي عن‬
‫ن النّصاب أربعون مثقاًل ‪ .‬وما روي عن‬ ‫الحسن أ ّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫س ‪ ،‬والّزهريّ وسليمان بن حر ٍ‬ ‫عطاءٍ ‪ ،‬وطاوو ٍ‬
‫ضة ‪،‬‬ ‫ن نصاب الذ ّهب معتبر بالف ّ‬ ‫يأ ّ‬ ‫سختيان ّ‬ ‫وأيّوب ال ّ‬
‫فما كان من الذ ّهب قيمته ‪ 200‬درهم ٍ ففيه الّزكاة ‪،‬‬
‫ة لها أو‬ ‫ل من ( ‪ ) 20‬مثقاًل أو مساوي ً‬ ‫سواء كان أق ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫أكثر منها ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لنّه لم يثبت عن النّب ّ‬
‫عليه وسلم تقدير في نصاب الذ ّهب ‪ ،‬فيحمل نصابه‬
‫ي‬
‫ج الجمهور بقول النّب ّ‬ ‫ضة ‪ .‬واحت ّ‬ ‫على نصاب الف ّ‬
‫ل من‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ليس في أق ّ‬
‫ل من مائتي‬ ‫عشرين مثقاًل من الذ ّهب ‪ ،‬ول في أق ّ‬
‫درهم ٍ صدقة } ‪ .‬وفي حديث عمر وعائشة رضي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫الله عنهما { أ ّ‬
‫ل عشرين ديناًرا فصاعدًا نصف دينارٍ ‪،‬‬ ‫يأخذ من ك ّ‬
‫ومن الربعين ديناًرا } ‪.‬‬
‫ضة ‪:‬‬ ‫نصاب الف ّ‬
‫ضة المضروبة ( ورق ) ( ورقّة ) ‪،‬‬ ‫‪ - 70‬يقال للف ّ‬
‫ة كانت أو غير مضروبةٍ ‪،‬‬ ‫مى بذلك مضروب ً‬ ‫وقيل ‪ :‬تس ّ‬
‫ضة مائتا درهم ٍ بالجماع ‪ ،‬وقد ورد فيه‬ ‫ونصاب الف ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ليس فيما دون‬ ‫قول النّب ّ‬
‫ق من الورق صدقة } والوقيّة ‪40‬‬ ‫خمس أوا ٍ‬
‫س المرفوع‬ ‫ما ‪ ،‬وفي كتاب أن ٍ‬ ‫( أربعون ) دره ً‬

‫‪193‬‬
‫{ وفي الّرقّة ربع العشر ‪ ،‬فإن لم يكن إل ّ تسعين‬
‫ة فليس فيها شيء إل ّ أن يشاء ربّها } ‪ .‬ث ّ‬
‫م‬ ‫ومائ ً‬
‫ي ‪ ،‬وما زاد عنه‬ ‫شرع ّ‬ ‫الدّرهم المعتبر هو الدّرهم ال ّ‬
‫ن‬
‫أو نقص فبالوزن ‪ .‬وقيل عند بعض الحنفيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫ل أهل بلدٍ دراهمهم بالعدد ‪.‬‬ ‫قك ّ‬ ‫المعتبر في ح ّ‬
‫ضة ‪:‬‬‫النّصاب في المغشوش من الذ ّهب والف ّ‬
‫ضة ‪ ،‬وهو‬ ‫‪ - 71‬المغشوش من الذ ّهب أو الف ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى‬ ‫المسبوك مع غيره ‪ .‬ذهب ال ّ‬
‫أنّه ل زكاة فيه حتّى يبلغ خالصه نصابًا ‪ ،‬لما في‬
‫ق من‬ ‫الحديث المتقدّم { ليس فيما دون خمس أوا ٍ‬
‫صا أو‬ ‫الورق صدقة } ‪ .‬فإذا بلغه أخرج الواجب خال ً‬
‫ص‬
‫أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خال ٍ‬
‫بقدر الواجب مع مراعاة درجة الجودة ‪ .‬وقال‬
‫الحنفيّة ‪ :‬إذا كان الغالب على الورق المضروب‬
‫ضة ‪ ،‬فتجب فيه الّزكاة كأنّه‬ ‫ضة فهو في حكم الف ّ‬ ‫الف ّ‬
‫ة ‪ ،‬ول تزكّى زكاة العروض ‪ ،‬ولو كان قد‬ ‫ض ً‬‫كلّه ف ّ‬
‫ن الدّراهم ل تخلو من قليل‬ ‫أعدّها للتّجارة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫ضة‬ ‫ش ‪ ،‬لنّها ل تنطبع إل ّ به ‪ ،‬والغلبة أن تزيد الف ّ‬ ‫الغ ّ‬
‫ش غالبًا فل يكون لها‬ ‫ما إن كان الغ ّ‬ ‫على النّصف ‪ .‬أ ّ‬
‫ضة بل حكم العروض ‪ ،‬فل زكاة فيها إل ّ إن‬ ‫حكم الف ّ‬
‫نواها للتّجارة ‪ ،‬وبلغت نصابًا بالقيمة ‪ ،‬فإن لم ينوها‬
‫ة تبلغ نصابًا‬ ‫ض ً‬‫للتّجارة فإن كانت بحيث يخلّص منها ف ّ‬
‫وجبت زكاتها ‪ ،‬وإل ّ فل ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إن كانت‬
‫ة كرواج غير‬ ‫الدّراهم والدّنانير المغشوشة رائج ً‬
‫المغشوشة فإنّها تعامل مثل الكاملة سواءً ‪ ،‬فتكون‬
‫ش نصابًا ‪،‬‬ ‫فيها الّزكاة إن بلغ وزنها بما فيها من الغ ّ‬
‫ما إن كانت غير رائجةٍ فالعبرة بما فيها من الذ ّهب‬ ‫أ ّ‬
‫ضة الخالصين على تقدير التّصفية ‪ ،‬فإن بلغ‬ ‫أو الف ّ‬
‫نصابًا زكّي وإل ّ فل ‪ .‬وهذا الّذي تقدّم فيما كان‬

‫‪194‬‬
‫ما الذ ّهب المغشوش‬ ‫سا أو غيره ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ش فيه نحا ً‬ ‫الغ ّ‬
‫س‬
‫ل جن ٍ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ك ّ‬ ‫ضة فيعتبر عند ال ّ‬ ‫بالف ّ‬
‫منهما ‪ ،‬فإن كان أحدهما نصابًا زكّي الجميع ولو لم‬
‫م أحدهما إلى‬ ‫يبلغ الخر نصابًا ‪ ،‬وكذا إن كانا بض ّ‬
‫الخر يكمل منهما نصاب ‪ ،‬كأن يكون فيه ثلثة أرباع‬
‫ضةٍ ‪ ،‬وإل ّ فل زكاة ‪.‬‬ ‫ب وربع نصاب ف ّ‬ ‫نصاب ذه ٍ‬
‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه إن بلغ الذ ّهب المخلوط‬
‫ضة نصاب الذ ّهب ففيه زكاة الذ ّهب ‪ ،‬وإن بلغت‬ ‫بالف ّ‬
‫ضة إن كانت‬ ‫ضة ففيها زكاة الف ّ‬ ‫ضة نصاب الف ّ‬ ‫الف ّ‬
‫ما إن كانت الغلبة للذ ّهب فهو كلّه‬ ‫ضة ‪ ،‬أ ّ‬ ‫الغلبة للف ّ‬
‫ة ‪ .‬ولم نجد للمالكيّة‬ ‫ذهب ‪ ،‬لنّه أعّز وأغلى قيم ً‬
‫ضا لهذه المسألة ‪.‬‬ ‫تعّر ً‬
‫القدر الواجب ‪:‬‬
‫ضة‬‫ما وجبت فيه من الذ ّهب والف ّ‬ ‫‪ - 72‬تؤخذ الّزكاة م ّ‬
‫بنسبة ربع العشر ( ‪ ) 2 . 5‬وهكذا بالجماع ‪ ،‬إل ّ أنّهم‬
‫اختلفوا في الوقص ‪ .‬فذهب الجمهور ومنهم‬
‫ضة ‪،‬‬ ‫صاحبان ‪ ،‬إلى أنّه ل وقص في الذ ّهب والف ّ‬ ‫ال ّ‬
‫فلو كان عنده ( ‪ ) 210‬دراهم ففي المائتين خمسة‬
‫دراهم ‪ ،‬وفي الّزائد بحسابه ‪ ،‬وهو في المثال ربع‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‬ ‫ن النّب ّ‬‫درهم ٍ ‪ ،‬لما ورد أ ّ‬
‫‪ { :‬إذا كانت مائتي درهم ٍ ففيها خمسة دراهم ‪ ،‬فما‬
‫سائمة‬ ‫ن الوقص في ال ّ‬ ‫زاد فبحساب ذلك } ‪ .‬ول ّ‬
‫لتجنّب التّشقيص ‪ ،‬ول يضّر في النّقدين ‪ .‬وذهب أبو‬
‫ن الّزائد على النّصاب عفو ل شيء فيه‬ ‫حنيفة إلى أ ّ‬
‫ضة‬
‫ب ‪ .‬فإذا بلغ الّزائد في الف ّ‬ ‫حتّى يبلغ خمس نصا ٍ‬
‫م ل شيء في‬ ‫ما فيكون فيها درهم ‪ ،‬ث ّ‬ ‫أربعين دره ً‬
‫ما ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬وكذا في‬ ‫الّزائد حتّى تبلغ أربعين دره ً‬
‫الذ ّهب ل شيء في الّزائد على العشرين مثقاًل حتّى‬
‫ج له ابن الهمام بحديث‬ ‫يبلغ أربعة مثاقيل ‪ .‬واحت ّ‬

‫‪195‬‬
‫عمرو بن حزم ٍ مرفوع ًا { ليس فيما دون الربعين‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬
‫صدقة } ‪ .‬وحديث معاذ ٍ { أ ّ‬
‫وسلم أمره أن ل يأخذ من الكسور شيئًا } ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الّزكاة في الفلوس ‪:‬‬
‫ن غير‬ ‫‪ - 73‬الفلوس ما صنع من النّقود من معد ٍ‬
‫ن الفلوس‬ ‫ضة ‪ .‬وقد ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫الذ ّهب والف ّ‬
‫ة أو سلعًا للتّجارة تجب الّزكاة‬ ‫إن كانت أثمانًا رائج ً‬
‫في قيمتها ‪ ،‬وإل ّ فل ‪ .‬وحكم الفلوس عند المالكيّة‬
‫ي عن المدوّنة ‪ :‬من حال‬ ‫حكم العروض ‪ .‬نقل البنان ّ‬
‫س عنده قيمتها مائتا درهم ٍ فل زكاة‬ ‫الحول على فلو ٍ‬
‫فيها إل ّ أن يكون مديًرا فيقوّمها كالعروض ‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫سا ) على‬ ‫ويجزئ إخراج زكاتها منها ( أي فلو ً‬
‫ل ‪ :‬ل يجوز ; لنّها من العروض ‪،‬‬ ‫المشهور ‪ ،‬وفي قو ٍ‬
‫والعروض يجب إخراج زكاتها بالقيمة دنانير من‬
‫ضة ‪ .‬وعند الحنابلة إن‬ ‫الذ ّهب ‪ ،‬أو دراهم من الف ّ‬
‫كانت الفلوس للنّفقة فل زكاة فيها ‪ ،‬كعروض‬
‫صيارفة‬ ‫القنية ‪ ،‬وإن كانت للتّجارة كالّتي عند ال ّ‬
‫تزكّى زكاة القيمة ‪ ،‬كسائر عروض التّجارة ‪ ،‬ول‬
‫ضةٍ ‪،‬‬
‫ب وف ّ‬ ‫يجزئ إخراج زكاتها منها بل تخرج من ذه ٍ‬
‫كقولهم في العروض ‪.‬‬
‫زكاة المواد ّ الثّمينة الخرى ‪:‬‬
‫‪ - 74‬ل زكاة في المواد ّ الثّمينة المقتناة إذا كانت من‬
‫ضة ‪ ،‬وذلك كالجواهر من اللّؤلؤ‬ ‫غير الذ ّهب والف ّ‬
‫والمرجان والّزمّرد والفيروز ونحوها ‪ ،‬وكذا ما صنع‬
‫س أو صفرٍ أو‬ ‫من التّحف الثّمينة من حديد ٍ أو نحا ٍ‬
‫زجاٍج أو غير ذلك ‪ ،‬وإن حسنت صنعتها وكثرت‬
‫قيمتها ‪ ،‬فإن كانت عروض تجارةٍ ففيها الّزكاة على‬
‫ما يأتي ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬زكاة الوراق النّقديّة ( ورق النّوط ) ‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫ن الّزكاة في الوراق‬ ‫ك فيه أ ّ‬ ‫ما ل ش ّ‬ ‫نم ّ‬‫‪ - 75‬إ ّ‬
‫مة أموال النّاس‬ ‫النّقديّة واجبة ‪ ،‬نظًرا لنّها عا ّ‬
‫شركات وغالب‬ ‫ورءوس أموال التّجارات وال ّ‬
‫المدّخرات ‪ ،‬فلو قيل بعدم الّزكاة فيها لدّى إلى‬
‫ضياع الفقراء والمساكين ‪ ،‬وقد قال اللّه تعالى ‪:‬‬
‫سائل والمحروم } ول سيّما‬ ‫{ وفي أموالهم حقّ لل ّ‬
‫ة متواضعًا عليها في جميع‬ ‫ة نقدي ّ ً‬ ‫أنّها أصبحت عمل ً‬
‫أنحاء العالم ‪ ،‬وينبغي تقدير النّصاب فيها بالذ ّهب أو‬
‫ضة ‪.‬‬ ‫الف ّ‬
‫م‬
‫ضة في تكميل النّصاب ‪ ،‬وض ّ‬ ‫م الذ ّهب إلى الف ّ‬ ‫ض ّ‬
‫عروض التّجارة إليهما ‪:‬‬
‫‪ - 76‬ذهب الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة وهو رواية‬
‫ن الذ ّهب‬ ‫ي ) إلى أ ّ‬ ‫وري والوزاع ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن أحمد وقول الث ّ‬
‫م أحدهما إلى الخر في تكميل النّصاب ‪،‬‬ ‫ضة يض ّ‬ ‫والف ّ‬
‫فلو كان عنده خمسة عشر مثقاًل من الذ ّهب ‪،‬‬
‫ما ‪ ،‬فعليه الّزكاة فيهما ‪ ،‬وكذا‬ ‫ومائة وخمسون دره ً‬
‫إن كان عنده من أحدهما نصاب ‪ ،‬ومن الخر ماًل‬
‫ن نفعهما‬ ‫يبلغ النّصاب يزكّيان جميعًا ‪ ،‬واستدلّوا بأ ّ‬
‫متّحد ‪ ،‬من حيث إنّهما ثمنان ‪ ،‬فمنهما القيم وأروش‬
‫شافعيّة وهو‬ ‫الجنايات ‪ ،‬ويتّخذان للتّحلّي ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫رواية أخرى عن أحمد وقول أبي عبيدٍ وابن أبي‬
‫ثور إلى أنّه ل تجب في أحد الجنسين‬ ‫ٍ‬ ‫ليلى وأبي‬
‫الّزكاة حتّى يكمل وحده نصابًا ‪ ،‬لعموم حديث ‪:‬‬
‫ق من الورق صدقة } ‪.‬‬ ‫{ ليس فيما دون خمس أوا ٍ‬
‫م اختلفوا فذهب مالك وأبو يوسف‬ ‫ض ّ‬‫والقائلون بال ّ‬
‫م يكون‬ ‫ض ّ‬‫ن ال ّ‬
‫مد وأحمد في روايةٍ إلى أ ّ‬ ‫ومح ّ‬
‫بالجزاء فلو كان عنده خمسة عشر مثقاًل ذهبًا ‪،‬‬
‫ن الوّل نصاب ‪،‬‬ ‫ما لوجبت الّزكاة ; ل ّ‬ ‫وخمسون دره ً‬
‫والثّاني ‪ 25‬نصاب ‪ ،‬فيكمل منهما نصاب ‪ ،‬وكذا لو‬

‫‪197‬‬
‫ب من أحدهما وثلثان من الخر‬ ‫كان عنده ثلث نصا ٍ‬
‫م أحدهما‬ ‫ونحو ذلك ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يض ّ‬
‫إلى الخر بالتّقويم في أحدهما بالخر بما هو أح ّ‬
‫ظ‬
‫ل ‪ ،‬فلو كان عنده‬ ‫م الكثر إلى الق ّ‬ ‫للفقراء ‪ ،‬أي يض ّ‬
‫ب تساوي قيمته‬ ‫ضةٍ ‪ ،‬وربع نصاب ذه ٍ‬ ‫نصف نصاب ف ّ‬
‫م‬
‫ما العروض فتض ّ‬ ‫ضةٍ فعليه الّزكاة ‪ .‬أ ّ‬ ‫نصف نصاب ف ّ‬
‫ضة ويكمل بها نصاب ك ٍّ‬
‫ل‬ ‫قيمتها إلى الذ ّهب أو الف ّ‬
‫منهما ‪ .‬قال ابن قدامة ‪ :‬ل نعلم في ذلك خلفًا ‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى العملة النّقديّة المتداولة ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬زكاة عروض التّجارة ‪:‬‬
‫شراء لغرض‬ ‫‪ - 77‬التّجارة تقليب المال بالبيع وال ّ‬
‫ل‬
‫ل ما ٍ‬ ‫تحصيل الّربح ‪ .‬والعرض بسكون الّراء ‪ ،‬هو ك ّ‬
‫الجوهري ‪ :‬العرض المتاع ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سوى النّقدين ‪ ،‬قال‬
‫ل شيءٍ فهو عرض سوى الدّراهم والدّنانير‬ ‫وك ّ‬
‫فإنّهما عين ‪ ،‬وقال أبو عبيد ٍ ‪ :‬العروض المتعة الّتي‬
‫ل يدخلها كيل ول وزن ول يكون حيوانًا ول عقاًرا ‪.‬‬
‫ل أنواع المال ‪،‬‬ ‫ما العرض بفتحتين فهو شامل لك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ل أو كثر ‪ ،‬قال أبو عبيدة ‪ :‬جميع متاع الدّنيا عرض‬ ‫ق ّ‬
‫‪ .‬وفي الحديث ‪ { :‬ليس الغنى عن كثرة العرض } ‪.‬‬
‫وعروض التّجارة جمع العرض بسكون الّراء ‪ ،‬وهي‬
‫ة ما‬ ‫ل ما أعد ّ للتّجارة كائن ً‬ ‫في اصطلح الفقهاء ك ّ‬
‫س تجب فيه زكاة العين كالبل‬ ‫كانت سواء من جن ٍ‬
‫والغنم والبقر ‪ ،‬أو ل ‪ ،‬كالثّياب والحمير والبغال ‪.‬‬
‫حكم الّزكاة في عروض التّجارة ‪:‬‬
‫ن المفتى به هو وجوب‬ ‫‪ - 78‬جمهور الفقهاء على أ ّ‬
‫الّزكاة في عروض التّجارة ‪ ،‬واستدلّوا لذلك بقوله‬
‫تعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من طيّبات ما‬
‫ي صلى الله‬ ‫كسبتم } وبحديث سمرة ‪ { :‬كان النّب ّ‬
‫صدقة من الّذي نع ّ‬
‫د‬ ‫عليه وسلم يأمرنا أن نخرج ال ّ‬

‫‪198‬‬
‫للبيع } ‪ .‬وحديث أبي ذّرٍ مرفوعًا ‪ { :‬في البل‬
‫صدقتها ‪ ،‬وفي الغنم صدقتها ‪ ،‬وفي البّز صدقتها }‬
‫وقال حماس ‪ :‬مّر بي عمر فقال ‪ :‬أد ّ زكاة مالك ‪.‬‬
‫م أدّ‬ ‫فقلت ‪ :‬ما لي إل ّ جعاب أدم ٍ ‪ .‬فقال ‪ :‬قوّمها ث ّ‬
‫زكاتها ‪ .‬ولنّها معدّة للنّماء بإعداد صاحبها فأشبهت‬
‫سوائم والنّقدين ‪.‬‬ ‫ة كال ّ‬
‫المعد ّ لذلك خلق ً‬
‫شرط الوّل ‪:‬‬ ‫شروط وجوب الّزكاة في العروض ‪ :‬ال ّ‬
‫أن ل يكون لزكاتها سبب آخر غير كونها عروض‬
‫تجارةٍ ‪:‬‬
‫سوائم الّتي للتّجارة ) ‪:‬‬ ‫أ ‪ ( -‬ال ّ‬
‫‪ - 79‬فلو كان لديه سوائم للتّجارة بلغت نصابًا ‪ ،‬فل‬
‫تجتمع زكاتان إجماع ًا ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬ل ثني في‬
‫صدقة } بل يكون فيها زكاة العين عند المالكيّة‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة في الجديد ‪ ،‬كأن كان عنده خمس من‬ ‫وال ّ‬
‫البل للتّجارة ففيها شاة ‪ ،‬ول تعتبر القيمة ‪ ،‬فإن‬
‫س فإنّها تقوّم فإن بلغت نصابًا‬ ‫ل من خم ٍ‬ ‫كانت أق ّ‬
‫من الثمان وجبت فيها زكاة القيمة ‪ .‬وإنّما قدّموا‬
‫ن زكاة العين أقوى‬ ‫زكاة العين على زكاة التّجارة ل ّ‬
‫ثبوتًا لنعقاد الجماع عليها ‪ ،‬واختصاص العين بها ‪،‬‬
‫فكانت أولى ‪ .‬وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّها‬
‫ظ للمساكين ; لنّها تجب‬ ‫تزكّى زكاة التّجارة لنّها أح ّ‬
‫فيما زاد بالحساب ‪ ،‬لكن قال الحنابلة ‪ :‬إن بلغت‬
‫عنده نصاب سائمةٍ ولم تبلغ قيمته نصابًا من الثمان‬
‫سائمة ‪ ،‬كمن‬ ‫فل تسقط الّزكاة ‪ ،‬بل تجب زكاة ال ّ‬
‫عنده خمس من البل للتّجارة لم تبلغ قيمتها مائتي‬
‫درهم ٍ ‪ ،‬ففيها شاة ‪ .‬ونظير هذا عند الفقهاء غلّة مال‬
‫ما تجب فيه الّزكاة إن‬ ‫التّجارة ‪ ،‬كأن يكون ثمًرا م ّ‬
‫شجر للتّجارة ‪.‬‬ ‫كان ال ّ‬

‫‪199‬‬
‫ضيّة الّتي‬‫ي والمصنوعات الذ ّهبيّة والف ّ‬ ‫ب ‪ -‬الحل ّ‬
‫للتّجارة ‪:‬‬
‫ضة إن كانت‬ ‫ما المصوغات من الذ ّهب والف ّ‬ ‫‪ - 80‬أ ّ‬
‫للتّجارة ‪ ،‬فقد ذهب المالكيّة إلى أنّه ليس فيها زكاة‬
‫ب بالوزن ‪ ،‬ولو زادت قيمتها‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫إن كانت أق ّ‬
‫صنعة ‪ ،‬ويزكّى على‬ ‫ب بسبب الجودة أو ال ّ‬ ‫عن نصا ٍ‬
‫ضا لما فيه من الجواهر‬ ‫شاملة أي ً‬‫أساس القيمة ال ّ‬
‫صناعة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما الحنابلة فقد صّرحوا بأ ّ‬ ‫صعة ‪ .‬أ ّ‬ ‫المر ّ‬
‫ما‬
‫المحّرمة ل تقوّم لعدم العتداد بها شرعًا ‪ ،‬أ ّ‬
‫ي‬‫صنعة المباحة فتدخل في التّقويم إن كان الحل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫للتّجارة ‪ ،‬ويعتبر النّصاب بالقيمة كسائر أموال‬
‫التّجارة ‪ ،‬ويقوّم بنقد ٍ آخر من غير جنسه ‪ ،‬فإن كان‬
‫ضةٍ ‪ ،‬وبالعكس ‪ ،‬إن كان تقويمه‬ ‫ب قوّم بف ّ‬ ‫من ذه ٍ‬
‫ظ للفقراء ‪ ،‬أو نقص عن نصابه ‪،‬‬ ‫بنقد ٍ آخر أح ّ‬
‫ما )‬‫ضةٍ لتجارةٍ زنتها ( مائة وتسعون دره ً‬ ‫كخواتم ف ّ‬
‫وقيمتها ( عشرون ) مثقاًل ذهبًا ‪ ،‬فيزكّيها بربع عشر‬
‫قيمتها ‪ ،‬فإن كان وزنها ( مائتي ) درهم ٍ ‪ ،‬وقيمتها‬
‫تسعة عشر مثقاًل وجب أن ل تقوّم ‪ ،‬وأخرج ربع‬
‫ن مذهب‬ ‫عشرها ‪ .‬ويظهر من كلم ابن عابدين أ ّ‬
‫ي والمصنوع من النّقدين‬ ‫ن العبرة في الحل ّ‬ ‫الحنفيّة أ ّ‬
‫بالوزن من حيث النّصاب ومن حيث قدر المخرج ‪،‬‬
‫مدٍ النفع‬ ‫وعند زفر المعتبر القيمة ‪ ،‬وعند مح ّ‬
‫ضة‬
‫شافعيّة في مصوغ الذ ّهب والف ّ‬ ‫للفقراء ‪ .‬وعند ال ّ‬
‫الّذي للتّجارة هل يزكّى زكاة العين أو زكاة القيمة‬
‫قولن ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الراضي الّزراعيّة الّتي للتّجارة وما يخرج منها ‪:‬‬
‫‪ - 81‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه تجب الّزكاة في الخارج‬
‫من الرض الّزراعيّة من ثمرٍ أو زرٍع ‪ ،‬ول يجب‬
‫الّزكاة في قيمة الرض العشريّة ولو كانت للتّجارة ‪،‬‬

‫‪200‬‬
‫وهذا إن كان قد زرع الرض العشريّة فعًل ووجب‬
‫فيها العشر ; لئل ّ يجتمع حّقان للّه تعالى في ما ٍ‬
‫ل‬
‫واحد ٍ ‪ .‬فإن لم يزرعها تجب زكاة التّجارة فيها لعدم‬
‫وجوب العشر ‪ ،‬فلم يوجد المانع ‪ ،‬بخلف الخراج‬
‫الموظّف فإنّه يجب فيها ولو عطّلت أي لنّه كالجرة‬
‫شافعيّة والحنابلة فيجب زكاة‬ ‫ما عند المالكيّة وال ّ‬ ‫‪.‬أ ّ‬
‫م‬
‫ل‪.‬ث ّ‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫رقبة الرض كسائر عروض التّجارة بك ّ‬
‫اختلف الجمهور في كيفيّة تزكية الغلّة ‪ .‬فمذهب‬
‫ن النّاتج من الرض الّزراعيّة الّتي للتّجارة‬ ‫المالكيّة أ ّ‬
‫ل زكاة في قيمته في عامه اتّفاقًا إن كانت قد‬
‫وجبت فيه زكاة النّبات ‪ ،‬فإن لم تكن فيه لنقصه عن‬
‫نصاب الّزرع أو الثّمر ‪ ،‬تجب فيه زكاة التّجارة ‪،‬‬
‫شافعيّة‬‫وكذا في عامه الثّاني وما بعده ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫ح عندهم والقاضي من الحنابلة ‪ :‬يزكّى‬ ‫على الص ّ‬
‫الجميع زكاة القيمة ‪ ،‬لنّه كلّه مال تجارةٍ ‪ ،‬فتجب‬
‫سائمة المعدّة للتّجارة ‪ .‬قال‬ ‫فيه زكاة التّجارة ‪ ،‬كال ّ‬
‫ضا والغصان والوراق‬ ‫شافعيّة ‪ :‬ويزكّى التّبن أي ً‬ ‫ال ّ‬
‫وغيرها إن كان لها قيمة ‪ ،‬كسائر مال التّجارة ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة وأبو ثورٍ إلى أنّه يجتمع في العشريّة‬
‫ن زكاة التّجارة في‬ ‫العشر وزكاة التّجارة ‪ ،‬ل ّ‬
‫القيمة ‪ ،‬والعشر في الخارج ‪ ،‬فلم يجتمعا في شيءٍ‬
‫ظ للفقراء من‬ ‫ن زكاة العشر في الغلّة أح ّ‬ ‫واحد ٍ ; ول ّ‬
‫زكاة التّجارة فإنّها ربع العشر ‪ ،‬ومن هنا فارقت‬
‫سوم‬ ‫ن زكاة ال ّ‬ ‫سائمة المتّجر بها ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫عندهم زكاة ال ّ‬
‫ل من زكاة التّجارة ‪.‬‬ ‫أق ّ‬
‫شرط الثّاني ‪ :‬تملّك العرض بمعاوضةٍ ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 82‬يشترط أن يكون قد تملّك العرض بمعاوضةٍ‬
‫ل ‪ ،‬وكذا‬ ‫ج ٍ‬‫ل أو مؤ ّ‬ ‫ن حا ٍّ‬
‫ض أو بدي ٍ‬‫كشراءٍ بنقدٍ أو عر ٍ‬
‫لو كان مهًرا أو عوض خلٍع ‪ .‬وهذا مذهب المالكيّة‬

‫‪201‬‬
‫ث أو بهبةٍ أو‬ ‫مدٍ ‪ ،‬فلو ملكه بإر ٍ‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬ومح ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ب واستغلل أرضه بالّزراعة‬ ‫ب أو استرداد ٍ بعي ٍ‬ ‫احتطا ٍ‬
‫ن التّجارة كسب‬ ‫أو نحو ذلك فل زكاة فيه ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫ل هو مال ‪ ،‬وقبول الهبة مثًل اكتساب بغير‬ ‫المال ببد ٍ‬
‫ن‬
‫حأ ّ‬ ‫شافعيّة في مقابل الص ّ‬ ‫ل أصًل ‪ .‬وعند ال ّ‬ ‫بد ٍ‬
‫المهر وعوض الخلع ل يزكّيان زكاة التّجارة ‪ .‬وقال‬
‫شرط أن يكون قد ملكه‬ ‫الحنابلة وأبو يوسف ‪ :‬ال ّ‬
‫بفعله ‪ ،‬سواء كان بمعاوضةٍ أو غيرها من أفعاله ‪،‬‬
‫كالحتطاب وقبول الهبة ‪ ،‬فإن دخل في ملكه بغير‬
‫ي حول التّعريف في‬ ‫فعله ‪ ،‬كالموروث ‪ ،‬أو مض ّ‬
‫ة عن أحمد ‪ :‬ل‬ ‫اللّقطة ‪ ،‬فل زكاة فيه ‪ .‬وفي رواي ٍ‬
‫يعتبر أن يملك العرض بفعله ‪ ،‬ول أن يكون في‬
‫ض نواه للتّجارة كان لها ‪،‬‬ ‫ض ‪ ،‬بل أيّ عر ٍ‬ ‫مقابلة عو ٍ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫لحديث سمرة ‪ { :‬أمرنا النّب ّ‬
‫صدقة من الّذي نعد ّ للبيع } ‪.‬‬ ‫أن نخرج ال ّ‬
‫شرط الثّالث ‪ :‬نيّة التّجارة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 83‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في زكاة مال‬
‫التّجارة أن يكون قد نوى عند شرائه أو تملّكه أنّه‬
‫ة‬
‫للتّجارة ‪ ،‬والنّيّة المعتبرة هي ما كانت مقارن ً‬
‫ن التّجارة عمل فيحتاج إلى‬ ‫لدخوله في ملكه ; ل ّ‬
‫م نواه للتّجارة لم‬ ‫النّيّة مع العمل ‪ ،‬فلو ملكه للقنية ث ّ‬
‫م نواه للقنية وأن ل‬ ‫يصر لها ‪ ،‬ولو ملك للتّجارة ث ّ‬
‫ًّ‬
‫يكون للتّجارة صار للقنية ‪ ،‬وخرج عن أن يكون محل‬
‫ن ترك التّجارة ‪ ،‬من‬ ‫للّزكاة ولو عاد فنواه للتّجارة ل ّ‬
‫صوم ‪.‬‬ ‫قبيل التّروك ‪ ،‬والتّرك يكتفى فيه بالنّيّة كال ّ‬
‫ن النّيّة سبب ضعيف تنقل إلى‬ ‫ي ‪ :‬ول ّ‬‫قال الدّسوق ّ‬
‫الصل ول تنقل عنه ‪ ،‬والصل في العروض القنية ‪.‬‬
‫ما لم تكن العروض للتّجارة‬ ‫وقال ابن الهمام ‪ :‬ل ّ‬
‫ة فل تصير لها إل ّ بقصدها فيه ‪ .‬واستثنى الحنفيّة‬ ‫خلق ً‬

‫‪202‬‬
‫ما يحتاج للنّيّة ما يشتريه المضارب ‪ ،‬فإنّه يكون‬ ‫م ّ‬
‫للتّجارة مطلًقا ; لنّه ل يملك بمال المضاربة غير‬
‫المتاجرة به ‪ .‬ولو أنّه آجر داره المشتراة للتّجارة‬
‫ض ‪ ،‬فعند بعض الحنفيّة ل يكون العرض للتّجارة‬ ‫بعر ٍ‬
‫إل ّ بنيّتها ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬هو للتّجارة بغير نيّةٍ ‪ .‬قال‬
‫المالكيّة ‪ :‬ولو قرن بنيّة التّجارة نيّة استغلل العرض‬
‫حا‬
‫‪ ،‬بأن ينوي عند شرائه أن يكريه وإن وجد رب ً‬
‫جح عندهم ‪ ،‬وكذا لو‬ ‫باعه ‪ ،‬ففيه الّزكاة على المر ّ‬
‫شيء‬ ‫نوى مع التّجارة القنية بأن ينوي النتفاع بال ّ‬
‫حا‬ ‫م إن وجد رب ً‬ ‫كركوب الدّابّة أو سكنى المنزل ث ّ‬
‫باعه ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن ملكه للقنية فقط ‪ ،‬أو للغلّة فقط‬
‫أو لهما ‪ ،‬أو بل نيّةٍ أصًل فل زكاة عليه ‪.‬‬
‫شرط الّرابع ‪ :‬بلوغ النّصاب ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ب أو‬ ‫‪ - 84‬ونصاب العروض بالقيمة ‪ ،‬ويقوّم بذه ٍ‬
‫ضةٍ ‪ ،‬فل زكاة في ما يملكه النسان من العروض‬ ‫ف ّ‬
‫ل من نصاب الّزكاة في الذ ّهب أو‬ ‫إن كانت قيمتها أق ّ‬
‫ضة‬ ‫ضة ‪ ،‬ما لم يكن عنده من الذ ّهب أو الف ّ‬ ‫الف ّ‬
‫م العروض بعضها إلى‬ ‫ب ‪ .‬وتض ّ‬‫نصاب أو تكملة نصا ٍ‬
‫ض في تكميل النّصاب وإن اختلفت أجناسها ‪.‬‬ ‫بع ٍ‬
‫واختلف الفقهاء فيما تقوّم به عروض التّجارة ‪:‬‬
‫ضة ‪ .‬فذهب الحنابلة وأبو حنيفة في‬ ‫بالذ ّهب أم بالف ّ‬
‫ظ‬‫روايةٍ عنه عليها المذهب ‪ ،‬إلى أنّها تقوّم بالح ّ‬
‫للفقراء ‪ ،‬فإن كان إذا قوّمها بأحدهما ل تبلغ نصابًا‬
‫وبالخر تبلغ نصابًا تعيّن عليه التّقويم بما يبلغ نصابًا ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة في روايةٍ عنه ‪ :‬يخيّر المالك فيما‬
‫ن الثّمنين في تقدير قيم الشياء بهما‬ ‫يقوّم به ل ّ‬
‫شافعيّة وأبو يوسف ‪ :‬يقوّمها بما‬ ‫سواء ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫ض قوّمها‬ ‫اشترى به من النّقدين ‪ ،‬وإن اشتراها بعر ٍ‬
‫مد ‪ :‬يقوّمها بالنّقد‬ ‫بالنّقد الغالب في البلد ‪ ،‬وقال مح ّ‬

‫‪203‬‬
‫ل كما في المغصوب والمستهلك‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫الغالب على ك ّ‬
‫سلع ‪،‬‬ ‫ضا لما تقوّم به ال ّ‬ ‫‪ .‬ولم نجد عند المالكيّة تعّر ً‬
‫مع أنّهم قالوا ‪ :‬إنّها ل زكاة فيها ما لم تبلغ نصابًا‬
‫‪ .‬نقص قيمة التّجارة في الحول عن النّصاب ‪:‬‬
‫شافعيّة على القول‬ ‫‪ - 85‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ن المعتبر في وجوب الّزكاة القيمة‬ ‫المنصوص إلى أ ّ‬
‫في آخر الحول ‪ ،‬فلو كانت قيمة العروض في أوّل‬
‫م بلغت في آخر الحول‬ ‫بث ّ‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫الحول أق ّ‬
‫نصابًا وجبت فيها الّزكاة ‪ ،‬وهذا خلفًا لزكاة العين فل‬
‫بد ّ فيها عندهم من وجود النّصاب في الحول كلّه ‪.‬‬
‫ن العتبار في العروض بالقيمة ‪ ،‬ويعسر‬ ‫قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫ت لضطراب السعار ارتفاعًا‬ ‫ل وق ٍ‬ ‫مراعاتها ك ّ‬
‫ضا فاكتفي باعتبارها في وقت الوجوب ‪ ،‬قال‬ ‫وانخفا ً‬
‫ل من‬ ‫م الحول وقيمة العرض أق ّ‬ ‫شافعيّة ‪ :‬فلو ت ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ب فإنّه يبطل الحول الوّل ويبتدئ حول جديد ‪.‬‬ ‫نصا ٍ‬
‫شافعيّة ‪ :‬المعتبر‬ ‫ن لل ّ‬ ‫وقال الحنفيّة وهو قول ثا ٍ‬
‫ن التّقويم يشقّ في جميع الحول‬ ‫طرفا الحول ‪ ،‬ل ّ‬
‫فاعتبر أوّله للنعقاد وتحّقق الغنى ‪ ،‬وآخره‬
‫ل في أثناء الحول‬ ‫للوجوب ‪ ،‬ولو انعدم بهلك الك ّ‬
‫بطل حكم الحول ‪ .‬وقال الحنابلة وهو قول ثالث‬
‫ل الحول كما في النّقدين ‪ ،‬فلو‬ ‫شافعيّة ‪ :‬المعتبر ك ّ‬ ‫لل ّ‬
‫نقصت القيمة في أثناء الحول لم تجب الّزكاة ‪ ،‬ولو‬
‫ب‬
‫ل من نصا ٍ‬ ‫كانت قيمة العرض من حين ملكه أق ّ‬
‫م قيمته نصابًا ‪،‬‬‫فل ينعقد الحول عليه حتّى تت ّ‬
‫والّزيادة معتبرة سواء كانت بارتفاع السعار ‪ ،‬أو‬
‫ضا‬
‫ب ‪ ،‬أو ملك عر ً‬ ‫بنماء العرض ‪ ،‬أو بأن باعها بنصا ٍ‬
‫مل بها النّصاب ‪.‬‬ ‫آخر أو أثمانًا ك ّ‬
‫شرط الخامس ‪ :‬الحول ‪:‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪204‬‬
‫‪ - 86‬والمراد أن يحول الحول على عروض التّجارة ‪،‬‬
‫فما لم يحل عليها الحول فل زكاة فيها ‪ ،‬وهذا إن‬
‫ملكها بغير معاوضةٍ ‪ ،‬أو بمعاوضةٍ غير ماليّةٍ كالخلع ‪،‬‬
‫ما إن‬ ‫عند من قال بذلك ‪ ،‬أو اشتراها بعرض قنيةٍ ‪ ،‬أ ّ‬
‫ض تجارةٍ آخر ‪ ،‬فإنّه‬ ‫ل من الثمان أو بعر ٍ‬ ‫اشتراها بما ٍ‬
‫ن مال التّجارة‬ ‫يبني حول الثّاني على حول الوّل ; ل ّ‬
‫تتعلّق الّزكاة بقيمته ‪ ،‬وقيمته هي الثمان نفسها ;‬
‫ن النّماء في التّجارة يكون بالتّقليب ‪ .‬فإن أبدل‬ ‫ول ّ‬
‫ض قنيةٍ أو بسائمةٍ لم يقصد بها‬ ‫عرض التّجارة بعر ٍ‬
‫ن حول زكاة التّجارة ينقطع ‪ .‬وربح‬ ‫التّجارة فإ ّ‬
‫م إلى الصل فيزكّي الصل‬ ‫التّجارة في الحول يض ّ‬
‫والّربح عند آخر الحول ‪ .‬فإذا حال الحول وجب على‬
‫المالك تقويم عروضه وإخراج زكاتها عند الجمهور ‪،‬‬
‫ك تفصيل بين المحتكر لتجارته والمدير لها‬ ‫ولمال ٍ‬
‫شرط التّالي ‪.‬‬ ‫يأتي تفصيله في ال ّ‬
‫سلع ‪:‬‬‫سادس ‪ :‬تقويم ال ّ‬ ‫شرط ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما أن يكون محتكًرا أو‬ ‫ن التّاجر إ ّ‬
‫‪ - 87‬يرى المالكيّة أ ّ‬
‫مديًرا ‪ ،‬والمحتكر هو الّذي يرصد بسلعه السواق‬
‫سعر‬ ‫وارتفاع السعار ‪ ،‬والمدير هو من يبيع بال ّ‬
‫م يخلفه بغيره وهكذا ‪ ،‬كالبّقال ونحوه ‪.‬‬ ‫الحاضر ث ّ‬
‫ب‬‫فالمحتكر يشترط لوجوب الّزكاة عليه أن يبيع بذه ٍ‬
‫ت ‪ ،‬وبعد أن يكمل‬ ‫ضةٍ يبلغ نصابًا ‪ ،‬ولو في مّرا ٍ‬ ‫أو ف ّ‬
‫ما باع به نصابًا يزكّيه ويزكّي ما باع به بعد ذلك وإن‬
‫م باعه‬ ‫ل ‪ ،‬فلو أقام العرض عنده سنين فلم يبع ث ّ‬ ‫ق ّ‬
‫فليس عليه فيه إل ّ زكاة عام ٍ واحدٍ يزكّي ذلك المال‬
‫ما المدير فل زكاة عليه حتّى يبيع‬ ‫الّذي يقبضه ‪ .‬أ ّ‬
‫ل ‪ ،‬كدرهم ٍ ‪ ،‬وعلى المدير الّذي باع ولو‬ ‫بشيءٍ ولو ق ّ‬
‫ل ويزكّي‬ ‫ل حو ٍ‬ ‫بدرهم ٍ أن يقوّم عروض تجارته آخر ك ّ‬
‫القيمة ‪ ،‬كما يزكّي النّقد ‪ .‬وإنّما فّرق مالك بين‬

‫‪205‬‬
‫ن الّزكاة شرعت في الموال‬ ‫المدير والمحتكر ل ّ‬
‫ل عام ٍ ‪ -‬وقد تكون‬ ‫سلعة ك ّ‬‫النّامية ‪ ،‬فلو زكّى ال ّ‬
‫كاسدةً ‪ -‬نقصت عن شرائها ‪ ،‬فيتضّرر ‪ ،‬فإذا زكّيت‬
‫عند البيع فإن كانت ربحت فالّربح كان كامنًا فيها‬
‫فيخرج زكاته ; ولنّه ليس على المالك أن يخرج‬
‫سلع‬
‫ن تقويم ال ّ‬ ‫ل آخر ‪ .‬وبهذا يتبيّن أ ّ‬ ‫ل من ما ٍ‬ ‫زكاة ما ٍ‬
‫ة دون التّاجر‬ ‫ص ً‬
‫عند المالكيّة هو للتّاجر المدير خا ّ‬
‫ل زكاة‬ ‫ل حو ٍ‬ ‫ن المحتكر ليس عليه لك ّ‬ ‫المحتكر ‪ ،‬وأ ّ‬
‫فيما احتكره بل يزكّيه لعام ٍ واحدٍ عند بيعه وقبض‬
‫ن المحتكر كغيره ‪،‬‬ ‫ما عند سائر العلماء فإ ّ‬ ‫ثمنه ‪ .‬أ ّ‬
‫ل زكاة ‪.‬‬ ‫ل حو ٍ‬ ‫عليه لك ّ‬
‫كيفيّة التّقويم والحساب في زكاة التّجارة ‪:‬‬
‫سلع وما ل يقوّم ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬ما يقوّم من ال ّ‬
‫‪ - 88‬الّذي يقوّم من العروض هو ما يراد بيعه دون‬
‫سلع ل‬ ‫ما ل يعد ّ للبيع ‪ ،‬فالّرفوف الّتي يضع عليها ال ّ‬
‫ن تاجر‬ ‫ما ذكره الحنفيّة من ذلك أ ّ‬ ‫زكاة فيها ‪ .‬وم ّ‬
‫ب إن اشترى لها مقاود أو براذع ‪ ،‬فإن كان‬ ‫الدّوا ّ‬
‫يبيع هذه الشياء معها ففيها الّزكاة ‪ ،‬وإن كانت‬
‫ب بها فل زكاة فيها ‪ .‬وكذلك العطّار لو‬ ‫لحفظ الدّوا ّ‬
‫اشترى قوارير ‪ ،‬فما كان من القوارير لحفظ العطر‬
‫عند التّاجر فل زكاة فيها ‪ ،‬وما كان يوضع فيها العطر‬
‫للمشتري ففيها الّزكاة ‪ .‬ومواد ّ الوقود كالحطب ‪،‬‬
‫صابون ونحوه الّتي‬ ‫ونحوه ‪ ،‬ومواد ّ التّنظيف كال ّ‬
‫صانع ليستهلكها في صناعته ل ليبيعها فل‬ ‫أعدّها ال ّ‬
‫ب‬‫زكاة فيما لديه منها ‪ ،‬والمواد ّ الّتي لتغذية دوا ّ‬
‫التّجارة ل تجب فيها الّزكاة ‪ .‬وذكر المالكيّة أنّه ل‬
‫زكاة في الواني الّتي تدار فيها البضائع ‪ ،‬ول اللت‬
‫سلع ‪ ،‬والبل الّتي تحملها ‪ ،‬إل ّ أن‬ ‫الّتي تصنع بها ال ّ‬
‫ن الموا ّد‬ ‫شافعيّة أ ّ‬‫تجب الّزكاة في عينها ‪ .‬وذكر ال ّ‬

‫‪206‬‬
‫صباغة أو الدّباغة ‪ ،‬والدّهن للجلود ‪ ،‬فيها‬ ‫الّتي لل ّ‬
‫صابون للغسل فل‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬بخلف الملح للعجين أو ال ّ‬
‫زكاة فيهما لهلك العين ‪ ،‬وذكر الحنابلة نحو ذلك ‪.‬‬
‫صنعة في المواد ّ الّتي يقوّم صاحبها‬ ‫ب ‪ -‬تقويم ال ّ‬
‫بتصنيعها ‪:‬‬
‫‪ - 89‬المواد ّ الخام الّتي اشتراها المالك وقام‬
‫بتصنيعها يستفاد من كلم المالكيّة أنّها تقوّم على‬
‫الحال الّتي اشتراها عليها صاحبها ‪ ،‬أي قبل‬
‫تصنيعها ‪ ،‬وذلك بيّن ‪ ،‬على قول من يشترط في‬
‫وجوب الّزكاة في العروض أن يملكها بمعاوضةٍ ;‬
‫ص‬
‫ة بل بفعله ‪ .‬ون ّ‬ ‫ن هذا قد ملكها بغير معاوض ٍ‬ ‫ل ّ‬
‫صنّاع يزكّون ما حال على‬ ‫ن ال ّ‬
‫ي " الحكم أ ّ‬ ‫البنان ّ‬
‫أصله الحول من مصنوعاتهم إذا كان نصابًا ول‬
‫ب ‪ :‬لنّها فوائد‬‫يقوّمون صناعتهم " قال ابن ل ٍّ‬
‫كسبهم استفادوها وقت بيعهم ‪.‬‬
‫سعر الّذي تقوّم به ال ّ‬
‫سلع ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن عروض التّجارة يقوّمها المالك‬ ‫‪ - 90‬صّرح الحنفيّة أ ّ‬
‫على أساس سعر البلد الّذي فيه المال ‪ ،‬وليس‬
‫من له بالمال علقة ‪،‬‬ ‫الّذي فيه المالك ‪ ،‬أو غيره م ّ‬
‫ولو كان في مفازةٍ تعتبر قيمته في أقرب المصار ‪.‬‬
‫وتعتبر القيمة يوم الوجوب في قول أبي حنيفة لنّه‬
‫في الصل بالخيار بين الخراج من العين وأداء‬
‫القيمة ‪ ،‬ويجبر المصدّق على قبولها ‪ ،‬فيستند إلى‬
‫وقت ثبوت الخيار وهو وقت الوجوب ‪ .‬وقال‬
‫ن الواجب‬ ‫صاحبان ‪ :‬المعتبر القيمة يوم الداء ; ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫عندهما جزء من العين ‪ ،‬وله ولية منعها إلى‬
‫القيمة ‪ ،‬فتعتبر يوم المنع كما في الوديعة ‪.‬‬
‫سعر المقدّر ‪:‬‬ ‫زيادة سعر البيع عن ال ّ‬

‫‪207‬‬
‫ة لجل الّزكاة وأخرجها على‬ ‫قوم سلع ً‬ ‫‪ - 91‬إن ّ‬
‫ما باعها زاد ثمنها على القيمة ‪ ،‬فقد‬ ‫أساس ذلك ‪ ،‬فل ّ‬
‫صّرح المالكيّة بأنّه ل زكاة في هذه الّزيادة بل هي‬
‫سوق ‪ ،‬أو لرغبة‬ ‫ملغاة ; لحتمال ارتفاع سعر ال ّ‬
‫ما لو تحّقق أنّه غلط في التّقويم فإنّها‬ ‫المشتري ‪ ،‬أ ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫ل تلغى لظهور الخطأ قطعًا ‪ .‬وكذا صّرح ال ّ‬
‫ن الّزيادة عن التّقويم ل زكاة فيها عن الحول‬ ‫بأ ّ‬
‫سابق ‪.‬‬‫ال ّ‬
‫سلع البائرة ‪:‬‬ ‫التّقويم لل ّ‬
‫‪ - 92‬مقتضى مذهب الجمهور أنّه ل فرق في التّقويم‬
‫ما المالكيّة فقد ذكروا‬ ‫سلع البائرة وغيرها ‪ .‬أ ّ‬ ‫‪ ،‬بين ال ّ‬
‫سلع الّتي لدى التّاجر المدير إذا بارت فإنّه‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫مت‬ ‫يدخلها في التّقويم ويؤدّي زكاتها ك ّ‬
‫ل عام ٍ إذا ت ّ‬
‫ن بوارها ل ينقلها للقنية ول للحتكار ‪،‬‬ ‫شروط ; ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وهذا هو المشهور عندهم وهو قول ابن القاسم ‪.‬‬
‫سلع إذا بارت‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب ابن نافٍع وسحنون إلى أ ّ‬
‫ي وابن يونس الخلف‬ ‫ص اللّخم ّ‬‫تنتقل للحتكار ‪ ،‬وخ ّ‬
‫ما إذا بار النّصف أو الكثر فل‬ ‫ل‪،‬أ ّ‬ ‫بما إذا بار الق ّ‬
‫يقوّم اتّفاقًا عندهم ‪ ،‬ومقتضى ذلك أن ل زكاة فيها‬
‫م كلّما باع شيئًا زكّاه‬ ‫ب فيزكّيه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫إل ّ إذا باع قدر نصا ٍ‬
‫كما تقدّم ‪.‬‬
‫سلع المشتراة الّتي لم يدفع التّاجر ثمنها ‪:‬‬ ‫التّقويم لل ّ‬
‫ن التّاجر المدير ل يقوّم ‪-‬‬ ‫‪ - 93‬ذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫لجل الّزكاة ‪ -‬من سلعه إل ّ ما دفع ثمنه ‪ ،‬أو حال‬
‫عليه الحول عنده وإن لم يدفع ثمنه ‪ ،‬وحكمه في ما‬
‫ما‬
‫لم يدفع ثمنه حكم من عليه دين وبيده مال ‪ .‬وأ ّ‬
‫ما لم يدفع ثمنه ولم يحل عليه الحول عنده فل زكاة‬
‫عليه فيه ‪ ،‬ول يسقط عنه من زكاة ما حال حوله‬
‫عنده شيء بسبب دين ثمن هذا العرض الّذي لم‬

‫‪208‬‬
‫يحل حوله عنده ‪ ،‬إن لم يكن عنده ما يجعله في‬
‫مقابلته ‪.‬‬
‫تقويم دين التّاجر النّاشئ عن التّجارة ‪:‬‬
‫‪ - 94‬ما كان للتّاجر من الدّين المرجوّ إن كان سلعًا‬
‫ة ‪ -‬أي من غير النّقدين ‪ -‬فإنّه عند المالكيّة إن‬ ‫عيني ّ ً‬
‫ل ‪ ،‬ولو كان‬ ‫كان مديًرا ‪ -‬ل محتكًرا ‪ -‬يقوّمه بنقدٍ حا ٍّ‬
‫الدّين طعام سلم ٍ ‪ ،‬ول يضّر تقويمه لنّه ليس بيعًا له‬
‫حتّى يؤدّي إلى بيع الطّعام قبل قبضه ‪ .‬وإن كان‬
‫جًل ‪ ،‬فإنّه‬ ‫الدّين المرجوّ من أحد النّقدين وكان مؤ ّ‬
‫ل ‪ ،‬فيزكّي‬ ‫م يقوّم العرض بنقدٍ حا ٍّ‬ ‫ض‪،‬ث ّ‬ ‫يقوّمه بعر ٍ‬
‫تلك القيمة لنّها الّتي تملك لو قام على المدين‬
‫ما الدّين غير المرجوّ فل يقوّمه ليزكّيه‬ ‫غرماؤه ‪ .‬أ ّ‬
‫ما عند‬ ‫حتّى يقبضه ‪ ،‬فإن قبضه زكّاه لعام ٍ واحدٍ ‪ .‬وأ ّ‬
‫الجمهور فلم يذكروا هذه الطّريقة ‪ ،‬فالظّاهر عندهم‬
‫جل يحسب للّزكاة بكماله إذا كان‬ ‫ن الدّين المؤ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫على مليءٍ مقّرٍ ‪.‬‬
‫إخراج زكاة عروض التّجارة نقدًا أو من أعيان المال‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 95‬الصل في زكاة التّجارة أن يخرجها نقدًا بنسبة‬
‫ربع العشر من قيمتها ‪ ،‬كما تقدّم ‪ ،‬لقول عمر رضي‬
‫م أد ّ زكاتها ‪ .‬فإن أخرج‬ ‫س ‪ :‬قوّمها ث ّ‬ ‫الله عنه لحما ٍ‬
‫زكاة القيمة من أحد النّقدين أجزأ اتّفاقًا ‪ .‬وإن أخرج‬
‫ضا عن العروض فقد اختلف الفقهاء في جواز‬ ‫عرو ً‬
‫ذلك ‪ .‬فقال الحنابلة وهو ظاهر كلم المالكيّة وقول‬
‫ي في الجديد وعليه الفتوى ‪ :‬ل يجزئه ذلك ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن النّصاب معتبر بالقيمة ‪ ،‬فكانت الّزكاة‬ ‫واستدلّوا بأ ّ‬
‫ما كان نصابها معتبًرا‬ ‫ن البقر ل ّ‬ ‫من القيمة ‪ ،‬كما إ ّ‬
‫بأعيانها ‪ ،‬وجبت الّزكاة من أعيانها ‪ ،‬وكذا سائر‬
‫ما عند الحنفيّة وهو قول‬ ‫الموال غير التّجارة ‪ .‬وأ ّ‬

‫‪209‬‬
‫شافعيّة قديم ‪ :‬يتخيّر المالك بين الخراج من‬ ‫ن لل ّ‬ ‫ثا ٍ‬
‫ض بقيمة ما‬ ‫العرض أو من القيمة فيجزئ إخراج عر ٍ‬
‫وجب عليه من زكاة العروض ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪:‬‬
‫وكذلك زكاة غيرها من الموال حتّى النّقدين‬
‫سوم ل للتّجارة ‪ ،‬ويأتي‬ ‫والماشية ولو كانت لل ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫ث لل ّ‬ ‫ل ثال ٍ‬ ‫تفصيل ذلك إن شاء اللّه ‪ .‬وفي قو ٍ‬
‫ن زكاة العروض تخرج منها ل من ثمنها ‪،‬‬ ‫قديم ٍ ‪ :‬أ ّ‬
‫فلو أخرج من الثّمن لم يجزئ ‪.‬‬
‫زكاة مال التّجارة الّذي بيد المضارب ‪:‬‬
‫ن فربح فزكاة‬ ‫ة لنسا ٍ‬ ‫‪ - 96‬من أعطى ماله مضارب ً‬
‫ما الّربح فقد‬ ‫ب المال اتّفاقًا ‪ ،‬أ ّ‬ ‫رأس المال على ر ّ‬
‫ن على المضارب‬ ‫اختلف فيه فظاهر كلم الحنفيّة أ ّ‬
‫م‬
‫صته من الّربح إن ظهر في المال ربح وت ّ‬ ‫زكاة ح ّ‬
‫ن مال القراض‬ ‫نصيبه نصابًا ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫صته من الّربح‬ ‫ب المال رأس ماله وح ّ‬ ‫يزكّي منه ر ّ‬
‫ل عام ٍ ‪ ،‬وهذا إن كان تاجًرا مديًرا ‪ ،‬وكذا إن كان‬ ‫ك ّ‬
‫محتكًرا وكان عامل القراض مديًرا ‪ ،‬وكان ما بيده‬
‫ب المال الكثر ‪ ،‬وما بيد ربّه المحتكر‬ ‫من مال ر ّ‬
‫صته إلّ‬ ‫ما العامل فل يجب عليه زكاة ح ّ‬ ‫ل ‪ .‬وأ ّ‬ ‫الق ّ‬
‫بعد المفاصلة فيزكّيها إذا قبضها لسنةٍ واحدةٍ ‪.‬‬
‫ن زكاة المال‬ ‫شافعيّة على الظهر إلى أ ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫وربحه كلّها على صاحب المال ‪ ،‬فإن أخرجها من‬
‫مال القراض حسبت من الّربح ; لنّها من مئونة‬
‫ن المال ملكه ‪ ،‬ول يملك العامل شيئًا‬ ‫المال وذلك ل ّ‬
‫م القسمة ‪ .‬هذا على‬ ‫ولو ظهر في المال ربح حتّى تت ّ‬
‫ما على القول‬ ‫ن العامل ل يملك بالظّهور ‪ ،‬أ ّ‬ ‫القول بأ ّ‬
‫ن على العامل زكاة‬ ‫بأنّه يملك بالظّهور فالمذهب أ ّ‬
‫ن على صاحب المال‬ ‫صته ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ن نصيب‬ ‫زكاة المال كلّه ما عدا نصيب العامل ; ل ّ‬

‫‪210‬‬
‫ب المال ول تجب على النسان زكاة‬ ‫العامل ليس لر ّ‬
‫مال غيره ‪ .‬ويخرج الّزكاة من المال لنّه من‬
‫مئونته ‪ ،‬وتحسب من الّربح ; لنّه وقاية لرأس المال‬
‫ما العامل فليس عليه زكاة في نصيبه ما لم‬ ‫‪ .‬وأ ّ‬
‫يقتسما ‪ ،‬فإذا اقتسما استأنف العامل حوًل من‬
‫حينئذ ٍ ‪ .‬وقال أبو الخطّاب من الحنابلة ‪ :‬يحتسب من‬
‫حين ظهور الّربح ‪ ،‬ول تجب عليه إخراج زكاته حتّى‬
‫يقبضه ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬زكاة الّزروع والثّمار ‪ :‬ما تجب فيه الّزكاة من‬
‫أجناس النّبات ‪:‬‬
‫ن في التّمر ( ثمر النّخل )‬ ‫‪ - 97‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫شعير‬ ‫والعنب ( ثمر الكرم ) من الثّمار ‪ ،‬والقمح وال ّ‬
‫مت شروطها ‪ .‬وإنّما أجمعوا‬ ‫من الّزروع الّزكاة إذا ت ّ‬
‫صحيحة ‪ ،‬منها‬ ‫على ذلك لما ورد فيها من الحاديث ال ّ‬
‫حديث عبد اللّه بن عمرٍو رضي الله عنهما مرفوعًا ‪:‬‬
‫شعير والتّمر والّزبيب }‬ ‫{ الّزكاة في الحنطة وال ّ‬
‫ظ { العشر في التّمر والّزبيب والحنطة‬ ‫وفي لف ٍ‬
‫شعير } ومنها حديث عمر بن الخطّاب رضي الله‬ ‫وال ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫عنه قال ‪ { :‬إنّما س ّ‬
‫شعير‬ ‫وسلم الّزكاة في هذه الربعة الحنطة وال ّ‬
‫والّزبيب والتّمر } وعن أبي بردة عن أبي موسى‬
‫ن رسول اللّه‬ ‫ومعاذ ٍ رضي الله عنهم أجمعين { أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن يعلّمان‬
‫صدقة إلّ‬ ‫النّاس أمر دينهم ‪ ،‬فأمرهم أن ل يأخذوا ال ّ‬
‫شعير والتّمر‬‫من هذه الربعة ‪ :‬الحنطة وال ّ‬
‫م اختلف العلماء في ما عدا هذه‬ ‫والّزبيب } ‪ - 98 .‬ث ّ‬
‫ن الّزكاة‬ ‫الصناف الربعة ‪ :‬فذهب أبو حنيفة إلى أ ّ‬
‫ل ما يقصد بزراعته استنماء الرض ‪ ،‬من‬ ‫تجب في ك ّ‬
‫الثّمار والحبوب والخضراوات والبازير وغيرها م ّ‬
‫ما‬

‫‪211‬‬
‫يقصد به استغلل الرض ‪ ،‬دون ما ل يقصد به ذلك‬
‫عادة ً كالحطب والحشيش والقصب ( أي القصب‬
‫سكّر ) والتّبن وشجر‬ ‫ي بخلف قصب ال ّ‬ ‫الفارس ّ‬
‫القطن والباذنجان وبذر البطّيخ والبذور الّتي للدوية‬
‫شونيز ‪ ،‬لكن لو قصد بشيءٍ من هذه‬ ‫كالحلبة وال ّ‬
‫النواع كلّها أن يشغل أرضه بها لجل الستنماء‬
‫ج بقول‬ ‫وجبت الّزكاة ‪ ،‬فالمدار على القصد ‪ .‬واحت ّ‬
‫سماء‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬فيما سقت ال ّ‬ ‫النّب ّ‬
‫م فيؤخذ على‬ ‫أو كان عثريًّا العشر } ‪ .‬فإنّه عا ّ‬
‫عمومه ‪ ،‬ولنّه يقصد بزراعته نماء الرض واستغللها‬
‫ن‬
‫ب ‪ .‬وذهب صاحبا أبي حنيفة إلى أ ّ‬ ‫فأشبه الح ّ‬
‫الّزكاة ل تجب إل ّ فيما له ثمرة باقية حوًل ‪ .‬وذهب‬
‫المالكيّة إلى التّفريق بين الثّمار والحبوب ‪ ،‬فأ ّ‬
‫ما‬
‫س منها زكاة غير التّمر‬ ‫أي جن ٍ‬‫الثّمار فل يؤخذ من ّ‬
‫شعير‬ ‫ما الحبوب ‪ ،‬فيؤخذ من الحنطة وال ّ‬ ‫والعنب ‪ ،‬وأ ّ‬
‫سلت والذ ّرة والدّخن والرز والعلس ‪ ،‬ومن‬ ‫وال ّ‬
‫مص والفول والعدس واللّوبيا‬ ‫سبعة الح ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫القطان ّ‬
‫والتّرمس والجلبّان والبسيلة ‪ ،‬وذوات الّزيوت الربع‬
‫ب الفجل ‪ .‬فهي‬ ‫سمسم والقرطم وح ّ‬ ‫الّزيتون وال ّ‬
‫سا ‪ ،‬ل يؤخذ من شيءٍ سواها زكاة‬ ‫كلّها عشرون جن ً‬
‫ن الّزكاة ل تجب في شيءٍ‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫من الّزروع والثّمار إل ّ ما كان قوتًا ‪ .‬والقوت هو ما‬
‫ما أو تداويًا ‪،‬‬ ‫به يعيش البدن غالبًا دون ما يؤكل تنعّ ً‬
‫ة‪،‬‬‫ص ً‬ ‫فتجب الّزكاة من الثّمار في العنب والتّمر خا ّ‬
‫شعير والرز والعدس‬ ‫ومن الحبوب في الحنطة وال ّ‬
‫مص والباقلء ‪،‬‬ ‫وسائر ما يقتات اختياًرا كالذ ّرة والح ّ‬
‫سمسم والتّين والجوز واللّوز‬ ‫ول تجب في ال ّ‬
‫مان والتّّفاح ونحوها والّزعفران والورس‬ ‫والّر ّ‬
‫والقرطم ‪ .‬وذهب أحمد في روايةٍ عليها المذهب‬

‫‪212‬‬
‫ل ما استنبته الدميّون من‬ ‫ن الّزكاة تجب في ك ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ما يجمع وصفين ‪ :‬الكيل ‪،‬‬ ‫الحبوب والثّمار ‪ ،‬وكان م ّ‬
‫واليبس مع البقاء ( أي إمكانيّة الدّخار ) وهذا يشمل‬
‫ة ‪ :‬الوّل ‪ :‬ما كان قوتًا كالرز والذ ّرة‬ ‫أنواع ًا سبع ً‬
‫والدّخن ‪ .‬الثّاني ‪ :‬القطنيّات كالفول والعدس‬
‫ش واللّوبيا ‪ .‬الثّالث ‪ :‬البازير ‪،‬‬ ‫مص والما ّ‬ ‫والح ّ‬
‫مون والكراويا ‪ .‬الّرابع ‪ :‬البذور ‪،‬‬ ‫كالكسفرة والك ّ‬
‫وبذر الخيار ‪ ،‬وبذر البطّيخ ‪ ،‬وبذر القثّاء ‪ ،‬وغيرها م ّ‬
‫ما‬
‫يؤكل ‪ ،‬أو ل يؤكل كبذور الكتّان وبذور القطن وبذور‬
‫ب‬‫ب البقول كالّرشاد وح ّ‬ ‫الّرياحين ‪ .‬الخامس ‪ :‬ح ّ‬
‫سادس ‪:‬‬ ‫الفجل والقرطم والحلبة والخردل ‪ .‬ال ّ‬
‫الثّمار الّتي تجّفف ‪ ،‬وتدّخر كاللّوز والفستق والبندق‬
‫سابع ‪ :‬ما لم يكن حبًّا ول ثمًرا لكنّه يكال ويدّخر‬ ‫‪ .‬ال ّ‬
‫سدر‬ ‫ق ‪ ،‬أو ورق شجرٍ يقصد كال ّ‬ ‫ما ٍ‬
‫كسعترٍ وس ّ‬
‫ي والس ‪ .‬قالوا ‪ :‬ول تجب الّزكاة فيما عدا‬ ‫والخطم ّ‬
‫ذلك كالخضار كلّها ‪ ،‬وكثمار التّّفاح والمشمش‬
‫مان والبرتقال وبقيّة‬ ‫والتّين والتّوت والموز والّر ّ‬
‫ص عليه أحمد ; لنّه‬ ‫الفواكه ‪ ،‬ول في الجوز ‪ ،‬ن ّ‬
‫معدود ‪ ،‬ول تجب في القصب ول في البقول‬
‫كالفجل والبصل والكّراث ‪ ،‬ول في نحو القطن‬
‫والقنّب والكتّان والعصفر والّزعفران ونحو جريد‬
‫النّخل وخوصه وليفه ‪ .‬وفي الّزيتون عندهم اختلف‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬
‫ج الحنابلة لذلك بأ ّ‬ ‫يأتي بيانه ‪ .‬واحت ّ‬
‫ق‬
‫عليه وسلم قال ‪ { :‬ليس فيما دون خمسة أوسا ٍ‬
‫ل على اعتبار الكيل ‪،‬‬ ‫ب صدقة } فد ّ‬ ‫من تمرٍ ول ح ٍّ‬
‫ن غير المدّخر ل تكمل فيه النّعمة‬ ‫ما الدّخار فل ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫لعدم النّفع به مآًل ‪ .‬وذهب أحمد في روايةٍ ‪ ،‬وأبو‬
‫ي ‪ ،‬وهو مرويّ عن ابن عمر رضي‬ ‫شعب ّ‬ ‫عبيد ٍ ‪ ،‬وال ّ‬
‫الله عنهما إلى أنّه ل زكاة في شيءٍ غير هذه‬

‫‪213‬‬
‫ص بها ورد ; ولنّها غالب‬ ‫ن الن ّ ّ‬‫الجناس الربعة ‪ ،‬ل ّ‬
‫القوات ول يساويها في هذا المعنى وفي كثرة نفعها‬
‫ج من عدا‬ ‫شيء غيرها ‪ ،‬فل يقاس عليها شيء ‪ .‬واحت ّ‬
‫أبا حنيفة على انتفاء الّزكاة في الخضر والفواكه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬ليس في‬ ‫بقول النّب ّ‬
‫مان‬ ‫الخضراوات صدقة } وعلى انتفائها في نحو الّر ّ‬
‫ن سفيان بن عبد اللّه‬ ‫والتّّفاح من الثّمار بما ورد أ ّ‬
‫ن قبله‬ ‫ي وكان عامًل لعمر على الطّائف ‪ :‬أ ّ‬ ‫الثّقف ّ‬
‫مان ما هو‬ ‫حيطانًا فيها من الفرسك ( الخوخ ) والّر ّ‬
‫أكثر من غلّة الكروم أضعافًا فكتب يستأمر في‬
‫العشر ‪ .‬فكتب إليه عمر أن ليس عليها عشر ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬هي من العفاة كلّها وليس فيها عشر ‪.‬‬
‫الّزكاة في الّزيتون ‪:‬‬
‫‪ - 99‬تجب الّزكاة في الّزيتون عند الحنفيّة والمالكيّة‬
‫ك واللّيث‬ ‫ي ومال ٍ‬‫‪ ،‬وهو قول الّزهريّ والوزاع ّ‬
‫ي في القديم ‪ ،‬ورواية‬ ‫شافع ّ‬ ‫والثّوريّ ‪ ،‬وهو قول ال ّ‬
‫س ‪ ،‬لقوله تعالى‬ ‫مروي عن ابن عبّا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫عن أحمد ‪ ،‬وهو‬
‫ن ذكر الّزيتون‬ ‫‪ { :‬وآتوا حّقه يوم حصاده } بعد أ ّ‬
‫في أوّل الية ‪ .‬ولنّه يمكن ادّخار غلّته فأشبه التّمر‬
‫شافعيّة في الجديد وأحمد في‬ ‫والّزبيب ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫الّرواية الخرى إلى أنّه ل زكاة في الّزيتون لنّه ل‬
‫سا ‪ ،‬فهو كالخضراوات ‪.‬‬ ‫يدّخر ياب ً‬
‫شروط وجوب الّزكاة في الّزروع والثّمار ‪:‬‬
‫‪ - 100‬ل يشترط الحول في زكاة الّزروع والثّمار‬
‫اتّفاقًا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬وآتوا حّقه يوم حصاده }‬
‫ن الخارج نماء في ذاته فوجبت فيه الّزكاة فوًرا‬ ‫ول ّ‬
‫كالمعدن ‪ ،‬بخلف سائر الموال الّزكويّة فإنّما‬
‫اشترط فيها الحول ليمكن فيه الستثمار ‪ .‬ويشترط‬
‫شرط‬ ‫لوجوب الّزكاة في الّزروع والثّمار ما يلي ‪ :‬ال ّ‬

‫‪214‬‬
‫ق عند‬ ‫الوّل النّصاب ‪ :‬ونصابها خمسة أوس ٍ‬
‫الجمهور ‪ ،‬وبه قال صاحبا أبي حنيفة في ما يوسق ‪،‬‬
‫ق‬‫لما في حديث ‪ { :‬ليس فيما دون خمسة أوسا ٍ‬
‫ة ‪ :‬حمل البعير‬ ‫ب صدقة } والوسق لغ ً‬ ‫من تمرٍ ول ح ٍّ‬
‫‪ ،‬وهو في الحنطة والعدس ونحوهما ستّون صاع ًا‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ( وينظر تحرير‬ ‫بصاع النّب ّ‬
‫صاع في مصطلح ‪ :‬مقادير ) فالنّصاب‬ ‫مقدار ال ّ‬
‫ثلثمائة صاٍع ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬ل يشترط نصاب‬
‫لزكاة الّزروع والثّمار بل هي واجبة في القليل‬
‫ل من نصف صاٍع ‪ .‬النّصاب‬ ‫والكثير ما لم يكن أق ّ‬
‫فيما ل يكال ‪:‬‬
‫ن ما ل يوسق فنصابه‬ ‫‪ - 101‬ذهب أبو يوسف إلى أ ّ‬
‫ما‬
‫بم ّ‬ ‫بالقيمة ‪ ،‬فإن بلغت قيمته قيمة أدنى نصا ٍ‬
‫ن‬
‫مد إلى أ ّ‬ ‫يوسق ففيه الّزكاة ‪ ،‬وإل ّ فل ‪ .‬وذهب مح ّ‬
‫نصابه خمسة أمثال ما يقدّر به ‪ ،‬ففي القطن‬
‫ق ‪ ،‬وفي‬ ‫ل ‪ ،‬وفي العسل خمسة أفرا ٍ‬ ‫خمسة أحما ٍ‬
‫سكّر خمسة أمناءٍ ‪ .‬وفي النّصاب مسائل ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ض لتكميل النّصاب ‪:‬‬ ‫م بعضه إلى بع ٍ‬ ‫أ ‪ -‬ما يض ّ‬
‫م أنواع الجنس الواحد لتكميل النّصاب ‪،‬‬ ‫‪ - 102‬تض ّ‬
‫كأنواع التّمر وإن اختلفت أسماؤها لنّها كلّها تمر ‪،‬‬
‫ل نوٍع بقسطه ‪،‬‬ ‫شافعيّة بأنّه يؤخذ من ك ّ‬ ‫وصّرح ال ّ‬
‫م الجيّد من‬ ‫فإن شقّ أخرج من الوسط ‪ ..‬ويض ّ‬
‫مل جنس من‬ ‫الجنس الواحد إلى الّرديء منه ول يك ّ‬
‫أي منهما‬ ‫م التّمر إلى الّزبيب ول ّ‬ ‫س آخر فل يض ّ‬ ‫جن ٍ‬
‫شعير ‪ .‬إل ّ أنّهم اختلفوا في بعض‬ ‫إلى الحنطة أو ال ّ‬
‫الشياء أنّها أجناس أو أنواع ‪ ،‬كالعلس وكان قوت‬
‫ل ‪ ،‬فل بدّ‬ ‫صنعاء اليمن ‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬هو جنس مستق ّ‬
‫مل نصابًا وحده ‪ ،‬وهو قول ابن القاسم وأصبغ‬ ‫أن يك ّ‬
‫ب من المالكيّة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو نوع من الحنطة‬ ‫وابن وه ٍ‬

‫‪215‬‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫م إليها ‪ ،‬وهو مذهب ال ّ‬ ‫‪ ،‬فيض ّ‬
‫ك وسائر أصحابه ‪ ،‬والقمح وال ّ‬
‫شعير‬ ‫وقول مال ٍ‬
‫م أحدها إلى الخر عند‬ ‫سلت أجناس ثلثة ل يض ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ن‬‫ن القمح جنس وأ ّ‬ ‫شافعيّة ‪ .‬ومذهب الحنابلة أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫س واحدٍ ‪ .‬ومذهب‬ ‫سلت نوعان من جن ٍ‬ ‫شعير وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مل النّصاب منها‬ ‫ن الثّلثة جنس واحد يك ّ‬ ‫المالكيّة أ ّ‬
‫جميعًا ‪ .‬بخلف الرز والذ ّرة والدّخن فهي أجناس‬
‫ي عند المالكيّة وهي سبعة‬ ‫مختلفة ‪ ،‬وكذلك القطان ّ‬
‫ض‪،‬‬ ‫م بعضه إلى بع ٍ‬ ‫ف كلّها جنس واحد يض ّ‬ ‫أصنا ٍ‬
‫ض في روايةٍ‬ ‫ي بعضها إلى بع ٍ‬ ‫م القطان ّ‬ ‫وكذلك تض ّ‬
‫م غلّة العام الواحد بعضها إلى‬ ‫عند الحنابلة ‪ .‬ض ّ‬
‫ض‪:‬‬‫بع ٍ‬
‫م ثمرة عام ٍ إلى ثمرة عام ٍ آخر ول‬ ‫‪ - 103‬ل تض ّ‬
‫ما في العام الواحد ‪،‬‬ ‫ب كذلك ‪ .‬وأ ّ‬ ‫الحاصل من الح ّ‬
‫شافعيّة في الظهر بين الّزرع والثّمر ‪،‬‬ ‫فقد فّرق ال ّ‬
‫م ما زرع في العام الواحد بعضه‬ ‫ما الّزرع فيض ّ‬ ‫فأ ّ‬
‫ض ‪ ،‬كالذ ّرة تزرع في الّربيع وفي الخريف ‪،‬‬ ‫إلى بع ٍ‬
‫م بعضه إلى‬ ‫ما الثّمر إذا اختلف إدراكه فل يض ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ض في العام الواحد ‪ ،‬وذلك كما لو اختلف إدراكه‬ ‫بع ٍ‬
‫لختلف أنواعه واختلف بلده حرارةً وبرودةً ‪ ،‬وكما‬
‫م‪.‬‬ ‫لو أطلع النّخل في العام الواحد مّرتين فل يض ّ‬
‫ل عندهم ‪ :‬إن أطلع الثّاني بعد جداد الوّل‬ ‫وفي قو ٍ‬
‫م‬‫ض ّ‬‫م ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يشترط لل ّ‬ ‫م وإل ّ فيض ّ‬ ‫فل يض ّ‬
‫أن يزرع أحدها قبل استحقاق حصاد الخر وهو وقت‬
‫ب‬
‫ضا أن يبقى من ح ّ‬ ‫وجوب الّزكاة فيه ‪ ،‬ويشترط أي ً‬
‫الوّل إلى استحقاق حصاد الثّاني وإن لم يحصد ما‬
‫ما لو أكل الوّل قبل وقت‬ ‫يكمل به النّصاب ‪ ،‬أ ّ‬
‫م الثّاني للوّل بل‬ ‫وجوب الّزكاة في الثّاني ‪ ،‬فل يض ّ‬
‫م زرع‬ ‫إن كان الثّاني نصابًا زكّي ‪ ،‬وإل ّ فل ‪ .‬وكذا يض ّ‬

‫‪216‬‬
‫ل‬‫ث ‪ ،‬إن كان فيه مع ك ٍّ‬ ‫ن إلى ثال ٍ‬ ‫ل ‪ ،‬وثا ٍ‬ ‫ن إلى أوّ ٍ‬ ‫ثا ٍ‬
‫ق ‪ ،‬وهذا إن لم يخرج زكاة‬ ‫منهما خمسة أوس ٍ‬
‫م أصنافًا‬‫الولين حتّى يحصد الثّالث ‪ .‬وحيث ض ّ‬ ‫ّ‬
‫ف بحسبه ‪.‬‬ ‫ل صن ٍ‬ ‫ض فإنّه يخرج من ك ٍّ‬ ‫بعضها إلى بع ٍ‬
‫م‬‫ن زرع العام الواحد يض ّ‬ ‫وأطلق الحنابلة القول أ ّ‬
‫ض إذا اتّفق الجنس ‪ ،‬وكذا ثمرة‬ ‫بعضه إلى بع ٍ‬
‫ما يحمل مّرتين في العام‬ ‫العام ‪ ،‬سواء كان الصل م ّ‬
‫كالذ ّرة ‪ ،‬أو ل ‪.‬‬
‫‪ - 104‬والمعتبر في قدر النّصاب اتّحاد المالك ‪ ،‬فإن‬
‫كان الّزرع والثّمر مشتركًا ‪ ،‬أو مختلطًا فل زكاة فيه‬
‫ما لم يبلغ ما يملكه المزكّي منه وحده نصابًا ‪،‬‬
‫ن المال المشترك والمختلط‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ل واحدٍ فإن بلغ مجموعه نصابًا زكّي ‪،‬‬ ‫يزكّى زكاة ما ٍ‬
‫وإل ّ فل ‪ .‬وينظر التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬خلطة ) ‪.‬‬
‫ن النّصاب‬ ‫ول ترد هذه التّفريعات كلّها عند الحنفيّة ل ّ‬
‫هنا غير معتبرٍ بل تجب الّزكاة عندهم في قليل‬
‫الّزروع وكثيرها كما تقدّم ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نصاب ما له قشر ‪ ،‬وما ينقص كيله باليبس ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة أنّه تعتبر الوسق‬ ‫‪ - 105‬يرى ال ّ‬
‫الخمسة بعد التّصفية في الحبوب ‪ ،‬وبعد الجفاف‬
‫ق من العنب ل‬ ‫في الثّمار فلو كان له عشرة أوس ٍ‬
‫ق من الّزبيب‬ ‫يجيء منها بعد الجفاف خمسة أوس ٍ‬
‫ن الجفاف هو وقت‬ ‫فليس عليه فيها زكاة ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫وجوب الخراج ‪ ،‬فاعتبر النّصاب بحال الثّمار وقت‬
‫ب فصله من التّبن‬ ‫الوجوب ‪ .‬والمراد بتصفية الح ّ‬
‫ب‬‫ومن القشر الّذي ل يؤكل معه ‪ .‬وهذا إن كان الح ّ‬
‫ما ل يصلح ادّخاره إلّ‬ ‫ما إن كان م ّ‬ ‫ييبس ويدّخر ‪ .‬أ ّ‬
‫في قشره الّذي ل يؤكل معه كالعلس ‪ ،‬وهو ح ّ‬
‫ب‬
‫شبيه بالحنطة ‪ ،‬والرز في بعض البلد إذ يخّزنونه‬

‫‪217‬‬
‫ن‬‫شافعيّة القول بأ ّ‬ ‫بقشره ‪ ،‬فقد أطلق بعض ال ّ‬
‫ق اعتباًرا لقشره الّذي ادّخاره فيه‬ ‫نصابه عشرة أوس ٍ‬
‫شيخ أبي حامدٍ‬ ‫أصلح له ‪ .‬وقال الحنابلة وهو قول ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬يعتبر ما يكون صافيه نصابًا ‪ ،‬ويؤخذ‬ ‫من ال ّ‬
‫الواجب منه بالقشر ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬بل يحسب‬
‫في النّصاب قشر الرز والعلس الّذي يخّزنان به‬
‫ق‬
‫شعير فلو كان الرز مقشوًرا أربعة أوس ٍ‬ ‫كقشر ال ّ‬
‫ق زكّي ‪ ،‬وإن كان أق ّ‬
‫ل‬ ‫فإن كان بقشره خمسة أوس ٍ‬
‫فل زكاة ‪ ،‬وله أن يخرج الواجب مقشوًرا أو غير‬
‫ب به كقشر‬ ‫ما القشر الّذي ل يخّزن الح ّ‬ ‫مقشورٍ ‪ ،‬وأ ّ‬
‫الفول العلى فيحتسب فيه الّزكاة مقدّر الجفاف ‪.‬‬
‫ب والثّمر ‪:‬‬ ‫وقت وجوب الّزكاة في الح ّ‬
‫‪ - 106‬اختلف الفقهاء في الوقت الّذي تجب فيه‬
‫زكاة الّزروع والثّمار ‪ .‬فذهب المالكيّة ما عدا ابن‬
‫شافعيّة وأبو حنيفة إلى أنّها تجب بإفراك‬ ‫عرفة ‪ ،‬وال ّ‬
‫ب ‪ ،‬وطيب الثّمر والمن عليه من الفساد ‪،‬‬ ‫الح ّ‬
‫سقي ‪،‬‬ ‫ب طيبه واستغناؤه عن ال ّ‬ ‫والمراد بإفراك الح ّ‬
‫وإن بقي في الرض لتمام طيبه ‪ ،‬وطيب الثّمر نحو‬
‫أن يزهي البسر ‪ ،‬أو تظهر الحلوة في العنب ‪ .‬قالوا‬
‫ة وهو قبل‬ ‫ما حقيق ً‬ ‫ب باشتداده يكون طعا ً‬ ‫ن الح ّ‬ ‫‪:‬ل ّ‬
‫بدو صلحه بلح وحصرم ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ذلك بقل ‪ ،‬والثّمر قبل‬
‫ن ذلك وقت‬ ‫بدو صلحه ثمرة كاملة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ّ‬ ‫وبعد‬
‫الخرص ‪ ،‬والمراد بالوجوب هنا انعقاد سبب الوجوب‬
‫‪ ،‬ول يكون الخراج إل ّ بعد اليبس والجفاف ‪ .‬وذهب‬
‫أبو يوسف من الحنفيّة وهو قول ابن أبي موسى من‬
‫ن‬
‫الحنابلة وقول ابن عرفة من المالكيّة إلى أ ّ‬
‫الوجوب يتعلّق باليبس واستحقاق الحصاد ‪ .‬وذهب‬
‫ن الوجوب ل يثبت إل ّ بحصاد‬ ‫مد بن الحسن إلى أ ّ‬ ‫مح ّ‬
‫الثّمرة وجعلها في الجرين ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬يثبت‬

‫‪218‬‬
‫ب في‬ ‫صلح في الثّمر ‪ ،‬واشتداد الح ّ‬ ‫ببدو ال ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجوب‬
‫الّزرع ‪ ،‬ويستقّر الوجوب بجعل الثّمرة أو الّزرع في‬
‫الجرين أو البيدر ‪ ،‬فلو تلف قبل استقرار الحبوب‬
‫بجائحةٍ فل شيء عليه إجماع ًا على ما قال ابن‬
‫ما قبل ثبوت‬ ‫المنذر ونقله في شرح المنتهى عنه ‪ ،‬أ ّ‬
‫الوجوب فلو بيع النّخل أو الرض فل زكاة على البائع‬
‫في الّزرع والثّمر ‪ ،‬ولو مات المالك قبل الوجوب‬
‫فالّزكاة على الورثة إن بقي إلى وقت الوجوب وبلغ‬
‫نصيب الوارث نصابًا ‪ ،‬وكذا إن أوصى بها ومات قبل‬
‫الوجوب فل زكاة فيها ‪ ،‬ولو أكل من الثّمرة قبل‬
‫الوجوب لم يحتسب عليه ما أكل ‪ ،‬ولو نقصت عن‬
‫ما بعد الوجوب‬ ‫النّصاب بما أكل فل زكاة عليه ‪ .‬وأ ّ‬
‫فتلزمه الّزكاة وإن باع أو أوصى بها ‪ ،‬ول شيء على‬
‫ما‬
‫من ملكها بعد أن ثبت الوجوب ‪ .‬وذكر الحنابلة م ّ‬
‫يتفّرع على ذلك أنّه ل زكاة على من حصل على‬
‫سنبل أو أجرة الحصاد ‪ ،‬أو ما‬ ‫ب من لقاط ال ّ‬ ‫نصا ٍ‬
‫ب أو العفص والشنان‬ ‫يأخذه من المباحات من الح ّ‬
‫ونحوها لنّه لم يملكها وقت الوجوب ‪.‬‬
‫من تلزمه الّزكاة في حال اختلف مالك الغلّة عن‬
‫مالك الرض ‪:‬‬
‫‪ - 107‬إن كان مالك الّزرع عند وجوب الّزكاة فيه هو‬
‫ما إن‬‫مالك الرض ‪ ،‬فالمر واضح ‪ ،‬فتلزمه الّزكاة ‪ .‬أ ّ‬
‫كان مالك الّزرع غير مالك الرض فلذلك صور ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الرض الخراجيّة ‪:‬‬
‫صلح الّتي أقّرت بأيدي أصحابها على‬ ‫‪ - 108‬أرض ال ّ‬
‫أنّها لهم ولنا عليها الخراج ‪ ،‬متى أسلموا سقط‬
‫خراجها ‪ ،‬ووجب عليهم في غلّتها الّزكاة ‪ ،‬فإن‬
‫ي مسلم فعليه الّزكاة فيها ‪ ،‬وأرض‬ ‫م ّ‬‫اشتراها من الذ ّ ّ‬
‫العنوة الّتي ملكها المسلمون وحيزت لبيت المال‬

‫‪219‬‬
‫فهذه عليها الخراج اتّفاقًا ‪ ،‬سواء بقي من هي بيده‬
‫على دينه أو أسلم أو باعها لمسلم ٍ ; لنّه خراج‬
‫بمعنى الجرة ‪ ،‬واختلف الفقهاء هل يجب في غلّتها‬
‫ضا ‪ ،‬فذهب‬ ‫ما الّزكاة أي ً‬ ‫إن كان صاحبها مسل ً‬
‫م يزكّى ما‬ ‫ن الخراج يؤدّى أوًّل ‪ ،‬ث ّ‬ ‫الجمهور إلى أ ّ‬
‫بقي ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل زكاة في غلّة الرض‬
‫ن الخراج مئونة الرض ‪ ،‬والعشر‬ ‫الخراجيّة ‪ ،‬وذلك ل ّ‬
‫فيه معنى المئونة ‪ ،‬فل يجتمع عشر وخراج ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬خراج ) ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرض المستعارة والمستأجرة ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 109‬ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة وال ّ‬
‫ضا أو‬‫ن من استعار أر ً‬ ‫صاحبان ) إلى أ ّ‬ ‫والحنابلة وال ّ‬
‫استأجرها فزرعها ‪ ،‬فالّزكاة على المستعير‬
‫ن الغلّة ملكه ‪ ،‬والعبرة في الّزكاة‬ ‫والمستأجر ل ّ‬
‫شجر ‪ .‬وذهب‬ ‫بملكيّة الثّمرة ل بملكيّة الرض أو ال ّ‬
‫ن الرض‬ ‫جر ل ّ‬ ‫ن العشر على المؤ ّ‬ ‫أبو حنيفة إلى أ ّ‬
‫كما تستنمى بالّزراعة تستنمى بالجارة ‪.‬‬
‫ل بالمزارعة أو المساقاة ‪:‬‬ ‫ج ‪ -‬الرض الّتي تستغ ّ‬
‫ن‬‫صاحبان من الحنفيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 110‬ذهب الحنابلة وال ّ‬
‫ل من المالك‬ ‫العشر في هاتين الحالتين على ك ٍّ‬
‫ل بحسب نصيبه من الغلّة إن بلغ نصيبه‬ ‫والعامل ك ّ‬
‫ب فل‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫نصابًا ‪ ،‬ومن كان نصيبه منهما أق ّ‬
‫مل‬ ‫ض غيرها ما يك ّ‬ ‫عشر عليه ‪ ،‬ما لم يكن له من أر ٍ‬
‫به النّصاب ‪ .‬وهذا عند الحنابلة على الّرواية الّتي ل‬
‫ما على‬ ‫تجعل الخلطة مؤثّرة ً في زكاة الّزروع ‪ .‬أ ّ‬
‫الّرواية الّتي تجعل الخلطة مؤثّرةً فيها ‪ ،‬فإذا بلغت‬
‫ق يكون فيها الّزكاة فيؤخذ‬ ‫ّ‬
‫غلة الرض خمسة أوس ٍ‬
‫شريكين عشر نصيبه ‪ ،‬ما لم يكن‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫من ك ٍّ‬
‫ي ‪ .‬وعند أبي‬ ‫م ّ‬ ‫من ل عشر عليه ‪ ،‬كالذ ّ ّ‬ ‫أحدهما م ّ‬

‫‪220‬‬
‫ن‬‫ب الرض ; ل ّ‬ ‫حنيفة العشر في المزارعة على ر ّ‬
‫قا أو‬ ‫المزارعة عنده فاسدة ‪ ،‬فالخارج منها له ‪ ،‬تحقي ً‬
‫تقديًرا ‪ .‬ويرى المالكيّة أنّه يجب إخراج زكاة الحائط‬
‫( البستان ) المساقى عليه من جملة الثّمرة إن‬
‫مه إليها‬ ‫ب الحائط ما إن ض ّ‬ ‫بلغت نصابًا ‪ ،‬أو كان لر ّ‬
‫م يقتسمان ما بقي ‪ ،‬ول بأس أن‬ ‫بلغت نصابًا ‪ ،‬ث ّ‬
‫ب الحائط أو العامل ; لنّه‬ ‫ظر ّ‬‫تشترط الّزكاة في ح ّ‬
‫يرجع إلى جز ٍء معلوم ٍ ساقاه عليه فإن لم يشترطا‬
‫م يقتسمان ما بقي ‪.‬‬ ‫شيئًا فشأن الّزكاة أن يبدأ بها ث ّ‬
‫ن المساقاة تزكّى‬ ‫ك‪:‬إ ّ‬ ‫ي نقًل عن مال ٍ‬ ‫وقال اللّخم ّ‬
‫مها إلى ماله من‬ ‫ب الحائط فيجب ض ّ‬ ‫على ملك ر ّ‬
‫من ل‬ ‫ثمرٍ غيرها ‪ ،‬ويزكّي جميعها ولو كان العامل م ّ‬
‫من ل‬ ‫ب الحائط م ّ‬ ‫تجب عليه ‪ ،‬وتسقط إن كان ر ّ‬
‫من تجب عليه ‪.‬‬ ‫تجب عليه والعامل م ّ‬
‫د ‪ -‬الرض المغصوبة ‪:‬‬
‫ة‬
‫ضا عشري ّ ً‬ ‫‪ - 111‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو غصب أر ً‬
‫ب‬
‫فزرعها إن لم تنقصها الّزراعة فل عشر على ر ّ‬
‫ب‬‫الرض ‪ ،‬وإن نقصتها الّزراعة كان العشر على ر ّ‬
‫الرض ‪ .‬وقال قاضي خان ‪ :‬أرض خراجها وظيفة‬
‫اغتصبها غاصب فإن كان الغاصب جاحدًا ول بيّنة‬
‫للمالك إن لم يزرعها الغاصب فل خراج على أحدٍ ‪،‬‬
‫وإن زرعها الغاصب ولم تنقصها الّزراعة ‪ ،‬فالخراج‬
‫على الغاصب ‪ ،‬وإن كان الغاصب مقًّرا بالغصب أو‬
‫كان للمالك بيّنة ولم تنقصها الّزراعة فالخراج على‬
‫ب الرض ‪ ،‬وإن نقصتها الّزراعة عند أبي يوسف‬ ‫ر ّ‬
‫ل النّقصان أو كثر ‪ ،‬كأنّه‬ ‫ب الرض ق ّ‬ ‫الخراج على ر ّ‬
‫مدٍ‬ ‫آجرها من الغاصب بضمان النّقصان ‪ .‬وعند مح ّ‬
‫ينظر إلى الخراج والنّقصان فأيّهما كان أكثر كان‬
‫ذلك على الغاصب إن كان النّقصان أكثر من الخراج‬

‫‪221‬‬
‫سلطان ويدفع‬ ‫‪ ،‬فمقدار الخراج يؤدّيه الغاصب إلى ال ّ‬
‫الفضل إلى صاحب الرض ‪ ،‬وإن كان الخراج أكثر‬
‫صهم هذا في‬ ‫سلطان ‪ ،‬ومن ن ّ‬ ‫ل إلى ال ّ‬ ‫يدفع الك ّ‬
‫ما تقدّم في العشر ‪ .‬وذهب‬ ‫الخراج يفهم مرادهم م ّ‬
‫م ردّت بعد‬ ‫ن النّخل إذا غصبت ث ّ‬ ‫المالكيّة إلى أ ّ‬
‫ف إذا‬‫ل عام ٍ بل خل ٍ‬ ‫أعوام ٍ مع ثمرتها ‪ ،‬فإنّها تزكّى لك ّ‬
‫لم تكن زكّيت أي يزكّى ما يخرج منها إذا ر ّد‬
‫الغاصب جميعها ‪ .‬فإن رد ّ بعض ثمارها وكان حصل‬
‫ل سنةٍ نصاب ولم يرد ّ جميعه بل رد ّ منه قدر‬ ‫في ك ّ‬
‫ب فأكثر وكان بحيث لو قسم على سنين‬ ‫نصا ٍ‬
‫ل سنةٍ نصابًا ففي زكاته قولن ‪.‬‬ ‫الغصب لم يبلغ ك ّ‬
‫ن زكاة الّزرع على مالك الرض إن‬ ‫وصّرح الحنابلة بأ ّ‬
‫تملّك الّزرع قبل وقت الحصاد وبعد اشتداده ‪ ،‬وذلك‬
‫لنّه يتملّكه بمثل بذره وعوض لواحقه ‪ ،‬فيستند‬
‫ما إن حصد الغاصب الّزرع‬ ‫ملكه إلى أوّل زرعه ‪ .‬أ ّ‬
‫بأن لم يتملّكه ربّها قبل حصاده ‪ ،‬فزكاة الّزرع على‬
‫شافعيّة‬ ‫الغاصب لستقرار ملكه عليه ‪ .‬ولم نجد لل ّ‬
‫صا في هذه المسألة ‪.‬‬ ‫ن ًّ‬
‫زكاة الّزرع والثّمر المأخوذين من الرض المباحة ‪:‬‬
‫‪ - 112‬من أخذ من الرض المباحة ما في جنسه‬
‫الّزكاة ‪ ،‬وبلغ نصابًا ‪ .‬فقد ذهب المالكيّة والحنابلة‬
‫وأبو يوسف إلى أنّه ل زكاة عليه ‪ ،‬وهو لمن أخذه ‪.‬‬
‫ض مباحةٍ ففيه‬ ‫قال الحنابلة ‪ :‬لكن لو زرع في أر ٍ‬
‫ن ثمر الجبال‬ ‫مد إلى أ ّ‬ ‫الّزكاة ‪ .‬وذهب أبو حنيفة ومح ّ‬
‫والمفاوز فيه العشر ‪ ،‬إن حماه المام أي من أهل‬
‫شجر‬ ‫الحرب والبغاة وقطّاع الطّريق ‪ ،‬ولو كان ال ّ‬
‫ن المقصود النّماء ‪،‬‬ ‫ك ولم يعالجه أحد ; ل ّ‬ ‫غير مملو ٍ‬
‫وقد حصل بأخذه ‪.‬‬
‫خرص الثّمار إذا بدا صلحها ‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ - 113‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬خلفًا للحنفيّة ‪ -‬إلى أنّه‬
‫ينبغي للمام إذا بدا صلح الثّمار أن يرسل ساعيًا‬
‫يخرصها ‪ -‬أي يقدّر كم سيكون مقدارها بعد الجفاف‬
‫‪ -‬ليعرف قدر الّزكاة الواجبة على أصحابها ‪ ،‬وذلك‬
‫ق الفقراء وأهل استحقاق الّزكاة ‪،‬‬ ‫لمعرفة ح ّ‬
‫وللتّوسعة على أهل الثّمار ليخلّي بينهم وبينها‬
‫م يؤدّون الّزكاة بحساب الخرص‬ ‫فيأكلوا منها رطبًا ث ّ‬
‫المتقدّم ‪ ،‬وذلك عند جفاف الثّمر ‪ .‬ولمعرفة‬
‫مؤهّلت الخارص ‪ ،‬وما يراعيه عند الخرص ‪،‬‬
‫ومعرفة ما يخرص من الغلل وما ل يخرص ‪ ،‬وسائر‬
‫أحكام الخرص ينظر مصطلح ‪ ( :‬خرص ) ‪.‬‬
‫الحيل لسقاط الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 114‬اختلف الفقهاء في حكم التّحيّل لسقاط‬
‫ن المالك‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫الّزكاة ‪ :‬فذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫إن فعل ما تسقط به الّزكاة عنه ولو بنيّة الفرار‬
‫منها سقطت ‪ ،‬ومثّل له ابن عابدين بمن وهب‬
‫م رجع في هبته بعد‬ ‫النّصاب قبل الحول بيوم ٍ ‪ ،‬ث ّ‬
‫م رجع أثناء‬ ‫الحول ‪ ،‬وكذا لو وهبه أثناء الحول ث ّ‬
‫الحول لنقطاع الحول بذلك ‪ ،‬وكذا لو وهب النّصاب‬
‫م قال أبو‬ ‫سائمة بآخر ‪ .‬ث ّ‬ ‫لبنه ‪ ،‬أو استبدل نصاب ال ّ‬
‫يوسف ‪ :‬ل يكره ذلك لنّه امتناع عن الوجوب ‪ ،‬ل‬
‫ن فيه‬ ‫مد ‪ :‬يكره ل ّ‬ ‫إبطال لحقّ الغير ‪ ،‬وقال مح ّ‬
‫إضراًرا بالفقراء وإبطال حّقهم مآًل ‪ .‬والفتوى على‬
‫شافعيّة ‪ :‬الفرار‬ ‫مد ٍ عند الحنفيّة ‪ .‬وعند ال ّ‬ ‫قول مح ّ‬
‫ي ‪ :‬حرام ول تبرأ‬ ‫مكروه في المعتمد ‪ ،‬وقال الغزال ّ‬
‫مة في الباطن ‪ .‬وذهب المالكيّة والحنابلة‬ ‫به الذ ّ ّ‬
‫ي وابن الماجشون وإسحاق وأبو عبيدٍ ‪ -‬وهو‬ ‫والوزاع ّ‬
‫شافعيّة ‪ -‬إلى تحريم‬ ‫ج من ال ّ‬ ‫ما نقله القاضي ابن ك ٍ ّ‬
‫التّحيّل لسقاط الّزكاة ‪ ،‬ولو فعل لم تسقط ‪ ،‬كمن‬

‫‪223‬‬
‫أبدل النّصاب من الماشية بغير جنسه فراًرا من‬
‫الّزكاة ‪ ،‬أو أتلف أو استهلك جزءًا من النّصاب عند‬
‫قرب الحول ‪ ..‬ولو فعل ذلك في أوّل الحول لم‬
‫ن ذلك ليس بمظنّة الفرار من‬ ‫تجب الّزكاة ; ل ّ‬
‫الّزكاة ‪ .‬واستدلّوا بما ذكره اللّه تعالى في سورة‬
‫صة أصحاب الجنّة ‪ ،‬وقوله فيها ‪:‬‬ ‫القلم من ق ّ‬
‫{ فطاف عليها طائف من ربّك وهم نائمون‬
‫صريم } فعاقبهم اللّه تعالى على‬ ‫فأصبحت كال ّ‬
‫ة‬
‫تحيّلهم لسقاط حقّ الفقراء ‪ ،‬فتؤخذ معاقب ً‬
‫سا على منع ميراث‬ ‫للمحتال بنقيض قصده ‪ ،‬قيا ً‬
‫القاتل ‪ ،‬وتوريث المطلّقة في مرض الموت ‪ .‬والّذي‬
‫يؤخذ منه على ما بيّنه المالكيّة هو زكاة المبدل ‪ ،‬ول‬
‫تؤخذ منه زكاة البدل إن كانت أكثر لنّها لم تجب ‪.‬‬
‫قدر المأخوذ في زكاة الّزروع والثّمار ‪:‬‬
‫‪ - 115‬يؤخذ في زكاة الّزروع والثّمار عشر الخارج أو‬
‫نصف عشره ‪ .‬فالعشر اتّفاقًا فيما سقي بغير كلفةٍ ‪،‬‬
‫كالّذي يشرب بماء المطر أو بماء النهار سي ً‬
‫حا ‪ ،‬أو‬
‫سوّاقي دون أن يحتاج إلى رفعه غرفًا أو بآلةٍ ‪ ،‬أو‬ ‫بال ّ‬
‫يشرب بعروقه ‪ ،‬وهو ما يزرع في الرض الّتي ماؤها‬
‫شجر فيستغني‬ ‫قريب من وجهها تصل إليه عروق ال ّ‬
‫سقي ‪ .‬ويجب فيما يسقى بكلفةٍ نصف العشر‬ ‫عن ال ّ‬
‫‪ ،‬سواء سقته النّواضح أو سقي بالدّوالي ‪ ،‬أو‬
‫سواني أو الدّواليب أو النّواعير أو غير ذلك ‪ .‬وكذا‬ ‫ال ّ‬
‫ة إلى أرضه فإذا بلغها الماء‬ ‫لو مد ّ من النّهر ساقي ّ ً‬
‫ضابط لذلك أن‬ ‫احتاج إلى رفعه بالغرف أو بآلةٍ ‪ .‬وال ّ‬
‫يحتاج في رفع الماء إلى وجه الرض إلى آلةٍ أو‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ل لذلك بقول النّب ّ‬ ‫ل ‪ .‬واستد ّ‬ ‫عم ٍ‬
‫سماء والعيون أو كان عثريًّا‬ ‫وسلم ‪ { :‬فيما سقت ال ّ‬
‫العشر ‪ ،‬وما سقي بالنّضج نصف العشر } والحكمة‬

‫‪224‬‬
‫ن للكلفة‬ ‫في تقليل القدر الواجب فيما فيه عمل أ ّ‬
‫ق‬
‫أثًرا في تقليل النّماء ‪ .‬ولو احتاجت الرض إلى سا ٍ‬
‫يسقيها بماء النهار أو المطار ‪ ،‬ويحوّل الماء من‬
‫ق أو حفر‬ ‫جهةٍ إلى جهةٍ ‪ ،‬أو احتاجت إلى عمل سوا ٍ‬
‫أنهارٍ لم يؤثّر ذلك في تقليل النّصاب ‪ .‬وإن سقيت‬
‫ة‬
‫الرض نصف الوقت بكلفةٍ ونصفها بغير كلف ٍ‬
‫فالّزكاة ثلثة أرباع العشر اتّفاقًا ‪ ،‬وإن سقيت‬
‫بأحدهما أكثر من الخر فالجمهور على اعتبار‬
‫ل منهما‬ ‫ل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يعتبر ك ّ‬ ‫الكثر ‪ ،‬ويسقط حكم الق ّ‬
‫بقسطه ‪.‬‬
‫ما يطرح من الخارج قبل أخذ العشر أو نصفه ‪:‬‬
‫ن العشر أو نصفه على‬ ‫‪ - 116‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ل الخارج ‪ ،‬فل يطرح‬ ‫التّفصيل المتقدّم يؤخذ من ك ّ‬
‫مال أو كري النهار‬ ‫منه البذر الّذي بذره ول أجرة الع ّ‬
‫أو أجرة الحافظ ونحو ذلك بل يجب العشر في الك ّ‬
‫ل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت‬ ‫ن النّب ّ‬
‫‪،‬ل ّ‬
‫الواجب لتفاوت المؤنة ‪ ،‬ولو رفعت المؤنة لكان‬
‫ن‬
‫يأ ّ‬ ‫صيرف ّ‬ ‫الواجب بنفس المقدار ‪ ،‬واستظهر ال ّ‬
‫الواجب إن كان جزءًا من الخارج فإنّه يجعل كالهالك‬
‫ن‬
‫وتجب الّزكاة في الباقي ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫النّفقة على الّزرع إن كانت دينًا يسقطها مالكه منه‬
‫قبل احتساب العشر ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬من استدان ما‬
‫أنفق على زرعه واستدان ما أنفق على أهله ‪،‬‬
‫احتسب ما أنفق على زرعه دون ما أنفق على أهله‬
‫‪ .‬قالوا ‪ :‬وذلك لنّه من مؤنة الّزرع ‪ ،‬فالحاصل في‬
‫مقابلته يجب صرفه إلى غيره ‪ ،‬فكأنّه لم يحصل ‪،‬‬
‫وهذا بخلف سائر الدّيون فإنّها ل تسقط من‬
‫الحاصل لنّه من الموال الظّاهرة على المشهور‬
‫عند الحنابلة كما تقدّم ‪ .‬وشبيه بمؤنة الّزرع عند‬

‫‪225‬‬
‫الحنابلة خراج الرض فإنّه يؤخذ من الغلّة قبل‬
‫شافعيّة‬ ‫احتساب الّزكاة فيها ‪ .‬ولم نجد للمالكيّة وال ّ‬
‫ما في هذه المسألة ‪.‬‬ ‫كل ً‬
‫ما يلزم المالك فعله قبل إخراج القدر الواجب ‪:‬‬
‫‪ - 117‬يؤخذ القدر الواجب من الغلّة بعد التّجفيف‬
‫في الثّمار والتّصفية في الحبوب ; لنّه أوان الكمال‬
‫وحال الدّخار ‪ ،‬والمؤنة على الثّمرة إلى حين‬
‫ب المال ‪ ،‬لنّه في حقّ الغلّة ‪،‬‬ ‫الخراج لزمة لر ّ‬
‫ساعي أخذه‬ ‫ق لل ّ‬
‫كالحفظ في حقّ الماشية ‪ ،‬ول يح ّ‬
‫ب المال العشر رطبًا لم يجزئه ‪.‬‬ ‫رطبًا ‪ .‬ولو أخرج ر ّ‬
‫ص على ذلك الحنابلة ‪ .‬ويستثنى من ذلك أحوال ‪:‬‬ ‫ن ّ‬
‫منها ‪ :‬أن يضطّر إلى قطع الثّمرة قبل كمالها خوفًا‬
‫من العطش ‪ ،‬أو إلى قطع بعضها ‪ ،‬فيجوز له ذلك ‪،‬‬
‫ة أنفع وأصلح ‪.‬‬ ‫ومثل ذلك أن يكون قطعها رطب ً‬
‫ف بل يؤكل رطبًا‬ ‫ما ل يج ّ‬ ‫ومنها ‪ :‬أن يكون الثّمر م ّ‬
‫كبعض أنواع العنب والتّمر والفول ونحوها ‪ ،‬فتجب‬
‫ن من شرط ما‬ ‫فيه الّزكاة حتّى عند من قال بأ ّ‬
‫يزكّى الدّخار ‪ ،‬وذلك لنّه يدّخر من حيث الجملة ‪.‬‬
‫ق الفقراء رطبًا ‪،‬‬ ‫وفي كلتا الحالتين ‪ :‬يجوز أخذ ح ّ‬
‫ب المال فعليه القيمة ويجوز إخراج قدر‬ ‫وإن أتلفها ر ّ‬
‫ب المال ‪ .‬وقيل ‪:‬‬ ‫الّزكاة من الجنس جافًّا إن شاء ر ّ‬
‫مته العشر جافًّا ولو بأن يشتريه ‪ .‬وقال‬ ‫يجب في ذ ّ‬
‫المالكيّة ‪ :‬يجب عشر الثّمن إن بيع وإل ّ فالقيمة ‪.‬‬
‫والّزيتون عند من قال تؤخذ منه الّزكاة ‪ ،‬إن كان من‬
‫الّزيتون الّذي يعصر منه الّزيت يؤخذ العشر من زيته‬
‫بعد عصره ‪ ،‬ولو كان زيته قليًل ; لنّه هو الّذي يدّخر‬
‫فهو بمثابة التّجفيف في سائر الثّمار ‪ .‬وإن كان‬
‫ب خمسة‬ ‫يدّخر حبًّا ‪ ،‬فيؤخذ عشره حبًّا إذا بلغ الح ّ‬
‫ق ‪ .‬وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة ‪ .‬قال مالك‬ ‫أوس ٍ‬

‫‪226‬‬
‫ق أخذ الخمس من‬ ‫‪ :‬إذا بلغ الّزيتون خمسة أوس ٍ‬
‫زيته بعد أن يعصر ‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنّه يخرج‬
‫ل‪.‬‬
‫ل حا ٍ‬ ‫العشر منه حبًّا على ك ّ‬
‫زكاة العسل والمنتجات الحيوانيّة ‪:‬‬
‫ن العسل تؤخذ‬ ‫‪ - 118‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أ ّ‬
‫ب‬‫ج لهم بما روى عمرو بن شعي ٍ‬ ‫منه الّزكاة ‪ ،‬واحت ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫عن أبيه عن جدّه أ ّ‬
‫وسلم { كان يؤخذ في زمانه من قرب العسل من‬
‫ن أبا‬‫ت قربة من أوسطها } ‪ .‬وورد أ ّ‬ ‫عشر قربا ٍ‬
‫ن لي‬ ‫ي قال ‪ { :‬قلت ‪ :‬يا رسول اللّه إ ّ‬ ‫سيّارة المتع ّ‬
‫نحًل ‪ ،‬قال ‪ :‬أد ّ العشر ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬احمها‬
‫لي ‪ .‬فحماها له } ‪ .‬وأخذ عمر من العسل العشر ‪.‬‬
‫ن العسل ل زكاة‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫وذهب المالكيّة وال ّ‬
‫صدقة في‬ ‫فيه ‪ .‬قال ابن المنذر ‪ :‬ليس في وجوب ال ّ‬
‫م ذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط‬ ‫العسل خبر يثبت ‪ .‬ث ّ‬
‫ض خراجيّةٍ‬ ‫أمران ‪ :‬الوّل ‪ :‬أن ل يكون النّحل في أر ٍ‬
‫ن الخراجيّة يؤخذ منها الخراج ‪ ،‬ول يجتمع عندهم‬ ‫;ل ّ‬
‫عشر وخراج كما تقدّم ‪ .‬الثّاني ‪ :‬إن كان النّحل في‬
‫ك فل زكاة فيه إل ّ إن‬ ‫ل غير مملو ٍ‬ ‫أرض مفازةٍ أو جب ٍ‬
‫حفظه المام من اللّصوص وقطّاع الطّرق ‪ ،‬وقال‬
‫ة‪.‬‬ ‫أبو يوسف ‪ :‬ل زكاة إل ّ إن كانت الرض مملوك ً‬
‫نصاب العسل ‪ 118 ( :‬م ) ‪ -‬قال الحنابلة ‪ :‬نصابه‬
‫ق ( والفرق مكيال يسع ‪ 16‬رطًل عراقيًّا‬ ‫عشرة أفرا ٍ‬
‫ل‪.‬‬‫من القمح ) ‪ .‬وقيل ‪ :‬عندهم النّصاب ألف رط ٍ‬
‫ق ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ :‬تجب‬ ‫مد ‪ :‬خمسة أفرا ٍ‬ ‫وقال مح ّ‬
‫ما ما عدا العسل فقد‬ ‫الّزكاة في قليله وكثيره ‪ .‬أ ّ‬
‫شافعيّة على أنّه ل زكاة‬ ‫ص الحنفيّة والحنابلة وال ّ‬ ‫ن ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪:‬‬ ‫في الحرير ودودة القّز ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫ص ول في معنى المنصوص ‪.‬‬ ‫لنّه ليس بمنصو ٍ‬

‫‪227‬‬
‫صوف‬ ‫وأضاف صاحب مطالب أولي النّهى ‪ :‬ال ّ‬
‫ما ل زكاة فيه‬ ‫يم ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫شعر واللّبن ‪ ،‬وذكر ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ضا ‪ :‬المسك ونحوه من الطّيب ‪.‬‬ ‫أي ً‬
‫زكاة الخارج من الرض غير النّبات ‪:‬‬
‫‪ - 119‬قد يستخرج من الرض غير النّبات الذ ّهب أو‬
‫ضة أو غيرهما من المعادن الّتي تنطبع كالنّحاس‬ ‫الف ّ‬
‫والحديد والّزئبق أو ل تنطبع كالنّفط والقار والفحم‬
‫ل ذلك قد يكون مخلوقًا في الرض‬ ‫وغيرها ‪ .‬وك ّ‬
‫ما وضعه فيها الدميّون‬ ‫بفعل اللّه تعالى ‪ ،‬أو يكون م ّ‬
‫م يبيدون‬ ‫كالكنوز الّتي يضعها أهلها في الرض ث ّ‬
‫ن اسم ( الّركاز )‬ ‫وتبقى فيها ‪ .‬ويرى الحنفيّة أ ّ‬
‫ن اسم الّركاز‬ ‫ل ذلك ‪ ،‬ويرى الحنابلة أ ّ‬ ‫شامل لك ّ‬
‫ة ‪ ،‬ويؤخذ‬ ‫ص بما هو مركوز في الرض خلق ً‬ ‫خا ّ‬
‫ف‬
‫الخمس من ذلك أو ربع العشر على اختل ٍ‬
‫ل عند الفقهاء ‪ ،‬وقد اختلفوا فيما يؤخذ أهو‬ ‫وتفصي ٍ‬
‫زكاة تصرف في مصارفها أم فيء يصرف في‬
‫ل ذلك تنظر المصطلحات ‪:‬‬ ‫مصارفه ‪ .‬ولمعرفة ك ّ‬
‫( ركاز ‪ ،‬كنز ‪ ،‬معدن ) ‪.‬‬
‫زكاة المستخرج من البحار ‪:‬‬
‫‪ - 120‬ذهب جمهور العلماء الحنفيّة والمالكيّة‬
‫شافعيّة وهي إحدى روايتين عن أحمد وهو قول‬ ‫وال ّ‬
‫ن المستخرج من البحر من‬ ‫أبي عبيد ٍ وأبي ثورٍ إلى أ ّ‬
‫اللّؤلؤ والعنبر والمرجان ونحوها ل شيء فيه من‬
‫س ‪ :‬ليس في‬ ‫س ‪ ،‬لما روي عن ابن عبّا ٍ‬ ‫ة أو خم ٍ‬ ‫زكا ٍ‬
‫العنبر شيء ‪ ،‬إنّما هو شيء ألقاه البحر وروي مثله‬
‫ي‬
‫عن جابرٍ ‪ ،‬ولنّه قد كان يستخرج على عهد النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يأت فيه سنّة‬
‫عنه ول عنهم ‪ .‬وفي روايةٍ عن أحمد وهو قول أبي‬
‫يوسف ‪ :‬فيه الّزكاة ‪ ،‬لنّه يشبه الخارج من معدن‬

‫‪228‬‬
‫س قال في العنبر ‪ :‬إن كان‬ ‫ن ابن عبّا ٍ‬ ‫البّر ‪ .‬وروي أ ّ‬
‫فيه شيء ففيه الخمس ‪ ،‬وكتب يعلى بن أميّة إلى‬
‫عمر بن الخطّاب رضي الله عنه في عنبرةٍ وجدها‬
‫صحابة ‪ ،‬فأشاروا أن‬ ‫على ساحل البحر فاستشار ال ّ‬
‫يأخذ منها الخمس ‪ .‬فكتب عمر إليه بذلك ‪ .‬وروي‬
‫زهري ‪ .‬وعن عمر بن عبد‬ ‫ّ‬ ‫مثل ذلك عن الحسن وال ّ‬
‫العزيز أنّه أخذ من العنبر الخمس ‪ .‬وأمر عمر بن‬
‫سمك الّزكاة‬ ‫عبد العزيز عامله بعمان أن يأخذ من ال ّ‬
‫إذا بلغ ثمنه مائتي درهم ٍ ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ما خرج‬
‫من البحر كعنبرٍ إن لم يتقدّم عليه ملك فهو لواجده‬
‫صيد ‪ ،‬فإن كان تقدّم عليه ملك فإن‬ ‫مس كال ّ‬ ‫ول يخ ّ‬
‫ك فيه فركاز ‪ ،‬وإن كان لمسلم ٍ أو‬ ‫ي أو ش ّ‬ ‫كان لجاهل ٍ ّ‬
‫ي فلقطة ‪.‬‬ ‫م ٍّ‬ ‫ذ ّ‬
‫القسم الثّالث إخراج الّزكاة ‪:‬‬
‫ما أن يخرجها‬ ‫‪ - 121‬من وجبت عليه الّزكاة إ ّ‬
‫قين ‪،‬‬ ‫بإعطائها مباشرةً إلى الفقراء وسائر المستح ّ‬
‫ما أن يدفعها إلى المام ليصرفها في مصارفها ‪.‬‬ ‫وإ ّ‬
‫ة الخراج‬ ‫ص ً‬‫ونذكر هنا الحكام المتعلّقة بالخراج وخا ّ‬
‫المباشر إلى الفقراء ‪ .‬النّيّة عند أداء الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 122‬الّزكاة فريضة من فرائض العبادات ‪،‬‬
‫مة‬ ‫ن النّيّة شرط فيها عند عا ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬ولذلك فإ ّ‬ ‫كال ّ‬
‫ي عدم اشتراط النّيّة‬ ‫العلماء ‪ .‬وروي عن الوزاع ّ‬
‫فيها لنّها دين على صاحبها ‪ ،‬وأداء الدّين ل يفتقر‬
‫ي صلى الله‬ ‫ل الجمهور بقول النّب ّ‬ ‫إلى نيّةٍ ‪ .‬واستد ّ‬
‫ل‬‫عليه وسلم ‪ { :‬إنّما العمال بالنّيّات وإنّما لك ّ‬
‫ن إخراج المال للّه يكون فر ً‬
‫ضا‬ ‫ئ ما نوى } ‪ .‬ول ّ‬ ‫امر ٍ‬
‫ويكون نفًل ‪ ،‬فافتقرت الفريضة إلى النّيّة لتمييزها‬
‫صلة ‪ .‬ومعنى النّيّة‬ ‫سا على ال ّ‬ ‫عن النّفل ‪ ،‬وقيا ً‬
‫ن ما يخرجه‬ ‫المشترطة في الّزكاة أن يقصد بقلبه أ ّ‬

‫‪229‬‬
‫هو الّزكاة الواجبة عليه في ماله ‪ ،‬وإن كان يخرج‬
‫ن أن يقصد أنّها‬ ‫ي أو مجنو ٍ‬ ‫من تحت يده من صب ٍ ّ‬ ‫ع ّ‬
‫الّزكاة الواجبة عليهما ‪ .‬ويعتبر أن يكون النّاوي‬
‫مكلًّفا ; لنّها فريضة ‪ .‬وينوي عند دفعها إلى المام‬
‫ل ‪ .‬فإن نوى‬ ‫أو إلى مستحّقها ‪ ،‬أو قبل الدّفع بقلي ٍ‬
‫بعد الدّفع لم يجزئه على ما صّرح به المالكيّة‬
‫شرط مقارنة النّيّة‬ ‫ما عند الحنفيّة فال ّ‬ ‫شافعيّة ‪ .‬أ ّ‬‫وال ّ‬
‫م نوى والمال‬ ‫ما ‪ ،‬كما لو دفع بل نيّةٍ ث ّ‬ ‫للداء ولو حك ً‬
‫ما في ملك الفقير بخلف ما إذا نوى‬ ‫ل يزال قائ ً‬
‫بعدما استهلكه الفقير أو باعه فل تجزئ عن الّزكاة ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن عزل الّزكاة‬ ‫وقال الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫عن ماله ونوى عند العزل أنّها زكاة كفى ذلك ‪ ،‬ولو‬
‫ن الدّفع‬‫لم ينو عند الدّفع ‪ ،‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل ّ‬
‫ل دفٍع ‪،‬‬ ‫يتفّرق ‪ ،‬فيتحّرج باستحضار النّيّة عند ك ّ‬
‫فاكتفي بذلك ‪ ،‬للحرج ‪ .‬وإن دفع الّزكاة إلى وكيله‬
‫ناويًا أنّها زكاة كفى ذلك ‪ ،‬والفضل أن ينوي الوكيل‬
‫ضا ول تكفي نيّة‬ ‫ضا عند الدّفع إلى المستحّقين أي ً‬ ‫أي ً‬
‫ل ماله إلى‬ ‫الوكيل وحده ‪ .‬ولو دفع النسان ك ّ‬
‫الفقراء تطوّع ًا بعد ما وجبت فيه الّزكاة ‪ ،‬لم تسقط‬
‫مته ‪ ،‬وبهذا قال‬ ‫عنه الّزكاة ‪ ،‬بل تبقى في ذ ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة لنّه لم ينو الفرض ‪ .‬وقال‬ ‫ال ّ‬
‫الحنفيّة ‪ :‬تسقط عنه الّزكاة في هذه الحال‬
‫ل زالت المزاحمة بين‬ ‫ما أدّى الك ّ‬‫استحسانًا لنّه ل ّ‬
‫ل للّه‬
‫الجزء المؤدّى وسائر الجزاء ‪ ،‬وبأداء الك ّ‬
‫تعالى تحّقق أداء الجزء الواجب ‪ .‬ول يجب تعيين‬
‫المال المخرج عنه ‪ ،‬لكن لو عيّنه تعيّن ‪ .‬فلو أخرج‬
‫الّزكاة ونوى عن ماله الغائب الّذي ل يعلم سلمته‬
‫م إن تبيّنت سلمته أجزأه ‪،‬‬ ‫ن الصل بقاؤه ث ّ‬ ‫جاز ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل‬‫وإن تبيّن تلفه لم يجز أن يصرف الّزكاة إلى ما ٍ‬

‫‪230‬‬
‫آخر ‪ ،‬وإن نوى عن مالي الغائب أو الحاضر ‪ ،‬فتبيّن‬
‫تلف الغائب أجزأت عن الحاضر ‪ ،‬وإن نوى بالمخرج‬
‫ك في موت‬ ‫أن يكون زكاة المال الموروث الّذي يش ّ‬
‫مورثه لم تجزئه ‪ ،‬لنّه متردّد والصل عدم الموت ‪.‬‬
‫ول يشترط علم آخذ الّزكاة أنّها زكاة ‪.‬‬
‫سلطان الّزكاة ‪:‬‬ ‫النّيّة عند أخذ ال ّ‬
‫نوابه الّزكاة من الممتنع‬ ‫سلطان أو ّ‬ ‫‪ - 123‬إن أخذ ال ّ‬
‫عن أدائها قهًرا ‪ ،‬وبمنزلة الممتنع قهًرا من غيّب‬
‫ماله لئل ّ تؤخذ منه الّزكاة ‪ ،‬والسير ‪ ،‬ومن يتعذ ّر‬
‫الوصول إليه ‪ ،‬على ما صّرح به شارح المنتهى ‪ ،‬فقد‬
‫ح‬‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫اختلف الفقهاء في ذلك ‪ .‬فقال ال ّ‬
‫سلطان الّزكاة من‬ ‫وهو قول عند الحنابلة ‪ :‬إن أخذ ال ّ‬
‫الممتنع قهًرا ونوى عند الخذ أو عند التّفريق ‪،‬‬
‫ن تعذ ّر النّيّة‬ ‫أجزأت عن الممتنع ظاهًرا وباطنًا ‪ ،‬ل ّ‬
‫صغير والمجنون ‪،‬‬ ‫في حّقه أسقط وجوبها عنه ‪ ،‬كال ّ‬
‫سلطان له ولية على المالك ‪ .‬وأطلق المالكيّة‬ ‫وال ّ‬
‫القول بإجزائها ‪ ،‬وظاهره إجزاؤها ظاهًرا وباطنًا ‪.‬‬
‫سلطان‬ ‫وقال القاضي من الحنابلة ‪ :‬إذا أخذها ال ّ‬
‫ن‬
‫أجزأت من غير نيّةٍ سواء أخذها طوعًا أو كرهًا ‪ ،‬ل ّ‬
‫شركاء ‪ ،‬لنّه‬ ‫أخذ المام لها بمنزلة القسم بين ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وبدليل‬ ‫م ً‬‫ة عا ّ‬‫سلطان ولي ً‬ ‫ن لل ّ‬‫وكيل الفقراء ; ول ّ‬
‫أنّه يأخذها من الممتنع اتّفاقًا ‪ ،‬ولو لم يجزئه لما‬
‫ة ‪ ،‬حتّى ينفد ماله ‪.‬‬ ‫ة وثالث ً‬
‫أخذها ‪ ،‬أو لخذها ثاني ً‬
‫ل من الحنابلة ‪ :‬إن‬ ‫وفي قول أبي الخطّاب وابن عقي ٍ‬
‫أخذها المام قهًرا أجزأت ظاهًرا ‪ ،‬فل يطالب بها ‪،‬‬
‫من وجبت‬ ‫ول تجزئ باطنًا ‪ ،‬لنّها عبادة ‪ ،‬فل تجزئ ع ّ‬
‫صلة ‪ ،‬وأخذ المام لها يسقط‬ ‫عليه بغير نيّةٍ ‪ ،‬كال ّ‬
‫المطالبة بها ل غير ‪.‬‬
‫تعجيل الّزكاة عن وقت الوجوب ‪:‬‬

‫‪231‬‬
‫‪ - 124‬ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفيّة‬
‫شافعيّة والحنابلة وأبو عبيد ٍ وإسحاق ‪ ،‬إلى أنّه‬ ‫وال ّ‬
‫يجوز للمزكّي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل ميعاد‬
‫ن العبّاس سأل رسول اللّه‬ ‫وجوبها ‪ ،‬لما ورد { أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن‬
‫ي صلى الله‬ ‫خص له في ذلك ‪ .‬وقال النّب ّ‬ ‫ل ‪ ،‬فر ّ‬ ‫تح ّ‬
‫عليه وسلم لعمر ‪ :‬إنّا قد أخذنا زكاة العبّاس عام‬
‫شافعيّة قالوا ‪ :‬يجوز‬ ‫ن ال ّ‬‫الوّل للعام } ‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬‫حل ّ‬ ‫التّعجيل لعام ٍ واحدٍ ول يجوز لعامين في الص ّ‬
‫زكاة العام الثّاني لم ينعقد حولها ‪ .‬واشترطوا لجواز‬
‫ذلك أن يكون النّصاب موجودًا ‪ ،‬فل يجوز تعجيل‬
‫ن‬
‫ف ‪ ،‬وذلك ل ّ‬ ‫الّزكاة قبل وجود النّصاب ‪ ،‬بغير خل ٍ‬
‫النّصاب سبب وجوب الّزكاة ‪ ،‬والحول شرطها ول‬
‫يقدّم الواجب قبل سببه ‪ ،‬ويجوز تقديمه قبل شرطه‬
‫‪ ،‬كإخراج كّفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث ‪،‬‬
‫سع‬ ‫وكّفارة القتل بعد الجرح وقبل الّزهوق ‪ .‬وتو ّ‬
‫ب واحدٍ جاز أن‬ ‫الحنفيّة فقالوا ‪ :‬إن كان مالكًا لنصا ٍ‬
‫ن الّلحق تابع للحاصل ‪.‬‬ ‫ةل ّ‬ ‫ب كثير ٍ‬ ‫جل زكاة نص ٍ‬ ‫يع ّ‬
‫ن النّصاب‬ ‫شافعيّة أجازوا ذلك في مال التّجارة ل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫فيها عندهم مشترط في آخر الحول فقط ل في‬
‫أوّله ول في أثنائه ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬إن ملك نصابًا‬
‫فقدّم زكاته وزكاة ما قد يستفيده بعد ذلك فل يجزئه‬
‫شافعيّة‬ ‫عندهم ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ ،‬وهو المعتمد عند ال ّ‬
‫‪ :‬إن قدّم زكاته وزكاة ما قد ينتج منه ‪ ،‬أو يربحه منه‬
‫‪ ،‬أجزأه لنّه تابع لما هو مالكه الن ‪ .‬وذهب المالكيّة‬
‫إلى أنّه إن أخرج زكاة الثّمار أو الّزروع قبل الوجوب‬
‫ح ولم تجزئ عنه ‪.‬‬ ‫‪ ،‬بأن دفع الّزكاة من غيرها لم يص ّ‬
‫وكذا ل تجزئ زكاة الماشية إن قدّمها وكان هناك‬
‫ما زكاة‬ ‫ساٍع يأتي لقبضها فأخرجها قبل قدومه ‪ .‬أ ّ‬

‫‪232‬‬
‫العين والماشية الّتي ليس لها ساٍع فيجوز تقديمها‬
‫في حدود شهرٍ واحدٍ ل أكثر ‪ ،‬وهذا على سبيل‬
‫الّرخصة ‪ ،‬وهو مع ذلك مكروه والصل عدم الجزاء‬
‫لنّها عبادة موقوتة بالحول ‪.‬‬
‫تأخير إخراج الّزكاة عن وقت وجوبها ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة وهو‬ ‫‪ - 125‬ذهب جمهور العلماء ( ال ّ‬
‫ن الّزكاة متى وجبت ‪،‬‬ ‫المفتى به عند الحنفيّة ) إلى أ ّ‬
‫وجبت المبادرة بإخراجها على الفور ‪ ،‬مع القدرة‬
‫ن‬‫جوا بأ ّ‬ ‫ضرر ‪ .‬واحت ّ‬
‫ٍ‬ ‫على ذلك وعدم الخشية من‬
‫اللّه تعالى أمر بإيتاء الّزكاة ‪ ،‬ومتى تحّقق وجوبها‬
‫جه المر على المكلّف بها ‪ ،‬والمر المطلق‬ ‫تو ّ‬
‫يقتضي الفور عندهم ; ولنّه لو جاز التّأخير لجاز إلى‬
‫ن حاجة‬ ‫غير غايةٍ فتنتفي العقوبة على التّرك ; ول ّ‬
‫الفقراء ناجزة ‪ ،‬وحّقهم في الّزكاة ثابت ‪ ،‬فيكون‬
‫تأخيرها منعًا لحّقهم في وقته ‪ .‬وسئل أحمد ‪ :‬إذا‬
‫ابتدأ في إخراجها فجعل يخرجها أوًّل فأوًّل ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫‪ ،‬بل يخرجها كلّها إذا حال الحول ‪ .‬وقال ‪ :‬ل يجري‬
‫ل شهرٍ ‪ ،‬أي مع التّأخير ‪.‬‬ ‫على أقاربه من الّزكاة ك ّ‬
‫لعذر ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ :‬ويجوز التّأخير‬ ‫م قال ال ّ‬‫ث ّ‬
‫شافعيّة من العذار ‪ :‬أن يكون المال‬ ‫ما ذكره ال ّ‬‫وم ّ‬
‫ن يمكن فيه إحضاره ‪،‬‬ ‫ي زم ٍ‬‫غائبًا فيمهل إلى مض ّ‬
‫ي أو دنيويّ ‪ ،‬وأن‬ ‫م دين ّ‬ ‫وأن يكون بإخراجها أمر مه ّ‬
‫ما ذكره الحنابلة‬ ‫حا أو جاًرا ‪ .‬وم ّ‬ ‫ينتظر بإخراجها صال ً‬
‫أن يكون عليه مضّرة في تعجيل الخراج ‪ ،‬مثل من‬
‫ساعي ‪ ،‬ويخشى إن‬ ‫يحول عليه الحول قبل مجيء ال ّ‬
‫ساعي منه مّرةً أخرى ‪ .‬وكذا‬ ‫أخرجها بنفسه أخذها ال ّ‬
‫ل له‬ ‫إن خشي في إخراجها ضرًرا في نفسه أو ما ٍ‬
‫ي‬‫ن مثل ذلك يجوز تأخير دين الدم ّ‬ ‫سواها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬ ‫لجله ‪ ،‬فدين اللّه أولى ‪ .‬وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬

‫‪233‬‬
‫الحاضر يجب عليه أن يخرج زكاة ما حضر من ماله‬
‫ضرورة‬ ‫وما غاب دون تأخيرٍ مطلًقا ‪ ،‬ولو دعت ال ّ‬
‫لصرف ما حضر ‪ ،‬بخلف المسافر فله التّأخير إن‬
‫ضرورة أو الحاجة لصرف ما معه في نفقته ‪.‬‬ ‫دعته ال ّ‬
‫ن‬‫مة مشايخهم أ ّ‬ ‫والقول الخر للحنفيّة ‪ ،‬وعليه عا ّ‬
‫أي‬
‫افتراض الّزكاة عمريّ ‪ ،‬أي على التّراخي ففي ّ‬
‫ت أدّى يكون مؤدّيًا للواجب ‪ ،‬ويتعيّن ذلك الوقت‬ ‫وق ٍ‬
‫للوجوب ‪ ،‬وإذا لم يؤد ّ إلى آخر عمره يتضيّق عليه‬
‫ل له‬ ‫الوجوب حتّى لو لم يؤد ّ يأثم إذا مات ‪ .‬واستد ّ‬
‫ن من عليه الّزكاة إذا هلك نصابه بعد‬ ‫صاص بأ ّ‬ ‫الج ّ‬
‫تمام الحول والتّمكّن من الداء ل يضمن ‪ ،‬ولو كانت‬
‫خر صوم رمضان عن‬ ‫على الفور لضمن ‪ ،‬كمن أ ّ‬
‫ن عليه القضاء ‪.‬‬ ‫وقته فإ ّ‬
‫حكم من ترك إخراج الّزكاة حتّى مات ‪:‬‬
‫‪ - 126‬من ترك الّزكاة الّتي وجبت عليه ‪ ،‬وهو‬
‫متمكّن من إخراجها ‪ ،‬حتّى مات ولم يوص بإخراجها‬
‫م ذهب جمهور الفقهاء منهم مالك‬ ‫أثم إجماع ًا ‪ .‬ث ّ‬
‫ي ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وإسحاق ‪ ،‬وأبو ثورٍ ‪ ،‬وابن‬ ‫شافع ّ‬ ‫وال ّ‬
‫زهري‬
‫ّ‬ ‫مروي عن عطاءٍ ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫المنذر ‪ ،‬وهو‬
‫ن من مات وعليه زكاة لم يؤدّها فإنّها ل‬ ‫إلى أ ّ‬
‫تسقط عنه بالموت كسائر حقوق اللّه تعالى‬
‫ج والكّفارات ‪ ،‬ويجب إخراجها من‬ ‫الماليّة ‪ ،‬ومنها الح ّ‬
‫ماله سواء أوصى بها أو لم يوص ‪ ،‬وتخرج من ك ّ‬
‫ل‬
‫ماله لنّها دين للّه ‪ ،‬فتعامل معاملة الدّين ‪ ،‬ول‬
‫ن الثّلث يكون فيما بعد‬ ‫تزاحم الوصايا في الثّلث ; ل ّ‬
‫ق واجب في المال ‪ ،‬فلم‬ ‫الدّين ‪ .‬واستدلّوا بأنّه ح ّ‬
‫شافعيّة ‪:‬‬ ‫م قال ال ّ‬ ‫ي‪.‬ث ّ‬‫تسقط بالموت كدين الدم ّ‬
‫ي يقدّم دين اللّه‬ ‫إذا اجتمع دين اللّه مع دين الدم ّ‬
‫لحديث { دين اللّه أحقّ أن يقضى } ‪ .‬وقيل ‪ :‬يقدّم‬

‫‪234‬‬
‫ي‬
‫ي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يستويان ‪ .‬وذهب الوزاع ّ‬ ‫دين الدم ّ‬
‫ة على الوصايا‬ ‫واللّيث إلى أنّها تؤخذ من الثّلث مقدّم ً‬
‫وري‬
‫ّ‬ ‫ول يجاوز بها الثّلث ‪ .‬وذهب أبو حنيفة والث ّ‬
‫ن الّزكاة تسقط بالموت‬ ‫ي إلى أ ّ‬ ‫شعب ّ‬ ‫ي وال ّ‬ ‫والنّخع ّ‬
‫بمعنى أنّها ل يجب إخراجها من تركته ‪ ،‬فإن كان قد‬
‫أوصى بها فهي وصيّة تزاحم سائر الوصايا في الثّلث‬
‫‪ ،‬وإن لم يوص بها سقطت ‪ ،‬لنّها عبادة من شرطها‬
‫صلة‬
‫النّيّة ‪ ،‬فسقطت بموت من هي عليه كال ّ‬
‫صوم ‪ ،‬فإن أخرجها الورثة فهي صدقة تطوٍّع‬ ‫وال ّ‬
‫منهم ‪ .‬ويستثنى من هذا عند الحنفيّة في ظاهر‬
‫الّرواية عشر الخارج من الرض ‪ ،‬فيؤخذ من تركة‬
‫الميّت لنّه عندهم في معنى مئونة الرض ‪ .‬وفي‬
‫م عند المالكيّة تخرج زكاة‬ ‫ضا ‪ .‬ث ّ‬
‫روايةٍ ‪ :‬بل يسقط أي ً‬
‫فّرط فيها من رأس ماله إن تحّقق أنّه لم يخرجها ‪،‬‬
‫ما إن كان ذلك بمجّرد إقراره في مرض موته‬ ‫أ ّ‬
‫مته ‪ ،‬وأوصى بإخراجها فهي‬ ‫وأشهد على بقائها في ذ ّ‬
‫ما زكاة عام موته‬ ‫من الثّلث ‪ ،‬وإل ّ فل تخرج أصًل ‪ .‬وأ ّ‬
‫فإن اعترف بحلولها وأوصى بإخراجها أخرجت من‬
‫رأس المال ‪.‬‬
‫تراكم الّزكاة لسنين ‪:‬‬
‫‪ - 127‬إذا أتى على المكلّف بالّزكاة سنون لم يؤدّ‬
‫مت شروط الوجوب ‪ ،‬لم يسقط‬ ‫زكاته فيها وقد ت ّ‬
‫عنه منها شيء اتّفاقًا ‪ ،‬ووجب عليه أن يؤدّي الّزكاة‬
‫سنين الّتي مضت ولم يخرج زكاته فيها ‪.‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫عن ك ّ‬
‫ولكن اختلف الفقهاء في أنّه هل يسقط من المال‬
‫سنة الولى ويزكّي في الثّانية ما عداه ‪،‬‬ ‫قدر زكاته لل ّ‬
‫ل المال‬ ‫وهكذا في الثّالثة وما بعدها ‪ ،‬أم يزكّي ك ّ‬
‫سنين ؟ ‪ .‬قال ابن قدامة ‪ :‬فائدة الخلف ‪:‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫لك ّ‬
‫مة فحال على ماله حولن لم‬ ‫أنّها إذا كانت في الذ ّ ّ‬

‫‪235‬‬
‫يؤد ّ زكاتهما وجب عليه أداؤها لما مضى ‪ ،‬ول تنقضي‬
‫عنه الّزكاة في الحول الثّاني ‪ ،‬وكذلك إن كان أكثر‬
‫ب لم تنقص الّزكاة ‪ ،‬وإن مضى عليه أحوال‬ ‫من نصا ٍ‬
‫ل‬
‫‪ ،‬فلو كان عنده أربعون شاة ً مضى عليها ثلثة أحوا ٍ‬
‫لم يؤد ّ زكاتها وجب عليه ثلث شياهٍ ‪ ،‬وإن كانت‬
‫ن الّزكاة‬‫مائة دينارٍ ‪ ،‬فعليه سبعة دنانير ونصف ; ل ّ‬
‫مته فلم يؤثّر في تنقيص النّصاب ‪ ،‬لكن‬ ‫وجبت في ذ ّ‬
‫إن لم يكن له مال آخر يؤدّي الّزكاة منه احتمل أن‬
‫ن الدّين يمنع وجوب‬ ‫تسقط الّزكاة في قدرها ; ل ّ‬
‫الّزكاة ‪ .‬وإن قلنا ‪ :‬الّزكاة تتعلّق بالعين ‪ ،‬وكان‬
‫ما تجب الّزكاة في عينه فحالت عليه‬ ‫النّصاب م ّ‬
‫أحوال لم تؤد ّ زكاتها تعلّقت الّزكاة في الحول الوّل‬
‫من النّصاب بقدرها ‪ ،‬فإن كان نصابًا ل زيادة عليه‬
‫ن النّصاب‬ ‫فل زكاة فيه فيما بعد الحول الوّل ; ل ّ‬
‫ب عزل قدر فرض‬ ‫نقص فيه ‪ ،‬وإن كان أكثر من نصا ٍ‬
‫الحول الوّل ‪ ،‬وعليه زكاة ما بقي ‪ .‬وهذا هو‬
‫المنصوص عن أحمد في رواية جماعة ‪.‬‬
‫ك هل أدّى الّزكاة أم لم يؤدّها ‪:‬‬ ‫حكم من ش ّ‬
‫ن‬
‫‪ - 128‬تعّرض لهذه المسألة الحنفيّة ‪ :‬فقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫ك هل أدّى زكاته أو ل يجب عليه أن يزكّي‬ ‫من ش ّ‬
‫ك بعد الوقت أنّه هل صلّى أم ل ‪ ،‬ل‬ ‫بخلف ما لو ش ّ‬
‫ن وقت الّزكاة ل آخر له ‪ ،‬بل هو‬ ‫يعيد ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ّ‬
‫صلة في الوقت ‪.‬‬ ‫ك في ال ّ‬‫ش ّ‬‫ك فيها كال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫العمر ‪ ،‬فال ّ‬
‫ن‬
‫وقواعد المذاهب الخرى تقتضي مثل ذلك فإ ّ‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬‫اليقين ل يزول بال ّ‬
‫( صور إخراج الّزكاة ) ‪:‬‬
‫ما أن تخرج من أعيان المال وهو‬ ‫‪ - 129‬الّزكاة إ ّ‬
‫الصل في غير زكاة العروض التّجاريّة وقد تقدّم ‪.‬‬
‫ن‬‫ما أن تخرج القيمة ‪ .‬ذهب الجمهور إلى أ ّ‬ ‫وإ ّ‬

‫‪236‬‬
‫الواجب في زكاة عروض التّجارة إخراج القيمة ‪ ،‬ول‬
‫يجزئ إخراج شي ٍء من أعيان العروض عندهم ‪،‬‬
‫خلفًا للحنفيّة القائلين بالجواز ‪ .‬ويجزئ إخراج‬
‫ضة بالقيمة وعكسه ‪ ،‬وهو مذهب‬ ‫الذ ّهب عن الف ّ‬
‫جحها ابن‬ ‫الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬ورواية عند الحنابلة ر ّ‬
‫ن المقصود من هذين الجنسين‬ ‫قدامة ‪ .‬وذلك ل ّ‬
‫سل بها إلى المقاصد ‪ ،‬وذلك موجود‬ ‫الثّمنيّة ‪ ،‬والتّو ّ‬
‫في الجنسين جميعًا ‪ ،‬ومن هنا فّرق من فّرق بينهما‬
‫س مقصودًا‬ ‫ل جن ٍ‬ ‫ن لك ّ‬‫وبين سائر الجناس ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن إخراج‬ ‫صا به ل يحصل بالجنس الخر ‪ .‬ول ّ‬ ‫مخت ًّ‬
‫القيمة هنا قد يكون أرفق بالخذ والمعطي ‪ .‬وقد‬
‫ضرر عنهما ‪ ،‬فإنّه لو تعيّن إخراج زكاة‬ ‫يندرئ به ال ّ‬
‫ل من أربعين‬ ‫ق على من يملك أق ّ‬ ‫الدّنانير منها ش ّ‬
‫دينار ‪ ،‬لنّه يحتاج إلى‬
‫ٍ‬ ‫ديناًرا ذهبًا إخراج جزءٍ من‬
‫ل‬‫قطعه أو بيعه أو مشاركة الفقير له فيه ‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫ذلك ضرر ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ :‬وعلى هذا ل يجوز‬
‫البدال في موضٍع يلحق فيه الفقير ضرر ‪ .‬وأضاف‬
‫المالكيّة على المشهور عندهم جواز إخراج الفلوس‬
‫ضة ‪.‬‬
‫ل من الذ ّهب والف ّ‬ ‫عن ك ٍّ‬
‫ما ما عدا ذلك كزكاة المواشي والّزروع‬ ‫‪ - 130‬وأ ّ‬
‫ضة عن غيرهما أو‬ ‫وإخراج زكاة الذ ّهب أو الف ّ‬
‫العكس ‪ ،‬فقد اختلف الفقهاء في إخراج القيمة على‬
‫شافعيّة ‪ ،‬والمالكيّة‬ ‫مذاهب ‪ :‬فذهب الجمهور ( ال ّ‬
‫ة وهي المذهب ) إلى‬ ‫ل ‪ ،‬والحنابلة في رواي ٍ‬ ‫على قو ٍ‬
‫أنّه ل يجوز إخراج القيم في الّزكاة ‪ ،‬واستثنى بعض‬
‫ن عن بنت‬ ‫أصحاب هذا القول نحو إخراج بنت لبو ٍ‬
‫جوا بحديث { في أربعين شاةٍ شاة ‪،‬‬ ‫ض ‪ .‬واحت ّ‬ ‫مخا ٍ‬
‫شاة‬‫وفي مائتي درهم ٍ خمسة دراهم } فتكون ال ّ‬
‫المذكورة والدّراهم المذكورة هي المأمور بها ‪،‬‬

‫‪237‬‬
‫ضا بما في‬ ‫جوا أي ً‬ ‫والمر يقتضي الوجوب ‪ .‬واحت ّ‬
‫صدقة الّتي فرضها‬ ‫حديث كتاب أبي بكرٍ { هذه ال ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على المسلمين‬
‫س وعشرين‬ ‫وأمر بها أن تؤدّى ‪ ،‬وكان فيه ‪ :‬في خم ٍ‬
‫ن‬‫ض ‪ ،‬فإن لم تكن فابن لبو ٍ‬ ‫من البل بنت مخا ٍ‬
‫ل على أنّه أراد عينها ‪ .‬وبحديث معا ٍذ‬ ‫ذكر } وهذا يد ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال‬ ‫ن النّب ّ‬‫أ ّ‬
‫شاة من الغنم ‪ ،‬والبعير‬ ‫ب ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ب من الح ّ‬ ‫{ خذ الح ّ‬
‫ن الّزكاة‬ ‫من البل ‪ ،‬والبقرة من البقر } ‪ .‬قالوا ‪ :‬ول ّ‬
‫فرضت دفعًا لحاجة الفقير ‪ ،‬وحاجاته متنوّعة ‪،‬‬
‫فينبغي أن يتنوّع الواجب ليتنوّع ما يصل إليه ‪،‬‬
‫ووجبت شكًرا لنعمة المال ‪ ،‬ويحصل ذلك بالمواساة‬
‫ن الّزكاة قربة للّه تعالى‬ ‫ما أنعم اللّه به عليه ‪ .‬ول ّ‬ ‫م ّ‬
‫وما كان كذلك فسبيله التّباع ‪ ،‬ولو جازت القيمة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وذهب الحنفيّة ‪،‬‬ ‫لبيّنها النّب ّ‬
‫وهو القول المشهور عند المالكيّة ‪ ،‬والّرواية الخرى‬
‫ن إخراج القيمة‬ ‫وري إلى أ ّ‬ ‫ّ‬ ‫عند الحنابلة وقول الث ّ‬
‫جائز ‪ ،‬وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز ‪ .‬لكن‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬يجوز ‪ ،‬ويجزئ مع الكراهة ; لنّه من‬
‫صدقة الّتي أخرجها للّه تعالى‬ ‫قبيل شراء النسان ال ّ‬
‫ن معاذ ًا‬ ‫ج القائلون بإجزاء القيمة ‪ ،‬بما روي أ ّ‬ ‫‪ .‬واحت ّ‬
‫ب آخذه منكم‬ ‫قال لهل اليمن ‪ :‬ائتوني بعرض ثيا ٍ‬
‫شعير ‪ ،‬فإنّه أهون عليكم ‪ ،‬وخير‬ ‫مكان الذ ّرة وال ّ‬
‫للمهاجرين بالمدينة ‪ .‬وقال عطاء ‪ « :‬كان عمر بن‬
‫صدقة‬ ‫الخطّاب رضي الله عنه يأخذ العروض في ال ّ‬
‫ن الغرض منها سد ّ خلّة‬ ‫من الدّراهم أي عنها ; ول ّ‬
‫ن حاجاته مختلفة‬ ‫المحتاج ‪ ،‬وذلك معنًى معقول ; ول ّ‬
‫سا على‬ ‫صل ما شاء من حاجاته ‪ .‬وقيا ً‬ ‫‪ ،‬وبالقيمة يح ّ‬
‫ن القيمة مجزئة فيها اتّفاقًا ‪ ،‬والغرض منها‬ ‫الجزية فإ ّ‬

‫‪238‬‬
‫جوا‬‫كفاية المقاتلة ‪ ،‬ومن الّزكاة كفاية الفقير ‪ .‬واحت ّ‬
‫س المرفوع { من بلغت عنده‬ ‫ضا بما في حديث أن ٍ‬ ‫أي ً‬
‫من البل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده‬
‫حّقة فإنّها تؤخذ منه الحّقة ‪ ،‬ويجعل معها شاتين إن‬
‫ما } ‪ .‬قال ابن الهمام‬ ‫استيسرتا له ‪ ،‬أو عشرين دره ً‬
‫‪ :‬فانتقل إلى القيمة في موضعين ‪ ،‬فعلمنا أن ليس‬
‫ن المعيّن وإل ّ لسقط إن‬ ‫س ّ‬
‫المقصود خصوص عين ال ّ‬
‫م قال‬ ‫تعذ ّر ‪ ،‬أو لوجب عليه أن يشتريه فيدفعه ‪ .‬ث ّ‬
‫المالكيّة ‪ :‬إن أكره على دفع القيمة فدفعها أجزأت ‪،‬‬
‫قوًل واحدًا ‪ .‬وقال ابن تيميّة ‪ :‬ل تجزئ القيم إل ّ عند‬
‫الحاجة ‪ ،‬مثل من يبيع عنبه ورطبه قبل اليبس ‪ .‬قال‬
‫حا ‪ ،‬فإنّه منع‬
‫‪ :‬وهذا هو المنصوص عن أحمد صري ً‬
‫من إخراج القيم وجوّزه في مواضع للحاجة ‪.‬‬
‫ق للّزكاة ‪:‬‬‫الخراج بإسقاط المزكّي دينه عن مستح ٍ ّ‬
‫‪ - 131‬ل يجوز للدّائن أن يسقط دينه عن مدينه‬
‫الفقير المعسر الّذي ليس عنده ما يسد ّ به دينه‬
‫ويحسبه من زكاة ماله ‪ .‬فإن فعل ذلك لم يجزئه‬
‫عن الّزكاة ‪ ،‬وبهذا قال الحنفيّة والحنابلة والمالكيّة‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وقول‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫ما عدا أشهب ‪ ،‬وهو الص ّ‬
‫ن الّزكاة لحقّ اللّه تعالى ‪،‬‬ ‫أبي عبيد ٍ ‪ .‬ووجه المنع أ ّ‬
‫فل يجوز للنسان أن يصرفها إلى نفع نفسه أو إحياء‬
‫ل‬
‫شافعيّة في قو ٍ‬ ‫ماله ‪ ،‬واستيفاء دينه ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫وأشهب من المالكيّة وهو منقول عن الحسن‬
‫البصريّ وعطاءٍ ‪ :‬إلى جواز ذلك ; لنّه لو دفع إليه‬
‫م أخذها منه عن دينه جاز ‪ ،‬فكذا هذا ‪ .‬فإن‬ ‫زكاته ث ّ‬
‫دفع الدّائن زكاة ماله إلى مدينه فردّها المدين إليه‬
‫سدادًا لدينه ‪ ،‬أو استقرض المدين ما يسد ّ به دينه‬
‫فدفعه إلى الدّائن فردّه إليه واحتسبه من الّزكاة ‪،‬‬
‫ة ‪ ،‬أو تواطؤًا ‪ ،‬أو قصدًا لحياء‬ ‫فإن لم يكن ذلك حيل ً‬

‫‪239‬‬
‫ماله ‪ ،‬جاز عند الجمهور ‪ ،‬وهو قول عند المالكيّة ‪.‬‬
‫وإن كان على سبيل الحيلة لم يجز عند المالكيّة‬
‫شافعيّة ما لم يكن ذلك عن‬ ‫والحنابلة ‪ ،‬وجاز عند ال ّ‬
‫ق ‪ ،‬بل بمجّرد النّيّة من الطّرفين ‪ .‬لكن‬ ‫ط واتّفا ٍ‬
‫شر ٍ‬
‫صّرح الحنفيّة بأنّه لو وهب جميع الدّين إلى المدين‬
‫الفقير سقطت زكاة ذلك الدّين ولو لم ينو الّزكاة ‪،‬‬
‫وهذا استحسان ‪.‬‬
‫احتساب المكس ونحوه عن الّزكاة ‪:‬‬
‫ي ‪ :‬إذا نوى أن يكون‬ ‫ي الحنف ّ‬ ‫سرخس ّ‬ ‫‪ - 132‬قال ال ّ‬
‫صحيح ‪ -‬أي عند الحنفيّة ‪ -‬أنّه ل يقع‬ ‫المكس زكاة ً فال ّ‬
‫عن الّزكاة ‪ ،‬ونقله ابن عابدين عن الفتاوى البّزازيّة‬
‫شيخ عليش فيمن يملك‬ ‫‪ .‬وعند المالكيّة أفتى ال ّ‬
‫ما‬
‫نصابًا من النعام ‪ ،‬فجعل عليه الحاكم نقدًا معلو ً‬
‫ل سنةٍ ‪ ،‬يأخذه بغير اسم الّزكاة ‪ ،‬فل يسوغ له أن‬ ‫ك ّ‬
‫ينوي به الّزكاة ‪ ،‬وإن نواها ل تسقط عنه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ي والحطّاب ‪ .‬وفي المجموع‬ ‫أفتى به النّاصر اللّقان ّ‬
‫ما ل‬ ‫ن الخراج المأخوذ ظل ً‬ ‫للنّوويّ ‪ :‬اتّفق الصحاب أ ّ‬
‫سلطان على أن‬ ‫يقوم مقام العشر ‪ ،‬فإن أخذه ال ّ‬
‫يكون بدل العشر فهو كأخذ القيمة ‪ ،‬وفي سقوط‬
‫سقوط به ‪ ،‬فعلى هذا‬ ‫صحيح ال ّ‬ ‫الفرض به خلف ‪ ،‬وال ّ‬
‫حجر‬
‫ٍ‬ ‫إن لم يبلغ در العشر أخرج الباقي ‪ .‬وأفتى ابن‬
‫ن ما يؤخذ من التّاجر من المكس ل‬ ‫ي بأ ّ‬
‫الهيتم ّ‬
‫ن المام‬ ‫يحسب عنه زكاة ً ‪ ،‬ولو نوى به الّزكاة ; ل ّ‬
‫لم يأخذه باسم الّزكاة ‪ .‬وعند الحنابلة روايتان ‪:‬‬
‫إحداهما يجزئ والخرى ل يجزئ ‪ ،‬قال ابن مفلٍح ‪:‬‬
‫ح ; لنّه أخذها غصبًا ‪ .‬وفي فتاوى ابن‬ ‫وهي الص ّ‬
‫تيميّة ‪ :‬ما يأخذه ولة المور بغير اسم الّزكاة ل يعتدّ‬
‫به من الّزكاة ‪.‬‬
‫ما ينبغي لمخرج الّزكاة مراعاته في الخراج ‪:‬‬

‫‪240‬‬
‫ب للمزكّي إخراج الجيّد من ماله ‪،‬‬ ‫‪ - 133‬أ ‪ -‬يستح ّ‬
‫ن الواجب في حّقه الوسط ‪ ،‬وذلك لقول‬ ‫مع العلم بأ ّ‬
‫اللّه تبارك وتعالى ‪ { :‬يا أيّها الّذين آمنوا أنفقوا من‬
‫ما أخرجنا لكم من الرض ول‬ ‫طيّبات ما كسبتم وم ّ‬
‫مموا الخبيث منه تنفقون } وقوله ‪ { :‬لن تنالوا‬ ‫تي ّ‬
‫ما تحبّون } ‪.‬‬ ‫البّر حتّى تنفقوا م ّ‬
‫‪ - 134‬ب ‪ -‬إظهار إخراج الّزكاة وإعلنه ‪ ،‬قال ابن‬
‫سّر في التّطوّع تفضل‬ ‫س ‪ :‬جعل اللّه صدقة ال ّ‬ ‫عبّا ٍ‬
‫علنيتها ‪ ،‬يقال ‪ :‬بسبعين ضعًفا ‪ ،‬وجعل صدقة‬
‫الفريضة علنيتها أفضل من سّرها ‪ ،‬يقال ‪ :‬بخمسةٍ‬
‫وعشرين ضعًفا ‪ ،‬قال ‪ :‬وكذلك جميع الفرائض‬
‫والنّوافل في الشياء كلّها ‪ .‬وقال الطّبريّ ‪ :‬أجمع‬
‫ما‬
‫ن إظهار الواجب أفضل ‪ .‬ا هـ ‪ .‬وأ ّ‬ ‫النّاس على أ ّ‬
‫ما هي وإن‬ ‫صدقات فنع ّ‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬إن تبدوا ال ّ‬
‫تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم } فهو في‬
‫صلة ‪ ،‬تطوّعها في البيت‬ ‫صدقة التّطوّع ‪ ،‬نظيرها ال ّ‬
‫أفضل ‪ ،‬وفريضتها في المسجد ومع الجماعة أفضل‬
‫‪.‬‬
‫ن والّرياء والذى ‪ ،‬وهذه المور‬ ‫ج ‪ -‬الحذر من الم ّ‬
‫ما يقصد به‬ ‫ل ما يخرج من المال م ّ‬ ‫محّرمة في ك ّ‬
‫وجه اللّه تعالى ‪ ،‬وتحبط الجر لقوله تعالى ‪ { :‬يا‬
‫ن والذى } ‪.‬‬ ‫أيّها الّذين آمنوا ل تبطلوا صدقاتكم بالم ّ‬
‫ب المالكيّة للمزكّي أن يستنيب من‬ ‫ومن هنا استح ّ‬
‫يخرجها خوف قصد المحمدة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار المزكّي من يعطيه الّزكاة ‪:‬‬
‫قين الّزكاة ليس بدرجةٍ واحدةٍ‬ ‫‪ - 136‬إعطاء المستح ّ‬
‫ص المالكيّة على أنّه‬ ‫من الفضل ‪ ،‬بل يتمايز ‪ .‬فقد ن ّ‬
‫يندب للمزكّي إيثار المضطّر أي المحتاج ‪ ،‬على‬

‫‪241‬‬
‫غيره ‪ ،‬بأن يزاد في إعطائه منها دون عموم‬
‫الصناف ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن ل يخبر المزكّي الفقير أنّها زكاة ‪:‬‬
‫‪ - 137‬قيل لحمد ‪ :‬يدفع الّرجل زكاته إلى الّرجل ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬هذا من الّزكاة ‪ ،‬أو يسكت ؟ قال ‪ :‬ولم‬
‫يبكّته بهذا القول ؟ يعطيه ويسكت ‪ ،‬ما حاجته إلى‬
‫أن يقّرعه ؟ وهذا يقتضي الكراهة وبه صّرح اللّقان ّ‬
‫ي‬
‫من المالكيّة ‪ ،‬قال ‪ :‬لما فيه من كسر قلب الفقير ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬ل بد ّ أن يقول‬ ‫وقال ابن أبي هريرة من ال ّ‬
‫بلسانه شيئًا ‪ ،‬كالهبة ‪ ،‬قال النّوويّ ‪ :‬هذا ليس‬
‫صحيح المشهور أنّه إذا دفعها إلى‬ ‫بشيءٍ ‪ .‬قال ‪ :‬وال ّ‬
‫المستحقّ ولم يقل هي زكاة ‪ ،‬ول تكلّم بشيءٍ أصًل‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن‬ ‫فإنّها تجزئه وتقع زكاةً ‪ .‬لكن قال ال ّ‬
‫أعطاه ولم يبيّن له أنّها زكاة فبان الخذ غنيًّا لم‬
‫يرجع عليه بشيءٍ ‪.‬‬
‫التّوكيل في أداء الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 138‬يجوز للمزكّي أن يوكّل غيره في أداء زكاته ‪،‬‬
‫سواء في إيصالها للمام أو نائبه ‪ ،‬أو في أدائها إلى‬
‫المستحقّ ‪ ،‬سواء عيّن ذلك المستحقّ أو فوّض‬
‫ن‬
‫شافعيّة على أ ّ‬ ‫ص ال ّ‬
‫تعيينه إلى الوكيل ‪ .‬وقد ن ّ‬
‫إخراج المزكّي الّزكاة بنفسه أفضل من التّوكيل ;‬
‫لنّه بفعل نفسه أوثق ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬التّوكيل‬
‫أفضل خشية قصد المحمدة ‪ ،‬ويجب لمن يعلم من‬
‫قين ‪ .‬قالوا ‪:‬‬ ‫نفسه ذلك القصد ‪ ،‬أو يجهل المستح ّ‬
‫وليس للوكيل صرفها لقريب المزكّي الّذي تلزمه‬
‫شافعيّة‬‫م قال ال ّ‬ ‫نفقته ‪ ،‬فإن لم تلزمه نفقته كره ‪ .‬ث ّ‬
‫‪ :‬إن كان الوكيل بالغًا عاقًل ‪ ،‬جاز التّفويض إليه ‪،‬‬
‫ح التّوكيل ‪ ،‬إل ّ إن‬ ‫فإن كان صبيًّا أو سفيهًا لم يص ّ‬
‫نوى الموكّل وعيّن له من يعطيه المال ‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫تلف المال كلّه أو بعضه بعد وجوب الّزكاة ‪:‬‬
‫م ضاع‬ ‫‪ - 139‬من وجبت عليه الّزكاة فلم يخرجها ث ّ‬
‫المال كلّه أو بعضه ‪ ،‬أو تلف بغير فعل المزكّي فقد‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك ‪ :‬فقال الحنفيّة ‪ :‬إن تلف‬
‫ن الواجب جزء من‬ ‫المال سقطت الّزكاة ; ل ّ‬
‫النّصاب فيسقط بهلك محلّه ‪ ،‬لكن إن كان هلكه‬
‫ساعي فقيل ‪ :‬يضمن ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يضمن‬ ‫بعد طلب ال ّ‬
‫‪ .‬قالوا ‪ :‬وإذا هلك بعض المال يسقط من الّزكاة‬
‫بقدره أي بنسبة ما هلك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن تلف من مال‬
‫ب‬
‫ل من نصا ٍ‬ ‫الّزكاة بعد الحول ما كان به الباقي أق ّ‬
‫ط سقطت الّزكاة ‪ ،‬فإن‬ ‫قبل إمكان الداء بل تفري ٍ‬
‫شافعيّة‬ ‫أمكن الداء وفّرط ضمن ‪ .‬وقال المالكيّة وال ّ‬
‫‪ :‬إن كان ضياعه بتفريطه في حفظه وجبت عليه‬
‫ل المال ‪ ،‬وكذا إن فّرط في الخراج بعد‬ ‫زكاة ك ّ‬
‫التّمكّن ‪ ،‬بأن وجد المستحقّ ‪ ،‬سواء طلب الّزكاة أم‬
‫م‬
‫لم يطلبها ‪ ،‬لتقصيره بحبس الحقّ عن مستحّقه ‪ .‬ث ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن لم يكن فّرط زكّى الباقي فقط‬ ‫قال ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬على الظهر‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫بقسطه ‪ ،‬ولو كان أق ّ‬
‫سا من البل فتلفت واحدة‬ ‫عندهم ‪ ،‬فلو ملك خم ً‬
‫منه قبل التّمكّن ففي الباقي ‪ 4 5‬شاةٍ على الظهر ‪،‬‬
‫ول شيء على الثّاني ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ -‬وهو قول‬
‫ب‬
‫ل من نصا ٍ‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إن كان الباقي أق ّ‬ ‫آخر لل ّ‬
‫سقطت الّزكاة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬يجب عليه زكاة‬
‫ل المال ‪ ،‬حتّى لو ضاع كلّه بعد الحول فالّزكاة في‬ ‫ك ّ‬
‫مته ل تسقط إل ّ بالداء ‪ ،‬لنّها حقّ للفقراء ومن‬ ‫ذ ّ‬
‫ي ‪ .‬تلف الّزكاة‬ ‫معهم لم يصل إليهم ‪ ،‬كدين الدم ّ‬
‫بعد عزلها ‪:‬‬
‫‪ - 140‬لو عزل الّزكاة ونوى أنّها زكاة ماله فتلفت‬
‫ل من المالكيّة والحنابلة ‪ .‬وذكر‬ ‫فالحكم كذلك عند ك ٍّ‬

‫‪243‬‬
‫المالكيّة صورة ما لو عزل الّزكاة فتلف المال‬
‫وبقيت الّزكاة ‪ ،‬فإنّه يجب عليه إخراجها ول تسقط‬
‫بتلف المال ‪.‬‬
‫ونوابه للّزكاة ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫القسم الّرابع ‪ :‬جمع المام‬
‫ق أخذ الّزكاة من المال الّذي وجبت‬ ‫‪ - 141‬للمام ح ّ‬
‫ف في بعض الموال يأتي بيانه ) ‪.‬‬ ‫فيه ( على خل ٍ‬
‫وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والخليفتان‬
‫ل الموال ‪ ،‬إلى أن فوّض‬ ‫بعده يأخذون الّزكاة من ك ّ‬
‫عثمان رضي الله عنه في خلفته أداء الّزكاة عن‬
‫الموال الباطنة إلى مّلكها ‪ ،‬كما يأتي ‪ .‬ودليل ذلك‬
‫قوله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬خذ من‬
‫ة تطهّرهم وتزكّيهم بها } وقول أبي‬ ‫أموالهم صدق ً‬
‫بكرٍ رضي الله عنه ‪ :‬واللّه لو منعوني عقاًل كانوا‬
‫يؤدّونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫صحابة على ذلك ‪.‬‬ ‫لقاتلتهم على منعه واتّفق ال ّ‬
‫من وجبت عليهم ‪،‬‬ ‫ويجب على المام أخذ الّزكاة م ّ‬
‫شافعيّة بأنّه يجب على المام بعث‬ ‫فقد صّرح ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫صدقات ‪ ،‬ل ّ‬ ‫سعاة لخذ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫سعاة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون ال ّ‬
‫في النّاس من يملك المال ول يعرف ما يجب عليه ‪،‬‬
‫ومنهم من يبخل ‪ .‬والوجوب هو أحد قولي المالكيّة ‪،‬‬
‫ة}‪.‬‬ ‫جوا بقوله تعالى ‪ { :‬خذ من أموالهم صدق ً‬ ‫واحت ّ‬
‫خصوا للمام في عدم أخذ الّزكاة من جميع‬ ‫والّذين ر ّ‬
‫ض ‪ ،‬إنّما هو إذا علم‬‫الموال أو من بعضها دون بع ٍ‬
‫المام أنّهم إذا لم يأخذها منهم أخرجوها من عند‬
‫ة‬
‫ن إنسانًا من النّاس أو جماع ً‬ ‫ما لو علم أ ّ‬ ‫أنفسهم ‪ ،‬أ ّ‬
‫منهم ل يخرجون الّزكاة فيجب على المام أخذها‬
‫ن المامة لحراسة‬ ‫منهم ولو قهًرا ‪ ،‬كما تقدّم ; ل ّ‬

‫‪244‬‬
‫ن من‬ ‫الدّين وسياسة الدّنيا ‪ ،‬ومنع الّزكاة هدم لرك ٍ‬
‫أركان الدّين ‪.‬‬
‫حكم دفع الّزكاة إلى المام العادل ‪:‬‬
‫‪ - 142‬المراد بالمام العادل هنا من يأخذ الّزكاة‬
‫بحّقها ‪ ،‬ويعطيها لمستحّقها ‪ ،‬ولو كان جائًرا في غير‬
‫ذلك على ما صّرح به المالكيّة ‪ .‬ومن دفع زكاة ماله‬
‫إلى المام العادل جاز ‪ ،‬وأجزأت عنه اتّفاقًا ‪ .‬ولو‬
‫كان بإمكانه دفعها إلى المام وتفريقها بنفسه فقد‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك ‪ :‬فذهب مالك وأبو حنيفة‬
‫ي ‪ ،‬إلى‬ ‫شافع ّ‬ ‫وأبو عبيد ٍ ‪ ،‬وهو القديم من قولي ال ّ‬
‫التّفريق بين الموال الظّاهرة ‪ ،‬وهي الّزروع ‪،‬‬
‫والمواشي ‪ ،‬والمعادن ‪ ،‬ونحوها ‪ ،‬وبين الموال‬
‫ما‬‫ضة والتّجارات ‪ .‬فأ ّ‬ ‫الباطنة وهي الذ ّهب والف ّ‬
‫ن أبا بكرٍ‬ ‫الظّاهرة فيجب دفعها إلى المام ‪ ،‬ل ّ‬
‫صحابة‬ ‫طالبهم بالّزكاة وقاتلهم عليها ‪ ،‬ووافقه ال ّ‬
‫على هذا ‪ ،‬فليس للمزكّي إخراجها بنفسه ‪ ،‬حتّى‬
‫شافعيّة بأنّه لو أخرجها كذلك لم تجزئه ‪.‬‬ ‫لقد صّرح ال ّ‬
‫ن ما للمام قبضه بحكم الولية ل يجوز دفعه إلى‬ ‫ول ّ‬
‫ما زكاة الموال‬ ‫المولّى عليه ‪ ،‬كول ّ‬
‫ي اليتيم ‪ .‬وأ ّ‬
‫الباطنة فقال الحنفيّة ‪ :‬للمام طلبها ‪ ،‬وحّقه ثابت‬
‫ل تجب فيه الّزكاة ‪ ،‬للية‬ ‫في أخذ الّزكاة من ك ّ‬
‫ل ما ٍ‬
‫‪ .‬وما فعله عثمان رضي الله عنه أنّه فوّض إلى‬
‫نوابه في ذلك ‪،‬‬ ‫المّلك زكاة المال الباطن ‪ ،‬فهم ّ‬
‫وهذا ل يسقط طلب المام أصًل ‪ ،‬ولهذا لو علم أ ّ‬
‫ن‬
‫ما إذا لم‬ ‫أهل بلدةٍ ل يؤدّون زكاتهم طالبهم بها ‪ .‬فأ ّ‬
‫يطلبها لم يجب الدّفع إليه ‪ .‬وقال المالكيّة‬
‫شافعيّة ‪ :‬زكاة الموال الباطنة مفوّضة لربابها ‪،‬‬ ‫وال ّ‬
‫ب المال أن يوصلها إلى الفقراء وسائر‬ ‫فلر ّ‬
‫المستحّقين بنفسه ‪ .‬وذهب الحنابلة ‪ ،‬وهو الجديد‬

‫‪245‬‬
‫ن الدّفع إلى‬ ‫ي ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫المعتمد من قولي ال ّ‬
‫ب في الموال الظّاهرة والباطنة‬ ‫المام غير واج ٍ‬
‫سواء ‪ ،‬فيجوز للمالك صرفها إلى‬ ‫على ال ّ‬
‫سا للظّاهرة على الباطنة ‪،‬‬ ‫المستحّقين مباشرةً ‪ ،‬قيا ً‬
‫ن في ذلك إيصال الحقّ إلى مستحّقه الجائز‬ ‫ول ّ‬
‫تصّرفه ‪ ،‬فيجزئه ‪ ،‬كما لو دفع الدّين إلى غريمه‬
‫مباشرة ً ‪ ،‬وأخذ المام لها إنّما هو بحكم النّيابة عن‬
‫مستحّقها ‪ ،‬فإذا دفعها إليهم جاز ; لنّهم أهل رشدٍ ‪.‬‬
‫صرف إلى المام‬ ‫شافعيّة في الظهر ‪ :‬ال ّ‬ ‫م قال ال ّ‬ ‫ث ّ‬
‫أفضل من تفريقها بنفسه ; لنّه أعرف‬
‫بالمستحّقين ‪ ،‬وأقدر على التّفريق بينهم ‪ ،‬وبه يبرأ‬
‫م قال الحنابلة ‪ :‬تفرقتها بنفسه ‪،‬‬ ‫ظاهًرا وباطنًا ‪ .‬ث ّ‬
‫أولى وأفضل من دفعها إلى المام ‪ ،‬لنّه إيصال‬
‫للحقّ إلى مستحّقه ‪ ،‬فيسلم عن خطر الخيانة من‬
‫ن فيه مباشرة تفريج كربة من‬ ‫ماله ; ول ّ‬ ‫المام أو ع ّ‬
‫يستحّقها ‪ ،‬وفيه توفير لجر العمالة ‪ ،‬مع تمكّنه من‬
‫إعطاء محاويج أقربائه ‪ ،‬وذوي رحمه ‪ ،‬وصلتهم بها ‪،‬‬
‫إل ّ أنّه إن لم يثق بأمانة نفسه فالفضل له دفعها‬
‫ما لو‬ ‫ح من إخراجها ‪ .‬أ ّ‬ ‫ش ّ‬‫ساعي ‪ ،‬لئل ّ يمنعه ال ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫طلب المام العادل الّزكاة فإنّه يجب الدّفع إليه‬
‫اتّفاقًا ‪ ،‬وسواء كان المال ظاهًرا أو باطنًا ‪ ،‬والخلف‬
‫في استحقاقه جمع زكاة المال الباطن ل يبيح‬
‫ن الموضع موضع‬ ‫معصيته في ذلك إن طلبه ‪ ،‬ل ّ‬
‫اجتهاد ٍ ‪ ،‬وأمر المام يرفع الخلف كحكم القاضي ‪،‬‬
‫شريعة ‪ .‬وصّرح المالكيّة‬ ‫كما هو معلوم من قواعد ال ّ‬
‫ن المام العدل إن طلبها فادّعى المالك إخراجها‬ ‫بأ ّ‬
‫لم يصدّق ‪.‬‬
‫مة الجائرين ‪ ،‬وإلى البغاة ‪:‬‬ ‫دفع الّزكاة إلى الئ ّ‬

‫‪246‬‬
‫‪ - 143‬إن أخذ المام الجائر الّزكاة قهًرا أجزأت عن‬
‫ضرر‬ ‫صاحبها ‪ .‬وكذا إن أكره المام المزكّي فخاف ال ّ‬
‫إن لم يدفعها إليه ‪ .‬واختلف الفقهاء فيمن كان قادًرا‬
‫على المتناع عن دفعها إلى المام الجائر ‪ ،‬أو على‬
‫إخفاء ماله ‪ ،‬أو إنكار وجوبها عليه ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪:‬‬
‫فذهب الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم‬
‫جواز دفعها إلى المام حينئذ ٍ ‪ ،‬وأنّها ل تجزئ عن‬
‫دافعها على التّفصيل التّالي ‪ :‬فقال الحنفيّة ‪ :‬إذا أخذ‬
‫سلطين الجائرون زكاة الموال الظّاهرة‬ ‫الخوارج وال ّ‬
‫سوائم والّزروع وما يأخذه العاشر ‪ ،‬فإن‬ ‫كزكاة ال ّ‬
‫صرفوه في مصارفه المشروعة فل إعادة على‬
‫المزكّي ‪ ،‬وإل ّ فعلى المزكّي فيما بينه وبين اللّه‬
‫تعالى إعادة إخراجها ‪ .‬وفي حالة كون الخذ لها‬
‫البغاة ليس للمام أن يطالب أصحاب الموال بها ;‬
‫لنّه لم يحمهم من البغاة ‪ ،‬والجباية بالحماية ‪ ،‬ويفتى‬
‫ما الموال‬ ‫البغاة بأن يعيدوا ما أخذوه من الّزكاة ‪ .‬وأ ّ‬
‫سلطان الجائر ‪ .‬وقال‬ ‫ح دفعها إلى ال ّ‬ ‫الباطنة فل يص ّ‬
‫سلطان الجائر اختياًرا ‪،‬‬ ‫المالكيّة ‪ :‬إن دفعها إلى ال ّ‬
‫سلطان لمستحّقها أجزأت عنه ‪ ،‬وإل ّ لم‬ ‫فدفعها ال ّ‬
‫تجزئه ‪ .‬فإن طلبها الجائر فعلى ربّها جحدها والهرب‬
‫بها ما أمكن ‪ ،‬فإن أكرهه جاز ‪ .‬وهذا إن كان جائًرا‬
‫في أخذها أو صرفها ‪ ،‬وسواء كانت من الموال‬
‫ما إن كان عادًل فيها وجائًرا‬ ‫الظّاهرة أو الباطنة ‪ .‬أ ّ‬
‫ما‬
‫في غيرها ‪ ،‬فيجوز الدّفع إليه مع الكراهة ‪ .‬أ ّ‬
‫شافعيّة فذهبوا إلى أنّه إن طلب المام الجائر‬ ‫ال ّ‬
‫زكاة المال الباطن ‪ ،‬فصرفها إليه أفضل ‪ ،‬وكذا زكاة‬
‫المال الظّاهر سواء لم يطلبها أو طلبها ‪ ،‬وفي‬
‫التّحفة إن طلبها وجب الدّفع إليه ‪ .‬وذهب الحنابلة‬
‫ن دفع الّزكاة إلى المام الجائر والبغاة‬ ‫إلى أ ّ‬

‫‪247‬‬
‫والخوارج إذا غلبوا على البلد جائز سواء كانت من‬
‫الموال الظّاهرة أو الباطنة ‪ .‬ويبرأ المزكّي بدفعها‬
‫إليهم ‪ ،‬سواء صرفها المام في مصارفها أو ل ‪.‬‬
‫صحابة ‪ ،‬منهم‬ ‫جوا بما ورد في ذلك عن بعض ال ّ‬ ‫واحت ّ‬
‫ص وجابرٍ وأبي هريرة وابن عمر‬ ‫سعد بن أبي وقّا ٍ‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫سعاة لجمع الّزكاة وصرفها ‪:‬‬ ‫إرسال الجباة وال ّ‬
‫سعاة لقبض‬ ‫‪ - 144‬يجب على المام أن يرسل ال ّ‬
‫ي‬‫الّزكاة وتفريقها على مستحّقيها ‪ ،‬وقد { كان النّب ّ‬
‫مال ذلك ويبعثهم إلى‬ ‫صلى الله عليه وسلم يولّي الع ّ‬
‫أصحاب الموال ‪ ،‬فقد استعمل عمر بن الخطّاب‬
‫رضي الله عنه عليها } ‪ ،‬وورد أنّه استعمل ابن‬
‫اللّتبيّة ‪ .‬وكذلك الخلفاء الّراشدون كانوا يرسلون‬
‫ساعي ما يلي ‪:‬‬ ‫سعاتهم لقبضها ‪ .‬ويشترط في ال ّ‬
‫ما ‪ ،‬فل يستعمل عليها كافًرا لنّها‬ ‫‪ - 1‬أن يكون مسل ً‬
‫ولية ‪ ،‬وفيها تعظيم للوالي ‪.‬‬
‫ة مأمونًا ‪ ،‬ل يخون ول‬ ‫‪ - 2‬وأن يكون عدًل ‪ ،‬أي ثق ً‬
‫يجور في الجمع ‪ ،‬ول يحابي في القسمة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬وأن يكون فقيهًا في أمور الّزكاة ‪ ،‬لنّه يحتاج‬
‫إلى معرفة ما يؤخذ وما ل يؤخذ ‪ ،‬ومحتاج إلى‬
‫الجتهاد فيما يعرض له من وقائع الّزكاة ‪.‬‬
‫‪ - 4‬وأن يكون فيه الكفاية ‪ ،‬وهي القدرة على القيام‬
‫بالعمل وضبطه على الوجه المعتبر ‪.‬‬
‫شرط‬ ‫‪ -5‬وأن ل يكون من آل البيت ‪ ،‬وفي هذا ال ّ‬
‫اختلف بين الفقهاء ‪ .‬ومعنى اشتراطه هنا عدم‬
‫استحقاقه للخذ منها مقابل عمله فيها ‪ ،‬فلو عمل‬
‫بل أجرٍ أو أعطي أجره من مال الفيء أو غيره جاز ‪،‬‬
‫سعاة على الّزكاة أنواع‬ ‫( و ر ‪ :‬آل ‪ ،‬جباية ) ‪ .‬وال ّ‬
‫فمنهم الجابي ‪ :‬وهو القابض للّزكاة ‪ ،‬والمفّرق ‪:‬‬

‫‪248‬‬
‫وهو القاسم ‪ ،‬والحاشر ‪ :‬وهو الّذي يجمع أرباب‬
‫الموال لتؤخذ منهم الّزكاة ‪ ،‬والكاتب لها ‪ .‬وإن لم‬
‫سعاة‬ ‫يكن هناك إمام ‪ ،‬أو كان المام ل يرسل ال ّ‬
‫لجبي الّزكاة فيجب على أهل الموال إخراجها‬
‫ق فيها‬‫وتفريقها على المستحّقين ; لنّهم أهل الح ّ‬
‫سعاة ‪:‬‬ ‫والمام نائب ‪ .‬موعد إرسال ال ّ‬
‫‪ - 145‬الموال قسمان ‪ :‬فما كان منها ل يشترط‬
‫لزكاته الحول كالّزروع والثّمار والمعادن ‪ ،‬فهذا‬
‫يرسل المام سعاته وقت وجوبها ‪ ،‬ففي الّزروع‬
‫والثّمار عند إدراكها بحيث يصلهم وقت الجذاذ‬
‫ما الخارص‬ ‫والحصاد ‪ .‬وهذا في غير الخرص ‪ ،‬أ ّ‬
‫صلح كما تقدّم ( وانظر‬ ‫فيرسل عند بدء ظهور ال ّ‬
‫مصطلح ‪ :‬خرص ) ‪ .‬وما كان يشترط فيه الحول‬
‫شافعيّة إلى أنّه يجب أن يعيّن‬ ‫كالمواشي ‪ :‬فذهب ال ّ‬
‫سنة القمريّة يرسل إليهم فيه‬ ‫لهم شهًرا معيّنًا من ال ّ‬
‫ل عام ٍ ‪.‬‬‫ساعي ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫حقوق العاملين على الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 146‬العامل على الّزكاة يجوز إعطاؤه حّقه من‬
‫ساعي ‪.‬‬ ‫شروط المتقدّمة في ال ّ‬ ‫الّزكاة نفسها بال ّ‬
‫ويجوز إعطاؤه من بيت المال ‪ .‬ويتعيّن ذلك إن لم‬
‫يكن من أهل الّزكاة ‪ ،‬كأن يكون من آل البيت على‬
‫ما ل يحتاج‬ ‫ما صّرح به المالكيّة ‪ ،‬أو يكون العمل م ّ‬
‫سائق على ما صّرح‬ ‫إليه غالبًا كالّراعي والحارس وال ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وقال الحنابلة ‪ :‬يعطى‬ ‫به المالكيّة وال ّ‬
‫الّراعي والحارس ونحوهما من الّزكاة كغيرهم من‬
‫ساعي أن يأخذ من الّزكاة‬ ‫العاملين ‪ .‬وليس لل ّ‬
‫لنفسه شيئًا غير الجر الّذي يعطيه إيّاه المام ‪ ،‬لما‬
‫في حديث عديّ بن عميرة رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول اللّه صلّى يقول ‪ { :‬من استعملناه‬

‫‪249‬‬
‫ل فكتمنا مخيطًا فما فوقه ‪ ،‬كان‬ ‫منكم على عم ٍ‬
‫ساعي أن‬ ‫غلوًل يأتي به يوم القيامة } ‪ .‬وليس لل ّ‬
‫يأخذ شيئًا من أهل الموال باسم الهديّة بسبب‬
‫ل له أن يكتمه ويستأثر به ‪،‬‬ ‫وليته ‪ ،‬وإن أخذه لم يح ّ‬
‫ساعدي رضي الله‬ ‫ّ‬ ‫لما ورد في حديث أبي حميد ٍ ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عنه قال ‪ { :‬استعمل النّب ّ‬
‫صدقة ‪،‬‬ ‫رجًل من الزد يقال له ابن اللّتبيّة على ال ّ‬
‫ما قدم قال ‪ :‬هذا لكم ‪ ،‬وهذا أهدي لي ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫فل ّ‬
‫مه ‪ ،‬فينظر أيهدى‬ ‫فهل ّ جلس في بيت أبيه ‪ -‬أو بيت أ ّ‬
‫له أم ل ؟ والّذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يأخذ أحد منكم‬
‫شيئًا إل ّ جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ‪ ،‬إن‬
‫كان بعيًرا له رغاء ‪ ،‬أو بقرة ً لها خوار ‪ ،‬أو شاةً تيعر‬
‫م هل‬ ‫م رفع بيده حتّى رأينا عفرة إبطيه ‪ -‬اللّه ّ‬ ‫‪-‬ث ّ‬
‫م هل بلّغت ‪ ،‬ثلثًا } ‪.‬‬ ‫بلّغت ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫ساعي للمزكّي ‪:‬‬ ‫دعاء ال ّ‬
‫ب له أن يدعو‬ ‫ساعي الّزكاة استح ّ‬ ‫‪ - 147‬إذا أخذ ال ّ‬
‫ة‬
‫للمالك ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ { :‬خذ من أموالهم صدق ً‬
‫ن صلتك سكن‬ ‫ل عليهم إ ّ‬ ‫تطهّرهم وتزكّيهم بها وص ّ‬
‫لهم } ولما ورد من حديث عبد اللّه بن أبي أوفى‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫رضي الله عنه قال ‪ { :‬كان النّب ّ‬
‫ل على‬ ‫مص ّ‬ ‫وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال ‪ :‬اللّه ّ‬
‫ل على‬ ‫مص ّ‬ ‫ن فأتاه أبي بصدقته ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللّه ّ‬ ‫آل فل ٍ‬
‫شافعيّة ‪ :‬يجب ذلك ‪،‬‬ ‫ل لل ّ‬ ‫آل أبي أوفى } ‪ .‬وفي قو ٍ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ل على آل فل ٍ‬ ‫مص ّ‬ ‫لظاهر الية ‪ .‬ويقول ‪ :‬اللّه ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬ل‬ ‫ل لل ّ‬ ‫وإن شاء دعا بغير ذلك ‪ .‬وفي قو ٍ‬
‫صلة على آل المزكّي ‪ ،‬بل يدعو بغيرها ;‬ ‫يدعو بال ّ‬
‫صة بالنبياء ‪.‬‬ ‫صلة خا ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ساعي بالممتنع عن أداء الّزكاة ‪:‬‬ ‫ما يصنع ال ّ‬

‫‪250‬‬
‫ساعي جائًرا في‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إن كان ال ّ‬ ‫‪ - 148‬قال ال ّ‬
‫أخذ الّزكاة أو صرفها لم يكن له تعزير من امتنع أو‬
‫ن الممتنع أو المخفي‬ ‫أخفى ماله أو غلب به ; ل ّ‬
‫ساعي عادًل فإنّه‬ ‫ما إن كان ال ّ‬ ‫يكون بذلك معذوًرا ‪ .‬أ ّ‬
‫يأخذها من الممتنع أو المخفي ‪ ،‬ويعّزره ما لم يكن‬
‫له فيما فعله شبهة معتبرة ‪ .‬ولو خرج على المام‬
‫ساعي على أخذ الّزكاة منهم حتّى‬ ‫قوم فلم يقدر ال ّ‬
‫م قدر عليهم ‪ ،‬يؤخذون بزكاة ما‬ ‫مضت أعوام ‪ ،‬ث ّ‬
‫وجد معهم حال القدرة عليهم لماضي العوام ولعام‬
‫القدرة ‪ ،‬وإن ادّعوا أنّهم أخرجوها يصدّقون ‪ ،‬لكن‬
‫إن كان خروجهم لمنعها ل يصدّقون على ما صّرح به‬
‫المالكيّة‬
‫ساعي عند اختلف الحول على المّلك ‪:‬‬ ‫ما يصنع ال ّ‬
‫ساعي إلى أرباب‬ ‫‪ - 149‬قال النّوويّ ‪ :‬إذا وصل ال ّ‬
‫م أخذ‬ ‫الموال ‪ ،‬فإن كان حول صاحب المال قد ت ّ‬
‫م سأله‬ ‫منه الّزكاة ‪ ،‬وإن كان حول بعضهم لم يت ّ‬
‫ب للمالك إجابته ‪،‬‬ ‫ساعي تعجيل الّزكاة ‪ ،‬ويستح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م إن‬ ‫جلها برضاه أخذها منه ‪ ،‬وإل ّ لم يجبره ‪ ،‬ث ّ‬ ‫فإن ع ّ‬
‫ساعي المصلحة في أن يوكّل من يأخذها عند‬ ‫رأى ال ّ‬
‫حلولها ويفّرقها على أهلها فعل ‪ .‬وإن رأى أن‬
‫خرها ليأخذها منه في العام المقبل فعل ‪ ،‬ويكتبها‬ ‫يؤ ّ‬
‫ساعي الّذي‬ ‫كي ل ينساها أو يموت فل يعلمها ال ّ‬
‫بعده ‪ ،‬وإن رأى أن يرجع في وقت حلولها ليأخذها‬
‫فعل ‪ ،‬وإن وثق بصاحب المال جاز أن يفوّض إليه‬
‫ساعي شرط في‬ ‫ن وصول ال ّ‬ ‫تفريقها ‪ .‬وتقدّم أ ّ‬
‫وجوب الّزكاة عند المالكيّة إن كان هناك ساٍع ‪ ،‬فهو‬
‫يحاسبهم على ما يملكونه يوم وصوله إليهم ‪.‬‬
‫( حفظ الّزكاة ) ‪:‬‬

‫‪251‬‬
‫ساعي المحافظة على مال الّزكاة ‪.‬‬ ‫‪ - 150‬على ال ّ‬
‫قيه ‪ ،‬أو‬ ‫وهو أمانة في يده حتّى يوصله إلى مستح ّ‬
‫يوصله إلى المام إن فضل منه شيء ‪ ،‬وله في‬
‫ما‬
‫سا أو راعيًا ونحوهما ‪ .‬وم ّ‬ ‫سبيل ذلك أن يتّخذ حار ً‬
‫صدقة‬ ‫ذكره الفقهاء من وسائل الحفظ وسم بهائم ال ّ‬
‫من البل والبقر والغنم لتتميّز عن غيرها ; ولئلّ‬
‫صةٍ ‪ ،‬كأن تكون‬ ‫تضيع ‪ ،‬ويسمها بالنّار بعلمةٍ خا ّ‬
‫صحيحين عن‬ ‫علمة الوسم ( للّه ) لما ورد في ال ّ‬
‫ي صلى‬ ‫س رضي الله عنه أنّه قال ‪ { :‬وافيت النّب ّ‬ ‫أن ٍ‬
‫صدقة }‬ ‫الله عليه وسلم وبيده الميسم يسم إبل ال ّ‬
‫صحابة‬ ‫ولثارٍ وردت من فعل عمر وغيره من ال ّ‬
‫رضوان اللّه عليهم‬
‫بيت مال الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 151‬على المام أن يتّخذ بيتًا لموال الّزكاة تحفظ‬
‫فيه وتضبط إلى أن يتمكّن من صرفها لهلها ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ :‬بيت المال » ‪.‬‬
‫ساعي في الّزكاة ‪:‬‬ ‫تصّرفات ال ّ‬
‫ساعي الّزكاة يفّرقها على‬ ‫‪ - 152‬إذا قبض ال ّ‬
‫قيها من أهل البلد الّتي جمعها فيها إن كان‬ ‫مستح ّ‬
‫المام أذن له في تفريقها ‪ ،‬فل ينقلها إلى أبعد من‬
‫مسافة القصر ‪ ،‬إل ّ أن يستغني عنها فقراء البلد ‪،‬‬
‫ن عمر بعث معاذ ًا رضي الله عنه إلى‬ ‫وقد ورد أ ّ‬
‫صدقة ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إنّي لم‬ ‫اليمن ‪ ،‬فبعث إليه من ال ّ‬
‫أبعثك جابيًا ول آخذ جزيةٍ ولكن بعثتك لتأخذ من‬
‫أغنياء النّاس فترد ّ في فقرائهم ‪ .‬فقال معاذ ‪ :‬أنا ما‬
‫بعثت إليك بشيءٍ وأنا أجد أحدًا يأخذه منّي ‪ .‬فلو‬
‫نقلها في غير تلك الحال ففيه خلف يأتي ‪ .‬وليس‬
‫ساعي أن يأخذ من الّزكاة لنفسه على أنّه أحد‬ ‫لل ّ‬
‫ما أو فقيًرا ‪ .‬ول‬ ‫أصناف أهل الّزكاة ‪ ،‬كما لو كان غار ً‬

‫‪252‬‬
‫يأخذ إل ّ ما أعطاه المام على ما صّرح به المالكيّة ;‬
‫لنّه يقسم فل يحكم لنفسه ‪.‬‬
‫‪ - 153‬وإذا تلف من مال الّزكاة شيء في يد المام‬
‫صر‬‫ط منه بأن ق ّ‬ ‫ساعي ضمنه إن كان ذلك بتفري ٍ‬ ‫أو ال ّ‬
‫في حفظه ‪ ،‬وكذا لو عرف المستحّقين وأمكنه‬
‫دّ‬
‫التّفريق عليهم فلم يفعل حتّى تلفت ; لنّه متع ٍ‬
‫بذلك ‪ ،‬فإن لم يتعد ّ ولم يفّرط لم يضمن ‪ .‬قال‬
‫ل من يفوّض إليه‬ ‫ساعي وك ّ‬ ‫ووي ‪ :‬ينبغي للمام وال ّ‬‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫صدقات أن يعتني بضبط المستحّقين ‪،‬‬ ‫أمر تفريق ال ّ‬
‫ومعرفة أعدادهم ‪ ،‬وأقدار حاجاتهم ‪ ،‬بحيث يقع‬
‫صدقات بعد معرفتهم أو معها ‪،‬‬ ‫الفراغ من جمع ال ّ‬
‫جل حقوقهم ‪ ،‬وليأمن هلك المال عنده ‪.‬‬ ‫ليع ّ‬
‫وتصرف الّزكاة في الصناف الثّمانية ‪ ،‬ول يجوز‬
‫صرفها إل ّ لمن جمع شروط الستحقاق ‪ ،‬ويأتي بيان‬
‫ذلك بالتّفصيل ‪.‬‬
‫ساعي الّزكاة فاحتاج إلى‬ ‫‪ - 154‬وإذا أخذ المام أو ال ّ‬
‫بيعها لمصلحةٍ ‪ ،‬من كلفةٍ في نقلها ‪ ،‬أو مرض‬
‫ما إذا باعها لغير ذلك فقد‬ ‫البهيمة أو نحو ذلك جاز ‪ ،‬أ ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى عدم الجواز ‪ ،‬والبيع‬ ‫ذهب ال ّ‬
‫ن أهل‬ ‫ضمان إن تلف ‪ ،‬وذلك ل ّ‬ ‫باطل ‪ ،‬وعليه ال ّ‬
‫الّزكاة أهل رشد ٍ ل ولية عليهم ‪ ،‬فلم يجز بيع مالهم‬
‫ل عند الحنابلة يجوز ذلك ‪،‬‬ ‫بغير إذنهم ‪ .‬وفي احتما ٍ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬‫لما ورد عن قيس بن أبي حازم ٍ { أ ّ‬
‫ة كوماء ‪،‬‬ ‫صدقة ناق ً‬ ‫الله عليه وسلم رأى في إبل ال ّ‬
‫ل‪،‬‬ ‫فسأل عنها ‪ ،‬فقال المصدّق ‪ :‬إنّي ارتجعتها بإب ٍ‬
‫فسكت } قال أبو عبيد ٍ ‪ :‬الّرجعة أن يبيعها ويشتري‬
‫بثمنها مثلها أو غيرها ‪.‬‬
‫شارين ) ‪:‬‬ ‫( نصب الع ّ‬

‫‪253‬‬
‫‪ - 155‬ينصب المام على المعابر في طرق السفار‬
‫من يمّر عليهم بالمال من‬ ‫شارين للجباية م ّ‬‫ع ّ‬
‫مة وأهل الحرب إذا أتوا‬ ‫المسلمين وأهل الذ ّ ّ‬
‫بأموالهم إلى بلد السلم ‪ ،‬فيأخذ من أهل السلم‬
‫مة‬‫ما يجب عليهم من زكاةٍ ‪ ،‬ويأخذ من أهل الذ ّ ّ‬
‫نصف العشر ‪ ،‬ويأخذ من أهل الحرب العشر ‪.‬‬
‫مة وأهل الحرب فيء‬ ‫والّذي يأخذه من أهل الذ ّ ّ‬
‫حكمه حكم الجزية يصرف في مصارف الفيء ‪،‬‬
‫ما ما‬ ‫وينظر تفصيله في مصطلح ‪ ( :‬عشر ) ‪ .‬أ ّ‬
‫يأخذه من أهل السلم فهو زكاة يشترط له ما‬
‫يشترط في سائر الموال الّزكويّة ويصرف في‬
‫ن هذا النّوع من المال وإن‬ ‫مصارف الّزكاة ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ما انتقل صاحبه به‬ ‫كان في الصل ماًل باطنًا لكنّه ل ّ‬
‫في البلد أصبح في حكم المال الظّاهر على ما‬
‫صّرح به ابن عابدين ‪ ،‬ولذا كانت ولية قبض زكاته‬
‫سوائم والّزروع ‪ .‬وصّرح الحنفيّة‬ ‫إلى المام ‪ ،‬كال ّ‬
‫بتحليف من يمّر على العاشر إن أنكر تمام الحول‬
‫ن عليه دينًا يسقط الّزكاة ‪،‬‬ ‫على ما بيده ‪ ،‬أو ادّعى أ ّ‬
‫فإن حلف فالقول قوله ‪ ،‬وكذا إن قال أدّيتها إلى‬
‫عاشرٍ آخر وأخرج براءة ً ( إيصاًل رسميًّا بها ) ‪ ،‬وكذا‬
‫إن قال أدّيتها بنفسي إلى الفقراء في المصر ‪.‬‬
‫ويشترط أن يكون ما معه نصابًا فأكثر حتّى يجب‬
‫ب وله في‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫الخذ منه ‪ ،‬فإن كان معه أق ّ‬
‫المصر ما يكمل به النّصاب فل ولية للعاشر على‬
‫ن وليته على الظّاهر فقط ‪ .‬ويشترط‬ ‫الخذ منه ; ل ّ‬
‫ساعي كما تقدّم وأن‬ ‫في العاشر ما يشترط في ال ّ‬
‫يأمن المسافرون بحمايته من اللّصوص ‪.‬‬
‫القسم الخامس ‪ :‬مصارف الّزكاة ‪:‬‬

‫‪254‬‬
‫ف‪.‬‬ ‫‪ - 156‬مصارف الّزكاة محصورة في ثمانية أصنا ٍ‬
‫ص عليها القرآن الكريم في‬ ‫والصناف الثّمانية قد ن ّ‬
‫صدقات للفقراء والمساكين‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬إنّما ال ّ‬
‫والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الّرقاب‬
‫ة من‬ ‫سبيل فريض ً‬ ‫والغارمين وفي سبيل اللّه وابن ال ّ‬
‫اللّه واللّه عليم حكيم } ‪ .‬و " إنّما " الّتي صدّرت بها‬
‫الية أداة حصرٍ ‪ ،‬فل يجوز صرف الّزكاة لحدٍ أو في‬
‫ل في هذه الصناف ‪ ،‬وقد أكّد ذلك ما‬ ‫وجهٍ غير داخ ٍ‬
‫ن رسول اللّه أتاه رجل فقال ‪ :‬أعطني من‬ ‫ورد { أ ّ‬
‫ن اللّه تعالى لم يرض بحكم نب ٍ ّ‬
‫ي‬ ‫صدقة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صدقات حتّى حكم فيها هو فجّزأها‬ ‫ول غيره في ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬فإن كنت من تلك الجزاء أعطيتك حّقك } ‪.‬‬ ‫ثماني ً‬
‫ومن كان داخًل في هذه الصناف فل يستحقّ من‬
‫الّزكاة إل ّ بأن تنطبق عليه شروط معيّنة تأتي بعد‬
‫صنفان‬ ‫بيان الصناف ‪ .‬بيان الصناف الثّمانية ‪ :‬ال ّ‬
‫الوّل والثّاني ‪ :‬الفقراء والمساكين ‪:‬‬
‫‪ - 157‬الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الّذين ل‬
‫يجدون ما يكفيهم ‪ ،‬وإذا أطلق لفظ ( الفقراء )‬
‫وانفرد دخل فيهم ( المساكين ) ‪ ،‬وكذلك عكسه ‪،‬‬
‫وإذا جمع بينهما في كلم ٍ واحد ٍ ‪ ،‬كما في آية‬
‫ل منهما بمعنًى ‪ .‬وقد‬ ‫مصارف الّزكاة ‪ ،‬تميّز ك ّ‬
‫ة ‪ ،‬فذهب‬ ‫اختلف الفقهاء في أيّهما أشد ّ حاج ً‬
‫ة من‬ ‫ن الفقير أشد ّ حاج ً‬ ‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن اللّه تعالى قدّم ذكرهم في‬ ‫جوا بأ ّ‬‫المسكين ‪ ،‬واحت ّ‬
‫م وبقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ل على أنّهم أه ّ‬ ‫الية ‪ ،‬وذلك يد ّ‬
‫سفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر }‬ ‫ما ال ّ‬ ‫{أ ّ‬
‫‪ .‬فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون‬
‫ضا‬‫صلون نوًل ‪ ،‬واستأنسوا لذلك أي ً‬ ‫ة ويح ّ‬ ‫سفين ً‬
‫ل‪،‬‬ ‫ة ‪ :‬فعيل بمعنى مفعو ٍ‬ ‫بالشتقاق ‪ ،‬فالفقير لغ ً‬

‫‪255‬‬
‫وهو من نزعت بعض فقار صلبه ‪ ،‬فانقطع ظهره ‪،‬‬
‫سكون ‪ ،‬ومن كسر صلبه‬ ‫والمسكين مفعيل من ال ّ‬
‫ساكن ‪ .‬وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى‬ ‫أشد ّ حاًل من ال ّ‬
‫ن‬‫جوا بأ ّ‬ ‫ة من الفقير ‪ ،‬واحت ّ‬ ‫ن المسكين أشد ّ حاج ً‬ ‫أ ّ‬
‫اللّه تعالى قال ‪ { :‬أو مسكينًا ذا متربةٍ } ‪ .‬وهو‬
‫مة‬‫ن أئ ّ‬‫المطروح على التّراب لشدّة جوعه ‪ ،‬وبأ ّ‬
‫اللّغة قالوا ذلك ‪ ،‬منهم الفّراء وثعلب وابن قتيبة ‪،‬‬
‫سكون ‪ ،‬كأنّه عجز عن‬ ‫ضا ‪ ،‬فهو من ال ّ‬ ‫وبالشتقاق أي ً‬
‫ن الفقير‬ ‫ي قوًل أ ّ‬ ‫الحركة فل يبرح ‪ .‬ونقل الدّسوق ّ‬
‫والمسكين صنف واحد ‪ ،‬وهو من ل يملك قوت عامه‬
‫ل من قوت‬ ‫‪ ،‬سواء كان ل يملك شيئًا أو يملك أق ّ‬
‫العام ‪.‬‬
‫صنفين ‪:‬‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫‪ - 158‬واختلف الفقهاء في حد ّ ك ٍّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ :‬الفقير من ل مال له ول‬ ‫فقال ال ّ‬
‫كسب يقع موقعًا من حاجته ‪ ،‬كمن حاجته عشرة فل‬
‫يجد شيئًا أصًل ‪ ،‬أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من‬
‫ل من نصف كفايته ‪ .‬فإن كان‬ ‫غلّةٍ وغيرها على أق ّ‬
‫ل العشرة فمسكين ‪.‬‬ ‫يجد النّصف أو أكثر ول يجد ك ّ‬
‫وقال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬المسكين من ل يجد شيئًا‬
‫ل له ‪ .‬واختلف قولهم في‬ ‫أصًل فيحتاج للمسألة وتح ّ‬
‫الفقير ‪ :‬فقال الحنفيّة ‪ :‬الفقير من له أدنى شيءٍ‬
‫ل‬‫وهو ما دون النّصاب ‪ ،‬فإذا ملك نصابًا من أيّ ما ٍ‬
‫ي ل يستحقّ شيئًا من الّزكاة ‪ ،‬فإن‬ ‫ي فهو غن ّ‬‫زكو ٍ ّ‬
‫ق ‪ ،‬وكذا لو ملك‬ ‫ب فهو غير مستح ٍ ّ‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫ملك أق ّ‬
‫نصابًا غير نام ٍ وهو مستغرق في الحاجة الصليّة ‪،‬‬
‫فإن لم يكن مستغرقًا منع ‪ ،‬كمن عنده ثياب تساوي‬
‫ما عليه ‪ ،‬ولو‬ ‫ن الّزكاة تكون حرا ً‬ ‫نصابًا ل يحتاجها ‪ ،‬فإ ّ‬
‫بلغت قيمة ما يملكه نصبًا فل يمنع ذلك كونه من‬
‫ة بالحاجة‬ ‫المستحّقين للّزكاة إن كانت مستغرق ً‬

‫‪256‬‬
‫الصليّة كمن عنده كتب يحتاجها للتّدريس ‪ ،‬أو آلت‬
‫حرفةٍ ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬الفقير من‬
‫يملك شيئًا ل يكفيه لقوت عامه ‪.‬‬
‫الغنى المانع من أخذ الّزكاة بوصف الفقر أو‬
‫المسكنة ‪:‬‬
‫ي ل يجوز إعطاؤه من الّزكاة ‪،‬‬ ‫ن الغن ّ‬ ‫‪ - 159‬الصل أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪{ :‬‬ ‫ي ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫وهذا اتّفاق ّ‬
‫ي } ‪ .‬ولكن اختلف في الغنى المانع‬ ‫ظ فيها لغن ٍ ّ‬ ‫لح ّ‬
‫من أخذ الّزكاة ‪ :‬فقال الجمهور من المالكيّة‬
‫خرون‬ ‫شافعيّة وهو رواية عن أحمد قدّمها المتأ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ن المر معتبر بالكفاية ‪ ،‬فمن وجد‬ ‫من أصحابه ‪ :‬إ ّ‬
‫من الثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يموّنه فهو‬
‫ل له الّزكاة ‪ ،‬فإن لم يجد ذلك حلّت له‬ ‫ي ل تح ّ‬ ‫غن ّ‬
‫ة ‪ ،‬وعلى هذا ‪ ،‬فل‬ ‫ولو كان ما عنده يبلغ نصبًا زكوي ّ ً‬
‫ق‬
‫يمتنع أن يوجد من تجب عليه الّزكاة وهو مستح ّ‬
‫للّزكاة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬هو الغنى الموجب للّزكاة ‪،‬‬
‫ل له أن يأخذ الّزكاة ‪،‬‬ ‫فمن تجب عليه الّزكاة ل يح ّ‬
‫ن اللّه قد‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬إ ّ‬ ‫لقول النّب ّ‬
‫ة تؤخذ من أغنيائهم فترد ّ على‬ ‫فرض عليهم صدق ً‬
‫ي كان‬ ‫ل زكو ٍ ّ‬ ‫فقرائهم } ‪ .‬ومن ملك نصابًا من أيّ ما ٍ‬
‫ي ‪ ،‬فل يجوز أن تدفع إليه الّزكاة ولو كان ما‬ ‫فهو غن ّ‬
‫عنده ل يكفيه لعامه ‪ ،‬ومن لم يملك نصابًا كامًل فهو‬
‫فقير أو مسكين ‪ ،‬فيجوز أن تدفع إليه الّزكاة ‪ ،‬كما‬
‫ة أخرى عند الحنابلة عليها ظاهر‬ ‫تقدّم ‪ .‬وفي رواي ٍ‬
‫ي ‪ ،‬وإن لم يجد‬ ‫المذهب ‪ :‬إن وجد كفايته ‪ ،‬فهو غن ّ‬
‫ما ‪ ،‬أو قيمتها من الذ ّهب‬ ‫وكان لديه خمسون دره ً‬
‫ي كذلك ولو كانت ل تكفيه ‪ ،‬لحديث‬ ‫ة ‪ ،‬فهو غن ّ‬ ‫ص ً‬‫خا ّ‬
‫{ من سأل النّاس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة‬
‫ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح ‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫قالوا يا رسول اللّه وما يغنيه ؟ قال ‪ :‬خمسون‬
‫ما أو قيمتها من الذ ّهب } ‪ .‬وإنّما فّرقوا بين‬ ‫دره ً‬
‫الثمان وغيرها اتّباع ًا للحديث ‪.‬‬
‫وفيما يلي تفصيل فروع هذه المسألة ‪ :‬إعطاء‬
‫ق‪:‬‬ ‫الّزكاة لمن ل يملك ماًل وله مورد رز ٍ‬
‫‪ - 160‬من لم يكن له مال أو له مال ل يكفيه فإنّه‬
‫ن من لزمت‬ ‫يستحقّ من الّزكاة عند الجمهور ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫نفقته مليئًا من نحو والدٍ ل يعطى من الّزكاة ‪ ،‬وكذا‬
‫ل تعطى الّزوجة لستغنائها بإنفاق زوجها عليها ‪.‬‬
‫ومن له مرتّب يكفيه لم يجز إعطاؤه من الّزكاة ‪.‬‬
‫وكذا من كان له صنعة تكفيه وإن كان ل يملك في‬
‫الحال ماًل ‪ .‬فإن كان واحد من هذه السباب يأتيه‬
‫ل من كفايته يجوز إعطاؤه تمام الكفاية ‪.‬‬ ‫منه أق ّ‬
‫ل بعض كفايته أنّه ل‬ ‫ن من له ضيعة تغ ّ‬ ‫ونقل النّوويّ أ ّ‬
‫ل له الّزكاة ‪ ،‬وكذلك آلت‬ ‫يلزمه بيعها لتح ّ‬
‫المحترفين وكسب العالم ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يجوز‬
‫شهري أو‬
‫ّ‬ ‫سنوي أو‬
‫ّ‬ ‫دفع الّزكاة إلى من عنده دخل‬
‫عقار أو نحو ذلك ‪ ،‬إن لم يملك نصابًا‬ ‫ٍ‬ ‫ي من‬ ‫يوم ّ‬
‫ي إن‬ ‫زكويًّا ‪ ،‬ويجوز دفعها إلى الولد الّذي أبوه غن ّ‬
‫كان الولد كبيًرا فقيًرا ‪ ،‬سواء كان ذكًرا أو أنثى ;‬
‫لنّه ل يعد ّ غنيًّا بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬
‫ي فل تدفع إليه الّزكاة‬ ‫صغير الّذي أبوه غن ّ‬ ‫الولد ال ّ‬
‫صغير في‬ ‫لنّه يعد ّ غنيًّا بيسار أبيه ‪ ،‬وسواء كان ال ّ‬
‫مد ‪ :‬يجوز‬ ‫عيال أبيه أم ل ‪ .‬وكذا قال أبو حنيفة ومح ّ‬
‫ل فقيرٍ له ابن موسر ‪ .‬وقال أبو‬ ‫دفع الّزكاة إلى رج ٍ‬
‫يوسف ‪ :‬إن كان الب في عيال البن الموسر ل‬
‫يجوز ‪ ،‬وإن لم يكن جاز ‪ .‬قالوا ‪ :‬وكذلك المرأة‬
‫ي يجوز إعطاؤها من‬ ‫الفقيرة إن كان لها زوج غن ّ‬
‫ة بيسار زوجها ‪ ،‬وبقدر النّفقة‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬لنّها ل تعد ّ غني ّ ً‬

‫‪258‬‬
‫ل تصير موسرة ً ‪ ،‬واستيجابها النّفقة بمنزلة الجرة ‪.‬‬
‫ومن كان مستغنيًا بأن تبّرع أحد من النّاس بأن ينفق‬
‫صحيح عند الحنابلة أنّه يجوز إعطاؤه من‬ ‫عليه ‪ ،‬فال ّ‬
‫الّزكاة ‪ ،‬ويجوز للمتبّرع بنفقته أن يدفع إليه من‬
‫الّزكاة ولو كان في عياله ‪ ،‬لدخوله في أصناف‬
‫ص أو إجماٍع يخرجه من‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬وعدم وجود ن ٍّ‬
‫العموم ‪.‬‬
‫إعطاء الفقير والمسكين القادرين على الكسب ‪:‬‬
‫‪ - 161‬من كان من الفقراء والمساكين قادًرا على‬
‫كسب كفايته وكفاية من يموّنه ‪ ،‬أو تمام الكفاية ‪،‬‬
‫ل للمزكّي‬ ‫ل له الخذ من الّزكاة ‪ ،‬ول يح ّ‬ ‫لم يح ّ‬
‫إعطاؤه منها ‪ ،‬ول تجزئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله ‪،‬‬
‫ي ول‬ ‫ظ فيها لغن ٍ ّ‬ ‫صدقة ‪ { :‬ل ح ّ‬ ‫ي في ال ّ‬ ‫لقول النّب ّ‬
‫صدقة‬ ‫ظ { ل تح ّ‬
‫ل ال ّ‬ ‫ب } ‪ .‬وفي لف ٍ‬ ‫ي مكتس ٍ‬ ‫لقو ٍ ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫ي } ‪ .‬وهذا مذهب ال ّ‬ ‫ي ول لذي مّرةٍ سو ٍ ّ‬ ‫لغن ٍ ّ‬
‫والحنابلة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬يجوز دفع الّزكاة إلى من‬
‫حا مكتسبًا ‪،‬‬ ‫ب ‪ ،‬وإن كان صحي ً‬ ‫ل من نصا ٍ‬ ‫يملك أق ّ‬
‫لنّه فقير أو مسكين ‪ ،‬وهما من مصارف الّزكاة ;‬
‫ن حقيقة الحاجة ل يوقف عليها ‪ ،‬فأدير الحكم‬ ‫ول ّ‬
‫جوا بما في‬ ‫على دليلها ‪ ،‬وهو فقد النّصاب ‪ .‬واحت ّ‬
‫ي‬‫ن النّب ّ‬ ‫صة الحديث المذكور سابًقا ‪ ،‬وهي { أ ّ‬ ‫ق ّ‬
‫صدقات فقام‬ ‫صلى الله عليه وسلم كان يقسم ال ّ‬
‫إليه رجلن يسألنه ‪ ،‬فنظر إليهما فرآهما جلدين‬
‫فقال ‪ :‬إنّه ل حقّ لكما فيه وإن شئتما أعطيتكما } ‪.‬‬
‫لنّه أجاز إعطاءهما ‪ ،‬وقوله ‪ { :‬ل حقّ لكما فيه }‬
‫سؤال ‪ .‬ومثله قول المالكيّة‬ ‫ق لكما في ال ّ‬ ‫معناه ل ح ّ‬
‫ن الحد ّ الدنى الّذي يمنع‬ ‫المعتمد عندهم ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫الستحقاق عندهم هو ملك الكفاية ل ملك النّصاب ‪،‬‬
‫كما عند الحنفيّة ‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫إعطاء الّزكاة لمن له مال أو كسب وامتنع عنه ماله‬
‫أو كسبه ‪:‬‬
‫‪ - 162‬من كان عنده مال يكفيه فل يستحقّ من‬
‫جًل ‪،‬‬‫الّزكاة ‪ ،‬لكن إن كان ماله غائبًا أو كان دينًا مؤ ّ‬
‫شافعيّة بأنّه ل يمنع ذلك من إعطائه ما‬ ‫فقد صّرح ال ّ‬
‫ل الجل ‪ .‬والقادر‬ ‫يكفيه إلى أن يصل إلى ماله أو يح ّ‬
‫على الكسب إن شغله عن الكسب طلب العلم‬
‫ن‬‫ي لم يمنع ذلك من إعطائه من الّزكاة ; ل ّ‬ ‫شرع ّ‬ ‫ال ّ‬
‫طلب العلم فرض كفايةٍ بخلف التّفّرغ للعبادة ‪.‬‬
‫شافعيّة في طالب العلم أن يكون‬ ‫واشترط بعض ال ّ‬
‫نجيبًا يرجى نفع المسلمين بتفّقهه ‪ .‬ومن كان قادًرا‬
‫ن ذلك الكسب ل يليق به ‪ ،‬أو يليق به‬ ‫ب لك ّ‬‫على كس ٍ‬
‫لكن لم يجد من يستأجره ‪ ،‬لم يمنع ذلك استحقاقه‬
‫من الّزكاة ‪.‬‬
‫جنس الكفاية المعتبرة في استحقاق الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 163‬الكفاية المعتبرة عند الجمهور هي للمطعم‬
‫والمشرب والمسكن وسائر ما ل بد ّ منه على ما‬
‫شخص‬ ‫ف ول تقتيرٍ ‪ ،‬لل ّ‬‫يليق بالحال من غير إسرا ٍ‬
‫نفسه ولمن هو في نفقته ‪ .‬وصّرح المالكيّة وغيرهم‬
‫ن مال الّزكاة إن كان فيه سعة يجوز العانة به‬ ‫بأ ّ‬
‫لمن أراد الّزواج ‪.‬‬
‫القدر الّذي يعطاه الفقير والمسكين من الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 164‬ذهب الجمهور ( المالكيّة وهو قول عند‬
‫ن الواحد‬ ‫شافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة ) إلى أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫من أهل الحاجة المستحقّ للّزكاة بالفقر أو المسكنة‬
‫يعطى من الّزكاة الكفاية أو تمامها له ولمن يعوله‬
‫ما كامًل ‪ ،‬ول يزاد عليه ‪ ،‬إنّما حدّدوا العام ل ّ‬
‫ن‬ ‫عا ً‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن { النّب ّ‬‫ل عام ٍ غالبًا ‪ ،‬ول ّ‬ ‫الّزكاة تتكّرر ك ّ‬
‫عليه وسلم ادّخر لهله قوت سنةٍ } ‪ .‬وسواء كان ما‬

‫‪260‬‬
‫يكفيه يساوي نصابًا أو نصبًا ‪ .‬وإن كان يملك أو‬
‫يحصل له بعض الكفاية أعطي تمام الكفاية لعام ٍ ‪.‬‬
‫ص والحنابلة في‬ ‫ل منصو ٍ‬ ‫شافعيّة في قو ٍ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ن الفقير والمسكين يعطيان ما يخرجهما‬ ‫روايةٍ إلى أ ّ‬
‫من الفاقة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على‬
‫ن المسألة ل‬ ‫الدّوام ‪ ،‬لحديث قبيصة مرفوع ًا { إ ّ‬
‫ل أصابته جائحة اجتاحت ماله‬ ‫ل إل ّ لثلثةٍ ‪ :‬رج ٍ‬
‫تح ّ‬
‫ش ‪ ،‬أو‬ ‫ما من عي ٍ‬ ‫فحلّت له المسألة حتّى يصيب قوا ً‬
‫ش ‪ } ..‬الحديث ‪ .‬قالوا ‪ :‬فإن‬ ‫قال ‪ :‬سدادًا من عي ٍ‬
‫كان من عادته الحتراف أعطي ما يشتري به أدوات‬
‫حرفته قلّت قيمتها أو كثرت بحيث يحصل له من‬
‫ربحه ما يفي بكفايته غالبًا تقريبًا ‪ ،‬وإن كان تاجًرا‬
‫ضياع‬
‫أعطي بنسبة ذلك ‪ ،‬وإن كان من أهل ال ّ‬
‫يشترى له ضيعة تكفيه غلّتها على الدّوام ‪ .‬قال‬
‫بعضهم ‪ :‬يشتريها له المام ويلزمه بعدم إخراجها‬
‫ن من ل يملك نصابًا‬ ‫عن ملكه ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ل من مائتي درهمٍ‬ ‫زكويًّا كامًل يجوز أن يدفع إليه أق ّ‬
‫أو تمامها ‪ .‬ويكره أكثر من ذلك ‪ ،‬وقال زفر ل يجوز‬
‫تمام المائتين أو أكثر ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة لمن لم‬
‫ل‬‫يكن له عيال ول دين عليه ‪ ،‬فإن كان له عيال فلك ٍّ‬
‫منهم مائتا درهم ٍ ‪ ،‬والمدين يعطى لدينه ولو فوق‬
‫المائتين كما يأتي في الغارمين ‪.‬‬
‫( إثبات الفقر ) ‪:‬‬
‫‪ - 165‬إذا ادّعى رجل صحيح قويّ أنّه ل يجد مكسبًا‬
‫يجوز أن يعطى من الّزكاة إن كان مستور الحال ‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن ‪ ،‬لقول النّب ّ‬‫ويقبل قوله بغير يمي ٍ‬
‫وسلم كما في الحديث المتقدّم ‪ { :‬إن شئتما‬
‫ن لم يصدّق ولم‬ ‫أعطيتكما } لكن من علم كذبه بيقي ٍ‬
‫ن له عياًل‬
‫يجز إعطاؤه من الّزكاة ‪ .‬وإن ادّعى أ ّ‬

‫‪261‬‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫وطلب من الّزكاة لجلهم ‪ ،‬فعند ال ّ‬
‫ن الصل عدم العيال ‪ ،‬ول‬ ‫ل يقبل قوله إل ّ ببيّنةٍ ‪ ،‬ل ّ‬
‫تتعذ ّر إقامة البيّنة على ذلك ‪ .‬وكذا من كان معروفًا‬
‫ن ماله‬ ‫باليسار ل يعطى من الّزكاة ‪ ،‬لكن إن ادّعى أ ّ‬
‫تلف أو فقد كلّف البيّنة على ذلك ‪ .‬واختلف قول‬
‫الحنابلة في عدد البيّنة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬ل بد ّ من ثلثةٍ ‪ ،‬لما‬
‫ي قال له ‪ { :‬أقم حتّى‬ ‫ن النّب ّ‬‫ورد في حديث قبيصة أ ّ‬
‫ن‬
‫م قال ‪ :‬يا قبيصة ‪ :‬إ ّ‬ ‫صدقة فنأمر لك بها ‪ .‬ث ّ‬ ‫تأتينا ال ّ‬
‫ل‬‫ل إل ّ لحد ثلثةٍ ‪ ...‬وذكر منهم ‪ :‬رج ٍ‬ ‫المسألة ل تح ّ‬
‫أصابته فاقة حتّى يقوم له ثلثة من ذوي الحجا من‬
‫قومه ‪ ،‬لقد أصابت فلنًا فاقة ‪ ،‬فحلّت له المسألة‬
‫ش أو قال ‪ :‬سدادًا من‬ ‫ما من عي ٍ‬ ‫حتّى يصيب قوا ً‬
‫ش } ‪ .‬وقيل عندهم ‪ :‬يقبل قول اثنين فقط‬ ‫عي ٍ‬
‫كسائر الحقوق ‪ ،‬والحديث وارد في المسألة ‪ ،‬ل في‬
‫العطاء دون مسألةٍ ‪.‬‬
‫صنف الثّالث ‪ :‬العاملون على الّزكاة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 166‬يجوز إعطاء العاملين على الّزكاة منها ‪.‬‬
‫ويشترط في العامل الّذي يعطى من الّزكاة شروط‬
‫تقدّم بيانها ‪ .‬ول يشترط فيمن يأخذ من العاملين‬
‫من الّزكاة الفقر ; لنّه يأخذ بعمله ل لفقره ‪ .‬وقد‬
‫ي إل ّ لخمسةٍ ‪..‬‬ ‫صدقة لغن ٍ ّ‬ ‫ل ال ّ‬‫ي ‪ { :‬ل تح ّ‬ ‫قال النّب ّ‬
‫فذكر منهم العامل عليها } ‪ .‬قال الحنفيّة ‪ :‬يدفع إلى‬
‫العامل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه‬
‫غير مقدّرٍ بالثّمن ‪ ،‬ول يزاد على نصف الّزكاة الّتي‬
‫شافعيّة‬‫يجمعها وإن كان عمله أكثر ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫ة‬
‫والحنابلة ‪ :‬للمام أن يستأجر العامل إجارةً صحيح ً‬
‫معلوم‬
‫ٍ‬ ‫ل‬
‫ما على مدّةٍ معلومةٍ ‪ ،‬أو عم ٍ‬ ‫بأجر معلوم ٍ ‪ ،‬إ ّ‬
‫ٍ‬
‫شافعيّة ‪ :‬ل يعطى العامل من الّزكاة‬ ‫م قال ال ّ‬ ‫‪.‬ث ّ‬
‫أكثر من ثمن الّزكاة ‪ ،‬فإن زاد أجره على الثّمن أت ّ‬
‫م‬

‫‪262‬‬
‫سهام ‪ .‬ويجوز‬ ‫له من بيت المال ‪ .‬وقيل من باقي ال ّ‬
‫للمام أن يعطيه أجره من بيت المال ‪ .‬وله أن يبعثه‬
‫م يعطيه أجر المثل ‪ .‬وإن تولّى المام ‪،‬‬ ‫بغير إجارةٍ ث ّ‬
‫أو والي القليم أو القاضي من قبل المام أو نحوهم‬
‫أخذ الّزكاة وقسمتها لم يجز أن يأخذ من الّزكاة‬
‫م‪.‬‬‫شيئًا ; لنّه يأخذ رزقه من بيت المال وعمله عا ّ‬
‫صنف الّرابع ‪ :‬المؤلّفة قلوبهم ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 167‬اختلف الفقهاء في صنف المؤلّفة قلوبهم ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫ل من المالكيّة وال ّ‬ ‫فالمعتمد عند ك ٍّ‬
‫ل‬
‫ق لم يسقط ‪ .‬وفي قو ٍ‬ ‫ن سهم المؤلّفة قلوبهم با ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫شافعيّة وروايةٍ عند الحنابلة‬ ‫ل من المالكيّة وال ّ‬ ‫عند ك ٍّ‬
‫ن سهمهم انقطع لعّز السلم ‪ ،‬فل يعطون الن ‪،‬‬ ‫‪:‬أ ّ‬
‫لكن إن احتيج لستئلفهم في بعض الوقات أعطوا ‪.‬‬
‫ل معنى قول أحمد ‪ :‬انقطع‬ ‫قال ابن قدامة ‪ :‬لع ّ‬
‫ن‬
‫سهمهم ‪ ،‬أي ل يحتاج إليهم في الغالب ‪ ،‬أو أراد أ ّ‬
‫ما إن احتيج إلى‬ ‫مة ل يعطونهم اليوم شيئًا ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫الئ ّ‬
‫إعطائهم جاز الدّفع إليهم ‪ ،‬فل يجوز الدّفع إليهم إلّ‬
‫مع الحاجة ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬انعقد الجماع على‬
‫ن القرع بن‬ ‫سقوط سهمهم من الّزكاة لما ورد أ ّ‬
‫ن جاءا يطلبان من أبي بكرٍ‬ ‫س وعيينة بن حص ٍ‬ ‫حاب ٍ‬
‫ضا ‪ ،‬فكتب لهما بذلك ‪ ،‬فمّرا على عمر ‪ ،‬فرأى‬ ‫أر ً‬
‫الكتاب فمّزقه ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا شيء كان رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألّفكم ‪ ،‬والن‬
‫قد أعّز اللّه السلم وأغنى عنكم ‪ ،‬فإن ثبتّم على‬
‫سيف ‪ ،‬فرجعا إلى أبي‬ ‫السلم ‪ ،‬وإل ّ فبيننا وبينكم ال ّ‬
‫بكرٍ ‪ ،‬فقال ‪ ،‬ما ندري ‪ :‬الخليفة أنت أم عمر ؟ فقال‬
‫صحابة‬ ‫‪ :‬هو إن شاء ‪ ،‬ووافقه ‪ .‬ولم ينكر أحد من ال ّ‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫ل للمالكيّة ‪ :‬المؤلّفة‬ ‫م اختلفوا ‪ :‬ففي قو ٍ‬ ‫‪ - 168‬ث ّ‬
‫قلوبهم كّفار يعطون ترغيبًا لهم في السلم لجل أن‬
‫يعينوا المسلمين ‪ ،‬فعليه ل تعطى الّزكاة لمن أسلم‬
‫سهم‬ ‫شافعيّة ‪ :‬ل يعطى من هذا ال ّ‬ ‫فعًل ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫ن الّزكاة ل تعطى لكافرٍ ‪ ،‬للحديث ‪:‬‬ ‫لكافرٍ أصًل ‪ ،‬ل ّ‬
‫{ تؤخذ من أغنيائهم وترد ّ على فقرائهم } بل تعطى‬
‫شافعيّة ‪.‬‬ ‫لمن أسلم فعًل ‪ ،‬وهناك أقوال أخرى لل ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يجوز العطاء من الّزكاة للمؤلّف‬
‫شافعيّة‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫ما كان أو كافًرا ‪ .‬وعند ك ٍّ‬ ‫مسل ً‬
‫والمالكيّة أقوال بمثل هذا ‪ .‬قال ابن قدامة ‪:‬‬
‫المؤلّفة قلوبهم ضربان ‪ :‬كّفار ومسلمون ‪ ،‬وهم‬
‫سادة المطاعون في قومهم وعشائرهم ‪.‬‬ ‫جميعًا ال ّ‬
‫ب‪:‬‬ ‫م ذكر المسلمين منهم فجعلهم أربعة أضر ٍ‬ ‫ث ّ‬
‫‪ - 1‬سادة مطاعون في قومهم أسلموا ونيّتهم‬
‫ضعيفة فيعطون تثبيتًا لهم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬قوم لهم شرف ورياسة أسلموا ويعطون‬
‫لترغيب نظرائهم من الكّفار ليسلموا ‪.‬‬
‫‪ - 3‬صنف يراد بتألّفهم أن يجاهدوا من يليهم من‬
‫الكّفار ‪ ،‬ويحموا من يليهم من المسلمين ‪.‬‬
‫‪ - 4‬صنف يراد بإعطائهم من الّزكاة أن يجبوا الّزكاة‬
‫م ذكر ابن قدامة الكّفار فجعلهم‬ ‫من ل يعطيها ‪ .‬ث ّ‬ ‫م ّ‬
‫ضربين ‪:‬‬
‫‪ - 1‬من يرجى إسلمه فيعطى لتميل نفسه إلى‬
‫السلم ‪.‬‬
‫ف‬‫ف شّره وك ّ‬ ‫‪ - 2‬من يخشى شّره ويرجى بعطيّته ك ّ‬
‫غيره معه ‪.‬‬
‫صنف الخامس ‪ :‬في الّرقاب ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ب ‪ :‬الوّل ‪ :‬المكاتبون‬ ‫‪ - 169‬وهم ثلثة أضر ٍ‬
‫صرف من الّزكاة‬ ‫المسلمون ‪ :‬فيجوز عند الجمهور ال ّ‬

‫‪264‬‬
‫ك رقابهم ولم يجز ذلك‬ ‫ة لهم على ف ّ‬ ‫إليهم ‪ ،‬إعان ً‬
‫مالك ‪ ،‬كما لم يجز صرف شي ٍء من الّزكاة في‬
‫إعتاق من انعقد له سبب حّريّةٍ بغير الكتابة ‪،‬‬
‫كالتّدبير والستيلد والتّبعيض ‪ .‬فعلى قول الجمهور ‪:‬‬
‫إنّما يعان المكاتب إن لم يكن قادًرا على الداء‬
‫لبعض ما وجب عليه ‪ ،‬فإن كان ل يجد شيئًا أصًل‬
‫دفع إليه جميع ما يحتاج إليه للوفاء ‪ .‬الثّاني ‪ :‬إعتاق‬
‫صرف من‬ ‫الّرقيق المسلم ‪ ،‬وقد ذهب إلى جواز ال ّ‬
‫الّزكاة في ذلك المالكيّة وأحمد في روايةٍ ‪ ،‬وعليه‬
‫ساعي جاز له أن‬ ‫فإن كانت الّزكاة بيد المام أو ال ّ‬
‫ة أو رقابًا فيعتقهم ‪ ،‬وولؤهم للمسلمين‬ ‫يشتري رقب ً‬
‫ب المال فأراد أن يعتق‬ ‫‪ .‬وكذا إن كانت الّزكاة بيد ر ّ‬
‫ة منها ‪ ،‬فيجوز ذلك لعموم الية { وفي‬ ‫م ً‬
‫ة تا ّ‬
‫رقب ً‬
‫الّرقاب } ويكون ولؤها عند المالكيّة للمسلمين‬
‫ضا ‪ ،‬وعند الحنابلة ‪ :‬ما رجع من الولء رد ّ في مثله‬ ‫أي ً‬
‫‪ ،‬بمعنى أنّه يشترى بما تركه المعتق ول وارث له‬
‫رقاب تعتق ‪ .‬وعند أبي عبيد ٍ ‪ :‬الولء للمعتق ‪ .‬وذهب‬
‫ة أخرى إلى أنّه ل‬ ‫شافعيّة وأحمد في رواي ٍ‬ ‫الحنفيّة وال ّ‬
‫ن‪،‬‬‫ن ذلك كدفع الّزكاة إلى الق ّ‬ ‫يعتق من الّزكاة ‪ ،‬ل ّ‬
‫سيّد في‬ ‫ن ل تدفع إليه الّزكاة ; ولنّه دفع إلى ال ّ‬ ‫والق ّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ن العتق إسقاط مل ٍ‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ل ّ‬
‫ك ‪ ،‬لكن إن أعان من زكاته في إعتاق‬ ‫وليس بتملي ٍ‬
‫رقبةٍ جاز عند أصحاب هذا القول من الحنابلة ‪.‬‬
‫ما من أيدي‬ ‫الثّالث ‪ :‬أن يفتدي بالّزكاة أسيًرا مسل ً‬
‫ب وابن عبد‬ ‫المشركين ‪ ،‬وقد صّرح الحنابلة وابن حبي ٍ‬
‫ك رقبةٍ‬ ‫الحكم من المالكيّة بجواز هذا النّوع ; لنّه ف ّ‬
‫من السر ‪ ،‬فيدخل في الية بل هو أولى من ف ّ‬
‫ك‬
‫رقبة من بأيدينا ‪ .‬وصّرح المالكيّة بمنعه ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫سادس ‪ :‬الغارمون ‪ :‬والغارمون‬ ‫صنف ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ضرب الوّل ‪:‬‬ ‫ب ‪ :‬ال ّ‬ ‫قون للّزكاة ثلثة أضر ٍ‬ ‫المستح ّ‬
‫من كان عليه دين لمصلحة نفسه ‪ .‬وهذا متّفق عليه‬
‫من حيث الجملة ‪ ،‬ويشترط لعطائه من الّزكاة ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫ما ‪.‬‬ ‫‪ - 1‬أن يكون مسل ً‬
‫‪ - 2‬أن ل يكون من آل البيت ‪ ،‬وعند الحنابلة قول ‪:‬‬
‫بجواز إعطاء مدين آل البيت منها ‪.‬‬
‫‪ - 3‬واشترط المالكيّة أن ل يكون قد استدان ليأخذ‬
‫سع في‬ ‫من الّزكاة ‪ ،‬كأن يكون عنده ما يكفيه وتو ّ‬
‫النفاق بالدّين لجل أن يأخذ منها ‪ ،‬بخلف فقيرٍ‬
‫ضرورة ناويًا الخذ منها ‪.‬‬ ‫استدان لل ّ‬
‫ما‬
‫‪ - 4‬وصّرح المالكيّة بأنّه يشترط أن يكون الدّين م ّ‬
‫يحبس فيه ‪ ،‬فيدخل فيه دين الولد على والده ‪،‬‬
‫والدّين على المعسر ‪ ،‬وخرج دين الكّفارات والّزكاة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬أن ل يكون دينه في معصيةٍ ‪ ،‬وهذا عند المالكيّة‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬كأن يكون بسبب خمرٍ ‪ ،‬أو‬ ‫وال ّ‬
‫قمارٍ ‪ ،‬أو زنًا ‪ ،‬لكن إن تاب يجوز الدّفع إليه ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫شافعيّة السراف‬ ‫جح المالكيّة الوّل ‪ ،‬وعد ّ ال ّ‬ ‫ل ‪ .‬ور ّ‬
‫في النّفقة من باب المعصية الّتي تمنع العطاء من‬
‫الّزكاة ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -6‬أن يكون الدّين حا ّل ‪ ،‬صّرح بهذا ال ّ‬
‫شرط‬
‫جًل ففي‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إن كان الدّين مؤ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل ثالثها ‪ :‬إن كان الجل تلك‬ ‫المسألة ثلثة أقوا ٍ‬
‫سنة أعطي ‪ ،‬وإل ّ فل يعطى من صدقات تلك‬ ‫ال ّ‬
‫سنة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ل عنده‬ ‫سداد من ما ٍ‬ ‫‪ -7‬أن ل يكون قادًرا على ال ّ‬
‫ي زائد ٍ عن كفايته ‪ ،‬فلو كان له دار‬ ‫ي أو غير زكو ٍ ّ‬ ‫زكو ٍ ّ‬

‫‪266‬‬
‫ة وعليه مائة ‪ ،‬وتكفيه دار‬ ‫يسكنها تساوي مائ ً‬
‫بخمسين فل يعطى حتّى تباع ‪ ،‬ويدفع الّزائد في دينه‬
‫على ما صّرح به المالكيّة ‪ ،‬ولو وجد ما يقضي به‬
‫بعض الدّين أعطي البقيّة فقط ‪ ،‬وإن كان قادًرا‬
‫ن بالكتساب ‪ ،‬فعند‬ ‫على وفاء الدّين بعد زم ٍ‬
‫ضرب‬ ‫شافعيّة قولن في جواز إعطائه منها ‪ .‬ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬الغارم لصلح ذات البين ‪:‬‬
‫ن‬
‫‪ - 171‬الصل فيه حديث قبيصة المرفوع ‪ { :‬إ ّ‬
‫مل‬ ‫ل تح ّ‬ ‫ل إل ّ لثلثةٍ ‪ .‬فذكر منهم ورج ٍ‬ ‫المسألة ل تح ّ‬
‫م يمسك }‬ ‫ة فحلّت له المسألة حتّى يصيبها ث ّ‬ ‫حمال ً‬
‫ن هذا النّوع من‬ ‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫الغارمين يعطى من الّزكاة سواء كان غنيًّا أو فقيًرا ;‬
‫لنّه لو اشترط الفقر فيه لقلّت الّرغبة في هذه‬
‫المكرمة ‪ ،‬وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيّين‬
‫مله‬ ‫ل ‪ ،‬فيتح ّ‬ ‫س أو إتلف ما ٍ‬ ‫فتنة ‪ ،‬يكون فيها قتل نف ٍ‬
‫لجل الصلح بينهم ‪ ،‬فيعطى من الّزكاة لتسديد‬
‫حمالته ‪ ،‬وقيّد الحنابلة العطاء بما قبل الداء‬
‫ن استدانه ;‬ ‫ي ‪ ،‬ما لم يكن أدّى الحمالة من دي ٍ‬ ‫الفعل ّ‬
‫مل‬‫ن الغرم يبقى ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ل يعطى المتح ّ‬ ‫ل ّ‬
‫من الّزكاة إل ّ إن كان ل يملك نصابًا فاضًل عن دينه‬
‫كغيره من المدينين ‪ .‬ولم يصّرح المالكيّة بحكم هذا‬
‫ضرب الثّالث ‪ :‬الغارم‬ ‫ضرب فيما اطّلعنا عليه ‪ .‬ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة ‪،‬‬ ‫ضرب ذكره ال ّ‬ ‫ن وهذا ال ّ‬ ‫بسبب دين ضما ٍ‬
‫ضامن‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫والمعتبر في ذلك أن يكون ك ّ‬
‫والمضمون عنه معسرين ‪ ،‬فإن كان أحدهما موسًرا‬
‫ضامن من الّزكاة خلف عندهم‬ ‫ففي إعطاء ال ّ‬
‫وتفصيل ‪.‬‬
‫( الدّين على الميّت ) ‪:‬‬

‫‪267‬‬
‫‪ 171‬م ‪ -‬إن مات المدين ول وفاء في تركته لم يجز‬
‫عند الجمهور سداد دينه من الّزكاة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪:‬‬
‫يوفّى دينه منها ولو مات ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬هو أح ّ‬
‫ق‬
‫بالقضاء لليأس من إمكان القضاء عنه ‪ ،‬وهو أحد‬
‫شافعيّة ‪ .‬ويأتي بيان ما يتعلّق بالميّت‬ ‫قولين عند ال ّ‬
‫تفصيًل ‪.‬‬
‫صنف ثلثة‬ ‫سابع ‪ :‬في سبيل اللّه ‪ .‬وهذا ال ّ‬ ‫صنف ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫أضر ٍ‬
‫ضرب الوّل ‪ :‬الغزاة في سبيل اللّه تعالى ‪،‬‬ ‫‪ - 172‬ال ّ‬
‫والّذين ليس لهم نصيب في الدّيوان ‪ ،‬بل هم‬
‫ضرب متّفق عليه عند‬ ‫متطوّعون للجهاد ‪ .‬وهذا ال ّ‬
‫الفقهاء من حيث الجملة ‪ ،‬فيجوز إعطاؤهم من‬
‫ب وسلٍح‬ ‫الّزكاة قدر ما يتجهّزون به للغزو من مرك ٍ‬
‫ونفقةٍ وسائر ما يحتاج إليه الغازي لغزوه مدّة الغزو‬
‫وإن طالت ‪ .‬ول يشترط عند الجمهور في الغازي أن‬
‫ي لذلك ‪ ،‬لنّه ل‬ ‫يكون فقيًرا ‪ ،‬بل يجوز إعطاء الغن ّ‬
‫مة المسلمين ‪،‬‬ ‫يأخذ لمصلحة نفسه ‪ ،‬بل لحاجة عا ّ‬
‫فلم يشترط فيه الفقر ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬إن كان‬
‫ما أو‬‫الغازي غنيًّا ‪ ،‬وهو من يملك خمسين دره ً‬
‫قيمتها من الذ ّهب كما تقدّم في صنف الفقراء فل‬
‫يعطى من الّزكاة ‪ ،‬وإل ّ فيعطى ‪ ،‬وإن كان كاسبًا ;‬
‫مدٍ الغازي‬ ‫ن الكسب يقعده عن الجهاد ‪ .‬وعند مح ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ج ل منقطع الغزاة ‪ .‬وصّرح المالكيّة بأنّه‬ ‫منقطع الحا ّ‬
‫من يجب عليه الجهاد‬ ‫يشترط في الغازي أن يكون م ّ‬
‫ما ذكًرا بالغًا قادًرا ‪ ،‬وأنّه يشترط أن‬ ‫‪ ،‬لكونه مسل ً‬
‫ما جنود الجيش الّذين‬ ‫يكون من غير آل البيت ‪ .‬وأ ّ‬
‫لهم نصيب في الدّيوان فل يعطون من الّزكاة ‪ ،‬وفي‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن امتنع إعطاؤهم من‬ ‫أحد قولين عند ال ّ‬
‫بيت المال لضعفه ‪ ،‬يجوز إعطاؤهم من الّزكاة ‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫ضرب‬ ‫ضرب الثّاني ‪ :‬مصالح الحرب ‪ - 173‬وهذا ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صرف‬ ‫صحيح عندهم أنّه يجوز ال ّ‬ ‫ذكره المالكيّة ‪ ،‬فال ّ‬
‫من الّزكاة في مصالح الجهاد الخرى غير إعطاء‬
‫العدو‬
‫ّ‬ ‫أسوار للبلد لحفظها من غزو‬ ‫ٍ‬ ‫الغزاة ‪ ،‬نحو بناء‬
‫س‬‫‪ ،‬ونحو بناء المراكب الحربيّة ‪ ،‬وإعطاء جاسو ٍ‬
‫ما كان أو كافًرا ‪.‬‬ ‫سس لنا على العدوّ ‪ ،‬مسل ً‬ ‫يتج ّ‬
‫سلح‬ ‫شافعيّة أن يشترى من الّزكاة ال ّ‬ ‫وأجاز بعض ال ّ‬
‫م‬
‫وآلت الحرب وتجعل وقًفا يستعملها الغزاة ث ّ‬
‫يردّونها ‪ ،‬ولم يجزه الحنابلة ‪ .‬وظاهر صنيع سائر‬
‫الفقهاء ‪ -‬إذ قصروا سهم سبيل اللّه على الغزاة ‪ ،‬أو‬
‫صرف منه في هذا‬ ‫جاج ‪ ،‬أنّه ل يجوز ال ّ‬ ‫الغزاة والح ّ‬
‫ضرب ‪ ،‬ووجهه أنّه ل تمليك فيه ‪ ،‬أو فيه تمليك‬ ‫ال ّ‬
‫لغير أهل الّزكاة ‪ ،‬أو كما قال أحمد ‪ :‬لنّه لم يؤت‬
‫ضرب الثّالث ‪:‬‬ ‫الّزكاة لحد ٍ ‪ ،‬وهو مأمور بإيتائها ‪ ( .‬ال ّ‬
‫جاج ) ‪:‬‬ ‫الح ّ‬
‫‪ - 174‬ذهب جمهور العلماء ( الحنفيّة والمالكيّة‬
‫ثور وابن المنذر وهو رواية‬ ‫ٍ‬ ‫وري وأبو‬
‫ّ‬ ‫شافعيّة والث ّ‬ ‫وال ّ‬
‫صحيح ) إلى أنّه‬ ‫عن أحمد ‪ ،‬وقال ابن قدامة ‪ :‬إنّه ال ّ‬
‫ن سبيل‬ ‫ج من الّزكاة ; ل ّ‬ ‫صرف في الح ّ‬ ‫ل يجوز ال ّ‬
‫اللّه في آية مصارف الّزكاة مطلق ‪ ،‬وهو عند‬
‫الطلق ينصرف إلى الجهاد في سبيل اللّه تعالى ‪،‬‬
‫ما ورد من ذكره في كتاب اللّه تعالى‬ ‫ن الكثر م ّ‬ ‫ل ّ‬
‫قصد به الجهاد ‪ ،‬فتحمل الية عليه ‪ .‬وذهب أحمد‬
‫ج في سبيل اللّه فيصرف فيه‬ ‫ن الح ّ‬ ‫ة ‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫في رواي ٍ‬
‫ن رجًل جعل ناقته في‬ ‫من الّزكاة ‪ ،‬لما روي { أ ّ‬
‫ي‬
‫ج ‪ ،‬فقال لها النّب ّ‬ ‫سبيل اللّه ‪ ،‬فأرادت امرأته أن تح ّ‬
‫ج‬
‫ن الح ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فهل ّ خرجت عليه فإ ّ‬
‫من سبيل اللّه } فعلى هذا القول ل يعطى من‬
‫ج به سواها ‪ ،‬ول يعطى إلّ‬ ‫الّزكاة من كان له مال يح ّ‬

‫‪269‬‬
‫ل عند الحنابلة ‪ :‬يجوز‬ ‫ة ‪ ،‬وفي قو ٍ‬ ‫ص ً‬
‫ج الفريضة خا ّ‬ ‫لح ّ‬
‫ج التّطوّع ‪ .‬وينقل عن بعض فقهاء‬ ‫حتّى في ح ّ‬
‫ن مصرف في سبيل اللّه هو لمنقطع‬ ‫الحنفيّة أ ّ‬
‫ج يعطى من الّزكاة عند‬ ‫ن مريد الح ّ‬ ‫جاج ‪ .‬إل ّ أ ّ‬ ‫الح ّ‬
‫ل كما يأتي ‪.‬‬ ‫شافعيّة على أنّه ابن سبي ٍ‬ ‫ال ّ‬
‫مي بذلك لملزمته‬ ‫سبيل ‪ :‬س ّ‬ ‫صنف الثّامن ‪ :‬ابن ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الطريق ‪ ،‬إذ ليس هو في وطنه ليأوي إلى سك ٍ‬
‫صنف ضربان ‪:‬‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫ضرب الوّل ‪ :‬المتغّرب عن وطنه الّذي ليس‬ ‫‪ - 175‬ال ّ‬
‫ضرب متّفق على‬ ‫بيده ما يرجع به إلى بلده ‪ :‬وهذا ال ّ‬
‫أنّه من أصحاب الّزكاة ‪ ،‬فيعطى ما يوصله إلى‬
‫شافعيّة ‪ :‬أنّه ل‬ ‫ف عند ال ّ‬ ‫ل ضعي ٍ‬ ‫بلده ‪ ،‬إل ّ في قو ٍ‬
‫ن ذلك يكون من باب نقل الّزكاة من‬ ‫يعطى ; ل ّ‬
‫شرط‬ ‫ط ‪ :‬ال ّ‬‫بلدها ‪ .‬ول يعطى من الّزكاة إل ّ بشرو ٍ‬
‫ما ‪ ،‬من غير آل البيت ‪.‬‬ ‫الوّل ‪ :‬أن يكون مسل ً‬
‫شرط الثّاني ‪ :‬أن ل يكون بيده في الحال مال‬ ‫ال ّ‬
‫يتمكّن به من الوصول إلى بلده وإن كان غنيًّا في‬
‫ب ‪ ،‬أو‬ ‫جل أو على غائ ٍ‬ ‫بلده ‪ ،‬فلو كان له مال مؤ ّ‬
‫معسرٍ ‪ ،‬أو جاحد ٍ ‪ ،‬لم يمنع ذلك الخذ من الّزكاة‬
‫شرط الثّالث ‪ :‬أن ل‬ ‫على ما صّرح به الحنفيّة ‪ .‬ال ّ‬
‫شرط المالكيّة‬ ‫يكون سفره لمعصيةٍ ‪ ،‬صّرح بهذا ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬فيجوز إعطاؤه إن كان سفره‬ ‫وال ّ‬
‫ج الفرض ‪ ،‬وبّر الوالدين ‪ ،‬أو‬ ‫لطاعةٍ واجبةٍ كح ّ‬
‫صالحين ‪ ،‬أو كان سفره‬ ‫مستحبّةٍ كزيارة العلماء وال ّ‬
‫لمباٍح كالمعاشات والتّجارات ‪ ،‬فإن كان سفره‬
‫لمعصيةٍ لم يجز إعطاؤه منها لنّه إعانة عليها ‪ ،‬ما‬
‫لم يتب ‪ ،‬وإن كان للنّزهة فقط ففيه وجهان عند‬
‫الحنابلة ‪ :‬أقواهما ‪ :‬أنّه ل يجوز ; لعدم حاجته إلى‬
‫ة‪:‬‬ ‫ص ً‬‫شرط الّرابع ‪ :‬وهو للمالكيّة خا ّ‬ ‫سفر ‪ .‬ال ّ‬ ‫هذا ال ّ‬

‫‪270‬‬
‫أن ل يجد من يقرضه إن كان ببلده غنيًّا ‪ .‬ول يعطى‬
‫ما يكفيه للّرجوع‬ ‫ضرب من الّزكاة أكثر م ّ‬ ‫أهل هذا ال ّ‬
‫ل للحنابلة ‪ :‬إن كان قاصدًا بلدًا‬ ‫إلى وطنه ‪ ،‬وفي قو ٍ‬
‫م يردّه إلى بلده ‪ .‬قال‬ ‫آخر يعطى ما يوصله إليه ث ّ‬
‫المالكيّة ‪ :‬فإن جلس ببلد الغربة بعد أخذه من‬
‫الّزكاة نزعت منه ما لم يكن فقيًرا ببلده ‪ ،‬وإن‬
‫فضل معه فضل بعد رجوعه إلى بلده نزع منه على‬
‫م قد قال الحنفيّة ‪ :‬من كان‬ ‫ل عند الحنابلة ‪ .‬ث ّ‬ ‫قو ٍ‬
‫سداد فالولى له أن يستقرض ول يأخذ‬ ‫قادًرا على ال ّ‬
‫ضرب الثّاني ‪ :‬من كان في بلده ويريد‬ ‫من الّزكاة ‪ .‬ال ّ‬
‫أن ينشئ سفًرا ‪:‬‬
‫ضرب منع الجمهور إعطاءه ‪ ،‬وأجاز‬ ‫‪ - 176‬فهذا ال ّ‬
‫شافعيّة إعطاءه لذلك بشرط أن ل يكون معه ما‬ ‫ال ّ‬
‫يحتاج إليه في سفره ‪ ،‬وأن ل يكون في معصيةٍ ‪،‬‬
‫ج من الّزكاة إن‬ ‫فعلى هذا يجوز إعطاء من يريد الح ّ‬
‫ج ما‬‫كان ل يجد في البلد الّذي ينشئ منه سفر الح ّ‬
‫ج به ‪ .‬والحنفيّة ل يرون جواز العطاء في هذا‬ ‫ل يح ّ‬
‫ن من كان ببلده ‪ ،‬وليس له بيده مال‬ ‫ضرب ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ينفق منه وله مال في غير بلده ‪ ،‬ل يصل إليه ‪ ،‬رأوا‬
‫سبيل ‪.‬‬ ‫أنّه ملحق بابن ال ّ‬
‫أصناف الّذين ل يجوز إعطاؤهم من الّزكاة ‪:‬‬
‫ن‬
‫مد ٍ صلى الله عليه وسلم ل ّ‬ ‫ي مح ّ‬ ‫‪ - 1 - 177‬آل النّب ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫صدقة محّرمتان على النّب ّ‬ ‫الّزكاة وال ّ‬
‫وسلم وعلى آله ‪ ،‬وقد تقدّم بيان حكمهم في ( آل )‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 2‬الغنياء ‪ ،‬وقد تقدّم بيان من هم في صنف‬
‫الفقراء والمساكين ‪ .‬قال ابن قدامة ‪ :‬خمسة ل‬
‫يعطون إل ّ مع الحاجة ‪ :‬الفقير ‪ ،‬والمسكين ‪،‬‬
‫سبيل ‪،‬‬ ‫والمكاتب ‪ ،‬والغارم لمصلحة نفسه ‪ ،‬وابن ال ّ‬

‫‪271‬‬
‫وخمسة يأخذون مع الغنى ‪ :‬العامل ‪ ،‬والمؤلّف‬
‫قلبه ‪ ،‬والغازي ‪ ،‬والغارم لصلح ذات البين ‪ ،‬وابن‬
‫سبيل الّذي له اليسار في بلده ‪ .‬وخالف الحنفيّة‬ ‫ال ّ‬
‫في الغازي والغارم لصلح ذات البين ‪ ،‬فرأوا أنّهم ل‬
‫يأخذون إل ّ مع الحاجة ‪.‬‬
‫مةٍ ‪ :‬ل يجوز إعطاؤهم‬ ‫‪ - 3‬الكّفار ولو كانوا أهل ذ ّ‬
‫من الّزكاة ‪ .‬نقل ابن المنذر الجماع على ذلك‬
‫ة تؤخذ من‬ ‫ن اللّه افترض عليهم صدق ً‬ ‫لحديث ‪ { :‬إ ّ‬
‫أغنيائهم وترد ّ على فقرائهم } وأجاز الحنابلة في‬
‫ل إعطاءهم مع العاملين إن عملوا على الّزكاة ‪.‬‬ ‫قو ٍ‬
‫ضا على التّفصيل والخلف‬ ‫ويستثنى المؤلّف قلبه أي ً‬
‫المتقدّم في موضعه ‪ .‬ويشمل الكافر هنا الكافر‬
‫ميًا بالسلم وأتى‬ ‫ي والمرتد ّ ‪ ،‬ومن كان متس ّ‬ ‫الصل ّ‬
‫ب اللّه أو‬
‫فرٍ نحو الستخفاف بالقرآن ‪ ،‬أو س ّ‬ ‫بمك ّ‬
‫رسوله ‪ ،‬أو دين السلم ‪ ،‬فهو كافر ل يجوز إعطاؤه‬
‫من الّزكاة اتّفاقًا ‪ ،‬وانظر مصطلح ‪ ( :‬ردّة ) ‪.‬‬
‫ل من انتسب إليه المزكّي أو انتسب إلى المزكّي‬ ‫ك ّ‬
‫بالولدة ‪ .‬ويشمل ذلك أصوله وهم أبواه وأجداده ‪،‬‬
‫وجدّاته ‪ ،‬وارثين كانوا أو ل ‪ ،‬وكذا أولده وأولد‬
‫ن منافع الملك‬ ‫أولده ‪ ،‬وإن نزلوا ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬ل ّ‬
‫ما‬
‫بينهم متّصلة ‪ ،‬وهذا مذهب الحنفيّة والحنابلة ‪ .‬أ ّ‬
‫سائر القارب ‪ ،‬وهم الحواشي كالخوة والخوات‬
‫مات والخوال والخالت ‪ ،‬وأولدهم ‪،‬‬ ‫والعمام والع ّ‬
‫فل يمتنع إعطاؤهم زكاته ولو كان بعضهم في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫عياله ‪ ،‬لقول النّب ّ‬
‫صدقة على المسكين صدقة ‪ ،‬وهي على ذي‬ ‫{ ال ّ‬
‫الّرحم اثنتان ‪ :‬صدقة وصلة } وهذا مذهب الحنفيّة‬
‫ما عند المالكيّة‬ ‫وهو القول المقدّم عند الحنابلة ‪ .‬وأ ّ‬
‫ن القارب الّذين تلزم نفقتهم المزكّي‬ ‫شافعيّة فإ ّ‬ ‫وال ّ‬

‫‪272‬‬
‫ل يجوز أن يعطيهم من الّزكاة ‪ ،‬والّذين تلزم نفقتهم‬
‫م دون الجد ّ والجدّة ‪ ،‬والبن‬ ‫عند المالكيّة الب وال ّ‬
‫والبنت دون أولدهما ‪ ،‬والّلزم نفقة البن ما دام في‬
‫صغر ‪ ،‬والبنت إلى أن تتزوّج ويدخل بها زوجها‬ ‫حد ّ ال ّ‬
‫شافعيّة الصول‬ ‫‪ .‬والّذين تلزم نفقتهم عند ال ّ‬
‫وري‬
‫ّ‬ ‫والفروع ‪ .‬وفي روايةٍ عند الحنابلة وهو قول الث ّ‬
‫‪ :‬يفّرق في غير الصول والفروع بين الموروث منهم‬
‫وغير الموروث ‪ ،‬فغير الموروث يجزئ إعطاؤه من‬
‫الّزكاة ‪ ،‬والموروث ل يجزئ ‪ ،‬وعلى الوارث نفقته‬
‫إن كان الموروث فقيًرا فيستغني بها عن الّزكاة ‪ ،‬إذ‬
‫لو أعطاه من الّزكاة لعاد نفع زكاته إلى نفسه ‪،‬‬
‫ويشترط هنا شروط الرث ومنها ‪ :‬أن ل يكون‬
‫الوارث محجوبًا عن الميراث وقت إعطاء الّزكاة‬
‫واستثنى الحنفيّة في ظاهر الّرواية من فرض له‬
‫القاضي النّفقة على المزكّي ‪ ،‬فل يجزئ إعطاؤه‬
‫ب آخر ‪ ،‬على أنّهم‬ ‫ب في واج ٍ‬ ‫الّزكاة ‪ ،‬لنّه أداء واج ٍ‬
‫صوا على أن يجوز أن يدفعها إلى زوجة أبيه وزوجة‬ ‫ن ّ‬
‫شافعيّة وابن‬ ‫ابنه وزوج ابنته ‪ .‬وقيّد المالكيّة وال ّ‬
‫تيميّة من الحنابلة العطاء الممنوع بسهم الفقراء‬
‫ما لو أعطى والده أو ولده من سهم‬ ‫والمساكين ‪ ،‬أ ّ‬
‫العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فل بأس‬
‫ضا ‪ :‬إن كان ل يلزمه نفقته جاز إعطاؤه ‪.‬‬ ‫‪ .‬وقالوا أي ً‬
‫دفع الّزوج زكاة ماله إلى زوجته وعكسه ‪:‬‬
‫‪ - 178‬ل يجزئ الّرجل إعطاء زكاة ماله إلى زوجته ‪.‬‬
‫ن‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬هو إجماع ‪ ،‬قال الحنفيّة ‪ :‬ل ّ‬
‫ن‬
‫المنافع بين الّزوجين مشتركة ‪ ،‬وقال الجمهور ‪ :‬ل ّ‬
‫نفقتها واجبة على الّزوج ‪ ،‬فيكون كالدّافع إلى نفسه‬
‫ل المنع إعطاؤها الّزكاة لتنفقها على نفسها ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ومح ّ‬
‫ما لو أعطاها ما تدفعه في دينها ‪ ،‬أو لتنفقه على‬ ‫فأ ّ‬

‫‪273‬‬
‫غيرها من المستحّقين ‪ ،‬فل بأس ‪ ،‬على ما صّرح به‬
‫ن الممنوع‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إ ّ‬ ‫المالكيّة وقريب منه ما قال ال ّ‬
‫ما من‬ ‫إعطاؤها من سهم الفقراء أو المساكين ‪ ،‬أ ّ‬
‫سهم ٍ آخر هي مستحّقة له فل بأس ‪ ،‬وهو ما يفهم‬
‫ما إعطاء المرأة زوجها‬ ‫ضا من كلم ابن تيميّة ‪ .‬وأ ّ‬ ‫أي ً‬
‫ي‬
‫شافع ّ‬ ‫زكاة مالها فقد اختلف فيه ‪ :‬فذهب ال ّ‬
‫وصاحبا أبي حنيفة وهو رواية عن أحمد واختيار ابن‬
‫المنذر ‪ ،‬إلى جواز ذلك لحديث { زينب زوجة عبد‬
‫اللّه بن مسعود ٍ رضي الله عنهما ‪ ،‬وفيه أنّها هي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫وامرأة أخرى سألتا النّب ّ‬
‫صدقة عنهما على أزواجهما ‪ ،‬وعلى‬ ‫هل تجزئ ال ّ‬
‫أيتام ٍ في حجرهما ؟ فقال ‪ :‬لهما أجران أجر القرابة‬
‫صدقة } ‪ .‬وقال ابن قدامة ‪ :‬ولنّه ل تجب‬ ‫وأجر ال ّ‬
‫عليها نفقة الّزوج ‪ ،‬ولعموم آية مصارف الّزكاة ‪ ،‬إذ‬
‫ص أو إجماع يمنع‬ ‫ليس في الّزوج إذا كان فقيًرا ن ّ‬
‫إعطاءه ‪ .‬وقال أبو حنيفة ‪ ،‬وهو رواية أخرى عن‬
‫أحمد ‪ :‬ل يجزئ المرأة أن تعطي زوجها زكاتها ولو‬
‫ت‬
‫كانت في عدّتها من طلقه البائن ولو بثلث طلقا ٍ‬
‫ن المنافع بين الّرجل وبين امرأته مشتركة ‪،‬‬ ‫;ل ّ‬
‫فهي تنتفع بتلك الّزكاة الّتي تعطيها لزوجها ; ول ّ‬
‫ن‬
‫ح شهادته‬ ‫الّزوج ل يقطع بسرقة مال امرأته ‪ ،‬ول تص ّ‬
‫لها ‪ .‬وقال مالك ‪ :‬ل تعطي المرأة زوجها زكاة مالها‬
‫‪ .‬واختلف أصحابه في معنى كلمه ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬
‫ن مراده عدم الجزاء ‪ ،‬وقال آخرون ‪ :‬بإجزائه مع‬ ‫بأ ّ‬
‫الكراهة ‪.‬‬
‫‪ ( - 6‬الفاسق والمبتدع ) ‪:‬‬
‫‪ - 179‬ذكر الحافظ ابن حجرٍ في شرحه لحديث ‪:‬‬
‫ن في إعطاء الّزكاة‬ ‫{ تصدّق اللّيلة على كافرٍ } أ ّ‬
‫ن الّزكاة ل‬ ‫للعاصي خلفًا ‪ ،‬وقد صّرح المالكيّة بأ ّ‬

‫‪274‬‬
‫ن المعطي‬ ‫تعطى لهل المعاصي إن غلب على ظ ّ‬
‫أنّهم يصرفونها في المعصية ‪ ،‬فإن أعطاهم على‬
‫ذلك لم تجزئه عن الّزكاة ‪ ،‬وفي غير تلك الحال‬
‫تجوز ‪ ،‬وتجزئ ‪ .‬وعند الحنابلة قال ابن تيميّة ‪ :‬ينبغي‬
‫للنسان أن يتحّرى بزكاته المستحّقين من أهل‬
‫ة أو فجوًرا‬ ‫شريعة ‪ ،‬فمن أظهر بدع ً‬ ‫الدّين المتّبعين لل ّ‬
‫فإنّه يستحقّ العقوبة بالهجر وغيره والستتابة فكيف‬
‫يعان على ذلك ؟ ‪ ،‬وقال ‪ :‬من كان ل يصلّي يؤمر‬
‫صلة ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬أنا أصلّي ‪ ،‬أعطي ‪ ،‬وإل ّ لم يعط‬ ‫بال ّ‬
‫ما بالنّفاق ‪.‬‬‫‪ ،‬ومراده أنّه يعطى ما لم يكن معلو ً‬
‫وعند الحنفيّة يجوز إعطاء الّزكاة للمنتسبين إلى‬
‫السلم من أهل البدع إن كانوا من الصناف الثّمانية‬
‫ة لهم عن السلم‬ ‫‪ ،‬ما لم تكن بدعتهم مكّفرة ً مخرج ً‬
‫ن الولى تقديم أهل الدّين المستقيمين عليه‬ ‫‪ .‬على أ ّ‬
‫في العتقاد ‪ ،‬والعمل على من عداهم عند العطاء‬
‫من الّزكاة ‪ ،‬لحديث ‪ { :‬ل تصاحب إل ّ مؤمنًا ول‬
‫ي}‪.‬‬ ‫يأكل طعامك إل ّ تق ّ‬
‫‪ ( - 7‬الميّت ) ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫‪ - 180‬ذهب الحنفيّة وهو قول لل ّ‬
‫ي ‪ :‬إلى أنّه ل تعطى الّزكاة‬ ‫( على المذهب ) والنّخع ّ‬
‫ن ركن الّزكاة تمليكها‬ ‫ت عند من قال بأ ّ‬ ‫في تجهيز مي ّ ٍ‬
‫حة‬‫ن الميّت ل يملك ‪ ،‬ومن شرط ص ّ‬ ‫لمصرفها ‪ ،‬فإ ّ‬
‫الّزكاة التّمليك ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ول يجوز أن يقضى بها دين‬
‫ن قضاء دين الغير بها‬ ‫الميّت الّذي لم يترك وفاءً ; ل ّ‬
‫ل يقتضي تمليكه إيّاها ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬ل يقضى من‬
‫ي ‪ .‬وقال‬ ‫الّزكاة دين الميّت ‪ ،‬ويقضى منها دين الح ّ‬
‫شافعيّة ونقله في الفروع عن‬ ‫المالكيّة وهو قول لل ّ‬
‫ة‬
‫ن في ذلك رواي ً‬ ‫أبي ثورٍ ‪ ،‬وعن اختيار ابن تيميّة ‪ ،‬وأ ّ‬
‫عن أحمد ‪ :‬أنّه ل بأس أن يقضى من الّزكاة دين‬

‫‪275‬‬
‫مت فيه شروط‬ ‫الميّت الّذي لم يترك وفاءً إن ت ّ‬
‫الغارم ‪ ،‬قال بعض المالكيّة ‪ :‬بل هو أولى من دين‬
‫ي في أخذه من الّزكاة ‪ ،‬لنّه ل يرجى قضاؤه‬ ‫الح ّ‬
‫ج النّوويّ لهذا القول بعموم‬ ‫ي ‪ ،‬واحت ّ‬‫بخلف الح ّ‬
‫ح التّبّرع‬‫الغارمين في آية مصارف الّزكاة ‪ ،‬وبأنّه يص ّ‬
‫ي‪.‬‬‫بقضاء دين الميّت كدين الح ّ‬
‫‪ - 8‬جهات الخير من غير الصناف الثّمانية ‪:‬‬
‫‪ - 181‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجوز صرف الّزكاة‬
‫في جهات الخير غير ما تقدّم بيانه ‪ ،‬فل تنشأ بها‬
‫ق‬
‫طريق ‪ ،‬ول يبنى بها مسجد ول قنطرة ‪ ،‬ول تش ّ‬
‫سع بها على‬ ‫بها ترعة ‪ ،‬ول يعمل بها سقاية ‪ ،‬ول يو ّ‬
‫د‬
‫ن يعت ّ‬‫ف عن معي ّ ٍ‬ ‫ح فيه نقل خل ٍ‬ ‫الصناف ‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫جوا لذلك‬ ‫ي أنّه إجماع ‪ ،‬واحت ّ‬ ‫به ‪ ،‬وظاهر كلم الّرمل ّ‬
‫ن المسجد‬ ‫بأمرين ‪ :‬الوّل ‪ :‬أنّه ل تمليك فيها ; ل ّ‬
‫ونحوه ل يملك ‪ ،‬وهذا عند من يشترط في الّزكاة‬
‫التّمليك ‪ .‬والثّاني ‪ :‬الحصر الّذي في الية ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‬
‫المساجد ونحوها ليست من الصناف الثّمانية ‪ ،‬وفي‬
‫ن اللّه جعل الّزكاة‬ ‫الحديث المتقدّم الّذي فيه ‪ { :‬إ ّ‬
‫س وابن‬ ‫ما نقل عن أن ٍ‬ ‫ثمانية أجزاءٍ } ‪ .‬ول يثبت م ّ‬
‫سيرين خلف ذلك ‪.‬‬
‫ما يراعى في قسمة الّزكاة بين الصناف الثّمانية ‪:‬‬
‫أ ‪ ( -‬تعميم الّزكاة على الصناف ) ‪:‬‬
‫‪ - 182‬ذهب جمهور العلماء ( الحنفيّة والمالكيّة وهو‬
‫المذهب عند الحنابلة وهو قول الثّوريّ وأبي عبيدٍ )‬
‫إلى أنّه ل يجب تعميم الّزكاة على الصناف ‪ ،‬سواء‬
‫ساعي أو‬ ‫ب المال أو ال ّ‬ ‫كان الّذي يؤدّيها إليها ر ّ‬
‫المام ‪ ،‬وسواء كان المال كثيًرا أو قليًل ‪ ،‬بل يجوز‬
‫ف واحد ٍ أو أكثر ‪ ،‬ويجوز أن تعطى‬ ‫أن تعطى لصن ٍ‬
‫ص واحد ٍ إن لم تزد عن كفايته ‪ ،‬وهو مرويّ عن‬ ‫لشخ ٍ‬

‫‪276‬‬
‫ف‬
‫س ‪ :‬في أيّ صن ٍ‬ ‫س ‪ ،‬قال ابن عبّا ٍ‬
‫عمر وابن عبّا ٍ‬
‫وضعته أجزأك ‪.‬‬
‫جوا بحديث ‪ { :‬تؤخذ من أغنيائهم فتردّ‬ ‫‪ - 183‬واحت ّ‬
‫على فقرائهم } قالوا ‪ :‬والفقراء صنف واحد من‬
‫أصناف أهل الّزكاة الثّمانية ‪ ،‬وبوقائع أعطى فيها‬
‫ي صلى الله عليه وسلم الّزكاة لفردٍ واحدٍ أو‬ ‫النّب ّ‬
‫ي‬
‫أفراد ٍ ‪ ،‬منها ‪ { :‬أنّه أعطى سلمة بن صخرٍ البياض ّ‬
‫صدقة قومه } ‪ .‬وقال لقبيصة ‪ { :‬أقم يا قبيصة‬
‫صدقة فنأمر لك بها } ‪ .‬قالوا ‪ :‬والّلم‬ ‫حتّى تأتينا ال ّ‬
‫صدقات بمعنى " أو " ‪ ،‬أو هي لبيان‬ ‫في آية ال ّ‬
‫المصارف ‪ ،‬أو هي للختصاص ‪ ،‬ومعنى الختصاص‬
‫ن التّعميم ل‬ ‫عدم خروجها عنهم ‪ .‬وصّرح المالكيّة بأ ّ‬
‫يندب إل ّ أن يقصد الخروج من الخلف ‪ ،‬وكذا‬
‫ب الحنابلة التّعميم للخروج من الخلف ‪.‬‬ ‫استح ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد وقول‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫عكرمة ‪ ،‬إلى أنّه يجب تعميم الصناف ‪ ،‬وإعطاء ك ّ‬
‫ل‬
‫معة ‪ ،‬واستدلّوا‬ ‫ف منهم الثّمن من الّزكاة المتج ّ‬ ‫صن ٍ‬
‫صدقات ‪ ،‬فإنّه تعالى أضاف الّزكاة إليهم‬ ‫بآية ال ّ‬
‫فالّلم التّمليك ‪ ،‬وأشرك بينهم بواو التّشريك ‪ ،‬فد ّ‬
‫ل‬
‫على أنّها مملوكة لهم مشتركة بينهم ‪ ،‬فإنّه لو قال‬
‫ب المال ‪ :‬هذا المال لزيد ٍ وعمرٍو وبكرٍ قسمت‬ ‫ر ّ‬
‫بينهم ووجبت التّسوية ‪ ،‬فكذا هذا ‪ ،‬ولو أوصى لهم‬
‫شافعيّة‬ ‫وجب التّعميم والتّسوية ‪ .‬وتفصيل مذهب ال ّ‬
‫في ذلك أنّه يجب استيعاب الصناف الثّمانية في‬
‫القسم إن قسم المام وهناك عامل ‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫عامل بأن قسم المالك ‪ ،‬أو حمل أصحاب الموال‬
‫ف‪،‬‬ ‫زكاتهم إلى المام ‪ ،‬فالقسمة على سبعة أصنا ٍ‬
‫فإن فقد بعضهم فعلى الموجودين منهم ‪،‬‬
‫ويستوعب المام من الّزكوات المجتمعة عنده آحاد‬

‫‪277‬‬
‫ف وجوبًا ‪ ،‬إن كان المستحّقون في البلد ‪،‬‬ ‫ل صن ٍ‬ ‫ك ّ‬
‫ووفى بهم المال ‪ .‬وإل ّ فيجب إعطاء ثلثةٍ من ك ّ‬
‫ل‬
‫ن الية ذكرت الصناف بصيغة الجمع ‪.‬‬ ‫ف;ل ّ‬ ‫صن ٍ‬
‫ساعي أن يعتني بضبط‬ ‫قالوا ‪ :‬وينبغي للمام أو ال ّ‬
‫المستحّقين ‪ ،‬ومعرفة أعدادهم ‪ ،‬وقدر حاجاتهم ‪،‬‬
‫واستحقاقهم ‪ ،‬بحيث يقع الفراغ من جمع الّزكوات‬
‫جل وصول حّقهم إليهم ‪.‬‬ ‫بعد معرفة ذلك أو معه ليتع ّ‬
‫قالوا ‪ :‬وتجب التّسوية بين الصناف ‪ ،‬وإن كانت‬
‫حاجة بعضهم أشد ّ ‪ ،‬ول تجب التّسوية بين أفراد ك ّ‬
‫ل‬
‫ف إن قسم المالك ‪ ،‬بل يجوز تفضيل بعضهم‬ ‫صن ٍ‬
‫ما إن قسم المام فيحرم عليه‬ ‫ض‪،‬أ ّ‬ ‫على بع ٍ‬
‫التّفضيل مع تساوي الحاجات ‪ ،‬فإن فقد بعض‬
‫الصناف أعطى سهمه للصناف الباقية ‪ ،‬وكذا إن‬
‫اكتفى بعض الصناف وفضل شيء ‪ ،‬فإن اكتفى‬
‫جميع أفراد الصناف جميعًا بالبلد ‪ ،‬جاز النّقل إلى‬
‫أقرب البلد إليه على الظهر ‪ ،‬على ما يأتي بيانه ‪.‬‬
‫ة جاز صرفها‬ ‫ي ‪ :‬إن كانت الّزكاة قليل ً‬ ‫وقال النّخع ّ‬
‫ف واحدٍ ‪ ،‬وإل ّ وجب استيعاب الصناف ‪،‬‬ ‫إلى صن ٍ‬
‫ثور وأبو عبيد ٍ ‪ :‬إن أخرجها المام وجب‬ ‫ٍ‬ ‫وقال أبو‬
‫استيعاب الصناف ‪ ،‬وإن أخرجها المالك جاز أن‬
‫ف واحدٍ ‪.‬‬
‫يجعلها في صن ٍ‬
‫التّرتيب بين المصارف ‪:‬‬
‫ن العامل على‬ ‫شافعيّة والحنابلة بأ ّ‬ ‫‪ - 184‬صّرح ال ّ‬
‫الّزكاة يبدأ به قبل غيره في العطاء من الّزكاة ;‬
‫لنّه يأخذ على وجه العوض عن عمله ‪ ،‬وغيره يأخذ‬
‫شافعيّة وهو قول عند‬ ‫على سبيل المواساة ‪ ،‬قال ال ّ‬
‫الحنابلة ‪ :‬فإن كان سهم العاملين وهو ثمن الّزكاة‬
‫قدر حّقه أخذه ‪ ،‬وإن زاد عن حّقه رد ّ الفاضل على‬
‫مم له من‬ ‫ل من حّقه ت ّ‬ ‫سهام ‪ ،‬وإن كان أق ّ‬ ‫سائر ال ّ‬

‫‪278‬‬
‫سهام ‪.‬‬‫سهم المصالح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من باقي ال ّ‬
‫ن العامل يقدّم بأجرته على‬ ‫والمذهب عند الحنابلة أ ّ‬
‫ما ما بعد‬ ‫سائر الصناف ‪ ،‬أي من مجموع الّزكاة ‪ .‬أ ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬يقسم بين باقي الصناف‬ ‫ذلك ‪ ،‬فقال ال ّ‬
‫كما تقدّم ‪ .‬ونظر الحنفيّة والمالكيّة إلى الحاجة ‪،‬‬
‫ن حاجة‬ ‫فقال الحنفيّة ‪ :‬يقدّم المدين على الفقير ل ّ‬
‫المدين أشد ّ ‪ ،‬وراعى الحنفيّة أموًرا أخرى تأتي في‬
‫نقل الّزكاة ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬يندب إيثار المضطّر‬
‫على غيره بأن يزاد في إعطائه منها ‪ .‬ونظر الحنابلة‬
‫إلى الحاجة مع القرابة فقالوا ‪ :‬يقدّم الحوج‬
‫فالحوج استحبابًا ‪ ،‬فإن تساووا قدّم القرب إليه ‪،‬‬
‫م من كان أقرب في الجوار وأكثر دينًا ‪ ،‬وكيف‬ ‫ث ّ‬
‫فّرقها جاز ‪ ،‬بعد أن يضعها في الصناف الّذين‬
‫ماهم اللّه تعالى ‪.‬‬ ‫س ّ‬
‫نقل الّزكاة ‪:‬‬
‫‪ - 185‬إذا فاضت الّزكاة في بلدٍ عن حاجة أهلها جاز‬
‫ما مع الحاجة فيرى‬ ‫نقلها اتّفاقًا ‪ ،‬بل يجب ‪ ،‬وأ ّ‬
‫الحنفيّة أنّه يكره تنزيهًا نقل الّزكاة من بلدٍ إلى بلدٍ ‪،‬‬
‫ي‬‫ل أهل بلدٍ فيهم ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫وإنّما تفّرق صدقة ك ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ { :‬تؤخذ من أغنيائهم فتردّ‬
‫ن فيه رعاية حقّ الجوار ‪،‬‬ ‫على فقرائهم } ‪ .‬ول ّ‬
‫والمعتبر بلد المال ‪ ،‬ل بلد المزكّي ‪ .‬واستثنى‬
‫الحنفيّة أن ينقلها المزكّي إلى قرابته ‪ ،‬لما في‬
‫إيصال الّزكاة إليهم من صلة الّرحم ‪ .‬قالوا ‪ :‬ويقدّم‬
‫قوم‬
‫ٍ‬ ‫ضا أن ينقلها إلى‬ ‫القرب فالقرب ‪ .‬واستثنوا أي ً‬
‫هم أحوج إليها من أهل بلده ‪ ،‬وكذا لصلح ‪ ،‬أو‬
‫أورع ‪ ،‬أو أنفع للمسلمين ‪ ،‬أو من دار الحرب إلى‬
‫دار السلم ‪ ،‬أو إلى طالب علم ٍ ‪ .‬وذهب المالكيّة‬
‫شافعيّة في الظهر والحنابلة إلى أنّه ل يجوز نقل‬ ‫وال ّ‬

‫‪279‬‬
‫الّزكاة إلى ما يزيد عن مسافة القصر ‪ ،‬لحديث معاذٍ‬
‫ن عمر رضي الله عنه بعث‬ ‫المتقدّم ‪ ،‬ولما ورد أ ّ‬
‫صدقة ‪،‬‬ ‫معاذ ًا إلى اليمن ‪ ،‬فبعث إليه معاذ من ال ّ‬
‫فأنكر عليه عمر وقال ‪ :‬لم أبعثك جابيًا ول آخذ جزيةٍ‬
‫‪ ،‬ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء النّاس فترد ّ على‬
‫فقرائهم ‪ ،‬فقال معاذ ‪ :‬ما بعثت إليك بشيءٍ وأنا أجد‬
‫ن عمر بن عبد العزيز أتي‬ ‫من يأخذه منّي ‪ .‬وروي أ ّ‬
‫شام فردّها إلى خراسان ‪.‬‬ ‫بزكاةٍ من خراسان إلى ال ّ‬
‫ن المالكيّة قالوا ‪:‬‬‫قالوا ‪ :‬والمعتبر بلد المال ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫المعتبر في الموال الظّاهرة البلد الّذي فيه المال ‪،‬‬
‫وفي النّقد وعروض التّجارة البلد الّذي فيه المالك ‪.‬‬
‫من هو‬ ‫واستثنى المالكيّة أن يوجد من هو أحوج م ّ‬
‫في البلد ‪ ،‬فيجب حينئذ ٍ النّقل منها ولو نقل أكثرها ‪.‬‬
‫ما‬‫م إن نقلت الّزكاة حيث ل مسوّغ لنقلها م ّ‬ ‫‪ - 186‬ث ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬والحنابلة على‬ ‫تقدّم ‪ ،‬فقد ذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫المذهب ‪ ،‬إلى أنّها تجزئ عن صاحبها ; لنّه لم يخرج‬
‫عن الصناف الثّمانية ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬إن نقلها‬
‫لمثل من في بلده في الحاجة فتجزئه مع الحرمة ‪،‬‬
‫وإن نقلها لدون منهم في الحاجة لم تجزئه على ما‬
‫ي ‪ :‬نقل الموّاق‬ ‫ذكره خليل والدّردير ‪ ،‬وقال الدّسوق ّ‬
‫ل ‪ .‬وقال الحنابلة في‬ ‫ل حا ٍ‬ ‫ن المذهب الجزاء بك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ل ‪ .‬وحيث نقلت الّزكاة‬ ‫ل حا ٍ‬‫روايةٍ ‪ :‬ل تجزئه بك ّ‬
‫فأجرة النّقل عند المالكيّة تكون من بيت المال ل‬
‫من الّزكاة نفسها ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬تكون على‬
‫المزكّي ‪.‬‬
‫ف فزال الوصف‬ ‫حكم من أعطي من الّزكاة لوص ٍ‬
‫وهي في يده ‪:‬‬
‫‪ - 187‬من أهل الّزكاة من يأخذ أخذ ًا مستقًّرا فل‬
‫يسترد ّ منه شيء إن كان فيه سبب الستحقاق‬

‫‪280‬‬
‫ف‪:‬‬‫بشروطه عند الخذ ‪ ،‬وهم أربعة أصنا ٍ‬
‫المسكين ‪ ،‬والفقير ‪ ،‬والعامل ‪ ،‬والمؤلّف قلبه ‪.‬‬
‫ومنهم من يأخذ أخذ ًا مراع ًى ‪ ،‬فيسترد ّ منه إن لم‬
‫ب آخر ‪ ،‬أو‬ ‫ينفقه في وجهه ‪ ،‬أو تأدّى الغرض من با ٍ‬
‫ضا أربعة‬ ‫زال الوصف والّزكاة في يده ‪ ،‬وهم أي ً‬
‫ف في بعضها ‪:‬‬ ‫ف ‪ ،‬على خل ٍ‬ ‫أصنا ٍ‬
‫‪ - 1‬المكاتب ‪ ،‬فيسترد ّ من المعطى ما أخذ على‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وفي روايةٍ عند الحنابلة إن‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫الص ّ‬
‫مات قبل أن يعتق ‪ ،‬أو عجز عن الوفاء فلم يعتق ‪،‬‬
‫وقال الحنفيّة وهو رواية عند الحنابلة ‪ :‬يكون ما‬
‫ل له ‪ ،‬وفي روايةٍ عن أحمد ‪ :‬ل‬ ‫أخذه لسيّده ويح ّ‬
‫يسترد ّ ‪ ،‬ول يكون لسيّده ‪ ،‬بل ينفق في المكاتبين ‪.‬‬
‫ول ترد المسألة عند المالكيّة ; لنّهم ل يرون صرف‬
‫الّزكاة للمكاتبين كما تقدّم ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الغارم ‪ :‬فإن استغنى المدين الّذي أخذ الّزكاة‬
‫قبل دفعها في دينه تنزع منه ‪ ،‬وكذا لو أبرئ من‬
‫الدّين ‪ ،‬أو قضاه من غير الّزكاة ‪ ،‬أو قضاه عنه غيره‬
‫ل من‬ ‫ح عند ك ٍّ‬ ‫‪ .‬وهذا عند المالكيّة ‪ ،‬وعلى الص ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ما لم يكن فقيًرا ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 3‬الغازي في سبيل اللّه ‪ :‬وقد صّرح المالكيّة‬
‫م‬
‫شافعيّة والحنابلة بأنّه إن أخذ الّزكاة للغزو ث ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫جلس فلم يخرج أخذت منه ‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫ضا ‪ :‬لو خرج للغزو وعاد دون أن يقاتل‬ ‫والحنابلة أي ً‬
‫العدو تؤخذ منه كذلك ‪ .‬وحيث وجب الّر ّد‬ ‫ّ‬ ‫مع قرب‬
‫تنزع منه إن كان باقيه في يده ‪ ،‬وإن أنفقها أتّبع‬
‫بها ‪ ،‬أي طولب ببدلها إن كان غنيًّا ; لنّها تكون دينًا‬
‫مته ‪.‬‬‫في ذ ّ‬
‫سبيل ‪ :‬ويسترد ّ منه ما أخذه إن لم يخرج ‪،‬‬ ‫‪ - 4‬ابن ال ّ‬
‫ما لم يكن فقيًرا ببلده ‪ ،‬وهذا عند المالكيّة‬

‫‪281‬‬
‫شافعيّة ثلثة‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ويعتبر له عند ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫سنة ‪ .‬قالوا ‪ :‬ويرد ّ ما أخذ‬ ‫ل ‪ :‬تمام ال ّ‬‫أيّام ٍ ‪ ،‬وفي قو ٍ‬
‫م عاد ولم يصرف ما أخذه ‪ ،‬وقال‬ ‫لو سافر ث ّ‬
‫ة ‪ ،‬فإن كان‬ ‫المالكيّة ‪ :‬إنّما تنزع منه إن كانت باقي ً‬
‫أنفقها لم يطالب ببدلها ‪ .‬وظاهر كلم الحنفيّة أنّه ل‬
‫يلزم بالّرد ّ ; لنّهم قالوا ‪ :‬ل يلزمه التّصدّق بما فضل‬
‫في يده ‪.‬‬
‫حكم من أخذ الّزكاة وليس من أهلها ‪:‬‬
‫ل لمن ليس من أهل الّزكاة أخذها وهو‬ ‫‪ - 188‬ل يح ّ‬
‫يعلم أنّها زكاة ‪ ،‬إجماع ًا ‪ .‬فإن أخذها فلم تسترد ّ منه‬
‫فل تطيب له ‪ ،‬بل يردّها أو يتصدّق بها ; لنّها عليه‬
‫حرام ‪ ،‬وعلى دافع الّزكاة أن يجتهد في تعّرف‬
‫مستحّقي الّزكاة ‪ ،‬فإن دفعها بغير اجتهاده ‪ ،‬أو كان‬
‫اجتهاده أنّه من غير أهلها وأعطاه لم تجزئ عنه ‪،‬‬
‫إن تبيّن الخذ من غير أهلها ‪ ،‬والمراد بالجتهاد‬
‫ك في كون‬ ‫النّظر في أمارات الستحقاق ‪ ،‬فلو ش ّ‬
‫الخذ فقيًرا فعليه الجتهاد كذلك ‪.‬‬
‫ما إن اجتهد فدفع لمن غلب على ظنّه أنّه‬ ‫‪ - 189‬أ ّ‬
‫من أهل الّزكاة فتبيّن عدم كونه من أهلها ‪ ،‬فقد‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬تجزئه ‪،‬‬
‫ل يختلف من‬ ‫وقال آخرون ‪ :‬ل تجزئه ‪ ،‬على تفصي ٍ‬
‫مدٍ ‪ :‬إن‬ ‫ب ‪ .‬فعند أبي حنيفة ومح ّ‬ ‫ب إلى مذه ٍ‬ ‫مذه ٍ‬
‫ي أو‬‫م بان أنّه غن ّ‬ ‫دفع الّزكاة إلى من يظنّه فقيًرا ث ّ‬
‫ن الخذ‬ ‫ي أو كافر ‪ ،‬أو دفع في ظلمةٍ ‪ ،‬فبان أ ّ‬ ‫هاشم ّ‬
‫أبوه ‪ ،‬أو ابنه فل إعادة عليه ‪ ،‬لحديث معن بن يزيد‬
‫قال ‪ { :‬كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدّق بها‬
‫ل في المسجد ‪ ،‬فجئت فأخذتها‬ ‫فوضعها عند رج ٍ‬
‫فأتيته بها ‪ ،‬فقال ‪ :‬واللّه ما إيّاك أردت ‪ ،‬فخاصمته‬
‫إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬لك ما‬

‫‪282‬‬
‫نويت يا يزيد ‪ ،‬ولك ما أخذت يا معن } ‪ .‬ولنّا لو‬
‫أمرناه بالعادة أفضى إلى الحرج ; لنّه ربّما تكّرر‬
‫ل‬
‫خطؤه ‪ ،‬واستثنوا من هذا أن يتبيّن الخذ غير أه ٍ‬
‫ن الخذ عبده أو‬ ‫للتّمليك أصًل ‪ ،‬نحو أن يتبيّن أ ّ‬
‫مكاتبه ‪ ،‬فل تجزئ في هذا الحال ‪ .‬وقال أبو يوسف‬
‫ن الخذ ليس من المصارف ‪،‬‬ ‫‪ :‬ل تجزئه إن تبيّن أ ّ‬
‫ن مع إمكان معرفة ذلك ‪ ،‬كما لو‬ ‫لظهور خطئه بيقي ٍ‬
‫س‪.‬‬
‫ب نج ٍ‬ ‫ب فبان أنّه صلّى في ثو ٍ‬ ‫تحّرى في ثيا ٍ‬
‫صل المالكيّة بين حالين ‪ :‬الولى ‪ :‬أن يكون‬ ‫وف ّ‬
‫ي ‪ ،‬فيجب‬ ‫الدّافع المام أو مقدّم القاضي أو الوص ّ‬
‫ن اجتهاد‬ ‫استردادها ‪ ،‬لكن إن تعذ ّر ردّها ‪ ،‬أجزأت ‪ ،‬ل ّ‬
‫المام حكم ل يتعّقب ‪ .‬والثّانية ‪ :‬أن يكون الدّافع‬
‫ب المال فل تجزئه ‪ ،‬فإن استردّها وأعطاها في‬ ‫ر ّ‬
‫وجهها ‪ ،‬وإل ّ فعليه الخراج مّرة ً أخرى ‪ ،‬وإنّما‬
‫فوتها الخذ بفعله ‪ ،‬بأن‬ ‫يستحقّ استردادها إن ّ‬
‫ما إن‬‫أكلها ‪ ،‬أو باعها ‪ ،‬أو وهبها ‪ ،‬أو نحو ذلك ‪ .‬أ ّ‬
‫ي ‪ ،‬فإن كان‬ ‫فاتت بغير فعله بأن تلفت بأمرٍ سماو ٍ ّ‬
‫غّر الدّافع بأن أظهر له الفقر ‪ ،‬أو نحو ذلك فيجب‬
‫ما إن لم يكن غّره فل يجب عليه‬ ‫ضا ‪ ،‬أ ّ‬ ‫عليه ردّها أي ً‬
‫شافعيّة ‪ :‬يجب السترداد ‪ ،‬وعلى‬ ‫الّرد ّ ‪ .‬وقال ال ّ‬
‫الخذ الّرد ّ ‪ ،‬سواء علم أنّها زكاة أم ل ‪ ،‬فإن‬
‫استردّت صرفت إلى المستحّقين ‪ ،‬وإن لم يمكن‬
‫السترداد فإن كان الّذي دفعها المام لم يضمن ‪،‬‬
‫وإن كان الّذي دفعها المالك ضمن ‪ ،‬وهذا هو المقدّم‬
‫عندهم ‪ ،‬وفي بعض صور المسألة عندهم أقوال‬
‫أخرى ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬إن بان الخذ عبدًا أو كافًرا‬
‫من ل يجوز الدّفع‬ ‫ة للمعطي م ّ‬ ‫أو هاشميًّا ‪ ،‬أو قراب ً‬
‫ة واحدةً ; لنّه‬ ‫إليه ‪ ،‬فل تجزئ الّزكاة عن دافعها رواي ً‬
‫ق ‪ ،‬ول تخفى حاله غالبًا ‪ ،‬فلم يجزه‬ ‫ليس بمستح ٍ ّ‬

‫‪283‬‬
‫ما إن كان ظنّه فقيًرا‬ ‫الدّفع إليه ‪ ،‬كديون الدميّين ‪ .‬أ ّ‬
‫فبان غنيًّا فكذلك على روايةٍ ‪ ،‬والخرى يجزئه ‪،‬‬
‫لحديث معن بن يزيد المتقدّم ‪ ،‬وحديث أبي هريرة‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ { :‬قال‬ ‫أ ّ‬
‫ن بصدقةٍ ‪ ،‬فخرج بصدقته فوضعها‬ ‫رجل ‪ :‬لتصدّق ّ‬
‫ي‬‫ي ‪ ،‬فأصبحوا يتحدّثون ‪ :‬تصدّق على غن ٍ ّ‬ ‫في يد غن ٍ ّ‬
‫ما صدقتك فقد‬ ‫‪ . ...‬الحديث وفيه ‪ :‬فأتي فقيل له ‪ :‬أ ّ‬
‫ما آتاه اللّه } ‪.‬‬ ‫ي يعتبر فينفق م ّ‬ ‫ل الغن ّ‬ ‫قبلت ‪ ،‬لع ّ‬
‫ن تخفى غالبًا ‪.‬‬ ‫ول ّ‬
‫من له حقّ طلب الّزكاة وهو من أهلها ‪:‬‬
‫‪ - 190‬فّرق الحنفيّة بين مستحّقي الّزكاة من‬
‫الفقراء من حيث جواز طلبهم الّزكاة بالّرغم من‬
‫ل له طلب الّزكاة‬ ‫ن الّذي يح ّ‬ ‫استحقاقهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫سؤال‬‫هو من ل شيء له ليومه وليلته فيحتاج لل ّ‬
‫لقوته ‪ ،‬أو ما يواري بدنه ‪ ،‬وهو في اصطلحهم‬
‫سؤال لمن ل‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مى مسكينًا ‪ ،‬وكذا ل يح ّ‬ ‫المس ّ‬
‫ما‬
‫يملك قوت يومه وليلته لكنّه قادر على الكسب ‪ ،‬أ ّ‬
‫الفقير وهو في اصطلحهم من يملك قوته ليومه‬
‫صدقة ‪ ،‬وإن كان يح ّ‬
‫ل‬ ‫ل له سؤال ال ّ‬ ‫وليلته ‪ ،‬فل يح ّ‬
‫ما على ما‬ ‫له أخذها إن لم يكن مالكًا لخمسين دره ً‬
‫تقدّم ‪ .‬وعند الحنابلة على المذهب ‪ :‬من أبيح له أخذ‬
‫الّزكاة أبيح له طلبها ‪ ،‬وفي روايةٍ ‪ :‬يحرم طلبها على‬
‫من له قوت يومه وليلته ‪ ،‬وقال ابن الجوزيّ ‪ :‬إن‬
‫ل يوم ٍ لم يجز أن يسأل‬ ‫علم أنّه يجد من يسأله ك ّ‬
‫أكثر من قوت يومه وليلته ‪ ،‬وإن خاف أن ل يجد من‬
‫سؤال أكثر من ذلك ‪.‬‬ ‫يعطيه أبيح له ال ّ‬
‫==================‬
‫زمان *‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ - 1‬الّزمن والّزمان يطلقان على قليل الوقت‬
‫وكثيره ‪ ،‬والجمع أزمان وأزمنة وأزمن ‪ ،‬والعرب‬
‫تقول ‪ :‬لقيته ذات الّزمين ‪ :‬يريدون بذلك تراخي‬
‫الوقت ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬لقيته ذات العويم ‪ ،‬أي بين‬
‫ة من‬‫العوام ‪ ،‬ويقولون أيضا ً ‪ :‬عاملته مزامن ً‬
‫مى‬ ‫شهر ويس ّ‬ ‫الّزمن ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬مشاهرة ً من ال ّ‬
‫الّزمان ‪ :‬العصر أيضا ً ‪.‬‬
‫شيء ‪،‬‬ ‫والفقهاء يستعملون الّزمان بمعنى أجل ال ّ‬
‫ومدّته ‪ ،‬ووقته ‪ ،‬كما يستعملونه بالمعنى اللّغويّ ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬
‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الجل ‪:‬‬
‫شيء ووقته الّذي يح ّ‬
‫ل‬ ‫‪ - 2‬الجل في اللّغة مدّة ال ّ‬
‫شيء أجل ً من باب تعب ‪،‬‬ ‫فيه ‪ ،‬وهو مصدر أجل ال ّ‬
‫جلته تأجيل ً جعلت له أجل ً ‪،‬‬ ‫خر فهو آجل ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫أي تأ ّ‬
‫والجل على وزن فاعل خلف العاجل ‪.‬‬
‫والجل في اصطلح الفقهاء ‪ :‬المدّة المستقبلة الّتي‬
‫يضاف إليها أمر من المور سواء كانت هذه الضافة‬
‫أجل ً للوفاء بالتزام ‪ ،‬أو أجل ً لنهاء التزام ‪ ،‬وسواء‬
‫شرع ‪ ،‬أم بالقضاء ‪ ،‬أم‬ ‫أكانت هذه المدّة مقّررة ً بال ّ‬
‫بإرادة الملتزم ‪ ،‬فردا ً أم أكثر ‪ ( .‬انظر ‪ :‬أجل ج ‪2‬‬
‫ف‪.)5‬‬
‫ب ‪ -‬الحقب ‪:‬‬
‫‪ - 3‬الحقب في اللّغة المدّة الطّويلة من الدّهر ‪ ،‬هو‬
‫مها ‪ ،‬والجمع أحقاب مثل قفل‬ ‫بسكون القاف وض ّ‬
‫وأقفال ‪ ،‬ويقال الحقب ثمانون عاما ً ‪ ،‬والحقبة‬
‫بمعنى المدّة ‪ ،‬والجمع حقب مثل سورة وسور ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الدّهر ‪:‬‬
‫ل أو‬‫‪ - 4‬الدّهر يطلق على البد ‪ ،‬وقيل هو الّزمان ق ّ‬
‫الزهري ‪ :‬والدّهر عند العرب يطلق على‬ ‫ّ‬ ‫كثر ‪ ،‬وقال‬

‫‪285‬‬
‫سنة ‪ ،‬وعلى أق ّ‬
‫ل‬ ‫الّزمان وعلى الفصل من فصول ال ّ‬
‫من ذلك ‪ ،‬ويقع على مدّة الدّنيا كلّها ‪.‬‬
‫د ‪ -‬المدّة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المدّة في اللّغة ‪ :‬البرهة من الّزمان تقع على‬
‫القليل والكثير ‪ ،‬والجمع مدد مثل غرفة وغرف ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الوقت ‪:‬‬
‫‪ - 6‬الوقت في اللّغة مقدار من الّزمان مفروض‬
‫ل شيء قدّرت له حينا ً فقد وقّتّه‬ ‫لمر ما ‪ ،‬وك ّ‬
‫ة ‪ ،‬والجمع أوقات ‪.‬‬ ‫توقيتا ً ‪ ،‬وكذلك ما قدّرت له غاي ً‬
‫مفردات الّزمان وأقسامه ‪:‬‬
‫شهر‬ ‫ساعة واليوم والسبوع وال ّ‬ ‫‪ - 7‬الّزمن يشمل ال ّ‬
‫سنة وغيرها من أقسام الّزمان ‪ ،‬لنّه يطلق على‬ ‫وال ّ‬
‫ص اللّه سبحانه‬ ‫قليل الوقت وكثيره ‪ .‬هذا وقد خ ّ‬
‫وتعالى بعض الزمنة بأحكام ‪ ،‬ومثال ذلك الّزمن‬
‫ن اللّه‬ ‫شمس ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫الواقع بين طلوع الفجر وطلوع ال ّ‬
‫صبح ‪،‬‬ ‫سبحانه وتعالى جعله وقتا ً لداء فريضة ال ّ‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم فيما روي عن أبي‬
‫صلة أوّل ً وآخرا ً ‪،‬‬ ‫ن لل ّ‬‫هريرة رضي الله عنه ‪ « :‬إ ّ‬
‫ن أوّل وقت الفجر حين يطلع الفجر ‪ ،‬وإن آخر‬ ‫وإ ّ‬
‫شمس » ومن ذلك أيضا ً الّزمن‬ ‫وقتها حين تطلع ال ّ‬
‫سماء وبين بلوغ‬ ‫شمس عن كبد ال ّ‬ ‫الواقع بين زوال ال ّ‬
‫ن اللّه سبحانه وتعالى جعله‬ ‫شيء مثله ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ل ال ّ‬‫ظ ّ‬
‫وقتا ً لداء فريضة الظّهر ‪ ،‬لحديث « إمامة جبريل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم حيث صلّى‬ ‫عليه السلم للنّب ّ‬
‫به الظّهر في اليوم الوّل حين كان الفيء مثل‬
‫شراك ‪،‬وصلّى به الظّهر في اليوم الثّاني حين كان‬ ‫ال ّ‬
‫ل شيء مثله»‪ .‬وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء‬ ‫لك ّ‬‫ظ ّ‬
‫صلوات‬ ‫صلة ‪ .‬وينظر في بحث أوقات ال ّ‬ ‫في كتاب ال ّ‬
‫‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫ضا‬‫صها اللّه ببعض الحكام أي ً‬ ‫هذا ومن الزمنة الّتي خ ّ‬
‫ن اللّه سبحانه وتعالى جعله وقتًا‬ ‫شهر رمضان ‪ ،‬فإ ّ‬
‫صيام ‪ ،‬لقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫لداء فريضة ال ّ‬
‫ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ن هُدًى لِلن ّا ِ‬ ‫ل فِيهِ الُْقْرآ ُ‬ ‫ن ال ّذِيَ أنزِ َ‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫شهُْر َر َ‬ ‫{ َ‬
‫م ال َّ‬
‫شهَْر‬ ‫منك ُ ُ‬
‫شهِد َ ِ‬ ‫من َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ن الْهُدَى وَالُْفْرقَا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِّ‬ ‫وَبَيِّنَا ٍ‬
‫ج ‪ ،‬وهي الّزمن الواقع بعد‬ ‫ه } ‪ .‬وأشهر الح ّ‬ ‫م ُ‬
‫ص ْ‬‫فَلْي َ ُ‬
‫ن اللّه سبحانه‬ ‫رمضان إلى نهاية أيّام التّشريق ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ج ‪ ،‬لقوله سبحانه‬ ‫وتعالى جعلها وقتا ً لداء فريضة الح ّ‬
‫ت } ‪ .‬ومن ذلك أيضاً‬ ‫ما ٌ‬ ‫معْلُو َ‬ ‫شهٌُر َّ‬ ‫ج أَ ْ‬ ‫ح ُّ‬‫وتعالى ‪ { :‬ال ْ َ‬
‫زمن أداء زكاة الفطر ‪ ،‬والّذي يبدأ من غروب‬
‫شمس آخر يوم من رمضان ويمتد ّ إلى قبيل صلة‬
‫ن صومه‬ ‫العيد ‪ .‬ومن ذلك أيضا ً يوم عرفة فإ ّ‬
‫ج‪.‬‬‫ب لغير الحا ّ‬ ‫مستح ّ‬
‫ص بعض المكلّفين بحسب‬ ‫‪ - 8‬وهناك أزمنة تخ ّ‬
‫حالهم ‪ ،‬مثال ذلك زمن الطّهر وزمن الحيض‬
‫ل بالنّسبة‬ ‫بالنّسبة للمرأة ‪ ،‬وزمن الحرام وزمن الح ّ‬
‫ن المرأة في زمن‬ ‫ج ‪ ،‬ويترتّب على ذلك أ ّ‬ ‫للحا ّ‬
‫ة عليها في‬ ‫الحيض يحرم عليها أمور لم تكن محّرم ً‬
‫صوم والطّواف وقراءة‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫زمن الطّهر كال ّ‬
‫ما سبق بيانه في مصطلح ‪:‬‬ ‫القرآن وغير ذلك ‪ ،‬م ّ‬
‫( حيض ) ‪.‬‬
‫وكذا المحرم فإنّه في زمن الحرام يمتنع عن بعض‬
‫ل ‪ ،‬كلبس المخيط أو‬ ‫ما كان مباحا ً له في زمن الح ّ‬
‫ق الّرجال ‪ ،‬والمرأة‬ ‫المحيط من الثّياب في ح ّ‬
‫فازين‪ ،‬إلى غير ذلك‬ ‫المحرمة ل تنتقب ول تلبس الق ّ‬
‫من الحكام الّتي سبق بيانها في مصطلح ‪:‬‬
‫( إحرام ) ‪.‬‬
‫‪ - 9‬ويعتبر الّزمان في المعاملت ‪ ،‬ومن ذلك ما لو‬
‫جرة لغير المشتري ‪،‬‬ ‫باع شجرة ً أو بناءً في أرض مؤ ّ‬

‫‪287‬‬
‫ق‬
‫ى له بمنفعتها ‪ ،‬أو موقوفة عليه استح ّ‬ ‫أو موص ً‬
‫إبقاءها بقيّة المدّة ‪ .‬وينظر مصطلح ‪ ( :‬بيع ) ‪.‬‬
‫ومن ذلك الجارة ‪ ،‬فتكون الجارة مقيّدةً بمدّة‬
‫محدّدة أو غير مقيّدة بها ‪ ،‬بل بالعمل ‪.‬‬
‫وينظر مصطلح ‪ ( :‬إجارة ) ‪.‬‬
‫وكذلك الوكالة فيما لو أمر الموكّل الوكيل أن يبيع‬
‫في زمن معيّن ‪ ،‬كيوم الجمعة فليس للوكيل‬
‫مخالفته لنّه قد يكون له غرض في التّخصيص ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬وكالة )‬
‫ن الطّلق من‬ ‫ويعتبر الّزمان أيضا ً في الطّلق ‪ ،‬فإ ّ‬
‫التّصّرفات الّتي تضاف إلى الّزمان ماضيا ً كان أم‬
‫صص به ويعلّق وقوعه على مجيئه ‪.‬‬ ‫مستقبل ً ‪ ،‬ويخ ّ‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬طلق ) ‪.‬‬
‫وكذلك في اليلء كما إذا حلف أن ل يقربها لمدّة‬
‫أربعة أشهر أو أكثر ‪.‬‬
‫وينظر مصطلح ‪ ( :‬إيلء ) ‪.‬‬
‫وكذلك في اللّعان كما إذا جاءت المرأة بولد ل‬
‫ل من ستّة‬ ‫يحتمل كونه من الّزوج ‪ ،‬كأن ولدته لق ّ‬
‫أشهر بعد العقد ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬لعان )‬
‫‪.‬‬
‫ي الّزمان بل‬ ‫وكذلك في النّفقة فإنّها تسقط بمض ّ‬
‫إنفاق ‪ ،‬إل ّ نفقة الّزوجة وخادمتها فإنّها ل تسقط بل‬
‫مته ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪:‬‬ ‫تصير دينًا في ذ ّ‬
‫( نفقة ) ‪.‬‬
‫ويعتبر الّزمان أيضا ً في اليمين ‪ ،‬كما إذا حلف أن ل‬
‫شيء حينا ً أو زمانا ً أو دهرا ً ‪ .‬والتّفصيل في‬ ‫يفعل ال ّ‬
‫مصطلح ‪ ( :‬أيمان ) ‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫شهادة على‬ ‫ن الّزمان يؤثّر في ال ّ‬ ‫شهادات فإ ّ‬ ‫وفي ال ّ‬
‫شهود في زمان القتل أو‬ ‫القتل كما إذا اختلف ال ّ‬
‫مكانه فإنّه ل يثبت‬
‫شهادة على الّزنا ‪ ،‬كما إذا شهد‬ ‫ويؤثّر أيضا ً في ال ّ‬
‫شمس ‪،‬‬ ‫أربعة أنّه زنى بامرأة بمكان عند طلوع ال ّ‬
‫وشهد أربعة أنّه زنى بها بمكان آخر عند طلوع‬
‫شمس درئ الحد ّ عنهم جميعا ً ‪ ،‬إذ ل يتصوّر من‬ ‫ال ّ‬
‫شخص الّزنى في ساعة واحدة في مكانين‬ ‫ال ّ‬
‫متباعدين ‪.‬‬
‫هذا وقد سبق في مصطلح ( أجل ) وهو المدّة‬
‫المستقبلة الّتي يضاف إليها أمر من المور أنّه‬
‫ي‬
‫باعتبار مصدره على ثلثة أقسام ‪ :‬شرع ّ‬
‫ي ‪ ،‬وتفصيله في مصطلح ‪:‬‬ ‫ي ‪ ،‬واتّفاق ّ‬ ‫وقضائ ّ‬
‫( أجل ) ‪.‬‬
‫ب الّزمان ‪:‬‬ ‫حكم س ّ‬
‫ب الّزمان ‪ ،‬وإنّما ورد‬ ‫‪ - 10‬لم يرد النّهي عن س ّ‬
‫ب الدّهر في حديث أخرجه مسلم في‬ ‫النّهي عن س ّ‬
‫صحيحه بعدّة طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫منها ‪ « :‬أ ّ‬
‫ن اللّه هو الدّهر » ‪.‬‬ ‫ل تسبّوا الدّهر فإ ّ‬
‫ن العرب كان‬ ‫ب الدّهر هو أ ّ‬ ‫وسبب النّهي عن س ّ‬
‫ب الدّهر عند النّوازل والحوادث‬ ‫شأنها أن تس ّ‬
‫والمصائب النّازلة بها من موت أو هرم أو تلف مال‬
‫أو غير ذلك ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬يا خيبة الدّهر ونحو هذا من‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ب الدّهر ‪ ،‬فقال النّب ّ‬ ‫ألفاظ س ّ‬
‫ن اللّه هو الدّهر » أي ل‬ ‫وسلم ‪ « :‬ل تسبّوا الدّهر فإ ّ‬
‫تسبّوا فاعل النّوازل ‪ ،‬فإنّكم إذا سببتم فاعلها وقع‬
‫ب على اللّه تعالى ‪ ،‬لنّه هو فاعلها ومنزلها ‪،‬‬ ‫س ّ‬
‫ال ّ‬
‫ما الدّهر الّذي هو الّزمان فل فعل له بل هو‬ ‫وأ ّ‬

‫‪289‬‬
‫ن اللّه‬
‫مخلوق من جملة خلق اللّه تعالى ‪ ،‬ومعنى فإ ّ‬
‫هو الدّهر ‪ :‬أي فاعل النّوازل والحوادث وخالق‬
‫الكائنات ‪.‬‬
‫أثر الّزمان على العبادات والحقوق ‪:‬‬
‫العبادات ‪:‬‬
‫‪ - 11‬العبادات باعتبار الّزمان الّذي تؤدّى فيه نوعان‬
‫‪ :‬مطلقة ومؤقّتة ‪.‬‬
‫فالمطلقة ‪ :‬هي الّتي لم يقيّد أداؤها بزمن محدّد له‬
‫ن جميع العمر فيها بمنزلة الوقت فيما‬ ‫طرفان ‪ ،‬ل ّ‬
‫ة كالكّفارات‬ ‫هو موقّت ‪ ،‬وسواء أكانت العبادة واجب ً‬
‫ما العبادات المقيّدة‬ ‫ة كالنّفل المطلق ‪ .‬وأ ّ‬ ‫أم مندوب ً‬
‫شارع زمانا ً معيّناً‬ ‫بزمان معيّن فهي ما حدّد ال ّ‬
‫ح ‪ ،‬ويأثم بالتّأخير‬ ‫لدائها ‪ ،‬ل يجب الداء قبله ول يص ّ‬
‫صلوات الخمس‬ ‫إن كان المطلوب واجبا ً ‪ ،‬وذلك كال ّ‬
‫وصوم رمضان ‪.‬‬
‫سع ‪ :‬وهو ما كان الّزمان فيه‬ ‫ما مو ّ‬ ‫وزمن الداء إ ّ‬
‫يفضل عن أدائه ‪ ،‬أي أنّه يتّسع لداء الفعل وأداء‬
‫غيره من جنسه ‪ ،‬وذلك كوقت الظّهر مثل ً فإنّه يسع‬
‫أداء صلة الظّهر وأداء صلوات أخرى ‪ ،‬ولذلك‬
‫مى ظرفا ً ‪.‬‬ ‫يس ّ‬
‫ما مضيّق ‪ :‬وهو ما كان الّزمان فيه يسع الفعل‬ ‫وإ ّ‬
‫ن زمانه‬ ‫وحده ول يسع غيره معه ‪ ،‬وذلك كرمضان فإ ّ‬
‫مى معيارا ً أو‬ ‫ل يتّسع لداء صوم آخر فيه ‪ ،‬ويس ّ‬
‫ج من العبادات الّتي يشتبه زمان‬ ‫مساويا ً ‪ ،‬والح ّ‬
‫ن المكلّف ل يستطيع أن‬ ‫سع والمضيّق ل ّ‬ ‫أدائها بالمو ّ‬
‫جتين في عام واحد ‪ ،‬فهو بهذا يشبه المضيّق‬ ‫يؤدّي ح ّ‬
‫ج ل تستوعب زمانه ‪ ،‬فهو بهذا‬ ‫ن أعمال الح ّ‬ ‫‪ ،‬ولك ّ‬
‫سع ‪ ،‬هذا على اعتباره من الموقّت ‪،‬‬ ‫يشبه المو ّ‬

‫‪290‬‬
‫ن العمر زمان للداء‬ ‫وقيل ‪ :‬إنّه من المطلق باعتبار أ ّ‬
‫كالّزكاة ‪.‬‬
‫الحقوق ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬القرار بالحدود ‪:‬‬
‫ي الّزمان ل أثر له‬ ‫ن مض ّ‬‫‪ - 12‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫د‬
‫على القرار بالحدود ‪ ،‬باستثناء القرار في ح ّ‬
‫ن النسان‬ ‫شرب عند أبي حنيفة وأبي يوسف ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ق نفسه ‪.‬‬ ‫غير متّهم في ح ّ‬
‫شهادة في الحدود ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫ن‬‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫شهادة على الّزنى والقذف وشرب الخمر تقبل‬ ‫ال ّ‬
‫ي زمان طويل من الواقعة ‪ ،‬وفّرق‬ ‫ولو بعد مض ّ‬
‫ق اللّه تعالى ‪ ،‬فل‬ ‫الحنفيّة بين الحدود الخالصة لح ّ‬
‫ق‬
‫شهادة فيها بالتّقادم ‪ ،‬بخلف ما هو ح ّ‬ ‫تقبل ال ّ‬
‫للعباد ‪.‬‬
‫وتفصيله في تقادم ( ف ‪) 120/ 13‬‬
‫ج ‪ -‬سماع الدّعوى ‪:‬‬
‫ن الحقّ ل يسقط بالتّقادم ‪،‬‬ ‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ولم يفّرق جمهور الفقهاء في سماع الدّعوى بين ما‬
‫تقادم منها وما لم يتقادم ‪ ،‬وفّرق الحنفيّة بينهما ‪،‬‬
‫ي المر منع القضاة من سماع‬ ‫ن لول ّ‬ ‫فقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫الدّعوى في أحوال بشروط مخصوصة لتلفي‬
‫التّزوير والتّحايل ‪ .‬واختلف فقهاء الحنفيّة في تعيين‬
‫المدّة الّتي ل تسمع بعدها الدّعوى في الوقف ‪،‬‬
‫ومال اليتيم‪ ،‬والغائب ‪ ،‬والرث ‪ ،‬فجعلها بعضهم ستّاً‬
‫ة ‪ ،‬وبعضهم ثلثا ً وثلثين ‪ ،‬وبعضهم ثلثين‬ ‫وثلثين سن ً‬
‫ة استحسن‬ ‫ما كانت هذه المدد طويل ً‬ ‫فقط ‪ ،‬إل ّ أنّه ل ّ‬
‫سلطين فيما سوى ذلك جعلها خمس عشرة‬ ‫أحد ال ّ‬

‫‪291‬‬
‫ن التّقادم بمرور‬ ‫ة فقط ‪ .‬ومن ذلك يظهر أ ّ‬ ‫سن ً‬
‫ي على أمرين ‪:‬‬ ‫الّزمان مبن ّ‬
‫ص عليه الفقهاء ‪.‬‬ ‫اجتهادي ن ّ‬
‫ّ‬ ‫الوّل ‪ :‬حكم‬
‫ي يجب على القضاة في زمنه‬ ‫والثّاني ‪ :‬أمر سلطان ّ‬
‫اتّباعه ‪ ،‬لنّهم بمقتضاه معزولون عن سماع دعوى‬
‫ة بدون عذر ‪،‬‬ ‫مضى عليها خمس عشرة سن ً‬
‫د‬
‫سلطان ‪ ،‬والوكيل يستم ّ‬ ‫والقاضي وكيل عن ال ّ‬
‫صص ‪ ،‬وإذا‬ ‫صص له تخ ّ‬ ‫التّصّرف من موكّله ‪ ،‬فإذا خ ّ‬
‫مم ‪.‬‬‫مم تع ّ‬ ‫ع ّ‬
‫وتفصيله في مصطلح ‪ ( :‬تقادم ) ‪.‬‬
‫ما التّقادم في وضع اليد وإثبات الملك بذلك‬ ‫وأ ّ‬
‫فينظر في مصطلح ‪ ( :‬حيازة ) ومصطلح ‪ ( :‬تقادم‬
‫ف ‪) 9/‬‬
‫================‬
‫زمزم *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬زمزم ‪ -‬بزايين مفتوحتين ‪ -‬اسم للبئر المشهورة‬
‫في المسجد الحرام ‪ ،‬بينها وبين الكعبة المشّرفة‬
‫ثمان وثلثون ذراعا ً ‪.‬‬
‫ميت زمزم لكثرة مائها ‪ ،‬يقال ‪ :‬ماء زمزم‬ ‫وس ّ‬
‫وزمزوم إذا كان كثيرا ً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لجتماعها ‪ ،‬لنّه ل ّ‬
‫ما‬
‫فاض منها الماء على وجه الرض قالت هاجر للماء ‪:‬‬
‫ميت‬ ‫م ‪ ،‬أي ‪ :‬اجتمع يا مبارك ‪ ،‬فاجتمع فس ّ‬ ‫مز ّ‬ ‫ز ّ‬
‫مت بالتّراب لئل ّ يأخذ الماء‬ ‫زمزم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لنّها ز ّ‬
‫مت هاجر ماءها حين انفجرت‬ ‫يمينا ً وشمال ً ‪ ،‬فقد ض ّ‬
‫وخرج منها الماء وساح يمينا ً وشمال ً فمنع بجمع‬
‫مكم هاجر حوّطت‬ ‫التّراب حوله ‪ ،‬وروي ‪ « :‬لول أ ّ‬
‫عليها لملت أودية مكّة » ‪.‬‬
‫ن اسمها غير مشتقّ ‪.‬‬ ‫وقيل ‪ :‬إ ّ‬

‫‪292‬‬
‫ولزمزم أسماء أخرى كثيرة ‪ ،‬منها ‪ :‬طيّبة ‪ ،‬وبّرة ‪،‬‬
‫ومضنونة ‪ ،‬وسقيا اللّه إسماعيل ‪ ،‬وبركة ‪ ،‬وحفيرة‬
‫عبد المطّلب ‪ ،‬ووصفت في الحديث « بأنّها طعام‬
‫طعم ‪ ،‬وشفاء سقم » ‪.‬‬
‫‪ - 2‬وزمزم هي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬الّتي سقاه اللّه تعالى منها حين‬
‫مه ماءً فلم تجده ‪،‬‬ ‫ظمئ وهو صغير ‪ ،‬فالتمست له أ ّ‬
‫صفا تدعو اللّه تعالى وتستغيثه‬ ‫فقامت إلى ال ّ‬
‫م أتت المروة ففعلت مثل ذلك ‪،‬‬ ‫لسماعيل ‪ ،‬ث ّ‬
‫وبعث اللّه تعالى جبريل عليه السلم فهمز له بعقبه‬
‫في الرض فظهر الماء ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بزمزم ‪:‬‬
‫شرب من ماء زمزم ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ج والمعتمر‬ ‫ب للحا ّ‬ ‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أنّه يستح ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬‫أن يشرب من ماء زمزم ‪ « ،‬ل ّ‬
‫عليه وسلم شرب من ماء زمزم » ‪ ،‬ولما روى‬
‫مسلم ‪ « :‬إنّها مباركة ‪ ،‬إنّها طعام طعم » زاد أبو‬
‫ي في مسنده ‪ « :‬وشفاء سقم » ‪.‬‬ ‫داود الطّيالس ّ‬
‫شارب أن يتضلّع من ماء زمزم ‪ ،‬أي يكثر‬ ‫ن لل ّ‬‫ويس ّ‬
‫من شربه حتّى يمتلئ ‪ ،‬ويرتوي منه حتّى يشبع ريّا ً ‪،‬‬
‫لخبر ابن ماجه ‪ «:‬آية ما بيننا وبين المنافقين أنّهم ل‬
‫شافعيّة على أنّه‬ ‫ص ال ّ‬ ‫يتضلّعون من ماء زمزم»‪ .‬ون ّ‬
‫ن شرب ماء زمزم في سائر الحوال ‪ ،‬ل عقب‬ ‫يس ّ‬
‫ن شرب ماء زمزم لك ّ‬
‫ل‬ ‫ة ‪ ،‬وأنّه يس ّ‬ ‫ص ً‬‫الطّواف خا ّ‬
‫ج والمعتمر ‪.‬‬ ‫أحد ولو لغير الحا ّ‬
‫شرب من ماء زمزم ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬آداب ال ّ‬
‫شرب من ماء زمزم آداب ‪ ،‬عدّها بعض‬ ‫‪ - 4‬لل ّ‬
‫سنن أو المندوبات أو المستحبّات ‪،‬‬ ‫الفقهاء من ال ّ‬
‫مد بن عبد الّرحمن بن أبي بكر‬ ‫منها ‪ :‬ما روى مح ّ‬

‫‪293‬‬
‫قال ‪ :‬كنت عند ابن عبّاس رضي الله عنهما جالساً‬
‫فجاءه رجل فقال ‪ :‬من أين جئت ؟ قال ‪ :‬من زمزم‬
‫‪ :‬قال ‪ :‬فشربت منها كما ينبغي ؟ قال ‪ :‬فكيف ؟‬
‫قال ‪ :‬إذا شربت منها فاستقبل الكعبة واذكر اسم‬
‫اللّه تعالى ‪ ،‬وتنّفس ثلثا ً من زمزم ‪ ،‬وتضلّع منها ‪،‬‬
‫فإذا فرغت فاحمد اللّه تعالى ‪.‬‬
‫ل مّرة يتنّفس من‬ ‫ومنها ‪ :‬أن ينظر إلى البيت في ك ّ‬
‫زمزم ‪ ،‬وينضح من الماء على رأسه ووجهه‬
‫وصدره ‪ ،‬ويكثر من الدّعاء عند شربه ‪ ،‬ويشربه‬
‫لمطلوبه في الدّنيا والخرة ‪ ،‬ويقول عند شربه ‪:‬‬
‫مد صلى الله عليه‬ ‫م إنّه قد بلغني عن نبيّك مح ّ‬ ‫اللّه ّ‬
‫وسلم أنّه قال ‪ « :‬ماء زمزم لما شرب له » وأنا‬
‫م فافعل‬ ‫أشربه لكذا ‪ -‬ويذكر ما يريد دينا ً ودنيا ‪ -‬اللّه ّ‬
‫ذلك بفضلك ‪ ،‬ويدعو بالدّعاء الّذي كان عبد اللّه بن‬
‫عبّاس رضي الله عنهما يدعو به إذا شرب ماء زمزم‬
‫م إنّي أسألك علما ً نافعا ً ‪ ،‬ورزقا ً واسعا ً ‪،‬‬ ‫وهو ‪ :‬اللّه ّ‬
‫وشفا ًء من ك ّ‬
‫ل داء ‪.‬‬
‫ن شرب ماء زمزم لنيل‬ ‫ص بعض الفقهاء على أ ّ‬ ‫ون ّ‬
‫المطلوب في الدّنيا والخرة شامل لما لو شربه‬
‫شارب نفسه وإن‬ ‫صا ً بال ّ‬
‫بغير محلّه ‪ ،‬وأنّه ليس خا ّ‬
‫كان ظاهره كذلك ‪ ،‬بل يحتمل تعدّي ذلك إلى‬
‫الغير ‪ ،‬فإذا شربه إنسان بقصد ولده أو أخيه مثلً‬
‫حصل له ذلك المطلوب إذا شرب بنيّة صادقة ‪.‬‬
‫ن‬‫ص بعض المحدّثين والفقهاء على أنّه يس ّ‬ ‫ون ّ‬
‫ن ما‬ ‫الجلوس عند شرب ماء زمزم كغيره ‪ ،‬وقالوا‪ :‬إ ّ‬
‫ي عن « ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه‬ ‫شعب ّ‬ ‫روى ال ّ‬
‫قال ‪ :‬سقيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من‬
‫زمزم وهو قائم » محمول على أنّه لبيان الجواز ‪،‬‬
‫ومعارض لما رواه ابن ماجه عن عاصم قال ‪« :‬‬

‫‪294‬‬
‫ذكرت ذلك لعكرمة فحلف باللّه ما فعل ‪ -‬أي ما‬
‫شرب قائما ً ‪ -‬لنّه كان حينئذ راكبا ً » ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬نقل ماء زمزم ‪:‬‬
‫‪ - 5‬اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز التّزوّد من ماء زمزم‬
‫ونقله ‪ ،‬لنّه يستخلف ‪ ،‬فهو كالثّمرة‪ ،‬وليس بشيء‬
‫يزول فل يعود ‪.‬‬
‫ب‬‫شافعيّة إلى أنّه يستح ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫التّزوّد من ماء زمزم وحمله إلى البلد فإنّه شفاء‬
‫لمن استشفى ‪ ،‬وقد روى التّرمذيّ عن « عائشة‬
‫رضي الله تعالى عنها أنّها كانت تحمل من ماء‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬ ‫زمزم ‪ ،‬وتخبر أ ّ‬
‫كان يحمله » ‪ ،‬وروى غير التّرمذيّ « أنّه صلى الله‬
‫عليه وسلم كان يحمله وكان يصبّه على المرضى‬
‫ويسقيهم » ‪ « ،‬وأنّه حنّك به الحسن والحسين‬
‫رضي الله تعالى عنهما » ‪ ،‬وروى ابن عبّاس رضي‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫الله تعالى عنهما« أ ّ‬
‫وسلم استهدى سهيل بن عمرو من ماء زمزم»‪،‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬‫ي«أ ّ‬ ‫وفي تاريخ الزرق ّ‬
‫وسلم استعجل سهيل ً في إرسال ذلك إليه ‪ ،‬وأنّه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم براويتين » ‪.‬‬ ‫بعث إلى النّب ّ‬
‫د ‪ -‬استعمال ماء زمزم ‪:‬‬
‫ن التّطهير بماء زمزم صحيح‬ ‫‪ - 6‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ووي في‬
‫ّ‬ ‫الماوردي في الحاوي ‪ ،‬والن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ ،‬ونقل‬
‫المجموع الجماع على ذلك ‪ .‬وفي استعمال ماء‬
‫زمزم في رفع الحدث وفي إزالة الخبث تفصيل‬
‫ينظر في مصطلح ( آبار ‪ ،‬الموسوعة الفقهيّة ‪/ 1‬‬
‫‪. ) 91‬‬
‫هـ ‪ -‬فضل ماء زمزم ‪:‬‬

‫‪295‬‬
‫ي عن عبد اللّه‬ ‫‪ - 7‬في فضل ماء زمزم روى الطّبران ّ‬
‫بن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬خير ماء على وجه‬
‫الرض ماء زمزم ‪ ،‬فيه طعام من الطّعم وشفاء من‬
‫ن شرب مائها يغني عن الطّعام‬ ‫سقم » أي أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صدق ‪ ،‬كما وقع‬ ‫سقام ‪ ،‬لكن مع ال ّ‬ ‫ويشفي من ال ّ‬
‫الغفاري رضي الله تعالى عنه ‪ « ،‬ففي‬ ‫ّ‬ ‫لبي ذّر‬
‫صحيح أنّه أقام شهرا ً بمكّة ل قوت له إل ّ ماء‬ ‫ال ّ‬
‫ي عن العبّاس بن عبد‬ ‫زمزم » ‪ ،‬وروى الزرق ّ‬
‫المطّلب رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬تنافس النّاس‬
‫في زمزم في زمن الجاهليّة حتّى أن كان أهل‬
‫العيال يفدون بعيالهم فيشربون فيكون صبوحا ً لهم ‪،‬‬
‫وقد كنّا نعدّها عونا ً على العيال ‪ ،‬قال العبّاس ‪:‬‬
‫مى في الجاهليّة شباعة ‪.‬‬ ‫وكانت زمزم تس ّ‬
‫ي ‪ :‬هو لما شرب له ‪ ،‬جعله اللّه تعالى‬ ‫قال الب ّ‬
‫مه هاجر طعاما ً وشرابا ً ‪ ،‬وحكى‬ ‫لسماعيل وأ ّ‬
‫الدّينوريّ عن الحميديّ قال ‪ :‬كنّا عند سفيان بن‬
‫عيينة فحدّثنا بحديث « ماء زمزم لما شرب له » ‪.‬‬
‫مد ‪،‬‬‫م عاد فقال ‪ :‬يا أبا مح ّ‬ ‫فقام رجل من المجلس ث ّ‬
‫أليس الحديث الّذي حدّثتنا في ماء زمزم صحيحا ً ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال الّرجل ‪ :‬فإنّي شربت الن دلوا ً من‬
‫زمزم على أنّك تحدّثني بمائة حديث ‪ ،‬فقال له‬
‫سفيان ‪ :‬اقعد ‪ ،‬فقعد فحدّثه بمائة حديث ‪.‬‬
‫ن ابن‬ ‫مإ ّ‬‫ودخل ابن المبارك زمزم فقال ‪ :‬اللّه ّ‬
‫ن رسول‬ ‫مل حدّثني عن أبي الّزبير عن جابر أ ّ‬ ‫المؤ ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬ماء زمزم لما‬
‫م فإنّي أشربه لعطش يوم القيامة ‪.‬‬ ‫شرب له » اللّه ّ‬
‫وماء زمزم شراب البرار ‪ ،‬عن ابن عبّاس رضي‬
‫الله تعالى عنهما قال ‪ :‬صلّوا في مصلّى الخيار‬

‫‪296‬‬
‫واشربوا من شراب البرار ‪ ،‬قيل ‪ :‬ما مصلّى الخيار‬
‫؟ قال ‪ :‬تحت الميزاب ‪ ،‬قيل ‪ :‬وما شراب البرار ؟‬
‫قال ‪ :‬ماء زمزم وأكرم به من شراب ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن حكمة غسل صدر النّب ّ‬ ‫ي‪:‬إ ّ‬ ‫وقال الحافظ العراق ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم بماء زمزم ليقوى به صلى‬
‫سموات‬ ‫الله عليه وسلم على رؤية ملكوت ال ّ‬
‫ص ماء زمزم‬ ‫والرض والجنّة والنّار ‪ ،‬لنّه من خوا ّ‬
‫أنّه يقوّي القلب ويسكن الّروع ‪ .‬روى البخاريّ عن‬
‫أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال ‪ :‬كان أبو‬
‫ن رسول اللّه صلى‬ ‫ذّر رضي الله تعالى عنه يحدّث أ ّ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ « :‬فّرج سقفي وأنا بمكّة ‪،‬‬
‫م غسله‬ ‫فنزل جبريل عليه السلم ففّرج صدري ‪ ،‬ث ّ‬
‫ة‬
‫م جاء بطست من ذهب ممتلئ حكم ً‬ ‫بماء زمزم ‪ ،‬ث ّ‬
‫م أخذ‬ ‫م أطبقه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫وإيمانا ً ‪ ،‬فأفرغها في صدري ‪ ،‬ث ّ‬
‫سماء الدّنيا » ‪.‬‬ ‫بيدي فبرح بي إلى ال ّ‬
‫================‬
‫زوال *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬الحركة والذ ّهاب والستحالة‬ ‫‪ - 1‬الّزوال لغ ً‬
‫شيء عن مكانه ‪ ،‬وأزاله غيّره‬ ‫والضمحلل ‪ .‬وزال ال ّ‬
‫م زال ‪ ،‬أي تحّرك ‪ .‬والّزوائل‬ ‫‪ .‬ويقال ‪ :‬رأيت شبحا ً ث ّ‬
‫‪ :‬النّجوم لزوالها من المشرق ‪ .‬والّزوال ‪ :‬زوال‬
‫ما يزول عن‬ ‫شمس ‪ ،‬وزوال الملك ونحو ذلك م ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سماء ‪ ،‬وزال الظ ّ ّ‬
‫ل‬ ‫شمس عن كبد ال ّ‬ ‫حاله ‪ .‬وزالت ال ّ‬
‫ي عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬ ‫شرع ّ‬ ‫‪ .‬ول يخرج معناه ال ّ‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم الجمال ّ‬
‫وردت الحكام المتعلّقة بالّزوال في أماكن متعدّدة‬
‫من كتب الفقه منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬وقت صلة الظّهر ‪:‬‬

‫‪297‬‬
‫ن وقت صلة الظّهر يدخل‬ ‫‪ - 2‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫سماء ‪ ،‬وهو ميل‬ ‫شمس عن كبد ال ّ‬ ‫حين تزول ال ّ‬
‫سماء إلى جهة المغرب ‪.‬‬ ‫شمس عن وسط ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬‫فلو شرع المصلّي في التّكبير قبل ظهور الّزوال ث ّ‬
‫ح‬
‫ظهر الّزوال عقب التّكبير أو في أثنائه لم يص ّ‬
‫الظّهر ‪.‬‬
‫ن‬
‫ل بعد تناهي نقصانه ل ّ‬ ‫ويعرف الّزوال بزيادة الظ ّ ّ‬
‫ل طويل‬ ‫ل شاخص ظ ّ‬ ‫شمس إذا طلعت رفع لك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شمس في‬ ‫م كلّما دامت ال ّ‬ ‫إلى جانب المغرب ‪ ،‬ث ّ‬
‫شمس إلى‬ ‫ل ينتقص ‪ ،‬فإذا انتهت ال ّ‬ ‫الرتفاع فالظ ّ ّ‬
‫سماء ‪ -‬وهي حالة الستواء وانتصاف النّهار‬ ‫وسط ال ّ‬
‫ل أدنى‬ ‫ل ووقف ‪ ،‬فإذا زاد الظ ّ ّ‬ ‫‪ -‬انتهى نقصان الظ ّ ّ‬
‫ل ذلك على الّزوال ‪.‬‬ ‫زيادة ً إلى الجهة الخرى د ّ‬
‫شمس‬ ‫قال النّوويّ ‪ :‬إذا أردت معرفة زوال ال ّ‬
‫شمس على أرض‬ ‫فانصب عصا أو غيرها في ال ّ‬
‫م راقبه فإن نقص‬ ‫مستوية وعلّم على طرف ظلّها ث ّ‬
‫شمس لم تزل ‪ ،‬ول تزال ترقبه‬ ‫ن ال ّ‬‫ل علمت أ ّ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫حتّى يزيد فمتى زاد علمت الّزوال ‪.‬‬
‫شمس من الظ ّ ّ‬
‫ل‬ ‫ويختلف قدر ما تزول عليه ال ّ‬
‫باختلف الزمان والماكن ‪ ،‬فأقصر ما يكون الظ ّ ّ‬
‫ل‬
‫صيف عند تناهي طول النّهار ‪،‬‬ ‫عند الّزوال في ال ّ‬
‫شتاء عند تناهي قصر النّهار ‪.‬‬ ‫وأطول ما يكون في ال ّ‬
‫ما بالنّسبة للماكن فكلّما قرب المكان من خ ّ‬
‫ط‬ ‫وأ ّ‬
‫ل عند الّزوال ‪.‬‬ ‫الستواء نقص الظ ّ ّ‬
‫ن وقت صلة الظّهر يدخل عندما‬ ‫والدّليل على أ ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫شمس هو ما روي « عن النّب ّ‬ ‫تزول ال ّ‬
‫مني جبريل عند البيت مّرتين ‪،‬‬ ‫عليه وسلم قال ‪ :‬أ ّ‬
‫فصلّى الظّهر في الولى منهما حين كان الفيء مثل‬
‫ل شيء‬ ‫لك ّ‬ ‫م صلّى العصر حين كان ظ ّ‬ ‫شراك ‪ ،‬ث ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪298‬‬
‫م قال ‪ :‬وصلّى المّرة الثّانية الظّهر حين‬ ‫مثل ظلّه ث ّ‬
‫ل شيء مثله لوقت العصر بالمس قال ‪:‬‬ ‫لك ّ‬ ‫كان ظ ّ‬
‫مد ‪ ،‬هذا وقت‬ ‫ي جبريل فقال ‪ :‬يا مح ّ‬ ‫م التفت إل ّ‬ ‫ث ّ‬
‫النبياء من قبلك ‪ ،‬والوقت فيما بين هذين الوقتين »‬
‫صلة ) ‪.‬‬ ‫‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬أوقات ال ّ‬
‫صائم بعد الّزوال ‪:‬‬
‫سواك لل ّ‬ ‫ب ‪ -‬حكم ال ّ‬
‫صائم بعد‬ ‫سواك لل ّ‬ ‫‪ - 3‬اختلف الفقهاء في حكم ال ّ‬
‫الّزوال ‪:‬‬
‫سواك‬ ‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ل بأس بال ّ‬
‫صائم في جميع نهاره أي قبل الّزوال وبعد‬ ‫لل ّ‬
‫صحيحة الكثيرة في فضل‬ ‫الّزوال ‪ ،‬للحاديث ال ّ‬
‫سواك ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة في المشهور عندهم والحنابلة إلى‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫صائم التّسوّك بعد الّزوال سواء كان ذلك‬ ‫أنّه يكره لل ّ‬
‫بسواك يابس أو رطب لحديث أبي هريرة رضي الله‬
‫ي صلى الله عليه وسلم « لخلوف فم‬ ‫عنه عن النّب ّ‬
‫صائم أطيب عند اللّه من ريح المسك » ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫والخلوف إنّما يظهر غالبا ً بعد الّزوال ‪ .‬والتّفاصيل‬
‫في مصطلح ‪ ( :‬سواك ‪ ،‬وصيام ) ‪.‬‬
‫=================‬
‫زيادة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫شيء يزيد‬ ‫‪ - 1‬الّزيادة في اللّغة النّموّ ‪ ،‬تقول ‪ :‬زاد ال ّ‬
‫زيدا ً وزيادة ً ‪ ،‬وزائدة الكبد هنيّة من الكبد صغيرة‬
‫حية عنها ‪ ،‬وجمعها زوائد ‪.‬‬ ‫إلى جنبها متن ّ‬
‫وزوائد السد ‪ :‬أظفاره وأنيابه ‪ ،‬وزئيره وصولته ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬
‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الّريع ‪:‬‬

‫‪299‬‬
‫‪ - 2‬الّريع هو الّزيادة والنّماء ‪ ،‬والّريع في الصطلح‬
‫هو الغلّة كالجرة والثّمر والدّخل ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬غلّة ‪:‬‬
‫صل من ريع الرض أو‬ ‫ل شيء مح ّ‬ ‫‪ - 3‬الغلّة هي ك ّ‬
‫أجرتها ونحو ذلك ‪ ،‬والجمع غّلت وغلل‪ ،‬والغلّة‬
‫ص من الّزيادة ‪.‬‬ ‫أخ ّ‬
‫ج ‪ -‬نقص ‪:‬‬
‫‪ - 4‬النّقص والنّقصان مصدرا " نقص " يقال ‪ :‬نقص‬
‫ينقص نقصا ً من باب قتل ‪ ،‬وانتقص إذا ذهب منه‬
‫م الوزن ‪.‬‬ ‫شيء بعد تمامه ‪ ،‬ودرهم ناقص غير تا ّ‬
‫أقسام الّزيادة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أقسامها من حيث التّصال والنفصال ‪:‬‬
‫‪ - 5‬تنقسم الّزيادة من حيث التّصال والنفصال إلى‬
‫قسمين ‪:‬‬
‫ما متولّدة منه‬ ‫أولً‪ -‬زيادة متّصلة بالصل ‪ ،‬وهي إ ّ‬
‫سمن والجمال ‪ ،‬أو غير متولّدة منه كالغرس‬ ‫كال ّ‬
‫والبناء ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ -‬زيادة منفصلة عن الصل كالولد والغلّة ‪.‬‬
‫ما متولّدة منه كالولد والثّمر ‪ ،‬أو غير متولّدة‬ ‫وهي إ ّ‬
‫منه كالكسب والغلّة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أقسامها من حيث التّمييز وعدمه ‪:‬‬
‫‪ - 6‬تنقسم الّزيادة من حيث التّمييز وعدمه إلى ثلثة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫زيادة متميّزة كالولد والغراس ‪.‬‬
‫وزيادة غير متميّزة كخلط الحنطة بالحنطة ‪ ،‬أو‬
‫سمن ‪.‬‬ ‫سمن بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وزيادة صفة كالطّحن ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أقسامها من حيث كونها من جنس الصل أو من‬
‫غير جنسه ‪:‬‬

‫‪300‬‬
‫‪ - 7‬أ ‪ -‬زيادة من جنس الصل كزيادة ركوع أو‬
‫مى أيضا ً زيادةً فعلي ّ ً‬
‫ة‪،‬‬ ‫صلة وتس ّ‬ ‫سجود في ال ّ‬
‫وكزيادة سورة في الّركعتين الثّالثة والّرابعة أي بعد‬
‫ة‪.‬‬‫مى زيادةً قولي ّ ً‬ ‫ل ركعة وتس ّ‬ ‫قراءة الفاتحة في ك ّ‬
‫ي في‬ ‫ب ‪ -‬زيادة من غير جنس الصل كالكلم الجنب ّ‬
‫شرب فيها ‪.‬‬ ‫صلة ‪ ،‬والكل وال ّ‬ ‫أثناء ال ّ‬
‫القواعد المتعلّقة بالّزيادة ‪:‬‬
‫ي ثلث قواعد تتعلّق بالّزيادة ‪:‬‬ ‫ذكر الّزركش ّ‬
‫القاعدة الولى ‪:‬‬
‫‪ - 8‬الّزيادة المتّصلة تتبع الصل في سائر البواب‬
‫صداق‬ ‫من الّرد ّ بالعيب والتّفليس وغيرهما ‪ ،‬إل ّ في ال ّ‬
‫ن الّزوج إذا طلّق قبل الدّخول ل يسترجع مع‬ ‫فإ ّ‬
‫نصف المهر زيادته إل ّ برضا المرأة ‪ .‬والّزيادة‬
‫ل‪.‬‬ ‫المنفصلة ل تتبع الصل في الك ّ‬
‫القاعدة الثّانية ‪:‬‬
‫‪ - 9‬الّزيادة اليسيرة على ثمن المثل ل أثر لها وإن‬
‫شراء‬ ‫كان فيها غبن ما ‪ ،‬كما في الوكيل بالبيع وال ّ‬
‫وعدل الّرهن ونحوه إل ّ في موضع واحد وهو ما كان‬
‫مم إذا وجد الماء يباع‬ ‫ما ً ‪ ،‬كما في المتي ّ‬ ‫شرعيّا ً عا ّ‬
‫ح‪،‬‬
‫بزيادة يسيرة على ثمن المثل ل تلزمه في الص ّ‬
‫ما يتغابن بمثلها وجب ‪ ،‬والمذهب‬ ‫وقيل ‪ :‬إن كانت م ّ‬
‫شافعيّة ‪ -‬الوّل ‪ ،‬والفرق بينه وبين غيره‬ ‫‪ -‬أي عند ال ّ‬
‫ق له بني على‬ ‫شارع وهو ح ّ‬ ‫ن ما وضعه ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫المسامحة ‪.‬‬
‫ما وجدان الواجب بأكثر من المعتاد فينزل منزلة‬ ‫أ ّ‬
‫العدم ‪ ،‬كما لو وجد الغاصب المثل يباع بأكثر من‬
‫ح‪.‬‬‫ثمنه ل يكلّف تحصيله في الص ّ‬
‫القاعدة الثّالثة ‪:‬‬

‫‪301‬‬
‫‪ - 10‬الّزيادة على العدد إذا لم تكن شرطا ً في‬
‫الوجوب شرعا ً ل يتأثّر بفقدها ‪ ،‬ولهذا لو شهد ثمانية‬
‫م رجع أربعة عن‬ ‫على شخص بالّزنى ‪ ،‬فرجم ث ّ‬
‫شهادة ل شيء عليهم ‪ ،‬فلو رجع منهم خمسة‬ ‫ال ّ‬
‫ضمنوا ‪ ،‬لنقصان ما بقي من العدد المشروط ‪.‬‬
‫الحكام المتعلّقة بالّزيادة ‪:‬‬
‫الّزيادة على الثّلث في الوضوء ‪:‬‬
‫‪ - 11‬من سنن الوضوء التّثليث أي غسل العضاء‬
‫الّتي فرضها الغسل ثلثا ً ‪ ،‬وفي تثليث مسح الّرأس ‪،‬‬
‫وفي الّزيادة على الثّلث في غسل الّرجلين بقصد‬
‫ما الّزيادة على الثّلث في غسل‬ ‫النقاء خلف ‪ ،‬وأ ّ‬
‫العضاء فل بأس به عند الحنفيّة إن كان الغرض من‬
‫ذلك طمأنينة القلب ل الوسوسة ‪ ،‬والمعتمد عند‬
‫المالكيّة كراهة الغسلة الّرابعة في غير الّرجلين ‪،‬‬
‫ما في الّرجلين فالمطلوب فيهما النقاء حتّى لو‬ ‫وأ ّ‬
‫زاد على الثّلث أو القتصار على الثّلث على خلف‬
‫في ذلك ‪.‬‬
‫شافعيّة كراهة الّزيادة على الثّلث ‪،‬‬ ‫صحيح عند ال ّ‬
‫وال ّ‬
‫وقيل ‪ :‬تحرم ‪،‬وقيل ‪ :‬هي خلف الولى‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى الكراهة لحديث عمرو بن شعيب‬
‫ي صلى‬ ‫ن أعرابيّا ً جاء إلى النّب ّ‬‫عن أبيه عن جدّه « أ ّ‬
‫الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء ‪ ،‬فأراه ثلثاً‬
‫ثلثا ً ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا الوضوء ‪ ،‬فمن زاد على هذا فقد‬
‫أساء وتعدّى وظلم » ‪.‬‬
‫الّزيادة في الذان والقامة ‪:‬‬
‫‪ - 12‬الّزيادة المشروعة في الذان هي عبارة عن‬
‫التّثويب في أذان الفجر ‪ ،‬والمراد بالتّثويب هو أن‬
‫صلة خير من النّوم " مّرتين‬ ‫يزيد المؤذ ّن عبارة " ال ّ‬
‫بعد الحيعلتين في أذان الفجر أو بعد أذانه كما يقول‬

‫‪302‬‬
‫بعض الحنفيّة ‪ ،‬وهو سنّة عند جميع الفقهاء لما ورد‬
‫سنّة إذا قال المؤذ ّن‬ ‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬من ال ّ‬
‫صلة خير‬ ‫ي على الفلح قال ‪ :‬ال ّ‬ ‫في أذان الفجر ح ّ‬
‫صلة خير من النّوم ‪.‬‬ ‫من النّوم ‪ ،‬ال ّ‬
‫ن بلل ً رضي الله عنه أتى النّب ّ‬
‫ي‬ ‫وأصل التّثويب « أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم يؤذنه بصلة الفجر فقيل ‪ :‬هو‬
‫صلة خير من‬ ‫صلة خير من النّوم ال ّ‬ ‫نائم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال ّ‬
‫النّوم » ‪ ،‬فأقّرت في تأذين الفجر ‪ ،‬فثبت المر على‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫صبح لما يعرض للنّائم من التّكاسل‬ ‫ص التّثويب بال ّ‬ ‫وخ ّ‬
‫بسبب النّوم ‪ ،‬واعتبار التّثويب زيادةً إنّما هو بالنّظر‬
‫صلوات ‪ ،‬ول يجوز زيادة شيء في‬ ‫إلى أذان بقيّة ال ّ‬
‫شارع ‪ ،‬وقد تواتر‬ ‫ص ال ّ‬ ‫ألفاظ الذان ‪ ،‬لنّها توقيفيّة بن ّ‬
‫النّقل على عدم زيادة شيء فيها ‪ ،‬والقامة‬
‫ي على الفلح قد‬ ‫كالذان ‪ ،‬إل ّ أنّه يزيد بعد قوله ح ّ‬
‫صلة مّرتين ‪.‬‬ ‫قامت ال ّ‬
‫الّزيادة في الذكار المسنونة ‪:‬‬
‫‪ - 13‬سبق في بحث ( ذكر ) حكم الّزيادة في الذكار‬
‫المسنونة فينظر هناك ‪.‬‬
‫مم ‪:‬‬ ‫ضربتين في التّي ّ‬ ‫الّزيادة على ال ّ‬
‫شافعيّة ضربتان ضربة‬ ‫مم عند الحنفيّة وال ّ‬ ‫‪ - 14‬التّي ّ‬
‫للوجه وضربة لليدين ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة والحنابلة ضربة واحدة للوجه‬
‫واليدين ‪ ،‬والكمل عندهم ضربتان كالحنفيّة‬
‫ضربتين فل بأس بها‬ ‫ما الّزيادة على ال ّ‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ما دام القصد استيعاب الوجه واليدين بالمسح ‪،‬‬
‫سواء أحصل ذلك بضربتين أم أكثر ‪ ،‬والتّفصيل في‬
‫مم ) ‪.‬‬ ‫مصطلح ( تي ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫الّزيادة في الفعل والقول في ال ّ‬

‫‪303‬‬
‫ن‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫‪ - 15‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ما أن تكون زيادة أفعال ‪ ،‬أو‬ ‫صلة إ ّ‬ ‫الّزيادة في ال ّ‬
‫أقوال ‪ .‬فزيادة الفعال قسمان ‪:‬‬
‫صلة‬ ‫صلة ‪ ،‬فتبطل ال ّ‬ ‫أحدهما ‪ :‬ما كان من جنس ال ّ‬
‫بعمده ‪ ،‬وإن كان ذلك سهوا ً فل بطلن ‪ ،‬ويسجد‬
‫سهو‬
‫لل ّ‬
‫صلة ‪ ،‬فيبطل‬ ‫والخر ‪ :‬إن كان من غير جنس ال ّ‬
‫صلة عمده وسهوه وجهله ‪ ،‬إن كان كثيًرا ولم تكن‬ ‫ال ّ‬
‫ما إن كان لحاجة ‪ ،‬أو كان يسيرا ً ‪ ،‬فل‬ ‫ضرورة ‪ .‬أ ّ‬
‫يبطل ‪.‬‬
‫والّزيادة القوليّة قسمان ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ما يبطل عمده‬
‫صلة ‪ ،‬ككلم الدميّين ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة كالذ ّكر والدّعاء ‪ ،‬إل ّ أن‬ ‫والخر ‪ ،‬ما ل يبطل ال ّ‬
‫يخاطب به كقوله لعاطس ‪ :‬يرحمك اللّه‪.‬‬
‫مد النّطق‬ ‫صلة تبطل بتع ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شافعيّة أ ّ‬ ‫وأضاف ال ّ‬
‫بحرفين ‪ ،‬أفهما أم لم يفهما ‪ ،‬وبحرف مفهم كذلك ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬يعذر من تكلّم بيسير الكلم إن سبق لسانه‬
‫صلة ‪ ،‬أو جهل تحريم الكلم فيها ‪ ،‬وقرب‬ ‫أو نسي ال ّ‬
‫عهده بالسلم ‪ ،‬ول يعذر بالكثير من ذلك ‪.‬‬
‫سهو‬ ‫صلة ‪ ،‬وسجود ال ّ‬ ‫وتفصيل ذلك في مفسدات ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫ن الكثير منه يبطل‬ ‫ومذهب الحنفيّة في الفعل ‪ ،‬أ ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وفي حدّه ثلثة أقوال ‪ ،‬المختار عندهم ‪ :‬أنّه لو كان‬
‫المصلّي بحال لو رآه إنسان من بعيد ‪ ،‬فتيّقن أنّه‬
‫ك أنّه فيها أو‬ ‫صلة فهو كثير ‪ ،‬إن كان يش ّ‬ ‫ليس في ال ّ‬
‫ما القول أو الكلم ‪،‬‬ ‫ك أنّه فيها ‪ ،‬فهو قليل‪ .‬وأ ّ‬ ‫لم يش ّ‬
‫فمن تكلّم في صلته عامدا ً أو ساهيا ً بطلت صلته ‪،‬‬

‫‪304‬‬
‫صلة ل يصلح فيها شيء من‬ ‫ن هذه ال ّ‬ ‫لحديث ‪ « :‬إ ّ‬
‫كلم النّاس » ‪.‬‬
‫ومنه أيضا ً ‪ :‬النين والتّأوّه ‪ ،‬وتشميت العاطس ‪،‬‬
‫ما إذا‬ ‫ل ما هو من القرآن إذا قصد به الجواب‪ ،‬أ ّ‬ ‫وك ّ‬
‫صلة ‪ ،‬فل‬ ‫لم يقصد به الجواب بل العلم أنّه في ال ّ‬
‫تفسد بالتّفاق عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫فلو كان الذ ّكر من غير القرآن ‪ ،‬كما لو ذكر‬
‫شهادتين عند ذكر المؤذ ّن لهما ‪ ،‬أو سمع ذكر‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ل جلله ‪ ،‬أو ذكر النّب ّ‬ ‫اللّه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ج ّ‬
‫عليه وسلم فصلّى عليه تفسد صلته ‪.‬‬
‫الّزيادة على التّكبيرات الربع في صلة الجنازة‬
‫وأثرها ‪:‬‬
‫ن صلة الجنازة أربع‬ ‫‪ - 16‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫تكبيرات ل يجوز النّقص منها ‪ ،‬والولى عدم الّزيادة‬
‫شافعيّة ‪ ،‬ومقابله البطلن‬ ‫عليها ‪ ،‬وهو الظهر عند ال ّ‬
‫ة‪،‬‬‫لزيادة ركن ‪ ،‬فإن زاد المام عليها تكبيرةً خامس ً‬
‫ففي متابعة المأموم له في تلك الّزيادة أو عدم‬
‫متابعته له فيها خلف بين الفقهاء ‪.‬‬
‫ن المام إذا فعل ذلك لم‬ ‫فذكر الحنفيّة سوى زفر أ ّ‬
‫م في تلك التّكبيرة ‪ ،‬لنّها منسوخة ‪ ،‬لما‬ ‫يتابعه المؤت ّ‬
‫روي أنّه صلى الله عليه وسلم « كبّر أربعا ً في آخر‬
‫صلة جنازة صّلها » ‪ .‬وقال زفر ‪ :‬يتابعه لنّه مجتهد‬
‫ن عليّا ً رضي الله عنه كبّر خمسا ً ‪.‬‬ ‫فيه ‪ ،‬لما روي أ ّ‬
‫وعند المالكيّة يسلّم المأموم ول ينتظر إمامه في‬
‫التّكبيرة الخامسة على رواية ابن القاسم ‪ ،‬ويفارق‬
‫شافعيّة في التّكبيرة الخامسة‬ ‫المأموم إمامه عند ال ّ‬
‫صلة بها‪ ،‬وعلى القول‬ ‫بناءً على القول ببطلن ال ّ‬
‫بعدم البطلن ل يفارقه ‪ ،‬ولكن ل يتابعه فيها على‬

‫‪305‬‬
‫الظهر ‪ ،‬وفي تسليمه في الحال أو انتظاره حتّى‬
‫حهما الثّاني ‪.‬‬ ‫يسلّم إمامه وجهان أص ّ‬
‫والولى عند الحنابلة أن ل يزيد على أربع تكبيرات‬
‫في صلة الجنازة ‪ ،‬ول خلف عندهم أنّه ل تجوز‬
‫الّزيادة على سبع تكبيرات ‪ ،‬ول يجوز النّقص عن‬
‫أربع تكبيرات ‪ ،‬واختلفت الّرواية عندهم فيما زاد‬
‫ن‬
‫يأ ّ‬‫سبع ‪ ،‬فظاهر كلم الخرق ّ‬ ‫على الربع إلى ال ّ‬
‫المام إذا كبّر خمسا ً تابعه المأموم ‪ ،‬ول يتابعه في‬
‫زيادة عليها رواه الثرم عن أحمد ‪ ،‬لما روي عن «‬
‫زيد بن أرقم أنّه كبّر على جنازة خمسا ً وقال ‪ :‬كان‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يكبّرها » ‪.‬‬ ‫النّب ّ‬
‫وروى حرب عن أحمد إذا كبّر خمسا ً ل يكبّر معه ‪،‬‬
‫ول يسلّم إل ّ مع المام ‪ ،‬لنّها زيادة غير مسنونة‬
‫للمام فل يتابعه المأموم فيها ‪ ،‬كالقنوت في الّركعة‬
‫الولى ‪.‬‬
‫ن المأموم يكبّر مع‬ ‫وفي رواية أخرى عن أحمد أ ّ‬
‫المام إلى سبع ‪ ،‬قال الخّلل ‪ :‬ثبت القول عن أبي‬
‫م ل يزاد على‬ ‫عبد اللّه أنّه يكبّر مع المام إلى سبع ث ّ‬
‫سبع ‪ ،‬ول يسلّم إل ّ مع المام ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬
‫صلة الجنازة ‪.‬‬
‫الّزيادة في الّزكاة على المقدار الواجب إخراجه ‪:‬‬
‫‪ - 17‬الصل أن يخرج المزكّي القدر الواجب عليه‬
‫مته ‪ ،‬فإن زاد فذلك خير ‪ ،‬لقوله تعالى ‪{:‬‬ ‫لبراء ذ ّ‬
‫م } والّزيادة قد‬ ‫شاكٌِر عَلِي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫خيْرا ً فَإ ِ َّ‬
‫من تَطَوَّع َ َ‬ ‫وَ َ‬
‫صفة‪ .‬فمن أمثلة الّزيادة‬ ‫تكون في المقدار أو في ال ّ‬
‫في صفة الواجب إخراج بنت اللّبون عن بنت‬
‫ت وثلثين‬ ‫ن بنت اللّبون تخرج عن س ّ‬ ‫المخاض ‪ ،‬فإ ّ‬
‫من البل وبنت المخاض تخرج عن خمس‬
‫ن الحّقة تخرج‬ ‫وعشرين ‪ ،‬والحّقة عن بنت اللّبون فإ ّ‬

‫‪306‬‬
‫ن‬
‫ت وأربعين ‪ ،‬وإخراج الجذعة عن الحّقة فإ ّ‬ ‫عن س ّ‬
‫الجذعة تجب في إحدى وستّين ‪ .‬ومن أمثلة الّزيادة‬
‫في المقدار إخراج أكثر من صاع في زكاة الفطر‪،‬‬
‫ل فرد ‪ .‬وتفصيل ذلك‬ ‫ن الواجب فيها صاع عن ك ّ‬ ‫ل ّ‬
‫محلّه مصطلح ‪ ( :‬زكاة ) ‪.‬‬
‫ما حدّده له الموكّل ‪:‬‬ ‫زيادة الوكيل ع ّ‬
‫‪ - 18‬الوكيل ل يملك من التّصّرف إل ّ ما يقتضيه إذن‬
‫ن تصّرفه‬ ‫موكّله من جهة النّطق أو جهة العرف‪ ،‬ل ّ‬
‫ص بما أذن فيه ‪ ،‬وهو مأمور بالحتياط‬ ‫بالذن فاخت ّ‬
‫والغبطة ‪ ،‬فلو وكّله في التّصّرف في زمن مقيّد لم‬
‫يملك التّصّرف قبله ول بعده ‪ ،‬لنّه لم يتناوله إذنه‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬ول عرفا ً ‪ ،‬لنّه قد يؤثّر التّصّرف في زمن‬
‫الحاجة إليه دون غيره ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في الوكالة ‪.‬‬
‫زيادة المبيع وأثرها في الّرد ّ بالعيب ‪:‬‬
‫ن زيادة المبيع المتّصلة المتولّدة‬ ‫‪ - 19‬ذكر الحنفيّة أ ّ‬
‫كسمن وجمال ل تمنع الّرد ّ قبل القبض‪ ،‬وكذا بعده‬
‫في ظاهر الّرواية ‪ ،‬وللمشتري الّرجوع بالنّقصان ‪،‬‬
‫وليس للبائع قبوله عند أبي حنيفة وأبي يوسف ‪،‬‬
‫ما غير المتولّدة كغرس وبناء‬ ‫مد له ذلك ‪،‬وأ ّ‬ ‫وعند مح ّ‬
‫ما زيادة المبيع المنفصلة‬ ‫فتمنع الّرد ّ مطلقاً‪ .‬وأ ّ‬
‫المتولّدة كالولد والثّمر والرش فل تمنع الّرد ّ قبل‬
‫القبض ‪ ،‬فإن شاء ردّهما أو رضي بهما بجميع‬
‫صة‬‫الثّمن ‪ ،‬وبعد القبض يمتنع الّرد ّ ويرجع بح ّ‬
‫ما الّزيادة المنفصلة غير المتولّدة ككسب‬ ‫العيب ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ ،‬وغلّة ‪ ،‬وهبة ‪ ،‬فقبل القبض ل تمنع الّرد ّ ‪ ،‬فإذا ردّ‬
‫مد ول تطيب له ‪،‬‬ ‫فهي للمشتري بل ثمن عند مح ّ‬
‫وعند أبي حنيفة وأبي يوسف للبائع ول تطيب له ‪،‬‬
‫ضا ‪ ،‬وتطيب له الّزيادة ‪.‬‬ ‫وبعد القبض ل تمنع الّرد ّ أي ً‬

‫‪307‬‬
‫ن المشتري في حالة ردّه المبيع‬ ‫وذكر المالكيّة أ ّ‬
‫بعيب قديم لبائعه ‪ ،‬يشترك مع البائع في المبيع‬
‫بمثل نسبة ما زاد من قيمته ‪ ،‬بصبغه أو خياطته‬
‫على قيمته خاليا ً عن ذلك معيبا ً ‪ ،‬فإن قوّم مصبوغاً‬
‫بخمسة عشر وغير مصبوغ بعشرة شاركه بثلثه ‪،‬‬
‫سك بالمبيع ويأخذ أرش‬ ‫دلّس بائعه أم ل ‪ ،‬أو يتم ّ‬
‫العيب القديم ‪ ،‬وتعتبر القيمة يوم البيع على الرجح‬
‫‪.‬‬
‫هذا في الّزيادة المتّصلة ‪ ،‬وذكروا في الّزيادة‬
‫ن المشتري ل يشترك مع البائع فيها عند‬ ‫المنفصلة أ ّ‬
‫الّرد ّ ‪.‬‬
‫ن الّزيادة المتّصلة في المبيع‬ ‫شافعيّة أ ّ‬ ‫وذكر ال ّ‬
‫والثّمن تتبع الصل في الّرد ّ ‪ ،‬وهو ما ذكره الحنابلة‬
‫شجرة‬ ‫سمن وكبر ال ّ‬ ‫في نماء المبيع المتّصل كال ّ‬
‫لعدم إمكان إفراد الّزيادة ‪ ،‬ولتعذ ّر الّرد ّ بدونها ‪،‬‬
‫ن الملك قد تجدّد بالفسخ فكانت الّزيادة المتّصلة‬ ‫ول ّ‬
‫ما الّزيادة المنفصلة في‬ ‫ة للصل كالعقد ‪ .‬وأ ّ‬ ‫فيه تابع ً‬
‫ة كالجرة ‪ ،‬فهي‬ ‫المبيع والثّمن عينا ً كالولد ‪ ،‬أو منفع ً‬
‫من المبيع للمشتري ‪ ،‬ومن الثّمن للبائع ‪ ،‬وهو‬
‫مذهب الحنابلة في نماء المبيع المنفصل ‪ ،‬لقوله‬
‫ضمان » ‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬الخراج بال ّ‬
‫والّزيادة المنفصلة في المبيع والثّمن ل تمنع الّردّ‬
‫شافعيّة بالعيب عمل ً بمقتضى العيب ‪.‬‬ ‫عند ال ّ‬
‫والتّفصيل في خيار العيب ‪.‬‬
‫الّزيادة على الثّمن وأثرها ‪:‬‬
‫‪ - 20‬تتّضح آثار الّزيادة على الثّمن أو النّقص منه في‬
‫القالة ‪.‬‬
‫ينظر مصطلح ‪ ( :‬إقالة ‪ ،‬ف ‪) 327/ 5‬‬
‫شفيع ‪:‬‬ ‫زيادة المشفوع فيه هل تكون للمشتري أو لل ّ‬

‫‪308‬‬
‫‪ - 21‬اختلف الفقهاء في زيادة المشفوع فيه هل‬
‫شافعيّة‬‫شفيع ‪ ،‬فذهب ال ّ‬ ‫تكون للمشتري أو لل ّ‬
‫ن زيادة المبيع الّتي حدثت في يد‬ ‫والحنابلة إلى أ ّ‬
‫ة‬
‫شفعة ‪ ،‬إن كانت متّصل ً‬ ‫المشتري قبل الخذ منه بال ّ‬
‫شفيع ‪ ،‬لعدم‬ ‫شجر إذا كبر فهي لل ّ‬ ‫غير متميّزة كال ّ‬
‫تميّزها فتبعت الصل ‪ ،‬كما لو رد ّ بعيب أو خيار أو‬
‫ة متميّزةً كالغلّة‬ ‫إقالة ‪ ،‬وإن كانت تلك الّزيادة منفصل ً‬
‫والجرة والطّلع المؤبّر والثّمرة الظّاهرة ‪ ،‬فهي‬
‫شفيع فيها ‪ ،‬لنّها حدثت في ملكه‬ ‫ق لل ّ‬‫للمشتري ل ح ّ‬
‫‪ ،‬وتكون للمشتري مبقاة ً في رءوس النّخل إلى‬
‫الجذاذ ‪.‬‬
‫شافعيّة في الّزيادة المتميّزة غير الظّاهرة قولن‬ ‫ولل ّ‬
‫‪:‬‬
‫أحدهما ‪ -‬وهو القديم ‪ : -‬تتبع الصل كما في البيع ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ -‬وهو الجديد ‪ : -‬ل تتبع الصل لنّه استحقاق‬
‫بغير تراض فل يؤخذ به إل ّ ما دخل بالعقد ويخالف‬
‫البيع ‪ ،‬لنّه استحقاق عن تراض يقدر فيه على‬
‫الستثناء ‪ ،‬فإذا لم يستثن تبع الصل ‪.‬‬
‫ن زيادة المشفوع فيه كالثّمر‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫شفيع إذا شرطه في البيع‪ ،‬لنّه ل‬ ‫الّذي على النّخل لل ّ‬
‫شرط ‪ ،‬فإذا شرطه دخل في البيع‬ ‫يدخل بدون ال ّ‬
‫شفعة ‪ ،‬لنّه باعتبار التّصال صار كالنّخل‬ ‫واستحقّ بال ّ‬
‫وهذا استحسان ‪ ،‬والقياس أن ل شفعة فيه لعدم‬
‫شرط ‪ ،‬وإذا‬ ‫التّبعيّة ‪ ،‬حتّى ل يدخل في البيع بدون ال ّ‬
‫صته‬
‫شفعة فإذا جذ ّه المشتري نقص ح ّ‬ ‫دخل في ال ّ‬
‫من الثّمن لنّه صار مقصودا ً بالذ ّكر ‪ ،‬فقابله شيء‬
‫من الثّمن ‪ ،‬وليس له أن يأخذ الثّمرة لنّها نفليّة أي‬
‫زيادة ‪ ،‬ولو لم يكن على النّخل ثمر وقت البيع فأثمر‬
‫ن البيع سرى إليها فكانت‬ ‫شفيع أخذه بالثّمرة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫فلل ّ‬

‫‪309‬‬
‫شفيع أن يأخذ النّخل‬ ‫تبعا ً ‪ ،‬فإذا جذ ّها المشتري فلل ّ‬
‫ن الثّمرة لم تكن موجودةً وقت‬ ‫بجميع الثّمن ‪ ،‬ل ّ‬
‫العقد ‪ ،‬فلم تكن مقصودة ً فل يقابلها شيء من‬
‫الثّمن ‪.‬‬
‫شفعة‬ ‫ن للمشتري المأخوذ منه بال ّ‬ ‫وعند المالكيّة أ ّ‬
‫شقص المشفوع فيه الّتي استغلّها‬ ‫غلّته ‪ ،‬أي غلّة ال ّ‬
‫شفعة ‪ ،‬لنّه كان ضامنا ً له ‪ ،‬وفي‬ ‫قبل أخذه منه بال ّ‬
‫ضمان » ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬ ‫الحديث « الخراج بال ّ‬
‫( شفعة ) ‪.‬‬
‫زيادة المرهون ‪:‬‬
‫ن زيادة‬ ‫ي من الحنفيّة على أ ّ‬ ‫ص الكاسان ّ‬ ‫‪ - 22‬ن ّ‬
‫المرهون إن لم تكن متولّدة ً من الصل ول في حكم‬
‫ن تلك‬ ‫صدقة ‪ ،‬فإ ّ‬‫المتولّد منه كالكسب والهبة وال ّ‬
‫الّزيادة ل يثبت فيها حكم الّرهن ‪ ،‬لنّها ليست‬
‫ة بنفسها ‪ ،‬ول هي بدل المرهون ‪ ،‬ول جزء‬ ‫مرهون ً‬
‫منه ‪ ،‬ول بدل جزء منه ‪ .‬وإن كانت تلك الّزيادة‬
‫صوف ‪،‬‬ ‫متولّدةً من الصل كالولد والثّمر واللّبن وال ّ‬
‫أو في حكم المتولّدة منه كالرش والعقر فهي‬
‫ق لزم فيسري‬ ‫ن الّرهن ح ّ‬ ‫مرهونة تبعا ً للصل ‪ ،‬ل ّ‬
‫إلى التّبع ‪.‬‬
‫وزيادة المرهون عند المالكيّة ‪ ،‬وهي الّتي يعبّرون‬
‫عنها بالغلّة ‪ ،‬كاللّبن وما تولّد منه ‪ ،‬وعسل النّحل ‪ ،‬ل‬
‫تدخل في الّرهن إذا لم يشترط المرتهن دخولها ‪،‬‬
‫م ‪ ،‬فإنّه يندرج في الّرهن‬ ‫بخلف الجنين في بطن ال ّ‬
‫‪ ،‬سواء أحملت به قبل الّرهن أم بعده ‪.‬‬
‫ن زيادة المرهون إن كانت‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫شجرة تبعت الصل في‬ ‫ة كسمن الدّابّة وكبر ال ّ‬ ‫متّصل ً‬
‫ة كالولد والثّمر لم تتبع ‪.‬‬ ‫الّرهن ‪ ،‬وإن كانت منفصل ً‬

‫‪310‬‬
‫ن نماء الّرهن جميعه وغّلته‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫تكون رهنا ً في يد من الّرهن في يده كالصل ‪ ،‬وإذا‬
‫احتيج إلى بيعه في وفاء الدّين بيع مع الصل ‪ ،‬سواء‬
‫سمن والتّعلّم ‪ ،‬والمنفصل‬ ‫في ذلك المتّصل كال ّ‬
‫صوف‬ ‫كالكسب والجرة والولد والثّمرة واللّبن وال ّ‬
‫شعر ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫لنّه حكم يثبت في العين بعقد المالك فيدخل فيه‬
‫النّماء والمنافع كالملك بالبيع وغيره ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬رهن ) ‪.‬‬
‫زيادة الموهوب وأثرها في الّرجوع في الهبة ‪:‬‬
‫ة‪،‬‬‫ما أن تكون متّصل ً‬ ‫‪ - 23‬الّزيادة في الموهوب إ ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫ما أن تكون منفصل ً‬ ‫وإ ّ‬
‫ة كالثّمرة والولد فإنّها ل تؤثّر في‬ ‫فإن كانت منفصل ً‬
‫الّرجوع فيها اتّفاقا ً ‪.‬‬
‫ة منعت من الّرجوع عند الحنفيّة‬ ‫وإن كانت متّصل ً‬
‫والمالكيّة والحنابلة في إحدى الّروايتين عن أحمد ‪،‬‬
‫لنّه ل يمكن الّرجوع فيها دون تلك الّزيادة ‪ ،‬ول‬
‫سبيل إلى الّرجوع بالهبة مع تلك الّزيادة لعدم ورود‬
‫العقد عليها ‪.‬‬
‫شافعيّة ل تمنع من الّرجوع وهو ما ذهب إليه‬ ‫وعند ال ّ‬
‫الحنابلة أيضا ً في رواية أخرى عن أحمد لعدم‬
‫تمييزها فتتبع الصل ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪:‬‬
‫( هبة ) ‪.‬‬
‫صداق وحكمها في الطّلق قبل الدّخول ‪:‬‬ ‫زيادة ال ّ‬
‫ن الّزوج إذا‬‫‪ - 24‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ ،‬إلى أ ّ‬
‫صداق سواء بقي‬ ‫طلّق زوجته قبل الدّخول تشطّر ال ّ‬
‫على حاله أو حدثت فيه زيادة متّصلة أو منفصلة ‪،‬‬
‫ن تلك الّزيادة تأخذ حكم الصل ‪ ،‬فيرجع الّزوج‬ ‫أي أ ّ‬
‫عليها بنصف ما دفعه لها بزيادته المتّصلة أو‬

‫‪311‬‬
‫ن تلك الّزيادة في حكم جزء من العين‬ ‫المنفصلة ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪ ،‬والحادث منها بعد العقد قبل القبض كالموجود‬
‫ن‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬إلى أ ّ‬ ‫وقت العقد ‪ .‬وذهب ال ّ‬
‫صداق المنفصلة تكون للمرأة ‪ ،‬ويرجع الّزوج‬ ‫زيادة ال ّ‬
‫ن تلك الّزيادة نماء ملكها ‪،‬‬ ‫بنصف الصل فقط ‪ ،‬ل ّ‬
‫ضرر بواحد منهما ‪.‬‬ ‫والّرجوع بنصف الصل ل يلحق ال ّ‬
‫ن الّزوج في هذه‬ ‫ة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫وإن كانت تلك الّزيادة متّصل ً‬
‫ل بالّرجوع إلى النّصف ذاته ‪ ،‬بل يخيّر‬ ‫الحالة ل يستق ّ‬
‫الّزوجة بين رد ّ نصفه زائدا ً ‪ ،‬وبين إعطاء نصف‬
‫قيمته يوم العقد ‪.‬‬
‫وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح ( صداق ) ‪.‬‬
‫زيادة التّركة الحاصلة بعد الوفاة قبل أداء الدّين ‪:‬‬
‫‪ - 25‬اختلف الفقهاء في زيادة التّركة ونمائها الّذي‬
‫حدث بعد وفاة المدين وقبل أداء الدّين ‪ ،‬كأجرة دار‬
‫سكنى ‪ ،‬وكدابّة ولدت أو سمنت ‪ ،‬وكشجر صار له‬ ‫لل ّ‬
‫م إلى التّركة لمصلحة الدّائنين أو هو‬ ‫ثمر ‪ ،‬هل يض ّ‬
‫ملك للوارث ‪.‬‬
‫وهذا الخلف مترتّب على خلف سابق بين الفقهاء‬
‫في انتقال تركة من عليه دين إلى وارثه‪ ،‬وحاصل ما‬
‫ن التّركة تنتقل إلى‬ ‫قالوه في ذلك أنّهم اتّفقوا على أ ّ‬
‫الوارث إذا لم يتعلّق بها ديون من حين وفاة الميّت ‪،‬‬
‫فإن تعلّق بالتّركة دين فقد اختلفوا في انتقالها إلى‬
‫الوارث بعد الوفاة على ثلثة أقوال ‪ :‬أحدها ‪ :‬وهو ما‬
‫شافعيّة والحنابلة في أشهر الّروايتين ‪،‬‬ ‫ذهب إليه ال ّ‬
‫ن أموال التّركة تنتقل إلى ملك الورثة بمجّرد موت‬ ‫أ ّ‬
‫الموّرث مع تعلّق الدّين بها ‪ ،‬سواء أكان الدّين‬
‫مستغرقًا للتّركة أم غير مستغرق لها ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬وهو ما ذهب إليه الحنفيّة أنّه يميّز بين ما‬
‫ة بالدّين أو كانت غير‬ ‫إذا كانت التّركة مستغرق ً‬

‫‪312‬‬
‫مستغرقة به ‪ ،‬فإن استغرق الدّين أموال التّركة‬
‫تبقى أموال التّركة على حكم ملك الميّت ول تنتقل‬
‫إلى ملك الورثة ‪ ،‬وإن كان الدّين غير مستغرق‬
‫ن أموال التّركة تنتقل إلى الورثة‬ ‫فالّرأي الّراجح أ ّ‬
‫بمجّرد موت الموّرث ‪ ،‬مع تعلّق الدّين بهذه الموال‬
‫‪.‬‬
‫ن أموال التّركة تبقى‬ ‫والثّالث ‪ :‬وهو قول المالكيّة أ ّ‬
‫على حكم ملك الميّت بعد موته إلى أن يسدّد الدّين‬
‫سواء أكان الدّين مستغرقا ً لها أم غير مستغرق ‪.‬‬
‫ن التّركة تنتقل إلى الورثة‬ ‫ن من قال بأ ّ‬ ‫وعلى هذا فإ ّ‬
‫ن الّزيادة للوارث‬ ‫بعد الوفاة وقبل أداء الدّين قال ‪ :‬إ ّ‬
‫م‬
‫وليست للدّائن ‪ ،‬ومن قال بعدم انتقالها قال ‪ :‬تض ّ‬
‫الّزيادة إلى التّركة لوفاء الدّين فإن فضل شيء‬
‫انتقل إلى الورثة ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬تركة )‬
‫‪.‬‬
‫زيادة التّعزير عن أدنى الحدود ‪:‬‬
‫ن التّعزير ل يبلغ الحد ّ ‪.‬‬ ‫‪ - 26‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن للمام أن يزيد على الحد ّ مع‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫مراعاة المصلحة الّتي ل يشوبها الهوى‪ .‬وذهب‬
‫شافعيّة إلى أنّه إذا كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص‬ ‫ال ّ‬
‫ل حدود من يقع عليه التّعزير ‪ ،‬واختلفت‬ ‫عن أق ّ‬
‫الّرواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير ‪ ،‬فروي أنّه ل‬
‫ص مذهبه أن ل يزاد على عشر‬ ‫يبلغ به الحد ّ ‪ ،‬ون ّ‬
‫جلدات في التّعزير ‪ ،‬انظر مصطلح ‪ ( :‬تعزير ) ‪.‬‬
‫سنن الّراتبة " النّفل‬ ‫الّزيادة على الفرائض وال ّ‬
‫المطلّق " ‪:‬‬
‫سم الماورديّ الّزيادة على فعل الفرائض‬ ‫‪ - 27‬ق ّ‬
‫مى النّفل المطلق ثلثة‬ ‫سنن الّراتبة وهو ما يس ّ‬ ‫وال ّ‬
‫أقسام ‪:‬‬

‫‪313‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن تكون الّزيادة ريا ًء للنّاظرين وتصنّعاً‬
‫للمخلوقين ‪ ،‬حتّى يستعطف بها القلوب النّافرة‬
‫صلحاء وليس‬ ‫ويخدم بها العقول الواهية ‪ ،‬فيتبهرج بال ّ‬
‫منهم ‪ ،‬ويتدلّس في الخيار وهو ضدّهم ‪ ،‬وقد ضرب‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمرائي بعمله‬
‫مثل ً فقال ‪ « :‬المتشبّع بما لم يعط كلبس ثوبي زور‬
‫» ‪ .‬يريد بالمتشبّع بما ل يملك ‪ :‬المتزيّن بما ليس‬
‫فيه‪ ،‬وقوله ‪ :‬كلبس ثوبي زور ‪ :‬هو الّذي يلبس ثياب‬
‫صلحاء ‪ ،‬فهو بريائه محروم الجر‪ ،‬مذموم الذ ّكر ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫لنّه لم يقصد وجه اللّه تعالى ‪.‬‬
‫والقسم الثّاني ‪ :‬أن يفعل الّزيادة اقتدا ًء بغيره ‪،‬‬
‫وهذا قد تثمره مجالسة الخيار الفاضل ‪ ،‬وتحدثه‬
‫ي صلى الله‬ ‫مكاثرة التقياء الماثل ‪ .‬ولذلك قال النّب ّ‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬المرء على دين خليله ‪ ،‬فلينظر‬
‫أحدكم من يخالل »‬
‫ب أن‬ ‫فإذا كاثرهم المجالس وطاولهم المؤانس أح ّ‬
‫سى بهم في أعمالهم ‪،‬‬ ‫يقتدي بهم في أفعالهم ‪ ،‬ويتأ ّ‬
‫صر عنهم ‪ ،‬ول أن يكون في‬ ‫ول يرضى لنفسه أن يق ّ‬
‫الخير دونهم ‪ ،‬فتبعثه المنافسة على مساواتهم ‪،‬‬
‫وربّما دعته الحميّة إلى الّزيادة عليهم ‪ ،‬والمكاثرة‬
‫لهم ‪ ،‬فيصيرون سببا ً لسعادته ‪ ،‬وباعثا ً على‬
‫استزادته ‪.‬‬
‫والقسم الثّالث ‪ :‬أن يفعل الّزيادة ابتدا ًء من نفسه‬
‫ة في الّزلفة بها ‪ ،‬فهذا من نتائج‬ ‫التماسا ً لثوابها ورغب ً‬
‫النّفس الّزاكية ‪ ،‬ودواعي الّرغبة الواقية الدّالّين على‬
‫حة اليقين ‪ ،‬وذلك أفضل أحوال‬ ‫خلوص الدّين وص ّ‬
‫العاملين ‪ ،‬وأعلى منازل العابدين ‪.‬‬
‫م لما يفعله من الّزيادة حالتان ‪:‬‬ ‫‪ - 28‬ث ّ‬

‫‪314‬‬
‫إحداهما ‪ :‬أن يكون مقتصدًا فيها وقادرا ً على الدّوام‬
‫عليها ‪ ،‬فهي أفضل الحالتين ‪ ،‬وأعلى المنزلتين ‪،‬‬
‫سلف ‪ ،‬وتتبّعهم فيها فضلء‬ ‫عليها انقرض أخيار ال ّ‬
‫ي‬‫ن النّب ّ‬ ‫الخلف ‪ ،‬وقد روت عائشة رضي الله عنها أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬عليكم بما تطيقون‬
‫ب الدّين إليه‬ ‫ل اللّه حتّى تملّوا ‪ ،‬وكان أح ّ‬ ‫فواللّه ل يم ّ‬
‫ما دام عليه صاحبه » ‪.‬‬
‫والحالة الثّانية ‪ :‬أن يستكثر منها استكثار من ل‬
‫ينهض بدوامها ‪ ،‬ول يقدر على اتّصالها ‪ ،‬فهذا ربّما‬
‫ما‬‫ن الستكثار من الّزيادة إ ّ‬ ‫صر أشبه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫كان بالمق ّ‬
‫أن يمنع من أداء الّلزم فل يكون إل ّ تقصيرا ً ‪ ،‬لنّه‬
‫ما‬‫تطوّع بزيادة أحدثت نقصا ً ‪ ،‬وبنفل منع فرضا ً ‪ ،‬وإ ّ‬
‫أن يعجز عن استدامة الّزيادة ويمنع من ملزمة‬
‫الستكثار ‪ ،‬من غير إخلل بلزم ول تقصير في‬
‫فرض ‪ ،‬فهي إذن قصيرة المدى قليلة اللّبث ‪ ،‬وقليل‬
‫العمل في طويل الّزمان أفضل عند اللّه عّز وج ّ‬
‫ل‬
‫ن المستكثر‬ ‫من كثير العمل في قليل الّزمان ‪ ،‬ل ّ‬
‫من العمل في الّزمان القصير قد يعمل زمانا ً ويترك‬
‫زمانا ً ‪ ،‬فربّما صار في زمان تركه لهيا ً أو ساهيا ً ‪،‬‬
‫والمقلّل في الّزمان الطّويل مستيقظ الفكار‬
‫مستديم التّذكار ‪ ،‬وقد روى أبو صالح عن أبي هريرة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أنّه‬ ‫رضي الله عنه عن النّب ّ‬
‫ل شّرة فترةً ‪،‬‬ ‫ل شيء شّرةً ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ن لك ّ‬‫قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫فإن كان صاحبها سدّد وقارب فارجوه ‪ ،‬وإن أشير‬
‫إليه بالصابع فل تعدّوه » ‪.‬‬
‫فجعل للسلم شّرةً وهي اليغال في الكثار ‪ ،‬وجعل‬
‫شّرة فترة ً وهي الهمال بعد الستكثار ‪ ،‬فلم يخل‬ ‫لل ّ‬
‫بما أثبت من أن تكون هذه الّزيادة تقصيرا ً أو‬
‫إخلل ً ‪ ،‬ول خير في واحد منهما ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الّزيادة على القرآن الكريم ‪:‬‬
‫‪ - 29‬القرآن الكريم كلم اللّه المعجز الّذي أنزله‬
‫على رسوله صلى الله عليه وسلم وحفظه من‬
‫ن نََّزلْنَا الذِّكَْر‬ ‫ح ُ‬ ‫الّزيادة والنّقص ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬إِنَّا ن َ ْ‬
‫ن } فالذ ّكر هو القرآن الكريم ‪ ،‬كما‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫َوإِنَّا ل َ ُ‬
‫ي ‪ ،‬ومعنى قوله تعالى { َوإِنَّا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫ن } أي من أن يزاد فيه أو ينقص منه ‪.‬‬ ‫حافِظُو َ‬ ‫لَ َ‬
‫ي ‪ :‬حفظه اللّه من أن تزيد‬ ‫قال قتادة وثابت البنان ّ‬
‫شياطين باطل ً ‪ ،‬أو ينقص منه حّقا ً ‪ ،‬فتولّى‬ ‫فيه ال ّ‬
‫سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا ً ‪ ،‬وقال في غيره {‬
‫حِفظُوا ْ } فوكّل حفظه إليهم فبدّلوا وغيّروا ‪.‬‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫بِ َ‬
‫ن اللّه سبحانه وتعالى وصف القرآن بأنّه عزيز ‪،‬‬ ‫مإ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫أي ممتنع عن النّاس أن يقولوا مثله ‪ ،‬كما قال ابن‬
‫َ َّ‬
‫ن‬
‫ن ال ْ َ‬
‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫عبّاس رضي الله عنهما ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬إ ِ ّ‬
‫ب ع َزِيٌز ‪َ ،‬ل يَأتِيهِ‬ ‫ه لَكِتَا ٌ‬ ‫م َوإِن َّ ُ‬ ‫جاءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫كََفُروا بِالذِّكْرِ ل َ َّ‬
‫يم‬
‫حك ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِّ‬ ‫فهِ تَنزِي ٌ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫ن يَدَيْهِ وََل ِ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫من بَي ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫الْبَاط ِ ُ‬
‫من‬ ‫ل ِ‬ ‫ميد ٍ } ومعنى قوله تعالى ‪َ { :‬ل يَأْتِيهِ الْبَاط ِ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ي نقل ً عن‬ ‫فهِ } كما قال القرطب ّ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن يَدَيْهِ وََل ِ‬ ‫بَي ْ ِ‬
‫شيطان ل يستطيع أن يغيّر‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي وقتادة ‪ :‬أي أ ّ‬ ‫سد ّ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫فيه ول يزيد ول ينقص ‪.‬‬
‫ن في قوله تعالى ‪َ { :‬ل‬ ‫وذكر صاحب روح المعاني أ ّ‬
‫يأ ْ‬
‫فهِ } تمثيلً‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ب‬‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته ‪ ،‬فل يمكن‬
‫أعداؤه الوصول إليه ‪ ،‬لنّه في حصن حصين من‬
‫حماية الحقّ المبين ‪.‬‬
‫مواطن البحث ‪:‬‬
‫صة بمصطلح زيادة في‬ ‫‪ - 30‬يبحث عن الحكام الخا ّ‬
‫صلة ‪ ،‬والمبيع‪ ،‬والثّمن ‪،‬‬ ‫مم ‪ ،‬وال ّ‬ ‫الوضوء ‪ ،‬والتّي ّ‬

‫‪316‬‬
‫صداق ‪،‬‬ ‫شفعة ‪ ،‬والّرهن ‪ ،‬والهبة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫والغصب ‪ ،‬وال ّ‬
‫والتّركة ‪ ،‬والتّعزير‪ ،‬والحد ّ ‪ ،‬والتّكليف ‪.‬‬
‫==================‬
‫زيارة القبور *‬
‫حكم زيارة القبور ‪:‬‬
‫‪ - 1‬ل خلف بين الفقهاء في أنّه تندب للّرجال زيارة‬
‫القبور ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إنّي كنت‬
‫نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ‪ ،‬فإنّها تذكّر‬
‫بالخرة » ‪.‬‬
‫ولنّه صلى الله عليه وسلم « كان يخرج إلى البقيع‬
‫سلم عليكم دار قوم‬ ‫لزيارة الموتى ويقول ‪ :‬ال ّ‬
‫جلون ‪ ،‬وإنّا إن‬ ‫مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا ً مؤ ّ‬
‫شاء اللّه بكم لحقون » ‪ .‬وزاد في رواية ‪ « :‬أسأل‬
‫اللّه لي ولكم العافية » ‪.‬‬
‫ن‬‫ما النّساء ‪ ،‬فمذهب الجمهور أنّه تكره زيارته ّ‬ ‫أ ّ‬
‫للقبور ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬لعن اللّه‬
‫ن رقّة قلب ‪،‬‬ ‫ن النّساء فيه ّ‬ ‫زوّارات القبور » ‪ .‬ول ّ‬
‫وكثرة جزع ‪ ،‬وقلّة احتمال للمصائب ‪ ،‬وهذا مظنّة‬
‫ن‪.‬‬ ‫ن ‪ ،‬ورفع أصواته ّ‬ ‫لطلب بكائه ّ‬
‫ح ‪ -‬إلى أنّه يندب للنّساء‬ ‫وذهب الحنفيّة ‪ -‬في الص ّ‬
‫زيارة القبور كما يندب للّرجال ‪ ،‬لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬إنّي كنت نهيتكم عن زيارة القبور »‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬إن كان ذلك لتجديد الحزن‬ ‫وقال الخير الّرمل ّ‬
‫ن فل تجوز ‪،‬‬ ‫والبكاء والنّدب وما جرت به عادته ّ‬
‫زوارات القبور » ‪.‬‬ ‫وعليه حمل حديث « لعن اللّه ّ‬
‫حم من غير بكاء ‪ ،‬والتّبّرك‬ ‫وإن كان للعتبار والتّر ّ‬
‫ن عجائز ‪-‬‬ ‫صالحين فل بأس ‪ -‬إذا ك ّ‬ ‫بزيارة قبور ال ّ‬

‫‪317‬‬
‫ب ‪ ،‬كحضور الجماعة في‬ ‫ن شوا ّ‬ ‫ويكره إذا ك ّ‬
‫المساجد ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬وهو توفيق حسن ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تكره زيارة القبور للنّساء ‪ ،‬لحديث‬
‫م عطيّة رضي الله عنها « نهينا عن اتّباع الجنائز‬ ‫أ ّ‬
‫ن محّرم ‪،‬‬ ‫ولم يعزم علينا » فإن علم أنّه يقع منه ّ‬
‫ن القبور ‪ ،‬وعليه يحمل قوله صلى‬ ‫حرمت زيارته ّ‬
‫زوارات القبور » ‪.‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪ « :‬لعن اللّه ّ‬
‫قالوا ‪ :‬وإن اجتازت امرأة بقبر في طريقها فسلّمت‬
‫عليه ودعت له فحسن ‪ ،‬لنّها لم تخرج لذلك ‪.‬‬
‫ي صلى الله‬ ‫ويستثنى من الكراهة زيارة قبر النّب ّ‬
‫ن زيارته ‪ ،‬وكذا قبور‬ ‫عليه وسلم ‪ ،‬فإنّه يندب له ّ‬
‫النبياء غيره عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬لعموم الدلّة‬
‫في طلب زيارته صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫زيارة قبر الكافر ‪:‬‬
‫ن زيارة قبر الكافر‬ ‫شافعيّة والحنابلة أ ّ‬ ‫‪ - 2‬ذكر ال ّ‬
‫جائزة ‪.‬‬
‫وقال الماورديّ ‪ :‬تحرم زيارة قبر الكافر ‪.‬‬
‫قال الحنابلة ‪ :‬ول يسلّم من زار قبر كافر عليه ‪ ،‬ول‬
‫يدعو له بالمغفرة ‪.‬‬
‫شد ّ الّرحال لزيارة القبور ‪:‬‬
‫‪ - 3‬ذهب جمهور العلماء إلى أنّه يجوز شد ّ الّرحل‬
‫لزيارة القبور ‪ ،‬لعموم الدلّة ‪ ،‬وخصوصا ً قبور النبياء‬
‫صالحين ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وابن تيميّة ‪ -‬من الحنابلة‬ ‫ومنع منه بعض ال ّ‬
‫‪ -‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل تشد ّ الّرحال إلّ‬
‫إلى ثلثة مساجد ‪ :‬مسجدي هذا ‪ ،‬والمسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬والمسجد القصى » ‪ ،‬وأخرج أحمد في‬
‫المسند عن عمر بن عبد الّرحمن بن الحارث قال ‪:‬‬
‫الغفاري أبا هريرة ‪ ،‬وهو جاء من‬ ‫ّ‬ ‫« لقي أبو بصرة‬

‫‪318‬‬
‫الطّور فقال ‪ :‬من أين أقبلت ؟ قال ‪ :‬من الطّور ‪،‬‬
‫صلّيت فيه ‪ .‬قال ‪ :‬أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه‬
‫ما رحلت ‪ ،‬إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ « :‬ل تشد ّ الّرحال إل ّ إلى ثلثة مساجد‬
‫‪ :‬المسجد الحرام ‪ ،‬ومسجدي هذا ‪ ،‬والمسجد‬
‫القصى » ‪ .‬ونقل ابن تيميّة هذا المذهب عن بعض‬
‫صحابة والتّابعين ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ص‬
‫وحمل القائلون بالجواز الحديث على أنّه خا ّ‬
‫بالمساجد ‪ ،‬فل تشد ّ الّرحال إل ّ لثلثة منها ‪ .‬بدليل‬
‫جواز شد ّ الّرحال لطلب العلم وللتّجارة ‪ ،‬وفي رواية‬
‫ي أن تشد ّ رحاله إلى مسجد ينبغي‬ ‫« ل ينبغي للمط ّ‬
‫صلة غير المسجد الحرام والمسجد القصى‬ ‫فيه ال ّ‬
‫ومسجدي هذا » ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫زيارة قبر النّب ّ‬
‫‪ - 4‬ل خلف بين العلماء في استحباب زيارة قبر‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وفي زيارة قبور النبياء‬ ‫النّب ّ‬
‫ي صلى‬ ‫والولياء تفصيل ينظر في ( زيارة قبر النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم ) ‪.‬‬
‫آداب زيارة القبور ‪:‬‬
‫ما ‪ ،‬والدّعاء‬ ‫سنّة زيارتها قائ ً‬
‫‪ - 5‬قال الحنفيّة ‪ :‬ال ّ‬
‫عندها قائما ً ‪ ،‬كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم‬
‫سلم عليكم يا‬ ‫في الخروج إلى البقيع ‪ ،‬ويقول ‪ « :‬ال ّ‬
‫أهل القبور ‪ ،‬يغفر اللّه لنا ولكم ‪ ،‬أنتم سلفنا ونحن‬
‫بالثر » ‪.‬‬
‫سلم عليكم أهل الدّيار من‬ ‫‪ -‬أو يقول ‪ « :‬ال ّ‬
‫المؤمنين والمسلمين ‪ ،‬وإنّا إن شاء اللّه بكم‬
‫م يدعو‬ ‫للحقون ‪ ،‬نسأل اللّه لنا ولكم العافية » ث ّ‬
‫قائما ً ‪ ،‬طويل ً ‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫وفي شرح المنية ‪ :‬يدعو قائما ً مستقبل القبلة ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬يستقبل وجه الميّت ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬يندب أن يقول الّزائر ‪ :‬سلم‬ ‫وقال ال ّ‬
‫عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء اللّه بكم‬
‫م ل تحرمنا أجرهم ‪ ،‬ول تفتنّا بعدهم ‪،‬‬ ‫لحقون ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫سر من القرآن ويدعو لهم ‪ ،‬وأن‬ ‫وأن يقرأ ما تي ّ‬
‫جه في‬ ‫يسلّم على المزور من قبل وجهه ‪ ،‬وأن يتو ّ‬
‫الدّعاء إلى القبلة ‪ ،‬وعن الخراسانيّين إلى وجهه ‪،‬‬
‫وعليه العمل ‪.‬‬
‫ن وقوف زائر أمامه قريبا ً منه ‪،‬‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬س ّ‬
‫سلم عليكم دار قوم مؤمنين ‪ ،‬أو أهل‬ ‫وقول ال ّ‬
‫الدّيار من المؤمنين ‪ ،‬وإنّا إن شاء اللّه بكم‬
‫للحقون ‪ ،‬ويرحم اللّه المستقدمين منكم أخرين ‪،‬‬
‫م ل تحرمنا‬ ‫نسأل اللّه لنا ولكم العافية ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫أجرهم ‪ ،‬ول تفتنّا بعدهم ‪ ،‬واغفر لنا ولهم ‪ .‬وفي‬
‫القنية من كتب الحنفيّة ‪ :‬قال أبو اللّيث ‪ :‬ل نعرف‬
‫ة ول مستحبّا ً ول نرى بأسا ً ‪،‬‬ ‫وضع اليد على القبر سن ّ ً‬
‫ن مشايخ مكّة ينكرون‬ ‫وعن جار اللّه العّلمة ‪ :‬إ ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إنّه عادة أهل الكتاب ‪ ،‬وفي إحياء‬
‫علوم الدّين ‪ :‬إنّه من عادة النّصارى ‪.‬‬
‫ك أنّه بدعة ‪ ،‬ل سنّة فيه ول‬ ‫قال شارح المنية ‪ :‬ل ش ّ‬
‫من يعتمد عليه فيكره‬ ‫ي ول عن إمام م ّ‬ ‫أثر عن صحاب ّ‬
‫سنّة إل ّ للحجر السود ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ولم يعهد الستلم في ال ّ‬
‫ة ‪ .‬وقال الحنابلة ‪ :‬ل بأس‬ ‫ص ً‬
‫ي خا ّ‬ ‫والّركن اليمان ّ‬
‫بلمس قبر بيد ل سيّما من ترجى بركته ‪ ،‬وقال ابن‬
‫سلف على أنّه ل يستلم ول يقبّل إلّ‬ ‫تيميّة ‪ :‬اتّفق ال ّ‬
‫ي يستلم ول يقبّل ‪.‬‬ ‫الحجر السود ‪ ،‬والّركن اليمان ّ‬
‫بدع زيارة القبور ‪:‬‬

‫‪320‬‬
‫‪ - 6‬يقع لكثير من النّاس أمور مكروهة في زيارتهم‬
‫للقبور ‪ ،‬ذكرها العلماء في مظانّها ‪ ،‬وفي كتب‬
‫ي صلى‬ ‫الداب ‪ .‬وينظر ما تقدّم في زيارة قبر النّب ّ‬
‫مة في بعض‬ ‫الله عليه وسلم حول منع اجتماع العا ّ‬
‫الضرحة ‪.‬‬
‫================‬
‫ي صلى الله عليه وسلم *‬ ‫زيارة النّب ّ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الّزيارة ‪ :‬اسم من زاره يزوره زورا ً وزيارةً ‪،‬‬
‫قصده مكرما ً له ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته تتحّقق‬ ‫وزيارة النّب ّ‬
‫بزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬
‫الحكم التّكليف ّ‬
‫مة السلميّة سلفا ً وخلفا ً على‬ ‫‪ - 2‬أجمعت ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬وقد‬ ‫مشروعيّة زيارة النّب ّ‬
‫ذهب جمهور العلماء من أهل الفتوى في المذاهب‬
‫ققين‬ ‫إلى أنّها سنّة مستحبّة ‪ ،‬وقالت طائفة من المح ّ‬
‫‪ :‬هي سنّة مؤكّدة ‪ ،‬تقرب من درجة الواجبات ‪ ،‬وهو‬
‫المفتى به عند طائفة من الحنفيّة ‪ .‬وذهب الفقيه‬
‫ي إلى‬ ‫ي أبو عمران موسى بن عيسى الفاس ّ‬ ‫المالك ّ‬
‫أنّها واجبة ‪.‬‬
‫دليل مشروعيّة الّزيارة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬من أدلّة مشروعيّة زيارته صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬ول َ َ‬
‫جآؤُو َ‬
‫ك‬ ‫م َ‬ ‫سهُ ْ‬‫موا ْ أنُف َ‬‫م إِذ ظ ّل َ ُ‬ ‫و أنَّهُ ْ‬
‫َ ْ‬
‫جدُوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل لَوَ َ‬‫سو ُ‬‫م الَّر ُ‬ ‫ستَغَْفَر لَهُ ُ‬‫ه َوا ْ‬ ‫ستَغَْفُروا ْ الل ّ َ‬ ‫فَا ْ‬
‫ي في‬ ‫حيما ً } فإنّه صلى الله عليه وسلم ح ّ‬ ‫تَوَّابا ً َّر ِ‬
‫ص‬
‫شهداء أحياء بن ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫قبره بعد موته ‪ ،‬كما أ ّ‬
‫ح قوله صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫القرآن ‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫النبياء أحياء في قبورهم » ‪ ،‬وإنّما قال ‪ :‬هم أحياء‬

‫‪321‬‬
‫شهداء أحياء عند‬ ‫شهداء بل أفضل ‪ ،‬وال ّ‬ ‫أي لنّهم كال ّ‬
‫ن‬‫ربّهم ‪ ،‬وفائدة التّقييد بالعنديّة الشارة إلى أ ّ‬
‫حياتهم ليست بظاهرة عندنا وهي كحياة الملئكة ‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم في حديث السراء « قال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬مررت على موسى ليلة أسري‬
‫بي عند الكثيب الحمر وهو قائم يصلّي في قبره » ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬فزوروا القبور ‪،‬‬
‫فإنّها تذكر الموت » فهو دليل على مشروعيّة زيارة‬
‫ة ‪ ،‬وزيارته صلى الله عليه وسلم أولى ما‬ ‫م ً‬‫القبور عا ّ‬
‫ة في هذا‬ ‫يمتثل به هذا المر ‪ ،‬فتكون زيارته داخل ً‬
‫المر النّبويّ الكريم ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬من زارني بعد‬
‫موتي فكأنّما زارني في حياتي » ‪.‬‬
‫ومنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ‪« :‬‬
‫ل بعض‬ ‫من زار قبري وجبت له شفاعتي » ‪ .‬فاستد ّ‬
‫الفقهاء بهذه الدلّة على وجوب زيارته صلى الله‬
‫ض‬
‫عليه وسلم لما في الحاديث الخرى من الح ّ‬
‫أيضا ً ‪.‬‬
‫ل ملحظهم‬ ‫وحملها الجمهور على الستحباب ‪ ،‬ولع ّ‬
‫ن هذه الدلّة ترغّب بتحصيل ثواب أو‬ ‫في ذلك أ ّ‬
‫مغفرة أو فضيلة ‪ ،‬وذلك يحصل بوسائل أخر ‪ ،‬فل‬
‫تفيد هذه الدلّة الوجوب ‪.‬‬
‫شفاء ‪ :‬وزيارة قبره‬ ‫قال القاضي عياض في كتاب ال ّ‬
‫عليه الصلة والسلم سنّة من سنن المسلمين‬
‫مجمع عليها ‪ ،‬وفضيلة مرغّب فيها ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫فضل زيارة النّب ّ‬
‫سابقة على عظمة فضل زيارة‬ ‫‪ - 4‬دلّت الدّلئل ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وجزيل مثوبتها فإنّها من‬ ‫النّب ّ‬
‫م المطالب العالية والقربات النّافعة المقبولة عند‬ ‫أه ّ‬

‫‪322‬‬
‫اللّه تعالى ‪ ،‬فبها يرجو المؤمن مغفرة اللّه تعالى‬
‫ورحمته وتوبته عليه من ذنوبه ‪ ،‬وبها يحصل الّزائر‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫صة من النّب ّ‬ ‫على شفاعة خا ّ‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬وما أعظمه من فوز ‪.‬‬
‫وعلى ذلك انعقد إجماع المسلمين في كافّة العصور‬
‫سنديّ وابن الهمام‬ ‫‪ ،‬كما صّرح به عياض والنّوويّ وال ّ‬
‫‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ :‬إنّها من أفضل العمال‬
‫ن‬
‫صلة إلى ذي الجلل ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ل القربات المو ّ‬ ‫وأج ّ‬
‫ل إجماع بل نزاع ‪.‬‬ ‫مشروعيّتها مح ّ‬
‫ن زيارة قبره‬ ‫ي ‪ :‬اعلم أ ّ‬ ‫وكذلك قال القسطّلن ّ‬
‫شريف من أعظم القربات وأرجى الطّاعات ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سبيل إلى أعلى الدّرجات ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫آداب زيارة النّب ّ‬
‫‪ - 5‬أ ‪ -‬أن ينوي زيارة المسجد النّبويّ أيضا ً لتحصيل‬
‫سنّة زيارة المسجد وثوابها لما في الحديث عن أبي‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫هريرة أ ّ‬
‫ل تشد ّ الّرحال إل ّ إلى ثلثة مساجد ‪ :‬مسجدي هذا ‪،‬‬
‫ومسجد الحرام ‪ ،‬ومسجد القصى » ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الغتسال لدخول المدينة المنوّرة ‪ ،‬ولبس‬
‫أنظف الثّياب ‪ ،‬واستشعار شرف المدينة لتشّرفها‬
‫به صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المواظبة على صلة الجماعة في المسجد‬
‫النّبويّ مدّة القامة في المدينة ‪ ،‬عمل ً بالحديث‬
‫ي صلى‬ ‫الثّابت عن أبي هريرة رضي الله عنه أ ّ‬
‫ن النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ « :‬صلة في مسجدي هذا خير‬
‫من ألف صلة فيما سواه إل ّ المسجد الحرام » ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن يتبع زيارته صلى الله عليه وسلم بزيارة‬
‫صحابة رضي اللّه عنهما وعنهم‬ ‫صاحبيه شيخي ال ّ‬

‫‪323‬‬
‫صدّيق ‪ ،‬وقبره إلى اليمين قدر‬ ‫جميعا ً ‪ ،‬أبي بكر ال ّ‬
‫ذراع ‪ ،‬وعمر يلي قبر أبي بكر إلى اليمين أيضا ً ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ما يكره في زيارة قبر النّب ّ‬
‫‪ - 6‬يقع لكثير من النّاس أمور مكروهة في زيارتهم‬
‫مها ‪:‬‬‫ي صلى الله عليه وسلم نشير إلى أه ّ‬ ‫لقبر النّب ّ‬
‫أ ‪ -‬التّزاحم عند الّزيارة ‪ ،‬وذلك أمر ل موجب له ‪،‬‬
‫بل هو خلف الدب ‪ ،‬ل سيّما إذا أدّى إلى زحام‬
‫ن المر شديد ‪.‬‬ ‫النّساء فإ ّ‬
‫ي صلى‬ ‫سلم على النّب ّ‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫ب ‪ -‬رفع الصوات بال ّ‬
‫الله عليه وسلم أو بالدّعاء عند زيارته صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫شريف صلى الله عليه وسلم أو‬ ‫سح بقبره ال ّ‬ ‫ج ‪ -‬التّم ّ‬
‫بشبّاك حجرته ‪ .‬أو إلصاق الظّهر أو البطن بجدار‬
‫القبر ‪.‬‬
‫سح بحائط قبر‬ ‫ب التّم ّ‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬ول يستح ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ول تقبيله ‪ ،‬قال أحمد ‪:‬‬ ‫النّب ّ‬
‫ما أعرف هذا ‪.‬‬
‫قال الثرم ‪ :‬رأيت أهل العلم من أهل المدينة ل‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يقومون‬ ‫سون قبر النّب ّ‬ ‫يم ّ‬
‫من ناحية فيسلّمون ‪ .‬قال أبو عبد اللّه ‪ :‬وهكذا كان‬
‫ابن عمر يفعل ‪.‬‬
‫ووي منبّهًا محذ ّرا ً ‪ :‬ول يجوز أن يطاف‬ ‫ّ‬ ‫وقال الن ّ‬
‫بقبره صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويكره إلصاق الظّهر‬
‫والبطن بجدار القبر ‪ .‬قالوا ‪ :‬ويكره مسحه باليد‬
‫وتقبيله ‪ ،‬بل الدب أن يبعد منه ‪ ،‬كما يبعد منه لو‬
‫حضره في حياته صلى الله عليه وسلم هذا هو‬
‫صواب الّذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ‪ ،‬ول يغتّر‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫بمخالفة كثيرين من العوّام وفعلهم ذلك ‪ ،‬فإ ّ‬
‫صحيحة‬ ‫القتداء والعمل إنّما يكون بالحاديث ال ّ‬

‫‪324‬‬
‫وأقوال العلماء ‪ ،‬ول يلتفت إلى محدثات العوّام‬
‫وغيرهم وجهالتهم ‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬
‫ل تجعلوا بيوتكم قبورا ً ‪ ،‬ول تجعلوا قبري عيدا ً ‪،‬‬
‫ن صلتكم تبلغني حيث كنتم » ‪.‬‬ ‫ي فإ ّ‬ ‫وصلّوا عل ّ‬
‫صلة فيها‬ ‫معنى الحديث ل تعطّلوا البيوت من ال ّ‬
‫والدّعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور ‪ ،‬فأمر‬
‫بتحّري العبادة بالبيوت ونهى عن تحّريها عند القبور ‪،‬‬
‫عكس ما يفعله المشركون من النّصارى ومن تشبّه‬
‫مة ‪ .‬والعيد اسم ما يعود من‬ ‫بهم من هذه ال ّ‬
‫سنة‬‫م على وجه معتاد عائدا ً ما يعود ال ّ‬ ‫الجتماع العا ّ‬
‫شهر ونحو ذلك‬ ‫أو يعود السبوع أو ال ّ‬
‫قال في عون المعبود ‪ :‬قال ابن القيّم ‪ :‬العيد ما‬
‫يعتاد مجيئه وقصده من زمن ومكان مأخوذ من‬
‫المعاودة والعتياد ‪ ،‬فإذا كان اسما ً للمكان فهو‬
‫المكان الّذي يقصد فيه الجتماع والنتياب بالعبادة‬
‫ى ومزدلفة‬ ‫ن المسجد الحرام ومن ً‬ ‫وبغيرها كما أ ّ‬
‫وعرفة والمشاعر جعلها اللّه تعالى عيدا ً للحنفاء‬
‫ة للنّاس ‪ ،‬كما جعل أيّام العيد منها عيدا ً ‪ .‬وكان‬ ‫ومثاب ً‬
‫ما جاء اللّه‬ ‫للمشركين أعياد زمانيّة ومكانيّة فل ّ‬
‫بالسلم أبطلها وعوّض الحنفاء منها عيد الفطر‬
‫وعيد النّحر ‪ ،‬كما عوّضهم عن أعياد المشركين‬
‫ى ومزدلفة وسائر المشاعر ‪.‬‬ ‫المكانيّة بكعبة ومن ً‬
‫قال المناويّ في فيض القدير ‪ :‬معناه النّهي عن‬
‫قة‬‫ما لدفع المش ّ‬ ‫الجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد ‪ ،‬إ ّ‬
‫أو كراهة أن يتجاوزوا حد ّ التّعظيم ‪ .‬وقيل ‪ :‬العيد ما‬
‫يعاد إليه أي ل تجعلوا قبري عيدا ً تعودون إليه متى‬
‫ي عن المعاودة‬ ‫ي ‪ ،‬فظاهره منه ّ‬ ‫أردتم أن تصلّوا عل ّ‬
‫ن دعاء‬ ‫ما يوجبه ‪ ،‬وهو ظنّهم بأ ّ‬ ‫والمراد المنع ع ّ‬
‫الغائب ل يصل إليه ‪ ،‬ويؤيّده قوله ‪ « :‬وصلّوا عل ّ‬
‫ي‬

‫‪325‬‬
‫ن صلتكم تبلغني حيث كنتم » أي ل تتكلّفوا‬ ‫فإ ّ‬
‫ي‪.‬‬‫صلة عل ّ‬ ‫ي فقد استغنيتم بال ّ‬ ‫المعاودة إل ّ‬
‫مة في‬ ‫ن اجتماع العا ّ‬ ‫قال المناويّ ‪ :‬ويؤخذ منه أ ّ‬
‫بعض أضرحة الولياء في يوم أو شهر مخصوص من‬
‫شيخ ‪ ،‬ويأكلون‬ ‫سنة ويقولون ‪ :‬هذا يوم مولد ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي عنه شرعا ً ‪،‬‬ ‫ويشربون وربّما يرقصون فيه منه ّ‬
‫شرع ردعهم على ذلك ‪ ،‬وإنكاره عليهم‬ ‫ي ال ّ‬ ‫وعلى ول ّ‬
‫وإبطاله ‪.‬‬
‫ن‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيميّة ‪ :‬الحديث يشير إلى أ ّ‬
‫سلم يحصل مع‬ ‫صلة وال ّ‬ ‫ما ينالني منكم من ال ّ‬
‫قربكم من قبري وبعدكم عنه ‪ ،‬فل حاجة بكم إلى‬
‫اتّخاذه عيدا ً ‪.‬‬
‫صفة زيارته صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ - 7‬إذا أراد الّزائر زيارته صلى الله عليه وسلم فلينو‬
‫شريف أيضا ً ‪ ،‬لتحصل سنّة زيارة‬ ‫زيارة مسجده ال ّ‬
‫المسجد وثوابها ‪.‬‬
‫وإذا عاين بساتين المدينة صلّى عليه صلى الله عليه‬
‫ة لي‬ ‫م هذا حرم نبيّك فاجعله وقاي ً‬ ‫وسلم وقال ‪ :‬اللّه ّ‬
‫من النّار وأمانا ً من العذاب وسوء الحساب ‪.‬‬
‫وإذا وصل باب المسجد النّبويّ دخل وهو يقول‬
‫مص ّ‬
‫ل‬ ‫الذ ّكر المعروف عند دخول المساجد ‪ « :‬اللّه ّ‬
‫ب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب‬ ‫مد ‪ ،‬ر ّ‬ ‫على مح ّ‬
‫رحمتك » ‪.‬‬
‫وعند الخروج يقول ذلك ‪ ،‬لكن بلفظ " وافتح لي‬
‫أبواب فضلك » ‪.‬‬
‫م يقصد الحجرة‬ ‫ويصلّي ركعتي تحيّة المسجد ‪ ،‬ث ّ‬
‫شريفة الّتي فيها قبره عليه الصلة والسلم‬ ‫ال ّ‬
‫فيستدبر القبلة ويستقبل القبر ويقف أمام النّافذة‬
‫الدّائريّة اليسرى مبتعدا ً عنها قدر أربعة أذرع إجللً‬

‫‪326‬‬
‫وتأدّبا ً مع المصطفى صلى الله عليه وسلم فهو أمام‬
‫وجه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيسلّم عليه‬
‫دون أن يرفع صوته ‪ ،‬بأيّ صيغة تحضره من صيغ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ويردف‬ ‫التّسليم على النّب ّ‬
‫صلة عليه صلى الله عليه وسلم بما يحضره‬ ‫ذلك بال ّ‬
‫أيضاً‬
‫‪ -8‬وقد أورد العلماء عبارات كثيرةً صاغوها لتعليم‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫منوها ثناءً على النّب ّ‬ ‫النّاس ‪ ،‬ض ّ‬
‫وسلم ‪ .‬فيدعو النسان بدعاء زيارة القبور ويصلّي‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فيدعو بما‬ ‫ويسلّم على النّب ّ‬
‫يفتح اللّه عليه ‪.‬‬
‫سلم عليه صلى الله‬ ‫‪ -9‬وإن كان أحد قد أوصاه بال ّ‬
‫سلم عليك يا رسول اللّه من‬ ‫عليه وسلم فليقل ‪ :‬ال ّ‬
‫فلن بن فلن ‪ ،‬أو فلن بن فلن يسلّم عليك يا‬
‫رسول اللّه ‪ ،‬أو ما شابه ذلك ‪.‬‬
‫خر إلى صوب اليمين قدر ذراع اليد‬ ‫م يتأ ّ‬‫‪ - 10‬ث ّ‬
‫صدّيق الكبر سيّدنا أبي بكر رضي‬ ‫سلم على ال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ن رأسه عند كتف رسول اللّه صلى الله‬ ‫الله عنه ‪ ،‬ل ّ‬
‫عليه وسلم ويسلّم عليه بما يحضره من اللفاظ‬
‫صدّيق رضي الله عنه ‪.‬‬ ‫الّتي تليق بمقام ال ّ‬
‫سلم على‬ ‫حى صوب اليمين قدر ذراع لل ّ‬ ‫م يتن ّ‬ ‫‪ - 11‬ث ّ‬
‫الفاروق الّذي أعّز اللّه به السلم سيّدنا عمر بن‬
‫الخطّاب رضي الله عنه ‪ ،‬ويسلّم عليه بما يحضره‬
‫من اللفاظ الّتي تليق بمقامه رضي الله عنه ‪.‬‬
‫م يرجع ليقف قبالة رسول اللّه صلى الله‬ ‫‪ - 12‬ث ّ‬
‫فعا ً به بما شاء من‬‫عليه وسلم كالوّل ‪ ،‬ويدعو متش ّ‬
‫ب وللمسلمين ‪.‬‬ ‫الخيرات له ولمن يح ّ‬
‫ل ذلك أحوال الّزحام بحيث ل يؤذي‬ ‫ويراعي في ك ّ‬
‫مسلما ً ‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫===================‬
‫زيارة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الّزيارة في اللّغة ‪ :‬القصد ‪ ،‬يقال ‪ :‬زاره يزوره‬
‫زورا ً وزيارة ً ‪ :‬قصده وعاده ‪.‬‬
‫وفي العرف هي قصد المزور إكراما ً له واستئناساً‬
‫به ‪.‬‬
‫ي عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬ ‫ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫العيادة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬هي من عاد المريض يعوده عيادةً ‪ :‬إذا زاره في‬
‫ص من الّزيارة ‪.‬‬ ‫مرضه ‪ .‬فالعيادة على هذا أخ ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 3‬تختلف أحكام الّزيارة باختلف أسبابها ‪ ،‬والمزور‬
‫‪ ،‬والّزائر ‪.‬‬
‫زيارة قبر الّرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫م‬
‫‪ - 4‬زيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أه ّ‬
‫القربات وأفضل المندوبات ‪ ،‬وقد نقل صاحب فتح‬
‫ن‬‫ي وشرح المختار ‪ :‬أ ّ‬ ‫القدير عن مناسك الفارس ّ‬
‫زيارة قبره صلى الله عليه وسلم قريبة من الوجوب‬
‫‪ .‬وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬من زار‬
‫قبري وجبت له شفاعتي »‪ ،‬وروي عنه صلى الله‬
‫ة إلّ‬‫عليه وسلم ‪ « :‬من جاءني زائرا ً ل يعلم له حاج ً‬
‫ي أن أكون له شفيعا ً يوم‬ ‫زيارتي ‪ ،‬كان حّقا ً عل ّ‬
‫القيامة » ‪.‬‬
‫ي صلى‬ ‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬زيارة قبر النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم ) ‪.‬‬
‫زيارة القبور ‪:‬‬

‫‪328‬‬
‫ن زيارة قبور المسلمين للّرجال بدون سفر ‪،‬‬ ‫‪ - 5‬تس ّ‬
‫لخبر « كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها » ‪.‬‬
‫م عطيّة ‪ « :‬نهينا عن زيارة‬ ‫ويكره للنّساء لحديث أ ّ‬
‫القبور ‪ ،‬ولم يعزم علينا » ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬زيارة القبور ) ‪.‬‬
‫زيارة الماكن ‪:‬‬
‫‪ - 6‬وردت نصوص وآثار تدعو إلى زيارة أماكن بعينها‬
‫‪.‬‬
‫ومنها ما ورد في مسجد قباء وهو قول اللّه تعالى ‪:‬‬
‫حقُّ أَن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قوى من أ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫{ ل َّمسجد أ ُ‬
‫ل يَوْم ٍ أ َ‬
‫ْ ّ ِ‬‫و‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫الت‬ ‫ى‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ ِ ٌ‬
‫م فِيهِ } « وكان صلى الله عليه وسلم يزوره ك ّ‬
‫ل‬ ‫قو َ‬‫تَ ُ‬
‫سبت » ‪.‬‬
‫والمساجد الثّلثة الّتي ورد الحديث بشد ّ الّرحال‬
‫إليها وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫« ل تشد ّ الّرحال إل ّ إلى ثلثة مساجد ‪ :‬مسجدي هذا‬
‫‪ ،‬ومسجد الحرام ‪ ،‬ومسجد القصى » ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ومنها جبل أحد لقول النّب ّ‬
‫« جبل يحبّنا ونحبّه » ‪.‬‬
‫ص بذلك‬ ‫وغير ذلك من الماكن الّتي ورد فيها ن ّ‬
‫ب زيارتها ‪.‬‬ ‫فتستح ّ‬
‫صالحين ‪ ،‬والخوان ‪:‬‬ ‫زيارة ال ّ‬
‫صالحين والخوان ‪ ،‬والصدقاء‬ ‫ن زيارة ال ّ‬ ‫‪ - 7‬تس ّ‬
‫والجيران ‪ ،‬والقارب وصلتهم ‪ ،‬وينبغي أن تكون‬
‫زيارتهم على وجه يرتضونه ‪ ،‬وفي وقت ل يكرهونه ‪.‬‬
‫صالح أن يزوره‬ ‫ب أن يطلب من أخيه ال ّ‬ ‫كما يستح ّ‬
‫ق ذلك ‪.‬‬ ‫ويكثر زيارته إذا لم يش ّ‬
‫ن رجل ً زار أخا ً له في قرية‬ ‫وقد جاء في الثر ‪ « :‬أ ّ‬
‫أخرى ‪ ،‬فأرصد اللّه تعالى له على مدرجته ملكا ً ‪،‬‬
‫ما أتى عليه قال ‪ :‬أين تريد ؟ قال ‪ :‬أريد أخا ً لي‬ ‫فل ّ‬

‫‪329‬‬
‫في هذه القرية ‪ ،‬قال ‪ :‬هل لك عليه من نعمة‬
‫ل‪،‬‬‫تربّها ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ‪ ،‬غير أنّي أحببته في اللّه عّز وج ّ‬
‫ن اللّه قد أحبّك كما‬ ‫قال ‪ :‬فإنّي رسول اللّه إليك ‪ ،‬بأ ّ‬
‫أحببته فيه » ‪.‬‬
‫ي ‪ « :‬حّقت محبّتي للمتحابّين‬ ‫وفي الحديث القدس ّ‬
‫قت‬ ‫في ‪ ،‬وحّقت محبّتي للمتناصحين في ‪ ،‬وح ّ‬
‫محبّتي للمتزاورين في » ‪ .‬وعن أنس رضي الله‬
‫عنه ‪ « :‬إذا جاءكم الّزائر فأكرموه»‪.‬‬
‫زيارة الّزوجة لهلها ووالديها ‪ ،‬وزيارتهم لها ‪:‬‬
‫‪ - 8‬قال المالكيّة والحنفيّة في القول المفتى به‬
‫ل جمعة ‪،‬‬ ‫عندهم ‪ :‬للمرأة الخروج لزيارة والديها ك ّ‬
‫ن ذلك‬ ‫ل سنة ولو بغير إذن الّزوج ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ومحارمها ك ّ‬
‫من المصاحبة بالمعروف المأمور بها ‪ ،‬ومن صلة‬
‫الّرحم ‪ .‬وقيّده المالكيّة بأن يكون الوالدان في البلد‬
‫‪.‬‬
‫ن‬
‫صحيح من مذهب الحنفيّة وهو مذهب المالكيّة أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫الّزوج ل يمنع أبوي الّزوجة من الدّخول عليها في‬
‫ل‬‫ل جمعة ‪ ،‬ول يمنع غيرهما من المحارم في ك ّ‬ ‫ك ّ‬
‫سنة ‪.‬‬
‫وكذا بالنّسبة لولدها من غيره إن كانوا صغارا ً ‪ ،‬ل‬
‫ل يوم مّرةً ‪ ،‬وإن‬ ‫يمنعهم الّزوج من الدّخول إليها ك ّ‬
‫اتّهم والديها بإفسادها ‪ ،‬فيقضى لهما بالدّخول مع‬
‫امرأة أمينة من جهة الّزوج وعليه أجرتها ‪.‬‬
‫ن له‬‫شافعيّة ‪ ،‬وهو قول للحنفيّة ‪ :‬إلى أ ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ق‬
‫ن المنزل ملكه وله ح ّ‬ ‫المنع من الدّخول ‪ ،‬معلّل ً بأ ّ‬
‫المنع من دخول ملكه ‪ ،‬وهذا ظاهر الكنز ‪ ،‬وهو‬
‫القدوري ‪ ،‬وجزم به في الذ ّخيرة ‪ .‬وقيل ‪ :‬ل‬ ‫ّ‬ ‫اختيار‬
‫ن الفتنة في‬ ‫منع من الدّخول بل من القرار ‪ ،‬ل ّ‬
‫المكث وطول الكلم ‪ .‬ومذهب المالكيّة ‪ ،‬أنّه يقضى‬

‫‪330‬‬
‫بزيارة والديها وأولدها الكبار من غيره لها في بيت‬
‫ل جمعة مّرةً ‪.‬‬ ‫الّزوجيّة ك ّ‬
‫ن للمرأة الخروج من بيت‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫الّزوجيّة لزيارة والديها ومحارمها في غيبة الّزوج إن‬
‫لم ينهها عن الخروج ‪ .‬وجرت العادة بالتّسامح بذلك‬
‫ما إذا نهاها عن الخروج في غيبته فليس لها‬ ‫‪.‬أ ّ‬
‫الخروج لزيارة ول لغيرها ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى أنّه ليس للّزوج منع أبوها من‬
‫زيارتها ‪ ،‬لما فيه من قطيعة الّرحم ‪ ،‬لكن إن عرف‬
‫بقرائن الحال حدوث ضرر بزيارتهما ‪ ،‬أو زيارة‬
‫أحدهما فله المنع ‪.‬‬
‫زيارة المحضون ‪:‬‬
‫ل من البوين زيارة أولده إذا كانت الحضانة‬ ‫‪ - 9‬لك ّ‬
‫لغيره ‪ ،‬وليس لمن له حقّ الحضانة منع الّزيارة ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬حضانة ) ‪.‬‬
‫==================‬
‫سؤر *‬
‫التّعريف ‪:‬س‬
‫شيء ‪ ،‬وجمعه أسآر ‪ ،‬وأسأر‬ ‫ة ‪ :‬بقيّة ال ّ‬‫سؤر لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫منه شيئا ً أبقى ‪ ،‬وفي الحديث « إذا شربتم فأسئروا‬
‫شراب في قعر الناء » ‪ ،‬وفي‬ ‫أي أبقوا شيئا ً من ال ّ‬
‫حديث الفضل بن عبّاس « ما كنت أوثر على سؤرك‬
‫شراب‬ ‫أحدا ً » ‪ .‬ورجل سأر أي يبقي في الناء من ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬سأر فلن من طعامه وشرابه سؤرا ً وذلك‬
‫سؤر في‬ ‫ل شيء سؤره ‪ .‬وال ّ‬ ‫ة ‪ .‬وبقيّة ك ّ‬ ‫إذا أبقى بقي ّ ً‬
‫شرب وبقيّة الماء الّتي‬ ‫الصطلح هو ‪ :‬فضلة ال ّ‬
‫م‬‫شارب في الناء ‪ ،‬أو في الحوض ‪ ،‬ث ّ‬ ‫يبقيها ال ّ‬
‫استعير لبقيّة الطّعام أو غيره ‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬ومراد الفقهاء بقولهم ‪ :‬سؤر الحيوان‬
‫طاهر أو نجس ‪ :‬لعابه ورطوبة فمه ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬
‫الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 2‬اختلف الفقهاء في أحكام السآر على اتّجاهين ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬يذهب إلى طهارة السآر ‪ ،‬وهو مذهب‬
‫المالكيّة ‪.‬‬
‫والخر ‪ :‬مذهب الجمهور الّذين يرون طهارة بعض‬
‫السآر ونجاسة بعضها ‪ .‬والتّفصيل كما يلي ‪:‬‬
‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة إلى تقسيم السآر إلى أربعة أنواع‬
‫‪:‬‬
‫النّوع الوّل ‪ :‬سور متّفق على طهارته وهو سؤر‬
‫ي بجميع أحواله مسلما ً كان أو كافراً‪ ،‬صغيراً‬ ‫الدم ّ‬
‫كان أو كبيرا ً ‪ ،‬ذكرا ً أو أنثى ‪ ،‬طاهرا ً أو نجسا ً حائضاً‬
‫أو نفساء أو جنبا ً ‪ « .‬وقد أتي عليه الصلة والسلم‬
‫بلبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيّا ً كان على‬
‫م ناوله أبا بكر رضي الله عنه‬ ‫يمينه فشرب ‪ ،‬ث ّ‬
‫فشرب ‪ ،‬وقال ‪ :‬اليمن فاليمن » ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ « :‬كنت أشرب‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫م أناوله النّب ّ‬‫وأنا حائض ‪ ،‬ث ّ‬
‫فيضع فاه على موضع في فيشرب » ‪.‬‬
‫ي متحلّب من لحمه ‪ ،‬ولحمه طاهر ‪،‬‬ ‫ن سؤر الدم ّ‬ ‫ول ّ‬
‫فكان سؤره طاهرا ً ‪ ،‬إل ّ في حال شرب الخمر‬
‫فيكون سؤره نجسا ً ‪ ،‬لنجاسة فمه بالخمر ‪.‬‬
‫ومن النّوع الوّل المتّفق على طهارته سؤر ما يؤكل‬
‫لحمه من النعام والطّيور إل ّ الجّللة والدّجاجة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫المخّلة ‪ ،‬لما روي « أ ّ‬
‫ن النّب ّ‬
‫ن سؤره متولّد من‬ ‫ضأ بسؤر بعير أو شاة » ول ّ‬ ‫تو ّ‬
‫لحمه ولحمه طاهر ‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫ما سؤر الجّللة والدّجاجة المخّلة وهي الّتي تأكل‬ ‫أ ّ‬
‫النّجاسات حتّى أنتن لحمها فيكره استعماله لحتمال‬
‫نجاسة فمها ومنقارها ‪ .‬وإذا حبست حتّى يذهب نتن‬
‫ما سؤر الفرس‬ ‫لحمها فل كراهة في سؤرها ‪ .‬وأ ّ‬
‫مد ‪ ،‬وظاهر‬ ‫فطاهر على قول أبي يوسف ومح ّ‬
‫ن سؤره‬ ‫صحيح ‪ ،‬ل ّ‬ ‫الّرواية عن أبي حنيفة ‪ ،‬وهو ال ّ‬
‫ن كراهة لحمه‬ ‫متحلّب من لحمه ‪ ،‬ولحمه طاهر ‪ ،‬ول ّ‬
‫عنده ليست لنجاسته بل لحترامه ‪ ،‬لنّه آلة الجهاد‬
‫العدو ‪ ،‬وذلك منعدم في سؤره فل يؤثّر فيه‬ ‫ّ‬ ‫وإرهاب‬
‫ن سؤره‬ ‫‪ .‬ويرى أبو حنيفة في رواية أخرى عنه أ ّ‬
‫نجس بناءً على الّرواية الخرى عنه بنجاسة لحمه ‪.‬‬
‫ومن هذا النّوع ‪ :‬ما ليس له نفس سائلة أي دم‬
‫سائل ‪ ،‬سواء كان يعيش في الماء أو في غيره‬
‫فسؤره طاهر ‪.‬‬
‫سؤر الطّاهر المكروه وهو سؤر‬ ‫النّوع الثّاني ‪ :‬ال ّ‬
‫صقر والحدأة ونحوها‬ ‫سباع الطّير كالبازي وال ّ‬
‫فسؤرها طاهر ‪ ،‬لنّها تشرب بمنقارها وهو عظم‬
‫ن صيانة الواني‬ ‫ف فلم يختلط لعابها بسؤرها ‪ ،‬ول ّ‬ ‫جا ّ‬
‫ض من الجوّ فتشرب ‪ ،‬إل ّ أنّه‬ ‫عنها متعذ ّرة ‪ ،‬لنّها تنق ّ‬
‫ن الغالب أنّها تتناول الجيف‬ ‫يكره سؤرها ‪ ،‬ل ّ‬
‫والميتات فأصبح منقارها في معنى منقار الدّجاجة‬
‫المخّلة ‪ .‬وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أ ّ‬
‫ن‬
‫سباع الطّير إن كان ل يتناول الميتات مثل البازي‬
‫ي ونحوه فل يكره الوضوء بسؤره ‪.‬‬ ‫الهل ّ‬
‫ومن هذا النّوع سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحيّة‬
‫والوزغة والعقرب ونحوها من الحشرات الّتي لها دم‬
‫سائل ‪ ،‬لنّه يتعذ ّر صون الواني منها ‪.‬‬
‫ومن هذا النّوع أيضا ً ‪ :‬سؤر الهّرة فهو طاهر ولكنّه‬
‫مكروه لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه‬

‫‪333‬‬
‫مرفوعا ً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه‬
‫سنّور سبع » ‪.‬‬ ‫قال ‪ « :‬ال ّ‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم « يغسل الناء إذا ولغ‬
‫ن بالتّراب ‪،‬‬ ‫ن أو آخره ّ‬ ‫فيه الكلب سبع مّرات أوله ّ‬
‫وإذا ولغت فيه الهّرة غسل مّرةً » ‪.‬‬
‫والمعنى في كراهة سؤر الهّرة من وجهين ‪:‬‬
‫ن الهّرة نجسة‬ ‫حاوي ‪ :‬وهو أ ّ‬
‫ّ‬ ‫أحدهما ما ذكره الط ّ‬
‫لنجاسة لحمها ‪ ،‬وسؤرها نجس مختلط بلعابها‬
‫المتولّد من لحمها النّجس ‪ ،‬ولكن سقطت نجاسة‬
‫سؤرها اتّفاقا ً ‪ ،‬لعلّة الطّواف المنصوصة في قوله‬
‫وافين‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إنّما هي من الط ّ ّ‬
‫وافات » ‪ .‬حيث إنّها تدخل المضائق‬ ‫عليكم أو الط ّ ّ‬
‫وتعلو الغرف فيتعذ ّر صون الواني منها ‪.‬‬
‫ما سقط حكم النّجاسة من سؤرها لضرورة‬ ‫ول ّ‬
‫الطّواف بقيت الكراهة ‪ ،‬لعدم تحاميها النّجاسة‬
‫ولمكان التّحّرز عنها في الجملة ‪.‬‬
‫ن الهّرة ليست‬ ‫ي وهو أ ّ‬ ‫والثّاني ‪ :‬ما ذكره الكرخ ّ‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫بنجسة ‪ -‬وإلى هذا ذهب أبو يوسف ‪ -‬ل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم نفى عنها النّجاسة بقوله ‪« :‬‬
‫إنّها ليست بنجس » ‪.‬‬
‫ولكن يكره سؤرها لتوهّم أخذها الفأرة فصار فمها‬
‫كيد المستيقظ من نومه ‪.‬‬
‫م شربت الماء قال أبو حنيفة ‪ :‬إن‬ ‫فلو أكلت الفأرة ث ّ‬
‫ة‬
‫جس الماء ‪ ،‬وإن مكثت ساع ً‬ ‫شربته على الفور تن ّ‬
‫جس بل يكره ‪.‬‬ ‫م شربت فل يتن ّ‬ ‫ولحست فمها ث ّ‬
‫جس الماء بناءً على ما‬ ‫مد ‪ :‬يتن ّ‬ ‫وقال أبو يوسف ومح ّ‬
‫ب الماء‬ ‫نص ّ‬ ‫ذكراه في سؤر شارب الخمر ‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫ن‬
‫شرط في التّطهير عند أبي يوسف ولم يوجد ‪ ،‬وإ ّ‬

‫‪334‬‬
‫مد‬
‫ما سوى الماء من المائعات ليس بطهور عند مح ّ‬
‫‪.‬‬
‫سؤر النّجس المتّفق على نجاسته‬ ‫النّوع الثّالث ‪ :‬ال ّ‬
‫في المذهب وهو سؤر الكلب والخنزير وسائر سباع‬
‫ما الخنزير فلنّه نجس العين لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫البهائم ‪ .‬أ ّ‬
‫س } الية ‪ .‬ولعابه يتولّد من لحمه‬ ‫ج ٌ‬ ‫{ فَإن َّ ُ‬
‫ه ِر ْ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬
‫ما الكلب فل ّ‬ ‫النّجس ‪ .‬وأ ّ‬
‫وسلم أمر بغسل الناء من ولوغه سبع مّرات ‪،‬‬
‫ولسانه يلقي الماء أو ما يشربه من المائعات‬
‫الخرى دون الناء فكان أولى بالنّجاسة ‪ ،‬ولنّه يمكن‬
‫ن«‬ ‫الحتراز عن سؤرهما وصيانة الواني عنهما ‪ ،‬ول ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الماء‬ ‫النّب ّ‬
‫سباع ؟ قال ‪ :‬إذا كان الماء قلّتين‬ ‫وما ينوبه من ال ّ‬
‫فإنّه ل ينجس » ‪ .‬ولو كانت طاهرةً لم يحدّه‬
‫بالقلّتين ‪.‬‬
‫ن عمر رضي الله عنه خرج في ركب‬ ‫ولما روي أ ّ‬
‫فيه عمرو بن العاص حتّى وردا حوضا ً فقال عمرو‬
‫بن العاص ‪ :‬يا صاحب الحوض هل ترد حوضك‬
‫سباع ؟ فقال عمر ‪ :‬يا صاحب الحوض ل تخبره‬ ‫ال ّ‬
‫سباع وترد علينا ‪ .‬ولو لم يكن الماء‬ ‫فإنّنا نرد على ال ّ‬
‫سؤال ول للنّهي عن‬ ‫جس بشربها منه لم يكن لل ّ‬ ‫يتن ّ‬
‫ن هذه الحيوانات غير مأكولة‬ ‫ى ‪ ،‬ول ّ‬ ‫الجواب معن ً‬
‫اللّحم ويمكن صون الواني منها ‪ ،‬وعند شربها‬
‫يختلط لعابها بالمشروب ولعابها نجس لتحلّبه من‬
‫لحمها وهو نجس ‪ ،‬فكان سؤرها نجسا ً ‪.‬‬
‫النّوع الّرابع ‪ :‬المشكوك في طهارة سؤره وهو‬
‫ي والبغل فسؤرهما مشكوك في‬ ‫الحمار الهل ّ‬
‫طهارته ونجاسته لتعارض الدلّة ‪ ،‬فالصل في‬
‫سؤرهما النّجاسة ‪ ،‬لنّه ل يخلو سؤرهما عن‬

‫‪335‬‬
‫لعابهما ‪ ،‬ولعابهما متحلّب من لحمهما ولحمهما‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬‫ن عرقه طاهر لما روي « أ ّ‬ ‫نجس ‪ ،‬ول ّ‬
‫الله عليه وسلم كان يركب الحمار معروريا ً والحّر‬
‫حّر الحجاز ‪ ،‬ويصيب العرق ثوبه ‪ ،‬وكان يصلّي في‬
‫سؤر أولى‬ ‫ذلك الثّوب » ‪ .‬فإذا كان العرق طاهرا ً فال ّ‬
‫‪.‬‬
‫وقد تعارضت الثار في طهارة سؤر الحمار ونجاسته‬
‫‪ ،‬فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه كان يقول ‪:‬‬
‫ت والتّبن فسؤره طاهر ‪ .‬وعن ابن‬ ‫الحمار يعتلف الق ّ‬
‫عمر رضي الله عنهما أنّه كان يقول ‪ :‬إنّه رجس ‪،‬‬
‫وتعارضت الخبار في أكل لحمه ولبنه كما تعارض‬
‫ضرورة فيه ‪ ،‬لنّه ليس في المخالطة‬ ‫تحّقق أصل ال ّ‬
‫كالهّرة فل يعلو الغرف ول يدخل المضائق ‪ ،‬وليس‬
‫ك في وقوع حكم‬ ‫ش ّ‬
‫في المجانبة كالكلب ‪ ،‬فوقع ال ّ‬
‫الصل ‪ ،‬والتّوقّف في الحكم عند تعارض الدلّة‬
‫جس سؤره‬ ‫واجب ‪ ،‬ولذلك كان مشكوكا ً فيه فل ين ّ‬
‫الشياء الطّاهرة ‪ ،‬ول يطهر به النّجس ‪ ،‬وعند عدم‬
‫مم احتياطا ً ‪ ،‬وأيّهما قدّم جاز‬ ‫ضأ بسؤره ويتي ّ‬ ‫الماء يتو ّ‬
‫ن المطهّر منهما غير متيّقن ‪ ،‬فل فائدة في‬ ‫‪،‬ل ّ‬
‫التّرتيب ‪.‬‬
‫وقال زفر ‪ :‬يبدأ بالوضوء بسؤر الحمار أو البغل‬
‫ة‪.‬‬‫ليصير عادما ً للماء حقيق ً‬
‫والتّفاصيل في مصطلح ‪ ( :‬نجاسة ‪ ،‬طعام ‪،‬‬
‫طهارة ) ‪.‬‬
‫ن سؤر جميع الحيوانات‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 4‬وذهب ال ّ‬
‫سباع‬‫من النعام ‪ ،‬والخيل والبغال والحمير وال ّ‬
‫والهّرة والفئران والطّيور والحيّات وسام أبرص ‪،‬‬
‫وسائر الحيوانات المأكولة وغير المأكولة ‪ -‬سؤر هذه‬
‫الحيوانات طاهر ل كراهة فيه إل ّ الكلب والخنزير‬

‫‪336‬‬
‫وما تولّد منهما أو من أحدهما ‪ .‬فإذا ولغ أحد هذه‬
‫الحيوانات في طعام جاز أكله بل كراهة ‪ ،‬وإذا شرب‬
‫من ماء جاز الوضوء به بل كراهة ‪.‬‬
‫م فِي‬ ‫ل عَلَيْك ُ ْ‬
‫جعَ َ‬ ‫واستدلّوا لذلك بقوله تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫ما َ‬
‫ن في تنجيس سؤر هذه‬ ‫حَرٍج } ل ّ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬‫دّي ِ‬‫ال ِ‬
‫الحيوانات حرجا ً ‪ ،‬ويعسر الحتراز عن بعضها كالهّرة‬
‫ونحوها من سواكن البيوت ‪ .‬ولما ورد عن كبشة‬
‫ن أبا قتادة‬ ‫زوجة أبي قتادة رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫دخل عليها فسكبت له وضوءً فجاءت هّرة تشرب‬
‫منه فأصغى لها الناء حتّى شربت ‪ ،‬قالت كبشة ‪:‬‬
‫فرآني أنظر إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتعجبين يا ابنة أخي ؟‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫فقلت ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال إ ّ‬
‫وسلم قال ‪ :‬إنّها ليست بنجس إنّما هي من‬
‫وافات » ‪.‬‬ ‫وافين عليكم أو الط ّ ّ‬ ‫الط ّ ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬‫ولما روي عن جابر رضي الله عنه « أ ّ‬
‫ضأ بما فضلت الحمر ؟‬ ‫الله عليه وسلم قيل له ‪ :‬أنتو ّ‬
‫سباع » ‪.‬‬ ‫قال ‪ :‬وبما أفضلت ال ّ‬
‫وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال ‪ « :‬خطب‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ناقته ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ن‬
‫لعابها يسيل بين كتفي » ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه « أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض الّتي بين‬
‫سباع والكلب والحمر ‪ ،‬وعن‬ ‫مكّة والمدينة تردها ال ّ‬
‫الطّهارة منها ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لها ما‬
‫حملت في بطونها ‪ ،‬ولنا ما غبر طهور » ولقول عمر‬
‫سباع وترد علينا ‪.‬‬ ‫المتقدّم وفيه فإنّنا نرد على ال ّ‬
‫ما الكلب والخنزير وما تفّرع منهما أو من أحدهما‬ ‫أ ّ‬
‫فسؤره نجس ‪ ،‬لقوله تعالى في الخنزير ‪ { :‬فَإن َّ ُ‬
‫ه‬
‫س } الية ولقوله صلى الله عليه وسلم في‬ ‫ج ٌ‬ ‫رِ ْ‬

‫‪337‬‬
‫الكلب ‪ « :‬طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن‬
‫ن بالتّراب » وفي رواية «‬ ‫يغسله سبع مّرات أوله ّ‬
‫فليرقه » أي الماء الّذي ولغ فيه ‪ .‬والراقة للماء‬
‫إضاعة مال ‪ ،‬فلو كان الماء طاهرا ً لما أمر بإراقته‬
‫إذ قد نهى عن إضاعة المال ‪.‬‬
‫م‬
‫ةث ّ‬‫وإن رأى شخص هّرة ً أو نحوها تأكل نجاس ً‬
‫وردت على ماء قليل أي ل يبلغ قلّتين فشربت منه‬
‫شافعيّة ‪:‬‬ ‫ففيه ثلثة أوجه عند ال ّ‬
‫م رجعت لم ينجس الماء لنّه‬ ‫حها ‪ :‬أنّه إن غابت ث ّ‬ ‫أص ّ‬
‫يجوز أن تكون قد وردت على ماء كثير فطهر فمها‬
‫قنّا طهارة الماء‬ ‫ولنّا ‪ -‬في هذه الحالة ‪ -‬قد تي ّ‬
‫قن‬ ‫وشككنا في نجاسة فمها ‪ ،‬فل ينجس الماء المتي ّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫بال ّ‬
‫قنّا نجاسة فمها ‪.‬‬ ‫والثّاني ‪ :‬ينجس الماء لنّا تي ّ‬
‫والثّالث ‪ :‬ل ينجس الماء بحال لنّه ل يمكن الحتراز‬
‫منها فعفي عنه ‪ ،‬ودليل هذا الوجه حديث ‪ « :‬إنّما‬
‫وافات » وهذا هو‬ ‫وافين عليكم أو الط ّ ّ‬ ‫هي من الط ّ ّ‬
‫ي وغيره لعموم الحاجة وعسر‬ ‫الحسن عند الغزال ّ‬
‫كاليهودي وشارب الخمر فإنّه ل يكره‬ ‫ّ‬ ‫الحتراز فهي‬
‫شافعيّة ‪ .‬والتّفاصيل في مصطلح ‪:‬‬ ‫سؤرهما عند ال ّ‬
‫ك ‪ ،‬طهارة ‪ ،‬نجاسة ) ‪.‬‬ ‫(ش ّ‬
‫‪ -5‬وذهب الحنابلة إلى تقسيم الحيوان إلى قسمين‬
‫قسم نجس وقسم طاهر ‪.‬‬
‫سموا النّجس إلى نوعين ‪:‬‬ ‫مق ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ة واحدةً وهو الكلب‬ ‫النّوع الوّل ‪ :‬ما هو نجس رواي ً‬
‫والخنزير وما تولّد منهما أو من أحدهما‪ ،‬فهذا النّوع‬
‫سؤره وعينه وجميع ما يخرج منه نجس ‪ ،‬لقوله‬
‫س } الية وقوله‬ ‫ج ٌ‬ ‫ه ِر ْ‬ ‫تعالى في الخنزير ‪ { :‬فَإن َّ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم في الكلب ‪ « :‬إذا ولغ الكلب‬

‫‪338‬‬
‫م ليغسله سبع مّرات »‬ ‫في إناء أحدكم فليرقه ث ّ‬
‫ن بالتّراب »‬ ‫وفي رواية ‪ « :‬ليغسله سبع مّرات أوله ّ‬
‫‪.‬‬
‫فإذا ولغ في ماء أو مائع آخر يجب إراقته ‪ ،‬وإذا أكل‬
‫من طعام فل يجوز أكله ‪.‬‬
‫النّوع الثّاني ‪ :‬ما اختلف في نجاسته وهو سائر سباع‬
‫ي والبغل ‪ ،‬فعن‬ ‫البهائم وجوارح الطّير والحمار الهل ّ‬
‫سنّور وما يماثلها في‬ ‫ن سؤرها نجس إل ّ ال ّ‬ ‫أحمد أ ّ‬
‫الخلقة أو دونها فيها ‪ ،‬فإذا شربت من ماء قليل ولم‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬‫مم ‪ « ،‬ل ّ‬ ‫يجد غيره تركه وتي ّ‬
‫سباع فقال ‪:‬‬ ‫وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من ال ّ‬
‫إذا كان الماء قلّتين فإنّه ل ينجس » فلو كانت‬
‫طاهرة ً لم يحدّه بالقلّتين ‪ « .‬ولقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم في الحمر الهليّة يوم خيبر ‪ :‬إنّها رجس »‬
‫ولنّه حيوان حرم أكله ‪ ،‬ل لحرمته مثل الفرس ‪-‬‬
‫حيث يحرم أكله عند من يقول بحرمته ‪ -‬ويمكن‬
‫سباع‬ ‫ن ال ّ‬ ‫التّحّرز منه غالبا ً فأشبه الكلب ‪ ،‬ول ّ‬
‫والجوارح الغالب عليها أكل الميتات ‪ ،‬والنّجاسات‬
‫جس أفواهها ‪ ،‬ول يتحّقق وجود مطهّر لها ‪،‬‬ ‫فتن ّ‬
‫فينبغي أن يقضى بنجاستها كالكلب ‪.‬‬
‫وروي عن أحمد أنّه قال ‪ :‬في البغل والحمار إذا لم‬
‫مم معه وهو قول الثّوريّ ‪.‬‬ ‫يجد غير سؤرها تي ّ‬
‫ل على طهارة‬ ‫قال ابن قدامة ‪ :‬وهذه الّرواية تد ّ‬
‫سؤرهما ‪ ،‬لنّه لو كان نجسا ً لم تجز الطّهارة به ‪.‬‬
‫وروي عن إسماعيل بن سعيد ‪ :‬ل بأس بسؤر‬
‫م‬
‫ن عمر قال فيها ‪ :‬ترد علينا ونرد عليها ‪ ،‬ث ّ‬ ‫سباع ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬‫صحيح عندي طهارة البغل والحمار ‪ « ،‬ل ّ‬ ‫قال ‪ :‬وال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمير‬ ‫النّب ّ‬
‫صحابة ‪،‬‬ ‫والبغال » ‪ ،‬وتركب في زمنه ‪ ،‬وفي عصر ال ّ‬

‫‪339‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ة لبيّن النّب ّ‬
‫فلو كانت نجس ً‬
‫ذلك ‪ ،‬ولنّه ل يمكن التّحّرز منها بالنّسبة لمقتنيها‬
‫فأشبه الهّرة ‪ ،‬ومن هذا النّوع الجّللة الّتي تأكل‬
‫ن سؤرها نجس ‪ ،‬وفي أخرى‬ ‫النّجاسات ففي رواية أ ّ‬
‫أنّه طاهر ‪.‬‬
‫القسم الثّاني ‪ :‬طاهر في نفسه ‪ ،‬وسؤره وعرقه‬
‫طاهران وهو ثلثة أضرب ‪:‬‬
‫ي‪ ،‬فهو طاهر وسؤره طاهر سواء كان‬ ‫الوّل ‪ :‬الدم ّ‬
‫مسلما ً أو كافرا ً ‪ ،‬رجل ً أو امرأةً ‪ ،‬وإن كانت حائضاً‬
‫أو نفساء أو كان الّرجل جنبا ً لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ «:‬المؤمن ل ينجس »‪ .‬ولحديث « شرب‬
‫ي صلى الله عليه وسلم من سؤر عائشة » ‪.‬‬ ‫النّب ّ‬
‫ضرب الثّاني ‪ :‬ما يؤكل لحمه ‪ ،‬فسؤره طاهر يجوز‬ ‫ال ّ‬
‫شربه والوضوء به ‪ ،‬إل ّ إن كان جّلل ً يأكل النّجاسات‬
‫سابقتان ‪.‬‬‫ففي سؤره الّروايتان ال ّ‬
‫ن الظّاهر نجاسته ‪.‬‬ ‫ويكره سؤر الدّجاجة المخّلة ل ّ‬
‫ضرب الثّالث ‪ :‬الهّرة وما يماثلها من الخلقة أو‬ ‫ال ّ‬
‫دونها كالفأرة وابن عرس ونحو ذلك من حشرات‬
‫الرض ‪ ،‬فسؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به ‪ ،‬ول‬
‫يكره ‪ ،‬لحديث عائشة رضي الله عنها « قالت ‪:‬‬
‫ضأ أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬ ‫كنت أتو ّ‬
‫من إناء واحد وقد أصابت منه الهّرة قبل ذلك قالت‬
‫‪ :‬وقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتو ّ‬
‫ضأ‬
‫بفضل الهّرة » ‪ .‬ولحديث كبشة الّذي سبق ذكره ‪.‬‬
‫ن أبا هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬يغسل الناء‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫الّذي ولغت فيه الهّرة مّرة ً أو مّرتين ‪ ،‬وبه قال ابن‬
‫المنذر ‪ ،‬وقال الحسن وابن سيرين ‪ :‬مّرةً ‪ ،‬وقال‬
‫طاوس ‪ :‬سبع مّرات كالكلب ‪ ،‬وروي عن ابن عمر‬

‫‪340‬‬
‫رضي الله عنهما أنّه كره الوضوء بسؤر الهّرة‬
‫والحمار ‪.‬‬
‫م شربت من ماء‬ ‫ةث ّ‬ ‫وإذا أكلت الهّرة ونحوها نجاس ً‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫يسير بعد أن غابت فالماء طاهر ‪ ،‬ل ّ‬
‫ضأ بفضلها‬ ‫الله عليه وسلم نفى عنها النّجاسة ‪ ،‬وتو ّ‬
‫مع علمه بأنّها تأكل النّجاسات ‪ .‬وكذا إن شربت قبل‬
‫ن‬‫أن تغيب فسؤرها طاهر كذلك في الّراجح ‪ ،‬ل ّ‬
‫شارع عفا عنها مطلًقا لمشّقة التّحّرز ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وقال القاضي وابن عقيل ‪ :‬ينجس الماء ; لنّه وردت‬
‫قنة ‪ ،‬وقال المجد ابن تيميّة ‪ :‬القوى‬ ‫عليه نجاسة متي ّ‬
‫عندي أنّها إن ولغت عقيب الكل فسؤرها نجس ‪،‬‬
‫وإن كان بعده بزمن يزول فيه أثر النّجاسة بالّريق‬
‫لم ينجس ‪ ،‬قال ‪ :‬وكذلك يقوى عندي جعل الّريق‬
‫ل بهيمة‬ ‫مطهّرا ً أفواه الطفال وبهيمة النعام ‪ ،‬وك ّ‬
‫ة وشربوا من ماء‬ ‫أخرى طاهرة ‪ ،‬فإذا أكلوا نجاس ً‬
‫يسير أو أكلوا من طعام فسؤرهم طاهر ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫ة‬
‫إن غابت الهّرة ونحوها بعد أن أكلت النّجاسة غيب ً‬
‫يمكن ورودها على ما يطهّر فمها فسؤرها طاهر وإلّ‬
‫فنجس ‪ .‬وقيل ‪ :‬إن كانت الغيبة قدر ما يطهّر فمها‬
‫فطاهر ‪ ،‬وإل ّ فنجس ‪.‬‬
‫ن سؤر البهائم‬ ‫ي إلى أ ّ‬ ‫‪ -6‬وذهب المالكيّة والوزاع ّ‬
‫جميعا ً طاهر ومطهّر إذا كان ماءً ‪ ،‬ولو كانت هذه‬
‫ة ‪ ،‬ويدخل في‬ ‫البهيمة محّرمة اللّحم أو كانت جّلل ً‬
‫ذلك الكلب والخنزير ‪ ،‬وما تولّد منها أو من أحدهما‬
‫ما فِي ال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ض‬
‫ْ ِ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫خل‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬هُوَ ال‬
‫ميعا ً } فأباح النتفاع بالشياء كلّها ‪ ،‬ول يباح‬ ‫ج ِ‬
‫َ‬
‫النتفاع إل ّ بالطّاهر ‪ ،‬وحرمة الكل لبعض الحيوانات‬
‫ي ومثله الذ ّباب‬ ‫ل على النّجاسة ‪ ،‬فالدم ّ‬ ‫ل تد ّ‬
‫والعقرب والّزنبور ونحوها طاهر ول يباح أكلها ‪ ،‬إلّ‬

‫‪341‬‬
‫أنّه يجب غسل الناء من ولوغ الكلب مع طهارته‬
‫تعبّدا ً ‪ ،‬ولكن يكره الوضوء بسؤر الكلب والجّللة‬
‫والدّجاجة المخّلة وشارب الخمر ‪ ،‬وكذا بقيّة‬
‫الحيوانات الّتي ل تتوقّى النّجاسة كالهّرة ‪ ،‬إل ّ إذا لم‬
‫ضأ به ‪ ،‬أو عسر الحتراز من‬ ‫يجد ماءً آخر يتو ّ‬
‫سؤر‬ ‫الحيوانات الّتي ل تتّقي النّجاسة ‪ ،‬أو كان ال ّ‬
‫ما فل يكره استعمال سؤر ما ذكر حينئذ ‪.‬‬ ‫طعا ً‬
‫ولم يفّرق بعضهم بين الماء والطّعام وذلك لمشّقة‬
‫الحتراز ‪ ،‬ولقوله صلى الله عليه وسلم في الهّرة ‪:‬‬
‫« ليست بنجس إنّها من الطّوّافين عليكم أو‬
‫وافات » ‪.‬‬ ‫الط ّ ّ‬
‫كما ذهبوا إلى طهارة سؤر الحائض والنّفساء‬
‫والجنب ولو كانوا كّفارا ً ‪.‬‬
‫==================‬
‫سائبة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سيب ‪ ،‬ومن معانيه في اللّغة‬ ‫سائبة من ال ّ‬‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫شيء ‪:‬‬ ‫الجري بسرعة ‪ ،‬والهمال والتّرك ‪ .‬وسيّب ال ّ‬
‫سائبة ‪ :‬العبد يعتق على أن ل ولء لمعتقه‬ ‫تركه ‪ .‬وال ّ‬
‫عليه ‪.‬‬
‫سائبة ‪ :‬البعير يدرك نتاج نتاجه فيسيّب ول‬ ‫وكذلك ال ّ‬
‫يركب ول يحمل عليه عندهم ‪.‬‬
‫سائبة أيضا ً النّاقة الّتي كانت تسيّب في الجاهليّة‬ ‫وال ّ‬
‫لنذر ونحوه ‪ ،‬وكان الّرجل في الجاهليّة إذا قدم من‬
‫جته دابّة من‬ ‫سفر بعيد ‪ ،‬أو برئ من علّة ‪ ،‬أو ن ّ‬
‫مشّقة أو حرب قال ‪ :‬ناقتي سائبة ‪ ،‬أي تسيّب ‪ ،‬فل‬
‫ينتفع بظهرها ‪ ،‬ول تحّل ( ل تطرد ) عن ماء ‪ ،‬ول‬
‫تمنع من كل ول تركب ‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫والفقهاء يستعملون اللّفظ بالمعنيين ‪ :‬عتق العبد ول‬
‫ولء له ‪.‬‬
‫وتسييب الدّابّة بمعنى رفع يده عنها وتركها على‬
‫سبيل التّديّن ‪.‬‬
‫سائبة ‪:‬‬‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬
‫سوائب‬ ‫‪ - 2‬تختلف الحكام المتعلّقة بتسييب ال ّ‬
‫باختلف موضوعها ‪.‬‬
‫فقد يكون التّسييب واجبا ً ‪ ،‬كما لو أحرم شخص‬
‫وفي يده صيد فإنّه يجب عليه إرساله ‪.‬‬
‫صيد عند من يقول‬ ‫وقد يكون مباحا ً ‪ ،‬كإرسال ال ّ‬
‫بإباحة إرساله ‪.‬‬
‫وقد يكون حراما ً ‪ ،‬كتسييب الدّابّة ‪.‬‬
‫ة كما يقول‬ ‫وقد يكون مكروها ً ‪ ،‬كعتق العبد سائب ً‬
‫المالكيّة ‪.‬‬
‫ة‪:‬‬ ‫أوّل ً ‪ :‬عتق العبد سائب ً‬
‫‪ - 3‬من ألفاظ العتق ما هو صريح في العتق كقول‬
‫سيّد لعبده ‪ :‬أنت عتيق ‪ ،‬أو أعتقتك ‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫ال ّ‬
‫كناية يحتاج إلى نيّة ‪ ،‬ومن ذلك لفظ ( سائبة ) فمن‬
‫قال لعبده ‪ :‬أنت سائبة ‪ ،‬فل يعتق إل ّ إذا نوى العتق‬
‫‪.‬‬
‫ة لمن يكون‬ ‫وقد اختلف الفقهاء إذا أعتق العبد سائب ً‬
‫الولء ؟‬
‫شافعيّة وهو المذهب عند الحنابلة‬ ‫فذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫ن‬
‫ي إلى أ ّ‬‫وابن نافع من المالكيّة ومال إليه ابن العرب ّ‬
‫الولء يكون لمعتقه ‪ ،‬حتّى ولو شرط أن ل ولء له‬
‫ص‪.‬‬‫شرط باطل لنّه مخالف للن ّ ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫عليه فإ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬ ‫واستدلّوا بقول النّب ّ‬
‫الولء لمن أعتق » ‪ .‬وقوله ‪ « :‬الولء بمنزلة النّسب‬
‫»‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫فكما أنّه ل يزول نسب إنسان ول ولد عن فراش‬
‫شرط ‪ ،‬ولذلك «‬ ‫بشرط ‪ ،‬ل يزول ولء عن عتيق بال ّ‬
‫ما أراد أهل بريرة أن يشترطوا على عائشة رضي‬ ‫ل ّ‬
‫الله تعالى عنها ولء بريرة إذا عتقت قال صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ :‬اشتريها واشترطي لهم الولء ‪ ،‬فإنّما‬
‫الولء لمن أعتق » ‪ ،‬وبهذا أيضا ً قال النّخع ّ‬
‫ي‬
‫ي وابن سيرين وراشد بن سعد وضمرة بن‬ ‫شعب ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ن معتقه ‪ .‬هو الّذي يرثه إن لم‬ ‫حبيب ‪ ،‬وعلى هذا فإ ّ‬
‫يكن له وارث ‪ ،‬قال سعيد ‪ :‬حدّثنا هشيم عن منصور‬
‫سائبة هو‬ ‫ن عمر وابن مسعود قال في ميراث ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫للّذي أعتقه ‪.‬‬
‫ن من‬ ‫وقال المالكيّة وهو المنصوص عن أحمد ‪ :‬إ ّ‬
‫ة ل يكون لمعتقه الولء ‪ ،‬قال‬ ‫أعتق عبده سائب ً‬
‫المالكيّة ‪ :‬ويكون ولؤه للمسلمين يرثونه ويعقلون‬
‫عنه ‪ ،‬ويكون عقد نكاحها إن كانت أنثى ‪ -‬وهو قول‬
‫زهري ومكحول وأبي العالية‬ ‫ّ‬ ‫عمر بن عبد العزيز وال ّ‬
‫‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬إن مات العتيق وخلّف مال ً ولم يدع‬
‫وارثا ً اشتري بماله رقاب فأعتقوا ‪ ،‬وقد أعتق ابن‬
‫ة فمات فاشترى ابن عمر بماله رقاباً‬ ‫عمر عبدا ً سائب ً‬
‫فأعتقهم ‪.‬‬
‫وعن عطاء قال ‪ :‬كنّا نعلم أنّه إذا قال ‪ :‬أنت حّر‬
‫سائبة فهو يوالي من شاء ‪.‬‬
‫ب‪:‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬تسييب الدّوا ّ‬
‫ن تضييع المال حرام ‪ ،‬وقد أبطل اللّه‬ ‫‪ - 4‬الصل أ ّ‬
‫سبحانه وتعالى ما كان يفعله أهل الجاهليّة من‬
‫تسييب دوابّهم وتحريم النتفاع بها وجعلها للهتهم ‪،‬‬
‫ل َ الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬‫وعاب عليهم ذلك ‪ ،‬قال اللّه تعالى ‪َ { :‬‬
‫ن‬‫ن ال ّذِي َ‬‫حام ٍ َولَك ِ َّ‬‫صيلَةٍ وَل َ َ‬
‫سآئِبَةٍ وَل َ وَ ِ‬‫حيَرةٍ وَل َ َ‬‫من ب َ ِ‬ ‫ِ‬

‫‪344‬‬
‫َ‬
‫ب وَأكْثَُرهُ ْ‬
‫م لَ‬ ‫ن ع َلَى اللّهِ الْكَذ ِ َ‬ ‫كََفُروا ْ ي َ ْ‬
‫فتَُرو َ‬
‫ن } ‪ ،‬وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله‬ ‫قلُو َ‬ ‫يَعْ ِ‬
‫عنه قال ‪ « :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫ي يجّر قصبه أمعاءه‬ ‫‪ :‬رأيت عمرو بن عامر الخزاع ّ‬
‫سوائب » ‪.‬‬ ‫في النّار وكان أوّل من سيّب ال ّ‬
‫ن تسييب البهائم بمعنى‬ ‫وذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫تخليتها ورفع المالك يده عنها حرام ‪ ،‬لما فيه من‬
‫تضييع المال والتّشبّه بأهل الجاهليّة ‪ ،‬والواجب على‬
‫ة أن ينفق عليها ما تحتاجه من علف‬ ‫من ملك بهيم ً‬
‫وسقي ‪ ،‬أو إقامة من يرعاها ‪ ،‬أو تخليتها لترعى‬
‫حيث تجد ما يكفيها ‪ ،‬لما روى ابن عمر رضي الله‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫ن النّب ّ‬‫تعالى عنهما أ ّ‬
‫دخلت امرأة النّار في هّرة ربطتها فلم تطعمها ولم‬
‫تدعها تأكل من خشاش الرض » ‪.‬‬
‫فإن امتنع من علفها أجبره الحاكم على ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫ما‬
‫أبى أو عجز أجبر على بيعها أو ذبحها إن كانت م ّ‬
‫تؤكل ‪ ،‬وهذا عند جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫وفي ظاهر الّرواية عند الحنفيّة يجبر على النفاق‬
‫ة ول يجبر قضاءً ‪.‬‬ ‫ديان ً‬
‫ومن سيّب دابّته فل يزول ملكه عنها ‪ .‬وهذا في‬
‫الجملة ‪.‬‬
‫م جاء‬‫ومن سيّب دابّته فأخذها إنسان فأصلحها ث ّ‬
‫صاحبها ‪ .‬قال الحنفيّة ‪ :‬هذا على وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما أن يقول عند التّسييب ‪ :‬جعلتها لمن أخذها ‪،‬‬
‫فحينئذ ل سبيل لصاحبها عليها لنّه أباح التّملّك ‪،‬‬
‫وفي القياس تكون لصاحبها ‪.‬‬
‫ن صاحبها‬ ‫والثّاني ‪ :‬إن كان سيّبها ولم يقل شيئا ً ‪ ،‬فإ ّ‬
‫من أصلحها ‪ ،‬لنّه لو جاز تملّك من‬ ‫له أن يأخذها م ّ‬
‫وجدها وأصلحها من غير قول المالك هي لمن أخذها‬

‫‪345‬‬
‫‪ ،‬لجاز ذلك في الجارية والعبد يتركه مريضا ً في‬
‫أرض مهلكة ‪ ،‬فيأخذه رجل فينفق عليه فيبرأ فيصير‬
‫ملكا ً له ‪ ،‬ويطأ الجارية ويعتق العبد بل شراء ول هبة‬
‫ول إرث ول صدقة ‪ ،‬وهذا أمر قبيح ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬من ترك دابّته بمهلكة فأخذها إنسان‬
‫فأطعمها وسقاها وخلّصها ملكها ‪ ،‬وبهذا قال اللّيث‬
‫ي مرفوعا ً أ ّ‬
‫ن‬ ‫شعب ّ‬‫وإسحاق ‪ ،‬وذلك لما روى ال ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬من وجد‬
‫ة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيّبوها فأخذها‬ ‫داب ّ ً‬
‫فأحياها فهي له » ‪.‬‬
‫قال الحنابلة ‪ :‬وهذا إذا لم يتركها ليرجع إليها أو‬
‫ضلّت منه ‪ ،‬فحينئذ ل يملكها آخذها وتكون لربّها ‪.‬‬
‫صيد ‪:‬‬‫ثالثا ً ‪ :‬تسييب ال ّ‬
‫‪ - 5‬من ملك صيدًا فإنّه يحرم عليه تسييبه وإرساله ‪،‬‬
‫سوائب في الجاهليّة الّتي حّرمها اللّه‬ ‫لنّه يشبه ال ّ‬
‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬وفيه تضييع للمال ‪ ،‬وهذا عند‬
‫ح وهو المذهب عند الحنابلة وهو‬ ‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قول الحنفيّة ‪ ،‬سواء أباحه لمن يأخذه أو لم يبحه ‪.‬‬
‫ن حرمة الرسال مقيّدة بما‬ ‫وفي قول آخر عندهم أ ّ‬
‫ما إذا أباحه‬ ‫إذا كان الرسال من غير إباحة لحد ‪ ،‬أ ّ‬
‫لمن يأخذه فيجوز إرساله ‪.‬‬
‫صيد من يده‬ ‫ن إطلق ال ّ‬ ‫قال ابن عابدين ‪ :‬والحاصل أ ّ‬
‫جائز إن أباحه لمن يأخذه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ل يجوز إعتاقه‬
‫مطلقا ً " أي سواء أباحه لمن يأخذه أو لم يبحه " ‪،‬‬
‫لنّه وإن أباحه فالغلب أنّه ل يبقى في يد أحد‬
‫ة ‪ ،‬وفيه تضييع المال ‪.‬‬ ‫فيبقى سائب ً‬
‫شافعيّة يجوز الرسال ‪،‬‬ ‫وفي القول الثّاني عند ال ّ‬
‫وهو احتمال عند الحنابلة ذكره ابن قدامة في‬
‫صيد‬‫م قال ‪ :‬والرسال هنا يفيد ‪ ،‬وهو رد ّ ال ّ‬ ‫المغني ث ّ‬

‫‪346‬‬
‫إلى الخلص من أيدي الدميّين وحبسهم ‪ ،‬ولهذا‬
‫روي عن أبي الدّرداء أنّه اشترى عصفورا ً من صب ّ‬
‫ي‬
‫فأرسله ‪.‬‬
‫هذا ويستثنى من حرمة الرسال ما إذا خيف على‬
‫صيد بحبس ما صاده ‪ ،‬فحينئذ يجب إرساله‬ ‫ولد ال ّ‬
‫ة لروحه ‪.‬‬ ‫صيان ً‬
‫صيد ل يزيل ملك صاحبه عنه ‪ ،‬ومن أخذه‬ ‫وتسييب ال ّ‬
‫ن رفع اليد ل يقتضي زوال الملك ‪.‬‬ ‫لزمه ردّه ل ّ‬
‫ح عند‬ ‫وذلك عند الحنفيّة وهو مذهب الحنابلة والص ّ‬
‫شافعيّة يزول ملكه‬ ‫ح عند ال ّ‬‫شافعيّة ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫عنه ويملكه من أخذه ‪،‬وزوال الملك هو احتمال‬
‫ذكره صاحب المغني من الحنابلة‪.‬‬
‫ن‬‫ما لو قال عند إرساله ‪ :‬أبحته لمن يأخذه ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ملك صاحبه يزول عنه ويباح لمن أخذه ‪ ،‬وهذا عند‬
‫شافعيّة ‪ :‬لو قال‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬لكن قال ال ّ‬ ‫الحنفيّة وال ّ‬
‫مطلق التّصّرف عند إرساله ‪ :‬أبحته لمن يأخذه أو‬
‫ل لمن أخذه أكله بل ضمان ‪ ،‬وله‬ ‫أبحته فقط ‪ ،‬ح ّ‬
‫إطعام غيره ‪ ،‬ول ينفذ تصّرفه فيه ببيع ونحوه ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن اصطاد شخص صيدا ً وأرسله‬
‫باختياره وصاده آخر فهو للثّاني اتّفاقا ً عندهم ‪ ،‬قاله‬
‫اللّخم ّ‬
‫ي‬
‫رابعا ً ‪ :‬تسييب صيد الحرم ‪:‬‬
‫‪ - 6‬صيد الحرم حرام على الحلل والمحرم « لقول‬
‫ن هذا‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكّة إ ّ‬ ‫النّب ّ‬
‫البلد حّرمه اللّه ول يعضد شوكه ول ينّفر صيده » ‪.‬‬
‫م أحرم أو دخل به الحرم‬ ‫لث ّ‬‫ومن ملك صيدا ً في الح ّ‬
‫صيد‬
‫وجب عليه إرساله ‪ ،‬أي يجب عليه أن يطلق ال ّ‬
‫ن الحرم سبب‬ ‫بمجّرد إحرامه أو دخوله الحرم ‪ ،‬ل ّ‬
‫صيد ويوجب ضمانه فحرم استدامة إمساكه‬ ‫محّرم لل ّ‬

‫‪347‬‬
‫كالحرام ‪ ،‬فإن لم يرسله وتلف فعليه جزاؤه وهذا‬
‫عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ‪.‬‬
‫شافعيّة على ما جاء في مغني المحتاج ‪ :‬لو‬ ‫وقال ال ّ‬
‫أدخل الحلل معه إلى الحرم صيدا ً مملوكا ً له ل‬
‫يضمنه ‪ ،‬بل له إمساكه فيه وذبحه التّصّرف فيه‬
‫م قال بعد ذلك ‪ :‬وإن كان‬ ‫ل‪،‬ث ّ‬ ‫كيف شاء لنّه صيد ح ّ‬
‫في ملكه صيد فأحرم ‪ ،‬زال ملكه عنه ولزمه إرساله‬
‫‪ ،‬لنّه يراد للدّوام فتحرم استدامته ‪ .‬وينظر تفصيل‬
‫ذلك في ‪ ( :‬حرم ‪ ،‬صيد ‪ ،‬إحرام ) ‪.‬‬
‫===================‬
‫سبق الحدث *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سبق مصدر سبق وهو في اللّغة ‪ :‬القدمة في‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ل شيء ‪.‬‬ ‫الجري وفي ك ّ‬
‫شيء حدوثا ً ‪ :‬أي تجدّد ويتعدّى‬ ‫والحدث من حدث ال ّ‬
‫باللف فيقال ‪ :‬أحدثه ‪ ،‬وأحدث النسان إحداثا ً ‪،‬‬
‫والسم ‪ :‬الحدث ‪ ،‬ويطلق على الحالة النّاقضة‬
‫للطّهارة ‪ ،‬وعلى الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد ‪،‬‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫ول معروف في ال ّ‬
‫وسبق الحدث في الصطلح ‪ :‬خروج شيء مبطل‬
‫للطّهارة من بدن المصلّي " من غير قصد " في‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫أثناء ال ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫صلة ل تنعقد إن‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ - 2‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫لم يكن متطهّرا ً عند إحرامه ‪ ،‬عامدا ً كان ‪ ،‬أم ساهياً‬
‫صلة تبطل إذا أحرم‬ ‫ن ال ّ‬‫‪ ،‬كما ل خلف بينهم في أ ّ‬
‫م أحدث عمدا ً ‪ .‬واختلفوا في الحدث الّذي‬ ‫متطهّرا ً ث ّ‬
‫ما يخرج من بدن المصلّي ‪:‬‬ ‫يسبق من غير قصد م ّ‬
‫سائل من‬ ‫من غائط ‪ ،‬أو بول ‪ ،‬أو ريح ‪ ،‬وكذا الدّم ال ّ‬

‫‪348‬‬
‫مل به بغير صنعه عند من يرى أنّه حدث‬ ‫جرح أو د ّ‬
‫يفسد الطّهارة ‪.‬‬
‫‪ - 3‬فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا سبق منه شيء من‬
‫هذه الحداث تفسد طهارته ‪ ،‬ول تبطل صلته فيجوز‬
‫له البناء على ما مضى من صلته بعد تطهّره‬
‫استحسانا ً ل قياسا ً ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫« من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي‬
‫م ليبن على صلته ‪ ،‬وهو في‬ ‫ضأ ‪ ،‬ث ّ‬‫فلينصرف ‪ ،‬فليتو ّ‬
‫ذلك ل يتكلّم » ‪.‬‬
‫ن الخلفاء الّراشدين ‪ ،‬والعبادلة الثّلثة ‪ ،‬وأنس بن‬ ‫ول ّ‬
‫ي رضي الله عنهم ‪ ،‬قالوا‬ ‫مالك وسلمان الفارس ّ‬
‫بالبناء على ما مضى ‪.‬‬
‫وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنّه سبقه الحدث‬
‫ضأ وبنى على صلته ‪ .‬وروي عن عمر‬ ‫صلة فتو ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫صحابة قول ً وفعل ً ‪.‬‬ ‫أنّه فعل ذلك فثبت البناء عن ال ّ‬
‫ضا ويستأنف‬ ‫قالوا ‪ :‬وكان القياس أن تبطل صلته أي ً‬
‫ن التّحريمة ل تبقى مع‬ ‫صلة بعد التّطهّر ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة‬ ‫الحدث ‪ ،‬كما ل تنعقد معه ‪ ،‬لفوات أهليّة أداء ال ّ‬
‫شيء ل‬ ‫ن ال ّ‬‫في الحالين بفوات الطّهارة فيهما ‪ ،‬ل ّ‬
‫يبقى مع عدم الهليّة ‪ ،‬كما ل ينعقد من غير أهليّة ‪،‬‬
‫فل تبقى التّحريمة‪ ،‬لنّها شرعت لداء أفعال‬
‫صلة ‪ ،‬ولهذا ل تبقى مع الحدث العمد بالتّفاق ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن صرف الوجه عن القبلة ‪ ،‬والمشي للطّهارة‬ ‫ول ّ‬
‫ص‬
‫صلة مناف لها ‪ .‬ولكن عدل عن القياس للن ّ ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫ي ‪ ،‬ورواية‬ ‫شافع ّ‬ ‫والجماع ‪ .‬وهذا هو القول القديم لل ّ‬
‫عن أحمد ‪.‬‬
‫ي‬
‫شافع ّ‬ ‫‪ - 4‬وقال المالكيّة وهو القول الجديد لل ّ‬
‫ضأ ‪،‬‬‫ح الّروايات عن أحمد ‪ :‬تبطل صلته ويتو ّ‬ ‫وأص ّ‬
‫ويلزمه استئنافها ‪ ،‬وهو قول الحسن ‪ ،‬وعطاء ‪،‬‬

‫‪349‬‬
‫ي ‪ ،‬ومكحول ‪ ،‬واستدلّوا بحديث ‪ « :‬إذا فسا‬ ‫والنّخع ّ‬
‫صلة »‬ ‫ضأ وليعد ال ّ‬ ‫أحدكم في صلته فلينصرف فليتو ّ‬
‫‪.‬‬
‫ي رضي الله عنه ‪ :‬قال ‪ « :‬بينما نحن مع‬ ‫وحديث عل ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نصلّي إذ انصرف‬
‫صلة‬ ‫م أقبل ورأسه يقطر ‪ ،‬فصلّى لنا ال ّ‬ ‫ونحن قيام ث ّ‬
‫م قال ‪ :‬إنّي ذكرت أنّي كنت جنبا ً حين قمت إلى‬ ‫ث ّ‬
‫صلة لم أغتسل ‪ ،‬فمن وجد منكم في بطنه رِّزا ً أو‬ ‫ال ّ‬
‫كان على مثل ما كنت عليه فلينصرف حتّى يفرغ‬
‫م يعود إلى صلته » ‪.‬‬ ‫من حاجته أو غسله ‪ ،‬ث ّ‬
‫صلة ‪ -‬وهو الطّهارة عن الحدث ‪-‬‬ ‫ولنّه فقد شرط ال ّ‬
‫في أثنائها على وجه ل يعود إل ّ بعد زمن طويل‬
‫ة‬‫جس نجاس ً‬ ‫وعمل كثير ‪ ،‬ففسدت صلته ‪ ،‬كما لو تن ّ‬
‫يحتاج في إزالتها إلى مثل ذلك ‪ .‬أو انكشفت‬
‫مد‬ ‫سترة إل ّ بعيدةً منه ‪ ،‬أو تع ّ‬ ‫عورته ‪ ،‬ولم يجد ال ّ‬
‫الحدث ‪ ،‬أو انقضت مدّة المسح على الخّفين وهو‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫في أثناء ال ّ‬
‫وفي رواية أخرى عن أحمد ‪ :‬إن كان الحدث من‬
‫ما إن كان من‬ ‫صلة ول يبني ‪ ،‬أ ّ‬ ‫سبيلين ابتدأ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن الثر‬ ‫سبيلين أغلظ ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن نجاسة ال ّ‬ ‫غيرهما بنى ‪ ،‬ل ّ‬
‫سبيلين فل يلحق به‬ ‫إنّما ورد في الخارج من غير ال ّ‬
‫ما ليس في معناه ‪.‬‬
‫شروط البناء عند من يقول به ‪:‬‬
‫يشترط في جواز البناء ‪:‬‬
‫سبق بغير قصد منه ‪ ،‬فل يجوز البناء‬ ‫‪ - 5‬أ ‪ -‬كون ال ّ‬
‫ن جواز البناء ثبت معدول ً به عن‬ ‫إذا أحدث عمدا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫ص والجماع ‪ ،‬فل يلحق به إل ّ ما كان‬ ‫القياس ‪ ،‬للن ّ ّ‬
‫في معنى المنصوص ‪ ،‬والمجمع عليه ‪ ،‬والحدث‬
‫ما يبتلى به‬ ‫العمد ليس كالحدث الّذي يسبق لنّه م ّ‬

‫‪350‬‬
‫النسان ‪ ،‬فلو جعل مانعا ً من البناء لدّى إلى حرج ‪،‬‬
‫ن النسان يحتاج إلى‬ ‫ول حرج في الحدث العمد ‪ .‬ول ّ‬
‫البناء في الجمع والعياد لحراز الفضيلة ‪ ،‬فنظر‬
‫ة لهذه الفضيلة من‬ ‫شرع له بجواز البناء صيان ً‬ ‫ال ّ‬
‫الفوات عليه ‪ ،‬وهو مستحقّ للنّظر ‪ ،‬لحصول الحدث‬
‫من غير قصد منه ‪ ،‬وبغير اختياره بخلف الحدث‬
‫صلة جان ‪ ،‬فل‬ ‫مد الحدث في ال ّ‬ ‫ن متع ّ‬ ‫العمد ‪ ،‬ل ّ‬
‫يستحقّ النّظر ‪.‬‬
‫صلة لو لم‬ ‫ب ‪ -‬أل يأتي بعد الحدث بفعل مناف لل ّ‬
‫يكن قد أحدث ‪ ،‬إل ّ ما ل بد ّ منه ‪ ،‬فيجب عليه تقليل‬
‫الفعال وتقريب المكان بحسب المكان ‪ ،‬ول يتكلّم‬
‫إل ّ ما يحتاج إليه في تحصيل الماء ونحوه ‪ .‬فإن تكلّم‬
‫بعد الحدث بل حاجة إليه ‪ ،‬أو ضحك أو أحدث حدثاً‬
‫ن هذه‬ ‫آخر عمدا ً ‪ ،‬أو أكل أو شرب فل يبني ‪،‬ل ّ‬
‫صلة في الصل فل يسقط المنافي‬ ‫الفعال منافية لل ّ‬
‫ضرورة‪.‬‬‫لل ّ‬
‫عوده بعد التّطهّر إلى مصّله ‪:‬‬
‫ضأ فهو‬‫‪ - 6‬إن كان المصلّي منفردا ً فانصرف وتو ّ‬
‫م صلته في الموضع الّذي تو ّ‬
‫ضأ‬ ‫بالخيار إن شاء أت ّ‬
‫صلة‬ ‫فيه ‪ ،‬وإن شاء عاد إلى الموضع الّذي افتتح ال ّ‬
‫صلة حيث هو فقد سلمت صلته‬ ‫م ال ّ‬‫فيه ‪ ،‬لنّه إذا أت ّ‬
‫عن الحركة الكثيرة لكنّه صلّى صلةً واحدةً في‬
‫مكانين ‪.‬‬
‫صلة في مكان‬ ‫وإن عاد إلى مصّله فقد أدّى جميع ال ّ‬
‫واحد ولكن مع زيادة مشي فاستوى الوجهان فيتخيّر‬
‫‪.‬‬
‫وقال بعض الحنفيّة ‪ :‬يصلّي في الموضع الّذي تو ّ‬
‫ضأ‬
‫ي‪.‬‬ ‫شافع ّ‬‫فيه من غير خيار ‪ ،‬وهو القول القديم لل ّ‬
‫ضأ ‪ ،‬فإن لم يفرغ‬ ‫وإن كان مقتديا ً فانصرف وتو ّ‬

‫‪351‬‬
‫صلة فعليه أن يعود ‪ ،‬لنّه في حكم‬ ‫إمامه من ال ّ‬
‫م بقيّة صلته في مكانه لم‬ ‫المقتدي ‪ ،‬ولو لم يعد وأت ّ‬
‫ح‬‫ح صلته ‪ ،‬لنّه إن صلّى مقتديا ً بإمامه لم يص ّ‬ ‫تص ّ‬
‫لنعدام شرط القتداء ‪ ،‬وهو اتّحاد البقعة ‪ ،‬وإن‬
‫ن النفراد‬ ‫صلّى في مكانه منفردا ً فسدت صلته ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن بين‬ ‫في حال وجوب القتداء يفسد صلته ‪ ،‬ل ّ‬
‫صلة‬ ‫صلتين تغايرا ً ‪ ،‬وقد ترك ما كان عليه وهو ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة منفردا ً لم يوجد له‬ ‫مقتديا ً ‪ ،‬وما أدّى وهو ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬لنّه صار منتقلً‬ ‫ابتداءً تحريمة ‪ ،‬وهو بعض ال ّ‬
‫ما كان فيه إلى هذا ‪ ،‬فتبطل ‪.‬‬ ‫ع ّ‬
‫ضأ ويبني على صلته‬ ‫وإن كان إماما ً يستخلف ث ّ‬
‫م يتو ّ‬
‫‪.‬‬
‫هذا كلّه في حدث الّرفاهية " أي من غير ضرورة "‬
‫ما الحدث الدّائم كسلس البول فل يضّر ‪ ( .‬ر ‪:‬‬ ‫أ ّ‬
‫حدث ‪ ،‬وعذر ) ‪.‬‬
‫صلة‬ ‫ما ما سوى الحدث من السباب النّاقضة لل ّ‬ ‫‪ -7‬أ ّ‬
‫صلة قطعا ً ‪ ،‬إن كان باختياره ‪،‬‬ ‫إذا طرأ فيها أبطل ال ّ‬
‫أو طرأ بغير اختياره إذا نسب إليه تقصير ‪ ،‬كمن‬
‫صلة ‪ ،‬أو دخل‬ ‫مسح خّفه فانقضت المدّة في ال ّ‬
‫صلة وهو يدافع الحدث وهو يعلم أنّه ل يقدر على‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ل‬ ‫ما إذا طرأ ناقض لل ّ‬ ‫التّماسك إلى انتهائها ‪ .‬أ ّ‬
‫باختياره ول بتقصيره كمن انكشفت عورته فسترها‬
‫في الحال ‪ ،‬أو وقعت عليه نجاسة يابسة فنفضها‬
‫في الحال ‪ ،‬أو ألقى الثّوب الّذي وقعت عليه‬
‫النّجاسة في الحال فصلته صحيحة ‪ ( .‬ر ‪ :‬صلة ‪،‬‬
‫نجاسة ) ‪.‬‬
‫===================‬
‫سبيكة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪352‬‬
‫سبيكة القطعة المستطيلة من الذ ّهب ‪،‬‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ل قطعة‬ ‫والجمع سبائك ‪ ،‬وربّما أطلقت على ك ّ‬
‫متطاولة من أيّ معدن كان ‪ ،‬وربّما أطلقت على‬
‫ة‪،‬‬‫القطعة المذوبة من المعدن ولو لم تكن متطاول ً‬
‫ضة سبكا ً من‬ ‫وهي مأخوذة من سبكت الذ ّهب أو الف ّ‬
‫باب قتل إذا أذبته وخلّصته من خبثه ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬
‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫التّبر ‪:‬‬
‫‪ - 2‬من معاني التّبر في اللّغة ما كان من الذ ّهب غير‬
‫مضروب ‪ ،‬فإذا ضرب دنانير فهو عين‪ ،‬ول يقال تبر‬
‫ضة أيضا ً ‪.‬‬ ‫إل ّ للذ ّهب ‪ .‬وبعضهم يقوله للف ّ‬
‫ضة من‬ ‫وقد يطلق التّبر على غير الذ ّهب والف ّ‬
‫المعادن ‪.‬‬
‫ضة قبل‬ ‫شافعيّة بأنّه اسم للذ ّهب والف ّ‬ ‫وعّرفه ال ّ‬
‫ضربهما ‪ ،‬أو للذ ّهب فقط ‪ ،‬وهو تعريف للمالكيّة ‪.‬‬
‫صاغة ‪:‬‬ ‫تراب ال ّ‬
‫‪ - 3‬عّرفه المالكيّة بأنّه هو الّرماد الّذي يوجد في‬
‫صاغة ول يدرى ما فيه ‪.‬‬ ‫حوانيت ال ّ‬
‫صاغة ‪ :‬ف ‪) 145 / 11 / 1‬‬ ‫انظر مصطلح ‪ ( :‬تراب ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫سبائك ‪:‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬
‫ضة ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الّزكاة في سبائك الذ ّهب والف ّ‬
‫ضة ول فرق في‬ ‫‪ - 4‬الّزكاة واجبة في الذ ّهب والف ّ‬
‫ذلك بين أن يكونا مضروبين أو غير مضروبين إذا بلغ‬
‫ل منهما نصابا ً ‪ ،‬وحال عليه الحول ‪ .‬والتّفصيل في‬ ‫ك ّ‬
‫سبائك المستخرجة من‬ ‫ما ال ّ‬
‫مصطلح ( زكاة ) ‪ .‬وأ ّ‬
‫الرض فالّزكاة واجبة فيها أيضاص ‪ ،‬وفي مقدار‬
‫الواجب إخراجه منها خلف في كونه الخمس أو ربع‬
‫العشر ‪ .‬انظر ‪ ( :‬ركاز ‪ ،‬ومعدن ‪ ،‬وزكاة ) ‪.‬‬

‫‪353‬‬
‫ضة ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬تحريم الّربا في سبائك الذ ّهب والف ّ‬
‫ن بيع الذ ّهب بالذ ّهب‬ ‫‪ - 5‬أجمع العلماء على أ ّ‬
‫ضة ل يجوز إل ّ مثل ً بمثل ‪ ،‬يدا ً بيد ‪ ،‬لما‬ ‫ضة بالف ّ‬
‫والف ّ‬
‫ن‬‫رواه مالك عن نافع عن أبي سعيد الخدريّ أ ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‪ « :‬ل تبيعوا‬
‫الذ ّهب بالذ ّهب إل ّ مثل ً بمثل ‪ ،‬ول تشّفوا بعضها على‬
‫بعض ‪ ،‬ول تبيعوا الورق بالورق إل ّ مثل ً بمثل ‪ ،‬ول‬
‫تشّفوا بعضها على بعض ‪ ،‬ول تبيعوا منها غائبا ً بناجز‬
‫»‪.‬‬
‫ول فرق في ذلك بين المصوغ منهما وغيره ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬ربا ً ) ‪.‬‬
‫شركة ‪:‬‬ ‫سبيكة رأس مال في ال ّ‬ ‫ج ‪ -‬جعل ال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 6‬ذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة وال ّ‬
‫والحنابلة والّراجح عند الحنفيّة " إلى أنّه ل يجوز أن‬
‫شركة سبائك ‪.‬‬ ‫يكون رأس مال ال ّ‬
‫سبائك رأس مال‬ ‫ويجوز عند بعض الحنفيّة جعل ال ّ‬
‫في شركة المفاوضة إن جرى التّعامل بها‪ ،‬فينزل‬
‫ضرب ‪ ،‬فيكون ثمنا ً ‪ ،‬ويصلح‬ ‫التّعامل حينئذ منزلة ال ّ‬
‫أن يكون رأس مال ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬شركة ) ‪.‬‬
‫شركة‬ ‫سبائك فأطلقوا منع ال ّ‬ ‫ي وال ّ‬ ‫ما التّبر والحل ّ‬
‫أ ّ‬
‫ي أم ل ؟‬ ‫ن التّبر مثل ّ‬ ‫فيها ‪ ،‬ويجوز أن يبنى على أ ّ‬
‫وفيه خلف ‪.‬‬
‫سبيكة ‪:‬‬
‫د ‪ -‬قطع يد سارق ال ّ‬
‫سارق إذا كان مكلّفا ً ‪ ،‬وأخذ ماًل‬ ‫‪ - 7‬تقطع يد ال ّ‬
‫ة ل شبهة له فيه ‪ ،‬وأخرجه من حرزه‪ ،‬وبلغ‬ ‫خلس ً‬
‫ذلك المال نصابا ً ‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫والقول الّراجح في قدر ذلك النّصاب هو ربع دينار ‪،‬‬
‫وفي العتبار بذلك بالذ ّهب المضروب أو بغيره‬
‫خلف ‪.‬‬
‫ن العتبار بالذ ّهب المضروب فإنّه ل‬ ‫فعلى القول بأ ّ‬
‫ي ل تبلغ قيمتهما ربع دينار‬ ‫قطع بسرقة سبيكة أو حل ّ‬
‫شافعيّة ‪ .‬والتّفصيل في ‪ ( :‬سرقة )‬ ‫على وجه عند ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫=================‬
‫سبيل اللّه *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سبيل هو الطّريق ‪ ،‬يذكّر ويؤنّث ‪ .‬قال اللّه‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سبِيلِي } ‪.‬‬ ‫ل هَذِهِ َ‬ ‫تعالى ‪ { :‬قُ ْ‬
‫صلة‬‫وسبيل اللّه في أصل الوضع هو ‪ :‬الطّريق المو ّ‬
‫ل سعي في طاعة اللّه ‪،‬‬ ‫إليه تعالى ‪ ،‬فيدخل فيه ك ّ‬
‫وفي سبيل الخير ‪ .‬وفي الصطلح هو الجهاد ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫سرين ‪ :‬سبيل‬ ‫مة المف ّ‬ ‫‪ - 2‬قال جمهور الفقهاء وعا ّ‬
‫صلة إلى اللّه‪ ،‬ويشمل‬ ‫اللّه وضعًا هو الطّريق المو ّ‬
‫جميع القرب إلى اللّه ‪ ،‬إل ّ أنّه عند الطلق ينصرف‬
‫إلى الجهاد لكثرة استعماله فيه في القرآن ‪ ،‬كقوله‬
‫ن يَُقاتِلُونَك ُْ‬ ‫ّ َّ‬
‫م}‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ل اللهِ ال‬ ‫سبِي َ ِ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَقَاتِلُوا ْ فِي َ‬
‫َ َّ‬
‫سبِيلِهِ‬
‫ن فِي َ‬ ‫ن يَُقاتِلُو َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ن الل‬‫وقوله ‪ { :‬إ ِ ّ‬
‫صًّفا } ‪.‬‬
‫َ‬
‫وما في القرآن من ذكر " سبيل اللّه " إنّما أريد به‬
‫الجهاد إل ّ اليسير منه فيحمل عليه ‪.‬‬
‫صلة إلى اللّه ‪" ،‬‬ ‫شهادة المو ّ‬ ‫ن الجهاد هو سبب ال ّ‬ ‫ول ّ‬
‫وسبيل اللّه " في مصارف الّزكاة يعطى للغزاة‬
‫المتطوّعين الّذين ليس لهم سهم في ديوان الجند‬
‫لفضلهم على غيرهم ‪ ،‬لنّهم جاهدوا من غير أرزاق‬

‫‪355‬‬
‫سلح‬ ‫ب وال ّ‬ ‫مرتّبة لهم ‪ .‬فيعطون ما يشترون به الدّوا ّ‬
‫العدو إن كانوا أغنياء ‪ ،‬وبهذا‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،‬وما ينفقون به على‬
‫ي وأحمد بن حنبل ‪ ،‬وإسحاق ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫قال مالك وال ّ‬
‫جوا بما روى‬ ‫وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر ‪ ،‬واحت ّ‬
‫ي صلى‬ ‫أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه عن النّب ّ‬
‫ي إل ّ لخمسة‬ ‫صدقة لغن ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ « :‬ل تح ّ‬
‫‪ :‬لعامل عليها ‪ ،‬أو رجل اشتراها بماله ‪ ،‬أو غارم ‪ ،‬أو‬
‫غاز في سبيل اللّه ‪ ،‬أو مسكين تصدّق عليه منها‬
‫ي»‪.‬‬ ‫فأهدى منها لغن ّ‬
‫ن اللّه تعالى جعل الفقراء والمساكين‬ ‫وقالوا ‪ :‬ول ّ‬
‫صنفين ‪ ،‬وعد ّ بعدهما ستّة أصناف فل يلزم وجود‬
‫صنفين في بقيّة الصناف كما ل يلزم صفة‬ ‫صفة ال ّ‬
‫الصناف فيهما ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬ل تدفع إل ّ لمن كان محتاجا ً إليها ‪،‬‬
‫صة بعث الّرسول‬ ‫وذلك لحديث ابن عبّاس في ق ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل إلى اليمن وفيه‬
‫ة تؤخذ من‬ ‫ن اللّه قد فرض عليهم صدق ً‬ ‫‪ « :‬أخبرهم أ ّ‬
‫أغنيائهم فترد ّ على فقرائهم » ‪.‬‬
‫فقد جعل النّاس قسمين ‪ :‬قسما ً يؤخذ منهم ‪،‬‬
‫صدقة إلى‬ ‫وقسما ً يصرف إليهم ‪ ،‬فلو جاز صرف ال ّ‬
‫ي لبطل القسمة ‪ ،‬وهذا ل يجوز ‪.‬‬ ‫الغن ّ‬
‫مد بن الحسن ‪ :‬المراد من قوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫وقال مح ّ‬
‫ن‬
‫ج المنقطع ‪ ،‬لما روي « أ ّ‬ ‫ل اللّهِ } الحا ّ‬ ‫سبِي ِ‬‫َو فِي َ‬
‫ي صلى‬ ‫رجل ً جعل بعيرا ً له في سبيل اللّه فأمره النّب ّ‬
‫جاج » وروي‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬أن يحمل عليه الح ّ‬
‫ن رجل ً جعل جمل ً له في سبيل اللّه فأرادت‬ ‫أيضا ً « أ ّ‬
‫ج ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫امرأته الح ّ‬
‫ج في سبيل اللّه‬ ‫وسلم ‪ :‬فهل ّ خرجت عليه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن الح ّ‬
‫م طليق‬ ‫» ‪ .‬وعن« أبي طليق ‪ :‬قال ‪ :‬طلبت منّي أ ّ‬

‫‪356‬‬
‫ج عليه فقلت ‪ :‬قد جعلته في سبيل اللّه ‪،‬‬ ‫جمل ً تح ّ‬
‫فسألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫صدقت ‪ ،‬لو أعطيتها كان في سبيل اللّه » ‪ .‬ويؤثر‬
‫ج‪،‬‬ ‫عن أحمد وإسحاق أنّهما قال ‪ :‬سبيل اللّه ‪ :‬الح ّ‬
‫جاج‬‫وقال ابن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬سبيل اللّه الح ّ‬
‫مار‬‫والع ّ‬
‫وقال بعض الحنفيّة ‪ :‬سبيل اللّه طلبة العلم ‪.‬‬
‫رازي في تفسيره ‪ :‬ظاهر اللّفظ في‬ ‫ّ‬ ‫وقال الفخر ال ّ‬
‫ل اللّهِ } ل يوجب القصر‬ ‫سبِي ِ‬
‫قوله تعالى ‪َ { :‬و فِي َ‬
‫على الغزاة ‪ ،‬فلهذا نقل القّفال في تفسيره عن‬
‫صدقات إلى جميع‬ ‫بعض الفقهاء أنّهم أجازوا صرف ال ّ‬
‫وجوه الخير من تكفين الموتى ‪ ،‬وبناء الحصون ‪،‬‬
‫م في الك ّ‬
‫ل‬ ‫ن سبيل اللّه عا ّ‬ ‫وعمارة المساجد ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪.‬وتفصيل الكلم عن مصرف سبيل اللّه في ( زكاة ‪:‬‬
‫ف ‪.) 172/‬‬
‫===================‬
‫ستر العورة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬ما يستر به ‪ ،‬وجمعه ستور ‪،‬‬ ‫ستر لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سين ‪ -‬مثله ‪.‬‬ ‫م ال ّ‬
‫سترة ‪ -‬بض ّ‬ ‫وال ّ‬
‫سترة ما استترت به كائنا ً ما كان‬ ‫قال ابن فارس ‪ :‬ال ّ‬
‫شيء سترا ً من باب‬ ‫ستارة مثله ‪ ،‬وسترت ال ّ‬ ‫‪ ،‬وال ّ‬
‫قتل ‪.‬‬
‫ة ‪ :‬الخلل في الثّغر وفي غيره ‪ ،‬قال‬ ‫والعورة لغ ً‬
‫الزهريّ ‪ :‬العورة في الثّغور وفي الحرب خلل‬
‫ستر ‪،‬‬
‫ل مكمن لل ّ‬ ‫يتخوّف منه القتل ‪ ،‬والعورة ك ّ‬
‫وعورة الّرجل والمرأة سوأتهما ‪.‬‬
‫ويقول الفقهاء ‪ :‬ما يحرم كشفه من الّرجل والمرأة‬
‫فهو عورة ‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫ة وحياءً‬ ‫ل شيء يستره النسان أنف ً‬ ‫وفي المصباح ‪ :‬ك ّ‬
‫فهو عورة ‪.‬‬
‫وستر العورة في اصطلح الفقهاء هو ‪ :‬تغطية‬
‫النسان ما يقبح ظهوره ويستحى منه ‪ ،‬ذكرا ً كان أو‬
‫أنثى أو خنثى على ما سيأتي تفصيله ‪.‬‬
‫ما يتعلّق بستر العورة من أحكام ‪:‬‬
‫ل له النّظر ‪:‬‬ ‫من ل يح ّ‬ ‫أوّل ً ‪ -‬ستر العورة ع ّ‬
‫ن ستر العورة من الّرجل‬ ‫‪- 2‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ل له النّظر إليها‪ .‬وما يجب‬ ‫من ل يح ّ‬ ‫والمرأة واجب ع ّ‬
‫ستره في الجملة بالنّسبة للمرأة جميع جسدها عدا‬
‫ي‪.‬‬ ‫فين ‪ ،‬وهذا بالنّسبة للجنب ّ‬ ‫الوجه والك ّ‬
‫ما بالنّسبة لمحارمها من الّرجال فعورتها عند‬ ‫أ ّ‬
‫المالكيّة والحنابلة ما عدا الوجه والطراف " الّرأس‬
‫والعنق " ‪ .‬وضبط الحنابلة ذلك بأنّه ما يستتر غالباً‬
‫وهو ما عدا الوجه والّرأس والّرقبة واليدين‬
‫صدر‬ ‫ساقين ‪ .‬وقال الحنفيّة ‪ :‬ما عدا ال ّ‬ ‫والقدمين وال ّ‬
‫أيضا ً ‪.‬‬
‫ن‬
‫سّرة والّركبة ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫شافعيّة ‪ :‬ما بين ال ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫عورة المرأة الّتي يجب سترها بالنّسبة لغيرها من‬
‫سّرة والّركبة ‪.‬‬ ‫النّساء هي ما بين ال ّ‬
‫سّرة والّركبة ‪.‬‬ ‫ما عورة الّرجل فهي ما بين ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ل ذلك تفصيل ينظر في مصطلح ( عورة ) ‪.‬‬ ‫وفي ك ّ‬
‫والدّليل على وجوب ستر العورة قول اللّه تعالى ‪:‬‬
‫حَفظُوا‬ ‫ضوا م َ‬
‫م َوي َ ْ‬ ‫صارِهِ ْ‬ ‫ن أب ْ َ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ن يَغُ ُّ‬ ‫منِي َ‬ ‫{ قُل ل ِّل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫فُروجهم ذَل ِ َ َ‬
‫ن‪،‬‬ ‫صنَعُو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫خبِيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إ ِ َّ‬‫ك أْزكَى لَهُ ْ‬ ‫ُ َ ُ ْ‬
‫وقُل ل ِّل ْمؤ ْمنات يغْضضن م َ‬
‫حَفظ ْ َ‬
‫ن‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ َّ‬‫ن َ أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫منْهَا } ‪.‬‬ ‫ما ظَهََر ِ‬ ‫ن إ ِ ّل َ‬ ‫ن ِزينَتَهُ َّ‬ ‫ن وََل يُبْدِي َ‬ ‫جهُ َّ‬ ‫فُُرو َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم « لسماء بنت‬ ‫وقول النّب ّ‬
‫ن المرأة إذا بلغت المحيض لم‬ ‫أبي بكر ‪ :‬يا أسماء إ ّ‬

‫‪358‬‬
‫يصلح أن يرى منها إل ّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫فيه » ‪ ،‬وورد « عن النّب ّ‬ ‫وك ّ‬
‫سّرة إلى الّركبة‬ ‫بالنّسبة لعورة الّرجال أنّها ما بين ال ّ‬
‫»‪.‬‬
‫ساتر أن ل يكون رقيقا ً يصف ما‬ ‫‪ - 3‬ويشترط في ال ّ‬
‫تحته بل يكون كثيفا ً ل يرى منه لون البشرة‬
‫ويشترط كذلك أن ل يكون مهلهل ً ترى منه أجزاء‬
‫ستر ل يحصل بذلك ‪.‬‬ ‫ن مقصود ال ّ‬ ‫الجسم ل ّ‬
‫ن ستر العورة غير واجب بين الّرجل‬ ‫ومن المعلوم أ ّ‬
‫وزوجته ‪ ،‬إذ كشف العورة مباح بينهما ‪ ،‬فقد قال‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬احفظ عورتك إلّ‬ ‫النّب ّ‬
‫من زوجتك أو ما ملكت يمينك » ‪.‬‬
‫صغيرة إن كانت كبنت سبع سنين إلى تسع‬ ‫‪ - 4‬وال ّ‬
‫سّرة والّركبة‬ ‫فعورتها الّتي يجب سترها هي ما بين ال ّ‬
‫ل من سبع سنين فل حكم لعورتها ‪-‬‬ ‫‪ ،‬وإن كانت أق ّ‬
‫وهذا كما يقول الحنابلة ‪ -‬وينظر تفصيل ذلك في ‪( :‬‬
‫عورة ) ‪.‬‬
‫والمراهق الّذي يميّز بين العورة وغيرها يجب على‬
‫ما إن كان ل يميّز بين‬ ‫المرأة أن تستر عورتها عنه ‪ ،‬أ ّ‬
‫العورة وغيرها فل بأس من إبداء مواضع الّزينة‬
‫أمامه ‪.‬‬
‫ن‬
‫ْ‬ ‫م‬
‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ض‬
‫ض ْ‬ ‫ت يَغْ ُ‬ ‫منَا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬وَقُل ل ِّل ْ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن إ ِ ّل َ‬ ‫ن ِزينَتَهُ ّ‬ ‫ن وََل يُبْدِي َ‬ ‫جهُ َّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫حَفظ ْ َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬‫صارِه ِ َّ‬ ‫أب ْ َ‬
‫ن وََل يُبْدِي َ‬
‫ن‬ ‫جيُوبِهِ َّ‬ ‫ن ع َلَى ُ‬ ‫مرِه ِ َّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫منْهَا وَلْي َ ْ‬ ‫ظَهََر ِ‬
‫ن أ َ ْو‬ ‫ن أ َ ْو آبَاء بُعُولَتِهِ َّ‬ ‫ن أَوْ آبَائِهِ َّ‬ ‫ن إَِّل لِبُعُولَتِهِ َّ‬ ‫زِينَتَهُ َّ‬
‫ن‬‫خوَانِهِ َّ‬ ‫ن أ َ ْو بَنِي إ ِ ْ‬ ‫خوَانِهِ َّ‬ ‫ن أَوْ إ ِ ْ‬ ‫ن أ َ ْو أَبْنَاء بُعُولَتِهِ َّ‬ ‫أَبْنَائِهِ َّ‬
‫ن أ َ ِو‬ ‫مانُهُ َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ت أي ْ‬ ‫ْ‬ ‫ملَك َ‬ ‫َ‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ن أ َ ْو‬ ‫سائِهِ َّ‬ ‫خواتِه َ َ‬
‫ن أوْ ن ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أَوْ بَنِي أ َ َ‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التَابعِين غَير أُولِي اْلربة من الرجال أ َ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫الط‬ ‫و‬
‫ِ ْ َ ِ ِ َ ِّ َ ِ ِ‬ ‫ّ ِ َ ْ ِ ْ‬
‫ساء } ‪.‬‬ ‫ت الن ِّ َ‬ ‫م يَظْهَُروا ع َلَى ع َوَْرا ِ‬ ‫لَ ْ‬

‫‪359‬‬
‫ويستثنى من وجوب ستر العورة ما كان لضرورة ‪،‬‬
‫صغير‪ :‬يجب ستر‬ ‫شرح ال ّ‬ ‫كعلج وشهادة ‪ ،‬جاء في ال ّ‬
‫من يحرم النّظر إليها من غير الّزوجة‬ ‫العورة ع ّ‬
‫والمة إل ّ لضرورة فل يحرم بل قد يجب ‪ ،‬وإذا‬
‫ضرورة كالطّبيب يبقر له ثوب على قدر‬ ‫كشف لل ّ‬
‫موضع العلّة ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫ستر العورة في ال ّ‬
‫صلة‬‫حة ال ّ‬ ‫‪ - 5‬ستر العورة شرط من شروط ص ّ‬
‫جدٍ }‬‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫عند َ ك ُ ِّ‬
‫م ِ‬‫خذ ُوا ْ ِزينَتَك ُ ْ‬‫لقوله تعالى ‪ُ { :‬‬
‫ص فالعبرة بعموم‬ ‫والية إن كانت نزلت بسبب خا ّ‬
‫سبب ‪ ،‬قال ابن عبّاس رضي‬ ‫اللّفظ ل بخصوص ال ّ‬
‫الله عنهما ‪ :‬المراد بالّزينة في الية ‪ :‬الثّياب في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل‬ ‫صلة ‪ ،‬ولقول النّب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يقبل اللّه صلة حائض إل ّ بخمار »‬
‫وقد أجمع الفقهاء على فساد صلة من ترك ثوبه‬
‫وهو قادر على الستتار به وصلّى عريانا ً ‪ .‬ويشترط‬
‫ساتر أنّه يمنع إدراك لون البشرة ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫ومن لم يجد إل ّ ثوبا ً نجسا ً أو ثوبا ً من الحرير صلّى‬
‫ستر أقوى من منع‬ ‫ن فرض ال ّ‬ ‫به ول يصلّي عريانا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫النّجس والحرير في هذه الحالة ‪.‬‬
‫على خلف وتفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬صلة ) ‪.‬‬
‫هذا ويختلف الفقهاء في تحديد العورة الواجب‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫سترها في ال ّ‬
‫وينظر تفصيل ذلك في ( عورة ) ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ستر العورة في الخلوة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬كما يجب ستر العورة عن أعين النّاس يجب‬
‫كذلك سترها ولو كان النسان في خلوة ‪ ،‬أي في‬
‫مكان خال من النّاس ‪ .‬والقول بالوجوب هو مذهب‬
‫شافعيّة‬ ‫صحيح ‪ ،‬وهو مذهب ال ّ‬ ‫الحنفيّة على ال ّ‬

‫‪360‬‬
‫والحنابلة ‪ ،‬وقال المالكيّة ‪ :‬يندب ستر العورة في‬
‫الخلوة ‪.‬‬
‫ستر في الخلوة مطلوب حياءً من اللّه تعالى‬ ‫وال ّ‬
‫وملئكته ‪ ،‬والقائلون بالوجوب قالوا ‪ :‬إنّما وجب‬
‫ن اللّه تعالى أح ّ‬
‫ق أن‬ ‫ستر ‪ ،‬ول ّ‬‫لطلق المر بال ّ‬
‫يستحيا منه ‪ ،‬وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن‬
‫جدّه « قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ ،‬عوراتنا ما نأتي‬
‫منها وما نذر ؟ قال ‪ :‬احفظ عورتك إل ّ من زوجتك‬
‫ما ملكت يمينك ‪ ،‬فقال ‪ :‬الّرجل يكون مع‬ ‫أو م ّ‬
‫الّرجل ؟ قال ‪ :‬إن استطعت أن ل يراها أحد‬
‫فافعل ‪ ،‬قلت ‪ :‬والّرجل يكون خاليا ً ؟ قال ‪ :‬فاللّه‬
‫ستر في الخلوة مطلوب‬ ‫أحقّ أن يستحيا منه » ‪ .‬وال ّ‬
‫إل ّ لحاجة ‪ ،‬كاغتسال وتبّرد ونحوه ‪.‬‬
‫=================‬
‫سترة المصلّي *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ستر ‪ ،‬وهي في‬ ‫م مأخوذة من ال ّ‬ ‫ض ّ‬
‫سترة بال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫اللّغة ما استترت به من شيء كائنا ً ما كان‪ ،‬وكذا‬
‫ستر ‪ ،‬ويقال‬ ‫ستائر وال ّ‬ ‫ستارة ‪ ،‬والجمع ‪ :‬ال ّ‬ ‫ستار وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ستَرا ً ‪ :‬أخفاه ‪ .‬وسترة المصلّي في‬ ‫ستْرا ً و َ‬
‫‪ :‬ستره َ‬
‫الصطلح ‪ :‬هي ما يغرز أو ينصب أمام المصلّي من‬
‫عصا أو غير ذلك ‪ ،‬أو ما يجعله المصلّي أمامه لمنع‬
‫الماّرين بين يديه ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬بأنّها ما يستتر به من جدار أو‬ ‫وعّرفها البهوت ّ‬
‫شيء شاخص ‪ ...‬أو غير ذلك يصلّى إليه‪ .‬وجميع‬
‫هذه التّعريفات متقاربة ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫ن للمصلّي إذا كان فذ ّا ً " منفردا ً " أو إماماً‬ ‫‪ - 2‬يس ّ‬
‫أن يتّخذ أمامه سترةً تمنع المرور بين يديه ‪ ،‬وتمكّنه‬

‫‪361‬‬
‫صلة ‪ ،‬وذلك لما ورد عن‬ ‫من الخشوع في أفعال ال ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫الخدري رضي الله عنه أ ّ‬
‫ّ‬ ‫أبي سعيد‬
‫ل‬‫الله عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا صلّى أحدكم فليص ّ‬
‫إلى سترة ‪ ،‬وليدن منها ‪ ،‬ول يدع أحدا ً يمّر بين يديه‬
‫» ‪ .‬ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ليستتر أحدكم‬
‫سفر‬ ‫في صلته ولو بسهم » ‪ ،‬وهذا يشمل ال ّ‬
‫والحضر ‪ ،‬كما يشمل الفرض والنّفل ‪.‬‬
‫ما وراءها ‪،‬‬ ‫ف بصر المصلّي ع ّ‬ ‫والمقصود منها ك ّ‬
‫وجمع الخاطر بربط خياله كي ل ينتشر ‪ ،‬ومنع الماّر‬
‫كي ل يرتكب الثم بالمرور بين يديه ‪.‬‬
‫والمر في الحديث للستحباب ل للوجوب ‪ ،‬قال ابن‬
‫عابدين ‪ :‬صّرح في المنية بكراهة تركها‪ ،‬وهي‬
‫صارف للمر عن حقيقته ما رواه أبو‬ ‫تنزيهيّة ‪ ،‬وال ّ‬
‫داود عن الفضل بن العبّاس رضي الله عنهما ‪ :‬قال‬
‫« أتانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ونحن في‬
‫بادية لنا فصلّى في صحراء ليس بين يديه سترة » ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬وليس ذلك‬ ‫ومثله ما ذكره الحنابلة قال البهوت ّ‬
‫ن‬
‫بواجب لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم صلّى في فضاء ليس‬ ‫النّب ّ‬
‫ب ذلك عند الحنفيّة‬ ‫بين يديه شيء » هذا ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫ن‬
‫والمالكيّة في المشهور ‪ ،‬للمام والمنفرد إذا ظ ّ‬
‫سترة لهما ‪ .‬ونقل‬ ‫مرورا ً بين يديه ‪ ،‬وإل ّ فل تس ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫عن مالك المر بها مطلقا ً ‪ ،‬وبه قال ابن حبيب‬
‫واختاره اللّخم ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫شافعيّة فأطلقوا القول بأنّها سنّة ‪ ،‬ولم يذكروا‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫قيدا ً ‪.‬‬
‫سترة للمام والمنفرد ولو لم‬ ‫ن ال ّ‬‫وقال الحنابلة ‪ :‬تس ّ‬
‫يخش ماّرا ً ‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫سترة اتّفاقا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬ ‫ب له اتّخاذ ال ّ‬ ‫ما المأموم فل يستح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن المام سترة‬ ‫سترة المام سترة لمن خلفه ‪ ،‬أو ل ّ‬
‫له ‪ ،‬على اختلف عند الفقهاء ‪ .‬وسيأتي تفصيله ‪.‬‬
‫ما يجعل سترة ً ‪:‬‬
‫ح أن يستتر المصلّي‬ ‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء على أنّه يص ّ‬
‫شجر‬ ‫ل ما انتصب من الشياء كالجدار وال ّ‬ ‫بك ّ‬
‫والسطوانة والعمود ‪ ،‬أو بما غرز كالعصا والّرمح‬
‫سهم وما شاكلها ‪ ،‬وينبغي أن يكون ثابتًا غير‬ ‫وال ّ‬
‫شاغل للمصلّي عن الخشوع ‪.‬‬
‫واستثنى المالكيّة الستتار بحجر واحد وقالوا ‪ :‬يكره‬
‫صنم‪ ،‬فإن لم يجد‬ ‫به مع وجود غيره لشبهه بعبادة ال ّ‬
‫غيره جاز ‪ ،‬كما يجوز بأكثر من واحد ‪.‬‬
‫ط أو نحوها‬ ‫ي أو الدّابّة أو الخ ّ‬ ‫ما الستتار بالدم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فللفقهاء في ذلك تفصيل وخلف ‪ ،‬وبيانه فيما يلي ‪:‬‬
‫ي‪:‬‬‫أ ‪ -‬الستتار بالدم ّ‬
‫‪ - 4‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ :‬الحنفيّة والمالكيّة‬
‫حة‬‫شافعيّة إلى ص ّ‬ ‫والحنابلة ‪ ،‬وهو قول عند ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬وذلك في الجملة ‪،‬‬ ‫ي في ال ّ‬ ‫الستتار بالدم ّ‬
‫لكنّهم اختلفوا في التّفاصيل ‪.‬‬
‫ح أن يستتر بظهر ك ّ‬
‫ل‬ ‫فقال الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬يص ّ‬
‫رجل قائم أو قاعد ‪ ،‬ل بوجهه ‪ ،‬ول بنائم‪ ،‬ومنعوا‬
‫الستتار بالمرأة غير المحرم ‪.‬‬
‫ما ظهر المرأة المحرم فاختلف الحنفيّة في جواز‬ ‫أ ّ‬
‫الستتار به ‪ ،‬كما ذكر المالكيّة فيه قولين أرجحهما‬
‫خرين الجواز ‪.‬‬ ‫عند المتأ ّ‬
‫ي‬
‫سترة بالدم ّ‬ ‫شافعيّة عدم الكتفاء بال ّ‬ ‫والوجه عند ال ّ‬
‫صفوف ‪ -‬ل يكون سترةً‬ ‫ن بعض ال ّ‬ ‫‪ ،‬ولهذا قّرروا أ ّ‬
‫لبعض آخر ‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫سترة آدميّا ً أو‬ ‫صل بعضهم فقالوا ‪ :‬لو كانت ال ّ‬ ‫وف ّ‬
‫ة ولم يحصل بسبب ذلك اشتغال ينافي خشوعه‬ ‫بهيم ً‬
‫فقيل يكفي ‪ ،‬وإن حصل له الشتغال ل يعتد ّ بتلك‬
‫سترة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي غير‬ ‫ما الحنابلة فقد أطلقوا جواز الستتار بآدم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫كافر ‪.‬‬
‫صلة إلى وجه النسان فتكره عند الجميع ‪،‬‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت‪ « :‬كان‬
‫سرير‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم يصلّي وسط ال ّ‬ ‫النّب ّ‬
‫وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة ‪ ،‬تكون لي الحاجة‬
‫ل انسلل ً » ‪.‬‬ ‫فأكره أن أقوم فأستقبله ‪ ،‬فأنس ّ‬
‫ن عمر رضي الله عنه أدّب على ذلك ‪.‬‬ ‫وروي أ ّ‬
‫ب ‪ -‬الستتار بالدّابّة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز الستتار بالدّابّة‬
‫شرح الكبير على‬ ‫ي في ال ّ‬ ‫مطلقا ً ‪ ،‬قال المقدس ّ‬
‫المقنع ‪ :‬ل بأس أن يستتر ببعير أو حيوان ‪ ،‬فعله ابن‬
‫عمر وأنس رضي الله تعالى عنهما ‪ ،‬لما روى ابن‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫عمر رضي الله تعالى عنهما « أ ّ‬
‫عليه وسلم صلّى إلى بعير » ‪.‬‬
‫ما لنجاسة فضلتها‬ ‫ومنع المالكيّة الستتار بالدّابّة ‪ ،‬إ ّ‬
‫شاة ‪،‬‬ ‫ما لعدم ثباتها كال ّ‬ ‫كالبغل والحمار ونحوهما ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ما لكلتا العلّتين كالفرس ‪.‬‬ ‫وإ ّ‬
‫وقالوا ‪ :‬إن كانت فضلتها طاهرةً وربطت جاز‬
‫الستتار بها ‪.‬‬
‫شافعيّة فالوجه عندهم أنّه ل يجوز الستتار‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫بالدّابّة كما ل يجوز بالنسان ‪.‬‬
‫ولنّه ل يؤمن أن يشتغل به فيتغافل عن صلته ‪.‬‬
‫وفي قول عندهم ‪ :‬يجوز الستتار بالبهيمة‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫ن‬
‫صحيحين أ ّ‬ ‫ما الدّابّة ففي ال ّ‬ ‫ي‪:‬أ ّ‬ ‫مد الّرمل ّ‬ ‫قال مح ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ‪ ،‬وكأنّه لم‬ ‫النّب ّ‬
‫ي ‪ ،‬ويتعيّن العمل به ‪ ،‬وحمل بعضهم‬ ‫شافع ّ‬ ‫يبلغ ال ّ‬
‫المنع على غير البعير ‪.‬‬
‫ط‪:‬‬ ‫ج ‪ -‬التّستّر بالخ ّ‬
‫ط‬‫‪ - 6‬إن لم يجد المصلّي ما ينصبه أمامه فليخ ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫خطّا ً ‪ ،‬وهذا عند جمهور الفقهاء ‪ ( :‬ال ّ‬
‫خري الحنفيّة ) لما ورد‬ ‫والحنابلة ‪ ،‬والّراجح عند متأ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا صلّى‬ ‫ن النّب ّ‬‫أ ّ‬
‫أحدكم فليجعل تلقاء وجه شيئا ً فإن لم يجد فلينصب‬
‫مل‬ ‫ط خطّا ً ‪ ،‬ث ّ‬ ‫عصا ‪ ،‬فإن لم يكن معه عصا فليخ ّ‬
‫يضّره ما مّر أمامه » ‪.‬‬
‫ن المقصود جمع الخاطر بربط الخيال كي ل‬ ‫ول ّ‬
‫ط‪.‬‬‫ينتشر ‪ ،‬وهو يحصل بالخ ّ‬
‫حة التّستّر‬ ‫جح الكمال بن الهمام من الحنفيّة ص ّ‬ ‫ور ّ‬
‫سنّة أولى بالتّباع ‪ .‬وقاس‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ط وقال ‪ :‬ل ّ‬ ‫بالخ ّ‬
‫جادة‬ ‫ط المصلّى ‪ ،‬كس ّ‬ ‫شافعيّة على الخ ّ‬ ‫الحنفيّة وال ّ‬
‫مفروشة ‪ ،‬قال الطّحطاويّ ‪ :‬وهو قياس أولى ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫ط‪.‬‬‫المصلّى أبلغ في دفع الماّر من الخ ّ‬
‫ط وقالوا ‪:‬‬ ‫شافعيّة المصلّى على الخ ّ‬ ‫ولهذا قدّم ال ّ‬
‫ط لنّه أظهر في المراد ‪.‬‬ ‫قدّم على الخ ّ‬
‫ط يخطّه في‬ ‫ح التّستّر بخ ّ‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬ل يص ّ‬
‫الرض ‪ ،‬وهذا قول متقدّمي الحنفيّة أيضا ً واختاره‬
‫في الهداية ‪ ،‬لنّه ل يحصل به المقصود ‪ ،‬إذ ل يظهر‬
‫من بعيد ‪.‬‬
‫التّرتيب فيما يجعل سترةً ‪:‬‬
‫سترة أربع مراتب وقالوا‬ ‫شافعيّة لتّخاذ ال ّ‬ ‫‪ - 7‬ذكر ال ّ‬
‫‪ :‬لو عدل إلى مرتبة وهو قادر على ما قبلها لم‬
‫ن عندهم أوّل ً التّستّر‬ ‫تحصل سنّة الستتار ‪ .‬فيس ّ‬

‫‪365‬‬
‫م إذا عجز عنها فإلى نحو عصا‬ ‫بجدار أو سارية ‪ ،‬ث ّ‬
‫جادة ‪،‬‬ ‫مغروزة ‪ ،‬وعند عجزه عنها يبسط مصلّى كس ّ‬
‫ط قبالته خطّا ً طول ً ‪ ،‬وذلك أخذاً‬ ‫وإذا عجز عنها يخ ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ص الحديث الّذي رواه أبو داود عن النّب ّ‬ ‫بن ّ‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا صلّى أحدكم فليجعل‬
‫تلقاء وجهه شيئا ً فإن لم يجد فلينصب عصا ً ‪ ،‬فإن لم‬
‫م ل يضّره ما مّر‬ ‫ط خطّا ً ‪ ،‬ث ّ‬‫يكن معه عصا فليخ ّ‬
‫سهولة ‪.‬‬ ‫أمامه » وقالوا ‪ :‬المراد بالعجز عدم ال ّ‬
‫وهذا هو المفهوم من كلم الحنفيّة والحنابلة أيضاً‬
‫وإن لم يصّرحوا بالمراتب ‪.‬‬
‫قال ابن عابدين ‪ :‬المفهوم من كلمهم أنّه عند‬
‫إمكان الغرز ل يكفي الوضع ‪ ،‬وعند إمكان الوضع ل‬
‫ط‪.‬‬‫يكفي الخ ّ‬
‫وعبارة الحنابلة تفيد ذلك حيث قالوا ‪ :‬فإن لم يجد‬
‫شاخصا ً وتعذ ّر غرز عصا ونحوها ‪ ،‬وضعها بالرض ‪،‬‬
‫ط خطّا ً ‪.‬‬ ‫ويكفي خيط ونحوه ‪ ..‬فإن لم يجد خ ّ‬
‫ط‪.‬‬ ‫ما المالكيّة فقد تقدّم أنّهم ل يجيزون الخ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫سترة وصفتها ‪:‬‬ ‫مقدار ال ّ‬
‫صحراء‬ ‫‪ - 8‬يرى الحنفيّة والمالكيّة أنّه إذا صلّى في ال ّ‬
‫ب له أن يغرز‬ ‫أو فيما يخشى المرور بين يديه يستح ّ‬
‫سترة ً بطول ذراع فصاعدا ً ‪.‬‬
‫ل من الذ ّراع خلف ‪.‬‬ ‫قال الحنفيّة ‪ :‬في العتداد بأق ّ‬
‫والمراد بالذ ّراع ذراع اليد ‪ ،‬وهو شبران ‪ .‬وقال‬
‫سترة يكون ثلثي ذراع فأكثر‬ ‫شافعيّة ‪ :‬طول ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫تقريبا ً ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن كان في فضاء صلّى إلى سترة‬
‫ة قدر ذراع فأق ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫بين يديه مرتفع ً‬

‫‪366‬‬
‫والصل في ذلك حديث طلحة بن عبيد اللّه رضي‬
‫الله عنه مرفوعا ً ‪ « :‬إذا وضع أحدكم بين يديه مثل‬
‫ل ول يبال من مّر وراء ذلك » ‪.‬‬ ‫خرة الّرحل فليص ّ‬ ‫مؤ ّ‬
‫خرة الّرحل هي العود الّذي في آخر الّرحل‬ ‫ومؤ ّ‬
‫يحاذي رأس الّراكب على البعير ‪.‬‬
‫سرت بأنّها ذراع فما فوقه ‪.‬‬ ‫قال الحنفيّة ‪ :‬ف ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬تختلف ‪ ،‬فتارة ً تكون ذراعا ً وتارةً‬
‫تكون دونه ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫ما قدرها في الغلظ فلم يحدّده ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ة‬
‫ة كالحائط والبعير ‪ ،‬أو رقيق ً‬ ‫‪ ،‬فقد تكون غليظ ً‬
‫سهم ‪ ،‬لنّه صلى الله عليه وسلم صلّى إلى حربة‬ ‫كال ّ‬
‫وإلى بعير ‪.‬‬
‫ما الحنفيّة فقد صّرحوا في أكثر المتون بأن تكون‬ ‫أ ّ‬
‫ن ما دونه ربّما‬ ‫سترة بغلظ الصبع ‪ ،‬وذلك أدناه ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل يظهر للنّاظر فل يحصل المقصود منها ‪ .‬لكن قال‬
‫ابن عابدين ‪ :‬جعل في البدائع بيان الغلظ قولً‬
‫ضعيفا ً ‪ ،‬وأنّه ل اعتبار بالعرض ‪ ،‬وظاهره أنّه‬
‫المذهب ‪ .‬ويؤيّده ما ورد أنّه صلى الله عليه وسلم‬
‫خرة الّرحل ولو‬ ‫سترة قدر مؤ ّ‬ ‫قال ‪ « :‬يجزئ من ال ّ‬
‫بدقّة شعرة » ‪.‬‬
‫ل‪،‬‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يكون غلظها غلظ رمح على الق ّ‬
‫فل يكفي أدقّ منه ‪ ،‬ونقل عن ابن حبيب أنّه قال ‪ :‬ل‬
‫خرة الّرحل في‬ ‫سترة دون مؤ ّ‬ ‫بأس أن تكون ال ّ‬
‫الطّول ودون الّرمح في الغلظ ‪.‬‬
‫سترة ‪:‬‬
‫كيفيّة نصب أو وضع ال ّ‬
‫سترة أن‬ ‫ب في ال ّ‬ ‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على أنّه يستح ّ‬
‫تنصب أو تغرز أمام المصلّي ‪ ،‬وتجعل على جهة أحد‬
‫حاجبيه ‪ ،‬وهذا إذا كان غرزها ممكنا ً ‪ ،‬وإل ّ بأن كانت‬

‫‪367‬‬
‫سترة أمام‬ ‫ة مثل ً ‪ ،‬فهل يكفي وضع ال ّ‬ ‫الرض صلب ً‬
‫المصلّي طول ً أو عرضا ً ؟‬
‫اختلف الفقهاء في ذلك ‪ :‬فقال الحنفيّة ‪ :‬يلقي ما‬
‫م سقط ‪،‬‬ ‫معه من عصا ً أو غيرها طول ً ‪ ،‬كأنّه غرز ث ّ‬
‫وهذا اختيار الفقيه أبي جعفر ‪ ،‬واختار بعضهم أنّه ل‬
‫ط خطّا ً بالعرض‬ ‫يجزئ ‪ ،‬وإن لم يجد ما ينصبه فليخ ّ‬
‫مثل الهلل ‪ ،‬أو يجعله طول ً بمنزلة الخشبة‬
‫ل العصا ‪ ،‬وهو‬ ‫المغروزة أمامه ‪ .‬فيصير شبه ظ ّ‬
‫خرين من الحنفيّة ‪.‬‬ ‫اختيار المتأ ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬يقول الخطيب‬ ‫ومثله ما ذكره ال ّ‬
‫ط أمامه خطّاً‬ ‫ي ‪ :‬إذا عجز عن غيره فليخ ّ‬ ‫شربين ّ‬‫ال ّ‬
‫طول ً ‪ .‬وفي حاشية الجمل ‪ :‬هذا هو الكمل ويحصل‬
‫سنّة بجعله عرضا ً ‪ .‬وعبارة الحنابلة ‪ :‬إن تعذ ّر‬ ‫أصل ال ّ‬
‫غرز عصا ً ونحوها يكفي وضعها بالرض ‪ ..‬ووضعها‬
‫عرضا ً أعجب إلى أحمد من الطّول ‪.‬‬
‫ط خطّا ً كالهلل ل طول ً ‪ .‬لكن نقل‬ ‫فإن لم يجد خ ّ‬
‫ط أجزأه ‪.‬‬ ‫شرح ‪ :‬وكيفما خ ّ‬ ‫ي عن ال ّ‬ ‫البهوت ّ‬
‫ة ول‬‫سترة ثابت ً‬ ‫ما المالكيّة فاشترطوا أن تكون ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ط أصل ً ‪.‬‬ ‫يجيزون الخ ّ‬
‫سترة ‪:‬‬‫موقف المصلّي من ال ّ‬
‫ن لمن أراد أن يصلّي إلى سترة أن يقرب‬ ‫‪ - 10‬يس ّ‬
‫منها نحو ثلثة أذرع من قدميه ول يزيد على ذلك ‪.‬‬
‫لحديث سهل بن أبي حثمة مرفوعا ً ‪ « :‬إذا صلّى‬
‫شيطان‬ ‫أحدكم إلى سترة فليدن منها ‪ ،‬ل يقطع ال ّ‬
‫عليه صلته » ‪ .‬وعن سهل بن سعد قال ‪ « :‬كان‬
‫بين مصلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬‫شاة » ‪ .‬وورد « أ ّ‬ ‫الجدار ممّر ال ّ‬
‫عليه وسلم صلّى في الكعبة وبينه وبين الجدار ثلثة‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫أذرع » ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة وال ّ‬

‫‪368‬‬
‫ن الفاصل بين‬ ‫وهو المفهوم من كلم المالكيّة ل ّ‬
‫سترة يكون بمقدار ما يحتاجه لقيامه‬ ‫المصلّي وال ّ‬
‫ن حريم‬ ‫ن الرجح عندهم أ ّ‬ ‫وركوعه وسجوده ‪ ،‬ل ّ‬
‫المصلّي هو هذا المقدار ‪ ،‬سواء أصلّى إلى سترة أم‬
‫ل‪.‬‬
‫سترة يسيرا ً ‪ ،‬بأن‬ ‫ن انحراف المصلّي عن ال ّ‬ ‫ويس ّ‬
‫يجعلها على جهة أحد حاجبيه ‪ ،‬ول يصمد إليها صمدًا‬
‫أي ل يقابلها مستويا ً مستقيما ً ‪ ،‬لما روي عن المقداد‬
‫رضي الله عنه أنّه قال ‪ « :‬ما رأيت رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم يصلّي إلى عود ول عمود ول‬
‫شجرة إل ّ جعله على حاجبيه اليمن أو اليسر ‪ ،‬ول‬
‫يصمد له صمدا ً » ‪.‬‬
‫سترة نحو عصا منصوبة أو حجر‬ ‫وهذا إذا كانت ال ّ‬
‫صلة على‬ ‫بخلف الجدار العريض ونحوه ‪ ،‬وبخلف ال ّ‬
‫صلة تكون عليها ل إليها ‪.‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫جادة ‪ ،‬ل ّ‬‫س ّ‬
‫ال ّ‬
‫سترة المام سترة للمأمومين ‪:‬‬
‫ن سترة المام تكفي‬ ‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫المأمومين سواء أصلّوا خلفه أم بجانبيه ‪.‬‬
‫ب للمأموم أن يتّخذ سترةً ‪ .‬وذلك لما ورد‬ ‫فل يستح ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم صلّى‬ ‫ن النّب ّ‬‫في الحديث « أ ّ‬
‫بالبطح إلى عنزة ركزت له ولم يكن للقوم سترة »‬
‫‪.‬‬
‫واختلفوا ‪ :‬هل سترة المام سترة لمن خلفه ‪ ،‬أو‬
‫ة وهو سترة لمن خلفه ‪ ،‬ففي‬ ‫ص ً‬‫هي سترة له خا ّ‬
‫ن سترة المام سترة‬ ‫أكثر كتب الحنفيّة والحنابلة أ ّ‬
‫لمن خلفه ‪.‬‬
‫وذكر المالكيّة وبعض الحنابلة الخلف في ذلك ‪ .‬قال‬
‫ي والمعنى واحد ‪ .‬وقال‬ ‫بعضهم ‪ :‬الخلف لفظ ّ‬
‫ي وله ثمرة ‪ ،‬فإن قلنا ‪:‬‬ ‫آخرون ‪ :‬الخلف حقيق ّ‬

‫‪369‬‬
‫المام سترة لمن خلفه كما نقل عن مالك وغيره‬
‫ف الّذي خلفه كما‬ ‫ص ّ‬‫يمتنع المرور بين المام وبين ال ّ‬
‫يمنع المرور بينه وبين سترته ‪ ،‬لنّه مرور بين‬
‫ف‬
‫ص ّ‬‫المصلّي وسترته فيهما ‪ ،‬ويجوز المرور بين ال ّ‬
‫ف الّذي بعده لنّه قد حال بينهما‬ ‫ص ّ‬ ‫الّذي خلفه وال ّ‬
‫ن سترة المام‬ ‫ف الوّل ‪ ،‬وإن قلنا ‪ :‬إ ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫حائل وهو ال ّ‬
‫سترة لهم كما يقول عبد الوهّاب من المالكيّة وغيره‬
‫ف الوّل والمام لوجود‬ ‫ص ّ‬ ‫فيجوز المرور بين ال ّ‬
‫ن‬
‫قأ ّ‬ ‫ي ‪ :‬والح ّ‬ ‫الحائل وهو المام ‪ .‬قال الدّسوق ّ‬
‫ي والمعتمد قول مالك ‪.‬‬ ‫الخلف حقيق ّ‬
‫سترة ‪:‬‬‫المرور بين المصلّي وال ّ‬
‫ن المرور وراء‬ ‫‪ - 12‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫ن المرور بين المصلّي وسترته‬ ‫سترة ل يضّر ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي عنه ‪ ،‬فيأثم الماّر بين يديه ‪ ،‬لقوله صلى الله‬ ‫منه ّ‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬لو يعلم الماّر بين يدي المصلّي ماذا‬
‫عليه من الثم لكان أن يقف أربعين خيرا ً له من أن‬
‫يمّر بين يديه » ‪ .‬ويرى جمهور الفقهاء ‪ :‬الحنفيّة‬
‫ن الماّر بين يدي المصلّي آثم‬ ‫والمالكيّة والحنابلة ‪ :‬أ ّ‬
‫ل إلى سترة ‪ .‬وذلك إذا مّر قريبا ً منه ‪،‬‬ ‫ولو لم يص ّ‬
‫واختلفوا في حد ّ القرب ‪.‬‬
‫ل ‪ .‬أو ما يحتاج له في‬ ‫قال بعضهم ‪ :‬ثلثة أذرع فأق ّ‬
‫ركوعه وسجوده ‪.‬‬
‫صحيح عند الحنابلة تحديد ذلك بما إذا مشى إليه‬ ‫وال ّ‬
‫ح عند‬ ‫ودفع الماّر بين يديه ل تبطل صلته ‪ .‬والص ّ‬
‫الحنفيّة أن يكون المرور من موضع قدمه إلى‬
‫موضع سجوده ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬إنّه قدر ما يقع‬
‫بصره على الماّر لو صلّى بخشوع ‪ ،‬أي راميا ً ببصره‬
‫إلى موضع سجوده ‪ .‬وقيّد المالكيّة الثم بما إذا مّر‬
‫في حريم المصلّي من كانت له مندوحة أي سعة‬

‫‪370‬‬
‫المرور بعيدا ً عن حريم المصلّي ‪ ،‬وإل ّ فل إثم ‪ ،‬وكذا‬
‫لو كان يصلّي بالمسجد الحرام فمّر بين يديه من‬
‫ل تعّرض بصلته من‬ ‫يطوف بالبيت وقالوا ‪ :‬يأثم مص ّ‬
‫ن به المرور ‪ ،‬ومّر بين يديه‬ ‫ل يظ ّ‬ ‫غير سترة في مح ّ‬
‫أحد ‪.‬‬
‫ن هنا صوراً‬ ‫ونقل ابن عابدين عن بعض الفقهاء أ ّ‬
‫أربعا ً ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن يكون للماّر مندوحة عن المرور بين يدي‬
‫ص الماّر‬ ‫المصلّي ولم يتعّرض المصلّي لذلك فيخت ّ‬
‫بالثم إن مّر ‪.‬‬
‫الثّانية ‪ :‬أن يكون المصلّي تعّرض للمرور والماّر‬
‫ص المصلّي‬‫ليس له مندوحة عن المرور ‪ ،‬فيخت ّ‬
‫بالثم دون الماّر ‪.‬‬
‫الثّالثة ‪ :‬أن يتعّرض المصلّي للمرور ويكون للماّر‬
‫ما المصلّي فلتعّرضه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما‬ ‫مندوحة ‪ ،‬فيأثمان معا ً ‪ ،‬أ ّ‬
‫الماّر فلمروره مع إمكان أن ل يفعل ‪.‬‬
‫الّرابعة ‪ :‬أن ل يتعّرض المصلّي ول يكون للماّر‬
‫مندوحة ‪ ،‬فل يأثم واحد منهما ‪.‬‬
‫ومثله ما ذكره بعض المالكيّة ‪.‬‬
‫شافعيّة فقد صّرحوا بحرمة المرور بين يدي‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫المصلّي إذا صلّى إلى سترة وإن لم يجد الماّر سبيلً‬
‫آخر ‪ ،‬وهذا إذا لم يتعد ّ المصلّي بصلته في المكان ‪،‬‬
‫وإل ّ كأن وقف بقارعة الطّريق أو استتر بسترة في‬
‫مكان مغصوب فل حرمة ول كراهة ‪.‬‬
‫ولو صلّى بل سترة ‪ ،‬أو تباعد عنها ‪ ،‬أو لم تكن‬
‫صفة المذكورة فل يحرم المرور بين‬ ‫سترة بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يديه ‪ ،‬وليس له دفع الماّر لتعدّيه بصلته في ذلك‬
‫المكان ‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫هذا واستثنى الفقهاء من الثم المرور بين يدي‬
‫ف أو لغسل‬ ‫المصلّي للطّائف أو لسد ّ فرجة في ص ّ‬
‫رعاف أو ما شاكل ذلك ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫أثر المرور بين يدي المصلّي في قطع ال ّ‬
‫ن‬
‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 13‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫صلة‬ ‫سترة ل يقطع ال ّ‬ ‫مرور شيء بين المصلّي وال ّ‬
‫صفة الّتي توجب‬ ‫ول يفسدها ‪ ،‬أيّا ً كان ‪ ،‬ولو كان بال ّ‬
‫الثم على الماّر ‪ ،‬وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫صلة شيء وادرءوا ما استطعتم » ‪.‬‬ ‫‪ « :‬ل يقطع ال ّ‬
‫وقال الحنابلة مثل ذلك ‪ ،‬إل ّ أنّهم استثنوا الكلب‬
‫صلة ‪.‬‬‫السود البهيم فرأوا أنّه يقطع ال ّ‬
‫سترة ‪:‬‬‫دفع الماّر بين المصلّي وال ّ‬
‫ن للمصلّي أن يدفع‬ ‫‪ - 14‬ل خلف بين الفقهاء في أ ّ‬
‫الماّر من إنسان أو بهيمة إذا مّر بينه وبين سترته أو‬
‫قريبا ً منه ‪ ،‬لما ورد فيه من أحاديث منها ‪ .‬ما رواه‬
‫أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال ‪ « :‬قال‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إذا صلّى أحدكم‬
‫إلى شيء يستره من النّاس فأراد أحد أن يجتاز بين‬
‫يديه فليدفعه ‪ ،‬فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان »‬
‫‪.‬‬
‫شيطان في إرادة‬ ‫ي ‪ :‬أي فعله فعل ال ّ‬ ‫صنعان ّ‬‫قال ال ّ‬
‫ن الحامل‬ ‫التّشويش على المصلّي ‪ ،‬وقيل ‪ :‬المراد بأ ّ‬
‫ل على ذلك ما في رواية‬ ‫له على ذلك شيطان ‪ ،‬ويد ّ‬
‫ن معه القرين » أي شيطان ‪،‬‬ ‫مسلم ‪ « :‬فإ ّ‬
‫ل بمفهومه على أنّه إذا لم يكن للمصلّي‬ ‫والحديث دا ّ‬
‫سترة فليس له دفع الماّر بين يديه ‪ .‬ا هـ ‪ .‬وهو‬
‫شافعيّة ‪.‬‬‫كذلك عند ال ّ‬
‫ن الدّفع ليس واجبا ً ‪،‬‬ ‫‪ - 15‬واتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫صارف للحديث عن الوجوب شدّة منافاته‬ ‫ن ال ّ‬‫وكأ ّ‬

‫‪372‬‬
‫صلة من الخشوع والتّدبّر ‪ ،‬وأيضاً‬ ‫مقصود ال ّ‬
‫ي من‬ ‫شربين ّ‬ ‫جهه ال ّ‬ ‫للختلف في تحريم المرور كما و ّ‬
‫شافعيّة ‪ .‬ومثله ما في كتب الحنفيّة والمالكيّة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫خص‬ ‫م اختلفوا في أفضليّة الدّفع ‪ ،‬فقال الحنفيّة ‪ :‬ر ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ن مبنى‬ ‫للمصلّي الدّفع ‪ ،‬والولى ترك الدّفع ل ّ‬
‫سكون والخشوع ‪ ،‬والمر بالدّرء لبيان‬ ‫صلة على ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الّرخصة ‪ ،‬كالمر بقتل السودين ( الحيّة والعقرب )‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫وقريب من الحنفيّة مذهب المالكيّة حيث قالوا ‪:‬‬
‫للمصلّي دفع ذلك الماّر بين يديه دفعا ً خفيفا ً ل‬
‫يشغله ‪.‬‬
‫ن ذلك للمصلّي إذا صلّى‬ ‫شافعيّة فقالوا ‪ :‬يس ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫إلى سترة من جدار أو سارية أو عصا أو نحوها ‪ ،‬لما‬
‫الخدري رضي الله عنه‬ ‫ّ‬ ‫ورد في حديث أبي سعيد‬
‫صه ‪.‬‬ ‫المتقدّم ن ّ‬
‫ب أن يرد ّ ما مّر بين يديه من‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬يستح ّ‬
‫كبير وصغير وبهيمة ‪ ،‬لما ورد « أنّه صلى الله عليه‬
‫وسلم رد ّ عمر بن أبي سلمة وزينب وهما صغيران‬
‫»‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬
‫وفي حديث ابن عبّاس « أ ّ‬
‫وسلم كان يصلّي فمّرت شاة بين يديه ‪ ،‬فساعاها‬
‫إلى القبلة حتّى ألزق بطنه بالقبلة » ‪.‬‬
‫سترة ‪:‬‬ ‫كيفيّة دفع الماّر بين يدي المصلّي وال ّ‬
‫‪ - 16‬اختلفت عبارات الفقهاء في كيفيّة الدّفع وما‬
‫ينشأ عنه من ضمان ‪ ،‬واتّفقوا على أن يكون دفع‬
‫بالتّدريج ‪ ،‬ويراعى فيه السهل فالسهل ‪.‬‬
‫شافعيّة‬ ‫قال النّوويّ في المجموع ‪ :‬مذهب ال ّ‬
‫استحباب التّسبيح للّرجل والتّصفيق للمرأة ‪ ،‬وبه‬

‫‪373‬‬
‫قال أحمد وأبو حنيفة ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬تسبّح المرأة‬
‫أيضا ً ‪ .‬أ هـ ‪.‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يدفعه بالشارة أو التّسبيح ‪ ،‬وكره‬
‫صوت‬ ‫الجمع بينهما ‪ ،‬ويدفعه الّرجل برفع ال ّ‬
‫بالقراءة ‪ ،‬وتدفعه المرأة بالشارة أو التّصفيق بظهر‬
‫ف اليسرى ول ترفع‬ ‫أصابع اليمنى على صفحة ك ّ‬
‫صوتها ‪ ،‬لنّه فتنة ‪ ،‬ول يقاتل الماّر ‪ ،‬وما ورد فيه من‬
‫الحديث مؤوّل بأنّه كان جواز مقاتلته في ابتداء‬
‫السلم وقد نسخ ‪ .‬ول يجوز له المشي من موضعه‬
‫ن مفسدة‬ ‫ليردّه ‪ ،‬وإنّما يدفعه ويردّه من موضعه ‪ ،‬ل ّ‬
‫المشي أعظم من مروره بين يديه ‪.‬‬
‫وقريب من الحنفيّة مذهب المالكيّة حيث قالوا ‪:‬‬
‫للمصلّي دفع ذلك الماّر دفعا ً خفيفا ً ل يشغله عن‬
‫صلة ‪ .‬فإن كثر أبطل صلته ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫================‬
‫سجود التّلوة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سجود‬ ‫ة ‪ :‬مصدر سجد ‪ ،‬وأصل ال ّ‬ ‫سجود لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫التّطامن والخضوع والتّذلّل ‪.‬‬
‫سجود في الصطلح ‪ :‬وضع الجبهة أو بعضها‬ ‫وال ّ‬
‫على الرض أو ما اتّصل بها من ثابت مستقّر على‬
‫هيئة مخصوصة ‪.‬‬
‫ة‬
‫والتّلوة ‪ :‬مصدر تل يتلو ‪ ،‬يقال ‪ :‬تلوت القرآن تلو ً‬
‫ل كلم ‪.‬‬ ‫م بعضهم به ك ّ‬ ‫إذا قرأته ‪ ،‬وع ّ‬
‫وسجود التّلوة ‪ :‬هو الّذي سبب وجوبه ‪ -‬أو ندبه ‪-‬‬
‫سجود ‪.‬‬ ‫تلوة آية من آيات ال ّ‬
‫الحكم التّكليفي ‪:‬‬

‫‪374‬‬
‫‪ - 2‬اتّفق الفقهاء على مشروعيّة سجود التلوة ‪،‬‬
‫لليات والحاديث الواردة فيه ‪ ،‬لكنّهم اختلفوا في‬
‫صفة مشروعيته أواجب هو أو مندوب ‪.‬‬
‫ن سجود التّلوة‬ ‫شافعية و الحنابلة إلى أ ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫سجدة لقول الله‬ ‫سنّة مؤكّدة عقب تلوة آية ال ّ‬
‫من قَبْلِهِ إِذ َا يُتْلَى‬ ‫ن الَّذي ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن أوتُوا ْ الْعِل ْ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫تعالى‪ { :‬إ ِ َّ‬
‫جدا ً ‪ ،‬وَيُقولُو َ‬ ‫خُرو َ َ‬
‫ن َربِّنَا‬‫حا َ‬‫سب ْ َ‬‫ن ُ‬ ‫س َّ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن لِلذْقَا ِ‬ ‫م يَ ِ ّ‬ ‫ع َلَيْهِ ْ‬
‫خُرو َ َ‬
‫ن‬‫ن يَبْكُو َ‬ ‫ن لِلذْقَا ِ‬ ‫فعُول ً ‪َ ،‬وي َ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَعْد ُ َرب ِّنَا ل َ َ‬ ‫إِن كَا َ‬
‫شوعا ً } ‪.‬‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وَيَزِيدُهُ ْ‬
‫ولما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫شيطان‬ ‫سجدة فسجد ‪ ،‬اعتزل ال ّ‬ ‫« إذا قرأ ابن آدم ال ّ‬
‫يبكي ‪ ،‬يقول يا ويلي ‪ ،‬وفي رواية ياويله ‪ -‬أمر ابن‬
‫سجود‬ ‫سجود فسجد فله الجنّة ‪ ،‬و أمرت بال ّ‬ ‫آدم بال ّ‬
‫فأبيت فلي النّار » ‪.‬‬
‫ولما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما‬
‫قال ‪ « :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ‬
‫سجدة فيسجد ونسجد » ‪.‬‬ ‫سورة فيها ال ّ‬ ‫علينا ال ّ‬
‫ن النّبي‬ ‫وليس سجود التّلوة بواجب ‪ -‬عندهم ‪ -‬ل ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم تركه ‪ ،‬وقد قرأت عليه سورة‬
‫جم ِ ‪ } ...‬وفيها سجدة ‪ ،‬روى زيد بن ثابت‬ ‫{ َوالن َّ ْ‬
‫رضي الله تعالى عنه قال ‪ « :‬قرأت على النّبي‬
‫جم ِ فلم يسجد فيها »‬ ‫صلى الله عليه وسلّم َوالن َّ ْ‬
‫وفي رواية ‪ « :‬فلم يسجد منّا أحد » وروى البخاري‬
‫ن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة‬ ‫«أ ّ‬
‫سجدة نزل‬ ‫على المنبر سورة النّحل حتّى إذا جاء ال ّ‬
‫فسجد ‪ ،‬فسجد النّاس ‪ ،‬حتّى إذا كانت الجمعة‬
‫سجدة قال ‪ " :‬يا أيّها‬ ‫القابلة قرأ بها حتّى إذا جاء ال ّ‬
‫سجود ‪ ،‬فمن سجد فقد أصاب ‪،‬‬ ‫النّاس ‪ ،‬إنّا نمر بال ّ‬

‫‪375‬‬
‫ومن لم يسجد فل إثم عليه ‪ ،‬ولم يسجد عمر رضي‬
‫الله تعالى عنه » ورواه مالك في الموطّأ وقال فيه‬
‫ن الله لم يكتبها علينا إل أن‬ ‫‪ « :‬على رسلكم ‪ ،‬إ ّ‬
‫نشاء ‪ ،‬فلم يسجد ‪ ،‬ومنعهم أن يسجدوا ‪ ،‬وكان‬
‫بمحضر من الصحابة ‪ ،‬ولم ينكروا عليه فكان إجماعاً‬
‫»‪.‬‬
‫واستدلوا أيضا ً بما جاء في حديث العرابي من قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم « خمس صلوات في اليوم‬
‫ي غيرها ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل أن‬ ‫والليلة ‪ ،‬قال ‪ :‬هل عل ّ‬
‫ن الصل عدم الوجوب حتّى يثبت‬ ‫تتطوع » ‪ .‬وبأ ّ‬
‫صحيح صريح في المر به ول معارض له ولم يثبت ‪،‬‬
‫وبأنه يجوز سجود التّلة على الراحلة بالتّفاق في‬
‫سفر ولو كان واجبا ً لم يجز كسجود صلة الفرض ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫واختلف فقهاء المالكّية في حكم سجود التّلوة ‪ ،‬هل‬
‫سنية‬‫هو سنّة غير مؤكّدة أو فضيلة ‪ ،‬والقول بال ّ‬
‫شهّره ابن عطاء الله وابن الفاكهاني وعليه الكثر ‪،‬‬
‫والقول بأنّه فضيلة هو قول الباجي وابن الكاتب‬
‫وصدّر به ابن الحاجب ومن قاعدته تشهير ما صدّر‬
‫صبي‬‫به ‪ ،‬وهذا الخلف في حق المكلّف ‪ .‬أما ال ّ‬
‫فيندب له فقط ‪ ،‬وفائدة الخلف كثرة الثّواب‬
‫صلة ولو فرضا ً فمطلوب‬ ‫سجود في ال ّ‬ ‫وقلّته ‪ ،‬وأما ال ّ‬
‫على القولين ‪ ،‬وقال ابن العربي ‪ :‬وسجود التّلوة‬
‫واجب وجوب سنّة ل يأثم من تركه عامدا ً ‪.‬‬
‫ن سجود التّلوة أو بدله كاليماء‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫سجدة على من سمعها ‪»...‬‬ ‫واجب لحديث ‪ « :‬ال ّ‬
‫وعلى للوجوب ‪ ،‬ولحديث أبي هريرة رضي الله‬
‫سجدة فسجد‬ ‫تعالى عنه ‪ « :‬إذا قرأ ابن آدم ال ّ‬
‫شيطان يبكي ‪ ،‬يقول ياويله أمر ابن آدم‬ ‫اعتزل ال ّ‬

‫‪376‬‬
‫سجود فأبيت‬ ‫سجود فسجد فله الجنّة ‪ ،‬وأمرت بال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫فلي النّار » ‪.‬‬
‫شروط سجود التّلوة ‪:‬‬
‫الطّهارة من الحدث والخبث ‪:‬‬
‫حة سجود‬ ‫‪ - 3‬ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط لص ّ‬
‫التّلوة الطّهارة من الحدث والخبث في البدن‬
‫والثّوب والمكان ‪ ،‬لكون سجود التّلوة صلةً أو جزءاً‬
‫حته‬‫صلة ‪ ،‬فيشترط لص ّ‬ ‫صلة أو في معنى ال ّ‬ ‫من ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬والّتي ل تقبل‬ ‫حة ال ّ‬ ‫الطّهارة الّتي شرطت لص ّ‬
‫صلة إل ّ بها ‪ ،‬لما روى عبد اللّه بن عمر رضي الله‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ن النّب ّ‬
‫تعالى عنهما « أ ّ‬
‫ل تقبل صلة بغير طهور » فيدخل في عمومه‬
‫سجود التّلوة ‪.‬‬
‫وقال ابن قدامة ‪ :‬يشترط لسجود التّلوة ما يشترط‬
‫لصلة النّافلة من الطّهارتين من الحدث والنّجس ‪...‬‬
‫ول نعلم فيه خلفا ً إل ّ ما روي عن عثمان بن عّفان‬
‫سجدة ‪:‬‬ ‫رضي الله تعالى عنه في الحائض تسمع ال ّ‬
‫تومئ برأسها ‪ ،‬وبه قال سعيد بن المسيّب قال ‪:‬‬
‫ي فيمن‬ ‫شعب ّ‬ ‫م لك سجدت ‪ ،‬وعن ال ّ‬ ‫ويقول ‪ :‬اللّه ّ‬
‫سجدة على غير وضوء ‪ :‬يسجد حيث كان‬ ‫سمع ال ّ‬
‫وجهه ‪.‬‬
‫ن سجود القرآن‬ ‫ي ‪ :‬ل خلف في أ ّ‬ ‫وقال القرطب ّ‬
‫صلة من طهارة حدث‬ ‫يحتاج إلى ما تحتاج إليه ال ّ‬
‫ونجس ‪ ..‬إل ّ ما ذكر البخاريّ عن عبد اللّه بن عمر‬
‫رضي الله تعالى عنهما أنّه كان يسجد على غير‬
‫ي‪.‬‬‫شعب ّ‬ ‫طهارة ‪ .‬وذكره ابن المنذر عن ال ّ‬
‫وعند المالكيّة في اشتراط الطّهارة لسجود التّلوة‬
‫ي‪.‬‬‫خلفه للنّاصر اللّقان ّ‬

‫‪377‬‬
‫ن سجود التّلوة‬ ‫قال أبو العبّاس ‪ :‬والّذي تبيّن لي أ ّ‬
‫صلة وغيرها ‪.‬‬ ‫واجب مطلقا ً في ال ّ‬
‫وهو رواية عن أحمد ‪ ،‬ومذهب طائفة من العلماء ‪،‬‬
‫ول يشرع فيه تحريم ول تحليل ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫سنّة المعروفة عن النّب ّ‬ ‫هذا هو ال ّ‬
‫سلف ‪.‬‬‫مة ال ّ‬‫وسلم وعليها عا ّ‬
‫وعلى هذا فليس هو صلة ً ‪ .‬فل يشترط له شروط‬
‫صلة ‪ .‬بل يجوز على غير طهارة ‪ .‬كان ابن عمر‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫البخاري ‪ .‬لك ّ‬
‫ّ‬ ‫يسجد على غير طهارة ‪ .‬واختارها‬
‫صلة أفضل ‪ ،‬ول ينبغي أن يخ ّ‬
‫ل‬ ‫سجود بشروط ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫بذلك إل ّ لعذر‬
‫سجود بل طهارة خير من الخلل به ‪ ،‬لكن قد‬ ‫فال ّ‬
‫يقال ‪ :‬إنّه ل يجب في هذه الحال كما ل يجب على‬
‫سجود ‪ .‬وإن كان ذلك‬ ‫سامع إذا لم يسجد قارئ ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سجود جائزا ً عند جمهور العلماء ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ما ستر العورة واستقبال القبلة والنّيّة فهي‬ ‫وأ ّ‬
‫حة سجود التّلوة على التّفصيل المبيّن‬ ‫شروط لص ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫ن ال ّ‬‫في مصطلح ‪ ( :‬صلة ‪ ،‬و عورة ) على أ ّ‬
‫اعتبروا النّيّة ركنا ً ‪.‬‬
‫دخول الوقت ‪:‬‬
‫حة سجود التّلوة دخول وقت‬ ‫‪ - 4‬يشترط لص ّ‬
‫سجود ‪ ،‬ويحصل ذلك عند جمهور الفقهاء بقراءة‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة أو سماعها ‪ ،‬فلو سجد قبل‬ ‫جميع آية ال ّ‬
‫ح‬
‫النتهاء إلى آخر الية ولو بحرف واحد لم يص ّ‬
‫سجود ‪ ،‬لنّه يكون قد سجد قبل دخول وقت‬ ‫ال ّ‬
‫صلة قبل دخول‬ ‫ح ال ّ‬‫ح ‪ ،‬كما ل تص ّ‬ ‫سجود فل يص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وقتها ‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫واختلف الحنفيّة فيما يجب به سجود التّلوة ‪ ،‬فقال‬
‫ي ‪ :‬يجب سجود التّلوة بسبب تلوة آية ‪،‬‬ ‫الحصكف ّ‬
‫سجدة ‪.‬‬ ‫أي أكثرها مع حرف ال ّ‬
‫وعّقب ابن عابدين على ذلك بقوله ‪ :‬هذا خلف‬
‫صحيح الّذي جزم به في نور اليضاح ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫ف عن مفسدات ال ّ‬ ‫الك ّ‬
‫ل ما‬ ‫ف عن ك ّ‬ ‫حة سجود التّلوة الك ّ‬ ‫‪ - 5‬يشترط لص ّ‬
‫ن سجود التّلوة‬ ‫صلة من قول أو فعل ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يفسد ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫صلة أو في معنى ال ّ‬
‫حة سجود‬ ‫واشترط بعض الفقهاء شروطا ً أخرى لص ّ‬
‫شافعيّة من كون‬ ‫التّلوة ‪ ،‬منها ‪ :‬ما اشترطه ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وعدم الفصل الطّويل‬ ‫القراءة مقصودة ً ومشروع ً‬
‫سجود ‪.‬‬ ‫سجدة وال ّ‬ ‫بين قراءة آخر آية ال ّ‬
‫ومن ذلك ما ذهب إليه الحنابلة من أنّه يشترط‬
‫من يصلح أن‬ ‫لسجود المستمع أن يكون التّالي م ّ‬
‫يكون إماما ً له ‪ ،‬وأن يسجد التّالي ‪.‬‬
‫مواضع سجود التّلوة ‪:‬‬
‫‪ - 6‬مواضع سجود التّلوة في القرآن الكريم خمسة‬
‫عشر ‪ ،‬بعضها متّفق عليه ‪ ،‬وبعضها مختلف فيه ‪،‬‬
‫ت عشرة بزيادة سجدة عند آية الحجر ‪:‬‬ ‫وقيل س ّ‬
‫ن } ‪ .‬خلفاً‬ ‫جدِي َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَكُن ِّ‬ ‫مدِ َرب ِّ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ِّ ْ‬‫{ فَ َ‬
‫لجماهير العلماء ‪.‬‬
‫سجود المتّفق عليها ‪:‬‬ ‫مواضع ال ّ‬
‫‪ - 7‬اتّفق الفقهاء على سجود التّلوة في عشرة‬
‫مواضع من القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة العراف ‪ :‬وهي آخر آية فيها { ‪...‬‬
‫ن}‪.‬‬ ‫جدُو َ‬‫س ُ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ه وَل َ ُ‬ ‫حون َ ُ‬ ‫سب ِّ ُ‬
‫وَي ُ َ‬

‫‪379‬‬
‫‪ - 2‬سورة الّرعد ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪... { :‬‬
‫ل } من الية الخامسة عشر‬ ‫صا ِ‬ ‫وَظِللُهُم بِالْغُد ُ ِّو َوال َ‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 3‬سورة النّحل عند قول اللّه تعالى ‪... { :‬‬
‫ن } من الية الخمسين ‪.‬‬ ‫مُرو َ‬ ‫ما يُؤ ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فعَلُو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫‪ - 4‬سورة السراء ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪... { :‬‬
‫شوعا ً } من الية التّاسعة بعد المائة ‪.‬‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫وَيَزِيدُهُ ْ‬
‫خُّروا‬ ‫‪ -5‬سورة مريم ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪َ ... { :‬‬
‫جدا ً َوبُكِيّا ً } من الية الثّامنة والخمسين ‪.‬‬ ‫س َّ‬ ‫ُ‬
‫َ َّ‬
‫ن الل َ‬
‫ه‬ ‫ج ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪ ... {:‬إ ِ ّ‬ ‫‪ -6‬سورة الح ّ‬
‫شاء } من الية الثّامنة عشر‪.‬‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪ -7‬سورة النّمل ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪َ ... { :‬ر ُّ‬
‫ب‬
‫سابعة والعشرين ‪.‬‬ ‫ش الْعَظِيم ِ } من الية ال ّ‬ ‫العَْر ِ‬
‫ْ‬
‫ل ‪ } ...‬عند قول اللّه‬ ‫سجدة { الم تَنْزِي ُ‬ ‫‪ -8‬سورة ال ّ‬
‫ن } من الية الخامسة‬ ‫ستَكْبُِرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَهُ ْ‬
‫عشر ‪.‬‬
‫‪ -9‬سورة الفرقان ‪ :‬عند قول اللّه تعالى ‪... { :‬‬
‫ستّين ‪.‬‬ ‫م نُُفورا ً } من الية ال ّ‬ ‫َوَزادَهُ ْ‬
‫صلت " ‪ .‬عند قول اللّه‬ ‫سجدة َ" ف ّ‬ ‫‪ - 10‬سورة حم ال ّ‬
‫ن } من الية الثّامنة‬ ‫مو َ‬ ‫سأ ُ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫تعالى ‪ ... { :‬وَهُ ْ‬
‫والثّلثين ‪.‬‬
‫هذا على ما ذهب إليه الجمهور لفعل ابن عبّاس‬
‫سجود يكون عند‬ ‫ن ال ّ‬ ‫رضي الله عنهما ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬
‫مام‬ ‫ن } عند ت ّ‬ ‫م إِيَّاهُ تَعْبُدُو َ‬ ‫قوله تعالى ‪ { :‬إِن كُنت ُ ْ‬
‫سابعة والثّلثين ‪ ،‬وهو المشهور عند المالكيّة‬ ‫الية ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫سجود المختلف فيها ‪:‬‬ ‫مواضع ال ّ‬
‫اختلف الفقهاء في سجود التّلوة عند خمسة مواضع‬
‫من القرآن الكريم هي ‪:‬‬

‫‪380‬‬
‫ج‪:‬‬‫سجدة الثّانية في سورة الح ّ‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫سجود عند قوله تعالى ‪{:‬‬ ‫‪ - 8‬اختلف الفقهاء في ال ّ‬
‫َّ‬
‫جدُوا ‪ } ...‬إلخ ‪.‬‬ ‫س ُ‬‫َ ْ‬‫ا‬ ‫و‬ ‫وا‬‫ُ‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫رك‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫من‬‫آ‬
‫َ َ‬‫ن‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫يَا أَيُّهَا ال‬
‫ج‬
‫ن في سورة الح ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫سجدتين ‪ ،‬إحداهما الّتي تقدّمت في المتّفق عليه ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جدُوا‬ ‫س ُ‬ ‫منُوا اْركَعُوا وَا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫والخرى عند ‪ { :‬يَا أيُّهَا ال ّذِي َ‬
‫سبعون‪.‬‬ ‫سابعة وال ّ‬ ‫} وهي الية ال ّ‬
‫لما روي عن « عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه‬
‫ن‬‫ج بأ ّ‬ ‫ضلت سورة الح ّ‬ ‫قال ‪ :‬قلت يا رسول اللّه ‪ :‬ف ّ‬
‫فيها سجدتين ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬من لم يسجدهما فل‬
‫ي وعبد اللّه بن عمر‬ ‫يقرأهما » ولنّه قول عمر وعل ّ‬
‫وأبي الدّرداء وأبي موسى رضي الله عنهم ‪ ،‬وأبي‬
‫ي ‪ ،‬وأبي العالية وزّر بن حبيش ‪،‬‬ ‫سلم ّ‬ ‫عبد الّرحمن ال ّ‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬لم نعرف لهم مخالفا ً في‬
‫ي‬‫ي التّابع ّ‬ ‫سبيع ّ‬ ‫عصرهم ‪ ،‬وقد قال أبو إسحاق ال ّ‬
‫ة يسجدون‬ ‫الكبير ‪ :‬أدركت النّاس منذ سبعين سن ً‬
‫ج سجدتين ‪ ،‬وقال ابن عمر رضي الله تعالى‬ ‫في الح ّ‬
‫عنهما ‪ :‬لو كنت تاركا ً إحداهما لتركت الولى ‪ ،‬وذلك‬
‫لنّها إخبار ‪ ،‬والثّانية أمر ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه ل سجود في هذا‬
‫ي بن كعب رضي‬ ‫الموطن ‪ ،‬واستدلّوا بما روي عن أب ّ‬
‫سجدات الّتي سمعها من‬ ‫الله تعالى عنه « أنّه عد ّ ال ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعد ّ في الح ّ‬
‫ج‬
‫سجدةً واحدةً » ‪ .‬وعن عبد اللّه بن عبّاس وعبد اللّه‬
‫بن عمر رضي الله تعالى عنهم قال ‪ :‬سجدة التّلوة‬
‫ن‬
‫صلة ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ج هي الولى ‪ ،‬والثّانية سجدة ال ّ‬ ‫في الح ّ‬
‫سجدة متى قرنت الّركوع كانت عبارةً عن سجدة‬ ‫ال ّ‬
‫م اقْنُتِي‬‫مْري َ ُ‬‫صلة كما في قول اللّه تعالى ‪ { :‬يَا َ‬ ‫ال ّ‬

‫‪381‬‬
‫ن } ولعدم‬ ‫معَ الَّراكِعِي َ‬ ‫جدِي َواْركَعِي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ك َوا ْ‬ ‫لَِرب ِّ ِ‬
‫سجود فقهاء المدينة وقّرائهم فيها ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬سجدة سورة ( ص ) ‪:‬‬
‫سجود‬ ‫‪ - 9‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى مشروعيّة ال ّ‬
‫ن الحنفيّة قالوا في‬ ‫للتّلوة في سورة ( ص ) ‪ ،‬لك ّ‬
‫سجود عند قول اللّه تعالى ‪:‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صحيح عندهم ‪ :‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫س َ‬‫ح ْ‬ ‫عندَنَا لَُزلَْفى وَ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ك وَإ ِ َّ‬‫ه ذَل ِ َ‬ ‫{ فَغََفْرنَا ل َ ُ‬
‫ب}‪.‬‬ ‫مآ ٍ‬ ‫َ‬
‫ل ‪... :‬‬ ‫سجود عند قول اللّه عّز وج ّ‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬ال ّ‬
‫َ‬
‫خَّر َراكِعًا‬‫ه َو َ‬ ‫ما فَتَنَّاه ُ فَا ْ‬
‫ستَغَْفَر َرب َّ ُ‬ ‫ن دَاوُود ُ أن َّ َ‬ ‫{ وَظ َ َّ‬
‫ب } وهو المعتمد في المذهب خلفا ً لمن قال‬ ‫َ‬
‫َوأنَا َ‬
‫ب}‪،‬‬ ‫مآ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫س َ‬
‫ح ْ‬ ‫سجود عند قول اللّه تعالى ‪َ { :‬و ُ‬ ‫ال ّ‬
‫سجود في الخير في ك ّ‬
‫ل‬ ‫ومن المالكيّة من اختار ال ّ‬
‫موضع مختلف فيه ليخرج من الخلف ‪.‬‬
‫ل الحنفيّة لمذهبهم ‪ ،‬بما روى ابن عبّاس‬ ‫واستد ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬‫رضي الله تعالى عنهما « أ ّ‬
‫وسلم سجد في ص » ‪ .‬وبما أخرجه أحمد عن أبي‬
‫سعيد رضي الله عنه قال ‪ « :‬رأيت رؤيا وأنا أكتب‬
‫سجدة رأيت الدّواة والقلم‬ ‫ما بلغت ال ّ‬ ‫سورة ص فل ّ‬
‫ل شيء بحضرتي انقلب ساجدا ً ‪ ،‬فقصصتها على‬ ‫وك ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد‬
‫بها » ‪.‬‬
‫قال الكمال بن الهمام في الستدلل بالحديث ‪:‬‬
‫ن المر صار إلى المواظبة عليها كغيرها من‬ ‫فأفاد أ ّ‬
‫غير ترك ‪.‬‬
‫واستدلّوا كذلك بما روي عن عثمان رضي الله‬
‫صلة سورة ( ص ) وسجد‬ ‫تعالى عنه أنّه قرأ في ال ّ‬
‫صحابة‬ ‫وسجد النّاس معه ‪ ،‬وكان ذلك بمحضر من ال ّ‬

‫‪382‬‬
‫رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬ولم ينكر عليها أحد ‪ ،‬ولو‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ة لما جاز إدخالها في ال ّ‬ ‫سجدة واجب ً‬ ‫لم تكن ال ّ‬
‫شكر ل‬ ‫قنا ال ّ‬
‫سجود في ح ّ‬ ‫وقالوا ‪ :‬كون سبب ال ّ‬
‫ل الفرائض والواجبات إنّما‬ ‫ينافي الوجوب ‪ ،‬فك ّ‬
‫وجبت شكرا ً لتوالي النّعم ‪ ،‬ونحن نسجد شكرا ً ‪.‬‬
‫شافعيّة في المنصوص الّذي قطع به‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫جمهورهم ‪ -‬والحنابلة ‪ -‬في المشهور في المذهب ‪-‬‬
‫سجود ‪،‬‬ ‫ن سجدة ( ص ) ليست من عزائم ال ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫أي ليست من متأكّداته ‪ -‬فليست سجدة تلوة‬
‫ولكنّها سجدة شكر ‪ ،‬لما روى أبو داود عن أبي‬
‫سعيد رضي الله تعالى عنه قال‪ « :‬قرأ رسول اللّه‬
‫ما بلغ‬ ‫صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص ‪ ،‬فل ّ‬
‫ما كان‬ ‫سجدة نزل فسجد ‪ ،‬وسجد النّاس معه ‪ ،‬فل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة تشّزن النّاس‬ ‫ما بلغ ال ّ‬ ‫يوم آخر قرأها فل ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫سجود ‪ -‬أي تأهّبوا له ‪ -‬فقال النّب ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ي ‪ ،‬ولكنّي رأيتكم تشّزنتم‬ ‫وسلم ‪ :‬إنّما هي توبة نب ّ‬
‫ي‬
‫سجود فنزل فسجد وسجدوا » ‪ ،‬وروى النّسائ ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما « أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال ‪ :‬سجدها‬
‫ة ‪ ،‬ونسجدها شكرا ً » ‪ .‬وروى البخاريّ عن‬ ‫داود توب ً‬
‫ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال ‪ ( :‬ص )‬
‫سجود ‪.‬‬ ‫ليست من عزائم ال ّ‬
‫ب أن‬ ‫صلة استح ّ‬ ‫وقالوا ‪ :‬إذا قرأ ( ص ) من غير ال ّ‬
‫يسجد لحديث أبي سعيد وابن عبّاس رضي الله‬
‫صلة ينبغي ألّ‬ ‫تعالى عنهم ‪ ،‬وإن قرأها في ال ّ‬
‫يسجد ‪ ،‬فإن خالف وسجد ناسيا ً أو جاهل ً لم تبطل‬
‫سهو ‪ ،‬وإن سجدها عامدا ً عالماً‬ ‫صلته وسجد لل ّ‬
‫ح من‬ ‫صلة بطلت صلته على الص ّ‬ ‫بتحريمها في ال ّ‬
‫صلة‬ ‫الوجهين ‪ ،‬لنّها سجدة شكر ‪ ،‬فبطلت بها ال ّ‬

‫‪383‬‬
‫ح‬
‫صلة عند تجدّد نعمة ‪ ،‬ومقابل الص ّ‬ ‫سجود في ال ّ‬ ‫كال ّ‬
‫‪ :‬ل تبطل لنّها تتعلّق بالتّلوة فهي كسائر سجدات‬
‫التّلوة ‪ ،‬ولو سجد إمامه في ( ص ) لكونه يعتقدها‬
‫حها ‪ :‬ل يتابعه بل إن شاء نوى‬ ‫فثلثة أوجه أص ّ‬
‫مفارقته لنّه معذور ‪ ،‬وإن شاء ينتظره قائما ً كما لو‬
‫ن‬
‫سهو ل ّ‬ ‫قام إلى خامسة ‪ ،‬فإن انتظره لم يسجد لل ّ‬
‫المأموم ل سهو عليه ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬ل يتابعه أيضا ً ‪ ،‬وهو‬
‫مخيّر في المفارقة والنتظار ‪ ،‬فإن انتظره سجد‬
‫ن إمامه زاد‬ ‫سهو بعد سلم المام ‪ ،‬لنّه يعتقد أ ّ‬ ‫لل ّ‬
‫جها ً عليهما‬ ‫سهو تو ّ‬‫ن لسجود ال ّ‬ ‫في صلته جاهل ً ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل به المام سجد المأموم ‪ ،‬والثّالث ‪ :‬يتابعه‬ ‫فإذا أخ ّ‬
‫في سجوده في ( ص ) لتأكّد متابعة المام ‪.‬‬
‫شافعيّة‬ ‫ومقابل المنصوص الّذي قطع به جمهور ال ّ‬
‫ن‬
‫ومقابل المشهور في المذهب عند الحنابلة أ ّ‬
‫سجود ‪ ،‬وهو‬ ‫سجدة ( ص ) سجدة تلوة من عزائم ال ّ‬
‫المروزي‬
‫ّ‬ ‫قول أبي العبّاس بن سريج وأبي إسحاق‬
‫شافعيّة ‪ ،‬والّرواية الثّانية عن أحمد ‪ ،‬يسجد‬ ‫من ال ّ‬
‫من تلها أو سمعها وذلك لما رواه أبو موسى وأبو‬
‫سعيد وعبد اللّه بن عبّاس رضي الله تعالى عنهم ‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم سجد فيها » ‪.‬‬ ‫ن النّب ّ‬‫«أ ّ‬
‫سجدة في‬ ‫صلة من آية ال ّ‬ ‫سجود في ال ّ‬ ‫وينظر حكم ال ّ‬
‫شكر)‪.‬‬ ‫سورة( ص ) في بحث ‪ ( :‬سجود ال ّ‬
‫صل ‪:‬‬ ‫ج ‪ -‬سجدات المف ّ‬
‫صل ثلث‬ ‫ن في المف ّ‬ ‫‪ - 10‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫صل من أوّل سورة ( ق) إلى آخر‬ ‫سجدات ‪ -‬المف ّ‬
‫المصحف ‪ -‬أحدها في آخر النّجم ‪ ،‬والثّانية في الية‬
‫الحادية والعشرين من سورة النشقاق ‪ ،‬والثّالثة في‬
‫آخر سورة العلق ‪ ،‬لما روي عن عمرو بن العاص‬
‫ن رسول اللّه صلى الله‬ ‫رضي الله تعالى عنه ‪ « :‬أ ّ‬

‫‪384‬‬
‫عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدةً منها ثلث‬
‫صل » ‪ .‬ولما روى أبو رافع قال ‪ « :‬صلّيت‬ ‫في المف ّ‬
‫ماءُ‬ ‫س َ‬ ‫خلف أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا ال َّ‬
‫سجدة ؟ فقال‬ ‫ت } فسجد ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما هذه ال ّ‬ ‫شَّق ْ‬ ‫ان ْ َ‬
‫‪ :‬سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه‬
‫وسلم فل أزال أسجد فيها حتّى ألقاه » ‪ .‬وروى‬
‫مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال ‪« :‬‬
‫سجد نافع مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في‬
‫ْ‬
‫ك}»‬ ‫سم ِ َرب ِّ َ‬ ‫ت } و { اقَْرأ بِا ْ‬ ‫شَّق ْ‬
‫ماءُ ان ْ َ‬
‫س َ‬‫{ إذا ال َّ‬
‫وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله تعالى عنه « أ ّ‬
‫ن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النّجم فسجد‬ ‫النّب ّ‬
‫بها ‪ ،‬وما بقي أحد من القوم إل ّ سجد »‬
‫َ‬
‫جدُوا لِل ّهِ وَاعْبُدُوا }‬ ‫س ُ‬‫ن آية سورة النّجم ‪ { :‬فَا ْ‬ ‫ول ّ‬
‫َ‬
‫جدْ‬‫س ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫وآية آخر سورة العلق ‪ { :‬ك َ ّل َل تُطِعْ ُ‬
‫سجود ‪.‬‬ ‫ب } وكلتا اليتين أمر بال ّ‬ ‫َواقْتَرِ ْ‬
‫ومشهور مذهب مالك أنّه ل سجود في شيء من‬
‫صل ‪ ،‬واستدلّوا بما روى زيد بن ثابت رضي الله‬ ‫المف ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫تعالى عنه قال ‪ « :‬قرأت على النّب ّ‬
‫وسلم النّجم فلم يسجد » وبما روي عن ابن عبّاس‬
‫وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قال ‪ :‬ليس في‬
‫صل سجدة ‪ ،‬وبما أخرج ابن ماجه عن أبي‬ ‫المف ّ‬
‫الدّرداء رضي الله تعالى عنه قال ‪ « :‬سجدت مع‬
‫ة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجد ً‬ ‫النّب ّ‬
‫صل شيء ‪ :‬العراف ‪ ،‬والّرعد ‪،‬‬ ‫ليس فيها من المف ّ‬
‫ج ‪ ،‬وسجدة‬ ‫والنّحل ‪ ،‬وبني إسرائيل ‪ ،‬ومريم ‪ ،‬والح ّ‬
‫سجدة ‪ ،‬وفي ص‬ ‫الفرقان ‪ ،‬وسورة النّمل ‪ ،‬وال ّ‬
‫وسجدة الحواميم » ‪ ،‬ولعمل أهل المدينة لعدم‬
‫سجود فقهائها وقّرائها في النّجم والنشقاق ‪.‬‬
‫ن المصلّي إذا سجد للتّلوة‬ ‫والمعتمد عند المالكيّة أ ّ‬

‫‪385‬‬
‫صل لم تبطل‬ ‫ج أو في سجدات المف ّ‬ ‫في ثانية الح ّ‬
‫صلته للخلف فيها ‪ ،‬وقيل ‪ :‬تبطل صلته إل ّ أن‬
‫يكون مقتديا ً بمن يسجدها فيسجد معه‪ ،‬فإن ترك‬
‫حت صلته ‪ ،‬ولو سجد دون إمامه‬ ‫اتّباعه أساء وص ّ‬
‫بطلت صلته ‪.‬‬
‫ي اتّجاهات المالكيّة في اعتبار الخلف‬ ‫ونقل الّزرقان ّ‬
‫ج وسجدات‬ ‫سجود في ثانية الح ّ‬ ‫في مشروعيّة ال ّ‬
‫ي ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫صل الثّلث حقيقيّا ً أو غير حقيق ّ‬ ‫المف ّ‬
‫ي وهو‬ ‫ن هذا الخلف حقيق ّ‬ ‫خرين على أ ّ‬ ‫جمهور المتأ ّ‬
‫ظاهر المصنّف خليل ‪ -‬وعليه فيمنع أن يسجدها في‬
‫صلة ‪ ،‬قال سند ‪ :‬لنّه يزيد فيها فعل ً تبطل بمثله ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ة في فعل‬ ‫ميت الحدى عشرة عزائم مبالغ ً‬ ‫وس ّ‬
‫ن الخلف غير‬ ‫سجود مخافة أن تترك ‪ .‬وقيل ‪ :‬إ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سجود في جميعها ‪ ،‬إل ّ أنّه في الحدى‬ ‫ي وال ّ‬
‫حقيق ّ‬
‫عشرة آكد ‪ ،‬ويشهد له قول الموطّأ ‪ :‬عزائم‬
‫سجود إحدى عشرة أي المتأكّد منها ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫كيفيّة سجود التّلوة ‪:‬‬
‫ن سجود التّلوة يحصل‬ ‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫سجدة‬ ‫ن ال ّ‬‫بسجدة واحدة ‪ ،‬وذهب جمهورهم إلى أ ّ‬
‫للتّلوة تكون بين تكبيرتين ‪ ،‬وأنّه يشترط فيها‬
‫صلة‬‫ب لسجدة ال ّ‬ ‫ب لها ما يشترط ويستح ّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫من كشف الجبهة والمباشرة بها باليدين والّركبتين‬
‫والقدمين والنف ‪ ،‬ومجافاة المرفقين من الجنبين‬
‫ساجد أسافله عن‬ ‫والبطن عن الفخذين ‪ ،‬ورفع ال ّ‬
‫أعاليه وتوجيه أصابعه إلى القبلة ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫سجود للتّلوة‬ ‫لكنّهم اختلفوا في تفصيل كيفيّة أداء ال ّ‬
‫ل مذهب ببيان ‪:‬‬ ‫اختلفا ً يحسن معه إفراد أقوال ك ّ‬

‫‪386‬‬
‫سجود أو‬ ‫ن ركن سجدة التّلوة ال ّ‬ ‫ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ل وإيماء مريض‬ ‫ما يقوم مقامه كركوع مص ّ‬ ‫بدله م ّ‬
‫وراكب ‪.‬‬
‫ن سجود التّلوة سجدة بين تكبيرتين‬ ‫وقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫مسنونتين جهرا ً ‪ ،‬واستحبّوا له الخرور له من قيام ‪،‬‬
‫م كبّر‬
‫سجود كبّر ولم يرفع يديه وسجد ث ّ‬ ‫فمن أراد ال ّ‬
‫صلة‪ ،‬لما روي عن عبد‬ ‫ورفع رأسه اعتبارا ً بسجدة ال ّ‬
‫اللّه بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّه قال للتّالي‬
‫‪ :‬إذا قرأت سجدةً فكبّر واسجد وإذا رفعت رأسك‬
‫سجود وعند الّرفع‬ ‫فكبّر ‪ ،‬والتّكبيرتان عند الهويّ لل ّ‬
‫ساجد فيهما‬ ‫منه مندوبتان ل واجبتان ‪ ،‬فل يرفع ال ّ‬
‫ن الّرفع للتّحريم ‪ ،‬ول تحريم لسجود‬ ‫يديه ‪ ،‬ل ّ‬
‫صلة لتوحيد‬ ‫التّلوة ‪ ،‬وقد اشترطت التّحريمة في ال ّ‬
‫الفعال المختلفة فيها من قيام وقراءة وركوع‬
‫وسجود ‪ ،‬وبالتّحريمة صارت فعل ً واحدا ً ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ما‬
‫سجدة التّلوة فماهيّتها فعل واحد فاستغنت عن‬
‫سجود وجب تعظيما ً للّه تعالى‬ ‫ن ال ّ‬
‫التّحريمة ‪ ،‬ول ّ‬
‫ل ‪ .‬وتؤدّى سجدة التّلوة ‪ -‬عند‬ ‫وخضوعا ً له عّز وج ّ‬
‫صلة بسجود أو ركوع غير ركوع‬ ‫الحنفيّة ‪ -‬في ال ّ‬
‫صلة إذا كان‬ ‫صلة وسجودها ‪ ،‬وتؤدّى بركوع ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الّركوع على الفور من قراءة آية أو آيتين وكذا‬
‫الثّلث على الظّاهر ‪ ،‬وكان المصلّي قد نوى كون‬
‫الّركوع لسجود التّلوة على الّراجح ‪ ،‬وتؤدّى بسجود‬
‫صلة على الفور وإن لم ينو ‪ ،‬ولو نواها المام في‬ ‫ال ّ‬
‫م لم تجزه ‪ ،‬ويسجد إذا سلّم‬ ‫ركوعه ولم ينوها المؤت ّ‬
‫المام ويعيد القعدة ‪ ،‬ولو تركها فسدت صلته ‪،‬‬
‫سجود ‪،‬‬ ‫وذلك في الجهريّة ‪ ،‬والصل في أدائها ال ّ‬
‫وهو أفضل ‪ ،‬ولو ركع المصلّي لها على الفور جاز ‪،‬‬
‫ح أن يركع لها ولو في حرمة‬ ‫وإن فات الفور ل يص ّ‬

‫‪387‬‬
‫ص بها ما دام في‬ ‫صلة ‪ ،‬فل بد ّ لها من سجود خا ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن سجدة التّلوة صارت دينًا والدّين‬ ‫صلة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫حرمة ال ّ‬
‫سجود عليه‬ ‫يقضى بما له ل بما عليه ‪ ،‬والّركوع وال ّ‬
‫فل يتأدّى به الدّين ‪ ،‬وإذا سجد للتّلوة أو ركع لها‬
‫ب أن ل‬ ‫على حدة فورا ً يعود إلى القيام ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫يعقبه بالّركوع بل يقرأ بعد قيامه آيتين أو ثلثاً‬
‫سجدة من آخر‬ ‫م يركع ‪ ،‬وإن كانت ال ّ‬ ‫فصاعدا ً ث ّ‬
‫م يركع ‪.‬‬ ‫سورة يقرأ من سورة أخرى ث ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة فل يجزئ الّركوع عن سجود‬ ‫ما في خارج ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫التّلوة ل قياسا ً ول استحسانا ً كما في البدائع ‪ ،‬وهو‬
‫المرويّ في الظّاهر ‪.‬‬
‫صلة‬‫ن سجدة التّلوة شابهت ال ّ‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫صلة من الطّهارة‬ ‫‪ ،‬ولذا شرط لها ما شرط لل ّ‬
‫وغيرها ‪ ،‬وشابهت القراءة لنّها من توابعها ‪ ،‬ولذا‬
‫تؤدّى ‪ -‬كالقراءة ‪ -‬بل إحرام ‪ ،‬أي بغير تكبير للحرام‬
‫للهوي‬
‫ّ‬ ‫مع رفع اليدين عنده زيادة ً على التّكبير‬
‫والّرفع ‪ ،‬وبل سلم على المشهور ‪.‬‬
‫وعدم مشروعيّة التّسليم في سجدة التّلوة ل يعني‬
‫د‬
‫ن سجدة التّلوة صلة والنّيّة ل ب ّ‬ ‫عدم النّيّة لها ‪ ،‬ل ّ‬
‫صلة بل نزاع ‪ ،‬والنّيّة لسجدة التّلوة هي‬ ‫منها في ال ّ‬
‫سجدة ‪ ،‬قال‬ ‫سنّة الّتي هي ال ّ‬ ‫أن ينوي أداء هذه ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬لكن يبعد أو‬ ‫ي ‪ :‬ويكره الحرام وال ّ‬ ‫الّزرقان ّ‬
‫يمنع أن يتصوّر هويّه لسجدة التّلوة من غير‬
‫سجدة ‪.‬‬
‫استحضار نيّة لتلك ال ّ‬
‫ساجد لسجدة التّلوة من قيام ‪،‬‬ ‫ط ال ّ‬‫وقالوا ‪ :‬وينح ّ‬
‫ول يجلس ليأتي بها منه ‪ ،‬وينزل الّراكب ‪ ،‬ويكبّر‬
‫لخفضه في سجوده والّرفع منه إذا كان بصلة ‪ ،‬بل‬
‫ن من سجد للتّلوة‬ ‫لو بغير صلة ‪ ،‬خلفا ً لمن قال ‪ :‬إ ّ‬
‫بغير صلة ل يكبّر لخفض ول لرفع ‪ ،‬وقال بعض‬

‫‪388‬‬
‫سنّيّة ‪،‬‬
‫ن حكم هذا التّكبير ال ّ‬ ‫شّراح ‪ :‬الظّاهر أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة من جملة‬ ‫ن سجدة التّلوة في ال ّ‬ ‫ويؤيّده أ ّ‬
‫صلة والتّكبير فيها سنّة ‪ ،‬وقال غيرهم ‪ :‬إنّه‬ ‫ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬ول يكفي عن سجدة التّلوة ‪ -‬عندهم ‪-‬‬ ‫مستح ّ‬
‫ركوع ‪ ،‬أي ل يجعل الّركوع بدلها أو عوضا ً عنها ‪،‬‬
‫سواء أكان في صلة أم ل ‪.‬‬
‫وإن ترك سجدة التّلوة عمدا ً وقصد الّركوع الّركن ّ‬
‫ي‬
‫ح ركوعه وكره له ذلك ‪ ،‬وإن تركها سهوا ً عنها‬ ‫ص ّ‬
‫وركع قاصدا ً الّركوع من أوّل المر فذكرها وهو راكع‬
‫اعتد ّ بركوعه فيمضي عليه ويرفع لركعته عند مالك‬
‫من رواية أشهب ‪ ،‬ل عند ابن القاسم فيخّر ساجدا ً ‪،‬‬
‫سلم إن‬ ‫م يقوم فيقرأ شيئا ً ويركع ‪ ،‬ويسجد بعد ال ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ن بركوعه الّذي تذكّر فيه تركها لزيادة‬ ‫كان قد اطمأ ّ‬
‫الّركوع ‪.‬‬
‫ما أن يكون في‬ ‫ساجد للتّلوة إ ّ‬‫شافعيّة ‪ :‬ال ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬
‫صلة أو في غير ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬في ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬إماما ً كان‬ ‫سجود للتّلوة وهو في ال ّ‬ ‫من أراد ال ّ‬
‫سجود بالقلب من غير‬ ‫أو منفردا ً أو مأموما ً ‪ ،‬نوى ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬فإن‬ ‫تلّفظ ول تكبير للفتتاح لنّه متحّرم بال ّ‬
‫تلّفظ بالنّيّة بطلت صلته كما لو كبّر بقصد الحرام ‪،‬‬
‫والنّيّة واجبة في حقّ المام والمنفرد ومندوبة في‬
‫ق المأموم لحديث ‪ « :‬إنّما العمال بالنّيّات » ‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫ي"‪:‬ل‬ ‫شربين ّ‬ ‫وقال ابن الّرفعة والخطيب " لعلّه ال ّ‬
‫صلة‬ ‫ن نيّة ال ّ‬ ‫سجود إلى نيّة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يحتاج في هذا ال ّ‬
‫تنسحب عليه وتشمله بواسطة شمولها للقراءة ‪.‬‬
‫سجود ول‬ ‫ب له أن يكبّر في الهويّ إلى ال ّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫سجود‬ ‫ن اليد ل ترفع في الهويّ إلى ال ّ‬ ‫يرفع اليد ‪ ،‬ل ّ‬

‫‪389‬‬
‫سجود كما‬ ‫صلة ‪ ،‬ويكبّر عند رفعه رأسه من ال ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫يفعل في سجدات ال ّ‬
‫سجود قام ول يجلس‬ ‫وإذا رفع رأسه من ال ّ‬
‫ب أن يقرأ شيئا ً ث ّ‬
‫م‬ ‫للستراحة ‪ ،‬فإذا قام استح ّ‬
‫م ركع بل قراءة جاز إذا‬ ‫يركع ‪ ،‬فإن انتصب قائما ً ث ّ‬
‫كان قد قرأ الفاتحة قبل سجوده ‪ ،‬ول خلف في‬
‫ن الهويّ إلى الّركوع من‬ ‫وجوب النتصاب قائما ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫القيام واجب ‪.‬‬
‫قال النّوويّ ‪ :‬وفي البانة والبيان وجه أنّه لو رفع‬
‫من سجود التّلوة إلى الّركوع ولم ينتصب أجزأه‬
‫الّركوع ‪ ،‬وهو غلط نبّهت عليه لئل ّ يغتّر به ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬‫ب ‪ -‬في غير ال ّ‬
‫صلة نوى‬ ‫سجود للتّلوة وهو في غير ال ّ‬ ‫من أراد ال ّ‬
‫سجود ‪ ،‬لحديث ‪ « :‬إنّما العمال بالنّيّات»‬ ‫ال ّ‬
‫م كبّر للحرام رافعاً‬ ‫ب له التّلّفظ بالنّيّة ‪ ،‬ث ّ‬ ‫واستح ّ‬
‫يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الحرام في‬
‫سجود بل رفع ليديه ‪،‬‬ ‫م كبّر للهويّ لل ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬ث ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬ورفع رأسه‬ ‫وسجد سجدةً واحدةً كسجدة ال ّ‬
‫صلة‬ ‫مكبّرا ً ‪ ،‬وجلس وسلّم من غير تشهّد كتسليم ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫صلة أربعة‬ ‫سجود للتّلوة في غير ال ّ‬ ‫وقالوا ‪ :‬أركان ال ّ‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫سجدة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫‪ :‬النّيّة ‪ ،‬وتكبيرة الحرام ‪ ،‬وال ّ‬
‫للهوي‬
‫ّ‬ ‫سجود للتّلوة يكبّر‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬من أراد ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬خلفا ً لبي الخطّاب ‪،‬‬ ‫ل للحرام ولو خارج ال ّ‬
‫لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ‪ « :‬كان‬
‫صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مّر‬
‫سجدة كبّر وسجد وسجدنا معه » ‪.‬‬ ‫بال ّ‬
‫ساجد للتّلوة‬ ‫وظاهره أنّه كبّر مّرة ً واحدة ً ‪ ،‬ويكبّر ال ّ‬
‫سجود لنّه سجود مفرد فشرع التّكبير‬ ‫إذا رفع من ال ّ‬

‫‪390‬‬
‫سهو وصلب‬ ‫في ابتدائه وفي الّرفع منه كسجود ال ّ‬
‫صلة إذا رفع رأسه من‬ ‫صلة ‪ ،‬ويجلس في غير ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم يعقبه فشرع ليكون سلمه‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سجود ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬
‫صلة ‪ ،‬ث ّ‬ ‫في حال جلوسه ‪ ،‬بخلف ما إذا كان في ال ّ‬
‫صحيح من‬ ‫ة واحدة ً عن يمينه على ال ّ‬ ‫يسلّم تسليم ً‬
‫ن التّسليم ركن ‪.‬‬ ‫المذهب ‪ ،‬وعن أحمد أ ّ‬
‫القيام لسجود التّلوة ‪:‬‬
‫سجود‬ ‫ب لمن أراد ال ّ‬ ‫‪ - 12‬اختلف الفقهاء فيما يستح ّ‬
‫م‬‫ما ث ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬هل يقوم فيستوي قائ ً‬ ‫للتّلوة في غير ال ّ‬
‫سجود ‪ ،‬أم ل ‪:‬‬ ‫يكبّر ويهوي لل ّ‬
‫خري الحنفيّة وهو وجه عند‬ ‫ذهب الحنابلة وبعض متأ ّ‬
‫سجود أن‬ ‫ب لمن أراد ال ّ‬ ‫شافعيّة إلى أنّه يستح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن الخرور‬ ‫م يكبّر ويخّر ساجدا ً ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يقوم فيستوي ث ّ‬
‫سقوط من قيام ‪ ،‬والقرآن الكريم ورد به في قول‬
‫خُرو َ َ‬
‫ن لِلذْقَا ِ‬
‫ن‬ ‫م يَ ِ ّ‬‫اللّه تعالى ‪ ... { :‬إِذ َا يُتْلَى ع َلَيْهِ ْ‬
‫جدا ً } ‪.‬‬‫س َّ‬ ‫ُ‬
‫ولما ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها " أنّها‬
‫سجدة‬ ‫كانت تقرأ في المصحف ‪ ،‬فإذا مّرت بال ّ‬
‫قامت فسجدت وتشبيهًا لسجدة التّلوة بصلة النّفل‬
‫‪.‬‬
‫ب‬
‫شافعيّة أنّه ل يستح ّ‬ ‫ح من الوجهين عند ال ّ‬ ‫والص ّ‬
‫م يكبّر‬ ‫سجود للتّلوة أن يقوم فيستوي ث ّ‬ ‫لمن يريد ال ّ‬
‫سجود ‪ ،‬وهو اختيار إمام الحرمين‬ ‫م يهوي لل ّ‬ ‫ث ّ‬
‫ققين ‪ ،‬قال المام ‪ :‬ولم أر لهذا القيام ذكراً‬ ‫والمح ّ‬
‫ي وجمهور‬ ‫شافع ّ‬ ‫ول أصل ً ‪ ،‬وقال النّوويّ ‪ :‬لم يذكر ال ّ‬
‫ما‬‫الصحاب هذا القيام ول ثبت فيه شيء يعتمد م ّ‬
‫ج به ‪ ،‬فالختيار تركه ‪ ،‬لنّه من جملة المحدثات ‪،‬‬ ‫يحت ّ‬
‫صحيحة على النّهي عن‬ ‫وقد تظاهرت الحاديث ال ّ‬
‫المحدثات ‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫التّسبيح والدّعاء في سجود التّلوة ‪:‬‬
‫‪ - 13‬من يسجد للتّلوة إن قال في سجوده للتّلوة‬
‫صلة جاز وكان حسنا ً ‪ ،‬وسواء‬ ‫ما يقوله في سجود ال ّ‬
‫ب أن يقول في‬ ‫فيه التّسبيح والدّعاء ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫سجوده ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‬
‫‪ « :‬كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول في‬
‫سجود القرآن ‪ :‬سجد وجهي للّذي خلقه وش ّ‬
‫ق‬
‫م اكتب‬ ‫وقوته » وإن قال ‪ :‬اللّه ّ‬ ‫ّ‬ ‫سمعه وبصره بحوله‬
‫لي بها عندك أجرا ً واجعلها لي عندك ذخرا ً ‪ ،‬وضع‬
‫عنّي بها وزرا ً ‪ ،‬واقبلها منّي كما قبلتها من عبدك‬
‫داود عليه السلم فهو حسن لما روى ابن عبّاس‬
‫ي‬‫رضي الله تعالى عنهما قال ‪ « :‬جاء رجل إلى النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اللّه ‪ :‬إنّي‬
‫رأيتني اللّيلة وأنا نائم كأنّي أصلّي خلف شجرة‬
‫شجرة لسجودي فسمعتها‬ ‫فسجدت ‪ ،‬فسجدت ال ّ‬
‫م اكتب لي بها عندك أجرا ً ‪ ،‬وضع‬ ‫وهي تقول ‪ :‬اللّه ّ‬
‫عنّي بها وزرا ً ‪ ،‬واجعلها لي عندك ذخرا ً ‪ ،‬وتقبّلها‬
‫منّي كما تقبّلتها من عبدك داود ‪ ،‬قال ابن عبّاس ‪:‬‬
‫م سجد‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم سجدةً ث ّ‬ ‫فقرأ النّب ّ‬
‫فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما أخبره الّرجل عن‬
‫ن اختياره أن‬ ‫يأ ّ‬ ‫شافع ّ‬‫شجرة » ‪ ،‬ونقل عن ال ّ‬ ‫قول ال ّ‬
‫ن َربِّنَا إِن‬
‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫ساجد في سجود التّلوة ‪ُ { :‬‬ ‫يقول ال ّ‬
‫فعُول ً } قال النّوويّ ‪ :‬وظاهر‬ ‫م ْ‬‫ن وَعْد ُ َربِّنَا ل َ َ‬
‫كَا َ‬
‫القرآن يقتضي مدح هذا فهو حسن ‪ ،‬وقال المتولّي‬
‫ن أن يدعو بعد التّسبيح ‪.‬‬ ‫شافعيّة ‪ :‬ويس ّ‬ ‫وغيره من ال ّ‬
‫التّسليم من سجود التّلوة ‪:‬‬
‫‪ - 14‬اتّفق الفقهاء على أنّه ل تسليم من سجود‬
‫صلة ‪ ،‬واختلفوا في التّسليم‬ ‫التّلوة إذا كان في ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫منه في غير ال ّ‬

‫‪392‬‬
‫فذهب الحنفيّة ‪ ،‬وهو المشهور عند المالكيّة ‪،‬‬
‫شافعيّة ‪ ،‬ومقابل‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫والقول المقابل للص ّ‬
‫المختار عند الحنابلة ‪ ،‬إلى أنّه ل تسليم من سجود‬
‫صلة‬ ‫صلة ‪ ،‬كما ل يسلّم منه في ال ّ‬ ‫التّلوة في غير ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬ول‬ ‫ن التّسليم تحليل من التّحريم لل ّ‬ ‫‪ ،‬ول ّ‬
‫تحريمة لها عند الحنفيّة ومن وافقهم ‪ ،‬فل يعقل‬
‫التّحليل بالتّسليم ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ ،‬والمختار من‬ ‫ح من القولين عند ال ّ‬ ‫والص ّ‬
‫الّروايتين عند الحنابلة ‪ ،‬ومقابل المشهور عند‬
‫المالكيّة ‪ :‬أنّه يجب التّسليم من سجود التّلوة لنّه‬
‫سلم كسائر‬ ‫صلة ذات إحرام فافتقرت إلى ال ّ‬
‫صلة الطّهور وتحريمها‬ ‫صلوات لحديث ‪ « :‬مفتاح ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫التّكبير وتحليلها التّسليم » ‪.‬‬
‫سجود للتّلوة خلف التّالي ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 15‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا قرأ الّرجل في غير‬
‫سنّة في أداء‬ ‫سجدة ومعه قوم ‪ ،‬فال ّ‬ ‫صلة آية ال ّ‬
‫سامعون‬ ‫ف ال ّ‬‫سجدة التّلوة أن يتقدّم التّالي ويص ّ‬
‫سامعون ‪ ،‬ل‬ ‫م يسجد ال ّ‬ ‫خلفه ‪ ،‬فيسجد التّالي ث ّ‬
‫ن التّالي إمام‬ ‫يسبقونه بالوضع ول بالّرفع ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫سامعين ‪ ،‬لما ورد عن النّب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫« أنّه تل على المنبر سجدةً فنزل وسجد وسجد‬
‫سامع يتبع التّالي‬ ‫ن ال ّ‬ ‫النّاس معه » وفيه دليل على أ ّ‬
‫سجدة ‪ ،‬ولما روي عن عمر رضي الله تعالى‬ ‫في ال ّ‬
‫عنه أنّه قال للتّالي ‪ :‬كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا‬
‫ة بل صورةً ‪ ،‬ولذا‬ ‫معك ‪ ،‬وليس هذا اقتداءً حقيق ً‬
‫ب أل ّ يسبقوه بالوضع ول بالّرفع ‪ ،‬فلو كان‬ ‫يستح ّ‬
‫سامعون على‬ ‫حقيقة ائتمام لوجب ذلك ‪ ،‬ولو تقدّم ال ّ‬
‫سجود‬ ‫التّالي أو سبقوه بالوضع أو بالّرفع أجزأهم ال ّ‬
‫للتّلوة لنّه مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ‪ ،‬ولذا‬

‫‪393‬‬
‫لو فسدت سجدة التّالي بسبب من السباب ل‬
‫يتعدّى الفساد إلى الباقين ‪.‬‬
‫ن أن يسجد للتّلوة القارئ‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يس ّ‬
‫مطلقا ً سواء أصلح للمامة أم ل ‪ ،‬وسواء أجلس‬
‫ليسمع النّاس حسن قراءته أم ل ‪.‬‬
‫سماع ذكرا ً أو أنثى ‪ ،‬فإن لم يقصد‬ ‫ويسجد قاصد ال ّ‬
‫سماع فل يسجد ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ويشترط لسجود المستمع أن يجلس ليتعلّم من‬
‫القارئ آيات القرآن الكريم ‪ ،‬أو أحكامه ومخارج‬
‫حروفه ‪ ،‬فإن جلس المستمع لمجّرد الثّواب أو‬
‫سجود فقط ‪ ،‬فل يجب‬ ‫للتّدبّر والتّعاظ ‪ ،‬أو ال ّ‬
‫سجود عليه ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة‬ ‫سجود ولو ترك القارئ ال ّ‬ ‫سامع ال ّ‬ ‫كما يلزم ال ّ‬
‫ن تركه ل يسقط طلبه من الخر‪ ،‬إل ّ أن‬ ‫سهوا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫يكون إماما ً وتركه ‪ ،‬فيتّبعه مأمومه ‪.‬‬
‫وسجود القارئ ليس شرطا ً في سجود المستمع إن‬
‫م‪.‬‬ ‫صلح القارئ ليؤ ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬إذا سجد المستمع في غير صلة‬ ‫وقال ال ّ‬
‫مع القارئ ل يرتبط به ول ينوي القتداء به وله‬
‫ي ‪ :‬وقضيّة‬ ‫سجود قبله ‪ ،‬قال الّزركش ّ‬ ‫الّرفع من ال ّ‬
‫ن قضيّة كلم القاضي‬ ‫ذلك منع القتداء به ‪ ،‬لك ّ‬
‫ي ‪ :‬ل يتوقّف سجود‬ ‫والبغويّ جوازه ‪ ،‬وقال القليوب ّ‬
‫ن القتداء ول‬ ‫أحدهما على سجود الخر ‪ ،‬ول يس ّ‬
‫يضّر ‪.‬‬
‫سجود أي في‬ ‫وقال الحنابلة ‪ :‬شرط لستحباب ال ّ‬
‫صلة كون القارئ يصلح إماما ً للمستمع فل‬ ‫غير ال ّ‬
‫يسجد مستمع إن لم يسجد التّالي ول قدّامه أو عن‬
‫حة الئتمام به إذن ‪ ،‬ول‬ ‫يساره مع خلوّ يمينه لعدم ص ّ‬
‫حة ائتمامه‬ ‫يسجد رجل بتلوة امرأة وخنثى لعدم ص ّ‬

‫‪394‬‬
‫بهما ‪ ،‬ول يضّر رفع رأس مستمع قبل رأس قارئ ‪،‬‬
‫وكذا ل يضّر سلمه قبل سلم القارئ ‪ ،‬لنّه ليس‬
‫ما‬
‫ح ذلك ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ة بل بمنزلته وإل ّ لما ص ّ‬ ‫إماما ً له حقيق ً‬
‫صلة فل يرفع قبل إمامه كسجود‬ ‫المأموم في ال ّ‬
‫صلب ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ما يقوم مقام سجود التّلوة ‪:‬‬
‫‪ - 16‬ذهب الفقهاء إلى أنّه ل يجزئ حال القدرة‬
‫سجود للتّلوة في غير صلة ركوع‬ ‫والختيار ‪ -‬عن ال ّ‬
‫أو نحوه ‪ .‬على تفصيل مّر في كيفيّة سجود ‪.‬‬
‫سجود‬ ‫شافعيّة ‪ :‬يقوم مقام ال ّ‬ ‫ي من ال ّ‬ ‫وقال القليوب ّ‬
‫شكر ما يقوم مقام التّحيّة لمن لم يرد‬ ‫للتّلوة أو ال ّ‬
‫فعلها ولو متطهّرا ً وهو ‪ :‬سبحان اللّه والحمد للّه ول‬
‫إله إل ّ اللّه واللّه أكبر ‪.‬‬
‫ب للتّالي‬ ‫ونقل ابن عابدين عن التتارخانية أنّه يستح ّ‬
‫سجود أن يقول‪ :‬سمعنا‬ ‫سامع إذا لم يمكنه ال ّ‬ ‫أو ال ّ‬
‫وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير ‪.‬‬
‫شبراملّسي ‪ :‬سئل ابن حجر عن قول‬ ‫قال ال ّ‬
‫ك‬ ‫معْنَا َوأَطَعْنَا غُْفَران َ َ‬
‫ك َربَّنَا وَإِلَي ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫شخص ‪َ { :‬‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة لحدث أو‬ ‫سجود لية ال ّ‬ ‫صيُر } ‪ ،‬عند ترك ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫سجود كما جرت به العادة عندنا هل‬ ‫عجز عن ال ّ‬
‫سجود كما قالوا بذلك في‬ ‫يقوم التيان بها مقام ال ّ‬
‫داخل المسجد بغير وضوء أنّه يقول ‪ :‬سبحان اللّه‬
‫والحمد للّه ول إله إل ّ اللّه واللّه أكبر ‪ ..‬إلخ ‪ .‬فإنّها‬
‫شيخ زكريّا في شرح‬ ‫تعدل ركعتين كما نقله ال ّ‬
‫ن ذلك ل أصل‬ ‫الّروض عن الحياء ‪ ،‬فأجاب بقوله ‪ :‬إ ّ‬
‫سجدة بل يكره له ذلك إن قصد‬ ‫له فل يقوم مقام ال ّ‬
‫ما أوّل ً فلنّه لم‬ ‫سك بما في الحياء ‪ .‬أ ّ‬ ‫القراءة ول يتم ّ‬
‫ن‬
‫ي ‪ :‬إنّه يقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫يرد فيه شيء وإنّما قال الغزال ّ‬
‫ن‬
‫ذلك يعدل ركعتين في الفضل ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬إ ّ‬

‫‪395‬‬
‫جة فيه‬ ‫سلف ‪،‬ومثل هذا ل ح ّ‬ ‫ذلك روي عن بعض ال ّ‬
‫ما ثانيا ً فمثل‬ ‫حته‪ .‬وأ ّ‬ ‫حته فكيف مع عدم ص ّ‬ ‫بفرض ص ّ‬
‫ح عنه صلى الله عليه وسلم لم يكن‬ ‫ذلك لو ص ّ‬
‫ن قيام لفظ مفضول مقام‬ ‫للقياس فيه مساغ ‪ ،‬ل ّ‬
‫ح في صورة لم‬ ‫فعل فاضل محض فضل ‪ ،‬فإذا ص ّ‬
‫ما ثالثا ً فل ّ‬
‫ن‬ ‫يجز قياس غيرها عليها في ذلك ‪ ،‬وأ ّ‬
‫اللفاظ الّتي ذكروها في التّحيّة فيها فضائل‬
‫وخصوصيّات ل توجد في غيرها ‪ .‬ا هـ ‪ .‬وهو يقتضي‬
‫ن سبحان اللّه والحمد للّه ‪ ..‬إلخ ‪ .‬ل يقوم مقام‬ ‫أ ّ‬
‫سجود وإن قيل به في التّحيّة لما ذكره ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سجود المريض والمسافر للتّلوة ‪:‬‬
‫ن المريض الّذي ل يستطيع‬ ‫‪ - 17‬ذهب الفقهاء إلى أ ّ‬
‫سجود‬ ‫سجود يجزئه في سجود التّلوة اليماء بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن المسافر الّذي يسجد للتّلوة في‬ ‫لعذره ‪ .‬وقالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫صلته على الّراحلة يجزئه اليماء على الّراحلة تبعاً‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫لل ّ‬
‫سجود للتّلوة على الّراحلة‬ ‫ما المسافر الّذي يريد ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫في غير صلة ففيه خلف ‪ :‬ذهب جمهور الفقهاء‬
‫سجود حيث كان وجهه ‪ ،‬لما روى‬ ‫إلى أنّه يومئ بال ّ‬
‫أبو داود عن عبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرأ‬ ‫عنهما ‪ « :‬أ ّ‬
‫عام الفتح سجدة ً فسجد النّاس كلّهم ‪ ،‬منهم الّراكب‬
‫ن الّراكب ليسجد على‬ ‫ساجد في الرض حتّى إ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫يده » ‪.‬‬
‫سجود للتّلوة أمر دائم بمنزلة التّطوّع ‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬‫ول ّ‬
‫وصلة التّطوّع تؤدّى على الّراحلة ‪ ،‬وقد روى‬
‫ي صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫ن النّب ّ‬
‫شيخان « أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يسبّح يسجد على بعيره إل ّ الفرائض » وسومح فيها‬

‫‪396‬‬
‫لمشّقة النّزول وإن أذهب اليماء أظهر أركان‬
‫سجود وهو تمكين الجبهة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة وهو قول بشر من‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫ومقابل الص ّ‬
‫الحنفيّة أنّه ل يجزئ اليماء على الّراحلة لفوات‬
‫أعظم أركان سجود التّلوة وهو إلصاق الجبهة من‬
‫م سجوده‬ ‫سجود ‪ ،‬فإن كان في مرقد وأت ّ‬ ‫موضع ال ّ‬
‫جاز ‪.‬‬
‫سجدة أو يسمعها وهو‬ ‫والمسافر الّذي يقرأ آية ال ّ‬
‫ماش ل يكفيه اليماء بل يسجد على الرض عند‬
‫جمهور الفقهاء ‪ ،‬وروي عن بعضهم أنّه يومئ ‪.‬‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫سجدة لل ّ‬ ‫قراءة آية ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى أنّه‬ ‫‪ - 18‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫سجدة‬ ‫يكره في الجملة القتصار على قراءة آية ال ّ‬
‫سجود فقط ‪.‬‬ ‫وحدها دون ما قبلها وما بعدها بقصد ال ّ‬
‫سجدة ل التّلوة وهو‬ ‫وإنّما كره ذلك لنّه قصد ال ّ‬
‫خلف العمل ‪ ،‬وحيث كره القتصار ل يسجد ‪.‬‬
‫سجود فل كراهة ‪،‬‬ ‫صلة ل بقصد ال ّ‬ ‫ولو قرأ في ال ّ‬
‫ص‬
‫سجدة في صبح يوم الجمعة ‪ ،‬وخ ّ‬ ‫وكذا لو قرأ ال ّ‬
‫ل } في صبح‬ ‫ي القراءة لسجدة ‪ { :‬ألم تَنْزِي ُ‬ ‫الّرمل ّ‬
‫ما‬‫الجمعة ‪ ،‬فلو قرأ غيرها بطلت صلته إن كان عال ً‬
‫صلة عمدا ً ‪.‬‬ ‫بالتّحريم لنّه كزيادة سجود في ال ّ‬
‫سجدة‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه ل بأس بأن يقرأ آية ال ّ‬
‫ويدع ما سواها ‪ ،‬لنّه مبادرة إليها ‪ ،‬ولنّها من القرآن‬
‫وقراءة ما هو من القرآن طاعة كقراءة سورة من‬
‫ب أن يقرأ معها آيات دفعاً‬ ‫سور ‪ ،‬والمستح ّ‬ ‫بين ال ّ‬
‫سجدة على غيرها ‪.‬‬ ‫لوهم تفضيل آي ال ّ‬
‫سجدة ‪:‬‬ ‫مجاوزة آية ال ّ‬
‫‪ - 19‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره للّرجل أن‬
‫صلة أو غيرها يدع آية‬ ‫سورة أو اليات في ال ّ‬ ‫يقرأ ال ّ‬

‫‪397‬‬
‫سلف‬ ‫سجدة حتّى ل يسجدها ‪ ،‬لنّه لم ينقل عن ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫بل نقلت كراهته ‪ ،‬ولنّه يشبه الستنكاف ‪ ،‬لنّه قطع‬
‫لنظم القرآن وتغيير لتأليفه ‪ ،‬واتّباع النّظم والتّأليف‬
‫ْ‬
‫ه}‬ ‫مأمور به ‪ ،‬قال تعالى ‪ { :‬فَإِذ َا قََرأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُْرآن َ ُ‬
‫‪ .‬أي تأليفه ‪ ،‬فكان التّغيير مكروها ً ‪ ،‬ولنّه في صورة‬
‫الفرار من العبادة والعراض عن تحصيلها بالفعل‬
‫سجدة‬ ‫وذلك مكروه ‪ ،‬وكذا فيه صورة هجر آية ال ّ‬
‫وليس شيء من القرآن مهجورا ً ‪.‬‬
‫سجدة بل‬ ‫ل ال ّ‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يكره مجاوزة مح ّ‬
‫سجود عنده لمتطهّر طهارة صغرى وقت جواز لها ‪،‬‬
‫فإن لم يكن متطهّرا ً أو كان الوقت وقت نهي‬
‫صواب أن يجاوز الية بتمامها لئل ّ يغيّر المعنى‬ ‫فال ّ‬
‫فيترك تلوتها بلسانه ويستحضرها بقلبه مراعاةً‬
‫لنظام التّلوة ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫سجود التّلوة في أوقات النّهي عن ال ّ‬
‫‪ - 20‬ذهب الحنفيّة ‪ -‬في ظاهر الّرواية ‪ -‬والمالكيّة‬
‫والحنابلة ‪ -‬في رواية الثرم عن أحمد ‪ -‬إلى أنّه ل‬
‫ي عن صلة التّطوّع‬ ‫سجود للتّلوة في الوقات المنه ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل‬ ‫فيها لعموم قول النّب ّ‬
‫شمس ‪ ،‬ول صلة بعد‬ ‫صبح حتّى ترتفع ال ّ‬ ‫صلة بعد ال ّ‬
‫شمس » ‪.‬‬ ‫العصر حتّى تغيب ال ّ‬
‫وعندهم بعد هذا القدر المتّفق عليه تفصيل ‪ :‬قال‬
‫سجدة أو سمعها في‬ ‫الحنفيّة ‪ :‬لو تل شخص آية ال ّ‬
‫وقت غير مكروه فأدّاها في وقت مكروه ل تجزئه ‪،‬‬
‫صلة ‪ ،‬ولو‬ ‫ة فل تتأدّى بالنّاقص كال ّ‬ ‫لنّها وجبت كامل ً‬
‫تلها في وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه لنّه أدّاها‬
‫كما وجبت ‪ ،‬وإن لم يسجدها في ذلك الوقت‬
‫وسجدها في وقت آخر مكروه جاز أيضا ً لنّه أدّاها‬
‫ة‪.‬‬ ‫ة وأدّاها ناقص ً‬ ‫كما وجبت لنّها وجبت ناقص ً‬

‫‪398‬‬
‫سجدة إن كان‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يجاوز القارئ آية ال ّ‬
‫شمس أو غروبها‬ ‫يقرأ وقت النّهي ‪ -‬كوقت طلوع ال ّ‬
‫أو خطبة جمعة ‪ -‬ول يسجد ‪ -‬على الخلف عندهم‬
‫سابقة ‪ -‬ما لم يكن في صلة فرض ‪،‬‬ ‫في المسألة ال ّ‬
‫فإن كان في صلة فرض قرأ وسجد قول ً واحدا ً بل‬
‫سجود تبع للفرض ‪.‬‬ ‫ن ال ّ‬‫خلف عندهم ل ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬ل يسجد في الوقات الّتي ل يجوز‬
‫أن يصلّي فيها تطوّعا ً ‪ ،‬قال الثرم ‪ :‬سمعت أبا عبد‬
‫من قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد‬ ‫اللّه يسأل ع ّ‬
‫العصر أيسجد ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬وعن أحمد رواية أخرى‬
‫أنّه يسجد ‪.‬‬
‫واستدلّوا للّراجح ‪ -‬رواية الثرم ‪ -‬بعموم الحديث‬
‫ي‬
‫سابق ‪ ،‬وبما روى أبو داود عن أبي تميمة الهجيم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صبح‬‫ط " بعد صلة ال ّ‬ ‫ص " أغ ّ‬‫قال ‪ « :‬كنت أق ّ‬
‫م‬
‫فأسجد فنهاني ابن عمر ‪ ،‬فلم أنته‪ ،‬ثلث مرار ث ّ‬
‫عاد فقال ‪ :‬إنّي صلّيت خلف رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله‬
‫شمس »‬ ‫عنهم فلم يسجدوا حتّى تطلع ال ّ‬
‫صا ً كان‬ ‫وروى الثرم عن عبد اللّه بن مقسم أن قا ّ‬
‫سجدة بعد العصر فيسجد فنهاه ابن عمر‬ ‫يقرأ ال ّ‬
‫وقال ‪ :‬إنّهم ل يعقلون ‪.‬‬
‫ل في‬ ‫سجود للتّلوة إن ابتدأه مص ّ‬ ‫وقالوا ‪ :‬ل ينعقد ال ّ‬
‫أوقات النّهي ولو كان جاهل ً بالحكم أو بكونه وقت‬
‫ن النّهي في العبادات يقتضي الفساد ‪.‬‬ ‫نهي ل ّ‬
‫شافعيّة إلى أنّه يجوز سجود التّلوة في‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ووي ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وقت الكراهة لنّه من ذوات السباب ‪ ،‬قال الن ّ‬
‫مذهبنا أنّه ل يكره سجود التّلوة في أوقات النّهي‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫عن ال ّ‬
‫سجدة في الخطبة ‪:‬‬ ‫تلوة آية ال ّ‬

‫‪399‬‬
‫سجدة‬ ‫‪ - 21‬ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو تل المام آية ال ّ‬
‫على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬
‫سمعها ‪ .‬لما ورد « أ ّ‬
‫تل سجدة ً على المنبر فنزل وسجد وسجد النّاس‬
‫معه » ‪.‬‬
‫سجدة في خطبة جمعة‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬إن قرأ آية ال ّ‬
‫سجود أو يحرم ‪،‬‬ ‫أو غيرها ل يسجد ‪ ،‬وهل يكره ال ّ‬
‫خلف عندهم والظّاهر الكراهة ‪.‬‬
‫ب تركها للخطيب إذا قرأ‬ ‫شافعيّة ‪ :‬يستح ّ‬ ‫وقال ال ّ‬
‫سجود مكانه لكلفة‬ ‫آيتها على المنبر ولم يمكنه ال ّ‬
‫صعود ‪ ،‬فإن أمكنه ذلك سجد مكانه إن‬ ‫النّزول وال ّ‬
‫خشي طول الفصل ‪ ،‬وإل ّ نزل وسجد إن لم يكن‬
‫فيه كلفة ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬إن قرأ سجدة ً في أثناء الخطبة ‪،‬‬
‫فإن شاء نزل عن المنبر فسجد ‪ ،‬وإن أمكنه‬
‫سجود على المنبر سجد عليه استحبابا ً ‪ ،‬وإن ترك‬ ‫ال ّ‬
‫سجود فل حرج لنّه سنّة ل واجب ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سّر ‪:‬‬‫سجدة في صلة ال ّ‬ ‫قراءة المام آية ال ّ‬
‫‪ - 22‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يكره للمام أن‬
‫سجدة في صلة يخافت فيها بالقراءة ‪،‬‬ ‫يقرأ آية ال ّ‬
‫ك عن أمر مكروه ‪ ،‬لنّه إذا تل آية‬ ‫ن هذا ل ينف ّ‬ ‫ل ّ‬
‫سجدة ولم يسجد فقد ترك الواجب عند الحنفيّة ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سنّة عند الحنابلة ‪ ،‬وإن سجد فقد لبّس على‬ ‫وال ّ‬
‫القوم لنّهم يظنّون أنّه سها عن الّركوع واشتغل‬
‫صلبيّة فيسبّحون ول يتابعونه ‪ ،‬وذا مكروه‬ ‫سجدة ال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ك عن مكروه كان مكروها ً ‪ ،‬وترك‬ ‫‪ ،‬وما ل ينف ّ‬
‫ي صلى‬ ‫سبب المفضي إلى ذلك أولى ‪ ،‬وفعل النّب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الله عليه وسلم محمول على بيان الجواز فلم يكن‬
‫مكروها ً ‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إن تلها مع ذلك سجد بها لتقّرر‬
‫سبب في حّقه وهو التّلوة ‪ ،‬وسجد القوم معه‬ ‫ال ّ‬
‫لوجوب المتابعة عليهم ‪.‬‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬يكره للمام سجود لقراءة سجدة‬
‫في صلة سّر لنّه يخلط على المأمومين فإن سجد‬
‫خيّر المأمومون بين المتابعة للمام في سجوده‬
‫وتركها لنّهم ليسوا تالين ول مستمعين‪ ،‬والولى‬
‫ة للمام ‪ ،‬لعموم الحديث ‪ ... « :‬وإذا‬ ‫سجود متابع ً‬ ‫ال ّ‬
‫سجد فاسجدوا » ‪.‬‬
‫ن المام إن قرأ سورة سجدة‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫ب له ترك قراءة آية‬ ‫في صلة سّريّة استح ّ‬
‫سجدة ‪ ،‬فإن قرأها جهر بها ندبا ً ‪ ،‬فيعلم‬ ‫ال ّ‬
‫المأمومون سبب سجوده ويتبعونه فيه ‪ ،‬فإن لم‬
‫سجدة وسجد للتّلوة اتّبع‬ ‫تجهر بقراءة آية ال ّ‬
‫المأمومون المام في سجوده وجوبا ً غير شرط ‪..‬‬
‫ن الصل عدم سهو المام ‪،‬‬ ‫عند ابن القاسم ‪ ،‬ل ّ‬
‫وعند سحنون ‪ :‬يمتنع أن يتّبعوه لحتمال سهوه ‪،‬‬
‫ن سجود التّلوة‬ ‫حت صلتهم ‪ ،‬ل ّ‬ ‫فإن لم يتبعوه ص ّ‬
‫ة ‪ ،‬وترك‬ ‫ليس من الفعال المقتدى به فيها أصال ً‬
‫الواجب الّذي ليس شرطا ً ل يقتضي البطلن ‪.‬‬
‫شافعيّة إلى أنّه ل يكره للمام قراءة آية‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ب له تأخير‬ ‫سجدة ولو في صلة سّريّة ‪ ،‬لكن يستح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سّريّة لئلّ‬‫صلة ال ّ‬ ‫سجود للتّلوة إلى الفراغ من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫يشوّش على المأمومين ‪ ،‬ومحلّه إن قصر الفصل ‪،‬‬
‫ن الجهريّة كذلك‬ ‫ي ‪ :‬ويؤخذ من التّعليل أ ّ‬ ‫قال الّرمل ّ‬
‫إذا بعد بعض المأمومين عن المام بحيث ل‬
‫يسمعون قراءته ول يشاهدون أفعاله ‪ ،‬أو أخفى‬
‫جهره ‪ ،‬أو وجد حائل أو صمم أو نحو ذلك ‪ ،‬وهو‬
‫سجود‬ ‫ظاهر من جهة المعنى ‪ ،‬ولو ترك المام ال ّ‬

‫‪401‬‬
‫سلم إن قصر‬ ‫سجود بعد ال ّ‬ ‫ن للمأموم ال ّ‬ ‫للتّلوة س ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ح عن النّب ّ‬ ‫الفصل ‪ « ،‬وما ص ّ‬
‫أنّه سجد في صلة الظّهر للتّلوة » يحمل على أنّه‬
‫كان يسمعهم أحيانا ً الية ‪ ،‬فلعلّه أسمعهم آيتها مع‬
‫قلّتهم فأمن عليهم التّشويش ‪ ،‬أو قصد بيان جواز‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وقت أداء سجود التّلوة ‪:‬‬
‫ما أن تكون خارج‬ ‫‪ - 23‬قال الحنفيّة ‪ :‬سجدة التّلوة إ ّ‬
‫صلة فإنّها‬ ‫صلة ‪ :‬فإن كانت خارج ال ّ‬ ‫صلة أو في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫تجب على سبيل التّراخي على المختار عندهم ‪ -‬ل ّ‬
‫سجدة ‪ -‬مطلقة عن‬ ‫دلئل الوجوب ‪ -‬أي وجوب ال ّ‬
‫تعيين الوقت فتجب في جزء من الوقت غير معيّن ‪،‬‬
‫ويتعيّن ذلك بتعيينه فعل ً ‪ ،‬وإنّما يتضيّق عليه الوجوب‬
‫سعة ‪،‬‬ ‫في آخر عمره كما في سائر الواجبات المو ّ‬
‫ويكره تأخيرها تنزيها ً ‪ ،‬إل ّ إذا كان الوقت مكروها ً ‪،‬‬
‫لنّه بطول الّزمان قد ينساها ‪ ،‬وعندما يؤدّيها بعد‬
‫وقت القراءة يكفيه أن يسجد عدد ما عليه دون‬
‫تعيين ويكون مؤدّيا ً ‪.‬‬
‫صلة فإنّها تجب على سبيل‬ ‫ما إن كانت في ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫التّضييق ‪ -‬أي على الفور ‪ -‬لقيام دليله وهو أنّها‬
‫صلة وهو القراءة‬ ‫وجبت بما هو من أفعال ال ّ‬
‫صلة وصارت جزءا ً من أجزائها ‪،‬‬ ‫فالتحقت بأفعال ال ّ‬
‫صلة مضيّقا ً كسائر أفعال‬ ‫ولذا يجب أداؤها في ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬ومقتضى التّضييق في أدائها حال كونها في‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة ‪ ،‬فإذا‬ ‫صلة أل ّ تطول المدّة بين التّلوة وال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما‬
‫ما طالت فقد دخلت في حيّز القضاء وصار آث ً‬
‫بالتّفويت عن الوقت ‪.‬‬
‫صلة ولم تؤد ّ فيها سقطت‬ ‫ل سجدة وجبت في ال ّ‬ ‫وك ّ‬
‫سجود لها مشروعا ً لفوات محلّه‪ ،‬وأثم‬ ‫ولم يبق ال ّ‬

‫‪402‬‬
‫من لم يسجد فتلزمه التّوبة ‪ ،‬وذلك إذا تركها عمداً‬
‫ما لو تركها‬ ‫حتّى سلّم وخرج من حرمة ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬أ ّ‬
‫سلم قبل أن يفعل منافياً‬ ‫سهوا ً وتذكّرها ولو بعد ال ّ‬
‫سهو ‪.‬‬ ‫فإنّه يأتي بها ويسجد لل ّ‬
‫ن المتطهّر وقت جواز إذا‬ ‫ي ‪ :‬الظّاهر أ ّ‬ ‫قال الّزرقان ّ‬
‫قرأها ولم يسجدها يطالب بسجودها ما دام على‬
‫طهارته وفي وقت الجواز ‪ ،‬وإل ّ لم يطالب بقضائها‬
‫لنّه من شعائر الفرائض ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬ينبغي أن يسجد عقب قراءة آية‬ ‫وقال ال ّ‬
‫خر وقصر الفصل سجد‬ ‫سجدة أو استماعها ‪ ،‬فإن أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ،‬وإن طال فاتت ‪ ،‬وهل تقضى ؟ قولن ‪ :‬أظهرهما‬
‫ل تقضى ‪ ،‬لنّها تفعل لعارض فأشبهت صلة‬
‫الكسوف ‪ ،‬وضبط طول الفصل أو قصره بالعرف ‪.‬‬
‫ولو قرأ سجدة ً في صلته فلم يسجد فيها سجد بعد‬
‫سلمه إن قصر الفصل ‪ ،‬فإن طال ففيه الخلف ‪،‬‬
‫ولو كان القارئ أو المستمع محدثا ً حال القراءة فإن‬
‫تطهّر عن قرب سجد ‪ ،‬وإل ّ فالقضاء على الخلف‪،‬‬
‫سجدة وسمعه فل‬ ‫ولو كان يصلّي فقرأ قارئ ال ّ‬
‫يسجد ‪ ،‬فإن سجد بطلت صلته ‪ ،‬فإن لم يسجد‬
‫وفرغ من صلته فقد اختلفوا في سجوده ‪،‬‬
‫ن قراءة غير إمامه ل‬ ‫والمذهب أنّه ل يسجد ل ّ‬
‫سجود‬ ‫تقتضي سجوده ‪ ،‬وإذا لم يحصل ما يقتضي ال ّ‬
‫أداءً فالقضاء بعيد ‪.‬‬
‫سجود للقارئ والمستمع له‬ ‫ن ال ّ‬‫وقال الحنابلة ‪ :‬يس ّ‬
‫سجود بعد التّلوة والستماع مع قصر‬ ‫ولو كان ال ّ‬
‫سجود وسببه ‪ ،‬فإن طال الفصل لم‬ ‫فصل بين ال ّ‬
‫مم محدث ويسجد مع‬ ‫يسجد لفوات محلّه ‪ ،‬ويتي ّ‬
‫قصر الفصل ‪.‬‬
‫تكرار سجود التّلوة ‪:‬‬

‫‪403‬‬
‫‪ - 24‬اختلف الفقهاء في تكرار سجود التّلوة بتكرار‬
‫التّلوة أو الستماع أو عدم تكراره بتكرارهما ‪..‬‬
‫وينظر مصطلح ‪ ( :‬تداخل ف ‪ ، 11/‬ج ‪. ) 86 / 11‬‬
‫=====================‬
‫سهو *‬ ‫سجود ال ّ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫شيء والغفلة عنه ‪.‬‬ ‫ة ‪ :‬نسيان ال ّ‬ ‫سهو لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سهو عند الفقهاء ‪ :‬هو ما يكون في آخر‬ ‫وسجود ال ّ‬
‫صلة أو بعدها لجبر خلل ‪ ،‬بترك بعض مأمور به أو‬ ‫ال ّ‬
‫مد ‪.‬‬
‫ي عنه دون تع ّ‬ ‫فعل بعض منه ّ‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 2‬ذهب الحنفيّة والحنابلة في المعتمد عندهم إلى‬
‫سهو ‪.‬‬‫وجوب سجود ال ّ‬
‫صلة‬ ‫سهو لما يبطل عمده ال ّ‬ ‫قال الحنابلة ‪ :‬سجود ال ّ‬
‫واجب ‪ ،‬ودليلهم حديث عبد اللّه بن مسعود قال ‪« :‬‬
‫صلّى بنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمسا ً ‪،‬‬
‫ما انفتل توشوش القوم بينهم فقال ‪ :‬ما شأنكم ؟‬ ‫فل ّ‬
‫صلة ؟ قال ‪ :‬ل ‪،‬‬ ‫قالوا ‪ :‬يا رسول اللّه هل زيد في ال ّ‬
‫م سجد‬ ‫قالوا ‪ :‬فإنّك قد صلّيت خمسا ً ‪ ،‬فانفتل ث ّ‬
‫م قال ‪ :‬إنّما أنا بشر مثلكم ‪،‬‬ ‫م سلّم ‪ ،‬ث ّ‬ ‫سجدتين ث ّ‬
‫أنسى كما تنسون ‪ ،‬فإذا نسي أحدكم فليسجد‬
‫سجدتين » وفي رواية ‪ « :‬فإذا زاد الّرجل أو نقص‬
‫الخدري‬
‫ّ‬ ‫فليسجد سجدتين » وحديث أبي سعيد‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬
‫ك أحدكم في صلته فلم يدر‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬إذا ش ّ‬
‫ك وليبن‬ ‫ش ّ‬ ‫كم صلّى ‪ ،‬أثلثا ً أم أربعا ً ؟ فليطرح ال ّ‬
‫م يسجد سجدتين قبل أن‬ ‫على ما استيقن ‪ ،‬ث ّ‬
‫يسلّم ‪ ،‬فإن كان صلّى خمسا ً شفعن له صلته ‪ ،‬وإن‬
‫شيطان » ‪.‬‬ ‫كان صلّى إتماما ً لربع كانتا ترغيما ً لل ّ‬

‫‪404‬‬
‫وجه الدّللة في الحديثين أنّهما اشتمل على المر‬
‫المقتضي للوجوب ‪.‬‬
‫سهو سنّة سواء كان‬ ‫ن سجود ال ّ‬ ‫ومذهب المالكيّة ‪ :‬أ ّ‬
‫قبليّا ً أم بعديّا ً وهو المشهور من المذهب‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫شامل ‪ :‬وهو مقتضى‬ ‫ي ‪ ،‬قال صاحب ال ّ‬ ‫بوجوب القبل ّ‬
‫المذهب ‪.‬‬
‫شافعيّة وهو رواية عند الحنابلة إلى أنّه‬ ‫ومذهب ال ّ‬
‫سنّة ‪.‬‬
‫ة‬
‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬كانت الّركعة نافل ً‬
‫سجدتان » ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫أسباب سجود ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الّزيادة والنّقص ‪:‬‬
‫شافعيّة‬‫‪ - 3‬اتّفق الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫مد المصلّي أن يزيد في‬ ‫والحنابلة على أنّه إذا تع ّ‬
‫صلته قياما ً أو قعودا ً أو ركوعا ً أو سجودا ً ‪ ،‬أو ينقص‬
‫سجود يضاف‬ ‫من أركانها شيئا ً ‪ ،‬بطلت صلته ‪ .‬ل ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫شرع إنّما‬‫ل على اختصاصه به ‪ ،‬وال ّ‬ ‫سهو فيد ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫سهو قال صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا‬ ‫ورد به في ال ّ‬
‫نسي أحدكم فليسجد سجدتين » ‪.‬‬
‫فإذا زاد المصلّي أو نقص لغفلة أو نسيان فقد‬
‫اختلف العلماء في كيفيّة قضائه ‪ ،‬وتفصيل ذلك يأتي‬
‫في ثنايا البحث ‪.‬‬
‫ك‪:‬‬ ‫ش ّ‬‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫ك المصلّي في صلته فلم يدر كم صلّى‬ ‫‪ - 4‬إذا ش ّ‬
‫ك في سجدة فلم يدر أسجدها‬ ‫أثلثا ً أم أربعا ً ‪ ،‬أو ش ّ‬
‫ة‬
‫شافعيّة ورواي ً‬ ‫ن الجمهور " المالكيّة وال ّ‬ ‫أم ل ‪ ،‬فإ ّ‬
‫للحنابلة " ذهبوا إلى أنّه يبني على اليقين وهو الق ّ‬
‫ل‬
‫سهو ‪ .‬ودليلهم حديث‬ ‫ك فيه ويسجد لل ّ‬ ‫‪ ،‬ويأتي بما ش ّ‬
‫الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬ ‫ّ‬ ‫أبي سعيد‬

‫‪405‬‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سها‬
‫أحدكم في صلته فلم يدر واحدةً صلّى أو ثنتين‬
‫فليبن على واحدة ‪ ،‬فإن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلثًا‬
‫فليبن على ثنتين ‪ ،‬فإن لم يدر ثلثا ً صلّى أو أربعاً‬
‫فليبن على ثلث ‪ ،‬وليسجد سجدتين قبل أن يسلّم‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫ك أحدكم في صلته فليلق ال ّ‬ ‫» ولحديث « إذا ش ّ‬
‫‪ ،‬وليبن على اليقين ‪ ،‬فإذا استيقن التّمام سجد‬
‫ة‬
‫ة كانت الّركعة نافل ً‬ ‫م ً‬
‫سجدتين ‪ ،‬فإن كانت صلته تا ّ‬
‫ة كانت الّركعة تماماً‬ ‫سجدتان ‪ ،‬وإن كانت ناقص ً‬ ‫وال ّ‬
‫شيطان » ‪.‬‬ ‫سجدتان مرغمتي ال ّ‬ ‫لصلته ‪ ،‬وكانت ال ّ‬
‫ك في صلته ‪،‬‬ ‫ن المصلّي إذا ش ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫فلم يدر أثلثا ً صلّى أم أربعا ً وذلك أوّل ما عرض له‬
‫استأنف ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا ش ّ‬
‫ك‬
‫صلة » ‪.‬‬ ‫أحدكم في صلته أنّه كم صلّى فليستقبل ال ّ‬
‫وإن كان يعرض له كثيرا ً بنى على أكبر رأيه ‪ ،‬لقوله‬
‫ك أحدكم في صلته‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا ش ّ‬
‫صواب » وإن لم يكن له رأي بنى على‬ ‫فليتحّر ال ّ‬
‫اليقين ‪ ،‬لقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬إذا سها‬
‫أحدكم فلم يدر واحدة ً صلّى أو ثنتين فليبن على‬
‫واحدة ‪ ،‬فإن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلثا ً فليبن على‬
‫ثنتين ‪ ،‬فإن لم يدر ثلثا ً صلّى أو أربعا ً فليبن على‬
‫ثلث ‪ ،‬وليسجد سجدتين قبل أن يسلّم » ‪.‬‬
‫صلة وذلك‬ ‫والستقبال ل يكون إل ّ بعد الخروج من ال ّ‬
‫صلة ‪،‬‬ ‫ما ينافي ال ّ‬ ‫سلم أو الكلم أو عمل آخر م ّ‬ ‫بال ّ‬
‫سلم عرف‬ ‫سلم قاعدا ً أولى ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن ال ّ‬ ‫والخروج بال ّ‬
‫ح الخروج بمجّرد النّيّة بل‬ ‫محلّل ً دون الكلم ‪ ،‬ول يص ّ‬
‫صلة ‪ ،‬وعند البناء على‬ ‫يلغو ‪ ،‬ول يخرج بذلك من ال ّ‬
‫ل موضع يحتمل أن يكون آخر‬ ‫ل يقعد في ك ّ‬ ‫الق ّ‬

‫‪406‬‬
‫صلة تحّرزا ً عن ترك فرض القعدة الخيرة وهي‬ ‫ال ّ‬
‫ركن ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة في رواية إلى البناء على غالب الظ ّ ّ‬
‫ن‬
‫سلم ‪ ،‬ودليلهم حديث‬ ‫م صلته ‪ ،‬ويسجد بعد ال ّ‬ ‫‪ ،‬ويت ّ‬
‫ك أحدكم في‬ ‫سابق ‪ « :‬إذا ش ّ‬ ‫عبد اللّه بن مسعود ال ّ‬
‫م ليسلّم ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬ ‫م عليه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫صواب ‪ ،‬فليت ّ‬ ‫صلته فليتحّر ال ّ‬
‫يسجد سجدتين » ‪.‬‬
‫ي التّفريق بين المام‬ ‫قال ابن قدامة ‪ :‬واختار الخرق ّ‬
‫ن والمنفرد‬ ‫والمنفرد ‪ .‬فجعل المام يبني على الظ ّ ّ‬
‫يبني على اليقين ‪ .‬وهو الظّاهر في المذهب نقله‬
‫عن أحمد والثرم وغيره ‪ .‬والمشهور عن أحمد ‪:‬‬
‫ن المام له‬ ‫البناء على اليقين في حقّ المنفرد ‪ ،‬ل ّ‬
‫صواب ‪ ،‬فليعمل‬ ‫من ينبّهه ويذكّره إذا أخطأ ال ّ‬
‫بالظهر عنده ‪ ،‬فإن أصاب أقّره المأمومون ‪ ،‬فيتأكّد‬
‫عنده صواب نفسه ‪ ،‬وإن أخطأ سبّحوا به ‪ ،‬فرجع‬
‫صواب على كلتا الحالتين وليس‬ ‫إليهم فيحصل له ال ّ‬
‫كذلك المنفرد ‪ ،‬إذ ليس له من يذكّره فيبني على‬
‫اليقين ‪ ،‬ليحصل له إتمام صلته ول يكون مغرورا ً بها‬
‫‪ .‬وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل غرار‬
‫صلة » ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫فإن استوى المران عند المام بنى على اليقين‬
‫أيضا ً ‪.‬‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بسجود ال ّ‬
‫‪ - 5‬مذهب الحنفيّة ‪ :‬جاء في الفتاوى الهنديّة نقلً‬
‫ن المتروك ثلثة أنواع ‪:‬‬ ‫عن التتارخانية الصل أ ّ‬
‫فرض ‪ ،‬وسنّة ‪ ،‬وواجب ‪ ،‬ففي الفرض إن أمكنه‬
‫التّدارك بالقضاء يقضي وإل ّ فسدت صلته ‪ ،‬وفي‬
‫صلة بأركانها وقد‬ ‫ن قيام ال ّ‬ ‫سنّة ل تفسد ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سهو ‪ ،‬وفي‬ ‫سنّة بسجدتي ال ّ‬ ‫وجدت ‪ ،‬ول يجبر ترك ال ّ‬

‫‪407‬‬
‫سهو ‪ ،‬وإن‬ ‫الواجب إن ترك ساهيا ً يجبر بسجدتي ال ّ‬
‫ترك عامدا ً ل ‪ .‬ونقل عن البحر الّرائق أنّه لو ترك‬
‫صلة سجدها‬ ‫سجدةً من ركعة فتذكّرها في آخر ال ّ‬
‫سهو لترك التّرتيب فيه ‪ ،‬وليس عليه إعادة‬ ‫وسجد لل ّ‬
‫ما قبلها ‪ ،‬ولو قدّم الّركوع على القراءة لزمه‬
‫سجود لكن ل يعتد ّ بالّركوع فيفرض إعادته بعد‬ ‫ال ّ‬
‫القراءة ‪.‬‬
‫ن ترك الّركن إن أمكنه تداركه‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫سهو وذلك إذا أتى‬ ‫وجب عليه التّدارك مع سجود ال ّ‬
‫به في الّركعة نفسها إلى ما قبل عقد ركعة أخرى‬
‫بالّركوع لها ‪ ،‬فإن كان ترك الّركن في الّركعة‬
‫م سلّم لم يمكنه التّدارك بأداء المتروك بل‬ ‫الخيرة ث ّ‬
‫عليه التيان بركعة أخرى ما لم يطل الفصل أو‬
‫صلة ‪.‬‬‫يخرج من المسجد فعليه استئناف ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن ترك ركنا ً سهوا ً لم يعتد ّ بما‬ ‫وقال ال ّ‬
‫فعله بعد المتروك حتّى يأتي بما تركه ‪ ،‬فإن تذكّر‬
‫سهو قبل فعل مثل المتروك اشتغل عند الذ ّكر‬ ‫ال ّ‬
‫بالمتروك ‪ ،‬وإن تذكّر بعد فعل مثله في ركعة أخرى‬
‫سابقة به ولغا ما بينهما ‪.‬‬‫مت الّركعة ال ّ‬ ‫ت ّ‬
‫فإن لم يعرف عين المتروك أخذ بأدنى الممكن‬
‫سهو‪.‬‬ ‫وأتى بالباقي ‪ .‬وفي الحوال كلّها سجد لل ّ‬
‫وعند الحنابلة من نسي ركنا ً غير التّحريمة فذكره‬
‫بعد شروعه في قراءة الّركعة الّتي بعدها بطلت‬
‫الّركعة الّتي تركه منها فقط ‪ ،‬لنّه ترك ركنا ً ولم‬
‫يمكن استدراكه فصارت الّتي شرع فيها عوضاً‬
‫ي قبل شروعه في‬ ‫عنها ‪ ،‬وإن ذكر الّركن المنس ّ‬
‫قراءة الّركعة الّتي بعدها عاد لزوما ً فأتى به وبما‬
‫بعده ‪.‬‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫سنن الّتي يجب بتركها سجود ال ّ‬ ‫الواجبات وال ّ‬

‫‪408‬‬
‫سهو‬ ‫‪ - 6‬اختلف الفقهاء في فيما يطلب له سجود ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫سهو بترك‬ ‫فذهب الحنفيّة إلى وجوب سجود ال ّ‬
‫صلة سهوا ً ‪ ،‬ويجب عليه‬ ‫واجب من واجبات ال ّ‬
‫سهو ‪ .‬قال ابن عابدين ‪ :‬ل‬ ‫قضاؤه إذا لم يسجد لل ّ‬
‫سهو إن لم‬ ‫تفسد بتركها وتعاد وجوبا ً في العمد وال ّ‬
‫يسجد له ‪ ،‬وإن لم يعدها يكون فاسقا ً آثما ً ‪.‬‬
‫صلة عندهم القعدة الولى من‬ ‫ومن واجبات ال ّ‬
‫صلة الّرباعيّة ‪ ،‬ودعاء القنوت في الوتر ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫وتكبيرات العيدين وغيرها ‪.‬‬
‫صلة إلى‬ ‫سموا ال ّ‬ ‫شافعيّة فقد ق ّ‬ ‫ما المالكيّة وال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فرائض وسنن ‪.‬‬
‫سهو لثمانية من‬ ‫فالمالكيّة يسجد عندهم لسجود ال ّ‬
‫سورة ‪ ،‬والجهر ‪ ،‬والسرار‪ ،‬والتّكبير‬ ‫سنن وهي ‪ :‬ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ،‬والتّحميد ‪ ،‬والتّشهّدان ‪ ،‬والجلوس لهما ‪.‬‬
‫سنّة عندهم نوعان ‪ :‬أبعاض وهيئات‬ ‫شافعيّة فال ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫سهو ‪،‬‬ ‫‪ ،‬والبعاض هي الّتي يجبر تركها بسجود ال ّ‬
‫ي‬
‫صلة على النّب ّ‬ ‫فمنها التّشهّد الوّل والقعود له ‪ ،‬وال ّ‬
‫صلة‬ ‫صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الوّل ‪ ،‬وال ّ‬
‫على الل في التّشهّد الخير ‪ ،‬والقنوت الّراتب في‬
‫صبح ‪ ،‬ووتر النّصف الخير من رمضان ‪ ،‬وقيامه ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم في‬ ‫صلة على النّب ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ن ما ليس بركن‬ ‫القنوت ‪ .‬وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫صلة‬ ‫نوعان واجبات وسنن ‪ ،‬فالواجبات تبطل ال ّ‬
‫بتركها عمدا ً ‪ ،‬وتسقط سهوا ً أو جهل ً ‪ ،‬ويجبر تركها‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬
‫سهو كالتّكبير ‪ ،‬ل ّ‬ ‫سهوا ً بسجود ال ّ‬
‫عليه وسلم كان يكبّر كذلك ‪ «،‬وقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ :‬صلّوا كما رأيتموني أصلّي »‪ .‬والتّسميع‬
‫للمام والمنفرد دون المأموم ‪ ،‬والتّحميد وغيرها ‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫موضع سجود ال ّ‬
‫سهو ‪ :‬فقد‬ ‫‪ - 7‬لم يتّفق الفقهاء على موضع سجود ال ّ‬
‫سهو بعد التّسليم‬ ‫ن موضع سجود ال ّ‬ ‫رأى الحنفيّة أ ّ‬
‫مطلًقا سواء في الّزيادة أو النّقصان ‪ ،‬أي أنّه يتشهّد‬
‫م يسجد‬ ‫حث ّ‬‫ة واحدة ً على الص ّ‬ ‫م يسلّم تسليم ً‬ ‫ث ّ‬
‫م يسلّم كذلك ‪ ،‬فإن سلّم‬ ‫م يتشهّد ث ّ‬ ‫سهو ث ّ‬‫لل ّ‬
‫سجود لحديث ثوبان رضي الله‬ ‫تسليمتين سقط ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬لك ّ‬
‫ل‬ ‫ن النّب ّ‬
‫عنه أ ّ‬
‫سهو سجدتان بعدما يسلّم»‪ .‬ويروى نحو ذلك عن‬
‫مار وابن‬ ‫ي وسعد بن أبي وقّاص وابن مسعود وع ّ‬ ‫عل ّ‬
‫عبّاس وابن الّزبير وأنس ‪.‬‬
‫شافعيّة‬ ‫وذهب المالكيّة وهو مقابل الظهر عند ال ّ‬
‫ورواية عن أحمد ‪ :‬إلى التّفريق بين الّزيادة‬
‫صلة‬ ‫سهو بالنّقص في ال ّ‬ ‫والنّقصان فإن وقع ال ّ‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫سجود يكون قبل ال ّ‬ ‫فال ّ‬
‫ودليلهم حديث عبد اللّه بن مالك بن بحينة « أ ّ‬
‫ن‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من‬
‫ما قضى صلته سجد‬ ‫الظّهر ‪ ،‬ولم يجلس بينهما ‪ ،‬فل ّ‬
‫سجدتين » ‪.‬‬
‫سلم لحديث عبد اللّه بن‬ ‫ما الّزيادة فيسجد بعد ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫مسعود رضي الله عنه « قال ‪ :‬صلّى بنا رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم خمسا ً فقلنا ‪ :‬يا رسول اللّه ‪:‬‬
‫صلة ؟ قال ‪ :‬وما ذاك ؟ قالوا ‪ :‬صلّيت‬ ‫أزيد في ال ّ‬
‫خمسا ً ‪ ،‬إنّما أنا بشر مثلكم ‪ ،‬أذكر كما تذكرون ‪،‬‬
‫سهو »‬ ‫م سجد سجدتي ال ّ‬ ‫وأنسى كما تنسون ‪ ،‬ث ّ‬
‫ل شيء شككت‬ ‫وروي عن ابن مسعود أنّه قال ‪ :‬ك ّ‬
‫فيه من صلتك من نقصان من ركوع أو سجود أو‬
‫غير ذلك ‪ ،‬فاستقبل أكثر ظنّك ‪ ،‬واجعل سجدتي‬

‫‪410‬‬
‫ما غير ذلك‬ ‫سهو من هذا النّحو قبل التّسليم ‪ ،‬فأ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سهو فاجعله بعد التّسليم ‪.‬‬ ‫من ال ّ‬
‫سلم‬ ‫وإن جمع بين زيادة ونقص فيسجد قبل ال ّ‬
‫حا لجانب النّقص ‪.‬‬ ‫ترجي ً‬
‫شافعيّة وهو رواية عن‬ ‫والجديد وهو الظهر عند ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وروي ذلك عن أبي هريرة‬ ‫أحمد أنّه قبل ال ّ‬
‫زهري ويحيى النصاريّ ‪ .‬ودليلهم حديث‬ ‫ّ‬ ‫ومكحول وال ّ‬
‫ي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ « -‬أنّه عليه الصلة‬ ‫ابن بحينة وأب ّ‬
‫سلم » ‪ .‬كما سبق ‪ ،‬ولنّه‬ ‫والسلم سجد قبل ال ّ‬
‫سلم كما لو‬ ‫صلة ‪ ،‬فكان قبل ال ّ‬ ‫يفعل لصلح ال ّ‬
‫صلة‬‫نسي سجدة ً من ال ّ‬
‫سجود‬ ‫ن ال ّ‬‫ما الحنابلة فذهبوا في المعتمد إلى أ ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫سلم ‪ ،‬إل ّ في الموضعين اللّذين ورد‬ ‫كلّه قبل ال ّ‬
‫سلم ‪ .‬وهما إذا سلّم من‬ ‫ص بسجودهما بعد ال ّ‬ ‫الن ّ ّ‬
‫نقص ركعة فأكثر ‪ ،‬كما في حديث ذي اليدين « أنّه‬
‫صلى الله عليه وسلم سلّم من ركعتين فسجد بعد‬
‫سلم » ‪ .‬وحديث عمران بن حصين « أنّه سلّم‬ ‫ال ّ‬
‫سلم » ‪.‬‬ ‫من ثلث فسجد بعد ال ّ‬
‫والثّاني إذا تحّرى المام فبنى على غالب ظنّه كما‬
‫في حديث ابن مسعود عندما تحّرى « فسجد بعد‬
‫سلم » ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬يتخيّر إن شاء قبل‬ ‫وفي قول ثالث عند ال ّ‬
‫سلم وإن شاء بعده ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬‫سهو في نفس ال ّ‬ ‫تكرار ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬ل يلزمه‬ ‫سهو للمصلّي في ال ّ‬ ‫‪ - 8‬إذا تكّرر ال ّ‬
‫ن«‬ ‫ن تكراره غير مشروع ‪ ،‬ول ّ‬ ‫إل ّ سجدتان ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين ‪ ،‬وكلّم ذا‬ ‫النّب ّ‬
‫اليدين » ‪.‬‬

‫‪411‬‬
‫خر إلى‬ ‫ما أ ّ‬‫سهو فل ّ‬
‫ولنّه لو لم تتداخل لسجد عقب ال ّ‬
‫ل سهو في‬ ‫خر ليجمع ك ّ‬ ‫ل على أنّه إنّما أ ّ‬ ‫آخر صلته د ّ‬
‫صلة ‪ .‬وهذا مذهب جمهور الفقهاء ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫نسيان سجود ال ّ‬
‫سهو فانصرف من‬ ‫‪ - 9‬إذا سها المصلّي عن سجود ال ّ‬
‫صلة دون سجود فإنّه يعود إليه ويؤدّيه على‬ ‫ال ّ‬
‫التّفصيل التّالي ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة إلى أنّه ل يسجد إن سلّم بنيّة القطع‬
‫مع التّحوّل عن القبلة أو الكلم أو الخروج من‬
‫سهو سجد ما دام‬ ‫المسجد ‪ ،‬لكن إن سلّم ناسيا ً ال ّ‬
‫ن المسجد في حكم مكان واحد ‪،‬‬ ‫في المسجد ‪ ،‬ل ّ‬
‫ما‬
‫ح القتداء فيه وإن كان بينهما فرجة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ولذا ص ّ‬
‫صحراء فإن تذكّر قبل أن يجاوز‬ ‫إذا كان في ال ّ‬
‫صفوف من خلفه أو يمينه أو يساره أو يتقدّم على‬ ‫ال ّ‬
‫سهو ‪.‬‬ ‫موضع سترته أو سجوده سجد لل ّ‬
‫ي‬
‫سجود القبل ّ‬ ‫ما المالكيّة ‪ :‬فقد فّرقوا بين ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫البعدي يقضيه متى‬‫ّ‬ ‫سجود‬ ‫والبعدي ‪ ،‬فإن ترك ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ذكره ‪ ،‬ولو بعد سنين ‪ ،‬ول يسقط بطول الّزمان‬
‫ن المقصود " ترغيم‬ ‫سواء تركه عمدا ً أو نسيانا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫شيطان " كما في الحديث ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي فإنّهم قيّدوه بعدم خروجه من‬ ‫سجود القبل ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫المسجد ولم يطل الّزمان ‪ ،‬وهو في مكانه أو قربه ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن سلّم سهوا ً أو طال الفصل‬ ‫وقال ال ّ‬
‫سهو يسقط على‬ ‫ن سجود ال ّ‬ ‫بحسب العرف فإ ّ‬
‫سلم وتعذ ّر البناء‬ ‫ل بال ّ‬ ‫المذهب الجديد لفوات المح ّ‬
‫بالطّول ‪.‬‬
‫سهو الّذي‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أنّه إن نسي سجود ال ّ‬
‫سلم أو بعده أتى به ولو تكلّم ‪ ،‬إل ّ بطول‬ ‫قبل ال ّ‬
‫الفصل " ويرجع فيه إلى العادة والعرف من غير‬

‫‪412‬‬
‫تقدير بمدّة " أو بانتقاض الوضوء ‪ ،‬أو بالخروج من‬
‫صلة‬ ‫المسجد ‪ ،‬فإن حصل شيء من ذلك استأنف ال ّ‬
‫‪ ،‬لنّها صلة واحدة لم يجز بناء بعضها على بعض مع‬
‫طول الفصل ‪ ،‬كما لو انتقض وضوءه ‪.‬‬
‫ك هل سجد أم ل ؟ فعند‬ ‫مش ّ‬ ‫سهو ث ّ‬ ‫وإن سجد لل ّ‬
‫سجود ‪.‬‬‫الحنفيّة يتحّرى ‪ ،‬ولكن ل يجب عليه ال ّ‬
‫ك هل سجد سجدةً واحدةً أو‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬إذا ش ّ‬
‫اثنتين بنى على اليقين وأتى بالثّانية ول سجود عليه‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬ ‫ثانيا ً لهذا ال ّ‬
‫سجدتين أو ل ‪،‬‬ ‫ك هل سجد ال ّ‬ ‫وكذلك لو ش ّ‬
‫فيسجدهما ول سهو عليه ‪ ،‬وإليه ذهب الحنابلة‬
‫شافعيّة في وجه ‪ ،‬والوجه الثّاني وهو الص ّ‬
‫ح‬ ‫وال ّ‬
‫عندهم أنّه ل يعيده ‪.‬‬
‫سهو المام والمأموم ‪:‬‬
‫‪ - 10‬ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز تنبيه المأموم‬
‫للمام إذا سها في صلته ‪ ،‬لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ « :‬من نابه شيء في صلته فليقل ‪ :‬سبحان‬
‫اللّه » ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة بين‬ ‫وفّرق الجمهور من الحنفيّة وال ّ‬
‫تنبيه الّرجال وتنبيه النّساء ‪.‬‬
‫فقن‬ ‫فالّرجال يسبّحون لسهو إمامهم ‪ ،‬والنّساء يص ّ‬
‫ف على ظهر الخرى ‪ .‬لحديث أبي‬ ‫بضرب بطن ك ّ‬
‫هريرة رضي الله عنه قال ‪ « :‬قال رسول اللّه صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬التّسبيح للّرجال والتّصفيق للنّساء‬
‫» ولقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬إذا نابكم أمر‬
‫فليسبّح الّرجال وليصفح يعني ليصّفق النّساء » ‪.‬‬
‫ولم يفّرق المالكيّة بين تنبيه الّرجال والنّساء‬
‫فالجميع يسبّح لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‪« :‬‬
‫من نابه شيء في صلته فليقل ‪ :‬سبحان اللّه » ‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫صلة ‪.‬‬
‫ويكره عندهم تصفيق النّساء في ال ّ‬
‫استجابة المام لتنبيه المأمومين ومتابعتهم ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 11‬يرى جمهور الفقهاء من الحنفيّة وال ّ‬
‫ن المام إذا زاد في صلته وكان المام‬ ‫والحنابلة أ ّ‬
‫على يقين أو غلب على ظنّه أنّه مصيب ‪ ،‬حيث إنّه‬
‫يرى أنّه في الّرابعة ‪ ،‬والمأمومون يرون أنّه في‬
‫الخامسة لم يستجب لهم ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى أنّه إذا كثر عددهم بحيث يفيد‬
‫ضروري فيترك يقينه ويرجع لهم فيما‬ ‫ّ‬ ‫عددهم العلم ال ّ‬
‫أخبروه به من نقص أو كمال ‪ ،‬وإل ّ لم يعد ‪.‬‬
‫ما إذا‬ ‫وهذا إذا كان المام على يقين من نفسه ‪ ،‬أ ّ‬
‫ك ولم يغلب ظنّه على أمر عاد لقول المأمومين‬ ‫ش ّ‬
‫إذا كانوا ثقات أو كثر عددهم ‪ .‬لحديث « ذي اليدين‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فسأل‬ ‫عندما أخبر النّب ّ‬
‫الّرسول صلى الله عليه وسلم النّاس فأجابوه » ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ ،‬فإنّهم ذهبوا‬ ‫وهذا قول جمهور العلماء إل ّ ال ّ‬
‫ك أصلّى ثلثا ً أم أربعا ً أتى‬ ‫ن المام إذا ش ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫ن الصل عدم إتيانه بها ول يرجع لظنّه ول‬ ‫بركعة ‪ ،‬ل ّ‬
‫لقول غيره أو فعله وإن كان جمعا ً كثيرا ً ‪ ،‬إل ّ أن‬
‫يبلغوا حد ّ التّواتر بقرينة ‪.‬‬
‫وحديث ذي اليدين محمول على تذكّره بعد مراجعته‬
‫‪ ،‬أو أنّهم بلغوا حد ّ التّواتر ‪.‬‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫سجود المام لل ّ‬
‫سهو فعلى‬ ‫م سجد لل ّ‬ ‫‪ - 12‬إذا سها المام في صلته ث ّ‬
‫سجود سواء سها معه أو‬ ‫المأموم متابعته في ال ّ‬
‫سهو ‪ .‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمع ك ّ‬
‫ل‬ ‫انفرد المام بال ّ‬
‫من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك سواء كان‬
‫سلم ‪ .‬لقول الّرسول صلى‬ ‫سلم أو بعد ال ّ‬ ‫قبل ال ّ‬
‫م به ‪...‬‬ ‫الله عليه وسلم ‪ « :‬إنّما جعل المام ليؤت ّ‬

‫‪414‬‬
‫وإذا سجد فاسجدوا » ولحديث ابن عمر ‪ -‬رضي الله‬
‫عنهما ‪ « -‬ليس على من خلف المام سهو ‪ ،‬فإن‬
‫سهو » ‪.‬‬ ‫سها المام فعليه وعلى من خلفه ال ّ‬
‫ن المأموم تابع للمام وحكمه حكمه إذا سها ‪،‬‬ ‫ول ّ‬
‫وكذلك إذا لم يسه ‪.‬‬
‫ما إذا لم يسجد المام فذهب الحنفيّة وهو قول‬ ‫أ ّ‬
‫شافعيّة ورواية عند الحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ل‬ ‫مخّرج عند ال ّ‬
‫يسجد المأموم لنّه يصير مخالفا ً ‪ ،‬ولحديث ابن عمر‬
‫سهو »‬ ‫« فإن سها المام فعليه وعلى من خلفه ال ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫وإلى هذا ذهب عطاء والحسن والنّخع ّ‬
‫صحيح المنصوص‬ ‫شافعيّة على ال ّ‬ ‫وذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ن المأموم‬ ‫عندهم وهو رواية عند الحنابلة إلى أ ّ‬
‫ما سها‬ ‫سهو إذا لم يسجد المام ‪ ،‬لنّه ل ّ‬ ‫يسجد لل ّ‬
‫سهو فإذا لم يجبر المام‬ ‫دخل النّقص على صلته بال ّ‬
‫صلته جبر المأموم صلته ‪.‬‬
‫ي واللّيث وأبو ثور ‪ ،‬وحكاه ابن‬ ‫وبه قال الوزاع ّ‬
‫المنذر عن ابن سيرين ‪.‬‬
‫سهو ‪:‬‬ ‫سجود المسبوق لل ّ‬
‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على وجوب متابعة المسبوق‬
‫سهو إذا سبقه في بعض‬ ‫لمامه في سجود ال ّ‬
‫ن الخلف وقع في مقدار الدراك من‬ ‫صلة ‪ ،‬ولك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫فذهب الجمهور من الحنفيّة وال ّ‬
‫أي ركن من‬ ‫ن المصلّي إذا أدرك مع إمامه ّ‬ ‫إلى أ ّ‬
‫سهو وجب عليه متابعة‬ ‫صلة قبل سجود ال ّ‬ ‫أركان ال ّ‬
‫سهو‬‫سهو ‪ ،‬وسواء كان هذا ال ّ‬ ‫إمامه في سجوده لل ّ‬
‫قبل القتداء أو بعده ‪ .‬لعموم قوله صلى الله عليه‬
‫م به » ولقوله عليه‬ ‫وسلم ‪ « :‬إنّما جعل المام ليؤت ّ‬
‫الصلة والسلم ‪ « :‬فما أدركتم فصلّوا وما فاتكم‬

‫‪415‬‬
‫سجدة الثّانية من‬ ‫موا » وإن اقتدى به بعد ال ّ‬ ‫فأت ّ‬
‫سهو فل سجود عليه ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ولكنّهم اختلفوا فيما لو اقتدى المسبوق بالمام بعد‬
‫سجدة الولى هل يقضيها أم ل ؟ فذهب الحنفيّة‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة الثّانية ‪.‬‬ ‫إلى أنّه ل قضاء عليه بل تكفيه ال ّ‬
‫صا ً إلى أنّه يقضي الولى‬ ‫شافعيّة والحنابلة ن ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫م يقضي ما فاته ‪.‬‬ ‫بعد أن يسلّم المام ‪ ،‬يسجدها ث ّ‬
‫موا »‬ ‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬وما فاتكم فأت ّ‬
‫‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة على المشهور وهو رواية عن أحمد‬
‫ة من‬ ‫إلى أنّه إذا لم يدرك المسبوق مع المام ركع ً‬
‫سجود بعديّا ً أو‬ ‫صلة فل سجود عليه ‪ ،‬سواء أكان ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫قبليّا ً ‪ .‬وإذا سجد مع إمامه بطلت صلته عامدا ً أو‬
‫ة ‪ ،‬لذا ل يسجد بعد‬ ‫جاهل ً ‪ ،‬لنّه غير مأموم حقيق ً‬
‫ما البعديّ فتبطل بسجوده ولو لحق‬ ‫تمام صلته ‪ ،‬وأ ّ‬
‫صواب ‪.‬‬ ‫ي من المالكيّة ‪ :‬وهو ال ّ‬ ‫ة ‪ .‬قال الخرش ّ‬ ‫ركع ً‬
‫سهو المأموم خلف المام ‪:‬‬
‫‪ - 14‬قال ابن المنذر ‪ :‬أجمعوا على أن ليس على‬
‫من سها خلف المام سجود ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫وقد روي عن النّب ّ‬
‫ليس على من خلف المام سهو ‪ ،‬فإن سها المام‬
‫ن المأموم تابع‬ ‫سهو » ول ّ‬ ‫فعليه وعلى من خلفه ال ّ‬
‫سجود وتركه ‪.‬‬ ‫لمامه ‪ ،‬فلزمه متابعته في ال ّ‬
‫سهو المام أو المنفرد عن التّشهّد الوّل ‪:‬‬
‫‪ - 15‬من سها عن التّشهّد الوّل ‪ ،‬فسبّح له‬
‫المأمومون أو تذكّر قبل انتصابه قائما ً لزمه‬
‫م قائما ً ل يعود للتّشهّد لنّه تلبّس‬ ‫الّرجوع ‪ ،‬وإن استت ّ‬
‫سهو ‪ .‬لحديث المغيرة بن شعبة ‪-‬‬ ‫بركن ويسجد لل ّ‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬

‫‪416‬‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬إذا قام المام في الّركعتين ‪ ،‬فإن‬
‫ذكر قبل أن يستوي قائما ً فليجلس ‪ ،‬فإن استوى‬
‫سهو » ‪ .‬وعن‬ ‫قائما ً فل يجلس ‪ ،‬ويسجد سجدتي ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫عبد اللّه بن بحينة ‪ « :‬أ ّ‬
‫ن النّب ّ‬
‫وسلم صلّى فقام في الّركعتين فسبّحوا ‪ ،‬فمضى ‪،‬‬
‫م سلّم » ‪.‬‬ ‫ما فرغ من صلته سجد سجدتين ‪ ،‬ث ّ‬ ‫فل ّ‬
‫وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪.‬‬‫وال ّ‬
‫م قائما ً ‪،‬‬ ‫ن الخلف وقع فيما لو عاد بعد أن استت ّ‬ ‫ولك ّ‬
‫هل تبطل صلته أم ل ؟‬
‫صحيح عندهم‬ ‫شافعيّة على ال ّ‬ ‫ذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫ن المصلّي لو عاد إلى‬ ‫وسحنون من المالكيّة إلى أ ّ‬
‫التّشهّد الوّل بطلت صلته ‪ .‬لحديث المغيرة الّذي‬
‫فيه النّهي عن أن يعود وهو قوله ‪ « :‬وإذا استوى‬
‫قائما ً فل يجلس » ‪ .‬ولنّه تلبّس بفرض فل يجوز‬
‫تركه لواجب أو مسنون ‪ .‬وذهب المالكيّة على‬
‫ن الولى أن‬ ‫المشهور في المذهب والحنابلة على أ ّ‬
‫ل يعود لحديث المغيرة بن شعبة « وإذا استوى فل‬
‫يجلس » ول تبطل صلته إن عاد ولكنّه أساء ‪ ،‬وكره‬
‫ي لظاهر‬ ‫‪ ،‬خروجا ً من خلف من أوجب المض ّ‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫ن‬
‫واستثنى الحنابلة ما لو شرع المام في القراءة فإ ّ‬
‫صلته تبطل إن عاد ‪ ،‬لنّه شرع في ركن مقصود ‪،‬‬
‫كما لو شرع في الّركوع ‪.‬‬
‫ن المصلّي إذا عاد للتّشهّد بعد‬ ‫وذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫م قائما ً ناسيا ً أو جاهل ً من غير عمد فإ ّ‬
‫ن‬ ‫أن استت ّ‬
‫صلته ل تبطل ‪.‬‬
‫متي الخطأ والنّسيان‬ ‫ن اللّه وضع عن أ ّ‬ ‫للحديث ‪ « :‬إ ّ‬
‫وما استكرهوا عليه » ‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫====================‬
‫شكر *‬ ‫سجود ال ّ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬هو العتراف‬ ‫شكر لغ ً‬ ‫سجود تقدّم بيانه ‪ ،‬وال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫بالمعروف المسدى إليك ‪ ،‬ونشره ‪ ،‬والثّناء على‬
‫شكُْر‬‫من ي َ ْ‬ ‫فاعله ‪ ،‬وضدّه الكفران ‪ ،‬قال تعالى َ‪ { :‬وَ َ‬
‫ميد ٌ }‬ ‫ح ِ‬‫ي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه غَن ِ ٌّ‬ ‫من كََفَر فَإ ِ َّ‬ ‫سهِ وَ َ‬‫شكُُر لِنَْف ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫فَإِن َّ َ‬
‫شكر ‪ :‬ظهور أثر النّعمة على اللّسان‬ ‫وحقيقة ال ّ‬
‫والقلب والجوارح ‪ ،‬بأن يكون اللّسان مقّراً‬
‫بالمعروف مثنيا ً به ‪ ،‬ويكون القلب معترفًا بالنّعمة ‪،‬‬
‫ة فيما يرضاه المشكور ‪.‬‬ ‫وتكون الجوارح مستعمل ً‬
‫شكر للّه في الصطلح ‪ :‬صرف العبد النّعم الّتي‬ ‫وال ّ‬
‫أنعم اللّه بها عليه في طاعته ‪.‬‬
‫شكر شرعا ً ‪ :‬هو سجدة يفعلها النسان‬ ‫وسجود ال ّ‬
‫عند هجوم نعمة ‪ ،‬أو اندفاع نقمة ‪.‬‬
‫شكر ‪:‬‬ ‫مشروعيّة سجود ال ّ‬
‫شكر ‪،‬‬ ‫سجود لل ّ‬ ‫‪ - 2‬اختلف الفقهاء في مشروعيّة ال ّ‬
‫ي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن‬ ‫شافع ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫مد وعليه الفتوى ‪ ،‬وهو قول‬ ‫المنذر وأبو يوسف ومح ّ‬
‫صار إلى مالك‬ ‫ابن حبيب من المالكيّة وعزاه ابن الق ّ‬
‫ي إلى أنّه مشروع ‪ .‬لما ورد من‬ ‫ححه البنان ّ‬ ‫وص ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫حديث أبي بكرة رضي الله عنه « أ ّ‬
‫شر‬ ‫الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر سرور ‪ -‬أو ‪ :‬ب ّ‬
‫به ‪ -‬خّر ساجدا ً شاكرا ً للّه » ‪.‬‬
‫صدّيق رضي الله عنه حين فتح‬ ‫وسجد أبو بكر ال ّ‬
‫اليمامة حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذ ّاب‪ .‬وسجد‬
‫ي رضي الله عنه حين وجد ذا الثّديّة بين قتلى‬ ‫عل ّ‬
‫شكر عن جماعة من‬ ‫سجود لل ّ‬ ‫الخوارج ‪ ،‬وروي ال ّ‬
‫صحابة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪418‬‬
‫وروى أحمد في مسنده من حديث عبد الّرحمن بن‬
‫ي صلى‬ ‫ن جبريل قال للنّب ّ‬ ‫عوف رضي الله عنه « أ ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬يقول اللّه تعالى ‪ :‬من صلّى عليك‬
‫صلّيت عليه ‪ ،‬ومن سلّم عليك سلّمت عليه فسجد‬
‫ي صلى الله عليه وسلم شكرا ً للّه » ‪ .‬وذكر‬ ‫النّب ّ‬
‫الحاكم « أنّه صلى الله عليه وسلم سجد لرؤية زمن‬
‫ي»‪.‬‬ ‫‪ ،‬وأخرى لرؤية قرد ‪ ،‬وأخرى لرؤية نغاش ّ‬
‫ي قيل ‪ :‬هو ناقص الخلقة ‪،‬‬ ‫جاويّ ‪ :‬النّغاش ّ‬ ‫قال الح ّ‬
‫وقيل ‪ :‬هو المبتلى ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مختلط العقل‪.‬‬
‫ضا بحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما‬ ‫واستدلّوا أي ً‬
‫قال ‪ « :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في‬
‫ة ‪ ،‬وأسجدها شكرا ً » ‪،‬‬ ‫سجدة ص ‪ :‬سجدها داود توب ً‬
‫البخاري‬
‫ّ‬ ‫وبحديث كعب بن مالك رضي الله عنه عند‬
‫شر بتوبة اللّه عليه خّر ساجدا ً » ‪.‬‬ ‫ما ب ّ‬ ‫أنّه « ل ّ‬
‫وذهب أبو حنيفة ومالك على المشهور عنه ‪،‬‬
‫ن‬‫ي على ما حكاه عنه ابن المنذر إلى أ ّ‬ ‫والنّخع ّ‬
‫شكر غير مشروع ‪.‬‬ ‫سجود لل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي ‪ :‬وجه المشهور عن مالك عمل أهل‬ ‫قال البنان ّ‬
‫ن أبا‬ ‫المدينة ‪ ،‬وذلك لما في العتبيّة أنّه قيل لمالك‪ :‬إ ّ‬
‫صدّيق سجد في فتح اليمامة شكرا ً ‪ ،‬قال ‪ :‬ما‬ ‫بكر ال ّ‬
‫سمعت ذلك ‪ ،‬وأرى أنّهم كذبوا على أبي بكر ‪ ،‬وقد‬
‫فتح اللّه على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى‬
‫ن أحدا ً منهم سجد ‪.‬‬ ‫المسلمين فما سمعت أ ّ‬
‫ي‬
‫ن « النّب ّ‬ ‫ج ابن المنذر لصحاب هذا القول بأ ّ‬ ‫واحت ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم شكا إليه رجل القحط وهو‬
‫يخطب ‪ ،‬فرفع يديه ودعا ‪ ،‬فسقوا في الحال ودام‬
‫المطر إلى الجمعة الخرى ‪ ،‬فقال رجل يا رسول‬
‫سبل فادع اللّه‬ ‫اللّه ‪ :‬تهدّمت البيوت وتقطّعت ال ّ‬
‫يرفعه عنّا ‪ ،‬فدعا فرفعه في الحال » قال ‪ :‬فلم‬

‫‪419‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم لتجدّد نعمة‬ ‫يسجد النّب ّ‬
‫ن‬‫ج أيضا ً بأ ّ‬‫المطر أوّل ً ‪ ،‬ول لرفع نقمته آخرا ً ‪ .‬واحت ّ‬
‫النسان ل يخلو من نعمة ‪ ،‬فإن كلّفه لزم الحرج ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة في حكم سجود‬ ‫‪ - 3‬مذهب ال ّ‬
‫شكر عند وجود سببه أنّه سنّة ‪ ،‬لما ورد من‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫الحاديث الدّالّة على أ ّ‬
‫ن النّب ّ‬
‫كان يفعله ‪.‬‬
‫ي ‪ -‬على القول بمشروعيّته عند‬ ‫وقد أفاد الّزرقان ّ‬
‫المالكيّة ‪ -‬أنّه على هذا القول غير مطلوب‪ ،‬أي ليس‬
‫مستحبّا ً ‪ ،‬ولكنّه جائز فقط ‪.‬‬
‫شكر مكروه ‪،‬‬ ‫ن سجود ال ّ‬ ‫ومشهور مذهب المالكيّة أ ّ‬
‫ص مالك ‪ ،‬والظّاهر أنّها عنده كراهة تحريم ‪.‬‬ ‫وهو ن ّ‬
‫ومذهب أبي حنيفة الكراهة ‪ ،‬إل ّ أنّهم صّرحوا بما‬
‫ل على أنّها كراهة تنزيه ‪ ،‬فعبارة الفتاوى الهنديّة ‪:‬‬ ‫يد ّ‬
‫شكر ل عبرة بها ‪ ،‬وهي مكروهة عند أبي‬ ‫سجدة ال ّ‬
‫حنيفة ل يثاب عليها ‪ ،‬وتركها أولى ‪.‬‬
‫شكر ‪:‬‬ ‫أسباب سجود ال ّ‬
‫شكر عند من قال به لطروء‬ ‫‪ - 4‬يشرع سجود ال ّ‬
‫نعمة ظاهرة ‪ ،‬كأن رزقه اللّه ولدًا بعد اليأس ‪ ،‬أو‬
‫ة‪،‬‬ ‫لندفاع نقمة كأن شفي له مريض ‪ ،‬أو وجد ضال ّ ً‬
‫أو نجا هو أو ماله من غرق أو حريق ‪ .‬أو لرؤية‬
‫ى أو عاص أي شكرا ً للّه تعالى على سلمته هو‬ ‫مبتل ً‬
‫من مثل ذلك البلء وتلك المعصية ‪.‬‬
‫سجود سواء‬ ‫ن ال ّ‬‫شافعيّة والحنابلة بأنّه يس ّ‬ ‫وصّرح ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬به‬ ‫ص ً‬
‫كانت النّعمة الحاصلة أو النّقمة المندفعة خا ّ‬
‫ة للمسلمين ‪ ،‬كالنّصر على‬ ‫م ً‬
‫أو بنحو ولده ‪ ،‬أو عا ّ‬
‫العداء ‪ ،‬أو زوال طاعون ونحوه ‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫مة ول‬ ‫وفي قول عند الحنابلة ‪ :‬يسجد لنعمة عا ّ‬
‫صة ‪ ،‬قدّمه ابن حمدان في الّرعاية‬ ‫يسجد لنعمة خا ّ‬
‫الكبرى ‪.‬‬
‫سجود‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ :‬ل يشرع ال ّ‬ ‫م إنّه عند ال ّ‬ ‫ث ّ‬
‫لستمرار النّعم لنّها ل تنقطع ‪.‬‬
‫سلمة من المر العارض ول‬ ‫ن العقلء يهنّئون بال ّ‬ ‫ول ّ‬
‫ل ساعة ‪.‬‬ ‫يفعلونه ك ّ‬
‫شكر بطول الفصل‬ ‫ي ‪ :‬وتفوت سجدة ال ّ‬ ‫قال الّرمل ّ‬
‫بينها وبين سببها ‪.‬‬
‫شكر ‪:‬‬ ‫شروط سجود ال ّ‬
‫شكر‬ ‫ن سجود ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة بأ ّ‬ ‫‪ - 5‬صّرح ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬أي من الطّهارة ‪،‬‬ ‫يشترط له ما يشترط لل ّ‬
‫واستقبال القبلة ‪ ،‬وستر العورة ‪ ،‬واجتناب النّجاسة ‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن كان فاقد الطّهورين ليس له أن‬
‫شرقاوي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شكر كما صّرح به ال ّ‬ ‫يسجد لل ّ‬
‫شكر عند المالكيّة‬ ‫وعلى القول بجواز سجود ال ّ‬
‫فالمشهور أنّه يفتقر إلى طهارة على ظاهر المذهب‬
‫‪ ،‬واختار بعض المالكيّة عدم افتقاره إلى ذلك ‪ ،‬قال‬
‫سجود‬ ‫ن سّر المعنى الّذي يؤتى بال ّ‬ ‫الحطّاب ‪ :‬ل ّ‬
‫لجله يزول لو تراخى حتّى يتطهّر ‪.‬‬
‫واختار ابن تيميّة أنّه ل يشترط الطّهارة لسجود‬
‫شكر ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شكر ‪:‬‬ ‫كيفيّة سجود ال ّ‬
‫شكر‬ ‫ن سجود ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة بأ ّ‬ ‫‪ - 6‬يصّرح ال ّ‬
‫صلة ‪،‬‬‫تعتبر في صفاته صفات سجود التّلوة خارج ال ّ‬
‫شكر للّه تعالى يستقبل القبلة‬ ‫وإذا أراد أن يسجد لل ّ‬
‫ويكبّر ويسجد سجدة ً يحمد اللّه تعالى فيها ويسبّحه ‪.‬‬
‫م يكبّر تكبيرةً أخرى ويرفع رأسه ‪.‬‬ ‫ث ّ‬

‫‪421‬‬
‫قال في الفتاوى الهنديّة ‪ :‬كما في سجود التّلوة ‪،‬‬
‫سجود ول يرفع‬ ‫وقد قال في سجود التّلوة ‪ :‬يكبّر لل ّ‬
‫سجود فل تشهّد عليه ول سلم‬ ‫يديه ‪ .‬وإذا رفع من ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫شافعيّة من‬ ‫ن في التّشهّد والتّسليم عند ال ّ‬ ‫غير أ ّ‬
‫حها ‪ :‬أنّه‬ ‫شكر بعد الّرفع ثلثة أقوال أص ّ‬ ‫سجود ال ّ‬
‫يسلّم ول يتشهّد ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة اختلف في سجود التّلوة هل يرفع‬
‫يديه عند تكبيرتها الولى أم ل ‪ ،‬ومقتضى ذلك‬
‫شكر ‪،‬‬ ‫جريان الخلف في مثل ذلك في سجدة ال ّ‬
‫ويسلّم ‪ ،‬ول تشهّد عليه ‪.‬‬
‫سجود‬ ‫شكر ال ّ‬ ‫وصّرحوا أيضا ً بأنّه يعتبر في سجود ال ّ‬
‫ن ذلك ركن فيه ‪ ،‬ويجب‬ ‫سبعة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫على العضاء ال ّ‬
‫فيه التّكبير والتّسبيح ‪ ،‬إل ّ أنّه ليس فيه تشهّد ول‬
‫جلوس له ‪ ،‬وأنّه تجزئ فيه تسليمة واحدة ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫شكر في ال ّ‬ ‫سجود ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة أنّه ل يجوز أن يسجد‬ ‫‪ - 7‬يصّرح ال ّ‬
‫صلة‬‫ن سببها خارج عن ال ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫شكر وهو في ال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫صلة بطلت صلته ‪.‬‬ ‫‪ ،‬فإن سجد في ال ّ‬
‫قالوا ‪ :‬إل ّ أن يكون جاهل ً أو ناسيا ً فل تبطل ‪ ،‬كما لو‬
‫صلة سجدة ً نسيانا ً ‪.‬‬ ‫زاد في ال ّ‬
‫شكر في‬ ‫وفي قول عند الحنابلة ‪ :‬ل بأس بسجود ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وقد اختلف في سجدة سورة ( ص ) فقيل ‪ :‬هي‬
‫شافعيّة والحنابلة لما‬ ‫شكر ‪ ،‬وهو ما ذهب إليه ال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫البخاري « عن ابن عبّاس أنّه قال ‪ :‬ص ليست‬ ‫ّ‬ ‫روى‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫سجود ‪ ،‬وقد رأيت النّب ّ‬ ‫من عزائم ال ّ‬
‫وسلم يسجد فيها » ‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ي« أ ّ‬ ‫وروى النّسائ ّ‬
‫ة ‪ ،‬ونسجدها شكرا ً »‪ .‬وقيل ‪ :‬هي‬ ‫‪ :‬سجدها داود توب ً‬
‫للتّلوة وإليه ذهب الحنفيّة ‪.‬‬
‫من أجل ذلك فلو سجد عند سجدة سورة ( ص )‬
‫ح‬
‫صلة بطلت صلته عند الحنابلة وهو الص ّ‬ ‫في ال ّ‬
‫شافعيّة ما لم يكن جاهل ً أو ناسيا ً ‪.‬‬ ‫عند ال ّ‬
‫ما عند الحنفيّة فل تبطل ‪ ،‬وقد وافقهم على ذلك‬ ‫أ ّ‬
‫شكر إلّ‬ ‫شافعيّة من حيث إنّها وإن كانت لل ّ‬ ‫بعض ال ّ‬
‫شكر ‪،‬‬ ‫صلة ‪ ،‬فهي ليست لمحض ال ّ‬ ‫ن لها تعلّقا ً بال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫وهو وجه عند الحنابلة كما في المغني ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬إن كان ناسيا ً أو جاهل ً ل‬ ‫ي من ال ّ‬ ‫قال الّرمل ّ‬
‫سهو ‪ ،‬والعالم بحكمها لو‬ ‫تبطل صلته ‪ ،‬ويسجد لل ّ‬
‫سجد إمامه لم يجز له متابعته بل يتخيّر بين انتظاره‬
‫ومفارقته ‪ ،‬وانتظاره أفضل ‪.‬‬
‫شكر في أوقات النّهي ‪:‬‬ ‫سجود ال ّ‬
‫شكر في الوقت‬ ‫‪ - 8‬يكره عند الحنفيّة أن يسجد لل ّ‬
‫الّذي يكره فيه النّفل ‪.‬‬
‫وعند الحنابلة ل ينعقد في تلك الوقات تطوّع وإن‬
‫كان له سبب كسجود شكر ‪.‬‬
‫شكر أثناء استماعه لخطبة الجمعة ‪.‬‬ ‫ول يسجد لل ّ‬
‫شكر وإخفاؤه ‪:‬‬ ‫إظهار سجود ال ّ‬
‫ن من سجد لنعمة أو اندفاع‬ ‫شافعيّة بأ ّ‬ ‫‪ - 9‬صّرح ال ّ‬
‫سجود ‪،‬‬ ‫ب إظهار ال ّ‬ ‫ساجد يستح ّ‬ ‫نقمة ل تتعلّق بغير ال ّ‬
‫وإن سجد لبليّة في غيره وصاحبها غير معذور‬
‫سجود فلعلّه يتوب ‪ ،‬وإن كان‬ ‫كالفاسق ‪ ،‬يظهر ال ّ‬
‫معذورا ً كالّزمن ونحوه أخفاه لئل ّ يتأذ ّى به ‪ ،‬وعبّر‬
‫سجود لرؤية المبتلى إن كان‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عن ذلك الحنابلة بأ ّ‬
‫ى في دينه سجد بحضوره أو بغير حضوره ‪،‬‬ ‫مبتل ً‬
‫ما ابتلك به ‪ .‬وإن‬ ‫وقال ‪ :‬الحمد للّه الّذي عافاني م ّ‬

‫‪423‬‬
‫كان البلء في بدنه سجد وقال ذلك ‪ ،‬وكتمه عنه ‪،‬‬
‫ي‪:‬‬‫ويسأل اللّه العافية ‪ ،‬وقد قال إبراهيم النّخع ّ‬
‫كانوا يكرهون أن يسألوا اللّه العافية بحضرة المبتلى‬
‫‪.‬‬
‫==================‬
‫سجود *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬الخضوع والتّطامن والتّذلّل‬ ‫سجود لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ل من تذلّل وخضع‬ ‫والميل ووضع الجبهة بالرض ‪ ،‬وك ّ‬
‫فقد سجد ‪ ،‬ويقال ‪ :‬سجد البعير إذا خفض رأسه‬
‫ليركب ‪ ،‬وسجدت النّخلة إذا مالت من كثرة حملها ‪،‬‬
‫وسجد الّرجل إذا طأطأ رأسه وانحنى ‪ ،‬ومنه سجود‬
‫صلة وهو وضع الجبهة على الرض ‪ ،‬والسم‬ ‫ال ّ‬
‫سجدة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة الّذي يتعبّد فيه ‪ ،‬ومنه قوله‬ ‫والمسجد بيت ال ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬جعلت لي الرض مسجداً‬
‫وطهورا ً » ‪.‬‬
‫وجمعه مساجد ‪ ،‬والمسجد ‪ -‬بفتح الجيم ‪ -‬موضع‬
‫سجود من بدن النسان ‪ ،‬وجمعه كذلك مساجد ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫وهي جبهته وأنفه ويداه وركبتاه وقدماه ‪.‬‬
‫ومن هذا قولهم ‪ :‬ويجعل الكافور في مساجده ‪ :‬أي‬
‫الميّت ‪.‬‬
‫م في‬ ‫سجود للّه عا ّ‬‫ي ‪ :‬ال ّ‬
‫قال الّراغب الصفهان ّ‬
‫النسان ‪ ،‬والحيوانات ‪ ،‬والجمادات وذلك ضربان ‪:‬‬
‫الوّل ‪ :‬سجود باختيار وليس ذلك إل ّ للنسان ‪ ،‬وبه‬
‫َ‬
‫جدُوا لِل ّهِ‬ ‫يستحقّ الثّواب ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪ { :‬فَا ْ‬
‫س ُ‬
‫َواع ْبُدُوا } ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬سجود تسخير ‪ ،‬وهو للنسان والحيوانات‬
‫والنّبات والجمادات ‪ ،‬وإليه يشير قوله تعالى ‪:‬‬

‫‪424‬‬
‫ت وَالَْرض طَوْعاً‬ ‫ماوَا ِ‬ ‫س َ‬ ‫من فِي ال َّ‬ ‫جد ُ َ‬ ‫س ُ‬‫{ وَلِلّهِ ي َ ْ‬
‫ِ‬
‫ل } وقوله تعالى ‪:‬‬ ‫صا ِ‬ ‫وَكَْرها ً ُوَظِللُهُم بِالْغُد ُ ِّو وَال َ‬
‫جدا ً لِلّهِ } ‪.‬‬ ‫مين وال ْ َّ‬
‫س َّ‬
‫ل ُ‬ ‫مآئ ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ن الْي َ ِ ِ َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫فيَّأ ظِلَل ُ ُ‬ ‫{ يَت َ َ‬
‫صامتة النّاطقة‬ ‫فهذا سجود تسخير ‪ ،‬وهو الدّللة ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وأنّها خلق فاعل‬ ‫المنبّهة على كونها مخلوق ً‬
‫شريعة بالّركن‬ ‫سجود في ال ّ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫حكيم ‪ ،‬وخ ّ‬
‫صلة ‪ ،‬وما يجري مجرى ذلك من‬ ‫المعروف من ال ّ‬
‫شكر ‪.‬‬ ‫سجود القرآن وسجود ال ّ‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫أوّل ً ‪ :‬سجود ال ّ‬
‫صلة‬ ‫سجود في ال ّ‬ ‫‪ - 2‬أجمع الفقهاء على فرضيّة ال ّ‬
‫سنّة‬ ‫ص الكتاب وال ّ‬ ‫صلة بن ّ‬ ‫وأنّه ركن من أركان ال ّ‬
‫والجماع ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫منُوا اْركَعُوا‬ ‫ن آ ََ‬ ‫ما الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬أيُّهَا ال ّذِي َ‬ ‫أ ّ‬
‫ن‬
‫حو َ‬‫فل ِ ُ‬ ‫خيَْر لَعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُ ْ‬ ‫م وَافْعَلُوا ال ْ َ‬ ‫جدُوا وَاع ْبُدُوا َربَّك ُ ْ‬ ‫س ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫}‪.‬‬
‫سنّة فمنها حديث المسيء صلته قال فيه‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ن‬
‫م اسجد حتّى تطمئ ّ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ث ّ‬
‫ساجدا ً » ‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬أمرت‬
‫ن أسجد على سبعة أعظم » ‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ل ركعة من‬ ‫كما أجمعوا على وجوب سجدتين في ك ّ‬
‫صلة فرضا ً أو‬ ‫صلة ‪ ،‬سواء كانت هذه ال ّ‬ ‫ركعات ال ّ‬
‫ة‪.‬‬ ‫سن ّ ً‬
‫سجود هو أن يسجد‬ ‫ن أكمل ال ّ‬ ‫‪ - 3‬واتّفقوا على أ ّ‬
‫المصلّي على سبعة أعضاء ‪ ،‬وهي الجبهة مع النف ‪،‬‬
‫واليدان ‪ ،‬والّركبتان ‪ ،‬والقدمان ‪ ،‬لقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‬
‫على الجبهة ‪ -‬وأشار بيده إلى أنفه ‪ -‬والّرجلين‬
‫والّركبتين وأطراف القدمين » ‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫سجود على سبعة أعظم‬ ‫وفي رواية ‪ « :‬أمرت بال ّ‬
‫اليدين ‪ ،‬والّركبتين ‪ ،‬والقدمين ‪ ،‬والجبهة»‪ .‬ومن‬
‫سجود أن ترتفع أسافله على أعاليه كاشفاً‬ ‫كمال ال ّ‬
‫وجهه ليباشر به الرض ‪.‬‬
‫ن ساجدا ً لقوله صلى الله عليه وسلم‬ ‫وأن يطمئ ّ‬
‫ن ساجدا ً »‬ ‫م اسجد حتّى تطمئ ّ‬ ‫للمسيء صلته ‪ « :‬ث ّ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجدت فأمكن‬
‫ن ساجدا ً ول تنقر‬ ‫سجود كلّه حتّى تطمئ ّ‬ ‫وجهك من ال ّ‬
‫نقرا ً » ‪ .‬لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه‬
‫ك الْعَظِيم ِ }‬ ‫سم ِ َرب ِّ َ‬ ‫ح بِا ْ‬
‫سب ِّ ْ‬‫ما نزلت { فَ َ‬ ‫قال ‪ « :‬ل ّ‬
‫قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اجعلوها في‬
‫ك اْلَعْلَى }‬ ‫م َرب ِّ َ‬ ‫س َ‬‫سبِِّح ا ْ‬
‫ما نزلت { َ‬ ‫ركوعكم‪ .‬فل ّ‬
‫قال ‪ :‬اجعلوها في سجودكم » ‪.‬‬
‫وأن يعتدل في سجوده ويرفع ذراعيه عن الرض ‪،‬‬
‫جه أصابع‬ ‫ول يفترشهما ‪ ،‬وينصب القدمين ويو ّ‬
‫الّرجلين واليدين إلى القبلة ‪ ،‬لما رواه أنس بن مالك‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‬ ‫رضي الله عنه عن النّب ّ‬
‫سجود ول يبسط أحدكم ذراعيه‬ ‫‪ « :‬اعتدلوا في ال ّ‬
‫انبساط الكلب » ‪.‬‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫وعن عائشة رضي الله عنها « أ ّ‬
‫عليه وسلم كان ينهى أن يفترش الّرجل ذراعيه‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫سبع » ‪ .‬وعن أبي حميد « أ ّ‬ ‫افتراش ال ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬إذا سجد وضع يديه غير مفترش‬
‫ول قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة »‬
‫‪.‬‬
‫وعن جابر رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجد أحدكم فليعتدل‬
‫ول يفترش ذراعيه افتراش الكلب » ‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫وعن وائل بن حجر رضي الله عنه « أ ّ‬
‫م أصابعه وجعل‬ ‫الله عليه وسلم ‪ :‬كان إذا سجد ض ّ‬
‫يديه حذو منكبيه » ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أنّه قال ‪« :‬‬ ‫وروي عن النّب ّ‬
‫جه من‬ ‫ل عضو منه فليو ّ‬ ‫إذا سجد العبد سجد ك ّ‬
‫أعضائه إلى القبلة ما استطاع » ‪.‬‬
‫وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه لما روى أحمر بن‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا‬ ‫جزء « أ ّ‬
‫سجد جافى عضديه عن جنبيه حتّى نأوي له » ‪.‬‬
‫وروي « أنّه كان إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمّر‬
‫بين يديه لمّرت » ‪.‬‬
‫ن‬
‫وأن يرفع بطنه عن فخذيه لما رواه أبو حميد « أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬كان إذا سجد فّرج بين‬ ‫النّب ّ‬
‫فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه » ‪.‬‬
‫وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال ‪ « :‬أتيت‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت‬
‫خ ‪ ،‬قد فّرج بين يديه » ‪.‬‬ ‫بياض بطنه وهو مج ّ‬
‫وأن يفّرج بين رجليه أي بين قدميه وفخذيه‬
‫وركبتيه ‪ ،‬لما رواه أبو حميد في وصف صلة رسول‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬إذا سجد فّرج‬
‫بين رجليه » ‪.‬‬
‫وأن يضع راحتيه على الرض مبسوطتين مضمومتي‬
‫الصابع بعضها إلى بعض مستقبل ً بهما القبلة ‪،‬‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫ويضعهما حذو منكبيه ‪ ،‬لقول أبي حميد ‪ « :‬أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم وضع كّفيه حذو منكبيه » ‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬يضعهما بحذاء أذنيه ‪ ،‬لما رواه وائل‬
‫ن رسول اللّه صلى‬ ‫بن حجر رضي الله عنه ‪ « :‬أ ّ‬
‫فيه بحذاء أذنيه »‬ ‫الله عليه وسلم سجد فجعل ك ّ‬
‫فيه » ‪.‬‬ ‫م سجد ووضع وجهه بين ك ّ‬ ‫وفي رواية ‪ « :‬ث ّ‬

‫‪427‬‬
‫وأن يعتمد على راحتيه « لقوله صلى الله عليه‬
‫وسلم لعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬إذا‬
‫سجدت فاعتمد على راحتيك » ‪.‬‬
‫م بعضها إلى بعض في سجودها‬ ‫ما المرأة فتض ّ‬ ‫أ ّ‬
‫فتلصق بطنها بفخذيها ‪ ،‬ومرفقيها بجنبيها ‪ ،‬وتفترش‬
‫ذراعيها وتنخفض ‪ ،‬ول تنتصب كانتصاب الّرجال ‪ ،‬ول‬
‫تفّرق بين رجليها ‪.‬‬
‫ن‬
‫قال بعض العلماء ‪ :‬مثل المرأة في ذلك الخنثى ل ّ‬
‫ذلك أستر لها ‪ ،‬وأحوط له ‪.‬‬
‫سجود ‪:‬‬
‫أحكام ال ّ‬
‫سجود منها ‪:‬‬ ‫اختلف الفقهاء في مسائل من أحكام ال ّ‬
‫وضع الّركبتين قبل اليدين أو عكسه ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 4‬ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة وال ّ‬
‫ي وسفيان‬ ‫سلف كالنّخع ّ‬ ‫والحنابلة وجمع من علماء ال ّ‬
‫وري وإسحاق ومسلم بن يسار وابن المنذر إلى‬ ‫ّ‬ ‫الث ّ‬
‫م جبهته‬ ‫م يديه ‪ ،‬ث ّ‬ ‫ب أن يضع ركبتيه ث ّ‬ ‫أنّه من المستح ّ‬
‫وأنفه ‪ ،‬فإن وضع يديه قبل ركبتيه أجزأه إل ّ أنّه ترك‬
‫الستحباب ‪ ،‬لما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم إذا سجد‬ ‫قال ‪ « :‬رأيت النّب ّ‬
‫وضع ركبتيه قبل يديه ‪ ،‬وإذا نهض رفع يديه قبل‬
‫ركبتيه » ‪.‬‬
‫وروى سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال ‪« :‬‬
‫كنّا نضع اليدين قبل الّركبتين فأمرنا بوضع الّركبتين‬
‫قبل اليدين » وقد روى الثرم عن أبي هريرة ‪ « :‬إذا‬
‫سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ول يبرك بروك‬
‫الجمل » ‪.‬‬
‫ي وهو رواية عن أحمد إلى‬ ‫وذهب المالكيّة والوزاع ّ‬
‫أنّه يقدّم يديه قبل ركبتيه لما روي عن أبي هريرة‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬

‫‪428‬‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجد أحدكم فل يبرك كما يبرك‬
‫البعير ‪ ،‬وليضع يديه قبل ركبتيه » ‪.‬‬
‫ساجد له أن يقدّم أيّهما شاء‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وروي عن مالك أ ّ‬
‫من غير تفضيل بينهما ‪ ،‬لعدم ظهور ترجيح أحد‬
‫المذهبين على الخر ‪.‬‬
‫سجود على اليدين والّركبتين والقدمين ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 5‬ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة‬
‫شافعيّة ورواية عن أحمد إلى‬ ‫وأحد القولين لدى ال ّ‬
‫ساجد وضع يديه وركبتيه وقدميه ‪،‬‬ ‫أنّه ل يجب على ال ّ‬
‫سجود على الجبهة ‪ -‬وهي‬ ‫وإنّما الواجب عليه هو ال ّ‬
‫ن‬
‫من مستدير ما بين الحاجبين إلى النّاصية ‪ -‬ل ّ‬
‫م‬
‫سجود ورد مطلًقا من غير تعيين عضو ‪ ،‬ث ّ‬ ‫المر بال ّ‬
‫انعقد الجماع على تعيين بعض الوجه ‪ ،‬فل يجوز‬
‫تعيين غيره ‪ -‬زاد الحنفيّة ‪ -‬ول يجوز تقييد مطلق‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫منُوا‬‫الكتاب ‪ -‬وهو هنا قوله تعالى ‪ { :‬أيُّهَا ال َ َ‬
‫آ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬
‫جدُوا } ‪ -‬بخبر الواحد ‪ ،‬ولقوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫اْركَعُوا َوا ْ‬
‫س ُ‬
‫جودِ } ‪ ،‬ولقوله‬ ‫س ُ‬‫ن أَثَرِ ال ُّ‬
‫م ْ‬‫جوهِهِم ِّ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬
‫سي َ‬ ‫ِ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجدت فمكّن جبهتك‬
‫» فإفرادها بالذ ّكر دليل على مخالفتها لغيرها من‬
‫سجود وضع‬ ‫ن المقصود من ال ّ‬ ‫العضاء الخرى ‪ ،‬ول ّ‬
‫صيص‬ ‫أشرف العضاء على مواطئ القدام ‪ ،‬وهو خ ّ‬
‫بالجبهة ‪ ،‬ولنّه لو كان وضع العضاء الخرى واجبًا‬
‫لوجب اليماء بها عند العجز عن وضعها كالجبهة ‪.‬‬
‫فإذا سجد على جبهته أو على شيء منها دون ما‬
‫سواها من العضاء أجزأه ذلك ‪.‬‬
‫وذهب بعض الفقهاء من الحنابلة وأحد القولين لدى‬
‫سجود‬ ‫شافعيّة وطاوس وإسحاق إلى وجوب ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫على اليدين والّركبتين والقدمين لما رواه ابن عبّاس‬
‫رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬

‫‪429‬‬
‫سجود على سبعة أعظم ‪:‬‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬أمرت بال ّ‬
‫اليدين والّركبتين والقدمين والجبهة » وعن ابن عمر‬
‫ن اليدين يسجدان كما يسجد‬ ‫رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫الوجه‪ ،‬فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه ‪ ،‬وإذا‬
‫رفعه فليرفعهما » ‪ .‬وقوله صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫« إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب ‪ :‬وجهه‬
‫وكّفاه وركبتاه وقدماه » ‪.‬‬
‫ل واحد من هذه العضاء إلّ‬ ‫ويكفي وضع جزء من ك ّ‬
‫ف‬
‫ن العبرة في اليدين ببطن الك ّ‬ ‫شافعيّة يرون أ ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫سواء الصابع أو الّراحة ‪ ،‬وفي القدمين ببطن‬
‫الصابع فل تجزئ الظّهر منها ول الحرف ‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‬
‫ل عضو من العضاء‬ ‫ن وضع بعض ك ّ‬ ‫الحنابلة فيرون أ ّ‬
‫ستّة المذكورة يجزئ سواء كان ظاهره أو باطنه ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن الحاديث لم تفّرق بين باطن العضو وظاهره ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫وضع النف على الرض في ال ّ‬
‫شافعيّة ‪،‬‬ ‫‪ - 6‬ذهب جمهور الفقهاء وهم المالكيّة وال ّ‬
‫مد صاحبا أبي حنيفة ‪ ،‬وعطاء‬ ‫وأبو يوسف ومح ّ‬
‫وطاوس وعكرمة والحسن وابن سيرين وأبو ثور‬
‫والثّوريّ ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد ‪ ،‬إلى أنّه ل يجب‬
‫سجود على النف مع الجبهة لقوله صلى الله عليه‬ ‫ال ّ‬
‫وسلم ‪ « :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم » ‪.‬‬
‫ولم يذكر النف فيه ‪ ،‬ولحديث جابر رضي الله عنه‬
‫قال ‪ « :‬رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫شعر »‬ ‫سجد بأعلى جبهته على قصاص ال ّ‬
‫وإذا سجد بأعلى جبهته لم يسجد على النف ‪،‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجدت فمكّن‬
‫جبهتك من الرض ول تنقر نقرا ً » ‪.‬‬
‫سجود على النف مع الجبهة‬ ‫ب عند هؤلء ال ّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫ل على ذلك ‪.‬‬ ‫للحاديث الّتي تد ّ‬

‫‪430‬‬
‫وذهب الحنابلة وهو قول عند المالكيّة وسعيد بن‬
‫ي وأبو خيثمة وابن أبي شيبة ‪:‬‬ ‫جبير وإسحاق والنّخع ّ‬
‫سجود على النف مع الجبهة ‪ ،‬لما روى‬ ‫إلى وجوب ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬‫ابن عبّاس رضي الله عنهما أ ّ‬
‫وسلم قال ‪ « :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ‪:‬‬
‫الجبهة ‪ -‬وأشار بيده على أنفه ‪ -‬واليدين والّركبتين ‪،‬‬
‫وأطراف القدمين » ‪ .‬وفي رواية « أمرت أن أسجد‬
‫على سبعة أعظم الجبهة والنف » ‪ .‬الحديث ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ن النّب ّ‬‫وعن أبي حميد « أ ّ‬
‫كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الرض » ‪.‬‬
‫ي صلى‬ ‫وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ « :‬أنّه رأى رجل ً يصلّي ل يصيب‬
‫أنفه الرض فقال ‪ :‬ل صلة لمن ل يصيب أنفه من‬
‫الرض ما يصيب الجبين » ‪.‬‬
‫سجود ‪ ،‬على‬ ‫وذهب أبو حنيفة إلى أنّه مخيّر بين ال ّ‬
‫ن الواجب هو‬ ‫سجود على النف ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الجبهة وبين ال ّ‬
‫سجود على أحدهما فلو وضع أحدهما في حالة‬ ‫ال ّ‬
‫الختيار جاز ‪ ،‬غير أنّه لو وضع الجبهة وحدها جاز من‬
‫غير كراهة ولو وضع النف وحده جاز مع الكراهة ‪.‬‬
‫ن أحدا ً سبقه إلى هذا‬ ‫قال ابن المنذر ‪ :‬ل يحفظ أ ّ‬
‫ن الجبهة والنف عضو‬ ‫القول ‪ ،‬ولعلّه ذهب إلى أ ّ‬
‫ما ذكر‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ل ّ‬ ‫ن النّب ّ‬
‫واحد ‪ ،‬ل ّ‬
‫الجبهة أشار إلى أنفه ‪ .‬والعضو الواحد يجزئ‬
‫سجود على بعضه ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫كشف الجبهة وغيرها من أعضاء ال ّ‬
‫‪ - 7‬ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة‬
‫سلف ‪ ،‬كعطاء‬ ‫والحنابلة ‪ ،‬وجمع من علماء ال ّ‬
‫ي إلى عدم‬ ‫ي والوزاع ّ‬ ‫شعب ّ‬ ‫ي وال ّ‬ ‫وطاوس والنّخع ّ‬
‫وجوب كشف الجبهة واليدين والقدمين في‬

‫‪431‬‬
‫سجود ‪ ،‬ول تجب مباشرة شيء من هذه العضاء‬ ‫ال ّ‬
‫مه وذيله ويده‬ ‫سجود على ك ّ‬ ‫بالمصلّى بل يجوز ال ّ‬
‫ما هو متّصل بالمصلّي في‬ ‫وكور عمامته وغير ذلك م ّ‬
‫الحّر أو في البرد ‪ ،‬لحديث أنس رضي الله عنه قال‬
‫‪ « :‬كنّا نصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫في شدّة الحّر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته‬
‫من الرض يبسط ثوبه فيسجد عليه » ‪ .‬ولما روي‬
‫عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال ‪ « :‬لقد رأيت‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يوم مطير‬
‫وهو يتّقي الطّين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون‬
‫ي صلى‬ ‫يديه إلى الرض إذا سجد » ‪ .‬وروي عن النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ « :‬أنّه سجد على كور عمامته » ‪.‬‬
‫وعن الحسن قال ‪ :‬كان أصحاب رسول اللّه صلى‬
‫الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد‬
‫الّرجل على عمامته ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬كان القوم‬
‫مه ‪.‬‬
‫يسجدون على العمامة والقلنسوة ويده في ك ّ‬
‫شافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى وجوب‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫كشف الجبهة ومباشرتها بالمصلّى وعدم جواز‬
‫مه وذيله ويده وكور عمامته أو‬ ‫سجود على ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما هو متّصل به ويتحّرك‬ ‫قلنسوته أو غير ذلك م ّ‬
‫بحركته لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا سجدت‬
‫فمكّن جبهتك من الرض » الحديث ‪ ،‬ولما روي عن‬
‫ت رضي الله عنه قال ‪ « :‬شكونا إلى‬ ‫خبّاب بن الر ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حّر الّرمضاء في‬
‫جباهنا وأكّفنا فلم يشكنا » وفي رواية ‪ « :‬فما‬
‫أشكانا » ‪.‬‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫الطّمأنينة في ال ّ‬
‫ل عضو‬ ‫سجود هي أن يستقّر ك ّ‬ ‫‪ - 8‬الطّمأنينة في ال ّ‬
‫في مكانه ‪ ،‬وقدّره بعض العلماء بزمن من يقول فيه‬

‫‪432‬‬
‫‪ " :‬سبحان ربّي العلى " مّرة ً واحدةً وذلك بعد أن‬
‫سجود مكبّرا ً ‪.‬‬ ‫يهوي لل ّ‬
‫وذهب الجمهور إلى فرضيّة الطّمأنينة خلفا ً لبي‬
‫مد ‪ ،‬فهي ليست فرضا ً بل واجب يجبر‬ ‫حنيفة ومح ّ‬
‫سهو ‪ .‬وتفصيله في ( صلة ‪ ،‬وفي‬ ‫تركه بسجود ال ّ‬
‫طمأنينة ) ‪.‬‬
‫سجود والتّسبيح فيه ‪:‬‬ ‫التّكبير لل ّ‬
‫‪ - 9‬ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة‬
‫ن التّكبير والتّسبيح‬ ‫شافعيّة ورواية عن أحمد إلى أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫سجود سنّة‬ ‫وسائر الذكار والدعية الواردة في ال ّ‬
‫ليست بواجبة ‪ ،‬فلو تركها المصلّي عمدا ً لم يأثم‬
‫وصلته صحيحة ‪ ،‬سواء تركها عمدا ً أو سهوا ً ‪ ،‬ولكن‬
‫يكره تركها عمدا ً لحديث المسيء صلته حيث إ ّ‬
‫ن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم عندما علّمه فروض‬ ‫النّب ّ‬
‫صلة لم يعلّمه هذه الذكار ‪ ،‬ولو كانت واجب ً‬
‫ة‬ ‫ال ّ‬
‫لعلّمه إيّاها ‪ ،‬وتحمل الحاديث الواردة بهذه الذكار‬
‫على الستحباب ‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة وإسحاق إلى وجوب التّكبير والتّسبيح‬
‫سجود فإن ترك شيئا ً منها عمدا ً بطلت صلته ‪،‬‬ ‫في ال ّ‬
‫سهو ‪،‬‬ ‫وإن ترك نسيانا ً لم تبطل صلته بل يسجد لل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ‪.‬‬ ‫ن النّب ّ‬‫ل ّ‬
‫وأمره للوجوب ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬
‫صلّوا كما رأيتموني أصلّي » ولما روي عنه صلى‬
‫م صلة لحد من النّاس‬ ‫الله عليه وسلم قال ‪ « :‬ل تت ّ‬
‫م يقول ‪ :‬اللّه أكبر ‪،‬‬ ‫ضأ ‪ -‬إلى أن قال ‪ : -‬ث ّ‬ ‫حتّى يتو ّ‬
‫ن مفاصله » ‪.‬‬ ‫م يسجد ‪ ،‬حتّى تطمئ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫وقد جرى خلف بين الفقهاء في زيادة لفظ "‬
‫وبحمده " بعد قوله ‪ " :‬سبحان ربّي العلى " ‪ ،‬وهل‬
‫قول ‪ " :‬سبحان ربّي العلى " هو المتعيّن أم‬

‫‪433‬‬
‫للمصلّي أن يختار ما شاء من ألفاظ التّسبيح ؟ وهل‬
‫ب أن يكّررها ثلث مّرات أو أكثر مع‬ ‫من المستح ّ‬
‫اعتبار حال المصلّي إذا كان منفردا ً ‪ ،‬أو إماما ً ‪ ،‬أو‬
‫مأموما ً ؟ وينظر مثل هذه التّفاصيل في مصطلح ‪( :‬‬
‫ن التّكبير والتّسبيح في الّركوع‬ ‫ركوع ) حيث إ ّ‬
‫سجود حكمها واحد ل يختلف ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ب أن يقول في سجوده‬ ‫قال بعض الفقهاء ‪ :‬يستح ّ‬
‫م لك سجدت وبك آمنت‪ ،‬ولك‬ ‫بعد التّسبيح ‪ « :‬اللّه ّ‬
‫أسلمت سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره وش ّ‬
‫ق‬
‫سمعه وبصره تبارك اللّه أحسن الخالقين » ‪ ،‬كما‬
‫ب الدّعاء فيه ‪ .‬ومن بين الدعية الواردة ‪« :‬‬ ‫يستح ّ‬
‫م اغفر لي ذنبي كلّه دقّه وجلّه ‪ ،‬وأوّله وآخره ‪،‬‬ ‫اللّه ّ‬
‫م إنّي أعوذ برضاك من‬ ‫وعلنيته وسّره ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫سخطك ‪ ،‬وبعفوك من عقوبتك ‪ ،‬وأعوذ بك منك ‪ ،‬ل‬
‫أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك » ‪.‬‬
‫سجود ‪:‬‬ ‫قراءة القرآن في ال ّ‬
‫‪ - 10‬اتّفق الفقهاء على كراهة قراءة القرآن في‬
‫ي رضي الله عنه قال‪ « :‬نهاني‬ ‫سجود ‪ ،‬لحديث عل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن‬
‫وأنا راكع أو ساجد » ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه‬ ‫وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬أل وإنّي نهيت أن أقرأ‬
‫ما الّركوع فعظّموا فيه‬ ‫القرآن راكعا ً أو ساجدا ً ‪ ،‬فأ ّ‬
‫سجود فاجتهدوا في الدّعاء ‪ ،‬فقمن‬ ‫ما ال ّ‬
‫ب ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫الّر ّ‬
‫أن يستجاب لكم » ‪.‬‬
‫سجود لم تبطل صلته ‪،‬‬ ‫فإن قرأ غير الفاتحة في ال ّ‬
‫وإن قرأ الفاتحة فالجمهور على أنّها ل تبطل كذلك ‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫شافعيّة أنّها تبطل ‪ ،‬لنّه نقل ركناً‬ ‫وفي وجه عند ال ّ‬
‫إلى غير موضعه كما لو ركع أو سجد في غير‬
‫موضعه ‪.‬‬
‫شكر‬ ‫سهو ‪ ،‬سجود ال ّ‬ ‫وسجود التّلوة ‪ ،‬وسجود ال ّ‬
‫تفاصيلها في مصطلحاتها ‪.‬‬
‫سجود لغير اللّه ‪:‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬ال ّ‬
‫صنم أو‬‫سجود لل ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫‪ - 11‬أجمع الفقهاء على أ ّ‬
‫شمس أو نحوهما من المخلوقات كفر يخرج‬ ‫لل ّ‬
‫ساجد به عن الملّة إذا كان عاقل ً بالغا ً مختارا ً ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سواء كان عامدا ً أو هازل ً ‪.‬‬
‫صنم أو‬‫شافعيّة بأنّه إن لم يسجد لل ّ‬ ‫وصّرح ال ّ‬
‫شمس على سبيل التّعظيم واعتقاد اللوهيّة ‪ ،‬بل‬ ‫لل ّ‬
‫ن باليمان يجري عليه حكم‬ ‫سجد لها وقلبه مطمئ ّ‬
‫الكّفار في الظّاهر ‪ ،‬ول يحكم بكفره فيما بينه وبين‬
‫اللّه ‪ ،‬وإن دلّت قرينة قويّة على عدم دللة الفعل‬
‫على الستخفاف ‪ ،‬كسجود أسير في دار الحرب‬
‫ة منه فل يكفر ‪.‬‬ ‫بحضرة كافر خشي ً‬
‫سجود لغير صنم نحوه ‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ - 12‬كما أجمعوا على أ ّ‬
‫كأحد الجبابرة أو المملوك أو أيّ مخلوق آخر هو من‬
‫المحّرمات وكبيرة من كبائر الذ ّنوب ‪ ،‬فإن أراد‬
‫ساجد بسجوده عبادة ذلك المخلوق كفر وخرج‬ ‫ال ّ‬
‫عن الملّة بإجماع العلماء ‪ ،‬وإن لم يرد بها عبادةً‬
‫فقد اختلف الفقهاء فقال بعض الحنفيّة ‪ :‬يكفر‬
‫مطلقا ً سواء كانت له إرادة أو لم تكن له إرادة ‪،‬‬
‫وقال آخرون منهم ‪ :‬إذا أراد بها التّحيّة لم يكفر بها ‪،‬‬
‫وإن لم تكن له إرادة كفر عند أكثر أهل العلم‪.‬‬
‫======================‬
‫سحب *‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪435‬‬
‫شيء على وجه‬ ‫سحب في اللّغة ‪ :‬جّرك ال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫الرض كالثّوب وغيره ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬أن يعطى النّقاء المتخلّل‬ ‫سحب عند ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫شروان ّ‬ ‫بين أيّام الحيض حكم الحيض ‪ ،‬قال ال ّ‬
‫موه بذلك لنّنا سحبنا الحكم بالحيض على‬ ‫وإنّما س ّ‬
‫ل حيضا ً ‪.‬‬ ‫النّقاء فجعلنا الك ّ‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم الجمال ّ‬
‫سحب يراد به الحكم على النّقاء‬ ‫ن ال ّ‬
‫‪ - 2‬سبق أ ّ‬
‫المتخلّل في أيّام الحيض ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في ذلك ‪ ،‬فذهب الحنفيّة‬
‫ن أيّام الدّم‬‫شافعيّة على القول الّراجح إلى أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫وأيّام النّقاء كلهما حيض بشرط إحاطة الدّم‬
‫لطرفي النّقاء المتخلّل ‪.‬‬
‫شافعيّة شرطين آخرين وهما ‪ :‬أن ل يجاوز‬ ‫وزاد ال ّ‬
‫ذلك خمسة عشر يوما ً ‪ ،‬وأن ل تنقص الدّماء عن‬
‫ل الحيض‬ ‫أق ّ‬
‫شافعيّة في قولهم الثّاني‬ ‫وذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ن أيّام الدّم حيض ‪ ،‬وأيّام النّقاء‬ ‫والحنابلة ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫طهر ‪ ،‬وتلّفق من أيّام الدّم حيضها ‪ .‬ويطلق‬
‫شافعيّة على هذا القول " التّلفيق " أو" اللّقط " ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح ( تلفيق ‪286/ 13‬‬
‫)‪.‬‬
‫‪ - 3‬كما اختلف الفقهاء في حكم تقطّع دم الحيض‬
‫ومجاوزته أكثر الحيض ‪.‬‬
‫سحب ‪.‬‬ ‫شافعيّة إلى القول بال ّ‬ ‫فذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫ن المبتدأة حيضها عشرة أيّام من‬ ‫فمذهب الحنفيّة أ ّ‬
‫ن عادتها‬ ‫ما المعتادة فإ ّ‬ ‫أوّل ما ترى الدّم ‪ ،‬أ ّ‬
‫المعروفة في الحيض حيض ‪ ،‬وعادتها في الطّهر‬
‫طهر ‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫ن لذات التّقطّع أربعة أحوال ‪:‬‬ ‫شافعيّة أ ّ‬ ‫وعند ال ّ‬
‫ة دماً‬ ‫أحدها ‪ :‬أن تكون مميّزةً بأن ترى يوما ً وليل ً‬
‫م‬
‫ة أسود ‪ ،‬ث ّ‬ ‫م يوما ً وليل ً‬ ‫م يوما ً وليل ً‬
‫ة نقاءً ‪ ،‬ث ّ‬ ‫أسود ‪ ،‬ث ّ‬
‫م‬
‫ة نقاءً ‪ ،‬وكذا مّرة ثالثة ورابعة وخامسة ث ّ‬ ‫يوما ً وليل ً‬
‫ة دما ً أحمر ‪ ،‬ويوماً‬ ‫ترى بعد هذه العشرة يوما ً وليل ً‬
‫م مّرة ثانية وثالثة ‪ ،‬وتجاوز خمسة‬ ‫ة نقاءً ‪ ،‬ث ّ‬ ‫وليل ً‬
‫عشر متقطّعا ً كذلك ‪ ،‬أو متّصل ً دما ً أحمر ‪.‬‬
‫فهذه المميّزة ترد ّ إلى التّمييز فيكون العاشر فما‬
‫سحب‬ ‫بعده طهرا ً ‪ .‬والتّسعة كلّها حيض على قول ال ّ‬
‫ن النّقاء‬ ‫الّراجح ‪ .‬وإنّما لم يدخل معها العاشر ‪ ،‬ل ّ‬
‫سحب إذا كان بين دمي‬ ‫إنّما يكون حيضا ً على قول ال ّ‬
‫الحيض ‪ .‬وهذا يجري في المبتدأة والمعتادة المميّزة‬
‫‪.‬‬
‫الحال الثّاني ‪ :‬أن تكون ذات التّقطّع معتادةً غير‬
‫مميّزة ‪ .‬وهي حافظة لعادتها ‪ ،‬وكانت عادتها أيّامها‬
‫ة ل تقطّع فيها فترد ّ إلى عادتها ‪.‬‬ ‫متّصل ً‬
‫ل دم يقع في أيّام العادة مع النّقاء المتخلّل‬ ‫فيكون ك ّ‬
‫بين الدّمين يكون جميعه حيضا ً ‪.‬‬
‫ل شهر خمسة أيّام‬ ‫فإن كانت عادتها من أوّل ك ّ‬
‫فتقطّع دمها يوما ً ويوما ً وجاوز خمسة عشر فحيضها‬
‫الخمسة الولى دما ً ونقاءً ‪.‬‬
‫الحال الثّالث ‪ :‬أن تكون مبتدأةً ل تمييز لها ‪.‬‬
‫ل الحيض‬ ‫وفيها قولن ‪ :‬أظهرهما ‪ :‬أنّها ترد ّ إلى أق ّ‬
‫وهو يوم وليلة ‪.‬‬
‫والثّاني أنّها ترد ّ إلى غالب الحيض وهو ستّة أو سبعة‬
‫‪ .‬وإن رددناها إلى يوم وليلة ‪ ،‬فحيضها يوم وليلة‬
‫سواء سحبنا أو لقطنا ‪.‬‬
‫الحال الّرابع ‪ :‬النّاسية ‪ ،‬وهي ضربان ‪:‬‬

‫‪437‬‬
‫أحدها ‪ :‬من نسيت قدر عادتها ووقتها وهي المتحيّرة‬
‫‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬من نسيت قدر عادتها وذكرت وقتها ‪ ،‬أو‬
‫نسيت الوقت وذكرت القدر ‪.‬‬
‫صحيح من القولين فيهما ‪ :‬أنّه يلزمها الحتياط ‪،‬‬ ‫وال ّ‬
‫فتحتاط في أزمنة الدّم ‪ ،‬وأزمنة النّقاء أيضا ً ‪.‬‬
‫وسيأتي تفصيل ذلك في مصطلح ( متحيّرة ) ‪.‬‬
‫وذهب المالكيّة والحنابلة إلى القول بالتّلفيق ‪.‬‬
‫فعند المالكيّة تلّفق المبتدأة نصف شهر ‪ ،‬وتلّفق‬
‫المعتادة عادتها واستظهارها ‪.‬‬
‫ل الحيض ‪ .‬والمعتادة‬ ‫وعند الحنابلة تلّفق المبتدأة أق ّ‬
‫م هي بعد أيّام التّلفيق مستحاضة ‪ .‬وقد‬ ‫عادتها ث ّ‬
‫سبق تفصيل ذلك في مصطلح ‪ ( :‬تلفيق ‪/ 13 ،‬‬
‫‪. ) 288‬‬
‫==================‬
‫سحور *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سحر وشرابه ‪ ،‬قال ابن‬ ‫ة ‪ :‬طعام ال ّ‬ ‫سحور لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سحر‬ ‫حر به وقت ال ّ‬ ‫الثير ‪ :‬هو بالفتح اسم ما يتس ّ‬
‫م المصدر والفعل نفسه ‪،‬‬ ‫ض ّ‬‫من طعام وشراب ‪ ،‬وبال ّ‬
‫م ‪ ،‬لنّه‬‫ض ّ‬‫صواب بال ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫أكثر ما روي بالفتح ‪ ،‬وقيل‪ :‬إ ّ‬
‫بالفتح الطّعام والبركة ‪ ،‬والجر والثّواب في الفعل ل‬
‫حر بفتحتين ‪ :‬آخر اللّيل قبيل‬ ‫في الطّعام ‪ .‬وال َّ‬
‫س َ‬
‫صبح ‪ ،‬الجمع أسحار ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو من ثلث اللّيل‬ ‫ال ّ‬
‫الخر إلى طلوع الفجر ‪ .‬ول يخرج الستعمال‬
‫سحور عن ذلك ‪.‬‬ ‫ي لل ّ‬ ‫الفقه ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم الجمال ّ‬
‫صائم ‪ ،‬وقد نقل ابن المنذر‬ ‫سحور سنّة لل ّ‬ ‫‪ - 2‬ال ّ‬
‫الجماع على كونه مندوبا ً ‪ ،‬لما روى أنس رضي الله‬

‫‪438‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫عنه « أ ّ‬
‫ة»‪.‬‬ ‫سحور برك ً‬ ‫ن في ال ّ‬ ‫حروا فإ ّ‬ ‫تس ّ‬
‫ي‬
‫وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬فصل ما بين‬
‫سحر » ‪.‬‬ ‫صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة ال ّ‬
‫ي‬
‫ولنّه يستعان به على صيام النّهار ‪ ،‬وإليه أشار النّب ّ‬
‫سحور فقال‬ ‫صلى الله عليه وسلم في النّدب إلى ال ّ‬
‫سحر على صيام النّهار‬ ‫‪ « :‬استعينوا بطعام ال ّ‬
‫وبالقيلولة على قيام اللّيل » ‪.‬‬
‫ل ما حصل من أكل أو شرب حصل به فضيلة‬ ‫وك ّ‬
‫سحور لحديث عمرو بن العاص قال ‪ :‬قال رسول‬ ‫ال ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬فصل ما بين صيامنا‬
‫سحر » وعن أبي سعيد‬ ‫وصيام أهل الكتاب أكلة ال ّ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪« :‬‬
‫سحور أكله بركة فل تدعوه ولو أن يجرع أحدكم‬ ‫ال ّ‬
‫ن اللّه وملئكته يصلّون على‬ ‫ة من ماء فإ ّ‬ ‫جرع ً‬
‫حرين » وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن‬ ‫المتس ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬نعم سحور‬ ‫النّب ّ‬
‫المؤمن التّمر » ‪.‬‬
‫سحور ‪:‬‬ ‫وقت ال ّ‬
‫سحور ما‬ ‫ن وقت ال ّ‬ ‫‪ - 3‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫بين نصف اللّيل الخير إلى طلوع الفجر ‪ ،‬وقال‬
‫سدس الخير‬ ‫شافعيّة ‪ :‬هو ما بين ال ّ‬ ‫بعض الحنفيّة وال ّ‬
‫وطلوع الفجر ‪.‬‬
‫سحور عند جمهور الفقهاء ما لم‬ ‫ن تأخير ال ّ‬ ‫ويس ّ‬
‫يخش طلوع الفجر الثّاني لقوله تعالى ‪ { :‬وَكُلُواْ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫خي ْ ُ َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ط‬‫خي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬
‫ط البْي َ ُ‬ ‫ن لَك ُ ُ‬‫حتَّى يَتَبَي َّ َ‬ ‫شَربُوا ْ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫جرِ } والمراد بالفجر في الية الفجر‬ ‫ن الَْف ْ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫سو‬ ‫ال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل‬ ‫الثّاني ‪ ،‬لقول النّب ّ‬

‫‪439‬‬
‫يمنعنّكم من سحوركم أذان بلل ‪ ،‬ول الفجر‬
‫ن الفجر المستطير في الفق »‬ ‫المستطيل ولك ّ‬
‫متي بخير‬ ‫ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل تزال أ ّ‬
‫ن المقصود‬ ‫جلوا الفطر » ول ّ‬ ‫سحور وع ّ‬ ‫خروا ال ّ‬ ‫ما أ ّ‬
‫صوم ‪ ،‬وما كان أقرب إلى‬ ‫سحور التّقوّي على ال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫صوم ‪.‬‬ ‫الفجر كان أعون على ال ّ‬
‫سحور‬ ‫ن تأخير ال ّ‬ ‫ونقل الحطّاب عن ابن شاس أ ّ‬
‫ب ‪ .‬وتفصيل ذلك في ( صوم ) ‪.‬‬ ‫مستح ّ‬
‫ك‪:‬‬ ‫ش ّ‬
‫سحور إلى وقت ال ّ‬ ‫خر ال ّ‬ ‫تأ ّ‬
‫مد بن الحسن ‪ :‬إنّه‬ ‫شافعيّة والحنابلة ومح ّ‬ ‫‪ - 4‬قال ال ّ‬
‫ك في طلوع الفجر‬ ‫ش ّ‬ ‫شرب مع ال ّ‬ ‫ل يكره الكل وال ّ‬
‫ك في‬ ‫الثّاني ‪ ،‬قال أحمد في رواية أبي داود ‪ :‬إذا ش ّ‬
‫ن الصل‬ ‫طلوع الفجر يأكل حتّى يستيقن طلوعه ‪ ،‬ل ّ‬
‫ري من الحنابلة وغيره ‪ :‬لو قال‬ ‫بقاء اللّيل ‪ ،‬قال الج ّ ّ‬
‫لعالمين ‪ :‬ارقبا الفجر ‪ ،‬فقال أحدهما ‪ :‬طلع ‪ ،‬وقال‬
‫الخر ‪ :‬لم يطلع ‪ ،‬أكل حتّى يتّفقا على أنّه طلع ‪.‬‬
‫صحابة وغيرهم ‪.‬‬ ‫وقاله جمع من ال ّ‬
‫ك في طلوع‬ ‫ش ّ‬‫ويكره عند الحنابلة الجماع مع ال ّ‬
‫الفجر الثّاني ‪ ،‬لما فيه من التّعّرض لوجوب‬
‫ما يتقوّى به ‪.‬‬ ‫الكّفارة ‪ ،‬ولنّه ليس م ّ‬
‫ك في طلوع الفجر‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أنّه لو ش ّ‬
‫ن الفجر قد‬ ‫ب له أن ل يأكل ‪ ،‬لنّه يحتمل أ ّ‬ ‫فالمستح ّ‬
‫صوم ‪ ،‬فيتحّرز عنه ‪،‬‬ ‫طلع ‪ ،‬فيكون الكل إفسادًا لل ّ‬
‫ي‬
‫قال صاحب البدائع ‪ :‬والصل فيه ما ورد عن النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬الحلل بيّن‬
‫والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهة ‪» ...‬‬
‫كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬دع ما‬
‫ك ل يحكم‬ ‫يريبك إلى ما ل يريبك » ولو أكل وهو شا ّ‬
‫صوم مشكوك‬ ‫ن فساد ال ّ‬ ‫عليه بوجوب القضاء ‪ ،‬ل ّ‬

‫‪440‬‬
‫ن الصل‬ ‫ك في طلوع الفجر ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫فيه لوقوع ال ّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫هو بقاء اللّيل ‪ ،‬فل يثبت النّهار بال ّ‬
‫ش ّ‬
‫حر‬‫وفي الفتاوى الهنديّة ‪ :‬إن كان أكبر رأيه أنّه تس ّ‬
‫والفجر طالع فعليه قضاؤه عمل ً بغالب الّرأي وفيه‬
‫الحتياط ‪ ،‬وعلى ظاهر الّرواية ل قضاء عليه ‪ ،‬هذا‬
‫إذا لم يظهر له شيء ‪ ،‬ولو ظهر أنّه أكل والفجر‬
‫طالع يجب عليه القضاء ول كّفارة عليه ‪.‬‬
‫ن‬
‫‪ -5‬وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وبعض المالكيّة ‪ :‬إ ّ‬
‫ك في طلوع الفجر الثّاني‬ ‫ش ّ‬ ‫شرب مع ال ّ‬ ‫الكل وال ّ‬
‫ي عن هشام عن أبي يوسف‬ ‫مكروه ‪ .‬ونقل الكاسان ّ‬
‫أنّه يكره ‪ ،‬وهكذا روى الحسن عن أبي حنيفة أنّه إذا‬
‫ك فل يأكل ‪ ،‬وإن أكل فقد أساء ‪ ،‬لما ورد عن‬ ‫ش ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال ‪ « :‬من‬
‫شبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك‬ ‫وقع في ال ّ‬
‫ن حمى‬ ‫ى ‪ ،‬أل إ ّ‬ ‫ل ملك حم ً‬ ‫ن لك ّ‬‫أن يواقعه ‪ ،‬أل وإ ّ‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫اللّه في أرضه محارمه » والّذي يأكل مع ال ّ‬
‫طلوع الفجر يحوم حول الحمى فيوشك أن يقع‬
‫فيه ‪ ،‬فكان بالكل معّرضا ً صومه للفساد فيكره ذلك‬
‫‪.‬‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫ن من أكل مع ال ّ‬ ‫وذهب أكثر المالكيّة إلى أ ّ‬
‫الفجر فعليه القضاء مع الحرمة على المشهور ‪ ،‬إلّ‬
‫ن الكل كان قبل الفجر ‪ ،‬وإن كان الصل‬ ‫أن يتبيّن أ ّ‬
‫ما في‬ ‫بقاء اللّيل ‪ ،‬وهذا بالنّسبة لصوم الفرض ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن أكله ليس من العمد‬ ‫النّفل فل قضاء فيه اتّفاقا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫الحرام ‪ ،‬ول كّفارة فيمن أكل شاكّا ً في الفجر اتّفاقاً‬
‫ك فعليه‬ ‫ش ّ‬ ‫م طرأ ال ّ‬ ‫‪ ،‬ومن أكل معتقدا ً بقاء اللّيل ث ّ‬
‫القضاء بل حرمة ‪ ،‬ولو طلع الفجر وهو متلبّس‬
‫بالفطر فالواجب عليه إلقاء ما في فمه ‪ .‬وانظر‬
‫للتّفصيل مصطلح ‪ ( :‬صوم ) ‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫سحور بالتّحّري وغيره ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫حر فله ذلك إذا كان بحال ل‬ ‫‪ - 6‬لو أراد أن يتس ّ‬
‫يمكنه مطالعة الفجر بنفسه أو بغيره ‪ ،‬وذكر شمس‬
‫حر بأكبر الّرأي ل بأس به‬ ‫ن من تس ّ‬ ‫يأ ّ‬ ‫مة الحلوان ّ‬ ‫الئ ّ‬
‫من ل يخفى عليه مثل ذلك ‪ ،‬وإن‬ ‫‪ ،‬إذا كان الّرجل م ّ‬
‫من يخفى عليه فسبيله أن يدع الكل ‪ ،‬وإن‬ ‫كان م ّ‬
‫سحريّ فإن كثر ذلك‬ ‫حر بصوت الطّبل ال ّ‬ ‫أراد أن يتس ّ‬
‫ل جانب وفي جميع أطراف البلدة فل‬ ‫صوت من ك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫بأس به ‪ ،‬وإن كان يسمع صوتا ً واحدا ً فإن علم‬
‫عدالته يعتمد عليه ‪ ،‬وإن لم يعرف يحتاط ول يأكل ‪،‬‬
‫وإن أراد أن يعتمد بصياح الدّيك فقد أنكر ذلك بعض‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ل بأس به إذا كان قد جّربه‬
‫مرارا ً ‪ ،‬وظهر له أنّه يصيب الوقت ‪.‬‬
‫===================‬
‫سرر *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬اللّيلة الّتي يستسّر فيها القمر ‪،‬‬ ‫سرر لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سرار ‪ ،‬وهو‬ ‫سرار ‪ ،‬وال ّ‬ ‫سرر ‪ ،‬وال ّ‬‫ويقال فيها أيضا ً ال ّ‬
‫مشتقّ من قولهم ‪ :‬استسّر القمر ‪ ،‬أي خفي ليلة‬
‫سرر الخفاء‬‫سرار ‪ ،‬فربّما كان ليلتين ‪ .‬وأصل ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سُّر الحديث إسرارا ً إذا أخفيته أو نسبته‬ ‫ُ‬
‫فنقول ‪ :‬أ ِ‬
‫سّر ‪ ،‬وأسررته أيضا ً أظهرته فهو من الضداد ‪.‬‬ ‫إلى ال ّ‬
‫سرر ‪،‬‬‫ما معناه اصطلحا ً فقد اختلف المراد من ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫شهر ‪ ،‬أم أوّله ‪ ،‬أم أوسطه‪ ،‬فذهب‬ ‫هل هو آخر ال ّ‬
‫بعض العلماء وهم جمهور أهل اللّغة والحديث‬
‫سرر هو آخر‬ ‫ن المراد من ال ّ‬ ‫والغريب ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫مي بذلك لستسرار القمر ‪.‬‬ ‫شهر ‪ ،‬س ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سرر الوسط ‪،‬‬ ‫ن ال ّ‬‫وبعض العلماء ذهب إلى أ ّ‬
‫فسرارة الوادي وسطه وخياره ‪ ،‬وسرار الرض‬

‫‪442‬‬
‫أكرمها وأوسطها ‪ ،‬ويؤيّده النّدب إلى صيام البيض ‪،‬‬
‫شهر ‪ ،‬وأنّه لم يرد في صيام آخر‬ ‫وهي وسط ال ّ‬
‫جح هذا القول النّوويّ ‪.‬‬ ‫شهر ندب ‪ ،‬ور ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫ي وسعيد بن عبد العزيز إلى أ ّ‬ ‫وذهب الوزاع ّ‬
‫شهر ‪.‬‬ ‫سرر أوّل ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أيّام البيض ‪:‬‬
‫‪ - 2‬أيّام البيض ‪ :‬هي الثّالث عشر والّرابع عشر‬
‫ل شهر ‪ ،‬وأصلها أيّام اللّيالي‬ ‫والخامس عشر من ك ّ‬
‫البيض ‪ .‬وهي ليلة ثلث عشرة وأربع عشرة وليلة‬
‫ميت هذه اللّيالي بالبيض‬ ‫خمس عشرة ‪ ،‬وس ّ‬
‫لستنارة جميعها بالقمر ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫سرر اصطلحا ً يقتضي‬ ‫اختلف الفقهاء في معنى ال ّ‬
‫سرر بشتّى المعاني‪:‬‬ ‫ي لل ّ‬ ‫بيان الحكم التّكليف ّ‬
‫شهر ‪ :‬ثبت عنه صلى الله عليه‬ ‫‪ - 3‬صيام أوّل ال ّ‬
‫ل شهر ثلثة أيّام ‪،‬‬ ‫وسلم أنّه كان يصوم أوّل مطلع ك ّ‬
‫فقد روى عنه عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه «‬
‫أنّه كان صلى الله عليه وسلم يصوم من غّرة ك ّ‬
‫ل‬
‫شهر ثلثة أيّام » ‪ ( .‬ر ‪ :‬مصطلح صوم التّطوّع ) ‪.‬‬
‫ك ‪ :‬وهو يوم الثّلثين من شعبان‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ - 4‬صوم يوم ال ّ‬
‫إذا تردّد النّاس في كونه من رمضان ‪ ،‬للفقهاء‬
‫عبارات متقاربة في تحديده ‪ ،‬واختلفوا في حكمه‬
‫مع اتّفاقهم على عدم الكراهة وإباحة صومه إن‬
‫صادف عادة ً للمسلم بصوم تطوّع كيوم الثنين أو‬
‫الخميس ‪ ،‬لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫« قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬ل تقدّموا‬
‫رمضان بصوم يوم ول يومين إل ّ رجل كان يصوم‬
‫صوما ً فليصمه » ‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫مار رضي الله عنه ‪ « :‬من صام اليوم الّذي‬ ‫ولقول ع ّ‬
‫ك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه‬ ‫يش ّ‬
‫وسلم » ر ‪ :‬التّفصيل في مصطلح ( صوم التّطوّع )‬
‫‪.‬‬
‫صيام النّصف من شعبان ‪:‬‬
‫‪ - 5‬ذهب جمهور العلماء إلى جواز صيام النّصف من‬
‫ن‬
‫شعبان وما بعده ‪ ،‬لحديث عمران بن حصين « أ ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪ :‬يا فلن أما‬
‫شهر ؟ قال الّرجل ‪ :‬ل يا رسول‬ ‫صمت سرر هذا ال ّ‬
‫اللّه ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا أفطرت فصم يومين من سرر‬
‫سرر بالوسط‬ ‫سر ال ّ‬
‫شعبان » ‪ ،‬وهذا على قول من ف ّ‬
‫‪.‬‬
‫وذهب الحنابلة إلى كراهية صيام النّصف من شعبان‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬‫لحديث أبي هريرة أ ّ‬
‫قال ‪ « :‬إذا انتصف شعبان ‪ ،‬فل تصوموا » ‪.‬‬
‫شافعيّة لحديث النّهي عن صيام النّصف ‪،‬‬ ‫وحّرمه ال ّ‬
‫صائم عن صيام رمضان ‪ ،‬وجمع‬ ‫ولنّه ربّما أضعف ال ّ‬
‫الطّحاويّ بين حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو‬
‫صيام إلّ‬
‫النّهي ‪ ،‬وحديث النّهي عن تقدّم رمضان بال ّ‬
‫ن الحديث الوّل محمول‬ ‫إذا كان صوما ً يصومه ‪ ،‬بأ ّ‬
‫صوم ‪ ،‬والثّاني مخصوص بمن‬ ‫على من يضعفه ال ّ‬
‫سن الجمع ابن حجر ‪ .‬ر‬ ‫يحتاط بزعمه لرمضان ‪ ،‬وح ّ‬
‫‪ :‬التّفصيل في مصطلحي ‪ ( :‬صوم ‪ ،‬وصوم‬
‫التّطوّع ) ‪.‬‬
‫===================‬
‫سفينة *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ميت‬‫مى الفلك ‪ ،‬س ّ‬ ‫سفينة معروفة ‪ ،‬وتس ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬لنّها تسفن وجه الماء أي ‪ :‬تقشره فهي‬ ‫سفين ً‬

‫‪444‬‬
‫ة لنّها‬ ‫ميت سفين ً‬ ‫فعيلة بمعنى فاعلة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنّما س ّ‬
‫ل الماء ‪.‬‬ ‫تسفن الّرمل إذا ق ّ‬
‫وقيل ‪ :‬لنّها تسفن على وجه الرض أي ‪ :‬تلزق بها ‪.‬‬
‫والجمع سفائن وسفن وسفين ‪.‬‬
‫ويستعمل الفقهاء هذا اللّفظ بالمعنى اللّغويّ نفسه‬
‫ل ما يركب به‬ ‫سفينة عندهم ك ّ‬ ‫ويشمل اسم ال ّ‬
‫البحر ‪ ،‬كالّزورق والقارب والباخرة والبارجة‬
‫والغوّاصة ‪.‬‬
‫سفينة ‪:‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬
‫سفينة ‪:‬‬ ‫استقبال القبلة في ال ّ‬
‫ضا في‬ ‫‪ - 2‬يجب استقبال القبلة على من يصلّي فر ً‬
‫سفينة فتحوّل‬ ‫سفينة ‪ ،‬فإن هبّت الّريح وحوّلت ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وجهه عن القبلة وجب ردّه إلى القبلة ويبني على‬
‫جه فرض عند القدرة وهذا قادر ‪.‬‬ ‫ن التّو ّ‬‫صلته ‪ ،‬ل ّ‬
‫بهذا قال جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫ويرىالحنابلة في وجه أنّه ل يجب أن يدور المفترض‬
‫سفينة كالمتنّفل‪ .‬هذا صّرح‬ ‫إلى القبلة كلّما دارت ال ّ‬
‫ن المّلح ل يلزمه الدّوران إلى القبلة إذا‬ ‫الحنابلة بأ ّ‬
‫سفينة ‪.‬‬ ‫سفينة عنها وذلك لحاجته لتسيير ال ّ‬ ‫دارت ال ّ‬
‫وللتّفصيل في الحكام المتعلّقة بالموضوع ‪،‬‬
‫سفينة( ر ‪ :‬صلة ‪ .‬نفل)‪.‬‬ ‫واستقبال المتنّفل على ال ّ‬
‫سفينة ‪:‬‬ ‫صلة في ال ّ‬ ‫القيام في ال ّ‬
‫شافعيّة‬‫‪ - 3‬ذهب جمهور الفقهاء " المالكيّة وال ّ‬
‫مد من الحنفيّة " إلى أنّه‬ ‫والحنابلة وأبو يوسف ومح ّ‬
‫سفينة ترك القيام‬ ‫ل يجوز لمن يصلّي الفريضة في ال ّ‬
‫مع القدرة كما لو كان في البّر ‪ .‬ويستدلّون بقول‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬فإن لم يستطع‬ ‫النّب ّ‬
‫فقاعدا ً » وهذا مستطيع للقيام‪ ،‬وبما روي « أ ّ‬
‫ن‬
‫ما بعث جعفر بن أبي‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ل ّ‬ ‫النّب ّ‬

‫‪445‬‬
‫طالب رضي الله عنه إلى الحبشة أمره أن يصلّي‬
‫ن القيام‬ ‫ما إل ّ أن يخاف الغرق » ول ّ‬ ‫سفينة قائ ً‬ ‫في ال ّ‬
‫صلة فل يسقط إل ّ بعذر ولم يوجد ‪.‬‬ ‫ركن في ال ّ‬
‫حة صلة من صلّى في‬ ‫ويقول أبو حنيفة ‪ :‬بص ّ‬
‫سائرة قاعدا ً بركوع وسجود وإن كان‬ ‫سفينة ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ط ‪ ،‬وفي‬ ‫ش ّ‬ ‫قادرا ً على القيام أو على الخروج إلى ال ّ‬
‫ن فيه إساءة أدب ‪.‬‬ ‫المضمرات والبحر عن البدائع ‪ :‬أ ّ‬
‫ج لبي حنيفة على ما ذهب إليه بما يأتي ‪:‬‬ ‫ويحت ّ‬
‫أ ‪ -‬روي عن ابن سيرين أنّه قال ‪ :‬صلّينا مع أنس‬
‫سفينة قعودا ً ولو شئنا لخرجنا إلى الجد ّ ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫ب ‪ -‬قال مجاهد ‪ :‬صلّينا مع جنادة رضي الله عنه‬
‫سفينة قعودا ً ولو شئنا لقمنا ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫ج ‪ -‬ذكر الحسن بن زياد في كتابه بإسناده عن‬
‫سويد بن عقلة أنّه قال ‪ :‬سألت أبا بكر وعمر رضي‬
‫سفينة ‪ .‬فقال ‪ :‬إن‬ ‫صلة في ال ّ‬ ‫الله عنهما عن ال ّ‬
‫ة يصلّي‬ ‫ة يصلّي قاعدا ً ‪ ،‬وإن كانت راسي ً‬ ‫كانت جاري ً‬
‫قائما ً من غير فصل بين ما إذا قدر على القيام أو ل‬
‫‪.‬‬
‫سفينة سبب لدوران الّرأس غالبا ً ‪،‬‬ ‫ن سير ال ّ‬ ‫د‪-‬أ ّ‬
‫سبب يقوم مقام المسبّب إذا كان في الوقوف‬ ‫وال ّ‬
‫على المسبّب حرج ‪ ،‬أو كان المسبّب بحال يكون‬
‫سبب في غاية النّدرة فألحقوا‬ ‫عدمه مع وجود ال ّ‬
‫النّادر بالعدم ‪ ،‬إذ ل عبرة بالنّادر ‪ ،‬وهاهنا عدم دوران‬
‫الّرأس في غاية النّدرة فسقط اعتباره وصار‬
‫كالّراكب على الدّابّة وهي تسير أنّه يسقط القيام‬
‫لتعذ ّر القيام عليها غالبا ً كذا هذا ‪.‬‬
‫سفن ‪:‬‬ ‫القتداء في ال ّ‬
‫م‬
‫‪ - 4‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه ل يجوز أن يأت ّ‬
‫ن‬
‫سفينة بإمام في سفينة أخرى ‪ ،‬ل ّ‬ ‫رجل من أهل ال ّ‬

‫‪446‬‬
‫ة من النّهر أو البحر إل ّ أن تكونا‬ ‫بينهما طائف ً‬
‫ح القتداء لنّه ليس بينهما ما‬ ‫مقرونتين فحينئذ يص ّ‬
‫سفينتين‬ ‫ن ال ّ‬‫يمنع ذلك ‪ ،‬فكأنّهما في سفينة واحدة ل ّ‬
‫المقرونتين في معنى ألواح سفينة واحدة ‪.‬‬
‫سفينتين مدّة‬ ‫سة بين ال ّ‬‫والمراد بالقتران المما ّ‬
‫صلة ولو من غير ربط ‪ .‬وهذا ما استظهره‬ ‫ال ّ‬
‫الطّحطاويّ ‪ .‬وقيل ‪ :‬المراد بالقتران ربطهما بنحو‬
‫حبل ‪.‬‬
‫حة القتداء عند الحنابلة كون المام‬ ‫ل عدم ص ّ‬ ‫ومح ّ‬
‫ما في شدّة‬ ‫والمأموم في غير شدّة خوف ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ح القتداء للحاجة ‪.‬‬ ‫الخوف فيص ّ‬
‫ويرى المالكيّة جواز اقتداء ذوي سفن متقاربة بإمام‬
‫واحد يسمعون تكبيره أو يرون أفعاله أو من يسمع‬
‫سفينة الّتي‬ ‫ب أن يكون المام في ال ّ‬ ‫عنده ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫تلي القبلة ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬لو كان المام والمأموم في‬ ‫وقال ال ّ‬
‫ح‬
‫سفينتين مكشوفتين في البحر فكالفضاء فيص ّ‬
‫اقتداء أحدهما بالخر وإن لم تشد ّ إحداهما إلى‬
‫الخرى بشرط أن ل يزيد ما بينهما على ثلثمائة‬
‫ذراع ‪ ،‬وإن كانتا مسّقفتين أو إحداهما فقط‬
‫فكالبيتين في اشتراط قدر المسافة وعدم الحائل‬
‫ووجود الواقف بالمنفذ إن كان بينهما منفذ ‪.‬‬
‫سفينة باليماء ‪:‬‬ ‫التّطوّع في ال ّ‬
‫‪ - 5‬يرى الحنفيّة والحنابلة ‪ -‬وهو المعوّل عليه عند‬
‫المالكيّة ‪ -‬أنّه ل يجوز للمسافر أن يتطوّع في‬
‫سفينة باليماء بخلف راكب الدّابّة فيجوز له ذلك‬ ‫ال ّ‬
‫ن راكب‬ ‫ص به وهذا ليس في معناه ل ّ‬ ‫لورود الن ّ ّ‬
‫الدّابّة ليس له موضع قرار على الرض وراكب‬

‫‪447‬‬
‫قه‬‫سفينة في ح ّ‬ ‫سفينة له فيها قرار على الرض فال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫كالبيت ‪.‬‬
‫شافعيّة تصريحا ً في مسألة التّطوّع‬ ‫هذا ولم نجد لل ّ‬
‫سفينة ‪.‬‬ ‫باليماء في ال ّ‬
‫سفينة ‪:‬‬‫التّعاقد على ظهر ال ّ‬
‫‪ - 6‬إذا تعاقد شخصان على ظهر سفينة انعقد العقد‬
‫ة ‪ .‬قال‬ ‫ة أم جاري ً‬ ‫سفينة واقف ً‬ ‫سواء أكانت ال ّ‬
‫ي ‪ :‬لو تبايعا وهما في سفينة ينعقد سواء‬ ‫الكاسان ّ‬
‫ة‪.‬‬‫ة أو جاري ً‬ ‫كانت واقف ً‬
‫وعلّل ابن الهمام عدم تبدّل مجلس العقد بجريان‬
‫سفينة كالبيت فلو عقدا وهي‬ ‫سفينة بقوله ‪ :‬ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫تجري فأجاب الخر ل ينقطع المجلس بجريانها‬
‫لنّهما ل يملكان إيقافها ‪.‬‬
‫وللتّفصيل ( ر ‪ :‬اتّحاد المجلس ‪ ،‬صيغة ‪ ،‬عقد ‪،‬‬
‫مجلس ) ‪.‬‬
‫سفن ‪:‬‬ ‫شفعة في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن من شروط وجوب‬ ‫‪ - 7‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫شفعة أن يكون المبيع عقارا ً أو ما هو بمعناه ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سفن ‪.‬‬ ‫شفعة ل تثبت عندهم في ال ّ‬ ‫فال ّ‬
‫شفعة في‬ ‫ونقل عن مالك أنّه يقول ‪ :‬بثبوت ال ّ‬
‫سفن ‪ ،‬وهذا مقتضى إحدى الّروايتين عن المام‬ ‫ال ّ‬
‫أحمد وهو قول أهل مكّة ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪ :‬شفعة ) ‪.‬‬
‫سفينة ‪:‬‬‫انتهاء خيار المجلس في ال ّ‬
‫‪ - 8‬يعتبر القائلون بخيار المجلس التّفّرق سببا ً من‬
‫أسباب انتهاء خيار المجلس والمرجع في التّفّرق‬
‫إلى عرف النّاس وعادتهم فيما يعدّونه تفّرقا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫ل ذلك على أنّه‬ ‫شارع علّق عليه حكما ً ولم يبيّنه فد ّ‬ ‫ال ّ‬
‫أراد ما يعرفه النّاس فلو كان العاقدان في سفينة‬

‫‪448‬‬
‫صعود‬‫كبيرة فالنّزول إلى الطّبقة التّحتانيّة تفّرق كال ّ‬
‫إلى الفوقانيّة ‪.‬‬
‫ما لو كانا في سفينة صغيرة فالتّفّرق يحصل بخروج‬ ‫أ ّ‬
‫أحدهما منها ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ( خيار المجلس ) ‪.‬‬
‫سفينتين ‪:‬‬ ‫اصطدام ال ّ‬
‫‪ - 9‬إن اصطدمت سفينتان بتفريط من مجرييهما‬
‫ل واحد من المجريين سفينة الخر‬ ‫فغرقتا ضمن ك ّ‬
‫ن التّلف حصل بسبب‬ ‫وما فيها من نفس ومال ‪ ،‬ل ّ‬
‫ل منهما ضمان ما تلف بسبب‬ ‫فعليهما فوجب على ك ّ‬
‫فعله كالفارسين إذا اصطدما ‪ .‬بهذا قال جمهور‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫شافعيّة أنّه يلزم كّل ً من المجريين للخر‬ ‫ويرى ال ّ‬
‫نصف بدل سفينته ونصف ما فيها ‪ .‬وللفقهاء في‬
‫المسألة تفاصيل تنظر في ( إتلف ‪ ،‬قتل ‪ ،‬قصاص ‪،‬‬
‫ضمان ) ‪.‬‬
‫سفينة بإتلف المتعة ‪:‬‬ ‫إنقاذ ال ّ‬
‫سفينة على الغرق جاز إلقاء‬ ‫‪ - 10‬إذا أشرفت ال ّ‬
‫بعض أمتعتها في البحر ‪ ،‬ويجب اللقاء رجاء نجاة‬
‫الّراكبين إذا خيف الهلك ‪ ،‬ويجب إلقاء ما ل روح‬
‫فيه لتخليص ذي الّروح ‪.‬‬
‫ب إذا أمكن دفع الغرق بغير‬ ‫ول يجوز إلقاء الدّوا ّ‬
‫ب ألقيت‬ ‫ست الحاجة إلى إلقاء الدّوا ّ‬ ‫الحيوان وإذا م ّ‬
‫ي بحال ذكراً‬ ‫لبقاء الدميّين ول سبيل لطرح الدم ّ‬
‫كان أو أنثى ‪ ،‬مسلما ً أو كافرا ً ‪ .‬وفي بعض فروع‬
‫المسألة خلف وتفصيل ينظر في ( إتلف ‪ ،‬ضمان )‬
‫‪.‬‬
‫سفينة من الغرق ‪:‬‬ ‫المتناع عن إنقاذ ال ّ‬

‫‪449‬‬
‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على وجوب إعانة الغريق على‬
‫النّجاة من الغرق ‪ ،‬فإن كان قادرا ً ولم يوجد غيره‬
‫م غيره كان ذلك واجبًا‬ ‫تعيّن عليه ذلك ‪ ،‬وإن كان ث ّ‬
‫كفائيّا ً على القادرين ‪ .‬فإن قام به أحد سقط عن‬
‫الباقين ‪ ،‬وإل ّ أثموا جميعا ً ‪ ( .‬ر ‪ :‬إعانة ج ‪ / 5‬ف ‪/ 5‬‬
‫‪. ) 196‬‬
‫صلة لغاثة ملهوف‬ ‫ي ‪ :‬يجب قطع ال ّ‬ ‫قال الحصكف ّ‬
‫وغريق وحريق ‪.‬‬
‫يقول ابن عابدين ‪ :‬المصلّي متى سمع أحدا ً يستغيث‬
‫وإن لم يقصده بالنّداء أو كان أجنبيّا ً وإن لم يعلم ما‬
‫ل به أو علم وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه‬ ‫ح ّ‬
‫صلة فرضا ً كان أو غيره ‪.‬‬ ‫وجب عليه إغاثته وقطع ال ّ‬
‫ة على‬‫ة مشرف ً‬ ‫ن من رأى سفين ً‬ ‫ما ذكر أ ّ‬‫فتبيّن م ّ‬
‫الغرق وهو قادر على إنقاذها يجب عليه القيام بذلك‬
‫‪.‬‬
‫ل اتّفاق بين الفقهاء ‪ ،‬وإنّما اختلفوا في‬ ‫وهذا مح ّ‬
‫سفينة من الغرق فلم‬ ‫تضمين من أمكنه إنقاذ ال ّ‬
‫يفعل ‪.‬‬
‫بتتبّع آراء أكثر الفقهاء في مسألة المتناع من إغاثة‬
‫الملهوف ونجدة الغريق وإطعام المضطّر حتّى‬
‫ضمان على المتناع‬ ‫يهلكوا يتبيّن أنّهم ل يرتّبون ال ّ‬
‫من إنقاذ سفينة مشرفة على الغرق مع القدرة على‬
‫ة‪.‬‬‫ذلك وإنّما يرون التّأثيم فيه ديان ً‬
‫ويعلّل عدم تضمين الممتنع عندهم بأنّه لم يهلك أهل‬
‫سفينة ولم يكن سببا ً في غرقهم فلم يضمنهم كما‬ ‫ال ّ‬
‫لو لم يعلم بحالهم‬
‫ن الممتنع‬ ‫ويرى المالكيّة وأبو الخطّاب من الحنابلة أ ّ‬
‫سفينة‬ ‫ضمان لنّه لم ينج أهل ال ّ‬ ‫مع القدرة يلزمه ال ّ‬

‫‪450‬‬
‫من الهلك مع إمكانه فيضمنهم ‪ ( .‬ر ‪ :‬ترك ف ‪، 14/‬‬
‫ج ‪. ) 204 / 11‬‬
‫====================‬
‫سعْي *‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬من سعى يسعى سعيا ً ‪ :‬أي ‪ :‬قصد‬ ‫سعي لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫أو عمل أو مشى ‪ ،‬أو عدا ‪.‬‬
‫ويستعمل كثيرا ً في المشي ‪.‬‬
‫ووردت المادّة في القرآن بما يفيد معنى الجد ّ في‬
‫المشي ‪ ،‬كقوله تعالى في صلة الجمعة ‪:‬‬
‫َ‬
‫سعَوْا إِلَى ذِكْرِ الل ّهِ وَذَُروا الْبَيْعَ } ‪.‬‬ ‫{ فَا ْ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬وجاء م َ‬
‫ج ٌ‬
‫ل‬ ‫مدِينَةِ َر ُ‬ ‫صى ال ْ َ‬ ‫ن أقْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫سلِي َ‬ ‫مْر َ‬‫ل يَا قَوْم ِ اتَّبِعُوا ال ْ ُ‬ ‫سعَى قَا َ‬ ‫يَ ْ‬
‫سعي في الصطلح ‪ :‬قطع المسافة الكائنة‬ ‫‪ - 2‬وال ّ‬
‫صفا والمروة سبع مّرات ذهابا ً وإيابا ً بعد‬ ‫بين ال ّ‬
‫ج أو عمرة ‪.‬‬ ‫طواف في نسك ح ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الطّواف ‪:‬‬
‫صفة‬ ‫‪ - 3‬الطّواف هو الدّوران حول الكعبة على ال ّ‬
‫ص‬
‫سعي في ن ّ‬ ‫المعروفة ‪ .‬واستعمل أيضا ً بمعنى ال ّ‬
‫ن‬ ‫شعَآئ ِ َرِ اللّهِ فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫من َ‬ ‫روة َ ِ‬
‫م ْ َ‬ ‫صَفا وَال ْ َ‬ ‫ن ال َّ‬‫القرآن ‪ { :‬إ ِ َّ‬
‫ّ‬ ‫ج الْبيت أَو اع ْتمر فَل َ جناح ع َلَيه أ َ‬
‫ما }‬ ‫ه‬
‫ِِ َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫و‬ ‫ط‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ْ ِ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ح َّ َ ْ َ ِ‬ ‫َ‬
‫‪ .‬أي ‪ :‬يسعى ‪.‬‬
‫وفي الحاديث كحديث جابر ‪ « :‬حتّى إذا كان آخر‬
‫ي صلى‬ ‫طوافه على المروة » أي ‪ :‬آخر سعي النّب ّ‬
‫حة‬ ‫الله عليه وسلم ‪ .‬وتقدّم الطّواف شرط لص ّ‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫سعي ‪ .‬أصل ال ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪451‬‬
‫سنّة ‪.‬‬‫سعي الكتاب وال ّ‬ ‫‪ - 4‬الصل في مشروعيّة ال ّ‬
‫من‬ ‫مْروَةَ ِ‬ ‫صَفا َوال ْ َ‬ ‫ن ال َّ‬ ‫ما الكتاب فقوله تعالى ‪ { :‬إ ِ َّ‬ ‫أ ّ‬
‫شعَآئِرِ اللّهِ } الية ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫سنّة فما ورد من « أ ّ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫صفا والمروة وقال ‪:‬‬ ‫جه بين ال ّ‬ ‫وسلم سعى في ح ّ‬
‫سعي » ‪.‬‬ ‫ن اللّه كتب عليكم ال ّ‬ ‫اسعوا فإ ّ‬
‫سعي على مثال « سعي‬ ‫شريعة ال ّ‬ ‫وقد وضعت ال ّ‬
‫سيّدة هاجر عندما سعت بينهما سبع مّرات لطلب‬ ‫ال ّ‬
‫الماء لبنها » كما في حديث البخاريّ عن ابن عبّاس‬
‫مرفوعا ً ‪ ،‬وفي آخره قال ابن عبّاس ‪ :‬قال النّب ّ‬
‫ي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬فذلك سعي النّاس بينهما‬
‫»‪.‬‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة في المعتمد‬ ‫‪ - 5‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫ج والعمرة‬ ‫سعي ركن من أركان الح ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫عندهم إلى أ ّ‬
‫حان بدونه ‪ .‬وهو قول عائشة وعروة بن‬ ‫‪ ،‬ل يص ّ‬
‫الّزبير ‪.‬‬
‫سعي‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة والحنابلة في رواية إلى أ ّ‬
‫ج والعمرة ‪ ،‬وليس بركن فيهما ‪ ،‬فمن‬ ‫واجب في الح ّ‬
‫تركه لغير عذر وجب عليه الدّم ‪ ،‬وإن تركه لعذر فل‬
‫مروي عن الحسن البصريّ‬ ‫ّ‬ ‫شيء عليه ‪ ،‬وهو‬
‫وري ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وسفيان الث ّ‬
‫وروي عن أحمد بن حنبل أنّه سنّة ل يجب بتركه‬
‫دم ‪ ،‬وروي ذلك عن ابن عبّاس وأنس ‪ ،‬وابن الّزبير‬
‫وابن سيرين ‪.‬‬
‫صَفا‬‫ن ال َّ‬ ‫ن الية الكريمة ‪ { :‬إ ِ َّ‬ ‫وسبب الخلف أ ّ‬
‫شعَآئِرِ اللّهِ ‪ } ...‬لم تصّرح بحكم‬ ‫من َ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫مْروَةَ ِ‬
‫سنّة وبحديث‬ ‫سعي ‪ ،‬فآل الحكم إلى الستدلل بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سعي » ‪ .‬وفي‬ ‫ن اللّه كتب عليكم ال ّ‬ ‫‪ « :‬اسعوا فإ ّ‬

‫‪452‬‬
‫صحيحين عن « أبي موسى الشعريّ رضي الله‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫عنه قال ‪ :‬قدمت على النّب ّ‬
‫وهو بالبطحاء فقال ‪ :‬بما أهللت ؟ قلت ‪ :‬أهللت‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ .‬قال ‪ :‬هل‬ ‫بإهلل النّب ّ‬
‫سقت من هدي ؟ قلت ‪ :‬ل قال ‪ :‬فطف بالبيت‬
‫ل بذلك‬ ‫ل » ‪ .‬فاستد ّ‬ ‫مح ّ‬ ‫صفا والمروة ‪ ،‬ث ّ‬ ‫وبال ّ‬
‫شافعيّة ومن وافقهم على الفرضيّة ‪،‬‬ ‫المالكيّة وال ّ‬
‫ن " كتب " بمعنى فرض ‪ ،‬ولنّه صلى الله عليه‬ ‫ل ّ‬
‫سعي ورتّب عليه الح ّ‬
‫ل‬ ‫وسلم أمر أبا موسى بال ّ‬
‫فيكون فرضا ً ‪.‬‬
‫ل به الحنفيّة على الوجوب ‪ ،‬لنّه كما قال‬ ‫واستد ّ‬
‫الكمال بن الهمام ‪ " :‬مثله ل يزيد على إفادة‬
‫ما الّركن فإنّما يثبت عندنا‬ ‫الوجوب ‪ ،‬وقد قلنا به ‪ .‬أ ّ‬
‫بدليل مقطوع به ‪ .‬فإثباته بهذا الحديث إثبات بغير‬
‫دليل " ‪ .‬يعني بغير دليل يصلح لثبات الّركنيّة ‪.‬‬
‫ح‬
‫جنَا َ‬‫سنّيّة بقوله تعالى ‪ { :‬فَل َ ُ‬ ‫ل للقول بال ّ‬ ‫واستد ّ‬
‫َ‬
‫ما } ‪ .‬ونفي الحرج عن فاعله‬ ‫ع َلَيْهِ أَن يَط ّوَّ َ‬
‫ف بِهِ َ‬
‫ن هذا رتبة المباح ‪ ،‬وإنّما‬ ‫دليل على عدم وجوبه ‪ ،‬فإ ّ‬
‫شعَآئِرِ اللّهِ } ‪.‬‬ ‫من َ‬ ‫تثبت سنّيّته بقوله تعالى ‪ِ { :‬‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫صفة ال ّ‬
‫جه‬‫ج أو المعتمر من الطّواف يتو ّ‬ ‫‪ - 6‬بعد انتهاء الحا ّ‬
‫صفا ‪،‬‬ ‫سعي منها ‪ ،‬فيرقى على ال ّ‬ ‫صفا ليبدأ ال ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫حد اللّه ويكبّره ‪،‬‬ ‫ويستقبل الكعبة المشّرفة ‪ ،‬ويو ّ‬
‫جها ً إلى المروة ‪،‬‬ ‫م يسير متو ّ‬ ‫ويأتي بالذ ّكر الوارد ‪ ،‬ث ّ‬
‫فإذا حاذى الميلين " العمودين " الخضرين اللّذين‬
‫في جدار المسعى اشتد ّ وأسرع ما استطاع ‪ ،‬وهكذا‬
‫م يمشي‬ ‫إلى العمودين التّاليين الخضرين ‪ ،‬ث ّ‬
‫المشي المعتاد حتّى يصل إلى المروة فيصعد عليها‬
‫صفا ‪ ،‬وهذا شوط‬ ‫حد ويكبّر كما فعل على ال ّ‬ ‫‪ .‬ويو ّ‬

‫‪453‬‬
‫جه من‬ ‫شوط الثّاني فيتو ّ‬ ‫م يشرع في ال ّ‬ ‫واحد ‪ .‬ث ّ‬
‫صفا ‪ ،‬حتّى إذا حاذى العمودين‬ ‫المروة إلى ال ّ‬
‫الخضرين اشتد ّ وأسرع كثيرا ً حتّى يصل إلى‬
‫م يمشي المشي المعتاد ‪ ،‬إلى‬ ‫العمودين التّاليين ‪ ،‬ث ّ‬
‫صفا فيرقى عليها ‪ ،‬ويستقبل الكعبة ‪،‬‬ ‫أن يصل إلى ال ّ‬
‫حد اللّه ويكبّره ‪ ،‬يدعو كما فعل أوّل ً ‪ ،‬وهذا‬ ‫ويو ّ‬
‫د‬
‫م يعود إلى المروة وهكذا حتّى يع ّ‬ ‫شوط ثان ‪ ،‬ث ّ‬
‫سبعة أشواط ينتهي آخرها عند المروة ‪ .‬فإن كان‬
‫ج ‪ ،‬فقد‬ ‫معتمرا ً فقط أو متمتّعا ً بالعمرة إلى الح ّ‬
‫صر ‪ ،‬ويتحلّل التّحلّل‬ ‫قضى عمرته ويحلق أو يق ّ‬
‫ج أو قارنا ً فل يحلق ول‬ ‫الكامل ‪ .‬وإن كان مفردا ً للح ّ‬
‫ل محرما ً ‪ ،‬حتّى يتحلّل بأعمال يوم‬ ‫صر ‪ ،‬بل يظ ّ‬ ‫يق ّ‬
‫ج ‪،‬ف ‪. ) 82/‬‬ ‫النّحر ‪ (.‬ر ‪ :‬إحرام ف ‪ 126 - 123/‬وح ّ‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫ركن ال ّ‬
‫ج أو‬‫سعي ركن في الح ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫‪ - 7‬ذهب الجمهور إلى أ ّ‬
‫سعي‬ ‫ن القدر الّذي ل يتحّقق ال ّ‬ ‫العمرة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫صفا والمروة ‪،‬‬ ‫بدونه ‪ :‬سبعة أشواط يقطعها بين ال ّ‬
‫مة‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ولجماع ال ّ‬ ‫لفعل النّب ّ‬
‫سعي كذلك ‪.‬‬ ‫سلفا ً فخلفا ً على ال ّ‬
‫وقال الحنفيّة ‪ :‬يكفي لسقاط الواجب أربعة أشواط‬
‫ل ‪ ،‬فلو سعى‬ ‫سعي ‪ ،‬وللكثر حكم الك ّ‬ ‫‪ ،‬لنّها أكثر ال ّ‬
‫ل من أربعة أشواط فعليه دم عند الحنفيّة ‪ ،‬لنّه‬ ‫أق ّ‬
‫ما عند الجمهور فيجب عليه العود‬ ‫لم يؤد ّ الواجب ‪ ،‬أ ّ‬
‫لداء ما نقص ولو كان خطوةً ‪ ،‬ول يتحلّل من‬
‫سعي بين‬ ‫إحرامه إل ّ بذلك ‪ .‬ويحصل الّركن بكون ال ّ‬
‫صفا والمروة في الشواط المفروضة ‪ ،‬سواء كان‬ ‫ال ّ‬
‫ي‬
‫بفعل نفسه أو بفعل غيره ‪ ،‬ول يشترط الّرق ّ‬
‫عليهما ‪ .‬بل يكفي أن يلصق عقبيه بهما ‪ ،‬وكذا‬
‫عقبي حافر دابّته إذا كان راكبا ً ‪ ،‬وهذا هو الحوط ‪،‬‬

‫‪454‬‬
‫صفا وأصابع رجليه‬ ‫أو يلصق عقبيه في البتداء بال ّ‬
‫بالمروة ‪ ،‬وفي الّرجوع عكسه ‪ ،‬وهذا هو الظهر ‪.‬‬
‫لكن تصويرهما إنّما كان يتصوّر في العهد الوّل ‪،‬‬
‫صفا والمروة مرتفعًا عن‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫حيث يوجد ك ّ‬
‫ما في هذا الّزمان فلكونه قد دفن كثير‬ ‫الرض ‪ ،‬وأ ّ‬
‫من أجزائهما ل يمكن حصول ما ذكر فيهما ‪ ،‬فيكفي‬
‫المرور فوق أوائلهما ‪.‬‬
‫م هذا فرض عند الجميع ‪ ،‬وهو الظّاهر في تحقيق‬ ‫ث ّ‬
‫مذهب الحنفيّة في الشواط الربعة الّتي هي ركن‬
‫الطّواف الواجب عندهم ‪.‬‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫شروط ال ّ‬
‫سعي بعد طواف صحيح ‪ :‬ولو نفلً‬ ‫‪ - 8‬أ ‪ -‬أن يكون ال ّ‬
‫موا ذلك ترتيباً‬ ‫عند الحنفيّة ‪ .‬وكذا المالكيّة ‪ .‬وس ّ‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫لل ّ‬
‫شرط والواجب في سبق‬ ‫لكن المالكيّة فصلوا بين ال ّ‬
‫سعي ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يشترط سبق الطّواف‬ ‫الطّواف لل ّ‬
‫سعي ‪ ،‬لكن يجب في‬ ‫أيّ طواف ولو نفل ً ‪ ،‬لص ّ‬
‫حة ال ّ‬
‫سبق أن يكون الطّواف فرضا ً " ومثله الواجب‬ ‫هذا ال ّ‬
‫" ونوى فرضيّته أو اعتقدها ‪.‬‬
‫سعي‬ ‫ح تقديم ال ّ‬ ‫وطواف القدوم واجب عندهم فيص ّ‬
‫على الوقوف بعد طواف القدوم ‪.‬‬
‫فلو سعى بعد طواف نفل فل شيء عليه عند‬
‫الحنفيّة ‪.‬‬
‫ما عند المالكيّة فلو كان الطّواف نفًل أو نوى سنّيّته‬ ‫أ ّ‬
‫‪ ،‬أو أطلق الطّواف ولم يستحضر شيئاً‪ ،‬أو كان‬
‫يعتقد عدم وجوبه لجهله ‪ ،‬فإنّه يعيد الطّواف وينوي‬
‫سعي ما‬ ‫م يعيد ال ّ‬‫فرضيّته أو وجوبه إن كان واجبا ً ث ّ‬
‫ما إذا سافر إلى بلده فعليه دم ‪.‬‬ ‫دام بمكّة ‪ ،‬أ ّ‬

‫‪455‬‬
‫شافعيّة والحنابلة أنّه يشترط أن يكون‬ ‫ومذهب ال ّ‬
‫ل الفصل‬ ‫سعي بعد طواف ركن أو قدوم ‪ ،‬ول يخ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫بينهما ‪ ،‬لكن بحيث ل يتخلّل بين طواف القدوم‬
‫سعي الوقوف بعرفة ‪ ،‬فإن تخلّل بينهما الوقوف‬ ‫وال ّ‬
‫سعي إل ّ بعد طواف الفاضة ‪.‬‬ ‫بعرفة لم يجزه ال ّ‬
‫دليل الجميع « فعله صلى الله عليه وسلم فإنّه قد‬
‫سعى بعد الطّواف » ‪ ،‬وورد عنه صلى الله عليه‬
‫وسلم أنّه قال ‪ « :‬لتأخذوا مناسككم » ‪ ،‬وبإجماع‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وروي عن عطاء عدم اشتراط تقدّم الطّواف ‪ .‬وفي‬
‫رواية عن أحمد ‪ :‬لو سعى قبل الطّواف ناسيا ً أجزأه‬
‫‪.‬‬
‫صفا‬
‫صفا والمروة بأن يبدأ بال ّ‬ ‫‪ - 9‬ب ‪ -‬التّرتيب بين ال ّ‬
‫فالمروة ‪ ،‬حتّى يختم سعيه بالمروة ‪ ،‬اتّفاقا ً بينهم ‪.‬‬
‫شوط واحتسب الشواط‬ ‫فلو بدأ بالمروة لغا هذا ال ّ‬
‫صفا ‪ ،‬وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم‬ ‫ابتداءً من ال ّ‬
‫كما سبق في حديث جابر ‪ ،‬وقوله ‪ « :‬أبدأ بما بدأ‬
‫صفا » ‪ ،‬وروي الحديث بصيغة المر‬ ‫اللّه به ‪ ،‬فبدأ بال ّ‬
‫« ابدءوا بما بدأ اللّه به » ‪.‬‬
‫صة ‪ ،‬على ما في‬ ‫‪ - 10‬ج ‪ -‬النّيّة عند الحنابلة خا ّ‬
‫المذهب والمقّرر ‪ ،‬وصوّبه المرداويّ ‪ ،‬وظاهر كلم‬
‫الكثر خلفهما كما في الفروع ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬ ‫سعي الصل ّ‬ ‫وقت ال ّ‬
‫ي هو يوم النّحر بعد طواف‬ ‫سعي الصل ّ‬ ‫‪ - 11‬وقت ال ّ‬
‫ن ذلك سنّة ‪،‬‬ ‫الّزيارة ل بعد طواف القدوم ‪ ،‬ل ّ‬
‫سعي واجب ‪ ،‬فل ينبغي أن يجعل الواجب تبعاً‬ ‫وال ّ‬
‫ما طواف الّزيارة ففرض ‪ ،‬والواجب يجوز‬ ‫سنّة ‪ ،‬فأ ّ‬‫لل ّ‬
‫سعي بعد‬ ‫ص في ال ّ‬‫أن يجعل تبعا ً للفرض ‪ .‬إل ّ أنّه خ ّ‬

‫‪456‬‬
‫ج‬
‫طواف القدوم ‪ ،‬جعل ذلك وقتًا له ترفيهًا للحا ّ‬
‫وتيسيرا ً عليه ‪ ،‬لزدحام الشتعال له يوم النّحر ‪.‬‬
‫ي فيوم النّحر عقيب طواف‬ ‫ما وقته الصل ّ‬ ‫فأ ّ‬
‫الّزيارة ‪ ،‬وتقدّم طواف القدوم ليس شرطا ً عند‬
‫سعي بالطّواف ولو نفلً‬ ‫شرط سبق ال ّ‬ ‫الحنفيّة ‪ ،‬بل ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫ن المالكيّة‬ ‫وقريب من ذلك مذهب الجمهور ‪ .‬إل ّ أ ّ‬
‫شرطوا لعدم وجوب الدّم أن يكون بعد طواف‬
‫واجب ونوى وجوبه ‪ ،‬وطواف القدوم عندهم واجب‬
‫‪.‬‬
‫سعي أنّه بعد‬ ‫شافعيّة والحنابلة وقت ال ّ‬ ‫ص ال ّ‬ ‫وخ ّ‬
‫طواف ركن أو قدوم ‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬فإنّه يشرع‬ ‫ج المفرد الفاق ّ‬ ‫هذا كلّه بالنّسبة للحا ّ‬
‫له طواف القدوم ‪.‬‬
‫ي فليس لهما‬ ‫ي المفرد ومثله المتمتّع الفاق ّ‬ ‫ما المك ّ ّ‬‫أ ّ‬
‫ج من مكّة ‪ ،‬فل‬ ‫طواف قدوم ‪ ،‬لنّهما يحرمان بالح ّ‬
‫سعي عند الجمهور ‪ ،‬إل ّ عند المالكيّة‬ ‫يقدّمان ال ّ‬
‫فيمكن لهما أن يطوفا نفل ً ويسعيا بعده ويلزمهما‬
‫دم ‪.‬‬
‫ما عند الحنفيّة فيمكن لهما أن يفعل ذلك ول شيء‬ ‫أ ّ‬
‫عليهما ‪.‬‬
‫سعي للقارن ‪:‬‬ ‫تكّرر ال ّ‬
‫‪ - 12‬القارن عند الحنفيّة يطوف طوافين ويسعى‬
‫م يطوف‬ ‫م سعيها ‪ ،‬ث ّ‬ ‫سعيين ‪ .‬فيبدأ بطواف العمرة ث ّ‬
‫ج‬‫ج إن أراد تقديم سعي الح ّ‬ ‫للقدوم ويسعى للح ّ‬
‫عندهم ‪.‬‬
‫ما عند الجمهور فحكمه كالمفرد ‪ ،‬لنّه يطوف‬ ‫أ ّ‬
‫جه‬ ‫طوافا ً واحدا ً ‪ ،‬ويسعى سعيا ً واحدا ً يجزئان لح ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫وعمرته ‪ .‬واستدلّوا « بفعل النّب ّ‬

‫‪457‬‬
‫جته‬ ‫صحابة الّذين كانوا قارنين معه في ح ّ‬ ‫وسلم وال ّ‬
‫حيث إنّهم سعوا سعيا ً واحدا ً » ‪.‬‬
‫سعي عن طواف الّزيارة ‪:‬‬ ‫خر ال ّ‬ ‫حكم تأ ّ‬
‫‪ - 13‬ذهب الجمهور إلى أنّه ل يتحلّل المحرم من‬
‫سعي ولو نقص خطوةً واحدةً ‪،‬‬ ‫إحرامه إل ّ بالعود لل ّ‬
‫ل محرما ً في حقّ النّساء حتّى يرجع ويسعى‬ ‫ويظ ّ‬
‫سعي ‪ ( .‬ر‬ ‫مهما بعد مكانه ‪ ،‬وذلك لقولهم بركنيّة ال ّ‬
‫ج ف ‪ 56/‬و ‪ . ) 125‬ول شيء عليه‬ ‫‪ :‬مصطلح ح ّ‬
‫سعي مهما طال المد ‪ .‬ويرجع بإحرامه‬ ‫بتأخير ال ّ‬
‫المتبّقي ‪ ،‬دون حاجة لحرام جديد ‪.‬‬
‫ي‪-‬‬ ‫سعي عن وقته الصل ّ‬ ‫خر ال ّ‬ ‫وقال الحنفيّة ‪ :‬إذا تأ ّ‬
‫وهو أيّام النّحر بعد طواف الّزيارة ‪ -‬فإن كان لم‬
‫يرجع إلى أهله فإنّه يسعى ول شيء عليه ‪ ،‬لنّه أتى‬
‫بما وجب عليه ‪ ،‬ول يلزمه بالتّأخير شيء ‪ ،‬لنّه فعله‬
‫ي وهو ما بعد طواف الّزيارة ‪ .‬ول‬ ‫في وقته الصل ّ‬
‫يضّره إن كان قد جامع ‪ ،‬لوقوع التّحلّل الكبر عند‬
‫سعي ليس بركن حتّى‬ ‫الحنفيّة بطواف الّزيارة ‪ ،‬إذ ال ّ‬
‫يمنع التّحلّل ‪ ،‬وإذا صار حلل ً بالطّواف فل فرق بين‬
‫أن يسعى قبل الجماع أو بعده ‪ ،‬غير أنّه لو كان‬
‫بمكّة يسعى ول شيء عليه لما قلنا ‪ ،‬وإن كان رجع‬
‫سعي بغير عذر ‪ .‬وإن‬ ‫إلى أهله فعليه دم لتركه ال ّ‬
‫أراد أن يعود إلى مكّة فإنّه يعود بإحرام جديد ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫إحرامه الوّل قد ارتفع بطواف الّزيارة ‪ ،‬لوقوع‬
‫التّحلّل الكبر به ‪ ،‬فيحتاج إلى تجديد الحرام ‪ ،‬إذا‬
‫عاد وسعى يسقط عنه الدّم لنّه تدارك التّرك ‪.‬‬
‫ي من الّرجوع ‪،‬‬ ‫ب إل ّ‬‫مد بن الحسن ‪ :‬الدّم أح ّ‬ ‫قال مح ّ‬
‫ن فيه منفعة الفقراء ‪ ،‬والنّقصان ليس بفاحش ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫وهذا المذكور عن الحنفيّة ينطبق على القول‬
‫بالوجوب عند الحنابلة ‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫واجبات ال ّ‬
‫‪ - 14‬أ ‪ -‬المشي بنفسه للقادر عليه ‪ ،‬وهذا عند‬
‫شافعيّة والحنابلة هو سنّة‬ ‫المالكيّة والحنفيّة ‪ ،‬وعند ال ّ‬
‫‪ .‬فلو سعى راكبا ً أو محمول ً أو زحفا ً بغير عذر ص ّ‬
‫ح‬
‫سعيه باتّفاقهم جميعاً‪ ،‬لكن عليه الدّم عند الحنفيّة‬
‫سعي بغير عذر ‪،‬‬ ‫والمالكيّة ‪ ،‬لتركه المشي في ال ّ‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫وهو واجب عندهم ‪ ،‬أو إعادة ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ولو مشى‬ ‫ول يلزمه شيء عند ال ّ‬
‫سعي سنّة عندهم ‪.‬‬ ‫ن المشي في ال ّ‬ ‫بغير عذر ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن الفضل أن ل يركب في‬ ‫شافعيّة بأ ّ‬ ‫بل صّرح ال ّ‬
‫ن المشي‬ ‫سعيه إل ّ لعذر كما سبق في الطّواف ‪ ،‬ل ّ‬
‫سعي راكبًا ليس‬ ‫ن ال ّ‬‫أشبه بالتّواضع ‪ .‬واتّفقوا على أ ّ‬
‫بمكروه لكنّه خلف الفضل ‪ .‬ولو سعى به غيره‬
‫محمول ً جاز ‪ ،‬لكن الولى سعيه بنفسه إن لم يكن‬
‫صبيّا ً صغيرا ً أو له عذر كمرض ونحوه ‪.‬‬
‫‪ - 15‬ب ‪ -‬إكمال الشواط الثّلثة الخيرة عند الحنفيّة‬
‫سبعة واجب عند الحنفيّة ‪ ،‬فلو‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫ن الق ّ‬ ‫‪،‬ل ّ‬
‫ح‬
‫ل وهو ثلثة أشواط فما دون ذلك ص ّ‬ ‫ترك الق ّ‬
‫ما الجمهور‬ ‫ل شوط عندهم ‪ .‬أ ّ‬ ‫سعيه وعليه صدقة لك ّ‬
‫سبعة ركن عندهم ل يجوز أن‬ ‫ل هذه الشواط ال ّ‬ ‫فك ّ‬
‫تنقص ولو خطوة ً ‪.‬‬
‫سعي ومستحبّاته ‪:‬‬ ‫سنن ال ّ‬
‫سعي ‪ :‬فلو فصل‬ ‫‪ - 16‬أ ‪ -‬الموالة بين الطّواف وال ّ‬
‫ن له‬‫بينهما بفاصل طويل بغير عذر فقد أساء ويس ّ‬
‫العادة ‪ ،‬ولو لم يعد ل شيء عليه اتّفاقا ً ‪.‬‬
‫ودليل الفقهاء على ذلك العتبار بتأخير الطّواف‬
‫الّركن عن الوقوف ‪ ،‬فإنّه يجوز تأخيره عنه سنين‬
‫كثيرة ً ول آخر له ما دام حيًّا بل خلف فيه عند‬

‫‪459‬‬
‫ج ف ‪) 142 - 140/‬‬ ‫الحنفيّة ‪ ( .‬ر ‪ :‬طواف ف ‪ ، 9/‬وح ّ‬
‫‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬وهو ما‬ ‫وملحظهم فيه أنّه أدّاه في وقته الصل ّ‬
‫بعد طواف الفاضة ‪.‬‬
‫سعي عند الجمهور ‪،‬‬ ‫‪ - 17‬ب ‪ -‬النّيّة ‪ :‬هي سنّة في ال ّ‬
‫والّراجح عند الحنفيّة ‪ ،‬وقيل عند الحنفيّة إنّها‬
‫مستحبّة ‪ .‬خلفا ً للحنابلة القائلين باشتراطها ‪.‬‬
‫سعي في‬ ‫ي القاريّ ‪:‬ولعلّهم أدرجوا فيه ال ّ‬ ‫قال عل ّ‬
‫ضمن التزام الحرام بجميع أفعال المحرم به‪ .‬فلو‬
‫صفا إلى المروة هاربا ً أو بائعا ً أو متنّزهاً‬ ‫مشى من ال ّ‬
‫أو لم يدر أنّه سعى جاز سعيه ‪ .‬وهذه توسعة‬
‫عظيمة ‪ ،‬كعدم شرط نيّة الوقوف بعرفة ‪.‬‬
‫‪ - 18‬ج ‪ -‬أن يستلم الحجر السود بعد ركعتي‬
‫سر له‬ ‫سعي ‪ ،‬إن تي ّ‬ ‫الطّواف قبل الذ ّهاب إلى ال ّ‬
‫استلم الحجر ‪ ،‬وإل ّ أشار إليه ‪ ،‬فيكون الستلم‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫بمثابة وصلة بين الطّواف وال ّ‬
‫ب أن يسعى على طهارة من الحدث‬ ‫‪ - 19‬د ‪ -‬يستح ّ‬
‫ح سعيه ‪.‬‬ ‫الصغر والكبر والنّجاسة ‪ ،‬ولو خالف ص ّ‬
‫صحيح عن عائشة رضي الله عنها «‬ ‫ففي الحديث ال ّ‬
‫ما حاضت ‪:‬‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم قال لها ل ّ‬ ‫ن النّب ّ‬
‫أ ّ‬
‫ج ‪ ،‬غير أن ل تطوفي بالبيت‬ ‫افعلي كما يفعل الحا ّ‬
‫ة‬
‫ة صريح ً‬ ‫ل دلل ً‬ ‫حتّى تطهري » متّفق عليه ‪ .‬وهو يد ّ‬
‫سعي بغير طهارة ‪.‬‬ ‫على جواز ال ّ‬
‫صفا والمروة كلّما بلغهما‬ ‫‪ - 20‬هـ ‪ -‬أن يصعد على ال ّ‬
‫ووي في‬‫ّ‬ ‫في سعيه بحيث يستقبل الكعبة ‪ ،‬وقدّره الن ّ‬
‫المجموع بقدر قامة ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫ب عند ال ّ‬ ‫صعود مستح ّ‬ ‫وهذا ال ّ‬
‫صوا به الّرجال دون النّساء ‪.‬‬ ‫وخ ّ‬

‫‪460‬‬
‫صفا والمروة وفي‬ ‫‪ - 21‬و ‪ -‬الدّعاء ‪ :‬عند صعود ال ّ‬
‫سعي بينهما ‪ ،‬جعله الحنفيّة من المستحبّات ‪ .‬على‬ ‫ال ّ‬
‫تفصيل سيأتي ‪.‬‬
‫شديد بين الميلين الخضرين ‪:‬‬ ‫سعي ال ّ‬ ‫‪ - 22‬ز ‪ -‬ال ّ‬
‫وهما العمودان الخضران اللّذان في جدار المسعى‬
‫ب أن‬ ‫سبعة ‪ ،‬ويستح ّ‬ ‫الن ‪ ،‬وهو سنّة في الشواط ال ّ‬
‫سنّة أن يمشي‬ ‫مل ودون العدْو ‪ .‬وال ّ‬ ‫يكون فوق الّر َ‬
‫فيما سوى ذلك ‪ .‬فقد « كان صلى الله عليه وسلم‬
‫صفا والمروة »‬ ‫يسعى بطن المسيل إذا طاف بين ال ّ‬
‫‪ .‬متّفق عليه ‪.‬‬
‫صفا‬
‫ن الخبب في الذ ّهاب من ال ّ‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬يس ّ‬
‫ن في الياب ‪ .‬وسنّيّة‬ ‫إلى المروة فقط ‪ ،‬ول يس ّ‬
‫ص بالّرجال دون النّساء ‪،‬‬ ‫شديد هذه تخت ّ‬ ‫سعي ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن‬
‫سنّة في حّقه ّ‬ ‫ستر ‪ ،‬فال ّ‬ ‫ن على ال ّ‬ ‫ن مبنى حاله ّ‬ ‫ل ّ‬
‫المشي فقط ‪.‬‬
‫سعي ‪ :‬وسنّيّتها‬ ‫‪ - 23‬ح ‪ -‬الموالة بين أشواط ال ّ‬
‫مذهب الجمهور ‪ ،‬خلفا ً للمالكيّة والحنابلة في‬
‫سعي‬ ‫المعتمد ‪ ،‬قد جعلوا الموالة بين أشواط ال ّ‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫حة ال ّ‬ ‫شرطا ً لص ّ‬
‫صل المالكيّة فقالوا ‪:‬‬ ‫وبنا ًء على ذلك ف ّ‬
‫أول ً ‪ :‬إن جلس في سعيه وكان شيئا ً خفيفا ً أجزأه ‪،‬‬
‫وإن كان ل ينبغي له ذلك ‪.‬‬
‫وإن طال جلوسه وصار كالتّارك بأن كثر التّفريق‬
‫سعي من جديد ‪.‬‬ ‫ابتدأ ال ّ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬ل ينبغي له أن يبيع أو يشتري أو يقف مع أحد‬
‫ويحدّثه ‪ ،‬فإن فعل وكان خفيفا ً لم يضّر وإن كان‬
‫سعي من جديد ‪.‬‬ ‫مكروها ً ‪ ،‬فإن كثر ابتدأ ال ّ‬
‫ضأ وبنى على ما سبق ولم‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬إن أصابه حقن تو ّ‬
‫يعد ‪.‬‬

‫‪461‬‬
‫صلة تمادى إل ّ أن يضيق‬ ‫رابعا ً ‪ :‬إن أقيمت عليه ال ّ‬
‫م يبني على ما مضى له ‪.‬‬ ‫ل‪،‬ث ّ‬‫صلة فليص ّ‬ ‫وقت ال ّ‬
‫ل أو كثر ‪ ،‬لكنّه‬‫ل ذلك ل يضّر عند الجمهور ق ّ‬ ‫وك ّ‬
‫سعي‬‫يكره ‪ ،‬ويستثنى من الكراهة أن يقطع ال ّ‬
‫صلة المكتوبة بالجماعة ‪ ،‬ولصلة الجنازة ‪،‬‬ ‫لقامة ال ّ‬
‫كما في الطّواف ‪ ،‬بل هو هنا أولى ‪.‬‬
‫شافعيّة إلى سنّيّة الضطباع في‬ ‫‪ - 24‬ط ‪ -‬ذهب ال ّ‬
‫سعي قياسا ً على الطّواف ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سعي أن‬ ‫ب الحنفيّة إذا فرغ من ال ّ‬ ‫‪ - 25‬ي ‪ -‬استح ّ‬
‫سعي‬ ‫يدخل المسجد فيصلّي ركعتين ‪ ،‬ليكون ختم ال ّ‬
‫ن مبدأه بالستلم كمبدئه‬ ‫كختم الطّواف ‪ ،‬كما ثبت أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫ي‬
‫شافعيّة قولن في هاتين الّركعتين ‪ .‬قال الجوين ّ‬ ‫ولل ّ‬
‫‪ " :‬حسن وزيادة طاعة " ‪.‬‬
‫صلح ‪ " :‬ينبغي أن يكره ذلك لنّه ابتداع‬ ‫وقال ابن ال ّ‬
‫شعار " ‪.‬‬
‫صلح أظهر‬ ‫قال النّوويّ ‪ " :‬وهذا الّذي قاله ابن ال ّ‬
‫واللّه أعلم " ‪.‬‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫مباحات ال ّ‬
‫سعي ما يباح في الطّواف ‪ ،‬بل هو‬ ‫‪ - 26‬يباح في ال ّ‬
‫أولى ‪ .‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الكلم المباح الّذي ل يشغله ‪.‬‬
‫شرب ‪.‬‬ ‫ب ‪ -‬الكل وال ّ‬
‫ج ‪ -‬الخروج منه لداء مكتوبة ‪ ،‬أو صلة جنازة ‪ ،‬على‬
‫خلف للمالكيّة ‪.‬‬
‫سعي ‪:‬‬ ‫مكروهات ال ّ‬
‫شراء والحديث ‪ ،‬إذا كان شيء منها‬ ‫‪ - 27‬أ ‪ -‬البيع وال ّ‬
‫على وجه يشغله عن الحضور ‪ ،‬ويدفعه عن الذ ّكر‬
‫والدّعاء ‪ ،‬أو يمنعه عن الموالة ‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫سعي عن وقته المختار تأخيراً‬ ‫‪ - 28‬ب ‪ -‬تأخير ال ّ‬
‫كثيرا ً من غير عذر ‪ ،‬بإبعاده كثيرا ً من الطّواف ‪.‬‬
‫ووردت جملة من الدعية والذكار المأثورة في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وعن بعض‬ ‫سعي عن النّب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صحابة منها ما يلي ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫أي‬
‫سعي يذهب من ّ‬ ‫صفا لل ّ‬ ‫جه إلى ال ّ‬ ‫‪ - 29‬أ ‪ -‬عند التّو ّ‬
‫سر له ‪ ،‬ويقرأ هذه الية ‪:‬‬ ‫باب يتي ّ‬
‫شعَآئِرِ اللّهِ } وكذلك عندما‬ ‫من َ‬ ‫مْروَة َ ِ‬ ‫صَفا وَال ْ َ‬‫ن ال َّ‬‫{ إ ِ َّ‬
‫ل شوط ‪.‬‬ ‫يبلغ المروة آخر ك ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ذلك » ‪.‬‬ ‫« لفعل النّب ّ‬
‫صفا وقف عليه بحيث يرى‬ ‫‪ - 30‬ب ‪ -‬إذا صعد على ال ّ‬
‫الكعبة المعظّمة ‪ ،‬وكذلك إذا صعد على المروة‬
‫ي صلى‬ ‫جه إلى القبلة وذكر ودعا كما فعل النّب ّ‬ ‫تو ّ‬
‫ن أن يطيل القيام ‪ ،‬ويقول كما‬ ‫الله عليه وسلم ويس ّ‬
‫ورد في صحيح مسلم عن جابر ‪ « :‬فاستقبل القبلة‬
‫حد اللّه وكبّره ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل إله إل ّ اللّه وحده ل‬ ‫فو ّ‬
‫شريك له ‪ ،‬له الملك ‪ ،‬وله الحمد وهو على ك ّ‬
‫ل‬
‫شيء قدير ‪ ،‬ل إله إل ّ اللّه وحده ‪ ،‬أنجز وعده ‪،‬‬
‫م دعا بين ذلك‬ ‫ونصر عبده ‪ ،‬وهزم الحزاب وحده ‪ .‬ث ّ‬
‫‪ ،‬قال مثل هذا ثلث مّرات ‪ ...‬حتّى أتى المروة‬
‫صفا » ‪.‬‬ ‫ففعل على المروة كما فعل على ال ّ‬
‫م إنّك‬ ‫صفا ‪ « :‬اللّه ّ‬ ‫‪ - 31‬ج ‪ -‬ورد من الدّعاء على ال ّ‬
‫َ‬
‫م } ‪ ،‬وإنّك ل تخلف‬ ‫ب لَك ُ ْ‬
‫ج ْ‬ ‫ست َ ِ‬‫قلت { ادْع ُونِي أ ْ‬
‫الميعاد ‪ ،‬وإنّي أسألك كما هديتني للسلم أل ّ تنزعه‬
‫م اعصمنا‬ ‫منّي حتّى تتوفّاني وأنا مسلم »‪ « .‬اللّه ّ‬
‫بدينك وطواعيتك ‪ ،‬وطواعية رسولك ‪ ،‬وجنّبنا‬
‫ب ملئكتك وأنبياءك‬ ‫م اجعلنا نحبّك ونح ّ‬ ‫حدودك ‪ .‬اللّه ّ‬
‫سرنا‬ ‫مي ّ‬ ‫صالحين ‪ .‬اللّه ّ‬ ‫ب عبادك ال ّ‬ ‫ورسلك ‪ ،‬ونح ّ‬

‫‪463‬‬
‫لليسرى وجنّبنا العسرى ‪ ،‬واغفر لنا في الخرة‬
‫مة المتّقين » ‪.‬‬ ‫والولى ‪ ،‬واجعلنا من أئ ّ‬
‫صفا ورد هذا الدّعاء ‪« :‬‬ ‫‪ - 32‬د ‪ -‬عند الهبوط من ال ّ‬
‫م أحيني على سنّة نبيّك ‪ ،‬وتوفّني على ملّته ‪،‬‬ ‫اللّه ّ‬
‫وأعذني من مضّلت الفتن برحمتك يا أرحم‬
‫الّراحمين » ‪.‬‬
‫شديد بين الميلين الخضرين‬ ‫سعي ال ّ‬ ‫‪ - 33‬هـ ‪ -‬عند ال ّ‬
‫ب اغفر وارحم ‪ ،‬إنّك أنت العّز الكرم » ‪.‬‬ ‫‪«:‬ر ّ‬
‫صَفا‬‫ن ال َّ‬ ‫‪ - 34‬و ‪ -‬عند القتراب من المروة يقرأ { إ ِ َّ‬
‫شعَآئِرِ اللّهِ } ‪.‬‬‫من َ‬ ‫مْروَةَ ِ‬‫َوال ْ َ‬
‫م يرقى على المروة ويقف مستقبل القبلة ويأتي‬ ‫ث ّ‬
‫صفا ‪ ،‬وكذلك عندما‬ ‫من الذ ّكر والدّعاء كما عند ال ّ‬
‫يهبط من المروة يدعو بما سبق عند الهبوط من‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فعل على‬ ‫ن « النّب ّ‬ ‫صفا ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صفا » ‪ .‬كما سبق في‬ ‫المروة كما فعل على ال ّ‬
‫الحديث ‪.‬‬
‫ولم يثبت في الحديث شيء من الدعية والذكار‬
‫ل شوط بدعاء ‪،‬‬ ‫صك ّ‬‫سعي ويخ ّ‬ ‫يوّزع على أشواط ال ّ‬
‫سعي‬ ‫ة من المأثور في ال ّ‬ ‫إنّما وّزع العلماء عليها أدعي ً‬
‫ومن غيره إرشادا ً للنّاس ‪ ،‬وتسهيل ً عليهم لحصاء‬
‫سعي ‪.‬‬ ‫أشواط ال ّ‬
‫وهو سنّة بغير تحديد عند المالكيّة ‪ ،‬وجعل الحنفيّة‬
‫سعي من المستحبّات ‪.‬‬ ‫الدّعاء في ال ّ‬
‫ويجتهد في الذ ّكر والدّعاء بأنواع الذكار والدعية في‬
‫ن ذلك مقصود عظيم ‪ ،‬لقوله صلى‬ ‫سعي كلّه ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سعي‬ ‫الله عليه وسلم ‪ « :‬إنّما جعل رمي الجمار وال ّ‬
‫صفا والمروة لقامة ذكر اللّه » ‪.‬‬ ‫بين ال ّ‬
‫================‬
‫فر *‬ ‫س َ‬ ‫َ‬

‫‪464‬‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ة قطع المسافة البعيدة ‪ .‬يقال ذلك إذا‬ ‫سفر لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫خرج للرتحال ‪.‬‬
‫سفر‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ي ‪ :‬وقال بعض المصنّفين أق ّ‬ ‫قال الفيّوم ّ‬
‫يوم ‪.‬‬
‫والجمع أسفار ‪ ،‬ورجل مسافر ‪ ،‬وقوم سفر وأسفار‬
‫وسّفار ‪ ،‬وأصل المادّة الكشف ‪.‬‬
‫سفر سفرا ً لنّه يسفر عن وجوه‬ ‫مي ال ّ‬ ‫وس ّ‬
‫المسافرين وأخلقهم فيظهر ما كان خافيا ً ‪.‬‬
‫سفر هو الخروج على قصد قطع‬ ‫وفي الصطلح ‪ :‬ال ّ‬
‫شرعيّة فما فوقها ‪.‬‬ ‫مسافة القصر ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الحضر ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الحضر بفتحتين والحضرة والحاضرة خلف‬
‫ميت بذلك‬ ‫البادية ‪ ،‬وهي المدن والقرى والّريف ‪ ،‬س ّ‬
‫ن أهلها حضروا المصار ومساكن الدّيار الّتي يكون‬ ‫ل ّ‬
‫لهم بها قرار والحضر من النّاس ساكنو الحضر ‪،‬‬
‫سفر ‪.‬‬ ‫والحاضر خلف البادي والحضر من ل يصلح لل ّ‬
‫ي عن المعنى اللّغويّ ‪.‬‬ ‫ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫ب ‪ -‬القامة ‪:‬‬
‫‪ - 3‬من معاني القامة ‪ ،‬الثّبوت في المكان ‪،‬‬
‫سفر ‪.‬‬ ‫واتّخاذه وطنا ً ‪ ،‬وهي ضد ّ ال ّ‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم التّكليف ّ‬
‫سفر من حيث حكمه إلى ثلثة‬ ‫سم الحنفيّة ال ّ‬ ‫‪-4‬ق ّ‬
‫ج والجهاد ‪ ،‬وسفر مباح‬ ‫أقسام ‪ :‬سفر طاعة كالح ّ‬
‫ج المرأة‬ ‫كالتّجارة ‪ ،‬وسفر معصية كقطع الطّريق وح ّ‬
‫بل محرم ‪.‬‬
‫سفر على قسمين ‪ :‬سفر طلب ‪،‬‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬ال ّ‬
‫وسفر هرب ‪ .‬فسفر الهرب واجب ‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫ل فيه‬‫وهو إذا كان في بلد يكثر فيه الحرام ويق ّ‬
‫سفر منه إلى بلد يكثر فيه‬ ‫الحلل فإنّه يجب عليه ال ّ‬
‫الحلل ‪ .‬وكذلك يجب الهروب من موضع يشاهد فيه‬
‫المنكر من شرب خمر وغير ذلك من سائر‬
‫المحّرمات إلى موضع ل يشهد فيه ذلك ‪ .‬وكذلك‬
‫ل فيه نفسه‬ ‫يجب عليه الهرب من بلد أو موضع يذ ّ‬
‫ل‬‫ن المؤمن عزيز ل يذ ّ‬ ‫إلى موضع يعّز فيه نفسه ‪ ،‬ل ّ‬
‫نفسه ‪ .‬وكذلك يجب الهروب من بلد ل علم فيه إلى‬
‫بلد فيه العلم ‪ .‬وكذلك يجب الهروب من بلد يسمع‬
‫ن‬ ‫صحابة رضوان الله عليهم ‪ ،‬ول يخفى أ ّ‬ ‫ب ال ّ‬‫فيه س ّ‬
‫ذلك كلّه حيث لم يمكن النسان التّغيير والصلح‪.‬‬
‫ما سفر الطّلب فهو على أقسام ‪ -‬ويوافقهم‬ ‫وأ ّ‬
‫ج‬‫شافعيّة والحنابلة عليها ‪ -‬واجب كسفر ح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الفريضة والجهاد إذا تعيّن ‪.‬‬
‫ة للّه سبحانه‬ ‫ومندوب وهو ما يتعلّق بالطّاعة قرب ً‬
‫سفر لبّر الوالدين أو لصلة الّرحم أو طلب العلم‬ ‫كال ّ‬
‫أو للتّفكّر في الخلق ‪ ،‬ومباح وهو سفر التّجارة ‪،‬‬
‫سفر لمعصية اللّه تعالى ‪.‬‬ ‫وممنوع وهو ال ّ‬
‫سفر المكروه بالّذي يسافر‬ ‫شافعيّة لل ّ‬ ‫ومثّل ال ّ‬
‫ة وذلك لخبر أحمد‬ ‫ف كراه ً‬ ‫وحده ‪ ،‬وسفر الثنين أخ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم الوحدة‬ ‫وغيره « كره النّب ّ‬
‫سفر » ‪.‬‬ ‫في ال ّ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬الّراكب شيطان‬
‫والّراكبان شيطانان والثّلثة ركب » ‪.‬‬
‫سفر لرؤية البلد‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة بأ ّ‬ ‫وقد صّرح ال ّ‬
‫والتّنّزه فيها مباح ‪.‬‬
‫سياحة لغير موضع معيّن‬ ‫ن ال ّ‬‫وقال الحنابلة ‪ :‬إ ّ‬
‫مكروه ‪.‬‬
‫سفر من عوارض الهليّة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪466‬‬
‫سفر من عوارض الهليّة المكتسبة ‪ ،‬وهو ل‬ ‫‪ - 5‬ال ّ‬
‫ينافي شيئا ً من أهليّة الحكام وجوبا ً وأداءً من‬
‫العبادات وغيرها ‪ .‬فل يمنع وجوب شيء من الحكام‬
‫ج لبقاء القدرة الظّاهرة‬ ‫صلة والّزكاة والح ّ‬ ‫نحو ال ّ‬
‫شرع من أسباب‬ ‫والباطنة بكمالها ‪ .‬لكنّه جعل في ال ّ‬
‫التّخفيف بنفسه مطلقا ً ‪ -‬يعني من غير نظر إلى‬
‫سفر‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كونه موجبا ً للمشّقة أو غير موجب لها ‪ ،‬ل ّ‬
‫من أسباب المشّقة في الغالب ‪ .‬فلذلك اعتبر نفس‬
‫سفر سببا ً للّرخص وأقيم مقام المشّقة ‪ .‬وتفصيل‬ ‫ال ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫ذلك في الملحق الصول ّ‬
‫سفر ‪:‬‬
‫شروط ال ّ‬
‫سفر الّذي تتغيّر به الحكام ‪ ،‬ما‬ ‫‪ - 6‬يشترط في ال ّ‬
‫يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن يبلغ المسافة المحدّدة شرعا ً ‪:‬‬
‫سفر الّذي تتغيّر به‬ ‫‪ - 7‬اختلف الفقهاء في مسافة ال ّ‬
‫الحكام ‪ ،‬فذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة‬
‫سفر الّتي‬ ‫ن مسافة ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬ ‫وال ّ‬
‫تتغيّر بها الحكام أربعة برد ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫لما روى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬يا أهل مكّة ل‬
‫ل من أربعة برد من مكّة إلى عسفان‬ ‫تقصروا في أق ّ‬
‫» وكان ابن عمر وابن عبّاس ‪ -‬رضي الله عنهم ‪-‬‬
‫يقصران ويفطران في أربعة برد ‪ .‬ذلك إنّما يفعل‬
‫ل بريد أربعة فراسخ ‪ ،‬والفرسخ‬ ‫عن توقيف ‪ .‬وك ّ‬
‫ثلثة أميال هاشميّة ‪ .‬فهي ثمانية وأربعون ميل ً ‪،‬‬
‫والفرسخ بأميال بنى أميّة ميلن ونصف ‪ ،‬فالمسافة‬
‫على هذا أربعون ميل ً ‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫والتّقدير بثمانية وأربعين ميل ً هو المشهور عند‬
‫شافعيّة وعندهم أقوال ضعيفة بغير ذلك‬ ‫المالكيّة وال ّ‬
‫ول تحسب من هذه المسافة مدّة الّرجوع اتّفاقا ً ‪.‬‬
‫ة من الذ ّهاب والّرجوع لم تتغيّر‬ ‫فق ً‬ ‫فلو كانت مل ّ‬
‫الحكام ‪ .‬وهي باعتبار الّزمان مرحلتان ‪ ،‬وهما سير‬
‫يومين معتدلين أو يوم وليلة بسير البل المثقلة‬
‫بالحمال على المعتاد ‪ ،‬مع النّزول المعتاد لنحو‬
‫استراحة وأكل وصلة ‪ .‬قال الثرم ‪ :‬قيل لبي عبد‬
‫صلة ؟ قال ‪ :‬في أربعة برد ‪.‬‬ ‫اللّه ‪ .‬في كم تقصر ال ّ‬
‫م ؟ قال ‪ :‬ل ‪ :‬أربعة برد ‪،‬‬ ‫قيل له ‪ :‬مسيرة يوم تا ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫ستّة عشر فرسخا ً ‪ ،‬مسيرة يومين ‪ .‬قال البهوت ّ‬
‫وقد قدّره ابن عبّاس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬من‬
‫عسفان إلى مكّة ‪ ،‬ومن الطّائف إلى مكّة ‪ ،‬ومن‬
‫جدّة إلى مكّة ‪.‬‬
‫ن اليوم يعتبر من طلوع‬ ‫وقد صّرح المالكيّة بأ ّ‬
‫سير غالبا ً ل من طلوع الفجر‬ ‫شمس لنّه المعتاد لل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن البحر كالبّر في اشتراط المسافة المذكورة ‪.‬‬ ‫‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن البحر ل تعتبر فيه المسافة بل‬ ‫ي‪:‬إ ّ‬ ‫قال الدّسوق ّ‬
‫الّزمان وهو يوم وليلة ‪ ،‬وقيل باعتبارها فيه كالبّر‬
‫وهو المعتمد ‪ ،‬وعليه إذا سافر وبعض سفره في‬
‫البّر وبعض سفره في البحر فقيل يلّفق مسافة‬
‫أحدهما لمسافة الخر مطلقا ً من غير تفصيل ‪ .‬وقيل‬
‫‪ :‬ل بد ّ فيه من التّفصيل على ما مّر وهو المعتمد ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة بأنّه ل يضّر قطع‬ ‫وقد صّرح ال ّ‬
‫المسافة في زمن يسير ‪ ،‬فلو قطع الميال في‬
‫سفينة بالهواء ونحوه أو‬ ‫ساعة مثل ً لشدّة جري ال ّ‬
‫قطعها في البّر في بعض يوم على مركوب جواد‬
‫صالحة‬ ‫تغيّرت الحكام في حّقه لوجود المسافة ال ّ‬

‫‪468‬‬
‫لتغيّر الحكام ‪ ،‬ولنّه صدق عليه أنّه سافر أربعة برد‬
‫‪.‬‬
‫سفر الّذي تتغيّر به‬ ‫ن مسافة ال ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫الحكام هو مسيرة ثلثة أيّام ‪ ،‬وقدّرها بعض مشايخ‬
‫سنة ‪.‬‬ ‫الحنفيّة بأقصر أيّام ال ّ‬
‫قال ابن عابدين نقل ً عن الحلية ‪ :‬الظّاهر إبقاؤها‬
‫على إطلقها بحسب ما يصادفه من الوقوع فيها‬
‫طول ً وقصرا ً واعتدال ً إن لم تقدّر بالمعتدلة الّتي هي‬
‫الوسط ‪ .‬ول اعتبار عندهم بالفراسخ على المذهب ‪.‬‬
‫مة‬‫صحيح ‪ ،‬احترازا ً عن قول عا ّ‬ ‫قال في الهداية هو ال ّ‬
‫م اختلفوا ‪ ،‬فقيل‬ ‫المشايخ في تقديرها بالفراسخ ‪ .‬ث ّ‬
‫واحد وعشرون ‪ ،‬وقيل ثمانية عشر ‪ ،‬وقيل خمسة‬
‫عشر والفتوى على الثّاني ‪ ،‬لنّه الوسط ‪ ،‬وفي‬
‫مة خوارزم على الثّالث ‪.‬‬ ‫المجتبى فتوى أئ ّ‬
‫ل يوم إلى اللّيل بل يكفي‬ ‫م إنّه ل يشترط سفر ك ّ‬ ‫ث ّ‬
‫سير الوسط ‪.‬‬ ‫إلى الّزوال ‪ ،‬والمعتبر ال ّ‬
‫سير ‪ ،‬لنّه‬ ‫قالوا ‪ :‬ويعتبر في الجبل بما يناسبه من ال ّ‬
‫يكون صعودا ً وهبوطا ً مضيقا ً ووعرا ً فيكون مشي‬
‫سهل ‪ .‬وفي‬ ‫البل والقدام فيه دون سيرها في ال ّ‬
‫ي به ‪ ،‬فيعتبر‬ ‫البحر يعتبر اعتدال الّريح على المض ّ‬
‫سير المعتاد فيه وذلك معلوم عند‬ ‫ل ذلك ال ّ‬‫في ك ّ‬
‫النّاس فيرجع إليهم عند الشتباه ‪ .‬وخرج سير البقر‬
‫ن أسرعه‬ ‫سير ‪ ،‬كما أ ّ‬ ‫يجّر العجلة ونحوه لنّه أبطأ ال ّ‬
‫سير الفرس والبريد ‪ ،‬حتّى لو كانت المسافة ثلثاً‬
‫سير المعتاد فسار إليها على الفرس جريا ً حثيثاً‬ ‫بال ّ‬
‫ل قصر ‪.‬‬ ‫فوصل في يومين أو أق ّ‬
‫ب ‪ -‬القصد ‪:‬‬
‫سفر الّذي‬ ‫‪ - 8‬اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في ال ّ‬
‫سفر‬ ‫تتغيّر به الحكام قصد موضع معيّن عند ابتداء ال ّ‬

‫‪469‬‬
‫‪ ،‬فل قصر ول فطر لهائم على وجهه ل يدري أين‬
‫ل الطّريق ‪ ،‬ول لسائح ل يقصد‬ ‫جه ‪ ،‬ول لتائه ضا ّ‬ ‫يتو ّ‬
‫مكانا ً معيّنا ً ‪.‬‬
‫وكذا لو خرج أمير مع جيشه في طلب العدوّ ولم‬
‫م وإن طالت المدّة أو‬ ‫يعلم أين يدركهم فإنّه يت ّ‬
‫المكث ومثله طالب غريم وآبق يرجع متى وجده ول‬
‫يعلم موضعه وإن طال سفره ‪.‬‬
‫ما التّابع لغيره‬‫وهذا فيمن كان مستقّل ً برأيه أ ّ‬
‫والجندي مع المير ‪ .‬ففيه‬‫ّ‬ ‫كالّزوجة مع زوجها ‪،‬‬
‫خلف وتفصيل ينظر في ( صلة المسافر ) ‪.‬‬
‫ل القامة ‪:‬‬ ‫ج ‪ -‬مفارقة مح ّ‬
‫سفر الّذي تتغيّر به الحكام‬ ‫‪ - 9‬يشترط في ال ّ‬
‫مفارقة بيوت المصر فل يصير مسافرا ً قبل‬
‫المفارقة ‪.‬‬
‫قال الحنفيّة ‪ :‬ويشترط مفارقة ما كان من توابع‬
‫موضع القامة كربض المصر ‪ .‬وهو ما حول المدينة‬
‫من بيوت ومساكن فإنّه في حكم المصر ‪ .‬وكذا‬
‫صحيح‪ ،‬بخلف‬ ‫القرى المتّصلة بالّربض في ال ّ‬
‫ة بالبناء لنّها ليست من البلدة ‪.‬‬ ‫البساتين ولو متّصل ً‬
‫سنة أو بعضها ‪،‬‬ ‫ولو سكنها أهل البلدة في جميع ال ّ‬
‫كما أنّه ل يعتبر سكنى الحفظة والكرة اتّفاقا ً ‪ .‬وأ ّ‬
‫ما‬
‫الفناء وهو المكان المعد ّ لمصالح البلد كركض‬
‫ب ‪ ،‬ودفن الموتى وإلقاء التّراب فإن اتّصل‬ ‫الدّوا ّ‬
‫بالمصر اعتبرت مجاوزته ل إن انفصل بمزرعة بقدر‬
‫ثلثمائة إلى أربعمائة ذراع ‪ ،‬والقرية المتّصلة بالفناء‬
‫صحيح ‪.‬‬ ‫دون الّربض ل تعتبر مجاوزتها على ال ّ‬
‫والمعتبر المجاوزة من الجانب الّذي خرج منه حتّى‬
‫لو جاوز عمران المصر قصر ‪ ،‬وإن كان بحذائه من‬
‫جانب آخر أبنية ‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫واشترط المالكيّة مجاوزة البساتين إذا سافر من‬
‫ناحيتها أو من غير ناحيتها وإن محاذيا ً لها‪ ،‬وإلّ‬
‫فيقصر بمجّرد مجاوزة البيوت ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬ل يشترط مجاوزة البساتين إل ّ إذا‬ ‫وقال البنان ّ‬
‫سافر من ناحيتها ‪ ،‬وإن سافر من غير ناحيتها فل‬
‫تشترط مجاوزتها ولو كان محاذيًا لها إذ غاية‬
‫ي‪:‬‬ ‫البساتين أن تكون كجزء من البلد‪ .‬قال الدّسوق ّ‬
‫مثل البساتين المسكونة القريتان اللّتان يرتفق أهل‬
‫ل قرية تعتبر‬ ‫أحدهما بأهل الخرى بالفعل ‪ .‬وإل ّ فك ّ‬
‫بمفردها ‪ .‬وإذا كان بعض ساكنيها يرتفق بالبلد‬
‫الخرى كالجانب اليمن دون الخر فالظّاهر أ ّ‬
‫ن‬
‫حكمها كلّها كحكم المتّصلة ‪.‬‬
‫ن العبرة عندهم بالبساتين المتّصلة ولو حكماً‬ ‫مإ ّ‬
‫ث ّ‬
‫بأن يرتفق سكّانها بالبلد المسكونة بالهل ولو في‬
‫م ارتفاق التّصال من نار وطبخ وخبز ‪.‬‬ ‫بعضه العا ّ‬
‫ما البساتين المنفصلة أو غير المسكونة فل عبرة‬ ‫أ ّ‬
‫ضا بالحارس والعامل فيها ‪.‬‬ ‫بها ‪ ،‬ول عبرة أي ً‬
‫شافعيّة أنّه إذا كان للبلد سور فأوّل‬ ‫ومذهب ال ّ‬
‫سفره مجاوزة سورها ولو متعدّدًا أو كان داخله‬
‫سور معدود من‬ ‫مزارع أو خراب ‪ ،‬إذ ما في داخل ال ّ‬
‫نفس البلد محسوب من موضع القامة ‪ .‬وإن كان‬
‫لها بعضه سور وهو صوب مقصده اشترطت‬
‫سور متهدّما ً وبقيت له بقايا‬ ‫مجاوزته ‪ ،‬ولو كان ال ّ‬
‫اشترطت مجاوزته أيضا ً وإل ّ فل ‪ .‬والخندق في‬
‫سور ‪ ،‬وبعضه كبعضه ‪ ،‬ول‬ ‫البلدة الّتي ل سور لها كال ّ‬
‫سور تحويطة أهل‬ ‫سور ‪ .‬ويلحق بال ّ‬ ‫أثر له مع وجود ال ّ‬
‫القرى عليها بتراب ونحوه ‪ .‬ول تشترط مجاوزة‬
‫ح لعدم عدّها من البلد‬ ‫سور في الص ّ‬ ‫العمارة وراء ال ّ‬
‫‪ .‬وإن لم يكن للبلد سور أصل ً ‪ ،‬أو في جهة مقصده‬

‫‪471‬‬
‫ص بها وكقرى متفاصلة‬ ‫أو كان لها سور غير خا ّ‬
‫جمعها سور ولو مع التّقارب فأوّل سفره مجاوزة‬
‫العمران ولو تخلّله خراب ل أصول أبنية به أو نهر‬
‫وإن كان كبيرا ً فإنّه يشترط مجاوزته لكونه مح ّ‬
‫ل‬
‫ما الخراب خارج العمران الّذي لم تبق‬ ‫القامة ‪ ،‬أ ّ‬
‫أصوله أو هجروه بالتّحويط عليه أو اتّخذوه مزارع‬
‫فل تشترط مجاوزته ‪ ،‬كما ل تشترط مجاوزة‬
‫البساتين والمزارع على المعتمد وإن اتّصلت بما‬
‫ة لنّها ل تتّخذ للقامة‬ ‫سافر منه ‪ ،‬أو كانت محوط ً‬
‫وسواء أكان بها قصور أم دور تسكن في بعض‬
‫ن القريتين‬‫سنة أو ل ‪ .‬وقد صّرحوا بأ ّ‬ ‫فصول ال ّ‬
‫المتّصلتين عرفا ً كبلدة واحدة وإن اختلف اسمهما‬
‫وإل ّ اكتفى بمجاوزة قرية المسافر ‪.‬‬
‫ومذهب الحنابلة أنّه تشترط مفارقة بيوت قريته‬
‫سور أو خارجه ‪ ،‬فيقصر‬ ‫العامرة سواء كانت داخل ال ّ‬
‫إذا فارقها بما يقع عليه اسم المفارقة بنوع البعد‬
‫ن اللّه تعالى إنّما أباح القصر لمن ضرب‬ ‫عرفا ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫في الرض ‪ .‬وقبل مفارقته ما ذكر ل يكون ضارباً‬
‫سفر‬ ‫ن ذلك أحد طرفي ال ّ‬ ‫فيها ول مسافرا ً ‪ ،‬ول ّ‬
‫أشبه حالة النتهاء ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم إنّما كان يقصر‬ ‫ن « النّب ّ‬ ‫ول ّ‬
‫إذا ارتحل » ‪ ،‬ول تعتبر مفارقة الخراب وإن كانت‬
‫ة إن لم يله عامر فإن وليه عامر‬ ‫حيطانه قائم ً‬
‫اعتبرت مفارقة الجميع ‪ .‬وكذا لو جعل الخراب‬
‫مزارع وبساتين يسكنه أهله ولو في فصل النّزهة‬
‫فل يقصر حتّى يفارقه ‪.‬‬
‫ولو كانت قريتان متدانيتين واتّصل بناء إحداهما‬
‫ل قرية‬ ‫بالخرى فهما كالواحدة وإن لم يتّصل فلك ّ‬
‫حكم نفسها ‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫شافعيّة‬ ‫ما مساكن الخيام فقد صّرح المالكيّة وال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ن أوّل سفره مجاوزة حلّته ‪ .‬قال‬ ‫والحنابلة بأ ّ‬
‫شافعيّة الحلّة بيوت مجتمعة أو متفّرقة بحيث‬ ‫ال ّ‬
‫سمر في ناد واحد ‪ ،‬ويستعير بعضهم‬ ‫يجتمع أهلها لل ّ‬
‫من بعض ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬الحلّة منزل قومه ‪ ،‬فالحلّة والمنزل‬
‫بمعنًى واحد ومذهبهم أنّه تشترط مفارقة بيوت‬
‫ي والدّار أو‬ ‫الحلّة ولو تفّرقت حيث جمعهم اسم الح ّ‬
‫ي والدّار‬ ‫الدّار فقط بمعنى أنّه إذا جمعهم اسم الح ّ‬
‫أو الدّار فقط فإنّه ل يقصر في هاتين الحالتين إل ّ إذا‬
‫جاوز جميع البيوت ‪.‬‬
‫ي فقط دون الدّار بأن كانت‬ ‫ما لو جمعهم اسم الح ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ل دار على حدتها‬ ‫ل فرقة في دار فإنّها تعتبر ك ّ‬ ‫ك ّ‬
‫حيث كان ل يرتفق بعضهم ببعض وإل ّ فهم كأهل‬
‫ي‬
‫الدّار الواحدة ‪ .‬وكذا إذا لم يجمعهم اسم الح ّ‬
‫والدّار فإنّه يقصر إذا جاوز بيوت حلّته هو ‪ .‬والمراد‬
‫ي عندهم القبيلة ‪ ،‬وبالدّار المنزل الّذي ينزلون‬ ‫بالح ّ‬
‫شافعيّة حيث كان‬ ‫ل مجاوزة الحلّة عند ال ّ‬ ‫فيه ‪ .‬ومح ّ‬
‫بمستو ‪.‬‬
‫فإن كانت بواد ومسافر في عرضه أو بربوة أو‬
‫صعود‬ ‫وحدة اشترطت مجاوزة العرض ومح ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وإل ّ بأن أفرطت‬ ‫والهبوط إن كانت الثّلثة معتدل ً‬
‫سعتها أو كانت ببعض العرض اكتفي بمجاوزة الحلّة‬
‫ضا كملعب‬ ‫‪ .‬قالوا ‪ :‬ول بد ّ من مجاوزة مرافقها أي ً‬
‫صبيان وناد ومطرح رماد ومعطن إبل وكذا ماء‬
‫صا بها ‪.‬‬
‫وحطب اخت ّ‬
‫ل في بادية وحده‬ ‫ما ساكن الجبال ‪ ،‬ومن نزل بمح ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫‪ ،‬فإنّه يشترط في سفره مجاوزة محلّه ‪ .‬وقد صّرح‬
‫ن سكّان البساتين ونحوهم‬ ‫المالكيّة والحنابلة بأ ّ‬

‫‪473‬‬
‫كأهل العزب يشترط في سفرهم النفصال عن‬
‫مساكنهم ‪.‬‬
‫ة‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬سواء أكانت تلك البساتين متّصل ً‬
‫ة عنها ‪.‬‬ ‫بالبلد أم منفصل ً‬
‫واعتبر الحنابلة العرف في ذلك فقالوا ‪ :‬ليصيروا‬
‫مسافرين ل بد ّ من مفارقة ما نسبوا إليه بما يعدّ‬
‫ة عرفا ً ‪.‬‬ ‫مفارق ً‬
‫شافعيّة بأنّه يعتبر في سفر البحر‬ ‫وقد صّرح ال ّ‬
‫سفين أو الّزورق إليها‬ ‫المتّصل ساحله بالبلد جري ال ّ‬
‫‪ .‬قال ابن حجر ‪ :‬وإن كان في هواء العمران كما‬
‫اقتضاه إطلقهم ‪.‬‬
‫د ‪ -‬أل ّ يكون سفر معصية ‪:‬‬
‫‪ - 10‬اشترط جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة على الّراجح‬
‫سفر الّذي تتغيّر به‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ -‬في ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫الحكام أل ّ يكون المسافر عاصيا ً بسفره كقاطع‬
‫ل قادر‬ ‫طريق وناشزة وعاقّ ومسافر عليه دين حا ّ‬
‫على وفائه من غير إذن غريمه ‪.‬‬
‫سفر للعانة ‪ .‬والعاصي‬ ‫خص في ال ّ‬ ‫إذ مشروعيّة التّر ّ‬
‫ن الّرخص ل تناط بالمعاصي‪ ،‬ومثله ما‬ ‫ل يعان ‪ ،‬ل ّ‬
‫إذا انتقل من سفره المباح إلى سفر المعصية بأن‬
‫م قصد سفرا ً محّرما ً ‪.‬‬ ‫أنشأ سفرا ً مباحا ً ث ّ‬
‫والمراد بالمسافر العاصي بسفره أو سفر المعصية‬
‫سفر نفس المعصية كما‬ ‫أن يكون الحامل على ال ّ‬
‫سابقة‬ ‫في المثلة ال ّ‬
‫سفر المكروه‬ ‫وقد ألحق الحنابلة بسفر المعصية ال ّ‬
‫خص المسافر عندهم إذا كان مسافرا ً لفعل‬ ‫فل يتر ّ‬
‫خص‬ ‫مكروه ‪ ،‬وفي مذهب المالكيّة خلف في التّر ّ‬
‫سفر المكروه فقيل بالمنع وقيل بالجواز ‪ .‬قال‬ ‫في ال ّ‬
‫ابن شعبان ‪ :‬إن قصر لم يعد للختلف فيه ‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫م إنّه متى تاب العاصي بسفره في أثنائه فإنّه‬ ‫ث ّ‬
‫خص بسفره كما لو لم يتقدّمه معصية ‪ .‬ويكون‬ ‫يتر ّ‬
‫أوّل سفره من حين التّوبة ‪.‬‬
‫ل التّوبة ومقصده‬ ‫وعلى هذا فإن كان بين مح ّ‬
‫مرحلتان قصر ‪.‬وإن كان الباقي دونها فل قصر‪ .‬وقد‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ولم يتعّرض المالكيّة‬ ‫صّرح بهذا ال ّ‬
‫لذكر المسافة في حال التّوبة ‪ .‬وعند بعض المالكيّة‬
‫خص في سفر المعصية مع الكراهة ‪.‬‬ ‫يجوز التّر ّ‬
‫شرط فللمسافر العاصي‬ ‫ولم يشترط الحنفيّة هذا ال ّ‬
‫سفر كلّها لطلق‬ ‫خص برخص ال ّ‬ ‫بسفره أن يتر ّ‬
‫منكُم‬ ‫ن ِ‬‫من كَا َ‬ ‫نصوص الّرخص كقوله تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫خَر } وحديث‬ ‫ن أَيَّام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫فرٍ فَعِدَّة ٌ ِّ‬
‫س َ‬ ‫َ‬
‫ضا أ ْو ع َلَى َ‬ ‫مرِي ً‬ ‫َّ‬
‫ابن عبّاس رضي الله عنهما قال ‪ « :‬فرض اللّه‬
‫صلة على لسان نبيّكم في الحضر أربع ركعات‬ ‫ال ّ‬
‫ن القبيح المجاور ‪-‬‬ ‫سفر ركعتين » قالوا ‪ :‬ول ّ‬ ‫وفي ال ّ‬
‫أي ‪ :‬المعصية ‪ -‬ل يعدم المشروعيّة بخلف القبيح‬
‫لعينه وضعا ً كالكفر ‪ ،‬أو شرعا ً كبيع الحّر فإنّه يعدم‬
‫المشروعيّة ‪.‬‬
‫سبب هو‬ ‫ن المعصية ليست سببا ً للّرخصة وال ّ‬ ‫كما أ ّ‬
‫سفر ‪ ،‬وقد وجد‬ ‫سفر ‪ ،‬والمعصية ليست عين ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سفر الّذي هو سبب الّرخصة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ما العاصي في سفره وهو من يقصد سفرا ً مباحاً‬ ‫وأ ّ‬
‫م تطرأ عليه معصية يرتكبها فقد اتّفق الفقهاء على‬ ‫ث ّ‬
‫سفر‬‫خص في سفره ‪ ،‬لنّه لم يقصد ال ّ‬ ‫أنّه يتر ّ‬
‫سفر ‪ -‬مباح‬ ‫خصه ‪ -‬وهو ال ّ‬ ‫ن سبب تر ّ‬ ‫للمعصية ول ّ‬
‫قبلها وبعدها ‪.‬‬
‫سفر ‪:‬‬ ‫الحكام الّتي تتغيّر في ال ّ‬
‫سفر منها ما يكون‬ ‫الحكام الّتي تتغيّر في ال ّ‬
‫للتّخفيف عن المسافر ‪ ،‬ومنها ما ل يكون كذلك ‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫أوّل ً ‪ :‬ما يكون للتّخفيف عن المسافر ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬امتداد مدّة المسح على الخّفين ‪:‬‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 11‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬الحنفيّة وال ّ‬
‫سفر يمد ّ مدّة المسح على‬ ‫ن ال ّ‬ ‫والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫فين إلى ثلثة أيّام بلياليها بعد أن كانت يوماً‬ ‫الخ ّ‬
‫ة للمقيم ‪.‬‬ ‫وليل ً‬
‫لما روى شريح بن هانئ قال ‪ « :‬سألت عائشة ‪-‬‬
‫رضي الله تعالى عنها ‪ -‬عن المسح على الخّفين ‪.‬‬
‫ي صلى‬ ‫فقالت ‪ :‬سل عليّا ً فإنّه كان يسافر مع النّب ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ .‬فسألته فقال ‪ :‬جعل رسول اللّه‬
‫ن للمسافر‬ ‫صلى الله عليه وسلم ثلثة أيّام ولياليه ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫ة للمقيم » ‪ .‬وصّرح ال ّ‬ ‫ويوما ً وليل ً‬
‫ن المسافر العاصي بسفره يمسح مدّة المقيم‬ ‫بأ ّ‬
‫ة ‪ ،‬لنّه مقيم حكما ً ‪.‬‬ ‫يوما ً وليل ً‬
‫وأجاز الحنفيّة المسح ثلثة أيّام ولياليها في سفر‬
‫المعصية ‪.‬‬
‫فين في‬ ‫ومذهب المالكيّة أنّه يجوز المسح على الخ ّ‬
‫سفر من غير تحديد بمدّة معلومة من‬ ‫الحضر وال ّ‬
‫الّزمن ما لم يخلعه أو يحدث له ما يوجب الغسل‬
‫ونحوه اختيار ابن تيميّة في المسافر الّذي يش ّ‬
‫ق‬
‫اشتغاله بالخلع واللّبس كالبريد المجهّز في مصلحة‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( مسح على الخّفين ) ‪.‬‬
‫صلة وجمعها ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬قصر ال ّ‬
‫صلة في‬ ‫‪ - 12‬أجمع الفقهاء على مشروعيّة قصر ال ّ‬
‫ض‬ ‫ر‬ ‫ضربْت ُم فِي ال َ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫سفر ‪ .‬لقوله تعالى ‪ { :‬وَإِذ َا َ َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫فَلَيس ع َلَيك ُم جنا َ‬
‫م‬
‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫صلَةِ إ ِ ْ‬ ‫ن ال َّ‬
‫م َ‬‫صُروا ْ ِ‬ ‫ح أن تَْق ُ‬ ‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬ ‫أَ‬
‫ن كََفُروا ْ } ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫فت‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ن‬

‫‪476‬‬
‫ولما روى يعلى بن أميّة قال ‪ « :‬قلت لعمر بن‬
‫الخطّاب ‪ { :‬فَلَيس ع َلَيك ُم جنا َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫صُروا ْ ِ‬
‫ح أن تَْق ُ‬‫ْ ْ ُ َ ٌ‬ ‫ْ َ‬
‫َ‬
‫ن كََفُروا ْ } فقد أمن‬ ‫م ال ّذِي َ‬ ‫م أَن ي َ ْ‬
‫فتِنَك ُ ُ‬ ‫فت ُ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ن ِ‬‫صلَةِ إ ِ ْ‬‫ال َّ‬
‫ما عجبت منه ‪ .‬فسألت‬ ‫النّاس ‪ .‬قال ‪ :‬عجبت م ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال ‪:‬‬
‫صدقة تصدّق اللّه بها عليكم فاقبلوا صدقته » ‪.‬‬
‫شافعيّة‬‫وذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة وال ّ‬
‫سفر من العذار المبيحة لجمع‬ ‫ن ال ّ‬ ‫والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫صلوات ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وعند الحنفيّة ل يجوز الجمع بين فريضتين إل ّ في‬
‫عرفة ومزدلفة ‪ .‬فيجمع بين الظّهر والعصر في‬
‫وقت الظّهر بعرفة ‪ ،‬وبين المغرب والعشاء في‬
‫وقت العشاء بمزدلفة ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( صلة المسافر ) ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬سقوط وجوب الجمعة ‪:‬‬
‫ن القامة من شروط‬ ‫‪ - 13‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫وجوب الجمعة ‪ .‬وعلى هذا فل تجب الجمعة على‬
‫ي ‪ « :‬من كان يؤمن باللّه واليوم‬ ‫المسافر لقول النّب ّ‬
‫الخر فعليه الجمعة إل ّ مريض أو مسافر أو امرأة أو‬
‫ي وأصحابه كانوا‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ي أو مملوك » ول ّ‬ ‫صب ّ‬
‫ل أحد منهم‬ ‫يسافرون في الجمع وغيره فلم يص ّ‬
‫ن المسافر‬ ‫الجمعة فيه مع اجتماع الخلق الكثير ‪ ،‬ول ّ‬
‫يحرج في حضور الجمعة ‪ .‬وتفصيل ذلك في‬
‫مصطلح ( صلة الجمعة ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬التّنّفل على الّراحلة ‪:‬‬
‫‪ - 14‬ل خلف بين الفقهاء في جواز التّنّفل على‬
‫سفر لحديث ابن عمر رضي الله‬ ‫الّراحلة في ال ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫عنهما « أ ّ‬
‫يوتر على البعير » ‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( تطوّع ) ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬جواز الفطر في رمضان ‪:‬‬
‫سابقة‬ ‫سفر بشروطه ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫هو من العذار المبيحة للفطر في رمضان ‪ ،‬فيجوز‬
‫للمسافر أن يفطر في رمضان لقوله تعالى ‪« :‬‬
‫ومن كان مريضا ً أو على سفر فعدّة من أيّام أخر »‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ليس من البّر‬ ‫وقول النّب ّ‬
‫سفر » وتفصيل ذلك في مصطلح‬ ‫صوم في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫( صوم ) ‪.‬‬
‫سفر لغير التّخفيف ‪:‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬أحكام ال ّ‬
‫أ ‪ -‬حكم انعقاد الجمعة بالمسافر ‪:‬‬
‫‪ - 16‬ذهب جمهور الفقهاء ‪ -‬المالكيّة وال ّ‬
‫شافعيّة‬
‫حة صلة الجمعة‬ ‫ن من شروط ص ّ‬ ‫والحنابلة ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫ح الجمعة بالمسافر ول تنعقد‬ ‫الستيطان ‪ ،‬فل تص ّ‬
‫به ‪ ،‬أي ل يكمل به نصابها ‪ .‬وذهب الحنفيّة إلى‬
‫انعقاد الجمعة بالمسافر ‪ .‬وتفصيل ذلك في مصطلح‬
‫( صلة الجمعة ) ‪.‬‬
‫سفر على المرأة إل ّ مع زوج أو محرم‬ ‫ب ‪ -‬تحريم ال ّ‬
‫‪:‬‬
‫‪ - 17‬اتّفق الفقهاء على أنّه يحرم على المرأة أن‬
‫تسافر بمفردها ‪ ،‬وأنّه ل بد ّ من وجود محرم أو زوج‬
‫معها ‪.‬‬
‫ل لمرأة‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ل يح ّ‬ ‫لقول النّب ّ‬
‫تؤمن باللّه واليوم الخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة‬
‫ليس معها حرمة » ‪ ،‬ولحديث ابن عبّاس رضي الله‬
‫عنهما مرفوعا ً ‪ « :‬ل تسافر المرأة إل ّ مع ذي‬
‫محرم ‪ ،‬ول يدخل عليها رجل إل ّ ومعها محرم ‪ ،‬فقال‬
‫رجل ‪ :‬يا رسول اللّه إنّي أريد أن أخرج في جيش‬

‫‪478‬‬
‫ج ‪ .‬قال ‪ :‬اخرج معها »‬ ‫كذا وكذا ‪ ،‬وامرأتي تريد الح ّ‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 18‬ويستثنى من منع سفر المرأة بدون زوج أو‬
‫محرم المهاجرة والسيرة ‪.‬‬
‫ن المرأة إذا أسلمت في‬ ‫فقد اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫دار الحرب لزمها الخروج منها إلى دار السلم وإن‬
‫لم يكن معها ذو محرم ‪ ،‬وكذا إذا أسرها الكّفار‬
‫وأمكنها أن تهرب منهم فلها أن تخرج مع غير ذي‬
‫محرم ‪ ،‬ول يعتبر الحنفيّة خروج المرأة في هذه‬
‫الحالة سفرا ً ‪.‬‬
‫قال الكمال بن الهمام ‪ :‬لنّها ل تقصد مكانا ً معيّنا ً بل‬
‫النّجاة خوفًا من الفتنة ‪ ،‬فقطعها المسافة كقطع‬
‫سائح ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ولذا إذا وجدت مأمنا ً كعسكر من المسلمين وجب‬
‫أن تقّر ول تسافر إل ّ بزوج أو محرم ‪ .‬على أنّها لو‬
‫سفر‬ ‫قصدت مكانا ً معيّنا ً ل يعتبر قصدها ول يثبت ال ّ‬
‫ن حالها وهو ظاهر قصد مجّرد التّخلّص يبطل‬ ‫به ‪ ،‬ل ّ‬
‫تحريمتها ‪.‬‬
‫ل من‬ ‫ي ‪ :‬إن كان يحصل لها ضرر بك ّ‬ ‫قال الدّسوق ّ‬
‫إقامتها وخروجها دون رفقة مأمونة خيّرت إن‬
‫شافعيّة‬ ‫ضرران كما أجاز المالكيّة وال ّ‬ ‫تساوى ال ّ‬
‫ج الواجب مع الّرفقة المأمونة‬ ‫للمرأة أن تسافر للح ّ‬
‫‪.‬‬
‫ولم يقل بذلك الحنفيّة والحنابلة ‪ ،‬وقد سبق تفصيله‬
‫في مصطلح ( رفقة ف ‪ ) 299/ 22 / 9‬وألحق‬
‫ج سفرها الواجب ‪ ،‬فيجوز لها أن‬ ‫المالكيّة بالح ّ‬
‫تسافر مع الّرفقة المأمونة من النّساء الثّقات في‬
‫ل سفر يجب عليها ‪.‬‬ ‫ك ّ‬

‫‪479‬‬
‫ل هذا الّذي ذكره بعض أصحابنا‬ ‫ي ‪ :‬ولع ّ‬ ‫قال الباج ّ‬
‫ما في‬
‫إنّما هو في النفراد والعدد اليسير ‪ ،‬فأ ّ‬
‫القوافل العظيمة والطّرق المشتركة العامرة‬
‫المأمونة فإنّها عندي مثل البلد الّتي يكون فيها‬
‫ن المن يحصل لها دون ذي‬ ‫جار فإ ّ‬‫السواق والت ّ ّ‬
‫ي ‪ .‬قال‬ ‫محرم ول امرأة وقد روي هذا عن الوزاع ّ‬
‫ي في شرح الّرسالة على‬ ‫الحطّاب ‪ :‬وذكره الّزنات ّ‬
‫ما سفرها في‬ ‫أنّه المذهب فيقيّد به كلم غيره ‪ .‬أ ّ‬
‫التّطوّع فل يجوز إل ّ مع زوج أو محرم ‪.‬‬
‫كما أجاز الفقهاء للمرأة الّتي وجبت عليها العدّة في‬
‫سفرها أن تسافر بغير محرم ‪.‬‬
‫سفر ‪ ،‬فإن كان‬ ‫قال الحنفيّة ‪ :‬إن لزمتها العدّة في ال ّ‬
‫الطّلق رجعيّا ً فإنّها تتبع زوجها حيث مضى ل ّ‬
‫ن‬
‫النّكاح قائم وإن كان بائنا ً أو مات عنها وبينها وبين‬
‫سفر ‪ ،‬فإن‬ ‫ل من ال ّ‬ ‫ل من مصرها ومقصدها أق ّ‬ ‫ك ّ‬
‫شاءت مضت إلى المقصد وإن شاءت رجعت سواء‬
‫كانت في مصر أو ل ‪ ،‬معها محرم أو ل ‪ ،‬لنّه ليس‬
‫في ذلك إنشاء سفر ‪ ،‬وخروج المطلّقة والمتوفّى‬
‫ست الحاجة‬ ‫سفر مباح إذا م ّ‬ ‫عنها زوجها ما دون ال ّ‬
‫ن الّرجوع أولى ليكون‬ ‫إليه بمحرم وبغيره ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫العتداد في منزل الّزوج ‪ .‬فإن كانت مسافة أحدهما‬
‫ل تعيّن ‪ ،‬ونحوه مذهب الحنابلة إل ّ أنّهم قالوا ‪ :‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫أق ّ‬
‫مضيّها في سفرها ل يجوز إل ّ إذا كان معها محرم ‪،‬‬
‫ي‬‫لكن إن كان في رجوعها خوف أو ضرر فلها المض ّ‬
‫في سفرها ‪.‬‬
‫وأوجب المالكيّة عليها في تلك الحالة أن ترجع إلى‬
‫منزلها إن بقي شيء من العدّة ولكن مع ثقة ولو‬
‫شافعيّة الفضل عود المرأة إلى‬ ‫غير محرم وقال ال ّ‬

‫‪480‬‬
‫سفر‬ ‫بيتها ول يلزمها ذلك إن مات زوجها وهما في ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫سفر في يوم الجمعة ‪:‬‬ ‫حكم ال ّ‬
‫سفر في يوم‬ ‫‪ - 19‬اتّفق الفقهاء على حرمة ال ّ‬
‫ن وجوبها‬ ‫الجمعة بعد الّزوال لمن تلزمه الجمعة ‪ ،‬ل ّ‬
‫تعلّق به بمجّرد دخول الوقت ‪ ،‬فل يجوز له تفويته ‪.‬‬
‫والحكم عند الحنفيّة الكراهة التّحريميّة ‪ ،‬وحدّدوا‬
‫ذلك بالنّداء الوّل ‪.‬‬
‫واستثنوا من ذلك ما إذا تمكّن المسافر من أداء‬
‫الجمعة في طريقه أو مقصده ‪ ،‬فل يحرم حينئذ‬
‫لحصول المقصود بذلك ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة التّضّرر‬ ‫كما استثنى المالكيّة وال ّ‬
‫ضرر عنه ‪.‬‬‫من فوت الّرفقة ‪ ،‬فل يحرم دفعا ً لل ّ‬
‫ل خلف بين‬ ‫سفر قبل الّزوال ‪ ،‬فهو مح ّ‬ ‫ما ال ّ‬‫وأ ّ‬
‫الفقهاء ‪ ،‬فذهب المالكيّة والحنابلة إلى كراهة‬
‫سفر قبل الّزوال ‪ ،‬لحديث ابن عمر رضي الله‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬ ‫ن النّب ّ‬
‫تعالى عنهما ‪ ،‬أ ّ‬
‫« من سافر من دار إقامة يوم الجمعة دعت عليه‬
‫الملئكة أن ل يصحب في سفره ‪ ،‬ول يعان في‬
‫حاجته » ‪.‬‬
‫قال المالكيّة ‪ :‬بعد فجر يومها على المشهور خلفاً‬
‫ي بن زياد وابن وهب عن مالك بإباحته ‪.‬‬ ‫لما رواه عل ّ‬
‫وقال الحنابلة ‪ :‬بعد طلوع الفجر قبل الّزوال إل ّ إذا‬
‫أتى بها في طريقه فل يكره ‪.‬‬
‫سفر قبل الّزوال بل‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى جواز ال ّ‬
‫خلف عندهم ‪ ،‬وكذا بعد الفراع منها وإن لم يدركها‬
‫‪.‬‬
‫سفر قبل الّزوال أيضاً‬ ‫شافعيّة إلى تحريم ال ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫سعي على بعيد المنزل‬ ‫‪ -‬وأوّله الفجر ‪ -‬لوجوب ال ّ‬

‫‪481‬‬
‫قبله ‪ ،‬والجمعة مضافة إلى اليوم ‪ .‬فإن أمكنه‬
‫الجمعة في طريقه أو تضّرر بتخلّفه جاز وإل ّ فل ‪ .‬ول‬
‫سفر مباحا ً أو طاع ً‬
‫ة‬ ‫فرق في ذلك بين أن يكون ال ّ‬
‫ح‪.‬‬‫في الص ّ‬
‫سفر ليلة الجمعة لخبر «‬ ‫شافعيّة ال ّ‬ ‫كما يكره عند ال ّ‬
‫من سافر ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه » ‪.‬‬
‫سفر المدين ‪:‬‬
‫‪ - 20‬اتّفق الفقهاء ‪ -‬في الجملة ‪ -‬على أنّه ليس لمن‬
‫ل أن يسافر بغير إذن دائنه ‪.‬‬ ‫عليه دين حا ّ‬
‫ن للدّائن أن يمنع المدين من‬ ‫وقد صّرح الحنفيّة بأ ّ‬
‫سفر إذا كان الدّين حاّل ً ‪ ،‬وليس له ذلك في الدّين‬ ‫ال ّ‬
‫ل الدّين في‬ ‫جل إل ّ إذا كان سفره طويل ً ويح ّ‬ ‫المؤ ّ‬
‫أثنائه ‪.‬‬
‫سفر‬ ‫وهذا هو مذهب المالكيّة ‪ ،‬إل ّ أنّهم أجازوا له ال ّ‬
‫إذا كان الدّين حاّل ً ولم يكن قادرا ً على الوفاء ‪.‬‬
‫جل ً مطلقاً‬ ‫سفر إن كان الدّين مؤ ّ‬ ‫شافعيّة ال ّ‬ ‫وأجاز ال ّ‬
‫سواء أكان الجل قريبا ً أم بعيدا ً ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( غريم ‪ ،‬ودين ) ‪.‬‬
‫سفر ‪:‬‬ ‫آداب ال ّ‬
‫سفر آداب كثيرة منها ‪:‬‬ ‫‪ - 21‬لل ّ‬
‫ج أو‬‫سفر ‪ ،‬لح ّ‬ ‫أ ‪ -‬إذا استقّر عزم المسافر على ال ّ‬
‫غزو أو غيرهما ‪ ،‬فينبغي أن يبدأ بالتّوبة من جميع‬
‫المعاصي ‪ ،‬ويخرج من مظالم الخلق ‪ ،‬ويقضي ما‬
‫ل من‬ ‫لك ّ‬ ‫أمكنه من ديونهم ‪ ،‬ويرد ّ الودائع ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫بينه وبينه معاملة في شيء ‪ ،‬أو مصاحبة ويكتب‬
‫وصيّته ‪ ،‬ويشهد عليها ‪ ،‬ويوكّل من يقضي ما لم‬
‫ة لهله‬ ‫يتمكّن من قضائه من ديونه ‪ ،‬ويترك نفق ً‬
‫ومن تلزمه نفقتهم إلى حين رجوعه ‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫سنّة أن يستخير اللّه تعالى فيصلّي ركعتين‬ ‫ومن ال ّ‬
‫م يدعو بدعاء الستخارة ينظر‬ ‫غير الفريضة ث ّ‬
‫جه عليه‬ ‫( استخارة ) وينبغي إرضاء والديه ومن يتو ّ‬
‫بّره وطاعته ‪.‬‬
‫ب أن يرافق في سفره من هو موافق‬ ‫ب ‪ -‬يستح ّ‬
‫شّر إن نسي ذكّره‪ ،‬وإن‬ ‫راغب في الخير كارها ً لل ّ‬
‫ة‬‫ب أن يرافق في سفره جماع ً‬ ‫ذكر أعانه ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫لحديث ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬قال ‪ « :‬قال‬
‫ن النّاس‬ ‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ :‬لو أ ّ‬
‫يعلمون ما أعلم من الوحدة ما سرى راكب بليل‬
‫يعني وحده » ‪.‬‬
‫ب أن يكون سفره يوم الخميس فإن فاته‬ ‫ج ‪ -‬يستح ّ‬
‫فيوم الثنين وأن يكون باكرا ً ودليل الخميس ما‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫أخرجه البخاريّ « أ ّ‬
‫ب أن يخرج يوم الخميس » وفي‬ ‫وسلم كان يح ّ‬
‫ل ما كان رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫رواية ‪ « :‬أق ّ‬
‫وسلم يخرج إل ّ يوم الخميس » ودليل يوم الثنين «‬
‫ي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكّة يوم‬ ‫ن النّب ّ‬‫أ ّ‬
‫الغامدي رضي‬
‫ّ‬ ‫الثنين » ودليل البكور حديث صخر‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫الله عنه أ ّ‬
‫متي في بكورها قال وكان إذا بعث‬ ‫م بارك ل ّ‬ ‫اللّه ّ‬
‫ة بعثهم أوّل النّهار ‪ ،‬وكان صخر تاجراً‬ ‫جيشا ً أو سري ّ ً‬
‫جاره بعثهم أوّل النّهار فأثرى وكثر‬ ‫وكان إذا بعث ت ّ‬
‫ماله » ‪.‬‬
‫سَرى في آخر اللّيل لحديث أنس قال ‪:‬‬ ‫ب ال ُّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « عليكم‬
‫ن الرض تطوى باللّيل » ‪.‬‬ ‫بالدُّلْجة فإ ّ‬
‫ب للمسافر إذا أراد الخروج من منزله أن‬ ‫د ‪ -‬ويستح ّ‬
‫ل يَا أَيُّهَا‬
‫يصلّي ركعتين يقرأ في الولى { قُ ْ‬

‫‪483‬‬
‫ل هُو الل َّ َ‬
‫حد ٌ } ففي‬ ‫هأ َ‬‫ُ‬ ‫ن } وفي الثّانية { قُ ْ َ‬ ‫الْكَافُِرو َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال ‪ « :‬ما‬ ‫الحديث عن النّب ّ‬
‫خلّف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما‬
‫سفر » ‪.‬‬ ‫عندهم حين يريد ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ل‬ ‫وعن أنس قال « كان النّب ّ‬
‫ينزل منزل ً إل ّ ودّعه بركعتين » ‪.‬‬
‫ب أن يودّع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر‬ ‫هـ ‪ -‬يستح ّ‬
‫ل واحد لصاحبه‬ ‫أحبابه وأن يودّعوه ويقول ك ّ‬
‫أستودعك اللّه دينك وأمانتك وخواتيم عملك زوّدك‬
‫سر الخير لك حيثما‬ ‫اللّه التّقوى وغفر لك ذنبك وي ّ‬
‫كنت لحديث « ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول‬
‫م أودّعك كما ودّعني‬ ‫للّرجل إذا أراد سفرا ً ‪ :‬هل ّ‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أستودع اللّه دينك‬
‫وأمانتك وخواتيم عملك » وعن عبد اللّه بن يزيد‬
‫ي رضي الله عنه قال ‪ « :‬كان رسول اللّه‬ ‫الخطم ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودّع الجيش قال‬
‫أستودع اللّه دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم » ‪.‬‬
‫وعن أنس رضي الله عنه قال ‪ « :‬جاء رجل إلى‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول اللّه‬ ‫النّب ّ‬
‫إنّي أريد سفرا ً فزوّدني ‪ .‬فقال ‪ :‬زوّدك اللّه التّقوى ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬زدني فقال ‪ :‬وغفر ذنبك ‪ .‬قال زدني ‪ :‬قال‬
‫سر لك الخير حيثما كنت » ‪.‬‬ ‫وي ّ‬
‫مر الّرفقة على أنفسهم أفضلهم‬ ‫ب أن يؤ ّ‬ ‫و ‪ -‬يستح ّ‬
‫وأجودهم رأيا ً ويطيعونه لحديث أبي سعيد وأبي‬
‫هريرة قال " قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫مروا أحدهم » ‪.‬‬ ‫« إذا خرج ثلثة في سفر فليؤ ّ‬
‫ب للمسافر أن يكبّر إذا صعد الثّنايا وشبهها‬ ‫ز ‪ -‬يستح ّ‬
‫صوت‬ ‫ويسبّح إذا هبط الودية ونحوها ويكره رفع ال ّ‬
‫لحديث جابر قال « كنّا إذا صعدنا كبّرنا وإذا نزلنا‬

‫‪484‬‬
‫سبّحنا » وعن أبي موسى الشعريّ رضي الله عنه‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فكنّا إذا‬ ‫قال ‪ « :‬كنّا مع النّب ّ‬
‫أشرفنا على واد هلّلنا وكبّرنا ارتفعت أصواتنا ‪ .‬فقال‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يا أيّها النّاس اربعوا‬ ‫النّب ّ‬
‫م ول غائبا ً إنّه‬ ‫على أنفسكم فإنّكم ل تدعون أص ّ‬
‫معكم سميع قريب » ‪.‬‬
‫ب إذا أشرف على قرية يريد دخولها أو منزل‬ ‫ويستح ّ‬
‫م إنّي أسألك خيرها وخير أهلها وخير‬ ‫أن يقول اللّه ّ‬
‫ما فيها وأعوذ بك من شّرها وشّر أهلها وشّر ما فيها‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬
‫‪ .‬لحديث صهيب رضي الله عنه « أ ّ‬
‫ة يريد دخولها إل ّ قال حين‬ ‫الله عليه وسلم لم ير قري ً‬
‫ب‬‫سبع وما أظللن ور ّ‬ ‫سموات ال ّ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫مر ّ‬ ‫يراها اللّه ّ‬
‫شياطين وما‬ ‫ب ال ّ‬
‫سبع وما أقللن ور ّ‬ ‫الرضين ال ّ‬
‫ب الّرياح وما أذرين فإنّا نسألك خير هذه‬ ‫أضللن ‪ ،‬ور ّ‬
‫القرية وخير أهلها ‪ ،‬ونعوذ بك من شّرها وشّر أهلها‬
‫وشّر ما فيها » ‪.‬‬
‫ب للمسافر أن يدعو في سفره في كثير‬ ‫ح ‪ -‬يستح ّ‬
‫ن دعوته مجابة لحديث أبي هريرة‬ ‫من الوقات ل ّ‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم « ثلث دعوات مستجابات دعوة‬
‫المظلوم ‪ ،‬ودعوة المسافر ‪ ،‬ودعوة الوالد على‬
‫ولده » ‪.‬‬
‫جل‬ ‫سنّة للمسافر إذا قضى حاجته أن يع ّ‬ ‫ط ‪ -‬ال ّ‬
‫ن رسول اللّه‬ ‫الّرجوع إلى أهله لحديث أبي هريرة أ ّ‬
‫سفر قطعة من‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال « ال ّ‬
‫العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا‬
‫جل إلى أهله »‬ ‫قضى أحدكم نهمته فليع ّ‬
‫ويكره أن يطرق أهله طروقا ً بغير عذر وهو أن يقدم‬
‫عليهم في اللّيل ‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫سنّة أن يقدم أوّل النّهار وإل ّ ففي آخره لحديث‬ ‫بل ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ل‬ ‫أنس قال ‪ « :‬كان النّب ّ‬
‫ة»‪.‬‬ ‫يطرق أهله وكان ل يدخل إل ّ غدوةً أو عشي ّ ً‬
‫سفر إلى اثنين وستّين‬ ‫وقد أوصل النّوويّ آداب ال ّ‬
‫صلها في كتابه المجموع ‪.‬‬ ‫أدبًا ف ّ‬
‫==================‬
‫سلَم *‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫سين ‪ -‬اسم مصدر سلّم أي ‪:‬‬ ‫سلم ‪ -‬بفتح ال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال َّ‬
‫سلمة والمن‬ ‫سلم ال ّ‬ ‫سلم ‪ ،‬ومن معاني ال ّ‬ ‫ألقى ال ّ‬
‫سلم لنّها دار‬ ‫والتّحيّة ‪ ،‬ولذلك قيل للجنّة ‪ :‬دار ال ّ‬
‫سلمة من الفات كالهرم والسقام والموت ‪ .‬قال‬ ‫ال ّ‬
‫م}‪.‬‬ ‫عند َ َربِّهِ ْ‬ ‫سلَم ِ ِ‬ ‫م دَاُر ال َّ‬ ‫تعالى ‪ { :‬لَهُ ْ‬
‫سلم اسم من أسماء اللّه تعالى ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫سلم يطلق عند الفقهاء على أمور ‪ :‬منها ‪:‬‬ ‫‪ - 2‬وال ّ‬
‫التّحيّة الّتي يحيّي بها المسلمون بعضهم بعضا ً ‪،‬‬
‫والّتي أمر اللّه سبحانه وتعالى بها في كتابه حيث‬
‫منْهَا أ َ ْو‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫حيُّوا ْ بِأ ْ‬ ‫حيَّةٍ فَ َ‬ ‫حيِّيْتُم بِت َ ِ‬ ‫قال ‪ { :‬وَإِذ َا ُ‬
‫َ‬
‫حي َّ ً‬
‫ة‬ ‫م تَ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬‫موا عَلَى أنُف ِ‬ ‫سل ِّ ُ‬ ‫ُردُّوهَا } وقوله تعالى { فَ َ‬
‫َّ‬
‫ن للعرب وغيرهم‬ ‫ة} ذلك أ ّ‬ ‫ة طَي ِّب َ ً‬ ‫مبَاَرك َ ً‬ ‫عند ِ الل ُ‬
‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬
‫ِّ‬
‫ما جاء السلم دعا المؤمنين‬ ‫ة بهم ‪ ،‬فل ّ‬ ‫ص ً‬ ‫تحيّات خا ّ‬
‫سلم عليكم‬ ‫صة ‪ ،‬وهي قول ‪ " :‬ال ّ‬ ‫إلى التّحيّة الخا ّ‬
‫" ‪ ،‬وقصرهم عليه ‪ ،‬وأمرهم بإفشائه‬
‫سلم أيضا ً تحيّة أهل الجنّة ‪ .‬قال سبحانه ‪:‬‬ ‫وال ّ‬
‫م‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫ل بَا ٍ‬ ‫من ك ُ ِّ‬ ‫ن ع َلَيْهِم ِّ‬ ‫خلُو َ‬ ‫ة يَد ْ ُ‬ ‫ملَئِك َ ُ‬ ‫{ َوال َ‬
‫ار } ‪.‬‬ ‫قبَى الد َّ ِ‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَنِعْ َ‬ ‫صبَْرت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ع َلَيْكُم ب ِ َ‬
‫ن معناه الدّعاء‬ ‫وقد اختير هذا اللّفظ دون غيره ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن في‬ ‫سلمة من الفات في الدّين والنّفس ‪ ،‬ول ّ‬ ‫بال ّ‬

‫‪486‬‬
‫تحيّة المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللّفظ عهداً‬
‫بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬التّحيّة ‪:‬‬
‫ة ‪ ،‬وأصله‬ ‫‪ - 3‬التّحيّة في اللّغة مصدر حيّاه يحيّيه تحي ّ ً‬
‫في اللّغة ‪ :‬الدّعاء بالحياة ‪ ،‬ومنه " التّحيّات للّه " ‪.‬‬
‫م كثر حتّى استعمل في‬ ‫أي ‪ :‬البقاء وقيل ‪ :‬الملك ‪ ،‬ث ّ‬
‫ما يحيّا به من سلم ونحوه ‪.‬‬
‫سلم والتّقبيل‬ ‫سلم فتشمل ال ّ‬ ‫م من ال ّ‬ ‫فهي أع ّ‬
‫والمصافحة والمعانقة ونحو ذلك على ما سيأتي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التّقبيل ‪:‬‬
‫‪ - 4‬التّقبيل في اللّغة مصدر قبّل ‪ ،‬والسم منه‬
‫قبَل ‪.‬‬
‫قبلة ‪ ،‬والجمع ال ُ‬ ‫ال ُ‬
‫والتّقبيل صورة من صور التّحيّة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬المصافحة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬المصافحة كما في المصباح ‪ :‬الفضاء باليد إلى‬
‫ن المصافحة إلصاق صفحة‬ ‫اليد ‪ ،‬وذكر ابن عابدين أ ّ‬
‫ف ‪ ،‬وإقبال الوجه بالوجه ‪ .‬فأخذ الصابع‬ ‫ف بالك ّ‬ ‫الك ّ‬
‫ليس بمصافحة ‪ ،‬خلفا ً للّروافض ‪.‬‬
‫سنّة أن تكون بكلتا يديه بغير حائل ‪ ،‬من ثوب أو‬ ‫وال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وأن يأخذ البهام ‪،‬‬ ‫غيره وعند اللّقاء وبعد ال ّ‬
‫ن فيه عرقا ً ينبت المحبّة ‪ ،‬وقد تحرم كمصافحة‬ ‫فإ ّ‬
‫المرد ‪.‬‬
‫وقد تكره كمصافحة ذي عاهة ‪ ،‬من برص وجذام ‪.‬‬
‫ن في غير ذلك مع اتّحاد الجنس خصوصا ً لنحو‬ ‫وتس ّ‬
‫قدوم سفر ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك في مصطلح ( مصافحة ) ‪.‬‬
‫د ‪ -‬المعانقة ‪:‬‬

‫‪487‬‬
‫م واللتزام واعتنقت‬ ‫‪ - 6‬المعانقة في اللّغة ‪ :‬ال ّ‬
‫ض ّ‬
‫المر أخذته بجد ّ ‪.‬‬
‫ن المعانقة هي جعل‬ ‫وذكر صاحب الفواكه الدّواني أ ّ‬
‫الّرجل عنقه على عنق صاحبه ‪.‬‬
‫وقد كرهها مالك كراهة تنزيه لنّها من فعل العاجم‬
‫‪.‬‬
‫ي في الذ ّخيرة ‪ :‬كره مالك المعانقة ‪،‬‬ ‫قال القراف ّ‬
‫لنّه لم يرد عن رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫ما رجع من‬ ‫‪ -‬أنّه فعلها إل ّ مع جعفر بن أبي طالب ل ّ‬
‫صحابة بعده ‪.‬‬ ‫الحبشة ‪ ،‬ولم يصحبها العمل من ال ّ‬
‫ما غير المالكيّة من الفقهاء ‪ ،‬كالحنابلة فقالوا‬ ‫وأ ّ‬
‫شرعيّة لبن مفلح إباحة‬ ‫بجوازها ‪ ،‬ففي الداب ال ّ‬
‫المعانقة ‪ .‬ومثلها تقبيل اليد والّرأس تديّنا ً وإكراماً‬
‫شهوة ‪.‬‬ ‫واحتراما ً مع أمن ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن النّب ّ‬‫لحديث « أبي ذّر أ ّ‬
‫عانقه » ‪.‬‬
‫قال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد اللّه عن‬
‫الّرجل يلقى الّرجل يعانقه قال ‪ :‬نعم فعله أبو‬
‫الدّرداء ‪.‬‬
‫شافعيّة‬ ‫ومعانقة الجنبيّة والمرد حرام ‪ ،‬كما ذكر ال ّ‬
‫صوم ‪ ،‬وكذا‬ ‫ومعانقة الّرجل زوجته مكروهة في ال ّ‬
‫معانقة ذوي العاهات من برص وجذام أي ‪ :‬مكروهة‬
‫‪.‬‬
‫ما المعانقة فيما سوى ذلك ‪ ،‬كمعانقة الّرجل‬ ‫وأ ّ‬
‫ة عند القدوم من‬ ‫ص ً‬
‫للّرجل فهي سنّة حسنة خا ّ‬
‫سفر ‪ .‬وتفصيل ذلك محلّه مصطلح ( معانقة ) ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم وصيغة الّرد ّ ‪:‬‬ ‫صيغة ال ّ‬
‫سلم وصفته الكاملة أن يقول المسلم ‪:‬‬ ‫‪ - 7‬صيغة ال ّ‬
‫سلم عليكم " بالتّعريف وبالجمع ‪ .‬سواء كان‬ ‫" ال ّ‬

‫‪488‬‬
‫َ‬
‫ن الواحد معه‬ ‫ة‪،‬ل ّ‬ ‫م عليه واحدا ً أو جماع ً‬ ‫المسل ّ ُ‬
‫صيغة هي‬ ‫الحفظة كالجمع من الدميّين وهذه ال ّ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وعن‬ ‫المرويّة عن النّب ّ‬
‫صالح ‪.‬‬ ‫سلف ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ويجوز أن يقول ‪ :‬سلم عليكم بالتّنكير ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫ن‬
‫ما " سلم "‬ ‫التّعريف أفضل ‪ ،‬لنّه تحيّة أهل الدّنيا فأ ّ‬
‫بالتّنكير فتحيّة أهل الجنّة ‪ .‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫قبَى الدَّارِ } ‪.‬‬ ‫م عُ ْ‬ ‫م فَنِعْ َ‬‫صبَْرت ُ ْ‬
‫ما َ‬ ‫م ع َلَيْكُم ب ِ َ‬‫سل َ ٌ‬ ‫{ َ‬
‫سلم عليكم ‪ ،‬بتأخير الجاّر‬ ‫‪ -8‬والكمل أن يقول ‪ :‬ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬أو عليك‬ ‫والمجرور ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬عليكم ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬كان مخالًفا للكمل ‪ ،‬لما روي عن « جابر‬ ‫ال ّ‬
‫بن سليم قال ‪ :‬لقيت رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫سلم يا رسول اللّه فقال ل‬ ‫وسلم ‪ -‬فقلت ‪ :‬عليك ال ّ‬
‫سلم تحيّة الميّت‬ ‫ن عليك ال ّ‬ ‫سلم ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫تقل عليك ال ّ‬
‫سلم عليك »‬ ‫ولكن قل ‪ :‬ال ّ‬
‫ما جرت عادة العرب بتقديم اسم‬ ‫ي‪:‬ل ّ‬ ‫قال القرطب ّ‬
‫شّر كقولهم " عليه لعنة اللّه ‪،‬‬ ‫المدعوّ عليه في ال ّ‬
‫ن ذاك هو اللّفظ‬ ‫وغضب اللّه " نهاه عن ذلك ‪ ،‬ل أ ّ‬
‫المشروع في حقّ الموتى ‪ ،‬لنّه عليه السلم ثبت‬
‫عنه « أنّه سلّم على الموتى ‪ ،‬كما سلّم على الحياء‬
‫سلم عليكم دار قوم مؤمنين ‪ ،‬وإنّا إن شاء‬ ‫فقال ‪ :‬ال ّ‬
‫اللّه بكم لحقون » ‪.‬‬
‫وهذا ليس على سبيل التّحريم ‪ ،‬بل هو خلف‬
‫ل حال‬ ‫ي ‪ .‬وعلى ك ّ‬ ‫الكمل أو مكروه كما قال الغزال ّ‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫فيجب رد ّ ال ّ‬
‫سلم إلى البركة فتقول ‪:‬‬ ‫ن أكثر ما ينتهي إليه ال ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫سلم عليكم ورحمة اللّه وبركاته ‪ ،‬وهو الّذي عليه‬ ‫ال ّ‬
‫ن رجل ً سلّم‬ ‫العمل ‪ ،‬لما روي عن عروة بن الّزبير أ ّ‬
‫سلم عليكم ورحمة اللّه وبركاته ‪،‬‬ ‫عليه فقال ‪ :‬ال ّ‬

‫‪489‬‬
‫سلم قد انتهى‬ ‫ن ال ّ‬ ‫فقال عروة ‪ :‬ما ترك لنا فضل ً ‪ ،‬إ ّ‬
‫إلى وبركاته ‪ .‬وذلك كما في روح المعاني ‪ ،‬لنتظام‬
‫سلمة‬ ‫تلك التّحيّة لجميع فنون المطالب الّتي هي ال ّ‬
‫عن المضاّر ‪ ،‬ونيل المنافع ودوامها ونماؤها ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬يزيد المحيّي إذا جمع المحيّي الثّلثة له وهي‬
‫سلم والّرحمة والبركة ‪ ،‬لما روي عن سالم مولى‬ ‫ال ّ‬
‫عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم جميعا ً قال ‪ :‬كان‬
‫ابن عمر إذا سلّم عليه فرد ّ زاد فأتيته فقلت ‪:‬‬
‫سلم عليكم ورحمة اللّه‬ ‫سلم عليكم فقال ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم عليكم‬ ‫م أتيته مّرة ً أخرى فقلت ‪ :‬ال ّ‬ ‫تعالى ‪ ،‬ث ّ‬
‫سلم عليكم‬ ‫ورحمة اللّه تعالى وبركاته فقال ‪ :‬ال ّ‬
‫ورحمة اللّه تعالى وبركاته وطيّب صلواته ‪ .‬ول يتعيّن‬
‫ما ذكر للّزيادة لما روي عن معاذ زيادة ومغفرته ‪.‬‬
‫سلم ‪:‬‬ ‫صيغة رد ّ ال ّ‬
‫َّ‬
‫‪ - 9‬صيغة الّرد ّ أن يقول المسلم عليه " وعليكم‬
‫ح أن يقول ‪:‬‬ ‫سلم " بتقديم الخبر وبالواو ‪ ،‬ويص ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم تقديمه ‪ ،‬وبدون واو ‪،‬‬ ‫سلم عليكم ‪ .‬بتنكير ال ّ‬
‫لكن الفضل بالواو لصيرورة الكلم بها جملتين ‪،‬‬
‫سلم وعليكم ‪ ،‬فيصير الّرا ّد‬ ‫ي ال ّ‬ ‫فيكون التّقدير ‪ :‬عل ّ‬
‫مسلّما ً على نفسه مّرتين ‪ :‬الولى من المبتدئ‬
‫والثّانية من نفس الّراد ّ ‪ ،‬بخلف ما إذا ترك الواو ‪،‬‬
‫ص المسلّم‬ ‫ة واحدةً تخ ّ‬ ‫ن الكلم حينئذ يصير جمل ً‬ ‫فإ ّ‬
‫وحده ‪.‬‬
‫والصل في صيغة الّرد ّ أن تنتهي إلى البركة فتقول‬
‫سلم ورحمة اللّه وبركاته ‪ ،‬وإذا قال‬ ‫‪ :‬وعليكم ال ّ‬
‫سلم عليكم ورحمة اللّه وبركاته ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‬ ‫المسل ِّم ‪ :‬ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬فلو اقتصر المسل ِّم على لفظ‬ ‫الّزيادة تكون واجب ً‬
‫ة لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫سلم عليكم كانت الّزيادة مستحب ّ ً‬ ‫‪ :‬ال ّ‬
‫منْهَا أَوْ ُردُّوهَا } ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬‫س َ‬‫ح َ‬ ‫حيُّوا ْ بِأ ْ‬
‫حيَّةٍ فَ َ‬
‫حيِّيْتُم بِت َ ِ‬
‫{ َوإِذ َا ُ‬

‫‪490‬‬
‫سلم أو ردّه بالشارة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم أو ردّه بالشارة بالّرد ّ باليد أو‬ ‫‪ - 10‬يكره ال ّ‬
‫سلم مع القدرة وقرب‬ ‫بالّرأس بغير نطق بال ّ‬
‫ن ذلك من عمل أهل الكتاب ‪:‬‬ ‫المسلّم عليه ‪ ،‬ل ّ‬
‫اليهود والنّصارى لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « ليس‬
‫منّا من تشبّه بغيرنا ‪ ،‬ل تشبّهوا باليهود ول‬
‫ن تسليم اليهود الشارة بالصابع ‪،‬‬ ‫بالنّصارى ‪ ،‬فإ ّ‬
‫ف»‪.‬‬ ‫وتسليم النّصارى الشارة بالك ّ‬
‫ة بالنّطق ‪ ،‬بحيث وقع‬ ‫فإن كانت الشارة مقرون ً‬
‫التّسليم أو الّرد ّ باللّسان مع الشارة ‪ ،‬أو كان‬
‫المسلّم عليه بعيدا ً عن المسلّم ‪ ،‬بحيث ل يسمع‬
‫سلم بيده أو رأسه ليعلمه أنّه‬ ‫صوته فيشير إليه بال ّ‬
‫يسلّم فل كراهة ‪.‬‬
‫م أو أخرس أو‬ ‫سلم على أص ّ‬ ‫وتكفي الشارة في ال ّ‬
‫الّرد ّ على سلمه ‪ ،‬خلفا ً لما ذكره النّوويّ في الذكار‬
‫م ل يسمع‬ ‫عن المتولّي حيث قال ‪ :‬إذا سلّم على أص ّ‬
‫سلم لقدرته عليه ‪،‬‬ ‫‪ ،‬فينبغي أن يتلّفظ بلفظ ال ّ‬
‫ويشير باليد حتّى يحصل الفهام ويستحقّ الجواب ‪،‬‬
‫فلو لم يجمع بينهما ل يستحقّ الجواب قال ‪ :‬وكذا لو‬
‫م وأراد الّرد ّ فيتلّفظ باللّسان ويشير‬ ‫سلّم عليه أص ّ‬
‫بالجواب ليحصل به الفهام ويسقط عنه فرض‬
‫الجواب ‪ .‬قال ‪ :‬ولو سلّم على أخرس فأشار‬
‫ن إشارته قائمة‬ ‫الخرس باليد سقط عنه الفرض ‪ ،‬ل ّ‬
‫مقام العبارة ‪ .‬وكذا لو سلّم عليه أخرس بالشارة‬
‫يستحقّ الجواب مع العبارة ‪.‬‬
‫سلم بوساطة الّرسول أو الكتاب ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم‬ ‫سلم بواسطة الّرسول أو الكتاب كال ّ‬ ‫‪ - 11‬ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬فقد ذكر النّوويّ في كتابه الذكار عن أبي‬ ‫مشافه ً‬

‫‪491‬‬
‫سعد المتولّي وغيره ‪ :‬فيما إذا نادى إنسان إنساناً‬
‫سلم عليك يا فلن‬ ‫من خلف ستر أو حائط فقال ‪ :‬ال ّ‬
‫سلم عليك يا فلن ‪ :‬أو‬ ‫‪ ،‬أو كتب كتابا ً فيه ‪ :‬ال ّ‬
‫سلم على فلن‪ ،‬أو أرسل رسول ً وقال ‪ :‬سلّم‬ ‫ال ّ‬
‫على فلن ‪ ،‬فبلغه الكتاب أو الّرسول وجب عليه أن‬
‫شافعيّة والحنابلة قال‬ ‫سلم ‪ .‬صّرح بذلك ال ّ‬ ‫يرد ّ ال ّ‬
‫ووي ‪ :‬قال أصحابنا ‪ :‬وهذا الّرد ّ واجب على‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫الفور ‪ ،‬وكذا لو بلغه سلم في ورقة من غائب وجب‬
‫سلم باللّفظ على الفور إذا قرأه ‪.‬‬ ‫عليه أن يرد ّ ال ّ‬
‫صحيحين عن عائشة ‪ -‬رضي الله‬ ‫وقد ورد في ال ّ‬
‫عنها ‪ : -‬قالت ‪ :‬قال لي رسول اللّه ‪ -‬صلى الله‬
‫سلم قالت‬ ‫عليه وسلم ‪ « :‬هذا جبريل يقرأ عليك ال ّ‬
‫سلم ورحمة اللّه » ‪.‬‬ ‫‪ :‬قلت ‪ :‬وعليه ال ّ‬
‫ب أن يرد ّ على المبلّغ أيضا ً بأن يقول ‪:‬‬ ‫ويستح ّ‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫وعليك وعليه ال ّ‬
‫سلم وردّه بغير العربيّة ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم وردّه بالعربيّة ‪،‬‬ ‫سلم وردّه بالعجميّة كال ّ‬ ‫‪ - 12‬ال ّ‬
‫سلمة‬ ‫سلم التّأمين والدّعاء بال ّ‬ ‫ن الغرض من ال ّ‬ ‫ل ّ‬
‫والتّحيّة ‪ ،‬فيحصل ذلك بغير العربيّة ‪ ،‬كما يحصل بها‬
‫‪.‬‬
‫سلم في‬ ‫صلة ‪ ،‬إذ ال ّ‬ ‫سلم خارج ال ّ‬ ‫وهذا في ال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫صلة ل يجزئ بغير العربيّة عند ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫والحنابلة ‪ ،‬وعند المالكيّة على قول ‪ .‬ول يكفيه‬
‫الخروج منها بالنّيّة ‪.‬‬
‫صلة تبطل على‬ ‫ن ال ّ‬
‫سلم بالعجميّة فإ ّ‬ ‫فإن أتى بال ّ‬
‫حة‬‫ص ّ‬‫قول عند المالكيّة ‪ ،‬واستظهر بعض أشياخهم ال ّ‬
‫‪ ،‬قياسا ً على الدّعاء بالعجميّة للقادر على العربيّة ‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫ح بالعجميّة عند أبي‬ ‫صلة تص ّ‬ ‫هذا وجميع أذكار ال ّ‬
‫صاحبين ‪ ،‬وتفصيل ذلك يذكر‬ ‫حنيفة مطلقا ً خلفا ً لل ّ‬
‫في ( صلة ) ‪.‬‬
‫سلم وحكم الّرد ّ ‪:‬‬ ‫حكم البدء بال ّ‬
‫ن‬‫شافعيّة والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫سلم سنّة مستحبّة ‪ ،‬وليس بواجب ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ة‬
‫وهو سنّة على الكفاية إن كان المسلمون جماع ً‬
‫بحيث يكفي سلم واحد منهم ‪ ،‬ولو سلّموا كلّهم‬
‫كان أفضل ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة ‪ -‬وهو رواية عن أحمد وقول مقابل‬
‫سلم‬ ‫ن البتداء بال ّ‬ ‫للمشهور عند المالكيّة ‪ -‬إلى أ ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله‬ ‫واجب ‪ .‬لحديث أبي هريرة أ ّ‬
‫ت‬‫عليه وسلم قال ‪ « :‬حقّ المسلم على المسلم س ّ‬
‫ن يا رسول اللّه ؟ قال ‪ :‬إذا لقيته فسلّم‬ ‫قيل ‪ :‬ما ه ّ‬
‫عليه ‪ ،‬وإذا دعاك فأجبه‪ ،‬وإذا استنصحك فانصح له ‪،‬‬
‫مته ‪ ،‬وإذا مرض فعده ‪،‬‬ ‫وإذا عطس فحمد اللّه فش ّ‬
‫وإذا مات فاتبعه » ‪.‬‬
‫سلم فإن كان المسلَّم عليه واحداً‬ ‫ما رد ّ ال ّ‬‫‪ - 14‬وأ ّ‬
‫سلم‬ ‫ة كان رد ّ ال ّ‬ ‫تعيّن عليه الّرد ّ ‪ ،‬وإن كانوا جماع ً‬
‫فرض كفاية عليهم ‪ ،‬فإن رد ّ واحد منهم سقط‬
‫الحرج عن الباقين ‪ ،‬وإن تركوه كلّهم أثموا كلّهم ‪،‬‬
‫وإن ردّوا كلّهم فهو النّهاية في الكمال والفضيلة ‪،‬‬
‫فلو رد ّ غيرهم لم يسقط الّرد ّ عنهم ‪ ،‬بل يجب‬
‫ي‬
‫عليهم أن يردّوا ‪ ،‬فإن اقتصروا على رد ّ ذلك الجنب ّ‬
‫أثموا ‪.‬‬
‫سلم على هذا النّحو ثابت بالكتاب‬ ‫هذا والمر بال ّ‬
‫صحابة فمن الكتاب قوله تعالى ‪{ :‬‬ ‫سنّة وبفعل ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫عندِ الل ّهِ ُ‬
‫مبَاَرك َ ً‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫ة ِّ‬ ‫حي َّ ً‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م تَ ِ‬ ‫موا ع َلَى أنُف ِ‬ ‫سل ِّ ُ‬‫فَ َ‬

‫‪493‬‬
‫حيُّواْ‬‫حيَّةٍ فَ َ‬
‫حيِّيْتُم بِت َ ِ‬
‫ة } وقوله تعالى ‪َ { :‬وإِذ َا ُ‬ ‫طَيِّب َ ً‬
‫منْهَا أَوْ ُردُّوهَا } ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ن ِ‬‫س َ‬
‫ح َ‬ ‫بِأ ْ‬
‫سنّة ما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن‬ ‫ومن ال ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن رجل ً سأل النّب ّ‬ ‫العاص رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫أي السلم خير ؟ قال ‪ :‬تطعم‬ ‫الله عليه وسلم ‪ّ -‬‬
‫سلم على من عرفت وعلى من لم‬ ‫الطّعام وتقرأ ال ّ‬
‫تعرف » ‪.‬‬
‫ي‪-‬‬ ‫وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّب ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ « :‬خلق اللّه آدم على‬
‫ما خلقه قال ‪:‬‬ ‫صورته ‪ ،‬طوله ستّون ذراعا ً ‪ ،‬فل ّ‬
‫اذهب فسلّم على أولئك ‪ -‬نفر من الملئكة جلوس ‪-‬‬
‫فاستمع ما يحيّونك ‪ ،‬فإنّها تحيّتك وتحيّة ذّريّتك ‪،‬‬
‫سلم عليك ورحمة‬ ‫سلم عليكم ‪ ،‬فقالوا ال ّ‬ ‫فقال ال ّ‬
‫اللّه ‪ ،‬فزادوه ورحمة اللّه » ‪.‬‬
‫وما روي عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله‬
‫عنهما قال ‪ « :‬أمرنا رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بسبع ‪ :‬بعيادة المريض ‪ ،‬واتّباع الجنائز ‪،‬‬
‫ضعيف ‪ ،‬وعون‬ ‫وتشميت العاطس ‪ ،‬ونصر ال ّ‬
‫سلم وإبرار المقسم » ‪.‬‬ ‫المظلوم ‪ ،‬وإفشاء ال ّ‬
‫ي ‪ -‬صلى‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ي رضي الله عنه أ ّ‬ ‫وما روي عن عل ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ « :‬يجزئ عن الجماعة إذا‬
‫مّروا أن يسلّم أحدهم ‪ ،‬ويجزئ عن الجلوس أن ير ّد‬
‫أحدهم » ‪.‬‬
‫ي بن‬ ‫صحابة ما روي عن الطّفيل بن أب ّ‬ ‫ومن فعل ال ّ‬
‫كعب أنّه كان يأتي عبد اللّه بن عمر ‪ ،‬فيغدو معه‬
‫سوق لم يمّر‬ ‫سوق قال ‪ :‬فإذا غدونا إلى ال ّ‬ ‫إلى ال ّ‬
‫عبد اللّه على سقاط ‪ ،‬ول صاحب بيعة ‪ ،‬ول مسكين‬
‫ول أحد إل ّ سلّم عليه ‪ ،‬قال الطّفيل ‪ :‬فجئت عبد‬
‫سوق ‪ ،‬فقلت له‬ ‫اللّه بن عمر يوما ً فاستتبعني إلى ال ّ‬

‫‪494‬‬
‫سوق وأنت ل تقف على البيع ‪ ،‬ول‬ ‫‪ :‬ما تصنع بال ّ‬
‫سلع ‪ ،‬ول تسوم بها ‪ ،‬ول تجلس في‬ ‫تسأل عن ال ّ‬
‫سوق ‪ ،‬وأقول اجلس بنا هاهنا نتحدّث‬ ‫مجالس ال ّ‬
‫فقال يا أبطن ‪ -‬وكان الطّفيل ذا بطن ‪ -‬إنّما نغدو‬
‫سلم نسلّم على من لقيناه ‪.‬‬ ‫من أجل ال ّ‬
‫ص بالمسلّم‬ ‫سلم والّرد ّ خا ّ‬ ‫وما تقدّم من حكم ال ّ‬
‫صلة أو قراءة القرآن ‪،‬‬ ‫الّذي لم ينشغل بالذان أو ال ّ‬
‫شرب ‪ ،‬أو‬ ‫ج أو عمرة ‪ ،‬أو بالكل أو بال ّ‬ ‫أو بتلبية ح ّ‬
‫سلم على المنشغل بما‬ ‫قضاء حاجة وغيرها ‪ ،‬إذ ال ّ‬
‫سلم على غيره ‪ ،‬وبيان ذلك في ما‬ ‫ذكر ليس كال ّ‬
‫يلي ‪:‬‬
‫سلم على من يؤذ ّن أو يقيم ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ن حكم‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬ ‫‪ - 15‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫ن الفصل بين‬ ‫سلم من المؤذ ّن الكراهة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫رد ّ ال ّ‬
‫جمل الذان عندهم مكروهة ‪ ،‬ولو كان ذلك الفصل‬
‫شافعيّة ‪ ،‬فله الّردّ‬ ‫بإشارة عند المالكيّة ‪ ،‬خلفا ً لل ّ‬
‫سلم أيضا ً عندهم على الملبّي‬ ‫بالشارة ‪ ،‬ويكره ال ّ‬
‫ج أو عمرة لنفس العلّة ‪.‬‬ ‫بح ّ‬
‫سلم على المؤذ ّن والمقيم‬ ‫شافعيّة ال ّ‬ ‫ويكره عند ال ّ‬
‫لنشغالهم بالذان والقامة ‪.‬‬
‫سلم على من‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أنّه ل يس ّ‬
‫يؤذ ّن أو يقيم ‪ ،‬ول يجب عليه الّرد ّ ‪ ،‬بل يجوز بالكلم‬
‫ول يبطل الذان أو القامة ‪.‬‬
‫سلم ‪:‬‬ ‫سلم على المصلّي وردّه ال ّ‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫سلم على المصلّي سنّة عند المالكيّة جائز‬ ‫‪ - 16‬ال ّ‬
‫عند الحنابلة ‪ ،‬فقد سئل أحمد عن الّرجل يدخل‬
‫على القوم وهم يصلّون أيسلّم عليهم ؟ قال ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫سلم من المصلّي فقد ذكر الحنفيّة ‪ -‬كما‬ ‫ما رد ّ ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫سلم بلسانه ‪ ،‬لنّه كلم ‪،‬‬ ‫في الهداية ‪ -‬أن ل يرد ّ ال ّ‬

‫‪495‬‬
‫ى ‪ ،‬حتّى لو صافح بنيّة‬ ‫ول بيده ‪ ،‬لنّه سلم معن ً‬
‫التّسليم تفسد صلته ‪.‬‬
‫سلم‬ ‫ن رد ّ المصلّي ال ّ‬ ‫وذكر صاحب فتح القدير أ ّ‬
‫بالشارة مكروه وبالمصافحة مفسد ‪.‬‬
‫سلم لفظا ً بعد الفراغ‬ ‫ن المصلّي ل يلزمه رد ّ ال ّ‬ ‫مإ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫صلة ‪ ،‬بل يرد ّ في نفسه في رواية عن أبي‬ ‫من ال ّ‬
‫حنيفة ‪ .‬في رواية أخرى عنه أنّه يرد ّ بعد الفراغ ‪ ،‬إلّ‬
‫صلة‬ ‫ن أبا جعفر قال ‪ :‬تأويله إذا لم يعلم أنّه في ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫‪.‬‬
‫مد يرد ّ بعد الفراغ ‪ ،‬وعن أبي يوسف ل يردّ‬ ‫وعند مح ّ‬
‫‪ ،‬ل قبل الفراغ ول بعده في نفسه ‪ .‬وذكر المالكيّة‬
‫سلم باللّفظ ‪ ،‬فإن رد ّ عمدا ً أو‬ ‫ن المصلّي ل يرد ّ ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫جهل ً بطل ‪.‬‬
‫سهو ‪ ،‬بل يجب‬ ‫وردّه باللّفظ سهوا ً يقتضي سجود ال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫سلم بالشارة ‪ ،‬خلفا ً لل ّ‬ ‫عليه أن يرد ّ ال ّ‬
‫القائلين بعدم وجوب الّرد ّ عليه ‪.‬‬
‫سلم بالكلم‬ ‫ن رد ّ المصلّي ال ّ‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫صلة ‪.‬‬‫عمدا ً يبطل ال ّ‬
‫سلم بالشارة مشروع عند الحنابلة ‪.‬‬ ‫ورد ّ المصلّي ال ّ‬
‫سلم على غيره وهو في‬ ‫ما ابتداء المصلّي ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫صلة بالشارة بيد أو رأس فيجوز عند المالكيّة‬ ‫ال ّ‬
‫سجود لذلك ‪.‬‬ ‫فقط ‪ ،‬ول يلزمه ال ّ‬
‫سلم على المنشغل بالقراءة والذ ّكر والتّلبية‬ ‫ج ‪ -‬ال ّ‬
‫مام‬‫والكل ‪ ،‬وعلى قاضي الحاجة وعلى من في الح ّ‬
‫ونحو ذلك ‪:‬‬
‫سلم على المنشغل بقراءة‬ ‫‪ - 17‬الولى ترك ال ّ‬
‫القرآن ‪ ،‬فإن سلّم كفاه الّرد ّ بالشارة ‪ ،‬وإن ردّ‬
‫ووي‬
‫ّ‬ ‫م يقرأ ‪،‬واختار الن ّ‬ ‫باللّفظ استأنف الستعاذة ث ّ‬
‫سلم‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أنّه يسلّم عليه ‪ ،‬ويجب عليه الّرد ّ لفظاً‪ .‬وأ ّ‬

‫‪496‬‬
‫سلم‬ ‫على المنشغل بالذ ّكر من دعاء وتدبّر فهو كال ّ‬
‫على المنشغل بالقراءة والظهر كما ذكر النّوويّ أنّه‬
‫سلم‬ ‫إن كان مستغرقا ً بالدّعاء مجمع القلب عليه فال ّ‬
‫عليه مكروه ‪ ،‬للمشّقة الّتي تلحقه من الّرد ّ ‪ ،‬والّتي‬
‫تقطعه عن الستغراق بالدّعاء ‪ ،‬وهي أكثر من‬
‫المشّقة الّتي تلحق الكل إذا سلّم عليه ورد ّ في‬
‫حال أكله ‪.‬‬
‫سلم عليه ولو‬ ‫ما الملبّي في الحرام فيكره ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫سلّم رد ّ عليه باللّفظ ‪.‬‬
‫سلم في حال خطبة الجمعة فيكره البتداء‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫به لنّهم مأمورون بالنصات للخطبة ‪ ،‬فإن سلّم لم‬
‫يردّوا عليه لتقصيره ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إن كان النصات واجباً‬
‫ة رد ّ عليه ‪ ،‬ول يرد ّ عليه‬ ‫لم يرد ّ عليه ‪ ،‬وإن كان سن ّ ً‬
‫ل وجه ‪.‬‬ ‫أكثر من واحد على ك ّ‬
‫ول يسلّم على من كان منشغل ً بالكل واللّقمة في‬
‫ما إذا سلّم‬ ‫فمه ‪ ،‬فإن سلّم لم يستحقّ الجواب ‪ ،‬أ ّ‬
‫عليه بعد البلع أو قبل وضع اللّقمة في فمه فل‬
‫جه المنع ويجب الجواب ‪ ،‬ويسلّم في حال البيع‬ ‫يتو ّ‬
‫وسائر المعاملت ويجب الجواب ‪.‬‬
‫سلم على قاضي الحاجة ونحوه كالمجامع‬ ‫ما ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫مام والنّائم والغائب خلف جدار‬ ‫وعلى من في الح ّ‬
‫فحكمه الكراهة‬
‫ومن سلّم عليهم لم يستحقّ الجواب لما روي عن‬
‫ن رجل ً مّر ‪ ،‬ورسول‬ ‫ابن عمر رضي الله عنهما « أ ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يبول ‪ ،‬فسلّم فلم يردّ‬
‫عليه » ‪.‬‬
‫ن رجل ً مّر‬ ‫وما روي عن جابر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ « -‬أ ّ‬
‫ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يبول ‪ ،‬فسلّم‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا رأيتني‬ ‫عليه فقال النّب ّ‬

‫‪497‬‬
‫ي ‪ .‬فإنّك إن‬‫على مثل هذه الحال فل تسلّم عل ّ‬
‫فعلت ذلك لم أرد ّ عليك » ‪.‬‬
‫ما حكم الّرد ّ منهم فهو الكراهة من قاضي الحاجة‬ ‫وأ ّ‬
‫ب له الّرد ّ ‪،‬‬ ‫مام فيستح ّ‬ ‫ما من في الح ّ‬ ‫والمجامع ‪ ،‬وأ ّ‬
‫كما ذكر النّوويّ في الّروضة ‪.‬‬
‫سلم ‪:‬‬ ‫أحكام أخرى لل ّ‬
‫ي‪:‬‬‫صب ّ‬ ‫سلم على ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي أفضل من تركه عند‬ ‫صب ّ‬ ‫سلم على ال ّ‬ ‫‪ - 18‬ال ّ‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬وذهب المالكيّة إلى أنّه مشروع وذكر‬
‫ووي في الّروضة أنّه سنّة ‪ ،‬وذكر ابن مفلح في‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫شرعيّة أنّه جائز لتأديبهم ‪ ،‬وهو معنى كلم‬ ‫الداب ال ّ‬
‫ابن عقيل ‪ ،‬وذكر القاضي في المجّرد وصاحب‬
‫ب ‪ .‬لما‬ ‫شيخ عبد القادر أنّه يستح ّ‬ ‫عيون المسائل وال ّ‬
‫ورد عن « أنس رضي الله عنه أنّه مّر على صبيان ‪،‬‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫فسلّم عليهم ‪ ،‬وقال ‪ :‬كان النّب ّ‬
‫وسلم ‪ -‬يفعله » ‪.‬‬
‫ي فغير واجب ‪ ،‬لعدم‬ ‫صب ّ‬‫سلم من ال ّ‬ ‫ما جواب ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬ويسقط ر ّد‬ ‫تكليفه ‪ ،‬كما ذكر المالكيّة وال ّ‬
‫سلم بردّه عن الباقين إن كان عاقل ً عند الحنفيّة ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫ل ذبيحته‬ ‫لنّه من أهل الفرض في الجملة ‪ ،‬بدليل ح ّ‬
‫ن التّسمية فيها فرض عندهم ‪.‬‬ ‫مع أ ّ‬
‫الجهوري من المالكيّة‬
‫ّ‬ ‫وقد ذهب إلى ذلك أيضا ً‬
‫شافعيّة ‪ ،‬قياسا ً على أذانه للّرجال ‪.‬‬ ‫ي من ال ّ‬ ‫شاش ّ‬ ‫وال ّ‬
‫سلم‬ ‫شافعيّة عدم سقوط فرض رد ّ ال ّ‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫والص ّ‬
‫ي ‪ ،‬وبه قطع القاضي‬ ‫صب ّ‬
‫عن الجماعة برد ّ ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وقد توقّف في الكتفاء بردّ‬ ‫والمتولّي من ال ّ‬
‫ي عن الجماعة صاحب الفواكه الدّواني من‬ ‫صب ّ‬‫ال ّ‬
‫ن الّر ّد‬
‫المالكيّة ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬ولنا فيه وقفة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي غير فرض عليه‬ ‫صب ّ‬ ‫فرض على البالغين ‪ ،‬ورد ّ ال ّ‬

‫‪498‬‬
‫فكيف يكفي عن الفرض الواجب على المكلّفين ؟‬
‫ل الظهر عدم الكتفاء بردّه عن البالغين ‪.‬‬ ‫فلع ّ‬
‫سلم من البالغ‬ ‫شافعيّة وجهين في رد ّ ال ّ‬ ‫م ذكر ال ّ‬ ‫ث ّ‬
‫حة إسلمه أي ‪:‬‬ ‫ي ‪ ،‬بناءً على ص ّ‬ ‫صب ّ‬ ‫على سلم ال ّ‬
‫حح النّوويّ وجوب الّرد ّ ‪.‬‬ ‫ي ‪ ،‬وص ّ‬ ‫صب ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم على النّساء ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن كسلم الّرجل‬ ‫‪ - 19‬سلم المرأة على المرأة يس ّ‬
‫سلم من المرأة على مثلها‬ ‫على الّرجل ‪ ،‬ورد ّ ال ّ‬
‫كالّرد ّ من الّرجل على سلم الّرجل ‪.‬‬
‫ما سلم الّرجل على المرأة ‪ ،‬فإن كانت تلك‬ ‫وأ ّ‬
‫ة أو من المحارم فسلمه عليها‬ ‫ة أو أم ً‬ ‫المرأة زوج ً‬
‫ن أن‬ ‫سلم منها عليه واجب ‪،‬بل يس ّ‬ ‫سنّة ‪ ،‬ورد ّ ال ّ‬
‫يسلّم الّرجل على أهل بيته ومحارمه‪ ،‬وإن كانت‬
‫ة فإن كانت عجوزا ً أو امرأةً ل‬ ‫تلك المرأة أجنبي ّ ً‬
‫سلم منها على‬ ‫سلم عليها سنّة ‪ ،‬ورد ّ ال ّ‬ ‫تشتهى فال ّ‬
‫من سلّم عليها لفظًا واجب ‪.‬‬
‫ة يخشى الفتتان بها ‪،‬‬ ‫ما إن كانت تلك المرأة شاب ّ ً‬ ‫وأ ّ‬
‫سلم‬ ‫أو يخشى افتتانها هي أيضا ً بمن سلّم عليها فال ّ‬
‫سلم منها حكمه الكراهة عند‬ ‫عليها وجواب ال ّ‬
‫ن‬‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬وذكر الحنفيّة أ ّ‬ ‫المالكيّة وال ّ‬
‫الّرجل يرد ّ على سلم المرأة في نفسه إن سلّمت‬
‫هي عليه ‪ ،‬وترد ّ هي أيضا ً في نفسها إن سلّم هو‬
‫شافعيّة بحرمة ردّها عليه ‪.‬‬ ‫عليها ‪ ،‬وصّرح ال ّ‬
‫ما سلم الّرجل على جماعة النّساء فجائز ‪ ،‬وكذا‬ ‫وأ ّ‬
‫سلم الّرجال على المرأة الواحدة عند أمن الفتنة ‪.‬‬
‫ل على جواز سلم الّرجل على جماعة‬ ‫ما يد ّ‬‫وم ّ‬
‫النّساء ما روي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها‬
‫قالت ‪ « :‬مّر علينا رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في نسوة فسلّم علينا » ‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫سلم على المرأة العجوز ما‬ ‫ل على جواز ال ّ‬ ‫ما يد ّ‬‫وم ّ‬
‫أخرجه البخاريّ عن سهل بن سعد رضي الله عنه‬
‫ي بضاعة نخل‬ ‫قال ‪ « :‬كانت لنا عجوز ترسل إل ّ‬
‫سلق فتطرحه في قدر ‪،‬‬ ‫بالمدينة فتأخذ من أصول ال ّ‬
‫وتكركر حبّات من شعير ‪ ،‬فإذا صلّينا الجمعة‬
‫انصرفنا ونسلّم عليها فتقدّمه إلينا » ‪ ،‬ومعنى تكركر‬
‫أي ‪ :‬تطحن ‪.‬‬
‫ساق وأرباب المعاصي ‪:‬‬ ‫سلم على الف ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم على الفاسق‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ - 20‬ذكر ابن عابدين أ ّ‬
‫المجاهر بفسقه مكروه وإل ّ فل ‪ ،‬ومثل الفاسق في‬
‫هذا لعب القمار وشارب الخمر مطيّر الحمام‬
‫والمغنّي والمغتاب حال تلبّسهم بذلك‪ ،‬نقل عن‬
‫ي أنّه ل يسلّم ‪ ،‬ويسلّم على قوم في‬ ‫فصول العّلم ّ‬
‫شطرنج ناويا ً أن يشغلهم‬ ‫معصية وعلى من يلعب بال ّ‬
‫ما هم فيه عند أبي حنيفة ‪ ،‬وكره عندهما تحقيراً‬ ‫ع ّ‬
‫لهما ‪.‬‬
‫سلم على أهل الهواء‬ ‫ن ابتداء ال ّ‬ ‫وذكر المالكيّة أ ّ‬
‫مكروه ‪ ،‬كابتدائه على اليهود والنّصارى ‪ .‬وذكر‬
‫سلم‬‫ووي في الّروضة وجهين في استحباب ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الن ّ‬
‫ساق وفي وجوب الّرد ّ على المجنون‬ ‫على الف ّ‬
‫سكران إذا سلّما ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ن المبتدع ومن اقترف ذنبا ً عظيماً‬ ‫وذكر في الذكار أ ّ‬
‫ولم يتب منه ينبغي أن ل يسلّم عليهم ول يرد ّ عليهم‬
‫جا ً بما رواه البخاريّ ومسلم في‬ ‫سلم ‪ .‬محت ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صة « كعب بن مالك رضي الله عنه‬ ‫صحيحيهما من ق ّ‬
‫حين تخلّف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له فقال ‪:‬‬
‫ونهى رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫كلمنا ‪ .‬قال ‪ :‬وكنت آتي رسول اللّه ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فأسلّم عليه فأقول ‪ :‬هل حّرك شفتيه‬

‫‪500‬‬
‫البخاري أيضا ً في‬
‫ّ‬ ‫سلم أم ل ؟ » ‪ .‬وبما رواه‬ ‫برد ّ ال ّ‬
‫الدب المفرد عن عبد اللّه بن عمرو قال ‪ " :‬ل‬
‫تسلّموا على شّراب الخمر " ‪.‬‬
‫سلم على الظّلمة ‪،‬‬ ‫قال النّوويّ ‪ :‬فإن اضطّر إلى ال ّ‬
‫بأن دخل عليهم وخاف ترتّب مفسدة في دينه أو‬
‫دنياه أو غيرهما إن لم يسلّم سلّم عليهم ‪ ،‬وذكر عن‬
‫سلم اسم‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي أنّه يسلّم وينوي أ ّ‬ ‫أبي بكر بن العرب ّ‬
‫من أسماء اللّه تعالى ‪ ،‬فيكون المعنى اللّه عليكم‬
‫رقيب ‪.‬‬
‫شرعيّة أنّه ‪ :‬يكره لك ّ‬
‫ل‬ ‫وذكر ابن مفلح في الداب ال ّ‬
‫مسلم مكلّف أن يسلّم على من يلعب النّرد أو‬
‫شطرنج ‪ ،‬وكذا مجالسته لظهاره المعصية ‪ ،‬وقال‬ ‫ال ّ‬
‫شطرنج ما هو أهل أن يسلّم‬ ‫أحمد فيمن يلعب بال ّ‬
‫عليه ‪ ،‬كما ل يسلّم على المتلبّسين بالمعاصي ‪،‬‬
‫ويرد ّ عليهم إن سلّموا إل ّ أن يغلب على ظنّه‬
‫انزجارهم بترك الّرد ّ ‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬قلت لحمد ‪ :‬أمّر بالقوم يتقاذفون‬
‫سلم‬ ‫أسلّم عليهم ؟ قال هؤلء قوم سفهاء ‪ ،‬وال ّ‬
‫اسم من أسماء اللّه تعالى ‪ ،‬قلت لحمد أسلّم على‬
‫سلم اسم من أسماء اللّه‬ ‫المخنّث ؟ قال ل أدري ال ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫عّز ج ّ‬
‫سلم على الفاسق أو المبتدع فل يجب‬ ‫ما رد ّ ال ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫زجرا ً لهما كما في روح المعاني ‪.‬‬
‫مة وغيرهم من الكّفار ‪:‬‬ ‫سلم على أهل الذ ّ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مة‬‫سلم على أهل الذ ّ ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫‪ - 21‬ذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫مكروه لما فيه من تعظيمهم ‪ ،‬ول بأس أن يسلّم‬
‫سلم‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي إن كانت له عنده حاجة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫على الذ ّ ّ‬
‫م ّ‬
‫حينئذ لجل الحاجة ل لتعظيمه ‪ ،‬ويجوز أن يقول ‪:‬‬
‫سلم على من اتّبع الهدى ‪.‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪501‬‬
‫ن ابتداء اليهود والنّصارى‬ ‫وذهب المالكيّة أيضا ً إلى أ ّ‬
‫سلم‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سلم مكروه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ضلل بال ّ‬ ‫وسائر فرق ال ّ‬
‫تحيّة والكافر ليس من أهلها ‪.‬‬
‫سلم ‪ ،‬وله أن‬ ‫ي بال ّ‬‫م ّ‬‫شافعيّة بداءة الذ ّ ّ‬ ‫ويحرم عند ال ّ‬
‫سلم بأن يقول ‪ :‬هداك اللّه أو أنعم اللّه‬ ‫يحيّيه بغير ال ّ‬
‫صباحك إن كانت له عنده حاجة ‪ ،‬وإل ّ فل يبتدئه‬
‫ن ذلك بسط له وإيناس‬ ‫بشيء من الكرام أصل ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫جد ُ قَ َوْ ً‬
‫ما‬ ‫وإظهار ود ّ َ‪ .‬وقد قال اللّه تعالى ‪َ { :‬ل ت َ ِ‬
‫حاد َّ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ن َ‬‫خرِ يُوَادُّو َ‬ ‫ن بِالل ّهِ َوالْيَوْم ِ اْل ِ‬ ‫منُو َ‬ ‫يُؤ ْ ِ‬
‫ه}‪.‬‬ ‫سول َ ُ‬
‫َوَر ُ‬
‫ووي في الذكار ‪ :‬اختلف أصحابنا في أهل‬ ‫ّ‬ ‫وقال الن ّ‬
‫مة ‪ ،‬فقطع الكثرون بأنّه ل يجوز ابتداؤهم‬ ‫الذ ّ ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وقال آخرون ليس هو بحرام بل هو‬ ‫بال ّ‬
‫مكروه ‪.‬‬
‫وحكى الماورديّ وجها ً لبعض أصحابنا ‪ ،‬أنّه يجوز‬
‫سلم ‪ ،‬ولكن يقتصر المسلّم على قوله ‪:‬‬ ‫ابتداؤه بال ّ‬
‫ووي‬
‫ّ‬ ‫ن الن ّ‬ ‫سلم عليك ول يذكره بلفظ الجمع ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مة‬ ‫وصف هذا الوجه بأنّه شاذ ّ ‪ .‬وبداءة أهل الذ ّ ّ‬
‫سلم ل تجوز أيضا ً عند الحنابلة ‪ ،‬كما ل يجوز أن‬ ‫بال ّ‬
‫سلم ‪ .‬قال أبو داود ‪:‬‬ ‫نحيّيهم بتحيّة أخرى غير ال ّ‬
‫ي‬
‫م ّ‬ ‫قلت لبي عبد اللّه ‪ :‬تكره أن يقول الّرجل للذ ّ ّ‬
‫كيف أصبحت ؟ أو كيف حالك ؟ أو كيف أنت ؟ أو‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫نحو هذا ؟ قال ‪ :‬نعم هذا عندي أكثر من ال ّ‬
‫ي ‪ :‬أطال اللّه بقاءك‬ ‫م ّ‬ ‫وذكر الحنفيّة أنّه لو قال للذ ّ ّ‬
‫جاز إن نوى أنّه يطيله ليسلم أو ليؤدّي الجزية لنّه‬
‫دعاء بالسلم وإل ّ فل يجوز ‪.‬‬
‫سلم قول رسول ‪ -‬صلى‬ ‫ودليل كراهة البداءة بال ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ « -‬ل تبدءوا اليهود ول النّصارى‬

‫‪502‬‬
‫سلم ‪ ،‬فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطّروه‬ ‫بال ّ‬
‫إلى أضيقه » ‪.‬‬
‫والستقالة أن يقول له ‪ :‬رد ّ سلمي الّذي سلّمته‬
‫عليك ‪ ،‬لنّي لو علمت أنّك كافر ما سلّمت عليك ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إن سلّم على‬ ‫ب له عند ال ّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫ميّا ً أن يستقيله بأن يقول له‬ ‫من يظنّه مسلما ً فبان ذ ّ‬
‫‪ :‬رد ّ سلمي الّذي سلّمته عليك ‪ ،‬لما روي عن ابن‬
‫عمر " أنّه مّر على رجل فسلّم عليه فقيل ‪ :‬إنّه‬
‫ي ما سلّمت عليك فرد ّ عليه ‪،‬‬ ‫كافر فقال ‪ :‬رد ّ عل ّ‬
‫م التفت إلى أصحابه‬ ‫فقال أكثر اللّه مالك وولدك‪ ،‬ث ّ‬
‫فقال ‪ :‬أكثر للجزية " ‪ .‬وقال المالكيّة ‪ :‬ل يستقيله ‪.‬‬
‫ي كتابا ً اقتصر على قوله فيه ‪:‬‬ ‫م ّ‬‫وإذا كتب إلى الذ ّ ّ‬
‫سلم على من اتّبع الهدى ‪ ،‬اقتداءً برسول اللّه ‪-‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في اقتصاره على ذلك حين‬
‫كتب إلى هرقل ملك الّروم‪ .‬وإذا مّر واحد على‬
‫سنّة أن‬ ‫جماعة فيهم مسلمون ولو واحدا ً وكّفار فال ّ‬
‫يسلّم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم ‪ .‬لما‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬ ‫روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما ‪ « .‬أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم مّر على مجلس فيه أخلط‬
‫من المسلمين والمشركين عبدة الوثان واليهود‬
‫ي صلى الله عليه وسلم » ‪.‬‬ ‫فسلّم عليهم النّب ّ‬
‫مة ‪:‬‬‫سلم على أهل الذ ّ ّ‬ ‫رد ّ ال ّ‬
‫مة فل بأس به عند‬ ‫سلم على أهل الذ ّ ّ‬ ‫ما رد ّ ال ّ‬‫‪ - 22‬وأ ّ‬
‫الحنفيّة ‪ ،‬وهو جائز أيضا ً عند المالكيّة ول يجب إلّ‬
‫ي ‪ ،‬وهو‬ ‫م ّ‬‫سلم من الذ ّ ّ‬ ‫إذا تحّقق المسلم من لفظ ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪.‬‬ ‫واجب عند ال ّ‬
‫ويقتصر في الّرد ّ على قوله ‪ :‬وعليكم ‪ ،‬بالواو‬
‫والجمع ‪ ،‬أو وعليك بالواو دون الجمع عند الحنفيّة‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬لكثرة الخبار في ذلك ‪.‬‬ ‫وال ّ‬

‫‪503‬‬
‫فمنها ما روي عن أنس رضي الله عنه قال ‪ :‬قال‬
‫رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ « -‬إذا سلّم‬
‫عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم » ‪.‬‬
‫ن‬
‫ومنها ما روي عن ابن عمر ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬أ ّ‬
‫رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ « :‬إذا‬
‫سام‬‫سلّم عليكم اليهود فإنّما يقول أحدهم ‪ :‬ال ّ‬
‫عليكم فقل وعليك » ‪.‬‬
‫وعند المالكيّة يقول في الّرد ّ ‪ :‬عليك ‪ ،‬بغير واو‬
‫بالفراد أو الجمع ‪ .‬لما ورد عن ابن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫ن اليهود إذا‬ ‫رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ « -‬إ ّ‬
‫سام عليكم فقل عليك‬ ‫سلّموا عليكم يقول أحدهم ال ّ‬
‫» وفي رواية أخرى له قال ‪ « :‬عليكم » ‪ .‬بالجمع‬
‫وبغير واو ‪.‬‬
‫الجهوري قوله ‪ :‬إن تحّقق‬
‫ّ‬ ‫فراوي عن‬
‫ّ‬ ‫ونقل الن ّ‬
‫سين ‪،‬‬ ‫سلم بفتح ال ّ‬ ‫ي نطق بال ّ‬‫م ّ‬‫ن الذ ّ ّ‬‫المسلم أ ّ‬
‫فالظّاهر أنّه يجب الّرد ّ عليه ‪ ،‬لحتمال أن يقصد به‬
‫الدّعاء ‪.‬‬
‫سلم ‪:‬‬ ‫من يبدأ بال ّ‬
‫‪ - 23‬يسلّم الّراكب على الماشي ‪ ،‬والماشي على‬
‫صغير على الكبير ‪.‬‬ ‫القاعد ‪ ،‬والقليل على الكثير ‪ ،‬وال ّ‬
‫صحيحين عن أبي هريرة رضي الله‬ ‫لما ورد في ال ّ‬
‫عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «‬
‫يسلّم الّراكب على الماشي والماشي على القاعد‬
‫للبخاري زيادة «‬
‫ّ‬ ‫والقليل على الكثير » وفي رواية‬
‫سنّة ‪ ،‬فلو‬ ‫صغير على الكبير » وهذا المذكور هو ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫خالفوا فسلّم الماشي على الّراكب ‪ ،‬أو الجالس‬
‫عليهما لم يكره ‪ ،‬وعلى مقتضى هذا ل يكره ابتداء‬
‫سلم على القليل ‪ ،‬والكبير على‬ ‫الكثيرين بال ّ‬
‫صغير ‪ ،‬ويكون هذا تركا ً لما يستحّقه من سلم‬ ‫ال ّ‬

‫‪504‬‬
‫غيره عليه ‪ ،‬وهذا فيما إذا تلقى الثنان في طريق ‪،‬‬
‫ن الوارد يبدأ‬ ‫ما إذا ورد على قعود أو قاعد ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ل حال ‪ ،‬سواء كان صغيرا ً أو كان‬ ‫سلم على ك ّ‬ ‫بال ّ‬
‫كبيرا ً ‪ ،‬قليل ً أو كثيرا ً ‪.‬‬
‫ة منهم‬ ‫ص طائف ً‬ ‫ة فأراد أن يخ ّ‬ ‫وإذا لقي رجل جماع ً‬
‫سلم المؤانسة‬ ‫ن القصد من ال ّ‬ ‫سلم كره ‪ ،‬ل ّ‬ ‫بال ّ‬
‫واللفة ‪ ،‬وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين ‪،‬‬
‫سوق أو‬ ‫وربّما صار سببا ً للعداوة ‪ ،‬وإذا مشى في ال ّ‬
‫ما يكثر فيه‬ ‫شوارع المطروقة كثيرا ً ونحو ذلك م ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم هنا إنّما‬ ‫ن ال ّ‬ ‫المتلقون ‪ ،‬فقد ذكر الماورديّ أ ّ‬
‫يكون لبعض النّاس دون بعض ‪ .‬قال ‪ :‬لنّه لو سلّم‬
‫ل منهم ‪ ،‬ولخرج‬ ‫ل من لقي لتشاغل به عن ك ّ‬ ‫على ك ّ‬
‫به عن العرف ‪.‬‬
‫سلم عند دخول بيت أو مسجد وإن لم‬ ‫استحباب ال ّ‬
‫يكن فيه أحد ‪:‬‬
‫ب إذا دخل بيته أن يسلّم وإن لم يكن فيه‬ ‫‪ - 24‬يستح ّ‬
‫صالحين‬ ‫سلم علينا وعلى عباد اللّه ال ّ‬ ‫أحد وليقل ‪ :‬ال ّ‬
‫‪ .‬وكذا إذا دخل مسجدا ً ‪ ،‬أو بيتا ً لغيره فيه أحد‬
‫سلم علينا وعلى‬ ‫ب أن يسلّم وأن يقول ‪ :‬ال ّ‬ ‫يستح ّ‬
‫سلم عليكم أهل البيت‬ ‫صالحين ‪ ،‬ال ّ‬ ‫عباد اللّه ال ّ‬
‫ورحمة اللّه وبركاته ‪.‬‬
‫سلم عند مفارقة المجلس ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫م قام ليفارقهم ‪،‬‬ ‫سا مع قوم ث ّ‬ ‫‪ - 25‬إذا كان جال ً‬
‫سنّة أن يسلّم عليهم ‪ ،‬لما ورد عن أبي هريرة‬ ‫فال ّ‬
‫رضي الله عنه قال ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ « :‬إذا انتهى أحدكم إلى مجلس‬
‫م إذا‬ ‫فليسلّم ‪ ،‬فإن بدا له أن يجلس فليجلس ‪ ،‬ث ّ‬
‫قام فليسلّم ‪ ،‬فليست الولى بأحقّ من الخرة » ‪.‬‬
‫سلم ‪:‬‬ ‫ن أنّه ل يرد ّ ال ّ‬ ‫سلم على من يظ ّ‬ ‫إلقاء ال ّ‬

‫‪505‬‬
‫‪ - 26‬قال النّوويّ ‪ :‬إذا مّر على واحد أو أكثر وغلب‬
‫ما لتكبّر الممرور‬ ‫على ظنّه أنّه إذا سلّم ل يرد ّ عليه إ ّ‬
‫ما لغير ذلك‬ ‫سلم ‪ ،‬وإ ّ‬ ‫ما لهماله الماّر أو ال ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬وإ ّ‬
‫سلم‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫فينبغي أن يسلّم ول يتركه لهذا الظ ّ ّ‬
‫مأمور به ‪ ،‬والّذي أمر به الماّر أن يسلّم ولم يؤمر‬
‫ن الممرور عليه قد يخطئ‬ ‫صل الّرد ّ ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫بأن يح ّ‬
‫ن فيه ويرد ّ ‪.‬‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ب لمن سلّم على إنسان‬ ‫م قال النّوويّ ‪ :‬ويستح ّ‬ ‫ث ّ‬
‫جه عليه الّرد ّ بشروطه فلم يرد ّ ‪،‬‬ ‫وأسمعه سلمه وتو ّ‬
‫أن يحلّله من ذلك فيقول ‪ :‬أبرأته من حّقي في ردّ‬
‫ل منه ونحو ذلك ‪ ،‬ويلفظ‬ ‫سلم أو جعلته في ح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫بهذا ‪ ،‬فإنّه يسقط به حقّ هذا الدم ّ‬
‫ب لمن سلّم على إنسان فلم يرد ّ عليه أن‬ ‫ويستح ّ‬
‫سلم واجب ‪ ،‬فينبغي‬ ‫يقول له بعبارة لطيفة ‪ :‬رد ّ ال ّ‬
‫ي ليسقط عنك فرض الّرد ّ ‪.‬‬ ‫لك أن ترد ّ عل ّ‬
‫سلم عند زيارة الموتى ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫سلم عند زيارة النّب ّ‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫وصاحبيه ‪:‬‬
‫ي ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫ج زيارة النّب ّ‬ ‫ل حا ّ‬ ‫‪ - 27‬يندب لك ّ‬
‫ن زيارته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫وسلم ‪ -‬بالمدينة فإ ّ‬
‫مها وأربح المساعي‬ ‫‪ -‬من أعظم القربات ‪ ،‬وأه ّ‬
‫وأفضل الطّلبات ‪ ،‬وانظر بحث ( زيارة ) ‪.‬‬
‫م أتى‬ ‫وإذا أتى الّزائر المسجد صلّى تحيّة المسجد ث ّ‬
‫القبر الكريم ‪ ،‬فاستقبله واستدبر القبلة على نحو‬
‫ب أن‬ ‫أربعة أذرع من جدار القبر وسلّم ‪ ،‬ويستح ّ‬
‫سلم عليك‬ ‫سلم عليك يا رسول اللّه ‪ ،‬ال ّ‬ ‫يقول ‪ " :‬ال ّ‬
‫سلم عليك يا حبيب اللّه ‪،‬‬ ‫يا خيرة اللّه من خلقه ‪ ،‬ال ّ‬
‫سلم عليكم يا سيّد المرسلين ‪ ،‬وخاتم النّبيّين ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم عليك وعلى آلك وأصحابك وأهل بيتك وعلى‬ ‫ال ّ‬

‫‪506‬‬
‫صالحين ‪ ،‬أشهد أنّك بلّغت الّرسالة‬ ‫النّبيّين وسائر ال ّ‬
‫مة ‪ ،‬فجزاك اللّه عنّا‬ ‫وأدّيت المانة ‪ ،‬ونصحت ال ّ‬
‫مته " ول يرفع صوته‬ ‫أفضل ما جزى رسول ً عن أ ّ‬
‫بذلك ‪.‬‬
‫سلم على رسول اللّه ‪-‬‬ ‫وإن كان قد أوصاه أحد بال ّ‬
‫سلم عليك يا‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ " :‬ال ّ‬
‫رسول اللّه من فلن بن فلن " ‪.‬‬
‫خر قدر ذراع إلى جهة يمينه فيسلّم على أبي‬ ‫م يتأ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫سلم عليك يا خليفة‬ ‫بكر رضي الله عنه ويقول ‪ " :‬ال ّ‬
‫سلم عليك يا صدّيق رسول اللّه ‪،‬‬ ‫رسول اللّه ‪ ،‬ال ّ‬
‫أشهد أنّك جاهدت في اللّه حقّ جهاده ‪ ،‬جزاك اللّه‬
‫مد خيرا ً رضي اللّه عنك وأرضاك وجعل‬ ‫مة مح ّ‬ ‫عن أ ّ‬
‫صحابة‬ ‫ل ال ّ‬ ‫الجنّة متقلّبك ومثواك ‪ ،‬ورضي اللّه عن ك ّ‬
‫أجمعين " ‪.‬‬
‫سلم على عمر رضي الله عنه‬ ‫خر ذراعا ً لل ّ‬ ‫م يتأ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫سلم عليك يا صاحب رسول اللّه ‪،‬‬ ‫ويقول ‪ " :‬ال ّ‬
‫سلم عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق ‪ ،‬أشهد‬ ‫ال ّ‬
‫ق جهاده ‪ ،‬جزاك اللّه عن‬ ‫أنّك جاهدت في اللّه ح ّ‬
‫مد خيرا ً ‪ ،‬رضي اللّه عنك وأرضاك وجعل‬ ‫مة مح ّ‬ ‫أ ّ‬
‫صحابة‬ ‫ل ال ّ‬ ‫الجنّة متقلّبك ومثواك ‪ ،‬ورضي اللّه عن ك ّ‬
‫م يرجع إلى موقفه الوّل قبالة وجه‬ ‫أجمعين " ث ّ‬
‫رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫سلم عند زيارة القبور ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫ي ‪ :‬زيارة القبور من أعظم الدّواء‬ ‫‪ - 28‬قال القرطب ّ‬
‫للقلب القاسي ‪ ،‬لنّها تذكّر الموت والخرة ‪ .‬وذلك‬
‫صر المل والّزهد في الدّنيا ‪ ،‬ترك‬ ‫يحمل على قِ َ‬
‫الّرغبة فيها ‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫سنّة أ ّ‬ ‫وتذكر كتب ال ّ‬
‫وسلم ‪ -‬كان يزور القبور ويسلّم على ساكنيها ‪،‬‬
‫ويعلّم أصحابه ذلك ‪.‬‬
‫فعن بريدة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ « :‬كان رسول‬
‫اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلّمهم إذا خرجوا إلى‬
‫سلم عليكم أهل‬ ‫المقابر ‪ ،‬فكان قائلهم يقول ‪ :‬ال ّ‬
‫الدّيار من المؤمنين والمسلمين ‪ ،‬وإنّا إن شاء اللّه‬
‫بكم للحقون ‪ ،‬وأسأل اللّه لنا ولكم العافية » ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ « :‬كان رسول‬
‫اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كلّما كان ليلتها من‬
‫رسول اللّه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يخرج من آخر‬
‫سلم عليكم دار قوم‬ ‫اللّيل إلى البقيع فيقول ‪ :‬ال ّ‬
‫جلون ‪ ،‬وإنّا إن‬ ‫مؤمنين ‪ ،‬وأتاكم ما توعدون غدا ً مؤ ّ‬
‫م اغفر لهل بقيع الغرقد‬ ‫شاء اللّه بكم لحقون ‪ ،‬اللّه ّ‬
‫»‪.‬‬
‫ي أو رجل من‬ ‫قول ‪ " :‬عليه السلم " عند ذكر نب ّ‬
‫صالحين ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫سلم على من ذكر في الغيبة مقصور على‬ ‫‪ - 29‬ال ّ‬
‫النبياء والملئكة عند ذكرهم ‪ ،‬مثل قولك نوح عليه‬
‫السلم أو إبراهيم عليه السلم أو جبريل عليه‬
‫م عَلَى‬ ‫سَل ٌ‬‫سيا ً بقوله تعالى ‪َ { :‬‬ ‫السلم ‪ ،‬وذلك تأ ّ‬
‫م}‬ ‫م عَلَى إِبَْراهِي َ‬ ‫سَل ٌ‬
‫ن } وقوله ‪َ { :‬‬ ‫مي َ‬ ‫نُوٍح فِي الْعَال َ ِ‬
‫ن } وقوله ‪:‬‬ ‫سى وَهَاُرو َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ع َلَى ُ‬ ‫سَل ٌ‬ ‫وقوله ‪َ { :‬‬
‫سلم على‬ ‫ن } نعم يجوز ال ّ‬ ‫سي َ‬ ‫م ع َلَى إ ِ ْ‬
‫ل يَا ِ‬ ‫سَل ٌ‬‫{ َ‬
‫آلهم وأصحابهم تبعا ً لهم دون استقلل ‪.‬‬
‫سلم على غيرهم من المؤمنين‬ ‫ما ال ّ‬ ‫‪ - 30‬وأ ّ‬
‫ي‬‫مد الجوين ّ‬ ‫شيخ أبو مح ّ‬ ‫صالحين استقلل ً فمنعه ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم هو في معنى‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شافعيّة ‪ ،‬وقال ‪ :‬بأ ّ‬ ‫من ال ّ‬
‫صلة فل يستعمل في الغائب ‪ ،‬فل يفرد به غير‬ ‫ال ّ‬

‫‪508‬‬
‫ي عليه‬‫النبياء ‪ ،‬فل يقال أبو بكر عليه السلم ول عل ّ‬
‫ما‬
‫السلم ‪ ،‬وسواء في هذا الحياء والموات وأ ّ‬
‫الحاضر فيخاطب به فيقال ‪ :‬سلم عليك أو سلم‬
‫سلم عليك أو عليكم ‪.‬‬ ‫عليكم أو ال ّ‬
‫سلم يشرع‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلة بأ ّ‬‫وفّرق آخرون بينه وبين ال ّ‬
‫ي وميّت وغائب وحاضر ‪،‬‬ ‫ل مؤمن من ح ّ‬ ‫قك ّ‬ ‫في ح ّ‬
‫صلة ‪ ،‬فإنّها من‬ ‫وهو تحيّة أهل السلم بخلف ال ّ‬
‫حقوق الّرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم وآله ‪ -‬ولهذا‬
‫سلم علينا وعلى عباد اللّه‬ ‫يقول المصلّي ‪ :‬ال ّ‬
‫صلة علينا ‪.‬‬ ‫صالحين ‪ ،‬ول يقول ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫سلم الّذي يخرج به من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سلم عند‬ ‫صلة ل يكون إل ّ بال ّ‬ ‫‪ - 31‬الخروج من ال ّ‬
‫سلم ركن من‬ ‫ن ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫المالكيّة وال ّ‬
‫صلة عندهم ‪ -‬لقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬ ‫أركان ال ّ‬
‫صلة الطّهور وتحريمها التّكبير ‪،‬‬ ‫‪ « -‬مفتاح ال ّ‬
‫وتحليلها التّسليم » ‪.‬‬
‫سلم عندهم ليس ركنا ً بل هو‬ ‫ما الحنفيّة فال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن الّرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم‬ ‫واجب ‪ ،‬ل ّ‬
‫يعلّمه المسيء صلته ‪ ،‬ولو كان فرضا ً لمر به ‪ ،‬إذ ل‬
‫يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ‪ .‬فالخروج من‬
‫سلم ‪ ،‬ويكون بغيره من ك ّ‬
‫ل‬ ‫صلة عندهم يكون بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫مت صلته ‪ ،‬ول‬ ‫صلة ‪ ،‬وقد ت ّ‬ ‫عمل أو قول مناف لل ّ‬
‫يحتاج إلى سلم ‪ .‬وتفصيله في ( تسليم ) ‪.‬‬
‫سلم الّذي يخرج به من صلة الجنازة يكون‬ ‫هذا وال ّ‬
‫بعد آخر تكبيرة ‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في ( صلة الجنازة )‬
‫====================‬
‫سلَس *‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪509‬‬
‫سهولة واللّيونة ‪ ،‬والنقياد‬ ‫سلس في اللّغة ‪ :‬ال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫والسترسال ‪ ،‬وعدم الستمساك قال في المصباح ‪:‬‬
‫ن فهو سلس ‪،‬‬ ‫سلس سلسا ً من باب تعب سهل وَل َ َ‬
‫سلس بالفتح ‪،‬‬ ‫ورجل سلس بالكسر بيّن ال ّ‬
‫سلسة أيضا ً سهولة الخلق ‪ ،‬وسلس البول‬ ‫وال ّ‬
‫استرساله ‪ ،‬وعدم استمساكه‪ ،‬لحدوث مرض‬
‫بصاحبه ‪ ،‬وصاحبه سلس بالكسر ‪.‬‬
‫سلس عند الفقهاء ‪ :‬استرسال الخارج بدون‬ ‫وال ّ‬
‫ي ‪،‬أو ودي‪ ،‬أو غائط‬ ‫اختيار من بول ‪ ،‬أو مذي ‪ ،‬أو من ّ‬
‫سلس ‪ ،‬على ‪ :‬الخارج نفسه‬ ‫‪ ،‬أو ريح ‪ ،‬وقد يطلق ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الستحاضة ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الستحاضة ‪ :‬هي سيلن الدّم من المرأة في غير‬
‫أيّام حيضها وهو دم فساد ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المرض ‪:‬‬
‫‪ - 3‬المرض في الصطلح ‪ :‬ما يعرض للبدن فيخرجه‬
‫ص‪.‬‬‫عن العتدال الخا ّ‬
‫ج ‪ -‬النّجاسة ‪:‬‬
‫حة‬‫ما عينيّة ‪ ،‬وهي ‪ :‬مستقذر يمنع ص ّ‬ ‫‪ - 4‬النّجاسة ‪ :‬إ ّ‬
‫خص ‪ ،‬أو حكميّة وهي وصف يقوم‬ ‫صلة حيث ل مر ّ‬ ‫ال ّ‬
‫خص ‪.‬‬ ‫صلة حيث ل مر ّ‬ ‫حة ال ّ‬ ‫ل ‪ ،‬يمنع ص ّ‬ ‫بالمح ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم الجمال ّ‬
‫من به سلس ‪:‬‬ ‫صلة م ّ‬ ‫أ ‪ -‬الوضوء وال ّ‬
‫سلس ‪ :‬حدث دائم ‪ ،‬صاحبه معذور ‪ ،‬فيعامل‬ ‫‪ - 5‬ال ّ‬
‫ة تختلف عن‬ ‫ص ً‬‫ة خا ّ‬ ‫في وضوئه وعبادته ‪ ،‬معامل ً‬
‫ن‬
‫حاء ‪ ،‬فقد ذكر الحنفيّة أ ّ‬ ‫معاملة غيره من الص ّ‬
‫المستحاضة ‪ ،‬ومن به سلس البول ‪ ،‬أو استطلق‬
‫البطن ‪ ،‬أو انفلت الّريح ‪ ،‬أو رعاف دائم ‪ ،‬أو جرح ل‬

‫‪510‬‬
‫ي صلى‬ ‫ل صلة ‪ ،‬لقول النّب ّ‬ ‫ضئون لوقت ك ّ‬ ‫يرقأ ‪ ،‬يتو ّ‬
‫ضأ لوقت ك ّ‬
‫ل‬ ‫الله عليه وسلم ‪ « :‬المستحاضة تتو ّ‬
‫صلة » ويقاس عليها غيرها من أصحاب العذار ‪،‬‬
‫ويصلّون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من‬
‫سيلن ‪،‬‬ ‫ضأ على ال ّ‬ ‫الفرائض ‪ ،‬والنّوافل ‪ ،‬وإن تو ّ‬
‫م النقطاع باستيعاب‬ ‫وصلّى على النقطاع ‪ ،‬وت ّ‬
‫صلة‬‫الوقت الثّاني أعاد ‪ ،‬وكذا إذا انقطع في خلل ال ّ‬
‫م النقطاع ‪.‬‬ ‫وت ّ‬
‫ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة ‪،‬‬
‫صحيح وهو قول أبي حنيفة ‪.‬‬ ‫سابق وهو ال ّ‬ ‫بالحدث ال ّ‬
‫وقال زفر ‪ :‬يبطل بدخول الوقت ‪ ،‬وقال أبو يوسف‬
‫مد ‪ :‬يبطل بهما ‪.‬‬ ‫ومح ّ‬
‫ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقيا ً بشرطين ‪ :‬أن‬
‫ضأ لعذره وأن ل يطرأ عليه حدث آخر كخروج‬ ‫يتو ّ‬
‫ريح أو سيلن دم من موضع آخر ‪.‬‬
‫سلس إن فارق أكثر‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫الّزمان ولزم أقلّه فإنّه ينقض الوضوء فإن لزم‬
‫ل فل ينقض هذا إذا لم‬ ‫ل أو الك ّ‬ ‫النّصف وأولى الج ّ‬
‫يقدر على رفعه فإن قدر على رفعه فإنّه ينقض‬
‫مطلقا ً كسلس مذي لطول عزوبة أو مرض يخرج‬
‫من غير تذكّر أو تفكّر أمكنه رفعه بتداو أو صوم أو‬
‫تزوّج ويغتفر له زمن التّداوي والتّزوّج وندب الوضوء‬
‫سلس أكثر الّزمن وأولى نصفه ل‬ ‫عندهم إن لزم ال ّ‬
‫ل النّدب في ملزمة الكثر‬ ‫مه فل يندب ‪ ،‬مح ّ‬ ‫إن ع ّ‬
‫ق الوضوء ببرد ونحوه فل‬ ‫ق ‪ ،‬ل إن ش ّ‬ ‫إن لم يش ّ‬
‫خرو المالكيّة في اعتبار الملزمة‬ ‫يندب وقد تردّد متأ ّ‬
‫صلة‬ ‫من دوام وكثرة ومساواة وقلّة في وقت ال ّ‬
‫شمس من اليوم‬ ‫ة وهو من الّزوال إلى طلوع ال ّ‬ ‫ص ً‬ ‫خا ّ‬
‫صلة فيعتبر‬ ‫الثّاني أو اعتبارها مطلقا ً ل بقيد وقت ال ّ‬

‫‪511‬‬
‫حتّى من الطّلوع إلى الّزوال ‪ ،‬وفي قول العراقيّين‬
‫سلس مطلقا ً غير أنّه يندب‬ ‫من المالكيّة ل ينقض ال ّ‬
‫ل الّزمان فل يندب ‪.‬‬ ‫الوضوء منه إن لم يلزم ك ّ‬
‫ص بها من به حدث‬ ‫شافعيّة ستّة شروط يخت ّ‬ ‫وذكر ال ّ‬
‫شد ّ ‪ ،‬والعصب ‪،‬‬ ‫دائم كسلس واستحاضة وهي ‪ :‬ال ّ‬
‫ل فريضة بعد دخول الوقت على‬ ‫والوضوء لك ّ‬
‫صحيح كما في الّروضة وتجزئ قبله على وجه شاذّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل فريضة ‪ ،‬ونيّة الستباحة على‬ ‫‪ ،‬وتجديد العصابة لك ّ‬
‫ح‪.‬‬‫صلة في الص ّ‬ ‫المذهب والمبادرة إلى ال ّ‬
‫صلة كستر العورة والذان‬ ‫خر لمصلحة ال ّ‬ ‫فلو أ ّ‬
‫والقامة وانتظار الجماعة والجتهاد في قبلته‬
‫سترة لم يضّر لنّه ل‬ ‫والذ ّهاب إلى مسجد وتحصيل ال ّ‬
‫ل فرض ولو منذوراً‬ ‫ضأ لك ّ‬ ‫صرا ً ‪ ،‬ويتو ّ‬
‫يعد ّ بذلك مق ّ‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫مم لبقاء الحدث« لقول النّب ّ‬ ‫كالمتي ّ‬
‫ل صلة »‬ ‫ضئي لك ّ‬ ‫وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش‪ :‬تو ّ‬
‫ويصلّي به ما شاء من النّوافل فقط ‪ ،‬وصلة الجنازة‬
‫لها حكم النّافلة ‪ ،‬ولو زال العذر وقتا ً يسع الوضوء‬
‫صلة كانقطاع الدّم مثل ً وجب الوضوء وإزالة ما‬ ‫وال ّ‬
‫على الفرج من الدّم ونحوه ‪.‬‬
‫ل فرض ‪،‬‬ ‫ي يلزمه الغسل لك ّ‬ ‫ومن أصابه سلس من ّ‬
‫صلة وجب بل‬ ‫ولو استمسك الحدث بالجلوس في ال ّ‬
‫صلة ل رفع‬ ‫إعادة ‪ ،‬وينوي المعذور استباحة ال ّ‬
‫الحدث لنّه دائم الحدث ل يرفعه وضوءه وإنّما يبيح‬
‫له العبادة ‪.‬‬
‫شافعيّة إل ّ في مسألة‬ ‫والحنابلة في هذا كلّه كال ّ‬
‫ن صاحب‬ ‫ل فرض فإنّهم ذهبوا إلى أ ّ‬ ‫الوضوء لك ّ‬
‫ل وقت ‪ ،‬ويصلّي به ما شاء‬ ‫ضأ لك ّ‬‫الحدث الدّائم يتو ّ‬
‫من الفرائض والنّوافل كما ذكر الحنفيّة والفقهاء‬
‫سوى المالكيّة متّفقون على وجوب تجديد الوضوء‬

‫‪512‬‬
‫للمعذور وقال المالكيّة باستحبابه كما سبق ‪،‬‬
‫شافعيّة‬ ‫والوضوء يكون بعد دخول الوقت عند ال ّ‬
‫والحنابلة ‪.‬‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في الوضوء وال ّ‬
‫إمامة من به سلس ‪:‬‬
‫اتّفق الفقهاء على أنّه إذا كان المام مريضاً‬
‫ما إذا‬ ‫صلة جائزة ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫سلس والمأموم كذلك فال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫سلس والمأموم سليما ً فقد‬ ‫كان المام مريضا ً بال ّ‬
‫اختلف الفقهاء في جواز إمامة المريض لصلة غيره‬
‫حاء على قولين ‪:‬‬ ‫من الص ّ‬
‫القول الوّل ‪ :‬وهو قول الحنفيّة والحنابلة ومقابل‬
‫ن أصحاب‬ ‫شافعيّة عدم الجواز ل ّ‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫الص ّ‬
‫ة ‪ ،‬لكن جعل الحدث‬ ‫العذار يصلّون مع الحدث حقيق ً‬
‫الموجود في حّقهم كالمعدوم ‪ ،‬للحاجة إلى الداء فل‬
‫صحيح‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ضرورة تقدّر بقدرها ول ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫يتعدّاهم ‪ ،‬ل ّ‬
‫أقوى حال ً من المعذور ول يجوز بناء القويّ على‬
‫ضعيف ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫والقول الثّاني ‪ :‬وهو قول المالكيّة في المشهور‬
‫حة صلتهم من غير‬ ‫ح الجواز لص ّ‬ ‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ق صاحبها‬ ‫إعادة ولنّه إذا عفي عن العذار في ح ّ‬
‫ن عمر رضي الله عنه‬ ‫ق غيره ول ّ‬ ‫عفي عنها في ح ّ‬
‫كان إماما ً وأخبر أنّه يجد ذلك " أي سلس المذي "‬
‫ن المالكيّة صّرحوا بكراهة إمامة‬ ‫ول ينصرف ‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫حاء ‪ .‬والتّفصيل في مصطلح‬ ‫أصحاب العذار للص ّ‬
‫( عذر ) ‪.‬‬
‫==================‬
‫سماع *‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪513‬‬
‫سمعاً‬ ‫سماع ‪ :‬مصدر سمع ‪ ،‬وسمع له يسمع َ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫سمعا ً وسماعا ً ومن معانيه ‪:‬‬ ‫و ِ‬
‫صوت سماعا ً إذا أدركه‬ ‫أ ‪ -‬الدراك ‪ :‬يقال ‪ :‬سمع ال ّ‬
‫سماع بمعنى‬ ‫سمع فهو سامع ‪ ،‬ومنه ال ّ‬ ‫سة ال ّ‬ ‫بحا ّ‬
‫استماع الغناء واللت المطربة وقد يطلق على‬
‫الغناء ذاته ‪.‬‬
‫صلة ‪ " :‬سمع‬ ‫ب ‪ -‬ومنها الجابة ‪ :‬كما في أدعية ال ّ‬
‫اللّه لمن حمده " أي ‪ :‬أجاب من حمده وتقبّله منه ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ومنها الفهم ‪ :‬يقال ‪ " :‬سمعت كلمه إذا فهمت‬
‫معنى لفظه " ‪.‬‬
‫د ‪ -‬القبول ‪ :‬مثل سمع عذره إذا قبل ‪ ،‬وسمع‬
‫القاضي البيّنة قبلها ‪،‬وسمع الدّعوى لم يردّها‪ .‬ول‬
‫ي عن هذه المعاني اللّغويّة ‪.‬‬ ‫يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫صلة ‪:‬‬‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الستماع ‪:‬‬
‫سماع يكون بقصد وبغير قصد في حين ل‬ ‫‪ - 2‬ال ّ‬
‫ما‬‫سماع اس ً‬ ‫يكون الستماع إل ّ بقصد ‪ ،‬ويكون ال ّ‬
‫للمسموع فيقال للغناء سماع ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬النصات ‪:‬‬
‫سكوت وترك اللّغو من أجل‬ ‫‪ - 3‬النصات هو ال ّ‬
‫سماع والستماع ( ر ‪ :‬استماع ) ‪ ،‬وقد أورد اللّه‬ ‫ال ّ‬
‫ل ذكره ‪: -‬‬ ‫تعالى الكلمتين بهذا المعنى في قوله ‪ -‬ج ّ‬
‫صتُوا ْ } والمعنى‬ ‫َ‬
‫ه وَأن ِ‬‫معُوا ْ ل َ ُ‬ ‫{ َوإِذ َا قُرِئَ الُْقْرآ ُ‬
‫ن فَا ْ‬
‫ست َ ِ‬
‫ص على ذلك أهل اللّغة والتّفسير ‪ " : -‬إذا‬ ‫حسبما ن ّ‬
‫قرأ المام فاستمعوا إلى قراءته ول تتكلّموا " كما‬
‫وردتا معا ً في أحاديث نبويّة كثيرة ‪ ،‬ووردتا كذلك في‬
‫قول عثمان بن عّفان ‪ -‬فيما رواه مالك ‪ -‬إذا قام‬
‫المام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا وأنصتوا ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الصغاء ‪:‬‬

‫‪514‬‬
‫ة‬
‫سماع الستماع مبالغ ً‬ ‫‪ - 4‬هو أن يجمع إلى حسن ال ّ‬
‫صيغة من دللة‬ ‫منه هذه ال ّ‬ ‫في النصات ‪ ،‬لما تتض ّ‬
‫ن المستمع قد أمال سمعه أو أذنه إلى‬ ‫على أ ّ‬
‫ل شيء‬ ‫صوت حتّى ينقطع عن ك ّ‬ ‫المتكلّم أو مصدر ال ّ‬
‫يشغله عنه ‪.‬‬
‫د ‪ -‬الغناء ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬صوت مرتفع متوال ‪ ،‬وقال‬ ‫‪ - 5‬الغناء بالمد ّ ‪ -‬لغ ً‬
‫صوت ما طرب به ‪.‬‬ ‫ابن سيده ‪ :‬الغناء ‪ -‬من ال ّ‬
‫شاف‬ ‫ي في كتابه ‪ :‬ك ّ‬ ‫واصطلحا ً ‪ :‬عّرفه القرطب ّ‬
‫شعر وما يقاربه من‬ ‫صوت بال ّ‬ ‫القناع ‪ :‬أنّه رفع ال ّ‬
‫سماع‬ ‫الّرجز على نحو مخصوص ‪ .‬فالغناء نوع من ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫والتّغبير ‪ :‬ضرب من الغناء يذكّر بالغابرة وهي‬
‫مغب ِّرة قوم يُغَب ِّرون بذكر اللّه تعالى‬ ‫الخرة ‪ .‬وال ُ‬
‫بدعاء وتضّرع ‪ ،‬وقد أطلق عليهم هذا السم‬
‫لتزهيدهم النّاس في الفانية وهي الدّنيا وترغيبهم‬
‫في الباقية وهي الخرة ‪ ،‬وهو من ( غَبََر ) الّذي‬
‫يستعمل للباقي كما يستعمل للماضي ‪ ،‬وقد كرهه‬
‫ي لنّه يلهي عن القرآن واعتبره من‬ ‫شافع ّ‬ ‫المام ال ّ‬
‫شيخ ابن تيميّة ‪ :‬إنّه من‬ ‫عمل الّزنادقة ‪ ،‬وقال فيه ال ّ‬
‫مة فكيف‬ ‫سماع ومع ذلك كرهه الئ ّ‬ ‫أمثل أنواع ال ّ‬
‫بغيره ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫الحكم الجمال ّ‬
‫حكم صلة الجماعة والجمعة في حقّ من يسمع‬
‫الذان ‪:‬‬
‫صلوات‬ ‫‪ - 6‬اختلف الفقهاء فيمن سمع الذان لل ّ‬
‫الخمس ‪ ،‬ما عدا الجمعة فذهب بعضهم ‪ :‬إلى‬
‫ن ذلك غير‬ ‫وجوب حضورها ‪ ،‬وذهب آخرون إلى أ ّ‬
‫متعيّن بل هي فرض على الكفاية وذهب غيرهما إلى‬

‫‪515‬‬
‫ما الجمعة فحضورها فرض عين‬ ‫أنّها سنّة مؤكّدة وأ ّ‬
‫بشروطه ‪ ،‬وينظر التّفصيل في ( صلة الجماعة ‪،‬‬
‫وصلة الجمعة ) ‪.‬‬
‫ما يقوله سامع الذان ‪:‬‬
‫ن لمن سمع الذان أن يقول مثلما يقول‬ ‫‪ - 7‬يس ّ‬
‫صحيحة الواردة في ذلك ومنها‬ ‫المؤذ ّن للحاديث ال ّ‬
‫قوله ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ « -‬إذا سمعتم النّداء‬
‫فقولوا مثل ما يقول المؤذ ّن » ‪ .‬وفي رواية ‪ «:‬إلّ‬
‫ي على الفلح فقولوا ‪ :‬ل‬ ‫صلة ‪ ،‬ح ّ‬ ‫ي على ال ّ‬ ‫في ح ّ‬
‫سامع‬ ‫ن لل ّ‬‫م الذان يس ّ‬ ‫حول ول قوّة إل ّ باللّه»‪ .‬فإذا ت ّ‬
‫أن يطلب الوسيلة والفضيلة لرسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم لحديث جابر بن عبد اللّه رضي الله‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال ‪« :‬‬ ‫عنهما أ ّ‬
‫ب هذه الدّعوة‬ ‫مر ّ‬ ‫من قال حين يسمع النّداء ‪ :‬اللّه ّ‬
‫مدا ً الوسيلة والفضيلة‬ ‫صلة القائمة آت مح ّ‬ ‫مة وال ّ‬ ‫التّا ّ‬
‫وابعثه مقاما ً محمودا ً الّذي وعدته ‪ -‬حلّت له‬
‫شفاعتي يوم القيامة » ‪.‬‬
‫وانظر ( أذان ) ‪.‬‬
‫إسماع المصلّي قراءة نفسه ‪:‬‬
‫ل ما يجزئ في‬ ‫ن أق ّ‬
‫‪ - 8‬ذهب جمهور الفقهاء إلى أ ّ‬
‫حالة السرار قراءة مسموعة يسمعها نفسه لو كان‬
‫ن ما دون ذلك‬ ‫سميعا ً مثلما هو مقّرر في التّكبير ل ّ‬
‫ليس عندهم بقراءة ‪.‬‬
‫ن المطلوب في حالة السرار‬ ‫ص المالكيّة على أ ّ‬ ‫ون ّ‬
‫أن يسمع المصلّي قراءته نفسه دون غيره ويمكن‬
‫أن يكتفي فيها ‪ -‬عندهم ‪ -‬بتحريك اللّسان بالقرآن‬
‫دون أن يلزم بإسماع نفسه ‪ ،‬قال ابن القاسم ‪" :‬‬
‫تحريك لسان المسّر فقط يجزئه ولو أسمع أذنيه‬
‫ي ‪ .‬ول يجزئ ما دون ذلك كالقراءة‬ ‫ب إل ّ‬
‫كان أح ّ‬

‫‪516‬‬
‫حة‬ ‫ن تحريك اللّسان شرط أدنى في ص ّ‬ ‫بالقلب ‪ ،‬ل ّ‬
‫القراءة ‪.‬‬
‫قال ابن القاسم ‪ :‬كان مالك ل يرى ما قرأ به الّرجل‬
‫صلة في نفسه ما لم يحّرك به لسانه قراءةً‬ ‫في ال ّ‬
‫ن من حلف‬ ‫وبنا ًء على ذلك نقل عن شيوخ المالكيّة أ ّ‬
‫ن الجنب يجوز له‬ ‫أن ل يقرأ فقرأ بقلبه لم يحنث ‪ .‬وأ ّ‬
‫أن يقرأ القرآن بقلبه ما لم يحّرك به لسانه " ‪.‬‬
‫ن أدنى ما يطلب من المصلّي‬ ‫ما حالة الجهر ‪ -‬فإ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ة‬
‫ص ً‬‫فيها أن يسمع نفسه ومن يليه ول حد ّ لعله خا ّ‬
‫إذا كان إماما ً إذ عليه أن يبالغ في رفع صوته بقدر‬
‫ما يسمع المأمومين لنّهم مطالبون بالستماع‬
‫والنصات له دون القراءة ‪ .‬وينظر مصطلح ( صلة‬
‫الجماعة ) ‪.‬‬
‫ما المرأة فدون الّرجل في الجهر إذ عليها أن‬ ‫أ ّ‬
‫ة مثلما هو مقّرر في حّقها‬ ‫ص ً‬
‫تسمع نفسها خا ّ‬
‫بالنّسبة للتّلبية وبذلك يكون أعلى جهرها وأدناه‬
‫واحدًا فيستوي في حّقها الحالتان ‪.‬‬
‫سماع خطبة الجمعة لمن تنعقد بهم ‪:‬‬
‫ي‬
‫‪ - 9‬ذهب الحنفيّة ‪ ،‬والمالكيّة ‪ ،‬والحنابلة ‪ ،‬والوزاع ّ‬
‫‪ ،‬إلى وجوب سماع الخطبة لمن تنعقد بهم ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وعروة بن الّزبير ‪ ،‬وسعيد بن‬ ‫ومذهب ال ّ‬
‫وري ‪ ،‬وهو إحدى‬ ‫ّ‬ ‫ي ‪ ،‬والث ّ‬
‫ي ‪ ،‬والنّخع ّ‬ ‫شعب ّ‬ ‫جبير ‪ ،‬وال ّ‬
‫ن ذلك سنّة ‪.‬‬ ‫الّروايتين عن أحمد إلى أ ّ‬
‫انظر ‪ :‬مصطلحي ( استماع ‪ ،‬وصلة الجمعة ) ‪.‬‬
‫سجدة ‪:‬‬ ‫سجود لسماع ‪ :‬آي ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 10‬يترتّب سجود التّلوة على استماع آية من آياته‬
‫مة في حكمه ‪ .‬وينظر التّفصيل‬ ‫على خلف بين الئ ّ‬
‫في مصطلح ( سجود التّلوة ) ‪.‬‬
‫سماع الدّعوى ‪:‬‬

‫‪517‬‬
‫‪ - 11‬سماع الدّعوى ‪ -‬في عرف الفقهاء ‪ -‬ل يكون إلّ‬
‫من يقوم مقامه ‪ .‬وهم يريدون بهذا‬ ‫من القاضي أو م ّ‬
‫سماع أمرين متتاليين ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫الوّل ‪ :‬النصات والصغاء إليها لستيعابها وإدراك‬
‫خفاياها عند رفعها إليه من المدّعي أو وكيله حيث‬
‫سماع هنا يجب أن يكون كاملً‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صوا على أ ّ‬ ‫ن ّ‬
‫صحيح الّذي أمر به عمر بن‬ ‫صل ً للفهم ال ّ‬ ‫شامل ً مح ّ‬
‫الخطّاب أبا موسى الشعريّ في رسالة القضاء‬
‫المشهورة ‪ ،‬حين قال ‪ " :‬فافهم إذا أدلي إليك إذ ل‬
‫يتمكّن أيّ حاكم مهما كانت درجته من الحكم بالحقّ‬
‫إل ّ بنوعين من الفهم " ‪.‬‬
‫النّوع الوّل ‪ :‬فهم الدّعوى الّتي عرضت عليه ‪ ،‬وقد‬
‫عبّر عنه ابن القيّم بفهم الواقع والفقه فيه ‪.‬‬
‫الثّاني ‪ :‬فهم الواجب في الواقع وهو فهم حكم اللّه‬
‫الّذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم في ذلك الواقع المتقدّم ذكره ‪.‬‬
‫ل ما من شأنه أن‬ ‫وقد حرص الفقهاء على توفير ك ّ‬
‫يساعد على سلمة هذه المرحلة مرحلة سماع‬
‫الدّعوى وفهمها فنبّهوا ‪:‬‬
‫شروط‬ ‫سمع والنّطق من ال ّ‬ ‫ن سلمة ال ّ‬ ‫أوّل ً ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫الّتي ينبغي أن تتوافر في القاضي لستمرار وليته ‪،‬‬
‫وهذا قول جمهور الفقهاء ‪.‬‬
‫وثانيا ً ‪ :‬إلى أنّه مأمور ‪ -‬إذا لم يدرك كلم أحد‬
‫الخصمين ‪ -‬أن يطالبه بالعادة حتّى يفهم عنه ما‬
‫يقول فهما ً كافيا ً ‪.‬‬
‫وأخيرا ً أكّدوا على تجنّب ما من شأنه أن يشغل‬
‫سامع عن المتابعة والنتباه وحضور القلب‬ ‫ال ّ‬
‫واستصفاء الفكر كالغضب والجوع المفرط‬
‫شديد واللم المزعج ومدافعة أحد‬ ‫والعطش ال ّ‬

‫‪518‬‬
‫الخبثين ‪ ،‬وشدّة النّعاس ‪ ،‬والحزن والفرح وما إليها‬
‫‪.‬‬
‫والصل في ذلك كلّه قوله عليه الصلة والسلم ‪« :‬‬
‫ل يقضي القاضي أو ل يحكم الحاكم بين اثنين وهو‬
‫غضبان » وقول عمر بن الخطّاب رضي الله عنه‬
‫في رسالته المذكورة ‪ " :‬إيّاك والغضب والقلق‬
‫ضجر والتّأذ ّي بالنّاس والتّنكّر لهم عند الخصومة "‬ ‫وال ّ‬
‫‪.‬‬
‫المر الثّاني ‪ :‬قبول الدّعوى من المدّعي يقال ‪:‬‬
‫سمع القاضي دعوى فلن إذا قبلها ‪ ،‬ويقال لم‬
‫يسمعها إذا ردّها ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬هذه دعوى مسموعة‬
‫أي ‪ :‬مستجمعة لشروط القبول ‪ ،‬وتلك دعوى غير‬
‫مسموعة أي ‪ :‬أنّها لم تستكمل ما يطلب لسماعها ‪.‬‬
‫وقد عّرف الفقهاء الدّعوى بتعريفات متقاربة يدعم‬
‫بعضها البعض ويشرحه ‪.‬‬
‫ن الدّعوى ‪ -‬مهما كان نوعها‬ ‫والّذي يتعيّن ذكره هنا أ ّ‬
‫‪ -‬ل يتّجه سماعها ول يتحتّم إل ّ في حالتين ‪ :‬الولى ‪:‬‬
‫ة لشروطها ‪.‬‬ ‫ة مستجمع ً‬ ‫أن تكون صحيح ً‬
‫ة ببيّنة شرعيّة تشهد‬ ‫والثّانية ‪ :‬أن تكون مدعوم ً‬
‫بصدق دعوى المدّعي ‪.‬‬
‫وانظر مصطلح ( دعوى ) ‪.‬‬
‫فسماع الدّعوى في الحالة الولى يوجب للمدّعي‬
‫طلب الجواب من المدّعى عليه مع حمله على‬
‫اليمين إن أنكر ‪ ،‬وفي الحالة الثّانية يوجب سماعها‬
‫شرعيّة الّتي‬ ‫جة ال ّ‬‫الحكم للمدّعي بمقتضى الح ّ‬
‫أقامها ‪.‬‬
‫شهادة ‪:‬‬ ‫سماع ال ّ‬
‫شاهد لقوله‬ ‫شهادة ل تجوز إل ّ بما علمه ال ّ‬ ‫‪ - 12‬ال ّ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ن ال َّ‬
‫س ْ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إ ِ َّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك بِهِ ِ‬ ‫ما لَي ْ َ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَل َ تَْق ُ‬
‫ف َ‬

‫‪519‬‬
‫سؤُول ً } ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ع َن ْ ُ‬ ‫ك كَا َ‬ ‫ل أُولئ ِ َ‬‫فؤ َاد َ ك ُ ُّ‬
‫صَر َوال ْ ُ‬‫َ‬ ‫َوالْب َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وقوله ‪ -‬ج ّ‬
‫م‬
‫ِّ َ ْ‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ق‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫ال‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫شه‬ ‫من‬ ‫ل ذكره ‪ { : -‬إ ِ َ‬
‫ل‬
‫ة عن قول إخوة‬ ‫ن } وقوله سبحانه حكاي ً‬ ‫مو َ‬‫يَعْل َ ُ‬
‫شهدنا إل َّ‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫ب‬‫ّ‬ ‫الن‬ ‫وقول‬ ‫}‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫من‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ما َ ِ ْ َ ِ‬ ‫يوسف ‪ { :‬وَ َ‬
‫شمس‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬إذا علمت مثل ال ّ‬
‫شهادة‬ ‫فاشهد وإل ّ فدع » ‪ .‬والعلم الّذي تقع به ال ّ‬
‫يحصل بطريقتين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الّرؤية ‪:‬‬
‫وتكون في الفعال كالغصب والتلف والّزنا وشرب‬
‫سرقة والكراه ونحوها ‪ ،‬كما تكون في‬ ‫الخمر وال ّ‬
‫جر‬‫صفات المرئيّة مثل العيوب في المبيع والمؤ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫وأحد الّزوجين ‪.‬‬
‫سماع ‪ :‬وهو نوعان ‪:‬‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫صوت من المشهود عليه في‬ ‫أحدهما ‪ :‬سماع ال ّ‬
‫سامع مبصرا ً أم غير مبصر‬ ‫القوال سواء أكان ال ّ‬
‫سلم‬‫مثل ما يقع به إبرام العقود كالبيع والجارة وال ّ‬
‫ما يحتاج فيه إلى سماع كلم‬ ‫والّرهن وغيرها م ّ‬
‫سامع وتيّقن أنّها مصدر ما‬ ‫المتعاقدين ‪ ،‬إذا عرفها ال ّ‬
‫سمع ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ( شهادة ) ‪.‬‬
‫سماع " التّسامع " ‪:‬‬ ‫شهادة بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سة‬ ‫شهادة الّتي يكون طريقها حا ّ‬ ‫‪ - 13‬وهي ‪ :‬ال ّ‬
‫سمع بما فيه الكفاية ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وينظر التّفصيل في مصطلح ( شهادة ) ‪.‬‬
‫سماع الغناء والموسيقى ‪:‬‬
‫‪ - 14‬اختلف العلماء في حكم سماع الغناء‬
‫والموسيقى على مذاهب تنظر في ( استماع ‪،‬‬
‫غناء ‪ ،‬معازف )‬
‫حكم سماع صوت المرأة ‪:‬‬

‫‪520‬‬
‫‪ - 15‬سامع صوت المرأة إن كان يتلذ ّذ به أو خاف‬
‫ة حرم عليه استماعه وإل ّ فل ‪ .‬وينظر‬ ‫على نفسه فتن ً‬
‫التّفصيل في ( استماع ) ‪.‬‬
‫حكم سماع القرآن ‪:‬‬
‫‪ - 16‬استماع القرآن عند تلوته مطلوب شرعا ً لقوله‬
‫صتُواْ‬ ‫َ‬
‫ه وَأن ِ‬‫معُوا ْ ل َ ُ‬
‫ست َ ِ‬ ‫تعالى ‪ { :‬وَإِذ َا قُرِئَ الُْقْرآ ُ‬
‫ن فَا ْ‬
‫َ‬
‫ن } ولستماع القرآن آداب وأحكام‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫لَعَل ّك ُ ْ‬
‫م تُْر َ‬
‫مبيّنة تفصيل ً في مصطلح ( استماع ‪ ،‬تلوة ‪ ،‬قرآن )‬
‫‪.‬‬
‫حكم سماع الحديث ‪:‬‬
‫سنن والثار‬ ‫ن سماع الحديث النّبويّ وطلب ال ّ‬ ‫‪ - 17‬إ ّ‬
‫وإتقان ذلك وضبطه وحفظه ووعيه هو من فروض‬
‫شريعة الّتي تعبّدنا اللّه بها متلّقاة من‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الكفاية ل ّ‬
‫نبيّنا صلى الله عليه وسلم بصفته مبلّغا ً ما نّزله اللّه‬
‫عليه من وحي متلوّ معجز النّظام وهو القرآن‬
‫مروي ليس بمعجز ول متلوّ ولكنّه‬ ‫ّ‬ ‫الكريم ‪ ،‬ووحي‬
‫مقروء مسموع وهو ما ورد عنه في الحاديث‬
‫مة جمعه وتحصيله قد ألقيت على‬ ‫والخبار ‪ .‬ومه ّ‬
‫ة أعلمها وذوي القدرة من‬ ‫ص ً‬
‫مة وخا ّ‬ ‫كواهل ال ّ‬
‫سماع والتّقييد والحفظ‬ ‫م لهم ذلك إل ّ بال ّ‬ ‫أبنائها‪ ،‬ول يت ّ‬
‫والتّدوين ‪.‬‬
‫ضر اللّه‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬ن ّ‬ ‫وقد قال النّب ّ‬
‫ً‬
‫ب‬‫امرأ سمع منّا حديثا ً فحفظه حتّى يبلّغه غيره ‪ ،‬فر ّ‬
‫ب حامل فقه‬ ‫حامل فقه إلى من هو أفقه منه ور ّ‬
‫ليس بفقيه » ‪.‬‬
‫وفي رواية ثانية للتّرمذيّ عن ابن مسعود قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول ‪« :‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ضر اللّه امرأ سمع منّا شيئا ً فبل ّغه كما سمع فر ّ‬
‫ب‬ ‫ن ّ‬
‫مبلّغ أوعى من سامع » ‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫ث عليه الصلة والسلم على اعتماد هذا الطّريق‬ ‫وح ّ‬
‫أخذ ًا وعطاءً فقال ‪ :‬فيما رواه عنه ابن عبّاس ‪« :‬‬
‫من سمع منكم » ‪.‬‬ ‫تسمعون ويسمع منكم ويسمع م ّ‬
‫ن في الحديثين إشارةً إلى أنّه يراد للعلم‬ ‫ول يخفى أ ّ‬
‫الستماع والنصات والحفظ والعمل والنّشر ‪.‬‬
‫ص العلماء على اعتبار التّمييز في سماع‬ ‫وقد ن ّ‬
‫الحديث فإن فهم الخطاب ورد ّ الجواب كان مميّزاً‬
‫سماع وإل ّ فل ‪ ،‬وهو رأي أغلب أهل العلم‬ ‫صحيح ال ّ‬
‫منهم موسى بن هارون وأحمد بن حنبل ‪.‬‬
‫صنعة حدّدوا أوّل‬ ‫ن أهل ال ّ‬ ‫ونقل القاضي عياض أ ّ‬
‫سماع بخمس سنين ‪ ،‬وعلى هذا‬ ‫ح فيه ال ّ‬‫زمن يص ّ‬
‫البخاري‬
‫ّ‬ ‫استقّر العمل ‪ .‬اعتمادا ً على ما رواه‬
‫ومسلم عن محمود بن الّربيع قال ‪ « :‬عقلت من‬
‫جها في وجهي‬ ‫ة م َّ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم م َّ‬
‫ج ً‬ ‫النّب ّ‬
‫من دلو من بئر كانت في دارنا وأنا ابن خمس سنين‬
‫» ‪ .‬ولعلّهم رأوا هذا التّحديد بناءً على أنّه أدنى ما‬
‫يحصل فيه ضبط ما يسمع وإل ّ فمرد ّ ذلك للعادة‬
‫وحدها إذ المر يختلف باختلف استعداد الشخاص‬
‫مل ‪،‬‬ ‫للخذ والتّلّقي كما يختلف باختلف طرق التّح ّ‬
‫وهي أنواع كثيرة ضبطها أهل الّرواية في ثمانية‬
‫شيخ وهو‬ ‫أقسام أوّلها ‪ :‬سماع الحديث من لفظ ال ّ‬
‫أرفع القسام عند جمهور أهل العلم وأدناها الوجادة‬
‫‪.‬‬
‫ب فيه أن يبتدئ الطّالب‬ ‫ن الّذي يستح ّ‬ ‫س ّ‬
‫ما ال ّ‬
‫أ ّ‬
‫ة وقيل عشرون‪،‬‬ ‫لسماع الحديث فقيل ثلثون سن ً‬
‫شروع في سماع الحديث أن يتخلّق‬ ‫وعليه قبل ال ّ‬
‫بأخلق أهله وأن يلتزم بزيّهم ويتأدّب بأدبهم وأن‬
‫سكينة والمواظبة في طلبه وإخلص‬ ‫يلزم الوقار وال ّ‬
‫صبر على ما‬ ‫النّيّة فيه والتّواضع لمن يأخذ عنه وال ّ‬

‫‪522‬‬
‫ما يساعد على‬ ‫يلقاه في سبيله ونحو هذا م ّ‬
‫مل والتّحميل ‪.‬‬ ‫سر التّح ّ‬ ‫الستفادة والفادة ويي ّ‬
‫سماع اللّغو ‪:‬‬
‫ما لنّه يورد‬ ‫‪ - 18‬اللّغو من الكلم ‪ - :‬ما ل يعتد ّ به إ ّ‬
‫ارتجال ً عن غير رويّة ودون تثبّت وتفكير فيجري‬
‫مجرى اللّغا الّذي يطلق على صوت العصافير‬
‫ونحوها من الطّيور ‪.‬‬
‫ما لنّه يورد في غير موضعه فيخرجه ذلك عن‬ ‫وإ ّ‬
‫صواب كمن قال لصاحبه ‪ :‬أنصت والمام يخطب ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫أو كمن دعا لهل الدّنيا في خطبة الجمعة ‪.‬‬
‫ل كلم قبيح باطل‪ ،‬كالخوض‬ ‫وقد يطلق اللّغو على ك ّ‬
‫شتم ‪ ،‬والّرفث ‪ ،‬وما‬ ‫ب ‪ ،‬وال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫في المعاصي ‪ ،‬وال ّ‬
‫إليها ‪ .‬قال اللّه تعالى ‪ -‬في صفة المؤمنين ‪: -‬‬
‫َّ‬
‫مُّروا كَِراما ً } ‪ .‬أي ‪ :‬كنّوا عن‬ ‫مُّروا بِالل ِ َ‬
‫ْو‬ ‫غ‬ ‫{ َوإِذ َا َ‬
‫القبيح ‪ ،‬وتعّففوا عن التّصريح به ‪ ،‬وقيل معناه ‪ :‬إذا‬
‫صادفوا أهل اللّغو لم يخوضوا معهم في باطلهم أو‬
‫في سقط كلمهم ‪.‬‬
‫وما دام اللّغو بهذا المعنى الّذي ل يجلب نفعا ً ‪ ،‬ول‬
‫ن سماعه‬ ‫يدفع إثما ً ‪ ،‬ول يتّصل بقصد صحيح ‪ ،‬فإ ّ‬
‫كالخوض فيه ل يخرج حكمه عن الحظر والكراهة ‪،‬‬
‫تبعا ً لشدّة اتّصاله بالمفاسد ‪ ،‬وانفكاكه عنها ‪.‬‬
‫والمؤمنون مطالبون بالعراض عنه ‪ ،‬والحجام عن‬
‫سماعه ‪ ،‬والخوض فيه إطلقا ً لنّه ليس من أخلقهم‬
‫ل صوره ‪ -‬مع جدّهم وكمال‬ ‫ول يتناسب ‪ -‬في أق ّ‬
‫نفوسهم ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ح ال ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن هُ ْ‬
‫الذِي َ‬ ‫ن‪،‬‬ ‫منُو َ‬ ‫مؤْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬قَد ْ أفْل َ َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ْو‬ ‫غ‬ ‫الل‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ن‬
‫ن ‪ ،‬وَال َ‬
‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫شعُو َ‬ ‫خا ِ‬‫م َ‬‫صَلتِهِ ْ‬
‫فِي َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫ُ‬

‫‪523‬‬
‫َ‬
‫ن َل‬ ‫صفتهم ‪َ { : -‬وال ّذِي َ‬ ‫ل ذكره ‪ -‬في‬ ‫وقال ج ّ‬
‫َ‬
‫مُّروا كَِراما ً }‪ .‬وقال‬ ‫مُّروا بِالل ّغْوِ َ‬ ‫ن الُّزوَر َوإِذ ََا َ‬ ‫شهَدُو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫مالُنَا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َوقَالُوا لَنَا أعْ َ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫معُوا الل ّغْوَ أعَْر ُ‬ ‫س ِ‬ ‫‪َ { :‬وإِذ َا َ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫جا‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫َل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫مال‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ولَك ُم أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫=================‬
‫سورة *‬ ‫ُ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫صها‬ ‫م ‪ :‬المنزلة وخ ّ‬ ‫ض ّ‬ ‫سورة بال ّ‬ ‫ة ‪ :‬ال ّ‬ ‫سورة لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫شرف ‪.‬‬ ‫سعيد بالّرفعة ‪ ،‬وعّرفها بعضهم بال ّ‬ ‫ابن ال ّ‬
‫وقيل ‪ :‬الدّرجة ‪ ،‬قيل ‪ :‬ما طال من البناء وحسن‬
‫وقيل ‪ :‬هي العلمة ‪.‬‬
‫واصطلحا ً ‪ :‬عّرفها بعض العلماء بأنّها ‪ :‬طائفة‬
‫متميّزة من آيات القرآن ذات مطلع وخاتمة ‪ .‬وقيل‬
‫م‬
‫ى تا ّ‬ ‫سورة تمام جملة من المسموع تحيط بمعن ً‬ ‫‪ :‬ال ّ‬
‫سور بالمدينة ‪.‬‬ ‫بمنزلة إحاطة ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬القرآن ‪:‬‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫‪ - 2‬القرآن ‪ :‬هو المنّزل على النّب ّ‬
‫وسلم ‪ .‬المكتوب في المصاحف ‪ ،‬المنقول عنه نقلً‬
‫متواترا ً بل شبهة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اليات ‪:‬‬
‫ة العلمة والعبرة ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬اليات ‪ :‬جمع آية ‪ :‬وهي لغ ً‬
‫واصطلحا ً ‪ :‬هي جزء من سورة من القرآن تبيّن‬
‫أوّله وآخره توقيفا ً ‪.‬‬
‫سورة ل بد ّ أن‬ ‫ن ال ّ‬ ‫سورة ‪ :‬أ ّ‬ ‫والفرق بينها وبين ال ّ‬
‫ل عن ثلث آيات ‪،‬‬ ‫ص بها ‪ ،‬ول تق ّ‬ ‫يكون لها اسم خا ّ‬
‫ي ‪ ،‬وقد‬ ‫ما الية ‪ :‬فقد يكون لها اسم كآية الكرس ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ل يكون ‪ ،‬وهو الكثر ‪.‬‬
‫ر ‪ :‬التّفصيل في مصطلح ( آية ) ‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم الجمال ّ‬
‫سور عند القراءة ‪:‬‬ ‫تنكيس ال ّ‬
‫ب‬
‫ن القرآن الكريم يستح ّ‬ ‫‪ - 4‬مذهب الجمهور أ ّ‬
‫ة كما هي في المصحف الكريم ‪،‬‬ ‫سوَ ِرهِ مرتّب ً‬ ‫قراءة ُ‬
‫صلة أن ينكّس‬ ‫صلة وخارج ال ّ‬ ‫وكرهوا للقارئ في ال ّ‬
‫َ‬
‫م يقرأ‬ ‫ح}ث ّ‬ ‫م نَ ْ‬
‫شَر ْ‬ ‫سور كأن يقرأ { أل َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫حى } ‪ ،‬فقد سئل عبد اللّه بن مسعود ‪-‬‬ ‫{ َوال ُّ‬
‫ض َ‬
‫من يقرأ القرآن منكوسا ً ‪ .‬قال ‪:‬‬ ‫رضي الله عنه ‪ -‬ع ّ‬
‫ذلك منكوس القلب ‪ .‬ولكن أجاز بعض الفقهاء هذا‬
‫صبيان‬
‫التّنكيس إذا كان على وجه التّعليم ‪ ،‬كتعليم ال ّ‬
‫لحفظ القرآن ‪ .‬أو على وجه الذ ّكر ‪ ،‬ولكن يرى‬
‫ن ذلك خلف الولى ‪ ( .‬ر ‪ :‬قرآن‬ ‫المالكيّة أ ّ‬
‫ومصحف ) ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫حكم قراءة سورة الفاتحة في ال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫‪ - 5‬ذهب الجمهور من المالكيّة ‪ ،‬وال ّ‬
‫ل ركعة ‪،‬‬ ‫ن قراءة الفاتحة ركن في ك ّ‬ ‫والحنابلة إلى أ ّ‬
‫م يقرأ‬‫لقوله عليه الصلة والسلم ‪ « :‬ل صلة لمن ل َ ْ‬
‫بفاتحة الكتاب » ‪.‬‬
‫شافعيّة قالوا ‪ :‬هي ركن مطلقا ً ‪ ،‬والّراجح‬ ‫ن ال ّ‬ ‫إل ّ أ ّ‬
‫عند المالكيّة ‪ :‬أنّها فرض لغير المأموم في صلة‬
‫جهريّة وفي المذهب عدّة أقوال ‪.‬‬
‫صلة‬ ‫ن قراءة الفاتحة في ال ّ‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫صلة عندهم‬ ‫ليست بركن ‪ ،‬ولكن الفرض في ال ّ‬
‫سر من القرآن ‪ .‬لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫قراءة ما تي ّ‬
‫ن}‪.‬‬ ‫ن الُْقْرآ ِ‬‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ما تَي َ َّ‬
‫{ فَاقَْرؤُوا َ‬
‫ن اللّه تعالى أمر بقراءة‬ ‫ووجه الستدلل بهذه الية أ ّ‬
‫سر من القرآن مطلقا ً ‪ ،‬وتقييده بفاتحة الكتاب‬ ‫ما تي ّ‬
‫ص ‪ ،‬وهذا ل يجوز ‪ ،‬لنّه نسخ‬ ‫زيادة على مطلق الن ّ ّ‬

‫‪525‬‬
‫فيكون أدنى ما يطلق عليه القرآن فرضا ً لكونه‬
‫مأمورا ً به ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫سورة بعد الفاتحة عمدا ً في ال ّ‬ ‫ترك ال ّ‬
‫سورة‬ ‫‪ - 6‬ل خلف بين جمهور الفقهاء في سنّيّة ال ّ‬
‫الّتي بعد الفاتحة ‪ ،‬ولكن الخلف وقع فيمن تركها‬
‫مدا ً ‪ .‬ر ‪ :‬التّفصيل في مصطلح ( سهو ‪،‬‬ ‫ناسيا ً أو متع ّ‬
‫صلة ) ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫سورة في الّركعتين الخريين من ال ّ‬ ‫قراءة ال ّ‬
‫‪ - 7‬ذهب الجمهور من المالكيّة والحنابلة وهو الظهر‬
‫ن قراءة سورة بعد‬ ‫شافعيّة ‪ :‬إلى أنّه ل يس ّ‬ ‫عند ال ّ‬
‫مة صلة‬ ‫ن عا ّ‬‫الفاتحة في الّركعتين الخريين ‪ ،‬ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أنّه ل يقرأ فيها شيئا ً ‪،‬‬ ‫النّب ّ‬
‫ن المصلّي في الّركعة الثّالثة ل‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫يجب عليه شيء إن شاء سكت وإن شاء قرأ وإن‬
‫شاء سبّح ‪ ،‬وإن قرأ يقرأ الفاتحة على وجه الثّناء‬
‫والذ ّكر ‪.‬‬
‫( ر ‪ :‬التّفصيل في مصطلح صلة ) ‪.‬‬
‫سورة بعد الفاتحة في الّركعتين الوليين ‪:‬‬ ‫تكرار ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة‬ ‫‪ - 8‬ذهب الجمهور من الحنفيّة وال ّ‬
‫سورة من‬ ‫إلى أنّه ل بأس للمصلّي أن يكّرر ال ّ‬
‫القرآن الّتي قرأها في الّركعة الولى فعن رجل من‬
‫جهينة « سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‬
‫صبح { إِذ َا ُزلْزِلَت } في الّركعتين كلتيهما‬ ‫يقرأ في ال ّ‬
‫فل أدري أنسي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أم‬
‫قرأ ذلك عمدا ً » ‪.‬‬
‫وحديث « الّرجل الّذي كان يصلّي بالنّاس فكان يقرأ‬
‫ل هُو الل َّ َ‬
‫حد ٌ } فقال ‪ :‬إنّي‬ ‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫ل سورة { قُ ْ َ‬ ‫قبل ك ّ‬
‫أحبّها ‪ .‬فقال له الّرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫حبّك إيّاها أدخلك الجنّة » ‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫سورة ‪ ،‬وقال‬ ‫وذهب المالكيّة إلى كراهية تكرار ال ّ‬
‫بعضهم ‪ :‬هو خلف الولى ‪ .‬فقد قال ابن عمر ‪-‬‬
‫ل سورة حظّها من الّركوع‬ ‫رضي الله عنهما ‪ " -‬لك ّ‬
‫سجود‬ ‫وال ّ‬
‫سورتين من القرآن في ركعة واحدة ‪:‬‬ ‫جمع ال ّ‬
‫‪ - 9‬ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الجمع بين‬
‫سورتين في الّركعة الواحدة واستدلّوا على ذلك‬ ‫ال ّ‬
‫ي‬
‫ن النّب ّ‬‫بما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه قال ‪ « :‬إ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قرأ في ركعة سورة البقرة‬
‫والنّساء وآل عمران » وقال ابن مسعود ‪ - :‬رضي‬
‫الله عنه ‪ « -‬لقد عرفت النّظائر الّتي كان رسول‬
‫ن ‪ -‬فذكر‬ ‫اللّه صلى الله عليه وسلم يقرن بينه ّ‬
‫صل سورتين من آل حاميم‬ ‫عشرين سورة ً من المف ّ‬
‫ل ركعة » ‪.‬‬ ‫في ك ّ‬
‫وفّرق الحنابلة بين النّافلة والفريضة في الجمع بين‬
‫سور في الّركعة الواحدة فقالوا ‪ :‬ل بأس أن يكون‬ ‫ال ّ‬
‫سابقة حيث إنّها‬ ‫في النّوافل لما ثبت في الّروايات ال ّ‬
‫كانت في النّافلة ‪ ،‬كقيام اللّيل وغيره ‪ ،‬واستحبّوا‬
‫في الفريضة أن يقتصر على سورة بعد الفاتحة ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هكذا كان يصلّي‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ما الّرواية‬ ‫أكثر صلته ‪ ،‬وهي رواية عندهم ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن‬
‫الخرى فهي كمذهب المالكيّة وهي الكراهية « ل ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أمر معاذا ً أن يقرأ‬ ‫النّب ّ‬
‫بسورة في صلته » ‪ .‬ولقول عبد اللّه بن عمر ‪-‬‬
‫رضي الله عنهما ‪ -‬عندما قال له رجل ‪ :‬إنّي قرأت‬
‫ن اللّه تعالى لو شاء‬ ‫صل في ركعة قال ‪ :‬إ ّ‬ ‫المف ّ‬
‫ل سورة‬ ‫صله ‪ ،‬لتعطى ك ّ‬ ‫ة واحدة ً ولكن ف ّ‬ ‫لنزله جمل ً‬
‫سجود ‪.‬‬ ‫حظّها من الّركوع وال ّ‬
‫سورة في صلة الجنازة ‪:‬‬ ‫قراءة ال ّ‬

‫‪527‬‬
‫‪ - 10‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة ‪ :‬إلى أنّه ليس في‬
‫صلة الجنازة قراءة ‪ ،‬وما ثبت عنه في قراءتها إنّما‬
‫كان يقرأ في سبيل الثّناء ل على وجه القراءة ‪.‬‬
‫ي‬‫ن النّب ّ‬‫ولقول ابن مسعود رضي الله عنه ‪ « :‬إ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يوقّت فيها قول ً ‪ ،‬ول قراء ً‬
‫ة‬
‫ن ما ل ركوع فيه ‪ ،‬ل قراءة فيه ‪ ،‬كسجود‬ ‫» ول ّ‬
‫التّلوة ‪.‬‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى وجوب قراءة سورة‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫الفاتحة في صلة الجنازة فقد ثبت عن ابن عبّاس‬
‫رضي الله عنهما ‪ « -‬أنّه صلّى على جنازة فقرأ‬
‫سنّة أو من تمام‬ ‫بفاتحة الكتاب فقال ‪ :‬إنّه من ال ّ‬
‫م شريك قالت ‪ « :‬أمرنا رسول اللّه‬ ‫سنّة » فعن أ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن نقرأ على الجنازة بفاتحة‬
‫الكتاب » ‪ .‬وأيضا ً هو داخل في عموم قوله ‪ -‬صلى‬
‫م‬‫الله عليه وسلم ‪ « : -‬ل صلة لمن لم يقرأ بأ ّ‬
‫القرآن » ‪.‬‬
‫ولنّها صلة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة‬
‫صلوات ‪.‬‬ ‫كسائر ال ّ‬
‫سورة الّتي بعد الفاتحة فقد‬ ‫ما بالنّسبة لقراءة ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ن صلة‬ ‫ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم قراءتها ‪ ،‬ل ّ‬
‫الجنازة شرع فيها التّخفيف ولهذا ل يقرأ فيها بعد‬
‫الفاتحة شيء ‪.‬‬
‫والتّفصيل في مصطلح ( جنائز ) ‪.‬‬
‫=================‬
‫شروع *‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫شروع مصدر شرع ‪ .‬يقال ‪ :‬شرعت في المر‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫أشرع شروعا ً ‪ ،‬أخذت فيه ‪ ،‬وشرعت في الماء‬
‫شروعا ً شربت بكّفيك أو دخلت فيه ‪ ،‬وشرعت‬

‫‪528‬‬
‫شريعة ‪،‬‬ ‫المال ‪ -‬أي البل ‪ -‬أشرعه ‪ :‬أوردته ال ّ‬
‫وشرع الباب إلى الطّابق شروعا ً ‪ :‬اتّصل به ‪،‬‬
‫ة ‪ ،‬وأشرعت‬ ‫م ً‬
‫وطريق شارع يسلكه النّاس عا ّ‬
‫الجناح إلى الطّريق ‪ :‬وضعته ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬شرع اللّه الدّين ‪ ،‬أي سنّه وبيّنه ‪ ،‬ومنه‬
‫شريعة وهي ما شرعه اللّه لعباده من العقائد‬ ‫ال ّ‬
‫والحكام ‪.‬‬
‫ي عن معناه اللّغويّ ‪.‬‬ ‫ول يخرج المعنى الصطلح ّ‬
‫شروع ‪:‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬
‫شروع في العبادات ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫شروع في العبادات‬ ‫ن ال ّ‬‫‪ - 2‬اتّفق الفقهاء على أ ّ‬
‫ة أو حكما ً بحسب‬ ‫يتحّقق بالفعل مقرونا ً بالنّيّة حقيق ً‬
‫شروع في‬ ‫ل عبادة ‪ ،‬فعلى سبيل المثال يكون ال ّ‬ ‫ك ّ‬
‫صوم‬‫ة بالنّيّة ‪ ،‬وال ّ‬‫صلة بتكبيرة الحرام مقرون ً‬ ‫ال ّ‬
‫شروع فيه بالنّيّة والمساك ‪.‬‬ ‫يكون ال ّ‬
‫ج‪،‬‬
‫( انظر مصطلح ‪ :‬عبادة ‪ ،‬نيّة ‪ ،‬صلة ‪ ،‬صوم ‪ ،‬ح ّ‬
‫جهاد ‪ ،‬ذكر ) ‪.‬‬
‫شروع في المعاملت ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫شروع في المعاملت ‪ :‬بالقول ‪ ،‬أو ما‬ ‫‪ - 3‬يتحّقق ال ّ‬
‫يقوم مقامه وينوب عنه من ‪ :‬المعاطاة عند من‬
‫يقول بها ‪ ،‬أو الكتابة ‪ ،‬أو الشارة ‪.‬‬
‫ول تعد ّ النّيّة هنا شروعا ً في البيع ‪ ،‬أو النّكاح ‪ ،‬أو‬
‫الجارة ‪ ،‬أو الهبة ‪ ،‬أو الوقف ‪ ،‬أو الوصيّة ‪ ،‬أو‬
‫العاريّة ‪ ،‬أو غيرها من أصناف المعاملت ‪ ،‬لنّنا ل‬
‫نعلم القصد المنويّ ‪ .‬فهذه المعاملت مبنيّة على‬
‫اليجاب والقبول ‪ ،‬فإيجاب الموجب بقوله ‪ " :‬بعتك‬
‫كذا وكذا " شروع في البيع ‪ ،‬فإذا قبل البائع هذا‬
‫م البيع ‪.‬‬
‫اليجاب ت ّ‬
‫شروع في الجنايات ‪:‬‬ ‫ال ّ‬

‫‪529‬‬
‫شروع في الجنايات والحدود ‪ :‬بالفعل‬ ‫‪ - 4‬يتحّقق ال ّ‬
‫ل بالقول ‪ ،‬ول بالنّيّة ‪.‬‬
‫شروع ‪:‬‬ ‫ما يجب إتمامه بال ّ‬
‫‪ 4‬م ‪ -‬ما أوجبه اللّه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬على المكلّف‬
‫‪ ،‬إذا شرع فيه وجب عليه إتمامه باتّفاق‪ ،‬ول يجوز له‬
‫قطعه أو النصراف عنه إل ّ بعد إتمامه ‪.‬‬
‫ضرورة الّتي تمنع من‬ ‫ويستثنى من ذلك حالة ال ّ‬
‫إتمامه ‪ ،‬كأن ينتقض وضوء المصلّي ‪ ،‬أو يغمى‬
‫صلة ‪ ،‬أو غير ذلك‬ ‫عليه ‪ ،‬أو تحيض المرأة أثناء ال ّ‬
‫ما يعوق المكلّف عن التمام ‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫انظر مصطلح ( استئناف ‪ ،‬حيض ‪ ،‬صلة ) ‪.‬‬
‫ل مفروض من ‪ :‬صيام أو زكاة ‪ ،‬أو‬ ‫صلة ك ّ‬ ‫ومثل ال ّ‬
‫ج ‪ ،‬إذا شرع فيه وجب إتمامه ‪ ،‬ويأثم بتركه ‪ ،‬وقد‬ ‫ح ّ‬
‫يجلب عليه العقاب في الدّنيا ‪ ،‬كالكّفارة لمن أفطر‬
‫مدا ً في رمضان بدون عذر ‪ ،‬ولزوم الهدي لمن‬ ‫متع ّ‬
‫جه أو عمرته ‪ ،‬وإعادتهما في العام القابل‬ ‫أفسد ح ّ‬
‫مته ‪.‬‬‫أمر لزم متعلّق بذ ّ‬
‫شارع في فرض الكفاية ‪ ،‬إذا‬ ‫ما ال ّ‬ ‫ي‪:‬أ ّ‬ ‫قال الّزركش ّ‬
‫أراد قطعه فإن كان يلزم من قطعه بطلن ما مضى‬
‫من الفعل حرم كصلة الجنازة ‪ ،‬وإل ّ فإن لم تفت‬
‫شارع ‪ ،‬بل حصلت‬ ‫بقطعه المصلحة المقصودة لل ّ‬
‫م حضر آخر‬ ‫بتمامها ‪ ،‬كما إذا شرع في إنقاذ غريق ث ّ‬
‫لنقاذه جاز قطعا ً ‪.‬‬
‫ن من التقط ليس له نقله‬ ‫نعم ذكروا في اللّقيط أ ّ‬
‫إلى غيره ‪ ،‬وإن حصل المقصود ‪ ،‬لكن ل على التّمام‬
‫ن له القطع أيضا ً ‪ ،‬كالمصلّي في جماعة‬ ‫حأ ّ‬ ‫‪ ،‬والص ّ‬
‫شارع في‬ ‫ينفرد ‪ ،‬وإن قلنا الجماعة فرض كفاية‪ ،‬وال ّ‬
‫ن قطعه له ل يجب به بطلن ما عرفه أوّل ً ‪،‬‬ ‫العلم فإ ّ‬

‫‪530‬‬
‫ن بعضه ل يرتبط ببعض ‪ ،‬وفرض الكفاية قائم‬ ‫ل ّ‬
‫صور ثلثة ‪:‬‬ ‫بغيره ‪ ،‬فال ّ‬
‫قطع يبطل الماضي فيبطل قطعا ً ‪ ،‬وقطع ل يبطله‬
‫شاهد فيجوز قطعا ً ‪ ،‬وقطع ل يبطل أصل‬ ‫ول يفوّت ال ّ‬
‫المقصود ‪ ،‬ولكن يبطل أمرا ً مقصودا ً على الجملة ‪،‬‬
‫ففيه خلف ‪.‬‬
‫ي من الحنابلة ‪ :‬يتعيّن فرض الكفاية‬ ‫قال الفتوح ّ‬
‫شروع فيه ‪ ،‬ويجب إتمامه على الظهر ويؤخذ‬ ‫بال ّ‬
‫شروع من مسألة حفظ القرآن ‪ ،‬فإنّه‬ ‫لزومه بال ّ‬
‫صحيح‬ ‫شروع فيه على ال ّ‬ ‫يحرم ترك الحفظ بعد ال ّ‬
‫من المذهب ‪ ،‬وفي وجه يكره ‪.‬‬
‫جاً‬
‫سنن فإن كان ح ّ‬ ‫شارع من ال ّ‬ ‫ما ما ندب إليه ال ّ‬ ‫‪ -5‬أ ّ‬
‫أو عمرة ً وشرع فيهما وجب عليه التمام باتّفاق ‪،‬‬
‫مَرةَ لِلّهِ } ‪ .‬وإن‬ ‫ج وَالْعُ ْ‬ ‫موا ْ ال ْ َ‬
‫ح َّ‬ ‫لقوله تعالى ‪ { :‬وَأَت ِ ُّ‬
‫ل خلف ‪:‬‬ ‫شروع فيه مح ّ‬ ‫كان غيرهما فإتمامه بعد ال ّ‬
‫ن من شرع في نفل لزمه‬ ‫فذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫َ‬
‫م } فما‬ ‫مالَك ُ ْ‬
‫إتمامه لقوله تعالى ‪ { :‬وَل تُبْطِلُوا أعْ َ‬
‫ن العمل‬ ‫أدّاه وجب صيانته وحفظه عن البطال ‪ ،‬ل ّ‬
‫صار حّقا ً للّه ‪ ،‬ول سبيل إلى حفظه إل ّ بالتزام‬
‫الباقي ‪ ،‬فوجب التمام ضرورة ً ‪.‬‬
‫فإن خرج منه بدون عذر ‪ ،‬لزمه القضاء ‪ ،‬وعليه‬
‫الثم ‪ ،‬والعقاب على تركه ‪ ،‬وإن خرج منه لعذر‬
‫لزمه القضاء ‪ .‬فأصبحت النّافلة عندهم واجبا ً بعد‬
‫شروع ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن من خرج من النّفل بعذر ‪،‬‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫فل قضاء عليه ‪ ،‬ومن خرج من غير عذر ‪ ،‬فعليه‬
‫القضاء ‪.‬‬
‫شافعيّة إلى أنّه إذا شرع في النّفل لم‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫ي فيه ‪ ،‬ول يجب عليه القضاء إذا لم‬ ‫يلزمه المض ّ‬

‫‪531‬‬
‫شروع ‪،‬‬ ‫ما شرع غير لزم قبل ال ّ‬ ‫ن النّفل ل ّ‬
‫مه ‪ ،‬ل ّ‬ ‫يت ّ‬
‫ن حقيقة‬ ‫شروع ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وجب أن يبقى كذلك بعد ال ّ‬
‫مه صار مؤدّيا ً للنّفل ‪،‬‬ ‫شروع ولو أت ّ‬ ‫شرع ل تتغيّر بال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ما لو شرع في صوم نفل‬ ‫ل مسقطا ً للوجوب ‪ .‬أ ّ‬
‫صحيح ‪.‬‬ ‫فنذر إتمامه ‪ ،‬لزمه على ال ّ‬
‫ب‬‫ن من شرع في النّفل يستح ّ‬ ‫وذهب الحنابلة إلى أ ّ‬
‫له البقاء فيه ‪ ،‬وإن خرج منه ل إثم عليه ‪ ،‬ول يجب‬
‫عليه القضاء ‪.‬‬
‫ما قراءة القرآن الكريم ‪ :‬إذا شرع المكلّف فيها‬ ‫‪-6‬أ ّ‬
‫‪ ،‬فيكره قطعها لمكالمة النّاس ‪ ،‬فل ينبغي أن يؤثر‬
‫كلمه على قراءة القرآن ‪.‬‬
‫وقد ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ‪» :‬‬
‫أنّه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه«‪.‬‬
‫ما الحائض والنّفساء فإنّهما إذا شرعتا في قراءة‬ ‫وأ ّ‬
‫ة إحداهما أنّها حائض ‪،‬‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬ناسي ً‬
‫والخرى أنّها نفساء ‪ ،‬فل يجب عليهما الستمرار في‬
‫القراءة ‪ ،‬بل يجب عليهما القطع ‪.‬‬
‫ما المستحاضة ‪ ،‬ومن به عذر ‪ ،‬كسلس البول‬ ‫أ ّ‬
‫صلة ‪ ،‬فيجوز له أن‬ ‫ضأ أحدهما لل ّ‬ ‫وغيره ‪ ،‬فإنّه إذا تو ّ‬
‫ضئا ً ‪ ،‬فل‬‫يقرأ القرآن ‪ ،‬فإذا شرع في قراءة متو ّ‬
‫سورة أو الحزب‬ ‫يقطع ندبا ً ‪ ،‬ول يجب عليه إتمام ال ّ‬
‫من القرآن الكريم ‪.‬‬
‫ما إذا شرع المكلّف الّذي ل يمنعه مانع من قراءة‬ ‫أ ّ‬
‫م ترك القراءة لضرورة طرأت‬ ‫القرآن الكريم ‪ ،‬ث ّ‬
‫عليه ‪ -‬كخروج ريح ‪ ،‬أو حصر بول ‪ -‬فله عدم إتمام‬
‫ما قرأ وينتهي إلى حيث يقف ‪ ،‬وإذا تركه ل لضرورة‬
‫‪ ،‬فل عليه إل ّ أن يتخيّر الوقف ‪ ،‬بانتهاء ما يتعلّق بما‬
‫صة موسى ‪ ،‬أو هود أو‬ ‫يقرأ ‪ ،‬فلو كان يقرأ في ق ّ‬

‫‪532‬‬
‫مها ندبا ً حتّى ل يكون كلمه مبتوراً‬ ‫أهل الكهف ‪ ،‬فليت ّ‬
‫‪ ،‬وحتّى تكتمل في رأسه الموعظة ‪.‬‬
‫ما إذا شرع في غير قراءة القرآن الكريم ‪ -‬كورد‬ ‫أ ّ‬
‫ي أو‬
‫مى بالذ ّكر الجماع ّ‬ ‫من الوراد ‪ ،‬أو ما يس ّ‬
‫الفرديّ ‪ -‬فل يطالب بإتمامه ‪ ،‬لنّه غير ملزم به ‪.‬‬
‫ما المباح ‪ :‬إذا شرع فيه المكلّف فإتمامه‬ ‫‪ - 7‬وأ ّ‬
‫ن اللّه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬خيّر‬ ‫وعدمه سواء ‪ ،‬ل ّ‬
‫المكلّف بين فعله وتركه ‪.‬‬
‫شروع في العقود ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫أوّل ً ‪ :‬عقد البيع ‪:‬‬
‫‪ - 8‬البيع إيجاب وقبول ‪ ،‬فإن حصل اليجاب كان‬
‫شروعا ً في البيع ‪ ،‬فإن وافقه القبول كان إتماماً‬
‫للبيع ‪ .‬فإن رجع الموجب في إيجابه ‪ ،‬قبل صدور‬
‫شروع في البيع فإن‬ ‫القبول ‪ ،‬يكون رجوعا ً عن ال ّ‬
‫م البيع ‪.‬‬
‫صدر القبول قبل عود الموجب ت ّ‬
‫انظر مصطلح ( إيجاب ‪ ،‬وبيع ) ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الهبة ‪:‬‬
‫شروع في الهبة بلفظ ‪ :‬وهبت ‪،‬‬ ‫‪ - 9‬يكون ال ّ‬
‫م إل ّ بالقبض عند جمهور‬ ‫وأعطيت ‪ ،‬ونحلت ‪ ،‬ول تت ّ‬
‫شروع ‪.‬‬ ‫الفقهاء ول تلزم بال ّ‬
‫وانظر مصطلح ( هبة ) ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الوقف ‪:‬‬
‫شروع في الوقف يكون بلفظ ‪ :‬وقفت ‪،‬‬ ‫‪ - 10‬ال ّ‬
‫وحبست ‪ ،‬فمن أتى بكلمة منهما ‪ ،‬كان شارعا ً في‬
‫الوقف ‪ ،‬ولزمه لعدم احتمال غيرهما عند جمهور‬
‫الفقهاء ‪.‬‬
‫ن الوقف ل يلزم بمجّرده ‪،‬‬ ‫وذهب أبو حنيفة ‪ :‬إلى أ ّ‬
‫وللواقف الّرجوع فيه ‪ ،‬إل ّ أن يوصي به بعد موته‬
‫فيلزم ‪ ،‬أو يحكم بلزومه حاكم ‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫وخالفه صاحباه ‪ ،‬فقال بلزومه ‪ ،‬وأنّه ينقل الملك ‪،‬‬
‫ول يقف لزومه على القبض ‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ ،‬وهو رواية عن أحمد ‪ :‬إنّه ل يلزم‬
‫إل ّ بالقبض ‪ ،‬وإخراج الوقف له عن يده ‪ .‬انظر‬
‫مصطلح ( وقف ) ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬الوصيّة ‪:‬‬
‫شروع في الوصيّة يقع بالقول أو الكتابة ‪،‬‬ ‫‪ - 11‬ال ّ‬
‫م ويلزم‬ ‫كأن يوصي لشخص معيّن أو غير معيّن وتت ّ‬
‫بقبول الموصى له المعيّن بعد وفاة الموصي ‪.‬‬
‫انظر مصطلح ( وصيّة ) ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬العاريّة ‪:‬‬
‫شروع فيها كسائر العقود المنضبطة‬ ‫‪ - 12‬يكون ال ّ‬
‫باليجاب والقبول ‪ ،‬فيكون اليجاب بقوله ‪ :‬أعرتك‬
‫كذا شروعا ً في العارة ‪ ،‬ويكون القبول فيها إتماماً‬
‫ل من المعير‬ ‫م العقد ‪ ،‬ولك ّ‬‫لعقد العاريّة ‪ ،‬فبه يت ّ‬
‫والمستعير الّرجوع قبل صدور القبول ‪ ،‬وقبل القبض‬
‫أيضا ً برفض أخذها ‪ ،‬وله الّرجوع بعد ذلك لنّها عقد‬
‫جائز من الطّرفين عند الجمهور ‪.‬‬
‫( ر ‪ :‬إعارة ) ‪.‬‬
‫شروع بدون إذن فيما يحتاج إلى إذن ‪:‬‬ ‫ال ّ‬
‫شروع في العبادات المفروضة ل يحتاج إلى‬ ‫‪ - 13‬ال ّ‬
‫ن فرضيّتها على المكلّفين ل يقتضي إذناً‬ ‫إذن ‪ ،‬إذ إ ّ‬
‫من أحد ‪.‬‬
‫ما العبادات غير المفروضة ‪ ،‬والمعاملت ‪ ،‬فقد‬ ‫أ ّ‬
‫ق على‬ ‫شارع الذن فيها لحقّ من له الح ّ‬ ‫أوجب ال ّ‬
‫ي‬ ‫المكلّف ‪ ،‬كحقّ الّزوج على زوجته ‪ ،‬وح ّ‬
‫ق الول ّ‬
‫سفيه ‪.‬‬ ‫صغير وال ّ‬ ‫على ال ّ‬
‫فأعطى للّزوج أن تستأذنه زوجته في فعل بعض‬
‫النّوافل من العبادات فإذا لم يأذن لها ‪ ،‬ولم تطعه‪،‬‬

‫‪534‬‬
‫ج‬‫كان له منعها ‪ ،‬فإذا شرعت المرأة في الح ّ‬
‫تطوّعا ً ‪ ،‬بدون إذن زوجها ‪ ،‬فللّزوج أن يحلّلها ‪،‬‬
‫وعليها القضاء ‪.‬‬
‫وكذا إذا شرعت في صيام نفل بدون إذنه ‪ ،‬له أن‬
‫ل للمرأة أن‬ ‫صحيحين ‪ » :‬ل يح ّ‬ ‫يفطّرها ‪ ،‬لخبر ال ّ‬
‫تصوم وزوجها شاهد إل ّ بإذنه « ‪.‬‬
‫=================‬
‫شحم *‬ ‫َ‬
‫التّعريف اللّغويّ ‪:‬‬
‫سمن ‪،‬‬ ‫شحم في الحيوان ‪ :‬هو جوهر ال ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫مي سنام البعير شحما ً وبياض البطن‬ ‫والعرب تس ّ‬
‫شحما ً ‪ .‬والجمع شحوم ‪ ،‬ول يخرج المعنى‬
‫غوي ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ي عن المعنى الل ّ‬ ‫الصطلح ّ‬
‫شحم عند أكثر الفقهاء ‪ :‬هو الّذي يكون في‬ ‫وال ّ‬
‫الجوف من شحم الكلى أو غيره ‪.‬‬
‫ما في‬‫ل ما يذوب بالنّار م ّ‬ ‫شحم ك ّ‬ ‫ويقول البعض ‪ :‬ال ّ‬
‫الحيوان ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الدّهن ‪:‬‬
‫‪ - 2‬الدّهن ‪ :‬ما يدهن به من زيت وغيره ‪ ،‬وجمعه‬
‫دهان ‪.‬‬
‫شحم لنّه يكون من الحيوان‬ ‫م من ال ّ‬ ‫والدّهن أع ّ‬
‫شحم ل يكون إل ّ من الحيوان ‪.‬‬ ‫والنّبات ‪ ،‬وال ّ‬
‫ب ‪ -‬الدّسم ‪:‬‬
‫سنام‬ ‫‪ - 3‬الدّسم ‪ :‬هو الودك ‪ ،‬ويتناول اللية وال ّ‬
‫وشحم البطن والظّهر والجنب كما يتناول الدّهن‬
‫شحم ‪.‬‬ ‫م من ال ّ‬ ‫المأكول ‪ .‬فهو أع ّ‬
‫شحم ‪:‬‬ ‫الحكام المتعلّقة بال ّ‬

‫‪535‬‬
‫‪ - 4‬شحم الحيوان المذكّى حلل من أيّ مكان أخذ ‪.‬‬
‫ما الحيوانات غير المأكولة كالخنزير فشحمها‬ ‫وأ ّ‬
‫حرام كغيره ‪ .‬وكذلك يحرم أكل شحوم الميتة فل‬
‫تؤثّر التّذكية فيه ‪.‬‬
‫ما النتفاع بشحم الميتة في غير الكل فقد ذهب‬ ‫أ ّ‬
‫جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه في شيء أصلً‬
‫ن اللّه ورسوله حّرم بيع‬ ‫لحديث جابر بن عبد اللّه « إ ّ‬
‫الخمر والميتة والخنزير والصنام‪ ،‬قيل ‪ :‬يا رسول‬
‫سفن‬ ‫اللّه أرأيت شحوم الميتة فإنّه يطلى بها ال ّ‬
‫ويدهن بها الجلود ويستصبح بها النّاس ؟ قال ‪ :‬ل هو‬
‫حرام » ‪.‬‬
‫شافعيّة ‪ :‬جواز النتفاع بشحم الميتة في‬ ‫ويرى ال ّ‬
‫ما ليس‬ ‫سفن والستصباح بها وغير ذلك م ّ‬ ‫طلي ال ّ‬
‫ي‪.‬‬‫بأكل ول في بدن الدم ّ‬
‫مد بن جرير‬ ‫وبهذا قال أيضا ً عطاء بن أبي رباح ومح ّ‬
‫ضمير في « هو حرام » يرجع‬ ‫ن ال ّ‬‫الطّبريّ ورأوا أ ّ‬
‫إلى البيع ل إلى مطلق النتفاع ‪ .‬وللتّفصيل ( ر ‪:‬‬
‫استصباح وميتة ) ‪.‬‬
‫شحوم ذبائح أهل الكتاب ‪:‬‬
‫‪ - 5‬اختلف الفقهاء في شحوم ذبائح أهل الكتاب‬
‫َّ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫المحّرمة عليهم في قوله تعالى ‪ { :‬وَعَلَى ال‬
‫ل ذِي ظ ُ ُ‬ ‫حَرمنَا ك ُ َّ‬
‫فرٍ ‪ } ...‬الية ‪.‬‬ ‫هَادُوا ْ َ ّ ْ‬
‫شافعيّة والحنابلة في المذهب‬ ‫فذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫شحوم ويقولون ‪:‬‬ ‫ل هذه ال ّ‬‫ومالك في قول ‪ :‬إلى ح ّ‬
‫ة‪.‬‬‫إنّها حلل ليست مكروه ً‬
‫َ‬
‫واستدلّوا بقوله تعالى ‪ { :‬وطَعام ال ّذي ُ‬
‫ن أوتُوا ْ الْكِتَا َ‬
‫ب‬ ‫ِ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ل اللّه تعالى طعام أهل الكتاب‬ ‫م } ‪ ،‬فقد أح ّ‬ ‫ل لَّك ُْ‬
‫ح ٌّ‬ ‫ِ‬
‫وهو ذبائحهم لم يستثن منها شيئا ً ل شحما ً ول غيره‬

‫‪536‬‬
‫شحوم من ذبائحهم‬ ‫ل على جواز أكل جميع ال ّ‬ ‫فد ّ‬
‫وذبائح المسلمين ‪.‬‬
‫ن جرابا ً من شحم‬ ‫وبحديث عبد اللّه بن مغّفل « أ ّ‬
‫فل‬ ‫يوم خيبر دلّي من الحصن فأخذه عبد اللّه بن مغ ّ‬
‫وقال ‪ :‬واللّه ل أعطي أحدا ً منه شيئا ً ‪ .‬فضحك‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأقّره على ذلك »‬
‫‪.‬‬
‫ة أهدت لرسول‬ ‫ن يهودي ّ ً‬ ‫كما استدلّوا بما ثبت « أ ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم شاةً فأكل منها ولم يحّرم‬
‫شحم بطنها ول غيره » ‪.‬‬
‫ي‬
‫وذهب ابن القاسم وأشهب وأبو الحسن التّميم ّ‬
‫مروي عن مالك وحكاه‬ ‫ّ‬ ‫والقاضي من الحنابلة ‪ -‬وهو‬
‫وسوار ‪ -‬إلى تحريم‬ ‫ّ‬ ‫حاك ومجاهد‬ ‫ض ّ‬
‫ي عن ال ّ‬‫التّميم ّ‬
‫ن اللّه سبحانه وتعالى‬ ‫شحوم ذبائح أهل الكتاب ‪ ،‬ل ّ‬
‫شحوم‬ ‫أباح لنا طعام الّذين أوتوا الكتاب ‪ ،‬وال ّ‬
‫المحّرمة عليهم ليست من طعامهم فل تكون لنا‬
‫ة‪.‬‬‫مباح ً‬
‫مد عن مالك كراهة شحوم‬ ‫وحكى القاضي أبو مح ّ‬
‫اليهود المحّرمة عليهم وهي عنده مرتبة بين الحظر‬
‫والباحة ‪.‬‬
‫================‬
‫عائر *‬ ‫ش َ‬‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫شعائر ‪ :‬جمع شعيرة ‪ :‬وهي العلمة ‪ :‬مأخوذ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫من الشعار الّذي هو العلم ‪ ،‬ومنه شعار الحرب‬
‫ة ينصبونها ليعرف الّرجل‬ ‫وهو ما يسم العساكر علم ً‬
‫رفقته ‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫وإذا أضيفت شعائر إلى اللّه تعالى فهي ‪ :‬أعلم دينه‬
‫ل شيء كان علما ً من أعلم‬ ‫الّتي شرعها اللّه فك ّ‬
‫طاعته فهو من شعائر اللّه ‪.‬‬
‫ي في شعائر اللّه ل يخرج عن‬ ‫شرع ّ‬ ‫والصطلح ال ّ‬
‫غوي ‪.‬‬‫ّ‬ ‫المعنى الل ّ‬
‫ل ما كان من أعلم دين اللّه وطاعته تعالى فهو‬ ‫فك ّ‬
‫ج‬
‫صوم والّزكاة والح ّ‬ ‫صلة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫من شعائر اللّه ‪ ،‬فال ّ‬
‫ومناسكه ومواقيته ‪ ،‬وإقامة الجماعة والجمعة في‬
‫مجاميع المسلمين في البلدان والقرى من شعائر‬
‫اللّه ‪ ،‬ومن أعلم طاعته ‪ .‬والذان وإقامة المساجد‬
‫والدّفاع عن بيضة المسلمين بالجهاد في سبيل اللّه‬
‫مْروَةَ‬‫صَفا وَال ْ َ‬‫ن ال َّ‬ ‫من شعائر اللّه ‪ .‬قال تعالى ‪ { :‬إ ِ َّ‬
‫صلة ‪،‬‬ ‫شعَآئِرِ اللّهِ } ‪ .‬والية بعد المر بال ّ‬ ‫من َ‬ ‫ِ‬
‫سورة وبعد ذكر‬ ‫والّزكاة في أكثر من آية من ال ّ‬
‫صبر والقتل في سبيل اللّه ‪ -‬وهو الجهاد لقامة‬ ‫ال ّ‬
‫صفا والمروة من‬ ‫سعي بين ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫دين اللّه ‪ -‬تفيد أ ّ‬
‫جملة شعائر اللّه ‪ ،‬أي أعلم دينه ‪.‬‬
‫من‬ ‫جعَلْنَاهَا لَكُم ِّ‬ ‫ن َ‬ ‫وكذلك قوله تعالى ‪َ { :‬والْبُد ْ َ‬
‫َ‬
‫شعَائِرِ الل ّهِ } ‪.‬‬ ‫َ‬
‫شعَائَِر‬‫م َ‬ ‫من يُعَظ ِّ ْ‬ ‫وكذلك المراد في قوله تعالى ‪ { :‬وَ َ‬ ‫َّ‬
‫ب } ‪ ،‬أي معالم دين اللّه ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫قل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫قو‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫َ‬
‫ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫الل‬
‫وطاعته ‪ .‬وتعظيمها ‪ :‬أداؤها على الوجه المطلوب‬
‫شرعا ً ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد منها العبادات المتعلّقة بأعمال النّسك‬
‫‪ ،‬ومواضعها ‪ ،‬وزمنها ‪.‬‬
‫ة ‪ .‬وتعظيمها ‪:‬‬ ‫ص ً‬
‫وقيل ‪ :‬المراد منها الهدي خا ّ‬
‫استسمانها ‪ .‬قاله ابن عبّاس ‪ .‬والشعار عليها ‪ :‬جعل‬
‫علمة على سنامها ‪ ،‬بأن يعلّم بالمدية ليعرف أنّها‬

‫‪538‬‬
‫هدي فيكون ذلك علما ً على إحرام صاحبها وعلى أنّه‬
‫قد جعلها هديا ً لبيت اللّه الحرام فل يتعّرض لها ‪.‬‬
‫شعَآئَِر اللّهِ‬‫حلُّوا ْ َ‬ ‫منُوا ْ ل َ ت ُ ِ‬‫آ‬
‫َ َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬
‫َّ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬يَا أَيُّهَا ال‬
‫م}‪.‬‬ ‫حَرا َ‬‫شهَْر ال ْ َ‬‫ول َ ال َّ‬
‫َ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫‪ - 2‬يجب على المسلمين إقامة شعائر السلم‬
‫شعيرة أم غير‬ ‫الظّاهرة ‪ ،‬وإظهارها ‪ ،‬فرضا ً كانت ال ّ‬
‫فرض ‪.‬‬
‫وعلى هذا إن اتّفق أهل محلّة أو بلد أو قرية من‬
‫المسلمين على ترك شعيرة من شعائر السلم‬
‫ة‬
‫شعيرة أو سن ّ ً‬ ‫الظّاهرة قوتلوا ‪ ،‬فرضا ً كانت ال ّ‬
‫صلة المفروضة والذان لها‬ ‫مؤكّدةً ‪ ،‬كالجماعة في ال ّ‬
‫‪ .‬وصلة العيدين وغير ذلك من شعائر السلم‬
‫الظّاهرة ‪.‬‬
‫ل على التّهاون في طاعة‬ ‫ن ترك شعائر اللّه يد ّ‬ ‫ل ّ‬
‫اللّه ‪ ،‬واتّباع أوامره ‪.‬‬
‫ج كالحرام‬ ‫هذا ومن شعائر السلم مناسك الح ّ‬
‫ى‬
‫سعي والوقوف بعرفة والمزدلفة ومن ً‬ ‫والطّواف وال ّ‬
‫ج الظّاهرة ‪،‬‬ ‫وذبح الهدي وغير ذلك من أعمال الح ّ‬
‫ج ‪ :‬الذان ‪ ،‬والقامة ‪،‬‬ ‫شعائر في غير الح ّ‬ ‫ومن ال ّ‬
‫وصلة الجماعة ‪ ،‬والجمعة والعيدين ‪ ،‬والجهاد وغير‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫ل منها في مصطلحه من الموسوعة‬ ‫وتنظر أحكام ك ّ‬
‫‪.‬‬
‫=================‬
‫عير *‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬

‫‪539‬‬
‫شعير جنس من الحبوب معروف واحدته‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ي دون البّر في الغذاء‬ ‫ي حب ّ ّ‬ ‫شعيرة ‪ ،‬وهو نبات عشب ّ‬
‫‪.‬‬
‫شعير ‪:‬‬ ‫الحكام الّتي تتعلّق بال ّ‬
‫شعير في مواضع مختلفة منها ‪:‬‬ ‫وردت أحكام ال ّ‬
‫الّزكاة ‪:‬‬
‫شعير من الحبوب الّتي تجب فيها الّزكاة إذا‬ ‫‪ - 2‬فال ّ‬
‫بلغت النّصاب بإجماع الفقهاء لقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَيُّهَا‬
‫م َّ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الَّذين آمنوا ْ أ َ‬
‫م وَ ِ‬
‫سبْت ُْ‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫من‬‫ِ‬ ‫قوا‬‫ُ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ِ َ َ ُ‬
‫ض } ‪ .‬الية ‪.‬‬ ‫ر‬‫من ال َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫جن‬ ‫ر‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫أَ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صدقة‬ ‫ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬ل تأخذوا ال ّ‬
‫شعير والحنطة والّزبيب‬ ‫إل ّ من هذه الربعة ‪ :‬ال ّ‬
‫والتّمر « ‪.‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬فيما سقت‬
‫سماء والعيون أو كان عثريّا ً العشر وما سقي‬ ‫ال ّ‬
‫بالنّضح نصف العشر « ‪.‬‬
‫شعير إلى غيره‬ ‫م ال ّ‬ ‫شافعيّة إلى أنّه ل يض ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫سلت لنّها أجناس ثلثة مختلفة ‪ .‬وذهب‬ ‫كالقمح وال ّ‬
‫سلت ‪ ،‬فهما‬ ‫م إلى ال ّ‬ ‫شعير يض ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الحنابلة إلى أ ّ‬
‫م إلى القمح ‪.‬‬ ‫عندهم صنفان من جنس واحد ول يض ّ‬
‫سلت والقمح‬ ‫شعير وال ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫م بعضه إلى بعض‬ ‫أصناف من جنس واحد يض ّ‬
‫لتكميل النّصاب ‪.‬‬
‫ول ترد هذه المسألة عند أبي حنيفة لنّه ل يشترط‬
‫النّصاب في الخارج من الرض لوجوب الّزكاة‪ ،‬بل‬
‫تجب الّزكاة عنده في القليل والكثير ‪.‬‬
‫راجع التّفاصيل في مصطلح ‪ ( :‬زكاة ف ‪. ) 102‬‬
‫زكاة الفطر ‪:‬‬

‫‪540‬‬
‫شعير من الحبوب الّتي‬ ‫ن ال ّ‬‫‪ - 3‬أجمع الفقهاء على أ ّ‬
‫ن المجزئ منه هو‬ ‫يجوز أن تؤدّى منها زكاة الفطر وأ ّ‬
‫صاع لقول ابن عمر رضي الله عنهما ‪ » :‬فرض‬
‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً‬
‫من تمر أو صاعا ً من شعير على العبد والحّر والذ ّكر‬
‫صغير والكبير من المسلمين ‪ ،‬وأمر بها‬ ‫والنثى وال ّ‬
‫صلة « ‪.‬‬ ‫أن تؤدّى قبل خروج النّاس إلى ال ّ‬
‫وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال ‪ » :‬كنّا‬
‫ي صلى الله‬ ‫نعطيها ‪ -‬أي زكاة الفطر ‪ -‬في زمان النّب ّ‬
‫عليه وسلم صاعا ً من طعام ‪ ،‬أو صاعا ً من تمر أو‬
‫صاعا ً من شعير ‪ ،‬أو صاعا ً من زبيب « ‪ .‬الحديث ‪.‬‬
‫راجع التّفصيل في مصطلح ‪ ( :‬زكاة الفطر ) ‪.‬‬
‫في البيع ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ل يدخل في مطلق بيع الرض ما هو مزروع فيها‬
‫ل ما يؤخذ‬ ‫شعير والحنطة وسائر الّزروع وك ّ‬ ‫من ال ّ‬
‫ة واحدة ً ‪ ،‬لنّه ليس للدّوام فأشبه‬ ‫بقلع أو قطع دفع ً‬
‫منقولت الدّار ‪.‬‬
‫التّفاصيل في مصطلح ‪ ( :‬بيع ) ‪.‬‬
‫في الّربا ‪:‬‬
‫شعير من الموال‬ ‫ن ال ّ‬‫‪ - 5‬أجمع الفقهاء على أ ّ‬
‫الّربويّة الّتي يحرم بيعها بمثلها إل ّ بشرط الحلول‬
‫والمماثلة والتّقابض قبل التّفّرق ‪.‬‬
‫وإذا بيعت بجنس آخر كالتّمر مثل ً جاز التّفاضل ‪،‬‬
‫واشترط الحلول والتّقابض قبل التّفّرق لقوله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ » :‬الذ ّهب بالذ ّهب مثل ً بمثل ‪،‬‬
‫ضة مثل ً بمثل ‪ ،‬والتّمر بالتّمر مثلً‬ ‫ضة بالف ّ‬ ‫والف ّ‬
‫بمثل ‪ ،‬والبّر بالبّر مثل ً بمثل والملح بالملح مثل ً بمثل‬
‫شعير مثل ً بمثل ‪ ،‬فمن زاد أو ازداد‬ ‫شعير بال ّ‬ ‫‪ ،‬وال ّ‬
‫ضة كيف شئتم يدا ً بيد ‪،‬‬ ‫فقد أربى ‪ ،‬بيعوا الذ ّهب بالف ّ‬

‫‪541‬‬
‫شعير‬ ‫وبيعوا البّر بالتّمر كيف شئتم يدا ً بيد ‪ ،‬وبيعوا ال ّ‬
‫بالتّمر كيف شئتم يدا ً بيد « ‪.‬‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬الذ ّهب بالذ ّهب‬
‫شعير‪،‬‬‫شعير بال ّ‬‫ضة ‪ ،‬والبّر بالبّر ‪ ،‬وال ّ‬ ‫ضة بالف ّ‬ ‫والف ّ‬
‫والتّمر بالتّمر ‪ ،‬والملح بالملح مثل ً بمثل سواءً بسواء‬
‫يدا ً بيد ‪ ،‬فإذا اختلفت هذه الجناس فبيعوا كيف‬
‫شئتم إذا كان يدا ً بيد « ‪.‬‬
‫================‬
‫وبَر *‬‫صوف و َ‬ ‫عر و ُ‬ ‫ش ْ‬‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫ما ليس بصوف ول‬ ‫ة ‪ :‬نبتة الجسم م ّ‬ ‫شعر لغ ً‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫شعر‬ ‫وبر للنسان وغيره ‪ ،‬وفي المعجم الوسيط ال ّ‬
‫زوائد خيطيّة تظهر على جلد النسان وغيره من‬
‫الثّدييّات ويقابله الّريش في الطّيور والخراشيف في‬
‫الّزواحف ‪ ،‬والقشور في السماك ‪ ،‬وجمعه أشعار‬
‫وشعور ‪.‬‬
‫ي إذا كان كثير‬ ‫ويقال ‪ :‬رجل أشعر وشعر وشعران ّ‬
‫شعر الّرأس والجسد ‪.‬‬
‫ص منه ‪،‬‬ ‫ضأن وما أشبهه أخ ّ‬ ‫صوف ما يكون لل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫شعر للمعز ‪ ،‬والوبر للبل ‪.‬‬ ‫ضأن ‪ ،‬كال ّ‬ ‫صوف لل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫والوبر ما ينبت على جلود البل والرانب ونحوها ‪،‬‬
‫والجمع أوبار ‪ ،‬ويقال جمل وبر وأوبر إذا كان كثير‬
‫الوبر ‪ ،‬والنّاقة وبرة ووبراء ‪.‬‬
‫والّريش ما يكون على أجسام الطّيور وأجنحتها ‪.‬‬
‫ص الجناح من بين سائره ‪.‬‬ ‫وقد يخ ّ‬
‫والفرو ‪ :‬جلود بعض الحيوان كالدّببة والثّعالب تدبغ‬
‫ويتّخذ منها ملبس للدّفء وللّزينة وجمعه فراء ‪.‬‬
‫حكم شعر النسان ‪:‬‬

‫‪542‬‬
‫‪ - 2‬شعر النسان طاهر حيّا ً أو ميّتا ً ‪ ،‬سواء أكان‬
‫ن ‪»:‬‬ ‫شعر متّصل ً أم منفصل ً ‪ ،‬واستدلّوا لطهارته بأ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ناول أبا طلحة شعره‬ ‫النّب ّ‬
‫فقسمه بين النّاس « ‪.‬‬
‫ي‬
‫واتّفق الفقهاء على عدم جواز النتفاع بشعر الدم ّ‬
‫ي مكّرم لقوله سبحانه‬ ‫ن الدم ّ‬ ‫بيعا ً واستعمال ً ‪ ،‬ل ّ‬
‫م}‪.‬‬ ‫منَا بَنِي آد َ َ‬ ‫وتعالى ‪َ { :‬ولََقد ْ كََّر ْ‬
‫فل يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهانا ً مبتذل ً ‪.‬‬
‫شعر الحيوان الميّت ‪:‬‬
‫‪ - 3‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى طهارة‬
‫شعر الميتة إذا كانت طاهرة ً حال الحياة ‪ .‬وانفرد‬
‫المالكيّة بالقول بطهارة شعر الخنزير لنّه طاهر‬
‫حال الحياة ‪ ،‬وهذا إذا جّز جّزا ً ولم ينتف‪ .‬فإن نتف‬
‫ن أصوله نجسة ‪ ،‬وأعله طاهر ‪.‬‬ ‫فإ ّ‬
‫صوافِهَا‬ ‫واستدلّوا بقوله سبحانه وتعالى ‪ { :‬وم َ‬
‫نأ ْ َ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫ن } ‪ .‬والية‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ى‬‫متَاعا ً إِل َ‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫اثا‬‫َ‬ ‫ث‬‫شعارهَا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫وأَوبارهَا وأ َ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ِ‬
‫سيقت للمتنان ‪ ،‬فالظّاهر شمولها الموت والحياة ‪.‬‬
‫ن الّرسول‬ ‫وبحديث ميمونة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ » : -‬أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال في شاة ميمونة حين مّر‬
‫بها ‪ :‬إنّما حرم أكلها « ‪ .‬وفي لفظ ‪ » :‬إنّما حرم‬
‫خص لكم في مسكها « أي جلدها ‪.‬‬ ‫عليكم لحمها ور ّ‬
‫ن المعهود في الميتة حال‬ ‫واستدلّوا من المعقول بأ ّ‬
‫الحياة الطّهارة ‪ ،‬وإنّما يؤثّر الموت النّجاسة فيما‬
‫شعور ل تحلّها الحياة ‪ .‬فل يحلّها‬ ‫تحلّه الحياة ‪ ،‬وال ّ‬
‫الموت ‪ ،‬وإذا لم يحلّها وجب الحكم ببقاء الوصف‬
‫ي المعهود لعدم المزيل‬ ‫شرع ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ما ل تحلّه الحياة‬ ‫فالصل في طهارة شعر الميتة أ ّ‬
‫س ول يتألّم ‪ -‬ل تلحقه النّجاسة بالموت ‪.‬‬ ‫‪ -‬لنّه ل يح ّ‬

‫‪543‬‬
‫شافعيّة إلى نجاسة شعر الميتة إل ّ ما يطهر‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫شعر المنفصل من‬ ‫جلده بالدّباغ ودبغ ‪ ،‬وكذلك ال ّ‬
‫ي‪.‬‬ ‫الحيوان غير المأكول وهو ح ّ‬
‫ت عَلَيْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫حّرِ َ‬‫واستدلّوا لذلك بقوله تعالى ‪ُ { :‬‬
‫شعر وغيره ‪ .‬والميتة اسم‬ ‫م في ال ّ‬ ‫ة } ‪ .‬وهو عا ّ‬ ‫ميْت َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫لما فارقته الّروح بجميع أجزائه بدون تذكية شرعيّة ‪،‬‬
‫مة في‬ ‫صة في تحريم الميتة وعا ّ‬ ‫وهذه الية خا ّ‬
‫شعر وغيره ‪ ،‬وهي راجحة في دللتها على الية‬ ‫ال ّ‬
‫صوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا‬ ‫الولى وهو قوله تعالى ‪ { :‬وم َ‬
‫نأ ْ‬ ‫َ ِ ْ‬
‫ن قوله تعالى ‪:‬‬ ‫متَاع ًا إِل َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫شعارهَا أ َ‬ ‫ْ‬ ‫وأ َ‬
‫ن}‪.‬ل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫اث‬ ‫ث‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة} ورد لبيان المحّرمات والية‬ ‫ْ‬
‫م ال َ‬
‫ميْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ت ع َليْك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫حّرِ َ‬ ‫{ ُ‬
‫الولى وردت للمتنان ‪.‬‬
‫ل حيوان ينجس‬ ‫نك ّ‬ ‫واستدلّوا من المعقول بأ ّ‬
‫بالموت ينجس شعره وصوفه ‪.‬‬
‫شعر الميت ‪:‬‬
‫أوّل ً ‪ :‬شعر رأس الّرجل الميت ‪:‬‬
‫‪ - 4‬ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى عدم جواز حلق شعر‬
‫شعر يكون‬ ‫ن حلق ال ّ‬ ‫رأس الميت ول تسريحه ‪ ،‬ل ّ‬
‫للّزينة أو للنّسك والميت ل نسك عليه ول يزيّن ‪.‬‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬أنّها مّرت بقوم‬
‫يسّرحون شعر ميت فنهتهم عن ذلك وقالت ‪ :‬علم‬
‫صون ميّتكم ‪ .‬أي ‪ :‬ل تسّرحوا رأسه بالمشط ‪،‬‬ ‫تن ّ‬
‫صون وهو الخذ‬ ‫شعر وينتفه ‪ ،‬وعبّرت بتن ّ‬ ‫لنّه يقطع ال ّ‬
‫ل لعدم الجواز‬ ‫بالنّاصية ‪ ،‬أي منها ‪ ،‬تنفيرا ً عنه ويد ّ‬
‫ي ول يختن‬ ‫القياس على الختان حيث يختن الح ّ‬
‫الميّت ‪.‬‬
‫شافعيّة في المختار والمالكيّة إلى جواز‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫حلق شعر رأس الميت مع الكراهة وقيّد ال ّ‬
‫في المشهور عندهم الجواز بما إذا كان من عادة‬

‫‪544‬‬
‫ما إذا كان ل يعتاد ذلك بأن كان ذا‬ ‫الميّت حلقه أ ّ‬
‫مة فل يحلق بل خلف عندهم ‪ ،‬واستدلّوا لما ذهبوا‬ ‫ج ّ‬
‫شعر من أجزاء الميّت ‪ ،‬وأجزاؤه‬ ‫ن ال ّ‬‫إليه بأ ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ح عن النّب ّ‬ ‫محترمة ‪ ،‬فل تنتهك بهذا ‪ ،‬ولم يص ّ‬
‫صحابة في هذا شيء فكره فعله‬ ‫الله عليه وسلم وال ّ‬
‫‪.‬‬
‫شافعيّة قولن آخران ‪:‬‬ ‫ولل ّ‬
‫ب ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬أنّه‬‫الوّل ‪ :‬أنّه ل يكره ول يستح ّ‬
‫شارب تفصيل ينظر في‬ ‫ب ‪ ،‬وفي اللّحية وال ّ‬ ‫يستح ّ‬
‫( شارب ‪ ،‬ولحية ) ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬شعر رأس المرأة الميّتة ‪:‬‬
‫‪ - 5‬اتّفق جمهور الفقهاء على استحباب ضفر شعر‬
‫المرأة ثلث ضفائر ‪ ،‬قرنيها وناصيتها ‪ ،‬ويسدل‬
‫خلفها عند الجمهور ‪ ،‬وعند الحنفيّة يجعل على‬
‫صدرها ويجعل ضفيرتين فوق القميص تحت‬
‫اللّفافة ‪ ،‬لنّه في حال حياتها يجعل وراء ظهرها‬
‫للّزينة ‪ ،‬وبعد الموت ربّما انتشر الكفن ‪ ،‬فيجعل‬
‫على صدرها ‪.‬‬
‫م عطيّة‬ ‫ودليل استحباب ضفر شعر المرأة ما روت أ ّ‬
‫ن جعلن رأس بنت رسول‬ ‫‪ -‬رضي الله عنها ‪ » -‬أنّه ّ‬
‫اللّه صلى الله عليه وسلم ثلثة قرون ‪ ،‬نقضنه ث ّ‬
‫م‬
‫م جعلنه ثلثة قرون « ‪ ،‬وورد في رواية‬ ‫غسلنه ث ّ‬
‫ن ألقينها خلفها « ‪.‬‬ ‫أخرى ‪ » :‬أنّه ّ‬
‫والصل أن ل يفعل في الميّت شيء من جنس‬
‫شرع محّقق ‪ ،‬فالظّاهر إطلع‬ ‫القرب إل ّ بإذن من ال ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم على ما فعلت وتقريره‬ ‫النّب ّ‬
‫له ‪.‬‬
‫وجاء في رواية ‪ » :‬اغسلنها ثلثا ً أو خمسا ً أو أكثر‬
‫من ذلك « ‪.‬‬

‫‪545‬‬
‫شارب‬‫ثالثا ً ‪ :‬شعر سائر البدن من الميّت كاللّحية وال ّ‬
‫وشعر البط والعانة ‪:‬‬
‫شافعيّة في المختار إلى كراهة‬ ‫‪ - 6‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫شافعيّة‬ ‫حلق غير ما يحرم حلقه حال الحياة ‪ .‬ولل ّ‬
‫قولن آخران ‪:‬‬
‫ب ‪ ،‬والثّاني ‪ :‬أنّه‬‫الوّل ‪ :‬أنّه ل يكره ول يستح ّ‬
‫ب ‪ .‬ودليل الكراهة ما تقدّم في كراهة حلق‬ ‫يستح ّ‬
‫شعر الّرأس ‪.‬‬
‫شافعيّة في قول إلى‬ ‫وذهب المالكيّة والحنابلة وال ّ‬
‫م مع الميّت‬ ‫شعور إذا أزيلت أنّها تصّر وتض ّ‬ ‫ن هذه ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫في كفنه ويدفن‬
‫ب أن ل تدفن‬ ‫ن المستح ّ‬ ‫شافعيّة في قول آخر ‪ :‬أ ّ‬ ‫ولل ّ‬
‫معه بل توارى في الرض في غير القبر ‪ .‬وذهب‬
‫الحنابلة إلى تحريم حلق اللّحية وكذا تحريم حلق‬
‫شعر العانة من الميّت لما فيه من لمس العورة‬
‫وربّما احتاج إلى نظرها ‪ ،‬والنّظر محّرم فل يرتكب‬
‫ص‬
‫ن أخذ شعر البط وق ّ‬ ‫من أجل مندوب ‪ ،‬ويس ّ‬
‫شارب ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫شعر في الوضوء ‪:‬‬ ‫مسح ال ّ‬
‫‪ - 7‬ذهب المالكيّة والحنابلة إلى وجوب مسح جميع‬
‫شعر‬‫شعر الّرأس في الوضوء وحده من منابت ال ّ‬
‫المعتاد من المقدّم إلى نقرة القفا مع مسح شعر‬
‫صدغيه فما فوق العظم النّاشئ من الوجه‪ .‬وذهب‬
‫ن الواجب أن يمسح ما يقع عليه‬ ‫شافعيّة إلى أ ّ‬‫ال ّ‬
‫ل فل يتقدّر وجوبه بشيء بل‬ ‫اسم المسح ولو ق ّ‬
‫يكفي فيه ما يمكن ‪.‬‬
‫ن المفروض في المسح هو‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫مسح مقدار النّاصية وهو ربع الّرأس لما روى‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫ن النّب ّ‬‫المغيرة بن شعبة ‪ » :‬أ ّ‬

‫‪546‬‬
‫ضأ ومسح على ناصيته وخّفيه « ‪ .‬وتفصيل‬ ‫وسلم تو ّ‬
‫ذلك وبيان الدلّة ينظر في مصطلح ( وضوء ) ‪.‬‬
‫شعر ‪:‬‬ ‫نقض الوضوء بلمس ال ّ‬
‫ن‬
‫ح والحنابلة إلى أ ّ‬ ‫شافعيّة في الص ّ‬ ‫‪ - 8‬ذهب ال ّ‬
‫شعر ‪ ،‬لنّه ل يقصد ذلك‬ ‫الوضوء ل ينقض بلمس ال ّ‬
‫شهوة عند‬ ‫شهوة غالبا ً ‪ ،‬وإنّما تحصل اللّذ ّة وتثور ال ّ‬ ‫لل ّ‬
‫التقاء البشرتين للحساس ‪.‬‬
‫ن والظّفر‬ ‫س ّ‬‫شعر وال ّ‬ ‫ضأ من لمس ال ّ‬ ‫ب أن يتو ّ‬ ‫ويستح ّ‬
‫ح ‪ :‬ينتقض‬ ‫شافعيّة مقابل الص ّ‬ ‫وفي قول عند ال ّ‬
‫شعر له حكم‬ ‫ن ال ّ‬‫وضوء الّرجل بلمس شعر المرأة ل ّ‬
‫ل بالنّكاح ووجوب غسله بالجنابة ‪.‬‬ ‫البدن في الح ّ‬
‫ن الوضوء ينتقض بلمس‬ ‫وذهب المالكيّة إلى أ ّ‬
‫شعر لمن يلتذ ّ به إن قصد اللّذ ّة من ذكر أو أنثى ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ول ينتقض الوضوء إذا كان اللّمس بحائل خفيف أو‬
‫كثيف ‪.‬‬
‫شعر‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى عدم نقص الوضوء بلمس ال ّ‬
‫س مطلقا ً ما‬ ‫بناءً على أصلهم في عدم النّقض بالم ّ‬
‫لم ينزل ‪.‬‬
‫غسل شعر الّرأس من الجناية ‪:‬‬
‫‪ - 9‬اتّفق الفقهاء على وجوب تعميم شعر الّرأس‬
‫بالماء ظاهره وباطنه للذ ّكر والنثى مسترسل ً كان‬
‫أو غيره ‪.‬‬
‫ل شعرة‬ ‫ن تحت ك ّ‬ ‫لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬إ ّ‬
‫شعر وأنقوا البشر « ‪.‬‬ ‫ة فاغسلوا ال ّ‬ ‫جناب ً‬
‫ي صلى الله‬ ‫ي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النّب ّ‬ ‫وعن عل ّ‬
‫عليه وسلم قال ‪ » :‬من ترك موضع شعرة من‬
‫جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا من النّار « قال‬
‫م عاديت رأسي ‪ ،‬وكان يجّز شعره ‪.‬‬ ‫ي ‪ :‬فمن ث ّ‬ ‫عل ّ‬

‫‪547‬‬
‫واختلف الفقهاء في حكم نقض ضفائر المرأة في‬
‫الغسل ‪:‬‬
‫شافعيّة ‪-‬‬ ‫فذهب الجمهور ‪ -‬الحنفيّة والمالكيّة وال ّ‬
‫وهو قول بعض الحنابلة ‪ :‬إلى أنّه ل يجب على‬
‫ضفر إن كان الماء يصل إلى أصول‬ ‫المرأة نقض ال ّ‬
‫شعرها من غير نقض ‪ ،‬فإن لم يصل إل ّ بالنّقض‬
‫لزمها نقضه ‪ ،‬وسواء في ذلك غسل الجنابة وغسل‬
‫الحيض والنّفاس ‪.‬‬
‫م سلمة‬ ‫واستدلّوا بما جاء في بعض ألفاظ حديث أ ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إنّي امرأة‬ ‫أنّها قالت للنّب ّ‬
‫أشد ّ ضفر رأسي ‪ ،‬أفأنقضه للحيض وللجنابة ؟ قال‬
‫‪ » :‬ل ‪ .‬إنّما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلث‬
‫م تفيضين عليك الماء فتطهرين « ‪.‬‬ ‫حثيات ث ّ‬
‫وهو صريح في نفي الوجوب وقد أخرج مسلم في‬
‫م سلمة ‪ -‬بثلثة ألفاظ ‪ :‬إفراد ذكر‬ ‫صحيحه حديث أ ّ‬
‫الجنابة وإفراد ذكر الحيض ‪ ،‬والجمع بينهما ‪.‬‬
‫وحمل الجمهور هذه الحاديث على وصول الماء إلى‬
‫شعر بدليل ما ثبت من وجوب إيصال الماء‬ ‫أصول ال ّ‬
‫شعر والبشرة جمعا ً بين الدلّة ‪.‬‬ ‫إلى أصول ال ّ‬
‫وذهب الحنابلة إلى وجوب نقض المرأة شعرها في‬
‫غسل الحيض والنّفاس ‪ .‬ول يجب في غسل الجنابة‬
‫إذا روت أصول شعرها ‪ ،‬ولم يكن مشدودا ً بخيوط‬
‫كثيرة تمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى باطن‬
‫ب عن بعض الحنابلة‬ ‫شعر ‪ ،‬والنّقض مطلقا ً مستح ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫ن‬
‫ل الحنابلة بحديث عائشة رضي الله عنها أ ّ‬ ‫واستد ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال لها ‪ » :‬إذا كنت‬ ‫النّب ّ‬
‫حائضا ً خذي ماءك وسدرك وامتشطي « ‪ .‬ول يكون‬

‫‪548‬‬
‫وللبخاري ‪» :‬‬
‫ّ‬ ‫المشط إل ّ في شعر غير مضفور ‪.‬‬
‫انفضي شعرك وامتشطي « ‪.‬‬
‫ن‬
‫وعند ابن ماجه ‪ » :‬انفضي شعرك واغتسلي « ل ّ‬
‫شعر لتحّقق وصول الماء إلى‬ ‫الصل وجوب نقض ال ّ‬
‫ما يجب غسله وعفي عنه في غسل الجنابة لنّه‬
‫شعر ‪.‬‬ ‫ق نقض ال ّ‬ ‫يكثر فيش ّ‬
‫حلق شعر المولود ‪:‬‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪-‬‬ ‫‪ - 10‬ذهب الجمهور ‪ -‬المالكيّة وال ّ‬
‫سابع ‪،‬‬ ‫إلى استحباب حلق شعر رأس المولود يوم ال ّ‬
‫ة عند المالكيّة‬ ‫والتّصدّق بزنة شعره ذهبا ً أو ف ّ‬
‫ض ً‬
‫ة عند الحنابلة ‪ .‬وإن لم يحلق‬ ‫ض ً‬
‫شافعيّة ‪ ،‬وف ّ‬ ‫وال ّ‬
‫تحّرى وتصدّق به ‪ .‬ويكون الحلق بعد ذبح العقيقة ‪.‬‬
‫ي صلى الله عليه وسلم قال‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫كما ورد ‪ » :‬أ ّ‬
‫ما ولدت الحسن ‪ :‬احلقي رأسه وتصدّقي‬ ‫لفاطمة ل ّ‬
‫ة على المساكين والوفاض « ‪.‬‬ ‫ض ً‬
‫بزنة شعره ف ّ‬
‫ن حلق شعر المولود مباح ‪،‬‬ ‫وذهب الحنفيّة إلى أ ّ‬
‫ن‬
‫ليس بسنّة ول واجب ‪ ،‬وذلك على أصلهم في أ ّ‬
‫ن رسول اللّه صلى الله عليه‬ ‫العقيقة مباحة ‪ ،‬ل ّ‬
‫ب اللّه‬
‫وسلم سئل عن العقيقة فقال ‪ » :‬ل يح ّ‬
‫ب أن ينسك عن ولده فلينسك عنه‬ ‫العقوق ‪ .‬من أح ّ‬
‫عن الغلم شاتين مكافأتاه وعن الجارية شاةً « وهذا‬
‫ة لنّه صلى الله عليه وسلم‬ ‫ينفي كون العقيقة سن ّ ً‬
‫علّق العقّ بالمشيئة وهذا أمارة الباحة ‪ .‬وفي قول‬
‫ن‬‫للحنفيّة أنّها مكروهة لنّها نسخت بالضحيّة ‪ ،‬ل ّ‬
‫العقيقة كانت من الفضائل فعلها المسلمون في‬
‫أوّل السلم فنسخت بالضحيّة ‪ ،‬فمتى نسخ الفضل‬
‫ل يبقى إل ّ الكراهة ‪.‬‬
‫النّظر إلى شعر المرأة الجنبيّة ‪:‬‬

‫‪549‬‬
‫‪ - 11‬اتّفق الفقهاء على عدم جواز النّظر إلى شعر‬
‫المرأة الجنبيّة ‪ ،‬كما ل يجوز لها إبداؤه للجانب عنها‬
‫‪.‬‬
‫شافعيّة إلى القول بعدم جواز‬ ‫وذهب الحنفيّة وال ّ‬
‫النّظر إليه وإن كان منفصل ً ‪.‬‬
‫صوف ‪:‬‬ ‫شعر وال ّ‬ ‫بيع ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة ‪-‬‬ ‫‪ - 12‬ذهب الجمهور ‪ -‬الحنفيّة وال ّ‬
‫صوف على ظهر الغنم ‪ ،‬لحديث‬ ‫إلى عدم جواز بيع ال ّ‬
‫ابن عبّاس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ » : -‬نهي أن تباع‬
‫ثمرة حتّى تطعم ول صوف على ظهر ول لبن في‬
‫ضرع « ‪.‬‬
‫صوف متّصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالبيع‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول ّ‬
‫صوف على الظّهر قبل الجّز ليس‬ ‫ن ال ّ‬‫كأعضائه‪ ،‬ول ّ‬
‫بمال متقوّم في نفسه لنّه بمنزلة وصف الحيوان‬
‫لقيامه به كسائر أوصافه ‪ .‬وهو غير مقصود من‬
‫ة‬
‫شاة فل يفرد بالبيع ‪ ،‬ولنّه ينبت من أسفل ساع ً‬ ‫ال ّ‬
‫ة فيختلط المبيع بغيره بحيث يتعذ ّر التّمييز ‪.‬‬ ‫فساع ً‬
‫صوف على ظهر‬ ‫وذهب المالكيّة إلى جواز بيع ال ّ‬
‫الغنم بالجزز تحّريا ً ‪ ،‬وبالوزن مع رؤية الغنم على أن‬
‫خر الجّز أكثر من نصف شهر ‪.‬‬ ‫ل يتأ ّ‬
‫صوف ‪:‬‬ ‫سلم في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شافعيّة والحنابلة إلى جواز‬ ‫‪ - 13‬ذهب المالكيّة وال ّ‬
‫صوف سلما ً بالوزن ل بالجزز وذلك لختلف‬ ‫بيع ال ّ‬
‫صغر والكبر ‪ -‬عند المالكيّة ‪ -‬ويجب بيان‬ ‫الجزز بال ّ‬
‫ن صوف‬ ‫صوف وأصله من ذكر أو أنثى ل ّ‬ ‫نوع ال ّ‬
‫ي أو‬
‫الناث أنعم ‪ ،‬ويذكر لونه ووقته هل هو خريف ّ‬
‫ى من‬ ‫ي ‪ ،‬وطوله وقصره ووزنه ول يقبل إل ّ منّق ً‬ ‫ربيع ّ‬
‫شوك ويجوز اشتراط غسله ‪.‬‬ ‫شعر ونحوه ‪ ،‬كال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شعر ‪:‬‬‫وصل ال ّ‬

‫‪550‬‬
‫‪ - 14‬يحرم وصل شعر المرأة بشعر نجس أو بشعر‬
‫المزوجة وغيرها وسواء بإذن‬ ‫ّ‬ ‫ي ‪ .‬سواء في ذلك‬ ‫آدم ّ‬
‫الّزوج أو بغير إذنه ‪ .‬وللحنفيّة قول بالكراهة ‪.‬‬
‫وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬لعن اللّه‬
‫الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة «‪.‬‬
‫ل على تحريمه ‪ ،‬وعلّة‬ ‫شيء تد ّ‬ ‫واللّعنة على ال ّ‬
‫التّحريم ما فيه من التّدليس والتّلبيس بتغيّر خلق‬
‫اللّه ‪.‬‬
‫والواصلة الّتي تصل شعرها بشعر من امرأة أخرى‬
‫والّتي يوصل شعرها بشعر آخر زورا ً ‪ ،‬والمستوصلة‬
‫الّتي يوصل لها ذلك بطلبها ‪ .‬لحرمة النتفاع بشعر‬
‫ي لكرامته ‪ ،‬والصل أن يدفن شعره إذا انفصل‬ ‫الدم ّ‬
‫‪.‬‬
‫ي وهو طاهر ‪:‬‬ ‫ما إذا كان الوصل بغير شعر الدم ّ‬ ‫أ ّ‬
‫صحيح إلى حرمة الوصل إن‬ ‫شافعيّة على ال ّ‬ ‫فذهب ال ّ‬
‫ما إن‬ ‫لم تكن ذات زوج وعلى القول الثّاني يكره ‪ .‬أ ّ‬
‫كانت ذات زوج فثلثة أوجه ‪:‬‬
‫حها ‪ :‬إن وصلت بإذنه جاز وإل ّ حرم ‪.‬‬ ‫أص ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬يحرم مطلقا ً ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬ل يحرم ول يكره مطلقا ً ‪.‬‬
‫وذهب الحنفيّة وهو المنقول عن أبي يوسف إلى أنّه‬
‫ي تتّخذه لتزيد‬ ‫خص للمرأة في غير شعر الدم ّ‬ ‫ير ّ‬
‫قرونها ‪.‬‬
‫واستدلّوا بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها‬
‫قالت ‪ :‬ليست الواصلة بالّتي تعنون ‪ ،‬ول بأس أن‬
‫شعر فتصل قرنا ً من قرونها‬ ‫تعرى المرأة عن ال ّ‬
‫بصوف أسود وإنّما الواصلة الّتي تكون بغيّا ً في‬
‫شبيبتها فإذا أسنّت وصلتها بالقيادة ‪.‬‬

‫‪551‬‬
‫وذهب المالكيّة إلى عدم التّفريق في التّحريم بين‬
‫شعر وبغيره ‪.‬‬ ‫الوصل بال ّ‬
‫شعر بشعر سواء كان‬ ‫ويرى الحنابلة تحريم وصل ال ّ‬
‫ي أو شعر غيره ‪ .‬وسواء كان بإذن الّزوج‬ ‫شعر آدم ّ‬
‫أو من غير إذنه ‪ .‬قالوا ول بأس بما تشد ّ به المرأة‬
‫شعر للحاجة ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬ل‬ ‫شعرها أي من غير ال ّ‬
‫صوف‬ ‫شعر ول القرامل ول ال ّ‬ ‫تصل المرأة برأسها ال ّ‬
‫‪.‬‬
‫شعر ‪:‬‬ ‫عقص ال ّ‬
‫شعر في‬ ‫‪ - 15‬اتّفق الفقهاء على كراهة عقص ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫شعر حول الّرأس كما‬ ‫والعقص هو شد ّ ضفيرة ال ّ‬
‫خرة‬‫شعر فيعقد في مؤ ّ‬ ‫تفعله النّساء أو يجمع ال ّ‬
‫الّرأس ‪.‬‬
‫وهو مكروه كراهة تنزيه ‪ .‬فلو صلّى كذلك فصلته‬
‫صحيحة ‪ ،‬حكى ابن المنذر وجوب العادة فيه عن‬
‫الحسن البصريّ ‪.‬‬
‫ودليل الكراهة ما رواه مسلم من حديث ابن عبّاس‬
‫رضي الله عنه أنّه رأى عبد اللّه بن الحارث يصلّي‬
‫ورأسه معقوص من ورائه فقام وجعل يحلّه ‪ ،‬فل ّ‬
‫ما‬
‫انصرف أقبل إلى ابن عبّاس فقال ‪ :‬مالك ورأسي ؟‬
‫فقال ‪ :‬إنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول ‪ » :‬إنّما مثل هذا مثل الّذي يصلّي وهو‬
‫شيطان‬ ‫مكتوف « وفي حديث آخر ‪ » :‬ذاك كفل ال ّ‬
‫«‪.‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬أمرت أن أسجد‬
‫شعر «‪.‬‬ ‫على سبعة أعظم ‪ ..‬ول نكفت الثّياب وال ّ‬
‫شعر يسجد مع‬ ‫ن ال ّ‬
‫والحكمة في النّهي عنه ‪ ،‬أ ّ‬

‫‪552‬‬
‫المصلّي ولهذا مثّله في الحديث بالّذي يصلّي وهو‬
‫مكتوف ‪.‬‬
‫ل من صلّى كذلك‬ ‫ن النّهي شامل لك ّ‬ ‫والجمهور على أ ّ‬
‫صلة‬ ‫صلة أم كان كذلك قبل ال ّ‬ ‫مده لل ّ‬ ‫‪ ،‬سواء تع ّ‬
‫ى آخر وصلّى على حاله بغير ضرورة ‪.‬‬ ‫وفعلها لمعن ً‬
‫صحيحة وهو ظاهر‬ ‫ل له إطلق الحاديث ال ّ‬ ‫ويد ّ‬
‫ص‬
‫صحابة ‪ ،‬وقال مالك ‪ :‬النّهي مخت ّ‬ ‫المنقول عن ال ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫بمن فعل ذلك لل ّ‬
‫شعر في‬ ‫وينظر بقيّة الحكام المتعلّقة بال ّ‬
‫مص ‪،‬‬ ‫المصطلحات التية ‪ ( :‬إحرام ‪ ،‬وترجيل ‪ ،‬وتن ّ‬
‫وإحداد ‪ ،‬واختضاب ‪ ،‬وتسويد ‪ ،‬حلق ‪ ،‬وديات ) ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬
‫العناية بشعر النسان الح ّ‬
‫شعر لما رواه أبو هريرة‬ ‫ب ترجيل ال ّ‬ ‫‪ - 16‬يستح ّ‬
‫رضي الله عنه مرفوعا ً ‪ » :‬من كان له شعر‬
‫فليكرمه « ‪.‬‬
‫ب التّرجيل‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم كان يح ّ‬ ‫ن النّب ّ‬ ‫ول ّ‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬‫فقد روت عائشة رضي الله عنها ‪ » :‬أ ّ‬
‫ي رأسه وهو مجاور‬ ‫الله عليه وسلم كان يصغي إل ّ‬
‫ب التّيامن‬ ‫جله وأنا حائض «‪ .‬ويستح ّ‬ ‫في المسجد فأر ّ‬
‫ن الغباب فيه ‪ ،‬والكثار منه‬ ‫في التّرجيل ‪ ،‬ويس ّ‬
‫مكروه ‪.‬‬
‫م يترك‬ ‫شعر غبّا ً وهو أن يدهن ث ّ‬ ‫ب دهن ال ّ‬ ‫كما يستح ّ‬
‫م يدهن ثانيا ً ‪ ،‬وقيل يدهن يوماً‬ ‫ف الدّهن ث ّ‬ ‫حتّى يج ّ‬
‫ويوما ً ل ‪.‬‬
‫وللتّفصيل انظر مصطلحات ‪ ( :‬إدهان ‪ ،‬وامتشاط ‪،‬‬
‫وترجيل ) ‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫حكم شعر الحيوان الح ّ‬

‫‪553‬‬
‫ما أن يكون من مأكول‬ ‫يإ ّ‬ ‫‪ - 17‬شعر الحيوان الح ّ‬
‫ما أن‬ ‫ل حالة إ ّ‬ ‫اللّحم أو غير مأكول اللّحم ‪ ،‬وفي ك ّ‬
‫يكون متّصل ً به أو منفصل ً عنه ‪.‬‬
‫ما شعر الحيوان المأكول اللّحم المتّصل به إذا‬ ‫‪ - 18‬أ ّ‬
‫ي فقد اتّفق الفقهاء على طهارته ‪،‬‬ ‫أخذ منه وهو ح ّ‬
‫صوافِهَا‬ ‫َ‬
‫نأ ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫صوف والوبر لقوله تعالى ‪ { :‬وَ ِ‬ ‫ومثله ال ّ‬
‫ن } والية‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ى‬ ‫متَاعا ً إِل َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫شعَارِهَا أَثَاثا ً‬‫ْ‬ ‫وأَوبارهَا وأ َ‬
‫َ‬ ‫َ َْ ِ‬
‫ٍ‬
‫مة في المتّصل والمنفصل‬ ‫سيقت للمتنان وهي عا ّ‬
‫ويأتي الخلف في شمولها بشعر الحيوان الميّت ‪.‬‬
‫مة على طهارة شعر الحيوان المأكول‬ ‫وأجمعت ال ّ‬
‫ي لمسيس الحاجة إليه في‬ ‫اللّحم إذا جّز منه وهو ح ّ‬
‫الملبس والمفارش لنّه ليس في شعر المذكّيات‬
‫كفاية لحاجة النّاس ‪.‬‬
‫ما شعر الحيوان المأكول اللّحم المنفصل عنه في‬ ‫أ ّ‬
‫الحياة ‪:‬‬
‫فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى طهارته إذا جّز جّزا ً ‪.‬‬
‫ما إذا نتف فأصوله الّتي فيها الدّسومة نجسة‪،‬‬ ‫أ ّ‬
‫ي فهو ميّت إل ّ إذا‬ ‫ن ما أبين من ح ّ‬ ‫والصل عندهم أ ّ‬
‫صوف والوبر فهو‬ ‫شعر وال ّ‬ ‫كان ل تحلّه الحياة كال ّ‬
‫طاهر ‪.‬‬
‫واشترط المالكيّة أن يجّز جّزا ً بخلف ما نتف نتفاً‬
‫ة‪.‬‬ ‫ن أصوله تكون نجس ً‬ ‫فإ ّ‬
‫شافعيّة إلى طهارته إذا جّز واستدلّوا بالية‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫والجماع المتقدّمين ‪.‬‬
‫قال إمام الحرمين وغيره ‪ :‬وكان القياس نجاسته‬
‫كسائر أجزاء الحيوان المنفصلة في الحياة ولكن‬
‫مة على طهارتها ‪.‬‬ ‫أجمعت ال ّ‬
‫ما إذا انفصل شعر الحيوان المأكول اللّحم في‬ ‫أ ّ‬
‫حياته بنفسه أو نتف ففيه أوجه ‪:‬‬

‫‪554‬‬
‫صحيح منها أنّه طاهر لنّه في معنى الجّز ‪ ،‬وإن‬ ‫ال ّ‬
‫شعر كالذ ّبح ‪ ،‬في‬ ‫كان مكروها ً ‪ ،‬والجّز في ال ّ‬
‫الحيوان ولو ذبح الحيوان لم ينجس ‪ ،‬فكذلك إذا جّز‬
‫شعره ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬إنّه نجس سواء انفصل بنفسه أو بنتف ل ّ‬
‫ن‬
‫ي فهو ميّت ‪.‬‬ ‫ما أبين من ح ّ‬
‫ي رضي‬ ‫ودليل هذه القاعدة ‪ :‬حديث أبي واقد اللّيث ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫الله عنه قال ‪ :‬قدم النّب ّ‬
‫المدينة وهم يجبّون أسنمة البل ويقطعون أليات‬
‫الغنم ‪ ،‬فقال ‪ » :‬ما قطع من البهيمة وهي حيّة فهو‬
‫ميتة « ‪.‬‬
‫شعر للجماع على‬ ‫شافعيّة استثنوا ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬‫غير أ ّ‬
‫طهارته لحاجة النّاس إليه وقصر الحنفيّة والمالكيّة‬
‫شعر ‪.‬‬ ‫الحديث على ما تحلّه الحياة ولذا استثنوا ال ّ‬
‫ل حيوان‬ ‫ن شعر ك ّ‬ ‫وعند الحنابلة على المذهب أ ّ‬
‫كبقيّة أجزائه ما كان طاهرا ً فشعره طاهر ‪ ،‬وما كان‬
‫نجسا ً فشعره نجس ‪ ،‬ل فرق بين حالة الحياة وحالة‬
‫الموت ‪.‬‬
‫وفي رواية أنّه نجس ‪ ،‬وفي أخرى طاهر ‪.‬‬
‫ما شعر الحيوان غير مأكول اللّحم المتّصل به‬ ‫‪ - 19‬أ ّ‬
‫فاتّفق الفقهاء على طهارته ‪ ،‬واستثنى الحنفيّة‬
‫شافعيّة والحنابلة الخنزير والكلب‬ ‫الخنزير واستثنى ال ّ‬
‫ن عينهما نجسة ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫ن‬
‫ما المالكيّة فذهبوا إلى طهارة الكلب والخنزير ل ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ي طاهر ‪.‬‬ ‫لح ّ‬ ‫نك ّ‬ ‫الصل عندهم أ ّ‬
‫ما شعر المنفصل عنه ‪ ،‬فعند الحنفيّة والمالكيّة هو‬ ‫أ ّ‬
‫ي فهو‬ ‫ن ما أبين من ح ّ‬ ‫طاهر بنا ًء على ما تقدّم من أ ّ‬
‫شعر ‪ .‬ويستثنى من‬ ‫ميّت ‪ ،‬إل ّ ما ل تحلّه الحياة كال ّ‬
‫ذلك ما كان نجس العين كالخنزير عند الحنفيّة ‪.‬‬

‫‪555‬‬
‫ما المالكيّة فهو طاهر عندهم إذا جّز ‪ ،‬ل إذا نتف ‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫ينظر في تفصيل أحكام شعر الخنزير مصطلح ‪:‬‬
‫( خنزير ف ‪. ) 7‬‬
‫ي‬
‫ن ما أبين من ح ّ‬ ‫شافعيّة إلى نجاسته ل ّ‬ ‫وذهب ال ّ‬
‫فهو ميّت ‪.‬‬
‫ن حكمه حكم بقيّة‬ ‫وعند الحنابلة على المذهب أ ّ‬
‫أجزائه ‪ ،‬فما كان طاهرا ً فشعره طاهر وما كان‬
‫نجسا ً فشعره نجس ‪.‬‬
‫ن شعر‬ ‫وفي رواية عن أحمد اختارها ابن تيميّة أ ّ‬
‫الكلب والخنزير وما تولّد منهما طاهر ‪.‬‬
‫==================‬
‫ك*‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫تعريفه ‪:‬‬
‫ة ‪ :‬نقيض اليقين وجمعه شكوك ‪ .‬يقال‬ ‫ك لغ ً‬‫ش ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ك في المر وتشكّك إذا تردّد فيه بين شيئين ‪،‬‬ ‫ش ّ‬
‫سواء استوى طرفاه أو رجح أحدهما على الخر ‪.‬‬
‫ما أَنَزلْنَا‬‫م َّ‬‫ك ِّ‬ ‫ش ٍّ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫قال اللّه تعالى ‪ { :‬فَإِن كُن َ‬
‫م حالتي الستواء‬ ‫ك } أي غير مستيقن ‪ ،‬وهو يع ّ‬ ‫إِلَي ْ َ‬
‫والّرجحان‬
‫ك من‬ ‫ش ّ‬ ‫شريف ‪ » :‬نحن أحقّ بال ّ‬ ‫وفي الحديث ال ّ‬
‫ن مناسبته ترجع إلى وقت نزول‬ ‫إبراهيم « قيل ‪ :‬إ ّ‬
‫ب أ ِرنِي كَي ْ َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ { :‬وإِذ ْ قَا َ‬
‫م َر ِّ‬ ‫ل إِبَْراهِي ُ‬
‫ل بَلَى وَلَكِن‬ ‫تحيي ال ْموتى قَا َ َ‬
‫من قَا َ‬ ‫ل أوَل َ ْ‬
‫م تُؤ ْ ِ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ ْ ِ‬
‫ن قَلْبِي } ‪ .‬حيث قال قوم ‪ -‬إذ ذاك ‪ -‬ش ّ‬
‫ك‬ ‫ل ِّيَط ْ َ‬
‫مئ ِ َّ‬
‫ك نبيّنا ‪ ،‬فقال رسول اللّه صلى الله‬ ‫إبراهيم ولم يش ّ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬تواضعا ً منه وتقديما ً لبراهيم على‬
‫ك من إبراهيم « أي أنا‬ ‫ش ّ‬ ‫ق بال ّ‬ ‫نفسه ‪ » : -‬نحن أح ّ‬
‫ك هو ؟ ‪.‬‬ ‫ك مع أنّني دونه فكيف يش ّ‬ ‫لم أش ّ‬

‫‪556‬‬
‫ك في اصطلح الفقهاء ‪ :‬استعمل في حالتي‬ ‫ش ّ‬‫وال ّ‬
‫الستواء والّرجحان على النّحو الّذي استعملت فيه‬
‫صلة ‪ ،‬ومن‬ ‫ك في ال ّ‬‫ة فقالوا ‪ :‬من ش ّ‬ ‫هذه الكلمة لغ ً‬
‫ك في الطّلق ‪ ،‬أي من لم يستيقن ‪ ،‬بقطع النّظر‬ ‫ش ّ‬
‫عن استواء الجانبين أو رجحان أحدهما ‪ .‬ومع هذا‬
‫فقد فّرقوا بين الحالتين في جزئيّات كثيرة ‪.‬‬
‫ك في اصطلح الصوليّين ‪ :‬هو استواء‬ ‫ش ّ‬‫وال ّ‬
‫الطّرفين المتقابلين لوجود أمارتين متكافئتين في‬
‫الطّرفين أو لعدم المارة فيهما ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬اليقين ‪:‬‬
‫‪ - 2‬اليقين مصدر يقن المر ييقن إذا ثبت ووضح ‪،‬‬
‫ة‪-‬‬ ‫ويستعمل متعدّيا ً بنفسه وبالياء ‪ ،‬ويطلق ‪ -‬لغ ً‬
‫على العلم الحاصل عن نظر واستدلل ولهذا ل‬
‫مى علم اللّه يقينا ً ‪.‬‬ ‫يس ّ‬
‫وهو عند علماء الصول ‪ :‬العتقاد الجازم المطابق‬
‫ك‬‫ك ‪ .‬فيقال ش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫للواقع الثّابت ‪ .‬فاليقين ضد ّ ال ّ‬
‫شيء‬ ‫ن العلم اعتقاد ال ّ‬ ‫ك وعلم ل ّ‬ ‫وتيّقن ول يقال ش ّ‬
‫على ما هو به على سبيل الثّقة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الشتباه ‪:‬‬
‫شيئان‬ ‫‪ - 3‬الشتباه هو مصدر اشتبه ‪ ،‬يقال ‪ :‬اشتبه ال ّ‬
‫ل واحد منهما الخر‪ ،‬كما يقال ‪:‬‬ ‫وتشابها ‪ ،‬إذا أشبه ك ّ‬
‫اشتبه عليه المر أي اختلط والتبس لسبب من‬
‫ك ‪ ،‬فالعلقة بينهما ‪ -‬إذا ً ‪ -‬سببيّة‬ ‫ش ّ‬ ‫مها ال ّ‬ ‫السباب أه ّ‬
‫ما ً من أسباب الشتباه ‪.‬‬ ‫ك سببا ً ها ّ‬ ‫ش ّ‬‫حيث يعد ّ ال ّ‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬ ‫كما قد يكون الشتباه سببا ً لل ّ‬
‫ن‪:‬‬‫ج ‪ -‬الظ ّ ّ‬

‫‪557‬‬
‫ن من باب قتل وهو خلف اليقين‬ ‫ن مصدر ظ ّ‬ ‫‪ - 4‬الظ ّ ّ‬
‫‪ ،‬ويطلق عند الصوليّين على الطّرف الّراجح من‬
‫الطّرفين‬
‫وقد يستعمل مجازا ً بمعنى اليقين كقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن أَنَّهُم ُّ‬ ‫َّ‬
‫م}‪.‬‬ ‫ملَقُوا َربِّهِ ْ‬ ‫ن يَظُنُّو َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫{ ال‬
‫ن الفقهاء ل يفّرقون غالبا ً بين الظ ّ ّ‬
‫ن‬ ‫وقد تقدّم أ ّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫وال ّ‬
‫د ‪ -‬الوهم ‪:‬‬
‫‪ - 5‬الوهم مصدر وهم وهو عند الصوليّين طرف‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬ ‫المرجوح من طرفي ال ّ‬
‫خري‬ ‫وهو ما عبّر عنه الحمويّ ‪ -‬نقل ً عن متأ ّ‬
‫الصوليّين ‪ -‬حيث قال ‪ :‬الوهم تجويز أمرين أحدهما‬
‫أضعف من الخر ‪.‬‬
‫والمتأكّد أنّه ل يرتقي لحداث اشتباه إذ " ل عبرة‬
‫للتّوهّم " ‪ .‬وبناءً على ذلك ذكر الفقهاء أنّه ل يثبت‬
‫ي استنادا ً على وهم ‪ ،‬ول يجوز تأخير‬ ‫حكم شرع ّ‬
‫شيء الثّابت بصورة قطعيّة بوهم طارئ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ك باعتبار حكم الصل الّذي طرأ عليه ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أقسام ال ّ‬
‫ك ‪ -‬إجمال ً ‪ -‬بهذا العتبار إلى ثلثة‬ ‫ش ّ‬‫‪ - 6‬ينقسم ال ّ‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫ك طرأ على أصل حرام مثل أن‬ ‫القسم الوّل ‪ :‬ش ّ‬
‫ة في بلد يقطنه مسلمون‬ ‫يجد المسلم شاة ً مذبوح ً‬
‫ل له الكل منها حتّى يعلم أنّها ذكاة‬ ‫ومجوس فل يح ّ‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬‫ن الصل فيها الحرمة ووقع ال ّ‬ ‫مسلم ‪ ،‬ل ّ‬
‫الذ ّكاة المطلوبة شرعا ً ‪ ،‬فلو كان معظم سكّان البلد‬
‫مسلمين جاز القدام عليها والكل منها عمل ً بالغالب‬
‫المفيد للحلّيّة ‪.‬‬
‫ك طرأ على أصل مباح كما لو‬ ‫القسم الثّاني ‪ :‬ش ّ‬
‫وجد المسلم ما ًء متغيّرا ً فله أن يتطهّر منه مع‬

‫‪558‬‬
‫احتمال أن يكون تغيّر بنجاسة ‪ ،‬أو طول مكث ‪ ،‬أو‬
‫سباع عليه ونحو ذلك استنادا ً إلى أ ّ‬
‫ن‬ ‫كثرة ورود ال ّ‬
‫ن اللّه تعالى لم‬‫الصل طهارة المياه ‪ .‬مع العلم أ ّ‬
‫شم البحث للكشف عن طهارته‬ ‫يكلّف المؤمنين تج ّ‬
‫أو نجاسته تيسيرا ً عليهم ‪ ،‬حيث ورد في الثر أ ّ‬
‫ن‬
‫عمر بن الخطّاب ‪ -‬رضي الله تعالى عنه ‪ -‬خرج في‬
‫ركب فيهم عمرو بن العاص ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬حتّى‬
‫وردوا حوضا ً فقال عمرو بن العاص لصاحب الحوض‬
‫سباع ؟ فقال‬ ‫‪ :‬يا صاحب الحوض هل ترد حوضك ال ّ‬
‫عمر ‪ :‬يا صاحب الحوض ل تخبرنا ‪ ،‬فإنّا نرد على‬
‫سباع ‪ ،‬وترد علينا ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ن عمر بن الخطّاب نفسه كان ماّرا ً مع‬ ‫وفيه أيضا ً ‪ :‬أ ّ‬
‫صاحب له فسقط عليهما شيء من ميزاب ‪ ،‬فقال‬
‫صاحبه ‪ :‬يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس ؟‬
‫فقال عمر ‪ :‬يا صاحب الميزاب ل تخبرنا ‪ ،‬ومضى ‪.‬‬
‫فإن اشتبه عليه ماء طاهر وماء نجس تحّرى ‪ ،‬فما‬
‫ضأ به ‪.‬‬
‫أدّاه اجتهاده إلى طهارته تو ّ‬
‫ك ل يعرف أصله مثل التّعامل مع‬ ‫القسم الثّالث ‪ :‬ش ّ‬
‫شخص أكثر ماله حرام دون تمييز لهذا من ذاك‬
‫لختلط النّوعين معا ً اختلطا ً يصعب تحديده ‪ ،‬فمثل‬
‫شخص ل تحرم مبايعته ول التّعامل معه‬ ‫هذا ال ّ‬
‫لمكان أن يكون المقابل حلل ً طيّبا ً ‪ ،‬ولكن رغم هذا‬
‫ص الفقهاء على كراهة التّعامل معه‬ ‫الحتمال فقد ن ّ‬
‫خوفا ً من الوقوع في الحرام‬
‫ن " المشكوك في وجوبه ل يجب‬ ‫صوا على أ ّ‬ ‫كما ن ّ‬
‫ب فعله احتياطا ً " ‪.‬‬ ‫ب تركه بل يستح ّ‬ ‫فعله ول يستح ّ‬
‫ك بحسب الجماع على اعتباره وإلغائه ‪:‬‬ ‫ش ّ‬‫أقسام ال ّ‬
‫ك بهذا العتبار ينقسم أيضاً‬ ‫ش ّ‬
‫ن ال ّ‬‫يأ ّ‬ ‫‪ - 7‬ذكر القراف ّ‬
‫إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫‪559‬‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫القسم الوّل ‪ :‬مجمع على اعتباره كال ّ‬
‫المذكّاة والميتة ‪ ،‬فالحكم تحريمهما معا ً ‪.‬‬
‫ك هل‬ ‫القسم الثّاني ‪ :‬مجمع على إلغائه ‪ ،‬كمن ش ّ‬
‫طلّق أم ل ؟ فل شيء عليه ‪ ،‬وشكّه يعتبر لغواً‪.‬‬
‫القسم الثّالث ‪ :‬اختلف العلماء في جعله سببا ً ‪،‬‬
‫كمن شك هل أحدث أم ل ؟ فقد اعتبره مالك دون‬
‫ي‪.‬‬‫شافع ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك هل طلّق ثلثا ً أم اثنتين ؟ ألزمه مالك‬ ‫ومن ش ّ‬
‫ي وسيأتي‬ ‫الطّلقة المشكوك فيها خلفا ً لل ّ‬
‫شافع ّ‬
‫تفصيله ‪.‬‬
‫ك"‬ ‫ش ّ‬ ‫ك ل يزيل اليقين ‪ ،‬أو " اليقين ل يزول بال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك مع اليقين " ‪:‬‬ ‫أو " ل ش ّ‬
‫مهات‬ ‫‪ - 8‬هذه القاعدة ‪ -‬على اختلف تراكيبها ‪ -‬من أ ّ‬
‫القواعد الّتي عليها مدار الحكام الفقهيّة وقد قيل ‪:‬‬
‫إنّها تدخل في جميع أبواب الفقه ‪ ،‬والمسائل‬
‫المخّرجة عنها من عبادات ومعاملت تبلغ ثلثة أرباع‬
‫علم الفقه ‪.‬‬
‫ك في الميراث ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ل استحقاق ل يثبت إلّ‬ ‫‪ - 9‬الميراث استحقاق وك ّ‬
‫بثبوت أسبابه وتوفّر شروطه وانتفاء موانعه ‪ ،‬وهذه‬
‫ل تثبت إل ّ بيقين ‪ ،‬فل يتصوّر مثل ً ثبوت الستحقاق‬
‫ك في طريقه وبالتّالي ل يتصوّر ثبوت الميراث‬ ‫ش ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬ ‫بال ّ‬
‫ك في الركان ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شيء هي أجزاء ماهيّته الّتي يتكوّن‬ ‫‪ - 10‬أركان ال ّ‬
‫حتها على توفّر شروطها‬ ‫منها ‪ ،‬وهي الّتي تتوقّف ص ّ‬
‫‪.‬‬
‫أي عبادة من العبادات يراد بها فرائضها الّتي‬ ‫وأركان ّ‬
‫ل بد ّ منها إذ ل فرق بين الّركن والفرض إل ّ في الح ّ‬
‫ج‬

‫‪560‬‬
‫حيث تتميّز الركان فيه على الواجبات والفروض‬
‫بعدم جبرها بالدّم ‪.‬‬
‫ك في ركن من أركان العبادة أو في فرض‬ ‫فمن ش ّ‬
‫من فرائضها ‪ ،‬هل أتى به أم ل ؟ فإنّه يبني على‬
‫ك فيه ‪ ،‬ويسجد‬ ‫اليقين المحّقق عنده ‪ ،‬ويأتي بما ش ّ‬
‫سلم سجدتين لحتمال أن يكون قد فعل ما‬ ‫بعد ال ّ‬
‫ك فيه ‪ ،‬فيكون ما أتى به بعد ذلك محض زيادة ‪،‬‬ ‫ش ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وفي غلبة‬ ‫وقال ابن لبابة ‪ :‬يسجد قبل ال ّ‬
‫ي ‪ :‬منهم من‬ ‫ن هنا قولن داخل المذهب المالك ّ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫ك ومنهم من اعتبرها كاليقين ‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫اعتبرها كال ّ‬
‫شيخ ابن عاشر ‪ -‬صاحب‬ ‫وفيما تقدّم يقول ال ّ‬
‫المرشد المعين ‪: -‬‬
‫ك في ركن بنى على اليقين‬ ‫من ش ّ‬
‫وليسجدوا البعديّ لكن قد يبين ‪.‬‬
‫مد بن أحمد ميّارة ‪ :‬ويقيّد كلم‬ ‫شيخ مح ّ‬ ‫قال ال ّ‬
‫صاحب هذا النّظم بغير الموسوس أو كالمستنكح‬
‫ك فيه ‪ ،‬وشكّه كالعدم ويسجد‬ ‫ن هذا ل يعتد ّ بما ش ّ‬ ‫ل ّ‬
‫ك هل صلّى ثلثا ً أو أربعا ً بنى‬ ‫سلم ‪ ،‬فإذا ش ّ‬ ‫بعد ال ّ‬
‫سلم ‪.‬‬‫على الربع وسجد بعد ال ّ‬
‫ك على قسمين ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وإجمال ً فإ ّ‬
‫مستنكح ‪ :‬أي يعتري صاحبه كثيرا ً وهو كالعدم لكنّه‬
‫سلم ‪ ،‬وغير مستنكح ‪ :‬وهو الّذي‬ ‫يسجد له بعد ال ّ‬
‫ن‬
‫يأتي بعد مدّة وحكمه وجوب البناء على اليقين ‪ ،‬وأ ّ‬
‫سهو أيضا ً على قسمين ‪ :‬مستنكح وغير مستنكح ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫راجع مصطلح ‪ ( :‬سهو ) من الموسوعة الفقهيّة ‪.‬‬
‫شفع أو في‬ ‫ك في جلوسه هل كان في ال ّ‬ ‫ن من ش ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫ن المنصوص لمالك أنّه يسلّم ويسجد‬ ‫الوتر ؟ فإ ّ‬
‫م يوتر بواحدة لحتمال أن يكون أضاف‬ ‫لسهوه ‪ ،‬ث ّ‬
‫شفع من غير سلم فيصير‬ ‫ركعة الوتر إلى ركعتي ال ّ‬

‫‪561‬‬
‫سجود بعد‬ ‫شفع ثلثا ً ‪ ،‬ومن هنا طولب بال ّ‬ ‫قد صلّى ال ّ‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬‫ن هذه المسألة – أي مسألة ال ّ‬ ‫سلم ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ال ّ‬
‫الّركن – تتّفق في الحكم مع مسألة التّحّقق من‬
‫ك ويبنى على‬ ‫ش ّ‬ ‫الخلل بركن ففي الولى يلغى ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وفي الثّانية يجبر‬ ‫سجود بعد ال ّ‬ ‫اليقين مع ال ّ‬
‫سلم ‪.‬‬ ‫سجود بعد ال ّ‬ ‫الّركن ويقع ال ّ‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫ن الّذي يجمع هذا كلّه هو قولهم ‪ :‬ال ّ‬ ‫وإ ّ‬
‫ي في‬ ‫النّقصان كتحّققه ‪ .‬ولذلك قال الونشريس ّ‬
‫ك أصلّى ثلثا ً أم‬ ‫م لو ش ّ‬ ‫شرح هذه القاعدة ‪ :‬ومن ث ّ‬
‫ك في بعض أشواط‬ ‫أربعا ً ؟ أتى برابعة أو ش ّ‬
‫ك هل أتى بالثّالثة أم ل ؟‬ ‫سعي أو ش ّ‬ ‫الطّواف أو ال ّ‬
‫بنى في جميع ذلك على اليقين ‪.‬‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬‫صها ‪ :‬ال ّ‬ ‫مم هذه القاعدة قاعدة أخرى ن ّ‬ ‫وتت ّ‬
‫ك في حصول التّفاضل في‬ ‫ش ّ‬ ‫الّزيادة كتحّققها ‪ .‬كال ّ‬
‫ك في عدد الطّلق ونحو ذلك ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫عقود الّربا ‪ ،‬وال ّ‬
‫سبب ‪:‬‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫م استعير‬ ‫ة ‪ :‬هو الحبل أو الطّريق ث ّ‬ ‫سبب لغ ً‬ ‫‪ - 11‬ال ّ‬
‫صل به إلى شيء ‪،‬‬ ‫ل َما يتو ّ‬ ‫ل على ك ّ‬ ‫من الحبل ليد ّ‬
‫َ‬
‫ب } أي‬ ‫سبَا ُ‬‫م ال ْ‬ ‫ل ذكره ‪ { :‬وَتََقط ّعَ ْ‬
‫ت بِهِ ُ‬ ‫كقوله ج ّ‬
‫صلهم إلى النّعيم ‪ ،‬ومنه‬ ‫العلئق الّتي ظنّوا أنّها ستو ّ‬
‫شريف ‪ » :‬وإن كان رزقه في السباب «‬ ‫الحديث ال ّ‬
‫سماء وأبوابها ‪ .‬وهو ‪ -‬في اصطلح‬ ‫أي في طرق ال ّ‬
‫ة‬
‫شرع أمار ً‬ ‫الفقهاء والصوليّين ‪ -‬المر الّذي جعله ال ّ‬
‫لوجود الحكم وجعل انتفاءه أمارةً على عدم الحكم‬
‫‪.‬‬
‫سبب ل ينعقد إل ّ بجعل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وبنا ًء على هذا فإ ّ‬
‫المشّرع له كذلك ‪.‬‬
‫سبب واضح التّأثير ‪ -‬بجعل اللّه ‪-‬‬ ‫وحتّى يكون ال ّ‬
‫ينبغي أن يكون متيّقنا ً إذ ل تأثير ول أثر لسبب‬

‫‪562‬‬
‫ك في أسباب الميراث‬ ‫ش ّ‬ ‫مشكوك فيه ‪ ،‬وذلك كال ّ‬
‫بأنواعها ‪ .‬فإنّه مانع من حصول الميراث بالفعل إذ ل‬
‫ك في سببه كما هو مقّرر ‪ .‬شأنه في‬ ‫ش ّ‬ ‫ميراث مع ال ّ‬
‫ك في دخول وقت الظّهر أو وقت‬ ‫ش ّ‬ ‫ذلك شأن ال ّ‬
‫العصر ونحوهما من أسباب العبادات ‪.‬‬
‫ما ً ميّز فيه بين قاعدة‬ ‫ي فرقا ً ها ّ‬ ‫صص القراف ّ‬ ‫وقد خ ّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ش ّ‬‫سبب في ال ّ‬ ‫سبب وبين قاعدة ال ّ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن هذا الموضوع قد أشكل‬ ‫أشار في بدايته إلى أ ّ‬
‫أمره على جميع الفضلء ‪ ،‬وانبنى على عدم تحريره‬
‫إشكال آخر في مواضع ومسائل كثيرة حتّى خرق‬
‫بعضهم الجماع فيها ‪.‬‬
‫والقول الفصل في هذا الموضوع حسب رأي‬
‫شارع شرع الحكام وشرع لها أسباباً‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ي‪:‬أ ّ‬ ‫القراف ّ‬
‫ك‪،‬‬‫ش ّ‬‫وجعل من جملة ما شرعه من السباب ال ّ‬
‫فشرعه ‪ -‬حيث شاء ‪ -‬في صور عديدة ‪ :‬فإذا ش ّ‬
‫ك‬
‫شاة والميتة حرمتا معا ً ‪ ،‬وسبب التّحريم هو‬ ‫في ال ّ‬
‫ك في الجنبيّة وأخته من الّرضاعة‬ ‫ك ‪ ،‬وإذا ش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك‬‫ك ‪ ،‬وإذا ش ّ‬ ‫ش ّ‬‫حرمتا معا ً ‪ ،‬وسبب التّحريم هو ال ّ‬
‫صلة المنسيّة وجب عليه خمس‬ ‫في عين ال ّ‬
‫ك ‪ ،‬وإذا‬ ‫ش ّ‬ ‫صلوات ‪ ،‬وسبب وجوب الخمس هو ال ّ‬
‫ك هل تطهّر أم ل ؟ وجب الوضوء ‪ ،‬وسبب وجوبه‬ ‫ش ّ‬
‫ك ‪ ،‬وكذلك بقيّة النّظائر ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫هو ال ّ‬
‫ك ‪ :‬فالوّل‬ ‫ش ّ‬ ‫سبب في ال ّ‬ ‫سبب غير ال ّ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫فال ّ‬
‫يمنع التّقّرب ول يتقّرر معه حكم ‪ ،‬والثّاني ل يمنع‬
‫التّقّرب وتتقّرر معه الحكام كما هو الحال في‬
‫سابقة ‪.‬‬ ‫النّظائر ال ّ‬
‫ك سببا ً في‬ ‫ش ّ‬ ‫شرع نصب ال ّ‬ ‫ن صاحب ال ّ‬ ‫ول ندّعي أ ّ‬
‫صور بحسب ما يد ّ‬
‫ل‬ ‫جميع صوره بل في بعض ال ّ‬
‫شرع‬ ‫ص ‪ ،‬وقد يلغي صاحب ال ّ‬ ‫عليه الجماع أو الن ّ ّ‬

‫‪563‬‬
‫ك هل طلّق أم ل‬ ‫ك فل يجعل فيه شيئا ً ‪ :‬كمن ش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك في صلته‬ ‫ك لغو ‪ ،‬ومن ش ّ‬ ‫ش ّ‬
‫‪ .‬فل شيء عليه ‪ ،‬وال ّ‬
‫ك لغو ‪ .‬فهذه‬ ‫ش ّ‬ ‫هل سها أم ل ؟ فل شيء عليه وال ّ‬
‫ك أجمع النّاس على عدم اعتباره‬ ‫ش ّ‬ ‫صور من ال ّ‬
‫فيها ‪ ،‬كما أجمعوا على اعتباره فيما تقدّم ذكره من‬
‫صور ‪.‬‬ ‫تلك ال ّ‬
‫وقسم ثالث اختلف العلماء في نصبه سببا ً ‪ :‬كمن‬
‫ك هل أحدث أم ل ؟ فقد اعتبره مالك خلفاً‬ ‫ش ّ‬
‫ك هل طلّق ثلثا ً أم اثنتين ؟‬ ‫ي ‪ ،‬ومن ش ّ‬ ‫شافع ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ي‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫ألزمه مالك الطّلقة المشكوك فيها خلفا ً لل ّ‬
‫ك ما هي ؟ ألزمه مالك جميع‬ ‫ومن حلف يمينا ً وش ّ‬
‫اليمان ‪.‬‬
‫شرط ‪:‬‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫شَرط ‪ -‬بفتحتين ‪ : -‬العلمة والجمع أشراط‬ ‫‪ - 12‬ال َّ‬
‫ساعة ‪ ،‬أي‬ ‫مثل سبب وأسباب ‪ ،‬ومنه أشراط ال ّ‬
‫علماتها ودلئلها ‪.‬‬
‫شْرط ‪ -‬بسكون الّراء ‪ -‬يجمع على شروط ‪.‬‬ ‫وال ّ‬
‫ى‬ ‫ً‬
‫تقول ‪ :‬شرط عليه شرطا واشترطت عليه ‪ ،‬بمعن ً‬
‫واحد عند أهل اللّغة ‪.‬‬
‫شرط عند الفقهاء والصوليّين ‪ :‬فهو ما جعله‬ ‫ما ال ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ي ل يتحّقق إل ّ بوجوده ‪:‬‬ ‫مل ً لمر شرع ّ‬ ‫شارع مك ّ‬ ‫ال ّ‬
‫صلة فيما‬ ‫ة لل ّ‬ ‫كالطّهارة ‪ ،‬جعلها اللّه تعالى مك ّ‬
‫مل ً‬
‫يقصد منها من تعظيمه سبحانه وتعالى إذ الوقوف‬
‫شاملة للبدن والثّياب‬ ‫بين يديه تعالى مع الطّهارة ال ّ‬
‫والمكان أكمل في معنى الحترام والتّعظيم ‪ ،‬وبهذا‬
‫شرط‬ ‫شرعيّة إل ّ بها ‪ ،‬فال ّ‬ ‫صلة ال ّ‬ ‫الوضع ل تتحّقق ال ّ‬
‫بهذا العتبار يتوقّف عليه وجود الحكم وهو خارج عن‬
‫المشروط ‪ ،‬ويلزم من عدمه عدم الحكم ‪ ،‬ول يلزم‬
‫من وجوده وجود الحكم ول عدمه ‪.‬‬

‫‪564‬‬
‫شرط مانع من ترتّب المشروط ‪ ،‬وهو‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ك في المشروط ‪ .‬وبناءً على ذلك‬ ‫ش ّ‬ ‫كذلك يوجب ال ّ‬
‫ك في‬ ‫وجب الوضوء على من تيّقن الطّهارة وش ّ‬
‫الحدث على المشهور عند المالكيّة ‪ ،‬وامتنع‬
‫القصاص من الب في قتل ابنه ‪ .‬وامتنع الرث‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫ك في موت الموّرث أو حياة الوارث ‪ ،‬وبال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫بال ّ‬
‫في انتفاء المانع من الميراث ‪.‬‬
‫ك في المانع ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ة ‪ :‬الحائل ‪.‬‬ ‫‪ - 13‬المانع لغ ً‬
‫ما المانع في الصطلح فقد عّرف بقولهم ‪ :‬هو ما‬ ‫أ ّ‬
‫يلزم من أجل وجوده العدم ‪ -‬أي عدم الحكم‪ -‬ول‬
‫يلزم من أجل عدمه وجود ول عدم ‪ .‬كقتل الوارث‬
‫لموّرثه عمدا ً وعدوانا ً فإنّه يعد ّ مانعا ً من الميراث ‪،‬‬
‫وإن تحّقق سببه وهو القرابة أو الّزوجيّة أو غيرهما ‪.‬‬
‫ك في المانع فهل يؤثّر ذلك في‬ ‫ش ّ‬‫فإذا وقع ال ّ‬
‫ك في المانع‬ ‫ش ّ‬‫ن " ال ّ‬
‫الحكم ؟ انعقد الجماع على أ ّ‬
‫م‬ ‫ى بالجماع ‪ .‬ومن ث ّ‬ ‫ك ملغ ً‬ ‫ش ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل أثر له " أي إ ّ‬
‫ك الحاصل في ارتداد زيد قبل وفاته أم ل؟‬ ‫ش ّ‬
‫ألغي ال ّ‬
‫ح الرث منه استصحابا ً للصل الّذي هو السلم ‪.‬‬ ‫وص ّ‬
‫ك الّزوج هل‬ ‫ك في الطّلق ‪ ،‬بمعنى ش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫كما ألغي ال ّ‬
‫ك هنا ل‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫حصل منه الطّلق أم ل ؟ وقد سبق أ ّ‬
‫ن الواجب استصحاب العصمة الثّابتة قبل‬ ‫تأثير له وأ ّ‬
‫ك في‬ ‫ش ّ‬ ‫ك هنا كان من قبيل ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ك‪،‬ل ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ى وسيأتي التّفريق بين هذه‬ ‫حصول المانع وهو ملغ ً‬
‫ك في الحدث عند تناول‬ ‫ش ّ‬‫المسألة وبين مسألة ال ّ‬
‫ك في الطّهارة‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك في العتاق‬ ‫ش ّ‬‫وعلى هذا النّحو أيضا ً ألغي ال ّ‬
‫والظّهار وحرمة الّرضاع وما إليها ‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫ي ‪ -‬في خصوص الّرضاع ‪ : -‬هو من‬ ‫قال الخطّاب ّ‬
‫الموانع الّتي يمنع وجودها وجود الحكم ابتداءً وانتهاءً‬
‫‪ ،‬فهو يمنع ابتداء النّكاح ويقطع استمراره ‪ -‬إذا طرأ‬
‫ك في حصوله لم يؤثّر بناءً على‬ ‫ش ّ‬ ‫عليه ‪ -‬فإذا وقع ال ّ‬
‫ن الحوط‬ ‫ى " وقد يقال ‪ :‬إ ّ‬ ‫ك ملغ ً‬ ‫ش ّ‬ ‫قاعدة " ال ّ‬
‫شخص أن‬ ‫التّنّزه عن ذلك وقد ذكروا أنّه ل ينبغي لل ّ‬
‫يقدم إل ّ على فرج مقطوع بحلّيّته ‪.‬‬
‫ك في الطّهارة ‪:‬‬ ‫ش ّ‬‫ال ّ‬
‫ن من تيّقن الحدث وش ّ‬
‫ك‬ ‫‪ - 14‬أجمع الفقهاء على أ ّ‬
‫صلة إن‬ ‫ب عليه الوضوء ‪ ،‬وإعادة ال ّ‬ ‫في الطّهارة يج ّ‬
‫مة مشغولة فل تبرأ إل ّ بيقين ‪ ،‬فإن‬ ‫ن الذ ّ ّ‬‫صلّى ل ّ‬
‫ك في الحدث فل وضوء عليه عند‬ ‫تيّقن الطّهارة وش ّ‬
‫ك عندهم‬ ‫ش ّ‬ ‫ن الوضوء ل ينقض بال ّ‬ ‫جمهور الفقهاء ل ّ‬
‫لحديث عبد اللّه بن زيد قال ‪ » :‬شكي إلى النّب ّ‬
‫ي‬
‫صلى الله عليه وسلم الّرجل يخيّل إليه أنّه يجد‬
‫صلة ؟ فقال – صلى الله عليه وسلم‬ ‫شيء في ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ : -‬ل ينصرف حتّى يسمع صوتا ً أو يجد ريحا ً « ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ -‬في المشهور من المذهب ‪ : -‬من‬
‫ك في الحدث فعليه الوضوء‬ ‫مش ّ‬ ‫تيّقن الطّهارة ث ّ‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وجوبا ً ‪ -‬وقيل ‪ :‬استحبابا ً ‪ -‬لما تقّرر من أ ّ‬
‫ك في الخر ‪ ،‬إل ّ أن‬ ‫ش ّ‬
‫في أحد المتقابلين يوجب ال ّ‬
‫يكون مستنكحا ً ‪ ،‬وعلى هذا يحمل الحديث ‪.‬‬
‫قن‬ ‫ن من تي ّ‬ ‫وذكر الفقهاء في هذا الباب أيضا ً أ ّ‬
‫سابق منهما فعليه‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫الطّهارة والحدث معا ً وش ّ‬
‫أن يعمل بضد ّ ما قبلهما ‪ :‬فإن كان قبل ذلك محدثاً‬
‫فهو الن متطهّر ‪ ،‬لنّه تيّقن الطّهارة بعد ذلك‬
‫ك في انتقاضها ‪ ،‬حيث ل يدري هل‬ ‫الحدث وش ّ‬
‫الحدث الثّاني قبلها أو بعدها ؟ وإن كان متطهّراً‬
‫وكان يعتاد التّجديد فهو الن محدث لنّه متيّقن حدثاً‬

‫‪566‬‬
‫ك في زواله حيث ل يدري هل‬ ‫بعد تلك الطّهارة وش ّ‬
‫خرة عنه أم ل ؟ ‪.‬‬ ‫الطّهارة الثّانية متأ ّ‬
‫وري وأبي حنيفة‬ ‫ّ‬ ‫قال ابن عبد البّر ‪ :‬مذهب الث ّ‬
‫ي ومن سلك سبيله‬ ‫شافع ّ‬ ‫ي وال ّ‬ ‫وأصحابه والوزاع ّ‬
‫البناء على الصل حدثا ً كان أو طهارةً ‪ ،‬وهو قول‬
‫أحمد بن حنبل ‪ ،‬وإسحاق وأبي ثور والطّبريّ‪ ،‬وقال‬
‫مالك ‪ :‬إن عرض له ذلك كثيرا ً فهو على وضوئه ‪،‬‬
‫ك في‬ ‫ن من أيقن بالحدث وش ّ‬ ‫وأجمع العلماء أ ّ‬
‫ن عليه الوضوء‬ ‫ن شكّه ل يفيد فائدة ً وأ ّ‬ ‫الوضوء فإ ّ‬
‫ن‬
‫ى ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ك عندهم ملغ ً‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ل على أ ّ‬ ‫فرضا ً وهذا يد ّ‬
‫العمل عندهم على اليقين ‪ ،‬وهذا أصل كبير في‬
‫الفقه فتدبّره وقف عليه ‪ .‬ومن هذا القبيل ما جاء‬
‫ن المرأة إذا رأت دم الحيض ولم‬ ‫عن الفقهاء من أ ّ‬
‫ن حكمها حكم من رأى منيّا ً في‬ ‫تدر وقت حصوله فإ ّ‬
‫ثوبه ولم يعلم وقت حصوله ‪ ،‬أي عليها أن تغتسل‬
‫ل القوال‬‫صلة من آخر نومة ‪ ،‬وهذا أق ّ‬ ‫وتعيد ال ّ‬
‫تعقيدا ً وأكثرها وضوحا ً ‪.‬‬
‫ن حكم الحيض‬ ‫وضابطه ما قاله ابن قدامة من أ ّ‬
‫المشكوك فيه كحكم الحيض المتيّقن في ترك‬
‫العبادات ‪.‬‬
‫ك في هذا الموضع ‪ -‬مطلق التّردّد ‪-‬‬ ‫ش ّ‬ ‫والمراد بال ّ‬
‫كما سبق في مفهومه عند الفقهاء سواء أكان على‬
‫سواء أم كان أحد طرفيه أرجح ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬‫ال ّ‬
‫ك في القبلة ‪:‬‬ ‫ش ّ‬
‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ك في جهة الكعبة فعليه أن يسأل عنها‬ ‫‪ - 15‬من ش ّ‬
‫العالمين بها من أهل المكان إن وجدوا وإل ّ فعليه‬
‫بالتّحّري والجتهاد لما رواه عامر بن ربيعة ‪ -‬رضي‬
‫ي صلى الله‬ ‫الله تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ » :‬كنّا مع النّب ّ‬

‫‪567‬‬
‫عليه وسلم في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين‬
‫ما أصبحنا‬ ‫ل رجل منّا على حياله فل ّ‬ ‫القبلة ‪ ،‬فصلّى ك ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم فنزل‬ ‫ذكرنا ذلك ُللنّب ّ‬
‫ه اللّهِ } « ‪ .‬وقبلة المتحّري ‪-‬‬ ‫ما تُوَل ّوا ْ فَث َ َّ‬ ‫َ‬
‫ج ُ‬
‫م وَ ْ‬ ‫{ فَأيْن َ َ‬
‫ي بن أبي طالب رضي الله عنه ‪-‬‬ ‫كما ورد عن عل ّ‬
‫هي جهة قصده ‪.‬‬
‫صلة الواحدة لجهة القصد هذه تجزئ المصلّي‬ ‫وال ّ‬
‫وتسقط عنه الطّلب لعجزه ‪ ،‬ويرى ابن عبد الحكم‬
‫ل جهة من الجهات الربع‬ ‫ن الفضل له أن يصلّي لك ّ‬ ‫أ ّ‬
‫ما إذا‬‫أخذا ً بالحوط ‪ ،‬وذلك إذا كان شكّه دائرا ً بينها أ ّ‬
‫ن الّرابعة‬ ‫انحصر شكّه في ثلث جهات فقط مثل ً فإ ّ‬
‫ضله ابن عبد‬ ‫ي ما ف ّ‬ ‫ل يصلّي إليها ‪ ،‬وقد اختار اللّخم ّ‬
‫ن المعتمد الوّل عند جمهور المالكيّة‬ ‫الحكم ‪ ،‬ولك ّ‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫ك في دخول الوقت ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫ل حتّى يغلب‬ ‫ك في دخول الوقت لم يص ّ‬ ‫‪ - 16‬من ش ّ‬
‫ن الصل عدم دخوله ‪ ،‬فإن صلّى‬ ‫على ظنّه دخوله ل ّ‬
‫ك فعليه العادة وإن وافق الوقت ‪ ،‬لعدم‬ ‫ش ّ‬ ‫مع ال ّ‬
‫حة صلته مثلما هو المر فيمن اشتبهت عليه‬ ‫ص ّ‬
‫القبلة فصلّى من غير اجتهاد ‪.‬‬
‫صلة الفائتة ‪:‬‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ج ‪ -‬ال ّ‬
‫أي صلة‬ ‫‪ - 17‬من فاتته صلة من يوم ما ‪ ،‬ول يدري ّ‬
‫هي فعليه أن يعيد صلة يوم وليلة حتّى يخرج من‬
‫ك‪.‬‬ ‫عهدة الواجب بيقين ل بش ّ‬
‫صلة ‪:‬‬‫ك في ركعة من ركعات ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫د ‪ -‬ال ّ‬
‫ك في صلته فلم يدر‬ ‫‪ - 18‬اختلف الفقهاء فيمن ش ّ‬
‫أواحدة ً صلّى أو اثنتين أو ثلثا ً أو أربعا ً ؟ وقال مالك‬
‫ي ‪ :‬يبني على اليقين ول يجزئه التّحّري ‪،‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫وال ّ‬

‫‪568‬‬
‫جوا‬ ‫وروي مثل ذلك عن الثّوريّ والطّبريّ ‪ ،‬واحت ّ‬
‫لذلك ‪:‬‬
‫ي صلى‬ ‫ن النّب ّ‬‫الخدري ‪ :‬أ ّ‬
‫ّ‬ ‫أوّل ً ‪ :‬بحديث أبي سعيد‬
‫ك أحدكم في صلته‬ ‫الله عليه وسلم قال ‪ » :‬إذا ش ّ‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫فلم يدر كم صلّى أثلثا ً أم أربعا ً ؟ فليطرح ال ّ‬
‫م يسجد سجدتين قبل أن‬ ‫وليبن على ما استيقن ث ّ‬
‫يسلّم ‪ .‬فإن كان صلّى خمسا ً ‪ ،‬شفعن له صلته ‪،‬‬
‫شيطان «‬ ‫وإن كان صلّى إتماما ً لربع كانتا ترغيما ً لل ّ‬
‫‪.‬‬
‫وثانيا ً ‪ :‬بالقاعدتين الفقهيّتين اللّتين في معنى‬
‫ما يوجب البناء على‬ ‫الحاديث المشار إليها وغيرها م ّ‬
‫اليقين ‪ .‬وهما ‪:‬‬
‫ك"‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫القاعدة الولى ‪ " :‬اليقين ل يزيله ال ّ‬
‫ك في النّقصان كتحّققه " ‪.‬‬ ‫ش ّ‬
‫والثّانية ‪ " :‬وال ّ‬
‫ك يحدث له لوّل مّرة‬ ‫ش ّ‬‫وقال أبو حنيفة إذا كان ال ّ‬
‫بطلت صلته ولم يتحّر وعليه أن يستقبل صلةً‬
‫ك يعتاده ويتكّرر له يبني على‬ ‫ش ّ‬‫جديدة ً ‪ .‬وإن كان ال ّ‬
‫غالب ظنّه بحكم التّحّري ويقعد ويتشهّد بعد ك ّ‬
‫ل‬
‫ركعة يظنّها آخر صلته لئل ّ يصير تاركا ً فرض‬
‫ل ‪ ،‬وقال‬ ‫ن بنى على الق ّ‬ ‫القعدة ‪ ،‬فإن لم يقع له ظ ّ‬
‫وري ‪ -‬في رواية عنه ‪ : -‬يتحّرى سواء كان ذلك‬ ‫ّ‬ ‫الث ّ‬
‫أوّل مّرة أو لم يكن ‪.‬‬
‫ي ‪ :‬يتحّرى ‪ ،‬قال ‪ :‬وإن نام في صلته‬ ‫وقال الوزاع ّ‬
‫فلم يدر كم صلّى ؟ استأنف ‪.‬‬
‫وقال اللّيث بن سعد ‪ :‬إن كان هذا شيئا ً يلزمه ول‬
‫سهو عن التّحّري ‪ ،‬وعن‬ ‫ك أجزأه سجدتا ال ّ‬ ‫يزال يش ّ‬
‫البناء على اليقين ‪ ،‬وإن لم يكن شيئا ً يلزمه استأنف‬
‫تلك الّركعة بسجدتيها ‪.‬‬

‫‪569‬‬
‫ك على وجهين ‪ :‬اليقين‬ ‫ش ّ‬ ‫وقال أحمد بن حنبل ‪ :‬ال ّ‬
‫ك وسجد‬ ‫ش ّ‬‫والتّحّري ‪ ،‬فمن رجع إلى اليقين ألغى ال ّ‬
‫سلم ‪ ،‬وإذا رجع إلى التّحّري‬ ‫سهو قبل ال ّ‬ ‫سجدتي ال ّ‬
‫سلم ‪ .‬ودليله حديث أبي‬ ‫سهو بعد ال ّ‬ ‫سجد سجدتي ال ّ‬
‫ي صلى الله‬ ‫ن النّب ّ‬
‫هريرة ‪ -‬رضي الله تعالى عنه ‪ -‬أ ّ‬
‫ن أحدكم إذا قام يصلّي جاء‬ ‫عليه وسلم قال ‪ » :‬إ ّ‬
‫شيطان فلبّس عليه حتّى ل يدري كم صلّى ‪ ،‬فإذا‬ ‫ال ّ‬
‫وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس « ‪.‬‬
‫جة من قال بالتّحّري في هذا الموضوع حديث‬ ‫وح ّ‬
‫ابن مسعود ‪ -‬رضي الله تعالى عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬
‫ك‬‫رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬إذا ش ّ‬
‫صواب «‬ ‫أحدكم في صلته فليتحّر الّذي يرى أنّه ال ّ‬
‫م ‪ -‬يعني ‪ -‬يسجد سجدتين ‪.‬‬ ‫ث ّ‬
‫ك في الّزكاة ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك في تأديتها ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ك رجل في الّزكاة فلم يدر أزكّى أم ل ؟‬ ‫‪ - 19‬لو ش ّ‬
‫ن العمر كلّه وقت لدائها ‪،‬‬ ‫فالواجب عليه إخراجها ل ّ‬
‫ومن هنا يظهر الفرق بين صاحب هذه الحالة وبين‬
‫صلة بعد خروج الوقت أصلّى أم ل ؟‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫من ش ّ‬
‫حيث ذكروا ‪ -‬كما تقدّم ‪ -‬إعفاءه من العادة لنّها‬
‫مؤقّتة والّزكاة بخلفها ‪.‬‬
‫ل الّزكاة أو بعضها ‪:‬‬ ‫ك في تأدية ك ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫ن‬
‫ة وقعت مفادها ‪ :‬أ ّ‬ ‫ن حادث ً‬ ‫‪ - 20‬ذكر ابن نجيم أ ّ‬
‫ك هل أدّى جميع ما عليه من الّزكاة أو ل ؟‬ ‫رجل ً ش ّ‬
‫حيث كان يؤدّي ما عليه متفّرقا ً من غير ضبط ‪ ،‬فت ّ‬
‫م‬
‫إفتاؤه بلزوم العادة حيث لم يغلب على ظنّه دفع‬
‫ن‬
‫قدر معيّن ‪ ،‬وهذا الحكم هو مقتضى القواعد ل ّ‬
‫مته بيقين فل يخرج عن العهدة‬ ‫الّزكاة ثابتة في ذ ّ‬
‫ك‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫بال ّ‬

‫‪570‬‬
‫ك في مصرف الّزكاة ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ج ‪ -‬ال ّ‬
‫ن من‬ ‫ك في أ ّ‬ ‫‪ - 21‬إذا دفع المزكّي الّزكاة وهو شا ّ‬
‫دفعت إليه مصرف من مصارفها ولم يتحّر ‪ ،‬أو‬
‫تحّرى ولم يظهر له أنّه مصرف ‪ ،‬فهو على الفساد‬
‫إل ّ إذا تبيّن له أنّه مصرف ‪ .‬بخلف ما إذا دفعت‬
‫ي‬
‫باجتهاد وتحّر لغير مستحقّ في الواقع كالغن ّ‬
‫والكافر ‪.‬‬
‫ففيه تفصيل ينظر في مصطلح ‪ ( :‬زكاة ف ‪- 188‬‬
‫‪ 189‬ج ‪. ) 233/ 23‬‬
‫صيام ‪:‬‬‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬‫ال ّ‬
‫ك في دخول رمضان ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ك المسلم في دخول رمضان في اليوم‬ ‫‪ - 22‬إذا ش ّ‬
‫الموالي ليومه ولم يكن له أصل يبني عليه مثل أن‬
‫يكون ليلة الثّلثين من شعبان ولم يحل دون رؤية‬
‫الهلل سحب ول غيوم ومع ذلك عزم أن يصوم غداً‬
‫ح نيّته ول يجزئه‬ ‫باعتباره أوّل يوم من رمضان لم تص ّ‬
‫ن النّيّة قصد تابع للعلم الحاصل‬ ‫صيام ذلك اليوم ل ّ‬
‫ح قصده‬ ‫شرعيّة وحيث انتفى ذلك فل يص ّ‬ ‫بطرقه ال ّ‬
‫ماد وربيعة ومالك وابن أبي ليلى وابن‬ ‫وهو رأي ح ّ‬
‫صائم لم يجزم النّيّة بصومه من رمضان‬ ‫ن ال ّ‬ ‫المنذر ل ّ‬
‫ح كما لو لم يعلم إل ّ بعد خروجه ‪.‬‬ ‫فلم يص ّ‬
‫جمين وأهل المعرفة‬ ‫وكذلك لو بنى على قول المن ّ‬
‫ح صومه وإن كثرت إصابتهم لنّه‬ ‫بالحساب لم يص ّ‬
‫ي يجوز البناء عليه فكان وجوده‬ ‫ليس بدليل شرع ّ‬
‫كعدمه ‪.‬‬
‫ح إذا نواه من اللّيل ‪-‬‬ ‫ي ‪ :‬يص ّ‬
‫وري والوزاع ّ‬ ‫ّ‬ ‫وقال الث ّ‬
‫صيام من اللّيل‬ ‫وكان المر كما قصد ‪ -‬لنّه نوى ال ّ‬
‫ح كاليوم الثّاني ‪.‬‬ ‫فص ّ‬
‫ي ما يوافق المذهبين ‪.‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫وروي عن ال ّ‬

‫‪571‬‬
‫ك في دخول شوّال ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ب ال ّ‬
‫ح النّيّة ليلة الثّلثين من رمضان رغم أ ّ‬
‫ن‬ ‫‪ - 23‬تص ّ‬
‫ن الصل‬ ‫هناك احتمال ً في أن يكون من شوّال ‪ ،‬ل ّ‬
‫سنّة لكن‬ ‫بقاء رمضان وقد أمرنا بصومه بالقرآن وال ّ‬
‫إذا قال المكلّف ‪ :‬إن كان غدا ً من رمضان فأنا صائم‬
‫ح صومه على‬ ‫شوال فأنا مفطر فل يص ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإن كان من‬
‫صيام والنّيّة قصد‬ ‫رأي بعضهم لنّه لم يجزم بنيّة ال ّ‬
‫ن هذا شرط واقع والصل‬ ‫ح نيّته ل ّ‬ ‫جازم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬تص ّ‬
‫بقاء رمضان ‪.‬‬
‫ك في طلوع الفجر ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ج ‪ -‬ال ّ‬
‫ب‬
‫صائم في طلوع الفجر فالمستح ّ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫‪ - 24‬إذا ش ّ‬
‫أل ّ يأكل لحتمال أن يكون الفجر قد طلع ‪ ،‬فيكون‬
‫صوم ولذلك كان مدعوّا ً للخذ‬ ‫الكل إفسادا ً لل ّ‬
‫بالحوط لقوله صلى الله عليه وسلم ‪ » :‬دع ما‬
‫يريبك إلى ما ل يريبك «‬
‫ك ‪ ،‬فل قضاء عليه عند الحنفيّة‬ ‫ولو أكل وهو شا ّ‬
‫ك‬‫لش ّ‬ ‫صوم مح ّ‬ ‫ن فساد ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ‪ ،‬ل ّ‬ ‫وال ّ‬
‫والصل استصحاب اللّيل حتّى يثبت النّهار وهذا ل‬
‫ك‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫يثبت بال ّ‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬من أكل شاكّا ً في الفجر فعليه‬
‫ن الصل بقاء اللّيل ‪ ،‬هذا‬ ‫القضاء مع الحرمة رغم أ ّ‬
‫سوى‬‫ّ‬ ‫ما صوم النّفل فقد‬ ‫بالنّسبة لصوم الفرض ‪ ،‬أ ّ‬
‫بعضهم بينه وبين الفرض في القضاء والحرمة وفّرق‬
‫بينهما جماعة في الحرمة حيث قالوا بالكراهية ‪.‬‬
‫شمس ‪:‬‬ ‫ك في غروب ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫د ‪ -‬ال ّ‬
‫ح له‬ ‫شمس ل يص ّ‬ ‫صائم في غروب ال ّ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫‪ - 25‬لو ش ّ‬
‫ن الصل بقاء النّهار ‪ ،‬ولو‬ ‫كل ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫أن يفطر مع ال ّ‬
‫أفطر على شكّه دون أن يتبيّن الحال بعد ذلك فعليه‬
‫القضاء اتّفاقا ً ‪ .‬والحرمة متّفق عليها كذلك ‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫ك في الفجر متّفق‬ ‫ش ّ‬ ‫وعدم الكّفارة في الكل مع ال ّ‬
‫ك في الغروب فمختلف في‬ ‫ش ّ‬‫ما الكل مع ال ّ‬ ‫عليه ‪ ،‬أ ّ‬
‫وجوب الكّفارة فيه ‪ ،‬والمشهور عدمها ‪ ،‬فإن أفطر‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫م طرأ ال ّ‬ ‫معتقدا ً بقاء اللّيل أو حصول الغروب ث ّ‬
‫فعليه القضاء بل حرمة ‪.‬‬
‫ج‪:‬‬‫ك في الح ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك في نوع الحرام ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫أ ‪ -‬ال ّ‬
‫ج هل أحرم بالفراد أو بالتّمتّع أو‬ ‫ك الحا ّ‬‫‪ - 26‬إذا ش ّ‬
‫ل ذلك قبل الطّواف فعند أبي حنيفة‬ ‫بالقران وك ّ‬
‫ومالك يصرفه إلى القران لجمعه بين النّسكين وهو‬
‫ي في الجديد ‪.‬‬ ‫شافع ّ‬ ‫مذهب ال ّ‬
‫وعند الحنابلة له صرفه إلى أيّ نوع من أنواع‬
‫الحرام المذكورة ‪ ،‬والمنصوص عن أحمد جعله‬
‫ي في‬ ‫شافع ّ‬ ‫عمرة ً على سبيل الستحباب ‪ ،‬وقال ال ّ‬
‫القديم ‪ :‬يتحّرى فيبني على غالب ظنّه لنّه من‬
‫شرائط العبادة فيدخله التّحّري كالقبلة ‪.‬‬
‫ج إلى‬ ‫مة من فسخ الح ّ‬ ‫وسبب الخلف مواقف الئ ّ‬
‫العمرة ‪ ،‬فهو جائز عند الحنابلة ‪ ،‬وغير جائز عند‬
‫غيرهم ‪.‬‬
‫ن صرفه ل يجوز إل ّ إلى‬ ‫ك بعد الطّواف فإ ّ‬ ‫ما إن ش ّ‬ ‫وأ ّ‬
‫ج على العمرة بعد الطّواف‬ ‫ن إدخال الح ّ‬ ‫العمرة ل ّ‬
‫مع ركعتيه غير جائز ‪.‬‬
‫جة ‪:‬‬‫ك في دخول ذي الح ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ب ‪ -‬ال ّ‬
‫جة فوقفوا‬ ‫ك النّاس في هلل ذي الح ّ‬ ‫‪ - 27‬لو ش ّ‬
‫م‬‫بعرفة إن أكملوا عدّة ذي القعدة ثلثين يوما ً ث ّ‬
‫شهود أنّهم رأوا الهلل ليلة كذا ‪ ،‬وتبيّن أن‬ ‫شهد ال ّ‬
‫يوم وقوفهم كان يوم النّحر فوقوفهم صحيح‬
‫مة الربعة ‪.‬‬ ‫مة عند الئ ّ‬ ‫جتهم تا ّ‬ ‫وح ّ‬

‫‪573‬‬
‫وذلك لما ورد أنّه ‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ -‬قال ‪» :‬‬
‫صوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والضحى‬ ‫ال ّ‬
‫حون « ‪.‬‬ ‫يوم تض ّ‬
‫ن الحكم المذكور المتمثّل في‬ ‫وأضاف الحنفيّة أ ّ‬
‫ما إذا تبيّن‬ ‫حة الوقوف كان استحسانا ً ل قياسا ً ‪ .‬أ ّ‬ ‫ص ّ‬
‫أنّهم وقفوا في اليوم الثّامن فل يجزيهم وقوفهم‬
‫عند أكثر أهل العلم ‪ ،‬وهو قول مالك واللّيث‬
‫ي وأبي حنيفة وصاحبيه ‪.‬‬ ‫والوزاع ّ‬
‫ن الّذين وقفوا يوم النّحر‬ ‫صورتين ‪ :‬أ ّ‬ ‫والفرق بين ال ّ‬
‫فعلوا ما تعبّدهم اللّه به على لسان نبيّه صلى الله‬
‫عليه وسلم من إكمال العدّة دون اجتهاد بخلف‬
‫ن ذلك باجتهادهم وقبولهم‬ ‫الّذين وقفوا في الثّامن فإ ّ‬
‫شهادة من ل يوثق به ‪.‬‬
‫ك في الطّواف ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ج في عدد أشواط الطّواف بنى‬ ‫ك الحا ّ‬ ‫‪ - 28‬إذا ش ّ‬
‫ل‬‫على اليقين ‪ ،‬قال ابن المنذر ‪ :‬وعلى هذا أجمع ك ّ‬
‫من نحفظ عنه من أهل العلم لنّها عبادة متى ش ّ‬
‫ك‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫ن ال ّ‬ ‫صلة ‪ .‬ول ّ‬ ‫فيها وهو فيها بنى على اليقين كال ّ‬
‫في النّقصان كتحّققه ‪ .‬وإن أخبره ثقة بعد طوافه‬
‫ك في ذلك بعد‬ ‫رجع إليه إذا كان عدل ً ‪ ،‬وإن ش ّ‬
‫ك في‬ ‫فراغه من الطّواف لم يلتفت إليه كما لو ش ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫عدد الّركعات بعد فراغه من ال ّ‬
‫ك في طوافه بعد ما ركع‬ ‫وفي الموطّأ ‪ :‬من ش ّ‬
‫م‬
‫م طوافه على اليقين ث ّ‬ ‫ركعتي الطّواف فليعد ليت ّ‬
‫ليعد الّركعتين لنّه ل صلة لطواف إل ّ بعد إكمال‬
‫سبع ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫ك في الطّهارة وهو في الطّواف لم يص ّ‬
‫ح‬ ‫وإذا ش ّ‬
‫ك في شرط العبادة قبل الفراغ‬ ‫طوافه ذلك لنّه ش ّ‬
‫صلة ‪.‬‬ ‫ك في الطّهارة أثناء ال ّ‬ ‫منها فأشبه ما لو ش ّ‬

‫‪574‬‬
‫ك في الذ ّبائح ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 29‬من التبست عليه المذكّاة بالميتة حرمتا معاً‬
‫ك‪.‬‬‫ش ّ‬‫لحصول سبب التّحريم الّذي هو ال ّ‬
‫وكذلك لو رمى المسلم طريدة ً بآلة صيد فسقطت‬
‫في ماء وماتت والتبس عليه أمرها ‪ ،‬فل تؤكل‬
‫ك في المبيح ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫لل ّ‬
‫ل ذبيحته‬‫ولو وجدت شاة مذبوحة ببلد فيه من تح ّ‬
‫ك في ذابحها ل تح ّ‬
‫ل‬ ‫ش ّ‬ ‫ل ذبيحته ووقع ال ّ‬ ‫ومن ل تح ّ‬
‫ل ذبيحتهم ‪.‬‬ ‫إل ّ إذا غلب على أهل البلد من تح ّ‬
‫ك في الطّلق ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك الّزوج في الطّلق ل يخلو من ثلث حالت‬ ‫‪ - 30‬ش ّ‬
‫‪:‬‬
‫ك في وقوع أصل‬ ‫ش ّ‬ ‫الحالة الولى ‪ :‬أن يكون ال ّ‬
‫ك هل طلّقها أم ل ؟ فل يقع الطّلق‬ ‫التّطليق ‪ ،‬أي ش ّ‬
‫مة ‪ ،‬واستدلّوا لذلك بأ ّ‬
‫ن‬ ‫في هذه الحالة بإجماع ال ّ‬
‫ك لقوله تعالى ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫النّكاح ثابت بيقين فل يزول بال ّ‬
‫م}‪.‬‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك بِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬
‫ما لَي ْ َ‬
‫ف َ‬ ‫{ وَل َ تَْق ُ‬
‫ك في عدد الطّلق ‪ -‬مع‬ ‫ش ّ‬ ‫الحالة الثّانية ‪ :‬أن يقع ال ّ‬
‫تحّقق وقوعه ‪ -‬هل طلّقها واحدةً أو اثنتين أو ثلثا ً ؟‬
‫ي من الحنابلة ‪،‬‬ ‫ل له – عند المالكيّة ‪ ،‬والخرق ّ‬ ‫لم تح ّ‬
‫شافعيّة – إل ّ بعد زوج آخر لحتمال كونه‬ ‫وبعض ال ّ‬
‫ثلثا ً ‪ .‬عمل ً بقوله عليه الصلة والسلم ‪ » :‬دع ما‬
‫يريبك إلى ما ل يريبك « ويحكم بالق ّ‬
‫ل عند أبي‬
‫ي وأحمد ‪ ،‬فإذا راجعها حلّت له على‬ ‫شافع ّ‬ ‫حنيفة وال ّ‬
‫رأي هؤلء ‪.‬‬
‫ك في صفة الطّلق كأن‬ ‫ش ّ‬ ‫الحالة الثّالثة ‪ :‬أن يقع ال ّ‬
‫ة ‪ ،‬وفي هذه‬ ‫ة أو رجعي ّ ً‬ ‫يتردّد مثل ً في كونها بائن ً‬
‫الحالة يحكم بالّرجعيّة لنّها أضعف الطّلقين فكان‬
‫متيّقنا ً بها ‪.‬‬

‫‪575‬‬
‫ن الّرجل لو‬ ‫ي ‪ -‬في هذا المعنى ‪ -‬أ ّ‬ ‫وذكر الكاسان ّ‬
‫ي عند‬ ‫قال لزوجته ‪ :‬أنت طالق أقبح طلق فهو رجع ّ‬
‫ن قوله ‪ :‬أقبح طلق يحتمل القبح‬ ‫أبي يوسف ل ّ‬
‫شرعيّة ‪ ،‬ويحتمل القبح‬ ‫ي وهو الكراهية ال ّ‬ ‫شرع ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي وهو الكراهية الطّبيعيّة ‪ ،‬والمراد بها أن‬ ‫الطّبيع ّ‬
‫يطلّقها في وقت يكره الطّلق فيه طبعا ً ‪ ،‬فل تثبت‬
‫مد بن الحسن‬ ‫ك ‪ ،‬وهو بائن عند مح ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫البينونة فيه بال ّ‬
‫ن المطلّق قد وصف الطّلق بالقبح ‪،‬‬ ‫يل ّ‬ ‫شيبان ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ي عنه ‪ ،‬وهو‬ ‫والطّلق القبيح هو الطّلق المنه ّ‬
‫البائن ‪ ،‬ولذلك يقع بائنا ً ‪.‬‬
‫ك في الّرضاع ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 31‬الحتياط لنفي الّريبة في البضاع متأكّد ويزداد‬
‫صا ً بالمحارم ‪.‬‬ ‫المر تأكيدا ً إذا كان مخت ّ‬
‫ك في وجود الّرضاع أو في عدده بنى على‬ ‫فلو ش ّ‬
‫صورة الولى‬ ‫ن الصل عدم الّرضاع في ال ّ‬ ‫اليقين ‪ ،‬ل ّ‬
‫صورة الثّانية إلّ‬ ‫وعدم حصول المقدار المحّرم في ال ّ‬
‫شبهات وتركها أولى لقوله ‪ -‬عليه‬ ‫أنّها تكون من ال ّ‬
‫شبهات فقد استبرأ‬ ‫الصلة والسلم ‪ » : -‬من اتّقى ال ّ‬
‫لدينه وعرضه « ‪.‬‬
‫ك فيما يقرب من هذا‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫يأ ّ‬ ‫ويرى القراف ّ‬
‫الموضوع وما ناظره قد يعد ّ ‪ -‬في بعض الحالت ‪-‬‬
‫من السباب الّتي تدعو إلى الحكم بالتّحريم ‪ ،‬من‬
‫ك الّرجل في أجنبيّة وأخته من‬ ‫ذلك مثل ً ما لو ش ّ‬
‫الّرضاع حرمتا عليه معا ً ‪.‬‬
‫ك في اليمين ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك في أصل اليمين هل وقعت‬ ‫ش ّ‬ ‫ما أن يكون ال ّ‬ ‫‪ - 32‬إ ّ‬
‫أو ل ‪ :‬كشكّه في وقوع الحلف أو الحلف والحنث ‪،‬‬
‫ن الصل‬ ‫صورة ل ّ‬ ‫ك في هذه ال ّ‬ ‫شا ّ‬ ‫فل شيء على ال ّ‬
‫ما أن يكون‬ ‫ك ‪ .‬وإ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫مة واليقين ل يزول بال ّ‬ ‫براءة الذ ّ ّ‬

‫‪576‬‬
‫ك‬‫ك في المحلوف به كما إذا حلف وحنث ‪ ،‬وش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫هل حلف بطلق أو عتق أو مشي إلى بيت اللّه‬
‫تعالى ‪ ،‬أو صدقة ‪ ،‬فالواجب عليه في هذه الحالة‬
‫وما ماثلها ‪ -‬عند المالكيّة‪ -‬طلق نسائه وعتق رقيقه‬
‫والمشي إلى مكّة والتّصدّق بثلث ماله ‪ ،‬وهو مأمور‬
‫بذلك كلّه على وجه الفتاء ل على وجه القضاء إذ‬
‫الحالف ‪ -‬في رأيهم ‪ -‬يؤمر بإنفاذ اليمان المشكوك‬
‫فيها من غير قضاء ‪.‬‬
‫صورة ل شيء‬ ‫ك في هذه ال ّ‬ ‫شا ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ويرى الحنفيّة أ ّ‬
‫ن‬
‫ك ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ن الطّلق والعتاق ل يقعان بال ّ‬
‫ش ّ‬ ‫عليه ل ّ‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫الكّفارة المترتّبة على الحلف باللّه ل تجب مع ال ّ‬
‫مة ‪.‬‬‫أيضا ً إذ الصل براءة الذ ّ ّ‬
‫ويضيفون إلى هذا الحلف إذا كان معلّقا ً بشرط‬
‫ك في القسم هل كان باللّه إذا تحّقق‬ ‫ش ّ‬
‫معلوم مع ال ّ‬
‫ن الحلف بالطّلق‬ ‫شرط وكان الحالف مسلما ً ‪ ،‬ل ّ‬ ‫ال ّ‬
‫والعتاق غير مشروع فيجب حمل المسلم على‬
‫التيان بالمشروع دون المحظور ‪.‬‬
‫ك في النّذر ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ك النّاذر في نوع المنذور هل هو صلة أو‬ ‫‪ - 33‬لو ش ّ‬
‫مة‬‫صيام أو صدقة أو عتق ؟ تلزمه ‪ -‬عند جمهور الئ ّ‬
‫ك في المنذور كعدم تسميته‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫‪ -‬كّفارة يمين ‪ ،‬ل ّ‬
‫‪.‬‬
‫ك في الوصيّة ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪ - 34‬قال أبو حنيفة ‪ -‬في رجل أوصى بثلث ماله‬
‫ن ثلث ماله ألف مثل ً فإذا ثلث‬ ‫ى وأخبر أ ّ‬ ‫م ً‬ ‫لرجل مس ّ‬
‫ن له الثّلث من جميع المال‬ ‫ما ذكر ‪ : -‬إ ّ‬ ‫ماله أكثر م ّ‬
‫مى باطلة لنّها خطأ ‪ ،‬والخطأ ل‬ ‫والتّسمية الّتي س ّ‬
‫ينقض الوصيّة ول يكون رجوعا ً فيها ‪ ،‬ووافقه أبو‬
‫ما أوصى بثلث ماله فقد‬ ‫يوسف في هذا الّرأي لنّه ل ّ‬

‫‪577‬‬
‫حتها ل تتوقّف على‬ ‫نص ّ‬ ‫أتى بوصيّة صحيحة حيث إ ّ‬
‫ة بدونه‬ ‫بيان المقدار الموصى به فتقع الوصيّة صحيح ً‬
‫‪.‬‬
‫شهادة ‪:‬‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ك في الدّعوى ‪ ،‬أو محلّها ‪ ،‬أو مح ّ‬ ‫ش ّ‬
‫ال ّ‬
‫ك المدين‬ ‫‪ - 35‬أ ‪ -‬لو ادّعى شخص دينا ً على آخر وش ّ‬
‫في قدره ينبغي لزوم إخراج القدر المتيّقن ‪.‬‬
‫الحموي ‪ :‬قيل ‪ :‬الظّاهر أنّه ليس على سبيل‬ ‫ّ‬ ‫قال‬
‫الوجوب وإنّما هو على سبيل التّوّرع والخذ بالحوط‬
‫مة ‪.‬‬ ‫ن الصل براءة الذ ّ ّ‬ ‫ل ّ‬
‫والمراد بالقدر المتيّقن ‪ -‬في هذه الحالة وما ماثلها ‪-‬‬
‫ك دائرا ً بين عشرة‬ ‫ش ّ‬ ‫هو أكثر المبلغين ‪ :‬فإذا كان ال ّ‬
‫وخمسة فالمتيّقن العشرة لدخول الخمسة فيها ‪،‬‬
‫قنًا‬
‫ل متي ّ‬ ‫وبهذا العتبار يكون الكثر بالنّسبة إلى الق ّ‬
‫ك فيهما ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫دائما ً رغم وقوع ال ّ‬
‫ن المدين في هذه الحالة عليه‬ ‫وذكر بعض الفقهاء ‪ :‬أ ّ‬
‫أن يرضي خصمه ول يحلف خشية أن يقع في‬
‫الحرام ‪ ،‬وإن أصّر خصمه على إحلفه حلف إن كان‬
‫ن صاحب‬ ‫جح عنده أ ّ‬ ‫ما إذا تر ّ‬ ‫أكبر ظنّه أنّه مبطل ‪ ،‬أ ّ‬
‫ق فإنّه ل يحلف ‪.‬‬ ‫الدّعوى مح ّ‬
‫ن به‬ ‫م ادّعى أ ّ‬ ‫ب ‪ -‬لو اشترى أحد حيوانا ً أو متاعا ً ث ّ‬
‫عيبا ً وأراد ردّه واختلف أهل الخبرة فقال بعضهم ‪:‬‬
‫هو عيب وقال بعضهم ‪ :‬ليس بعيب ‪ ،‬فليس‬
‫سلمة هي الصل المتيّقن فل‬ ‫ن ال ّ‬ ‫للمشتري الّرد ّ ل ّ‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫يثبت العيب بال ّ‬
‫ج ‪ -‬لو ادّعت المرأة عدم وصول النّفقة والكسوة‬
‫ن‬‫المقّررتين لها في مدّة معيّنة فالقول لها ‪ ،‬ل ّ‬
‫ما دعواه‬ ‫مة الّزوج وأ ّ‬ ‫الصل المتيّقن بقاؤها في ذ ّ‬
‫ك‪.‬‬‫فمشكوك فيها ول يزول يقين بش ّ‬

‫‪578‬‬
‫ن عليّا ً مدين لعمر بألف‬ ‫د ‪ -‬إذا كان إنسان يعلم أ ّ‬
‫ي ‪ ،‬وإن‬ ‫دينار مثل ً فإنّه يجوز له أن يشهد على عل ّ‬
‫ك في وفائها أو في البراء عنها إذ ل‬ ‫ش ّ‬ ‫خامره ال ّ‬
‫سابق ‪.‬‬ ‫ك في جانب اليقين ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫عبرة بال ّ‬
‫شهادة ‪:‬‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ن لفلن على فلن‬ ‫شاهد ‪ :‬أشهد بأ ّ‬ ‫‪ - 36‬لو قال ال ّ‬
‫ن ‪ ،‬أو‬ ‫مائة دينار ‪ -‬مثل ً ‪ -‬فيما أعلم أو فيما أظ ّ‬
‫ك الّذي داخلها من‬ ‫ش ّ‬ ‫حسب ظنّي لم تقبل شهادته لل ّ‬
‫شهادة لفظ أشهد ل‬ ‫ن ركن ال ّ‬ ‫الّزيادة على لفظها ‪ ،‬ل ّ‬
‫شهادة والقسم والخبار للحال‬ ‫منه معنى ال ّ‬ ‫غير لتض ّ‬
‫فكأنّه يقول ‪ :‬أقسم باللّه لقد اطّلعت على ذلك وأنا‬
‫أخبر به ‪ ،‬ومن أجل ذلك تعيّن لفظ أشهد ‪.‬‬
‫شهود لو‬ ‫ن ال ّ‬
‫وقد بيّن سحنون ‪ -‬من المالكيّة ‪ -‬أ ّ‬
‫شهدوا على امرأة بنكاح أو إقرار أو إبراء وسأل‬
‫ن‬
‫الخصم إدخالها في نساء للتّعّرف عليها من بينه ّ‬
‫فقالوا ‪ :‬شهدنا عليها عن معرفتها بعينها ونسبها ول‬
‫ندري هل نعرفها اليوم وقد تغيّرت حالها فل نتكلّف‬
‫ذلك ‪ ،‬فل بد ّ والحالة هذه من التّعّرف عليها وإلّ‬
‫ما لو قالوا ‪ :‬نخاف أن تكون‬ ‫ك‪،‬أ ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ردّت شهادتهم لل ّ‬
‫تغيّرت ‪ ،‬فالواجب أن يقال لهم ‪ :‬إن شككتم وقد‬
‫أيقنتم أنّها ابنة فلن وليس لفلن هذا إل ّ بنت واحدة‬
‫شهادة ‪-‬‬ ‫من حين شهدوا عليها إلى اليوم جازت ال ّ‬
‫في هذه الحالة ‪ -‬وقبلت ‪.‬‬
‫ن‬
‫ن المالكيّة يرون أ ّ‬ ‫ما تجدر الشارة إليه أ ّ‬ ‫وم ّ‬
‫شاهد ‪.‬‬ ‫ك تسلب صفة العدالة لل ّ‬ ‫ش ّ‬‫شهادة مع ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ومن أجل ذلك وغيره أكّد جميع الفقهاء أ ّ‬
‫ن‬
‫ك ‪ .‬ووضعوا قيودا ً لقبول‬ ‫ش ّ‬‫المعاوضة ل تثبت بال ّ‬
‫ك الّذي يمكن أن يداخلها ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫سماع لل ّ‬ ‫شهادة ال ّ‬
‫ك في النّسب ‪:‬‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬

‫‪579‬‬
‫ل مطلّقة عليها العدّة فنسب ولدها يثبت‬ ‫‪ - 37‬أ ‪ -‬ك ّ‬
‫من الّزوج إل ّ إذا علم يقينا ً أنّه ليس منه ‪ ،‬وهو أن‬
‫ن‬
‫تجيء به لكثر من سنتين وإنّما كان كذلك ل ّ‬
‫الطّلق قبل الدّخول يوجب انقطاع النّكاح بجميع‬
‫ل وجه زائل ً بيقين وما زال‬ ‫علئقه فكان النّكاح من ك ّ‬
‫بيقين ل يثبت إل ّ بيقين مثله فإذا جاءت بولد لق ّ‬
‫ل‬
‫ن العلوق‬ ‫قنّا أ ّ‬ ‫من ستّة أشهر من يوم الطّلق فقد تي ّ‬
‫وجد في حال الفراش وإنّه وطئها وهي حامل منه إذ‬
‫ن المرأة ل‬ ‫ل يحتمل أن يكون بوطء بعد الطّلق ل ّ‬
‫ل من ستّة أشهر فكان من وطء وجد على‬ ‫تلد لق ّ‬
‫فراش الّزوج وكون العلوق في فراشه يوجب ثبوت‬
‫النّسب منه ‪ .‬فإذا جاءت بولد لستّة أشهر فصاعداً‬
‫لم يستيقن بكونه مولودا ً على الفراش لحتمال أن‬
‫يكون بوطء بعد الطّلق والفراش كان زائل ً بيقين‬
‫ك‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫فل يثبت مع ال ّ‬
‫ب ‪ -‬إذا ادّعى إنسان نسب لقيط ألحق به ‪ ،‬لنفراده‬
‫بالدّعوى ‪ ،‬فإذا جاء آخر بعد ذلك وادّعاه فلم يزل‬
‫ك الّذي أحدثته دعوى‬ ‫ش ّ‬ ‫نسبه عن الوّل ‪ -‬رغم ال ّ‬
‫الثّاني ‪ -‬لنّه حكم له به فل يزول بمجّرد الدّعوى ‪،‬‬
‫إل ّ إذا شهد القائفون بأنّه للثّاني فالقول قولهم ل ّ‬
‫ن‬
‫ة في إلحاق النّسب‪ .‬وإذا ادّعى‬ ‫القيافة تعتبر بيّن ً‬
‫ح ذلك شرعاً‬ ‫اللّقيط اثنان فألحقه القائفون بهما ص ّ‬
‫وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن ويرثانه ميراث أب‬
‫واحد ‪ ،‬وهذا الّرأي يروى عن عمر بن الخطّاب‬
‫ي بن أبي طالب وهو قول أبي ثور ‪.‬‬ ‫وعل ّ‬
‫وقال أصحاب الّرأي يلحق بهما بمجّرد الدّعوى للثار‬
‫الكثيرة الواردة في ذلك ‪.‬‬
‫ك ينتفع به المتّهم ‪:‬‬ ‫ش ّ‬‫ال ّ‬

‫‪580‬‬
‫شبهات‬ ‫‪ - 38‬اتّفق الفقهاء على أنّه ‪ :‬تدرأ الحدود بال ّ‬
‫م المؤمنين ‪ -‬رضي‬ ‫‪ .‬والصل في ذلك عن عائشة أ ّ‬
‫الله تعالى عنها ‪ -‬قالت ‪ :‬قال رسول اللّه صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ » :‬ادرءوا الحدود عن المسلمين ما‬
‫استطعتم ‪ ،‬فإن كان له مخرج فخلّوا سبيله فإ ّ‬
‫ن‬
‫المام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في‬
‫العقوبة « ‪ ،‬وفي حديث آخر ‪ » :‬ادفعوا الحدود ما‬
‫وجدتم لها مدفعا ً « ‪.‬‬
‫ن رسول اللّه‬ ‫وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ‪ :‬أ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم قال ‪ » :‬تعافوا الحدود فيما‬
‫بينكم فما بلغني من حد ّ فقد وجب « ‪.‬‬
‫وهذه القاعدة توجب أوّل ً ‪ :‬اعتماد اليقين ‪ -‬ما أمكن‬
‫‪ -‬في نسبة الجريمة إلى المتّهم ‪.‬‬
‫ك ‪ -‬مهما كانت نسبته ومهما كان‬ ‫ش ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫وثانيا ً ‪ :‬أ ّ‬
‫محلّه ومهما كان طريقه ‪ -‬ينتفع به المتّهم فيدرأ عنه‬
‫ن الدّليل يقوم ‪ -‬هناك ‪-‬‬ ‫ي ‪ :‬فإ ّ‬
‫شاطب ّ‬ ‫الحد ّ ‪ ،‬يقول ال ّ‬
‫ن في إقامة الحد ّ ‪ ،‬ومع ذلك فإذا عارضته‬ ‫مفيدا ً للظ ّ ّ‬
‫شبهة وإن ضعفت ‪ -‬غلب ‪ -‬حكمها ودخل صاحبها‬
‫في مرتبة العفو ‪.‬‬
‫وثالثا ً ‪ :‬الخطأ في العفو أفضل شرعا ً من الخطأ في‬
‫ب إلى اللّه‬ ‫ن تبرئة المجرم فعل ً أح ّ‬ ‫العقوبة حيث إ ّ‬
‫ورسوله من معاقبة البريء ‪.‬‬
‫صحابة‬ ‫ة في أقضية ال ّ‬ ‫وهذا المبدأ نجد تطبيقاته مبثوث ً‬
‫‪ -‬رضي الله عنهم ‪ -‬وأقضية التّابعين وفتاوى‬
‫المجتهدين ‪ ،‬من ذلك ما حكم به عمر بن الخطّاب ‪-‬‬
‫رضي الله تعالى عنه ‪ -‬في قضيّة المغيرة بن شعبة‬
‫والي البصرة الّذي اتّهم بالّزنا مع امرأة أرملة كان‬
‫يحسن إليها ‪ ،‬فاستدعى الخليفة الوالي وشهود‬
‫ن‬‫التّهمة فشهد ثلثة برؤية تنفيذ الجريمة ‪ ،‬ولك ّ‬

‫‪581‬‬
‫شاهد الّرابع الّذي يكتمل به النّصاب قال ‪ :‬لم أر‬ ‫ال ّ‬
‫ة وسمعت نفسا ً عاليا ً ‪،‬‬ ‫ما قال هؤلء بل رأيت ريب ً‬
‫ول أعرف ما وراء ذلك‪ ،‬فأسقط عمر التّهمة عن‬
‫شهود‬ ‫المغيرة وحفظ له براءته وطهارته ‪ ،‬وعاقب ال ّ‬
‫الثّلثة عقوبة القذف ‪.‬‬
‫سرقة عام الّرمادة لنّه‬ ‫وعمر نفسه لم يقم حد ّ ال ّ‬
‫ة على الضطرار ‪،‬‬ ‫مة قرين ً‬ ‫جعل من المجاعة العا ّ‬
‫سرقة تمنع الحد ّ عن‬ ‫والضطرار شبهة في ال ّ‬
‫ضرورة ‪.‬‬ ‫سرقة في حدود ال ّ‬ ‫سارق بل تبيح له ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ة ظنّاً‬ ‫ن من أخذ من مال أبيه خفي ً‬ ‫مة أ ّ‬ ‫وقد ذكر الئ ّ‬
‫ن من جامع‬ ‫منه أنّه يباح له ذلك ل حد ّ عليه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن ذلك يباح له ل‬ ‫المطلّقة ثلثا ً في العدّة ظنّا ً منه أ ّ‬
‫حد ّ عليه أيضا ً ‪.‬‬
‫ن ما يعرف بشبهة‬ ‫ونقل عن أبي حنيفة القول بأ ّ‬
‫العقد يدرأ الحد ّ بها ‪ ،‬فل حد ّ ‪ -‬في رأيه ‪ -‬على من‬
‫ة بعد العقد عليها وإن كان عالماً‬ ‫وطئ محّرم ً‬
‫بالحرمة ‪ :‬كوطء امرأة تزوّجها بل شهود مثلً‪ ،‬وفي‬
‫صاحبين عليه الحد ّ ‪ -‬إذا كان عالما ً بالحرمة ‪-‬‬ ‫رأي ال ّ‬
‫وهو المعتمد ‪.‬‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫ك ل تناط به الّرخص ‪ :‬أو الّرخص ل تناط بال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫‪:‬‬
‫ي نقل ً عن‬ ‫سيوط ّ‬ ‫‪ - 39‬هو لفظ قاعدة فقهيّة ذكرها ال ّ‬
‫ي فّرعوا عليها الفروع التّالية ‪:‬‬ ‫سبك ّ‬ ‫ي الدّين ال ّ‬ ‫تق ّ‬
‫ك في جواز المسح‬ ‫أ ‪ -‬وجوب غسل القدمين لمن ش ّ‬
‫على الخّفين أو على الجوربين وما إلى ذلك‪.‬‬
‫ك في غسل إحدى رجليه وأدخلهما في‬ ‫ب ‪ -‬من ش ّ‬
‫فين ‪ -‬مع ذلك ‪ -‬ل يباح له المسح عليهما‪.‬‬ ‫الخ ّ‬
‫ك في جواز القصر ‪.‬‬ ‫ج ‪ -‬وجوب التمام لمن ش ّ‬
‫ويمكن أن يكون ذلك في صور عديدة ‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫================‬
‫م*‬ ‫ش ّ‬ ‫َ‬
‫التّعريف ‪:‬‬
‫مه ‪،‬‬‫م في اللّغة ‪ :‬مصدر شممته أش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّ‬
‫ما ً ‪.‬‬
‫مه ش ّ‬ ‫وشممته أش ّ‬
‫س النف ‪ ،‬وإدراك الّروائح ‪.‬‬ ‫م‪:‬ح ّ‬ ‫وال ّ‬
‫ش ّ‬
‫مه ‪ :‬أدناه من‬ ‫شيء واشت ّ‬ ‫مم ال ّ‬ ‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬تش ّ‬
‫أنفه ليجتذب رائحته ‪.‬‬
‫ول يخرج معنى اللّفظ في الصطلح عن المعنى‬
‫اللّغويّ ‪.‬‬
‫صلة ‪:‬‬ ‫اللفاظ ذات ال ّ‬
‫أ ‪ -‬الستنكاه ‪:‬‬
‫م رائحة فمه ‪،‬‬ ‫‪ - 2‬جاء في اللّسان ‪ :‬استنكهه ‪ :‬ش ّ‬
‫والسم ‪ :‬النّكهة ‪ .‬ونكهته ‪ :‬شممت ريحه ‪ ،‬وفي‬
‫ي ‪ » :‬فقام رجل فاستنكهه‬ ‫صة ماعز السلم ّ‬ ‫حديث ق ّ‬
‫م نكهته ورائحة فمه ‪.‬‬ ‫« ‪ :‬أي ش ّ‬
‫ي‪:‬‬ ‫الحكم التّكليف ّ‬
‫شهود‬‫م قد يكون واجبا ً وذلك في حقّ ال ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫‪ - 3‬ال ّ‬
‫م لجل الخصومات الواقعة في‬ ‫ش ّ‬ ‫المأمورين بال ّ‬
‫روائح المشموم حيث يقصد الّرد ّ بالعيب أو يقصد‬
‫منع الّرد ّ إذا حدث العيب عند المشتري ‪.‬‬
‫سكران لمعرفة رائحة‬ ‫شهود فم ال ّ‬ ‫م ال ّ‬ ‫وكما في ش ّ‬
‫الخمر ‪.‬‬
‫م الطّيب‬ ‫م حراما ً أو مكروها ً كش ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫وقد يكون ال ّ‬
‫ج أو العمرة عند من يقولون بذلك ‪.‬‬ ‫للمحرم بالح ّ‬
‫م الّزهور والّرياحين المباحة‬ ‫وقد يكون مباحا ً كش ّ‬
‫والطّيب المباح ‪ .‬إل ّ إذا كان طيبا ً تطيّبت به امرأة‬
‫مه ‪.‬‬‫مد ش ّ‬ ‫أجنبيّة فيحرم تع ّ‬
‫صائم الطّيب ونحوه ‪:‬‬ ‫م ال ّ‬ ‫ش ّ‬

‫‪583‬‬
‫صائم‬ ‫‪ - 4‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لو أدخل ال ّ‬
‫م رائحته أفطر لمكان التّحّرز‬ ‫إلى حلقه البخور وش ّ‬
‫م‬‫ما لو ش ّ‬ ‫عنه ‪ .‬وإذا لم يصل إلى حلقه ل يفطر ‪ .‬أ ّ‬
‫ما ل جسم له فل‬ ‫هوا ًء فيه رائحة الورد ونحوه م ّ‬
‫يفطر عند الحنفيّة ‪.‬‬
‫وكرهه المالكيّة ‪.‬‬
‫م الّرياحين ونحوها نهاراً‬ ‫شافعيّة ش ّ‬ ‫كما يكره عند ال ّ‬
‫ن له تركه ‪ .‬وعند‬ ‫صائم لنّه من التّرفّه ولذلك يس ّ‬ ‫لل ّ‬
‫مه لنّه ل‬ ‫الحنابلة إذا كان الطّيب مسحوقا ً كره ش ّ‬
‫مه أن يجذبه نفسه للحلق ‪ ،‬ولذلك ل‬ ‫يؤمن من ش ّ‬
‫م الورد والعنبر والمسك غير المسحوق ‪.‬‬ ‫يكره ش ّ‬
‫م المحرم الطّيب ‪:‬‬ ‫ش ّ‬
‫م الطّيب‬ ‫‪ - 5‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى كراهة ش ّ‬
‫للمحرم ‪ .‬ول فرق عند المالكيّة بين الطّيب المذكّر‬
‫ي من‬ ‫المدونة ‪ ،‬وقال الباج ّ‬‫ّ‬ ‫والمؤنّث ‪ .‬وهو مذهب‬
‫م الطّيب المؤنّث ‪ .‬كذلك يكره‬ ‫المالكيّة ‪ :‬يحرم ش ّ‬
‫ما‬ ‫م الطّيب للمحرم ‪ ،‬لكن يؤخذ م ّ‬ ‫شافعيّة ش ّ‬ ‫عند ال ّ‬
‫م ما‬ ‫جاء في المهذ ّب وشرحه المجموع أنّه يحرم ش ّ‬
‫يعتبر طيبا ً كالورد والمسك والكافور ‪.‬‬
‫ي والنّرجس والنّيلوفر‬ ‫واختلف في الّريحان الفارس ّ‬
‫ونحوه وفيه قولن ‪:‬‬
‫مها لما روي عن عثمان ‪ -‬رضي‬ ‫أحدهما ‪ :‬يجوز ش ّ‬
‫الله تعالى عنه ‪ -‬أنّه سئل عن المحرم ‪ :‬يدخل‬
‫ن هذه‬ ‫م الّريحان ‪ ،‬ول ّ‬ ‫البستان ؟ فقال ‪ :‬نعم ويش ّ‬
‫ة فإذا جّفت لم يكن‬ ‫الشياء لها رائحة إذا كانت رطب ً‬
‫لها رائحة ‪.‬‬
‫والثّاني ‪ :‬ل يجوز ‪ ،‬لنّه يراد للّرائحة فهو كالورد‬
‫والّزعفران ‪.‬‬

‫‪584‬‬
‫ي بإسناده عن ابن عبّاس أنّه كان ل‬ ‫وروى البيهق ّ‬
‫ي‬
‫م الّريحان ‪ ،‬وروى البيهق ّ‬ ‫يرى بأسا ً للمحرم بش ّ‬
‫عكسه عن ابن عمر وجابر فروى بإسنادين صحيحين‬
‫م الّريحان‬ ‫أحدهما عن ابن عمر أنّه كان يكره ش ّ‬
‫للمحرم ‪ ،‬والثّاني عن أبي الّزبير أنّه سمع جابراً‬
‫مه المحرم ‪ ،‬والطّيب‬ ‫يسأل عن الّريحان أيش ّ‬
‫والدّهن فقال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫ما ما يطلب للكل والتّداوي غالبا ً كالقرنفل‬ ‫وأ ّ‬
‫ي والفواكه كالتّّفاح والمشمش فيجوز‬ ‫والدّارصين ّ‬
‫مه لنّه ليس بطيب ‪.‬‬ ‫أكله وش ّ‬
‫شافعيّة الجلوس عند العطّار‬ ‫ويجوز للمحرم عند ال ّ‬
‫ن‬
‫ة ول ّ‬ ‫ن في المنع من ذلك مشّق ً‬ ‫خر ل ّ‬ ‫وفي موضع يب ّ‬
‫ب أن يتوقّى ذلك‬ ‫ذلك ليس بتطيّب مقصود والمستح ّ‬
‫إل ّ أن يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة‬
‫ن الجلوس عندها قربة‬ ‫مر ‪ ،‬فل يكره ذلك ل ّ‬ ‫وهي تج ّ‬
‫‪.‬‬
‫صل الحنابلة فقالوا ‪ :‬النّبات الّذي تستطاب‬ ‫وف ّ‬
‫رائحته على ثلثة أضرب ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما ل ينبت للطّيب ول يتّخذ منه كنبات‬
‫شيح والقيصوم والخزامى والفواكه‬ ‫صحراء من ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ج والتّّفاح ‪ ،‬وما ينبته الدميّون لغير‬ ‫كلّها من التر ّ‬
‫مه ول فدية‬ ‫قصد الطّيب كالحنّاء والعصفر فمباح ش ّ‬
‫فيه ول نعلم فيه خلفا ً إل ّ ما روي عن ابن عمر أنّه‬
‫م شيئا ً من نبات الرض ‪.‬‬ ‫كان يكره للمحرم أن يش ّ‬
‫الثّاني ‪ :‬ما ينبته الدميّون للطّيب ول يتّخذ منه طيب‬
‫ي والنّرجس ففيه وجهان ‪ :‬أحدهما‬ ‫كالّريحان الفارس ّ‬
‫يباح بغير فدية ‪ ،‬قاله عثمان بن عّفان وابن عبّاس‬
‫والحسن ومجاهد وإسحاق رضي الله عنهم ‪ .‬والخر‬
‫مه ‪ ،‬فإن فعل فعليه الفدية ‪ ،‬وهو قول جابر‬ ‫يحرم ش ّ‬

‫‪585‬‬
‫وابن عمر وأبي ثور رضي الله عنهم لنّه يتّخذ‬
‫للطّيب فأشبه الورد وكلم أحمد يحتمل أنّه يكره ول‬
‫يجب فيه شيء ‪.‬‬
‫الثّالث ‪ :‬ما ينبت للطّيب ويتّخذ منه طيب كالورد‬
‫مه الفدية ‪ ،‬وعن أحمد رواية‬ ‫والبنفسج ففي ش ّ‬
‫مه لنّه زهر‬ ‫أخرى في الورد أنّه ل فدية عليه في ش ّ‬
‫شجر‬ ‫م زهر سائر ال ّ‬ ‫مه كش ّ‬ ‫فش ّ‬
‫م‪:‬‬‫ش ّ‬ ‫الجارة لل ّ‬
‫‪ - 6‬ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم جواز إجارة‬
‫ن الّرائحة عند الحنفيّة‬ ‫مه ل ّ‬ ‫شيء كالتّّفاح مثل ً لش ّ‬ ‫ال ّ‬
‫منفعة غير مقصودة ‪.‬‬
‫وقال المالكيّة ‪ :‬لنّها ل قيمة لها شرعا ً ‪.‬‬
‫م‬
‫ش ّ‬‫شافعيّة استئجار المسك والّرياحين لل ّ‬ ‫وأجاز ال ّ‬
‫ن المنفعة متقوّمة ‪.‬‬ ‫ل ّ‬
‫وفّرق الحنابلة بين ما تتلف عينه وما ل تتلف ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ :‬يجوز استئجار ما يبقى من الطّيب‬
‫مه المرضى‬ ‫صندل وقطع الكافور والنّد ّ لتش ّ‬ ‫وال ّ‬
‫م يردّها ‪ ،‬لنّها منفعة مباحة فأشبهت‬ ‫وغيرهم مدّة ً ث ّ‬
‫ح استئجار ما ل‬ ‫م قال ‪ :‬ول يص ّ‬ ‫الوزن والتّحلّي ‪ .‬ث ّ‬
‫يبقى من الّرياحين كالورد والبنفسج والّريحان‬
‫مها ‪ ،‬لنّها تتلف عن قرب‬ ‫ي وأشباهه لش ّ‬ ‫الفارس ّ‬
‫فأشبهت المطعومات ‪.‬‬
‫م‪:‬‬‫ش ّ‬‫سة ال ّ‬ ‫الجناية على حا ّ‬
‫ما أن تكون عمدا ً أو‬ ‫مإ ّ‬ ‫ش ّ‬‫سة ال ّ‬ ‫‪ - 7‬الجناية على حا ّ‬
‫ً‬
‫مه‬‫ج إنسانا ً فذهب ش ّ‬ ‫خطأ ‪ .‬فإن كان عمدا ً كمن ش ّ‬
‫ص من الجاني بمثل ما فعل ‪ ،‬فإن ذهب‬ ‫فإنّه يقت ّ‬
‫قه ‪ ،‬وإن لم‬ ‫ي عليه ح ّ‬ ‫مه فقد استوفى المجن ّ‬ ‫بذلك ش ّ‬
‫م بواسطة‬ ‫ش ّ‬ ‫م فعل بالجاني ما يذهب ال ّ‬ ‫ش ّ‬‫يذهب ال ّ‬

‫‪586‬‬
‫م إلّ‬ ‫ش ّ‬‫أهل الخبرة في ذلك ‪ ،‬فإن لم يمكن إذهاب ال ّ‬
‫بجناية سقط القود ووجبت الدّية ‪.‬‬
‫ح عند‬ ‫وهذا عند المالكيّة والحنابلة وهو الص ّ‬
‫شافعيّة ‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫وعند الحنفيّة تجب الدّية لنّه ل يمكن أن يضرب‬
‫م فلم يكن‬ ‫ش ّ‬‫سة ال ّ‬ ‫الجاني ضربا ً يذهب به حا ّ‬
‫استيفاء المثل ممكنا ً فل يجب القصاص وتجب الدّية‬
‫شافعيّة ‪.‬‬ ‫ح عند ال ّ‬ ‫‪ .‬وهو مقابل الص ّ‬
‫م نتيجة ضرب أو جرح‬ ‫ش ّ‬ ‫سة ال ّ‬ ‫وإن كان إبطال حا ّ‬
‫ضرب عمدا ً لكن كان الجرح‬ ‫ً‬
‫وقع خطأ ‪ ،‬أو كان ال ّ‬
‫ة إذا‬‫ما ل يمكن القصاص فيه فتجب الدّية كامل ً‬ ‫م ّ‬
‫ص‬‫سة تخت ّ‬ ‫م من المنخرين ‪ ،‬لنّه حا ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫كان إبطال ال ّ‬
‫س ‪ ،‬قال ابن‬ ‫بمنفعة فكان فيها الدّية كسائر الحوا ّ‬
‫ن في كتاب عمرو‬ ‫قدامة ‪ :‬ول نعلم في هذا خلفا ً ول ّ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم أنّه قال ‪:‬‬ ‫بن حزم عن النّب ّ‬
‫م الدّية « ‪ .‬وهذا عند الحنفيّة‬ ‫» وفي المشا ّ‬
‫شافعيّة ‪.‬‬ ‫صحيح عند ال ّ‬ ‫والمالكيّة والحنابلة وهو ال ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬تجب فيه حكومة‬ ‫صحيح عند ال ّ‬ ‫ومقابل ال ّ‬
‫لنّه ضعيف النّفع ‪.‬‬
‫م من أحد المنخرين ففيه نصف الدّية ‪.‬‬ ‫ش ّ‬‫وإذا زال ال ّ‬
‫م وجب بقسطه من الدّية إذا أمكن‬ ‫ش ّ‬ ‫وإن نقص ال ّ‬
‫معرفته وإل ّ فحكومة يقدّرها الحاكم بالجتهاد ‪.‬‬
‫م امتحن في غفلته بالّروائح‬ ‫ش ّ‬‫ومن ادّعى زوال ال ّ‬
‫ش للطّيّب وعبس‬ ‫الحادّة الطّيّبة والمنتنة ‪ ،‬فإن ه ّ‬
‫لغيره فالقول قول الجاني بيمينه لظهور كذب‬
‫ي عليه ‪ .‬وإن لم يتأثّر بالّروائح الحادّة ولم يبن‬ ‫المجن ّ‬
‫ي عليه ‪.‬‬ ‫منه ذلك ‪ ،‬فالقول قول المجن ّ‬
‫شافعيّة ‪ :‬ويحلف لظهور صدقه ‪ ،‬ول يعرف إلّ‬ ‫زاد ال ّ‬
‫من قبله ‪.‬‬

‫‪587‬‬
‫مه فالقول قوله مع‬ ‫ي عليه نقص ش ّ‬ ‫وإن ادّعى المجن ّ‬
‫صل إلى‬ ‫شافعيّة والحنابلة لنّه ل يتو ّ‬ ‫يمينه عند ال ّ‬
‫معرفة ذلك إل ّ من جهته فقبل قوله فيه ‪ ،‬ويجب له‬
‫من الدّية ما تخرجه الحكومة ‪.‬‬
‫م عاد قبل أخذ الدّية سقطت وإن‬ ‫مه ث ّ‬ ‫وإن ذهب ش ّ‬
‫كان بعد أخذها ردّها لنّا تبيّنّا أنّه لم يكن ذهب‪ .‬وإن‬
‫مه إلى مدّة انتظر إليها ‪.‬‬ ‫رجي عود ش ّ‬
‫م وحده ‪.‬‬ ‫ش ّ‬ ‫هذا إذا ذهب ال ّ‬
‫مه فعليه ديتان كما‬ ‫ما إن قطع أنفه فذهب بذلك ش ّ‬ ‫أ ّ‬
‫م في غير‬ ‫ش ّ‬‫ن ال ّ‬ ‫شافعيّة والحنابلة ل ّ‬ ‫ص عليه ال ّ‬ ‫ن ّ‬
‫النف فل تدخل أحدهما في الخر ‪.‬‬
‫م في‬ ‫وقال المالكيّة ‪ :‬فيهما دية واحدة فيندرج ال ّ‬
‫ش ّ‬
‫النف كالبصر مع العين ‪.‬‬
‫م الّرائحة ‪:‬‬ ‫إثبات شرب المسكر بش ّ‬
‫شرب الّذي يجب به‬ ‫‪ - 8‬اختلف الفقهاء في إثبات ال ّ‬
‫شارب ‪ .‬وتفصيل‬ ‫م رائحة الخمر في فم ال ّ‬ ‫الحد ّ بش ّ‬
‫ذلك في ( أشربة ) ‪.‬‬
‫================‬
‫الفهرس العام‬

‫‪588‬‬

You might also like