You are on page 1of 316

‫مقدمة ابن خلدون‬

‫القسم الول من القدمة ف فضل علم التاريخ و تقيق مذاهبه و اللاع لا‬
‫يعرض للمؤرخي من الغالط و ذكر شيء من أسبابا‬

‫اعلم أن فن التاريخ فن عزيز الذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الاضي من المم ف أخلقهم‪ .‬و النبياء ف سيهم‪.‬‬
‫و اللوك ف دولم و سياستهم‪ .‬حت تتم فائدة القتداء ف ذلك لن يرومه ف أحوال الدين و الدنيا فهو متاج إل مآخذ متعددة و معارف‬
‫متنوعة و حسن نظر و تثبت يفضيان بصاحبهما إل الق و ينكبان به عن الزلت و الغالط لن الخبار إذا اعتمد فيها على مرد النقل و ل‬
‫تكم أصول العادة و قواعد السياسة و طبيعة العمران و الحوال ف الجتماع النسان و ل قيس الغائب منها بالشاهد و الاضر بالذاهب‬
‫فربا ل يؤمن فيها من العثور و مزلة القدم و اليد عن جادة الصدق و كثيا ما وقع للمؤرخي و الفسرين و أئمة النقل من الغالط ف‬
‫الكايات و الوقائع لعتمادهم فيها على مرد النقل غثا أو سينا و ل يعرضوها على أصولا و ل قاسوها بأشباهها و ل سبوها بعيار‬
‫الكمة و الوقوف على طبائع الكائنات و تكيم النظر و البصية ف الخبار فضلوا عن الق و تاهوا ف بيداء الوهم و الغلط و ل سيما ف‬
‫إحصاء العداد من الموال و العساكر إذا عرضت ف الكايات إذ هي مظنة الكذب و مطية الذر و ل بد من ردها إل الصول و عرضها‬
‫على القواعد‪.‬‬
‫و هذا كما نقل السعودي و كثي من الؤرخي ف جيوش بن إسرائيل بأن موسى عليه السلم أحصاهم ف التيه بعد أن أجاز من يطيق حل‬
‫السلح خاصة من ابن عشرين فما فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون و يذهل ف ذلك عن تقدير مصر و الشام و اتساعهما لثل هذا‬
‫العدد من اليوش لكل ملكة من المالك حصة من الامية تتسع لا و تقوم بوظائفها و تضيق عما فوقها تشهد بذلك العوائد العروفة و‬
‫الحوال الألوفة ث أن مثل هذه اليوش البالغة إل مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال لضيق مساحة الرض عنها و بعدها إذا‬
‫اصطفت عن مدى البصر مرتي أو ثلثا أو أزيد فكيف يقتتل هذان الفريقان أو تكون غلبة أحد الصفي و شيء من جوانبه ل يشعر‬
‫بالانب الخر و الاضر يشهد لذلك فالاضي أشبه بالت من الاء بالاء‪.‬‬
‫و لقد كان ملك الفرس و دولتهم أعظم من ملك بن إسرائيل بكثي يشهد لذلك ما كان من غلب بتنصر لم و التهامه بلدهم و استيلئه‬
‫على أمرهم و تريب بيت القدس قاعدة ملتهم و سلطانم و هو من بعض عمال ملكة فارس يقال إنه كان مرزبان الغرب من تومها و‬
‫كانت مالكهم بالعراقي و خراسان و ما وراء النهر و البواب أوسع من مالك بن إسرائيل بكثي و مع ذلك ل تبلغ جيوش الفرس قط مثل‬
‫هذا العدد و ل قريبا منه و أعظم ما كانت جوعهم بالقادسية مائة و عشرين ألفا كلهم متبوع على ما نقله سيف قال و كانوا ف أتباعهم‬
‫أكثر من مائت ألف و عن عائشة و الزهري فأن جوع رستم الذين زحف بم سعد بالقادسية إنا كانوا ستي ألفا كلهم متبوع و أيضا فلو‬
‫بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لتسع نطاق ملكهم و انفسح مدى دولتهم فإن العمالت و المالك ف الدول على نسبة الامية و القبيل‬
‫القائمي با ف قتلها و كثرتا حسبما نبي ف فضل المالك من الكتاب الول و القوم ل تتسع مالكهم إل غي الردن و فلسطي من الشام‬
‫و بلد يثرب و خيب من الجاز على ما هو العروف‪.‬‬
‫و أيضا فالذي بي موسى و إسرائيل إنا ف أربعة آباء على ما ذكره الحققون فإنه موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت بفتح الاء وكسرها‬
‫ابن لري بكسر الواو و فتحها ابن يعقوب و هو إسرائيل ال هكذا نسبه ف التوراة و الدة بينهما على ما نقله السعودي قال دخل إسرائيل‬
‫مصر مع ولده السباط و أولدهم حي أتوا إل يوسف سبعي نفسا و كان مقامهم بصر إل أن خرجوا مع موسى عليه السلم إل التيه‬
‫مائتي و عشرين سنة تتداولم ملوك القبط من الفراعنة و يبعد أن يتشعب النسل ف أربعة أجيال إل مثل هذا العدد و إن زعموا أن عدد‬
‫تلك اليوش إنا كان ف زمن سليمان و من بعده فبعيد أيضا إذ ليس بي سليمان و إسرائيل إل أحد عشر أبا فإنه سليمان بن داود بن يشا‬
‫بن عوفيذ و يقال ابن عوفذ ابن باعز و يقال بوعز بن سلمون بن نشون بن عمينوذب و يقال حيناذاب بن رم بن حصرون و يقال‬
‫حسرون بن بارس و يقال ببس بن يهوذا بن يعقوب و ل يتشعب النسل ف أحد عشر من الولد إل مثل هذا العدد الذي زعموه اللهم إل‬
‫الئتي و اللف فربا يكون و أما أن يتجاوز إل ما بعدها من عقود العداد فبعيد و اعتب ذلك ف الاضر الشاهد و القريب العروف تد‬
‫زعمهم باطلً و نقلهم كاذبا‪.‬‬
‫و الذي ثبت ف السرائيليات أن جنود سليمان كانت اثن عشر ألفا خاصة و أن مقرباته كانت ألفا و أربعمائة فرس مرتبطة على أبوابه هذا‬
‫هو الصحيح من أخبارهم و ل يلتفت إل خرافات العامة منهم و ف أيام سليمان عليه السلم و ملكه كان عنفوان دولتهم و أتساع ملكهم‬
‫هذا و قد ند الكافة من أهل الصر إذا أفاضوا ف الديث عن عساكر الدول الت لعهدهم أو قريبا منه و تفاوضوا ف الخبار عن جيوش‬
‫السلمي أو النصارى أو أخذوا ف إحصاء أموال البايات و خراج السلطان و نفقات الترفي و بضائع الغنياء الوسرين توغلوا ف العدد و‬
‫تاوزوا حدود العوائد و طاوعوا وساوس العراب فإذا استكشف أصحاب الدواوين عن عساكرهم و استنبطت أحوال أهل الثروة ف‬
‫بضائعهم و فوائدهم و استجليت عوائد الترفي ف نفقاتم ل تد معشار ما يعدونه و ما ذلك إل لولوع النفس يالغرائب و سهولة التجاوز‬
‫على اللسان و الغفلة على التعقب و النتقد حت ل ياسب نفسه على خطإ و ل عمد و ل يطالبه ف الب بتوسط و ل عدالة ول يرجعها‬
‫إل بث و تفتيش فيسل عنانه و يسيم ف مراتع الكذب لسانه و يتخذ آيات ال هزءا و يشتري لو الديث ليصل عن سبيل ال و حسبك‬
‫با صفقة خاسرة‪.‬‬
‫و من الخبار الواهية للمؤرخي ما ينقلونه كافة ف أخبار التبابعة ملوك اليمن و جزيرة العرب أنم كانوا يغزون من قراهم باليمن إل أفريقية‬
‫و الببر من بلد الغرب و أن أفريقش بن قيس بن صيفي من أعاظم ملوكهم الول و كان لعهد موسى عليه السلم أو قبله بقليل غزا‬
‫أفريقية و أثخن ف الببر و أنه الذي ساهم بذا السم حي سع رطانتهم و قال ما هذه الببرة فأخذ هذا السم عنه و دعوا به من حينئذ و‬
‫أنه لا انصرف من الغرب حجز هنالك قبائل من حي فأقاموا با و اختلطوا بأهلها و منهم صنهاجة و كتامة و من هذا ذهب الطبي و‬
‫الرجان و السعودي و ابن الكلب و البيلي إل أن صنهاجة و كتامة من حي وتاباه نسابة الببر و هو الصحيح و ذكر السعودي أيضا أن‬
‫ذا الذعار من ملوكهم قبل أفريقش و كان على عهد سليمان عليه السلم غزا الغرب و دوخه و كذلك ذكر مثله عن ياسر ابنه من بعده و‬
‫إنه بلغ وادي الرمل ف بلد الغرب و ل يد فيه مسلكا لكثرة الرمل فرجع و كذلك يقولون ف تبع الخر و هو أسعد أبو كرب و كان‬
‫على عهد يستأنف من ملوك الفرس الكيانية أنه ملك الوصل و أذربيجان و لقي الترك فهزمهم و أثخن ث غزاهم ثانية و ثالثة كذلك و أنه‬
‫بعد ذلك أغزى ثلثة من بنيه بلد فارس و إل بلد الصغد من بلد أمم الترك وراء النهر و إل بلد الروم فملك الول البلد إل سرقند و‬
‫قطع الفازة إل الصي فوجد أخاه الثان الذي غزا إل سرقند قد سبقه إليها ث فأثخنا ف بلد الصي و رجعا جيعا بالغنائم و تركوا ببلد‬
‫الصي قبائل من حي فهم با إل هذا العهد و بلغ الثالث إل قسطنطينية فدرسها و دوخ بلد الروم و رجع‪.‬‬
‫و هذه الخبار كلها بعيدة عن الصحة عريقة ف الوهم و الغلط و أشبه بأحاديث القصص الوضوعة‪ .‬و ذلك أن ملك التبابعة إنا كان بزيرة‬
‫العرب و قرارهم و كرسيهم بصنعاء اليمن‪ .‬و جزيرة العرب ييط با البحر من ثلث جهاتا فبحر الند من النوب و بر فارس الابط منه‬
‫إل البصرة من الشرق و بر السويس الابط منه إل السويس من أعمال مصر من جهة الغرب كما تراه ف مصور الغرافيا فل يد‬
‫السالكون من اليمن إل الغرب طريقا من غي السويس و السلك هناك ما بي بر السويس و البحر الشامي قدر مرحلتي فما دونما و يبعد‬
‫أن ير بذا السلك ملك عظيم ف عساكر موفورة من غي أن يصي من أعماله هذه متنع ف العادة‪ .‬و قد كان بتلك العمال العمالقة و‬
‫كنعان بالشام و القبط بصر ث ملك العمالقة مصر و ملك بنو إسرائيل الشام و ل ينقل قط أن التبابعة حاربوا أحدا من هؤلء المم‪ .‬و ل‬
‫ملكوا شيئا من تلك العمال و أيضا فالشقة من البحر إل الغرب بعيدة و الزودة و العلوفة للعساكر كثية فإذا ساروا ف غي أعمالم‬
‫احتاجوا إل انتهاب الزرع و النعم و انتهاب البلد فيما يرون عليه و ل يكفي ذلك للزودة و للعلوفة عادة و إن نقلوا كفايتهم من ذلك‬
‫من أعمالم فل تفي لم الرواحل بنقله فل بد و أن يروا ف طريقهم كلها بأعمال قد ملكوها و دوخوها لتكون الية منها و إن قلنا أن تلك‬
‫العساكر تر بؤلء المم من غي أن تيجهم فتحصل لم الية بالسالة فذلك أبعد و أشد امتناعا فدل على أن هذه الخبار واهية أو‬
‫موضوعة‪.‬‬
‫و أما وادي الرمل الذي يعجز السالك فلم يسمع قط ف ذكره ف الغرب على كثرة سالكه و من يقص طرقه من الركاب و القرى ف كل‬
‫عصر و كل جهة و هو على ما ذكروه من الغرابة تتوفر الدواعي على نقله‪ .‬و أما غزوهم بلد الشرق و أرض الترك و إن كان طريقه أوسع‬
‫من مسالك السويس إل أن الشقة هنا أبعد و أمم فارس و الروم معترضون فيها دون الترك و ل نقل قط أن التبابعة ملكوا بلد فارس و ل‬
‫بلد الروم و إنا كانوا ياربون أهل فارس على حدود بلد العراق و ما بي البحرين و الية و الزيرة بي دجلة و الفرات و ما بينهما ف‬
‫العمال و قد وقع ذلك بي ذي الذعار منهم و كيكاوس من ملوك الكيانية و بي تبع الصغر أب كرب و يستاسف معهم أيضا و مع‬
‫ملوك الطوائف بعد الكيانية و الساسانية ف من بعدهم بجاوزة أرض فارس بالغزو إل بلد الترك و التبت و هو متنع عادة من بعدهم أجل‬
‫المم العترضة منهم و الاجة إل الزودة و العلوفات مع بعد الشقة كما مر فالخبار بذلك واهية مدخولة و هي لو كانت صحيحة النقل‬
‫لكان ذلك قادحا فيها فكيف و هي ل تنقل من وجه صحيح و قول ابن إسحاق ف خب يثرب و الوس و الزرج أن تبعا الخر سار إل‬
‫الشرق ممو ًل على العراق و بلد فارس و أما بلد الترك و التبت فل يصح غزوهم إليها بوجه لا تقرر فل تثق با يلقى إليك من ذلك و‬
‫تأمل الخبار و أعرضها على القواني الصحيحة يقع لك تحيصها بأحسن وجه و ال الادي إل الصواب‪.‬‬

‫فصل ـ القسم الثان من القدمة ف فضل علم التاريخ و تقيق مذاهبه و‬


‫اللاع لا يعرض للمؤرخي من الغالط و ذكر شيء من أسبابا‬

‫و أبعد من ذلك و أعرق ف الوهم ما يتناقله الفسرون ف تفسي سورة و الفجر ف قوله تعال أل تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد‬
‫فيجعلون لفظة إرم اسا لدينة وصفت بأنا ذات عماد أي أساطي و ينقلون أنه كان لعاد بن عوص بن إرم ابنان ها شديد و شداد ملكا من‬
‫بعده و هلك شديد فخلص اللك لشداد و دانت له ملوكهم و سع وصف النة فقال لبني مثلها فبن مدينة إرم ف صحارى عدن ف مدة‬
‫ثلثمائة سنة و كان عمره تسعمائة سنة و أنا مدينة عظيمة قصورها من الذهب و أساطينها من الزبرجد و الياقوت و فيها أصناف الشجر و‬
‫النار الطردة و لا ت بناؤها سار إليها بأهل ملكته حت إذا كان منها على مسية يوم و ليلة بعث ال عليهم صيحة من السماء فهلكوا‬
‫كلهم‪ .‬ذكر ذلك الطبي و الثعالب و الزمشري و غيهم من الفسرين و ينقلون عن عبد ال بن قلبة من الصحابة أنه خرج ف طلب إبل‬
‫له فوقع عليها و حل منها ما قدر عليه و بلغ خبه معاوية فأحضره و قص عليه فبحث عن كعب الخبار و سأله عن ذلك فقال هي إرم‬
‫ذات العماد من سيدخلها رجل من السلمي أحر أشقر قصي على حاجبه خال و على عنقه خال يرج ف طلب إبل له ث التفت فأبصر ابن‬
‫قلبة فقال هذا و ال ذلك الرجل‪.‬‬

‫و هذه الدينة ل يسمع لا خب من يومئذ ف شيء من بقاع الرض و صحارى عدن الت زعموا أنا بنيت فيها هي ف وسط اليمن و مازال‬
‫عمرانه متعاقبا و الدلء تقص طرقه من كل وجه و ل ينقل عن هذه الدينة خب و ل ذكرها أحد من الخباريي و ل من المم و لو قالوا‬
‫أنا درست فيما درس من الثار لكان أشبه إل أن ظاهر كلمهم أنا موجودة و بعضهم يقول أنا دمشق بناء على أن قوم عاد ملكوها و قد‬
‫ينتهي الذيان ببعضهم إل أنا غائبة و إنا يعثر عليها أهل الرياضة و السحر مزاعم كلها أشبه بالرافات و الذي حل الفسرين على ذلك ما‬
‫اقتضته صناعة العراب ف لفظة ذات العماد أنا صفة إرم و حلوا العماد على الساطي فتعي أن يكون بناء و رشح لم ذلك قراءة ابن‬
‫الزبي عاد إرم على الضافة من غي تنويون ث وقفوا على تلك الكايات الت هي أشبه بالقاصيص الوضوعة الت هي أقرب إل الكذب‬
‫النقولة ف عداد الضحكات و إل فالعماد هي عماد الخبية بل اليام و إن أريد با الساطي فل بدع ف وصفهم بأنم أهل بناء و أساطي‬
‫على العموم با اشتهر من قوتم لنه بناء خاص ف مدينة معينة أو غيها و إن أضيفت كما ف قراءة ابن الزبي فعلى إضافة الفصيلة إل القبيلة‬
‫كما تقول قريش كنانة و إلياس مضر و ربيعة نزار أي ضرورة إل هذا الحمل البعيد الذي تحلت لتوجيهه لمثال هذه الكايات الواهية‬
‫الت ينه كتاب ال عن مثلها لبعدها عن الصحة‪.‬‬

‫و من الكايات الدخولة للمؤرخي ما ينقلونه كافة ف سبب نكبة الرشيد للبامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر بن يي بن خالد موله‬
‫و أنه لكلفه بكانما من معاقرته إياها المر أذن لما ف عقد النكاح دون اللوة حرصا على اجتماعهما ف ملسه و أن العباسة تيلت عليه‬
‫ف التماس اللوة به لا شغفها من حبه حت واقعها زعموا ف حالة السكر فحملت و وشي بذلك للرشيد فاستغضب و هيهات ذلك من‬
‫منصب العباسة ف دينها و أبويها و جللا و أنا بنت عبد ال بن عباس و ليس بينها و بينه إل أربعة رجال هم أشراف الدين و عظماء اللة‬
‫من بعده‪ .‬و العباسة بنت ممد الهدي ابن عبد ال أب جعفر النصور بن ممد السجاد ابن علي أب اللفاء ابن عبد ال ترجان القرآن ابن‬
‫العباس عم النب صلى ال عليه و سلم ابنة خليفة أخت خليفة مفوفة باللك العزيز و اللفة النبوية و صحبة الرسول و عمومته و إقامة اللة‬
‫و نور الوحي و مهبط اللئكة من سائر جهاتا قريبة عهد ببداوة العروبية و سذاجة الذين البعيدة عن عوائد الترف و مراتع الفواحش فأين‬
‫يطلب الصون و العفاف إذا ذهب عنها أو أين توجد الطهارة و الذكاء إذا فقدا من بيتها أو كيف تلحم نسبها بعفر بن يي و تدنس‬
‫شرفها العرب بول من موال العجم بلكة جده من الفرس أو بولء جدها من عمومة الرسول و أشراف قريش و غايته أن جذبت دولتهم‬
‫بضبعه وضبع أبيه و استخلصتهم و رقتهم إل منازل الشراف و كيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إل موال العاجم على بعد هته و عظم‬
‫آبائه و لو نظر التأمل ف ذلك نظر النصف و قاس العباسة بابنة ملك من عظماء ملوك زمانه لستنكف لا عن مثله مع مول من موال‬
‫دولتها و ف سلطان قومها و استنكره و ل ف تكذيبه و ابن قدر العباسة و الرشيد من الناس‪.‬‬

‫و إنا نكب البامكة ما كان من استبدادهم على الدولة و احتجافهم أموال الباية حت كان الرشيد يطلب اليسي من الال فل يصل إليه‬
‫فغلبوه على أمره و شاركوه ف سلطانه و ل يكن له منهم تصرف ف أمور ملكه فعظمت آثارهم و بعد صيتهم و عمروا مراتب الدولة و‬
‫خططها بالرؤساء من ولدهم و صنائعهم و احتازوها عمن سواهم من وزارة و كتابة و قيادة و حجابة و سيف و قلم‪ .‬يقال إنه كان بدار‬
‫الرشيد من ولد يي بن خالد خسة و عشرون رئيسا من بي صاحب سيف و صاحب قلم زاحوا فيها أهل الدولة بالناكب و دفعوهم عنها‬
‫بالراح لكان أبيهم يي بن كفالة هارون ول عهد و خليفة حت شب ف حجره و درج من عشه و غلب على أمره و كان يدعوه يا أبت‬
‫فتوجه اليثار من السلطان إليهم وعظمت الدالة منهم و انبسط الاه عندهم و انصرفت نوهم الوجوه و خضعت لم الرقاب و قصرت‬
‫عليهم المال و تطت إليهم من أقصى التخوم هدايا اللوك و تف المراء و تسربت إل خزائنهم ف سبيل التزلف و الستمالة أموال الباية‬
‫و أفاضوا ف رجال الشيعة و عظماء القرابة العطاء و طوقوهم النن و كسبوا من بيوتات الشراف العدم و فكوا العان و مدحوا با ل يدح‬
‫به خليفتهم و أسنوا لعفاتم الوائز و الصلت و استولوا على القرى و الضياع من الضواحي و المصار ف سائر المالك حت أسفوا البطالة‬
‫و أحقدوا الاصة و أغصوا أهل الولية فكشفت لم وجوه النافسة و السد و دبت إل مهادهم الوثي من الدولة عقارب السعاية حت لقد‬
‫كان بنو خطبة أخوال جعفر من أعظم الساعي عليهم ل تعطفهم لا وقر ف نفوسهم من السد عواطف الرحم و ل وزعتهم أواصر القرابة‬
‫و قارن ذلك عند مدومهم نواشيء الغية و الستنكاف من الجر و النفة و كان القود الت بعثتها منهم صغائر الدالة‪ .‬و انتهى با‬
‫الصرار على شأنم إل كبائر الخالفة كقصتهم ف يي بن عبد ال بن حسن بن السن بن علي بن أب طالب أخي ممد الهدي اللقب‬
‫بالنفس الزكية الارج على النصور و يي هذا هو الذي استنله الفضل بن يي من بلد الديلم على أمان الرشيد بطه و بذل لم فيه ألف‬
‫ألف درهم على ما ذكره الطبي و دفعه الرشيد إل جعفر و جعل اعتقاله بداره و إل نظره فحبسه مدة ث حلته الدالة على تلية سبيله و‬
‫الستبداد بل عقاله حرما لدماء أهل البيت بزعمه و دالة على السلطان ف حكمه‪ .‬و سأله الرشيد عنه لا و شي به أليه ففطن و قال أطلقته‬
‫فأبدى له وجه الستحسان و أسرها ف نفسه فأوجد السبيل بذلك على نفسه و قومه حت ثل عرشهم و ألقيت عليهم ساؤهم و خسفت‬
‫الرض بم و بدارهم و ذهبت سلفا و مثلً للخرين أيامهم و من تأمل أخبارهم و استقصى سي الدولة و سيهم وجد ذلك مقق السر‬
‫مهد السباب و انظر ما نقله ابن عبد ربه ف مفاوضة الرشيد عم جده داود بن علي ف شأن نكبتهم و ما ذكره ف باب الشعراء ف كتاب‬
‫العقد به ماورة الصمعي للرشيد و للفضل بن يي ف سرهم تتفهم أنه إنا قتلتهم الغية و النافسة ف الستبداد من الليفة فمن دونه و‬
‫كذلك ما تيل به أعداؤهم من البطانة فيما دسوه للمغني من الشعر احتيالً على إساعه للخليفة و تريك حفائظه لم و هو قوله‪:‬‬

‫ليت هندا أنزتنا ما تعد و شفت أنفسنا ما ند‬

‫و استبدت مرةً واحدةًإنا العاجز من ليستبد‬

‫و إن الرشيد لا سعها قال أي و ال إن عاجز حت بعثوا بأمثال هذه كامن غيته و سلطوا عليهم بأس انتقامه نعوذ بال من غلبة الرجال و‬
‫سوء الال‪.‬‬

‫و أما ما توه له الكاية من معاقرة الرشيد المر و اقتران سكره بسكر الندمان فحاشا ال ما علمنا عليه من سوء و أين هذا من حال الرشيد‬
‫و قيامه با يب لنصب اللفة من الدين و العدالة و ما كان عليه من صحابة العلماء و الولياء و ماوراته للفضيل بن عياض و ابن السمك‬
‫و العمري و مكاتبته سفيان الثوري و بكائه من مواعظهم و دعائه بكة ف طوافه و ما كان عليه من العبادة و الحافظة على أوقات‬
‫الصلوات و شهود الصبح لول وقتها‪ .‬حكى الطبي و غيه أنه كان يصلي ف كل يوم مائة ركعة نافلة و كان يغزو عاما و يج عاما و‬
‫لقد زجر ابن أب مري مضحكه ف سره حي تعرض له بثل ذلك ف الصلة لا سعه يقرأ وما ل ل أعبد الذي فطرن وإليه ترجعون و قال و‬
‫ال ما أدري ل ؟ فما تالك الرشيد أن ضحك ث التفت إليه مغضبا و قال يا ابن أب مري ف الصلة أيضا إياك إياك و القرآن و الدين و لك‬
‫ما شئت بعدها و أيضا فقد كان من العلم و السذاجة بكان لقرب عهده من سلفه النتحلي لذلك و ل يكن بينه و بي جده أب جعفر‬
‫بعيد زمن إنا خلفه غلما و قد كان أبو جعفر بكان من العلم و الدين قبل اللفة و بعدها و هو القائل لالك حي أشار عليه بتأليف الوطإ‬
‫يا أبا عبد ال إنه ل يبقى على وجه الرض أعلم من و منك و إن قد شغلتن اللفة فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به تنب فيه رخص ابن‬
‫عباس و شدائد ابن عمر و وطئه للناس توطئة قال مالك فوال‪ .‬لقد علمن التصنيف يومئذ و لقد أدركه ابنه الهدي أبو الرشيد هذا و هو‬
‫يتورع عن كسوة الديد لعياله من بيت الال و دخل عليه يوما و هو بجلسه يباشر الياطي ف إرقاع اللقان من ثياب عياله فاستنكف‬
‫الهدي من ذلك و قال يا أمي الؤمني على كسوة هذه العيال عامنا هذا من عطائي فقال له لك ذلك و ل يصده عنه و ل سح بالنفاق فيه‬
‫من أموال السلمي فكيف يليق بالرشيد على قرب العهد من هذا الليفة و أبوته و ما رب عليه من أمثال هذه السي ف أهل بيته و التخلق با‬
‫أن يعاقر المر أو ياهر با و قد كانت حالة الشراف من العرب الاهلية ف اجتناب المر معلومة و ل يكن الكرم شجرتم و كان شربا‬
‫مذمة عند الكثي منهم و الرشيد و آباؤه كانوا على ثبج من اجتناب الذمومات ف دينهم و دنياهم و التخلق بالحامد و أوصاف الكمال و‬
‫نزعات العرب‪ .‬و انظر ما نقله الطبي و السعودي ف ف قصة جبيل بن بتيشوع الطبيب حي أحضر له السمك ف مائدته فحماه عنه ث‬
‫أمر صاحب الائدة بمله إل منله و فطن الرشيد و ارتاب به و دس خادمه حت عاينه يتناوله فاعد ابن بتيشوع للعتذار ثلث قطع من‬
‫السمك ف ثلثة أقداح خلط إحداها باللحم العال بالتوابل و البقول و البوارد و اللوى و صب على الثانية ماءً مثلجا و على الثالثة خرا‬
‫صرفا و قال ف الول و الثان هذا طعام أمي الؤمني إن خلط السمك بغيه أو ل يلطه و قال ف الثالث هذا طعام ابن بتيشوع و دفعها‬
‫إل صاحب الائدة حت إذا انتبه الرشيد و أحضره للتوبيخ‪ ،‬أحضر الثلثة القداح فوجد صاحب المر قد اختلط و أماع و تفتت و وجد‬
‫الخرين قد فسدا و تغيت رائحتهما فكانت له ف ذلك معذرة و تبي من ذلك أن حال الرشيد ف اجتناب المر كانت معروفة عند بطانته‬
‫و أهل مائدته و لقد ثبت عنه أنه عهد ببس أب نواس لا بلغه من انماكه ف العاقرة حت تاب و أقلع و إنا كان الرشيد يشرب نبيذ التمر‬
‫على مذهب أهل العراق و فتاويهم فيها معروفة و أما المر الصرف فل سبيل إل اتامه با و ل تقليد الخبار الواهية فيها فلم يكن الرجل‬
‫بيث يواقع مرما من أكب الكبائر عند أهل اللة و لقد كان أولئك القوم كلهم بنحاة من ارتكاب السرف و الترف ف ملبسهم و زينتهم‬
‫و سائر متناولتم لا كانوا عليه من خشونة البداوة و سذاجة الدين الت ل يفارقوها بعد فما ظنك با يرج عن الباحة إل الظر و عن‬
‫اللة إل الرمة و لقد اتفق الؤرخون الطبي و السعودي و غيهم على أن جيع من سلف من خلفاء بن أمية و بن العباس إنا كانوا‬
‫يركبون باللية الفيفة من الفضة ف الناطق و السيوف و اللجم و السروج و أن أول خليفة أحدث الركوب بلية الذهب هو العتز بن‬
‫التوكل ثامن اللفاء بعد الرشيد و هكذا كان حالم أيضا ف ملبسهم فما ظنك بشاربم و يتبي ذلك بأت من هذا إذا فهمت طبيعة الدولة‬
‫ف أولا من البداوة و الغضاضة كما نشرح ف مسائل الكتاب الول إن شاء ال و ال الادي إل الصواب‪ .‬و يناسب هذا أو قريب منه ما‬
‫ينقلونه كافة عن يي بن أكثم قاضي الأمون و صاحبه و أنه كان يعاقر المر و أنه سكر ليلة مع شربه فدفن ف الريان حت أفاق و‬
‫ينشدون على لسانه‪:‬‬

‫يا سيدي و أمي الناس كلهم قد جار ف حكمه من كان يسقين‬

‫إن غفلت عن الساقي فصين كما تران سليب العقل و الدين‬

‫و حال ابن أكثم و الأمون ف ذلك من حال الرشيد و شرابم إنا كان النبيذ و ل يكن مظورا عندهم و أما السكر فليس من شأنم و‬
‫صحابته للمأمون إنا كانت خلة ف الدين و لقد ثبت أنه كان ينام معه ف البيت و نقل ف فضائل الأمون و حسن عشرته أنه انتبه ذات ليلة‬
‫عطشان فقام يتحسس و يتلمس الناء مافة أن يوقظ يي بن أكثم و ثبت أنما كانا يصليان الصبح جيعا فإن هذا من العاقرة و أيضا فإن‬
‫يي بن أكثم كان من علية أهل الديث و قد أثن عليه المام أحد بن حنبل و إساعيل القاضي و خرج عنه التزمذي كتابه الامع و ذكر‬
‫الزن الافظ أن البخاري روى عنه ف غي الامع فالقدح فيه قدح ف جيعهم و كذلك ما ينبزه الجان باليل إل الغلمان بتانا على ال و‬
‫فرية على العلماء و يستندون ف ذلك إل أخبار القصاص الواهية الت لعلها من افتراء أعدائه فإنه كان مسودا ف كماله خلته للسلطان و‬
‫كان مقامه من العلم و الدين منها عن مثل ذلك و قد ذكر لبن حنبل ما يرميه به الناس فقال سبحان ال سبحان ال و من يقول هذا و‬
‫أنكر ذلك إنكارا شديدا وأثن عليه إساعيل القاضي فقيل له ما كان يقال فيه فقال معاذ ال أن تزول عدالة مثله بتكذيب باغ و حاسد و‬
‫قال أيضا يي بن أكثم أبرأ إل ال من أن يكون فيه شيء ما كان يرمى به من أمر الغلمان و لقد كنت أقف على سرائره فأجده شديد‬
‫الوف من ال لكنه كانت فيه دعابة و حسن خلق فرمى با رمى به ابن حيان ف الثقات و قال ل يشتغل با يكى عنه لن أكثرها ل يصح‬
‫عنه و من أمثال هذه الكايات ما نقله ابن عبد ربه صاحب العقد من حديث الزنبيل ف سبب إصهار الأمون إل السن بن سهل ف بنته‬
‫بوران و أنه عثر ف بعض الليال ف تطوافه بسكك بغداد ف زنبيل مدل من بعض السطوح بعالق و جدل مغارة الفتل من الرير فاعتقده و‬
‫تناول العالق فاهتزت و ذهب به صعدا إل ملس شأنه كذا و وصف من زينة فرشه و تنصيد ابنته و جال رؤيته ما يستوقف الطرف و‬
‫يلك النفس و أن امرأة برزت له من خلل الستور ف ذلك الجلس رائقة المال فتانة الحاسن فحيته و دعته إل النادمة فلم يزل يعاقرها‬
‫المر حت الصباح و رجع إل أصحابه بكانم من انتظاره و قد شغفته حبا بعثه على الصهار إل أبيها و أين هذا كله من حال الأمون‬
‫العروفة ف دينه و علمه و اقتفائه سنن اللفاء الراشدين من آبائه و أخذه بسي اللفاء الربعة أركان اللة و مناظرته العلماء و حفظه لدود‬
‫ال تعال ف صلواته‪ ،‬أحكامه فكيف تصح عنه أحوال الفساق الستهترين ف التطواف بالليل و طروق النازل و غشيان السمر سبيل عشاق‬
‫العراب و أين ذلك من منصب ابنة السن بن سهل و شرفها و ما كان بدار أبيها من الصون و العفاف و أمثال هذه الكايات كثية و ف‬
‫كتب الؤرخي معروفة و إنا يبعث على وضعها و الديث با النماك ف اللذات الحرمة و هتك قناع الخدرات و يتعللون بالتأسي بالقوم‬
‫فيما يأتونه من طاعة لذاتم فلذلك تراهم كثيا ما يلهجون بأشباه هذه الخبار و ينقرون عنها عند تصفحهم لوراق الدواوين و لو ائتسوا‬
‫بم ف غي هذا من أحوالم و صفات الكمال اللئقة بم الشهورة عنهم لكان خيا لم لو كانوا يعلمون‪ .‬و لقد عذلت يوما بعض المراء‬
‫من أبناء اللوك ف كلفه بتعلم الغناء و ولوعه بالوتار و قلت له ليس هذا من شأنك و ل يليق بنصبك فقال ل أفل ترى إل إبراهيم بن‬
‫الهدي كيف كان إمام هذه الصناعة و رئيس الغني ف زمانه فقلت له يا سبحان ال و هل تأسيت بأبيه أو أخيه أو ما رأيت كيف قعد‬
‫ذلك بإبراهيم عن مناصبهم فصم عن عذل و أعرض و ال يهدي من يشاء‪.‬‬
‫و من الخبار الواهية ما يذهب إليه الكثي من الؤرخي و الثبات ف العبيديي خلفاء الشيعة بالقيوان و القاهرة من نفيهم عن أهل البيت‬
‫صلوات ال عليهم و الطعن ف نسبهم إل اساعيل المام ابن جعفر الصادق يعتمدون ف ذلك على أحاديث لفقت للمستضعفي من خلفاء‬
‫بن العباس تزلفا إليهم بالقدح فيمن ناصبهم و تفننا ف الشمات بعدوهم حسبما تذكر بعض هذه الحاديث ف أخبارهم و يغفلون عن‬
‫التفطن لشواهد الواقعات و أدلة الحوال الت اقتضت خلف ذلك من تكذيب دعواهم و الرد عليهم‪.‬‬

‫فإنم متفقون ف حديثهم عن مبدأ دولة الشيعة أن أبا عبد ال الحتسب لا دعي بكتامة للرضى من آل ممد و اشتهر خبه و علم تويه‬
‫على عبيد ال الهدي و ابنه أب القاسم خشيا على أنفسهما فهربا من الشرق مل اللفة و اجتازا بصر و أنما خرجا من السكندرية ف‬
‫زي التجار و ني خبها إل عيسى النوشري عامل مصر و السكندرية فسرح ف طلبهما اليالة حت إذا أدركا خفي حالما على تابعهما‬
‫با لبسوا به من الشارة و الزي فأفلتوا إل الغرب‪ .‬و أن العتضد أوعز إل الغالبة أمراء أفريقيا بالقيوان و بن مدرار أمراء سجلماسة بأخذ‬
‫الفاق عليهما وإذكاء العيون ف طلبهما فعثر اليشع صاحب سجلماسة من آل مدرار على خفي مكانما ببلده و اعتقلهما مرضاة للخليفة‪.‬‬

‫القسم الثالث من القدمة ف فضل علم التاريخ و تقيق مذاهبه و اللاع لا‬
‫يعرض للمؤرخي من الغالط و ذكر شيء من أسبابا‬
‫هذا قبل أن تظهر الشيعة على الغالبة بالقيوان ث كان بعد ذلك ما كان من ظهور دعوتم بالغرب و أفريقية ث باليمن ث بالسكندرية ث‬
‫بصر و الشام و الجاز و قاسوا بن العباس ف مالك السلم شق البلمة و كادوا يلجون عليهم مواطنهم و يزايلون من أمرهم و لقد أظهر‬
‫دعوتم ببغداد و عراقها المي البساسيي من موال الديلم التغلبي على خلفاء بن العباس ف مغاضبت جرت بينه و بي أمراء العجم و‬
‫خطب لم على منابرها حولً كاملً و مازال بنو العباس يغصون بكانم و دولتهم و ملوك بن أمية وراء البحر ينادون بالويل و الرب منهم‬
‫و كيف يقع هذا كله لدعي ف النسب يكذب ف انتحال المر و اعتب حال القرمطي إذ كان دعيا ف انتسابه كيف تلشت دعوته و تفرقت‬
‫اتباعه و ظهر سريعا على خبثهم و مكرهم فساءت عاقبتهم و ذاقوا و بال أمرهم و لو كان أمر العبيد بي كذلك لعرف و لو بعد مهلة‪:‬‬

‫ومهما يكن عند امرىء من خليقة و إن خالا تفى على الناس تعلم‬

‫فقد اتصلت دولتهم نوا من مائي و ستي سنة و ملكوا مقام إبراهيم عليه السلم و مصله و موطن الرسول صلى ال عليه وسلم و مدفنه‬
‫و موقف الجيج و مهبط اللئكة ث انقرض أمرهم و شيعتهم ف ذلك كله على أت ما كانوا عليه من الطاعة لم و الب فيهم و اعتقادهم‬
‫بنسب المام إساعيل بن جعفر الصادق و لقد خرخوا مرارا بعد ذهاب الدولة و دروس أثرها داعي إل بدعتهم هاتفي بأساء صبيان من‬
‫أعقابم يزعمون استحقاقهم للخلفة و يذهبون إل تعيينهم بالوصية من سلف قبلهم من الية و لو ارتابوا ف نسبهم لا ركبوا أعناق‬
‫الخطار ف النتصار لم فصاحب البدعة ل يلبس ف أمره و ل يشبه ف بدعته و ل يكذب نفسه فيما ينتحله‪.‬‬

‫والعجب من القاضي أب بكر الباقلن شيخ النظار من التكلمي كيف ينح إل هذه القالة الرجوحة و يرى هذا الرأي الضعيف فأن كان‬
‫ذلك لا كانوا عليه من اللاد ف الدين و التعمق ف الرافضية فليس ذلك بدافع ف صدر دعوتم و ليس إثبات منتسبهم بالذي يغن عنهم من‬
‫ال شيئا ف كفرهم فقد قال تعال لنوح عليه السلم ف شأن ابنه إنه ليس من أهلك إنه عمل غي صال فل تسألن ما ليس لك به علم و قال‬
‫صلى ال عليه وسلم لفاطمة يعظها يا فاطمة إعملي فلن أغن عنك من ال شيئا و مت عرف امرؤ قضي ًة و استيقن أمرا وجب عليه أن‬
‫يصدع به و ال يقول الق و هو يهدي السبيل و القوم كانوا ف مال الظنون الدول بم و تت رقبة من الطغاة لتوفر شيعتهم و انتشارهم‬
‫ف القاصية بدعوتم و تكرر خروجهم مرة بعد أخرى فلذت رجالتم بالختفاء و ل يكادوا يعرفون كما قيل‪:‬‬
‫و أين مكان ما عرفن مكانيا‬ ‫فلو تسأل اليام ما اسي ما درت‬

‫حت لقد سي ممد بن إساعيل المام جد عبد ال الهدي بالكتوم سته بذلك شيعتهم لا إتفقوا عليه من إخفائه حذرا من التغلبي عليهم‬
‫فتوصل شيعة بن العباس بذلك عند ظهورهم إل الطعن ف نسبهم و ازدلفوا بذا الرأي القائل للمستضعفي من خلفائهم و أعجب به‬
‫أولياؤهم و أمراء دولتهم التولون لروبم مع العداء يدفعون به عن أنفسهم و سلطانم معرة العجز عن القاومة و الدافعة لن غلبهم على‬
‫الشام و مصر و الجاز من الببر الكتامي شيعة العبيديي و أهل دعوتم حت لقد أسجل القضاة ببغداد بنفيهم عن هذا النسب و شهد‬
‫بذلك عندهم من أعلم الناس جاعة منهم الشريف الرضي و أخوة الرتضى و ابن البطحاوي و من العلماء أبو حامد السفرايين و القدوري‬
‫و الصيمري و ابن الكفان و البيوردي و أبو عبد ال بن النعمان فقيه الشيعة و غيهم من أعلم المة ببغداد ف يوم مشهود و ذلك سنة‬
‫ستي و أربعمائة ف أيام القادر و كانت شهادتم ف ذلك على السماع لا اشتهر وعرف بي الناس ببغداد و غالبها شيعة بن العباس‬
‫الطاعنون ف هذا النسب فنقله الخباريون كما سعوه و رووه حسبما وعوه و الق من ورائه‪ .‬و ف كتاب العتضد ف شأن عبيد ال إل ابن‬
‫الغلب بالقيوان و ابن مدرار بسجلماسة أصدق شاهد و أوضح دليل على صحة نسبهم فالعتضد أقعد بنسب أهل البيت من كل أحد و‬
‫الدولة و السلطان سوق للعال تلب إليه بضائع العلوم والصنائع تلتمس ف ضوال الكم تدى إليه ركائب الروايات و الخبار و ما نفق‬
‫فيها نفق عند الكافة فأن تنهت الدولة عن التعسف و اليل و الفن و السفسفة و سلكت النهج المم و ل تر عن قصد السبيل نفق ف‬
‫سوقها البريز الالص و اللجي الصفى و أن ذهبت مع الغراض و القود و ماجت بسماسرة العرب البغي و الباطل نفق البهرج و الزائف‬
‫و الناقد البصي قسطاس نظره و ميزان بثه و ملتمسه‪.‬‬

‫و مثل هذا و أبعد منه كثيا ما يتناجى به الطاعنون ف نسب إدريس بن إدريس بن عبد ال بن حسن بن السن بن علي بن أب طالب‬
‫رضوان ال عليهم المام بعد أبيه بالغرب القصى و يعرضون تعريض الد بالتظنن ف المل الخلف عن إدريس الكب إنه لراشد مولهم‬
‫قبحهم ال و أبعدهم ما أجهلهم أما يعلمون أن إدريس الكب كان إصهاره ف الببر و إنه منذ دخل الغرب إل أن توفاه ال عز و جل‬
‫عريق ف البدو و أن حال البادية ف مثل ذلك غي خافية ل مكامن لم يتأتى فيها الريب و أحوال حرمهم أجعي بزأى من جاراتن و‬
‫مسمع من جيانن لتلصق الدران و تطافن البنيان و عدم الفواصل بي الساكن و قد كان راشد يتول خدمة الرم أجع من بعد موله‬
‫بشهد من أوليائهم و شيعتهم و مراقبة من كافتهم و قد أتفق برابرة الغرب القصى عامة على بيعة إدريس الصغر من بعد أبيه و آتوه‬
‫طاعتهم عن رضى و إصفاق و بايعوه على الوت الحر و خاضوا دونه بار النايا ف حروبه و غزواته و لو حدثوا أنفسهم بثل هذه الريبة‬
‫أو قرعت أساعهم و لو من عدو كاشح أو منافق مرتاب لتخلف عن ذلك و لو بعضهم كل و ال إنا صدرت هذه الكلمات من بن العباس‬
‫أقتالم و من بن الغلب عمالم كانوا بأفريقية و ولتم‪.‬‬

‫و ذلك إنه لا فر إدريس الكب إل الغرب من وقعة بلخ أوعز الادي إل الغالبة أن يقعدوا له بالراصد و يذكوا عليه العيون فلم يظفروا به‬
‫و خلص إل الغرب فتم أمره و ظهرت دعوته و ظهر الرشيد من بعد ذلك على ما كان من واضح مولهم و عاملهم على السكندرية من‬
‫دسيسة التشيع للعلوية و إدهانه ف ناة إدريس إل الغرب فقتله و دس الشماخ من موال الهدي أبيه للتحيل على قتل إدريس فأظهر اللحاق‬
‫به و الباءة من بن العباس مواليه فاشتمل عليه إدريس و خلطه بنفسه و ناوله الشماخ ف بعض خلواته سا استهلكه به و وقع خب مهلكه‬
‫من بن العباس أحسن الواقع لا رجوه من قطع أسباب الدعوة العلوية بالغرب و اقتلع جرثومتها و لا تأدى إليهم خب المل الخلف‬
‫لدريس فلم يكن لم إل كل و ل إذا بالدعوة قد عادت و الشيعة بالغرب قد ظهرت و دولتهم بإدريس بن إدريس قد تددت فكان ذلك‬
‫عليهم أنكى من و وقع الشهاب وكان الفشل و الرم قد نزل بدولة العرب عن أن يسموا إل القاصية فلم يكن منتهى قدرة الرشيد على‬
‫إدريس الكب بكانه من قاصية الغرب و اشتمال الببر عليه إل التحيل ف إهلكه بالسموم فعند ذلك فزعوا إل أوليائهم من الغالبة‬
‫بأفريقية ف سد تلك الفرجة من ناحيتهم و حسم الداء التوقع بالدولة من قبلهم و اقتلع تلك العروق قبل أن تشج منهم ياطبهم بذلك‬
‫الأمون و من بعده من خلفائهم فكان الغالبة عن برابرة الغرب القصى أعجز و لثلها من الزبون على ملوكهم أحوج لا طرق اللفة من‬
‫انتزاء مالك العجم على سدتا و امتطائهم صهوة التغلب عليها و تصريفهم أحكامها طوع أغراضهم ف رجالا و جبايتها و أهل خططها و‬
‫سائر نقضها و إبرامها كما قال شاعرهم‬

‫بي وصيف و بغا‬ ‫خليفة ف قفص‬

‫كما تقول الببغا‬ ‫يتوك ماقال له‬

‫فخشي هؤلء المراء الغالبة بوادر السعايات و تلوا بالعاذير فطورا باحتقار الغرب و أهله و طورا بالرهاب بشأن إدريس الارج به ومن‬
‫قام مقامه من أعقابه ياطبونه بتجاوزه حدود التخوم من عمله و ينفذون سكته ف تفهم و هداياهم و مرتفع جبايتهم تعريضا باستفحاله و‬
‫تويلً باشتداد شوكته و تعظيما لا دفعوا إليه من مطالبته و مراسه و تديدا بقلب الدعوة إن ألئوا إليه و طورا يطعنون ف نسب إدريس‬
‫بثل ذلك الطعن الكاذب تفيضا لشأنه ل يبالون بصدقه من كذبه لبعد السافة و أفن عقول من خلف بن صبية بن العباس و مالكهم العجم‬
‫ف القبول من كل قائل و السمع لكل ناعق و ل يزل هذا دأبم حت انقضى أمر الغالبة فقرعت هذه الكلمة الشنعاء أساع الغوغاء و صر‬
‫عليها بعض الطاعني أذنه و اعتدها ذريعة إل النيل من خلفهم عند النافسة‪ .‬و ما لم قبحهم ال و العدول عن مقاصد الشريعة فل تعارض‬
‫فيها بي القطوع و الظنون و إدريس ولد على فراش أبيه و الولد للفراش‪.‬‬

‫على أن تنيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل اليان فال سبحانه قد أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيا ففراش إدريس طاهر من‬
‫الدنس و منه عن الرجس بكم القرآن و من اعتقد خلف هذا فقد باء بإثه و ول الكفر من بابه و إنا أطنبت ف هذا الرد سدا لبواب‬
‫الريب و دفعا ف صدر الاسد لا سعته أذناي من قائله العتدي عليهم القادح ف نسبهم بفريته و ينقله بزعمه عن بعض مؤرخي الغرب من‬
‫انرف عن أهل البيت و ارتاب ف اليان بسلفهم و إل فالحل منه عن ذلك معصوم منه و نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب لكن‬
‫جادلت عنهم ف الياة الدنيا و أرجو أن يادلوا عن يوم القيامة و لتعلم أن أكثر الطاعني ف نسبهم إنا هم السدة لعقاب إدريس هذا من‬
‫منتهم إل أهل البيت أو دخيل فيهم فإن ادعاء هذا النسب الكري دعوى شرف عريضة على المم و الجيال من أهل الفاق فتعرض التهمة‬
‫فيه‪.‬‬

‫و لا كان نسب بن إدريس هؤلء بواطنهم من فارس و سائر ديار الغرب قد بلغ من الشهرة و الوضوح مبلغا ل يكاد يلحق و ل يطمع‬
‫أحد ف دركه إذ هو نقل المة و اليل من اللف عن المة و اليل من السلف و بيت جدهم إدريس متط فاس و مؤسسها من بيوتم و‬
‫مسجده لصق ملتهم و دروبم و سيفه منتضى برأس الأذنة العظمى من قرار بلدهم و غي ذلك من آثاره الت جاوزت أخبارها حدود التواتر‬
‫مرات و كادت تلحق بالعيان فإذا نظر غيهم من أهل هذا النسب إل ما أتاهم ال من أمثالا و ما عضد شرفهم النبوي من جلل اللك‬
‫الذي كان لسلفهم بالغرب و استيقن أنه بعزل عن ذلك و أنه ل يبلغ مد أحدهم و ل نصيفه أ و أن غاية أمر النتمي إل البيت الكري من‬
‫ل يصل له أمثال هذه الشواهد أن يسلم لم حالم لن الناس مصدوقون ف أنسابم و بون ما بي العلم و الظن و اليقي و التسليم فإذا علم‬
‫بذلك من نفسه غص بريقه و ود كثي منهم لو يردونم عن شرفهم ذلك سوقة و وضعاء حسدا من عند أنفسهم فيجعون إل العناد و‬
‫ارتكاب اللجاج و البهت بثل هذا الطعن الفائل و القول الكذوب تعللً بالساواة ف الظنة و الشابة ف تطرق الحتمال و هيهات لم ذلك‬
‫فليس ف الغرب فيما نعلمه من أهل هذا البيت الكري من يبلغ ف صراحة نسبه و وضوحه مبالغ أعقاب إدريس هذا من آل السن‪.‬‬

‫و كباؤهم لذا العهد بنو عمران بفاس من ولد يي الوطي بن ممد بن يي العوام بن القاسم بن إدريس بن إدريس و هم نقباء أهل البيت‬
‫هناك و الساكنون ببيت جدهم ادريس و لم السيادة على أهل الغرب كافة حسبما نذكرهم عند ذكر الدارسة إن شاء ال تعال و يلحق‬
‫بذه القالت الفاسدة و الذاهب الفائلة ما يتناوله ضعفة الرأي من فقهاء الغرب من القدح ف المام الهدي صاحب دولة الوحدين و نسبته‬
‫إل الشعوذة و التلبيس فيما أتاه من القيام بالتوحيد الق و النعي على أهل البغي قبله و تكذيبهم لميع مدعياته ف ذلك حت فيما يزعم‬
‫الوحدون أتباعه من انتسابه ف أهل البيت و إنا حل الفقهاء على تكذيبه ما كمن ف نفوسهم من حسده على شأنه فإنم لا رأوا من‬
‫أنفسهم مناهضته ف العلم و الفتيا و ف الدين بزعمهم ث امتاز عنهم بأنه متبوع الرأي مسموع القول موطؤ العقب نفسوا ذلك عليه و‬
‫غضوا منه بالقدح ف مذاهبه و التكذيب لدعياته و أيضا فكانوا يؤنسون من ملوك التونة أعدائه تلةً و كرام ًة ل تكن لم من غيهم لا‬
‫كانوا عليه من السذاجة و انتحال الديانة فكان لملة العلم بدولتهم مكان من الوجاهة و النتصاب للشورى كل ف بلده و على قدره ف‬
‫قومه فأصبحوا بذلك شيعة لم و حربا لعدوهم و نقموا على الهدي ما جاء به من خلفهم و التثريب عليهم و الناصبة‪ ،‬لم تشيعا للمتونة‬
‫و تعصبا لدولتهم و مكان الرجل غي مكانم و حاله على غي معتقداتم و ما ظنك برجل نقم على أهل الدولة ما نقم من أحوالم و خالف‬
‫اجتهاده فقهاؤهم فنادى ف قومه و دعا إل جهادهم بنفسه فاقتلع الدولة من أصولا و جعل عاليها سافلها أعظم ما كانت قوةً و أشد شوكة‬
‫و أعز أنصارا و حاميةً و تساقطت ف ذلك من أتباعه نفوس ل يصيها إل خالقها و قد بايعوه على الوت و وقوه بأنفسهم من اللكة و‬
‫تقربوا إل ال تعال بإتلف مهجهم ف إظهار تلك الدعوة و التعصب لتلك الكلمة حت علت على الكلم و دالت بالعدوتي من الدول و هو‬
‫باله من التقشف و الصر و الصب على الكاره و التقلل من الدنيا حت قبضه ال و ليس على شيء من الظ و التاع ف دنياه حت الولد‬
‫الذي ربا تنح أليه النفوس و تادع عن تنيه فليت شعري ما الذي قصد بذلك إن ل يكن و جه ال و هو ل يصل له حظ من الدنيا ف‬
‫عاجله و مع هذا فلو كان قصده غي صال لا ت أمره و انفسحت دعوته سنة ال الت قد خلت ف عباده و أما انكارهم نسبه ف أهل البيت‬
‫فل تعضده حجة لم مع أنه إن ثبت أنه ادعاه و انتسب إليه فل دليل يقوم على بطلنه لن الناس مصدقون ف أنسابم و إن قالوا أن الرئاسة‬
‫ل تكون على قوم ف غي أهل جلدتم كما هو الصحيح حسبما يأت ف الفصل الول من هذا الكتاب و الرجل قد رأس سائر الصامدة و‬
‫دانوا باتباعه و النقياد إليه و إل عصابته من هرغة حت ت أمر ال ف دعوته فأعلم أن هذا النسب الفاطمي ل يكن أمر الهدي يتوقف عليه‬
‫و ل اتبعه الناس بسببه و إنا كان اتباعهم له بعصبية الريغة و الصمودية و مكانه منها و رسوخ شجرته فيها و كان ذلك النسب الفاطمي‬
‫خفيا قد درس عند الناس ليبقى عنده و عند عشيته يتناقلونه بينهم فيكون النسب الول كأنه انسلخ منه و لبس جلدة هؤلء و ظهر فيها‬
‫فل يضره النتساب الول ف عصبيته إذ هو مهول عند أهل العصابة و مثل هذا واقع كثيا إذا كان النسب الول خفيا‪ .‬و انظز قصة‬
‫عرفجة و جرير ف رئاسة بيلة و كيف كان عرفجة من الزد و لبس جلدة بيلة حت تنازع مع جرير رئاستهم عند عمر رضي ال عنه كما‬
‫هو مذكور تتفهم منه وجه الق و ال الادي للصواب و قد كدنا أن نرج عن غرض الكتاب بالطناب ف هذه الغالط فقد زلت أقدام‬
‫كثي من الثبات و الؤرخي الفاظ ف مثل هذه الحاديث و الراء و علقت أفكارهم و نقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر و الغفلة عن‬
‫القياس و تلقوها هم أيضا كذلك من غي بث و ل روية و اندرجت ف مفوظاتم حت صار فن التاريخ واهيا متلطا و ناظره مرتبكا وعد‬
‫من مناحي العامة فإذا يتاج صاحب هذا الفن إل العلم بقواعد السياسة و طبائع الوجودات و اختلف المم و البقاع و العصار ف السي‬
‫و الخلق و العوائد و النحل و الذاهب و سائر الحوال و الحاطة بالاضر من ذلك و ماثلة ما بينه و بي الغائب من الوفاق أو بون ما‬
‫بينهما من اللف و تعليل التفق منها و الختلف و القيام على أصول الدول و اللل و مبادىء ظهورها و أسباب حدوثها و دواعي كونا و‬
‫أحوال القائمي با و أخبارهم حت يكون مستوعبا لسباب كل خبه و حينئذ يعرض خب النقول على ما عنده من القواعد و الصول فإن‬
‫وافقها و جرى على مقتضها كان صحيحا و إل زيفه و استغن عنه و ما استكب القدماء علم التاريخ إل لذلك حت انتحله الطبي و‬
‫البخاري و ابن إسحاق من قبلهما و أمثالم من علماء المة و قد ذهل الكثي عن هذا السر فيه حت صار انتحاله مهلة و استخف العوام و‬
‫من ل رسوخ له ف العارف مطالعته و حله و الوض فيه و التطفل عليه فاختلط الرعي بالمل و اللباب بالقشر و الصادق بالكاذب و إل‬
‫ال عاقبة المور و من الغلط الفي ف التاريخ الذهول عن تبدل الحوال ف المم و الجيال بتبدل العصار و مرور اليام و هو داء دوي‬
‫شديد الفاء إذ ل يقع إل بعد أحقاب متطاولة فل يكاد يتفطن له إل الحاد من أهل الليقة و ذلك أن أحوال العال و المم و عوائدهم و‬
‫نلهم ل تدوم على وتية واحدة و منهاح مستقر إنا هو اختلف على اليام و الزمنة و انتقال من حال إل حال و كما يكون ذلك ف‬
‫الشخاص و الوقات و المصار فكذلك يقع ف الفاق و القطار و الزمنة و الدول سنة ال الت قد خلت ف عباده و قد كانت ف العال‬
‫أمم الفرس الول و السريانيون و النبط و التبابعة و بنو إسرائيل و القبط و كانوا على أحوال خاصة بم ف دولم و مالكهم و سياستهم و‬
‫صنائعهم و لغاتم و اصطلحاتم و سائر مشاركاتم مع أبناء جنسهم وأحوال اعتمارهم للعال تشهد با آثارهم ث جاء من بعدهم الفرق‬
‫الثانية و الروم و العرب فتبدلت تلك الحوال و انقلبت با العوائد إل ما يانسها أو يشابها و إل ما يباينها أو يباعدها ث جاء السلم‬
‫بدولة مضر فانقلبت تلك الحوال و أجع انقلبة أخرى و صارت إل ما أكثره فتعارف لذا العهد بأخذه اللف عن السلف ث درست‬
‫دولة العرب و أيامهم و ذهبت السلف الذين شيدوا عزمهم و مهدوا ملكهم و صار المر ف أيدي سواهم من العجم مثل الترك بالشرق‬
‫و الببر بالغرب و الفرنة بالشمال فذهبت بذهابم أمم و انقلبت أحوال و عوائد نسي شأنا و أغفل أمرها و السبب الشائع ف تبدل‬
‫الحوال و العوائد أن عوائد كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال ف المثال الكمية الناس على دين اللك و أهل اللك و السلطان إذا‬
‫استولوا على الدولة و المر فلبد من أن يفزعوا إل عوائد من قبلهم و يأخذون الكثي منها و ل يغفلون عوائد جيلهم مع ذلك فيقع ف‬
‫عوائد الدولة بعض الخالفة لعوائد اليل الول فإذا جاءت دولة أخرى من بعدهم و مزجت من عوائدهم و عوائدها خالفت أيضا بعض‬
‫الشيء و كانت للول أشد مالفة ث ل يزال التدريج ف الخالفة حت ينتهي إل الباينة بالملة فما دامت المم و الجيال تتعاقب ف اللك‬
‫و السلطان ل تزال الخالفة ف العوائد و الحوال واقعة‪ .‬و القياس و الحاكاة للنسان طبيعة معروفة و من الغلط غي مأمونة ترجه مع‬
‫الذهول و الغفلة عن قصده و تعوج به عن مرامه فربا يسمع السامع كثيا من أخبار الاضي و ل يتفطن لا وقع من تغي الحوال و انقلبا‬
‫فيجريها لول وهلة على ما عرف و يقيسها با شهد و قد يكون الفرق بينهما كثيا فيقع ف مهواة من الغلط فمن هذا الباب ما ينقله‬
‫الؤرخون من أحوال الجاج و أن أباه كان من العلمي مع أن التعليم لذا العهد من جلة الصنائع العاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية و‬
‫العلم مستضعف مسكي منقطع الذم فيتشوف الكثي من الستضعفي أهل الرف و الصنائع العاشية إل نيل الرتب الت ليسوا لا بأهل و‬
‫يعدونا من المكنات لم فتذهب بم وساوس الطامع و ربا انقطع حبلها من أيديهم فسقطوا ف مهواة اللكة و التلف و ل يعلمون‬
‫استحالتها ف حقهم و أنم أهل حرف و صنائع للمعاش و أن التعليم صدر السلم و الدولتي ل كذلك و ل يكن العلم بالملة صناعة إنا‬
‫ل لا سع من الشارع و تعليما لا جهل من الذين على جهة البلغ فكان أهل النساب و العصبة الذين قاموا باللة ث الذين يعلمون‬ ‫كان نق ً‬
‫كتاب ال و سنة نبيه صلى ال عليه و سلم على معن التبليغ البي ل على وجه التعليم الصناعي إذ هو كتابم النل على الرسول منهم و‬
‫به هداياتم و السلم دينهم قاتلوا عليه و قتلوا و اختصوا به من بي المم و شرفوا فيحرصون على تبليغ ذلك و تفهيمه للمة ل تصدهم‬
‫عنه لئمة الكب و ل يزغهم عاذل النفة و يشهد لذلك بعث النب صلى ال عليه و سلم كبار أصحابه مع وفود العرب يعلمونم حدود‬
‫السلم و ما جاء به من شرائع الدين بعث ف ذلك من أصحابه العشرة فمن بعدهم فما استقر السلم و وشجت عروق اللة حت تناولا‬
‫المم البعيدة من أيدي أهلها و استحالت برور اليام أحوالا و كثر استنباط الحكام الشرعية من النصوص لتعدد الوقائع و تلحقها‬
‫فاحتاج ذلك لقانون يفظه من الطإ و صار العلم ملكةً يتاج إل التعلم فأصبح من جلة الصنائع و الرف كما يأت ذكره ف فصل العلم و‬
‫التعليم و اشتغل أهل العصبية بالقيام باللك و السلطان فدفع لعلم من قام به من سواهم و أصبح حرفة للمعاش و شخت أنوف الترفي و‬
‫أهل السلطان عن التصدي للتعليم و اختص انتحاله بالستضعفي و صار منتحله متقرا عند أهل العصبية و اللك و الجاج بن يوسف كان‬
‫أبوه من سادات ثقيف و أشرافهم و مكانم من عصبية العرب و مناهضة قريش ف الشرف ما علمت و ل يكن تعليمه للقرآن على ما هو‬
‫المر عليه لذا العهد من أنه حرفة للمعاش و أنا كان على ما وصفناه من المر الول ف السلم و من هذا الباب أيضا ما يتوهه‬
‫التصفحون لكتب التاريخ إذا سعوا أحوال القضاة و ما كانوا عليه من الرئاسة ف الروب و قود العساكر فتترامى بم و ساوس المم إل‬
‫مثل تلك الرتب يسبون أن الشأن خطة القضاء لذا العهد على ما كان عليه من قبل و يظنون بابن أب عامر صاحب هشام الستبد عليه و‬
‫ابن عباس من ملوك الطوائف بإشبيلية إذا سعوا أن آباءهم كانوا قضاة أنم مثل القضاة لذا العهد و ل يتفطنون لا وقع ف رتبة القضاء من‬
‫مالفة العوائد كما نبينه ف فصل القضاء من الكتاب الول و ابن أب عامر و ابن عباد كانا من قبائل العرب القائمي بالدولة الموية‬
‫بالندلس و أهل عصبيتها و كان مكانم فيها معلوما و ل يكن نيلهم لا نالوه من الرئاسة و اللك بطة القضاء كما هي لذا العهد بل إنا‬
‫كان القضاء ف المر القدي لهل العصبية من قبيل الدولة و مواليه كما هي الوزارة لعهدنا بالغرب و انظر خروجهم بالعساكر ف الطرائف‬
‫و تقليدهم عظائم المور الت ل تقلد إل لن له الغن فيها بالعصبية فيغلط السامع ف ذلك و يمل الحوال على غي ما هي و أكثر ما يقع ف‬
‫هذا الغلط ضعفاء البصائر من أهل الندلس لذا العهد لفقدان العصبية ف مواطنهم منذ أعصار بعيدة بفناء العرب و دولتهم با و خروجهم‬
‫عن ملكة أهل العصبيات من الببر فبقيت أنسابم العربية مفوظة و الذريعة إل العز من العصبية و التناصر مفقودة بل صاروا من جلة الرعايا‬
‫التخاذلي الذين من تعبدهم القهر و رئموا للمذلة يسبون أن أنسابم مع مالطة الدولة هي الت يكون لم با الغلب و التحكم فتجد أهل‬
‫الرف و الصنائع منهم متصدين لذلك ساعي ف نيله فأما من باشر أحوال القبائل و العصبية و دولم بالعدوة الغربية و كيف يكون التغلب‬
‫بي المم و العشائر فقلما يغلطون ف ذلك و يطئون ف اعتباره‪ .‬و من هذا الباب أيضا ما يسلكه الؤرخون عند ذكر الدول و نسق‬
‫ملوكها فيذكرون اسه و نسبه و أباه و أمه و نساءه و لقبه و خاته و قاضيه و حاجبه و وزيره كل ذلك تقليد لؤرخي الدولتي من غي‬
‫تفطن لقاصدهم و الؤرخون لذلك العهد كانوا يضعون تواريهم لهل الدولة و أبناؤها متشوفون إل سي أسلفهم و معرفة أحوالم ليقتفوا‬
‫آثارهم و ينسجوا على منوالم حت ف اصطناع الرجال من خلف دولتهم و تقليد الطط و الراتب لبناء صنائعهم و ذويهم و القضاة أيضا‬
‫كانوا من أهل عصبية الدولة و ف عداد الوزراء كما ذكرناه لك فيحتاجون إل ذكر ذلك كله و أما حي تباينت الدول و تباعد ما بي‬
‫العصور و وقف الغرض على معرفة اللوك بأنفسهم خاصة و نسب الدول بعضها من بعض ف قوتا و غلبتها و من كان يناهضها من المم‬
‫أو يقصر عنها فما الفائدة للمصنف ف هذا العهد ف ذكر النباء و النساء و نقش الات و اللقب و القاضي و الوزير و الاجب من دولة‬
‫قدية ل يعرف فيها أصولم و ل أنسابم و ل مقاماتم إنا حلهم على ذلك التقليد و الغفلة عن مقاصد الؤلفي القدمي و الذهول عن‬
‫تري الغراض من التاريخ اللهم إل ذكر الوزراء الذين عظمت آثارهم و عمت على اللوك أخبارهم كالجاج و بن الهلب و البامكة و‬
‫بن سهل بن نوبت و كافور الخشيدي و ابن أب عامر و أمثالم فغي نكي اللاع بآبائهم و الشارة إل أحوالم لنتظامهم ف عداد‬
‫اللوك‪ .‬و لنذكر هنا فائدة نتم كلمنا ف هذا الفصل با و هي أن التاريخ إنا هو ذكر الخبار الاصة بعصر أو جيل فأما ذكر الحوال‬
‫العامة للفاق و الجيال و العصار فهو أس للمؤرخ تنبن عليه أكثر مقاصده و تتبي به أخباره و قد كان الناس يفردونه بالتأليف كما فعله‬
‫السعودي ف كتاب مروج الذهب شرح فيه أحوال المم و الفاق لعهده ف عصر الثلثي و الثلثائة غربا و شرقا و ذكر نلهم و‬
‫عوائدهم و وصف البلدان و البال و البحار و المالك و الدول و فرق شعوب العرب و العجم فصار إماما لؤرخي يرجعون إليه و أصلً‬
‫يعولون ف تقيق الكثي من أخبارهم عليه ث جاء البكري من بعده ففعل مثل ذلك ف السالك و المالك خاصة دون غيها من الحوال لن‬
‫المم و الجيال لعهده ل يقع فيها كثي انتقال و ل عظيم تغي و أما لذا العهد و هو آخر الائة الثامنة فقد انقلبت أحوال الغرب الذي نن‬
‫شاهدوه و تبدلت بالملة و اعتاض من أجيال الببر أهله على القدم با طرأ فيه من لدن الائة الامسة من أجيال العرب با كسروهم و‬
‫غلبوهم و انتزعوا منهم عامة الوطان و شاركوهم فيما بقي من البلدان للكهم هذا إل ما نزل بالعمران شرقا و غربا ف منتصف هذه الائة‬
‫الثامنة من الطاعون الارف الذي تيف المم و ذهب بأهل اليل و طوى كثيا من ماسن العمران و ماها و جاء للدول على حي هرمها‬
‫و بلوغ الغاية من مداها فقلص من ظللا و فل من حدها و أوهن من سلطانا و تداعت إل التلشي و الضمحلل أموالا و انتقض عمران‬
‫الرض بانتقاض البشر فخربت المصار و الصانع و درست السبل و العال و خلت الديار و النازل و ضعفت الدول و القبائل و تبدل‬
‫الساكن و كأن بالشرق قد نزل به مثل ما نزل بالغرب لكن على نسبته و مقدار عمرانه و كأنا نادى لسان الكون ف العال بالمول و‬
‫النقباض فبادر بالجابة و ال وارث الرض و من عليها و إذا تبدلت الحوال جلة فكأنا تبدل اللق من أصله و تول العال بأسره و كأنه‬
‫خلق جديد و نشأة مستأنفة و عال مدث فاحتاج لذا العهد من يدون أحوال الليقة و الفاق و أجيالا و العوائد و النحل الت تبدلت‬
‫ل يقتدي به من يأت من الؤرخي من بعده و أنا ذاكر ف كتاب هذا ما أمكنن منه ف هذا‬ ‫لهلها و يقفو مسلك السعودي لعصره ليكون أص ً‬
‫القطر الغرب إما صريا أو مندرجا ف أخباره و تلويا لختصاص قصدي ف التأليف بالغرب و أحوال أجياله و أمه و ذكر مالكه و دوله‬
‫دون ما سواه من القطار لعدم اطلعي على أحوال الشرق و أمه و أن الخبار التناقلة ل تفي كنه ما أريده منه و السعودي إنا استوف‬
‫ذلك لبعد رحلته و تقلبه ف البلد كما ذكر ف كتابه مع أنه لا ذكر الغرب قصر ف استيفاء أحواله و فوق كل ذي علم عليم و مرد العلم‬
‫كله إل ال و البشر عاجز قاصر و العتراف متعي واجب و من كان ال ف عونه تيسرت‬

‫عليه الذاهب و انحت له الساعي و الطالب و نن آخذون بعون ال فيما رمناه من أغراض التأليف و ال السدد و العي و عليه التكلن و‬
‫قد بقي علينا أن نقدم مقدمة ف كيفية وضع الروف الت ليست من لغات العرب إذا عرضت ف كتابنا هذا‪.‬‬

‫اعلم أن الروف ف النطق كما يأت شرحه بعد هي كيفيات الصوات الارجة من النجرة تعرض من تقطيع الصوت بقرع اللهاة و أطراف‬
‫اللسان مع النك و اللق و الضراس أو بقرع الشفتي أيضا فتتغاير كيفيات الصوات بتغاير ذلك القرع و تيء الروف متمايزة ف‬
‫السمع و تتركب منها الكلمات الدالة على ما ف الضمائر و ليست المم كلها متساوية ف النطق بتلك الروف فقد يكون لمة من‬
‫الروف ما ليس لمة أخرى و الروف الت نطقت با العرب هي ثانية و عشرون حرفا كما عرفت و ند للعبانيي حروفا ليست ف لغتنا‬
‫و ف لغتنا أيضا حروف ليست ف لغتهم و كذلك الفرنج و الترك و الببر و غي هؤلء من العجم ث إن أهل الكتاب من العرب اصطلحوا‬
‫ف الدللة على حروفهم السموعة بأوضاع حروف مكتوبة متميزة بأشخاصها كوضع ألف وباء و جيم وراء و طأ إل آخر الثمانية و‬
‫ل عن الدللة الكتابية مغفلً عن البيان و ربا يرسه بعض الكتاب‬
‫العشرين و إذا عرض لم الرف الذي ليس من حروف لغتهم بقي مهم ً‬
‫بشكل الرف الذي يكتنفه من لغتنا قبله أو بعده و ليس بكاف ف الدللة بل هو تغيي للحرف من أصله‪ .‬و لا كان كتابنا مشتملً على‬
‫أخبار الببر و بعض العجم و كانت تعرض لنا ف أسائهم أو بعض كلماتم حروف ليست من لغة كتابنا و ل اصطلح أوضاعنا اضطررنا‬
‫إل بيانه و ل نكتف برسم الرف الذي يليه كما قلناه لنه عندنا غي واف بالدللة عليه فاصطلحت ف كتاب هذا على أن أضع ذلك‬
‫الرف العجمي با يدل على الرفي اللذين يكتنفانه ليتوسط القارىء بالنطق به بي مرجي ذينك الرفي فتحصل تأديته و إنا اقتبست‬
‫ذلك من رسم أهل الصحف حروف الشام كالصراط ف قراءة خلف فإن النطق بصاده فيها معجم متوسط بي الصاد و الزاي فوضعوا‬
‫الصاد و رسوا ف داخلها شكل الزاي و دل ذلك عندهم على التوسط بي الرفي فكذلك رست أنا الكاف حرف يتوسط بي حرفي من‬
‫حروفنا كالكاف التوسطة عند الببر بي الكاف الصرية عندنا و اليم أو القاف مثل اسم بلكي فأضعها كافا و أنقطها بنقطة اليم واحدة‬
‫من أسفل أو بنقطة القاف واحدة من فوق أو اثنتي فيدل ذلك على أنه متوسط بي الكاف و اليم أو القاف و هذا الرف أكثر ما ييء‬
‫ف لغة الببر و ما جاء من غيه فعلى هذا القياس أضع الرف التوسط بي حرفي من لغتنا بالرفي معا ليعلم القارىء أنه متوسط فينطق به‬
‫كذلك فنكون قد دللنا عليه و لو وضعناه برسم الرف الواحد عن جانبه لكنا قد صرفناه من مرجه إل مرج الرف الذي من لغتنا و غينا‬
‫لغة القوم فأعلم ذلك و ال الوفق للصواب بنه و فضله‪.‬‬

‫الكتاب الول ف طبيعة العمران ف الليقة و ما يعرض فيها من البدو و‬


‫الصر و التغلب و الكسب و العاش و الصنائع و العلوم و نوها و ما لذلك‬
‫من العلل و السباب‬
‫إعلم أنه لا كانت حقيقة التاريخ أنه خب عن الجتماع النسان الذي هو عمران العال و ما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الحوال مثل‬
‫التوحش و التأنس و العصبيات و أصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض و ما ينشأ عن ذلك من اللك و الدول و مراتبها و ما ينتحله‬
‫البشر بأعمالم و مساعيهم من الكسب و العاش والعلوم و الصنائع و سائر ما يدث من ذلك العمران بطبيعته من الحوال‪ .‬و لا كان‬
‫الكذب متطرقا للخب بطبعته و له أسباه تقتضيه‪ .‬فمنها التشيعات للراء و الذاهب فإن النفس إذا كانت على حال العتدال ف قبول الب‬
‫أعطته حقه من التمحيص و النظر حت تتبي صدقه من كذبه و إذا خامرها تشيع لرأي أو نلة قبلت ما يوافقها من الخبار لول وهلة‪ .‬و‬
‫كان ذلك اليل و التشيع غطاء على عي بصيتا عن النتقاد و التمحيص فتقع ف قبول الكذب و نقله‪ .‬و من السباب القتضية للكذب ف‬
‫الخبار أيضا الثقة بالناقلي و تحيص ذلك يرجع إل التعديل و التجريح‪ .‬و منها الذهول عن القاصد فكثي من الناقلي ل يعرف القصد با‬
‫عاين أو سع و ينقل الب على ما ف ظنه و تمينه فيقع ف الكذب‪.‬‬

‫و منها توهم الصدق و هو كثي و إنا ييء ف الكثر من جهة الثقة بالناقلي و منها الهل بتطبيق الحوال على الوقائع لجل ما يداخلها‬
‫من التلبيس و التصنع فينقلها الخب كما رآها و هي بالتصنع على غي الق ف نفسه‪ .‬و منها تقرب الناس ف الكثر لصحاب التجلة و‬
‫الراتب بالثناء و الدح و تسي الحوال و إشاعة الذكر بذلك فيستفيض الخبار با على غي حقيقة فالنفوس مولعة بب الثناء و الناس‬
‫متطلعون إل الدنيا و أسبابا من جاه أو ثروة و ليسوا ف الكثر براغبي ف الفصائل و ل متنافسي ف أهلها‪ .‬و من السباب القتضية له‬
‫ل ل بد له من طبيعة‬‫أيضا و هي سابقة على جيع ما تقدم الهل بطبائع الحوال ف العمران فإن كل حادث من الوادث ذاتا كان أو فع ً‬
‫تصه ف ذاته و فيما يعرض له من أحواله فإذا كان السامع عارفا بطبائع الوادث و الحوال ف الوجود و مقتضياتا أعانه ذلك ف تحيص‬
‫الب على تييز الصدق من الكذب و هذا أبلغ ف التمحيص من كل وجه يعرض و كثيا ما يعرض للسامعي قبول الخبار الستحيلة و‬
‫ينقلونا و تؤثرعنهم كما نقله السعودي عن السكندر لا صدته دواب البحر عن بناء السكندرية و كيف أتذ صندوق الزجاج و غاص فيه‬
‫إل قعر البحر حت صور تلك الدواب الشيطانية الت رآها و عمل تاثيلها من أجساد معدنية و نصبها حذاء البنيان ففرت تلك الدواب حي‬
‫خرجت و عاينتها و ت بناؤها ف حكاية طويلة من أحاديث خرافة مستحيلة من قبل اتاذه التابوت الزجاجي و مصادمة البحر و أمواجه‬
‫برمه و من قبل أن اللوك ل تمل أنفسها على مثل هذا الغرور و من اعتمده منهم فقد عرض نفسه للهلكة و انتقاض العقدة و اجتماع‬
‫الناس إل غيه و ف ذلك إتلفه و ل ينظرون به رجوعه من غروره ذلك طرفة عي و من قبل أن الن ل يعرف لا صورة و ل تاثيل تتص‬
‫با إنا هي قادرة على التشكيل و ما يذكره من كثرة الرؤوس لا فإنا الراد به البشاعة و التهويل ل إنه حقيقة‪ .‬و هذه كلها قادحة ف تلك‬
‫الكاية و القادح الحيل لا من طريق الوجود أبي من هذا كله و هو أن النغمس ف الاء و لو كان ف الصندوق يضيق عليه الواء للتنفس‬
‫الطبيعي و تسخن روحه بسرعة لقلته فيفقد صاحبه الواء البارد العدل لزاج الرئة و الروح القلب و يهلك مكانه و هذا هو السبب ف هلك‬
‫أهل المامات إذا أطبقت عليهم عن الواء البارد و التدلي ف البار و الطامي العميقة الهوى إذا سخن هواؤها بالعونة و ل تداخلها الرياح‬
‫فتخلخلها فإن التدل فيها يهلك لينه و بذا السبب يكون موت الوت إذا فارق البحر فإن الواء ل يكفيه ف تعديل رئته إذ هو حار‬
‫بإفراط و الاء الذي يعدله بارد و الواء الذي ف خرج إليه حار فيستول الار على روحه اليوان و يهلك دفعة و منه هلك الصعوقي و‬
‫أمثال ذلك ومن الخبار الستحيلة ما نقله السعودي أيضا ف تثال الزرزور الذي برومة تتمع إليه الزرازير ف يوم معلوم من السنة حاملة‬
‫للزيتون و منه يتخذون زيتهم و انظر ما أبعد ذلك عن الجرى الطبيعي ف اتاذ الزيت‬

‫و منها ما نقله البكري ف بناء الدينة السماة ذات البواب تيط بأكثر من ثلثي مرحلة و تشتمل على عشرة آلف باب و الدن إنا اتذت‬
‫للتحصن و العتصام كما يأت و هذه خرجت عن أن ياط با فل يكون فيها حصن و ل معتصم و كما نقله السعودي أيضا ف حديث‬
‫مدينة النحاس و أنا مدينة كل بنائها ناس بصحراء سجلماسة ظفر با موسى بن نصي ف غروته إل الغرب و أنا مغلقة البواب و أن‬
‫الصاعد إليها من أسوارها إذا أشرف على الائط صفق و رمي بنفسه فل يرجع آخر الدهر ف حديث مستحيل عادة من خرافات القصاص‬
‫و صحراء سجلماسة قد نفضها الركاب و الدلء و ل يقفوا لذه الدينة على خبهم أن هذه الحوال الت ذكروا عنها كلها مستحيل عادةً‬
‫مناف للمور الطبيعية ف بناء الدن و اختطاطها و أن العادن غاية الوجود منها أن يصرف ف النية و الرثي و أما تشييد مدينة منها فكما‬
‫تراه من الستحالة و البعد و أمثال ذلك كثية و تحيصه إنا هو بعرفة طبائع العمران و هو أحسن الوجوه و أوثقها ف تحيص الخبار‬
‫وتييز صدقها من كذبا و هو سابق على التمحيص بتعديل الرواة و ل يرجع إل تعديل الرواة حت يعلم أن ذلك الب ف نفسه مكن أو‬
‫متنع و أما إذا كان مستحيلً فل فائدة للنظر ف التعديل و التجريح و لقد عد أهل النظر من الطاعن ف الب استحالة مدلول اللفظ و تأويله‬
‫با ل يقبله العقل وإنا كان التعديل و التجريح هو العتب ف صحة الخبار الشرعية لن معظمها تكاليف إنشائية أوجب الشارع العمل با‬
‫حت حصل الظن بصدقها و سبيل صحة الظن الثقة بالرواة بالعدالة و الضبط‪ .‬و أما الخبار عن الواقعات فل بد ف صدقها و صحتها من‬
‫اعتبار الطابقة فلذلك وجب أن ينظر ف إمكان وقوعه و صار فيها ذلك أهم من التعديل و مقدما عليه إذ فائدة النشاء مقتبسة منه فقط و‬
‫فائدة الب منه و من الارج بالطابقة و إذا كان ذلك فالقانون ف تييز الق من الباطل ف الخبار بالمكان و الستحالة أن ننظر ف‬
‫الجتماع البشري الذي هو العمران و نيز ما يلحقه من الحوال لذاته و بقتضى طبعه و ما يكون عارضا ل يعتد به و ما ل يكن أن‬
‫يعرض له و إذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا ف تييز الق من الباطل ف الخبار و الصدق من الكذب بوجه برهان ل مدخل للشك فيه و‬
‫حينئذ فإذا سعنا عن شيء من الحوال الواقعة ف العمران علمنا ما نكم بقبوله ما نكم بتزييفه و كان ذلك لنا معيارا صحيحا يتحرى به‬
‫الؤرخون طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه و هذا هو غرض هذا الكتاب الول من تأليفنا و كأن هذا علم مستقل بنفسه فإنه ذو‬
‫موضوع و هو العمران البشري و الجتماع النسان و ذو مسائل و هي بيان ما يلحقه من العوارض و الحوال لذاته واحدة بعد أخرى و‬
‫هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا‪.‬‬
‫و إعلم أن الكلم ف هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النعة عزيز الفائدة اعثر عليه البحث و أدى إليه الغوص و ليس من علم الطابة‬
‫إنا هو القوال القنعة النافعة ف استمالة المهور إل رأي أو صدهم عنه و ل هو أيضا من علم السياسة الدنية إذ السياسة الدنية هي تدبي‬
‫النل أو الدينة با يب بقتضى الخلق و الكمة ليحمل المهور على منهاح يكون فيه حفظ النوع و بقاؤه فقد خالف موضوعه‬
‫موضوع هذين الفني اللذين ربا يشبهانه و كأنه علم مسنبط النشأة و لعمري ل أقف على الكلم ف منحاه لحد من الليقة ما أدري‬
‫ألغفلتهم عن ذلك و ليس الظن بم أو لعلهم كتبوا ف هذا الغرض و استوفوه و ل يصل إلينا فالعلوم كثية و الكماء ف أمم النوع النسان‬
‫متعددون و ما ل يصل إلينا من العلوم أكثر ما وصل فأين علوم الفرس الت أمر عمر رضى ال عنه بحوها عند الفتح و أين علوم الكلدانيي‬
‫و السريانيي و أهل بابل و ما ظهر عليهم من آثارها و نتائجها و أين علوم القبط و من قبلهم و إنا وصل إلينا علوم أمة واحدة و هم يونان‬
‫خاصة لكلف الأمون بإخراجها من لغتهم و اقتداره على ذلك بكثرة الترجي و بذل الموال فيها و ل نقف على شيء من علوم غيهم و‬
‫إذا كانت كل حقيقة متعلقة طبيعية يصلح أن نبحث عما يعرض لا من العوارض لذاتا وجب أن يكون باعتبار كل مفهوم و حقيقة علم‬
‫من العلوم يصه لكن الكماء لعلهم إنا لحظوا ف ذلك العناية بالثمرات و هذا إنا ثرته ف الخبار فقط كما رأيت و إن كانت مسائله ف‬
‫ل و هذا الفن‬‫ذاتا و ف اختصاصها شريفة لكن ثرته تصحيح الخبار و هي ضعيفة فلهذا هجروه و ال أعلم و ما أوتيتم من العلم إل قلي ً‬
‫الذي لح لنا النظر فيه ند منة مسائل تري بالعرض لهل العلوم ف براهي علومهم و هي من جنس مسائله بالوضوع و الطلب مثل ما‬
‫يذكره الكماء و العلماء ف إثبات النبوة من أن البشر متعاونون ف وجودهم فيحتاجون فيه إل الاكم و الوازع و مثل ما يذكر ف أصول‬
‫الفقه ف باب إثبات اللغات أن الناس متاجون إل العبارة عن القاصد بطبيعة التعاون و الجتماع و تبيان العبارات أخف و مثل ما يذكره‬
‫الفقهاء ف تعليل الحكام الشرعية بالقاصد ف أن الزنا ملط للنساب مفسد للنوع و أن القتل أيضا مفسد للنوع و أن الظلم مؤذن براب‬
‫العمران الفضي لفساد النوع غي ذلك من سائر القاصد الشرعية ف الحكام فإنا كلها مبنية على الحافظة على العمران فكان لا النظر فيما‬
‫يعرض له و هو ظاهر من كلمنا هذا ف هذه السائل المثلة و كذلك أيضا يقع إلينا القليل من مسائله ف كلمات متفقرقة لكماء الليقة‬
‫لكهم ل يستوفوه فمن كلم الوبذان برام بن برام ف حكاية البوم الت نقلها السعودي أيها اللك إن اللك ل يتم عزه إل بالشريعة و القيام‬
‫ل بطاعته و التصرف تت أمره و نيه و ل قوام للشريعة إل باللك و ل عز للملك إل بالرجال و ل قوام للرجال إل بالال و ل سبيل‬
‫للمال إل بالعمارة و ل سبيل للعمارة إل بالعدل و العدل اليزان النصوب بي الليقة نصبه الرب و جعل له قيما و هو اللك‪ .‬و من كلم‬
‫أنوشروان ف هذا العن بعينه اللك بالند و الند بالال و الال بالراج و الراج بالعمارة و العمارة بالعدل و العدل بإصلح العمال و‬
‫إصلح العمال باستقامة الوزراء و رأس الكل بافتقاد اللك حال رعيته بنفسه و اقتداره على تأديتها حت يلكها و ل تلكه و ف الكتاب‬
‫النسوب لرسطو ف السياسة التداول بي الناس جزء صال منه إل أنه غي مستوف و ل معطى حقه من الباهي و متلط بغيه و قد أشار‬
‫ف ذلك الكتاب إل هذه الكلمات الت نقلناها عن الوبذان و أنوشروان و جعلها ف الدائرة القريبة الت أعظم القول فيها هو قوله‪ :‬العال‬
‫بستان سياجه الدولة و الدولة سلطان تيا به السنة السنة سياسة يسوسها اللك اللك نظام يعضده الند الند أعوان يكفلهم الال الال رزق‬
‫تمعه الرعية الرعية عبيد يكنفهم العدل العدل مألوف و به قوائم العال العال بستان ث ترجع إل أول الكلم‪ .‬فهذه ثان كلمات حكمية‬
‫سياسية ارتبط بعضها ببعض و ارتدت أعجازها إل صدورها و اتصلت ف دائرة ل يتعي طرفها فخر بعثوره عليها و عظم من فوائدها‪ .‬و‬
‫أنت إذا تأملت كلمنا ف فصل الدول و اللك و أعطيته حقه من التصفح و التفهم عثرت ف أثنائه على تفسي هذه الكلمات و تفصيل‬
‫إجالا مستوف بينا بأوعب بيانا و أوضح دليل و برهان أطلعنا ال عليه من غي تعليم أرسطو و ل إفادة موبذان و كذلك تد ف كلم ابن‬
‫القفع و ما يستطرد ف رسائله من ذكر السياسات الكثي من مسائل كتابنا هذا غي مبهنة كما برهناه إنا يليها ف الذكرعلى منحى‬
‫الطابة ف أسلوب الترسل و بلغة الكلم و كذلك حوم القاضي أبو بكر الطرطوشي ف كتاب سراج اللوك و بوبه على أبواب تقرب من‬
‫أبواب كتابنا هذا و مسائله لكنه ل يصادف فيه الرمية و ل أصاب الشاكلة و ل استوف السائل و ل أوضح الدلة إنا يبوب الباب للمسألة‬
‫ث يستكثر من الحادث و الثار و ينقل كلمات متفرقة لكماء الفرس مثل بزر جهر و الوبذان و حكماء الند و الأثور عن دانيال و‬
‫هرمس و غيهم من أكابر الليقة و ل يكشف عن التحقيق قناعا و ل يرفع الباهي الطبيعية حجابا إنا هو نقل و تركيب شبيه بالواعظ و‬
‫كأنه حوم على العرض و ل يصادفه و ل تقق قصده و ل استوف مسائله و نن ألمنا ال إل ذلك إلاما و أعثرنا على علم جعلنا بي نكرة‬
‫و جهينة خبه فإن كنت قد استوفيت مسائله و ميزت عن سائر الصنائع أنظاره و أناءه فتوفيق من ال و هداية و أن فاتن شيء ف إحصائه‬
‫و اشتبهت بغي فللناظر التحقق إصلحه ول الفضل لن نجت له السبيل و أوضحت له الطريق و ال يهدي بنوره من يشاء‪ .‬و نن الن‬
‫نبي ف هذا الكتاب ما يعرض للبشر ف اجتماعهم من أحوال العمران ف اللك و الكسب و العلوم و الصنائع بوجوه برهانية يتضح با‬
‫التحقيق ف معارف الاصة و العامة و تندفع با الوهام و ترفع الشكوك‪ .‬و نقول لا كان النسان متميزا عن سائر اليوانات بواص‬
‫اختص با فمنها العلوم و الصنائع الت هي نتيجة الفكر الذي تيز به عن اليوانات و شرف بوصفه على الخلوقات و منها الاجة إل الكم‬
‫الوازع و السلطان القاهر إذ ل يكن وجوده دون ذلك من بي اليوانات كلها إل ما يقال عن النحل و الراد و هذه و أن كان لا مثل‬
‫ذلك فبطريق إلامي ل بفكر و روية و منها السعي ف العاش و العتمال ف تصيله من وجوهه و اكتساب أسبابه لا جعل ال من الفتقار‬
‫إل الغذاء ف حياته و بقائه و هداه إل التماسه و طلبه فإن تعال أعطى كل شيء خلقه ث هدى و منهما العمران و هو التساكن و التنازل ف‬
‫مصر أو حلة للنس بالعشي و اقتضاء الاجات لا ف طباعهم من التعاون على العاش كما نبينه و من هذا العمران ما يكون بدويا و هو‬
‫الذي يكون ف الضواحي و ف البال و ف اللل النتجعة ف القفار و أطراف الرمال و منه ما يكون حضريا و هو الذي بالمصار و القرى‬
‫و الدن والدر للعتصام با و التحصن بدرانا و له ف كل هذه الحوال أمور تعرض من حيث الجتماع عروضا ذاتيا له فل جرم انصر‬
‫الكلم ف هذا الكتاب ف ستة فصول‪.‬‬

‫الول ف العمران البشري على الملة و أصنافه و قسطه من الرض‪.‬‬

‫و الثان ف العمران البدوي ف و ذكر القبائل و المم الوحشية‪ .‬و الثالث ف الدول و اللفة و اللك و ذكر الراتب السلطانية و الرابع ف‬
‫العمران الضري و البلدان و المصار‪ .‬و الامس ف الصنائع و العاش و الكسب و وجوهه‪ .‬و السادس ف العلوم و اكتسابا و تعلمها‪ .‬و‬
‫قد قدمت العمران البدوي لنه سابق على جيعها كما نبي لك بعد و كذا تقدي اللك على البلدان و المصار وأما تقدي العاش فلن‬
‫العاش ضروري طبيعي و تعلم العلم كمال أو حاجي و الطبيعي أقدم من الكمال و جعلت الصنائع مع الكسب لنا منه ببعض الوجوه و‬
‫من حيث العمران كما نبي لك بعد و ال الوفق للصواب و العي عليه‪.‬‬

‫الباب الول من الكتاب الول ف العمران البشري على الملة و فيه‬


‫مقدمات‬
‫الول ف أن الجتماع النسان ضروري و يعب الكماء عن هذا بقولم النسان مدن بالطبع أي ل بد له من الجتماع الذي هو الدينة ف‬
‫اصطلحهم و هو معن العمران و بيانه أن ال سبحانه خلق النسان و ركبه على صورة ل يصح حياتا و بقاؤها إل بالغذاء و هداه إل‬
‫التماسه بفطرته و با ركب فيه من القدرة على تصيله إل أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تصيل حاجته من ذلك الغذاء غي موفية له‬
‫ل فل يصل إل بعلج كثي من الطحن و العجن و الطبخ و‬ ‫بادة حياته منه و لو فرضنا منه أقل ما يكن فرصة و هو قوت يوم من النطة مث ً‬
‫كل واحد من هذه العمال الثلثة يتاج إل مواعي و آلت ل تتم إل بصناعات متعددة من حداد و نار و فاخوري وهب أنه يأكله حبا‬
‫من غي علج فهو أيضا يتاج ف تصيله أيضا حبا إل أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة و الصاد و الدراس الذي يرج الب من‬
‫غلف السنبل و يتاج كل واحد من هذه آلت متعددة و صنائع كثية أكثر من الول بكثي و يستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة‬
‫الواحد فل بد من اجتماع القدر الكثية من أبناء جنسه ليحصل القوت له و لم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الاجة لكثر منهم‬
‫بإضعاف و كذلك يتاج كل واحد منهم أيضا ف الدفاع عن نفسه إل الستعانة بأبناء جنسه لن ال سبحانه لا ركب الطباع ف اليوانات‬
‫ل أعظم بكثي من قدرة‬ ‫كلها و قسم القدر بينها جعل حظوظ كثي من اليوانات العجم من القدرة أكمل من حظ النسان فقدرة الفرس مث ً‬
‫النسان و كذا قدرة المار و الثور و قدرة السد و الفيل أضعاف من قدرته‪ .‬و لا كان العدوان طبيعيا ف اليوان جعل لكل واحد منها‬
‫عضوا يتص بدافعته ما يصل إليه من عادية غيه و جعل للنسان عوضا من ذلك كله الفكر و اليد فاليد مهيئة للصنائع بدمة الفكر و‬
‫الصنائع تصل له اللت الت تنوب له عن الوارح العدة ف سائر اليوانات للدفاع مثل الرماح الت تنوب عن القرون الناطحة و السيوف‬
‫النائبة عن الخالب الارحة و التراس النائبة عن البشرات الاسية إل غي ذلك و غيه ما ذكره جالينوس ف كتاب منافع العضاء فالواحد‬
‫من البشر ل تقاوم قدرته قدرة واحد من اليوانات العجم سيما الفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالملة و ل تفي قدرته أيضا‬
‫باستعمال اللت العدة لا فل بد ف ذلك كله من التعاون عليه بأبناء جنسه و ما ل يكن هذا التعاون فل يصل له قوت و ل غذاءا و ل‬
‫تتم حياته لا ركبه ال تعال عليه من الاجة إل الغذاء ف حياته و ل يصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلح فيكون فريسة‬
‫للحيوانات و يعاجله اللك عن مدى حياته و يبطل نوع البشر و إذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء و السلح للمدافعة و تت حكمة‬
‫ال ف بقائه و حفظ نوعه فإذن هذا الجتماع ضروري للنوع النسان و إل ل يكمل و جودهم و ما أراده ال من اعتمار العال بم و‬
‫استخلفه إياهم و هذا هو معن العمران الذي جعلناه موضوعا لذا العلم و ف هذا الكلم نوع إثبات للموضوع ف فنه الذي هو موضوع له‬
‫و هذا و أن ل يكن واجبا على صاحب الفن لا تقرر ف الصناعة النطقية أنه ليس على صاحب علم إثبات الوضوع ف ذلك العلم فليس‬
‫أيضا من النوعات عندهم فيكون إثباته من التبعات و ال الوفق بفضله‪ .‬ث أن هذا الجتماع إذا حصل للبشر كما قررناه و ت عمران العال‬
‫بم فل بد من وازع يدفع بعضهم عن بعض لا ف طباعهم اليوانية من العدوان و الظلم و ليست السلح الت جعلت دافعة لعدوان‬
‫اليوانات العجم عنهم كافية ف دفع العدوان عنهم لنا موجودة لميعهم فل بد من شيء آخر يدفع عدوان بعضهم عن بعض‪ .‬و ل يكون‬
‫من غيهم لقصور جيع اليوانات عن مداركهم و إلاماتم فيكون ذلك الوازع واحدا منهم يكون له عليهم الغلبة و السلطان و اليد القاهرة‬
‫حت ل يصل أحد إل غيه بعدوان و هذا هو معن اللك و قد تبي لك بذا أن للنسان خاصة طبيعية و ل بد لم منها و قد يوجد ف بعض‬
‫اليوانات العجم على ما ذكره الكماء كما ف النحل و الراد لا استقرىء فيها من الكم و النقياد و التباع لرئيس من أشخاصها متميز‬
‫عنهم ف خلقه و جثمانه إل أن ذلك موجود لغي النسان بقتضى الفطرة و الداية ل بقتضى الفكرة و السياسة أعطى كل شيء خلقه ث‬
‫هدى و تزيد الفلسفة على هذا البهان حيث ياولون إثبات النبوة بالدليل! العقلي و أنا خاصة طبيعية للنسان فيقررون هذا البهان إل‬
‫غاية و أنه ل بد للبشر من الكم الوازع ث يقولون بعد ذلك و ذلك الكم يكون بشرع مفروض من عند ال يأت به واحد من البشر و أنه‬
‫ل بد أن يكون متميزا عنهم با يودع ال فيه ف خواص هدايته ليقع التسليم له و القبول منه حت يتم الكم فيهم و عليهم من غي إنكار و‬
‫ل تزيف و هذه القضية للحكماء غي برهانية كما تراه إذ الوجود و حياة البشر قد تتم من دون ذلك با يفرضه الاكم لنفسه أو بالعصبية‬
‫الت يقتدر با على قهرهم و حلهم على جادته فأهل الكتاب و التبعون للنبياء قليلون بالنسبة إل الجوس الذين ليس لم كتاب فإنم أكثر‬
‫أهل العال و مع ذلك فقد كانت لم الدول و الثار فضلً عن الياة و كذلك هي لم لذا العهد ف القاليم النحرفة ف الشمال و النوب‬
‫بلف حياة البشر فوضى دون وازع لم البتة فإنه يتنع و بذا يتبي لك غلطهم ف وجوب النبوات و أنه ليس بعقلي و إنا مدركه الشرع‬
‫كما هو مذهب السلف من المة و ال ول التوفيق و الداية‪.‬‬

‫القدمة الثانية ف قسط العمران من الرض و الشارة إل بعض ما فيه من‬


‫الشجار و النار و القاليم‬
‫اعلم أنه تبي ف كتب الكماء الناظرين ف أحوال العال أن شكل الرض كروي و أنا مفوفة بعنصر الاء كأنا عنبة طافية عليه فانسر الاء‬
‫عن بعض جوانبها لا أراد ال من تكوين اليوانات فيها و عمرانا بالنوع البشري الذي له اللفة على سائرها و قد يتوهم من ذلك أن الاء‬
‫تت الرض و ليس بصحيح و أنا النحت الطبيعي قلب بالرض و وسط كرتا الذي هو مركزها و الكل يطلبه با فيه من الثقل و ما عدا‬
‫ذلك من جوانبها و أما الاء الحيط با فهو فوق الرض و أن قيل ف شيء منها إنه تت الرض فبالضافة إل جهة أخرى منه‪ .‬و أما الذي‬
‫انسر عنه الاء من الرض فهو النصف من سطح كرتا ف شكل دائرة أحاط العنصر الاء من با من جيع جهاتا برا يسمى البحر الحيط‬
‫و يسمى أيضا لبليه بتفخيم اللم الثانية و يسمى أوقيانوس أساء أعجمية و يقال له البحر الخضر و السود ث أن هذا النكشف من‬
‫الرض للعمران فيه القفار و اللء أكثر من عمرانه و الال من جهة النوب منه أكثر من جهة الشمال و إنا العمور منه أميل إل الانب‬
‫الشمال على شكل مسطح كروي ينتهي من جهة النوب إل خط الستواء و من جهة الشمال إل خط كروي و وراءه البال الفاصلة بينه‬
‫و بي الاء العنصري الذي بينهما سد يأجوج و مأجوج و هذه البال مائلة إل جهة الشرق و ينتهي من الشرق و الغرب إل عنصر الاء‬
‫أيضا بقطعتي من الدائرة الحيطة و هذا النكشف من الرض قالوا هو مقدار النصف من الكرة أو أقل و العمور منه مقدار ربعه و هو‬
‫النقسم بالقاليم السبعة و خط الستواء يقسم الرض بنصفي من الغرب إل الشرق و هو طول الرض و أكب خط ف كرتا كما أن‬
‫منطقة فلك البوج و دائرة فعدل النهار أكب خط ف الفلك و منطقة البوج منقسمة بثلثمائة و ستي درجة و الدرجة من مسافة الرض‬
‫خسة و عشرون فرسخا و الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع و الذراع أربعة و عشرون إصبعا و الصبع ست حبات شعي مصفوفة ملصق‬
‫بعضها إل بعض ظهرا لبطن و بي دائرة فعدل النهار الت تقسم الفلك بنصفي و تسامت خط الستواء من الرض و بي كل واحد من‬
‫القطبي تسعون درجة لكن العمارة ف الهة الشمالية من خط الستواء أربع و ستون درجة و الباقي منها خلء ل عمارة فيه لشدة البد و‬
‫المود كما كانت الهة النوبية خلء كلها لشدة الر كما نبي ذلك كله إن شاء ال تعال‪ .‬ث إن الخبين عن هذا العمور و حدوده و‬
‫عما فيه من المصار و الدن و البال و البحار و النار و القفار و الرمال مثل بطليموس ف كتاب الغرافيا و صاحب كتاب زخار من‬
‫بعده قسموا هذا العمور بسبعة أقسام يسمونا القاليم السبعة بدود وهية بي الشرق و الغرب متساوية ف العرض متلفة ف الطول فالقليم‬
‫الول أطول ما بعده و هكذا الثان إل آخرها فيكون السابع أقصر لا اقتضاه وضع الدائرة الناشئة عن انسار الاء عن كرة الرض و كل‬
‫واحد من هذه القاليم عندهم منقسم بعشرة أجزاء من الغرب إل الشرق على التوال و ف كل جزء الب عن أحواله و أحوال عمرانه‪ .‬و‬
‫ل أو‬‫ذكروا أن هذا البحر الحيط يرج من جهة الغرب ف القليم الرابع البحر الرومي العروف يبدأ ف خليج فتضايق ف عرض اثن عشر مي ً‬
‫نوها ما بي طنجة و طريف و يسمى أن الزقاق ث يذهب مشرقا و ينفسح إل عرض ستمائة ميل و نايته ف آخر الزء الرابع من القليم‬
‫الرابع على ألف فرسخ و مائة و ستي فرسخا من مبدأه و عليه هنالك سواحل الشام و عليه من جهة النوب سواحل الغرب أولا طنجة‬
‫عند الليج ث أفريقية ث برقة إذ السكندرية و من جهة الشمال سواحل القسطنطينية عند الليج ث البنادقة ث رومة ث الفرنة ث الندلس‬
‫إل طريف عند أن الزقاق قبالة طنجة و يسمى هذا البحر الرومي و الشامي و فيه جزر كثية عامرة كبار مثل أقريطش و قبص و صقلية و‬
‫ميورقة و سردانية قالوا‪ :‬و يرج منه ف جهة الشمال بران آخران من خليجي‪ .‬أحدها مسامت للقسطنطينية يبدأ من هذا البحر متضايقا ف‬
‫ل و يسمى خليج‬ ‫عرض رمية السهم و ير ثلثة بار فيتصل بالقسطنطينية ث ينفسح ف عرض أربعة أميال و ير ف جريه ستي مي ً‬
‫القسطنطينية ث يرج من فوهة عرضها ستة أميال فيمد بر نيطش و هو بر ينحرف من هنالك ف مذهبه إل ناحية الشرق فيمر بأرض‬
‫هرقلة و ينتهي إل بلد الزرية على ألف و ثلثمائة ميل من فوهته و عليه من الانبي أمم من الروم و الترك و برجان و الروس‪ .‬و البحر‬
‫الثان من خليجي هذا البحر الرومي و هو بر البنادقة يرج من بلد الروم على ست الشمال فإذا انتهى إل ست البل انرف ف ست‬
‫الغرب إل بلد البنادقة و ينتهي إل بلد إنكلية على ألف و مائة ميل من مبدإه و على حافتيه من البنادقة و الروم و غيهم أمم و يسمى‬
‫خليج البنادقة‪ .‬قالوا و ينساح من هذا البحر الحيط أيضا من الشرق و على ثلث عشرة درجة ف الشمال من خط الستواء بر عظيم‬
‫ل حت ينتهي إل القليم الول ث ير فيه مغربا إل أن ينتهي ف الزء الامس منه إل بلد البشة و الزنج و إل بلد‬ ‫متسع ير ف النوب قلي ً‬
‫باب الندب منه على أربعة آلف فرسخ من مبدئه و يسمى البحر الصين و الندي و البشي و عليه من جهة النوب بلد الزنج و بلد‬
‫بربر الت ذكرها امرؤ القيس ف شعره و ليسوا من الببر الذين هم قبائل الغرب ث بلد سفالة و أرض الواق واق و أمم أخر ليس بعدهم إل‬
‫القفار و اللء و عليه من جهة الشمال الصي من عند مبدئه ث الند ث السند ث سواحل اليمن من الحقاف و زبيد و غيها ث بلد الزنج‬
‫عند نايته و بعدهم البشة‪ .‬قالوا و يرج من هذا البحر البشي بران آخران أحدها يرج من نايته عند باب الندب فيبدأ متضايقا ث ير‬
‫ل إل أن بنتهي إل القلزم ف الزء الامس من القليم الثان على ألف و أربعمائة ميل من مبدئه ف و‬ ‫مستبحرا إل ناحية الشمال و مغربا قلي ً‬
‫يسمى بر القلزم و بر السويس و بينه و بي فسطاط مصر من هنالك ثلث مراحل و عليه من جهة الشرق سواحل اليمن ث الجاز و‬
‫جدة ث مدين و أيلة و فازان عند نايته و من جهة الغرب سواحل الصعيد‪ ،‬و عيذاب و سواكن وزيلع ث بلد البشة عند مبدئه و آخره‬
‫عند القلزم يسامت البحر الرومي عند العريش و بينهما نو ست مراحل و مازال اللوك ف السلم و قبله يرمون خرق ما بينهما و ل يتم‬
‫ذلك‪ .‬و البحر الثان من هذا البحر البشي و يسمى الليج الخضر يرج ما بي بلد السند و الحقاف من اليمن و ير إل ناحية الشمال‬
‫مغربا قليلً إل أن ينتهي إل البلة من سواحل البصرة ف الزء السادس من القليم الثان على أربعمائة فرسخ و أربعي فرسخا من مبدئه و‬
‫يسمى بر فارس و عليه من جهة الشرق سواحل السند و مكران و كرمان و فارس و البلة و عند نايته من جهة الغرب سواحل البحرين‬
‫و اليمامة و عمان و الشحر و الحقاف عند مبدئه و فيما بي بر فارس و القلزم و جزيرة العرب كأنا داخلة من الب ف البحر ييط با‬
‫البحر البشي من النوب و بر القلزم من الغرب و بر فارس من الشرق و تفضي إل العراق بي الشام و البصرة على ألف و خسمائة ميل‬
‫بينهما و هنالك الكوفة و القادسية و بغداد و إيوان كسرى و الية و وراء ذلك أمم العاجم من الترك و الزر و غيهم و ف جزيرة‬
‫العرب بلد الجاز ف جهة الغرب منها و بلد اليمامة و البحرين و عمان ف جهة الشرق منها و بلد اليمن ف جهة النوب منها و‬
‫سواحله على البحر البشي‪ .‬قالوا و ف هذا العمور بر آخر منقطع من سائر البحار ف ناحية الشمال بأرض الديلم يسمى بر جرجان و‬
‫طبستان طوله ألف ميل ف عرض ستمائة ميل ف غربه أذربيجان والديلم و ف شرقه أرض الترك و خوارزم و ف جنوبه طبستان و ف شاله‬
‫أرض الزر و اللن‪ .‬هذه جلة البحار الشهورة الت ذكرها أهل الغرافيا‪ .‬قالوا و ف هذا الزء العمور أنار كثية أعظمها أربعة أنار و هي‬
‫النيل و الفرات و دجلة و نر بلخ السمى جيحون‪ .‬فأما النيل فمبدأه من جبل عظيم وراء خط الستواء بست عشرة درجة على ست الزء‬
‫الرابع من القليم الول و يسمى جبل القمر و ل يعلم ف الرض جبل أعلى منه ترج منه عيون كثية فيصب بعضها ف الية هناك و‬
‫بعضها ف أخرى ث ترج أنار من البحيتي فتصب كلها ف بية واحدة عند خط الستواء على عشر مراحل من البل و يرج من هذه‬
‫البحية نران يذهب أحدها إل ناحية الشمال على سته و ير ببلد النوبة ث بلد مصر فإذا جاوزها تشعب ف شعب مقاربة يسمى كل‬
‫واحد منها خليجا و تصب كلها ف البحر الرومي عند السكندرية و يسمى نيل مصر و عليه الصيعد من شرقه و الواحات من غربه و‬
‫يذهب الخر منعطفا إل الغرب ث ير على سته إل أن يصب ي البحر الحيط و هو نر السودان و أمهم كلهم على ضفتيه‪ .‬و أما الفرات‬
‫فمبدؤه من بلد أرمينية ف الزء السادس من القليم الامس و ير جنوبا ف أرض الروم و ملطية إل منبج ث ير بصفي ث بالرقة ث بالكوفة‬
‫إل أن ينتهي إل البطحاء الت بي البصرة و واسط و من هناك يصب ف البحر البشي و تنجلب إليه ف طريقه أنار كثية و يرج منه أنار‬
‫أخرى تصب ف دجلة‪ .‬و أما دجلة فمبدؤها عي ببلد جلط من أرمينية أيضا و تر على ست النوب بالوصل و أذربيجان و بغداد إل‬
‫واسط فتتفرق إل خلجان كلها تصب ف بية البصرة و تفضي إل بر فارس و هو ف الشرق على يي الفرات و ينجلب إليه أنار كثية‬
‫عظيمة من كل جانب و فيما بي الفرات و دجلة من أوله جزيرة الوصل قبالة الشام من عدوت الفرات و قبالة أذربيجان من عدوة دجلة‪ .‬و‬
‫أما نر جيحون فمبدؤه من بلخ ف الزء الثامن من القليم الثالث من عيون هناك كثية و تنجلب إليه أنار عظام و يذهب من النوب إل‬
‫الشمال فيمر ببلد خراسان ث يرج معها إل بلد خوارزم ف الزء الثامن من القليم الامس فيصب ف بية الرجانية الت بأسفل مدينتها‬
‫و هي مسية شهر ف مثله و إليها ينصب نر فرغانة و الشاش الت من بلد الترك و على غرب نر جيحون بلد خراسان و خوارزم و على‬
‫شرقه بلد بارى و ترمذ و سرقند و من هنالك إل ما وراءه بلد الترك و فرغانة و الرجانية و أمم العاجم و قد ذكر ذلك كله‬
‫بطليموس ف كتابه و الشريف ف كتاب روجار و صوروا ف الغرافيا جيع ما ف العمور من البال و البحار و الودية و استوفوا من ذلك‬
‫مل حاجة انا به لطوله ولن عنايتنا ف الكثر إنا هي بالغرب الذي هو وطن الببر و بالوطان الت للعرب من الشرق وال الوفق‪.‬‬

‫تكملة لذه القدمة الثانية ف أن الربع الشمال من الرض أكثر عمرانا من‬
‫الربع النوب و ذكر السبب ف ذلك‬
‫و نن نرى بالشاهدة و الخبار التواترة أن الول و الثان من القاليم لعمورة أقل عمرانا ما بعدها و ما وجد من عمرانه فيتخلله اللء و‬
‫لقفار و الرمال و البحر الندي الذي ف الشرق منهما و أمم هذين القليمي و أناسيهما ليست لم الكثرة البالغة و أمصاره و مدنه كذلك و‬
‫الثالث و الرابع و ما بعدها بلف ذلك فالقفار فيها قليلة و الرمال كذلك أو معدومة و أمها و أناسيها توز الد من الكثرة و أمصارها و‬
‫مدنا تاوز الد عددا و العمران فيها مندرج ما بي الثالث و السادس و النوب خلء كله و قد ذكر كثي من الكماء أن ذلك لفراط‬
‫الر و قلة ميل الشمس فيها عن ست الرؤوس فلنوضح ذلك ببهانه و يتبي منه سبب كثرة العمارة فيما بي الثالث و الرابع من جانب‬
‫الشمال إل الامس و السابع‪ .‬فنقول إن قطب الفلك النوب و الشمال إذا كانا على الفق فهنالك دائرة عظيمة تقسم الفلك بنصفي هي‬
‫أعظم الدوائر الارة من الشرق إل الغرب و تسمى دائرة معدل النهار و قد تبي ف موضعه من اليئة أن الفلك العلى متحرك من الشرق‬
‫إل الغرب حركة يومية يرك با سائر الفلك ف جوفه قهرا و هذه الركة مسوسة و كذلك تبي أن للكواكب ف أفلكها حركة مالفة‬
‫لذه الركة و هي من الغرب إل الشرق و تتلف آمادها باختلف حركة الكواكب ف السرعة و البطء و مرات هذه الكواكب ف‬
‫أفلكها توازيها كلها دائرة عظيمة من الفلك العلى تقسمه بنصفي و هي دائرة فلك البوج منقسمة باثن عشر برجا و هي على ما تبي‬
‫ف موضعه مقاطعة لدائرة معدل النهار على نقطتي متقابلتي من البوج ها أول المل و أول اليزان فتقسمهما دائرة معدل النهار بنصفي‬
‫نصف مائل عن معدل النهار إل الشمال و هو من أول المل إل آخر السنبلة و نصف مائل عنه إل النوب و هو من أول اليزان إل آخر‬
‫الوت و إذا وقع القطبان على الفق ف جيع نواحي الرض كان على سطح الرض خط واحد يسامت دائرة معدل النهار ير من الغرب‬
‫إل الشرق و يسمى خط الستواء و وقع هذا الط بالرصد على ما زعموا ف مبدإ القليم الول من القاليم السبعة و العمران كله ف الهة‬
‫الشمالية يرتفع عن آفاق هذا العمور بالتدريج إل أن ينتهي ارتفاعه إل أربع‪ ،‬و ستي درجة و هنالك ينقطع العمران و هو آخر القليم‬
‫السابع‪ ،‬إذا ارتفع على الفق و بقيت تسعي درجة و هي الت بي القطب و دائرة معدل النهار على الفق و بقيت ستة من البوج فوق‬
‫الفق و هي الشمالية و ستة تت الفق و هي النوبية و العمارة فيما بي الربعة و الستي إل التسعي متنعة لن الر و البد حينئذ ل‬
‫يصلن متزجي لبعد الزمان بينهما يصل التكوين فإذا الشمس تسامت الرؤوس على خط الستواء ف رأس المل و اليزان ث تيل ف‬
‫السامتة إل رأس السرطان ورأس الدي و يكون ناية ميلها عن دائرة معدل النهار أربعا و عشرين درجة ث إذا ارتفع القطب الشمال عن‬
‫الفق مالت دائرة معدل النهار عن ست الرؤوس بقدار ارتفاع و انفض القطب النوب كذلك بقدار متساو ف الثلثة وهو السمى عند‬
‫أهل الواقيت عرض البلد و إذا مالت دائرة معدل النهار عن ست الرؤوس علت عليها البوج الشمالية مندرجة ف مقدار علوها إل رأس‬
‫السرطان و انفضت البوج النوبية من الفق كذلك إل رأس الدي لنرافها إل الانبي ف أفق الستواء كما قلناه فل يزال الفق‬
‫الشمال يرتفع حت يصي أبعد الشمالية و هو رأس السرطان ف ست الرؤوس و ذلك حيث يكون عرض البلد أربعا و عشرين ف الجاز و‬
‫ما يليه و هذا هو اليل الذي إذا مال رأس السرطان عن معدل النهار ف أفق الستواء ارتفع بارتفاع القطب الشمال حت صار مسامتا فإذا‬
‫ارتفع القطب أكثر من أربع و عشرين نزلت الشمس عن السامتة و ل تزال ف انفاض إل أن يكون ارتفاع القطب أربعا و ستي و يكون‬
‫انفاض الشمس عن السامتة كذلك و انفاض القطب النوب عن الفق مثلها فينقطع التكوين لفراط البد و المد و طول زمانه غي‬
‫متزج بالر‪ .‬ث إن الشمس عند السامتة و ما يقاربا تبعث الشعة قائمة و فيما دون السامتة على زوايا منفرجة و حادة و إذا كانت زوايا‬
‫الشعة قائمة عظم الضوء و انتشر بلفه ف النفرجة و الادة فلهذا يكون الر عند السامتة و ما يقرب منها أكثر منه فيما بعد لن الضوء‬
‫سبب الر و التسخي‪.‬‬

‫ث أن السامتة ف خط الستواء تكون مرتي ف السنة عند نقطت المل و اليزان و إذا مالت فغي بعيد و ل يكاد الر يعتدل ف آخر ميلها‬
‫عند رأس السرطان و الدي إل أن صعدت إل السامتة فتبقى الشعة القائمة الزوايا تلح على ذلك الفق و يطول مكثها أو يدوم فيشتعل‬
‫الواء حرارة و يفرط ف شدتا و كذا ما دامت الشمس تسامت مرتي فيما بعد خط الستواء إل عرض أربع و عشرين فإن الشعة ملحة‬
‫على الفق ف ذلك بقريب من إلاحها ف خط الستواء و إفراط الر يفعل ف الواء تفيفا و يبسا ينع من التكوين لنه إذا أفرط الر‬
‫جفت الياه و الرطوبات و فسد التكوين ف العدن و اليوان و النبات إذ التكوين ل يكون إل بالرطوبة ث إذا مال رأس السرطان عن ست‬
‫الرؤوس ف عرض خس و عشرين فما بعده نزلت الشمس عن السامتة فيصي الر إل العتدال أو ييل عنه ميلً قليلً فيكون التكوين و‬
‫يتزايد على التدريج إل أن يفرط البد ف شدته لقلة الضوء و كون الشعة منفرجة الزوايا فينقص التكوين و يفسد بيد أن فساد التكوين من‬
‫جهة شدة الر أعظم منه من جهة شدة البد لن الر أسرع تأثيا ف التجفيف من تأثي البد ف المد فلذلك كان العمران ف القليم‬
‫الول و الثان قليلً و ف الثالث و الرابع و الامس متوسطا لعتدال الر بنقصان الضوء و ف السادس و السابع كثيا لنقصان الر و أن‬
‫كيفية البد ل تؤثر عند أولا ف فساد التكوين كما يفعل الر إذ ل تفيف فيها إل عند الفراط با يعرض لا حينئذ من اليبس كما بعد‬
‫السابع فلهذا كان العمران ف الربع الشمال أكثر و أوفر و ال أعلم‪ .‬و من هنا أخذ الكماء خلء خط الستواء و ما وراءه و أورد عليهم‬
‫أنه مغمور بالشاهدة و الخبار التواترة فكيف يتم البهان على ذلك و الظاهر أنم ل يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنا أداهم البهان إل‬
‫أن فساد التكوين فيه قري بإفراط الر و العمران فيه إما متنع أو مكن أقلي و هو كذلك فإن خط الستواء و الذي وراءه و إن كان فيه‬
‫عمران كما نقل فهو قليل جدا‪ .‬و قد زعم ابن رشد أن خط الستواء معتدل و أن ما وراءه ف النوب بثابة ما وراءه ف الشمال فيعمر منه‬
‫ما عمر من هذا و الذي قاله غي متنع من جهة فساد التكوين و إنا امتنع فيما وراء خط الستواء ف النوب من جهة أن العنصر الائي غمر‬
‫وجه الرض هنالك إل الد الذي كان مقابله من الهة الشمالية قابلً للتكوين و لا امتنع العتدل لغيبة الاء تبعه ما سواه لن العمران‬
‫متدرج و يأخذ ف التدريج من جهة الوجود ل من جهة المتناع و أما القول بامتناعه ف خط الستواء فيده النقل التواتر و ال أعلم‪ .‬و‬
‫لنرسم بعد هذا الكلم صورة الغرافيا كما رسها صاحب كتاب روجار ث نأخذ ف تفصيل الكلم عليها إل أخره‪.‬‬

‫القسم الول من تفصيل الكلم على هذه الغرافيا‬


‫إعلم أن الكماء قسموا هذا العمور كما تقدم ذكره على سبعة أقسام من الشمال إل النوب يسمون كل قسم منها إقليما فانقسم العمور‬
‫من الرض كله على هذه السبعة القاليم كل واحد منها أخذ من الغرب إل الشرق على طوله‪ .‬فالول منها مار من الغرب إل الشرق مع‬
‫خط الستواء بده من جهة النوب و ليس وراءه هنالك إل القفار و الرمال و بعض عمارة إن صحت فهي كل عمارة و يليه من جهة‬
‫شالية القليم الثان ث الثالث كذلك ث الرابع و الامس و السادس و السابع و هو آخر العمران من جهة الشمال و ليس وراء السابع إل‬
‫اللء و القفار إل أن ينتهي إل البحر الحيط كالال فيما وراء القليم الول ف جهة النوب إل أن اللء ف جهة الشمال أقل بكثي من‬
‫اللء الذي ف جهة النوب‪ .‬ث أن أزمنة الليل و النهار تتفاوت ف هذه القاليم بسبب ميل الشمس عن دائرة معدل النهار و ارتفاع القطب‬
‫الشمال عن آفاقها فيتفاوت قوس الليل و النهار لذلك و ينتهي طول الليل و النهار ف آخر القليم الول و ذلك عند حلول الشمس برأس‬
‫الدي لليل و برأس السرطان للنهار كل واحد منهما إل ثلث عشرة ساعة و كذلك ف آخر القليم الثان ما يلي الشمال فينتهي‪ ،‬طول‬
‫النهار فيه عند حلول الشمس برأس السرطان و هو منقلبها الصيفي إل ثلث عشرة ساعة و نصف ساعي و مثله أطول الليل عند منقلبها‬
‫الشتوي برأس الدي و يبقى للقصر من الليل و النهار ما يبقى بعد الثلث عشرة و نصف من جلة أربع و عشرين الساعات الزمانية‬
‫لجموع الليل و النهار و هي دورة الفلك الكاملة و كذلك ف آخر القليم الثالث ما يلي الشمال أيضا ينتهيان إل أربع عشرة ساعة و ف‬
‫آخر الرابع إل أربع عشرة ساعة و نصف ساعة و ف آخر الامس إل خس عشرة ساعة و ف آخر السادس إل خس عشرة ساعة و نصف‬
‫و إل آخر السابع إل ست عشرة ساعة و هنالك ينقطع العمران فيكون تفاوت هذه القاليم ف الطول من ليلها و نارها بنصف ساعة لكل‬
‫إقليمه يتزايد من أوله ف ناحية النوب إل آخر ف ناحية الشمال موزعة على أجزاء هذا البعد‪ .‬و أما عرض البلدان ف هذه القاليم و هو‬
‫عبارة عن بعد ما بي ست رأس البلد و دائرة معدل النهار الذي هو ست رأس خط الستواء و بثله سواء ينخفض القطب النوب عن أفق‬
‫ذلك البلد و يرتفع القطب الشمال عنه و هو ثلثة أبعاد متساوية تسمى عرض البلد كما مر ذلك قبل‪ .‬و التكلمون على هذه الغرافيا‬
‫قسموا كل واحد من هذه القاليم السبعة ف طوله من الغرب إل الشرق بعشرة أجزاء متساوية و يذكرون ما اشتمل عليه كل جزء منها من‬
‫البلدان و المصار و البال و النار و السافات بينها ف السالك و نن الن نوجز القول ف ذلك و نذكر مشاهي البلدان و النار و‬
‫البحار ف كل جزء منها و ناذي بذلك ما وقع ف كتاب نزهة الشتاق الذي ألفه العلوي الدريسي المودي للك صقلية من الفرنج و هو‬
‫زخار بن زخار عندما كان نازلً عليه بصقلية بعد خروج صقلية من إمارة مالقة و كان تأليفه للكتاب ف منتصف الائة السادسة و جع له‬
‫كتبا جة للمسعودي و ابن خرداذيه و الوقلي و القدري و ابن إسحاق النجم و بطليموس و غيهم و نبدأ منها بالقليم الول إل آخرها‬
‫و ال سبحانه و تعال يعصمنا بنه و فضله‪.‬‬
‫القليم الول‪ ،‬و فيه من جهة غربيه الزائر الالدات الت منها بدأ بطليموس بأخذ أطوال البلد و ليست ف بسيط القليم و إنا هي ف البحر‬
‫الحيط ف جزر متكثرة أكبها و أشهرها ثلث و يقال أنا معمورة و قد بلغنا أن سفائن من الفرنج مرت با ف أواسط هذه الائة و‬
‫قاتلوهم فغنموا منهم و سبوا و باعوا بعض أسراهم بسواحل الغرب القصى و صاروا إل خدمة السلطان فلما تعلموا اللسان العرب أخبوا‬
‫عن حال جزائرهم و أنم يتفرون الرض للزراعة بالقرون و أن الديد مفقود بأرضهم و عيشهم من الشعي و ماشيتهم العز و قتالم‬
‫بالجارة يرمونا إل خلف و عبادتم السجود للشمس إذا طلعت و ل يعرفون دينا و ل تبلغهم دعوة و ل يوقف على مكان هذه الزائر إل‬
‫بالعثور ل بالقصد إليها لن سفر السفن ف البحر إنا هو بالرياح و معرفة جهات مهابا و إل أين يوصل إذا مرت على الستقامة من البلد‬
‫الت ف مر ذلك الهب و إذا اختلف الهب و علم حيث يوصل على الستقامة حوذي به القلع ماذاة يمل السفينة با على قواني ف ذلك‬
‫مصلة عند النواتية و اللحي الذين هم رؤساء السفن ف البحر و البلد الت ف حافات البحر الرومي و ف عدوته مكتوبة كلها ف صحيفة‬
‫على شكل ما هي عليه ف الوجود و ف وضعها ف سواحل البحر على ترتيبها و مهاب الرياح و مراتا على اختلفها معها ف تلك الصحيفة‬
‫و يسمونا الكنباص و عليها يعتمدون ف أسفارهم و هذا كله مفقود ف البحر الحيط فلذلك ل تلج فيه السفن لنا إن غابت عن مرأى‬
‫السواحل فقل أن تتدي إل الرجوع إليها مع ما ينعقد ف جو هذا البحر و على سطح مائه من البرة المانعة للسفن ف مسيها و هي‬
‫لبعدها ل تدركها أضواء الشمس النعكسة من سطح الرض فتحللها فلذلك عسر الهتداء إليها و صعب الوقوف على خبها‪ .‬و أما الزء‬
‫الول من هذا القليم ففيه مصب النيل الت من مبدئه عند جبل القمر كما ذكرناه و يسمى نيل السودان و يذهب إل البحر الحيط فيصب‬
‫فيه عند جزيرة أوليك و على هذا النيل مدينة سل و تكرور و غانة و كلها لذا العهد ف ملكة ملك مال من أمم السودان و إل بلدهم‬
‫تسافر تار الغرب القصى و بالقرب منها من شاليها بلد لتونة و سائر طوائف اللثمي و مفاوز يولون فيها و ف جنوب هذا النيل قوم من‬
‫السودان يقال لم (( للم )) و هم كفار و يكتوون ف وجوههم و أصداغهم و أهل غانة و التكرور يغيون عليهم و يسبونم و يبيعونم‬
‫للتجار فيجلبونم إل الغرب و كلهم عامة رقيقهم و ليس وراءهم ف النوب عمران يعتب إل أناسي أقرب إل اليوان العجم من الناطق‬
‫يسكنون الفياف و الكهوف و يأكلون العشب و البوب غي مهيأة و ربا يأكل بعضهم بعضا و ليسوا ف عداد البشر‪ .‬و فواكه بلد‬
‫السودان كلها من قصور صحراء الغرب مثل توات و تكدرارين و وركلن‪ .‬فكان ف غانة فيما يقال ملك و دولة لقوم من العلويي يعرفون‬
‫ببن صال و قال صاحب كتاب روجار إنه صال بن عبد ال بن حسن بن السن و ل يعرف صال هذا ف ولد عبد ال بن حسن و قد‬
‫ذهبت هذه الدولة لذا العهد و صارت غانة لسلطان مال و ف شرقي هذا البلد ف الزء الثالث من القليم بلد ( كوكو ) على نر ينبع من‬
‫بعض البال هنالك و ير مغربا فيغوص ف رمال الزء الثالث و كان ملك كوكو قائما بنفسه ث استول عليها سلطان مال و أصبحت ف‬
‫ملكته و خربت لذا العهد من أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مال ف ملها من تاريخ الببر و ف جنوب بلد كوكو بلد كات‬
‫من أمم السودان و بعدهم و نغارة على ضفة النيل من شاليه و ف شرقي بلد و نغارة و كات بلد زغاوة و تاجرة التصلة بأرض النوبة ف‬
‫الزء الرابع من هذا القليم و فيه ير نيل مصر ذاهبا من مبدإه عند خط الستواء إل البحر الرومي ف الشمال و مرج هذا النيل من جبل‬
‫القمر الذي فوق خط الستواء بست عشرة درجة و اختلفوا ف ضبط هذه اللفظة فضبطها بعضهم يفتح القاف و اليم نسبة إل قمر السماء‬
‫لشدة بياضه و كثرة ضوءه و ف كتاب الشترك لياقوت بضم القاف و سكون اليم نسبةً إل قوم من أهل الند و كذا ضبطه ابن سعيد‬
‫فيخرج من هذا البل عشر عيون تتمع كل خسة منها ف بية و بينهما ستة أميال و يرج من كل واحدة من البحيتي ثلثة أنار تتمع‬
‫كلها ف بطيحة واحدة ف أسفلها جبل معترض يشق البحية من ناحية الشمال و ينقسم ماؤها بقسمي فيمر الغرب منه إل بلد السودان‬
‫مغربا حت يصب ف البحر الحيط و يرج الشرقي منه ذاهبا إل الشمال على بلد البشة و النوبة و فيما بينهما و ينقسما ف أعلى أرض‬
‫مصر فيصب ثلثة من جداوله ف البحر الرومي عند السكندرية‪ .‬و رشيد و دمياط و يصب واحد ف بية ملحة قبل أن يتصل بالبحر ف‬
‫وسط هذا القليم الول و على هذا النيل به بلد النوبة و البشة و بعض بلد الواحات إل أسوان و حاضرة بلد النوبة مدينة دنقلة و هي‬
‫ف غرب هذا النيل و بعدها علوة و بلق و بعدها جبل النادل على ستة مراحل من بلق ف الشمال و هو جبل عال من جهة مصر و‬
‫منخفض من جهة النوبة فينفذ فيه النيل و يصب ف مهوى بعيد صبا هائلً فل يكن أن تسلكه الراكب بل يول الوسق من مراكب‬
‫السودان فيحمل على الظهر إل بلد أسوان قاعدة الصعيد إل فوق النادل و بي النادل و أسوان اثنتا عشرة مرحلة و الواحات ف غربيها‬
‫عدوة النيل و هي الن خراب و با آثار العمارة القدية‪ .‬و ف وسط هذا القليم ف الزء الامس منه بلد البشة على واد يأت من وراء‬
‫خط الستواء ذاهبا إل أرض النوبة فيصب هناك ف النيل الابط إل مصر و قد وهم فيه كثي من الناس و زعموا أنه من نيل القمر و‬
‫بطليموس ذكره ف كتاب الغرافيا و ذكر أنه ليس من هذا النيل‪ .‬و إل وسط هذا القليم ف الزء الاص ينتهي بر الند الذي يدخل من‬
‫ناحية الصي و يغمر عامة هذا القليم إل هذا الزء الامس فل يبقى فيه عمران إل ما كان ف الزائر الت ف داخله و هي متمددة يقال‬
‫تنتهي إل ألف جزيرة أو فيما على سواحله من جهة الشمال و ليس منها ف هذا القليم الول إل طرف من بلد الصي ف جهة الشرق و‬
‫ف بلد اليمن‪ .‬و ف الزء السادس من هذا القليم فيما بي البحرين الابطي من هذا البحر الندي إل جهة الشمال و ها بر قلزم و بر‬
‫فارس و فيما بينهما جزيرة العرب و تشتمل على بلد اليمن و بلد الشحر ف شرقيها على ساحل هذا البحر الندي و على بلد الجاز و‬
‫اليمامة و ما إليهما كما نذكره ف القليم الثان و ما بعده فأما الذي على ساحل هذا البحر من غربيه فبلد زالع من أطراف بلد البشة و‬
‫مالت البجة ف شال البشة ما بي جبل العلقي أعال الصعيد و بي بر القلزم الابط من البحر الندي و تت بلد زالع من جهة الشمال‬
‫ف هذا الزء خليج باب الندب يضيق البحر الابط هنالك بزاحة جبل الندب الائل ف وسط البحر الندي متدا مع ساحل اليمن من‬
‫النوب إل الشمال ف طول اثن عشر ميلً فيضيق البحر بسبب ذلك إل أن يصي ف عرض ثلثة أميال أو نوها و يسمى باب الندب و‬
‫عليه تر مراكب اليمن إل ساحل السويس قريبا من مصر و تت باب الندب جزيرة سواكن و دهلك و قبالته من غربيه مالت البخة من‬
‫أمم السودان كما ذكرناه و من شرقيه ف هذا الزء تائم اليمن و منها على ساحله بلد علي بن يعقوب و ف جهة النوب من بلد زالع و‬
‫على ساحل هذا البحر من غربيه ترى بربر يتلو بعضها بعضا و ينعطف من جنوبيه إل آخر الزء السادس و يليها هنالك من جهة شرقيها‬
‫بلد الزنج ث بلد سفالة من ساحله النوب بلد الوقواق متصلة إل آخر الزء العاشر من هذا القليم عند مدخل هذا البحر من البحر‬
‫الحيط‪ .‬و أما جزائر هذا البحر فكثية‪ .‬من أعظمها جزيرة سرنديب مدورة الشكل‪ .‬و با البل الشهور يقال ليس ف الرض أعلى منه و‬
‫هي قبالة سفالة‪ .‬ث جزيرة القمر و هي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة و تذهب إل الشرق منحرفة بكثي إل أن تقرب من‬
‫سواحل أعال الصي و يتف با ف هذا البحر من جنوبيها جزائر الوقواق و من شرقيها جزائر السيلن إل جزائر أخر ف هذا البحر كثية‬
‫العدد و فيها أنواع الطيب و الفاويه و فيها يقال معادن الذهب و الزمرد و عامة أهلها على دين الجوسية و فيهم ملوك متعددون و بذه‬
‫الزائر من أحوال العمران عجائب ذكرها أهل الغرافيا و على الضفة الشمالية من هذا البحر ف الزء السادس من هذا القليم بلد اليمن‬
‫كلها فمن جهة بر القلزم بلد زبيد و الهجم و تامة اليمن و بعدها بلد صغية مقر المامة الزبدية و هي بعيدة عن البحر النوب و عن‬
‫البحر الشرقي و فيما بعد ذلك مدينة عدن و ف شالا صنعاء و بعدها إل الشرق أرض الحقاف و ظفار و بعدها أرض حضر موت ث‬
‫بلد الشحر ما بي البحر النوب و بر فارس‪ .‬و هذه القطعة من الزء السادس هي الت الكشف عنها البحر من أجزاء هذا القليم الوسطى‬
‫و ينكشف بعدها قليل من الزء التاسع و أكثر منه من العاشر فيه أعال بلد الصي و من مدنه الشهية خانكو و قبالتها من جهة الشرق‬
‫جزائر السيلن و قد تقدم ذكرها و هذا آخر الكلم ف القليم الول و ال سبحانه و تعال و ل التوفيق بنه و فضله‪.‬‬

‫القليم الثان‪ :‬و هو متصل بالول من جهة الشمال و قبالة الغرب منه ف البحر الحيط جزيرتان من الزائر الالدات الت مر ذكرها و ف‬
‫الزء الول و الثان منه ف الانب العلى منهما أرض قنورية و بعدها ف جهة الشرق أعال أرض غانة ث مالت زغاوة من السودان و ف‬
‫الانب السفل منهما صحراء نستر متصلة من الغرب إل الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بي بلد الغرب و بلد السودان و فيها‬
‫مالت اللثمي من صنهاجة و هم شعوب كثية ما بي كزولة و لتونة و مسراتة و لطة و وريكة و على ست هذه الفاوز شرقا أرض فزان‬
‫ث مالت أزكار من قبائل الببر ذاهبة إل أعال الزء الثالث على ستها ف الشرق و بعدها من هذا الزء الثالث و هي جهة الشمال منه‬
‫بقية أرض وذان و على ستها شرقا أرض سنترية و تسمى الواحات الداخلة و ف الزء الرابع من أعله بقية أرض الباجويي ث يعترض ف‬
‫وسط هذا الزء بلد الصعيد حافات النيل الذاهب من مبدأه ف القليم الول إل مصبه ف البحر فيمر ف هذا الزء بي البلي الاجزين و‬
‫ها جبل الواحات من غربيه و جبل القطم من شرقيه و عليه من أعله بلد أسنا و أرمنت و يتصل كذلك حافاته إل أسيوط و قوص ث إل‬
‫صول و يفترق النيل هنالك على شعبي ينتهي الين منهما ف هذا الزء عند اللهون و اليسر عند دلص و فيما بينهما أعال ديار مصر و‬
‫ف الشرق من جبل القطم صحارى عيذاب ذاهبة ف الزء الامس إل أن تنتهي إل بر السويس و هو بر القلزم الابط من البحر الندي ف‬
‫النوب إل جهة الشمال و ف عدوته الشرقية من هذا الزء أرض الجاز من جبل يلملم إل بلد يثرب ف وسط الجاز مكة شرفها ال و‬
‫ف ساحلها مدينة جدة تقابل بلد عيذاب ف العدوة الغربية من هذا البحر‪ .‬و ف الزء السادس من غربيه بلد ند أعلها ف النوب و تبالة و‬
‫جرش إل عكاظ من الشمال و تت ند من هذا الزء بقية أرض الجاز و على ستها ف الشرق بلد نران و خيب و تتها أرض اليمامة و‬
‫على ست نران ف الشرق أرض سبأ و مأرب ث أرض الشحر و ينتهي إل بر فارس و هو البحر الثان الابط من البحر الندي إل الشمال‬
‫كما مر و يذهب ف هذا الزء بانراف إل الغرب فيمر ما بي شرقيه و جوفيه قطعة مثلثة عليها من أعله مدينة قلهات و هي ساحل‬
‫الشحر ث تتها على ساحله بلد عمال‪ .‬ث بلد البحرين و هجر منها ف آخر الزء و ف الزء السابع ف العلى من غربيه قطعة من بر‬
‫فارس تتصل ب القطعة الخرى ف السادس و يغمر بر الند جانبه العلى كله و عليه هنالك بلد السند إل بلد مكران و يقابلها بلد‬
‫الطوبران و هي من السند أيضا فيتصل السند كله ف الانب الغرب من هذا الزء و تول الفاوز بينه و بي أرض الند و ير فيه نره الت‬
‫من ناحية بلد الند و يصب ف البحر الندي ف النوب و أول بلد الند على ساحل البحر الندي و ف ستها شرقا بلد بلهرا و تتها‬
‫اللتان بلد الصنم العظم عندهم‪ ،‬ث إل أسفل من السند‪ ،‬ث إل أعال بلد سجستان‪ .‬و ف الزء الثامن من غربيه بقية بلد بلهرا من الند‪،‬‬
‫و على ستها شرقا بلد القندهار‪ .‬ث بلد منيبار و ف الانب العلى على ساحل البحر الندي و تتها ف الالب السفل أرض كابل و‬
‫بعدها شرقا إل البحر الحيط بلد القنوج ما بي قشمي الداخلة و قشمي الارجة عند آخر القليم و ف الزء التاسع ث ف الانب الغرب‬
‫منه بلد الند القصى و يتصل فيه إل الانب الشرقي فيتصل من أعله إل العاشر و تبقى ف أسفل ذلك الانب قطعة من بلد الصي فيها‬
‫مدينة شيغون ث تتصل بلد الصي ف الزء العاشر كله إل البحر الحيط و ال و رسوله أعلم و به سبحانه التوفيق و هو و ل الفضل و‬
‫الكرم‪.‬‬

‫القليم الثالث‪ :‬و هو متصل بالثان من جهة الشمال ففي الزء الول منه و على نو الثلث من أعله جبل درن معترض فيه من غربيه عند‬
‫البحر الحيط إل الشرق عند آخر و يسكن هذا البل من الببر أمم ل يصيهم إل خالقهم حسبما يأت ذكره و ف القطعة الت بي هذا‬
‫البل و القليم الثان و على البحر الحيط منها رباط ماسة و يتصل به شرقا بلد سوس و نول و على ستها شرقا بلد درعة ث بلد‬
‫سجلماسة ث قطعة من صحراء نستر الفازة الت ذكرناها ف القليم الثان و هذا البل مطل على هذه البلد كلها ف هذا الزء و هو قليل‬
‫الثنايا و السالك ف هذه الناحية الغربية إل أن يسامت وادي ملوية فتكثر ثناياه و مسالكه إل أن ينتهي و ف هذه الناحية منه أمم الصامدة ث‬
‫هنتانة ث تينملك ث كدميوه ث مشكورة و ث آخر الصامدة فيه ث قبائل صنهاكة و هم صنهاجة و ف آخر هذا الزء منه بعض قبائل زناتة و‬
‫يتصل به هنالك من جوفيه جبل أوراس و هو جبل كتامة و بعد ذلك أمم أخرى من البابرة نذكرهم ف أماكنهم‪ .‬ث إن جبل درن هذا من‬
‫جهة غربيه مطل على بلد الغرب القصى و هي ف جوفيه ففي الناحية النوبية منها بلد مراكش و أغمات و تاد ًل و على البحر الحيط‬
‫منها رباط أسفى و مدينة سل و ف الوف عن بلد مراكش بلد فاس و مكناسة و تازا و قصر كتامة و هذه هي الت تسمى الغرب‬
‫القصى ف عرف أهلها و على ساحل البحر الحيط منها بلدان أصيل و العرايش و ف ست هذه البلد شرقا بلد الغرب الوسط و قاعدتا‬
‫تلمسان و ف سواحلها على البحر الرومي بلد هني و وهران و الزائر لن هذا البحر الرومي يرج من البحر الحيط من خليج طنجة ف‬
‫الناحية الغربية من القليم الرابع و يذهب مشرقا فينتهي إل بلد الشام فإذا خرج من الليج التضايق غي بعيد انفسح جنوبا و شا ًل فدخل‬
‫ف القليم الثالث و الامس فلهذا كان على ساحله من هذا القليم الثالث الكثي ف بلده ث يتصل ببلد الزائر من شرقيها بلد باية ف‬
‫ساحل البحر ث قسطنطينية ف الشرق منها و ف آخر الزء الول و على مرحلة من هذا البحر ف جنوب هذه البلد و مرتفعا إل جنوب‬
‫الغرب الوسط بلد أشي ث بلد السيلة ث الزاب و قاعدته بسكرة تت جبل أوراس التصل بدرن كما مر و ذلك عند آخر هذا الزء من‬
‫جهة الشرق و الزء الثالث من هذا القليم على هيئة الزء الول ث جبل درن على نو الثلث من جنوبه ذاهبا فيه من غرب إل شرق‬
‫فيقسمه بقطعتي و يعب البحر الرومي مسافة من شاله فالقطعة النوبية عن جبل درن غربيها كله مفاوز و ف الشرق منها بلد عذامس و ف‬
‫ستها شرقا أرض و دان الت بقيتها ف القليم الثان كما مر و القطعة الوفية عن جبل درن ما بينه و بي البحر الرومي ف الغرب منها جبل‬
‫أوراس و تبسة و الوبس و على ساحل البحر بلد بونة ث ف ست هذه البلد شرقا بلد أفريقية فعلى ساحل البحر مدينة تونس ث السوسة‬
‫ث الهدية و ف جنوب هذه البلد تت جبل درن بلد الريد توزر و قفصة و نفراوة و فيما بينها و بي السواحل مدينة القيوان و جبل و‬
‫سلت و سبيطلة و على ست هذه البلد كلها شرقا بلد طرابلس على البحر الرومي و بإزائها ف النوب جبل دمر و نقرة من قبائل هوارة‬
‫متصلة ببل درن و ف مقابلة غذامس الت مر ف نرها ف آخر القطعة النوبية و آخر هذا الزء ف الشرق سويقة ابن مشكورة على البحر و‬
‫ف جنوبا مالت العرب ف أرض و دان و ف الزء الثالث من هذا القليم ير أيضا فيه جبل درن إل أنه ينعطف عند آخر إل الشمال و‬
‫يذهب على سته إل أن يدخل ف البحر الرومي و يسمى هنالك طرف أوثان و البحر الرومي من شاليه يغمر طائفة منه إل أن يضايق ما بينه‬
‫و بي جبل درن فالذي وراء البل ف النوب و ف الغرب منه بقية أرض و دان‪ .‬و مالت العرب فيها ث زويلة ابن خطاب ث رمال و قفار‬
‫إل آخر الزء ف الشرقي و فيما بي البل و البحر ف الغرب منه بلد سرت على البحر ث خلء و قفار تول فيها العرب ث أجدابية ث برقة‬
‫عند منعطف البل ث طلمسة على البحر هنالك ث ف شرقي النعطف من البل مالت هيب و رواحة إل آخر الزء و ف الزء الرابع من‬
‫هذا القليم و ف العلى من غربيه صحارى برقيق و أسفل منها بلد هيب و رواحة ث يدخل البحر الرومي ف هذا الزء فيغي طائفة منه إل‬
‫النوب حت يزاحم طرفه العلى و يبقى بينه و بي آخر الزء فيها قفار تول فيها العرب و على ستها شرقا بلد الفيوم و هي على مصب‬
‫أحد الشعبي من النيل الذي ير على اللهون من بلد الصعيد ف الزء الرابع من القليم الثان و يصب ف بية فيوم و على سته شرقا أرض‬
‫مصر و مدينتها الشهية على الشعب الثان الذي ير بدلص من بلد الصعيد عند آخر الزء الثان و يفترق هذا الشعب افتراقه ثانية من‬
‫تت مصر على شعبي آخرين من شطنوف و زفت و ينقسم الين منهما من قرمط بشعبي آخرين و يصب جيعها ف البحر الرومي فعلى‬
‫مصب الغرب من هذا الشعب بلد السكندرية و على مصب الوسط بلد رشيد و على مصب الشرقي بلد دمياط و بي مصر و القاهرة و بي‬
‫هذه السواحل البحرية أسافل الديار الصرية كلها مشوة عمرانا و فلجا و ف الزء الاص من هذا القليم بلد الشام و كثرها على ما‬
‫أصف و ذلك لن بر القلزم ينتهي من النوب و ف الغرب منه عند السويس لنه ف مره مبتدىء من البحر الندي إل الشمال ينعطف‬
‫آخذا إل جهة الغرب فتكون قطعة من انعطافه ف الزء طويلة فينتهي ف الطرف الغرب منه إل السويس و على هذه القطعة بغد السويس‬
‫فاران ث جبل الطور ث أيلة مدين ث الوراء ف آخرها و من هنالك ينعطف بساحله إل النوب ف أرضي الجاز كما مر ف القليم الثان‬
‫ف الزء الامس منه و ف الناحية الشمالية من هذا الزء قطعة من البحر الرومي غمرت كثيا من غربيه عليها الفرما و العريش و قارب‬
‫طرفها بلد القلزم فيضايق ما بينهما من هنالك و بقي شبه الباب مفضيا إل أرض الشام و ف غرب هذا الباب فحص التيه أرض جرداء ل‬
‫تنبت كانت ما ًل لبن إسرائيل بعد خروجهم من مصر و قبل دخولم إل الشام أربعي سنة كما قصة القرآن‪ ،‬و ف هذه القطعة من البحر‬
‫الرومي ف هذا الزء طائفة من جزيرة قبص و بقيتها ف القليم الرابع كما نذكره و على ساحل هذه القطعة عند الطرف التضايق لبحر‬
‫السويس بلد العريش و هو آخر الديار الصرية و عسقلن و بينهما طرف هذا البحر ث تنحط هذه القطعة ف انعطافها من هنالك إل القليم‬
‫الرابع عند طرابلس و غزة و هنالك ينتهي البحر الرومي ف جهة الشرق و على هذه القطعة أكثر سواحل الشام ففي شرقه غزة ث عسقلن‬
‫و بانراف يسي عنها إل الشمال بلد قيسارية ث كذلك بلد عكاء ث صور ث صيداء ث ينعطف البحر إل الشمال ف القليم الرابع و يقابل‬
‫هذه البلد الساحلية من هذه القطعة ف هذا الزء جبل عظيها يرج من ساحل أيلة من بر القلزم و يذهب ف ناحية الشمال منحرفا إل‬
‫الشرق إل أن ياوز هذا الزء و يسمى جبل اللكام و كأنه حاجز بي أرض مصر و الشام ففي طرفه عند أيلة العقبة الت يفر عليها الجاج‬
‫من مصر إل مكة ث بعدها ف ناحية الشمال مدفن الليل عليه الصلة و السلم عند جبل السراة يتصل من عند جبل اللكام الذكور من‬
‫شال العقبة ذاهبا على ست الشرق ث ينعطف قليلً و ف شرقه هنالك بلد الجر و ديار ثود و تيماء و دومة الندل و هي أسافل الجاز و‬
‫فوقها جبل رضوى و حصون خيب ف جهة النوب عنها و فيما بي جبل السراة و بر القلزم صحراء تبوك و ف شال جبل السراة مدينة‬
‫القدس عند جبل اللكام ث الردن ث طبية و ف شرقيها بلد الغور إل أذرعات و ف ستها دومة الندل آخر هذا الزء و هي آخر الجاز‪.‬‬
‫و عند منعطف جبل اللكام إل الشمال من آخر هذا الزء مدينة دمشق مقابلة صيدا و بيوت من القطعة البحرية و جبل اللكام يعترض بينها‬
‫و بينها و على سنت دمشق ف الشرق مدينة بعلبك ث مدينة حص ف الهة الشمالية آخر الزء عند منقطع جبل اللكام و ف الشرق عن‬
‫بعلبك و حص بلد تدمر و مالت البادية إل آخر الزء و ف الزء السادس من أعله مالت العراب تت بلد ند و اليمامة ما بي جبل‬
‫العرج و الصمان إل البحرين و هجر على بر فارس و ف أسافل هذا الزء تت الجالت بلد الية و القادسية و مغايض الفرات‪ .‬و فيما‬
‫بعدها شرقا مدينة البصرة و ف هذا الزء ينتهي بر فارس عند عبادان و اليلة من أسافل الزء من شاله و يصب! فيه عند عبادان نر دجلة‬
‫بعد أن ينقسم بداول كثية و تتلط به جداول أخرى من الفرات ث تتمع كلها عند عبادان و تصب ف بر فارس و هذه القطعة من البحر‬
‫متسعة ف أعله مضايقة ف آخر ف شرقيه و ضيقة عند منتهاه مضايقة للحد الشمال منه و على عدوتا الغربية منه أسافل البحرين و هجر و‬
‫الحساء و ف غربا أخطب و الصمان و بقية أرض اليمامة و على عدوته الشرقية سواحل فارس من أعلها و هو من عند آخر الزء من‬
‫الشرق لا على طرف قد امتد من هذا البحر مشرقا و وراءه إل النوب ف هذا الزء جبال القفص من كرمان و تت هرمز على الساحل‬
‫بلد سياف و نيم على ساحل هذا البحر و ف شرقيه إل آخر هذا الزء و تت هرمز بلد فارس مثل سابور و دار أبرد و نسا و إصطخر‬
‫و الشاهجان و شياز و هي قاعدتا كلها و تت بلد فارس إل الشمال عند طرف البحر بلد خوزستان و منها الهواز و تستر و صدى و‬
‫سابور و السوس و رام هرمز و غيها و أزجال و هي حد ما بي فارس و خوزستان و ف شرقي بلد خوزستان جبال الكراد متصلة إل‬
‫نواحي أصبهان و با مساكنهم و مالتم وراءها ف أرض فارس و تسمى الرسوم‪ .‬و ف الزء السابع ف العلى منه من الغرب بقية جبال‬
‫القفص و يليها من النوب و الشمال بلد كرمان و مكران و من مدنا الرودن و الشيجان و جيفت و يزدشي و البهرج و تت أرض‬
‫كرمان إل الشمال بقية بلد فارس إل حدود أصبهان و مدينة أصبهان ف طرف هذا الزء ما بي غربه و شاله ث ف الشرق عن بلد‬
‫كرمان و بلد فارس أرض سجستان و كوهستان ف النوب و أرض كوهستان ف الشمال عنها و يتوسط بي كرمان و فارس و بي‬
‫سجستان و كوهستان‪ ،‬و ف وسط هذا الزء الفاوز العظمى القليلة السالك لصعوبتها من مدن سجستان بست الطاق و أما كوهستان‬
‫فهي من بلد خراسان و من مشاهي بلد سرخس و قوهستان آخر الزء‪ .‬و ف الزء الثامن غربه و جنوبه مالت اللج من أمم الترك‬
‫متصلة بأرض سجستان من غربا و بأرض كابل الند من جنوبا و ف الشمال عن هذه الجالة جبال الغور و بلدها و قاعدتا غزنة فرضة‬
‫الند و ف آخر الغور من الشمال بلد أستراباذ ث ف الشمال غربا إل أخر الزء بلد هراة أوسط خراسان و با أسفراين و قاشان و بوشنج‬
‫و مرو الروذ و الطالقان و الوزجان و تنتهي خراسان هنالك إل نر جيحون‪.‬‬

‫القسم الثان من تفصيل الكلم على هذه الغرافيا‬


‫و على هذا النهر من بلد خراسان من غرببه مدينة بلخ و ف شرقيه مدينة ترمذ و مدينة بلخ كانت كرسي ملكة الترك و هذا النهر نر‬
‫جيحون مرجه من بلد و جار ف حدود بذخشان ما يلي الند و يرج من جنوب هذا الزء و عند آخر من الشرق فينعطف عن قرب‬
‫مغربا إل وسط الزء و يسمى هنالك نر خرناب ث ينعطف إل الشمال حت ير براسان و يذهب على سنته إل أن يصب ف بية‬
‫خوارزم ف القليم لامس كما نذكره و يده عند انعطافه ف وسط الزء من النوب إل الشمال خسة أنار عظيمة من بلد التل و‬
‫الوخش من شرقيه و أنار أخرى من جبال البتم من شرقيه أيضا و جوف البل حت يتسع و يعظم با ل كفاء له و من هذه النار المسة‬
‫المدة له نر و خشاب يرج من بلد التبت و هي بي النوب و الشرق من هذا الزء فيمر مغربا بالر إل الشمال إل أن يرج إل الزء‬
‫التاسع قريبا من شال هذا الزء يعترضه ف طريقه جبل عظيم ير من وسط النوب ف هذا الزء و يذهب مشرقا بانراف إل الشمال إل‬
‫أن يرج إل الزء التاسع قريبا من شال هذا الزء فيجوز بلد التبت إل القطعة الشرقية النوبية من هذا الزء و يول بي الترك و بي بلد‬
‫التل و ليس فيه إل مسلك واحد ف وسط الشرق من هذا الزء جعل فيه الفصل بن يي سدا و بن فيه بابا كسد ياجوج و ماجوج فإذا‬
‫خرج نر و خشاب من بلد التبت و اعترضه هذا البل فيمر تته ف مدى بعيد إل أن ير ف بلد الوخش و يصب ف نر جيحون عند‬
‫حدود بلخ ث ير هابطا إل الترمذ ف الشمال إل بلد الوزجان و ف الشرق عن بلد الغور فيما بينها و بي نر جيحون بلد الناسان من‬
‫خراسان و ف العدوة الشرقية هنالك من النهر بلد التل و أكثرها جبال و بلد الوخش و يدها من جهة الشمال جبال البتم ترج من‬
‫طرف خراسان غرب نر جيحون و تذهب مشرقةً إل أن يتصل طرفها بالبل العظيم الذي خلفه بلد التبت و ير تته نر و خشاب كما‬
‫قلناه فيتصل عند باب الفضل بن يي و ير نر جيحون بي هذه البال و أنار أخرى تصب فيه منها نر بلد الوخش يصب فيه من الشرق‬
‫تت الترمذ إل جهة الشمال و نر بلخ يرج من جبال البتم مبدإه عند الوزجان و يصب فيه من غربيه و على هذا النهر من غربيه بلد‬
‫آمد من خراسان و ف شرقي النهر من هنالك أرض الصغد و أسر وشنة من بلد الترك و ف شرقها أرض فرغانة أيضا إل آخر الزء شرقا و‬
‫كل بلد الترك توزها جبال البتم إل شالا و ف الزء التاسع من غربه أرض التبت إل وسط الزء و ف جنوبيها بلد الند و ف شرقيها‬
‫بلد الصي إل آخر الزء و ف أسفل هذا الزء شالً عن بلد التبت بلد الزلية من بلد الترك إل آخر الزء شرقا و شالً و يتصل با‬
‫من غربيها أرض فرغانة أيضا إل آخر الزء شرقا و من شرقيها أرض التغرغر من الترك إل الزء شرقا و شالً‪ .‬و ف الزء العاشر ف‬
‫النوب منه جيعا بقية الصي و أسافله و ف الشمال بقية بلد التغرغر ث شرقا عنهم بلد خرخي من الترك أيضا إل آخر الزء شرقا و ف‬
‫الشمال من أرض خرخي بلد كتمان من الترك و قبالتها ف البحر الحيط جزيرة الياقوت ف وسط جبل مستدير ل منفذ منه إليها و ل‬
‫مسلك و الصعود إل أعله من خارجه صعب ف الغاية و ف الزيرة حيات قتالة و حصى من الياقوت كثية فيحتال أهل تلك الناحية با‬
‫يلهمهم ال إليه و أهل هذه البلد ف هذا الزء التاسع و العاشر فيما وراء خراسان و البال كلها مالت للترك أمم ل تصى و هم ظواعن‬
‫رحالة أهل إبل و شاء و بقر و خيل للنتاج و الركوب و الكل و طوائفهم كثية ل يصيهم إل خالقهم و فيهم مسلمون ما يلي بلد النهر‬
‫نر جيحون و يغزون الكفار منهم الدائني بالجوسية فيبيعون رقيقهم لن يليهم و يرجون إل بلد خراسان و الند و العراق‬

‫القليم الرابع‪ :‬يتصل بالثالث من جهة الشمال‪ .‬و الزء الول منه ف غربيه قطعة من البحر الحيط مستطيلة من أوله جنوبا إل آخر شالً و‬
‫عليها ف النوب مدينة طنجة و من هذه القطعة تت طنجة من البحر الحيط إل البحر الرومي ف خليج متضايق بقدار اثن عشر ميلً ما‬
‫بي طريف و الزيرة الضراء شالً و قصر الجاز و سبتة جنوبا و يذهب مشرقا إل أن ينتهي إل وسط الزء الامس من هذا القليم و‬
‫ينفسح ف ذهابه بتدريج إل أن يغمر الربعة الجزاء و أكثر الامس من هذا القليم الثالث و الامس كما سنذكره و يسمى هذا البحر‬
‫البحر الشامي أيضا و فيه جزائر كثية أعظمها ف جهة الغرب يابسة ث ما يرقة ث منرقة ث سردانية ث صقلية و هي أعظمها ث بلونس ث‬
‫أقريطش ث قبص كما نذكرها كلها ف أجزائها الت وقعت فيها و يرج من هذا البحر الرومي عند آخر الزء الثالث منه و ف الزء الثالث‬
‫من القليم الامس خليج البنادقة يذهب إل ناحية الشمال ث ينعطف عند وسط الزء من جوفه و ير مغربا إل أن ينتهي ف الزء الثان من‬
‫الامس و يرج منه أيضا ف آخر الزء الرابع شرقا من القليم الامس خليج القسطنطينية ير ف الشمال متضايقا ف عرض رمية السهم إل‬
‫آخر القليم ث يفضي إل الزء الرابع من القليم السادس و ينعطف إل بر نيطش ذاهبا إل الشرق ف الزء الامس كله و نصف السادس‬
‫من القليم السادس كما نذكر ذلك ف أماكنه و عندما يرج هذا البحر الرومي من البحر الحيط ف خليج طنجة و ينفسح إل القليم‬
‫الثالث‪ .‬يبقى ف النوب عن الليج قطعة صغية من هذا الزء فيها مدينة طنجة على ممع البحرين و بعدها مدينة سبتة على البحر الرومي‬
‫ث قطأون ث باديس ث يغمر هذا البحر بقية هذا الزء شرقا و يرج إل الثالث و أكثر العمارة ف هذا الزء ف شاله و شال الليج منه و‬
‫هي كلها بلد الندلس الغربية منها ما بي البحر الحيط و البحر الرومي أولا طريف عند ممع البحرين و ف الشرق منها على ساحل البحر‬
‫الرومي الزيرة الضراء ث مالقة ث النقب ث الرية و تت هذه من لدن البحر الحيط غربا و على مقربة منه شريش ث لبلة و قبالتها فيه‬
‫جزيرة قادس و ف الشرق عن شريش و لبلة إشبيلية ث أستجة و قرطبة و مديلة ث غرناطة و جيان و أبدة ث و اديش و بسطة و تت هذه‬
‫شنتمرية و شلب على البحر الحيط غربا و ف الشرق عنهما بطلموس و ماردة و يابرة ث غافق و بزجالة ث قلعة رياح و تت هذه أشبونة‬
‫على البحر الحيط غربا و على نر باجة و ف الشرق عنها شنترين و موزية على النهر الذكور ث قنطرة السيف و يسامت اشبونة من جهة‬
‫الشرق جبل الشارات يبدأ من الغرب هنالك و يذهب مشرقا مع آخر الزء من شاليه فينتهي إل مدينة سال فيما بعد النصف منه و تت‬
‫هذا البل طلبية ف الشرق من فورنة ث طليطلة ث وادي الجارة ث مدينة سال و عند أول هذا البل فيما بينه و بي أشبونة بلد قلمرية و‬
‫هذه غرب الندلس‪ .‬و أما شرقي الندلس فعلى ساحل البحر الرومي منها بعد الرية قرطاجنة ث لفتة ث دانية ث بلنسية إل طرطوشة آخر‬
‫الزء ف الشرق‪ ،‬و تتها شالً ليورقة و شقورة تتاخان بسطة و قلعة رياح من غرب الندلس ث مرسية شرقا ث شاطبة تت بلنسية شالً ث‬
‫شقر ث طرطوشة ث طركونة آخر الزء ث تت هذه شالً أرض منجالة وريدة متاخان لشقورة و طليطلة من الغرب ث أفراغة شرقا تت‬
‫طرطوشة و شالً عنها ث ف الشرق عن مدينة سال تقلة أيوب ث سرقسطة ث لردة آخر الزء شرقا و شالً‪ .‬و الزء الثان من هذا القليم‬
‫غمر الاء جيعه إل قطعة من غربيه ف الشمال فيها بقية جبل البنات و معناه جبل الثنايا و السالك يرج إليه من آخر الزء الول من‬
‫القليم الامس يبدأ من الطرف النتهي‪ ،‬من البحر الحيط عند آخر ذلك الزء جنوبا و شرقا و ير ف النوب بالر إل الشرق فيخرج ف‬
‫هذا القليم الرابع منحرفا عن الزء الول منه إل هذا الزء الثان فيقع فيه قطعة منه تفضي ثناياها إل الب التصل و تسمى أرض غشكونية‬
‫و فيه مدينة خريدة و قرقشونة و على ساحل البحر الرومي من هذه القطعة مدينة برشلونة ث أربونة و ف هذا البحر الذي غمر الزء جزائر‬
‫كثية و الكثي منها غي مسكون لصغرها ففي غربيه جزيرة سردانية و ف شرقيه جزيرة صقلية متسعة القطار يقال إن دورها سبعمائة ميل و‬
‫با مدن كثية من مشاهيها سرقوسة و بلرم و طرابغة و مازر و مسين و هذه الزيرة تقابل أرض أفريقية و فيما بينهما جزيرة أعدوش و‬
‫مالطة‪ .‬و الزء الثالث من هذا القليم مغمور أيضا بالبحر إل ثلث قطع من ناحية الشمال الغربية منها أرض قلورية و الوسطى من أرض‬
‫أبكيدة و الشرقية من بلد البنادقة‪ .‬و الزء الرابع من هذا القليم مغمور أيضا بالبحر كما مر و جزائره كثية و أكثرها غي مسكون كما‬
‫ف الثالث و الغمور منها جزيرة بلونس ف الناحية الغريبة الشمالية و جزيرة أقريطش مستطيلة من وسط الزء إل ما بي النوب و الشرق‬
‫منة‪ .‬و الزء الامس من هذا القليم غمر البحر منه مثلثة كبية بي النوب و الغرب ينتهي الضلع الغرب منها إل‪ ،‬آخر الزء ف الشمال و‬
‫ينتهي الضلع النوب منها إل نو الثلثي من الزء و يبقى ف الالب الشرقي من الزء قطعة نو الثلث ير الشمال منها إل الغرب منعطفا‬
‫مع البحر كما قلناه و ف النصف النوب منها أسافل الشام و ير ف وسطها جبل اللكام إل أن ينتهي إل آخر الشام ف الشمال فينعطف من‬
‫هنالك ذاهبا إل القطر الشرقي الشمال و يسمى بعد انعطافه جبل السلسلة و من هنالك يرج إل القليم الامس و يوز من عند منعطفه‬
‫قطعة من بلد الزيرة إل جهة الشرق و يقوم من عند منعطفه من جهة الغرب جبال متصلة بعضها ببعض إل أن ينتهي إل طرف خارج‬
‫من البحر الرومي متأخر إل آخر الزء من الشمال و بي هذه البال ثنايا تسمى الدروب و هي الت تفضي إل بلد الرمن و ف هذا الزء‬
‫قطعة منها بي هذه البال و بي جبل السلسلة فأما الهة النوبية الت قدمنا أن فيها أسافل الشام و أن جبل اللكام معترض فيها بي البحر‬
‫الرومي و آخر الزء من النوب إل الشمال فعلى ساحلي البحر بلد أنطرطوس ف أول الزء من النوب متاخة لغزة و طرابلس على ساحله‬
‫من القليم الثالث و ف شال أنطرطوس جبلة ث اللذقية ث إسكندرونة ث سلوقية و بعدها شالً بلد الروم و أما جبل اللكام العترض بي‬
‫البحر و آخر الزء بافاته فيصاقبه من بلد الشام من أعلى الزء جنوبا من غربيه حصن الوان و هو للحشيشة الساعيلية و يعرفون لذا‬
‫العهد بالفداوية و يسمى مصيات و هو قبالة أنطرطوس و قبالة هذا الصن ف شرق البل بلد سلمية ف الشمال عن حص و ف الشمال و‬
‫ف مصيات بي البل و البحر بلد انطاكية و يقابلها ف شرق البل العرة و ف شرقها الراغة و ف شال انطاكية الصيصة ث أذنة ث طرسوس‬
‫آخر الشام و ياذيها من غرب البل قنسرين ث عي زربة و قبالة قنسرين ف شرق البل حلب و يقابل عي زربة منبج آخر الشام‪ .‬و أما‬
‫الدروب فعن يينها ما بينها و بي البحر الرومي بلد الروم الت هي لذا العهد للتركمان و سلطانا ابن عثمان و ف ساحل البحر منها بلد‬
‫أنطاكية و العليا‪ .‬و أما بلد الرمن الت بي جبل الدروب و جبل السلسلة ففيها بلد مرعش و ملطية و العرة إل آخر الزء الشمال و‬
‫يرج من الزء الامس ف بلد الرمن نر جيحان و نر سيحان ف شرقيه فيمر با جيحان جنوبا حت يتجاوز الدروب ث ير بطرسوس ث‬
‫بالصيصة ث ينعطف هابطا إل الشمال و مغربا حت يصب ف البحر الرومي جنوب سلوقية و ير نر سيحان مؤازيا لنهر جيحان فيحاذى‬
‫العرة و مرعش و يتجاوز جبال الدروب إل أرض الشام ث ير بعي زربة و يوز عن نر جيحان ث ينعطف إل الشمال مغربا فيختلط بنهر‬
‫جيحان عند الصيصة و من غربا و أما بلد الزيرة الت ييط با منعطف جبل اللكام إل جبل السلسلة ففي جنوبا الرافضة و الرقة ث حران‬
‫ث سروج و الرها ث نصيبي ث سيساط و آمد تت جبل السلسلة و آخر الزء من شاله و هو أيضا آخر الزء من شرقيه و ير ف وسط‬
‫هذه القطعة نر الفرات و نر دجلة يرجان من القليم الامس و يران ف بلد الرمن جنوبا إل أن يتجاوزا جبل السلسلة فيمر نر الفرات‬
‫من غرب سيساط و سروج و ينحرف إل الشرق فيمر بقرب الرافضة و الرقة و يرج إل الزء السادس و ير دجلة شرق آمد و ينعطف‬
‫قريبا إل الشرق فيخرج قريبا إل الزء السادس و ف الزء السادس من هذا القليم من غربيه بلد الزيرة و ف الشرق منها بلد العراق‬
‫متصلة با تنتهي ف الشرق إل قرب آخر الزء و يعترض من آخر العراق هنالك جبل أصبهان هابطا من جنوب الزء منحرفا إل الغرب‬
‫فإذا انتهي إل وسط الزء من آخر ف الشمال يذهب مغربا إل أن يرج من الزء السادس و يتصل على سنته ببل السلسلة ف الزء‬
‫الامس فينقطع هذا الزة السادس بقطعتي غربية و شرقية ففي الغربية من جنوبيها مرج الفرات من الامس و ف شاليها مرج دجلة منه‬
‫أما الفرات فأول ما يرج إل السادس ير بقرقيسيا و يرج من هنالك جدول إل الشمال ينساب ف أرض الزيرة و يغوص ف نواحيها و‬
‫ير من قرقيسيا غي بعيد ث ينعطف إل النوب فيمر بقرب الابور إل غرب الرحبة و يرج منه جداول من هنالك ير جنوبا و لبقى صفي‬
‫ف غربيه ث ينعطف شرقا و ينقسم بشعوب فيمر بعضها بالكوفة و بعضها بقصر ابن هبية و بالامعي و ترج جيعا ف جنوب الزء إل‬
‫القليم الثالث فيغوص هنالك ف شرق الية و القادسية و يرج الفرات من الرحبة مشرقا على سته إل هيت من شالا ير إل الزاب و‬
‫النبار من جنوبما ث يصب ف دجلة عند بغداد‪ .‬و أما نر دجلة فإذا دخل من الزء الامس إل هذا الزء ير بزيرة ابن عمر على شالا ث‬
‫بالوصل كذلك و تكريت و ينتهي إل الديثة فينعطف جنوبا و تبقى الديثة ف شرقه و الزاب الكبي و الصغي كذلك و ير على سته‬
‫جنوبا و ف غرب القادسية إل أن ينتهي إل بغداد و يتلط بالفرات ث ير جنوبا على غرب جرجرايا إل أن يرج من الزء إل القليم‬
‫الثالث فتنتشر هنالك شعوبه و جداوله ث يتمع و يصب هنالك ف بر فارس عند عبادان و فيما بي نر دجلة و الفرات قبل ممعهما كما‬
‫يبغداد هي بلد الزيرة و يتلط بنهر دجلة بعد مفارقته ببغداد نر آخر يأت من الهة الشرقية الشمالية منه و ينتهي إل بلد النهروان قبالة‬
‫بغداد شرقا ث ينعطف جنوبا و يتلط بدجلة قبل خروجه إل القليم الثالث و يبقى ما بي هذا النهر و بي جبل العراق و العاجم بلد‬
‫جلولء و ف شرقها عند البل بلد حلوان و صيمرة‪ .‬و أما القطعة الغربية من الزء فيعترض‪ ،‬جبل يبدأ من جبل العاجيم مشرقا إل آخر‬
‫الزء و يسمى جبل شهرزور و يقسمها بقطعتي ف النوب من هذه القطعة الصغرى بلد خونان من الغرب و الشمال عن أصبهان و‬
‫تسمى هذه القطعة بلد اللوس و ف وسطها بلد ناوند و ف شالا بلد شهرزور غربا عند ملتقى البلي و الدينور شرقا عند آخر الزء و ف‬
‫القطعة الصغرى الثانية من بلد أرمينية قاعدتا الراغة و الذي يقابلها من جبل العراق يسمى باريا و هو مساكن للكراد و الزاب الكبي و‬
‫الصغي الذي على دجلة من ورائه و ف آخر هذه القطعة من جهة الشرق بلد أذربيجان و منها تبيز و البيدقان و ف الزاوية الشرقية‬
‫الشمالية من هذا الزء قطعة من بر نيطش و هو بر الزر و ف الزء السابع من هذا القليم من غربه و جنوبه معظم بلد اللوس و فيها‬
‫هذان و قزوين و بقيتها ف القليم الثالث و فيها هنالك أصبهان و ييط با من النوب جبل يرج من غربا و ير بالقليم الثالث ث ينعطف‬
‫من الزء السادس إل القليم الرابع و يتصل ببل العراق ف شرقيه الذي مر ذكره هنالك و إنه ميط ببلد اللوس ف القطعة الشرقية و يهبط‬
‫هذا البل الحيط بأصبهان من القليم الثالث إل جهة الشمال و يرج إل هذا الزء السابع ميط ببلد اللوس من شرقها و تته هنالك‬
‫قاشان ث قم و ينعطف ف قرب النصف من طريقه مغربا بعض الشيء ث يرجع مستديرا فيذهب مشرقا و منحرفا إل الشمال حت يرج إل‬
‫القليم الامس و يشتمل على منعطفه و استدارته على بلد الري ف شرقيه و يبدأ من منعطفه جبل آخر ير غربا إل آخر هذا الزء و من‬
‫جنوبه من هنالك قزوين و من جانبه الشمال و جانب جبل الري التصل معه ذاهبا إل الشرق و الشمال إل وسط الزء ث إل القليم‬
‫الاص بلد طبستان فيما بي هذه البال و بي قطعة من بر طبستان و يدخل من القليم الامس ف هذا الزء ف نو النصف من غربه‬
‫إل شرقه و يعترض عند جبل الري و عند انعطافه إل الغرب جبل متصل ير على سته مشرقا و بانران قليل إل النوب حت يدخل ف‬
‫الزء الثامن من غربه و يبقى بي جبل الري و هذا البل من عند مبدأها بلد جرجان فيما بي البلي و منها بسطام و وراء هذا البل‬
‫قطعة من هذا الزء فيها بقية الفازة الت بي فارس و خراسان و هي ف شرقيه قاشان و ف آخرها عند هذا البل بلد أستراباذ و حافات هذا‬
‫البل من شرقيه إل آخر الزء بلد نيسابور من خراسان ففي جنوب البل و شرق الفازة بلد نيسابور ث مرو الشاهجان آخر الزء و ف‬
‫شاله و شرقي جرجان بلد مهرجان و خازرون و طوس آخر الزء شرقا و كل هذا تت البل و ف الشمال عنها بلد نسا و ييط با عند‬
‫زاوية الزئي الشمال و الشرق مفاوز معطلة‪ .‬و ف الزء الثامن من هذا القليم و ف غربيه نر جيحون ذاهبا من النوب إل الشمال ففي‬
‫عدوته الغربية رمم و آمل من بلد خراسان و الظاهرية و الرجانية من بلد خوارزم و ييط بالزاوية الغربية النوبية منه جبل أستراباذ‬
‫العترض ف الزء السابع قبله و يرج ف هذا الزء من غربيه و ييط بذه الزاوية و فيها بقية بلد هراة و الوزخان حت يتصل ببل البتم‬
‫كما ذكرناه هنالك و ف شرقي نر جيحون من هذا الزء و ف النوب منه بلد بارى ث بلد الصغد و قاعدتا سرقند ث سردارا و أشنة و‬
‫منها خجندة آخر الزء شرقا و ف الشمال عن سرقند و سردار و أشنة أرض إيلق ث ف الشمال عن إيلق أرض الشاش إل آخر الزء‬
‫شرقا و يأخذ قطعة من الزء التاسع ف جنوب تلك القطعة بقية أرض فرغانة و يرج من تلك القطعة الت ف الزء التاسع نر الشاش ير‬
‫معترضا ف الزء الثامن إل أن ينصب ف نر جيحون عند مرجه من هذا الزء الثامن ف شاله إل القليم الامس و يتلط معه ف أرض‬
‫إيلق نر يأت من الزء التاسع من القليم الثالث من توم بلد التبت و يتلط معه قبل مرجه من الزء التاسع نر فرغانة و على ست نر‬
‫الشاش جبل جباغون يبدأ من القليم الامس و ينعطف شرقا و منحرفا إل النوب حت يرج إل الزء التاسع ميطا بأرض الشاش ث‬
‫ينعطف ف الزء التاسع فيحيط بالشاش و فرغانة هناك إل جنوبه فيدخل ف القليم الثالث و بي نر الشاش و طرف هذا البل ف وسط‬
‫هذا الزء بلد فاراب و بينه و بي أرض بارى و خوارزم مفاوز معطلة و ف زاوية هذا الزء من الشمال و الشرق أرض خجندة و فيها‬
‫بلد إسبيجاب و طراز‪ .‬و ف الزء التاسع من هذا القليم ف غربيه بعد أرض فرغانة و الشاش أرض الزلية ف النوب و أرض الليجة ف‬
‫الشمال و ف شرقي الزء كله أرض الكيماكية و يتصل ف الزء العاشر كله إل جبل قوقيا آخر الزء شرقا و على قطعة من البحر الحيط‬
‫هنالك و هو جبل يأجوج و مأجوج و هذه المم كلها من شعوب الترك‪ .‬انتهي‪.‬‬
‫القليم الامس‪ :‬الزء الول منه أكثره مغمور بالاء إل قليلً من جنوبه شرقه لن البحر الحيط بذه الهة الغربية دخل ف القليم الامس و‬
‫السادس و السابع عن الدائرة الحيطة بالقليم فأما النكشف من جنوبه فقطعة على شكل مثلث متصلة من هنالك بالندلس و عليها بقيتها و‬
‫ييط با البحر من جهتي كأنما ضلعان ميطان بزاوية الثلث ففيها من بقية غرب الندلس سعيور على البحر عند أول الزء من النوب و‬
‫الغرب و سلمنكة شرقا عنها و ف جوفها سورة و ف الشرق عن سلمنكة أيلة آخر النوب و أرض قستالية شرقا عنها و فيها مدينة شقونية‬
‫و ف شالا أرض ليون و برغشت ث وراءها ف الشمال أرض جليقية إل زاوية القطعة و فيها على البحر الحيط ف آخر الضلع الغرب بلد‬
‫شنتياقو و معناه يعقوب و فيها من شرق بلد الندلس مدينة شطلية عند آخر الزء ف النوب و شرقا عن قستالية و ف شالا و شرقها و‬
‫شقة و بنبلونة على ستها شرقا و شالً و ف غرب بنبلونة قشتالة ث ناجزة فيما بينها و بي برغشت و يعترض وسط هذه القطعة جبل عظيم‬
‫ماذ للبحر و للضلع الشمال الشرقي منه و على قرب و يتصل به و بطرف البحر عند بنبلونة ف جهة الشرق الذي ذكرنا من قبل أن يتصل‬
‫ف النوب بالبحر الرومي ف القليم الرابع و يصي حجرا على بلد الندلس من جهة الشرق و ثناياه لا أبواب تفضي إل بلد غشكونية‬
‫من أمم الفرنج فمنها من القليم الرابع برشلونة و أربونة على ساحل البحر الرومي و خريدة و قرقشونة وراءها ف الشمال و منها من‬
‫القليم الامس طلوشة شالً عن خريدة‪ .‬و أما النكشف ف هذا الزء من جهة الشرق فقطعة على شكل مثلث مستطيل زاويته الادة وراء‬
‫البنات شرقا و فيها على البحر الحيط على رأي القطعة الت يتصل با جبل البنات بلد نيونة و ف آخر هذه القطعة ف الناحية الشرقية‬
‫الشمالية من الزء أرض بنطو من الفرنج إل آخر الزء‪ .‬و ف الزء الثان من الناحية الغربية منه أرض غشكونية و ف شالا أرض بنطو و‬
‫برغشت و قد ذكرناها و ف شرق بلد غشكونية ف شالا قطعة أرض من البحر الرومي دخلت ف هذا الزء كالضرس مائلة إل الشرق‬
‫قليلً و صارت بلد غشكونية ف غربا داخلة ف جون من البحر و على رأس هذه القطعة شا ًل بلد جنوة و على ستها ف الشمال جبل‬
‫نيت جون و ف شاله و على سعه أرض برغونة و ف الشرق عن طرف جنوة الارج من البحر الرومي طرف آخر خارج منه يبقى بينهما‬
‫جون داخل من الب ف البحر ف غزبيه نيش و ف شرقيه مدينة رومة العظمى كرسي ملك الفرنة و مسكن البابا بطركهم العظم و فيها‬
‫من البان الضخمة و الياكل الائلة و الكنائس العادية ما هو معروف الخبار و من عجائبها النهر الاري ف وسطها من الشرق إل الغرب‬
‫مفروش قاعه ببلط النحاس و فيها كنيسة بطرس و بولس من الواريي و ها مدفونان با و ف الشمال عن بلد رومة بلد أقرنصيصة إل‬
‫آخر الزء‪ ،‬و على هذا الطرف من البحر الذي ف جنوبه رومة بلد نابل ف الانب الشرقي منه متصلة ببلد قلورية من بلد الفرنج و ف‬
‫شالا طرف من خليج البنادقة دخل ف هذا الزء من الزء الثالث مغربا و ماذيا للشمال من هذا الزء و انتهى إل نو الثلث منه و عليه‬
‫كثي من بلد البنادقة دخل ف هذا الزء من جنوبه فيما بينه و بي البحر الحيط و من شاله بلد إنكلية ف القليم السادس‪ .‬و ف الزء‬
‫الثالث من هذا القليم ف غربيه بلد قلورية بي خليج البنادقة و البحر الرومي ييط با من شرقيه يصل من برها ف القليم الرابع ف البحر‬
‫الرومي ف جون بي طرفي خرجا من البحر على ست الشمال إل هذا الزء ف شرقي بلد قلورية بلد أنكيدة ف جون بي خليج البنادقة‬
‫و البحر الرومي و يدخل طرف من هذا الزء ف الون ف القليم الرابع و ف البحر الرومي و ييط به من شرقيه خليج البنادقة من البحر‬
‫الرومي ذاهبا إل ست الشمال ث ينعطف إل الغرب ماذيا لخر الزء الشمال و يرج على سته من القليم الرابع جبل عظيم يوازيه و‬
‫يذهب معه إل الشمال ث يغرب معه ف القليم السادس إل أن ينتهي قبالة خليج ف شاليه ف بلد إنكلية من أمم اللمانيي كما نذكر و‬
‫على هذا الليج و بينه و بي هذا البل ماداما ذاهبي إل الشمال بلد البنادقة فإذا ذهبا إل الغرب فبينهما بلد حروايا ث بلد اللانيي عند‬
‫طرف الليج‪ .‬و ف الزء الرابع من هذا القليم قطعة من البحر الرومي خرجت إليه من القليم الرابع مضرسةً كلها بقطع من البحر و يرج‬
‫منها إل الشمال و بي كل ضرسي منها طرف من البحر ف الون بينهما و ف آخر الزء شرقا قطع من البحر و يرج منها إل الشمال‬
‫خليج القسطنطينية يرج من هذا الطرف النوب و يذهب على ست الشمال إل أن يدخل ف القليم السادس و ينعطف من هنالك عن‬
‫قرب مشرقا إل بر نيطش ف الزء الامس و بعض الرابع قبلة و السادس بعدة من القليم السادس كما نذكر و بلد القسطنطينية ف شرقي‬
‫هذا الليج عند آخر الزء من الشمال و هي الدينة العظيمة الت كانت كرسي القياصرة و با من آثار البناء و الضخامة ما كثرت عنه‬
‫الحاديث و القطعة الت‪ ،‬ما بي البحر الرومي و خليج القسطنطينية من هذا الزء و فيها بلد مقدونية الت كانت لليونانيي و منها ابتداء‬
‫ملكهم و ف شرقي هذا الليج إل آخر الزء قطعة من أرض باطوس و أظنها لذا العهد مالت للتركمان و با ملك ابن عثمان و قاعدته‬
‫با بورصة و كانت من قبلهم للروم و غلبهم عليها لا المم إل أن صارت للتركمان‪ .‬و ف الزء الاص من هذا القليم من غربيه و جنوبيه‬
‫أرض باطوس و ف الشمال عنها إل آخر الزء بلد عمورية و ف شرقي عمورية نر قباقب الذي يد الغرات و يرج من جبل هنالك و‬
‫يذهب ف النوب حت يالط الفرات قبل وصوله من هذا الزء إل مره ف القليم الرابع و هنالك ف غربيه آخر الزء ف مبدأ سيحال ث نر‬
‫جيحان غربيه الذاهبي على سته و قد مر ذكرها و ف شرقه هنالك مبدأ نر دجلة الذاهب على سته و ف موازاته حت يالطه عند بغداد و‬
‫ف الزاوية الت بي النوب و الشرق من هذا الزء وراء البل الذي يبدأ منه نر دجلة بلد ميافارقي و نر قباقب الذي ذكرناه يقسم هذا‬
‫الزء بقطعتي إحداها غربية جنوبية و فيها أرض باطوس كما قلناه و أسافلها إل آخر الزء شالً و وراء البل الذي يبدأ منه نر قباقب‬
‫أرض عمورية كما قلناه و القطعة الثانية شرقية شالية على الثلث ف النوب منها مبدأ دجلة و الفرات و ف الشمال بلد البيلقان متصلة‬
‫بأرضي عمورية من وراء جبل قباقب و هي عريبة و ف آخرها عند مبدإ الفرات بلد خرشنة و ف الزاوية الشرقية الشمالية قطعة من بر‬
‫نيطش الذي يده خليج القسطنطينية‪.‬‬

‫القسم الثالث من تفصيل الكلم على هذه الغرافيا‬

‫و ف الزء السادس من هذا القليم ف جنوبه و غربه بلد ارمينية متصلة إل أن يتجاوز وسط الزء إل جانب الشرق و فيها بلدان أردن ف‬
‫النوب و الغرب و ف شالا تفليس و دبيل و ف شرق أردن مدينة خلط ث بردعة ف جنوبا بانراف إل الشرق مدينة أرمينية و من هنالك‬
‫مرج بلد أرمينية إل القليم الرابع و فيها هنالك بلد الراغة ف شرقي جبل الكراد السمى بأرمى و قد مر ذكره ف الزء السادس منه و‬
‫يتاخم بلد أرمينية ف هذا الزء و ف القليم الرابع قبله من جهة الشرق فيها بلد أذربيجان و آخرها ف هذا الزء شرقا بلد اردبيل على‬
‫قطعة من بر طبستان دخلت ف الناحية الشرقية من الزء السابع و يسمى بر طبسان و عليه من شاله ف هذا الزء قطعة من بلد الزر و‬
‫هم التركمان و يبدأ من عند آخر هذه القطعة البحرية ف الشمال جبال يتصل بعضها ببعض على ست الغرب إل الزء الاص فتمر فيه‬
‫منعطفة و ميطة ببلد ميافارقي و يرج إل القليم الرابع عند آمد و يتصل ببل السلسلة ف أسافل الشام و من هنالك يتصل ببل اللكام‬
‫كما مر و بي هذه البال الشمالية ف هذا الزء ثنايا كالبواب تفضي من الانبي ففي جنوبيها بلد البواب متصلة ف الشرق إل بر‬
‫طبستان و عليه من هذه البلد مدينة باب البواب و تتصل بلد البواب ف الغرب من ناحية جنوبيها ببلد أرمينية و بينهما ف الشرق و بي‬
‫بلد أذربيجان النوبية بلد الزاب متصلة إل بر طبستان و ف شال هذه البال قطعة من هذا الزء ف غربا ملكة السرير ف الزاوية الغربية‬
‫الشمالية منها و ف زاوية الزء كله قطعة أيضا من بر نيطش الذي يده خليج القسطنطينية و قد مر ذكره و يف بذه القطعة من نيطش‬
‫بلد السرير وعليها منها بلد أطرابزيدة و تتصل بلد السرير بي جبل البواب و الهة الشمالية من الزء إل أن ينتهي شرقا إل جبل حاجز‬
‫بينها و بي أرض الزر و عند آخرها مدينة صول و وراء هذا البل الاجز قطعة من أرض الزر تنتهي إل الزاوية الشرقية الشمالية من هذا‬
‫الزء من بر طبستان و آخر الزء شالً‪ .‬و الزء السابع من هذا القليم غربيه كله مغمور ببحر طبستان و خرج من جنوبه ف القليم‬
‫الرابع القطعة الت ذكرنا هنالك أن عليها بلد طبستان و جبال الديلم إل قزوين و ف غرب تلك القطعة متصلة با القطعة الت ف الزء‬
‫السادس من القليم الرابع و يتصل با من شالا القطعة الت ف الزء السادس من شرقه أيضا و ينكشف من هذا الزء قطعة عند زاويته‬
‫الشمالية الغربية يصب فيها نر أثل ف هذا البحر و يبقى من هذا الزء ف ناحية الشرق قطعة منكشفة من البحر هي مالت للغز من أمم‬
‫الترك ييط با جبل من جهة النوب داخل ف الزء الثامن و يذهب ف الغرب إل ما دون وسطه فينعطف إل الشمال إل أن يلقي بر‬
‫طبستان فيحتف به ذاهبا معه إل بقيته ف القليم السادس ث ينعطف مع طرفه و يفارقه و يسمى هنالك جبل سياه و يذهب مغربا إل الزء‬
‫السادس من القليم السادس ث يرجع جنوبا إل الزء السادس من القليم الامس و هذا الطرف منه و هو الذي اعترض ف هذا الزء بي‬
‫أرض السرير و أرض الزر و اتصلت بأرض الزر ف الزء السادس و السابع حافات هذا البل السمى جبل سياه كما سيأت‪ .‬و الزء‬
‫الثامن من هذا القليم الامس كله مالت للغز من أمم الترك و ف الهة النوبية الغربية‪ .‬منه بية خوارزم الت يصب فيها نر جيحون‬
‫دورها ثلثائة ميل و يصب فيها أنار كثية من أرض هذه الجالت و ف الهة الشمالية الشرقية منه بية عرعون دورها أربعمائة ميل و‬
‫ماؤها حلو و ف الناحية الشمالية من هذا الزء جبل مرغار و معناه جبل الثلج لنه ل يذوب فيه و هو متصل بآخر الزء و ف النوب عن‬
‫بية عرعون جبل من الجر الصلد ل ينبت شيئا يسمى عرعون و به سيت البحية و ينجلب منه و من جبل مرغار شال البحية أنار ل‬
‫تنحصر عدتا فتصب فيها من الانبي‪ .‬و ف الزء التاسع من هذا القليم بلد أركس من أمم الترك ف غرب بلد الغز و شرق بلد‬
‫الكيماكية و يف به من جهة الشرق آخر الزء جبل قوقيا الحيط بيأجوج و مأجوج يعترض هنالك من النوب إل الشمال حت ينعطف‬
‫أول دخوله من الزء العاشر و قد كان دخل إليه من آخر الزء العاشر من القليم الرابع قبله و احتف هنالك بالبحر الحيط إل آخر الزء‬
‫ف الشمال ث انعطف مغربا ف الزء العاشر من القليم الرابع إل ما دون نصفه و أحاط من أوله إل هنا ببلد الكيماكية ث خرج إل الزء‬
‫العاشر من القليم الامس فذهب فيه مغربا إل آخره و بقيت ف جنوبه من هذا الزء قطعة مستطيلة إل الغرب قبل آخر بلد الكيماكية ث‬
‫خرج إل الزء التاسع ف شرقيه و ف العلى منه و انعطف قريبا إل الشمال و ذهب على سته إل الزء التاسع من القليم السادس و فيه‬
‫السد هنالك كما نذكره و بقيت منه القطعة الت أحاط با جبل قوقيا عند الزاوية الشرقية الشمالية من هذا الزء مستطيلة إل النوب و هي‬
‫من بلد يأجوج و مأجوج و ف الزء العاشر من هذا القليم أرض يأجوج و مأجوج فتصله ف كله إل قطعةً من البحر غمرت طرفا ف‬
‫شرقيه من جنوبه إل شاله إل القطعة الت يفصلها إل جهة النوب و الغرب جبل قوقيا حي مر فيه و ما سوى ذلك فأرض يأجوج و‬
‫مأخوج و ال سبحانه و تعال أعلم‪.‬‬

‫القليم السادس‪ .‬فالزء الول منه غمر البحر أكثر من نصفه و استدار شرقا مع الناحية الشمالية ث ذهب مع الناحية الشرقية إل النوب و‬
‫انتهى قريبا من الناحية النوبية فانكشف قطعة من هذه الرض ف هذا الزء داخلة بي الطرفي و ف الزاوية النوبية الشرقية من البحر‬
‫الحيط كالون فيه و ينفسح طولً و عرضا و هي كلها أرض بريطانية و ف بابا بي الطرفي و ف الزاوية النوبية الشرقية من هذا الزء‬
‫بلد صاقس متصلة ببلد بنطو الت مر ذكرها ف الزء الول و الثان من القليم الامس‪ .‬و الزء الثان من هذا القليم دخل البحر الحيط‬
‫من غربه و شاله فمن غربه قطعة مستطيلة أكب من نصفه الشمال من شرق أرض بريطانية ف الزء الول و اتصلت با القطعة الخرى ف‬
‫الشمال من غربه إل شرقه و انفسحت ف النصف الغرب منه بعض الشيء و فيه هنالك قطعة من جزيرة أنكلترا و هي جزيرة عظيمة‬
‫مشتملة على مدن و با ملك ضخم و بقيتها ف القليم السابع و ف جنوب هذه القطعة و جزيرتا ف النصف الغرب من هذا الزء بلد‬
‫أرمندية و بلد أفلدش متصلي با ث بلد إفرنسية جنوبا و غربا من هذا الزء و بلد برغونية شرقا عنها و كلها لمم الفرنة و بلد‬
‫اللمانيي ف النصف الشرقي من الزء فجنوبه بلد أنكلية ث بلد برغونية شالً ث أرض لويكة و شطونية و على قطعة البحر الحيط ف‬
‫الزاوية الشمالية الشرقية أرض أفريرة و كلها لمم اللمانيي‪ .‬و ف الزء الثالث من هذا القليم ف الناحية الغربية بلد مراتية ف النوب و‬
‫بلد شطونية ف الشمال و ف الناحية الشرقية بلد أنكوية ف النوب و بلد بلونية ف الشمال يعترض بينهما جبل بلواط داخلً من الزء‬
‫الرابع و ير مغربا بانراف إل الشمال إل أن يقف ف بلد شطونية آخر النصف الغرب‪ .‬و ف الزء الرابع ف ناحية النوب أرض جثولية و‬
‫تتها ف الشمال بلد الروسية و يفصل بينهما جبل بلواط من أول الزء غربا إل أن يقف ف النصف الشرقي و ف شرق أرض جثولية بلد‬
‫جرمانية و ف الزاوية النوبية الشرقية أرض القسطنطينية و مدينتها عند آخر الليج الارج من البحر الرومي و عند مدفعه ف بر نيطش‬
‫فيقع قطيعة من بر نيطش ف أعال الناحية الشرقية من هذا الزء و يدها الليج و بينهما ف الزاوية بلد مسيناه‪ .‬و ف الزء الامس من‬
‫القليم السادس ث ف الناحية النوبية عند بر نيطش يتصل من الليج ف آخر الزء الرابع و يرج من سته مشرقا فيمر ف هذا الزء كله و‬
‫ف بعض السادس على طول ألف و ثلثائة ميل من مبدإه ف عرض ستمائة ميل و يبقى وراء هذا البحر ف الناحية النوبية من هذا الزء ف‬
‫غربا إل شرقها بر مستطيل ف غربه هرقلية على ساحل بر نيطش متصلة بأرض البيلقان من القليم الامس و ف شرقه بلد اللنية و‬
‫قاعدتا سوتلي على بر نيطش و ف شال بر نيطش ف هذا الزء غربا أرض ترخان و شرقا بلد الروسية و كلها على ساحل هذا البحر و‬
‫بلد الروسية ميطة ببلد ترخان من شرقها ف هذا الزء من شالا ف الزء الامس من القليم السابع و من غربا ف الزء الرابع من هذا‬
‫القليم‪ .‬و ف الزء السادس ف غربيه بقية بر نيطش و ينحرف قليل إل الشمال و يبقى بينه هنالك و بي آخر الزء شا ًل بلد قمانية و ف‬
‫جنوبه منفسحا إل الشمال با انرف هو كذلك بقية بلد اللنية الت كانت آخر جنوبه ف الزء الامس و ف الناحية الشرقية من هذا الزء‬
‫متصل أرض الزر و ف شرقها أرض برطاس و ف الزاوية الشرقية الشمالية أرض بلغار و ف الزاوية الشرقية النوبية أرض بلجر يوزها هناك‬
‫قطعة من جبل سياكوه النعطف مع بر الزر ف الزء السابع بعده و يذهب بعد مفارقته مغربا فيجوز ف هذه القطعة و يدخل إل الزء‬
‫السادس من القليم الامس فيتصل هنالك ببل البواب و عليه من هنالك ناحية بلد الزر‪ .‬و ف الزء السابع من هذا القليم ف الناحية‬
‫النوبية ما جازه جبل سياه بعد مفارقته بر طبستان و هو قطعة من أرض الزر إل آخر الزء غربا و ف شرقها القطعة من بر طبستان‬
‫الت يوزها هذا البل من شرقها و شالا و وراء جبل سياه ف الناحية الغربية الشمالية أرض برطاس و ف الناحية الشرقية من الزء أرض‬
‫شحرب و يناك و هم أمم الترك‪ .‬و ف الزء الثامن و الناحية النوبية منة كلها أرض الول من الترك ف الناحية الشمالية غربا و الرض‬
‫النتنة و شرق الرض الت يقال إن يأجوج و مأجوج خرباها قبل بناء السد و ف هذه الرض النتنة مبدأ نر الثل من أعظم أنار العال و‬
‫مره ف بلد الترك و مصبه ف بر طبستان ف القليم الامس ف الزء السابع منه و هو كثي النعطاف يرج من جبل من الرض النتنة من‬
‫ثلثة ينابيع تتمع ف نر واحد و ير على ست الغرب إل آخر السابع من هذا القليم فينعطف شا ًل إل الزء السابع من القليم السابع‬
‫فيمر ف طرفه بي النوب و الغرب فيخرج ف الزء السادس من السابع و يذهب مغربا غي بعيد ث ينعطف ثانية إل النوب و يرجع إل‬
‫الزء السادس من القليم السادس و يرج منه جدول يذهب مغربا و يصب ف بر نيطش ف ذلك الزء و ير هو ف قطعة بي الشمال و‬
‫الشرق ف بلد بلغار فيخرج ف الزء السابع من القليم السادس ث ينعطف ثالثةً إل النوب و ينفذ ف جبل سياه و ير ف بلد الزر و‬
‫يرج إل القليم الامس ف الزء السابع منه فيصب هنالك ف بر طبستان ف القطعة الت انكشفت من الزء عند الزاوية الغربية النوبية‪.‬‬
‫والزء التاسع من هذا القليم ف الانب الغرب منه بلد خفشاخ من الترك و هم قفجاق و بلد الشركس منهم أيضا و ف الشرق منه بلد‬
‫يأجوج يفصل بينهما جبل قوقيا الحيط و قد مر ذكره يبدأ من البحر الحيط ف شرق القليم الرابع و يذهب معه إل آخر القليم ف الشمال‬
‫و يفارقه مغربا و بانراف إل الشمال حت يدخل ف الزء التاسع من القليم الامس فيجع إل سته الول حت يدخل ف هذا الزء التاسع‬
‫من القليم من جنوبه إل شاله بانراف إل الغرب و ف وسطه ههنا السد الذي بناه السكندر ث يرج على سته إل القليم السابع و ف‬
‫الزء التاسع منه فيمر فيه إل النوب إل أن يلقى البحر الحيط ف شاله ث ينعطف معه من هنالك مغربا إل القليم السابع إل الزء الامس‬
‫منه فيتصل هنالك بقطعة من البحر الحيط ف غربيه و ف وسط هذا الزء التاسع هو السد الذي بناه السكندر كما قلناه و الصحيح من‬
‫خبه ف القرآن و قد ذكر عبد ال بن خرداذبة ف كتابه ف الغرافيا أن الواثق رأى ف منامه كأن السد انفتح فانتبه فزعا و بعث سلما‬
‫الترجان فوقف عليه و جاء ببه وصفه ف حكاية طويلة ليست من مقاصد كتابنا هذا و ف الزء العاشر من هذا القليم بلد مأجوج‬
‫متصلة فيه إل آخره على قطعة من هنالك من البحر الحيط أحاطت به من شرقه و شاله مستطيلة ف الشمال و عريضة بعض الشيء ف‬
‫الشرق‪.‬‬

‫القليم السابع‪ :‬و البحر الحيط قد غمر عامته من جهة الشمال إل وسط الزء الامس حيث يتصل ببل قوقيا الحيط بيأجوج و مأجوج‪.‬‬
‫فالزء الول و الثان مغموران بالاء إل ما انكشف من جزيرة أنكلترا الت معظمها ف الثان و ف الول منها طرف انعطف بانراف إل‬
‫الشمال و بقيتها مع قطعة من البحر مستديرة عليه ف الزء الثان من القليم السادس و هي مذكورة هناك والجاز منها إل الب ف هذه‬
‫ل و وراء هذه الزيرة ف شال الزء الثان جزيرة رسلندة مستطيلةً من الغرب إل الشرق‪ .‬و الزء الثالث من هذا‬ ‫القطعة سعة اثن عشر مي ً‬
‫القليم مغمور أكثره بالبحر إل قطعة مستطيلة ف جنوبه و تتسع ف شرقها و فيها هنالك متصل أرض فلونية الت مر ذكرها ف الثالث من‬
‫القليم السادس و أنا ف شاله و ف القطعة من البحر الت تغمر هذا الزء ث ف الانب الغرب منها مستدير ًة فسيحةً و تتصل بالب من باب‬
‫ف جنوبا يفضي إل بلد فلونية و ف شالا‪ .‬جزيرة برقاعة و ف نسخة بوقاعة مستطيلة مع الشمال من الغرب إل الشرق‪ .‬و الزء الرابع‬
‫من هذا القليم شاله كله مغمور بالبحر الحيط من الغرب إل الشرق و جنوبه منكشف و ف غربه أرض قيمازك من الترك و ف شرقها‬
‫بلد طست ث أرض رسلن إل آخر الزء شرقا وهي دائمة الثلوج و عمرانا قليل و يتصل ببلد الروسية ف القليم السادس و ف الزء‬
‫الرابع و الامس منه و ف الزء الامس من هذا القليم ف الناحية الغربية منه بلد الروسية و ينتهي ف الشمال إل قطعة من البحر الحيط‬
‫الت يتصل با جبل قوقيا كما ذكرناه من قبل و ف الناحية الشرقية منه متصل أرض القمانية الت على قطعة بر نيطش من الزء السادس من‬
‫القليم السادس و ينتهي إل بية طرمى من هذا الزء و هي عذبة تنجلب إليها أنار كثية من البال عن النوب و الشمال و ف شال‬
‫الناحية الشرقية من هذا الزء أرض التتارية من الترك و ف نسخة التركمان إل آخره و ف الزء السادس من الناحية الغربية النوبية متصل‬
‫بلد القمانية و ف وسط الناحية بية عثور عذبةً تنجلب إليها النار من البال ف النواحي الشرقية و هي جامدة دائما لشدة البد إل قليلً‬
‫ف زمن الصيف و ف شرق بلد القمانية بلد الروسية الت كان مبدؤها ف القليم السادس ف الناحية الشرقية الشمالية من الزء الامس منه‬
‫و ف الزاوية النوبية الشرقية من هذا الزء بقية أرض بلغار الت كان مبدؤها ف القليم السادس و ف الناحية الشرقية الشمالية من الزء‬
‫السادس منه و ف وسط هذه القطعة من أرض بلغار منعطف نر أثل القطعة الول إل النوب كما مر و ف آخر هذا الزء السادس من‬
‫شاله جبل قوقيا متصل من غربه إل شرقه و ف الزء السابع من هذا القليم ف غربه بقية أرض يناك من أمم الترك و كان من مبدؤها من‬
‫الناحية الشمالية الشرقية من الزء السادس قبله و ف الناحية النوبية الغربية من هذا الزء و يرج إل القليم السادس من فوقه و ف الناحية‬
‫الشرقية بقية أرض سحرب ث بقية الرض النتنة إل آخر الزء شرقا و ف آخر الزء من جهة الشمال جبل قوقيا الحيط متصل من غربه إل‬
‫شرقه‪ .‬و ف الزء الثامن من هذا القليم ف النوبية الغربية منه متصل الرض النتنة و ف شرقها الرض الحفورة و هي من العجائب خرق‬
‫عظيم ف الرض بعيد الهوى فسيح القطار متنع الوصول إل قعره يستدل على عمرانه بالدخان ف النهار و النيان ف الليل تضيء و تفى و‬
‫ربا رئي فيها نر يشقها من النوب إل الشمال و ف الناحية الشرقية من هذا الزء البلد الراب التاخة للسد و ف آخر الشمال منه جبل‬
‫قوقيا متصلً من الشرق إل الغرب و ف الزء التاسع من هذا القليم ف الانب الغرب منه بلد خفشاخ و هم قفجق يوزها جبل قوقيا حي‬
‫ينعطف من شاله عند البحر الحيط و يذهب ف وسطه إل النوب بانراف إل الشرق فيخرج ف الزء التاسع من القليم السادس و ير‬
‫معترضا فيه و ف وسطه هنالك سد‪ .‬يأجوج و مأجوج و قد ذكرناه و ف الناحية الشرقية من هذا الزء أرض يأجوج وراء جبل قوقيا على‬
‫البحر قليلة العرض مستطيلةً أحاطت به من شرقه و شاله‪ .‬و الزء العاشر غمر البحر جيعه‪ .‬هذا آخر الكلم على الغرافيا و أقاليمها السبعة‬
‫و ف خلق السموات و الرض و اختلف الليل و النهار ليات للعالي‪.‬‬

‫القدمة الثالثة ف العتدل من القاليم و النحرف و تأثي الواء ف ألوان البشر‬


‫و الكثي ف أحوالم‬
‫قد بينا أن العمور من هذا النكشف من الرض إنا هو وسطه لفراط الر ف النوب منه و البد ف الشمال‪ .‬و لا كان الانبان من الشمال‬
‫و النوب متضادين من الر و البد وجب أن تندرج الكيفية من كليهما إل الوسط فيكون معتدلً فالقليم الرابع أعدل العمران و الذي‬
‫حافاته من الثالث و الامس أقرب إل العتدال و الذي يليهما و الثان و السادس بعيدان من العتدال و الول و السابع أبعد بكثي فلهذا‬
‫كانت العلوم و الصنائع و البان و اللبس و القوات و الفواكه بل و اليوانات و جيع ما يتكون ف هذه القاليم الثلثة التوسطة مصوصة‬
‫بالعتدال و سكانا من البشر أعدل أجساما و ألوانا و أخلقا و أديانا حت النبؤات فإنا توجد ف الكثر فيها و ل نقف على خب بعثة ف‬
‫القاليم النوبية و ل الشمالية و ذلك أن النبياء و الرسل إنا يتص بم أكمل النوع ف خلقهم و أخلقهم قال تعال‪ :‬كنتم خي أمة‬
‫أخرجت للناس و ذلك ليتم القبول با يأتيهم به النبياء من عند ال و أهل هذه القاليم أكمل لوجود العتدال لم فتجده على غاية من‬
‫التوسط ف مساكنهم و ملبسهم و أقواتم و صنائعهم يتخذون البيوت النجدة بالجارة النمقة بالصناعة و يتناغون ف استجادة اللت‬
‫والواعي ويذهبون ف ذلك إل الغاية وتوجد لديهم العادن الطبيعية من الذهب و الفضة و الديد و النحاس و الرصاص و القصدير و‬
‫يتصرفون ف معاملتم بالنقدين العزيزين و يبعدون عن النراف ف عامة أحوالم و هؤلء أهل الغرب و الشام و الجاز و اليمن و العراقي‬
‫و الند و السند و الصي و كذلك الندلس و من قرب منها من الفرنة و الللقة و الروم و اليونانيي و من كان مع هؤلء أو قريبا منهم‬
‫ف هذه القاليم العتدلة و لذا كان العراق و الشام أعدل هذه كلها لنا وسط من جيع الهات‪ .‬و أما القاليم البعيدة من العتدال مثل‬
‫الول و الثان و السادس و السابع فأهلها أبعد من العتدال ف جيع أحوالم فبناؤهم بالطي و القصب و أقواتم من الذرة و العشب و‬
‫ملبسهم من أوراق الشجر يصفونا عليهم أو اللود و أكثرهم عرايا من اللباس و فواكه بلدهم و أدمها غريبة التكوين مائلة إل النراف‬
‫و معاملتم بغي الجرين الشريفي من ناس أو حديد أو جلود يقدرونا للمعاملت و أخلقهم مع ذلك قريبة من خلق اليوانات العجم‬
‫حت لينقل عن الكثي من السودان أهل القليم الول أنم يسكنون الكهوف و الغياض و يأكلون العشب و أنم متوحشون غي مستأنسي‬
‫يأكل بعضهم بعضا و كذا الصقالبة و السبب ف ذلك أنم لبعدهم عن العتدال يقرب عرض أمزجتهم و أخلقهم من عرض اليوانات‬
‫العجم و يبعدون عن النسانية بقدار ذلك و كذلك أحوالم ف الديانة أيضا فل يعرفون نبؤةً و ل يدينون بشريعة إل من قرب منهم من‬
‫جوانب العتدال و هو ف القل النادر مثل البشة الجاورين لليمن الدائني بالنصرانية فيما قبل السلم و ما بعده لذا العهد و مثل أهل‬
‫مال و كوكو و التكرور الجاورين لرض الغرب الدائني بالسلم لذا العهد يقال أنم دانوا به ف الائة السابعة و مثل من دان بالنصرانية‬
‫من أمم الصقالبة و الفرنة و الترك من الشمال و من سوى هؤلء من أهل تلك القاليم النحرفة جنوبا و شالً فالدين مهول عندهم و‬
‫العلم مفقود بينهم و جيع أحوالم بعيدة من أحوال الناسي قريبة من أحوال البهائم و يلق ما ل تعلمون و ل يعترض على هذا القول‬
‫بوجود اليمن و حضرموت و الحقاف و بلد الجاز و اليمامة و ما يليها من جزيرة العرب ف القليم الول و الثان فأن جزيرة العرب‬
‫كلها أحاطت با البحار من الهات الثلث كما ذكرنا فكان لرطوبتها أثر ف رطوبة هوائها فنقص ذلك من اليبس و النراف الذي يقتضيه‬
‫الر و صار فيها بعض العتدال بسبب رطوبة البحر‪ .‬و قد توهم بعض النسابي من ل علم لديه بطبائع الكائنات أن السودان هم ولد حام‬
‫بن نوح اختصوا بلون السواد لدعوة كانت عليه من أبيه ظهر أثرها ف لونه و فيما جعل ال من الرق ف عقبه و ينقلون ف ذلك حكاية من‬
‫خرافات القصاص و دعاء نوح على ابنه حام قد وقع ف التوراة و ليس فيه ذكر السواد و إنا دعا عليه بأن يكون ولده عبيدا لولد إخوته ل‬
‫غي و ف القول بنسبة السواد إل حام غفلة عن طبيعة الر و البد و أثرها ف الواء و فيما يتكون فيه من اليوانات و ذلك أن هذا اللون‬
‫شل أهل القليم الول و الثان من مزاج هوائهم للحرارة التضاعفة بالنوب فأن الشمس تسامت رؤوسهم مرتي ف كل سنة قريبة إحداها‬
‫من الخرى فتطول السامتة عامة الفصول فيكثر الضوء لجلها و يلح القيظ الشديد عليهم و تسود جلودهم لفراط الر ونظي هذين‬
‫القليمي ما يقابلهما من الشمال القليم السابع والسادس شل سكانما أيضا البياض من مزاج هوائهم للبد الفرط بالشمال إذ الشمس ل‬
‫تزال بأفقهم ف دائرة مرأى العي أو ما قرب منها و ل ترتفع إل السامتة و ل ما قرب منها فيضعف الر فيها و يشتد البد عامة الفصول‬
‫فتبيض ألوان أهلها و تنتهي إل الزعورة و يتبع ذلك ما يقتضيه مزاج البد الفرط من زرقة العيون و برش اللود و صهوبة الشعور و‬
‫توسطت بينهما القاليم الثلثة الامس و الرابع و الثالث فكان لا ف العتدال الذي هو مزاج التوسط حظ وافر و الرابع أبلغها ف العتدال‬
‫غاية لنهايته ف التوسط كما قدمناه فكان لهله من العتدال ف خلقهم و خلقهم ما اقتضاه مزاج أهويتهم و تبعه من جانبيه الثالث و‬
‫الامس و أن ل يبلغا غاية التوسط ليل هذا قليل إل النوب الار و هذا قليل إل الشمال البارد إل أنما ل ينتهيا إل النراف و كانت‬
‫القاليم الربعة منحرفة و أهلها كذلك ف خلقهم و خلقهم فالول و الثان للحر و السواد و السابع للبد و البياض و يسمى سكان النوب‬
‫من القليمي الول والثان باسم البشة و الزنج و السودان أساء مترادفة على المم التغية بالسواد و إن كان اسم البشة متصا منهم بن‬
‫تاه مكة و اليمن و الزنج بن تاه بر الند و ليست هذه الساء لم من أجل انتسابم إل آدمي أسود ل حام و ل غيه و قد ند من‬
‫السودان أهل النوب من يسكن الربع العتدل أو السابع النحرف إل البياض فتبيض ألوان أعقابم على التدريج مع اليام و بالعكس فيمن‬
‫يسكن من أهل الشمال أو الرابع بالنوب فتسود ألوان أعقابم و ف ذلك دليل على أن اللون تابع لزاج الواء قال ابن سينا ف أرجوزته ف‬
‫الطب‬

‫بالزنج حر غي الجساداحت كسا جلودها سوادا‬

‫و الصقلب اكتسبت البياضاحت غدت جلودها بضاضا‬

‫و أما أهل الشمال فلم يسموا باعتبار ألوانم لن البياض كان لونا لهل تلك اللغة الواضعة للساء فلم يكن فيه غرابة تمل على اعتباره ف‬
‫التسمية لوافقته و اعتياده و وجدنا سكانه من الترك و الصقالبة و الطغرغر و الزر و اللن و الكثي من الفرنة و يأجوج و مأجوج أساءً‬
‫متفرفةً و أجيالً متعددة مسمي بأساء متنوعة و أما أهل القاليم الثلثة التوسطة أهل العتدال ف خلقهم و سيهم و كافة الحوال الطبيعية‬
‫للعتمار لديهم من العاش و الساكن و الصنائع و العلوم و الرئاسات و اللك فكانت فيهم النبؤات و اللك و الدول و الشرائع و العلوم و‬
‫البلدان و المصار و البان و الفراسة و الصنائع الفائقة و سائر الحوال العتدلة و أهل هذه القاليم الت وقفنا على أخبارهم مثل العرب و‬
‫الروم و فارس و بن إسرائيل و اليونان و أهل السند و الند و الصي‪ .‬و لا رأى النسابون اختلف هذه المم بسماتا و شعارها حسبوا‬
‫ذلك لجل النساب فجعلوا أهل النوب كلهم السودان من ولد حام و ارتابوا ف ألوانم فتكلفوا نقل تلك الكاية الواهية و جعلوا أهل‬
‫الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد يافث و أكثر المم العتدلة و أهل الوسط النتحلي للعلوم و الصنائع و اللل و الشرائع و السياسة و اللك‬
‫من ولد سام و هذا الزعم إن صادف الق ف انتساب هؤلء فليس ذلك بقياس مطرد إنا هو إخبار عن الواقع ل أن تسمية أهل النوب‬
‫بالسودان و البشان من أجل انتسابم إل حام السود‪ .‬و ما أداهم إل هذا الغلط إل اعتقادهم أن التمييز بي المم إنا يقع بالنساب فقط‬
‫و ليس كذلك فإن التمييز للجيل أو المة يكون بالنسب ف بعضهم كما للعرب و بن إسرائيل و الفرس و يكون بالهة و السمة كما للزنج‬
‫و البشة و الصقالبة و السودان و يكون بالعوائد و الشعار و النسب كما للعرب‪ .‬و يكون بغي ذلك من أحوال المم و خواصهم و‬
‫ميزاتم فتعميم القول ف أهل جهة معينة من جنوب أو شال بأنم من ولد فلن العروف لا شلهم من نلة أو لون أو سة وجدت لذلك‬
‫الب إنا هو من الغاليط الت أوقع فيها الغفلة عن طبائع الكوان و الهات أن هذه كلها تتبدل ف العقاب و ل يب استمرارها سنة ال‬
‫ل و ال و رسوله أعلم بغيبه و أحكم و هو الول النعم الرؤوف الرحيم‪.‬‬ ‫ف عباده و لن تد لسنة ال تبدي ً‬

‫القدمة الرابعة ف أثر الواء ف أخلق البشر‬


‫قد رأينا من خلق السودان على العموم الفة و الطيش و كثرة الطرب فتجدهم مولعي بالرقص على كل توقيع موصوفي بالمق ف كل‬
‫قطر و السبب الصحيح ف ذلك أنه تقرر ف موضعه من الكمة أن طبيعة الفرح و السرور هي انتشار الروح اليوان و تفشيه و طبيعة الزن‬
‫بالعكس و هو انقباضه و تكاثفه‪ .‬و تقرر أن الرارة مفشية للهواء و البخار ملخلة له زائدة ف كميته و لذا يد النتشي من الفرح و‬
‫السرور مال يعب عنه و ذلك با يداخل بار الروح ف القلب من الرارة العزيزية الت تبعثها سورة المر ف الروح من مزاجه فيتفشى الروح‬
‫و تيء طبيعة الفرح و كذلك ند التنعمي بالمامات إذا تنفسوا ف هوائها و اتصلت حرارة الواء ف أرواحهم فتسخنت لذلك حدث لم‬
‫فرح و ربا انبعث الكثي منهم بالغناء الناشئ عن السرور‪ .‬و لا كان السودان ساكني ف القليم الار و استول الر على أمزجتهم و ف‬
‫أصل تكوينهم كان ف أرواحهم من الرارة على نسبة أبدانم و إقليمهم فتكون أرواحهم بالقياس إل أرواح أهل القليم الرابع أشد حرا‬
‫فتكون أكثر تفشيا فتكون أسرع فرحا و سرورا و أكثر انبساطا و ييء الطيش على أثر هذه وكذلك يلحق بم قليل أهل البلد البحرية لا‬
‫كان هواؤها متضاعف الرارة با ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر و أشعته كانت حصتهم من توابع الرارة ف الفرح و الفة موجودة‬
‫أكثر من بلد التلول و البال الباردة و قد ند يسيا من ذلك ف أهل البلد الزيرية من القليم الثالث لتوفر الرارة فيها و ف هوائها لنا‬
‫عريقة ف النوب عن الرياف و التلول و اعتب ذلك أيضا بأهل مصر فإنا مثل عرض البلد الزيرية أو قريبا منها كيف غلب الفرح عليهم‬
‫و الفة و الغفلة عن العواقب حت أنم ل يدخرون أقوات سنتهم و ل شهرهم و عامةً مأكلهم من أسواقهم‪ .‬و لا كانت فاس من بلد‬
‫الغرب بالعكس منها ف التوغل ف التلول الباردة كيف ترى أهلها مطرقي إطراق الزن و كيف أفرطوا ف نظر العواقب حت أن الرجل‬
‫منهم ليدخر قوت سنتي من حبوب النطة و يباكر السواق لشراء قوته ليومه مافة أن يرزأ شيئا من مدخره وتتبع ذلك ف القاليم و‬
‫البلدان تد ف الخلق أثرا من كيفيات الواء و ال اللق العليم و قد تعرض السعودي للبحث عن السبب ف خفة السودان و طيشهم و‬
‫كثرة الطرب فيهم و حاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنه نقل عن جالينوس و يعقوب بن إسحاق الكندي أن ذلك لضعف أدمغتهم و‬
‫ما نشأ عنه من ضعف عقولم و هذا كلم ل مصل له و ل برهان فيه و ال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم‪.‬‬

‫القدمة الامسة ف اختلف أحوال العمران ف الصب و الوع و ما ينشأ‬


‫عن ذلك من الثار ف أبدان البشر و أخلقهم‬
‫إعلم أن هذه القاليم العتدلة ليس كلها يوجد با الصب و ل كل سكانا ف رغد من العيش بل فيها ما يوجد لهله خصب العيش من‬
‫البوب و الدم و النطة و الفواكه‪ .‬لزكاء النابت و اعتدال الطينة و وفور العمران و فيها الرض الرة الترب ل تنبت زرعا و ل عشبا‬
‫بالملة فسكانا ف شظف من العيش مثل أهل الجاز و جنوب اليمن و مثل اللثمي من صنبهاجة الساكني بصحراء الغرب و أطراف‬
‫الرمال فيما بي الببر و السودان فإن هؤلء يفقدون البوب و الدم جلةً و إنا أغذيتهم و أقواتم اللبان و اللحوم و مثل العرب أيضا‬
‫الائلي ف القفار فإنم و إن كانوا يأخذون البوب و الدم من التلول إل أن ذلك ف الحايي و تت ربقة من حاميتها و على القلل لقلة‬
‫ل عن الرغد و الصب و تدهم يقتصرون ف غالب أحوالم على اللبان و تعوضهم‬ ‫وجدهم فل يتوصلون منه إل سد اللة أو دونا فض ً‬
‫من النطة أحسن معاض و تد مع ذلك هؤلء الفاقدين للحبوب و الدم من أهل القفار أحسن حالً ف جسومهم و أخلقهم من أهل‬
‫التلول النغمسي ف العيش فألوانم أصفى و أبدانم أنقى و أشكالم أت و أحسن و أخلقهم أبعد من النراف و أذهانم اثقب ف العارف‬
‫و الدراكات هذا أمر تشهد له التجربة ف كل جيل منهم فكثي ما بي العرب و الببر فيما وصفناه و بي اللثمي و أهل التلول يعرف ذلك‬
‫من خبه و السبب ف ذلك و ال أعلم أن كثرة الغذية و كثرة الخلط الفاسدة العفنة و رطوباتا تولد ف السم فضلت رديئةً تنشأ عنها‬
‫بعد افظارها ف غي نسبة و يتبع ذلك انكساف اللوان و قبح الشكال من كثرة اللحم كما قلناه و تغطي الرطوبات على الذهان و‬
‫الفكار با يصعد إل الدماغ من أبرتا الردية فتجيء البلدة و الغفلة و النراف عن العتدال بالملة و اعتب ذلك ف حيوان القفر و‬
‫مواطن الدب من الغزال و النعام و الها و الزرافة و المر الوحشية و البقر مع أمثالا من حيوان التلول و الرياف و الراعي الصبة كيف‬
‫تد بينها بونا بعيدا ف صفاء أديها و حسن رونقها و أشكالا و تناسب أعضائها و حدة مداركها فالغزال أخو العز و الزرافة أخو البعي و‬
‫المار و البقر أخو المار و البقر و البون بينها ما رأيت و ما ذاك إل لجل أن الصب ف التلول فعل ف أ بدان هذه من الفضلت الردية و‬
‫الخلط الفاسدة ما ظهر عليها أثره و الوع ليوان القفر حسن ف خلقها و أشكالا ما شاء و اعتب ذلك ف الدميي أيضا فإنا ند أهل‬
‫القاليم الخصبة العيش الكثية الزرع و الضرع و الدم و الفواكه يتصف أهلها غالبا بالبلدة ف أذهانم و الشونة ف أجسامهم و هذا شان‬
‫الببر النغمسي ف الدم و النطة مع التقشفي ف عيشهم القتصرين على الشعي أو الذرة مثل الصامدة منهم و أهل غمارة و السوس فتجد‬
‫هؤلء أحسن حالً ف عقولم و جسومهم و كذا أهل بلد الغرب على الملة النغمسي ف الدم و الب مع أهل الندلس الفقود بأرضهم‬
‫السمن حلةً و غالب عيشهم الذرة فتجد لهل الندلس من ذكاء العقول و خفة الجسام و قبول التعليم مال يوجد لغيهم و كذا أهل‬
‫الضواحي من الغرب بالملة مع أهل الضر و المصار فأن المصار و إن كانوا مكثرين مثلهم من الدم ومصبي ف العيش إل أن‬
‫استعمالم إياها بعد العلج بالطبخ و التلطيف با يلطون معها فيذهب لذلك غلظها و يرق قوامها و عامة مآكلهم لوم الضأن و الدجاج و‬
‫ل يغبطون السمن من بي الدم لتفاهته فتقل الرطوبات لذلك ف أغذيتهم و يف ما تؤديه إل أجسامهم من الفضلت الردية فلذلك تد‬
‫جسوم أهل المصار ألطف من جسوم البادية الخشني ف العيش و كذلك تد العودين بالوع من أهل البادية ل فضلت ف جسومهم‬
‫غليظةً و ل لطيفةً‪ .‬و اعلم أن أثر هذا الصب ف البدن و أحواله يظهر حت ف حال الدين و العبادة فنجد التقشفي من أهل البادية أو‬
‫الاضرة من يأخذ نفسه بالوع و التجاف عن اللذ أحسن دينا و إقبا ًل على العبادة من أهل الترف و الصب بل ند أهل الدين قليلي ف‬
‫الدن و المصار لا يعمها من القساوة و الغفلة التصلة بالكثار من اللحمان و الدم و لباب الب و يتص وجود العباد و الزهاد لذلك‬
‫بالتقشفي ف غذائهم من أهل البوادي و كذلك ند هؤلء الخصبي ف العيش النغمسي ف طيباته من أهل البادية و من أهل الواضر و‬
‫المصار إذا نزلت بم السنون و أخذتم الجاعات يسرع إليهم اللك أكثر من غيهم مثل برابرة الغرب و أهل مدينة فاس و مصر فيما‬
‫يبلغنا ل مثل العرب أهل القفر و الصحراء و ل مثل أهل بلد النخل الذين غالب عيشهم التمر و ل مثل أهل أفريقية لذا العهد الذين غالب‬
‫عيشهم الشعي و الزيت و أهل الندلس الذين غالب عيشيم الذرة و الزيت فإن هؤلء و أن أخذتم السنون و الجاعات فل تنال منهم ما‬
‫تنال من أولئك و ل يكثر فيهما اللك بالوع بل و ل يندر و السبب ف ذلك و ال أعلم أن النغمسي ف الصب التعودين للدم و السمن‬
‫خصوصا تكتسب من ذلك أمعائهم رطوبة فوق رطوبتها الصلية الزاجية حت تاوز حدها فإذا خولف با العادة بقلة القوات و فقدان‬
‫الدم و استعمال الشن غي الألوف من الغذاء أسرع إل العا اليبس و النكماش و هو ضعيف ف الغاية ف فيسرع إليه الرض و يهلك‬
‫صاحبه دفعةً لنه من القاتل فالالكون ف الجاعات إنا قتلهم الشبع العتاد السابق ل الوع الادث اللحق‪ .‬و أما التعودون لقلة الدم و‬
‫السمن فل تزال رطوبتهم الصلية واقف ًة عند حدها من غي زيادة و هي قابلة لميع الغذية الطبيعة فل يقع ف معاهم بتبدل الغذية يبس و‬
‫ل انراف فيسلمون ف الغالب من اللك الذي يعرض لغيهم بالصب و كثرة الدم ف الآكل و أصل هذا كله أن تعلم أن الغذية و‬
‫ائتلفها أو تركها إنا هو بالعادة فمن عود نفسه غذاء و لءمه تناوله كان له مألوفا و صار الروج عنه و التبدل به داءً ما ل يرج عن‬
‫غرض الغذاء بالملة كالسموم و اليتوع و ما أفرط ف النراف فأما ما وجد فيه التغذي و اللءمة فيصي غذاء مألوفا بالعادة فإذا أخذ‬
‫النسان نفسه باستعمال اللب و البقل عوضا عن النطة حت صار له ديدنا فقد حصل له ذلك غذاء و استغن به عن النطة و البوب من‬
‫غي شك و كذا من عود نفسه الصب على الوع و الستغناء عن الطعام كما ينقل عن أهل الرياضيات فإنا نسمع عنهم ف ذلك أخبارا‬
‫غريبة يكاد ينكرها من ل يعرفها و السبب ف ذلك العادة فإن النفس إذا ألفت شيئا صار من جبلتها و طبيعتها لنا كثية التلون فإذا حصل‬
‫لا اعتياد الوع بالتدريج و الرياضة فقد حصل ذلك عاد ًة طبيعيةً لا و ما يتوهه الطباء من أن الوع مهلك فليس على ما يتوهونه إل إذا‬
‫حلت النفس عليه دفعة و قطع عنها الغذاء بالكلية فإنه حينئذ ينحسم العاء و يناله الرض الذي يشى معه اللك و أما إذا كان ذلك القدر‬
‫تدريا و رياضةً بإقلل الغذاء شيئا فشيئا كما يفعله التصوفة فهو بعزل عن اللك و هذا التدريج ضروري حت ف الرجوع عن هذه‬
‫الرياضة فإنه إذا رجع به إل الغذاء الول دفع ًة خيف عليه اللك و إنا يرجع به كما بدأ ف الرياضة بالتدريج و لقد شاهدنا من يصب على‬
‫الوع أربعي يوما و صالً و أكثر‪ .‬و حضر أشياخنا بجلس السلطان أب السن و قد رفع إليه امرأتان من أهل الزيرة الضراء و رندة‬
‫حبستا أنفسهما عن الكل جلة منذ سني و شاع أمرها و وقع اختبارها فصح شأنما و اتصل على ذلك حالما إل أن ماتتا و رأينا كثيا‬
‫من أصحابنا أيضا من يقتصر على حليب شاة من العز يلتقم ثديها ف بعض النهار أو عند الفطار و يكون ذلك غذاءه و استدام على ذلك‬
‫خس عشرة سنةً و غيهم كثيون و ل يستنكر ذلك‪ .‬و اعلم أن الوع أصلح للبدن من إكثار الغذية بكل وجه لن قدر عليه أو على‬
‫القلل منها أو على القلل منها و إن له أثرا ف الجسام و العقول ف صفاتا و صلحها كما قلناه و اعتب ذلك بآثار الغذية الت تصل‬
‫عنها ف السوم فقد رأينا التغذين بلحوم اليوانات الفاخرة العظيمة الثمان تنشأ أجيالم كذلك و هذا مشاهد ف أهل البادية مع أهل‬
‫الاضرة و كذا التغذون بألبان البل و لومها أيضا مع ما يؤثر ف أخلقهم من الصب و الحتمال و القدرة على حل الثقال الوجود ذلك‬
‫للبل و تنشأ أمعاؤهم أيضا على نسبة أمعاء البل ف الصحة و الغلظ فل يطرقها الوهن و ل ينالا من مدار الغذية ما ينال غيهم فيشربون‬
‫اليتوعات لستطلق بطونم غي مجوبة كالنظل قبل طبخه و الدرياس و القربيون و ل ينال أمعاءهم منها ضرر و هي لو تناولا أهل‬
‫الضر الرقيقة أمعاؤهم با نشأت عليه من لطيف الغذية لكان اللك أسرع إليهم من طرفة العي لا فيها من السمية و من تأثي الغذية ف‬
‫البدان ما ذكره أهل الفلحة و شاهده أهل التجربة أن الدجاج إذا غذيت بالبوب الطبوخة ف بعر البل و اتذ بيضها ث حضنت عليه‬
‫جاء الدجاج منها أعظم ما يكون و قد يستغنون عن تغذيتها و طبخ البوب بطرح ذلك البعر مع البيض الحضن فيجيء دجاجها ف غاية‬
‫العظم و أمثال ذلك كثية فإذا رأينا هذه الثار من الغذية ف البدان فل شك أن للجوع أيضا آثارا ف البدان لن الضدين على نسبة‬
‫واحدة ف الـتأثي و عدمه فيكون تأثي الوع ف نقاء البدان من الزيادات الفاسدة و الرطوبات الختلطة الخلة بالسم والعقل كما كان‬
‫الغذاء مؤثرا ف وجود ذلك السم و ال ميط بعلمه‪.‬‬

‫القدمة السادسة ف أصناف الدركي من البشر بالفطرة أو الرياضة و يتقدمه‬


‫الكلم ف الوحي و الرؤيا‬
‫إعلم أن ال سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضلهم بطابه و فطرهم على معرفته و جعلهم وسائل بينهم و بي عباده يعرفونم بصالهم‬
‫و يرضونم على هدايتهم و يأخذون بجزاتم عن النار و يدلونم على طريق النجاة و كان فيما يلقيه إليهم من العارف ويظهره على‬
‫ألسنتهم من الوارق و الخبار الكائنات الغيبة عن البشر الت ل سبيل إل معرفتها إل من ال بوساطتهم و ل يعلمونا إل بتعليم ال إياهم‬
‫قال صلى ال عليه وسلم أل و أن ل أعلم إل ما علمن ال و اعلم أن خبهم ف ذلك من خاصيته و ضرورته الصدق لا يتبي لك عند بيان‬
‫لك عند بيان حقيقة النبؤة و علمة هذا الصنف من البشر أن توجد لم ف حال الوحي غيبة عن الاضرين معهم مع غطيط كأنا غشي أو‬
‫إغماء ف رأي العي و ليست منهما ف شيء و إنا هي ف القيقة استغراق ف لقاء اللك الروحان بإدراكهم الناسب لم الارج عن مدارك‬
‫البشر بالكلية ث يتنل إل الدارك البشرية إما بسماع دوي من الكلم فيتفهمه أو يتمثل له صورة شخص ياطبه با جاء به من عند ال ث‬
‫تنجلي عنه تلك الال و قد وعى ما القي إليه قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬و قد سئل عن الوحي أحيانا يأتين مثل صلصلة الرس و هو أشده‬
‫علي فيفصم عن و قد وعيت ما قال و أحيانا يتمثل ل اللك رجل فيكلمن فأعي ما يقول و يدركه أثناء ذلك من الشدة و الغط مال يعب‬
‫عنه ففي الديث كان ما يعال من التنيل شدة و قالت عائشة كان ينل عليه الوحي ف اليوم الشديد البد فيفصم عنه و إن جبينه ليتفصد‬
‫عرقا و قال تعال‪ :‬إنا سنلقي عليك قو ًل ثقيلً و لجل هذه الغاية ف تنل الوحي كان الشركون يرمون النبياء بالنون و يقولون له رئي أو‬
‫تابع من الن و إنا لبس عليهم با شاهدوه من ظاهر تلك الحوال و من يضلل ال فما له من هاد‪ .‬و من علماتم أيضا أنه يوجد لم قبل‬
‫الوحي خلق الي و الزكاء و مانبة الذمومات و الرجس أجع و هذا هو معن العصمة و كأنه مفطور على التنه عن الذمومات و النافرة‬
‫لا و كأنا منافية لبلته و ف الصحيح أنه حل الجارة و هو غلم مع عمه العباس لبناء الكعبة فجعلها ف إزاره فانكشف فسقط مغشيا‬
‫عليه حت استتر بإزاره و دعي إل متمع وليمة فيها عرس و لعب فأصابه غشي النوم إل أن طلعت الشمس و ل يضر شيئا من شأنم بل‬
‫نزهه ال عن ذلك كله حت إنه ببلته يتنه عن الطعومات الستكرهة فقد كان صلى ال عليه و سلم ل يقرب البصل و الثوم فقيل له ف‬
‫ذلك فقال إن أناجي من ل تناجون و انظر لا أخب النب صلى ال عليه و سلم خدية رضي ال عنها بال الوحي أول ما فجأته و أرادت‬
‫اختباره فقالت اجعلن بينك و بي ثوبك فلما فعل ذلك ذهب عنه فقالت إنه ملك و ليس بشيطان و معناه أنه ل يقرب النساء و كذلك‬
‫سألته عن أحب الثياب إليه أن يأتيه فيها فقال البياض و الضرة فقالت إنه اللك يعن أن البياض و الضرة من ألوان الي و اللئكة و‬
‫السواد من ألوان الشر و الشياطي و أمثال ذلك‪ .‬و من علماتم أيضا دعاؤهم إل الدين و العبادة من الصلة و الصدقة و العفاف و قد‬
‫استدلت خدية على صدقه صلى ال عليه و سلم بذلك و كذلك أبو بكر و ل يتاجا ف أمره إل دليل خارج عن حاله و خلقه و ف‬
‫الصحيح أن هرقل حي جاءه كتاب النب صلى ال عليه و سلم يدعوه إل السلم أحضر من وجد ببلده من قريش و فيهم أبو سفيان‬
‫ليسألم عن حاله فكان فيما سأل أن قال با يأمركم فقال أبو سفيان بالصلة و الزكاة و الصلة و العفاف إل آخر ما سأل فأجابه فقال إن‬
‫يكن ما تقول حقا فهو نب و سيملك ما تت قدمي هاتي و العفاف الذي أشار إليه هرقل هو العصمة فانظر كيف أخذ من العصمة و‬
‫الدعاء إل الدين والعبادة دليلً على صحة نبؤته و ل يتج إل معجزة فدل على أن ذلك من علمات النبؤة‪ .‬و من علماتم أيضا أن يكونوا‬
‫ذوي حسب ف قومهم و ف الصحيح ما بعث ال نبيا إل ف منعة من قومه و ف رواية أخرى ف ثروة من قومه استدركه الاكم على‬
‫الصحيحي و ف مسئلة هرقل لب سفيان كما هو ف الصحيح قال كيف هو فيكم فقال أبو سفيان هو فينا ذو حسب فقال هرقل والرسل‬
‫تبعث ف أحساب قومها و معناه أن تكون له عصبة و شوكة تنعه عي أذى الكفار حت يبلغ رسالة ربه و يتم مراد ال من إكمال دينه و‬
‫ملته‪ .‬و من علماتم أيضا وقوع الوارق لم شاهد ًة بصدقهم و هي أفعال يعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجز ًة و ليست من جنس‬
‫مقدور العباد و إنا تقع ف غي مل قدرتم و للناس ف كيفية وقوعها و دللتها على تصديق النبياء خلف فالتكلمون بناء على القول‬
‫بالفاعل الختار قائلون بأنا و اقعة بقدرة ال ل بفعل النب و إن كانت أفعال العباد عند العتزلة صادرة عنهم إل أن العجزة ل تكون من‬
‫جنس أفعالم و ليس للنب فيها عند سائر التكلمي إل التحدي با بأذن ال و هو أن يستدل با النب صلى ال عليه و سلم قبل وقوعها على‬
‫صدقه ف مدعاه فإذا وقعت تنلت منلة القول الصريح من ال بأنه صادق و تكون دللتها حينئذ على الصدق قطعية فالعجزة الدالة بجموع‬
‫الارق و التحدي و لذلك كان التحدي جزء منها و عبارة التكلمي صفة نفسها و هو واحد لنه معن الذات عندهم و التحدي هو الفارق‬
‫بينها و بي الكرامة و السحر إذ ل حاجة فيهما إل التصديق فل وجود للتحدي إل إن وجد اتفاقا و إن وقع التحدي ف الكرامة عند من‬
‫ييزها و كانت لا دللة فإنا هي على الولية و هي غي النبؤة و من هنا منع الستاذ أبو إسحق و غيه وقوع الوارق كرامة فرارا من‬
‫اللتباس بالنبؤة عند التحدي بالولية و قد أريناك الغايرة بينهما و إنه يتحدى بغي ما يتحدى به النب فل لبس على أن النقل عن الستاذ ف‬
‫ذلك ليس صريا و ربا حل على إنكار لن تقع خوارق النبياء لم بناء على اختصاص كل من الفريقي بوارقه‪ .‬و أما العتزلة فالانع من‬
‫وقوع الكرامة عندهم أن الوارق ليست من أفعال العباد و أفعالم معتادة فل فرق و أما وقوعها على يد الكاذب تلبيسا فهو مال أما عند‬
‫الشعرية فلن صفة نفس العجزة التصديق و الداية فلو وقعت بلف ذلك انقلب الدليل شبه ًة و الداية ضللةً و التصديق كذبا و‬
‫استحالت القائق و انقلبت صفات النفس و ما يلزم من فرض وقوعه الحال ل يكون مكنا و أما عند العتزلة فلن وقوع الدليل شبهة و‬
‫الداية ضللة قبيح فل يقع من ال‪ .‬و أما الكماء فالارق عندهم من فعل النب و لو كان ف غي مل القدرة بناء على مذهبهم ف الياب‬
‫الذات و وقوع الوادث بعضها عن بعض متوقف عن السباب و الشروط الادثة مستندة أخيا إل الواجب الفاعل بالذات ل بالختيار و‬
‫أن النفس النبوية عندهم لا خواص ذاتية منها صدور هذه الوارق بقدرته و طاعة العناصر له ف التكوين و النب عندهم مبول على‬
‫التصريف ف الكوان مهما توجه إليها و استجمع لا با جعل ال له من ذلك و الارق عندهم يقع للنب سواء كان للتحدي أم ل يكن و‬
‫هو شاهد بصدقه من حيث دللته على تصرف النب ف الكوان الذي هو من خواص النفس النبوية ل بأنه يتنل منلة القول الصريح‬
‫بالتصديق فلذلك ل تكون دللتها عندهم قطعيةً كما هي عند التكلمي و ل يكون التحدي جزأ من العجزة و ل يصح فارقا لا عن السحر‬
‫و الكرامة و فارقها عندهم عن السحر أن النب مبول على أفعال الي مصروف عن أفعال الشر فل يلم الشر بوارقه و الساحر على الضد‬
‫فأفعاله كلها شر و ف مقاصد الشر و فارقها عن الكرامة أن خوارق النب مصوصة كالصعود إل السماء و النفوذ ف الجسام الكثيفة و‬
‫إحياء الوتى و تكليم اللئكة و الطيان ف الواء و خوارق الول دون ذلك كتكثي القليل و الديث عن بعض الستقبل و أمثاله ما هو‬
‫قاصر عن تصريف النبياء و يأت النب بميع خوارقه و ل يقدر هو على مثل خوارق النبياء و قد قرر ذلك التصوفة فيما كتبوه ف طريقتهم‬
‫و لقنوه عمن أخبهم و إذا تقرر ذلك فاعلم أن أعظهم العجزات و أشرفها و أوضحها دللة القرآن الكري النل على نبينا ممد صلى ال‬
‫عليه و سلم فإن الوارق ف الغالب تقع مغايرةً للوحي الذي يتلقاه النب و يأت بالعجزة شاهدة بصدقه و القرآن هو بنفسه الوحي الدعى و‬
‫هو الارق العجز فشاهده ف عينه و ل يفتقر إل دليل مغاير له كسائر العجزات مع الوحي فهو أوضح دللة لتاد الدليل و الدلول فيه‬
‫وهذا معن قوله صلى ال عليه و سلم ما من نب من النبياء إل و أت من اليات ما مثله آمن عليه البشر و إنا كان الذي أوتيته و حيا أوحى‬
‫إل فأنا أرجو أن أكون تابعا يوم القيامة يشي إل أن العجزة مت كانت بذه الثابة ف الوضوح و قوة الدللة و هو كونا نفس الوحي كان‬
‫الصدق لا أكثر لوضوحها فكثر الصدق الؤمن و هو التابع و المة‪.‬‬

‫و لنذكر الن تفسي حقيقة النبؤة على ما شرحه كثي من الحققي ث نذكر‬
‫حقيقة الكهانة ث الرؤيا ث شان العرافي و غي ذلك من مدارك الغيب فنقول‬
‫إعلم‪ .‬أرشدنا ال و إياك أنا نشاهد هذا العال با فيه من الخلوقات كلها على هيئة من الترتيب و الحكام و ربط السباب بالسببات و‬
‫اتصال الكوان بالكوان و استحالة بعض الوجودات إل بعض ل تنقضي عجائبه ف ذلك و ل تنتهي غاياته و أبدأ من ذلك بالعال‬
‫الحسوس الثمان و أولً عال العناصر الشاهدة كيف تدرج صاعدا من الرض إل الاء ث إل الواء ث إل النار متصلً بعضها ببعض و كل‬
‫واحد منها مستعد إل أن يستحيل إل ما يليه صاعدا و هابطا و يستحيل بعض الوقات و الصاعد منها ألطف ما قبله إل أن ينتهي إل عال‬
‫الفلك و هو ألطف من الكل على طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة ل يدرك الس منها إل الركات فقط و با يهتدي بعضهم إل‬
‫معرفة مقاديرها و أوضاعها و ما بعد ذلك من وجود الذوات الت لا هذه الثار فيها ث انظر إل عال التكوين كيف ابتدأ من العادن ث‬
‫النبات ث اليوان على هيئة بديعة من التدريج آخر أفق العادن متصل بأول أفق النبات مثل الشائش و ما ل بذر له و آخر أفق النبات مثل‬
‫النخل و الكرم متصل بأول أفق اليوان مثل اللزون و الصدف و ل يوجد لما إل قوة اللمس فقط و معن التصال ف هذه الكونات أن‬
‫آخر أفق منها مستعد بالستعداد الغريب لن يصي أول أفق الذي بعده و اتسع عال اليوان و تعددت أنواعه و انتهى ف تدريج التكوين إل‬
‫النسان صاحب الفكر و الروية ترتفع إليه من عال القدرة الذي اجتمع فيه الس و الدراك و ل ينته إل الروية و الفكر بالفعل و كان ذلك‬
‫أول أفق من النسان بعده و هذا غاية شهودنا ث إنا ند ف العوال على اختلفها آثارا متنوعةً ففي عال الس آثار من حركات الفلك و‬
‫العناصر و ف عال التكوين آثار من حركة النمو و الدراك تشهد كلها بأن لا مؤثرا مباينا للجسام فهو روحان و يتصل بالكونات لوجود‬
‫اتصال هذا العال ف و جودها و لذلك هو النفس الدركة و الحركة و ل بد فوقها من وجود آخر يعطيها قوى الدراك و الركة و يتصل‬
‫با أيضا و يكون ذاته إدراكا صرفا و تعقلً مضا و هو عال اللئكة فوجب من ذلك أن يكون للنفس استعداد للنسلخ من البشرية إل‬
‫اللكية ليصي بالفعل من جنس اللئكة وقتا من الوقات ف لحة من اللمحات و ذلك بعد أن تكمل ذاتا الروحانية بالفعل كما نذكره بعد‬
‫و يكون لا اتصال بالفق الذي بعدها شأن الوجودات الرتبة كما قدمناه فلها ف التصال جهتا العلو و السفل و هي متصلة بالبدن من‬
‫أسعف منها و تكتسب به الدارك السية الت تستعد با للحصو ل على التعقل بالفعل و متصلة من جهة العلى منها بأفق اللئكة و‬
‫مكتسبة به الدارك العلمية و الغيبية فإن عال الوادث موجود ف تعقلتم من غي زمان و هذا على ما قدمناه من الترتيب الحكم ف الوجود‬
‫باتصال ذواته و قواه بعضها ببعض ث إن هذه النفس النسانية غائبة عن العيان و آثارها ظاهرة ف البدن فكأنه و جيع أجزائه متمع ًة و‬
‫مفترقةً آلت للنفس و لقواها أما الفاعلية فالبطش باليد و الشي بالرجل و الكلم باللسان و الركة الكلية بالبدن متدافعا و أما الدركة و‬
‫إن كانت قوى الدراك مرتبة و مرتقي ًة إل القوة العليا منها و من الفكرة الت يعب عنها بالناطقة فقوى الس الظاهرة بآلته من السمع و‬
‫البصر و سائرها يرتقي إل الباطن و أوله الس الشترك و هو قوة تدرك الحسوسات مبصر ًة و مسموعةً وملموسةً و غيها ف حالة واحدة‬
‫و بذلك فارقت قوة الس الظاهر لن الحسوسات ل تزدحم عليها ف الوقت الواحد ث يؤديه الس الشترك إل اليال و هي قوة تثل‬
‫الشي الحسوس ف النفس كما هو مرد عن الواد الارجة فقط و آلة هاتي القوتي ف تصريفهما البطن الول من الدماغ مقدمه للول و‬
‫مؤخرة للثانية ث يرتقي اليال إل الواهة و الافظة فالواهة لدراك العان التعلقة بالشخصيات كعداوة زيد و صداقة عمرو و رحة الب و‬
‫افتراس الذئب و الافظة لبداع الدركات كلها متخيلةً و هي لا كالزانة تفظها لوقت الاجة إليها و آلة هاتي القوتي ف تصريفهما‬
‫البطن الؤخر من الدماغ أوله للول و مؤخره للخرى ث ترتقي جيعها إل قوة الفكر و آلته البطن الوسط من الدماغ و هي القوة الت يقع‬
‫با حركة الرؤية و التوجه نو التعقل فتحرك النفس با دائما لا ركب فيها من النوع للتخلص من درك القوة و الستعداد الذي للبشرية و‬
‫ترج إل الفعل ف تعقلها متشبهةً بالل العلى الروحان و تصي ف أول مراتب الروحانيات ف إدراكها بغي اللت السمانية فهي متحركة‬
‫دائما و متوجهة نو ذلك و قد تنسلخ بالكلية من البشرية و روحانيتها إل اللكية من الفق العلى من غي اكتساب بل با جعل ال فيها‬
‫من البلة و الفطرة الول ف ذلك‪.‬‬

‫أصناف النفوس البشرية‬


‫إن النفوس البشرية على ثلثة أصناف‪ :‬صنف عاجز بالطبع عن الوصول فينقطع بالركة إل الهة السفلى نو الدارك السية و اليالية و‬
‫تركيب العان من الافظة و الواهة على قواني مصورة و ترتيب خاص يستفيدون به العلو م التصورية و التصديقية الت للفكر ف البدن و‬
‫كلها خيال منحصر نطاقه إذ هو من جهة مبدإه ينتهي إل الوليات و ل يتجاوزها و إن فسد فسد ما بعدها و هذا هو ف الغلب نطاق‬
‫الدراك البشري ف السمان و إليه تنتهي مدارك العلماء و فيه ترسخ أقدامهم‪ .‬و صنف متوجه بتلك الركة الفكرية نو العقل الروحان و‬
‫الدراك الذي ل يفتقر إل اللت البدنية با جعل فيه من الستعداد لذلك فيتسع نطاق إدراكه عن الوليات الت هي نطاق الدراك الول‬
‫البشر ف و يسرح ف فضاء الشاهدات الباطنية و هي وجدان كلها نطاق من مبدإها و ل من منتهاها و هذه مدارك العلماء الولياء أهل‬
‫العلوم الدينية و العارف الربانية و هي الاصلة بعد الوت لهل السعادة ف البزخ‪.‬‬

‫الوحي‬
‫و صنف مفطور على النسلخ من البشرية جلة جسمانيتها و روحانيتها إل اللئكة من الفق العلى ليصي ف لحة من اللمحات ملكا‬
‫بالفعل و يصل له شهود الل العلى ف أفقهم و ساع الكلم النفسان و الطاب اللي ف تلك اللمحة و هؤلء النبياء صلوات ال و‬
‫سلمه عليهم جعل ال لم النسلخ من البشرية ف تلك اللمحة و هي حالة الوحي فطره فطرهم ال عليها و جبلة صورهم فيها و نزههم‬
‫عن موانع البدن و عوائقه ما داموا ملبسي لا بالبشرية با ركب ف غرائزهم من القصد و الستقامة الت ياذون با تلك الوجهة وركز ف‬
‫طبائعهم رغبةً ف العبادة تكشف بتلك الوجهة و تسيغ نوها فهم يتوجهون إل ذلك الفق بذلك النوع من النسلخ مت شاءوا بتلك‬
‫الفطرة الت فطروا عليها ل باكتساب و ل صناعة فلذا توجهوا و انسلخوا عن بشريتهم و تلقوا ف ذلك الل العلى ما يتلقونه‪ ،‬و عاجوا به‬
‫على الدارك البشرية منلً ف قواها لكمة التبليغ للعباد فتار ًة يسمع أحدهم دويا كأنه رمز من الكلم يأخذ منه العن الذي ألقي إليه فل‬
‫ل فيكلمه و يعي ما يقوله و التلقى من اللك و الرجوع إل‬ ‫ينقضي الدوي إل و قد وعاه و فهمه و تار ًة يتمثل له اللك الذي يلقي إليه رج ً‬
‫الدارك البشرية و فهمه ما ألقي عليه كله كأنه ف لظة واحدة بل أقرب من لح البصر لنه ليس ف زمان بل كلما تقع جيعا فيظهر كأنا‬
‫سريعة و لذلك سيت وحيا لن الوحي ف اللغة السراع و اعلم أن الول و هي حالة الدوي هي رتبة النبياء غي الرسلي على ما حققوه‬
‫ل ياطب هي رتبة النبياء الرسلي و لذلك كانت أكمل من الول و هذا معن الديث الذي فسر فيه‬ ‫و الثانية و هي حالة تثل اللك رج ً‬
‫النب صلى ال عليه و سلم الوحي لا سأله الارث بن هشام و قال‪ :‬كيف يأتيك الوحي ؟ فقال‪ :‬أحيانا يأتين مثل صلصلة الرس و هو‬
‫أشده علي فيفصم عن و قد وعيت ما قال و أحيانا يتمثل ل اللك فيكلمن فأعي ما يقول و إنا كانت الول أشد لنا مبدأ الروج ف‬
‫ذلك التصال من القوة إل الفعل فيعسر بعض العسر و لذلك لا عاج فيها على الدارك البشرية اختصت بالسمع و صعب ما سواه و عندما‬
‫يتكرر الوحي و يكثر التلقي يسهل ذلك التصال فعندما يعرج إل الدارك البشرية يأت على جيعها و خصوصا الوضح منها و هو إدراك‬
‫البصر و ف العبارة عن الوعي ف الول بصيغة الاضي و ف الثانية بصيغة الضارع لطيفة من البلغة و هي أن الكلم جاء ميء التمثيل لالت‬
‫الوحي فمثل الالة الول بالدوي الذي هو ف التعارف غي كلم و أخب أن الفهم و الوعي يتبعه غب انقضائه فناسب عند تصوير انقضائه‬
‫و انفصاله العبارة عن الوعي بالاضي الطابق للنقضاء و النقطاع و مثل اللك ف الالة الثانية برجل ياطب و يتكلم و الكلم يساوقه‬
‫الوعي فناسب العبارة بالضارع القتضي للتجدد‪ .‬واعلم أن ف حالة الوحي كلها صعوبةً على الملة و شدة قد أشار إليها القرآن قال تعال‪:‬‬
‫إنا سنلقي عليك قول ثقيل و قالت عائشة‪ :‬كان ما يعان من التنيل شدة و قالت‪ :‬كان عليه الوحي ف اليوم الشديد البد فيفصم عنه و أن‬
‫جبينه ليتفصد عرقا‪ .‬و لذلك كان يدث عنه ف تلك الالة من الغيبة و الغطيط ما هو معروف و سبب ذلك أن الوحي كما قررنا مفارقة‬
‫البشرية إل الدارك اللكية و تلقي كلم النفس فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتا و انسلخها عنها من أفقها إل ذلك الفق الخر و‬
‫هذا هو معن الغط الذي عب به ف مبدإ الوحي ف قوله فغطن حت بلغ من الهد ث أرسلن فقال اقرأ فقلت ما إنا بقارئ و كذا ثانية و‬
‫ثالثة‪ .‬كما ف الديث و قد يفضي العتياد بالتدريج فيه شيئا فشيئا إل بعض السهولة بالقياس إل ما قبله و لذلك كان تنل نوم القرآن و‬
‫سوره و آيه حي كان بكة أقصر منها و هو بالدينة و انظر إل ما نقل ف نزول سورة براءة ف غزوة تبوك و أنا نزلت كلها أو أكثرها عليه‬
‫و هو يسي على ناقته بعد أن كان بكة ينل عليه بعض السورة من قصار الفصل ف وقت و ينل الباقي ف حي آخر و كذلك كان آخر ما‬
‫نزل بالدينة آية الدين و هي ما هي ف الطول بعد أن كانت الية تنل بكة مثل آيات الرحن و الذاريات و الدثر و الضحى و الفلق و‬
‫أمثالا‪ .‬و اعتب من ذلك علمة تيز با بي الكي و الدن من السور و اليات و ال الرشد إل الصواب‪ .‬هذا مصل أمر النبؤة‪.‬‬

‫الكهانة‬
‫و أما الكهانة فهي أيضا من خواص النفس النسانية و ذلك أنه قد تقدم لنا ف جيع ما مر أن للنفس النسانية استعدادا للنسلخ من‬
‫البشرية إل الروحانية الت فوقها و أنه يصل من ذلك لحة للبشر ف صنف النبياء با فطروا عليه من ذلك و تقرر أنه يصل لم من غي‬
‫اكتساب و ل استعانة بشيء من الدارك و ل من التصورات و ل من الفعال البدنية كلما أو حركةً و ل بأمر من المور إنا هو انسلخ‬
‫من البشرية إل اللكية بالفطرة ف لظة أقرب من لح البصر و إذا كان كذلك و كان ذلك الستعداد موجودا ف الطبيعة البشرية فيعطى‬
‫التقسيم العقلي و إن هنا صنفا آخر من البشر ناقصا عن رتبة الصنف الول نقصان الضد عن ضده الكامل لن عدم الستعانة ف ذلك‬
‫الدراك ضد الستعانة فيه و شتان ما بينهما فإذا أعطي تقسيم الوجود إل هنا صنفا آخر من البشر مفطورا على أن تتحرك قوته العقلية‬
‫حركتها الفكرية بالرادة عندما يبعثها النوع لذلك و هي ناقصة عنه بالبلة عندما يعوقها العجز عن ذلك تشبث بأمور جزئية مسوسة أو‬
‫متخيلة كالجسام الشفافة و عظام اليوانات و سجع الكلم و ما سنح من طي أو حيوان فيستدي ذلك الحساس أو التخيل مستعينا به ف‬
‫ذلك النسلخ الذي يقصده و يكون كالشيع له و هذه القوة الت فيهم مبدأ لذلك الدراك هي الكهانة و لكون هذه النفوس مفطور ًة على‬
‫النقص و القصور عن الكمال كان إدراكها ف الزئيات أكثر من الكليات و لذلك تكون الخيلة فيهم ف غاية القوة لنا آلة الزئيات فتنفذ‬
‫فيها نفوذا تاما ف نوم أو يقظة و تكون عندها حاضر ًة عتيدةً تضرها الخيلة و تكون لا كالرآة تنظر فيها دائما و ل يقوى الكاهن على‬
‫الكمال ف إدراك العقولت لن وحيه من وحي الشيطان و أرفع أحوال هذا الصنف أن يستعي بالكلم الذي فيه السجع و الوازنة ليشتغل‬
‫به عن الواس و يقوى بعض الشيء على ذلك التصال الناقص فيهجس ف قلبه عن تلك الركة و الذي يشيعها من ذلك الجنب ما يقذفه‬
‫على لسانه فربا صدق و وافق الق و با كذب لنه يتمم نقصه بأمر أجنب عن ذاته الدركة و مباين لا غي ملئم فيعرض له الصدق و‬
‫الكذب جيعا و ل يكون موثوقا به و ربا يفزع إل الظنون و التخمينات حرصا على الظفر بالدراك بزعمه و تويها على السائلي و‬
‫أصحاب هذا السجع هم الخصوصون باسم الكهان لنم أرفع سائر أصنافهم و قد قال صلى ال عليه و سلم ف مثله هذا من سجع الكهان‬
‫فجعل السجع متصا بم بقتضى الضافة و قد قال لبن صياد حي سأله كاشفا عن حاله بالخبار كيف يأتيك هذا المر ؟ قال‪ :‬يأتين‬
‫صادقا و كاذبا فقال‪ :‬خلط عليك المر يعن أن النبؤة خاصتها الصدق فل يعتريها الكذب بال لنا اتصال من ذات النب بالل العلى من‬
‫غي مشيع و ل استعانة بأجنب و الكهانة لا احتاج صاحبها بسبب عجزه إل الستعانة بالتصورات الجنبية كانت داخلة ف إدراكه و‬
‫التبست بالدراك الذي توجه إليه فصار متلطا با و طرقه الكذب من هذه الهة فامتنع أن تكون نبؤة و إنا قلنا إن أرفع مراتب الكهانة‬
‫حالة السجع لن معن السجع أخفه من سائر الغيبات من الرئيات و السموعات و تدل خفة العن على قرب ذلك التصال و الدراك و‬
‫البعد فيه عن العجز بعض الشيء و قد زعم بعض الناس أن هذه الكهانة قد انقطعت منذ زمن النبؤة با وقع من شأن رجم الشياطي‬
‫بالشهب بي يدي البعثة و أن ذلك كان لنعهم من خب السماء كما وقع ف القرآن و الكهان إنا يتعرفون أخبار السماء من الشياطي‬
‫فبطلت الكهانة من يومئذ و ل يقوم من ذلك دليل لن علوم الكهان كما تكون من الشياطي تكون من نفوسهم أيضا كما قررناه و أيضا‬
‫فالية إنا دلت على منع الشياطي من نوع واحد من أخبار السماء و هو ما يتعلق بب البعثة و ل ينعوا ما سوى ذلك‪ .‬و أيضا فإنا كان‬
‫ذلك النقطاع بي يدي النبؤة فقط و لعلها عادت بعد ذلك إل ما كانت عليه و هذا هو الظاهر لن هذه الدارك كلها تمد ف زمن النبؤة‬
‫كما تمد الكواكب و السرج عند وجود الشمس لن النبؤة هي النور العظم الذي يفى معه كل نور و يذهب‪.‬‬

‫و قد زعم بعض الكماء أنا إنا توجد بي يدي النبؤة ث تنقطع و هكذا كل نبؤة وقعت لن وجود النبوة ل بد له من وضع فلكي يقتضيه‬
‫و ف تام ذلك الوضع تام تلك النبؤة الت تدل عليها و نقص ذلك الوضع عن التمام يقتضي وجود طبيعة من ذلك النوع الذي يقتضيه‬
‫ناقصة و هو معن الكاهن على ما قررناه فقبل أن يتم ذلك الوضع الكامل يقع الوضع الناقص و يقتضي وجود الكاهن إما واحدا أو متعددا‬
‫فإذا ت ذلك الوضع ت وجود النب بكماله و انقضت الوضاع الدالة على مثل تلك الطبيعة فل يوجد منها شيء بعد و هذا بناء على أن‬
‫بعض الوضع الفلكي يقتضي بعض أثره و هو غي مسلم‪ .‬فلعل الوضع إنا يقتضي ذلك الثر بيئته الالصة و لو نقص بعض أجزائها فل‬
‫يقتضي شيئا‪ ،‬ل إنه يقتضي ذلك الثر ناقصا كما قالوه‪ .‬ث إن هؤلء الكهان إذا عاصروا زمن النبؤة فإنم عارفون بصدق النب و دللة‬
‫معجزته لن لم بعض الوجدان من أمر النبؤة كما لكل إنسان من أمر اليوم و معقوبية تلك النسبة موجودة للكاهن بأشد ما للنائم و ل‬
‫يصدهم عن ذلك و يوقعهم ف التكذيب إل قوة الطامع ف أنا نبؤة لم فيقعون ف العناد كما وقع لمية بن أب الصلت فإنه كان يطمع أن‬
‫يتنبأ و كذا وقع لبن صياد و لسيلمة و غيهم فإذا غلب اليان و انقطعت تلك المان آمنوا أحسن إيان كما وقع لطليحة السدي و‬
‫سواد بن قارب و كان لما ف الفتوحات السلمية من الثار الشاهدة بسن اليان‪.‬‬

‫الرؤيا‬
‫و أما الرؤيا فحقيقتها مطالعة النفس الناطقة ف ذاتا الروحانية لحة من صور الواقعات فإنا عندما تكون روحانية تكون صور الواقعات فيها‬
‫موجودة بالفعل كما هو شأن الذوات الروحانية كلها و تصي روحانية بأن تتجرد عن الواد السمانية و الدارك البدنية و قد يقع لا ذلك‬
‫لحة بسبب النوم كما نذكر فتقتبس با علم ما تتشوف إليه من المور الستقبلة و تعود به إل مداركها فإن كان ذلك القتباس ضعيفا و‬
‫غي جلي بالحاكاة و الثال ف اليال لتخلصه فيحتاج‪ .‬من أجل هذه الحاكاة إل التعبي و قد يكون القتباس قويا يستغن فيه عن الحاكاة‬
‫فل يتاج إل تعبي للوصه من الثال و اليال و السبب ف وقوع هذه اللمحة للنفس أنا ذات روحانية بالقوة مستكملة بالبدن و مداركه‬
‫حت تصي ذاتا تعقلً مضا و يكمل وجودها بالفعل فتكون حينئذ ذاتا روحانية مدركة بغي شيء من اللت البدنية إل أن نوعها ف‬
‫الروحانية دون نوع اللئكة أهل الفق العلى على الذين ل يستكملوا ذواتم بشيء من مدارك البدن و ل غيه فهذا الستعداد حاصل لا‬
‫ما دامت ف البدن و منه خاص كالذي للولياء و منه عام للبشر على العموم و هو أمر الرؤيا‪ .‬و أما الذي للنبياء فهو استعداد بالنسلخ‬
‫من البشرية إل اللكية الحضة الت هي‪ ،‬أعلى الروحانيات و يرج هذا الستعداد فيهم متكررا ف حالت الوحي و هو عندما يعرج على‬
‫الدارك البدنية و يقع فيها ما يقع من الدراك يكون شبيها بال النوم شبها بينا و إن كان حال النوم أدون منه بكثي فلجل هذا الشبه عب‬
‫الشارع عن الرؤيا بأنا جزء من ستة و أربعي جزا من النبؤة و ف رواية ثلثة و أربعي و ف رواية سبعي و ليس العدد ف جيعها مقصودا‬
‫بالذات و إنا الراد الكثرة ف تفاوت هذه الراتب بدليل ذكر السبعي ف بعض طرقه و هو للتكثي عند العرب و ما ذهب إليه بعضهم ف‬
‫رواية ستي و أربعي من أن الوحي كان ف مبدإه بالرؤيا ستة أشهر و هي نصف سنة و مدة النبوة كلها بكة و الدينة ثلث و عشرين سنة‬
‫فنصف السنة منها جزء من ستة و أربعي فكلم بعيد من التحقيق لنة إنا وقع ذلك للنب صلى ال عليه و سلم و من أين لنا أن هذه الدة‬
‫وقعت لغيه من النبياء مع أن ذلك إنا يعطي نسبة زمن الرؤيا من زمن النبؤة و ل يعطي حقيقتها من حقيقة النبؤة و إذا تبي لك هذا ما‬
‫ذكرناه أولً علمت أن معن هذا الزء نسبة الستعداد الول الشامل للبشر إل الستعداد القريب الاص بصنف النبياء الفطري لم صلوات‬
‫ال عليهم إذ هو الستعداد البعيد و إن كان عاما ف البشر و معه عوائق و موانع كثية من حصوله بالفعل و من أعظم تلك الوانع الواس‬
‫الظاهرة ففطر ال البشر على ارتفاع حجاب الواس بالنوم الذي هو جبلي لم فتتعرض النفس عند ارتفاعه إل معرفة ما تتشوف إليه ف عال‬
‫الق فتدرك ف بعض الحيان منه لحة يكون فيها الظفر بالطلوب و لذلك جعلها الشارع من البشرات فقال ل يبق من النبؤة إل البشرات‬
‫قالوا و ما البشرات يا ر سول ال قال الرؤيا الصالة يراها الرجل الصال أو ترى له و أما سبب ارتفاع حجاب الواس بالنوم فعلى ما‬
‫أصفه لك و ذلك أن النفس الناطقة إنا إدراكها و أفعالا بالروح اليوان السمان و هو بار لطيف مركزه بالتجويف اليسر من القلب‬
‫على ما ف كتب التشريح لالينوس و غيه و ينبعث مع الدم ف الشريانات و العروق فيعطي الس و الركة‪ ،‬و سائر الفعال البدنية و‬
‫يرتفع لطيفه إل الدماغ فيعدل من برده و تتم أفعال القوى الت ف بطونه فالنفس الناطقة إنا تدرك و تعقل بذا الروح البخاري و هي متعلقة‬
‫به لا اقتضته حكمة التكوين ف أن اللطيف ل يؤثر ف الكثيف و لا لطف هذا الروح اليوان من بي الواد البدنية صار ملً لثار الذات‬
‫الباينة له ف جسمانيته وهي النفس الناطقة و صارت آثارها حاصلة ف البدن بواسطته و قد كنا قدمنا أن إدراكها على نوعي إدراك بالظاهر‬
‫و هو الواس المس و إدراك بالباطن و هو القوى الدماغية و أن هذا الدراك كله صارف لا عن إدراكها ما فوقها من ذواتا الروحانية‬
‫الت هي مستعدة له بالفطرة و لا كانت الواس الظاهرة جسمانية كانت معرضةً للوسن و الفشل با يدركها من التعب و الكلل و تغشى‬
‫الروح بكثرة التصرف فخلق ال لا طلب الستجمام لتجرد الدراك على الصورة الكاملة و إنا يكون ذلك بانناس الروح اليوان من‬
‫الواس الظاهرة كلها و رجوعه إل الس الباطن و يعي على ذلك ما يغشى البدن من البد بالليل فتطلب الرارة الغزيرة أعماق البدن و‬
‫تذهب من ظاهره إل باطنه فتكون مشيعة مركبها و هو الروح اليوان إل الباطن و لذلك كال النوم للبشر ف الغالب إنا هو بالليل فإذا‬
‫اننس الروح عن الواس الظاهرة و رجع إل القوى الباطنة و خفت عن النفس شواغل الس و موانعه و رجعت إل الصورة الت ف‬
‫الافظة تثل منها بالتركيب و التحليل صور خيالية و أكثر ما تكون معتادة لنا منتزعة من الدركات التعاهدة قريبا ث ينلا الس الشترك‬
‫الذي هو جامع الواس الظاهرة فيدركها على أناء الواس المس الظاهرة و ربا التفتت النفس لفتة إل ذاتا الروحانية مع منازعتها القوى‬
‫الباطنية فتدرك بإدراكها الروحان لنا مفطورة عليه و تقيس من صور الشياء الت صارت متعلقة ف ذاتا حينئذ ث يأخذ اليال تلك الصور‬
‫الدركة فيمثلها بالقيقة أو الحاكاة ف القوالب العهودة و الحاكاة من هذه هي الحتاجة للتعبي و تصرفها بالتركيب و التحليل ف صور‬
‫الافظة قبل أن تدرك من تلك اللمحة ما تدركه هي أضغاث أحلم‪ .‬و ف الصحيح أن النب صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬الرؤيا ثلث رؤيا من‬
‫ال و رؤيا من اللك و رؤيا من الشيطان و هذا التفصيل مطابق لا ذكرناه فاللي من ال و الحاكاة الداعية إل التعبي من اللك و أضغاث‬
‫الحلم من الشيطان لنا كلها باطل و الشيطان ينبوع الباطل هذه حقيقة الرؤيا و ما يسببها و يشيعها من النوم و هي خواص للنفس‬
‫النسانية موجودة ف البشر على العموم ل يلو عنها أحد منهم بل كل واحد من النسان رأى ف نومه ما صدر له ف يقظته مرارا غي‬
‫واحدة و حصل له على القطع أن النفس مدركة للغيب ف النوم و ل بد و إذا جاز ف ذلك ف عال النوم فل يتنع ف غي من الحوال لن‬
‫الذات الدركة واحدة و خواصها عامة ف كل حال و ال الادي إل الق بنه و فصله‪.‬‬

‫فصل‪ :‬و وقوع ما يقع للبشر من ذلك غالبا إنا هو من غي قصد ول قدرة عليه و إنا تكون النفس متشوقة لذلك الشيء فيقع بتلك اللمحة‬
‫ف النوم لنا تقصد إل ذلك فتراه و قد وقع ف كتاب الغاية و غي من كتب أهل الرياضيات ذكر أساء تذكر عند النوم فتكون عنها الرؤيا‬
‫فيما يتشوف إليه و يسمونا الالومية و ذكر منها مسلمة ف كتاب الغاية حالومة ساها حالومة الطباع التام و هو أن يقال عند النوم بعد‬
‫فراغ السر و صحة التوجه هذه الكلمات العجمية و هي تاغس بعد أن يسواد و غداس نوفنا غادس و يذكر حاجته فإنه يرى الكشف عما‬
‫يسأل عنه ف النوم‪ .‬و حكى أن رجلً فعل ذلك بعد رياضة ليال ف مأكله و ذكره فتمثل له شخص يقول له إن طباعك التام فسأله و أخبه‬
‫عما كان يتشوف إليه و قد وقع ل أنا بذه الساء مراء عجيبة و اطلعت با على أمور كنت أتشوف عليها من أحوال و ليس ذلك بدليل‬
‫على أن القصد للرؤيا يدثها و إنا هذه الالومات تدث استعدادا ف النفس لوقوع الرؤيا فإذا قوي الستعداد كال أقرب إل حصول ما‬
‫ل على إيقاع الستمد له فالقدرة على الستعداد غي القدرة على الشيء‬ ‫يستعد له و للشخص أن يفعل من الستعداد ما أحب و ل يكون دلي ً‬
‫فاعلم ذلك و تدبره فيما تد من أمثاله و ال الكيم البي‪.‬‬

‫فصل‪ :‬ث إنا ند ف النوع النسان أشخاصا يبون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز با صنفهم عن سائر الناس و ل يرجعون ف‬
‫ذلك إل صناعة و ل يستدلون عليه بأثر من النجوم و ل من غيها إنا ند مداركهم ف ذلك بقتضى فطرته الت فطروا عليها و ذلك مثل‬
‫العرافي و الناظرين ف الجسام الشفافي كالرايا و طساس الاء و الناظرين ف قلوب اليوانات و أكبادها و عظامها و أهل الزجر ف الطي‬
‫و السباع و أهل الطرق بالصى و البوب من النطة و النوى و هذه كلها موجودة ف عال النسان ل يسع أحدا جحدها و ل إنكارها و‬
‫كذلك الجاني يلقى على ألسنتهم كلمات من الغيب فيخبون با و كذلك النائم و اليت لول موته أو نومه يتكلم بالغيب و كذلك أهل‬
‫الرياضيات من التصوفة لم مدارك ف الغيب على سبيل الكرامة معروفة‪ .‬و نن الن نتكلم عن هذه الدراكات كلها و نبتدئ منها بالكهانة‬
‫ث نأت عليها واحدةً واحدةً إل آخرها و نقدم على ذلك مقدمة ف أن النفس النسانية كيف تستعد لدراك الغيب ف جيع الصناف الت‬
‫ذكرناها و ذلك أنا ذات روحانية موجودة بالقوة إل الفعل بالبدن و أحواله و هذا أمر مدرك لكل أحد و كل ما بالقوة فله مادة و صورة‬
‫و صورة هذه النفس الت با يتم وجودها هو عي الدراك و التعقل فهي توجد أولً بالقوة مستعدة للدراك و التعقل فهي توجد أولً بالقوة‬
‫مستعدة للدراك و قبول الصور الكلية و الزئية ث يتم نشؤها و وجودها بالفعل بصاحبة البدن و ما يعودها بورود مدركاتا الحسوسة‬
‫عليها و ما تنتزع من تلك الدراكات من العان الكلية فتتعقل الصور مرة بعد أخرى حت يصل لا الدراك و التعقل بالفعل فتتم ذاتا و‬
‫تبقى النفس كاليول و الصور متعاقبة عليها بالدراك واحدة بعد واحدة و لذلك ند الصب ف أول نشأته ل يقدر على الدراك الذي لا من‬
‫ذاتا ل بنوم و ل بكشف و ل بغيها و ذلك أن صورتا الت هي عي ذاتا و هي الدراك و التعقل ل تتم بعد بل ل يتم لا انتزاع الكليات‬
‫ث إذا تت ذاتا بالفعل حصل لا ما دامت مع البدن نوعان من الدراك إدراك بآلت السم تؤديه إليها الدارك البدنية و إدراك بذاتا من غي‬
‫واسطة و هي مجوبة عنه بالنغماس ف البدن و الواس و بشواغلها لن الواس أبدا جاذبة لا إل الظاهر با فطرت عليه أولً من الدراك‬
‫السمان و ربا تنغمس من الظاهر إل الباطن فيتفع حجاب البدن لظةً إما بالاصية الت هي للنسان على الطلق مثل النوم أو بالاصية‬
‫الوجودة لبعض البشر مثل الكهانة و الطرق أو بالرياضة مثل أهل الكشف من الصوفية فتلتفت حينئذ إل الذوات الت فوقها من الل لا بي‬
‫أفقها و أفقهم من التصال ف الوجود كما قررنا قبل و تلك الذوات روحانية و هي إدراك مض و عقول بالفعل و فيها صور الوجودات و‬
‫حقائقها كما مر فيتجلى فيها شيء من تلك الصور و تقتبس منها علوما و ربا دفعت تلك الصور الدركة إل اليال فيصرفه ف القوالب‬
‫العتادة ث يراجع الس با أدركت إما مردا أو ف قوالبه فتخب به‪ .‬هذا هو شرح استعداد النفس لذا الدراك الغيب‪ .‬و لنرجع إل ما وعدنا‬
‫به من بيان أصنافه‪ .‬فأما الناظرون ف الجسام الشفافة من الرايا و طساس الياه و قلوب اليوان و أكبادها و عظامها و أهل الطرق بالصى‬
‫و النوى فكلهم من قبيل الكهان إل أنم أضعف رتبة فيه ف أصل خلقهم لن الكاهن ل يتاج ف رفع حجاب الس إل كثي معاناة و‬
‫هؤلء يعانونه بانصار الدارك السية كلها ف نوع واحد منها و أشرفها البصر فيعكف على الرئي البسيط حت يبدو له مدركه الذي يب‬
‫به عنه و ربا يظن أن مشاهدة هؤلء لا يرونه هو ف سطح الرآة و ليس كذلك بل ل يزالون ينفرون ف سطح الرآة إل أن يغيب عن البصر‬
‫و يبدو فيما بينهم و بي سطح الرآة حجاب كأنة غمام يتمثل فيه صور هي مداركهم فيشيون إليه بالقصود لا يتوجهون إل معرفته من‬
‫نفي أو إثبات فيخبون بذلك على نو ما أدركوه و أما الرآة و ما يدرك فيها من الصور فل يدركونه ف تلك الال و إنا ينشأ لم با هذا‬
‫النوع الخر من الدراك و هو نفسان ليس من إدراك البصر بل يتشكل به الدرك النفسان للحس كما هو معروف و مثل ذلك ما يعرض‬
‫للناظرين ف قلوب اليوانات و أكبادها و لناظرين ف الاء و الطساس و أمثال ذلك‪ .‬و قد شاهدنا من هؤلء من يشغل الس بالبخور فقط‬
‫ث بالعزائم للستعداد ث يب كما أدرك و يزعمون أنم يرون الصور متشخصة ف الواء تكي لم أحوال ما يتوجهون إل إدراكه بالثال و‬
‫الشارة وغيبة هؤلء عن الس أخف من الولي و العال أبو الغرائب‪ .‬و أما الزجر و هو ما يدث من بعض الناس من التكلم بالغيب عند‬
‫سنوح طائر أو حيوان و الفكر فيه بعد مغيبه و هي قوة ف النفس تبعث على الرص و الفكر فيما زجر فيه من مرئي أو مسموع و تكون‬
‫قوته الخيلة كما قدمناه قوية فيبعثها ف البحث مستعينا با رآه أو سعه فيؤديه ذلك إل إدراك ما‪ ،‬كما تفعله القوة التخيلة ف النوم و عند‬
‫ركود الواس تتوسط بي الحسوس الرئي ف يقظته و تمعه مع ما عقلته فيكون عنها الرؤيا‪ .‬و أما الجاني فنفوسهم الناطقة ضعيفة التعلق‬
‫بالبدن لفساد أمزجتهم غالبا و ضعف الروح اليوان فيها فتكون نفسه غي مستغرقة ف الواس و ل منغمسة فيها با شغلها ف نفسها من‬
‫أل النقص و مرضه و ربا زاحها على التعلق به روحانية أخرى شيطانية تتشبث به و تضعف هذه عن مانعتها فيكون عنه التخبط فإذا أصابه‬
‫ذلك التخبط إما لفساد مزاجه من فساد ف ذاتا أو لزاحة من النفوس الشيطانية ف تعلقه غاب عن حسه جلة فأدرك لحة من عال نفسه و‬
‫الطبع فيها بعض الصور و صرفها اليال و ربا نطق عن لسانه ف تلك الال من غي إرادة النطق وإدراك هؤلء كلهم مشوب فيه الق‬
‫بالباطل لنة ل يصل لم التصال و إن فقدوا الس إل بعد الستعانة بالتصورات الجنبية كما قررناه و من ذلك ييء الكذب ف هذه‬
‫الدارك و أما العرافون فهم التعلقون بذا الدراك و ليس لم ذلك التصال فيسلطون الفكر على المر الذي يتوجهون إليه و يأخذون فيه‬
‫بالفن و التخمي بناء على ما يتوهونه من مبادىء ذلك التصال و الدراك و يدعون بذلك معرفة الغيب و ليس منه على القيقة هذا تصيل‬
‫هذه المور و قد تكلم عليها السعودي ف مروج الذهب فما صادف تقيقا و ل إصابة و يظهر من كلم الرجل أنه كان بعيدا عن الرسوخ‬
‫ف العارف فينقل ما سع من أهله و من غي أهله و هذه الدراكات الت ذكرناها موجودة كلها ف نوع البشر فقد كان العرب يفزعون إل‬
‫الكهان ف تعرف الوادث و يتنافرون إليهم ف الصومات ليعرفوهم بالق فيها من إدراك غيبهم و ف كتب أهل الدب كثي من ذلك و‬
‫اشتهر منهم ف الاهلية شق بن أنار بن نزار و سطيح بن مازن بن غسان و كان يدرج كما يدرج الثوب و ل عظم فيه إل المجمة و من‬
‫مشهور الكايات عنهما تأويل رؤيا ربيعه بن مضر و ما أخباه به ملك البشة لليمن و ملك مضر من بعدهم و لظهور النبؤة الحمدية ف‬
‫قريش و رؤيا الوبذان الت أولا سطيح لا بعث إليه با كسرى عبد السيح فاخبه بشأن النبؤة و خراب ملك فارس و هذه كلها مشهورة و‬
‫كذلك العرافون كان ف العرب منهم كثي و ذكروهم ف أشعارهم قال‬

‫فقلت لعراف اليمامة داون فإنك إن داويتن لطبيب‬

‫و قال الخر‬

‫جعلت لعراف اليمامة حكمه و عراف ند إن ها شفيان‬

‫فقال شفاك ال و ال مالنا با حلت منك الضلوع يدان‬

‫وعراف اليمامة هو رباح بن عجلة و عراف ند البلق السدي‪ .‬و من هذه الدارك الغيبية ما يصدر لبعض الناس عند مفارقة اليقظة و‬
‫التباسه بالنوم من الكلم على الشيء الذي يتشوف إليه با يعطيه غيب ذلك المر كما يريد و ل يقع ذلك إل ف مبادىء النوم عند مفارقة‬
‫اليقظة و ذهاب الختبار ف الكلم فيتكلم كأنه مبور على النطق و غايته أن يسمعه و يفهمه و كذلك يصدر عن القتولي عند مفارقة‬
‫رؤوسهم و أوساط أبدانم كلم بثل ذلك‪ .‬و لقد بلغنا عن بعض البابرة الظالي أن قتلوا من سجونم أشخاصا ليتعرفوا من كلمهم عند‬
‫القتل عواقب أمورهم ف أنفسهم فأعلموهم با يستبشع‪ .‬و ذكر مسلمة ف كتاب الغاية له ف مثل ذلك أن آدميا إذا جعل ف دن ملوء بدهن‬
‫السمسم و مكث فيه أربعي يوما يغذى بالتي و الوز حت يذهب لمة و ل يبقى منه إل العروق و شؤون رأسه فيخرج من ذلك الدفن‬
‫فحي يف عليه الواء ييب عن كل شيء يسأل عنه من عواقب المور الاصة و العامة و هذا فعل من مناكي أفعال السحرة لكن يفهم منه‬
‫عجائب العال النسان و من الناس‪ .‬من ياول حصول هذا الدرك الغيب بالرياضة فيحاولون بالجاهدة موتا صناعيا بإماتة جيع القوى‬
‫البدنية ث مو آثارها الت تلونت با النسق ث تغذيتها بالذكر لتزداد قوة ف نشئها و يصل ذلك بمع الفكر و كثرة الوع و من العلوم على‬
‫القطع أنه إذا نزل الوت بالبدن ذهب الس و حجابة و اطلعت النفس على الغيبات و من هؤلء أهل الرياضة السحرية يرتاضون بذلك‬
‫ليحصل لم الطلع على الغيبات و التصرفات ف العوال و أكثر هؤلء ف القاليم النحرفة جنوبا و شالً خصوصا بلد الند و يسمون‬
‫هنالك الوكية و لم كتب ف كيفية هذه الرياضة كثية و الخبار عنهم ف ذلك غريبة‪ .‬و أما التصوفة فرياضتهم دينية و عرية عن هذه‬
‫القاصد الذمومة و إنا يقصدون جع المة و القبال على ال بالكلية ليحصل لم أذواق أهل العرفان و التوحيد و يزيدون ف رياضتهم إل‬
‫المع و الوع التغذية بالذكر فبها تتم و جهتهم ف هذه الرياضة لنه إذا نشأة النفس على الذكر كانت أقرب إل العرفان بال و إذا عريت‬
‫عن الذكر كانت شيطانية و حصول ما يصل من معرفة الغيب و التصرف لؤلء التصوفة إنا هو بالعرض و ل يكون مقصودا من أول‬
‫المر لنه إذا قصد ذلك كانت الوجهة فيه لغي ال و إنا هي لقصد التصرف و الطلع على الغيب و أخسر با صفقة فإنا ف القيقة شرك‬
‫قال بعضهم‪ :‬من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالثان فهم يقصدون بوجهتهم العبود ل لشيء سواه ل إذا حصل ف أثناء ذلك ما يصل‬
‫فبالعرض و غي مقصود لم و كثي منهم يفر منه إذا عرض له و ل يفل به و إنا يريد ال لذاته ل لغيه و حصول ذلك لم معروف و‬
‫يسمون ما يقع لم من الغيب و الديث على الواطر فراسة و كشفا و ما يقع لم من التصرف كرامة و ليس شيء من ذلك بنكي ف‬
‫حقهم و قد ذهب إل إنكاره الستاذ أبو إسحق السفراين و أبو ممد بن أب زيد الالكي ف آخرين فرارا من التباس العجزة بغيها و‬
‫العول عليه عند التكلمي حصول التفرقة بالتحدي فهو كاف‪ .‬و قد ثبت ف الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬إن فيكم‬
‫مدثي و أن منهم عمر و قد وقع للصحابة من ذلك وقائع معروفة تشهد بذلك ف مثل قول عمر رضي ال عنة يا سارية البل و هو سارية‬
‫بن زنيم كان قائدا على بعض جيوش السلمي بالعراق أيام الفتوحات و تورط مع الشتركي ف معترك و هم بالنزام و كان بقربه جبل‬
‫يتحيز إليه فرفع لعمر ذلك و هو يطب على النب بالدينة فناداه يا سارية البل و سعه سارية و هو بكانه و رأى شخصه هنالك و القصة‬
‫معروفة و وقع مثله أيضا لب بكر ف وصيته عائشة ابنته رضي ال عنهما ف شأن ما نلها من أوسق التمر من حديقته ث نبهها على جذاذه‬
‫لتحوزه عن الورثة فقال ف سياق كلمه و إنا ها أخواك و أختاك فقالت‪ :‬إنا هي أساء فمن الخرى ؟ فقال‪ :‬إن ذا بطن بنت خارجة‬
‫أراها جارية فكانت جارية وقع ف الوطإ ف باب ما ل يوز من النحل و مثل هذه الوقائع كثية لم و لن بعدهم من الصالي و أهل‬
‫القتداء إل أن أهل التصوف يقولون إنه يقل ف زمن النبؤة إذ ل يبقى للمريد حالة بضرة النب حت أنم يقولون إن الريد إذا جاء للمدينة‬
‫النبوية يسلب حاله ما دام فيها حت يفارقها و ال يرزقنا الداية و يرشدنا إل الق‪.‬‬

‫و من هؤلء الريدين من التصوفة قوم باليل معتوهون أشبه بالجاني من العقلء و هم مع ذلك قد صحت لم مقامات الولية و أحوال‬
‫الصديقي و علم ذلك من أحوالم من يفهم عنهم من أهل الذوق مع أنم غي مكلفي و يقع لم من الخبار عن الغيبات عجائب لنم ل‬
‫يتقيدون بشيء فيطلقون كلمهم ف ذلك و يأتون منه بالعجائب و ربا ينكر الفقهاء أنم على شيء من القامات لا يرون من سقوط‬
‫التكليف عنهم و الولية ل تصل إل بالعبادة و هو غلط فإن فضل ال يؤتيه من يشاء و ل يتوقف حصول الولية على العبادة و ل غيها و‬
‫إذا كانت النفس النسانية ثابتة الوجود فال تعال يصها با شاء من مواهبه و هؤلء القوم ل تعدم نفوسهم الناطقة و ل فسدت كحال‬
‫الجاني و إنا فقد لم العقل الذي يناط به التكليف و هي صفة خاصة للنفس و هي علوم ضروية للنسان يشتد با نظره و يعرف أحوال‬
‫معاشه و استقامة منله و كأنة إذا ميز أحوال معاشه و استقامة منله ل يبق له عذر ف قبول التكاليف لصلح معاده و ليس من فقد هذه‬
‫الصفة بعاقل لنفسه و ل ذاهل عن حقيقته فيكون موجود القيقة معدوم العقل التكليفي الذي هو معرفة العاش و ل استحالة ف ذلك و ل‬
‫يتوقف اصطفاء ال عباده للمعرفة على شيء من التكاليف و إذا صح ذلك فأعلم أنه ربا يلتبس حال هؤلء بالجاني الذين تفسد نفوسهم‬
‫الناطقة و يلتحقون بالبهائم و لك ف تييزهم علمات منها أن هؤلء البهاليل ل تد لم وجهة أصلً و منها أنم يلقون على البله من أول‪،‬‬
‫نشأتم و الجاني يعرض لم النون بعد مدة من العمر لعوارض بدنية طبيعية فإذا عرض لم ذلك و فسدت نفوسهم الناطقة ذهبوا باليبة و‬
‫منها كثرة تصرفهم ف الناس بالي و الشر لنم ل يتوقفون على إذن لعدم التكليف ف حقهم و الجاني ل تصرف لم و هذا فصل انتهى‬
‫بنا الكلم إليه و ال الرشد للصواب‪.‬‬

‫و قد يزعم بعض الناس أن هنا مدارك للغيب من دون غيبة عن الس فمنهم النجمون القائلون بالدللت النجومية و مقتضى أوضاعها ف‬
‫الفلك و آثارها ف العناصر و ما يصل من المتزاج بي طباعها بالتناظر و يتأدى من ذلك الزاج إل الواء و هؤلء النجمون ليسوا من‬
‫الغيب ف شيء إنا هي ظنون حدسية و تمينات مبنية على التأثي النجومية و حصول الزاج منه للهواء مع مزيد حدس يقف به الناظر على‬
‫تفصيله ف الشخصيات ف العال كما قاله بطليموس و نن نبي بطلن ذلك ف مله إن شاء ال و هؤلء لو ثبت فغايته حدس و تمي و‬
‫ليس ما ذكرناه ف شيء‪ .‬و من هؤلء قوم من العامة استنبطوا لستخراج الغيب و تعرف الكائنات صناعة سوها خط الرمل نسبة إل الادة‬
‫الت يضعون فيها عملهم و مصول هذه الصناعة أنم صيوا من النقط أشكالً ذات أربع مراتب تتلف باختلف مراتبها ف الزوجية و‬
‫ل لنا إن كانت أزواجا كلها أو أفرادا كلها فشكلن و إن كان الفرد فيهما ف مرتبة‬
‫الفردية و استوائها فيهما فكالت ستة عشر شك ً‬
‫واحدة فقط فأربعة أشكال و إن كان الفرد ف مرتبتي فستة أشكال و إن كان ف ثلث مراتب فأربعة أشكال جاءت ستة عشر شكل‬
‫ميزوها كلها بأسائها و أنواعها إل سعود و نوس شأن الكواكب و جعلوا لا ستة عشر بيتا طبيعية يزعمهم و كأنا البوج الثنا عشر الت‬
‫للفلك و الوتاد الربعة و جعلوا لكل شكل منها بيتا و خطوطا‪ ،‬و دللة على صنف من موجودات عال العناصر يتص به و استنبطوا من‬
‫ذلك فنا حاذوا به فن النجامة و نوع فصائه إل أن أحكام النجامة مستندة إل أوضاع طبيعية كما يزعم بطليموس و هذه إنا مستندها‬
‫أوضاع تكيمية و أهواء اتفاقية و ل دليل يقوم على شيء منها و يزعمون أن أصل ذلك من النبؤات القدية ف العال و ربا نسبوها إل‬
‫دانيال أو إل إدريس صلوات ال عليهما شأن الصنائع كلها و ربا يدعون مشروعيتها و يتجون بقوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬كان نب يط‬
‫فمن وافق خطة فذاك و ليس ف الديث دليل على مشروعية خط الرمل كما يزعمه بعض من ل تصيل لديه لن معن الديث كان نب‬
‫يط فيأتيه الوحي عند ذلك الط و ل استحالة ف أن يكون ذلك عادة لبعض النبياء فمن وافق خطة ذلك النب فهو ذاك أي فهو صحيح‬
‫من بي الط با عضده من الوحي لذلك النب الذي كانت عادته أن يأتيه الوحي عند الط و أما إذا أخذ ذلك من الط مردا من غي‬
‫موافقة وحي فل و هذا معن الديث و ال أعلم‪ .‬فإذا أرادوا استخراج مغيب بزعمهم عمدوا إل قرطاس أو رمل أو دقيق فوضعوا النقط‬
‫سطورا على عدد الراتب الربع ث كرروا ذلك أربع مرات فتجيء ستة عشر سطرا ث يطرحون النقط أزواجا و يضعون ما بقى من كل‬
‫سطر زوجا كان أو فردا ف مرتبته على الترتيب فتجيء أربعة أشكال يضعونا ف سطر متتالية ث يولدون منها أربعة أشكال أخرى من‬
‫جالب العرض باعتبار كل مرتبة و ما قابلها من الشك الذي بإزائه و ما يتمع منهما من زوج أو فرد فتكون ثانية أشكال موضوعة ف سطر‬
‫ث يولدون من كل شكلي شكلً تتهما باعتبار ما يتمع ف كل مرتبة من مراتب الشكلي أيضا من زوج أو فرد فتكون أربعة أخرى تتها‬
‫ل كذلك تتهما ث من هذا الشكل الامس عشر مع الشكل الول شكلً‬ ‫ث يولدون من الربعة شكلي كذلك تتها من الشكلي شك ً‬
‫يكون أخر الستة عشر ث يكمون على الط كله با اقتضته أشكاله من السعودة و النحوسة بالذات و النظر و اللول و المتزاج و الدللة‬
‫على أصناف الوجودات و سائر ذلك تكما غريبا و كثرت هذه الصناعة ف العمران و وضعت فيها التآليف و اشتهر فيها العلم من‬
‫التقدمي و التأخرين و هي كما رأيت تكم و هوى و التحقيق الذي ينبغي أن يكون نصب فكرك أن الغيوب ل تدرك بصناعة البتة و ل‬
‫سبيل إل تعرفها إل للخواص من البشر الفطورين على الرجوع من عال الس إل عال الروح و لذلك يسمى النجمون هذا الصنف كلهم‬
‫بالزهريي نسبة إل ما تقتضيه دللة الزهرة بزعمهم ف أصل مواليدهم على إدراك الغيب فالط و غيه من هذه أن كان الناظر فيه من أهل‬
‫هذه الاصية و قصد بذه المور الت ينظر فيها من النقط أو العظام أو غيها إشغال الس لترجع النفس إل عال الروحانيات لظة ما‪ ،‬فهو‬
‫من باب الطرق بالصى و النظر ف قلوب اليوانات و الرايا الشفافة كما ذكرناه‪ .‬و أن ل يكن كذلك و إنا قصد معرفة الغيب بذه‬
‫الصناعة و أنا تفيده ذلك فهذر من القول و العمل و ال يهدي من يشاء‪ .‬و العلمة لذه الفطرة الت فطر عليها أهل هذا الدراك الغيب أنم‬
‫عند توجههم إل تعرف الكائنات يعتريهم خروج عن حالتهم الطبيعية كالتثاؤب و التمطط و مبادىء الغيبة عن الس و يتلف ذلك بالقوة‬
‫و الضعف على اختلف وجودها فيهم فمن ل توجد له هذه العلمة فليس من إدراك الغيب ف شيء و إنا هو ساع ف تنفيق كذبه‪.‬‬
‫فصل‬
‫و منهم طوائف يضعون قواني لستخراج الغيب ليست من الطور الول الذي هو من مدارك النفس الروحانية و ل من الدس البن على‬
‫تأثيات النجوم كما زعمه بطليموس و ل من الظن و التخمي الذي ياول عليه العرافون و إنا هي مغالط يعلونا كالصائد لهل العقول‬
‫الستضعفة و لست أذكر من ذلك إل ما ذكره الصنفون و ولع به الواص فمن تلك القواني الساب الذي يسمونه حساب النيم و هو‬
‫مذكور ف آخر كتاب السياسة النسوب لرسطو يعرف به الغالب من الغلوب ف التحاربي من اللوك و هو أن تسب الروف الت ف‬
‫اسم أحدها بساب المل الصطلح عليه ف حروف أبد من الواحد إل اللف آحادا و عشرات و مئي وألوفا فإذا حسبت السم و‬
‫تصل لك منه عدد فاحسب اسم الخر كذلك ث اطرح من كل واحد منهما تسعة و احفظ بقية هذا و بقية هذا ث انظر بي العددين‬
‫الباقيي من حساب السي فإن كان العددان متلفي ف الكمية وكانا معا زوجي أو فردين معا‪ .‬فصاحب القل منهما هو الغالب و إن كان‬
‫أحدها زوجا و الخر فردا فصاحب الصغر هو الغالب و أن كانا متساويي ف الكمية و ها معا زوجان فالطلوب هو الغالب و إن كانا‬
‫معا فردين فالطالب هو الغالب و يقال هنالك بيتان ف هذا العمل اشتهرا بي الناس و ها‪:‬‬
‫و أكثرها عند التحالف غالب‬ ‫أرى الزوج و الفراد يسمو اقلها‬
‫و عند استواء الفرد يغلب طالب‬ ‫و يغلب مطلوب إذا الزوج يستوي‬
‫ث وضعوا لعرفة ما بقى من الروف بعد طرحها بتسعة قانونا معروفا عندهم ف طرح تسعة و ذلك أنم جعوا الروف الدالة على الواحد‬
‫ف الراتب الربع و هي (ا) الدالة على الواحد وهي (ي) الدالة على العشرة و هي واحد ف مرتبة العشرات و(ق) الدالة على الائة لنا‬
‫واحد ف مرتبة الئي و (ش) الدالة على اللف لنا واحد ف منلة اللف و ليس بعد اللف عدد يدل عليه بالروف لن الشي هي آخر‬
‫حروف أبد ث رتبوا هذه الحرف الربعة على نسق الراتب فكان منها كلمة رباعية و هي (ايقش) ث فعلوا ذلك بالروف الدالة على اثني‬
‫ف الراتب الثلث و أسقطوا مرتبة اللف منها لنا كانت آخر حروف أبد فكان مموع حروف الثني ف الراتب الثلث ثلثة حروف‬
‫و هي (ب) الدالة على اثني ف الحاد و (ك) الدالة على اثني ف العشرات و هي عشرون و (ر) الدالة على اثني ف الئي و هي مائتان و‬
‫صيوها كلمة واحدة ثلثة على نسق الراتب و هي بكر ث فعلوا ذلك بالروف الدالة على ثلثة فنشأت عنها كلمة جلس و كذلك إل‬
‫آخر حروف أبد و صارت تسع كلمات ناية عدد الحاد و هي ايقش بكر جلس دمت هنث و صخ زعد حفظ طضغ مرتبة على توال‬
‫العداد و لكل كلمة منها عددها الذي هي ف مرتبته فالواحد لكلمة ايقش و الثنان لكلمة بكر و الثلثة لكلمة جلس و كذلك إل التاسعة‬
‫الت هي طضغ فتكون لا التسعة فإذا أرادوا طرح السم بتسعة نظروا كل حرف منه ف أي كلمة هو من هذه الكلمات و أخذوا عددها‬
‫مكانه ث جعوا العداد الت يأخذونا بدلً من حروف السم فإن كانت زائدة على التسمية أخذوا ما فضل عنها و إل أخذوه كما هو ث‬
‫يفعلون كذلك بالسم الخر و ينظرون بي الارجي با قدمناه و السر ف هذا بي و ذلك أن الباقي من كل عقد من عقود العداد بطرح‬
‫تسعة إنا هو واحد فكأنه يمع عدد العقود خاصة من كل مرتبة فصارت أعداد العقود كأنا آحاد فل فرق بي الثني و العشرين و الائتي‬
‫و اللفي و كلها اثني و كذلك الثلثة و الثلثون و الثلثائة و الثلثة اللف كلها ثلثةً ثلثةً فوضعت العداد على التوال دالة على أعداد‬
‫العقود ل غي و جعلت الروف الدالة على أصناف العقود ف كل كلمة من الحاد و العشرات و الئي و اللوف و صار عدد الكلمة‬
‫الوضوع عليها نائبا عن كل حرف فيها سواء دل على الحاد أو العشرات أو الئي فيؤخذ عدد كل كلمة عوضا من الروف الت فيها و‬
‫تمع كلها إل آخرها كما قلناه هذا هو العمل التداول بي الناس منذ المر القدي و كان بعض من لقيناه من شيوخنا يرى أن الصحيح فيها‬
‫كلمات أخرى تسعة مكان هذه و متوالية كتواليها و يفعلون با ف الطرح بتسعة مثل ما يفعلونه بالخرى سواء و هي هذه ارب يسقك‬
‫جزلط مدوص هف تذن عش خع ثضظ تسع كلمات على توال‪ ،‬العدد و لكل كلمة منها عددها الذي ف مرتبته فيها الثلثي و الرباعي و‬
‫الثنائي و ليست جارية على أصل مطرد كما تراه لكن كان شيوخنا ينقلونا عن شيخ الغرب ف هذه العارف من السيمياء و أسرار الروف‬
‫و النجامة و هو أبو العباس بن البناء و يقولون عنه أن العمل بذه الكلمات ف طرح حساب النيم أصح من العمل بكلمات ايقش و ال يعلم‬
‫كيف ذلك و هذه كلها مدارك للغيب غي معروف أرسطو عند الحققي لا فيه من الراء البعيدة عن التحقيق و البهان يشهد لك بذلك‬
‫تصفحه إن كنت من أهل الرسوخ‪ .‬و من هذه القواني الصناعية لستخراج الغيوب فيما يزعمون الزايرجة السماة بزايرجة العال‪ ،‬العزوة إل‬
‫أب العباس سيدي أحد السبت من أعلم التصوفة بالغرب كان ف آخر الائة السادسة براكش و لعهد أب يعقوب النصور من ملوك‬
‫الوحدين و هي غريبة العمل صناعة‪ .‬و كثي من الواص يولعون بإفادة الغيب منها بعملها العروف اللغوز فيحرضون بذلك على حل رمزه‬
‫و كشف غامضه‪ .‬و صورتا الت يقع العمل عندهم فيها دائرة عظيمة ف داخلها دوائر متوازية للفلك و العناصر و الكونات و الروحانيات‬
‫و غي ذلك من أصناف الكائنات و العلوم و كل دائرة مقسومة بأقسام فلكها إما البوج و إما العناصر أو غيها و خطوط كل قسم مارة‬
‫إل الركز و يسمونا الوتار و على كل وتر حروف متتابعة موضوعة فمنها برشوم الزمام الت هي أشكال العداد عند أهل الدواوين و‬
‫الساب بالغرب لذا العهد و منها برشوم الغبار التعارفة ف داخل الزايرجة و بي الدوائر أساء العلوم و مواضع الكوان و على ظاهر‬
‫الدوائر جدول متكثر البيوت التقاطعة طولً و عرضا يشتمل على خسة و خسي بيتا ف العرض و مائة و واحد و ثلثي ف الطول جوانب‬
‫منه معمورة البيوت تارة بالعدد و أخرى بالروف و جوانب خالية البيوت و ل تعلم نسبة تلك العداد ف أو ضاعها و ل القسمة الت‬
‫عينت البيوت العامرة من الالية و حافات الزايزجة أبيات من عروض الطويل على روي اللم النصوبة تتضمن صورة العمل ف استخراج‬
‫الطلوب من تلك الزايرجة إل أنا من قبيل اللغاز ف عدم الوضوح و اللء و ف بعض جوانب الزايرجة بيت من الشعر منسوب لبعض‬
‫أكابر أهل الدثان بالغرب و هو مالك بن وهيب من علماء أشبيلية كان ف الدولة اللمتونية و نص البيت‬
‫غرائب شك ضبطه الد مثل‬ ‫سؤال عظيم اللق حزت فصن إذن‬
‫و هو البيت التداول عندهم ف العمل لستخراج الواب من السؤال ف هذه الزايرجة و غيها فإذا أرادوا استخراج الواب عما يسأل عنه‬
‫من السائل كتبوا ذلك السؤال و قطعوه حروفا ث أخذوا الطالع لذلك الوقت من بروج الفلك و درجها و عمدوا إل الزايرجة ث إل الوتر‬
‫الكتنف فيها بالبج الطالع من أوله مارا إل الركز ث إل ميط الدائرة قبالة الطالع فيأخذون جيع الروف الكتوبة عليه من أوله إل آخره و‬
‫العداد الرسومة بينهما و يصيونا حروفا بساب المل و قد ينقلون آحادها إل العشرات و عشراتا إل الئي و بالعكس فيهما كما‬
‫يقتضيه قانون العمل عندهم و يضعونا مع حروف السؤال و يضيفون إل ذلك جيع ما على الوتر الكتنف بالبج الثالث من الطالع من‬
‫الروف و العداد من أوله إل الركز فقط ل يتجاوزونه إل الحيط و يفعلون بالعداد ما فعلوه بالول و يضيفونا إل الروف الخرى ث‬
‫يقطعون حروف البيت الذي هو أصل العمل و قانونه عندهم و هو بيت مالك بن وهيب التقدم و يضعونا ناحية ث يضربون عدد درج‬
‫الطالع ف أس البج و أسه عندهم هو بعد البج عن آخر الراتب عكس ما عليه الس عند أهل صناعة الساب فانه عندهم البعد عن أول‬
‫الراتب ث يضربونه ف عدد آخر يسمونه الس الكب و الدور الصلي و يدخلون با تمع لم من ذلك ف بيوت الدول على قواني معروفة‬
‫و أعمال مذكورة و أدوار معدودة و يستخرجون منها حروفا و يسقطون أخرى و يقابلون با معهم ف حروف البيت و ينقلون منه ما‬
‫ينقلون إل حروف السؤال و ما معها ث يطرحون تلك الروف بأعداد معلومة يسمونا الدوار و يرجون ف كل دور الرف الذي ينتهي‬
‫عنده الدور و يعاودون ذلك بعدد الدوار العينة عندهم لذلك فيخرج آخرها حروف متقطعة و تؤلف على التوال فتصي كلمات منظومة‬
‫ف بيت واحد على وزن البيت الذي يقابل به العمل و رويه و هو بيت مالك ابن وهيب التقدم حسبما نذكر ذلك كله ف فصل العلوم عند‬
‫كيفية العمل بذه الزايرجة و قد رأينا كثيا من الواص يتهافتون على استخراج الغيب منها بتلك العمال و يسبون أن ما وقع من مطابقة‬
‫الواب للسؤال ف توافق الطاب دليل على مطابقة الواقع و ليس ذلك بصحيح لنه قد مر لك أن الغيب ل يدرك بأمر صناعي البتة و إنا‬
‫الطابقة الت فيها بي الواب و السؤل من حيث الفهام و التوافق ف الطاب حت يكون الواب مستقيما أو موافقا للسؤال و وقوع ذلك‬
‫ف هذه الصناعة ف تكسي الروف الجتمعة من السؤال و الوتار و الدخول ف الدول بالعداد الجتمعة من ضرب العداد الفروضة و‬
‫استخراج الروف من الدول بذلك و طرح أخرى و معاودة ذلك ف الدوار العدودة و مقابلة ذلك كله بروف البيت على التوال غي‬
‫مستنكر و قد يقع الطلع من بعض الذكياء على تناسب بي هذه الشياء فيقع له معرفة الجهول فالتناسب بي الشياء هو سبب الصول‬
‫على الجهول من العلوم الاصل للنفس و طريق لصوله سيما من أهل الرياضة فإنا تفيد العقل قوة على القياس و زيادة ف الفكر و قد مر‬
‫تعليل ذلك غي مرة و من أجل هذا العن ينسبون هذه الزايرجة ف الغالب لهل الرياضة فهي منسوبة للسبت و لقد وقفت على أخرى‬
‫منسوبة لسهل بن عبد ال و لعمري إنا من العمال الغريبة و العاناة العجيبة‪ .‬و الواب الذي يرج منها فالسر ف خروجه منظوما يظهر ل‬
‫إنا هو القابلة بروف ذلك البيت و لذا يكون النظم على وزنه و رويه و يدل عليه أنا و جدنا أعمالً أخرى لم ف مثل ذلك أسقطوا فيها‬
‫القابلة بالبيت فلم يرج الواب منظوما كما تراه عند الكلم على ذلك ف موضعه و كثي من الناس تضيق مداركهم عن التصديق بذا‬
‫العمل و نفوذه إل الطلوب فينكر صحتها و يسب أنا من التخيلت و اليهامات و أن صاحب العمل با يثبت حروف البيت الذي ينظمه‬
‫كما يريد بي أثناء حروف السؤال و أن الوتار و يفعل تلك الصناعات على غي نسبة و ل قانون ث ييء بالبيت و يوهم أن العمل جاء‬
‫على طريقي منضبطة و هذا السبان توهم فاسد حل عليه العقول عن فهم التناسب بي الوجودات و العدومات و التفاوت بي الدارك و‬
‫العقول و لكن من شأن كل مدرك إنكار ما ليس ف طوقه إدراكه و يكفينا ف رد ذلك مشاهدة العمل بذه الصناعي و الدس القطعي فإنا‬
‫جاءت بعمل مطرد و قانون صحيح ل مرية فيه عند من يباشر ذلك من له ذكاء و حدس و إذا كان كثي من العاياة ف العدد الذي هو‬
‫أوضح الواضحات يعسر على الفهم إدراكه لبعد النسبة فيه و خفائها فما ظنك بثل هذا مع خفاء النسبة فيه و غرابتها فلنذكر مسئلة من‬
‫العاياة يتضح لك با شيء ما ذكرنا مثاله لو قيل لك أخذت عددا من الدراهم و اجعل بإزاء كل درهم ثلثة من الفلوس ث المع الفلوس‬
‫الت أخذت و اشتر با طائرا ث اشتر بالدراهم كلها طيورا بسعر ذلك الطائر فكم الطيور الشتراة بالدراهم فجوابه أن تقول هي تسعة لنك‬
‫تعلم أن فلوس الدراهم أربعة و عشرون و أن الثلثة ثنها و أن عدة أثان الواحد ثانية فإذا جعت الثمن من الدراهم إل الثمن الخر فكان‬
‫كله ثن طائر فهي ثانية طيور عدة أثان الواحد و تزيد على الثمانية طائرا آخر و هو الشترى بالفلوس الأخوذة أولً و على سعر اشتريت‬
‫بالدراهم فتكون تسعة فأنت ترى كيف خرج لك الواب الضمر بسر التناسب الذي بي أعداد السئلة و الوهم أول ما يلقي إليك هذه و‬
‫أمثالا إنا يعله من قبيل الغيب الذي ل يكن معرفته و ظهر أن التناسب بي المور هو الذي يرج مهولا من معلومها و هذا إنا هو ف‬
‫الواقعات الاصلة ف الوجود أو العلم و أما الكائنات الستقبلة إذا ل تعلم أسباب وقوعها و ل يثبت لا خب صادق عنها فهو غيب ل يكن‬
‫معرفته ل إذا تبي لك ذلك فالعمال الواقعة ف الزايرجة كلها إنا هي ف استخراج الواب من ألفاظ السؤال لنا كما رأيت استنباط‬
‫حروف على ترتيب من تلك الروف بعينها على ترتيب آخر و سر ذلك إنا هو من تناسب بينهما يطلع عليه بعض دون بعض فمن عرف‬
‫ذلك التناسب تيسر عليه استخراج ذلك الواب يتلك القواني و الواب يدل ف مقام آخر من حيث موضوع ألفاظه و تراكيبه على وقوع‬
‫أحد طرف السؤال من نفي أو إثبات و ليس هذا من القام الول بل إنا يرجع لطابقة الكلم لا ف الارج و ل سبيل إل معرفة ذلك من‬
‫هذه العمال بل البشر مجوبون عنه و قد استأثر ال بعلمه و ال يعلم و أنتم ل تعلمون‪.‬‬

‫الباب الثان ف العمران البدوي و المم الوحشية و القبائل و ما يعرض ف‬


‫ذلك من الحوال و فيه فصول و تهيدات الفصل الول ف أن أجيال البدو‬
‫و الضر طبيعية‬
‫إعلم أن اختلف الجيال ف أحوالم إنا هو باختلف نلتهم ف العاش فإن اجتماعهم إنا هو للتعاون على تصيله و البتداء با هو‬
‫ضروري منعه و نشيطه قبل الاجي و الكمال فمنهم من يستعمل الفلح من الغراسة و الزراعة و منهم من ينتحل القيام على اليوان من‬
‫الغنم و البقر و العز و النحل و الدود لنتاجها واستخراج فضلتا و هؤلء القائمون على الفلح و اليوان تدعوهم الضرورة و ل بد إل‬
‫البدو لنه متسع لا ل يتسع له الواضر من الزارع و الفدن و السارح للحيوان و غي ذلك فكان اختصاص هؤلء بالبدو أمرا ضروريا لم‬
‫و كان حينئذ اجتماعهم و تعاونم ف حاجاتم و معاشهم و عمرانم من القوت و الكن و الدفء إنا هو بالقدار الذي يفظ الياة و‬
‫يصل بلغة العيش من غي مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك ث إذا اتسعت أحوال هؤلء النتحلي للمعاش و حصل لم ما فوق الاجة من‬
‫الغن و الرفه دعاهم ذلك إل السكون و الدعة و تعاونوا ف الزائد على الضرورة و استكثروا من القوات و اللبس و التأنق فيها و توسعة‬
‫البيوت و اختطاط الدن و المصار للتحضر ث تزيد أحوال الرفه و الدعة فتجيء عوائد الترف البالغة مبالغها ف التأنق ف علج القوت و‬
‫استجادة الطابخ و التقاء اللبس الفاخرة ف أنواعها من الرير و الديباج و غي ذلك و معالة البيوت و الصروح و إحكام وضعها ف‬
‫تنجيدها و النتهاء ف الصنائع ف الروج من القوة إل الفعل إل غايتها فيتخذون القصور و النازل و يرون فيها الياه و يعالون ف صرحها‬
‫و يبالغون ف تنجيدها و يتلفون ف استجادة ما يتخذونه لعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو ماعون و هؤلء هم الصر و معناه‬
‫الاضرون أهل المصار و البلدان و من هؤلء من ينتحل معاشه الصنائع و منهم من ينتحل التجارة و تكون مكاسبهم أنى و أرفه من أهل‬
‫البدو لن أحوالم زائدة على الضروري و معاشهم على نسبة و جدهم فقد تبي أن أجيال البدو و الضر طبيعية ل بد منها كما قلناه‪.‬‬

‫الفصل الثان ف أن جيل العرب ف الليقة طبيعي‬


‫قد قدمنا ف الفصل قبله أن أهل البدر هم النتحلون للمعاش الطبيعي من الفلح و القيام على النعام و أنم مقتصرون على الضروري من‬
‫القوات و اللبس و الساكن و سائر الحوال و العوائد و مقصرون عما فوق ذلك من حاجى أو كمال يتخذون البيوت من الشعر و الوبر‬
‫أو الشجر أو من الطي و الجارة غي منجدة إنا هو قصد الستظلل والكن ل ما وراءه و قد يأوون إل الغيان و الكهوف و أما أقواتم‬
‫فيتناولون با يسيا بعلج أو بغي علج البتة إل ما مسته النار فمن كان معاشه منهم ف الزراعة و القيام بالفلح كان القام به أول من الظعن‬
‫و هؤلء سكان الدر و القرى و البال و هم عامة الببر و العاجم و من كان معاشه ف السائمة مثل الغنم و البقر فهم ظعن ف الغلب‬
‫لرتياد السارح و الياه ليواناتم فالتقلب ف الرض أصلح بم و يسمون شاوية و معناه القائمون على الشاه و البقر و ل يبعدون ف القفر‬
‫لفقدان السارح الطيبة و هؤلء مثل الببر و الترك و إخوانم من التركمان و الصقالبة و أما من كان معاشهم ف البل فهم أكثر ظغنا و‬
‫أبعد ف القفر مالً لن مسارح التلول و نباتا و شجرها ل يستغن با البل ف قوام حياتا عن مراعي الشجر بالقفر وورود مياهه اللحة و‬
‫التقلب فصل الشتاء ف نواحيه فرارا من أذى البد إل دفء هوائه و طلبا لاخض النتاج ف رماله إذ البل أصعب اليوان فصا ًل و ماضا و‬
‫أحوجها ف ذلك إل الدفء فاضطروا إل إبعاد النجعة و ربا زادتم الامية عن التلول أيضا فأوغلوا ف القفار نفرة عن الضعة منهم فكانوا‬
‫لذلك أشد الناس توحشا و ينلون من أهل الواضر منلة الوحش غي القدور عليه و الفترس من اليوان العجم و هؤلء هم العرب و ف‬
‫معناهم ظعون الببر و زناتة بالغرب له الكراد و التركمان و الترك بالشرق إل أنا العرب أبعد نعة و أشد بداوة لنم متصون بالقيام على‬
‫البل فقط و هؤلء يقومون عليها و على الشياه و البقر معها فقد تبي لك أن جيل العرب طبيعي ل بد منه ف العمران و ال سبحانه و‬
‫تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث ف أن البدو أقدم من الضر و سابق عليه و أن البادية أصل‬


‫العمران و المصار مدد لا‬
‫قد ذكرنا أن البدو هم القتصرون على الضروري ف أحوالم العاجزون عما فوقه و أن الضر العتنون باجات الترف و الكمال ف أحوالم‬
‫و عوائدهم و ل شك أن الضروري أقدم من الاجي و الكمال و سابق عليه و لن الضروري أصل و الكمال فرع ناشىء عنه فالبدو أصل‬
‫الدن و الضر‪ ،‬و سابق عليهما لن أول مطالب النسان الضروري و ل ينتهي إل الكمال و الترف إل إذا كان الضروري حاصلً فخشونة‬
‫البداوة قبل رقة الضارة و لذا ند التمدن غاية للبدوي يري إليها و ينتهي بسعيه إل مقترحه منها و مت حصل على الرياش الذي يصل‬
‫له به أحوال الترف و عوائده عاج إل الدعة و أمكن نفسه إل قياد الدينة و هكذا شأن القبائل التبدية كلهم و الضري ل يتشوف إل‬
‫أحوال البادية إل لضرورة تدعوه إليها أو لتقصي عن أحوال أهل مدينته و ما يشهد لنا أن البدو أصل للحضر و متقدم عليه أنا إذا فتشنا أهل‬
‫مصر من المصار و جدنا أولية أكثرهم من أهل البدو الذين بناحية ذلك الصر و عدلوا إل الدعة و الترف الذي ف الضر و ذلك يدل على‬
‫أن أحوال الضارة ناشئة عن أحوال البداوة و أنا أصل لا فتفهمه‪ .‬ث إن كل واحد من البدو و الضر متفاوت الحوال من جنسه فرب‬
‫حي أعظم من حي و قبيلة أعظم من قبيلة و مصر أوسع من مصر و مدينة أكثر عمرانا من مدينة فقد تبي أن وجود البدو متقدم على وجود‬
‫الدن و المصار و أصل لا با أن وجود الدن و المصار من عوائد الترف و الدعة الت هي متأخرة عن عوائد الضروري العاشية و ال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫الفصل الرابع ف أن أهل البدو أقرب إل الي من أهل الضر‬
‫و سببه أن النفس إذا كانت على الفطرة الول كانت متهيئة لقبول ما يرد‬
‫عليها و ينطبع فيها من خي أو شر قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يجسانه و بقدر ما‬
‫سبق إليها من أحد اللقي تبعد عن الخر و يصعب عليها اكتسابه فصاحب الي إذا سبقت إل نفسه عوائد الي و حصلت لا ملكته بعد‬
‫عن الشر و صعب عليه طريقة و كذا صاحب الشر إذا سبقت إليه أيضا عوائده و أهل الضر لكثرة ما يعانون من فنون اللذ و عوائد‬
‫الترف و القبال على الدنيا و العكوف على شهواتم منها و قد تلونت أنفسهم بكثي من مذمومات اللق و الشر و بعدت عليهم طرق‬
‫الي و مسالكه بقدر ما حصل لم من ذلك حت لقد ذهبت عنهم مذاهب الشمة ف أحوالم فتجد الكثي منهم يقذعون ف أقوال الفحشاء‬
‫لو‬‫ف مالسهم و بي كبائهم و أهل مارمهم ل يصدهم عنه و ازع الشمة لا أخذتم به عوائد السوء ف التظاهر بالفواحش قولً و عم ً‬
‫أهل البدو و إن كانوا مقبلي على الدنيا مثلهم إل أنه ف القدار الضروري ف الترف و ل ف شيء من أسباب الشهوات و اللذات و دواعيها‬
‫فعوائدهم ف معاملتم على نسبتها و ما يصل فيهم من مذاهب السوء و مذمومات اللق بالنسبة إل أهل الضر أقل بكثي فهم أقرب إل‬
‫الفطرة الول و أبعد عما ينطبع ف النفس من سوء اللكات بكثرة العوائد الذمومة و قبحها فيسهل علجهم عن علج الضر و هو ظاهر و‬
‫قد يتوضح فيما بعد أن الضارة هي ناية العمران و خروجه إل الفساد و ناية الشر و البعد عن الي فقد تبي أن أهل البدو أقرب إل الي‬
‫من أهل الضر و ال يب التقي و ل يعترض على ذلك با ورد ف صحيح البخاري من قول الجاج لسلمة بن الكوع و قد بلغة أنه‬
‫خرج إل سكن البادية فقال له ارتددت على عقبيك تعربت فقال ل و لكن رسول ال صلى ال عليه و سلم أذن ل ف البدو فاعلم أن‬
‫الجرة افترضت أول السلم على أهل مكة ليكونوا مع النب صلى ال عليه و سلم حيث حل من الواطن ينصرونه و يظاهرونه على أمر و‬
‫يرسونه و ل تكن واجبة على العراب أهل البادية لن أهل مكة يسهم من عصبية النب صلى ال عليه و سلم ف الظاهرة و الراسة مال‬
‫يس غيهم من بادية العراب و قد كان الهاجرون يستعيذون بال من التعرب و هو سكن البادية حيث ل تب الجرة و قال صلى ال‬
‫عليه و سلم ف حديث سعد بن أب وقاص عند مرضه بكة اللهم أمض لصحاب هجرتم و ل تردهم على أعقابم و معناه أن يوفقهم‬
‫لتلزمه الدينة و عدم التحول عنها فل يرجعوا عن هجرتم الت ابتدأوا با و هو من باب الرجوع على العقب ف السعي إل وجه من‬
‫الوجوه و قيل أن ذلك كان خاصا با قبل الفتح حي كانت الاجة داعية إل الجرة لقلة السلمي و أما بعد الفتح و حي كثر السلمون و‬
‫اعتزوا و تكفل ال لنبيه بالعصمة من الناس فإن الجرة ساقطة حينئذ لقوله صلى ال عليه و سلم ل هجرة بعد الفتح و قيل سقط إنشاوها‬
‫عمن يسلم بعد الفتح و قيل سقط وجوبا عمن أسلم و هاجر قبل الفتح و الكل ممعون على أنا بعد الوفاة ساقطة لن الصحابة افترقوا من‬
‫يومئذ ف الفاق و انتشروا و ل يبق إل فضل السكن بالدينة و هو هجرة فقول الجاج لسلمة حي سكن البادية ارتددت على عقبيك‬
‫تعربت نعى عليه ف ترك السكن بالدينة بالشارة إل الدعاء الأثور الذي فقدناه و هو قوله ل تردهم على أعقابم و قوله تعربت إشارة إل‬
‫أنة صار من العراب الذين ل يهاجرون و أجاب سلمة بإنكار ما ألزمه من المرين و أن النب صلى ال عليه و سلم أذن له ف البدر و‬
‫يكون ذلك خاصا به كشهادة خزية و عناق أب بردة أو يكون الجاج إنا نعى عليه ترك السكن بالدينة فقط لعلمه بسقوط الجرة بعد‬
‫الوفاة و أجابه سلمة بأن اغتنامه لذن النب صلى ال عليه و سلم أول و أفضل فما آثره به و اختصه إل لعن علمه فيه و على كل تقدير‬
‫فليس دليلً على مذمة البدو الذي عب عنه بالتعرب لن مشروعية الجرة إنا كانت كما علمت لظاهرة النب صلى ال عليه و سلم و‬
‫حراسته ل لذمة البدو فليس ف النعي على ترك هذا الواجب دليل على مذمة التعرب و ال سبحانه أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الامس ف أن أهل البدو أقرب إل الشجاعة من أهل الضر‬


‫و السبب ف ذلك أن أهل الضر ألقوا جنوبم على مهاد الراحة و الدعة و انغمسوا ف النعيم و الترف و وكلوا أمرهم ف الدافعة عن‬
‫أموالم و أنفسهم إل واليهم و الاكم الذي يسوسهم و الامية الت تولت حراستهم و استناموا إل السوار الت توطهم و الرز الذي‬
‫يول دونم فل تيجهم هيعة و ل ينفر لم صيد فهم غازون آمنون‪ ،‬قد ألقوا السلح و توالت على ذلك منهم الجيال و تنلوا منلة النساء‬
‫و الولدان الذين هم عيال على أب مثواهم حت صار ذلك خلقا يتنل منلة الطبيعة و أهل البدو لتفردهم عن التجمع و توحشهم ف‬
‫الضواحي و بعدهم عن الامية و انتباذهم عن السوار و البواب قائمون بالدافعة عن أنفسهم ل يكلونا إل سواهم و ل يثقون فيها بغيهم‬
‫فهم دائما يملون السلح و يتلفتون عن كل جانب ف الطرق و يتجافون عن الجوع إل غرارا ف الجالس و على الرحال و فوق القتاب‬
‫و يتوجسون للنبات و اليعات و يتفردون ف القفر و البيداء فدلي بيأسهم واثقي بأنفسهم قد صار لم البأس خلقا و الشجاعة سجنةً‬
‫يرجعون إليه مت دعاهم داع أو استنفرهم صارخ و أهل الضر مهما خالطوهم ف البادية أو صاحبوهم ف السفر عيال عليهم ل يلكون‬
‫منهم شيئا من أمر أنفسهم و ذلك مشاهد بالعيان حت ف معرفة النواحي و الهات و موارد الياه و مشاريع السبل و سبب ذلك ما شرحناه‬
‫و أصله أن النسان ابن عوائده و مألوفه ل ابن طبيعته و مزاجه فالذي ألفه ف الحوال حت صار خلقا و ملكة و عادة تنل منلة الطبيعة و‬
‫البلة و اعتب ذلك ف الدميي تده كثيا صحيحا و ال يلق ما يشاء‪.‬‬

‫الفصل السادس ف أن معاناة أهل الضر للحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة‬
‫بالنعة منهم‬
‫و ذلك أنه ليس كل أحد مالك أمر نفسه إذ الرؤساء و المراء الالكون لمر الناس قليل بالنسبة إل غيهم فمن الغالب أن يكون النسان ف‬
‫ملكة غيه‪ ،‬و ل بد فإن كانت اللكة رفيقة و عادلة ل يعان منها حكم و ل منع و صد كان الناس من تت يدها مدلي با ف أنفسهم من‬
‫شجاعة أو جب واثقي بعدم الوازع حت صار لم الذلل جبلة ل يعرفون سواها و أما إذا كانت اللكة و أحكامها بالقهر و السطوة و‬
‫الخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسهم و تذهب النعة عنهم لا يكون من التكاسل ف النفوس الضطهدة كما نبينه و قد نى عمر سعدا‬
‫رضي ال عنهما عن مثلها لا أخذ زهرة بن حوبة سلب الالنوس و كانت قيمته خسة و سبعي ألفا من الذهب و كان أتبع الالنوس يوم‬
‫القادسية فقتله و أخذ سلبه فانتزعه منه سعد و قال له هل انتظرت ف أتباعه إذن و كتب إل عمر يستأذنه فكتب إليه عمر تعمد إل مثل‬
‫زهرة و قد صلى با صلى به و بقى عليك ما بقى من حربك و تكسر فوقه و تفسد قلبه و أمضى له عمر سلبه و أما إذا كانت الحكام‬
‫بالعقاب فمذهبة للبأس بالكلية لن وقوع العقاب به و ل يدافع عن نفسه يكسبه الذلة الت تكسر من سورة بأسه بل شك و أما إذا كانت‬
‫الحكام تأديبية و تعليمية و أخذت من عند الصبا أثرت ف ذلك بعض الشيء لرباه على الخافة و النقياد فل يكون مد ًل ببأسه و لذا ند‬
‫التوحشي من العرب أهل البدو أشد بأسا من تأخذه الحكام و ند أيضا الذين يعانون الحكام و ملكتها من لدن مرباهم ف التأديب و‬
‫التعليم ف الصنائع و العلوم و الديانات ينقص ذلك من بأسهم كثيا و ل يكادون يدفعون عن أنفسهم عادية بوجه من الوجوه و هذا شأن‬
‫طلبة العلم النتحلي للقراءة و الخذ عن الشايخ و الية المارسي للتعليم و التأديب ف مالس الوقار و اليبة فيهم هذه الحوال و ذهابا‬
‫بالنعة و البأس‪ .‬و ل تستنكر ذلك با وقع ف الصحابة من أخذهم بأحكام الدين و الشريعة و ل ينقص ذلك من بأسهم بل كانوا أشد الناس‬
‫بأسا لن الشارع صلوات ال عليه لا أخذ السلمون عنه دينهم كان وازعهم فيه من أنفسهم لا تلي عليهم من الترغيب و الترهيب و ل‬
‫ل يأخذون أنفسهم با با رسخ فيهم من عقائد اليان و‬ ‫يكن بتعليم صناعي و ل تأديب تعليمي إنا هي أحكام الذين و آدابه التلقاة نق ً‬
‫التصديق فلم تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت و ل تدشها أظفار التأديب و الكم قال عمر رضي ال عنه ( من ل يؤدبه الشرع ل‬
‫أدبه ال ) حرصا على أن يكون الوازع لكل أحد من نفسه و يقينا بأن الشارع أعلم بصال العباد و لا تناقص الدين ف الناس و أخذوا‬
‫بالحكام الوازعة ث صار الشرع علما و صناعة يؤخز بالتعليم و التأديب و رجع الناس إل الضارة و خلق النقياد إل الحكام نقصت‬
‫يذلك سورة البأس فيهم فقد تبي أن الحكام السلطانية و التعليمية مفسدة للبأس لن الوازع فيها ذات و لذا كانت هذه الحكام السلطانية‬
‫و التعليم ما تؤثر ف أهل الواضر ف ضعف نفوسهم و حضد الشوكة منهم بعاناتم ف وليدهم و كهولم و البدو بعزل من هذه النلة‬
‫لبعدهم عن أحكام السلطان و التعليم و الداب و لذا قال ممد بن أب زيد ف كتابه ف أحكام العلمي و التعلمي ( أنه ل ينبغي للمؤدب‬
‫أن يضرب أحدا من الصبيان ف التعليم فوق ثلثة أسواط ) نقله عن شريح القاضي و احتج له بعضهم با وقع ف حديث بدء الوحي من‬
‫ل على ذلك لبعده عن التعليم التعارف و ال الكيم‬
‫شأن الغط و أنه كان ثلث مرات و هو ضعيف و ل يصلح شأن الغط أن يكون دلي ً‬
‫البي‪.‬‬

‫الفصل السابع ف أن سكن البدو ل تكون إل للقبائل أهل العصبية‬


‫إعلم أن ال سبحانه ركب ف طبائع البشر الي و الشر كما قال تعال و هديناه النجدين و قال فألمها فجورها و تقواها و الشر أقرب‬
‫اللل إليه إذا أهل ف مرعى عوائده و ل يهذبه القتداء بالدين و على ذلك الم الغفي إل من وفقه ال و من أخلق البشر فيهم الظلم و‬
‫العدوان بعض على بعض فمن امتدت عينه إل متاع أخيه فقل امتدت يده إل أخذه إل أن يصده وازع كما قال‪:‬‬
‫و الظلم من شيم النفوس فإن تد ذا عفة فلعلة ل يظلم‬
‫فأما الدن و المصار فعدوان بعضهم على بعض‪ ،‬تدفعه الكام و الدولة با قبضوا على أيدي من تتهم من الكافة أن يتد بعضهم على بعض‬
‫أو يدو عليه فهم مكبوحون بكمة القهر و السلطان عن التظال إل إذا كان من الاكم بنفسه و أما العدوان الذي من خال الدينة فيدفعه‬
‫سياج السوار عند الغفلة أو الغرة ليلً أو العجز عن القاومة نارا أو يدفعه ازدياد الامية من أعوان الدولة عند الستعداد و القاومة و أما‬
‫أحياء البدو فيزع بعضهم عن بعض مشائخهم و كباؤهم با وفر ف نفوس الكافة لم من الوقار و التجلة و أما حللهم فإنا يذود عنها من‬
‫خارج حامية الي من أنادهم و فتيانم العروفي بالشجاعة فيهم و ل يصدق دفاعهم و ذيادهم إل إذا كانوا عصبية و أهل نسب واحد‬
‫لنم بذلك تشتد شوكتهم و يشى جانبهم إذ نعرة كل أحد على نسبه و عصبيته أهم و ما جعل ال ف قلوب عباده من الشفقة و النعرة‬
‫على ذوي أرحامهم و قرباهم موجودة ف الطبائع البشرية و با يكون التعاضد و التناصر و تعظم رهبة العدو لم و اعتب ذلك فيما حكاة‬
‫القرآن عن اخوة يوسف عليه السلم حي قالوا لبيه لئن أكلة الذئب و نن عصبة إل إذا لاسرون و العن أنه ل يتوهم العدوان على أحد‬
‫مع وجود العصبة له و أما التفردون ف أنسابم فقل أن تصيب أحدا منهم نعرة على صاحبه فإذا أظلم الو بالشر يوم الرب تسلل كل‬
‫واحد منهم يبغي النجاة لنفسه خيفة و استيحاشا من التخاذل فل يقدرون من أجل ذلك على سكن القفر لا أنم حينئذ طعمة لن يلتهمهم‬
‫من المم سواهم و إذا تبي ذلك ف السكن الت تتاج للمدافعة و الماية فبمثله يتبي لك ف كل أمر يمل الناس عليه من نبؤة أو إقامة‬
‫ملك أو دعوة إذ بلوغ الغرض من ذلك كله إنا يتم بالقتال عليه لا ف طبائع البشر من الستعصاء و ل بد ف القتال من العصبية كما ذكرناه‬
‫آنفا فاتذه إماما تقتدي به فيما نورده عليك بعد و ال الوفق للصواب‪.‬‬

‫الفصل الثامن ف أن العصبية إنا تكون من اللتحام بالنسب أو ما ف معناه‬


‫و ذلك أن صلة الرحم طبيعي ف البشر إل ف القل و من صلتها النعرة على ذوي القرب و أهل الرحام أن ينالم ضيم أو تصيبهم هلكة فإن‬
‫القريب يد ف نفسه غضاضة من ظلم قريبه أو العداء عليه و يود لو يول بينه و بي ما يصله من العاطب و الهالك نزعة طبيعية ف البشر‬
‫مذ كانوا فإذا كان النسب التواصل بي التناصرين قريبا جدا بيث حصل به التاد و اللتحام كانت الوصلة ظاهرة فاستدعت ذلك‬
‫بجردها و وضوحها و إذا بعد النسب بعض الشيء فربا تنوسي بعضها و يبقى منها شهر فتحمل على النصرة لذري نسبه بالمر الشهور‬
‫منه فرارا من الغضاضة الت يتوهها ف نفسه من ظلم من هو منسوب إليه بوجه و من هذا الباب الولء و اللف إذ نعرة كل أحد على أهل‬
‫ولئه و حلفه لللفة الت تلحق‪ ،‬النفس من اهتضام جارها أوقريبها أو نسيبها بوجه من وجوه النسب و ذلك لجل اللحمة الاصلة من‬
‫الولء مثل لمة النسب أو قريبا منها و من هذا تفهم معن قوله صلى ال عليه و سلم تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم بعن أن‬
‫النسب إنا فائدته هذا اللتحام الذي يوجب صلة الرحام حت تقع الناصرة و النعرة و ما فوق ذلك مستغن عنه إذ النسب أمر وهي ل‬
‫حقيقة له و نفعه إنا هو ف هذه الوصلة و اللتحام فإذا كان ظاهرا واضحا حل النفوس على طبيعتها من النعرة كما قلناه وإذا كان إنا‬
‫يستفاد من الب البعيد ضعف فيه الوهم و ذهبت فائدته و صار الشغل به مانا و من أعمال اللهو النهي عنه و من هذا العتبار معن قولم‬
‫النسب علم ل ينفع و جهالة ل تضر بعن أن النسب إذا خرج عن الوضوح و صار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النفس و‬
‫انتفعت النعرة الت تمل عليها العصبية فل منفعة فيه حينئذ و ال سبحانه و تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل التاسع ف أن الصريح من النسب إنا يوحد للمتوحشي ف القفر من‬


‫العرب و من ف معناهم‬
‫و ذلك لا اختصوا به من نكد العيش و شظف الحوال و سوء الواطن حلتهم عليها الضرورة الت عينت لم تلك القسمة و هي لا كان‬
‫معاشهم من القيام على البل و نتاجها و رعايتها و البل تدعوهم إل التوحش ف القفر لرعيها من شجره و نتاجها ف رماله كما تقدم و‬
‫القفر مكان الشظف و السغب فصار لم إلفا و عادة و ربيت فيه أجيالم حت تكنت خلقا و جبلة فل ينع إليها أحد من المم أن‬
‫يساههم ف حالم و ل يأنس بم أحد من الجيال بل لو وجد واحد منهم السبيل إل الفرار من حاله و أمكنه ذلك لا تركه فيؤمن عليهم‬
‫لجل ذلك من اختلط أنسابم و فسادها و ل تزال بينهم مفوظة صرية و اعتب ذلك ف مضر من قريش وكنانة و ثقيف و بن أسد و‬
‫هديل و من جاورهم من خزاعة لا كانوا أهل شظف و مواطن غي ذات زرع و ل ضرع و بعدوا من أرياف الشام و العراق و معادن الدم‬
‫و البوب كيف كانت أنسابم صرية مفوظة ل يدخلها اختلط و ل عرف فيها شوب‪ .‬و أما العرب الذين كانوا بالتلول و ف معادن‬
‫الصب للمراعي و العيش من حي و كهلل مثل لم و جذام و غسان و طي و قضاعة و إياد فاختلطت أنسابم و تداخلت شعوبم ففي‬
‫كل واحد من بيوتم من اللف عند الناس ما تعرف و إنا جاءهم ذلك من قبل العجم و مالطتهم و هم ل يعتبون الحافظة على النسب‬
‫ف بيوتم و شعوبم و إنا هذا للعرب فقط‪ .‬قال عمر رضي ال تعال عنه ( تعلموا النسب و ل تكونوا كنبط السواد ) إذا سئل أحدهم عن‬
‫أصله قال من قرية كذا هذا أي ما لق هؤلء العرب أهل الرياف من الزدحام مع الناس على البلد الطيب و الراعي الصيبة فكثر‬
‫الختلط و تداخلت النساب و قد كان وقع ف صدر السلم النتماء إل الواطن فيقال جند قنسرين جند دمشق جند العواصم و انتقل‬
‫ذلك إل الندلس و ل يكن لطراح العرب أمر النسب و إنا كان لختصاصهم بالواطن بعد الفتح حت عرفوا با و صارت لم علمة زائدة‬
‫على النسب يتميزون با عند أمرائهم ث وقع الختلط ف الواضر مع العجم و غيهم و فسدت النساب بالملة و فقدت ثرتا من‬
‫العصبية فاطرحت ث تلشت القبائل و دثرت فدثرت العصبية بدثورها و بقي ذلك ف البدو كما كان و ال وارث الرض و من عليها‪.‬‬

‫الفصل العاشر ف اختلط النساب كيف يقع‬


‫إعلم أنه من البي أن بعضا من أهل النساب يسقط إل أهل نسب آخر بقرابة إليهم أو حلف أو ولء أو لفرار من قومه بناية أصابا فيدعي‬
‫بنسب هؤلء و يعد منهم ف ثراته من النعرة و القود و حل الديات و سائر الحوال و إذا و جدت ثرات النسب فكأنه وجد لنه ل معن‬
‫لكونه من هؤلء و من هؤلء إل جريان أحكامهم و أحوالم عليه و كأنه التحم بم ث أنه قد يتناسى النسب الول بطول الزمان و يذهب‬
‫أهل العليم به فيخفى على الكثر و ما زالت النساب تسقط من شعب إل شعب و يلتحم قوم بآخرين ف الاهلية و السلم و العرب و‬
‫العجم‪ .‬و انظر خلف الناس ف نسب أن النذر و غيهم يتبي لك شيء من ذلك و منه شأن بيلة ف عرفجة بن هرثة لا وله عمر عليهم‬
‫فسألوه العفاء منه و قالوا هو فينا لزيق أي دخيل و لصيق و طلبوا أن يول عليهم جريرا فسأله عمر عن ذلك فقال عرفجة صدقوا يا أمي‬
‫الؤمني أنا رجل من الزد أصبت دما ف قومي و لقت بم و انظر منه كيف اختلط عرفجة ببجيلة و لبس جلدتم و دعي بنسبهم حت‬
‫ترشح للرئاسة عليهم لول علم بعضهم بوشائجه و لو غفلوا عن ذلك و امتد الزمن لتنوسي بالملة و عد منهم بكل وجه و مذهب فافهمه‬
‫و اعتب سر ال ف خليقته و مثل هذا كثي لذا العهد و لا قبله من العهود و ال الوفق للصواب بنه و فضله و كرمه‪.‬‬
‫الفصل الادي عشر ف أن الرئاسة ل تزال ف نصابا الخصوص من أهل‬
‫الصبية‬
‫إعلم أن كل حي أو بطن من القبائل وإن كانوا عصابة واحدة لنسبهم العام ففيهم أيضا عصبيات أخرى لنساب خاصة هي أشد التحاما‬
‫من النسب العام لم مثل عشي واحد أو أهل بيت واحد أو اخوة بن أب واحد ل مثل بن الم القربي أو البعدين فهؤلء أقعد بنسبهم‬
‫الخصوص و يشاركون من سواهم من العصائب ف النسب العام و النعرة تقع من أهل نسبهم الخصوص و من أهل النسب العام إل أنا ف‬
‫النسب الاص أشد لقرب اللحمة و الرئاسة فيهم إنا تكون ف نصاب واحد منهم و ل تكون ف الكل و لا كانت الرئاسة إنا تكون بالغلب‬
‫وجب أن تكون عصبية ذلك النصاب أقوى من سائر العصائب ليقع الغلب با و تتم الرئاسة لهلها فإذا وجب ذلك تعي أن الرئاسة عليهم‬
‫ل تزال ف ذلك النصاب الخصوص بأهل الغلب عليهم إذ لو خرجت عنهم و صارت ف العصائب الخرى النازلة عن عصابتهم ف الغلب‬
‫لا تفت لم الرئاسة فل تزال ف ذلك النصاب متناقلة من فرع منهم إل فرع و ل تنتقل إل إل القوى من فروعه لا قلناه من سر الغلب لن‬
‫الجتماع و العصبية بثابة الزاج للمتكون و الزاج ف التكون ل يصلح إذا تكافأت العناصر فل بد من غلبة أحدها و إل ل يتم التكوين‬
‫فهذا هو سر اشتراط الغلب ف العصبية و منه تعي استمرار الرئاسة ف النصاب الخصوص با كما قررناه‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر ف أن الرئاسة على أهل الصبية ل تكون ف غي نسبهم‬


‫و ذلك أن الرئاسة ل تكون إل بالغلب و الغلب إنا يكون بالعصبية كما قدمناه فل بد ف الرئاسة على القوم أن تكون من عصبية غالبة‬
‫لعصبياتم واحدة واحدة لن كل عصبية منهم إذا أحست بغلب عصبية الرئيس لم أقروا بالذعان و التباع و الساقط ف نسبهم بالملة ل‬
‫تكون له عصبية فيهم بالنسب إنا هو ملصق لزيق و غاية التعصب له بالولء و اللف و ذلك ل يوجب له غلبا عليهم البتة و إذا فرضنا أنه‬
‫قد التحم بم و اختلط و تنوسي عهده الول من اللتصاق و لبس جلدتم و دعي بنسبهم فكيف له الرئاسة قبل هذا اللتحام أو لحد من‬
‫سلفه و الرئاسة على القوم إنا تكون متناقلة ف منبت واحد تعي له الغلب بالعصبية فالولية الت كانت لذا اللصق قد عرف فيها التصاقه‬
‫من غي شك و منعة ذلك اللتصاق من الرئاسة حينئذ فكيف تنوقلت عنه و هو على حال اللصاق و الرئاسة ل بد و أن تكون موروثة عن‬
‫مستحقها لا قلناه من التغلب بالعصبية و قد يتشوف كثي من الرؤساء على القبائل و العصائب إل أنساب يلهجون با إما لصوصية فصيلة‬
‫كانت ف أهل ذلك النسب من شجاعة أو كرم أو ذكر كيف اتفق فينعون إل ذلك النسب و يتورطون بالدعوى ف شعوبه و ل يعلمون‬
‫ما يوقعون فيه أنفسهم من القدح ف رئاستهم و الطعن ف شرفهم و هذا كثي ف الناس لذا العهد فمن ذلك ما يدعيه زناتة جلة أنم من‬
‫العرب و منه ادعاء أولد رباب العروفي بالجازيي من بن عامر أحد شعوب زغبة أنم من بن سليم ث من الشريد منهم لق جدهم ببن‬
‫عامر نارا يصنع الرجان و أختلط بم و التحم بنسبهم حت رأس عليهم و يسمونه الجازي‪ .‬و من ذلك ادعاء بن عبد القوي بن العباس‬
‫بن توجي أنم من ولد العباس بن عبد الطلب رغبة ف هذا النسب الشريف و غلطا باسم العباس بن عطية أب عبد القوي و ل يعلم دخول‬
‫أحد من العباسي إل الغرب لنه كان منذ أول دولتيهم على دعوة العلويي أعدائهم من الدارسة و العبيديي فكيف يكون من سبط العباس‬
‫أحد من شيعة العلويي من و كذلك ما يدعيه أبناء زيان ملوك تلمسان من بن عبد الواحد أنم من ولد القاسم بن إدريس ذهابا إل ما‬
‫اشتهر ف نسبهم أنم من ولد القاسم فيقولون بلسانم الزنات أنت القاسم أي بنو القاسم ث يدعون أن القاسم هذا هو القاسم بن إدريس أو‬
‫القاسم بن ممد بن إدريس و لو كان ذلك صحيحا فغاية القاسم هذا أنه فر من مكان سلطانه مستجيا بم فكيف تتم له الرئاسة عليهم ف‬
‫باديتهم و إنا هو غلط من قبل اسم القاسم فإنه كثي الوجود ف الدارسة فتوهوا أن قاسهم من ذلك النسب و هم غي متاجي لذلك فإن‬
‫منالم للملك و العزة إنا كان بعصبيتهم و ل يكن بادعاء علوية و ل عباسية و ل شيء من النساب و إنا يمل على هذا التقربون إل‬
‫اللوك بنازعهم و مذاهبهم و يشتهر حت يبعد عن الرد و لقد بلغن عن يغمراسن بن زيان مؤئل سلطانم أنه لا قيل له ذلك أنكره و قال‬
‫بلغته الزناتية ما معناه أما الدنيا و اللك فنلناها بسيوفنا ل بذا النسب و أما نفعهما ف الخرة فمردود إل ال و أعرض عن التقرب إليه ما‬
‫بذلك‪ .‬و من هذا الباب ما يدعيه بنو سعد شيوخ بن يزيد من زغبة أنم من ولد أب بكر الصديق رضي ال عنه و بنو سلمة شيوخ بن‬
‫يدللت من توجي أنم من سليم و الزواودة شيوخ رياح أنم من أعقاب البامكة و كذا بنو مهنا أمراء طيء بالشرق يدعون فيما بلغنا أنم‬
‫من أعقابم و أمثال ذلك كثي و رئاستهم ف قومهم مانعة من ادعاء هذه النساب كما ذكرناه بل تعي أن يكونوا من صريح ذلك النسب‬
‫و أقوى عصبياته فاعتبه و اجتنب الغالط فيه و ل تعل من هذا الباب إلاق مهدي الوحدين بنسب العلوية فإن الهدي ل يكن من منبت‬
‫الرئاسة ف هرثة قومه‪ ،‬و إنا رأس عليهم بعد اشتهاره بالعلم و الدين و دخول قبائل الصامدة ف دعوته و كان مع ذلك من أهل النابت‬
‫التوسطة فيهم و ال عال الغيب و الشهادة‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر ف أن البيت و الشرف بالصالة و القيقة لهل الصبية‬


‫و يكون لغيهم بالجاز و الشبه‬
‫و ذلك أن الشرف و السب إنا هو باللل و معن البيت أن يعد الرجل ف آبائه أشرافا مذكورين يكون له بولدتم إياه و النتساب إليهم‬
‫تلة ف أهل جلدته لا و قر ف نفوسهم من تلة سلفه و شرفهم بللم و الناس ف نشأتم و تناسلهم معادن قال صلى ال عليه و سلم الناس‬
‫معادن خيارهم ف الاهلية خيارهم ف السلم إذا فقهوا فمعن السب راجع إل النساب و قد بينا أن ثرة النساب و فائدتا إنا هي‬
‫العصبية للنعرة و التناصر فحيث تكون العصبية مرهوبة و النبت فيها زكي ممى تكون فائدة النسب أو صح و ثرتا أقوى و تعديد‬
‫الشراف من الباء زائد ف فائدتا فيكون السب و الشرف أصليي ف أهل العصبية لوجود ثرة النسب و تفاوت البيوت ف هذا الشرف‬
‫بتفاوت العصبية لنه سيها و ل يكون للمنفردين من‪ ،‬أهل المصار بيت إل بالجاز و إن توهوه فزخرف من الدعاوى و إذا اعتبت‬
‫السب ف أهل المصار و جدت معناه أن الرجل منهم يعد سلفا ف خلل الي و مالطة أهله مع الركون إل العافية ما استطاع و هذا‬
‫مغاير لسر العصبية الت هي ثرة النسب و تعديد الباء لكنه يطلق عليه حسب وبيت بالجاز لعلمة ما فيه من تعديد الباء التعاقبي على‬
‫طريقة واحدة من الي و مسالكه و ليس حسبا بالقيقة و على الطلق و أن ثبت إنه حقيقة فيهما بالوضع اللغوي فيكون من الشكك‬
‫الذي هو ف بعض مواضعه أول و قد يكون للبيت شرف أول بالعصبية و اللل ث ينسلخون منه لذهابا بالضارة كما تقدم و يتلطون‬
‫بالغمار و يبقى ف نفوسهم وسواس ذلك السب يعدون به أنفسهم من أشراف البيوتات أهل العصائب و ليسوا منها ف شيء لذهاب‬
‫العصبية جلة و كثي من أهل المصار الناشئي ف بيوت العرب أو العجم لول عهدهم موسوسون بذلك و أكثر ما رسخ الوسواس ف ذلك‬
‫لبن إسرائيل فإنه كان لم بيت من أعظم بيوت العال بالنبت أولً لا تعدد ف سلفهم من النبياء و الرسل من لدن إبراهيم عليه السلم إل‬
‫موسى صاحب ملتهم و شريعتهم ث بالعصبية ثانيا و ما أتاهم ال با من اللك الذي وعدهم به ث انسلخوا من ذلك أجع و ضربت عليهم‬
‫الذلة و السكنة و كتب عليهم اللء ف الرض و انفردوا بالستعباد للكفر آلفا من السني و ما زال هذا الوسواس مصاحبا لم فتجدهم‬
‫يقولون هذا هارون هذا من نسل يوشع هذا من عقب كالب هذا من سبط يهوذا مع ذهاب العصبية و رسوخ الذل فيهم منذ أحقاب‬
‫متطاولة و كثي من أهل المصار و غيهم النقطعي ف أنسابم عن العصبية يذهب إل هذا الذيان و قد غلط أبو الوليد بن رشد ف هذا لا‬
‫ذكر السب ف كتاب الطابة من تلخيص كتاب العلم الول و السب هو أن يكون من قوم قدي نزلم بالدينة و ل يتعرض لا ذكرناه و‬
‫ليت شعري ما الذي ينفعه قدم نزلم بالدينة إنا ل تكن له عصابة يرهب با جانبه و تمل غيهم على القبول منه فكأنه أطلق السب على‬
‫تعديد الباء فقط مع أن الطابة إنا هي استمالة من تؤثر استمالته و هم أهل الل و العقد و أما من ل قدرة له البتة فل يلتفت إليه و ل‬
‫يقدر على استمالة أحد و ل يستمال هو و أهل المصار من الضر بذه الثابة إل أن ابن رشد ربا ف جبل و بلد و ل يارسوا العصبية و ل‬
‫أنسوا أحوالم فبقي ف أمر البيت و السب على المر الشهور من تعديد الباء على الطلق و ل يراجع فيه حقيقة العصبية و سرها ف‬
‫الليقة و ال بكل شيء عليم‪.‬‬
‫الفصل الرابع عشر ف أن البيت و الشرف للموال و أهل الصطناع إنا هو‬
‫بواليهم ل بأنسابم‬
‫و ذلك أنا قدمنا أن الشرف بالصالة و القيقة إنا هو لهل العصبية فإذا اصطنع أهل العصبية قوما من غي نسبهم أو استرقوا العبدان و‬
‫الوال و التحموا به كما قلناه ضرب معهم أولئك الوال و الصطنعون بنسبهم ف تلك العصبية و لبسوا جلدتا كأنا عصبتهم و حصل لم‬
‫من النتظام ف العصبية مساهة ف نسبها كما قال صلى ال تعال عليه و سلم مول القوم منهم و سواء كال مول رق أو مول اصطناع و‬
‫حلف و ليس نسب ولدته بنافع له ف تلك العصبية إذ هي مباينة لذلك النسب و عصبية ذلك النسب مفقودة لذهاب سرها عند التحامه‬
‫بذا النسب الخر و فقدانه أهل عصبيتها فيصي من هؤلء و يندرج فيهم فإذا تددت له الباء ف هذه العصبية كان له بينهم شرف و بيت‬
‫على نسبته ف ولئهم و اصطناعهم ل يتجاوزه إل شرفهم بل يكون أدون منهم على كل حال و هذا شأن الوال ف الدول و الدمة كلهم‬
‫فإنم إنا يشرفون بالرسوخ ف‪ ،‬ولء الدولة و خدمتها و تعدد الباء ف وليتها أل ترى إل موال التراك ف دولة بن العباس و إل بن برمك‬
‫من قبليهم و بن نوبت كيف أدركوا البيت و الشرف و بنوا الجد و الصالة بالرسوخ ف ولء الدولة فكان جعفر بن يي بن خالد من‬
‫أعظم الناس بيتا و شرفا بالنتساب إل ولء الرشيد و قومه ل بالنتساب ف الفرس و كذا موال كل دولة و خدمها إنا يكون لم البيت و‬
‫السب بالرسوخ ف ولئها و الصالة ف اصطناعها و يضمحل نسبه القدم من غي نسبها و يبقى ملغى ل عبة به ف أصالته و مده و إنا‬
‫العتب نسبة ولئه و اصطناعه إذ فيه سر العصبية الت با البيت و الشرف فكان شرفه مشتقا من شرف مواليه و بناؤه من بنائهم فلم ينفعه‬
‫نسب ولدته و إنا بن مده نسب الولء ف الدولة و لمة الصطناع فيها و التربية و قد يكون نسبه الول ف لمة عصبته و دولته فإذا‬
‫ذهبت و صار ولوه و اصطناعه ف أخرى ل تنفعه الول لذهاب عصبيتها و انتفع بالثانية لوجودها و هذا حال بن برمك إذ النقول أنم‬
‫كانوا أهل بيت ف الفرس من سدنة بيوت النار عندهم و لا صاروا إل ولء بن العباس ل يكن بالول اعتبار و إنا كان شرفهم من حيث‬
‫وليتهم ف الدولة و اصطناعهم و ما سوى هذا فوهم توسوس به النفوس الامة و ل حقيقة له و الوجود شاهد با قلناه ل إن أكرمكم عند‬
‫ال أتقاكم و ال و رسوله أعلم‪.‬‬

‫الفصل الامس عشر ف أن ناية السب ف العقب الواحد أربعة آباء‬


‫إعلم أن العال العنصري با فيه كائن فاسد ل من ذواته و ل من أحواله و الكونات من العدن و النبات و جيع اليوانات النسان و غيه‬
‫كائنة فاسدة بالعاينة و كذلك ما يعرض لا من الحوال و خصوصا النسانية فالعلوم تنشأ ث تدرس و كذا الصنائع و أمثالا و السب من‬
‫العوارض الت تعرض للدميي فهو كائن فاسد ل مالة و ليس يوجد لحد من أهل الليقة شرف متصل ف آبائه من لدن آدم إليه إل ما‬
‫كان من ذلك للنب صلى ال عليه و سلم كرامة به و حياطةً على السر فيه و أول كل شرف خارجية كما قيل‪ ،‬و هي الروج عن الرئاسة‬
‫و الشرف إل الضعة و البتذال و عدم السب و معناه أن كل شرف و حسب فعدمه سابق عليه شأن كل مدث ث إن نايته ف أربعة آباء‬
‫و ذلك أن بان الجد عال يا عاناه ف بنائه و مافظ على اللل الت هي أسباب كونه و بقائه و ابنه من بعده مباشر لبيه فقد سع منه ذلك‬
‫و أخذه عنه إل أنه مقصر ف ذلك تقصي السامع بالشيء عن العان له ث إذا جاء الثالث كان حظه القتفاء و التقليد خاصة فقصر عن الثان‬
‫تقصي القلد عن الجتهد ث إذا جاء الرابع قصر عن طريقتيهم جلة و أضاع اللل الافظة لبناء مدهم و احتقرها و توهم أن ذلك البنيان ل‬
‫يكن بعاناة و ل تكلف و إنا هو أمر وجب لم منذ أول النشأة بجرد انتسابم و ليس بعصابة و ل بلل لا يرى من التجلة بي الناس و ل‬
‫يعلم كيف كان حدوثها و ل سببها و يتوهم أنه النسب فقط فيبأ بنفسه عن أهل عصيته و يرى الفصل له عليهم وثوقا با رب فيه من‬
‫استتباعهم و جهلً با أوجب ذلك الستتباع من اللل الت منها التواضع لم و الخذ بجامع قلوبم فيحتقرهم بذلك فينغصون عليه و‬
‫يتقرونه و يديلون منه سواه من أهل ذلك النبت و من فروعه ف غي ذلك العقب للذعان لعصبيتهم كما قلناه بعد الوثوق با يرضونه من‬
‫خلله فتنمو فروع هذا و تذوي فروع الول و ينهدم بناء بيته هذا ف اللوك و هكذا ف بيوت القبائل و المراء و أهل العصبية أجع ث ف‬
‫بيوت أهل المصار إذا تطمت بيوت نشأت بيوت أخرى من ذلك النسب إن يشأ يذهبكم ويأت بلق جديد * وما ذلك على ال بعزيز و‬
‫اشتراط الربعة ف الحساب إنا هو ف الغالب و إل فقد يدثر البيت من دون الربعة و يتلشى و ينهدم و قد يتصل أمرها إل الامس و‬
‫السادس إل أنه ف انطاط و ذهاب و اعتبار الربعة من قبل الجيال الربعة بأن و مباشر له و مقلد و هادم و هو أقل ما يكن و قد اعتبت‬
‫الربعة ف ناية السب ف باب الدح و الثناء قال صلى ال عليه و سلم إنا الكري ابن الكري ابن الكري ابن الكري يوسف بن يعقوب بن‬
‫إسحاق بن إبراهيم إشارة إل أنه بلغ الغاية من الجد و ف التوراة ما معناه أن ال ربك طائق غيور مطالب بذنوب الباء للبني على الثوالث‬
‫و الروابع و هذا يدل على أن الربعة العقاب غاية ف النساب و السب‪ .‬و ف كتاب الغان ف أخبار عزيف الغوان أن كسرى قال‬
‫للنعمان هل ف العرب قبيلة تتشرف على قبيلة قال نعم قال بأي شيء قال من كان له ثلثة آباء متوالية رؤساء ث تصل ذلك بكمال الرابع‬
‫فالبيت من قبيلته و طلب ذلك فلم يده إل ف آل حذيفة بن بدر الفزاري و هم بيت قيس و آل ذي الدين بيت شيبان و آل الشعث بن‬
‫قيس من كندة و آل حاجب بن زرارة و آل قيس بن عاصم النقري من بن تيم فجمع هؤلء الرهط و من تبعهم من عشائرهم و أقعد لم‬
‫الكام و العدول فقام حذيفة بن بدر ث الشعث بن قيس لقرابته من النعمان ث بسطام بن قيس بن شيبان ث حاجب بن زرارة ث قيس بن‬
‫عاصم و خطبوا و نثروا فقال كسرى كلهم سيد يصلح لوضعه و كانت هذه البيوتات هي الذكورة ف العرب بعد بن هاشم و معهم بيت‬
‫بن الذبيان من بن الرث بن كعب اليمن و هذا كله يدل على أن الربعة الباء ناية ف السب و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر ف أن المم الوحشية أقدر على التغلب من سواها‬


‫إعلم أنه لا كانت البداوة سببا ف الشجاعة كما قلناه ف القدمة الثالثة ل جرم كان هذا اليل الوحشي أشد شجاعة من اليل الخر فهم‬
‫أقدر على التغلب و انتزاع ما ف أيدي سواهم من المم بل اليل الواحد تتلف أحواله ف ذلك باختلف العصار فكلما نزلوا الرياف و‬
‫تفنقوا النعيم و ألفوا عوائد الصب ف العاش و النعيم‪ ،‬نقص من شجاعتهم بقدار ما نقص من توحشهم و بداوتم و اعتب ذلك ف‬
‫اليوانات العجم بدواجن الظباء و البقر الوحشية و الفر إذا زال توحشها بخالطة الدميي و أخصب عيشها كيف يتلف حالا ف‬
‫النتهاض و الشدة حت ف مشيتها و حسن أديها و كذلك الدمي التوحش إذا أنس و ألف و سببه أن تكون السجايا و الطباخ إنا هو عن‬
‫الألوفات و العوائد و إذا كان الغلب للمم إنا يكون بالقدام و البسالة فمن كان من هذه الجيال أعرق ف البداوة و أكثر توحشا كان‬
‫أقرب إل التغلب على سواه إذا تقاربا ف العدد و تكافآ ف القوة العصبية و انظر ف ذلك شأن مضر مع من قبلهم من حي و كهلن‬
‫السابقي إل اللك و النعيم و مع ربيعة التوطني أرياف العراق و نعيمه لا بقي مضر ف بداوتم و تقدمهم الخرون إل خصب العيش و‬
‫غضارة النعيم كيف أرهفت البداوة حدهم ف التغلب فغلبوهم على ما ف أيديهم و انتزعوه منهم و هذا حال بن طيء و بن عامر بن‬
‫صعصعة و بن سليم بن منصور و من بعدهم لا تأخروا ف باديتهم عن سائر قبائل مضر و اليمن و ل يتلبسوا بشيء من دنياهم كيف‬
‫أمسكت حال البداوة عليهم قوة عصبيتهم و ل تلفها مذاهب الترف حت صاروا أغلب على المر منهم و كذا كل حي من العرب يلي‬
‫نعيما و عيشا خصبا دون الي الخر فإن الي التبدي‪ ،‬يكون أغلب له و أقدر عليه إذا تكافآ ف القوة و العدد سنة ال ف خلقه‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر ف أن الغاية الت تري إليها العصبية هي اللك‬


‫و ذلك لنا قدمنا أن العصبية با تكون الماية و الدافعة و الطالبة و كل أمر يتمع عليه و قدمنا أن الدميي بالطبيعة النسانيه يتاجون ف‬
‫كل اجتماع إل وازع و حاكم يزع بعضهم عن بعض فل بد أن يكون متغلبا عليهم بتلك العصبية و إل ل تتم قدرته على ذلك و هذا‬
‫التغلب هو اللك و هو أمر زائد على الرئاسة لن الرئاسة إنا هي سؤدد و صاحبها متبوع و ليس له عليهم قهر ف أحكامه و أما اللك فهو‬
‫التغلب و الكم بالقهر و صاحبها متبوع و ليس له عليهم قهر ف أحكامه‪ .‬و أما اللك فهو التغلب و الكم بالقوة و صاحب العصبية إذا‬
‫بلغ إل رتبة طلب ما فوقها فإذا بلغ رتبة السؤدد و التباع و وجد السبيل إل التغلب و القهر ل يتركه لنه مطلوب للنفس و ل يتم اقتدارها‬
‫عليه إل بالعصبية الت يكون با متبوعا فالتغلب اللكي غاية للعصبية كما رأيت ث أن القبيل الواحد و إن كانت فيه بيوتات مفترقة و‬
‫عصبيات متعددة فل بد من عصبية تكون أقوى من جيعها تغلبها و تستتبعها وتلتحم جيع العصبيات فيها و تصي كأنا عصبية واحدة‬
‫كبى و إل وقع الفتراق الفضي إل الختلف و التنافس ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ث إذا حصل التغلب لتلك‬
‫العصبية على قومها طلبت بطبعها التغلب على أهل عصبية أخرى بعيدة عنها فإن كافأتا أو مانعتها كانوا أقتالً و أنظارا و لكل واحدة‬
‫منهما التغلب على حوزتا و قومها شأن القبائل و المم الفترقة ف العال و إن غلبتها و استتبعتها التحمت با أيضا و زادت قوة ف التغلب‬
‫إل قوتا و طلبت غاية من التغلب و التحكم أعلى من الغاية الول و أبعد و هكذا دائما حت تكافء بقوتا قوة الدولة ف هرمها و ل يكن‬
‫لا مانع من أولياء الدولة أهل العصبيات استولت عليها و انتزعت المر من يدها و صار اللك أجع لا و إن انتهت قوتا و ل يقارن ذلك‬
‫هرم‪ ،‬الدولة و إنا قارن حاجتها إل الستظهار بأهل العصبيات انتظمتها الدولة ف أوليائها تستظهر با على ما يعن من مقاصدها و ذلك‬
‫ملك آخر دون اللك الستبد و هو كما وقع للترك ف دولة بن العباس و لصنهاجة و زناتة مع كتامة و لبن حدان مع ملوك الشيعة من‬
‫العلوية و العباسية فقد ظهر أن اللك هو غاية العصبية و أنا إذا بلغت إل غايتها حصل للقبيلة اللك إما بالستبداد أو بالظاهرة على حسب‬
‫ما يسعه الوقت القارن لذلك و إن عاقها عن بلوغ الغاية عوائق كما نبينه وقفت ف مقامها إل أن يقضي ال بأمره‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر ف أن من عوائق اللك حصول الترف و انغماس القبيل‬


‫ف النعيم‬
‫و سبب ذلك أن القبيل إذا غلبت بعصبيتها بعض الغلب استولت على النعمة بقداره و شاركت أهل النعم و الصب ف نعمتهم و خصبهم‬
‫و ضربت معهم ف ذلك بسهم و حصة بقدار غلبها و استظهار الدولة با فإن كانت الدولة من القوة بيث ل يطمع أحد ف انتزاع أمرها و‬
‫ل مشاركتها فيه أذعن ذلك القبيل لوليتها و القنوع با يسوغون من نعمتها و يشركون فيه من جبايتها و ل تسم آمالم إل شيء من‬
‫منازع اللك و ل أسبابه إنا هتهم النعيم و الكسب و خصب العيش و السكون ف ظل الدولة إل الدعة و الراحة و الخذ بذاهب اللك ف‬
‫البان و اللبس و الستكثار من ذلك و التأنق فيه بقدار ما حصل من الرياش و الترف و ما يدعو إليه من توابع ذلك فتذهب خشونة‬
‫البداوة و تضعف العصبية و البسالة و يتنعمون فيما أتاهم ال من البسطة و تنشأ بنوهم و أعقابم ف مثل ذلك من الترفع عن خدمة أنفسهم‬
‫و ولية حاجاتم و يستنكفون عن سائر المور الضرورية ف العصبية حت يصي ذلك خلقا لم و سجية فتنقص عصبيتهم و بسالتهم ف‬
‫ل عن اللك‬ ‫الجيال بعدهم يتعاقبها إل أن تنقرض العصبية فيأذنون بالنقراض و على قدر ترفهم و نعمتهم يكون إشرافهم على الفناء فض ً‬
‫فإن عوارض الترف و الغرق ف النعيم كاسر من سورة الصبية الت با التغلب و إذا انقرضت العصبية قصر القبيل عن الدافعة و الماية فضلً‬
‫عن الطالبة و التهمتهم المم سواهم فقد تبي أن الترف من عوائق اللك و ال يؤت ملكه من يشاء‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر ف أن من عوائق اللك الذلة للقبيل و النقياد إل سواهم‬


‫و سبب ذلك أن الذلة و النقياد كاسران لسورة العصبية و شدتا فإن انقيادهم و مذلتهم دليل على فقدانا فما رئموا للمذلة حت عجزوا‬
‫عن الدافعة فأول أن يكون عاجزا عن القاومة و الطالبة و اعتب ذلك ف بن إسرائيل لا دعاهم موسى عليه السلم إل ملك الشام و‬
‫أخبهم بأن ال قد كتب لم ملكهم كيف عجزوا عن ذلك و قالوا‪ :‬إن فيها قوما جبارين و إنا لن ندخلها حت يرجوا منها أي يرجهم‬
‫ال تعال منها بضرب من قدرته غي عصبيتنا و تكون من معجزاتك يا موسى و لا عزم عليهم لوا و ارتكبوا العصيان و قالوا له‪ :‬اذهب‬
‫أنت و ربك فقاتل و ما ذلك إل لا أنسوا من أنفسهم من العجز عن القاومة و الطالبة كما تقتضيه الية و ما يؤثر ف تفسيها و ذلك با‬
‫حصل فيهم من خلق النقياد و ما رئموا من الذل للقبط أحقابا حت ذهبت العصبية منهم جلة مع أنم ل يؤمنوا حق اليان با أخبهم به‬
‫موسى من أن الشام لم و أن العمالقة الذين كانوا بأريا فريستهم بكم من ال قدره لم فأقصروا عن ذلك و عجزوا تعويلً على ما ف‬
‫أنفسهم من العجز عن الطالبة لا حصل لم من خلق الذلة و طعنوا فيما أخبهم به نبيهم من ذلك و ما أمرهم به فعاقبهم ال بالتيه و هو‬
‫أنم تاهوا ف قفر من الرض ما بي الشام و مصر أربعي سنة ل يأووا فيها العمران و ل نزلوا مصرا و ل خالطوا بشرا كما قصه القرآن‬
‫لغلظة العمالقة بالشام و القبط بصر عليهم لعجزهم عن مقاومتهم كما زعموه و يظهر من مساق الية و مفهومها أن حكمة ذلك التيه‬
‫مقصودة و هي فناء اليل الذين خرجوا من قبضة الذل و القهر و القوة و تلقوا به و أفسدوا من عصبيتهم حت نشأ ف ذلك التيه جيل آخر‬
‫عزيز ل يعرف الحكام و القهر و ل يساهم بالذلة فنشأت بذلك عصبية أخرى اقتدروا با على الطالبة و التغلب و يظهر لك من ذلك أن‬
‫الربعي سنة أقل ما يأت فيها فناء جيل و نشأة جيل آخر سبحان الكيم العليم و ف هذا أوضح دليل على شأن العصبية و أنا هي الت‬
‫تكون با الدافعة و القاومة و الماية و الطالبة و أن من فقدها عجز عن جيع ذلك كله و لق بذا الفصل فيما يوجب الذلة للقبيل شأن‬
‫الغارم و الضرائب فإن القبيل الغارمي ما أعطوا اليد من ذلك حت رضوا بالذلة فيه لن ف الغارم و الضرائب ضيما و مذلة ل تتملها‬
‫النفوس البية إل إذا استهونته عن القتل و التلف و أن عصبيتهم حينئذ ضعيفة عن الدافعة و الماية و من كانت عصبيته ل تدفع عنه الضيم‬
‫فكيف له بالقاومة و الطالبة و قد حصل له النقياد للذل و الذلة عائقة كما قدمناه‪ .‬و منه قوله صلى ال عليه و سلم شأن الرث لا رأى‬
‫سكة الحراث ف بعض دور النصار ما دخلت هذه دار قوم إل دخلهم الذل فهو دليل صريح على أن الغرم موجب للذلة هذا إل ما‬
‫يصحب ذل الغارم من خلق الكر و الديعة بسبب ملكة القهر فإذا رأيت القبيل بالغارم ف ربقة من الذل فل تطمعن لا بلك آخر الدهر و‬
‫من هنا يتبي لك غلط من يزعم أن زناتة بالغرب كانوا شاوية يودون الغارم لن كان على عهدهم من اللوك و هو غلط فاحش كما رأيت‬
‫إذ لو وقع ذلك لا استتب لم ملك و ل تت لم دولة و انظر فيما قاله شهر براز ملك الباب لعبد الرحن بن ربيعة لا أطل عليه و سأل‬
‫شهر براز أمانه على أن يكون له فقال أنا اليوم منكم يدي ف أيديكم و صعري معكم فمرحبا بكم و بارك ال لنا و لكم و جزيتنا إليكم‬
‫النصر لكم و القيام با تبون و ل تذلونا بالزية فتوهونا لعدوكم فاعتب هذا فيما قلناه فإنه كاف‪.‬‬

‫الفصل العشرون ـ ف أن من علمات اللك التنافس ف اللل الميدة و‬


‫بالعكس‬
‫لا كان اللك طبيعيا للنسان لا فيه من طبيعة الجتماع كما قلناه و كان النسان أقرب إل خلل الي من خلل الشر بأصل فطرته و قوته‬
‫الناطقة العاقلة لن الشر إنا جاءه من قبل القوى اليوانية الت فيه و إما من حيث هو إنسان فهو إل الي و خلله أقرب و اللك و السياسة‬
‫إنا كانا له من حيث هو إنسان لنما للنسان خاصة ل للحيوان فإذا خلل الي فيه هي الت تناسب السياسة و اللك إذ الي هو الناسب‬
‫للسياسة و قد ذكرنا أن الجد له أصل يبن عليه و تتحقق به حقيقته و هو العصبية و العشي و فرع يتمم و جوده و يكمله و هو اللل و‬
‫إذا كان اللك غاية للعصبية فهو غاية لفروعها و متمماتا و هي اللل لن وجوده دون متمماته كوجود شخص مقطوع العضاء أو‬
‫ظهوره عريانا بي الناس ل إذا كان وجود العصبية فقط من غي انتحال اللل الميدة نقصا ف أهل البيوت و الحساب فما ظنك بأهل‬
‫اللك الذي هو غاية لكل مد و ناية لكل حسب و أيضا فالسياسة و اللك هي كفالة للخلق و خلفة ل ف العباد لتنفيذ أحكامه فيهم و‬
‫أحكام ال ف خلقه و عباده إنا هي بالي و مراعاة الصال كما تشهد به الشرائع و أحكام البشر إنا هي من الهل و الشيطان بلف قدرة‬
‫ال سبحانه و قدره فإنه فاعل للخي و الشر معا و مقدرها إذ ل فاعل سواه فمن حصلت له العصبية الكفيلة بالقدرة و أونست منه خلل‬
‫الي الناسبة لتنفيذ أحكام ال ف خلقه فقد تيأ للخلفة ف العباد و كفالة اللق و وجدت فيه الصلحية لذلك‪ .‬و هذا البهان أوثق من أن‬
‫أول و أصح مبن فقد تبي أن خلل الي شاهدة بوجود اللك لن و جدت له العصبية فإذا نفرنا ف أهل العصبية و من حصل لم من الغلب‬
‫على كثي من النواحي و المم فوجدناهم يتنافسون ف الي و خلله من الكرم و العفو عن الزلت و الحتمال من غي القادر و القرى‬
‫للضيوف و حل الكل و كسب العدم و الصب على الكاره و الوفاء بالعهد و بذل الموال ف صون العراض و تعظيم الشريعة و إجلل‬
‫العلماء الاملي لا و الوقوف عند ما يددونه لم من فعل أو ترك و حسن الظن بم و اعتقاد أهل الدين و التبك بم و رغبه الدعاء منهم و‬
‫الياء من الكابر و الشايخ و توقيهم و إجللم و النقياد إل الق مع الداعي إليه و إنصاف الستضعفي من أنفسهم و التبدل ف أحوالم‬
‫و النقياد للحق و التواضع للمسكي و استماع شهوى الستغيثي و التدين بالشرائع و العبادات و القيام عليها و على أسبابا و التجاف عن‬
‫الغدر و الكر و الديعة و نقض العهد و أمثال ذلك علمنا أن هذه خلق السياسة قد حصلت لديهم و استحقوا با أن يكونوا ساسة لن‬
‫ى فيهم و ل وجد عبثا منهم و‬ ‫تت أيديهم أو على العموم و أنه خي ساقه ال تعال إليهم مناسب لعصبيتهم و غلبهم و ليس ذلك سد ً‬
‫اللك أنسب الراتب و اليات لعصبيتهم فعلمنا بذلك أن ال تأذن لم باللك و ساقه إليهم و بالعكس من ذلك إذا تأذن ال بانقراض اللك‬
‫من أمة حلتهم على ارتكاب الذمومات و انتحال الرذائل و سلوك طرقها فتفقد الفصائل السياسية منهم جلة و ل تزال ف انتقاص إل أن‬
‫يرج اللك من أيديهم و يتبدل به سواهم ليكون نعيا عليهم ف سلب ما كان ال قد أتاهم من اللك و جعل ف أيديهم من الي وإذا أردنا‬
‫أن نلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميا و استقرىء ذلك و تتبعه ف المم السابقة تد كثيا ما قلناه و‬
‫رسناه و ال يلق ما يشاء و يتار و اعلم أن من خلل الكمال الت يتنافس فيها القبائل ألو العصبية و تكون شاهدة لم باللك إكرام العلماء‬
‫و الصالي و الشراف و أهل الحساب و أصناف التجار و الغرباء و إنزال الناس منازلم و ذلك أن إكرام القبائل و أهل العصبيات و‬
‫العشائر لن يناهضهم ف الشرف و ياد بم حبل العشي و العصبية و يشاركهم ف اتساع الاه أمر طبيعي يمل عليه ف الكثر الرغبة ف‬
‫الاه أو الخافة من قوم الكرم أو التماس مثلها منه و أما أمثال هؤلء من ليس لم عصبية تتقى و ل جاه يرتى فيندفع الشك ف شأن‬
‫كرامتهم و يتمحض القصد فيهم أنه للمجد و انتحال الكمال ف اللل و القبال على السياسة بالكلية لن إكرام أقتاله و أمثاله ضروي ف‬
‫السياسة الاصة بي قبيلة و نظرائه و إكرام الطارئي من أهل الفضائل و الصوصيات كمال ف السياسة العامة فالصالون للدين و العلماء‬
‫للجاءي إليهم ف إقامة مراسم الشريعة و التجار للترغيب حت تعم النفعة با ف أيديهم و الغرباء من مكارم الخلق و إنزال الناس منازلم‬
‫من النصاف و هو من العدل فيعلم بوجود ذلك من أهل عصبيته انتماؤهم للسياسة العامة و هي اللك و أن ال قد تأذن بوجودها فيهم‬
‫لوجوب علماتا و لذا كان أول ما يذهب من القبيل أهل اللك إذا تأذن ال تعال بسلب ملكهم و سلطانم إكرام هذا الصنف من اللق‬
‫فإذا رأيته قد ذهب من أمة من المم فاعلم أن الفضائل قد أخذت ف الذهاب عنهم و ارتقب زوال اللك منهم و إذا أراد ال بقوم سوءا فل‬
‫مرد له و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الادي و العشرون ف أنه إذا كانت المة وحشية كان ملكها أوسع‬
‫و ذلك لنم أقدر على التغلب و الستبداد كما قلناه و استعباد الطوائف لقدرتم على ماربة المم سواهم و لنم يتنلون من الهلي منلة‬
‫الفترس من اليوانات العجم و هؤلء مثل العرب و زناتة و من ف معناهم من الكراد و التركمان و أهل اللثام من صنهاجة و أيضا فهؤلء‬
‫التوحشون ليس لم وطن يرتافون منه و ل بلد ينحون إليه فنسبة القطار و الواطن إليهم على السواء فلهذا ل يقتصرون على ملكة قطرهم‬
‫و ما جاورهم من البلد و ل يقفون عند حدود أفقهم بل يظفرون إل القاليم البعيدة و يتغلبون على المم النائية و انظر ما يكى ف ذلك‬
‫عن عمر رضي ال عنه لا بويع و قام يرض الناس على العراق فقال‪ :‬إن الجاز ليس لكم بدار إل على النجعة و ل قوى عليه أهله إل‬
‫بذلك أين القراء الهاجرون عن موعد ال سيوا ف الرض الت وعدكم ال ف الكتاب أن يورثكموها فقال‪ :‬ليظهره على الدين كله و لو‬
‫كره الشركون و اعتب ذلك أيضا بال العرب السالفة من قبل مثل التبابعة و حي كيف كانوا يطون من اليمن إل الغرب مرة و إل العراق‬
‫و الند أخرى و ل يكن ذلك لغي العرب من المم و كذا حال اللثمي من الغرب لا نزعوا إل اللك طفروا من القليم الول و مالتم‬
‫منه ف جوار السودان إل القليم الرابع و الامس ف مالك الندلس من غي واسطة و هذا شأن هذه المم الوحشية فلذلك تكون دولتهم‬
‫أوسع نطاقا و أبعد من مراكزها ناية‪ ،‬و ال يقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار ل شريك له‪.‬‬

‫الفصل الثان و العشرون ف أن اللك إذا ذهب عن بعض الشعوب من أمة‬


‫فل بد من عوده إل شعب أخر منها ما دامت لم العصبية‬
‫و السبب ف ذلك أن اللك إنا حصل لم بعد سورة الغلب و الذعان لم من سائر المم سواهم فيتعي منهم الباشرون للمر الاملون‬
‫سرير اللك و ل يكون ذلك لميعهم لا هم عليه من الكثرة الت يضيق عنها نطاق الزاحة و الغية الت تدع أنوف كثي من التطاولي‬
‫للرتبة فإذا تعي أولئك القائمون بالدولة انغمسوا ف النعيم و غرقوا ف بر الترف و الصب و استعبدوا إخوانم من ذلك اليل و أنفقوهم‬
‫ف وجوه الدولة و مذاهبها و بقي الذين بعدوا عن المر و كبحوا عن الشاركة ف ظل من عز الدولة الت شاركوها بنسبهم و بنجاة من‬
‫الرم لبعدهم عن الترف و أسبابه فإذا استولت على الولي اليام و أباد غضراءهم الرم فطبختهم الدولة و أكل الدهر عليهم و شرب با‬
‫أرهف النعيم من حدهم و استقت غريزة الترف من مائهم و بلغوا غايتهم من طبيعة التمدن النسان و التغلب السياسي شعر‪.‬‬
‫كدود القز ينسج ث يفنىبمركز نسجه ف النعكاس‬
‫كانت حينئذ عصبية الخرين موفورة و سورة غلبهم من الكاسر مفوظة و شارتم ف الغلب معلومة فتسمو آمالم إل اللك الذي كانوا‬
‫منوعي منه بالقوة الغالبة من جنس عصبيتهم و ترتفع النازعة لا عرف من غلبهم فيستولون على المر و يصي إليهم و كذا يتفق فيهم مع‬
‫من بقي أيضا منتبذا عنه من عشائر أمتهم فل يزال اللك ملجئا ف المة إل أن تنكسر سورة العصبية منها أو يفن سائر عشائرها سنة ال ف‬
‫الياة الدنيا و الخرة عند ربك للمتقي و اعتب هذا با وقع ف العرب لا انقرض ملك عاد قام به من بعدهم إخوانم من ثود و من بعدهم‬
‫إخوانم العمالقة و من بعدهم إخوانم من حي أيضا و من بعدهم إخوانم التبابعة من حي أيضا و من بعدهم الذواء كذلك ث جاءت‬
‫الدولة لضر و كذا الفرس لا انقرض أمر الكينية ملك من بعدهم الساسانية حت تأذن ال بانقراضهم أجع بالسلم و كذا اليونانيون انقرض‬
‫أمرهم و انتقل إل إخوانم من الروم و كذا الببر بالغرب لا انقرض أمر مغراوة و كتامة اللوك الول منهم رجع إل صنهاجة ث اللثمي من‬
‫بعدهم ث من بقي من شعوب زناتة و هكذا سنة ال ف عباده و خلقه و أصل هذا كله إنا يكون بالعصبية و هي متفاوتة ف الجيال و اللك‬
‫يلقه الترف و يذهبه كما سنذكره بعد فإذا انقرضت دولة فإنا يتناول المر منهم من له عصبية مشاركة لعصبيتهم الت عرف لا التسليم و‬
‫النقياد و أونس منها الغلب‪ ،‬لميع العصبيات و ذلك إنا يوجد ف النسب القريب منهم لن تفاوت العصبية بسب ما قرب من ذلك‬
‫النسب الت هي فيه أو بعد حت إذا وقع ف العال تبديل كبي من تويل ملة أو ذهاب عمران أو ما شاء ال من قدرته فحينئذ يرج عن ذلك‬
‫اليل إل اليل الذي يأذن ال بقيامه بذلك التبديل كما وقع لضر حي غلبوا على المم و الدول و أخذوا المر من أيدي أهل العال بعد أن‬
‫كانوا مكبوحي عنه أحقابا‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون ف أن الغلوب مولع أبدا بالقتداء بالغالب ف‬


‫شعاره وزيه و نلته و سائر أحواله و عوائده‬
‫و السبب ف ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال ف من غلبها و انقادت إليه إما لنظره بالكمال با وقر عندها من تعظيمه أولا تغالط به من أن‬
‫انقيادها ليس لغلب طبيعي إنا هو لكمال الغالب فإذا غالطت بذلك و اتصل لا اعتقادا فانتحلت جيع مذاهب الغالب و تشبهت به و ذلك‬
‫هو القتداء أو لا تراه و ال أعلم من أن غلب الغالب لا ليس بعصبية و ل قوة بأس ل إنا هو با انتحلته من العوائد و الذاهب تغالط أيضا‬
‫بذلك عن الغلب و هذا راجع للول و لذلك ترى الغلوب يتشبه أبدا بالغالب ف ملبسه و مركبه و سلحه ف اتاذها و أشكالا بل و ف‬
‫سائر أحواله و انظر ذلك ف البناء مع آبائهم كيف تدهم متشبهي بم دائما و ما ذلك إل لعتقادهم الكمال فيهم و انظر إل كل قطر‬
‫من القطار كيف يغلب على أهله زي الامية و جند السلطان ف الكثر لنم الغالبون لم حت أنه إذا كانت أمة تاور أخرى و لا الغلب‬
‫عليها فيسري إليهم من هذا التشبه و القتداء حظ كبي كما هو ف الندلس لذا العهد مع أمم الللقة فإنك تدهم يتشبهون بم ف‬
‫ملبسهم و شاراتم و الكثي من عوائدهم و أحوالم حت ف رسم التماثيل ف الدان و الصانع و البيوت حت لقد يستشعر من ذلك الناظر‬
‫بعي الكمة أنه من علمات الستيلء و المر ل‪ .‬و تأمل ف هذا سر قولم العامة على دين اللك فإنه من بابه إذ اللك غالب لن تت يده‬
‫و الرعية مقتدون به لعتقاد الكمال فيه اعتقاد البناء بآبائهم و التعلمي بعلميهم و ال العليم الكيم و به سبحانه و تعال التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الرابع و العشرون ف أن المة إذا غلبت و صارت ف ملك غيها‬


‫أسرع إليها الفناء‬
‫و السبب ف ذلك و ال أعلم ما يصل ف النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها و صارت بالستعباد آلة لسواها و عالة عليهم فيقصر‬
‫المل و يضعف التناسل و العتمار إنا هو عن جدة المل و ما يدث عنه من النشاط ف القوى اليوانية فإذا ذهب المل بالتكاسل و‬
‫ذهب ما يدعو إليه من الحوال و كانت العصبية ذاهبة بالغلب الاصل عليهم تناقص عمرانم و تلشت مكاسبهم و مساعيهم وعجزوا عن‬
‫الدافعة عن أنفسهم با خضد الغلب من شوكتيهم فأصبحوا مغلبي لكل متغلب و طعمةً لكل آكل و سواء كانوا حصلوا على غايتهم من‬
‫اللك أم ل يصلوا‪ .‬و فيه و ال أعلم سر آخر و هو أن النسان رئيس بطبعه بقتضى الستخلف الذي خلق له و الرئيس إذا غلب على‬
‫رئاسته و كبح عن غاية عزه تكاسل حت عن شبع بطنه و ري كبده و هذا موجود ف أخلق الناسي‪ .‬و لقد يقال مثله ف اليوانات‬
‫الفترسة و أنا ل تسافد إل إذا كانت ف ملكة الدميي فل يزال هذا القبيل الملوك عليه أمره ف تناقص و اضمحلل إل أن يأخذهم الفناء‬
‫و البقاء ل وحده و اعتب ذلك ف أمة الفرس كيف كانت قد ملت العال كثرة و لا فنيت حاميتهم ف أيام العرب بقي منهم كثي و أكثر‬
‫من الكثي يقال إن سعدا أحصى ما وراء الدائن فكالوا مائة ألف و سبعة و ثلثي ألفا منهم سبعة و ثلثون ألفا رب بيت و لا تصلوا ف‬
‫ملكة الغرب و قبضة القهر ل يكن بقاؤهم إل قليلً و دثروا كأن ل يكونوا و ل تسب أن ذلك لظلم نزل بم أو عدوان شلهم فملكة‬
‫السلم ف العدل ما علمت و إنا هي طبيعة ف النسان إذا غلب على أمر و صار آلة لغيه و لذا إنا تذعن للرق ف الغالب أمم السودان‬
‫لنقص النسانية فيهم و قربم من عرض اليوانات العجم كما قلناه أو من يرجو بانتظامه ف ربقة الرق حصول رتبة أو إفادة مال أو عز كما‬
‫يقع لمالك الترك بالشرق و العلوج من الللقة و الفرنة فإن العادة جارية باستخلص الدولة لم فل يأنفون من الرق لا يأملونه من الاه‬
‫و الرتبة باصطفاء الدولة و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الامس و العشرون ف أن العرب ل يتغلبون إل على البسائط‬


‫و ذلك أنم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهاب و عيث ينتهبون ما قدروا عليه من غي مغالبة و ل ركوب خطر و يفرون إل منتجعهم‬
‫بالقفر و ل يذهبون إل الزاحفة و الحاربة إل إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم فكل معقل أو مستصعب عليهم فهم تاركوه إل ما يسهل عنه و‬
‫ل يعرضون له و القبائل المتنعة عليهم بأوعار البال بنجاة من عيثهم و فسادهم لنم ل يتسنمون‪ ،‬إليهم الضاب و ل يركبون الصعاب و‬
‫ل ياولون الطر و أما البسائط فمت اقتدروا عليها بفقدان الامية و ضعف الدولة فهي نب لم و طمعة لكلهم يرددون عليها الغارة و‬
‫النهب و الزحف لسهولتها عليهم إل أن يصبح أهلها مغلبي لم ث يتعاورونم باختلف اليدي و انراف السياسة إل أن ينقرض عمرانم‬
‫و ال قادر على خلقه و هو الواحد القهار ل رب غيه‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون ف أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها‬
‫الراب‬
‫و السبب ف ذلك أنم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش و أسبابه فيهم فصار لم خلقا و جبلةً و كان عندهم ملذوذا لا فيه من‬
‫الروج عن ربقة الكم و عدم النقياد للسياسة و هذه الطبيعة منافية للعمران و مناقضة له فغاية الحوال العادية كلها عندهم الرحلة و‬
‫التغلب و ذلك مناقض للسكون الذي به العمران و فناف له فالجر مثلً إنا حاجتهم إليه لنصبه أثاف القدر فينقلونه من البان و يربونا‬
‫عليه و يعدونه لذلك و الشب أيضا إنا حاجتهم إليه ليعمدوا به خيامهم و يتخذوا الوتاد منه لبيوتم فيخربون السقف عليه لذلك فصارت‬
‫طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا ف حالم على العموم و أيضا فطبيعتهم انتهاب ما ف أيدي الناس و أن رزقهم ف‬
‫ظلل رماحهم و ليس عندهم ف أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه بل كلما امتدت أعينهم إل مال أو متاع أو ماعون انتهبوه فإذا ت‬
‫اقتدارهم على ذلك بالتغلب و اللك بطلت السياسة ف حفظ أموال الناس و خرب العمران و أيضا فلنم يكلفون على أهل العمال من‬
‫الصنائع و الرف أعمالم ل يرون لا قيمة و ل قسطا من الجر و الثمن و العمال كما سنذكره هي أصل الكاسب و حقيقتها و إذا‬
‫فسدت العمال و صارت مانا ضعفت المال ف الكاسب و انقبضت اليدي عن العمل و ابذعر الساكن و فسد العمران و أيضا فإنم‬
‫ليست لم عناية بالحكام و زجر الناس عن الفاسد و دفاع بعضهم عن بعض إنا ههم ما يأخذونه من أموال الناس نبا أو غرامة فإذا‬
‫توصلوا إل ذلك و حصلوا عليه أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالم و النظر ف مصالهم و قهر بعضهم عن أغراض الفاسد و ربا فرضوا‬
‫العقوبات ف الموال حرصا على تصيل الفائدة و الباية و الستكثار منها كما هو شأنم و ذلك ليس بغن ف دفع الفاسد و زجر التعرض‬
‫لا بل يكون ذلك زائدا فيها لستسهال الغرم ف جانب حصول الغرض فتبقى الرعايا ف ملكتهم كأنا فوضى دون حكم و الفوضى مهلكة‬
‫للبشر مفسدة للعمران با ذكرناه من أن وجود اللك خاصة طبيعية للنسان ل يستقيم وجودهم و اجتماعهم إل با و تقدم ذلك أول‬
‫الفصل و أيضا فهم متنافسون ف الرئاسة و قل أن يسلم أحد منهم المر لغيه و لو كان أباه أو أخاه أو كبي عشيته إل ف القل و على‬
‫كره من أجل الياء فيتعدد الكام منهم و المراء و تتلف اليدي على الرعية ف الباية و الحكام فيفسد العمران و ينتقض‪ .‬قال العراب‬
‫الوافد على عبد اللك لا سأله عن الجاج و أراد الثناء عليه عنده بسن السياسة و العمران فقال‪ :‬تركته يظلم و حده و انظر إل ما ملكوه‬
‫و تغلبوا عليه من الوطان من لدن الليقة كيف تقوض عمرانه و اقفر ساكنه و بدلت الرض فيه غي الرض فاليمن قرارهم خراب إل قليلً‬
‫من المصار و عراق العرب كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجع و الشام لذا العهد كذلك و أفريقية و الغرب لا جاز إليها بنو‬
‫هلل و بنو سليم منذ أول الائة الامسة و ترسوا با لثلثائة و خسي من السني قد لق با و عادت بسائطه خرابا كلها بعد أن كان ما‬
‫بي السودان و البحر الرومي كله عمرانا تشهد بذلك آثار العمران فيه من العال و تاثيل البناء و شواهد القرى و الدر و ال يرث الرض و‬
‫من عليها و هو خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون ف أن العرب ل يصل لم اللك إل بصبغة دينية‬


‫من نبوة أو ولية أو أثر عظيم من الدين على الملة‬
‫و السبب ف ذلك أنم للق التوحش الذي فيهم أصعب المم انقيادا بعضهم لبعض للغلظة و النفة و بعد المة و النافسة ف الرئاسة فقلما‬
‫تتمع أهواؤهم فإذا كان الدين بالنبؤة أو الولية كان الوازع لم من أنفسهم و ذهب خلق الكب و النافسة منهم فسهل انقيادهم و‬
‫اجتماعهم و ذلك با يشملهم من الدين الذهب للغلظة و اللفة الوازع عن التحاسد و التنافس فإذا كان فيهم النب أو الول الذي يبعثهم‬
‫على القيام بأمر ال يذهب عنهم مذمومات الخلق و يأخذهم بحمودها و يؤلف كلمتهم لظهار الق ت اجتماعهم و حصل لم التغلب‬
‫و اللك و هم مع ذلك أسرع الناس قبولً للحق و الدى لسلمة طباعهم من عوج اللكات و براءتا من ذميم الخلق إل ما كان من خلق‬
‫التوحش القريب العاناة التهيء لقبول الي ببقائه على الفطرة الول و بعده عما ينطبع ف النفوس من قبيح العوائد و سوء اللكات فإن كل‬
‫مولود يولد على الفطرة كما ورد ف الديث و قد تقدم‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العشرون ف أن العرب أبعد المم عن سياسة اللك‬


‫و السبب ف ذلك أنم أكثر بداوة من سائر المم و أبعد مالً ف القفر و أغن عن حاجات التلول و حبوبا لعتيادهم لشظف و خشونة‬
‫العيش فاستغنوا عن غيهم فصعب انقياد بعضهم لبعض لفلهم ذلك و للتوحش و رئيسهم متاج إليهم غالبا للعصبية الت با الدافعة فكان‬
‫مضطرا إل إحسان ملكتهم و ترك مراغمتهم لئل يتل عليه شأن عصبيته فيكون فيها هلكه و هلكهم و سياسة اللك و السلطان تقتضي‬
‫أن يكون السائس وازعا بالقهر و إل ل تستقم سياسته و أيضا فإن من طبيعتهم كما قدمناه أخذ ما ف أيدي الناس خاصة و التجاف عما‬
‫سوى ذلك من الحكام بينهم و دفاع بعضهم عن بعض فإذا ملكوا أمة من المم جعلوا غاية ملكهم النتفاع بأخذ ما ف أيديهم و تركوا‬
‫ما سوى ذلك من الحكام بينهم و ربا جعلوا العقوبات على الفاسد ف الموال حرصا على تكثي البايات و تصيل الفوائد فل يكون‬
‫ذلك وازعا و ربا يكون باعثا بسب الغراض الباعثة على الفاسد و استهانة ما يعطي من ماله ف جانب غرضه فتنمو الفاسد بذلك و يقع‬
‫تريب العمران فتبقى تلك المة كأنا فوضى مستطيلة أيدي بعضها على بعض فل يستقيم لا عمران و ترب سريعا شأن الفوضى كما‬
‫قدمناه فبعدت طباع العرب لذلك كله عن سياسة اللك و إنا يصيون إليها بعد انقلب طباعهم و تبدلا بصبغة دينية تحو ذلك منهم و‬
‫تعل الوازع لم من أنفسهم و تملهم على دفاع الناس بعضهم عن بعض كما ذكرناه و اعتب ذلك بدولتهم ف اللة لا شيد لم الدين أمر‬
‫السياسة بالشريعة و أحكامها الراعية لصال العمران ظاهرا و باطنا و تتابع فيها اللفاء عظم حينئذ ملكهم و قوي سلطانم‪ .‬كان رستم إذا‬
‫رأى السلمي يتمعون للصلة يقول أكل عمر كبدي يعلم الكلب الداب ث إنم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدولة أجيال نبذوا الدين‬
‫فنسوا السياسة و رجعوا إل قفرهم و جهلوا شأن عصبيتهم مع أهل الدولة ببعدهم ف النقياد و إعطاء النصفة فتوحشوا كما كانوا و ل يبق‬
‫لم من اسم اللك إل أنم من جنس اللفاء و من جيلهم و لا ذهب أمر اللفة و امي رسها انقطع المر جلة من أيديهم و غلب عليهم‬
‫العجم دونم و أقاموا ف بادية قفارهم ل يعرفون اللك و ل سياسته بل قد يهل الكثي منهم أنم قد كان لم ملك ف القدي و ما كان ف‬
‫القدي لحد من المم ف الليقة ما كان لجيالم من اللك و دول عاد و ثود و العمالقة و حي و التبابعة شاهدة بذلك ث دولة مضر ف‬
‫السلم بن أمية و بن العباس لكن بعد عهدهم بالسياسة لا نسوا الدين فرجعوا إل أصلهم من البداوة و قد يصل لم ف بعض الحيان‬
‫غلب على الدول الستضعفة كما ف الغرب لذا العهد فل يكون ماله و غايته إل تريب ما يستولون عليه من العمران كما قدمناه و ال‬
‫يؤت ملكه من يشاء‪.‬‬

‫الفصل التاسع و العشرون ف أن البوادي من القبائل و العصائب مغلوبون‬


‫لهل المصار‬
‫قد تقدم لنا أن عمران البادية ناقص عن عمران الواضر و المصار لن المور الضرورية ف العمران ليس كلها موجودةً لهل البدو‪ .‬و إنا‬
‫توجد لديهم ف مواطنهم أمور الفلح و موادها معدومة و معظمها الصنائع فل توجد لديهم ف الكلية من نار و خياط و حداد و أمثال ذلك‬
‫ما يقيم لم ضروريات معاشهم ف الفلح و غيه و كذا الدناني و الدراهم مفقودة لديهم و إنا بأيديهم أعواضها من مغل الزراعة و أعيان‬
‫اليوان أو فضلته ألبانا و أوبارا و أشعارا و إهابا ما يتاج إليه أهل المصار فيعوضونم عنه بالدناني و الدراهم إل أن حاجتهم إل‬
‫المصار ف الضروري و حاجة أهل المصار إليهم ف الاجي و الكمال فهم متاجون إل المصار بطبيعة وجودهم فما داموا ف البادية و ل‬
‫يصل لم ملك و ل استيلء على المصار فهم متاجون إل أهلها و يتصرفون ف مصالهم و طاعتهم مت دعوهم إل ذلك و طالبوهم به و‬
‫أن كان ف الصر ملك كان خضوعهم و طاعتهم لغلب اللك و أن ل يكن ف الصر ملك فل بد فيه من رئاسة و نوع استبداد من بعض‬
‫أهله على الباقي و إل انتقض عمرانه و ذلك الرئيس يملهم على طاعته و السعي ف مصاله إما طوعا ببذل الال لم ث يبدي لم ما‬
‫يتاجون إليه من الضروريات ف مصره فيستقيم عمرانمم و إما كرها إن تت قدرته على ذلك و لو بالتغريب بينهم حت يصل له جانب‬
‫منهم يغالب به الباقي فيضطر الباقون إل طاعته با يتوقعون لذلك من فساد عمرانم و ربا ل يسعهم مفارقة تلك النواحي إل جهات‬
‫أخرى لن كل الهات معمور بالبدو الذين غلبوا عليها و منعوها من غيها فل يد هؤلء ملجأ إل طاعة الصر فهم بالضرورة مغلوبون‬
‫لهل المصار و ال قاهر فوق عباده و هو الواحد الحد القهار‪.‬‬

‫الباب الثالث من الكتاب الول ف الدول العامة و اللك و اللفة و الراتب‬


‫السلطانية و ما يعرض ف ذلك كله من الحوال و فيه قواعد و متممات ـ‬
‫الفصل الول ف أن اللك و الدولة العامة إنا يصلن بالقبيل و العصبية‬
‫و ذلك أنا قررنا ف الفصل الول أن الغالبة و المانعة إنا تكون بالعصبية لا فيها من النعرة و التذامر و استماتة كل واحد منهم دون‬
‫صاحبه‪ .‬ث أن اللك منصب شريف ملذوذ يشتمل على جيع اليات الدنيوية و الشهوات البدنية و اللذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالبا و‬
‫قل أن يسلمه أحد لصاحبه إل إذا غلب عليه فتقع النازعة و تفضي إل الرب و القتال و الغالبة و شيء منها ل يقع إل بالعصبية كما‬
‫ذكرناه آنفا و هذا المر بعيد عن أفهام المهور بالملة و متناسون له لنم نسوا عهد تهيد الدولة منذ أولا و طال أمد مرباهم ف‬
‫الضارة و تعاقبهم فيها جيلً بعد جيل فل يعرفون ما فعل ال أول الدولة إنا يدركون أصحاب الدولة و قد استحكمت صبغتهم و وقع‬
‫التسليم لم و الستغناء عن العصبية ف تهيد أمرهم و ل يعرفون كيف كان المر من أوله و ما لقي أولم من التاعب دونه و خصوصا أهل‬
‫الندلس ف نسيان هذه العصبية و أثرها لطول المد و استغنائهم ف الغالب عن قوة العصبية با تلشى وطنهم و خل من العصائب و ال‬
‫قادر على ما يشاء و هو بكل شيء عليم و هو حسبنا و نعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصل الثان ف أنه إذا استقرت الدولة و تهدت فقد تستغن عن العصبية‬
‫و السبب ف ذلك أن الدول العامة ف أولا يصعب على النفوس النقياد لا إل بقوة قوية من الغلب للغرابة و أن الناس ل يألفوا ملكها و ل‬
‫اعتادوه فإذا استقرت الرئاسة ف أهل النصاب الخصوص باللك ف الدولة و توارثوه واحدا بعد آخر ف أعقاب كثيين و دول متعاقبة‬
‫نسيت النفوس شأن الولية و استحكمت لهل ذلك النصاب صبغة الرئاسة و رسخ ف العقائد دين النقياد لم و التسليم و قاتل الناس‬
‫معهم على أمرهم قتالم على العقائد اليانية فلم يتاجوا حينئذ ف أمرهم إل كبي عصابة بل كأن طاعتها كتاب من ال ل يبدل و ل يعلم‬
‫خلفه و لمر ما يوضع الكلم ف المامة آخر الكلم على العقائد اليانية كأنه من جلة عقودها و يكون استظهارهم حينئذ على سلطانم‬
‫و دولتهم الخصوصة إما بالوال و الصطنعي الذين نشأوا ف ظل العصبية و غيها و إما بالعصائب الارجي عن نسبها الداخلي ف وليتها‬
‫و مثل هذا و قع لبن العباس فإن عصبية العرب كانت فسدت لعهد دولة العتصم و ابنه الواثق و استظهارهم بعد ذلك إنا كان بالوال من‬
‫العجم و الترك و الديلم و السلجوقية و غيهم ث تغلب العجم الولياء على النواحي و تقلص ظل الدولة فلم تكن تعدو أعمال بغداد حت‬
‫زحف إليها الديلم و ملكوها و صار اللئق ف حكمهم ث انقرض أمرهم و ملك السلجوقية من بعدهم فصاروا ف حكمهم ث انقرض‬
‫أمرهم و زحف آخر التتار فقتلوا الليفة و موا رسم الدولة و كذا صنهانة بالغرب فسدت عصبيتهم منذ الائة الامسة أو ما قبلها و‬
‫استمرت لم الدولة متقلصة الظل بالهدية و باية و القلعة و سائر ثغور أفريقية و ربا انتزى بتلك الثغور من نازعهم اللك و اعتصم فيها و‬
‫السلطان و اللك مع ذلك مسلم لم حت تأذن ال بانقراض الدولة و جاء الوحدون بقوة قوية من العصبية ف الصامدة فمحوا آثارهم و كذا‬
‫دولة بن أمية بالندلس لا فسدت عصبيتها من العرب استول ملوك الطوائف على أمرها و اقتسموا خطتها و تنافسوا بينهم و توزعوا مالك‬
‫الدولة و انتزى كل واحد منهم على ما كان ف وليته و شخ بأنفه و بلغهم شأن العجم مع الدولة العباسية فتلقبوا بألقاب اللك و لبسوا‬
‫شارته و أمنوا من ينقص ذلك عليهم أو يغيه لن الندلس ليس بدار عصائب و ل قبائل كما سنذكره و استمر لم ذلك كما قال ابن‬
‫شرف‪.‬‬
‫‌ ‌ ما يزهدن ف أرض أندلس أساء معتصم فيها و معتضد‬
‫ألقاب ملكة ف غي موضعها كالر يكي انتفاخا صورة السد‬
‫فاستظهروا على أمرهم بالوال و الصطنعي و الطراء على الندلس من أهل العدوة من قبائل الببر و زناتة و غيهم اقتداءً بالدولة ف آخر‬
‫أمرها ف الستظهار بم حي ضعفت عصبية العرب و استبد ا بن أ ب عامر على الدولة فكان لم دول عظيمة استبدت كل واحدة منها‬
‫بانب من الندلس و حظ كبي من اللك على نسبة الدولة الت اقتسموها و ل يزالوا ف سلطانم ذلك حت جاز إليهم البجر الرابطون أهل‬
‫العصبية القوية من لتونة فاستبدلوا بم و أزالوهم عن مراكزهم و موا آثارهم و ل يقتدروا على مدافعتهم لفقدان العصبية لديهم فبهذه‬
‫العصبية يكون تهيد الدولة و حايتها من أولا و قد ظن الطرطوشي أن حامية الدول بإطلق هم الند أهل العطاء الفروض مع الهلة ذكر‬
‫ذلك ف كتابه الذي ساه سراج اللوك و كلمه ل يتناول تأسيس الدول العامة ف أولا و إنا هو مصوص بالدول الخية بعد التمهيد و‬
‫استقرار اللك ف النصاب و استحكام الصبغة لهله فالرجل إنا أدرك الدولة عند هرمها و خلق جدتا و رجوعها إل الستظهار بالوال و‬
‫الصنائع ث إل الستخدمي من ورائهم بالجر على الدافعة فإنه إنا أدرك دول الطوائف و ذلك عند اختلل بن أمية و انقراض عصبتها من‬
‫العرب و استبداد كل أمي بقطره و كان ف إيالة الستعي بن هود و ابنه الظفر أهل سرقسطة و ل يكن بقي لم من أمر العصبية شيء‬
‫لستيلء الترف على العرب منذ ثلثائة من السني و هلكهم و ل ير إل سلطانا مستبدا باللك عن عشائره قد استحكمت له صبغة‬
‫الستبداد منذ عهد الدولة و بقية العصبية فهو لذلك ل ينازع فيه و يستعي على أمره بالجراء من الرتزقة فأطلق الطرطوشي القول ف ذلك‬
‫ل يتفطن لكيفية المر منذ أول الدولة و إنه ل يتم إل لهل العصبية فتفطن أنت له و افهم سر ال فيه و ال يؤت ملكه من يشاء‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬ف أنه قد يدث لبعض أهل النصاب اللكي دولة تستغن عن‬
‫العصبية‬
‫و ذلك أنه إذا كان لعصبية غلب كثي على المم و الجيال و ف نفوس القائمي بأمره من أهل القاصية إذعان لم و انقياد فإذا نزع إليهم‬
‫هذا الارج و انتبذ عن مقر ملكه و منبت عزه اشتملوا عليه و قاموا بأمره و ظاهروه على شأنه و عنوا بتمهيد دولته يرجون استقراره ف‬
‫نصابه و تناوله المر من يد أعياصه و جزاءه لم على مظاهرته باصطفائهم لرتب اللك و خططه من وزارة أو قيادة أو ولية ثغر و ل‬
‫يطمعون ف مشاركته ف شيء من سلطانه تسليما لعصبيته و انقيادا لا استحكم له و لقومه من صبغة الغلب ف العال و عقيدة إيانية‬
‫استقرت ف الذعان لم فلو راموها معه أو دونه لزلزلت الرض زلزالا و هذا كما وقع للدارسة بالغرب القصى و العبيديي بأفريقية و‬
‫مصر لا انتبذ الطالبيون من الشرق إل القاصية و ابتعدوا عن مقر اللفة و سوا إل طلبها من أيدي بن العباس بعد أن استحكمت الصبغة‬
‫لبن عبد مناف لبن أمية أول ث لبن هاشم من بعدهم فخرجوا بالقاصية من الغرب و دعوا لنفسهم و قام بأمرهم البابرة مر ًة بعد أخرى‬
‫فأوربة و مغيلة للدارسة و كتامة و صنهاجة و هوارة للعبيديي فشيدوا دولتهم و مهدوا بعصائبهم أمرهم و اقتطعوا من مالك العباسيي‬
‫الغرب كله ث أفريقية و ل يزل ظل الدولة يتقلص و ظل العبيديي يتد إل أن ملكوا مصر و الشام والجاز و قاسوهم ف المالك السلمية‬
‫شق البلمة و هؤلء البابرة القائمون بالدولة مع ذلك كلهم مسلمون للعبيديي أمرهم مذعنون للكهم و إنا كانوا يتنافسون ف الرتبة‬
‫عندهم خاصة تسليما لا حصل من صبغة اللك لبن هاشم و لا استحكم من الغلب لقريش و مضر على سائر المم فلم يزل اللك ف‬
‫أعقابم إل أن انقرضت دولة العرب بأسرها و ال يكم ل معقب لكمه‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬ف أن الدولة العامة الستيلء العظيمة اللك أصلها الدين إما‬
‫من نبوة أو دعوة حق‬
‫و ذلك لن اللك إنا يصل بالتغلب و التغلب إنا يكون بالعصبية و اتفاق الهواء على الطالبة و جع القلوب و تأليفها إنا يكون بعونة من‬
‫ال ف إقامة دينه قال تعال‪ :‬لو أنفقت ما ف الرض جيعا ما ألفت بي قلوبم و سره أن القلوب إذا تداعت إل أهواء الباطل و اليل إل‬
‫الدنيا حصل التنافس و فشا اللف و إذا انصرفت إل الق و رفضت الدنيا و الباطل و أقبلت على ال اتدت و جهتها فذهب التنافس و‬
‫قل اللف و حسن التعاون و التعاضد و اتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة كما نبي لك بعد أن شاء ال سبحانه و تعال و به‬
‫التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الامس ف أن الدعوة الدينية تزيد الدولة ف أصلها قوة على قوة‬
‫العصبية الت كانت لا من عددها‬
‫و السبب ف ذلك كما قدمناه أن الصبغة الدينية تذهب بالتنافس و التحاسد الذي ف أهل العصبية و تفرد الوجهة إل الق فإذا حصل لم‬
‫الستبصار ف أمرهم ل يقف لم شيء لن الوجهة واحدة و الطلوب متساو عندهم و هم مستميتون عليه و أهل الدولة الت هم طالبوها إن‬
‫كانوا أضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطل و تاذلم لتقية الوت حاصل فل يقاومونم و إن كانوا أكثر منهم بل يغلبون عليهم و يعاجلهم‬
‫الفناء با فيهم من الترف و الذل كما قدمناه و هذا كما وقع للعرب صدر السلم ف الفتوحات فكانت جيوش السلمي بالقادسية و‬
‫اليموك بضع ًة و ثلثي ألفا ف كل معسكر و جوع فارس مائة و عشرين ألفا بالقادسية و جوع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف‬
‫فلم يقف للعرب أحد من الانبي و هزموهم و غلبوهم على ما بأيديهم و اعتب ذلك أيضا ف دولة لتونة و دولة الوحد ين فقد كان‬
‫بالغرب من القبائل كثي من يقاومهم ف العدد و العصبية أو يشف عليهم إل أن الجتماع الدين ضاعف قوة عصبيتهم بالستبصار و‬
‫الستماتة كما قلناه فلم يقف لم شيء و اعتب ذلك إذا حالت صبغة الدين و فسدت كيف ينتقض المر و يصي الغلب على نسبة العصبية‬
‫وحدها دون زيادة الدين فتغلب الدولة من كان تت يدها من العصائب الكافئة لا أو الزائدة القوة عليها الذين غلبتهم بضاعفة الدين لقوتا‬
‫و لو كانوا أكثر عصبية منها و أشد بداو ًة و اعتب هذا ف الوحدين مع زناتة لا كانت زناتة أبدى من الصامدة و أشد توحشا و كان‬
‫للمصامدة الدعوة الدينية باتباع الهدي فلبسوا صبغتها و تضاعفت قوة عصبيتهم با فغلبوا على زناتة أولً و استتبعوهم و أن كانوا من‬
‫حيث العصبية و البداوة أشد منهم فلما خلوا من تلك الصبغة الدينية انتقضت عليهم زناتة من كل جانب و غلبوهم على المر و انتزعوه‬
‫منهم و ال غالب على أمره‪.‬‬

‫الفصل السادس ف أن الدعوة الدينية من غي عصبية ل تتم‬


‫و هذا لا قدمناه من أن كل أمر تمل عليه الكافة فل بد له من العصبية و ف الديث الصحيح كما مر‪ :‬ما بعث ال نبيا إل ف منعة من قومه‬
‫و إذا كان هذا ف النبياء و هم أول الناس برق العوائد فما ظنك بغيهم أن ل ترق له العادة ف الغلب بغي عصبية و قد وقع هذا لبن‬
‫قسي شيخ الصوفية و صاحب كتاب خلع النعلي ف التصوف ثار بالندلس داعيا إل الق و سي أصحابه بالرابطي قبيل دعوة الهدي‬
‫ل لشغل لتونة با دههم من أمر الوحدين و ل تكن هناك عصائب و ل قبائل يدفعونه عن شأنه فلم يلبث حي استول‬ ‫فاستتب له المر قلي ً‬
‫الوحدون على الغرب أن أذعن لم و دخل ف دعوتم و تابعهم من معقله بصن أركش و أمكنهم من ثغره و كان أول داعية لم بالندلس‬
‫و كانت ثورته تسمى ثورة الرابطي و من هذا الباب أحوال الثوار القائمي بتغيي النكر من العامة و الفقهاء فإن كثيا من النتحلي للعبادة‬
‫و سلوك طرق الدين يذهبون إل القيام على أهل الور من المراء داعي إل تغيي النكر و النهي عنه و المر بالعروف رجاءً ف الثواب عليه‬
‫من ال فيكثر أتباعهم و التلثلثون بم من الغوغاء و الدهاء و يعرضون أنفسهم ف ذلك للمهالك و أكثرهم يهلكون ف هذا السبيل مأزورين‬
‫غي مأجورين لن ال سبحانه ل يكتب ذلك عليهم و إنا أمر به حيث تكون القدرة عليه قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬من رأى منكم منكرا‬
‫فليغيه بيده فأن ل يستطع فبلسانه فإن ل يستطع فبقلبه و أحوال اللوك و الدول راسخة قوية ل يزحزحها و يهدم بناءها إل الطالبة القوية‬
‫الت من ورائها عصبية القبائل و العشائر كما قدمناه و هكذا كان حال النبياء عليهم الصلة و السلم ف دعوتم إل ال بالعشائر و‬
‫العصائب و هم الؤيدون من ال بالكون كله لو شاء‪ ،‬لكنه إنا أجرى المور على مستقر العادة و ال حكيم عليم فإذا ذهب أحد من الناس‬
‫هذا الذهب و كان فيه مقا قصر به النفراد عن العصبية فطاح ف هوة اللك و أما إن كان من التلبسي بذلك ف طلب الرئاسة فأجدر إن‬
‫تعوقه العوائق و تنقطع به الهالك لنه أمر ال ل يتم إل برضاه و إعانته و الخلص له و النصيحة للمسلمي و ل يشك ف ذلك مسلم و ل‬
‫يرتاب فيه ذو بصية و أول ابتداء هذه النعة ف اللة ببغداد حي و قعت فتنة طاهر و قتل المي و أبطأ الأمون براسان عن مقدم العراق ث‬
‫عهد لعلي بن موسى الرضى من آل السي فكشف بنو العباس عن‪.‬‬
‫وجه النكي عليه و تداعوا للقيام و خلع طاعة الأمون و الستبدال منه و بويع إبراهيم بن الهدي فوقع الرج ببغداد و انطلقت أيدي الزعرة‬
‫با من الشطار و الربية على أهل العافية و الصون و قطعوا السبيل و امتلت أيديهم من ناب الناس و باعوها علنية ف السواق و‬
‫استعدى أهلها الكام فلم يعدوهم فتوافر أهل الدين و الصلح على منع الفساق و كف عاديتهم و قام ببغداد رجل يعرف بالد الدريوس و‬
‫دعا الناس إل المر بالعروف و النهي عن النكر فأجابه خلق و قاتل أهل الزعارة فغلبهم و أطلق يده فيهم بالضرب و التنكيل ث قام من‬
‫بعده رجل آخر من سواد أهل بغداد يعرف بسهل بن سلمة النصاري و يكن أبا حات و علق مصحفا ف عنقه و دعا الناس إل المر‬
‫بالعروف و النهى عن النكر و العمل بكتاب ال و سنة نبيه صلى ال عليه و سلم فاتبعه الناس كاف ًة من بي شريف و وضيع من بن هاشم‬
‫فمن دونم و نزل قصر طاهر و أتذ الديوان و طاف ببغداد و منع كل من أخاف الارة و منع الفارة لولئك الشطار و قال له خالد‬
‫الدريوس أنا ل أعيب على السلطان فقال له سهل لكن أقاتل كل من خالف الكتاب و السنة كائنا من كان و ذلك سنة إحدى و مائتي و‬
‫جهز له إبراهيم بن الهدي العساكر فغلبه و أسره و انل أمره سريعا و ذهب و نا بنفسه ث اقتدى بذا العمل بعد كثي من الوسوسي‬
‫يأخذون أنفسهم بإقامة الق و ل يعرفون ما يتاجون إليه ف إقامته من العصبية و ل يشعرون بغبة أمرهم و مآل أحوالم و الذي يتاج إليه‬
‫ف أمر هؤلء إما الداواة إن كانوا من أهل النون و إما التنكيل بالقتل أو الضرب إن أحدثوا هرجا و إما إذاعة السخرية منهم و عدهم من‬
‫جلة الصفاعي و قد ينتسب بعضهم إل الفاطمي النتظر إما بأنه هو أو بأنه داع له و ليس مع ذلك على علم من أمر الفاطمي و ل ما هو و‬
‫أكثر النتحلي لثل هذا تدهم موسوسي أو ماني أو ملبسي يطلبون بثل هذه الدعوة رئاسةً امتلت با جوانهم و عجزوا عن التوصل‬
‫إليها بشيء من أسبابا العادية فيحسبون أن هذا من السباب البالغة بم إل ما يؤملونه من ذلك و ل يسبون ما ينالم فيه من اللكة فيسرع‬
‫إليهم القتل با يدثونه من الفتنة و تسوء عاقبة مكرهم و قد كان لول هذه الائة خرج بالسوس رجل من التصوفة يدعى التوبذري عمد إل‬
‫مسجد ماسة بساحل البحر هناك و زعم أنه الفاطمي النتظر تلبيسا على العامة هنالك با مل قلوبم من الدثان بانتظاره هنالك و أن من‬
‫ذلك السجد يكون أصل دعوته فتهافتت عليه طوائف من عامة الببر تافت الفراش ث خشي رؤساؤهم أتساع نطاق الفتنة فدس إليه كبي‬
‫الصامدة يومئذ عمر السكسيوي من قتله ف فراشه و كذلك خرج ف غماره أيضا لول هذه الائة رجل يعرف بالعباس و ادعى مثل هذه‬
‫الدعوة و اتبع نعيقه الرذلون من سفهاء تلك القبائل و أغمارهم و زحف إل بادس من أمصارهم و دخلها عنوة‪ .‬ث قتل لربعي يوما من‬
‫ظهور دعوته و مضى ف الالكي الولي و أمثال ذلك كثي و الغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية ف مثلها و أما إن كان التلبيس فأحرى‬
‫أن ل يتم له أمر و أن يبوء بإثه و ذلك جزاء الظالي و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق ل رب غيه و ل معبود سواه‪.‬‬

‫الفصل السابع ف أن كل دولة لا حصة من المالك و الوطان ل تزيد عليها‬


‫و السبب ف ذلك أن عصابة الدولة و قومها القائمي با المهدين لا ل بد من توزيعهم حصصا على المالك و الثغور الت تصي إليهم و‬
‫يستولون عليها لمايتها من العدو و إمضاء أحكام الدولة فيها من جباية و ردع و غي ذلك فإذا توزعت العصائب كلها على الثغور و‬
‫المالك فل بد من نفاد عددها و قد بلغت المالك حينئذ إل حد يكون ثغرا للدولة و تما لوطنها و نطاقا لركز ملكها فإن تكفلت الدولة‬
‫بعد ذلك زيادةً على ما بيدها بقى دون حامي ًة و كان موضعا لنتهاز الفرصة من العدو و الجاور و يعود وبال ذلك على الدولة با يكون‬
‫فيه من التجاسر و خرق سياج اليبة و ما كانت العصابة موفورة و ل ينفد عددها ف توزيع الصص على الثغور و النواحي بقي ف الدولة‬
‫قوة على تناول ما وراء الغاية حت ينفسح نطاقها إل غايته و العلة الطبيعية ف ذلك هي قوة العصبية من سائر القوى الطبيعية و كل قوة‬
‫يصدر عنها فعل من الفعال فشأنا ذلك ف فعلها و الدولة ف مركزها أشد ما يكون ف الطرف و النطاق و إذا انتهت إل النطاق الذي هو‬
‫الغاية عجزت و أقصرت عما وراءه شأن الشعة و النوار إذا انبعثت من الراكز و الدوائر النفسحة على سطح الاء من النقر عليه ث إذا‬
‫أدركها الرم و الضعف فإنا تأخذ ف التناقص من جهة الطراف و ل يزال الركز مفوظا إل أن يتأذن ال بانقراض المر جلة فحينئذ‬
‫يكون انقراض الركز و إذا غلب على الدولة من مركزها فل ينفعها بقاء الطراف و النطاق بل تضمحل لوقتها فأن الركز كالقلب الذي‬
‫تنبعث منه الروح فإذا غلب على القلب و ملك انزم جيع الطراف و انظر هذا ف الدولة الفارسية كان مركزها الدائن فلما غلب السلمون‬
‫على الدائن انقرض أمر فارس أجع و ل ينفع يزدجرد ما بقي بيده من أطراف مالكه و بالعكس من ذلك الدولة الرومية بالشام لا كان‬
‫مركزها القسطنطينية و غلبهم السلمون بالشام تيزوا إل مركزهم بالقسطنطينية و ل يضرهم انتزاع الشام من أيديهم فلم يزل ملكهم‬
‫متصلً با إل أن تأذن ال بانقراضه و انظر أيضا شأن العرب أول السلم لا كانت عصائبهم موفورة كيف غلبوا على ما جاورهم من‬
‫الشام و العراق و مصر لسرع وقت ث تاوزوا ذلك إل ما وراءه من السند و البشة و أفريقية و الغرب ث إل الندلس فلما تفرقوا‬
‫حصصا على المالك و الثغور و نزلوها حامية و نفد عددهم ف تلك التوزيعات أقصروا عن الفتوحات بعد و انتهى أمر السلم و ل‬
‫يتجاوز تلك الدود و منها تراجعت الدولة حت تأذن ال بانقراضها و كذا كان حال الدول من بعد ذلك كل دولة على نسبة القائمي با‬
‫ف القلة و الكثرة و عند نفاد عددهم بالتوزيع ينقطع لم الفتح و الستيلء سنة ال ف خلقه‪.‬‬
‫الفصل الثامن ف أن عظم الدولة و اتساع نطاقها و طول أمدها على نسبة‬
‫القائمي با ف القلة و الكثرة‬
‫و السبب ف ذلك أن اللك إنا يكون بالعصبية و أهل العصبية هم الامية الذين ينلون بمالك الدولة و أقطارها و ينقسمون عليها فما كان‬
‫من الدولة العامة قبيلها و أهل عصابتها أكثر كانت أقوى و أكثر مالك و أوطانا و كان ملكها أوسع لذلك و اعتب ذلك بالدولة السلمية‬
‫لا ألف ال كلمة العرب على السلم و كان عدد السلمي ف غزوة تبوك آخر غزوات النب صلى ال عليه و سلم مائة ألف و عشرة آلف‬
‫من مضر و قحطان ما بي فارس و راجل إل من أسلم منهم بعد ذلك إل الوفاة فلما توجهوا لطلب ما ف أيدي المم من اللك ل يكن‬
‫دونه ح ًى و ل وزر فاستبيح حى فارس و الروم أهل الدولتي العظيمتي ف العال لعهدهم و الترك بالشرق و الفرنة و الببر بالغرب و‬
‫القوط بالندلس و خطوا من الجاز إل السوس القصى و من اليمن إل الترك بأقصى الشمال و استولوا على القاليم السبعة ث انظر بعد‬
‫ذلك دولة صنهاجة و الوحدين مع العبيديي قبلهم لا كان كتامة القائمي بدولة العبيديي أكثر من صنهاجة و من الصامدة كانت دولتهم‬
‫أعظم فملكوا أفريقية و الغرب و الشام و مصر و الجاز ث انظر بعد ذلك دولة زناتة لا كان عددهم أقل من الصامدة قصر ملكهم عن‬
‫ملك الوحدين لقصور عددهم عن عدد الصامدة فمذ أول أمرهم ث اعتب بعد ذلك حال الدولتي لذا العهد لزناتة بن مرين و بن عبد‬
‫الواد‪ ،‬كانت دولتهم أقوى منها و أسع نطاقا و كان لم عليهم الغلب مرة بعد أخرى‪ .‬يقال أن عدد بن مرين لول ملكهم كان ثلثة‬
‫آلف و أن بن عبد الواد كانوا ألفا إل أن الدولة بالرفه و كثرة التابع كثرت من أعدادهم و على هذه النسبة ف أعداد التغلبي لول اللك‬
‫يكون أتساع الدولة و قوتا و أما طول أمدها أيضا فعلى تلك النسبة لن عمر الادث من قوة مزاجه و مزاج الدول إنا هو بالعصبية فإذا‬
‫كانت العصبية قوية كان الزاج تابعا لا و كان أمد العمر طويلً و العصبية إنا هي بكثرة العدد و وفوره كما قلناه و السبب الصحيح ف‬
‫ذلك أن النقص إنا يبدو ف الدولة من الطراف فإذا كانت مالكها كثية كانت أطرافها بعيدةً عن مركزها و كثيةً و كل نقص يقع فل بد‬
‫له من زمن فتكثر أزمان النقص لكثرة المالك و اختصاص كل واحد منها بنقص و زمان فيكون أمدها أطول الدول ل بنو العباس أهل‬
‫الركز و ل بنو أمية الستبدون بالندلس و ل ينقص أمر جيعهم إل بعد الربعمائة من الجرة و دولة العبيديي كان أمدها قريبا من مائتي و‬
‫ثاني سنة و دولة صنهاجة دونم من لدن تقليد معز الدولة أمر أفريقية لبلكي بن زيري ف سنة ثان و خسي و ثلثائة إل حي استيلء‬
‫الوحدين على القلعة و باية سنة سبع و خسي و خسمائة و دولة الوحدين لذا العهد تناهز مائتي و سبعي سنة و هكذا نسب الدول ف‬
‫أعمارها على نسبة القائمي با سنة ال الت قد خلت ف عباده‪.‬‬

‫الفصل التاسع ف أن الوطان الكثرة القبائل و العصائب قل أن تستحكم فيها‬


‫دولة‬
‫ى عصبية تانع دونا فيكثر النتقاض على الدولة و الروج عليها‬ ‫و السبب ف ذلك اختلف الراء و الهواء و أن وراء كل رأي منها و هو ً‬
‫ف كل وقت و أن كانت ذات عصبية لن كل عصبية من تت يدها تظن ف نفسها منعةً و قوة و انظر ما و قع من ذلك بأفريقية و الغرب‬
‫منذ أو ل السلم و لذا العهد فإن ساكن هذه الوطان من الببر أهل قبائل و عصبيات فلم يغن فيهم الغلب الول الذي كان لبن أب‬
‫سرح عليهم و على الفرنة شيئا و عاودوا بعد ذلك الثورة و الردة مر ًة بعد أخرى و عظم الثخان من السلمي فيهم و لا استقر الدين‬
‫عندهم عادوا إل الثورة و الروج و الخذ بدين الوارج مرات عديدةً قال ابن أب زيد ارتدت البابرة بالغرب اثنت عشرة مرة و ل تستقر‬
‫كلمة السلم فيهم إل لعهد ولية موسى بن نصي فما بعده و هذا معن ما ينقل عن عمر أن أفريقة مفرقة لقلوب أهلها إشارةً إل ما فيها‬
‫من كثرة العصائب و القبائل الاملة لم على عدم الذعان و النقياد و ل يكن العراق لذلك العهد بتلك الصفة و ل الشام إنا كانت‬
‫حاميتها من فارس و الروم و الكافة دهاء أهل مدن و أمصار فلما غلبهم السلمون على المر و انتزعوه من أيديهم ل يبق فيها مانع و ل‬
‫مشاق و الببر قبائلهم بالغرب أكثر من أن تص و كلهم بادية و أهل عصائب و عشائر و كلما هلكت قبيلة عادت الخرى مكانا و إل‬
‫دينها من اللف و الردة فطال أمر العرب ف تهيد الدولة بوطن أفريقية و الغرب و كذلك كان المر بالشام لعهد بن إسرائيل كان فيه من‬
‫قبائل فلسطي و كنعان و بن عيصو و بن مدين و بن لوط و الروم و اليونان و العمالقة و أكريكش و النبط من جانب الزيرة و الوصل‬
‫ما ل يصى كثرة و تنوعا ف العصبية فصعب على بن إسرائيل تهيد دولتهم و رسوخ أمرهم و اضطرب عليهم اللك مرة بعد أخرى و‬
‫سرى ذلك اللف إليهم فاختلفوا على سلطانم و خرجوا عليه و ل يكن لم ملك موطد سائر أيامهم إل أن غلبهم الفرس ث يونان ث‬
‫الروم آخر أمرهم عند اللء و ال غالب على أمره و بعكس هذا أيضا الوطان الالية من العصبيات يسهل تهيد الدولة فيها و يكون‬
‫سلطانا وازعا لقلة الرج و النتقاض و ل تتاج الدولة فيها إل كثي من العصبية كما هو الشأن ف مصر و الشام لذا العهد إذ هي خلو من‬
‫القبائل و العصبيات كأن ل يكن الشام معدنا لم كما قلناه فملك مصر ف غاية الدعة و الرسوخ لقلة الوارج و أهل العصائب إنا هو‬
‫سلطان و رعية و دولتها قائمة بلوك الترك و عصائبهم يغلبون على المر واحدا بعد واحد و ينتقل المر فيهم من منبت إل منبت و اللفة‬
‫مسماة للعباسي من أعقاب اللفاء ببغداد و كذا شأن الندلس لذا العهد فإن عصبية ابن الحر سلطانا ل تكن لول دولتهم بقوية و ل‬
‫كانت كرات إنا يكون أهل بيت من بيوت العرب أهل الدولة الموية بقوا من ذلك القلة و ذلك أن أهل الندلس لا انقرضت الدولة‬
‫العربية منهم و ملكهم الببر من لتونة و الوحدين سئموا ملكتهم و ثقلت وطأتم عليهم فأشربت القلوب بغضاءهم و أمكن الوحدون و‬
‫السادة ف آخر الدولة كثيا من الصون للطاغية ف سبيل الستظهار به على شأنم من تلك الضرة مراكش فاجتمع من كان بقي با من‬
‫أهل العصبية القدية معادن من بيوت العرب تاف بم النبت عن الاضرة و المصار بعض الشيء و رسخوا ف العصبية مثل ابن هود و ابن‬
‫الحر و ابن مردنيش و أمثالم فقام ابن هود بالمر و دعا بدعوة اللفة العباسية بالشرق و حل الناس على الروج على الوحدين فنبذوا‬
‫إليهم العهد و أخرجوهم و استقل ابن هود بالمر ف الندلس ث سا ابن الحر للمر و خالف ابن هود ف دعوته فدعا هؤلء لبن أب‬
‫حفص صاحب أفريقية من الوحدين و قام بالمر و تناوله بعصابة قريبة من قرابته كانوا يسمون الرؤساء و ل يتج لكثر منهم لقلة‬
‫العصائب بالندلس و إنا سلطان و رعية ث استظهر بعد ذلك على الطاغية بن ييز إليه البحر من أعياص زناتة فصاروا معه عصبة على‬
‫الثاغرة و الرباط ث سا لصاحب من ملوك زناتة أمل ف الستيلء على الندلس فصار أولئك العياص عصابة ابن الحر على المتناع منه‬
‫إل أن تأثل أمره و رسخ و ألفته النفوس و عجز الناس عن مطالبته و ورثة أعقابه لذا العهد فل تظن أنه بغي عصابة فليس كذلك و قد كان‬
‫مبدأه بعصابة إل أنا قليلة و على قدر الاجة فإن قطر الندلس لقلة العصائب و القبائل فيه يغن عن كثرة العصبية ف التغلب عليهم و ال‬
‫غن عن العالي‪.‬‬

‫الفصل العاشر ف أن من طبيعة اللك النفراد بالجد‬


‫و ذلك أن اللك كما قدمناه إنا هو بالعصبية و العصبية متألفة من عصبات كثية تكون واحدة منها أقوى من الخرى كلها فتغلبها و‬
‫تستول عليها حت تصيها جيعا ف ضمنها و بذلك يكون الجتماع و الغلب على الناس و الدول و سره أن العصبية العامة للقبيل هي مثل‬
‫الزاج للمتكون و الزاج إنا يكون عن العناصر و قد تبي ف موضعه أن العناصر إذا اجتمعت متكافئةً فل يقع منها مزاج أصلً بل ل بد من‬
‫أن تكون واحدة منها هي الغالبة على الكل حت تمعها و تؤلفها و تصيها عصبيةً واحدةً شاملةً لميع العصائب و هي موجودة ف ضمنها‬
‫و تلك العصبية الكبى إنا تكون لقوم أهل بيت و رئاسة فيهم‪ ،‬و ل بد من أن يكون واحد منهم رئيسا لم غالبا عليهم فيتعي رئيسا‬
‫للعصابات كلها لغلب منبته لميعها و إذا تعي له ذلك فمن الطبيعة اليوانية خلق الكب و النفة فيأنف حينئذ من الساهة و الشاركة ف‬
‫استتباعهم و التحكم فيهم و يئ خلق التأله الذي ف طباع البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد الاكم لفساد الكل باختلف الكام لو‬
‫كان فيهما آلة إل ال لفسدتا فتجدع حينئذ أنوف العصبيات و تفلح شكائمهم عن أن يسموا إل مشاركته ف التحكم و تقرع عصبيتهم‬
‫ل فينفرد بذلك الجد بكليته و يدفعهم عن مساهته و قد‬ ‫عن ذلك و ينفرد به ما استطاع حت ل يترك لحد منهم ف المر ل ناقة و ل ج ً‬
‫يتم ذلك للول من ملوك الدولة و قد ل يتم إل للثان و الثالث على قدر مانعة العصبيات و قوتا إل أنه أمر لبد منه ف الدول سنة ال الت‬
‫قد خلت ف عباده و ال تعال أعلم‪.‬‬
‫الفصل الادي عشر ف أن من طبيعة اللك الترف‬
‫و ذلك أن المة إذا تغلبت و ملكت ما بأيدي أهل اللك قبلها كثر رياشها و نعمتها فتكثر عوائدهم و يتجاوزون ضرورات العيش و‬
‫خشونته إل نوافله و رقته و زينته و يذهبون إل أتباع من قبلهم ف عوائدهم و أحوالم و تصي لتلك النوافل عوائد ضرورية ف تصيلها و‬
‫ينعون مع ذلك إل رقة الحوال ف الطاعم و اللبس و الفرش و النية و يتفاخرون ف ذلك و يفاخرون فيه غيهم من المم ف أكل‬
‫الطيب و لبس النيق و ركوب الفاره و يناغي خلفهم ف ذلك سلفهم إل آخر الدولة و على قدر ملكهم يكون حظهم من ذلك و ترفهم‬
‫فيه إل أن يبلغوا من ذلك الغاية الت للدولة إل أن تبلغها بسب قوتا و عوائد من قبلها سنة ال ف خلقه و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر ف أن من طبيعة اللك الدعة و السكون‬


‫و ذلك أن المة ل يصل لا اللك إل بالطالبة و الطالبة غايتها الغلب و اللك و إذا حصلت الغاية انقضى السعي إليها قال الشاعر‪:‬‬
‫فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر‬ ‫عجبت لسعي الدهر بين و بينها‬
‫فإذا حصل اللك أقصروا عن التاعب الت كانوا يتكلفونا ف طلبه و آثروا الراحة و السكون و الدعة و رجعوا إل تصيل ثرات اللك من‬
‫البان و الساكن و اللبس فيبنون القصور و يرون الياه و يغرسون الرياض و يستمتعون بأحوال الدنيا و يؤثرون الراحة على التاعب و‬
‫يتأنقون ف أحوال اللبس و الطاعم و النية و الفرش ما استطاعوا و يألفون ذلك و ويورثونه من بعدهم من أجيالم و ل يزال ذلك يتزايد‬
‫فيهم إل أن يتأذن ال بأمره و هو خي الاكمي و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر ف أنه إذا تكمت طبيعة اللك من النفراد بالجد و‬
‫حصول الترف و الدعة أقبلت الدولة على الرم‬
‫و بيانه من وجود الول أنا تقتضي النفراد بالجد كما قلناه و مهما كان الجد مشتركا بي العصابة و كان سعيهم له واحدا كانت‬
‫همهم ف التغلب على الغي و الذب عن الوزة أسوةً ف طموحها و قوة شكائمها و مرماهم إل العز جيعا يستطيبون الوت ف بناء مدهم‬
‫و يؤثرون اللكة على فساده و إذا انفرد الواحد منهم بالجد قرع عصبيتهم و كبح من أعنتهم و استأثر بالموال دونم فتكاسلوا عن الغزو‬
‫و فشل ربهم و رئموا الذلة و الستعباد ث رب اليل الثان منهم على ذلك يسبون ما ينالم من العطاء أجرا من السلطان لم عن الماية‬
‫و العونة ل يري ف عقولم سواه و قل أن يستأجر أحد نفسه على الوت فيصي ذلك وهنا ف الدولة و خضدا من الشوكة و تقبل به على‬
‫مناحي الضعف و الرم لفساد العصبية بذهاب البأس من أهلها‪ .‬و الوجه الثان أن طبيعة اللك تقتضي الترف كما قدمناه فتكثر عوائدهم و‬
‫تزيد نفقاتم على أعطياتم و ل يفي دخلهم برجهم فالفقي منهم يهلك و الترف يستغرق عطاءه بترفه ث يزداد ذلك ف أجيالم التأخرة إل‬
‫أن يقصر العطاء كله عن الترف و عوائده و تسهم الاجة و تطالبهم ملوكهم بصر نفقاتم ف الغزو و الروب فل يدون وليجةً عنها‬
‫فيوقعون بم العقوبات و ينتزعون ما ف أيدي الكثي منهم يستأثرون به عليهم أو يؤثرون به أبناءهم و صنائع دولتهم فيضعفونم لذلك عن‬
‫إقامة أحوالم و يضعف صاحب الدولة بضعفهم و أيضا إذا كثر الترف ف الدولة و صار عطاؤهم مقصرا عن حاجاتم و نفقاتم احتاج‬
‫صاحب الدولة الذي هو السلطان إل الزيادة ف أعطياتم حت يسد خللهم و يزيح عللهم و الباية مقدارها معلوم و ل تزيد و ل تنقص و‬
‫أن زادت با يستحدث من الكوس فيصي مقدارها بعد الزيادة مدودا فإذا وزعت الباية على العطيات و قد حدثت فيها الزيادة لكل‬
‫واحد با حدث من ترفهم و كثرة نفقاتم نقص عدد الامية حينئذ عما كان قبل زيادة العطيات ث يعظم الترف و تكثر مقادير العطيات‬
‫لذلك فينقص عدد الامية و ثالثا و رابعا إل أن يعود العسكر إل أقل العداد فتضعف الماية لذلك و تسقط قوة الدولة و يتجاسر عليها‬
‫من ياوزها من الدول أو من هو تت يديها من القبائل و العصائب و يأذن ال فيها بالفناء الذي كتبه على خليقته و أيضا فالترف مفسد‬
‫للخلق با يصل ف النفس من ألوان الشر و السفسفة و عوائدها كما يأت ف فصل الضارة فتذهب منهم خلل الي الت كانت علمة‬
‫على اللك و دليلً عليه و يتصفون ب يناقضها من خلل الشر فيكون علمة على الدبار و النقراض با جعل من ذلك ف خليقته و تأخذ‬
‫الدولة مبادئ العطب و تتضعضع أحوالا و تنل با أمراض مزمنة من الرم إل أن يقضي عليها‪ .‬الوجه الثالث أن طبيعة اللك تقتضي الدعة‬
‫كما ذكرناه و إذا اتذوا الدعة و الراحة مؤلفا و خلقا صار لم ذلك طبيعةً و جبلةً شأن العوائد كلها و إيلفها فترب أجيالم الادثة ف‬
‫غضارة العيش و مهاد الترف و الدعة و ينقلب خلق التوحش و ينسون عوائد البداوة الت كان با اللك من شدة البأس و تعود الفتراس و‬
‫ركوب البيداء و هداية القفر فل يفرق بينهم و بي السوقة من الضر إل ف الثقافة و الشارة فتضعف حايتهم و يذهب بأسهم و تنخضد‬
‫شوكتهم و يعود وبال ذلك على الدولة با تلبس من ثياب الرم ث ل يزالون يتلونون بعوائد الترف و الضارة و السكون و الدعة و رقة‬
‫الاشية ف جيع أحوالم و ينغمسون فيها و هم ف ذلك يبعدون عن البداوة و الشونة و ينسلخون عنها شيئا فشيئا و ينسون خلق البسالة‬
‫الت كانت با الماية و الدافعة حت يعودوا عيالً على حامية أخرى أن كانت لم و اعتب ذلك ف الدول الت أخبارها ف الصحف لديك‬
‫تد ما قلته لك من ذلك صحيحا من غي ريبة و ربا يدث ف الدولة إذا طرقها هذا الرم بالترف و الراحة أن يتخي صاحب الدولة أنصارا‬
‫و شيعةً من غي جلدتم من تعود الشونة فيتخذهم جندا يكون أصب على الرب و أقدر على معاناة الشدائد من الوع و الشظف و‬
‫يكون ذلك دوا ًء للدولة من الرم الذي عساه أن يطرقها حت يأذن ال فيها بأمره و هذا كما وقع ف دولة الترك بالشرق فإن غالب جندها‬
‫الوال من الترك فتتخي ملوكهم من أولئك الماليك الجلوبي إليهم فرسانا و جندا فيكونون أجرا على الرب و أصب على الشظف من‬
‫أبناء الماليك الذين كانوا قبلهم و ربوا ف ماء النعيم و السلطان و ظله و كذلك ف دولة الوحدين بأفريقية فإن صاحبها كثيا ما يتخذ‬
‫أجناده من زناتة و العرب ويستكثر منهم و يترك أهل الدولة التعودين للترف فتستجد الدولة بذلك غفرا آخر سالا من الرم و ال وارث‬
‫الرض و من عليها‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشر ف أن الدولة لا أعمار طبيعية كما للشخاص‬


‫إعلم أن العمر الطبيعي للشخاص على ما زعم الطباء و النجمون مائة وعشرون سنةً و هي سنو القمر الكبى عند النجمي و يتلف‬
‫العمر ف كل جيل بسب القرانات فيزيد عن هذا و ينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات مائة تامة و بعضهم خسي أو ثاني أو‬
‫سبعي على ما تقتضيه أدلة القرانات عند الناظرين فيها و أعمار هذه اللة ما بي الستينن إل السبعي كما ف الديث و ل يزيد على العمر‬
‫الطبيعي الذي هو مائة و عشرون إل ف الصور النادرة و على الوضاع الغريبة من الفلك كما و قع ف شأن نوح عليه السلم و قليل من‬
‫قوم عاد و ثود‪ .‬و أما أعمار الدول أيضا و إن كانت تتلف بسب القرانات إل أن الدولة ف الغالب ل تعدو أعمار ثلثة أجيال و اليل‬
‫هو عمر شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعي الذي هو انتهاء النمو و النشوء إل غايته قال تعال‪ :‬حت إذا بلغ أشده و بلغ أربعي‬
‫سنة و لذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمر اليل و يؤيده ما ذكرناه ف حكمة التيه الذي وقع ف بن إسرائيل و أن القصود بالربعي‬
‫فيه فناء اليل الحياء و نشأة جيل آخر ل يعهدوا الذل و ل عرفوه فدل على اعتبار الربعي ف عمر اليل الذي هو عمر الشخص الواحد‬
‫و إنا قلنا أن عمر الدولة ل يعدو ف الغالب ثلثة أجيال لن اليل الول ل يزالوا على خلق البداوة و خشونتها و توحشها من شظف‬
‫العيش و البسالة و الفتراس و الشتراك ف الجد فل تزال بذلك سورة العصبية مفوظةً فيهم فحدهم مرهف و جانبهم مرهوب و الناس لم‬
‫مغلوبون و اليل الثان تول حالم باللك و الترفه من البداوة إل الضارة و من الشظف إل الترف و الصب و من الشتراك ف الجد إل‬
‫انفراد الواحد به و كسل الباقي عن السعي فيه و من عز الستطالة إل ذل الستكانة فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء و تؤنس منهم‬
‫الهانة و الضوع و يبقى لم الكثي من ذلك با أدركوا اليل الول و باشروا أحوالم و شاهدوا اعتزازهم و سعيهم إل الجد و مراميهم‬
‫ف الدافعة و الماية فل يسعهم ترك ذلك بالكلية و إن ذهب منه ما ذهب و يكونون على رجاء من مراجعة الحوال الت كانت للجيل‬
‫الول أو على ظن من وجودها فيهم و أما اليل الثالث فينسون عهد البداوة و الشونة كأن ل تكن و يفقدون حلوة العز و العصبية با‬
‫هم فيه من ملكة القهر و يبلغ فيهم الترف غايته با تبنقوه من النعيم و غضارة العيش فيصيون عيالً على الدولة و من جلة النساء و الولدان‬
‫الحتاجي للمدافعة عنهم و تسقط العصبية بالملة و ينسون الماية و الدافعة و الطالبة و يلبسون على الناس ف الشارة و الزي و ركوب‬
‫اليل و حسن الثقافة يوهون با و هم ف الكثر أجب من النسوان على ظهورها فإذا جاء الطالب لم ل يقاوموا مدافعته فيحتاج صاحب‬
‫الدولة حينئذ إل الستظهار بسواهم من أهل النجدة و يستكثر بالوال و يصطنع من يغن عن الدولة بعض الغناء حت يتأذن ال بانقراضها‬
‫فتذهب الدولة با حلت فهذه كما تراه ثلثة أجيال فيها يكون هرم الدولة و تلفها و لذا كان انقراض السب ف اليل الرابع كما مر ف‬
‫أن الجد و السب إنا هو أربعة آباء و قد أتيناك فيه ببهان طبيعي كاف ظافر مبن على ما مهدناه قبل من القدمات فتأمله فلن تعدو وجه‬
‫الق إن كنت من أهل النصاف و هذه الجيال الثلثة عمرها مائة و عشرون سنة على ما مر و ل تعدو الدول ف الغالب هذا العمر‬
‫ل مستوليا و الطالب ل يضرها و لو قد جاء‬ ‫بتقريب قبله أو بعده إل أن عرض لا عارض آخر من فقدان الطالب فيكون الرم حاص ً‬
‫الطالب لا وجد مدافعا فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساع ًة و ل يستقدمون فهذا العمر للدولة بثابة عمر الشخص من التزايد إل سن‬
‫الوقوف ث إل سن الرجوع و لذا يري على ألسنة الناس ف الشهور أن عمر الدولة مائة سنة و هذا معناه فأعتبه و اتذ منه قانونا يصحح‬
‫لك عدد الباء ف عمود النسب الذي تريده من قبل معرفة السني الاضية إذا كنت قد استربت ف عددهم و كانت السنون الاضية منذ‬
‫أولم مصلة لديك فعد لكل مائة من السني ثلثة من الباء فإن نفدت على هذا القياس مع نفود عددهم فهو صحح و إن نقصت عنه بيل‬
‫فقد غلط عددهم بزيادة واحد ف عمود النسب و أن زادت بثله فقد سقط واحد و كذلك تأخذ عدد السني من عددهم إذا كان مصلً‬
‫لديك فتأمله تده ف الغالب صحيحا و ال يقدر الليل و النهار‪.‬‬

‫الفصل الامس عشر ف انتقال الدولة من البداوة إل الضارة‬


‫اعلم أن هذه الطوار طبيعية للدول فإن الغلب الذي يكون به اللك إنا هو بالعصيبة و با يتبعها من شدة البأس و تعود الفتراس و ل يكون‬
‫ذلك غالبا إل مع البداوة فطور الدولة من أولا بداوة ث إذا حصل اللك تبعه الرفه و اتساع الحوال و الضارة إنا هي تفنن ف الترف و‬
‫إحكام الصنائع الستعملة ف وجوهه و مذاهبه من الطابخ و اللبس و البان و الفرش و البنية و سائر عوائد النل و أحواله فلكل واحد‬
‫منها صنائع ف استجادته و التأنق فيه تتص به و يتلو بعضها بعضا و تتكثر باختلف ما تنع إليه النفوس من الشهوات و اللذ والتنعم‬
‫بأحوال الترف و ما تتلون به من العوائد فصار طور الضارة ف اللك يتبع طور البداوة ضرورة لضرورة تبعية الرفه للملك و أهل الدول أبدا‬
‫يقلدون ف طور الضارة و أحوالا للدولة السابقة قبلهم‪ .‬فأحوالم يشاهدون‪ ،‬و منهم ف الغلب يأخذون‪ ،‬و مثل هذا وقع للعرب لا كان‬
‫الفتح و ملكوا فارس و الروم و استخدموا بناتم و أبناءهم و ل يكونوا لذلك العهد ف شيء من الضارة فقد حكي أنه قدم لم الرقق‬
‫فكانوا يسبونه رقاعا و عثروا على الكافور ف خزائن كسرى فاستعملوه ف عجينهم ملحا و مثال ذلك كثي فلما استعبدوا أهل الدول‬
‫قبلهم و استعملوهم ف مهنهم و حاجات منازلم و اختاروا منهم الهرة ف أمثال ذلك و القومة عليهم أفادوهم علج ذلك و القيام على‬
‫عمله و التفنن فيه مع ما حصل لم من أتساع العيش و التفنن ف أحواله فبلغوا الغاية ف ذلك و تطوروا بطور الضارة و الترف ف الحوال‬
‫و استجادة الطاعم و الشارب و اللبس و البان و السلحة و الفرش و آلنية و سائر الاعون و الرثي و كذلك أحوالم ف أيام الباهاة و‬
‫الولئم و ليال العراس فأتوا من ذلك وراء الغاية و انظر ما نقلة السعودي و الطبي و غيها ف أعراس الأمون ببوران بنت السن بن‬
‫سهل و ما بذل أبوها لاشية الأمون حي وافاه ف خطبتها إل داره بفم الصلح و ركب إليها ف السفي و ما انفق ف أملكها و ما نلها‬
‫الأمون و أنفق ف عرسها تقف من ذلك على العجب فمنة أن السن بن سهل نثر يوم الملك ف الصنيع الذي حضره حاشية الأمون فنثر‬
‫على الطبقة الول منهم بنادق السك ملثوث ًة على الرقاع بالضياع و العقار مسوغة لن حصلت ف يده يقع لكل واحد منهم ما أداه إليه‬
‫التفاق و البخت و فرق على الطبقة الثانية بدر الدناني ف كل بدرة عشرة آلف و فرق على الطبقة الثالثة بدر الدراهم كذلك بعد أن أنفق‬
‫على مقامة الأمون بداره أضعاف ذلك و منه أن الأمون أعطاها ف مهرها ليلة زفافها ألف حصاة من الياقوت و أوقد شوع العنب ف كل‬
‫واحدة مائة من و هو رطل و ثلثان و بسط لا فرشا كان الصي منها منسوجا بالذهب مكللً بالدر و الياقوت و قال الأمون حي رآه قاتل‬
‫ال أبا نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول ف صفة المر‪:‬‬
‫كأن صغرى و كبى من فواقعها حصباء در على أرض من الذهب‬
‫و أعد بدار الطبخ من الطب لليلة الوليمة نقل مائة و أربعي بغلً مدة عام كامل ثلث مرات ف كل يوم و فن الطب لليلتي و أوقدوا‬
‫الريد يصبون عليه الزيت و أوعز إل النواتية بإحضار السفن لجازة الواص من الناس بدجلة من بغداد إل قصور اللك بدينة الأمون‬
‫لضور الوليمة فكانت الراقات العدة لذلك ثلثي ألفا أجازوا الناس فيها أخريات نارهم و كثي من هذا و أمثاله و كذلك عرس الأمون‬
‫بن ذي النون بطليطلة نقلة ابن سام ف كتاب الذخية و ابن حيان بعد أن كانوا كلهم ف الطور الول من البداوة عاجزين عن ذلك جلةً‬
‫لفقدان أسبابه و القائمي على صنائعه ف غضاضتهم و سذاجتهم يذكر أن الجاج أول ف اختتان بعض ولده فاستحضر بعض الدهاقي‬
‫يسأله عن ولئم الفرس و قال أخبن بأعظم صنيع شهدته فقال له نعم أيها المي شهدت بعض مرازبة كسرى و قد صنع لهل فارس‬
‫صنيعا أحضر فيه صحاف الذهب على أخونة الفضة أربعا على كل واحد و تمله أربع و صائف و يلس عليه أربعة من الناس فإذا طعموا‬
‫أتبعوا أربعتهم الائدة بصحافها و وصفائها فقال الجاج يا غلم انر الزر و أطعم الناس و علم أنه ل يستقل بذه البة و كذلك كانت‪.‬‬
‫و من هذا الباب أعطية بن أمية و جوائزهم فإنا كان أكثرها البل أخذا بذاهب العرب وبداوتم ث كانت الوائز ف دولة بن العباس و‬
‫العبيديي من بعدهم ما علمت من أحال الال و توت الثياب و إعداد اليل براكبها و هكذا كان شأن كتامة مع الغالبة بأفريقية و كذا‬
‫بن طفج بصر و شأن لتونة مع ملوك الطوائف بالندلس و الوحدين كذلك و شأن زناتة مع الوحدين و هلم جرا تنتقل الضارة من‬
‫الدول السالفة إل الدول الالفة فانتقلت حضارة الفرس للعرب بن أمية و بن العباس و انتقلت حضارة بن أمية بالندلس إل ملوك الغرب‬
‫من الوحدين و زناتة لذا العهد و انتقلت حضارة بن العباس إل الديلم ث إل الترك ث إل السلجوقية ث إل الترك الماليك بصر و التتر‬
‫بالعراقي و على قدر عظم لدولة يكون شأنا ف الضارة إذ أمور الضارة من توابع الترف و الترف من توا بع الثروة و النعمة و الثروة و‬
‫النعمة من توابع اللك و مقدار ما يستول عليه أهل الدولة فعلى نسبة اللك يكون ذلك كله فاعتبه و تفهمه و تأمله تده صحيحا ف‬
‫العمران و ال وارث الرض و من عليها و هو خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر ف أن الترف يزيد الدولة ف أولا قوة إل قوتا‬


‫و السبب ف ذلك أن القبيل إذا حصل لم اللك و الترف كثر التناسل و الولد والعمومية فكثرت العصابة و استكثروا أيضا من الوال و‬
‫الصنائع و ربيت أجيالم ف جو ذلك النعيم و الرفه فازدادوا به عددا إل عددهم و قوة إل قوتم بسبب كثرة العصائب حينئذ بكثرة العدد‬
‫فإذا ذهب اليل الول و الثان و أخذت الدولة ف الرم ل تستقل أولئك الصنائع و الوال بأنفسهم ف تأسيس الدولة و تهيد ملكها لنم‬
‫ليس لم من المر شيء إنا كانوا عيالً على أهلها و معونةً لا فإذا ذهب الصل ل يستقل الفرع بالرسوخ فيذهب و يتلشى و ل تبقى‬
‫الدولة على حالا من القوة‪ .‬و اعتب هذا با وقع ف الدولة العربية ف السلم‪.‬كان عدد العرب كما قلنا لعهد النبؤة و اللقة مائة و خسي‬
‫ألفا و ما يقاربا من مضر و قحطان و لا بلغ الترف مبالغة قي الدولة و توفر نوهم بتوفر النعمة و استكثر اللفاء من الوال و الصنائع بلغ‬
‫ذلك العدد إل أضعافه يقال إن العتصم نازل عمورية لا افتتحها ف تسعمائة ألف و ل يبعد مثل هذا العدد أن يكون صحيحا إذا اعتبت‬
‫حاميتهم ف الثغور الدانية و القاصية شرقا و غربا إل الند الاملي سرير اللك و الوال والصطنعي و قال السعودي أحصى بنو العباس ابن‬
‫عبد الطلب خاصة أيام الأمون للنفاق عليهم فكانوا ثلثي ألفا بي ذكران و إناث فانظر مبالغ هذا العدد لقل من مائت سنة و اعلم أن‬
‫سببه الرفه و النعيم الذي حصل للدولة و رب فيه أجيالم و إل فعدد العرب لول الفتح ل يبلغ هذا و ل قريبا منة و ال اللق العليم‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر ف أطوار الدولة و اختلف أحوالا و خلق أهلها‬


‫باختلف الطوار‬
‫إعلم أن الدولة تنتقل ف أطوار متلفة و حالت متجددة و يكتسب القائمون با ف كل طور خلقا من أحوال ذلك الطور ل يكون مثله ف‬
‫الطور الخر لن اللق تابع بالطبع لزاج الال الذي هو فيه و حالت الدولة و أطوارها ل تعدو ف الغالب خسة أطوار‪ .‬الطور الول طور‬
‫الظفر بالبغية و غلب الدافع و المانع و الستيلء على اللك و انتزاعه من أيدي الدولة ف هذا الطور أسوة قومه ف اكتساب الجد و جباية‬
‫الال و الدافعة عن الوزة و الماية ل ينفرد دونم بشيء لن ذلك هو مقتضى العصبية الت وقع با الغلب وهي ل تزل بعد بالا‪ .‬الطور‬
‫الثان طور الستبداد على قومه و النفراد دونم باللك و كبحهم عن التطاول للمساهة و الشاركة و يكون صاحب الدولة ف هذا الطور‬
‫معنيا باصطناع الرجال و اتاذ الوال و الصنائع و الستكثار من ذلك لدع الوت أهل عصبيته و عشيته القاسي له ف نسبة الضاربي ف‬
‫اللك بثل سهمه فهو يدافعهم عن المر و يصدهم عن موارده و يردهم على أعقابم‪ ،‬أن يلصوا إليه حت يقر المر ف نصابه و يفرد أهل‬
‫بيته با يبن من مده فيعان من مدافعتهم و مغالبتهم مثل ما عاناه الولون ف طلب المر أو أشد لن الولي دافعوا الجانب فكان‬
‫ظهراؤهم على مدافعتهم أهل العصبية بأجعهم و هذا يدافع القارب ل يظاهره على مدافعتهم إل القل من الباعد فيكب صعبا من المر‪.‬‬
‫الطور الثالث طور الفراغ و الدعة لتحصيل ثرات اللك ما تنع طباع البشر إليه من تصيل الال و تليد الثار و بعد الصيت فيستفرغ‬
‫وسعه ف الباية و ضبط الدخل و الرج و إحصاء النفقات و القصد فيها و تشييد البان الافلة و الصانع العظيمة و المصار التسعة و‬
‫الياكل الرتفعة و إجازة الوفود من أشراف المم و وجوه القبائل و بث العروف ف أهله هذا مع التوسعة على صنائعه و حاشيته ف أحوالم‬
‫بالال و الاه واعتراض جنوده و إدرار أرزاقهم و إنصافهم ف أعطياتم لكل هلل حت يظهر أثر ذلك عليهم ف ملبسهم و شكثهم و‬
‫شاراتم يوم الزينة فيباهي بم الدول السالة و يرهب الدول الحاربة و هذا الطور آخر أطوار الستبداد من أصحاب الدولة لنم ف هذه‬
‫الطوار كلها مستقلون بآرائهم بانون لعزهم موضحون الطرق لن بعدهم‪ .‬طور القنوع و السالة و يكون صاحب الدولة ف هذا قانعا با‬
‫بن أولوه سلما لنظاره من اللوك و أقتاله مقلدا للماضي من سلفه فيتبع آثارهم حذو النعل بالنعل و يقتفي طرقهم بأحسن مناهج القتداء‬
‫و يرى أن ف الروج عن تقليدهم فساد أمره و أنم أبصر با بنوا من مده‪ .‬الطور الامس طور السراف و التبذير و يكون صاحب الدولة‬
‫ف هذا الطور متلفا لا جع أولوه ف سبيل الشهوات و اللذ و الكرم على بطانته و ف مالسه و اصطناع أخدان السوء و خضراء الدمن و‬
‫تقليدهم عظيمات المور الت ل يستقلون بملها و ل يعرفون ما يأتون منها يذرون منها مستفسدا لكبار الولياء من قومه و صنائع سلفه‬
‫حت يضطغنوا عليه و يتخاذلوا عن نصرته مضيعا من جنده با أنفق من أعطياتم ف شهواته و حجب عنهم وجه مباشرته و تفقده فيكون‬
‫مربا لا كان سلفه يؤسسون و هادما لا كانوا يبنون و ف هذا الطور تصل ف الدولة طبيعة الرم و يستول عليها الرض الزمن الذي ل‬
‫تكاد تلص منه و ل يكون لا معه برء إل أن تنقرض كما نبينه ف الحوال الت نسردها و ال خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر ف أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتا ف أصلها‬
‫و السبب ف ذلك أن الثار إنا تدث عن القوة الت با كانت أولً و على قدرها يكون الثر فمن ذلك مبان الدولة و هياكلها العظيمة فإنا‬
‫تكون على نسبة قوة الدولة ف أصلها لنا ل تتم إل بكثرة الفعلة و اجتماع اليدي على العمل بالتعاون فيه فإذا كانت الدولة عظيمة‬
‫فسيحة الوانب كثية المالك و الرعايا كان الفعلة كثيين جدا و حشروا من آفاق الدولة و أقطارها فتم العمل على أعظم هياكله أل ترى‬
‫إل مصانع قوم عاد و ثود و ما قصة القرآن عنهما‪.‬‬
‫و انظر بالشاهدة إيوان كسرى و ما أقتدر فيه الفرس حت أنه عزم الرشيد على هدمه و تريبه فتكاءد عنه و شرع فيه ث أدركه العجز و‬
‫قصة استشارته ليحي بن خالد ف شأنه معروفة فانظر كيف تقتدر دولة على بناء ل تستطيع أخرى على هدمه مع بون ما بي الدم و البناء‬
‫ف السهولة‪ .‬تعرف من ذلك بون ما بي الدولتي و انظر إل بلط الوليد بدمشق و جامع بن أمية بقرطبة و القنطرة الت على واديها كذلك‬
‫بناء النايا للب الاء إل قرطاجنة ف القناة الراكبة عليها آثار شرشال بالغرب و الهرام بصر و كثي من هذه الثار الاثلة للعيان يعلم منه‬
‫اختلف الدول ف القوة و الضعف و اعلم أن تلك الفعال للقدمي إنا كانت بالندام و اجتماع الفعلة و كثرة اليدي عليها فبذلك شيدت‬
‫تلك الياكل و الصانع و ل تتوهم ما تتوهه العامة أن ذلك لعظم أجسام القدمي عن أجسامنا ف أطرافها و أقطارها فليس بي البشر ف‬
‫ذلك كبي بون كما ند بي الياكل و الثار و لقد ولع القصاص بذلك و تغالوا فيه و سطروا عن عاد و ثود و العمالقة ف ذلك أخبارا‬
‫عريقة ف الكذب من أغربا ما يكون عن عوج بن عناق رجل من العمالقة الذين قاتلهم بنو إسرائيل ف الشام زعموا أنه كان لطوله يتناول‬
‫السمك من البحر و يشويه إل الشمس و يزيدون إل جهلهم بأحوال البشر الهل بأحوال الكواكب لا اعتقدوا أن للشمس حرارة و أنا‬
‫شديدة فيما قرب منها و ل يعلمون أن الر هو الضوء و أن الضوء فيما قرب من الرض أكثر لنعكاس الشعة من سطح الرض بقابلة‬
‫الضواء فتتضاعف الرارة هنا لجل ذلك و إذا تاوزت مطارح الشعة النعكسة فل حر هنالك بل يكون فيه البد حيث ماري السحاب‬
‫و أن الشمس ف نفسها ل حارة و ل باردة و أنا هي جسم بسيط مضيء ل مزاج له‪.‬‬
‫و كذلك عوج بن عناق هو فيما ذكروه من العمالقة أو من الكنعانيي الذين كانوا فريسة بن إسرائيل عند فتحهم الشام و أطوال بن‬
‫إسرائيل و جسمانم لذلك العهد قريبة من هياكلنا يشهد لذلك أبواب بيت القدس فإنا وإن خربت و جددت ل تزل الحافظة على أشكالا‬
‫و مقادير أبوابا و كيف يكون التفاوت بي عوج و بي أهل عصره بذا القدار و إنا مثارغلطهم ف هذا أنم استعظموا آثار المم و ل‬
‫يفهموا حال الدول ف الجتماع و التعاون و ما يصل بذلك و بالندام من الثار العظيمة فصرفوه إل قوة الجسام و شدتا بعظم هياكلها‬
‫و ليس المر كذلك‪ .‬و قد زعم السعودي و نقله عن الفلسفة مزعما ل مستند له إل التحكم و هو أن الطبيعة الت هي جبلة للجسام لا‬
‫برأ ال اللق كانت ف تام الكرة و ناية القوة و الكمال و كانت العمار أطول و الجسام أقوى لكمال تلك الطبيعة فإن طروء الوت أنا‬
‫هو بانلل القوى الطبيعية فإذا كانت قوية كانت العمار أزيد فكان العال ف أولية نشأته تام العمار كامل الجسام ث ل يزل يتناقص‬
‫لنقصان الادة إل أن بلغ إل هذه الال الت هو عليها ث ل يزال يتناقص إل وقت النلل و انقراض العال و هذا رأي ل وجه له إل‬
‫التحكم كما تراه و ليس له علة طبيعية و ل سبب برهان و نن نشاهد مساكن الولي و أبوابم و طرقهم فيما أحدثوه من البنيان و‬
‫الياكل و الديار و الساكن كديار ثود النحوتة ف الصلد من الصخر بيوتا صغارا و أبوابا ضيقة و قد أشار صلى ال عليه و سلم إل أنا‬
‫ديارهم و نى عن استعمال مياههم و طرح ما عجن به و أهرق و قال‪ :‬ل تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إل أن تكونوا باكي‬
‫يصيبكم ما أصابم‪.‬‬
‫و كذلك أرض عاد و مصر و الشام و سائر بقاع الرض شرقا و غربا و الق ما قررناه و من آثار الدول أيضا حالا ف العراس و الولئم‬
‫كما ذكرناه ف وليمة بوران و صنيع الجاج و ابن ذي النون و قد مر ذلك كله‪.‬‬
‫و من آثارها أيضا عطايا الدول و أنا تكون على نسبتها و يظهر ذلك فيها و لو أشرفت على الرم فإن المم الت لهل الدولة تكون على‬
‫نسبة قوة ملكهم و غلبهم للناس و المم ل تزال مصاحبة لم إل انقراض الدولة و اعتب ذلك بوائز ابن ذي يزن لوفد قريش كيف أعطاهم‬
‫من أرطال الذهب و الفضة و العبد و الوصائف عشرا عشرا و من كرش العنب واحدة و أضعف ذلك بعشرة أمثاله لعبد الطلب و إنا‬
‫ملكه يومئذ قرارة اليمن خاصة تت استبداد فارس و إنا حله على ذلك هة نفسه با كان لقومه التبابعة من اللك ف الرض و الغلب على‬
‫المم ف العراقي و الند و الغرب و كان الصنهاجيون بأفريقية أيضا إذا أجازوا الوفد من أمراء زناتة الوافدين عليهم فإنا يعطونم الال‬
‫أحا ًل و الكساء توتا ملوءةً و الملن جنائب عديدة‪.‬‬
‫و ف تاريخ ابن الرقيق من ذلك أخبار كثية و كذلك كان عطاء البامكة و جوائزهم و نفقاتم و كانوا إذا كسبوا معدما فإنا هو الولية و‬
‫النعمة آخر الدهر ل العطاء الذي يستنفده يوم أو بعض يوم و أخبارهم ف ذلك كثية مسطورة و هي كلها على نسبة الدول جارية هذا‬
‫جوهر الصقلب الكاتب قائد جيش العبيديي لا ارتل إل فتح مصر استعد من القيوان بألف حل من الال و ل تنتهي اليوم دولة إل مثل‬
‫هذا‪ .‬و كذلك وجد بط أحد بن ممد بن عبد الميد عمل با يمل إل بيت الال ببغداد أيام الأمون من جيع النواحي نقلته من جراب‬
‫الدولة غلت السواد سبع و عشرون ألف ألف درهم مرتي و ثانائة ألف درهم و من اللل النجرانية مائتا حلة و من طي التم مائتان و‬
‫أربعون رطلً كنكر أحد عشر ألف ألف درهم مرتي و ستمائة ألف درهم كورد جلة عشرون ألف ألف درهم و ثانية دراهم حلوان أربعة‬
‫آلف ألف درهم مرتي و ثانائة ألف درهم الهواز خسة و عشرون ألف درهم مرة و من السكر ثلثون ألف رطل فارس سبعة و‬
‫عشرون ألف ألف درهم و من ماء الورد ثلثون ألف قارورة و من الزيت السود عشرون ألف رطل كرمان أربعة آلف ألف درهم مرتي‬
‫و مائتا ألف درهم و من التاع اليمان خسمائة ثوب و من التمر عشرون ألف رطل مكران أربعمائة ألف درهم مرة السند و ما يليه أحد‬
‫ل سجستان أربعة آلف ألف درهم مرتي و من‬ ‫عشر ألف ألف درهم مرتي و خسمائة ألف درهم و من العود الندي مائة و خسون رط ً‬
‫ل خراسان ثانية و عشرون ألف ألف درهم مرتي و من نقر الفضة ألفا نقرة و من‬ ‫الثياب العينة ثلثمائة ثوب ومن الفانيد عشرون رط ً‬
‫الباذين أربعة آلف و من الرقيق ألف رأس‪ .‬و من التاع عشرون ألف ثوب و من الهليلج ثلثون ألف رطل جرجان اثنا عشر ألف ألف‬
‫درهم مرتي و من البريسم ألف شقة‪ .‬قومس ألف ألف مرتي و خسمائة من نقر الفضة طبستان و الروبان و ناوند ستة آلف ألف‬
‫مرتي و ثلئمائة ألف و من الفرش الطبي ستمائة قطعة و من الكسية مائتان و من الثياب خسمائة ثوب و من الناديل ثلثائة و من‬
‫الامات ثلثائة الري اثنا عشر ألف ألف درهم مرتي و من العسل عشرون ألف رطل هذان أحد عشر ألف ألف درهم مرتي و ثلثائة‬
‫ألف و من رب الرمان ألف رطل و من العسل اثنا عشر ألف رطل ما بي البصرة و الكوفة عشرة آلف ألف درهم مرتي و سبعمائة ألف‬
‫درهم ماسبذان والدينار أربعة آلف ألف درهم مرتي شهر زور ستة آلف ألف درهم مرتي و سبعمائة ألف درهم الوصل و ما يليها أربعة‬
‫و عشرون ألف ألف درهم مرتي و من العسل البيض عشرون ألف ألف رطل أذربيجان أربعة آلف ألف درهم مرتي الزيرة و ما يليها‬
‫من أعمال الفرات أربعة و ثلثون ألف ألف درهم مرتي و من الرقيق ألف رأس و من العسل اثنا عشر ألف زق و من البزاة عشرة و من‬
‫ل و من السايج‬ ‫الكسية عشرون أرمينية ثلثة عشر ألف ألف درهم مرتي و من البسط الحفور عشرون و من الزقم خسمائة و ثلثون رط ً‬
‫السور ما هي عشرة آلف رطل و من الصونج عشرة آلف رطل و من البغال مائتان و من الهرة ثلثون قنسرين أربعمائة ألف دينار و من‬
‫الزيت ألف حل دمشق أربعمائة ألف دينار و عشرون ألف دينار و الردن سبعة و تسعون ألف دينار فلسطي ثلثائة ألف دينار و عشرة‬
‫آلف دينار و من الزيت ثلثائة ألف رطل مصر ألف ألف دينار و تسعمائة ألف دينار و عشرون ألف دينار‪ .‬برقة ألف ألف درهم مرتي‪.‬‬
‫أفريقية ثلثة عشر ألف ألف درهم مرتي و من البسط مائة و عشرون‪ .‬اليمن ثلثائة ألف دينار و سبعون ألف دينار سوى التاع‪ .‬الجاز‬
‫ثلثائة ألف د ينار انتهي‪.‬‬
‫و أما الندلس فالذي ذكره الثقات من مؤرخيها أن عبد الرحن الناصر خلف ف بيوت أمواله خسة آلف ألف ألف دينار مكررة ثلث‬
‫مرات يكون جلتها بالقناطي خسمائة ألف قنطار‪.‬‬
‫و رأيت ف بعض تواريخ الرشيد أن الحمول إل بيت الال ف أيامه سبعة آلف قنطار و خسمائة قنطار ف كل سنة فاعتب ذلك ف نسب‬
‫الدول بعضها من بعض و لتنكرن ما ليس بعهود عندك و ل ف عصرك شيء من أمثاله فتضيق حوصلتك عند ملتقط المكنات فكثي من‬
‫الواص إذا سعوا أمثال هذه الخبار عن الدول السالفة بادر بالنكار و ليس ذلك من الصواب فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتة و من‬
‫أدرك منها رتبة سفلى أو وسطى فل يصر الدارك كلها فيها و نن إذا اعتبنا ما ينقل لنا عن دولة بن العباس و بن أمية و العبيديي و‬
‫ناسبنا الصحيح من ذلك و الذي ل شك فيه بالذي نشاهده من هذه الدول الت هي أقل بالنسبة إليها وجدنا بينها بونا و هو لا بينها من‬
‫التفاوت ف أصل قوتا و عمران مالكها فالثار كلها جارية على نسبة الصل ف القوة كما قدمناه و ل يسعنا إنكار ذلك عنها إذ كثي من‬
‫هذه الحوال ف غاية الشهرة و الوضوح بل فيها ما يلحق بالستفيض و التواتر و فيها العاين و الشاهد من آثار البناء و غيه فخذ من‬
‫الحوال النقولة مراتب الدول ف قوتا أو ضعفها و ضخامتها أو صغرها و اعتب ذلك با نقصه عليك من هذه الكاية الستظرفة‪.‬‬
‫و ذلك أنه ورد بالغرب لعهد السلطان أب عنان من ملوك بن مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة‬
‫قبلها إل الشرق و تقلب ف بلد العراق و اليمن و الند و دخل مدينة دهلي حاضرة ملك الند و هو السلطان ممد شاه و اتصل بلكها‬
‫لذلك العهد و هو فيوزجوه و كان له منه مكان و استعمله ف خطة القضاء بذهب الالكية ف عمله ث انقلب إل الغرب و اتصل بالسلطان‬
‫أب عنان و كان يدث عن شأن رحلته و ما رأى من العجائب بمالك الرض و أكثر ما كان يدث عن دولة صاحب الند و يأت من‬
‫أحواله با يستغربه السامعون مثل أن ملك الند إذا خرج إل السفر أحصى أهل مدينته من الرجال و النساء و الولدان و فرض لم رزق ستة‬
‫أشهر تدفع لم من عطائه و أنه عند رجوعه من سفره يدخل ف يوم مشهود يبز فيه الناس كافة إل صحراء البلد و يطوفون به و ينصب‬
‫أمامه ف ذلك القل منجنيقات على الظهر ترمى با شكائر الدراهم و الدناني على الناس إل أن يدخل إيوانه و أمثال هذه الكايات فتناحى‬
‫الناس بتكذيبه و لقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن وردار البعيد الصيت ففاوضته ف هذا الشأن و أريته إنكار أخبار ذلك الرجل لا‬
‫استفاض ف الناس من تكذيبه‪.‬‬
‫فقال ل الوزير فارس إياك أن تستنكر مثل هذا من أحوال الدول با أنك ل تره فتكون كابن الوزير الناشىء ف السجن و ذلك أن وزيرا‬
‫اعتقله سلطانه و مكث ف السجن سني رب فيها ابنه ف ذلك الجلس فلما أدرك و عقل سأل عن اللحمان الت كان يتغذى با فقال له أبوه‬
‫هذا لم الغنم فقال و ما الغنم فيصفها له أبوه بشياتا و نعوتا فيقول يا أبت تراها مثل الفأر فينكر عليه و يقول أين الغنم من الفأر و كذا‬
‫ف لم البل و البقر إذ ل يعاين ف مبسه من اليوانات إل الفأر فيحسبها كلها أبناء جنس الفأر و لذا كثيا ما يعتري الناس ف الخبار‬
‫كما يعتريهم الوسواس ف الزيادة عند قصد الغراب كما قدمناه أول الكتاب فليجع النسان إل أصوله و ليكن مهيمنا على نفسه و ميزا‬
‫بي طبيعة المكن و المتنع بصريح عقله و مستقيم فطرته فما دخل ف نطاق المكان قبله و ما خرج عنه رفضه و ليس مرادنا المكان‬
‫العقلي الطلق فإن نطاقه أوسع شيء فل يفرض حدا بي الواقعات و أنا مرادنا المكان بسب الادة الت للشيء فإنا إذا نظرنا أصل الشيء‬
‫و جنسه و صنفه و مقدار عظمه و قوته أجرينا الكم من نسبة ذلك على أحواله و حكمنا بالمتناع على ما خرج من نطاقه‪ ،‬و قل رب‬
‫زدن علما و أنت أرحم الراحي و ال سبحانه و تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر ف استظهار صاحب الدولة على قومه و أهل عصبيته‬
‫بالوال و الصطنعي‬
‫إعلم أن صاحب الدولة إنا يتم أمره كما قلناه بقومه فهم عصابته و ظهراؤه على شأنه و بم يقارع الوارج على دولته و منهم يقلد أعمال‬
‫ملكته و وزارة دولته و جباية أموله لنم أعوانه على الغلب و شركاؤه ف المر و مساهوه ف سائر مهماته هذا ما دام الطور الول للدولة‬
‫كما قلناه فإذا جاء الطور الثان و ظهر الستبداد عنهم و النفراد بالجد و دافعهم عنه بالراح صاروا ف حقيقة المر من بعض أعدائه و‬
‫احتاج ف مدافعتهم عن المر و صدهم عن الشاركة إل أولياء آخرين من غي جلدتم يستظهر بم عليهم و يتولهم دونم فيكونون أقرب‬
‫إليه من سائرهم و أخص به قربا و اصطناعا و أول إيثارا و جاها لا أنم يستميتون دونه ف مدافعة قومه عن المر الذي كان لم و الرتبة‬
‫الت ألفوها ف مشاركتهم فيستخلصهم صاحب الدولة و يصهم بزيد التكرمة و اليثار و يقسم لم ما للكثي من قومه و يقلدهم جليل‬
‫العمال و الوليات من الوزارة و القيادة و الباية و ما يتص به لنفسه و تكون خالصة له دون قومه من ألقاب الملكة لنم حينئذ أولياؤه‬
‫القربون و نصحاؤه الخلصون و ذلك حينئذ مؤذن باهتضام الدولة و علمة على الرض الزمن فيها لفساد العصبية الت كان بناء الغلب‬
‫عليها‪.‬‬
‫و مرض قلوب أهل الدولة حينئذ من المتهان و عداوة السلطان فيضطغنون عليه و يتربصون به الدوائر و يعود وبال ذلك على الدولة و ل‬
‫يطمع ف برئها من هذا الداء لنه ما مضى يتأكد ف العقاب إل أن ذهب رسها و اعتب ذلك ف دولة بن أمية كيف كانوا إنا يستظهرون‬
‫ف حروبم و ولية أعمالم برجال العرب مثل عمرو بن سعد بن أب و قاص و عبد ال بن زياد بن أب سفيان والجاج بن يوسف و‬
‫الهلب بن أب صفرة و خالد بن عبد ال القسري و ابن هبية و موسى بن نصي و بلل بن أب بردة بن أب موسى الشعري و نصر بن‬
‫سيار و أمثالم من رجالت العرب و كذا صدر من دولة بن العباس كان الستظهار فيها أيضا برجالت العرب فلما صارت الدولة للنفراد‬
‫بالجد و كبح العرب عن التطاول للوليات صارت الوزارة للعجم و الصنائع من البامكة و بن سهل بن نوبت و بن طاهر ث بن بويه و‬
‫موال الترك مثل بغا و وصيف و أثلمش و باكناك و ابن طولون و أبنائهم و غي هؤلء من موال العجم فتكون الدولة لغي من مهدها و العز‬
‫لغي من اجتلبه سنة ال ف عباده و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل العشرون ف أحوال الوال و الصطنعي ف الدول‬


‫إعلم أن الصطنعي ف الدول يتفاوتون ف اللتحام بصاحب الدولة بتفاوت قديهم و حديثهم ف اللتحام بصاحبها و السبب ف ذلك أن‬
‫القصود ف العصبية من الدافعة و الغالبة إنا يتم بالنسب لجل التناصر ف ذوي الرحام و القرب و التخاذل ف الجانب و البعداء كما‬
‫قدمناه و الولية و الخالطة بالرق أو باللف تتنل منلة ذلك لن أمر النسب و إن كان طبيعيا فإنا هو وهي و العن الذي كان به‬
‫اللتحام إنا هو العشرة و الدافعة و طول المارسة و الصحبة بالرب و الرضاع و سائر أحوال الوت و الياة و إذا حصل اللتحام بذلك‬
‫جاءت النعرة و التناصر و هذا مشاهد بي الناس و اعتب مثله ف الصطناع فإنه يدث بي الصطنع و من اصطنعه نسبة خاصة من الوصلة‬
‫تتنل هذه النلة و تؤكد اللحمة و إن ل يكن نسب فثمرات النسب موجودة فإذا كانت هذه الولية بي القبيل و بي أوليائهم قبل حصول‬
‫اللك لم كانت عروقها أوشج و عقائدها أصح و نسبها أصرح لوجهي أحدها أنم قبل اللك أسوة ف حالم فل يتميز النسب عن الولية‬
‫إل عند القل منهم فينلون منهم منلة ذوي قرابتهم و أهل أرحامهم و إذا اصطنعوهم بعد اللك كانت مرتبة اللك ميزة للسيد عن الول‪.‬‬
‫و لهل القرابة عن أهل الولية و الصطناع لا تقتضيه أحوال الرئاسة و اللك من تيز الرتب و تفاوتا فتتميز حالتهم و يتنلون منلة‬
‫الجانب و يكون اللتحام بينهم أضعف و التناصر لذلك أبعد و ذلك انقص من الصطناع قبل اللك‪.‬‬
‫الوجه الثان أن الصطناع قبل اللك يبعد عهده عن أهل الدولة بطول الزمان و يفي شأن تلك اللحمة و يظن با ف الكثر النسب فيقوى‬
‫حال العصبية و أما بعد اللك فيقرب العهد و يستوي ف معرفته الكثر فتتبي اللحمة و تتميز عن النسب فتضعف العصبية بالنسبة إل الولية‬
‫الت كانت قبل الدولة و اعتب ذلك ف الدول و الرئاسات تده فكل من كان اصطناعه قبل حصول الرئاسة و اللك لصطنعه تده أشد‬
‫التحاما به و أقرب قرابةً إليه و يتنل منه منلة أبنائه و إخوانه و ذوي رحه و من كان اصطناعه بعد حصول اللك و الرئاسة لصطنعه ل‬
‫يكون له من القرابة و اللحمة ما للولي و هذا مشاهد بالعيان حت أن الدولة ف آخر عمرها ترجع إل الشمال الجانب و اصطناعهم و ل‬
‫يبن لم مد كما بناه الصطنعون قبل الدولة لقرب العهد حينئذ بأوليتهم و مشارفة الدولة على النقراض فيكونون منحطي ف مهاوي‬
‫الضعة‪.‬‬
‫و إنا يمل صاحب الدولة على اصطناعهم و العدول إليهم عن أوليائها القدمي و صنائعها الولي ما يعتريهم ف أنفسهم من العزة على‬
‫صاحب الدولة و قلة الضوع له و نظره با ينظره به قبيله و أهل نسبه لتأكد اللحمة منذ العصور التطاولة بالرب و التصال بآبائه و سلف‬
‫قومه و النتظام مع كباء أهل بيته فيحصل لم بذلك دالة عليه و اعتزاز فينافرهم بسببها صاحب الدولة و يعدل عنهم إل استعمال سواهم‬
‫و يكون عهد استخلصهم و اصطناعهم قريبا فل يبلغون رتب الجد و يبقون على حالم من الارجية و هكذا شأن الدول ف أواخرها و‬
‫أكثر ما يطلق اسم الصنائع و الولياء على الولي و أما هؤلء الحدثون فخدم و أعوان وال ول الؤمني و هو على كل شيء وكيل‪.‬‬

‫الفصل الادي و العشرون فيما يعرض ف الدول من حجر السلطان و‬


‫الستبداد عليه‬
‫إذا استقر اللك ف نصاب معي و منبت واحد من القبيل القائمي بالدولة و انفردوا به و دفعوا سائر القبيل عنه و تداوله بنو واحدا بعد‬
‫واحد بسب الترشيح فربا حدث التغلب على النصب من وزرائهم و حاشيتهم و سببه ف الكثر ولية صب صغي أو مضعف من أهل‬
‫النبت يترشح للولية بعهد أبيه أو بترشيح ذويه و خوله و يؤنس منه العجز عن القيام باللك فيقوم به كافله من وزراء أبيه و حاشيته و‬
‫مواليه أو قبيله و يوري بفظ أمره عليه حت يؤنس منه الستبداد و يعل ذلك ذريعة للملك فيححب الصب عن الناس و يعوده إليها ترف‬
‫أحواله و يسيمه ف مراعيها مت أمكنه و ينسيه النظر ف المور السلطانية حت يستبد عليه و هو با عوده يعتقد أن حظ السلطان من اللك‬
‫إنا هو جلوس السرير إعطاء الصفقة و خطاب التهويل و القعود مع النساء خلف الجاب و أن الل و الربط و المر و النهي و مباشرة‬
‫الحوال اللوكية و تفقدها من النظر ف اليش و الال و الثغور أنا هو للوزير و يسلم له ف ذلك إل أن تستحكم له صبغة الرئاسة و‬
‫الستبداد و يتحول اللك إليه و يؤثر به عشيته و أبناءه من بعده كما وقع لبن بويه و الترك و كافور الخشيدي و غيهم بالشرق و‬
‫للمنصور بن أب عامر بالندلس‪.‬‬
‫و قد يتفطن ذلك الحجور الغلب لشأنه فيحاول على الروج من ربقة الجر و الستبداد و يرجع اللك إل نصابه و يصرب على أيدي‬
‫التغلبي عليه إما بقتل أو برفع عن الرتبة فقط إل أن ذلك ف النادر القل لن الدولة إذا أخذت ف تغلب الوزراء و الولياء استمر لا ذلك و‬
‫قل أن ترج عنه لن ذلك إنا يوجد ف الكثر عن أحوال الترف و نشأة أبناء اللك منغمسي ف نعيمة قد نسوا عهد الرجولة و ألفوا‬
‫أخلق الدايات و الظار و ربوا عليها فل ينعون إل رئاسة و ل يعرفون استبدادا من تغلب إنا ههم ف القنوع بالبة و التنفس ف اللذات‬
‫و أنواع الترف و هذا التغلب يكون للموال و الصطنعي عند استبداد عشي اللك على قومهم و انفرادهم به دونم و هو عارض للدولة‬
‫ضروري كما قدمناه و هذان مرضان لبرء للدولة منهما إل ف القل النادر و ال يؤت ملكه من يشاء و هو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫الفصل الثان و العشرون ف أن التغلبي على السلطان ل يشاركونه ف اللقب‬
‫الاص باللك‬
‫و ذلك أن اللك و السلطان حصل لوليه منذ أول الدولة بعصبية قومه و عصبيته الت استتبعتهم حت استحكمت له و لقومه صبغة اللك و‬
‫الغلب و هي ل تزل باقية و با انفظ رسم الدولة و بقاؤها و هذا التغلب و إن كان صاحب عصبية من قبيل اللك أو الوال و الصنائع‬
‫فعصبيته مندرجة ف عصبية أهل اللك وتابعة لا و ليس له صبغة ف اللك و هو ل ياول ف استبداده انتزاع ثراته من المر والنهي و الل و‬
‫العقد و البرام و النقض يوهم فيها أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ ف ذلك من وراء الجاب لحكامه‪ .‬فهو يتجاف عن سات‬
‫اللك و شاراته و ألقى به جهده و يبعد نفسه عن التهمة بذلك‪.‬‬
‫و إن حصل له الستبداد لنه مستتر ف استبداده ذلك بالجاب الذي ضربه السلطان و أولوه على أنفسهم عن القبيل منذ أول الدولة و‬
‫مغالط عنه بالنيابة و لو تعرض لشيء من ذلك لنفسه عليه أهل العصبية و قبيل اللك و حاولوا الستئثار به دونه لنه ل يستحكم له ف ذلك‬
‫صبغة تملهم على التسليم له و النقياد فيهلك لول وهلة و قد وقع مثل هذا لعبد الرحن بن الناصر بن منصور بن أب عامر حي سى إل‬
‫مشاركة هشام و أهل بيته ف لقب اللفة و ل يقنع با قنع به أبوه و أخوه من الستبداد بالل و العقد و الراسم التابعة فطلب من هشام‬
‫خليفته أن يعهد له باللفة فنفس ذلك عليه بنو مروان و سائر قريش و بايعوا لبن عم الليفة هشام ممد بن عبد البار بن الناصر و‬
‫خرجوا عليهم و كان ف ذلك خراب دولة العامريي و هلك الؤيد خليفتهم و استبدل منه سواه من أعياص الدولة إل آخرها و اختلت‬
‫مراسم ملكهم و ال خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون ف حقيقة اللك و أصنافه‬


‫اللك منصب طبيعي للنسان لننا قد بنا أن البشر ل يكن حياتم و وجودهم إل باجتماعهم و تعاونم على تصيل قوتم و ضرورياتم و‬
‫إذا اجتمعوا دعت الضرورة إل العاملة و اقتضاء الاجات و مد كل واحد منهم يده إل حاجته يأخذها من صاحبه لا ف الطبيعة اليوانية‬
‫من الظلم و العدوان بعضهم على بعض و يانعه الخر عنها بقتضى الغضب و اللفة و مقتضى القوة البشرية ف ذلك فيقع التنازع الفضي‬
‫إل القاتلة و هي تؤدي إل الرج و سفك الدماء و إذهاب النفوس الفضي ذلك إل انقطاع النوع و هو ما خصه الباري سبحانه بالحافظة‬
‫فاستحال بقاؤهم فوضى دون حال يزغ بعضهم عن بعض و احتاجوا من أجل ذلك إل الوازع و هو الاكم عليهم و هو بقتضى الطبيعة‬
‫البشرية اللك القاهر التحكم و ل بد ف ذلك من العصبية لا قدمناه من أن الطالبات كلها و الدافعات ل تتم إل بالعصبية و هذا اللك كما‬
‫تراه منصب شريف تتوجه نوه الطالبات و يتاج إل الدافعات‪ .‬و ل يتم شيء من ذلك إل بالعصبيات كما مر و العصبيات متفاوتة و كل‬
‫عصبية فلها تكم و تغلب على من يليها من قومها و عشيها و ليس اللك لكل عصبية و إنا اللك على القيقة لن يستعبد الرعية و يب‬
‫الموال و يبعث البعوث و يمي الثغور و ل تكون فوق يده يد قاهرة و هذا معن اللك و حقيقته ف الشهور فمن قصرت به عصبيته عن‬
‫بعضها مثل حاية الثغور أو جباية الموال أو بعث البعوث فهو ملك ناقص ل تتم حقيقته كما وقع لكثي من ملوك الببر ف دولة الغالبة‬
‫بالقيوان و للوك العجم صدر الدولة العباسية‪ .‬و من قصرت به عصبيته أيضا عن الستعلء على جيع العصبيات‪ ،‬و الضرب على سائر‬
‫اليدي و كان فوقه حكم غيه فهو أيضا ملك ناقص ل تتم حقيقته و هؤلء مثل أمراء النواحي و رؤساء الهات الذين تمعهم دولة‬
‫واحدة و كثيا ما يوجد هذا ف الدولة التسعة النطاق أعن توجد ملوك على قومهم ف النواحي القاصية يدينون بطاعة الدولة الت جعتهم‬
‫مثل صنهاجة مع العبيديي و زناتة مع المويي تارة و العبيديي تار ًة أخرى و مثل ملوك العجم ف دولة بن العباس و مثل ملوك الطوائف من‬
‫الفرس مع السكندر و قومه اليونانيي و كثي من هؤلء فاعتبه تده و ال القاهر فوق عباده‪.‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون ف أن إرهاف الد مضر باللك و مفسد له ف‬
‫الكثر‬
‫إعلم أن مصلحة الرعية ف السلطان ليست ف ذاته و جسمه من حسن شكله أو ملحة وجهه أو عظم جثمانه أو أتساع علمه أو جودة‬
‫خطه أو ثقوب ذهنه و إنا مصلحتهم فيه من حيث إضافته إليهم فإن اللك و السلطان من المور الضافية و هي نسبة بي منتسبي فحقيقة‬
‫السلطان أنه الالك للرعية القائم ف أمورهم عليهم فالسلطان من له رعية و الرعية من لا سلطان و الصفة الت له من حيث إضافته إليهم هي‬
‫الت تسمى اللكة و هي كونه يلكهم فإذا كانت هذه اللكة و توابعها من الودة بكان حصل القصود من السلطان على أت الوجوه فإنا إن‬
‫كانت جيلة صالة كان ذلك مصلحة لم و إن كانت سيئة متعسفة كان ذلك ضررا عليهم و إهلكا لم‪.‬‬
‫و يعود حسن اللكة إل الرفق فإن اللك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس و تعديد ذنوبم شلهم الوف و الذل و‬
‫لذوا منه بالكذب و الكر و الديعة فتخلقوا با و فسدت بصائرهم و أخلقهم و ربا خذلوه ف مواطن الروب و الدافعات ففسدت‬
‫الماية بفساد النيات و ربا أجعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة و يرب السياج و إن دام أمره عليهم و قهره فسدت العصبية لا قلناه أولً‬
‫و فسد السياج من أصله بالعجز عن الماية و إذا كان رفيقا بم متجاوزا عن سيئاتم استناموا إليه و لذوا به و أشربوا مبته و استماتوا‬
‫دونه ف ماربة أعدائه فاستقام المر من كل جانب و أما توابع حسن اللكة فهي النعمة عليهم و الدافعة عنهم فالدافعة با تتم حقيقة اللك‬
‫و أما النعمة عليهم و الحسان لم فمن حلة الرفق بم و النظر لم ف معاشهم و هي أصل كبي من التحبب إل الرعية و أعلم أنه قلما‬
‫تكون ملكة الرفق ف من يكون يقظا شديد الذكاء من الناس و أكثر ما يوجد الرفق ف الغفل و التغفل و أقل ما يكون ف اليقظ لنه يكلف‬
‫الرعية فوق طاقتهم لنفوذ نظره فيما وراء مداركهم و إطلعه على عواقب المور ف مبادئها بالعية فيهلكون لذلك قال صلى ال عليه و‬
‫سلم سيوا على سي أضعفكم‪ .‬و من هذا الباب اشترط الشارع ف الاكم قلة الفراط ف الذكاء‪ ،‬و مأخذه من قصة زياد ابن أب سفيان لا‬
‫عزله عمر عن العراق و قال له ل عزلتن يا أمي الؤمني لعجز أم ليانة فقال عمر ل أعزلك لواحدة منهما و لكن كرهت أن أحل فضل‬
‫عقلك عن الناس‪ ،‬فأخذ من هذا أن الاكم ل يكون مفرط الذكاء و الكيس مثل زياد بن أب سفيان و عمرو بن العاص لا يتبع ذلك من‬
‫التعسف و سوء اللكة و حل الوجود على ما ليس ف طبعه كما يأت ف آخر هذا الكتاب و ال خي الالكي و تقرر من هذا أن الكيس و‬
‫الذكاء عيب ف صاحب السياسة لنه إفراط ف الفكر كما أن البلدة إفراط ف المود و الطرفان مذمومان من كل صفة إنسانية و الحمود‬
‫هو التوسط كما ف الكرم مع التبذير و البخل و كما ف الشجاعة مع الوج و الب و غي ذلك من الصفات النسانية و لذا يوصف‬
‫الشديد الكيس بصفات الشيطان فيقال شيطان و متشيطن و أمثال ذلك و ال يلق ما يشاء و هو العليم القدير‪.‬‬

‫الفصل الامس و العشرون ف معن اللفة و المامة‬


‫لا كانت حقيقة اللك أنه الجتماع الضروري للبشر و مقتضاه التغلب و القهر اللذان ها من آثار الغضب و اليوانية كانت أحكام صاحبه‬
‫ف الغالب جائزة عن الق محفة بن تت يده من اللق ف أحوال دنياهم لمله إياهم ف الغالب على ما ليس ف طوقهم من أغراضه و‬
‫شهواته و يتلف ف ذلك باختلف القاصد من اللف و السلف منهم متعسر طاعته لذلك و تيء العصبية الفضية إل الرج و القتل‬
‫فوجب أن يرجع ف ذلك إل قواني سياسية مفروضة يسلمها الكافة و ينقادون إل أحكامها كما كان ذلك للفرس و غيهم من المم و إذا‬
‫خلت الدولة من مثل هذه السياسة ل يستتب أمرها و ل يتم استيلؤها سنة ال ف الذين خلوا من قبل فإذا كانت هذه القواني مفروضة من‬
‫العقلء و أكابر الدولة و بصرائها كانت سياسة عقلية و إذا كانت مفروضة من ال بشارع يقررها و يشرعها كانت سياسة دينية نافعة ف‬
‫الياة الدنيا و ف الخرة و ذلك أن اللق ليس القصود بم دنياهم فقط فإنا كلها عبث و باطل إذ غايتها الوت و الفناء‪ ،‬و ال يقول‬
‫أفحسبتم أنا خلقناكم عبثا فالقصود بم إنا هو دينهم الفضي بم إل السعادة ف آخرتم صراط ال الذي له ما ف السموات و ما ف‬
‫الرض فجاءت الشرائع بملهم على ذلك ف جيع أحوالم من عبادة و معاملة حت ف اللك الذي هو طبيعي للجتماع النسان فأجرته‬
‫على منهاج الدين ليكون الكل موطا بنظر الشارع‪ .‬فما كان منه بقتضى القهر و التغلب و إهال القوة العصبية ف مرعاها فجور و عدوان‬
‫و مذموم عنده كما هو مقتضى الكمة السياسية و ما كان منه بقتضى السياسة و أحكامها فمذموم أيضا لنه نظر بغي نور ال و من ل‬
‫يعل ال له نورا فما له من نور لن الشارع أعلم بصال الكافة فيما هو مغيب عنهم من أمور آخرتم و أعمال البشر كلها عائدة عليهم ف‬
‫معادهم من ملك أو غيه قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬إنا هي أعمالكم ترد عليكم‪ .‬و أحكام السياسة إنا تطلع على مصال الدنيا فقط‬
‫يعلمون ظاهرا من حياة الدنيا و مقصود الشارع بالناس صلح آخرتم فوجب بقتضى الشرائع حل الكافة على الحكام الشرعية ف أحوال‬
‫دنياهم و آخرتم و كان هذا الكم لهل الشريعة و هم النبياء و من قام فيه مقامهم و هم اللفاء فقد تبي لك من ذلك معن اللفة و أن‬
‫اللك الطبيعي هو حل الكافة على مقتضى النظر العقلي ف جلب الصال الدنيوية و دفع الضار و اللفة هي حل الكافة على مقتضى النظر‬
‫الشرعي ف مصالهم الخروية و الدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إل اعتبارها بصال الخرة فهي ف القيقة‬
‫خلفة عن صاحب الشرع ف حراسة الدين و سياسة الدنيا به فأفهم ذلك و اعتبه فيما نورده عليك من بعد و ال الكيم العليم‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون ف اختلف المة ف حكم هذا النصب و‬


‫شروطه‬
‫و إذ قد بينا حقيقة هذا النصب و أنه نيابة عن صاحب الشريعة ف حفظ الدين و سياسة الدنيا به تسمى خلفة و إمامة و القائم به خليفة و‬
‫إماما فأما تسميته إماما فتشبيها بإمام الصلة ف أتباعه و القتداء به و لذا يقال المامة الكبى و أما تسميته خليفة فلكونه يلف النب ف‬
‫أمته فيقال خليفة بإطلق و خليفة رسول ال و اختلف ف تسميته خليفة ال فأجازه بعضهم اقتباسا من اللفة العامة الت للدمي ف قوله‬
‫تعال إن جاعل ف الرض خليفة و قوله جعلكم خلئف الرض‪.‬‬
‫و منع المهور منه لن معن الية ليس عليه و قد نى أبو بكر عنه لا دعي به و قال‪ :‬لست خليفة ال و لكن خليفة رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم‪ .‬و لن الستخلف إنا هو ف حق الغائب و أما الاضر فل‪ .‬ث إن نصب المام واجب قد عرف وجوبه ف الشرع بإجاع‬
‫الصحابة و التابعي لن أصحاب رسول ال صلى ال عليه و سلم عند وفاته بادروا إل بيعة أب بكر رضي ال عنه و تسليم النظر إليه ف‬
‫أمورهم و كذا ف كل عصر من بعد ذلك و ل تترك الناس فوضى ف عصر من العصار واستقر ذلك إجاعا دالً على وجوب نصب‬
‫المام‪ .‬و قد ذهب بعض الناس إل أن مدرك وجوبه العقل‪ ،‬و أن الجاع الذي وقع إنا هو قضاء بكم العقل فيه‪.‬‬
‫قالوا و إنا وجب بالعقل لضرورة الجتماع للبشر و استحالة حياتم و وجودهم منفردين و من ضرورة الجتماع التنازع لزدحام‬
‫الغراض‪ .‬فما ل يكن الاكم الوازع أفضى ذلك إل الرج الؤذن بلك البشر و انقطاعهم مع أن حفظ النوع من مقاصد الشرع الضرورية‬
‫و هذا العن بعينه هو الذي لظه الكماء ف وجوب النبؤات ف البشر و قد نبهنا على فساده و أن إحدى مقدماته أن الوازع إنا يكون‬
‫بشرع من ال تسلم له الكافة تسليم إيان ما و اعتقاد و هو غي مسلم لن الوازع قد يكون بسطوة اللك و قهر أهل الشوكة و لو ل يكن‬
‫شرع كما ف أمم الجوس و غيهم من ليس له كتاب أو ل تبلغه الدعوة أو نقول يكفي ف رفع التنازع معرفة كل واحد بتحري الظلم عليه‬
‫بكم العقل فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنا يكون بوجود الشرع هناك و نصب المام هنا غي صحيح بل كما يكون بنصب المام يكون‬
‫بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عن التنازع و التظال فل ينهض دليلهم العقلي البن على هذه القدمة فدل على أن مدرك‬
‫وجوبه أنا هو بالشرع و هو الجاع الذي قدمناه‪.‬‬
‫و قد شذ بعض الناس فقال بعدم وجوب هذا النصب رأسا ل بالعقل و ل بالشرع منهم الصم من العتزلة و بعض الوارج و غيهم‪ ،‬و‬
‫الواجب عند هؤلء إنا هو إمضاء الكم الشرع فإذا تواطأت المة على العدل و تنفيذ أحكام ال تعال ل يتج إل إمام و ل يب نصبه و‬
‫هؤلء مجوجون بإلجاع‪ .‬و الذي حلهم على هذا الذهب إنا هو الفرار عن اللك و مذاهبه من الستطالة و التغلب و الستمتاع بالدنيا‬
‫لا رأوا الشريعة متلئة بذم ذلك و النعي على أهله و مرغبة ف رفضه‪ .‬و أعلم أن الشرع ل يذم اللك لذاته و ل حظر القيام به ل إنا ذم‬
‫الفاسد الناشئة عنه من القهر و الظلم و التمتع باللذات و ل شك أن ف هذه مفاسد مظورة و هي من توابعه كما أثن على العدل و النصفة‬
‫و إقامة مراسم الدين و الذب عنه و أوجب بإزائها الثواب و هي كلها من توابع اللك‪.‬‬
‫فإذا إنا وقع الذم للملك على صفة و حال دون حال أخرى و ل يذمه لذاته و ل طلب تركه كما ذم الشهوة و الغضب من الكلفي و ليس‬
‫مراده تركهما بالكلية لدعاية الضرورة إليه و أما الراد تصريفهما على مقتضى الق و قد كان لداود و سليمان صلوات ال و سلمه عليهما‬
‫اللك الذي ل يكن لغيها و ها من أنبياء ال تعال و أكرم اللق عنده ث نقول لم أن هذا الفرار عن اللك بعدم و جوب هذا النصب ل‬
‫يغنيكم شيئا لنكم موافقون على وجوب إقامة أحكام الشريعة و ذلك ل يصل إل بالعصبية و الشوكة و العصبية مقتضية بطبعها للمك‬
‫فيحصل اللك و إن ل ينصب إمام و هو عي ما قررت عنه‪ .‬و إذا تقرر أن هذا النصب واجب بإجاع فهو من فروض الكفاية و راجع إل‬
‫اختيار أهل العقد و الل فيتعي عليهم نصبه و يب على اللق جيعا طاعته لقوله تعال أطيعوا ال و أطيعوا الرسول و أول المر منكم‪.‬‬
‫و أما شروط هذا النصب فهي أربعة‪ :‬العلم و العدالة و الكفاية و سلمة الواس و العضاء ما يؤثر ف الرأي و العمل و اختلف ف شرط‬
‫خامس و هو النسب القرشي فأما اشتراط العلم فطاهر لنه إنا يكون منفذا لحكام ال تعال إذا كان عالا با و ما ل يعلنها ل يصح تقديه‬
‫لا و ل يكفي من العلم إل أن يكون متهدا لن التقليد نقص و المامة تستدعي الكمال ف الوصاف و الحوال و أما العدالة فلنه منصب‬
‫دين ينظر ف سائر الناصب الت هي شرط فيها فكان أول باشتراطها فيه‪.‬‬
‫و لخلف ف انتقاء العدالة فيه بفسق الوارح من ارتكاب الحظورات و أمثالا و ف انتفائها بالبدع العتقادية خلف‪.‬‬
‫و أما الكفاية فهو أن يكون جزئيا على إقامة الدود و اقتحام الروب بصيا با كفيلً يمل الناس عليها عارفا بالعصبية و أحوال الدهاء‬
‫قويا على معاناة السياسة ليصح له بذلك ما جعل إليه من حاية الدين و جهاد العدو و إقامة الحكام و تدبي الصال‪.‬‬
‫و أما سلمة الواس و العضاء من النقص و العطلة كالنون و العمى و الصمم و الرس و ما يؤثر فقده من العضاء ف العمل كفقد‬
‫اليدين و الرجلي و النثيي فتشترط السلمة منها كلها لتأثي ذلك ف تام عمله و قيامه با جعل إليه و إن كان إنا يشي ف النظر فقط‬
‫كفقد إحدى هذه العضاء فشرط السلمة منه شرط كمال و يلحق بفقدان العضاء النع من التصرف و هو ضربان ضرب يلحق بذه ف‬
‫اشتراط السلمة منه شرط وجوب و هو القهر و العجز عن التصرف جلة بالسر و شبهه و ضرب ل يلحق بذه و هو الجر باستيلء‬
‫بعض أعوانه عليه من غي عصيان و ل مشاقة فينتقل النظر ف حال هذا الستول فإن جرى على حكم الدين و العدل و حيد السياسة جاز‬
‫قراره و إل استنصر السلمون بن يقبض يده عن ذلك و يدفع علته حت ينفذ فعل الليفة‪.‬‬
‫و أما النسب القرشي فلجاع الصحابة يوم السقيفة على ذلك و احتجت قريش على النصار لا هوا يومئذ ببيعة سعد بن عبادة و قالوا‪ :‬منا‬
‫أمي و منكم أمي‪ .‬بقوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬الئمة من قريش‪ .‬و بأن النب صلى ال عليه و سلم أوصانا بأن نسن إل مسنكم و نتجاوز‬
‫عن مسيئكم و لو كانت المارة فيكم ل تكن الوصية بكم فحجوا النصار و رجعوا عن قولم منا أمي و منكم أمي و عدلوا عما كانوا‬
‫هوا به من بيعة سعد لذلك‪ .‬و ثبت أيضا ف الصحيح ل يزال هذا المر ف هذا الي من قريش و أمثال هذه الدلة كثية إل أنه لا ضعف‬
‫أمر قريش و تلشت عصبيتهم با نالم من الترف و النعيم و با أنفقتهم الدولة ف سائر أقطار الرض عجزوا بذلك عن حل اللفة و‬
‫تغلبت عليهم العاجم و صار الل و العقد لم فاشتبه ذلك على كثي من الحققي حت ذهبوا إل نفي طه اشتراط القرشية و عولوا على‬
‫ظواهر ف ذلك مثل قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬اسعوا و أطيعوا و إن ول عليكم عبد حبشي ذو زبيبة‪ .‬و هذا ل تقوم به حجة ذلك فإنه‬
‫خرج مرج التمثيل و الغرض للمبالغة ف إياب السمع و الطاعة و مثل قول عمر لو كان سال مول حذيفة حيا لوليته أو لا دخلتن فيه‬
‫الظنة و هو أيضا ل يفيد ذلك لا علمت أن مذهب الصحاب ليس بجة و أيضا فمول القوم منهم و عصبية الولء حاصلة لسال ف قريش و‬
‫هي الفائدة ف اشتراط النسب و لا استعظم عمر أمر اللفة و رأى شروطها كأنا مفقودة ف ظنه عدل إل سال لتوفر شروط اللفة عنده‬
‫فيه حت من النسب الفيد للعصبية كما نذكر و ل يبق إل صراحة النسب فرآه غي متاج إليه إذ الفائدة ف النسب إنا هي العصبية و هي‬
‫حاصلة من الولء فكان ذلك حرصا من عمر رضي ال عنه على النظر للمسلمي و تقليد أمرهم لن ل تلحقه فيه لئمة و ل عليه فيه عهدة‪.‬‬
‫و من القائلي بنفي اشتراط القرشية القاضي أبو بكر الباقلن لا أدرك عليه عصبية قريش من التلشي و الضمحلل و استبداد ملوك العجم‬
‫من اللفاء فأسقط شرط القرشية و إن كان موافقا لرأي الوارج لا رأى عليه حال اللفاء لعهده و بقي المهور على القول باشتراطها و‬
‫صحة المامة للقرشي و لو كان عاجزا عن القيام بأمور السلمي و رد عليهم سقوط شرط الكفاية الت يقوى با على أمره لنه إذا ذهبت‬
‫الشوكة بذهاب العصبية فقد ذهبت الكفاية و إذا وقع الخلل بشرط الكفاية تطرق ذلك أيضا إل العلم والدين و سقط اعتبار شروط هذا‬
‫النصب و هو خلف الجتماع‪.‬‬
‫و لنتكلم الن ف حكمة اشتراط النسب ليتحقق به الصواب ف هذه الذاهب فنقول‪ :‬أن الحكام الشرعية كلها ل بد لا من مقاصد و حكم‬
‫تشتمل عليها و تشرع لجلها و نن إذا بثنا عن الكمة ف اشتراط النسب القرشي و مقصد الشارع منه ل يقتصر فيه على التبك بوصلة‬
‫النب صلى ال عليه و سلم كما هو ف الشهور و إن كانت تلك الوصلة موجودة و التبك با حاصلً لكن التبك ليس من القاصد الشرعية‬
‫كما علمت فل بد إذن من الصلحة ف اشتراط النسب و هي القصودة من مشروعيتها و إذا سبنا و قسمنا ل ندها إل اعتبار العصبية الت‬
‫تكون با الماية و الطالبة و يرتفع اللف و الفرقة بوجودها لصاحب النصب فتسكن إليه اللة و أهلها و ينتظم حبل اللفة فيها و ذلك‬
‫أن قريشا كانوا عصبة مضر و أصلهم و أهل الغلب منهم و كان لم على سائر مضر العزة بالكثرة و العصبية و الشرف فكان سائر العرب‬
‫يعترف لم بذلك و يستكينون لغلبهم فلو جعل المر ف سواهم لتوقع افتراق الكلمة بخالفتهم و عدم انقيادهم و ل يقدر غيهم من قبائل‬
‫مضر أن يردهم عن اللف و ل يملهم على الكرة فتتفرق الماعة و تتلف الكلمة‪.‬‬
‫و الشارع مذر من ذلك حريص على أتفاقهم و رفع التنازع و الشتات بينهم لتحصل اللحمة و العصبية و تسن الماية بلف ما إذا كان‬
‫المر ف قريش لنم قادرون على سوق الناس بعصا الغلب إل ما يراد منهم فل يشى من أحد من خلف عليهم و ل فرقة لنم كفيلون‬
‫حينئذ بدفعها و منع الناس منها فاشترط نسبهم القرشي ف هذا النصب و هم أهل العصبية القوية ليكون أبلغ ف انتظام اللة و أتفاق الكلمة‬
‫و إذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمة مضر أجع فأذعن لم سائر العرب و انقادت المم سواهم إل أحكام اللة و وطئت‬
‫جنودهم قاصية البلد كما وقع ف أيام الفتوحات و استمر بعدها ف الدولتي إل أن أضمحل أمر اللفة و تلشت عصبية العرب و يعلم ما‬
‫كان لقريش من الكثرة و التغلب على بطون مضر من مارس أخبار العرب و سيهم و تفطن لذلك ف أحوالم‪.‬‬
‫و قد ذكر ذلك ابن إسحاق ف كتاب السي و غيه فإذا ثبت أن اشتراط القرشية أنا هو لدفع التنازع با كان لم من العصبية و الغلب و‬
‫علمنا أن الشارع ل يص الحكام بيل و ل عصر و ل أمة علمنا أن ذلك إنا هو من الكفاية فرددناه إليها و طردنا اللة الشتملة على‬
‫القصود من القرشية و هي وجود العصبية فاشترطنا ف القائم بأمور السلمي أن يكون من قوم أول عصبية قوية غالبة على من معها لعصرها‬
‫ليستتبعوا من سواهم و تتمع الكلمة على حسن الماية و ل يعلم ذلك ف القطار و الفاق كما كان ف القرشية إذ الدعوة السلمية الت‬
‫كانت لم كانت عامة و عصبية العرب كانت وافية با فغلبوا سائر المم و إنا يص لذا العهد كل قطر بن تكون له فيه العصبية الغالبة و‬
‫إذا نظرت سر ال ف اللفة ل تعد هذا لنه سبحانه إنا جعل الليفة نائبا عنه ف القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالهم و يردهم عن‬
‫مضارهم و هو ماطب بذلك و ل ياطب بالمر إل من له قدرة عليه أل ترى ما ذكره المام ابن الطيب ف شأن النساء و أنن ف كبي‬
‫من الحكام الشرعية جعلن تبعا للرجال و ل يدخلن ف الطاب بالوضع‪ .‬و إنا دخلن عنده بالقياس و ذلك لا ل يكن لن من المر شيء و‬
‫كان الرجال قوامي عليهن اللهم إل ف العبادات الت كل أحد فيها قائم على نفسه فخطابن فيها بالوضع ل بالقياس ث أن الوجود شاهد‬
‫بذلك فإنه ل يقوم بأمر أمة أو جيل إل من غلب عليهم و قل أن يكون المر الشرعي مالفا للمر الوجودي و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون ف مذاهب الشيعة ف حكم المامة‬


‫إعلم أن الشيعة لغة هم الصحب و التباع و يطلق ف عرف الفقهاء و التكلمي من اللف و السلف على اتباع علي و بنيه رضي ال عنهم‬
‫و مذهبهم جيعا متفقي عليه أن القامة ليست من الصال العامة الت تفوض إل نظر المة و يتعي القائم با بتعيينهم بل هي ركن الدين و‬
‫قاعدة السلم و ل يوز لنب إغفاله و ل تفويضه إل المة بل يب عليه تعيي المام لم و يكون معصوما من الكبائر و الصغائر و أن عليا‬
‫رضي ال عنه هو الذي عينه صلوات ال و سلمه عليه بنصوص ينقلونا و يؤولونا على مقتضى مذهبهم ل يعرفها جهابذة السنة و ل نقله‬
‫الشريعة بل أكثرها موضوع أو مطعون ف طريقه أو بعيد عن تأويلتم الفاسدة‪.‬‬
‫و تنقسم هذه النصوص عندهم إل جلي و خفي فاللي مثل قوله‪ :‬من كنت موله فعلي موله‪ .‬قالوا و ل تطرد هذه الولية إل ف علي و‬
‫لذا قال له عمر أصبحت مول كل مؤمن و مؤمنة و منها قوله‪ :‬أقضاكم علي و ل معن للمامة إل القضاء بأحكام ال و هو الراد بأول‬
‫المر الواجبة طاعتهم بقوله‪ :‬أطيعوا ال و أطيعوا الرسول و أول المر منكم‪ .‬و الراد الكم و القضاء و لذا كان حكما ف قضية المامة‬
‫يوم السقيفة دون غيه و منها قوله من يبايعن على روحه و هو وصي و ول هذا المر من بعدي فلم يبايعه إل علي‪.‬‬
‫و من الفي عندهم بعث النب صلى ال عليه و سلم عليا لقراءة سورة براءة ف الوسم حي أنزلت فإنه بعث با أولً أبا بكر ث أوحي إليه‬
‫ليبلغه رجل منك أو من قومك فبعث عليا ليكون القارىء البلغ قالوا‪ :‬و هذا يدل على تقدي علي‪ .‬و أيضا فلم يعرف أنه قدم أحدا على‬
‫علي‪ .‬و أما أبو بكر و عمر فقدم عليهما ف غزاتي أسامة بن زيد مرة و عمر بن العاص أخرى و هذه كلها أدلة شاهدة بتعيي علي للخلفة‬
‫دون غيه فمنها ما هو غي معروف و منها ما هو بعيد عن تأويلهم ث منهم من يرى أن هذه النصوص تدل على تعيي علي و تشخيصه‪ .‬و‬
‫كذلك تنتقل منه إل من بعده و هؤلء هم المامية و يتبأون من الشيخي حيث ل يقدموا عليا و يبايعوه بقتضى هذه النصوص و يغمصون‬
‫ف إمامتهما و ل يلتفت إل نقل القدح فيهما من غلتم فهو مردود عندنا و عندهم و منهم من يقول أن هذه الدلة إنا اقتضت تعيي علي‬
‫بالوصف ل بالشخص و الناس مقصرون حيث ل يصغوا الوصف موضعه و هؤلء هم الزيدية و ل يتبأون من الشيخي و ل يغمصون ف‬
‫إمامتهما مع قولم بأن عليا أفضل منهما لكنهم يوزون إمامة الفضول مع وجود الفضل‪.‬‬
‫ث اختلفت نقول هؤلء الشيعة ف مساق اللفة بعد علي فمنهم من ساقها ف ولد فاطمة بالنص عليهم واحدا بعد واحد على ما يذكر بعد‬
‫و هؤلء يسمون المامية نسبةً إل مقالتهم باشتراط معرفة المام و تعيينه ف اليان و هي أصل عندهم و منهم من ساقها ف ولد فاطمة لكن‬
‫بالختيار من الشيوخ و يشترط أن يكون المام منهم عالا زاهدا جوادا شجاعا و يرج داعيا إل إمامته و هؤلء هم الزيدية نسبة إل‬
‫صاحب الذهب و هو زيد بن علي بن السي السبط و قد كان يناظر أخاه ممدا الباقر على اشتراط الروج ف المام فيلزمه الباقر أن ل‬
‫يكون أبوها زين العابدين إماما لنه ل يرج و ل تعرض للخروج و كان مع ذلك ينعى عليه مذاهب العتزلة و أخذه إياها عن واصل بن‬
‫عطاء و لا ناظر المامية زيدا ف إمامة الشيخي و رأوه يقول بإمامتهما و ل يتبأ منهما رفضوه و ل يعلوه من الئمة و بذلك سوا رافضة‬
‫و منهم من ساقها بعد علي و ابنيه السبطي على اختلفهم ف ذلك إل أخيهما ممد بن النفية ث إل ولده و هم الكيسانية نسبة إل كيسان‬
‫موله و بي هذه الطوائف اختلفات كثية تركناها اختصارا و منهم طوائف يسمون الغلة تاوزوا حد العقل و اليان ف القول بألوهية‬
‫هؤلء الئمة‪ .‬إما على أنم بشر اتصفوا بصفات اللوهية أو أن الله حل ف ذاته البشرية و هو قول باللول يوافق مذهب النصارى ف‬
‫عيسى صلوات ال عليه و لقد حرق علي رضي ال عنه بالنار من ذهب فيه إل ذلك منهم و سخط ممد بن النفية الختار بن أب عبيد لا‬
‫بلغه مثل ذلك عنه فصرح بلعنته و الباءة منه و كذلك فعل جعفر الصادق رضي ال تعال عنه بن بلغه مثل هذا عنه و منهم من يقول إن‬
‫كمال المام ل يكون لغيه فإذا مات انتقلت روحه إل إمام آخر ليكون فيه ذلك الكمال و هو قول بالتناسخ و من هؤلء الغلة من يقف‬
‫عند واحد من الئمة ل يتجاوزه إل غيه بسب من يعي لذلك عندهم و هؤلء هم الواقفية فبعضهم يقول هو حي ل يت إل أنه غائب‬
‫عن أعي الناس و يستشهدون لذلك بقصة الضر قيل مثل ذلك ف علي رضي ال عنه ل أنه ف السحاب و الرعد صوته و البق ف صوته و‬
‫قالوا مثله ف ممد بن النيفة و إنه ف جبل رضوى من أرض الجاز‪.‬‬
‫و قال شاعرهم‪.‬‬
‫ولة الق أربعة سواء‬ ‫أل أن الئمة من قريش‬
‫علي و الثلثة من بنيه هم السباط ليس بم خفاء‬
‫فسبط سبط إيان و بر و سبط غيبته كربلء‬
‫و سبط ل يذوق الوت حت يقود اليش يقدمه اللواء‬
‫تغيب ل يرى فيهم زمانا برضوى عنده عسل و ماء‬
‫و قال مثله غلة المامية و خصوصا الثنا عشرية منهم يزعمون أن الثان عشر من أئمتهم و هو ممد بن السن العسكري و يلقبونه‬
‫الهدي دخل ف سرداب بدارهم ف اللة و تغيب حي اعتقل مع أمه و غاب هنالك و هو يرج آخر الزمال فيمل الرض عدلً يشيون‬
‫بذلك إل الديث الواقع ف كتاب الترمذي ف الهدي و هم إل الن ينتظرونه و يسمونه النتظر لذلك‪ ،‬و يقفون ف كل ليلة بعد صلة‬
‫الغرب بباب هذا السرداب و قد قدموا مركبا فيهتمون باسه و يدعونه للخروج حت تشتبك النجوم ث ينفضون و يرجئون المر إل الليلة‬
‫التية و هم على ذلك لذا العهد و بعض هؤلء الواقفية يقول أن المام الذي مات يرجع إل حياته الدنيا و يستشهدون لذلك با وقع ف‬
‫القرآن الكري من قصة أهل الكهف و الذي مر على قرية و قتيل بن إسرائيل حي ضرب بعظام البقرة الت أمروا بذبها و مثل ذلك من‬
‫الوارق الت وقعت على طريق العجزة و ل يصح الستشهاد با ف غي مواضعها و كان من هؤلء السيد الميي و من شعره ف ذلك‬
‫إذا ما الرء شاب له قذال وعلله الواشط بالضاب‬
‫فقد ذهبت بشاشته و أودى فقم يا صاح نبك على الشباب‬
‫إل يوم تتوب الناس فيه إل دنياهم قبل الساب‬
‫فليس بعائد مافات منه إل أحد إل يوم الياب‬
‫أدين بأن ذلك دين حق وما أنا ف النشور بذي ارتياب‬
‫كذاك ال أخب عن أناس حيوا من بعد درس ف التراب‬
‫و قد كفانا مؤونة هؤلء الغلة أئمة الشيعة فإنم ل يقولون با و يبطلون احتجاجاتم عليها و أما الكيسانية فساقوا المامة من بعد ممد بن‬
‫النفية إل ابنه أب هاشم و هؤلء هم الاشية ث افترقوا فمنهم من ساقها بعده إل أخيه علي ث إل ابنه السن بن علي و آخرون يزعمون أن‬
‫أبا هاشم لا مات بأرض السراة منصرفا من الشام أوصى إل ممد بن علي بن عبد ال بن عباس و أوصى ممد إل ابنه ابراهيم العروف‬
‫بالمام و أوصى هو إل أخيه عبد ال بن الارثية اللقب بالسفاح و أوصى هو إل أخيه عبد ال أب جعفر اللقب بالنصور و انتقلت ف‬
‫ولده بالنص و العهد واحدا بعد واحد إل آخرهم و هذا مذهب الاشية القائمي بدولة بن العباس و كان منهم أبو مسلم و سليمان بن‬
‫كثي و أبو سلمة اللل و غيهم من شيعة العباسية و ربا يعضدون ذلك بأن حقهم ف هذا المر يصل إليه من العباس لنه كان حيا وقت‬
‫الوفاة و هو أول بالوراثة بعصبية العمومة و أما الزيدية فساقوا المامة على مذهبهم فيها و إنا باختيار أهل الل و العقد ل بالنص فقالوا‬
‫بإمامة علي ث ابنه السن ث أخيه السي ث ابنه زيد بن علي و هو صاحب هذا الذهب و خرج بالكوفة داعيا إل المامة فقتل و صلب‬
‫بالكناسة و قال الزيدية بإمامة ابنه يي من بعده فمضى إل خراسان و قتل بالوزجان بعد أن أوصى إل ممد بن عبد ال بن حسن بن‬
‫السن السبط و يقال له النفس الزكية‪ ،‬فخرج بالجاز و تلقب بالهدي و جاءته عساكر النصور فقتل و عهد إل أخيه إبراهيم فقام‬
‫بالبصرة و معه عيسى بن زيد بن علي فوجه إليهم النصور عساكره فهزم و قتل إبراهيم و عيسى و كان جعفر الصادق أخبهم بذلك كله‬
‫و هي معدودة ف كراماته و ذهب آخرون منهم إل أن المام بعد ممد ابن عبد ال النفس الزكية هو ممد بن القاسم بن علي بن عمر‪ ،‬و‬
‫عمر هو أخو زيد بن علي فخرج ممد بن القاسم بالطالقان فقبض عليه و سيق إل العتصم فحبسه و مات ف حبسه و قال آخرون من‬
‫الزيدية أن المام بعد يي بن زيد هو أخوه عيسى الذي حصر مع إبراهيم بن عبد ال ف قتاله مع منصور و نقلوا المامة ف عقبه و إليه‬
‫انتسب دعي الزنج كما نذكره ف أخبارهم و قال آخرون من الزيدية أن المام بعد ممد بن عبد ال أخوة إدريس الذي فر إل الغرب و‬
‫مات هنالك و قام بأمر ابنه إدريس و اختط مدينة فاس و كان من بعده عقبه ملوكا بالغرب إل أن انقرضوا كما نذكره ف أخبارهم‪ .‬و‬
‫بقي أمر الزيدية بعد ذلك غي منتظم و كان منهم الذاعي الذي ملك طبستان و هو السن بن زيد بن ممد بن إساعيل بن السن بن زيد‬
‫بن علي بن السي السبط و أخوه ممد بن زيد ث قام بذه الدعوة ف الديلم الناصر الطروش منهم‪ ،‬و أسلموا على يده و هو السن بن‬
‫علي بن السن بن علي بن عمر و عمر أخو زيد بن علي فكانت لبنيه بطبستان دولة و توصل الديلم من نسبهم إل اللك و الستبداد على‬
‫اللفاء ببغداد كما نذكر ف أخبارهم‪ .‬و أما المامية فساقوا المامة من علي الرضى إل ابنه السن بالوصية ث إل أخيه السي ث إل ابنه‬
‫علي زين العابدين ث إل ابنه ممد الباقر ث إل ابنه جعفر الصادق و من هنا افترقوا فرقتي فرقة ساقها إل ولده إساعيل و يعرفونه بينهم‬
‫بالمام و هم الساعيلية و فرقة ساقوها إل ابنه موسى الكاظم و هم الثنا عشرية لوقوفهم عند الثان عشر من الئمة و قولم بغيبته إل آخر‬
‫الزمان كما مر فأما الساعيلية فقالوا بإمامة اساعيل المام بالنص من أبيه جعفر و فائدة النص عليه عندهم و إن كان قد مات قبل أبيه إنا‬
‫هو بقاء المامة ف عقبه كقصة هارون مع موسى صلوات ال عليهما قالوا انتقلت المامة من إساعيل إل ابنه ممد الكتوم و هو أول الئمة‬
‫الستورين لن المام عندهم قد ل يكون له شوكة فيستتر و تكون دعاته ظاهرين إقامة للحجة على اللق و إذا كانت له شوكة ظهر و‬
‫أظهر دعوته قالوا و بعد ممد الكتوم ابنه جعفر الصادق و بعده ابنه ممد البيب و هو آخر الستورين و بعده ابنه عبد ال الهدي الذي‬
‫أظهر دعوته أبو عبد ال الشيعي ف كتامة و تتابع الناس على دعوته ث أخرجه من معتقله بسجلماسة و ملك القيوان و الغرب و ملك بنوه‬
‫من بعده مصر كما هو معروف ف أخبارهم و يسمى هؤلء نسبة إل القول بإمامة إساعيل و يسمون أيضا بالباطنية نسبة إل قولم بالمام‬
‫الباطن أي الستور و يسمون أيضا اللحدة لا ف ضمن مقالتهم من اللاد و لم مقالت قدية و مقالت جديدة دعا إليها السن بن ممد‬
‫الصباح ف آخر الائة الامسة و ملك حصونا بالشام و العراق و ل تزل دعوته فيها إل أن توزعها اللك بي ملوك الترك بصر و ملوك التتر‬
‫بالعراق فانفرضت‪ .‬و مقالة هذا الصباح ف دعوته مذكورة ف كتاب اللل و النحل للشهرستان‪ .‬و أما الثنا عشرية فربا خصوا باسم‬
‫المامية عند التأخرين منهم فقالوا بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق لوفاة أخيه الكب إساعيل المام ف حياة أبيهما جعفر فنص على‬
‫إمامة موسى هذا ث ابنه علي الرضا الذي عهد إليه الأمون و مات قبله ل يتم له أمر ث ابنه ممد التقي ث ابنه علي الادي ث ابنه ممد السن‬
‫العسكري ث ابنه ممد الهدي النتظر الذي قدمناه قبل و ف كل واحدة من هذه القالت للشيعة اختلف كثي إل أن هذه أشهر مذاهبهم و‬
‫من أراد استيعابا و مطالعتها فعليه بكتاب اللل و النحل لبن حزم و الشهرستان و غيها ففيها بيان ذلك و ال يضل من يشاء و يهدي من‬
‫يشاء إل صراط مستقيم و هو العلي الكبي‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العثسرون ف انقلب اللفة إل اللك‬


‫إعلم أن اللك غاية طبيعية للعصبية ليس وقوعه عنها باختيار إنا هو بضرورة الوجود و ترتيبه كما قلناه من قبل و أن الشرائع و الديانات و‬
‫كل أمر يل عليه المهور فل بد فيه من العصبية إذ الطالبة ل تتم إل با كما قدمناه‪.‬‬
‫فالعصبية ضرورية للملة و بوجودها يتم أمر ال منها و ف الصحيح ما بعث ال نبيا إل ف منعة من قومه ث وجدنا الشارع قد ذم العصبية و‬
‫ندب إل إطراحها و تركها فقال‪ :‬إن ال أذهب عنكم عبية الاهلية و فخرها بالباء أنتم بنو آدم و آدم من تراب‪ ،‬و قال تعال إن أكرمكم‬
‫عند ال أتقاكم و وجدناه أيضا قد ذم اللك و أهله و نعى على أهله أحوالم من الستمتاع باللق و السراف ف غي القصد و التنكب‬
‫عن صراط ال و إنا حض على اللفة ف الدين و حذر من اللف و الفرقة‪ ،‬و أعلم أن الدنيا كلها و أحوالا مطية للخرة و من فقد الطية‬
‫فقد الوصول‪ ،‬و ليس مراده فيما ينهى عنه أو يذمه من أفعال البشر أو يندب إل تركه إهاله بالكلية أو اقتلعه من أصله و تعطيل القوى الت‬
‫ينشأ عليها بالكلية إنا قصده تصريفها ف أغراض الق جهد الستطاعة حت تصي القاصد كلها حقا و تتحد الوجهة كما قال صلى ال‬
‫عليه و سلم‪ :‬من كانت هجرته إل ال و رسوله فهجرته إل ال و رسوله و من كانت هجرته إل دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إل‬
‫ما هاجر إليه‪ .‬فلم يذم الغضب و هو يقصد نزعه من النسان فإنه لو زالت منه قوة الغضب لفقد منه النتصار للحق و بطل الهاد و إعلء‬
‫كلمة ال و إنا يذم الغضب للشيطان و للغراض الذميمة فإذا كان الغصب لذلك كان مذموما و إذا كان الغضب ف ال و ل كان مدوحا‬
‫و هو من شائله صلى ال عليه و سلم و كذا ذم الشهوات أيضا ليس الراد إبطالا بالكلية فإن من بطلت شهوته كان نقصا ف حقه و إنا‬
‫الراد تصريفها فيما أبيح له باشتماله على الصال ليكون النسان عبدا متصرفا طوع الوامر اللية و كذا العصبية حيث ذمها الشارع و قال‬
‫لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم‪ ،‬فإنا مراده حيث تكون العصبية على الباطل و أحواله كما كانت ف الاهلية و أن يكون لحد فخر با‬
‫أو حق على أحد لن ذلك مال من أفعال العقلء و غي نافع ف الخرة الت هي دار القرار فأما إذا كانت العصبية ف الق و إقامة أمر ال‬
‫فأمر مطلوب و لو بطل لبطلت الشرائع إذ ل يتم قوامها إل بالعصبية كما قلناه من قبل و كذا اللك لا ذمه الشارع ل يذم منه الغلب بالق‬
‫و قهر الكافة على الدين و مراعاة الصلح و إنا ذمه لا فيه من التغلب بالباطل و تصريف الدميي طوع الغراض و الشهوات كما قلناه‪،‬‬
‫فلو كان اللك ملصا ف غلبه للناس أنه ل و لملهم على عبادة ال و جهاد عدوه ل يكن ذلك مذموما و قد قال سليمان صلوات ال‬
‫عليه‪ :‬رب هب ل ملكا ل ينبغي لحد من بعدي‪.‬‬
‫لا علم من نفسه أنه بعزل عن الباطل ف النبؤة و اللك‪ .‬و لا لقي معاوية عمر بن الطاب رضي ال عنهما عند قدومه إل الشام ف أبة‬
‫اللك وزيه من العديد و العدة استنكر ذلك و قال‪ :‬أكسروية يا معاوية فقال يا أمي الؤمني أنا ف ثغر تاه العدو و بنا إل مباهاتم بزينة‬
‫الرب و الهاد حاجة فسكت و ل يطئه لا احتج عليه بقصد من مقاصد الق و الدين فلو كان القصد رفض اللك من أصله ل يقنعه‬
‫الواب ف تلك الكسروية و انتحالا بل كان يرض على خروجه عنها بالملة و إنا أراد عمر بالكسروية ما كان عليه أهل فارس ف‬
‫ملكهم من ارتكاب الباطل و الظلم و البغي و سلوك شبله و الغفلة عن ال و أجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسروية فارس و باطلهم‬
‫و إنا قصده با وجه ال فسكت‪ ،‬و هكذا كان شأن الصحابة ف رفض اللك و أحواله و نسيان عوائده حذرا من التباسها بالباطل فلما‬
‫استحضر رسول ال صلى ال عليه و سلم استخلف أبا بكر على الصلة إذ هي أهم أمور الدين و ارتضاه الناس للخلفة و هي حل الكافة‬
‫على أحكام الشريعة و ل ير للملك ذكر لا أنه مظنة للباطل و نلة يومئذ لهل الكفر و أعداء الدين فقام بذلك أبو بكر ما شاء ال متبعا‬
‫سنن صاحبه وقاتل أهل الردة حت اجتمع العرب على السلم ث عهد إل عمر فاقتفى أثره و قاتل المم فغلبهم و أذن للعرب بانتزاع ما‬
‫بأيديهم من الدنيا و اللك فغلبوهم عليه و انتزعوه منهم ث صارت إل عثمان بن عفان ث إل علي رضى عنهما و الكل متبئون من اللك‬
‫منكبون عن طرقه و أكد ذلك لديهم ما كانوا عليه من عضاضة السلم و بداوة العرب فقد كانوا أبعد المم عن أحوال الدنيا و ترفها ل‬
‫من حيث دينهم الذي يدعوهم إل الزهد ف النعيم و ل من حيث بداوتم و مواطنهم و ما كانوا عليه من خشونة العيش و شظفه الذي‬
‫ألفوه‪ ،‬فلم تكن أمة من المم أسغب عيشا من مضر لا كانوا بالجاز ف أرض غي ذات زرع و ل ضرع و كانوا منوعي من الرياف و‬
‫حبوبا لبعدها و اختصاصها بن وليها من ربيعة و اليمن فلم يكونوا يتطاولون إل خصبها و لقد كانوا كثيا ما يأكلون العقارب و النافس‬
‫و يفخرون بأكل العلهز و هو وبر البل يهونه بالجارة ف الدم و يطبخونه و قريبا من هذا كانت حال قريش ف مطاعمهم و مساكنهم‬
‫حت إذا اجتمعت عصبية العرب على الدين با أكرمهم ال من نبوة ممد صلى ال عليه و سلم زحفوا إل أمم فارس و الروم و طلبوا ما‬
‫كتب ال لم من الرض بوعد الصدق فابتزوا ملكهم و استباحوا دنياهم فزخرت بار الرفه لديهم حت كان الفارس الواحد يقسم له ف‬
‫بعض الغزوات ثلثون ألفا من الذهب أو نوها فاستولوا من ذلك على مال يأخذه الصر و هم مع ذلك على خشونة عيشهم فكان عمر‬
‫يرقع ثوبه باللد و كان علي يقول‪ :‬يا صفراء و يا بيضاء غري غيي و كان أبو موسى يتجاف عن أكل الدجاج لنه ل يعهدها للعرب‬
‫لقلتها يومئذ و كانت الناخل مفقود ًة عندهم بالملة و إنا يأكلون النطة بنخالا و مكاسبهم مع هذا أت ما كانت لحد من أهل العال‬
‫قال‪ :‬السعودي ف أيام عثمان أفت الصحابة الضياع و الال فكان له يوم قتل عند خازنه خسون و مائة ألف دينار و ألف ألف درهم و قيمة‬
‫ضياعه بوادي القرى و حني و غيها مائتا ألف دينار و خلف إبلً و خيلً كثيةً و بلغ الثمن الواحد من متروك الزبي بعد وفاته خسي‬
‫ألف دينار و خلف ألف فرس و ألف أمة و كانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم و من ناحية السراة أكثر من ذلك و كان على‬
‫مربط عبد الرحن بن عوف ألف فرس و له ألف بعي و عشرة آلف من الغنم و بلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة و ثاني ألفا و خلف‬
‫زيد بن ثابت من الفضة و الذهب ما كان يكسر بالفؤوس غي ما خلف من الموال و الضياع بائة ألف دينار و بن الزبي داره بالبصرة و‬
‫كذلك بن بصر و الكوفة والسكندرية و كذلك بن طلحة داره بالكوفة و شيد دارة بالدينة وبناها بالص و الجر و الساج و بن سعد‬
‫بن أب وقاص داره بالعقيق و رفع سكها و أوسع فضاءها و جعل على أعلها شرفات و بن القداد داره بالدينة و جعلها مصصة الظاهر و‬
‫الباطن و خلف يعلى بن منبه خسي ألف دينار و عقارا و غي ذلك ما قيمته ثلثائة ألف درهم من كلم السعودي‪ .‬فكانت مكاسب‬
‫القوم كما تراه و ل يكن ذلك منيعا عليهم ف دينهم إذ هي أموال حلل لنا غنائم و فيوء و ل يكن تصرفهم فيها بإسراف إنا كانوا على‬
‫قصد ف أحوالم كما قلناه فلم يكن ذلك بقادح فيهم و أن كان الستكثار من الدنيا مذموما فإنا يرجع إل ما أشرنا إليه من السراف و‬
‫الروج به عن القصد و إذا كان حالم قصدا و نفقاتم ف سبيل الق و مذاهبه كان ذلك الستكثار عونا لم على طرق الق و اكتساب‬
‫الدار الخرة فلما تدرجت البداوة و الغضاضة إل نايتها و جاءت طبيعة اللك الت هي مقتضى العصبية كما قلناه و حصل التغلب و القهر‬
‫كان حكم ذلك اللك عندهم حكم ذلك الرفه و الستكثار من الموال فلم يصرفوا ذلك التغلب ف باطل ول خرجوا به عن مقاصد الديانة‬
‫و مذاهب الق‪ ،‬و لا وقعت الفتنة بي علي و معاوية و هي مقتضى العصبية كان طريقهم فيها الق و الجتهاد و ل يكونوا ف ماربتهم‬
‫لغرض دنيوي أو ليثار باطل أو لستشعار حقد كما قد يتوهه متوهم وينع إليه ملحد و إنا اختلف اجتهادهم ف الق و سفه كل واحد‬
‫نظر صاحبه باجتهاده ف الق فاقتتلوا عليه و إن كان الصيب عليا فلم يكن معاوية قائما فيها بقصد الباطل إنا قصد الق و أخطأ و الكل‬
‫كانوا ف مقاصدهم على حق ث اقتضت طبيعة اللك النفراد بالجد و استئثار الواحد به و ل يكن لعاوية أن يدفع عن نفسه و قومه فهو أمر‬
‫طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها و استشعرته بنو أمية و من ل يكن على طريقة معاويه ف اقتفاء الق من أتباعهم فاعصوصبوا عليه و استماتوا‬
‫دونه و لو حلهم معاوية على غي تلك الطريقة و خالفهم ف النفراد بالمر لوقوع ف افتراق الكلمة الت كان جعها و تأليفها أهم عليه من‬
‫أمر ليس وراءه كبي مالفة و قد كان عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه يقول‪ :‬إذا رأى القاسم بن ممد بن أب بكر لو كان ل من المر‬
‫شيء لوليته اللفة و لو أراد أن يعهد إليه لفعل و لكنة كان يشى من بن أمية أهل الل و العقد لا ذكرناه فل يقدر أن يول المر عنهم‬
‫لئل تقع الفرقة‪ .‬و هذا كله إنا حل عليه منازع اللك الت هي مقتضى العصبية فاللك إذا حصل و فرضنا أن الواحد انفرد به و صرفه ف‬
‫مذاهب الق و وجوهه ل يكن ف ذلك نكي عليه و لقد انفرد سليمان و أبوه داود صلوات ال عليهما بلك بن إسرائيل لا اقتضته طبيعة‬
‫اللك من النفراد به وكانوا ما علمت من النبؤة و الق و كذلك عيد معاوية إل يزيد خوفا من افتراق الكلمة با كانت بنو أمية ل يرضوا‬
‫تسليم المر إل من سواهم‪ .‬فلو قد عهد إل غيه اختلفوا عليه مع أن ظنهم كان به صالا و ل يرتاب أحد ف ذلك و ل يظن بعاوية غيه‬
‫فلم يكن ليعهد إليه و هو يعتقد ما كان عليه من الفسق حاشا ال لعاوية من ذلك و كذلك كان مروان بن الكم و ابنه و أن كانوا ملوكا‬
‫ل يكن مذهبهم ف اللك مذهب أهل البطالة و البغي إنا كانوا متحرين لقاصد الق جهدهم إل ف ضرورة تملهم على بعضها مثل خشية‬
‫افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد يشهد لذلك ما كانوا عليه من التباع و القتداء و ما علم السلف من أحوالم و‬
‫مقاصدهم فقد احتج مالك ف الوطأ بعمل عند اللك و أما مروان فكان من الطبقة الول من التابعي و عدالتهم معروفة ث تدرج المر ف‬
‫ولد عبد اللك و كانوا من الدين بالكان الذي كانوا عليه و توسطهم عمر بن عبد العزيز فنع إل طريقة اللفاء الربعة و الصحابة جهده‬
‫و ل يهمل‪ .‬ث جاء خلفهم و استعملوا طبيعة اللك ف أغراضهم الدنيوية و مقاصدهم و نسوا ما كان عليه سلفهم من تري القصد فيها و‬
‫اعتماد الق ف مذاهبها فكان ذلك ما دعا الناس إل أن نعوا عليهم أفعالم و أدالوا بالدعوة العباسية منهم و ول رجالا المر فكانوا من‬
‫العدالة بكان و صرفوا اللك ف وجوه الق و مذاهبه ما استطاعوا حت جاء بنو الرشيد من بعده فكان منهم الصال و الطال ث أفضى المر‬
‫إل بنيهم فأعطوا اللك و الترف حقه و انغمسوا ف الدنيا و باطلها و نبذوا الدين وراءهم ظهريا فتأذن ال بربم و انتزاع المر من أيدي‬
‫العرب جلة و أمكن سواهم و ال ل يظلم مثقال ذرة‪ .‬و من تأمل سي هؤلء اللفاء و اللوك و اختلفهم ف تري الق من الباطل علم‬
‫صحة ما قلناه و قد حكاه السعودي مثله ف أحوال بن أمية عن أب جعفر النصور و قد حصر عمومته و ذكروا بن أمية فقال‪ :‬أما عبد‬
‫اللك فكان جبارا ل يبال با صنع و أما سليمان فكان هه بطنه و فرجه و أما عمر فكان أعور بي عميان و كان رجل القوم هشام قال و‬
‫ل يزل بنو أمية ضابطي لا مهد لم من السلطان يوطونه و يصونون ما و هب ال لم منه مع تسلمهم معال المور و رفضهم دنياتا حت‬
‫أفضى المر إل أبنائهم الترفي فكانت هتهم قصد الشهوات و ركوب اللذات من معاصي ال جهلً باستدراجه و أمنا لكره مع اطراحهم‬
‫صيانة اللفة و استخفافهم بق الرئاسة و ضعفهم عن السياسة فسلبهم ال العز و ألبسهم الذل و نفى عنهم النعمة ث استحضر عبد ال ابن‬
‫مروان فقص عليه خبه مع ملك النوبة لا دخل أرضهم فارا أيام السفاح قال أقمت مليا ث أتان ملكهم فقعد على الرض و قد بسطت ل‬
‫فرش ذات قيمة فقلت ما منعك عن القعود على ثيابنا فقال إن ملك و حق لكل ملك أن يتواضع لعظمة ال إذ رفعه ال ث قال ل‪ :‬ل‬
‫تشربون المر و هي مرمة عليكم ف كتابكم ؟ فقلت‪ :‬اجترأ على ذلك عبيدنا و أتباعنا قال‪ :‬فلم تطئون الزرع بدوابكم و الفساد مرم‬
‫عليكم ؟ قلت‪ :‬فعل ذلك عبيدنا و أتباعنا بهلهم قال‪ :‬فلم تلبسون الديباج و الذهب و الرير و هو مرم عليكم ف كتابكم ؟ قلت‪ :‬ذهب‬
‫منا اللك و انتصرنا بقوم من العجم دخلوا ف ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا‪ ،‬فأطرق ينكث بيده ف الرض و يقول عبيدنا و أتباعنا و‬
‫أعاجم دخلوا ف ديننا ث رفع رأسه إل و قال‪ :‬ليس كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم ال عليكم وأتيتم ما عنه نيتم و ظلمتم فيما‬
‫ملكتم فسلبكم ال العز و ألبسكم الذل بذنوبكم و ل نقمة ل تبلغ غايتها فيكم و أنا خائف أن يل بكم العذاب و أنتم ببلدي فينالن معكم‬
‫و إنا الضيافة ثلث فتزود ما احتجت إليه و ارتل عن أرضي فتعجب النصور و أطرق فقد تبي لك كيف انقلبت اللفة إل اللك و أن‬
‫المر كان ف أوله خلفة و وازع كل أحد فيها من نفسه و هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنياهم و أن أفضت إل هلكهم وحدهم‬
‫دون الكافة فهذا عثمان لا حصر ف الدار جاءه السن و السي و عبد ال بن عمر و ابن جعفر وأمثالم يريدون الدافعة عنه فأب و منع من‬
‫سل السيوف بي السلمي مافة الفرقة و حفظا لللفة الت با حفظ الكلمة و لو أدى إل هلكه‪ .‬و هذا علي أشار عليه الغية لول وليته‬
‫باستبقاء الزبي ومعاوية و طلحة على أعمالم حت يتمع الناس على بيعته و تتفق الكلمة و له بعد ذلك ما شاء من أمره و كان ذلك من‬
‫سياسة اللك فأب فرارا من الغش الذي ينافيه السلم و غدا عليه الغية من الغداة فقال‪ :‬لقد أشرت عليك بالمس با أشرت ث عدت إل‬
‫نظري فعلمت أنه ليس من الق و النصيحة وأن الق فيما رأيته أنت فقال علي‪ :‬ل و ال بل أعلم أنك نصحتن بالمس و غششتن اليوم و‬
‫لكن منعن ما أشرت به زائد الق و هكذا كانت أحوالم ف إصلح دينهم بفساد دنياهم و نن‪:‬‬
‫نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فل ديننا يبقى و ل ما نرقع‬
‫فقد رأيت كيف صار المر إل اللك و بقيت معان اللفة من تري الدين ومذاهبه و الري على منهاج الق و ل يظهر التغي إل ف‬
‫الوازع الذي كان دينا ث انقلب عصبي ًة و سيفا و هكذا كان المر لعهد معاوية و مروان و ابنه عبد اللك و الصدر الول من خلفاء بن‬
‫العباس إل الرشيد و بعض ولده ث ذهبت معان اللفة و ل يبق إل اسها و صار المر ملكا بتا و جرت طبيعة التغلب إل غايتها و‬
‫استعملت ف أغراضها من القهر التقلب ف الشهوات و اللذ و هكذا كان المر لولد عبد اللك و لن جاء بعد الرشيد من بن العباس و‬
‫اسم اللفة باقيا فيهم لبقاء عصبية العرب و اللفة و اللك ف الطورين ملتبس بعضهما ببعض ث ذهب رسم اللفة و أثرها بذهاب‬
‫عصبية العرب و فناء جيلهم و تلشى أحوالم وبقى المر ملكا بتا كما كان الشأن ف ملوك العجم بالشرق يدينون بطاعة الليفة تبكا و‬
‫اللك بميع ألقابه و مناحيه لم و ليس للخليفة منه شيء و كذلك فعل ملوك زناتة بالغرب مثل صنهاجة مع العبيديي و مغراوة و بن يفرن‬
‫أيضا مع خلفاء بن أمية بالندلس و العبيديي بالقيوان فقد تبي أن اللفة قد وجدت بدون اللك أول ث التبست معانيهما و اختلطت ث‬
‫انفرد اللك حيث افترقت عصبيته من عصبية اللفة و ال مقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار‪.‬‬

‫الفصل التاسع و العشرون ف معن البيعة‬


‫إعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة كأن البايع يعاهد أميه على أنه يسلم له النظر ف أمر نفسه و أمور السلمي ل ينازعه ف شيء من‬
‫ذلك و يطيعه فيما يكلفه به من المر على النشط و الكره و كانوا إذا بايعوا المي و عقدوا عهده جعلوا أيديهم ف يديه تأكيدا للعهد‬
‫فأشبه ذلك فعل البائع و الشتري فسمي بيعةً مصدر باع و صارت البيعة مصافحةً باليدي هذا مدلولا ف عرف اللغة و معهود الشرع و‬
‫هو الراد ف الديث ف بيعة النب صلى ال عليه و سلم ليلة العقبة و عند الشجرة وحيثما و رد هذا اللفظ و منه بيعة اللفاء و منه أيان‬
‫البيعة كان اللفاء يستحلفون على العهد و يستوعبون اليان كلها لذلك فسمي هذا الستيعاب إيان البيعة و كان الكراه فيها أكثر و‬
‫أغلب و لذا لا أفت مالك رضي ال عنه بسقوط يي الكراه أنكرها الولة عليه و رأوها قادحةً ف أيان البيعة‪ ،‬و وقع ما وقع من منة‬
‫المام رضي ال عنه و أما البيعة الشهورة لذا العهد فهي تية اللوك الكسروية من تقبيل الرض أو اليد أو الرجل أو الذيل أطلق عليها اسم‬
‫البيعة الت هي العهد على الطاعة مازا لا كان هذا الضوع ف التحية و التزام الداب من لوازم الطاعة و توابعها و غلب فيه حت صارت‬
‫حقيقيةً عرفيةً و استغن با عن مصافحة أيدي الناس الت هي القيقة ف الصل لا ف الصافحة لكل أحد من التنل و البتذال النافيي‬
‫للرئاسة و صون النصب اللوكي إل ف القل من يقصد التواضع من اللوك فيأخذ به نفسه مع خواصه و مشاهي أهل الدين من رعيته فافهم‬
‫معن البيعة ف العزف فإنه أكيد على النسان معرفته لا يلزمه من حق سلطانه و إمامه و ل تكون أفعاله عبثا و مانا و اعتب ذلك من أفعالك‬
‫مع اللوك و ال القوي العزيز‪.‬‬

‫الفصل الثلثون ف ولية العهد‬


‫إعلم أنا قدمنا الكلم ف المامة و مشروعيتها لا فيها من الصلحة و أن حقيقتها للنظر ف مصال المة لدينهم و دنياهم فهو وليهم و المي‬
‫عليهم ينظر لم ذلك ف حياته و يتبع ذلك أن ينظر لم بعد ماته و يقيم لم من يتول أمورهم كما كان هو يتولها ويثقون بنظره لم ف‬
‫ذلك كما و ثقوا به فيما قبل و قد عرف ذلك من الشرع بإجاع المة على جوازه و انعقاده إذ وقع بعهد أب بكر رضي ال عنه لعمر‬
‫بحضر من الصحابة و أجازوه و أوجبوا على أنفسهم به طاعة عمر رضي ال عنه و عنهم و كذلك عهد عمر ف الشورى إل الستة بقية‬
‫العشرة و جعل لم أن يتاروا للمسلمي ففوض بعضهم إل بعض حت أفضى ذلك إل عبد الرحن بن عوف فاجتهد و ناظر السلمي‬
‫فوجدهم متفقي على عثمان و على علي فآثر عثمان بالبيعة على ذلك لوافقته إياه على لزوم القتداء بالشيخي ف كل ما يعن دون اجتهاده‬
‫فانعقد أمر عثمان لذلك و أوجبوا طاعته و الل من الصحابة حاضرون للول و الثانية و ل ينكره أحد منهم فدل على أنم متفقون على‬
‫صحة هذا العهد عارفون بشروعيته‪.‬‬
‫و الجاع حجة كما عرف وليتهم المام ف هذا المر و أن عهد إل أبيه أو ابنه لنه مأمون على النظر لم ف حياته فأول أن ل يتمل‬
‫فيها تبع ًة بعد ماته خلفا لن قال باتامه ف الولد و الوالد أو لن خصص التهمة بالولد دون الوالد فإنه بعيد عن الظنة ف ذلك كله ل سيما‬
‫إذا كانت هناك داعية تدعو إليه من إيثار مصلحة أو توقع مفسدة فتنتفي الظنة ف ذلك رأسا كما وقع ف عهد معاوية لبنه يزيد و إن كان‬
‫فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة ف الباب و الذي دعا معاوية ليثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنا هو مراعاة الصلحة ف اجتماع‬
‫الناس و اتفاق أهوائهم باتفاق أهل الل و العقد عليه حينئذ من بن أمية إذ بنو أمية يومئذ ل يرضون سواهم و هم عصابة قريش و أهل اللة‬
‫أجع و أهل الغلب منهم فآثره بذلك دون غيه من يظن أنه أول با و عدل عن الفاضل إل الفضول حرصا على التفاق و اجتماع الهواء‬
‫الذي شأنه أهم عند الشارع‪.‬‬
‫و إن كان ل يظن بعاوية غي هذا فعدالته و صحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك و سكوتم عنه دليل على انتفاء‬
‫الريب فيه فليسوا من يأخذهم ف الق هوادة و ليس معاوية من تأخذه العزة ف قبول الق فإنم كلهم أجل من ذلك و عدالتهم مانعة منه و‬
‫فرار عبد ال بن عمر من ذلك إنا هو ممول على تورعه من الدخول ف شيء من المور مباحا كان أو مظورا كما هو معروف عنه و ل‬
‫يبق ف الخالفة لذا العهد الذي اتفق عليه المهور إل ابن الزبي و ندور الخالف معروف ث إنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من اللفاء‬
‫الذين كانوا يتحرون الق و يعملون به مثل عبد اللك و سليمان من بن أمية و السفاح والنصور والهدي و الرشيد من بن العباس و أمثالم‬
‫من عرفت عدالتهم و حسن رأيهم للمسلمي و النظر لم و ل يعاب عليهم إيثار أبنائهم و إخوانم و خروجهم عن سنن اللفاء الربعة ف‬
‫ذلك فشأنم غي شأن أولئك اللفاء فأنم كانوا على حي ل‪ .‬تدث طبيعة اللك و كان الوازع دينيا فعند كل أحد وازع من نفسه فعهدوا‬
‫إل من يرتضيه الدين فقط و آثروه على غيه و وكلوا كل من يسمو إل ذلك إل وازعه‪ .‬و أما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية‬
‫قد أشرفت على غايتها من اللك و الوازع الدين قد ضعف و احتيج إل الوازع السلطان و العصبان فلو عهد إل غي من ترتضيه العصبية‬
‫لردت ذلك العهد و انتقض أمره سريعا و صارت الماعة إل الفرقة و الختلف‪.‬‬
‫سأل رجل عليا رضي ال عنه‪ :‬ما بال السلمي اختلفوا عليك و ل يتلفوا على أب بكر و عمر فقال‪ :‬لن أبا بكر و عمر كانا واليي على‬
‫مثلي و أنا اليوم وال على مثلك يشي إل وازع الدين أفل ترى إل الأمون لا عهد إل علي بن موسى بن جعفر الصادق و ساه الرضا كيف‬
‫أنكرت العباسية ذلك و نقضوا بيعته و بايعوا لعمه بن الهدي و ظهر من الرج و اللف وانقطاع السبل و تعدد الثوار و الوارج ما كاد‬
‫أن يصطلم المر حت بادر الأمون من خراسان إل بغداد ورد أمرهم لعاهده فل بد من اعتبار ذلك ف العهد فالعصور تتلف باختلف ما‬
‫يدث فيها من المور و القبائل و العصبيات و تتلف باختلف الصال و لكل واحد منها حكم يصه لطفا من ال بعباده و أما أن يكون‬
‫القصد بالعهد حفظ التراث على البناء فليس من القاصد الدينية إذ هو أمر من ال يص به من يشاء من عباده ينبغي أن تسن فيه النية ما‬
‫أمكن خوفا من العبث بالناصب الدينية و اللك ل يؤتيه من يشاء‪ ،‬و عرض هنا أمور تدعو الضرورة إل بيان الق فيها‪.‬‬
‫فالول منها ما حدث ف يزيد من الفسق أيام خلفته فإياك أن تظن بعاوية رضي ال عنه أنه علم ذلك من يزيد فإنه أعدل من ذلك و أفضل‬
‫بل كان يعذله أيام حياته ف ساع الغناء و ينهاه عنه و هو أقل من ذلك و كانت مذاهبهم فيه متلفة و لا حدث ف يزيد ما حدث من‬
‫الفسق اختلف الصحابة حينئذ ف شأنه فمنهم من رأى الروج عليه و نقض بيعته من أجل ذلك كما فعل السي و عبد ال بن الزبي رضي‬
‫ال عنهما و من اتبعهما ف ذلك و منهم من أباه لا فيه من إثارة الفتنة و كثرة القتل مع العجز عن الوفاء به لن شوكة يزيد يومئذ هي‬
‫عصابة بن أمية و جهور أهل الل و العقد من قريش و تستتبع عصبية مضر أجع و هي أعظم من كل شوكة و ل تطاق مقاومتهم فأقصروا‬
‫عن يزيد بسبب ذلك وأقاموا على الدعاء بدايته و الراحة منه و هذا كان شأن جهور السلمي و الكل متهدون و ل ينكر على أحد من‬
‫الفريقي فمقاصدهم ف الب و تري الق معروفة وفقنا ال للقتداء بم‪.‬‬
‫و المر الثان هو شأن العهد مع النب صلى ال عليه و سلم و ما تدعيه الشيعة من وصيته لعلي رضي ال عنه و هو أمر ل يصح و ل نقله‬
‫أحد من أئمة النقل و الذي وقع ف الصحيح من طلب الدواة و القرطاس ليكتب الوصية و أن عمر منع من ذلك فدليل واضح على أنه ل‬
‫يقع و كذا قول عمر رضي ال عنه حي طعن و سئل ف العهد فقال‪ :‬إن أعهد فقد عهد من هو خي من يعن أبا بكر و إن أترك فقد ترك‬
‫من هو خي من يعن النب صلى ال عليه و سلم ل يعهد و كذلك قول علي للعباس رضي ال عنهما حي دعاه للدخول إل النب صلى ال‬
‫عليه و سلم يسألنه عن شأنما ف العهد فأب على من ذلك و قال إنه إن منعنا منها فل نطمع فيها آخر الدهر و هذا دليل على أن عليا علم‬
‫أنه ل يوص و ل عهد إل أحد و شبهة المامية ف ذلك إنا هي كون المامة من أركان الدين كما يزعمون و ليس كذلك و إنا هي من‬
‫الصال العامة الفوضة إل نظر اللق و لو كانت من أركان الدين لكان شأنا شأن الصلة و لكان يستخلف فيها كما استخلف أبا بكر ف‬
‫الصلة و لكان يشتهر كما اشتهر أمر الصلة و احتجاج الصحابة على خلفة أب بكر بقياسها على الصلة ف قولم ارتضاه رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم لديننا أفل نرضاه لدنيانا دليل على أن الوصية ل تقع‪ .‬و يدل ذلك أيضا على أن أمر المامة و العهد با ل يكن مهما‬
‫كما هو اليوم و شأن العصبية الراعاة ف الجتماع و الفتراق ف ماري العادة ل يكن يومئذ بذلك العتبار لن أمر الدين و السلم كان‬
‫كله بوارق العادة من تأليف القلوب عليه و استماتة الناس دونه و ذلك من أجل الحوال الت كانوا يشاهدونا ف حضور اللئكة لنصرهم‬
‫و تردد خب السماء بينهم و تدد خطاب ال ف كل حادثة تتلى عليهم فلم يتج إل مراعاة العصبية لا شل الناس من صبغة النقياد و‬
‫الذعان وما يستفزهم من تتابع العجزات الارقة و الحوال اللية الواقعة و اللئكة الترددة الت وجوا منها و دهشوا من تتابعها فكان أمر‬
‫اللفة و اللك و العهد والعصبية و سائر هذه النواع مندرجا ف ذلك القبيل كما وقع فلما انصر ذلك الدد بذهاب تلك العجزات ث‬
‫بفناء القرون الذين شاهدوها فاستحالت تلك الصبغة قليلً قليلً و ذهبت الوارق و صار الكم للعادة كما كان فاعتب أمر العصبية و‬
‫ماري العوائد فيما ينشأ عنها من الصال و الفاسد و أصبح اللك واللفة و العهد بما مهما من الهمات الكيدة كما زعموا و ل يكن‬
‫ذلك من قبل فانظر كيف كانت اللفة لعهد النب صلى ال عليه وسلم غي مهمة فلم يعهد فيها ث تدرجت الهية زمان اللفة بعض‬
‫الشيء با دعت الضرورة إليه ف الماية والهاد و شأن الردة و الفتوحات فكانوا باليار ف الفعل و الترك كما ذكرناه عن عمر رضي ال‬
‫عنه ث صارت اليوم من أهم المور لللفة على الماية و القيام بالصال فاعتبت فيها العصبية الت هي سر الوازع عن الفرقة و التخاذل و‬
‫منشأ الجتماع و التوافق الكفيل بقاصد الشريعة و أحكامها‪.‬‬
‫و المر الثالث شأن الروب الواقعة ف السلم بي الصحابة و التابعي فاعلم أن اختلفهم إنا يقع ف المور الدينية و ينشأ عن الجتهاد ف‬
‫الدلة الصحيحة و الدارك العتبة و الجتهدون إذا اختلفوا فإن قلنا إن الق ف السائل الجتهادية واحد من الطرفي و من ل يصادفه فهو‬
‫مطئ فإن جهته ل تتعي بإجاع فيبقى الكل على احتمال الصابة و ل يتعي الخطئ منها و التأثيم مدفوع عن الكل إجاعا و إن قلنا إن‬
‫الكل حق و إن كل متهد مصيب فأحرى بنفي الطأ و التأثيم و غاية اللف الذي بي الصحابة و التابعي أنه خلف اجتهادي ف مسائل‬
‫دينية ظنية و هذا حكمه و الذي وقع من ذلك ف السلم إنا هو واقعة على مع معاوية و مع الزبي و عائشة و طلحة و واقعة السي مع‬
‫يزيد و واقعة ابن الزبي مع عبد اللك فأما و واقعة علي فإن الناس كانوا عند مقتل عثمان مفترقي ف المصار فلم يشهدوا بيعة علي و الذين‬
‫شهدوا فمنهم من بايع و منهم من توقف حت يتمع الناس و يتفقوا على إمام كسعد و سعيد و ابن عمر و أسامة بن زيد و الغية بن شعبة‬
‫و عبد ال بن سلم و قدامة بن مظعون و أب سعيد الدري و كعب بن مالك و النعمان بن بشي و حسان بن ثابت و مسلمة بن ملد و‬
‫فضالة بن عبيد و أمثالم من أكابر الصحابة و الذين كانوا ف المصار عدلوا عن بيعته أيضا إل الطلب بدم عثمان و تركوا المر فوضى‬
‫حت يكون شورى بي السلمي لن يولونه و ظنوا بعلي هوادة ف السكوت عن نصر عثمان من قاتله ل ف المالة عليه فحاش ل من ذلك‪.‬‬
‫و لقد كان معاوية إذا صرح بلمته إنا يوجهها عليه ف سكوته فقط ث اختلفوا بعد ذلك فرأى علي أن بيعته قد انعقدت و لزمت من تأخر‬
‫عنها باجتماع من اجتمع عليها بالدينة دار النب صلى ال عليه و سلم و موطن الصحابة و أرجأ المر ف الطالبة بدم عثمان إل اجتماع‬
‫الناس و اتفاق الكلمة فيتمكن حينئذ من ذلك و رأى الخرون أن بيعته ل تنعقد لفتراق الصحابة أهل الل و العقد بالفاق و ل يصر إل‬
‫قليل و ل تكون البيعة إل باتفاق أهل الل و العقد و ل تلزم بعقد من تولها من غيهم أو من القليل منهم و إن السلمي حينئذ فوضى‬
‫فيطالبون أولً بدم عثمان ث يتمعون على إمام وذهب إل هذا معاوية و عمرو بن العاص و أم الؤمني عائشة و الزبي و ابنه عبد ال و‬
‫طلحة و ابنه ممد و سعد و سعيد و النعمان بن بشي و معاوية بن خديج و من كان على رأيهم من الصحابة الذين تلفوا عن بيعة علي‬
‫بالدينة كما ذكرنا إل أن أهل العصر الثان من بعدهم اتفقوا على انعقاد بيعة علي و لزومها للمسلمي أجعي و تصويب رأيه فيما ذهب‬
‫إليه و تعيي الطأ من جهة معاوية و من كان على رأيه و خصوصا طلحة و الزبي لنتقاضهما على علي بعد البيعة له فيما نقل مع دفع‬
‫التأثيم عن كل من الفريقي كالشأن ف الجتهدين و صار ذلك إجاعا من أهل العصر الثان على أحد قول أهل العصر الول كما هو‬
‫معروف‪.‬‬
‫و لقد سئل علي رضي ال عنه عن قتلى المل وصفي فقال‪ :‬و الذي نفسي بيده ل يوتن أحد من هؤلء و قلبه نقي إل دخل النة يشي إل‬
‫الفريقي نقله الطبي و غيه فل يقعن عندك ريب ف عدالة أحد منهم و ل قدح ف شيء من ذلك فهم من علمت و أقوالم و أفعالم إنا‬
‫هي عن الستندات و عدالتهم مفروغ منها عند أهل السنة إل قولً للمعتزلة فيمن قاتل عليا ل يلتفت إليه أحد من أهل الق و ل عرج عليه‬
‫و إذا نظر ت بعي النصاف عذرت الناس أجعي ف شأن الختلف ف عثمان و اختلف الصحابة من بعد و علمت أنا كانت فتنةً ابتلى‬
‫ال با المة بينما السلمون قد أذهب ال عدوهم و ملكهم أرضهم و ديارهم و نزلوا المصار على حدودهم بالبصرة و الكوفة و الشام و‬
‫مصر و كان أكثر العرب الذين نزلوا هذه المصار جفاةً ل يستكثروا من صحبة النب صلى ال عليه و سلم و ل ارتاضوا بلقه مع ما كان‬
‫فيهم من الاهلية من الفاء و العصبية و التفاخر و البعد عن سكينة اليان و إذا بم عند استفحال الدولة قد أصبحوا ف ملكة الهاجرين و‬
‫النصار من قريش وكنانة و ثقيف و هذيل و أهل الجاز و يثرب السابقي الولي إل اليان فاستنكفوا من ذلك و غضوا به لا يرون‬
‫لنفسهم من التقدم بأنسابم و كثرتم ومصادمة فارس و الروم مثل قبائل بكر بن وائل و عبد القيس بن ربيعة و قبائل كندة و الزد من‬
‫اليمن و تيم و قيس من مضر فصاروا إل الغض من قريش و النفة عليهم‪ ،‬و التمريض ف طاعتهم و التعلل ف ذلك بالتظلم منهم و‬
‫الستعداء عليهم والطعن فيهم بالعجز عن السوية و العدل ف العدل عن السوية و فشت القالة بذلك و انتهت إل الدينة و هم من علمت‬
‫فأعظموه و أبلغوه عثمان فبعث إل المصار من يكشف له الب‪.‬‬
‫بعث ابن عمر و ممد بن مسلمة و أسامة بن زيد و أمثالم فلم ينكروا على المراء شيئا و ل رأوا عليهم طعنا و أدوا ذلك كما علموه فلم‬
‫ينقطع الطعن من أهل المصار و مازالت الشناعات تنمو و رمي الوليد بن عقبة و هو على الكوفة بشرب المر و شهد عليه جاعة منهم و‬
‫حده عثمان و عزلة ث جاء إل الدينة من أهل المصار يسألون عزل العمال و شكوا إل عائشة و علي و الزبي و طلحة و عزل لم عثمان‬
‫بعض العمال فلم تنقطع بذلك ألسنتهم بل وفد سعيد بن العاصي وهو على الكوفة فلما رجع اعترضوه بالطريق و ردوه معزولً ث انتقل‬
‫اللف بي عثمان ومن معه من الصحابة بالدينة و نقموا عليه امتناعه من العزل فأب إل أن يكون على جرحة ث نقلوا النكي إل غي ذلك‬
‫من أفعاله و هو متمسك بالجتهاد و هم أيضا كذلك ث تمع قوم من الغوغاء وجاءوا إل الدينة يظهرون طلب النصفة من عثمان و هم‬
‫يضمرون خلف ذلك من قتله و فيهم من البصرة و الكوفة و مصر وقام معهم ف ذلك علي و عائشة و الزبي و طلحة و غيهم ياولون‬
‫تسكي المور و رجوع عثمان إل رأيهم و عزل لم عامل مصر فانصرفوا قليلً ث رجعوا و قد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنم لقوة ف‬
‫يد حامله إل عامل مصر بأن يقتلهم و حلف عثمان على ذلك فقالوا مكنا من مروان فإنه كاتبك فحلف مروان فقال ليس ف الكم أكثر‬
‫من هذا فحاصروه بداره ث بيتوه على حي غفلة من الناس و قتلوه وانفتح باب الفتنة فلكل من هؤلء عذر فيما وقع و كلهم كانوا مهتمي‬
‫بأمر الدين ول يضيعون شيئا من تعلقاته‪.‬‬
‫ث نظروا بعد هذا الواقع و اجتهدوا و ال مطلع على أحوالم و عال بم و نن ل نظن بم إل خيا لا شهدت به أحوالم و مقالت‬
‫الصادق فيهم و أما السي فإنه لا ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسي أن يأتيهم فيقوموا‬
‫بأمره فرأى السي أن الروج على يزيد متعي من أجل فسقه ل سيما من له القدرة على ذلك و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته فأما‬
‫الهلية فكانت كما ظن و زيادة و أما الشوكة فغلط يرحه ال فيها لن عصبية مضر كانت ف قريش و عصبية عبد مناف إنا كانت ف بن‬
‫أمية تعرف ذلك لم قريش و سائر الناس و ل ينكرونه و إنا نسي ذلك أول السلم لا شغل الناس من الذهول بالوارق و أمر الوحي و‬
‫تردد اللئكة لنصرة السلمي فأغفلوا أمور عوائدهم و ذهبت عصبية الاهلية و منازعها و نسيت و ل يبق إل العصبية الطبيعية ف الماية و‬
‫الدفاع ينتفع با ف إقامة الدين و جهاد الشركي و الدين فيها مكم و العادة معزولة حت إذا انقطع أمر النبؤة و الوارق الهولة تراجع‬
‫الكم بعض الشيء للعوائد فعادت العصبية كما كانت و لن كانت و أصبحت مصر أطوع لبن أمية من سواهم با كان لم من ذلك قبل‬
‫فقد تبي لك غلط السي إل أنه ف أمر دنيوي ل يضره الغلط فيه و أما الكم الشرعي فلم يغلط فيه لنه منوط بظنه و كان ظنه القدرة‬
‫على ذلك و لقد عذله ابن العباس و ابن الزبي و ابن عمر و ابن النفية أخوه و غيه ف مسيه إل الكوفة و علموا غلطه ف ذلك و ل يرجع‬
‫عما هو بسبيله لا أراده ال‪.‬‬
‫و أما غي السي من الصحابة الذين كانوا بالجاز و مع يزيد بالشام والعراق و من التابعي لم فرأوا أن الروج على يزيد و إن كان‬
‫فاسقا ل يوز لا ينشأ عنه من الرج و الدماء فأقصروا عن ذلك و ل يتابعوا السي و ل أنكروا عليه و ل أثوه لنه متهد و هو أسوة‬
‫الجتهدين و ل يذهب بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلء بخالفة السي و قعودهم عن نصره فإنم أكثر الصحابة و كانوا مع يزيد و ل يروا‬
‫الروج عليه و كان السي يستشهد بم و هو بكربلء على فصله و حقه و يقول سلوا جابر بن عبد ال و أبا سعيد الدري و أنس بن‬
‫مالك و سهل بن سعيد و زيد بن أرقم و أمثالم و ل ينكر عليهم قعودهم عن نصره و ل تعرض لذلك لعلمه أنه عن اجتهاد و إن كان هو‬
‫على اجتهاد و يكون ذلك كما يد الشافعي و الالكي و النفي على شرب النبيذ و اعلم أن المر ليس كذلك و قتاله ل يكن عن اجتهاد‬
‫هؤلء و إن كان خلفه عن اجتهادهم و إنا انفرد بقتاله يزيد و أصحابه و ل تقولن إن يزيد و إن كان فاسقا و ل يز هؤلء الروج عليه‬
‫فأفعاله عندهم صحيحة و اعلم أنه إنا ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعا و قتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع المام العادل و‬
‫هو مفقود ف مسئلتنا فل يوز قتال السي مع يزيد و ل ليزيد بل هي من فعلته الؤكدة لفسقه و السي فيها شهيد مثاب و هو على حق‬
‫و اجتهاد و الصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضا و اجتهاد و قد غلط القاضي أبو بكر بن العرب الالكي ف هذا فقال ف كتابه‬
‫الذي ساه بالعواصم و القواصم ما معناه‪:‬‬
‫إن السي قتل بشرع جده و هو غلط حلته عليه الغفلة عن اشتراط المام العادل و من أعدل من السي ف زمانه ف إمامته و عدالته ف‬
‫قتال أهل الراء و أما ابن الزبي فإنه رأى ف منامه ما رآه السي و ظن كما ظن و غلطه ف أمر الشوكة أعظم لن بن أسد ل يقاومون بن‬
‫أمية ف جاهلية و ل إسلم‪ .‬و القول بتعي الطاء ف جهة مالفة كما كان ف جهة معاوية مع علي ل سبيل إليه‪ .‬لن الجاع هنالك قضى‬
‫لنا به و ل نده ها هنا‪ .‬و أما يزيد فعي خطأه فسقه‪ .‬و عبد اللك صاحب ابن الزبي أعظم الناس عدالة و ناهيك بعدالته احتجاج مالك‬
‫بفعله و عدول ابن عباس و ابن عمر إل بيعته عن ابن الزبي و هم معه بالجاز مع أن الكثي من الصحابة كانوا يرون أن بيعة ابن الزبي ل‬
‫تنعقد لنه ل يضرها أهل العقد و الل كبيعة مروان و ابن الزبي على خلف ذلك و الكل متهدون ممولون على الق ف الظاهر و إن ل‬
‫يتعي ف جهة منهما و القتل الذي نزل به بعد تقرير ما قررناه ييء على قواعد الفقه و قوانينه مع أنه شهيد مثاب باعتبار قصده و تريه‬
‫الق هذا هو الذي ينبغي أن تمل عليه أفعال السلف من الصحابة و التابعي فهم خيار المة و إذا جعلناهم عرضة للقدح فمن الذي يتص‬
‫بالعدالة و النب صلى ال عليه و سلم يقول‪ :‬خي الناس قرن ث الذين يلونم مرتي أو ثلثا ث يفشو الكذب فجعل الية و هي العدالة‬
‫متصة بالقرن الول و الذي يليه فإياك أن تعود نفسك أو لسانك التعرض لحد منهم و ل يشوش قلبك بالريب ف شيء ما وقع مهم و‬
‫التمس لم مذاهب الق و طرقه ما استطعت فهم أول الناس بذلك و ما اختلفوا إل عن بينة و ما قاتلوا أو قتلوا إل ف سبيل جهاد أو إظهار‬
‫حق واعتقد مع ذلك أن اختلفهم رحة لن بعدهم من المة ليقتدي كل واحد بن يتاره منهم و يعله إمامه و هادية و دليله فافهم ذلك و‬
‫تبي حكمه ال ف خلقه و أكوانه و اعلم أنه على كل شيء قدير و إليه اللجأ و الصي و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الادي و الثلثون ف الطط الدينية اللفية‬


‫لا تبي أن حقيقة اللفة نيابة عن صاحب الشرع ف حفظ الدين و سياسة الدنيا فصاحب الشرع متصرف ف المرين أما ف الدين‬
‫فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هو مأمور بتبليغها و حل الناس عليها و أما سياسة الدنيا فبمقتضى رعايته لصالهم ف العمران البشري و‬
‫قد قدمنا أن هذا العمران ضروري للبشر و أن رعاية مصاله كذلك لئل يفسد إن أهلت و قدمنا أن اللك و سطوته كاف ف حصول هذه‬
‫الصال‪.‬‬
‫نعم إنا تكون أكمل إذا كانت بالحكام الشرعية لنه أعلم بذه الصال فقد صار اللك يندرج تت اللفة إذا كان إسلميا و يكون من‬
‫توابعها و قد ينفر إذا كان ف غي اللة و له على كل حال مراتب خادمة و وظائف تابعة تتعي خططا و تتوزع على رجال الدولة وظائف‬
‫فيقوم كل واحد بوظيفته حسبما يعينه اللك الذي تكون يده عاليةً عليهم فيتم بذلك أمره و يسن قيامه بسلطانه و أما النصب اللف و إن‬
‫كان اللك يندرج تته بذا العتبار الذي ذكرناه فتصرفه الدين يص بطط و مراتب ل تعرف إل للخلفاء السلميي فلنذكر الن الطط‬
‫الدينية الختصة باللفة و نرجع إل الطط اللوكية السلطانية‪.‬‬
‫فاعلم أن الطط الدينية الشرعية من الصلة و الفتيا و لقضاء و الهاد و السبة كلها مندرجة تت المامة الكبى الت هي اللفة فكأنا‬
‫المام الكبي و الصل الامع و هذه كلها متفرعة عنها و داخلة فيها لعموم نظر اللفة وتصرفها ف سائر أحوال اللة الدينية و الدنيوية و‬
‫تنفيذ أحكام الشرع فيها على العموم‪.‬‬
‫فأما إمامة الصلة فهي أرفع هذه الطط كلها و أرفع من اللك بصوصه الندرج معها تت اللفة‪ .‬و لقد يشهد لذلك استدلل الصحابة‬
‫ف شأن أب بكر رضي ال عنه باستخلفه ف الصلة على استخلفه ف السياسة ف قولم ارتضاه رسول ال صلى ال عليه و سلم لديننا أفل‬
‫نرضاه لدنيانا ؟ فلول أن الصلة أرفع من السياسة لا صح القياس و إذا ثبت ذلك فاعلم أن الساجد ف الدينة صنفان مساجد عظيمة كثية‬
‫الغاشية معدة للصلوات الشهودة‪ .‬و أخرى دونا متصة بقوم أو ملة وليست للصلوات العامة فأما الساجد العظيمة فأمرها راجع إل الليفة‬
‫أو من يفوض إليه من سلطان أو من وزير أو قاض فينصب لا المام ف الصلوات المس و المعة و العيدين و السوفي و الستسقاء و‬
‫تعي ذلك إنا هو من طريق الول و الستحسان و لئلً يفتات الرعايا عليه ف شيء من النظر ف الصال العامة وقد يقول بالوجوب ف ذلك‬
‫من يقول بوجوب إقامة المعة فيكون نصب المام لا عنده واجبا و أما الساجد الختصة بقوم أو ملة فأمرها راجع إل اليان و ل تتاج‬
‫إل نظر خليفة و ل سلطانا و أحكام هذه الولية و شروطها و الول فيها معروفة ف كتب الفقه و مبسوطة ف كتب الحكام السلطانية‬
‫للماوردي و غيه فل نطول بذكرها و لقد كان اللفاء الولون ل يقلدونا لغيهم من الناس‪ .‬و انظر من طعن من اللفاء ف السجد عند‬
‫الذان بالصلة و ترصدهم لذلك ف أوقاتا‪ .‬يشهد لك ذلك بباشرتم لا و أنم ل يكونوا مستخلفي فيها‪ .‬و كذا كان رجال الدولة‬
‫الموية من بعدهم استئثارا با و استعظاما لرتبتها‪.‬‬
‫يكى عن عبد اللك أنه قال لاجبه قد جعلت لك حجابهً يأب إل عن ثلثة صاحب الطعام فإنه يفسد بالتأخي و الذان بالصلة فإنه داع‬
‫إل ال و البيد فال ف تأخيه فساد القاصية فلما جاءت طبيعة اللك و عوارضه من الغلظة و الترفع عن مساواة الناس ف دينهم و دنياهم‬
‫استنابوا ف الصلة فكانوا يستأثرون با ف الحيان و ف الصلوات العامة كالعيدين و المعة إشارةً و تنويها فعل ذلك كثي من خلفاء بن‬
‫العباس و العبيديي صدر دولتهم‪.‬‬
‫و أما الفتيا فللخليفة تصفح أهل العلم و التدريس و رد الفتيا إل من هو أهل لا وإعانته على ذلك و منع من ليس أهل لا و زجره لنا من‬
‫مصال السلمي ف أديانم فتجب عليه مراعاتا لئل يتعرض لذلك من ليس له بأهل فيضل الناس‪ .‬وللمدرس النتصاب لتعليم العلم و بثه و‬
‫اللوس لذلك ف الساجد فإن كانت من الساجد العظام الت للسلطان الولية عليها و النظر ف أئمتها كما مر فل بد من استئذانه ف ذلك و‬
‫إن كانت من مساجد العامة فل يتوقف ذلك‪ .‬على إذن‪ .‬على أنه ينبغي أن يكون لكل أحد من الفتي و الدرسي زاجر من نفسه ينعه عن‬
‫التصدي لا ليس له بأهل فيضل به الستهدي و يضل به السترشد و ف الثر أجراكم على الفتيا أجراكم على جراثيم جهنم فللسلطان فيهم‬
‫لذلك من النظر ما توجبه الصلحة من إجازة أو رد‪.‬‬
‫و أما القضاء فهو من الوظائف الداخلة تت اللفة لنه منصب الفصل بي الناس ف الصومات حسما للتداعي و قطعا للتنازع إل أنه‬
‫بالحكام الشرعية التلقاة من الكتاب و السنة‪ ،‬فكان لذلك من وظائف اللفة و مندرجا ف عمومها و كان اللفاء ف صدر السلم‬
‫يباشرونه بأنفسهم و ل يعلون القضاء إل من سواهم‪ .‬و أول من دفعه إل غيه و فوضه فيه عمر رضي ال عنه فول أبا الدرداء معه بالدينة‬
‫و ول شريا بالبصرة و ول أبا موسى الشعري بالكوفة و كتب له ف ذلك الكتاب الشهور الذي تدور عليه أحكام القضاة و هي مستوفاة‬
‫فيه يقول أما بعد‪ :‬فإن القضاء فريضة مكمة و سنة متبعة فافهم إذا أدل إليك فإنه ل ينفع تكلم بق ل نفاذ له و آس بي الناس ف وجهك و‬
‫ملسك و عدلك حت ل يطمع شريف ف حيفك و ل ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى و اليمي على من أنكر‪ .‬و الصلح جائز‬
‫بي السلمي إل صلحا أحل حراما أو حرم حللً و ل ينعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك و هديت فيه لرشدك أن ترجع إل‬
‫الق فإن الق قدي و مراجعة الق خي من التمادي ف الباطل الفهم الفهم فيما يتلجلج ف صدرك ما ليس ف كتاب و ل سنة ث اعرف‬
‫المثال و الشباه و قس المور بنظائرها و اجعل لن ادعى حقا غائبا أو بينةً أمدا ينتهي إليه فإن أحضر بينته أخذت له بقه و إل استحللت‬
‫القضاء عليه فإن ذلك أنفى للشك و أجلى للعمى‪ .‬السلمون عدول بعضهم على بعض إل ملودا ف حد أو مرى عليه شهادة زور أو ظنينا‬
‫ف نسب أو ولء‪ ،‬فإن ال سبحانه عفا عن اليان و درأ بالبينات‪ .‬و إياك و القلق و الضجر و التأفف بالصوم فإن استقرار الق ف مواطن‬
‫الق يعظم ال به الجر و يسن به الذكر و السلم‪.‬‬
‫انتهى كتاب عمر و إنا كانوا يقلدون القضاء لغيهم و إن كان ما يتعلق بم لقيامهم بالسياسة العامة و كثرة أشغالا من الهاد و‬
‫الفتوحات و سد الثغور وحاية البيضة‪ ،‬و ل يكن ذلك ما يقوم به غيهم لعظم العناية فاستحقوا القضاء ف الواقعات بي الناس و استخلفوا‬
‫فيه من يقوم به تفيفا على أنفسهم و كانوا مع ذلك إنا يقلدونه أهل عصبيتهم بالنسب أو الولء و ل يقلدونه لن بعد عنهم ف ذلك‪ .‬و أما‬
‫أحكام هذا النصب و شروطه فمعروفة ف كتب الفقه و خصوصا كتب الحكام السلطانية‪ .‬إل أن القاضي إنا كان له ف عصر اللفاء‬
‫الفصل بي الصوم فقط ث دفع لم بعد ذلك أمور أخرى على التدريج بسب اشتغال اللفاء و اللوك بالسياسة الكبى و استقر منصب‬
‫القضاء آخر المر على أنه يمع مع الفصل بي الصوم استيفاء بعض القوق العامة للمسلمي بالنظر ف أموال الحجور عليهم من الجاني‬
‫و اليتامى و الفلسي و أهل السفه و ف وصايا السلمي و أوقافهم و تزويج اليامى عند فقد الولياء على رأي من رآه و النظر ف مصال‬
‫الطرقات و البنية و تصفح الشهود و المناء و النواب و استيفاء العلم و البة فيهم بالعدالة و الرح ليحصل له الوثوق بم و صارت هذه‬
‫كلها من تعلقات وظيفته و توابع وليته‪ .‬و قد كان اللفاء من قبل يعلون للقاضي النظر ف الظال و هي وظيفة متزجة من سطوة السلطنة‬
‫و نصفة القضاء و تتاج إل علو يد و عظيم رهبة تقمع الظال من الصمي و تزجر التعدي و كأنه يضي ما عجز القضاة أو غيهم عن‬
‫إمضائه و يكون نظره ف البينات و التقرير و اعتماد المارات و القرائن و تأخي الكم إل استجلء الق و حل الصمي على الصلح و‬
‫استحلف الشهود و ذلك أوسع من نظر القاضي‪.‬‬
‫و كان اللفاء الولون يباشرونا بأنفسهم إل أيام الهتدي من بن العباس و ربا كانوا يعلونا لقضاتم كما فعل عمر رضي ال عنه مع‬
‫قاضيه أب أدريس الولن و كما فعله الأمون ليحي بن أكثم و العتصم لحد بن أب داود و ربا كانوا يعلون للقاضي قيادة الهاد ف‬
‫عساكر الطوائف و كان يي بن أكثم يرج أيام الأمون بالطائفة إل أرض الروم و كذا منذر بن سعيد قاضي عبد الرحن الناصر من بن‬
‫أمية بالندلس فكانت توليه هذه الوظائف إنا تكون للخلفاء أو من يعلون ذلك له من وزير مفوض أو سلطان متغلب‪ .‬و كان أيضا النظر‬
‫ف الرائم و إقامة الدود ف الدولة العباسية و الموية بالندلس و العبيديي بصر و الغرب راجعا إل صاحب الشرطة و هي وظيفة أخرى‬
‫دينية كانت من الوظائف الشرعية ف تلك الدول توسع النظر فيها عن أحكام القضاء قليلً فيجعل للتهمة ف الكم مالً و يفرض العقوبات‬
‫الزاجرة قبل ثبوت الرائم و يقيم الدود الثابتة ف مالا و يكم ف القود و القصاص و يقيم التعزيز و التأديب ف حق من ل ينته عن الرية‪.‬‬
‫ث تنوسي شأن هاتي الوظيفتي ف الدول الت تنوسي فيها أمر اللفة فصار أمر الظال راجعا إل السلطان كان له تفويض من الليفة أو ل‬
‫يكن و انقسمت وظيفة الشرطة قسمي منها وظيفة التهمة على الرائم و إقامة حدودها و مباشرة القطع و القصاص حيث يتعي و نصب‬
‫لذلك ف هذه الدول حاكم يكم فيها بوجب السياسة دون مراجعة الحكام الشرعية و يسمى تارةً باسم الوال و تار ًة باسم الشرطة و بقي‬
‫قسم التعازير و إقامة الدود ف الرائم الثابتة شرعا فجمع ذلك للقاضي مع ما تقدم و صار ذلك من توابع وظيفة وليته و استقر المر لذا‬
‫العهد على ذلك و خرجت هذه الوظيفة عن أهل عصبية الدولة لن المر لا كان خلفةً دينيةً و هذه الطة من مراسم الدين فكانوا ل‬
‫يولون فيها إل من أهل عصبيتهم من العرب و مواليهم باللف أو بالرق أو بالصطناع من يوثق بكفايته أو غنائه فيما يدفع إليه‪ ،‬و لا‬
‫انقرض شأن اللفة و طورها و صار المر كله ملكا أو سلطانا صارت هذه الطط الدينية بعيدة عنه بعض الشيء لنا ليست من ألقاب‬
‫اللك و ل مراسه ث خرج المر جلة من العرب و صار اللك لسواهم من أمم الترك و الببر فازدادت هذه الطط اللفية بعدا عنهم‬
‫بنحاها وعصبيتها‪ .‬و ذلك أن العرب كانوا يرون أن الشريعة دينهم و هل النب صلى ال عليه و سلم منهم و أحكامه و شرائعه نلتهم بي‬
‫المم و طريقهم‪ ،‬و غيهم ل يرون ذلك إنا يولونا جانبا من التعظيم لا دانوا باللة فقط‪ .‬فصاروا يقلدونا من غي عصابتهم من كان تأهل‬
‫لا ف دول اللفاء السالفة‪.‬‬
‫و كان أولئك التأهلون با أخذهم ترف الدول منذ مئتي من السني قد نسوا عهد البداوة و خشونتها و التبسوا بالضارة ف عوائد ترفهم و‬
‫دعتهم‪ ،‬و قلة المانعة عن أنفسهم‪ ،‬و صارت هذه الطط ف الدول اللوكية من بعد اللفاء متصةً بذا الصنف من الستضعفي ف أهل‬
‫المصار و نزل أهلها عن مراتب العز لفقد الهلية بأنسابم و ما هم عليه من الضارة فلحقهم من الحتقار ما لق الضر النغمسي ف‬
‫الترف و الدعة‪ ،‬البعداء عن عصبية اللك الذين هم عيال على الامية‪ ،‬و صار اعتبارهم ف الدولة من أجل قيامها باللة و أخذها بأحكام‬
‫الشريعة‪ ،‬لا أنم الاملون للحكام القتدون با‪ .‬و ل يكن إيثارهم ف الدولة حينئذ إكراما لذواتم‪ ،‬و إنا هو لا يتلمح من التجمل بكانم‬
‫ف مالس اللك لتعظيم الرتب الشرعية‪ ،‬و ل يكن لم فيها من الل و العقد شيء‪ ،‬و أن حضروه فحضور رسي ل حقيقة وراءه‪ ،‬إذ حقيقة‬
‫الل و العقد إنا هي لهل القدرة عليه فمن ل قدرة له عليه فل حل له و ل عقد لديه‪ .‬اللهم إل أخذ الحكام الشرعية عنهم‪ ،‬و تلقي‬
‫الفتاوى منهم فنعم و ال الوفق‪ .‬و ربا يظن بعض الناس أن الق فيما وراء ذلك و أن فعل اللوك فيما فعلوه من إخراج الفقهاء و القضاة‬
‫من الشورى مرجوح و قد قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬العلماء ورثة النبياء فاعلم أن ذلك ليس كما ظنه و حكم اللك و السلطان إنا يري‬
‫على ما تقتضيه طبيعة العمران و إل كان بعيدا عن السياسة‪ .‬فطبيعة العمران ف هؤلء ل تقضي لم شيئا من ذلك لن الشورى و الل و‬
‫العقد ل تكون إل لصاحب عصبية يقتدر با على حل أو عقد أو فعل أو ترك‪ ،‬و أما من ل عصبية له و ل يلك من أمر نفسه شيئا و ل من‬
‫حايتها و إنا هو عيال على غيه فأي مدخل له ف الشورى أو أي معن يدعو إل اعتباره فيها اللهم إل شوراه فيما يعلمه من الحكام‬
‫الشرعية فموجودة ف الستفتاء خاصة‪ .‬و أما شوراه ف السياسة فهو بعيد عنها لفقدانه العصبية و القيام على معرفة أحوالا وأحكامها و إنا‬
‫إكرامهم من تبعات اللوك و المراء الشاهدة لم بميل العتقاد ف الدين و تعظيم من ينتسب إليه بأي جهة انتسب و أما قوله صلى ال‬
‫عليه و سلم العلماء ورثة النبياء فاعلم أن الفقهاء ف الغلب لذا العهد و ما احتف به إنا حلوا الشريعة أقوالً ف كيفية العمال ف‬
‫العبادات و كيفية القضاء ف العاملت ينصونا على من يتاج إل العمل با هذه غاية أكابرهم و ل يتصفون إل بالقل منها و ف بعض‬
‫الحوال و السلف رضوان ال عليهم و أهل الدين و الورع من السلمي حلوا الشريعة اتصافا با و تققا بذاهبها‪ .‬فمن حلها اتصافا و‬
‫تققا دون نقل فهو من الوارثي مثل أهل رسالة القشيي و من اجتمع له المران فهو الوارث على القيقة مثل فقهاء التابعي و السلف و‬
‫الئمة الربعة و من اقتفى طريقهم و جاء على أثرهم و إذا انفرد واحد من المة بأحد المرين فالعابد أحق بالوراثة من الفقيه الذي ليس‬
‫بعابد لن العابد ورث بصفة و الفقيه الذي ليس بعابد ل يرث شيئا إنا هو صاحب أقوال بنصها علينا ف كيفيات العمل و هؤلء أكثر‬
‫فقهاء عصرنا إل الذين آمنوا و عملوا الصالات و قليل ما هم‪.‬‬
‫العدالة‪ :‬و هي وظيفة دينية تابعة للقضاء و من مواد تصريفه و حقيقة هذه الوظيفة القيام عن إذن القاضي بالشهادة بي الناس فيما لم و‬
‫عليهم تملً عند الشهاد و أداء عند التنازع و كتبا ف السجلت تفظ به حقوق الناس و أملكهم و ديونم و سائر معاملتم و شرط‬
‫هذه الوظيفة التصاف بالعدالة الشرعية و الباءة من الرح ث القيام بكتب السجلت و العقود من جهة عباراتا و انتظام فصولا و من جهة‬
‫إحكام شروطها الشرعية و عقودها فيحتاج حينئذ إل ما يتعلق بذلك من الفقه و لجل هذه الشروط و ما يتاج إليه من الران على ذلك و‬
‫المارسة له اختص ذلك ببعض العدول و صار الصنف القائمون به كأنم متصون بالعدالة و ليس كذلك و إنا العدالة من شروط‬
‫اختصاصهم بالوظيفة و يب على القاضي تصفح أحوالم و الكشف عن سيهم رعاية لشرط العدالة فيهم و أن ل يهمل ذلك لا يتعي عليه‬
‫من حفظ حقوق الناس فالعهدة عليه ف ذلك كله و هو ضامن دركه و إذا تعي هؤلء لذه الوظيفة عمت الفائدة ف تعبي من تفى عدالته‬
‫على القضاة بسبب اتساع المصار و اشتباه الحوال و اضطرار القضاة إل الفصل بي التنازعي بالبينات الوثوقة فيعولون غالبا ف الوثوق‬
‫با على هذا الصنف و لم ف سائر المصار دكاكي و مصاطب يتصون باللوس عليها فيتعاهدهم أصحاب العاملت للشهاد و تقييده‬
‫بالكتاب و صار مدلول هذه اللفظة مشتركا بي هذه الوظيفة الت تبي مدلولا و بي العدالة الشرعية الت هي أخت الرح و قد يتواردان و‬
‫يفترقان و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫السبة و السكة‬
‫إما السبة فهي وظيفة دينية من باب المر بالعروف و النهي عن النكر الذي هو فرض على القائم بأمور السلمي يعي لذلك من يراه أهلً‬
‫له فيتعي فرضه عليه ويتخذ العوان على ذلك و يبحث عن النكرات و يعزر و يؤدب على قدرها و يمل الناس على الصال العامة ف‬
‫الدينة مثل النع من الضايقة ف الطرقات و منع المالي و أهل السفن من الكثار ف المل و الكم على أهل البان التداعية للسقوط‬
‫بدمها و إزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة والضرب على أيدي العلمي ف الكاتب و غيها ف البلغ ف ضربم للصبيان التعلمي و‬
‫ل يتوقف حكمه على تنازع أو استعداء بل له النظر و الكم فيما يصل إل علمه من ذلك و يرفع إليه و ليس له إمضاء الكم ف الدعاوي‬
‫مطلقا بل فيما يتعلق بالغش و التدليس ف العايش و غيها ف الكاييل و الوازين و له أيضا حل الماطلي على النصاف و أمثال ذلك ما‬
‫ليس فيه ساع بينة و ل إنفاذ حكم و كأنا أحكام ينه القاضي عنها لعمومها و سهولة أغراضها فتدفع إل صاحب هذه الوظيفة ليقوم با‬
‫فوضعها على ذلك أن تكون خادمة لنصب القضاء و قد كانت ف كثي من الدول السلمية مثل العبيديي بصر و الغرب و المويي‬
‫بالندلس داخلة ف عموم ولية القاضي يول فيها باختياره ث لا انفردت وظيفة السلطان عن اللفة و صار نظره عاما ف أمور السياسة‬
‫اندرجت ف وظائف اللك و أفردت بالولية‪.‬‬
‫و أما السكة فهي النظر ف النقود التعامل با بي الناس و حفظها ما يداخلها من الغش أو النقص إن كان يتعامل با عددا أو ما يتعلق بذلك‬
‫و يوصل إليه من جيع العتبارات ث ف وضع علمة السلطان على تلك النقود بالستجادة و اللوص برسم تلك العلمة فيها من خات‬
‫حديد أتذ لذلك و نقش فيه نقوش خاصة به فيوضع على الدينار بعد أن يقدر ويضرب عليه بالطرقة حت ترسم فيه تلك النقوش و تكون‬
‫علمة على جودته بسب الغاية الت وقف عندها السبك والتخليص ف متعارف أهل القطر و مذاهب الدولة الاكمة فإن السبك و‬
‫التخليص ف النقود ل يقف عند غاية و إنا ترجع غايته إل الجتهاد فإذا وقف أهل أفق أو قطر على غاية من التخليص وقفوا عندها و‬
‫سوها إماما و عيارا يعتبون به نقودهم وينتقدونا بماثلته فإن نقص عن ذلك كان زيفا و النظر ف ذلك كله لصاحب هذه الوظيفة و هي‬
‫دينية بذا العتبار فتندرج تت اللفة و قد كانت تندرج ف عموم ولية القاضي ث أفردت لذا العهد كما وقع ف البشة‪.‬‬
‫هذا آخر الكلم ف الوظائف اللفية و بقيت منها وظائف ذهبت بذهاب ما ينظر فيه و أخرى صارت سلطانيةً فوظيفة المارة و الوزارة و‬
‫الرب و الراج صارت سلطانية نتكلم عليها ف أماكنها بعد وظيفة الهاد وظيفة الهاد بطلت ببطلنه إل ف قليل من الدول يارسونه و‬
‫يدرجون أحكامه غالبا ف السلطانيات وكذا نقابة النساب الت يتوصل با إل اللفة أو الق ف بيت الال قد بطلت لدثور اللفة و‬
‫رسومها و بالملة قد اندرجت رسوم اللفة و وظائفها ف رسوم اللك و السياسة ف سائر الدول لذا العهد و ال مصرف المور كيف‬
‫يشاء‪.‬‬

‫الفصل الثان و الثلثون ف اللقب بأمي الؤمني و إنه من سات اللفة و هو‬
‫مدث منذ عهد اللفاء‬
‫و ذلك أنه لا بويع أبو بكر رضي ال عنه و كان الصحابة رضي ال عنهم و سائر السلمي يسمونه خليفة رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫و ل يزل المر على ذلك إل أن هلك فلما بويع لعمر بعهده إليه كانوا يدعونه خليفة خليفة رسول ال صلى ال عليه و سلم و كأنم‬
‫استثقلوا هذا اللقب بكثرته و طول إضافته و أنه يتزايد فيما بعد دائما إل أن ينتهي إل الجنة و يذهب منه التمييز بتعدد الضافات و كثرتا‬
‫فل يعرف فكانوا يعدلون عن هذا اللقب إل ما سواه ما يناسبه و يدعى به مثله و كانوا يسمون قواد البعوث باسم المي و هو فعيل من‬
‫المارة و قد كان الاهلية يدعون النب صلى ال عليه و سلم أمي مكة و أمي الجاز و كان الصحابة أيضا يدعون سعد بن أب و قاص أمي‬
‫الؤمني لمارته على جيش القادسية و هم معظم السلمي يومئذ و اتفق أن دعا بعض الصحابة عمر رضي ال عنه يا أمي الؤمني فاستحسنه‬
‫الناس و استصوبوه و دعوه به‪.‬‬
‫يقال إن أول من دعاه بذلك عبد ال بن جحش و قيل عمرو بن العاصي والغية بن شعبة و قيل بريد جاء بالفتح من بعض البعوث و دخل‬
‫الدينة و هو يسأل عن عمر و يقول أين أمي الؤمني و سمها أصحابه فاستحسنوه و قالوا أصبت و ال اسه إنه و ال أمي الؤمني حقا‬
‫فدعوه بذلك و ذهب لقبا له ف الناس وتوارثه اللفاء من بعده سةً ل يشاركهم فيها أحد سواهم إل سائر دولة بن أمية ث إن الشيعة خصوا‬
‫عليا باسم المام نعتا له بالمامة الت هي أخت اللفة وتعريضا بذهبهم ف أنه أحق بإمامة الصلة من أب بكر لا هو مذهبهم و بدعتهم‬
‫فخصوه بذا اللقب و لن يسوقون إليه منصب اللفة من بعده فكانوا كلهم يسمون بالمام ما داموا يدعون لم ف اللفاء حت إذا يستولون‬
‫على الدولة يولون اللقب فيما بعده إل أمي الؤمني كما فعله شيعة بن العباس فإنم ما زالوا يدعون أئمتهم بالمام إل إبراهيم الذي جهروا‬
‫بالدعاء له و عقدوا الرايات للحرب على أمره فلما هلك دعي أخوة السفاح بأمي الؤمني‪.‬‬
‫و كذا الرافضة بأفريقيا فإنم ما زالوا يدعون أئمتهم من ولد إساعيل بالمام حت انتهى المر إل عبيد ال الهدي و كانوا أيضا يدعونه‬
‫بالمام و لبنه أب القاسم من بعده فلما استوثق لم المر دعوا من بعدها بأمي الؤمني و كذا الدارسة بالغرب كانوا يلقبون إدريس‬
‫بالمام و ابنه إدريس الصغر كذلك وهكذا شأنم و توارث اللفاء هذا اللقب بأمي الؤمني و جعلوه سة لن يلك الجاز و الشام و‬
‫العراق و الواطن الت هي ديار العرب و مراكز الدولة و أهل اللة و الفتح و ازداد لذلك ف عنفوان الدولة و بذخها لقب آخر اللفاء يتميز‬
‫به بعضهم عن بعض لا ف أمي الؤمني من الشتراك بينهم فاستحدث لذلك بنو العباس حجابا لسائهم العلم عن امتهانا ف ألسنة السوقة‬
‫و صونا لا عن البتذال فتلقبوا بالسفاح و النصور و الهدي و الادي و الرشيد إل آخر الدولة و اقتفى أثرهم ف ذلك العبيديون بأفريقية و‬
‫مصر و تاف بنو أمية عن ذلك بالشرق قبلهم مع الغضاضة و السذاجة لن العروبية و منازعها ل تفارقهم حينئذ و ل يتحول عنهم شعار‬
‫البداوة إل شعار الضارة و أما بالندلس فتلقبوا كسلفهم مع ما عملوه من أنفسهم من القصور عن ذلك بالقصور عن ملك الجاز أصل‬
‫العرب و اللة و البعد عن دار اللفة الت هي مركز العصبية و أنم إنا منعوا بإمارة القاصية أنفسهم من مهالك بن العباس حت إذا جاء عبد‬
‫الرحن الداخل الخر منهم و هو الناصر بن ممد بن المي عبد ال بن ممد بن عبد الرحن الوسط لول الائة الرابعة و اشتهر ما نال‬
‫اللفة بالشرق من الجر و استبداد الوال و عيثهم ف اللفاء بالعزل و الستبدال و القتل و السمل ذهب عبد الرحن هذا إل مثل مذاهب‬
‫اللفاء بالشرق و أفريقية و تسمى بأمي الؤمني و تلقب بالناصر لدين ال‪ .‬و أخذت من بعده عادة و مذهب لقن عنه و ل يكن لبائه و‬
‫سلف قومه‪ .‬و استمر الال على ذلك إل أن انقرضت عصبية العرب أجع و ذهب رسم اللفة و تغلب الوال من العجم على بن العباس‬
‫و الصنائع على العبيديي بالقاهرة و صنهاجة على أمراء أفريقية و زناتة على الغرب و ملوك الطوائف بالندلس على أمر بن أمية واقتسموه‬
‫و افترق أمر السلم فاختلفت مذاهب اللوك بالغرب و الشرق ف الختصاص باللقاب بعد أن تسموا جيعا باسم السلطان‪.‬‬
‫فأما ملوك الشرق من العجم فكان اللفاء يصونم يألقاب تشريفية حت يستشعر منها انقيادهم و طاعتهم و حسن وليتهم مثل شرف‬
‫الدولة و عضد الدولة و ركن الدولة و معز الدولة و نصي الدولة و نظام اللك و باء الدولة و ذخية اللك و أمثال هذه و كان العبيديون‬
‫أيضا يصون با أمراء صنهاجة فلما استبدوا على اللفة قنعوا بذه اللقاب و تافوا عن ألقاب اللفة أدبا معها و عدول عن ساتا‬
‫الختصة با شأن التغلبي الستبدين كما قلناه و نزع التأخرون أعاجم الشرق حي قوي استبدادهم على اللك و عل كعبهم ف الدولة و‬
‫السلطان و تلشت عصبية اللفة و اضمحلت بالملة إل انتحال اللقاب الاصة باللك مثل الناصر و النصور و زيادة على ألقاب‬
‫يتصون با قبل هذا النتحال مشعرة بالروج عن ربقة الولء و الصطناع با أضافوها إل الدين فقط فيقولون صلح الدين أسد الدين نور‬
‫الدين‪ .‬و أما ملوك الطوائف بالندلس فاقتسموا ألقاب اللفة و توزعوها لقوة استبدادهم عليها با كانوا من قبيلها و عصبتها فتلقبوا‬
‫بالناصر و النصور و العتمد و الظفر و أمثالا كما قال ابن أب شرف ينعى عليهم‪:‬‬
‫ما يزهدن ف أرض أندلس أساء معتمد فيها و معتضد‬
‫ألقاب ملكة ف غي موضعها كالر يكي انتفاخا صورة السد‬
‫و أما صنهاجة فاقصروا عن اللقاب الت كان اللفاء العبيديون يلقبون با للتنويه مثل نصي الدولة و معز الدولة و اتصل لم ذلك لا أدالوا‬
‫من دعوة العبيديي بدعوة العباسيي ث بعدت الشقة بينهم و بي اللفة و نسوا عهدها فنسوا هذه اللقاب و اقتصروا على اسم السلطان و‬
‫كذا شأن ملوك مغراوة بالغرب ل ينتحلوا شيئا من هذه اللقاب إل اسم السلطان جريا على مذاهب البداوة و الغضاضة‪ .‬و لا مي رسم‬
‫اللفة و تعطل دستها ا و قام بالغرب من قبائل الببر يوسف بن تاشفي ملك لنتونة فملك العدوتي و كان من أهل الي و القتداء نزعت‬
‫به هته إل الدخول ف طاعة الليفة تكميلً لراسم دينه فخاطب الستظهر العباسي و أوفد عليه بيعته عبد ال بن العرب و ابنه القاضي أبا‬
‫بكر من مشيخة إشبيلية يطلبان توليته إياها على الغرب و تقليده ذلك فانقلبوا إليه بعهد اللفة له على الغرب و استشعار زيهم ف لبوسه و‬
‫رتبته وخاطبه فيه يا أمي الؤمني تشريفا و اختصاصا فاتذها لقبا و يقال إنه كان دعي له بأمي الؤمني من قبل أدبا مع رتبة اللفة لا كان‬
‫عليه هو و قومه الرابطون من انتحال الدين و اتباع السنة و جاء الهدي على أثرهم داعيا إل الق آخذا بذاهب الشعرية ناعيا على أهل‬
‫الغرب عدولم عنها إل تقليد السلف ف ترك التأويل لظواهر الشريعة و ما يؤول إليه ذلك من التجسيم كما هو معروف ف مذهب‬
‫الشعرية و سي أتباعه الوحدين تعريضا بذلك النكي و كان يرى رأي أهل البيت ف المام العصوم و أنه ل بد منه ف كل زمان يفظ‬
‫بوجوده نظام هذا العال فسمى بالمام لا قلناه أولً من مذهب الشيعة ف ألقاب خلفائهم و أردف بالعصوم إشارةً إل مذهبه ف عصمة‬
‫المام و تنه عند اتباعه عن أمي الؤمني أخذا بذاهب التقدمي من الشيعة و لا فيها من مشاركة الغمار و الولدان من أعقاب أهل اللفة‬
‫يومئذ بالشرق‪.‬‬
‫ث انتحل عبد الؤمن ول عهده اللقب بأمي الؤمني و جرى عليه من بعده خلفاء بن عبد الؤمن و آل أب حفص من بعدهم استئثارا به‬
‫عمن سواهم لا دعا إليه شيخهم الهدي من ذلك و أنه صاحب المر و أولياؤه من بعده كذلك دون كل أحد لنتقاء عصبية قريش و‬
‫تلشيها فكان ذلك دأبم‪ .‬و لا انتقض المر بالغرب و انتزعه زناتة ذهب أولم مذاهب البداوة و السذاجة و أتباع لتونة ف انتحال اللقب‬
‫بأمي الؤمني أدبا مع رتبة اللفة الت كانوا على طاعتها لبن عبد الؤمن أول و لبن أب حفص من بعدهم ث نزع التأخرون منهم إل اللقب‬
‫بأمي الؤمني و انتحلوه لذا العهد استبلغا ف منازع اللك و تتميما لذاهبه وساته و ال غالب على أمره‪.‬‬
‫الفصل الثالث و الثلثون ف شرح اسم البابا و البطرك ف اللة النصرانية و‬
‫اسم الكوهن عند اليهود‬
‫إعلم أن اللة ل بد لا من قائم عند غيبة النب يملهم على أحكامها و شرائعها و يكون كالليفة فيهم للنب فيما جاء به من التكاليف و‬
‫النوع النسان أيضا با تقدم من ضرورة السياسة فيهم للجتماع البشري ل بد لم من شخص يملهم على مصالهم و يزعهم عن‬
‫مفاسدهم بالقهر و هو السمى باللك و اللة السلمية لا كان الهاد فيها مشروعا لعموم الدعوة و حل الكافة على دين السلم طوعا أو‬
‫كرها اتذت فيها اللفة و اللك لتوجه الشوكة من القائمي با إليهما معا‪ .‬و أما ما سوى اللة السلمية فلم تكن دعوتم عامة و ل‬
‫الهاد عندهم مشروعا إل ف الدافعة فقط فصار القائم بأمر الدين فيها ل يغنيه شيء من سياسة اللك و إنا وقع اللك لن وقع منهم‬
‫بالعرض و لمر غي دين و هو ما اقتضته لم العصبية لا فيها من الطلب للملك بالطبع لا قدمناه لنم غي مكلفي بالتغلب على المم كما‬
‫ف اللة السلمية و إنا هم مطلوبون بإقامة دينهم ف خاصتهم‪.‬‬
‫و لذلك بقي بنو إسرائيل من بعد موسى و يوشع صلوات ال عليهما نو أربعمائة سنة ل يعتنون بشيء من أمر اللك إنا ههم إقامة دينهم‬
‫فقط و كان القائم به بينهم يسمى الكوهن كأنه خليفة موسى صلوات ال عليه يقيم لم أمر الصلة و القربان و يشترطون فيه أن يكون من‬
‫ذرية هارون صلوات ال عليه لن موسى ل يعقب ث اختاروا لقامة السياسة الت هي للبشر بالطبع سبعي شيخا كانوا يتلون أحكامهم‬
‫العامة و الكوهن أعظم منهم رتبةً ف الدين و أبعد عن شغب الحكام و اتصل ذلك فيهم إل أن استحكمت طبيعة العصبية و تحضت‬
‫الشوكة للملك فغلبوا الكنعاني على الرض الت أورثهم ال بيت القدس و ما جاورها كما بي لم على لسان موسى صلوات ال عليه‬
‫فحاربتهم أمم الفلسطي و الكنعانني و الرمن و أردن و عمان و مأرب و رئاستهم ف ذلك راجعة إل شيوخهم و أقاموا على ذلك نوا‬
‫من أربعمائة سنة و ل تكن لم صولة اللك و ضجر بنو إسرائيل من مطالبة المم فطلبوا على لسان شويل من أنبيائهم أن يأذن ال لم ف‬
‫تليك رجل عليهم فول عليهم طالوت و غلب المم و قتل جالوت ملك الفلسطي ث ملك بعده داود ث سليمان صلوات ال عليهما و‬
‫استفحل ملكه وامتد إل الجاز ث أطراف اليمن ث إل أطراف بلد الروم ث افترق السباط من بعد سليمان صلوات ال عليه بقتضى‬
‫العصبية ف الدول كما قدمناه إل دولتي كانت إحداها يالزيرة و الوصل للسباط العشرة و الخرى بالقدس و الشام لبن يهوذا و‬
‫بنيامي‪.‬‬
‫ث غلبهم بت نصر ملك بابل على ما كان بأيديهم من اللك أولً السباط العشرة ث ثانيا بن يهوذا و بنت القدس بعد اتصال ملكهم نو‬
‫ألف سنة و خرب مسجدهم و أحرق توراتم و أمات دينهم و نقلهم إل أصبهان و بلد العراق إل أن ردهم بعض ملوك الكيانية من‬
‫الفرس إل بيت القدس من بعد سبعي سنةً من خروجهم فبنوا السجد وأقاموا أمر دينهم على الرسم الول للكهنة فقط و اللك للفرس ث‬
‫غلب السكندر و بنو يونان على الفرس و صار اليهود ف ملكتهم ث فشل أمر اليونانيي فاعز اليهود عليهم بالعصبية الطبيعية و دفعوهم عن‬
‫الستيلء عليهم و قام بلكهم الكهنة الذين كانوا فيهم من بن حشمناي و قاتلوا يونان حت انقرض أمرهم و غلبهم الروم فصاروا تت‬
‫أمرهم ث رجعوا إل بيت القدس و فيها بنو هيودس أصهار بن حشمناي و بقيت دولتهم فحاصروهم مدة ث افتتحوها عنوة و أفحشوا ف‬
‫القتل و الدم و التحريق و خربوا بيت القدس و أجلوهم عنها إل رومة و ما وراءها و هو الراب الثان للمسجد و يسميه اليهود باللوة‬
‫الكبى فلم يقم لم بعدها ملك لفقدان العصبية منهم و بقوا بعد ذلك ف ملكة الروم من بعدهم يقيم لم أمر دينهم الرئيس عليهم السمى‬
‫بالكوهن ث جاء السيح صلوات ال و سلمة عليه با جاءهم به من الدين و النسخ لبعض أحكام التوراة و ظهرت على يديه الوارق‬
‫العجيبة من إبراء الكمة و البرص و إحياء الوتى و اجتمع عليه كثي من الناس و آمنوا به و أكثرهم الواريون من أصحابه و كانوا أثن‬
‫ل إل الفاق داعي إل ملته و ذلك أيام أوغسطس أول ملوك القياصرة و ف مدة هيودس ملك اليهود الذي انتزع‬ ‫عشر و بعث منهم رس ً‬
‫اللك من بن حشمناي أصهاره فحسده اليهود و كذبوه و كاتب هيودس ملكهم ملك القياصرة أوغسطس يغريه به فأذن لم ف قتله و‬
‫وقع ما تله القرآن من أمره و افترق الواريون شيعا و دخل أكثرهم بلد الروم داعي إل دين النصرانية و كان بطرس كبيهم فنل برومة‬
‫دار ملك القياصرة ث كتبوا النيل الذي انزل على عيسى صلوات ال عليه ف نسخ أربع على اختلف رواياتم فكتب مت إنيله ف بيت‬
‫القدس بالعبانية و نقله يوحنا بن زبدي منهم إل اللسان اللتين و كتب لوقا منهم إنيله باللتين إل بعض أكابر الروم و كتب يوحنا بن‬
‫زبدي منهم إنيله برومة و كتب بطرس إنيله باللتين و نسبه إل مرقاص تلميذه و اختلفت هذه النسخ الربع من النيل مع أنا ليست‬
‫كلها و حيا صرفا بل مشوبة بكلم عيسى عليه السلم و بكلم الواريي و كلها مواعظ و قصص و الحكام فيها قليلة جدا و اجتمع‬
‫الواريون الرسل لذلك العهد برومة و وضعوا قواني اللة النصرانية و صيوها بيد أقليمنطس تلميذ بطرس و كتبوا فيها عدد الكتب الت‬
‫يب قبولا و العمل با‪.‬‬
‫فمن شريعة اليهود القدية التوراة و هي خسة أسفار و كتاب يوشع و كتاب القضاة و كتاب راعوث و كتاب يهوذا و أسفار اللوك أربعة‬
‫و سفر بنيامي و كتب القابيي ل بن كريون ثلثة و كتاب عزرا المام و كتابا أوشي و قصة هامان و كتاب أيوب الصديق و مزامي داود‬
‫عليه السلم و كتب ابنه سليمان عليه السلم خسة و نبؤات النبياء الكبار و الصغار ستة عشر و كتاب يشوع بن شارخ وزير سليمان‪ .‬و‬
‫من شريعة عيسى صلوات ال عليه التلقاة من الواريي نسخ النيل الربع و كتب القتاليقون سبع رسائل و ثامنها البريكسيس ف قصص‬
‫الرسل و كتاب بولس أربع عشرة رسالة و كتاب أقليمنطس و فيه الحكام و كتاب أبو غالسيس و فيه رؤيا يوحنا بن زبدي‪ .‬و اختلف‬
‫شأن القياصرة ف الخذ بذه الشريعة تارة و تعظيم أهلها ث تركها أخرى و التسلط عليهم بالقتل و البغي إل أن جاء قسطنطي و أخذ با و‬
‫استمروا عليها‪ .‬و كان صاحب هذا الدين و القيم لراسيمه يسمونه البطرك و هو رئيس اللة عندهم و خليفة السيح فيهم يبعث نوابه و‬
‫خلفاءه إل ما بعد عنه من أمم النصرانية و يسمونه السقف أي نائب البطرك و يسمون المام الذي يقيم الصلوات و يفتيهم ف الدين‬
‫بالقسيس و يسمون النقطع الذي حبس نفسه ف اللوة للعبادة بالراهب‪.‬‬
‫و أكثر خلواتم ف الصوامع و كان بطرس الرسول رأس الواريي و كبي التلميذ برومة يقيهم با دين النصرانية إل أن قتله نيون خامس‬
‫القياصرة فيمن قتل من البطارق و الساقفة ث قام بلفته ف كرسي رومة آريوس و كان مرقاس النيلي بالسكندرية و مصر و الغرب‬
‫داعيا سبع سنيي فقام بعده حنانيا و تسمى بالبطرك و هو أول البطاركة فيها و جعل معه اثن عشر قسا على أنه إذا مات البطرك يكون‬
‫واحد من الثن عشر مكانه و يتار من الؤمني واحدا مكان ذلك الثان عشر فكان أمر البطاركة إل القسوس ث لا وقع الختلف بينهم‬
‫ف قواعد دينهم و عقائده و اجتمعوا بنيقية أيام قسطنطي لتحرير الق ف الدين و اتفق ثلثائة و ثانية عشر من أساقفتهم على رأي واحد‬
‫ف الدين فكتبوه و سوه المام و صيوه أصلً يرجعون إليه و كان فيما كتبوه أن البطرك القائم بالدين ل يرجع ف تعيينه إل اجتهاد القسة‬
‫كما قرره حنانيا تلميذ مرقاس و أبطلوا ذلك الرأي و إنا يقدهم عن بلء و اختبار من أئمة الؤمني و رؤسائهم فبقي المر كذلك‪.‬‬
‫ث اختلفوا بعد ذلك ف تقرير قواعد الذين و كانت لم متمعات ف تقرير و ل يتلفوا ف هذه القاعدة فبقي المر فيها على ذلك و تصل‬
‫فيهم نيابة الساقفة عن البطاركة و كان الساقفة يدعون البطرك بالب أيضا تعظيما له فاشتبه السم ف أعصار متطاولة يقال آخرها‬
‫بطركية هرقل بإسكندرية فأرادوا أن ييزوا البطرك عن السقف ف التعظيم فدعوه البابا و معناه أبو الباء و ظهر هذا السم أول ظهوره‬
‫بصر على ما زعم جرجيس بن العميد ف تأريه ث نقلوه إل صاحب الكرسي العظم عندهم و هو كرسي بطرس الرسول كما قدمناه فلم‬
‫يزل سة عليه حت الن ث اختلفت النصارى ف دينهم بعد ذلك و فيما يعتقدونه ف السيح و صاروا طوائف و فرقا و اسظهروا بلوك‬
‫النصرانية كل على صاحبه فاختلف الال ف العصور ف ظهور فرقة دون فرقة إل أن استقرت لم ثلث طوائف هي فرقهم و ل يلتفتون إل‬
‫غيها و هم اللكية و اليعقوبية و النسطورية ث اختصت كل فرقة منهم ببطرك فبطرك رومة اليوم السمى بالبابا على رأي اللكية و رومة‬
‫للفرنة و ملكلهم قائم بتلك الناحية و بطرك العاهدين بصر على رأي اليعقوبية و هو ساكن بي ظهرانيهم و البشة يدينون بدينهم و‬
‫لبطرك مصر فيهم أساقفة ينوبون عنه ف إقامة دينهم هنالك‪.‬‬
‫و اختص اسم البابا ببطرك رومة لذا العهد و ل تسمي اليعاقبة بطركهم بذا السم و ضبط هذه اللفظة بباءين موحدتي من أسفل و النطق‬
‫با مفخمة و الثانية مشددة و من مذاهب البابا عند الفرنة أنه يضهم على النقياد للك واحد يرجعون إليه ف اختلفهم و اجتماعهم‬
‫ترجا من افتراق الكلمة و يتحرى به العصبية الت ل فوقها منهم لتكون يده عالية على جيعهم و يسمونه النبذور و حرفة الوسط بي‬
‫الذال و الظاء العجمتي و مباشرة يضع التاج على رأسه للتبك فيسمى التوج‪ ،‬و لعله معن لفظة النبذور و هذا ملخص ما أوردناه من‬
‫شرح هذين السي الذين ها البابا و الكوهن و ال يضل من يشاء و يهدي من يشاء‪.‬‬
‫الفصل الرابع و الثلثون ف مراتب اللك و السلطان و ألقابا‬
‫ل فل بد له من الستعانة بأبناء جنسه و إذا كان يستعي بم ف ضرورة معاشه و سائر مهنه‬ ‫إعلم أن السلطان ف نفسه ضعيف يمل أمرا ثقي ً‬
‫فما ظنك بسياسة نوعه و من استرعاه ال من خلقه و عباده و هو متاج إل حاية الكافة من عدوهم بالدافعة عنهم و إل كف عدوان‬
‫بعضهم على بعض ف أنفسهم بإمضاء الحكام الوازعة فيهم و كف عدوان عليهم ف أموالم بإصلح سابلتهم و إل حلهم على مصالهم‬
‫و ما تعمهم به البلوى ف معاشهم و معاملتم من تفقد العايش و الكاييل و الوازين حذرا من التطفيف و إل النظر ف السكة بفظ النقود‬
‫الت يتعاملون با من الغش و إل سياستهم با يريده منهم من النقياد له و الرضى بقاصده منهم و انفراده بالجد دونم فيتحمل من ذلك‬
‫فوق الغاية من معاناة القلوب قال بعض الشراف من الكماء‪ :‬لعاناة نقل البال من أماكنها أهون على من معاناة قلوب الرجال ث إن‬
‫الستعانة إذا كانت بأول القرب من أهل النسب أو التربية أو الصطناع القدي للدولة كانت أكمل لا يقع ف ذلك من مانسة خلقهم للقه‬
‫فتتم الشاكلة ف الستعانة قال تعال واجعل ل وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه ف أمري و هو إما أن يستعي ف‬
‫ذلك بسيفه أو قلمه أو رأيه أو معارفه أو بجابه عن الناس أن يزدحوا عليه فيشغلوه عن النظر ف مهماتم أو يدفع النظر ف اللك كله و‬
‫يعول على كفايته ف ذلك و اضطلعه فلذلك قد توجد ف رجل واحد و قد تفترق ف أشخاص و قد يتفرع كل واحد منها إل فروع‬
‫كثية كالقلم يتفرع إل قلم الرسائل و الخاطبات و قلم الصكوك و القطاعات و إل قلم الحاسبات و هو صاحب الباية و العطاء و‬
‫ديوان اليش و كالسيف يتفرع إل صاحب الرب و صاحب الشرطة و صاحب البيد و ولية الثغور ث اعلم أن الوظائف السلطانية ف‬
‫هذه اللة السلمية مندرجة تت اللفة لحتمال منصب اللفة على الدين و الدنيا كما قدمناه فالحكام الشرعية متعلقة بميعها و‬
‫موجودة لكل واحدة منها ف سائر وجوهها لعموم تعلق الكم الشرعية بميع أفعال العباد و الفقية ينظر ف مرتبة اللك و السلطان و شروط‬
‫تقليدها استبدادا على اللفة و هو معن السلطان أو تعويضا منها و هو معن الوزارة عندهم كما يأت و ف نظره ف الحكام و القوال و‬
‫سائر السياسات مطلقا أو مقيدا و ف موجبات العزل إن عرضت و غي ذلك من معان اللك و السلطان و كذا ف سائر الوظائف الت تت‬
‫اللك و السلطان من وزارة أو جباية أو ولية ل بد للفقيه من النظر ف جيع ذلك كما قدمناه من انسحاب حكم اللفة الشرعية ف اللة‬
‫السلمية على رتبة اللك و السلطان إل أن كلمنا ف وظائف اللك و السلطان و رتبته إنا هو بقتضى طبيعة العمران و وجود البشر ل با‬
‫يصها من أحكام الشرع فليس من غرض كتابنا كما علمت فل نتاج إل تفصيل أحكامها الشرعية مع أنا مستوفاة ف كتب الحكام‬
‫السلطانية مثل كتاب القاضي أب السن الاوردي و غيه من أعلم الفقهاء فإن أردت استيفاءها فعليك بطالعتها هنالك و إنا تكلمنا ف‬
‫الوظائف اللفية و أفردناها لنمي بينها و بي الوظائف السلطانية فقط ل لتحقيق أحكامها الشرعية فليس من غرض كتابنا و إنا نتكلم ف‬
‫ذلك با تقتضيه طبيعة العمران ف الوجود النسان و ال الوفق‪.‬‬
‫الوزارة‪ :‬و هي أهم الطط السلطانية و الرتب اللوكية لن اسها يدل على مطلق العانة فإن الوزارة مأخوذة إما من الؤازرة و هي العاونة‬
‫أو من الوزر و هو الثقل كأنه يمل مع مفاعله أوزاره و أثقاله و هو راجع إل العاونة الطلقة و قد كنا قدمنا ف أول الفصل أن أحوال‬
‫السلطان و تصرفاته ل تعدو أربعةً لنا إما أن تكون ف أمور حاية الكافة و أسبابا من النظر ف الد و السلح و الروب و سائر أمور‬
‫الماية و الطالبة و صاحب هذا هو الوزير التعارف ف الدول القدية بالشرق و لذا العهد بالغرب و إما أن تكون ف أمور ماطباته لن بعد‬
‫عنه ف أمور جباية الال و إنفاقه و ضبط ذلك من جيع وجوهه أن يكون بضبطة و صاحب هذا هو صاحب الال و الباية و هو السمى‬
‫بالوزير لذا العهد بالشرق و إما أن يكون ف مدافعة الناس ذوي الاجات عنه أن يزدحوا عليه فيشغلوه عن فهمه و هذا راجع لصاحب‬
‫الباب الذي يجبه‪ .‬فل تعدو أحواله هذه الربعة بوجه‪ .‬و كل خطة أو رتبة من رتب اللك و السلطان فإليها ترجع‪ .‬إل أن الرفع منها ما‬
‫كانت العانة فيه عامة فيما تت يد السلطان من ذلك الصنف إذ هو يقتضي مباشر السلطان دائما و مشاركته ف كل صنف من أحوال‬
‫ملكه و أما ما كان خاصا ببعض الناس أو ببعض الهات فيكون دون الرتبة الخرى كقيادة ثغر أو ولية جباية خاصة أو النظر ف أمر‬
‫خاص كحسبة الطعام أو النظر ف السكة فإن هذه كلها نظر ف أحوال خاصة فيكون صاحبها تبعا لهل النظر العام و تكون رتبته مرؤوسة‬
‫لولئك‪ .‬و ما زال المر ف الدول قبل السلم هكذا حت جاء السلم و صار المر خلفة فذهبت تلك الطط كلما بذهاب رسم اللك‬
‫إل ما هو طبيعي من العاونة بالرأي و الفاوضة فيه فلم يكن زواله إذ هو أمر ل بد منه فكان صلى ال عليه و سلم يشاور أصحابه و‬
‫يفاوضهم ف مهماته العامة و الاصة و يص مع ذلك أبا بكر بصوصيات أخرى حت كان العرب الذين عرفوا الدول و أحوالا ف كسرى‬
‫و قيصر و النجاشي يسمون أبا بكر وزيره و ل يكن لفظ الوزير يعرف بي السلمي لذهاب رتبة اللك بسذاجة السلم و كذا عمر مع أب‬
‫بكر و علي ف و عثمان مع عمر و أما حال الباية و النفاق و السبان فلم يكن عندهم برتبة لن القوم كانوا عربا أميي ل يسنون‬
‫ل فيهم و أما أشرافهم فلم‬
‫الكتاب و الساب فكانوا يستعملون ف الساب أهل الكتاب أو أفرادا من موال العجم من ييده و كان قلي ً‬
‫يكونوا ييدونه لن المية كانت صفتهم الت امتازوا با و كذا حال الخاطبات و تنفيذ المور ل تكن عندهم رتبة خاصة للمية الت كانت‬
‫فيهم و المانة العامة ف كتمان القول و تأديته و ل ترج السياسة إل اختياره لن اللفة إنا هي دين ليست من السياسة اللكية ف شيء و‬
‫أيضا فلم تكن الكتابة صناعة فيستجاد لليفة أحسنها لن الكل كانوا يعبون عن مقاصدهم بأبلغ العبارات و ل يبق إل الط فكان الليفة‬
‫يستنيب ف كتابته مت عن له من يسنه و أما مدافعة ذوي الاجات عن أبوابم فكان مظورا بالشريعة فلم يفعلوه فلما انقلبت اللفة إل‬
‫اللك و جاءت رسوم السلطان و ألقابه كان أول شيء بديء به ف الدولة شأن الباب و سده دون الهور با كانوا يشون عن أنفسهم من‬
‫اغتيال الوارج و غيهم كما وقع بعمر و علي و معاوية و عمر بن العاص و غيهم مع‬
‫ما ف فتحه من ازدحام الناس عليهم و شغلهم بم عن الهمات فاتذوا من يقوهم لم بذلك و سوه الاجب و قد جاء أن عبد اللك لا ول‬
‫حاجبه قال له قد وليتك حجابة باب إل عن ثلثة الؤذن للصلة فإنه داعي ال و صاحب البيد فأمر ما جاء به و صاحب الطعام لئل يفسد‬
‫ث استفحل اللك بعد ذلك فظهر الشاور و العي ف أمور القبائل و العصائب و استئلفهم و أطلق عليه اسم الوزير و بقي أمر السبان ف‬
‫الوال و الذميي و أتذ للسجلت كاتب مصوص حوط ًة على أسرار السلطان أن تشتهر فتفسد سياسته مع قومه و ل يكن بثابة الوزير لنه‬
‫إنا احتيج له من حيث الط و الكتاب ل من حيث اللسان الذي هو الكلم إذ اللسان لذلك العهد على حاله ل يفسد فكانت الوزارة‬
‫لذلك أرفع رتبهم يومئذ ف سائر دولة بن أمية فكان النظر للوزير عاما ف أحوال التدبي و الفاوضات و سائر أمور المايات و الطالبات و‬
‫ما يتبعها من النظر ف ديوان الند و فرض العطاء بالهلية و غي ذلك فلما جاءت دولة بن العباس و استفحل اللك و عظمت مراتبه و‬
‫ارتفعت و عظم شأن الوزير و صارت إليه النيابة ف إنفاذ الل و العقد تعينت مرتبته ف الدولة و عنت لا الوجوه و خضعت لا الرقاب و‬
‫جعل لا النظر ف ديوان السبان لا تتاج إليه خطته من قسم العطيات ف الند فاحتاج إل النظر ف جعه و تفريقه و أضيف إليه النظر فيه‬
‫ث جعل له النظر ف القلم و الترسيل لصون أسرار السلطان و لفظ البلغة لا كان اللسان قد فسد عند المهور و جعل الات لسجلت‬
‫السلطان ليحفظها من الذياع و الشياع و دفع إليه فصار اسم الوزير جامعا لطت السيف و القلم و سائر معال الوزارة و العاونة حت لقد‬
‫دعي جعفر بن يي بالسلطان أيام الرشيد إشارة إل عموم نظره و قيامه بالدولة و ل يرج عنه من الرتب السلطانية كلها إل الجابة الت‬
‫هي القيام على الباب فلم تكن له لستنكافه عن مثل ذلك ث جاء ف الدولة العباسية شأن الستبداد على السلطان و تعاور فيها استبداد‬
‫الوزارة مرة و السلطان أخرى و صار الوزير إذا استبد متاجا إل استنابة الليفة إياه لذلك لتصح الحكام الشرعية و تيء على حالا كما‬
‫تقدمت فانقسمت الوزارة حينئذ إل وزارة تنفيذ و هي حال ما يكون السلطان قائما على نفسه و إل وزارة تفويض و هي حال ما يكون‬
‫الوزير مستبدا عليه ث استمر الستبداد و صار المر للوك العجم و تعطل رسم اللفة و ل يكن لولئك التغلبي أن ينتحلوا ألقاب اللفة‬
‫و استنكفوا من مشاركة الوزراء ف اللقب لنم خول لم فتسموا بالمارة و السلطان و كأن الستبد على الدولة يسمى أمي المراء أو‬
‫بالسلطان إل ما يليه به الليفة من ألقابه كما تراه ف ألقابم و تركوا اسم الوزارة إل من يتولها للخليفة ف خاصته و ل يزل هذا الشأن‬
‫عندهم إل آخر دولتهم و فسد اللسان خلل ذلك كله و صارت صناعة ينتحلها بعض الناس فامتهنت و ترفع الوزراء عنها لذلك و لنم‬
‫عجم و ليست تلك البلغة هي القصودة من لسانم فتخي لا من سائر الطبقات و اختصت به و صارت خادمة للوزير و اختص اسم المي‬
‫بصاحب الروب و الند و ما يرجع إليها و يده مع ذلك عالية على أهل الرتب و أمره نافذ ف الكل إما نيابة أو استبدادا و استمر المر‬
‫على هذا ث جاءت دولة الترك آخرا بصر فرأوا أن الوزارة قد ابتذلت بترفع أولئك عنها و دفعها لن يقوهم با للخليفة الحجور و نظره مع‬
‫ذلك فتعقب بنظر المي فصارت مرؤوسة ناقصة فاستنكف أهل هذه الرتبة الالية ف الدولة عن اسم الوزارة و صار صاحب الحكام و‬
‫النظر ف الند يسمى عندهم بالنائب لذا العهد و بقي اسم الاجب ف مدلوله و اختص اسم الوزير عندهم بالنظر ف الباية‪ .‬و أما دولة بن‬
‫أمية بالندلس فأنفوا اسم الوزير ف مدلوله أول الدولة ث قسموا خطته أصنافا و أفردوا لكل صنف وزيرا فجعلوا لسبان الال وزيرا و‬
‫للترسيل وزيرا و للنظر ف حوائج التظلمي وزيرا و للنظر ف أحوال أهل الثغور وزيرا و جعل لم بيت يلسون فيه على فرش منضدة لم و‬
‫ينفذون أمر السلطان هناك كل فيما جعل له و أفرد للتردد بينهم و بي الليفة واحد منهم ارتفع عنهم بباشرة السلطان ف كل وقت فارتفع‬
‫ملسه عن مالسهم و خصوه باسم الاجب و ل يزل الشأن هذا إل آخر دولتهم فارتفعت خطة الاجب و مرتبته على سائر الرتب حت‬
‫صار ملوك الطوائف ينتحلون لقبها فأكثرهم يومئذ يسمى الاجب كما نذكره ث جاءت دولة الشيعة بإفريقية و القيوان و كان للقائمي با‬
‫رسوخ ف البداوة فاغفلوا أمر هذه الطط أو ًل و تنقيح أسائها كما تراه ف أخبار دولتهم‪ ،‬و لا جاءت دولة الوحدين من بعد ذاك أغفلت‬
‫المر أول للبداوة ث صارت إل انتحال الساء و اللقاب و كان اسم الوزير ف مدلوله ث اتبعوا دولة المويي و قلدوها ف مذاهب السلطان‬
‫و اختاروا اسم الوزير لن يجب السلطان ف ملسه و يقف بالوفود و الداخلي على السلطان عند الدود ف تيتهم و خطابم و الداب‬
‫الت تلزم ف الكون بي يديه و رفعوا خطة الجابة عنه ما شاءوا و ل يزل الشأن ذلك إل هذا العهد و أما ف دولة الترك بالشرق فيسمون‬
‫هذا الذي يقف بالناس على حدود الداب ف اللقاء و التحية ف مالس السلطان و التقدم بالوفود بي يدي الدويدار و يضيفون إليه استتباع‬
‫كاتب السر و أصحاب البيد التصرفي ف حاجات السلطان بالقاصية و بالاضرة و حالم على ذلك لذا العهد و ال مول المور لن‬
‫يشاء‪.‬‬
‫الجابة‪ :‬قد قدمنا أن هذا اللقب كان مصوصا ف الدولة الموية و العباسية بن يجب السلطان عن العامة و يغلق بابه دونم أو يفتحه لم‬
‫على قدره ف مواقيته و كانت هذه منلة يوما عن الطط مرؤوسة لا إذ الوزير متصرف فيها با يراه و هكذا كانت سائر أيام بن العباس ل‬
‫إل هذا الهد فهي بصر مرؤوسة لصاحب الطة العليا السمى بالنائب‪ .‬و أما ف الدولة الموية بالندلس فكانت الجابة لن يجب‬
‫السلطان عن الاصة و العامة و يكون واسطة بينه و بي الوزراء فمن دونم فكانت ف دولتهم رفيعة غاية كما تراه ف أخبارهم كابن حديد‬
‫و غي من حجابم ث لا جاء الستبداد على الدولة اختص الستبد باسم الجابة لشرفها فكان النصور بن أب عامر و أبناوه كذلك و لا‬
‫بدوا ف مظاهر اللك و أطواره جاء من بعدهم من ملوك الطوائف فلم يتركوا لقبها و كانوا يعدونه شرفا لم و كان أعظمهم ملكا بعد‬
‫انتحال ألقاب اللك و أسائه ل بد له من ذكر الاجب و ذي الوزارتي يعنون به السيف و القلم و يدلون بالجابة على حجابة السلطان‬
‫عن العامة و الاصة و بذي الوزارتي عن جعه لطت السيف و القلم‪ .‬ث ل يكن ف دول الغرب و أفريقية ذكر لذا السم للبداوة الت‬
‫كانت فيهم و ربا يوجد ف دولة العبيديي بصر عند استعظامها و حضارتا إل أنه قليل‪ .‬و لا جاءت دولة الوحدين ل تستمكن فيها‬
‫الضارة الداعية إل انتحال اللقاب و تييز الطط و تعيينها بالساء إل آخرا فلم يكن عندهم من الرتب إل الوزير فكانوا أولً يصون بذا‬
‫السم الكاتب التصرف الشارك للسلطان ف خاص أمر كابن عطية و عبد السلم الكومي و كان له مع ذلك النظر ف الساب و الشغال‬
‫الالية ث صار بعد ذلك اسم الوزير لهل نسب الدولة من الوحدين كابن جامع و غيه و ل يكن اسم الاجب معروفا ف دولتهم يومئذ‪ .‬و‬
‫أما بنو أب حفص بأفريقية فكانت الرئاسة ف دولتهم أولً و التقدم لوزير و الرأي و الشورة و كان يص باسم شيخ الوحدين و كان له‬
‫النظر ف الوليات و العزل وقود العساكر و الروب و اختص السبان و الديوان برتبة أخرى و يسمى متوليها بصاحب الشغال ينظر فيها‬
‫النظر الطلق ف الدخل و الرج و ياسب و يستخلص الموال و يعاقب على التفريط و كان من شرطه أن يكون من الوحدين و اختص‬
‫عندهم القلم أيضا بن ييد الترسيل و يؤتن على السرار لن الكتابة ل تكن من منتحل القوم و ل الترسيل بلسانم فلم يشترط فيه النسب‬
‫و احتاج السلطان لتساع ملكه و كثرة الرتزقي بداره إل قهرمان خاص بداره ف أحواله يريها على قدرها و ترتيبها من رزق و عطاء و‬
‫كسوة و نفقة ف الطابخ و الصطبلت و غيها و حصر الذخية و تنفيذ ما يتاج إليه ف ذلك على أهل الباية فخصوه باسم الاجب و‬
‫ربا أضافوا إليه كتابة فعلمة على السجلت إذا اتفق أنه يسن صناعة الكتابة و ربا جعلوه لغيه و استمر المر على ذلك و حجب‬
‫السلطان نفسه عن الناس فصار هذا الاجب واسطة بي الناس و بي أهل الرتب كلهم ث جع له آخر الدولة السيف و الرب ث الرأي و‬
‫الشورة فصارت الطة أرفع الرتب و أوعبها للخطط ث جاء الستبداد و الجر مدة من بعد السلطان الثان عشر منهم ث استبد بعد ذلك‬
‫حفيده السلطان أبو العباس على نفسه و أذهب آثار الجر و الستبداد بإذهاب خطة الجابة الت كانت سلما إليه و باشر أموره كلها‬
‫بنفسه من غي استعانة بأحد و المر على ذلك لذا العهد‪.‬‬
‫و أما دولة زناتة بالغرب و أعظمها دولة بن مرين فل أثر لسم الاجب عندهم و أما رئاسة الرب و العساكر ف للوزير و رتبة القلم ف‬
‫السبان و الرسائل راجعة إل من يسنها من أهلها و إن اختصت ببعض البيوت الصطنعي ف دولتهم و قد تمع عندهم و قد تفرق و أما‬
‫باب السلطان و حجبه عن الائة فهي رتبة عندهم فيسمى صاحبها عندهم بالزوار و معناه القدم على النادرة التصرفي بباب السلطان ف‬
‫تنفيذ أوامر و تصريف عقوباته و إنزال سطواته و حفظ العتقلي ف سجونه و العريف عليهم ف ذلك فالباب له و أخذ الناس بالوقوف عند‬
‫الدود ف دار العامة راجع إليه فكأنا وزارة صغرى‪ .‬و أما دولة بن عبد الواد فل أثر عندهم لشيء من هذه اللقاب و ل تييز الطط‬
‫لبداوة دولتهم و قصورها و إنا يصون باسم الاجب ف بعض الحوال منفذ الاص بالسلطان ف داره كما كان ف دولة بن أب حفص و‬
‫قد يمعون له السبان و السجل كما كان فيها حلهم على ذلك تقليد الدولة با كانوا ف تبعتها و قائمي بدعوتا منذ أول أمرهم‪.‬‬
‫و أما أهل الندلس لذا العهد فالخصوص عندهم بالسبان و تنفيذ حال السلطان و سائر المور الالية يسمونه بالوكيل و أما الوزير‬
‫فكالوزير إل أنه يمع له الترسيل و السلطان عندهم يضع خطه على السجلت كلها فليس هناك خطة العلمة كما لغيهم من الدول‪ .‬و أما‬
‫دولة الترك بصر فاسم الاجب عندهم موضوع لاكم من أهل الشوكة و هم الترك ينفذ الحكام بي الناس ف الدينة و هم متعددون و‬
‫هذه الوظيفة عندهم تت وظيفة النيابة الت لا الكم ف أهل الدولة و ف العامة على الطلق و للنائب التولية و العزل ف بعض الوظائف‬
‫على الحيان و يقطع القليل من الرزاق و يبتها و تنفذ أوامره كما تنفذ الراسم السلطانية و كان له النيابة الطلقة عن السلطان و للحجاب‬
‫الكم فقط ف طبقات العامة و الند عند الترافع إليهم و إجبار من أب النقياد للحكم و طورهم تت طور النيابة و الوزير ف دولة الترك‬
‫هو صاحب جباية الموال ف الدولة على اختلف أصنافها من خراج أو مكس أو جزية ث ف تصريفها ف النفاقات السلطانية أو الرايات‬
‫القدرة و له مع ذلك التولية و العزل ف سائر العمال الباشرين لذه الباية و التنفيذ على اختلف مراتبهم و تباين أصنافهم و من عوائدهم‬
‫أن يكون هذا الوزير من صنف القبط القائمي على ديوان السبان و الباية لختصاصهم بذلك ف مصر منذ عصور قدية و قد يوليها‬
‫السلطان بعض الحيان لهل الشوكة من رجالت الترك أو أبنائهم على حسب الداعية لذلك و ال مدبر المور و مصرفها بكمته ل إله‬
‫إل هو رب الولي و الخرين‪.‬‬

‫ديوان العمال و البايات‬


‫إعلم أن هذه الوظيفة من الوظائف الضرورية للملك و هي القياهم على أعمال البايات و حفظ حقوق الدولة ف الدخل و الرج و إحصاء‬
‫العساكر بأسائهم و تقدير أرزاقهم و صرف أعطياتم ف إباناتا و الرجوع ف ذلك إل القواني الت يرتبها قومه تلك العمال و قهارمة‬
‫الدولة و هي كلها مسطورة ف كتاب شاهد بتفاصيل ذلك ف الدخل و الرج مبن على جزء كبي من الساب ل يقوهم به إل الهرة من‬
‫أهل تلك العمال و يسمى ذلك الكتاب بالديوان و كذلك مكان جلوس العمال الباشرين لا‪ .‬و يقال أن أصل هذه التسمية أن كسرى‬
‫نظر يوما إل كتاب ديوانه و هم يسبون على أنفسهم كأنم يادثون فقال ديوانه أي ماني بلغة الفرس فسمي موضعهم بذلك و حذفت‬
‫الاء لكثرة الستعمال تفيفا فقيل ديوان ث نقل هذا السم إل كتاب هذه العمال التضمن للقواني و السبانات و قيل أنه اسم للشياطي‬
‫بالفارسية سي الكتاب بذلك لسرعة نفوذهم ف المور و وقوفهم على اللي معها و الفي و جعهم لا شد و تفرق ث نقل إل مكان‬
‫جلوسهم لتلك العمال و على هذا فيتناول اسم الديوان كتاب الرسائل و مكان جلوسه بباب السلطان على ما يأت بعد و قد تفرد هذه‬
‫الوظيفة بناظر واحد ينظر ف سائر هذه العمال و قد يفرد كل صنف منها بناظر كما يفرد ف بعض الدول النظر ف العساكر و إقطاعاتم و‬
‫حسبان أعطيه لم أو غي ذلك على حسب مصطلح الدولة و ما قرره أولوها‪ .‬و اعلم أن هذه الوظيفة إنا تدث ف الدول عند تكن الغلب‬
‫و الستيلء و النظر ف أعطاف اللك و فنون التمهيد‪ .‬و أول من وضع الديوان ف الدولة السلمية عمر رضي ال عنه يقاد لسبب مال أتى‬
‫به أبو هريرة رضي ال عنه من البحرين فاستكثروه و تعبوا ف قسمه فسموا إل إحصاء الموال و ضبط العطاء و القوق فأشار خالد بن‬
‫الوليد بالديوان و قال‪ :‬رأيت ملوك الشام يدونون فقبل منه عمر و قيل بل أشار عليه به الرمزان لا رآه يبعث البعوث بغي ديوان فقيل له و‬
‫من يعلهم بغيبة من يغيب منهم فإن من تلف أخل بكانه و إنا يضبط ذلك الكتاب فأثبت لم ديوانا و سأل عمر عن اسم الديوان‪ .‬فعب له‬
‫و لا اجتمع ذلك أمر عقيل بن أب طالب و مرمة بن نوفل و خبي بن مطعم و كانوا من كتاب قريش فكتبوا ديوان العساكر السلمية على‬
‫ترتيب النساب مبتدأ من قرابة رسول ال صلى ال عليه و سلم و ما بعدها القرب فالقرب هكذا كان ابتداء ديوان اليش و روى الزهري‬
‫بن سعيد بن السيب أن ذلك كان ف الحرم سنة عشرين و أما ديوان الراج و البايات فبقي بعد السلم على ما كان عليه من قبل ديوان‬
‫العراق بالفارسية و ديوان الشام بالرومية و كتاب الدواوين من أهل العهد من الفريقي و لا جاء عبد اللك بن مروان و استحال المر ملكا‬
‫و انتقل القوم من غضاضة البداوة إل رونق الضارة و من سذاجة المية إل حذق الكتابة و ظهر ف العرب و مواليه م مهرة ف الكتاب و‬
‫السبان فأمر عبد اللك سليمان بن سعد وال الردن لعهده أن ينقل ديوان الشام إل العربية فأكمله لسنة من يوم ابتدائه و وقف عليه‬
‫سرحون كاتب عبد اللك فقال لكتاب الروم‪ :‬اطلبوا العيش ف غي هذه الصناعة فقد قطعها ال عنكم‪ .‬و أما ديوان العراق فأمر الجاج‬
‫كاتبه صال بن عبد الرحن و كان يكتب بالعربية و الفارسية و لقن ذلك عن زادان فروخ كاتب الجاج قبله و لا قتل زادان ف حرب عبد‬
‫الرحن بن الشعث استخلف الجاج صالا هذا مكانه و أمره أن ينقل الديوان من الفارسية إل العربية ففعل و رغم لذلك كتاب الفرس و‬
‫كان عبد الميد بن يي يقول ل در صال ما أعظم منته على الكتاب ث جعلت هذه الوظيفة ف دولة بن العباس مضافة إل من كان له‬
‫النظر فيه كما كان شأن بن برمك و بن سهل بن نوبت و غيهم من وزراء الدولة‪ .‬و أما ما يتعلق بذه الوظيفة من الحكام الشرعية ما‬
‫يتص باليش أو بيت الال ف الدخل و الرج و تييز النواحي بالصلح و الغنوة و ف تقليد هذه الوظيفة لن يكون و شروط الناظر فيها و‬
‫الكاتب و قواني السبانات فأمر راجع إل كتب الحكام السلطانية و هي مسطورة هنالك و ليست من عرض كتابنا و إنا نتكلم فيها من‬
‫حيث طبيعة اللك الذي نن بصدد الكلم فيه و هذه الوظيفة جزء عظيم من اللك بل هي ثالثة أركانه لن اللك ل بد له من الند و الال‬
‫و الخاطبة لن غاب عنه فاحتاج صاحب اللك إل العوان ف أمر السيف و أمر القلم و أمر الال فينفرد صاحبها لذلك بزء من رئاسة‬
‫اللك و كذلك كال المر ف دولة بن أمية بالندلس و الطوائف بعدهم و أما ف دولة الوحدين فكان صاحبها إنا يكون من الوحدين‬
‫يستقل بالنظر ف استخراج الموال و جعها و ضبطها و تعقب نظر الولة و العمال فيها ث تنفيذها على قدرها و ف مواقيتها و كان يعرف‬
‫بصاحب الشغال و كان ربا يليها ف الهات غي الوحدين من يسنها‪ .‬و لا استبد بنو أب حفص بأفريقية و كان شأن الالية من الندلس‬
‫فقدم عليهم أهل البيوتات و فيهم من كان يستعمل ذلك ف الندلس مثل بن سعيد أصحاب القلعة جوار غرناطة العروفي ببن أب السن‬
‫فاستكفوا بم ف ذلك و جعلوا لم النظر ف الشغال كما كان لم بالندلس و دالوا فيها بينهم و بي الوحدين ث استقل با أهل السبان و‬
‫الكتاب و خرجت عن الوحدين ث لا استغلظ أمر الاجب و نفذ أمره ف كل شأن من شؤون الدولة تعطل هذا الرسل و صار صاحبه‬
‫مرؤوسا للحاجب و أصبح من جلة الباة و ذهبت تلك الرئاسة الت كانت له ف الدولة‪ .‬و أما دولة بن مرين لذا العهد فحسبان العطاء و‬
‫الراج مموع لواحد و صاحب هذه الرتبة هو الذي يصحح السبانات كلها و يرجع إل ديوانه و نظره معقب بنظر السلطان أو الوزير و‬
‫خطه معتب ف صحت السبان ف الارج و العطاء هذه أصول الرتب و الطط السلطانية و هي الرتب العالية الت هي عامة النظر و مباشر‬
‫للسلطان‪ .‬و أما هذه الرتبة ف دولة الترك فمتنوعة و صاحب ديوان العطاء يعرف بناظر اليش و صاحب الال مصوص باسم الوزير و هو‬
‫الناظر ف ديوان الباية العامة للدولة و هو أعلى رتب الناظرين ف الموال لن النظر ف الموال عندهم يتنوع إل رتب كثية لنفساح‬
‫دولتهم و عظمة سلطانم و أتساع الموال و البايات عن أن يستقل بضبطها الواحد من الرجال و لو بلغ ف الكفاية مبالغة فتعي للنظر‬
‫العام منها هذا الخصوص باسم الوزير و هو مع ذلك رديف لول من موال السلطان و أهل عصبيته و أرباب السيوف ف الدولة يرجع نظر‬
‫الوزير إل نظره و يتهد جهده ف متابعته و يسمى عندهم أستاذ الدولة و هو أحد المراء الكابر ف الدولة من الند و أرباب السيوف و‬
‫يتبع هذه الطة خطط عندهم أخرى كلما راجعة إل الموال و السبان مقصورة النظر إل أمور خاصة مثل ناظر الاص و هو الباشر‬
‫لموال السلطان الاصة به من إقطاعاته أو سهمانه من أموال الراج و بلد الباية ما ليس من أموال السلمي العامة و هو تت يد المي‬
‫أستاذ الدار و إن كان الوزير من الند فل يكون لستاذ الدار نظر عليه و نظر الاص تت يد الازن لموال السلطان من ماليكه السمى‬
‫خازن الدار لختصاص وظيفتهما بال السلطان الاص‪ .‬هذا بيان هذه الطة بدولة الترك بالشرق بعد ما قدمناه من أمرها بالغرب و ال‬
‫مصرف المور ل رب غيه‪.‬‬

‫ديوان الرسائل و الكتابة‬


‫هذه الوظيفة غي ضرورية ف اللك لستغناء كثي من الدول عنها رأسا كما ف الدول العريقة ف البداوة الت ل يأخذها تذيب الضارة و ل‬
‫استحكام الصنائع و إنا أكد الاجة إليها ف الدولة السلمية شأن اللسان العرب و البلغة ف العبارة عن القاصد فصار الكتاب يؤدي كنه‬
‫الاجة ب بلغ من العبارة اللسانية ف الكثر و كان الكاتب للمي يكون من أهل نسبه و من عظماء قبيله كما كان للخلفاء و أمراء الصحابة‬
‫بالشام و العراق لعظم أمانتهم و خلوص أسرارهم فلما فسد اللسان و مهار صناعة اختص بن يسنه و كانت عند بن العباس رفيعةً و كان‬
‫الكاتب يصدر السجلت مطلقة و يكتب ف آخرها اسه و يتم عليها بات السلطان و هو طابع منقوش فيه اسم السلطان أو شارته يغمس‬
‫ف طي أحر مذاب بالاء و يسمى طي التم و يطبع به على طرف السجل عند طيه و إلصاقه ث صارت السجلت من بعدهم تصدر باسم‬
‫السلطان و يضع الكاتب فيها علمته أو ًل أو آخرا على حسب الختيار ف ملها و ف لفظها ث قد تنل هذه الطة بارتفاع الكان عند‬
‫السلطان لغي صاحبها من أهل الراتب ف الدولة أو استبداد وزير عليه فتصي علمة هذا الكتاب ملغاة الكم بعلمة الرئيس عليه يستدل با‬
‫فيكتب صورة علمته العهودة و الكم لعلمة ذلك الرئيس كما وقع آخر الدولة الفصية لا ارتفع شأن الجابة و صار أمرها إل التفويض‬
‫ث الستبداد فصار حكم العلمة الت للكاتب ملغى و صورتا ثابتة إتباعا لا سلف من أمرها فصار الاجب يرسم للكاتب إمضاء كتابه ذلك‬
‫بط يضعه و يتخي له من صيغ النفاذ ما شاء فيأتر الكاتب له و يضع العلمة العتادة و قد يتص السلطان لنفسه بوضع ذلك إذا كان‬
‫مستبدا بأمر قائما على نفسه فيسم المر للكاتب ليضع علمته و من خطط الكتابة التوقيع و هو أن يلس الكاتب بي يدي السلطان ف‬
‫مالس حكمه و فصله و يوقع على القصص الرفوعة إليه أحكامها و الفصل فيها متلقاة من السلطان بأوجز لفظ و أبلغه فإما أن تصدر‬
‫كذلك و إما أن يذو الكاتب على مثالا ف سجل يكون بيد صاحب القصة و يتاج الوقع إل عارضة من البلغة يستقيم با توقيعه و قد‬
‫كان جعفر بن يي يوقع ف القصص بي يدي الرشيد و يرمي بالقصة إل صاحبها فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء ف تصيلها للوقوف فيها‬
‫على أساليب البلغة و فنونا حت قيل أنا كانت تباع كل قصة منها بدينار و هكذا كان شأن الدول‪ ،‬و اعلم أن صاحب هذه الطة ل بد‬
‫من أن يتخي أرفع طبقات الناس و أهل الرؤة و الشمة منهم و زيادة العلم و عارضة البلغة فأنه معرض للنظر ف أصول العلم لا يعرض ف‬
‫مالس اللوك و مقاصد أحكامهم من أمثال ذلك ما تدعو إليه عشرة اللوك من القيام على الداب و التخلق بالفضائل مع ما يضطر إليه ف‬
‫الترسيل و تطبيق مقاصد الكلم من البلغة و أسرارها و قد تكون الرتبة ف بعض الدول مستندة إل أرباب السيوف لا يقتضيه طبع الدولة‬
‫من البعد عن معاناة العلوم لجل سذاجة العصبية فيختص السلطان أهل عصبيته بطط دولته و سائر رتبه فيقلد الال و السيف و الكتابة‬
‫منهم فأما رتبة السيف فتستغن عن معاناة العلم و أما الال و الكتابة فيضطر إل ذلك البلغة ف هذه و السبان ف الخرى فيختارون لا من‬
‫هذه الطبقة ما دعت إليه الضرورة و يقلدونه إل أنه ل تكون يد آخر من أهل العصبية غالبة على يده و يكون نظره منصرفا عن نظره كما‬
‫هو ف دولة الترك لذا العهد بالشرق فإن الكتابة عندهم و إن كانت لصاحب النشاء إل أنه تت يد أمي من أهل عصبية السلطان يعرف‬
‫بالدويدار و تعويل السلطان و وثوقه به و استنامته ف غالب أحواله إليه و تعويله على الخر ف أحوال البلغة و تطبيق القاصد و كتمان‬
‫السرار و غي ذلك من توابعها‪ .‬و أما الشروط العتبة ف صاحب هذه الرتبة الت يلحظها السلطان ف اختياره و انتقائه من أصناف الناس‬
‫فهي كثية و أحسن من استوعبها عبد الميد الكاتب ف رسالته إل الكتاب و هي‪ :‬أما بعد حفظكم ال يا أهل صناعة الكتابة و حاطكم و‬
‫وفقكم و أرشدكم فإن ال عز و جل جعل الناس بعد النبياء و الرسلي صلوات ال و سلمه عليهم أجعي و من بعد اللوك الكرمي‬
‫أصنافا و إن كانوا ف القيقة سواء و صرفهم ف صنوف الصناعات و ضروب الحاولت إل أسباب معاشهم و الواب أرزاقهم فجعلكم‬
‫معشر الكتاب ف أشرف الهات أهل الدب و الرؤات و العلم و الرزانة بكم ينتظم للخلفة ماسنها و تستقيم أمورها و بنصحائكم يصلح‬
‫ال للخلق سلطانم و تعمر بلدانم ل يستغن اللك عنكم و ل يوجد كاف إل منكم فموقعكم من اللوك موقع أساعهم الت با يسمعون و‬
‫أبصارهم الت با يبصرون و ألسنتهم الت با ينطقون و أيديهم الت با يبطشون فأمتعكم ال با خصكم من فصل صناعتكم و ل نزع عنكم‬
‫ما أضفاه من النغمة عليكم و ليس أحد من أهل الصناعات كلها أحوج إل اجتماع خلل الي الحمودة و خصال الفضل الذكورة‬
‫العدودة منهم أيها الكتاب إذا كنتم على ما يأت ف هذا الكتاب من صفتكم فإن الكاتب يتاج ف نفسه و يتاج منه صاحبه الذي يثق به ف‬
‫مهمات أموره أن يكون حليما ف موضع اللم فهيما ف موضع الكم مقداما ف موضع القدام مجما ف موضع الحجام مؤثرا للعفاف و‬
‫العدل و النصاف كتوما للسرار و فيا عند الشدائد عالا با يأت من النوازل يضع المور مواضعها و الطوارق ف أماكنها قد نظر ف كل‬
‫فن من فنون العلم فأحكمه و إن ل يكمه أخذ منه بقدار ما يكتفي به يعرف بغريزة عقله و حسن أدبه و فضل تربته ما يرد عليه قبل‬
‫وروده و عاتبة ما يصدر عنه قبل صدور فيعد لكل أمر عدته و عتاده و يهيء لكل وجه هيئته و عادته فتنافسوا يا معشر الكتاب ف صنوف‬
‫الداب و تفقهوا ف الدين و ابدأوا بعلم كتاب ال عز و جل و الفرائض ث العربية فإنا ثقاف ألسنتكم ث أجيدوا الط فإنه حلية كتبكم و‬
‫ارووا الشعار و اعرفوا غريبها و معانيها و أيام العرب و العجم و أحاديثها و سيها فإن ذلك معي لم على ما تسمو إليه همكم و ل‬
‫تضيعوا النظر ف الساب فإنه قوام كتاب الراج و ارغبوا بأنفسكم عن الطامع سنيها و دنيها و سفساف المور و ماقرها فإنا مذلة‬
‫للرقاب مفسدة للكتاب و نزهوا صناعتكم عن الدناءة و اربأوا بأنفسكم عن السعاية و النميمة و ما فيه أهل الهالت و إياكم و الكب و‬
‫السخف و العظمة فإنا عداوة متلبة من غي إحنة و تابوا ف ال عز و جل ف صناعتكم و تواصوا عليها بالذي هو أليق لهل الفضل و‬
‫العدل و النبل من سلفكم و إن نبا الزمان برجل منكم فاعطفوا عليه و آسوه حت يرجع إليه حاله و يثوب إليه أمره و إن أقعد أحدا منهم‬
‫الكن عن مكسبه و لقاء إخوانه فزوروه و عظموه و شاوروه و استظهروا بفضل تربته و قدي معرفته و ليكن الرجل منكم على من اصطنعه‬
‫و استظهر به ليوم حاجته إليه أحوط منه على ولده و أخيه فإن عرضت ف الشغل ممدة فل يصفها إل إل صاحبه و إن عرضت مذمة‬
‫فليحملها هو من دونه و ليحذر السقطة و الزلة و اللل عند تغي الال فإن العيب إليكم معشر الكتاب أسرع منه إل القراء و هو لكم أفسد‬
‫منه لم فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبة من يبذل له من نفسه ما يب له عليه من حقه فواجب عليه أن يعتقد له من وفائه و شكره و‬
‫احتماله و خيه و نصيحته و كتمان سر و تدبي أمر ما هو جزاء لقه و يصدق ذلك بفعاله عند الاجة إليه و الضطرار إل ما لديه‬
‫فاستشعروا ذلك و فقكم ال من أنفسكم ف حالة الرخاء و الشدة و الرمان و الؤاساة و الحسان و السراء و الضراء فنعمت السيمة هذه‬
‫من وسم با من أهل هذه الصناعة الشريفة و إذا ول الرجل منكم أو صي إليه من أمر خلق ال و عياله أمر فلياقب ال عز و جل و ليؤثر‬
‫طاعته و ليكن على الضعيف رفيقا و للمظلوم منصفا ( فإن اللق عيال ال و أحبهم إليه أرفقهم بعياله ) ث ليكن بالعدل حاكما و‬
‫للشراف مكرما و للفيء موفرا و للبلد عامرا و للرعية متألفا و عن أذاهم متخلفا و ليكن ف ملسه متواضعا حليما و ف سجلت خراجه‬
‫و استقضاء حقوقه رفيقا و إذا صحب أحدكم رجلً فليختب خلئقه فإذا عرف حسنها و قبحها أعانه على ما يوافقه من السن و احتال‬
‫على صرفه عما يهواه من القبح بألطف حيلة و أجل و سبيلة و قد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصي بسياستها التمس معرفة إخلقها‬
‫فإن كانت رموحا ل يهجها إذا ركبها و إن كانت شبوبا أتقاها من بي يديها و إن خاف منها شرودا توقاها من ناحية رأسها و إن كانت‬
‫حرونا قمع برفق هواها ف طرقها فإن استمرت عطفها يسيا فيسلس له قيادها و ف هذا الوصف من السياسة دلئل لن ساس الناس و‬
‫عاملهم و جربم و داخلهم و الكاتب يفضل أدبه و شريف صنعته و لطيف حيلته و معاملته لب ياوره من الناس و يناظره و يفهم عنه أو‬
‫ياف سطوته أول بالرفق لصاحبه و مداراته و تقوي أوده من سائس البهيمة الت ل تي جوابا و ل تعرف صوابا و ل تفهم خطابا إل بقدر‬
‫ما يصيها إليه صاحبها الراكب عليها أل فارفقوا رحكم ال ف النظر و اعملوا ما أمكنكم فيه من الروية و الفكر تأمنوا بإذن ال من‬
‫صحبتموه النبوة و الستثقال و الفوة و يصي منكم إل الوافقة و تصيوا منه إل الؤاخاة و الشفقة إن شاء ال‪ .‬و ل ياوزن الرجل منكم‬
‫ف هيئة ملسه و ملبسه و مركبه و مطعمه و مشربه و بنائه و خدمه و غي ذلك من فنون أمر قدر حقه فإنكم مع ما فضلكم ال به من‬
‫شرف صنعتكم خدمة ل تملون ف خدمتكم على التقصي و حفظة ل تتمل منكم أفعال التضييع و التبذير و استعينوا على عفافكم بالقصد‬
‫ف كل ما ذكرته لكم و قصصته عليكم و احذروا متالف السرف و سوء عاقبة الترف فإنما يعقبان الفقر و يذلن الرقاب و يفصحان‬
‫أهلهما و سيما الكتاب و أرباب الداب و للمور أشباه و بعضها دليل على بعض فاستدلوا على مؤتنف أعمالكم با سبقت إليه تربتكم ث‬
‫اسلكوا من مسالك التدبي أوضحها مجةً و أصدقها حجةً و أحدها عاقبةً و اعلموا أن للتدبي آفة متلفة و هو الوصف الشاغل لصاحبه عن‬
‫إنقاذ علمه و رويته فليقصد الرجل منكم ف ملسه قصد الكاف من منطقه و ليوجز ف ابتدائه و جوابه و ليأخذ بجامع حججه فإن ذلك‬
‫مصلحة لفعله و مدفعه للتشاغل عن إكثاره و ليضرع إل ال ف صلة توفيقه و إمداده بتسديده مافة وقوعه ف الغلط الضر ببدنه و عقله و‬
‫أدبه فإنه إن ظن منكم ظان أو قال قائل إن الذي برز من جيل صنعته و قوة حركته إنا هو بفصل حيلته و حسن تدبيه فقد تعرض بظنه أو‬
‫مقالته إل أن يكله ال عز و جل إل نفسه فيصي منها إل غي كاف و ذلك على من تأمله غي خاف و ل يقل أحد منكم إنه أبصر بالمور‬
‫و أحل لعبء التدبي من مرافقه ف صناعته و مصاحبه ف خدمته فإن أعقل الرجلي عند ذوي اللباب من رمى بالعجب وراء ظهره و رأى‬
‫أن أصحابه أعقل منه و أحد ف طريقته و على كل واحد من الفريقي أن يعرف فضل نعم ال جل ثنأوه من غي اغترار برأيه و ل تزكية‬
‫لنفسه و ل يكاثر على أخيه أو نظيه و صاحبه و عشيه و حد ال واجب على الميع و ذلك بالتواضع لعظمته و التذلل لعزته و التحدث‬
‫بنعمته و أنا أقول ف كتاب هذا ما سبق به الثل من تلزمه النصيحة يلزمه العمل و هو جوهر هذا الكتاب و غره كلمه بعد الذي فيه من‬
‫ذكر ال عز و جل فلذلك جعلته آخره و تمته به تولنا ال و إياكم يا معشر الطلبة و الكتبة با يتول به من سبق عليه بإسعاده و إرشاده‬
‫فإن ذلك إليه و بيده و السلل عليكم و رحة ال و بركاته‪.‬‬
‫( الشرطة )‪ :‬و يسمى صاحبها لذا العمل بأفريقية الاكم و ف دولة أهل الندلس صاحب الدينة و ف دولة الترك الوال‪ .‬و هي وظيفة‬
‫مرؤوسة لصاحب السيف ف الدولة و حكمه نافذ ف صاحبها ف بعض الحيان و كان أصل و ضعها ف الدولة العباسية لن يقيم أحكام‬
‫الرائم ف حال اسبدادها أولً ث الدود بعد استيفائها فإن التهم الت تعرض ف الرائم ل نظر للشرع إل ف استيفاء حدودها و للسياسة‬
‫النظر ف استيفاء موجباتا بإقرار يكرهه عليه الاكم إذا احتفت به القرائن لا توجبه الصلحة العامة ف ذلك فكان الذي يقوم بذا الستبداد‬
‫و باستيفاء الدود بعده إذا تنه عنه القاضي يسمى صاحب الشرطة و ربا جعلوا إليه النظر ف الدود و الدماء بإطلق‪ ،‬و أفردوها من نظر‬
‫القاضي و نزهوا هذه الرتبة و قلدوها كبار القواد و عظماء الاصة من مواليهم و ل تكن عامة التنفيذ ف طبقات الناس إنا كان حكمهم‬
‫على الدماء و أهل الريب و الضرب على أيدي الرعاع و الفجرة‪ .‬ث عظمت نباهتها ف دولة بن أمية بالندلس و نوعت إل شرقي كبى و‬
‫شرطة صغرى و جعل حكم الكبى على الاصة و الدماء و جعل له الكم على أهل الراتب السلطانية و الضرب على أيديهم ف الظلمات‬
‫و على أيدي أقاربم و من إليه من أهل الاه و جعل صاحب الصغرى مصوصا بالعامة و نصب لصاحب الكبى كرسي بباب دار‬
‫السلطان و رجال يتبوؤن القاعد بي يديه فل يبحون عنها إل ف تصريفه و كانت وليتها للكابر من رجالت الدولة حت كانت ترشيحا‬
‫للوزارة و الجابة‪.‬‬
‫و أما ف دولة الوحدين بالغرب فكان لا حظ من التنويه إن ل يعلوها عامة و كان ل يليها إل رجالت الوحدين و كباؤهم و ل يكن له‬
‫التحكم على أهل الراتب السلطانية ث فسد اليوم منصبها و خرجت عن رجال الوحدين و صارت وليتها لن قام با من الصطنعي‪ .‬و أما‬
‫ف دولة بن مرين لذا العهد بالشرق فوليتها ف بيوت مواليه و أهل اصطناعهم و ف دولة الترك بالشرق ف رجالت الترك أو أعقاب أهل‬
‫الدولة قبلهم من الترك يتخيونم لا ف النظر با يظهر منهم من الصلبة و الضاء ف الحكام لقطع مواد الفساد و حسم أبواب الدعارة و‬
‫تريب مواطن الفسوق و تفريق مامعه مع إقامة الدود الشرعية و السياسة كما تقتضيه رعاية الصال العامة ف الدينة و ال مقلب الليل و‬
‫النهار و هو العزيز البار و ال تعال أعلم‪.‬‬
‫( قيادة الساطيل )‪ :‬و هي من مراتب الدولة و خططها ف ملك الغرب و أفريقية و مرؤسة لصاحب السيف و تت حكمه ف كثي من‬
‫الحوال و يسمى صاحبها ف عرفهم البلمند بتفخيم اللم منقولً من لغة الفرنة فإنه اسها ف اصطلح لغتهم و إنا اختصت هذه الرتبة‬
‫بلك أفريقية و الغرب لنما جيعا على ضفة البحر الرومي من جهة النوب و على عدوته النوبية بلد الببر كلهم من سبتة إل الشام و‬
‫على عدوته الشمالية بلد الندلس و الفرنة و الصقالبة و الروم إل بلد الشام أيضا و يسمى البحر الرومي و البحر الشامي نسبةً إل أهل‬
‫عدوته و الساكنون بسيف هذا البحر و سواحله من عدوتيه يعانون من أحواله مال تعانيه أمة من أمم البحار فقد كانت الروم و الفرنة و‬
‫القوط بالعدوة الشمالية من هذا البحر الرومي و كانت أكثر حروبم و متاجرهم ف السفن فكانوا مهرة ف ركوبه و الرب ف أساطيله و لا‬
‫أسف من أسف منهم إل تلك العدوة النوبية مثل الروم إل أفريقية و القوط إل الغرب أجازوا ف الساطيل و ملكوها و تغلبوا على الببر‬
‫با و انتزعوا من أيديهم أمرها و كان لا با الدن الافلة مثل قرطاجنة و سبيطلة و جلولء و مرناق و شرشال و طنجة و كان صاحب‬
‫قرطاجنة من قبليهم يارب صاحب رومة و يبعث الساطيل لربه مشحونة بالعساكر و الدد فكانت هذه عادة لهل هذا البحر الساكني‬
‫حفافيه معروفة ف القدي و الديث و لا ملك السلمون مصر كتب عمر بن الطاب إل عمرو بن العاص رضي ال عنهما أن ( صف ل‬
‫البحر ) فكتب إليه‪ ( :‬إن البحر خلق عظيم يركبه خلق ضعيف دود على عود ) فأوعز حينئذ بنع السلمي من ركوبه و ل يركبه أحد من‬
‫العرب إل من افتات على عمر ف ركوبه و نال من عقابه كما فعل بعرفجة بن هرثة الزدي سيد بيلة لا أغزاه عمال فبلغه غزوه ف البحر‬
‫فأنكر عليه و عنفه أنه ركب البحر للغزو و ل يزل الشأن ذلك حت إذا كان لعهد معاوية أذن للمسلمي ف ركوبه و الهاد على أعواده و‬
‫السبب ف ذلك أن العرب لبداوتم ل يكونوا مهرة ف ثقافته و ركوبه و الروم و الفرنة لمارستهم أحواله و مرباهم ف التقلب على أعواده‬
‫مرنوا عليه و أحكموا الدراية بثقافته فلما استقر اللك للعرب و شخ سلطانم و صارت أمم العجم خول لم و تت أيديهم و تقرب كل‬
‫ذي صنعة إليهم ببلغ صناعته و استخدموا من النواتية ف حاجاتم البحرية أما و تكررت مارستهم للبحر و ثقافته و استحدثوا بصراء با‬
‫فشرهوا إل الهاد فيه و أنشأوا السفن فيه و الشوان و شحنوا الساطيل بالرجال و السلح و أمطوها العساكر و القاتلة لن وراء البحر من‬
‫أمم الكفر و اختصوا بذلك من مالكهم و ثغورهم ما كان أقرب لذا البحر و على حافته مثل الشام و أفريقية و الغرب و الندلس و أوعز‬
‫الليفة عند اللك إل حسان بن النعمان عامل أفريقية باتاذ دار صناعة بتونس لنشاء اللت البحرية حرصا على مراسم الهاد و منها كان‬
‫فتح صقلية أيام زيادة ال الول ابن إبراهيم بن الغلب على يد أسد بن الفرات شيخ الفتيا و فتح قوصرة أيضا ف أيامه بعد أن كان معاوية‬
‫بن حديج أغزى صقلية أيام معاوية بن أب سفيان فلم يفتح ال على يديه و فتحت على يد ابن الغلب و قائده أسد بن الفرات و كانت من‬
‫بعد ذلك أساطيل أفريقية و الندلس ف دولة العبيديي و المويي تتعاقب إل بلدها ف سبيل الفتنة فتجوس خلل السواحل بالفساد و‬
‫التخريب‪ .‬و انتهي أسطول الندلس أيام عبد الرحن الناصر إل مائت مركب أو نوها و أسطول أفريقية كذلك مثله أو قريبا منه و كان‬
‫قائد الساطيل بالندلس ابن دماحس و مرفأها للخط و القلع باية و الرية و كانت أساطيلها متمعة من سائر المالك من كل بلد تتخذ‬
‫فيه السفن أسطول يرجع نظره إل قائد من النواتية يدبر أمر حربه و سلحه و مقاتلته و رئيس يدبر أمر جزيته بالريح أو بالجاذيف و أمر‬
‫إرسائه ف مرفئه فإذا اجتمعت الساطيل لغزو متفل أو غرض سلطان مهم عسكرت برفئها العلوم و شحنها السلطان برجاله و أناد‬
‫عساكره و مواليه و جعلهم لنظر أمي واحد من أعلى طبقات أهل ملكته يرجعون كلهم إليه ث يسرحهم لوجههم و ينتظر إيابم الفتح و‬
‫الغنيمة و كان السلمون لعهده الدولة السلمية قد غلبوا على هذا البحر من جيع جوانبه و عظمت صولتهم و سلطانم فيه فلم يكن للمم‬
‫النصرانية قبل بأساطيلهم بشي من جوانبه و امتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم فكانت لم القامات العلومة من الفتح و الغنائم و ملكوا سائر‬
‫الزائر النقطعة عن السواحل فيه مثل ميورقة و منورقة و يابسة و سردانية و صقلية و قوصرة و مالطة و أقريطش و قبص و سائر مالك‬
‫الروم و الفرنج و كان أبو القاسم الشيعي و أبناوه يغزون أساطيلهم من الهدية جزيرة جنوة فتنقلب بالظفر و الغنيمة و افتتح ماهد العامري‬
‫صاحب دانية من ملوك الطوائف جزيرة سردانية ف أساطيل سنة خس و أربعمائة و ارتعها النصارى لوقتها و السلمون خلل ذلك كله قد‬
‫تغلبوا على كثي من لة هذا البحر و صارت أساطيلهم فيهم جائية و ذاهبة و العساكر السلمية تيز البحر ف الساطيل من صقلية إل الب‬
‫الكبي القابل لا من العدوة الشمالية فتوقع بلوك الفرنج و تثخن ف مالكهم كما وقع ف أيام بن السي ملوك صقلية القائمي فيها بدعوة‬
‫العبيديي و انازت أمم النصرانية بأساطيلهم إل الالب الشمال الشرقي منه من سواحل الفرنة و الصقالبة و جزائر الرومانية ل يعدونا و‬
‫أساطيل السلمي قد ضربت عليهم ضراء السد على فريسته و قد ملت الكثر من بسيط هذا البحر عدة و عددا و اختلفت ف طرقه سلما‬
‫و حربا فلم تظهر للنصرانية فيه ألواح حت إذا أدرك الدولة العبيدية و الموية الفشل و الوهن و طرقها العتلل مد النصارى أيديهم إل‬
‫جزائر البحر الشرقية مثل صقلية و إقريطش و مالطة فملكوها ث ألوا على سواحل الشام ف تلك الفترة و ملكوا طرابلس و عسقلن و‬
‫صور و عكاء و استولوا على جيع الثغور بسواحل الشام و غلبوا على بيت القدس و بنوا عليه كنيسة لظهر دينهم و عبادتم و غلبوا بن‬
‫خزرون على طرابلس ث على قابس و صفاقس و وضعوا عليهم الزية ث ملكوا الهدية مقر ملوك العبيديي من يد أعقاب بلكي بن زيري و‬
‫كانت لم ف الائة الامسة الكرة بذا البحر و ضعف شأن الساطيل ف دولة مصر و الشام إل أن انقطع و ل يعتنوا بشيء من أمره لذا‬
‫العهد بعد أن كان لم به ف الدولة العبيدية عناية تاوزت الد كما هو تاوزت ف أخبارهم فبطل رسم هذه الوظيفة هنالك و بقيت‬
‫بأفريقية و الغرب فصارت متصة با و كان الانب الغرب من هذا البحر لذا العهد موفور الساطيل ثابت القوة ل يتحيفه عدو و ل كانت‬
‫لم به كرة فكال قائد السطول به لعهد لتونة بن ميمون رؤساء جزيرة قادس و من أيديهم أخذها عبد الؤمن بتسليمهم و طاعتهم و انتهى‬
‫عدد أساطيلهم إل الائة من بلد العدوتي جيعا‪ .‬و لا استفحلت دولة الوحدين ف الائة السادسة و ملكوا العدوتي أقاموا خطة هذا‬
‫السطول على أت ما عرف و أعظم ما عهد و كان قائد أسطولم أحد الصقلي أصله من صد غيار الوطني بزيرة جربة من سرويكش‬
‫أسرة النصارى من سواحلها و رب عندهم و استخلصه صاحب صقلية و استكفاه ث هلك‪ ،‬و ول النة فأسخطه ببعض النعات و خشي‬
‫على نفسه و لق بتونس و نزل على السند با من بن عبد الؤمن و أجاز مراكش فتلقاه الليفة يوسف بن عبد الؤمن بالبة و الكرامة و‬
‫أجزل الصلة و قلده أمر أساطيله فجلى ف جهاد أمم النصرانية و كانت له آثار و أخبار و مقامات مذكورة ف دولة الوحدين‪ .‬و انتهت‬
‫أساطيل السلمي على عهده ف الكثرة و الستجادة إل ما ل تبلغه من قبل و ل بعد فيما عهدناه و لا قام صلح الدين يوسف بن أيوب‬
‫ملك مصر و الشام لعهده باسترجاع ثغور الشام من يد أمم النصرانية و تطهي بيت القدس تتابعت أساطيلهم بالدد لتلك الثغور من كل‬
‫ناحية قريبة لبيت القدس الذي كانوا قد استولوا عليه فأمدوهم بالعدد و القوات و ل تقاومهم أساطيل السكندرية لستمرار الغلب لم ف‬
‫ذلك الانب الشرقي من البحرية و تعدد أساطيلهم فيه و ضعف السلمي منذ زمان طويل عن مانعتهم هناك كما أشرنا إليه قبل فأوفد‬
‫صلح الدين على أب يعقوب فمنصور سلطان الغرب لعهده من الوحدين رسوله عبد الكري بن منقذ من ملوك بن منقذ ملوك شيزر‪ ،‬و‬
‫كان ملكها من أيديهم و أبقى عليهم ف دولته فبعث عند الكري منهم هذا إل ملك الغرب طالبا مدد الساطيل لتحول ف البحر بي‬
‫أساطيل الجانب و بي مرامهم من أمداد النصرانية بثغور الشام و أصحبه كتابة إليه ف ذلك من إنشاء الفاضل البيسان يقول ف افتتاحه‬
‫( فتح ال لسيدنا أبواب الناحج و اليامن ) حسبما نقله العماد الصفهان ف كتاب الفتح القيسي فنقم عليهم النصور تافيهم عن خطابه‬
‫بأمي الؤمني و أسرها ف نفسه و حلهم على مناهج الب و الكرامة و ردهم إل مرسلهم و ل يبه إل حاجته من ذلك و ف هذا دليل على‬
‫اختصاص ملك الغرب بالساطيل و ما حصل للنصرانية ف الانب الشرقي من هذا البحر من الستطالة و عدم عناية الدول بصر و الشام‬
‫لذلك العهد و ما بعده لشأن الساطيل البحرية و الستعداد منها للدولة و لا هلك أبو يعقوب النصور و اعتلت دولة الوحدين و استولت‬
‫أمهم الللقة على الكثر من بلد الندلس و ألأوا السلمي إل سيف البحر و ملكوا الزائر الت بالانب الغرب ف من البحر الرومي‬
‫قويت ريهم ف بسيط هذا البحر و اشتدت شوكتهم و كثرت فيه أساطيلهم و تراجعت قوة السلمي فيه إل الساواة معهم كما وقع لعهد‬
‫السلطان أب السن ملك زناتة بالغرب فإن أساطيله كانت عند مرامه الهاد مثل عدة النصرانية و عديدهم ث تراجعت عن ذلك قوة‬
‫السلمي ف الساطيل لضعف الدولة و نسيان عوائد البحر بكثرة العوائد البدوية بالغرب و انقطاع الوائد الندلسية و رجع النصارى فيه إل‬
‫دينهم العروف من الدربة فيه و الران عليه و البصر بأحواله و غلب المم ف لته على أعواده و صار السلمون فيه كالجانب إل قليلً من‬
‫أهل البلد الساحلية لم الران عليه لو وجدوا كثرة من النصار و العوال أو قلة من الدولة تستجيش لم أعوانا و ترضع لم ف هذا الغرض‬
‫مسلكا و بقيت الرتبة لذا العهد ف الدولة الغربية مفوظة و الرسم ف معاناة الساطيل بالنشاء و الركوب مهودا لا عساه أن تدعو إليه‬
‫الاجة من الغراض السلطانية ف البلد البحرية و السلمون يستهبون الريح على الكفر و أهله فمن الشتهر بي أهل الغرب عن كتب‬
‫الدثان أنه ل بد للمسلمي من الكرة على النصرانية و افتتاح ما وراء البحر من بلد الفرنة و أن ذلك يكون ف الساطيل و ال و ل‬
‫الؤمني و هو حسبنا و نعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصل الامس و الثلثون ف التفاوت بي مراتب السيف و القلم ف الدول‬


‫إعلم أن السيف و القلم كلها آلة لصاحب الدولة يستعي با على أمر إل أن الاجة ف أول الدولة إل السيف ما دام أهلها ف تهيد أمرهم‬
‫أشد من الاجة إل القلم لن القلم ف تلك الال خادم فقط منفذ للحكم السلطان و السيف شريك ف العونة و كذلك ف آخر الدولة‬
‫حيث تضعف عصبيتهما كما ذكرناه و يقل أهلها با ينالم من الرم الذي قذفناه فتحتاج الدولة إل الستظهار بأرباب السيوف و تقوى‬
‫الاجة إليهم ف حاية الدولة و الدافعة عنها كما كان الشأن أول المر ف تهيدها فيكون للسيف مزية على القلم ف الالتي و يكون أرباب‬
‫السيف حينئذ أوسع جاها و أكثر نعمة و اسن إقطاعا و أما ف وسط الدولة فيستغن صاحبها بعض الشيء عن السيف لنه قد تهد أمره و‬
‫ل يبقى هه إل ف تصيل ثرات اللك من الباية و الضبط و مباهاة الدول و تنفيذ الحكام و القلم هو العي له ف ذلك فتعظم الاجة إل‬
‫تصريفه و تكون السيوف مهملة ف مضاجع أعمالا إل إذا أنابت نائبة أو دعيت إل سد فرجة و ما سوى ذلك فل حاجة إليها فتكون‬
‫أرباب القلم ف هذه الاجة أوسع جاها و أعلى رتبة و أعظم نعم ًة و ثرو ًة و أقرب من السلطان ملسا و أكثر إليه ترددا و ف خلواته نيا‬
‫لنه حينئذ آلته الت با يستظهر على تصيل ثرات ملكه و النظر إل أعطافه و تثقيف أطرافه و الباهاة بأحواله و يكون الوزراء حينئذ و أهل‬
‫السيوف مستغن عنهم مبعدين عن باطن السلطان حذرين على أنفسهم من بوادره‪ .‬و ف معن ذلك ما كتب به أبو مسلم للمنصور حي‬
‫أمره بالقدوم أما بعد فإنه ما حفظناه من وصايا الفرس أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدها سنة ال ف عباده و ال سبحانه و تعال‬
‫أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس و الثلثون ف شارات اللك و السلطان الاصة به‬


‫إعلم أن للسلطان شارات و أحوالً تقتضيها البة و البذخ فيختص با و يتميز بانتحالا عن الرعية و البطالة و سائر الرؤساء ف دولته فنذكر‬
‫ما هو مشتهر منها ببلغ العرفة ( و فوق كل ذي علم عليم )‪.‬‬
‫اللة‪ :‬فمن شارات اللك اتاذ اللة من نشر اللوية و الرايات و قرع الطبول و النفخ ف البواق و القرون و قد ذكر أرسطو ف الكتاب‬
‫النسوب إليه ف السياسة أن السر ف ذلك إرهاب العدو ف الرب فإن الصوات الائلة لا تأثي ف النفوس بالروعة و لعمري أنه أمر وجدان‬
‫ف مواطن الرب يده كل أحد من نفسه و هذا السبب الذي ذكره أرسطو أن كان ذكره فهو صحيح ببعض العتبارات‪ .‬و أما الق ف‬
‫ذلك فهو أن النفس عند ساع النغم و الصوات يدركها الفرح و الطرب بل شك فتصيب مزاج الروح نشوة يستسهل با الصعب و‬
‫يستميت ف ذلك الوجه الذي هو فيه و هذا موجود حت ف اليوانات العجم بانفعال البل بالداء و اليل بالصفي و الصريخ كما علمت‬
‫و يريد ذلك تأثيا إذا كانت الصوات متناسبة كما ف الغناء و أنت تعلم ما يدث لسامعه من مثل هذا العن لجل ذلك تتخذ العجم ف‬
‫ل و ل بوقا فيحدق الغنون بالسلطان ف موكبه بآلتم و يغنون فيحركون نفوس الشجعان بضربم‬ ‫مواطن حروبم اللت الوسيقية ل طب ً‬
‫إل الستماتة و لقد رأينا ف حروب العرب من يتغن أمام الوكب بالشعر و يطرب فتجيش هم البطال با فيها و يسارعون إل مال الرب‬
‫و ينبعث كل قرن إل قرنه و كذلك زناتة من أمم الغرب يتقدم الشاعر عندهم أمام الصفوف و يتغن فيحرك بغنائه البال الرواسي و يبعث‬
‫على الستماتة من ل يظن با و يسمون ذلك الغناء تاصو كايت و أصله كأنه فرح يدث ف النفس فتنبعث عنه الشجاعة كما تنبعث عن‬
‫نشوة الب با حدث عنها من الفرح و ال أعلم و أما تكثي الرايات و تلوينها و إطالتها فالقصد به التهويل ل أكثر و با تدث ف النفوس‬
‫من التهويل زيادة ف القدام و أحوال النفوس و تنويعاتا غريبة و ال اللق العليم‪ .‬ث أن اللوك و الدول يتلفون ف اتاذ هذه الشارات‬
‫فمنهم مكثر و منهم مقلل بسب أتساع الدولة و عظمها فأما الرايات فإنا شعار الروب من عهد الليقة و ل تزل المم تعقدها ف مواطن‬
‫الروب و الغزوات لعهد النب صلى ال عليه و سلم و من بعده من اللفاء‪ .‬و أما قرع الطبول النفخ ف البواق فكان السلمون لول اللة‬
‫متجافي عنه تنها عن غلظة اللك و رفضا لحواله و احتقارا لبته الت ليست من الق ف شيء حت إذا انقلبت اللفة ملكا و تبجحوا‬
‫بزهرة الدنيا و نعيمها و ل بسهم الوال من الفرس و الروم أهل الدول السالفة و أروهم ما كان أولئك ينتحلونه من مذاهب البذخ و الترف‬
‫فكان ما استحسنوه اتاذ اللة فأخذوها و أذنوا لعمالم ف أتاذها تنويها باللك و أهله فكثيا ما كان العامل صاحب الثغر أو قائد اليش‬
‫و يعقد له الليفة من العباسيي أو العبيديي لواءه و يرج إل بعثه أو عمله من دار الليفة أو داره ف موكب من أصحاب الرايات و اللت‬
‫فل ييز بي موكب العامل و الليفة إل بكثرة اللوية و قلتها أو با اختص به الليفة من اللوان لرايته كالسواد ف رايات بن العباس فإن‬
‫راياتم كانت سودا حزنا على شهدائهم من بن هاشم و نعيا على بن أمية ف قتلهم و لذلك سوا السودة‪ ،‬و لا افترق أمر الاشيي و خرج‬
‫الطالبيون على العباسيي من كل جهة و عصر ذهبوا إل مالفتهم ف ذلك فاتذوا الرايات بيضا و سوا البيضة لذلك سائر أيام العبيديي و‬
‫من خرج من الطالبيي ف ذلك العهد بالشرق كالداعي بطبستان و داعي صعدة أو من دعا إل بدعة الرافضة من غيهم كالقرامطة‪ .‬و لا‬
‫نزع الأمون عن لبس السواد و شعاره ف دولته عدل إل لون الضرة فجعل رايته خضراء‪ .‬و أما الستكثار منها فل ينتهي إل حد و قد‬
‫كانت أنه العبيدبي لا خرج العزيز إل فتح الشام خسمائة من البنود و خسمائة من البواق‪ .‬و أما ملوك الببر بالغرب من صنهاجة و‬
‫غيها فلم يتصوا بلون واحد بل وشوها بالذهب و اتذوها من الرير الالص ملونة و استمروا على الذن فيها لعمالم حت إذا جاءت‬
‫دولة الوحدين و من بعدهم من زناتة قصروا اللة من الطبول و البنود على السلطان و حظروها على من سواه من عماله و جعلوا لا موكبا‬
‫خاصا يتبع أثر السلطان ف مسيه يسمى الساقة و هم فيه بي مكر و مقل باختلف مذاهب الدول ف ذلك فمنهم من يقتصر على سبعة من‬
‫العدد تبكا بالسنة كما هو ف دولة الوحدين و بن الحر بالندلس و منهم من يبلغ العشرة و العشرين كما هو عند زناتة و قد بلغت ف‬
‫أيام السلطان أب السن فيما أدركناه مائة من الطبول و مائة من البنود ملونة بالرير منسوجة بالذهب ما بي كبي و صغي و يأذنون للولة‬
‫و العمال و القواد ف اتاذ راية واحدة صغية من الكتان بيضاء و طبل صغي أيام الرب ل يتجاوزون ذلك و أما دولة الترك لذا العهد‬
‫بالشرق فيتخذون راية واحدة عظيمة و ف رأسها خصلة كبية من الشعر يسمونا الشالش و التر و هي شعار السلطان عندهم ث تتعدد‬
‫الرايات و يسمونا السناجق واحدها سنجق و هي الراية بلسانم‪ .‬و أما الطبول فيبالغون ف الستكثار منها و يسمونا الكوسات و يبيحون‬
‫لكل أمي أو قائد عسكر أن يتخذ من ذلك ما يشاء إل التر فإنه خاص بالسلطان‪ .‬و أما الللقة لذا العهد من أمم الفرنة بالندلس فأكثر‬
‫شأنم اتاذ اللوية القليلة ذاهبة ف الو صعدا و معها قرع الوتار من الطنابي و نفخ الغيطات يذهبون فيها مذهب الغناء و طريقه ف‬
‫مواطن حروبم هكذا يبلغنا عنهم و عمن وراءهم من ملوك العجم و من آياته خلق السموات و الرض و اختلف ألسنتكم و ألوانكم إن‬
‫ف ذلك ليات للعالي‪.‬‬
‫السرير‪ :‬و أما السرير و النب و التخت و الكرسي‪ ،‬فهي أعواد منصوبة أو أرائك منضدة للوس السلطان عليها مرتفعا عن أهل ملسه أن‬
‫يساويهم ف الصعيد و ل يزل ذلك من سنن اللوك قبل السلم و ف دول العجم و قد كانوا يلسون على أسرة الذهب و كان لسليمان بن‬
‫داود صلوات ال عليهما و سلمه كرسي و سرير من عاج مغشى بالذهب إل أنه ل تأخذ به الدول إل بعد الستفحال و الترف شأن البة‬
‫كلها كما قلناه و أما ف أول الدولة عند البداوة فل يتشوقون إليه و أول من أتذه ف السلم معاوية و استأذن الناس فيه و قال لم إن قد‬
‫بدنت فأذنوا له فاتذه و أتبعه اللوك السلميون فيه و صار من منازع البة و لقد كان عمرو بن العاصي بصر يلس ف قصره على الرض‬
‫مع العرب و يأتيه القوقس إل قصره و معه سرير من الذهب ممولً على اليدي للوسه شأن اللوك فيجلس عليه و هو أمامه و ل يغيون‬
‫عليه وفا ًء له با عقد معهم من الذمة و اطراحا لبة اللك ث كان بعد ذلك لبن العباس و العبيديي و سائر ملوك السلم شرقا و غربا من‬
‫السرة و النابر و التخوت ما عفا عن الكاسرة و القياصرة و ال مقلب الليل و النهار‪.‬‬
‫السكة‪ :‬و هي التم على الدناني و الدراهم التعامل با بي الناس بطابع حديد ينقش فيه صور أو كلمات مقلوبة و يضرب با على الدينار‬
‫أو الدرهم فتخرج رسوم تلك النقوش عليها ظاهر ًة مستقيمةً بعد أن يعتب عيار النقد من ذلك النس ف خلوصه بالسبك مرة بعد أخرى و‬
‫بعد تقدير أشخاص الدراهم و الدناني بوزن معي صحيح يصطلح عليه فيكون التعامل با عددا و أن ل تقدر أشخاصها يكون التعامل با‬
‫وزنا و لفظ السكة كان ا سا للطابع و هي الديدة التخذة لذلك ث نقل إل أثرها و هي النقوش الاثلة على الدناني و الدراهم ث نقل إل‬
‫القيام على ذلك و النظر ف استيفاء حاجاته و شروطه و هي الوظيفة فصار علما عليها ف عرف الدول و هي وظيفة ضرورية للملك إذ با‬
‫يتميز الالص من الغشوش بي الناس ف النقود عند العاملت و يتقون ف سلمتها الغش بتم السلطان عليها بتلك النقوش العروفة و كان‬
‫ملوك العجم يتخذونا و ينقشون فيها تاثيل تكون مصوصة با مثل تثال السلطان لعهدها أو تثيل حصن أو حيوان أو مصنوع أو غي ذلك‬
‫و ل يزل هذا الشأن عند العجم إل آخر أمرهم و لا جاء السلم أغفل ذلك لسذاجة الدين و بداوة العرب و كانوا يتعاملون بالذهب و‬
‫الفضة وزنا و كانت دناني الفرس و دراههم بي أيديهم و يردونا ف معاملتهم إل الوزن و يتصارفون با بينهم إل أن تفاحش الغش ف‬
‫الدناني و الدراهم لغفلة الدولة عن ذلك و أمر عبد اللك الجاج على ما نقل سعيد بن السيب و أبو الزناد بضرب الدراهم و تييز‬
‫الغشوش من الالص و ذلك سنة أربع و سبعي و قال الدائن سنة خس و سبعي ث أمر بصرفها ف سائر النواحي سنة ست و سبعي و‬
‫كتب عليها ال أحد ال الصمد ث ول ابن هبية العراق أيام يزيد بن عبد اللك فجود السكة ث بالغ خالد القسري ف تويدها ث يوسف بن‬
‫عمر بعده و قيل أول من ضرب الدناني و الدراهم مصعب بن الزبي بالعراق سنة سبعي بأمر أخيه عبد ال لا ول الجاز و كتب عليها ف‬
‫أحد الوجهي بركة ال و ف الخر اسم ال ث غيها الجاج بعد ذلك بسنة و كتب عليها اسم الجاج و قدر وزنا على ما كانت‬
‫استقرت أيام عمر و ذلك أن الدرهم كان وزنه أول السلم ستة دوانق و الثقال وزنه درهم و ثلثة أسباع درهم فتكون عشرة دراهم‬
‫بسبعة مثاقيل و كان السبب ف ذلك أن أوزان الدرهم أيام الفرس كانت متلفة و كان منها على وزن الثقال عشرون قياطا و منها اثنا‬
‫عشر و منها عشرة فلما احتيج إل تقديره ف الزكاة أخذ الوسط و ذلك اثنا عشر قياطا فكان الثقال درها و ثلثة أسباع درهم و قيل‬
‫كان منها البغلي بثمانية دوانق و الطبي أربعة دوانق و الغرب ثانية دوانق و اليمن ستة دوانق فأمر عمر أن ينظر الغلب ف التعامل فكان‬
‫البغلي و الطبي اثن عشر دانقا و كان الدرهم ستة دوانق و إن زدت ثلثة أسباعه كان مثقالً و إذا أنقصت ثلثة أعشار الثقال كان‬
‫درها فلما رأى عبد اللك اتاذ السكة لصيانة النقدين الاريي ف معاملة السلمي من الغش عي مقدارها على هذا الذي استقر لعهد عمر‬
‫رضي ال عنه و اتذ فيه كلمات ل صورا‪ ،‬لن العرب كان الكلم و البلغة أقرب مناحيهم و أظهرها مع أن الشرع ينهى عن الصور فلما‬
‫فعل ذلك استمر بي الناس ف أيام اللة كلها و كان الدينار و الدرهم على شكلي مدورين و الكتابة عليهما ف دوائر متوازية يكتب فيها من‬
‫أحد الوجهي أساء ال تليلً و تميدا و صلة على النب و آله و ف الوجه الثان التاريخ و اسم الليفة و هكذا أيام العباسيي و العبيديي و‬
‫المويي و أما صنهاجة فلم يتخذوا سكةً إل آخر المر اتذها منصور صاحب باية ذكر ذلك ابن حاد ف تاريه و لا جاءت دولة‬
‫الوحدين كان ما سن لم الهدي اتاذ السكة الدرهم مربع الشكل و أن يرسم ف دائرة الدينار شكل مربع ف وسطه و يل من أحد‬
‫ل و تميدا من الانب الخر كتبا ف السطور باسه و اسم اللفاء من بعده ففعل ذلك الوحدون و كانت سكتهم على هذا‬ ‫الانبي تلي ً‬
‫الشكل لذا العهد و لقد كان الهدي فيما ينقل ينعت قبل ظهوره بصاحب الدرهم الربع نعته بذلك التكلمون بالدثان من قبله الخبون ف‬
‫ملحهم عن دولته و أما أهل الشرق لذا العهد فسكتهم غي مقدرة و إنا يتعاملون بالدناني و الدراهم وزنا بالصنجات القدرة بعدة منها و‬
‫ل يطبعون عليها بالسكة نقوش الكلمات بالتهليل و الصلة و اسم السلطان كما يفعله أهل الغرب ذلك تقدير العزيز العليم‪.‬‬
‫و لنختم الكلم ف السكة بذكر حقيقة الدرهم و الدينار الشرعيي و بيان حقيقة مقدارها‪.‬‬

‫مقدار الدرهم و الدينار الشرعيي‬


‫و ذلك أن الدينار و الدرهم متلفا السكة ف القدار و الوازين بالفاق و المصار و سائر العمال و الشرع قد تعرض لذكرها و علق كثيا‬
‫من الحكام بما ف الزكاة و النكحة و الدود و غيها فل بد لما عنده من حقيقة و مقدار معي ف تقدير تري عليهما أحكامه دون‬
‫غي الشرعي‪ ،‬منهما فاعلم أن الجاع منعقد منذ صدر السلم و عهد الصحابة و التابعي أن الدرهم الشرعي‪ ،‬هو الذي تزن العشرة منه‬
‫سبعة مثاقيل من الذهب و الوقية منه أربعي درها و هو على هذا سبعة أعشار الدينار و وزن الثقال من الذهب اثنتان و سبعون حبة من‬
‫الشعي فالدرهم الذي هو سبعة أعشاره خسون حبة و خسا حبة و هذه القادير كلها ثابتة بالجاع فإن الدرهم الاهلي كان بينهم على‬
‫أنواع أجودها الطبي و هو أربعة دوانق و البغلي وهو ثانية دوانق فجعلوا الشرعي بينما و هوست دوانق فكانوا يوجبون الزكاة ف مائة‬
‫درهم بغلية و مائة طبية خسة دراهم و سطا و قد اختلف الناس هل كان ذلك من وضع عبد اللك أو إجاع الناس بعد عليه كما ذكرناه‪.‬‬
‫ذكر ذلك الطام ف كتاب معال السنن و الاوردي ف الحكام السلطانية و أنكره الحققون من التأخرين لا يلزم عليه أن يكون الدينار و‬
‫الدرهم الشرعيان مهولي ف عهد الصحابة من بعدهم مع تعلق القوق الشرعية بما ف الزكاة و النكحة والدود و غيها كما ذكرناه و‬
‫الق أنما كانا معلومي القدار ف ذلك العصر لريان الحكام يومئذ با يتعلق بما من القوق و كان مقدارها غي مستخص ف الارج و‬
‫إنا كان متعارفا بينهم بالكم الشرعي على القدار ف مقدارها و زنتهما حت استفحل السلم و عظمت الدولة و دعت الال إل‬
‫تشخيصهما ف القدار و الوزن كما هو عند الشرع ليستريوا من كلفة التقدير و قارن ذلك أيام عبد اللك فشخص مقدارها و عينهما ف‬
‫الارج كما هو ف الذهن و نقش عليهما السكة باسه و تأريه أثر الشهادتي اليانيتي و طرح النقود الاهلية رأسا حت خلصت و نقش‬
‫عليها سكةً و تلشى وجودها فهذا هو الق الذي ل ميد عنه و من بعد ذلك وقع اختيار أهل السكة ف الدول على مالفة القدار الشرعي‬
‫ف الدينار و الدرهم و اختلفت ف كل القطار و الفاق و رجع الناس إل تصور مقاديرها الشرعية ذهنا كما كان ف الصدر الول و صار‬
‫أهل كل أفق يستخرجون القوق الشرعية من سكتهم بعرفة النسب الت بينها و بي مقاديرها الشرعية و أما وزن الدينار باثنتي و سبعي‬
‫حبة من الشعي الوسط فهو الذي نقله الحققون و عليه الجاع إل ابن حزم خالف ذلك و زعم أن وزنه أربع و ثانون حبة‪ .‬نقل ذلك عنه‬
‫القاضي عبد الق و رده الحققون و عدوه وها و غلطا و هو الصحيح و ال يق الق بكلماته و كذلك تعلم أن الوقية الشرعية ليست‬
‫هي التعارفة بي الناس لن التعارفة متلفة باختلف القطار و الشرعية متحدة ذهنا ل اختلف فيها و ال خلق كل شيء فقدره تقديرا‪.‬‬
‫الات و أما الات فهو من الطط السلطانية و الوظائف اللوكية و التم على الرسائل و الصكوك معروف للملوك قبل السلم و بعده و قد‬
‫ثبت ف الصحيحي أن النب صلى ال عليه و سلم أراد أن يكتب إل قيصر فقيل له إن العجم ل يقبلون كتابا إل أن يكون متوما فاتذ‬
‫خاتا من فضة و نقش فيه ممد رسول ال قال البخاري جعل الثلث الكلمات ثلثة أسطر و ختم به و قال ل ينقش أحد مثله قال و تتم‬
‫به أبو بكر و عمر و عثمان ث سقط من يد عثمان ف بئر أريس و كانت قليلة الاء فلم يدرك قعرها بعد و اغتم عثمان و تطي منه و صنع‬
‫آخر على مثله و ف كيفية نقش الات و التم به وجوه و ذلك أن الات يطلق على اللة الت تعل ف الصبع و منه تتم إذا لبسه و يطلق‬
‫على النهاية و التمام و منه ختمت المر إذا بلغت آخره و ختمت القرآن كذلك و منه خات النبيي و خات المر و يطلق على السداد الذي‬
‫يسد به الوان و الدنان و يقال فيه ختام و منه قوله تعال‪ :‬ختامه مسك و قد غلط من فسر ذلك بالنهاية و التمام قال لن آخر ما يدونه‬
‫ف شرابم ريح السك و ليس العن عليه و إنا هو من التام هو السداد لن المر يعل لا ف الدن سداد الطي أو القار يفظها و يطيب‬
‫عرفها و ذوقها فبولغ ف وصف خر النة بأن سدادها من السك و هو أطيب عرفا و ذوقا من القار و الطي العهودين ف الدنيا فإذا صح‬
‫إطلق الات على هذه كلها صح إطلقه على أثرها الناشئ عنها و ذلك أن الات إذا نقشت به كلمات أو أشكال ث غمس ف مداف من‬
‫الطي أو مداد و وضع على صفح القرطاس بقى أكثر الكلمات ف ذلك الصفح و كذلك إذا طبع به على جسم لي كالشمع فإنه يبقى نقش‬
‫ذلك الكتوب مرتسما فيه و إذا كانت كلمات و ارتسمت فقد تقرأ من الهة اليسرى إذا كان النفش على الستقامة من اليمن و قد يقرأ‬
‫من الهة اليمن إذا كان النقش من الهة اليسرى لن التم يقلب جهة الط ف الصفح عما كان ف النقش من يي أو يسار فيحتمل أن‬
‫يكون التم بذا الات بغمسه ف الداد أو الطي و وضعه ف الصفح فتنتقش الكلمات فيه و يكون هذا من معن النهاية و التمام بعن صحة‬
‫ذلك الكتوب و نفوذه كأن الكتاب إنا يتم العمل به بذه العلمات و هو من دونا ملغى ليس بتمام و قد يكون هذا التم بالط آخر‬
‫الكتاب أو أوله بكلمات منتظمة من تميد أو تسبيح أو باسم السلطان أو المي أو صاحب الكتاب من كان أو شيء من نعوته يكون ذلك‬
‫الط علمة على صحة الكتاب و نفوذه و يسمى ذلك ف التعارف علمة‪ ،‬و ليس ختما تشبيها له بأثر الات الصفي ف النقش و من هذا‬
‫خات القاضي الذي يبعث به للخصوم أي علمته و خطه الذي ينفذ بما أحكامه و منه خات السلطان أو الليفة أي علمته‪ .‬قال الرشيد‬
‫ليحي بن خالد لا أراد أن يستوزر جعفرا و يستبدل به من الفضل أخيه فقال لبيهما يي‪ :‬يا أبت إن أردت أن أحول الات من يين إل‬
‫شال‪ .‬فكن له بالات ف الوزارة لا كانت العلمة على الرسائل و الصكوك من وظائف الوزارة لعهدهم و يشهد لصحة هذا الطلق ما‬
‫نقله الطبي أن معاوية أرسل إل السن عند مراودته إياه ف الصلح صحيفة بيضاء ختم على أسفلها و كتب إليه أن اشترط ف هذه‬
‫الصحيفة الت ختمت أسفلها ما شئت فهو لك و معن التم هنا علمة ف آخر الصحيفة بطه أو غيه و يتمل أن يتم به ف جسم لي‬
‫فتنتقش فيه حروفه و يعل على موضع الزم من الكتاب إذا حزم و على الودوعات و هو من السداد كما مر و هو ف الوجهي آثار الات‬
‫فيطلق عليه خات و أول من أطلق التم على الكتاب أي العلمة معاوية لنه أمر لعمر بن الزبي عند زياد بالكوفة بائة ألف ففتح الكتاب و‬
‫صي الائة مائتي و رفع زياد حسابه فأنكرها معاوية و طلب با عمر و حبسه حت قضاها عنه أخوه عبد ال و اتذ معاوية عند ذلك ديوان‬
‫الات‪ .‬ذكره الطبي و قال آخرون و حزم الكتب و ل تكن تزم أي جعل لا السداد و ديوان التم عبارة عن الكتاب القائمي على إنفاذ‬
‫كتب السلطان و التم عليها إما بالعلمة أو بالزم و قد يطلق الديوان على مكان جلوس هؤلء الكتاب كما ذكرناه ف ديوان العمال و‬
‫الزم للكتب يكون إما بدس الورق كما ف عرف كتاب الغرب و إما بإلصاق رأس الصحيفة على ما تنطوي عليه من الكتاب كما ف‬
‫عرف أهل الشرق و قد يعل على مكان الدس أو اللصاق علمة يؤمن معها من فتحه و الطلع على ما فيه فأهل الغرب يعلون على‬
‫مكان الدس قطعة من الشمع و يتمون عليها باته نقشت فيه علمة لذلك فيتسم النقش ف الشمع و كان ف الشرق ف الدول القدية‬
‫يتم على مكان اللصق باته منقوش أيضا قد غمس ف مداف من الطي معد لذلك صبغه أحر فيتسم ذلك النقش عليه و كان هذا الطي‬
‫ف الدولة العباسية يعرف بطي التم و كان يلب من سياف فيظهر أنه مصوص با فهذا الات الذي هو العلمة الكتوبة أو النقش للسداد‬
‫و الزم للكتب خاص بديوان الرسائل و كان ذلك للوزير ف الدولة العباسية ث اختلف العرف و صار لن إليه الترسيل و ديوان الكتاب ف‬
‫الدولة ث صاروا ف دول الغرب يعدون من علمات اللك و شاراته الات للصبع فيستجيدون صوغه من الذهب و يرصعونه بالفصوص من‬
‫الياقوت و الفيوزج و الزمرد و يلبسه السلطان شارة ف عرفهم كما كانت البدة و القضيب ف الدولة العباسية و الظلة ف الدولة العبيدية و‬
‫ال مصرف المور بكمه‪.‬‬
‫الطراز‪ :‬من أبة اللك و السلطان و مذاهب الدول إل ترسم أساؤهم أو علمات تتص بم ف طراز أثوابم العدة للباسهم من الرير أو‬
‫الديباج أو البريسم تعتب كتابة خطها ف نسج الثوب ألاما و إسداءً بيط الذهب أو ما يالف لون الثوب من اليوط اللونة من غي‬
‫الذهب على ما يكمه الصناع ف تقدير ذلك و وضعه ف صناعة نسجهم فتصي الثياب اللوكية معلمة بذلك الطراز قصد التنويه بلبسها من‬
‫السلطان فمن دونه أو التنويه بن يتصه السلطان بلبوسه إذا قصد تشريفه بذلك أو وليته لوظيفة من وظائف دولته و كان ملوك العجم من‬
‫قبل السلم يعلون ذلك الطراز بصور اللوك و أشكالم أو أشكال و صور معينة لذلك ث اعتاض ملوك السلم عن ذلك بكتب أسائهم‬
‫مع كلمات أخرى تري مرى الفأل أو السجلت‪ .‬و كان ذلك ف الدولتي من أبة المور و أفخم الحوال و كانت الدور العدة لنسج‬
‫أثوابم ف قصورهم تسمى دور الطراز لذلك و كان القائم على النظر فيها يسمى صاحب الطراز‪ ،‬ينظر ف أمور الصباغ و اللة و الاكة‬
‫فيها و إجراء أرزاقهم و تسهيل آلتم و مشارفة أعمالم و كانوا يقلدون ذلك لواص دولتيهم و ثقات مواليهم و كذلك كان الال ف‬
‫دولة بن أمية بالندلس و الطوائف من بعدهم و ف دولة العبيديي بصر و من كان على عهدهم من ملوك العجم بالشرق ث لا ضاق نطاق‬
‫الدول عن الترف و التفنن فيه لضيق نطاقها ف الستيلء و تعددت الدول تعطلت هذه الوظيفة و الولية عليها من أكثر الدول بالملة و لا‬
‫جاءت دولة الوحدين بالغرب بعد بن أمية أول الائة السادسة ل يأخذوا بذلك أول دولتهم لا كانوا عليه من منازع الديانة و السذاجة الت‬
‫لقنوها عن إمامهم ممد بن تومرت الهدي و كانوا يتورعون عن لباس الرير و الذهب فسقطت هذه الوظيفة من دولتهم و استدرك منها‬
‫أعقابم آخر الدولة طرفا ل يكن بتلك النباهة و أما لذا العهد‪ ،‬فأدركنا بالغرب ف الدولة الرينية لعنفوانا و شوخها رسا جليلً لقنوه من‬
‫دولة ابن الحر معاصرهم بالندلس و اتبع هو ف ذلك ملوك الطوائف فأتى منه بلمحة شاهدة بالثر‪ .‬و أما دولة الترك بصر و الشام لذا‬
‫العهد ففيها من الطراز ترير آخر على مقدار ملكهم و عمران بلدهم إل أن ذلك ل يصنع ف دورهم و قصورهم و ليست من وظائف‬
‫دولتهم و إنا ينسج ما تطلبه الدولة من ذلك عند صناعه من الرير و من الذهب الالص و يسمونه الزركش لفظة أعجمية و يرسم اسم‬
‫السلطان أو المي عليه و يعده الصناع لم فيما يعدونه للدولة من طرف الصناعة اللئقة با و ال مقدر الليل و النهار و ال خي الوارثي‪.‬‬

‫الفساطيط و ا لسياج‬
‫اعلم أن من شارات اللك و ترفه اتاذ الخبية و الفساطيط و الفازات من ثياب الكتان و الصوف و القطن فيباهى با ف السفار و تنوع‬
‫منها اللوان ما بي كبي و صغي على نسبة الدولة ف الثروة و اليسار و إنا يكون المر ف أول الدولة ف بيوتم الت جرت عادتم باتاذها‬
‫قبل اللك و كان العرب لعهد اللفاء الولي من بن أمية إنا يسكنون بيوتم الت كانت لم خياما من الوبر و الصوف و ل تزل العرب‬
‫لذلك العهد بادين إل القل منهم فكانت أسفارهم لغزواتم و حروبم بظعونم و سائر حللهم و أحيائهم من الهل و الولد كما هو شأن‬
‫العرب لذا العهد و كانت عساكرهم لذلك كثية اللل بعيدة ما بي النازل متفرقة الحياء يغيب كل واحد منها عن نظر صاحبه من‬
‫الخرى كشأن العرب و لذلك ما كان عبد اللك يتاج إل ساقة تشد الناس على أثره و أن يقيموا إذا ظعن‪.‬‬
‫و نقل أنه استعمل ف ذلك الجاج حي أشار به روح بن زنباغ و قصتهما ف إحراق فساطيط روح و خيامه لول وليته حي وجدهم‬
‫مقيمي ف يوم رحيل عبد اللك قصة مشهورة‪ .‬و من هذه الولية تعرف رتبة الجاج بي العرب فإنه ل يتول إرادتم على الظعن إل من‬
‫يأمن بوادر السفهاء من أحيائهم با له من العصبية الائلة دون ذلك و لذلك اختصه عبد اللك بذه الرتبة ثقة بغنائه فيها بعصبيته و صرامته‬
‫فلما تفننت الدولة العربية ف مذاهب الضارة و البذخ و نزلوا الدن و المصار و انتقلوا من سكن اليام إل سكن القصور و من ظهر‬
‫الف إل ظهر الافر اتذوا للسكن ف أسفارهم ثياب الكتان يستعملون منها بيوتا متلفة الشكال مقدرة المثال من القوراء و الستطيلة و‬
‫الربعة و يتفلون فيها بأبلغ مذاهب الحتفال و الزينة و يدير المي و القائد للعساكر على فساطيطه و فازاته من بينهم سياجا من الكتان‬
‫يسمى ف الغرب بلسان الببر الذي هو لسان أهله أفراك بالكاف و القاف و يتص به السلطان بذلك القطر ل يكون لغيه‪ .‬و أما ف‬
‫الشرق فيتخذه كل أمي و إن كان دون السلطان ث جنحت الدعة بالنساء و الولدان إل القام بقصورهم و منازلم فخف لذلك ظهرهم و‬
‫تقاربت السياج بي منازل العسكر و اجتمع اليش و السلطان ف معسكر واحد يصره البصر ف بسيطة زهوا أنيقا لختلف ألوانه و‬
‫استمر الال على ذلك ف مذاهب الدول ف بذخها و ترفها‪ .‬و كذا كانت دولة الوحدين و زناتة الت أظلتنا كان سفرهم أول أمرهم ف‬
‫بيوت سكناهم قبل اللك من اليام و القياطي حت إذا أخذت الدولة ف مذاهب الترف و سكن القصور و عادوا إل سكن الخبية و‬
‫الفساطيط بلغوا من ذلك فوق ما أرادوه و هو من الترف بكان إل أن العساكر به تصي عرضة للبيات لجتماعهم ف مكان واحد تشملهم‬
‫فيه الصيحة و لفتهم من الهل و الولد الذين تكون الستماتة دونم فيحتاج ف ذلك إل تفظ آخر و ال القوي العزيز‪.‬‬

‫القصورة للصلة و الدعاء ف الطبة‬


‫و ها من المور اللفية و من شارات اللك السلمي و ل يعرف ف غي دول السلم‪ .‬فأما البيت القصورة من السجد لصلة السلطان‬
‫فيتخذ سياجا على الحراب فيحوزه و ما يليه فأول من اتذها معاوية بن أب سفيان حي طعنه الارجي و القصة معروفة و قيل أول من‬
‫اتذها مروان بن الكم حي طعنه اليمان ث اتذها اللفاء من بعدها و صارت سنة ف تييز السلطان عن الناس ف الصلة و هي إنا تدث‬
‫عند حصول الترف ف الدول و الستفحال شأن أحوال البة كلها و ما زال الشأن ذلك ف الدول السلمية كلها‪ ،‬و عند افتراق الدولة‬
‫العباسية و تعدد الدول بالشرق و كذا بالندلس عند انقراض الدولة الموية و تعدد ملوك الطوائف و أما الغرب فكان بنو الغلب يتخذونا‬
‫بالقيوان ث اللفاء العبيديون ث ولتم على الغرب من صنهاجة بنو باديس بفاس و بنو حاد بالقلعة ث ملك الوحدين سائر الغرب و‬
‫الندلس و موا ذلك الرسم على طريقة البداوة الت كانت شعارهم و لا استفحلت الدولة و أخذت بظها من الترف و جاء أبو يعقوب‬
‫النصور ثالث ملوكهم فاتذ هذه القصورة و بقيت من بعده سنة للوك الغرب و الندلس و هكذا كان الشأن ف سائر الدول سنة ال ف‬
‫عباده‪.‬‬

‫و أما الدعاء على النابر ف الطبة فكان الشأن أولً عند اللفاء ولية الصلة بأنفسهم فكانوا يدعون لذلك بعد الصلة على النب صلى ال‬
‫عليه و سلم و الرضى عن أصحابه و أول من اتذ النب عمرو بن العاص لا بن جامعه بصر و أول من دعا للخليفة على النب ابن عباس دعا‬
‫لعلي رضي ال عنهما ف خطبته‪ .‬و هو بالبصرة عامل له عليها فقال اللهم انصر عليا على الق و اتصل العمل على ذلك فيما بعد و بعد‬
‫أخذ عمرو بن العاص النب بلغ عمر بن الطاب ذلك فكتب إليه عمر بن الطاب أما بعد فقد بلغن أنك اتذت منبا ترقى به على رقاب‬
‫السلمي أو ما يكفيك أن تكون قائما و السلمون تت عقبيك فعزمت عليك إل ما كسرته فلما حدثت البة و حدث ف اللفاء الانع من‬
‫الطبة و الصلة استنابوا فيهما فكان الطيب يشيد بذكر الليفة على النب تنويها باسه و دعاءً له با جعل ال مصلحة العال فيه و لن تلك‬
‫الساعة مظنة للجابة و لا ثبت عن السلف ف قولم من كانت له دعوة صالة فليضعها ف السلطان و كان الليفة يفرد بذلك فلما جاء‬
‫الجر و الستبداد صار التغلبون على الدول كثيا ما يشاركون الليفة ف ذلك و يشاد باسهم عقب اسه و ذهب ذلك بذهاب تلك‬
‫الدول و صار المر إل اختصاص السلطان بالدعاء له على النب دون من سواه و حظر أن يشاركه فيه أحد أو يسمو إليه و كثيا ما يغفل‬
‫العاهدون من أهل الدول هذا الرسم عندما تكون الدولة ف أسلوب الغضاضة و مناحي البداوة ف التغافل و الشونة و يقنعون بالدعاء على‬
‫البام و الجال لن ول أمور السلمي و يسمون مثل هذه الطبة إذا كانت على هذا النحى عباسية يعنون بذلك أن الدعاء على الجال‬
‫إنا يتناول العباسي تقليدا ف ذلك لا سلف من المر و ل يفلون با وراء ذلك من تعيينه و التصريح باسه يكى أن يغمراسن بن زيان عاهد‬
‫دولة بن عبد الواد لا غلبه المي أبو زكريا يي بن أب حفص على تلمسان ث بدا له ف إعادة المر إليه على شروط شرطها كان فيها ذكر‬
‫اسه على منابر عمله فقال يغمراسن تلك أعوادهم يذكرون عليها من شاءوا و كذلك يعقوب بن عبد الق عاهد دولة بن مرين حضره‬
‫رسول الستنصر الليفة بتونس من بن أب حفص و ثالث ملوكهم و تلف بعض أيامه عن شهود المعة فقيل له ل يضر هذا الرسول‬
‫كراهية للو الطبة من ذكر سلطانه فأذن ف الدعاء له و كان ذلك سببا لخذهم بدعوته و هكذا شأن الدول ف بدايتها و تكنها ف‬
‫الغضاضة و البداوة فإذا انتبهت عيون سياستهم و نظروا ف أعطاف ملكهم و استتموا شيات الضارة و مفان البذخ و البة انتحلوا جيع‬
‫هذه السمات و تفننوا فيها و تاروا إل غايتها و أنفوا من الشاركة فيها و جزعوا من افتقادها و خلو دولتهم من أثارها و العال بستان و‬
‫ال على كل شيء رقيب‪.‬‬

‫الفصل السابع و الثلثون ف الروب و مذاهب المم و ترتيبها‬


‫اعلم أن الروب و أنواع القاتلة ل تزل واقعة ف الليقة منذ براها ال و أصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض و يتعصب لكل منها أهل‬
‫عصبيه فإذا تذامروا لذلك و توافقت الطائفتان إحداها تطلب النتقام و الخرى تدافع كانت الرب و هو أمر طبيعي ف البشر ل تلو عنه‬
‫أمة و ل جيل و سبب هذا النتقام ف الكثر إما غية و منافسة‪ .‬و إما عدوان و إما غضب ل ولدينه و أما غضب للملك و سعي ف تهيده‬
‫فالول أكثر ما يري بي القبائل التجاورة و العشائر التناظرة و الثان و هو العدوان أكثر ما يكون من المم الوحشية الساكني بالقفر‬
‫كالعرب و الترك و التركمان و الكراد و أشباههم لنم جعلوا أرزاقهم ف رماحهم و معاشهم فيما بأيدي غيهم و من دافعهم عن متاعه‬
‫آذنوه بالرب و ل بغية لم فيما وراء ذلك من رتبة و ل ملك و إنا ههم و نصب أعينهم غلب الناس على ما ف أيديهم و الثالث هو‬
‫السمى ف الشريعة بالهاد و الرابع هو حروب الدول مع الارجي عليها و الانعي لطاعتها فهذه أربعة أصناف من الروب الصنفان‬
‫الولن منها حروب بغي و فتنة و الصنفان الخيان حروب جهاد و عدل و صفة الروب الواقعة بي أهل الليقة منذ أول وجودهم على‬
‫نوعي نوع بالزحف صفوفا و نوع بالكر و الفر أما الذي بالزحف فهو قتال العجم كلهم على تعاقب أجيالم و أما الذي بالكر و الفر فهو‬
‫قتال العرب و الببر من أهل الغرب و قتال الزحف أوثق و أشد من قتال الكر و الفر و ذلك لن قتال الزحف ترتب فيه الصفوف و تسوى‬
‫كما تسوى القداح أو صفوف الصلة و يشون بصفوفهم إل العدو قدما‪ ،‬فلذلك تكون أثبت عند الصال و أصدق ف القتال و أرهب‬
‫للعدو‪ .‬لنه كالائط المتد و القصر الشيد ل يطمع ف إزالته و ف التنيل إن ال يب الذين يقاتلون ف سبيله صفا كأنم بنيان مرصوص‬
‫أي يشد بعضهم بعضا بالثبات و ف الديث الكري الؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضة بعضا و من هنا يظهر لك حكمة إياب الثبات و‬
‫تري التول يوم الزحف فإن القصود من الصف ف القتال حفظ النظام كما قلناه فمن ول العدو ظهره فقد أخل بالصاف و باء بإث الزية‬
‫إن وقعت و صار كأنه جرها على السلمي و أمكن منهم عدوهم فعظم الذنب لعموم الفسدة و تعديها إل الدين برق سياجه فعد من‬
‫الكبائر و يظهر من هذه الدلة أن قتال الزحف أشد عند الشارع و أما قتال الكر و الفر فليس فيه من الشدة و المن من الزية ما ف قتال‬
‫الزحف إل أنم قد يتخذون وراءهم ف القتال مصافا ثابتا يلجأون إليه ف الكر و الفر و يقوم لم مقام قتال الزحف كما نذكره بعد‪ .‬ث إن‬
‫الدول القدية الكثية النود التسعة المالك كانوا يقسمون اليوش و العساكر أقساما يسمونا كراديس و يسوون ف كل كردوس صفوفه‬
‫ذلك أنه لا كثرت جنودهم الكثرة البالغة و حشدوا من قاصية النواحي استدعى ذلك أن يهل بعضهم بعضا إذا اختلطوا ف مال الرب و‬
‫اعتوروا مع عدوهم الطعن و الضرب فيخشى من تدافعهم فيما بينهم لجل النكراء و جهل بعضهم ببعض فلذلك كانوا يقسمون العساكر‬
‫جوعا و يضمون التعارفي بعضهم لبعض و يرتبونا قريبا من الترتيب الطبيعي ف الهات الربع و رئيس العساكر كلها من سلطان أو قائد‬
‫ف القلب و يسمون هذا الترتيب التعبئة و هو مذكور ف أخبار فارس و الروم و الدولتي و صدر السلم فيجعلون بي يدي اللك عسكرا‬
‫منفردا بصفوفه متميزا بقائده و رايته و شعاره و يسمونه القدمة ث عسكرا آخر ناحية اليمي عن موقف اللك و على سته يسمونه اليمنة ث‬
‫عسكرا آخر من ناحية الشمال كذلك يسمونه اليسرة ث عسكرا آخر من وراء العسكر يسمونه الساقة و يقف اللك و أصحابه ف الوسط‬
‫بي هذه الربع و يسمون موقفه القلب فإذا ت لم هذا الترتيب الحكم أما ف مدى واحد للبصر أو على مسافة بعيدة أكثرها اليوم و اليومان‬
‫بي كل عسكرين منها أو كيفما أعطاه حال العساكر ف القلة و الكثرة فحينئذ يكون الزحف من بعد هذه التعبئة و انظر ذلك ف أخبار‬
‫الفتوحات و أخبار الدولتي بالشرق و كيف كانت العساكر لعهد عبد اللك تتخلف عن رحيله لبعد الدى ف التعبئة فاحتيج لن يسوقها‬
‫من خلفه و عي لذلك الجاج بن يوسف كما أشرنا إليه و كما هو معروف ف أخباره و كان ف الدولة الموية بالندلس أيضا كثي منه و‬
‫هو مهول فيما لدينا لنا إنا أدركنا دولً قليلة العساكر ل تنتهي ف مال الرب إل التناكر بل أكثر اليوش من الطائفتي معا يمعهم لدينا‬
‫حلة أو مدينة و يعرف كل واحد منهم قرنة و يناديه ف حومة الرب باسه و لقبه فاستغن عن تلك التعبئة‪.‬‬

‫و من مذاهب أهل الكر و الفر ف الروب ضرب الصاف وراء عسكرهم من المادات و اليوانات العجم فيتخذونا ملجأً للخيالة ف‬
‫كرهم و فرهم يطلبون به ثبات القاتلة ليكون أدوم للحرب و أقرب إل الغلب و قد يفعله أهل الزحف أيضا ليزيدهم ثباتا و شدة فقد كان‬
‫الفرس و هم أهل الزحف يتخذون الفيلة ف الروب و يملون عليها أبراجا من الشب أمثال الصروح مشحونة بالقاتلة و السلح و‬
‫الرايات و يصفونا وراءهم ف حومة الرب كأنا حصون فتقوى بذلك نفوسهم و يزداد وثوقهم و انظر ما وقع من ذلك ف القادسية و إن‬
‫فارس ف اليوم الثالث اشتدوا بم على السلمي حت اشتدت رجالت من العرب فخالطوهم و بعجوها بالسيوف على خراطيمها فنفرت و‬
‫نكصت على أعقابا إل مرابطها بالدائن فجفا معسكر فارس لذلك و انزموا ف اليوم الرابع‪ .‬و أما الروم و ملوك القوط بالندلس و أكثر‬
‫العجم فكانوا يتخذون لذلك السرة ينصبون للملك سريره ف حومة الرب و يف به من خدمه و حاشيته و جنوده من هو زعيم‬
‫بالستماتة دونه و ترفع الرايات ف أركان السرير و يدق به سياج آخر من الرماة و الرجالة فيعظم هيكل السرير و يصي فئة للمقاتلة و‬
‫ملجأ للكر و الفر و جعل ذلك الفرس أيام القادسية و كان رستم جالسا على سرير نصبه للوسه حت اختلفت صفوف فارس و خالطه‬
‫العرب ف سريره ذلك فتحول عنه إل الفرات و قتل‪ .‬و أما أهل الكر و الفر من العرب و أكثر المم البدوية الرحالة فيصفون لذلك إبلهم و‬
‫الظهر الذي يمل ظعائنهم فيكون فئة لم و يسمونا الجبوذة و ليس أمة من المم إل و هي تفعل ف حروبا و تراه أوثق ف الولة و آمن‬
‫من الغرة و الزية و هو أمر مشاهد و قد أغفلته الدول لعهدنا بالملة و اعتاضوا عنه بالظهر الامل للثقال و الفساطيط يعلونا ساقةً من‬
‫خلفهم و ل تغن غناء الفيلة و البل فصارت العساكر بذلك عرضة للهزائم و مستشعرة للفرار ف الواقف‪ .‬و كان الرب أول السلم كله‬
‫زحفا و كان العرب إنا يعرفون الكر و الفر لكن حلهم على ذلك أول السلم أمران أحدها أن أعداءهم كانوا يقاتلون زحفا فيضطرون‬
‫إل مقاتلتهم بثل قتالم‪ .‬و الثان أنم كانوا مستميتي ف جهادهم لا رغبوا فيه من الصب‪ ،‬و لا رسخ فيهم من اليان و الزحف إل‬
‫الستماتة أقرب‪ .‬و أول من أبطل الصف ف الروب و صار إل التعبئة كراديس مروان بن الكم ف قتال الضحاك الارجي و البيي بعده‬
‫قال الطبي لا ذكر قتال البيي فول الوارج عليهم شيبان بن عبد العزيز اليشكري و يلقب أبا الذلفاء قاتلهم مروان بعد ذلك بالكراديس‬
‫و أبطل الصف من يومئذ انتهى‪ .‬فتنوسي قتال الزحف بإبطال الصف ث تنوسي الصف وراء القاتلة با داخل الدول من الترف و ذلك أنا‬
‫حينما كانت بدوية و سكناهم اليام كانوا يستكثرون من البل و سكن النساء و الولدان معهم ف الحياء فلما حصلوا على ترف اللك و‬
‫ألفوا سكن القصور و الواضر و تركوا شأن البادية و القفر نسوا لذلك عهد البل و الظعائن و صعب عليهم اتاذها فخلفوا النساء ف‬
‫السفار وحلهم اللك و الترف على اتاذ الفساطيط و الخبية فاقتصروا على الظهر الامل للثقال و البنية و كان ذلك صفتهم ف الرب‬
‫و ل يغن كل الغناء لنه ل يدعو إل الستماتة كما يدعو إليها الهل و الال فيخف الصب من أجل ذلك و تصرفهم اليعات و ترم‬
‫صفوفهم‪ .‬و لا ذكرناه من ضرب الصاف وراء العساكر و تأكده ف قتال الكر و الفر صار ملوك الغرب يتخذون طائفة من الفرنج ف‬
‫جندهم و اختصوا بذلك لن قتال أهل وطنهم كله بالكر و الفر و السلطان يتأكد ف حقه ضرب الصاف ليكون ردءا للمقاتلة أمامه فل بد‬
‫من أن يكون أهل ذلك الصف من قوم متعودين للثبات ف الزحف و إل أجفلوا على طريقة أهل الكر و الفر فانزم السلطان و العساكر‬
‫بإجفالم فاحتاج اللوك بالغرب أن يتخذوا جندا من هذه المة التعودة الثبات ف الزحف و هم الفرنج و يرتبون مصافهم الحدق بم منها‬
‫هذا على ما فيه من الستعانة بأهل الكفر‪ .‬و إنم استخفوا ذلك للضرورة الت أريناكها من توف الجفال على مصاف السلطان و الفرنج‬
‫ل يعرفون غي الثبات ف ذلك لن عادتم ف القتال الزحف فكانوا أقوم بذلك من غيهم مع أن اللوك ف الغرب إنا يفعلون ذلك عند‬
‫الرب مع أمم العرب و الببر و قتالم على الطاعة و أما ف الهاد فل يستعينون بم حذرا من مالتم على السلمي هذا هو الواقع لذا‬
‫العهد و قد أ بدينا سببه و ال بكل شيء عليم‪ .‬و بلغنا أن أمم الترك لذا العهد قتالم مناضلة بالسهام و إن تعبئة الرب عندهم بالصاف و‬
‫أنم يقسمون بثلثة صفوف يضربون صفا وراء صف و يترجلون عن خيولم و يفرغون سهامهم بي أيديهم ث يتناضلون جلوسا و كل‬
‫صف ردء للذي أمامه أن يكبسهم العدو إل أن يتهيأ النصر لحدى الطائفتي على الخرى و هي تعبئة مكمة غريبة‪ .‬و كان من مذاهب‬
‫الول ف حروبم حفر النادق على معسكرهم عندما يتقاربون للزحف حذرا من معرة البيات و الجوم على العسكر بالليل لا ف ظلمته و‬
‫وحشته من مضاعفة الوف فيلوذ اليش بالفرار و تد النفوس ف الظلمة سترا من عاره فإذا تساووا ف ذلك أرجف العسكر و وقعت‬
‫الزية فكانوا لذلك يتفرون النادق على معسكرهم إذا نزلوا و ضربوا أبنيتهم و يديرون الفائر نطاقا عليهم من جيع جهاتم حرصا أن‬
‫يالطهم العدو بالبيات فيتخاذلوا‪ .‬و كانت للدول ف أمثال هذا قوة و عليه اقتدار باحتشاد الرجال و جع اليدي عليه ف كل منل من‬
‫منازلم با كانوا عليه من وفور العمران و ضخامة اللك فلما خرب العمران و تبعه ضعف الدول و قلة النود و عدم الفعلة نسي هذا الشأن‬
‫جلة كأنه ل يكن و ال خي القادرين‪ .‬و انظر وصية علي رضي ال عنه و تريضه لصحابه يوم صفي تد كثيا من علم الرب و ل يكن‬
‫أحد أبصر با منه قال ف كلم له‪ :‬فسووا صفوفكم كالبنيان الرصوص و قدموا الدارع و أخروا الاسر و عضوا على الضراس فإنه أنب‬
‫للسيوف عن الام و التووا على أطراف الرماح فإنه أصون للسنة و غضوا البصار فإنه أربط للجأش و أسكن للقلوب و اخفتوا الصوات‬
‫فإنه أطرد للفشل و أول بالوقار و أقيموا راياتكم فل تيلوها و ل تعلوها إل بأيدي شجعانكم و استعينوا بالصدق و الصب فإنه بقدر الصب‬
‫ينل النصر و قال الشتر يومئذ يرص الزد‪ :‬عضوا على النواجذ من الضراس و استقبلوا القوم بامكم و شدوا شدة قوم موتورين من‬
‫يثأرون بآبائهم و إخوانم حناقا على عدوهم و قد وطنوا على الوت أنفسهم لئل يسبقوا بوتر و ل يلحقهم ف الدنيا عار و قد أشار إل‬
‫كثي من ذلك أبو بكر الصيف شاعر لتونة و أهل الندلس ف كلمة يدح با تاشفي بن علي بن يوسف و يصف ثباته ف حرب شهدها و‬
‫يذكره بأمور الرب ف وصايا تذيرات تنبهك على معرفة كثي من سياسة الرب يقول فيها‪.‬‬

‫يا أيها الل الذي يتقنعمن منكم اللك المام الروع‬


‫فانفض كل و هو ل يتزعزع‬ ‫و من الذي غدر العدو به دجى‬

‫عنه و يدمرها الوفاء فترجع‬ ‫تضي الفوارس و الطعان يصدها‬

‫و الليل من وضح الترائك إنصبح على هام اليوش يلمع‬

‫أن فزعتم يا بن صنهاجةو إليكم ف الروع كان الفزع‬

‫إنسان عي ل يصبها منكمحضن و قلب أسلمته الضلع‬

‫و صددت عن تاشفي و إنلعقابه لو شاء فيكم موضع‬

‫كل لكل كريهة مستطلع‬ ‫ما أنتم إل أسود خفية‬

‫يا تاشفي أقم ليشك عذرهبالليل و العذر الذي ل يدفع‬

‫و منها ف سياسة الرب‬

‫أهديك من أدب السياسة ما به كانت ملوك الفرس قبلك تولع‬

‫ل إنن أدري با لكنها ذكرى تض الؤمني و تنفع‬

‫وصى با صنع الصنائع تبع‬ ‫و البس من اللق الضاعفة الت‬

‫و الندوان الرقيق فإنأمضى على حد الدلص و أقطع‬

‫و اركب من اليل السوابق عدة حصنا حصينا ليس فيه مدفع‬

‫سيان تتبع ظافرا أو تتبع‬ ‫خندق عليك إذا ضربت ملة‬

‫و الواد ل تعبه و انزل عنده بي العدو و بي جيشك يقطع‬

‫و اجعل مناجزة اليوش عشية و وراءك الصدق الذي هو أمنع‬

‫و إذا تضايقت اليوش بعرك ضنك فأطراف الرماح توشع‬

‫و اصدمه أول وهلة ل تكترث شيئا فإظهار النكول يضعضع‬

‫و اجعل من الطلع أهل شهامة للصدق فيهم شيمة ل تدع‬


‫ل تسمع الكذاب جاءك مرجفا ل رأي للكذاب فيما يصنع‬

‫قوله و اصدمه أول وهلة ل تكترث البيت مالف لا عليه الناس ف أمر الرب فقد قال عمر لب عبيد بن مسعود الثقفي لا وله حرب‬
‫فارس و العراق فقال له اسع و أطع من أصحاب النب صلى ال عليه و سلم و أشركهم ف المر و ل تيب مسرعا حت تتبي فإنا الرب و‬
‫ل يصلح لا الرجل الكيث الذي يعرف الفرصة و الكف و قال له ف أخرى‪ :‬إنه لن ينعن أن أؤمر سليطا إل سرعته ف الرب و ف التسرع‬
‫ف الرب إل عن بيان ضياع و ال لول ذلك لمرته لكن الرب ل يصلحها إل الرجل الكيث هذا كلم عمر و هو شاهد بأن التثاقل ف‬
‫الرب أول من الفوف حت يتبي حال تلك الرب و ذلك عكس ما قاله الصيف إل أن يريد أن الصدم بعد البيان فله وجه و ال تعال‬
‫اعلم‪ .‬و ل وثوق ف الرب بالظفر و إن حصلت أسبابه من العدة و العديد و إنا الظفر فيها و الغلب من قبيل البحث و التفاق و بيان‬
‫ذلك أن أسباب الغلب ف الكثر متمعة من أمور ظاهرة و هي اليوش و وفورها و كمال السلحة و استجادتا و كثرة الشجعان و ترتيب‬
‫الصاف و منه صدق القتال و ما جرى مرى ذلك و من أمور خفية و هي إما خداع البشر و حيلهم ف الرجاف و التشانيع الت يقع با‬
‫التخذيل و ف التقدم إل الماكن الرتفعة ليكون الرب من أعلى فيتوههم النخفض لذلك و ف الكمون ف الغياض و مطمئن الرض و‬
‫التواري بالكدى حول العدو حت يتداولم العسكر دفعة و قد تورطوا فيتلفتون إل النجاة و أمثال ذلك و إما أن تكون تلك السباب الفية‬
‫أمورا ساوية ل قدرة للبشر على اكتسابا تلقى ف القلوب فيستول الرهب عليهم لجلها فتختل مراكزهم فتقع الزية و أكثر ما تقع الزائم‬
‫عن هذه السباب الفية لكثرة ما يعتمل لكل واحد من الفريقي فيها حرصا على الغلب فل بد من وقوع التأثي ف ذلك لحدها ضرورة و‬
‫لذلك قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬الرب خدعة و من أمثال العرب رب حيلة أنفع من قبيلة فقد تبي أن وقوع الغلب ف الروب غالبا عن‬
‫أسباب خفية غي ظاهرة و وقوع الشياء عن السباب الفية هو معن البخت كما تقرر ف موضعه فاعتبه و تفهم من وقع الغلب عن‬
‫المور السماوية كما شرحناه معن قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬نصرت بالرعب مسية شهر و ما وقع من غلبه للمشركي ف حياته بالعدد‬
‫القليل و غلب السلمي من بعده كذلك ف الفتوحات فإن ال سبحانه و تعال تكفل لنبيه بإلقاء الرعب ف قلوب الكافرين حت يستول على‬
‫قلوبم فينهرموا معجزة لرسوله صلى ال عليه و سلم فكان الرعب ف قلوبم سببا للهزائم ف الفتوحات السلمية كلها أنه خفي عن‬
‫العيون‪ .‬و قد ذكر الطرطوشي‪ :‬أن من أسباب الغلب ف الرب أن تفضل عدة الفرسان الشاهي من الشجعان ف أحد الانبي على عدتم‬
‫ف الانب الخر مثل أن يكون أحد الانبي فيه عشرة أو عشرون من الشجعان الشاهي و ف الالب الخر ثانية أو ستة عشر فالانب‬
‫الزائد و لو بواحد يكون له الغلب و أعاد ف ذلك و أبدى و هو راجع إل السباب الظاهرة الت قدمنا و ليس بصحيح‪ .‬و إنا الصحيح‬
‫العتب ف الغلب حال العصبية أن يكون ف أحد الانبي عصبية واحدة جامعة لكلهم و ف الانب الخر عصائب متعددة لن العصائب إذا‬
‫كانت متعددة يقع بينها من التخاذل ما يقع ف الوحدان التفرقي الفاقدين للعصبية تنل كل عصابة منهم منلة الواحد و يكون الانب الذي‬
‫عصابته متعددة ل يقاوم الانب الذي عصبته واحدة لجل ذلك فتفهمه و اعلم أنه أصح ف العتبار ما ذهب إليه الطرطوشي و ل يمله‬
‫على ذلك إل نسيان شأن العصبية ف حلة و بلدة و أنم إنا يرون ذلك الدفاع و الماية و الطالبة إل الوحدان و الماعة الناشئة عنهم ل‬
‫يعتبون ف ذلك عصبية و ل نسبا و قد بينا ذلك أول الكتاب مع أن هذا و أمثاله على تقدير صحته إنا هو من السباب الظاهرة مثل اتفاق‬
‫اليش ف العدة و صدق القتال و كثرة السلحة و ما أشبهها فكيف يعل ذلك كفيلً بالغلب و نن قد قررنا لك الن أن شيئا منها ل‬
‫يعارض السباب الفية من اليل و الداع و ل المور السماوية من الرعب و الذلن اللي فافهمه و تفهم أحوال الكون و ال مقدر‬
‫الليل و النهار‪ .‬و يلحق بعن الغلب ف الروب و أن أسبابه خفية و غي طبيعية حال الشهرة و الصيت فقل أن تصادف موضعها ف أحد من‬
‫طبقات الناس من اللوك و العلماء و الصالي و النتحلي للفصائل على العموم و كثي من اشتهر بالشر و هو بلفه و كثي من تاوزت‬
‫عنه الشهرة و هو أحق با و أهلها و قد تصادف موضعها و تكون طبقا على صاحبها و السبب ف ذلك أن الشهرة و الصيت إنا ها‬
‫بالخبار و الخبار يدخلها الذهول عن القاصد عند التناقل و يدخلها التعصب و التشييع و يدخلها الوهام و يدخلها الهل بطابقة‬
‫الكايات للحوال لفائها بالتلبيس و التصنع أو لهل الناقل و يدخلها التقرب لصحاب التجلة و الراتب الدنيوية بالثناء و الدح و تسي‬
‫الحوال و إشاعة الذكر بذلك و النفوس مولعة بب الثناء و الناس متطاولون إل الدنيا و أسبابا من جاه أو ثروة و ليسوا من الكثر براغبي‬
‫ف الفضائل و ل منافسي ف أهلها و أين مطابقة الق مع هذه كلها فتختل الشهرة عن أسباب خفية من هذه و تكون غي مطابقة و كل ما‬
‫حصل بسبب خفي فهو الذي يعب عنه بالبخت كما تقرر و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الثلثون ف الباية و سبب قلتها و كثرتا‬


‫إعلم أن الباية أول الدولة تكون قليلة الوزائع كثية الملة و آخر الدولة تكون كثية الوزائع قليلة الملة و السبب ف ذلك أن الدولة إن‬
‫كانت على سنن الدين فليست تقتضي إل الغارم الشرعية من الصدقات و الراج و الزية و هي قليلة الوزائع لن مقدار الزكاة من الال‬
‫قليل كما علمت و كذا زكاة البوب و الاشية و كذا الزية و الراج و جيع الغارم الشرعية و هي حدود ل تتعدى و إن كانت على‬
‫سنن التغلب و العصبية فل بد من البداوة ف أولا كما تقدم و البداوة تقتضي السامة و الكارمة و خفض الناح و التجاف عن أموال الناس‬
‫و الغفلة عن تصيل ذلك إل ف النادر فيقل لذلك مقدار الوظيفة الواحدة و الوزيعة الت تمع الموال من مموعها و إذا قلت الوزائع و‬
‫الوظائف على الرعايا نشطوا للعمل و رغبوا فيه فيكثر العتمار و يتزايد لصول الغتباط بقلة الغرم و إذا كثر العتمار كثرت أعداد تلك‬
‫الوظائف و الوزائع فكثرت الباية الت هي جلتها فإذا استمرت الدولة و اتصلت و تعاقب ملوكها واحدا بعد واحد و اتصفوا بالكيس و‬
‫ذهب سر البداوة و السذاجة و خلقها من الغضاء و التجاف و جاء اللك العضوض و الضارة الداعية إل الكيس و تلق أهل الدولة حينئذ‬
‫بلق التحذلق و تكثرت عوائدهم و حوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم و الترف فيكثرون الوظائف و الوزائع حينئذ على الرعايا و‬
‫الكرة و الفلحي و سائر أهل الغارم و يزيدون ف كل وظيفة و وزيعة مقدارا عظيما لتكثر لم الباية و يضعون الكوس على البايعات و‬
‫ف البواب كما نذكر بعد ث تتدرج الزيادات فيها بقدار بعد مقدار لتدرج عوائد الدولة ف الترف و كثرة الاجات و النفاق بسببه حت‬
‫ل قليلً و ل يشعر أحد بن زادها على التعيي و ل‬ ‫تثقل الغارم على الرعايا و تضمهم و تصي عادة مفروضة لن تلك الزيادة تدرجت قلي ً‬
‫من هو واضعها إنا ثبت على الرعايا ف العتمار لذهاب المل من نفوسهم بقلة النفع إذا قابل بي نفعه و مغارمه و بي ثرته و فائدته‬
‫فتنقبض كثي من اليدي عن العتمار جلة فتنقص جلة الباية حينئذ بنقصان تلك الوزائع منها و ربا يزيدون ف مقدار الوظائف إذا رأوا‬
‫ذلك النقص ف الباية و يسبونه جبا لا نقص حت تنتهي كل وظيفة و وزيعة إل غاية ليس وراءها نفع و ل فائدة لكثرة النفاق حينئذ ف‬
‫العتمار و كثرة الغارم و عدم وفاء الفائدة الرجوة به فل تزال الملة ف نقص و مقدار الوزائع و الوظائف ف زيادة لا يفتقدونه من جب‬
‫الملة با إل أن ينتقص العمران بذهاب المال من العتمار و يعود وبال ذلك على الدولة لن فائدة العتمار عائدة إليها و إذا فهمت ذلك‬
‫علمت إل أقوى السباب ف العتمار تقليل مقدار الوظائف على العتمرين ما أمكن فبذلك تنبسط النفوس إليه لثقتها بإدراك النفعة فيه و‬
‫ال سبحانه و تعال مالك المور كلها و بيده ملكوت كل شيء‪.‬‬

‫الفصل التاسع و الثلثون ف ضرب الكوس أواخر الدولة‬


‫إعلم أن الدولة تكون ف أولا بدوية كما قلنا فتكون لذلك قليلة الاجات يعدم الترف و عوائده فيكون خرجها و إنفاقها قليلً فيكون ف‬
‫الباية حينئذ وفاء بأزيد منها كثي عن حاجاتم ث ل تلبث أن تأخذ بدين الضارة ف الترف و عوائدها و تري على نج الدول السابقة‬
‫قبلها فيكثر لذلك خراج أهل الدولة و يكثر خراج السلطان خصوصا كثرة بالغة بنفقته ف خاصته و كثرة عطائه و ل تفي بذلك الباية‬
‫فتحتاج الدولة إل زيادة ف الباية لا تتاج إليه الامية من العطاء و السلطان من النفقة فيزيد ف مقدار الوظائف و الوزائع أولً كما قلناه ث‬
‫يزيد الراج و الاجات و التدريج ف عوائد الترف و ف العطاء للحامية و يدرك الدولة الرم و تضعف عصابتها عن جباية الموال من‬
‫العمال و القاصية فتقل الباية و تكثر العوائد و يكثر بكثرتا أرزاق الند و عطاؤهم فيستحدث صاحب الدولة أنواعا من الباية يضربا‬
‫على البياعات و يفرض لا قدرا معلوما على الثان ف السواق و على أعيان السلع ف أموال الدينة و هو مع هذا مضطر لذلك با دعاه إليه‬
‫طرق الناس من كثرة العطاء من زيادة اليوش و الامية و ربا يزيد ذلك ف أواخر الدولة زيادة بالغة فتكسد السواق لفساد المال و يؤذن‬
‫ذلك باختلل العمران و يعود على الدولة و ل يزال ذلك يتزايد إل أن تضمحل‪ .‬و قد كان وقع منه بأمصار الشرق ف أخريات الدولة‬
‫العباسية و العبيدية كثي و فرضت الغارم حت على الاج ف الوسم و أسقط صلح الدين أيوب تلك الرسوم جلة و أعاضها بآثار الي و‬
‫كذلك وقع بالندلس لعهد الطوائف حت مى رسه يوسف بن تاشفي أمي الرابطي و كذلك وقع بأمصار الريد بإفريقية لذا العهد حي‬
‫استبد با رؤساؤها و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الربعون ف أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا و مفسدة للجباية‬


‫اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها با قدمناه من الترف و كثرة العوائد و النفقات و قصر الاصل من جبايتها على الوفاء باجاتا و نفقاتا و‬
‫احتاجت إل مزيد الال و الباية فتارة توضع الكوس على بياعات الرعايا و أسواقهم كما قدمنا ذلك ف الفصل قبله و تارة بالزيادة ف‬
‫ألقاب الكوس إن كان قد استحدث من قبل و تارة بقاسة العمال و الباة و امتكاك عظامهم لا يرون أنم قد حصلوا على شيء طائل من‬
‫أموال الباية ل يظهره السبان و تارة باستحداث التجارة و الفلحة للسلطان على تسمية الباية لا يرون التجار و الفلحي يصلون على‬
‫الفوائد و الغلت مع يسارة أموالم و أن الرباح تكون على نسبة رؤوس الموال فيأخذون ف اكتساب اليوان و النبات لستغلله ف شراء‬
‫البضائع والتعرض با لوالة السواق و يسبون ذلك من إدرار الباية و تكثي الفوائد و هو غلط عظيم و إدخال الضرر على الرعايا من‬
‫وجوه متعددة فأولً مضايقة الفلحي و التجار ف شراء اليوان و البضائع و تيسي أسباب ذلك فإن الرعايا متكافئون ف اليسار متقاربون و‬
‫مزاحة بعضهم بعضا تنتهي إل غاية موجودهم أو تقرب و إذا رافقهم السلطان ف ذلك و ماله أعظم كثيا منهم فل يكاد أحد منهم يصل‬
‫على غرضه ف شيء من حاجاته و يدخل على النفوس من ذلك غم و نكد ث إن السلطان قد ينتزع الكثي من ذلك إذا تعرض له غضا أو‬
‫بأيسر ثن أو ل يد من يناقشه ف شرائه فيبخس ثنه على بائعه ث إذا حصل فوائد الفلحة و مغلها كله من زرع أو حرير أو عسل أو سكر‬
‫أو غي ذلك من أنواع الغلت و حصلت بضائع التجارة من سائر النواع فل ينتظرون به حوالة السواق و ل نفاق البياعات لا يدعوهم‬
‫إليه تكاليف الدولة فيكلفون أهل تلك الصناف من تاجر أو فلح بشراء تلك البضائع و ل يرضون ف أثانا إل القيم و أزيد فيستوعبون ف‬
‫ذلك ناض أموالم و تبقى تلك البضائع بأيديهم عروضا جامدة و يكثون عطلً من الدارة الت فيها كسبهم و معاشهم و ربا تدعوهم‬
‫الضرورة إل شيء من الال فيبيعون تلك السلع على كساد من السواق بأبس ثن‪ .‬و ربا يتكرر ذلك على التاجر و الفلح منهم با يذهب‬
‫رأس ماله فيقعد عن سوقه و يتعدد ذلك و يتكرر و يدخل به على الرعايا من العنت و الضايقة و فساد الرباح ما يقبض آمالم عن السعي‬
‫ف ذلك جلة و يؤدي إل فساد الباية فإن معظم الباية إنا هي من الفلحي و التجار و ل سيما بعد وضع الكوس و نو الباية با فإذا‬
‫انقبض الفلحون عن الفلحة و قعد التجار عن التجارة ذهبت الباية جلة أو دخلها النقص التفاحش و إذا قايس السلطان بي ما يصل له‬
‫من الباية و بي هذه الرباح القليلة وجدها بالنسبة إل الباية أقل من القليل ث إنه و لو كان مفيدا فيذهب له بظ عظيم من الباية فيما‬
‫يعانيه من شراء أو بيع فإنه من البعيد أن يوجد فيه من الكس و لو كان غيه ف تلك الصفقات لكال تكسبها كلها حاصلً من جهة الباية‬
‫ث فيه التعرض لهل عمرانه و اختلل الدولة بفسادهم و نقصهم فإن الرعايا إذا قعدوا عن تثمي أموالم بالفلحة و التجارة نقصت و‬
‫تلشت بالنفقات و كان فيها تلف أحوالم‪ ،‬فافهم ذلك و كان الفرس ل يلكون عليهم إل من أهل بيت الملكة ث يتارونه من أهل‬
‫الفضل و الدين و الدب و السخاء و الشجاعة و الكرم ث يشترطون عليه مع ذلك العدل و أن ل يتخذ صنعة فيضر بيانه و ل يتاجر‬
‫فيحب غلء السعار ف البضائع و أن ل يستخدم العبيد فإنم ل يشيون بي و ل مصلحة‪ .‬و اعلم أن السلطان ل ينمي ماله و ل يدر‬
‫موجوده إل الباية و إدرارها إنا يكون بالعدل ف أهل الموال و النظر لم بذلك فبذلك تنبسط آمالم و تنشرح صدورهم للخذ ف تثمي‬
‫الموال و تنميتها فتعظم منها جباية السلطان و أما غي ذلك من تارة أو فلح فإنا هو مضرة عاجلة للرعايا و فساد للجباية و نقص للعمارة‬
‫و قد ينتهي الال بؤلء النسلخي للتجارة و الفلحة من المراء و التغلبي ف البلدان أنم يتعرضون لشراء الغلت و السلع من أربابا‬
‫الواردين على بلدهم و يفرضون لذلك من الثمن ما يشاءون و يبيعونا ف وقتها لن تت أيديهم من الرعايا با يفرضون من الثمن و هذه‬
‫أشد من الول و أقرب إل فساد الرعية و اختلل أحوالم و ربا يمل السلطان على ذلك من يداخله من هذه الصناف أعن التجار و‬
‫الفلحي لا هي صناعته الت نشأ عليها فيحمل السلطان على ذلك و يضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على غرضه من جع الال سريعا و ل‬
‫سيما مع ما يصل له من التجارة بل مغرم و ل مكس فإنا أجدر بنمو الموال و أسرع ف تثميه و ل يفهم ما يدخل على السلطان من‬
‫الضرر بنقص جبايته فينبغي للسلطان أن يذر من هؤلء و يعرض عن سعايتهم الضرة ببايته و سلطانه و ال يلهمنا رشد أنفسنا و ينفعنا‬
‫بصال العمال و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الادي و الربعون ف أن ثروة السلطان و حاشيته إنا تكون ف‬


‫وسط الدولة‬
‫و السبب ف ذلك أن الباية ف أول الدولة تتوزع على أهل القبيل و العصبية بقدار غنائهم و عصبيتهم و لن الاجة إليهم ف تهيد الدولة‬
‫كما قلناه من قبل فرئيسهم ف ذلك متجاف لم عما يسمون إليه من الستبداد عليهم فله عليهم عزة و له إليهم حاجة فل يطي ف سهمانه‬
‫من الباية إل القل من حاجته فتجد حاشيته لذلك و أذياله من الوزراء و الكتاب و الوال متملقي ف الغالب و جاههم متقلص لنه من‬
‫جاه مدومهم و نطاقه قد ضاق بن يزاحه فيه من أهل عصبيته فإذا استفحلت طبيعة اللك و حصل لصاحب الدولة الستبداد على قومه‬
‫قبض أيديهم عن البايات إل ما يطي لم بي الناس ف سهمانم و تقل حظوظهم ذاك لقلة غنائهم ف الدولة با انكبح من أعنتهم و صار‬
‫الوال و الصنائع مساهي لم ف القيام بالدولة و تهيد المر فينفرد صاحب الدولة حينئذ بالباية أو معظمها و يتوي على الموال و‬
‫يتجنها للنفقات ف مهمات الحوال فتكثر ثروته و تتلئ خزائنه و يتسع نطاق جاهه و يعتز على سائر قومه فيعظم حال حاشيته و ذويه من‬
‫وزير و كاتب و حاجب و مول و شرطي و يتسع جاههم و يقتنون الموال و يتأثلونا ث إذا أخذت الدولة ف الرم بتلشي العصبية و فناء‬
‫القليل العاهدين للدولة احتاج صاحب المر حينئذ إل العوان و النصار لكثرة الوارج و النازعي و الثوار و توهم النتقاض فصار‬
‫خراجه لظهرائه و أعوانه و هم أرباب السيوف و أهل العصبيات و أنفق خزائنه و حاصله ف مهمات الدولة و قلت مع ذلك الباية لا‬
‫قدمناه من كثرة العطاء و النفاق فيقل الراج و تشتد حاجة الدولة إل الال فيتقلص ظل النعمة و الترف عن الواص و الجاب و الكتاب‬
‫بتقلص الاه عنهم و ضيق نطاقه على صاحب الدولة ث تشتد حاجة صاحب الدولة إل الال و تنفق أبناء البطانة و الاشية ما تأثله آباؤهم‬
‫من الموال ف غي سبيلها من إعانة صاحب الدولة و يقبلون على غي ما كان عليه آباؤهم و سلفهم من الناصحة و يرى صاحب الدولة أنه‬
‫أحق بتلك الموال الت اكتسبت ف دولة سلفه و باههم فيصطلمها و ينتزعها منهم لنفسه شيئا فشيئا و واحدا بعد واحد على نسبة رتبهم‬
‫و تنكر الدولة لم و يعود وبال ذلك على الدولة بفناء حاشيتها و رجالتا و أهل الثروة و النعمة من بطانتها و يتقوض بذلك كثي من مبان‬
‫الجد بعد أن يدعمه أهله و يرفعوه‪ .‬و انظر ما وقع من ذلك لوزراء الدولة العباسية ف بن قحطبة و بن برمك و بن سهل و بن طاهر و‬
‫أمثالم ث ف الدولة الموية بالندلس عند انللا أيام الطوائف ف بن شهيد و بن أب عبدة و بن حدير و بن برد و أمثالم و كذا ف الدولة‬
‫الت أدركناها لعهدنا سنة ال الت قد خلت ف عباده‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و لا يتوقعه أهل الدولة من أمثال هذه العاطب صار الكثي منهم ينعون إل الفرار عن الرتب و التخلص من ربقة السلطان با حصل‬
‫ف أيديهم من مال الدولة إل قطر آخر و يرون أنه أهنأ لم و أسلم ف إنفاقه و حصول ثرته و هو من الغلط الفاحشة و الوهام الفسدة‬
‫لحوالم و دنياهم و اعلم أن اللص من ذلك بعد الصول فيه عسي متنع فإن صاحب هذا الغرض إذا كان هو اللك نفسه فل تكنه‬
‫الرعية من ذلك طرفة عي و ل أهل العصبية الزاحون له بل ف ظهور ذلك منه هدم للكه و إتلف لنفسه بجاري العادة بذلك لن ربقة‬
‫اللك يعسر اللص منها و ل سيما عند استفحال الدولة و ضيق نطاقها و ما يعرض فيها من البعد عن الجد و اللل و التخلق بالشر و‬
‫أما إذا كان صاحب هذا الغرض من بطانة السلطان و حاشيته و أهل الرتب ف دولته فقل أن يلى بينه و بي ذلك‪ .‬أما أول فلما يراه اللوك‬
‫أن ذويهم و حاشيتهم بل و سائر رعاياهم ماليك لم مطلعون على ذات صدورهم فل يسمحون بل ربقته من الدمة ضنا بأسرارهم و‬
‫أحوالم أن يطلع عليها أحد‪ .‬و غيه من خدمته لسواهم و لقد كان بنو أمية بالندلس ينعون أهل دولتهم من السفر لفريضة الج لا‬
‫يتوهونه من وقوعهم بأيدي بن العباس فلم يج سائر أيامهم أحد من أهل دولتهم و ما أبيح الج لهل الدول من الندلس إل بعد فراغ‬
‫شأن الموية و رجوعها إل الطوائف و أما ثانيا فلنم و إن سحوا بل ربقته فل يسمحون بالتجاف عن ذلك الال لا يرون أنه جزء من‬
‫مالم كما يرون أنه جزء من دولتهم إذ ل يكتسب إل با و ف ظل جاهها‪ ،‬فتخوم نفوسهم على انتزاع ذلك الال و التقامه كما هو جزء‬
‫من الدولة ينتفعون به ث إذا توهنا أنه خلص بذلك الال إل قطر آخر و هو ف النادر القل فتمتد إليه أعي اللوك بذلك القطر و ينتزعونه‬
‫بالرهاب و التخويف تعريضا أو بالقهر ظاهرا لا يرون أنه مال الباية و الدول و أنه مستحق للنفاق ف الصال و إذا كانت أعينهم تتد‬
‫إل أهل الثروة و اليسار التكسبي من وجوه العاش فأحرى با أن تتد إل أموال الباية و الدول الت تد السبيل إليه بالشرع و العادة و لقد‬
‫حاول السلطان أبو يي زكريا بن أحد اللحيان تاسع أو عاشر ملوك الفصيي بأفريقة الروج عن عهدة اللك و اللحاق بصر فرارا من‬
‫طلب صاحب الثغور الغربية لا استجمع لغزو تونس فاستعمل اللحيان الرحلة إل ثغر طرابلس يوري بتمهيده و ركب السفي هن هنالك و‬
‫خلص إل السكندرية بعد أن حل جيع ما وجده ببيت الال من الصامت و الذخية و باع كل ما كان بزائنهم من التاع و العقار و‬
‫الوهر حت الكتب و احتمل ذلك كله إل مصر و نزل على اللك الناصر ممد بن قلون سنة سبع عشرة من الائة الثامنة فأكرم نزله و رفع‬
‫ملسة و ل يزل يستخلص ذخيته شيئا فشيئا بالتعريض إل أن حصل عليها و ل يبق معاش ابن اللحيان إل ف جرابته الت فرضت له إل أن‬
‫هلك سنة ثان و عشرين حسبما نذكره ف أخباره فهذا و أمثاله من جلة الوسواس الذي يعتري أهل الدول لا يتوقعونه من ملوكهم من‬
‫العاطب و إنا يلصون إن اتفق لم اللص بأنفسهم و ما يتوهونه من الاجة فغلط و وهم و الذي حصل لم من الشهرة بدمة الدول‬
‫كاف ف وجدان العاش لم بالرايات السلطانية أو بالاه ف انتحال طرق الكسب من التجارة و الفلحة و الدول أنساب لكن‪:‬‬
‫و إذا ترد إل قليل تقنع‬ ‫النفس راغبة إذا رغبتها‬
‫و ال سبحانه هو الرزاق و هو الوفق بنه و فضله و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثان و الربعون ف أن نقص العطاء من السلطان نقص ف الباية‬


‫و السبب ف ذلك أن الدولة و السلطان هي السوق العظم للعال و منه مادة العمران فإذا احتجن السلطان الموال أو البايات أو فقدت‬
‫فلم يصرفها ن مصارفها قل حينئذ ما بأيدي الاشية و الامية و انقطع أيضا ما كان يصل منهم لاشيتهم و ذويهم و قلت نفقاتم جلة و‬
‫هم معظم السواد و نفقاتم أكثر مادة للسواق من سواهم فيقع الكساد حينئذ ف السواق و تضعف الرباح ف التاجر فيقل الراج لذلك‬
‫لن الراج و الباية إنا تكون من العتمار و العاملت و نفاق السواق و طلب الناس للفوائد و الرباح و وبال ذلك عائد على الدولة‬
‫بالنقص لقلة أموال السلطان حينئذ بقلة الراج فإن الدولة كما قلناه هي الشرق العظم أم السواق كلها و أصلها و مادتا ف الدخل و‬
‫الرج فإن كسدت و قلت مصارفها فاجدر با بعدها من السواق أن يلحقها مثل ذلك و أشد منه و أيضا فالال إنا هو متردد بي الرعية و‬
‫السلطان منهم إليه و منه إليهم فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية سنة ال ف عباده‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الربعون ف أن الظلم مؤذن براب العمران‬


‫اعلم أن العدوان على الناس ف أموالم ذاهب بآمالم ف تصيلها و اكتسابا لا يرونه حينئذ من أن غايتها و مصيها انتهابا من أيديهم و إذا‬
‫ذهبت آمالم ف اكتسابا و تصيلها انقبضت أيديهم عن السعي ف ذلك و على قدر العتداء و نسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي ف‬
‫الكتساب فإذا كان العتداء كثيا عاما ف جيع أبواب العاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالمال جلة بدخوله من جيع أبوابا‬
‫و إن كان العتداء يسيا كان النقباض عن الكسب على نسبته و العمران و وفوره و نفاق أسواقه إنا هو بالعمال و سعي الناس ف‬
‫الصال و الكاسب ذاهبي و جائي فإذا قعد الناس عن العاش و انقبضت أيديهم ف الكاسب كسدت أسواق العمران و انتفضت الحوال‬
‫و ابذعر الناس ف الفاق من غي تلك اليالة ف طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر و خلت دياره و خرجت أمصاره و‬
‫اختل باختلله حال الدولة و السلطان لا أنا صورة للعمران تفسد بفساد مادتا ضرورة و انظر ف ذلك ما حكاه السعودي ف أخبار الفرس‬
‫عن الوبذان صاحب الدين عندهم أيام برام بن برام و ما عرض به للملك ف إنكار ما كان عليه من الظلم و الغفلة عن عائدته على الدولة‬
‫بضرب الثال ف ذلك على لسان البوم حي سع اللك أصواتا و سأله عن فهم كلمها فقال له‪ :‬إن بوما ذكرا يروم نكاح بوم أنثى و إنا‬
‫شرطت عليه عشرين قرية من الراب ف أيام برام فقبل شرطها‪ ،‬و قال لا‪ :‬إن دامت أيام اللك أقطعتك ألف قرية و هذا أسهل مرام‪ .‬فتنبه‬
‫اللك من غفلته و خل بالوبذان و سأله عن مراده فقال له أيها اللك إن اللك ل يتم عزه إل بالشريعة و القيام ل بطاعته و التصرف تت‬
‫أمره و نيه و ل قوام للشريعة إل باللك و ل عز للملك إل بالرجال و ل قوام للرجال إل بالال و ل سبيل إل الال إل بالعمارة و ل سبيل‬
‫للعمارة إل بالعدل و العدل اليزان النصوب بي الليقة نصبه الرب و جعل له قيما و هو اللك و أنت أيها اللك عمدت إل الضياع‬
‫فانتزعتها من أربابا و عمارها و هم أرباب الراج و من تؤخذ منهم الموال و أقطعتها الاشية و الدم و أهل البطالة فتركوا العمارة و‬
‫النظر ف العواقب و ما يصلح الضياع و سوموا ف الراج لقربم من اللك و وقع اليف على من بقي من أرباب الراج و عمار الضياع‬
‫فانلوا عن ضياعهم و خلوا ديارهم و أووا إل ما تعذر من الضياع فسكنوها فقلت العمارة و خربت الضياع و قلت الموال و هلكت‬
‫النود و الرعية و طمع ف ملك فارس من جاورهم من اللوك لعلمهم بانقطاع الواد الت ل تستقيم دعائم اللك إل با‪ .‬فلما سع اللك ذلك‬
‫أقبل على النظر ف ملكه و انتزعت الضياع من أيدي الاصة و ردت على أربابا و حلوا على رسومهم السالفة و أخذوا ف العمارة و قوي‬
‫من ضعف منهم فعمرت الرض و أخصبت البلد و كثرت الموال عند جباة الراج و قويت النود و قطعت مواد العداء و شحنت‬
‫الثغور و أقبل اللك على مباشرة أموره بنفسه فحسنت أيامه و انتظم ملكه فتفهم من هذه الكاية أن الظلم مرب للعمران و أن عائدة‬
‫الراب ف العمران على الدولة بالفساد و النتقاض‪ .‬و ل تنظر ف ذلك إل أن العتداء قد يوجد بالمصار العظيمة من الدول الت با و ل‬
‫يقع فيها خراب و اعلم أن ذلك إنا جاء من قبل الناسبة بي العتداء و أحوال أهل الصر فلما كان الصر كبيا و عمرانه كثيا و أحواله‬
‫متسعة با ل ينحصر كان وقوع النقص فيه بالعتداء و الظلم يسيا لن النقص إنا يقع بالتدريج فإذا خفي بكثرة الحوال و اتساع العمال‬
‫ف الصر ل يظهر أثره إل بعد حي و قد تذهب تلك الدولة العتدية من أصلها قبل خراب و تيء الدولة الخرى فترفعه بدتا و تب‬
‫النقص الذي كان خفيا فيه فل يكاد يشعر به إل أن ذلك ف القل النادر و الراد من هذا أن حصول النقص ف العمران عن الظلم و العدوان‬
‫أمر و اقع ل بد منه لا قدمناه و وباله عائد على الدول‪ .‬و ل تسب الظلم إنا هو أخذ الال أو اللك من يد مالكه من غي عوض و ل سبب‬
‫كما هو الشهور بل الظلم أعم من ذلك و كل من أخذ ملك أحد أو غصبه ف عمله أو طالبه بغي حق أو فرض عليه حقا ل يفرضه الشرع‬
‫فقد ظلمه فجباة الموال بغي حقها ظلمة و العتدون عليها ظلمة و النتهبون لا ظلمة و الانعون لقوق الناس ظلمة و خصاب الملك على‬
‫العموم ظلمة و وبال ذلك كله عائد على الدولة براب العمران الذي هو مادتا لذهابه المال من أهله و اعلم أن هذه هي الكمة‬
‫القصودة للشارع ف تري الظلم و هو ما ينشأ عنه من فساد العمران و خرابه و ذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري و هي الكمة العامة‬
‫الراعية للشرع ف جيع مقاصده الضرورية المسة من حفظ الدين و النفس و العقل و النسل و الال‪ .‬فلما كان الظلم كما رأيت مؤذنا‬
‫بانقطاع النوع لا أدى إليه من تريب العمران‪ ،‬كانت حكمة الطر فيه موجودة‪ ،‬فكان تريه مهما‪ ،‬و أدلته من القرآن و السنة كثية‪ ،‬أكثر‬
‫من أن يأخذها قانون الضبط و الصر‪ .‬و لو كان كل واحد قادرا على الظلم لوضع بإزائه من العقوبات الزاجرة ما وضع بإزاء غيه من‬
‫الفسدات للنوع الت يقدر كل أحد على اقترافها من الزنا و القتل و السكر إل أن الظلم ل يقدر عليه إل من يقدر عليه لنه إنا يقع من أهل‬
‫القدرة و السلطان فبولغ ف ذمة و تكرير الوعيد فيه عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه ن نفسه و ما ربك بظلم للعبيد و ل تقولن إن‬
‫العقوبة قد وضعت بإزاء الرابة ف الشرع و هي من ظلم القادر لن الحارب زمن حرابته قادر فإن ف الواب عن ذلك طريقي‪ .‬أحدها أن‬
‫تقول العقوبة على ما يقترفه من النايات ف نفس أموال على ما ذهب إليه كثي و ذلك إنا يكون بعد القدرة عليه و الطالبة بنايته و أما‬
‫نفس الرابة فهي خلو من العقوبة‪ .‬الطريق الثان أن تقول‪ :‬الحارب ل يوصف بالقدرة لنا إنا نعن بقدرة الظال اليد البسوطة الت ل‬
‫تعارضها قدرة فهي الؤذنة بالراب و أما قدرة الحارب فإنا هي إخافة يعلها ذريعة لخذ الموال و الدافعة عنها بيد الكل موجودة شرعا‬
‫و سياسة فليست من القدر الؤذن بالراب و ال قادر على ما يشاء‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و من أشد الظلمات و أعظمها ف إفساد العمران تكليف العمال و تسخي الرعايا بغي حق و ذلك أن العمال من قبيل التمولت‬
‫كما سنبي ف باب الرزق لن الرزق و الكسب إنا هو قيم أعمال أهل العمران‪ .‬فإذا مساعيهم و أعمالم كلها متمولت و مكاسب لم بل‬
‫ل مكاسب لم سواها فإن الرعية العتملي ف العمارة إنا معاشهم و مكاسبهم من اعتمالم ذلك فإذا كلفوا العمل ف غي شأنم و اتذوا‬
‫سخريا ف معاشهم بطل كسبهم و اغتصبوا قيمة عملهم ذلك و هو متمولم فدخل عليهم الضرر و ذهب لم حظ كبي من معاشهم بل هو‬
‫معاشهم بالملة و إن تكرر ذلك عليهم أفسد آمالم ف العمارة و قعدوا عن السعى فيها جلة فأدى ذلك إل انتقاض العمران و تريبه و ال‬
‫سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الحتكار‪ :‬و أعظم من ذلك ف الظلم و إفساد العمران و الدولة التسلط على أموال الناس بشراء ما بي أيديهم بأبس الثان ث فرض‬
‫البضائع عليهم بأرفع الثان على وجه الغصب و الكراه ف الشراء و البيع و ربا تفرض عليهم تلك الثان على التواحي و التعجيل فيتعللون‬
‫ف تلك السارة الت تلحقهم با تدثهم الطامع من جب ذلك بوالة السواق ف تلك البضائع الت فرضت عليهم بالغلء إل بيعها بأبس‬
‫الثان‪ ،‬و تعود خسارة ما بي الصفقتي على رؤوس أموالم‪ .‬و قد يعم ذلك أصناف التجار القيمي بالدينة و الواردين من الفاق ف‬
‫البضائع و سائر السوقة و أهل الدكاكي ف الآكل و الفواكه و أهل الصنائع فيما يتخذ من اللت و الواعي فتشمل السارة سائر‬
‫الصناف و الطبقات و تتوال على الساعات و تحف برؤوس الموال و ل يدون عنها وليجة إل القعود عن السواق لذهاب رؤوس‬
‫الموال ف جبها بالرباح و يتثاقل الواردون من الفاق لشراء البضائع و بيعها من أجل ذلك فتكسد السواق و يبطل معاق الرعايا لن‬
‫عامته من البيع و الشراء و إذا كانت السواق عطل منها بطل معاشهم و تنقص جباية السلطان أو تفسد لن معظمها من أوسط الدولة و‬
‫ما بعدها إنا هو من الكوس على البياعات كما قدمناه و يؤول ذلك إل تلشى الدولة و فساد عمران الدينة و يتطرق هذا اللل على‬
‫التدريج و ل يشعر به‪ .‬هذا ما كان بأمثال هذه الذرائع و السباب إل أخذ الموال و أما أخذها مانا و العدوان على الناس ف أموالم و‬
‫حرمهم و دمائهم و أسرارهم و أغراضهم فهو يفضي إل اللل و الفساد دفعة و تنتقض الدولة سريعا با ينشأ عنه من الرج الفضي إل‬
‫النتقاض و من أجل هذه الفاسد حظر الشرع ذلك كله و شرع الكايسة ف البيع و الشراء و حظر أكل أموال الناس بالباطل سدا لبواب‬
‫الفاسد الفضية إل انتقاض العمران بالرج أو بطلن العاش واعلم أن الداعي لذلك كله إنا هو حاجة الدولة و السلطان إل الكثار من‬
‫الال با يعرض لم من الترف ف الحوال فتكثر نفقاتم و يعظم الرج و ل يفي به الدخل على القواني العتادة يستحدثون ألقابا و وجوها‬
‫يوسعون با الباية ليفي لم الدخل بالرج ث ل يزال الترف يزيد و الرج بسببه يكثر و الاجة إل أموال الناس تشتد و نطاق الدولة بذلك‬
‫يزيد إل أن تحي دائرتا ويذهب برسها و يغلبها طالبها و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الربعون ف أن الجاب كيف يقع ف الدول و ف أنه يعظم‬


‫عند الرم‬
‫اعلم أن الدولة ف أول أمرها تكون بعيدة عن منازع اللك كما قدمناه لته لبد لا من العصبية الت با يتم أمرها و يصل استيلؤها و‬
‫البداوة هي شعار العصبية و الدولة إن كان قيامها بالدين فإنه بعيد عن منازع اللك و إن كان قيامها بعز الغلب فقط فالبداوة الت با يصل‬
‫الغلب بعيدة أيضا عن منازع اللك و مذاهبه فإذا كانت الدولة ف أول أمرها بدوية كان صاحبها على حال الغضاضة و البداوة و القرب من‬
‫الناس و سهولة الذن فإذا رسخ عزه و صار إل النفراد بنفسه عن الناس للحديث مع أوليائه ف خواص شؤونه لا يكثر حينئذ باشيته‬
‫فيطلب النفراد من العامة ما استطاع و يتخذ الذن ببابه على من ل يأمنه من أوليائه و أهل دولته و يتخذ حاجبا له عن الناس يقيمه ببابه‬
‫لذه الوظيفة ث إذا استفحل اللك و جاءت مذاهبه و منازعه استحالت أخلق صاحب الدولة إل أخلق اللك و هي أخلق غريبة‬
‫مصوصة يتاج مباشرها إل مداراتا و معاملتها با يب لا و ربا جهل تلك الخلق منهم بعض من يباشرهم فوقع فيما ل يرضيهم‬
‫فسخطوا و صاروا إل حالة النتقام منة فانفرد بغرفة هذه الداب الواص من أوليائهم و حجبوا غي أولئك الاصة عن لقائهم ف كل وقت‬
‫حفظا على أنفسهم من معاينة ما يسخطهم على الناس من التعرض لعقا بم فصار حجاب آخر أخص من الجاب الول يفضي إليهم منه‬
‫خواصهم من الولياء و بجب دونه من سواهم من العامة‪ .‬و الجاب الثان يفضي إل مالس الولياء و يجب دونه من سواهم من العامة‪.‬‬
‫و الجاب الول يكون ف أول الدولة كما ذكرنا كما حدث ليام معاوية و عبد اللك و خلفاء بن أمية و كان القائم على ذلك الجاب‬
‫يسمى عندهم الاجب جريا عل مذهب الشتقاق الصحيح‪ .‬ث لا جاءت دولة بن العباس وجدت الدولة من الترف و العز ما هو معررف و‬
‫كملت خلق اللك على ما يب فيها فدعا ذلك إل الجاب الثان و صار اسم الاجب أخص به و صار بباب اللفاء داران للعباسية‪ :‬دار‬
‫الاصة و دار العامة كما هو مسطور ف أخبارهم‪ .‬ث حدث ف الدولة حجاب ثالث أخص من الولي و هو عند ماولة الجر على‬
‫صاحب الدولة و ذلك أن أهل الدولة و خواص اللك إذ نصبوا البناء من العقاب و حاولوا الستبداد عليهم فأول ما يبدأ به ذلك الستبد‬
‫أن يجب عنة بطانة ابنه و خواص أوليائه يوهه أن ف مباشرتم إياه خرق حجاب اليبة و فساد قانون الدب ليقطع بذلك لقاء الغي و‬
‫يعوده ملبسة أخلقه هو حت ل يتبدل به سواه إل أن يستحكم الستيلء عليه فيكون هذا الجاب من دواعيه و هذا الجاب ل يقع ف‬
‫الغالب إل أواخر الدولة كما قدمناه ف الجر و يكون دليل على هرم الدولة و نفاد قوتا و هو ما يشاه أهل الدول على أنفسهم لن‬
‫القائمي بالدولة ياولون على ذلك بطباعهم عند هرم الدولة و ذهاب الستبداد من أعقاب ملوكهم لا ركب ف النفوس من مبة الستبداد‬
‫باللك و خصوصا مع الترشيح لذلك و حصول دواعيه و مباديه‪.‬‬

‫الفصل الامس و الربعون ف انقسام الدولة الواحدة بدولتي‬


‫اعلم أن أول ما يقع من آثار الرم ف الدولة انقسامها و ذلك أن اللك عندما يستفحل و يبلغ من أحوال الترف و النعيم إل غايتها و يستبد‬
‫صاحب الدولة بالجد و ينفرد به و يأنف حينئذ عن الشاركة يصي إل قطع أسبابا ما استطاع بإهلك من استراب به من ذوي قرابته‬
‫الرشحي لنصبه فربا ارتاب الساهون له ف ذلك بأنفسهم و نزعوا إل القاصية إليهم من يلحق بم مثل حالم من العتزاز و السترابة و‬
‫يكون نطاق الدولة قد أخذ ف التضايق و رجع عن القاصية فيستبد ذلك النازع من القرابة فيها و ل يزال أمره يعظم بتراجع نطاق الدولة‬
‫حت يقاسم الدولة أو يكاد و انظر ذلك ف الدولة السلمية العربية حي كان أمرها حريزا متمعا و نطاقا متدا ف التساع و عصبية بن عبد‬
‫مناف واحدة غالبة على سائر مضر ينبض عرق من اللفة سائر أيامه إل ما كان من بدعة الوارج الستميتي ف شأن بدعتهم ل يكن ذلك‬
‫لنعة ملك و ل رئاسة و ل يتم أمرهم لزاحتهم العصبية القوية ث لا خرج المر من بن أمية و استقل بنو العباس بالمر‪ .‬و كانت الدولة‬
‫العربية قد بلغت الغاية من الغلب و الترف و آذنت بالتقلص عن القاصية نزع عبد الرحن الداخل إل الندلس قاصية دولة السلم‬
‫فاستحدث با ملكا و اقتطعها عن دولتهم و صي الدولة دولتي ث نرع إدريس إل الغرب و خرج به و قام بأمره و أمر ابنه من بعده البابرة‬
‫من أوربة و مغيلة و زناتة و استول على ناحية الغربي ث ازدادت الدولة تقلصا فاضطرب الغالبة ن المتناع عليهم ث خرج الشيعة و قام‬
‫بأمرهم كتامة و صنهاجة و استولوا على أفريقية و الغرب ث مصر و الشام و الجاز و غلبوا على الدارسة و قسموا الدولة دولتي أخريي‬
‫و صارت الدولة العربية ثلث دول‪ :‬دولة بن العباس مركز العرب و أصلهم و مادتم السلم‪ ،‬و دولة بن أمية الجددين بالندلس ملكهم‬
‫القدي و خلفتهم بالشرق‪ ،‬و دولة العبيديي بأفريقية و مصر و الشام و الجاز و ل تزل هذه الدولة إل أن أصبح انقراضها متقاربا أو جيعا‬
‫و كذلك انقسمت دولة بن العباس بدول أخرى و كان بالقاصية بنو ساسان فيما وراء النهر و خراسان و العلوية ف الديلم و طبستان و‬
‫آل ذلك إل استيلء الديلم على العراقيي و على بغداد و اللفاء ث جاء السلجوقية فملكوا جيع ذلك ث انقسمت دولتهم أيضا بعد‬
‫الستفحال كما هو معروف ف أخبارهم و كذلك اعتبه ف دولة صنهاجة بالغرب و أفريقية لا بلغت إل غابتها أيام باديس بن النصور‪،‬‬
‫خرج عليه عمه حاد و اقتطع مالك العرب لنفسه ما بي جبل أوراس إل تلمسان و ملوية و اختط القلعة ببل كتامة حيال السيلة و نزلا و‬
‫استول على مركزهم أشي ببل تيطرى و استحدث ملكا آخر قسيما للك آل باديس و بقى آل باديس بالقيوان و ما إليها و ل يزل ذلك‬
‫إل أن انقرض أمرها جيعا‪ .‬و كذلك دولة الوحدين‪ ،‬لا تقلص ظلها ثار بأفريقية بنو أب حفص فاستقلوا با و استحدثوا ملكا لعقابم‬
‫بنواحيها ث لا استفحل أمرهم و استول على الغاية خرج على المالك الغربية من أعقابم المي أبو زكريا يي ابن السلطان أب إسحاق‬
‫إبراهيم رابع خلفائهم و استحدث ملكا بباية و قسنطينة و ما إليها‪ ،‬أورثه بنيه و قسموا به الدولة قسمي ث استولوا على كرسي الضرة‬
‫بتونس ث انقسم ما بي أعقابم ث عاد الستيلء فيهم و قد ينتهي النقسام إل أكثر من دولتي و ثلث و ف غي أعياص اللك من قومه‬
‫كما وقع ف ملوك الطوائف بالندلس و ملوك العجم بالشرق و ف ملك صنهاجة بأفريقية فقد كان لخر دولتهم ف كل حصن من حصون‬
‫أفريقية ثائر مستقل بأمره كما تقدم ذكره و كذا حال الريد و الزاب من أفريقية قبيل هذا العهد كما نذكره و هكذا شأن كل دولة لبد و‬
‫أن يعرض فيها عوارض الرم بالترف و الدعة و تقلص ظل الغلب فينقسم أعياصها أو من يغلب من رجال دولتها المر و يتعدد فيها الدول‬
‫و ال وارث الرض و من عليها‪.‬‬
‫الفصل السادس و الربعون ف أن الرم إذا نزل بالدولة ل يرتفع‬
‫قد قدمنا ذكر العوارض الؤذنة بالرم و أسبابه واحدا بعد واحد و بينا أنا تدث للدولة بالطبع و أنا كلها أمور طبيعية لا و إذا كان الرم‬
‫طبيعيا ف الدولة كان حدوثه بثابة حدوث المور الطبيعية كما يدث الرم ف الزاج اليوان و الرم من المراض الزمنة الت ل يكن‬
‫دواؤها و ل ارتفاعها با أنه طبيعي و المور الطبيعية ل تتبدل و قد يتنبه كثي من أهل الدول من له يقظة ف السياسة فيى ما نزل بدولتهم‬
‫من عوارض الرم و يظن أنه مكن الرتفاع فيأخذ نفسه بتلف الدولة و إصلح مزاجها عن ذلك الرم و يسبه أنه لقها بتقصي من قبله‬
‫من أهل الدولة و غفلتهم و ليس كذلك فإنا أمور طبيعية للدولة و العوائد هي الانعة له من تلفيها و العوائد منلة طبيعية أخرى فإن من‬
‫أدرك مثل أباه و أكثر أهل بيته يلبسون الرير و الديباج و يتحلون بالذهب ف السلح و الراكب و يتجبون عن الناس ف الجالس و‬
‫الصلوات فل يكنه مالفة سلفه ف ذلك إل الشونة ف اللباس و الزي و الختلط بالناس إذ العوائد حينئذ تنعه و تقبح عليه مرتكبه و لو‬
‫فعله لرمي بالنون و الوسواس ل ف الروج عن العوائد دفعة‪ ،‬و خشي عليه عائده ذلك و عاقبته ف سلطانه و انظر شأن النبياء ف إنكار‬
‫العوائد و فخالفتها لول التأييد اللي و النصر السماوي و ربا تكون العصبية قد ذهبت فتكون البة تعوض عن موقعها من النفوس فإذا‬
‫أزيلت تلك البة مع ضعف العصبية تاسرت الرعايا على الدولة بذهاب أوهام البة فتتدرع الدولة بتلك البة ما أمكنها حت ينقضيي‬
‫المر و ربا يدث عند آخر الدولة قوة توهم أن الرم قد ارتفع عنها و يومض ذبالا إياضة المود كما يقع ف الذبال الشتعل فإنه عند‬
‫مقاربة انطفائه يومض إياضة توهم أنا اشتعال و هي انطفاء فاعتب ذلك و ل تغفل سر ال تعال و حكمته ف اطراد وجوده على ما قرر فيه‬
‫و لكل أجل كتاب‪.‬‬

‫الفصل السابع و الربعون ف كيفية طروق اللل للدولة‬


‫إعلم أن مبن اللك على أساسي لبد منهما فالول الشوكة و العصبية و هو العب عنه بالند و الثان الال الذي هو قوام أولك الند و إقامة‬
‫ما يتاج إليه اللك من الحوال‪ .‬و اللل إذا طرق الدولة طرقها ف هذين الساسي فلنذكر أول طروق اللل ف الشوكة و العصبية ث نرجع‬
‫إل طروقه ف الال و الباية‪ .‬و اعلم أن تهيد الدولة و تأسيسها كما قلناه إنا يكون بالعصبة و أنه لبد من عصبية كبى جامعة للعصائب‬
‫مستتبعة لا و هي عصبية صاحب الدولة الاصة من عشية و قبيلة فإذا جاءت الدولة طبيعة اللك من الترف و جدع أنوف أهل العصبية‬
‫كان أول ما يدع أنوف عشيته و ذري قرباه القاسي له ف اسم اللك فيستبد ف جدع أنوفهم با بلغ من سوادهم لكانم من اللك و العز‬
‫و الغلب فيحيط بم هادمان و ها الترف و القهر ث يصي القهر آخرا إل القتل لا يصل من مرض قلوبم عند رسوخ اللك لصاحب المر‬
‫فيقلب غيته منهم إل الوف على ملكه فيأخذهم بالقتل و الهانة و سلب النعمة و الترف الذي تعودوا الكثي منه فيهلكون و يقلون و‬
‫تفسد عصبيبة صاحب الدولة منهم و هي العصبية الكبى الت كانت تمع با العصائب و تستتبعها فتنحل عروتا و تضعف شكيمتها و‬
‫تستبدل عنها بالبطانة من موال النعمة و صنائع الحسان و تتخذ منهم عصبة إل أنا ليست مثل تلك الشدة الشكيمية لفقدان الرحم و‬
‫القرابة منها و قد كنا قدمنا أن شأن العصبية و قوتا إنا هي بالقرابة و الرحم لا جعل ال ف ذلك فينفرد صاحب الدولة عن العشي و‬
‫النصار الطبيعية و يس بذلك أهل العصاب الخرى فيتجاسرون عليه و على بطانته تاسرا طبيعيا فيهلكهم صاحب الدولة و يتبعهم بالقتل‬
‫واحد بعد واحد و يقلد الخر من أهل الدولة ف ذلك‪ ،‬الول مع ما يكون قد نزل بم من مهلكة الترف الذي قدمنا فيستول عليهم اللك‬
‫بالترف و القتل حت يرجوا عن صبغة تلك العصبة و يفشوا بعزتا و ثورتا و يصيوا أوجز على الماية و يقلون لذلك فتقل الماية الت‬
‫تنل بالطراف و الثغور فتتجاسر الرعايا على بعض الدعوة ف الطراف و يبادر الوارج على الدولة من العياص و غيهم إل تلك‬
‫الطراف لا يرجون حينئذ من حصول غرضهم ببايعة أهل القاصية لم و أمنهم من وصول الامية إليهم و ل يزال ذلك يتدرج و نطاق‬
‫الدولة يتضايق حت تصي الوارج ف أقرب الماكن إل مركز الدولة و ربا انقسمت الدولة عند ذلك بدولتي أو ثلث على قدر قوتا ف‬
‫الصل كما قلناه و يقوم بأمرها غي أهل عصبيتها لكن إذعانا لهل عصبتها و لغلبهم العهود و اعتب هذا ف دولة العرب ف السلم كيف‬
‫انتهت أول إل الندلس و الند و الصي و كان أمر بن أمية نافذا ف جيع العرب بعصبة بن عبد مناف حت لقد أمر سليمان بن عبد اللك‬
‫بدمشق بقتل عبد العزيز بن موسى بن نصي بقرطبة فقتل و ل يرد أمره‪ .‬ث تلشت عصبة بن أمية با أصابم من الترف فانقرضوا‪ .‬و جاء‬
‫بنو العباس فنضوا من أعنة بنب هاشم و قتلوا الطالبي و شردوهم فانلت عصبية عبد مناف و تلشت و تاسر العرب عليهم فاستبد عليهم‬
‫أهل القاصية مثل بن الغلب بأفريقية و أهل الندلس و غيهم و انقسمت الدولة ث خرج بنو إدريس بالغرب و قام الببر بأمرهم إذعانا‬
‫للعصبية الت لم و أمنا أن تصلهم مقاتلة أو حامية للدولة‪ .‬فإذا خرج الدعاة آخرا فيتغلبون على الطراف و القاصية و تصل لم هناك دعوة‬
‫و ملك تنقسم به الدولة و ربا يزيد ذلك مت زادت الدولة تقلصا إل أن ينتهي إل الركز و تضعف البطانة بعد ذلك با أخذ منها الترف‬
‫فتهلك و تضمحل و تضعف الدولة النقسمة كلها و ربا طال أمدها بعد ذلك فتستغن عن العصبية با حصل لا من الصبغة ف نفوس أهل‬
‫إيالتها و هي صبغة النقياد و التسليم منذ السني الطويلة الت ل يعقل أحد من الجيال مبدأها و ل أوليتها فل يعقلون إل التسليم لصاحب‬
‫الدولة فيستغن بذلك عن قوة العصائب و يكفي صاحبها با حصل لا ف تهيد أمرها الجراء على الامية من جندي و مرتزق و يعضد‬
‫ذلك ما وقع ف النفوس عامة من التسليم فل يكاد أحد يتصور عصيانا أو خروجا إل و المهور منكرون عليه مالفون له فل يقدر على‬
‫التصدي لذلك و لو جهد جهده و ربا كانت الدولة ف هذا الال أسلم من الوارج و النازعة لستحكام صبغة التسليم و النقياد لم فل‬
‫تكاد النفوس تدث سرها بخالفة و ل يتلج ف ضميها انراف عن الطاعة فيكون أسلم من الرج و النتقاض الذي يدث من العصاب و‬
‫العشائر ث ل يزال أمر الدولة كذلك و هي تتلشى ف ذاتا شأن الرارة الغريزية ف البدن العادم للغذاء إل أن تنتهي إل وقتها القدور و‬
‫لكل أجل كتاب و لكل دولة أمد و ال يقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار‪ .‬و أما اللل الذي يتطرق من جهة الال فاعلم أن الدولة ف‬
‫أولا تكون بدوية كما مر فيكون خلق الرفق بالرعايا و القصد ف النفقات و التعفف عن الموال فتتجاف عن المعان ف الباية و التحذلق و‬
‫الكيس ف جيع الموال حسبان العمال و ل داعية حينئذ إل السراف ف النفقة فل تتاج الدولة إل كثرة الال ث يصل الستيلء و يعظم‬
‫و يستفحل اللك فيدعو إل الترف و يكثر النفاق بسببه فتعظهم نفقات السلطان و أهل الدولة على العموم بل يتعدى ذلك إل أهل الصر‬
‫و يدعو ذلك إل الزيادة ف أعطيات الند و أرزاق أهل الدولة ث يعظم الترف فيكثر السراف ف النفقات و ينتشر ذلك ف الرعية لن الناس‬
‫على دين ملوكها و عوائدها و يتاج السلطان إل ضرب الكوس على أثان البياعات ف السواق لدرار الباية لا يراه من ترف الدينة‬
‫الشاهد عليهم بالرفه و لا يتاج هو إليه من نفقات سلطانه و أرزاق جنده ث تزيد عوائد الترف فل تفي با الكوس و تكون الدولة قد‬
‫استفحلت ف الستطالة و القهر لن تت يدها من الرعايا فتمتد أيديهم إل جع الال من أموال الرعايا من مكس أو تارة أو نقد ف بعض‬
‫الحوال بشبهة أو بغي شبهة و يكون الند ف ذلك الطور قد تاسر على الدولة با لقها من الفشل و الرم ف العصبية فتتوقع ذلك منهم و‬
‫تداوى بسكينة العطايا و كثرة النفاق فيهم و ل تد عن ذلك وليجة و تكون جباة الموال ف الدولة قد عظمت ثروتم ف هذا الطور‬
‫بكثرة الباية و كونا بأيديهم و با اتسع لذلك من جاههم فيتوجه إليهم باحتجان الموال من الباية و تفشو السعاية فيهم‪ ،‬بعضهم من‬
‫بعض للمنافسة و القد فتعمهم النكبات و الصادرات واحدا واحدا إل أن تذهب ثروتم و تتلشى أحوالم و يفقد ما كان للدولة من‬
‫البة و المال بم و إذا اصطلمت نعمتهم تاوزتم الدولة إل أهل الثروة من الرعايا سواهم و يكون الوهن ف هذا الطور قد لق الشوكة‬
‫و ضعفت عن الستطالة و القهر فتنصرف سياسة صاحب الدولة حينئذ إل مداراة المور ببذل الال و يراه أرفع من السيف لقلة غنائه‬
‫فتعظم حاجته إل الموال زيادة على النفقات و أرزاق الند و ل يغن فيما يريد و يعظم الرم بالدولة و يتجاسر عليها أهل النواحي و‬
‫الدولة تنحل عراها ف كل طور من هذه إل أن تفضي إل اللل و تتعوض من الستيلء الكلل فإن قصدها طالب انتزعها من أيدي القائمي‬
‫با و إل بقيت و هي تتلشى إل أن تضمحل كالذبال ف السراج إذا فن زيته و طفئ و ال مالك المور و مدبر الكوان ل إله إل هو‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الربعي فصل ف اتساع الدولة أول إل نايته ث تضايقه‬


‫طورا بعد طور إل فناء الدولة و اضمحللا‬
‫قد كان تقدم لنا ف فصل اللفة و اللك‪ ،‬و هو الثالث من هذه القدمة أن كل دولة لا حصة من المالك و العمالت ل تزيد عليها‪ .‬و‬
‫اعتب ذلك بتوزيع عصابة الدولة على حاية أقطارها و جهاتا‪ .‬فحيث نفد عددهم فالطرف الذي انتهى عنده هو الثغر‪ ،‬و ييط بالدولة من‬
‫سائر جهاتا كالنطاق‪ .‬و قد تكون النهاية هي نطاق الدولة الول‪ .‬و قد تكون أوسع منه إذا كان عدد العصابة أوفر من الدولة قبلها‪ .‬و هذا‬
‫كله عندما تكون الدولة ف شعار البداوة و خشونة البأس‪ .‬فإذا استفحل العز و الغلب و توفرت النعم و الرزاق بدرور البايات‪ ،‬و زخر‬
‫بر الترف و الضارة و نشأت الجيال على اعتبار ذلك لطفت أخلق الامية و رقت حواشيهم‪ ،‬و عاد من ذلك إل نفوسهم هينات الب‬
‫و الكسل‪ ،‬با يعانونه من ضنث الضارة الؤدي إل النسلخ من شعار البأس و الرجولية بفارقة البداوة و خشونتها‪ ،‬و بأخذهم العز‬
‫بالتطاول إل الرياسة و التنازع عليها‪ ،‬فيفضي إل قتل بعضهم ببغض‪ ،‬و يبكهم السلطان عن ذلك با يؤدي إل قتل أكابرهم و إهلك‬
‫رؤسائهم‪ ،‬فتفقد المراء و الكباء‪ ،‬و تكثر التابع و الرؤوس‪ ،‬فيفل ذلك من حد الدولة‪ ،‬و يكسر من شوكتها‪ .‬و يقع اللل الول ف الدولة‬
‫و هو الذي من جهة الند و الامية كما تقدم‪ .‬و يساوق ذلك السرف ف النفقات با يعتريهم من أبة العز‪ .‬و تاوز الدود بالبذخ‪.‬‬
‫بالناغاة ف الطاعم و اللبس و تشييد القصور و استجادة السلح و ارتباط اليول‪ ،‬فيقصر دخل الدولة حينئذ عن خرجها و يطرق اللل‪.‬‬
‫الثان ف الدولة و هو الذي من جهة الال و الباية‪ .‬و يصل العجز و النتقاض بوجود الللي‪ .‬و ربا تنافس رؤساؤهم فتنازعوا و عجزوا‬
‫عن مغالبة الجاورين و النازعي و مدافعتهم‪ .‬و ربا اعتز أهل الثغور و الطراف با يسبون من ضعف الدولة وراءهم‪ ،‬فيصيون إل‬
‫الستغلل و الستبداد با ف أيديهم من العمالت‪ ،‬و يعجز صاحب الدولة عن حلهم على الادة فيضيق نطاق الدولة عن كانت انتهت إليه‬
‫ف أولا‪ ،‬و ترجع العناية ف تدبيها بنطاق دونه‪ ،‬إل أن يدث ف النطاق الثان ما حدث ف الول بعينه من العجز و الكسل ف العصابة و‬
‫قلة الموال و الباية‪ .‬فيذهب القائم بالدولة إل تغي القواني الت كانت عليها سياسة الدولة من قبل الند و الال و الوليات‪ ،‬ليجري حالا‬
‫على استقامة بتكافؤ الدخل و الرج و الامية و العمالت و توزيع الباية على الرزاق‪ ،‬و مقايسة ذلك بأول الدولة ف سائر الحوال‪.‬‬
‫و الفاسد مع ذلك متوقعة من كل جهة‪ .‬فيحدث ف هذا الطور من بعد ما حدث ف الول من قبل‪ .‬و يعتب صاحب الدولة ما اعتبه الول‪،‬‬
‫و يقايس بالوزان الول أحوالا الثانية‪ ،‬يروم دفع مفاسد اللل الذي يتجدد ف كل طور و يأخذ من كل طرف حت يضيق نطاقها الخر إل‬
‫نطاق دونه كذلك‪ ،‬و يقع فيه ما وقع ف الول‪ .‬فكل واحد من هؤلء الغيين للقواني قبلهم كأنم منشئون دولة أخرى‪ ،‬و مددون ملكا‪.‬‬
‫حت تنقرض الدولة‪ ،‬و تتطاول المم حولا إل التغلب عليها و إنشاء دولة أخرى لم‪ ،‬فيقع من ذلك ما قدر ال وقوعه‪.‬‬
‫و اعتب ذلك ف الدولة السلمية كيف اتسع نطاقها بالفتوحات و التغلب على المم‪ ،‬ث تزايد الامية و تكاثر عددهم ما تولوه من النعم و‬
‫الرزاق‪ ،‬إل أن انقرض أمر بن أمية و غلب بنو العباس‪ .‬ث تزايد الترف‪ .‬و نشأت الضارة و طرق اللل‪ ،‬فضاق النطاق من الندلس و‬
‫الغرب بدوث الدولة الموية الروانية و العلوية‪ ،‬و اقتطعوا ذينك الثغرين عن نطاقها‪ ،‬إل أن وقع اللف بي بن الرشيد‪ ،‬و ظهر دعاة‬
‫العلوية من كل جانب‪ ،‬و تهدت لم دول‪ ،‬ث قتل التوكل‪ ،‬و استبد الرار على اللفاء و حجروهم‪ ،‬و استقل الولة بالعملت ف‬
‫الطراف‪ .‬و انقطع الراج منها‪ ،‬و تزايد الترف‪ .‬و جاء العتضد فغي قواني الدولة إل قانون آخر من السياسة أقطع فيه ولة الطراف ما‬
‫غلبوا عليه‪ ،‬مثل بن سامان وراء النهر و بن طاهر العراق و خراسان‪ ،‬و بن الصغار السند وفارس‪ ،‬و بن طولون مصر‪ ،‬و بن الغلب‬
‫أفريقية‪ ،‬إل أن افترق أمر العرب وغلب العجم‪ ،‬و استبد بنو بويه و الديلم بدولة السلم و حجروا اللفة‪ ،‬و بقي بنو سامان ف استبدادهم‬
‫وراء النهر و تطاول الفاطميون من الغرب إل مصر و الشام فملكوه‪ .‬ث قامت الدولة السلجوقية من الترك فاستولوا على مالك السلم و‬
‫أبقوا اللفاء ف حجرهم‪ ،‬إل أن تلشت دولم‪ .‬و استبد اللفاء منذ عهد الناصر ف نطاق أضيق من هالة القمر و هو عراق العرب إل‬
‫أصبهان و فارس و البحرين‪ .‬و أقامت الدولة كذلك بعض الشيء إل أن انقرض أمر اللفاء على يد هولكو بن طول بن دوشي خان ملك‬
‫التتر و الغل حي غلبوا السلجوقية و ملكوا ما كان بأيديهم من مالك السلم‪ .‬و هكذا يتضايق نطاق كل دولة على نسبة نطاقها الول‪ .‬و‬
‫ل يزال طورا بعد طور إل أن تنقرض الدولة‪ .‬و اعتب ذلك ف كل دولة عظمت أو صغرت‪ .‬فهكذا سنة ال ف الدول إل أن يأت ما قدر ال‬
‫من الغناء على خلقه‪ .‬و كل شيء هالك إل وجهه‪.‬‬

‫الفصل التاسع و الربعون ف حدوث الدولة و تددها كيف يقع‬


‫اعلم أن نشأة الدول و بدائتها إذا أخذت الدولة الستقرة ف الرم و النتقاص تكون على نوعي إما بأن يستبد ولة العمال ف الدولة‬
‫بالقاصية عندما يتقلص ظلها عنهم فيكون لكل واحد منهم دولة يستجدها لقومه و ما يستقر ف نصابه يرثه عنه أبناؤه أو مواليه و يستفحل‬
‫لم اللك بالتدريج و ربا يزدحون على ذلك اللك و يتقارعون عليه و يتنازعون ف الستئثار به و يغلب منهم من يكون له فضل قوة على‬
‫صاحبه و ينتزع ما ف يده كما وقع ف دولة بن العباس حي أخذت دولتهم ف الرم و تقلص ظلها عن القاصية و استبد بنو ساسان با وراء‬
‫النهر و بنو حدان بالوصل و الشام و بنو طولئون بصر و كما وقع بالدولة الموية بالندلس و افترق ملكها ف الطوائف الذين كانوا ولتا‬
‫ف العمال و انقسمت دول و ملوكا أورثوها من بعدهم من قرابتهم أو مواليهم و هذا النوع ل يكون بينهم و بي الدولة الستقرة حربا‬
‫لنم مستقرون ف رئاستهم و ل يطمعون ف الستيلء على الدولة الستقرة برب و إنا الدولة أدركها الرم و تقلص ظلها عن القاصية و‬
‫عجزت عن الوصول إليها و النوع الثان بأن يرج على الدولة خارج من ياورها من المم و القبائل إما بدعوة يمل الناس عليها كما‬
‫أشرنا إليه أو يكون صاحب شوكة و عصبية كبيا ف قومه قد استفحل أمره فيسمو بم إل اللك و قد حدثوا به أنفسهم با حصل لم من‬
‫العتزاز على الدولة الستقرة و ما نزل با من الرم فيتعي له و لقومه الستيلء عليها و يارسونا بالطالبة إل أن يظفروا با و يزنون كما‬
‫تبي و ال سبحانه و تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل المسون ف أن الدولة الستجدة إنا تستول على الدولة الستقرة‬


‫بالطاولة ل بالناجزة‬
‫قد ذكرنا أن الدول الادثة التجددة نوعان نوع من ولية الطراف إذا تقلص ظل الدولة عنهم و انسر تيارها و هؤلء ل يقع منهم مطالبة‬
‫للدولة ف الكثر كما قدمناه لن قصاراهم القنوع با ف أيديهم و هو ناية قوتم و النوع الثان نوع الدعاة و الوارج على الدولة و هؤلء‬
‫لبد لم من الطالبة لن قوتم وافية با فإن ذلك إنا يكون ف نصاب يكون له من العصبية و العتزاز ما هو كفاء ذلك و واف به فيقع‬
‫بينهم و بي الدولة الستقرة حروب سجال تتكور و تتصل إل أن يقع لم الستيلء و الظفر بالطلوب و ل يصل لم ف الغالب ظفر‬
‫بالناجزة و السبب ف ذلك أن الظفر ف الروب إنا يقع كما قدمناه بأمور نفسانية وهية و إن كان العدد و السلح و صدق القتال كفيل‬
‫به لكنه قاصر مع تلك المور الوهية كما مر و لذلك كان الداع من أرفع ما يستعمل ف الرب و أكثر ما يقع الظفر به و ف الديث‬
‫الرب خدعة و الدولة الستقرة قد صيت العوائد الألوفة طاعتها ضرورية واجبة كما تقدم ف غي موضع فتكثر بذلك العوائق لصاحب‬
‫الدولة الستجدة و يكثر من هم أتباعه و أهل شوكته و إن كان القربون من بطانته على بصية ف طاعته و مؤازرته إل أن الخرين أكثر و‬
‫قد داخلهم الفشل بتلك العقائد ف التسليم للدولة الستقرة فيحصل بعض الفتور منهم و ل يكاد صاحب الدولة الستقرة يرجع إل الصب و‬
‫الطاولة حت يتضح هرم الدولة الستقرة فتضمحل عقائد التسليم لا من قومه و تنبعث منهم المم لصدق الطالبة معه فيقع الظفر و الستيلء‬
‫و أيضا فالدولة الستقرة كثية الرزق با استحكم لم من اللك و توسع من النعيم و اللذات و اختصوا به دون غيهم من أموال الباية‬
‫فيكثر عندهم ارتباط اليول و استجادة السلحة و تعظم فيهم البة اللكية و يفيض العطاء بينهم من ملوكهم اختيارا و اضطرارا فيهبون‬
‫بذلك كله عدوهم و أهل الدولة الستجدة بعزل عن ذلك لا هم فيه من البداوة و أحوال الفقر و الصاصة فيسبق إل قلوبم أوهام الرعب‬
‫با يبلغهم من أحوال الدولة الستقرة و يرمون عن قتالم من أجل ذلك فيصي أمرهم إل الطاولة حت تأخذ الستقرة مآخذها من الرم و‬
‫يستحكم اللل فيها ف العصبية و الباية فينتهز حينئذ صاحب الدولة الستجدة فرصته ف الستيلء عليها بعد حي منذ الطالبة سنة ال ف‬
‫عباده و أيضا فأهل الدولة الستجدة كلهم مباينون للدولة الستقرة بأنسابم و عوائدهم و ف سائر مناحيهم ث هم مفاخرون لم و منابذون‬
‫با وقع من هذه الطالبة و بطمعهم ف الستيلء عليه فتتمكن الباعدة بي أهل الدولتي سرا و جهرا و ل يصل إل أهل الدولة الستجدة خب‬
‫عن أهل الدولة الستقرة يصيبون منه غرة باطنا و ظاهرا لنقطاع الداخلة بي الدولتي فيقيمون على الطالبة و هم ف إحجام و ينكلون عن‬
‫الناجزة حت يأذن ال بزوال الدولة الستقرة و فناء عمرها و وفور اللل ف جيع جهاتا و اتضح لهل الدولة السنتجدة مع ما كان يفى‬
‫من هرمها و تلشيها و قد عظمت قوتم با اقتطعوه من أعمالا و نقصوه من أطرافها فتنبعث همهم يدا واحدة للمناجزة و يذهب ما كان‬
‫بث ف عزائمهم من التوهات و تنتهي الطاولة إل حدها و يقع الستيلء آخرا بالعاجلة و اعتب ذلك ف دولة بن العباس حي ظهورها حي‬
‫قام الشيعة براسان بعد انعقاد الدعوة و اجتماعهم على الطالبة عشر سني أو تزيد و حينئذ ت لم الظفر و استولوا على الدولة الموية و‬
‫كذا العلوية بطبستان عند ظهور دعوتم ف الديلم كيف كانت مطاولتهم حت استولوا على تلك الناحية ث لا انقضى أمر العلوية و سا‬
‫الديلم إل ملك فارس و العراقي فمكثوا سني كثية يطاولون حت اقتطعوا أصبهان ث استولوا على الليفة ببغداد‪ .‬و كذا العبيديون أقام‬
‫داعيتهم بالغرب أبو عبد ال الشيعي ببن كتامة من قبائل الببر عشر سيني و يزيد تطاول بن الغلب بأفريقية حت ظفر بم و استولوا على‬
‫الغرب كله و سوا إل ملك مصر فمكثوا ثلثي سنة أو نوها ف طلبها يهزون إلا العساكر و الساطيل ف كل وقت و ييء الدد‬
‫لدافعتهم برا و برا من بغداد و الشام و ملكوا السكندرية و الفيوم و الصعيد و تطت دعوتم من هنالك إل الجاز و أقيمت بالرمي ث‬
‫نازل قائدهم جوهر الكاتب بعساكره مدينة مصر و استول عليها و اقتلع دولة بن طغج من أصولا و اختط القاهرة فجاء الليفة بعد العز‬
‫لدين ال فنلا لستي سنة أو نوها منذ استيلئهم على السكندرية و كذا السلجوقية ملوك النك لا استولوا على بن ساسان و أجازوا من‬
‫وراء النهر مكثوا نوا من ثلثي سنة يطاولون بن سبكتكي براسان حت استولوا على دولته‪ .‬ث زحفوا إل بغداد فاستولوا عليها و على‬
‫الليفة با بعد أيام من الدهر‪ .‬و كذا التتر من بعدهم خرجوا من الفازة عام سبعة عشر و ستمائة فلم يتم لم الستيلء إل بعد أربعي سنة‪.‬‬
‫و كذا أهل الغرب خرج به الرابطون من لتونة على ملوكه من مغراوة فطاولوهم سني ث استولوا عليه‪ .‬ث خرج الوحدون بدعوتم على‬
‫لتونة فمكثوا نوا من ثلثي سنة ياربونم حت استولوا على كرسيهم براكش و كذا بنو مرين من زناتة خرجوا على الوحدين فمكثوا‬
‫يطاولونم نوا من ثلثي سنة و استولوا على فاس و اقتطعوها و أعمالا من ملوكهم ث أقاموا ف ماربتهم ثلثي أخرى حت استولوا على‬
‫كرسيهم براكش حسبما نذكر ذلك كله ف تواريخ هذه الدول فهكذا حال الدول الستجدة مع الستقرة ف الطالبة و الطاولة سنة ال ف‬
‫عباده و لن تد لسنة ال تبديل‪ .‬و ل يعارض ذلك با وقع ف الفتوحات السلمية و كيف كان استيلؤهم على فارس و الروم لثلث أو‬
‫أربع من وفاة النب صلى ال عليه و سلم و اعلم أن ذلك إنا كان معجزة من معجزات نبينا سرها استماتة السلمي ف جهاد عدوهم‬
‫استبعادا باليان و ما أوقع ال ف قلوب عدوهم من الرعب و التخاذل فكان ذلك كله خارقا للعادة القررة ف مطاولة الدول الستجدة‬
‫للمستقرة و إذا كان ذلك خارقا فهو من معجزات نبينا صلوات ال عليه التعارف ظهورها ف اللة السلمية و العجزات ل يقاس عليها‬
‫المور العادية و ل يعترض با و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الادي و المسون ف وفور العمران آخر الدولة و ما يقع فيها من‬
‫كثر الوتان و الجاعات‬
‫اعلم أنه قد تقرر لك فيما سلف أن الدولة ف أول أمرها لبد لا من الرفق ف ملكتها و العتدال ف إيالتها إما من الدين إن كانت الدعوة‬
‫دينية أو من الكارهة و الحاسنة الت تقتضيها البداوة الطبيعية للدول و إذا كانت اللكة رفيقة مسنة انبسطت آمال الرعايا و انتشطوا‬
‫للعمران و أسبابه فتوفر و يكثر التناسل و إذا كان ذلك كله بالتدريج فإنا يظهر أثره بعد جيل أو جيلي ف القل و ف انقضاء اليلي‬
‫تشرف الدولة على ناية عمرها الطبيعي فيكون حينئذ العمران ف غاية الوفور و النماء و ل تقولن إنه قد مر لك أن أواخر الدولة يكون فيها‬
‫الجحاف بالرعايا و سوء اللكة فذلك صحيح و ل يعارض ما قلناه لن الجحاف و إن حدث حينئذ و قلت البايات فإنا يظهر أثره ف‬
‫تناقص العمران بعد حي من أجل التدريج ف المور الطبيعية ث إن الجاعات و الوتان تكثر عند ذلك ف أواخر الدول و السبب فيه‪ :‬إما‬
‫الجاعات فلقبض الناس أيديهم عن الفلح ف الكثر بسبب ما يقع ف آخر الدولة من العدوان ف الموال و البايات أو الفت الواقعة ف‬
‫انتقاص الرعايا و كثرة الوارج لرم الدولة فيقل احتكار الزرع غالبا و ليس صلح الزرع و ثرته بستمر الوجود و ل على وتية واحدة‬
‫فطبيعة العال ف كثرة المطار و قلتها متلفة و الطر يقوى و يضعف و يقل و يكثر و الزرع و الثمار و الضرع على نسبته إل أن الناس‬
‫واثقون ف أقواتم بالحتكار فإذا فقد الحتكار عظم توقع الناس للمجاعات فغل الزرع و عجز عنه أولو الصاصة فهلكوا و كان بعض‬
‫السنوات الحتكار مفقودا فشمل الناس الوع و أما كثرة الوتان فلها أسباب من كثرة الجاعات كما ذكرناه أو كثرة الفت لختلل‬
‫الدولة فيكثر الرج و القتل أو وقوع الوباء و سببه ف الغالب فساد الواء بكثرة العمران لكثرة ما يالطه من العفن و الرطوبات الفاسدة و‬
‫إذا فسد الواء و هو غذاء الروح اليوان و ملبسه دائما فيسري الفساد إل مزاجه فإن كان الفساد قويا وقع الرض ف الرئة و هذه هي‬
‫الطواعي و أمراضها مصوصة بالرئة و إن كان الفساد دون القوي و الكثي فيكثر العفن و يتضاعف فتكثر الميات ف المزجة و ترض‬
‫البدان و تلك سبب كثرة العفن و الرطوبات الفاسدة ف هذا كله كثرة العمران و وفوره آخر الدولة لا كان ف أوائلها من حسن اللكة و‬
‫رفقها و قلة الغرم و هو ظاهر و لذا تبي ف موضعه من الكمة أن تلل اللء و القفر بي العمران ضروري ليكون توج الواء يذهب با‬
‫يصل ف الواء من الفساد و العفن بخالطة اليوانات و يأت بالواء الصحيح و لذا أيضا فإن الوتان يكون ف الدن الوفورة العمران أكثر‬
‫من غيها بكثي كمصر بالشرق و فاس بالغرب و ال يقدر ما يشاء‪.‬‬

‫الفصل الثان والمسون ف أن العمران البشري ل بد له من سياسة ينتظم با‬


‫أمره‬
‫اعلم أنه قد تقدم لنا ف غي موضع أن الجتماع للبشر ضروري و هو معن العمران الذي نتكلم فيه و أنه ل بد لم ف الجتماع من وازع‬
‫حاكم يرجعون إليه و حكمه فيهم تارة يكون مستندا إل شرع منل من عند ال يوجب انقيادهم إليه إيانم بالثواب و العقاب عليه الذي‬
‫جاء به مبلغه و تارة إل سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من ثواب ذلك الاكم بعد معرفته بصالهم‪ .‬فالول يصل نفعها‬
‫ف الدنيا و الخرة لعلم الشارع بالصال ف العاقبة و لراعاته ناة العباد ف الخرة و الثانية إنا يصل نفعها ف الدنيا فقط و ما تسمعه من‬
‫السياسة الدنية فليس من هذا الباب و إنا معناه عند الكماء ما يب أن يكون عليه كل واحد من أهل ذلك الجتمع ف نفسه و خلقه حت‬
‫يستغنوا عن الكام رأسا و يسمون الجتمع الذي يصل فيه ما يسمى من ذلك بالدينة الفاضلة‪ ،‬و القواني الراعاة ف ذلك بالسياسة الدنية‬
‫و ليس مرادهم السياسة الت يمل عليها أهل الجتماع بالصال العامة فإن هذه غي تلك و هذه الدينة الفاضلة عندهم نادرة أو بعيدة‬
‫الوقوع و إنا يتكلمون علنها على جهة الفرض و التقدير ث إن السياسة العقلية الت قدمناها تكون على وجهي أحدها يراعى فيها الصال‬
‫على العموم و مصال السلطان ف استقامة ملكه على الصوص و هذه كانت سياسة الفرس و هي على جهة الكمة‪ .‬و قد أغنانا ال تعال‬
‫عنها ف اللة و لعهد اللفة لن الحكام الشرعية مغنية عنها ف الصال العامة و الاصة و أحكام اللك مندرجة فيها‪ .‬الوجه الثان أن يراعى‬
‫فيها مصلحة السلطان و كيف يستقيم له اللك مع القهر و الستطالة و تكون الصال العامة ف هذه تبعا و هذه السياسة الت يمل عليها‬
‫أهل الجتماع الت لسائر اللوك ف العال من مسلم و غيه إل أن ملوك السلمي يرون منها على ما تقتضيه الشريعة السلمية بسب‬
‫جهدهم فقوانينها إذا متمعة من أحكام شرعية و آداب خلقية و قواني ف الجتماع طبيعية‪ ،‬و أشياء من مراعاة الشوكة و العصبية ضرورية‬
‫و القتداء فيها بالشرع أولً ث الكماء ف آدابم و اللوك ف سيهم و من أحسن ما كتب ف ذلك و أودع كتابا طاهر بن السي لبنه‬
‫عبد ال بن طاهر لا وله الأمون الرقة و مصر و ما بينهما فكتب إليه أبوه طاهر كتابه الشهور عهد إليه فيه و وصاه بميع ما يتاج إليه ف‬
‫دولته و سلطانه من الداب الدينية و اللقية و السياسة الشرعية و اللوكية‪ ،‬و حثه على مكارم الخلق و ماسن الشيم با ل يستغن عنة‬
‫ملك و ل سوقة‪ .‬و نص الكتاب بسم ال الرحن الرحيم أما بعد فعليك بتقوى ال وحده ل شريك له و خشيته و مراقبته عز و جل و‬
‫مزايلة سخطه و احفظ رعيتك ف الليل و النهار و الزم ما ألبسك ال من العافية بالذكر لعادك و ما أنت صائر إليه و موقوف عليه و مسئول‬
‫عنه‪ ،‬و العمل ف ذلك كله با يعصمك ال عز و جل و ينجيك يوم القيامة من عقابه و أليم عذابه فإن ال سبحانه قد أحسن إليك و أوجب‬
‫الرأفة عليك بن استرعاك أمرهم من عباده و ألزمك العدل فيهم و القيام بقه و حدوده عليهم و الذب عنهم و الدفع عن حريهم و‬
‫منصبهم و القن لدمائهم و المن لسربم و إدخال الراحة عليهم و مؤاخذك با فرض عليك و موقفك عليه و سائلك عنه و مثيبك عليه با‬
‫قدمت و أخرت ففرغ لذلك فهمك و عقلك و بصرك و ل يشغلك عنه شاغل‪ ،‬و أنه رأس أمرك و ملك شأنك و أول ما يوقعك ال عليه‬
‫و ليكن أول ما تلزم به نفسك و تنسب إليه فعلك الواظبة على ما فرض ال عز و جل عليك من الصلوات المس و الماعة عليها بالناس‬
‫قبلك و توابعها على سننها من إسباغ الوضوء لا و افتتاح ذكر ال عز وجل فيها و رتل ف قراءتك و تكن ف ركوعك و سجودك و‬
‫تشهدك و لتصرف فيه رأيك و نيتك و احضض عليه جاعة من معك و تت يدك و ادأب عليها فإنا كما قال ال عز و جل تنهى عن‬
‫الفحشاء و النكر ث اتبع ذلك بالخذ بسنن رسول ال صلى ال عليه وسلم و الثابرة على خلئقه و اقتفاء أثر السلف الصال من بعده‪ ،‬و‬
‫إذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة ال عز و جل و تقواه و بلزوم ما أنزل ال عز و جل ف كتابه من أمره و نيه و حلله و حرامه و‬
‫ائتمام ما جاءت به الثار عن رسول ال صلى ال عليه و سلم ث قم فيه بالق ل عز وجل و ل تيلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت‬
‫لقريب من الناس أو لبعيد و آثر الفقه و أهله و الدين و حلته و كتاب ال عز و جل و العاملي به فإن أفضل ما يتزين به الرء الفقه ف الدين‬
‫و الطلب له و الث عليه و العرفة با يتقرب به إل ال عز و جل فإنه الدليل على الي كله و القائد إليه و المر و الناهي عن العاصي و‬
‫الوبقات كلها و مع توفيق ال عز و جل يزداد الرء معرفة و إجل ًل له و دركا للدرجات العلى ف العاد مع ما ف ظهوره للناس من التوقي‬
‫لمرك و اليبة لسلطانك و النسة بك و الثقة بعدلك و عليك بالقتصاد ف المور كلها فليس شيء أبي نفعا و ل أخص أمنا و ل أجع‬
‫فضلً منه‪ .‬و القصد داعية إل الرشد و الرشد دليل على التوفيق و التوفيق قائد إل السعادة و قوام الدين و السنن الادية بالقتصاد و كذا ف‬
‫دنياك كلها‪ .‬و ل تقصر ف طلب الخرة و الجر و العمال الصالة و السنن العروفة و معال الرشد و العانة و الستكثار من الب و‬
‫السعي له إذا كان يطلب به وجه ال تعال و مرضاته و مرافقة أولياء ال ف دار كرامته أما تعلم أن القصد ف شأن الدنيا يورث العز و‬
‫يحص من الذنوب و أنك لن توط نفسك من قائل و ل تنصلح أمورك بأفضل منه فأته و افتد به تتم أمورك و تزد مقدرتك و تصلح‬
‫عامتك و خاصتك و أحسن ظنك بال عز و جل تستقيم لك رعيتك و التمس الوسيلة إليه ف المور كلها تستدم به النعمة عليك و ل‬
‫تتهمن أحدا من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشف أمره فإن إيقاع التهم بالباء و الظنون السيئة بم آث إث‪ .‬فاجعل من شأنك‬
‫حسن الظن بأصحابك و اطرد عنك سوء الظن بم‪ ،‬و ارفضه فيهم يعنك ذلك على استطاعتهم و رياضتهم‪ .‬و ل يدن عدو ال الشيطان ف‬
‫أمرك مغمزا فإنه يكتفي بالقليل من وهنك و يدخل عليك من الغم بسوء الظن بم ما ينقص لذاذة عيشك‪ .‬و اعلم أنك تد بسن الظن قوة‬
‫و راحة‪ ،‬و تكتفي به ما أحببت كفايته من أمورك و تدعو به الناس إل مبتك و الستقامة ف المور كلها و ل ينعك حسن الظن‬
‫بأصحابك و الرأفة برعيتك أن تستعمل السألة و البحث عن أمورك و الباشرة لمور الولياء و حياطة الرعية و النظر ف حوائجهم و حل‬
‫مؤوناتم أيسر عندك ما سوى ذلك فإنه أقوم للدين و أحيا للسنة‪ .‬و أخلص نيتك ف جيع هذا و تفرد بتقوي نفسك تفرد من يعلم أنه‬
‫مسئول عما صنع و مزي با أحسن و مؤاخذ با أساء فإن ال عز و جل جعل الدين حرزا و عزا و رفع من اتبعه و عزره و اسلك بن‬
‫تسوسه و ترعاه نج الدين و طريقة الدى‪ .‬و أقم حدود ال تعال ف أصحاب الرائم على قدر منازلم و ما استحقوه و ل تعطل ذلك و ل‬
‫تتهاون به و ل تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن ف تفريطك ف ذلك ما يفسد عليك حسن ظنك و اعتزم على أمرك ف ذلك بالسنن العروفة و‬
‫جانب البدع و الشبهات يسلم لك دينك و تقم لك مرؤتك‪ .‬و إذا عاهدت عهدا فأوف به و إذا وعدت خيا فأنزه و اقبل السنة و ادفع‬
‫با‪ ،‬و اغمض عن عيب كل ذي عيب من رعيتك‪ ،‬و اشدد لسانك عن قول الكذب و الزور‪ ،‬و أبغض أهل النميمة‪ ،‬فإن أول فساد أمورك‬
‫ف عاجلها و آجلها‪ ،‬تقريب الكذوب‪ ،‬و الراءة على الكذب‪ ،‬لن الكذب رأس الآث‪ ،‬و الزور و النميمة خاتتها‪ ،‬لن النميمة ل يسلم‬
‫صاحبها و قائلها‪ ،‬ل يسلم له صاحب و ل يستقيم له أمر‪ .‬و أحبب أهل الصلح و الصدق‪ ،‬و أعز الشراف بالق‪ ،‬و آس الضعفاء‪ ،‬و صل‬
‫الرحم‪ ،‬و ابتغ بذلك وجه ال تعال و إعزاز أمره‪ ،‬و التمس فيه ثوابه و الدار الخرة‪ .‬و اجتنب سوء الهواء و الور‪ ،‬و اصرف عنهما‬
‫رأيك و أظهر براءتك من ذلك لرعيتك و أنعم بالعدل ف سياستهم و قم بالق فيهم‪ ،‬و بالعرفة الت تنتهي بك إل سبيل الدى‪ .‬و املك‬
‫نفسك عند الغضب‪ ،‬و آثر اللم و الوقار‪ ،‬و إياك و الدة و الطيش و الغرور فيما أنت بسبيله‪ .‬و إياك أن تقول أنا مسلط أفعل ما أشاء فإن‬
‫ذلك سريع إل نقص الرأي و قلة اليقي بال عز و جل و أخلص ل وحده النية فيه و اليقي به‪ .‬و اعلم أن اللك ل سبحانه و تعال يؤتيه‬
‫من يشاء و ينعه من يشاء‪ .‬و لن تد تغي النعمة و حلول النقمة على أحد أسرع منه إل حلة النعمة من أصحاب السلطان و البسوط لم‬
‫ف الدولة إذا كفروا نعم ال و إحسانه و استطالوا با أعطاهم ال عز و جل من فضله‪ .‬و دع عنك شره نفسك و لتكن ذخائرك و كنوزك‬
‫الت تدخر و تكن الب و التقوى و استصلح الرعية و عمارة بلدهم و التفقد لمورهم و الفظ لدمائهم و الغاثة للهوفهم‪ .‬و اعلم أن‬
‫الموال إذا اكتنت و ادخرت ف الزائن ل تنمو و إذا كانت ف صلج الرعية و إعطاء حقوقهم و كف الذية عنهم نت و زكت و‬
‫صلحت با العامة و ترتبت با الولية و طاب با الزمان و اعتقد فيها العز و النفعة‪ .‬فليكن كن خزائنك تفريق الموال ف عمارة السلم و‬
‫أهله‪ .‬و وفر منه على أولياء أمي الؤمني قبلك حقوقهم و أوف من ذلك حصصهم و تعهد ما يصلح أمورهم و معاشهم فإنك إذا فعلت‬
‫ذلك قرت النعمة عليك و استوجبت الزيد من ال تعال و كنت بذلك على جباية خراجك و جع أموال رعيتك و عملك أقدر و كان‬
‫الميع لا شلهم من عدلك و إحسانك أسلس لطاعتك و أطيب أنفسا بكل ما أردت‪ .‬و أجهد نفسك فيما حددت لك ف هذا الباب و‬
‫ليعظم حقك فيه و إنا يبقى من الال ما أنفق ف سبيل ال و اعرف للشاكرين حقهم و أثبهم عليه و إياك أن تنسيك الدنيا و غرورها هول‬
‫الخرة فتتهاون با يق عليك فإن التهاون يورث التفريط و التفريط يورث البوار‪ .‬و ليكن عملك ل عز و جل و ارج الثواب فيه فإن ال‬
‫سبحانه قد أسبغ عليك فضله‪ .‬و اعتصم بالشكر و عليه فاعتمد يزدك ال خيا و إحسانا فإن ال عز و جل يثيب بقدر شكر الشاكرين و‬
‫إحسان الحسني‪ .‬و ل تقرن ذنبا و ل تالئن حاسدا و ل ترحن فاجرا و ل تصلن كفورا و ل تداهنن عدوا و ل تصدقن ناما و ل تأمنن‬
‫غدارا و ل توالي فاسقا و ل تتبعن غاويا و ل تمدن مرائيا و ل تقرن إنسانا و ل تردن سائلً فقيا و ل تسنن باطلً و ل تلحظن‬
‫مضحكا و ل تلفن وعدا و ل تزهون فخرا و ل تظهرن غضبا و ل تباينن رجا ًء و ل تشي مرحا و ل تفرطن ف طلب الخرة و ل ترفع‬
‫للنمام عينا و ل تغمضن عن ظال رهبة منه أو مابا ًة و ل تطلب ثواب الخرة ف الدنيا‪ .‬و أكثر مشاورة الفقهاء و استعمل نفسك باللم و‬
‫خذ عن أهل التجارب و ذوي العقل و الرأي و الكمة‪ .‬و ل تدخلن ف مشورتك أهل الرفه و البخل و ل تسمعن لم قولً فإن ضررهم‬
‫أكثر من نفعهم و ليس شيء أسرع فسادا لا استقبلت فيه أمر رعيتك من الشح‪ .‬و اعلم أنك إذا كنت حريصا كنت كثي الخذ قليل‬
‫العطية و إذا كنت كذلك ل يستقم لك أمرك إل قليلً فإن رعيتك إنا تعقد على مبتك بالكف عن أموالم و ترك الور عليهم‪ .‬و ابتدئ‬
‫من صافاك من أوليائك بالفصال عليهم و حسن العطية لم‪ .‬و اجتنب الشح و اعلم أنه أول ما عصى النسان به ربه و إن العاصي بنلة‬
‫خزي و هو قول ال عز و جل و من يوق شح نفسه فأولئك هم الفلحون فسهل طريق الود بالق و اجعل للمسلمي كلهم من فيئك‪،‬‬
‫حظا و نصيبا و أيقن أن الود أفضل أعمال العباد فأعده لنفسك خلقا و ارض به عملً و مذهبا‪ .‬و تفقد الند ف دواوينهم و مكانتهم و‬
‫أدر عليهم أرزاقهم و و وسع عليهم ف معايشهم يذهب ال عز و جل بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم و تزيد قلوبم ف طاعتك و أمرك‬
‫خلوصا و انشراحا‪ .‬و حسب ذي السلطان من السعادة أن يكون على جنده و رعيته ذا رحة ف عدله و حيطته و إنصافه و عنايته و شفقته‬
‫و بره و توسعته فزايل مكروه أحد البابي باستشعار فضيلة الباب الخر و لزوم العمل به تلق إن شاء ال تعال ناحا و صلحا و فلحا‪ .‬و‬
‫اعلم أن القضاء من ال تعال بالكان الذي ليس فوقه شيء من المور لنه ميزان ال الذي تعدل عليه أحوال الناس ف الرض‪ .‬و بإقامة‬
‫العدل ف القضاء و العمل تصلح أحوال الرعية و تأمن السبل و ينتصف الظلوم و تأخذ الناس حقوقهم و تسن العيشة و يؤدى حق الطاعة‬
‫و يرزق ال العافية و السلمة و يقيم الدين و يري السنن و الشرائع ف ماريها‪ .‬و اشتد ف أمر ال عز و جل و تورع عن النطف و امض‬
‫لقامة الدود‪ .‬و أقل العجلة و ابعد عن الضجر و القلق و اقنع بالقسم و انتفع بتجربتك و انتبه ف صمتك و اسدد ف منطقك و أنصف‬
‫الصم و قف عند الشبهة و أبلغ ف الجة و ل يأخذك ف أحد من رعيتك ماباة و ل ماملة و ل لومة لئم و تثبت و تأن و راقب و انظر‬
‫و تنكر و تدبر و اعتب و تواضع لربك و ارفق بميع الرعية و سلط الق على نفسك و ل تسرعن إل سفك دم فإن الدماء من ال عز و‬
‫جل بكان عظيم انتهاكا لا بغي حقها‪ .‬و انظر هذا الراج الذي استقامت عليه الرعية و جعله ال للسلم عزا و رفعةً و لهله توسعة و‬
‫منعة و لعدوه و عدوهم كبتا و غيظا و لهل الكفرمن معاديهم ذلً و صغارا فوزعه بي أصحابه بالق و العدل و التسوية و العموم و ل‬
‫تدفعن شيئا منه عن شريف لشرفه و ل عن غن لغناه و ل عن كاتب لك و ل عن أحد من خاصتك و ل حاشيتك و ل تأخذن منه فوق‬
‫الحتمال له‪ .‬و ل تكلف أمرا فيه شطط‪ .‬و احل الناس كلهم على أمر الق فإن ذلك أجع لنفسهم و ألزم لرضاء العامة‪ .‬و اعلم أنك‬
‫جعلت بوليتك خازنا و حافظا و راعيا و إنا سي أهل عملك رعيتك لنك راعيهم و قيمهم‪ .‬فخذ منهم ما أعطوك من عفوهم و نفذه ف‬
‫قوام أمرهم و صلحهم و تقوي أودهم‪ .‬و استعمل عليهم أول الرأي و التدبي و التجربة و البة بالعلم و العمل بالسياسة و العفاف‪ .‬و‬
‫وسع عليهم ف الرزق فإن ذلك من القوق اللزمة لك فيما تقلدت و أسند إليك فل يشغلك عنه شاغل و ل يصرفك عنه صارف فإنك‬
‫مت آثرته و قمت فيه بالواجب استدعيت به زيادة النعمة من ربك و حسن الحدوثة ف عملك و اجتررت به الحبة من رعيتك و أعنت‬
‫على الصلح فدرت اليات ببلدك و فشت العمارة بناحيتك و ظهر الصب ف كورك و كثر خراجك و توفرت أموالك و قويت بذلك‬
‫على ارتياض جندك و إرضاء العامة بإفاضة العطاء فيهم من نفسك و كنت ممود السياسة مرضي العدل ف ذلك عند عدوك و كنت ف‬
‫أمورك كلها ذا عدل و آلة و قوة و عدة‪ .‬فنافس ف ذلك و ل تقدم عليه شيئا تمد عاقبة أمرك إن شاء ال تعال‪ .‬و اجعل ف كل كورة من‬
‫عملك أمينا يبك أخبار عمالك و يكتب إليك بسيهم و أعمالم حت كأنك مع كل عامل ف عمله معاين لموره كلها‪ .‬فإن أردت أن‬
‫تأمرهم بأمر فانظر ف عواقب ما أردت من ذلك فإن رأيت السلمة فيه و العافية و رجوت فيه حسن الدفاع و الصنع فأمضه و إل فتوقف‬
‫عنه و راجع أهل البصر و العلم به ث خذ فيه عدته فإنه ربا نظر الرجل ف أمره و قدره و أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك و أعجبه فإن ل‬
‫ينظر ف عواقبه أهلكه و نقص عليه أمره‪ .‬فاستعمل الزم ف كل ما أردت و باشره بعد عون ال عز و جل بالقوة‪ .‬و أكثر من استخارة‬
‫ربك ف جيع أمورك‪ .‬و افرغ من يومك و ل تؤخره لغدك و أكثر مباشرته بنفسك فإن للغد أمورا و حوادث تلهيك عن عمل يومك الذي‬
‫أخرت‪ .‬و اعلم أن اليوم إذا مضى ذهب با فيه و إذا أخرت عمله اجتمع عليك عمل يومي فيثقلك ذلك حت ترض منه‪ .‬و إذا مضيت لكل‬
‫يوم عمله أرحت بدنك و نفسك و جعت أمر سلطانك و انظر أحرار الناس و ذوي الفضل منهم من بلوت صفاء طويتهم و شهدت‬
‫مودتم لك و مظاهرتم بالنصح و الحافظة على أمرك فاستخلصهم و أحسن إليهم و تعاهد أهل البيوتات من قد دخلت عليهم الاجة و‬
‫احتمل مؤونتهم و أصلح حالم حت ل يدوا للتهم مسا و أفرد نفسك للنظر ف أمور الفقراء و الساكي و من ل يقدر على رفع مظلمته‬
‫إليك و الحتقر الذي ل علم له بطلب حقه فسل عنه أحفى مسألة و وكل بأمثاله أهل الصلح من رعيتك و مرهم برفع حوائجهم و‬
‫حالتم إليك لتنفر فيما يصلح ال به أمرهم و تعاهد ذوي البأساء و أيتامهم و أراملهم و اجعل لم أرزاقا من بيت الال اقتداء بأمي الؤمني‬
‫أعزه ال تعال ف العطف عليهم و الصلة لم ليصلح ال بذلك عيشهم و يرزقك به بركة و زيادة‪ .‬و أجر للضراء من بيت الال و قدم حلة‬
‫القرآن منهم و الافظي لكثره ف الراية على غيهم و انصب لرضى السلمي دورا تأويهم و قواما يرفقون بم و أطباء يعالون أسقامهم‬
‫و أسعفهم بشهواتم مال يؤد ذلك إل إسراف ف بيت الال‪ .‬و اعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم و أفضل أمانيهم ل يرضيهم ذلك و ل‬
‫تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إل ولتم طمعا ف نيل الزيادة و فضل الرفق منهم‪ .‬و ربا تبم التصفح لمور الناس لكثرة ما يرد عليه و‬
‫يشغل فكره و ذهنه فيها ما يناله به من مؤونة و مشقة‪ .‬و ليس من يرغب ف العدل و يعرف ماسن أموره ف العاجل و فضل ثواب الجل‬
‫كالذي يستقبل ما يقرئه إل ال تعال و يلتمس رحته و أكثر الذن للناس عليك و أبرز لم وجهك و سكن لم حواسك و اخفض لم‬
‫جناحك و أظهر لم بشرك و لن لم ف السألة و النطق و اعطف عليهم بودك و فضلك‪ .‬و إذا أعطيت فأعط بسماحة و طيب نفس و‬
‫التماس للصنيعة و الجر من غي تكدير و ل امتنان فإن العطية على ذلك تارة مربة إن شاء ال تعال‪ .‬و اعتب با ترى من أمور الدنيا و من‬
‫مضى قبلك من أهل السلطان و الرئاسة ف القرون الالية و المم البائدة‪ .‬ث اعتصم ف أحوالك كلها بال سبحانه و تعال و الوقوف عند‬
‫مبته و العمل بشريعته و سنته و بإقامة دينه و كتابه و اجتنب ما فارق ذلك و خالفه و دعا إل سخط ال عز و جل و اعرف ما يمع‬
‫عمالك من الموال و ما ينفقون منها و ل تمع حراما و ل تنفق إسرافا‪ .‬و أكثر مالسة العلماء و مشاورتم و مالطتهم و ليكن هواك‬
‫اتباع السنن و إقامتها و إيثار مكارم الخلق و معاليها و ليكن أكرم دخلئك و خاصتك عليك من إذا رأى عيبا فيك ل تنعه هيبتك عن‬
‫إناء ذلك إليك ف سرك و إعلنك با فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك و مظاهرون لك‪ .‬و انظر عمالك الذين بضرتك و كتابك‬
‫فوقت لكل رجل منهم ف كل يوم وقتا يدخل فيه عليك بكتبه و مؤامراته و ما عنده من حوائج عمالك و أمور الدولة و رعيتك ث فرغ لا‬
‫يورد عليك من ذلك سعك و بصرك و فهمك و عقلك و كرر النظر فيه و التدبر له فما كان موافقا للحق و الزم فأمضه و استخر ال عز‬
‫و جل فيه و ما كان مالفا لذلك فاصرفه إل السألة عنه و التثبت منه و ل تنن على رعيتك و ل غيهم بعروف تؤتيه إليهم‪ .‬و ل تقبل من‬
‫أحد إل الوفاء و الستقامة و العون ف أمور أمي السلمي و ل تضعن العروف إل على ذلك‪ .‬و تفهم كتاب إليك و انعم النظر فيه و العمل‬
‫به و استعن بال على جيع أمورك و استخره فإن ال عز و جل مع الصلح و أهله و ليكن أعظم سيتك و أفضل رغبتك ما كان ل عز و‬
‫جل رضى و لدينه نظاما و لهله عزا و تكينا و للملة و الذمة عدلً و صلحا و أنا أسأل ال أن يسن عونك و توفيقك و رشدك و‬
‫كلءتك و السلم‪ .‬و حدث الخباريون أن هذا الكتاب لا ظهر و شاع أمره أعجب به الناس و اتصل بالأمون فلما قرئ عليه قال ما أبقى‬
‫أبو الطيب يعن طاهرا شيئا من أمور الدنيا والدين و التدبي و الرأي و السياسة و صلح اللك و الرعية و حفظ السلطان و طاعة اللفاء و‬
‫تقوي اللفة إل و قد أحكمه و أوصى به ث أمر الأمون فكتب به إل جيع العمال ف النواحي ليقتدوا به و يعملوا با فيه هذا أحسن ما‬
‫وقفت عليه ف هذه السياسة و ال أعلم‪.‬‬
‫القسم الول من الفصل الثالث و المسون ف أمر الفاطمي و ما يذهب إليه‬
‫الناس ف شأنه و كشف الغطاء عن ذلك القسم الول‬
‫اعلم أن ف الشهور بي الكافة من أهل السلم على مر العصار أنه ل بد ف آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين و يظهر‬
‫العدل و يتبعه السلمون و يستول على المالك السلمية و يسمى بالهدي و يكون خروج الدجال و ما بعده من أشراط الساعة الثابتة ف‬
‫الصحيح على أثره‪ .‬و أن عيسى ينل من بعده فيقتل الدجال أو ينل معه فيساعده على قتله و يأت بالهدي ف صلته و يتجون ف الشأن‬
‫بأحاديث خرجها المة و تكلم فيها النكرون لذلك و ربا عارضوها ببعض الخبار و للمتصوفة التأخرين ف أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى‬
‫و نوع من الستدلل و ربا يعتمدون ف ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم‪ .‬و نن الن نذكر هنا الحاديث الواردة ف هذا الشأن‬
‫و ما للمنكرين فيها من الطاعن و ما لم ف إنكارهم من الستند ث نتبعه بذكر كلم التصوفة و رأيهم ليتبي لك الصحيح من ذلك إن شاء‬
‫ال تعال فنقول إن جاعة من المة خرجوا أحاديث الهدي منهم الترمذي و أبو داود و البزاز و ابن ماجة و الاكم و الطبان و أبو يعلى‬
‫الوصلي و أسندوها إل جاعة من الصحابة مثل علي و ابن عباس و ابن عمر و طلحة و ابن مسعود و أب هريرة و أنس و أب سعيد‬
‫الدري و أم حبيبة و أم سلمة و ثوبان و قرة بن إياس و علي اللل و عبد ال بن الارث بن جزء بأسانيد ربا يعرض لا النكرون كما‬
‫نذكره إل أن العروف عند أهل الديث أن الرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعنا ف بعض رجال السانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو‬
‫ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إل صحة الديث و أوهن منها و ل تقولن مثل ذلك ربا يتطرق إل رجال الصحيحي فإن الجاع قد‬
‫اتصل ف المة على تلقيهما بالقول و العمل با فيهما و ف الجاع أعظم حاية و أحسن دفعا و ليس غي الصحيحي بثابتهما ف ذلك فقد‬
‫تد مالً للكلم ف أسانيدها با نقل عن أمة الديث ف ذلك‪.‬‬
‫و لقد توغل أبو بكر بن أب خيثمة على ما نقل السهيلي عنه ف جعه للحاديث الواردة ف الهدي فقال و من أغربا إسنادا ما ذكره أبو‬
‫بكر السكاف ف فوائد الخبار مستندا إل مالك بن أنس عن ممد بن النكدر عن جابر قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬من‬
‫كذب بالهدي فقد كفر و من كذب بالدجال فقد كذب و قال ف طلوع الشمس من مغربا مثل ذلك فيما أحسب و حسبك هذا غلوا‪.‬‬
‫و ال أعلم بصحة طريقه إل مالك بن أنس على أن أبا بكر السكاف عندهم متهم وضاع‪.‬‬
‫و أما الترمذي فخرج هو و أبو داود بسند ها إل ابن عباس‪ .‬من طريق عاصم بن أب النجود أحد القراء السبعة إل زر بن حبيش عن عبد‬
‫ل من أو من أهل بيت‬ ‫ال بن مسعود عن النب صلى ال عليه و سلم‪ :‬لو ل يبق من الدنيا إل يوم لطول ال ذلك اليوم حت يبعث ال فيه رج ً‬
‫يواطئ اسه اسي و اسم أبيه اسم أب‪ .‬هذا لفظ أب داود و سكت عليه و قال ف رسالته الشهورة إن ما سكت عليه ف كتابه فهو صال و‬
‫لفظ الترمذي ل تذهب الدنيا حت يلك العرب رجل من أهل بيت يواطىء اسه اسي و ف لفظ آخر حت يلي رجل من أهل بيت و كلها‬
‫حديثا حسن صحيح و رواه أيضا من طريق موقوفا على أب هريرة و قال الاكم رواه الثوري و شعبة و زائدة و غيهم من أئمة السلمي‬
‫عن عاصم قال‪ :‬و طرق عاصم عن زر عن عبد ال كلها صحيحة على ما أصلته من الحتجاج بأخبار عاصم إذ هو إمام من أئمة السلمي‬
‫ل صالا قارئا للقرآن خيا ثقة و العمش أحفظ منه و كان شعبة يتار العمش عليه‬ ‫انتهى إل أن عاصما قال فيه أحد بن حنبل‪ :‬كان رج ً‬
‫ف تثبيت الديث و قال العجلي كان يتلف عليه ف زر و أب وائل يشي بذلك إل ضعف روايته عنهما و قال ممد بن سعد كان ثقة إل‬
‫أنه كثي الطأ ف حديثه و قال يعقوب بن سفيان ف حديثه اضطراب و قال عبد الرحن بن أب حات قلت لب أن أبا زرعة يقول عاصم ثقة‬
‫فقال ليس مله هذا و قد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسه عاصم سيء الفظ و قال أبو حات مله عندي مل الصدق صال الديث و ل‬
‫يكن بذلك الافظ و اختلف فيه قول النسائي و قال ا بن حراش ف حديثه نكرة و قال أبو جعفر العقيلي ل يكن فيه إل سوء الفظ و قال‬
‫ل اسه عاصم إل وجدته سيء الفظ و قال أيضا سعت شعبة يقول حدثنا‬ ‫الدارقطن ف حفظه شيء و قال يي القطان ما وجدت رج ً‬
‫عاصم بن أب النجود و ف الناس ما فيها و قال الذهب ثبت ف القراءة و هو حسن الديث‪ .‬و إن حتج أحد بأن الشيخي أخرجا له منقول‬
‫ل و ال أعلم‪.‬‬
‫أخرجا له مقرونا بغيه ل أص ً‬
‫و خرج أبو داود ف الباب عن علي رضي ال عنه من رواية قطن بن خليفة عن لقاسم بن أب مرة عن أب الطفيل عن علي عن النب صلى ال‬
‫عليه و سلم قال‪ :‬لو ل يبق من الدهر إل يوم لبعث ال رجلً من أهل بيت يلها عد ًل كما ملئت جورا و قطن بن خليفة و إن وثقه أحد و‬
‫يي بن القطان و ابن معي و النسائي و غيهم إل أن العجلي قال‪ :‬حسن الديث و فيه تشيع قليل و قال ابن معي مرة‪ :‬ثقة شيعي‪ .‬و قال‬
‫أحد بن عبد ال بن يونس‪ :‬كنا نر على قطن و هو مطروح ل نكتب عنه‪ .‬و قال مرة‪ :‬كنت أمر به و أدعه مثل الكلب‪ .‬و قال الدارقطن‪:‬‬
‫ل يتج به‪ .‬و قال أبو بكر بن عياش‪ :‬ما تركت الرواية عنه إل لسوء مذهبه‪ .‬و قال الرجان‪ :‬زائغ غي ثقة انتهى‪ .‬و خرج أبو داود أيضا‬
‫بسنده إل علي رضي ال عنه عن مروان بن الغية عن عمر بن أب قيس عن شعيب بن أب خالد عن أب إسحاق النسفي قال‪ :‬قال علي و‬
‫نظر إل ابنه السن إن ابن هذا سيد كما ساه رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ .‬سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه ف اللق‬
‫و ل يشبهه ف اللق يل الرض عد ًل و قال هارون حدثنا عمر بن أب قيس عن مطرف بن طريف عن أب السن عن هلل بن عمر سعت‬
‫عليا يقول‪ :‬قال النب صلى ال عليه و سلم‪ :‬يرج رجل من وراء النهر يقال له الارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطىء أو يكن‬
‫لل ممد كما مكنت قريش لرسول ال صلى ال عليه و سلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته‪ .‬سكت أبو داود عليه‪ .‬و قال ف‬
‫موضع آخر ف هارون‪ :‬هو من ولد الشيعة‪ .‬و قال السليمان‪ :‬فيه نظر‪ .‬و قال أبو داود ف عمر بن أب قيس‪ :‬ل بأس ف حديثه خطأ‪ .‬و قال‬
‫الذهب‪ :‬صدق له أوهام‪ .‬و أما أبو إسحاق الشيعي و إن خرج عنه ف الصحيحي فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره و روايته عن علي‪،‬‬
‫منقطعة‪ ،‬و كذلك رواية أب داود عن هارون بن الغية‪ .‬و أما السند الثان فأبو السن فيه و هلل بن عمر مهولن و ل يعرف أبو السن‬
‫إل من رواية مطرف بن طريف عنه انتهى‪ .‬و خرج أبو داود أيضا عن أم سلمة قالت سعت ف الستدرك من طريق علي بن نفيل عن سعيد‬
‫بن السيب عن أم سلمة قالت سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول‪ :‬الهدي من ولد فاطمة و لفظ الاكم‪ :‬سعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه و سلم يذكر الهدي فقال‪ :‬نعم هو حق و هو من بن فاطمة و ل يتكلم عليه بالصحيح و ل غيه و قد ضعفه أبو جعفر العقيلي و‬
‫قال‪ :‬ل يتابع علي بن نفيل عليه و ل عرف إل به‪ .‬و خرج أبو داود أيضا عن أم سلمة من رواية صال أب الليل عن صاحب له عن أم‬
‫سلمة قال‪ :‬يكون اختلف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل الدينة هاربا إل مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه و هو كاره‬
‫فيبايعونه بي الركن و القام فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بم بالبيداء بي مكة و الدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام و‬
‫عصائب أهل العراق فيبايعونه ث ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلب و اليبة لن ل‬
‫يشهد غنيمة كلب فيقسم الال و يعمل ف الناس بسنة نبيهم صلى ال عليه و سلم و يلقي السلم برانه على الرض فيلبث سبع سني و‬
‫قال بعضهم تسع سني ث رواه أبو داود من رواية أب الليل عن عبد ال بن الارث عن أم سلمة فتبي بذلك البهم ف السناد الول و‬
‫رجاله رجال الصحيحي ل مطعن فيهم و ل مغمز و قد يقال إنه من رواية قتادة عن أب الليل و قتادة مدلس و قد عنعنه و الدلس ل يقبل‬
‫من حديثه إل ما صرح فيه بالسماع‪ .‬مع أن الديث ليس فيه تصريح بذكر الهدي نعم ذكره أبو داود ف أبوابه و خرج أبو داود أيضا و‬
‫تابعه الاكم عن أب سعيد الدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬الهدي من أجلى البهة اقن النف يل الرض قسطا و‬
‫عد ًل كما ملئت ظلما و جورا يلك سبع سني هذا لفظ أب داود و سكت عليه و لفظ الاكم‪ :‬الهدي منا أهل البيت أشم النف أقن‬
‫أجلى يل الرض قسطا و عدلً كما ملئت جورا و ظلما يعيش هكذا و يبسط يساره و إصبعي من يينه السبابة و البام و عقد ثلث قال‬
‫الاكم‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم و ل يرجاه‪ .‬و عمران القطان متلف ف الحتجاج يه إنا أخرج له البخاري استشهادا ل‬
‫أصلً و كان يي القطان ل يدث عنه و قال يي بن معي‪ :‬ليس بالقوي و قال مرة‪ :‬ليس بشيء‪ .‬و قال أحد بن حنبل أرجو أن يكون‬
‫صال الديث و قال يزيد بن زريع كان حروريا و كان يرى السيف على أهل القبلة و قال النسائي ضعيف و قال أبو عبيد الجري‪ :‬سألت‬
‫أبا داود عنه‪ .‬فقال‪ :‬من أصحاب السن و ما سعت إل خيا‪ .‬و سعته مرة أخرى ذكره فقال‪ :‬ضعيف أفت ف إبراهيم بن عبد ال بن حسن‬
‫بفتوى شديدة فيها سفك الدماء‪ .‬و خرج الترمذي و ابن ماجة و الاكم عن أب سعيد الدري من طريق زيد العمي عن أب صديق الناجي‬
‫عن أب سعيد الدري قال‪ :‬خشينا أن يكون بعض شيء حدث فسألنا نب ال صلى ال عليه و سلم فقال‪ :‬إن ف أمت الهدي يرج و يعيش‬
‫خسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال قلنا‪ :‬و ما ذاك ؟ قال سني ! قال‪ :‬فيجيء إليه الرجل فيقول‪ :‬يا مهدي أعطن قال‪ :‬فيحثو له ف ثوبه‬
‫ما استطاع أن يمله لفظ الترمذي و قال‪ :‬هذا حديث حسن و قد روى من غي وجه عن أب سعيد عن النب صلى ال عليه و سلم و لفظ‬
‫ابن ماجة و الاكم‪ :‬يكون ف أمت الهدي إن قصر فسبع و إل فتسع فتنعم أمت فيه نعمة ل يسمعوا بثلها قط تؤتى الرض أكلها و ل‬
‫يدخر منه شيء و الال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول‪ :‬يا مهدي أعطن فيقول خذ‪ .‬انتهى‪ .‬و زيد العمي و إن قال فيه الدارقطن و أحد‬
‫بن حنبل و يي بن معي إنه صال و زاد أحد إنه فوق يزيد الرقاش و فضل بن عيسى إل أنه قال فيه أبو حات‪ :‬ضعيف يكتب حديثه و ل‬
‫يتج به‪ .‬و قال يي بن معي ف رواية أخرى‪ :‬ل شيء‪ .‬و قال مرة يكتب حديثه و هو ضعيف‪ .‬و قال الرجان‪ :‬متماسك و قال أبو زرعة‬
‫ليس بقوي واهي الديث ضعيفا و قال أبو حات ليس بذاك و قد حدث عنه شعبة‪ .‬و قال النسائي‪ :‬ضعيف و قال ابن عدي‪ :‬عامة ما يرويه‬
‫و من يروى عنهم ضعفاء على أن شعبة قد روى عنه و لعل شعبة ل يرو عن أضعف منه‪.‬‬
‫و قد يقال إن حديث الترمذي وقع تفسيا لا رواه مسلم ف صحيحه من حديث جابر قال قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬يكون ف‬
‫آخر أمت‪ ،‬خليفة يثو الال حثوا ل يعده عدا و من حديث أب سعيد قال‪ :‬من خلفائكم خليفة يثو الال حثوا و من طريق أخرى عنهما‬
‫قال‪ :‬يكون ف آخر الزمان خليفة يقسم الال و ل يعده انتهى‪ .‬و أحاديث مسلم يقع فيها ذكر الهدي و ل دليل يقوم على أنه الراد منها‪ .‬و‬
‫رواة الاكم أيضا من طريق عوف العراب عن أب الصديق الناجي عن أب سعيد الدري قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬ل‬
‫تقوم الساعة حت تل الرض جورا و ظلما و عدوانا ث يرج من أهل بيت رجل يلها قسطا و عدلً كما ملئت ظلما و عدوانا و قال فيه‬
‫الاكم‪ :‬هذا صحيح على شرط الشيخي و ل يرجاه‪ .‬و رواه الاكم أيضا عن طريق سليمان بن عبيد عن أب الصديق الناجي عن أب‬
‫سعيد الدري عن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬يرج ف آخر أمت الهدي يسقيه ال الغيث و ترج الرض نباتا و يعطي الال‬
‫صحاحا و تكثر الاشية و تعظم المة يعيش سبعا أو ثانيا يعن حججا و قال فيه حديث صحيح السناد و ل يرجاه‪ .‬مع أن سليمان بن‬
‫عبيد ل يرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان ف الثقات و ل يرد أن أحدا تكلم فيه ث رواه الاكم أيضا من طريق أسد بن موسى‬
‫عن حاد بن سلمة عن مطر الوراق و أب هارون العبدي عن أب الصديق الناجي عن أب سعيد أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬تل‬
‫الرض جورا و ظلما فيخرج رجل من عترت فيملك سبعا أو تسعا فيمل الرض عدلً و قسطا كما ملئت جورا و ظلما و قال الاكم‬
‫فيه‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط مسلم لنه أخرج عن حاد بن سلمة و عن‬
‫شيخه مطر الوراق‪ .‬و أما شيخه الخر و هو أبو هارون العبدي فلم يرج له‪ .‬و هو ضعيف جدا متهم بالكذب و ل حاجة إل بسط أقوال‬
‫الئمة ف تضعيفه‪ .‬و أما الراوي له عن حاد بن سلمة فهو أسد بن موسى يلقب أسد السنة و إن قال البخاري‪ :‬مشهور الديث و استشهد‬
‫به ف صحيحه‪ .‬و احتج به أبو داود و النسائي إل إنه قال مرة أخرى‪ :‬ثقة لو ل يصنف كان خيا له‪ .‬و قال فيه ممد بن حزم‪ :‬منكر‬
‫الديث‪ .‬و رواه الطبان ف معجمه الوسط من رواية أب الواصل عبد الميد بن واصل عن أب الصديق الناجي عن السن بن يزيد‬
‫السعدي أحد بن بذلة عن أب سعيد الدري قال سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول‪ :‬يرج رجل من أمت يقول بسنت ينل ال‬
‫عز و جل له القطر من السماء و ترج الرض بركتها و تل الرض منه قسطا و عدلً كما ملئت جورا و ظلما يعمل على هذه المة سبع‬
‫سني و ينل على بيت القدس و قال الطبان‪ :‬فيه رواة جاعة عن أب الصديق و ل يدخل أحد منهم بينه و بي أب سعيد أحدا إل أبا‬
‫الواصل فإنه رواه عن السن بن يزيد عن أب سعيد انتهى‪ .‬و هذا السن بن يزيد ذكره ابن أب حات و ل يعرفه بأكثر ما ف هذا السناد من‬
‫روايته عن أب سعيد و رواية أب الصديق عنه و قال الذهب ف اليزان‪ :‬إنه مهول‪ .‬لكن ذكره ابن حبان ف الثقات و أما أبو الواصل الذي‬
‫رواه عن أب الصديق فلم يرج له أحد من الستة‪ .‬و ذكره ابن حبان ف الثقات ف الطبقة الثانية و قال فيه‪ :‬يروى عن أنس روى عنه شعبة و‬
‫عتاب بن بشر و خرج ابن ماجة ف كتاب السنن عن عبد ال بن مسعود من طريق يزيد بن أب زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد ال قال‬
‫بينما نن عند رسول ال صلى ال عليه و سلم إذ أقبل فتية من بن هاشم فلما رآهم رسول ال صلى ال عليه و سلم ذرفت عيناه و تغي‬
‫لونه قال فقلت ما نزال نرى ف وجهك شيئا نكرهه فقال‪ :‬إنا أهل البيت اختار ال لنا الخرة على الدنيا و إن أهل بيت سيلقون بعدي بلء‬
‫و تشريدا و تطريدا حت يأت قوم من قبل الشرق معهم رايات سود فيسألون الب فل يعطونه فيقاتلون و ينصرون فيعطون ما سألوا فل‬
‫يقبلونه حت يدفعوها إل رجل من أهل بيت فيملها قسطا كما ملوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتم و لو حبوا على الثلج انتهى‪.‬‬
‫و هذا الديث يعرف عند الحدثي بديث الرايات‪ .‬و يزيد بن أب زياد راويه قال فيه شعبة‪ :‬كان رفاعا يعن يرفع الحاديث الت ل تعرف‬
‫مرفوعة‪ .‬و قال ممد بن الفضيل‪ :‬من كبار أئمة الشيعة‪ .‬و قال أحد بن حنبل‪ :‬ل يكن بالافظ و قال مرة‪ :‬حديثة ليس بذلك‪ .‬و قال يي‬
‫بن معي‪ :‬ضعيف‪ .‬و قال العجلي‪ :‬جائز الديث‪ ،‬و كان بآخره يلقن‪ .‬و قال أبو زرعة‪ :‬لي يكتب حديثه و ل يتج به‪ .‬و قال أبو حات‪:‬‬
‫ليس بالقوي‪ .‬و قال الرجان‪ :‬سعتهم يضعفون حديثه‪ .‬و قال أبو داود‪ :‬ل أعلم أحدا ترك حديثه و غيه أحب إل منه‪ .‬و قال ابن عدي‬
‫هو من شيعة أهل الكوفة و مع ضعفه يكتب حديثه‪ .‬و روى له مسلم لكن مقرونا بغيه‪ .‬و بالملة فالكثرون على ضعفه‪ .‬و قد صرح‬
‫الئمة بتضعيف هذا الديث الذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد ال و هو حديث الرايات‪ .‬و قال وكيع بن الراح فيه‪ :‬ليس بشيء‪.‬‬
‫و كذلك قال أحد بن حنبل و قال أبو قدامة سعت أبا أسامة يقول ف حديث يزيد عن إبراهيم ف الرايات لو حلف عندي خسي يينا‬
‫أسامة ما صدقته أهذا مذهب إبراهيم ؟ أهذا مذهب علقمة ؟ أهذا مذهب عبد ال ؟ و أورد العقيلي هذا الديث ف الضعفاء و قال الذهب‬
‫ليس بصحيح‪ .‬و خرج ابن ماجة عن علي رضي ال عنه من رواية ياسي العجلي عن إبراهيم بن ممد بن النفية عن أبيه عن جده قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬الهدي منا أهل البيت يصلح ال به ف ليلة‪.‬‬
‫و ياسي العجلي و إن قال فيه ابن معي ليس به بأس فقد قال البخاري فيه نظر‪ .‬و هذه اللفظة من اصطلحه قوية ف التضعيف جدا‪ .‬و‬
‫أورد له ابن عدي ف الكامل و الذهب ف اليزان هذا الديث على وجه الستنكار له و قال هو معروف به‪ .‬و خرج الطبان ف معجمه‬
‫الوسط عن علي رضي ال عنه إنه قال للنب صلى ال عليه و سلم أمنا الهدي أم من غينا يا رسول ال ؟ فقال‪ :‬بل منا بنا يتم ال كما بنا‬
‫فتح و بنا يستنقذون من الشرك و بنا يؤلف ال قلوبم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بي قلوبم بعد عداوة الشرك‪ .‬قال علي أمؤمنون أم‬
‫كافرون ؟‪ ،‬قال‪ :‬مفتون و كافر انتهى‪ .‬و فيه عبد ال بن ليعة و هو ضعيف معروف الال‪ .‬و فيه عمر بن جابر و الضرمي و هو أضعف‬
‫منه‪ .‬قال أحد بن حنبل‪ :‬روي عن جابر مناكيز و بلغن أنه كان يكذب و قال النسائي ليس بثقة و قال كان ابن ليعة شيخا أحق ضعيف‬
‫العقل و كان يقول‪ :‬علي ف السحاب‪ ،‬و كان يلس معنا فيبصر سحابة فيقول‪ ،‬هذا علي قد مر ف السحاب‪ ،‬و خرج الطبان عن علي‬
‫رضي ال تعال عنه أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬يكون ف آخر الزمان فتنة يصل الناس فيها كما يصل الذهب ف العدن فل‬
‫تسبوا أهل الشام و لكن سبوا أشرارهم فإن فيهم البدال يوشك أن يرسل على أهل الشام صيب من السماء فيفرق جاعتهم حت لو قاتلتهم‬
‫الثعالب غلبتهم فعند ذلك يرج خارج من أهل بيت ف ثلث رايات الكثر يقول بم خسة عشر ألفا و القل يقول بم اثنا عشر ألفا و‬
‫أمارتم امت امت يلقون سبع رايات تت كل راية منها رجل يطلب اللك فيقتلهم ال جيعا و يرد ال إل السلمي إلفتهم و نعمتهم و‬
‫قاصيتهم و رأيهم‪.‬‬
‫و فيه عبد ال بن ليعة و هو ضعيف معروف الال و رواه الاكم ف الستدرك و قال صحيح السناد و ل يرجاه ف روايته ث يظهر الاشي‬
‫فيد ال الناس إل إلفتهم ال و ليس ف طريقه ابن ليعة و هو إسناد صحيح كما ذكر‪.‬‬
‫و خرج الاكم ف الستدرك عن علي رضي ال عنه من رواية أب الطفيل عن ممد بن النفية قال‪ :‬كنا عند علي رضي ال عنه فسأله رجل‬
‫عن الهدي فقال له‪ :‬هيهات ث عقد بيده سبعا فقال ذلك يرج ف آخر الزمان إذا قال الرجل ال ال قتل و يمع ال له قوما قزعا‪ ،‬كقزع‬
‫السحاب يؤلف ال بي قلوبم فل يستوحشون إل أحد و ل يفرحون بأحد دخل فيهم عدتم على عدة أهل بدر ل يسبقهم الولون و ل‬
‫يدركهم الخرون و على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر‪ .‬قال أبو الطفيل قال ابن النفية‪ :‬أتريده ؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فإنه‬
‫يرج من بي هذين الخشبي قلت ل جرم و ال و ل أدعها حت أموت‪ .‬و مات با يعن مكة قال الاكم‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط‬
‫الشيخي‪.‬‬
‫و إنا هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمارا الذهب و يونس بن أب إسحاق و ل يرج لما البخاري و فيه عمرو بن ممد العبقري و ل‬
‫يرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم إل ذلك من تشيع عمار الذهب و هو و إن وثقه أحد و ابن معي و أبو حات النسائي‬
‫و غيهم فقد قال علي بن الدن عن سفيان أن بشر بن مروان قطع عرقوبيه قلت ف أي شيء ؟ قال‪ :‬ف التشيع‪ .‬و خرج ابن ماجة عن أنس‬
‫بن مالك رضي ال عنه ف رواية سعد بن عبد الميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد ال عن‬
‫أنس قال سعت رسول ال صلى ال عليه و سلم يقول‪ :‬نن ولد عبد الطلب سادات أهل النة أنا و حزة و علي و جعفر و السن و‬
‫السي و الهدي‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫و عكرمة بن عمار و إن أخرج له مسلم فإنا أخرج له متابعة‪ .‬و قد ضعفه بعض و وثقه آخرون و قال أبو حات الرازي‪ :‬هو مدلس فل يقبل‬
‫إل أن يصرح بالسماع علي بن زياد‪ .‬قال الذهب ف اليزان‪ :‬ل ندري من هو‪ ،‬ث قال الصواب فيه‪ :‬عبد ال بن زياد و سعد بن عبد الميد‬
‫و إن وثقه يعقوب بن أب شيبة و قال فيه يي بن معي ليس به بأس فقد تكلم فيه الثوري قالوا لنه رآه يفت ف مسائل و يطئ فيها‪ .‬و قال‬
‫ابن حبان‪ :‬كان من فحش عطاؤه فل يتج فيه‪ .‬و قال أحد بن حنبل‪ :‬سعيد بن عبد الميد يدعي أنه سع عرض كتب مالك و الناس‬
‫ينكرون عليه ذلك و هو ههنا ببغداد ل يتج فكيف سعها ؟ و جعله الذهب من ل يقدح فيه كلم من تكلم فيه و خرج الاكم ف‬
‫مستدركه من رواية ماهد عن ابن عباس موقوفا عليه قال ماهد قال ل ابن عباس‪ :‬لو ل أسع أنك مثل أهل البيت ما حدثتك بذا الديث‬
‫قال فقال ماهد‪ :‬فإنه ف ستر ل أذكره لن يكره قال فقال ابن عباس‪ :‬منا أهل البيت أربعة منا السفاح و منا النذر و منا النصور و منا‬
‫الهدي قال فقال ماهد‪ :‬بي ل هؤلء الربعة‪ .‬فقال ابن عباس‪ :‬أما السفاح فربا قتل أنصاره و عفا عن عدوه‪ ،‬و أما النذر أراه قال فإنه‬
‫يعطي الال الكثي و ل يتعاظم ف نفسه و يسك القليل من حقه و أما النصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر ما كان يعطي رسول ال‬
‫صلى ال عليه و سلم و يرهب منه عدوه على مسية شهرين و النصور يرهب منه عدوه على مسية شهر و أما الهدي الذي يل الرض‬
‫عد ًل كما ملئت جورا و تأمن البهائم السباع و تلقي الرض أفلذ كبدها‪ .‬قال‪ :‬قلت و ما أفلذ كبدها ؟ قال‪ :‬أمثال السطوانة من الذهب‬
‫و الفضة‪ .‬و قال الاكم هذا حديث صحيح السناد و ل يرجاه و هو من رواية إساعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه و إساعيل ضعيف و‬
‫إبراهيم أبوه و إن خرج له مسلم فالكثرون على تضعيفه‪ .‬و خرج ابن ماجة عن ثوبان قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬يقتتل‬
‫ل ل يقتله قوم ث ذكر شيئا‬ ‫عند كبكم ثلثة كلهم ابن خليفة ث ل يصي إل واحد منهم ث تطلع الرايات السود من قبل الشرق فيقتلونم قت ً‬
‫ل أحفظه قال‪ :‬فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا على الثلج فإنه خليفة ال الهدي‪.‬‬
‫و رجاله رجال الصحيحي إل أن فيه أبا قلبة الرمي و ذكر الذهب و غيه أنه مدلس و فيه سفيان الثوري و هو مشهور بالتدليس و كل‬
‫واحد منهما عنعن و ل يصرح بالسماع فل يقبل و فبه عبد الرزاق بن هام و كان مشهورا بالتشيع و عمي ف آخر وقته فخلط قال ابن‬
‫عدي‪ :‬حدث بأحاديث ف الفضائل ل يوافقه عليها أحد‪ ،‬و نسبوه إل التشيع‪ .‬انتهى‪ .‬و خرج ابن ماجة عن عبد ال بن الارث بن جزء‬
‫الزيدي من طريق ابن ليعة عن أب زرعة عن عمر بن جابر الضرمي عن عبد ال بن الارث بن جزء قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم‪ :‬يرج ناس من الشرق فيوطئون للمهدي‪ .‬يعن سلطانه‪ .‬قال الطبان‪ :‬تفرد به ابن ليعة و قد تقدم لنا ف حديث علي الذي خرجه‬
‫الطبان ف معجمه الوسط أن ابن ليعة ضعيف و أن شيخه عمر بن جابر أضعف منه و خرج البزاز ف مسنده و الطبان ف معجمه‬
‫الوسط و اللفظ للطبان عن أب هريرة عن النب صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬يكون ف أمت الهدي إن قصر فسبع و إل فثمان و إل فتسع‬
‫تنعم فيها أمت نعمة ل ينعموا بثلها ترسل السماء عليهم مدرارا و ل تدخر الرض شيئا من النبات و الال كدوس يقوم الرجل يقول يا‬
‫مهدي أعطن فيقول خذ‪.‬‬
‫قال الطبان و البزار تفرد به ممد بن مروان العجلي زاد البزار‪ :‬و ل نعلم أنه تابعه عليه أحد و هو و إن وثقه أبو داود و ابن حبان أيضا با‬
‫ذكره ف الثقات و قال فيه يي بن معي صال و قال مرة ليس به بأس فقد اختلفوا فيه و قال أبو زرعة‪ :‬ليس عندي بذلك و قال عبد ال‬
‫بن أحد بن حنبل‪ :‬رأيت ممد بن مروان العجلي حدث بأحاديث و أنا شاهد ل نكتبها تركتها على عمد و كتب بعض أصحابنا عنه كأنه‬
‫ضعفه‪ .‬و خرجه أبو يعلى الوصلي ف مسنده عن أب هريرة و قال‪ :‬حدثن خليلي أبو القاسم صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬ل تقوم الساعة حت‬
‫يرج عليهم رجل من أهل بيت فيضربم حت يرجعوا إل الق قال قلت و كم يلك ؟ قال‪ :‬خسا و اثنتي قال قلت و ما خسا و اثنتي قال‬
‫ل أدري‪.‬‬
‫و هذا السند غي متج به و إن قال فيه بشي بن نيك و قال فيه أبو حات ل يتج به فقلت احتج به الشيخان و وثقه الناس و ل يلتفتوا إل‬
‫قول أب حات ل يتج به إل أنه قال فيه رجاء ابن أب رجاء اليشكري و هو متلف فيه قال أبو زرعة ثقة و قال يي بن معي‪ :‬ضعيف‪ .‬و‬
‫قال أبو داود‪ :‬ضعيف‪ .‬و قال مرة‪ ،‬صال‪ .‬و علق له البخاري ف صحيحه حديثا واحدا‪ .‬و خرج أبو بكر الباز ف مسنده و الطبان ف‬
‫معجمه الكبي و الوسط عن قرة بن إياس قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه و سلم‪ :‬لتملن الرض جورا و ظلما فإذا ملئت جورا و‬
‫ظلما بعث ال رجلً من أمت اسه اسي و اسم أبيه اسم أب يلها عدلً و قسطا كما ملئت جورا و ظلما فل تنع السماء من قطرها شيئًا‬
‫و ل تدخر الرض من نباتا يلبث فيكم سبعا أو ثانيا أو تسعا يعن سني‪ .‬ا هـ‪ .‬و فيه داود بن الحب بن الحرم عن أبيه و ها ضعيفان‬
‫جدا‪ .‬و خرج الطبان ف معجمه الوسط عن ابن عمر قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه و سلم ف نفر من الهاجرين و النصار و علي‬
‫بن أ ب طالب عن يساره و العباس عن يينه إذ تلحى العباس و رجل من النصار فأغلظ النصاري للعباس فأخذ النب صلى ال عليه و سلم‬
‫بيد العباس و بيد علي و قال‪ :‬سيخرج من صلب هذا فت يل الرض جورا و ظلما و سيخرج من صلب هذا فتً يل الرض قسطا و‬
‫عدلً فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفت التميمي فإنه يقبل من قبل الشرق و هو صاحب راية الهدي انتهى‪ .‬و فيه عبد ال بن عمر و عبد ال بن‬
‫ليعة و ها ضعيفان‪.‬‬

‫القسم الثان من الفصل الثالث و المسون ف أمر الفاطمي و ما يذهب إليه‬


‫الناس ف شأنه و كشف الغطاء عن ذلك القسم الثان‬
‫و خرج الطبان ف معجمه الوسط عن طلحة بن عبد ال عن النب صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬ستكون فتنة ل يسكن منها جانب إل‬
‫تشاجر جانب حت ينادي مناد من السماء أن أميكم فلن‪ 1 .‬هـ‪ .‬و فيه الثن بن الصباح و هو ضعيف جدا‪ .‬و ليس ف الديث تصريح‬
‫بذكر الهدي و إنا ذكروه ف أبوابه و ترجته استئناسا‪ .‬فهذه جلة الحاديث الت خرجها الئمة ف شأن الهدي و خروجه آخر الزمان‪ .‬و‬
‫هي كما رأيت ل يلص منها من النقد إل القليل و القل منه‪ .‬و ربا تسك النكرون لشأنه با رواه ممد بن خالد الندي عن أبان بن‬
‫صال بن أب عياش عن السن البصري عن أنس بن مالك عن النب صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬ل مهدي إل عيسى بن مري و قال يي بن‬
‫معي ف ممد بن خالد الندي‪ :‬إنه ثقة‪ .‬و قال البيهقي‪ :‬تفرد به ممد بن خالد‪ .‬و قال الاكم فيه‪ :‬أنه رجل مهول و اختلف عليه ف‬
‫إسناده فمرة يروونه كما تقدم و ينسب ذلك لحمد بن إدريس الشافعي و مرة يروونه عن ممد بن خالد عن أباب عن السن عن النب‬
‫صلى ال عليه و سلم مرسلً‪ .‬قال البيهقي‪ :‬فرجع إل رواية ممد بن خالد و هو مهول عن أبان بن أب عياش و هو متروك عن السن عن‬
‫النب صلى ال عليه و سلم و هو منقطع و بالملة فالديث ضعيف مضطرب‪ .‬و قد قيل أن ل مهدي إل عيسى أي ل يتكلم ف الهد إل‬
‫عيسى ياولون بذا التأويل رد الحتجاج به أو المع بينه و بي الحاديث و هو مدفوع بديث جريج و مثله من الوارق‪ .‬و أما التصوفة‬
‫فلم يكن التقدمون منهم يوضون ف شيء من هذا ل إنا كان كلمهم ف الجاهدة بالعمال و ما يصل عنها من نتائج الواجد و الحوال‬
‫و كان كلم المامية و الرافضة من الشيعة ف تفصيل علي رضي ال عنه و القول بإمامته و ادعاء الوصية له بذلك من النب صلى ال عليه و‬
‫سلم و التبىء من الشيخي كما ذكرناه ف مذاهبهم ث حدث فيهم بعد القول بالمام العصوم و كثرت التأليف ف مذاهبهم‪ .‬و جاء‬
‫الساعيلية منهم يدعون الوهية المام بنوع من اللول و آخرون يدعون رجعة من مات من الئمة بنوع التناسخ‪ ،‬و آخرون منتظرون ميء‬
‫من يقطع بوته منكم و آخرون منتظرون عود المر ف أهل البيت مستدلي على ذلك با قدمناه من الحاديث ف الهدي و غيها‪ .‬ث حدث‬
‫أيضا عند التأخرين من الصوفية الكلم ف الكشف و فيما وراء الس و ظهر من كثي منهم القول على الطلق باللول و الوحدة‬
‫فشاركوا فيها المامية و الرافضة لقولم بألوهية الئمة و حلول الله فيهم‪.‬‬
‫و ظهر منهم أيضا القول بالقطب و البدال و كأنه ياكي مذهب الرافضة ف المام و النقباء‪ .‬و أشربوا أقوال الشيعة و توغلوا ف الديانة‬
‫بذاهبهم‪ ،‬حت جعلوا مستند طريقهم ف لبس الرقة أن عليا رضي ال عنه ألبسها السن البصري و أخذ عليه العهد بالتزام الطريقة‪ .‬و‬
‫اتصل ذلك عنهم بالنيد من شيوخهم‪ .‬و ل يعلم هذا عن علي من وجه صحيح‪ .‬و ل تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم ال وجهه بل‬
‫الصحابة كلهم أسوة ف طريق الدى و ف تصيص هذا بعلي دونم رائحة من التشيع قوية يفهم منها و من غيها من القوم دخلهم ف‬
‫التشيع و انراطهم ف سلكه‪ .‬و ظهر منهم أيضا القول بالقطب و امتلت كتب الساعيلية من الرافضة و كتب التأخرين من التصوفة بثل‬
‫ذلك ف الفاطمي النتظر و كان بعضهم يليه على بعض و يلقنه بعضهم عن بعض و كانة مبن على أصول واهية من الفريقي و ربا يستدد‬
‫بعضهم بكلم النجمي ف القرانات و هو من نوع الكلم ف اللحم و يأت الكلم عليها ف الباب الذي يلي هذا‪ .‬و أكثر من تكلم من‬
‫هؤلء التصوفة التأخرين ف شأن الفاطمي‪ ،‬ابن العرب‪ ،‬الاتي ف كتاب عنقاء مغرب و ابن قسي ف كتاب خلع النعلي و عبد الق بن‬
‫سبعي و ابن أب واصل تلميذه ف شرحه لكتاب خلع النعلي‪ .‬و أكثر كلماتم ف شأنه ألغاز و أمثال و ربا يصرحون ف القل أو صرح‬
‫مفسرو كلمهم‪ .‬و حاصل مذهبهم فيه على ما ذكر ابن أ ب واصل أن النبؤة با ظهر الق و الدى بعد الضلل و العمى و أنا تعقبها‬
‫اللفة ث يعقب اللفة اللك ث يعود تبا و تكبا و باطلً‪ .‬قالوا‪ :‬و لا كان ف العهود من سنة ال رجوع المور إل ما كانت وجب أن‬
‫ييا أمر النبؤة و الق بالولية ث بلفتها ث يعقبها الدجل مكان اللك و التسلط ث يعود الكفر باله يشيون بذا لا وقع من شأن النبؤة و‬
‫اللفة بعدها و اللك بعد اللفة‪ .‬هذه ثلث مراتب‪ .‬و كذلك الولية الت هي لذا الفاطمي و الدجل بعدها كناية عن خروج الدجل على‬
‫أثره و الكفر من بعد ذلك فهي ثلث مراتب على نسبة الثلث الراتب الول‪ .‬قالوا‪ :‬و لا كان أمر اللفة لقريش حكما شرعيا بالجاع‬
‫الذي ل يوهنه إنكار من يزاول علمه وجب أن تكون المامة فيمن هو أخص من قريش بالنب صلى ال عليه و سلم إما ظاهرا كبن عبد‬
‫الطلب و إما باطنا من كان من حقيقة الل‪ ،‬و الل من إذا حضر ل يلقب من هو آله‪.‬‬
‫و ابن العرب الاتي ساه ف كتابه عنقاء مغرب من تأليفه‪ :‬خات الولياء و كن عنه بلبنة الفضة إشارة إل حديث البخاري ف باب خات‬
‫النبيي قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬مثلي فيمن قبلي من النبياء كمثل رجل ابتن بيتا و أكمله حت إذا ل يبق منه إل موضع لبنة فأنا تلك‬
‫اللبنة فيفسرون خات النبيي باللبنة حت أكملت البنيان و معناه النب الذي حصلت له النبؤة الكاملة‪ .‬و يثلون الولية ف تفاوت مراتبها بالنبؤة‬
‫و يعلون صاحب الكمال فيها خات الولياء أي حائز الرتبة الت هي خاتة الولية كما كان خات النبياء حائزا للمرتبة الت هي خاتة النبؤة‪.‬‬
‫فكن الشارح عن تلك الرتبة الاتة بلبنة البيت ف الديث الذكور‪.‬‬
‫و ها على نسبة واحدة فيهما‪ .‬فهي لبنة واحدة ف التمثيل‪ .‬ففي النبؤة لبنة ذهب و ف الولية لبنة فضة للتفاوت بي الرتبتي كما بي الذهب‬
‫و الفضة‪ .‬فيجعلون لبنة الذهب كناية عن النب صلى ال عليه و سلم و لبنة الفضة كناية عن هذا الول الفاطمي النتظر و ذلك خات النبياء‬
‫و هذا خات الولياء‪ .‬و قال ابن العرب فيما نقل ابن أب واصل عنه و هذا المام النتظر هو من أهل البيت من ولد فاطمة و ظهوره يكون من‬
‫بعد مضي ( خ ف ج ) من الجرة و رسم حروفا ثلثة يريد عددها بساب المل و هو الاء العجمة بواحدة من فوق ستمائة و الفاء‬
‫أخت القاف بثماني و اليم العجمة بواحدة من أسفل ثلثة و ذلك ستمائة و ثلث و ثانون سنة و هي آخر القرن السابع و لا انصرم هذا‬
‫العصر و ل يظهر حل ذلك بعض القلدين لم على أن الراد بتلك الدة مولده و عب بظهوره عن مولده و أن خروجه يكون بعد العشر‬
‫السبعمائة فإنه المام الناجم من ناجية الغرب‪ .‬قال‪ :‬و إذا كان مولده كما زعم ابن العرب سنة ثلث و ثاني و ستمائة فيكون عمره عند‬
‫خروجه ستا و عشرين سنة قال و زعموا أن خروج الدجال يكون سنة ثلث و أربعي و سبعمائة من اليوم الحمدي و ابتداء اليوم‬
‫الحمدي عندهم من يوم وفاة النب صلى ال عليه و سلم إل تام ألف سنة قال ابن أب واصل ف شرحه كتاب خلع النعلي الول النتظر‬
‫القائم بأمر ال الشار إليه بحمد الهدي و خات الولياء و ليس هو بنب و إنا هو ول ابتعثه روحه و حبيبه‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬العال‬
‫ف قومه كالنب ف أمته‪ .‬و قال‪ :‬علماء أمت كأنبياء بن إسرائيل و ل تزل البشرى تتابع به من أول اليوم الحمدي إل قبيل المسمائة نصف‬
‫اليوم و تأكدت و تضاعفت بتباشي الشايخ بتقريب وقته و ازدلف زمانه منذ انقضت إل هلم جرا قال و ذكر الكندي‪ :‬أن هذا الول هو‬
‫الذي يصلي بالناس صلة الظهر و يدد السلم و يظهر العدل و يفتح جزيرة الندلس و يصل إل رومية فيفتحها و يسي إل الشرق فيفتحه‬
‫و يفتح القسطنطيبية و يصي له ملك الرض فيتقوى السلمون و يعلو السلم و يطهر دين النيفية فإن من صلة الظهر إل صلة العصر‬
‫وقت صلة قال عليه الصلة و السلم‪ :‬ما بي هذين وقت و قال الكندي أيضا‪ :‬الروف العربية غي العجمة يعن الفتتح با سور القرآن‬
‫جلة عددها سبعمائة و ثلث و أربعون و سبع دجالية ث ينل عيسى ف وقت صلة العصر فيصلح الدنيا وتشي الشاة مع الذئب ث مبلغ‬
‫ملك العجم بعد إسلمهم مع عيسى مائة و سبعون عاما عدد حروف العجم ( ق ي ن ) دولة العدل منها أربعون عاما قال ابن أب واصل‬
‫و ما ورد من قوله ل مهدي إل عيسى فمعناه ل مهدي تساوي هدايته وليته و قيل ل يتكلم ف الهد إل عيسى و هذا مدفوع بديث‬
‫جريج و غي‪ .‬و قد جاء ف الصحيح أنه قال‪ ( :‬ل يزال هذا المر قائما حت تقوم الساعة أو يكون عليهم اثنا عشر خليفة يعن قرشيا )‪.‬‬
‫و قد أعطى الوجود أن منهم من كان ف أول السلم و منهم من سيكون ف آخره‪ .‬و قال‪ :‬اللفة بعدي ثلثون أو إحدى و ثلثون أو‬
‫ست و ثلثون وانقضاؤها ف خلفة السن و أول أمر معاوية فيكون أول أمر معاوية خلفة أخذا بأوائل الساء فهو سادس اللفاء و أما‬
‫سابع اللفاء فعمر بن عند العزيز‪ .‬و الباقون خسة من أهل البيت من ذرية علي يؤيده قوله‪ ( :‬إنك لذو قرنيها ) يريد المة أي إنك لليفة‬
‫ف أولا و ذريتك ف آخبها‪ .‬و ربا استدل بذا الديث القائلون بالرجعة‪ .‬فالول هو الشار إليه عندهم بطلوع الشمس من مغربا‪ .‬و قد‬
‫قال صلى ال عليه و سلم إذا هلك كسرى فل كسرى بعده و إذا هلك قيصر فل قيصر بعده و الذي نفسي بيده لتنفقن كنوزها ف سبيل‬
‫ال و قد انفق عمر بن الطاب كنوز كسرى ف سبيل ال و الذي يهلك قيصر و ينفق كنوزه ف سبيل ال هو هذا النتظر حي يفتح‬
‫القسطنطينية‪ :‬فنعم المي أميها و نعم اليش ذلك اليش‪.‬‬
‫كذا قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬و مدة حكمه بضع و البضع من ثلث إل تسع و قيل إل عشر و جاء ذكر أربعي و ف بعض الروايات‬
‫سبعي‪ .‬و أما الربعون فإنا مدته و مدة اللفاء الربعة الباقي من أهله القائمي بأمره من بعده على جيعهم السلم قال و ذكر أصحاب‬
‫النجوم و القرانات أن مدة بقاء أمر و أهل بيته من بعده مائة و تسعة و خسون عاما فيكون المر على هذا جاريا على اللفة و العدل‬
‫أربعي أو سبعي ث تتلف الحوال فتكون ملكا انتهي كلم ابن أب واصل‪ .‬و قال ف موضع آخر‪ ( :‬نزول عيسى يكون ف وقت صلة‬
‫العصر من اليوم الحمدي حي تضي ثلثة أرباعه ) قال و ذكر الكندي يعقوب بن إسحاق ف كتاب الفر الذي ذكر فيه القرانات‪ ( :‬أنه‬
‫إذا وصل القرآن إل الثور على رأس ضح برفي الضاد العجمة و الاء الهملة ) يريد ثانية و تسعي و ستمائة من الجرة ينل السيح‬
‫فيحكم ف الرض ما شاء ال تعال قال و قد ورد ف الديث أن عيسى ينل عند النارة البيضاء شرقي دمشق ينل بي مهرودتي يعن‬
‫حلتي مزعفرتي صفراوين مصرتي واضعا كفيه على أجنحة اللكي له لة كأنا خرج من دياس إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تدر منه‬
‫جان كاللؤلؤ كثي خيلن الوجه و ف حديث آخر مربوع اللق و إل البياض و المرة‪ .‬و ف آخر‪ :‬أنه يتزوج ف الغرب‪ .‬و الغرب دلو‬
‫البادية يريد اله يتزوج منها و تلد زوجته‪ .‬و ذكر وفاته بعد أربعي عاما‪ .‬و جاء أن عيسى يوت بالدينة و يدفن إل جانب عمر بن‬
‫الطاب‪ .‬و جاء أن أبا بكر و عمر يشران بي نبيي قال ابن أب واصل‪ ( :‬و الشيعة تقول إنه هو السيح مسيح السائح من آل ممد قلت و‬
‫عليه حل بعض التصوفة حديث ل مهدي إل عيسى أي ل يكون مهدي إل الهدي الذي نسبته إل الشريعة الحمدية نسبة عيسى إل‬
‫الشريعة الوسوية ف التباع و عدم النسخ إل كلم من أمثال هذا يعينون فيه الوقت و الرجل و الكان بأدلة واهية و تكمات متلفة‬
‫فينقضي الزمان و ل أثر لشيء من ذلك فيجعون إل تديد رأي آخر تنتحل كما تراه من مفهومات لغوية و أشياء تييلية و أحكام نومية‬
‫ف هذا انقضت أعمار أن أول منهم و الخر‪.‬‬
‫و أما التصوفة الذين عاصرناهم فأكثرهم يشيون إل ظهور رجل مدد لحكام اللة و مراسم الق و يتحينون ظهوره لا قرب من عصرنا‬
‫فبعضهم يقول من ولد فاطمة و بعضهم يطلق القول فيه سعناه من جاعة أكبهم أبو يعقوب البادسي كبي الولياء بالغرب كان ف أول‬
‫هذه الائة الثامنة و أخبن عنه حافده صاحبنا أبو يي زكرياء عن أبيه أب ممد عبد ال عن أبيه الول أب يعقوب الذكور هذا آخر ما‬
‫اطلعنا عليه أو بلغنا من كلم هؤلء التصوفة و ما أورده أهل الديث من أخبار الهدي قد استوفينا جيعه ببلغ طاقتنا و الق الذي ينبغي أن‬
‫يتقرر لديك أنه ل تتم دعوة من الدين و اللك إل بوجود شوكة عصبية تظهره و تدافع عنه من يدفعه حت يتم أمر ال فيه‪ .‬و قد قررنا ذلك‬
‫من قبل بالباهي القطعية الت أريناك هناك و عصبية الفاطميي بل و قريش أجع قد تلشت من جيع الفاق و وجد أمم آخرون قد اشتغلت‬
‫عصبيتهم على عصبية قريش إل ما بقي بالجاز ف مكة و ينبع بالدينة من الطالبي من بن حسن و بن حسي و بن جعفر و هم منتشرون‬
‫ف تلك البلد و غالبون عليها و هم عصائب بدوية متفرقون ف مواطنهم و إماراتم يبلغون آلفا من الكثرة فإن صح ظهور هذا الهدي فل‬
‫وجه لظهور دعوته إل بأن يكون منهم و يؤلف ال بي قلوبم ف اتباعه حت تتم له شوكة و عصبة وافية بإظهار كلمته و حل الناس عليها‬
‫و أما على غي هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إل مثل هذا المر ف أفق من الفاق من غي عصبية و ل شوكة إل مرد نسبة ف أهل‬
‫البيت فل يتم ذلك و ل يكن لا أسلفناه من الباهي الصحيحة‪ .‬و أما ما تدعيه العامة و الغمار من الدهاء من ل يرجع ف ذلك إل عقل‬
‫يهديه و ل علم يفيده فيجيبون ذلك على غي نسبة و ف غي مكان تقليدا لا اشتهر من ظهور فاطمي و ل يعلمون حقيقة المر كما بيناه و‬
‫أكثر ما ييبون ف ذلك القاصية من المالك و أطراف العمران مثل الزاب بأفريقية و السوس من الغرب‪ .‬و ند الكثي من ضعفاء البصائر‬
‫يقصدون رباطا باسة لا كان ذلك الرباط بالغرب من اللثمي من كدالة و اعتقادهم أنه منهم أو قائمون بدعوته زعما ل مستند لم إل‬
‫غرابة تلك المم و بعدهم عن يقي العرفة بأحوالا من كثية أو قلة أو ضعف أو قوة و لبعد القاصية عن منال الدولة و خروجها عن نطاقها‬
‫فتقوى عندهم الوهام ف ظهوره هناك بروجه عن برقة الدولة و منال الحكام و القهر و ل مصول لديهم ف ذلك إل هذا‪ .‬و قد يقصد‬
‫ذلك الوضع كثي من ضعفاء العقول للتلبيس بدعوة يييه تامها وسواسا و حقا و قتل كثي منهم‪ .‬اخبن شيخنا ممد بن إبراهيم البلي‬
‫قال خرج برباط ماسة لول الائة الثامنة و عصر السلطان يوسف بن يعقوب رجل من منتحلي التصوف يعرف بالتويرزي نسبة إل توزر‬
‫مصغرا و ادعى أنه الفاطمي النتظر و اتبعه الكثي من أهل السوس من ضالةً و كزولة و عظم أمره و خافه رؤساء الصامدة على أمرهم فدس‬
‫عليه السكسوي من قتله بياتا و انل أمره‪ .‬و كذلك ظهر ف غمارة ف آخر الائة السابعة و عشر التسعي منها رجل يعرف بالعباس و ادعى‬
‫أنه الفاطمي و اتبعه الدهاء من غمارة و دخل مدينة فاس عنوة و حرق أسواقها و ارتل إل بلد الزمة فقتل با غيلة و ل يتم أمره‪ .‬و كثي‬
‫من هذا النمط‪ .‬و أخبن شيخنا الذكور بغريبة ف مثل هذا و هو أنه صحب ف حجة ف رباط العباد و هو مدفن الشيخ أب مدين ف جبل‬
‫ل من أهل البيت من سكان كربلء كان متبوعا معظما كثي التلميذ و الادم‪ .‬قال و كان الرجال من موطنه‬ ‫تلمسان الطل عليها رج ً‬
‫يتلقونه بالنفقات ف أكثر البلدان‪ .‬قال و تأكدت الصحبة بيننا ف ذلك الطريق فانكشف ل أمرهم و أنم إنا جاءوا من موطنهم بكر بلء‬
‫لطلب هذا المر و انتحال دعوة الفاطمي بالغرب‪ .‬فلما عاين دولة بن مرين و يوسف بن يعقوب يومئذ منازل تلمسان قال لصحابه‬
‫ارجعوا فقد أزرى بنا الغلط و ليس هذا الوقت وقتنا‪ .‬و يدل هذا القول من هذا الرجل على أنه مستبصر ف أن المر ل يتم إل بالعصبية‬
‫الكافئة لهل الوقت فلما علم أنه غريب ف ذلك الوطن و ل شوكة له و أن عصبية بن مرين لذلك العهد ل يقاومها أحد من أهل الغرب‬
‫استكان و رجع إل الق و أقصر عن مطامعه‪ .‬و بقي عليه أن يستيقن أن عصبية الفواطم و قريش أجع قد ذهبت ل سيما ف الغرب إل أن‬
‫التعصب لشأنه ل يتركه لذا القول و ال يعلم و أنتم ل تعلمون‪ .‬و قد كانت بالغرب لذه العصور القريبة نزعة من الدعاة إل الق و القيام‬
‫بالسنة ل ينتحلون فيها دعوة فاطمي و ل غيه و إنا ينع منهم ف بعض الحيان الواحد فالواحد إل إقامة السنة و تغيي النكر و يعتن‬
‫بذلك و يكثر تابعه و أكثر ما يعنون بإصلح السابلة لا أن أكثر فساد العراب فيها لا قدمناه من طبيعة معاشهم فيأخذون ف تغيي النكر با‬
‫استطاعوا إل أن الصبغة الدينية فيهم ل تستحكم لا أن توبة العرب و رجوعهم إل الدين إنا يقصدون با القصار عن الغارة و النهب ل‬
‫يعقلون ف توبتهم و إقبالم إل مناحي الديانة غي ذلك لنا العصية الت كانوا عليها قبل القربة و منها توبتهم‪ .‬فتجد ذلك النتحل للدعوة و‬
‫القائم بزعمه بالسنة غي متعمقي ف فروع القتداء و التباع إنا دينهم العراض عن النهب و البغي و إفساد السابلة ث القبال على طلب‬
‫الدنيا و العاش بأقصى جهدهم‪ .‬و شتان بي طلب هذا الجر من إصلح اللق و من طلب الدنيا فاتفاقهما متنع ل تستحكم له صبغة ف‬
‫الدين و ل يكمل له نزوع عن الباطل على الملة و ل يكثرون‪ .‬و يتلف حال صاحب الدعوة معهم ف استحكام دينه و ول يته ف نفسه‬
‫دون تابعه فإذا هلك انل أمرهم و تلشت عصبتهم و قد وقع ذلك بأفريقية لرجل من كعب من سليم يسمى قاسم بن مرة بن أحد ف الائة‬
‫السابعة ث من بعده لرجل آخر من بادية رياح من بطون منهم يعرفون بسلم و كان يسمى سعادة و كان أشد دينا من الول و أقوم طريقة‬
‫ف نفسه و مع ذلك فلم يستتب أمر تابعه كما ذكرناه حسبما يأت ف ذكر ذلك ف موضعه عند ذكر قبائل سليم و رياح و بعد ذلك ظهر‬
‫ناس بذه الدعوة يتشبهون بثل ذلك و يلبسون فيها و ينتحلون اسم السنة و ليسوا عليها إل القل فل يتيم لم و ل لن بعدهم شيء من‬
‫أمرهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الفصل الرابع و المسون ف ابتداء الدول و المم و ف الكلم على اللحم‬


‫و الكشف عن مسمى الفر‬
‫إعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوق إل عواقب أمورهم و علم ما يدث لم من حياة و موت و خي و شر سيما الوادث العامة‬
‫كمعرفة ما بقي من الدنيا و معرفة مدد الدول أو تفاوتا و التطلع إل هذا طبيعة مبولون عليها و لذلك تد الكثي من الناس يتشوقون إل‬
‫الوقوف على ذلك ف النام و الخبار من الكهان لن قصدهم بثل ذلك من اللوك و السوقة معروفة و لقد ند ف الدن صنفا من الناس‬
‫ينتحلون العاش من ذلك لعلمهم برص الناس عليه فينتصبون لم ف الطرقات و الدكاكي يتعرضون لن يسألم عنه فتغدو عليهم و تروح‬
‫نسوان الدينة و صبيانا و كثي من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم ف الكسب و الاه و العاش و العاشرة و العداوة و أمثال ذلك‬
‫ما بي خط ف الرمل و يسمونه النجم و طرف بالصى و البوب و يسمونه الاسب و نظر ف الرايا و الياه و يسمونه ضارب الندل و هو‬
‫من النكرات الفاشية ف المصار لا تقرر ف الشريعة من ذم ذلك و إن البشر مجوبون عن الغيب إل من أطلعه ال عليه من عنده ف نوم أو‬
‫ولية‪ .‬و أكثر ما يعتن بذلك و يتطلع إليه المراء و اللوك ف آماد دولتهم و لذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه و كل أمة من المم‬
‫يوجد لم كلم من كاهن أو منجم أو ول ف مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يدثون أنفسهم با و ما يدث لم من الرب و اللحم‬
‫و مدة بقاء الدولة و عدد اللوك فيها و التعرض لسائهم و يسمى مثل ذلك الدثان و كان ف العرب الكهان و العرافون يرجعون إليهم ف‬
‫ذلك و قد أخبوا با سيكون للعرب من اللك و الدولة كما وقع لشق و سطيح ف تأويل رؤيا ربيعة بن نصر من ملوك اليمن أخبهم بلك‬
‫البشة بلدهم ث رجوعها إليهم ث ظهر اللك و الدولة للعرب من بعد ذلك و كذا تأويل سطيح لرؤيا الوبذان حيث بعث إليه كسرى با‬
‫مع عند السيح و أخبهم بظهور دولة العرب‪ .‬و كذا كان ف جيل الببر كهان من أشهرهم موسى بن صال من بن يفرن و يقال من غمرة‬
‫له كلمات حدثانية على طريقة الشر برطانتهم و فيها حدثان كثي و معظمة فيما يكون‪ .‬لزناتة من اللك و الدولة بالغرب و هي متداولة بي‬
‫أهل اليل و هم يزعمون تارة أنه ول و تارة أنه كاهن و قد يزعم بعض مزاعمهم أنه كان نبيا لن تاريه عندهم قبل الجرة بكثي و ال‬
‫أعلم‪ .‬و قد يستند اليل إل خب النبياء أن كان لعهدهم كما وقع لبن إسرائيل فإن أنبياءهم التعاقبي فيهم كانوا يبونم بثله عندما‬
‫يعنونم ف السؤال عنه‪ .‬و أما ف الدولة السلمية فوقع منه كثي فيما يرجع إل بقاء الدنيا و مدتا على العموم و فيما يرجع إل الدولة و‬
‫أعمارها على الصوص و كان العتمد ف ذلك ف صدر السلم لثار منقولة عن الصحابة و خصوصا مسلمة بن إسرائيل مثل كعب‬
‫الخبار و وهب بن منبه و أمثالما و ربا اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر مأثورة و تأويلت متملة‪ .‬و وقع لعفر و أمثاله من أهل البيت كثي‬
‫من ذلك مستندهم فيه و ال أعلم الكشف با كانوا عليه من الولية و إذا كان مثله ل ينكر من غيهم من الولياء ف ذويهم و أعقابم و قد‬
‫قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬إن فيكم مدثي فهم أول الناس بذه الرتب الشريفة و الكرامات الوهوبة‪ .‬و أما بعد صدر اللة و حي علق‬
‫الناس على العلوم و الصطلحات و ترجت كتب الكماء إل اللسان العرب‪ .‬فأكثر معتمدهم ف ذلك كلم النجمي ف اللك و الدول و‬
‫سائر المور العامة من القرانات و ف الواليد و السائل و سائر المور الاصة من الطوالع لا و هي شكل الفلك عند حدوثها فلنذكر الن‬
‫ما وقع لهل الثر ف ذلك ث يرجع إل كلم النجمي‪ .‬أما أهل الثر فلهم ف مدة اللل و بقاء الدنيا على ما وقع ف كتاب السهيلي فإنه‬
‫نقل عن الطبي ما يقتضي أن مدة بقاء الدنيا منذ اللة خسمائة سنة و نقص ذلك بظهور كذبه و مستند الطبي ف ذلك أنه نقل عن ابن‬
‫عباس أن الدنيا جعة من جع الخرة و ل يذكر لذلك دليلً‪ .‬و سره و ال أعلم تقدير الدنيا بأيام خلق السماوات و الرض و هي سبعة ث‬
‫اليوم بألف سنة لقوله‪ :‬وإن يوما عند ربك كألف سنة ما تعدون و قد ثبت ف الصحيحي‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال‪ :‬أجلهم‬
‫ف أجل من كان قبلهم من صلة العصر إل غروب الشمس و قال‪ :‬بعثت أنا و الساعة كهاتي و أشار بالسبابة و الوسطى و قدر ما بي‬
‫صلة العصر و غروب الشمس و حي صيورة ظل كل شيء مثليه يكون على التقريب نصف سبع‪ ،‬و كذلك وصل الوسطى على السبابة‬
‫فتكون هذه الدة نصف سبع المعة كلها و هو خسمائة سنة و يؤيده قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬لن يعجز ال أن يؤخر هذه المة نصف‬
‫يوم فدل ذلك على أن مدة الدنيا قبل اللة خسة آلف و خسمائة سنة و عن وهب بن منبه أنا خسة آلف و ستمائة سنة أعن الاضي و‬
‫عن كعب أن مدة الدنيا كلها ستة آلف سنة قال السهيلي‪ :‬و ليس ف الديثي ما يشهد لشيء ما ذكره مع وقوع الوجود بلفه فأما قوله‪:‬‬
‫لن يعجز ال أن يؤخر هذه المة نصف يوم فل يقتضي نفي أن الزيادة على النصف و أما قوله‪ :‬بعثت أنا و الساعة كهاتي فإنا فيه الشارة‬
‫إل القرب و أنه ليس بينه و بي الساعة نب غيه و ل شرع غي شرعه ث رجع السهيلي إل تعيي أمد اللة من مدرك آخر لو ساعده التحقيق‬
‫و هو أنه جع الروف القطعة ف أوائل السور بعد حذف الكرر قال و هي أربعة عشر حرفا يمعها قولك ( أل يسطع نص حق كره )‬
‫فأخذ عددها بساب المل فكان سبعمائة و ثلثة أضافه إل النقضي من اللف الخر قبل بعثته فهذه هي مدة اللة قال و ل يبعد ذلك أن‬
‫يكون من مقتضيات هذه الروف و فوائدها قلت‪ :‬و كونه ل يبعد ل يقتضي ظهوره و ل التعويل عليه‪ .‬و الذي حل السهيلي على ذلك‬
‫إنا هو ما وقع ف كتاب السي لبن إسحاق ف حديث ابن أخطب من أخبار اليهود و ها أبو ياسر و أخوه حي حي سعا من الحرف‬
‫القطعة ( أل ) و تأولها على بيان الدة بذا الساب فبلغت إحدى و سبعي فاستقل الدة و جاء حي إل النب صلى ال عليه و سلم يسأله‪:‬‬
‫هل مع هذا غيه ؟ فقال ( الص ) ث استزاد ( الرث ) ث استزاد ( الر ) فكانت إحدى و سبعي و مائتي فاستطال الدة و قال‪ :‬قد لبس علينا‬
‫ل أعطيت أم كثيا ث ذهبوا عنه و قال لم أبو ياسر ما يدريكم لعله أعطى عددها كلها تسعمائة و أربع‬ ‫أمرك يا ممد حت ل ندري أقلي ً‬
‫سني قال ابن إسحاق فنل قولة تعال‪ :‬منه آيات مكمات هن أم الكتاب و أخر متشابات‪ 1 .‬هـ‪ .‬و ل يقوم من القصة دليل على تقدير‬
‫اللة بذا العدد لن دللة هذه الروف على تلك العداد ليست طبيعية و ل عقلية و إنا هي بالتواضع و الصطلح الذي يسمونه حساب‬
‫المل نعم إنه قدي مشهور و قدم الصطلح ل يصي حجة و ليس أبو ياسر و أخوة حي من يؤخذ رأيه ف ذلك دليلً و ل من علماء‬
‫اليهود لنم كانوا بادية بالجاز غفلً عن الصنائع و العلوم حت عن علم شريعتهم وفقه كتابم و ملتهم و إنا يتلقفون مثل هذا الساب‬
‫كما تتلقفه العوام ف كل ملة فل ينهض للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك‪ .‬و وقع ف اللة ف حدثان دولتها على الصوص مسند من‬
‫الثر إجال ف حديث خرجه أبو داود عن حذيفة بن اليمان من طريق شيخه ممد بن يي الذهب عن سعيد بن أب مري عن عبد ال بن‬
‫فروخ عن أسامة بن زيد الليثي عن أب قبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال قال حذيفة بن اليمان‪ :‬و ال ما أدري أنسي أصحاب أم تناسوه و ال ما‬
‫ترك رسول ال صلى ال عليه و سلم من قائد فئة إل أن تنقضي الدنيا ل يبلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إل قد ساه لنا باسه و اسم أبيه و‬
‫قبيلته و سكت عليه أبو داود و قد تقدم أنه قال ف رسالته ما سكته عليه ف كتابه فهو صال و هذا الديث إذا كان صحيحا فهو ممل و‬
‫يفتقر ف بيان إجاله و تعيي مبهماته إل آثار أخرى يود أسانيدها‪ .‬و قد وقع إسناد هذا الديث ف غي كتاب السنن على غي هذا الوجه‬
‫فوقع ف الصحيحي من حديث حذيفة أيضا قال‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه و سلم فينا خطيبا فما ترك شيئا يكون ف مقامه ذاك إل قيام‬
‫الساعة إل حدث عنه حفظه من حفظه و نسيه من نسيه قد علمه أصحابه هؤلء و لفظ البخاري‪ :‬ما ترك شيئا إل قيام الساعة إل ذكره و‬
‫ف كتاب الترمذي من حديث أب سعيد الدري قال صلى بنا رسول ال صلى ال عليه و سلم يوما صلة العصر بنهار ث قام خطيبا فلم‬
‫يدع شيئا يكون إل قيام الساعة إل أخبنا به حفظه من حفظه و نسيه من نسيه و هذه الحاديث كلها ممولة على ما ثبت ف الصحيحي‬
‫من أحاديث الفت و الشتراط ل غي لنه العهود من الشارع صلوات ال و سلمه عليه ف أمثال هذه العمومات و هذه الزيادة الت تفرد با‬
‫أبو داود ف هذه الطريق شاذة منكرة مع أن الئمة اختلفوا ف رجاله فقال ابن أب مري ف ابن فروخ أحاديثه مناكي‪ .‬و قال البخاري يعرف‬
‫منه و ينكر و قال ابن عدي أحاديثه غي مفوظة و أسامة بن زيد و أن خرج له ف الصحيحي و وثقه ابن معي فإنا خرج له البخاري‬
‫استشهادا و ضعفه يي بن سعيد و أحد بن حنبل و قال ابن حات يكتب حديثه و ل يتج به‪ .‬و أبو قبيضة ابن ذؤيب مهول‪ .‬فتضعف هذه‬
‫الزيادة الت وقعت لب داود ف هذا الديث من هذه الهات مع شذوذها كما مر‪ .‬و قد يستندون ف حدثان الدول على الصوص إل‬
‫كتاب الفر و يزعمون أن فيه علم ذلك كله من طريق الثار و النجوم ل يزيدون على ذلك و ل يعرفون أصل ذلك و ل مستنده و اعلم‬
‫أن كتاب الفر كان أصله أن هازون بن سعيد العجلي و هو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق و فيه علم ما سيقع لهل‬
‫البيت على العموم و لبعض الشخاص منهم على الصوص وقع ذلك لعفر و نظائره من رجالتم على طريق الكرامة و الكشف الذي يقع‬
‫لثلهم من الولياء و كان مكتوبا عند جعفر ف جند ثور صغي فرواه عنه هارون العجلي و كتبه و ساه الفر باسم اللد الذي كتب فيه‬
‫لن الفر ف اللغة هو الصغي و صار هذا السم علما على هذا الكتاب عندهم و كان فيه تفسي القرآن و ما ف باطنه من غرائب العان‬
‫مروية عن جعفر الصادق‪ .‬و هذا الكتاب ل تتصل روايته و ل عرف عينه و إنا يظهر منه شواذ من الكلمات ل يصحبها دليل و لو صح‬
‫السند إل جعفر الصادق لكان فيه نعم الستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات و قد صح عنه أنه كان يذر بعض قرابته‬
‫بوقائع تكون لم فتصح كما يقول و قد حذر يي ابن عمه زيد من مصرعه و عصاه فخرج و قتل بالوزجان كما هو معروف‪ .‬و إذا‬
‫كانت الكرامة تقع لغيهم فما ظنك بم علما و دينا و آثارا من النؤة و عناية من ال بالصل الكري تشهد لفروعه الطيبة و قد ينقل بي‬
‫أهل البيت كثي من هذا الكلم غي منسوب إل أحد و ف أخبار دولة العبيديي كثي منه و انظر ما حكاه ابن الرقيق ف لقاء أب عبد ال‬
‫الشيعي لعبيد ال الهدي مع ابنه ممد البيب و ما حدثاه به و كيف بعثاه إل ابن حوشب داعيتهم باليمن فأمره بالروج إل الغرب و بث‬
‫الدعوة فيه على علمه لقنه أن دعوته تتم هناك و أن عبيد ال لا بن الهدية بعد استفحال دولتهم بأفريقية قال‪ ( :‬بنيتها ليعتصم با الفواطم‬
‫ساعة من نار ) و أراهم موقف صاحب المار أب يزيد بالدية و كان يسأل عن منتهى موقفه حت جاءه الب ببلوغه إل الكان الذي عينه‬
‫جده أبو عبيد ال فأيقن بالظفر و برز من البلد فهزمه و اتبعه إل ناحية الزاب فظفر به و قتله و مثل هذه الخبار كثية‪.‬‬
‫و أما النجمون فيستندون ف حدثان الدول إل الحكام النجومية أما ف المور العامة مثل اللك و الدول فمن القرانات و خصوصا بي‬
‫العلويي و ذلك أن العلويي زحل و الشتري يقترنان ف كل عشرين سنة مرة ث يعود القرآن إل برج آخر ف تلك الثلثة من التثليث الين ث‬
‫بعده إل آخر كذلك إل أن يتكرر ف الثلثة الواحدة اثنت عشرة مرة تستوي بروجه الثلثة ف ستي سنة ث يعود فيستوي با ف ستي سنة ث‬
‫يعود ثالثة ث رابعة فيستوي ف الثلثة باثنت عشرة مرة و أربع عودات ف مائتي و أربعي سنة و يكون انتقاله ف كل برج على التثليث الين‬
‫و ينتقل من الثلثة إل الثلثة الت تليها أعن البج الذي يلي البج الخي من القرآن الذي قبلة ف الثلثة و هذا القرآن الذي هو قران العلويي‬
‫ينقسم إل كبي و صغي و وسط فالكبي هو اجتماع العلويي ف درجة واحدة من الفلك إل أن يعود إليها بعد تسعمائة و ستي سنة مرة‬
‫واحدة و الوسط هو اقتران العلويي ف كل مثلثة اثنت عشرة مرة و بعد مائتي و أربعي سنة ينتقل إل مثلثة أخرى و الصغي هو اقتران‬
‫العلويي ف درجة برج و بعد عشرين سنة يقترنان ف برج آخر على تثليثه الين ف مثل درجه أو دقائقه مثال ذلك وقع القرآن يكون أول‬
‫دقيقة من المل و بعد عشرين يكون ف أول دقيقة من السد و هذه كلها نارية و هذا كله قران صغي ث يعود إل أول المل بعد ستي‬
‫سنة و يسمى دور القران و عود القران و بعد مائتي و أربعي ينتقل من النارية إل الترابية لنا بعدها و هذا قران وسط ث ينتقل إل الوائية‬
‫ث الائية ث يرجع إل أول المل ف تسعمائة و ستي سنة و هو الكبي و القران الكبي يدل على عظام المور مثل تغيي اللك و الدولة و‬
‫انتقال اللك من قوم إل قوم و الوسط على ظهور التغلبي و الطالبي للملك و الصغي على ظهور الوارج والدعاة و خراب الدن أو‬
‫عمرانا و يقع ف أثناء هذه القرانات قران النحسي ف برج السرطان ف كل ثلثي سنة مرة و يسمى الرابع و برج السرطان هو طالع العال‬
‫و فيه و بال زحل و هبوط الريخ فتعظم دللة هذا القران ف الفت و الروب و سفك الدماء و ظهور الوارج و حركة العساكر و عصيان‬
‫الند و الوباء و القحط و يدوم ذلك أو ينتهي على قدر السعادة و النحوسة ف وقت قرانما على قدر تيسي الدليل فيه‪ .‬قال جراس بن أحد‬
‫الاسب ف الكتاب الذي ألفه لنظام اللك و رجوع الريخ إل العرب له أثر عظيم ف اللة السلمية لنه كان دليلها فالولد النبوي كان عند‬
‫قران العلويي ببج العقرب فلما رجع هنالك حدث التشويش على اللفاء و كثر الرض ف أهل العلم و الدين و نقصت أحوالم و ربا‬
‫اندم بعض بيوت العبادة و قد يقال أنه كان عند قتل علي رضي ال عنه و مروان من بن أمية و التوكل من بن العباس فإذا روعيت هذه‬
‫الحكام مع أحكام القرانات كانت ف غاية الحكام و ذكر شاذان البلخي‪ :‬أن اللة تنتهي إل ثلثائة و عشرين‪ .‬و قد ظهر كذب هذا‬
‫القول‪ .‬و قال أبو معشر‪ :‬يظهر بعد الائة و المسي منها اختلف كثي و ل يصح ذلك‪ .‬و قال خراشى‪ :‬رأيت ف كتب القدماء أن‬
‫النجمي أخبوا كسرى عن ملك العرب و ظهور النبؤة فيهم‪ .‬و أن دليلهم الزهرة و كانت ف شرفها فيبقى اللك فيهم أربعي سنة و قال‬
‫أبو معشر ف كتاب القرانات القسمة إذا انتهت إل السابعة و العشرين من الوت فيها شرف الزهرة و وقع القران مع ذلك ببج العقرب و‬
‫هو دليل الرب ظهرت حينئذ دولة العرب و كان منهم نب و يكون قوة ملكه و مدته على ما بقي من درجات شرف الزهرة و هي إحدى‬
‫عشرة درجة بتقريب من برج الوت و مدة ذلك ستمائة و عشر سني و كان ظهور أب مسلم عند انتقال الزهرة و وقوع القسمة أول‬
‫المل و صاحب الد الشتري‪ .‬و قال يعقوب بن إسحاق الكندي أن مدة اللة تنتهي إل ستمائة و ثلثا و تسعي سنة‪ .‬قال‪ :‬لن الزهرة‬
‫كانت عند قران اللة ف ثان و عشرين درجة و ثلثي دقيقة من الوت فالباقي إحدى عشرة درجة و ثان عشرة دقيقة و دقائقها ستون‬
‫فيكون ستمائة و ثلثا و تسعي سنة‪ .‬قال‪ :‬و هذه مدة اللة باتفاق الكماء و يعضده الروف الواقعة ف أول السور بذف الكرر و اعتبار‬
‫بساب المل‪ .‬قلت و هذا هو الذي ذكره السهيلي و الغالب أن الول هو مستند السهيلي فيما نقلناه عنه‪ .‬قال خراش‪ :‬سأل هرمز إفريد‬
‫الكيم عن مدة أردشي و ولده ملوك الساسانية فقال‪ :‬دليل ملكه الشتري و كان ف شرفه فيعطى أطول السني و أجودها أربعمائة و سبعا‬
‫و عشرين سنة ث تزيد الزهرة و تكون ف شرفها و هي دليل العرب فيملكون لن طالع القران اليزان و صاحبه الزهرة و كانت عند القران‬
‫ف شرفها مدة انم يلكون ألف سنة و ستي سنة‪ .‬و سأل كسرى أنوشروان وزيره بزر جهر الكيم عن خروج اللك من فارس إل العرب‬
‫فأخبه أن القائم منهم يولد لمس و أربعي من دولته و يلك الشرق و الغرب و الشتري يغوص إل الزهرة و ينتقل القران من الوائية إل‬
‫العقرب و هو مائي و هو دليل العرب فهذه الدلة تفضي للملة بدة دور الزهرة و هي ألف و ستون سنة‪ .‬و سأل كسرى الوزير أليوس‬
‫الكيم عن ذلك فقال مثل قول بزر جهر‪ .‬و قال توفيل الرومي النجم ف أيام بن أمية‪ :‬أن ملة السلم تبقى مدة القران الكبي تسعمائة و‬
‫ستي سنة فإذا عاد القران إل برج العقرب كما كان ف ابتداء اللة و تغي وضع الكواكب عن هيئتها ف قران اللة فحينئذ إما أن يفتر العمل‬
‫به أو يتجدد من الحكام ما يوجب خلف الفن‪ .‬قال خراش‪ :‬و اتفقوا على أن خراب العال يكون باستيلء الاء و النار حت تلك سائر‬
‫الكونات و ذلك عندما يقطع قلب السد أربعا و عشرين درجة و هي حد الريخ‪ ،‬و ذلك بعد مضي تسعمائة و ستي سنة‪ .‬و ذكر خراش‪:‬‬
‫أن ملك زابلستان بعث إل الأمون بكيمه ذوبان أتفه به ف هدية و أنه تصرف للمأمون ف الختيارات بروب أخيه و بعقد اللواء لطاهر و‬
‫أن الأمون أعظم حكمته فسأله عن مدة ملكهم فأخبه بانقطاع اللك من عقبه و اتصاله ف ولد أخيه و أن العجم يتغلبون على اللفة من‬
‫الديلم ف دولة سنة خسي و يكون ما يريده ال ث يسوء حالم ث تظهر الترك من شال الشرق فيملكون إل الشام و الفرات و سيحون و‬
‫سيملكون بلد الروم و يكون ما يريده ال فقال له الأمون‪ :‬من أين لك هذا ؟ فقال‪ :‬من كتب الكماء و من أحكام صصة بن داهر الندي‬
‫الذي وضع الشطرنج‪ .‬قلت و الترك الذين أشار إل ظهورهم بعد الديلم هم السلجوقية و قد انقضت دولتهم أول القرن السابع‪ .‬قال‬
‫خراش‪ :‬و انتقال القران إل الثلثة الائية من برج الوت يكون سنة ثلث و ثلثي و ثانائة ليزدجرد و بعدها إل برج العقرب حيث كان‬
‫قران الئة سنة ثلث و خسي‪ .‬قال‪ :‬و الذي ف الوت هو أول النتقال و الذي ف العقرب يستخرج منه دلئل اللة‪ .‬قال‪ :‬و تويل السنة‬
‫الول من القران الول ف الثلثات الائية ف ثان رجب سنة ثان و ستي و ثانائة و ل يستوف الكلم على ذلك‪ .‬و أما مستند النجمي ف‬
‫دولة على الصوص فمن القران الوسط و هيئة الفلك عند وقوعه لن له دللة عندهم على حدوث الدولة و جهاتا من العمران و القائمي‬
‫با من المم و عدد ملوكهم و أسائهم و أعمارهم و نلهم و أديانم و عوائدهم و حروبم كما ذكر أبو معشر ف كتابه ف القرانات و قد‬
‫توجد هذه الدللة من القران الصغر إذا كان الوسط دالً عليه فمن يوجد الكلم ف الدول و قد كان يعقوب بن إسحاق الكندي منجم‬
‫الرشيد و الأمون وضع ف القرانات الكائنة ف اللة كتابا ساه الشيعة بالفر باسم كتابم النسوب إل جعفر الصادق و ذكر فيه فيما يقال‬
‫حدثان‪ :‬دولة بن العباس و أنا نايته و أشار إل انقراضها و الادثة على بغداد أنا تقع ف انتصاف الائة السابعة و أنه بانقراضها يكون‬
‫انقراض اللة و ل نقف على شيء من خب هذا الكتاب و ل رأينا من وقف عليه و لعله غرق ف كتبهم الت طرحها هلكو ملك التتر ف‬
‫دجلة عند استيلئهم على بغداد و قتل الستعصم آخر اللفاء و قد وقع بالغرب جزء منسوب إل هذا الكتاب يسمونه الفر الصغي و‬
‫الظاهر أنه وضع لبن عبد الؤمن لذكر الولي من ملوك الوحدين فيه على التفصيل و مطابقة من تقدم عن ذلك من حدثانه و كذب ما‬
‫بعده و كان ف دولة بن العباس من بعد الكندي منجمون و كتب ف الدثان و انظر ما نقله الطبي ف أخبار الهدي عن أب بديل من‬
‫أصحاب صنائع الدولة قال بعث إل الربيع و السن ف غزاتما مع الرشيد أيام أبيه فجئتهما جوف الليل فإذا عندها كتاب من كتب الدولة‬
‫يعن الدثان و إذا مدة الهدي فيه عشر سيني فقلت‪ :‬هذا الكتاب ل يفى على الهدي و قد مضى من دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم‬
‫قد نعيتم إليه نفسه‪ .‬قال فما اليلة فاستدعيت عنبسة الوراق مول آل بديل و قلت له انسخ هذه الورقة و اكتب مكان عشر أربعي ففعل فو‬
‫ال لول أن رأيت العشرة ف تلك الورقة و الربعي ف هذه ما كنت أشك أنا هي ث كتب الناس من بعد ذلك ف حدثان الدول منظوما و‬
‫منثورا و رجزا ما شاء ال أن يكتبوه و بأيدي الناس متفرقة كثي منها و تسمى اللحم‪ .‬و بعضها ف حدثان اللة على العموم و بعضها ف‬
‫دولة على الصوص و كلها منسوبة إل مشاهي من أهل الليقة و ليس منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه النسوب إليه فمن هذه‬
‫اللحم بالغرب قصيدة ابن مرانة من بر الطويل على روي الراء و هي متداولة بي الناس و تسب العامة أنا من الدثان العام فيطلقون‬
‫الكثي منها على الاضر و الستقبل و الذي سعناه من شيوخنا أنا مصوصة بدولة لتونه لن الرجل كان قبيل دولتهم و ذكر فيها استيلءهم‬
‫على سبتة من يد موال بن حود و ملكهم لعدوة الندلس و من اللحم بيد أهل الغرب أيضا قصيدة تسمى التبعية أولا‪:‬‬
‫طربت و ما ذاك من طرب و قد يطرب الطائر الغتصب‬
‫و ما ذاك من للهو أراه و لكن لتذكار بعض السبب‬
‫قريبا من خسمائة بيت أو ألف فيما يقال ذكر فيها كثيا من دولة الوحدين و أشار فيها إل الفاطمي و غيه و الظاهر أنا مصنوعة و من‬
‫اللحم بالغرب أيضا ملعبة من الشعر الزجلي منسوبة لبعض اليهود ذكر فيها أحكام القرانات لعصره العلويي و النحسي و غيها و ذكر‬
‫ميتته قتيلً بفاس و كان كذلك فيما زعموه و أوله‪:‬‬
‫ف صبغ ذا الزرق لشرفه خيارا فافهموا يا قوم هذي الشارا‬
‫نم زحل اخب بذي العلما و بدل الشكل و هي سلما‬
‫شاشية زرقا بدل العماما و شاش أزرق بدل الغرارا‬
‫يقول ف آخره‬
‫قد ت ذا التجنيس لنسان يهودي يصلب ف بلدة فاس ف يوم عيد‬
‫حت ييه الناس من البوادي و قتله يا قوم على الفراد‬
‫و أبياته نو المسمائة و هي ف القرانات الت دلت على دولة الوحدين و من ملحم الغرب أيضا قصيدة من عروض التقارب على روي‬
‫الباء ف حدثان دولة بن أب حفص بتونس من الوحدين منسوبة لبن البار‪ .‬و قال ل قاضي قسنطينية الطيب الكبي أبو علي بن باديس و‬
‫كان بصيا با يقوله و له قدم ف التنجيم فقال ل‪ :‬أن هذا ابن البار ليس هو الافظ الندلسي الكاتب مقتول الستنصر و إنا هو رجل‬
‫خياط من أهلي تونس تواطأت شهرته مع شهرة الافظ و كان والدي رحه ال تعال ينشد هذه البيات من هذه اللحمة و بقي بعضها ف‬
‫حفظي مطلعها‪:‬‬
‫عذيري من زمن قلب يغز ببارقه الشنب‬
‫و منها‪.‬‬
‫و يبقى هناك على مرقب‬ ‫و يبعث من جيشه قائدا‬
‫فتأت إل الشيخ أخباره فيقبل كالمل الجرب‬
‫و يظهر من عدله سية و تلك سياسة مستجلب‬
‫و منها ف ذكر أحوال تونس على العموم‪.‬‬
‫فأما رأيت الرسوم امت و ل يرع حق لذي منصب‬
‫فخذ ف الترحل عن تونس وودع معالها و اذهب‬
‫تضيف البيء إل الذنب‬ ‫فسوف تكون با فتنة‬
‫و وقفت بالغرب على ملحمة أخرى ف دولة بن أب حفص هؤلء بتونس‬
‫فيها بعد السلطات أب يي الشهي عاشر ملوكهم ذكر ممد أخيه من بعده‬
‫يقول فيها‪:‬‬
‫و يعرف بالوثاب ف نسخة الصل‬ ‫و بعد أب عبد الله شقيقه‬
‫إل أن هذا الرجل ل يلكها بعد أخيه و كان ين بذلك نفسه إل أن هلك‬
‫و من اللحم ف الغرب أيضا اللعبة النسوبة إل الوثن على لغة العامة ف عروض البلد‪:‬‬
‫فترت المطار و ل تفتر‬ ‫دعن بدمعي التان‬
‫و ان تلى و تغدر‬ ‫و استقت كلها الويدان‬
‫فأول ما ميل ما تدري‬ ‫البلد كلما تروي‬
‫و العام و الربيع تري‬ ‫ما بي الصيف و الشتوي‬
‫دعن نبكي و من عذر‬ ‫قال حي صحت الدعوى‪:‬‬
‫ذا القرن اشتد و تري‬ ‫أنادي من ذي الزمان‬
‫و هي طويلة و مفوظة بي عامة الغرب القصى و الغالب عليها الوضع‬
‫لنه ل يصح منها قول إل على تأويل ترفه العامة أو الارف فيه من ينتحلها من الاصة و وقفت بالشرق على ملحمة منسوبة لب العرب‬
‫الاتي ف كلم طويل شبه اللغاز ل يعلم تأويله إل ال لتحلله إل أوفاق عددية و رموز ملغوزة و أشكال حيوانات تامه و رؤوس مقطعة و‬
‫تاثيل من حيوانات غريبة‪ .‬و ف آخرها قصيدة على روي اللم و الغالب أنا كلها غي صحيحة لنا ل تنشأ عن أصل علمي من نامة و ل‬
‫غيها و سعت أيضا أن هناك ملحم أخرى منسوبة لبن سيناء و ابن عقاب و ليس ف شيء معها دليل على الصحة لن ذلك إنا يؤخذ من‬
‫القرانات و وقفت بالشرق أيضا على ملحمة من حدثان دولة الترك منسوبة إل رجل من الصوفية يسمى الباجر بقي و كلها إلغاز بالروف‬
‫أولا‪.‬‬
‫من علم جفر و صي والد السن‬ ‫إن شئت تكسف سر الفر يا سائلي‬
‫و الوصف فافهم كفعل الاذق الفطن‬ ‫فافهم و كن و اعيا حرفا و جلته‬
‫لكنن أذكر الت من الزمن‬ ‫أما الذي قبل عصري لست أذكره‬
‫باء ميم بطيش نام ف الكنن‬ ‫يشهر بيبس يبقى بعد خستها‬
‫له القضاء قضى أي ذلك النن‬ ‫شي له أثر من تت سرته‬
‫و أذربيجان ف ملك إل اليمن‬ ‫فمصر و الشام مع أرض العراق له‬
‫و منها‪:‬‬
‫الفاتك الباتك العن بالسمن‬ ‫و آل بوران لا نال طاهرهم‬
‫ل لو فاق و نوت ذي قرن‬ ‫للع سي ضعيف السن سي أتى‬
‫يبقى باء و أين بعد ذو سن‬ ‫قوم شجاع له عقل و مشورة‬
‫و منها‪:‬‬
‫يلي الشورة ميم اللك ذو اللسن‬ ‫من بعد باء من العوام قتلته‬
‫و منها‪:‬‬
‫ف عصره فت ناهيك من فت‬ ‫هذا هو العرج الكلب فاعن به‬
‫عار عن القاف قاف جد بالفت‬ ‫يأت من الشرق ف جيش يقدمهم‬
‫أبدت بشجو على الهلي و الوطن‬ ‫بقتل دال و مثل الشام أجعها‬
‫ن الزلزال ما زال حاء غي مقتطن‬ ‫إذا أتى زلزلت يا ويح مصر مـ‬
‫هلكا و ينفق أموالً بل ثن‬ ‫طاء و ظاء و عي كلهم حبسوا‬
‫هون به إن ذاك الصن ف سكن‬ ‫يسي القاف قافا عند جعهم‬
‫ل سلم اللف سي لذاك بن‬ ‫و ينصبون أخاه و هو صالهم‬
‫من السني يدان اللك ف الزمن‬ ‫تت وليتهم بالاء ل أحد‬
‫و يقال أنه أشار إل اللك الظاهر و قدوم أبيه عليه بصر‪:‬‬
‫و طول غيبته و الشطف و الزرن‬ ‫يأت إليه أبوه بعد هجرته‬
‫و أبياتا كثية و الغالب أنا موضوعة و مثل صنعتها كان ف القدي كثي و معروف للنتحال‪.‬‬
‫حكى الؤرخون لخبار بغداد أنه كان با أيام القتدر وراق ذكي يعرف بالدانال يبل الوراق و يكتب فيها بط عتيق يرمز فيه بروف من‬
‫أساء أهل الدولة و يشي با إل ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة و الاه كأنا ملحم و يصل على ما يريده منهم من الدنيا و أنه‬
‫وضع ف بعض دفاتره ميما مكررة ثلث مرات و جاء به إل مفلح مول القتدر‪ .‬فقال له هذا كناية عنك و هو مفلح مول القتدر و ذكر‬
‫عنه ما يرضاه و يناله من الدولة و نصب لذلك علمات يوه با عليه فبدل له ما أغناه به ث وضعه للوزير ابن القاسم بن وهب على مفلح‬
‫هذا و كان معزولً فجاءه بأوراق مثلها و ذكر اسم الوزير بثل هذه الروف و بعلمات ذكرها و أنه يلي الوزارة للثان عشر من اللفاء و‬
‫تستقيم المور على يديه و يقهر العداء و يغي الدنيا ف أيامه و أوقف مفلحا هذا على الوراق و ذكر فيها كوائن أخرى و ملحم من هذا‬
‫النوع ما وقع و ما ل يقع و نسب جيعه إل دانيال فأعجب به مفلح‪ .‬و وقف عليه القتدر و اهتدى من تلك المور و العلمات إل ابن‬
‫وهب و كان ذلك سببا لوزارته بثل هذه اليلة العريقة ف الكذب و الهل بثل هذه اللغاز و الظاهر أن هذه اللحمة الت ينسبونا إل‬
‫الباجربقي من هذا النوع و لقد سألت أكمل الدين ابن شيخ النفية من العجم بالديار الصرية عن هذه اللحمة و عن هذا الرجل الذي‬
‫تنسب إليه من الصوفية و هو الباجربقي و كان عارفا بطرائقهم فقال كان من القلندرية البتدعة ف حلق اللحية و كان يتحدث عما يكون‬
‫بطريق الكشف و يومي إل رجال معيني عنده و يلغز عليهم بروف يعينها ف ضمنها لن يراه منهم و ربا يظهر نظم ذلك ف أبيات قليلة‬
‫كان يتعاهدها فتنوقلت عنه و ولع الناس با و جعلوها ملحمة مرموزة و زاد فيها الراصون من ذلك النس ف كل عصر و شغل العامة‬
‫بفك رموزها و هو أمر متنع إذ الرمز إنا يهدي إل كشفه قانون يعرف قبله و يوضع له و أما مثل هذه الروف فدللتها على الراد منها‬
‫مصوصة بذا النظم ل يتجاوزوه فرأيت من كلم هذا الرجل الفاصل شفاء لا كان ف النفس من أمر هذه اللحمة و ما كنا لنهتدي لول أن‬
‫هدانا ال و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الباب الرابع من الكتاب الول ف البلدان و المصار و سائر العمران و ما‬


‫يعرض ف ذلك من الحوال و فيه سوابق و لواحق ـ الفصل الول ف أن‬
‫الدول من الدن و المصار و أنا إنا توجد ثانية عن اللك‬
‫و بيانه أن البناء و اختطاط النازل إنا من منازع الضارة الت يدعو إليها الترف و الدعة كما قدمناه و ذلك متأخر عن البداوة و منازعها و‬
‫أيضا فالدن و المصار ذات هياكل و أجرام عظيمة و بناء كبي و هي موضوعة للعموم ل للخصوص فتحتاج إل اجتماع اليدي و كثرة‬
‫التعاون و ليست من المور الضرورية للناس الت تعم با البلوى حت يكون نزوعهم إليها اضطرارا بل ل بد من إكراههم على ذلك و‬
‫سوقهم إليه مضطهدين بعصا اللك أو مرغبي ف الثواب و الجر الذي ل يفي بكثرته إل اللك و الدولة‪ .‬فل بد ف تصي المصار و‬
‫اختطاط الدن من الدولة و اللك‪ .‬ث إذا بنيت الدينة و كمل تشييدها بسب نظر من شيدها و با اقتضته الحوال السماوية و الرضية فيها‬
‫فعمر الدولة حينئذ عمر لا فإن كان عمر الدولة قصيا وقف الل فيها عند انتهاء الدولة و تراجع عمرانا و خربت و إن كان أمد الدولة‬
‫طويلً و مدتا منفسحة فلتزال الصانع فيها تشاد و النازل الرحيبة تكثر و تتعدد و نطاق السواق يتباعد و ينفسح إل أن تسمع الطة و‬
‫تبعد السافة و ينفسح ذرع الساحة كما وقع ببغداد و أمثالا‪ .‬ذكر الطيب ف تأريه أن المامات بلغ عددها ببغداد لعهد الأمون خسة و‬
‫ستي ألف حام و كانت مشتملة على مدن و أمصار متلصقة و متقاربة تاوز الربعي و ل تكن مدينة وحدها يمعها سور واحد لفراط‬
‫العمران و كذا حال القيوان و قرطبة و الهدية ف اللة السلمية و حال مصر القاهرة بعدها فيما بلغنا لذا العهد و أما بعد انقراض الدولة‬
‫الشيدة للمدينة فإما أن يكون لضواحي تلك الدينة و ما قاربا من البال و البسائط بادية يدها العمران دائما فيكون ذلك حافظا لوجودها‬
‫و يستمر عمرها بعد الدولة كما تراه بفاس و باية من الغرب و بعراق العجم من الشرق الوجود لا العمران من البال لن أهل البداوة إذا‬
‫انتهت أحوالم إل غاياتا من الرفه و الكسب تدعو إل الدعة و السكون الذي ف طبيعة البشر فينلون الدن و المصار و يتأهلون و أما إذا‬
‫ل يكن لتلك الدينة الؤسسة مادة تفيدها العمران بترادف الساكن من بدرها فيكون انقراض الدولة خرقا لسياجها فيزول حفظها و يتناقص‬
‫عمرانا شيئا فشيئا إل أن يبذعر ساكنها و ترب كما و قع بصر و بغداد و الكوفة بالشرق و القيوان و الهدية و قلعة بن حاد بالغرب‬
‫و أمثالا فتفهمه و ربا ينل الدينة بعد انقراض متطيها الولي ملك آخر و دولة ثانية يتخذها قرارا و كرسيا يستغن با عن اختطاط مدينة‬
‫ينلا فتحفظ تلك الدولة سياجها و تتزايد مبانيها و مصانعها بتزايد أحوال الدولة الثانية و ترفها و تستجد بعمرانا عمرا آخر كما وقع‬
‫بفاس و القاهرة لذا العهد و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثان ف أن اللك يدعو إل نزول المصار‬


‫و ذلك أن القبائل و العصائب إذا حصل لم اللك اضطروا للستيلء على المصار لمرين أحدها ما يدعو إليه اللك من الدعة و الراحة و‬
‫حط الثقال و استكمال ما كان ناقصا من أمور العمران ف البدو و الثان دفع ما يتوقع على اللك من أمر النازعي و الشاغبي لن الصر‬
‫الذي يكون ف نواحيهم ربا يكون ملجأ لن يروم منازعتهم و الروج عليهم و انتزاع ذلك اللك الذي سوا إليه من أيديهم فيعتصم بذلك‬
‫الصر و يغالبهم و مغالبة الصر على ناية من الصعوبة و الشقة و الصر يقوم مقام العساكر التعددة لا فيه من المتناع و نكاية الرب من‬
‫وراء الدران من غي حاجة إل كثي عدد و ل عظيم شوكة لن الشوكة و العصابة إنا احتيج إليهما ف الرب للثبات لا يقع من بعد كرة‬
‫القوم بعضهم على بعض عند الولة و ثبات هؤلء بالدران فل يضطرون إل كبي عصابة و ل عدد فيكون حال هذا الصن و من يعتصم‬
‫به من النازعي ما يفت عضد المة الت تروم الستيلء و يضد شوكة استيلئها فإذا كانت بي أجنابم أمصار انتظموها ف استيلئهم‬
‫للمن من مثل هذا النرام و إن ل يكن هناك مصر استحدثوه ضرورة لتكميل عمرانم أولً و حط أثقالم و ليكون شجا ف حلق من يروم‬
‫العزة و المتناع عليهم من طوائفهم و عصائبهم فتعي أن اللك يدعو إل نزول المصار و الستيلء عليها و ال سبحانه و تعال أعلم و به‬
‫التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث ف أن الدن العظيمة و الياكل الرتفعة إنا يشيدها اللك الكثي‬
‫قد قدمنا ذلك ف آثار الدولة من البان و غيها و أنا تكون على نسبتها و ذلك أن تشييد الدن إنا يصل باجتماع الفعلة و كثرتم و‬
‫تعاونم فإذا كانت الدولة عظيمة متسعة المالك حشر الفعلة من أقطارها و جعت أيديهم على عملها و ربا استعي ف ذلك ف أكثر المر‬
‫بالندام الذي يضاعف القوي و القدر ف حل أثقال البناء لعجز القوة البشرية و ضعفها عن ذلك كالخال و غيه و ربا يتوهم كثي من‬
‫الناس إذا نظر إل آثار القدمي و مصانعهم العظيمة مثل إيوان كسرى و أهرام مصر و حنايا العلقة و شرشال بالغرب إنا كانت بقدرهم‬
‫متفرقي أو متمعي فيتخيل لم أجساما تناسب ذلك أعظم من هذه بكثي ف طولا و قدرها لتناسب بينها و بي القدر الت صدرت تلك‬
‫البان عنها و يغفل عن شأن الندام و الخال و ما اقتضته ف ذلك الصناعة الندسية و كثي من التغلبي ف البلد يعاين ف شأن البناء و‬
‫استعمال اليل ف نقل الجرام عند أهل الدولة العتني بذلك من العجم ما يشهد له با قلناه عيانا و أكثر آثار القدمي لذا العهد تسميها‬
‫العامة عاديةً نسب ًة إل قوم عاد لتوههم أن مبان عاد و مصانعهم إنا عظمت لعظم أجسامهم و تضاعف قدرهم‪ .‬و ليس كذلك‪ ،‬فقد ند‬
‫آثارا كثية من آثار الذين تعرف مقادير أجسامهم من المم و هي ف مثل ذلك العظم أو أعظم كإيوان كسرى و مبان العبيديي من الشيعة‬
‫بأفريقية و الصنهاجيي وأثرهم باد إل اليوم ف صومعة قلعة بن حاد و كذلك بناء الغالبة ف جامع القيوان و بناء الوحدين ف رباط الفتح‬
‫و رباط السلطان أب سعيد لعهد أربعي سنة ف النصورة بإزاء تلمسان و كذلك النايا الت جلب إليها أهل قرطاجنة الاء ف القناة الراكبة‬
‫عليها ماثلة لذا العهد و غي ذلك من البان و الياكل الت نقلت إلينا أخبار أهلها قريبا و بعيدا و تيقنا أنم ل يكونوا بإفراط ف مقادير‬
‫أجسامهم و إنا هذا رأي ولع به القصاص عن قوم عاد و ثود و العمالقة‪ .‬و ند بيوت ثود ف الجر منحوتة إل هذا العهد و قد ثبت ف‬
‫الديث الصحيح أنا بيوتم ير با الركب الجازي ف أكثر السني و يشاهدونا ل تزيد ف جوها و مساحتها و سكها على التعاهد و إنم‬
‫ليبالغون فيما يعتقدون من ذلك حت أنم ليزعمون أن عوج بن عناق من جيل العمالقة كان يتناول السمك من البحر طريئا فيشويه ف‬
‫الشمس يزعمون بذلك أن الشمس حارة فيما قرب منها و ل يعلمون أن الر فيما لدينا هو الضوء لنعكاس الشعاع بقابلة سطح الرض و‬
‫الواء و أما الشمس ف نفسها فغي حارة و ل باردة و إنا هي كوكب مضيء ل مزاج له و قد تقدم شيء من هذا ف الفصل الثان حيث‬
‫ذكرنا أن آثار الدولة على نسبة كل قوتا ف أصلها‪ .‬و ال يلق ما يشاء و يكم ما يريد‪.‬‬

‫الفصل الرابع ف أن الياكل العظيمة جدا ل تستقل ببنائها الدولة الواحدة‬


‫و السبب ف ذلك ما ذكرناه من حاجة البناء إل التعاون و مضاعفة القدر البشرية و قد تكون البان ف عظمها أكثر من القدر مفردة أو‬
‫مضاعفة بالندام كما قلناه فيحتاج إل معاودة قدر أخرى مثلها ف أزمنة متعاقبة إل أن تتم‪.‬‬
‫فيبتدئ الول منهم بالبناء‪ ،‬و يعقبه الثان و الثالث‪ ،‬و كل واحد منهم قد استكمل شأنه ف حشر الفعلة و جع اليدي حت يتم القصد من‬
‫ذلك و يكمل و يكون ماثلً للعيان يظنه من يراه من الخرين أنه بناء دولة واحدة‪ .‬و انظر ف ذلك ما نقله الؤرخون ف بناء سد مأرب و‬
‫أن الذي بناه سبأ بن يشخب و ساق إليه سبعي واديا و عاقه الوت عن إتامه فأته ملوك حي من بعده و مثل هذا ما نقل ف بناء قرطاجنة‬
‫و قناتا الراكبة على النايا العادية و أكثر البان العظيمة ف الغالب هذا شأنا و يشهد لذلك أن البان العظيمة لعهدنا ند اللك الواحد‬
‫يشرع ف اختطاطها و تأسيسها فإذا ل يتبع أثره من بعده من اللوك ف إتامها بقيت بالا و ل يكمل القصد فيها‪ .‬و يشهد لذلك أيضا أنا‬
‫ند آثارا كثية من البان العظيمة تعجز الدول عن هدمها و تريبها مع أن الدم أيسر من البناء بكثي لن الدم رجوع إل الصل الذي هو‬
‫العدم و البناء على خلف الصل‪.‬‬
‫فإذا وجدنا بناء تضعف قوتنا البشرية عن هدمه مع سهولة الدم علمنا أن القدرة الت أسسته مفرطة القوة و أنا ليست أثر دولة واحدة و‬
‫هذا مثل ما وقع للعرب ف إيوان كسرى لا اعتزم الرشيد على هدمه و بعث إل يي بن خالد و هو ف مبسه يستشيه ف ذلك فقال يا أمي‬
‫ل يستدل به على عظم ملك آبائك الذين سلبوا اللك لهل ذلك اليكل فاتمه ف النصيحة و قال أخذته النعرة‬ ‫الؤمني ل تفعل و اتركه ماث ً‬
‫للعجم و ال لصر عنه و شرع ف هدمه و جع اليدي عليه و اتذ له الفؤس و حاه بالنار و صب عليه الل حت إذا أدركه العجز بعد‬
‫ذلك كله وخاف الفضيحة بعث إل يي يستشيه ثانيا ف التجاف عن الدم فقال ل تفعل و استمر على ذلك لئل يقال عجز أمي الؤمني و‬
‫ملك العرب عن هدم مصنع من مصانع العجم فرفعها الرشيد و أقصر عن هدمه و كذلك اتفق للمأمون ف هدم الهرام الت بصر و جع‬
‫الفعلة لدمها فلم يل بطائل و شرعوا ف نقبه فانتهوا إل جو بي الائط و الظاهر و ما بعده من اليطان و هنالك كان منتهى هدمهم و هو‬
‫إل اليوم فيما يقال منفذ ظاهر و يزعم الزاعمون أنه وجد ركازا بي تلك اليطان وال أعلم‪ .‬و كذلك حنايا العلقة إل هذا العهد تتاج‬
‫أهل مدينة تونس إل انتخاب الجارة لبنائهم أو تستجيد الصناع حجارة تلك النايا فيحاولون على هدمها اليام العديدة و ل يسقط‬
‫الصغي من جدرانا إل بعد عصب الريق و تتمع له الحافل الشهورة شهدت منها ف أيام صباي كثيا وال خلقكم وما تعملون‪.‬‬

‫الفصل الامس فيما تب مراعاته ف أوضاع الدن و ما يدث إذا غفل عن‬
‫الراعاة‬
‫إعلم أن الدن قرار يتخذه المم عند حصول الغاية الطلوبة من الترف و دواعيه فتؤثر الدعة و السكون و تتوجه إل اتاذ النازل للقرار و لا‬
‫كان ذلك القرار و الأوى وجب أن يراعى فيه دفع الضار بالماية من طوارقها و جلب النافع و تسهيل الرافق لا فأما الماية من الضار‬
‫فياعى لا أن يدار على منازلا جيعا سياج السوار و أن يكون وضع ذلك ف تنع من المكنة إما على هضبة متوعرة من البل و إما‬
‫باستدارة بر أو نر با حت ل يوصل إليها إل بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالا على العدو و يتضاعف امتناعها و حصنها‪ .‬و‬
‫ما يراعى ف ذلك للحماية من الفات السماوية طيب الواء للسلمة من المراض‪ .‬فإن الواء إذا كان راكدا خبيثا أو ماورا للمياه الفاسدة‬
‫أو منافع متعفنة أو مروج خبيثة أسرع إليها العفن من ماورتا فأسرع الرض للحيوان الكائن فيه ل مالة و هذا مشاهد‪ .‬و الدن الت ل يراع‬
‫فيها طيب الواء كثية المراض ف الغالب‪ .‬و قد اشتهر بذلك ف قطر الغرب بلد قابس من بلد الريد بأفريقية فل يكاد ساكنها أو طارقها‬
‫يلص من حى العفن بوجه‪ .‬و لقد يقال أن ذلك حادث فيها و ل تكن كذلك من قبل و نقل البكري ف سبب حدوثه أنه وقع فيها حفر‬
‫ظهر فيه أناء من ناس متوم بالرصاص‪ .‬فلما فض ختامه صعد منه دخان إل الو و انقطع‪ .‬و كان ذلك مبدأ أمراض الميات فيه و أراد‬
‫بذلك أن الناء كان مشتملً على بعض أعمال الطلمسات لوبائه و أنه ذهب سره بذهابه فرجع إليها العغن و الوباء و هذه الكاية من‬
‫مذاهب العامة و مباحثهم الركيكة و البكري ل يكن من نباهة العلم و استنارة البصية بيث يدفع مثل هذا أو يتبي خرفه فنقله كما سعه‪.‬‬
‫و الذي يكشف لك الق ف ذلك أن هذه الهوية العفنة أكثر ما يهيئها لتعفي الجسام و أمراض الميات ركودها‪ .‬فإذا تللتها الريح و‬
‫تفشت و ذهبت با يينا و شا ًل خف شأن العفن و الرض البادي منها للحيوانات‪ .‬و البلد إذا كان كثي الساكن و كثرت حركات أهله‬
‫فيتموج الواء ضرورة و تدث الريح التخللة للهواء الراكد و يكون ذلك معينا له على الركة و التموج و إذا خف الساكن ل يد الواء‬
‫معينا على حركته و توجه و بقي ساكنا راكدا و عظم عفنه و كثر ضرره‪ .‬و بلد قابس هذه كانت عندما كانت أفريقية مستجدة العمران‬
‫كثية الساكن توج بأهلها موجا فكان ذلك معينا على توج الواء و اضطرابه و تفيف الذى منه فلم يكن فيها كثي عفن و ل مرض‪،‬‬
‫وعندما خف ساكنها ركد هواؤها التعفن بفساد مياهها فكثر العفن و الرض‪ .‬فهذا و جهه ل غي‪ .‬و قد رأينا عكس ذلك ف بلد وضعت‬
‫و ل يراع فيها طيب الواء و كانت أولً قليلة الساكن فكانت أمراضها كثية فلما كثر سكانا انتقل حالا عن ذلك و هذا مثل دار اللك‬
‫بفاس لذا العهد السمى بالبلد الديد و كثي من ذلك ف العال فتفهمه تد ما قلته لك‪ .‬و أما جلب النافع و الرافق للبلد فياعى فيه أمور‬
‫منها الاء بأن يكون البلد على نر أو بإزائها عيون عذبة ثرة فإن وجود الاء قريبا من البلد يسهل على الساكن حاجة الاء و هي ضرورية‬
‫فيكون لم ف وجوده مرفقة عظيمة عامة‪ .‬و ما يراعى من الرافق ف الدن طيب الراعي لسائمتهم إذ صاحب كل قرار ل بد له من دوجن‬
‫اليوان للنتاج و الضرع و الركوب و ل بد لا من الرعى فإذا كان قريبا طيبا كان ذلك أرفق بالم لا يعانون من الشقة ف بعده و ما‬
‫راعى أيضا الزارع فإن الزروع هي القوات‪ .‬فإذا كانت مزارع البلد بالقرب منها كان ذلك أسهل ف اتاذه و أقرب ف تصيله و من ذلك‬
‫الشجر للحطب و البناء فإن الطب ما تعم البلوى ف اتاذه لوقوب النيان للصطلء و الطبخ‪ .‬و الشب أيضا ضروري لسقفهم و كثي‬
‫ما يستعمل فيه الشب من ضرورياتم و قد يراعى أيضا قربا من البحر لتسهيل الاجات القاصية من البلد النائية إل أن ذلك ليس بثابة‬
‫الول و هذه كلها متفاوتة بتفاوت الاجات و ما تدعو إليه ضرورة الساكن‪ .‬و قد يكون الواضع غافلً عن حسن الختيار الطبيعي أو إنا‬
‫يراعي ما هو أهم على نفسه و قومه‪ ،‬و ل يذكر حاجة غيهم كما فعله العرب لول السلم ف الدن الت اختطوها بالعراق و أفريقية فإنم‬
‫ل يراعوا فيها إل الهم عندهم من مراعي البل و ما يصلح لا من الشجر و الاء اللح و ل يراعوا الاء و ل الزارع و ل الطب و ل مراعي‬
‫السائمة من ذوات الظلف و ل غي ذلك كالقيوان و الكوفة و البصرة و أمثالا و لذا كانت أقرب إل الراب ما ل تراع فيها المور‬
‫الطبيعية‪.‬‬
‫و ما يراعى ف البلد إل الساحلية الت على البحر أن تكون ف جبل أو تكون بي أمة من المم موفورة العدد تكون صريا للمدينة مت‬
‫طرقها‪ .‬طارق من العدو و السبب ف ذلك أن الدينة إذا كانت حاضرة البحر و ل يكن بساحتها عمران للقبائل أهل العصبيات و ل‬
‫موضعها متوعر من البل كانت ف غرة للبيات و سهل طروقها ف الساطيل البحرية على عدوها و تيفه لا لا يأمن من وجود الصريخ لا‪.‬‬
‫و أن الضر التعودين للدعة قد صاروا عيالً و خرجوا عن حكم القاتلة‪ .‬و هذه كالسكندرية من الشرق و طرابلس من الغرب و بونة و‬
‫سل‪.‬‬
‫و مت كانت القبائل و العصائب موطني بقربا بيث يبلغهم الصريخ و النعي و كانت متوعرة السالك على من يرومها باختطاطها ف‬
‫هضاب البال و على أسنمتها كان لا بذلك منعة من العدو و يئسوا من طروقها لا يكابدونه من وعرها و ما يتوقعونه من إجابة صريها‬
‫كما ف سبتة و باية و بلد القل على صغرها فافهم ذلك و اعتبه ف اختصاص السكندرية باسم الثغر من لدن الدولة العباسية مع أن‬
‫الدعوة من ورائها ببقة و أفريقية‪ .‬و إنا اعتب ف ذلك الخافة التوقعة فيها من البحر لسهولة وضعها و لذلك و ال أعلم كان طروق العدو‬
‫للسكندرية و طرابلس ف اللة مرات متعددة و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس ف الساجد و البيوت العظيمة ف العال‬


‫إعلم أن ال سبحانه و تعال فضل من الرض بقاعا اختصها بتشريفه و جعلها مواطن لعبادته يضاعف فيها الثواب و ينمو با الجور و‬
‫أخبنا بذلك على ألسن رسله و أنبيائه لطفا بعباده و تسهيلً لطرق السعادة لم‪ .‬و كانت الساجد الثلثة هي أفضل بقاع الرض حسبما‬
‫ثبت ف الصحيحي و هي مكة و الدينة و بيت القدس‪ .‬أما البيت الرام الذي بكة فهو بيت إبراهيم صلوات ال و سلمه عليه‪ .‬أمره ال‬
‫ببنائه و أن يؤذن ف الناس بالج إليه فبناه هو و ابنه إساعيل كما نصه القرآن و قام با أمره ال فيه و سكن إساعيل به مع هاجر و من نزل‬
‫معهم من جرهم إل أن قبضهما ال و دفنا بالجر منه‪ .‬و بيت القدس بناه داوود و سليمان عليهما السلم‪ .‬أمرها ال ببناء مسجده و‬
‫نصب هياكله و دفن كثي من النبياء من ولد إسحاق عليه السلم حواليه‪ .‬و الدينة فهاجر نبينا ممد صلوات ال و سلمة عليه أمره ال‬
‫تعال بالجرة إليها و إقامة دين السلم با فبن مسجده الرام با و كان ملحده الشريف ف تربتها فبهذه الساجد الثلثة قرة عي السلمي‬
‫و مهوى أفئدتم و عظمة دينهم و ف الثار من فضلها و مضاعفة الثواب ف ماورتا و الصلة فيها كثي معروف فلنشر إل شيء من الب‬
‫عن أولية هذه الساجد الثلثة و كيف تدرجت أحوالا إل أن كمل ظهورها ف العال‪ .‬فأما مكة فأوليتها فيما يقال أن آدم صلوات ال عليه‬
‫بناها قبالة البيت العمور ث هدمها الطوفان بعد ذلك و ليس فيه خب صحيح يعول عليه‪ .‬و إنا اقتبسوه من ممل الية ف قوله و إذ يرفع‬
‫إبراهيم القواعد من البيت و إساعيل ث بعث ال إبراهيم و كان من شأنه و شأن زوجته سارة و غيتا من هاجر ما هو معروف و أوحى‬
‫ال إليه أن يترك ابنه اساعيل و أمه هاجر بالفلة فوضعهما ف مكان البيت و سار عنهما و كيف جعل ال لما من اللطف ف نبع ماء زمزم‬
‫و مرور الرفقة من جرهم با حت احتملوها و سكنوا إليهم كما و نزلوا معهما حوال زمزم كما عرف ف موضعه فاتذ إساعيل بوضع‬
‫الكعبة بيتا يأوي إليه و أدار عليه سياجا من الردم و جعله زربا لغنمه و جاء إبراهيم صلوات ال عليه مرارا لزيارته من الشام أمر ف آخرها‬
‫ببناء الكعبة مكان ذلك الزرب فبناه و استعان فيه بابنه إساعيل و دعا الناس إل حجه و بقي إساعيل ساكنا به و لا قبضت أمه هاجر و قام‬
‫بنوه من بعده بأمر البيت مع أخوالم من جرهم ث العماليق من بعدهم و استمر الال على ذلك و الناس يهرعون إليها من كل أفق من جيع‬
‫أهل الليقة ل من بن إساعيل و ل من غيهم من دنا أو نأى فقد نقل أن التبابعة كانت تج البيت وتعظمه و أن تبعا كساها اللء و‬
‫الوصائل و أمر بتطهيها و جعل لا مفتاحا‪.‬‬
‫و نقل أيضا أن الفرس كانت تجه و تقرب إليه و أن غزال الذهب اللذين وجدها عبد الطلب حي احتقر زمزم كانا من قرابينهم‪ .‬و ل‬
‫يزل لرهم الولية عليه من بعد ولد إساعيل من قبل خؤولتهم حت إذا خرجت خزاعة و أقاموا با بعدهم ما شاء ال‪ .‬ث كثر ولد إساعيل‬
‫و انتشروا و تشعبوا إل كنانة ث كنانة إل قريش و غيهم و ساءت ولية خزاعة فغلبتهم قريش على أمره و أخرجوهم من البيت و ملكوا‬
‫عليهم يومئذ قصي بن كلب فبن البيت و سقفه بشب الدوم و جريد النخل و قال العشى‪:‬‬
‫بناها قصي و الضاض بن جرهم‬ ‫خلفت بثوب راهب الدور و الت‬
‫ث أصاب البيت سيل و يقال حريق و تدم و أعادوا بناءه و جعوا النفقة لذلك من أموالم و انكسرت سفينة بساحل جدة فاشتروا خشبها‬
‫للسقف و كانت جدرانه فوق القامة فجعلوها ثان عشرة ذراعا و كان الباب لصقا بالرض فجعلوه فوق القامة لئل تدخله السيول و‬
‫قصرت بم النفقة عن إتامه فقصروا عن قواعده و تركوا منه ست أذرع و شبا أداروها بدار قصي يطاف من ورائه و هو الجر و بقي‬
‫البيت على هذا البناء إل أن تصن ابن الزبي بكة حي دعا لنفسه و زحفت إليه جيوش يزيد بن معاوية مع الصي بن ني السكون‪ .‬و‬
‫رمى البيت سنة أربع و ستي فأصابه حريق‪ ،‬يقال من النفط الذي رموا به على ابن الزبي فتصدعت حيطانه فهدمه ابن الزبي فأعاد بناءه‬
‫أحسن ما كان بعد أن اختلفت عليه الصحابة ف بنائه‪ .‬و احتج عليهم بقول رسول ال صلى ال عليه و سلم لعائشة رضي ال عنها‪ ،‬لول‬
‫قومك حديثو عهد بكفر لرددت البيت على قواعد إبراهيم و لعلت له بابي شرقيا و غربيا فهدمه و كشف عن أساس إبراهيم عليه السلم‬
‫و جع الوجوه و الكابر حت عاينوه و أشار عليه ابن عباس بالتحري ف حفظ القبلة على الناس فأدار على الساس الشب و نصب من‬
‫فوقها الستار حفظا للقبلة و بعث إل صنعاء ف الفضة و الكلس فحملها‪ .‬وسأل عن مقطع الجارة الول فجمع منها ما احتاج إليه ث‬
‫شرع ف البناء على أساس إبراهيم عليه السلم و رفع ف جدرانا سبعا و عشرين ذراعا و جعل لا بابي لصقي بالرض كما روى ف‬
‫حديثه و جعل فرشها و إزرها بالرخام و صاغ لا الفاتيح و صفائح البواب من الذهب‪ .‬ث جاء الجاج لصاره أيام عبد اللك و رمى‬
‫على السجد بالنجنيقات إل أن تصدعت حيطانا‪ .‬ث لا ظفر بابن الزبي شاور عبد اللك فيما بناه و زاده ف البيت فأمره بدمه و رد البيت‬
‫على قواعد قريش كما هي اليوم‪ .‬و يقال‪ :‬أنه ندم على ذلك حي علم صحة رواية ابن الزبي لديث عائشة‪ ،‬و قال وددت أن كنت حلت‬
‫أبا حبيب ف أمر البيت و بنائه ما تمل‪ .‬فهدم الجاج منها ست أذرع و شبا مكان الجر و بناها على أساس قريش و سد الباب الغرب و‬
‫ما تت عتبة بابا اليوم من الباب الشرقي‪ .‬و ترك سائرها ل يغي منه شيئا فكل البناء الذي فيه اليوم بناء ابن الزبي و بناء الجاج ف الائط‬
‫صلة ظاهرة للعيان لمة ظاهرة بي البناءين‪ .‬و البناء متميز عن البناء بقدار إصبع شبه الصدع و قد لم‪.‬‬
‫و يعرض ههنا إشكال قوي لنافاته لا يقوله الفقهاء ف أمر الطواف و يذر الطائف أن ييل على الشاذروان الدائر على أساس الدر من‬
‫أسفلها فيقع طوافه داخل البيت بناء على أن الدر إنا قامت على بعض الساس و ترك بعضه و هو مكان الشاذروان و كذا قالوا ف تقبيل‬
‫الجر السود ل بد من رجوع الطائف من التقبيل حت يستوي قائما لئل يقع بعض طوافه داخل البيت و إذا كانت الدران كلها من بناء‬
‫ابن الزبي و هو إنا بن على أساس ابراهيم فكيف يقع هذا الذي قالوه و ل ملص من هذا إل بأحد أمرين أحدها أن يكون الجاج هدم‬
‫جيعه و أعاده و قد نقل ذلك جاعة إل أن العيان ف شواهد البناء بالتحام ما بي البناءين و تييز أحد الشقي من أعله على الخر ف‬
‫الصناعة يرد ذلك و أما أن يكون ابن الزبي ل يرد البيت على أساس إبراهيم مع جيع جهاته و إنا فعل ذلك ف الجر فقط ليدخله فهي‬
‫الن مع كونا من بناء ابن الزني ليست على قواعد إبراهيم و هذا بعيد و ل ميص من هذين و ال تعال اعلم‪ .‬ث أن مساحة البيت و هو‬
‫السجد كان فضاء للطائفي و ل يكن عليه جدر أيام النب صلى ال عليه و سلم و أب بكر من بعده‪ .‬ث كثر الناس فاشترى عمر رضي ال‬
‫عنه دورا هدمها و زادها ف السجد و أدار عليها جدارا دون القامة و فعل مثل ذلك عثمان ث ابن الزبي ث الوليد بن عبد اللك و بناه بعمد‬
‫الرخام ث زاد فيه النصور و ابنه الهدي من بعده و وقفت الزيادة و استقرت على ذلك لعهدنا‪.‬‬
‫و تشريف ال لذا البيت و عنايته به أكثر من أن ياط به و كفى بذلك أن جعله مهبطا للوحي و اللئكة و مكانا للعبادة و فرض شرائع‬
‫الج و مناسكه و أوجب لرمه من سائر نواحيه من حقوق التعظيم و الق ما ل يوجبه لغي فمنع كل من خالف دين السلم من دخول‬
‫ذلك الرم و أوجب على دخله أن يتجرد من الحيط إل أزارا يستره و حى العائذ به و الراتع ف مسارحه من مواقع الفات فل يرام فيه‬
‫خائف و ل يصاد له وحش و ل يتطب له شجر‪ .‬و حد الرم الذي يتص بذه الرمة من طريق الدينة ثلثة أميال إل التنعيم و من طريق‬
‫العراق سبعة أميال إل الثنية من جبل النقطع و من طريق الطائف سبعة أميال إل بطن نرة و من طريق جدة سبعه أميال إل منقطع العشائر‪.‬‬
‫هذا شأن مكة و خبها و تسمى أم القرى و تسمى الكعبة لعلوها من اسم الكعب‪ .‬و يقال لا أيضا بكة قال الصمعي‪ ،‬لن الناس يبك‬
‫بعضهم بعضا إليها أي يدفع و قال ماهد باء بكة أبدلوها ميما كما قالوا لزب و لزم لقرب الخرجي‪ .‬و قال النخعي بالباء و باليم البلد‬
‫و قال الزهري بالباء للمسجد كله و باليم للحرم و قد كانت المم منذ عهد الاهلية تعظمه و اللوك تبعث إليه بالموال و الذخائر مثل‬
‫كسرى و غيه و قصة السياف و غزال الذهب اللذين وجدها عبد الطلب حي احتفر زمزم معروفة و قد وجد رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم حي افتتح مكة ف الب الذي كان فيها سبعي ألف أوقية من الذهب ما كان اللوك يهدون للبيت فيها ألف ألف دينار مكررة‬
‫مرتي بائت قنطار‪ ،‬وزنا و قال له علي بن أب طالب رضي ال عنه‪:‬‬
‫يا رسول ال لو استعنت بذا الال على حربك‪ .‬فلم يفعل ث ذكر لب بكر فلم يركه‪ .‬هكذا قال الزرقي‪ .‬و ف البخاري يسنده إل أب‬
‫وائل قال‪:‬‬
‫جلست إل شيبة بن عثمان و قال جلس إل عمر بن الطاب فقال‪ :‬همت أن ل أدع فيها صفراء و ل بيضاء إل قسمتها بي السلمي‪،‬‬
‫قلت‪ :‬ما أنت بفاعل‪ ،‬قال‪ :‬و ل ؟ قلت‪ :‬فلم يفعله صاحباك فقال ها اللذان يقتدى بما‪ .‬و خرجه أبو داود و ابن ماجة و أقام ذلك الال‬
‫إل أن كانت فتنة الفطس و هو السن بن السي بن علي بن علي زين العابدين سنة تسع و تسعي و مائة حي غلب مكة عمد إل الكعبة‬
‫فأخذ ماف خزائنها و قال ما تصنع الكعبة بذا الال موضوعا فيها ل ينتفع به نن أحق به نستعي به على حربنا و أخرجه و تصرف فيه و‬
‫بطلت الذخية من الكعبة من يومئذ‪ .‬و أما بيت القدس و هو السجد القصى فكان أول أمره أيام الصابئة موضع الزهرة و كانوا يقربون‬
‫إليه الزيت فيما يقربونه يصبونه على الصخرة الت هناك ث دثر ذلك اليكل و اتذها بنو إسرائيل حي ملكوها قبلة لصلتم‪ .‬و ذلك أن‬
‫موسى صلوات ال عليه لا خرج ببن إسرائيل من مصر لتمليكهم بيت القدس كما وعد ال أباهم إسرائيل و أباه إسحق من قبله و أقاموا‬
‫بأرض التيه أمره ال باتاذ قبة من خشب السنط عي بالوحي و مقدارها و صفتها و هياكلها و تاثيلها و أن يكون فيها التابوت و مائدة‬
‫بصحافها و منارة بقناديلها و أن يصنع مذبا للقربان وصف ذلك كأنه ف التوراة أكمل وصف فصنع القبة و وضع فيها تابوت العهد و هو‬
‫التابوت الذي فيه اللواح الصنوعة عوضا عن اللواح النلة بالكلمات العشر لا تكسرت و وضع الذبح عندها‪ .‬و عهد ال إل موسى بأن‬
‫يكون هارون صاحب القربان و نصبوا تلك القبة بي خيامهم ف التيه يصلون إليها و يتقربون ف الذبح أمامها و يتعرضون للوحي عندها‪.‬‬
‫و لا ملكوا أرض الشام أنزلوها بكلكال من بلد الرض القدسة ما بي قسم بن يامي و بن أفراييم‪ .‬و بقيت هنالك أربع عشرة سنة سبعا‬
‫مدة الرب‪ ،‬و سبعا بعد الفتح أيام قسمة البلد‪ .‬و لا توف يوشع عليه السلم نقلوها إل بلد شيلو قريبا من كلكال‪ ،‬و أداروا عليها‬
‫اليطان‪ .‬و أقامت على ذلك ثلثمائة سنة‪ ،‬حت ملكها بنو فلسطي من أيديهم كما مر‪ ،‬و تغلبوا عليهم‪ .‬ث ردوا عليهم القبة و نقلوها بعد‬
‫وفاة عال الكوهن إل نوف‪ .‬ث نقلت أيام طالوت إل كنعون ف بلد بن يامي‪ .‬و لا ملك داوود عليه السلم نقل القبة و التابوت إل بيت‬
‫القدس و جعل عليها خباء خاصا و وضعها على الصخرة‪.‬‬
‫و بقيت تلك القبة قبلتهم و وضعوها على الصخرة ببيت القدس و أراد داود عليه السلم بناء مسجده على الصخرة مكانا فلم يتم له ذلك‬
‫و عهد به إل ابنه سليمان فبناه لربع سني من ملكه و لمسمائة سنة من وفاة موسى عليه السلم‪.‬‬
‫و أتذ عمده من الصفر و جعل به صرح الزجاج و غشى أبوابه و حيطانه بالذهب و صاغ هياكله و تاثيله و أوعيته و منارته و مفتاحه من‬
‫الذهب و جعل ف ظهره قبا ليضع فيه تابوت العهد و هو التابوت الذي فيه اللواح و جاء به من صهيون بلد أبيه داوود نقله إليه أيام‬
‫عمارة السجد‪ ،‬فجيء به تمله السباط و الكهنوتية حت وضعه ف القب و وضعت القبة و الوعية و الذبح كل واحد حيث أعد له من‬
‫السجد‪ .‬و أقام كذلك ما شاء ال‪ .‬ث خربه بت نصر بعد ثانائة سنة من بنائه و أحرق التوراة و العصا و صاغ الياكل و نثر الحجار‪ .‬ث‬
‫لا أعادهم ملوك الفرس بناه عزيز بن إسرائيل لعهده بإعانة بمن ملك الفرس الذي كانت الولدة لبن إسرائيل عليه من سب بت نصر و‬
‫حد لم ف بنيانه حدودا دون بناء سليمان بن داوود عليهما السلم فلم يتجارزوها‪.‬‬
‫و أما الواوين الت تت السجد‪ ،‬يركب بعضها بعضا‪ ،‬عمود العلى منها على قوس السفل ف طبقتي‪ .‬و يتوهم كثي من الناس أنا‬
‫إصطبلت سليمان عليه السلم‪ ،‬و ليس كذلك‪ .‬لو إنا بناها تنيها للبيت القدس عما يتوهم من النجاسة‪ ،‬لن النجاسات ف شريعتهم و إن‬
‫كانت ف باطن الرض و كان ما بينها و بي ظاهر الرض مشوا بالتراب‪ ،‬بيث يصل ما بينها و بي الظاهر خط مستقيم ينجس ذلك‬
‫الظاهر بالتوهم‪ .‬و التوهم عندهم كالحقق‪.‬‬
‫فبنوا هذه الواوين على هذه الصورة بعمود الواوين السفلية تنتهي إل أقواسها و ينقطع خطه‪ ،‬فل تتصل النجاسة بالعلى على خط‬
‫مستقيم‪ .‬و تنه البيت عن هذه النجاسة التوهة ليكون ذلك أبلغ ف الطهارة و التقديس‪.‬‬
‫ث تداونتهم ملوك يونان الفرس و الروم و استفحل اللك لبن اسرائيل ف هذه الدة ث لبن حشمناي من كهنتهم ث لصهرهم هيودس و لبنيه‬
‫من بعد‪.‬‬
‫و بن هيودوس بيت القدس على بناء سليمان عليه السلم و تأنق فيه حت أكمله ف ست سني فلما جاء طيطش من ملوك الروم و غلبهم‬
‫و ملك أمرهم خرب بيت القدس و مسجدها و أمر أن يزرع مكانه ث أخذ الروم بدين السيح عليه السلم و دانوا بتعظيمه ث اختلف حال‬
‫ملوك الروم ف الخذ بدين النصارى تار ًة و تركه أخرى إل أن جاء قسطنطي و تنصرت أمه هيلنة و ارتلت إل القدس ف طلب الشبة‬
‫الت صلب عليها السيح بزعمهم فأخبها القساوسة بأنه رمى بشبته على الرض و ألقى عليها القمامات و القاذورات فاستخرجت الشبة‬
‫و بنت مكان تلك القمامات كنيسة القمامة كأنا على قبه بزعمهم و هربت ما وجدت من عمارة البيت و أمرت بطرح الزبل و القمامات‬
‫على الصخرة حت غطاها و خفي مكانا جزاء بزعمها لا فعلوه بقب السيح ث بنوا بإزاء القمامة بيت لم و هو البيت الذي ولد فيه عيسى‬
‫عليه السلم و بقي المر كذلك إل أن جاء السلم و حضر عمر لفتح بيت القدس و سأل عن الصخرة فأري مكانا و قد علها الزبل و‬
‫التراب فكشف عنها و بن عليها مسجدا على طريق البداوة و عظم من شأنه ما أذن ال من تعظيمه و ما سبق من أم الكتاب ف فضله‬
‫حسبما ثبت ث احتفل الوليد بن عبد اللك ف تشييد مسجده على سنن مساجد السلم با شاء ال من الحتفال كما فعل ف السجد الرام‬
‫و ف مسجد النب صلى ال عليه وسلم بالدينة و ف مسجد دمشق و كانت العرب تسميه بلط الوليد و ألزم ملك الروم أن يبعث الفعلة و‬
‫الال لبناء هذه الساجد و أن ينمقوها بالفسيفساء فأطاع لذلك و ت بناؤها على ما اقترحه‪ .‬ث لا ضعف أمر اللفة أعوام المسمائة من‬
‫الجرة ف آخرها وكانت ف ملكة العبيديي خلفاء القاهر من الشيعة و اختل أمرهم زحف الفرنة إل بيت القدس فملكوه و ملكوا معه‬
‫عامة ثغور الشام و بنوا على الصخرة القدسة منه كنيسة كانوا يعظمونا و يفتخرون ببنائها حت إذا استقل صلح الدين بن أيوب الكردي‬
‫بلك مصر و الشام و ما أثر العبيديي و بدعهم زحف إل الشام و جاهد من كان به من الفرنة حت غلبهم على بيت القدس و على ما‬
‫كانوا ملكوه من ثغور الشام و ذلك لنحو ثاني و خسمائة من الجرة و هدم تلك الكنيسة و أظهر الصخرة و بن السجد على النحو الذي‬
‫هو عليه اليوم لذا العهد‪.‬‬
‫و ل يعرض لك الشكال العروف ف الديث الصحيح أن النب صلى ال عليه و سلم سئل عن أول بيت وضع فقال‪ :‬بي مكة و بي بناء‬
‫بيت القدس قيل فكم بينهما ؟ قال أربعون سنة فإن الدة بي بناء مكة و بي بناء بيت القدس بقدار ما بي إبراهيم و سليمان لن سليمان‬
‫بانيه و هو ينيف على اللف بكثي‪ .‬و أعلم أن الراد بالوضع ف الديث ليس البناء و إنا الراد أول بيت عي للعبادة و ل يبعد أن يكون‬
‫بيت القدس عي للعبادة قبل بناء سليمان بثل هذه الدة و قد نقل أن الصابئه بنوا على الصخرة هيكل الزهرة فلعل ذلك أنا كانت مكانا‬
‫للعبادة كما كانت الاهلية تضع الصنام و التماثيل حوال الكعبة و ف جوفها و الصابئة الذين بنوا هيكل الزهرة كانوا على عهد إبراهيم‬
‫عليه السلم فل تبعد مدة الربعي سنة بي وضع مكة للعبادة و وضع بيت القدس و إن ل يكن هناك بناء كما هو العروف و أن أول من‬
‫بن بيت القدس سليمان عليه السلم فتفهمه ففيه حل هذا الشكال‪ .‬و أما الدينة و هي السماة بيثرب فهي من بناء يثرب بن مهلئيل من‬
‫العمالقة و ملكها بنو إسرائيل من أيديهم فيما ملكوه من أرض الجاز ث جاورهم بنو قيلة من غسان و غلبوهم عليها و على حصونا‪ .‬ث‬
‫أمر النب صلى ال عليه و سلم بالجرة إليها لا سبق من عناية ال با فهاجر إليها و معه أبو بكر و تبعه أصحابه و نزل با و بن مسجده و‬
‫بيوته ف الوضع الذي كان ال قد أعده لذلك و شرفه ف سابق أزله و أواه أبناء قيلة و نصروه فلذلك سوا النصار و تت كلمة السلم من‬
‫الدينة حت علت على الكلمات و غلب على قومه و فتح مكة و ملكها و ظن النصار أنه يتحول عنهم إل بلده فأههم ذلك فخاطبهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم و أخبهم انه غي متحول حت إذا قبض صلى ال عليه و سلم كان ملحده الشريف با و جاء ف فضلها من‬
‫الحاديث الصحيحة مال خفاء به و وقع اللف بي العلماء ف تفضيلها على مكة و به قال مالك رحه ال لا ثبت عنده ف ذلك من النص‬
‫الصريح عن رفيع بن مدج أن النب صلى ال عليه و سلم قال الدينة خي من مكة نقل ذلك أبو الوهاب ف العونة إل أحاديث أخرى تدل‬
‫بظاهرها على ذلك و خالف أبو حنيفة و الشافعي‪ .‬و أصبحت على كل حال ثانية السجد الرام و جنح إليها المم بأفئدتم من كل أوب‬
‫فانظر كيف تدرجت الفضيلة ف هذه الساجد العظمة لا سبق من عناية ال لا و تفهم سر ال ف الكون و تدريه على ترتيب مكم ف‬
‫أمور الدين و الدنيا‪ .‬و أما غي هذه الساجد الثلثة فل نعلمه ف الرض إل ما يقال من شأن مسجد آدم عليه السلم بسرنديب من جزائر‬
‫الند لكنه ل يثبت فيه شيء يعول عليه و قد كانت للمم ف القدي مساجد يعظمونا على جهة الديانة بزعمهم منها بيوت النار للفرس و‬
‫هياكل يونان و بيوت العرب بالجاز الت أمر النب صلى ال عليه و سلم بدمها ف غزواته و قد ذكر السعودي منها بيوتا لسنا من ذكرها‬
‫ف شيء إذ هي غي مشروعة و ل هي على طريق دين و ل يلتفت إليها و ل إل الب عنها و يكفي ف ذلك ما وقع ف التواريخ فمن أراد‬
‫معرفة الخبار فعليه با و ال يهدي من يشاء سبحانه‪.‬‬

‫الفصل السابع ف أن الدن و المصار بإفريقية و الغرب قليلة‬


‫و السبب ف ذلك أن هذه القطار كانت للببر منذ آلف من السني قبل السلم و كان عمرانا كله بدويا و ل تستمر فيهم الضارة حت‬
‫تستكمل أحوالا و الدول الت ملكتهم من الفرنة و العرب ل يطل أمد ملكهم فيهم حت ترسخ الضارة منها فلم تزل عوائد البداوة و‬
‫شؤونا فكانوا إليها أقرب فلم تكثر مبانيهم و أيضا فالصنائع بعيدة عن الببر لنم أعرق ف البدو و الصنائع من توابع الضارة و إنا تتم‬
‫ل عن الدن‪ .‬و أيضا فهم أهل عصبيات‬ ‫البان با فل بد من الذق ف تعلمها فلما ل يكن للببر انتحال لا ل يكن لم تشوق إل البان فض ً‬
‫و أنساب ل يلو عن ذلك جع منهم و النساب و العصبية أجنح إل البدو و إنا يدعو إل الدن الدعة و السكون و يصي ساكنها عيالً‬
‫على حاميتها فتجد أهل البدو لذلك يستنكفون عن سكن الدينة أو القامة با فل يدعو إل ذلك إل الترف و الغن و قليل ما هو ف الناس‬
‫فلذلك كان عمران أفريقية و الغرب كله أو أكثره بدويا أهل خيام و ظواعن و قياطن و كنن ف البال و كان عمران بلد العجم كله أو‬
‫أكثره قرى و أمصارا و رساتيق من بلد الندلس و الشام و مصر و عراق العجم و أمثالا لن العجم ليسوا بأهل أنساب يافظون عليها و‬
‫يتباهون ف صراحتها و التحامها إل ف القل و أكثر ما يكون سكن البدو لهل النساب لن لمة النسب أقرب و أشد فتكون عصبيته‬
‫كذلك و تنع بصاحبها إل سكن البدو و التجاف عن الصر الذي يذهب بالبسالة و يصيه عيالً على غيه فأفهمه و قسى عليه و ال‬
‫سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثامن ف أن البان و الصانع ف اللة السلمية قليلة بالنسبة إل‬


‫قدرتا و إل من كان قبلها من الدول‬
‫و السبب ف ذلك ما ذكرنا مثله ف الببر بعينه إذ العرب أيضا أعرق ف البدو و أبعد عن الصنائع و أيضا فكانوا أجانب من المالك الت‬
‫استولوا عليها قبل السلم و لا تلكوها ل ينفسح المد حت تستوف رسوم الضارة مع أنم استغنوا با وجدوا من مبان غيهم و أيضا‬
‫فكان الدين أول المر مانعا من الغالة أو البنيان و السراف فيه ف غي القصد كما عهد لم عمر حي استأذنوه ف بناء الكوفة بالجارة و‬
‫قد وقع الريق ف القصب الذي كانوا بنوا به من قبل فقال افعلوا و ل يزيدن أحد على ثلثة أبيات و ل تطاولوا ف البنيان و ألزموا السنة‬
‫تلزمكم الدولة و عهد إل الوفد و تقدم إل الناس أن ل يرفعوا بنيانا فوق القدر قالوا‪ :‬و ما القدر ؟ قال‪ :‬ل يقربكم من السرف و ل‬
‫يرجكم عن القصد فلما بعد العهد بالدين و التخرج ف أمثال هذه القاصد و غلبت طبيعة اللك و الترف و استقدم العرب أمة الفرس و‬
‫أخذوا عنهم الصنائع و البان و دعتهم إليها أحوال الدعة و الترف فحينئذ شيدوا البان و الصانع و كان عهد ذلك قريبا بانقراض الدولة و‬
‫ل ينفسح المد لكثرة البناء و اختطاط الدن و المصار إل قليلً و ليس كذلك غيهم من المم فالفرس طالت مدتم آلفا من السني و‬
‫كذلك القبط و النبط و الروم و كذلك العرب الول من عاد و ثود و العمالقة و التبابعة طالت أمادهم و رسخت الصنائع فيهم فكانت‬
‫مبانيهم و هياكلهم أكثر عددا و أبقى على اليام أثرا و استبصر ف هذا تده كما قلت و ال وارث الرض و من عليها‪.‬‬

‫الفصل التاسع ف أن البان الت كانت تتطها العرب يسرع إليها الراب إل‬
‫ف القل‬
‫و السبب ف ذلك شأن البداوة و البعد عن الصنائع كما قدمناه فل تكون البان وثيقة ف تشييدها و له و ال أعلم وجه آخر و هو أمس به‬
‫و ذلك قلة مراعاتم لسن الختيار ف اختطاط الدن كما قلناه ف الكان و طيب الواء‪ .‬و الياه و الزارع و الراعي فإنه بالتفاوت ف هذا‬
‫تتفاوت جودة الصر و رداءته من حيث العمران الطبيعي و العرب بعزل عن هذا و إنا يراعون مراعي إبلهم خاصة ل يبالون بالاء طاب أو‬
‫خبث و ل قل أو كثر و ل يسألون عن زكاء الزارع و النابت و الهوية لنتقالم ف الرض و نقلهم البوب من البلد البعيد و أما الرياح‬
‫فالقفر متلف للمهاب كلها و الظعن كفيل لم بطيبها لن الرياح إنا تبث مع القرار و السكن و كثرة الفضلت و انظر لا اختطوا الكوفة‬
‫و البصرة و القيوان كيف ل يراعوا ف اختطاها إل مراعي إبلهم و ما يقرب من القفر و مسالك الظعن فكانت بعيدة عن الوضع الطبيعي‪،‬‬
‫للمدن و ل تكن لا مادة تد عمرانا من بعدهم كما قدمنا أنه يتاج إليه ف العمران فقد كانت مواطنها غي طبيعية للقرار و ل تكن ف‬
‫وسط المم فيعمرها الناس فلول وهلة من انلل أمرهم و ذهاب عصبيتهم الت كانت سياجا لا أتى عليها الراب و النلل كأن ل‬
‫تكن‪ .‬و ال يكم ل معقب لكمه‪.‬‬

‫الفصل العاشر ف مبادي الراب ف المصار‬


‫إعلم أن المصار إذا اختطت أولً تكون قليلة الساكن و قليلة آلت البناء من الجر و الي و غيها ما يعال على اليطان عند التأنق‬
‫كالزل و الرخام و الربج و الزجاج و الفسيفساء و الصدف فيكون بناؤها يؤمئذ بدويا و آلتا فاسدة فإذا عظم عمران الدينة و كثر‬
‫ساكنها كثرت اللت بكثرة العمال حينئذ و كثرت الصناع إل أن تبلغ غايتها من ذلك كما سبق بشأنا فإذا تراجع عمرانا و خف‬
‫ساكنها قلت الصنائع لجل ذلك و فقدت الجادة ف البناء و الحكام و العالة عليه بالتنميق ث تقل العمال لعدم الساكن فيقل جلب‬
‫اللت من الجر و الرخام و غيها فتفقد و يصي بناؤهم و تشيدهم من اللت الت ف مبانيهم فينقلونا من مصنع إل مصنع لجل خلء‬
‫أكثر الصانع و القصور و النازل بقلة العمران و قصوره عما كان أو ًل ث ل تزال تنقل من قصر إل قصر و من دار إل دار إل أن يفقد‬
‫الكثي منها جلة فيعودون إل البداوة ف البناء و أتاذ الطوب عوضا عن الجارة و القصور عن التنميق بالكلية فيعود بناء الدينة مثل بناء‬
‫القرى و الدر و تظهر عليها سيماء البداوة ث تر ف التناقص إل غايتها من الراب إن قدر لا به سنة ال ف خلقه‪.‬‬

‫الفصل الادي عشر ف أن تفاضل المصار و الدن ف كثرة الرزق لهلها و‬


‫نفاق السواق إنا هو ف تفاضل عمرانا ف الكثرة و القلة‬
‫و السبب ف ذلك أنه قد عرف و ثبت أن الواحد من البشر غي مستقل بتحصيل حاجاته ف معاشه و إنم متعاونون جيعا ف عمرانم على‬
‫ذلك و الاجة الت تصل بتعاون طائفة منهم تشتد ضرورة الكثر من عددهم أضعافا‪ .‬فالقوت من النطة مثلً ل يستقل الواحد بتحصيل‬
‫حصته منه‪ .‬و إذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد و نار لللت و قائم على البقر و إثارة الرض و حصاد السنبل و سائر مؤن‬
‫الفلح و توزعوا على تلك العمال أو اجتمعوا و حصل بعملهم ذلك مقدار من القوت فإنه حينئذ قوت لضعافهم مرات‪ .‬فالعمال بعد‬
‫الجتماع زائدة على حاجات العاملي و ضروراتم‪ .‬فأهل مدين أو مصر إذا وزعت أعمالم كلها على مقدار ضروراتم و حاجاتم اكتفي‬
‫فيها بالقل من تلك العمال و بقيت العمال كلها زائدة على الضرورات فتصرف ف حالت الترف و عوائده و ما يتاج إليه غيهم من‬
‫أهل المصار و يستجلبونه منهم بأعواضه و قيمه فيكون لم بذلك حظا من الغن و قد تبي لك ف الفصل الامس ف باب الكسب و‬
‫الرزق أن الكاسب إنا هي قيم العمال فإذا كثرت العمال كثرت قيمها بينهم فكثرت مكاسبهم ضرورة و دعتهم أحوال الرفه و الغن إل‬
‫الترف و حاجاته من التأنق ف الساكن و اللبس و استجادة النية و الاعون و اتاذ الدم و الراكب و هذه كلها أعمال تستدعى بقيمها‬
‫و يتار الهرة ف صناعتها و القيام عليها فتنفق أسواق العمال و الصنائع و يكثر دخل الصر و خرجه و يصل اليسار لنتحلي ذلك من قبل‬
‫أعمالم‪ .‬و مت زاد العمران زادت العمال ثانية ث زاد الترف تابعا للكسب و زادت عوائده و حاجاته‪ .‬و استنبطت الصنائع لتحصيلها‬
‫فزادت قيمها و تضاعف الكسب ف الدينة لذلك ثانية و نفقت سوق العمال با أكثر من الول‪ .‬و كذا ف الزيادة الثانية و الثالثة لن‬
‫العمال الزائدة كلها تتص بالترف و الغن بلف العمال الصلية الت تتص بالعاش‪ .‬فالصر إذا فضل بعمران واحد ففضله بزيادة كسب‬
‫و رفه بعوائد من الترف ل توجد ف الخر فما كان عمرانه من المصار أكثر و أوفر كان حال أهله ف الترف أبلغ من حال الصر الذي‬
‫دونه على وتية واحدة ف الصناف‪ .‬القاضي مع القاضي و التاجر مع التاجر و الصانع مع الصانع و السوقي مع السوقي و المي مع المي‬
‫و الشرطي مع الشرطي‪ .‬و اعتب ذلك ف الغرب مثلً بال فاس مع غيها من أمصاره مثل باية و تلمسان و سبتة تد بينهما بونا كثيا‬
‫على الملة‪ ،‬ث على الصوصيات فحال القاضي بفاس أوسع من حال القاضي بتلمسان و هكذا كل صنف مع صنف أهله‪ .‬و كذا أيضا‬
‫حال تلمسان مع وهران أو الزائر و حال وهران و الزائر مع ما دونما إل أن تنتهي إل الدر الذين اعتمالم ف ضروريات معاشهم فقط‬
‫و يقصرون عنها‪ .‬و ما ذلك إل لتفاوت العمال فيها فكأنا كلها أسواق للعمال‪ .‬و الرج ف كل سوق على نسبته فالقاضي بفاس دخله‬
‫كفاء خرجه و كذا القاضي بتلمسان و حيث الدخل و الرج أكثر تكون الحوال أعظم و ها بفاس أكثر لنفاق سوق العمال با يدعو‬
‫إليه الترف فالحوال أضخم‪ .‬ث هكذا حال وهران و قسطنطينية و الزائر و بسكرة حت تنتهي كما قلناه إل المصار الت ل توف أعمالا‬
‫بضروراتا و ل تعد ف المصار إذ هي من قبيل القرى و الدر‪ .‬فلذلك تد أهل هذه المصار الصغية ضعفاء الحوال متقاربي ف الفقر و‬
‫الصاصة لا أن أعمالم ل تفي بضروراتم و ل يفضل ما يتأثلونه كسبا فل تنمو مكاسبهم‪ .‬و هم لذلك مساكي ماويج إل ف القل‬
‫النادر‪ .‬و اعتب ذلك حت ف أحوال الفقراء و السؤال فإن السائل بفاس أحسن حالً من السائل بتلمسان أو وهران‪ .‬و لقد شاهدت بفاس‬
‫السؤال يسألون أيام الضاحي أثان ضحاياهم و رأيتهم يسألون كثيا من أحوال الترف و اقتراح الآكل مثل سؤال اللحم و السمن و علج‬
‫الطبخ و اللبس و الاعون كالغربال و النية‪ .‬و لو سأل سائل مثل هذا بتلمسان أو وهران لستنكر و عنف و زجر‪ .‬و يبلغنا لذا العهد عن‬
‫أحوال القاهرة و مصر من الترف و الغن ف عوائدهم ما يقضى منه العجب حت أن كثيا من الفقراء بالغرب ينعون من الثقلة إل مصر‬
‫لذلك و لا يبلغهم من شأن الرفه بصر أعظم من غيها‪ .‬و بعتقد العامة من الناس أن ذلك لزيادة إيثار ف أهل تلك الفاق على غيهم أو‬
‫أموال متزنة لديهم‪ .‬و أنم أكثر صدقة و إيثارا من جيع أهل المصار و ليس كذلك و إنا هو لا تعرفه من أن عمران مصر و القاهرة أكثر‬
‫من عمران هذه المصار الت لديك فعظمت لذلك أحوالم‪ .‬و أما حال الدخل و الرج فمتكافئ ف جيع المصار أحوال الساكن و وسع‬
‫الصر‪ .‬كل شيء يبلغك من مثل هذا فل تنكره و اعتبه بكثرة العمران و ما يكون عنه من كثرة الكاسبة الت يسهل بسببها البذل و اليثار‬
‫على مبتغيه و مثله بشأن اليوانات العجم مع بيوت الدينة الواحدة و كيف تتلف أحوالا ف هجرانا أو غشيانا فإن بيوت أهل النعم و‬
‫الثروة و الوائد الصبة منها تكثر بساحتها و أقنيتها بنثر البوب و سواقط الفتات فيزدحم عليها غواشي النمل و الشاش و يلحق فوقها‬
‫عصائب الطيور حت تروح بطانا و تتلئ شبعا و ريا و بيوت أهل الصاصة و الفقراء الكاسدة أرزاقهم ل يسري بساحتها دبيب و ل يلق‬
‫بوها طائر و ل تأوي إل زوايا بيوتم فأرة و ل هرة كما قال الشاعر‪:‬‬
‫و تغشى منازل الكرماء‬ ‫تسقط الطي حيث تلتقط الب‬
‫فتأمل سر ال تعال ف ذلك و اعتب غاشية الناسي بغاشية العجم من اليوانات و فتات الوائد بفضلت الرزق و الترف و سهولتها على من‬
‫يبذلا لستغنائهم عنها ف الكثر لوجود أمثالا لديهم و اعلم أن اتساع الحوال و كثرة النعم ف العمران تابع لكثرته و ال سبحانه و تعال‬
‫أعلم و هو غن عن العالي‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر ف أسعار الدن‬


‫إعلم أن السواق كلها تشتمل على حاجات الناس فمنها الضروري و هي القوات من النطة و ما معناها كالباقلء و البصل و الثوم و‬
‫أشباهه و منها الاجي والكمال مثل الدم و الفواكه و اللبس و الاعون و الراكب و سائر الصانع والبان فإذا استبحر الصر و كثر‬
‫ساكنة رخصت أسعار الضروري من القوت و ما ف معناه و غلت أ سعار الكمال من الدي و الفواكه و ما يتبعها و إذا قل ساكن الصر و‬
‫ضعف عمرانه كان المر بالعكس من ذلك‪ .‬و السبب ف ذلك أن البوب من ضرورات القوت فتتوفر الدواعي على اتاذها إذ كل أحد ل‬
‫يهمل قوت نفسه و ل قوت منله لشهر أو سنته فيعم اتاذها أهل الصر أجع أو الكثر منهم ف ذلك الصر أو فيما قرب منه ل بد من‬
‫ذلك‪ .‬و كل متخذ لقوته فتفضل عنه و عن أهل بيته فضلة كبية تسد خلة كثيين من أهل ذلك الصر فتفضل القتوات عن أهل الصر من‬
‫غي شك فترخص أسعارها ف الغالب إل ما يصيبها ف بعض السني من الفات السماوية و لول احتكار الناس لا لا يتوقع من تلك الفات‬
‫لبذلت دون ثن و ل عوض لكثرتا بكثرة العمران‪ .‬و أما سائر الرافق من الدم و الفواكه و ما إليها ل تعم با البلوى و ل يستغرق اتاذها‬
‫أعمال أهل الصر أجعي و ل الكثي منهم ث أن الصر إذا كان مستبحرا موفور العمران كثي حاجات الترف توفرت حينئذ الدواعي على‬
‫طلب تلك الرافق و الستكثار منها كل بسب حاله فيقصر الوجود منها على الاجات قصورا بالغا و يكثر الستامون لا و هي قليلة ف‬
‫نفسها فتزدحم أهل الغراض و يبذل أهل الرفه و الترف أثانا بإسراف ف الغلء لاجتهم إليها أكثر من غيهم فيقع فيها الغلء كما تراه‪.‬‬
‫و أما الصنائع و العمال أيضا ف المصار الوفورة العمران فسبب الغلء فيها أمور ثلثة‪ :‬الول كثرة الاجة لكان الترف ف الصر بكثرة‬
‫عمرانه‪ ،‬و الثان اعتزاز أهل العمال لدمتهم وامتهان أنفسهم لسهولة العاش ف الدينة بكثرة أقواتا‪ ،‬و الثالث كثرة الترفي و كثرة‬
‫حاجاتم إل امتهان غيهم و إل استعمال الصناع ف مهنهم فيبذلون ف ذلك لهل العمال أكثر من قيمة أعمالم مزاحة و منافسة ف‬
‫الستئثار با فيغتر العمال و الصناع و أهل الرف و تغلو أعمالم و تكثر نفقات أهل الصر ف ذلك‪ .‬و أما المصار الصغية و القليلة‬
‫الساكن فأقواتم قليلة لقلة العمل فيها و ما يتوقعونه لصغر مصرهم من عدم القوت فيتمسكون با يصل منه ف أيديهم ويتكرونه ف فيعز‬
‫وجوده لديهم و يغلو ثنه على مستامه‪ .‬و أما مرافقهم فل تدعو إليها أيضا حاجة بقلة الساكن و ضعف الحوال فل تنفق لديهم سوقه‬
‫فيختص بالرخص ف سعره‪ .‬و قد يدخل أيضا ف قيمة القوات قيمة ما يعرض عليها من الكوس و الغارم للسلطان ف السواق و باب الفر‬
‫و الياة ف منافع وصولا عن البيوعات لا يسهم‪ .‬و بذلك كانت السعار ف المصار أغلى من السعار ف البادية إذ الكوس و الغارم و‬
‫الفرائض قليلة لديهم أو معدومة‪ .‬و كثرتا قي المصار ل سيما ف آخر الدولة و قد تدخل أيضا ف قيمة القوات قيمة علجها ف الفلح و‬
‫يافظ على ذلك ف أسعارها كما و قع بالندلس لذا العهد‪ .‬و ذلك أنم لا ألأهم النصارى إل سيف البحر و بلده التوعرة البيثة الزارعة‬
‫النكدة النبات وملكوا عليهم الرض الزاكية و البلد الطيب فاحتاجوا إل علج الزارع و الفدن لصلح نباتا و فلحها و كان ذلك العلج‬
‫بأعمال ذات قيم و مواد من الزبل و غيه لا مؤنة و صارت ف فلحهم نفقات لا خطر فاعتبوها ف سعرهم‪ .‬و اختص قطر الندلس‬
‫بالغلء منذ اضطرهم النصارى إل هذا العمور بالسلم مع سواحلها لجل ذلك‪ .‬و يسب الناس إذا سعوا بغلء السعار ف قطرهم أنا‬
‫لقلة القوات و البوب ف أرضهم و ليس كذلك فهم أكثر أهل العمور فلحا فيما علمناه و أقومهم عليه و قل أن يلو منهم سلطان أو‬
‫سوقة عن فدان أو مزرعة أو فلح إل قليلً من أهل الصناعات و الهن أو الطراء على الوطن من الغزاة الجاهدين‪ .‬و لذا يتصهم السلطان ف‬
‫عطائهم بالعولة و أقواتم و علوفاتم من الزرع‪ .‬و إنا السبب ف غلء سعر البوب عندهم ما ذكرناه‪ .‬و لا كانت بلد الببر بالعكس من‬
‫ذلك ف زكاء منابتهم و طيب أرضهم ارتفعت عنهم الون جلة ف الفلح مع كثرته و عمومته فصار ذلك سببا لرخص القوات ببلدهم و‬
‫ال مقدر الليل والنهار و هو الواحد القهار ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر ف قصور أهل البادية عن سكن الصر الكثي العمران‬
‫والسبب ف ذلك أن الصر الكثي العمران يكثر ترفه كما قدمناه و تكثر حاجات ساكنه من أجل الترف‪ .‬و تعتاد تلك الاجات لا يدعو‬
‫إليها فتنقلب ضرورات و تصي فيه العمال كلها مع ذلك عزيزة و الرافق غالية بازدحام العراض عليها من أجل الترف و بالغارم السلطانية‬
‫الت توضع على السواق والبياعات و تعتب ف قيم البيعات و يعظهم فيها الغلء ف الرافق و أن أوقات والعمال فتكثر لذلك نفقات ساكنه‬
‫كثرة بالغة على نسبة عمرانه‪ .‬و يعظم خرجه فيحتاج حينئذ إل الال الكثي للنفقة على نفسه و عياله ف ضرورات عيشهم و سائر مؤونتهم‪.‬‬
‫والبدوي ل يكن دخله كثيا ساكنا بكان كاسد السواق ف العمال الت هي سبب الكسب فلم يتأهل كسبا و ل مالً فيتعذر عليه من‬
‫أجل ذلك سكن الصر الكبي لغلء مرافقه و عزة حاجاته‪ .‬و هو ف بدوه يسد حاجته بأقل العمال لنه قليل عوائد الترف ف معاشه و‬
‫سائر مؤونته فل يضطر إل الال و كل من يتشوف إل الصر و سكناه من البادية فسريعا ما يظهر عجزه و يفتضح ف استيطانه إل من يقدم‬
‫منهم تأثل الال و يصل له منه فوق الاجة و يري إل الغاية الطبيعية لهل العمران من الدعة و الترف فحينئذ ينتقل إل الصر و ينتظم‬
‫حالة مع أحوال أهله ف عوائدهم و ترفهم‪ .‬و هكذا شأن بداءة عمران المصار‪ .‬و ال بكل شيء ميط‪.‬‬
‫الفصل الرابع عشر ف أن القطار ف اختلف أحوالا بالرفه و الفقر مثل‬
‫المصار‬
‫إعلم أن ما توفر عمرانه من القطار و تعددت المم ف جهاته و كثر ساكنه اتسعت أحوال أهله و كثرت أموالم و أمصارهم و عظمت‬
‫دولم و مالكهم‪ .‬و السبب ف ذلك كله ما ذكرناه من كثرة العمال و ما سيأت ذكره من أنا سبب للثروة با يفصل عنها بعد الوفاء‬
‫بالضروريات ف حاجات الساكن من الفضلة البالغة على مقدار العمران و كثرته فيعود على الناس كسبا يتأثلونة حسبما نذكر ذلك ف‬
‫فصل العا ش و بيان الرزق و الكسب فيتزيد الرفه لذلك و تتسع الحوال و ييء الترف والغن و تكثر الباية للدولة بنفاق السواق فيكثر‬
‫مالا و يشمخ سلطانا و تتفنن ف اتاذ العاقل و الصون و اختطاط الدن و تشييد المصار‪ .‬و اعتب ذلك بأقطار الشرق مثل مصر و الشام‬
‫و عراق العجم و الند و الصي و ناحية الشمال كلها وأقطارها وراء البحر الرومي وعظمت لا كثر عمرانا كيف كثر الال فيهم و عظمت‬
‫دولتهم و تعددت مدنم و حواضرهم و عظمت متاجرهم و أحوالم‪ .‬فالذي نشاهده لذا العهد من أحوال تار المم النصرانية الواردين‬
‫على السلمي بالغرب ف رفههم و اتساع أحوالم أكثر من أن ييط به الوصف‪ .‬و كذا تار أهل الشرق و ما يبلغنا عن أحوالم و أبلغ‬
‫منها أهل الشرق القصى من عراق العجم و الند و الصي فإنه يبلغنا عنهم ف باب الغن و الرفه غرائب تسي الركبان بديثها و ربا تتلقى‬
‫بالنكار ف غالب المر‪ .‬و يسب من يسمعها من العامة أن ذلك لزيادة ف أموالم أو لن العادن الذهبية و الفضية أكثر بأرضهم أو لن‬
‫ذهب القدمي من المم استأثروا به دون غيهم و ليس كذلك فمعدن الذهب الذي نعرفه ف هذه القطار إنا هو من بلد السودان و هي‬
‫إل الغرب أقرب‪ .‬وجيع ما ف أرضهم من البضاعة فإنا يلبونه إل غي بلدهم للتجارة‪ .‬فلو كان الال عتيدا موفورا لديهم لا جلبوا‬
‫بضائعهم إل سواهم يبتغون با الموال و ل استغنوا عن أموال الناس بالملة‪ .‬و لقد ذهب النجمون لما رأوا مثل ذلك واستغربوا ما ف‬
‫الشرق من كثرة الحوال و اتساعها و وفور أموالا فقالوا بأن عطايا الكواكب و السهام ف مواليد الشرق أكثر منها حصصا ف مواليد أهل‬
‫الغرب و ذلك صحيح من جهة الطابقة بي الحكام النجومية و الحوال الرضية كما قلناه و هم إنا أعطوا ف ذلك السبب النجومي و‬
‫بقي عليهم أن يعطوا السبب الرضي و هو ما ذكرناه من كثرة العمران و اختصاصه بأرض الشرق وأقطاره و كثرة العمران تفيد كثرة‬
‫الكسب بكثرة قي العمال الت هي سببه فلذلك اختص الشرق بالرفه من بي الفاق ل إن ذلك لجرد الثر النجومي‪ .‬فقد فهمت ما أشرنا‬
‫لك أولً أنه ل يستقل بذلك و أن الطابقة بي حكمه و عمران الرض و طبيعتها أمر ل بد منه‪ .‬و اعتب حال هذا الرفه من العمران ف قطر‬
‫أفريقية و برقة لا خف سكنها وتناقص عمرانا كيف تلشت أحوال أهلها وانتهوا إل الفقر والصاصه‪ .‬و ضعفت جباياتا فقلت أموال‬
‫دولا بعد أن كانت دول الشيعة و صنهاجة با على ما بلغك من الرفه و كثرة البايات و اتساع الحوال ف نفقاتم و أعطياتم‪ .‬حت لقد‬
‫كانت الموال ترفع من القيوان إل صاحب مصر لاجاته و مهماته و كانت أموال الدولة بيث حل جوهر الكاتب ف سفر إل فتح مصر‬
‫ألف حل من الال يستعد با لرزاق النود و أعطياتم ونفقات الغزاة‪ .‬و قطر الغرب و أن كان ف القدي دون أفريقية فلم يكن بالقليل ف‬
‫ذلك و كانت أحواله ف دول الوحدين متسعة و جباياته موفورة و هو لذا العهد قد أقصر عن ذلك لقصور العمران فيه و تناقصه فقد ذهب‬
‫من عمران الببر فيه أكثره و نقص عن معهوده نقصا ظاهرا مسوسا‪ ،‬و كاد أن يلحق ف أحواله بثل أحوال أفريقية بعد أن كان عمرانه‬
‫متصلً من البحر الرومي إل بلد السودان ف طول ما بي السوس القصى و برقة‪ .‬و هي اليوم كلها أو أكثرها قفار و خلء و صحارى إل‬
‫ما هو منها بسيف البحر أو ما يقاربه من التلول و ال وارث الرض ومن عليها و هو خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل الامس عشر ف تأثل ا لعقار و الضياع ف المصار و حال فوائدها و‬


‫مستغلتا‬
‫اعلم أن تأثل العقار و الضياع الكثية لهل المصار و الدن ل يكون دفعة واحدة و ل ف عصر واحد إذ ليس يكون لحد منهم من الثروة‬
‫ما يلك به الملك الت ترج قيمتها عن الد و لو بلغت أحوالم ف الرفه ما عسى أن تبلغ‪ .‬وإنا يكون ملكهم و تأثلهم لا تدريا أما‬
‫بالوراثة من آبائه و ذوي رحه حت تتأدى أملك الكثيين منهم إل الواحد و أكثر لذلك أو أن يكون بوالة السواق فإن العقار ف آخر‬
‫الدولة و أول الخرى عند فناء الامية و خرق السياج وتداعى الصر إل الراب تقل الغبطة به لقلة النفعة فيها بتلشي الحوال فترخص‬
‫قيمتها و تتملك بالثان اليسية و تتخلى بالياث إل ملك آخر و قد استجد الصر شبابه باستفحال الدولة الثانية و انتظمت له أحوال رائقة‬
‫حسنة تصل معها الغبطة ف العقار والضياع لكثرة منافعها حينئذ فتعظم قيمها و يكون لا خطر ل يكن ف الول‪ .‬و هذا معن الوالة فيها‬
‫و يصبح مالكها من أغن أهل الصر و ليس ذلك بسعيه و اكتسابه إذ قدرته تعجز عن مثل ذلك‪ .‬و أما فوائد العقار و الضياع فهي غي‬
‫كافية لالكها ف حاجات معاشه إذ هي ل تفي بوائد الترف و أسبابه و إنا هي ف الغالب لسد اللة و ضرورة العاش‪ .‬و الذي سعناه من‬
‫مشيخة البلدان أن القصد باقتناء اللك من العقار والضياع إنا هو الشية على من يترك خلفه من الذرية الضعفاء ليكون مرباهم به و رزقه‬
‫فيه و نشؤهم بفائدته ما داموا عاجزين عن الكتساب فإذا اقتدروا على تصيل الكاسب سعوا فيها بأنفسهم و ربا يكون من الولد من‬
‫يعجز عن التكسب لضعف ف بدنه أو آفة ف عقله العاشي فيكون ذلك العقار قواما لاله‪ .‬هذا قصد الترفي ف اقتنائه‪ .‬و أما التمول منه‬
‫وإجراء أحوال الترفي فل‪ .‬و قد يصل ذلك منه للقليل أو النادر بوالة السواق و حصول الكثرة البالغة منه و العال ف جنسه و قيمته ف‬
‫الصر إل أن ذلك إذا حصل ربا امتدت إليه أعي المراء و الولة و اغتصبوه ف الغالب أو أرادوه على بيعه منهم و نالت أصحابه منه مضار‬
‫و معاطب و ال غالب على أمره و هو رب العرش العظيم‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر ف حاجات التمولي من أهل المصار إل الاه و‬


‫الدافعة‬
‫وذلك أن الضري إذا عظم توله و كثر للعقار و الضياع تأثله و أصبح أغن أهل الصر و رمقته العيون بذلك و انفسحت أحواله ف الترف‬
‫و العوائد زاحم عليها المراء و اللوك و غصوا به‪ .‬و لا ف طباع البشر من العدوان تتد أعينهم إل تلك ما بيده و ينافسونه فيه و يتحيلون‬
‫على ذلك بكل مكن حت يصلوه ف ربقة حكمه سلطان و سبب من الؤاخذة ظاهر ينتزع به ماله و أكثر الحكام السلطانية جائزة ف‬
‫الغالب إذ العدل الحض إنا هو ف اللفة الشرعية و هي قليلة اللبث قال صلى ال عليه وسلم اللفة بعدي ثلثون سنة ث‪ .‬تعود ملكا‬
‫عضوضا‪ .‬فل بد حينئذ لصاحب الال و الثروة الشهية ف العمران من حامية تذود عنه و جاه ينسحب عليه من ذي قرابة للملك أو خالصة‬
‫له أو عصبية يتحاماها السلطان فيستظل هو بظلها و يرتع ف أمنها من طوارق التعدي‪ .‬و أن ل يكن له ذلك أصبح نبا بوجوه التخيلت و‬
‫أسباب الكام‪ .‬و ال يكم ل معقب لكمه‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر ف أن الضارة ف المصار من قبل ا لدول و أنا ترسخ‬


‫باتصال الدولة ورسوخها‬
‫و السبب ف ذلك أن الضارة هي أحوال عادية زائدة على الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفه و تفاوت المم ف‬
‫القلة و الكثرة تفاوتا غي منحصر و تقع فيها عند كثرة التفنن ف أنواعها و أصنافها فتكون بنلة الصنائع و يتاج كل صنف منها إل القومة‬
‫عليه و الهرة فيه و بقدر ما يتزيد من أصنافها تتزيد أهل‪ .‬صناعتها و يتلون ذلك اليل با و مت اتصلت اليام و تعاقبت تلك الصناعات‬
‫حذق أولئك الصناع ف صناعتهم و مهروا ف معرفتها و العصار بطولا و انفساح أمدها و تكرير أمثالا تزيدها استحكاما و رسوخا و‬
‫أكثر ما يقع ذلك ف المصار لستجار العمران و كثرة الرفه ف أهلها‪ .‬و ذلك كله إنا ييء من قبل الدولة لن الدولة تمع أموال الرعية و‬
‫تنفقها ف بطانتها و رجالا وتتسع أحوالم بالاه أكثر من أتساعها بالال فيكون دخل تلك الموال من الرعايا و خرجها ف أهل الدولة ث‬
‫ف من تعلق بم من أهل الصر و هم الكثر فتعظم لذلك ثروتم ويكثر غناهم و تتزيد عوائد الترف و مذاهبه و تستحكم لديهم الصنائع ف‬
‫سائر فنونه و هذه هي الضارة‪ .‬و لذا تد المصار الت ف القاصية و لو كانت موفورة العمران تغلب عليها أحوال البداوة و تبعد عن‬
‫الضارة ف جيع مذاهبها بلف الدن التوسطة ف القطار الت هي مركز الدولة و مقرها و ما ذاك إل لجاورة السلطان لم و فيض أمواله‬
‫فيهم كالاء يضر ما قرب منه فما قرب من الرض إل أن ينتهي إل الفوف على البعد و قد قدمنا أن السلطان و الدولة سوق للعال‪.‬‬
‫فالبضائع كلها موجودة ف السوق و ما قرب منه و إذا أبعدت عن السوق افتقدت البضائع جلة ث أنه إذا اتصلت تلك الدولة و تعاقب‬
‫ملوكها ف ذلك الصر واحدا بعد واحد استحكمت الضارة فيهم و زادت رسوخا و اعتب ذلك ف اليهود لا طال ملكهم بالشام نوا من‬
‫ألف و أربعمائة سني رسخت حضارتم و حذقوا ف أحوال العا ش و عوائده و التفنن ف صناعاته من الطاعم و اللبس و سائر أحوال‬
‫النل حت أنا لتؤخذ عنهم ف الغالب إل اليوم‪ .‬و رسخت الضارة أيضا و عوائدها ف الشام منهم و من دولة الروم بعدهم ستمائة سنة‬
‫فكانوا ف غاية الضارة‪ .‬و كذلك أيضا القبط دام ملكهم ف الليقة ثلثة آلف من السني فرسخت عوائد الضارة ف بلدهم مصر‬
‫وأعقبهم با ملك اليونان و الروم ث ملك السلم الناسخ للكل‪ .‬فلم تزل عوائد الضارة با متصلة و كذلك أيضا رسخت عوائد الضارة‬
‫باليمن لتصال دولة العرب با منذ عهد العمالقة و التبابعة آلفا من السني و أعقبهم ملك مصر‪ .‬و كذلك الضارة بالعراق لتصال دولة‬
‫النبط و الفرس با من لدن الكلدانيي و الكيانية و الكسروية و العرب بعدهم آلفا من السني فلم يكن على وجه الرض لذا العهد أحضر‬
‫من أهل الشام و العراق و مصر‪ .‬و كذا أيضا رسخت عوائد الضارة و استحكمت بالندلس لتصال الدولة العظيمة فيها للقوط ث ما‬
‫أعقبها من ملك بن أمية آلفا من السني و كلتا الدولتي عظيمة فاتصلت فيها عوائد الضارة و استحكمت‪ .‬و أما أفريقية و الغرب فلم‬
‫يكن با قبل السلم ملك ضخم إنا قطع الفرنة إل أفريقية البحر و ملكوا الساحل و كانت طاعة الببر أهل الضاحية لم طاعة غي‬
‫مستحكمة فكانوا على قلعة و أوفاز و أهل الغرب ل تاورهم دولة و إنا كانوا يبعثون بطاعتهم إل القوط من وراء البحر ولا جاء ال‬
‫بالسلم و ملك العرب أفريقية و الغرب ل يلبث فيهم ملك العرب إل قليلً أول السلم و كانوا لذلك العهد ف طور البداوة و من استقر‬
‫منهم بإفريقية والغرب ل يد بما من الضارة ما يقلد فيه من سلفة إذ كانوا برابر منغمسي ف البداوة ث انتقض برابرة الغرب القصى‬
‫لقرب العهود على ميسرة الطفري أيام هشام بن عبد اللك و ل يراجعوا أمر العرب بعد و استقلوا بأمر أنفسهم و إن بايعوا لدريس فل‬
‫تعد دولته فيهم عربية لن الباير هم الذين تولوها و ل يكن من العرب فيها كثي عدد و بقيت أفريقية للغالبة و من إليهم من العرب فكان‬
‫لم من الضارة بعض الشيء با حصل لم من ترف اللك و نعيمه و كثرة عمران القيوان و ورث ذلك عنهم كتامة ث صنهاجة من بعدهم‬
‫و ذلك كله قليل ل يبلغ أربعمائة سنة و انصرمت دولتهم و استحالت صبغة الضارة با كانت غي مستحكمة و تغلب بدو العرب اللليي‬
‫عليها و خربوها و بقي أثر خفي من حضارة العمران فيها و إل هذا العهد يونس فيمن سلف له بالقلعة أو القيوان أو الهدية سلف فتجد له‬
‫من الضارة ف شؤن منله و عوائد أحواله آثارا ملتبسة بغيها ييزها الضري البصي با و كذا ف أكثر أمصار أفريقية و ليس كذلك ف‬
‫الغرب و أمصاره لرسوخ الدولة بأفريقية أكثر أمدا منذ عند الغالبة و الشيعة وصنهاجة و أما الغرب فانتقل إليه منذ دولة الوحدين من‬
‫الندلس حظ كبي من الضارة و استحكمت به عوائدها با كان لدولتهم من الستيلء على بلد الندلس و انتقل الكثي من أهلها إليهم‬
‫طوعا و كرها و كانت من اتساع النطاق ما علمت فكان فيها حظ صال من الضارة و استحكامها و معظمها من أهل الندلس ث انتقل‬
‫أهل شرف الندلس عند جالية النصارى إل أفريقية فأبقوا فيها وبأمصارها من الضارة آثارا و معظمها بتونس امتزجت بضارة مصر و ما‬
‫ينقله السافرون من عوائدها فكان بذلك للمغرب و أفريقية حظ صال من الضارة عفي عليه اللء و رجع إل أعقابه و عاد الببر بالغرب‬
‫إل أديانم من البداوة و الشونة و على كل حال فآثار الضارة بإفريقية أكثر منها بالغرب و أمصاره لا تداول فيها من الدول السالفة أكثر‬
‫من الغرب و لقرب عوائدهم من عوائد أهل مصر بكثرة الترددين بينهم‪ .‬فتفطن لذا السر فإنه خفي عن الناس‪ .‬و اعلم أنا أمور متناسبة و‬
‫هي حال الدولة ف القوة و الضعف و كثرة المة أو اليل و عظم الدينة أو الصر و كثرة النعمة و اليسار و ذلك أن الدولة و اللك صورة‬
‫الليفة و العمران وكلها مادة لا من الرعايا و المصار و سائر الحوال و أموال الباية عائدة عليهم ويسارهم ف الغالب من أسواقهم و‬
‫متاجرهم و إذا أفاض السلطان عطاءه و أمواله ف أهلها انبثت فيهم و رجعت إليه ث إليهم منه فهي ذاهبة عنهم ف الباية و الراج عائدة‬
‫عليهم ف العطاء فعلى نسبة حال الدولة يكون يسار الرعايا و على يسار الرعايا و كثرتم يكون مال الدولة و أصله كله العمران و كثرته‬
‫فاعتبه و تأمله ف الدول تده و ال يكم و ل معقب لكمه‪.‬‬
‫الفصل الثامن عشر ف أن الضارة غاية العمران و ناية لعمره و أنا مؤذنة‬
‫بفساده‬
‫قد بينا لك فيما سلف أن اللك و الدولة غاية للعصبية و أن الضارة غاية للبداوة و أن العمران كله من بداوة و حضارة و ملك و سوقة له‬
‫عمر مسوس كما أن للشخص الواحد من أشخاص الكونات عمرا مسوسا و تبي ف العقول والنقول أن الربعي للنسان غاية ف تزايد‬
‫قواه و نوها و أنه إذا بلغ سن الربعي و قفت الطبيعة عن أثر النشوء و النمو برهة ث تأخذ بعد ذلك ف النطاط‪ .‬فلتعلم أن الضارة ف‬
‫العمران أيضا كذلك لنه غاية ل مزيد وراءها و ذلك أن الترف و النعمة إذا حصل لهل العمران دعاهم بطبعه إل مذاهب الضارة و‬
‫التخلق بعوائدها و الضارة كما علمت هي التفنن ف الترف و استجاده أحواله و الكلف بالصنائع الت تؤنق من أصنافه و سائر فنونه من‬
‫الصنائع الهيئة للمطابخ أو اللبس أو البان أو الفرش أو النية و لسائر أحوال النل‪ .‬و للتأنق ف كل واحد من هذه صنائع كثية ل يتاج‬
‫إليها عند البداوة و عدم التأنق فيها‪ .‬و إذا بلغ أن التأنق ف هذه الحوال النلية الغاية تبعه طاعة الشهوات فتتلون النفس من تلك العوائد‬
‫بألوان كثية ل يستقيم حالا معها ف دينها و ل دنياها أما دينها فلستحكام صبغة العوائد الت يعسر نزعها و أما دنياها فلكثرة الاجات و‬
‫الؤنات ائت تطالب با العوائد و يعجز و ينكب عن الوفاء با‪ .‬و بيانه أن‪ ،‬الصر بالتفنن ف الضارة تعظم نفقات أهله و الضارة تتفاوت‬
‫بتفاوت العمران فمت كان العمران أكثر كانت الضارة أكمل‪ .‬و قد كنا قدمنا أن الصر الكثي العمران يتص بالغلء ف أسواقه و أشعار‬
‫حاجته‪ .‬ث تزيدها الكوس غلة لن الضارة إنا تكون عند انتهاء الدولة ف استفحالا و هو زمن وضع الكوس ف الدول لكثرة خرجها‬
‫حينئذ كما تقدم‪ .‬و الكوس تعود إل البياعات بالغلء لن السوقة و التجار كلهم يتسبون على سلعهم و بضائعهم جيع ما ينفقونه حت ف‬
‫ل ف قيم البيعات و أثانا‪ .‬فتعظم نفقات أهل الضارة و ترج عن القصد إل السراف‪ .‬و ل يدون‬ ‫مؤنة أنفسهم فيكون الكس لذلك داخ ً‬
‫و ليجة عن ذلك لا ملكهم من أثر العوائد و طاعتها و تذهب مكاسبهم كلها ف النفقات و يتتابعون ف الملق و الاصة و يغلب عليهم‬
‫الفقر و يقل الستامون للبضائع فتكسد السواق و يفسد حال الدينة و داعية ذلك كله إفراط الضارة و الترف‪ .‬و هذه مفسدات ف الدينة‬
‫على العموم ف السواق و العمران‪ .‬و أما فساد أهلها ف ذاتم واحدا واحدا على الصوص فمن الكد و التعب ف حاجات العوائد و التلون‬
‫بألوان الشر ف تصيلها و ما يعود على النفس من الضرر بعد تصيلها بصول لون آخر من ألوانا‪ .‬فلذلك يكثر منهم الفسق و الشر و‬
‫السفسفة و التحيل على تصيل العاش من وجهه و من غي وجهه‪ .‬و تنصرف النفس إل الفكر ف ذلك و الغوص عليه و استجماع اليلة له‬
‫فتجدهم أجرياء على الكذب و القامرة و الغش و اللبة و السرقة و الفجور ف اليان و الربا ف البياعات ث تدهم لكثرة الشهوات و‬
‫اللذ الناشئة عن الترف أبصر بطرق الفسق و مذاهبه و الجاهرة به و بداوعيه و اطراح الشمة ف الوض فيه حت بي القارب و ذوي‬
‫الرحام و الحارم الذين تقتضي البداوة الياء منهم ف القذاع بذلك‪ .‬و تدهم أيضا أبصر بالكر و الديعة يدفعون بذلك ما عساه أن‬
‫ينالم من القهر و ما يتوقعونه من العقاب على تلك القبائح حت يصي ذلك عادة و خلقا لكثرهم إل من عصمه ال‪ .‬و يوج بر الدينة‬
‫بالسفلة من أهل الخلق الذميمة و ياريهم فيها كثي من ناشئة الدولة وولدانم من أهل عن التأديب و أهلته الدولة من عدادها و غلب‬
‫عليه خلق الوار و إن كانوا أهل أنساب و بيوتات و ذلك أن الناس بشر متماثلون و إنا تفاضلوا و تيزوا باللق و اكتساب الفضائل و‬
‫اجتناب الرذائل‪ .‬فمن استحكمت فيه صبغة الرذيلة بأي وجه كان‪ ،‬و فسد خلق الي فيه‪ ،‬ل ينفعه زكاء نسبه و ل طيب منبته‪ .‬و لذا تد‬
‫كثيا من أعقاب البيوت و ذوي الحساب و الصالة و أهل الدول منطرحي ف الغمار منتحلي للحرف الدنيئة ف معاشهم با فسد من‬
‫أخلقهم و ما تلونوا به من صبغة الشر و السفسفة و إذا كثر ذلك ف الدينة أو المة تأذن ال برابا و انقراضها و هو معن قوله تعال‪ :‬و‬
‫إذا أردنا أن نلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميا‪ .‬و وجهه حينئذ إن مكاسبهم حينئذ ل تفي باجاتم‬
‫لكثرة العوائد و مطالبة النفس با فل تستقيم أحوالم‪ .‬و إذا فسدت أحوال الشخاص واحدا واحدا اختل نظام الدينة و خربت وهذا معن‬
‫ما يقوله بعض أهل الواص أن الدينة إذا كثر فيها غرس النارنج تأذنت بالراب حت أن كثيا من العامة يتحامى غرس النارنج بالدور تطيا‬
‫به‪ .‬و ليس الراد ذلك و ل أنه خاصية ف النارنج و إنا معناه أن البساتي وإجراء الياه هو من توابع الضارة‪ .‬ث أن النارنج و اللية و السرو‬
‫و أمثال ذلك ما ل طعم فيه و ل منفعة هو من غاية الضارة إذ ل يقصد با ف البساتي إل أشكالا فقط ول تغرس إل بعد التفنن ف‬
‫مذاهب الترف‪ .‬و هذا هو الطور الذي يشى معه هلك الصر و خرابه كما قلناه‪ .‬و لقد قيل مثل ذلك ف الدفلى و هو من هذا الباب إذ‬
‫الدفلى ل يقصد با إل تلون البساتي بنورها ما بي أحر وأبيض و هو من مذاهب الترف‪ .‬و من مفاسد الضارة النماك ف الشهوات و‬
‫السترسال فيها لكثرة الترف فيقع التفنن ف شهوات البطن من الآكل و اللذ و الشارب وطيبها‪ .‬و يتبع ذلك التفنن ف شهوات الفرج‬
‫بأنواع الناكح من الزنا و اللواط‪ ،‬فيفضي ذلك إل فساد النوع‪ .‬إما بواسطة اختلط النساب كما ف الزنا‪ ،‬فيجهل كل واحد ابنه‪ ،‬إذ هو‬
‫لغي رشدة‪ ،‬لن الياه متلطة ف الرحام‪ ،‬فتفقد الشفقة الطبيعية على البني و القيام عليهم فيهلكون‪ ،‬و يؤدي ذلك إل انقطاع النوع‪ ،‬أو‬
‫يكون فساد النوع بغي واسطة‪ ،‬كما ف اللواط الؤدي إل عدم النسل رأسا و هو أشد ف فساد النوع‪ .‬و الزنا يؤدي إل عدم ما يوجد منه‪.‬‬
‫و لذلك كان مذهب مالك رحه ال ف اللواط أظهر من مذهب غيه‪ ،‬و دل على أنه أبصر بقاصد الشريعة واعتبارها للمصال‪.‬‬
‫فافهم ذلك و اعتب به أن غاية العمران هي الضارة و الترف و أنه إذا بلغ غايته انقلب إل الفساد و أخذ ف الرم كالعمار الطبيعية‬
‫للحيوانات‪ .‬بل نقول إن الخلق الاصلة من الضارة و الترف هي عي الفساد لن النسان إنا هو إنسان باقتداره على جلب منافعه و‬
‫دفع مضاره و استقامة خلقه للسعي ف ذلك‪ .‬و الضري ل يقدر على مباشرته حاجاته أما عجزا لا حصل له من الدعة أو ترفا لا حصل‬
‫من الرب ف النعيم و الترف و كل المرين ذميم‪ .‬و كذلك ل يقدر على دفع الضار و استقامة خلقه للسعي ف ذلك‪ .‬و الضري با قد فقد‬
‫من خلق النسان بالترف و النعيم ف قهر التأديب و التعلم فهو بذلك عيال على الامية الت تدافع عنه‪ .‬ث هو فاسد أيضا غالبا با فسدت‬
‫منه العوائد و طاعتها ف ما تلونت به النفس من مكانتها كما قررناه إل ف القل النادر‪ .‬و إذا فسد النسان ف قدرته على أخلقه و دينه‬
‫فقد فسدت إنسانيته و صار مسخا على القيقة‪ .‬و بذا العتبار كان الذين يتقربون من جند السلطان إل البداوة و الشونة أنفع من الذين‬
‫يتربون على الضارة و خلقها‪ .‬موجودون ف كل دولة‪ .‬فقد تبي أن الضارة هي سن الوقوف لعمر العال ف العمران و الدولة و ال‬
‫سبحانه و تعال كل يوم هو ف شأن ل يشغله شأن عن شأن‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر ف أن المصار الت تكون كراسي للملك ترب براب‬
‫الدولة وانقراضها‬
‫قد استقرينا ف العمران أن الدولة إذا اختلت و انتقصت فإن الصر الذي يكون كرسيا لسلطانا ينتقض عمرانه و ربا ينتهي ف انتقاضه إل‬
‫الراب و ل يكاد ذلك يتخلف‪ .‬و السبب فيه أمور‪ :‬الول أن الدولة ل بد ف أولا من البداوة القتضية للتجاف عن أموال الناس و البعد عن‬
‫التحذلق‪ .‬و يدغو ذلك إل تفيف الباية و الغارم‪ .‬الت منها مادة الدولة فتقل النفقات و يقل الترف فإذا صار الصر الذي كان كرسيا‬
‫للملك ف ملكة هذه الدولة التجددة و نقصت أحوال الترف فيها نقص الترف فيمن تت أيديها من أهل الصر لن الرعايا تبع الدولة‬
‫فيجعون إل خلق الدولة أما طوعا لا ف طباع البشر من تقليد متبوعهم أو كرها لا يدعو إليه خلق الدولة من النقباض عن الترف ف جيع‬
‫الحوال و قلة الفوائد الت هي مادة العوائد فتقصر لذلك حضارة الصر و يذهب معه كثي من عوائد الترف‪ .‬و هو معن ما نقول ف خراب‬
‫الصر‪ .‬المر الثان أن الدولة إنا يصل لا اللك و الستيلء بالغلب‪ ،‬و إنا يكون بعد العداوة و الروب‪ .‬و العداوة تقتضي منافاة بي أهل‬
‫الدولتي و تكثر إحداها على الخرى ف العوائد والحوال‪ .‬و غلب أحد التنافيي يذهب بالناف الخر فتكون أحوال الدولة السابقة منكرة‬
‫عند أهل الدولة الديدة و مستبشعة و قبيحة‪ .‬و خصوصا أحوال الترف فتفقد ف عرفهم بنكي الدولة لا حت تنشأ لم بالتدريج عوائد‬
‫أخرى من الترف فتكون عنها حضارة مستأنفة‪ .‬و فيما بي ذلك قصور الضارة الول ونقصها و هو معن اختلل العمران ف الصر‪ .‬المر‬
‫الثالث أن كل أمة ل بد لم من وطن و هو منشآهم و منه أولية ملكهم‪ .‬و إذا ملكوا ملكا آخر صار تبعا للول وأمصاره تابعة لمصار‬
‫الول‪ .‬و أتسع نطاق اللك عليهم‪ .‬و ل بد من توسط الكرسي بي توم المالك الت للدولة لنه شبه الركز للنطاق فيبعد مكانه عن مكان‬
‫الكرسي الول و توي أفئدة الناس من أجل الدولة و السلطان فينتقل إليه العمران و يف من مصر الكرسي الول‪ .‬و الضارة إنا هي توفر‬
‫العمران كما قدمناه فتنقص حضارته و تدنه‪ .‬و هو معن اختلله‪ .‬و هذا كما وقع للسلجوقية ف عدولم بكرسيهم عن بغداد إل أصبهان و‬
‫للعرب قبلهم ف العدول عن الدائن إل الكوفة و البصرة‪ ،‬و لبن العباس ف العدول عن دمشق إل بغداد و لبن مرين بالغرب ف العدول عن‬
‫مراكش إل فاس‪ .‬و بالملة فاتاذ الدولة الكرسي ف مصر يل بعمران الكرسي الول‪ .‬المر الرابع أن الدولة الثانية ل بد فيها من أهل‬
‫الدولة السابقة و أشياعها بتحويلهم إل قطر آخر هو من فيه غائلتهم على الدولة و أكثر أهل الصر الكرسي أتباع الدولة‪ .‬أما من الامية‬
‫الذين نزلوا به أول الدولة أو أعيان الصر لن لم ف الغالب مالطة للدولة على طبقاتم و تنوع أصنافهم‪ .‬بل أكثرهم ناشئ ف الدولة فهم‬
‫شيعة لا‪ .‬و إن ل يكونوا بالشوكة والعصبية فهم باليل و الحبة و العقيدة‪ .‬و طبيعة الدولة التجددة مو آثار الدولة السابقة فينقلهم من مصر‬
‫الكرسي إل و طنها التمكن ف ملكتها‪ .‬فبعضهم على نوع التغريب و البس و بعضهم على نوع الكرامة و التلطف بيث ل يؤدي إل‬
‫النفرة حت ل يبقى ف مصر الكرسي إل الباعة و المل من أهل الفلح و العيارة و سواد العامة و ينل مكانم حاميتها و أشياعها من يشتد به‬
‫الصر وإذا ذهب من الصر أعيانم على طبقاتم نقص ساكنه و هو معن اختلل عمرانه‪ .‬ث ل بد من أن يستجد عمران آخر ف ظل الدولة‬
‫الديدة و تصل فيه حضارة أخرى على قدر الدولة‪ .‬و إنا ذلك بثابة من له بيت على أوصاف مصوصة فاظهر من قدرته على تغيي تلك‬
‫الوصاف و إعادة بنائها على ما يتاره و يقترحه فيخري ذلك البيت ث يعيد بناءه ثانيا‪ .‬و قد و قع من ذلك كثي ف المصار الت هي‬
‫كراسي للملك و شاهدناه‪ .‬و عرفناه و ال يقدر الليل و النهار‪ .‬و السبب الطبيعي الول ف ذ لك على الملة أن الدولة و اللك للعمران‬
‫بثابة الصورة للمادة و هو الشكل الافظ بنوعه لوجودها‪ .‬و قد تقرر ف علوم الكمة أنه ل يكن انفكاك أحدها عن الخر‪ .‬فالدولة دون‬
‫العمران ل تتصور و العمران دون الدولة و اللك متعذر لا ف طباع البشر من العدوان الداعي إل الوازع فتتعي السياسة لذلك أما الشريعة‬
‫أو اللكية و هو معن الدولة و إذا كانا ل ينفكان فاختلل أحدها ف مؤثر ف اختلل الخر كما أن عدمه مؤثر ف عدمه و اللل العظيم إنا‬
‫يكون من خلل الدولة الكلية مثل دولة الروم أو الفرس أو العرب على العموم أو بن أمية أو بن العباس كذلك‪ .‬و أما الدولة الشخصية مثل‬
‫دولة أنو شروان أو هرقل أو عبد اللك بن مروان أو الرشيد فأشخاصها متعاقبة على العمران حافظة لوجوده و بقائه و قريبة الشبه بعضها‬
‫من بعض فل تؤثر كثي اختلل لن الدولة بالقيقة الفاعلة ف مادة العمران إنا هي العصبية و الشوكة و هي مستمرة على أشخاص الدولة‬
‫فإذا ذهبت تلك العصبية و دفعتها عصبية أخرى مؤثرة ف العمران ذهبت أهل الشوكة بأجعهم و عظم اللل كما قررناه أو ًل و ال سبحانه‬
‫و تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل العشرون ف اختصاص بعض المصار ببعض الصنائع دون بعض‬


‫وذلك أنه من البي أن أعمال أهل الصر يستدعي بعضها بعضا لا ف طبيعة العمران من التعاون و ما يستدعي من العمال يتص ببعض أهل‬
‫الصر فيقومون عليه و يستبصرون ف صناعته و يتصون بوظيفته و يعلون معاشهم فيه و رزقهم منه لعموم البلوى به ف الصر والاجة إليه‪.‬‬
‫و ما ل تستدعي ف الصر يكون غفلً إذ ل فائدة لنتحله ف الحتراف به‪ .‬و ما يستدعي من ذلك لضرورة العاش فيوجد ف كل مصر‬
‫كالياط و الداد و النجار وأمثالا و ما يستدعي لعوائد الترف وأحواله فإنا يوجد ف الدن الستبحرة ف العمارة الخذة ف عوائد الترف‬
‫والضارة مثل الزجاج و الصائغ و الدهان و الطباخ و الصفار و السفاج و الفراش والذباح و أمثال هذه و هي متفاوتة‪ .‬و بقدر ما تزيد‬
‫الضارة و تستدعي أحوال الترف تدث صنائع لذلك النوع فتوجد بذلك الصر دون غيه و من هذا الباب المامات لنا إنا توجد ف‬
‫المصار الستحضرة الستبحرة العمران لا يدعو إليه الترف و الغن من التنعم و لذلك ل تكون ف الدن التوسطة‪ .‬و أن نزع بعض اللوك و‬
‫الرؤساء إليها فيختطها و يري أحوالا‪ .‬إل أنا إذا ل تكن لا داعية من كافة الناس فسرعان ما تجر و ترب و تفر عنها القومة لقلة فائدتم‬
‫ومعاشهم منها‪ .‬و ال يقبض و يبسط‪.‬‬

‫الفصل الادي و العشرون ف و جود العصبية ف المصار و تغلب بعضهم‬


‫على بعض‬
‫من البي أن اللتحام أو التصال موجود ف طباع البشر و أن ل يكونوا أهل نسب واحد إل أنه كما قدمناه أضعف ما يكون بالنسب و أنه‬
‫تصل به العصبية بعضا ما تصل بالنسب‪ .‬و أهل المصار كثي منكم ملتحمون بالصهر يذب بعضهم بعضا إل أن يكونوا لما لما و‬
‫قرابة قرابة و تد بينهم من العداوة والصداقة ما يكون بي القبائل و العشائر مثله فيفترقون شيعا و عصائب فإذا نزل الرم بالدولة و تقلص‬
‫ظل الدولة عن القاصية احتاج أهل أمصارها إل القيام على أمرهم و النظر ف حاية بلدهم و رجعوا إل الشورى و تيز العلية عن السفلة و‬
‫النفوس بطباعها متطاولة إل الغلب و الرئاسة فتطمح الشيخة للء الو من السلطان و الدولة القاهرة إل الستبداد و تنازع كل صاحبه و‬
‫يستوصلون بالتباع من الوال و الشيع و الحلف و يبذلون ما ف أ يديهم للوغاد و الوشاب فيعصوصب كل لصاحبه و يتعي الغلب‬
‫لبعضهم فيعطف على أكفائه ليقص من أعنتهم و يتتبعهم بالقتل أو التغريب حت يضد منهم الشوكات النافذة و يقلم الظفار الادشة و‬
‫يستبد بصر أجع و يرى أنه قد استحدث ملكا يورثه عقبه فيحدث ف ذلك اللك الصغر ما يدث ف اللك العظم من عوارض الدة‬
‫والرم و ربا يسمو بعض هؤلء إل مناخ اللوك العاظم أصحاب القبائل والعشائر و العصبيات و الزحوف و الروب و القطار و المالك‬
‫فينتحلون با من اللوس على السرير و اتاذ اللة و إعداد الواكب للسي ف أقطار البلد و التختم والتحية و الطاب بالتهويل ما يسخر منه‬
‫من يشاهد أحوالم لا انتحلوه من شارات اللك الت ليسوا لا بأهل‪ .‬إنا دفعهم إل ذلك تقلص الدولة و التحام بعض القرابات حت صارت‬
‫عصبية‪ .‬و قد يتنه بعضهم عن ذلك و يري على مذهب السذاجة فرارا من التعريض بنفسه للسخرية و العبث‪ .‬و قد وقع هذا بأفريقية لذا‬
‫العهد ف آخر الدولة الفصية لهل بلد الربد من طرابلس وقابس و تؤزر و نفطة و قفصة و بسكرة و الزاب و ما إل ذلك‪ .‬سوا إل‬
‫مثلها عند تقلص ظل الدولة عنهم منذ عقود من السني فاستغلبوا على أمصارهم و استبدوا بأمرها على الدولة ف الحكام و الباية‪ .‬و‬
‫أعطوا طاعة معروفة و صفقة مرضة و أقطعوها جانبا من اللينة و اللطفة و النقياد و هم بعزل عنه‪ .‬و أورثوا ذلك أعقابم لذا العهد‪ .‬و‬
‫حدث ف خلفهم من الغلظة و التجب ما يدث لعقاب اللوك و خلفهم و نظموا أنفسهم ف عداد السلطي على قرب عهدهم بالسوقة‬
‫حت ما ذلك مولنا أمي الؤمني أبو العباس و انتزع ما كان بأيديهم من ذلك كما نذكره ف أخبار الدولة‪ .‬و قد كان مثل ذلك و قع ف‬
‫آخر الدولة الصنهاجية‪ .‬و استقل بأمصار الريد أهلها و استبدوا على الدولة حت انتزع ذلك منهم شيخ الوحدين وملكهم عبد الؤمن بن‬
‫علي و نقلهم من إماراتم با إل الغرب و ما من تلك البلد آثارهم كما نذكر ف أخباره‪ .‬و كذا و قع بسبتة لخر دولة بن عبد الؤمن‪.‬‬
‫وهذا التغلب يكون غالبا ف أهل السروات و البيوتات الرشحي للمشيخة و الرئاسة ف الصر‪ ،‬و قد يدذث التغلب لبعض السفلة من‬
‫الغوغاء والدهاء‪ .‬و إذا حصلت له العصبية و اللتحام بالوغاد لسباب يرها له القدار فيتغلب على الشيخة والعلية إذا كانوا فاقدين‬
‫للعصابة و ال سبحانه و تعال غالب على أمره‪.‬‬

‫الفصل الثان و العشرون ف لغات أهل المصار‬


‫إعلم أن لغات أهل المصار إنا تكون بلسان المة أو اليل الغالبي عليها أو الختطي لا و لذلك كانت لغات المصار السلمية كلها‬
‫بالشرق و الغرب لذا العهد عربية و أن كان اللسان العرب الصري قد فسدت ملكته و تغي إعرابه والسبب ف ذلك ما و قع للدولة‬
‫السلمية من الغلب على المم و الدين و اللة صورة للوجود و للملك‪ .‬و كلها مواد له و الصورة مقدمة على الادة و الدين إنا يستفاد من‬
‫الشريعة و هي بلسان العرب لا أن النب صلى ال عليه و سلم عرب فوجب هجر ما سوى اللسان العرب من اللسن ف جيع مالكها‪ .‬و‬
‫اعتب ذلك ف ني عمر رضي ال عنه عن بطالة العاجم و قال إنا خب‪ .‬أي مكر و خديعة‪ .‬فلما هجر الدين اللغات العجمية و كان‬
‫لسان القائمي بالدولة السلمية عربيا هجرت كلها ف جيع مالكها لن الناس تبع للسلطان و على دينه فصار استعمال اللسان العرب من‬
‫شعائر السلم و طاعة العرب‪ .‬و هجر المم لغاتم و ألسنتهم ف جيع المصار والمالك‪ .‬و صار اللسان العرب لسانم حت رسخ ذلك لغة‬
‫ف جيع أمصارهم ومدنم و صارت اللسنة العجمية دخيلة فيها و غريبة‪ .‬ث فسد اللسان العرب بخالطتها ف بعض أحكامه و تغي أواخره‬
‫و إن كان بقي ف الدللت على أصله وسي لسانا حضريا ف جيع أمصار السلم‪ .‬و أيضا فأكثر أهل المصار ف اللة لذا العهد من‬
‫أعقاب العرب الالكي لا‪ ،‬الالكي ف ترفها با كثروا العجم الذين كانوا با و ورثوا أرضهم و ديارهم‪ .‬و اللغات متوارثة فبقيت لغة‬
‫العقاب على حيال لغة الباء و إن فسدت أحكامها بخالطة العجام شيئا فشيئا‪ .‬و سيت لغتهم حضرية منسوبة إل أهل الواضر و‬
‫المصار بلف لغة البدو من العرب فإنا كانت أعرق ف العروبية و لا تلك العجم من الديلم و السلجوقية بعدهم بالشرق‪ ،‬و زناتة و‬
‫الببر بالغرب‪ ،‬و صار لم اللك و الستيلء على جيع المالك السلمية فسد اللسان العرب لذلك و كاد يذهب لول ما حفظه من عناية‬
‫السلمي بالكتاب و السنة اللذين بما حفظ الدين و سار ذلك مرجحا لبقاء اللغة العربية الصرية من الشر و الكلم إل قليلً بالمصار فلما‬
‫ملك التتر والغول بالشرق و ل يكونوا على دين السلم ذهب ذلك الرجح و فسدت اللغة العربية على الطلق و ل يبق لا رسم ف‬
‫المالك السلمية بالعراق و خراسان وبلد فارس و أرض الند و السند و ما وراء النهر و بلد الشمال و بلد الروم و ذهبت أسابيب اللغة‬
‫ل يقع تعليمه صناعيا بالقواني التدارسة من كلم العرب و حفظ كلمهم لن يسره ال تعال لذلك‪ .‬و ربا‬ ‫العربية من الشعر و الكلم إل قلي ً‬
‫بقيت اللغة العربية الصرية بصر والشام و الندلس و بالغرب لبقاء الدين طلبا لا فانفظت ببعض الشيء و أما ف مالك العراق و ما وراءه‬
‫فلم يبق له أثر و ل عي حت إن كتب العلوم صارت تكتب باللسان العجمي و كذا تدريسه ف الجالس و ال أعلم بالصواب‪ .‬و ال مقدر‬
‫الليل و النهار‪ .‬صلى ال على سيدنا ممد و آله و صحبه و سلم تسليما كثيا دائما أبدا إل يوم الدين و المد ل رب العالي‪.‬‬

‫الباب الامس من الكتاب الول ف العاش و وجوبه من الكسب و الصنائع‬


‫و ما يعرض ف ذلك كله من الحوال و فيه مسائل‬

‫الفصل الول ف حقيقة الرزق و الكسب و شرحهما و أن الكسب هو قيمة‬


‫العمال ا لبشرية‬
‫إعلم أن النسان مفتقر بالطبع إل ما يقوته و يونة ف حالته و أطواره من لدن نشوءه إل أشده إل كبه و ال الغن و أنتم الفقراء و ال‬
‫سبحانه خلق جيع ما ف العال للنسان و امت به عليه ف غي ما آية من كتابه فقال‪ :‬خلق لكم ما ف السماوات وما ف الرض جيعا منه و‬
‫سخر لكم البحر و سخر لكم الفلك و سخر لكم النعام‪ .‬و كثي من شواهده‪ .‬و يد النسان مبسوطة على العال و ما فيه با جعل ال له‬
‫من الستخلف‪ .‬و أيدي البشر منتشرة فهي مشتركة ف ذلك‪ .‬و ما حصل عليه يد هذا امتنع عن الخر إل بعوض‪ .‬فالنسان مت اقتدر‬
‫على نفسه و تاوز طور الضعف سعى ف اقتناء الكسب لينفق ما آتاه ال منها ف تصيل حاجاته و ضروراته بدفع العواض عنها‪ .‬قال ال‬
‫تعال‪ :‬فابتغوا عند ال الرزق و قد يصل له ذلك بغي سعي كالطر الصلح للزراعة و أمثاله‪ .‬إل أنا إنا تكون معينة و ل بد من سعيه معها‬
‫كما يأت فتكون له‪ .‬تلك الكاسب معاشا إن كانتا بقدار الضرورة و الاجة و رياشا و متمولً إن زادت على ذلك‪ .‬ث إن ذلك الاصل أو‬
‫القتن إن عادت منفعته على العبد و حصلت له ثرته من إنفاقه ف مصاله و حاجاته سي ذلك رزقا‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬إنا لك‬
‫من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت و إن ل ينتفع به ف شيء من مصاله و ل حاجاته فل يسمى بالنسبة إل‬
‫الالك رزقا و التملك منه حينئذ بسعي العبد و قدرته يسمى كسبا‪ .‬و هذا مثل التراث فإنه يسمى بالنسبة إل الالك كسبا و ل يسمى رزقا‬
‫إذ ل يصل به منتفع و بالنسبة إل الوارثي مت انتفعوا به يسمى رزقا‪ .‬هذا حقيقة مسمى الرزق عند أهل السنة و قد اشترط العتزل ف‬
‫تسميته رزقا إن يكون بيث يصح تلكه و ما ل يتملك عندهم ل يسمى رزقا و أخرجوا الغصوبات و الرام كله عن أن يسمى شيء منها‬
‫رزقا و ال تعال يرزق الغاصب و الظال و الؤمن و الكافر برحته و هدايته من يشاء‪ .‬و لم ف ذلك حجج ليس هذا موضع بسطها‪ .‬ث‬
‫اعلم أن الكسب إنا يكون بالسعي ف القتناء و القصد إل التحصيل فل بد ف الرزق من سعي و عمل و لو ف تناوله و ابتغائه من وجوهه‪.‬‬
‫قال تعال‪ :‬فابتغوا عند ال الرزق و السعي إليه إنا يكون بأقدار ال تعال و إلامه‪ ،‬فالكل من عند ال‪ .‬فل بد من العمال النسانية ف كل‬
‫ل بنفسه مثل الصنائع فظاهر دال كان مقتن من اليوان و النبات و العدن فل بد فيه من العمل‬
‫مكسوب و متمول‪ .‬لنه إن كان عم ً‬
‫النسان كما تراه و إل ل يصل و ل يقع به انتفاع‪ .‬ث إن ال تعال خلق الجرين العدنيي من الذهب و الفضة قيمة لكل متمول‪ ،‬و ها‬
‫الذخية و القنية لهل العال ف الغالب‪ .‬و إن اقتن سواها ف بعض الحيان فإنا هو لقصد تصيلهما با يقع ف غيها من حوالة السواق‬
‫الت ها عنها بعزل فهما أصل الكاسب و القنية و الذخية‪ .‬و إذا تقرر هذا كله فاعلم أن ما يفيده النسان و يقتنيه من التمولت إن كان‬
‫من الصنائع فالفاد القتن منه قيمة عمله و هو القصد بالقنية إذ ليس هناك إل العمل و ليس بقصود بنفسه للقنية‪ .‬و قد يكون مع الصنائع ف‬
‫بعضها غيها مثل التجارة و الياكة معهما الشب و الغزل إل أن العمل فيهما أكثر فقيمته أكثر و إن كان من غي الصنائع فل بد من قيمة‬
‫ذلك الفاد و القنية من دخول قيمة العمل الذي حصلت به إذ لول العمل ل تصل قنيتها‪ .‬و قد تكون ملحظة العمل ظاهرة ف الكثي منها‬
‫فتجعل له حصة من القيمة عظمت أو صغرت‪ .‬و قد تفى ملحظة العمل كما ف أسعار القوات بي الناس فإن اعتبار العمال و النفقات‬
‫فيها ملحظ ف أسعار البوب كما قدمناه لكنه خفي ف القطار الت علج الفلح فيها و مؤنته بسية فل يشعر به إل القليل من أهل الفلح‪.‬‬
‫فقد تبي أن الفادات و الكتسبات كلها أو أكثرها إنا هي قيم العمال النسانية و تبي مسمى الرزق و أنه النتفع به‪ .‬فقد بان معن‬
‫الكسب و الرزق و شرح مسماها‪ .‬و اعلم أنه إذا فقدت العمال أو قلت بانتقاص العمران تأذن ال برفع الكسب أترى أل المصار القليلة‬
‫الساكن كيف يقل الرزق و الكسب فيها أو يفقد لقلة العمال النسانية و كذلك المصار الت يكون عمرانا أكثر يكون أهلها أوسع‬
‫أحوا ًل و أشد رفاهية كما قدمناه قبل و من هذا الباب تقول العامة ف البلد إذا تناقص عمرانا إنا قد ذهب رزقها حت إن النار و العيون‬
‫ينقطع جريها ف القفر لا أن فور العيون إنا يكون بالنباط و المتراء الذي هو بالعمل النسان كالال ف ضروع النعام فما ل يكن إنباط‬
‫و ل امتراء نصبت و غارت بالملة كما يف الضرع إذا ترك امتراؤه‪ .‬و انظره ف البلد الت تعهد فيها العيون ليام عمرانا ث يأت عليها‬
‫الراب كيف تغور مياهها جلة كأنا ل تكن و ال مقدر الليل و النهار‪.‬‬

‫الفصل الثان ف وجوه العاش و أصنافه و مذاهبه‬


‫إعلم أن العاش هو عبارة عن ابتغاء الرزق و السعي ف تصيله و هو مغفل من العيش‪ .‬كأنه لا كان العيش الذي هو الياة ل يصل إل بذه‬
‫جعلت موضعا له على طريق البالغة ث إن تصيل الرزق و كسبه‪ ،‬إما أن يكون بأخذه من يد الغي و انتزاعه بالقتدار عليه على قانون‬
‫متعارف و يسمى مغرما و جباية و إما أن يكون من اليوان الوحشي بافتراسه و أخذه برميه من الب أو البحر و يسمى اصطيادا و إما أن‬
‫يكون من اليوان الداجن باستخراج فضوله النصرفة بي الناس ف منافعهم كاللب من النعام و الرير من دوده و العسل من نله أو يكون‬
‫من النبات ف الزرع و الشجر بالقيام عليه و إعداده لستخراج ثرته و يسمى هذا كله فلحا و إما أن يكون الكسب من العمال النسانية‬
‫إما ف مواد معينة و تسمى الصنائع من كتابة و تارة و خياطة و حياكة و فروسية و أمثال ذلك أو ف مواد غي معينة و هي جيع‬
‫المتهانات و التصرفات و إما أن يكون الكسب من البضائع و إعدادها للعواض إما بالتغلب با ف البلد و احتكارها و ارتقاب حوالة‬
‫السواق فيها‪ .‬و يسمى هذا تارة‪ .‬فهذه وجوه العاش و أصنافه و هي معن ما ذكره الحققون من أهل الدب و الكمة كالريري و غيه‬
‫فإنم قالوا‪ :‬العاش إمارة و تارة و فلحة و صناعة‪ .‬فأما المارة فليست بذهب طبيعي للمعاش فل حاجة بنا إل ذكرها و قد تقدم شيء‬
‫من أحوال البايات السلطانية و أهلها ف الفصل الثان‪ .‬و أما الفلحة و الصناعة و التجارة فهي وجوه طبيعية للمعاش أما الفلحة فهي‬
‫متقدمة عليها كلها بالذات إذ هي بسيطة و طبيعية فطرية ل تتاج إل نظر و ل علم و لذا تنسب ف الليقة إل آدم أب البشر و أنه معلمها‬
‫و القائم عليها إشارة إل أنا أقدم وجوه العاش و أنسبها إل الطبيعة‪ .‬و أما الصنائع فهي ثانيتها و متأخرة عنها لنا مركبة و علمية تصرف‬
‫فيها الفكار و النظار و بذا ل يوجد غالبا إل ف أهل الضر الذي هو متأخر عن البدو و ثان عنه‪ .‬و من هذا العن نسبت إل إدريس‬
‫الب الثان للخليقة فإنه مستنبطها لن بعده من البشر بالوحي من ال تعال‪ .‬و أما التجارة و إن كانت طبيعية ف الكسب فالكثر من طرقها‬
‫و مذاهبها إنا هي تيلت ف الصول على ما بي القيمتي ف الشراء و البيع لتحصل فائدة الكسب من تلك الفضلة‪ .‬و لذلك أباح الشرع‬
‫فيه الكاسبة لا أنه من باب القامرة إل أنه ليس أخذ الال الغي مانا فلهذا اختص بالشروعية‪ .‬و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث ف أن الدمة ليست من الطبيعي‬


‫إعلم أن السلطان ل بد له من اتاذ الدمة ف سائر أبواب المارة و اللك الذي هو بسبيله من الندي و الشرطي و الكاتب‪ .‬و يستكفي ف‬
‫كل باب بن الضيع و لو كان مأمونا فضرره بالتضييع أكثر من نفعه‪ .‬فاعلم ذلك و اتذه قانونا ف الستكفاء بالدمة‪ .‬و أنه سبحانه و‬
‫تعال قادر على كل شيء‪.‬‬

‫الفصل الرابع ف ابتغاء الموال من الدفائن و الكنوز ليس بعاش طبيعي‬


‫اعلم أن كثيا من ضعفاء العقول ف المصار يرصون على استخراج الموال من تت الرض و يبتغون اكسب من ذلك‪ .‬و يعتقدون أن‬
‫أموال المم السالفة متزنة كلها تت الرض متوم عليها كلها بطلسم سحرية‪ .‬ل يفض ختامها ذلك إل من عثر على علمه و استحضر ما‬
‫يله من البخور و الدعاء و القربان‪ .‬فأهل المصار بإفريقية يرون أن الفرنة الذين كانوا قبل السلم با دفنوا أموالم كذلك و أودعوها ف‬
‫الصحف بالكتاب إل أن يدوا السبيل إل استخراجها‪ .‬و أهل المصار بالشرق يرون مثل ذلك ف أمم القبط و الروم و الفرس‪ .‬و يتناقلون‬
‫ف ذلك أحاديث تشبه حديث خرافة من انتهاء بعض الطالبي لذلك إل حفر موضع الال من ل يعرف طلسمه و ل خبة فيجدونه خاليا أو‬
‫معمورا بالديدان‪ .‬أو يشاهد الموال و الواهر موضوعة و الرس دونا منتضي سيوفهم‪ .‬أو تيد به الرض حت يظنه خسفا أو مثل ذلك‬
‫من الذر‪ .‬و ند كثيا من طلبة الببر بالغرب العاجزين عن العاش الطبيعي و أسبابه يتقربون إل أهل الدنيا بالوراق التخرمة الواشي إما‬
‫بطوط عجمية أو با ترجم بزعمهم منها من خطوط أهل الدفائن بإعطاء المارات عليها ف أماكنها يبتغون بذلك الرزق منهم با يبعثونه‬
‫على الفر و الطلب و يوهون عليهم بأنم إنا حلهم على الستعانة بم طلب الاه ف مثل هذا من منال الكام و العقوبات‪ .‬و ربا تكون‬
‫عند يعلم غناءه فيه و يتكفل بأرزاقهم من بيت ماله‪ .‬و هذا كله مندرج ف المارة و معاشها إذ كلهم ينسحب عليهم حكم المارة و اللك‬
‫العظم هو ينبوع جداولم‪ .‬و أما ما دون ذلك من الدمة فسببها أن أكثر الترفي يترفع عن مباشرة حاجاته أو يكون عاجزا عنها لا رب‬
‫عليه من خلق التنعم و الترف فيتخذ من يتول ذلك له و يقطعه عليه أجرا من ماله‪ .‬و هذه الالة غي ممودة بسب الرجولية الطبيعية‬
‫للنسان إذ الثقة بكل أحد عجز‪ ،‬و لنا تزيد ف الوظائف و الرج و تدل على العجز و النث الذي ينبغي ف مذاهب الرجولية التنه‬
‫عنهما‪ .‬إل أن العوائد تقلب طباع النسان إل مألوفها فهو ابن عوائده ل ابن نسبه‪ .‬و مع ذلك فالدي الذي يستكفى به و يوثق بغنائه‬
‫كالفقود إذ الدي القائم بذلك ل يعدو أربع حالت‪ :‬إما مضطلع بأمره و ل موثوق فيما يصل بيده و إما بالعكس فيهما‪ ،‬و هو أن يكون‬
‫غي مضطلع بأمر و ل موثوق فيما يصل بيده و إما بالعكس ف إحداها فقط مثل أن يكون مضطلعا غي موثوق أو موثوقا غي مضطلع‪.‬‬
‫فأما الول و هو الضطلع الوثوق فل يكن أحدا استعماله بوجه إذ هو باضطلعه و ثقته غن عن أهل الرتب الدنيئة و متقر لثال الجر من‬
‫الدمة لقتداره على أكثر من ذلك فل يستعمله إل المراء أهل الاه الغريض لعموم الاجة إل الاه‪ .‬و أما الصنف الثان و هو من ليس‬
‫بضطلع و ل موثوق فل ينبغي لعاقل استعماله لنه يجف بخدومه ف المرين معا فيضيع عليه لعدم الصطناع تارة و يذهب ماله باليانة‬
‫أخرى فهو على كل حال كل على موله‪ .‬فهذان الصنفان ل يطمع أحد ف استعمالما‪ .‬و ل يبق إل استعمال الصنفي الخرين‪ :‬موثوق غي‬
‫مضطلع و مضطلع غي موثوق و للناس ف الترجيح بينهما مذهبان‪ ،‬و لكل من الترجيحي وجه‪ .‬إل أن الضطلع و لو كان غي موثوق أرجح‬
‫لنه يؤمن من تضييعه و ياول على التحرز من خيانته جهد الستطاعة و أما بعضهم نادرة أو غريبة من العمال السحرية يوه با على‬
‫تصديق ما بقي من دعواه و هو بعزل عن السحر و طرقه فتولع كثي من ضعفاء العقول بمع اليدي على الحتفار و التستر فيه بظلمات‬
‫الليل مافة الرقباء و عيون أهل الدول‪ ،‬فإذا ل يعثروا على شيء ردوا ذلك إل الهل بالطلسم الذي ختم به على ذلك الال يادعون به‬
‫أنفسهم عن إخفاق مطامعهم‪ .‬و الذي يمل على ذلك ف الغالب زيادة على ضعف العقل إنا هو العجز عن طلب العاش بالوجوه الطبيعية‬
‫للكسب من التجارة و الفلح و الصناعة فيطلبونه بالوجوه النحرفة و على غي الجرى الطبيعي من هذا و أمثاله عجزا عن السعي ف‬
‫الكاسب و ركونا إل تناول الرزق من غي تعب و ل نصب ف تصيله و اكتسابه و ل يعلمون أنم يوقعون أنفسهم بابتغاء ذلك من غي‬
‫وجهه ف نصب و متاعب و جهد شديد أشد من الول و يعرضون أنفسهم مع ذلك لنال العقوبات‪ .‬و ربا يمل على ذلك ف الكثر زيادة‬
‫الترف و عوائده و خروجها عن حد النهاية حت تقصر عنها وجوه الكسب و مذاهبه و ل تفي بطالبها‪ .‬فإذا عجز عن الكسب بالجرى‬
‫الطبيعي ل يد وليجة ف نفسه إل التمن لوجود الال العظيم دفعة من غي كلفة ليفي له ذلك بالعوائد الت حصل ف أسرها فيحرص على‬
‫ابتغاء ذلك و يسعى فيه جهده و لذا فأكثر من تراهم يرصون على ذلك هم الترفون من أهل الدولة و من سكان المصار الكثية الترف‬
‫التسعة الحوال مثل مصر و ما ف معناها فنجد الكثي منهم مغرمي بابتغاء ذلك و تصيله و مساءلة الركبان عن شواذه كما يرصون على‬
‫الكيمياء‪ .‬هكذا بلغن عن أهل مصر ف مفاوضة من يلقونه من طلبة الغاربة لعلهم يعثرون منه على دفي أو كن و يزيدون على ذلك البحث‬
‫عن تغوير الياه لا يرون أن غالب هذه الموال الدفينة كلها ف ماري النيل و أنه أعظم ما يستر دفينا أو متزنا ف تلك الفاق و يوه عليهم‬
‫أصحاب تلك الدفاتر الفتعلة ف العتذار عن الوصول إليها برية النيل تسترا بذلك من الكذب حت يصل على معاشه فيحرص سامع ذلك‬
‫منهم على نضوب الاء بالعمال السحرية لتحصيل مبتغاه من هذه كلفا بشأن السحر متوارثا ف ذلك القطر عن أوليه فعلومهم السحرية و‬
‫آثارها باقية بأرضهم ف الباري و غيها‪ .‬و قصة سحرة فرعون شاهدة باختصاصهم بذلك و قد تناقل أهل الغرب قصيدة ينسبونا إل‬
‫حكماء الشرق تعطى فيها كيفية العمل بالتغوير بصناعة سحرية حسبما تراه فيها و هي هذه‪:‬‬
‫إسع كلم الصدق من خبي‬ ‫يا طالبا للسر ف التغوير‬
‫من قول بتان و لفظ غرور‬ ‫دع عنك ما قد صنفوا فيكتبهم‬
‫إن كنت من ل يرى بالزور‬ ‫و اسع لصدق مقالت و نصيحت‬
‫حارت لا الوهام ف التدبي‬ ‫فإذا أردت تغور البئر الت‬
‫و الرأس رأس الشبل ف التقوير‬ ‫صور كصورتك الت أوقفتها‬
‫ف الدلو ينشل من قرار البي‬ ‫و يداه ماسكتان للحبل الذي‬
‫عدد الطلق احذر من التكرير‬ ‫و بصدره هاء كما عاينتها‬
‫مشي اللبيب الكيس النحرير‬ ‫و يطا على الطاءات غي ملمس‬
‫تربيعه أول من التكوير‬ ‫و يكون حول الكل خط دائر‬
‫و اقصده عقب الذبح بالتبخي‬ ‫و اذبح عليه الطي و الطخه به‬
‫و القسط و البسه بثوب حرير‬ ‫بالسندروس و باللبان و ميعة‬
‫من أحر أو أصفر ل أزرقل أخضر فيه و ل تكدير‬
‫أحر من خالص التحمي‬ ‫و يشده خيطان صوف أبيضأو‬
‫و يكون بدء الشهر غي مني‬ ‫و الطالع السد الذي قد بينوا‬
‫ف يوم سبت ساعة التدبي‬ ‫و البدر متصل بسعد عطارد‬
‫يعن أن تكون الطاءات بي قدميه كأنه يشي عليها و عندي أن هذه القصيدة من تويهات التخرفي فلهم ف ذلك أحوال غريبة و‬
‫اصطلحات عجيبة و تنتهي التخرفة و الكذب بم إل أن يسكنوا النازل الشهورة و الدور العروفة لثل هذه و يتفرون الفر و يضعون‬
‫الطابق فيها و الشواهد الت يكتبونا ف صحائف كذبم ث يقصدون ضعفاء العقول بأمثال هذه الصحائف و يعثون على كباء ذلك النل و‬
‫سكناه و يوهون أن به دفينا من الال ل يعب عن كثرته و يطالبون بالال لشتراء العقاقي و البخورات لل الطلسم و يعدونه بظهور‬
‫الشواهد الت قد أعدوها هنالك بأنفسهم و من فعلهم فينبعث لا يراه من ذلك و هو قد خدع و لبس عليه من حي ل يشعر و بينهم ف ذلك‬
‫اصطلح ف كلمهم يلبسون به عليهم ليخفى عند ماورتم فيما يتلونه من حفر و بور‪ ،‬و ذبح حيوان و أمثال ذلك‪ .‬و أما الكلم ف ذلك‬
‫على القيقة فل أصل له ف علم و ل خب و اعلم أن الكنوز و إن كانت توجد لكنها ف حكم النادر و على وجه التفاق ل على وجه‬
‫القصد إليها‪ .‬و ليس ذلك بأمر تعم به البلوى حت يدخر الناس أموالم تت الرض و يتمون عليها بالطلسم ل ف القدي و ل ف الديث‪.‬‬
‫و الركاز الذي ورد ف الديث و فرضه الفقهاء و هو دفي الاهلية إنا يوجد بالعثور و التفاق ل بالقصد و الطلب و أيضا فمن اختزن‬
‫ماله و ختم عليه بالعمال السحرية فقد بالغ ف إخفائه فكيف ينصب عليه الدلة و المارات لن يبتغيه‪ .‬و يكتب ذلك ف الصحائف حت‬
‫يطلع على ذخيته أهل المصار و الفاق ؟ هذا يناقض قصد الخفاء‪ .‬و أيضا فأفعال العقلء ل بد و أن تكون لغرض مقصود ف النتفاع‪.‬‬
‫و من اختزن الال فإنه يتزنه لولده أو قريبه أو من يؤثره‪ .‬و أما أن يقصد إخفاءه بالكلية عن كل أحد و إنا هو للبلء و اللك أو لن ل‬
‫يعرفه بالكلية من سيأت من المم فهذا ليس من مقاصد العقلء بوجه‪ .‬و أما قولم‪ :‬أين أموال المم من قبلنا و ما علم فيها‪ .‬من الكثرة و‬
‫الوفور فاعلم أن الموال من الذهب و الفضة و الواهر و المتعة إنا هي معادن و مكاسب مثل الديد و النحاس و الرصاص و سائر‬
‫العقارات و العادن‪ .‬و العمران يظهرها بالعمال النسانية و يزيد فيها أو ينقصها و ما يوجد منها بأيدي الناس فهو متناقل متوارث و ربا‬
‫انتقل من قطر إل قطر و من دولة إل أخرى بسب أغراضه‪ .‬و العمران الذي يستدعي له فإن نقص الال ف الغرب و أفريقية فلم ينقص‬
‫ببلد الصقالبة و الفرنج و إن نقص ف مصر و الشام فلم ينقص ف الند و الصي‪ .‬و إنا هي اللت و الكاسب و العمران يوفرها أو‬
‫ينقصها‪ ،‬مع أن العادن يدركها البلء كما يدرك سائر الوجودات و يسرع إل اللؤلؤ و الوهر أعظم ما يسرع إل غيه‪ .‬و كذا الذهب و‬
‫الفضة و النحاس و الديد و الرصاص و القصدير ينالا من البلء و الفناء ما يذهب بأعيانا لقرب وقت‪ .‬و أما ما وقع ف مصر من أمر‬
‫الطالب و الكنوز فسببه أن مصر ف ملكة القبط منذ آلف أو يزيد من السني و كان موتاهم يدفنون بوجودهم من الذهب و الفضة و‬
‫الواهر و الللئ على مذهب من تقدم من أهل الدول فلما انقضت دولة القبط و ملك الفرس بلدهم نقروا على ذلك ف قبورهم فكشفوا‬
‫عنه فأخذوا من قبورهم ما ل يوصف‪ :‬كالهرام من قبور اللوك و غيها‪ .‬و كذا فعل اليونانيون من بعدهم و صارت قبورهم مظنة لذلك‬
‫لذا العهد‪ .‬و يعثر على الدفي فيها كثيا من الوقات‪ .‬أما ما يدفنونه من أموالم أو ما يكرمون به موتاهم ف الدفن من أوعية و توابيت من‬
‫الذهب و الفضة معدة لذلك فصارت قبور القبط منذ آلف من السني مظنة لوجود ذلك فيها‪ .‬فلذلك عن أهل مصر بالبحث عن الطالب‬
‫لوجود ذلك فيها و استخراجها‪ .‬حت أنم حي ضربت الكوس على الصناف آخر الدولة ضربت على أهل الطالب‪ .‬و صدرت ضريبة على‬
‫من يشتغل بذلك من المقى و الهوسي فوجد بذلك التعاطون من أهل الطماع الذريعة إل الكشف عنه و الذرع باستخراجه و ما‬
‫حصلوا إل على اليبة ف جيع مساعيهم نعوذ بال من السران فيحتاج من وقع له شيء من هذا الوسواس و ابتلي به أن يتعوذ بال من‬
‫العجز و الكسل ف طلب معاشه كما تعوذ رسول ال صلى ال عليه و سلم من ذلك و ينصرف عن طرق الشيطان و وسواسه و ل يشغل‬
‫بالحالت و الكاذب من الكايات و ال يرزق من يشاء بغي حساب‪.‬‬

‫الفصل الامس ف أن الاه مفيد للمال‬


‫و ذلك أنا ند صاحب الال و الظوة ف جيع أصناف العاش أكثر يسارا و ثروة من فاقد الاه‪ .‬و السبب ف ذلك أن صاحب الاه مدوم‬
‫بالعمال يتقرب با إليه ف سبيل التزلف و الاجة إل جاهه فالناس معينون له بأعمالم ف جيع حاجاته من ضروري أو حاجي أو كمال‬
‫فتحصل قيم تلك العمال كلها من كسبه و جيع معاشاته إن تبذل فيه العواض من العمل يستعمل فيها الناس من غي عوض فتتوفر قيم‬
‫تلك العمال عليه‪ .‬فهو بي قيم للعمال يكتسبها و قيم أخرى تدعوه الضرورة إل إخراجها فتتوفر عليه‪ .‬و العمال لصاحب الاه كثية‬
‫فتفيد الغن لقرب وقت و يزداد مع اليام يسارا و ثروة‪ .‬و لذا العن كانت المارة أحد أسباب العاش كما قدمناه و فاقد الاه بالكلية و‬
‫لو كان صاحب مال فل يكون يساره إل بقدار ماله و على نسبة سعيه و هؤلء هم أكثر التجار‪ .‬و لذا تد أهل الاه منهم يكونون أيسر‬
‫بكثي‪ .‬و ما يشهد لذلك أل ند كثيا من الفقهاء و أهل الدين و العبادة إذا اشتهروا حسن الظن بم و اعتقد المهور معاملة ال ف‬
‫إرفادهم فأخلص الناس ف إعالتهم على أحوال دنياهم و العتمال ف مصالهم و أسرعت إليهم الثروة و أصبحوا مياسي من غي مال مقتن‬
‫إل ما يصل لم من قيم العمال الت وقعت العونة با من الناس لم‪ .‬رأينا من ذلك أعدادا ف المصار و الدن‪ .‬و ف البدو يسعى لم الناس‬
‫ف الفلح و التجر و كل هو قاعد بنله ل يبح من مكانه فينمو ماله و يعظم كسبه و يتأثل الغن من غي سعي و يعجب من ل يفطن لذا‬
‫السر ف حال ثروته و أسباب غناه و يساره و ال سبحانه و تعال يرزق من يشاء بغي حساب‪.‬‬

‫الفصل السادس ف أن السعادة و الكسب إنا يصل غالبا لهل الضوع و‬


‫التملق و أن هذا اللق من أسباب السعادة‬
‫قد سلف لنا فيما سبق أن الكسب الذي يستفيده البشر إنا هو قيم أعمالم و لو قدر أحد عطل عن العمل جلة لكان فاقد الكسب بالكلية‪.‬‬
‫و على قدر عمله و شرفه بي العمال و حاجة الناس إليه يكون قدر قيمته‪ .‬و على نسبه ذلك نو كسبه أو نقصانه‪ .‬و قد بينا آنفا أن الاه‬
‫يفيد الال لا يصل لصاحبه من تقرب الناس إليه بأعمالم و أموالم ف دفع الضار و جلب النافع‪ .‬و كان ما يتقربون به من عمل أو مال‬
‫عوضا عما يصلون عليه بسبب الاه من الغراض ف صال أو طال‪ .‬و تصي تلك العمال ف كسبه و قيمها أموال و ثروة له فيستفيد الغن‬
‫و اليسار لقرب وقت‪ .‬ث إن الاه متوزع ف الناس و مترتب فيهم طبقة بعد طبقة و ينتهي ف العلو إل اللوك الذين ليس فوقهم يد عالية و‬
‫ف السفل إل من ل يلك ضرا و ل نفعا بي أبناء جنسه و بي ذلك طبقات متعددة حكمة ال ف خلقه با ينتظم معاشهم و تتيسر‬
‫مصالهم و يتم بقاؤهم لن النوع النسان ل يتم وجوده و بقاؤه إل بالتعاون بي أبنائه على مصالهم‪ ،‬لنه قد تقرر أن الواحد منهم ل‬
‫يتم وجوده و إنه و إن ندر ذلك ف صورة مفروضة ل يصح بقاؤه‪ .‬ث إن هذا التعاون ل يصل إل بالكراه عليه لهلهم ف الكثر بصال‬
‫النوع و لا جعل لم من الختيار و أن أفعالم إنا تصدر بالفكر و الروية ل بالطبع‪ .‬و قد يتنع من العاونة فيتعي حله عليها فل بد من‬
‫حامل يكره أبناء النوع على مصالهم لتتم الكمة اللية ف بقاء هذا النوع‪ .‬و هذا معن قوله تعال و رفعنا بعضهم فوق بعض درجات‬
‫ليتخذ بعضهم بعضا سخريا و رحة ربك خي ما يمعون فقد تبي أن الاه هو القدرة الاملة للبشر على التصرف ف من تت أيديهم من‬
‫أبناء جنسهم بالذن و النع و التسلط بالقهر و الغلبة ليحملهم على دفع مضارهم و جلب منافعهم ف العدل بأحكام الشرائع و السياسة و‬
‫على أغراضه فيما سوى ذلك و لكن الول مقصود ف العناية الربانية بالذات و الثان داخل فيها بالعرض كسائر الشرور الداخلة ف القضاء‬
‫اللي‪ ،‬لنه قد ل يتم وجود الي الكثي إل بوجود شر يسي من أجل الواد فل يفوت الي بذلك بل يقع على ما ينطوي عليه من الشر‬
‫اليسي‪ .‬و هذا معن وقوع الظلم ف الليقة فتفهم‪ .‬ث إن كل طبقة من طباق أهل العمران من مدينة أو إقليم لا قدرة على من دونا من‬
‫الطباق و كل واحدة من الطبقة السفلى يستمد بذي الاه من أهل الطبقة الت فوقه و يزداد كسبه تصرفا فيمن تت يده على قدر ما يستفيد‬
‫منه و الاه على ذلك داخل على الناس ف جيع أبواب العاش و يتسع و يضيق بسب الطبقة و الطور الذي فيه صاحبه‪ .‬فإن كان الاه‬
‫متسعا كان الكسب الناشئ عنه كذلك و إن كان ضيقا قليلً فمثله‪ .‬و فاقد الاه و إن كان له مال فل يكون يساره إل بقدار عمله أو ماله‬
‫و نسبة سعيه ذاهبا و آيبا ف تنميته كأكثر التجار و أهل الفلحة ف الغالب و أهل الصنائع كذلك إذا فقدوا الاه و اقتصروا على فوائد‬
‫صنائعهم فإنم يصيون إل الفقر و الصاصة ف الكثر و ل تسرع إليهم ثروة و إنا يرمقون العيش ترميقا و يدافعون ضرورة الفقر مدافعة‪.‬‬
‫و إذا تقرر ذلك و أن الاه متفرع و أن السعادة و الي مقترنان بصوله علمت إن بذله و إفادته من أعظم النعم و أجلها و أن باذلة من‬
‫أجل النعمي و إنا يبدله لن تت يديه فيكون بذله بيد عالية و عزة فيحتاج طالبه و مبتغيه إل خضوع و تلق كما يسال أهل العز و اللوك‬
‫و إل فيتعذر حصوله‪ .‬فلذلك قلنا إن الضوع و التملق من أسباب حصول هذا الاه الحصل للسعادة و الكسب و إن أكثر أهل الثروة و‬
‫السعادة بذا التملق و لذا ند الكثي من يتخلق بالترفع و الشمم ل يصل لم غرض الاه فيقتصرون ف التكسب على أعمالم و يصيون‬
‫إل الفقر و الصاصة‪ .‬و اعلم أن هذا الكب و الترفع من الخلق الذمومة إنا يصل من توهم الكمال و أن الناس يتاجون إل بضاعته من‬
‫علم أو صناعة كالعال التبحر ف علمه و الكاتب الجيد ف كتابته أو الشاعر البليغ ف شعره و كل مسن ف صناعته يتوهم أن الناس‬
‫متاجون لا بيده فيحدث له ترفع عليهم بذلك و كذا يتوهم أهل النساب من كان ف آبائه ملك أو عال مشهور أو كامل ف طور يعبون‬
‫به با رأوه أو سعوه من رجال آبائهم ف الدينة و يتوهون أنم استحقوا مثل ذلك بقرابتهم إليهم و وراثتهم عنهم‪ .‬فهم متمسكون ف‬
‫الاضر بالمر العدوم و كذلك أهل اليلة و البصر و التجارب بالمور قد يتوهم بعضهم كمالً ف نفسه بذلك و احتياجا إليه‪ .‬و تد‬
‫هؤلء الصناف كلهم مترفعي ل يضعون لصاحب الاه و ل يتملقون لن هو أعلى منهم و يستصغرون من سواهم لعتقادهم الفضل على‬
‫الناس فيستنكف أحدهم عن الضوع و لو كان للملك و يعده مذلة و هوانا و سفها‪ .‬و ياسب الناس ف معاملتهم إياه بقدار ما يتوهم ف‬
‫نفسه و يقد على من قصر له ف شيء ما يتوهه من ذلك‪ .‬و ربا يدخل على نفسه الموم و الحزان من تقصيهم فيه و يستمر ف عناء‬
‫عظيم من إياب الق لنفسه أو إباية الناس له من ذلك‪ .‬و يصل له القت من الناس لا ف طباع البشر من التأله‪ .‬و قل أن يسلم أحد منهم‬
‫لحد ف الكمال و الترفع عليه إل أن يكون ذلك بنوع من القهر و الغلبة و الستطالة‪ .‬و هذا كله ف ضمن الاه‪ .‬فإذا فقد صاحب هذا‬
‫اللق الاه و هو مفقود له كما تبي لك مقته الناس بذا الترفع و ل يصل له حظ من إحسانم و فقد الاه لذلك من أهل الطبقة الت هي‬
‫أعلى منه لجل القت و ما يصل له بذلك من القعود عن تعاهدهم و غشيان منازلم ففسد معاشه و بقي ف خصاصة و فقر أو فوق ذلك‬
‫بقليل‪ .‬و أما الثروة فل تصل له أصلً‪ .‬و من هذا اشتهر بي الناس أن الكامل ف العرفة مروم من الظ و أنه قد حوسب با رزق من‬
‫العرفة و اقتطع ذلك من الظ و هذا معناه‪ .‬و من خلق لشيء يسر له‪ .‬و ال القدر ل رب سواه‪ .‬و لقد يقع ف الدول أضراب ف الراتب‬
‫من أهل اللق و يرتفع فيها كثي من السفلة و ينل كثي من العلية بسبب ذلك و ذلك أن الدول إذا بلغت نايتها من التغلب و الستيلء‬
‫انفرد منها منبت اللك بلكهم و سلطانم و يئس من سواهم من ذلك و إنا صاروا ف مراتب دون مرتبة اللك‪ ،‬و تت يد السلطان و‬
‫كأنم خول له‪ .‬فإذا استمرت الدولة و شخ اللك تساوى حينئذ ف النلة عند السلطان كل من انتمى إل خدمته و تقرب إليه بنصيحة و‬
‫اصطنعه السلطان لغنائه ف كثي من مهماته‪ .‬فتجد كثيا من السوقة يسعى ف التقرب من السلطان بده و نصحه و يتزلف إليه بوجوه‬
‫خدمته و يستعي على ذلك بعظيم من الضوع و التملق له و لاشيته و أهل نسبه‪ .‬حت يرسخ قدمه معهم و ينظمه السلطان ف جلته‬
‫فيحصل له بذلك حظ عظيم من السعادة و ينتظم ف عدد أهل الدولة و ناشئة الدولة حينئذ من أبناء قومها الذين ذللوا أضغانم و مهدوا‬
‫أكنافهم مغترين با كان لبائهم ف ذلك من الثار ل تسمح به نفوسهم على السلطان و يعتدون بآثاره و يرون ف مضمار الدولة بسببه‬
‫فيمقتهم السلطان لذلك و يباعدهم‪ .‬و ييل إل هؤلء الصطنعي الذين ل يعتدون بقدي و ل يذهبون إل دالة و ل ترفع‪ .‬إنا دأبم الضوع‬
‫له و التملق و العتمال ف غرضه مت ذهب إليه فيتسع جاههم و تعلو منازلم و تنصرف إليهم الوجوه و الواطر با يصل لم من قبل‬
‫السلطان و الكانة عنده و يبقى ناشئة الدولة فيما هم فيه من الترفع و العتداد بالقدي ل يزيدهم ذلك إل بعدا من السلطان و مقتا و إيثارا‬
‫لؤلء الصطنعي عليهم إل أن تنقرض الدولة‪ .‬و هذا أمر طبيعي ف الدولة و منه جاء شأن الصطنعي ف الغالب و ال سبحانه و تعال أعلم‬
‫و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل السابع ف أن القائمي بأمور الدين من القضاء و الفتيا و التدريس و‬


‫المامة و الطابة و الذان و نو ذلك ل تعظم ثروتم ف الغالب‬
‫و السبب لذلك أن الكسب كما قدمناه قيمة العمال و أنا متفاوتة بسب الاجة إليها‪ .‬فإذا كانت العمال ضرورية ف العمران عامة‬
‫البلوى به كانت قيمتها أعظم و كانت الاجة إليها أشد‪ .‬و أهل هذه الصنائع الدينية ل تضطر إليهم عامة اللق و إنا يتاج إل ما عندهم‬
‫الواص من أقبل على دينه‪ .‬و إن احتيج إل الفتيا و القضاء ف الصومات فليس على وجه الضطرار و العموم فيقع الستغناء عن هؤلء ف‬
‫الكثر‪ .‬و إنا يهتم بإقامة مراسهم صاحب الدولة با ناله من النظر ف الصال فيقسم لم حظا من الرزق على نسبة الاجة إليهم على النحو‬
‫الذي قررناه‪ .‬ل يساويهم بأهل الشوكة و ل بأهل الصنائع من حيث الدين و الراسم الشرعية لكنه يقسم بسب عموم الاجة و ضرورة‬
‫أهل العمران فل يصح قسمهم إل القليل‪ .‬و هم أيضا لشرف بضائعهم أعزة على اللق و عند نفوسهم فل يضعون لهل الاه حت ينالوا‬
‫منه حظا يستدرون به الرزق بل و ل تفرغ أوقاتم لذلك لا هم فيه من الشغل بذه البضائع الشريفة الشتملة على إعمال الفكر و البدن‪ .‬بل‬
‫و ل يسعهم ابتذال أنفسهم لهل الدنيا لشرف بضائعهم فهم بعزل عن ذلك‪ ،‬فلذلك ل تعظم ثروتم ف الغالب‪ .‬و لقد باحثت بعض‬
‫الفضلء فأنكر ذلك علي فوقع بيدي أوراق مرقة من حسابات الدواوين بدار الأمون تشتمل على كثي من الدخل و الرج و كان فيما‬
‫طالعت فيه أرزاق القضاة و الئمة و الؤذني فوقفته عليه و علم منه صحة ما قلته و رجع إليه و قضينا العجب من أسرار ال ف خلقه‬
‫حكمته ف عواله و ال الالق القادر ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثامن ف أن الفلحة من معاش التضعي و أهل العافية من البدو‬


‫و ذلك لنه أصيل ف الطبيعة و بسيط ف منحاه و لذلك ل تده ينتحله أحد من أهل الضر ف الغالب و ل من الترفي‪ .‬و يتص منتحله‬
‫بالذلة قال صلى ال عليه و سلم و قد رأى السكة ببعض دور النصار‪ :‬ما دخلت هذه دار قوم إل دخله الذل‪ ،‬و حله البخاري على‬
‫الستكثار منه‪ .‬و ترجم عليه باب ما يذر من عواقب الشتغال بآلة الزرع أو تاوز الد الذي أمر به‪ .‬و السبب فيه و ال أعلم ما يتبعها‬
‫من الغرم الفضي إل التحكم و اليد العالية فيكون الغارم ذليلً بائسا با تتناوله أيدي القهر و الستطالة‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬ل تقوم‬
‫الساعة حت تعود الزكاة مغرما‪ ،‬إشارة إل اللك العضوض القاهر للناس الذي معه التسلط و الور و نسيان حقوق ال تعال ف التمولت و‬
‫اعتبار القوق كلها مغرم للملوك و الدول‪ .‬و ال قادر على ما يشاء‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الفصل التاسع ف معن التجارة و مذاهبها و أصنافها‬
‫اعلم أن التجارة ماولة الكسب بتنمية الال بشراء السلع بالرخص و بيعها بالغلء أيام كانت السلعة من دقيق أو زرع أو حيوان أو قماش‪ .‬و‬
‫ذلك القدر النامي يسمى ربا‪ .‬فالحاول لذلك الربح إما أن يتزن السلعة و يتحي با حوالة السواق من الرخص إل الغلء فيعظم ربه و‬
‫إما بأن ينقله إل بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من بلده الذي اشتراها فيه فيعظم ربه‪ .‬و لذلك قال بعض الشيوخ من التجار لطلب‬
‫الكشف عن حقيقة التجارة أنا أعلمها لك ف كلمتي‪ :‬اشتراء الرخيص و بيع الغال‪ .‬فقد حصلت التجارة إشارة منه بذلك إل العن الذي‬
‫قررناه‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل العاشر ف أي أصناف الناس يترف بالتجارة و أيهم ينبغي له اجتناب‬


‫حرفها‬
‫قد قدمنا أن معن التجارة تنمية الال بشراء البضائع و ماولة بيعها بأغلى من ثن الشراء إما بانتظار حوالة السواق أو نقلها إل بلد هي فيه‬
‫أنفق و أغلى أو بيعها بالغلء على الجال‪ .‬و هذا الربح بالنسبة إل أصل الال يسي إل أن الال إذا كان كثيا عظم الربح لن القليل ف‬
‫الكثي كثي‪ .‬ث ل بد ف ماولة هذه التنمية الذي هو الربح من حصول هذا الال بأيدي الباعة ف شراء البضائع و بيعها‪ .‬و معاملتهم ف‬
‫تقاضي أثانا‪ .‬و أهل النصفة قليل‪ ،‬فل بد من الغش و التطفيف الجحف بالبضائع و من الطل ف الثان الجحف بالربح‪ .‬كتعطيل الحاولة‬
‫ف تلك الدة و با ناؤه‪ .‬و من الحود و النكار السحت لرأس الال إن ل يتقيد بالكتاب و الشهادة‪ ،‬و غن الكام ف ذلك قليل لن‬
‫الكم إنا هو على الظاهر‪ .‬فيعان التاجر من ذلك أحوالً صعبة‪ .‬و ل يكاد يصل على ذلك التافه من الربح إل بعظم العناء و الشقة‪ ،‬أو ل‬
‫يصل أو يتلشى رأس ماله‪ .‬فإن كان جريئا على الصومة بصيا بالسبان شديد الماحكة مقداما على الكام كان ذلك أقرب له إل‬
‫النصفة براءته منهم و ماحكته و إل فل بد له من جاه يدرع به‪ ،‬يوقع له اليبة عند الباعة و يمل الكام على إنصافه من معامليه فيحصل‬
‫له بذلك النصفة ف ماله طوعا ف الول و كرها ف الثان و أما من كان فاقدا للجراءة و القدام من نفسه فاقد الاه من الكام فينبغي له أن‬
‫ينب الحتراف بالتجارة لنه يعرض ماله للضياع و الذهاب و يصي مأكلة للباعة و ل يكاد ينتصف منهم لن الغالب ف الناس و خصوصا‬
‫الرعاع و الباعة شرهون إل ما ف أيدي الناس سواهم متوثبون عليه‪ .‬و لول وازع الحكام لصبحت أموال الناس نبا و لول دفع ال الناس‬
‫بعضهم ببعض لفسدت الرض و لكن ال ذو فضل على العالي‪.‬‬

‫الفصل الادي عشر ف أن خلق التجار نازلة عن خلق الشراف و اللوك‬


‫و ذلك أن التجار ف غالب أحوالم إنا يعانون البيع و الشراء و ل بد فيه من الكايسة ضرورة فإن اقتصر عليها اقتصرت به على خلقها و‬
‫هي أعن خلق الكايسة بعيدة عن الرؤة الت تتخلق با اللوك و الشراف‪ .‬و أما إن استرذل خلقه با يتبع ذلك ف أهل الطبقة السفلى منهم‬
‫من الماحكة و الغش و اللبة و تعاهد اليان الكاذبة على الثان ردا و قبولً فأجدر بذلك اللق أن يكون ف غاية الذلة لا هو معروف‪.‬‬
‫و لذلك تد أهل الرئاسة يتحامون الحتراف بذه الرفة لجل ما يكسب من هذا اللق‪ .‬و قد يوجد منهم من يسلم من هذا اللق و‬
‫يتحاماه لشرف نفسه و كرم جلله إل أنه ف النادر بي الوجود و ال يهدي من يشاء بفضله و كرمه و هو رب الولي و الخرين‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر ف نقل التاجر للسلع‬


‫التاجر البصي بالتجارة ل ينقل من السلع إل ما تعم الاجة إليه من الغن و الفقي و السلطان و السوقة إذ ف ذلك نفاق سلعته‪ .‬و أما إذا‬
‫اختص نقله با يتاج إليه البعض فقط فقد يتعذر نفاق سلعته حينئذ بإعواز الشراء من ذلك البعض لعارض من العوارض فتكسد سوقه و‬
‫تفسد أرباحه‪ .‬و كذلك إذا نقل السلعة الحتاج إليها فإنا ينقل الوسط من صنفها فإن العال من كل صنف من السلع إنا يتص به أهل‬
‫الثروة و حاشية الدولة و هم القل‪ .‬و إنا يكون الناس أسوة ف الاجة إل الوسط من كل صنف فليتحر ذلك جهده ففيه نفاق سلعة أو‬
‫كسادها و كذلك نقل السلع من البلد البعيد السافة أو ف شدة الطر ف الطرقات يكون أكثر فائدة للتجار و أعظم أرباحا و أكفل بوالة‬
‫السواق لن السلعة النقولة حينئذ تكون قليلة معوزة لبعد مكانا أو شدة الغرر ف طريقها فيقل حاملوها و يعز وجودها و إذا قلت و عزت‬
‫غلت أثانا‪ .‬و أما إذا كان البلد قريب السافة و الطريق سابل بالمن فإنه حينئذ يكثر ناقلوها فتكثر و ترخص أثانا و بذا تد التجار الذين‬
‫يولعون بالدخول إل بلد السودان أرفه الناس و أكثرهم أموالً لبعد طريقها و مشقته و اعتراض الفازة الصعبة الخطرة بالوف و العطش‪.‬‬
‫ل يوجد فيها الاء إل ف أماكن معلومة يهتدي إليها أدلء الركبان فل يرتكب خطر هذا الطريق و بعده إل القل من الناس فتجد سلع بلد‬
‫السودان قليلة لدينا فتختص بالغلء و كذلك سلعنا لديهم‪ .‬فتعظم بضائع التجار من تناقلها و يسرع إليهم الغن و الثروة من أجل ذلك‪ .‬و‬
‫كذلك السافرون من بلدنا إل الشرق لبعد الشقة أيضا‪ .‬و أما الترددون ف أفق واحد ما بي أمصاره و بلدانه ففائدتم قليلة و أرباحهم‬
‫تافهة لكثرة السلع و كثرة ناقليها إن ال هو الرزاق ذو القوة التي‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر ف الحتكار‬


‫و ما اشتهر عند قوي البصر و التجربة ف المصار أن احتكار الزرع لتحي أوقات الغلء مشؤم‪ .‬و أنه يعود على فائدته بالتلف و السران‪.‬‬
‫و سببه و ال أعلم أن الناس لاجتهم إل القوات مضطرون إل ما يبذلون فيها من الال اضطرارا فتبقى النفوس متعلقة به و ف تعلق النفوس‬
‫با لا سر كبي ف وباله على من يأخذه مانا و فعله الذي اعتبه الشارع ف أخذ أموال الناس بالباطل و هذا و إن ل يكن مانا فالنفوس‬
‫متعلقة به لعطائه ضرورة من غي سي ف العذر فهو كالكره و ما عدا القوات و الأكولت من البيعات ل اضطرار للناس إليها و إنا‬
‫يبعثهم عليها التفنن ف الشهوات فل يبذلون أموالم فيها إل ياختيار و حرص‪ .‬و ل يبقى لم تعلق با أعطوه فلهذا يكون من عرف‬
‫بالحتكار تتمع القوى النفسانية على متابعته لا يأخذه من أموالم فيفسد ربه‪ .‬و ال تعال أعلم‪ .‬و سعت فيما يناسب هذا حكاية ظريفة‬
‫عن بعض مشيخة الغرب‪ .‬أخبن شيخنا أبو عبد ال البلي قال‪ :‬حضرت عند القاضي بفاس لعهد السلطان أب سعيد و هو الفقيه أبو‬
‫السن الليلي و قد عرض عليه أن يتار بعض اللقاب الخزنية لرايته قال فأطرق مليا ث قال‪ :‬من مكس المر‪ .‬فاستضحك الاضرون من‬
‫أصحابه و عجبوا و سألوه عن حكمة ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إذا كانت البايات كلها حراما فأختار منها ما ًل تتابعه نفس معطيه و المر قل أن يبذل‬
‫فيها أحد ماله إل و هو طرب مسرور بوجوداته غي أسف عليه و ل متعلقة به نفسه و هذه ملحظة غريبة و ال سبحانه و تعال يعلم ما‬
‫تكن الصدور‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشر ف أن رخص السعار مضر بالحترفي بالرخص‬


‫و ذلك أن الكسب و العاش كما قدمناه إنا هو بالصنائع أو التجارة‪ .‬و التجارة هي شراء البضائع و السلع و ادخارها‪ .‬يتحي با حوالة‬
‫السواق بالزيادة ف أثانا و يسمى ربا‪ .‬و يصل منه الكسب و العاش للمحترفي بالتجارة دائما فإذا استدي الرخص ف سلعة أو عرض‬
‫من مأكول أو ملبوس أو متمول على الملة و ل يصل للتاجر حوالة السواق فسد الربح و النماء بطول تلك الدة و كسدت سوق ذلك‬
‫الصنف و ل يصل التاجر إل على العناء فقعد التجار عن السعي فيها و فسدت رؤوس أموالم‪ .‬و اعتب ذلك أولً بالزرع فإنه إذا استدي‬
‫رخصه يفسد به حال الحترفي بسائر أطواره من الفلح و الزراعة لقلة الربح فيه و ندارته أو فقده‪ .‬فيفقدون النماء ف أموالم أو يدونه على‬
‫قلة و يعودون بالنفاق على رؤوس أموالم و تفسد أحوالم و بصيون إل الفقر و الصاصة‪ .‬و يتبع ذلك فساد حال الحترفي أيضا‬
‫بالطحن و البز و سائر ما يتعلق بالزراعة من الرث إل صيورته مأكولً‪ .‬و كذا يفسد حال الند إذا كانت أرزاقهم من السلطان على‬
‫أهل الفلح زرعا فإنا تقل جبايتهم من ذلك و يعجزون عن إقامة الندية الت هي بسببها و مطالبون با و منقطعون لا فتفسد أحوالم و‬
‫كذا إذا استدي الرخص ف السكر أو العسل فسد جيع ما يتعلق به و قعد الحترفون عن التجارة فيه و كذا حال اللبوسات إذا استدي فيها‬
‫الرخص أيضا فإذا الرخص الفرط يحف بعاش الحترفي بذلك الصنف الرخيص و كذا الغلء الفرط أيضا‪ .‬و إنا معاش الناس و كسبهم‬
‫ف التوسط من ذلك و سرعة حوالة السواق و علم ذلك يرجع إل العوائد التقررة بي أهل العمران‪ .‬و إنا يمد الرخص ف الزرع من بي‬
‫البيعات لعموم الاجة إليه و اضطرار الناس إل القوات من بي الغن و الفقي‪ .‬و العالة من اللق هم الكثر ف العمران فيعم الرفق بذلك و‬
‫يرجح جانب القوت على جانب التجارة ف هذا الصنف الاص إن ال هو الرزاق ذو القوة التي و ال سبحانه و تعال رب العرش العظيم‪.‬‬

‫الفصل الامس عشر ف أن خلق التجارة نازلة عن خلق الرؤساء و بعيدة من‬
‫الروءة‬
‫قد قدمنا ف الفصل قبله أن التاجر مدفوع إل معاناة البيع و الشراء و جلب الفوائد و الرباح و ل بد ف ذلك من الكايسة و الماحكة و‬
‫التحذلق و مارسة الصومات و اللجاج و هي عوارض هذه الرفة‪ .‬و هذه الوصاف نقص من الذكاء و الروءة و ترح فيها لن الفعال‬
‫ل بد من عود آثارها على النفس‪ .‬فأفعال الي تعود بآثار الي و الذكاء و أفعال الشر و السفسفة تعود بضد ذلك فتتمكن و ترسخ إن‬
‫سبقت و تكررت و تنقص خلل الي إن تأخرت عنها با ينطبع من آثارها الذمومة ف النفس شأن اللكات الناشئة عن الفعال‪ .‬و تتفاوت‬
‫هذه الثار بتفاوت أصناف التجار ف أطوارهم فمن كان منهم سافل الطور مالفا لشرار الباعة أهل الغش و اللبة و الديعة و الفجور ف‬
‫الثان إقرارا و إنكارا‪ .‬كانت رداءة تلك اللق عنه أشد و غلبت عليه السفسفة و بعد عن الروءة و اكتسابا بالملة‪ .‬و إل فل بد له من‬
‫تأثي الكايسة و الماحكة ف مروءته‪ ،‬و فقدان ذلك منهم ف الملة‪ .‬و وجود الصنف الثان منهم الذي قدمناه ف الفصل قبلة أنم يدرعون‬
‫بالاه و يعوض لم من مباشرة ذلك‪ ،‬فهم نادر و أقل من النادر‪ .‬و ذلك أن يكون الال قد يوجد عنده دفعة بنوع غريب أو ورثه عن أحد‬
‫من أهل بيته فحصلت له ثروة تعينه على التصال بأهل الدولة و تكسبه ظهورا و شهرة بي أهل عصره فيتفع عن مباشرة ذلك بنفسه و‬
‫يدفعه إل من يقوم له به من وكلئه و حشمه‪ .‬و يسهل له الكام النصفة ف حقوقهم با يؤنسونه من بره و إتافه فيبعدونه عن تلك اللق‬
‫بالبعد عن معاناة الفعال القتضية لا كما مر‪ .‬فتكون مروءتم أرسخ و أبعد عن تلك الحاجاة إل ما يسري من آثار تلك الفعال من وراء‬
‫الجاب فإنم يضطرون إل مشارفة أحوال أولئك الوكلء و رفاقهم أو خلفهم فيما يأتون أو يدرون من ذلك إل أنه قليل و ل يكاد يظهر‬
‫أثره و ال خلقكم و ما تعملون‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر ف أن الصنائع ل بد لا من العلم‬


‫إعلم أن الصناعة هي ملكة ف أمر عملي فكري و بكونه عمليا هو جسمان مسوس‪ .‬و الحوال السمانية الحسوسة فنقلها بالباشرة‬
‫أوعب لا و أكمل‪ ،‬لن الباشرة ف الحوال السمانية الحسوسة أت فائدة و اللكة صفة راسخة تصل عن استعمال ذلك الفعل و تكرره‬
‫مرة بعد أخرى حت ترسخ صورته‪ .‬و على نسبة الصل تكون اللكة‪ .‬و نقل العاينة أوعب و أت من نقل الب و العلم‪ .‬فاللكة الاصلة عن‬
‫الب‪ .‬و على قدر جودة التعليم و ملكة العلم يكون حذق التعلم ف الصناعة و حصول ملكته‪ .‬ث أن الصنائع منها البسيط و منها الركب‪.‬‬
‫و البسيط هو الذي يتص بالضروريات و الركب هو الذي يكون للكماليات‪ .‬و التقدم منها ف التعليم هو البسيط لبساطته أولً‪ ،‬و لنه‬
‫متص بالضروري الذي تتوفر الدواعي على نقله فيكون سابقا ف التعليم و يكون تعليمه لذلك ناقصا‪ .‬و ل يزال الفكر يرج أصنافها و‬
‫مركباتا من القوة إل الفعل بالستنباط شيئا فشيئا على التدريج حت تكمل‪ .‬و ل يصل ذلك دفعة و إنا يصل ف أزمان و أجيال إذ‬
‫خروج الشياء من القوة إل الفعل ل يكون دفعة ل سيما ف المور الصناعية فل بد له إذن من زمان‪ .‬و لذا تد الصنائع ف المصار‬
‫الصغية ناقصة و ل يوجد منها إل البسيط فإذا تزايدت حضارتا و دعت أمور الترف فيها إل استعمال الصنائع خرجت من القوة إل‬
‫الفعل‪ .‬و تنقسم الصنائع أيضا إل ما يتص بأمر العاش ضروريا كان أو غي ضروري و إل ما يتص بالفكار الت هي خاصية النسان من‬
‫العلوم و الصنائع و السياسة‪ .‬و من الول الياكة و الزارة و النجارة و الدادة و أمثالا‪ .‬و من الثان الوراقة و هي معاناة الكتب بالنتساخ‬
‫و التخليد و الغناء و الشعر و تعليم العلم و أمثال ذلك‪ .‬و من الثالث الندية و أمثالا‪ .‬و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر ف أن الصنائع إنا تكمل بكمال العمران الضري و‬


‫كثرته‬
‫و السبب ف ذلك أن الناس ما ل يستوف العمران الضري و تتمدن الدينة إنا ههم ف الضروري من العاش و هو تصيل القوات من‬
‫النطة و غيها‪ .‬فإذا تدنت الدبنة و تزايدت فيها العمال و وفت بالضروري و زادت عليه صرف الزائد و إنا إل الكمالت من العاش‪.‬‬
‫ث إن الصنائع و العلوم إنا هي للنسان من حيث فكره الذي يتميز به عن اليوانات و القوت له من حيث اليوانية و الغذائية فهو مقدم‬
‫لضرورته على العلوم و الصنائع و هي متأخرة عن الضروري‪ .‬و على مقدار عمران البلد تكون جودة الصنائع للتأنق فيها و إنا و استجادة‬
‫ما يطلب منها بيث تتوفر دواعي الترف و الثروة و أما العمران البدوي أو القليل فل يتاج من الصنائع إل البسيط خاصة الستعمل ف‬
‫الضروريات من نار أو حداد او خياط أو حائك أو جزار‪ .‬و إذا وجدت هذه بعد فل توجد فيه كاملة و ل مستجادة و إنا يوجد منها‬
‫بقدار الضرورة إذ هي كلها وسائل إل غيها و ليست مقصودة لذاتا‪ .‬و إذا زخر بر العمران و طلبت فيه الكمالت كان من جلتها‬
‫التأنق ف الصنائع و استجادتا فكملت بميع متمماتا و تزايدت صنائع أخرى معها ما تدعو إليه عوائد الترف و أحواله من جزار و دباغ و‬
‫خراز و صائغ و أمثال ذلك‪ .‬و قد تنتهي هذه الصناف إذا استبحر العمران إل أن يوجد فيها كثي من الكمالت و التأنق فيها ف الغاية و‬
‫تكون من وجوه العاش ف الصر لنتحلها‪ .‬بل تكون فائدتا من أعظم فوائد العمال لا يدعو إليه الترف ف الدينة مثل الدهان و الصفار و‬
‫المامي و الطباخ و الشماع و الراس و معلم الغناء و الرقص و قرع الطبول على الترقيع‪ .‬و مثل الوراقي الذين يعانون صناعة انتساخ‬
‫الكتب و تليدها و تصحيحها فإن هذه الصناعة إنا يدعو إليها الترف ف الدينة من الشتغال بالمور الفكرية و أمثال ذلك‪ .‬و قد ترج عن‬
‫الد إذا كان العمران خارجا عن الد كما بلغنا عن أهل مصر أن فيهم من يعلم الطيور العجم و المر النسية و يتخيل أشياء من العجائب‬
‫بإيهام قلب العيان و تعليم الداء و الرقص و الشي على اليوط ف الواء و رفع الثقال من اليوان و الجارة و غي ذلك من الصنائع الت‬
‫ل توجد عندنا بالغرب‪ .‬لن عمران أمصاره ل يبلغ عمران مصر و القاهرة‪ .‬أدام ال عمرانا بالسلمي‪ .‬و ال الكيم العليم‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر ف أن رسوخ الصنائع ف المصار إنا هو برسوخ‬


‫الضارة و طول أمده‬
‫و السبب ف ذلك ظاهر و هو أن هذه كلها عوائد للعمران و الوان‪ .‬و العوائد إنا ترسخ بكثرة التكرار و طول المد فتستحكم صبغة ذلك‬
‫و ترسخ ف الجيال‪ .‬و إذا استحكمت الصبغة عسر نزعها‪ .‬و لذا ند ف المصار الت كانت استبحرت ف الضارة لا تراجع عمرانا و‬
‫تناقص بقيت فيها آثار من هذه الصنائع ليست ف غيها من المصار الستحدثة العمران و لو بلغت مبالغها ف الوفور و الكثرة و ما ذاك إل‬
‫لن أحوال تلك القدية العمران مستحكمة راسخة بطول الحقاب و تداول الحوال و تكررها و هذه ل تبلغ الغاية بعد‪ .‬و هذا كالال ف‬
‫الندلس لذا العهد فإنا ند فيها رسوم الصنائع قائمة و أحوالا فمن مستحكمة راسخة ف جيع ما تدعو إليه عوائد أمصارها كالبان و‬
‫الطبخ و أصناف الغناء و اللهو من اللت و الوتار و الرقص و تنضيد الفرش ف القصور‪ ،‬و حسن الترتيب و الوضاع ف البناء و صوغ‬
‫النية من العادن و الزف و جيع الواعي و إقامة الولئم و العراس و سائر الصنائع الت يدعو إليها الترف و عوائده‪ .‬فنجدهم أقوم عليها‬
‫و أبصر با‪ .‬و ند صنائعها مستحكمة لديهم فهم على حصة موفورة من ذلك و حظ متميز بي جيع المصار‪ .‬و إن كان عمرانا قد‬
‫تناقص‪ .‬و الكثي منه ل يساوي عمران غيها من بلد العدوة‪ .‬و ما ذاك إل لا قدمناه من رسوخ الضارة فيهم برسوخ الدولة الموية و ما‬
‫قبلها من دولة القوط و ما بعدها من دولة الطوائف و هلم جرا‪ .‬فبلغت الضارة فيها مبلغا ل تبلغه ف قطر إل ما ينقل عن العراق و الشام و‬
‫مصر أيضا لطول آماد الدول فيها فاستحكمت فيها الصنائع و كملت جيع أصنافها على الستجادة و التنميق‪ .‬و بقيت صبغتها ثابتة ف‬
‫ذلك العمران ل تفارقه إل أن ينتقض بالكلية حال الصبغ إذا رسخ ف الثوب‪ .‬و كذا أيضا حال تونس فيما حصل فيها بالضارة من الدول‬
‫الصنهاجية و الوحدين من بعدهم و ما استكمل لا ف ذلك من الصنائع ف سائر الحوال و إن كان ذلك دون الندلس‪ .‬إل أنه متضاعف‬
‫برسوم منها تنقل إليها من مصر لقرب السافة بينهما‪ .‬و تردد السافرين من قطرها إل قطر مصر ف كل سنة و ربا سكن أهلها هناك‬
‫عصورا فينقلون من عوائد ترفهم و مكم صنائعهم ما يقع لديهم موقع الستحسان‪ .‬فصارت أحوالا ف ذلك متشابة من أحوال مصر لا‬
‫ذكرناه و من أحوال الندلس لا أن أكثر ساكنها من شرق الندلس حي اللء لعهد الائة السابعة‪ .‬و رسخ فيها من ذلك أحوال و إن كان‬
‫عمرانا ليس مناسب لذلك لذا العهد‪ .‬إل أن الصبغة إذا استحكمت فقليلً ما تول إل بزوال ملها‪ .‬و كذا ند بالقيوان و مراكش و قلعة‬
‫ابن حاد أثرا باقيا من ذلك و إن كانت هذه كلها اليوم خرابا أو ف حكم الراب‪ .‬و ل يتفطن لا إل البصي من الناس فيجد من هذه‬
‫الصنائع آثارا تدله على ما كان با كأثر الط المحو ف الكتاب و ال اللق العليم‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر ف أن الصنائع إنا تستجاد و تكثر إذا كثر طالبها‬
‫و السبب ف ذلك ظاهر و هو أن النسان ل يسمح بعمله أن يقع مانا لنه كسبه و منه معاشه‪ .‬إذ ل فائدة له ف جيع عمره ف شيء ما‬
‫سواه فل يصرفه إل فيما له قيمة ف مصره ليعود عليه بالنفع‪ .‬و إن كانت الصناعة مطلوبة و توجه إليها النفاق كانت و إنا الصناعة بثابة‬
‫السلعة الت تنفق سوقها و تلب للبيع‪ .‬فتجتهد الناس ف الدينة لتعلم تلك الصناعة ليكون منها معاشهم‪ .‬و إذا ل تكن الصناعة مطلوبة ل‬
‫تنفق سوقها و ل يوجه قصد إل تعلمها‪ ،‬فاختصت بالترك و فقدت للهال‪ .‬و لذا يقال عن علي رضي ال عنه‪ ،‬قيمة كل امرئ ما يسن‬
‫بعن أن صناعته هي قيمته أي قيمة عمله الذي هو معاشه‪ .‬و أيضا فهنا سر آخر و هو أن الصنائع و إجادتا إنا تطلبها الدولة فهي الت تنفق‬
‫سوقها و توجه الطالبات إليها‪ .‬و ما ل تطلبه الدولة و إنا يطلبها غيها من أهل الصر فليس على نسبتها لن الدولة هي السوق العظم و‬
‫فيها نفاق كل شيء و القليل و الكثي فيها على نسبة واحدة‪ .‬فما نفق منها كان أكثريا ضرورة‪ .‬و السوقة و إن طلبوا الصناعة فليس طلبهم‬
‫بعام و ل شوقهم بنافقة‪ .‬و ال سبحانه و تعال قادر على ما يشاء‪.‬‬

‫الفصل العشرون ف أن المصار إذا قاربت الراب انتقصت منها الصنائع‬


‫و ذلك لا بينا أن الصنائع إنا تستجاد إذا احتيج إليها و كثر طالبها‪ .‬و إذا ضعفت أحوال الصر و أخذ ف الرم بانتقاض عمرانه و قلة‬
‫ساكنه تناقص فيه الترف و رجعوا إل القتصار على الضروري من أحوالم فتقل الصنائع الت كانت من توابع الترف لن صاحبها حينئد ل‬
‫يصح له با معاشه فيفر إل غيها‪ ،‬أو يوت و ل يكون خلف منه‪ .‬فيذهب رسم تلك الصنائع جلة‪ ،‬كما يذهب النقاشون و الصواغ و‬
‫الكتاب و النساخ و أمثالم من الصنائع لاجات الترف‪ .‬و ل تزال الصناعات ف التناقص إل أن تضمحل‪ .‬و ال اللق العليم و سبحانه و‬
‫تعال‪.‬‬

‫الفصل الادي و العشرون ف أن العرب أبعد الناس عن الصنائع‬


‫و السبب ف ذلك أنم أعرق ف البدو و أبعد عن العمران الضري و ما يدعو إليه من الصنائع و غيها‪ .‬و العجم من أهل الشرق و أمم‬
‫النصرانية عدوة البحر الرومي أقوم الناس عليها لنم أعرق ف العمران الضري و أبعد عن البدو و عمرانه‪ .‬حت إن البل الت أعانت العرب‬
‫على التوحش و ف القفر‪ ،‬و العراق ف البدو‪ ،‬مفقودة لديهم بالملة‪ ،‬و مفقودة مراعيها‪ ،‬و الرمال الهيئة لنتاجها‪ .‬و لذا ند أوطان العرب‬
‫و ما ملكوه ف السلم قليل الصنائع بالملة‪ ،‬حت تلب إليه من قطر آخر‪ .‬و انظر بلد العجم من الصي و الند و أرض الترك و أمم‬
‫النصرانية‪ ،‬كيف استكثرث فيهم الصنائع و استجلبها المم من عندهم‪ .‬و عجم الغرب من الببر مثل العرب ف ذلك لرسوخهم ف البداوة‬
‫منذ أحقاب من السني‪ .‬و يشهد لك بذلك قلة المصار بقطرهم كما قدمناه‪ ..‬فالصنائع بالغرب لذلك قليلة و غي مستحكمة الماكن من‬
‫صناعة الصوف من نسجه‪ ،‬و اللد ف خرزه و دبغه‪ .‬فإنم لا استحضروا بلغوا فيها البالغ لعموم البلوى با و كون هذين أغلب السلع ف‬
‫قطرهم‪ ،‬لا هم عليه من حال البداوة‪ .‬و أما الشرق فقد رسخت الصنائع فيه منذ ملك المم القدمي من الفرس و النبط و القبط و بن‬
‫إسرائيل و يونان و الروم أحقابا متطاولة‪ ،‬فرسخت فيهم أحوال الضارة‪ .‬و من جلتها الصنائع كما قدمناه‪ ،‬فلم يح رسها‪ .‬و أما اليمن و‬
‫البحرين و عمان و الزيرة و إن ملكه العرب إل أنم تداولوا ملكه آلفا من السني ف أمم كثيين منهم‪ .‬و اختطوا أمصاره و مدنه و بلغوا‬
‫الغاية من الضارة و الترف مثل عاد و ثود و العمالقة و حي من بعدهم‪ .‬و التبابعة و الذواء فطال أمد اللك و الضارة و استحكمت‬
‫صبغتها و توفرت الصنائع و رسخت‪ ،‬فلم تبل ببلى الدولة كما قدمناه‪ .‬فبقيت مستجدة حت الن‪ .‬و اختصت بذلك للوطن‪ ،‬كصناعة‬
‫الوشي و العصب و ما يستجاد من حول الثياب و الرير فيها و ال وارث الرض و من عليها و هو خي الوارثي‪.‬‬

‫الفصل الثان و العشرون فيمن حصلت له ملكة ف صناعة فقل أن ييد بعد‬
‫ف ملكة أخرى‬
‫و مثال ذلك الياط إذا أجاد ملكة الياطة و أحكمها و رسخت ف نفسه فل ييد من بعدها ملكة النجارة أو البناء إل أن تكون الول ل‬
‫تستحكم بعد و ل ترسخ صبغتها‪ .‬و السبب ف ذلك أن اللكات صفات للنفس و ألوان فل تزدحم دفعة‪ .‬و من كان على الفطرة كان‬
‫أسهل لقبول اللكات و أحسن استعدادا لصولا‪ .‬فإذا تلونت النفس باللكة الخرى و خرجت عن الفطرة ضعف فيها الستعداد باللون‬
‫الاصل من هذه اللكة فكان قبولا للملكة الخرى أضعف‪ .‬و هذا بي يشهد له الوجود‪ .‬فقل أن تد صاحب صناعة يكمها ث يكم من‬
‫بعدها أخرى و يكون فيهما معا على رتبة واحدة من الجادة‪ .‬حت أن أهل العلم الذين ملكتهم فكرية فهم بذه الثابة‪ .‬و من حصل منهم‬
‫على ملكة علم من العلوم و أجادها ف الغاية فقل أن ييد ملكة علم آخر على نسبته بل يكون مقصرا فيه إن طلبه إل ف القل النادر من‬
‫الحوال‪ .‬و مبن سببه على ما ذكرناه من الستعداد و تلوينه بلون اللكة الاصلة ف النفس‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق ل رب‬
‫سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون ف الشارة إل أمهات الصنائع‬


‫إعلم أن الصنائع ف النوع النسان كثية لكثرة العمال التداولة ف العمران‪ .‬فهي بيث تشذ عن الصر و ل يأخذها العد‪ .‬إل أن منها ما‬
‫هو ضروري ف العمران أو شريف بالوضع فنخصها بالذكر و نترك ما سواها‪ .‬فأما الضروري فالفلحة و البناء و الياطة و النجارة و‬
‫الياكة‪ ،‬و أما الشريفة بالوضع فكالتوليد و الكتابة و الوراقة و الغناء و الطب‪ .‬فأما التوليد فإنا ضرورية ف العمران و عامة البلوى إذ با‬
‫تصل حياة الولود و تتم غالبا‪ .‬و موضوعها مع ذلك الولودون و أمهاتم‪ .‬و أما الطب فهو حفظ الصحة لنسان و دفع الرض عنه و‬
‫يتفرع عن علم الطبيعة‪ ،‬و موضوعه مع ذلك بدن النسان‪ .‬و أما الكتابة و ما يتبعها من الوراقة فهي حافظة على النسان حاجته و مقيدة لا‬
‫عن النسيان و مبلغة ضمائر النفس إل البعيد الغائب و ملدة نتائج الفكار و العلوم ف الصحف و رافعة رتب الوجود للمعان‪ .‬و أما الغناء‬
‫فهو نسب الصوات و مظهر جالا للساع‪ .‬و كل هذه الصنائع الثلث داع إل مالطة اللوك العاظم ف خلواتم و مالس أنسهم فلها‬
‫بذلك شرف ليس لغيها‪ .‬و ما سوى ذلك من الصنائع فتابعة و متهنة ف الغالب‪ .‬و قد يتلف ذلك باختلف الغراض و الدواعي‪ .‬و ال‬
‫أعلم بالصواب‪.‬‬

‫الفصل الرابع و العشرون ف صناعة الفلحة‬


‫هذه الصناعة ثرتا اتاذ القوات و البوب بالقيام على إثارة الرض لا ازدراعها و علج نباتا و تعهده بالسقي و التنمية إل بلوغ غايته ث‬
‫حصاد سنبله و استخراج حبه من غلفه و إحكام العمال لذلك‪ .‬و تصيل أسبابه و دواعيه‪ .‬و هي أقدم الصنائع لا أنا مصلة للقوت‬
‫الكمل لياة النسان غالبا إذ يكن وجوده من دون القوت‪ .‬و لذا اختصت هذه الصناعة بالبدو‪ .‬إذ قدمنا أنه أقدم من الضر و سابق عليه‬
‫فكانت هذه الصناعة لذلك بدوية ل يقوم عليها الضر و ل يعرفونا لن أحوالم كلها ثانية على البداوة فصنائعهم ثانية عن صنائعها و تابعة‬
‫لا‪ .‬و ال سبحانه و تعال مقيم العباد فيما أراد‪.‬‬

‫الفصل الامس و العشرون ف صناعة البناء‬


‫هذه الصناعة أول صنائع العمران الضري و أقدمها و هي معرفة العمل ف اتاذ البيوت و النازل للكن و الأوى للبدان ف الدن‪ .‬و ذلك‬
‫أن النسان لا جبل عليها من الفكر ف عواقب أحواله‪ ،‬ل بد أن يفكر فيما يدفع عنه الذى من الر و البد كاتاذ البيوت الكتنفة بالسقف‬
‫و اليطان‪ .‬من سائر جهاتا و البشر متلف ف هذه البلة الفكرية فمنهم العتدلون فيها فيتخذون ذلك باعتدال أهال الثان و الثالث و الرابع‬
‫و الامس و السادس و أما أهل البدو فيبعدون عن اتاذ ذلك لقصور أفكارهم عن إدراك الصنائع البشرية فيبادرون للغيان و الكهوف‬
‫العدة من غي علج‪ .‬ث العتدلون و التخذون البيوت للمأوى قد يتكاثرون ف البسيط الواحد بيث يتناكرون و ل يتعارفون فيخشون طرق‬
‫بعضهم بعضا بياتا فيحتاجون إل حفظ متمعهم بإدارة ماء أو أسوار توطهم و يصي جيعا مدينة واحدة و مصرا واحدا و يوطهم الكم‬
‫من داخل يدفع بعضهم عن بعض و قد يتاجون إل النتصاف و يتخذون العاقل و الصون لم و لن تت أيديهم و هؤلء مثل اللوك و‬
‫من ف معناهم من المراء و كبار القبائل‪ .‬ث تتلف أحوال البناء ف الهن كل مدينة على ما يتعارفون و يصطلحون عليه و يناسب مزاج‬
‫هوائهم و اختلف أحوالم ف الغن و الفقر‪ .‬و كذا حال أهل الدينة الواحدة فمنهم من يتخذ القصور و البضائع العظيمة الساحة الشتملة‬
‫على عدة الدور و البيوت و الغرف الكبية لكثرة ولده و حشمه و عياله و تابعه و يؤسس جدرانا بالجارة و يلحم بينها بالكلس و يعال‬
‫عليها بالصبغة و الص و يبالغ ف كل ذلك بالتنجيد و التنميق إظهارا للبسطة بالعناية ف شأن الأوى‪ .‬و يهيء مع ذلك السراب و‬
‫الطامي للختزان لقواته و السطبلت لربط مقرباته إذا كان من أهل النود و كثرة التابع و الاشية كالمراء و من ف معناهم و منهم من‬
‫يبن الدويرة و البيوت لنفسه و سكنه و ولده ل يبتغي ما وراء ذلك لقصور حاله عنه و اقتصاره عن الكن الطبيعي للبشر و بي ذلك مراتب‬
‫غي منحصرة و قد يتاج لذه الصناعة أيضا عند تأسيس اللوك و أهل و الدول الدن العظيمة و الياكل الرتفعة و يبالغون ف إتقان‬
‫الوضاع و علو الجرام مع الحكام بتبلغ الصناعة مبالغها‪ .‬و هذه الصناعة هي الت تصل الدواعي لذلك كله و أكثر ما تكون هذه‬
‫الصناعة ف القاليم العتدلة من الرابع و ما حواليه إذ القاليم النحرفة ل بناء فيها‪ .‬و إنا يتخذون البيوت حظائر من القصب و الطي أو‬
‫يأوون إل الكهوف و الغيان‪ .‬و أهل هذه الصناعة القائلون عليها متفاوتون‪ :‬فمنهم البصي الاهر و منهم القاصر‪ .‬ث هي تتنوع أنواعا كثية‬
‫فمنها البناء بالجارة النجدة أو بالجر يقام با الدران ملصقا بعضها إل بعض بالطي و الكلس الذي يعقد معها و يلتحم كأنا جسم‬
‫واحد و منها البناء بالتراب خاصة تقام منه حيطان يتخذ لا لوحان من الشب فقدران طولً و عرضا باختلف العادات ف التقدير‪ .‬و‬
‫أوسطه أربع أذرع ف ذراعي فينصبان على أساس و قد يوعد ما بينهما با يراه صاحب البناء ف عرض الساس و يوصل بينهما بأذرع من‬
‫الشب يربط عليها بالبال و الدر‪ .‬و يسد الهتان الباقيتان من ذلك اللء بينهما بلوحي آخرين صغيين ث يوضع فيه التراب ملطا‬
‫بالكلس و يركز بالراكز العدة حت ينعم ركزه و يتلط أجزاؤه بالكلس ث يزاد التراب ثانيا و ثالثا إل أن يتلىء ذلك اللء بي اللوحي و‬
‫قد تداخلت أجزاء الكلس و التراب و صارت جسما واحدا‪ .‬ث يعاد نصب اللوحي على صورة و يركز كذلك إل أن يتم و ينظم اللواح‬
‫كلها سطرا من فوق سطر إل أن ينتظم الائط كله ملتحما كأنه قطعة واحدة و يسمى الطابية و صانعه الطواب‪ .‬و من صنائع البناء أيضا‬
‫أن تلل اليطان بالكلس بعد أن يل بالاء و يمر أسبوعا أو أسبوعي على قدر ما يعتدل مزاجه عن إفراط النارية الفسدة لللام‪ .‬فإذا ت‬
‫له ما يرضاه من ذلك عله من فوق الائط و ذلك إل أن يلتحم‪ .‬و من صنائع البناء عمل السقف بأن يد الشب الحكمة النجارة أو‬
‫الساذجة على حائطي البيت و من فوقها اللواح كذلك موصولة بالدسائر و يصب عليها التراب و الكلس و يبسط بالراكز حت تتداخل‬
‫أجزاؤها و تلتحم و يعال عليها الكلس كما يعال على الائط‪ .‬و من صناعة البناء ما يرجع إل التنميق و التزيي كما يصنع من فوق‬
‫اليطان الشكال الجسمة من الص يمر بالاء ث يرجع جسدا و فيه بقية البلل‪ ،‬فيشكل على التناسب تريا بثاقب الديد إل أن يبقى له‬
‫رونق و رؤاء‪ .‬و ربا عول على اليطان أيضا بقطع الرخام أو الجر أو الزف أو بالصدف أو السبج يفصل أجزاء متجانسة أو متلفة و‬
‫توضع ف الكلس على نسب و أوضاع مقدرة عندهم يبدو به الائط للعيان‪ ،‬كأنه قطع الرياض النمنمة‪ .‬إل غي ذلك من بناء الباب و‬
‫الصهاريج لسفح الاء بعد أن تعد ف البيوت قصاع الرخام القوراء الحكمة الرط بالفوهات ف وسطها لنبع الاء الاري إل الصهريج يلب‬
‫إليه من خارج القنوات الفضية إل البيوت و أمثال ذلك من أنواع البناء‪ .‬و تتلف الصناع ف جيع ذلك باختلف الذق و البصر و يعظم‬
‫عمران الدينة و يتسع فيكثرون‪ .‬و ربا يرجع الكام إل نظر هؤلء فيما هم أبصر به من أحوال البناء‪ .‬و ذلك أن الناس ف الدن لكثرة‬
‫الزدحام و العمران يتشاحون حت ف الفضاء و الواء العلى و السفل و من النتفاع بظاهر البناء ما يتوقع معه حصول الضرر ف اليطان‪.‬‬
‫فيمنع جاره من ذلك إل ما كان له فيه حق‪ .‬و يتلفون أيضا ف استحقاق الطرق و النافذ للمياه الارية و الفضلت السربة ف القنوات و‬
‫ربا يدعي بعضهم حق بعض ف حائطه أو علوه أو قناته لتضايق الوار أو يدعي بعضهم على جاره اختلل حائطه خشية سقوطه و يتاج‬
‫إل الكم عليه بدمه و دفع ضرر عن جاره عند من يراه أو يتاج إل قسمة دار أو عرضة بي شريكي بيث ل يقع معها فساد ف الدار و‬
‫ل إهال لنفعتها‪ .‬و أمثال ذلك‪ .‬و يفى جيع ذلك إل على أهل البصر العارفي بالبناء و أحواله الستدلي عليها بالعاقد و القمط و مراكز‬
‫الشب و ميل اليطان و اعتدالا و قسم الساكن على نسبة أوضاعها‪ .‬و منافعها و تسريب الياه ف القنوات ملوبة و مرفوعة بيث ل تضر‬
‫با مرت عليه من البيوت و اليطان و غي ذلك‪ .‬فلهم بذا كله البصر و البة الت ليست لغيهم‪ .‬و هم مع ذلك يتلفون بالودة و‬
‫القصور ف الجيال باعتبار الدول و قوتا‪ .‬فإنا قدمنا أن الصنائع و كمالا‪ ،‬إنا هو بكمال الضارة و كثرتا بكثرة الطالب لا‪ .‬فلذلك عندما‬
‫تكون الدولة بدوية ف أول أمرها تفتقر ف أمر البناء إل غي قطرها‪ .‬كما وقع للوليد بن عبد اللك حي أجع على بناء مسجد الدينة و‬
‫القدس و مسجده بالشام‪ .‬فبعث إل ملك الروم بالقسطنطينية ف الفعلة الهرة ف البناء فبعث إليه منهم من حصل له غرضه من تلك الساجد‬
‫و قد يعرف صاحب هذه الصناعة أشياء من الندسة مثل تسوية اليطان بالوزن و إجراء الياه بأخذ الرتفاع و أمثال ذلك فيحتاج إل‬
‫البصر بشيء من مسائله‪ .‬و كذلك ف جر الثقال بالندام فإن الجرام العظيمة إذا شيدت بالجارة الكبية يعجز قدر الفعلة عن رقمها إل‬
‫مكانا من الائط فيتحيل لذلك بضاعفة قوة البل بإدخاله ف العالق من أثقاب مقدرة على نسب هندسية تصي الثقيل عند معاناة الرفع‬
‫خفيفا فيتم الراد من ذلك بغي كلفة و هذا إنا يتم بأصول هندسية معروفي متداولي بي البشر و بثلها كان بناء الياكل الاثلة لذا العهد‬
‫الت يسب أنا من بناء الاهلية‪ .‬و أن أبدانم كانت على نسبتها ف العظم السمان و ليس كذلك و إنا ت لم ذلك باليل الندسية كما‬
‫ذكرناه‪ .‬فتفهم ذلك‪ .‬و ال يلق ما يشاء سبحانه‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون ف صناعة النجارة‬


‫هذه الصناعة من ضروريات العمران و مادتا الشب و ذلك أن ال سبحانه و تعال جعل للدمي ف كل مكون من الكونات منافع تكمل‬
‫با ضروراته و كان منها الشجر فإن له فيه من النافع مال ينحصر ما هو معروف لكل أحد‪ .‬و من منافعها اتاذها خشبا إذا يبست و أول‬
‫منافعه أن يكون وقودا للنيان ف معاشهم و عصيا للتكاء و الذود و غيها من ضرورياتم و دعائم لا يشى ميله من أثقالم‪ .‬ث بعد ذلك‬
‫منافع أخرى لهل البدو و الضر فأما أهل البدو فيتخذون منها العمد و الوتاد ليامهم و الدوج لظعائنهم و الرماح و القسي و السهام‬
‫لسلحهم و أما أهل الضر فالسقف لبيوتم و الغلق ل بوابم و الكراسي للوسهم‪ .‬و كل واحدة من هذه فالشبة مادة لا و ل تصي‬
‫إل الصورة الاصة با إل بالصناعة‪ .‬و الصناعة التكفلة بذلك الحصلة لكل واحد من صورها هي النجارة على اختلف رتبها‪ .‬فيحتاج‬
‫صاحبها إل تفصيل الشب أولً‪ ،‬إما بشب أصغر منه أو ألواح‪.‬‬
‫ث تركب تلك الفضائل بسب الصور الطلوبة‪ .‬و هو ف كل ذلك ياول بصنعته إعداد تلك الفصائل بالنتظام إل أن تصي أعضاء لذلك‬
‫الشكل الخصوص‪ .‬و القائم على هذه الصناعة هو النجار و هو ضروري ف العمران‪ .‬ث إذا عظمت الضارة و جاء الترف و تأنق الناس‬
‫فيما يتخذونه من كل صنف من سقف أو باب أو كرسي أو ماعون‪ ،‬حدث التأنق ف صناعة ذلك و استجادته بغرائب من الصناعة كمالية‬
‫ليست من الضروري ف شيء مثل التخطيط ف البواب و الكراسي و مثل تيئة القطع من الشب بصناعة الرط يكم بريها و تشكيلها ث‬
‫تؤلف على نسب مقدرة و تلحم بالدسائر فتبدو لرأي العي ملتحمة و قد أخذ منها اختلف الشكال على تناسب‪ .‬يصنع هذا ف كل شيء‬
‫يتخذ من الشب فيجيء آنق ما يكون‪ .‬و كذلك ف جيع ما يتاج إليه من اللت التخذة من الشب من أي نوع كان‪ .‬و كذلك قد‬
‫يتاج إل هذه الصناعة ف إنشاء الراكب البحرية ذات اللواح و الدسر و هي أجرام هندسية صنعت على قالب الوت و اعتبار سبحه ف‬
‫الاء بقوادمه و كلكله ليكون ذلك الشكل أعون لا ف مصادمة الاء و جعل لا عوض الركة اليوانية الت للسمك تريك الرياح‪ .‬و ربا‬
‫أعينت بركة القاذيف كما ف الساطيل‪ .‬و هذه الصناعة من أصلها متاجة إل أصل كبي من الندسة ف جيع أصنافها لن إخراج الصور‬
‫من القوة إل الفعل على وجه الحكام متاج إل معرفة التناسب ف القادير إما عموما أو خصوصا و تناسب القادير ل بد فيه من الرجوع‬
‫إل الهندس‪ .‬و لذا كانت أئمة الندسة اليونانيون كلهم أئمة ف هذه الصناعة فكان أوقليدوس صاحب كتاب الصول ف الندسة نارا و‬
‫با كان يعرف‪ .‬و كذلك أبلونيوس صاحب كتاب الخروطات و ميلوش و غيهم‪ .‬و فيما يقال‪ :‬أن معلم هذه الصناعة ف الليقة هو نوح‬
‫عليه السلم و با أنشأ سفينة النجاة الت كانت با معجزته عند الطوفان‪ .‬و هذا الب و إن كان مكنا أعن كونه نارا إل أن كونه أول من‬
‫علمها أو تعلمها ل يقوم دليل من النقل عليه لبعد الماد‪ .‬و إنا معناه و ال أعلم الشارة إل قدم النجارة لنه ل يصح حكاية عنها قبل خب‬
‫نوع عليه السلم فجعل كأنه أول من تعلمها‪ .‬فتفهم أسرار الصنائع ف الليقة‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون ف صناعة الياكة و الياطة‬


‫إعلم أن العتدلي من البشر ف معن النسانية ل بد لم من الفكر ف الدفء كالفكر ف الكن‪ .‬و يصل الدفء باشتمال النسوج للوقاية من‬
‫الر و البد‪ .‬و ل بد لذلك من إلام الغزل حت يصي ثوبا واحدا‪ ،‬و هو النسج و الياكة‪ .‬فإن كانوا بادية اقتصروا عليه‪ ،‬و إن قالوا إل‬
‫الضارة فصلوا تلك النسوجة قطعا يقدرون منها ثوبا على البدن بشكله و تعدد أعضائه و اختلف نواحيها‪ .‬ث يلئمون بي تلك القطع‬
‫بالوصائل حت تصي ثوبا واحدا على البدن و يلبسونا‪ .‬و الصناعة الحصلة لذه اللءمة هي الياطة‪.‬‬
‫هاتان الصناعتان ضروريتان ف العمران لا يتاج إليه البشر من الرفه فالول لنسج الغزل من الصوف و الكتان و القطن إسداء ف الطول و‬
‫إلاما ف العرض و إحكاما لذلك النسج باللتحام الشديد‪ ،‬فيتم منها قطع مقدرة فمنها الكسية من الصوف للشتمال‪ ،‬و منها الثياب من‬
‫القطن و الكتان للباس‪ .‬و الصناعة الثانية لتقدير النسوجات على اختلف الشكال و العوائد‪ ،‬تفصل بالقراض قطعا مناسبة للعضاء البدنية‬
‫ث تلحم تلك القطع بالياطة الحكمة وصلً أو تنبيتا أو تفسحا على حسب نوع الصناعة‪ .‬و هذه الصناعة متصة بالعمران الضري لا أن‬
‫أهل البدو يستغنون عنها و إنا يشتملون الثواب اشتمالً‪ .‬و إنا تفصيل الثياب و تقديرها و إلامها بالياطة للباس من مذاهب الضارة و‬
‫فنونا‪ .‬و تفهم هذه ف سر تري الخيط ف الج لا أن مشروعية الج مشتملة على نبذ العلئق الدنيويئة كلها و الرجوع إل ال تعال كما‬
‫خلقنا أول مرة‪ ،‬حت ل يعلق العبد قلبه بشيء من عوائد ترفه‪ ،‬ل طيبا و ل نسا ًء ل ميطا و ل خفا‪ ،‬و ل يتعرض لصيد و ل لشيء من‬
‫عوائده الت تلونت با نفسه و خلقه‪ ،‬مع أنه يفقدها بالوت ضرورة‪ .‬و إنا ييء كأنه وارد إل الحشر ضارعا بقلبه ملصا لربه‪ .‬و كان‬
‫جزاؤه إن ت له إخلصه ف ذلك أن يرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه‪ .‬سبحانك ما أرفقك بعبادك و أرحك بم ف طلب هدايتهم إليك‪ .‬و‬
‫هاتان الصنعتان قديتان ف الليقة لا أن الدفء ضروري للبشر ف العمران العتدل‪ .‬و أما النحرف إل الر فل يتاج أهله إل دفء‪ .‬و لذا‬
‫يبلغنا عن أهل القليم الول من السودان أنم عراة ف الغالب‪ .‬و لقدم هذه الصنائع ينسبها العامة إل ادريس عليه السلم و هو أقدم النبياء‪.‬‬
‫و ربا ينسبونا إل هرمس و قد يقال إن هرمس هو إدريس‪ .‬و ال سبحانه و تعال هو اللق العليم‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العشرون ف صناعة التوليد‬


‫و هي صناعة يعرف با العمل ف استخراج الولود الدمي من بطن أمه من الرفق ف إخراجه من رحها و تيئة أسباب ذلك‪ .‬ث ما يصلحه‬
‫بعد الروج على ما نذكر‪ .‬و هي متصة بالنساء ف غالب المر لا أنن الظاهرات بعضهن على عورات بعض‪ .‬و تسمى القائمة على ذلك‬
‫منهن القابلة‪ .‬استعي فيها معن العطاء و القبول كأن النساء تعطيها الني و كأنا تقبله‪ .‬و ذلك أن الني إذا استكمل خلقه ف الرحم و‬
‫أطواره و بلغ إل غايته و الدة الت قدرها ال لكثه هي تسعة أشهر ف الغالب فيطلب الروج با جعل ال ف الولود من النوع لذلك و‬
‫يضيق عليه النفذ فيعسر‪ .‬و ربا مزق بعض جوانب الفرج بالضغط و ربا انقطع بعض ما كان من الغشية من اللتصاق و اللتحام بالرحم‪.‬‬
‫و هذه كلها آلم يشتد لا الوجع و هو معن الطلق فتكون القابلة معينة ف ذلك بعض الشيء بغمز الظهر و الوركي و ما ياذي الرحم من‬
‫السافل تساوق بذلك فعل الدافعة ف إخراج الني و تسهيل ما يصعب منه با يكنها و على ما تتدي إل معرفة عسرة‪ .‬ث إن أخرج الني‬
‫بقيت بينه و بي الرحم الوصلة حيث كان يتغذى منها متصلة من سرته بعاه‪ .‬و تلك الوصلة عضو فضلي لتغذية الولود خاصة فتقطعها‬
‫القابلة من حيث ل تتعدى مكان الفضلة و ل تضر بعاه و ل برحم أمه ث تدمل مكان الراحة منه بالكي أو با تراه من وجوه الندمال‪ .‬ث‬
‫إن الني عند خروجه من ذلك النفذ الضيق و هو رطب العظام سهل النعطاف و النثناء فربا تتغي أشكال أعضائه و أوصافها لقرب‬
‫التكوين و رطوبة الواد فتتناوله القابلة بالغمز و الصلح حت يرجع كل عضو إل شكله الطبيعي و وضعه القدر له و يرتد خلقه سويا‪ .‬ث‬
‫بعد ذلك تراجع النفساء و تاذيها بالغمز و اللينة لروج أغشية الني لنا ربا تتأخر عن خروجه قليلً‪ .‬و يشى عند ذلك أن تراجع‬
‫الاسكة حالا الطبيعية قبل استكمال خروج الغشية و هي فضلت فتتعفن و يسري عفنها إل الرحم فيقع اللك فتحاذر القابلة هذا و‬
‫تاول ف إعانة الدفع إل أن ترج تلك الغشية الت كانت قد تأخرت ث ترجع إل الولود فتمرخ أعضاءه بالدهان و الذرورات القابضة‬
‫لتشده و تفف رطوبات الرحم و تنكه لرفع لاته و تسعطه لستفراغ نطوف دماغه و تغرغره باللعوق لدفع السدد من معاه و تويفها عن‬
‫اللتصاق‪ .‬ث تداوي النفساء بعد ذلك من الوهن الذي أصابا بالطلق و ما لق رحها من أل النفصال‪ ،‬إذ الولود إن ل يكن عضوا طبيعيا‬
‫فحالة التكوين ف الرحم صيته باللتحام كالعضو التصل فلذلك كان ف انفصاله أل يقرب من أل القطع‪ .‬و تداوي مع ذلك ما يلحق الفرج‬
‫من أل من جراحة التمزيق عند الضغط ف الروج‪ .‬و هذه كلها أدواء ند هولء القوابل أبصر بدوائها‪ .‬و كذلك ما يعرض للمولود مدة‬
‫الرضاع من أدواء ف بدنه إل حي الفصال ندهن أبصر با من الطبيب الاهر‪ .‬و ما ذاك إل لن بدن النسان ف تلك الالة إنا هو بدن‬
‫إنسان بالقوة فقط‪ .‬فإذا جاوز الفصال صار بدنا إنسانيا بالفعل فكانت حاجته حينئذ إل الطبيب أشد‪ .‬فهذه الصناعة كما تراه ضرورية ف‬
‫العمران للنوع النسان‪ ،‬ل يتم كون أشخاصه ف الغالب دونا‪ .‬و قد يعرض لبعض أشخاص النوع الستغناء عن هذه الصناعة‪ ،‬إما بلق ال‬
‫ذلك لم معجزة و خرقا للعادة كما ف حق النبياء صلوات ال و سلمه عليهم أو بإلام و هداية يلهم لا الولود و يفطرعليها فيتم وجودهم‬
‫من دون هذه الصناعة‪ .‬فأما شأن العجزة من ذلك فقد وقع كثيا‪ .‬و منه ما روي أن النب صلى ال عليه و سلم ولد مسرورا متونا واضعا‬
‫يديه على الرض شاخصا ببصره إل السماء‪ .‬و كذلك شأن عيسى ف الهد و غي ذلك‪ .‬و أما شأن اللام فل ينكر‪ .‬و إذا كانت اليوانات‬
‫العجم تتص بغرائب اللامات كالنحل و غيها فما ظنك بالنسان الفضل عليها‪ .‬و خصوصا بن اختص بكرامة ال‪ .‬ث اللام العام‬
‫للمولودين ف القبال على الثدي أوضح شاهد على وجوب اللام العام لم‪ .‬فشأن العناية اللية أعظم من أن ياط به‪ .‬و من هنا يفهم‬
‫بطلن رأي الفاراب و حكماء الندلس فيما احتجوا به لعدم انقراض اللواح و استحالة انقطاع الكونات‪ .‬و خصوصا ف النوع النسان‪،‬‬
‫و قالوا‪ :‬لو انقطعت أشخاصه لستحال وجودها بعد ذلك لتوقفه على وجود هذه الصناعة الت ل يتم كون النسان إل با‪ .‬إذ لو قدرنا‬
‫مولودا دون هذه الصناعة و كفالتها إل حي الفصال ل يتم بقاؤه أصلً‪ .‬و وجود الصنائع دون الفكر متنع لنا ثرته و تابعة له‪ .‬و تكلف‬
‫ابن سينا ف الرد على هذا الرأي لخالفته إياه و ذهابه إل إمكان انقطاع النواع و خراب عال التكوين ث عوده ثانيا لقتضاءات فلكية و‬
‫أوضاع غريبة تنذر ف الحقاب بزعمه فتقتضي تمي طينة مناسبة لزاجه برارة مناسبة فيتم كونه إنسانا ث يقيض له حيوان يلق فيه إلاما‬
‫لتربيته و النو عليه إل أن يتم وجوده و فصاله‪ .‬و أطنب ف بيان ذلك ف الرسالة الت ساها رسالة حي بن يقظان‪ .‬و هذا الستدلل غي‬
‫صحيح و إن كنا نوافقه على انقطاع النواع لكن من غي ما استدل به‪ .‬فإن دليله مبن على إسناد الفعال إل العلة الوجبة‪ .‬و دليل القول‬
‫بالفاعل الختار يرد عليه و ل واسطة على القول بالفاعل الختار بي الفعال و القدرة القدية و ل حاجة إل هذا التكلف‪ .‬ث لو سلمناه‬
‫جدلً فغاية ما ينبن عليه اطراد وجوب هذا الشخص بلق اللام لترتيبه ف اليوان العجم‪ .‬و ما الضرورة الداعية لذلك ؟ و إذا كان اللام‬
‫يلق ف اليوان العجم فما الانع من خلقه للمولود نفسه كما قررناه أولً‪ .‬و خلق اللام ف شخص لصال نفسه أقرب من خلقه فيه‬
‫لصال غيه فكل الذهبي شاهدان على أنفسهما بالبطلن ف مناحيهما لا قررته لك و ال تعال أعلم‪.‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون ف صناعة الطب و أنا متاج إليها ف الواضر و‬
‫المصار دون البادية‬
‫هذه الصناعة ضرورية ف الدن و المصار لا عرف من فائدتا فإن ثرتا حفظ الصحة للصحاء و دفع الرض عن الرضى بالداواة حت‬
‫يصل لم البء من أمراضهم‪ .‬و اعلم أن أصل المراض كلها إنا هو من الغذية كما قال صلى ال عليه و سلم ف الديث الامع للطب و‬
‫هو قوله‪ :‬العدة بيت الداء و المية رأس الدواء و أصل كل داء البدة فأما قوله العدة بيت الداء فهو ظاهر و أما قوله المية رأس الدواء‬
‫فالمية الوع و هو الحتماء من الطعام‪ .‬و العن أن الوع هو الدواء العظيم الذي هو أصل الدوية و أما قوله أصل كل داء البدة فمعن‬
‫البدة إدخال الطعام على الطعام ف العدة قبل أن يتم هضم الول‪ .‬و شرح هذا أن ال سبحانه خلق النسان و حفظ حياته بالغذاء يستعمله‬
‫بالكل و ينفذ فيه القوى الاضمة و الغاذية إل أن يصي دما فل ملئما لجزاء البدن من اللحم و العظم‪ ،‬ث تأخذه النامية فينقلب لما و‬
‫عظما‪ .‬و معن الضم طبخ الغذاء بالرارة الغريزية طورا بعد طور حت يصيجزءا بالفعل من البدن و تفسيه أن الغذاء إذا حصل ف الفم و‬
‫لكته الشداق أثرت فيه حرارة الفم طبخا يسيا و قلبت مزاجه بعض الشيء‪ ،‬كما تراه ف اللقمة إذا تناولتها طعاما ث أجدتا مضغا فترى‬
‫مزاجها غي مزاج الطعام ث يصل ف العدة فتطبخه حرارة العدة إل أن يصي كيموسا و هو صفو ذلك الطبوخ و ترسله إل الكبد و ترسل‬
‫ل ينفذ إل الخرجي‪ .‬ث تطبخ حرارة الكبد ذلك الكيموس إل أن يصي دما عبيطا و تطفو عليه رغوة من الطبخ‬ ‫ما رسب منه ف العى ثق ً‬
‫هي الصفراء‪ .‬و ترسب منه أجزاء يابسة هي السوداء و يقصر الار الغريزي بعض الشيء عن طبخ الغليظ منه فهو البلغم‪ .‬ث ترسلها الكبد‬
‫كلها ف العزوق و الداول‪ ،‬و يأخذها طبخ الال الغريزي هناك فيكون عن الدم الالص بار حار رطب يد الروح اليوان و تأخذ النامية‬
‫مأخذها ف الدم فيكون لما ث غليظة عظاما‪ .‬ث يرسل البدن ما يفضل عن حاجاته من ذلك فضلت متلفة من العرق و اللعاب و الخاط‬
‫و الدمع‪ .‬هذه صورة الغذاء و خروجه من القوة إل الفعل لما‪ .‬ث إن أصل المراض و معظمها هي الميات‪ .‬و سببها أن الار الغريزي قد‬
‫يضعف عن تام النضج ف طبخه ف كل طور من هذه‪ ،‬فيبقى ذلك الغذاء دون نضج‪ ،‬و سببه غالبا كثرة الغذاء ف العدة حت يكون أغلب‬
‫على الار الغزيري أو إدخال الطعام إل العدة قبل أن تستوف طبخ الول فيستقل به الار الغريزي و يترك الول بالة أو يتوزع عليهما‬
‫فيقصر عن تام الطبخ و النضج‪ .‬و ترسله العدة كذلك إل الكبد فل تقوى حرارة الكبد أيضا على إنضاجه‪ .‬و ربا بقي ف الكبد من الغذاء‬
‫الول فضلة غي ناضجة‪ .‬و ترسل الكبد جيع ذلك إل العروق غي ناضج كما هو‪ .‬فإذا أخذ البدن حاجته اللئمة أرسله مع الفضلت‬
‫الخرى من العرق و الدمع و اللعاب إن اقتدر على ذلك‪ .‬و ربا يعجز عن الكثي منه فيبقى ف العروق و الكبد و العدة و تتزايد مع اليام‪.‬‬
‫و كل ذي رطوبة من المتزجات إذا ل يأخذه الطبخ و النضج يعفن فيتعفن ذلك الغذاء غي الناضج و هو السمى باللط‪ .‬و كل متعفن ففيه‬
‫حرارة غريبة و تلك هي السماة ف بدن النسان بالمى‪ .‬و اختب ذلك بالطعام إذا ترك حت يتعفن و ف الزبل إذا تعفن أيضا‪ ،‬كيف تنبعث‬
‫فيه الرارة و تأخذ مأخذها‪ .‬فهذا معن الميات ف البدان و هي رأس المراض و أصلها كما وقع ف الديث‪ .‬و هذه الميات علجها‬
‫بقطع الغذاء عن الريض أسابيع معلومة ث يتناول الغذية اللئمة حت يتم برؤه‪ .‬و ذلك ف حال الصحة له علج ف التحفظ من هذا الرض‬
‫و غيه و أصله كما وقع ف الديث و قد يكون ذلك العفن ف عضو مصوص‪ ،‬فيتولد عنه مرض ف ذلك العضو و يدث جراحات ف‬
‫البدن‪ ،‬إما ف العضاء الرئيسية أو ف غيها‪ .‬و قد يرض العضو و يدث عنه مرض القوى الوجودة له‪ .‬هذه كلها جاع المراض‪ ،‬و أصلها‬
‫ف الغالب من الغذية و هذا كله مرفوع إل الطبيب‪ .‬و وقوع هذه المراض ف أهل الضر و المصار أكثر‪ .‬لصب عيشهم و كثرة‬
‫مآكلهم و قلة اقتصارهم على نوع واحد من الغذية و عدم توقيتهم لتناولا‪ .‬و كثيا ما يلطون بالغذية من التوابل و البقول و الفواكه‪،‬‬
‫رصبا و يابسا ف سبيل العلج بالطبخ و ل يقتصرون ف ذلك على نوع أو أنواع‪ .‬فربا عددنا ف اليوم ا الواحد من ألوان الطبخ أربعي نوعا‬
‫من النبات و اليوان فيصي للغذاء مزاج غريب‪ .‬و ربا يكون غريبا عن ملءمة البدن و أجزائه‪ .‬ث إن الهوية ف المصار تفسد بخالطة‬
‫البرة العفنة من كثرة الفصلت‪ .‬و الهوية فنشطة للرواح و مقوية بنشاطها الثر الار الغريزي ف الضم‪ .‬ث الرياضة مفقودة لهل‬
‫المصار إذ هم ف الغالب وادعون ساكنون ل تأخذ منهم الرياضة شيئا و ل تؤثر فيهم أثرا‪ ،‬فكان وقوع المراض كثيا ف الدن و المصار‬
‫و على قدر وقوعه كانت حاجتهم إل هذه الصناعة‪ .‬و أما أهل البدو فمأكولم قليل ف الغالب و الوع أغلب عليهم لقلة البوب حت‬
‫صار لم ذلك عادة‪ .‬و ربا يظن أنا جبلة لستمرارها‪ .‬ث الدم قليلة لديهم أو مفقودة بالملة‪ .‬و علج الطبخ بالتوابل و الفواكه إنا يدعو‬
‫إل ترف الضارة الذين هم بعزل عنه فيتناولون أغذيتهم بسيطة بعيدة عما يالطها و يقرب مزاجها من ملءمة البدن‪ .‬و أما أهويتهم فقليلة‬
‫العفن لقلة الرطوبات و العفونات إن كانوا آهلي‪ ،‬أو لختلف الهوية إن كانوا ظواعن‪ .‬ث إن الرياضة موجودة فيهم لكثرة الركة ف‬
‫ركض اليل أو الصيد أو طلب الاجات لهنة أنفسهم ف حاجاتم فيحسن بذلك كله الضم و يود و يفقد إدخال الطعام على الطعام‬
‫فتكون أمزجتهم أصلح و أبعد من المراض فتقل حاجتهم إل الطب‪ .‬و لذا ل يوجد الطبيب ف البادية بوجه‪ .‬و ما ذاك إل للستغناء عنه‬
‫إذ لو احتيج إليه لوجد‪ ،‬لنه يكون له بذلك ف البدو معاش يدعوه إل سكناه سنة ال ف عباده و لن تد لسنة ال تبديلً‪.‬‬

‫الفصل الثلثون ف أن الط و الكتابة من عداد الصنائع النسانية‬


‫و هو رسوم و أشكال حرفية تدل على الكلمات السموعة الدالة على ما ف النفس‪ .‬فهو ثان رتبة من الدللة اللغوية و هو صناعة شريفة إذ‬
‫الكتابة من خواص النسان الت ييز با عن اليوان‪ .‬و أيضا فهي تطلع على ما ف الضمائر و تتأدى با الغراض إل البلد البعيدة فتقضي‬
‫الاجات و قد دفعت مؤنة الباشرة لا و يطلع با على العلوم و العارف و صحف الولي و ما كتبوه من علومهم و أخبارهم فهي شريفة‬
‫بذه الوجوه و النافع‪ .‬و خروجها ف النسان من القوة إل الفعل إنا يكون بالتعليم و على قدر الجتماع و العمران و التناغي ف الكمالت‬
‫و الطلب لذلك تكون جودة الط ف الدينة‪ .‬إذ هو من جلة الصنائع‪ .‬و قد قدمنا أن هذا شأنا و أنا تابعة للعمران و لذا ند أكثر البدو‬
‫أميي ل يكتبون و ل يقرأون و من قرأ منهم أو كتب فيكون خطه قاصرا أو قراءته غي نافذة‪ .‬و ند تعليم الط ف المصار الارج عمرانا‬
‫عن الد أبلغ و أحسن و أسهل طريقا لستحكام الصنعة فيها‪ .‬كما يكى لنا عن مصر لذا العهد و أن با معلمي منتصبي لتعليم الط‬
‫يلقون على التعلم قواني و أحكاما ف وضع كل حرف و يزيدون إل ذلك الباشر بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم و الس ف التعليم‬
‫و تأت ملكته على أت الوجوه‪ .‬و إنا أتى هذا من كمال الصنائع و وفورها بكثرة العمران و انفساح العمال و قد كان الط العرب بالغا‬
‫مبالغه من الحكام و التقان و الودة ف دولة التبابعة لا بلغت من الضارة و الترف و هو السمى بالط الميي‪ .‬و انتقل منها إل الية‬
‫لا كان با من دولة آل النذر نسباء التبابعة ف العصبية و الجددين للك العرب بأرض العراق‪ .‬و ل يكن الط عندهم من الجادة كما كان‬
‫عند التبابعة لقصور ما بي الدولتي‪ .‬و كانت الضارة و توابعها من الصنائع و غيها قاصرة عن ذلك‪ .‬و من الية لقنه أهل الطائف و‬
‫قريش فيما ذكر‪ .‬و يقال إن الذي تعلم الكتابة من الية هو سفيان بن أمية و يقال حرب بن أمية و أخذها من أسلم بن سدرة‪ .‬و هو قول‬
‫مكن و أقرب من ذهب إل أنم تعلموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم‪:‬‬
‫ساروا جيعا و الط و القلم‬ ‫قوم لم ساحة العراقإذا‬
‫و هو قول بعيد لن إيادا و إن نزلوا ساحة العراق فلم يزالوا على شأنم من البداوة‪ .‬و الط من الصنائع الضرية‪ .‬و إنا معن قول الشاعر‬
‫أنم أقرب إل الط و القلم من غيهم من العرب لقربم من ساحة المصار و ضواحيها فالقول بأن أهل الجاز إنا لقنوها من الية و‬
‫لقنها أهل الية من التبابعة و حي هو الليق من القوال و رأيت ف كتاب التكملة لبن البار عند التعريف بابن فروخ الفيوان القاسي‬
‫الندلسي من أصحاب مالك رضي ال عنه و اسه عبد ال بن فروخ بن عبد الرحن بن زياد بن أنعم‪ .‬عن أبيه قال قلت لعبد ال بن عباس‪:‬‬
‫يا معشر قريش‪ ،‬خبون عن هذا الكتاب العرب‪ ،‬هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث ال ممدا صلى ال عليه و سلم تمعون منه ما أجتمع و‬
‫تفرقون منه ما افترق مثل اللف و اللم و اليم و النون ؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت و من أخذتوه ؟ قال‪ ،‬من حرب بن أمية‪ .‬قلت‪ :‬و من أخذه‬
‫حرب ؟ قال‪ ،‬من عبد ال بن جدعان‪ .‬قلت‪ :‬و من أخذه عبد ال بن جدعان ؟ قال من أهل النبار‪ .‬قلت‪ :‬و من أخذه أهل النبار ؟ قال‪:‬‬
‫من طارئ طرأ عليه من أهل اليمن‪ .‬قلت و من أخذه ذلك لطاريء ؟ قال‪ :‬من اللجان بن القسم كاتب الوحي ليهود النب عليه السلم‪ .‬و‬
‫هو الذي يقول‪:‬‬
‫و رأي على غي الطريق يعب‬ ‫أف كل عام سنة تدثونا‬
‫با جرهم فيمن يسب و حي‬ ‫و الوت خي من حياة تسبنا‬
‫انتهى ما نقله ابن البار ف كتاب التكملة‪ .‬و زاد ف آخره حدثن بذلك أبو بكر بن أب حيه ف كتابه عن أب بر بن العاص عن أب الوليد‬
‫الوقشي عن أب عمر الطلعنكي بن أب عبد ال بن مفرح‪ .‬و من خطه نقلته عن أب سعيد بن يونس عن ممد بن موسى بن النعمان عن يي‬
‫بن ممد بن حشيش بن عمر بن أيوب الغافري التونسي عن بلول بن عبيدة المي عن عبد ال بن فروخ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫و كان لمي كتابة تسمى السند حروفها منفصلة و كانوا ينعون من تعلمها إل بإذنم‪ .‬و من حي تعلمت مصر الكتابة العربية إل أنم ل‬
‫يكونوا ميدين لا شأن الصنائع إذا وقعت بالبدو فل تكون مكمة الذاهب و ل مائلة إل التقان والتنميق لبون ما بي البدو و الصناعة و‬
‫استغناء البدو عنها ف الكثر‪ .‬و كانت كتابة العرب بدوية مثل كتابتهم أو قريبا من كتابتهم لذا العهد أو نقول أن كتابتهم لذا العهد‬
‫أحسن صناعة لن هؤلء أقرب إل الضارة و مالطة المصار و الدول‪ .‬و أما مصر فكانوا أعرق ف البدو و أبعد عن الضر من أهل اليمن‬
‫و أهل العراق و أهل الشام و مصر فكان الط العرب لول السلم غي بالغ إل الغاية من الحكام و التقان و الجادة و ل إل التوسط‬
‫لكان العرب من البداوة و التوحش و بعدهم عن الصنائع‪ ،‬و انظر ما وقع لجل ذلك ف رسهم الصحف حيث رسه الصحابة بطوطهم و‬
‫كانت غي مستحكمة ف الجادة فخالف الكثي من رسومهم ما اقتضته أقيسة رسوم صناعة الط عند أهلها ث اقتفى التابعون من السلف‬
‫رسهم فيها تبكا با رسه أصحاب الرسول صلى ال عليه و سلم و خي اللق من بعده التلقون لوحيه من كتاب ال و كلمه‪ .‬كما يقتفى‬
‫لذا العهد خط ول أو عال تبكا و يتبع رسه خطا أو صوابا‪ .‬و أين نسبة ذلك من الصحابة فيما كتبوه فاتبع ذلك و أثبت رسا و نبه‬
‫العلماء بالرسم على مواضعه‪ .‬و ل تلتفت ف ذلك إل ما يزعمه بعض الغفلي من أنم كانوا مكمي لصناعة الط و أن ما يتخيل من مالفة‬
‫خطوطهم لصول الرسم ليس كما يتخيل بل لكلها وجه‪ .‬يقولون ف مثل زيادة اللف ف ل أذبنه‪ :‬إنه تنبيه على الذبح ل يقع و ف زيادة‬
‫الياء ف بأييد إنه تنبيه على كمال القدرة الربانية و أمثال ذلك ما ل أصل له إل التحكم الحض‪ .‬و ما حلهم على ذلك إل اعتقادهم أن ف‬
‫ذلك تنيها للصحابة عن توهم النقص ف قلة إجادة الط‪ .‬و حسبوا أن الط كمال فنهوهم عن نقصه و نسبوا إليهم الكمال بإجادته و‬
‫طلبوا تعليل ما خالف الجادة من رسه و ذلك ليس بصحيح‪ .‬و اعلم أن الط ليس بكمال ف حقهم إذ الط من جلة الصنائع الدنية‬
‫العاشية كما رأيته فيما مر‪ .‬و الكمال ف الصنائع إضاف و ليس بكمال مطلق إذ ل يعود نقصه على الذات ف الدين و ل ف اللل و إنا‬
‫يعود على أسباب العا ش و بسب العمران و التعاون عليه لجل دللته على ما ف النفوس‪ .‬و قد كان صلى ال عليه و سلم أميا و كان‬
‫ذلك كمالً ف حقه و بالنسبة إل مقامه لشرفه و تنهه عن الصنائع العملية الت هي أسباب العا ش و العمران كلها‪ .‬و ليست المية كمالً‬
‫ف حقنا نن إذ هو منقطع إل ربه و نن متعاونون على الياة الدنيا شأن الصنائع كلها حت العلوم الصطلحية فإن الكمال ف حقه تنهه‬
‫عنها جلةً بلفنا‪ .‬ث لا جاء اللك للعرب و فتحوا المصار و ملكوا المالك و نزلوا البصرة و الكوفة و احتاجت الدولة إل الكتابة‬
‫استعملوا الط و طلبوا صناعته و تعلموه و تداولوه فترقت الجادة فيه و استحكم و بلغ ف الكوفة و البصرة رتبة من التقان إل أنا كانت‬
‫دون الغاية‪ .‬و الط الكوف معروف الرسم لذا العهد‪ .‬ث انتشر العرب ف القطار و المالك و افتتحوا أفريقية و الندلس و اختط بنو‬
‫العباس بغداد و ترقت الطوط فيها إل الغاية لا استبحرت ف العمران و كانت دار السلم و مركز الدولة العربية و خالفت أوضاع الط‬
‫ببغداد أوضاعه بالكوفة‪ .‬ف اليل إل إجادة الرسوم و جال الرونق و حسن الرواء‪ .‬و استحكمت هذه الخالفة ف المصار إل أن رفع رايتها‬
‫ببغداد علي بن مقلة الوزير‪ .‬ث تله ف ذلك علي بن هلل‪ .‬الكاتب الشهي بابن البواب‪ .‬و وقف سند تعليمها عليه ف الاية الثالثة و ما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫و بعدت رسوم الط البغدادي و أوضاعه عن الكوفة حت انتهى إل الباينة‪ .‬ث ازدادت الخالفة بعد تلك القصور بتفنن الهابذة ف إحكام‬
‫رسومه و أوضاعه‪ ،‬حت انتهت إل التأخرين مثل ياقوت و الول علي العجمي‪ .‬و وقف سند تعليم الط عليهم و انتقل ذلك إل مصر‪ ،‬و‬
‫خالفت طريقة العراق بعض الشيء و لقنها العجم هنالك‪ ،‬و ظهرت مالفة لط أهل مصر أو مباينة‪.‬‬
‫و كان الط البغدادي معروف الرسم و تبعه الفريقي العروف رسه القدي لذا العهد‪ .‬و يقرب من أوضاع الط الشرقي و تيز ملك‬
‫الندلس بالمويي فتميزوا بأحوالم من الضارة و الصنائع و الطوط فتميز صنف خطهم الندلسي كما هو معروف الرسم لذا العهد‪ .‬و‬
‫طما بر العمران و الضارة ف الدول السلمية ف كل قطر‪ .‬و عظم اللك و نفقت أسواق العلوم و انتسخت الكتب و أجيد كتبها و‬
‫تليدها و ملئت با القصور و الزائن اللوكية با ل كفاء له و تنافس أهل القطار ف ذلك و تناغوا فيه‪ .‬ث لا انل نظام الدولة السلمية و‬
‫تناقص ذلك أجع و درست معال بغداد بدروس اللفة فانتقل شأنا من الط و الكتابة بل و العلم إل مصر و القاهرة فلم تزل أسواقه با‬
‫نافقة لذا العهد و له با معلمون يرسون لتعليم الروف بقواني ف وضعها و أشكالا متعارفة بينهم فل يلبث التعلم أن يكم أشكال تلك‬
‫الروف على تلك الوضاع و قد لقنها حسنا و حذق فيها درب ًة و كتابا و أخذها قواني علمية فتجئ أحسن ما يكون‪ .‬و أما أهل الندلس‬
‫فافترقوا ف القطار عند تلشي ملك العرب با و من خلفهم من الببر‪ ،‬و تغلبت عليهم أمم النصرانية فانتشروا ف عدوة الغرب و أفريقية‬
‫من لدن الدولة اللمتونية إل هذا العهد‪ .‬و شاركوا أهل العمران با لديهم من الصنائع و تعلقوا بأذيال الدولة فغلب خطهم على الط‬
‫الفريقي و عفى عليه و نسي خط القيوان و الهدية بنسيان عوائدها و صنائعهما‪ .‬و صارت خطوط أهل أفريقية كلها على الرسم‬
‫الندلسي بتونس و ما إليها لتوفر أهل الندلس با عند الالية من شرق الندلس‪ .‬و بقي منه رسم ببلد الريد الذين ل يالطوا كتاب‬
‫الندلس و ل ترسوا بوارهم‪ .‬إنا كانوا يغدون على دار اللك بتونس فصار خط أهل أفريقية من أحسن خطوط أهل الندلس حت إذا‬
‫تقلص ظل الدولة الوحدية بعض الشيء و تراجع أمر الضارة و الترف بتراجع العمران نقص حينئذ حال الط و فسدت رسومه و جهل‬
‫فيه وجه التعليم بفساد الضارة و تناقص العمران‪ .‬و بقيت فيه آثار الط الندلسي تشهد با كان لم من ذلك لا قدمناه من أن الصنائع إذا‬
‫رسخت بالضارة فيعسر موها و حصل ف دولة بن مرين من بعد ذلك بالغرب القصى لون من الط الندلسي لقرب جرارهم و سقوط‬
‫من خرج منهم إل فاس قريبا و استعمالم إياهم سائر الدولة‪ .‬و نسي عهد الط فيما بعد عن سدة اللك و داره‪ .‬كأنه ل يعرف‪ .‬فصارت‬
‫الطوط بإفريقية و الغربيي مائلة إل الرداءة بعيدة عن الودة و صارت الكتب إذا انتسخت فل فائدة تصل لتصفحها منها إل العناء و‬
‫الشقة لكثرة ما يقع فيها من الفساد و التصحيف و تغيي الشكال الطية عن الودة حت ل تكاد تقرأ إل بعد عسر و وقع فيه ما وقع ف‬
‫سائر الصنائع بنقص الضارة و فساد الدول و ال يكم ل معقب لكمه‪.‬‬
‫و للستاذ أب السن علي بن هلل الكاتب البغدادي الشهي بابن البواب قصيدة من بر البسيط على روي الراء يذكر فيها صناعة الط و‬
‫قوادها من أحسن ما كتب ف ذلك‪ .‬رأيت إثباتا ف هذا الكتاب من هذا الباب لينتفع با من يريد تعلم هذه الصناعة‪ .‬و أولا‪:‬‬
‫و يروم حسن الط و التصوير‬ ‫يا من يريد إجادة التحرير‬
‫فارغب إل مولك ف التيسي‬ ‫إن كان عزمك ف الكتابة صادقا‬
‫يصوغ صناعة التحبي‬ ‫أعدد من القلم كل مثقفصلب‬
‫عند القياس بأوسط التقدير‬ ‫و إذا عمدت لبية فتوخه‬
‫من جانب التدقيق و التحضي‬ ‫انظر إل طرفيه فاجعل بريه‬
‫خلوا عن التطويل و التقصي‬ ‫و اجعل للفته قواما عادلً‬
‫من جانبيه مشاكل التقدير‬ ‫و الشق وسطه ليبقى بريه‬
‫فالقط فيه جلة التدبي‬ ‫حت إذا أيقنت ذلك كله‬
‫إن أضن بسره الستور‬ ‫ل تطمعن ف أن أبوح بسره‬
‫ما بي تريف إل تدوير‬ ‫لكن جلة ما أقول بأنه‬
‫بالل أو بالصرم العصور‬ ‫و ألق دواتك بالدخان مدبرا‬
‫مع أصغر الزرنيخ و الكافور‬ ‫و أضف إليه قفرة قد صولت‬
‫الورق النقي الناعم الخبور‬ ‫حت إذا ما خرت فاعمد إل‬
‫ينأى عن التشعيث و التغيي‬ ‫فاكسبه بعد القطع بالعصابر كي‬
‫ما أدرك الأمول مثل صبور‬ ‫ث اجعل التمثيل دأبك صابرا‬
‫غرما ترده عن التشمي‬ ‫إبدأ به ف اللوح منتفيا له‬
‫ف أول التمثيل و الشطي‬ ‫ل تجلن من الردى تتطه‬
‫و لرب سهل جاء بعد عسي‬ ‫فالمر يصعب ث يرجع هينا‬
‫أضحيت رب مسرة و حبور‬ ‫حت إذا أدركت ما أملته‬
‫إن الله ييب كل شكور‬ ‫فاشكر الك و اتبع رضوانه‬
‫خيا يلفه بدار غرور‬ ‫و ارغب لكفك أن تط بنانا‬
‫عند الشقاء كتابه النشور‬ ‫فجميع فعل الرء يلقاه غدا‬
‫و اعلم بأن الط بيان عن القول و الكلم‪ ،‬كما أن القول و الكلم‪ .‬بيان عما ف النفس و الضمي من العان فل بد لكل منهما أن يكون‬
‫واضح الدللة‪.‬‬
‫قال ال تعال‪ :‬خلق النسان * علمه البيان و هو يشتمل‪ .‬بيان الدلة كلها‪ .‬فالط الجود كماله أن تكون دللته واضحة‪ ،‬بإبانة حروفه‬
‫التواضعة و إجادة وضعها و رسها كل واحد على حدة متميز عن الخر‪ .‬إل ما اصطلح عليه الكتاب من إيصال حرف الكلمة الواحدة‬
‫بعضها ببعض‪ .‬سوى حروف اصطلحوا على قطعها‪ ،‬مثل اللف التقدمة ف الكلمة‪ ،‬و كذا الراء و الزاي و الدال و الذال و غيها‪ ،‬بلف‬
‫ما إذا كانت متأخرة‪ .‬و هكذا إل آخرها‪ .‬ث إن التأخرين من الكتاب اصطلحوا على وصل كلمات‪ ،‬بعضها ببعض‪ ،‬و حذف حروف‬
‫معروفة عندهم‪ ،‬ل يعرفها إل أهل مصطلحهم فتستعجم على غيهم و هؤلء كتاب دواوين السلطان و سجلت القضاة‪ ،‬كأنم انفردوا بذا‬
‫الصطلح عن غيهم لكثرة موارد الكتابة عليهم‪ ،‬و شهرة كتابتهم و إحاطة كثي من دونم بصطلحهم فإن كتبوا ذلك لن ل خبة له‬
‫بصطلحهم فينبغي أن يعدلوا عن ذلك إل البيان ما استطاعوه‪ ،‬و إل كان بثابة الط العجمي‪ ،‬لنما بنلة واحدة من عدم التواضع عليه‪.‬‬
‫و ليس بعذر ف هذا القدر‪ ،‬إل كتاب العمال السلطانية ف الموال و اليوش‪ ،‬لنم مطلوبون بكتمان ذلك عن الناس فإنه من السرار‬
‫السلطانية الت يب إخفاؤها‪ ،‬فيبالغون ف رسم اصطلح خاص بم‪ .‬و يصي بثابة العمى‪ .‬و هو الصطلح على العبارة عن الروف‬
‫بكلمات من أساء الطيب و الفواكه و الطيور و الزاهي‪ ،‬و وضع أشكال أخرى غي أشكال الروف التعارفة يصطلح عليها التخاطبون‬
‫لتأدية ماف ضمائرهم بالكتابة‪ .‬و ربا وضع الكتاب للعثور على ذلك‪ ،‬و إن ل يضعوه أولً‪ ،‬قواني بقاييس استخرجوها لذلك بداركهم‬
‫يسفونا فك العمى‪ .‬و للناس ف ذلك دواوين مشهورة‪ .‬و ال العليم الكيم‪.‬‬

‫الفصل الادي و الثلثون ف صناعة الوراقة‬


‫كانت العناية قديا بالدواوين العلمية و السجلت ف نسخها و تليدها و تصحيحها بالرواية و الضبط‪ .‬و كان سبب ذلك ما وقع من‬
‫ضخامة الدولة و توابع الضارة‪ .‬و قد ذهب ذلك لذا العهد بذهاب الدولة و تناقص العمران بعد أن كان منه ف اللة السلمية بر زاخر‬
‫بالعراق و الندلس إذ هو كله من توابع العمران و اتساع نطاق الدولة و نفاق أسواق ذلك لديهما‪ .‬فكثرت التآليف العلمية و الدواوين و‬
‫حرص الناس على تناقلهما ف الفاق و العصار فانتسخت و جلدت‪ .‬و جاءت صناعة الوراقي العاني للنتساخ و التصحيح و التجليد و‬
‫سائر المور الكتبية‪ .‬و الدواوين و اختصت بالمصار العظيمة العمران‪ .‬و كانت السجلت أولً‪ :‬لنتساخ العلوم و كتب الرسائل السلطانية‬
‫و القطاعات‪ ،‬و الصكوك ف الرقوق الهيأة بالصناعة من اللد لكثرة الرفه و قلة التآليف صدر اللة كما نذكره‪ .‬و قلة الرسائل السلطانية و‬
‫الصكوك مع ذلك فاقتصروا على الكتاب ف الرق تشريفا للمكتوبات و ميلً با إل الصحة و التقان‪ .‬ث طما بر التآليف و التدوين و كثر‬
‫ترسيل السلطان و صكوكه و ضاق الرق عن ذلك‪ .‬فأشار الفضل بن يي صناعة الكاغد و صنعه و كتب فبه رسائل السلطان و صكوكه‪.‬‬
‫و اتذه الناس من بعده صحفا لكتوباتم السلطانية و العلمية‪ .‬و بلغت الجادة ف صناعته ما شاءت‪ .‬ث وقفت عناية أهل العلوم و هم أهل‬
‫الدول على ضبط الدواوين العلمية و تصحيحها بالرواية السندة إل مؤلفيها و واضعيها لنه الشأن الهم من التصحيح و الضبط فبذلك‬
‫تسند القوال إل قائلها و الفتيا إل الاكم با الجتهد ف طريق استنباطها‪ .‬و ما ل يكن تصحيح التون بإسنادها إل مدونا فل يصح إسناد‬
‫قول لم و ل فتيا‪ .‬و هكذا كان شأن أهل العلم و حلته ف العصور و الجيال و الفاق‪.‬‬
‫حت لقد قصرت فائدة الصناعة الديثية ف الرواية على هذه فقط إذ ثرتا الكبى من معرفة صحيح الحاديث و حسنها و مسندها و‬
‫مرسلها و مقطوعها و موقوفها من موضوعها قد ذهبت و تخضت زبدةً ف ذلك المهات التلقاة بالقبول عند المة‪ .‬و صار القصد إل‬
‫ذلك لغوا من العمل‪ .‬و ل تبق ثرة الرواية و الشتغال با إل ف تصحيح تلك المهات الديثية و سواها من كتب الفقه للفتيا‪ ،‬و غي ذلك‬
‫من الدواوين و التآلبف العلمية‪ .‬و اتصال سندها بؤلفيها ليصح النقل عنهم‪ ،‬و السناد إليهم‪ .‬و كانت هذه الرسوم بالشرق و الندلس‬
‫معبدة الطرق واضحة السالك‪ .‬و لذا ند الدواوين النتسخة لذلك العهد ف أقطارهم على غاية من التقان و الحكام و الصحة‪ .‬و منها‬
‫لذا العهد بأيدي الناس ف العال أصول عتيقة تشهد ببلوغ الغاية لم ف ذلك‪ .‬و أهل الفاق يتناقلونا إل الن و يشدون عليها يد الضنانة و‬
‫لقد ذهبت هذه الرسوم لذا العهد جلة بالغرب و أهله لنقطاع صناعة الط و الضبط و الرواية منه بانتقاص عمرانه و بداوة أهله و صارت‬
‫المهات و الدواوين تنسخ بالطوط اليدوية تنسخها طلبة الببر صحائف مستعجمة برداءة الط و كثرة الفساد و التصحيف فتستغلق على‬
‫متصفحها و ل يصل منها فائدة إل ف المل النادر‪ .‬و أيضا فقد دخل اللل من ذلك ف الفتيا فإن غالب القوال العزوة غي مروية عن‬
‫أئمة الذهب و إنا تتلقى من تلك الدواوين على ما هي عليه‪ .‬و تبع ذلك أيضا ما يتصدى إليه بعض أئمتهم من التأليف لقلة بصرهم‬
‫بصناعته و عدم الصنائع الوافية بقاصده‪ .‬و ل ينق من هذا الرسم بالندلس إل إثارة خفية بالماء و هي الضمحلل فقد كاد العلم ينقطع‬
‫بالكلية من الغرب‪ .‬و ال غالب على أمره‪ .‬و يبلغنا لذا العهد أن صناعة الرواية قائمة بالشرق و تصحيح الدواوين لن يرومه بذلك سهل‬
‫على مبتغيه لنفاق أسواق العلوم و الصنائع كما نذكره بعد‪ .‬إل أن الط الذي بقي من الجادة ف النتساخ هنالك إنا هو للعجم و ف‬
‫خطوطهم‪ .‬و أما النسخ بصر ففسد كما فسد بالغرب و أشد‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثان و الثلثون ف صناعة الغناء‬


‫هذه الصناعة هي تلحي الشعار الوزونة بتقطيع الصوات على نسب منتظمة معروفة يوقع كل صوت منها توقيعا عند قطعه فيكون نغمة‪.‬‬
‫ث تؤلف تلك النغم بعضها إل بعض على نسب متعارفة فيلذ ساعها لجل ذلك التناسب و ما يدث عنه من الكيفيه ف تلك الصوات‪ .‬و‬
‫ذلك أنه تبي ف علم الوسيقى أن الصوات تتناسب‪ ،‬فيكون صوت نصف صوت و ربع آخر و خس آخر و جزء من أحد عشر من آخر‬
‫و اختلف هذه النسب عند تأديتها إل السمع بروجها من البساطة إل التركيب و ليس كل تركيب منها ملذوذا عند السماع بل للمنذور‬
‫تراكيب خاصة و هي الت حصرها أهل علم الوسيقى و تكلموا عليها كما هو مذكور ف موضعه و قد يساوق ذلك التلحي ف النغمات‬
‫الغنائية بتقطيع أصوات أخرى من المادات إما بالقرع أو بالنفخ ف اللت تتخذ لذلك فترى لا لذة عند السماع‪ .‬فمنها لذا العهد‬
‫بالغرب أصناف منها الزمار و يسمونه الشبابة و هي قصبة جوفاء بأباش ف جوانبها معدودة ينفخ فيها فتصوت‪ .‬فيخرج الصوت من‬
‫جوفها على سداده من تلك الباش و يقطع الصوت بوضع الصابع من اليدين جيعا على تلك الباش وضعا متعارفا حت تدث النسب‬
‫بي الصوات فيه و تتصل كذلك متناسبة فيلتذ السمع بإدراكها للتناسب الذي ذكرناه‪ .‬و من جنس هذه اللة الزمار الذي يسمى الزلمي‬
‫و هو شكل القصبة منحوتة الانبي من الشب جوفاء من غي تدوير لجل ائتلفها ف قطعتي منفردتي كذلك بأباش معدودة ينفخ فيها‬
‫بقصبة صغية توصل فينفذ النفخ بواسطتها إليها و تصوت بنغمة حادة يرى فيها من تقطيع الصوات من تلك الباش بالصابع مثل ما‬
‫يري ف الشبابة‪ .‬و من أحسن آلت الزمر لذا العهد البوق و هو بوق من ناس أجوف ف مقدار الذراع‪ .‬يتسع إل أن يكون انفراج مرجه‬
‫ف مقدار دون الكف ف شكل بري القلم‪ .‬و ينفخ فيه بقصبة صغية تؤدي الريح من الفم إليه فيخرج الصوت ثخينا دويا و فيه أباش أيضا‬
‫معدودة‪ .‬و تقطع نغمة منها كذلك بالصابع على التناسب فيكون ملذوذا‪ .‬و منها آلت الوتار و هي جوفاء كلها إما على شكل قطعة من‬
‫الكرة مثل الربط و الرباب أو على شكل مربع كالقانون توضع الوتار على بسائطها مشدودة ف رأسها إل دسر جائلة ليأت شد الوتار و‬
‫رخوها عند الاجة إليه بإدارتا‪ .‬ث تقرع الوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بي طرف قوس ير عليها بعد أن يطلى بالشمع و الكندر‪ .‬و‬
‫يقطع الصوت فيه بتخفيف اليد ف إمراره أو نقله من وتر إل وتر‪ .‬و اليد اليسرى مع ذلك ف جيع آلت الوتار توقع بأصابعها على أطراف‬
‫الوتار فيما يقرع أو يك بالوتر فتحدث الصوات متناسبة ملذوذة‪ .‬و قد يكون القرع ف الطسوت بالقضبان أو ف العواد بعضها ببعض‬
‫على توقيع مناسب يدث عنه التذاذ بالسموع‪ .‬و لنبي لك السبب ف اللذة الناشئة عن الغناء‪ .‬و ذلك أن اللذة كما تقرر ف موضعه هي‬
‫إدراك اللئم و الحسوس إنا تدرك منه كيفية‪ .‬فإذا كانت مناسبة للمدرك و ملئمة كانت ملذوذة‪ ،‬و إذا كانت منافية له منافرة كانت‬
‫مؤلة‪ .‬فاللئم من الطعوم ما ناسبت كيفيته حاسة الذوق ف مزاجها و كذا اللئم من اللموسات و ف الروائح ما ناسب مزاج الروح القلب‬
‫البخاري لنه الدرك و إليه تؤديه الاسة‪ .‬و لذا كانت الرياحي و الزهار العطريات أحسن رائحة و أشد ملءمة للروح لغلبة الرارة فيها‬
‫الت هي مزاج الروح القلب‪ .‬و أما الرئيات و السموعات فاللئم فيها تناسب الوضاع ف أشكالا و كيفياتا فهو أنسب عند النفس و أشد‬
‫ملءمة لا‪ .‬فإذا كان الرب متناسبا ف أشكاله و تاطيطه الت له بسب مادته بيث ل يرج عما تقتضيه مادته الاصة من كمال الناسبة و‬
‫الوضع و ذلك هو معن المال و السن ف كل مدرك‪ .‬كان ذلك حينئذ مناسبا للنفس الدركة فتلتذ بإدراك ملئمها‪ ،‬و لذا تد العاشقي‬
‫الستهترين ف الحبة يعبون عن غاية مبتهم و عشقهم بامتزاج أرواحهم بروح الحبوب‪ .‬و ف هذا سر تفهمه إن كنت من أهله و هو اتاد‬
‫البدأ و إن كان ما سواك إذا نظرته و تأملته رأيت بينك و بينه اتادا ف البداءة‪ .‬يشهد لك به اتاد كما ف الكون و معناه من وجه آخر أن‬
‫الوجود يشرك بي الوجودات كما تقوله الكماء‪ .‬فتود أن يتزج بشاهدات فيه الكمال لتتحد به بل تروم النفس حينئذ الروج عن الوهم‬
‫إل القيقة الت هي اتاد البدإ و الكون‪ .‬و لا كان أنسب الشياء إل النسان و أقربا إل أن يدرك الكمال ف تناسب موضوعها هو شكله‬
‫النسان فكان إدراكه للجمال و السن ف تاطيطه و أصواته من الدارك الت هي أقرب إل فطرته‪ ،‬فيلهج كل إنسان بالسن من الرئي أو‬
‫السموع بقتضى الفطرة‪ .‬و السن ف السموع أن تكون الصوات متناسبة ل متنافرة‪ .‬و ذلك أن الصوات لا كيفيات من المس و الهر‬
‫و الرخاوة و الشدة و القلقلة و الضغط و غي ذلك‪ .‬و التناسب فيها هو الذي يوجب لا السن‪ .‬فأولً‪ :‬أن ل يرج من الصوت إل مده‬
‫دفعة بل بتدريج‪ .‬ث يرجع كذلك‪ ،‬و هكذا إل الثل‪ ،‬بل ل بد من توسط الغاير بي الصوتي‪ .‬و تأمل هذا من افتتاح أهل اللسان التراكيب‬
‫من الروف التنافرة أو التقاربة الخارج فإنه من بابه‪ .‬و ثانيا‪ :‬تناسبها ف الجزاء كما مر أول الباب فيخرج من الصوت إل نصفه أو ثلثه‬
‫أو جزء من كذا منه‪ ،‬على حسب ما يكون التنقل متناسبا على ما حصره أهل الصناعة‪ .‬فإذا كانت الصوات على تناسب ف الكيفيات كما‬
‫ذكره أهل تلك الصناعة كانت ملئمة ملذوذة‪ .‬و من هذا التناسب ما يكون بسيطا و يكون الكثي من الناس مطبوعا عليه ل يتاجون فيه‬
‫إل تعليم و ل صناعة كما ند الطبوعي على الوازين الشعرية و توقيع الرقص و أمثال ذلك‪ .‬و تسمي العامة هذه القابلية بالضمار‪ .‬و كثي‬
‫من القراء بذه الثابة يقرأون القرآن فيجيدون ف تلحي أصواتم كأنا الزامي فيطربون بسن مساقهم و تناسب نغماتم‪ .‬و من هذا‬
‫التناسب ما يدث بالتركيب و ليس كل الناس يستوي ف معرفته و ل كل الطباع توافق صاحبها ف العمل به إذا علم‪ .‬و هذا هو التلحي‬
‫الذي يتكفل به علم الوسيقى كما نشرحة بعد عند ذكر العلوم‪ .‬و قد أنكر مالك رحه ال تعال القراءة بالتلحي و أجازها الشافعي رضي‬
‫ال تعال عنه‪ .‬و ليس الراد تلحي الوسيقى الصناعي فإنه ل ينبغي أن يتلف ف حظره إذ صناعة الغناء مباينة للقرآن بكل وجه لن القراءة و‬
‫الداء تتاج إل مقدار من الصوت لتعي أداء الروف ل من حيث اتباع الركات ف مواضعها و يقدار الد عند من يطلقه أو يقصره‪ ،‬و‬
‫أمثال ذلك‪ .‬و التلحي أيضا يتعي له مقدار من الصوت ل تتم إل به من أجل التناسب الذي قلناه ف حقيقة التلحي و اعتبار أحدها قد يل‬
‫بالخر إذا تعارضا‪ .‬و تقدي الرواية‪ ،‬متعي فرارا من تغيي الرواية النقولة ف القرآن‪ ،‬فل يكن اجتماع التلحي و الداء العتب ف القرآن بوجه‬
‫و إنا مرادهم التلحي البسيط الذي يهتدي إليه صاحب الضمار بطبعه كما قدمناه فيدد أصواته ترديدا على نسب يدركها العال بالغناء و‬
‫غيه و ل ينبغي ذلك بوجه و إنا الراد من اختلفهم التلحي البسيط الذي يهتدي إليه صاحب الضمار بطبعه كما قدمناه‪ ،‬فيدد أصواته‬
‫ترديدا على نسب يدركها العال بالغناء و غيه‪ ،‬و ل ينبغي ذلك بوجه كما قاله مالك‪ .‬هذا هو مل اللف‪ .‬و الظاهر تنيه القرآن عن هذا‬
‫كله كما ذهب إليه المام رحة ال تعال لن القرآن مل خشوع بذكر الوت و ما بعده و ليس مقام التذاذ بإدراك السن من الصوات‪ .‬و‬
‫هكذا كانت قراءة الصحابة رضي ال عنهم كما ف أخبارهم‪ .‬و أما قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬لقد أوت مزمارا من مزامي آل داود فليس‬
‫الراد به الترديد و التلحي إنا معناه حسن الصوت و أداء القراءة و البانة ف مارج الروف و النطق با‪ .‬و إذ قد ذكرنا معن الغناء فاعلم‬
‫أنه يدث ف العمران إذا توفر و تاوز حد الضروري إل الاجي‪ ،‬ث إل الكمال‪ ،‬و تفننوا فيه‪ ،‬فتحدث هذه الصناعة‪ ،‬لنه ل يستدعيها إل‬
‫من فرغ من جيع حاجاته الضرورية و الهمة من العاش و النل و غيه فل يطلبها إل الفارغون عن سائر أحوالم تفننا ف مذاهب‬
‫اللذوذات‪ .‬و كان ف سلطان العجم قبل اللة منها بر زاخر ف أمصارهم و مدنم‪ .‬و كان ملوكهم يتخذون ذلك و يولعون به‪ ،‬حت لقد‬
‫كان للوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصناعة‪ ،‬و لم مكان ف دولتهم‪ ،‬و كانوا يضرون مشاهدهم و مامعهم و يغنون فيها‪ .‬و هذا شأن‬
‫العجم لذا العهد ف كل أفق من آفاقهم‪ .‬و ملكة من مالكهم‪ .‬و أما العرب فكان لم أولً فن الشعر يؤلفون فيه الكلم أجزاء متساوية على‬
‫تناسب بينها ف عدة حروفها التحركة و الساكنة‪ .‬و يفصلون الكلم ف تلك الجزاء تفصيلً يكون كل جزء منها مستقلً بالفادة‪ ،‬ل‬
‫ينعطف على الخر‪ .‬و يسمونه البيت‪ .‬فتلئم الطبع بالتجزئة أولً ث يتناسب الجزاء ف القاطع و البادئ‪ ،‬ث بتأدية العن القصود و تطبيق‬
‫الكلم عليها‪ .‬فلهجوا به فامتاز من بي كلمهم بط من الشرف ليس لغيه لجل اختصاصه‪ .‬بذا التناسب‪ .‬و جعلوه ديوانا لخبارهم و‬
‫حكمهم و شرفهم و مكا لقرائحهم ف إصابة العان و إجادة الساليب‪ .‬و استمروا على ذلك‪ .‬و هذا التناسب الذي من أجل الجزاء و‬
‫التحرك و الساكن من الروف قطرة من بر من تناسب الصوات كما هو معروف ف كتب الوسيقى‪ .‬إل أنم ل يشعروا با سواه لنم‬
‫حينئذ ل ينتحلوا علما و ل عرفوا صناعةً‪ .‬و كانت البداوة أغلب نلهم‪ .‬ث تغن الداة منهم ف حداء إبلهم و الفتيان ف فضاء خلواتم‬
‫فرجعوا الصوات و ترنوا‪ .‬و كانوا يسمون الترن إذا كان بالشعر غناء و إذا كان بالتهليل أو نوع القراءة تغييا بالغي العجمة و الباء‬
‫الوحدة‪ .‬و عللها أبو إسحاق الزجاج بأنا تذكر بالغابر و هو الباقي أي بأحوال الخرة‪ .‬و ربا ناسبوا ف غنائهم بي النغمات مناسبة بسيطة‬
‫كما ذكره ابن رشيق آخر كتاب العمدة و غيه‪ .‬و كانوا يسمونه السناد‪ .‬و كان أكثر ما يكون منهم‪ ،‬ف الفيف الذي يرقص عليه و‬
‫يشى بالدف و الزمار فيضطرب و يستخف اللوم‪ .‬و كانوا يسمون هذا الرج و هذا البسيط كله من التلحي هو من أوائلها و ل يبعد أن‬
‫تتفطن له الطباع من غي تعليم شأن البسائط كلها من الصنائع‪ .‬و ل يزل هذا شأن العرب ف بداوتم و جاهليتهم‪ .‬فلما جاء السلم و‬
‫استولوا على مالك الدنيا و حازوا سلطان العجم و غلبوهم عليه و كانوا من البداوة و الغضاضة على الال الت عرفت لم مع غضارة الدين‬
‫و شدته ف ترك أحوال الفراغ و ما ليس بنافع ف دين و ل معاش فهجروا ذلك شيئا ما‪ .‬و ل يكن اللذوذ عندهم إل ترجيع القراءة و الترن‬
‫بالشعر الذي هو ديدنم و مذهبهم‪ .‬فلما جاءهم الترف و غلب عليهم الرفه با حصل لم من غنائم المم صاروا إل نصارة العيش و رقة‬
‫الاشية و استحلء الفراغ‪ .‬و افترق الغنون من الفرس و الروم فوقعوا إل الجاز و صاروا موال للعرب و غنوا جيعا بالعيدان و الطنابي و‬
‫العازف و الزامي و سع العرب تلحينهم للصوات فلحنوا عليها أشعارهم‪ .‬و ظهر بالدينة نشيط الفارسي و طويس و سائب بن جابر مول‬
‫عبيد ال بن جعفر فسمعوا شعر العرب و لنوه و أجادوا فيه و طار لم ذكر‪ .‬ث أخذ عنهم معبد و طبقته و ابن شربح و أنظاره‪ .‬و ما‬
‫زالت صناعة الغناء تتدرج إل أن كملت أيام بن العباس عند إبراهيم بن الهدي و إبراهيم الوصلي و ابنه إسحاق و ابنه حاد‪ .‬و كان من‬
‫ذلك ف دولتهم ببغداد ما تبعه الديث بعده به و بجالسه بذا العهد و أمعنوا ف اللهو و اللعب و اتذت آلت الرقص ف اللبس و القضبان‬
‫و الشعار الت يترن با عليه‪ .‬و جعل صنفا وحده و اتذت آلت أخرى للرقص تسمى بالكرج و هي تاثيل خيل مسرجة من الشب‬
‫معلقة بأطراف أقبية يلبسها النسوان و ياكي با امتطاء اليل فيكرون و يفرون و يتثاقفون و أمثال ذلك من اللعب العد للولئم و العراس‬
‫و أيام العياد و مالس الفراغ و اللهو‪ .‬و كثر ذلك ببغداد و أمصار العراق و انتشر منها إل غيها‪ .‬و كان للموصليي غلم اسه زرياب‬
‫أخذ عنهم الغناء فأجاد فصرفوه إل الغرب غية منه فلحق بالكم بن هشام بن عبد الرحن الداخل أمي الندلس‪ .‬فبالغ ف تكرمته و ركب‬
‫للقائه و أسن له الوائز و القطاعات و الرايات و أحله من دولته و ندمائه بكان‪ .‬فأورث بالندلس من صناعة الغناء ما تناقلوه إل أزمان‬
‫الطوائف‪ .‬و طما منها بإشبيلية بر زاخز و تناقل منها بعد ذهاب غضارتا إل بلد العدوة بإفريقية و الغرب‪ .‬و انقسم على أمصارها و با‬
‫الن منها صبابة على تراجع عمرانا و تناقص دولا‪ .‬و هذه الصناعة آخر ما يصل ف العمران من الصنائع لنا كمالية ف غي وظيفة من‬
‫الوظائف إل وظيفة الفراغ و الفرح‪ .‬و هو أيضا أول ما ينقطع من العمران عند اختلله و تراجعه‪ .‬و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الثلثون ف أن الصنائع تكسب صاحبها عقلً و خصوصا‬


‫الكتابة و الساب‬
‫قد ذكرنا ف الكتاب أن النفس الناطقة للنسان إنا توجد فيه بالقوة‪ .‬و أن خروجها من القوة إل الفعل إنا هو بتجدد العلوم و الدراكات‬
‫عن الحسوسات أولً‪ ،‬ث ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إل أن يصي إدراكا بالفعل و عقلً مضا فتكون ذاتا روحانيةً و يستكمل حينئذ‬
‫ل فريدا و الصنائع أبدا يصل عنها و عن ملكتها قانون علمي‬ ‫وجودها‪ .‬فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم و النظر يفيدها عق ً‬
‫ل لنا متمعة من صنائع ف شأن تدبي النل‬ ‫ل و الضارة الكاملة تفيد عق ً‬‫مستفاد من تلك اللكة‪ .‬فلهذا كانت النكة ف التجربة تفيد عق ً‬
‫و معاشرة أبناء النس و تصيل الداب ف مالطتهم ث القيام بأمور الدين و اعتبار آدابا و شرائطها‪ .‬و هذه كلها قواني تنتظم علوما‬
‫فيحصل منها زيادة عقل‪ .‬و الكتابة من بي الصنائع أكثر إفادة لذلك لنا تشتمل على العلوم و النظار بلف الصنائع‪ .‬و بيانه أن ف‬
‫الكتابة انتقالً من الروف الطية إل الكلمات اللفظية ف اليال و من الكلمات اللفظية ف اليال إل العان الت ف النفس فهو ينتقل أبدا‬
‫من دليل إل دليل‪ ،‬ما دام ملتبسا بالكتابة و تتعود النفس ذلك دائما‪ .‬فيحصل لا ملكة النتقال من الدلة إل الدلولت و هو معن النظر‬
‫العقلي الذي يكسب العلوم الجهولة فيكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة عقل و يصل به قوة فطنة و كيس ف المور لا تعودوه‬
‫من ذلك النتقال‪ .‬و لذلك قال كسرى ف كتابه لا رآهم بتلك الفطنة و الكيس فقال‪ :‬ديوانه أي شياطي و جنون‪ .‬قالوا‪ :‬و ذلك أصل‬
‫اشتقاق الديوان لهل الكتابة و يلحق بذلك الساب فإن ف صناعة الساب نوع تصرف ف الدد بالضم و التفريق يتاج فيه إل استدلل‬
‫كثي فيبقى متعودا للستدلل و النظر و هو معن العقل‪ .‬و ال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا‪ ،‬و جعل لكم السمع و البصار‬
‫و الفئدة‪ ،‬قليلً ما تشكرون‪.‬‬

‫الباب السادس من الكتاب الول ف العلوم و أصنافها و التعليم و طرقه و‬


‫سائر وجوهه و ما يعرض ف ذلك كله من الحوال و فيه مقدمة و لواحق‬
‫فالقدمة ف الفكر النسان الذي تيز به البشر عن اليوانات و اهتدى به لتحصيل معاشه و التعاون عليه بأبناء جنسه و النظر ف معبوده‪ .‬و‬
‫ما جاءت به الرسل من عنده‪ ،‬فصار جيع اليوانات ف طاعته و ملك قدرته و فضله به على كثي خلقه‪.‬‬

‫الفصل الول ف أن العلم و التعليم طبيعي ف العمران البشري‬


‫و ذلك أن النسان قد شاركته جيع اليوانات ف حيوانيته من الس و الركة و الغذاء و الكن و غي ذلك‪ .‬و إنا تيز عنها بالفكر الذي‬
‫يهتدي به لتحصيل معاشه و التعاون عليه بأبناء جنسه و الجتماع الهيء لذلك التعاون و قبول ما جاءت به النبياء عن ال تعال و العمل‬
‫به و اتباع صلح أخراه‪ .‬فهو منكر ف ذلك كله دائما ل يفترعن الفكر فيه طرفة عي بل اختلج الفكر أسرع من لح البصر‪ .‬و عن هذا‬
‫الفكر تنشأ العلوم و ما قدمناه من الصنائع‪ .‬ث لجل هذا الفكر و ما جبل عليه النسان بل اليوان من تصيل ما تستدعيه الطباع فيكون‬
‫الفكر راغبا ف تصيل ما ليس عنده من الدراكات فيجع إل من سبقه بعلم أو زاد عليه بعرفة أو إدراك أو أخذه من تقدمه من النبياء‬
‫الذين يبلغونه لن تلقاه فيلقن ذلك عنهم و يرص على أخذه و علمه‪ .‬ث أن فكره و نظره يتوجه إل واحد واحد من القائق و ينظر ما‬
‫يعرض له لذاته واحدا بعد آخر و يتمرن على ذلك حت يصي إلاق العوارض بتلك القيقة ملكة له فيكون حينئذ علمه با يعرض لتلك‬
‫القيقة علما مصوصا‪ .‬و تتشوف نفوس أهل اليل الناشىء إل تصيل ذلك فيفرغون إل أهل معرفته و ييء التعليم من هذا‪ .‬فقد تبي‬
‫بذلك أن العلم و التعليم طبيعي ف البشر‪ .‬و ال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثان ف أن التعليم للعلم من جلة الصنائع‬


‫و ذلك أن الذق ف العلم و التفنن فيه و الستيلء عليه إنا هو بصول ملكة ف الحاطة ببادئه و قواعده و الوقوف على مسائله و استنباط‬
‫فروعه من أصوله‪ .‬و ما ل تصل هذه اللكة ل يكن الذق ف ذلك الفن التناول حاصلً‪ .‬و هذه اللكة هي ف غي الفهم و الوعي‪ .‬لنا ند‬
‫فهم السألة الواحدة من الفن الواحد و وعيها مشتركا بي من شدا ف ذلك الفن و بي من هو مبتدئ فيه و بي العامي الذي ل يعرف علما‬
‫و بي العال النحرير‪ .‬و اللكة إنا هي للعال أو الشادي ف‪ .‬الفنون دون من سواها فدل على أن هذه اللكة غي الفهم و الوعي‪ .‬و اللكات‬
‫كلها جسمانية سواء كانت ف البدن أو ف الدماغ من الفكر و غيه كالساب‪ .‬و السمانيات كلها مسوسة فتفتقر إل التعليم‪ .‬و لذا‬
‫كان السند ف التعليم ف كل علم أو صناعة يفتقر إل مشاهي العلمي فيها معتبا عند كل أهل أفق و جيل‪ .‬و يدل أيضا على أن تعليم العلم‬
‫صناعة اختلف الصطلحات فيه‪ .‬فلكل إمام من الئمة الشاهي اصطلح ف التعليم يتص به شأن الصنائع كلها فدل على أن ذلك‬
‫الصطلح ليس من العلم‪ ،‬و إذ لو كان من العلم لكان واحدا عند جيعهم‪ .‬أل ترى إل علم الكلم كيف تالف ف تعليمه اصطلح‬
‫التقدمي و التأخرين و كذا أصول الفقه و كذا العربية و كذا كل علم يتوجه إل مطالعته تد الصطلحات ف تعليمه متخالفة فدل على‬
‫أنا صناعات ف التعليم‪ .‬و العلم واحد ف نفسه‪ .‬و إذا تقرر ذلك فاعلم أن سند تعليم العلم لذا العهد قد كاد ينقطع عمن أهل الغرب‬
‫باختلل عمرانه و تناقص الدول فيه‪ .‬و ما يدث عن ذلك من نقص الصنائع و فقدانا كما مر‪ .‬و ذلك أن القيوان و قرطبة كانتا حاضرت‬
‫الغرب و الندلس و استبحر عمرانما و كان فيهما للعلوم و الصنائع أسواق نافقة و بور زاخرة‪ .‬و رسخ فيهما التعليم لمتداد عصورها و‬
‫ل كان ف دولة الوحدين براكش مستفادا منها‪ .‬و ل ترسخ الضارة‬ ‫ما كان فيهما من الضارة‪ .‬فلما خربتا انقطع التعليم من الغرب إل قلي ً‬
‫براكش لبداوة الدولة الوحدية ف أولا و قرب عهد انقراضها ببدئها فلم تتصل أحوال الضارة فيها إل ف القل‪ .‬و بعد انقراض الدولة‬
‫براكش ارتل إل الشرق من أفريقية القاضي أبو القاسم بن زيتون لعهد أواسط الائة السابعة فأدرك تلميذ المام ابن الطيب فأخذ عنهم و‬
‫لقن تعليمهم‪ .‬و حذق ف العقليات و النقليات و رجع إل تونس بعلم كثي و تعليم حسن‪ .‬و جاء على أثره من الشرق أبو عبد ال بن‬
‫شعيب الدكال‪ .‬كان ارتل إليه من الغرب فأخذ عن مشيخة مصر و رجع إل تونس و استقر با و كان تعليمه مفيدا فأخذ عنهما أهل‬
‫ل بعد جيل حت انتهى إل القاضي ممد بن عبد السلم‪ .‬شارح بن الاجب و تلميذه و‬ ‫تونس‪ .‬و اتصل سند تعليمهما ف تلميذها جي ً‬
‫انتقل من تونس إل تلمسان ف ابن المام و تلميذه‪ .‬فإنه قرأ مع ابن عبد السلم على مشيخة واحدة ف مالس بأعيانا و تلميذ ابن عبد‬
‫السلم بتونس و ابن المام بتلمسان لذا العهد إل أنم من القلة بيث يشى انقطاع سندهم‪ .‬ث ارتل من زواوة ف آخر الائة السابعة أبو‬
‫علي ناصر الدين الشدال و أدرك تلميذ أب عمرو بن الاجب و أخذ عنهم و لقن تعليمهم‪ .‬و قرأ مع شهاب الدين القراف ف مالس واحدة‬
‫و حذق ف العقليات و النقليات‪ .‬و رجع إل الغرب بعلم كثي و تعليم مفيد‪ .‬و نزل ببجاية و اتصل سند تعليمه ف طلبتها‪ .‬و ربا انتقل إل‬
‫تلمسان عمران الشدال من تلميذه و أوطنها و بث طريقته فيها‪ .‬و تلميذه لذا العهد ببجاية و تلمسان قليل أو أقل من القليل‪ .‬و بقيت فاس‬
‫و سائر أقطار الغرب خلوا من حسن التعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة و القيوان و ل يتصل سند التعليم فيهم فعصر عليهم حصول‬
‫اللكة و الذق ف العلوم‪ .‬و أيسر طرق هذه اللكة فتق اللسان بالحاورة و الناظرة ف السائل العلمية فهو الذي يقرب شأنا و يصل‬
‫مرامها‪ .‬فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثي من أعمارهم ف ملزمة الجالس العلمية سكوتا ل ينطقون و ل يفاوضون و عنايتهم‬
‫بالفظ أكثر من الاجة‪ .‬فل يصلون على طائل من ملكة التصرف ف العلم و التعليم ث بعد تصيل من يرى منهم أنه قد حصل تد ملكته‬
‫قاصرة ف علمه إن فاوض أو ناظر أو علم و ما أتاهم القصور إل قبل التعليم و انقطاع سنده‪ .‬و إل فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة‬
‫عنايتهم به‪ ،‬و ظنهم أنه القصود من اللكة العلمية و ليس كذلك‪ .‬و ما يشهد بذلك ف الغرب أن الدة العينة لسكن طلبة العلم بالدارس‬
‫عندهم ست عشرة سنة و هي بتونس خس سني‪ .‬و هذه الدة بالدارس على التعارف هي أقل ما يتأتى فيها لطالب العلم حصول مبتغاه من‬
‫اللكة العلمية أو اليأس من تصيلها فطال أمدها ف الغرب لذه الدة لجل عسرها من قلة الودة ف التعليم خاصة ل ما سوى ذلك‪ .‬و أما‬
‫أهل الندلس فذهب رسم التعليم من بينهم و ذهبت عنايتهم بالعلوم لتناقص عمران السلمي با منذ مئي من السني‪ .‬و ل يبق من رسم‬
‫العلم فيهم إل فن العربية و الدب‪ .‬اقتصروا عليه و الفظ سند تعليمه بينهم فانفظ بفظه‪ .‬و أما الفقه بينهم فرسم خلو و أثر بعد عي‪ .‬و‬
‫أما العقليات فل أثر و ل عي‪ .‬و ما ذاك إل لنقطاع سند التعليم فيها بتناقص العمران و تغلب العدو على عامتها إل قليلً بسيف البحر‬
‫شغلهم بعايشهم أكثر من شغلهم با بعدها‪ .‬و ال غالب على أمره‪ .‬و أما الشرق فلم ينقطع سند التعليم فيه بل أسواقه نافقة و بوره زاخرة‬
‫لتصال العمران الوفور و اتصال السند فيه‪ .‬و إن كانت المصار العظيمة الت كانت معادن العلم قد خربت مثل بغداد و البصرة و الكوفة‬
‫إل أن ال تعال قد أدال منها بأمصار أعظم من تلك‪ .‬و انتقل العلم منها إل عراق العجم براسان‪ ،‬و ما وراء النهر من الشرق‪ ،‬ث إل‬
‫ل و سند التعليم با قائما‪ .‬فأهل الشرق على الملة أرسخ ف صناعة تعليم‬ ‫القاهرة و ما إليها من الغرب‪ ،‬فلم تزل موفورة و عمرانا متص ً‬
‫العلم بل و ف سائر الصنائع‪ .‬حت أنه ليظن كثي من رحالة أهل الغرب إل الشرق ف طلب العلم أن عقولم على الملة أكمل من عقول‬
‫أهل الغرب و أنم أشد نباهة و أعظم كيسا بفطرتم الول‪ .‬و أن نفوسهم الناطقة أكمل بفطرتا من نفوس أهل الغرب‪ .‬و يعتقدون‬
‫التفاوت بيننا و بينهم ف حقيقة النسانية و يتشيعون لذلك و يولعون به لا يرون من كيسهم ف العلوم و الصنائع و ليس كذلك‪ .‬و ليس بي‬
‫قطر الشرق و الغرب تفاوت بذا القدار الذي هو تفاوت ف القيقة الواحدة اللهم إل القاليم النحرفة مثل الول و السابع فإن المزجة‬
‫فيها منحرفة و النفوس على نسبتها كما مر و إنا الذي فضل به أهل الشرق أهل الغرب هو ما يصل ف النفس من آثار الضارة من العقل‬
‫الزيد كما تقدم ف الصنائع‪ ،‬و نزيده الن شرحا و تقيقا‪ .‬و ذلك أن الضر لم آداب ف أحوالم ف العاش و السكن و البناء و أمور‬
‫الدين و الدنيا و كذا سائر أعمالم و عاداتم‪ .‬و معاملتم و جيع تصرفاتم‪ .‬فلهم ف ذلك كله آداب يوقف عندها ف جيع ما يتناولونه و‬
‫يتلبسون به من أخذ و ترك حت كأنا حدود ل تتعدى‪ .‬و هي مع ذلك صنائع يتلقاها الخر عن الول منهم‪ .‬و ل شك أن كل صناعة‬
‫مرتبة يرجع منها إل النفس أثر يكسبها عقلً جديدا تستعد به لقبول صناعة أخرى و يتهيأ با العقل بسرعة الدراك للمعارف‪ .‬و لقد بلغنا‬
‫ف تعليم الصنائع عن أهل مصر غايات ل تدرك مثل أنم يعلمون المر النسية و اليوانات العجم من الاشي‪ ،‬و الطائر مفردات من الكلم‬
‫ل عن تعليمها و حسن اللكات ف التعليم و الصنائع و سائر الحوال العادية‬ ‫و الفعال يستغرب ندورها و يعجز أهل الغرب عن فهمها فض ً‬
‫يزيد النسان ذكاء ف عقله و إضاءة ف فكره بكثرة اللكات الاصلة للنفس‪ .‬إذ قدمنا أن النفس إنا تنشأ بالدراكات‪ .‬و ما يرجع إليها من‬
‫اللكات فيزدادون بذلك كيسا لا يرجع إل النفس من الثار العلمية فيظنه العامي تفاوتا ف القيقة النسانية و ليس كذلك‪ .‬أل ترى إل‬
‫أهل الضر مع أهل البدو كيف تد الضري متحليا بالذكاء متلئا من الكيس حت أن البدوي ليظنه أنه قد فاته ف حقيقة إنسانيته و عقله و‬
‫ليس كذلك‪ .‬و ما ذاك إل لجادته ف ملكات الصنائع و الداب ف العوائد و الحوال الضرية مال يعرفه البدوي‪ .‬فلما امتل الضري من‬
‫الصنائع و ملكاتا و حسن تعليمها ظن كل من قصر عن تلك اللكات أنا لكمال ف عقله و أن نفوس أهل البدو قاصرة بفطرتا و جبلتها‬
‫عن فطرته و ليس كذلك‪ .‬فإنا ند من أهل البدو من هو ف أعلى رتبة من الفهم و الكمال ف عقله و فطرته إنا الذي ظهر على أهل الضر‬
‫من ذلك هو رونق الصنائع و التعليم فإن لما آثارا ترجع إل النفس كما قدمناه‪ .‬و كذا أهل الشرق لا كانوا ف التعليم و الصنائع أرسخ‬
‫رتبة و أعلى قدما و كان أهل الغرب أقرب إل البداوة لا قدمناه ف الفصل قبل هذا ظن الغفلون ف بادئ الرأي أنه لكمال ف حقيقة‬
‫النسانية اختصوا به عن أهل الغرب و ليس ذلك بصحيح فتفهمه و ال يزيد ف اللق ما يشاء و هو إله السموات و الرض‪.‬‬

‫الفصل الثالث ف أن العلوم إنا تكثر حيث يكثر العمران و تعظم الضارة‬
‫و السبب ف ذلك أن تعليم العلم كما قدمناه من جلة الصنائع‪ .‬و قد كنا قدمنا أن الصنائع إنا تكثر ف المصار‪ .‬و على نسبة عمرانا ف‬
‫الكثرة و القلة و الضارة و الترف تكون نسبة الصنائع ف الودة و الكثرة لنه أمر زائد على العاش‪ .‬فمت فضلت أعمال أهل العمران عن‬
‫معاشهم انصرفت إل ما وراء العاش من التصرف ف خاصية النسان و هي العلوم و الصنائع‪ .‬و من تشوف بفطرته إل العلم من نشأ ف‬
‫القرى و المصار غي التمدنة فل يد فيها التعليم الذي هو صناعي لفقدان الصنائع ف أهل البدو‪ .‬كما قدمناه و ل بد له من الرحلة ف طلبه‬
‫إل المصار الستبحرة شأن الصنائع كلها‪ .‬و اعتب ما قررناه بال بغداد و قرطبة و القيوان و البصرة و الكوفة لا كثر عمرانا صدر‬
‫السلم و استوت فيها الضارة‪ .‬كيف زخرت فيها بار العلم و تفننوا ف اصطلحات التعليم و أصناف العلوم و استنباط السائل و الفنون‬
‫حت أربوا على التقدمي و فاتوا التأخرين‪ .‬و لا تناقص عمرانا و ابذعر سكانا انطوى ذلك البساط با عليه جلة‪ ،‬و فقد العلم با و‬
‫التعليم‪ .‬و انتقل إل غيها من أمصار السلم‪ .‬و نن لذا العهد نرى أن العلم و التعليم إنا هو بالقاهرة من بلد مصر لا أن عمرانا مستبحر‬
‫و حضارتا مستحكمة منذ آلف من السني‪ ،‬فاستحكمت فيها الصنائع و تفننت و من جلتها تعليم العلم‪ .‬و أكد ذلك فيها و حفظه ما‬
‫وقع لذه العصور با منذ مائتي من السني ف دولة الترك من أيام صلح الدين بن أيوب و هلم جرا‪ .‬و ذلك أن أمراء الترك ف دولتهم‬
‫يشون عادية سلطانم على من يتخلفونه من ذريتهم لا له عليهم من الرق أو الولء و لا يشى من معاطب اللك و نكباته‪ .‬فاستكثروا من‬
‫بناء الدارس و الزوايا و الربط و وقفوا عليها الوقاف الغلة يعلون فيها شركا لولدهم ينظر عليها أو يصيب منها مع ما فيهم غالبا من‬
‫النوح إل الي و التماس الجور ف القاصد و الفعال‪ .‬فكثرت الوقاف لذلك و عظمت الغلت و الفوائد و كثر طالب العلم و معلمه‬
‫بكثرة جرايتهم منها و ارتل إليها الناس ف طلب العلم من العراق و الغرب و نفقت با أسواق العلوم و زخرت بارها‪ .‬و ال يلق ما‬
‫يشاء‪.‬‬

‫الفصل الرابع ف أصناف العلوم الواقعة ف العمران لذا العهد‬


‫اعلم أن العلوم الت يوض فيها البشر و يتداولونا ف المصار تصيلً و تعليما هي على صنفي‪ :‬صنف طبيعي للنسان يهتدي إليه بفكره‪،‬‬
‫و صنف نقلي يأخذه عمن وضعه‪ .‬و الول هي العلوم الكمية الفلسفية و هي الت يكن أن يقف عليها النسان بطبيعة فكره و يهتدي‬
‫بداركه البشرية إل موضوعاتا و مسائلها و أناء براهينها و وجوه تعليمها حت يقفه نظره و يثه على الصواب من الطأ فيها من حيث هو‬
‫إنسان ذو فكر‪ .‬و الثان هي العلوم النقلية الوضعية و هي كلها مستندة إل الب عن الواضع الشرعي‪ .‬و ل مال فيها للعقل إل ف إلاق‬
‫الفروع من مسائلها بالصول لن الزئيات الادثة التعاقبة ل تندرج تت النقل الكلي بجرد وضعه فتحتاج إل اللاق بوجه قياسي‪ .‬إل‬
‫أن هذا القياس يتفرع عن الب بثبوت الكم ف الصل و هو نقلي فرجع هذا القياس إل النقل لتفرعه عنه‪ .‬و أصل هذه العلوم النقلية كلها‬
‫هي الشرعيات من الكتاب و السنة الت هي مشروعة لنا من ال و رسوله و ما يتعلق بذلك من العلوم الت تيئوها للفادة‪ .‬ث يستتبع ذلك‬
‫علوم اللسان العرب الذي هو لسان اللة و به نزل القرآن‪ .‬و أصناف هذه العلوم النقلية كثية لن الكلف يب عليه أن يعرف أحكام ال‬
‫تعال الفروضة عليه و على أبناء جنسه و هي مأخوذة من الكتاب و السنه بالنص أو بالجاع أو باللاق فل بد من النظر بالكتاب ببيان‬
‫ألفاظه أولً و هذا هو علم التفسي ث بإسناد نقله و روايته إل النب صلى ال عليه و سلم الذي جاء به من عند ال و اختلف روايات القراء‬
‫ف قراءته و هذا هو علم القراءات ث بإسناد السنة إل صاحبها و الكلم ف الرواة الناقلي لا و معرفة أحوالم وعدالتهم ليقع الوثوق‬
‫بأخبارهم بعلم ما يب العمل بقتضاه من ذلك‪ ،‬و هذه هي علوم الديث‪ .‬ث ل بد ف استنباط هذه الحكام من أصولا من وجه قانون‬
‫يفيد العلم بكيفية هذا الستنباط و هذا هو أصول الفقه‪ .‬و بعد هذا تصل الثمرة بعرفة أحكام ال تعال ف أفعال الكلفي و هذا هو الفقه‪.‬‬
‫ث أن التكاليف منها بدن‪ ،‬و منها قلب‪ ،‬و هو الختص باليان و ما يب أن يعتقد ما ل يعتقد‪ .‬و هذه هي العقائد اليانية ف الذات و‬
‫الصفات و أمور الشر و النعيم و العذاب و القدر‪ .‬و الجاج عن هذه بالدلة العقلية هو علم الكلم‪ .‬ث النظر ف القرآن و الديث ل بد‬
‫أن تتقدمه العلوم اللسانية لنه متوقف عليها و هي أصناف‪ .‬فمنها علم اللغة و علم النحو و علم البيان و علم الداب حسبما نتكلم عليها‪.‬‬
‫و هذه العلوم النقلية كلها متصة باللة السلمية و أهلها و إن كانت كل ملة على الملة ل بد فيها من مثل ذلك فهي مشاركة لا ف‬
‫النس البعيد من حيث أنا العلوم الشرعية النلة من عند ال تعال على صاحب الشريعة البلغ لا‪ .‬و أما على الصوص فمباينة لميع اللل‬
‫لنا ناسخة لا‪ .‬و كل ما قبلها من علوم اللل فمهجورة و النظر فيها مظور‪ .‬فقد نى الشرع عن النظر ف الكتب النلة غي القرآن‪ .‬قال‬
‫صلى ال عليه و سلم‪ :‬ل تصدقوا أهل الكتاب و ل تكذبوهم و قولوا آمنا بالذي‬
‫أنزل علينا و أنزل إليكم و إلنا و إلكم واحد و رأى النب صلى ال عليه و سلم ف يد عمر رضي ال عنه ورقة من التوراة فغضب حت تبي‬
‫الغضب ف وجهه ث قال‪ :‬أل آتكم با بيضاء نقية ؟ و ال لو كان موسى حيا ما وسعه إل أتباعي‪ .‬ث إن هذه العلوم الشرعية قد نفقت‬
‫أسواقها ف هذه اللة با ل مزيد عليه و انتهت فيها مدارك الناظرين إل الغاية الت ل شيء فوقها و هذبت الصطلحات و رتبت الفنون‬
‫فجاءت من وراء الغاية ف السن و التنميق‪ .‬و كان لكل فن رجال يرجع إليهم فيه و أوضاع يستفاد منها التعليم‪ .‬و اختص الشرق من‬
‫ذلك و الغرب با هو مشهور منها حسبما نذكره الن عند تعديد هذه الفنون‪ .‬و قد كسدت لذا العهد أسواق العلم بالغرب لتناقص‬
‫العمران فيه و انقطاع سند العلم و التعليم كما قدمناه ف الفصل قبله‪ .‬و ما أدري ما فعل ال بالشرق و الظن به نفاق العلم فيه و اتصال‬
‫التعليم ف العلوم و ف سائر الصنائع الضرورية و الكمالية لكثرة عمرانه و الضارة و وجود العانة لطالب العلم بالراية من الوقاف الت‬
‫اتسعت با أرزاقهم‪ .‬و ال سبحانه و تعال هو الفعال لا يريد و بيده التوفيق و العانة‪.‬‬

‫الفصل الامس ف علوم القرآن من التفسي و القراءات‬


‫القرآن هو كلم ال النل على نبيه الكتوب بي دفت الصحف‪ .‬و هو متواتر بي المة إل أن الصحابة رووه عن رسول ال صلى ال عليه و‬
‫سلم على طرق متلفي ف بعض ألفاظه و كيفيات الروف ف أدائها‪ .‬و تنوقل ذلك و اشتهر إل أن استقرت منها سبع طرق معينة تواتر‬
‫نقلها أيضا بأدائها و اختصت بالنتساب إل من اشتهر بروايتها من الم الغفي فصارت هذه القراءات السبع أصولً للقراءة‪ .‬و ربا زيد بعد‬
‫ذلك قراءات أخر لقت بالسبع إل أنا عند أئمة القراءة ل تقوى قوتا ف النقل‪ .‬و هذه القراءات السبع معروفة ف كتبها‪ .‬و قد خالف‬
‫بعض الناس ف تواتر طرقها لنا عندهم كيفيات للداء و هو غي منضبط‪ .‬و ليس ذلك عندهم بقادح ف تواتر القرآن‪ .‬و أباه الكثر و قالوا‬
‫بتواترها و قال آخرون بتواتر غي الداء منها كالد و التسهيل لعدم الوقوف على كيفيته بالسمع و هو الصحيح‪ .‬و ل يزل القراء يتداولون‬
‫هذه القراءات و روايتها إل أن كتبت العلوم و دونت فكتبت فيما كتب من العلوم و صارت صناعة مصوصة و علما منفردا و تناقله الناس‬
‫بالشرق و الندلس ف جيل بعد جيل‪ .‬إل أن ملك بشرق الندلس ماهد من موال العامريي و كان معتنيا بذا الفن من بي فنون القرآن لا‬
‫أخذه به موله النصور بن أب العامر و اجتهد ف تعليمه و عرضه على من كان من أئمة القراء بضرته فكان سهمه ف ذلك وافرا‪ .‬و اختص‬
‫ماهد بعد ذلك بإمارة دانية و الزائر الشرقية فنفقت با سوق القراءة لا كان هو من أئمتها و با كان له من العناية بسائر العلوم عموما و‬
‫بالقراءات خصوصا‪ .‬فظهر لعهده أبو عمرو الدان و بلغ الغاية فيها و وقفت عليه معرفتها‪ .‬و انتهت إل روايته أسانيدها و تعددت تآليفه‬
‫فيها‪ .‬و عول الناس عليها و عدلوا عن غيها و اعتمدوا من بينها كتاب التيسي له‪ .‬ث ظهر بعد ذلك فبما يليه من العصور و الجيال أبو‬
‫القاسم بن فيه من أهل شاطبة فعمد إل تذيب ما دونه أ بو عمرو و تلخيصه فنظم ذلك كله ف قصيدة لغز فيها أساء القراء بروف ا ب‬
‫ج د ترتيبا أحكمه ليتيسر عليه ما قصده من الختصار و ليكون أسهل للحفظ لجل نظمها‪ .‬فاستوعب فيها الفن استيعابا حسنا و غن‬
‫الناس بفظها و تلقينها للولدان التعلمي و جرى العمل على ذلك ف أمصار الغرب و الندلس‪ .‬و ربا أضيف إل فن القراءات فن الرسم‬
‫أيضا و هي أوضاع حروف القرآن ف الصحف و رسومه الطية لن فيه حروفا كثية وقع رسها على غي العروف من قياس الط كزيادة‬
‫الياء ف بأييد و زيادة اللف ف ل أذبنه و ل أوضعوا و الواو ف جزاؤ الظالي و حذف اللفات ف مواضع دون أخرى و ما رسم فيه من‬
‫التاءات مدودا‪ .‬و الصل فيه مربوط على شكل الاء و غي ذلك و قد مر تعليل هذا الرسم الصحفي عند الكلم ف الط‪ .‬فلما جاءت هذه‬
‫الخالفة لوضاع الط و قانونه احتيج إل حصرها‪ ،‬فكتب الناس فيها أيضا عند كتبهم ف العلوم‪ .‬و انتهت بالغرب إل أب عمر الدان‬
‫الذكور فكتب فيها كتبا من أشهرها‪ :‬كتاب القنع و أخذ به الناس و عولوا عليه‪ .‬و نظمه أبو القاسم الشاطب ف قصيدته الشهورة على‬
‫روي الراء و ولع الناس بفظها‪ .‬ث كثر اللف ف الرسم ف كلمات و حروف أخرى‪ ،‬ذكرها أبو داود سليمان بن ناح من موال ماهد‬
‫ف كتبه و هو من تلميذ أب عمرو الدان و الشتهر بمل علومه و رواية كتبه ث نقل بعده خلف آخر فنظم الرزاز من التأخرين بالغرب‬
‫أرجوزة أخرى زاد فيها على القنع خلفا كثيا‪ ،‬و عزاه لناقليه‪ .‬و اشتهرت بالغرب‪ ،‬و اقتصر الناس على حفظها‪ .‬و هجروا با كتب أب‬
‫داود و أب عمرو و الشاطب ف الرسم‪.‬‬
‫و أما التفسي‪ :‬فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب و على أساليب بلغتهم فكانوا كلهم يفهمونه و يعلمون معانيه ف مفرداته و تراكيبه‪ .‬و‬
‫ل و آيات آيات لبيان التوحيد و الفروض الدينية بسب الوقائع‪ .‬و منها ما هو ف العقائد اليانية‪ ،‬و منها ما هو ف‬ ‫كان ينل جلً ج ً‬
‫أحكام الوارح‪ ،‬و منها ما يتقدم و منها ما يتأخر و يكون ناسخا له‪ .‬و كان النب صلى ال عليه و سلم هو البي لذلك كما قال تعال‪:‬‬
‫لتبي للناس ما نزل إليهم فكان النب صلى ال عليه و سلم يبي الجمل و ييز الناسخ من النسوخ و يعرفه أصحابه فعرفوه و عرفوا سبب‬
‫نزول اليات و مقتضى الال منها منقو ًل عنه‪ .‬كما علم من قوله تعال‪ :‬إذا جاء نصر ال و الفتح إنا نعي النب صلى ال عليه و سلم و‬
‫أمثال ذلك و نقل ذلك عن الصحابة رضوان ال تعال عليهم أجعي‪ .‬و تداول ذلك التابعون من بعدهم و نقل ذلك عنهم‪ .‬و ل يزل متناقلً‬
‫بي الصدر الول و السلف حت صارت العارف علوما و دونت الكتب فكتب الكثي من ذلك و نقلت الثار الواردة فيه عن الصحابة و‬
‫التابعي و انتهى ذلك إل الطبي و الواقدي و الثعالب و أمثال ذلك من الفسرين فكتبوا فيه ما شاء ال أن يكتبوه من الثار‪ .‬ث صارت‬
‫علوم اللسان صناعية من الكلم ف موضوعات اللغة و أحكام العراب و البلغة ف التراكيب فوضعت الدواوين ف ذلك بعد أن كانت‬
‫ملكات للعرب ل يرجع فيها إل نقل و ل كتاب فتنوسي ذلك و صارت تتلقى من كتب أهل اللسان‪ .‬فاحتيج إل ذلك ف تفسي القرآن‬
‫لنه بلسان العرب و على منهاج بلغتهم‪ .‬و صار التفسي على صنفي‪ :‬تفسي نقلي مسند إل الثار النقولة عن السلف و هي معرفة الناسخ‬
‫و النسوخ و أسباب النول و مقاصد الي‪ .‬و كل ذلك ل يعرف إل بالنقل عن الصحابة‪ .‬و التابعي‪ .‬و قد جع التقدمون ف ذلك و‬
‫أوعوا‪ ،‬إل أن كتبهم و منقولتم تشتمل على الغث و السمي و القبول و الردود‪ .‬و السبب ف ذلك أن العرب ل يكونوا أهل كتاب و ل‬
‫علم و إنا غلبت عليهم البداوة و المية‪ .‬و إذا تشوقوا إل معرفة شيء ما تتشوق إليه النفوس البشرية ف أسباب الكونات و بدء الليقة و‬
‫أسرار الوجود فإنا يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم و يستفيدونه منهم و هم أهل التوراة من اليهود و من تبع دينهم من النصارى‪ .‬و أهل‬
‫التوراة الذين بي العرب يومئذ بادية مثلهم و ل يعرفون من ذلك إل ما تعرفه العامة من أهل الكتاب و معظمهم من حي الذين أخذوا بدين‬
‫اليهودية‪ .‬فلما أسلموا بقوا على ما كان عندهم ما ل تعلق له بالحكام الشرعية الت يتاطون لا مثل أخبار بدء الليقة و ما يرجع إل‬
‫الدثان و اللحم و أمثال ذلك‪ .‬و هؤلء مثل كعب الحبار و وهب بن منبه و عبد ال بن سلم و أمثالم‪ .‬فامتلت التفاسي من النقولت‬
‫عندهم ف أمثال هذه الغراض أخبار موقوفة عليهم و ليست ما يرجع إل الحكام فيتحرى ف الصحة الت يب با العمل‪ .‬و تساهل‬
‫الفسرون ف مثل ذلك و ملوا كتب التفسي بذه النقولت‪ .‬و أصلها كما قلناه عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية‪ ،‬و ل تقيق عندهم‬
‫بعرفة ما ينقلونه من ذلك إل أنم بعد صيتهم و عظمت أقدارهم‪ .‬لا كانوا عليه من القامات ف الدين و اللة‪ ،‬فتلقيت بالقبول من يومئذ‪.‬‬
‫فلما رجع الناس إل التحقيق و التمحيص و جاء أبو ممد بن عطية من التأخرين بالغرب فلخص تلك التفاسي كلها و ترى ما هو أقرب‬
‫إل الصحة منها و وضع ذلك ف كتاب متداول بي أهل الغرب و الندلس حسن النحى‪ .‬و تبعه القرطب ف تلك الطريقة على منهاج و‬
‫احد ف كتاب آخر مشهور بالشرق‪.‬‬
‫و الصنف الخر من التفسي و هو ما يرجع إل اللسان من معرفة اللغة و العراب و البلغة ف تأدية العن بسب القاصد و الساليب‪ .‬و‬
‫هذا الصنف من التفسي قل أن ينفرد عن الول إذ الول هو القصود بالذات‪ .‬و إنا جاء هذا بعد أن صار اللسان و علومه صناعة‪ .‬نعم قد‬
‫يكون ف بعض التفاسي غالبا و من أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسي كتاب الكشاف للزمشري من أهل خوارزم العراق إل أن‬
‫مؤلفه من أهل العتزال ف العقائد فيأت بالجاج على مذاهبهم الفاسدة حيث تعرض له ف آي القرآن من طرق البلغة‪ .‬فصار ذلك‬
‫للمحققي من أهل السنة انراف عنه و تذير للجمهور من مكامنه مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان و البلغة و إذا كان الناظر‬
‫فيه واقفا مع ذلك على الذاهب السنية مسنا للحجاج عنها فل جرم إنه مأمون من غوائله فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه ف اللسان‪ .‬و لقد‬
‫وصل إلينا ف هذه العصور تأليف لبعض العراقيي و هو شرف الدين الطيبب من أهل توريز من عراق العجم شرح فيه كتاب الزمشري هذا‬
‫و تتبع ألفاظه و تعرض لذاهبه ف العتزال بأدلة تزيفها و يبي أن البلغة إنا تقع ف الية على ما يراه أهل السنة ل على ما يراه العتزلة‬
‫فأحسن ف ذلك ما شاء مع إمتاعه ف سائر فنون البلغة و فوق كل ذي علم عليم‪.‬‬

‫الفصل السادس ف علوم الديث‬


‫و أما علوم الديث فهي كثية و متنوعة لن منها ما ينظر ف ناسخه و منسوخه و ذلك با ثبت ف شريعتنا من جواز النسخ و وقوعه لطفا‬
‫من ال بعباده و تفيفا عنهم باعتبار مصالهم الت تكفل ال لم با‪ .‬قال تعال ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بي منها أو مثلها و معرفة‬
‫الناسخ و النسوخ و إن كان عاقا للقرآن و الديث إل إن الذي ف القرآن منه اندرج ف تفاسيه و بقي ما كان خاصا بالديث راجعا إل‬
‫علومه‪ .‬فإذا تعارض البان بالنفي و الثبات و تعذر المع بينهما ببعض التأويل و علم تقدم أحدها تعي إن التأخر ناسخ‪ .‬و معرفة الناسخ‬
‫و النسوخ من أهم علوم الديث و أصعبها‪ .‬قال الزهري‪ :‬أعيا الفقهاء و أعجزهم إن يعرفوا ناسخ حديث رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫من منسوخه‪ .‬و كان للشافعي رضي ال عنه فيه قدم راسخة‪ .‬و من علوم الحاديث النظر ف السانيد و معرفة ما يب العمل به من‬
‫الحاديث بوقوعه على السند الكامل الشروط لن العمل إنا وجب با يغلب على الظن صدقه من أخبار رسول ال صلى ال عليه و سلم‬
‫فيجتهد ف الطريق الت تصل ذلك الظن و هو بعرفة رواة الديث بالعدالة و الضبط‪ .‬و إنا يثبت ذلك بالعقل عن أعلم الدين لتعديلهم و‬
‫ل على القبول و الترك‪ .‬و كذلك مراتب هؤلء النقلة من الصحابة و التابعي و تفاوتم ف‬ ‫براءتم من الرح و الغفلة و يكون لنا ذلك دلي ً‬
‫ذلك و تيزهم فيه واحدا واحدا‪ .‬و كذلك السانيد تتفاوت باتصالا و انقطاعها بأن يكون الراوي ل يلق الراوي الذي نقل عنه و بسلمتها‬
‫من العلل الوهنة لا و تنتهي بالتفاوت إل طرفي فحكم بقبول العلى و رد السفل‪ .‬و يتلف ف التوسط بسب النقول عن أئمة الشأن‪ .‬و‬
‫لم ف ذلك‪ ،‬ألفاظ اصطلحوا على وضعها لذه الراتب الرتبة‪ .‬مثل الصحيح و السن و الضعيف و الرسل و النقطع و العضل و الشاذ و‬
‫الغريب‪ ،‬و غي ذلك من ألقابه التداولة بينهم‪ .‬و بوبوا على كل واحد منها و نقلوا ما فيه من اللف لئمة اللسان أو الوفاق‪ .‬ث النظر ف‬
‫كيفية أخذ الرواية بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة و تفاوت رتبها و ما للعلماء ف ذلك من اللف بالقبول و الرد‪ .‬ث‬
‫اتبعوا ذلك بكلم ف ألفاظ تقع ف متون الديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو متلف و ما يناسب ذلك‪ .‬هذا معظم‬
‫ما ينظر فيه أهل الديث و غالبه و كانت أحوال نقلة الديث ف عصور السلف من الصحابة و التابعي معروفة عند أهل بلده فمنهم‬
‫بالجاز و منهم بالبصرة و الكوفة من العراق و منهم بالشام و مصر و الميع معروفون مشهورون ف أعصارهم و كانت طريقة أهل‬
‫الجاز ف أعصارهم ف السانيد أعلى من سواهم و امت ف الصحة لستبدادهم ف شروط النقل من العدالة و الضبط و تافيهم عن قبول‬
‫الجهول الال ف ذلك و سند الطريقة الجازية بعد السلف المام مالك عال الدينة رضي ال تعال عنه ث أصحابه مثل المام ممد بن‬
‫إدريس الشافعي رضي ال تعال عنه‪ ،‬و ابن وهب و ابن بكي و القصنب و ممد بن السن و من بعدهم المام أحد بن حنبل و ف آخرين‬
‫من أمثا لم‪ .‬و كان علم الشريعة ف مبدإ هذا المر نقلً صرفا شر لا السلف و تروا الصحيح حت أكملوها‪ .‬و كتب مالك رحه ال‬
‫كتاب الوطأ أودعه أصول الحكام من الصحيح التفق عليه و رتبه على أبواب الفقه‪ .‬ث عن الافظ بعرفة طرق الحاديث و أسانيدها‬
‫الختلفة‪ .‬و ربا يقع إسناد الديث من طرق متعددة عن رواة متلفي و قد يقع الديث أيضا ف أبواب متعددة باختلف العان الت اشتمل‬
‫عليها‪ .‬و جاء ممد بن إساعيل البخاري إمام الحدثي ف عصره فخرج أحاديث السنة على أبوابا ف مسنده الصحيح بميع الطرق الت‬
‫للحجازيي و العراقيي و الشاميي‪ .‬و اعتمد منها ما أجعوا عليه دون ما اختلفوا فيه و كرر الحاديث يسوقها ف كل باب بعن ذلك الباب‬
‫الذي تضمنه الديث فتكررت لذلك أحاديثه حت يقال‪ :‬إنه اشتمل على تسعة آلف حديث و مائتي‪ .‬منها ثلثة آلف متكررة و فرق‬
‫الطرق و السانيد عليها متلفة ف كل باب‪ .‬ث جاء المام مسلم بن الجاج القشيي رحه ال تعال فألف مسنده الصحيح‪ .‬حذا فيه حذو‬
‫البخاري‪ .‬ف نقل الجمع عليه و حذف التكرر منها و جع الطرق و السانيد و بوبه على أبواب الفقه و تراجه‪ .‬و مع ذلك فلم يستوعبا‬
‫الصحيح كله‪ .‬و قد استدرك الناس عليهما ف ذلك‪ .‬ث كتب أبو داود السجستان و أبو عيسى الترمذي و أبو عبد الرحن النسائي ف السنن‬
‫بأوسع من الصحيح و قصدوا ما توفرت فيه شروط العمل إما من الرتبة العالية ف السانيد و هو الصحيح كما هو معرف و إما من الذي‬
‫دونه من السن و غيه ليكون ذلك إماما للسنة و العمل‪ .‬و هذه هي السانيد الشهورة ف اللة و هي أمهات كتب الديث ف السنة فإنا و‬
‫إن تعددت ترجع إل هذه ف الغلب‪ .‬و معرفة هذه الشروط و الصطلحات كلها هي علم الديث و ربا يفرد عنها الناسخ و النسوخ‬
‫فيجعل فنا برأسه و كذا الغريب‪ .‬و للناس فيه تآليف مشهورة ث الؤتلف و الختلف‪ .‬و قد ألف الناس ف علوم الديث و أكثروا‪ .‬و من‬
‫فحول علمائه و أئمتهم أبو عبد ال الاكم و تآليفه فيه مشهورة و هو الذي هذبه و أظهر ماسنه‪ .‬و أشهر كتاب للمتأخرين فيه كتاب أب‬
‫عمرو بن الصلح كان لعهد أوائل الائة السابعة و تله ميي الدين النووي بثل ذلك‪ .‬و الفن شريف ف مغزاه لنه معرفة ما يفظ به السنن‬
‫النقولة عن صاحب الشريعة‪ .‬و قد انقطع لذا العهد تريج شيء من الحاديث و استدراكها على التقدمي إذ العادة تشهد بأن هؤلء الئمة‬
‫على تعددهم و تلحق عصورهم و كفايتهم و اجتهادهم ل يكونوا ليغفلوا شيئا من السنة أو يتركوه حت يعثر عليه التأخر هذا بعيد عنهم و‬
‫إنا تنصرف العناية لذا العهد إل تصحيح المهات الكتوبة و ضبطها بالزواية عن مصنفيها و النظر ف أسانيدها إل مؤلفها و عرض ذلك‬
‫على ما تقرر ف علم الديث من الشروط و الحكام لتتصل السانيد مكمة إل منتهاها‪ .‬و ل يزيدوا ف ذلك على العناية بأكثر من هذه‬
‫المهات المس إل ف القليل‪ .‬فأما البخاري و هو أعلها رتبة فاستصعب الناس شرحه و استغلقوا منحاه من أجل ما يتاج إليه من معرفة‬
‫الطرق التعددة و رجالا من أهل الجاز و الشام و العراق و معرفة أحوالم و اختلف الناس فيهم‪ .‬و لذلك يتاج إل إمعان النظر ف التفقه‬
‫ف تراجه لنه يترجم الترجة و يورد فيها الديث بسند أو طريق ث يترجم أخرى و يورد فيها ذلك الديث بعينه لا تضمنه من العن الذي‬
‫ترجم به الباب‪ .‬و كذلك ف ترجة و ترجة إل أن يتكرر الديث ف أبواب كثية بسب معانيه و اختلفها و من شرحه و ل يستوف هذا‬
‫فيه فلم يوف حق الشرح كابن بطال و ابن الهلب و ابن التي و نوهم‪ .‬و لقد سعت كثيا من شيوخنا رحهم ال يقولون‪ :‬شرح كتاب‬
‫البخاري دين على المة يعنون أن أحدا من علماء المة ل يوف ما يب له من الشرح بذا العتبار‪ .‬و أما صحيح مسلم فكثرت عناية‬
‫علماء الغرب به و أكبوا عليه و أجعوا على تفصيله على كتاب البخاري من غي الصحيح ما ل يكن على شرطه و أكثر ما وقع له ف‬
‫التراجم‪ .‬و أملى المام الارزي من فقهاء الالكية عليه شرحا و ساه العلم بفوائد مسلم اشتمل على عيون من علم الديث و فنون من الفقه‬
‫ث أكمله القاضي عياض من بعده و تمه و ساه إكمال العلم و تلها ميي الدين النووي بشرع استوف ما ف الكتابي و زاد عليهما فجاء‬
‫شرحا وافيا‪ .‬و أما كتب السنن الخرى و فيها معظم مآخذ الفقهاء فأكثر شرحها ف كتب الفقه إل ما يتص بعلم الديث فكتب الناس‬
‫عليها و استوفوا من ذلك ما يتاج إليه من علم الديث و موضوعاتا و السانيد الت اشتملت على الحاديث العمول با من السنة‪ .‬و اعلم‬
‫أن الحاديث قد تيزت مراتبها لذا العهد بي صحيح و حسن و ضعيف و معلول و غيها تنلا أئمة الديث و جهابذته و عرفوها‪ .‬و ل‬
‫يغب طريق ف تصحيح ما يصح من قبل‪ .‬و لقد كان الئمة ف الديث يعرفون الحاديث بطرقها و أسانيدها بيث لو روي حديث بغي‬
‫سنده و طريقه يفطنون إل أنه قلب عن وضعه و لقد وقع مثل ذلك للمام ممد بن إساعيل البخاري حي ورد على بغداد و قصد الحدثون‬
‫امتحانه فسألوه عن أحاديث قبلوا أسانيدها فقال‪ :‬ل أعرف هذه و لكن حدثن فلن‪ .‬ث أتى بميع تلك الحاديث على الوضع الصحيح و‬
‫رد كل مت إل سنده و أقروا له بالمامة‪ .‬و اعلم أيضا أن الئمة الجتهدين تفاوتوا ف الكثار من هذه الصناعة و القلل فأبو حنيفة رضي‬
‫ال تعال عنه يقال بلغت روايته إل سنة عشر حديثا أو نوها و مالك رحه ال إنا صح عنده ما ف كتاب الوطأ و غايتها ثلثمائة حديثا أو‬
‫نوها‪ .‬و أحد بن حنبل رحه ال تعال ف مسنده خسون ألف حديث و لكل ما أداه إليه اجتهاده ف ذلك‪ .‬و قد تقول بعض البغضي‬
‫التعسفي إل أن منهم من كان قليل البضاعة ف الديث فلهذا قلت روايته‪ .‬و ل سبيل إل هذا العتقد ف كبار الئمة لن الشريعة إنا تؤخذ‬
‫من الكتاب و السنة‪ .‬و من كان قليل البضاعة من الديث فيتعي عليه طلبه و روايته و الد و التشمي ف ذلك ليأخذ الدين عن أصول‬
‫صحيحة و يتلقى الحكام عن صاحبها البلغ لا‪ .‬و إنا قلل منهم من قلل الرواية لجل الطاعن الت تعترضه فيها و العلل الت تعرض ف‬
‫طرقها سيما و الرح مقدم عند الكثر فيؤديه الجتهاد إل ترك الخذ با يعرض مثل ذلك فيه من الحاديث و طرق السانيد و يكثر ذلك‬
‫فتقل روايته لضعف ف الطرق‪ .‬هذا مع أن أهل الجاز أكثر رواية للحديث من أهل العراق لن الدينة دار الجرة و مأوى الصحابة و من‬
‫انتقل منهم إل العراق كان شغلهم بالهاد أكثر‪ .‬و المام أبو حنيفة إنا قلت روايته لا شدد ف شروط الرواية و التحمل و ضعف رواية‬
‫الديث اليقين إذا عارضها الفعل النفسي‪ .‬و قلت من أجلها رواية فقل حديثه‪ .‬لنه ترك رواية الديث متعمدا فحاشاه من ذلك‪ .‬و يدل‬
‫على أنه من كبار الجتهدين ف علم الديث اعتماد مذهبه بينهم و التعويل عليه و اعتباره ردا و قبولً‪ .‬و أما غيه من الحدثي و هم‬
‫المهور فتوسعوا ف الشروط و كثر حديثهم و الكل عن اجتهاد و قد توسع أصحابه من بعده ف الشروط و كثرت روايتهم‪ .‬و روى‬
‫الطحطاوي فأكثر و كتب مسنده و هو جليل القدر إل أنه ل يعدل الصحيحي لن الشروط الت اعتمدها البخاري و مسلم ف كتابيهما‬
‫ممع عليها بي المة كما قالوه‪ .‬و شروط الطحطاوي غي متفق عليها كالرواية عن الستور الال و غيه فلهذا قدم الصحيحان بل و كتب‬
‫السنن العروفة عليه لتأخر شروطه عن شروطهم‪ .‬و من أجل هذا قيل ف الصحيحي بالجاع على قبولما من جهة الجاع على صحة ما‬
‫فيهما من الشروط التفق عليها‪ .‬فل تأخذك ريبة ف ذلك فالقوم أحق الناس بالفن الميل بم و التماس الخارج الصحيحة لم‪ .‬و ال‬
‫سبحانه و تعال أعلم با ف حقائق المور‪.‬‬

‫الفصل السابع ف علم الفقه و ما يتبعه من الفرائض‬


‫الفقه معرفة أحكام ال تعال ف أفعال الكلفي بالوجوب و الذر و الندب و الكراهة و الباحة و هي متلقاة من الكتاب و السنة و ما نصبه‬
‫الشارع لعرفتها من الدلة فإذا استخرجت الحكام من تلك الدلة قيل لا فقه‪ .‬و كان السلف يستخرجونا من تلك الدلة على اختلف‬
‫فيما بينهم‪ .‬و ل بد من وقوعه ضرورة‪ .‬فإن الدلة غالبها من النصوص و هي بلغة العرب و ف اقتضاءات ألفاظها لكثي من معانيها و‬
‫خصوصا الحكام الشرعية اختلف بينهم معروف‪ .‬و أيضا فالسنة متلفة الطرق ف الثبوت و تتعارض ف الكثر أحكامها فتحتاج إل‬
‫الترجيح و هو متلف أيضا‪ .‬فالدلة من غي النصوص متلف فيها و أيضا فالوقائع التجددة ل توف با النصوص‪ .‬و ما كان منها غي ظاهر‬
‫ف النصوص فيحكم على النصوص لشابة بينهما و هذه كلها إشارات للخلف ضرورية الوقائع‪ .‬و من هنا وقع اللف بي السلف و‬
‫الئمة من بعدهم‪ .‬ث إن الصحابة كلهم ل يكونوا أهل فتيا و ل كان الدين يؤخذ عن جيعهم‪ .‬و إنا كان ذلك متصا بالاملي للقرآن‬
‫العارفي بناسخه و منسوخه و متشابه و مكمه و سائر دللته با تلقوه من النب صلى ال عليه و سلم أو من سعه منهم و من عليتهم‪ .‬و‬
‫كانوا يسمون لذلك القراء أي الذين يقرأون الكتاب لن العرب كانوا أمة أمية‪ .‬فاختص من كان منهم قارئا للكتاب بذا السم لغرابته‬
‫يومئذ‪ .‬و بقي المر كذلك صدر اللة‪ .‬ث عظمت أمصار السلم و ذهبت المية من العرب بمارسة الكتاب و تكن الستنباط و كمل‬
‫الفقه و أصبح صناعة و علما فبدلوا باسم الفقهاء و العلماء من القراء‪ .‬و انقسم الفقه فيهم إل طريقتي‪ :‬طريقة أهل الرأي و القياس و هم‬
‫أهل العراق و طريقة أهل الديث و هم أهل الجاز‪ .‬و كان الديث قليلً ف أهل العراق لا قدمناه فاستكثروا من القياس و مهروا فيه‬
‫فلذلك قيل أهل الرأي‪ .‬و مقدم جاعتهم الذي استقر الذهب فيه و ف أصحابه أبو حنيفة و إمام أهل الجاز مالك بن أنس و الشافعي من‬
‫بعده‪ .‬ث أنكر القياس طائفة من العلماء و أبطلوا العمل به و هم الظاهرية‪ .‬و جعلوا الدارك كلها منحصرة ف النصوص و الجاع و ردوا‬
‫القياس اللي و العلة النصوصة إل النص‪ ،‬لن النص على العلة نص على الكيم ف جيع مالا‪ .‬و كان إمام هذا الذهب داود بن علي و ابنه‬
‫و أصحابما‪ .‬و كانت هذه الذاهب الثلثة هي مذاهب المهور الشتهرة بي المة‪ .‬و شذ أهل البيت بذاهب ابتدعوها و فقه انفردوا به و‬
‫بنوه على مذهبهم ف تناول بعض الصحابة بالقدح‪ ،‬و على قولم بعصمة الئمة و رفع اللف عن أقوالم و هي كلها أصول واهية و شذ‬
‫بثل ذلك الوارج و ل يتفل المهور بذاهبهم بل أوسعها جانب النكار و القدح‪ .‬فل نعرف شيئا من مذاهبهم و ل نروي كتبهم و ل‬
‫أثر بشيء منها إل ف مواطنهم‪ .‬فكتب الشيعة ف بلدهم و حيث كانت دولتهم قائمة ف الغرب و الشرق و اليمن و الوارج كذلك‪ .‬و‬
‫لكل منهم كتب و تآليف و آراء ف الفقه غريبة‪ .‬ث درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته و إنكار المهور على منتحله و ل يبق إل‬
‫الكتب الجلدة و ربا يعكف كثي من الطالبي من تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها و مذهيهم فل يلو‬
‫بطائل و يصي إل مالفة المهور و إنكارهم عليه و ربا عد بذه النحلة من أهل البدع بنقله العلم من الكتب من غي مفتاح العلمي‪ .‬و قد‬
‫فعل ذلك ابن حزم بالندلس على علو رتبته ف حفظ الديث و صار إل مذهب أهل الظاهر و مهر فيه باجتهاد زعمه ف أقوالم‪ .‬و خالف‬
‫إمامهم داود و تعرض للكثي من الئمة السلمي فنقم الناس ذلك عليه و أوسعوا مذهبه استهجانا و إنكارا‪ ،‬و تلقوا كتبه بالغفال و الترك‬
‫حت إنا ليحصر بيعها بالسواق و ربا تزق ف بعض الحيان‪ .‬و ل يبق إل مذهب أهل الرأي من العراق و أهل الديث من الجاز‪ .‬فأما‬
‫أهل العراق فإمامهم الذي استقرت عنده مذاهبهم أبو حنيفة النعمان بن ثابت و مقامه ف الفقه ل يلحق شهد له بذلك أهل جلده و‬
‫خصوصا مالك و الشافعي‪ .‬و أما أهل الجاز فكال إمامهم مالك ابن أنس الصبحي إمام دار الجرة رحه ال تعال و اختص بزيادة مدرك‬
‫آخر للحكام غي الدارك العتبة عند غيه و هو عمل أهل الدينة لنه رأى أنم فيما ينفسون عليه من فعل أو ترك متابعون لن قبلهم‬
‫ضرورة لدينهم و اقتدائهم‪ .‬و هكذا إل البل الباشرين لفعل النب صلى ال عليه و سلم الخذين ذلك عنه و صار ذلك عنده من أصول‬
‫الدلة الشرعية‪ .‬و ظن كثي أن ذلك من مسائل الجاع فأنكره لن دليل الجاع ل يص أهل الدينة من سواهم بل هو شامل للمة‪ .‬و‬
‫اعلم أن الجاع إنا هو التفاق على المر الدين عن اجتهاد‪ .‬و مالك رحه ال تعال ل يعتي عمل أهل الدينة من هذا العن و إنا اعتبه‬
‫من حيث اتباع اليل بالشاهدة للجيل إل أن ينتهي إل الشارع صلوات ال و سلمه عليه‪ .‬و ضرورة اقتدائهم بعي ذلك يعم اللة ذكرت‬
‫ف باب الجاع و البواب با من حيث ما فيها من التفاق الامع بينها و بي الجاع‪ .‬إل أن اتفاق أهل الجاع عن نظر و اجتهاد ف‬
‫الدلة و اتفاق هؤلء ف فعل أو ترك مستندين إل مشاهدة من قبلهم‪ .‬و لو ذكرت السألة ف باب فعل النب صلى ال عليه و سلم و تقريره‬
‫أو مع الدلة الختلف فيها مثل مذهب الصحاب و شرع من قبلنا و الستصحاب لكان أليق با ث كان من بعد مالك بن أنس ممد بن‬
‫إدريس الطلب الشافعي رحهم اال تعال‪ .‬رحل إل العراق من بعد مالك و له أصحاب المام أب حنيفة و أخذ عنهم و مزج طريقة أهل‬
‫الجاز بطريقة أهل العراق و اختص بذهب‪ ،‬و خالف مالكا رحه ال تعال ف كثي من مذهبه‪ .‬و جاء من بعدها أحد بن حنبل رحه ال‪.‬‬
‫و كان من علية الحدثي و قرأ أصحابه على أصحاب المام أب حنيفة مع وفور بضاعتهم من الديث فاختصوا بذهب آخر‪ .‬و وقف‬
‫التقليد ف المصار عند هؤلء الربعة و درس القلدون لن سواهم‪ .‬و سد الناس باب اللف و طرقه لا كثر تشعب الصطلحات ف‬
‫العلوم‪ .‬و لا عاق عن الوصول إل رتبة الجتهاد و لا خشي من إسناد ذلك إل غي أهله و من ل يوثق برأيه و ل بدينه فصرحوا بالعجز و‬
‫العواز و ردوا الناس إل تقليد هؤلء كل من اختص به من القلدين‪ .‬و حظروا أن يتداول تقليدهم لا فيه من التلعب و ل يبق إل نقل‬
‫مذاهبهم‪ .‬و عمل كل فقلد بذهب من قلده منهم بعد تصحيح الصول و اتصال سندها بالرواية ل مصول اليوم للفقه غي هذا‪ .‬و مدعي‬
‫الجتهاد لذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده و قد صار أهل السلم اليوم على تقليد هؤلء الئمة الربعة‪ .‬فأما أحد بن حنبل‬
‫فمقلده قليل لبعد مذهبه عن الجتهاد و أصالته ف معاضدة الرواية و للخبار بعضها ببعض‪ .‬و أكثرهم بالشام و العراق من بغداد و نواحيها‬
‫ل بالستنباط إليه عن القياس ما أمكن‪ .‬و كان لم ببغداد صولة و كثرة حت كانوا‬ ‫و هم أكثر الناس حفظا للسنة و رواية الديث و مي ً‬
‫يتواقعون مع الشيعة ف نواحيها‪ .‬و عظمت الفتنة من أجل ذلك ث انقطع ذلك عند استيلء التتر عليها‪ .‬و ل يراجع و صارت كثرتم بالشام‪.‬‬
‫و أما أبو حنيفة فقلده اليوم أهل العراق و مسلمة الند و الصي و ما وراء النهر و بلد العجم كلها‪ ..‬و لا كان مذهبه أخص بالعراق و دار‬
‫السلم و كان تلميذه صحابة اللفاء من بن العباس فكثرت تآليفه و مناظراتم مع الشافعية و حسنت مباحثهم ف اللفيات‪ .‬و جاءوا منها‬
‫بعلم مستظرف و أنظار غريبة و هب بي أيدي الناس‪ .‬و بالغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي بن العرب و أبو الوليد الباجي ف‬
‫رحلتهما‪ .‬و أما الشافعي فمقلدوه بصر أكثر ما سواها و قد كان انتشر مذهبه بالعراق و خراسان و ما وراء النهر و قاسوا النفية ف‬
‫الفتوى و التدريس ف جيع المصار‪ .‬و عظمت مالس الناظرات بينهم و شحنت كتب اللفيات بأنواع استدللتم‪ .‬ث درس ذلك كله‬
‫بدروس الشرق و أقطاره‪ .‬و كان المام ممد بن إدريس الشافعي لا نزل على بن عبد الكم بصر أخذ عنه جاعة منهم‪ .‬و كان من‬
‫تلميذه با‪ :‬البويطي و الزن و غيهم‪ ،‬و كان با من الالكية جاعة من بن عبد الكم و أشهب و ابن القاسم و ابن الواز و غيهم ث‬
‫الارس بن مسكي و بنوه ث القاضي أبو إسحق بن شعبان و أو لده‪ .‬ث انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة و تداول با‬
‫فقه أهل البيت و تلشى من سواهم و ارتل إليها القاضي عبد الوهاب من بغداد‪ .‬آخر الائة الرابعة على ما أعلم‪ ،‬من الاجة و التقليب ف‬
‫العاش‪ .‬فتأذن خلفاء العبيديي بإكرامه‪ ،‬و إظهار فضله نعيا على بن العباس ف إطراح مثل هذا المام‪ ،‬و الغتباط به‪ .‬فنفقت سوق الالكية‬
‫بصر قليلً‪ ،‬إل أن ذهبت دولة العبيديي من الرافضة على يد صلح الدين يوسف بن أيوب فذهب منها فقه أهل البيت و عاد فقه الماعة‬
‫إل الظهور بينهم و رجع إليهم فقه الشافعي و أصحابه من أهل العراق و الشام فعاد إل أحسن ما كان و نفقت سوقه و اشتهر منهم ميي‬
‫الدين النووي من اللبة الت ربيت ف ظل الدولة اليوبية بالشام و عز الدين بن عبد السلم أيضا‪ .‬ث ابن الرقعة بصر و تقي الدين بن دقيق‬
‫العيد ث تقي الدين السبكي بعدها إل أن انتهى ذلك إل شيخ السلم بصر لذا العهد و هو سراج الدين البلقين فهو اليوم أكب الشافعية‬
‫بصر كبي العلماء بل أكب العلماء من أهل العصر‪ .‬و أما مالك رحه ال تعال فاختص بذهبه أهل الغرب و الندلس‪ .‬و إن كان يوجد ف‬
‫غيهم إل أنم ل يقلدوا غيه إل ف القليل لا أن رحلتهم كانت غالبا إل الجاز و هو منتهى سفرهم‪ .‬و الدينة يومئذ دار العلم و منها‬
‫خرج إل العراق و ل يكن العراق ف طريقهم فاقتصروا عن الخذ عن علماء الدينة‪ .‬و شيخهم يومئذ و إمامهم مالك و شيوخه من قبله و‬
‫تلميذه من بعده‪ .‬فرجع إليه أهل الغرب و الندلس و قلدوه دون غي من ل تصل إليهم طريقته‪ .‬و أيضا فالبداوة كانت غالبة على أهل‬
‫الغرب و الندلس و ل يكونوا يعانون الضارة الت لهل العراق فكانوا إل أهل الجاز أميل لناسبة البداوة‪ ،‬و لذا ل يزل الذهب الالكي‬
‫غضا عندهم‪ ،‬و ل يأخذه تنقيح الضارة و تذيبها كما وقع ف غيه من الذاهب‪ .‬و لا صار مذهب كل إمام علما مصوصا عند أهل‬
‫مذهبه و ل يكن لم سبيل إل الجتهاد و القياس فاحتاجوا إل تنظي السائل ف اللاق و تفريقها عند الشتباه بعد الستناد إل الصول‬
‫القررة من مذاهب إمامهم‪ .‬و صار ذلك كله يتاج إل ملكة راسخة يقتدر با على ذلك النوع من التنظي أو التفرقة و اتباع مذهب إمامهم‬
‫فيهما ما استطاعوا‪ .‬و هذه اللكة هي علم الفقه لذا العهد‪ .‬و أهل الغرب جيعا مقلدون لالك رحه ال‪ .‬و قد كان تلميذه افترقوا بصر و‬
‫العراق‪ .‬فكان بالعراق منهم القاضي إساعيل و طبقته مثل ابن خويز منداد و ابن اللبان و القاضي و أب بكر البري و القاضي أب حسي بن‬
‫القصار و القاضي عبد الوهاب و من بعدهم‪ .‬و كان بصر ابن القاسم و أشهب و ابن عبد الكم و الارث بن مسكي و طبقتهم و رحل‬
‫من الندلس يي بن يي الليثي‪ ،‬و لقي مالكا‪ .‬و روى عنه كتاب الوطأ‪ ،‬و كان من جلة أصحابه‪ .‬و رحل بعده عبد اللك بن حبيب‬
‫فأخذ عن ابن القاسم و طبقته و بث مذهب مالك ف الندلس و دون فيه كتاب الواضحة‪ .‬ث دون العتب من تلمذته كتاب العتبية‪ .‬و رحل‬
‫من أفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصحاب أب حنيفة أولً‪ .‬ث انتقل إل مذهب مالك‪ .‬و كتب على ابن القاسم ف سائر أبواب الفقه و‬
‫جاء إل القيوان بكتابه و سي السدية نسبة إل أسد بن الفرات‪ ،‬فقرأ با سحنون على أسد ث ارتل إل الشرق و لقي ابن القاسم و أخذ‬
‫عنه و عارضه بسائل السدية فرجع عن كثي منها‪ .‬و كتب سحنون مسائلها و دونا و أثبت ما رجع عنه منها و كتب لسد و أن يأخذ‬
‫بكتاب سحنون فأنف من ذلك فترك الناس كتابه و اتبعوا مدونة سحنون على ما كان فيها من اختلط السائل ف البواب فكانت تسمى‬
‫الدونة و الختلطة‪ .‬و عكف أهل القيوان على هذه الدونة و أهل الندلس على الواضحة و العتبية‪ .‬ث اختصر ابن أب زيد الدونة و‬
‫الختلطة ف كتابه السمى بالختصر و لصه أيضا أبو سعيد البادعي من فقهاء القيوان ف كتابه السمى بالتهذيب و اعتمده الشيخة من‬
‫أهل أفريقية و أخذوا به و تركوا ما سواه‪ .‬و كذلك اعتمد أهل الندلس كتاب العتبية و هجروا الواضحة و ما سواها‪ .‬و ل تزل علماء‬
‫الذهب يتعاهدون هذه المهات بالشرح و اليضاح و المع فكتب أهل أفريقية على الدونة ما شاء ال أن يكتبوا مثل ابن يونس و اللخمي‬
‫و ابن مرز التونسي و ابن بشي و أمثالم‪ .‬و كتب أهل الندلس على العتبية ما شاء ال أن يكتبوا مثل ابن رشد و أمثاله‪ .‬و جع ابن أ ب‬
‫زيد جيع ما ف المهات من السائل و اللف و القوال ف كتاب النوادر فاشتمل على جيع أقوال الذاهب و فرع المهات كلها ف هذا‬
‫الكتاب و نقل ابن يونس معظمه ف كتابه على الدونة و زخرت بار الذهب الالكي ف الفقي إل انقراض دولة قرطبة و القيوان‪ .‬ث‬
‫تسك بما أهل الغرب بعد ذلك إل أن جاء كتاب أب عمرو بن الاجب لص فيه طرق أهل الذهب ف كل باب و تعديد أقوالم ف كل‬
‫مسئلة فجاء كالبنامج للمذهب‪ .‬و كانت الطريقة الالكية بقيت ف مصر من لدن الارث بن مسكي و ابن البشر و ابن اللهيث و ابن‬
‫الرشيق و ابن شاس‪ .‬و كانت بالسكندرية ف بن عوف و بن سند و ابن عطاء ال‪ .‬و ل أدر عمن أخذها أبو عمرو بن الاجب لكنه جاء‬
‫بعد انقراض دولة العبيديي و ذهاب فقه أهل البيت و ظهور فقهاء السنة من الشافعية و الالكية و لا جاء كتابه إل الغرب آخر الائة السابعة‬
‫عكف عليه الكثي من طلبة الغرب و خصوصا أهل باية لا كان كبي مشيختهم أبو علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إل الغرب‪.‬‬
‫فإنه كان قرأ على أصحابه بصر و نسخ متصره ذلك فجاء به و انتشر بقطر باية ف تلميذه‪ ،‬و منهم انتقل إل سائر المصار الغربية و طلبة‬
‫الفقه بالغرب لذا العهد يتداولون قراءته و يتدارسونه لا يؤثر عن الشيخ ناصر الدين من الترغيب فيه‪ .‬و قد شرحه جاعة من شيوخهم‪:‬‬
‫كابن عبد السلم و ابن رشد و أب هارون و كلهم من مشيخة أهل تونس و سابق حلبتهم ف الجادة ف ذلك ابن عبد السلم و هم مع‬
‫ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب ف دروسهم‪ .‬و ال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثامن ف علم الفرائض‬


‫و هو معرفة فروض الوراثة و تصحيح سهام الفريضة ما تصح‪ ،‬باعتباره فروضها الصول أو مناسختها‪ .‬و ذلك إذا هلك أحد الورثة و‬
‫انكسرت سهامه على فروض ورثته فإنه حينئذ يتاج إل حسب تصحيح الفريضة الول حت يصل أهل الفروض جيعا ف الفريضتي إل‬
‫فروضهم من غي تزئة‪ .‬و قد تكون هذه الناسخات أكثر من واحد و اثني و تتعدد لذلك بعدد أكثر‪ .‬و يقدر ما تتاج إل السبان و‬
‫كذلك إذا كانت فريضة ذات وجهي مثل أن يقر بعض الورثة بوارث و ينكره الخر فتصحح على الوجهي حينئذ‪ .‬و ينظر مبلغ السهام ث‬
‫تقسم التركة على نسب سهام الورثة من أصل الفريضة‪ .‬و كل ذلك يتاج إل السبان و كان غالبا فيه و جعلوه فنا مفردا‪ .‬و للناس فيه‬
‫تآليف كثية أشهرها عند الالكية من متأخري الندلس كتاب ابن ثابت و متصر القاضي أب القاسم الوف ث العدي و من متأخري‬
‫أفريقية ابن النمر الطرابلسي و أمثالم‪ .‬و أما الشافعية و النفية و النابلة فلهم فيه تآليف كثية و أعمال عظيمة صعبة شاهدة لم باتساع‬
‫الباع ف الفقه و الساب و خصوصا أبا العال رضي ال تعال عنه و أمثاله من أهل الذاهب و هو فن شريف لمعه بي العقول و النقول‬
‫و الوصول به إل القوق ف الوراثات بوجوه صحيحة يقينية عندما تهل الظوظ و تشكل على القاسي‪ .‬و للعلماء من أهل المصار با‬
‫عناية‪ .‬و من الصنفي من يتاج فيها إل الغلو ف الساب و فرض السائل الت تتاج إل استخراج الجهولت من فنون الساب كالب و‬
‫القابلة و التصرف ف الذور و أمثال ذلك فيملون با تآليفهم‪ .‬و هو و إن ل يكن متداولً بي الناس و ل يفيد فيما يتداولونه من وراثتهم‬
‫لغرابته و قلة وقوعه فهو يفيد الران و تصيل اللكة ف التداول على أكمل الوجوه‪ .‬و قد يتج الكثر من أهل هذا الفن على فضله بالديث‬
‫النقول عن أب هريرة رضي ال عنه أن الفرائض ثلث العلم و أنا أول ما ينسى و ف رواية نصف العلم خرجه أبو نعيم الافظ و احتج به‬
‫أهل الفرائض بناء على أن الراد بالفرائض فروض الوراثة‪ .‬و الذي يظهر أن هذا الحل بعيد و أن الراد بالفرائض إنا هي الفرائض التكليفية‬
‫ف العبادات و العادات و الواريث و غيها و بذا العن يصح فيها النصفية و الثلثية‪ .‬و إما فروض الوراثة فهي أقل من ذلك كله بالنسبة إل‬
‫علم الشريعة كلها يعن هذا الراد أن حل لفظ الفرائض على هذا الفن الخصوص أو تصيصه بفروض الوراثة إنا هو اصطلح ناشئ‬
‫للفقهاء عند حدوث الفنون و الصطلحات‪ .‬و لا يكن صدر السلم يطلق على هذا إل على علومه مشتقا من الفرض الذي هو لغة التقدير‬
‫أو القطع‪ .‬و ما كان الراد به ف إطلقه إل جيع الفروض كما قلناه و هي حقيقته الشرعية فل ينبغي‪ .‬أن يمل إل على ما كان يمل ف‬
‫عصرهم فهو أليق برادهم منه‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل التاسع ف أصول الفقه و ما يتعلق به من الدل و اللفيات‬


‫إعلم أن أصول الفقه من أعظم العلوم الشرعية و أجلها قدرا و أكثرها فائدة و هو النظر ف الدلة الشرعية من حيث تؤخذ منها الحكام و‬
‫التآليف‪ .‬و أصول الدلة الشرعية هي الكتاب الذي هو القرآن ث السنة البينة له‪ .‬فعلى عهد النب صلى ال عليه و سلم كانت الحكام تتلقى‬
‫منه با يوحى إليه من القرآن و بينه بقوله و فعله بطاب شفاهي ل يتاج إل نقل و ل إل نظر و قياس‪ .‬و من بعده صلوات ال و سلمه‬
‫عليه تعذر الطاب الشفاهي و انفظ القرآن بالتواتر‪ .‬و أما السنة فأجع الصحابة رضوان ال تعال عليهم على وجوب العمل با يصل إلينا‬
‫منها قولً أو فعلً بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه‪ .‬و تعينت دللة الشرع ف الكتاب و السنة بذا العتبار ث ينل الجاع‬
‫منلتهما لجاع الصحابة على النكي على مالفيهم‪ .‬و ل يكون ذلك إل عن مستند لن مثلهم ل يتفقون من غي دليل ثابت مع شهادة‬
‫ل ثابتا ف الشرعيات‪ .‬ث نظرنا ف طرق استدلل الصحابة و السلف بالكتاب و السنة فإذا هم‬‫الدلة بعصمة الماعة فصار الجاع دلي ً‬
‫يقيسون الشباه بالشباه منهما‪ .‬و يناظرون المثال بالمثال بإجاع منهم و تسليم بعضهم لبعض ف ذلك‪ .‬فإن كثيا من الواقعات بعده‬
‫صلوات ال و سلمه عليه ل تندرج ف النصوص الثابتة فقاسوها با ثبت و ألقوها با نص عليه بشروط ف ذلك اللاق‪ .‬تصحح تلك‬
‫ل شرعيا بإجاعهم عليه‪ .‬و هو القياس‬ ‫الساواة بي الشبيهي أو الثلي‪ .‬حت يغلب على الظن أن حكم ال تعال فيهما واحد و صار ذلك دلي ً‬
‫و هو رابع الدلة و اتفق جهور العلماء على أن هذه هي أصول الدلة و إن خالف بعضهم ف الجاع و القياس إل أنه شذوذ ف و ألق‬
‫بعضهم بذه الدلة الربعة أدلة أخرى ل حاجة بنا إل ذكرها‪ .‬لضعف مداركها و شذوذ القول فيها‪ .‬فكان من أول مباحث هذا الفن النظر‬
‫ف كون هذه أدلة‪ .‬فأما الكتاب فدليله العجزة القاطعة ف متنه و التواتر ف نقله‪ .‬فلم يبق فيه مال للحتمال و أما السنة و ما نقل إلينا منها‬
‫فالجاع على وجوب العمل با يصح منها كما قلناه‪ .‬معتضدا با كان عليه العمل ف حياته صلوات ال و سلمه عليه من إنفاذ الكتب و‬
‫الرسل إل النواحي بالحكام و الشرائع آمرا و ناهيا‪ .‬و أما الجاع فلتفاقهم رضوان ال تعال عليهم على إنكار مالفتهم مع العصمة‬
‫الثابتة للمة و أما القياس فبإجاع الصحابة رضي ال عنهم عليه كما قدمناه‪ .‬هذه أصول الدلة ث إن النقول من السنة متاج إل تصحيح‬
‫الب بالنظر ف طرق النقل و عدالة الناقلي لتتميز الالة الحصلة للظن بصدقه الذي هو مناط وجوب العمل بالي‪ .‬و هذه أيضا من قواعد‬
‫الفن‪ .‬و يلحق بذلك عند التعارض بي البين و طلب التقدم منهما معرفة الناسخ و النسوخ و هي من فصوله أيضا و أبوابه‪ .‬ث بعد ذلك‬
‫يتعي النظر ف دللة اللفاظ و ذلك أن استفادة العان على الطلق من تراكيب الكلم على الطلق يتوقف على معرفة الدللت الوضعية‬
‫مفردة و مركبة‪ .‬و القواني اللسانية ف ذلك هي علوم النحو و التصريف و البيان و حي كان الكلم ملكة لهله ل تكن هذه علوما و ل‬
‫قواني و ل يكن الفقه حينئذ يتاج إليها لنا جبلة و ملكة‪ .‬فلما فسدت اللكة ف لسان العرب قيدها الهابذة التجردون لذلك بنقل‬
‫صحيح و مقاييس مستنبطة صحيحة و صارت علوما يتاج إليها الفقيه ف معرفة أحكام ال تعال‪ .‬ث إن هناك استفادات أخرى خاصة من‬
‫تراكيب الكلم و هي استفادة الحكام الشرعية بي العان من أدلتها الاصة من تراكيب الكلم و هو الفقه‪ .‬و ل يكفي فيه معرفة الدللت‬
‫الوضعية على الطلق بل ل بد من معرفة أمور أخرى تتوقف عليها تلك الدللت الاصة و با تستفاد الحكام بسب ما أصل أهل‬
‫الشرع و جهابذة العلم من ذلك و جعلوه قواني لذه الستفادة‪ .‬مثل أن اللغة ل تثبت قياسا و الشترك ل يراد به معناه معا و الواو ل‬
‫تقتضي الترتيب و العام إذا أخرجت أفراد الاص منة هل يبقى حجة فيما عداها و المر للوجوب أو الندب و للفور أو التراخي و النهي‬
‫يقتضي الفساد أو الصحة و الطلق هل يمل على القيد و النص على العلة كاف ف التعدد أم ل و أمثال هذه‪ .‬فكانت كلها من قواعد هذا‬
‫الفن‪ .‬و لكونا من مباحث الدللة كانت لغوية‪ .‬ث إن النظر ف القياس من أعظم قواعد هذا الفن لن فيه تقيق الصل و الفرع فيما يقاس و‬
‫ياثل من الحكام و ينفتح الوصف الذي يغلب على الظن أن الكم علق به ف الصل من تبي أوصاف ذلك الحل أو وجود ذلك الوصف‬
‫ف الفرع من غي معارض ينع من ترتيب الكم عليه ف مسائل أخرى من توابع ذلك كلها قواعد لذا الفن‪ .‬و اعلم أن هذا الفن من الفنون‬
‫الستحدثة ف اللة و كان السلف ف غنية عنه با أن استفادة العان من اللفاظ ل يتاج فيها إل أزيد ما عندهم من اللكة اللسانية‪ .‬و أما‬
‫القواني الت يتاج إليها ف استفادة الحكام خصوصا فمنهم أخذ معظمها‪ .‬و أما السانيد فلم يكونوا يتاجون إل النظر فيها لقرب العصر‬
‫ومارسة النقلة و خبتم بم‪ .‬فلما انقرض السلف و ذهب الصدر الول و انقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل احتاج الفقهاء و‬
‫الجتهدون إل تصيل هذه القواني و القواعد لستفادة الحكام من الدلة فكتبوها فنا قائما برأسه سوه أصول الفقه‪ .‬و كان أول من كتب‬
‫فيه الشافعي رضي ال تعال عنه‪ .‬أملى فيه رسالته الشهورة تكلم فيها ف الوامر والنواهي و البيان و الب و النسخ و حكم العلة النصوصة‬
‫من القياس‪ .‬ث كتب فقهاء النفية فيه و حققوا تلك القواعد و أوسعوا القول فيها‪ .‬و كتب التكلمون أيضا كذلك إل أن كتابة الفقهاء فيها‬
‫أمس بالفقه و أليق بالفروع لكثرة المثلة منها و الشواهد و بناء السائل فيها على النكت الفقهية‪ .‬و التكلمون يردون صور تلك السائل‬
‫عن الفقه و ييلون إل الستدلل العقلي ما أمكن لنه غالب فنونم و مقتضى طريقتهم فكان لفقهاء النفية فيها اليد الطول من الغوص‬
‫على النكت الفقهية و التقاط هذه القواني من مسائل الفقه ما أمكن‪ .‬و جاء أبو زيد الدبوسي من أئمتهم فكتب ف القياس بأوسع من‬
‫جيعهم و تم الباث و الشروط الت يتاج إليها فيه و كملت صناعة أصول الفقه بكماله و تذبت مسائله وتهدت قواعده و عن الناس‬
‫بطريقة التكلمي فيه‪ .‬و كان من أحسن ما كتب فيه التكلمون كتابه البهان لمام الرمي و الستصفى للغزال و ها من الشعرية و كتاب‬
‫العهد لعبد البار و شرحه العتمد لب السي البصري وها من العتزلة‪ .‬و كانت الربعة قواعد هذا الفن و أركانه‪ .‬ث لص هذه الكتب‬
‫الربعة فحلن من التكلمي التأخرين و ها المام فخز الدين بن الطيب ف كتاب الحصول و سيف الدين المدي ف كتاب الحكام‪ .‬و‬
‫اختلفت طرائقهما ف الفن بي التحقيق و الجاج‪ .‬فابن الطيب أميل إل الستكثار من الدلة والحتجاج و المدي مولع بتحقيق الذاهب‬
‫و تفريع السائل‪ .‬و أما كتاب الحصول فاختصره تلميذ المام سراج الدين الرموي ف كتاب التحصيل و تاج الدين الرموي ف كتاب‬
‫الاصل و اقتطف شهاب الدين القراف منهما فقدمات و قواعد ف كتاب صغي ساه التنقيحات‪ .‬و كذلك فعل البيضاوي ف كتاب النهاج‪.‬‬
‫و عن البتدئون يهذين الكتابي و شرحهما كثي من الناس‪ .‬و أما كتاب الحكام للمدي و هو أكثر تقيقا ف السائل فلخصة أبو عمر بن‬
‫الاجب ف كتاب العروف بالختصر الكبي‪ .‬ث أختصره ف كتاب آخر تداوله طلبة العلم و عن أهل الشرق و الغرب به و بطالعته و شرحه‬
‫و حصلت زبدة طريقة التكلمي ف هذا الفن ف هذه الختصرات‪ .‬و أما طريقة النفية فكتبوا فيها كثيا و كان من أحسن كتابة فيها‪.‬‬
‫للمتقدمي تأليف أب زيد الدبوسي و أحسن كتابة التأخرين فيها تأليف سيف السلم البزدوي من أئمتهم و هو مستوعب و جاء ابن‬
‫الساعات من فقهاء النفية فجمع بي كتاب الحكام و كتاب البزدون ف الطريقتي و سي كتابه بالبدائع فجاء من أحسن الوضاع و‬
‫أبدعها و أئمة العلماء لذا العهد يتداولونه قراءة و بثا‪ .‬و أولع كثي من علماء العجم بشرحه‪ .‬و الال على ذلك لذا العهد‪ .‬هذه حقيقة‬
‫هذا الفن و تعيي موضوعاته و تعديد التأليف الشهورة لذا العهد فيه‪ .‬و ال ينفعنا بالعلم و يعلنا من أهله بنه و كرمه إنه على كل شيء‬
‫قدير‪.‬‬
‫و أما اللفات فاعلم أن هذا الفقة الستنبط من الدلة الشرعية كثر فيه اللف بي الجتهدين ياختلف مداركهم و أنظارهم خلفا ل بد‬
‫من وقوعه لا قدمناه‪ .‬و اتسع ذلك ف اللة اتساعا غظيما و كان للمقلدين أن يقلدوا من شاؤوا منهم ث لا انتهى ذلك إل الئمة الربعة من‬
‫علماء المصار و كانوا بكان من حسن الظن بم اقتصر الناس على تقليدهم و منعوا من تقليد سواهم لذهاب الجتهاد لصعوبته و تشعب‬
‫العلوم الت هي موادة باتصال الزمان و افتقاد من يقوم على سوى هذه الذاهب الربعة‪ .‬فاقيمت هذه الذاهب الربعة أصول اللة و أجري‬
‫اللف بي التمسكي با و الخذين بأحكامها مرى اللف ف النصوص الشرعية و الصول الفقهية‪ .‬و جرت بينهم الناظرات ف‬
‫تصحيح كل منهم مذهب إمامه تري على أصول صحيحة و طرائق قوية يتج با كل على صحة مذهبه الذي قلده و تسك به و أجريت‬
‫ف مسائل الشريعة كلها و ف كل باب من أبواب الفقه فتارة يكون اللف بي الشافعي و مالك و أبو حنيفة يوافق أحدها و تارة بي‬
‫مالك و أب حنيفة و الشافعي يوافق أحدها و تارة بي الشافعي و أب حنيفة و مالك يوافق أحدها و كان ف هذه الناظرات بيان مآخذ‬
‫هؤلء الئمة و مثارات اختلفهم و مواقع اجتهادهم‪ .‬كان هذا الصنف من العلم يسمى باللفيات‪ .‬و لبد لصاحبه من معرفة القواعد الت‬
‫يتوصل با إل استنباط الحكام كما يتاج إليها الجتهد إل أن الجتهد يتاج إليها للستنباط و صاحب اللفيات يتاج إليها لفظ تلك‬
‫السائل الستنبطة من أن يهدمها الخالف بأدلته‪ .‬و هو لعمري علم جليل الفائدة ف معرفة مآخذ الئمة و أدلتهم و مران الطالعي له على‬
‫الستدلل فيما يرومون الستدلل عليه‪ .‬وتآليف النفية و الشافعية فيه أكثر من تآليف الالكية لن القياس عند النفية أصل للكثي من‬
‫فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النظر و البحث‪ .‬و أما الالكية فالثر أكثر معتمدهم و ليسوا بأهل نظر و أ يضا فأكثرهم أهل‬
‫الغرب و هم بادية غفل من الصنائع إل ف القل‪ .‬و للغزال رحه ال تعال فيه كتاب الآخذ و لب بكر العرب من الالكية كتاب التلخيص‬
‫جلبه من الشرق‪ .‬و لب زيد الدبوسي كتاب التعليقة و لبن القصار من شيوخ الالكية عيون الدلة و قد جع ابن الساعات ف متصره ف‬
‫أصول الفقه جيع ما ينبن عليها من الفقه اللف مدرجا‪ ،‬ف كل مسألة ما ينبن عليها من اللفيات‪.‬‬
‫و أما الدال و هو معرفة آداب الناظرة الت تري بي أهل الذاهب الفقهية و غيهم فإنة لا كان باب الناظرة ف الرد و القبول متسعا و‬
‫كل واحد من التناظرين ف الستدلل و الواب يرسل عنانة ف الحتجاج‪ .‬و منة ما يكون صوابا و منة ما يكون خطأ فاحتاج الئمة إل‬
‫أن يضعوا آدابا و أحكاما يقف التناظران عند حدودها ف الرد و القبول و كيف يكون حال الستدل و الجيب و حيث يسوغ له أن يكون‬
‫فستدل و كيف يكون مصوصا فنقطعا و مل اعتراضه أو معارضته و أين يب عليه السكوت و لصمه الكلم و الستدلل‪ .‬و لذلك قيل‬
‫فيه إنه معرفة بالقواعد من الدود و الداب ف الستدلل الت يتوصل با إل حفظ رأي و هدمه سواء كان ذلك الرأي من الفقه أو غيه‪ .‬و‬
‫هي طريقتان طريقة البزدوي و هي خاصة بالدلة الشرعية من النص و الجاع و الستدلل و طريقة العميدي و هي عامة ف كل دليل‬
‫يستدل به من أي علم كان و أكثره استدلل‪ .‬و هو من الناحي السنة و الغالطات فيه ف نفس المر كثية‪ .‬و إذا اعتبنا النظر النطقي‬
‫كان ف الغالب أشبه بالقياس الغالطي و السوفسطائي‪ .‬إل أن صور الدلة و القيسة فيه مفوظة مراعاة يتحرى فيها طرق الستدلل كما‬
‫ينبغي‪ .‬و هذا العميدي هو أول من كتب فيها و نسبت الطريقة إليه‪ .‬وضع الكتاب السمى يالرشاد متصرا و تبعه من بعده من التأخرين‬
‫كالنسفي و غيه جاؤوا على أثره و سلكوا مسلكه و كثرت ف الطريقة التآليف‪ .‬و هي لذا العهد مهجورة لنقص العلم و التعليم ف‬
‫المصار السلمية‪ .‬و هي مع ذلك كمالية و ليست ضرورية و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬ف علم الكلم‬
‫هو علم يتضمن الجاج عن العقائد اليانية بالدلة العقلية و الرد على البتدعة النحرفي ف العتقادات عن مذاهب السلف و أهل السنة‪ .‬و‬
‫سر هذه العقائد اليانية هو التوحيد‪ .‬فلنقدم هنا لطيفة ف برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق و الآخذ ث نرجع إل‬
‫تقيق علمه و فيما ينظر و يشي إل حدوثه ف اللة و ما دعا إل وضعه فنقول‪ :‬إعلم أن الوادث ف عال الكائنات سواء كانت من الذوات‬
‫أو من الفعال البشرية أو اليوانية فلبد لا من أسباب متقدمة عليها با تقع ف مستقر العادة و عنها يتم كونة‪ .‬و كل واحد من هذه‬
‫السباب حادث أيضا فلبد له من أسباب أخرى و ل تزال تلك السباب مرتقية حت تنتهي إل مسبب السباب و موجدها و خالقها‬
‫سبحانه ل إله إل هو‪ .‬و تلك السباب ف ارتقائها تتفسح و تتضاعف طول و عرضا و يار العقل ف إدراكها و تعديدها‪ .‬فإذا ل يصرها‬
‫إل العلم الحيط سيما الفعال البشرية و اليوانية فإن من جلة أسبابا ف الشاهد القصود و الرادات إذ ل يتم كون الفعل إل بإرادته و‬
‫القصد إليه‪ .‬و القصود و الرادات أمور نفسانية ناشئة ف الغالب عن تصورات سابقة يتلو بعضها بعضا‪ .‬و تلك التصورات هي أسباب قصد‬
‫الفعل و قد تكون أسباب تلك التصورات تصورات أخرى و كل ما يقع ف النفس من التصورات مهول سببه‪ .‬إذ ل يطلع أحد على مبادئ‬
‫المور النفسانية و ل على ترتيبها‪ .‬إنا هي أشياء يلقيها ال ف الفكر يتبع بعضها بعضا و النسان عاجز عن معرفة مبادئها و غاياتا‪ .‬و إنا‬
‫ييط علما ف الغالب بالسباب الت هي طبيعة ظاهرة و يقع ف مداركها على نظام و ترتيب لن الطبيعة مصورة للنفس و تت طورها‪ .‬و‬
‫أما التصورات فنطاقها أوسع من النفس لنا للعقل الذي هو فوق طور النفس فل تدرك الكثي منها فضل عن الحاطة‪ .‬و تأمل من ذلك‬
‫حكمة الشارع ف نيه عن النظر إل السباب و الوقوف معها فإنه واد يهيم فيه الفكر و ل يلو منة يطائل و ل يظفز بقيقة‪ .‬قال ال‪ :‬ث‬
‫ذرهم ف خوضهم يلعبون‪ .‬و ربا انقطع ف وقوفه عن الرتقاء إل ما فوقه فزلت قدمة و أصبح من الضابي الالكي نغوذ بال من الرمان و‬
‫السران البي‪ .‬و ل تسب أن هذا الوقوف أو الرجوع عنة ف قدرتك و اختيارك بل هو لون يصل للنفس و صبغة تستحكم من الوض‬
‫ف السباب على نسبة ل نعلمها‪ .‬إذ لو علمناها لتحررنا منها‪ .‬فلنتحرر من ذلك بقطع النظر عنها جلة‪ .‬و أيضا فوجه تأثي هذه السباب ف‬
‫الكثي من مسبباتا مهول لنا إنا يوقف عليها بالعادة لقتران الشاهد يالستناد إل الظاهر‪ .‬وحقيقة التأثي و كيفيته مهولة‪ .‬و ما أوتيتم من‬
‫العلم إل قليل‪ .‬فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها و إلغائها جلة و التوجه إل مسبب السباب كلها و فاعلها و موجدها لترسخ صفة التوحيد‬
‫ف النفس على ما علمنا الشارع الذي هو أعرف بصال ديننا و طرق سعادتنا لطلعه على ما وراء السن‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬من‬
‫مات يشهد أن ل إله إل ال دخل النة‪ .‬فإن وقف عند تلك السباب فقد انقطع و حقت عليه كلمة الكفر و أن سبح ف بر النظر و‬
‫البحث عنها و عن أسبابا وتأثياتا واحدا بعد واحد فإنا الضامن له أن ل يعود إل باليبة‪ .‬فيذلك نانا الشارع عن النظر ف السباب و‬
‫أمرنا بالتوجيد الطلق قل هو ال أحد * ال الصمد * ل يلد و ل يولد * ول يكن له كفوا أحد و ل تثقن با يزعم لك الفكر من أنه مقتدر‬
‫على الحاطة بالكائنات و أسبابا و الوقوف على تفصيل الوجود كله و سفه رأيه ف ذلك‪ .‬و اعلم أن الوجود عند كل مدرك ف بادئ رأيه‬
‫منحصر ف مداركه ل يعدوها و المر ف نفسه بلف ذلك و الق من ورائه‪ .‬أل ترى الصم كيف ينحصر الوجود عنده ف الحسوسات‬
‫الربع و العقولت و يسقط من الوجود عنده صنف السموعات‪ .‬و كذلك العمى أيضا يسقط عنده صنف الرئيات و لول ما يردهم إل‬
‫ذلك تقليد الباء و الشيخة من أهل عصرهم و الكافة لا أقروا به لكنهم يتبعون الكافة ف إثبات هذه الصناف ل بقتضى فطرتم و طبيعة‬
‫إدراكهم و لو سئل اليوان العجم و نطق لوجدناه منكرا للمعقولت و ساقطة لديه بالكلية فإذا علمت هذا فلعل هناك ضربا من الدراك‬
‫غي مدركاتنا لن إدراكاتنا ملوقة مدثة و خلق ال أكب من خلق الناس‪ .‬و الصر مهول و الوجود أوسع نطاقا من ذلك و ال من ورائهم‬
‫ميط‪ .‬فاتم إدراكك و مدركاتك ف الصر و اتبع ما أمرك الشارع به من اعتقادك و عملك فهو أحرص على سعادتك و أعلم يا ينفغك‬
‫لنه من طور فوق إدراكك و من نطاق أوسع من نطاق عقلك و ليس ذلك بقادح ف العقل و مداركه بل العقل ميزان صحيح فأحكامه‬
‫يقينية ل كذب فيها‪ .‬غي أنك ل تطمع أن تزن به أمور التوحيد و الخرة و حقيقة النبوة و حقائق الصفات اللية و كل ما وراء طوره فإن‬
‫ذلك طمع ف مال‪ .‬و مثال ذلك مثال رجل رأى اليزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن يه البال و هذا ل يدرك‪ .‬على أن اليزان ف‬
‫أحكامه غي صادق لكن العقل قد يقف عنده و ل يتعدى طوره حت يكون له أن ييط بال و يصفاته فإنة ذرة من ذرات الوجود الاصل‬
‫منة‪ .‬و تفطن ف هذا الغلط و من يقدم العقل على السمع ف أمثال هذه القضايا و قصور فهمه و اضمحلل رأيه فقد تبي لك الق من ذلك‬
‫و إذ تبي ذلك فلعل السباب إذا تاوزت ف الرتقاء نطاق إدراكنا و وجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل ف بيداء الوهام و‬
‫يار و ينقطع‪ .‬فإذا التوحيد هو العجز عن إدراك السباب و كيفيات تأثيها و تفويض ذلك إل خالقها الحيط با إذ ل فاعل غية و كلها‬
‫ترتقي إليه و ترجع إل قدرته و علمنا به إنا هو من حيث صدورنا عنة ل غي و هذا هو معن ما نقل عن بعض الصديقي‪ :‬العجز عن‬
‫الدراك إدراك‪ .‬ث إن العتب ف هذا التوحيد ليس هو اليان فقط الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك من حديث النفس و إنا الكمال فيه‬
‫حصول صفة منه تتكيف با النفس كما أن الطلوب من العمال و العبادات أيضا حصول ملكة الطاعة و النقياد و تفريغ القلب عن‬
‫شواغل ما سوى العبود حت ينقلب الريد السالك ربانيا‪ .‬و الفرق بي الال و العلم ف العقائد فرق ما بي القول و التصاف‪ .‬و شرحه أن‬
‫كثيا من الناس يعلم أن رحة اليتيم و السكي قربة إل ال تعال مندوب إليها و يقول بذلك و يعترف به و يذكر مأخذه من الشريعة و هو‬
‫لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء الستضعفي لفرعنه و استنكف أن يباشره فضل عن التمسح عليه للرحة و ما بعد ذلك من مقامات‬
‫العطف و النو و الصدقة‪ .‬فهذا إنا حصل له من رحة اليتيم مقام العلم و ل يصل له مقام الال و التصاف‪ .‬ومن الناس من يصل له مع‬
‫مقام العلم و العتراف بأن رحة السكي قربة إل ال تعال مقام آخر أعلى من الول و هو التصاف بالرحة و حصول ملكتها‪ .‬فمت رأى‬
‫يتيما أو مسكينا بادر إليه و مسح عليه و التمس الثواب ف الشفقة عليه ل يكاد يصب عن ذلك و لو دفع عنه‪ .‬ث يتصدق عليه با حضره من‬
‫ذات يده و كذا علمك بالتوحيد مع اتصافك به و العلم حاصل عن التصاف ضرورة و هو أوثق مبن من العلم الاصل قبل التصاف‪ .‬و‬
‫ليس التصاف باصل عن مرد العلم حت يقع العمل و يتكرر مرارا غي منحصرة فترسخ اللكة و يصل التصاف و التحقيق و ييء العلم‬
‫الثان النافع ف الخرة‪ .‬فإن العلم الول الجرد عن التصاف قليل الدوى و النفع و هذا علم أكثر النظار و الطلوب إنا هو العلم الال‬
‫الناشئ عن العادة‪ .‬و اعلم أن الكمال عند الشارع ف كل ما كلف به إنا هو ف هذا فما طلب اعتقاده فالكمال فيه ف العلم الثان الاصل‬
‫عن التصاف و ما طلب عمله من العبادات فالكمال فيها ف حصول التصاف و التحقق با‪ .‬ث إن القبال على العبادات و الواظبة عليها‬
‫هو الحصل لذه الثمرة الشريفة‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬ف رأس العبادات جعلت قرة عين ف الصلة فإن الصلة صارت له صفة و‬
‫حال يد فيها منتهى لذاته و قرة عينه و أين هذا من صلة الناس و من لم با ؟ فويل للمصلي * الذين هم عن صلتم ساهون اللهم وفقنا‬
‫اهدنا الصراط الستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غي الغضوب عليهم و ل الضالي فقد تبي لك من جيع ما قررناه أن الطلوب ف‬
‫التكاليف كلها حصول ملكة راسخة ف النفس يصل عنها علم اضطراري للنفس هو التوحيد و هو العقيدة اليانية و هو الذي تصل به‬
‫السعادة و أن ذلك سواء ف التكاليف القلبية و البدنية‪ .‬و يتفهم منه أن اليان الذي هو أصل التكاليف و ينبوعها هو بذه الثابة ذو مراتب‪.‬‬
‫أولا التصديق القلب الوافق للسان و أعلها حصول كيفية من ذلك العتقاد القلب و ما يتبعه من العمل مستولية على القلب فيستتبع‬
‫الوارح‪ .‬و تندرج ف طاعتها جيع التصرفات حت تنخرط الفعال كلها ف طاعة ذلك التصديق اليان‪ .‬و هذا أرفع مراتب اليان و هو‬
‫اليان الكامل الذي ل يقارف الؤمن معه صغية و ل كبية إذ حصول اللكة و رسوخها مانع من النراف عن مناهجه طرفة غي قال‬
‫صلى ال عليه و سلم‪ :‬ل يزن الزان حي يزن و هو مؤمن و ف حديث هرقل لا سأل أبا سفيان بن حرب عن النب صلى ال عليه و سلم و‬
‫أحواله فقال ف أصحابه‪ :‬هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قال‪ :‬ل ! قال‪ :‬و كذلك اليان حي تالط بشاشتة القلوب‪.‬‬
‫و معناه أن ملكة اليان إذا استقرت عسر على النفس مالفتها شأن اللكات إذا استقرت فإنا تصل بثابة البلة و الفطرة و هذه هي الرتبة‬
‫العالية من اليان و هي ف الرتبة الثانية من العصمة‪ .‬لن العصمة واجبة للنبياء وجوبا سابقا و هذه حاصلة للمؤمنية حصول تابعا لعمالم‬
‫و تصديقهم‪ .‬و بذه اللكة و رسوخها يقع التفاوت ف اليان كالذي يتلى عليك من أقاويل السلف‪ .‬و ف تراجم البخاري رضي ال عنه ف‬
‫باب اليان كثي منه‪ .‬مثل أن اليان قول و عمل و يزيد و ينقص و أن الصلة و الصيام من اليان و أن تطوع رمضان من اليان و الياء‬
‫من اليان‪ .‬و الراد بذا كله اليان الكامل الذي أشرنا إليه و إل ملكته و هو فعلي‪ .‬و أما التصديق الذي هو أول مراتبه فل تفاوت فيه‪.‬‬
‫فمن اعتب أوائل الساء و حله على التصديق منع من التفاوت كما قال أئمة التكلمي و من اعتب أواخر الساء و حله على هذه اللكة الت‬
‫هي اليان الكامل ظهر له التفاوت‪ .‬و ليس ذلك بقادح ف اتاد حقيقته الول الت هي التصديق إذ التصديق موجود ف جيع رتبه لنة أقل‬
‫ما يطلق عليه اسم اليان و هو الخلص من عهدة الكفر و الفيصل بي الكافر و السلم فل يزي أقل منه‪ .‬و هو ف نفسه حقيقة واحدة ل‬
‫تتفاوت و إنا التفاوت ف الال الاصلة عن العمال كما قلناه فافهم‪ .‬و اعلم أن الشارع وصف لنا هذااليان الذي ف الرتبة الول الذي‬
‫هو تصديق و عي أمورا مصوصة كلفنا التصديق با بقلوبنا و اعتقادها ف أنفسنا مع القرار با بألسنتنا و هي العقائد الت تقررت ف الدين‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه و سلم حي سئل عن اليان فقال‪ :‬أن تؤمن بال و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخر و تؤمن بالقدر خيه و شره و‬
‫هذه هي العقائد اليانية القررة ف عليم الكلم‪ .‬و لنشر إليها مملة لتتبي ف حقيقة هذا الفن و كيفية حدوثه فنقول‪ .‬اعلم أن الشارع لقد‬
‫أمرنا باليان بذا الالق الذي رد الفعال كلها إليه و أفرده به كما قدمناه و عرفنا أن ف هذا اليان ناتنا عند الوت إذا حضرنا ل يعرفنا‬
‫بكنه حقيقة هذا الالق العبود و هو إذ ذاك يتعذر على إدراكنا و من فوق طورنا‪ .‬فكلنا أول‪ :‬اعتقاد تنيهه ف ذاته عن مشابة الخلوقي و‬
‫إل لا صح أنة خالق لم لعدم الفارق على هذا التقدير ث تنيهه غن صفات النقص و إل لشابة الخلوقي ث توحيده با لتاد و إل ل يتم‬
‫اللق للتمانع ث اعتقاد أنه عال قادر فبذلك تتم الفعال شاهد قضيته لكمال التاد و اللق و مريد و إل ل يصص شيء من الخلوقات و‬
‫مقدر لكل كائن و إل فالرادة حادثة‪ .‬و أنة يعيدنا بعد الوت تكميل لعنايته‪ ،‬بالياد و لو كان لمر فإن كان عبثا فهو للبقاء السرمدي‬
‫بعد الوت‪ .‬ث اعتقاد بعثة الرسل للنجاة من شقاء هذا العاد لختلف أحوله بالشقاء و السعادة و عدم معرفتنا بذلك و تام لطفه بنا ف‬
‫اليتاء بذلك و بيان الطريقي‪ .‬و أن النة للنعيم و جهنم للعذاب‪ .‬هذه أمهات العقائد اليانية معللة بأدلتها العقلية و أدلتها من الكتاب و‬
‫السنة كثية‪ .‬و عن تلك الدلة أخذها السلف و أرشد إليها العلماء و حققها الئمة إل أنة عرض بعد ذلك خلف ف تفاصيل هذه العقائد‬
‫أكثر مثارها من الي التشابة فدعا ذلك إل الصام و التناظر و الستدلل يالعقل و زيادة إل النقل‪ .‬فحدث بذلك علم الكلم‪ .‬و لنبي‬
‫لك تفصيل هذا الجمل‪ .‬و ذلك أن القرآن ورد فيه وصف العبود بالتنيه الطلق الظاهر الدللة من غي تأويل ف آي كثية و هي سلوب‬
‫كلها و صرية ف بابا فوجب اليان با‪ .‬و وقع ف كلم الشارع صلوات ال عليه و كلم الصحابة و التابعي تفسيها على ظاهرها‪ .‬ث‬
‫وردت ف القرآن آي أخرى قليلة توهم التشبيه مرة ف الذات و أخرى ف الصفات‪ .‬فأما السلف فغلبوا أدلة التنيه لكثرتا و وضوح دللتها‪،‬‬
‫و علموا استحالة التشبيه‪ .‬و قضوا بأن اليات من كلم ال فآمنوا با و ل يتعرضوا لعناها ببحث و ل تأويل‪ .‬و هذا معن قول الكثي منهم‪:‬‬
‫إقرأوها كما جاءت أي آمنوا بأنا من عند ال‪ .‬و ل تتعرضوا لتأويلها و ل تفسيها لواز أن تكون ابتلء‪ .‬فيجب الوقف و الذعان له‪ .‬و‬
‫شذ لعصرهم مبتدعة أتبعوا ما تشابه من اليات و توغلوا ف التشبيه‪ .‬ففريق أشبهوا‪ ،‬ف الذات باعتقاد اليد و القدم و الوجه عمل بظواهر‬
‫وردت بذلك فوقعوا ف التجسيم الصريح و مالفة آي التنيه الطلق التس هي أكثر موارد و أوضح دللة لن معقولية السم تقتضي النقص‬
‫و الفتقار‪ .‬و تغليب آيات السلوب ف التنيه الطلق الت هي أكثر موارد و أوضح دللة أول من التعلق بظواهر هذه الت لنا عنها غنية و جع‬
‫بي الدليلي بتأويلها ث يفرون من شناعة ذلك بقولم جسم ل كالجسام‪ .‬و ليس ذلك بدافع عنهم لنه قول متناقض و جع بي نفي و‬
‫إثبات إن كانا بالعقولية واحدة من السم‪ ،‬و إن خالفوا بينهما و نفوا العقولية التعارفة فقد وافقونا ف التنيه و ل يبق إل جعلهم لفظ‬
‫السم اسا من أسائه‪ .‬ويتوقف مثلة على الذن‪ .‬و فريق منهم ذهبوا إل التشبيه ف الصفات كإثبات الهة و الستواء و النول و الصوت و‬
‫الرف و أمثال ذلك‪ .‬و آل قولم إل التجسيم فنعوا مثل الولي إل قولم صوت ل كالصوات جهة ل كالهات نزول ل كالنول‬
‫يعنون من الجسام‪ .‬و اندفع ذلك با اندفع به الول‪ ،‬و ل يبق ف هذه الظواهر إل اعتقادات السلف و مذاهبهم و اليان با كما هي لئل‬
‫يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنا صحيحة ثابتة من القرآن‪ .‬و لذا تنظر ما تراه ف عقيدة الرسالة لبن أب زيد و كتاب الختصر له و ف‬
‫كتاب الافظ ابن عبد الب و غيهم فإنم يومون على هذا العن‪ .‬و ل تغمض عينك عن القرائن الدالة على ذلك ف غضون كلمهم‪ .‬ث لا‬
‫كثرت العلوم و الصنائع و ول الناس بالتدوين و البحث ف سائر الناء و ألف التكلمون ف التنيه حدثت بدعة العتزلة ف تعميم هذا‬
‫التنيه ف آي السلوب فقضوا بنفي صفات العان من العلم و القدرة و الرادة و الياة زائدة على أحكامها لا يلزم على ذلك من تعدد‬
‫القدي بزعمهم و هو مردود بأن الصفات ليست عي الذات و ل غيها و قضوا بنفي صفة الرادة فلزمهم نفي القدر لن معناه سبق الرادة‬
‫للكائنات و قضوا بنفي السمع و البصر لكونما من عوارض الجسام‪ .‬و هو مردود لعدم اشتراط البنية ف مدلول هذا اللفظ و إنا هو إدراك‬
‫السموع أو البصر‪ .‬و قضوا بنفي الكلم لشبه ما ف السمع و البصر و ل يعقلوا صفة الكلم الت تقوم بالنفس فقضوا بأن القرآن ملوق و‬
‫ذلك بدعة صرح السلف بلفها‪ .‬و عظم ضرر هذه البدعة و لقنها بعض اللفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها و خالفهم أئمة السلف‬
‫فاستحل للفهم إيسار كثي منهم ودماؤهم‪ ،‬و كان ذلك سببا لنتهاض أهل السنة بالدلة العقلية على هذه العقائد دفعا ف صدور هذه‬
‫البدع و قام بذلك الشيخ أبو السن الشعري إمام التكلمي فتوسط بي الطرق و نفى التشبيه و أثبت الصفات العنويه و قصر التنيه على‬
‫ما قصره عليه السلف‪ .‬و شهدت له الدلة الخصصة لعمومه فأثبت الصفات الربع العنوية و السمع و البصر و الكلم القائم بالنفس بطريق‬
‫النقل و العقل‪ .‬و رد على البتدعة ف ذلك كله و تكلم معهم فيما مهدوه لذه البدع من القول بالصلح و الصلح و التحسي و التقبيح و‬
‫كمل العقائد ف البعثة و أحوال العاد و النة و النار و الثواب و العقاب‪ .‬و ألق بذلك الكلم ف المامة لا ظهر حينئذ من بدعة المامية‬
‫من قولم إنا من عقائد اليان و إنه يب على النب تعيينها و الروج عن العهدة ف ذلك لن هي له‪ ،‬و كذلك على المة‪ .‬و قصارى أمر‬
‫المامة أنا قضية مصلحية إجاعية و ل تلحق بالعقائد فلذلك ألقوها بسائل هذا الفن و سوا مموعة علم الكلم‪ :‬إما لا فيه من الناظرة‬
‫على البدع و هي كلم صرف و ليست براجعة إل عمل‪ ،‬و إما لن سبب وضعه و الوض فيه هو تنازعهم ف إثبات الكلم النفسي‪ .‬و‬
‫كثر أتباع الشيخ أب السن الشعري و اقتفى طريقتة من بعده تلميذه كابن ماهد و غيه‪ .‬و أخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلن فتصدر‬
‫للمامة ف طريقتهم و هذبا و وضع القدمات العقلية الت تتوقف عليها الدلة و النظار و ذلك مثل إثبات الوهر الفرد و اللء‪ .‬و أن‬
‫العرض ل يقوم بالعرض و أنه ل يبقى زماني‪ .‬و أمثال ذلك ما تتوقف عليه أدلتهم‪ .‬و جعل هذه القواعد تبعا للعقائد اليانية ف وجوب‬
‫اعتقادها لتوقف تلك الدلة عليها و أن بطلن الدليل يؤذن ببطلن الدلول‪ .‬و جلت هذه الطريقة و جاءت من أحسن الفنون النظرية و‬
‫العلوم الدينية‪ .‬إل أن صور الدلة فيها بعض الحيان‪ .‬على غي الوجه الصناعي لسذاجة القوم و لن صناعة النطق الت تسي با الدلة و تعتب‬
‫با القيسة و ل تكن حينئذ ظاهرة ف الئلة‪ ،‬و لو ظهر منها بعض الشيء فلم يأخذ به التكلمون للبستها للعلوم الفلسفية الباينة للعقائد‬
‫الشرعية بالملة فكانت مهجورة عندهم لذلك‪ .‬ث جاء بعد القاضي أب بكر الباقلن من أئمة الشعرية إمام الرمي أبو العال فأملى ف‬
‫الطريقة كتاب الشامل و أوسع القول فيه‪ .‬ث لصه ف كتاب الرشاد و اتذه الناس إماما لعقائدهم‪ .‬ث انتشرت من بعد ذلك علوم النطق‬
‫ف اللة و قرأه الناس و فرقوا بينه و بي العلوم الفلسفية بأنة قانون و معيار للدلة فقط يسب به الدلة منها كما تسب من سواها‪ .‬ث نظروا ف‬
‫تلك القواعد و القدمات ف فن الكلم للقدمي فخالفوا الكثي منها بالباهي الت أدلت إل ذلك و با أن كثيا منها مقتبس من كلم‬
‫الفلسفة ف الطبيعيات و الليات‪ .‬فلما سبوها بعيار النطق ردهم إل ذلك فيها و ل يعتقدوا بطلن الدلول من بطلن دليله كما صار إليه‬
‫القاضي فصارت هذه الطريقة ف مصطلحهم مباينة للطريقة الول و تسمى طريقة التأخرين و ربا أدخلوا فيها الرد على الفلسفة فيما‬
‫خالفوا فيه من العقائد اليانية و جعلوهم من خصوم العقائد لتناسب الكثي من مذاهب البتدعة و مذاهبهم‪ .‬و أول من كتب ف طريقة‬
‫الكلم على هذا النحى الغزال رحه ال و تبعه المام ابن الطيب و جاعة قفوا أثرهم و اعتمدوا تقليدهم ث توغل التأخرون من بعدهم ف‬
‫مالطة كتب الفلسفة و التبس عليهم شان الوضح ف العلمي فحسبوه فيهما واحدا من اشتباه السائل فيهما‪ .‬و اعلم أن التكلمي لا كانوا‬
‫يستدلون ف أكثر أحوالم بالكائنات و أحوالا على وجود البارئ و صفاته و هو نوع استدللم غالبا‪ .‬و السم الطبيعي الذي ينظر فيه‬
‫الفيلسوف ف الطبيعيات و هو بعض من هذه الكائنات‪ .‬إل أن نظره فيها مالف لنظر التكلم و هو ينظر ف السم من حيث يتحرك و‬
‫يسكن و التكلم ينظر فيه من حيث يدل على الفاعل‪ .‬و كذا نظر الفيلسوف ف الليات إنا هو نظر ف الوجود الطلق و ما يقتضيه لذاته و‬
‫نظر التكلم ف الوجود من حيث إنه يدل على الوجد‪ .‬و بالملة فموضوع علم الكلم عند أهله إنا هو العقائد اليانية بعد فرضها صحيحة‬
‫من الشرع من حيث يكن أن ستدل عليها بالدلة العقلية فترفع البدع و تزول الشكوك و الشبيه عن تلك العقائد و إذا تأملت حال الفن قي‬
‫حدوثه و كيف تدرج كلم الناس فيه صدرا بعد صدر و كلهم يفرض العقائد صحيحة و يستنهض الجج و الدلة علمت حينئذ ما قررناه‬
‫لك ف موضوع الفن و أنه ل يعدوه‪ .‬و لقد اختلطت الطريقتان عند هؤلء التأخرين و التبست مسائل الكلم بسائل الفلسفة بيث ل يتميز‬
‫أحد الفني من الخر‪ .‬و ل يصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي ف الطوالع و من جاء بعدة من علماء العجم ف جيع تآليفهم‪.‬‬
‫إل أن هذه الطريقة قد يعن با بعض طلبة العلم للطلع على الذاهب و الغراق ف معرفة الجاج لوفور ذلك فيها‪ .‬و أما ماذاة طريقة‬
‫السلف بعقائد علم الكلم فإنا هو ف الطريقة القدية للمتكلمي و أصلها كتاب الرشاد و ما حذا حذوة‪ .‬و من أراد إدخال الرد على‬
‫الفلسفة ف عقائده فعليه بكتب الغزال و المام ابن الطيب فإنا و إن وقع فيها مالفة للصطلح القدي فليس فيها من الختلط ف‬
‫السائل و اللتباس ف الوضوع ما ف طريقة هؤلء التأخرين من بعدهم و على الملة فينبغي أن يعلم أن هذا العلم الذي هو علم الكلم غي‬
‫ضروري لذا العهد على طالب العلم إذ اللحدة و البتدعة قد انقرضوا و الئمة‪ .‬من أهل السنة كفونا شأنم فيما كتبوا و دونوا و الدلة‬
‫العقلية إنا احتاجوا إليها حي دافعوا و نصروا‪ .‬و أما الن فلم يبق منها إل كلم تنه الباري عن كثي إيهاماته و إطلقه و لقد سئل النيد‬
‫رحه ال عن قوم مر بم بعض التكلمي يفيضون فيه فقال‪ :‬ما هؤلء ؟ فقيل‪ :‬قوم ينهون ال بالدلة عن صفات الدوث و سات النقص‪.‬‬
‫فقال‪ :‬نفي العيب حيث يستحيل العيب عيب لكن فائدته ف آحاد الناس و طلبة العلم فائدة معتبة إذ ل يسن بامل السنة الهل بالجج‬
‫النظرية على عقائدها‪ .‬و ال ول الؤمني‪.‬‬

‫الفصل الادي عشر‪ :‬ف أن عال الوادث الفعلية إنا يتم بالفكر‬
‫اعلم أن عال الكائنات يشتمل على ذوات مضة‪ ،‬كالعناصر و آثارها و الكونات الثلثة عنها‪ .‬الت هي العدن و النبات و اليوان‪ .‬و هذه‬
‫كلها متعلقات القدرة اللية و على أفعال صادرة عن اليوانات‪ ،‬واقعة بقصودها‪ ،‬متعلقة بالقدرة الت جعل ال لا عليها‪ :‬فمنها منتظم‬
‫مرتب‪ ،‬و هي الفعال البشرية‪ ،‬و منها غي منتظم و ل مرتب‪ ،‬و هي أفعال اليوانات غي البشر‪ .‬و ذلك الفكر يدرك الترتيب بي الوادث‬
‫بالطبع أو بالوضع‪ ،‬فإذا قصد إياد شيء من الشياء‪ ،‬فلجل الترتيب بي الوادث لبد من التفطن بسببه أو علته أو شرطه‪ ،‬و هي على‬
‫الملة مبادئه‪ ،‬إذ ل يوجد إل ثانيا عنها و ل يكن إيقاع التقدم متأخرا‪ ،‬و ل التأخر متقدما‪ .‬و ذلك البدأ قد يكون له مبدأ آخر من تلك‬
‫البادئ ل يوجد إل متأخرا عنه‪ ،‬و قد يرتقي ذلك أو ينتهي‪ .‬فإذا انتهى إل آخر البادىء ف مرتبتي أو ثلث أو أزيد‪ ،‬و شرع ف العمل‬
‫الذي يوجد به ذلك الشيء بدأ بالبدأ الخي الذي انتهى إليه الفكر‪ ،‬فكان أول عمله‪ .‬ث تابع ما بعده إل آخر السببات الت كانت أول‬
‫فكرته‪ .‬مثل‪ :‬لو فكر ف إياد سقف يكنه انتقل بذهنه إل لائط الذي يدعمه‪ ،‬ث إل الساس الذي يقف عليه الائط فهو آخر الفكر‪ .‬ث‬
‫يبدأ ف العمل بالساس‪ ،‬ث بالائط‪ ،‬ث بالسقف‪ ،‬و هو آخر العمل‪.‬‬
‫و هذا معن قولم‪ :‬أول العمل آخر الفكرة‪ ،‬و أول الفكرة آخر العمل فل يتم فعل النسان ف الارج إل بالفكر ف هذه الرتبات لتوقف‬
‫بعضها على بعض‪ .‬ث يشرع ف فعلها‪ .‬و أول هذا الفكر هو السبب الخي‪ ،‬و هو آخرها ف العمل‪ .‬و أولا ف العمل هو السبب الول و‬
‫هو آخرها ف الفكر‪ .‬و لجل العثور على هذا الترتيب يصل النتظام ف الفعال البشرية‪.‬‬
‫و أما الفعال اليوانية لغي البشر فليس فيها انتظام لعدم الفكر الذي يعثر به الفاعل علي الترتيب فيما يفعل‪ .‬إذ اليوانات إنا تدرك بالواس‬
‫و مدركاتا متفرقة خلية من الربط لنة ل يكون إل بالفكر‪ .‬و لا كانت الواس العتبة ف عال الكائنات هي النتظمة‪ ،‬و غي النتظمة إنا‬
‫هي تبع لا‪ .‬اندرجت حينئذ أفعال اليوانات فيها‪ ،‬فكانت مسخرة للبشر‪ .‬و استولت أفعال البشر على عال الوادث‪ .‬با فيه‪ ،‬فكان كله ف‬
‫طاعته و تسخره‪ .‬و هذا معن الستحلف الشار إليه ف قوله تعال‪ :‬إن جاعل ف الرض خليفة فهذا الفكر هو الاصة البشرية الت تيز با‬
‫البشر عن غيه من اليوان‪ .‬و على قدر حصول السباب و السببات ف الفكر مرتبة تكون إنسانيتة‪ .‬فمن الناس من تتوال له السببية ف‬
‫مرتبتي أو ثلث‪ ،‬و منهم من ل يتجاوزها‪ ،‬و منهم من ينتهي إل خس أو ست فتكون إنسانيته أعلى‪ .‬و اعتب ذلك بلعب الشطرنج‪ :‬فإن‬
‫ف اللعبي من يتصور الثلث حركات و المس الذي ترتيبها وضعي‪ ،‬و منهم من يقصر عن ذلك لقصور ذهنه‪ .‬و إن كان هذا الثال غي‬
‫مطابق‪ .‬لن لعب الشطرنج باللكة‪ ،‬و معرفة السباب و السببات بالطبع‪ .‬لكنه مثال يتذي به الناظر ف تعقل ما يورد عليه من القواعد‪ .‬و‬
‫ال خلق النسان و فضله على كثي من خلق تفضيل‪.‬‬

‫الفصل الثان عشر ف العقل التجريب و كيفية حدوثه‬


‫إنك تسمع ف كتب الكماء قولم أن النسان هو مدن الطبع‪ ،‬يذكرونه ف إثبات النبوات و غيها‪ .‬و النسبة فيه إل الدينة‪ ،‬و هي عندهم‬
‫كناية عن الجتماع البشري‪ .‬و معن هذا القول‪ ،‬أنة ل تكن حياة النفرد من البشر‪ ،‬و ل يتم وجوده إل مع أبناء جنسه‪ .‬و ذلك لا هو عليه‬
‫من العجز عن استكمال وجوده و حياته‪ ،‬فهو متاج إل العاونة ف جيع حاجاته أبدا بطبعه‪ .‬و تلك العاونة لبد فيها من الفاوضة أول‪ ،‬ث‬
‫الشاركة و ما بعدها‪ .‬و ربا تفضي العاملة عند اتاد العراض إل النازعة و الشاجرة فتنشأ النافرة و الؤالفة‪ .‬و الصداقة و العداوة‪ .‬و يؤول‬
‫إل الرب و السلم بي المم و القبائل‪ .‬و ليس ذلك على أي وجه اتفق‪ ،‬كما بي المل من اليوانات‪ ،‬بل للبشر يا جعل ال فيهم من‬
‫انتظام الفعال و ترتيبها بالفكر كما تقدم‪ .‬جعل منتظما فيهم و يسرهم ليقاعه على وجوه سياسية و قواني حكمية‪ .‬ينكبون فيها عن‬
‫الفاسد إل الصال‪ ،‬و عن السن إل القبيح‪ ،‬بعد أن ييزوا القبائح و الفسدة‪ .‬با ينشأ عن الفعل من ذلك عن تربة صحيحة‪ ،‬و عوائد‬
‫معروفة بينهم‪ ،‬فيفارقون المل من اليوان‪ .‬و تظهر عليهم نتيجة الفكر ف انتظام الفعال و بعدها عن الفاسد‪.‬‬
‫هذه العان الت يصل با ذلك ل تبعد عن الس كل البعد و ل يتعمق فيها الناظر‪ ،‬بل كلها تدرك بالتجربة و با يستفاد‪ .‬لنا معان جزئية‬
‫تتعلق بالحسوسات و صدقها و كذبا‪ ،‬يظهر قريبا ف الواقع‪ ،‬فيستفيد طالبها حصول العلم با من ذلك‪ .‬و يستفيد كل واحد من البشر‬
‫القدر الذي يسر له منها مقتنصا له بالتجربة بي الواقع ف معاملة أبناء جنسه‪ .‬حت يتعي له ما يب و ينبغي‪ ،‬فعل و تركا‪ .‬و تصل ف‬
‫ملبسة اللكة ف معاملة أبناء جنسه‪ .‬و من تتبع ذلك سائر عمره حصل له العثور على كل قضية‪ .‬و لبد با تسعه التجربة من الزمن‪ .‬و قد‬
‫يسهل ال على كثي من البشر تصيل ذلك ف أقرب زمن التجربة‪ ،‬إذ قلد فيها الباء و الشيخة و الكابر‪ ،‬و لقن عنهم و وعى تعليمهم‪،‬‬
‫فيستغن عن طول العانات ف تتبع الوقائع و اقتناص هذا العن من بينها‪ .‬و من فقد العلم ف ذلك و التقليد فيه أو أعرض عن حسن استماعه‬
‫و اتباعه‪ ،‬طال عناؤة ف التأديب بذلك‪ ،‬فيجري ف غي مألوف و يدركها على غي نسبة‪ ،‬فتوجد آدابه و فعاملته سيئة الوضاع بادية‬
‫اللل‪ ،‬و يفسد حاله ف معاشه بي أبناء جنسه‪ .‬و هذا معن القول الشهور‪ :‬من ل يؤدبه والده أدبه الزمان‪ .‬أي من ل يلقن الداب ف‬
‫معاملة البشر من والديه و ف معناها الشيخة و الكابر و يتعلم ذلك منهم رجع إل تعلمه بالطبع من الواقعات على توال اليام‪ ،‬فيكون‬
‫الزمان معلمه و مؤدبة لضرورة ذلك بضرورة العاونة الت ف طبعه‪.‬‬
‫و هذا هو العقل التجريب‪ ،‬و هو يصل بعد العقل التمييزي الذي تقع به الفعال كما بيناه‪ .‬و بعد هذين مرتبة العقل النظري الذي تكفل‬
‫يتفسيه أهل العلوم‪ ،‬فل تتاج إل تفسيه ف هذا الكتاب‪ .‬و ال وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر‪ :‬ف علوم البشر و علوم اللئكة‬


‫إنا نشهد ف أنفسنا بالوجدان الصحيح وجود ثلثة عوال‪ :‬أولا‪ :‬عال الس و نعتبه بدارك الس الذي شاركنا فيه اليوانات بالدراك‪ .‬ث‬
‫نعتبه الفكر الذي اختص به البشر فنعلم منه وجود النفس النسانية علما ضروريا با بي جنبينا من مدارك العلمية الت هي فوق مدارك‬
‫الس‪ ،‬فتراه عالا آخر فوق عال الس‪ .‬ث نستدل على عال ثالث فوقنا با ند فينا من آثاره الت تلقى ف أفئدتنا كالرادات و الوجهات‪،‬‬
‫نو الركات الفعلية‪ ،‬فنعلم أن هناك فاعل يبعثنا عليها من عال فوق عالنا و هو عال الرواح و اللئكة‪ .‬و فيه ذوات مدركة لوجود آثارها‬
‫فينا مع ما بيننا و بينها من الغايرة‪ .‬و ربا يستدل على هذا العال العلى الروحان و ذواته بالرؤيا و ما ند ف النوم‪ ،‬و يلقى إلينا فيه من‬
‫المور الت نن ف غفلة عنها ف اليقظة‪ ،‬و تطابق الواقع ف الصحيحة منها‪ ،‬فنعلم أنا حق و من عال الق‪ .‬و أما أضغاث الحلم فصور‬
‫خيالية يزنا الدراك ف الباطن و يول فيها الفكر بعد الغيبة عن الس‪ .‬و ل ند على هذا العال الروحان برهانا أوضح من هذا‪ ،‬فنعلمه‬
‫كذلك على الملة و ل ندرك له تفصيل‪.‬‬
‫و ما يزعمه الكماء الليون ف تفصيل ذواته و ترتيبها‪ ،‬السماة عندهم بالعقول فليس شيء من ذلك بيقين لختلل شرط البهان النظري‬
‫فيه‪ .‬كما هو مقرر ف كلمهم ف النطق‪ .‬لن من شرطه أن تكون قضاياه أولية ذاتية‪ .‬و هذه الذوات الروحانية مهولة الذاتيات فل سبيل‬
‫للبهان فيها‪ .‬و ل يبقى لنا مدرك ف تفاصيل هذه العوال إل ما نقتبسه من الشرعيات الت يوضحها اليان و يكمها‪ .‬و أعقد هذه العوال‬
‫ف مدركنا عال البشر‪ ،‬لنه وجدان مشهود ف مداركنا السمانية و الروحانية‪ .‬و يشترك ف عال الس مع اليوانات و ف عال العقل و‬
‫الرواح مع اللئكة الذين ذواتم من جنس ذواته‪ ،‬و هي ذوات مردة عن السمانية و الادة‪ ،‬و عقل صرف يتحد فيه العقل و العاقل و‬
‫العقول‪ ،‬و كأنه ذات حقيقتها الدراك و العقل‪ ،‬فعلومهم حاصلة دائما مطابقة بالطبع لعلوماتم ل يقع فيها خلل البتة‪.‬‬
‫و علم البشر هو حصول صورة العلوم ف ذواتم بعد أن ل تكون حاصلة‪ .‬فهو كله مكتسب‪ ،‬و الذات الت يصل فيها صور العلومات و‬
‫هي النفس مادة هيولنية تلبس صور الوجود بصور العلومات الاصلة فيها شيئا فشيئا‪ ،‬حت تستكمل‪ ،‬و يصح وجودها بالوت ف مادتا و‬
‫صورتا‪ .‬فالطلوبات فيها مترددة بي النفي و الثبات دائما‪ ،‬بطلب أحدها بالوسط الرابط بي الطرفي‪ .‬فإذا حصل و صار معلوما افتقر إل‬
‫بيان الطابقة‪ ،‬و ربا أوضحها البهان الصناعي‪ ،‬لكنه من وراء الجاب‪ .‬و ليس كالعاينة الت ف علوم اللئكة‪ .‬و قد ينكشف ذلك الجاب‬
‫فيصي إل الطابقة بالعيان الدراكي‪ .‬فقد تبي أن البشر جاهل بالطبع للتردد ف علمه‪ ،‬و عال بالكسب و الصناعة لتحصيله الطلوب بفكرة‬
‫الشروط الصناعية‪ .‬و كشف الجاب الذي أشرنا إليه إنا هو بالرياضة بالذكار الت أفضلها صلة تنتهي عن الفحشاء و النكر‪ .‬و بالتنه‬
‫عن التناولت الهمة و رأسها الصوم‪ ،‬و بالوجهة إل ال بميع قواه‪ .‬و ال علم النسان ما ل يعلم‪.‬‬
‫الفصل الرابع عشر ف علوم النبياء عليهم الصلة و السلم‬
‫إنا ند هذا الصنف من البشر تعتريهم حالة إلية خارجة عن منازع البشر و أحوالم فتغلب الوجهة الربانية فيهم على البشرية ف القوى‬
‫الدراكية و النوعية من الشهوة و الغضب و سائر الحوال البدنية‪ .‬فتجدهم متنهي عن الحوال الربانية‪ ،‬من العبادة و الذكر ل با يقتضي‬
‫معرفتهم به‪ ،‬فخبين عنة با يوحي إليهم ف تلك الالة‪ ،‬من هداية المة على طريقة واحدة و سنن معهود منهم ل يتبدل فيهم كأنة جبلة‬
‫فطرهم ال عليها‪ .‬و قد تقدم لنا الكلم ف الوحي أول الكتاب ف فصل الدركي للغيب‪ .‬و بينا هنالك أن الوجود كله ف عواله البسيطة و‬
‫الركبة على تركيب طبيعي من أعلها و أسفلها متصلة كلها اتصال ل ينخرم‪ .‬و أن الذوات الت ف آخر كل أفق من العوال مستعدة لن‬
‫تنقلب إل الذات الت تاوزها من السفل و العلى‪ .‬استعدادا طبيعيا‪ .‬كما ف العناصر السمانية البسيطة‪ .‬و كما ف النخل و الكرم من آخر‬
‫أفق النبات مع اللزون و الصدف من أفق اليوان و كما ف القردة الت استجمع فيها الكيس و الدراك مع النسان صاحب الفكر و‬
‫الروية‪ .‬و هذا الستعداد الذي ف جانب كل أفق من العوال هو معن التصال فيها‪.‬‬
‫و فوق العال البشري عال روحان‪ ،‬شهدت لنا به الثار الت فينا منه‪ ،‬با يعطينا من قوى الدراك و الرادة فذوات العلم العال إدراك صرف‬
‫و تعقل مض‪ ،‬و هو عال اللئكة‪ ،‬فوجب من ذلك كله أن يكون للنفس النسانية استعداد للنسلخ من البشرية إل اللكية‪ .‬لتصي بالفعل‬
‫من جنس اللئكة وقتا من الوقات‪ .‬و ف لحة من اللمحات‪ .‬ث تراجع بشريتها و قد تلقت ف عال اللكية ما كفلت بتبليغه إل أبناء جنسها‬
‫من البشر‪ .‬و هذا هو معن الوحي و خطاب اللئكة‪ .‬و النبياء كلهم مفطورون عليه‪ .‬كأنه جبلة لم و يعالون ف ذلك النسلخ من‬
‫الشدة و الغطيط ما هو معروف عنهم‪ .‬و علومهم ف تلك الالة علم شهادة و عيان‪ ،‬ل يلحقه الطأ و الزلل‪ ،‬و ل يقع فيه الغلط و الوهم‪،‬‬
‫بل الطابقة فيه ذاتية لزوال حجاب الغيب و حصول الشهادة الواضحة‪ ،‬عند مفارقة هذه الالة إل البشرية‪ ،‬ل تفارق علمهم الوضوح‪.‬‬
‫استصحابا له من تلك الالة الول‪ ،‬و لا هم عليه من الذكاء الفضي بم إليها‪ ،‬يتردد ذلك فيهم دائما إل أن تكمل هداية المة الت بعثوا لا‬
‫كما ف قوله تعال‪ :‬إنا أنا بشر مثلكم يوحى إل أنا إلكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه‪ .‬فافهم ذلك و راجع ما قدمناه لك أول‬
‫الكتاب‪ ،‬ف أصناف الدركي للغيب‪ ،‬يتضح لك شرحه و بيانه‪ ،‬فقد بسطناه هنالك بسطا شافيا‪ .‬و ال الوفق‪.‬‬

‫الفصل الامس عشر ف أن النسان جاهل بالذات عال بالكسب‬


‫قد بينا أول هذه الفصول أن النسان من جنس اليوانات‪ ،‬و أن ال تعال ميزه عنها بالفكر الذي جعل له‪ ،‬يوقع به أفعاله على انتظام و هو‬
‫العقل التمييزي أو يقتنص به العلم بالراء و الصلح و الفاسد من أبناء جنسه‪ ،‬و هو العقل التجريب‪ ،‬أو يصل به ف تصور الوجودات غائبا‬
‫و شاهدا‪ ،‬على ما هي عليه‪ ،‬و هو العقل النظري‪ ،‬و هذا الفكر إنا يصل له بعد كمال اليوانية فيه‪ .‬و يبدأ من التمييز‪ ،‬فهو قبل التمييز خلو‬
‫من العلم بالملة‪ ،‬معدود من اليوانات‪ ،‬لحق ببدئه ف التكوين‪ ،‬من النطفة و العلقة و الضغة‪ .‬و ما حصل له بعد ذلك فهو با جعل ال له‬
‫من مدارك الس و الفئدة الت هي الفكر‪ .‬قال تعال ف المتنان علينا‪ :‬و جعل لكم السمع و البصار و الفئدة فهو ف الالة الول قبل‬
‫التمييز هيول فقط‪ .‬لهله بميع العارف‪ .‬ث تستكمل صورته بالع ل الذي يكتسبه بآلته‪ ،‬فكمل ذاته النسانية ف وجودها‪ .‬و انظر إل قوله‬
‫تعال مبدأ الوحي على نبيه اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق النسان من علق * اقرأ وربك الكرم * الذي علم بالقلم * علم النسان ما ل‬
‫يعلم أي أكسبه من العلم ما ل يكن حاصل له بعد أن كان علقة و مضغة فقد كشفت لنا طبيعته و ذاته ما هو عليه من الهل الذات و العلم‬
‫الكسب و أشارت إليه الية الكرية تقرر فيه المتنان عليه بأول مراتب وجوده‪ .‬و هي النسانية‪ .‬و حالتاه الفطرية و الكسبية ف أول التنيل‬
‫و مبدأ الوحي‪ .‬و كان ال عليما حكيما‪.‬‬
‫الفصل السادس عشر‪ :‬ف كشف الغطاء عن التشابه من الكتاب و السنة و‬
‫ما حدث لجل ذلك من طوائف السنية و البتدعة ف العتقادات‬
‫اعلم أن ال سبحانه بعث إلينا نبينا ممدا صلى ال عليه و سلم يدعونا إل النجاة و الفوز بالنعيم و أنزل عليه الكتاب الكري باللسان العرب‬
‫البي‪ .‬ياطبنا فيه بالتكاليف الفضية بنا إل ذلك‪ .‬و كان ف خلل هذا الطاب‪ ،‬و من ضروراته‪ ،‬ذكر صفاته سبحانه و أسائه‪ ،‬ليعرفنا‬
‫بذاته‪ ،‬و ذكر الروح التعلقة بنا‪ ،‬و ذكر الوحي و اللئكة‪ ،‬الوسائط بينه و بي رسله إلينا‪ .‬و ذكر لنا يوم البعث و إنذاراته و ل يعي لنا‬
‫الوقت ف شيء منه‪ .‬و ثبت ف هذا القرآن الكري حروفا من الجاء مقطعة ف أوائل بعض سوره‪ ،‬ل سبيل لنا إل فهم الراد با‪ .‬و سى هذه‬
‫النواع كلها من الكتاب متشابا‪ .‬و ذم على اتباعها فقال تعال‪ :‬هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات مكمات هن أم الكتاب وأخر‬
‫متشابات فأما الذين ف قلوبم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل ال والراسخون ف العلم يقولون آمنا‬
‫به كل من عند ربنا وما يذكر إل أولو اللباب‪ ،‬و حل العلماء من سلف الصحابة و التابعي هذه الية على أن الحكمات هي البينات‬
‫الثابتة الحكام‪ .‬و لذا قال الفقهاء ف اصطلحهم‪ :‬الحكم التضح العن‪ .‬و أما التشابات فلهم فيها عبارات‪ .‬فقيل هي الت تفتقر إل نظر و‬
‫تفسي تصحح معناها‪ ،‬لتعارضها مع آية أخرى أو مع العقل‪ ،‬فتخفى دللتها و تشتبه‪ .‬و على هذا قال ابن عباس‪ :‬التشابه يؤمن به و ل يعمل‬
‫به و قال ماهد و عكرمة‪ :‬كلما سوى آيات الحكام و القصص متشابه و عليه القاضي أبو بكر و إمام الرمي‪ .‬و قال الثوري و الشعب و‬
‫جاعة من علماء السلف‪ :‬التشابه‪ ،‬ما ل يكن سبيل إل علمه‪ ،‬كشروط الساعة و أوقات النذارات و حروف الجاء ف أوائل السور‪ ،‬و‬
‫قوله ف الية هن أم الكتاب أي معظمة و غالبة و التشابه أقله‪ ،‬و قد يرد إل الحكم‪ .‬ث ذم التبعي للمتشابه بالتأويل أو بملها على معان ل‬
‫تفهم منها ف لسان العرب الذي خوطبنا به‪ .‬وساهم أهل زيغ‪ ،‬أي ميل عن الق من الكفار و الزنادقة و جهلة أهل البدع‪ .‬و أن فعلهم ذلك‬
‫قصد الفتنة الت هي الشرك أو اللبس على الؤمني أو قصدا لتأويلها با يشتهونه فيقتدون به ف بدعتهم‪.‬‬
‫ث أخب سبحانه بأنه استأثر بتأويلها و ل يعلمه إل هو فقال‪ :‬و ما يعلم تأويله إل ال‪ .‬ث أثن على العلماء باليان با فقط‪ .‬فقال‪ :‬و‬
‫الراسخون ف العلم يقولون آمنا به‪ .‬و لذا جعل السلف و الراسخون مستأنفا و رجحوه على العطف لن اليان بالغيب أبلغ ف الثناء و مع‬
‫عطفه إنا يكون إيانا بالشاهد‪ .‬لنم يعلمون التأويل حينئذ فل يكون غيبا‪ .‬و يعضد ذلك قوله كل من عند ربنا و يدل على أن التأويل فيها‬
‫غي معلوم للبشر‪ .‬إن اللفاظ اللغوية إنا يفهم‪ .‬منها العان الت وضعها العرب لا‪ ،‬فإذا استحال إسناد الب إل مب عنه جهلنا مدلول الكلم‬
‫حينئذ‪ ،‬و إن جاءنا من عند ال فوضنا علمه إليه و ل نشغل أنفسنا بدلول نلتمسه‪ ،‬فل سبيل لنا إل ذلك‪ .‬و قد قالت عائشة رضي ال‬
‫عنها‪ :‬إذا رأيتم الذين يادلون ف القرآن‪ ،‬فهم الذين عن ال‪ ،‬فاحذروهم‪ .‬هذا مذهب السلف ف اليات التشابة‪ .‬و جاء ف السنة ألفاظ‬
‫مثل ذلك مملها عندهم ممل اليات لن النبع واحد‪.‬‬
‫و إذا تقررت أصناف التشابات على ما قلناه‪ ،‬فلنرجع إل اختلف الناس فيها‪ .‬فأما ما يرجع منها على ما ذكروه إل الساعة و أشراطها و‬
‫أوقات النذارات و عدد الزبانية وأمثال ذلك‪ ،‬فليس هذا و ال أعلم من التشابه‪ ،‬لنه ل يرد فيه لفظ ممل و ل غيه و إنا هي أزمنة‬
‫لادثات استأثر ال بعلمها بنصه ف كتابه و على لسان نبيه‪ .‬و قال‪ :‬إنا علمها عند ال‪ .‬و العجب من عدها من التشابه‪ .‬و أما الروف‬
‫القطعة ف أوائل السور فحقيقتها حروف الجاء و ليس ببعيد أن تكون مرادة‪ .‬و قد قال الزمشري‪ :‬فيها إشارة إل بعد الغاية ف العجاز‪،‬‬
‫لن القرآن النل مؤلف منها‪ ،‬و البشر فيها سواء‪ ،‬و التفاوت موجود ف دللتها بعد التأليف‪ .‬و إن عدل عن هذا الوجه الذي يتضمن‬
‫الدللة على القيقة فإنا يكون بنقل صحيح‪ ،‬كقولم ف طه‪ ،‬إنه نداء من طاهر و هادي و أمثال ذلك‪ .‬و النقل الصحيح متعذر‪ ،‬فيجيء‬
‫التشابه فيها من هذا الوجه‪ .‬و أما الوحي واللئكة و الروح و الن‪ ،‬فاشتباهها من حاء دللتها القيقية لنا غي متعارفة‪ ،‬فجاء التشابه فيها‬
‫من أجل ذلك‪ .‬و قد ألق بعض الناس با كل ما ف معناها من أحوال القيامة و النة والدجال و الفت و الشروط‪ ،‬و ما هو بلف العوائد‬
‫الألوفة‪ ،‬و هو غي بعيد‪ ،‬إل أن المهور ل يوافقونم عليه‪ .‬و سيما التكلمون فقد عينوا ماملها على ما تراه ف كتبهم‪ ،‬و ل يبق من التشابه‬
‫إل الصفات الت وصف ال با نفسه ف كتابه و على لسان نبيه‪ ،‬ما يوهم ظاهره نقصا أو تعجيزا‪ .‬و قد اختلف الناس ف هذه الظواهر من‬
‫بعد السلف الذين قررنا مذهبهم‪ .‬و تنازعوا و تطرقت البدع إل العقائد‪ .‬فلنشر إل بيان مذاهبهم و إيثار الصحيح منه على الفاسد فنقول‪ ،‬و‬
‫ما توفيقي إل بال‪ :‬اعلم أن ال سبحانه وصف نفسه ف كتابه بأنه عال‪ ،‬قادر‪ ،‬شديد‪ ،‬حي‪ ،‬سيع‪ ،‬بصي‪ .‬متكلم‪ ،‬جليل‪ ،‬كري‪ ،‬جواد‪،‬‬
‫منعم‪ ،‬عزيز‪ ،‬عظيم‪ .‬و كذا أثبت لنفسه اليدين و العيني و الوجه و القدم واللسان‪ ،‬إل غي ذلك من الصفات‪ :‬فمنها ما يقتضي صحة‬
‫ألوهية‪ .‬مثل العلم والقدرة و الرادة‪ .‬ث الياة الت هي شرط جيعها‪ ،‬و منها ما هي صفة كمال‪ ،‬كالسمع و البصر و الكلم‪ ،‬و منها ما‬
‫يوهم النقص كالستواء و النول و الجيء‪ ،‬و كالوجه و اليدين و العيني الت هي صفات الحدثات‪ .‬ث أخب الشارع أنا نرى ربنا يوم‬
‫القيامة كالقمر ليلة البدر‪ ،‬ل نضام ف رؤيته كما ثبت ف الصحيح‪.‬‬
‫فأما السلف من الصحابة و التابعي فأثبتوا له صفات اللوهية و الكمال و فوضوا إليه ما يوهم النقص ساكتي عن مدلوله‪ .‬ث اختلف الناس‬
‫من بعدهم و جاء العتزلة فأثبتوا هذه الصفات أحكاما ذهنية مردة‪ ،‬و ل يثبتوا صفة تقوم بذاته‪ .‬و سوا ذلك توحيدا‪ ،‬و جعلوا النسان‬
‫خالقا لفعاله‪ .‬و ل تتعلق با قدرة ال تعال‪ ،‬سيما الشرور و العاصي منها‪ ،‬إذ يتنع على الكيم فعلها‪ .‬و جعلوا مراعاة الصلح للعباد واجبة‬
‫عليه‪ .‬و سوا ذلك عدل‪ ،‬بعد أن كانوا أول يقولون بنفي القدر‪ ،‬و أن المر كله فستأنف بعلم حادث و قدرة و إرادة كذلك‪ ،‬كما ورد ف‬
‫الصحيح‪ .‬و أن عبد ال بن عمر تبأ من معبد الهن و أصحابه القائلي بذلك‪ .‬و انتهى نفي القدر إل واصل بن عطاء الغزال‪ ،‬منهم‪ ،‬تلميذ‬
‫السن البصري‪ ،‬لعهد عبد اللك بن مروان‪ .‬ث آخرا إل معمر السلمي و رجعوا عن القول به‪ .‬و كان منهم أبو الذيل العلف‪ ،‬و هو شيخ‬
‫العتزلة‪ .‬أخذ الطريقة عن عثمان بن خالد الطويل عن واصل‪ .‬و كان من صفات القدر‪ ،‬و اتبع رأي الفلسفة ف نفي الصفات الوجودية‬
‫لظهور مذاهبهم يومئذ‪.‬‬
‫ث جاء إبراهيم النظام‪ ،‬و قال بالقدر‪ ،‬و اتبعوه‪ .‬و طالع كتب الفلسفة و شدد ف نفي الصفات و قرر قواعد العتزال‪ .‬ث جاء الاحظ و‬
‫الكعب و البائي‪ .‬و كانت طريقتهم تسمى علم الكلم‪ :‬إما لا فيها من الجاج و الدال‪ .‬و هو الذي يسمى كلما‪ ،‬و إما أن أصل‬
‫طريقتهم نفي صفة الكلم‪ .‬فلهذا كأنا الشافعي يقول‪ :‬حقهم أن يضربوا بالريد و يطاف بم‪ .‬و قرر هؤلء طريقتهم أثبتوا منها و ردوا‪،‬‬
‫إل أن ظهر الشيخ أبو السن الشعري و ناظر بعض مشيختهم ف مسائل الصلح و الصلح‪ ،‬فرفض طريقتهم‪ ،‬و كان على رأي عبد ال‬
‫بن سعيد بن كلب و أب العباس القلنسي و الرث ابن أسد الحاسب من أتباع السلف و على طريقة السنة‪ .‬فأيد مقالتم بالجج‬
‫الكلمية و أثبت الصفات ل قائمة بذات ال تعال‪ ،‬من العلم و القدرة و الرادة الت يتم با دليل التمانع وتصح العجزات للنبياء‪ .‬و كان‬
‫من مذهبهم إثبات الكلم و السمع و البصر لنا وإن أوهم ظاهرا النقص بالصوت و الرف السمانيي‪ ،‬فقد وجد للكلم عند العرب‬
‫مدلول آخر غي الروف و الصوت‪ ،‬و هو ما يدور ف اللد‪ .‬و الكلم حقيقة فيه دون الول‪ ،‬فأثبتوها ل تعال و انتفى إيهام النقص‪ .‬و‬
‫أثبتوا هذه الضفة قدية عامة التعلق بشأن الصفات الخرى‪ .‬و صار القرآن اسا مشتركا بي القدي بذات ال تعال‪ .‬و هو الكلم النفسي و‬
‫الحدث الذي هو الروف الؤلفة القروءة بالصوات‪ .‬فإذا قيل قدي‪ ،‬فالراد الول‪ ،‬و إذا قيل مقروء‪ ،‬مسموع‪ ،‬فلدللة القراءة و الكتابة‬
‫عليه‪ .‬و تورع المام أحد بن حنبل من إطلق لفظ الدوث عليه‪ ،‬لنه ل يسمع من السلف قبله‪ :‬ل إنه يقول أن الصاحف الكتوبة قدية‪،‬‬
‫و ل أن القراءة الارية على السنة قدية‪ .‬و هو شاهدها فحدثه‪ .‬و إنا منعه من ذلك الورع الذي كان عليه‪ .‬و أما غي ذلك فإنكار‬
‫للضروريات‪ ،‬و حاشاة منه‪ .‬و أما السمع و البصر‪ ،‬و إن كان يوهم إدراك الارحة‪ .‬فهو يدل أيضا لغة على إدراك السموع و البصر و‬
‫ينتفي إيهام النقص حينئذ لنه حقيقة لغوية فيهما‪ .‬و أما لفظ الستواء و الجيء و النول و الوجه و اليدين و العيني و أمثال ذلك‪ ،‬فعدلوا‬
‫عن حقائقها اللغوية لا فيها من إيهام النقص بالتشبيه إل مازاتا‪ ،‬على طريقة العرب‪ ،‬حيث تتعذر حقائق اللفاظ‪ ،‬فيجعون إل الجاز‪ .‬كما‬
‫ف قوله تعال‪ :‬يريد أن ينقض و أمثاله‪ ،‬طريقة معروفة‪ .‬لم غي منكرة و ل مبتدعة‪ .‬وحلهم على هذا التأويل‪ ،‬و إن كان مالفا لذهب‬
‫السلف ف التفويض أن جاعة من أتباع السلف و هم الحدثون و التأخرون من النابلة ارتكبوا ف ممل هذه الصفات فحملوها على‬
‫صفات ثابتة ل تعال‪ ،‬مهولة الكيفية‪ .‬فيقولون ف استوى على العرش تثبت له استواء‪ ،‬بيث مدلول اللفظة‪ .‬فرارا من تعطيله‪ .‬و ل نقول‬
‫بكيفيته فرارا من القول بالتشبيه الذي تنفيه آيات السلوب‪ ،‬من قوله ليس كمثله شيء سبحان ال عما يصفون تعال ال عما يقول الظالون‬
‫ل يلد و ل يولد و ل يعلمون مع ذلك أنم ولوا من باب التشبيه ف قولم بإثبات استواء‪ ،‬و الستواء عند أهل اللغة إنا موضوعه الستقرار‬
‫و التمكن‪ .‬و هو جسمان‪ .‬و أما التعطيل الذي يشنعون بإلزامه‪ ،‬و هو تعطيل اللفظ‪ ،‬فل مذور فيه‪ .‬و إنا الحذور ف تعطيل اللة‪ .‬و‬
‫كذلك يشنعون بإلزام التكليف با ل يطاق و هو تويه‪ .‬لن التشابه ل يقع ف التكاليف‪ ،‬ث يدعون أن هذا مذهب السلف‪ ،‬و حاشا ل من‬
‫ذلك‪ .‬و إنا مذهب السلف ما قررناه أول من تفويض الراد با إل ال‪ ،‬و السكوت عن فهمها‪ .‬و قد يتجون لثبات الستواء ل بقول‬
‫مالك‪ :‬إن الستواء معلوم الثبوت ل و حاشاه من ذلك‪ ،‬لنة يعلم مدلول الستواء‪ .‬و إنا أراد أن الستواء معلوم من ال‪ ،‬و هو السمان‪.‬‬
‫و كيفيته أي حقيقته‪ .‬لن حقائق الصفات كلها كيفيات‪ ،‬و هي مهولة الثبوت ل‪ .‬و كذلك يتجون على إثبات الكان بديث السوداء‪ .‬و‬
‫أنا لا قال لا النب صلى ال عليه و سلم‪ :‬أين ال ؟ و قالت ف السماء‪ ،‬فقال أعتقها فإنا مؤمنة‪ .‬والنب صلى ال عليه و سلم ل يثبت لا‬
‫اليان بإثباتا الكان ل‪ ،‬بل لنا آمنت با جاء به من ظواهر‪ ،‬أن ال ف السماء‪ ،‬فدخلت ف جلة الراسخي الذين يؤمنون بالتشابه من غي‬
‫كشف عن معناه‪ .‬و القطع بنفي الكان حاصل من دليل العقل الناف للفتقار‪ .‬و من أدلة السلوب الؤذنة بالتنيه مثل ليس كمثله شيء‪،‬‬
‫وأشباهه‪ .‬و من قوله‪ :‬و هو ال ف السموات و ف الرض‪ ،‬إذ الوجود ل يكون ف مكاني‪ ،‬فليست ف هذا للمكان قطعا‪ ،‬و الراد غيه‪ .‬ث‬
‫طردوا ذلك الحمل الذي ابتدعوه ف ظواهر الوجه و العيني و اليدين‪ ،‬و النول و الكلم بالرف والصوت يعلون لا مدلولت أعم من‬
‫السمانية و ينهونه عن مدلول السمان منها‪ .‬و هذا شيء ل يعرف ف اللغة‪ .‬و قد درج على ذلك الول و الخر منهم و نافرهم أهل‬
‫السنة من التكلمي الشعرية و النفية‪ .‬و رفضوا عقائدهم ف ذلك‪ ،‬و وقع بي متكلمي النفية ببخارى و بي المام ممد بن إساعيل‬
‫البخاري ما هو معروف‪ .‬و أما الجسمة ففعلوا مثل ذلك ف إثبات السمية‪ .‬و أنا ل كالجسام‪ .‬و لفظ السم له يثبت ف منقول‬
‫الشرعيات‪ .‬و إنا جرأهم عليه إثبات هذه الظواهر‪ ،‬فلم يقتصروا عليه‪ ،‬بل توغلوا و أثبتوا السمية‪ .‬يزعمون فيها مثل ذلك و ينهونه بقول‬
‫متناقض سفساف‪ ،‬و هو قولم‪ :‬جسم ل كالجسام‪ .‬و السم ف لغة العرب هو العميق الحدود و غي هذا التفسي من أنه القائم بالذات أو‬
‫الركب من الواهر و غي ذلك‪ ،‬فاصطلحات للمتكلمي يريدون با غي الدلول اللغوي‪ .‬فلهذا كان الجسمة أوغل ف البدعة بل والكفر‪.‬‬
‫حيث أثبتوا ل وصفا موها يوهم النقص ل يرد ف كلمه‪ .‬و ل كلم نبيه‪ .‬فقد تبي لك الفرق بي مذاهب السلف و التكلمي السنية و‬
‫الحدثي والبتدعة من العتزلة و الجسمة با أطلعناك عليه‪ .‬و ف الحدثي غلة يسمون الشبه لتصريهم بالتشبيه‪ ،‬حت إنه يكى عن بعضهم‬
‫أنه قال‪ :‬أعفون من اللحية و الفرج و سلوا عما بدا لكم من سواها‪ .‬و إن ل يتأول ذلك لم‪ ،‬بأنم يريدون حصر ما ورد من هذه الظواهر‬
‫الوهة‪ .‬و حلها على ذلك الحمل الذي لئمتهم‪ ،‬و إل فهو كفر صريح و العياذ بال‪ .‬و كتب أهل السنة مشحونة بالجاج على هذه‬
‫البدع‪ .‬و بسط الرد عليهم بالدلة الصحيحة‪ .‬و إنا أومأنا إل ذلك إياء يتميز به فصول القالت و جلها‪ .‬و المد ل الذي هدانا لذا و ما‬
‫كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪.‬‬
‫و أما الظواهر الفية الدلة و الدللة‪ ،‬كالوحي و اللئكة و الروح و الن والبزخ و أحوال القيامة والدجال و الفت و الشروط‪ .‬و سائر ما‬
‫هو متعذر على الفهم أو مالف للعادات‪ ،‬فإن حلناه على ما يذهب إليه الشعرية ف تفاصيله‪ ،‬و هم أهل السنة‪ .‬فل تشابه‪ ،‬و إن قلنا فيه‬
‫بالتشابه‪ ،‬فلنوضح القول فيه بكشف الجاب عنه فنقول‪ :‬اعلم أن العال البشري أشرف العوال من الوجودات‪ ،‬و أرفعها‪ .‬و هو و إن‬
‫اتدت حقيقة النسانية فيه فله أطوار يالف كل واحد منها الخر بأحوال تتص به حت‪ ،‬كأن القائق فيها متلفة‪.‬‬
‫فالطور الول‪ :‬عاله السمان بسه الظاهر و فكره العاشي و سائر تصرفاته الت أعطاه إياها وجوده الاضر‪.‬‬
‫الطور الثان‪ :‬عال النوم‪ ،‬و هو تصور اليال بانفاذ تصوراته جائلة ف باطنه فيدرك منها بواسه الظاهرة مردة عن الزمنة و المكنة و سائر‬
‫الحوال السمانية‪ ،‬و يشاهدها ف إمكان ليس هو فيه‪ .‬و يدث للصال منها البشرى با يترقب من مسراته الدنيوية و الخروية‪ ،‬كما وعد‬
‫به الصادق صلوات ال عليه‪ .‬و هذان الطوران عامان ف جيع أشخاص البشر‪ ،‬و ها متلفان ف الدارك كما تراه‪.‬‬
‫الطور الثالث‪ :‬طور النبوة‪ ،‬و هو خاص بإشراف صنف البشر با خصهم ال به من معرفته و توحيده‪ .‬و تنل ملئكته عليهم بوحيه‪ .‬و‬
‫تكليفهم بإصلح البشر ف أحوال كلها مغايرة للحوال البشرية الظاهرة‪.‬‬
‫الطور الرابع‪ :‬طور الوت الذي تفارق أشخاص البشر فيه حياتم الظاهرة إل وجود قبل القيامة يسمى البزخ يتنعمون فيه و يعذبون على‬
‫حسب أعمالم ث يفضون إل يوم القيامة الكبى‪ ،‬و هي دار الزاء الكب نعيما و عذابا ف النة أو ف النار‪.‬‬
‫و الطوران الولن شاهدها وجدان‪ .‬و الطور الثالث النبوي شاهده العجزة و الحوال الختصة بالنبياء‪ ،‬و الطور الرابع شاهده ما تنل‬
‫على النبياء من وحي ال تعال ف العاد و أحوال البزخ و القيامة‪ ،‬مع أن العقل يقتضي به‪ ،‬كما نبهنا ال عليه‪ ،‬ف كثي من آيات البعثة‪ .‬و‬
‫من أوضح الدللة على صحتها أن أشخاص النسان لو ل يكن لم وجود آخر بعد الوت غي هذه الشاهد يتلقى فيه أحوال تليق به‪ .‬لكان‬
‫إياده الول عبثا‪ .‬إذ الوت إذا كان عدما كان مآل الشخص إل العدم‪ .‬فل يكون لوجوده الول حكمة‪ .‬و العبث على الكيم مال‪ .‬وإذا‬
‫تقررت هذه الحوال الربعة‪ ،‬فلنأخذ ف بيان مدارك النسان فيها كيف تتلف اختلفا بينا يكشف لك غور التشابه‪ .‬فأما مداركه ف الطور‬
‫الول فواضحة جلية‪ .‬قال ال تعال‪ :‬وال أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والبصار والفئدة‪ .‬فبهذه الدارك‬
‫يستول على ملكات العارف و يستكمل حقيقة إنسانية و يوف حق العبادة الفضية به إل النجاة‪.‬‬
‫و أما مداركه ف الطور الثان‪ .‬و هو طور النوم‪ .‬فهي الدارك الت ف الس الظاهر بعينها‪ .‬لكن ليست ف الوارح كما هي ف اليقظة‪ .‬لكن‬
‫الرأي يتيقن كل شيء أدركه ف نومه ل يشك فيه و ل يرتاب‪ .‬مع خلو الوارح عن الستعمال العادي لا‪ .‬و الناس ف حقيقة هذه الال‬
‫فريقان‪ :‬الكماء‪ ،‬يزعمون أن الصور اليالية يدفعها اليال بركة الفكر إل الس الشترك الذي هو الفصل الشترك بي الس الظاهر و‬
‫الس الباطن‪ .‬فتصور مسوسة بالظاهر ف الواس كلها‪ .‬و يشكل عليهم هذا بأن الرائي الصادقة الت هي من ال تعال أو من اللك أثبت و‬
‫أرسخ ف الدراك من الرائي اليالية الشيطانية‪ ،‬مع أن اليال فيها على ما قرروه واحد‪.‬‬
‫الفريق الثان‪ :‬التكلمون‪ .‬أجلوا فيها القول‪ .‬و قالوا‪ :‬هو إدراك يلقه ال ف الاسة فيقع كما يقع ف اليقظة‪ .‬و هذا أليق و إن كنا ل نتصور‬
‫كيفيته‪.‬‬
‫و هذا الدراك النومي أوضح شاهد على ما يقع بعده من الدارك السية ف الطوار‪.‬‬
‫و أما الطور الثالث‪ ،‬و هو طور النبياء‪ .‬فالدارك السية فيها مهولة الكيفية‪ .‬عند وجدانيته عندهم بأوضح من اليقي‪ .‬فيى النب ال و‬
‫اللئكة‪ .‬و يسمع كلم ال منه أو من اللئكة‪ .‬و يرى النة و النار‪ ،‬و العرش و الكرسي‪ ،‬و يترق السموات السبع ف إسرائه و يركب‬
‫الباق فيها‪ ،‬و يلقى النبيي هنالك‪ .‬و يصلى بم‪ ،‬و يدرك أنواع الدارك السية كما يدرك ف طوره السمان و النومي‪ ،‬بعلم ضروري يلقه‬
‫ال له‪ ،‬ل بالدراك العادي للبشر ف الوارح‪ .‬و ل يلتفت ف ذلك إل ما يقوله ابن سينا من تنيله أمر النبوة على أمر النوم ف دفع اليال‬
‫صورة إل الس الشترك‪ .‬فإن الكلم عليهم هنا أشد من الكلم ف النوم‪ ،‬لن هذا التنيل طبيعة واحدة كما قررناه‪ ،‬فيكون على هذا حقيقة‬
‫الوحي و الرؤيا من النب واحدة ف يقينها و حقيقتها‪ .‬و ليست كذلك على ما علمت من رؤيا النب صلى ال عليه و سلم قبل الوحي ستة‬
‫أشهر و أنا كانت بدة الوحي و مقدمته‪ .‬و يشعر ذلك بأنه رؤية ف القيقة‪ .‬و كذلك حال الوحي ف نفسه فقد كان يصعب عليه و‬
‫يقاسي منه شدة كما هي ف الصحيح‪ .‬حت كان القرآن يتنل عليه آيات مقطعات‪ .‬و بعد ذلك نزل عليه براءة ف غزوة تبوك جلة واحدة‪،‬‬
‫و هو يسي على ناقته‪ .‬فلو كان ذلك من تنل الفكر إل اليال فقط‪ ،‬و من اليال إل الس الشترك‪ ،‬ل يكن بي هذه الالت فرق‪ .‬و أما‬
‫الطور الرابع‪ ،‬و هو طور الموات ف برزخهم الذي أوله القب‪ .‬و هم مردون عن البدن‪ .‬أو ف بعثتهم عندما يرجعون إل الجسام‪.‬‬
‫فمداركهم السية موجودة‪ ،‬فيى اليت ف قبه اللكان يسألنه‪ .‬و يرى مقعده من النة أو النار بعين رأسه‪ ،‬و يرى شهود النازة و يسمع‬
‫كلمهم و خفق نعالم ف النصراف عنه‪ ،‬و يسمع ما يذكرونه به من التوحيد أو من تقرير الشهادتي‪ ،‬و غي ذلك‪ .‬و ف الصحيح أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه و سلم وقف على قليب بدر و فيه قتلى الشركي من قريش‪ ،‬و ناداهم بأسائهم‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسول ال ! أتكلم‬
‫هؤلء اليف ؟ فقال صلى ال عليه و سلم‪ :‬و الذي نفسي بيده‪ ،‬ما أنتم بأسع منهم لا أقول‪ .‬ث ف البعثة يوم القيامة يعاينون بأسائهم و‬
‫أبصارهم كما كانوا يعاينون ف الياة من نعيم النة على مراتبه و عذاب النار على مراتبه‪ ،‬و يرون اللئكة و يرون ربم‪ ،‬كما ورد ف‬
‫الصحيح‪ :‬إنكم ترون ربكم يوم القيامة‪ ،‬كالقمر ليلة البدر ل تضامون ف رؤيته‪ .‬و هذه الدارك ل تكن لم ف‪ .‬الياة الدنيا و هي حسية‬
‫مثلها‪ .‬و تقع ف الوارح بالعلم الضروري الذي يلقه ال كما قلناه‪ .‬و سر هذا أن تعلم أن النفس النسانية هي تنشأ بالبدن و بداركه‪ ،‬فإذا‬
‫فارقت البدن بنوم أو بوت أو صار النب حالة الوحي من الدارك البشرية إل الدارك اللكية‪ ،‬فقد استصبحت ما كان معها من الدارك‬
‫البشرية مردة عن الوارح‪ ،‬فيدرك با ف ذلك الطور أي إدراك شاءت منها‪ ،‬أرفع من إدراكها‪ ،‬و هي ف السد‪ .‬قاله الغزال رحه ال‪ ،‬و‬
‫زاد على ذلك أن النفس النسانية صورة تبقى لا‪ .‬بعد الفارقة فيها العينان و الذنان و سائر الوارح الدركة أمثال لا‪ ،‬كان ف البدن و‬
‫صورا‪.‬‬
‫و أنا أقول‪ :‬إنا يشي بذلك إل اللكات الاصلة من تصريف هذه الوارح ف بدنا زيادة على الدراك‪ .‬فإذا تفطنت لذا كله علمت أن هذه‬
‫الدارك موجودة ف الطوار الربعة لكن ليس على ما كانت ف الياة الدنيا‪ ،‬و إنا هي تتلف بالقوة و الضعف بسب ما يعرض لا من‬
‫الحوال‪ .‬و يشي التكلمون إل ذلك إشارة مملة بأن ال يلق فيها علما ضروريا بتلك الدارك‪ .‬أي مدرك كان‪ ،‬و يعنون به هذا القدر‬
‫الذي أوضحناه‪ .‬و هذه نبذة أومأنا با إل ما يوضح القول ف التشابه‪ .‬و لو أوسعنا الكلم فيه لقصرت الدارك عنه‪ .‬فلنفرع إل ال سبحانه‬
‫ف الداية و الفهم عن أنبيائه و كتابه‪ ،‬با يصل به الق ف توحيدنا‪ .‬و الظفر بنجاتنا و ال يهدي من يشاء‪.‬‬
‫الفصل السابع عشر‪ :‬ف علم التصوف‬
‫هذا العلم من العلوم الشرعية الادثة ف اللة و أصله أن طريقة هؤلء القوم ل تزل عند سلف المة و كبارها من الصحابة و التابعي و من‬
‫بعدهم طريقة الق والداية و أصلها العكوف على العبادة و النقطاع إل ال تعال و العراض عن زخرف الدنيا و زينتها‪ ،‬و الزهد فيما‬
‫يقبل عليه المهور من لذة و مال و جاه والنفراد عن اللق ف اللوة للعبادة و كان ذلك عاما ف الصحابة و السلف‪ .‬فلما فشا القبال‬
‫على الدنيا ف القرن الثان و ما بعده و جنح الناس إل مالطة الدنيا اختص القبلون على العبادة باسم الصوفية و التصوفة‪ .‬و قال القشيي‬
‫رحه ال‪ :‬ول يشهد لذا السم اشتقاق من جهة العربة و ل قياس‪ .‬و الظاهر أنه لقب‪ .‬و من قال اشتقاقه من الصفاء أو من الصفة فبعيد من‬
‫جهة القياس اللغوي‪ ،‬قال‪ :‬و كذلك من الصوف لنم ل يتصوا بلبسه‪ .‬قلت‪ :‬و الظهر إن قيل بالشتقاق أنه من الصوف و هم ف الغالب‬
‫متصون بلبسه لا كانوا عليه من فخالفه الناس ف لبس فاخر الثياب إل لبس الصوف فلما اختص هؤلء بذهب الزهد و النفراد عن اللق‬
‫و القبال على العبادة اختصوا بآخذ مدركة لم و ذلك أن النسان با هو إنسان إنا يتميز عن سائر اليوان بالدراك و إدراكه نوعان‪:‬‬
‫إدراك للعلوم و العارف من اليقي و الفن و الشك و الوهم و إدراك للحوال القائمة من الفرح و الزن و القبض و البسط و الرضى و‬
‫الغضب و الصب و الشكر و أمثال ذلك‪ .‬فالروح العاقل والتصرف ف البدن تنشأ من إدراكات و إرادات و أحوال و هي الت ييز با‬
‫النسان‪ .‬و بعضها ينشأ من بعض كما ينشأ العلم من الدلة و الفرح و الزن عن إدراك الؤل أو التلذذ به و النشاط عن المام و الكسل‬
‫عن العياء‪ .‬و كذلك الريد ف ماهدته و عبادته لبد و أن ينشأ له عن ف ماهدة حال نتيجة تلك الجاهدة‪ .‬و تلك الال إما أن تكون‬
‫نوع عبادة فترسخ و تصي مقاما للمريد و إما أن ل تكون عبادة و إنا تكون صفة حاصلة للنفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو‬
‫غي ذلك من القامات‪ .‬و ل يزال الريد يترقى من مقام إل مقام إل أن ينتهي إل التوحيد و العرفة الت هي الغاية الطلوبة للسعادة‪ .‬قال‬
‫صلى ال عليه و سلم‪ :‬من مات يشهد أن ل إله إل ال دخل النة فالريد لبد له من الترقي ف هذه الطوار و أصلها كلها الطاعة و‬
‫الخلص و يتقدمها اليان و يصاحبها‪ ،‬و تنشأ عنها الحوال و الصفات نتائج و ثرات‪ .‬ث تنشأ عنها أخرى و أخرى إل مقام التوحيد و‬
‫العرفان‪ .‬و إذا وقع‪ ،‬تقصي ف النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنا أتى من قبل التقصي ف الذي قبله‪ .‬و كذلك ف الواطر النفسانية و الواردات‬
‫القلبية‪ .‬فلهذا يتاج الريد إل ماسبة نفسه ف سائر أعماله و ينظر ف حقائقها لن حصول النتائج عن العمال ضروري و تصورها من‬
‫اللل فيها كذلك‪ .‬و الريد يد ذلك بذوقه و ياسب نفسه على أسبابه‪ .‬و ل يشاركهم ف ذلك إل القليل من الناس لن الغفلة عن هذا‬
‫كأنا شاملة‪ .‬و غاية أهل العبادات إذا ل ينتهوا إل هذا النوع أنم يأتون بالطاعات ملصة من نظر الفقه ف الجزاء و المتثال‪ .‬و هؤلء‬
‫يبحثون عن نتائجها بالذواق و الواجد ليطلعوا على أنا خالصة من التقصي أو ل‪ ،‬فظهر أن أصل طريقتهم كلها ماسبة النفس على الفعال‬
‫و التروك و الكلم ف هذه الذواق و الواجد الت تصل عن الجاهدات ث تستقر للمريد مقاما يترقى منها إل غيها ث لم مع ذلك آداب‬
‫مصوصة بم و اصطلحات ف ألفاظ تدور بينهم إذ الوضاع اللغوية إنا هي للمعان التعارفة‪ .‬فإذا عرض من العان ما هو غي متعارف‬
‫اصطلحنا عن التعبي عنه بلفظ يتيسر فهمة منه‪ .‬فلهذا اختص هؤلء بذا النوع من العلم الذي ليس لواحد غيهم من أهل الشريعة الكلم‬
‫فيه‪ .‬و صار علم الشريعة على صنفي‪ :‬صنف مصوص بالفقهاء و أهل الفتيا و هي الحكام العامة ف العبادات و العادات و العاملت‪ .‬و‬
‫صنف مصوص بالقوم ف القيام بذه الجاهدة و ماسبة النفس عليها و الكلم ف الذواق و الواجد العارضة ف طريقها و كيفية الترقي منها‬
‫من ذوق إل ذوق و شرح الصطلحات الت تدور بينهم ف ذلك‪ .‬فلما كتبت العلوم و دونت و ألف الفقهاء ف الفقه و أصوله و الكلم و‬
‫التفسي وغي ذلك‪ .‬كتب رجال من أهل هذه الطرقة ف طريقهم فمنهم من كتب ف الورع و ماسبة النفس على القتداء ف الخذ و الترك‬
‫كما فعله القشيي ف كتاب الرسالة و السهرودي ف كتاب عوارف العارف و أمثالم‪ .‬و جع الغزال رحه ال بي المرين ف كتاب‬
‫الحياء فدون فيه أحكام الورع و القتداء ث بي آداب القوم وسننهم و شرح اصطلحاتم ف عباراتم و صار علم التصوف ف اللة علما‬
‫مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط و كانت أحكامها إنا تتلقى من صدور الرجال كما وقع ف سائر العلوم الت دونت بالكتاب من‬
‫التفسي و الديث و الفقه والصول و غي ذلك‪ .‬ث إن هذه الجاهدة و اللوة و الذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الس و الطلع على‬
‫عوال من أمر ال ليس لصاحب الس إدراك شيء منها‪ .‬و الروح من تلك العوال‪ .‬و سبب هذا الكشف أن‪ .‬الروح إذا رجع ف الس‬
‫الظاهر إل الباطن ضعفت أحوال الس و قويت أحوال الروح و غلب سلطانه و تدد نشؤه أعان على ذلك الذكر فإنه كالغذاء لتنمية‬
‫الروح و ل يزال ف نو و تزيد إل أن يصي شهودا بعد أن كان علما‪ .‬و يكشف حجاب الس‪ ،‬و يتم وجود النفس الت لا من ذاتا‪ .‬و هو‬
‫عي الدراك‪ .‬فيتعرض حينئذ للمواهب الربانية و العلوم اللدنية و الفتح اللي و تقرب ذاته ف تقيق حقيقتها من الفق العلى أفق اللئكة‪.‬‬
‫و هذا الكشف كثيا ما يعرض لهل الجاهدة فيدركون من حقائق الوجود مال يدرك سواهم و كذلك يدركون كثيا من الواقعات قبل‬
‫وقوعها و يتصرفون بممهم و قوى نفوسهم ف الوجودات السفلية و تصي طوع إرادتم‪ .‬فالعظماء منهم ل يعتبون هذا الكشف و ل‬
‫يتصرفون و ل يبون عن حقيقة شيء ل يؤمروا بالتكلم فيه بل يعدون ما يقع لم من ذلك منة و يتعوذون منة إذا هاجهم‪ .‬و قد كان‬
‫الصحابة رضي ال عنهم على مثل هذه الجاهدة و كان حظهم من هذه الكرامات أوفر الظوظ لكنهم ل يقع لم با عناية‪ .‬و ف فضائل‬
‫أب بكر و عمر و عثمان و علي رضي ال عنهم كثي منها‪ .‬و تبعهم ف ذلك أهل الطريقة من اشتملت رسالة القشيي على ذكرهم و من‬
‫تبع طريقتهم من بعدهم‪ .‬ث إن قوما من التأخرين انصرفت عنايتهم إل كشف الجاب و الكلم ف الدارك الت وراءه و اختلفت طرق‬
‫الرياضة عنهم ف ذلك باختلف تعليمهم ف إماتة القوى السية و تغذية الروح العاقل بالذكر حت يصل للنفس إدراكها الذي لا من ذاتا‬
‫بتمام نشوتا و تغذيتها فإذا حصل ذلك زعموا أن الوجود قد انصر ف مداركها حينئذ و أنم كشفوا ذوات الوجود و تصوروا حقائقها‬
‫كلها من العرش ث إل الطش‪ .‬هكذا قال الغزال رحه ال ف كتاب الحياء بعد أن ذكر صورة الرياضة‪ .‬ث إن هذا الكشف ل يكون‬
‫صحيحا كامل عندهم إل إذا كان ناشئا عن الستقامة لن الكشف قد يصل لصاحب الوع و اللوة و إن ل يكن هناك استقامة‬
‫كالسحرة و غيهم من الرتاضي‪ .‬و ليس مرادنا إل الكشف الناشئ عن الستقامة و مثاله أن الرآة الصقيلة إذا كانت مدبة أو مقعرة و‬
‫حوذي با جهة الرئي فإنه يتشكل فيه معوجا على غي صورته‪ .‬و إن كانت مسطحة تشكل فيها الرئي صحيحا‪ .‬فالستقامة للنفس‬
‫كالنبساط للمرآة فيما ينطبع فيها من الحوال‪ .‬و لا عن التأخرون بذا النوع من الكشف تكلموا ف حقائق الوجودات العلوية و السفلية‬
‫و حقائق اللك و الروح و العرش و الكرسي و أمثال ذلك‪ .‬و قصرت مدارك من ل يشاركهم ف طريقهم عن فهم أذواقهم و مواجدهم ف‬
‫ذلك‪ .‬و أهل الفتيا بي فنكر عليهم و مسلم لم‪ .‬و ليس البهان و الدليل بنافع ف هذا الطريق ردا و قبول إذ هي من قبيل الوجدانيات‪.‬‬
‫تفصيل و تقيق‪ :‬يقع كثيا ف كلم أهل العقائد من علماء الديث و الفقه أن ال تعال مباين لخلوقاته‪ .‬و يقع للمتكلمي أنة ل مباين و ل‬
‫متصل‪ .‬و يقع للفلسفة أنة ل داخل العال و ل خارجه‪ .‬و يقع للمتأخرين من التصوفة أنه متحد بالخلوقات‪ :‬إما بعن اللول فيها‪ ،‬أو بعن‬
‫إنه هو عينها‪ .‬و ليس هناك غيه جلة و ل تفصيل‪ .‬فلنبي تفصيل هذه الذاهب و نشرح حقيقة كل واحد منها‪ ،‬حت تتضح معانيها فنقول‪،‬‬
‫إن الباينة تقال لعنيي‪:‬‬
‫أحدها الباينة ف اليز و الهة‪ ،‬و يقابله التصال‪ .‬و نشعر هذه القابلة على هذه التقيد‪ .‬بالكان إما صريا و هو تسيم‪ ،‬أو لزوما و هو‬
‫تشبيه من قبيل القول بالهة‪ .‬و قد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بذه الباينة‪ ،‬فيحتمل غي هذا العن‪ .‬و من أجل ذلك أنكر‬
‫التكلمون هذه الباينة وقالوا‪ :‬ل يقال ف البارئ أنة مباين ملوقاته‪ ،‬و ل متصل با‪ ،‬لن ذلك إنا يكون للمتحيزات‪ .‬و ما يقال من أن الحل‬
‫ل يلو عي التصاف بالعن و ضده‪ .‬فهو مشروط بصحة التصاف أول‪ ،‬و أما مع امتناعه فل‪ ،‬بل يوز اللو عن العن و ضده‪ .‬كما يقال‬
‫ف الماد‪ ،‬ل عال و ل جاهل‪ ،‬و ل قادر و ل عاجز ول كاتب و ل أمي‪ .‬و صحة التصاف بذه الباينة مشروط بالصول ف الهة على‬
‫ما تقرر من مدلولا‪ .‬و البارئ سبحانه منه عن ذلك‪ .‬ذكره ابن التلمسان ف شرح اللمع لمام الرمي و قال‪ :‬و ل يقال ف البارئ مباين‬
‫للعال و ل متصل به‪ ،‬و ل داخل فيه و ل خارج عنة‪ .‬و هو معن ما يقول الفلسفة أنة ل داخل العال و ل خارجه‪ ،‬يناء على وجود الواهر‬
‫غي التحيزة‪ .‬و أنكرها التكلمون لا يلزم من مساواتا للبارئ ف أخص الصفات‪ .‬و هو مبسوط ف علم الكلم‪.‬‬
‫وأما العن الخر للمباينة‪ ،‬فهو الغايرة و الخالفة فيقال‪ :‬البارئ مباين لخلوقاته ف ذاته و هويته و وجوده و صفاته‪ .‬و يقابله التاد و‬
‫المتزاج والختلط‪ .‬و هذه الباينة هي مذهب أهل الق كلهم من جهور السلف و علماء الشرائع و التكلمي و التصوفة القدمي أهل‬
‫الرسالة و من نا منحاهم‪ .‬و ذهب جاعة من التصوفة التأخرين الذين صيوا الدارك الوجدانية علمية نظرية‪ ،‬إل أن البارئ تعال متحد‬
‫بخلوقاته ف هويته و وجوده و صفاته‪ .‬و ربا زعموا أنة مذهب الفلسفة قبل أرسطو‪ ،‬مثل أفلطون و سقراط‪ ،‬و هو الذي يقينه التكلمون‬
‫حيث ينقلونه ف علم الكلم عن التصوفة و ياولون الرد عليه لنه ذاتان‪ ،‬تنتفي إحداها‪ ،‬أو تندرج اندراج الزء‪ .‬فإن تلك مغايرة صرية‪.‬‬
‫و ل يقولون بذلك‪ .‬و هذا التاد هو اللول الذي تدعيه النصارى ف السيح عليه السلم و هو أغرب لنه حلول قدي ف مدث أو اتاده‬
‫به‪ .‬و هو أيضا عي ما تقوله المامية من الشيعة ف الئمة‪ .‬و تقرير هذا التاد ف كلمهم على طريقي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن ذات القدي كائنة ف الحدثات مسوسها و معقولا‪ ،‬متحدة با ف التصورين‪ ،‬و هي كلها مظاهر له‪ ،‬و هو القائم عليها‪ ،‬أي‬
‫القدم لوجودها بعن لوله كانت عدما و هو رأي أهل اللول‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬طريق أهل الوحدة الطلقة و كأنم استشعروا من تقرير أهل اللول الغيية النافية لعقول التاد‪ ،‬فنفوها بي القدي و بي الخلوقات‬
‫ف الذات و الوجود و الصفات‪ .‬و غالطوا ف غيية الظاهر الدركة بالس و العقل بأن ذلك من الدارك البشرية‪ ،‬و هي أوهام‪ .‬و ل يريدون‬
‫الوهم الذي هو قسيم العلم و الفن و الشك‪ ،‬إنا يريدون أنا كلها عدم ف القيقة‪ ،‬و وجود ف الدرك البشري فقط‪ .‬و ل وجود بالقيقة‬
‫إل للقدي‪ ،‬ل ف الظاهر و ل ف الباطن كما نقرره بعد‪ ،‬بسب المكان‪ .‬و التعويل ف تعقل ذلك على النظر و الستدلل‪ ،‬كما ف الدارك‬
‫البشرية‪ ،‬غي مفيد‪ ،‬لن ذلك إنا نقل من الدارك اللكية‪ ،‬وإنا هي حاصلة للنبياء بالفطرة و من بعدهم للولياء بدايتهم‪ .‬و قصد من يقصد‬
‫الصول عليها بالطريقة العلمية ضلل‪ .‬و ربا قصد بعض الصنفي ذلك ف كشف الوجودات و ترتيب حقائقه على طريق أهل الظاهر فأتى‬
‫يالغمض فالغمض‪.‬‬
‫و ربا قصد بعض الصنفي بيان مذهبهم ف كشف الوجود و ترتيب حقائقه فأتى بالغمض فالغمض بالنسبة إل أهل النظر و‬
‫الصطلحات و العلوم كما فعل الفرغان شارح قصيدة ابن الفارض ف الديباجة الت كتبها ف صدر ذلك الشرح فإنه ذكر ف صدور‬
‫الوجود عن الفاعل و ترتيبه أن الوجود كله صادر عن صفة الوحدانية الت هي مظهر الحدية و ها معا صادران عن الذات الكرية الت هي‬
‫عي الوحدة ل غي‪ .‬و يسمون هذا الصدور بالتجلي‪ .‬و أول مراتب التجليات عندهم تلي الذات على نفسه و هو يتضمن الكمال بإفاضة‬
‫الياد و الظهور لقوله ف الديث الذي يتناقلونه‪ :‬كنت كنا مفيا فأحببت أن أعرف فخلقت اللق ليعرفون و هذا الكمال ف الياد‬
‫التنل ف الوجود و تفصيل القائق و هو عندهم عال العان و الضرة الكمالية و القيقة الحمدية و فيها حقائق الصفات و اللوح و القلم‬
‫و حقائق النبياء و الرسل أجعي و الكمل من أهل اللة الحمدية‪ .‬و هذا كله تفصيل القيقة الحمدية‪ .‬و يصدر عن هذه القائق حقائق‬
‫أخرى ف الضرة البائية و هي مرتبة الثال ث عنها العرش ث الكرسي ث الفلك‪ ،‬ث عال العناصر‪ ،‬ث عال التركيب‪ .‬هذا ف عال الرتق فإذا‬
‫تلت فهي ف عال الفتق‪ .‬و يسمى هذا الذهب مذهب أهل التجلي و الظاهر و الضرات و هو كلم ل يقتدر أهل النظر إل تصيل‬
‫مقتضاه لغموضه و انغلقه و بعد ما بي كلم صاحب الشاهدة و الوجدان و صاحب الدليل‪ .‬و ربا أنكر بظاهر الشرع‪ .‬هذا الترتيب و‬
‫كذلك ذهب آخرون منهم إل القول بالوحدة الطلقة و هو رأي أغرب من الول ف تعقله و تفاريعه‪ .‬يزعمون فيه أن الوجود له قوى ف‬
‫تفاصيله با كانت حقائق الوجودات و صورها و موادها‪ .‬و العناصر إنا كانت با فيها من القوى و كذلك مادتا لا ف نفسها قوة با كان‬
‫وجودها‪ .‬ث إن الركبات فيها تلك القوى متضمنة ف القوة الت كان با التركيب‪ ،‬كالقوة العدنية فيها قوى العناصر بيولها و زيادة القوة‬
‫العدنية ث القوة اليوانية تتضمن القوة العدنية و زيادة قوتا ف نفسها و كذا القوة النسانية مع اليوانية ث الفلك يتضمن القوة النسانية و‬
‫زيادة‪ .‬و كذا الذوات الروحانية و القوة الامعة للكل من غي تفصيل هي القوة اللية الت انبثت ف جيع الوجودات كلية و جزئية و‬
‫جعتها و أحاطت با من كل وجه‪ .‬ل من جهة الظهور و ل من جهة الفاء و ل من جهة الصورة و ل من جهة الادة فالكل واحد و هو‬
‫نفس الذات اللية و هي ف القيقة واحدة بسيطة و العتبار هو الفصل لا كالنسانية مع اليوانية‪ .‬أل ترى أنا مندرجة فيها و كائنة‬
‫بكونا‪ .‬فتارة يثلونا بالنس مع النوع‪ ،‬ف كل موجود كما ذكرناه و تارة بالكل مع الزء على طريقة الثال‪ .‬و هم ف هذا كله يفرون من‬
‫التركيب و الكثرة بوجه من الوجوه و إنا أوجبها عندهم الوهم و اليال‪ .‬و الذي يظهر من كلم ابن دهقان ف تقرير هذا الذهب أن‬
‫حقيقة ما يقولونه ف الوحدة شبيه با تقوله الكماء ف اللوان من أن وجودها مشروط بالضوء فإذا عدم الضوء ل تكن اللوان موجودة‬
‫بوجه‪ .‬و كذا عندهم الوجودات الحسوسة كلها مشروطة بوجود الدرك السي‪ ،‬بل و الوجودات العقولة و التوهة أيضا مشروطة بوجود‬
‫الدرك العقلي فإذا الوجود الفصل كله مشروط بوجود الدرك البشري‪ .‬فلو فرضنا عدم الدرك البشري جلة ل يكن هناك تفصيل الوجود‬
‫بل هو بسيط واحد فالر و البد و الصلبة و اللي بل والرض و الاء و النار و السماء و الكواكب‪ ،‬إنا وجدت لوجود الواس الدركة لا‬
‫لا جعل ف الدرك من التفصيل الذي ليس ف الوجود و إنا هو ف الدارك فقط فإذا فقدت الدارك الفصلة فل تفصيل إنا هو إدراك واحد و‬
‫هو أنا ل غيه‪ .‬و يعتبون ذلك بال النائم فإنه إذا نام و فقد الس الظاهر فقد كل مسوس و هو ف تلك الال إل ما يفصله له اليال‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فكذا اليقظان إنا يعتب تلك الدركات كلها على التفصيل بنوع مدركه البشري ولو قدر فقد مدركه فقد التفصيل و هذا هو معن‬
‫قولم الوهم ل الوهم الذي هو من جلة الدارك البشرية‪ .‬هذا ملخص رأيهم على ما يفهم من كلم ابن دهقان و هو ف غاية السقوط لنا‬
‫نقطع بوجود البلد الذي نن مسافرون عنه و إليه يقينا مع غيبته عن أعيننا و بوجود السماء الظلة و الكواكب و سائر الشياء الغائبة عنا‪ .‬و‬
‫النسان قاطع بذلك و ل يكابر أحد نفسه ف اليقي مع أن الحققي من التصوفة التأخرين يقولون إن الريد عند الكشف ربا يعرض له‬
‫توهم هذه الوحدة و يسمى ذلك عندهم مقام المع ث يترقى عنه إل التمييز بي الوجودات و يعبون عن ذلك بقام الفرق و هو مقام‬
‫العارف الحقق و لبد للمريد عندهم من عقبة المع و هي عقبة صعبة لنه يشى على الريد من وقوفه عندها فتخسر صفقته فقد تبينت‬
‫مراتب أهل هذه الطريقة ث إن كل هؤلء التأخرين من التصوفة التكلمي ف الكشف و فيما وراء الس توغلوا ف ذلك فذهب الكثي منهم‬
‫إل اللول و الوحدة كما أشرنا إليه و ملئوا الصحف منه مثل الروي ف كتاب القامات له و غيه‪ .‬و تبعهم ابن العرب و ابن سبعي و‬
‫تلميذها ابن العفيف وابن الفارض و النجم السرائيلي ف قصائدهم‪ .‬و كان سلفهم مالطي للساعيلية التأخرين من الرافضة الدائني أيضا‬
‫باللول و إلية الئمة مذهبا ل يعرف لولم فأشرب كل واحد من الفريقي مذهب الخر‪ .‬و اختلط كلمهم و تشابت عقائدهم‪ .‬و ظهر‬
‫ف كلم التصوفة القول بالقطب و معناه رأس العارفي‪ .‬يزعمون أنه ل يكن أن يساويه أحد ف مقامه ف العرفة حت يقبضه ال‪ .‬ث يورث‬
‫مقامه لخر من أهل العرفان‪ .‬و قد أشار إل ذلك ابن سينا ف كتاب الشارات ف فضول التصوف منها فقال‪ :‬جل جناب الق أن يكون‬
‫شرعة لكل وارد أو يطلع عليه إل الواحد بعد الواحد‪ .‬و هذا كلم ل تقوم عليه حجة عقلية‪ ،‬و ل دليل شرعي و إنا هو من أنواع الطابة‬
‫و هو بعينه ما تقوله الرافضة و دانوا به‪ .‬ث قالوا بترتيب وجود البدال بعد هذا القطب كما قاله الشيعة ف النقباء‪ .‬حت إنم لا أسندوا لباس‬
‫خرقة التصوف ليجعلوه أصل لطريقتهم و نلتهم رفعوه إل علي رضي ال عنه و هو من هذا العن أيضا‪ .‬و إل فعلي رضي ال عنه ل يتص‬
‫من بي الصحابة بتخليه و ل طريقة ف لباس و ل حال‪ .‬بل كان أبو بكر و عمر رضي ال عنهما أزهد الناس بعد رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم و أكثرهم عبادة‪ .‬و ل يتص أحد منهم ف الدين بشيء يؤثر عنه ف الصوص بل كان الصحابة كلهم أسوة ف الدين و الزهد و‬
‫الجاهدة‪.‬‬
‫تشهد بذلك سيهم و أخبارهم‪ ،‬نعم إن الشيعة ييلون با ينعلون من ذلك اختصاص علي رضي ال عنه بالفضائل دون من سواه من‬
‫الصحابة ذهابا مع عقائد التشيع العروفة لم‪ .‬و الذي يظهر أن التصوفة بالعراق‪ ،‬لا ظهرت الساعيلية من الشيعة‪ ،‬و ظهر كلمهم ف‬
‫المامة و ما يرجع إليها ما هو معروف‪ ،‬فاقتبسوا من ذلك الوزانة بي الظاهر و الباطن و جعلوا المامة لسياسة اللف ف النقياد إل‬
‫الشرع‪ ،‬و أفردوه بذلك أن ل يقع اختلف كما تقرر ف الشرع‪ .‬ث جعلوا القطب لتعليم العرفة بال لنه رأس العارفي‪ ،‬و أفردوه بذلك‬
‫تشبيها بالمام ف الظاهر و أن يكون على وزانه ف الباطن و سوه قطبا لدار العرفة عليه‪ ،‬و جعلوا البدال كالنقباء مبالغة ف التشبيه فتأمل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يشهد لذلك من كلم هؤلء التصوفة ف أمر الفاطمي و ما شحنوا كتبهم ف ذلك ما ليس لسلف التصوفة فيه كلم بنفي أو إثبات و إنا‬
‫هو مأخوذ من كلم الشيعة و الرافضة و مذاهبهم ف كتبهم‪ .‬و ال يهدي إل الق‪.‬‬
‫تذييل‪ :‬و قد رأيت أن أجلب هنا فصل من كلم شيخنا العارف كبي الولياء بالندلس‪ ،‬أب مهدي عيسى بن الزيات كان يقع له أكثر‬
‫الوقات على أ بيات الروي الت وقعت له ف كتاب القامات توهم القول بالوحدة الطلقة أو يكاد يصرح با و بقوله‪:‬‬
‫إذ كل من وحده جاحد‬ ‫ما وحد الواحد من واحد‬
‫تثنيه أبطلها الواحد‬ ‫توحيد من ينطق عن نعته‬
‫و نعت من ينعته لحد‬ ‫توحيده إياه توحيده‬
‫فيقول رحه ال على سبيل العذر عنه‪ :‬استشكل الناس إطلق لفظ المود على كل من وحد الواحد و لفظ اللاد على من نعته و وصفه‪.‬‬
‫و استبشعوا هذه البيات و حلوا قائلها على الكفر و استخفوه‪ .‬و نن نقول على رأي هذه الطائفة أن معن التوحيد عندهم انتقاء عي‬
‫الدوث بثبوت عي القدم و أن الوجود كله حقيقة واحدة وانية واحدة‪ .‬و قد قال أبو سعيد الزار من كبار القوم‪ :‬الق عي ما ظهر و‬
‫عي ما بطن‪ .‬و يرون أن وقوع التعدد ف تلك القيقة وجود الثنينية‪ .‬و هم باعتبار حضرات الس بنلة صور الضلل و الصدا و الرأى‪.‬‬
‫و أن كل ما سوى عي القدم‪ ،‬إذا استتبع فهو عدم‪ .‬و هذا معن‪ :‬كان ال‪ ،‬و ل شيء معه‪ ،‬و هو الن على ما هو عليه كان عندهم‪ .‬و معن‬
‫قول كبي الذي صدقه رسول ال صلى ال عليه و سلم ف قوله‪ :‬أل كل شيء‪ ،‬ما خل ال باطل‪ .‬قالوا‪ :‬فمن وحد و نعت‪ ،‬فقد قال بوجد‬
‫مدث‪ .‬هو نفسه‪ ،‬و توحيد مدث هو فعله‪ ،‬موجود قدير‪ ،‬هو معبود‪.‬‬
‫و قد تقدم معن التوحيد انتقاء عي الدوث‪ ،‬و عي الدوث‪ ،‬الن ثابتة بل متعددة‪ ،‬و التوحيد محود والدعوى كاذبة‪ .‬كمن يقول لغيه‪،‬‬
‫و ها معا ف بيت واحد‪ :‬ليس ف البيت غيك‪ ،‬فيقول الخر بلسان حاله‪ :‬ل يصح هذا إل لو عدمت أنت ! و قد قال بعض الحققي ف‬
‫قولم‪ :‬خلق ال الزمان‪ ،‬هذه ألفاظ تناقض أصولا لن خلق الزمان متقدم على الزمان و هو فعل لبد من وقوعه ف الزمان‪ .‬و إنا حل ذلك‬
‫ضيق العبارة عن القائق و عجز اللغات عن تأدية الق فيها و با‪ .‬فإذا تقق أن الوحد هو الوحد‪ ،‬و عدم ما سواه جلة‪ .‬صح التوحيد‬
‫حقيقة‪ .‬و هذا معن قولم ل يعرف ال إل ال و ل حرج على من وحد الق مع بقاء الرسوم و الثار‪ ،‬و إنا هو من باب‪ :‬حسنات البرار‬
‫سيئات القربي‪ .‬لن ذلك لزم التقييد و العبودية و الشفعية‪ .‬و من ترقى إل مقام المع كان ف حقه نقصا‪ ،‬مع علمه برتبته‪ ،‬و أنه تلبيس‬
‫تستلزمه العبودية و يرمعه الشهود و يطهر من دنس حدوثه عي المع‪ .‬و أعرق الصناف ف هذا الزعم القائلون بالوحدة الطلقة‪ .‬و مدار‬
‫العرفة بكل اعتبار على النتهاء إل الواحد‪ ،‬و إنا صدر هذا القول من الناظم على سبيل التحريض و التنبيه و التفطي لقام أعلى ترتفع فيه‬
‫الشفعية و يصل التوحيد الطلق عينا ل خطابا‪ .‬و عبارة‪ :‬فمن سلم استراح و من نازعته حقيقة أنس بقوله‪ :‬كنت سعه و بصره‪ .‬و إذا‬
‫عرفت العان ل مشاحة ف اللفاظ‪ .‬و الذي يفيده هذا كله تقق أمر فوق هذا الطور‪ ،‬ل نطق فيه و ل خب عنه‪ .‬و هذا القدار من الشارة‬
‫كاف‪ .‬و التعمق ف مثل هذا حجاب‪ .‬و هو الذي أوقع ف القالت العروفة‪ .‬انتهى كلم الشيخ أب مهدي الزيات‪ ،‬و نقلته من كتاب الوزير‬
‫أب الطيب الذي ألفه ف الحبة‪ .‬و ساه التعريف بالب الشريف‪ .‬و قد سعته من شيخنا أب مهدي مرارا‪ .‬إل أن رأيت رسوم الكتاب‬
‫أوعى له‪ .‬لطول عهدي به‪ .‬و ال الوفق‪.‬‬
‫ث إن كثيا من الفقهاء و أهل الفتيا انتدبوا للرد على هؤلء التأخرين ف هذه القالت و أمثالا و شلوا بالنكي سائر ما وقع لم ف الطريقة‪.‬‬
‫و الق أن كلمهم معهم فيه تفصيل فإن كلمهم ف أربعة مواضع‪ :‬أحدها الكلم على الجاهدات و ما يصل من الذواق و الواجد و‬
‫ماسبة النفس على أعمالا لتحصل تلك الذواق الت تصي مقاما و يترقى منة إل غيه كما قلناه و ثانيها الكلم ف الكشف والقيقة‬
‫الدركة من عال الغيب مثل الصفات الربانية و العرش و الكرسي واللئكة و الوحي و النبؤة و الروح و حقائق كل موجود غائب أو شاهد‬
‫و تركيب اللوان ف صدورها عن موجودها و تكونا كما مر‪ ،‬و ثالثها التصرفات ف العوال والكوان بأنواع الكرامات‪ ،‬و رابعها ألفاظ‬
‫موهة الظاهر صدرت من الكثي من أئمة القوم يعبون عنها ف اصطلحهم بالشطحات تستشكل ظواهرها فمنكر و مسن و متأول‪ .‬فأما‬
‫الكلم ف الجاهدات و القامات و ما يصل من الذواق والواجد ف نتائجها و ماسبة النفس على التقصي ف أسبابا فأمر ل مدفع فيه‬
‫لحد و أذواقهم فيه صحيحة و التحقق با هو عي السعادة‪ .‬و أما الكلم ف كرامات القوم و أخبارهم بالغيبات و تصرفهم ف الكائنات‪.‬‬
‫فأمر صحيح غي منكر‪ .‬و إن مآل بعض العلماء إل إنكارها فليس ذلك من الق‪ .‬و ما احتج به الستاذ أبو إسحاق السفرائن من أئمة‬
‫الشعرية على إنكارها للتباسها بالعجزة فقد فرق الحققون من أهل السنة بينهما بالتحدي و هو دعوى وقوع العجزة على وفق ما جاء‬
‫به‪ .‬قالوا‪ :‬ث إن وقوعها على وفق دعوى الكاذب غي مقدور لن دللة العجزة على الصدق عقلية فإن صفة نفسها التصديق‪ .‬فلو وقعت مع‬
‫الكاذب لتبدلت صفة نفسها و هو مال‪ .‬هذا مع أن الوجود شاهد بوقوع الكثي من هذه الكرامات و إنكارها نوع مكابرة‪ .‬و قد وقع‬
‫للصحابة و أكابر السلف كثي من ذلك و هو معلوم مشهور‪ .‬و أما الكلم ف الكشف و إعطاء حقائق العلويات و ترتيب صدور الكائنات‬
‫فأكثر كلمهم فيه نوع من التشابه لا أنه وجدان عندهم و فاقد الوجدان عندهم بعزل عن أذواقهم فيه‪ .‬و اللغات ل تعطى له دللة على‬
‫مرادهم منه لنا ل توضع إل للتعارف و أكثره من الحسوسات‪ .‬فينبغي أن ل نتعرض لكلمهم ف ذلك و نتركه فيما تركناه من التشابه و‬
‫من رزقه ال فهم شيء من هذه الكلمات على الوجه الوافق لظاهر الشريعة فأكرم با سعادة‪ .‬و أما اللفاظ الوهة الت يعبون عنها‬
‫بالشطحات و يوآخذهم با أهل الشرع فاعلم أن النصاف ف شأن القوم أنم أهل غيبة عن الس و الواردات تلكهم حت ينطقوا عنها با‬
‫ل يقصدونه و صاحب الغيبة غي ماطب و الجبور معذور‪ .‬فمن علم منهم فضله و اقتداؤه حل على القصد الميل من هذا و أمثاله و أن‬
‫العبارة عن الواجد صعبة لفقدان الوضع لا كما وقع لب يزيد البسطامي و أمثاله‪ .‬و من ل يعلم فضله و ل اشتهر فموآخذ با صدر عنه من‬
‫ذلك إذا ل يتبي لنا ما يملنا على تأويل كلمه‪ .‬و أما من تكلم بثلها و هو حاضر ف حسه و ل يلكه الال فموآخذ أيضا‪ .‬و لذا أفت‬
‫الفقهاء و أكابر التصوفة بقتل اللج لنه تكلم ف حضور و هو مالك لاله‪ .‬و ال أعلم‪ .‬و سلف التصوفة من أهل الرسالة أعلم اللة‬
‫الذين أشرنا إليهم من قبل ل يكن لم حرص على كشف الجاب و ل هذا النوع من الدراك إنا ههم التباع و القتداء ما استطاعوا‪ .‬و‬
‫من عرض له شيء من ذلك أعرض عنه و ل يفل به بل يفرون منه و يرون أنة من العوائق و الحن و أنه إدراك من إدراكات النفس ملوق‬
‫حادث و أن الوجودات ل تنحصر ف مدارك النسان‪ .‬و علم ال أوسع و خلقه أكب و شريعته بالداية أملك فل ينطقون بشيء ما‬
‫يدركون‪ .‬بل حظروا الوض ف ذلك و منعوا من يكشف له الجاب من أصحابم من الوض فيه و الوقوف عنده بل يلتزمون طريقتهم‬
‫كما كانوا ف عال الس قبل الكشف من التباع و القتداء و يأمرون أصحابم بالتزامها‪ .‬و هكذا ينبغي أن يكون حال الريد و ال الوفق‬
‫للصواب‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر‪ :‬ف علم تعبي الرؤيا‬


‫هذا العلم من العلوم الشرعية و هو حادث ف اللة عندما صارت العلوم صنائع و كتب الناس فيها‪ .‬و أما الرؤيا و التعبي لا فقد كان‬
‫موجودا ف السلف كما هو ف اللف‪ .‬و ربا كان ف اللوك و المم من قبل إل أنه ل يصل إلينا للكتفاء فيه بكلم العبين من أهل‬
‫السلم‪ .‬و إل فالرؤيا موجودة ف صنف البشر على الطلق و لبد من تعبيها‪ .‬فلقد كان يوسف الصديق صلوات ال عليه يعب الرؤيا‬
‫كما وقع ف القرآن‪ .‬و كذلك ثبت عن الصحيح عن النب صلى ال عليه و سلم و عن أب بكر رضي ال عنه و الرؤيا مدرك من مدارك‬
‫الغيب‪ .‬و قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬الرؤيا الصالة جزء من ستة و أربعي جزءا من النبؤة‪ .‬و قال‪ :‬ل يبق من البشرات إل الرؤيا الصالة‬
‫يراها الرجل الصال أو ترى له و أول ما بدأ به النب صلى ال عليه و سلم من الوحي الرؤيا فكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح‪ .‬و‬
‫كان النب صلى ال عليه و سلم إذا انفتل من صلة الغداة يقول لصحابه‪ :‬هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ يسألم عن ذلك ليستبشر با‬
‫وقع من ذلك ما فيه ظهور الدين و إعزازه‪ .‬و أما السبب ف كون الرؤيا مدركا للغيب فهو أن الروح القلب و هو البخار اللطيف النبعث‬
‫من تويف القلب اللحمي ينتشر ف الشريانات و مع الدم ف سائر البدن و به تكمل أفعال القوى اليوانية و إحساسها‪ .‬فإذا أدركه اللل‬
‫بكثرة التصرف ف الحساس بالواس المس و تصريف القوى الظاهرة و غشي سطح البدن ما يغشاه من برد الليل انبس الروح من سائر‬
‫أقطار البدن إل مركزه القلب فيستجم بذلك لعاودة فعله فتعطلت الواس الظاهرة كلها و ذلك هو معن النوم كما تقدم ف أول الكتاب‪ .‬ث‬
‫إن هذا الروح القلب هو مطية للروح العاقل من النسان و الروح العاقل مدرك لميع ما ف عال المر بذاته إذ حقيقته و ذاته عي الدراك‪.‬‬
‫و إنا ينع من تعلقه للمدارك الغيبية ما هو فيه من حجاب الشتغال بالبدن و قواه و حواشه‪ .‬فلو قد خل من هذا الجاب و ترد عنه لرجع‬
‫إل حقيقته و هو عي الدراك فيعقل كل مدرك‪ .‬فإذا ترد عن بعضها خفت شواغله فلبد له من إدراك لحة من عاله بقدر ما ترد له و‬
‫هو ف هذه الالة قد خفت شواغل الس الظاهر كلها و هي الشاغل العظم فاستعد لقبول ما هنالك من الدارك اللئقة من عاله‪ .‬و إذا‬
‫أدرك ما يدرك من عواله رجع به إل بدنه‪ .‬إذ هو ما دام ف بدنه جسمان ل يكنه التصرف إل بالدارك السمانية‪ .‬و الدارك السمانية‬
‫للعلم إنا هي الدماغية و التصرف منها هو اليال‪ .‬فإنه ينتزع من الصور الحسوسة صورا خيالية ث يدفعها إل الافظة تفظها له إل وقت‬
‫الاجة إليها عند النظر و الستدلل‪ .‬و كذلك ترد النفس منها صورا أخرى نفسانية عقلية فيترقى التجريد من الحسوس إل العقول و‬
‫اليال واسطة بينهما‪ .‬و لذلك إذا أدركت النفس من عالها ما تدركه ألقته إل اليال فيصوره بالصورة الناسبة و يدفعه إل الس الشترك‬
‫فياه النائم كأنة مسوس فيتنل الدرك من الروح العقلي إل السي‪ .‬و اليال أيضا واسطة‪ .‬هذه حقيقة الرؤيا‪ .‬و من هذا التقرير يظهر لك‬
‫الفرق بي الرؤيا الصالة وأضغاث الحلم الكاذبة فإنا كلها صور ف اليال حالة النوم‪ .‬و لكن إن كانت تلك الصور متتزلة من الروح‬
‫العقلي الدرك فهو رؤيا‪ .‬و إن كانت مأخوذة من الصور الت ف الافظة الت كان اليال أودعها إياها منذ اليقظة فهي أضغاث أحلم‪.‬‬
‫و اعلم أن للرؤيا الصادقة علمات تؤذن بصدقها و تشهد بصحتها فيستشعر الرائي البشارة من ال ما ألقى إليه ف نومه‪ :‬فمنها سرعة انتباه‬
‫الرائي عندما يدرك الرؤيا‪ ،‬كأنة يعاجل الرجوع إل الس باليقظة و لو كان مستغرقا ف نومه‪ ،‬لتقل ما ألقي عليه من ذلك الدراك فيفر من‬
‫تلك الالة إل حالة الس الت تبقى النفس فيها منغمسة بالبدن و عوارضه‪ ،‬و منها ثبوت ذلك الدراك و دوامه بانطباع تلك الرؤيا‬
‫بتفاصيلها ف حفظه فل يتخيلها سهو و ل نسيان‪ .‬و ل يتاج إل إحضارها بالفكر و التذكي‪ ،‬بل تبقى متصورة ف ذهنه إذا انتبه‪ .‬و ل‬
‫يغرب عنه شيء منها‪ ،‬لن الدراك النفسان ليس بزمان و ل يلحقه ترتبت‪ ،‬بل يدركه دفعة ف زمن فرد‪ .‬و أضغاث الحلم زمانية‪ .‬لنا ف‬
‫القوى الدماغية يستخرجها اليال من الافظة إل الس الشترك كما قلناه‪ .‬و أفعال البدن كلها زمانية فيلحقها الترتيب ف الدراك و التقدم‬
‫و التأخر‪ .‬و يعرض النسيان العارض للقوى الدماغية‪ .‬و ليس كذلك مدارك النفس الناطقة إذ ليست بزمانية‪ ،‬و ل ترتيب فيها‪ .‬و ما ينطبع‬
‫فيها من الدراكات فينطبع دفعة واحدة ف أقرب من لح البصر‪ .‬و قد تبقى الرؤيا بعد النتباه‪ .‬حاضرة ف الفظ أياما من العمر‪ .‬ل تشذ‬
‫بالغفلة عن الفكر بوجه إذا كان الدراك الول قويا‪ ،‬و إذا كان إنا يتذكر الرؤيا بعد النتباه من النوم بإعمال الفكر و الوجهة إليها‪ ،‬و ينسى‬
‫الكثي من تفاصيلها حت يتذكرها فليست الرؤيا بصادقة‪ ،‬و إنا هي من أضغاث الحلم‪ .‬و هذه العلمات من خواص الوحي‪ .‬قال ال تعال‬
‫لنبيه صلى ال عليه و سلم‪ :‬ل ترك به لسانك لتعجل به * إن علينا جعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ث إن علينا بيانه و الرؤيا لا نسبة‬
‫من النبوة و الوحي كما ف الصحيح‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬الرؤيا جزء من ستة و أربعي جزءا من النبوة فلخواصها أيضا نسبة إل‬
‫خواص النبوة‪ .‬بذلك القدر‪ ،‬فل تستبعد ذلك‪ ،‬فهذا وجه الق‪ .‬و ال الالق لا يشاء‪.‬‬
‫و أما معن التعبي فاعلم أن الروح العقلي إذا أدرك مدركة و ألقاه إل اليال فصوره فإنا يصوره ف الصور الناسبة لذلك العن بعض الشيء‬
‫كما يدرك معن السلطان العظم فيصوره اليال بصورة البحر أو يدرك العداوة فيصورها اليال ف صورة الية‪ .‬فإذا استيقظ و هو ل يعلم‬
‫من أمره إل أنه رأى البحر أو الية فينظر العب بقوة التشبيه بعد أن يتيقن أن البحر صورة مسوسة و أن الدرك وراءها و هو يهتدي بقرائن‬
‫أخرى تعي له الدرك فيقول مثل‪ :‬هو السلطان لن البحر خلق عظيم يناسب أن يشبه با السلطان و كذلك الية يناسب أن تشبه بالعدو‬
‫لعظم ضررها و كذا الوان تشبه بالنساء لنن أوعية وأمثال ذلك‪ .‬و من الرئي ما يكون صريا ل يفتقر إل تعبي للئها و وضوحها أو‬
‫لقرب الشبه فيها بي الدرك و شبهه‪ .‬و لذا وقع ف الصحيح الرؤيا ثلث‪ :‬رؤيا من ال و رؤيا من اللك و رؤيا من الشيطان‪ .‬فالرؤيا الت‬
‫من ال هي الصرية الت ل تفتقر إل تأويل و الت من اللك هي الرؤيا الصادقة تفتقر إل التعبي و الرؤيا الت من الشيطان هي الضغاث‪ .‬و‬
‫اعلم أن اليال إذا ألقى إليه الروح مدركه‪ .‬فإنا يصوره ف القوالب العتادة للحس و ما ل يكن الس أدركه قط من القوالب فل يصور فيه‬
‫شيئا فل يكن من ولد أعمى أن يصور له السلطان بالبحر و ل العدو بالية و ل النساء بالوان لنه ل يدرك شيئا من هذه و إنا يصور له‬
‫اليال أمثال هذه ف شبهها و مناسبها من جنس مداركه الت هي السموعات و الشمومات‪ .‬و ليتحفظ العب من مثل هذا فربا اختلط به‬
‫التعبي و فسد قانونه‪ .‬ث إن علم التعبي علم بقواني كلية يبن عليها العب عبارة ما يقص عليه‪ .‬و تأويله كما يقولون‪ :‬البحر يدل على‬
‫السلطان‪ ،‬و ف موضع آخر يقولون‪ :‬البحر يدل على الغيظ‪ ،‬و ف موضع آخر يقولون‪ :‬البحر يدل على الم والمر الفادح‪ .‬و مثل ما‬
‫يقولون‪ :‬الية تدل على العدو‪ ،‬و ف موضع آخر يقولون‪ :‬هي كات سر‪ ،‬و ف موضع آخر يقولون‪ :‬تدل على الياة و أمثال ذلك‪ .‬فيحفظ‬
‫العب هذه القواني الكلية‪ ،‬و يعب ف كل موضع با تقتضيه القرائن الت تعي من هذه القواني ما هو أليق بالرؤيا‪ .‬و تلك القرائن منها ف‬
‫اليقظة و منها ف النوم و منها ما ينقدح ف نفس العب بالاصية الت خلقت فيه و كل ميسر لا خلق له‪ .‬و ل يزل هذا العلم فتناقل بي‬
‫السلف‪ .‬و كان ممد بن سيين فيه من أشهر العلماء و كتب عنه ف ذلك القواني و تناقلها الناس لذا العهد‪ .‬و ألف الكرمان فيه من بعده‪.‬‬
‫ث ألف التكلمون التأخرون و أكثروا‪ .‬و التداول بي أهل الغرب لذا العهد كتب ابن أب طالب القيوان من علماء القيوان مثل المتع و‬
‫غيه و كتاب الشارة للسالي من أنفع الكتب فيه و أحضرها‪ .‬و كذلك كتاب الرقبة العليا لبن راشد من مشيختنا بتونس‪ .‬و هو علم‬
‫مضيء ينور النبؤة للمناسبة الت بينهما و لكونا كانت من مدارك الوحي كما وقع ف الصحيح و ال علم الغيوب‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر‪ :‬ف العلوم العقلية و أصنافها‬


‫و أما العلوم العقلية الت هي طبيعية للنسان من حيث إنه ذو فكر فهي غي متصة بلة بل بوجه النظر فيها إل أهل اللل كلهم و يستوون ف‬
‫مداركها و مباحثها‪ .‬و هي موجودة ف النوع النسان منذ كان عمران الليقة‪ .‬و تسمى هذه العلوم علوم الفلسفة و الكمة و هي مشتملة‬
‫على أربعة علوم‪ :‬الول علم النطق و هو علم يعصم الذهن عن الطأ ف اقتناص الطالب الجهولة من المور الاصلة العلومة و فائدته تييز‬
‫الطأ من الصواب‪ .‬فيما يلتمسه الناظر ف الوجودات و عوارضها ليقف على تقيق الق ف الكائنات نفيا و ثبوتا بنتهى فكره‪ .‬ث النظر بعد‬
‫ذلك عندهم إما ف الحسوسات من الجسام العنصرية و الكونة عنها من العدن و النبات و اليوان و الجسام الفلكية والركات الطبيعية‪.‬‬
‫و النفس الت تنبعث عنها الركات و غي ذلك‪ .‬و يسمى هذا الفن بالعلم الطبيعي و هو العلم الثان منها‪ .‬و إما أن يكون النظر ف المور‬
‫الت وراء الطبيعة من الروحانيات و يسمونه العلم اللي و هو الثالث منها‪ .‬و العلم الرابع و هو الناظر ف القادير و يشتمل على أربعة علوم‬
‫و تسمى التعاليم‪ .‬أولا‪ :‬علم الندسة و هو النظر ف القادير على الطلق‪ .‬إما النفصلة من حيث كونا معدودة أو التصلة و هي إما ذو بعد‬
‫واحد و هو الط أو ذو بعدين و ف السطح‪ ،‬أو ذو أبعاد ثلثة و هو السم التعليمي‪ .‬ينظر ف هذه القادير و ما يعرض لا إما من حيث‬
‫ذاتا أو من حيث نسبة بعضها إل بعض‪ .‬و ثانيها علم الرتاطيقي و هو معرفة ما يعرض للكم النفصل الذي هو العدد و يؤخذ له من‬
‫الواص و العوارض اللحقة‪ .‬و ثالثها علم الوسيقى و هو معرفة نسب الصوات و النغم بعضها من بعض و تقديرها بالعدد و ثرته معرفة‬
‫تلحي الغناء‪ .‬و رابعها علم اليئة و هو تعيي الشكال للفلك و حصر أوضاعها و تعددها لكل كوكب من السيارة و الثابتة والقيام على‬
‫معرفة ذلك من قبل الركات السماوية الشاهدة الوجودة لكل واحد منها و من رجوعها و استقامتها و إقبالا و إدبارها‪ .‬فهذه أصول‬
‫العلوم الفلسفية و هي سبعة‪ :‬النطق و هو القدم منها و بعده التعاليم فالرتاطيقي أول ث الندسة ث اليئة ث الوسيقى ث الطبيعيات ث‬
‫الليات و لكل واحد منها فروع تتفرع عنه‪ .‬فمن فروع الطبيعيات الطب و من فروع علم العدد علم الساب والفرائض و العاملت و‬
‫من فروع اليئة الزياج و هي قواني لساب حركات الكواكب و تعديلها للوقوف على مواضعها مت قصد ذلك و من فروعها النظر ف‬
‫النجوم على الحكام النجومية و نن نتكلم عليها واحدا بعد واحد إل آخرها‪ .‬و اعلم أن أكثر من عن با ف الجيال الذين عرفنا أخبارهم‬
‫المتان العظيمتان ف الدولة قبل السلم و ها فارس و الروم فكانت أسواق العلوم نافقة لديهم على ما بلغنا لا كان العمران موفورا فيهم‬
‫والدولة و السلطان قبل السلم و عصره لم فكان لذه العلوم بور زاخرة ف آفاقهم و أمصارهم‪ .‬و كان للكلدانيي و من قبلهم من‬
‫السريانيي و من عاصرهم من القبط عناية بالسحر و النجامة و ما يتبعها من الطلسم و أخذ ذلك عنهم المم من فارس و يونان فاختص‬
‫با القبط و طمى برها فيهم كما وقع ف التلو من خب هاروت و ماروت و شأن السحرة و ما نقله أهل العلم من شأن الباري بصعيد‬
‫مصر‪ .‬ث تتابعت اللل بظر ذلك و تريه فدرست علومه و بطلت كأن ل تكن إل بقايا يتناقلها منتحلو هذه الصنائع‪ .‬و ال أعلم بصحتها‪.‬‬
‫مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها مانعة من اختبارها‪ .‬و أما الفرس فكان شأن هذه العلوم العقلية عندهم عظيما و نطاقها متسعا لا‬
‫كانت عليه دولتهم من الضخامة و اتصال اللك‪ .‬و لقد يقال إن هذه العلوم إنا وصلت إل يونان منهم حي قتل السكندر دارا و غلب‬
‫على ملكة الكينية فاستول على كتبهم و علومهم‪ .‬إل أن السلمي لا افتتحوا بلد فارس‪ ،‬و أصابوا من كتبهم وصحائف علومهم ما ل‬
‫يأخذه الصر و لا فتحت أرض فارس و وجدوا فيها كتبا كثية كتب سعد بن أب وقاص إل عمر بن الطاب ليستأذنه ف شأنا و تنقيلها‬
‫للمسلمي‪ .‬فكتب إليه عمر أن اطرحوها ف الاء‪ .‬فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا ال بأهدى منه و إن يكن ضلل فقد كفانا ال‪.‬‬
‫فطرحوها ف الاء أو ف النار و ذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا‪ .‬و أما الروم فكانت الدولة منهم ليونان أول و كان لذه العلوم‬
‫بينهم مال رحب و حلها مشاهي من رجالم مثل أساطي الكمة و غيهم‪ .‬و اختص فيها الشاءون منهم أصحاب الرواق بطريقة حسنة‬
‫ف التعليم كانوا يقرؤون ف رواق يظلم من الشمس و البد على ما زعموا‪ .‬و اتصل فيها سند تعليمهم على ما يزعمون من لدن لقمان‬
‫الكيم ف تلميذه بقراط الدن‪ ،‬ث إل تلميذه أفلطون ث إل تلميذه أرسطو ث إل تلميذه السكندر الفرودسي‪ ،‬و تامسطيون و غيهم‪ .‬و‬
‫كان أرسطو معلما للسكندر ملكهم الذي غلب الفرس على ملكهم و انتزع اللك من أيديهم‪ .‬و كان أرسخهم ف هذه العلوم قدما و‬
‫أبعدهم فيه صيتا و شهرة‪ .‬و كان يسمى العلم الول فطار له ف العال ذكر‪ .‬ولا انقرض أمر اليونان و صار المر للقياصرة و أخذوا بدين‬
‫النصرانية هجروا تلك العلوم كما تقتضيه اللل و الشرائع فيها‪ .‬و بقيت ف صحفها و دواوينها ملدة باقية ف خزائنهم ث ملكوا الشام و‬
‫كتب هذه العلوم باقية فيهم‪ .‬ث جاء ال بالسلم و كان لهله الظهور الذي ل كفاء له و ابتزوا الروم ملكهم فيما ابتزوه للمم‪ .‬و ابتدأ‬
‫أمرهم بالسذاجة و الغفلة عن الصنائع حت إذا تبحبح من السلطان و الدولة و أخذ الضارة بالظ الذي ل يكن لغيهم من المم و تفننوا‬
‫ف الصنائع و العلوم‪ .‬تشوقوا إل الطلع على هذه العلوم الكمية با سعوا من الساقفة و القسة العاهدين بعض ذكر منها و با تسمو إليه‬
‫أفكار النسان فيها‪ .‬فبغث أبو جعفر النصور إل ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعاليم مترجة فبعث إليه بكتاب أوقليدس و بعض كتب‬
‫الطبيعيات‪ .‬فقرأها السلمون و اطلعوا على ما فيها و ازدادوا حرصا على الظفر با بقي منها‪ .‬و جاء الأمون بعد ذلك و كانت له ف العلم‬
‫رغبة با كان ينتحله فانبعث لذه العلوم حرصا و أوفد الرسل على ملوك الروم ف استخراج علوم اليونانيي و انتساخها بالط العرب و بعث‬
‫الترجي لذلك فأوعى منه و استوعب‪ .‬و عكف عليها النظار من أهل السلم و حذقوا ف فنونا و انتهت إل الغاية أنظارهم فيها‪ .‬و‬
‫خالفوا كثيا من آراء العلم الول و اختصوه بالرد و القبول لوقوف الشهرة عنده‪ .‬و دونوا ف ذلك الدواوين وأربوا على من تقدمهم ف‬
‫هذه العلوم و كان من أكابرهم ف اللة أبو نصر الفاراب و أبو علي بن سينا بالشرق و القاضي أبو الوليد بن رشد و الوزير أبو بكر بن‬
‫الصائغ بالندلس إل آخرين بلغوا الغاية ف هذه العلوم‪ .‬و اختص هؤلء بالشهرة والذكر و اقتصر كثيون على انتحال التعاليم و ما ينضاف‬
‫إليها من علوم النجامة والسحر و الطلسمات‪ .‬و وقفت الشهرة ف هذا النتحل على جابر بن حيان من أهل الشرق و مسلمة بن أحد‬
‫الجريطي من أهل الندلس و تلميذه‪ .‬و دخل على اللة من هذه العلوم و أهلها داخلة و استهوت الكثي من الناس با جنحوا إليها وقلدوا‬
‫آراءها و الذنب ف ذلك لن ارتكبه‪ .‬و لو شاء ال ما فعلوه‪ .‬ث إن الغرب والندلس لا ركدت ريح العمران بما و تناقصت العلوم بتناقصه‬
‫اضمحل ذلك منهما إل قليل من رسومه تدها ف تفاريق من الناس و تت رقبة من علماء السنة‪ .‬و يبلغنا عن أهل الشرق أن بضائع هذه‬
‫العلوم ل تزل عندهم موفورة و خصوصا ف عراق العجم و ما بعده فيما وراء النهر و أنم على بح من العلوم العقلية لتوفر عمرانم و‬
‫استحكام الضارة فيهم‪ .‬و لقد وقفت بصر على تآليف ف العقول متعددة لرجل من عظماء هراة من بلد خراسان يشتهر بسعد الدين‬
‫التفتازان منها ف علم الكلم و أصول الفقه و البيان تشهد بأن له ملكة راسخة ف هذه العلوم‪ .‬و ف أثنائها ما يدل على أن له اطلعا على‬
‫العلوم الكمية و قدما عالية ف سائر الفنون العقلية و ال يؤيد بنصره من يشاء‪ .‬كذلك بلغنا لذا العهد أن هذه العلوم الفلسفية ببلد الفرنة‬
‫من أرض رومة و ما إليها من العدوة الشمالية نافقة السواق و أن رسومها هناك‪ .‬متجددة و مالس تعليمها متعددة و دواوينها جامعة‬
‫متوفرة و طلبتها متكثرة و ال أعلم با هنالك و هو يلق ما يشاء و يتار‪.‬‬

‫الفصل العشرون‪ :‬ف العلوم العددية‬


‫و أولا الرتاطيقي و هو معرفة خواص العداد من حيث التأليف إما على التوال أو بالتضعيف مثل أن العداد إذا توالت متفاضلة بعدد‬
‫واحد فإن جع الطرفي منها مساو لمع كل عددين بعدها من الطرفي بعدد واحد و مثل ضعف الواسطة إن كانت عدة تلك العداد فردا‬
‫مثل الفراد على تواليها و الزواج على تواليها و مثل أن العداد إذا توالت على نسبة واحدة يكون أولا نصف ثانيها وثانيها نصف ثالثها‬
‫ال‪ ،‬أو يكون أولا ثلث ثانيها و ثانيها ثلث ثالثها ال فإن ضرب الطرفي أحدها ف الخر كضرب كل عددين بعدها من الطرفي بعدد‬
‫واحد أحدها ف الخر‪ .‬و مثل مربع الواسطة إن كانت العدة فردا و ذلك مثل أعداد زوج الزوج التوالية من اثني فأربعة فثمانية فستة عشر‬
‫و مثل ما يدث من الواص العددية ف وضع الثلثات العددية و الربعات و الخمسات والسدسات إذا وضعت متتالية ف سطورها بأن‬
‫تمع من الواحد إل العدد الخي فتكون مثلثة‪ .‬و تتوال الثلثات هكذا ف سطر تت الضلع ث تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبله‬
‫فتكون مربعة‪ .‬و تزيد على كل مربع مثلث الضلع الذي قبلة فتكون ممسة و هلم جرا‪ .‬و تتوال الشكال على توال الضلع و يدث‬
‫جدول ذو طول و عرض‪ .‬ففي عرضه العداد على تواليها ث الثلثات على تواليها ث الربعات ث الخمسات ال و ف طوله كل عدد و‬
‫أشكاله بالغا ما بلغ و تدث ف جعها و قسمة بعضها على بعض طول و عرضا خواص غريبة استقرت منها و تقررت ف دواوينهم مسائلها‬
‫كذلك ما يدث للزوج و الفرد و زوج الزوج و زوج الفرد و زوج الزوج و الفرد فإن لكل منها خواص متصة به تضمنها هذا الفن و‬
‫ليست ف غيه‪ .‬و هذا الفن أول أجزاء التعاليم و أثبتها و يدخل ف براهي الساب‪ .‬و للحكماء التقدمي و التأخرين فيه تآليف‪ ،‬و أكثرهم‬
‫يدرجونه ف التعاليم و ل يفردونه بالتآليف‪ .‬فعل ذلك ابن سينا ف كتاب الشفاء و النجاة و غيه من التقدمي‪ .‬و أما التأخرون فهو عندهم‬
‫مهجور إذ هو غي متداول و منفعته ف الباهي ل ف الساب فهجروه لذلك بعد أن استخلصوا زبدته ف الباهي السابية كما فعله ابن‬
‫البناء ف كتاب رفع الجاب و غيه و ال سبحانه و تعال أعلم‪ .‬و من فروع علم العدد صناعة الساب‪ .‬و هي صناعة علمية ف حساب‬
‫العداد بالضم و التفريق‪ .‬فالضم يكون ف العداد بالفراد و هو المع‪ .‬و بالتضعيف تضاعف عددا بآحاد عدد آخر و هذا هو الضرب و‬
‫التفريق أيضا يكون ف العداد إما بالفراد مثل إزالة عدد من عدد و صرفه الباقي و هو الطرح أو تفصيل عدد بأجزاء متساوية تكون عدتا‬
‫مصلة و هو القسمة‪ .‬و سواء كان هذا الضم و التفريق ف الصحيح من العب أو الكسر‪ .‬و معن الكسر نسبة عدد إل عدد و تلك النسبة‬
‫تسمى كسرا‪ .‬و كذلك يكون بالضم و التفريق ف الذور و معناها العد الذي يضرب ف مثله فيكون منه العدد الربع‪ .‬فإن تلك الذور‬
‫أيضا يدخلها الضم و التفريق و هذه الصناعة حادثة احتيج إليها للحساب ف العاملت ألف الناس فيها كثيا و تداولوها ف المصار بالتعليم‬
‫للولدان‪ .‬و من أحسن التعليم عندهم البتداء با لنا معارف متضحة و براهي منتظمة فينشأ عنها ف الغالب عقل مضيء درب على‬
‫الصواب‪ .‬و قد قال من أخذ نفسه بتعليم الساب أول أمره إنه يغلب عليه الصدق لا ف الساب من صحة البان و مناقشة النفس فيصي‬
‫ذلك خلقا و يتعود الصدق و يلزمه مذهبا‪ .‬و من أحسن التآليف البسوطة فيها لذا العهد بالغرب كتاب الصار الصغي‪ .‬و لبن البناء‬
‫الراكشي فيه تلخيص ضابط لقواني أعماله مفيد ث شرحه بكتاب ساه رفع الجاب و هو مستغلق على البتدئ با فيه من الباهي الوثيقة‬
‫البان‪ .‬و هو كتاب جليل القدر أدركنا الشيخة تعظمه و هو كتاب جدير بذلك‪ .‬و ساوق فيه الؤلف رحه ال كتاب فقه الساب‪ ،‬لبن‬
‫منعم و الكامل للحدب‪ ،‬و لص براهينها و غيها عن اصطلح الروف فيها إل علل معنوية ظاهرة‪ ،‬هي سر الشارة بالروف و زبدتا‪.‬‬
‫و هي كلها مستغلقة و إنا جاءه الستغلق من طريق البهان ببيان علوم التعاليم لن مسائلها و أعمالا واضحة كلها‪ .‬و إذا قصد شرحها‬
‫فإنا هو إعطاء العلل ف تلك العمال‪ .‬و ف ذلك من العسر على الفهم ما ل يوجد ف أعمال السائل فتأمله‪ .‬و ال يهدي بنوره من يشاء و‬
‫هو القوي التي‪ .‬و من فروعه الب و القابلة‪ .‬و هي صناعة تستخرج با العدد الجهول من قبل العلوم الفروض إذا كان بينهما نسبة‬
‫تقتضي ذلك‪ .‬فاصطلحوا فيها على أن جعلوا للمجهولت مراتب من طريق التضعيف بالضرب‪ .‬أولا العدد لنه به يتعي الطلوب الجهول‬
‫باستخراجه من نسبة الجهول إليه و ثانيها الشيء لن كل مهول فهو من جهة إبامه شيء و هو أيضا جذر لا يلزم من تضعيفه ف الرتبة‬
‫الثانية و ثالثها الال و هو أمر مبهم و ما بعد ذلك فعلى نسبة الس ف الضروبي‪ .‬ث يقع العمل الفروض ف السألة فتخرج إل معادلة بي‬
‫متلفي أو أكثر من هذه الجناس فيقابلون بعضها ببعض و يبون ما فيها من الكسر حت يصي صحيحا‪ .‬و يطون الراتب إل أقل السوس‬
‫إن أمكن حت يصي إل الثلثة الت عليها مدار الب عندهم و هي العدد و الشيء و الال‪ .‬فإن كانت العادلة بي‪ ،‬واحد و واحد تعي فالال‬
‫و الذر يزول إبامه بعادلة العدد و يتعي‪ .‬و الال و إن عادل الذور فيتعي بعدتا‪ .‬و إن كانت العادلة بي واحد و اثني أخرجه العمل‬
‫الندسي من طريق تفصيل الضرب ف الثني و هي مبهمة فيعنيها ذلك الضرب الفصل‪ .‬و ل يكن العادلة بي اثني و اثني‪ .‬و أكثر ما‬
‫انتهت العادلة بينهم إل ست مسائل لن العادلة بي عدد و جذر و مال مفردة أو مركبة تيء ستة‪ .‬و أول من كتب ف هذا الفن أبو عبد‬
‫ال الوارزمي و بعده أبو كامل شجاع بن أسلم‪ ،‬و جاء الناس على أثره فيه‪ .‬و كتابه ف مسائله الست من أحسن الكتب الوضوعة فيه‪ .‬و‬
‫شرحه كثي من أهل الندلس فأجادوا و من أحسن شروحاته كتاب القرشي‪ .‬و قد بلغنا أن بعض أئمة التعاليم من أهل الشرق أنى‬
‫العاملت إل أكثر من هذه الستة الجناس‪ ،‬و بلغها إل فوق العشرين و استخرج لا كلها أعمال و أتبعه بباهي هندسية‪ .‬و ال يزيد ف‬
‫اللق ما يشاء سبحانه و تعال‪ .‬و من فروعه أيضا العاملت‪ .‬و هو تصريف الساب ف معاملت الدن ف البياعات و الساحات و‬
‫الزكوات و سائر ما يغرض فيه العدد من العاملت يصرف ف صناعتنا ذلك الساب ف الجهول و العلوم و الكسر والصحيح و الذور و‬
‫غيها‪ .‬و الغرض من تكثي السائل الفروضة فيها حصول الران و الدربة بتكرار العمل حت ترسخ اللكة ف صناعة الساب‪ .‬و لهل‬
‫الصناعة السابية من أهل الندلس تآليف فيها متعددة من أشهرها معاملت الزهراوي و ابن السمح و أب مسلم بن خلدون من تلميذ‬
‫مسلمة الجريطي وأمثالم‪ .‬و من فروعه أيضا الفرائض‪ .‬و هي صناعة حسابية ف تصحيح السهام لذوي الفروض ف الوراثات إذا تعددت و‬
‫هلك بعض الوارثي و انكسرت سهامه على ورثته أو زادت الفروض عند اجتماعها و تزاحها على الال كله أو كان ف الفريضة إقرار و‬
‫إنكار من بعض الورثة فتحتاج ف ذلك كله إل عمل يعي به سهام الفريضة من كم تصح و سهام الورثة من كل بطن مصححا حت تكون‬
‫حظوظ الوارثي من الال على نسبة سهامهم من جلة سهام الفريضة‪ .‬فيدخلها من صناعة الساب جزء كبي من صحيحه و كسرة و جذره‬
‫و معلومه و مهوله و ترتب على ترتيب أبواب الفرائض الفقهية و مسائلها‪ .‬فتشتمل حينئذ هذه الصناعة على جزء من الفقه و هو أحكام‬
‫الوراثة من الفروض و العول و القرار و النكار و الوصايا و التدبي و غي ذلك من مسائلها و على جزء من الساب و هو تصحيح‬
‫السهمان باعتبار الكم الفقهي و هي من أجل العلوم‪ .‬و قد يورد أهلها أحاديث نبوية تشهد بفضلها مثل الفرائض ثلث العلم و أنا أول ما‬
‫يرفع من العلوم و غي ذلك‪ .‬و عندي أن ظواهر تلك الحاديث كلها إنا هي ف الفرائض العينية كما تقدم ل فرائض الوراثات فإنا أقل من‬
‫أن تكون ف كميتها ثلث العلم‪ .‬و أما الفرائض العينية فكثية و قد ألف الناس ف هذا الفن قديا و حديثا و أوعبوا و من أحسن التآليف فيه‬
‫على مذهب مالك رحه ال كتاب ابن ثابت و متصر القاضي أب القاسم الوف و كتاب ابن النمر و العدي و الصردي و غيهم‪ .‬لكن‬
‫الفضل للحوف فكتابه مقدم على جيعها‪ .‬و قد شرحه من شيوخنا أبو عبد ال ممد بن سليمان الشطي كبي مشيخة فاس فأوضح و أوعب‪.‬‬
‫و لمام الرمي فيها تآليف على مذهب الشافعي تشهد باتساع باعه ف العلوم‪ ،‬و رسوخ قدمه‪ ،‬و كذا للحنفية والنابلة‪ .‬و مقامات الناس‬
‫ف العلوم متلفة‪ .‬و ال يهدي من يشاء بنه و كرمه ل رب سواه‪.‬‬
‫الفصل الادي و العشرون‪ :‬ف العلوم الندسية‬
‫هذا العلم هو النظر ف القادير إما التصلة كالط و السطح و السم و إما النفصلة كالعداد و فيما يعرض لا من العوارض الذاتية‪ .‬مثل أن‬
‫كل مثلث فزواياه مثل قائمتي‪ .‬و مثل أن كل خطي متوازيي ل يلتقيان ف وجه و لو خرجا إذ غي ناية‪ .‬و مثل أن كل خطي متقاطعي‬
‫فالزاويتان التقابلتان منهما متساويتان‪ .‬و مثل أن الربعة مقادير التناسبة ضرب الول منها ف الثالث كضرب الثان ف الرابع و أمثال ذلك‪.‬‬
‫و الكتاب الترجم لليونانيي ف هذه الصناعة كتاب أوقليدس و يسمى كتاب الصول و كتاب الركان و هو أبسط ما وضع فيها للمتعلمي‬
‫و أول ما ترجم من كتاب اليونانيي ف اللة أيام أب جعفر النصور و نسخه متلفة باختلف الترجي‪ .‬فمنها لني بن إسحاق ولثابت بن‬
‫قرة و ليوسف بن الجاج و يشتمل على خس عشرة مقالة‪ .‬أربع ف السطوح و واحدة ف القدار التناسبة و أخرى ف نسب السطوح‬
‫بعضها إل بعض و ثلث ف العدد و العاشرة ف النطقات و القوى على النطقات و معناه الذور و خس ف الجسمات‪ .‬و قد اختصره‬
‫الناس اختصارات كثية كما فعله ابن سينا ف تعاليم الشفاء‪ .‬أفرد له جزءا منها اختصه به‪ .‬و كذلك ابن الصلت ف كتاب القتصار و‬
‫غيهم‪ .‬و شرحه آخرون شروحا كثية و هو مبدأ العلوم الندسية بإطلق‪ .‬و اعلم أن الندسة تفيد صاحبها إضاءة ف عقله‪ ،‬استقامة ف‬
‫فكره لن براهينها كلها بينة النتظام جلية الترتيب ل يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها و انتظامها فيبعد الفكر بمارستها عن الطأ و ينشأ‬
‫لصاحبها عقل على ذلك الهيع و قد زعموا أنة كان مكتوبا على باب أفلطون‪ :‬من ل يكن مهندسا فل يدخلن منلنا و كان شيوخنا‬
‫رحهم ال يقولون مارسة الندسة للفكر بثابة الصابون للثوب الذي يغسل منه القذار و ينقيه من الوضار والدران‪ ،‬و إنا ذلك لا أشرنا‬
‫إليه من ترتيبه و انتظامه‪ .‬و من فروع هذا الفن الندسة الخصوصة بالشكال الكروية و الخروطات أما الشكال الكروية ففيها كتابان من‬
‫كتب اليونانيي لثاوذوسيوس و ميلوش ف سطوحها و قطوعها وكتاب ثاوذوسيوس مقدم ف التعليم على كتاب ميلوش لتوقف كثي من‬
‫براهينه عليه‪ .‬و لبد منهما لن يريد الوض ف علم اليئة لن براهينها متوقفة عليه‪ .‬فالكلم ف اليئة كله كلم ف الكرات السماوية و ما‬
‫يعرض فيها من القطوع والدوائر بأسباب الركات كما نذكره فقد يتوقف على معرفة أحكام الشكال الكروية سطوحها و قطوعها‪ .‬و أما‬
‫الخروطات فهو من فروع الندسة أيضا‪ .‬و هو علم ينظر فيما يقع ف الجسام الخروطة من الشكال و القطوع و يبهن على ما يعرض‬
‫لذلك من العوارض بباهي هندسية متوقفة على التعليم الول‪ .‬و فائدتا تظهر ف الصنائع العملية الت موادها الجسام مثل التجارة و البناء و‬
‫كيف تصنع التماثيل الغريبة و الياكل النادرة و كيف يتخيل على جر الثقال و نقل الياكل بالندام و اليخال و أمثال ذلك‪ .‬و قد أفرد‬
‫بعض الؤلفي ف هذا الفن كتابا ف اليل العلمية يتضمن من الصناعات الغريبة و اليل الستظرفة كل عجيبة‪ .‬و ربا استغلق على الفهوم‬
‫لصعوبة براهينه الندسية و هو موجود بأيدي الناس ينسبونه إل بن شاكر‪ .‬و ال تعال أعلم‪ .‬و من فروع الندسة الساحة و هو فن يتاج‬
‫إليه ف مسح الرض و معناه استخراج مقدار الرض العلومة بنسبة شب أو ذراع أو غيها و نسبة أرض من أرض إذ قويست بثل ذلك‪ .‬و‬
‫يتاج إل ذلك ف توظيف الراج على الزارع و الفدن و بساتي الغراسة و ف قسمة الوائط والراضي بي الشركاء و الورثة و أمثال‬
‫ذلك‪ .‬و للناس فيها موضوعات حسنة و كثية و ال الوفق للصواب بنه و كرمه‪ .‬الناظرة من فروع الندسة و هو علم يتبي به أسباب‬
‫الغلط ف الدراك البصري بعرفة كيفية وقوعها بناء على أن إدراك البصر يكون بخروط شعاعي رأسه نقطة الباصر و قاعدته الرئي‪ .‬ث يقع‬
‫الغلط كثيا ف رؤية القريب كبيا و البعيد صغيا‪ .‬و كذا رؤية الشباح الصغية تت الاء و وراء الجسام الشفافة كبية و رؤية النقطة‬
‫النازلة من الطر خطا مستقيما و السلقة دائرة و أمثال ذلك‪ .‬فيتبي ف هذا العلم أسباب ذلك و كيفياته بالباهي الندسية و يتبي به أيضا‬
‫اختلف النظر ف القمر باختلف العروض الذي ينبن عليه معرفة رؤية الهلة و حصول الكسوفات و كثي من أمثال هذا‪ .‬و قد ألف ف‬
‫هذا الفن كثي من اليونانيي‪ .‬و أشهر من ألف فيه من السلميي ابن اليثم‪ .‬و لغيه أيضا تآليف و هو من هذه الرياضة و تفاريعها‪.‬‬

‫الفصل الثان و العشرون‪ :‬ف علم اليئة‬


‫و هو علم ينظر ف حركات الكواكب الثابتة و الحركة و التحية‪ .‬و يستدل بكيفيات تلك الركات على أشكال و أوضاع للفلك لزمت‬
‫عنها لذه الركات الحسوسة بطرق هندسية‪ .‬كما يبهن على أن مركز الرض مباين لركز فلك الشمس بوجود حركة القبال و الدبار‬
‫و كما يستدل بالرجوع و الستقامة للكواكب على وجود أفلك صغية حاملة لا متحركة داخل فلكها العظم و كما يبهن على وجود‬
‫الفلك الثامن بركة الكواكب الثابتة و كما يبهن على تعدد الفلك للكوكب الواحد بتعداد اليول له و أمثال ذلك‪ .‬و إدراك الوجود من‬
‫الركات و كيفياتا و أجناسها إنا هو بالرصد فإنا إنا علمنا حركة القبال و الدبار به‪ .‬و كذا تركيب الفلك ف طبقاتا و كذا الرجوع‬
‫و الستقامة و أمثال ذلك‪ .‬و كان اليونانيون يعتنون بالرصد كثيا و يتخذون له اللت الت توضع ليصد با حركة الكوكب العي‪ .‬و‬
‫كانت تسمى عندهم ذات اللق و صناعة عملها و الباهي عليه ف مطابقة حركتها بركة الفلك منقول بأيدي الناس‪.‬‬
‫و أما ف السلم فلم تقع به عناية إل ف القليل‪ .‬و كان ف أيام الأمون شيء منه و صنع هذه اللة العروفة للرصد السماة ذات اللق‪ .‬و‬
‫شرع ف ذلك فلم يتم‪ .‬و لا مات ذهب رسه و أغفل و اعتمد من بعده على الرصاد القدية و ليست بغنية لختلف الركات باتصال‬
‫الحقاب‪ .‬و أن مطابقة حركة اللة للرصد بركة الفلك و الكواكب إنا هو بالتقريب‪ .‬و هذه اليئة صناعة شريفة و ليست على ما يفهم‬
‫ف الشهور أنا تعطى صورة السماوات و ترتيب الفلك والكواكب بالقيقة بل إنا تعطي أن هذه الصور و اليئات للفلك لزمت عن هذه‬
‫الركات‪ .‬و أنت تعلم أنه ل يبعد أن يكون الشيء الواحد لزما لختلفي و إن قلنا إن الركات لزمة فهو استدلل باللزم على وجود‬
‫اللزوم و ل يعطي القيقة بوجه على أنه علم جليل و هو أحد أركان التعاليم‪ .‬و من أحسن التآليف فيه كتاب الجسطي منسوب‬
‫لبطليموس‪ .‬و ليس من ملوك اليونان الذين أساؤهم بطليموس على ما حققه شراح الكتاب‪ .‬و قد اختصره الئمة من حكماء السلم كما‬
‫فعله ابن سينا و أدرجه ف تعاليم الشفاء‪ .‬و لصه ابن رشد أيضا من حكماء الندلس و ابن السمح و ابن أب الصلت ف كتاب القتصار‪ .‬و‬
‫لبن الفرغان هيئة ملخصة قربا و حذف براهينها الندسية‪ .‬و ال علم النسان ما ل يعلم‪ .‬سبحانه ل إله إل هو رب العالي‪ .‬و من فروعه‬
‫علم الزياج‪ .‬و هي صناعة حسابية على قواني عددية فيما يص كل كوكب من طريق حركته و ما أدى إليه برهان اليئة ف وضعه من‬
‫سرعة و بطء و استقامة و رجوع و غي ذلك يعرف به مواضع الكواكب ف أفلكها لي وقت فرض من قبل حسبان حركاتا على تلك‬
‫القواني الستخرجة من كتب اليئة‪ .‬و لذه الصناعة قواني كالقدمات و الصول لا ف معرفة الشهور و اليام و التواريخ الاضية و أصول‬
‫متقررة من معرفة الوج والضيض و اليول و أصناف الركات و استخراج بعضها من بعض‪ ،‬يضعونا ف جدول مرتبة تسهيل على‬
‫التعلمي و تسمى الزياج‪ .‬و يسمى استخراج مواضع الكواكب للوقت الفروض لذه الصناعة تعديل و تقويا‪ .‬و للناس فيه تآليف كثية‬
‫للمتقدمي و التأخرين مثل البتان و ابن الكماد‪ .‬و قد عول التأخرون لذا العهد بالغرب على زيج منسوب لبن إسحاق من منجمي تونس‬
‫ف أول الائة السابعة‪ .‬و يزعمون أن ابن إسحاق عول فيه على الرصد‪ .‬و أن يهوديا كان بصقلية ماهرا ف اليئة و التعاليم و كان قد عن‬
‫بالرصد و كان يبعث إليه با يقع ف ذلك من أحوال الكواكب و حركه لا فكان أهل الغرب لذلك عنوا به لوثاقة مبناه على ما يزعمون‪ .‬و‬
‫لصه ابن البناء ف آخر ساه النهاج فولع به الناس لا سهل من العمال فيه و إنا يتاج إل مواضع الكواكب من الفلك لتنبن عليها‬
‫الحكام النجومية و هو معرفة الثار الت تدث عنها بأوضاعها ف عال النسان من اللك و الدول و الواليد البشرية و الكوائن الادثة كما‬
‫نبينه بعد و نوضح فيه أدلتهم إن شاء ال تعال‪ .‬و ال الوفق لا يبه و يرضاه ل معبود سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون‪ :‬ف علم النطق‬


‫و هو قواني يعرف با الصحيح من الفاسد ف الدود العرفة للماهيات و الجج الفيدة للتصديقات و ذلك لن الصل ف الدراك إنا هو‬
‫الحسوسات بالواس المس‪ .‬و جيع اليوانات مشتركة ف هذا الدراك من الناطق و غيه و إنا يتميز النسان عنها بإدراك الكليات و‬
‫هي مردة من الحسوسات‪ .‬و ذلك بأن يصل ف اليال من الشخاص التفقة صورة منطبقة على جيع تلك الشخاص الحسوسة و هي‬
‫الكلي‪ .‬ث ينظر الذهن بي تلك الشخاص التفقة وأشخاص أخرى توافقها ف بعض‪ .‬فيحصل له صورة تنطبق أيضا عليهما باعتبار ما اتفقا‬
‫فيه‪ .‬و ل يزال يرتقي ف التجريد إل الكل الذي ل يد كليا آخر معه يوافقه فيكون لجل ذلك بسيطا‪ .‬و هذا مثل ما يرد من أشخاص‬
‫النسان صورة النوع النطبقة عليها‪ .‬ث ينظر بينه و بي اليوان و يرد صورة النس النطبقة عليهما‪ .‬ث ينظر بينهما و بي النبات إل أن‬
‫ينتهي إل النس العال و هو الوهر فل يد كليا يوافقه ف شيء فيقف العقل هنالك عن التجريد‪ .‬ث إن النسان لا خلق ال له الفكر الذي‬
‫به يدرك العلوم و الصنائع و كان العلم‪ :‬إما تصورا للماهيات و يعن به إدراك ساذج من غي حكم معه و إما تصديقا أي حكما بثبوت أمر‬
‫لمر فصار سعي الفكر ف تصيل الطلوبات إما بأن تمع تلك الكليات بعضها إل بعض على جهة التأليف فتحصل صورة ف الذهن كلية‬
‫منطبقة على أفراد ف الارج فتكون تلك الصورة الذهنية مفيدة لعرفة ماهية تلك الشخاص و إما بأن يكم بأمر على أمر فيثبت له و يكون‬
‫ذلك تصديقا‪ .‬و غايته ف القيقة راجعة إل التصور لن فائدة ذلك إذا حصل إنا هي معرفة حقائق الشياء الت هي مقتضى العلم الكمي‪.‬‬
‫و هذا السعي من الفكر قد يكون بطريق صحيح و قد يكون بطريق فاسد فاقتضى ذلك تييز الطريق الذي يسعى به الفكر ف تصيل‬
‫الطالب العلمية ليتميز الصحيح من الفاسد فكان ذلك قانون النطق‪ .‬و تكلم فيه التقدمون أول ما تكلموا به جل جل و مفترقا مفترقا‪ .‬و‬
‫ل تذب طرقه و ل تمع مسائله حت ظهر ف يونان أرسطو فهذب مباحثه و رتب مسائله و فصوله و جعله أول العلوم الكمية و فاتتها‪.‬‬
‫و لذلك يسمى بالعلم الول و كتابة الخصوص بالنطق يسمى النص و هو يشتمل على ثانية كتب أربعة منها ف صور القياس و أربعة ف‬
‫مادته‪ .‬و ذلك أن الطالب التصديقية على أناء‪ .‬فمنها ما يكون الطلوب فيه اليقي بطبعه و منها ما يكون الطلوب فيه الفن و هو على‬
‫مراتب فيظهر ف القياس من حيث الطلوب الذي يفيده و ما ينبغي أن تكون مقدماته بذلك العتبار و من أي جنس يكون من العلم أو من‬
‫الفن‪ .‬و قد ينظر ف القياس ل باعتبار مطلوب مصوص بل من جهة إنتاجه خاصة‪ .‬و يقال للنظر الول إنه من حيث الادة و نعن به الادة‬
‫النتجة للمطلوب الخصوص من يقي أو ظن و يقال للنظر الثان إنه من حيث الصورة و إنتاج القياس على الطلق فكانت لذلك كتب‬
‫النطق ثانية‪ :‬الول ف الجناس العالية الت ينتهي إليها تريد الحسوسات و هي الت ليس فوقها جنس و يسمى كتاب القولت‪ .‬و الثان ف‬
‫القضايا التصديقية و أصنافها و يسمى كتاب العبارة‪ .‬و الثالث ف القياس و صورة إنتاجه على الطلق و يسمى كتاب القياس و هذا آخر‬
‫النظر من حيث الصورة‪ .‬ث الرابع كتاب البهان و هو النظر ف القياس النتج لليقي و كيف يب أن تكون مقدماته يقينية‪ .‬و يتص بشروط‬
‫أخرى لفادة اليقي مذكورة فيه مثل كونا ذاتية و أولية و غي ذلك‪ .‬و ف هذا الكتاب الكلم ف العرفات و الدود إذ الطلوب فيها إنا‬
‫هو اليقي لوجوب الطابقة بي الد و الحدود ل تتمل غيها فلذلك اختصت عند التقدمي بذا الكتاب‪ .‬و الامس‪ :‬كتاب الدل و هو‬
‫القياس الفيد قطع الشاغب و إفحام الصم و ما يب أن يستعمل فيه من الشهورات و يتص أيضا من جهة إفادته لذا الغرض بشروط‬
‫أخرى من حيث إفادته لذا الغرض و هي مذكورة هناك‪ .‬و ف هذا الكتاب يذكر الواضع الت يستنبط منها صاحب القياس قياسه و فيه‬
‫عكوس القضايا‪ .‬و السادس‪ :‬كتاب السفسطة و هو القياس الذي يفيد غلف الق و يغالط به الناظر صاحبه و هو فاسد و هذا إنا كتب‬
‫ليعرف به القياس الغالطي فيحذر منه‪ .‬و السابع‪ :‬كتاب الطابة و هو القياس الفيد ترغيب المهور و حلهم على الراد منهم و ما يب أن‬
‫يستعمل ف ذلك من القالت‪ .‬و الثامن‪ :‬كتاب الشعر و هو القياس الذي يفيد التمثيل و التشبيه خاصة للقبال على الشيء أو النفرة عنه و‬
‫ما يب أن يستعمل فيه من القضايا التخيلية‪ .‬هذه هي كتب النطق الثمانية عند التقدمي‪ .‬ث إن حكماء اليونانيي بعد أن تذبت الصناعة و‬
‫رتبت رأوا أنة لبد من الكلم ف الكليات المس الفيدة للتصور الطابق للماهيات ف الارج‪ ،‬أو لجزائها أو عوارضها و هي النس و‬
‫الفصل و النوع و الاص و العرض العام‪ ،‬فاستدركوا فيها مقالة تتص با مقدمة بي يدي الفن فصارت تسعا و ترجت كلها ف اللة‬
‫السلمية‪ .‬و كتبها و تداولا فلسفة السلم بالشرح و التلخيص كما فعله الفاراب و ابن سينا ث ابن رشد من فلسفة الندلس‪ .‬و لبن‬
‫سينا كتاب الشفاء استوعب فيه علوم الفلسفة السبعة كلها‪ .‬ث جاء التأخرون فغيوا اصطلح النطق و ألقوا بالنظر ف الكليات المس‬
‫ثرته و هي الكلم ف الدود و الرسوم نقلوها من كتاب البهان‪ .‬و حذفوا كتاب القولت لن نظر النطقي فيه بالعرض ل بالذات‪ .‬و‬
‫ألقوا ف كتاب العبارة الكلم ف العكس‪ .‬و إن كان من كتاب الدل ف كتب التقدمي لكنة من توابع الكلم ف القضايا ببعض الوجوه ث‬
‫تكلموا ف القياس من حيث إنتاجه للمطالب على العموم ل بسب مادة و حدقوا النظر فيه بسب الادة و هي الكتب المسة‪ :‬البهان و‬
‫الدل و الطابة و الشعر و السفسطة‪ .‬و ربا يلم بعضهم باليسي منها إلاما و أغفلوها كأن ل تكن هي الهم العتمد ف الفن‪ .‬ث تكلموا‬
‫فيما وضعوه من ذلك كلما مستبحرا و نظروا فيه من حيث إنه فن برأسه ل من حيث إنه آلة للعلوم فطال الكلم فيه و اتسع‪ .‬و أول من‬
‫فعل ذلك المام فخر الدين بن الطيب و من بعده أفضل الدين الوني و على كتبه معتمد الشارقة لذا العهد‪ .‬و له ف هذه الصناعة كتاب‬
‫كشف السرار و هو طويل و اختصر فيها متصر الوجز و هو حسن ف التعليم ث متصر المل ف قدر أربعة أوراق أخذ بجامع الفن و‬
‫أصوله متداولة التعلمون لذا العهد فينتفعون به‪ .‬و هجرت كتب التقدمي و طرقهم كأن ل تكن و هي متلئة من ثرة النطق و فائدته كما‬
‫قلناه‪ .‬و ال الادي للصواب‪.‬‬
‫اعلم أن هذا الفن قد اشتد النكي على انتحاله من متقدمي السلف و التكلمي‪ .‬و بالغوا ف الطعن عليه و التحذير منه و حظروا تعلمه و‬
‫تعليمه‪ .‬وجاء التأخرون من بعدهم من لدن الغزال و المام ابن الطيب فساموا ف ذلك بعض الشيء‪ .‬و أكب الناس على انتحاله من‬
‫يومئذ إل قليل‪ ،‬ينحون فيه إل رأي التقدمي‪ .‬فينفرون عنه و يبالغون ف إنكاره‪ .‬فلنبي لك نكتة القول و الرد ف ذلك‪ ،‬لتعلم مقاصد‬
‫العلماء ف مذاهبهم‪ ،‬و ذلك أن التكلمي لا وضعوا علم الكلم لنصر العقائد اليانية بالجج العقلية‪ ،‬كانت طريقتهم ف ذلك بأدلة خاصة‬
‫و ذكروها ف كتبهم كالدليل على حدث العال بإثبات الغراض و حدوثها‪ .‬و امتناع خلو الجسام عنها‪ ،‬و ما ل يلو عن الوادث‬
‫حادث‪ .‬و كإثبات التوحيد بدليل التمانع‪ .‬و إثبات الصفات القدية بالوامع الربعة إلاقا للغائب بالشاهد‪ .‬و غي ذلك من أدلتهم الذكورة‬
‫ف كتبهم‪ .‬ث مرروا تلك الدلة بتمهيد قواعد و أصول هي كالقدمات لا مثل إثبات الوهر الفرد و الزمن الفرد و اللء بي الجسام و‬
‫نفي الطبيعة و التركيب العقلي للماهيات‪ .‬و أن العرض ل يبقى زمني و إثبات الال و هي صفة الوجود‪ ،‬ل موجودة و ل معدومة و غي‬
‫ذلك من قواعدهم الت بنوا عليها أدلتهم الاصة‪ .‬ث ذهب الشيخ أبو السن‪ ،‬و القاضي أبو بكر و الستاذ أبو إسحاق إل أن أدلة العقائد‬
‫منعكسة بعن أنا إذا بطلت بطل مدلولا‪ .‬و لذا رأى القاضي أبو بكر أنا بثابة العقائد و القدح فيها قدح ف العقائد لبتنائها عليها‪ .‬و إذا‬
‫تأملت النطق وجدته كله يدور على التركيب العقلي‪ ،‬و إثبات الكلي الطبيعي ف الارج لينطبق عليه الكلي الذهن النقسم إل الكليات‬
‫المس‪ ،‬الت هي النس و النوع و الفصل والاصة و العرض العام‪ ،‬و هذا باطل عند التكلمي‪ .‬و الكلي و الذات عندهم إنا اعتبار ذهن‬
‫ليس ف الارج ما يطابقه‪ .‬أو حال عند من يقول با فتبطل الكليات المس و التعريف البن عليها‪ .‬و القولت العشر‪ ،‬و يبطل العرض‬
‫الذات‪ ،‬فتبطل ببطلنه القضايا الضرورية الذاتية الشروطة ف البهان و تبطل الواضع الت هي لباب كتاب الدل‪ .‬و هي الت يؤخذ منها‬
‫الوسط الامع بي الطرفي ف القياس‪ ،‬و ل يبقى إل القياس الصوري‪ ،‬و من التعريفات الساوئ ف الصادقية على أفراد الحمود‪ ،‬ل يكون‬
‫أعلم منها‪ ،‬فيدخل غيها‪ ،‬و ل أخص فيخرج بعضها‪ ،‬و هو الذي يعب عنه النحاة بالمع و النع و التكلمون بالطرد و العكس‪ ،‬و تنهدم‬
‫أركان النطق جلة‪ .‬و إن أثبتنا هذه كما ف علم النطق أبطلنا كثيا من مقدمات التكلمي فيؤدي إل إبطال أدلتهم على العقائد كما مر‪.‬‬
‫فلهذا بالغ التقدمون من التكلمي ف النكي على انتحال النطق و عده بدعة أو كفرا على نسبة الدليل الذي يبطل‪ .‬و التأخرون من لدن‬
‫الغزال لا أنكروا انعكاس الدلة‪ ،‬و ل يلزم عندهم من بطلن الدليل بطلن مدلوله‪ ،‬و صح عندهم رأي أهل النطق ف التركيب العقلي و‬
‫وجوب الاهيات الطبيعية و كلياتا ف الارج‪ ،‬قضوا بأن النطق غي مناف للعقائد اليانية‪ .‬و إن كان منافيا لبعض أدلتها‪ ،‬بل قد يستدلون‬
‫على إبطال كثي من تلك القدمات الكلمية‪ ،‬كنفي الوهر الفرد و اللء و بقاء العراض و غيها‪ ،‬و يستبدلون من أدلة التكلمي على‬
‫العقائد بأدلة أخرى يصححونا بالنظر و القياس العقلي‪ .‬و ل يقدح ذلك عندهم ف العقائد السنية بوجه‪ .‬و هذا رأي المام و الغزال و‬
‫تابعهما لذا العهد‪ ،‬فتأمل ذلك و اعرف مدارك العلماء و مآخذهم فيما يذهبون إليه‪ .‬و ال الادي و الوفق للصواب‪.‬‬

‫الفصل الرابع و العشرون‪ :‬ف الطبيعيات‬


‫و هو علم يبحث ف السم من جهة ما يلحقه من الركة و السكون فينظر ف الجسام السماوية و العنصرية و ما يتولد عنها من حيوان و‬
‫إنسان و نبات و معدن و ما يتكون ف الرض من العيون و الزلزل و ف الو من السحاب و البخار و الرعد والبق و الصواعق و غي‬
‫ذلك‪ .‬و ف مبدأ الركة للجسام و هو النفس على تنوعها ف النسان و اليوان و النبات‪ .‬و كتب أرسطو فيه موجودة بي أيدي الناس‬
‫ترجت مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام الأمون و ألف الناس على حذوها مستتبعي لا بالبيان و الشرح و أوعب من ألف ف ذلك ابن‬
‫سينا ف كتاب الشفاء جع فيه العلوم السبعة للفلسفة كما قدمنا ث لصه ف كتاب النجا و ف كتاب الشارات و كأنه يالف أرسطو ف‬
‫الكثي من مسائلها و يقول برأيه فيها‪ .‬و أما ابن رشد فلخص كتب أرسطو و شرحها متبعا له غي مالف‪ .‬و ألف الناس ف ذلك كثيا لكن‬
‫هذه هي الشهورة لذا العهد و العتبة ف الصناعة‪ .‬و لهل الشرق عناية بكتاب الشارات ل بن سينا و للمام ابن الطيب عليه شرح‬
‫حسن و كذا المدي و شرحه أيضا نصي الدين الطوسي العروف بواجه من أهل الشرق و بث مع المام ف كثي من مسائله فأوف على‬
‫أنظاره و بوثه و فوق كل ذي علم عليم و ال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم‪.‬‬
‫الفصل الامس و العشرون‪ :‬ف علم الطب‬
‫و من فروع الطبيعيات صناعة الطب و هي صناعة تنظر ف بدن النسان من حيث يرض و يصح فيحاول صاحبها حفظ الصحة و برء‬
‫الرض بالدوية والغذية بعد أن يتبي الرض الذي يص كل عضو من أعضاء البدن و أسباب تلك المراض الت تنشأ عنها و ما لكل مرض‬
‫من الدوية مستدلي على ذلك بأمزجة الدوية و قواها و على الرض بالعلمات الؤذن بنضجه و قبوله الدواء أول‪ :‬ف السجية و الفضلت‬
‫و النبض ماذين لذلك قوة الطبيعة فإنا الدبرة ف حالت الصحة و الرض‪ .‬و إنا الطبيب ياذيها و يعينها بعض الشيء بسب ما تقتضيه‬
‫طبيعة الادة و الفصل و السن و يسمى العلم الامع لذا كله علم الطب‪ .‬و ربا أفردوا بعض العضاء بالكلم و جعلوه علما خاصا‪ ،‬كالعي‬
‫و عللها وأكحالا‪ .‬كذلك ألقوا بالفن من مناخ العضاء و معناها النفعة الت لجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن اليوان‪ .‬و إن ل‬
‫يكن ذلك من موضوع علم الطب إل أنم جعلوه من لواحقه و توابعه‪ .‬و إمام هذه الصناعة الت ترجت كتبه فيها من القدمي جالينوس‬
‫يقال إنه كان معاصرا لعيسى عليه السلم و يقال إنه مات بصقلية ف سبيل تغلب و مطاوعة اغتراب‪ .‬و تآليفه فيها هي المهات الت اقتدى‬
‫با جيع الطباء بعده‪ .‬و كان ف السلم ف هذه الصناعة أئمة جاءوا من وراء الغاية مثل الرازي و الجوسي و ابن سينا و من أهل الندلس‬
‫أيضا كثي وأشهرهم ابن زهر‪ .‬و هي لذا العهد ف الدن السلمية كأنا نقصت لوقوف العمران و تناقصه و هي من الصنائع الت ل‬
‫تستدعيها إل الضارة و الترف كما نبينه بعد‪ .‬و للبادية من أهل العمران طب يبنونه ف غالب المر على تربة قاصرة على بعض الشخاص‬
‫متوارثا عن مشايخ الي و عجائزه‪ ،‬و ربا يصح منه البعض إل أنة ليس على قانون طبيعي و ل على موافقة الزاج‪ .‬و كان عند العرب من‬
‫هذا الطب كثي و كان فيهم أطباء معروفون كالارث بن كلدة و غيه‪ .‬و الطب النقول ف الشرعيات من هذا القبيل و ليس من الوحي ف‬
‫شيء و إنا هو أمر كان عاديا للعرب‪ .‬و وقع ف ذكر أحوال النب صلى ال عليه و سلم من نوع ذكر أحواله الت هي عادة و جبلة ل من‬
‫جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل‪ .‬فإنه صلى ال عليه و سلم إنا بعث ليعلمنا الشرائع و ل يبعث لتعريف الطب و ل غيه‬
‫من العاديات‪ .‬و قد وقع له ف شأن تلقيح النخل ما وقع فقال‪ :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم‪ .‬فل ينبغي أن يمل شيء من الطب الذي وقع ف‬
‫الحاديث الصحيحة النقولة على أنة مشروع فليس هناك ما يدل عليه اللهم إل إذا استعمل على جهة التبك و صدق العقد اليان فيكون‬
‫له أثر عظيم ف النفع‪ .‬و ليس ذلك ف الطب الزاجي و إنا هو من آثار الكلمة اليانية كما وقع ف مداواة البطون بالعسل و نوه و ال‬
‫الادي إل الصواب ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون‪ :‬ف الفلحة‬


‫هذه الصناعة من فروع الطبيعيات و هي النظر ف النبات من حيث تنميته و نشؤه بالسقي و العلج و تعهده بثل ذلك و كان للمتقدمي با‬
‫عناية كثية و كان النظر فيها عندهم عاما ف النبات من جهة غرسه و تنميته و من جهة خواصه و روحانيته و مشاكلتها لروحانيات‬
‫الكواكب و الياكل الستعمل ذلك كله ف باب السحر فعظمت عنايتهم به لجل ذلك‪ .‬و ترجم من كتب اليونانيي كتاب الفلحة النبطية‬
‫منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبي‪ .‬و لا نظر أهل اللة فيما اشتمل عليه هذا الكتاب و كان باب السحر مسدودا و النظر‬
‫فيه مظورا فاقتصروا منه على الكلم ف النبات من جهة غرسه و علجه و ما يعرض له ف ذلك و حذفوا الكلم ف الفن الخر منه جلة‪ .‬و‬
‫اختصر ابن العوام كتاب الفلحة النبطية على هذا النهاج و بقي الفن الخر منه مغفل‪ ،‬نقل منة مسلمة ف كتبه السحرية أمهات من مسائله‬
‫كما نذكره عند الكلم على السحر إن شاء ال تعال‪ .‬و كتب التأخرين ف الفلحة كثية و ل يعدون فيها الكلم ف الغراس و العلج و‬
‫حفظ النبات من حوائجه و عوائقه و ما يعرض ف ذلك كله و هي موجودة‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون‪ :‬ف علم الليات‬


‫و هو علم ينظر ف الوجود الطلق فأول ف المور العامة للجسمانيات و الروحانيات من الاهيات و الوحدة و الكثرة و الوجوب و المكان‬
‫و غي ذلك ث ينظر ف مبادئ الوجودات و أنا روحانيات ث ف كيفية صدور الوجودات عنها و مراتبها ث ف أحوال النفس بعد مفارقة‬
‫الجسام و عودها إل البدأ‪ .‬و هو عندهم علم شريف يزعمون أنة يوقفهم على معرفة الوجود على ما هو عليه و أن ذلك عي السعادة ف‬
‫زعمهم‪ .‬و سيأت الرد عليهم بعد‪ .‬و هو تال للطبيعيات ف ترتيبهم ولذلك يسمونه علم ما وراء الطبيعة‪ .‬و كتب العلم الول فيه موجودة‬
‫بي أيدي الناس‪ .‬و لصه ابن سينا ف كتاب الشفاء و النجاة و كذلك لصه ابن رشد من حكماء الندلس‪ .‬و لا وضع التأخرون ف علوم‬
‫القوم و دونوا فيها و رد عليهم الغزال ما رد منها ث خلط التأخرون من التكلمي مسائل علم الكلم بسائل الفلسفة لشتراكهما ف‬
‫الباحث‪ ،‬و تشابه موضوع علم الكلم بوضوع الليات و مسائله بسائلها فصارت كأنا فن واحد ث غيوا ترتيب الكماء ف مسائل‬
‫الطبيعيات و الليات و خلطوها فنا واحدا قدموا الكلم ف المور العامة ث أتبعوه بالسمانيات و توابعها ث بالروحانيات و توابعها إل‬
‫آخر العلم كما فعله المام ابن الطيب ف الباحث الشرقية و جيع من بعده من علماء الكلم‪ .‬و صار علم الكلم متلطا بسائل الكمة و‬
‫كتبه مشوة با كأن الغرض مم موضوعهما و مسائلهما واحد‪ .‬و التبس ذلك على الناس و هو صواب لن مسائل علم الكلم إنا هي‬
‫عقائد متلقاة من الشريعة كما نقلها السلف من غي رجوع فيها إل العقل و ل تعويل عليه بعن أنا ل تثبت إل به فإن العقل معزول عن‬
‫الشرع و أنظاره و ما تدث فيه التكلمون من إقامة الجج فليس بثا عن الق فيها فالتعليل بالدليل بعد أن ل يكن معلوما هو شأن الفلسفة‬
‫بل إنا هو التماس حجة عقلية تعضد عقائد اليان و مذاهب السلف فيها و تدفع شبه أهل البدع عنها الذين زعموا أن مداركهم فيها‬
‫عقلية‪ .‬و ذلك بعد أن تفرض صحيحة بالدلة النقلية كما تلقاها السلف و اعتقدوها و كثي ما بي القامي‪ .‬و ذلك أن مدارك صاحب‬
‫الشريعة أوسع لتساع نطاقها عن مدارك النظار العقلية فهي فوقها و ميطة با لستمدادها من النوار اللية فل تدخل تت قانون النظر‬
‫الضعيف و الدارك الحاط با‪ .‬فإذا هدانا الشارع إل مدرك فينبغي أن نقدمه على مداركنا و نثق به دونا و ل ننظر ف تصحيحه بدارك‬
‫العقل و لو عارضه بل نعتمد ما أمرنا به اعتقادا و علما و نسكت عما ل نفهم من ذلك و نفوضه إل الشارع و نعزل العقل عنه و‬
‫التكلمون إنا دعاهم إل ذلك كلم أهل اللاد ف معارضات العقائد السلفية بالبدع النظرية فاحتاجوا إل الرد عليهم من جنس معارضاتم‬
‫و استدعى ذلك الجج النظرية و ماذاة العقائد السلفية با و أما النظر ف مسائل الطبيعيات والليات بالتصحيح و البطلن فليس من‬
‫موضوع علم الكلم و ل من جنس أنظار التكلمي‪ .‬فاعلم ذلك لتميز به بي الفني فإنما متلطان عند التأخرين ف الوضع و التأليف و‬
‫الق مغايرة كل منهما لصاحبه بالوضوع و السائل و إنا جاء اللتباس من اتاد الطالب عند الستدلل و صار احتجاج أهل الكلم كأنه‬
‫إنشاء لطلب العتداد بالدليل و ليس كذلك بل إنا هو رد على اللحدين و الطلوب مفروض الصدق معلومة‪ .‬و كذا جاء التأخرون من‬
‫غلة التصوفة التكلمي بالواجد أيضا فخلطوا مسائل الفني بفنهم و جعلوا الكلم واحدا فيها كلها مثل كلمهم ف النبؤات و التاد و‬
‫اللول و الوحدة و غي ذلك‪ .‬و الدارك ف هذه الفنون الثلثة متغايرة متلفة و أبعدها من جنس الفنون و العلوم مدارك التصوفة لنم‬
‫يدعون فيها الوجدان و يفرون عن الدليل و الوجدان بعيد عن الدارك العلمية و أباثها و توابعها كما بيناه و نبينه‪ .‬و ال يهدي من يشاء‬
‫إل طريق مستقيم و ال أعلم بالصواب‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العشرون‪ :‬ف علوم السحر و الطلسمات‬


‫و هي علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية با على التأثيات ف عال العناصر إما بغي معي أو بعي من المور السماوية و الول‬
‫هو السحر و الثان هو الطلسمات و لا كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لا فيها من الضرر و لا يشترط فيها من الوجهة إل غي ال‬
‫من كوكب أو غيه كانت كتبها كالفقودة بي الناس‪ .‬إل ما وجد ف كتب المم القدمي فيما قبل نبؤة موسى عليه السلم مثل النبط و‬
‫الكلدانيي فإن جيع من تقدمه من النبياء ل يشرعوا الشرائع و ل جاءوا بالحكام إنا كانت كتبهم مواعظ و توحيدا ل و تذكيا بالنة‬
‫والنار و كانت هذه العلوم ف أهل بابل من السريانيي و الكلدانيي و ف أهل مصر من القبط و غيهم‪ .‬و كان لم فيها التآليف و الثار و‬
‫ل يترجم لنا من كتبهم فيها إل القليل مثل الفلحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم و تفننوا فيه و وضعت بعد ذلك‬
‫الوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة و كتاب طمطم الندي ف صور الدرج و الكواكب و غيها‪ .‬ث ظهر بالشرق جابر بن حيان‬
‫كبي السحرة ف هذه اللة فتصفح كتب القوم و استخرج الصناعة و غاص ف زبدتا و استخرجها و وضع فيها غيها من التآليف و أكثر‬
‫الكلم فيها و ف صناعة السيمياء لنا من توابعها لن إحالة الجسام النوعية من صورة إل أخرى إنا يكون بالقوة النفسية ل بالصناعة‬
‫العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره ف موضعه‪ .‬ث جاء مسلمة بن أحد الجريطي إمام أهل الندلس ف التعاليم والسحريات فلخص‬
‫جيع تلك الكتب و هذبا و جع طرقها ف كتابه الذي ساه غاية الكيم و ل يكتب أحد ف هذا العلم بعده‪ .‬و لتقدم هنا مقدمة يتبي با‬
‫حقيقة السحر و ذلك أن النفوس البشرية و إن كانت واحدة بالنوع فهي متلفة بالواص و هي أصناف كل صنف متص باصية واحدة‬
‫بالنوع ل توجد ف الصنف الخر‪ .‬و صارت تلك الواص فطرة و جبلة لصنفها فنفوس النبياء عليهم الصلة و السلم لا خاصية تستعد با‬
‫للنسلخ من الروحانية البشرية إل الروحانية اللكية حت يصي ملكا ف تلك اللمحة الت انسلخت فيها‪ ،‬و هذا هو معن الوحي كما مر ف‬
‫موضعه‪ ،‬و هي ف تلك الالة مصلة للمعرفة الربانية و ماطبة اللئكة عليهم السلم عن ال سبحانه و تعال كما مر‪ .‬و ما يتسع ف ذلك من‬
‫التأثي ف الكوان و نفوس السحرة لا خاصة التأثي ف الكوان و استجلب روحانية الكواكب للتصرف فيها و التأثي بقوة نفسانية أو‬
‫شيطانية‪ .‬فأما تأثي النبياء فمدد إلي و خاصية ربانية و نفوس الكهنة لا خاصية الطلع على الغيبات بقوى شيطانية‪ .‬و هكذا كل صنف‬
‫متص باصية ل توجد ف الخر‪ .‬و النفوس الساحرة على مراتب ثلث يأت شرحها فأولا الؤثرة بالمة فقط من غي آلة و ل معي و هذا‬
‫هو الذي تسميه الفلسفة السحر و الثان بعي من مزاج الفلك أو العناصر أو خواص العداد و يسمونه الطلسمات و هو أضعف رتبة من‬
‫الول و الثالث تأثي ف القوى التخيلة‪ .‬يعمد صاحب هذا التأثي إل القوى التخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف و يلقي فيها أنواعا من‬
‫اليالت و الحاكاة و صورا ما يقصده من ذلك ث ينلا إل الس من الرائي بقوة نفسه الؤثرة فيه فينظر الراؤن كأنا ف الارج و ليس‬
‫هناك شيء من ذلك‪ ،‬كما يكى عن بعضهم أنه يري البساتي و النار و القصور و ليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلسفة‬
‫الشعوذة أو الشعبذة‪ .‬هذا تفصيل مراتبه ث هذه الاصية تكون ف الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها و إنا ترج إل الفعل بالرياضة و‬
‫رياضة السحر كلها إنا تكون بالتوجه إل الفلك و الكواكب و العوال العلوية والشياطي بأنواع التعظيم و العبادة و الضوع و التذلل‬
‫فهي لذلك وجهة إل غي ال و سجود له‪ .‬و الوجهة إل غي ال كفر فلهذا كان السحر كفرا و الكفر من مواده و أسبابه كما رأيت‪ .‬و‬
‫لذا اختلف الفقهاء ف قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالفساد و ما ينشأ عنه من الفساد ف الكوان و الكل حاصل‬
‫منه‪ .‬و لا كانت الرتبتان الوليان من السحر لا حقيقة ف الارج و الرتبة الخية الثالثة ل حقيقة لا اختلف العلماء ف السحر هل هو‬
‫حقيقة أو إنا هو تييل فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إل الرتبتي الوليي و القائلون بأن ل حقيقة له نظروا إل الرتبة الثالثة الخية‪ .‬فليس‬
‫بينهم اختلف ف نفس المر بل إنا جاء من قبل اشتباه هذه الراتب و ال أعلم‪ .‬و اعلم أن وجود السحر ل مرية فيه بي العقلء من أجل‬
‫التأثي الذي ذكرناه و قد نطق به القرآن‪ .‬قال ال تعال‪ :‬و لكن الشياطي كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على اللكي ببابل هاروت‬
‫و ماروت و ما يعلمان من أحد حت يقول إنا نن فتنة فل تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بي الرء و زوجه و ما هم بضارين به من‬
‫أحد إل بإذن ال‪ .‬و سحر رسول ال صلى ال عليه و سلم حت كان ييل إليه أنة يفعله و جعل سحره ف مشط و مشاقة و جف طلعة و‬
‫دفن ف بئر ذروان فأنزل ال عز و جل عليه ف العوذتي‪ :‬و من شر النفاثات ف العقد قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬كان ل يقرأ على عقدة‬
‫من تلك العقد الت سحر فيها إل انلت‪ .‬و أما وجود السحر ف أهل بابل و هم الكلدانيون من النبط و السريانيي فكثي و نطق به القرآن و‬
‫جاءت به الخبار و كان للسحر ف بابل و مصر أزمان بعثة موسى عليه السلم أسواق نافقة‪ .‬و لذا كانت معجزة موسى من جنس ما‬
‫يدعون و يتاناغون فيه و بقي من آثار ذلك ف الباري بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك و رأينا بالعيان من يصور صورة الشخص‬
‫السحور بواص أشياء مقابلة لا نواه و حاوله موجودة بالسحور و أمثال تلك العان من أساء و صفات ف التأليف و التفريق‪ .‬ث يتكلم‬
‫على تلك الصورة الت أقامها مقام الشخص السحور عينا أو معن ث ينفث من ريقه بعد اجتماعه ف فيه بتكرير مارج تلك الروف من‬
‫الكلم السوء و يعقد على ذلك العن ف سبب أعده لذلك تفاؤل بالعقد و اللزام و أخذ العهد على من أشرك به من الن ف نفثه ف فعله‬
‫ذلك استشعارا للعزية بالعزم‪ .‬و لتلك البنية و الساء السيئة روح خبيثة ترج منه مع النفخ متعلقة يريقه الارج من فيه بالنفث فتنل عنها‬
‫أرواح خبيثة و يقع عن ذلك بالسحور ما ياوله الساحر‪ .‬و شاهدنا أيضا من النتحلي للسحر و عمله من يشي إل كساء أو جلد و يتكلم‬
‫عليه ف سره فإذا هو مقطوع متخرق‪ .‬و يشي إل بطون الغنم كذلك ف مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونا إل الرض‪ .‬و سعنا‬
‫أن بأرض الند لذا العهد من يشي إل إنسان فيتحتت قلبه و يقع ميتا و ينقلب عن قلبه فل يوجد ف حشاه و يشي إل الرمانة و تفتح فل‬
‫يوجد من حبوبا شيء‪ .‬و كذلك سعنا أن بأرض السودان و أرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الرض الخصوصة‪ .‬و كذلك رأينا من‬
‫عمل الطلسمات عجائب ف العداد التحابة و هي ر ك ر ف د أحد العددين مائتان و عشرون و الخر مائتان و أربعة و ثانون و معن‬
‫التحابة أن أجزاء كل واحد الت فيه من نصف و ثلث و ربع و سدس و خس و أمثالا إذا جع كان متساويا للعدد الخر صاحبه فتسمى‬
‫لجل ذلك التحابة‪ .‬و نقل أصحاب الطلسمات أن لتلك العداد أثرا ف اللفة بي التحابي و اجتماعهما إذا وضع لما مثالن أحدها‬
‫بطالع الزهرة و هي ف بيتها أو شرفها ناظرة إل القمر نظر مودة و قبول و يعل طالع الثان سابع الول و يضع على أحد التمثالي أحد‬
‫العددين و الخر على الخر‪ .‬و يقصد بالكثر الذي يراد ائتلفه أعن الحبوب ما أدري الكثر كمية أو الكثر أجزاء فيكون لذلك من‬
‫التألف العظيم بي التحابي مال يكاد ينفك أحدها عن الخر‪ .‬قاله صاحب الغاية و غيه من أئمة هذا الشأن و شهدت له التجربة‪ .‬و كذا‬
‫طابع السد و يسمى أيضا طابع الصى و هو أن يرسم ف قالب هند إصبع صورة أسد سائل ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفي و‬
‫بي يديه صورة حية منسابة من رجليه إل قبالة وجهه فاغرة فاها فيه و على ظهره صورة عقرب تدب‪ .‬و يتحي برسه حلول الشمس‬
‫بالوجه الول أو الثالث من السد بشرط صلح النيين و سلمتهما من النحوس‪ .‬فإذا وجد ذلك و عثر عليه طبع ف ذلك الوقت ف مقدار‬
‫الثقال فما دونه من الذهب و غمس بعد ف الزعفران ملول باء الورد و رفع ف خرقة حرير صفراء فإنم يزعمون أن لمسكه من العز على‬
‫السلطي ف مباشرتم و خدمتهم و تسخيهم له مال يعب عنه‪ .‬و كذلك للسلطي فيه من القوة و العز على من تت أيديهم‪ .‬ذكر ذلك‬
‫أيضا أهل هذا الشأن ف الغاية و غيها و شهدت له التجربة‪ .‬و كذلك وفق السدس الختص بالشمس ذكروا أنه‪ .‬يوضع عند حلول‬
‫الشمس ف شرفها و سلمتها من النحوس و سلمة القمر بطالع ملوكي يعتب فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة و قبول و‬
‫يصلح فيه ما يكون من مواليد اللوك من الدلة الشريفة و يرفع ف خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس ف الطيب‪ .‬فزعموا أن له أثرا ف صحابة‬
‫اللوك و خدمتهم و معاشرتم‪ .‬و أمثال ذلك كثي‪ .‬و كتاب الغاية لسلمة بن أحد الجريطي هو مدونة هذه الصناعة و فيه استيفاؤها و‬
‫كمال مسائلها و ذكر لنا أن المام الفخر بن الطيب وضع كتابا ف ذلك و ساه بالسر الكتوم و أنه بالشرق يتداوله أهله و نن ل نقف‬
‫عليه‪ .‬و المام ل يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن و لعل المر بلف ذلك‪ .‬و بالغرب صنف من هؤلء النتحلي لذه العمال السحرية‬
‫يعرفون بالبعاجي و هم الذين ذكرت أول أنم يشيون إل الكساء أو اللد فيتخرق و يشيون إل بطون الغنم بالبعج فتنبعج‪ .‬و يسمى‬
‫أحدهم لذا العهد باسم البعاج لن أكثر ما ينتحل من السحر بعج النعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها و هم مستترون بذلك ف‬
‫الغاية خوفا على أنفسهم من الكام‪ ،‬لقيت منهم جاعة و شاهدت من أفعالم هذه بذلك و أخبون أن لم وجهة و رياضة خاصة بدعوات‬
‫كفرية و إشراك لروحانيات الن و الكواكب‪ ،‬شطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الزيرية يتدارسونا و أنم بذه الرياضة و الوجهة‬
‫يصلون إل حصول هذه الفعال لم و أن التأثي الذي لم إنا هو فيما سوى النسان الر من التاع و اليوان و الرفيق و يعبون عن ذلك‬
‫يقولم إنا نفعل فيما تشي فيه الدراهم أي ما يلك و يباع و يشترى من سائر التملكات هذا ما زعموه‪ .‬و سألت بعضهم فأخبن به و أما‬
‫أفعالم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثي منها و عاينتها من غي ريبة ف ذلك‪ .‬هذا شأن السحر والطلسمات و أثارها ف العال فأما‬
‫الفلسفة ففرقوا بي السحر و الطلسمات بعد أن أثبتوا أنما جيعا أثر للنفس النسانية و استدلوا على وجود الثر للنفس النسانية بأن لا‬
‫آثارا ف بدنا على غي الجرى الطبيعي و أسبابه السمانية بل آثار عارضة من كيفيات الرواح تارة كالسخونة الادثة عن الفرح و السرور‬
‫و من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم‪ .‬فإن الاشي على حرف حائط أو حبل منتصب إذا قوي عنده توهم‬
‫السقوط سقط بل شك‪ .‬و لذا تد كثيا من الناس يعودون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حت يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يشون على‬
‫حرف الائط و البل النتصب و ل يافون السقوط‪ .‬فثبت أن ذلك من آثار النفس النسانية و تصورها للسقوط من أجل الوهم‪ .‬و إذا‬
‫كان ذلك أثرا للنفس ف بدنا من غي السباب السمانية الطبيعية فجائز أن يكون لا مثل هذا الثر ف غي بدنا إذ نسبتها إل البدان ف‬
‫ذلك النوع من التأثي واحدة لنا غي حالة ف البدن و ل منطبعة فيه فثبت أنا مؤثرة ف سائر الجسام‪ .‬و أما التفرقة عندهم بي السحر و‬
‫الطلسمات فهو أن السحر ل يتاج الساحر فيه إل معي و صاحب الطلسمات يستعي بروحانيات الكواكب و أسرار العداد و خواص‬
‫الوجودات و أوضاع الفلك الؤثرة ف عال العناصر كما يقول النجمون و يقولون‪ :‬السحر اتاد روح بروح و الطلسم اتاد روح يسم و‬
‫معناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية‪ ،‬و الطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب و لذلك يستعي صاحبه ف غالب‬
‫المر بالنجامة‪ .‬و الساحر عندهم غي مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك البلة الختصة بذلك النوع من التأثي‪ .‬و الفرق‬
‫عندهم بي العجزة و السحر أن العجزة قوة إلية تبعث على النفس ذلك التأثي فهو مؤيد بروح ال على فعله ذلك‪ .‬و الساحر إنا يفعل‬
‫ذلك من لدن نفسه و بقوته النفسانية و بإمداد الشياطي ف بعض الحوال فبينهما الفرق ف العقولية و القيقة و الذات ف نفس المر و إنا‬
‫نستدل نن على التفرقة بالعلمات الظاهرة و هي وجود العجزة لصاحب الي و ف مقاصد الي و للنفوس التمحصة للخي و التحدي با‬
‫على دعوى النبؤة‪ .‬و السحر إنا يوجد لصاحب الشر و ف أفعال الشر ف الغالب من التفريق بي الزوجي و ضرر العداء و أمثال ذلك‪ .‬و‬
‫للنفوس التمحصة للشر‪ .‬هذا هو الفرق بينهما عند الكماء الليي‪ :‬و قد يوجد لبعض التصوفة و أصحاب الكرامات تأثي أيضا ف أحوال‬
‫العال و ليس معدودا من جنس السحر و إنا هو بالمداد اللي لن طريقتهم و نلتهم من آثار النبؤة و توابعها و لم ف الدد‪ ،‬اللي حفظ‬
‫على قدر حالم و إيانم و تسكهم بكلمة ال و إذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر ل يأتيها لنة متقيد فيما يأتيه بذرة للمر اللي‪ .‬فما‬
‫ل يقع لم فيه الذن ل يأتونه بوجه و من أتاه منهم فقد عدل عن طريق الق و ربا سلب حاله‪ .‬و لا كانت العجزة بإمداد روح ال و‬
‫القوى اللية فلذلك ل يعارضها شيء من السحر‪ .‬و انظر شأن سحرة فرعون مع موسى ف معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يأفكون‬
‫و ذهب سحرهم و اضمحل كأن ل يكن‪ .‬و كذلك لا أنزل على النب صلى ال عليه و سلم ف العوذتي و من شر النفاثات ف العقد‪ .‬قالت‬
‫عائشة رضي ال عنها‪ :‬فكان ل يقرأها على عقد ف من العقد الت سحر فيها إل انلت‪ .‬فالسحر ل يثبت مع اسم ال و ذكره بالمة اليانية‬
‫و قد نقل الؤرخون أن زركش كاويان و هي راية كسرى كان فيها الوفق الئين العددي منسوجا بالذهب ف أوضاع فلكية رصدت لذلك‬
‫الوفق‪ .‬و وجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الرض بعد انزام أهل فارس و شتاتم‪ .‬و هو فيما يزعم أهل الطلسمات و‬
‫الوفاق مصوص بالغلب ف الروب و أن الراية الت يكون فيها أو معها ل تنهزم أصل‪ .‬إل أن هذه عارضها الدد اللي من إيان أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال علية و سلم و تسكهم بكلمة ال فانل معها كل عقد سحري و ل يثبت و يطل ما كانوا يعملون‪ .‬و أما الشريعة فلم‬
‫تفرق بي السحر و الطلسمات و جعلته كله بابا واحدا مظورا‪ .‬لن الفعال إنا أباح لنا الشارع منها ما يهمنا ف ديننا الذي فيه صلح‬
‫آخرتنا أو ف معاشنا الذي فيه صلح دنيانا و ما ل يهمنا ف شيء منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالسحر الاصل ضرره بالوقوع و‬
‫يلحق به الطلسمات لن أثرها واحد و كالنجامة الت فيها نوع ضرر باعتقاد التأثي فتفسد العقيدة اليانية برد المور إل غي ال فيكون‬
‫حينئذ ذلك الفعل مظورا على نسبته ف الضرر‪ .‬و إن ل يكن مهما علينا و ل فيه ضرر فل أقل من تركه قربة إل ال فإن من حسن إسلم‬
‫الرء تركه مال يعنيه‪ .‬فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات و الشعوذة بابا واحدا لا فيها من الضرر و خصته بالظر و التحري‪ .‬و أما‬
‫الفرق عندهم بي العجزة و السحر فالذي ذكره التكلمون أنة راجع إل التحدي و هو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه‪ .‬قالوا‪ :‬و الساحر‬
‫مصروف عن مثل هذا التحدي فل يقع منه‪ .‬و وقوع العجزة على وفق دعوى الكاذب غي مقدور لن دللة العجزة على الصدق عقلية لن‬
‫صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لستحال الصادق كاذبا و هو مال فإذا ل تقع العجزة مع الكاذب بإطلق‪ .‬و أما الكماء‬
‫فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بي الي و الشر ف ناية الطرفي‪ .‬فالساحر ل يصدر منه الي و ل يستعمل ف أسباب الي و‬
‫صاحب العجزة ل يصدر منه الشر و ل يستعمل ف أسباب الشر و كأنما على طرف النقيض ف أصل فطرتما‪ .‬و ال يهدي من يشاء و هو‬
‫القوي العزيز ل رب سواه و من قبيل هذه التأثيات النفسية الصابة بالعي و هو تأثي من نفس العيان عندما يستحسن بعينه مدركا من‬
‫الذوات أو الحوال و يفرط ف استحسانه و ينشأ عن ذلك الستحسان حسد يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده‪ .‬و‬
‫هو جبلة فطرية أعن هذه الصابة بالعي‪ .‬و الفرق بينها و بي التأثيات النفسانية أن صدورة فطري جبلي ل يتخلف و ل يرجع اختيار‬
‫صاحبه و ل يكتسبه‪ .‬و سائر التأثيات و إن كان منها مال يكتسب فصدورها راجع إل اختيار فاعلها و الفطري منها قوة صدورها و لذا‬
‫قالوا‪ :‬القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل و القاتل بالعي ل يقتل‪ .‬و ما ذلك إل أنه ليس ما يريده و يقصده أو يتركه و إنا هو مبور ف‬
‫صدوره عنه‪ .‬و ال أعلم با ف الغيوب و مطلع على ما ف السرائر‪.‬‬

‫القسم الول من الفصل التاسع و العشرون‪ :‬علم أسرار الروف‬


‫و هو السمى لذا العهد بالسيميا‪ .‬نقل وضعه من الطلسمات إليه ف اصطلح أهل التصرف من التصوفة‪ ،‬فاستعمل استعمال العام ف‬
‫الاص‪ .‬و حدث هذا العلم ف اللة بعد صدر منها‪ ،‬و عند ظهور الغلة من التصوفة و جنوحهم إل كشف حجاب الس‪ ،‬و ظهور‬
‫الوارق على أيديهم و التصرفات ف عال العناصر‪ ،‬و تدوين الكتب و الصطلحات‪ ،‬و مزاعمهم ف تنل الوجود عن الواحد و ترتيبه‪ .‬و‬
‫زعموا أن الكمال السائي مظاهره أرواح الفلك و الكواكب‪ ،‬و أن طبائع الروف و أسرارها سارية ف الساء‪ ،‬فهي سارية ف الكوان‬
‫على هذا النظام‪ .‬و الكوان من لدن البداع الول تتنقل ف أطواره و تعرب عن أسراره‪ ،‬فحدث لذلك علم أسرار الروف‪ ،‬و هو من‬
‫تفاريع علم السيمياء ل يوقف على موضوعه و ل تاط بالعدد مسائله‪ .‬تعددت فيه تآليف البون و ابن العرب و غيها من اتبع آثارها‪ .‬و‬
‫حاصلة عندهم و ثرته تصرف النفوس الربانية ف عال الطبيعة بالساء السن و الكلمات اللية الناشئة عن الروف الحيطة بالسرار‬
‫السارية ف الكوان‪.‬‬
‫ث اختلفوا ف سر التصرف الذي ف الروف با هو‪ :‬فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه‪ ،‬و قسم الروف بقسمة الطبائع إل أربعة أصناف‬
‫كما للعناصر‪ .‬و اختصت كل طبيعة بصنف من الروف يقع التصرف ف طبيعتها فعل و انفعال بذلك الصنف‪ ،‬فتنوعت الروف بقانون‬
‫صناعي يسمونه التكسي إل نارية و هوائية و مائية و ترابية على حسب تنوع العناصر‪ ،‬فاللف للنار و الباء للهواء واليم للماء والدال‬
‫للتراب‪ .‬ث ترجع كذلك على التوال من الروف و العناصر إل أن تنفذ‪ .‬فتعي لعنصر النار حروف سبعة‪ :‬اللف و الاء و الطاء و اليم و‬
‫الفاء والسي و الذال‪ ،‬و تعي لعنصر الواء سبعة أيضا‪ :‬الباء و الواو و الياء و النون و الضاد والتاء و الظاء‪ ،‬و تعي لعنصر الاء أيضا سبعة‪:‬‬
‫اليم و الزاي و الكاف و الصاد والقاف و الثاء و الغي‪ ،‬و تعي لعنصر التراب أيضا سبعة‪ :‬الدال و الاء و اللم و العي و الراء و الاء و‬
‫الشي‪.‬‬
‫و الروف النارية لدفع المراض الباردة و لضاعفة قوة الرارة حيث تطلب مضاعفتها‪ ،‬إما حسا أو حكما‪ .‬كما ف تضيف قوى الريخ ف‬
‫الروب ف القتل و الفتك‪ .‬و الائية أيضا لدفع المراض الارة من حيات و غيها و لتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسا‬
‫أو حكما‪ ،‬كتضعيف قوى القمر و أمثال ذلك‪.‬‬
‫و منهم من جعل سر التصرف الذي ف الروف للنسبة العددية‪ :‬فإن حروف أبد دالة على أعدادها التعارفة وضعا و طبعا فبينها من أجل‬
‫تناسب العداد تناسب ف نفسها أيضا‪ ،‬كما بي الباء و الكاف و الراء لدللتها كلها على الثني كل ف مرتبته‪ ،‬فالباء على اثني ف مرتبة‬
‫الحاد‪ ،‬و الكاف على اثني ف مرتبة العشرات‪ ،‬و الراء على اثني ف مرتبة الئي‪ .‬و كالذي بينها و بي الدال و اليم والتاء لدللتها على‬
‫الربعة‪ ،‬و بي الربعة و الثني نسبة الضعف‪ .‬و خرج للساء أوفاق كما للعداد يتص كل صنف من الروف بصنف من الوفاق الذي‬
‫يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الروف‪ ،‬و امتزج التصرف من السر الرف و السر العددي لجل التناسب الذي بينهما‪ .‬فأما سر‬
‫التناسب الذي بي هذه الروف و أمزجة الطبائع‪ ،‬أو بي الروف و العداد‪ ،‬فأمر عسي على الفهم‪ ،‬إذ ليس من قبيل العلوم و القياسات‪،‬‬
‫و إنا مستندهم فيه الذوق و الكشف‪ .‬قال البون‪ :‬و ل تظن أن سر الروف ما يتوصل إليه بالقياس العقلي‪ ،‬و إنا هو بطريق الشاهدة و‬
‫التوفيق اللي‪ .‬و أما التصرف ف عال الطبيعة بذه الروف و الساء الركبة فيها و تأثر الكوان عن ذلك فأمر ل ينكر لثبوته عن كثي‬
‫منهم تواترا‪ .‬و قد يظن أن تصرف هؤلء و تصرف أصحاب الطلسمات واحد‪ ،‬و ليس كذلك‪ ،‬فإن حقيقة الطلسم و تأثيه على ما حققه‬
‫أهله أنة قوى روحانية من جوهر القهر‪ ،‬تفعل فيما له ركب فعل غلبة و قهر‪ .‬بأسرار فلكية و نسب عددية و بورات جالبات لروحانية‬
‫ذلك الطلسم‪ ،‬مشدودة فيه بالمة‪ ،‬فائدتا ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية‪ ،‬و هو عندهم كالمية الركبة من هوائية و أرضية و مائية و‬
‫نارية حاصلة ف جلتها‪ ،‬تيل و تصرف ما حصلت فيه إل ذاتا و تقلبه إل صورتا‪ .‬و كذلك الكسي للجسام العدنية كالمية تقلب‬
‫العدن الذي تسري فيه إل نفسها بالحالة‪ .‬و لذلك يقولون‪ :‬موضوع الكمياء جسد ف جسد لن الكسي أجزاؤه كلها جسدانية‪ .‬و‬
‫يقولون‪ :‬موضوع الطلسم روح ف جسد لنه ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية‪ .‬و الطبائع السفلية جسد و الطبائع العلوية روحانية‪ .‬و‬
‫تقيق الفرق بي تصرف أهل الطلسمات و أهل الساء‪ ،‬بعد أن تعلم أن التصرف ف عال الطبيعة كله إنا هو للنفس النسانية والمم‬
‫البشرية أن النفس النسانية ميطة بالطبيعة و حاكمة عليها با الذات‪ ،‬إل أن تصرف أهل الطلسمات إنا هو ف استنال روحانية الفلك و‬
‫ربطها بالصور أو بالنسب العددية‪ .‬حت يصل من ذلك نوع مزاج يفعل الحالة و القلب بطبيعته‪ ،‬فعل المية فيما حصلت فيه‪ .‬و تصرف‬
‫أصحاب الساء إنا هو با حصل لم بالجاهدة و الكشف من النور اللي و المداد الربان‪ ،‬فيسخر الطبيعة لذلك طائعة غي مستعصية‪ ،‬و‬
‫ل يتاج إل مدد من القوى الفلكية و ل غيها‪ ،‬لن مدده أعلى منها‪.‬‬
‫و يتاج أهل الطلسمات إل قليل من الرياضة تفيد النفس قوة على استنال روحانية الفلك‪ .‬و أهون با وجهة و رياضة‪ .‬بلف أهل‬
‫الساء فإن رياضتهم هي الرياضة الكبى‪ ،‬و ليست لقصد التصرف ف الكوان إذ هو حجاب‪ .‬و إنا التصرف حاصل لم بالعرض‪ ،‬كرامة‬
‫من كرامات ال لم‪ .‬فإن خل صاحب الساء عن معرفة أسرار ال و حقائق اللكوت‪ ،‬الذي هو نتيجة الشاهدة والكشف‪ ،‬و اقتصر على‬
‫مناسبات الساء و طبائع الروف و الكلمات‪ .‬و تصرف با من هذه اليثية و هؤلء هم أهل السيياء ف الشهور كأن إذا ل فرق بينه و بي‬
‫صاحب الطلسمات‪ ،‬بل صاحب الطلسمات أوثق منه لنه يرجع إل أصول طبيعية علمية و قواني مرتبة‪ .‬و أما صاحب أسرار الساء إذا‬
‫فاته الكشف الذي يطلع به على حقائق الكلمات و آثار الناسبات بفوات اللوص ف الوجهة‪ ،‬و ليس له ف العلوم الصطلحية قانون‬
‫برهان يعول عليه يكون حاله أضعف رتبة‪ .‬و قد يزج صاحب الساء قوى الكلمات و الساء بقوى الكواكب‪ ،‬فيعي لذكر الساء‬
‫السن‪ ،‬أو ما يرسم من أوفاقها‪ ،‬بل و لسائر الساء‪ ،‬أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب الذي يناسب ذلك السم‪ ،‬كما فعله البون ف‬
‫كتايه الذي ساه الناط‪ .‬و هذه الناسبة عندهم هي من لدن الضرة العمائية‪ .‬و هي برزخية الكمال السان‪ .‬و إنا تنل تفصيلها ف القائق‬
‫على ما هي عليه من الناسبة‪ .‬و إثبات هذه الناسبة عندهم إنا هو بكم الشاهدة‪ .‬فإذا خل صاحب الساء عن تلك الشاهدة‪ ،‬و تلقى تلك‬
‫الناسبة تقليدا‪ ،‬كان عمله بثابة عمل صاجب الطلسم‪ ،‬بل هوأوثق منه كما قلناه‪ .‬و كذلك قد يزج أيضا صاحب الطلسمات عمله و قوى‬
‫كواكبه بقوى الدعوات الؤلفة من الكلمات الخصوصة لناسبة بي الكلمات و الكواكب‪ ،‬إل أن مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي‬
‫عند أصحاب الساء من الطلع ف حال الشاهدة‪ ،‬و إنا يرجع إل ما اقتضته أصول طريقتهم السحرية‪ .‬من اقتسام الكواكب لميع ما ف‬
‫عال الكونات‪ ،‬من جواهر و أعراض و ذوات و معان‪ ،‬و الروف و الساء من جلة ما فيه‪.‬‬
‫فلكل واحد من الكواكب قسم منها يصه‪ ،‬و يبنون على ذلك مبان غريبة منكرة من تقسيم سورالقرآن و آيه على هذا النحو‪ ،‬كما فعله‬
‫مسلمة الجريطي ف الغاية‪ .‬و الظاهر من حال البون ف أناطه أنه اعتب طريقتهم‪ .‬فإن تلك الناط إذا تصفحتها‪ ،‬و تصفحت الدعوات الت‬
‫تضمنتها‪ .‬و تقسيمها على ساعات الكواكب السبعة‪ ،‬ث وقفت على الغاية‪ ،‬و تصفحت قيامات الكواكب الت فيها‪ ،‬و هي الدعوات الت‬
‫تتص بكل كوكب‪ ،‬و يسمونا قيامات الكواكب‪ ،‬أي الدعوة الت يقام له با‪ ،‬شهد له ذلك‪ :‬إما بأنه من مادتا‪ ،‬أو بأن التناسب الذي كان‬
‫ف أصل البداع و برزخ العلم قضى بذلك كله‪ .‬و ما أوتيتم من العلم إل قليل‪ .‬و ليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بنكر الثبوت‪ ،‬فقد‬
‫ثبت أن السحر حق مع حظره‪ .‬لكن حسبنا من العلم ما علمنا‪.‬‬
‫و من فروع علم السيمياء عندهم استخراج الجوبة من السئلة‪ ،‬بارتباطات ش بي الكلمات حرفية‪ ،‬يوهون أنا أصل ف معرفة ما ياولون‬
‫علمه من الكائنات الستقبالية‪ ،‬و إنا هي شبه العاياة و السائل السيالة‪ .‬و لم ف ذلك كلم كثي من أدعية و أوراد‪ .‬و أعجبه زايرجة العال‬
‫للسبت و قد تقدم ذكرها‪ .‬و نبي هنا ما ذكروه ف كيفية العمل بتلك الزايرجة بدائرتا و جدولا الكتوب حولا‪ ،‬ث نكشف عن الق فيها‬
‫و أنا ليست من الغيب‪ .‬و إنا هي مطابقة بي مسئلة و جوابا ف الفادة فقط‪ ،‬و قد أشرنا إل ذلك من قبل‪ .‬و ليس عندنا رواية يعول‬
‫عليها ف صحة هذه القصيدة إل أننا ترينا أصح النسخ منها ف ظاهر المر‪ .‬و ال الوفق بنه‪ .‬و هي هذه‪:‬‬
‫مصل على هاد إل الناس أرسل‬ ‫يقول سبيت و يمد ربه‬
‫و يرضى عن الصحب و من لم تل‬ ‫ممد البعوث خات النبيا‬
‫تراه بيكم و بالعقل قد خل‬ ‫أل هذه زايرجة العال الذي‬
‫و يدرك أحكاما تدبرها العل‬ ‫فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه‬
‫و يدرك للتقوى و للكل حاصل‬ ‫و من أحكم الربط فيدرك قوة‬
‫و يعقل نفسه و صح له الول‬ ‫ومن أحكم التصريف يكم سره‬
‫و هذا مقام من بالذكار كمل‬ ‫و ف عال المر تراه مققا‬
‫أقمها دوائر وللحاء عدل‬ ‫فهذي سرائر عليكم بكتمها‬
‫بنظم و نثر قبد تراه مدول‬ ‫فطاء لا عرش و فيظ نقوشنا‬
‫و ارسم كواكبا لدراجها العل‬ ‫و نسب دوائر كنسبة فلكها‬
‫و كور بثله على حد من خل‬ ‫و أخرج لوتار و ارسم حروفها‬
‫و حقق بامهم و نورهم جل‬ ‫أقم شكل زيرهم و سو بيوته‬
‫و علما لوسيقى و الرباع مثل‬ ‫و حصل علوما للطباع مهندسا‬
‫و علم بآلت فحقق و حصل‬ ‫و سو لوسيقى و علم حروفهم‬
‫و عالها أطلق و القليم جدول‬ ‫و سو دوائرها و نسب حروفها‬
‫زناتية آبت و حكم لا خل‬ ‫أمي لنا فهو ناية دولة‬
‫و جاء بنو نصر و ظفرهم تل‬ ‫و قطر لندلس فابن لودهم‬
‫فإن شئت نصبتهم و قطرهم حل‬ ‫ملوك و فرسان و أهل لكمة‬
‫ملوك بالشرق بالوفاق نزل‬ ‫و مهدي توحيد بتونس حكمهم‬
‫فإن شئت للروم فبالر شكل‬ ‫و اقسم على القطر و كن متفقدا‬
‫و إفرنسهم دال و بالطاء كمل‬ ‫ففنش و برشنون الراء حرفهم‬
‫و إعرب قومنا بترقيق أعمل‬ ‫ملوك كناوة دلوا لقافهم‬
‫و فرس ططاري و ما بعدهم طل‬ ‫فهند حباشي و سند فهرمس‬
‫لكاف و قبطهم بلمه طول‬ ‫فقيصرهم جاء و يزدجردهم‬
‫و لكن تركي بذا الفعل عطل‬ ‫و عباس كلهم شريف معظم‬
‫فختم بيوتا ث نسب و جدول‬ ‫فإن شئت تدقيق اللوك و كلهم‬
‫و علم طبائعها و كله مثل‬ ‫على حكم قانون الروف و علمها‬
‫و يعلم أسرار الوجود و أكمل‬ ‫فمن علم العلوم تعلم علمنا‬
‫و علم ملحيم باميم فصل‬ ‫فيسخ علمه و يعرف ربه‬
‫فحكم الكيم فيه قطهعا ليقتل‬ ‫و حيث أتى اسم و العروض يشقه‬
‫و أحرف سيبويه تأتيك فيصل‬ ‫و تأتيك أحرف فسو لضربا‬
‫بترنيمك الغال للجزاء خلخل‬ ‫فمكن بتنكي و قابل و عوضن‬
‫و زد لح وصفيه ف العقل فعل‬ ‫و ف العقد و الجزور يعرف غالبا‬
‫و اعكس بذبيه و بالدور عدل ؟‬ ‫و اختر لطلع و سويه رتبة‬
‫و تعطي حروفها و ف نظمها انل‬ ‫و يدركها الرء فيبلغ قصده‬
‫فحسبك ف اللك و نيل اسه العل‬ ‫إذا كان سعد و الكواكب اسعدت‬
‫فنسب دنادينا تد فيه منهل‬ ‫و إيقاع دالم برموز ثمة‬
‫و مثناهم الثلث بيمه قد جل‬ ‫و أوتار زيرهم فللحاء بهم‬
‫و أرسم أباجاد و باقيه جل‬ ‫و أدخل بأفلك و عدل بدول‬
‫أتى ف عروض الشعر عن جلة مل‬ ‫و جوز شذوذ النو تري و مثله‬
‫و علم لنحونا فاحفظ و حصل‬ ‫فأصل لديننا و أصل لفقهنا‬
‫و سبح باسه و كب و هلل‬ ‫فادخل لفسطاط على الوفق جذره‬
‫بنظم طبيعي و سر من العل‬ ‫فتخرج أبياتا و ف كل مطلب‬
‫فعلم الفواتيح ترى فيه منهل‬ ‫و تفن بصرها كذا حكم عدهم‬
‫من اللف طبعيا فيا صاح جدول‬ ‫فتخرج أبياتا و عشرون ضعفت‬
‫فصح لك الن و صح لك العل‬ ‫تريك صنائعا من الضرب أكملت‬
‫أقمها دوائر الزير و حصل‬ ‫و سجع بزيرهم و أثن بنقرة‬
‫من أسرار أحرفهم فعذبه سلسل‬ ‫أقمها بأوفاق و أصل لعدها‬
‫‪ 43‬ك ‪ 1‬ك و ك ح و ا ه عم له ر ل سع كط ‪ 1‬ل م ن ح ع ف و ل‬

‫الفصل التاسع و العشرون‪ :‬علم أسرار الروف القسم الثان‬


‫الكلم على استخراج نسبة الوزان و كيفياتا و مقادير القابل منها و قوة الدرجة التميزة بالنسبة إل موضع العلق من امتزاج طبائع و علم‬
‫طب أو صناعة الكيميا‬
‫و عال مقدار القادير بالول‬ ‫أيا طالبا للطب مع علم جابر‬
‫لحكام ميزان تصادف منهل‬ ‫إذا شئت علم الطب لبد نسبة‬
‫و أمزاج وضعكم بتصحيح أنل‬ ‫فيشفي عليكم و الكسي مكم‬
‫الطب الروحان‬
‫لبهرام برجيس و سبعة أكمل‬ ‫و شئت إيلوش ‪ 565‬ـهـ و دهنه بل‬
‫كذلك و التركيب حيث تنقل‬ ‫لتحليل أوجاع البوارد صححوا‬
‫كد منع مهم ‪ 355‬و هح ‪ 6‬صح لاى و لح ‪ 1‬آ ‪ 1‬و هح وى سكره ل ل ح مههت مهههـ ع ع مى مرح حـ ‪ 2242‬ل ك عا‬
‫عر‪.‬‬
‫مطاريح الشعاعات ف مواليد اللوك و بنيهم‬
‫و ضلع قسيها بنطقة جل‬ ‫و علم مطاريح الشعاعات مشكل‬
‫و يبدو إذا عرض الكواكب عدل‬ ‫و لكن قي حج مقام إمامنا‬
‫فمن أدرك العن عل ث فوضل‬ ‫بدال مراكز بي طول و عرضها‬
‫لتسديسهم تثليث بيت الت تل‬ ‫مواقع تربيع و سه مسقط‬
‫يقينا و جذره و بالعي أعمل‬ ‫يزاد لتربيع و هذا قياسه‬
‫بصاد و ضعفه و تربيعه أنل‬ ‫و من نسبة الربعي ركب شعاعك‬
‫اختص صح صحـ عـ ‪ 8‬سع وى هذا العمل هنا للملوك و القانون مطرد عمله و ل ير أعجب منه‪.‬‬
‫مقامات اللوك القام الول ‪ 5‬القام الثان‬
‫ع ع و القام الرا بع للح القام الامس لى القام السادس بي القام السابع عره‬
‫خط التصال و النفصال‬
‫خط التصال‬
‫خط النفصال‬
‫الوتر للجميع و تابع الرر التام‬
‫التصال و النفصال‬
‫الواجب التام ف التصالت‬
‫إقامة النوار‬
‫الزر الجيب ف العمل‬
‫إقامة السوال عن اللوك‬
‫مقام الول نورعه ي مقام با ‪ 5‬حج ل‬
‫النفعال الروحان و ال نقياد الربان‬
‫لدى أسائه السن تصادف منهل‬ ‫أيا طالب السر لتهليل ربه‬
‫كذلك ريسهم و ف الشمس أعمل‬ ‫تطيعك أخيار النام بقلبهم‬
‫و ما قلته حقا و ف الغي أهل‬ ‫ترى عامة الناس إليك تقيدوا‬
‫أقوله غيكم و نصركموا اجتلى‬ ‫طريقك هذا السيل و السبل الذي‬
‫و دينا متينا أو تكن متوصل‬ ‫إذا شئت تيا ف الوجود مع التقى‬
‫و ف سر بسطام أراك مسربل‬ ‫كذي النون و النيد مع سر صنعة‬
‫كذا قالت الند و صوفية الل‬ ‫و ف العال العلوي تكون مدثا‬
‫و ما حكم صنع مثل جبيل أنزل‬ ‫طريق رسول ال بالق ساطع‬
‫و يوم الميس البدء و الحدانلى‬ ‫فبطشك تليل و قوسك مطلع‬
‫و ف اثني للحسن تكون مكمل‬ ‫و ف جعة أيضا بالساء مثله‬
‫أراك با مع نسبة الكل أعطل‬ ‫و ف طائه سر ف هائه إذا‬
‫و عود و مصطكى بور تصل‬ ‫و ساعة سعد شرطهم ف نقوشها‬
‫و الخلص و السبع الثان مرتل‬ ‫و تتلو عليها آخر الشر دعوة‬
‫اتصال أنوار الكواكب بلعان ل هي ى ل ظ غ لدسع ق صح مـ ف و ى‬
‫و كل برأسك و ف دعوة فل‬ ‫و ف يدك اليمن حديد و خات‬
‫و اتلو إذا نام النام و رتل‬ ‫و آية حشر فاجعل القلب وجهها‬
‫هي الية الغظمى فحقق و حصل‬ ‫هي السر ف الكوان ل شيء غيها‬
‫و تدرك أسرارا من العال العل‬ ‫تكون با قطبا إذا جدت خدمة‬
‫و باح با اللج جهرا فأعقل ؟‬ ‫سري با ناجي و معروف قبله‬
‫إل أن رقى فوق الريدين و اعتلى‬ ‫و كان با الشبلي يدأب دائما‬
‫و لزم لذكار و صم و تنقل‬ ‫فصف من الدناس قلبك جاهدا‬
‫عليم بأسرار العلوم مصل‬ ‫فما نال سر القوم إل مقق‬
‫مقامات الحبة و ميل النفوس و الجاهدة و الطاعة و العبادة و حب و تعشق و فناء الفناء و توجه و مراقبة و خلة و أئمة‬
‫النفعال الطبيعي‬
‫بقزدير أو ناس اللط أكمل‬ ‫لبجيس ف الحبة الوفق صرفوا‬
‫فجعلك طالعا خطوطه ما عل‬ ‫و قيل بفضة صحيحا رأيته‬
‫و جعلك للقبول شسه أصل‬ ‫توخ به زيادة النور للقمر‬
‫و وقت لساعة و دعوته أل‬ ‫و يومه و البخور عود لندهم‬
‫و عن طسيمان دعوة و لا جل‬ ‫و دعوته بغاية فهي أعملت‬
‫بر هواء أو مطالب أهل‬ ‫و قيل بدعوة حروف لوضعها‬
‫و ذلك وفق للمربع حصل‬ ‫فتنقش أحرفا بدال و لمها‬
‫فدال ليبدو واو زينب معطل‬ ‫إذا ل يكن يهوى هواك دللا‬
‫هواك و باقيهم قليلة جل‬ ‫فحسن لبائه و بائهم إذا‬
‫و ما زدت أنسبه لفعلك عدل‬ ‫و نقش مشاكل بشرط لوضعهم‬
‫فبوري و بسطامي بسورتا تل‬ ‫و مفتاح مري ففعلهما سوا‬
‫أدلة و حشي لقبضة ميل‬ ‫و جعلك بالقصد و كن متفقدا‬
‫فباطنها سر و ف سرها انل‬ ‫فاعكس بيوتا بألف و نيف‬
‫فصل ف القامات للنهاية‬
‫و توجدها دار أو ملبسها الل‬ ‫لك الغيب صورة من العال العل‬
‫بنثر و ترتيل حقيقة أنزل‬ ‫و يوسف ف السن و هذا شبيهه‬
‫فيحكى إل عود ياوب بلبل‬ ‫و ف يده طول و ف الغيب ناطق‬
‫و عند تليها لبسطام أخذل‬ ‫و قد جن بلول بعشق جالا‬
‫جنيد و بصرى و السم أهل‬ ‫و مات أجليه و أشرب حبها‬
‫بأسائه السن بل نسبة خل‬ ‫فتطلب ف التهليل غايته و من‬
‫و يسهم بالزلفى لدى جية العل‬ ‫و من صاحب السن له الفوز بالن‬
‫تريك عجائبا بن كان موئل‬ ‫و تب بالغيب إذا جدت خدمة‬
‫و منها زيادات لتفسيها تل‬ ‫فهذا هو الفوز و حسن تناله‬
‫الوصية و التختم و اليان و السلم و التحري و الهلية‬
‫و ما زاد خطبة و ختما و جدول‬ ‫فهذا قصيدنا و تسعون عده‬
‫تولد أبياتا و ما حصرها انل‬ ‫عجبت لبيات و تسعون عدها‬
‫و يفهم تفسيا تشابه أشكل‬ ‫فمن فهم السر فيفهم نفسه‬
‫لناس و إن خصوا و كان التأهل‬ ‫حرام و شرعي لظهار سرنا‬
‫و تفهم برحلة و دين تطول‬ ‫فإن شئت أهليه فغلظ يينهم‬
‫من القطع و الفشا فترأس بالعل‬ ‫لعلك أن تنجو و سامع سرهم‬
‫فنال سعادات و تابعه عل‬ ‫فنجل لعباس لسره كات‬
‫فمن يرأس عرشا فذلك أكمل‬ ‫و قام رسول ال ف الناس خاطبا‬
‫فآلت لقتلهم بدق تطول‬ ‫و قد ركب الرواح أجساد مظهر‬
‫و يلبس أثواب الوجود على الول‬ ‫إل العال العلوي يفن فناؤنا‬
‫على خات الرسل صلة با العل‬ ‫فقد ت نظما و صلى إلنا‬
‫على سيد ساد النام و كمل‬ ‫و صلى إله العرش ذو الجد و العل‬
‫و أصحابه أهل الكارم و العل‬ ‫ممد الادي الشفيع إمامنا‬

‫كيفية العمل ف استخراج أجوبة السائل من زايرجة العال بول ال منقول‬


‫عمن لقيناه من القائمي عليها‬
‫السؤال له ثلثمائة و ستون جوابا عدة الدرج‪ ،‬و تتلف الجوبة عن سؤال واحد ف طالع مصوص باختلف السئلة الضافة إل حروف‬
‫الوتار‪ .‬و تناسب العمل من استخراج الحرف من بيت القصيد‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬تركيب حروف الوتار و الدول على ثلثة أصول‪ :‬حروف عربية تنقل على هيآتا‪ .‬و حروف برسم الغبار‪ .‬و هذه تتبدل‪ :‬فمنها ما‬
‫ينقل على هيئته مت ل تزد الدوار عن أربعة‪ ،‬فإن زادت عن أربعة نقلت إل الرتبة الثانية من مرتبة العشرات و كذلك لرتبة الئي على‬
‫حسب العمل كما سنبينه‪ ،‬و منها حروف برسم الزمام كذلك‪ ،‬غي أن رسم الزمام يعطي نسبة ثانية‪ ،‬فهي بنلة واحد ألف و بنلة عشرة‪،‬‬
‫و لا نسبة من خسي بالعرب‪ .‬فاستحق البيت من الدول أن توضع فيه ثلثة حروف ف هذا الرسم و حرفان ف الرسم‪ ،‬فاختصروا من‬
‫الدول بيوتا خالية‪ .‬فمت كانت أصول الدوار زائدة على أربعي حسبت ف العدد ف طول الدول و إن ل تزد على أربعة ل يسب إل‬
‫العامر منها‪.‬‬
‫و العمل ف السؤال يفتقر إل سبعة أصول‪ :‬عدة حروف الول حساب أدوارها بعد طرحها‪ ،‬اثن عشر اثن عشر‪ ،‬و هي ثانية أحرف ف‬
‫الكامل و ستة ف الناقص أبدا‪ .‬و معرفة درج الطالع و سلطان البج‪ ،‬و الدور الكب الصلي‪ ،‬و هو واحد أبدا‪ .‬و ما يرج من إضافة الطالع‬
‫للدور الصلي‪ ،‬و ما يرج من ضرب الطالع و الدور ف سلطان البج‪ .‬و إضافة سلطان البج للطالع و العمل جيعه ينتج عن ثلثة أدوار‬
‫مضروبة ف أربعة‪ ،‬تكون اثن عشر دورا‪ .‬و نسبة هذه الثلثة الدوار الت هي كل دور من أربعة نشأة ثلثية‪ ،‬كل نشأة لا ابتداء‪ .‬ث إنا‬
‫تضرب أدوارا رباعية أيضا ثلثية‪ .‬ث إنا من ضرب ستة ف اثني‪ ،‬فكان لا نشأة‪ ،‬يظهر ذلك ف العمل‪ .‬و يتبع هذه الدوار الثن عشر‬
‫نتائج‪ .‬و هي ف الدوار‪ ،‬إما أن تكون نتيجة أو أكثر إل ستة‪.‬‬
‫فأول ذلك نفرض سؤال عن الزايرجة‪ ،‬هل هي علم قدي‪ ،‬أو مدث بطالع أول درجة من القوس أثناء حروف الوتار ؟ ث حروف السؤال‪.‬‬
‫فوضعنا حروف وتر رأس القوس و نظيه من رأس الوزاء‪ .‬و ثالثه و تر رأس الدلو إل حد الركز‪ ،‬و أضفنا إليه حروف السؤال‪ ،‬و نظرنا‬
‫عدتا و أقل ما تكون ثانية و ثاني‪ ،‬و أكثر ما تكون ستة و تسعي‪ ،‬و هي جلة الدور الصحيح‪ ،‬فكانت ف سؤالنا ثلثة و تسعي‪ .‬و‬
‫يتصر السؤال إن زاد عن ستة و تسعي‪ ،‬بأن يسقط جيع أدواره الثن عشرية‪ ،‬و يفظ ما خرج منها و ما بقي‪ ،‬فكانت ف سؤالنا سبعة‬
‫أدوار‪ ،‬الباقي تسعة‪ ،‬أثبتها ف الروف ما ل يبلغ الطالع اثنت عشرة درجة‪ ،‬فإن بلغها ل تثبت لا عدة و ل دور‪.‬‬
‫ث تثبت أعدادها أيضا إن زاد الطالع عن أربعي و عشرين ف الوجه الثالث‪ ،‬ث تثبت الطالع و هو واحد‪ ،‬و سلطان الطالع و هو أربعة‪ ،‬و‬
‫الدور الكب و هو واحد‪ ،‬و اجع ما بي الطالع و الدور و هو اثنان ف هذا السؤال‪ ،‬و اضرب ما خرج منهما ف سلطان البج يبلغ ثانية‪ ،‬و‬
‫أضف السلطان للطالع فيكون خسة‪ ،‬فهذه سبعة أصول‪ .‬فما خرج من ضرب الطالع و الدور الكب ف سلطان القوس‪ ،‬ما ل يبلغ اثن عشر‬
‫فيه تدخل ف ضلع ثانية من أسفل الدول صاعدا‪ ،‬و إن زاد على اثن عشر طرح أدوارا‪ ،‬و تدخل بالباقي ف ضلع ثانية‪ ،‬و تعلم على منتهى‬
‫العدد و المسة الستخرجة من السلطان و الطالع‪ ،‬يكون الطالع ف ضلع السطح البسوط العلى من الدول‪ ،‬و تعد متواليا خسات أدوارا‪،‬‬
‫و تفظها إل أن يقف العدد على حرف من أربعة‪ ،‬و هي ألف أو باء أو جيم أو زاي‪ .‬فوقع العدد ف عملنا على حرف اللف و خلف‬
‫ثلثة أدوار‪ ،‬فضربنا ثلثة ف ثلثي كانت تسعة‪ .‬و هو عدد الدور الول‪ .‬فأثبته و اجع ما بي الضلعي‪ :‬القائم و البسوط يكن ف بيت‬
‫ثانية ف مقابلة البيوت العامرة بالعدد من الدول‪ ،‬و إن وقف ف مقابلة الال من بيوت الدول على أحدها‪ .‬فل يعتب و تستمر على‬
‫أدوارك‪ .‬و أدخل يعدد ما ف الدور الول‪ ،‬و ذلك تسعة ف صدر الدول ما يلي البيت الذي اجتمعا فيه‪ .‬و هي ثانية‪ ،‬مارا إل جهة‬
‫اليسار‪ ،‬فوقع على حرف لم ألف و ل يرج منها أبدا حرف مركب‪ .‬و إنا هو إذن حرف تاء أربعمائة برسم الزمام‪ ،‬فعلم عليها بعد نقلها‬
‫من بيت القصيد‪ ،‬و اجع عدد الدور للسلطان يبلغ ثلثة عشر‪ ،‬أدخل با ف حروف الوتار‪ ،‬و أثبت ما وقع عليه العدد و علم عليه من بيت‬
‫القصيد‪ .‬و من هذا القانون تدري كم تدور الروف ف النظم الطبيعي‪ ،‬و ذلك أن تمع حروف الدور الول و هو تسعة لسلطان البج و‬
‫هو أربعة تبلغ ثلثة عشر‪ ،‬أضعفها يثلها تكون ستة و عشرين‪ ،‬أسقط منها درج الطالع وهو واحد ف هذا السؤال الباقي خسة و عشرون‪.‬‬
‫فعلى ذلك يكون نظم الروف الول‪ ،‬ث ثلثة و عشرون مرتي‪ ،‬ث إثنان و عشرون مرتي‪ ،‬على حسب هذا الطرح إل أن ينتهي للواحد‬
‫من آخر البيت النظوم‪ .‬و ل تقف على أربعة و عشرين لطرح ذلك الواحد أول‪ .‬ث ضع الدور الثان و أضف حروف الدور الول إل‬
‫ثانية‪ ،‬الارجة من ضرب الطالع و الدور ف السلطان تكن سبعة عشر الباقي خسة‪ .‬فاصعد ف ضلع ثانيه بمسة من حيث انتهيت ف الدور‬
‫الول و علم عليه‪ ،‬و أدخل ف صدر الدول بسبعة عشر‪ ،‬ث بمسة‪ .‬و ل تعد الال‪ ،‬و الدور عشرون‪ ،‬فوجدنا حرف ثاء خسمائة‪ ،‬و إنا‬
‫هو نون لن دورنا ف مرتبة العشرات‪ ،‬فكانت المسمائة بمسي لن دورها سبعة عشر فلو ل تكن سبعة عشر لكانت مئي‪ .‬فأثبت نونا ث‬
‫أدخل بمسة أيضا من أوله‪ .‬و انظر ما حاذى ذلك من السطح تد واحدا‪ ،‬فقهقر العدد واحدا يقع على خسة‪ ،‬أضف لا واحدا لسطح‬
‫تكن ستة‪ .‬أثبت واوا و علم عليها من بيت القصيد أربعة‪ ،‬و أضفها للثمانية الارجة من ضرب الطالع مع الدور ف السلطان تبلغ اثن عشر‪،‬‬
‫أضف لا الباقي من الدور الثان و هو خسة تبلغ سبعة عشر‪ ،‬و هو ما للدور الثان‪ .‬فدخلنا بسبعة عشر ف حروف الوتار‪ ،‬فوقع العدد على‬
‫واحد‪ .‬أثبت الول و علم عليها من بيت القصيد و أسقط من حروف الوتار ثلثة حروف عدة الارج من الدور الثان‪ .‬و ضع الدور‬
‫الثالث و أضف خسة إل ثانية تكن ثلثة عشر‪ ،‬الباقي واحد‪ .‬انقل الدور ف ضلع ثانية بواحد و أدخل ف بيت القصيد بثلثة عشر‪ ،‬و خذ‬
‫ما وقع عليه العدد و هو ق و علم عليه‪ .‬و أدخل بثلثة عشر ف حروف الوتار و أثبت ما خرج‪ ،‬و هو سي‪ ،‬و علم عليه من بيت القصيد‪،‬‬
‫ث أدخل ما يلي السي الارجة بالباقي من دور ثلثة عشر و هو واحد‪ ،‬فخذ ما يلى حرف سي من الوتار فكان ب أثبتها و علم عليها‬
‫من بيت القصيد‪ .‬و هذا يقال له‪ :‬الدور العطوف‪ ،‬و ميزانه صحيح‪ .‬و هو أن تضعف ثلثة عشر بثلها‪ ،‬و تضيف إليها الواحد الباقي من‬
‫الدور‪ .‬تبلغ سبعة و عشرين‪ .‬و هو حرف باء الستخرج من الوتار من بيت القصيد‪ .‬و أدخل ف صدر الدول بثلثة عشر‪ ،‬و انظر ما قابله‬
‫من السطح و أضعفه بثله‪ ،‬و زد عليه الواحد الباقي من ثلثة عشر‪ ،‬فكان حرف جيم‪ ،‬و كانت للجملة سبعة‪ ،‬فذلك حرف زاي فأثبتناه و‬
‫علمنا عليه من بيت القصيد‪ .‬و ميزانه أن تضعف السبعة بثلها و زد عليها الواحد الباقي هن ثلثة عشر يكن خسة عشر‪ ،‬و هو الامس‬
‫عشر من بيت القصيد و هذا آخر أدوار الثلثيات و ضع الدور الرابع و له من العدد تسعة بإضافة الباقي من الدور السابق‪ ،‬فاضرب الطالع‬
‫مع الدور ف السلطان‪ ،‬و هذا الدور آخر العمل ف البيت الول من الرباعيات‪.‬‬
‫فاضرب على حرفي من الوتار و اصعد يتسعة ف ضلع ثانية و أدخل بتسعة من دور الرف الذي أخذته آخرا من بيت القصيد‪ ،‬فالتاسع‬
‫حرف راء‪ ،‬فأثبته و علم عليه‪ .‬و أدخل ف صدر الدول بتسعة و انظر ما قابلها من السطح يكون ج‪ ،‬قهقر العدد واحدا يكون ألف و هو‬
‫الثان من حرف الراء من بيت القصيد فأثبته و علم عليه‪ .‬و عد ما يلي الثان تسعة يكون ألف أيضا أثبته و علم عليه و أضرب على حرف‬
‫من الوتار‪ ،‬و أضعف تسعة يثلها تبلغ ثانية عشر‪ ،‬أدخل با ف حروف الوتار تقف على حرف راء‪ ،‬أثبتها و علم عليها من بيت القصيد‬
‫ثانية و أربعي‪ .‬و أدخل بثمانية عشر ف حروف الوتار تقف على س أثيتها و علم عليها اثني‪ .‬و أضعف اثني إل تسعة تكون أحد عشر‪.‬‬
‫أدخل ف صدر الدول بأحد عشر تقابلها من السطح ألف أثبتها و علم عليها ستة‪ ،‬و ضع الدور الامس و عدته سبعة عشر الباقي خسة‪.‬‬
‫اصعد بمسة ف ضلع ثانية و اضرب على حرفي من الوتار و أضعف خسة بثلها‪ ،‬و أضفها إل سبعة عشر عدد دورها الملة سبعة و‬
‫عشرون‪ ،‬أدخل با ف حروف الوتار تقع على ب أثبتها و علم عليها اثني وثلثي و اطرح من سبعة عشر اثني الت هي ف أس اثني و‬
‫ثلثي الباقي خسة عشر‪ .‬أدخل ف حروف الوتار تقف على ق أثبتها و علم عليها ستة و عشرين‪ .‬و أدخل ف صدر الدول بست و‬
‫عشرين تقف على اثني بالغبار و ذلك حرف ب أثبته و علم عليه أربعة و خسي‪ ،‬و أضرب على حرفي من الوتار و ضع الدور السادس‪،‬‬
‫و عدته ثلثة عشر‪ .‬الباقي منة واحد‪ ،‬فتبي إذ ذاك أن دور النظم من خسة و عشرين‪ ،‬فإن الدوار خسة و عشرون و سبعة عشر و خسة‬
‫و ثلثة عشر و واحد‪ ،‬فاضرب خسة ف خسة تكن خسة و عشرين‪ ،‬و هو الدور ف نظم البيت‪ ،‬فانقل الدور ف ضلع ثانية بواحد‪ .‬و لكن‬
‫ل يدخل ف بيت القصيد بثلثة عشر كما قدمناه‪ ،‬لنة دور ثان من نشأة تركيبية ثانية‪ ،‬بل أضفنا الربعة الت من أربعة و خسي الارجة‬
‫على حروف ب من بيت القصيد إل الواحد تكون خسة‪ ،‬تضييف خسة إل ثلثة عشر الت للدور تبلغ ثانية عشر‪ .‬أدخل با ف صدر‬
‫الدول و خذ ما قابلها من السطح و هو ألف أثبته و علم عليه من بيت القصيد اثن عشر و اضرب على حرفي من الوتار‪ .‬و من هذا‬
‫الدول تنظر أحرف السؤال‪ ،‬فما خرج منها زده مع بيت القصيد من آخره و علم عليه من حروف السؤال ليكون داخل ف العدد ف بيت‬
‫القصيد‪ .‬و كذلك تفعل بكل حرف بعد ذلك مناسبا لروف السؤال‪ ،‬فما خرج منها زده إل بيت القصيد من آخر و علم عليه‪ .‬ث أضف‬
‫إل ثانية عشر ما علمته على حرف اللف من الحاد‪ ،‬فكان اثني تبلغ الملة عشرين‪ .‬أدخل با ف حروف الوتار تقف على حرف راء‪،‬‬
‫أثبته و علم عليه من بيت القصيد‪ ،‬ستة و تسعي و هو ناية الدور ف الرف الوتري‪ .‬فاضرب على حرفي من الوتار و ضع الدور السابع‪.‬‬
‫و هو ابتداء لخترع ثان ينشأ من الختراعي‪ .‬و لذا الدور من العدد تسعة‪ ،‬تضيف لا واحدا تكون عشرة للنشأة الثانية‪ ،‬و هذا الواحد‬
‫تزيده بعد إل اثن عشر دورا‪ ،‬إذا كان من هذه النسبة‪ ،‬أو تنقصه من الصل تبلغ الملة خسة عشر‪ .‬فاصعد ف ضلع ثانية و تسعي و‬
‫أدخل ف صدر الدول بعشرة تقف على خسمائة‪ ،‬و إنا هي خسون‪ ،‬نون مضاعفة بثلها‪ ،‬و تلك ق أثبتها و علم عليها من بيت القصيد‬
‫اثني و خسي‪ ،‬و أسقط من اثني و خسي اثني‪ ،‬و أسقط تسعة الت للدور‪ ،‬الباقي واحد و أربعون‪ ،‬فأدخل با ف حروف الوتار تقف‬
‫على واحد أثبته‪ .‬و كذلك أدخل با ف بيت القصيد تد واحدا‪ ،‬فهذا ميزان هذه النشأة الثانية فعلم عليه من بيت القصيد علمتي‪ .‬علمة‬
‫على اللف الخي اليزان‪ ،‬و أخرى على اللف الول فقط‪ ،‬و الثانية أربعة و عشرون و اضرب على حرفي من الوتار‪ ،‬و ضع الدور‬
‫الثامن و عدته سبعة عشر الباقي خسة‪ ،‬أدخل ف ضلع ثانية و خسي و أدخل ف بيت القصيد بمسة تقع على عي بسبعي‪ ،‬أثبتها و علم‬
‫عليها‪ .‬و أدخل ف الدول بمسة‪ ،‬و خذ ما قابلها من السطح‪ .‬و ذلك واحد‪ ،‬أثبته و علم عليه من البيت ثانية و أربعي‪ ،‬و أسقط واحدا‬
‫من ثانية و أربعي للس الثان و أضف إليها خسة‪ ،‬الدور‪ .‬الملة اثنان و خسون‪ .‬أدخل با ف صدر الدول تقف على حرف ب غبارية‬
‫و هي مرتبة مئينية لتزايد العدد‪ ،‬فتكون مائتي و هي حرف راء‪ ،‬أثبتها و علم عليها من القصيد أربعة و عشرين‪ ،‬فانتقل المر من ستة و‬
‫تسعي إل البتداء و هو أربعة و عشرون‪ ،‬فأضف إل أربعة و عشرين خسة‪ ،‬الدور‪ ،‬و أسقط واحدا تكون الملة ثانية و عشرين‪ .‬أدخل‬
‫بالنصف منها ف بيت القصيد تقف على ثانية‪ ،‬أثبت و علم عليها و ضع الدور التاسع‪ ،‬و عدده ثلثة عشر الباقي واحد‪ .‬إصعد ف ضلع‬
‫ثانية بواحد‪ .‬و ليست نسبة العمل هنا كنسبتها ف الدور السادس لتضاعف العدد‪ ،‬و لنه من النشأة الثانية‪ ،‬و لنه أول الثلث الثالث من‬
‫مربعات البوج و آخر الستة الرابعة من الثلثات‪ .‬فاضرب ثلثة عشر الت للدور ف أربعة الت هي مثلثات البوج السابقة‪ ،‬الملة اثنان و‬
‫خسون‪ ،‬أدخل با ف صدر الدول تقف على حرف اثني غبارية‪ ،‬و إنا هي مئينية لتجاوزها ف العدد عن مرتبت الحاد و العشرات‪ ،‬فأثبته‬
‫مائتي راء‪ .‬و علم عليها من بيت القصيد ثانية و أربعي‪ ،‬و أضف إل ثلثة عشر‪ ،‬الدور‪ ،‬واحد الس‪ ،‬و أدخل بأربعة عشر ف بيت القصيد‬
‫تبلغ ثانية‪ ،‬فعلم عليها ثانية و عشرين‪ ،‬و اطرح من أربعة عشر سبعة يبقى سبعة إضرب على حرفي من الوتار‪ ،‬و أدخل بسبعة تقف على‬
‫حرف لم‪ ،‬أثبته و علم عليه من البيت‪ .‬و ضع الدور العاشر و عدده تسعة‪ ،‬و هذا ابتداء الثلثة الرابعة‪ ،‬و اصعد ف ضلع ثانية بتسعة‪ ،‬تكون‬
‫خلء‪ ،‬فاصعد بتسعة ثانية تصي ف السابع من البتداء‪ .‬اضرب تسعة ف أربعة لصعودنا بتسعتي‪ ،‬و إنا كانت تضرب ف اثني‪ .‬و أدخل ف‬
‫الدول بستة و ثلثي تقف على أربعة زمامية و هي عشرية‪ ،‬فأخذناها أحادية لقلة الدوار‪ .‬فأثبت حرف دال‪ ،‬و إن أضفت إل ستة و‬
‫ثلثي واحد الس كان حدها من بيت القصيد‪ .‬فعلم عليها‪ ،‬و لو دخلت بالتسعة ل غي من ضرب ف صدر الدول لوقف على ثانية‪.‬‬
‫فاطرح من ثانية أربعة الباقي أربعة و هو القصود‪ .‬و لو دخلت ف صدر الدول بثمانية عشر الت هي تسعة ف اثني لوقف على واحد‬
‫زمامي و هو عشري‪ .‬فاطرح منه اثني تكرار التسعة‪ ،‬الباقي ثانية نصفها الطلوب‪ .‬و لو دخلت ف صدر الدول بسبعة و عشرين بضربا ف‬
‫ثلثة لوقعت على عشرة زمامية‪ ،‬و العمل واحد‪ .‬ث أدخل بتسعة ف بيت القصيد و أثبت ما خرج و هو ألف‪ ،‬ث اضرب تسعة ف ثلثة الت‬
‫هي مركب تسعة الاضية و أسقط واحدا و أدخل ف صدر الدول بستة و عشرين‪ ،‬و أثبت ما خرج و هو مائتان برف راء و علم عليه من‬
‫بيت القصيد ستة و تسعي‪ .‬و اضرب على حرفي من الوتار و ضع الدور الادي عشر و له سبعة عشر الباقي خسة‪ ،‬إصعد ف ضلع ثانية‬
‫بمسة و تسب ما تكرر عليه الشي ف الدور الول‪ ،‬و أدخل ف صدر الدول بمسة تقف على خال‪ ،‬فخذ ما قابله من السطح و هو‬
‫واحد‪ ،‬فادخل بواحد ف بيت القصيد تكن سي‪ ،‬أثبته و علم عليه أربعة‪ .‬و لو يكون الوقف ف الدول على بيت عامر لثبتنا الواحد ثلثة‪.‬‬
‫و أضعف سبعة عشر بثلها و أسقط واحدا و أضعفها بثلها و زدها أربعة تبلغ سبعة و ثلثي‪ ،‬أدخل با ف الوتار تقف على ستة أثبتها و‬
‫علم عليها‪ ،‬و أضعف خسة بثلها‪ .‬و أدخل ف البيت تقف على لم أثبتها و علم عليها عشرين‪ ،‬و اضرب على حرفي من الوتار‪ .‬و ضع‬
‫الدور الثان عشر و له ثلثة عشر الباقي واحد‪ ،‬إصعد ف ضلع ثانية بواحد‪ ،‬و هذا الدور آخر الدوار و آخر الختراعي و آخر الربعات‬
‫الثلثية و آخر الثلثات الرباعية‪ .‬و الواحد ف صدر الدول يقع على ثاني زمامية‪ ،‬و إنا هي آحاد ثانية‪ ،‬و ليس معنا من الدوار إل واحد‪،‬‬
‫فلو زاد عن أربعة من مربعات اثن عشر أو ثلثة من مثلثات اثن عشر لكانت ح‪ ،‬و إنا هي د‪ ،‬فأثبتها و علم عليها من بيت القصيد أربعة و‬
‫سبعي‪ ،‬ث انظر ما ناسبها من السطح تكن خسة‪ ،‬أضعفها بثلها للس تبلغ عشرة‪ ،‬أثبت ى و علم عليها‪ ،‬و انظر ف أي الراتب وقعت‪:‬‬
‫وجدناها ف الرابعة‪ .‬دخلنا بسبعة ف حروف الوتار‪ ،‬و هذا الدخل يسمى التوليد الرف فكانت ف‪ ،‬أثبتها وأضف إل سبعة واحد الدور‪،‬‬
‫الملة ثانية‪ .‬أدخل با ف الوتار تبلغ س أثبتها و علم عليها ثانية‪ ،‬و اضرب ثانية ف ثلثة الزائدة على عشرة الدور‪ ،‬فإنا أخر مربعات‬
‫الدوار بالثلثات تبلغ أربعة و عشرين‪ ،‬أدخل با ف بيت القصيد وعلم على ما يرج منها و هو مائتان و علمتها ستة و تسعون‪ .‬و هو ناية‬
‫الدور الثان ف الدوار الرفية‪ ،‬و اضرب على حرفي من الوتار و ضع النتيجة الول و لا تسعة‪ .‬و هذا العدد يناسب أبدا الباقي من‬
‫حروف الوتار بعد طرحها أدوارا و ذلك تسعة‪ ،‬فاضرب تسعة ف ثلثة الت هي زائدة على تسعي من حروف الوتار‪ ،‬و أضف لا واحدا‬
‫الباقي من الدور الثان عشر تبلغ ثانية و عشرين‪ ،‬فأدخل با ف حروف الوتار تبلغ ألفا‪ ،‬أنبته و علم عليه ستة و تسعي‪ .‬و إن ضربت سبعة‬
‫الت هي أدوار الروف التسعينية ف أربعة و هي الثلثة الزائدة على تسعي‪ .‬و الواحد الباقي من الدور الثان عشر كان كذلك‪ ،‬و اصعد ف‬
‫ضلع ثانية يتسعة و أدخل ف الدول بتسعة تبلغ اثني زمامية‪ .‬و اضرب تسعة فيما ناسب من السطح‪ ،‬و ذلك ثلثة‪ ،‬و أضف لذلك سبعة‪،‬‬
‫عدد الوتار الرفية‪ ،‬و اطرح واحدا الباقي من دور اثن عشر تبلغ ثلثة و ثلثي‪ ،‬أدخل با ف البيت تبلغ خسة‪ .‬فأثبتها و أضف تسعة‬
‫بثلها و أدخل ف صدر الدول بثمانية عشر‪ ،‬و خذ ما ف السطح و هو واحد‪ ،‬أدخل به ف حروف الوتار تبلغ م أثبته و علم عليه‪ ،‬و‬
‫اضرب على حرفي من الوتار‪ .‬و ضع النتيجة الثانية و لا سبعة عشر الباقي خسة‪ ،‬فاصعد ف ضلع ثانية بمسة و اضرب خسة ف ثلثة‬
‫الزائدة على تسعي تبلغ خسة عشر‪ ،‬أضف لا واحدا الباقي من الدور الثان عشر تكن تسعة‪ ،‬و أدخل بستة عشرف بيت القصيد تبلغ ت‬
‫أثبته و علم عليه أربعة و ستي‪ .‬و أضف إل خسة الثلثة الزائدة على تسعي‪ .‬و زد واحدا الباقي من الدور الثان عشر يكن تسعة‪ .‬أدخل با‬
‫ف صدر الدول تبلغ ثلثي زمامية‪ ،‬و انظر ما ف السطح تد واحدا أثبته و علم عليه من بيت القصيد و هو التاسع أيضا من البيت‪ .‬و‬
‫أدخل بتسعة ف صدر الدول تقف على ثلثة و هي عشرات‪ .‬فأثبت لم و علم عليه و ضع النتيجة الثالثة و عددها ثلثة عشر الباقي واحد‪.‬‬
‫فانقل ف ضلع ثانية بواحد و أضف إل ثلثة عشر الثلثة الزائدة على التسعي‪ .‬و واحد الباقي من الدور الثان عشر تبلغ سبعة عشر‪ ،‬و‬
‫واحد النتيجة تكن ثانية عشر‪ .‬أدخل با ف حروف الوتار تكن لما أثبتها فهذا آخر العمل‪.‬‬
‫و الثال ف هذا السؤال السابق‪ :‬أردنا أن نعلم أن هذه الزايرجة علم مدث أو قدي‪ ،‬بطالع أول درجة من القوس‪ ،‬أثبتنا حروف الوتار‪ ،‬ث‬
‫حروف السؤال‪ .‬ث الصول‪ ،‬و هي عدة الروف ثلثة و تسعون أدوارها سبعة الباقي منها تسعة‪ ،‬الطالع واحد‪ ،‬سلطان القوس أربعة‪ ،‬الدور‬
‫الكب واحد‪ ،‬درج الطالع مع الدور اثنان‪ ،‬ضرب الطالع مع الدور ف السلطان ثانية‪ ،‬إضافة السلطان للطالع خسة بيت القصيد‪.‬‬
‫غرائب شك ضبطه الد مثل‬ ‫سؤال عظيم اللق حزت فصن إذن‬
‫حروف الوتار‪ :‬ص ط ه رث ك هـ م ص ص و ن ب هـ س ا ن ل م ن ص ع ف ص و رس ك ل م ن ص ع ف ض ق ر س ت ث‬
‫خ ذ ظ غ ش ط ى ع ح ص ر و ح ر و ح ل ص ك ل م ن ص ا ب ج د ه و ز ح ط ى‪.‬‬
‫حروف السؤال ا ل زا ى رج ة ع ل م م ح د ث ا م ق د ى م الدورالول ‪ 19‬الدور الثان ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور الثالث ‪ 13‬الباقي ‪1‬‬
‫الدور الرا بع ‪ 9‬الدور الامس ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور السادس ‪ 13‬الباقي ‪ 1‬الدور السابع ‪ 9‬الدور الثامن ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور التاسع‬
‫‪ 13‬الباقي ‪ 1‬الدور العاشر ‪ 13‬الدور الادي عشر ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور الثان عشر ‪ 13‬الباقي ‪ 1‬النتيجة الول ‪ 9‬النتيجة الثانية‬
‫‪ 17‬الباقي ‪ 5‬النتيجة الثالثة ‪ 13‬الباقي ‪ .1‬دورها على خسة و عشرين ث على ثلثة و عشرين مرتي ث على واحد و عشرين مرتي إل‬
‫أن تنتهي إل الواحد من آخر البيت و تنقل الروف جيعا و ال أعلم ن ف ر و ح ر و ح ا ل و د س ا د ر ر س ر ه ا ل د ر ى س و ا‬
‫ن س د ر و ا ب ل ا م ر ب و ا ا ل ع ل ل‪.‬‬
‫هذا آخر الكلم ف استخراج الجوبة من زايرجة العال منظومة‪ .‬و للقوم طرائق أخرى من غي الزايرجة يستخرجون با أجوبة السائل غي‬
‫منظومة‪ .‬و عندهم أن السر ف استخراج الواب منظوما من الزايرجة‪ ،‬إنا هو مزجهم بيت مالك بن وهيب و هو‪ :‬سؤال عظيم اللق‬
‫البيت‪ ،‬و لذلك يرج الواب على رويه‪ .‬و أما الطرق الخرى فيخرج الواب غي منظوم‪ .‬فمن طرائقهم ف استخراج الجوبة ما ننقله عن‬
‫بعض الحققي منهم‪.‬‬

‫فصل ف الطلع على السرار الفية من جهة الرتباطات الرفية‬


‫إعلم أرشدنا ال و إياك أن هذه الروف أصل السئلة ف كل قضية‪ ،‬و إنا تستنتج الجوبة على تزئته بالكلية‪ ،‬و هي ثلثة و أربعون حرفا‬
‫كما ترى و ال علم الغيوب ا و ل ا ع ظ س ا ل م خ ى د ل ز ق ت ا ر ذ ص ف ن غ ق ش ا ك ك ى ب م ض ب ح ط ل ج ه د‬
‫ن ل ث ا‪.‬‬
‫و قد نظمها بعض الفضلءف بيت جعل فيه كل حرف مشدد من حرفي و ساه القطب فقال‪:‬‬
‫غرائب شك ضبطه الد مثل‬ ‫سؤال عظيم اللق حزت فصن إذن‬
‫فإذا أردت استنتاج السئلة فاحذف ما تكرر من حروفها و أثبت ما فضل منه‪ .‬ث احذف من الصل و هو القطب لكل حرف فضل من‬
‫السألة حرفا ياثله‪ ،‬و أثبت ما فضل منه‪ .‬ث امزج الفضلي ف سطر واحد تبدأ بالول من فضله‪ .‬و الثان من فضل السئلة‪ .‬و هكذا إل أن‬
‫يتم الفضلن أو ينفد أحدها قبل الخر‪ ،‬فتضع البقية على ترتيبها‪ .‬فإذا كان عدد الروف الارجة بعد الزج موافقا لعدد حروف الصل‬
‫قبل الذف فالعمل صحيح‪ ،‬فحينئذ تضيف إليها خس نونات لتعدل با الوازين الوسيقية و تكمل الروف ثانية و أربعي حرفا‪ .‬فتعمر با‬
‫جدول مربعا يكون آخر ما ف السطر الول أول ما ف السطر الثان‪ .‬و تنقل البقية على حالا‪ .‬و هكذا إل أن تتم عمارة الدول‪ .‬و يعود‬
‫السطر الول بعينه و تتوال الروف ف القطر على نسبة الركة‪ ،‬ث ترج وتر كل حرف بقسمة مربعة على أعظم جزء يوجد له‪ ،‬و تضع‬
‫الوتر مقابل لرفه‪ .‬ث تستخرج النسب العنصرية للحروف الدولية‪ ،‬و تعرف قوتا الطبيعية و موازينها الروحانية و غرائزها النفسانية و‬
‫أسوسها الصلية من الدول الوضوع لذلك‪ ،‬و هذه صورته‪:‬‬
‫ث تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه ف أسوس أوتاد الفلك الربعة‪ ،‬و احذر ما يلي الوتاد و كذلك السواقط لن نسبتها مضطربة‪ .‬و هذا‬
‫الارج هو أول رتب السريان‪ .‬ث تأخذ مموع العناصر و تط منها أسوس الولدات‪ ،‬يبقى أس عال اللق بعد عروضه للمدد الكونية‪،‬‬
‫فتحمل عليه بعض الجردات عن الواد و هي عناصر المداد‪ ،‬يرج أفق النفس الوسط‪ ،‬و تطرح أول رتب السريان من مموع العناصر‬
‫يبقى عال التوسط‪ .‬و هذا مصوص بعوال الكوان البسيطة ل الركبة‪ .‬ث تضرب عال التوسط ف أفق النفس الوسط يرج الفق العلى‪،‬‬
‫فتحمل عليه أول رتب السريان‪ ،‬ث تطرح من الرابع أول عناصر المداد الصلي يبقى ثالث رتبة السريان‪ ،‬فتضرب مموع أجزاء العناصر‬
‫الربعة أبدا ف رابع مرتبة السريان‪ ،‬يرج أول عال التفصيل‪ ،‬و الثان ف الثان يرج ثان عال التفصيل‪ ،‬و الثالث ف الثالث يرج ثالث عال‬
‫التفصيل‪ ،‬و الرابع ف الرابع يرج رابع عال التفصيل‪ .‬فتجمع عوال التفصيل و تط من عال الكل‪ .‬تبقى العوال الجردة‪ ،‬فتقسم على الفق‬
‫العلى يرج الزء الول‪ .‬و يقسم النكسر على الفق الوسط يرج الزء الثان‪ ،‬و ما انكسر فهو الثالث‪ .‬و يتعي الرابع هذا ف الرباعي‪.‬‬
‫و إن شئت أكثر من الرباعي فتستكثر من عوال التفصيل و من رتب السريان و من الوفاق بعد الروف‪ .‬و ال يرشدنا و إياك‪ .‬و كذلك‬
‫إذا قسم عال التجريد على أول رتب السريان خرج الزء الول من عال التركيب‪ ،‬و كذلك إل ناية الرتبة الخية من عال الكون‪ .‬فافهم‬
‫و تدبر و ال الرشد العي‪.‬‬
‫و من طريقهم أيضا ف استخراج الواب‪ ،‬قال بعض الحققي منهم‪ :‬اعلم أيدنا ال و إياك بروج منه‪ ،‬أن علم الروف جليل يتوصل العال‬
‫به لا ل يتوصل بغيه من العلوم التداولة بي العال‪ .‬و للعمل به شرائط تلتزم‪ .‬و قد يستخرج العال أسرار الليقة و سرائر الطبيعة‪ ،‬فيطلع‬
‫بذلك على نتيجت الفلسفة‪ ،‬أعن السيميا و أختها‪ .‬و يرفع له حجاب الجهولت و يطلع بذلك على مكنون خبايا القلوب‪ .‬و قد شهدت‬
‫جاعة بأرض الغرب من اتصل بذلك‪ ،‬فأظهر الغرائب و خرق العوائد و تصرف ف الوجود بتأييد ال‪.‬‬
‫و اعلم أن ملك كل فضيلة الجتهاد و حسن اللكة مع الصب‪ .‬مفتاح كل خي‪ ،‬كما أن الرق و العجلة رأس الرمان‪ ،‬فأقول‪ :‬إذا أردت‬
‫أن تعلم قوة كل حرف من حروف الفابيطوس أعن أبد إل آخر العدد‪ ،‬و هذا أول مدخل من علم الروف‪ ،‬فانظر ما لذلك الرف من‬
‫العداد‪ ،‬فتلك الدرجة الت هي مناسبة للحرف هي قوته ف السمانيات‪ .‬ث اضرب العدد ف مثله ترج لك قوته ف الروحانيات و هي‬
‫وتره‪ .‬و هذا ف الروف النقوطة ل يتم بل يتم لغي النقوطة‪ ،‬لن النقوطة منها مراتب لعان يأت عليها البيان فيما بعد‪.‬‬
‫و اعلم أن لكل شكل من أشكال الروف شكل ف العال العلوي أعن الكرسي‪ ،‬و منها التحرك و الساكن و العلوي و السفلي كما هو‬
‫مرقوم ف أماكنه من الداول الوضوعة ف الزيارج‪.‬‬
‫و اعلم أن قوى الروف ثلثة أقسام‪ :‬الول و هو أقلها قوة تظهر بعد كتابتها‪ ،‬فتكون كتابته لعال روحان مصوص بذلك الرف الرسوم‪،‬‬
‫فمت خرج ذلك الرف بقوة نفسانية و جع هة كانت قوى الروف مؤثرة ف عال الجسام‪ .‬الثان قوتا ف اليئة الفكرية و ذلك ما يصدر‬
‫عن تصريف الروحانيات لا‪ ،‬فهي قوة ف الروحانيات العلويات‪ ،‬و قوة شكلية ف عال السمانيات‪ .‬الثالث و هو يمع الباطن‪ ،‬أعن القوة‬
‫النفسانية على تكوينه‪ ،‬فتكون قبل النطق به صورة ف النفس‪ ،‬بعد النطق به صورة ف الروف و قوة ف النطق‪.‬‬
‫و أما طبائعها فهي الطبيعيات النسوبة للمتولدات ف الروف و هي الرارة و اليبوسة‪ ،‬و الرارة و الرطوبة و البودة و اليبوسة و البودة و‬
‫الرطوبة‪ ،‬فهذا سر العدد اليمان‪ ،‬و الرارة جامعة للهواء و النار و ها‪ :‬ا هـ ط م ف ش ذ ج ز ك س ق ث ظ‪ ،‬و البودة جامعة للهواء و‬
‫الاء ب و ى ن ص ت ض د ح ل ع ر خ غ‪ ،‬و اليبوسة جامعة للنار و الرض ا هـ ط م ف ش ذ ب و ى ن ص ت ض‪ ،‬فهذه نسبة‬
‫حروف الطبائع و تداخل أجزاء بعضها ف بعض‪ .‬و تداخل أجزاء العال فيها علويات و سفليات بأسباب المهات الول‪ ،‬أعن الطبائع‬
‫الربع النفردة‪ ،‬فمت أردت استخراج مهول من مسئلة ما‪ ،‬فحقق طالع السائل أو طالع مسئلته واستنطق حروف أوتارها الربعة‪ :‬الول و‬
‫الرابع و السابع و العاشر مستوية مرتبة‪ ،‬و استخرج أعداد القوى و الوتار كما سنبي‪ ،‬و احل و انسب و استنتج الواب يرج لك‬
‫الطلوب‪ ،‬إما بصريح اللفظ أو بالعن‪ .‬و كذلك ف كل مسئلة تقع لك‪ .‬بيانه‪ :‬إذا أردت أن تستخرج قوى حروف الطالع‪ .‬مع اسم السائل‬
‫والاجة‪ .‬فاجع أعدادها بالمل الكبي‪ ،‬فكان الطالع المل رابعه السرطان سابعه اليزان عاشره الدي‪ .‬و هو أقوى هذه الوتاد‪ .‬فاسقط‬
‫من كل برج حرف التعريف‪ .‬و انظر ما يص كل برج من العداد النطقة الوضوعة ف دائرتا‪ ،‬و احذف أجزاء الكسر ف النسب‬
‫الستنطاقية كلها و أثبت تت كل حرف ما يصه من ذلك‪ ،‬ث أعداد حروف العناصر الربعة و ما يصها كالول‪ .‬و ارسم ذلك كله‬
‫أحرفا و رتب الوتاد و القوى و القرائن سطرا متزجا‪ .‬و كسر و اضرب ما يضرب لستخراج الوازين‪ .‬و اجع و استنتج الواب يرج لك‬
‫الضمي و جوابه‪ .‬مثاله افرض أن الطالع المل كما تقدم‪ .‬ترسم ح م ل‪ :‬فللحاء من العدد ثانية لا النصف و الربع و الثمن د ب ا اليم لا‬
‫من العدد أربعون‪ .‬لا النصف و الربع و الثمن و العشر و نصف العشر إذا أردت التدقيق م ك ى ه د ب‪ ،‬اللم لا من العدد ثلثون‪ ،‬لا‬
‫النصف و الثلثان و الثلث و المس و السدس و العشر ك ى و هـ ج‪ .‬و هكذا تفعل بسائر حروف السئلة و السم من كل لفظ يقع لك‪.‬‬
‫و أما استخراج الوتار فهو أن تقسم مربع كل حرف على أعظم جزء يوجد له‪ .‬مثاله‪ :‬حرف د له من العداد أربعة مربعها ستة عشر‪.‬‬
‫إقسمها على أعظم جزء يوجد لا و هو اثنان يرج وترا لدال ثانية‪ .‬ث تضع كل وتر مقابل لرفه‪ .‬ث تستخرج النسب العنصرية‪ ،‬كما تقدم‬
‫ف شرح الستنطاق‪ .‬و لا قاعدة تطرد ف استخراجها من طبع الروف و طبع البيت الذي يل فيه من الدول كما ذكر الشيخ لن عرف‬
‫الصطلح‪ .‬و ال أعلم‪.‬‬

‫فصل ف الستدلل على ما ف الضمائر الفية بالقواني الرفية‬


‫و ذلك لو سأل سائل عن عليل ل يعرف مرضه ما علته‪ .‬و ما الوافق لبئه منه‪ ،‬فمر السائل أن يسمي ما شاء من الشياء على اسم العلة‬
‫الجهولة‪ ،‬لتجعل ذلك السم قاعدة لك‪ .‬ث استنطق السم مع اسم الطالع و العناصر و السائل و اليوم والساعة إن أردت التدقيق ف السئلة‪،‬‬
‫و إل اقتصرت على السم الذي ساه السائل‪ .‬و فعلت به كما نبي‪ .‬فأقول مثل‪ :‬سى السائل فرسا فأثبت الروف الثلثة مع أعدادها‬
‫النطقة‪ .‬بيانه‪ :‬أن للفاء من العدد ثاني و لا م ك ي ح ب‪ ،‬ث الراء لا من العدد مائتان ق ن ك ى ث السي لا من العدد ستون و لا م ل ك‬
‫فالواو عدد تام له د جـ ب‪ ،‬و السي مثله و لا م ل ك‪ .‬فإذا بسطت حروف الساء وجدت عنصرين متساويي‪ ،‬فاحكم لكثرها حروفا‬
‫بالغلبة على الخر‪ ،‬ث احل عدد حروف عناصر اسم الطلوب و حروفه دون بسط‪ .‬و كذلك اسم الطالب و احكم للكثر و القوى‬
‫بالغلبة‪.‬‬
‫و صفة قوى إستخراج العناصر‬
‫فتكون الغلبة هنا للتراب و طبعه البودة‪ .‬و اليبوسة طبع السوداء‪ ،‬فتحكم على الريض بالسوداء‪ .‬فإذا ألفت من حروف الستنطاق كلما‬
‫على نسبة تقريبية خرج موضع الوجع ف اللق‪ ،‬و يوافقه من الدوية حقنة و من الشربة شراب الليمون‪ .‬هذا ما خرج من قوى أعداد‬
‫حروف اسم فرس و هو مثال تقريب متصر‪ .‬و أما استخراج قوى العناصر من الساء العلمية فهو أن تسمي مثل ممدا‪ ،‬فترسم أحرفه‬
‫مقطعة‪ .‬ث تضع أساء العناصر الربعة على ترتيب الفلك‪ ،‬يرج لك ما ف كل عنصر من الروف و العدد‪ .‬و مثاله‪:‬‬
‫فتجد أقوى هذه العناصر من هذا السم الذكور عنصر الاء‪ ،‬لن عدد حروفه عشرون حرفا‪ ،‬فجعلت له الغلبة على بقية عناصر السم‬
‫الذكور‪ .‬و هكذا يفعل بميع الساء‪ .‬حينئذ تضاف إل أوتارها‪ ،‬أو للوتر النسوب للطالع ف الزايرجة‪ ،‬أو لوتر البيت النسوب لالك بن‬
‫وهيب‪ .‬الذي جعله قاعدة لزج السئلة و هو هذا‪:‬‬
‫غرائب شك ضبطه الد مثل‬ ‫سؤال عظيم اللق حزت فصن إذن‬
‫و هو وتر مشهور لستخراج الجهولت‪ ،‬و عليه كان يعتمد ابن الرقام و أصحابه‪ .‬و هو عمل تام قائم بنفسه ف الثالت الوضعية‪ .‬وصفة‬
‫العمل بذا الوتر الذكور أن ترسه مقطعا متزجا بألفاظ السؤال على قانون صنعة التكسي‪ .‬و عدة حروف هذا الوتر أعن البيت ثلثة و‬
‫أربعون حرفا‪ ،‬لن كل حرف مشدد من حرفي‪.‬‬
‫ث تذف ما تكرر عند الزج من الروف و من الصل‪ .‬لكل حرف فضل من السئلة حرف ياثله‪ ،‬و تثبت الفضلي سطرا متزجا بعضه‬
‫ببعض الروف‪ .‬الول من فضلة القطب و الثان من فضلة السؤال‪ ،‬حت يتم الفضلتان جيعا فتكون ثلثة و أربعي‪ ،‬فتضيف إليها خس‬
‫نونات ليكون ثانية و أربعي‪ ،‬لتعدل با الوازين الوسيقية‪ .‬ث تضع الفضلة على ترتيبها فإن كان عدد الروف الارجة بعد الزج يوافق‬
‫العدد الصلي قبل الذف فالعمل صحيح‪ ،‬ث عمر با مزجت جدول مربعا يكون آخر ما ف السطر الول أول ما ف السطر الثان‪.‬‬
‫و على هذا النسق حت يعود السطر الول بعينه‪ ،‬و تتوال الروف ف القطر على نسبة الركة‪ .‬ث ترج وتر كل حرف كما تقدم تضعه‬
‫مقابل لرفه‪ ،‬ث تستخرج النسب العنصرية للحروف الدولية‪ ،‬لتعرف قوتا الطبيعية و موازينها الروحانية و غرائزها النفسانية و أسوسها‬
‫الصلية من الدول الوضوع لذلك‪ .‬و صفة استخراج النسب العنصرية هو أن تنفر الرف الول من الدول ما طبيعته و طبيعة البيت الذي‬
‫حل فيه‪ ،‬فإن اتفقت فحسن‪ ،‬و إل فاستخرج بي الرفي نسبة‪ .‬و يتسع هذا القانون ف جيع الروف الدولية‪ .‬و تقيق ذلك سهل على‬
‫من عرف قوانينة كما هو مقرر ف دوائرها الوسيقية‪ .‬ث تأخذ وتر كل حرف بعد ضربه ف أسوس أوتاد الفلك الربعة كما تقدم‪ .‬و احذر‬
‫ما يلي الوتاد‪ .‬و كذلك السواقط لن نسبتها مضطربة‪ .‬و هذا الذي يرج لك هو أول مراتب السريان‪ .‬ث تأخذ مموع العناصر و تط‬
‫منها أسوس الولدات يبقى أس عال اللق بعد عروضه للمدد الكونية‪ .‬فتحمل عليه بعض الجردات عن الواد و هي عناصر المداد‪ ،‬يرج‬
‫أفق النفس الوسط‪ .‬و تطرح أول رتب السريان من مموع العناصر يبقى عال التوسط‪ .‬و هذا مصوص بعوال الكوان البسيطة ل الركبة‪.‬‬
‫ث تضرب عال التوسط ف أفق النفس الوسط يرج الفق العلى‪ .‬فتحمل عليه أول رتب السريان‪ .‬ث تطرح من الرابع أول عناصر المداد‬
‫الصلي يبقى ثالث رتبة السريان‪ .‬ث تضرب مموع أجزاء العناصر الربعة أبدا ف رابع رتب السريان يرج أول عال التفصيل‪ ،‬و الثان ف‬
‫الثان يرج ثان عال التفصيل‪ ،‬و كذلك الثالث و الرابع‪ ،‬فتجمع عوال التفصيل و تط من عال الكل‪ ،‬تبقى العوال الجردة‪ ،‬فتقسم على‬
‫الفق العلى يرج الزء الول‪ .‬و من هنا يطرد العمل ف التامة‪ .‬و له مقامات ف كتب ابن وحشية و البون و غيها‪ .‬و هذا التدبي يري‬
‫على القانون الطبيعي الكمي ف هذا الفن و غيه من فنون الكمة اللية‪ ،‬و عليه مدار وضع الزيارج الرفية و الصنعة اللية و النيجات‬
‫الفلسفية‪ .‬و ال اللهم و به الستعان و عليه التكلن‪ ،‬و حسبنا ال و نعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصل الثلثون‪ :‬ف علم الكيمياء‬


‫و هو علم ينظر ف الادة الت يتم با كون الذهب و الفضة بالصناعة و يشرح العمل الذي يوصل إل ذلك فيتصفحون الكونات كلها بعد‬
‫معرفة أمزجتها و قواها لعلهم يعثرون على الادة الستعدة لذلك حت من العضلت اليوانية كالعظام والريش و البيض و العذرات فضل عن‬
‫العادن‪ .‬ث يشرح العمال الت ترج با تلك الادة من القوة إل الفعل مثل حل الجسام إل أجزائها الطبيعية يالتصعيد والتقطي و جد‬
‫الذائب منها بالتكليس و إمهاء الصلب بالقهر و الصلبة و أمثال ذلك‪ .‬و ف زعمهم أنه يرج بذه الصناعات كلها جسم طبيعي يسمونه‬
‫الكسي‪ .‬و أنه يلقى منه على السم العدن الستعد لقبول صورة الذهب أو الفضة بالستعداد القريب من الفعل مثل الرصاص و القصدير و‬
‫النحاس بعد أن يمى بالنار فيعود ذهبا إبريزا‪ .‬و يكنون عن ذلك الكسي إذا ألغزوا ف اصطلحاتم بالروح و عن السم الذي يلقى عليه‬
‫بالسد‪ .‬فشرح هذه الصطلحات و صورة هذا العمل الصناعي الذي يقلب هذه الجساد الستعدة إل صورة الذهب و الفضة هو علم‬
‫الكيمياء‪ .‬و ما زال الناس يؤلفون فيها قديا و حديثا‪ .‬و ربا يعزى الكلم فيها إل من ليس من أهلها‪ .‬و إمام الدوني فيها جابر بن حيان‬
‫حت إنم يصونا به فيسمونا علم جابر و له فيها سبعون رسالة كلها شبيهة باللغاز‪ .‬و زعموا أنه ل يفتح مقفلها إل من أحاط علما بميع‬
‫ما فيها‪ .‬و الطغرائي من حكماء الشرق التأخرين له فيها دواوين و مناظرات مع أهلها و غيهم من الكماء‪ .‬و كتب فيها مسلمة الجريطي‬
‫من حكماء الندلس كتابه الذي ساه رتبة الكيم و جعله قرينا لكتابه الخر ف السحر و الطلسمات الذي ساه غاية الكيم‪ .‬و زعم أن‬
‫هاتي الصناعتي ها نتيجتان للحكمة و ثرتان للعلوم و من ل يقف عليهما فهو فاقد ثرة العلم و الكمة أجع‪ .‬و كلمه ف ذلك الكتاب‬
‫وكلمهم أجع ف تآليفهم هي ألغاز يتعذر فهمها على من ل يعان اصطلحاتم ف ذلك‪ .‬و نن نذكر سبب عدولم إل هذه الرموز و‬
‫اللغاز‪ .‬و لبن الغيب من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف العجم من أبدع ما ييء ف الشعر ملغوزة كلها لغز الحاجي و‬
‫العاياة فل تكاد تفهم‪ .‬و قد ينسبون للغزال رحه ال بعض التآليف فيها و ليس بصحيح لن الرجل ل تكن مداركه العالية لتقف عن خطأ‬
‫ما يذهبون إليه حت ينتحله‪ .‬و ربا نسبوا بعض الذاهب و القوال فيها لالد بن يزيد بن معاوية ربيب مروان بن الكم و من العلوم البي‬
‫أن خالدا من اليل العرب و البداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم و الهناج بالملة فكيف له بصناعة غريبة النحى مبنية على معرفة طبائع‬
‫الركبات و أمزجتها و كتب الناظرين ف ذلك من الطبيعيات و الطب ل تظهر بعد و ل تترجم أللهم إل أن يكون خالد بن يزيد آخر من‬
‫أهل الدارك الصناعية تشبه باسه فممكن‪ .‬و أنا أنقل لك هنا رسالة أب بكر بن بشرون لب السمح ف هذه الصناعة و كلها من تلميذ‬
‫مسلمة فيستدل من كلمه فيها على ما ذهب إليه ف شأنا إذا أعطيته حقه من التأمل قال ابن بشرون بعد صدر من الرسالة خارج عن‬
‫الغرض‪ :‬و القدمات الت لذه الصناعة الكرية قد ذكرها الولون و اقتص جيعها أهل الفلسفة من معرفة تكوين العادن و تلق الحجار و‬
‫الواهر و طباع البقاع و الماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها و لكن أبي لك من هذه الصنعة ما يتاج إليه فتبدأ بعرفته فقد قالوا‪ :‬ينبغي‬
‫لطلب هذا العلم أن يعلموا أول ثلث خصال‪ :‬أولا هل تكون ؟ و الثانية من أي تكون ؟ و الثالثة من أي كيف تكون ؟ فإذا عرف هذه‬
‫الثلثة و أحكمها فقد ظفر بطلوبه و بلغ نايته من هذا العلم و أما البحث عن وجوبا و الستدلل عن تكونا فقد كفيناكه با بعثنا به‬
‫إليك من الكسي‪ .‬و أما من أي شيء تكون فإنا يريدون بذلك البحث عن الجر الذي يكنه العمل و إن كان العمل موجودا من كل‬
‫شيء بالقوة لنا من الطبائع الربع منها تركبت ابتداء و إليها ترجع انتهاء و لكن من الشياء ما يكون فيه بالقوة و ل يكون بالفعل و ذلك‬
‫أن منها ما يكن تفصيلها تعال و تدبر و هي الت ترج من القوة إل الفعل و الت ل يكن تفصيلها ل تعال و ل تدبر لنا فيها بالقوة فقط‬
‫و إنا ل يكن تفصيلها لستغراق بعض طبائعها ف بعض و فضل قوة الكبي منها على الصغي‪ .‬فينبغي لك وفقك ال أن تعرف أوفق‬
‫الحجار النفصلة الت يكن فيها العمل و جنسه و قوته و عمله و ما تدبر من الل و العقد و التنقية و التكليس و التنشيف و التقليب فإن‬
‫من ل يعرف هذه الصول الت هي عماد هذه الصنعة ل ينجح و ل يظفر بي أبدا‪ .‬و ينبغي لك أن تعلم هل يكن أن يستعان عليه بغيه أو‬
‫يكتفى به وحده و هل هو واحد ف البتداء أو شاركه غيه فصار ف التدبي واحدا فسمي حجرا‪ .‬و ينبغي لك أن تعلم كيفية عمله و كمية‬
‫أوزانه و أزمانه و كيف تركيب الروح فيه و إدخال النفس عليه ؟ و هل تقدر النار على تفصيلها منه بعد تركيبها ؟ فإن ل تقدر فلي علة‬
‫و ما السبب الوجب لذلك ؟ فان هذا هو الطلوب فافهم‪ .‬و اعلم أن الفلسفة كلها مدحت النفس و زعمت أنا الدبرة للجسد و الاملة‬
‫له و الدافعة عنه و الفاعلة فيه‪ .‬و ذلك أن السد إذا خرجت النفس منه مات و برد فلم يقدر على الركة و المتناع من غيه لنه ل حياة‬
‫فيه و ل نور‪ .‬و إنا ذكرت السد و النفس لن هذه الصفات شبيهة بسد النسان الذي تركيبه على الغذاء و العشاء و قوامه و تامه‬
‫بالنفس الية النورانية الت با يفعل العظائم و الشياء القابلة الت ل يقدر عليها غيها بالقوة الية الت فيها‪ .‬و إنا انفعل النسان لختلف‬
‫تركيب طبائعه و لو اتفقت طبائعه لسلمت من العراض و التضاد و ل تقدر النفس على الروج من بدنه و لكان خالدا باقيا‪ .‬فسبحان‬
‫مدبر الشياء تعال‪ .‬و اعلم أن الطبائع الت يدث عنها هذا العمل كيفية دافعة ف البتداء فيضية متاجة إل النتهاء و ليس لا إذا صارت ف‬
‫هذا الد أن تستحيل إل ما منه تركبت كما قلناه آنفا ف النسان لن طبائع هذا الوهر قد لزم بعضها بعضا و صارت شيئا واحدا شبيها‬
‫بالنفس ف قوتا و فعلها و بالسد ف تركيبه و مسته بعد أن كانت طبائع مفردة بأعيانا‪ .‬فيا عجبا من أفاعيل الطبائع إن القوة للضعيف‬
‫الذي يقوى على تفصيل الشياء و تركيبها و تامها فلذلك قلت قوي و ضعيف‪ .‬و إنا وقع التعبي و الفناء ف التركيب الول للختلف و‬
‫عدم ذلك ف الثان للتفاق‪ .‬و قد قال بعض الولي التفصيل و التقطيع ف هذا العمل حياة و بقاء و التركيب موت و فناء‪ .‬و هذا الكلم‬
‫دقيق العن لن الكيم أراد بقوله حياة و بقاء خروجه من العدم إل الوجود لنه ما دام على تركيبه الول فهو فان ل مالة‪ ،‬فإذا ركب‬
‫التركيب الثان عدم الفناء‪ .‬و التركيب الثان ل يكون إل بعد التفصيل و التقطيع فإذا التفصيل و التقطيع ف هذا العمل خاصة‪ .‬فإذا بقي‬
‫السد الحلول انبسط فيه لعدم الصورة لنه قد صار ف السد بنلة النفس الت ل صورة لا و ذلك أنه ل وزن له فيه و سترى ذلك إن شاء‬
‫ال تعال و قد ينبغي لك أن تعلم أن اختلط اللطيف باللطيف أهون من اختلط الغليظ و إنا أريد بذلك التشاكل ف الرواح و الجساد‬
‫لن الشياء تتصل بأشكالا‪ .‬و ذكرت لك ذلك لتعلم أن العمل أوفق و أيسر من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة السمانية‪ .‬و‬
‫قد يتصور ف العقل أن الحجار أقوى و أصب على النار من الرواح كما ترى أن الذهب و الديد و النحاس أصب على النار من الكبيت‬
‫و الزئبق و غيها من الرواح فأقول إن الجساد قد كانت أرواحا ف بدنا فلما أصابا حر الكيان قلبها أجسادا لزجة غليظة فلم تقدر النار‬
‫على أكلها لفراط غلظها و تلزجها‪ .‬فإذا أفرطت النار عليها صيتا أرواحا كما كانت أول خلقها‪ .‬و إن تلك الرواح اللطيفة إذا أصابتها‬
‫النار أبقت و ل تقدر على البقاء عليها فينبغي لك أن تعلم ما صي الجساد ف هذه الالة و صي الرواح ف هذا الال فهو أجل ما تعرفه‪.‬‬
‫أقول إنا أبقت تلك الرواح لشتعالا و لطافتها‪ .‬و إنا اشتعلت لكثرة رطوبتها و لن النار إذا أحست بالرطوبة تعلقت با لنا هوائية‬
‫تشاكل النار و ل تزال تغتذي با إل أن تفن‪ .‬و كذلك الجساد إذا أحست بوصول النار إليها لقلة تلزجها و غلظها و إنا صارت تلك‬
‫الجساد ل تشتعل لنا مركبة من أرض و ماء صابر على النار فلطيفه متحد بكثيفه لطول الطبخ اللي الازج للشياء‪ .‬و ذلك أن كل‬
‫متلش إنا يتلشى بالنار لفارقة لطيفه من كثيفه و دخول بعضه ف بعض على غي التحليل و الوافقة فصار ذلك النضمام و التداخل ماورة‬
‫ل مازجة فسهل بذلك افتراقهما كالاء و الدهن و ما أشبههما‪ .‬و إنا وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبائع و تقابلها فإذا علمت‬
‫ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها‪ .‬و ينبغي لك أن تعلم أن الخلط الت هي طبائع هذه الصناعة موافقة بعضها لبعض مفصلة من‬
‫جوهر واحد يمعها نظام واحد بتدبي واحد ل يدخل عليه غريب ف الزء منه و ل ف الكل كما قال الفيلسوف‪ :‬إنك إذا أحكمت تدبي‬
‫الطبائع و تآليفها و ل تدخل عليها غريبا فقد أحكمت ما أردت إحكامه و قوامه إذ الطبيعة واحدة ل غريب فيها فمن أدخل عليها غريبا‬
‫فقد زاغ عنها و وقع ف الطأ‪ .‬و اعلم أن هذه الطبيعة إذا حل لا جسد من قرائنها على ما ينبغي ف الل حت يشاكلها ف الرقة و اللطافة‬
‫انبسطت فيه و جرت معه حيثما جرى لن الجساد ما دامت غليظة جافية ل تنبسط و ل تتزاوج و حل الجساد ل يكون بغي الرواح‬
‫فافهم هداك ال هذا القول‪ .‬و اعلم هداك ال أن هذا الل ف جسد اليوان هو الق الذي ل يضمحل و ل ينقص و هو الذي يقلب الطبائع‬
‫و يسكها و يظهر لا ألوانا و أزهارا عجيبة‪ .‬و ليس كل جسد يل خلف هذا هو الل التام لنة مالف للحياة‪ ،‬فإنا حله با يوافقه و يدفع‬
‫عنه حرق النار‪ ،‬حت يزول عن الغلظ و تنقلب الطبائع عن حالتا إل ما لا أن تنقلب من اللطافة و الغلظ‪ .‬فإذا بلغت الجساد نايتها من‬
‫التحليل و التلطيف ظهرت لا هنالك قوة تسك و تغوص و تقلب و تنفذ و كل عمل ل يرى له مصداق ف أوله فل خي فيه‪ .‬و اعلم أن‬
‫البارد من الطبائع هو ييبس الشياء و يعقد رطوبتها و الار منها يظهر رطوبتها و يعقد يبسها و إنا أفردت الر و البد لنما فاعلن و‬
‫الرطوبة و اليبس منفعلن و على انفعال كل واحد منهما لصاحبه تدث الجسام و تتكون و إن كان الر أكثر فعل ف ذلك من البد لن‬
‫البد ليس له نقل الشياء و ل تركها و الر هو علة الركة‪ .‬و مت ضعفت علة الكون و هو الرارة ل يتم منها شيء أبدا كما إنه إذا‬
‫أفرطت الرارة على شيء و ل يكن ث برد أحرقته و أهلكته‪ .‬فمن أجل هذه العلة احتيج إل البارد ف هذه العمال ليقوى به كل ضد على‬
‫ضده و يدفع عنه حر النار‪ .‬و ل يذر الفلسفة أكب شيء إل من النيان الحرقة‪ .‬و أمرت بتطهي الطبائع و النفاس و إخراج دنسها و‬
‫رطوبتها و نفور آفاتا و أوساخها عنها على ذلك استقام رأيهم و تدبيهم فإنا عملهم إنا هو مع النار أول و إليها يصي أخيا فلذلك قالوا‪:‬‬
‫إياكم و النيان الحرقات‪ .‬و إنا أرادوا بذلك نفي الفات الت معها فتجمع على السد آفتي فتكون أسرع للكه‪ .‬و كذلك كل شيء إنا‬
‫يتلشى و يفسد من ذاته لتضاد طبائعه و اختلفه فيتوسط بي شيئي فلم يد ما يقويه و يعينه إل قهرته الفة و أهلكته‪ .‬و اعلم أن الكماء‬
‫كلها ذكرت ترداد الرواح على الجساد مرارا ليكون ألزم إليها و أقوى على قتال النار إذا هي باشرتا عند اللفة أعن بذلك النار العنصرية‬
‫فاعلمه‪ .‬و لنقل الن على الجر الذي يكن منه العمل على ما ذكرته الفلسفة فقد اختلفوا فيه فمنهم من زعم أنه ف اليوان و منهم من‬
‫زعم أنه ف النبات و منهم من زعم أنه ف العادن و منهم من زعم أنه ف الميع‪ .‬و هذه الدعاوى ليست بنا حاجة إل استقصائها و مناظرة‬
‫أهلها عليها لن الكلم يطول جدا و قد قلت فيما تقدم إن العمل يكون ف كل شيء بالقوة لن الطبائع موجودة ف كل شيء فهو كذلك‬
‫فنريد أن تعلم من أي شيء يكون العمل بالقوة و الفعل فنقصد إل ما قاله الران إن الصبغ كله أحد صبغي‪ :‬إما صبغ جسد كالزعفران ف‬
‫الثوب البيض حت يول فيه و هو مضمحل منتقض التركيب‪ ،‬و الصبغ الثان تقليب الوهر من جوهر نفسه إل جوهر غيه و لونه‬
‫كتقليب الشجر بل التراب إل نفسه و قلب اليوان و النبات ال نفسه حت يصي التراب نباتا و النبات حيوانا و ل يكون إل بالروح الي و‬
‫الكيان الفاعل الذي له توليد الجرام و قلب العيان‪ .‬فإذا كان هذا هكذا فنقول إن العمل لبد أن يكون إما ف اليوان و إما ف النبات و‬
‫برهان ذلك أنما مطبوعان على الغذاء و به قوامهما و تامهما‪ .‬فأما النبات فليس فيه ما ف اليوان من اللطافة و القوة و لذلك قل خوض‬
‫الكماء فيه‪ .‬و أما اليوان فهو آخر الستحالت الثلث و نايتها و ذلك أن العدن يستحيل نباتا و النبات يستحيل حيوانا و اليوان ل‬
‫يستحيل إل شيء هو الطف منه إل أن ينعكس راجعا إل الغلظ و أنه أيضا ل يوجد ف العال شيء تتعلق فيه الروح الية غيه و الروح‬
‫ألطف ما ف العال و ل تتعلق الروح باليوان إل بشاكلته إياها‪ .‬فأما الروح الت ف النبات فإنا يسية فيها غلظ و كثافة و هي مع ذلك‬
‫مستغرقة كامنة فيه لغلظها و غلظ جسد النبات فلم يقدر على الركة لغلظه و غلظ روحه‪ .‬و الروح التحركة ألطف من الروح الكامنة‬
‫كثيا و ذلك أن التحركة لا قبول الغذاء و التنقل و التنفس و ليس للكامنة غي قبول الغذاء وحده‪ .‬و ل تري إذا قيست بالروح الية إل‬
‫كالرض عند الاء‪ .‬كذلك النبات عند اليوان فالعمل ف اليوان أعلى و أرفع و أهون و أيسر‪ .‬فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يرب ما‬
‫كان سهل و يترك ما يشى فيه عسرا‪ .‬و اعلم أن اليوان عند الكماء ينقسم أقساما من المهات الت هي الطبائع و الديثة الت هي الواليد‬
‫و هذا معروف متيسر الفهم فلذلك قسمت الكماء العناصر و الواليد أقساما حية و أقساما ميتة فجعلوا كل متحرك فاعل حيا و كل‬
‫ساكن مفعول ميتا‪ .‬و قسموا ذلك ف جيع الشياء و ف الجساد الذائبة و ف العقاقي العدنية فسموا كل شيء يذوب ف النار و يطي و‬
‫يشتعل حيا و ما كان على خلف ذلك سوه ميتا فأما اليوان و النبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعا حيا و ما ل ينفصل سوه ميتا‬
‫ث إنم طلبوا جيع القسام الية‪ .‬فلم يدوا لوفق هذه الصناعة ما ينفصل فصول أربعة ظاهرة للعيان و ل يدوا غي الجر الذي ف اليوان‬
‫فبحثوا عن جنسه حت عرفوه و أخذوه و دبروه فتكيف لم منه الذي أرادوا‪ .‬و قد يتكيف مثل هذا ف العادن و النبات‪ .‬بعد جع العقاقي و‬
‫خلطها ث تفصل بعد ذلك‪ .‬فأما النبات فمنه ما ينفصل ببعض هذه الفصول مقل الشنان و أما العادن ففيها أجساد و أرواح و أنفاس إذا‬
‫مزجت و دبرت كان منها ما له تأثي‪ .‬و قد دبرنا كل ذلك فكان اليوان منها أعلى و أرفع و تدبيه أسهل و أيسر‪ .‬فينبغي لك أن تعلم ما‬
‫هو الجر الوجود ف اليوان و طريق وجوده‪ .‬إنا بينا أن اليوان أرفع الواليد و كذا ما تركب منه فهو ألطف منه كالنبات من الرض‪ .‬و‬
‫إنا كان النبات ألطف من الرض لنه إنا يكون من جوهره الصاف و جسده اللطيف فوجب له بذلك اللطافة و الرقة‪ .‬و كذا هذا الجر‬
‫اليوان بنلة النبات ف التراب‪ .‬و بالملة فإنه ليس ف اليوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيه فافهم هذا القول فإنة ل يكاد يفى إل على‬
‫جاهل بي الهالة و من ل عقل له‪ .‬فقد أخبتك ماهية هذا الجر و أعلمتك جنسه و أنا أبي لك وجوه تدابيه حت يكمل الذي شرطناه‬
‫على أنفسنا من النصاف إن شاء ال سبحانه‪.‬‬
‫التدبي على بركة ال خذ الجر الكري فأودعه القرعة و النبيق و فصل طبائعه الربع الت هي النار و الواء و الرض و الاء و هي السد و‬
‫الصبغ فإذا عزلت الاء عن التراب و الواء عن النار فارفع كل واحد ف إنائه على حدة و خذ الابط أسفل الناء و هو الثفل فاغسله بالنار‬
‫الارة حت تذهب النار عنه سواده و يزول غلظه و جفاؤه و بيضه تبييضا مكما و طي عنه فضول الرطوبات الستجنة فيه فإنه يصي عند‬
‫ذلك ماء أبيض ل ظلمة فيه و ل وسخ و ل تضاد‪ .‬ث اعمد إل تلك الطبائع الول الصاعدة منه فطهرها أيضا من السواد و التضاد و كرر‬
‫عليها الغسل و التصعيد حت تلطف و ترق و تصفو‪ .‬فإذا فعلت ذلك فقد فتح ال عليك فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل‪ .‬و ذلك أن‬
‫التركيب ل يكون إل بالتزويج و التعفي فأما التزويج فهو اختلط اللطيف بالغليظ و أما التعفي فهو التمشية و السحق حت يتلط بعضه‬
‫ببعض و يصي شيئا واحدا ل اختلف فيه و ل نقصان بنلة المتزاج بالاء‪ .‬فعند ذلك يقوى الغليظ على إمساك اللطيف و تقوى الروح‬
‫على مقابلة النار و تصب عليها و تقوى النفس على الغوص ف الجساد والدبيب فيها‪ .‬و إنا وجد ذلك بعد التركيب لن السد الحلول لا‬
‫ازدوج بالروح مازجه بميع أجزائه و دخل بعضها ف بعض لتشاكلها فصار شيئا واحدا و وجب من ذلك أن يعرض للروح من الصلح و‬
‫الفساد و البقاء و الثبوت و ما يعرض للجسد لوضع المتزاج‪ .‬و كذلك النفس إذا امتزجت بما و دخلت فيهما بدمة التدبي اختلطت‬
‫أجزاؤها بميع أجزاء الخرين أعن الروح و السد و صارت هي و ها شيئا واحدا ل اختلف فيه بنلة الزء الكلي الذي سلمت طبائعه‬
‫و اتفقت أجزاؤه فإذا ألقى هذا الركب السد الحلول و أل عليه النار و أظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه ذاب ف السد الحلول‪ .‬و من‬
‫شأن الرطوبة الشتمال و تعلق النار با فإذا أرادت النار التعلق با منعها من التاد بالنفس مازجة الاء لا‪ .‬فإن النار ل تتحد بالدهن حت‬
‫يكون خالصا‪ .‬و كذلك الاء من شأنه النفور من النار‪ .‬فإذا ألت عليه النار و أرادت تطييه حبسه السد اليابس المازج له ف جوفه فمنعه‬
‫من الطيان فكان السد علة لمساك الاء و الاء علة لبقاه الدهن و الدهن علة لثبات الصبغ و الصبغ علة لظهور الدهن و اظهار الدهنية ف‬
‫الشياء الظلمة الت ل نور لا و ل حياة فيها‪ .‬فهذا هو السد الستقيم و هكذا يكون العمل‪ .‬و هذه التصفية الت سألت عنها و هي الت‬
‫ستها الكماء بيضة و إياها يعنون ل بيضة الدجاج و اعلم أن الكماء ل تسميها بذا السم لغي معن بل أشبهتها‪ .‬و لقد سألت مسلمة‬
‫عن ذلك يوما و ليس عنده غيي فقلت له‪ :‬أيها الكيم الفاضل أخبن لي شيء ست الكماء مركب اليوان بيضة ؟ اختيارا منهم لذلك‬
‫أم لعن دعاهم إليه ؟ فقال‪ :‬بل لعن غامض فقلت أيها الكيم و ما ظهر لم من ذلك من النفعة و الستدلل على الصناعة حت شبهوها و‬
‫سوها بيضة ؟ فقال‪ :‬لشبهها و قرابتها من الركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه‪ .‬فبقيت بي يديه مفكرا ل أقدر على الوصول إل معناه‪.‬‬
‫فلما رأى ما ب من الفكر و أن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي و هزن هزة خفيفة و قال ل‪ :‬يا أبا بكر ذلك للنسبة الت بينهما ف كمية‬
‫اللوان عند امتزاج الطبائع و تأليفها‪ .‬فلما قال ذلك انلت عن الظلمة و أضاء ل نور قلب و قوي عقلي على فهمه فنهضت شاكرا ال عليه‬
‫إل منل و أقمت على ذلك شكل هندسيا يبهن به على صحة ما قاله مسلمة‪ .‬و أنا واضعه لك ف هذا الكتاب‪ .‬مثال ذلك أن الركب إذا‬
‫ت و كمل كان نسبة ما فيه من طبيعة الواء إل ما ف البيضة من طبيعة الواء كنسبة ما ف الركب من طبيعة النار إل ما ف البيضة من طبيعة‬
‫النار‪ .‬و كذلك الطبيعتان الخريان‪ ،‬الرض و الاء فأقول‪ :‬إن كل شيئي متناسبي على هذه الصفة ها متشابان‪ .‬و مثال ذلك أن تعل‬
‫لسطح البيضة هزرح فإذا أردنا ذلك فإنا نأخذ أقل طبائع الركب و هي طبيعة اليبوسة و نضيف إليها مثلها من طبيعة الرطوبة و ندبرها حت‬
‫تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة و تقبل قوتا‪ .‬و كأن ف هذا الكلم رمزا و لكنه ل يفى عليك‪ .‬ث تمل عليهما جيعا مثليهما من‬
‫الروح و هو الاء فيكون الميع ستة أمثال‪ .‬ث تمل على الميع بعد التدبي مثل من طبيعة الواء الت هي النفس و ذلك ثلثة أجزاء فيكون‬
‫الميع تسعة أمثال اليبوسة بالقوة‪ .‬و تمل تت كل ضلعي من الركب الذي طبيعته ميطة بسطح الركب طبيعتي فتجعل أول الضلعي‬
‫الحيطي بسطحه طبيعة الاء و طبيعة الواء و ها ضلعا ا ح د و سطح ابد و كذلك الضلعان الحيطان بسطح البيضة اللذان ها الاء و‬
‫الواء ضلعا هزوح فأقول أن سطح ابد يشبه سطح هزوح طبيعة الواء الت تسمى نفسا و كذلك بـ من سطح الركب‪ .‬و الكماء ل‬
‫تسم شيئا باسم شيء إل لشبهه به‪ .‬و الكلمات الت سألت عن شرحها الرض القدسة و هي النعقدة من الطبائع العلوية و السفلية‪ .‬و‬
‫النحاس هو الذي أخرج سواده و قطع حت صار هباء ث حر بالزاج حت صار ناسيا و الغنيسيا حجرهم الذي تمد فيه الرواح و ترجه‬
‫الطبيعة العلوية الت تستجن فيها الرواح لتقابل عليها النار و الفرفرة لون أحر قان يدثه الكيان‪ .‬و الرصاص حجر له ثلث قوى متلفة‬
‫الشخوص و لكنها متشاكلة و متجانسة‪ .‬فالواحدة روحانية نية صافية و هي الفاعلة و الثانية نفسانية و هي متحركة حساسة غي أنا أغلظ‬
‫من الول و مزكزها دون مركز الول و الثالثة قوة أرضية حاسة قابضة منعكسة إل مركز الرض لثقلها و هي الاسكة الروحانية‬
‫والنفسانية جيعا و الحيطة بما‪ .‬و أما سائر الباقية فمبتدعة و مترعة‪ .‬إلباسا على الاهل‪ ،‬و من عرف القدمات استغن عن غيها‪ .‬فهذا‬
‫جيع ما سألتن عنه و قد بعثت به إليك مفسرا و نرجو بتوفيق ال أن تبلغ أملك و السلم‪ .‬انتهى كلم ابن بشرون و هو من كبار تلميذ‬
‫مسلمة الجريطي شيخ الندلس ف علوم الكيمياء و السيمياء و السحر ف القرن الثالث و ما بعده‪ .‬و أنت ترى كيف صرف ألفاظهم كلها‬
‫ف الصناعة إل الزمز و اللغاز الت ل تكاد تبي و ل تعرف و ذلك دليل على أنا ليست بصناعة طبيعية‪ .‬و الذي يب أن يعتقد ف أمر‬
‫الكيمياء و هو الق الذي يعضده الواقع أنا من جنس آثار النفوس الروحانية و تصرفها ف عال الطبيعة‪ ،‬إما من نوع الكرامة إن كانت‬
‫النفوس خية أو من نوع السحر إن كانت النفوس شريرة فاجرة‪ .‬فأما الكرامة فظاهرة و أما السحر فلن الساحر كما ثبت ف مكان تقيقه‬
‫يقلب العيان الادية بقوته السحرية‪ .‬و لبد له مع ذلك عندهم من مادة يقع فعله السحري فيها كتخليق بعض اليوانات من مادة التراب أو‬
‫الشجر و النبات و بالملة من غي مادتا الخصوصة با‪ ،‬كما وقع لسحرة فرعون ف البال و العصي و كما ينقل عن سحرة السودان و‬
‫النود ف قاصية النوب و الترك ف قاصية الشمال أنم يسحرون الو للمطار و غي ذلك‪ .‬و لا كانت هذه تليقا للذهب ف غي مادته‬
‫الاصة به كان من قبيل السحر و التكلمون فيه من أعلم الكماء مثل جابر و مسلمة‪ .‬و من كان قبلهم من حكماء المم إنا نوا هذا‬
‫النحى و لذا كان كلمهم فيه ألغازا حذرا عليها من إنكار الشرائع على السحر و أنواعه ل أن ذلك يرجع إل الضنانة با كما هو رأي من‬
‫ل يذهب إل التحقيق ف ذلك‪ .‬و انظر كيف سى مسلمة كتابه فيها رتبة الكيم و سى كتابه ف السحر و الطلسمات غاية الكيم إشارة‬
‫إل عموم موضوع الغاية و خصوص موضوع هذه لن الغاية أعلى من الرتبة فكان مسائل الرتبة بعض من مسائل الغاية و تشاركها ف‬
‫الوضوعات‪ .‬و من كلمه ف الفني يتبي ما قلناه و نن نبي فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا المر بالصناعة الطبيعية‪ .‬و ال العليم‬
‫البي‪.‬‬

‫الفصل الادي و الثلثون‪ :‬ف إبطال الفلسفة و فساد منتحلها‬


‫هذا الفصل و ما بعده مهم لن هذه العلوم عارضة ف العمران كثية ف الدن‪ .‬و ضررها ف الدين كثي فوجب أن يصدع بشأنا و يكشف‬
‫عن العتقد الق فيها‪ .‬و ذلك أن قوما من عقلء النوع النسان زعموا أن الوجود كله السي منه و ما وراء السي تدرك أدواته و أحواله‬
‫بأسبابا و عللها بالنظار الفكرية و القيسة العقلية و أن تصحيح العقائد اليانية من قبل النظر ل من جهة السمع فإنا بعض من مدارك‬
‫العقل‪ .‬و هؤلء يسمون فلسفة جع فيلسوف و هو باللسان اليونان مب الكمة‪ .‬فبحثوا عن ذلك و شروا له و حوموا على إصابة الغرض‬
‫منه و وضعوا قانونا يهتدي به العقل ف نظره إل التمييز بي الق و الباطل و سوه بالنطق‪ .‬و مصل ذلك أن النظر الذي يفيد تييز الق من‬
‫الباطل إنا هو للذهن ف العان النتزعة من الوجودات الشخصية فيجرد منها أول صور منطبقة على جيع الشخاص كما ينطبق الطابع على‬
‫جيع النقوش الت ترسها ف طي أو شع‪ .‬و هذه مردة من الحسوسات تسمى العقولت الوائل‪ .‬ث ترد من تلك العان الكلية إذا كانت‬
‫مشتركة مع معان أخرى و قد تيزت عنها ف الذهن فتجرد منها معان أخرى و هي الت اشتركت با‪ .‬ث ترد ثانيا إن شاركها غيها و ثالثا‬
‫إل أن ينتهي التجريد إل العان البسيطة الكلية النطبقة على جيع العان و الشخاص و ل يكون منها تريد بعد هذا و هي الجناس العالية‪.‬‬
‫و هذه الجردات كلها من غي الحسوسات هي من حيث تأليف بعضها مع بعض‪ .‬لتحصيل العلوم منها تسمى العقولت الثوان‪ .‬فإذا نظر‬
‫الفكر ف هذه العقولت الجردة و طلب تصور الوجود‪ .‬كما هو فلبد للذهن من إضافة بعضها إل بعض و نفي بعضها عن بعض بالبهان‬
‫العقلي اليقين ليحصل تصور الوجود تصورا صحيحا مطابقا إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر‪ .‬و صنف التصديق الذي هو تلك الضافة‬
‫و الكم متقدم عندهم على صنف التصور ف النهاية و التصور متقدم عليه ف البداءة و التعليم لن التصور التام عندهم هو غاية الطلب‬
‫الدراكي و إنا التصديق وسيلة له و ما تسمعه ف كتب النطقيي من تقدم التصور و توقف التصديق عليه فبمعن الشعور ل بعن العلم التام‬
‫و هذا هو مذهب كبيهم أرسطو ث يزعمون أن السعادة ف إدراك الوجودات كلها ما ف الس و ما وراء الس بذا النظر و تلك الباهي‪.‬‬
‫و حاصل مداركهم ف الوجود على الملة و ما آلت إليه و هو الذي فرعوا عليه قضايا أنظارهم أنم عثروا أول على السم السفلي بكم‬
‫الشهود و الس ث ترقى إدراكهم قليل فشعروا بوجود النفس من قبل الركة و الس ف اليوانات ث احسوا من قوى النفس بسلطان‬
‫العقل‪ .‬و وقف إدراكهم فقضوا على السم العال السماوي بنحو من القضاء على أمر الذات النسانية‪ .‬و وجب عندهم أن يكون للفلك‬
‫نفس و عقل كما للنسان ث أنوا ذلك ناية عدد الحاد و هي العشر‪ ،‬تسع مفصلة ذواتا جل و واحد أول مفرد و هو العاشر‪ .‬و يزعمون‬
‫أن السعادة ف إدراك الوجود على هذا النحو من القضاء مع تذيب النفس و تلقها بالفضائل و أن ذلك مكن للنسان و لو ل يرد شرع‬
‫لتمييزه بي الفضيلة و الرذيلة من الفعال بقتضى عقله و نظره و ميله إل الحمود منها و اجتنابه للمذموم بفطرته و أن ذلك اذا حصل‬
‫للنفس حصلت لا البهجة و اللذة و أن الهل بذلك هو الشقاء السرمدي و هذا عندهم هو معن النعيم و العذاب ف الخرة إل خبط لم‬
‫ف تفاصيل ذلك معروف ف كلماتم‪ .‬و إمام هذه الذاهب الذي حصل مسائلها و دون علمها و سطر حججها فيما بلغنا ف هذه الحقاب‬
‫هو أرسطو القدون من أهل مقدونية من بلد الروم من تلميذ أفلطون و هو معلم السكندر و يسمونه العلم الول على الطلق يعنون‬
‫معلم صناعة النطق إذ ل تكن قبله مهذبة و هو أول من رتب قانونا و استوف مسائلها و أحسن بسطها و لقد أحسن ف ذلك القانون ما‬
‫شاء لو تكفل له بقصدهم ف الليات ث كان من بعده ف السلم من أخذ بتلك الذاهب و أتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إل ف القليل‪ .‬و‬
‫ذلك أن كتب أولئك التقدمي لا ترجها اللفاء من بن العباس من اللسان اليونان إل اللسان العرب تصفحها كثي من أهل اللة و أخذ من‬
‫مذاهبهم من أضله ال من منتحلي العلوم و جادلوا عنها و اختلفوا ف مسائل من تفاريعها و كان من أشهرهم أبو نصر الفاراب ف الائة‬
‫الرابعة لعهد سيف الدولة و أبو علي بن سينا ف الائة الامسة لعهد نظام اللك من بن بويه بأصبهان و غيها‪ .‬و اعلم أن هذا الرأي الذي‬
‫ذهبوا إليه باطل بميع وجوهه‪ .‬فأما إسنادهم الوجودات كلها إل العقل الول و اكتفاؤهم به ف الترقي إل الواجب فهو قصور عما وراء‬
‫ذلك من رتب خلق ال فالوجود أوسع نطاقا من ذلك و يلق ما ل تعلمون و كأنم ف اقتصارهم على إثبات العقل فقط و الغفلة عما وراءه‬
‫بثابة الطبيعيي القتصرين على إثبات الجسام خاصة العرضي عن النقل و العقل العتقدين أنه ليس وراء السم ف حكمة ال شيء‪ .‬و أما‬
‫الباهي الت يزعمونا على مدعياتم ف الوجودات و يعرضونا على معيار النطق و قانونه ف قاصرة و غي وافية بالغرض‪ .‬أما ما كان منها‬
‫ف الوجودات السمانية و يسمونه العلم الطبيعي فوجه قصوره أن الطابقة بي تلك النتائج الذهنية الت تستخرج بالدود و القيسة كما ف‬
‫زعمهم و بي ما ف الارج غي يقين لن تلك أحكام ذهنية كلية عامة و الوجودات الارجية متشخصة بوادها‪ .‬و لعل ف الواد ما ينع‬
‫مطابقة الذهن الكلي للخارجي الشخصي اللهم إل مال يشهد له الس من ذلك فدليله شهوده ل تلك الباهي فأين اليقي الذي يدونه‬
‫فيها ؟ و ربا يكون تصرف الذهن أيضا ف العقولت الول الطابقة للشخصيات بالصور اليالية ل ف العقولت الثوان الت تريدها ف‬
‫الرتبة الثانية فيكون الكم حينئذ يقينيا بثابة الحسوسات إذ العقولت الول أقرب إل مطابقة الارج لكمال النطباق فيها فنسلم لم‬
‫حينئذ دعاويهم ف ذلك‪ .‬إل أنه ينبغي لنا العراض عن النظر فيها إذ هو من ترك السلم لا ل يعنيه فإن مسائل الطبيعيات ل تمنا ف ديننا و‬
‫ل معاشنا فوجب علينا تركها‪ .‬و أما ما كان منها ف الوجودات الت وراء الس و هي الروحانيات و يسمونه العلم اللي و علم ما بعد‬
‫الطبيعة فإن ذواتا مهولة رأسا و ل يكن التوصل إليها و ل البهان عليها لن تريد العقولت من الوجودات الارجية الشخصية إنا هو‬
‫مكن فيما هو مدرك لنا‪ .‬و نن ل ندرك الذوات الروحانية حت نرد منها ماهيات أخرى بجاب الس بيننا و بينها فل يأت لنا برهان‬
‫عليها و ل مدرك لنا ف إثبات وجودها على الملة إل ما نده بي جنبينا من أمر النفس النسانية و أحوال مداركها و خصوصا ف الرؤيا‬
‫الت هي وجدانية لكل أحد و ما وراء ذلك من حقيقتها و صفاتا فأمر غامض ل سبيل إل الوقوف عليه‪ .‬و قد صرح بذلك مققوهم حيث‬
‫ذهبوا إل أن مال مادة له ل يكن البهان عليه لن مقدمات البهان من شرطها أن تكون ذاتية‪ .‬و قال كبيهم أفلطون‪ :‬إن الليات ل‬
‫يوصل فيها إل أيني و إنا يقال فيها بالخلق و الول يعن الظن‪ :‬و إذا كنا إنا نصل بعد التعب و النصب على الظن فقط قيكفينا الظن‬
‫الذي كان أول فأي فائدة لذه العلوم و الشتغال با و نن إنا عنايتنا بتحصيل اليقي فيما وراء الس من الوجودات و هذه هي غاية‬
‫الفكار النسانية عندهم‪ .‬و أما قولم إن السعادة ف إدراك الوجودات على ما هي عليه يتلك الباهي فقول مزيف مردود و تفسيه أن‬
‫النسان مركب من جزءين أحدها جسمان و الخر روحان مترج به و لكل واحد من الزءين مدارك متصة به و الدرك فيهما واحد و‬
‫هو الزء الروحان يدرك تارة مدارك روحانية و تارة مدارك جسمانية إل أن الدارك الروحانية يدركها بذاته بغي واسطة و الدارك‬
‫السمانية بواسطة آلت السم من الدماغ والواس‪ .‬و كل مدرك فله ابتهاج با يدركه‪ .‬و اعتبه بال الصب ف أول مداركه السمانية‬
‫الت هي بواسطة كيف يبتهج با يبصره من الضوء و با يسمعه من الصوات فل شك أن البتهاج بالدراك الذي للنفس من ذاتا بغي‬
‫واسطة يكون أشد و ألذ‪ .‬فالنفس الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لا من ذاتا بغي واسطة حصل لا ابتهاج و لذة ل يعب عنهما و هذا‬
‫الدراك ل يصل بنظر و ل علم و إنا يصل بكشف حجاب الس و نسيان الدارك السمانية بالملة‪ .‬و التصوفة كثيا ما يعنون بصول‬
‫هذا الدراك للنفس بصول هذه البهجة فيحاولون بالرياضة إماتة القوى السمانية و مداركها حت الفكر من الدماغ و ليحصل للنفس‬
‫إدراكها الذي لا من ذاتا عند زوال الشواغب و الوانع السمانية يصل لم بجة و لذة ل يعب عنهما‪ .‬و هذا الذي زعموه بتقدير صحته‬
‫مسلم لم و هو مع ذلك غي واف بقصودهم‪ .‬فأما قولم إن الباهي و الدلة العقلية مصلة لذا النوع من الدراك و البتهاج عنه فباطل‬
‫كما رأيته إذ الباهي و الدلة من جلة الدارك السمانية لنا بالقوى الدماغية من اليال و الفكر و الذكر‪ .‬و نن نقول إن أول شيء نعن‬
‫به ف تصيل هذا الدراك إماتة هذه القوى الدماغية كلها لنا منازعة له قادحة فيه و تد الاهر منهم عاكفا على كتاب الشفاء و الشارات‬
‫و النجاء و تلخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسطو و غيه يبعثر أوراقها و يتوثق من براهينها و يلتمس هذا القسط من السعادة فيها و‬
‫ل يعلم أنه يستكثر بذلك من الوانع عنها‪ .‬و مستندهم ف ذلك ما ينقلونه عن أرسطو و الفاراب و ابن سينا أن من حصل له إدراك العقل‬
‫الفعال و اتصل به ف حياته فقد حصل حظة من هذه السعادة‪ .‬و العقل الفعال عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشف عنها الس من رتب‬
‫الروحانيات و يملون التصال بالعقل الفعال على الدراك العلمي و قد رأيت فساده و إنا يعن أرسطو و أصحابه بذلك التصال و الدراك‬
‫إدراك النفس الذي لا من ذاتا و بغي واسطة و هو ل يصل إل بكشف حجاب الس‪ .‬و أما قولم إن البهجة الناشئة عن هذا الدراك هي‬
‫عي السعادة الوعود با فباطل أيضا لنا إنا تبي لنا با قرروه أن وراء الس مدركا آخر للنفس من غي واسطة و أنا تبتهج بإدراكها ذلك‬
‫ابتهاجا شديدا و ذلك ل يعي لنا أنه عي السعادة الخروية و لبد بل هي من جلة اللذ الت لتلك السعادة‪ .‬و أما قولم إن السعادة ف‬
‫إدراك هذه الوجودات على ما هي عليه فقول باطل مبن على ما كنا قدمناه ف أصل التوحيد من الوهام و الغلط ف أن الوجود عند كل‬
‫مدرك منحصر ف مداركه‪ .‬و بينا فساد ذلك و إن الوجود أوسع من أن ياط به أو يستوف إدراكه بملته روحانيا أو جسمانيا‪ .‬و الذي‬
‫يصل من جيع ما قررناه من مذاهبهم أن الزء الروحان إذا فارق القوى السمانية أدرك إدراكا ذاتيا له متصا بصنف من الدارك و هي‬
‫الوجودات الت أحاط با علمنا و ليس بعام الدراك ف الوجودات كلها إذ ل تنحصر و أنه يبتهج بذلك النحو من الدراك ابتهاجا شديدا‬
‫كما يبتهج الصب بداركه السية ف أول نشوءه و من لنا بعد ذلك بإدراك جيع الوجودات أو بصول السعادة الت وعدنا با الشارع إن ل‬
‫نعمل لا‪ ،‬هيهات هيهات لا توعدون‪ .‬و أما قولم إن النسان مستقل بتهذيب نفسه و إصلحها بلبسة الحمود من اللق و مانبة الذموم‬
‫فأمر مبن على أن ابتهاج للنفس بإدراكها الذي لا من ذاتا هو عي السعادة الوعود با لن الرذائل عائقة للنفس عن تام إدراكها ذلك با‬
‫يصل لا من اللكات السمانية و ألوانا‪ .‬و قد بينا أن أثر السعادة و الشقاوة و من وراء الدراكات السمانية و الروحانية فهذا التهذيب‬
‫الذي توصلوا إل معرفته إنا نفعه ف البهجة الناشئة عن الدراك الروحان فقط الذي هو على مقاييس و قواني‪ .‬و أما ما وراء ذلك من‬
‫السعادة الت وعدنا با الشارع على امتثال ما أمر به من العمال و الخلق فأمر ل ييط به مدارك الدركي‪ .‬و قد تنبه لذلك زعيمهم أبو‬
‫علي ابن سينا فقال ف كتاب البدأ و العاد ما معناه‪ :‬إن العاد الروحان و أحواله هو ما يتوصل إليه بالباهي العقلية و القاييس لنه على‬
‫نسبة طبيعية مفوظة و وتية واحدة فلنا ف الباهي عليه سعة‪ .‬و أما العاد السمان و أحواله فل يكن إدراكه بالبهان لنه ليس على نسبة‬
‫واحدة و قد بسطته لنا الشريعة القة الحمدية فلنظر فيها و ليجع ف أحواله إليها‪ .‬فهذا العلم كما رأيته غي واف بقاصدهم الت حوموا‬
‫عليها مع ما فيه من مالفة الشرائع و ظواهرها‪ .‬و ليس له فيما علمنا إل ثرة واحدة و هي شحذ الذهن ف ترتيب الدلة و الجج لتحصيل‬
‫ملكة الودة و الصواب ف الباهي‪ .‬و ذلك أن نظم القاييس و تركيبها على وجه الحكام و التقان هو كما شرطوه ف صناعتهم النطيقية‬
‫و قولم بذلك ف علومهم الطبيعية و هم كثيا ما يستعملونا ف علومهم الكمية من الطبيعيات و التعاليم و ما بعدها فيستول الناظر فيها‬
‫بكثرة استعمال الباهي بشروطها على ملكة التقان و الصواب ف الجج و الستدللت لنا و إن كانت غي وافية بقصودهم فهي أصح‬
‫ما علمناه من قواني النظار‪ .‬هذه ثرة هذه الصناعة مع الطلع على مذاهب أهل العلم و آرائهم و مضارها ما علمت‪ .‬فليكن الناظر فيها‬
‫متحرزا جهده معاطبها و ليكن نظر من ينظر فيها بعد المتلء من الشرعيات و الطلع على التفسي و الفقه و ل يكب أحد عليها و هو‬
‫خلو من علوم اللة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها‪ .‬و ال الوفق للصواب و للحق و الادي إليه‪ .‬و ما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪.‬‬

‫الفصل الثان و الثلثون‪ :‬ف ابطال صناعة النجوم و ضعف مداركها و فساد‬
‫غايتها‬
‫هذه الصناعة يزعم أصحابا أنم يعرفون با الكائنات ف عال العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب و تأثيها ف الولدات‬
‫العنصرية مفردة و متمعة فتكون لذلك أوضاع الفلك و الكواكب دالة على ما سيحدث من نوع من أنواع الكائنات الكلية و الشخصية‪.‬‬
‫فالتقدمون منهم يرون أن معرفة قوى الكواكب و تأثياتا بالتجربة و هو أمر تقصر العمار كلما لو اجتمعت عن تصيله إذ التجربة إنا‬
‫تصل ف الرات التعددة بالتكرار ليحصل عنها العلم أو الظن‪ .‬و أدوار الكواكب منها ما هو طويل الزمن فيحتاج تكرره إل آماد و أحقاب‬
‫متطارلة يتقاصر عنها ما هو طويل من أعمار العال‪ .‬و ربا ذهب ضعفاء منهم إل أن معرفة قوى الكواكب و تأثياتا كانت بالوحي و هو‬
‫رأي فائل و قد كفونا مؤنة إبطاله‪ .‬و من أوضح الدلة فيه أن تعلم أن النبياء عليهم الصلة و السلم أبعد الناس عن الصنائع و أنم ل‬
‫يتعرضون للخبار عن الغيب إل أن يكون عن ال فكيف يدعون استنباطه بالصناعة و يشيون بذلك لتابعيهم من اللق‪ .‬و أما بطليمس و‬
‫من تبعه من التأخرين فيون أن دللة الكواكب على ذلك دللة طبيعية من قبل مزاج يصل للكواكب ف الكائنات العنصرية قال لن فعل‬
‫النيين و أثرها ف العنصريات ظاهر ل يسع أحدا حجده مثل فعل الشمس ف تبدل الفصول و أمزجتها و نضج الثمار و الزرع و غي ذلك‬
‫و فعل القمر ف الرطوبات و الاء و إنضاج الواد التعفنة و فواكه القناء و سائر أفعاله‪ .‬ث قال‪ :‬و لنا فيما بعدها من الكواكب طريقان الول‬
‫التقليد لن نقل ذلك عنه من أئمة الصناعة إل أنه غي مقنع للنفس و الثانية الدس و التجربة بقياس كل واحد منها إل الني العظم الذي‬
‫عرفنا طبيعته و أثره معرفة ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القران ف قوته و مزاجه فتعرف موافقته له ف الطبيعة أو ينقص عنها‬
‫فتعرف مضادته‪ .‬ث إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبة و ذلك عند تناظرها بأشكال التثليث و التربيع و غيها و معرفة ذلك من قبل‬
‫طبائع البوج بالقياس أيضا إل الني العظم‪ .‬و إذا عرفنا قوى الكواكب كلها فهي مؤثرة ف الواء و ذلك ظاهر‪ .‬و الزاج الذي يصل منها‬
‫للهواء يصل لا تته من الولدات و تتخلق به النطف و البزر فتصي حال للبدن التكون عنها و للنفس التعلقة به الفائضة عليه الكتسبة لا لا‬
‫منه و لا يتبع النفس و البدن من الحوال لن كيفيات البزرة و النطفة كيفيات لا يتولد عنهما و ينشأ منهما‪ .‬قال‪ :‬و هو مع ذلك ظن و‬
‫ليس من اليقي ف شيء و ليس هو أيضا من القضاء اللي يعن القدر إنا هو من جلة السباب الطبيعية للكائن و القضاء اللي سابق على‬
‫كل شيء‪ .‬هذا مصل كلم بطليمس و أصحابه و هو منصوص ف كتابه الربع و غيه‪ .‬و منه يتبي ضعف مدرك هذه الصناعة و ذلك أن‬
‫العلم الكائن أو الظن به إنا يصل عن العلم بملة أسبابه من الفاعل و القابل و الصورة و الغاية على ما يتبي ف موضعه‪ .‬و القوى النجومية‬
‫على ما قرروه إنا هي فاعلة فقط و الزء العنصري هو القابل ث إن القوى النجومية ليست هي الفاعل بملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة‬
‫معها ف الزء الادي مثل قوة التوليد للب و النوع الت ف النطفة و قوى الاصة الت تيز با صنف من النوع و غي ذلك‪ .‬فالقوى النجومية‬
‫إذا حصل كمالا و حصل العلم فيها إنا هي فاعل واحد من جلة السباب الفاعلة للكائن‪ .‬ث إنة يشترط مع العلم بقوى النجوم و تأثياتا‬
‫مزيد حدس و تمي و حينئذ يصل عنده الظن بوقوع الكائن‪ .‬و الدس و التخمي قوى للناظر ف فكره و ليس من علل الكائن و ل من‬
‫أصول الصناعة فإذا فقد هذا الدس و التخمي رجعت أدراجها عن الظن إل الشك‪ .‬هذا إذا حصل العلم بالقوى النجومية على سداده و ل‬
‫تعترضه آفة و هذا معوز لا فيه من معرفة حسبانات الكواكب ف سيها لتتعرف به أوضاعها و لا أن اختصاص كل كوكب بقوة ل دليل‬
‫عليه‪ .‬و مدرك بطليمس ف إثبات القوى للكواكب المسة بقياسها إل الشمس مدرك ضعيف لن قوة الشمس غالبه لميع القوى من‬
‫الكواكب و مستولية عليها فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند القارنة كما قال و هذه كلها قادحة ف تعريف الكائنات الواقعة‬
‫ف عال العناصر بذه الصناعة‪ .‬ث إن تأثي الكواكب فيما تتها باطل إذ قد تبي ف باب التوحيد أن ل فاعل إل ال بطريق استدلل كما‬
‫رأيته و احتج له أهل علم الكلم با هو غن ف البيان من أن إسناد السباب إل السببات مهول الكيفية و العقل منهم على ما يقضى به فيما‬
‫يظهر بادئ الرأي من التأثي فلعل استنادها على غي صورة التأثي التعارف‪ .‬و القدرة اللية رابطة بنهما كما ربطت جيع الكائنات علوا و‬
‫سفل سيما و الشرع يرد الوادث كلها إل قدرة ال تعال و يبأ ما سوى ذلك‪ .‬و النبؤات أيضا منكرة لشأن النجوم و تأثياتا‪ .‬و استقراء‬
‫الشرعيات شاهد بذلك ف مثل قوله إن الشمس و القمر ل يسفان لوت أحد و ل لياته و ف قوله أصبح من عبادي مؤمن ب و كافر ب‪.‬‬
‫فأما من قال مطرنا بفضل ال و رحته فذلك مؤمن ب كافر بالكواكب و أما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك كافر ب مؤمن بالكواكب‬
‫الديث الصحيح‪ .‬فقد بان لك بطلن هذه الصناعة من طريق الشرع و ضعف مداركها مع ذلك من طريق العقل مع ما لا من الضار ف‬
‫العمران النسان با تبعث من عقائد العوام من الفساد إذا اتفق الصدق من أحكامها ف بعض الحايي أتفاقا ل يرجع إل تعليل و ل تقيق‬
‫فيلهج بذلك من ل معرفة له و يظن اطراد الصدق ف سائر أحكامها و ليس كذلك‪ .‬فيقع ف رد الشياء إل غي خالقها‪ .‬ث ما ينشأ عنها‬
‫كثيا ف الدول من توقع القواطع و ما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول العداء و التربصي بالدولة إل الفتك و الثورة‪ .‬و قد شاهدنا من‬
‫ذلك كثيا فينبغي أن تظر هذه الصناعة على جيع أهل العمران لا ينشأ عنها من الضار ف الدين و الدول‪ ،‬و ل يقدح ف ذلك كون‬
‫وجودها طبيعيا للبشر بقتضى مداركهم و علومهم‪ .‬فالي و الشر طبيعتان موجودتان ف العال ل يكن نزعهما و إنا يتعلق التكليف‬
‫بأسباب حصولما فيتعي السعي ف اكتساب الي بأسبابه و دفع أسباب الشر و الضار‪ .‬هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هذا العلم و‬
‫مضاره‪ .‬و ليعلم من ذلك أنا و إن كانت صحيحة ف نفسها فل يكن أحدا من أهل اللة تصيل علمها و ل ملكتها بل إن نظر فيها ناظر و‬
‫ظن الحاطة با فهو ف غاية القصور ف نفس المر‪ .‬فإن الشريعة لا حظرت النظر فيها فقد الجتماع من أهل العمران لقراءتا و التحليق‬
‫لتعليمها و صار الولع با من الناس و هم القل و أقل من القل إنا يطالع كتبها و مقالتا ف كسر بيته متسترا عن الناس و تت ربقة‬
‫المهور مع تشغب الصناعة و كثرة فروعها و اعتياصها على الفهم فكيف يصل منها على طائل ؟ و نن ند الفقه الذي عم نفعه دينا و‬
‫دنيا و سهلت مآخذه من الكتاب و السنة و عكف المهور على قراءته و تعليمه ث بعد التحقيق و التجميع و طول الدارسة و كثرة‬
‫الجالس و تعدها إنا يذق فيه الواحد بعد الواحد ف العصار و الجيال‪ .‬فكيف يعلم مهجور للشريعة مضروب دونه سد الطر و التحري‬
‫مكتوم عن المهور صعب الآخذ متاج بعد المارسة و التحصيل لصوله و فروعه إل مزيد حدس و تمي يكتنفان به من الناظر فأين‬
‫التحصيل و الذق فيه مع هذه كلها‪ .‬و مدعى ذلك من الناس مردود على عقبه و ل شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بي أهل اللة و قلة‬
‫حلته فاعتب ذلك يتبي لك صحة ما ذهبنا إليه‪ .‬و ال أعلم بالغيب فل يظهر على غيبه أحدا‪ .‬و ما وقع ف هذا العن لبعض أصحابنا من‬
‫أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان أب السن و حاصروه بالقيوان و كثر إرجاف الفريقي الولياء و العداء و قال ف ذلك‬
‫أبو القاسم الروحي من شعراء أهل تونس‪:‬‬
‫قد ذهب العيش و الناء‬ ‫أستغفر ال كل حي‬
‫و الصبح ل و الساء‬ ‫أصبح ف تونس و أمسي‬
‫يدثها الرج و الوباء‬ ‫الوف و الوع و النايا‬
‫و ما عسى ينفع الراء‬ ‫و الناس ف مرية و حرب‬
‫حل به اللك و التواء‬ ‫فأحدي يرى عليا‬
‫به إليكم صبا رخاء‬ ‫و آخر قال سوف يأت‬
‫يقضي لعيديه ما يشاء‬ ‫و ال من فوق ذا و هذا‬
‫ما فعلت هذه السماء‬ ‫يا راصد النس الواري‬
‫أنكم اليوم أملياء‬ ‫مطلتمونا و قد زعمتم‬
‫و جاء سبت و أربعاء‬ ‫مر خيس على خيس‬
‫و ثالث ضمه القضاء‬ ‫و نصف شهر و عشر ثان‬
‫أذاك جهل أم ازدراء‬ ‫و ل نرى غي زور قول‬
‫أن ليس يستدفع القضاء‬ ‫إنا إل ال قد علمنا‬
‫حسبكم البدر أو ذكاء‬ ‫رضيت بال ل إلا‬
‫إل عباديد أو إماء‬ ‫ما هذه النم السواري‬
‫و ما لا ف الورى اقتضاء‬ ‫يقضى عليها و ليس تقضي‬
‫ما شأنه الرم و الفناء‬ ‫ضلت عقول ترى قديا‬
‫يدثه الاء و الواء‬ ‫و حكمت ف الوجود طبعا‬
‫تغذوهم تربة و ماء‬ ‫ل تر حلوا إزاء مر‬
‫ما الوهر الفرد و اللء‬ ‫ال رب و لست أدري‬
‫ما ل عن صورة عراء‬ ‫و ل اليول الت تنادي‬
‫و ل ثبوت و ل انتفاء‬ ‫و ل وجود و ل انعدام‬
‫ما جلب البيع و الشراء‬ ‫و الكسب ل أدر فيه إل‬
‫ما كان للناس أولياء‬ ‫و إنا مذهب و دين‬
‫و ل جدال و ل رياء‬ ‫إذ ل فصول و ل أصول‬
‫يا حبذا كان القتفاء‬ ‫ما تبع الصدر و اقتفينا‬
‫و ل يكن ذلك الذاء‬ ‫كانوا كما يعلمون منهم‬
‫أشعرن الصيف و الشتاء‬ ‫يا أشعري الزمان إن‬
‫و الي عن مثله جزاء‬ ‫ل أجز بالشر غي شر‬
‫فلست أعصى و ل رجاء‬ ‫و إنن إن أكن مطيعا‬
‫أطاعه العرش و الثراء‬ ‫و إنن تت حكم بار‬
‫أتاحه الكم و القضاء‬ ‫ليس انتصار بكم و لكن‬
‫له إل رأيه انتماء‬ ‫لو حدث الشعري عمن‬
‫ما يقولونه براء‬ ‫لقال أخبهم بأن‬

‫الفصل الثالث و الثلثون‪ :‬ف انكار ثرة الكيميا و استحالة وجودها و ما‬
‫ينشأ من الفاسد عن انتحالا‬
‫اعلم أن كثيا من العاجزين عن معاشهم تملهم الطامع على انتحال هذه الصنائع و يرون أنا أحد مذاهب العاش و وجوهه و أن اقتناء‬
‫الال منها أيسر و أسهل على مبتغيه فيتكبون فيها من التاعب و الشاق و معاناة الصعاب و عسف الكام و خساره الموال ف النفقات‬
‫زيادة على النيل من غرضه و العطب آخرا إذا ظهر على خيبة و هم يسبون أنم يسنون صنعا‪ .‬و إنا أطمعهم ف ذلك رؤية أن العادن‬
‫تستحيل و ينقلب بعضها إل بعض للمادة الشتركة فيحاولون بالعلج صيورة الفضة ذهبا و النحاس و القصدير فضة و يسبون أنا من‬
‫مكنات عال الطبيعة و لم ف علج ذلك طرق متلفة لختلف مذاهبهم ف التدبي و صورته و ف الادة الوضوعة عندهم للعلج الساة‬
‫عندهم بالجر الكرم هل هي العذرة أو الدم أو الشعر أو البيض أو كذا أو كذا ما سوى ذلك‪ .‬و جلة التدبي عندهم بعد تعي الادة أن‬
‫تهى بالفهر على حجر صلد أملس و تسقى أثناء إمهائها بالاء و بعد أن يضاف إليها من العقاقي و الدوية ما يناسب القصد منها و يوثر ف‬
‫انقلبا إل العدن الطلوب‪ .‬ث تفف بالشمس من بعد السقي أو تطبخ بالنار أو تصعد أو تكلس لستخراج مائها أو ترابا فإذا رضي بذلك‬
‫كله من علجها و ت تدبيه على ما اقتضته أصول صنعته حصل من ذلك كله تراب أو مائع يسمونه الكسي و يزعمون أنه إذا ألقى على‬
‫الفضة الحماة بالنار عادت ذهبا أو النحاس الحمى بالنار عاد فضة على ما قصد به ف عمله‪ .‬و يزعم الحققون منهم أن ذلك الكسي مادة‬
‫مركبة من العناصر الربعة حصل فيها بذلك العلج الاص و التدبي مزاج ذو قوى طبيعية تصرف ما حصلت فيه إليها و تقلبه إل صورتا‬
‫و مزاجها و تبث فيه ما حصل فيها من الكيفيات و القوى كالمية للخبز تقلب العجي إل ذاتا و تعمل فيه ما حصل لا من النفشاش و‬
‫الشاشة ليحسن هضمة ف العدة و يستحيل سريعا إل الغذاء‪ .‬و كذا إكسي الذهب و الفضة فيما يصل فيه من العادن يصرفه إليهما و‬
‫يقلبه إل صورتما‪ .‬هذا مصل زعمهم على الملة فتجدهم عاكفي على هذا العلج يبتغون الرزق و العاش فيه و يتناقلون أحكامه و‬
‫قواعده من كتب لئمة الصناعة من قبلهم يتداولونا بينهم و يتناظرون ف فهم لغوزها و كشف أسرارها إذ هي ف الكثر تشبه العمى‪.‬‬
‫كتآليف جابر بن حيان ف رسائله السبعي و مسلمة الجريطي ف كتابه رتبة الكيم و الطغرائي و الغيب ف قصائده العريقة ف إجادة النظم‬
‫و أمثالا و ل يلون من بعد هذا كله بطائل منها‪ .‬ففاوضت يوما شيخنا أبا البكات التلفيفي كبي مشيخة الندلس ف مثل ذلك و وقفته‬
‫على بعض التآليف فيها فتصفحه طويل ث رده إل و قال ل و أنا الضامن له أن ل يعود إل بيته إل باليبة‪ .‬ث منهم من يقتصر ف ذلك على‬
‫الدلسة فقط‪ .‬إما الظاهرة كتمويه الفضة بالذهب أو النحاس بالفضة أو خلطهما على نسبة جزء أو جزءين أو ثلثة أو الفية كإلقاء الشبه‬
‫بي العادن بالصناعة مثل تبييض النحاس و تلبيسه بالزوق الصعد فيجيء جسما معدنيا شبيها بالفضة و يفى إل على النقاد الهرة فيقدر‬
‫أصحاب هذه الدلس مع دلستهم هذه سكة يسربونا ف الناس و يطبعونا بطابع السلطان تويها على المهور باللص‪ .‬و هؤلء أخس‬
‫الناس حرفة و أسوأهم عاقبة لتلبسهم بسرقة أموال الناس فإن صاحب هذه الدلسة إنا هو يدفع ناسا ف الفضة و فضة ف الذهب‬
‫ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شر من السارق‪ .‬و معظم هذا الصنف لدينا بالغرب من طلبة الببر النتبذين بأطراف البقاع و مساكن‬
‫الغمار يأوون إل مساجد البادية و يوهون على الغنياء منهم بأن بأيديهم صناعة الذهب و الفضة و النفوس مولعة ببهما و الستهلك ف‬
‫طلبهما فيحصلون من ذلك على معاش‪ .‬ث يبقى ذلك عندهم تت الوف و الرقبة إل أن يظهر العجز و تقع الفضيحة فيفرون إل موضع‬
‫آخر و يستجدون حال أخرى ف استهواء بعض أهل الدنيا بأطماعهم فيما لديهم‪ .‬و ل يزالون كذلك ف ابتغاء معاشهم و هذا الصنف ل‬
‫كلم معهم لنم بلغوا الغاية ف الهل و الرداءة و الحتراف بالسرقة و ل حاسم لعلتهم إل اشتداد الكام عليهم و تناولم من حيث كانوا‬
‫و قطع أيديهم مت ظهروا على شأنم لن فيه إفسادا للسكة الت تعم با البلوى و هي متمول الناس كافة‪ .‬و السلطان مكلف بإصلحها و‬
‫الحتياط عليها و الشتداد على مفسديها‪ .‬و أما من انتحل هذه الصناعة ول يرض بال الدلسة بل استنكف عنها و نزه نفسه عن إفساد‬
‫سكة السلمي و نقودهم و إنا يطلب إحالة الفضة للذهب و الرصاص و النحاس و القصدير إل الفضة بذلك النحو من العلج و بالكسي‬
‫الاصل عنده فلنا مع هؤلء متكلم و بث ف مداركهم لذلك‪ .‬مع أنا ل نعلم أن أحدا من أهل العال ت له هذا الغرض أو حصل منه على‬
‫بغية إنا تذهب أعمارهم ف التدبي و الفهر و الصلبة و التصعيد و التكليس و اعتيام الخطار بمع العقاقي و البحث عنها‪ .‬و يتناقلون ف‬
‫ذلك حكايات و تت لغيهم من ت له الغرض منها أو وقف على الوصول يقنعون باستماعها و الفاوضات فيها و ل يستريبون ف تصديقها‬
‫شأن الكلفي الغرمي بوساوس الخبار فيما يكلفون به فإذا سئلوا عن تقيق ذلك بالعاينة أنكروه و قالوا إنا سعنا و ل نر‪ .‬هكذا شأنم ف‬
‫كل عصر و جيل و اعلم أن انتحال هذه الصنعة قدي ف العال و قد تكلم الناس فيها من التقدمي و التأخرين فلننقل مذاهبهم ف ذلك ث‬
‫نتلوه با يظهر فيها من التحقيق الذي عليه المر ف نفسه فنقول إن مبن الكلم ف هذه الصناعة عند الكماء على حال العادن السبعة‬
‫التطرقة و هي الذهب و الفضة و الرصاص و القصدير و النحاس و الديد والارصي هل هي متلفات بالفصول و كلها أنواع قائمة‬
‫بأنفسها أو إنا متلفة بواص من الكيفيات و هي كلها أصناف لنوع واحد ؟ فالذي ذهب إليه أبو البصر الفاراب و تابعه عليه حكماء‬
‫الندلس أنا نوع واحد و أن اختلفها إنا هو بالكيفيات من الرطوبة و اليبوسة و اللي و الصلبة و اللوان من الصفرة و البياض والسواد و‬
‫هي كلها أصناف لذلك النوع الواحد و الذي ذهب إليه ابن سينا و تابعه عليه حكماء الشرق أنا متلفة بالفصول و أنا أنواع متباينة كل‬
‫واحد منها قائم بنفسه متحقق بقيقته له فصل و جنس شأن سائر النواع‪ .‬و بن أبو نصر الفاراب على مذهبه ف اتفاقها بالنوع إمكان‬
‫انقلب بعضها إل بعض لمكان تبدل الغراض حينئذ و علجها بالصنعة‪ .‬فمن هذا الوجه كانت صناعة الكيمياء عنده مكنة سهلة الأخذ‪.‬‬
‫و بن أبو علي بن سينا على مذهبه ف اختلفها بالنوع إنكار هذه الصنعة و استحالة وجودها بناء على أن الفصل ل سبيل بالصناعة إليه و‬
‫إنا يلقه خالق الشياء و مقدرها و هو ال عز و جل‪ .‬و الفصول مهولة القائق رأسا بالتصوف فكيف ياول انقلبا بالصنعة‪ .‬و غلطه‬
‫الطغرائي من أكابر أهل هذه الصناعة ف هذا القول‪ .‬و رد عليه بأن التدبي و العلج ليس ف تليق الفصل و إبداعه و إنا هو ف إعداد الادة‬
‫لقبوله خاصة‪ .‬و الفصل يأت من بعد العداد من لدن خالقه و بارئه كما يفيض النور على الجسام بالصقل و المهاء‪ .‬و ل حاجة بنا ف‬
‫ذلك إل تصوره و معرفته قال‪ :‬و إذا كنا قد عثرنا على تليق بعض اليوانات مع الهل بفصولا مثل العقرب من التراب و النت و مثل‬
‫اليات التكونة من الشعر و مثل ما ذكره أصحاب الفلحة من تكوين النحل إذا فقدت من عجاجيل البقر‪ .‬و تكوين القصب من قرون‬
‫ذوات الظلف و تصييه سكرا بشو القرون بالعسل بي يدي ذلك الفلح للقرون فما الانع إذا من العثور على مثل ذلك ف الذهب و الفضة‪.‬‬
‫فتتخذ مادة تضيفها للتدبي بعد أن يكون فيها استعداد أول لقبول صورة الذهب و الفضة‪ .‬ث تاولا بالعلج إل أن يتم فيها الستعداد‬
‫لقبول فصلها‪ .‬انتهى كلم الطغرائي بعناه‪ .‬و هو الذي ذكرة ف الرد على ابن سينا صحيح‪ .‬لكن لنا ف الرد على أهل هذه الصناعة مأخذا‬
‫آخر يتبي منه استحالة وجودها و بطلن مزعمهم أجعي ل الطغرائي و ل ابن سينا‪ .‬و ذلك أن حاصل علجهم أنم بعد الوقوف على‬
‫الادة الستعدة بالستعداد الول يعلونا موضوعا و ياذون ف تدبيها و علجها تدبي الطبيعة ف السم العدن حت أحالته ذهبا أو فضة و‬
‫يضاعفون القوى الفاعلة و النفعلة ليتم ف زمان أقصر‪ .‬لنة تبي ف موضوعه أن مضاعفة قوة الفاعل تنقص من زمن فعله و تبي أن الذهب‬
‫إنا يتم كونه ف معدنه بعد ألف و ثاني من السني دورة الشمس الكبى فإذا تضاعفت القوى و الكيفيات ف العلج كان زمن كونه أقصر‬
‫من ذلك ضرورة على ما قلناه أو يتحرون بعلجهم ذلك حصول صورة مزاجية لتلك الادة تصيها كالمية فتفعل ف السم العال‬
‫الفاعيل الطلوبة ف إحالته و ذلك هو الكسي على ما تقدم‪ .‬و اعلم أن كل متكون من الولدات العنصرية فلبد فيه من اجتماع العناصر‬
‫الربعة على نسبة متفاوتة إذ لو كانت متكافئة ف النسبة لا ت امتزاجها فلبد من الزء الغالب على الكل‪ .‬و لبد ف كل متزج من الولدات‬
‫من حرارة غريزية هي الفاعلة لكونا الافظة لصورته‪ ،‬ث كل متكون ف زمان فلبد من اختلف أطواره و انتقاله ف زمن التكوين من طور‬
‫إل طور حت ينتهي إل غايته‪ .‬و انظر شأن النسان ف طور النطفة ث العلقة ث الضغة ث التصوير ث الني ث الولود ث الرضيع ث إل نايته‪.‬‬
‫و نسب الجزاء ف كل طور تتلف ف مقاديرها و كيفياتا و إل لكان الطور الول بعينه هو الخر و كذا الرارة الغريزية ف كل طور‬
‫مالفة لا ف الطور الخر‪ .‬فانظر إل الذهب ما يكون له ف معدنه من الطوار منذ ألف سنة و ثاني و ما ينتقل فيه من الحوال فيحتاج‬
‫صاحب الكيمياء إل أن يساوق فعل الطبيعة ف العدن و ياذيه بتدبيه و علجه إل أن يتم‪ .‬و من شرط الصناعة أبدا تصورها يقصد إليه‬
‫بالصنعة فمن المثال السائرة للحكماء أول العمل آخر الفكرة و آخر الفكرة أول العمل‪ .‬فلبد من تصور هذه الالت للذهب ف أحواله‬
‫التعددة و نسبها التفاوتة ف كل طور و اختلف الار الغريزي عند اختلفها و مقدار الزمان ف كل طور و ما ينوب عنه من مقدار القوى‬
‫الضاعفة و يقوم مقامه حت ياذي بذلك كله فعل الطبيعة ف العدن أو تعد لبعض الواد صورة مزاجية كصورة المية للخبز و تفعل ف‬
‫هذه الادة بالناسبة لقواها و مقاديرها‪ .‬و هذه الادة إنا يصرها العلم الحيط والعلوم البشرية قاصرة عن ذلك و إنا حال من يدعي حصوله‬
‫على الذهب بذه الصنعة‪ .‬بثابة من يدعي بالصنعة تليق إنسان من الن‪ .‬و نن إذا سلمنا له الحاطة بأجزائه و نسبته و أطواره و كيفية‬
‫تليقه ف رحه و علم ذلك علما مصل بتفاصيله حت ل يشذ منه شيء عن علمه سلمنا له تليق هذا النسان وأن له ذلك‪ .‬و لنقرب هذا‬
‫البهان بالختصار ليسهل فهمه فنقول حاصل صناعة الكيمياء و ما يدعونه بذا التدبي أنه مساوقة الطبيعية العدنية بالفعل الصناعي و‬
‫ماذاتا به إل أن يتم كون السم العدن أو تليق مادة بقوى و أفعال و صورة مزاجية تفعل ف السم فعل طبيعيا فتصيه و تقلبه إل‬
‫صورتا‪ .‬و الفعل الصناعي مسبوق بتصورات أحوال الطبيعة العدنية الت يقصد مساوقتها أو ماذاتا أو فعل الادة ذات القوى فيها تصورا‬
‫مفصل واحدة بعد أخرى‪ .‬و تلك الحوال ل ناية لا و العلم البشري عاجز عن الحاطة با دونا و هو بثابة من يقصد تليق إنسان أو‬
‫حيوان أو نبات‪ .‬هذا مصل هذا البهان و هو أوثق ما علمته و ليست الستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيته و ل من الطبيعة إنا هو‬
‫من تعذر الحاطة و قصور البشر عنها‪ .‬و ما ذكره ابن سينا بعزل عن ذلك و له وجه آخر ف الستحالة من جهة غايته‪ .‬و ذلك أن حكمة‬
‫ال ف الجرين و ندورها أنما قيم لكاسب الناس و متمولتم‪ .‬فلو حصل عليهما بالصنعة لبطلت حكمة ال ف ذلك و كثر وجودها‬
‫حت ل يصل أحد من اقتنائهما على شيء‪ .‬و له وجه آخر من الستحالة أيضا و هو أن الطبيعة ل تترك أقرب الطريق ف أفعالا و ترتكب‬
‫العوص و البعد‪ .‬فلو كان هذا الطريق الصناعي الذي يزعمون أنه صحيح و أنه أقرب من طريق الطبيعة ف معدنا أو أقل زمانا لا تركته‬
‫الطبيعة إل طريقها الذي سلكته ف كون الفضة و الذهب و تلقهما و أما تشبيه الطغراءي هذا التدبي با عثر عليه من مفردات لمثاله ف‬
‫الطبيعة كالعقرب و النحل و الية وتليقها فأمر صحيح ف هذه أدى إليه العثور كما زعم‪ .‬و أما الكيمياء فلم تنقل عن أحد من أهل العال‬
‫أنه عثر عليها و ل على طريقها و ما زال منتحلوها يبطون فيها عشواء إل هلم جرا و ل يظفرون إل بالكايات الكاذبة‪ .‬و لو صح ذلك‬
‫لحد منهم لفظه عنه أولده أو تلميذه و أصحابه و تنوقل ف الصدقاء و ضمن تصديقه صحة العمل بعده إل أن ينتشر و يبلغ إلينا و إل‬
‫غينا‪ .‬و أما قولم إن الكسي بثابة المية‪ .‬و إنه مركب ييل ما يصل فيه و يقلبه إل ذلك فاعلم أن المية إنا تقلب العجي و تعده‬
‫للهضم و هو فساد و الفساد ف الواد سهل يقع بأيسر شيء من الفعال و الطبائع‪ .‬و الطلوب بالكسي قلب العدن إل ما هو أشرف منه و‬
‫أعلى فهو تكوين و صلح و التكوين أصعب من الفساد فل يقاس الكسي بالمية‪ .‬و تقيق المر ف ذلك أن الكيمياء إن صح وجودها‬
‫كما تزعم الكماء التكلمون فيها مثل جابر بن حيان و مسلمة بن أحد الجريطي و أمثالم فليست من باب الصنائع الطبيعية و ل تتم بأمر‬
‫صناعي‪ .‬و ليس كلمهم فيها من منحى الطبيعيات إنا هو من منحى كلمهم ف المور السحرية و سائر الوارق و ما كان من ذلك‬
‫للحلج و غيه و قد ذكر مسلمة ف كتاب الغاية ما يشبة ذلك‪ .‬و كلمه فيها ف كتاب رتبة الكيم من هذا النحى و هذا كلم جابر ف‬
‫رسائله و نو كلمهم فيه معروف و ل حاجة بنا إل شرحه و بالملة فأمرها عندهم من كليات الواد الارجة عن حكم الصنائع فكما ل‬
‫يتدبر ما منه الشب و اليوان ف يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيما عدا مرى تليقه كذلك ل يتدبر ذهب من مادة الذهب ف يوم و ل‬
‫شهر و ل يتغي طريق عادته إل بإرفاد ما وراء عال الطبائع و عمل الصنائع فكذلك من طلب الكيمياء طلبا صناعيا ضيع ماله و عمله و يقال‬
‫لذا التدبي الصناعي التدبي العقيم لن نيله إن كان صحيحا فهو واقع ما وراء الطبائع و الصنائع كالشي على الاء و امتطاء الواء و النفوذ‬
‫ف كشائف الجساد و نو ذلك من كرامات الولياء الارقة للعادة أو مثل تليق الطي و نوها من معجزات النبياء‪ .‬قال تعال‪ :‬وإذ تلق‬
‫من الطي كهيئة الطي بإذن فتنفخ فيها فتكون طيا بإذن وتبئ الكمه والبرص بإذن و على ذلك فسبيل تيسيها متلف بسب حال من‬
‫يؤتاها‪ .‬فربا أوتيها الصال و يؤتيها غيه فتكون عنده معارة‪ .‬و ربا أوتيها الصال و ل يلك إيتاءها فل تتم ف يد غيه‪ .‬و من هذا الباب‬
‫يكون عملها سحريا فقد تبي أنا إنا تقع بتأثيات النفوس و خوارق العادة إما معجزة أو كرامة أو سحرا‪ .‬و لذا كان كلم الكماء كلهم‬
‫فيها إلغازا ل يظفر بقيقته إل من خاض لة من علم السحر و اطلع على تصرفات النفس ف عال الطبيعة‪ .‬و أمور خرق العادة غي منحصرة‬
‫و ل يقصد أحد إل تصيلها‪ .‬و ال با يعملون ميط‪ .‬و أكثر ما يمل على التماس هذه الصناعة و انتحالا هو كما قلناه العجز عن الطرق‬
‫الطبيعية للمعاش و ابتغاؤه من غي وجوهه الطبيعية كالفلحة و التجارة و الصناعة فيصعب العاجز ابتغاءه من هذه و يروم الصول على‬
‫الكثي من الال دفعة بوجوه غي طبيعية من الكيمياء و غيها‪ .‬و أكثر من يعن بذلك الفقراء من أهل العمران حت ف الكماء التكلمي ف‬
‫إنكارها و استحالتها‪ .‬فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغن و الثروة و الفاراب القائل بإمكانا كان من أهل‬
‫الفقر الذين يعوزهم أدن بلغة من العاش و أسبابه‪ .‬و هذه تمة ظاهرة ف أنظار النفوس الولعة بطرقها و انتحالا‪ .‬و ال الرازق ذو القوة‬
‫التي ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الثلثون‪ :‬ف أن كثرة التآليف ف العلوم عائقة عن التحصيل‬


‫اعلم أنه ما أضر بالناس ف تصيل العلم و الوقوف على غاياته كثرة التآليف و اختلف الصطلحات ف التعاليم و تعد طرقها ث مطالبة‬
‫التعلم و التلميذ باستحضار ذلك‪ .‬و حينئذ يسلم له منصب التحصيل فيحتاج التعلم إل حفظها كلها أو أكثرها و مراعاة طرقها‪ .‬و ل يفي‬
‫عمره با كتب ف صناعة واحدة إذا ترد لا فيقع القصور و لبد دون رتبة التحصيل‪ .‬و يثل ذلك من شأن الفقه ف الذهب الالكي بالكتب‬
‫الدونة مثل و ما كتب عليها من الشروحات الفقهية مثل كتاب ابن يونس و اللخمي و ابن بشي و التنبيهات و القدمات و البيان و‬
‫التحصيل على العتبية و كذلك كتاب ابن الاجب و ما كتب عليه‪ .‬ث إنه يتاج إل تييز الطريقة القيوانية من القرطبية و البغدادية و‬
‫الصرية و طرق التأخرين عنهم و الحاطة بذلك كله و حينئذ يسلم له منصب الفتيا و هي كلها متكررة والعن واحد‪ .‬و التعلم مطالب‬
‫باستحضار جيعها و تييز ما بينها والعمر ينقضي ف واحد منها‪ .‬و لو اقتصر العلمون بالتعلمي على السائل الذهبية فقط لكان المر دون‬
‫ذلك بكثي و كان التعليم سهل و مأخذه قريبا و لكنه داء ل يرتفع لستقرار العوائد عليه فصارت كالطبيعة الت ل يكن نقلها و ل تويلها‬
‫و يثل أيضا علم العربية من كتاب سيبويه و جيع ما كتب عليه و طرق البصريي و الكوفيي و البغداديي و الندلسيي من بعدهم و طرق‬
‫التقدمي و التأخرين مثل ابن الاجب و ابن مالك و جيع ما كتب ف ذلك كيف يطالب به التعلم و ينقضي عمره دونه و ل يطمع أحد‬
‫ف الغاية منه إل ف القليل النادر مثل ما وصل إلينا بالغرب لذا العهد من تآليف رجل من أهل صناعة العربية من أهل مصر يعرف بابن‬
‫هاشم ظهر من كلمه فيها أنه استول على غاية من ملكة تلك الصناعة ل تصل إل لسييبويه و ابن جن و أهل طبقتهما لعظيم ملكته و ما‬
‫أحاط به من أمصول ذلك الفن و تفاريعه و حسن تصرفه فيه‪ .‬و ذلك على أن الفضل ليس منحصرا ف التقدمي سيما مع ما قدمناه من‬
‫كثرة الشواغب بتعدد الذاهب و الطرق و التآليف و لكن فضل ال يؤتيه من يشاء‪ .‬و هذا نادر من نوادر الوجود و إل فالظاهر أن التعلم و‬
‫لو قطع عمره ف هذا كله فل يفي له بتحصيل علم العربية مثل الذي هو آلة من اللت و وسيلة فكيف يكون ف القصود الذي هو‬
‫الثمرة ؟ و لكن ال يهدي من يشاء‪.‬‬

‫الفصل الامس و الثلثون‪ :‬ف القاصد الت ينبغي اعتمادها بالتأليف و إلغاء‬
‫ما سواها‬
‫اعلم أن العلوم البشرية خزانتها النفس النسانية با جعل ال فيها من الدراك الذي يفيدها ذلك الفكر الحصل لا ذلك بالتصور للحقائق‬
‫أول‪ ،‬ث بإثبات العوارض الذاتية لا أو نفيها عنها ثانيا‪ ،‬إما بغي وسط أو بوسط‪ ،‬حت يستنتج الفكر بذلك مطالبه الت يعن بإثباتا أو نفيها‪.‬‬
‫فإذا استقرت من ذلك صورة علمية ف الضمي فلبد من بيانا لخر‪ :‬إما على وجه التعليم‪ ،‬أو على وجه الفاوضة‪ ،‬تصقل الفكار ف‬
‫تصحيحها‪ .‬و ذلك البيان إنا يكون بالعبارة‪ ،‬و هي الكلم الركب من اللفاظ النطقية الت خلقها ال ف عضو اللسان مركبة من الروف‪،‬‬
‫و هي كيفيات الصوات القطعة بعضلة اللهاة و اللسان ليتبي با ضمائر التكلمي بعضهم لبعض ف ماطباتم و هذه رتبة أول ف البيان عما‬
‫ف الضمائر‪ ،‬و إن كان معظمها و أشرفها العلوم‪ ،‬فهي شاملة لكل ما يندرج ف الضمي من خب أو إنشاء على العموم‪ .‬و بعد هذه الرتبة‬
‫الول من البيان رتبة ثانية ل يؤدى با ما ف الضمي‪ ،‬لن توارى أو غاب شخصه و بعد‪ ،‬أو لن يأت بعد و ل يعاصره و ل لقيه‪ .‬و هذا‬
‫البيان منحصر ف الكتابة‪ ،‬و هي رقوم باليد تدل أشكالا و صورها بالتواضع على اللفاظ النطقية حروفا بروف و كلمات بكلمات‪ ،‬فصار‬
‫البيان فيها على ما ف الضمي بواسطة الكلم النطقي‪ ،‬فلهذا كانت ف الرتبة الثانية واحدا‪ ،‬فسمي هذا البيان‪ .‬يدل على ما ف الضمائر من‬
‫العلوم و العارف‪ ،‬فهو أشرفها‪ .‬و أهل الفنون معتنون يإيداع ما يصل ف ضمائرهم من ذلك ف بطون الوراق بذه الكتابة‪ ،‬لتعلم الفائدة‬
‫ف حصوله للغائب و التأخر و هؤلء هم الؤلفون‪ .‬و التآليف بي العوال البشرية و المم النسانية كثي‪ ،‬و منتقلة ف الجيال و العصار و‬
‫تتلف باختلف الشرائع و اللل و الخبار عن المم و الدول‪ .‬و أما العلوم الفلسفية‪ ،‬فل اختلف فيها‪ ،‬لنا إنا تأت على نج واحد‪ ،‬فيما‬
‫تقتضيه الطبيعة الفكرية‪ ،‬ف تصور الوجودات على ما هي عليه‪ ،‬جسمانيها و روحانيها و فلكيها و عنصريها و مردها و مادتا‪ .‬فإن هذه‬
‫العلوم ل تتلف‪ ،‬و إنا يقع الختلف ف العلوم الشرعية لختلف اللل‪ ،‬أو التاريية لختلف خارج الب‪ .‬ث الكتابة متلفة باصطلحات‬
‫البشر ف رسومها و أشكالا‪ ،‬و يسمى ذلك قلما و خطا‪ .‬فمنها الط الميي‪ ،‬و يسمى السند‪ ،‬و هو كتابة حي و أهل اليمن القدمي‪ ،‬و‬
‫هو يالف كتابة العرب التأخرين من مضر‪ ،‬كما يالف لغتهم‪ .‬و إن الكل عربيا‪ .‬إل أن ملكة هؤلء ف اللسان و العبارة غي ملكة أولئك‪.‬‬
‫و لكل منهما قواني كلية مستقرأة من عبارتم غي قواني الخرين‪ .‬و ربا يغلط ف ذلك من ل يعرف ملكات العبارة‪ .‬و منها الط‬
‫السريان‪ ،‬و هو كتابة النبط و الكلدانيي‪ .‬و ربا يزعم بعض أهل الهل أنه الط الطبيعي لقدمه فإنم كانوا أقدم المم‪ ،‬و هذا وهم‪ ،‬و‬
‫مذهب عامي‪ .‬لن الفعال الختيارية كلها ليس شيء منها بالطبع‪ ،‬و إنا هو يستمر بالقدي و الران حت يصي ملكة راسخة‪ ،‬فيظنها‬
‫الشاهد طبيعية كما هو رأي كثي من البلداء ف اللغة العربية‪ ،‬فيقولون‪ :‬العرب كانت تعرب بالطبع و تنطق بالطبع‪ .‬و هذا وهم‪ .‬و منها‬
‫الط العبان الذي هو كتابة بن عابر بن شال من بن إسرائيل و غيهم‪ .‬و منها الط اللطين‪ ،‬خط اللطينيي من الروم‪ ،‬و لم أيضا لسان‬
‫متص بم‪ .‬و لكل أمة من المم اصطلح ف الكتاب يعزى إليها و يتص با‪ .‬مثل الترك و الفرنج و النود و غيهم‪ .‬و إنا وقعت العناية‬
‫بالقلم الثلثة الول‪ .‬أما السريان فلقدمه كما ذكرنا‪ ،‬و أما العرب و العبي فلتنل القرآن و التوراة بما بلسانما‪ .‬و كان هذان الطان‬
‫بيانا لتلوها‪ ،‬فوقعت العناية بنظومهما أول و انبسطت قواني لطراد العبارة ف تلك اللغة على أسلوبا لتفهم الشرائع التكليفية من ذلك‬
‫الكلم الربان‪ .‬و أما اللطين فكان الروم‪ ،‬و هم أهل ذلك اللسان‪ ،‬لا أخذوا بدين النصرانية‪ ،‬و هو كله من التوراة‪ ،‬كما سبق ف أول‬
‫الكتاب‪ ،‬ترجوا التوراة و كتب النبياء السرائيليي إل لغتهم‪ ،‬ليقتنصوا منها الحكام على أسهل الطرق‪ .‬و صارت عنايتهم بلغتهم و‬
‫كتابتهم آكد من سواها‪ .‬و أما الطوط الخرى فلم تقع با عناية‪ ،‬و إنا هي لكل أمة بسب اصطلحها‪ .‬ث إن الناس حصروا مقاصد‬
‫التآليف الت ينبغي اعتمادها و إلغاء ما سواها‪ ،‬فعدوها سبعة‪:‬‬
‫أولا‪ :‬استنباط العلم بوضوعه و تقسيم أبوابه و فصوله و تتبع مسائله‪ ،‬أو استنباط مسائل و مباحث تعرض للعال الحقق و يرص على‬
‫إيصاله بغيه‪ ،‬لتعم النفعة به فيودع ذلك بالكتاب ف الصحف‪ ،‬لعل التأخر يظهر على تلك الفائدة‪ ،‬كما وقع ف الصول ف الفقه‪ .‬تكلم‬
‫الشافعى أول ف الدلة الشرعية اللفظية و لصها‪ ،‬ث جاء النفية فاستنبطوا مسائل القياس و استوعبوها‪ ،‬و انتفع بذلك من بعدهم إل الن‪.‬‬
‫و ثانيها‪ :‬أن يقف على كلم الولي و تآليفهم فيجدها مستغلقة على الفهام و يفتح ال له ف فهمها فيحرص على إبانة ذلك لغيه من‬
‫عساه يستغلق عليه‪ ،‬لتصل الفائدة لستحقها‪ .‬و هذه طريقة البيان لكتب العقول و النقول‪ ،‬و هو فصل شريق‪.‬‬
‫و ثالثها‪ :‬أن يعثر التأخر على غلط أو خطأ ف كلم التقدمي من اشتهر فضله و بعد ف الفادة صيتة‪ ،‬و يستوثق ف ذلك بالبهان الواضح‬
‫الذي ل مدخل للشك فيه‪ ،‬فيحرص على إيصال ذلك لن بعدة‪ ،‬إذ قد تعذر موه و نزعه بانتشار التآليف ف الفاق و العصار‪ ،‬و شهرة‬
‫الؤلف و وثوق الناس بعارفه‪ ،‬فيودع ذلك الكتاب ليقف على بيان ذلك‪.‬‬
‫و رابعها‪ :‬أن يكون الفن الواحد قد نقصت منه مسائل أو فصول بسب انقسام موضوعه فيقصد الطلع على ذلك أن يتمم ما نقص من تلك‬
‫السائل ليكمل الفن بكمال مسائله و فصوله‪ ،‬و ل يبقى للنقص فيه مال‪.‬‬
‫و خامسها‪ :‬أن تكون مسائل العلم قد وقعت غي مرتبة ف أبوابا و ل منتظمة‪ ،‬فيقصد الطلع على ذلك أن يرتبها و يهذبا‪ ،‬و يعل كل‬
‫مسئلة ف بابا‪ ،‬كما وقع ف الدونة من رواية سحنون عن ابن القاسم‪ ،‬و ف العتبية من رواية العتب عن أصحاب مالك‪ ،‬فإن مسائل كثية من‬
‫أبواب الفقه منها قد وقعت ف غي بابا فهذب ابن أب زيد الدونة و بقيت العتبية غي مهذبة‪ .‬فنجد ف كل باب مسائل من غيه‪ .‬و استغنوا‬
‫بالدونة و ما فعله ابن أب زيد فيها و البادعي من بعده‪.‬‬
‫و سادسها‪ :‬أن تكون مسائل العلم مفرقة ف أبوابا من علوم أخرى فيتنبه بعض الفضلء إل موضوع ذلك الفن و جيع مسائله‪ ،‬فيفعل ذلك‪،‬‬
‫و يظهر به فن ينظمه ف جلة العلوم الت ينتحلها البشر بأفكارهم‪ ،‬كما وقع ف علم البيان‪ .‬فإن عبد القاهر الرجان و أبا يوسف السكاكي‬
‫وجدا مسائله مستقرية ف كتب النحو و قد جع منها الاحظ ف كتاب البيان و التبيي مسائل كثية‪ ،‬تنبه الناس فيها لوضوع ذلك العلم و‬
‫انفراده عن سائر العلوم‪ ،‬فكتبت ف ذلك تأليفهم الشهورة‪ ،‬و صارت أصول لفن البيان‪ ،‬و لقنها التأخرون فأربوا فيها على كل متقدم‪.‬‬
‫و سابعها‪ :‬أن يكون الشيء من التآليف الت هي أمهات للفنون مطول مسهبا فيقصد بالتآليف تلخيص ذلك‪ ،‬بالختصار و الياز و حذف‬
‫التكرر‪ ،‬إن وقع‪ ،‬مع الذر من حذف الضروري لئل يل بقصد الؤلف الول‪.‬‬
‫فهذه جاع القاصد الت ينبغي اعتمادها بالتأليف و مراعاتا‪ .‬و ما سوى ذلك ففعل غي متاج إليه و خطأ عن الادة الت يتعي سلوكها ف‬
‫نظر العقلء‪ ،‬مثل انتحال ما تقدم لغيه من التآليف أن ينسبه إل نفسه ببعض تلبيس‪ ،‬من تبديل اللفاظ و تقدي التأخر و عكسه‪ ،‬أو يذف‬
‫ما يتاج إليه ف الفن أو يأت با ل يتاج إليه‪ ،‬أو يبدل الصواب بالطأ‪ ،‬أو يأت با ل فائدة فيه‪ .‬فهذا شأن الهل و القحة‪ .‬و لذا قال‬
‫أرسطو‪ ،‬لا عدد هذه القاصد‪ ،‬و انتهى إل آخرها فقال‪ :‬و ما سوى ذلك ففصل أو شره‪ ،‬يعن بذلك الهل و القحة‪ .‬نعوذ بال من العمل‬
‫ف ما ل ينبغي للعاقل سلوكه‪ .‬و ال يهدي للت هي أقوم‪.‬‬
‫الفصل السادس و الثلثون ف أن كثرة الختصارات الؤلفة ف العلوم ملة‬
‫بالتعليم‬
‫ذهب كثي من التأخرين إل اختصار الطرق و الناء ف العلوم يولعون با و يدونون منها برناما متصرا ف كل علم يشتمل على حصر‬
‫مسائله و أدلتها باختصار ف اللفاظ و حشو القليل منها بالعان الكثية من ذلك الفن‪ .‬و صار ذلك مل بالبلغة و عسرا على الفهم‪ .‬و‬
‫ربا عمدوا إل الكتب المهات الطولة ف الفنون للتفسي و البيان فاختصروها تقريبا للحفظ كما فعله ابن الاجب ف الفقه و ابن مالك ف‬
‫العربية و الوني ف النطق و أمثالم‪ .‬و هو فساد ف التعليم و فيه اخلل بالتحصيل و ذلك لن فيه تليطا على البتدئ بإلقاء الغايات من‬
‫العلم عليه و هو ل يستعد لقبولا بعد و هو من سوء التعليم كما سيأت‪ .‬ث فيه مع ذلك شغل كبي على التعلم بتتبع ألفاظ الختصار‬
‫العويصة للفهم بتراحم العان عليها و صعوبة استخراج السائل من بينها‪ .‬لن ألفاظ الختصرات تدها لجل ذلك صعبة عويصة فينقطع ف‬
‫فهمها حظ صال عن الوقت‪ .‬ث بعد ذلك فاللكة الاصلة من التعليم ف تلك الختصرات إذا ت على سداده و ل تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة‬
‫عن اللكات الت تصل من الوضوعات البسيطة الطولة لكثرة ما يقع ف تلك من التكرار و الحالة الفيدين لصول اللكة التامة‪ .‬و إذا‬
‫اقتصر على التكرار قصرت اللكة لقلته كشأن هذه الوضوعات الختصرة فقصدوا إل تسهيل الفظ على التعلمي فأركبوهم صعبا يقطعهم‬
‫عن تصيل اللكات النافعة و تكنها‪ .‬و من يهد ال فل مضل له و من يضلل فل هادي له‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل السابع و الثلثون‪ :‬ف وجه الصواب ف تعليم العلوم و طريق إفادته‬
‫اعلم أن تلقي العلوم للمتعلمي إنا يكون مفيدا إذا كان على التدريج شيئا فشيئا و قليل قليل يلقى عليه أول مسائل من كل باب من الفن‬
‫هي أصول ذلك الباب‪ .‬و يقرب له ف شرحها على سبيل الجال و يراعى ف ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حت ينتهي إل‬
‫آخر الفن و عند ذلك يصل له ملكة ف ذلك العلم إل أنا جزئية و ضعيفة‪ .‬و غايتها أنا هيأته لفهم الفن و تصيل مسائله‪ .‬ث يرجع به إل‬
‫الفن ثانية فيفعه ف التلقي عن تلك الرتبة إل أعلى منها و يستوف الشرح و البيان و يرج عن الجال و يذكر له ما هنالك من اللف و‬
‫وجهه إل أن ينتهي إل آخر الفن فتجود ملكته‪ .‬ث يرجع به و قد شد فل يترك عويصا و ل مهما و ل مغلقا إل وضحه و فتح له مقفله‬
‫فيخلص من الفن و قد استول على ملكته هذا وجه التعليم الفيد و هو كما رأيت إنا يصل ف ثلثا تكرارات‪ .‬و قد يصل للبعض ف أقل‬
‫من ذلك بسب ما يلق له و يتيسر عليه و قد شاهدنا كثيا من العلمي لذا العهد الذي أدركنا يهلون طرق التعليم و إفاداته و يضرون‬
‫للمتعلم ف أول تعليمه السائل القفلة من العلم و يطالبونه بإحضار ذهنه ف حلها و يسبون ذلك مرانا على التعليم و صوابا فيه و يكلفونه‬
‫رعي ذلك و تصيله و يلطون عليه با يلقون له من غايات الفنون ف مبادئها و قبل أن يستعد لفهمها فإن قبول العلم و الستعدادات لفهمه‬
‫تنشأ تدريا و يكون التعلم أول المر عاجزا عن الفهم بالملة إل ف القل و على سبيل التقريب و الجال والمثال السنة‪ .‬ث ل يزال‬
‫الستعداد فيه يتدرج قليل قليل بخالفة مسائل ذلك الفن و تكرارها عليه و النتقال فيها من التقريب إل الستيعاب الذي فوقه‪ ،‬حت تتم‬
‫اللكة ف الستعداد ث ف التحصيل و ييط هو بسائل الفن و إذا ألقيت عليه الغايات ف البداءات و هو حينئذ عاجز عن الفهم و الوعي و‬
‫بعيد عن الستعداد له كل ذهنه عنها و حسب ذلك من صعوبة العلم ف نفسه فتكاسل عنه و انرف عن قبوله و تادى ف هجرانه‪ .‬و إنا‬
‫إل ذلك من سوء التعليم‪ .‬و ل ينبغي للمعلم أن يزيد متعلمه على فهم كتابه الذي أكب على التعليم منه بسب طاقته و على نسبة قبوله‬
‫للتعليم مبتدئا كان أو منتهيا و ل يلط مسائل الكتاب بغيها حت يعيه من أوله إل أخره و يصل أغراضه و يستول منه على ملكة با ينفذ‬
‫ف غيه‪ .‬لن التعلم إذا حصل ملكة ما ف علم من العلوم استعد با لقبول ما بقي و حصل له نشاط ف طلب الزيد و النهوض إل ما فوق‬
‫حت يستول على غايات العلم و إذا خلط عليه المر عجز عن الفهم و أدركه الكلل و انطمس فكره و يئس من التحصيل و هجر العلم و‬
‫التعليم‪ .‬و ال يهدي من يشاء‪ .‬و كذلك ينبغي لك أن ل تطول على التعلم ف الفن الواحد بتفريق الجالس و تقطيع ما بينها لنه ذريعة إل‬
‫النسيان و انقطاع مسائل الفن بعضها من بعض فيعسر حصول اللكة بتفريقها‪ .‬و إذا كانت أوائل العلم و أواخره حاضرة عند الفكرة مانبة‬
‫للنسيان كانت اللكة أيسر حصول و أحكم ارتباطا و أقرب صنعة لن اللكات إنا تصل بتتابع الفعل و تكراره و إذا تنوسي الفعل‬
‫تنوسيت اللكة الناشئة عنه‪ .‬و ال علمكم ما ل تكونوا تعلمون‪ .‬و من الذاهب الميلة و الطرق الواجبة ف التعليم أن ل يلط على التعلم‬
‫علمان معا فإنه حينئذ قل أن يظفر بواحد منهما لا فيه من تقسيم البال و انصرافه عن كل واحد منهما إل تفهم الخر فيستغلقان معا و‬
‫يستصعبان و يعود منهما باليبة‪ .‬و إذا تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصرا عليه فربا كان ذلك أجدر لتحصيله و ال سبحانه و تعال‬
‫الوفق للصواب‪ .‬و اعلم أيها التعلم أن أتفك بفائدة ف تعلمك فإن تلقيتها بالقبول و أمسكتها بيد الصناعة ظفرت بكن عظيم و ذخية‬
‫شريفة و أقدم لك مقدمة تعينك ف فهمها و ذلك أن الفكر النسان طبيعة مصوصة فطرها ال كما فطر سائر مبتدعاته و هو وجدان‬
‫حركة للنفس ف البطن الوسط من الدماغ‪ .‬تارة يكون مبدأ للفعال النسانية على نظام و ترتيب و تارة يكون مبدأ لعلم ما ل يكن حاصل‬
‫بأن يتوجه إل الطلوب‪ .‬و قد يصور طرفيه يروم نفيه أو إثباته فيلوح له الوسط الذي يمع بينهما أسرع من لح البصر إن كان واحدا‪ .‬أو‬
‫ينتقل إل تصيل آخر إن كان متعددا و يصي إل الظفر بطلوبه هذا شأن هذه الطبيعة الفكرية الت تيز با البشر من بي سائر اليوانات‪ .‬ث‬
‫الصناعة النطقية هي كيفية فعل هذه الطبيعة الفكرية النظرية تصفه لتعلم سداده من خطئه و أنا و إن كان الصواب لا ذاتيا إل أنه قد يعرض‬
‫لا الطأ ف القل من تصور الطرفي على غي صورتما من اشتباه اليئات ف نظم القضايا و ترتيبها للنتاج فتعي النطق للتخلص من ورطة‬
‫هذا الفساد إذا عرض‪ .‬فالنطق إذا أمر صناعي مساوق للطبيعة الفكرية و منطبق على صورة فعلها و لكونه أمرا صناعيا استغن عنه ف‬
‫الكثر‪ .‬و لذلك تد كثيا من فحول النظار ف الليقة يصلون على الطالب ف العلوم دون صناعة علم النطق و ل سيما مع صدق النية و‬
‫التعرض لرحة ال تعال فإن ذلك أعظم معن‪ .‬و يسلكون بالطبيعة الفكرية على سدادها فيفضي بالطبع إل حصول الوسط و العلم بالطلوب‬
‫كما فطرها ال عليه‪ .‬ث من دون هذا المر الصناعي الذي هو النطق مقدمة أخرى من التعلم و هي معرفة اللفاظ و دللتها على العان‬
‫الذهنية تردها من مشافهة الرسوم بالكتاب و مشافهة اللسان بالطاب‪ .‬فلبد أيها التعلم من ماوزتك هذه الجب كلها إل الفكر ف‬
‫مطلوبك‪ .‬فأول‪ :‬دللة الكتابة الرسومة على اللفاظ القولة و هي أخفها ث دللة اللفاظ القولة على العان الطلوبة ث القواني ف ترتيب‬
‫العان للستدلل ف قوالبها العروفة ف صناعة النطق‪ .‬ث تلك العان مردة ف الفكر اشتراطا يقتنص با الطلوب بالطبيعة الفكرية بالتعرض‬
‫لرحة ال و مواهبه‪ .‬و ليس كل أحد يتجاوز هذه الراتب بسرعة و ل يقطع هذه الجب ف التعليم بسهولة‪ ،‬بل ربا وقف الذهن ف حجب‬
‫اللفاظ بالناقشات أو عثر ف اشتراك الدلة بشغب الدال و الشبهات و قعد عن تصيل الطلوب‪ .‬و ل يكد يتخلص من تلك الغمرة إل‬
‫قليل من هداه ال‪ .‬فإذا ابتليت بثل ذلك و عرض لك ارتباك ف فهمك أو تشغيب بالشبهات ف ذهنك فاطرح ذلك و انتبذ حجب اللفاظ‬
‫و عوائق الشبهات و أترك المر الصناعي جلة و اخلص إل فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه‪ .‬و سرح نظرك فيه و فرغ ذهنك فيه‬
‫للغوص على مرامك منه واضعا لا حيث وضعها أكابر النظار قبلك مستعرضا للفتح من ال كما فتح عليهم من ذهنهم من رحته و علمهم‬
‫ما ل يكونوا يعلمون‪ .‬فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من ال بالظفر بطلوبك و حصل المام الوسط الذي جعله ال من‬
‫مقتضيات هذا الفكر و نظره عليه كما قلناه و حينئذ فارجع به إل قوالب الدلة و صورها فأفرغه فيها و وفه حقه من القانون الصناعي ث‬
‫اكسه صور اللفاظ و أبرزة إل عال الطاب و الشافهة وثيق العرى صحيح البنيان‪ .‬و أما إن وقفت عند الناقشة و الشبهة ف الدلة‬
‫الصناعية و تحيص صوابا من خطئها و هذه أمور صناعية وضعية تستوي جهاتا التعددة و تتشابه لجل الوضع والصطلح فل تتميز جهة‬
‫الق منها إذ جهة الق إنا تستبي إذا كانت بالطبع فيستمر ما حصل من الشك و الرتياب و تسدل الجب على الطلوب و تقعد بالناظر‬
‫عن تصيله‪ .‬و هذا شأن الكثرين من النظار و التأخرين سيما من سبقت له عجمة ف لسانه فربطت عن ذهنه و من حصل له شغب‬
‫بالقانون النطقي تعصب له فاعتقد أنه الذريعة إل إدراك الق بالطبع فيقع ف الية بي شبه الدلة و شكوكها و ل يكاد يلص منها‪ .‬و‬
‫الذريعة إل إدراك الق بالطبع إنا هو الفكر الطبيعي كما قلناه إذا جرد عن جيع الوهام و تعرض الناظر فيه إل رحة ال تعال و أما النطق‬
‫فإنا هو واصف لفعل هذا الفكر فيساوقه ف الكثر‪ .‬فاعتب ذلك و استمطر رحة ال تعال مت أعوزك فهم السائل تشرق عليك أنواره‬
‫باللام إل الصواب‪ .‬و ال الادي إل رحته و ما العلم إل من عند ال‪.‬‬
‫الفصل الثامن و الثلثون‪ :‬ف أن العلوم اللية ل توسع فيها النظار و ل‬
‫تفرع السائل‬
‫اعلم أن العلوم التعارفة بي أهل العمران على صنفي‪ :‬علوم مقصودة بالذات كالشرعيات من التفسي و الديث و الفقه و علم الكلم و‬
‫كالطبيعيات و الليات من الفلسفة‪ ،‬و علوم هي وسيلة آلية بذه العلوم كالعربية و الساب و غيها للشرعيات كالنطق للفلسفة‪ .‬و ربا‬
‫كان آلة لعلم الكلم و لصول الفقه على طريقة التأخرين فأما العلوم الت هي مقاصد فل حرج ف توسعة الكلم فيها و تفريع السائل و‬
‫استكشاف الدلة و النظار فإن ذلك يزيد طالبها تكنا ف ملكته و إيضاحا لعانيها القصودة‪ .‬و أما العلوم الت هي آلة لغيها مثل العربية و‬
‫النطق و أمثالما فل ينبغي أن ينظر فيها إل من حيث هي آلة لذلك الغي فقط‪ .‬و ل يوسع فيها الكلم و ل تفرع السائل لن ذلك يرج لا‬
‫عن القصود إذ القصود منها ما هي آلة له ل غي‪ .‬فكلما خرجت عن ذلك خرجت ف القصود و صار الشتغال با لغوا مع ما فيه من‬
‫صعوبة الصول على ملكتها بطولا و كثرة فروعها‪ .‬و ربا يكون ذلك عائقا عن تصيل العلوم القصودة بالذات لطول وسائلها مع أن‬
‫شأنا أهم و العمر يقصر عن تصيل الميع على هذه الصورة فيكون الشتغال بذه العلوم اللية تضييعا للعمر و شغل با ل يغن‪ .‬و هذا‬
‫كما فعل التأخرون ف صناعة النحو و صناعة النطق و أصول الفقه لنم أوسعوا دائرة الكلم فيها و أكثروا من التفاريع و الستدللت با‬
‫أخرجها عن كونا آلة و صيها من القاصد و ربا يقع فيها لذلك أنظار و مسائل ل حاجة با ف العلوم القصودة فهي من نوع اللغو و هي‬
‫أيضا مضرة بالتعلمي على الطلق لن التعلمي اهتمامهم بالعلوم القصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها فإذا قطعوا العمر ف تصيل‬
‫الوسائل فمت يظفرون بالقاصد ؟ فلهذا يب على العلمي لذه العلوم اللية أن ل يستجيوا ف شأنا و ل يستكثروا من مسائلها و ينبهوا‬
‫التعلم على الغرض منها و يقفوا به عنده‪ .‬فمن نزعت به هته بعد ذلك إل شيء من التوغل و رأى من نفسه قياما بذلك و كفاية به فليق‬
‫له ما شاء من الراقي صعبا أو سهل و كل ميسر لا خلق له‪.‬‬

‫الفصل التاسع و الثلثون‪ :‬ف تعليم الولدان و اختلف مذاهب المصار‬


‫السلمية ف طرقه‬
‫اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل اللة و درجوا عليه ف جيع أمصارهم لا يسبق فيه إل القلوب من رسوخ اليان و‬
‫عقائده من آيات القرآن و بعض متون الحاديث‪ .‬و صار القرآن أصل التعليم الذي ينبن عليه ما يصل بعد من اللكات‪ .‬و سبب ذلك أن‬
‫التعليم ف الصفر أشد رسوخا و هو أصل لا بعده لن السابق الول للقلوب كالساس و للملكات‪ .‬و على حسب الساس و أساليبه يكون‬
‫حال من ينبن عليه‪ .‬و اختلفت طرقهم ف تعليم القرآن للولدان باختلفهم باعتبار ما ينشأ عن ذلك التعليم من اللكات‪ .‬فأما أهل الغرب‬
‫فمذهبهم ف الولدان القتصار على تعليم القرآن فقط‪ ،‬و أخذهم أثناء الدارسة بالرسم و مسائله و اختلف حلة القرآن فيه ل يلطون ذلك‬
‫بسواه ف شيء من مالس تعليمهم ل من حديث و ل من فقه و ل من شعر و ل من كلم العرب إل أن يذق فيه أو ينقطع دونه فيكون‬
‫انقطاعه ف الغالب انقطاعا عن العلم بالملة‪ .‬و هذا مذهب أهل المصار بالغرب و من تبعهم من قرى الببر‪ ،‬أمم الغرب ف ولدانم إل أن‬
‫ياوزوا حد البلوغ إل الشبيبة‪ .‬و كذا ف الكبي إذا رجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره‪ .‬فهم لذلك أقوم على رسم القرآن و حفظه‬
‫من سواهم‪ .‬و أما أهل الندلس فمذهبهم تعليم القرآن و الكتاب من حيث هو‪ ،‬و هذا هو الذي يراعونه ف التعليم‪ .‬إل أنه لا كان القرآن‬
‫أصل ذلك و أسه و منبع الدين و العلوم جعلوه أصل ف التعليم‪ .‬فل يقتصرون لذلك عليه فقط بل يلطون ف تعليمهم للولدان رواية الشعر‬
‫ف الغالب و الترسل و أخذهم بقواني العربية و حفظها و تويد الط و الكتاب‪ .‬و ل تتص عنايتهم ف التعليم بالقرآن دون هذه‪ ،‬بل‬
‫عنايتهم فيه بالط أكثر من جيعها إل أن يرج الولد من عمر البلوغ إل الشبيبة و قد شدا بعض الشيء ف العربية و الشعر و البصر بما و‬
‫برز ف الط و الكتاب و تعلق بأذيال العلم على الملة لو كان فيها سند لتعليم العلوم‪ .‬لكنهم ينقطعون عن ذلك لنقطاع سند التعليم ف‬
‫آفاقهم و ل يصل بأيديهم إل ما حصل من ذلك التعليم الول‪ .‬و فيه كفاية لن أرشده ال تعال و استعداد إذا وجد العلم‪ .‬و أما أهل‬
‫أفريقية فيخلطون ف تعليمهم للولدان القرآن بالديث ف الغالب و مدارسة قواني العلوم و تلقي بعض مسائلها إل أن عنايتهم بالقرآن و‬
‫استنظار الولدان إياه و وقوفهم على اختلف رواياته و قراءاته أكثر ما سواه و عنايتهم بالط تبع لذلك‪ .‬و بالملة فطريقهم ف تعليم القرآن‬
‫أقرب إل طريقة أهل الندلس لن سند طريقتهم ف ذلك متصل بشيخة الندلس الذين أجازوا عند تغلب النصارى على شرق الندلس‪ ،‬و‬
‫استقروا بتونس و عنهم أخذ ولدانم بعد ذلك‪ .‬و أما أهل الشرق فيخلطون ف التعليم كذلك على ما يبلغنا و ل أدري ب عنايتهم منها‪ .‬و‬
‫الذي ينقل لنا أن عنايتهم بدراسة القرآن و صحف العلم و قوانينه ف زمن الشبيبة و ل يلطون بتعليم الط بل لتعليم الط عندهم قانون و‬
‫معلمون له على انفراده كما تتعلم سائر الصنائع و ل يتداولونا ف مكاتب الصبيان‪ .‬و إذا كتبوا لم اللواح فبخط قاصر عن الجادة و من‬
‫أراد تعلم الط فعلى قدر ما يسنح له بعد ذلك من المة ف طلبه و يبتغيه من أهل صنعته‪ .‬فأما أهل أفريقية والغرب فأفادهم القتصار على‬
‫القرآن القصور عن ملكة اللسان جلة و ذلك أن القرآن ل ينشأ عنه ف الغالب ملكة لا أن البشر مصروفون عن التيان بثله فهم مصروفون‬
‫لذلك عن الستعمال على أساليبه و الحتذاء با‪ .‬و ليس لم ملكة ف غي أساليبه فل يصل لصاحبه ملكة ف اللسان العرب و حظه المود‬
‫ف العبارات و قلة التصرف ف الكلم‪ .‬و ربا كان أهل أفريقية ف ذلك أخف من أهل الغرب با يلطون ف تعليمهم القرآن بعبارات العلوم‬
‫ف قوانينها كما قلناه فيقتدرون على شيء من التصرف و ماذاة الثل بالثل إل أن ملكتهم ف ذلك قاصرة عن البلغة كما سيأت ف فصله‪.‬‬
‫و أما أهل الندلس فأفادهم التفنن ف التعليم و كثرة رواية الشعر و الترسل و مدارسة العربية من أول العمر‪ ،‬حصول ملكة صاروا با أعرف‬
‫ف اللسان العرب‪ .‬و قصروا ف سائر العلوم لبعدهم عن مدارسة القرآن و الديث الذي هو أصل العلوم و أساسها‪ .‬فكانوا لذلك أهل حظ و‬
‫أدب بارع أو مقصر على حسب ما يكون التعليم الثان من بعد تعليم الصب‪ .‬و لقد ذهب القاضي أبو بكر بن العرب ف كتاب رحلته إل‬
‫طريقة غريبة ف وجه التعليم وأعاد ف ذلك و أبدأ و قدم تعليم العربية و الشعر على سائر العلوم كما هو مذهب أهل الندلس‪ .‬قال‪ :‬لن‬
‫الشعر ديوان العرب و يدعو على تقديه و تعليم العربية ف التعليم ضرورة فساد اللغة ث ينتقل منه إل الساب فيتمرن فيه حت يرى القواني‬
‫ث ينتقل إل درس القرآن فإنه يتيسر عليك بذه القدمة‪ .‬ث قال‪ :‬و يا غفلة أهل بلدنا ف أن يؤخذ الصب بكتاب ال ف أوامره يقرأ مال‬
‫يفهم و ينصب ف أمر غيه أهم ما عليه منه‪ .‬ث قال ينظر ف أصول الدين ث أصول الفقه ث الدل ث الديث و علومه‪ ،‬و نى مع ذلك أن‬
‫يلط ف التعليم علمان إل أن يكون التعلم قابل لذلك بودة الفهم و النشاط‪ .‬هذا ما أشار إليه القاضي أبو بكر رحه ال و هو لعمري‬
‫مذهب حسن إل أن العوائد ل تساعد عليه و هي أملك بالحوال و وجه ما اختصت به العوائد من تقدم دراسة القرآن إيثارا للتبك و‬
‫الثواب‪ ،‬و خشية ما يعرض للولد ف جنون الصب من الفات و القواطع عن العلم فيفوته القرآن‪ ،‬لنه ما دام ف الجر منقاد للحكم‪ .‬فإذا‬
‫تاوز البلوغ و انل من ربقة القهر فربا عصفت به رياح الشبيبة فألقته بساجل البطالة فيغتنمون ف زمان الجر و ربقة الكم تصيل‬
‫القرآن لئل يذهب خلوا منه‪ .‬و لو حصل اليقي باستمراره ف طلب العلم و قبوله التعليم لكان هذا الذهب الذي ذكره القاضي أول ما أخذ‬
‫به أهل الغرب و الشرق‪ .‬و لكن ال يكم ما يشاء ل معقب لكمه‪.‬‬

‫الفصل الربعون‪ :‬ف أن الشدة على التعلمي مضرة بم‬


‫و ذلك أن إرهاف الد بالتعليم مضر بالتعلم سيما ف أصاغر الولد لنه من سوء اللكة‪ .‬و من كان مرباه بالعسف و القهر من التعلمي أو‬
‫الماليك أو الدم سطا به القهر و ضيق عن النفس ف انبساطها و ذهب بنشاطها و دعاه إل الكسل و حل على الكذب و البث و هو‬
‫التظاهر بغي ما ف ضميه خوفا من انبساط اليدي بالقهر عليه و علمه الكر و الديعة لذلك و صارت له هذه عادة و خلقا و فسدت‬
‫معان النسانية الت له من حيث الجتماع‪ .‬و التمرن و هي المية و الدافعة عن نفسه و منله‪ .‬و صار عيال على غيه ف ذلك بل و‬
‫كسلت النفس عن اكتساب الفضائل و اللق الميل فانقبضت عن غايتها و مدى إنسانيتها فارتكس و عاد ف أسفل السافلي‪ .‬و هكذا‬
‫وقع لكل أمة حصلت ف قبضة القهر و نال منها العسف و اعتبه ف كل من يلك أمره عليه‪ .‬و ل تكون اللكة الكافلة له رفيقة به‪ .‬و تد‬
‫ذلك فيهم استقراء و انظره ف اليهود و ما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حت إنم يوصفون ف كل أفق‪ .‬و عصر بالرج و معناه ف‬
‫الصطلح الشهور التخابث و الكيد و سببه ما قلناه‪ .‬فينبغي للمعلم ف متعلمه و الوالد ف ولده أن ل يستبدا عليهما ف التأديب‪ .‬و قد قال‬
‫ممد بن أب زيد ف كتابه الذي ألفه ف حكم العلمي و التعلمي‪ :‬ل ينبغي لؤدب الصبيان أن يزيد ف ضربم إذا احتاجوا إليه على ثلثة‬
‫أسواط شيئا‪ .‬و من كلم عمر رضي ال عنه‪ :‬من ل يؤدبه الشرع ل أدبه ال‪ .‬حرصا على صون النفوس عن مذلة التأديب و علما بأن‬
‫القدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فإنه أعلم بصلحته‪ .‬و من أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لعلم ولده‪ .‬قال خلف الحر‪:‬‬
‫بعث إل الرشيد ف تأديب ولده ممد المي فقال‪ :‬يا أحر إن أمي الؤمني قد دفع إليك مهجة نفسه و ثرة قلبه فصي يدك عليه مبسوطة و‬
‫طاعته لك واجبة و كن له بيث وضعك أمي الؤمني أقرئه القرآن و عرفه الخبار و روه الشعار و علمه السنن و بصره بواقع الكلم و‬
‫بدئه و امنعه من الضحك إل ف أوقاته و خذه بتعظيم مشايخ بن هاشم إذا دخلوا عليه و رفع مالس القواد إذا حضروا ملسه‪ .‬و ل ترن‬
‫بك ساعة إل و أنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غي أن تزنه فتميت ذهنه‪ .‬و ل تعن ف مسامته فيستجلي الفراغ و يألفه‪ .‬و قومه ما‬
‫استطعت بالقرب واللينة فإن أباها فعليك بالشدة و الغلظة‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الفصل الادي و الربعون‪ :‬ف أن الرحلة ف طلب العلوم و لقاء الشيخة‬


‫مزيد كمال ف التعلم‬
‫و السبب ف ذلك أن البشر يأخذون معارفهم و أخلقهم و ما ينتحلون به من الذاهب و الفضائل‪ :‬تارة علما و تعليما و إلقاء و تارة ماكاة‬
‫و تلقينا بالباشرة‪ .‬إل أن حصول اللكات عن الباشرة و التلقي أشد استحكاما و أقوى رسوخا‪ .‬فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول‬
‫اللكات و رسوخها‪ .‬و الصطلحات أيضا ف تعليم العلوم ملطة على التعلم حت لقد يظن كثي منهم أنا جزء من العلم‪ .‬و ل يدفع عنه‬
‫ذلك إل مباشرته لختلف الطرق فيها من العلمي‪ .‬فلقاء أهل العلوم و تعدد الشايخ يفيده تييز الصطلحات با يراه من اختلف طرقهم‬
‫فيها فيجرد العلم عنها و يعلم أنا أناء تعليم و طرق توصل و تنهض قواه إل الرسوخ و الستحكام ف الكان و تصحح معارفه و تيزها‬
‫عن سواها مع تقوية ملكته بالباشرة و التلقي و كثرتما من الشيخة عند تعددهم و تنوعهم‪ .‬و هذا لن يسر ال عليه طرق العلم و الداية‪.‬‬
‫فالرحلة ل بد منها ف طلب العلم لكتساب الفوائد و الكمال بلقاء الشايخ و مباشرة الرجال‪ .‬و ال يهدي من يشاء إل صراط مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثان و الربعون‪ :‬ف أن العلماء من بي البشر أبعد عن السياسة و‬


‫مذاهبها‬
‫و السبب ف ذلك أنم معتادون النظر الفكري و الغوص على العان و انتزاعها من الحسوسات و تريدها ف الذهن‪ ،‬أمورا كلية عامة‬
‫ليحكم عليها بأمر العلوم ل بصوص مادة و ل شخص و ل جيل و ل أمة و ل صنف من الناس‪ .‬و يطبقون من بعد ذلك الكلي على‬
‫الارجيات‪ .‬و أيضا يقيسون المور على أشباهها و أمثالا با اعتادوه من القياس الفقهي‪ .‬فل تزال أحكامهم و أنظارهم كلها ف الذهن و ل‬
‫تصي إل الطابقة إل بعد الفراغ من البحث و النظر‪ .‬و ل تصي بالملة إل الطابقة و إنا يتفرغ ما ف الارج عما ف الذهن من ذلك‬
‫كالحكام الشرعية فإنا فروع عما ف الحفوظ من أدلة الكتاب و السنة فتطلب مطابقة ما ف الارج لا عكس النظار ف العلوم العقلية‪.‬‬
‫الت تطلب ف صحتها مطابقتها لا ف الارج‪ .‬فهم متعودون ف سائر أنظارهم المور الذهنية و النظار الفكرية ل يعرفون سواها‪ .‬و‬
‫السياسة يتاج صاحبها إل مراعاة ما ف الارج و ما يلحقها من الحوال و يتبعها فإنا خفية‪ .‬و لعل أن يكون فيها ما ينع من إلاقها بشبه‬
‫أو مثال و يناف الكلي الذي ياول تطبيقه عليها‪ .‬و ل يقاس شيء من أحوال العمران على الخر كما اشتبها ف أمر واحد فلعلهما اختلفا ف‬
‫أمور فتكون العلماء لجل ما تعودوه من تعميم الحكام و قياس المور بعضها على بعض إذا نظروا ف السياسة افرغوا ذلك ف قالب‬
‫أنظارهم و نوع استدللتم فيقعون ف الغلط كثيا و ل يؤمن عليهم‪ .‬و يلحق بم أهل الذكاء و الكيس من أهل العمران لنم ينعون‬
‫بثقوب أذهانم إل مثل شأن الفقهاء من الغوص على العان و القياس و الحاكاة فيقعون ف الغلط‪ .‬و العامي السليم الطبع التوسط الكيس‬
‫لقصور فكره عن ذلك و عدم اعتياده إياه يقتصر لكل مادة على حكمها و ف كل صنف من الحوال و الشخاص على ما اختص به و ل‬
‫يعدي الكم بقياس و ل تعميم و ل يفارق ف أكثر نظره الواد الحسوسة و ل ياوزها ف ذهنه كالسابح ل يفارق الب عند الوج‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فإن السلمة ف الساحل‬ ‫فل توغلن إذا ما سبحت‬
‫فيكون مأمونا من النظر ف سياسته مستقيم النظر ف معاملة أبناء جنسه فيحسن معاشه و تندفع آفاته و مضاره باستقامة نظره‪ .‬و فوق كل‬
‫ذي علم عليم‪ .‬و من هنا يتبي أن صناعة النطق غي مأمونة الغلط لكثرة ما فيها من النتزاع‪ ،‬و بعدها عن الحسوس فإنا تنظر ف العقولت‬
‫الثوان‪ .‬و لعل الواد فيها ما يانع تلك الحكام و ينافيها عند مراعاة التطبيق اليقين‪ .‬و أما النظر ف العقولت الول و هي الت تريدها‬
‫قريب فليس كذلك لنا خيالية و صور الحسوسات حافظة مؤذنة بتصديق انطباقه‪ .‬و ال سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الربعون‪ :‬ف أن حلة العلم ف السلم أكثرهم العجم‬


‫من الغريب الواقع أن حلة العلم ف اللة السلمية أكثرهم العجم ل من العلوم الشرعية و ل من العلوم العقلية إل ف القليل النادر‪ .‬و إن كان‬
‫منهم العرب ف نسبته فهو أعجمي ف لغته و مرباه و مشيخته مع أن اللة عربية و صاحب شريعتها عرب‪ .‬و السبب ف ذلك أن اللة ف أولا‬
‫ل يكن فيها علم و ل صناعة لقتضى أحوال السذاجة و البداوة و إنا أحكام الشريعة الت هي أوامر ال و نواهيه كان الرجال ينقلونا ف‬
‫صدورهم و قد عرفوا مأخذها من الكتاب و السنة با تلقوه من صاحب الشرع و أصحابه‪ .‬و القوم يومئذ عرب ل يعرفوا أمر التعليم و‬
‫التأليف و التدوين و ل دفغوا إليه و ل دعتهم إليه حاجة‪ .‬و جرى المر على ذلك زمن الصحابة و التابعي و كانوا يسمون الختصي بمل‬
‫ذلك‪ .‬و نقله إل القراء أي الذين يقرأون الكتاب و ليسوا أميي لن المية يومئذ صفة عامة ف الصحابة با كانوا عربا فقيل لملة القرآن‬
‫يومئذ قراء إشارة إل هذا‪ .‬فهم قراء لكتاب ال و السنة الأثورة عن ال لنم ل يعرفوا الحكام الشرعية إل منه و من الديث الذي هو ف‬
‫غالب موارده تفسي له و شرح‪ .‬قال صلى ال عليه و سلم‪ :‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تسكتم بما‪ :‬كتاب ال و سنت‪ .‬فلما بعد‬
‫النقل من لدن دولة الرشيد فما بعد احتيج إل وضع التفاسي القرآنية و تقييد الديث مافة ضياعه ث احتيج إل معرفة السانيد و تعديل‬
‫الناقلي للتمييز بي الصحيح مم السانيد و ما دونه ث كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب و السنة و فسد مع ذلك اللسان فاحتيج‬
‫إل وضع القواني النحوية و صارت العلوم الشرعية كلها ملكات ف الستنباطات و الستخراج و التنظي و القياس و احتاجت إل علوم‬
‫أخرى و هي الوسائل لا من معرفة قواني العربية و قواني ذلك الستنباط و القياس و الذب عن العقائد اليانية بالدلة لكثرة البدع و‬
‫اللاد فصارت هذه العلوم كلها علوما ذات ملكات متاجة إل التعليم فاندرجت ف جلة الصنائع‪ .‬و قد كنا قدمنا أن الصنائع من منتحل‬
‫الضر و أن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضرية و بعد عنها العرب و عن سوقها‪ .‬و الضر لذلك العهد هم العجم أو من‬
‫هم ف معناهم من الوال و أهل الواضر الذين هم يومئذ تبع للعجم ف الضارة و أحوالا من الصنائع و الرف لنم أقوم على ذلك‬
‫للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صناعة النحو سيبويه و الفارسي من بعده و الزجاج من بعدها و كلهم عجم ف‬
‫أنسابم‪ .‬و إنا ربوا ف اللسان العرب فاكتسبوه بالرب و مالطة العرب و صيوه قواني و فنا لن بعدهم‪ .‬و كذا حلة الديث الذين حفظوة‬
‫عن أهل السلم أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغة و الرب لتساع الفن بالعراق‪ .‬و كان علماء أصول الفقه كلهم عجما كما عرف و‬
‫كذا حلة علم الكلم و كذا أكثر الفسرين‪ .‬و ل يقم بفظ العلم و تدوينه إل العاجم‪ .‬و ظهر مصداق قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬لو تعلق‬
‫العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس‪ .‬و أما العرب الذين أدركوا هذه الضارة و سوقها و خرجوا إليها عن البداوة فشغلتهم‬
‫الرئاسة ف الدولة العباسية و ما دفعوا إليه من القيام باللك عن القيام بالعلم‪ .‬و النظر فيه‪ ،‬فإنم كانوا أهل الدولة و حاميتها و أول سياستها‬
‫مع ما يلحقهم من النفة عن انتحال العلم حينئذ با صار من جلة الصنائع‪ .‬و الرؤساء أبدا يستنكفون عن الصنائع و الهن و ما ير إليها و‬
‫دفعوا ذلك إل من قام به من العجم والولدين‪ .‬و ما زالوا يرون لم حق القيام به فإنه دينهم و علومهم و ل يتقرون حلتها كل الحتقار‪.‬‬
‫حت إذا خرج المر من العرب جلة و صار للعجم صارت العلوم الشرعية غريبة النسبة عند أهل اللك با هم عليه من البعد عن نسبتها و‬
‫امتهن حلتها با يرون أنم بعداء عنهم مشتغلي با ل يغن و ل يدي عنهم ف اللك و السياسة كما ذكرناه ف نقل الراتب الدينية‪ .‬فهذا‬
‫الذي قررناه هو السبب ف أن حلة الشريعة أو عامتهم من العجم‪ .‬و أما العلوم العقلية أيضا فلم تظهر ف اللة إل بعد أن تيز حلة العلم و‬
‫مؤلفوه‪ .‬و استقر العلم كله صناعة فاختصت بالعجم و تركتها العرب و انصرفوا عن انتحالا فلم يملها إل العربون من العجم شأن الصنائع‬
‫كما قلناه أول‪ .‬فلم يزل ذلك ف المصار السلمية ما دامت الضارة ف العجم و بلدهم من العراق و خراسان و ما وراء النهر‪ .‬فلما‬
‫خربت تلك المصار و ذهبت منها الضارة الت هي سر ال ف حصول العلم و الصنائع ذهب العلم من العجم جلة لا شلهم من البداوة و‬
‫اختص العلم بالمصار الوفورة الضارة‪ .‬و ل أوفر اليوم ف الضارة من مصر فهي أم العال و إيوان السلم و ينبوع العلم و الصنائع‪ .‬و‬
‫بقي بعض الضارة ف ما وراء النهر لا هناك من الضارة بالدولة الت فيها فلهم بذلك‪ ،‬حصة من العلوم و الصنائع ل تنكر‪ .‬و قد دلنا على‬
‫ذلك كلم بعض علمائهم من تآليف وصلت إلينا إل هذه البلد و هو سعد الدين التفتازان‪ .‬و أما غيه من العجم فلم نر لم من بعد المام‬
‫ابن الطيب و نصي الدين الطوسي كلما يعول على نايته ف الصابة‪ .‬فاعتي ذلك و تأمله تر عجبا ف أحوال الليقة‪ .‬و ال يلق ما بشاء‬
‫ل شريك له اللك و له المد و هو على كل شيء قدير و حسبنا ال و نعم الوكيل و المد ل‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الربعون‪ :‬ف أن العجمة إذا سبقت إل اللسان قصرت‬


‫بصاحبها ف تصيل العلوم عن أهل اللسان العرب‬
‫و السر ف ذلك أن مباحث العلوم كلها إنا هي ف العان الذهنية و اليالية‪ ،‬من بي العلوم الشرعية‪ ،‬الت هي أكثر مباحثها ف اللفاظ و‬
‫مودها من الحكام التلقاة من الكتاب و السنة و لغاتا الؤدية لا‪ ،‬و هي كلها ف اليال‪ ،‬و بي العلوم العقلية‪ ،‬و هي ف الذهن‪ .‬و اللغات‬
‫إنا هي ترجان عما ف الضمائر من تلك العان‪ ،‬يؤديها بعض إل بعض بالشافهة بالناظرة و التعليم‪ ،‬و مارسة البحث بالعلوم لتحصيل‬
‫ملكاتا بطول الران على ذلك‪ .‬و اللفاظ و اللغات وسائط و حجب بي الضمائر‪ ،‬و روابط و ختام بي العان‪ .‬و لبد ف اقتياض تلك‬
‫الضمائر من العان من ألفاظها لعرفة دللتا اللغوية عليها‪ ،‬و جودة اللكة لناظر فيها‪ ،‬و إل فيعتاض عليه اقتناصها زيادة على ما يكون ف‬
‫مباحثها الذهنية من العتياص‪ .‬و إذا كانت ملكته ف تلك الدللت راسخة‪ ،‬بيث يتبادر العان إل ذهنه من تلك اللفاظ عن استعمالا‪ ،‬أن‬
‫البديهي والبلي‪ ،‬زال ذاك الجاب بالملة بي العان و الفهم أو خف‪ ،‬و ل يبق إل معاناة ما ف العان من الباحث فقط‪ .‬هذا كله إذا كان‬
‫التعاليم تلقينا و بالطاب و العبارة‪ .‬و أما إن احتاج التعلم إل الدراسة و التقييد بالكتاب و مشافهة الرسوم الطية من الدواوين بسائل‬
‫العلوم‪ ،‬كان هنالك حجاب آخر بي الط و رسومه ف الكتاب‪ ،‬و بي اللفاظ القولة ف اليال‪ .‬لن رسوم الكتاب لا دللة خاصة على‬
‫اللفاظ القولة‪ .‬و ما ل تعرف تلك الدللة تعذرت معرفة العبارة‪ .‬و إن عرفت بلكة قاصرة كانت معرفتها أيضا قاصرة‪ ،‬و يزداد على الناظر‬
‫و التعلم بذلك حجاب آخر بينه و بي مطلوبه‪ ،‬من تصيل ملكات العلوم أعوص من الجاب الول‪ .‬و إذا كانت ملكته ف الدللة اللفظية‬
‫و الطية مستحكمة ارتفعت الجب بينه و بي العان‪ .‬و صار إنا يعان فهم مباحثها فقط‪ .‬هذا شأن العان مع اللفاظ و الط بالنسبة إل‬
‫كل لغة‪ .‬و التعلمون لذلك ف الصغر أشد استحكاما للكاتم‪ ،‬ث إن اللة السلمية لا اتسع ملكها و اندرجت المم ف طيها و درست‬
‫علوم الولي بنبوتا و كتابا‪ ،‬و كانت أمية النعة و الشعار‪ ،‬فأخذ اللك و العزة و سخرية المم لم بالضارة و التهذيب‪ ،‬و صيوا‬
‫علومهم الشرعية صناعة‪ ،‬بعد أن كانت نقل‪ ،‬فحدثت فيهم اللكات‪ ،‬و كثرت الدواوين و التآليف‪ ،‬و تشوفوا إل علوم المم فنقلوها‬
‫بالترجة إل علومهم و أفرغوها ف قالب أنظارهم‪ ،‬و جردوها من تلك اللغات العجمية إل لسانم و أربوا فيها على مداركهم‪ ،‬و بقيت‬
‫تلك الدفاتر الت بلغتهم العجمية نسيا منسيا و طلل مهجورا و هباء منثورا‪ .‬و أصبحت العلوم كلها بلغة العرب‪ ،‬و دواوينها السطرة‬
‫بطهم‪ ،‬و احتاج القائمون بالعلوم إل معرفة الدللت اللفظية و الطية ف لسانم دون ما سواه من اللسن‪ ،‬لدروسها و ذهاب العناية با‪.‬‬
‫و قد تقدم لنا أن اللغة ملكة ف اللسال‪ ،‬و كذا الط صناعة ملكتها ف اليد‪ ،‬فإذا تقدمت ف اللسان ملكة العجمة‪ ،‬صار مقصرا ف اللغة‬
‫العربية‪ ،‬لا قدمناه من أن اللكة إذا تقدمت ف صناعة بحل‪ ،‬فقل أن ييد صاحبها ملكة ف صناعة أخرى‪ ،‬و هو ظاهر‪ .‬و إذا كال مقصرا ف‬
‫اللغة العربية و دللتا اللفظية و الطية اعتاص عليه فهم العان منها كما مر‪ .‬إل أن تكون ملكة العجمة السابقة ل تستحكم حي انتقل‬
‫منها إل العربية‪ ،‬كأصاغر أبناء العجم الذين يربون مع العرب قبل أن تستحكم عجمتهم‪ .‬فتكون اللغة العربية كأنا السابقة لم‪ ،‬و ل يكون‬
‫عندهم تقصي ف فهم العان من العربية‪ .‬و كذا أيضا شأن من سبق له تعلم الط العجمي قبل العرب‪ .‬و لذا ند الكثي من علماء العاجم‬
‫ف دروسهم و مالس تعليمهم يعدلون عن نقل التفاسي من الكتب إل قراءتا ظاهرا يففون بذلك عن أنفسهم مؤونة بعض الجب ليقرب‬
‫عليهم تناول العان‪ .‬و صاحب اللكة ف العبارة و الط مستغن عن ذلك‪ ،‬بتمام ملكته‪ ،‬و إن صار له فهم القوال من الط‪ ،‬و العان من‬
‫القوال كالبلة الراسخة‪ ،‬و ارتفعت الجب بينه و بي العان‪ .‬و ربا يكون الدؤوب على التعليم و الران على اللغة‪ ،‬و مارسة الط‬
‫يفيضان لصاحبهما إل تكن اللكة‪ ،‬كما نده ف الكثي من علماء العاجم‪ ،‬إل أنه ف النادر‪ .‬و إذا قرن بنظيه من علماء العرب و أهل‬
‫طبقته منهم‪ ،‬كان باع العرب أطول و ملكته أقوى‪ ،‬لا عند الستعجم من الفتور بالعجمة السابقة الت يؤثر القصور بالضرورة و ل يعترص‬
‫ذلك با تقدم بأن علماء السلم أكثرهم العجم‪ ،‬لن الراد بالعجم هنالك عجم النسب لتداول الضارة فيهم الت قررنا أنا سبب لنتحال‬
‫الصنائع و اللكات و من جلتها العلوم‪ .‬و أما عجمة اللغة فليست من ذلك و هي الرادة هنا‪ .‬و ل يعترض ذلك أيضا ما كان لليونانيي ف‬
‫علومهم من رسوخ القدم فأنم إنا تعلموها من لغتهم السابقة لم و خطهم التعارف بينهم‪ .‬و العجمي التعلم للعلم ف اللة السلمية يأخذ‬
‫العلم بغي لسانه الذي سبق إليه‪ ،‬و من غي خطه الذي يعرف ملكته‪ .‬فلهذا يكون له ذلك حجابا كما قلناه‪ .‬و هذا عام ف جيع أصناف‬
‫أهل اللسان العجمي من الفرس و الروم و الترك و الببر و الفرنج‪ .‬و سائر من ليس من أهل اللسان العرب‪ .‬و ف ذلك آيات للمتوسي‪.‬‬

‫الفصل الامس و الربعون‪ :‬ف علوم اللسان العرب‬


‫أركانه أربعة و هي اللغة و النحو و البيان و الدب و معرفتها ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الحكام الشرعية كلها ف الكتاب و‬
‫السنة و هي بلغة العرب و نقلتها من الصحابة و التابعي عرب و شرح مشكلتا من لغاتم فلبد من معرفة العلوم التعلقة بذا اللسان لن‬
‫أراد علم الشريعة‪ .‬و تتفاوت ف التأكيد بتفاوت مراتبها ف التوفية بقصود الكلم حسبما يتبي ف الكلم عليها فنا فنا و الذي يتحصل أن‬
‫الهم القدم منها هو النحو إذ به تتبي أصول القاصد بالدللة فيعرف الفاعل من الفعول و البتدأ من الب و لوله لهل أصل الفادة‪ .‬و‬
‫كان من حق علم اللغة التقدم لول أن أكثر الوضاع باقية ف موضوعاتا ل تتغي بلف العراب الدال على السناد و السند و السند إليه‬
‫فإنه تغي بالملة و ل يبق له أثر‪ .‬فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة إذ ف جهله الخلل بالتفاهم جلة و ليست كذلك اللغة و ال‬
‫سبحانه و تعال أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫علم النحو‬
‫اعلم أن اللغة ف التعارف هي عبارة التكلم عن مقصوده‪ .‬و تلك العبارة فعل لسان ناشئ عن القصد بإفادة الكلم فلبد أن تصي ملكة‬
‫متقررة ف الغصو الفاعل لا و هو اللسان و هو ف كل أمة بسب اصطلحاتم‪ .‬و كانت اللكة الاصلة للعرب من ذلك أحسن اللكات و‬
‫أوضحها إبانة عن القاصد لدللة غي الكلمات فيها على كثي من العان‪ .‬مثل الركات الت تعي الفاعل من الفعول من الجرور أعن‬
‫الضاف و مثل الروف الت تفضي بالفعال أي الركات إل الذوات من غي تكلف ألفاظ أخرى‪ .‬و ليس يوجد ذلك إل ف لغة العرب‪ .‬و‬
‫أما غيها من اللغات فكل معن أو حال لبد له من ألفاظ تصه بالدللة و لذلك ند كلم العجم من ماطباتم أطول ما تقدره بكلم‬
‫العرب‪ .‬و هذا هو معن قوله صلى ال عليه و سلم‪ :‬أوتيت جوامع الكلم و اختصر ل الكلم اختصارا‪ .‬فصار للحروف ف لغتهم‪ .‬و‬
‫الركات و اليئات أي الوضاع اعتبار ف الدللة على القصود غي متكلفي فيه لصناعة يستفيدون ذلك منها‪ .‬إنا هي ملكة ف ألسنتهم‬
‫يأخذها الخر عن الول كما تأخذ صبياننا لذا العهد لغاتنا‪ .‬فلما جاء السلم و فارقوا الجاز لطلب اللك الذي كان ف أيدي المم و‬
‫الدول و خالطوا الجم تغيت تلك اللكة با ألقى إليها السمع من الخالفات الت للمستعربي‪ .‬و السمع أبو اللكات اللسانية ففسدت با‬
‫ألقي إليها ما يغايرها لنوحها إليه باعتياد السمع‪ .‬و خشي أهل العلوم منهم أن تفسد تلك اللكة رأسا و يطول العهد با فينغلق القرآن و‬
‫الديث على الفهوم فاستنبطوا من ماري كلمهم قواني لتلك اللكة مطردة شبه الكليات و القواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلم و‬
‫يلحقون الشباه بالشباه مثل أن الفاعل مرفوع و الفعول منصوب و البتدأ مرفوع‪ .‬ث رأوا تغي الدللة بتغي حركات هذه الكلمات‬
‫فاصطلحوا على تسميته إعرابا و تسمية الوجب لذلك التغي عامل و أمثال ذلك‪ .‬و صارت كلها اصطلحات خاصة بم فقيدوها بالكتاب‬
‫و جعلوها صناعة لم مصوصة‪ .‬و اصطلحوا على تسميتها بعلم النحو‪ .‬و أو ل من كتب فيها أبو السود الدؤل من بن كنانة و يقال‬
‫بإشارة علي رضي ال عنه لنه رأى تغي اللكة فأشار عليه بفظها ففزع إل ضبطها بالقواني الاضرة الستقرأة‪ .‬ث كتب فيها الناس من‬
‫بعده إل أن انتهت إل الليل بن أحد الفراهيدي أيام الرشيد و كان الناس أحوج ما كان الناس إليها لذهاب تلك اللكة من العرب‪ .‬فهذب‬
‫الصناعة و كمل أبوابا‪ .‬و أخذها عنه سيبويه فكمل تفاريعها و استكثر من أدلتها و شواهدها و وضع فيها كتابه الشهور الدي صار إماما‬
‫لكل ما كتب فيها من بعده‪ .‬ث وضع أبو علي الفارسي و أبو القاسم الزجاج كتبا متصرة للمتعلمي يذون فيها حذو المام ف كتابه‪ .‬ث‬
‫طال الكلم ف هذه الصناعة و حدث اللف بي أهلها ف الكوفة و البصرة الصرين القديي للعرب‪ .‬و كثرت الدلة و الجاج بينهم و‬
‫تباينت الطرق ف التعليم و كثر الختلف ف إعراب كثي من آي القرآن باختلفهم ف تلك القواعد و طال ذلك على التعلمي‪ .‬و جاء‬
‫التأخرون بذاهبهم ف الختصار فاختصروا كثيا من ذلك الطول مع استيعابم لميع ما نقل كما فعله ابن مالك ف كتاب التسهيل و أمثاله‬
‫أو اقتصارهم على البادئ للمتعلمي‪ ،‬كما فعله الزمشري ف الفصل و ابن الاجب ف القدمة له‪ .‬و ربا نظموا ذلك نظما مثل ابن مالك ف‬
‫الرجوزتي الكبى و الصغرى و ابن معطي ف الرجوزة اللفية‪ .‬و بالملة فالتآليف ف هذا الفن أكثر من أن تصى أو ياط با و طرق‬
‫التعليم فيها متلفة فطريقة التقدمي مغايرة لطريقة التأخرين‪ .‬و الكوفيون و البصريون و البغداديون و الندلسيون متلفة طرقهم كذلك‪ .‬و‬
‫قد كادت هذه الصناعة تؤذن بالذهاب لا رأينا من النقص ف سائر العلوم و الصنائع بتناقص العمران و وصل إلينا بالغرب لذه العصور‬
‫ديوان من مصر منسوب إل جال الدين بن هشام من علمائها استوف فيه أحكام العراب مملة و مفصلة‪ .‬و تكلم على الروف و الفردات‬
‫و المل و حذف ما ف الصناعة من التكرر ف أكثر أبوابه و ساه بالغن ف العراب‪ .‬و أشار إل نكت إعراب القرآن كلها و ضبطها‬
‫بأبواب و فصول و قواعد انتظم سائرها فوقفنا منع على علم جم يشهد بعلو قدره ف هذه الصناعة و وفور بضاعته منها و كأنه ينحو ف‬
‫طريقته منحاة أهل الوصل الذين اقتفوا أثر ابن جن و اتبعوا مصطلح تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال على قوة ملكته و اطلعه‪ .‬و‬
‫ال يزيد ف اللق ما يشاء‪.‬‬

‫علم اللغة‬
‫هذا العلم هو بيان الوضوعات اللغوية و ذلك أنه لا فسدت ملكة اللسان العرب ف الركات السماة عند أهل النحو بالعراب و استنبطت‬
‫القواني لفظها كما قلناه‪ .‬ث استمر ذلك الفساد بلبسة العجم و مالطتهم حت تأدى الفساد إل موضوعات اللفاظ فاستعمل كثي من‬
‫كلم العرب ف غي موضوعه عندهم ميل مع هجنه الستعربي ف اصطلحاتم الخالفة لصريح العربية فاحتيج إل حفظ الوضوعات اللغوية‬
‫بالكتاب و التدوين خشية الدروس و ما ينشا عنه من الهل بالقرآن و الديث فشمر كثي من أئمة اللسان لذلك و أملوا فيه الدواوين‪ .‬و‬
‫كان سابق اللبة ف ذلك الليل بن أحد الفراهيدي‪ .‬ألف فيها كتاب العي فحصر فيه فركبات حروف العجم كلها من الثنائي و الثلثي‬
‫والرباعي و الماسي و هو غاية ما ينتهي إليه التركيب ف اللسان العرب‪ .‬و تأت له حصر ذلك بوجوه عديدة حاضرة و ذلك أن جلة‬
‫الكلمات الثنائية ترج من جيع العداد على التوال من واحد إل سبعة و عشرين و هو دون ناية حروف العجم بواحد‪ .‬لن الرف‬
‫الواحد منها يؤخذ مع كل واحد من السبعة و العشرين فتكون سبعة و عشرين كلمة ثنائية‪ .‬ث يؤخذ الثان مع الستة و العشرين كذلك‪ .‬ث‬
‫الثالث و الرابع‪ .‬ث يؤخذ السابع و العشرون مع الثامن و العشرين فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توال العدد من واحد إل سبعة و‬
‫عشرين فتجمع كما هي بالعمل العروف عند أهل الساب و هو أن تمع الول مع الخي و تضرب الجموع ف نصف العدة‪ .‬ث تصاعف‬
‫لجل قلب الثنائي لن التقدي و التأخي بي الروف معتب ف التركيب فيكون الارج جلة الثنائيات‪ .‬و ترج الثلثيات من صرب عدد‬
‫الثنائيات فيما يمع من واحد إل ستة و عشرين على توال العدد لن كل ثنائية يزيد عليها حرفا فتكون ثلثية‪ .‬فتكون الثنائية بنلة الرف‬
‫الواحد مع كل واحد من الروف الباقية و هي ستة و عشرون حرفا بعد الثنائية فتجمع من واحد إل ستة و عشرين على توال العدد و‬
‫يضرب فيه جلة الثنائيات‪ .‬ث تضرب الارج ف ستة‪ ،‬جلة مقلوبات الكلمة الثلثية فيخرج مموع تراكيبها من حروف العجم‪ .‬و كذلك‬
‫ف الرباعي و الماسي‪ .‬فانصرت له التراكيب بذا الوجه و رتب أبوابه على حروف العجم بالترتيب التعارف‪ .‬و اعتمد فيه ترتيب الخارج‬
‫فبدأ بروف اللق ث بعده من خروف النك ث الضراس ث الشفة و جعل حروف العلة آخرا و هي الروف الوائية‪ .‬و بدأ من حروف‬
‫اللق بالعي لنه القصر منها فلذلك سي كتابه بالعي لن التقدمي كانوا يذهبون ف تسمية دواوينهم إل مثل هذا و هو تسميته بأول ما‬
‫يقع فيه من الكلمات و اللفاظ‪ .‬ث بي الهمل منها من الستعمل و كان الهمل ف الرباعي و الماسي أكثر لقلة استعمال العرب له لثقله و‬
‫لق به الثنائي لقلة دورانه و كان الستعمال ف الثلثي أغلب فكانت أوضاعه أكثر لدورانه‪ .‬و ضمن الليل ذلك كله ف كتاب العي و‬
‫استوعبه أحسن استيعاب و أوعاه‪ .‬و جاء أبو بكر الزبيدي و كتب لشام الؤيد بالندلس ف الائة الرابعة فاختصره مع الحافظة على‬
‫الستيعاب و حذف منه الهمل كله و كثيا من شواهد الستعمل و لصه للحفظ أحسن تلخيص‪ .‬و ألف الوهري من الشارقة كتاب‬
‫الصحاح على الترتيب التعارف لروف العجم فجعل البداءة منها بالمزة و جل الترجة بالروف على الرف الخي من الكلمة لضطرار‬
‫الناس ف الكثر إل أواخر الكلم فجعل ذلك بابا‪ .‬ث يأت بالروف أول الكلمة على ترتيب حروف العجم أيصا و يترجم عليها بالفصول‬
‫إل آخرها‪ .‬و حصر اللغة اقتداء بصر الليل‪ .‬ث ألف فيها من الندلسيي ابن سيده من أهل دانية ف دولة علي بن ماهد كتاب الحكم على‬
‫ذلك النحى من الستيعاب و على نو ترتيب كتاب العي‪ .‬و زاد فيه التعرض لشتقاتات الكلم و تصاريفها فجاء من أحسن الدواوين‪ .‬و‬
‫لصه ممد بن أب السي صاحب الستنصر من ملوك الدولة الفصية بتونس‪ .‬و قلب ترتيبه إل ترتيب كتاب الصحاح ف اعتبار أواخر‬
‫الكلم و بناء التراجم عليها فكانا توأمي رحم و سليلي أبوة و لكراع من أئمة اللغة كتاب النجد‪ ،‬و لبن دريد كتاب المهرة و لبن‬
‫النباري كتاب الزاهر هذه أصول كتب اللغة فيما علمناه‪ .‬و هناك متصرات أخرى متصة بصنف من الكلم و مستوعبة لبعض البواب أو‬
‫لكلها‪ .‬إل أن وجه الصر فيها خفي و و ف الصر ف تلك جلي من قبل التراكيب كما رأيت‪ .‬و من الكتب الوضوعة أيضا ف اللغة كتاب‬
‫الزمشري ف الجاز ساه أساس البلغة بي فيه كل ما توزت به العرب من اللفاظ و فيما توزت به من الدلولت و هو كتاب شريف‬
‫الفادة‪ .‬ث لا كانت العرب تضع الشيء على العموم ث تستعمل ف المور الاصة ألفاظا أخرى خاصة با فوق ذلك عندنا‪ ،‬و بي الوضع و‬
‫الستعمال و احتاج إل فقه ف اللغة عزيز الأخذ كما وضع البيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ث اختص ما فيه بياض من اليل‬
‫بالشهب و من النسان بالزهر و من الغنم بالملح حت صار استعمال البيص ف هذه كلها لنا و خروجا عن لسان العرب‪ .‬و اختص‬
‫بالتأليف ف هذا النحى الثعالب و أفرده ف كتاب له ساه فقه اللغة و هو من أكد ما بأخذ به اللغوي نفسه أن يرف استعمال العرب عن‬
‫مواضعه‪ .‬فليس معرفة الوضع الول بكاف ف الترتيب حت يشهد له استعمال العرب لذلك‪ .‬و أكثر ما يتاج إل ذلك الديب ف فن نظمه‬
‫و نثره حذرا من أن يكثر لنه ف الوضوعات اللغوية ف مفرداتا و تراكيبها و هو أشد من اللحن ف العراب و أفحش‪ .‬و كذلك ألف‬
‫بعض التأخرين ف اللفاظ الشتركة و تكفل بصرها و إن ل تبلغ إل النهاية ف ذلك فهو مستوعب للكثر‪ .‬و أما الختصرات الوجودة ف‬
‫هذا الفن الخصوصة بالتداول من اللغة الكثي الستعمال تسهيل لفظها على الطالب فكثية مثل اللفاظ لبن السكيت و الفصيح لثعلب و‬
‫غيها‪ .‬و بعضها أقل لغة من بعض لختلف نظرهم ف الهم على الطالب للحفظ‪ .‬و ال اللق العليم ل رب سواه‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و اعلم أن النقل الذي تثبت به اللغة‪ ،‬إنا هو النقل عن العرب أنم استعملوا هذه اللفاظ لذه العان‪ ،‬ل تقل إنم وصغوها لنه متعذر‬
‫و بعيد‪ .‬و ل يعرف لحد منهم‪ .‬و كذلك ل تثبت اللغات بقياس ما ل نعلم استعماله‪ .‬على ما عرف استعماله ف ماء العنب‪ ،‬باعتبار‬
‫السكار الامع‪ .‬لن شهادة العتبار ف باب القياس إنا يدركها الشرع الدال على صحة القياس من أصله‪ .‬و ليس لنا مثله ف اللغة إل‬
‫بالعقل‪ ،‬و هو مكم‪ ،‬و على هذا ف جهور الئمة‪ .‬و إن مال إل القياس فيها القاضي و ابن سريح و غيهم‪ .‬لكن القول بنفيه أرجح‪ .‬و ل‬
‫تتوهن أن إثبات اللغة ف باب الدود اللفظية‪ ،‬لن الد راجع إل العان‪ .‬ببيان أن مدلول اللفظ الجهول الفي هو مدلول الواضح‬
‫الشهور‪ ،‬و اللغة إثبات أن اللفظ كذا‪ ،‬لعن كذا‪ ،‬و الفرق ف غاية الظهور‪.‬‬

‫علم البيان‬
‫هذا العلم حادث ف اللة بعد علم العربية و اللغة‪ ،‬و هو من العلوم اللسانية لنه متعلق باللفاظ و ما تفيده‪ .‬و يقصد با الدللة عليه من‬
‫العان و ذلك أن المور الت يقصد التكلم با إفادة السامع من كلمه هي‪ :‬إما تصور مفردات تسند و مسند إليها و يفضي بعضها إل‬
‫بعض‪ .‬و الدالة على هذه هي الفردات من الساء و الفعال و الروف و إما تييز السندات من السند إليها و الزمنة‪ .‬و يدل عليها بتغي‬
‫الركات من العراب و أبنية الكلمات‪ .‬و هذه كلها هي صناعة النحو‪ .‬و يبقى من المور الكتنفة بالواقعات الحتاجة للدللة أحوال‬
‫التخاطبي أو الفاعلي و ما يقتضيه حال الفعل و هو متاج إل الدللة عليه لنه من تام الفادة و إذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الفادة‬
‫ف كلمه‪ .‬و إذا ل يشتمل على شيء منها فليس من جنس كلم العرب فإن كلمهم واسع و لكل مقام عندهم مقال يتص به بعد كمال‬
‫العراب و البانة‪ .‬أل ترى أن قولم زيد جاءن مغاير لقولم جاءن زيد من قبل أن التقدم منهما هو الهم عند التكلم فمن قال‪ :‬جاءن‬
‫زيد أفاد أن اهتمامه بالجيء قبل الشخص السند إليه و من قال‪ :‬زيد جاءن أفاد أن اهتمامة بالشخص قبل الجيء السند‪ .‬و كذا التعبي عن‬
‫أجزاء الملة با يناسب القام من موصول أو مبهم أو معرفة‪ .‬و كذا تأكيد السناد على الملة كقولم‪ :‬زيد قائم و أن زيدا قائم و إن زيدا‬
‫لقائم متغايرة كلها ف الدللة و إن استوت من طريق العراب فإن الول العاري عن التأكيد أنا يفيد الال الذهن و الثان الؤكد بإن يفيد‬
‫التردد و الثالث يفيد النكر فهي متلفة‪ .‬و كذلك تقول‪ :‬جاءن الرجل ث تقول مكانه بعينه جاءن رجل إذا قصدت بذلك التنكي تعظيمه و‬
‫أنه رجل ل يعادله أحد من الرجال‪ .‬ث الملة السنادية تكون خبية و هي الت لا خارج تطابقه أول‪ ،‬و إنشائية و هي الت ل خارج لا‪.‬‬
‫كالطلب و أنواعه‪ .‬ث قد يتعي ترك العاطف بي الملتي إذا كان للثانية مل من العراب‪ :‬فيشرك بذلك منلة التابع الفرد نعتا و توكيدا و‬
‫بدل بل عطف أو يتعي العطف إذا ل يكن للثانية مل من العراب‪ .‬ث يقتضي الحل الطناب و الياز فيورد الكلم عليهما‪ .‬ث قد يدل‬
‫باللفظ و ل يراد منطوقه و يراد لزمه إن كان مفردا كما تقول‪ :‬زيد أسد فل تريد حقيقة السد النطوقة و إنا تريد شجاعته اللزمة و‬
‫تسندها إل زيد و تسمى هذه استعارة‪ .‬و قد تريد باللفظ الركب الدللة على ملزومه كما تقول‪ :‬زيد كثي الرماد و تريد ما لزم ذلك عنه‬
‫من الود و قرى الضيف لن كثرة الرماد ناشئة عنهما ف دالة عليهما‪ .‬و هذه كلها دللة زائدة على دللة اللفاظ من الفرد و الركب و‬
‫إنا هي هيئات و أحوال الواقعات جعلت للدللة عليها أحوال و هيئات ف اللفاظ كل بسب ما يقتضيه مقامه‪ ،‬فاشتمل هذا العلم السمى‬
‫بالبيان على البحث عن هذه الدللة الت هي للهيئات و الحوال و القامات و جعل على ثلثة أصناف‪ :‬الصنف الول يبحث فيه عن هذه‬
‫اليآت و الحوال الت تطابق باللفظ جيع مقتضيات الال و يسمى علم البلغة‪ ،‬و الصنف الثان يبحث فيه عن الدللة على اللزم اللفظي‬
‫و ملزومه و هي الستعارة و الكناية كما قلناه و يسمى علم البيان‪ .‬و ألقوا بما صنفا آخر و هو النظر ف تزيي الكلم و تسينه بنوع من‬
‫التنميق إما بسجع يفصله أو تنيس‪ .‬يشابه بي ألفاظه أو ترصيع يقطع أو تورية عن العن القصود بإيهام معن أخفى منة لشتراك اللفظ‬
‫بينهما و أمثال ذلك و يسمى عندهم علم البدء‪ .‬و أطق على الصناف الثلثة عند الحدثي اسم البيان و هو اسم الصنف الثان لن القدمي‬
‫أول من تكلموا فيها ث تلحقت مسائل الفن واحدة بعد أخرى و كتب فيها جعفر بن يي و الاحظ و قدامة وأمثالم إملءات غي وافية‬
‫فيها‪ .‬ث ل تزل مسائل الفن تكمل شيئا فشيئا إل أن مص السكاكي زبدته و هذب مسائله و رتب أبوابه على نو ما ذكرناه أنفا من‬
‫الترتيب و ألف كتابه السمى بالفتاح ف النحو و التصريف و البيان فجعل هذا الفن من بعض أجزائه‪ .‬و أخذه التأخرون من كتابه و لصوا‬
‫منه أمهات قي التداولة لذا العهد كما فعله السكاكي ف كتاب التبيان و ابن مالك ف كتاب الصباح و جلل الدين القزوين ف كتاب‬
‫اليضاح و التلخيص و هو أصغر حجما من اليضاح و العناية به لذا العهد عند أهل الشرق ف الشرح و التعليم منه أكثر من غيه‪ .‬و‬
‫بالملة فالشارقة على هذا الفن أقوم من الغاربة و سببه و ال أعلم أنه كمال ف العلوم اللسانية و الصنائع الكمالية توجد ف وفور العمران‪.‬‬
‫و الشرق أوفر عمرانا من الغرب كما ذكرناه‪ .‬أو نقول لعناية العجم و هم معظم أهل الشرق كتفسي الزمشري‪ ،‬و هو كله مبن على هذا‬
‫الفن و هو أصله‪ .‬و إنا اختص بأهل الغرب من أصنافه علم البدء خاصة‪ ،‬و جعلوه من جلة علوم الدب الشعرية‪ ،‬و فرغوا له ألقابا و عدوا‬
‫أبوابا و نوعوا أنواعا‪ .‬و زعموا أنم أحصوها من لسان العرب و إنا حلهم على ذلك الولوع بتزيي اللفاظ‪ ،‬و العلم البديع سهل الأخذ‪ .‬و‬
‫صعبت عليهم مآخذ البلغة و البيان لدقة أنظارها و غموض معانيهما فتجافوا عنهما‪ .‬و من ألف ف البدء من أهل أفريقية ابن رشيق و‬
‫كتاب العمدة له مشهور‪ .‬و جرى كثي من أهل أفريقية و الندلس على منحاه‪ .‬و اعلم أن ثرة هذا الفن إنا هي ف فهم العجاز من القرآن‬
‫لن إعجازه ف وفاء الدللة منه بميع مقتضيات الحوال منطوقة و مفهومة و هي أعلى مراتب الكمال مع الكلم فيما يتص باللفاظ ف‬
‫انتقائها و جودة رصفها و تركيبها‪ .‬و هذا هو العجاز الذي تقصر الفهام عن إدراكه‪ .‬و إنا يدرك بغض الشيء منه من كان له ذوق‬
‫بخالطة اللسان العرب و حصول ملكته فيدرك من إعجازه على قدر ذوقه‪ .‬فلهذا كانت مدارك العرب الذين سعوة من مبلغه أعلى مقاما ف‬
‫ذلك لنم فرسان الكلم و جهابذته و الذوق عندهم موجود بأوفر ما يكون و أصحه‪ .‬و أحوج ما يكون إل هذا الفن الفسرون و أكثر‬
‫تفاسي التقدمي غفل عنه حت ظهر جاز ال الزمشري و وضع كتابه ف التفسي و تتبع آي القرآن بأحكام هذا الفن با يبدي البعض من‬
‫إعجازه فانفرد بذا الفصل على جيع التفاسي لول أنه يؤيد عقائد أهل البدع عند اقتباسها من القرآن بوجوه البلغة‪ .‬و لجل هذا يتحاماه‬
‫كثي من أهل السنة مع وفور بضاعته من البلغة‪ .‬فمن أحكم عقائد السنة و شارك ف هذا الفن بعض الشاركة حت يقتدر على الرد عليه‬
‫من جنس كلمه أو يعلم أنه بدعة فيعرض عنها و ل تضر ف معتقده فإنه يتعي عليه النظر ف هذا الكتاب للظفر بشيء من العجاز مع‬
‫السلمة من البدع و الهواء‪ .‬و ال الادي من يشاء إل سواء السبيل‪.‬‬

‫علم الدب‬
‫هذا العلم ل موضع له ينظر ف إثبات عوارضه أو نفيها‪ .‬و إنا القصود منة عند أهل اللسان ثرته‪ ،‬و هي الجادة ف فن النظوم و النثور‪،‬‬
‫على أساليب العرب و مناحيهم‪ ،‬فيجمعون لذلك من كلم العرب ما عساه تصل به الكلمة‪ .‬من شعر عال الطبقة‪ ،‬و سجع متساو ف‬
‫الجادة‪ ،‬و مسائل من اللغة و النحو مبثوثة أثناء ذلك‪ ،‬متفرقة‪ ،‬يستقري منها الناظر ف الغالب معظم قواني العربية‪ ،‬مع ذكر بعض من أيام‬
‫العرب يفهم به ما يقع ف أشعارهم منها‪ .‬و كذلك ذكر الهم من النساب الشهية و الخبار العامة‪ .‬و القصود بذلك كله أن ل يفى على‬
‫الناظر فيه شيء من كلم العرب و أساليبيهم و مناحي بلغتهم إذا تصفحه لنه ل تصل اللكة من حفظه إل بعد فهمه فيحتاج إل تقدي‬
‫جيع ما يتوقف عليه فهمة‪ .‬ث إنم إذا أرادوا حد هذا الفن قالوا‪ :‬الدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها و الخذ من كل علم بطرف‬
‫يريدون من علوم اللسان أو العلوم الشرعية من حيث متونا فقط و هي القرآن و الديث‪ .‬إذ ل مدخل لغي ذلك من العلوم ف كلم العرب‬
‫إل ما ذهب إليه التأخرون عند كلفهم بصناعة البديع من التورية ف أشعارهم و ترسلهم بالصطلحات العلمية فاحتاج صاحب هذا الفن‬
‫حينئذ إل معرفة اصطلحات العلوم ليكون قائما على فهمها‪ .‬و سعنا من شيوخنا ف مالسى التعليم أن أصول هذا الفن و أركانه أربعة‬
‫دوارين و هي أدب الكتاب لبن قتيبة و كتاب الكامل للمبد و كتاب البيان و التبيي للجاحظ و كتاب النوادر لب علي القال البغدادي‪.‬‬
‫و ما سوى هذه الربعة فتبع لا و فروع عنها‪ .‬و كتب الحدثي ف ذلك كثية‪ .‬و كان الغناء ف الصدر الول من أجزاء هذا الفن لا هو‬
‫تابع للشعر إذ الغناء إنا هو تلحينه‪ .‬و كان الكتاب و الفضلء من الواص ف الدولة العباسية يأخذون أنفسهم به حرصا على تصيل‬
‫أساليب الشعر و فنونه فلم يكن انتحالة قادحا ف العدالة و الروءة‪ .‬و قد ألف القاضي أبو الفرج الصبهان كتابه ف الغان جع فيه أخبار‬
‫العرب و أشعارهم و أنسابم و أيامهم و دولتهم‪ .‬و جعل مبناه على الغناء ف الائة صوتا الت اختارها الغنون للرشيد فاستوعب فيه ذلك أت‬
‫استيعاب و أوفاه‪ .‬و لعمري إنه ديوان العرب و جامع أشتات الحاسن الت سلفت لم ف كل فن من فنون الشعر و التاريخ و الغناء و سائر‬
‫الحوال و ل يعدل به كتاب ف ذلك فيما نعلمه و هو الغاية الت يسمو إليها الديب و يقف عندها و أن له با‪ .‬و نن الن نرجع بالتحقيق‬
‫على الجال فيما تكلمنا عليه من علوم اللسان‪ .‬و ال الادي للصواب‪.‬‬

‫الفصل السادس و الربعون‪ :‬ف أن اللغة ملكة صناعية‬


‫إعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات ف اللسان للعبارة عن العان و جودتا و تصورها بسب تام اللكة أو‬
‫نقصانا‪ .‬و ليس ذلك بالنظر إل الفردات و إنا هو بالنظر إل التراكيب‪ .‬فإذا حصلت اللكة التامة ف تركيب اللفاظ الفردة للتعبي با عن‬
‫العان القصودة و مراعاة التأليف الذي يطبق الكلم على مقتضى الال بلغ التكلم حينئد الغاية من إفادة مقصوده للسامع و هذا هو معن‬
‫البلغة‪ .‬و اللكات ل تصل إل بتكرار الفعال لن الفعل يقع أول و تعود منه للذات صفة ث تتكرر فتكون حال‪ .‬و معن الال أنا صفة‬
‫غي راسخه ث يزيد التكرار فتكون ملكة أي صفة راسخة‪ .‬فالتكلم من العرب حي كانت ملكته اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلم‬
‫أهل جيله و أساليبهم ف ماطباتم و كيفية تعبيهم عن مقاصدهم كما يسمع الصب استعمال الفردات ف معانيها فيلقنها أول ث يسمع‬
‫التراكيب بعدها فيلقنها كذلك‪ .‬ث ل يزال ساعهم لذلك يتجدد ف كل لظة و من كل متكلم و استعماله يتكرر إل أن يضي ذلك ملكة و‬
‫صفة راسخة و يكون كأحدهم‪ .‬هكذا تصيت اللسن و اللغات من جيل إل جيل و تعلمها العجم و الطفال‪ .‬و هذا هو معن ما تقوله‬
‫العامة من أن اللغة للعرب بالطبع أي باللكة الول الت أخذت عنهم و ل يأخذوها عن غيهم‪ .‬ث إنه لا فسدت هذه اللكة لضر بخالطتهم‬
‫العاجم و سبب فسادها أن الناشئ من اليل صار يسمع ف العبارة عن القاصد كيفيات أخرى غي الكيفيات الت كانت للعرب فيميز با‬
‫عن مقصوده لكثرة الخالطي للعرب من غيهم و يسمع كيفيات العرب أيضا فاختلط عليه المر و أخذ من هذه وهذه فاستحدث ملكة و‬
‫كانت ناقصة عن الول‪ .‬و هذا معن فساد اللسان العرب‪ ،‬و لذا كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية و أصرحها لبعدهم عن بلد العجم‬
‫من جيع جهاتم‪ .‬ث من اكتنفهم من ثقيف و هذيل و خزاعة و بن كنانة وغطفان و بن أسد و بن تيم‪ .‬و أما من بعد عنهم من ربيعة و‬
‫لم و جذام و غسان و إياد و قضاعة و عرب اليمن الجاورين لمم الفرس و الروم و البشة فلم تكن لغتهم تامة اللكة بخالطة العاجم‪.‬‬
‫و على نسبة بعدهم من قريش كان الحتجاج بلغاتم ف الصحة و الفساد عند أهل الصناعة العربية‪ .‬و ال سبحانة و تعال أعلم و به‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫الفصل السابع و الربعون‪ :‬ف أن لغة العرب لذا العهد مستقلة مغايرة للغة‬
‫مصر و حي‬
‫و ذلك أنا ندها ف بيان القاصد و الوفاء بالدللة على سنن اللسان الضري و ل يفقد منها إل دللة الركات على تعي الفاعل من الفعول‬
‫فاعتاضوا منها بالتقدي و التأخي و بقرائن تدل على خصوصيات القاصد‪ .‬إل أن البيان و البلغة ف اللسان الضري أكثر و أعرق‪ ،‬لن‬
‫اللفاظ بأعيانا دالة على العان بأعيانا‪ .‬و يبقى ما تقتضيه الحوال و يسمى بساط الال متاجا إل ما يدل عليه‪ .‬و كل معن ل بد و أن‬
‫تكتنفه أحوال تصه فيجب أن تعتب تلك الحوال ف تأدية القصود لنا صفاته و تلك الحوال ف جيع اللسن أكثر ما يدل عليها بألفاظ‬
‫تصها بالوضع‪ .‬و أما ف اللسان العرب فإنا يدل عليها بأحوال و كيفيات ف تراكيب اللفاظ و تأليفها من تقدي أو تأخي أو حذف أو‬
‫حركة أعراب‪ .‬و قد يدل عليها بالروف غي الستقلة‪ .‬و لذلك تفاوتت طبقات الكلم ف اللسان العرب بسب تفاوت الدللة على تلك‬
‫الكيفيات كما قدمناه فكان الكلم العرب لذلك أوجز و أقل ألفاظا و عبارة من جيع اللسن‪ .‬و هذا معن قوله صلى ال عليه و سلم‪:‬‬
‫أوتيت جوامع الكلم و اختصر ل الكلم اختصارا‪ .‬و اعتب ذلك با يكى عن عيسى بن عمر و قد قال له بعض النحاة‪ :‬إن أجد ف كلم‬
‫العرب تكرارا ف قولم‪ :‬زيد قائم و إن زيدا قائم و إن زيدا لقائم و العن واحد‪ .‬فقال له‪ :‬إن معانيها متلفة‪ .‬فالول‪ :‬لفادة الال الذهن‬
‫من قيام زيد‪ .‬و الثان‪ :‬لن سعه فتردد فيه‪ ،‬و الثالث لن عرف بالصرار على إنكاره فاختلفت الدللة باختلف الحوال‪ .‬و ما زالت هذه‬
‫البلغة و البيان ديدن العرب و مذهبهم لذا العهد‪ .‬و ل تلتفت ف ذلك إل خرفشة النحاة أهل صناعة العراب القاصرة مداركهم عن‬
‫التحقيق حيث يزعمون أن البلغة لذا العهد ذهبت و أن اللسان العرب فسد اعتبارا با وقع ف أواخر الكلم من فساد العراب الذي‬
‫يتدارسون قوانينه‪ .‬و هي مقالة دسها التشيع ف طباعهم و ألقاها القصور ف أفئدتم و إل فنحن ند اليوم الكثي من ألفاظ العرب ل تزل ف‬
‫موضوعاتا الول و التعبي عن القاصد و التعاون فيه بتفاوت البانة موجود ف كلمهم لذا العهد و أساليب اللسان و فنونه من النظم و‬
‫النثر موجودة ف ماطباتم و فهم الطيب الصقع ف مافلهم و مامعهم و الشاعر الفلق على أساليب لغتهم‪ .‬و الذوق الصحيح و الطبع‬
‫السليم شاهدان بذلك‪ .‬و ل يفقد من أحوال اللسان الدون إل حركات العراب ف أواخر الكلم فقط الذي لزم ف لسان مضر طريقة‬
‫واحدة و مهيما معروفا و هو العراب‪ .‬و هو بعض من أحكام اللسان‪ .‬و إنا وقعت العناية بلسان مضر لا فسد بخالطتهم العاجم حي‬
‫استولوا على مالك العراق و الشام و مصر و الغرب و صارت ملكته على غي الصورة الت كانت أول فانقلب لغة أخرى‪ .‬و كان القرآن‬
‫منل به و الديث النبوي منقول بلغته و ها أصل الدين و اللة فخشي تناسيهما و انغلق الفهام عنهما بفقدان اللسان الذي نزل به‬
‫فاحتيج إل تدوين أحكامه و وضع مقاييسه و استباط قوانينه‪ .‬و صار علما ذا فصول و أبواب و مقدمات و مسائل ساه أهله بعلم النحو و‬
‫صناعة العربية فأصبح فنا مفوظا و علما مكتوبا و سلما إل فهم كتاب ال و سنة رسوله صلى ال عليه و سلم وافيا‪ .‬و لعلنا لو اعتنينا بذا‬
‫اللسان العرب لذا العهد و استقرينا أحكامه نعتاض عن الركات العرابية ف دللتها بأمور أخرى موخودة فيه تكون با قواني تصها‪ .‬و‬
‫لعلها تكون ف أواخره على غي النهاج الول ف لغة مضر فليست اللغات و ملكاتا مانا‪ .‬و لقد كان اللسان الضري مع اللسان الميي‬
‫بذه الثابة و تغي عند مضر كثي من موضوعات اللسان الميي و تصاريف كلماته‪ .‬تشهد بذلك النقال الوجودة لدينا خلفا لن يمله‬
‫القصور على أنا لغة واحدة و يلتمس إجراء اللغة الميية على مقاييس اللغة الضرية و قوانينها كما يزعم بعضهم ف اشتقاق القيل ف‬
‫اللسان الميي أنه من القول و كثي من أشباه هذا و ليس ذلك بصحيح‪ .‬و لغة حي لغة أخرى مغايرة للغة مضر ف الكثي من أوضاعها و‬
‫تصاريفها و حركات إعرابا كما هي لغة العرب لعهفدنا مع لغة مضر إل أن العناية بلسان مضر من أجل الشريعة كما قلناه حل ذلك على‬
‫الستنباط و الستقراء و ليس عندنا لذا العهد ما يملنا على مثل ذلك و يدعونا إليه‪ .‬و ما وقع ف لغة هذا اليل العرب لذا العهد حيث‬
‫كانوا من القطار شأنم ف النطق بالقاف فإنم ل ينطقون با من مرج القاف عند أهل المصار كما هو مذكور ف كتب العربية أنه من‬
‫أقصى اللسان و ما فوقه من النك العلى‪ .‬و ما ينطقون با أيضا من مرج الكاف و إن كان أسفل من موضع القاف و ما يليه من النك‬
‫العلى كما هي بل ييئون با متوسطة بي الكاف و القاف و هو موجود للجيل أجع حيث كانوا من غرب أو شرق حت صار ذلك علمة‬
‫عليهم من بي المم و الجيال متصا بم ل يشاركهم فيها غيهم‪ .‬حت إن من يريد التقرب و النتساب إل اليل و الدخول فيه ياكيهم‬
‫ف النطق با‪ .‬و عندهم أنه إنا يتميز العرب الصريح من الدخيل ف العروبية والضري بالنطق بذه القاف‪ .‬و يظهر بذلك أنا لغة مضر بعينها‬
‫فإن هذا اليل الباقي معظمهم و رؤساؤهم شرقا و غربا ف ولد منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلن من سليم بن منصور و من‬
‫بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور‪ .‬و هم لذا العهد أكثر المم ف العمور و أغلبهم و هم من أعقاب مضر و‬
‫سائر اليل معهم من بن كهلن ف النطق بذه القاف أسوة‪ .‬و هذه اللغة ل يبتدعها هذا اليل بل هي متوارثة فيهم متعاقبة و يظهر من ذلك‬
‫أنا لغة مضر الولي و لعلها لغة النب صلى ال عليه و سلم بعينها قد ادعى ذلك فقهاء أهل البيت و زعموا أن من قرأ ف أم القرآن اهدنا‬
‫الصراط الستقيم بغي القاف الت لذا اليل فقد لن و أفسد صلته و ل أدر من أين جاء هذا ؟ فإن لغة أهل المصار أيضا ل يستحدثوها و‬
‫إنا تناقلوها من لدن سلفهم و كان أكثرهم من مضر لا نزلوا المصار من لدن الفتح‪ .‬و أهل اليل أيضا ل يستحدثوها إل أنم أبعد من‬
‫مالطة العاجم من أهل المصار‪ .‬فهذا يرجح فيما يوجد من اللغة لديهم أنه من لغة سلفهم‪ .‬هذا مع اتفاق أهل اليل كلهم شرقا و غربا‬
‫ف النطق با و أنا الاصية الت يتميز با العرب من الجي و الضري‪ .‬و الظاهر أن هذه القاف الت ينطق با أهل اليل العرب البدوي هو‬
‫من مرج القاف عند أولم من أهل اللغة‪ ،‬و أن مرج القاف متسع‪ ،‬فأوله من أعلى النك و آخره ما يلي الكاف‪ .‬فالنطق با من أعلى‬
‫النك ف لغة المصار‪ ،‬و النطق با ما يلي الكاف هي لغة هذا اليل البدوي‪ .‬و بذا يندفع ما قاله أهل البيت من فساد الصلة بتركها ف أم‬
‫القرآن‪ ،‬فإن فقهاء المصار كلهم على خلف ذلك‪ .‬و بعيد أن يكونوا أهلوا ذلك‪ ،‬فوجهه ما قلناه‪ .‬نعم نقول إن الرجح و الول ما ينطق‬
‫به أهل اليل البدوي لن تواترها فيهم كما قدمناه شاهد بأنا لغة اليل الول من سلفهم‪ ،‬و أنا لغة النب صلى ال عليه و سلم‪ .‬و يرجح‬
‫ذلك أيضا ادغامهم لا ف الكاف لتقارب الخرجي‪ .‬و لو كانت كما ينطق با أهل المصار من أصل النك‪ ،‬لا كانت قريبة الخرج من‬
‫الكاف‪ ،‬و ل تدغم‪ .‬ث إن أهل العربية قد ذكروا هذه القاف القريبة من الكاف‪ ،‬و هي الت ينطق با أهل اليل البدوي من العرب لذا‬
‫العهد‪ ،‬و جعلوها متوسطة بي مرجي القاف و الكاف‪ .‬على أنا حرف مستقل‪ ،‬و هو بعيد‪ .‬و الظاهر أنا من آخر مرج القاف لتساعه‬
‫كما قلناه‪ .‬ث إنم يصرحون باستهجانه و استقباحه كأنم ل يصح عندهم أنا لغة اليل الول‪ .‬و فيما ذكرناه من اتصال نطقهم با‪ ،‬لنم‬
‫إنا ورثوها من سلفهم جيل بعد جيل‪ ،‬و أنا شعارهم الاص بم‪ ،‬دليل على أنا لغة ذلك اليل الول‪ ،‬و لغة النب صلى ال عليه و سلم‬
‫كما تقدم ذلك كله‪ .‬و قد يزعم زاعم أن هذه القاف الت ينطق با أهل المصار ليست من هذا الرف‪ ،‬و أنا إنا جاءت من مالطتهم‬
‫للعجم‪ ،‬و إنم ينطقون با كذلك‪ ،‬فليست من لغة العرب‪ .‬و لكن القيس كما قدمناه من أنما حرف واحد متسع الخرج‪ .‬فتفهم ذلك‪ .‬و‬
‫ال الادي البي‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الربعون‪ :‬ف أن لغة أهل الضر والمصار لغة قائمة بنفسها‬
‫للغة مضر‬
‫اعلم أن عرف التخاطب ف المصار و بي الضر ليس بلغة مضر القدية و ل بلغة أهل اليل بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها بعيدة عن لغة‬
‫مضر و عن لغة هذا اليل العرب الذي لعهدنا و هي عن لغة مضر أبعد‪ .‬فأنا إنا لغة قائمة بنفسها فهو ظاهر يشهد له ما فيها من التغاير‬
‫الذي يعد عند صناعة أهل النحو لنا‪ .‬و هي مع ذلك تتلف باختلف المصار ف اصطلحاتم فلغة أهل الشرق مباينة بعض الشيء للغة‬
‫أهل الغرب و كذا أهل الندلس عنهما و كل منهم متوصل بلغته إل تأدية مقصوده و البانة عما ف نفسه‪ .‬و هذا معن اللسان و اللغة‪ .‬و‬
‫فقدان العراب ليس بضائر لم كما قلناه ف لغة العرب لذا الهد‪ .‬و أما أنا أبعد عن اللسان الول من لغة هذا اليل فلن البعد عن اللسان‬
‫إنا هو بخالطة العجمة‪ .‬فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الصلي أبعد لن اللكة إنا تصل بالتعليم كما قلناه‪ .‬و هذه‬
‫ملكة متزجة من اللكة الول الت كانت للعرب و من اللكة الثانية الت للعجم‪ .‬فعلى مقدار ما يسمعونه من العجم و يربون عليه يبعون عن‬
‫اللكة الول‪ .‬و اعتب ذلك ف أمصار أفريقية و الغرب والندلس و الشرق‪ .‬أما أفريقية و الغرب فخالطت العرب فيها البابرة من العجم‬
‫بوفور عمرانا بم و ل يكد يلو عنهم مضر و ل جيل فغلبت العجمة فيها على اللسان العرب الذي كان لم و صارت لغة أخرى متزجة‪.‬‬
‫و العجمة فيها أغلب لا ذكرناه فهي عن اللسان الول أبعد‪ .‬و كذا الشرق لا غلب العرب على أمه من فارس و الترك فخالطوهم و‬
‫تداولت بينهم لغاتم ف الكرة و الفلحي و السب الذين اتذوا خولً و دايات و أظآرا و مراضع ففسدت لغتهم بفساد اللكة حت انقلبت‬
‫لغة أخرى‪ .‬و كذا أهل الندلس مع عجم الللقة و الفرنة‪ .‬و صار أهل المصار كلهم من هذه القاليم أهل لغة أخرى مصوصة بم‬
‫تالف لغة مضر و يالف أيضا بعضهم بعضا كما نذكره و كأنه لغة أخرى لستحكام ملكتها ف أجيالم‪ .‬و ال يلق ما يشاء و يقدر‪.‬‬

‫الفصل التاسع و الربعون ف تعليم اللسان الضري‬


‫اعلم أن ملكة اللسان الضري لذا العهد قد ذهبت و فسدت و لغة أهل اليل كلهم مغايرة للغة مضر الت نزل با القرآن و إنا هي لغة‬
‫أخرى من امتزاح العجمة با كما قدمناه‪ .‬إل أن اللغات لا كانت ملكات كما مر كان تعلمها مكنا شأن سائر اللكات‪ .‬و وجه التعليم لن‬
‫يبتغي هذه اللكة و يروم تصيلها أن يأخذ نفسه بفظ كلمهم القدي الاري على أساليبهم من القرآن و الديث و كلم السلف و‬
‫ماطبات فحول العرب ف أسجاعهم و أشعارهم و كلمات الولدين أيضا ف سائر فنونم حت يتنل لكثرة حفظه لكلمهم من النظوم و‬
‫النثور منلة من نشأ بينهم و لقن العبارة عن القاصد منهم‪ .‬ث يتصرف بعد ذلك ف التعبي عما ف ضميه على حساب عباراتم و تأليف‬
‫كلماتم و ما وعاه و حفظه من أساليبهم و ترتيب ألفاظهم فتحثل له هذه اللكة بذا الفظ و الستعمال و يزداد بكثرتما رسوخا و قوة و‬
‫يتاج مع ذلك إل سلمة الطبع و التفهم السن لنازع العرب و أسليبهم ف التراكيب و مراعاة التطبيق بينهما و بي مقتضيات الحوال‪ .‬و‬
‫الذوق يشهد بذلك و هو ينشأ ما بي هذه اللكة و الطبع السليم فيهما كما نذكر‪ .‬و على قدر الحفوظ و كثرة الستعمال تكون جودة‬
‫القول الصنوع نظما و نثرا‪ ،‬و من حصل على هذه اللكات فقد حصل على لغة مضر و هو الناقد البصي بالبلغة فيها و هكذا ينبغي أن‬
‫يكون تعلمها‪ .‬و ال يهدي من يشاء بفضله و كرمه‪.‬‬

‫الفصل المسون‪ :‬ف أن ملكة هذا اللسان غي صناعة العربية و مستغنية عنها‬
‫ف التعليم‬
‫و السبب ف ذلك أن صناعة العربية إنا هي معرفة قواني هذه اللكة و مقاييسها خاصة‪ .‬فهو علم بكيفية ل نفس كيفية‪ .‬فليست نفس اللكة‬
‫و إنا هي بثابة من يعرف صناعة من الصنائع علما ول يكمها عملً‪ .‬مثل أن يقول بصي بالياطة غي مكم للكتها ف التعبي عن بعض‬
‫أنواعها الياطة هي أن يدخل اليط ف خرت البرة ث يغرزها ف لفقي الثوب متمعي و يرجها من الانب الخر بقدار كذا ث يردها إل‬
‫حيث ابتدأت ويرجها قدام منفذها الول بطرح ما بي الثقبي الولي ث يتمادى على ذلك إل آخر العمل و يعطي صورة البك و التثبيت‬
‫و التفتيح و سائر أنواع الياطة و أعمالا‪ .‬و هو إذا طولب أن يعمل ذلك بيده ل يكم منه شيئا‪ .‬و كذا لو سئل عامل بالنجارة عن تفصيل‬
‫الشب فيقول‪ :‬هو أن تضع النشار على رأس الشبة وتسك بطرفه و آخر قبالتك مسك بطرفه الخر و تتعاقبانه بينكما و أطرافه الضرسة‬
‫الحددة تقطع ما مرت عليه ذاهبة و جائية إل أن ينتهي إل آخر الشبة‪ .‬و هو لو طولب بذا العمل أو شيء منه ل يكمه‪ .‬و هكذا العلم‬
‫بقواني العراب مع هذه اللكة ف نفسها فإن العلم بقواني العراب إنا هو علم بكيفية العمل و ليس هو نفس العمل‪ .‬و لذلك ند كثيا‬
‫من جهابذة النحاة و الهرة ف صناعة العربية الحيطي علما بتلك القواني إذا سئل ف كتابة سطرين إل أخيه أو ذوي مودته أو شكوى‬
‫ظلمه أو قصد من قصوده أخطأ فيها عن الصواب و أكثر من اللحن ول يد تأليف الكلم لذلك و العبارة عن القصود على أساليب اللسان‬
‫العرب ‪ ,‬و كذا ند كثيا من يسن هذه اللكة وييد التفنن ف النظوم و النثور و هو ل يسن إعراب الفاعل من الفعول و ل الرفوع من‬
‫الجرور و ل شيئا من قواني صناعة العربية‪.‬‬
‫فمن هذا تعلم أن اللكة هي غي صناعة العربية و إنا مستغنية عنها بالملة و قد ند بعض الهرة ف صناعة العراب بصيا بال هذه اللكة‬
‫و هو قليل و اتفاقي و أكثر ما يقع للمخالطي لكتاب سيبوبه‪ .‬فإنه ل يقتصر على قواني العراب فقط بل مل كتابه من أمثال العرب و‬
‫شواهد أشعارهم و عباراتم فكان فيه جزء صال من تعليم هذه اللكة فتجد العاكف عليه و الحصل له قد حصل على خط من كلم‬
‫العرب و اندرج ف مفوظه ف أماكنه و مفاصل حاجاته‪ .‬و تنبه به لشأن اللكة فاستوف تعليمها فكان أبلغ ف الفادة‪ .‬و من هؤلء الخالطي‬
‫لكتاب سيبويه يغفل عن التفطن لذا فيحصل على علم اللسان صناعة و ل يصل عليه ملكة‪ .‬و أما الخالطون لكتب التأخرين العارية عن‬
‫ذلك إل من القواني النحوية مردة عن أشعار العرب و كلمهم‪ ،‬فقل ما يشعرون لذلك بأمر هذه اللكة أو ينتبهون لشأنا فتجدهم يسبون‬
‫أنم قد حصلوا على رتبة ف لسان العرب و هم أبعد الناس عنه‪ .‬و أهل صناعة العربية بالندلس ومعلموها أقرب إل تصيل هذه اللكة و‬
‫تعليمها من سواهم لقيامهم فيها على شواهد العرب و أمثالم و التفقه ف الكثي من التراكيب ف مالس تعليمهم فيسبق إل البتدئ كثي من‬
‫اللكة أثناء التعليم فتنقطع النفس لا و تستعد إل تصيلها و قبولا‪ .‬و أما من سواهم من أهل الغرب و أفريقية و غيهم فأجروا صناعة‬
‫العربية مرى العلوم بثا و قطعوا النظر ف التفقه ف كلم العرب إل أن أعربوا شاهدا أو رجحوا مذهبا من جهة القتضاء الذهن ل من‬
‫جهة مامل اللسان و تراكيبه‪ .‬فأصبحت صناعة العربية كأنا من جلة قواني النطق العقلية أو الدل و بعدت عن مناحي اللسان و ملكته و‬
‫أفاد ذلك حلتها ف المصار و آفاقها البعد عن اللكة ف الكلية‪ ،‬و كأنم ل ينظرون ف كلم العرب‪ .‬و ما ذلك إل لعدولم عن البحث ف‬
‫شواهد اللسان و تراكيبه و تييز أساليبه و غفلتهم عن الران ف ذلك للمتعلم فهو أحسن ما تفيد اللكة ف اللسان‪ .‬و تلك القواني إنا هي‬
‫وسائل للتعليم لكنهم أجروها على غي ما قصد با و أصاروها علما بتا و بعدوا عن ثرتا‪ .‬و تعلم ما قررناه ف هذا الباب أن حصول‬
‫ملكة اللسن العرب إنا هو بكثرة الحفظ من كلم العرب حت يرتسم ف خياله النوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هو عليه و يتنل‬
‫بذلك منلة من نشأ معهم و خالط عباراتم ف كلمهم حت حصلت له اللكة الستقرة ف يالعبارة عن القاصد على نو كلمهم‪ .‬و ال‬
‫مقد المور كلها و ال أعلم بالغيب‪.‬‬

‫الفصل الواحد و المسون‪ :‬ف تفسر الذوق ف مصطلح أهل البيان و تقيق‬
‫معناه و بيان أنه ل يصل للمستعربي من العجم‬
‫اعلم أن لفظة الذوق يتداولا العتنون بفنون البيان و معناها حصول ملكة البلغة للسان‪ .‬و قد مر تفسي البلغة و أنا مطابقة الكلم للمعن‬
‫من جيع وجوهه بواص تقع للتراكيب ف إفادة ذلك‪ .‬فالتكلم بلسان العرب و البليغ فيه يتحرى اليئة الفيدة لذلك على أساليب العرب و‬
‫أناء ماطباتم و ينظم الكلم على ذلك الوجه جهده فإذا اتصلت مقاماته بخالطة كلم العرب حصلت له اللكة ف نظم الكلم على ذلك‬
‫الوجه و سهل عليه أمر التركيب حيث ل يكاد ينحو فيه غي منحى البلغة الت للعرب و إن سع تركيبا غي جار على ذلك النحى مه و نبا‬
‫عنه سعه بأدن فكر‪ ،‬بل و بغي فكر‪ ،‬إل با استفاد من حصول هذه اللكة‪ .‬فإن اللكات إذا استقرت و رسخت ف مالا ظهرت كأنا طبيعة‬
‫و جبلة لذلك الحل‪ .‬و لذلك يظن كثي من الغفلي من ل يعرف شأن اللكات أن الصواب للعرب ف لغتهم إعرابا و بلغة أمر طبيعي‪ .‬و‬
‫يقول كانت العرب تنطق بالطبع و ليس كذلك و إنا هي ملكة لسانية ف نظم الكلم تكنت و رسخت فظهرت ف بادئ الرأي أنا جبلة و‬
‫طبع‪ .‬و هذه اللكة كما تقدم إنا تصل بمارسة كلم العرب و تكرره على السمع و التفطن لواص تراكيبه و ليست تصل بعرفة القواني‬
‫العلمية ف ذلك الت استنبطها أهل صناعة اللسان فإن هذه القواني إنا تفيد علما بذلك اللسان و ل تفيد حصول اللكة بالفعل ف ملها و قد‬
‫مر ذلك‪ .‬و إذا تقرر ذلك فملكة البلغة ف اللسان تدي البليغ إل وجود النظم و حسن التركيب الوافق لتراكيب العرب ف لغتهم و نظم‬
‫كلمهم‪ .‬و لو رام صاحب هذه اللكة حيدا عن هذه السبل العينة و التراكيب الخصوصة لا قدر عليه و ل وافقه عليه لسانه لنه ل يعتاده‬
‫و ل تديه إليه ملكته الراسخة عنده‪ .‬و إذا عرض عليه الكلم حائدا عن أسلوب العرب و بلغتهم ف نظم كلمهم أعرض عنه و مه و علم‬
‫أنة ليس من كلم العرب الذين مارس كلمهم‪ .‬و ربا يعجز عن الحتجاج لذلك كما تصنه أهل القواني النحوية و البيانية فإن ذلك‬
‫استدلل با حصل من القواني الفادة بالستقراء‪ .‬و هذا أمر وجدان حاصل بمارسة كلم العرب حت يصي كواحد منهم‪ .‬و مثاله‪ :‬لو‬
‫فرضنا صبيا من صبيانم نشأ و رب ف جيلهم فإنه يتعلم لغتهم و يكم شأن العراب و البلغة فيها حت يستول على غايتها‪ .‬و ليس من‬
‫العلم القانون ف شيء و إنا هو بصول هذه اللكة ف لسانه و نطقه‪ .‬و كذلك تصل هذه اللكة لن بعد ذلك اليل بفظ كلمهم و‬
‫أشعارهم و خطبهم و الداومة على ذلك بيث يصل اللكة و يصي كواحد من نشأ ف جيلهم و رب بي أجيالم‪ .‬و القواني بعزل عن هذا‬
‫و استعي لذه اللكة عندما ترسخ و تستقر اسم الذوق الذي اصطلح عليه أهل صناعة البيان و الذوق و إنا هو موضوع لدراك الطعوم‪.‬‬
‫لكن لا كان مل هذه اللكة ف اللسان من حيث النطق بالكلم كما هو مل لدراك الطعوم استعي لا اسه‪ .‬و أيضا فهو وجدان اللسان‬
‫كما أن الطعوم مسوسة له فقيل له ذوق‪ .‬و إذا تبي لك ذلك علمت منه أن العاجم الداخلي ف اللسان العرب الطارئي عليه الضطرين إل‬
‫النطق به لخالطة أهله كالفرس و الروم و الترك بالشرق و كالببر بالغرب فإنه ل يصل لم هذا الذوق لقصور حظهم ف هذه اللكة الت‬
‫قررنا أمرها لن قصاراهم بعد طائفة من العمر و سبق ملكة أخرى إل اللسان و هي لغاتم أن يعتنوا با يتداوله أهل مصر بينهم ف الحاورة‬
‫من مفرد و مركب لا يضطرون إليه من ذلك‪ .‬و هذه اللكة قد ذهبت لهل المصار و بعدوا عنها كما تقدم‪ .‬و إنا لم ف ذلك ملكة‬
‫أخرى و ليست هي ملكة اللسان الطلوبة‪ .‬و من عرف أحكام تلك اللكة من القواني السطرة ف الكتب فليس من تصيل اللكة ف شيء‪.‬‬
‫إنا حصل أحكامها كما عرفت‪ .‬و إنا تصل هذه اللكة بالمارسة و العتياد و التكرر لكلم العرب‪ .‬فإن عرض لك ما تسمعة من أن‬
‫سيبويه و الفارسي و الزمشري و أمثالم من فرسان الكلم كانوا أعجاما مع حصول هذه اللكة لم فاعلم أن أولئك القوم الذين تسمع‬
‫عنهم إنا كانوا عجما ف نسبهم فقط‪ .‬و أما الرب و النشأة فكانت بي أهل هذه اللكة من العرب و من تعلمها منهم فاستولوا بذلك من‬
‫الكلم على غاية ل شيء وراءها و كأنم ف أول نشأتم من العرب الذين نشأوا ف أجيالم حت أدركوا كنه اللغة و صاروا من أهلها فهم و‬
‫إن كانوا عجما ف النسب فليسوا بأعجام ف اللغة و الكلم لنم أدركوا اللة ف عنفوانا و اللغة ف شبابا و ل تذهب أثار اللكة و ل من‬
‫أهل المصار ث عكفوا على المارسة و الدارسة لكلم العرب حت استولوا على غايته‪ .‬و اليوم الواحد من العجم إذا خالط أهل اللسان‬
‫العرب بالمصار فأول ما يد تلك اللكة القصودة من اللسان العرب متحية الثار‪ .‬و يد ملكتهم الاصة بم ملكة أخرى مالفة للكة‬
‫اللسان العرب‪ .‬ث إذا فرضنا أنة أقبل على المارسة لكلم العرب و أشعارهم بالدارسة و الفظ يستفيد تصيلها فقل أن يصل له ما قدمناه‬
‫من أن اللكة إذا سبقتها ملكة أخرى ف الحل فل تصل إل ناقصة مدوشة‪ .‬و إن فرضنا أعجميا ف النسب سلم من مالطة اللسان العجمي‬
‫بالكلية و ذهب إل تعلم هذه اللكة بالفظ و الدارسة فربا يصل له ذلك لكنه من الندور بيث ل يفى عليك با تقرر‪ .‬و ربا يدعى كثي‬
‫من ينظر ف هذه القواني البيانية حصول هذا الذوق له با و هو غلط أو مغالطة و إنا حصلت له اللكة إن حصلت ف تلك القواني البيانية‬
‫و ليست من ملكة العبارة ف شيء‪ .‬و ال يهدي من يشاء إل طريق مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثان و المسون‪ :‬ف أن أهل المصار على الطلق قاصرون ف‬


‫تصيل هذه اللكة اللسانية الت تستفاد بالتعليم و من كان منهم أبعد عن‬
‫اللسان العرب كان حصولا له أصعب و أعسر‬
‫و السبب ف ذلك ما يسبق إل التعلم من حصول ملكة منافية للملكة الطلوبة با سبق إليه من اللسان الضري الذي أفادته العجمة حت نزل‬
‫با اللسان عن ملكته الول إل ملكة أخرى هي لغة الضر لذا العهد‪ .‬و لذا ند العلمي يذهبون إل السابقة بتعليم اللسان للولدان‪ .‬و‬
‫تعتقد النحاة أن هذه السابقة بصناعتهم و ليس كذلك و إنا هي بتهليم هذه اللكة بخالطة اللسان و كلم العرب‪ .‬نعم صناعة النحو أقرب‬
‫إل مالطة ذلك و ما كان من لغات أهل المصار أعرق ف العجمة و أنعد عن لسان مضر قصر بصاحبه عن تعلم اللغة الضرية و حصول‬
‫ملكتها لتمكن النافاة حينئذ‪ .‬و اعتب ذلك ف أهل المصار‪ .‬فأهل أفريقية و الغرب لا كانوا أعرق ف العجمة و أبعد عن اللسان الول كان‬
‫لم قصور تام ف تصيل ملكته بالتعليم‪ .‬و لقد نقل ابن الرفيق أن بعض كتاب القيوان كتب إل صاحب له‪ :‬يا أخي و من ل عدمت فقده‬
‫أعلمن أبو سعيد كلما أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأت و عاقنا اليوم فلم يتهيأ لنا الروج‪ .‬و أما أهل النل الكلب من أمر‬
‫الشي فقد كذبوا هذا باطل ليس من هذا حرفا واحدا‪ .‬و كتاب إليك و أنا مشتاق إليك إن شاء ال‪ .‬و هكذا كانت ملكتهم ف اللسان‬
‫الضري شبية با ذكرنا‪ .‬و كذلك أشعارهم كانت بعيدة عن اللكة نازلة عن الطبقة و ل تزل كذلك لذا العهد و لذا ما كان بأفريقية من‬
‫مشاهي الشعراء إل ابن رشيق و ابن شرف‪ .‬و أكثر ما يكون فيها الشعراء طارئي عليها و ل تزل طبقتهم ف البلغة حت الن مائلة إل‬
‫القصور‪ .‬و أهل الندلس أقرب منهم إل تصيل هذه اللكة بكثرة معاناتم و امتلئهم من الحفوظات اللغوية نظما و نثرا‪ .‬و كان فيهم ابن‬
‫حيان الؤرخ إمام أهل الصناعة ف هذه اللكة و رافع الراية لم فيها و ابن عبد ربه و السقطلي و أمثالم من شعراء ملوك الطوائف لا زخرت‬
‫فيها بار اللسان و الدب و تداول ذلك فيهم مئي من السني حت كان النفضاض و اللء أيام تغلب النصرانية‪ .‬و شغلوا عن تعلم ذلك و‬
‫تناقص العمران فتناقص لذلك شأن الصنائع كلها فقصرت اللكة فيهم عن شأنا حت بلغت الضيض‪ .‬و كان من آخرهم صال بن شريف‬
‫و مالك بن مرحل من تلميذ الطبقة الشبيليي بسبتة و كتاب دولة بن الحر ف أولا‪ .‬و ألقت الندلس أفلذ كبدها من أهل تلك اللكة‬
‫باللء إل العدوة لعدوة الشبيلية إل سبته و من شرقي الندلس إل أفريقية‪ .‬و ل يلبثوا إل أن انقرضوا و انقطع سند تعليمهم ف هذه‬
‫الصناعة لعسر قبول العدوة لا و صعوبتها عليهم بعوج ألسنتهم و رسوخهم ف العجمة الببرية و هي منافية لا قلناه‪ .‬ث عادت اللكة من بعد‬
‫ذلك إل الندلسس كما كانت و نم با ابن بشرين و ابن جابر و ابن الياب و طبقتهم‪ .‬ث إبراهيم الساحلي الطريي و طبقته و قفاهم‬
‫ابن الطيب من بعدهم الالك لذا العهد شهيدا بسعاية أعدائه‪ .‬و كان له ف اللسان ملكة ل تدرك و اتبع أثره تلميذه من بعده‪ .‬و بالملة‬
‫فشأن هذه اللكة بالندلس أكثر و تعليمها أيسر و أسهل با هم عليه لذا العهد كما قدمناه من معاناة علوم اللسان و مافظتهم عليها و‬
‫على علوم الدب و سند تعليمها‪ .‬و لن أهل اللسان العجمي الذين تفسد ملكتهم إنا هم طارئون عليهم‪ .‬و ليست عجمتهم أصل للغة أهل‬
‫الندلس و الببر ف هذه العدوة و هم أهلها و لسانم لسانا إل ف المصار فقط‪ .‬و هم منغمسون ف بر عجمتهم و رطانتهم الببرية‬
‫فيصعب عليهم تصيل اللكة اللسانية بالتعليم بلف أهل الندلس‪ .‬و اعتب ذلك بال أهل الشرق لعهد الدولة الموية و العباسية فكان‬
‫شأنم شأن أهل الندلس ف تام هذه اللكة و إجادتا لبعدهم لذلك العهد عن العاجم و مالطتهم إل ف القليل‪ .‬فكان أمر هذه اللكة ف‬
‫ذلك العهد أقوم و كان فحول الشعراء و الكتاب أوفر لتوفر العرب و أبنائهم بالشرق‪ .‬و انظز ما اشتمل عليه كتاب الغان من نظمهم و‬
‫نثرهم فإن ذلك الكتاب هو كتاب العرب و ديوانم و فيه لغتهم و أخبارهم و أيامهم و ملتهم العربية وسيتم و آثار خلفائهم و ملوكهم و‬
‫أشعارهم و غناوهم و سائر معانيهم له فل كتاب أوعب منه لحوال العرب‪ .‬و بقي أمر هذه اللكة مستحكما ف الشرق ف الدولتي و ربا‬
‫كانت فيهم أبلغ من سواهم من كان ف الاهلية كما نذكره بعد‪ .‬حت تلشى أمر العرب و درست لغتهم و فسد كلمهم و انقضى أثرهم‬
‫و دولتهم و صار المر للعاجم و اللك ف أيديهم و التغلب لم‪ .‬و ذلك ف دولة الديلم و السلجوقية‪ .‬و خالطوا أهل المصار و كثروهم‬
‫فامتلت الرض بلغاتم‪ .‬واستولت العجمة على أهل المصار و الواضر حت بعدوا عن اللسان العرب و ملكته و صار متعلمها منهم مقصرا‬
‫عن تصيلها‪ .‬و على ذلك ند لسانم لذا العهد ف فن النظوم و النثور و إن كانوا مكثرين منه‪ .‬و ال يلق ما يشاء و يتار و ال سبحانه‬
‫و تعال أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث و المسون‪ :‬ف انقسام الكلم إل فن النظم و النثر‬


‫اعلم أن لسان العرب و كلمهم على فني ف الشعر النظوم و هو الكلم الوزون القفى و معناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد و‬
‫هو القافية‪ .‬و ف النثر و هو الكلم غي الوزون و كل واحد من الفني يشتمل على فنون و مذاهب ف الكلم‪ .‬فأما الشعر فمنه الدح و‬
‫الجاء و الرثاء و أما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعا و يلتزم ف كل كلمتي منه قافية واحدة تسمى سجعا و منه الرسل و هو الذي‬
‫يطلق فيه الكلم إطلقا و ل يقطع أجزاء بل يرسل إرسال من غي تقييد بقافية و ل غيها‪ .‬و يستعمل قي الطب و الدعاء و ترغيب‬
‫المهور و ترهيبهم‪ .‬و أما القرآن و إن كان من النثور إل أنه خارج عن الوصفي و ليس يسمى مرسل مطلقا و ل مسجعا‪ .‬بل تفصيل‬
‫آيات ينتهي إل مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلم عندها‪ .‬ث يعاد الكلم ف الية الخرى بعدها و يثن من غي التزام حرف يكون سجعا و‬
‫ل قافية و هو معن قوله تعال‪ :‬ال نزل أحسن الديث كتابا متشابا مثان تقشعر منه جلود الذين يشون ربم‪ .‬و قال‪ :‬قد فصلنا اليات‪ .‬و‬
‫يسمى آخر اليات منها فواصل إذ ليست أسجاعا و ل التزم فيها ما يلتزم ف السجع و ل هي أيضا قواف‪ .‬و أطلق اسم الثان على آيات‬
‫القرآن كلها على العموم لا ذكرناه و اختصت بأم القرآن للغلبة فيها كالنجم للثريا و لذا سيت السبع الثان‪ .‬و انظر هذا مع ما قاله‬
‫الفسرون ف تعليل تسميتها بالثان يشهد لك الق برجحان ما قلناه‪ .‬و اعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تتص به عند أهله و ل‬
‫تصلح للفن الخر و ل تستعمل فيه مثل النسيب الختص بالشعر و المد و الدعاء الختص بالطب و الدعاء الختص بالخاطبات و أمثال‬
‫ذلك‪ .‬و قد استعمل التأخرون أساليب الشعر و موازينه ف النثور من كثرة الشجاع و التزام التقفية و تقدي النسيب بي يدي الغراض‪ .‬و‬
‫صار هذا النثور إذا تأملته من باب الشعر و فنه و ل يفترقا إل ف الوزن‪ .‬و استمر التأخرون من الكتاب على هذه الطريقة و استعملوها ف‬
‫الخاطبات السلطانية و قصروا الستعمال ف النثور كله على هذا الفن الذي ارتضوه و خلطوا الساليب فيه و هجروا الرسل و تناسوه و‬
‫خصوصا أهل الشرق‪ .‬و صارت الخاطبات السلطانية لذا العهد عند الكتاب الغفل جارية على هذا السلوب الذي أشرنا إليه و هو غي‬
‫صواب من جهة البلغة لا يلحظ ف تطبيق الكلم على مقتضى الال من أحوال الخاطب و الخاطب‪ .‬و هذا الفن النثور القفى أدخل‬
‫التأخرون فيه أساليب الشعر فوجب أن تنه الخاطبات السلطانية عنه إذ أساليب الشعر تنافيها اللوذعية و خلط الد بالزل و الطناب ف‬
‫الوصاف و ضرب المثال و كثرة التشبيهات و الستعارات حيث ل تدعو ضرورة إل ذلك ف الطاب‪ .‬و التزام التقفية أيضا من اللوذعة‬
‫و التزيي و جلل اللك و السلطان و خطاب المهور عن اللوك بالترغيب و الترهيب تناف ذلك و يباينة‪ .‬و الحمود ف الخاطبات‬
‫السلطانية الترسل و هو إطلق الكلم و إرساله من غي تسجيع إل ف القل النادر‪ .‬و حيث ترسله اللكة إرسال من غي تكلف له ث إعطاء‬
‫الكلم حقه ف مطابقته لقتضى الال فإن القامات متلفة و لكل مقام أسلوب يصه من إطناب أو إياز أو حذف أو إثبات أو تصريح أو‬
‫إشارة أو كناية و استعارة‪ .‬و أما إجراء الخاطبات السلطانية على هذا النحو الذي هو على أساليب الشعر فمذموم و ما حل عليه أهل‬
‫العصر إل استيلء العجمة على ألسنتهم و قصورهم لذلك عن إعطاء الكلم حقه ف مطابقته لقتضى الال فعجزوا عن الكلم الرسل لبعد‬
‫أمده ف البلغة و انفساح خطوبه‪ .‬و ولعوا بذا السجع يلفقون به ما نقصهم من تطبيق الكلم على القصود و مقتضى الال فيه‪ .‬و يبونه‬
‫بذلك القدر من التزيي بالسجاع و اللقاب البديعة و يغفلون عما سوى ذلك‪ .‬و أكثر من أخذ بذا الفن و بالغ فيه ف سائر أناه كلمهم‬
‫كتاب الشرق و شعراؤه لذا العهد حت إنم ليخلون بالعراب ف الكلمات و التصريف إذا دخلت لم ف تنيس أو مطابقة ل يتمعان معها‬
‫فيجحون ذلك الصنف من التجنيس‪ .‬و يدعون العراب و يفسدون بنية الكلمة عساها تصادف التجنيس‪ .‬فتأفل ذلك با قدمناه لك تقف‬
‫على صحة ما ذكرناه‪ .‬و ال الوفق للصواب بنه و كرمه و ال تعال أعلم‪.‬‬

‫الفصل الرابع و المسون‪ :‬ف أنه ل تتفق الجادة ف فن النظوم و النثور‬


‫معا إل للقل‬
‫و السبب ف ذلك أنه كما بيناه ملكة ف اللسان فإذا تسبقت إل مله ملكة أخرى قصرت بالحل عن تام اللكة اللحقة‪ .‬لن تام اللكات و‬
‫حصولا للطبائع الت على الفطرة الول أسهل و أيسر‪ .‬و إذا تقدمتها ملكة أخرى كانت منازعة لا ف الادة القابلة و عالقة عن سرعة‬
‫القبول فوقعت النافاة و تعذر التمام ف اللكة و هذا موجود به ف اللكات الصناعية كلها على الطلق‪ .‬و قد برهنا عليه ف موضعه بنحو‬
‫من هذا البهان‪ .‬فاعتب مثله ف اللغات فإنا ملكات اللسان و هي بنلة الصناعة‪ .‬و انظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكون قاصرا‬
‫ف اللسان العرب أبدا‪ .‬فالعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية ل يستول على ملكة اللسان العرب و ل يزال قاصرا فيه و لو تعلمه و علمه‪.‬‬
‫و كذا الببري و الرومي‪ .‬و الفرني قل أن تد أحدا منهم مكما للكة اللسان العرب‪ .‬و ما ذلك إل لا سبق إل ألسنتهم من ملكة اللسان‬
‫الخر حت إن طالب العلم من أهل هذه اللسن إذا طلبه بي أهل اللسان العرب جاء مقصرا ف معارفه عن الغاية و التحصيل و ما أوت إل‬
‫من قبل اللسان‪ .‬و قد تقدم لك من قبل أن اللسن و اللغات شبيهة بالصنائع‪ .‬و قد تقدم لك أن الصنائع و ملكاتا ل تزدحم‪ .‬و أن من‬
‫سبقت له إجادة ف صناعة فقل أن ييد ف أخرى أو يستول فيها على الغاية‪ .‬و ال خلقكم و ما تعملون‪.‬‬

‫هذا الفن من فنون كلم‬ ‫الفصل الامس و المسون‪ :‬ف صناعة الشعر و وجه تعلمه‬
‫العرب و هو السمى بالشعر عندهم و يوجد ف سائر اللغات إل أننا الن إنا نتكلم ف الشعر الذي للعرب‪ .‬فإن أمكن أن تد فيه أهل‬
‫اللسن الخرى مقصودهم من كلمهم و إل فلكل لسان أحكام ف البلغة تصه‪ .‬و هو ف لسان العرب غريب النعة عزيز النحى إذ هو‬
‫كلم مفصل قطعا قطعا متساوية ف الوزن متحدة ف الرف الخي من كل قطعة و تسمى كل قطعي من هذه القطعات عندهم بيتا و‬
‫يسمى الرف الخي الذي تتفق فيه رويا و قافية و يسمى جلة الكلم إل آخره قصيدة و كلمة‪ .‬و ينفرد كل بيت منه بإفادته ف تراكيبه‬
‫حت كأنه كلم وحده مستقل عما قبله و ما بعده‪ .‬و إذا أفرد كان تاما ف بابه ف مدح أؤ تشبيب أو رثاء فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك‬
‫البيت ما يستقل ف إفادته‪ .‬ث يستأنف ف البيت الخر كلما آخر كذلك و يستطرد للخروج من فن إل فن و من مقصود إل مقصود بأن‬
‫يوطئ القصود الول و معانيه إل أن يناسب القصود الثان و يبعد الكلم عن التنافر‪ .‬كما يستطرد من التشبيب إل الدح و من وصف‬
‫البيداء و الطلول إل وصف الركاب أو اليل أو الطيف و من وصف المدوح إل وصف قومه و عساكره و من التفجع و العزاء ف الرثاء‬
‫إل التأثر و أمثال ذلك‪ .‬و يراعي فيه اتفاق القصيدة كلها ف الوزن الواحد حذرا من أن يتساهل الطبع ف الروج من وزن إل وزن يقاربه‪.‬‬
‫فقد يفى ذلك من أجل القاربة على كثي من الناس‪ .‬و لذه الوازين شروط و أحكام تضمنها علم العروض‪ .‬و ليس كل وزن يتفق ف‬
‫الطبع استعملته العرب ف هذا الفن و إنا هي أوزان مصوصة تسميها أهل تلك الصناعة البحور‪ .‬و قد حصروها ف خسة عشر برا بعن‬
‫أنم ل يدوا للعرب ف غيها من الوازين الطبيعية نظما‪ .‬و اعلم أن فن الشعر من بي الكلم كان شريفا عند العرب‪ .‬و لذلك جعلوه ديوان‬
‫علومهم و أخبارهم و شاهد صوابم و خطئهم و أصل يرجعون إليه ف الكثي من علومهم و حكمهم‪ .‬و كانت ملكته مستحكمة فيهم‬
‫شأن اللكات كلها‪ .‬و اللكات اللسانية كلما إنا تكسب بالصناعة و الرتياض ف كلمهم حت يصل شبة ف تلك اللكة‪ .‬و الشعر من بي‬
‫فنون الكلم صعب الأخذ على من يريد اكتساب ملكته بالصناعة من التأخرين لستقلل كل بيت منه بأنه كلم تام ف مقصوده و يصلح‬
‫أن ينفرد دون ما سواه فيحتاج من أجل ذلك إل نوع تلطف ف تلك اللكة حت يفرغ الكلم الشعري ف قوالبه الت عرفت له ف ذلك‬
‫النحى من شعر العرب و يبز مستقل بنفسه‪ .‬ث يأتى ببيت آخر كذلك ث ببيت آخر و يستكمل الفنون الوافية بقصوده‪ .‬ث يناسب بي‬
‫البيوت ف موالة بعضها مع بعض بسب اختلف الفنون الت ف القصيدة‪ .‬و لصعوبة منحاه و غرابة فنه كان مكا للقرائح ف استجادة‬
‫أساليبه و شحذ الفكار ف تنيل الكلم ف قوالبه‪ .‬و ل يكفي فيه ملكة الكلم العرب على الطلق بل يتاج بصوصه إل تلطف و ماولة‬
‫ف رعاية الساليب الت اختصته العرب با و استعمالا فيه‪ .‬لنذكر هنا سلوك السلوب عند أهل هذه الصناعة و ما يريدون با ف إطلقهم‪.‬‬
‫فاعلم أنا عبارة عندهم عن النوال الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ به‪ .‬و ل يرجع إل الكلم باعتبار إفادته أصل العن الذي‬
‫هو وظيفة العراب و ل باعتبار إفادته كمال العن من خواص التراكيب الذي هو و ظيفة البلغة و البيان و ل باعتبار الوزن كما استعمله‬
‫العرب فيه الذي هو وظيفة العروض‪ .‬فهذه العلوم الثلثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية و إنا يرجع إل صورة ذهنية للتراكيب النتظمة‬
‫كلية باعتبار انطباقها على تركيب خاص‪ .‬و تلك الصورة ينتزعها الذهن من أعيان التراكيب و أشخاصها و يصيها ف اليال كالقالب أو‬
‫النوال ث ينتقي التراكيب الصحيحة عند العرب باعتبار العراب و البيان فيصها فيه رصا كما يفعله البناء ف القالب أو النساج ف النوال‬
‫حت يتسع القالب بصول التراكيب الوافية بقصود الكلم و يقع على الصورة الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العرب فيه فإن لكل فن من‬
‫الكلم أساليب تتص به و توجد فيه على أناء متلفة فسؤال الطلول ف الشعر يكون بطاب الطلول كقوله‪ :‬يا دار مية بالعلياء فالسند و‬
‫يكون باستدعاء الصحب للوقوف و السؤال كقوله‪ :‬قفا نسأل الدار الت خف أهلها‪ .‬أو باستبكاء الصحب على الطلل كقوله‪ :‬قفا نبك من‬
‫ف ذكرى حبيب و منل‪ .‬أو بالستفهام عن الواب لخاطب غي معي كقوله‪ :‬أل تسأل فتخبك الرسوم‪ .‬و مثل تية الطلول بالمر‬
‫لخاطب غي معي بتحيتها كقوله‪ :‬حي الديار بانب الغزل‪ .‬أو بالدعاء لا بالسقيا كقوله‪:‬‬
‫و غدت عليهم نضرة و نعيم‬ ‫أسقى طلولم أجش هزي‬

‫أو سؤاله السقيا لا من البق كقوله‪:‬‬

‫واحد السحاب لا حداء الينق‬ ‫يا برق طالع منل بالبرق‬

‫أو مثل التفجع ف الزع باستدعاء البكاء كقوله‪:‬‬

‫و ليس لعي ل يفض ماؤها عذر‬ ‫كذا فليجل الطب و ليفدح المر‬

‫أو باستعظام الادث كقوله‪ :‬أرأيت من حلوا على العواد أرأيت كيف خبا ضياء النادي‪ .‬أو بالتسجيل على الكوان بالصيبة لفقده كقوله‪:‬‬

‫مضى الردى بطويل الرمح و الباع‬ ‫منابت العشب ل حام و ل راع‬

‫أو بالنكار على من ل يتفجع له من المادات كقول الارجية‪:‬‬

‫كأنك ل تزع على ابن طريف‬ ‫أيا شجر الابور مالك مورقا‬

‫أو بتهيئة فريقه بالراحة من ثقل وطأته كقوله‪:‬‬

‫أودى الردى بفريقك الغوار‬ ‫ألقى الرماح ربيعة بن نزار‬

‫و أمثال ذلك كثي من سائر فنون الكلم و مذاهبه‪ .‬و تنتظم التراكيب فيه بالمل و غي المل إنشائية و خبية‪ ،‬إسية و فعلية‪ ،‬متفقة‪،‬‬
‫مفصولة و موصولة‪ ،‬على ما هو شأن التراكيب ف الكلم العرب ف مكان كل كلمة من الخرى‪ .‬يعرفك فيه ما تستفيده بالرتياض ف‬
‫أشعار العرب من القالب الكلي الجرد ف الذهن من التراكيب العينة الت ينطبق ذلك القالب على جيعها‪ .‬فإن مؤلف الكلم هو كالبناء أو‬
‫النساج و الصورة الذهنية النطبقة كالقالب الذي يبن فيه أو النوال الذي ينسج عليه‪ .‬فإن خرج عن القالب ف بنائه أو عن النوال ف نسجه‬
‫كان فاسدا‪ .‬و ل تقولن إن معرفة قواني البلغة كافية لذلك لنا نقول قواني البلغة إنا هي قواعد علمية قياسية تفيد جواز استعمال‬
‫التراكيب على هيئتها الاصة بالقياس‪ .‬و هو قياس علمي صحيح مطرد كما هو قياس القواني العرابية‪ .‬و هذه الساليب الت نن نقررها‬
‫ليست من القياس ف شيء إنا هي هيئة ترسخ ف النفس من تتبع التراكيب ف شعر العرب لريانا على اللسان حت تستحكم صورتا‬
‫فيستفيد با العمل على مثالا و الحتذاء با ف كل تركيب من الشعر كما قدمنا ذلك ف الكلم بإطلق‪ .‬و إن القواني العلمية من العربية و‬
‫البيان ل يفيد تعليمه بوجه‪ .‬و ليس كل ما يصح ف قياس كلم العرب و قوانينه العلمية استعملوه‪ .‬و إنا الستعمل عندهم من ذلك أناء‬
‫معروفة يطلع عليها الافظون لكلمهم تندرج صورتا تت تلك القواني القياسية‪ .‬فإذا نظر ف شعر العرب على هذا النحو و بذه الساليب‬
‫الذهنية الت تصي كالقوالب كان نظرا ف الستعمل من تراكيبهم ل فيما يقتضيه القياس‪ .‬و لذا قلنا إن الحصل لذه القوالب ف الذهن إنا‬
‫هو حفظ أشعار العرب و كلمهم‪ .‬و هذه القوالب كما تكون ف النظوم تكون ف النثور فإن العرب استعملوا كلمهم ف كل الفني‬
‫وجاؤوا به مفصل ف النوعي‪ .‬ففي الشعر بالقطع الوزونة و القواف القيدة و استقلل الكلم ف كل قطعي و ف النثور يعتبون الوازنة و‬
‫التشابه بي القطع غالبا و قد يقيدونه بالسجاع‪ .‬و قد يرسلونه و كل واحد ف من هذه معروفة ف لسان العرب‪ .‬و الستعمل منها عندهم‬
‫هو الذي يبن مؤلف الكلم عليه تأليفه و ل يعرفه إل من حفظ كلمهم حت يتجرد ف ذهنه من القوالب العينة الشخصية قالب كلي مطلق‬
‫يذو حذوه ف التأليف كما يذو البناء على القالب و النساج على النوال‪ .‬فلهذا كان من تآليف الكلم منفردا عن نظر النحوي و البيان و‬
‫العروضي‪ .‬نعم إنه مراعاة قواني هذه العلوم شرط فيه ل يتم بدونا فإذا تصلت هذه الصفات كلها ف الكلم اختص بنوع من النظر لطيف‬
‫ف هذه القوالب الت يسمونا أساليب‪ .‬و ل يفيده إل حفظ كلم العرب نظما و نثرا‪ .‬و إذا تقرر معن السلوب ما هو فلنذكر بعده حدا أو‬
‫رسا للشعر به تفهم حقيقته على صعوبة هذا العرض‪ .‬فإنا ل نقف عليه لحد من التقدمي فيما رأيناه‪ .‬و قول العروضيي ف حده إنه الكلم‬
‫الوزون القفى ليس بد لذا الشعر الذي نن بصدده و ل رسم له‪ .‬و صناعتهم إنا تنظر ف الشعر من حيث اتفاق أبياته ف عدد التحركات‬
‫و السواكن على التوال‪ ،‬و ماثلة عروض أبيات الشعر لضربا‪ .‬و ذلك نظر ف وزن مدد عن اللفاظ و دللتها‪ .‬فناسب أن يكون حدا‬
‫عندهم‪ ،‬و نن هنا ننظر ف الشعر باعتبار ما فيه من العراب و البلغة‪ .‬و الوزن و القوالب الاصة‪ .‬فل جرم إن حدهم ذلك ل يصلح له‬
‫عندنا فل بد من تعريف يعطينا حقيقته من هذه اليثية فنقول‪ :‬الشعر هو الكلم البليغ البن على الستعاره و الوصاف‪ ،‬الفضل بأجزاء‬
‫متفقة ف الوزن و الروي مستقل كل جزء منها ف غرضه و مقصده عما قبله و بعده الاري على أساليب العرب الخصوصة به‪ .‬فقولنا‬
‫الكلم البليغ جنس و قولنا البن على الستعارة و الوصاف فصل له عما يلو من هذه فإنه ف الغالب ليس بشعر و قولنا الفصل بأجزاء‬
‫متفقة الوزن و الروي فصل له عن الكلم النثور الذي ليس بشعر عند الكل و قولنا مستقل كل جزء منها ف غرضه و مقصده عما قبله و‬
‫بعده بيان للحقيقة لن الشعر ل تكون أبياته إل كذلك و ل يفصل به شيء‪ .‬و قولنا الاري على الساليب الخصوصة به فصل له عما ل‬
‫ير منه على أساليب العرب العروفة فإنه حينئذ ل يكون شعرا إنا هو كلم منظوم لن الشعر له أساليب تصه ل تكون للمنثور‪ .‬و كذا‬
‫أساليب النثور ل تكون للشعر فما كان من الكلم منظوما و ليس على تلك الساليب فل يكون شعرا‪ .‬و بذا العتبار كان الكثي من‬
‫لقيناه من شيوخنا ف هذه الصناعة الدبية يرون أن نظم التنب و العري ليس هو من الشعر ف شيء لنما ل يريا على أساليب العرب فيه‪،‬‬
‫و قولنا ف الد الاري على أساليب العرب فصل له عن شعر غي العرب من المم عندما يرى أن الشعر يوجد للعرب و غيهم‪ .‬و من يرى‬
‫أنه ل يوجد لغيهم فل يتاج إل ذلك و يقول مكانه الاري على الساليب الخصوصة‪ .‬و إذ قد فرغنا من الكلم على حقيقة الشعر‬
‫فلنرجع إل الكلم ف كيفية عمله فنقول‪ :‬اعلم أن لعمل الشعر و إحكام صناعته شروطا أولا‪ :‬الفظ من جنسه أي من جنس شعر العرب‬
‫حت تنشأ ف النفس ملكة ينسج على منوالا و يتخي الحفوظ من الر النقي الكثي الساليب‪ .‬و هذا الحفوظ الختار أقل ما يكفي فيه شعر‬
‫شاعر من الفحول السلميي مثل ابن ربيعة و كثي و ذي الرمة و جرير و أب نواس و حبيب و البحتري و الرضي و أب فراس‪ .‬و أكثره‬
‫شعر كتاب الغان لنه جع شعر أهل الطبقة السلمية كله و الختار من شعر الاهلية‪ .‬و من كان خاليا من الحفوظ فنظمه قاصر رديء‬
‫و ل يعطيه الرونق و اللوة إل كثرة الحفوظ‪ .‬فمن قل حفظه أو عدم ل يكن له شعر و إنا هو نظم ساقط‪ .‬و اجتناب الشعر أول بن ل‬
‫يكن له مفوظ‪ .‬ث بعد المتلء من الفظ و شحذ القرية للنسج على النوال يقبل على النظم و بالكثار منه تستحكم ملكته و ترسخ‪ .‬و‬
‫ربا يقال إن من شرطه نسيان ذلك الحفوظ لتمحى رسومه الرفية الظاهرة إذ هي صادرة عن استعمالا بعينها‪ .‬فإذا نسيها و قد تكيفت‬
‫النفس با انتقش السلوب فيها كأنه منوال يؤخذ بالنسج عليه بأمثالا من كلمات أخري ضرورة‪ .‬ث ل بد له من اللوة و استجادة الكان‬
‫النظور فيه من الياه و الزهار و كذا السموع لستنارة القرية باستجماعها و تنشيطها بلذ السرور‪ .‬ث مع هذا كله فشرطه أن يكون على‬
‫جام و نشاط فذلك أجع له و أنشط للقرية أن تأت بثل ذلك النوال الذي ف حفظه‪ .‬قالوا‪ :‬و خي الوقات لذلك أوقات البكر عند‬
‫البوب من النوم و فراغ العدة و نشاط الفكر و ف هؤلء المام‪ .‬و ربا قالوا إن من بواعثه العشق و النتشاء ذكر ذلك ابن رشيق ف‬
‫كتاب العمدة و هو الكتاب الذي انفرد بذه الصناعة و إعطاء حقها و ل يكتب فيها أحد قبله و ل بعده مثله‪ .‬قالوا‪ :‬فإن استصعب عليه‬
‫بعد هذا كله فليتركه إل وقت أخر و ل يكره نفسه عليه‪ .‬و ليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه و نسجه بعضها و يبن الكلم‬
‫عليها إل آخره لنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب عليه وضعها ف ملها‪ .‬فربا تيء نافرة قلقة و إذا سح الاطر بالبيت و ل‬
‫يناسب الذي عنده فليتركه إل موضعه الليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه و ل تبق إل الناسبة فليتخي فيها كما يشاء و لياجع شعره بعد‬
‫اللص منه بالتنقيح و النقد و ل يضن به على الترك إذا ل يبلغ الجادة‪ .‬فإن النسان مفتون بشعره إذ هو نبات فكره و اختراع قريته و ل‬
‫يستعمل فيه من الكلم إل الفصح من التراكيب‪ .‬و الالص من الضرورات اللسانية فليهجرها فإنا تنل بالكلم عن طبقة البلغة‪ .‬و قد‬
‫حظر أئمة اللسان الولد من ارتكاب الضرورة إذ هو ف سعة منها بالعدول عنها إل الطريقة الثلى من اللكة‪ .‬و يتنب أيضا العقد من‬
‫التراكيب جهده‪ .‬و إنا يقصد منها ما كانت معانيه تسابق ألفاظه إل الفهم‪ .‬و كذلك كثرة العان ف البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد على‬
‫الفهم‪ .‬و إنا الختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معانيه أو أوف منها‪ .‬فإن كانت العان كثية كان حشوا و استعمل الذهن بالغوص عليها‬
‫فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلغة‪ .‬و ل يكون الشعر سهل إل إذا كانت معانيه تسابق ألفاظه إل الذهن‪ .‬و لذا كان شيوخنا‬
‫رحهم ال يعيبون شعر أب بكر بن خفاجة شاعر شرق الندلس لكثرة معانيه و ازدحامها ف البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر التنبئ و‬
‫العري بعدم النسج على الساليب العربية كما مر فكان شعرها كلما منظوما نازل عن طبقة الشعر و الاكم بذلك هو الذوق‪ .‬و ليجتنب‬
‫الشاعر أيضا الوشي من اللفاظ و القصر و كذلك السوقي البتذل بالتداول بالستعمال فإنه ينل بالكلم عن طبقة البلغة و كذلك العان‬
‫البتذلة بالشهرة فإن الكلم ينل با عن البلغة أيضا فيصي مبتذل و يقرب من عدم الفادة كقولم‪ :‬النار حارة و السماء فوقنا‪ .‬و بقدار ما‬
‫يقرب من طبقة عدم الفادة يبعد عن رتبة البلغة إذ ها طرفان‪ .‬و لذا كان الشعر ف الربانيات و النبويات قليل الجادة ف الغالب و ل‬
‫يذق فيه إل الفحول و ف القليل على العشر لن معانيها متداولة بي المهور فتصي مبتذلة لذلك‪ .‬و إذا تعذر الشعر بعد هذا كله فلياوضه‬
‫و يعاوده فإن القرية مثل الضرع يدر بالمتراء و يف بالترك و الهال‪ .‬و بالملة فهذه الصناعة و تعلمها مستوف ف كتاب العمدة لبن‬
‫رشيق و قد ذكرنا منها ما حضرنا بسب الهد‪ .‬و من أراد استيفاء ذلك فعليه بذلك الكتاب ففيه البغية من ذلك‪ .‬و هذه نبذة كافية و ال‬
‫العي‪ .‬و قد نظم الناس ف أمر هذه الصناعة الشعرية ما يب فيها‪ .‬و من أحسن ما قيل ف ذلك و أظنه لبن رشيق‪:‬‬

‫من ضنوف الهال منه لقينا‬ ‫لعن ال صنعة الشعر ماذا‬

‫كان سهل للسامعي مبينا‬ ‫يؤثرون الغريب منه على ما‬

‫و خسيس الكلم شيئا ثينا‬ ‫ويرون الحال معن صحيحا‬

‫رون للجهل أنم يهلونا ‌‬ ‫يهلون الصواب منه و ل يد‬

‫ن و ف الق عندنا يعذرونا‬ ‫فهم عند من سوانا يلمو‬

‫و إن كان ف الصفات فنونا‬ ‫إنا الشعر ما يناسب ف النظم‬

‫وأقامت له الصدور التونا‬ ‫فأتى بعضه يشاكل بعضا‬

‫تتمن و ل يكن أن يكونا‬ ‫كل معن أتاك منه على ما‬

‫كاد حسنا يبي للناظرينا‬ ‫فتناهى من البيان إل أن‬

‫و العان ركب فيها عيونا‬ ‫فكأن اللفاظ منه وجوه‬

‫يتحلى بسنه النشدونا‬ ‫إنا ف الرام حسب المان‬

‫رمت فيه مذاهب الشتهينا‬ ‫فإذا ما مدحت بالشعر حرا‬

‫و جعلت الديح صدقا مبينا‬ ‫فجعلت النسيب سهل قريبا‬

‫و إن كان لفظه موزونا‬ ‫و تنكبت ما يهجن ف السمع‬


‫عبت فيه مذاهب الرقبينا‬ ‫و إذا ما عرضته بجاء‬

‫و جعلت التعريض داء دفينا‬ ‫فجعلت التصريح منه دواء‬

‫دين يوما للبي و الظاعنينا‬ ‫و إذا ما بكيت فيه على الغا‬

‫ن من الدعع ف العيون مصونا‬ ‫خلت دون السى و ذللت ما كا‬

‫عد وعيدا و بالصعوبة بينا‬ ‫ث إن كنت عاتبا جئت بالو‬

‫حذرا آمنا عزيزا مهينا‬ ‫فتركت الذي عتبت عليه‬

‫و إن كان واضحا مستبينا‬ ‫و أصح القريض ما قارب النظم‬

‫و إذا ري أعجز العجزينا‬ ‫فإذا قيل أطمع الناس طرا‬

‫ومن ذلك أيضا قول بعضهم و هو الناشي‪:‬‬

‫و شددت بالتهذيب أس متونه‬ ‫الشعر ما قومت ربع صدوره‬

‫و فتحت بالياز عور عيونه‬ ‫و رأيت بالطناب شعب صدوعه‬

‫و جعت بي ممه و معينه‬ ‫و جعت بي قريبه و بعيده‬

‫و قضيته بالشكر حق ديونه‬ ‫و إذا مدحت به جوادا ماجدا‬

‫و خصصته بطيه و ثينه‬ ‫أصفيته بتفتش و رضيته‬

‫و يكون سهل ف اتفاق فنونه‬ ‫فيكون جزل ف مساق صنوفه‬

‫أجريت للمخزون ماء شؤونه‬ ‫و إذا بكيت به الديار و أهلها‬

‫باينت بي ظهوره و بطونه‬ ‫و إذا أردت كناية عن ريبة‬

‫بثبوته و ظنونه بيقينه‬ ‫فجعلت سامعه يشوب شكوكه‬

‫أدمت شدته له ف لينه‬ ‫و إذا عتبت على أخ ف زلة‬

‫مستأمنا لوعوته و حزونه‬ ‫فتركته مستانسأ بدماثة‬


‫إذ صارمتك بفاتنات شؤونه‬ ‫و إذا نبذت إل الذي علقتها‬

‫و شغفتها ببيه و كمنه‬ ‫تيمتها بلطيفه و رفيقه‬

‫و أشكت بي ميله و مبينه‬ ‫و إذا اعتذرت لسقطة أسقطتها‬

‫عتبا عليه مطالبا بيمينه‬ ‫‌ فيحول ذنبك عند من يعتده‬

‫الفصل السادس و المسون‪ :‬ف أن صناعة النظم و النثر إنا هي ف اللفاظ‬


‫ل ف العان‬
‫إعلم أن صناعة الكلم نظما و نثرا إنا هي ف اللفاظ ل ف العان إنا العان تبع لا و هي أصل‪ .‬فالصانع الذي ياول ملكة الكلم ف النظم‬
‫و النثر إنا ياولا ف اللفاظ بفظ أمثالا من كلم العرب ليكثر استعماله و جريه على لسانه حت تستقر له اللكة ف لسان مضر و يتخلص‬
‫من العجمة الت رب عليها ف جبله و يفرض نفسه مثل وليد نشأ ف جبل العرب و يلقن لغتهم كما يلقنها الصب حت يصي كأنه واحد منهم‬
‫ف لسانم‪ .‬و ذلك أنا قدمنا أن للسان ملكة من اللكات ف النطق ياول تصيلها بتكرارها على اللسان حت تصل شأن اللكات و الذي ف‬
‫اللسان و النطق إنا هو اللفاظ و أما العان فهي ف الضمائر‪ .‬وأيضا فالعان موجودة عند كل واحد و ف طوع كل فكر منها ما يشاء و‬
‫يرضى فل يتاج إل تكلف صناعة ف تأليفها و تأليف الكلم للعبارة عنها هو الحتاج للصناعة كما قلناه و هو بثابة القوالب للمعان‪ .‬فكما‬
‫أن الوان الت يغترف با الاء من البحر منها آنية الذهب و الفضة و الصدف و الزجاج و الزف و الاء واحد ف نفسه‪ .‬و تتلف الودة ف‬
‫الوان الملؤة بالاء باختلف جنسها ل باختلف الاء‪ .‬كذلك جودة اللغة و بلغتها ف الستعمال تتلف بإختلف طبقات الكلم ف‬
‫تأليفه باعتبار تطبيقه على القاصد‪ .‬و العان واحدة ف نفسها و إنا الاهل بتأليف الكلم و أساليبه على مقتضى ملكة اللسان إذا حاول‬
‫العبارة عن مقصوده و ل يسن بثابة القعد الذي يروم النهوض و ل يستطيعه لفقدان القدرة عليه‪ .‬و ال يعلمكم ما ل تكونوا تعلمون‪.‬‬

‫الفصل السابع و المسون‪ :‬ف أن حصول هذه اللكة بكثرة الفظ و جودتا‬
‫بودة الحفوظ‬
‫قد قدمنا أنه ل بد من كثرة الفظ لن يروم تعلم اللسان العرب و على قدر جودة الحفوظ و طبقته ف جنسه و كثرته من قلته تكون جودة‬
‫اللكة الاصلة عنه للحافظ‪ .‬فمن كان مفوظه من أشعار العرب السلميي شعر حبيب أو العتاب أو ابن العتز أو ابن هانئ أو الشريف‬
‫الرضي أو رسائل ابن القفع أو سهل ابن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابئ تكون ملكته أجود و أعلى مقاما و رتبة ف البلغة من‬
‫يفظ شعر ابن سهل من التأخرين أو ابن النبيه أو ترسل البيسان أو العماد الصبهان لنول طبقة هؤلء عن أولئك يظهر ذلك للبصي الناقد‬
‫صاجب الذوق‪ .‬و على مقدار جودة الحفوظ أو السموع تكون جودة الستعمال من بعده ث إجادة اللكة من بعدها‪ .‬فبارتقاء الحفوظ ف‬
‫طبقته من الكلم ترتقي اللكة الاصلة لن الطبع إنا ينسج على منوالا و تنمو قوى اللكة بتغذيتها‪ .‬و ذلك أن النفس و إن كانت ف جبلتها‬
‫واحدة بالنوع فهي تتلف ف البشر بالقوة و الضعف ف الدراكات‪ .‬و اختلفها إنا هو باختلف ما يرد عليها من الدراكات و اللكات و‬
‫اللوان الت تكيفها من خارج‪ .‬فبهذه يتم وجودها و ترج من القوة إل الفعل صورتا و اللكات الت تصل لا إنا تصل على التدريج كما‬
‫قدمناه‪ .‬فاللكة الشعرية تنشأ بفظ الشعر و ملكة الكتابة بفظ السجاع و الترسيل‪ ،‬و العلمية بخالطة العلوم و الدراكات و الباث و‬
‫النظار‪ ،‬و الفقهية بخالطة الفقه و تنظي السائل و تفريعها و تريج الفروع على الصول والتصوفية الربانية بالعبادات و الذكار و تعطيل‬
‫الواس الظاهرة باللوة و النفراد عن اللق ما استطاع حت تصل له ملكة الرجوع إل حسه الباطن و روحه و ينقلب ربانيا و كذا‬
‫سائرها‪ .‬و للنفس ف كل واحد منها لون تتكيف به و على حسب ما نشأت اللكة عليه من جودة أو رداءة تكون تلك اللكة ف نفسها‬
‫فملكة البلغة العالية الطبقة ف جنسها إنا تصل بفظ العال ف طبقته من الكلم و بذا كان الفقهاء و أهل العلوم كلهم قاصرين ف البلغة‬
‫و ما ذلك إل لا سبق إل مفوظهم و يتلئ به من القواني العلمية و العبارات الفقهية الارجة عن أسلوب البلغة و النازلة عن الطبقة لن‬
‫العبارات عن القواني و العلوم ل حظ لا ف البلغة فإذا سبق ذلك الخفوظ إل الفكر و كثر و تلونت به النفس جاءت اللكة الناشئة عنه‬
‫ف غاية القصور و انرفت عباراته عن أساليب العرب ف كلمهم‪ .‬و هكذا ند شعر الفقهاء و النحاة و التكلمي و النظار و غيهم من ل‬
‫يتلئ من حفظ النقي الر من كلم العرب‪ .‬أخبن صاحبنا الفاضل أبو القاسم بن رضوان كاتب العلمة بالدولة الرينية قال‪ :‬ذكرت يوما‬
‫صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أب السن و كان القدم ف البصر باللسان لعهده فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي و ل‬
‫أنسبها له و هو هذا‪:‬‬
‫ما الفرق بي جديدها و البال‬ ‫ل أذر حي وقفت بالطلل‬
‫فقال ل على البديهة‪ :‬هذا شعر فقيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬و من أين لك ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬من قوله ما الفرق ؟ إذ هي من عبارات الفقهاء و ليست من‬
‫أساليب كلم العرب‪ ،‬فقلت له‪ :‬ل أبوك إنه ابن النحوي‪ .‬و أما الكتاب و الشعراء فليسوا كذلك لتخيهم ف مفوظهم و مالطتهم كلم‬
‫العرب و أساليبهم ف الترسل و انتقائهم لم اليد من الكلم‪ .‬ذاكرت يوما صاحبنا أبا عند ال بن الطيب وزير اللوك بالندلس من بن‬
‫الحر و كان الصدر القدم ف الشعر و الكتابة فقلت له‪ :‬أجد استصعابا علي ف نظم الشعر مت رمته مع بصري به و حفظي للجيد من‬
‫الكلم من القرآن و الديث و فنون من كلم العرب و إن كان مفوظي قليل‪ .‬و إنا أتيت و ال أعلم بقيقة الال من قبل ما حصل ف‬
‫حفظي من الشعار العلمية و القواني التألفية‪ .‬فإن حفظت قصيدت الشاطب الكبى و الصغرى ف القراءات ف الرسم و استظهرتما و‬
‫تدارست كتاب ابن الاجب ف الفقه و الصول و جل الونى ف النطق و بعض كتاب التسهيل و كثيا من قواني التعليم ف الجالس‬
‫فامتل مفوظي من ذلك و خدش وجه اللكة الت استعددت لا بالحفوظ اليد من القرآن و الديث و كلم العرب تعاق القرية عن‬
‫بلوغها‪ .‬فنظر إل ساعة معجبا ث قال‪ :‬ل أنت و هل يقول هذا إل مثلك ؟ و يظهر لك من هذا الفصل و ما تقرر فيه سر آخر و هو إعطاء‬
‫السبب ف أن كلم السلميي من العرب أعلى طبقة ف البلغة و أذواقها من كلم الاهلية ف منثورهم و منظومهم‪ .‬فإنا ند شعر حسان‬
‫بن ثابت و عمر بن أ ب ربيعة و الطيئة و جرير و الفرزدق و نصيب و غيلن ذي الرمة و الحوص و بشار ث كلم السلف من العرب ف‬
‫الدولة الموية و صدرا من الدولة العباسية ف خطبهم و ترسيلهم و ماوراتم للملوك أرفع طبقة ف البلغة من شعر النابغة و عنترة و ابن‬
‫كلثوم و زهي و علقمة بن عبدة و طرفة بن العبد و من كلم الاهلية ف منثورهم و ماوراتم و الطبع السليم و الذوق الصحيح شاهدان‬
‫بذلك للناقد البصي بالبلغة‪ .‬و السبب ف ذلك أن هؤلء الذين أدركوا السلم سعوا الطبقة العالية من الكلم ف القرآن و الديث اللذين‬
‫عجز البشر ف التيان بثليهما لكونا ولت ف قلوبم و نشأت على أساليبها نفوسهم فنهضت طباعهم و ارتقت ملكاتم ف البلغة على‬
‫ملكات من قبلهم من أهل الاهلية من ل يسمع هذه الطبقة و ل نشأ عليها فكان كلمهم ف نظمهم و نثرهم أحسن ديباجة و أصفى رونقا‬
‫من أولئك و أرصف مبن و أعدل تثقيفا با استفادوه من الكلم العال الطبقة‪ .‬و تأمل ذلك يشهد لك به ذوقك إن كنت من أهل الذوق و‬
‫البصر بالبلغة‪ .‬و لقد سألت يوما شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا و كان شيخ هذه الصناعة أخذ بسبتة عن جاعة من‬
‫مشيختها من تلميذ الشلوبي و استبحر ف علم اللسان و جاء من وراء الغاية فيه فسألته يوما ما بال العرب السلميي أعلى طبقة ف البلغة‬
‫من الاهليي ؟ و ل يكن ليستنكر ذلك بذوقه فسكت طويل ث قال ل‪ :‬و ال ما أدري‪ ،‬فقلت‪ :‬أعرض عليك شيئا ظهر ل ف ذلك و لعله‬
‫السبب فيه‪ .‬و ذكرت له هذا الذي كتبت فسكت معجبا ث قال ل‪ :‬يا فقيه هذا كلم من حقه أن يكتب بالذهب‪ .‬و كان من بعدها يؤثر‬
‫ملي و يصيخ ف مالس التعليم إل قول و يشهد ل بالنباهة ف العلوم‪ ،‬و ال خلق النسان و علمه البيان‪.‬‬
‫الفصل الثامن و المسون‪ :‬ف بيان الطبوع من الكلم و الصنوع و كيف‬
‫جودة الصنوع أو قصوره‬
‫إعلم أن الكلم الذي هو العبارة و الطاب‪ ،‬إنا سره و روحه ف إفادة العن‪ .‬و أما إذا كان مهمل فهو كالوات الذي ل عبة به‪ .‬و كمال‬
‫الفادة هو البلغة على ما عرفت من حدها عند أهل البيان لنم يقولون هي مطابقة الكلم لقتضى الال‪ ،‬و معرفة الشروط و الحكام الت‬
‫با تطابق التراكيب اللفظية مقتضى الال‪ ،‬هو فن البلغة‪ .‬و تلك الشروط و الحكام للتراكيب ف الطابقة اسقريت من لغة العرب و‬
‫صارت كالقواني‪ .‬فالتراكيب بوضعها تفيد السناد بي السندين‪ ،‬بشروط و أحكام هي جل قواني العربية‪ .‬و أحوال هذه التراكيب من‬
‫تقدي و تأخي‪ ،‬و تعريف و تنكي‪ ،‬و إضمار و إظهار‪ .‬و تقييد و إطلق و غيها‪ ،‬يفيد الحكام الكتنفة من خارج بالسناد و بالتخاطبي‬
‫حال التخاطب بشروط و أحكام هي قواني لفن‪ ،‬يسمونه علم العان من فنون البلغة‪ .‬فتندج قواني العربية لذلك ف قواني علم العان لن‬
‫إفادتا السناد جزء من إفادتا للحوال الكتنفة بالسناد‪ .‬و ما قصر من هذه التراكيب عن إفادة مقتضى الال للل ف قواني العراب أو‬
‫قواني العان كان قاصرا عن الطابقة لقتضى الال‪ ،‬و لق بالهمل الذي هو ف عداد الوات‪.‬‬
‫ث يتبع هذه الفادة لقتضى الال التفنن ف انتقال التركيب بي العان بأصناف الدللت لن التركيب يدل بالوضع على معن ث ينقل الذهن‬
‫إل لزمه أو ملزومه أو شبهه‪ ،‬فيكون فيها مازا‪ :‬إما باستعارة أو كناية كما هو مقرر ف موضعه‪ ،‬و يصل للفكر بذلك النتقال لذة كما‬
‫تصل ف الفادة و أشد‪ .‬لن ف جيعها ظفر بالدلول من دليله‪ .‬و الظفر من أسباب اللذة كما علمت‪ .‬ث لذه النتقالت أيضا شروط و‬
‫أحكام كالقواني صيوها صناعة‪ ،‬و سوها بالبيان‪ .‬و هي شقيقة علم العان الفيد لقتضى الال لنا راجعة إل معان التراكيب و‬
‫مدلولتا‪ .‬و قواني علم العان راجعة إل أحوال التراكيب أنفسها من حيث الدللة‪ .‬و اللفظ و العن متلزمان متضايقان كما علمت‪ .‬فإذا‬
‫علم العان و علم البيان ها جزء البلغة‪ ،‬و بما كمال الفادة‪ ،‬فهو مقصر عن البلغة و يلتحق عند البلغاء بأصوات اليوانات العجم و‬
‫أجدر به أن ل يكون عربيا‪ ،‬لن العرب هو الذي يطابق بإفادته مقتضى الال‪ .‬فالبلغة على هذا هي أصل الكلم العرب و سجيته و روحه‬
‫و طبيعته‪.‬‬
‫ث اعلم أنم إذا قالوا‪ :‬الكلم الطبوع فإنم يعنون به الكلم الذي كملت طييعته و سجيته من إفادة مدلوله القصود منه‪ ،‬لنه عبارة و‬
‫خطاب‪ ،‬ليس القصود منه النطق فقط‪ .‬بل التكلم يقصد به أن يفيد سامعه ما ف ضميه إفادة تامة‪ ،‬و يدل به عليه دللة وثيقة‪ .‬ث يتبع‬
‫تراكيب الكلم ف هذه السجية الت له بالصالة ضروب من التحسي و التزيي‪ ،‬بعد كمال الفادة و كأنا تعطيها رونق الفصاحة من تنميق‬
‫السجاع‪ ،‬و الوازنة بي حل الكلم و تقسيمه بالقسام الختلفة الحكام و التورية باللفظ الشترك عن الفي من معانيه‪ ،‬و الطابقة بي‬
‫التضادات‪ ،‬ليقع التجانس بي اللفاظ و العان‪ .‬فيحصل للكلم رونق و لذة ف الساع و حلوة و جال كلها زائدة على الفادة‪.‬‬
‫و هذه الصنعة موجودة ف الكلم العجز ف مواضيع متعددة مثل‪ :‬والليل إذا يغشى * والنهار إذا تلى‪ ،‬و مثل‪ :‬فأما من أعطى واتقى *‬
‫وصدق بالسن‪ ،‬إل آخر التقسيم ف الية‪ .‬و كذا‪ :‬فأما من طغى * وآثر الياة الدنيا إل آخر الية‪ .‬و كذا‪ :‬هم يسبون أنم يسنون‬
‫صنعا‪ .‬و أمثاله كثي‪ .‬و ذلك بعد كمال الفادة ف أصبل هذه التراكيب قبل وقوع هذا البديع فيها‪ .‬و كذا وقع ف كلم الاهلية منه‪ ،‬لكن‬
‫عفوا من غي قصد ول تعمد‪ .‬و يقال إنه وقع ف شعر زهي‪.‬‬
‫و أما السلميون فوقع لم عفوا و قصدا‪ ،‬و أتوا منه بالعجائب‪ .‬و أول من أحكم طريقته حبيب بن أوس و البحتري و مسلم بن الوليد‪،‬‬
‫فقد كانوا مولعي بالصنعه‪ .‬و يأتون منها بالعجب‪ .‬و قيل أن أول من ذهب إل معاناتا بشاز بن برد و ابن هرمة‪ ،‬و كانا آخر من يستشهد‬
‫بشعره ف اللسان العرب‪ .‬ث اتبعهما عمرو بن كلثوم و العتاب و منصور النميي و مسلم بن الوليد و أبو نواس‪ .‬و جاء على آثارهم حبيب و‬
‫البحتري‪ .‬ث ظهر ابن العتز فختم على البدء و الصناعة أجع‪ .‬و لنذكر مثال من الطبوع الال من الصناعة‪ .‬مثل قول قيس بن ذريح‪:‬‬
‫أحدث عنك النفس ف السر خاليا‬ ‫و أخرج من بي البيوت لعلن‬
‫و قول كثي‪:‬‬
‫تليت عما بيننا و تليت‬ ‫و إن و تيامي بعزة بعدما‬
‫تبوأ منها للمقيل اضمحلت‬ ‫لكالرتي ظل الغمامة كلها‬
‫فتأمل هذا الطبوع‪ ،‬الفقيد الصنعة‪ ،‬ي أحكام تأليفه و ثقافة تركيبه‪ .‬فلو جاءت فيه الصنعة من بعد هذا الصل زادته حسنا‪.‬‬
‫و أما الصنوع فكثي من لدن بشار‪ ،‬ث حبيب و طبقتهما‪ ،‬ث ابن العتز خات الصنعة الذي جرى التأخرون بعدهم ف ميدانم‪ ،‬و نسجوا على‬
‫منوالم‪ .‬و قد تعددت أصناف هذه الصنعة عند أهلها‪ ،‬و اختلفت اصطلحاتم ف ألقابا‪ .‬و كثي منهم يعلها مندرجة ف البلغة على أنا‬
‫غي داخلة ف الفادة‪ ،‬و أنا هي تعطى التحسي و الرونق‪ .‬و أما التقدمون من أهل البديع‪ ،‬فهي عندهم خارجة عن البلغة‪ .‬و لذلك‬
‫يذكرونا ف الفنون الدبية الت ل موضوع لا‪ .‬و هو رأي ابن رشيق قي كتاب العمدة له‪ ،‬و أدباء الندلس‪ .‬و ذكروا ف استعمال هذه‬
‫الصنعة شروطا منها أن تقع من غي تكلف و ل اكتراث ف ما يقصد منها‪ .‬و أما العفو فل كلم فيه لنا إذا برئت من التكلف سلم الكلم‬
‫من عيب الستهجان‪ ،‬لن تكلفها و معاناتا يصي إل الغفلة عن التراكيب الصلية للكلم‪ ،‬فتخل بالفادة من أصلها‪ ،‬و تذهب بالبلغة‬
‫رأسا‪ .‬و ل يبقى ف الكلم إل تلك التحسينات‪ ،‬و هذا هو الغالب اليوم على أهل العصر‪ .‬و أصحاب الذواق ف البلغة يسخرون من‬
‫كلفهم بذه الفنون‪ ،‬و يعدون ذلك من القصور عن سواه‪ .‬و سعت شيخنا الستاذ أبا البكات البلفيقي‪ ،‬و كان من أهل البصر ف اللسان و‬
‫القرية‪ .‬ف ذوقه يقول‪ ،‬إن من أشهى ما تقترحه على نفسي أن أشاهد ف بعض اليام من ينتحل فنون هذا البديع ف نظمه أو نثره‪ ،‬و قد‬
‫عوقب بأشد العقوبة‪ ،‬و نودي عليه‪ ،‬يذر بذلك تلميذه أن يتعاطوا هذه الصنعة‪ ،‬فيكلفون با‪ ،‬و يتناسون البلغة‪ .‬ث من شروط استعمالا‬
‫عندهم القلل منها و أن تكون ف بيتي أو ثلثة من القصيد‪ ،‬فتكفي ف زينة الشعر و رونقه‪ .‬و الكثار منها عيب‪ ،‬قاله ابن رشيق و غيه‪.‬‬
‫و كان شيخنا أبو القاسم الشريف السبت منفق اللسان العرب بالندلس لوقته يقول‪ :‬هذه الفنون البديعية إذا وقعت للشاعر أو للكاتب فيقبح‬
‫أن يستكثر منها‪ ،‬لنا من مسنات الكلم و مزيناته‪ ،‬فهي بثابة اليلن ف الوجه يسن بالواحد و الثني منها‪ ،‬و يقبح بتعدادها‪ .‬و على‬
‫نسبة الكلم النظوم هو الكلم النثور ف الاهلية و السلم‪ .‬كان أول مرسل معتب الوازنة بي جله و تراكيبه‪ ،‬شاهدة موازنته بفواصله من‬
‫غي التزام سجع و ل اكتراث بصنعة‪ .‬حت نبغ إبراهيم بن هلل الصاب كاتب بن بويه‪ ،‬فتعاطى الصنعة و التقفيه و أتى بذلك بالعجب‪ .‬و‬
‫عاب الناس عليه كلفه بذلك ف الخاطبات السلطانية‪ .‬و إنا حله عليه ما كان ف ملوكه من العجمة و البعد عن صولة اللفة النفقة لسوق‬
‫البلغة‪ .‬ث انتشرت الصناعة بعده ف منثور التأخرين و نسي عهد الترسيل و تشابت السلطانيات و الخوانيات و العربيات بالسوقيات‪ .‬و‬
‫اختلط الرعى بالمل‪ .‬و هذا كله يدلك على أن الكلم الصنوع بالعاناة و التكليف‪ ،‬قاصر عن الكلم الطبوع‪ ،‬لقلة الكتراث فيه بأصل‬
‫البلغة‪ ،‬و الاكم ف ذلك الذوق‪ .‬و ال خلقكم و علمكم ما ل تكونوا تعلمون‪.‬‬

‫الفصل التاسع و المسون‪ :‬ف ترفع أهل الراتب عن انتحال الشعر‬


‫اعلم أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه علومهم و أخبارهم و حكمهم‪ .‬و كان رؤساء العرب منافسي فيه و كانوا يقفون بسوق عكاظ‬
‫لنشاده و عرض كل واحد منهم ديباجته على فحول الشأن و أهل البصر لتمييز حوله‪ .‬حت انتهوا إل الناغاة ف تعليق أشعارهم بأركان‬
‫البيت الرام موضع حجهم و بيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر و النابغة الذبيان و زهي بن أب سلمى و عنترة بن شداد و‬
‫طرفة بن العبد و علقمة بن عبدة و العشى و غيهم من أصحاب العلقات السبع‪ .‬فإنه إنا كان يتوصل إل تعليق الشعر با من كان له قدرة‬
‫على ذلك بقومه و عصبته و مكانه ف مضر على ما قيل ف سبب تسميتها بالعلقات‪ .‬ث انصرف العرب عن ذلك أول السلم با شغلهم من‬
‫أمر الدين والنبؤة و الوحي و ما أدهشهم من أسلوب القرآن و نظمه فأخرسوا عن ذلك و سكتوا عن الوض ف النظم و النثر زمانا‪ .‬ث‬
‫استقر ذلك و أونس الرشد من اللة‪ .‬و ل ينل الوحي ف تري الشعر و حظره و سعه النب صلى ال عليه و سلم و أثاب عليه‪ ،‬فرجعوا‬
‫حينئذ إل ديدنم منه‪ .‬و كان لعمر بن أب ربيعة كبي قريش لذلك العهد مقامات فيه عالية و طبقة مرتفعة و كان كثيا ما يعرض شعره على‬
‫ابن عباس فيقف لستماعه معجبا به‪ .‬ث جاء من بعد ذلك اللك الفحل و الدولة العزيزة و تقرب إليهم العرب بأشعارهم يتدحونم با‪ .‬و‬
‫ييزهم اللفاء بأعظم الوائز على نسبة الودة ف أشعارهم و مكانم من قومهم و يرصون على استهداء أشعارهم يطلعون منها على الثار‬
‫و الخبار و اللغة و شرف اللسان‪ .‬و العرب يطالبون ولدهم بفظها‪ .‬و ل يزل هذا الشأن أيام بن أمية و صدرا من دولة بن العباس‪ .‬و‬
‫انظر ما نقله صاحب العقد ف مسامرة الرشيد للصمعي ف باب الشعر و الشعراء تد ما كان عليه الرشيد من العرفة بذلك و الرسوخ فيه و‬
‫العناية بانتحاله و التبصر بيد الكلم و رديئه و كثرة مفوظه منه‪ .‬ث جاء خلق من بعدهم ل يكن اللسان لسانم من أجل العجمة و‬
‫تقصيها باللسان و إنا تعلموه صناعة ث مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسان لم طالبي معروفهم فقط ل سوى ذلك من‬
‫الغراض كما فعله حبيب و البحتري و التنبئ و ابن هانئ و من بعدهم و هلم جرا‪ .‬فصار غرض الشعر ف الغلب إنا هو الكذب و‬
‫الستجداء لذهاب النافع الت كانت فيه للولي كما ذكرناه آنفا‪ .‬و أنف منه لذلك أهل المم و الراتب من التأخرين و تغي الال و أصبح‬
‫تعاطيه هجنة ف الرئاسة و مذمة لهل الناصب الكبية‪ .‬و ال مقلب الليل و النهار‪.‬‬

‫الفصل الستون‪ :‬ف أشعار العرب و أهل المصار لذا العهد‬


‫اعلم أن الشعر ل يتص باللسان العرب فقط بل هو موجود ف كل لغة سواء كانت عربية أو عجمية و قد كان ف الفرس شعراء و ف يونان‬
‫كذلك و ذكر منهم أرسطو ف كتاب النطق أوميوس الشاعر و أثن عليه‪ .‬و كان ف حي أيضا شعراء متقدمون‪ .‬و لا فسد لسان مضر و‬
‫لغتهم الت ذونت مقاييسها و قواني إعرابا و فسدت اللغات من بعد بسب ما خالطها و مازجها من العجمة فكانت تيل العرب بأنفسهم‬
‫لغة خالفت لغة سلفهم من مضر ف العراب جلة و ف كثي من الوضوعات اللغوية و بناء الكلمات‪ .‬و كذلك الضر أهل المصار نشأت‬
‫فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر ف العراب و أكثر الوضاع و التصاريف وخالفت أيضا لغة اليل من العرب لذا العهد‪ .‬و اختلفت‬
‫هي ف نفسها بسب اصطلحات أهل الفاق فلهل الشرق و أمصاره لغة غي لغة أهل الغرب و أمصاره وتالفهما أيضا لغة أهل الندلس‬
‫و أمصاره‪ .‬ث لا كان الشعر موجودا بالطبع ف أهل كل لسان لن الوازين على نسبة واحدة ف أعداد التحركات و السواكن و تقابلها‬
‫موجودة ف طباع البشر فلم يهجر الشعر بفقدان لغة واحدة و هي لغة مضر الذين كانوا فحولة و فرسان ميدانه حسبما اشتهر بي أهل‬
‫الليقة‪ .‬بل كل جيل وأهل كل لغة من العرب الستعجمي و الضر أهل المصار يتعاطون منه ما يطاوعهم ف انتحاله و رصف بنائه على‬
‫مهيع كلمهم‪ .‬فأما العرب أهل هذا اليل الستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيعرضون الشعر لذا العهد ف سائر العاريض على ما كان‬
‫عليه سلفهم الستعربون و يأتون منه بالطولت مشتملة على مذاهب الشعر و أغراضه من النسيب و الدح و الرثاء و الجاء و يستطردون‬
‫ف الروج من فن إل فن ف الكلم‪ .‬و ربا هجموا على القصود لول كلمهم و أكثر ابتدائهم ف قصائدهم باسم الشاعر ث بعد ذلك‬
‫ينسبون‪ .‬فأهل أمصار الغرب من العرب يسمون هذه القصائد بالصمعيات نسبة إل الصمعي راوية العرب ف أشعارهم و أهل الشرق من‬
‫العرب يسمون هذا النوع من الشعر بالبدوي والوران و القيسي‪ .‬و ربا يلحنون فيه ألانا بسيطة ل على طريقة الصناعة الوسيقية‪ .‬ث‬
‫يغنون به و يسمون الغناء به باسم الوران نسبة إل حوران من أطراف العراق و الشام و هي من منازل العرب البادية و مساكنهم إل هذا‬
‫العهد‪ .‬و لم فن آخر كثي التداول ف نظمهم ييئون به معصبا على أربعة أجزاء يالف آخرها الثلثة ف رويه و يلتزمون القافية الرابعة ف‬
‫كل بيت إل آخر القصيدة شبيها بالربع و الخمس الذي أحدثه التأخرون من الولدين‪ .‬و لؤلء العرب ف هذا الشعر بلغة فائقة و فيهم‬
‫الفحول و التأخرون و الكثي من النتحلي للعلوم لذا العهد و خصوصا علم اللسان يستنكر صاحبها هذه الفنون الت لم إذا سعها و يج‬
‫نظمهم إذا أنشد و يعتقد أن ذوقه إنا نبا عنها لستهجانا و فقدان العراب منها‪ .‬و هذا إنا أتى من فقدان اللكة ف لغتهم فلو حصلت له‬
‫ملكة من ملكاتم لشهد له طبعة و ذوقه ببلغتها إن كان سليما من الفات ف فطرته و نظره و إل فالعراب ل مدخل له ف البلغة إنا‬
‫البلغة مطابقة الكلم للمقصود و لقتضى الال من الوجود فيه سواء كان الرفع دال على الفاعل و النصب دال على الفعول أو بالعكس و‬
‫إنا يدل على ذلك قرائن الكلم كما هو ف لغتهم هذه‪ .‬فالدللة بسب ما يصطلح عليه أهل اللكة فإذا عرف اصطلح ف ملكة و اشتهر‬
‫صحة الدللة و إذا طابقت تلك الدللة القصود و مقتضى الال صحت البلغة و ل عبة بقواني النحاة ف ذلك‪ .‬و أساليب الشعر و فنونه‬
‫موجودة ف أشعارهم هذه ما عدا حركات العراب ف أواخر الكلم فإن غالب كلماتم موقوفة الخر‪ .‬و يتميز عندهم الفاعل من الفعول و‬
‫البتدأ من الب بقرائن الكلم ل بركات العراب‪.‬‬
‫فمن أشعارهم على لسان الشريف بن هاشم يبكي الارية بنت سرحان‪ ،‬و يذكر ظعنها مع قومها إل الغرب‪:‬‬
‫ترى كبدي حرى شكت من زفيها‬ ‫قال الشريف ابن هاشم علي‬
‫يرد غلم البدو يلوي عصيا‬ ‫يغز للعلم أين ما رأت خاطري‬
‫عداة وزائع تلف ال خبيها‬ ‫و ماذا شكاة الروح ما طرا لا‬
‫طوى و هند جاف ذكيها‬ ‫يس إن قطاع عامر ضميها‬
‫على مثل شوك الطلح عقدوا يسيها‬ ‫و عادت كما خوارة ف يد غاسل‬
‫على شوك لعه و البقايا جريرها‬ ‫تابذوها اثني و النع بينهم‬
‫شبيه دوار السوان يديرها‬ ‫و باتت دموع العي ذارفات لشانا‬
‫مرون يي متراكبا من صبيها‬ ‫تدارك منها النجم حذرا و زادها‬
‫عيون و لاز البق ف غزيرها‬ ‫يصب من القيعان من جانب الصفا‬
‫ناضت من بغداد حت فقيها‬ ‫هاذا الغن حت تسابيت غزوة‬
‫و عرج عاريها على مستعيها‬ ‫و نادى النادي بالرحيل و شدوا‬
‫على أيدين ماضي وليد مقرب ميها‬ ‫و شد لا الدهم دياب بن غان‬
‫و سوقوا النجوع إن كان أنا هو غفيها‬ ‫و قال لم حسن بن سرحان غزبوا‬
‫و باليمي ل يدوا ف مغيها‬ ‫و يركض و بيده شهامه بالتسامح‬
‫و ما كان يرضى زين حي و ميها‬ ‫غدرن زيان السيح من عابس‬
‫و أناليه ما من درقت ما يديرها‬ ‫غدرن و هو زعما صديقي و صاحب‬
‫برالبلدالعطشى ما بيها‬ ‫و رجع يقول لم بلل بن هاشم‬
‫داخل و ل عائد ركيه من نعيها‬ ‫حرام علي باب بغداد و أرضها‬
‫على الشمس أوحول الغظامن هجيها‬ ‫تصدف روحي عن بلد بن هاشم‬
‫يلوذ و برجان يشدوا أسيها‬ ‫و باتت نيان العذارى قوادح‬
‫ومن قولم ف رثاء أمي زناتة أب سعدى اليفرن مقارعهم بأفريقية و أرض الزاب و رثاؤهم له على جهة التهكم‪:‬‬
‫لا ف ظعون الباكرين عويل‬ ‫تقول فتاة الي سعدى و هاضها‬
‫خذ النعت من ل تكون هبيل‬ ‫أيا سائلي عن قب الزنات خليفه‬
‫من الربط عيساوي بناه طويل‬ ‫تراه يعال وادي ران و فوقه‬
‫به الواد شرقا و الياع دليل‬ ‫أراه ييل النور من شارع النقا‬
‫قد كان لعقاب الياد سليل‬ ‫أيا لف كبدي على الزنات خليفه‬
‫جراحه كافواه الزاد تسيل‬ ‫قتيل فت اليجا دياب بن غان‬
‫لترحل إل أن يريذ رحيل‬ ‫أيا جائزا مات الزنات خليفه‬
‫و عشرا و ستا ف النهار قليل‬ ‫أل واش رحلنا ثلثي مرة‬
‫و من قولم على لسان الشريف بن هاشم يذكر عتابا وقع بينه و بي ماضي بن مقرب‪:‬‬
‫أشكر ما ننا عليك رضاش‬ ‫تبدى ماضي البار و قال ل‬
‫و رانا عريب عربا لبسي ناش‬ ‫أشكر أعد ما بقي ود بيننا‬
‫كما صادفت طعم الزباد طشاش‬ ‫نن غدينا نصدفو ما قضى لنا‬
‫ليحدو و من عمر بلده عاش‬ ‫أشكر أعد إل يزيد ملمه‬
‫هنا العرب ما زدنا لن صياش‬ ‫إن كان نبت الشوك يلقح بأرضكم‬
‫و من قولم ف ذكر رحلتهم إل الغرب و غلبهم زناتة عليه‪:‬‬
‫و أي رجال ضاع قبلي جيلها‬ ‫و أي جيل ضاع ل ف الشريف بن هاشم‬
‫عنان بجة ماغبان دليلها‬ ‫لقد كنت أنا وياه ف زهو بيتنا‬
‫من المر فهو ما قدر من ييلها‬ ‫وعدت كأن شارب من مدامة‬
‫غريبا و هي مدوخه عن قبيلها‬ ‫أو مثل شطامات مظنون كبدها‬
‫و هي بي عربا غافل عن نزيلها‬ ‫أتاها زمان السوء حت تدوحت‬
‫شاكي بكبد باديتها زعيلها‬ ‫كذلك أنا ما لان من الوجى‬
‫و قووا و شداد الوايا حيلها‬ ‫و أمرت قومي بالرحيل و بكروا‬
‫و البدو ماترفع عمود يقيلها‬ ‫قعدنا سبعة أيام مبوس نعنا‬
‫يظل الرى فوق النضا و نصيلها‬ ‫نظل على حداب الثنايا نوازي‬
‫و من شعر يلطان بن مظفر بن يي من الزواودة أحد بطون رياح و أهل الرياسة فيهم‪ ،‬يقولا و هو معتقل بالهدية ف سجن المي أب‬
‫زكريا بن أب حفص أول ملوك أفريقية من الوحدين‪:‬‬
‫حرام على أجفان عين منامها‬ ‫يقول و ف بوح الدجا بعد وهنة‬
‫و روح هيامي طال ما ف سقامها‬ ‫يا من لقلب حالف الوجد و السى‬
‫عداوية و لا بعيد مرامها‬ ‫حجازية بدوية عربية‬
‫سوى عانك الوعسا يؤت خيامها‬ ‫مولعة بالبدو ل تألف القرى‬
‫محونة بيها و بيها صحيح غرامها‬ ‫غيات و مشتاها با كل شتوة‬
‫يوات من الورالليا جسامها‬ ‫و مرباها عشب الراضي من اليا‬
‫عليها من السحب السواري عمامها‬ ‫تشوق شوق العي ما تداركت‬
‫عيون غرار الزن عذبا حامها‬ ‫و ماذا بكت بالا و ماذا تناحطت‬
‫عليها و من نور القاحي خزامها‬ ‫كأن عروس البكر لحت ثيابا‬
‫و مرعى سوى ما ف مراعي نعامها‬ ‫فلة و دهنا و اتساع و منة‬
‫غنيم و من لم الوازي طعامها‬ ‫و مشروبا من مض ألبان شولا‬
‫يشيب الفت ما يقاسي زحامها‬ ‫تفانت عن البواب و الوقف الذي‬
‫و بل و يي ما بلي من رمامها‬ ‫سقى ال ذا الوادي الشجر باليا‬
‫ظفرت بأيام مضت ف ركامها‬ ‫فكافأتا بالود من و ليتن‬
‫إذا قمت ل تظ من أيدي سهامها‬ ‫ليال أقواس الصبا ف سواعدي‬
‫زمان الصبا سرجا و بيدي لامها‬ ‫و فرسي عديد تت سرجي مشاقة‬
‫من اللق أبى من نظام ابتسامها‬ ‫و كم من رداح أسهرتن و ل أرى‬
‫مطرزة الجفان باهي و شامها‬ ‫و كم غيها من كاعب مرجحنة‬
‫بكفي و ل ينسى جداها ذمامها‬ ‫و صفقت من وجدي عليها طرية‬
‫و توهج ل يطفا من الاء ضرامها‬ ‫و نار بطب الوجد توهج ف الشا‬
‫فن العمر ف دار عمان ظلمها‬ ‫أيا من وعدت الوعد هذا إل مت‬
‫و يغمى عليها ث يبدا غيامها‬ ‫و لكن رأيت الشمس تكسف ساعة‬
‫إلينا بعون ال يهفو علمها‬ ‫بنود و رايات من السعد أقبلت‬
‫و رمى على كتفي و سيي أمامها‬ ‫أرى ف الفل بالعي أظعان عزوت‬
‫أحب بلد ال عندي حشامها‬ ‫يرعا عتاق النوق من فوق شامس‬
‫مقيم با مالذ عندي مقامها‬ ‫إل منل بالعفرية للوى‬
‫يزيل الصدا و الغل عن سلمها‬ ‫ونلقى سراة من هلل بن عامر‬
‫إذا قاتلوا قوما سريع انزامها‬ ‫بم تضرب المثال شرقا و مغربا‬
‫مدى الدهر ما غن يفينا حامها‬ ‫عليهم و من هو ف حاهم تية‬
‫فذي الدنيا ما دامت لحد دوامها‬ ‫فدع ذا و ل تأسف على سالف مضى‬
‫و من أشعار التأخرين منهم قول خالد بن حزة بن عمر‪ .‬شيخ الكعوب‪ .‬من أولد أب الليل‪ .‬يعاتب أقتالم أولد مهلهل و ييب شاعرهم‬
‫شبل بن مسكيانة بن مهلمهل‪ .‬عن أبيات فخر عليهم فيها بقومه‪:‬‬
‫قوارع قيعان يعان صعابا‬ ‫يقول و ذا قول الصاب الذي نشا‬
‫فنونا من انشاد القواف عذابا‬ ‫يريح با حادي الصاب إذا سعى‬
‫تدى با تام الوشا ملتها با‬ ‫مية متارة من نشادها‬
‫مكمة القيعان داب و دابا‬ ‫مغربلة عن ناقد ف غضونا‬
‫قوارع من شبل و هذي جوابا‬ ‫و هيض بتذكاري لا يا ذوي الندى‬
‫فراح يريح الوجعي الغنا با‬ ‫اشبل جنينا من حباك طرائفا‬
‫سوى قلت ف جهورها ما أعابا‬ ‫فخرت و ل تقصر و ل أنت عادم‬
‫وحامي حاها عاديا ف حرابا‬ ‫لقولك ف أم التي بن حزة‬
‫رصاص بن يي و غلق دابا‬ ‫أما تعلم أنه قامها بعد ما لقي‬
‫و هل ريت من جا للوغى و اصطلى با‬ ‫شهابا من أهل المر يا شبل خارق‬
‫و أثن طفاها جاسرا ل يهابا‬ ‫سواها طفاها أضرمت بعد طفيه‬
‫لفاس إل بيت الن يقتدى با‬ ‫و اضرمت بعد الطفيتي ألن صحت‬
‫فصار و هي عن كب السنة تابا‬ ‫و بان لوال المر ف ذا انشحابا‬
‫رجال بن كعب الذي يتقى با‬ ‫كما كان هو يطلب على ذا تنبت‬
‫منها ف العتاب‪:‬‬
‫غنيت بعلق الثنا و اغتصابا‬ ‫وليدا تعاتبتوا أنا أغن لنن‬
‫بأسياف ننتاش العدا من رقابا‬ ‫علي ونا ندفع با كل مبضع‬
‫علينا بأطراف القنا اختضابا‬ ‫فإن كانت الملك بغت عرايس‬
‫و زرق كالسنة الناش انسلبا‬ ‫و ل بعدها الرهاف و ذبل‬
‫تسي السبايا و الطايا ركابا‬ ‫بن عمنا ما نرتضي الذل غلمه‬
‫بل شك و الدنيا سريع انقلبنها‬ ‫و هي عالا بأن النايا تنيلها‬
‫و منها ف وصف الظعائن‪:‬‬
‫فتوق بوبات موف جنابا‬ ‫قطعنا قطوع البيد ل نتشي العدا‬
‫وكل مهاة متظيها ربابا‬ ‫ترى العي فيها قل لشبل عرائف‬
‫بكل حلوب الوف ما سد بابا‬ ‫ترى أهلها غب الصباح أن يفلها‬
‫ورا الفاجر المزوج عفو رضابا‬ ‫لا كل يوم ف الرامي قتائل‬
‫و من قولم ف المثال الكمية‬
‫و صدك عمن صد عنك صواب‬ ‫و طلبك ف المنوع منك سفاهة‬
‫ظهور الطايا يفتح ال باب‬ ‫إذا رأيت أناسا يغلقوا عنك بابم‬
‫و من قول شبل يذكر انتساب الكعوب إل برجم‪:‬‬
‫جيع البايا تشتكي من ضهادها‬ ‫لشيب و شبان من أولد برجم‬
‫و من قول خالد يعاتب إخوانه ف موالة شيخ الوحدين أب ممد بن تافراكي الستبد بجابة السلطان بتونس على سلطانا مكفولة أب‬
‫إسحاق ابن السلطان أب يي و ذلك فيما قرب من عصرنا‪:‬‬
‫مقالة قوال و قال صواب‬ ‫يقول بل جهل فت الود خالد‬
‫هريا و ل فيما يقول ذهاب‬ ‫مقالة حب ذات ذهن و ل يكن‬
‫و ل هرج ينقاد منه معاب‬ ‫تجست معنا نابا ل لاجة‬
‫حزينة فكر و الزين يصاب‬ ‫و كنت با كبدي و هي نعم صابة‬
‫جرت من رجال ف القبيل قراب‬ ‫تفوهت بادي شرحها عن مآرب‬
‫بن عم منهم شايب و شباب‬ ‫بن كعب أدن القربي لدمنا‬
‫مصافاة ود و اتساع جناب‬ ‫جرى عند فتح الوطن منا لبعضهم‬
‫كما يعلموا قول بقيه صواب‬ ‫و بعضهم ملنا له عن خصيمه‬
‫جزاعا و ف جو الضمي كتاب‬ ‫و بعضهمو مرهوب من بعض ملكنا‬
‫خواطر منها للنيل و هاب‬ ‫و بعضهمو جانا جريا تسمحت‬
‫نقهناه حت ماعنا به ساب‬ ‫و بعضهمو نظار فينا بسوة‬
‫مرارا و ف بعض الرار يهاب‬ ‫رجع ينتهي ما سفهناقبيحه‬
‫غلق عنه ف أحكام السقائف باب‬ ‫و بعضهمو شاكي من أوغاد قادر‬
‫على كره مول البالقي و دياب‬ ‫فصمناه عنه و اقتضي منه مورد‬
‫لم ما حططنا للفجور نقاب‬ ‫و نن على داف الدى نطلب العل‬
‫نفقنا عليها سبقا و رقاب‬ ‫و حزنا حى وطن بترشيش بعدما‬
‫على أحكام وال أمرها له ناب‬ ‫و مهد من الملك ما كان خارجا‬
‫بن كعب لواها الغري و طاب‬ ‫بردع قروم من قروم قبيلنا‬
‫و قمنا لم عن كل قيد مناب‬ ‫جرينا بم عن كل تاليف ف العدا‬
‫ربيها و خياته عليه نصاب‬ ‫إل أن عاد من ل كان فيهم بمة‬
‫و لبسوا من أنواع الرير ثياب‬ ‫و ركبوا السبايا الثمنات من أهلها‬
‫جاهي ما يغلو با بلب‬ ‫و ساقوا الطايا يالشرا ل نسوا له‬
‫ضخام لزات الزمان تصاب‬ ‫و كسبوا من أصناف السعايا ذخائر‬
‫و إل هلل ف زمان دياب‬ ‫و عادوا نظي البمكيي قبل ذا‬
‫إل أن بان من نار العدو شهاب‬ ‫و كانوا لنا درعا لكل مهمة‬
‫ملمه و ل دار الكرام عتاب‬ ‫و خلوا الدار ف جنح الظلم و ل اتقوا‬
‫وهم لو دروا لبسوا قبيح جباب‬ ‫كسوا الي جلباب البهيم لستره‬
‫ذهل حلمي إن كان عقله غاب‬ ‫كذلك منهم حانس ما دار النبا‬
‫تن يكن له ف السماح شعاب‬ ‫يظن ظنونا ليس نن بأهلها‬
‫بالثبات من ظن القبايح عاب‬ ‫خطا هو و من واتاه ف سو ظنه‬
‫وهوب للف بغي حساب‬ ‫فوا عزوت إن الفت بو ممد‬
‫بروحه ما يي بروح سحاب‬ ‫و برحت الوغاد منه و يسبوا‬
‫لقوا كل ما يستاملوه سراب‬ ‫جروا يطلبوا تت السحاب شرائع‬
‫و ل كان ف قلة عطاه صواب ‌‬ ‫و هو لو عطى ما كان للرأي عارف‬
‫و إنه باسهام التلف مصاب‬ ‫و إن نن ما نستاملوا عنه راحة‬
‫عليه و يشي بالفزوع لزاب‬ ‫و إن ما وطا ترشيش يضياق وسعها‬
‫خنوج عناز هوالا و قباب‬ ‫و إنه منها عن قريب مفاصل‬
‫ربوا خلف أستار و خلف حجاب‬ ‫و عن فاتنات الطرف بيض غوانج‬
‫بسن قواني و صوت رباب‬ ‫يتيه إذا تاهوا و يصبوا إذا صبوا‬
‫يطارح حت ما كأنه شاب‬ ‫يضلوه عن عدم اليمي و ربا‬
‫و لذة مأكول و طيب شراب‬ ‫بم حازله زمه و طوع أوامر‬
‫من الود إل ما بدل براب‬ ‫حرام على ابن تافركي ما مضى‬
‫يلجج ف اليم الغريق غراب‬ ‫و إن كان له عقل رجيح و فطنة‬
‫كبار إل أن تبقى الرجال كباب‬ ‫و أما البدا ل بدها من فياعل‬
‫و يمار موصوف القنا و جعاب‬ ‫‌ و يمي با سوق علينا سلعه‬
‫ندوما و ل يسي صحيح بناب‬ ‫و يسي غلم طالب ريح ملكنا‬
‫غلطتوا أدمتوا ف السموم لباب‬ ‫أيا واكلي البز تبغوا أدامه‬
‫و من شعر علي بن عمر بن إبراهيم من رؤساء بن عامر لذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بن عمه التطاولي إل رياسته‪:‬‬
‫إذا كان ف سلك الرير نظام‬ ‫مبة كالدر ف يد صانع‬
‫و شاء تبارك و الضعون تسام‬ ‫أباحها منها فيه أسباب ما مضى‬
‫عصاها و ل صبنا عليه حكام‬ ‫غدا منه لم الي حيي و انشطت‬
‫تبم على شوك القتاد برام‬ ‫و لكن ضميي يوم بان بم إلينا‬
‫و بي عواج الكانفات ضرام‬ ‫و إل كأبراص التهامي قوادح‬
‫أتاهم بنشار القطيع غشام‬ ‫و إل لكان القلب ف يد قابض‬
‫إذا كان ينادي بالفراق و خام‬ ‫لا قلت سا من شقا البي زارن‬
‫بيحي و حله و القطي لام‬ ‫أل يا ربوع كان بالمس عامر‬
‫دجى الليل فيهم ساهر و نيام‬ ‫و غيد تدان للخطا ف ملعب‬
‫لنا ما بدا من مهرق و كظام‬ ‫و نعم يشوف الناظرين التحامها‬
‫و لطلق من شرب الها و نعام‬ ‫و عرود باسها ليدعو لسربا‬
‫ينوح على اطلل لا و خيام‬ ‫و اليوم ما فيها سوى البوم حولا‬
‫بعي سخينا و الدموع سجام‬ ‫وقفنا با طورا طويل نسالا‬
‫و سقمي من أسباب إن عرفت أوهام‬ ‫‌ و ل صح ل منها سوى وحش خاطري‬
‫سلم و من بعد السلم سلم‬ ‫و من بعد ذا تدى لنصور بو علي‬
‫دخلتم بور غامقات دهام‬ ‫و قولوا له يا بو الوفا كلح رأيكم‬
‫لا سيلت على الفضا و أكام‬ ‫زواخر ما تنقاس بالعود إنا‬
‫و ليس البحور الطاميات تعام‬ ‫و ل قمستمو فيها قياسا يدلكم‬
‫من الناس عدمان العقول لئام‬ ‫و عانوا على هلكاتم ف ورودها‬
‫قرار و ل دنيا لن دوام‬ ‫أيا عزوة ركبوا الضللة و ل لم‬
‫مثل سراب فله ما لن تام‬ ‫أل غناهو لو ترى كيف زايهم‬
‫مواضع ماهيا لم بقام‬ ‫خلو القنا يبغون ف مرقب العل‬
‫و من زارها ف كل دهر و عام‬ ‫و حق النب و البيت و أركانه العلى‬
‫يذوقون من خط الكساع مدام‬ ‫لب الليال فيه إن طالت اليا‬
‫بكل ردين مطرب و حسام‬ ‫و ل بزها تبقى البوادي عواكف‬
‫عليها من أولد الكرام غلم‬ ‫و كل مسافة كالسد إياه عابر‬
‫يظل يصارع ف العنان لام‬ ‫و كل كميت يكتعص عض نابه‬
‫و تولدنا من كل ضيق كظام‬ ‫و تمل بنا الرض العقيمة مدة‬
‫لا وقت و جنات البدور زحام‬ ‫بالبطال و القود الجان و بالقنا‬
‫وف سن رمي للحروب علم‬ ‫أتحدن و أنا عقيد نقودها‬
‫حت يقاضوا من ديون غرام‬ ‫و نن كاضراس الواف بنجعكم‬
‫يلقى سعايا صايرين قدام‬ ‫مت كان يوم القحط يا مي أبو علي‬
‫و خلى الياد العاليات تسام‬ ‫كذلك بو حو إل اليسر ابعته‬
‫و ل يمعوا بدهى العدو زفام‬ ‫و خل رجال ل يرى الضيم جارهم‬
‫و هم عذر عنه دائما و دوام‬ ‫أل يقيموها و عقد بؤسهم‬
‫ما بي صحاصيح و ما بي حسام‬ ‫و كم ثار طعنها على البدو سابق‬
‫لنا أرض ترك الظاعني زمام‬ ‫فت ثار قطار الصوى يومنا على‬
‫حليف الثنا قشاع كل غيام‬ ‫و كم ذا ييبوا أثرها من غنيمة‬
‫غدا طبعه يدى عليه قيام‬ ‫و إن جاء خافوه اللوك و وسعوا‬
‫ما غنت الورقا و ناح حام‬ ‫عليكم سلم ال من لسن فاهم‬
‫و من شعر عرب نر بنواحي حوران لمرأة قتل زوجها فبعثت إل أحلفه من قيس تغريهم بطلب ثأره تقول‪:‬‬
‫بعي أراع ال من ل رثى لا‬ ‫تقول فتاة الي أم سلمه‬
‫موجعة كان الشقا ف مالا‬ ‫تبيت بطول الليل ما تألف الكرى‬
‫بلحظة عي البي غي حالا‬ ‫على ما جرى ف دارها و بو عيالا‬
‫و نتوا عن أخذ الثار ماذا مقالا‬ ‫فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم‬
‫و يبد من نيان قلب ذبالا ‌‬ ‫أنا قلت إذا ورد الكتاب يسرن‬
‫و بيض العذارى ما حيتو جالا‬ ‫أيا حي تسريح الذوائب و اللحى‬

‫الوشحات و الزجال للندلس‬


‫و أما أهل الندلس فلما كثر الشعر ف قطرهم و تذبت مناحيه و فنونه و بلغ التنميق فيه الغاية استحدث التأخرون منهم فنا منه سوه‬
‫بالوشح ينظمونه أساطا أساطا و أغصانا أغصانا يكثرون من أعاريضا الختلفة‪ .‬و يسمون التعدد منها بيتا واحدا و يلتزمون عند قواف تلك‬
‫الغصان و أوزانا متتاليا فيما بعد إل آخر القطعة و أكثر ما تنتهى عندهم إل سبعة أبيات‪ .‬و يشتمل كل بيت على أغصان عددها بسب‬
‫الغراض و الذاهب و ينسبون فيها و يدحون كما يفعل ف القصائد‪ .‬و تاروا ف ذلك إل الغاية و استظرفة الناس جلة الاصة والكافة‬
‫لسهولة تناوله و قرب طريقه‪ .‬و كان الخترع لا بزيرة الندلس مقدم بن معافرالفريري من شعراء المي عبد ال بن ممد الروان‪ .‬و أخذ‬
‫ذلك عنه أبو عبد ال أحد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد و ل يظهر لما مع التأخرين ذكر و كسدت موشحاتما‪ .‬فكان أول من برع‬
‫ف هذا الشأن عبادة القزاز شاعر العتصم بن صمادح صاحب الرية‪ .‬و قد ذكر العلم البطليوسي أنه سع أبا بكر بن زهي يقول‪ :‬كل‬
‫الوشاحي عيال على عبادة القزاز فيما أتفق له من قوله‪:‬‬
‫غصن نقا‪ .‬مسك شم‬ ‫بدر ت‪ .‬شس ضحا‬
‫ما أورقا‪ .‬ما أن‬ ‫ما أت‪ .‬ما أوضحا‬
‫قد عشقا‪ .‬قد حرم‬ ‫ل جرم‪ .‬من لحا‬
‫و زعموا أنة ل يسبقه وشاح من معاصريه الذين كانوا ف زمن الطوائف‪ .‬و ذكر غي واحد من الشايخ أن أهل هذا الشأن بالندلس‬
‫يذكرون أن جاعة من الوشاحي اجتمعوا ف ملس بأشبيلية و كان كل واحد منهم اصطنع موشحة و تأنق فيها فتقدم العمى الطليطلي‬
‫للنشاد فلما افتتح موشحته الشهورة بقوله‪:‬‬
‫ضاق عنه الزمان‪ .‬و حواه صدري‬ ‫ضاحك عن جان‪ .‬سافرعن در‬
‫صرف ابن بقي موشحته و تبعه الباقون‪ .‬و ذكر العلم البطليوسي أنه سع ابن زهر يقول‪ :‬ما حسدت قط وشاحا على قول إل ابن بقي‬
‫حي وقع له‪:‬‬
‫أطلعه الغرب‪ .‬فأرنا مثله يا مشرق‬ ‫أما ترى أحد‪ .‬ف مده العال ل يلحق‬
‫و كان ف عصرها من الوشحي الطبوعي أبو بكر البيض‪ .‬و كان ف عصرها أيضا الكيم أبو بكر بن باجة صاحب التلحي العروفة و‬
‫من الكايات الشهورة أنه حضر ملس مدومه ابن تيفلويت صاحب سرقسطة فألقى على بعض قيناته موشحته الت أولا‪:‬‬
‫وصل الشكر منك بالشكر‬ ‫جرر الذيل أيا جر‬
‫فطرب المدوح لذلك لا ختمها بقوله‪:‬‬
‫لمي العل أب بكر‬ ‫عقد ال راية النصر‬
‫فلما طرق ذلك التلحي سع ابن تيفلويت صاح‪ :‬و اطرباه‪ :‬و شق ثيابه و قال‪ :‬ما أحسن ما بدأت و ختمت و حلف باليان الغلظة ل‬
‫يشي ابن باجة إل داره إل على الذهب‪ .‬فخاف الكيم سوء العاقبة فاحتال بأن جعل ذهبا ف نعله و مشى عليه‪ .‬و ذكر أبو الطاب بن‬
‫زهر أنه جرى ف ملس أب بكر ابن زهي ذكر أب بكر البيض الوشاح التقدم الذكر فغص منه نعض الاضرين فقال كيف تغص من يقول‪:‬‬
‫لول هضيم الوشاح إذا أسا ف الصباح‬ ‫ما لذي شراب راح على رياض القاح‬
‫ما للشمول لطمت خدي ؟‬ ‫أو ف الصيل أضحى يقول‪:‬‬
‫غصن اعتدال ضمه بردي‬ ‫و للشمال هبت فمال‬
‫يا لظة رد نوبا و يا لاه الشنيبا‬ ‫ما أباد القلوبا يشي لنا مستريبا‬
‫ل يستحيل فيه عن عهدي‬ ‫برد غليل صب عليل‬
‫يرجو الوصال و هو ف الصد‬ ‫و ل يزال ف كل حال‬
‫و اشتهر بعد هؤلء ف صدر دولة الوحدين ممد بن أب الفضل بن شرف‪ .‬قال السن بن دويدة‪ :‬رأيت حات بن سعيد على هذا الفتتاح‪:‬‬
‫و ندي‬ ‫شس قاربت بدرا راح‬
‫و ابن برودس الذي له‪:‬‬
‫بال عودي‬ ‫يا ليلة الوصل و السعود‬
‫و ا بن مؤهل الذي له‪:‬‬
‫و إنا العيد ف التلقي‪ .‬مع البيب‪.‬‬ ‫ما العيد ف حلة و طاق‪ .‬و شم و طيب‪.‬‬
‫و أبو إسحاق الروين قال ابن سعيد‪ :‬سعت أبا السن سهل بن مالك يقول‪ :‬إنه دخل على ابن زهي و قد أسن و عليه زي البادية إذ كان‬
‫يسكن بصن سبتة فلم يعرفة فجلس حيث انتهى به الجلس‪ .‬و جرت الحاضرة فانشد لنفسه موشحة وقع فيها‪:‬‬
‫الفجر على الصباح‬ ‫كحل الدجى يري من مقلة‬
‫خضر من البطاح‬ ‫و معصم النهر ف حلل‬
‫فتحرك ابن زهي و قال أنت تقول هذا ؟ قال‪ :‬اختب ! قال‪ :‬و من تكون فعرفة‪ ،‬فقال ارتفع فوال ما عرفتك‪ ،‬قال ابن سعيد و سابق اللبة‬
‫الذي أدرك هؤلء أبو بكر بن زهي و قد شرقت موشحاته و غربت‪ ،‬قال‪ :‬و سعت أبا السن سهل بن مالك يقول قيل لبن زهي لو قيل‬
‫لك ما أبدع و أرفع ما وقع لك ف التوشيح قال كنت أقول‪:‬‬
‫ما للموله من سكره ل يفيق‪ .‬يا له سكران‪ .‬من غي خر‪ .‬ما للكئيب الشوق‪ .‬يندب الوطان‪.‬‬
‫بالليج‪ .‬و ليالينا‬ ‫هل تستعاد‪ .‬أيامنا‬
‫الريج‪ .‬مسك دارينا‬ ‫أو نستفاد‪ .‬من النسيم‬
‫البهيج‪ .‬أن ييينا ؟‬ ‫أو هل يكاد‪ .‬حسن الكان‬
‫روض أظله‪ .‬دوح عليه أنيق‪ .‬مورق الفنان‪ .‬و الاء يري‪ .‬و عائم و غريق‪ .‬من جن الريان‬
‫و اشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل الشهور قوله‪:‬‬
‫با شئت من يد و عي‬ ‫يفوق سهمه كل حي‬
‫و ينشد ف القصيد‪:‬‬
‫فليس تل ساع من قتال‬ ‫خلقت مليح علمت رامي‬
‫ما تعمل يدي بالنبال‬ ‫و تعمل بذي العيني متاعي‬
‫و اشتهر معهما يومئذ بغرناطة الهر بن الفرس‪ ،‬قال ابن سعيد‪ ،‬و لا سع ابن زهر قوله‪:‬‬
‫بنهر حص على تلك الروج‬ ‫ل ما كان من يوم بيج‬
‫نفض ف حانه مسك التام‬ ‫ث انعطفنا على فم الليج‬
‫و رداء الصيل ضمه كف الظلم‬ ‫عن عسجد زانه صاف الدام‬
‫قال ابن زهر‪ :‬أين كنا نن عن هذا الرداء و كان معه ف بلده مطرف‪ .‬أخب ابن سعيد عن والده أن مطرفا هذا دخل على ابن الفرس فقام له‬
‫و أكرمه‪ ،‬فقال‪ :‬ل تفغل ! فقال ابن الفرس‪ :‬كيف ل أقوم لن يقول‪:‬‬
‫فقل كيف تبقى بل وجد‬ ‫قلوب تصاب بألاظ تصيب‬
‫و بعد هذا ابن خزمون برسية‪ .‬ذكر ابن الرائس أن يي الزرجي دخل عليه ف ملسه فأنشده موشحة لنفسه فقال له ابن حزمون‪ :‬ل يكون‬
‫الوشح بوشح حت يكون عاريا غن التكلف‪ ،‬قال على مثل ماذا ؟ قال على مثل قول‪:‬‬
‫منك سبيل‬ ‫يا هاجري هل إل الوصال‬
‫قلب العليل‬ ‫أو هل ترى عن هواك سال‬
‫و أبو السن سهل بن مالك بغرناطة‪ .‬قال ابن سعيد كان والدي يعجب بقوله‪:‬‬
‫عاد برا ف أجع الفق‬ ‫إن سيل الصباح ف الشرق‬
‫فتداعت نوادب الورق‬
‫فبكت سحرة على الورق‬ ‫أتراها خافت من الغرق‬
‫و اشتهر بأشبيلية لذلك العهد أبو السن بن الفضل‪ ،‬قال ابن سعيد عن والده‪ ،‬سعت سهل ابن مالك يقول‪ :‬له يا ابن الفضل لك على‬
‫الوشاحي الفضل بقولك‪:‬‬
‫عشية بأن الوى و انقضى‬ ‫واحسرتا لزمان مضى‬
‫و بت على جرات الغضى‬ ‫و أفردت بالرغم ل بالرضى‬
‫و ألثم بالوهم تلك الرسوم‬ ‫أعانق بالفكر تلك الطلول‬
‫قال و سعت أبا بكر بن الصابون ينشد الستاذ أبا السن الدباج موشحاته غي ما مرة‪ ،‬فما شنمعتة يقول له ل درك‪ ،‬إل ف قوله‪:‬‬
‫ما لليل الشوق من فجر‬ ‫قسما بالوى لذي حجر‬
‫جد الصبح ليس يطرد ما لليلي فيما أظن غد إصح ياليل إنك البد‬
‫فنجوم السماء ل تسري‬ ‫أو قفصت قوادم النسر‬
‫و من ماسن موشحات ابن الصابون قوله‪:‬‬
‫أمرضة يا ويلتاه الطبيب‬ ‫ما حال صب ذي ضن و اكتئاب‬
‫ث اقتدى فيه الكرى بالبيب‬ ‫عامله مبوبه باجتناب‬
‫ل أبكه أل لفقد اليال‬ ‫جفا جفون النوم لكنن‬
‫منه كما شاء و شاء الوصال‬ ‫و ذا الوصال اليوم قد غرن‬
‫بصورة الق و ل بالحال‬ ‫فلست باللئم من صدن‬
‫و اشتهر بب أهل العدوة ابن خلف الزائري صاحب الوشحة الشهورة‪:‬‬
‫يد الصباح قدحت زناد النوار ف مامز الزهر‬
‫و ابن خرز البجائي و له من موشحة‪:‬‬
‫حباك منه بابتسام‬ ‫ثغر الزمان موافق‬
‫و من ماسن الوشحات للمتأخرين موشحة ابن سهل شاعر أشبيلية و سبتة من بعدها فمنها قوله‪:‬‬
‫قلب صب حله عن مكنس‬ ‫هل درى ظب المى أن قد حى‬
‫لعبت ريح الصبا بالقبس‬ ‫فهو ف نار و خفق مثل ما‬
‫و قد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبد ال ابن الطيب شاعر الندلس و الغرب لعصره و قد مر ذكره فقال‪:‬‬
‫يا زمان الوصل بالندلس‬ ‫جادك الغيث إذا الغيث هى‬
‫ف الكرى أو خلسة الختلس‬ ‫ل يكن وصلك إل حلما‬
‫ينقل الطو على ما يرسم‬ ‫إذ يقود الدهر أشتات الن‬
‫مثل ما يدعو الوفود الوسم‬ ‫زمرا بي فرادى و ثنا‬
‫فثغور الزهر فيه تبسم‬ ‫و اليا قد جلل الروض سن‬
‫كيف يروي مالك عن أنس‬ ‫و روى النعمان عن ماء السما‬
‫يزذهي منه بأبى ملبس‬ ‫فكساه السن ثوبا معلما‬
‫بالدجى لو ل شوس الغرر‬ ‫ف ليال كتمت سر الوى‬
‫مستقيم السي سعد الثر‬ ‫مال نم الكأس فيها و هوى‬
‫أنه مر كلمح البصر‬ ‫وطر ما فيه من غيب سوى‬
‫هجم الصبح هجوم الرس‬ ‫حي لذ النوم منا أو كما‬
‫أثرت فينا عيون النرجس‬ ‫غارت الشهب بنا أو ربا‬
‫فيكون الروض قد مكن فيه‬ ‫أي شيء لمرئ قد خلصا‬
‫أمنت من مكره ما تتقيه‬ ‫تنهب الزهار فيه الفرصا‬
‫و خل كل خليل بأخيه‬ ‫فإذا الاء يناجي و الصا‬
‫يكتسي من غيظيه ما يكتسي‬ ‫تبصر الورد غيورا برما‬
‫يسرق الدمع بأذن فرس‬ ‫و ترى الس لبيبا فهما‬
‫و بقلب مسكن أنتم به‬ ‫يا أهيل الي من وادي الغضا‬
‫ل أبال شرقه من غربه‬ ‫ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا‬
‫تنقذوا عانيكم من كربه‬ ‫فأعيدوا عهد أنس قد مضى‬
‫يتلشى نفسا ف نفس‬ ‫و اتقوا ال احيوا مغرما‬
‫أفترضون خراب البس‬ ‫حبس القلب عليكم كرما‬
‫بأحاديث الن و هو بعيد‬ ‫و بقلب منكم مقترب‬
‫شقوة الغرى به و هو سعيد‬ ‫قمر أطلع منه الغرب‬
‫ف هواه بي وعد و وعيد‬ ‫قد تساوي مسن أو مذنب‬
‫جال ف النفس مال النفس‬ ‫ساحر القلة معسول اللمى‬
‫بفؤادي نبلة الفترس‬ ‫سدد السهم فأصمى إذ رمى‬
‫و فؤاد الصب بالشوق يذوب‬ ‫إن يكن جار و خاب المل‬
‫ليس ف الب لحبوب ذنوب‬ ‫فهو للنفس حبيب أول‬
‫ف ضلوع قد براها و قلوب‬ ‫أمره معتمل متثل‬
‫ل يراقب ف ضعاف النفس‬ ‫حكم اللحظ با فاحتكما‬
‫و يازي الب منها و السي‬ ‫ينصف الظلوم من ظلما‬
‫عادة عيد من الشوق جديد ؟‬ ‫ما لقلب كلما هبت صبا‬
‫قوله إن عذاب لشديد‬ ‫كان ف اللوح له مكتتبا‬
‫فهو للشجان ف جهد جهيد‬ ‫جلب الم له و الوصبا‬
‫فهي نار ف هشيم اليبس‬ ‫لعج ف أضلعي قد أضرما‬
‫كبقاء ألصبح بعد الغلس‬ ‫ل يدع من مهجت إل الدما‬
‫و اعتبي الوقت برجعى و متاب‬ ‫سلمي يا نفس ف حكم القضا‬
‫بي عتب قد تقضت و عتاب‬ ‫و اتركي ذكرى زمان قد مضى‬
‫ملهم التوفيق ف أم الكتاب‬ ‫و اصرف القول إل الول الرضى‬
‫أسد السرج و بدر الجلس‬ ‫الكري النتهى و النتمى‬
‫ينل الوحي يروح القدس‬ ‫ينل النصر عليه مثلما‬
‫و أما الشارقة فالتكلف ظاهر على ما عانوه من الوشحات‪ .‬و من أحسن ما وقع لم ف ذلك موشحة ابن سناء اللك الت اشتهرت شرقا و‬
‫غربا و أولا‪:‬‬
‫عن العذار‬ ‫حبيب ارفع حجاب النور‬
‫ف جلنار‬ ‫تنظر السك على كافور‬
‫باللى و اجعلي‬ ‫كللي يا سحب تيجان الرب‬
‫سوارها منعطف الدول‬
‫و لا شاع فن التوشيح ف أهل الندلس‪ ،‬و أخذ به المهور‪ .‬لسلسته و تنميق كلمه و ترصيع أجزائه‪ ،‬نسجت العامة من أهل المصار‬
‫على منواله‪ .‬و نظموا ف طريقته بلغتهم الضرية من غي أن يلتزموا فيها إعرابا‪ .‬و استحدثوا فنا سوه يالزجل‪ ،‬و التزموا النظم فيه على‬
‫مناحيهم لذا العهد‪ ،‬فجاءوا فيه بالغرائب و اتسع فيه للبلغة مال بسب لغتهم الستعجمة‪.‬‬
‫و أول من أبدع ف هذه الطريقة‪ .‬الزجلية أبو بكر بن قزمان‪ .‬و إن كانت قيلت قبله بالندلس‪ ،‬لكن ل يظهر حلها‪ ،‬و ل انسبكت معانيها‬
‫و اشتهرت رشاقتها إل ف زمانه‪ .‬و كان لعهد اللثمي‪ ،‬و هو إمام الزجالي على الطلق‪ .‬قال ابن سعيد‪ :‬و رأيت أزجاله مروية ببغداد‬
‫أكثر ما رأيتها بواضر الغرب‪ .‬قال‪ :‬و سعت أبا السن بن جحدر الشبيلي‪ ،‬إمام الزجالي ف عصرنا يقول‪:‬‬
‫ما وقع لحد من أئمة هذا الشأن مثل ما وقع لبن قزمان شيخ الصناعة‪ ،‬و قد خرج إل منتزه مع بعض أصحابه‪ ،‬فجلسوا تت عريش و‬
‫أمامهم تثال أسد من رخام يصب الاء من فيه على صفائح من الجر متدرجة فقال‪:‬‬
‫بال رواق‬ ‫و عريش قد قام على دكان‬
‫من غلظ ساق‬ ‫و أسد قد ابتلع ثعبان‬
‫بيه الفراق‬ ‫و فتح فمه بال إنسان‬
‫و ألقى الصياح‬ ‫و انطلق من ث على الصفاح‬
‫و كان ابن قزمان‪ ،‬مع أنه قرطب الدار‪ .‬كثيا ما يتردد إل إشبيلية و نيتاب نرها‪ ،‬فاتفق أن اجتمع ذات يوم جاعة من أعلم هذا الشأن‪ .‬و‬
‫قد ركبوا ف النهر للنهة‪ .‬و معهم غلم جيل الصورة من سروات أهل البلد و بيوتم‪ .‬و كانوا متمعي ف زورق للصيد‪ ،‬فنظموا ف وصف‬
‫الال‪ ،‬و بدأ منهم عيسى البليدي فقال‪:‬‬
‫و قد ضمن عشقو لشهماتو‬ ‫يطمع باللص قلب و قد فاتو‬
‫يغلق و كذاك أمر عظيم صاباتو‬ ‫تراه قد حصل مسكي ملتو‬
‫وذيك الفون الكحل أبلتو‬ ‫توحش الفون الكحل إن غابو‬
‫ث قال أبو عمرو بن الزاهر الشبيلي‪:‬‬
‫ترى ايش دعاه يشقى و يتعذب‬ ‫نشب و الوى من ل فيه ينشب‬
‫و خلق كثي من ذا اللعب ماتوا‬ ‫مع العشق قام ف بالوان يلعب‬
‫ث قال أبو السن القري الدان‪:‬‬
‫شراب و ملح من حول قد طافوا ‌‬ ‫نار مليح يعجب أوصافو‬
‫و البوري أخرى فقلتو‬ ‫و القلي يقول من فوق صفصافو‬
‫ث قال أبو بكر بن مرتي‪:‬‬
‫ف الواد النيه و البوري و الصياد‬ ‫الق تريد حديث بقال عاد‬
‫قلوب الورى هي ف شبيكاتو‬ ‫لسنا حيتان ذيك الذي يصطاد‬
‫ث قال أبو بكر بن قزقان‪:‬‬
‫ترى البوري يرشق لذاك اليها‬ ‫إذا شر كمامو يرميها‬
‫إل أن يقبل بدياتو‬ ‫و ليس مرادو أن يقع فيها‬
‫و كان ف عصرهم يشرق الندلس ملف السود‪ ،‬و له ماسن من الزجل منها قوله‪:‬‬
‫و ردن ذا العشق لمر صعب‬ ‫قد كنت منشوب و اختشيت النشب‬
‫تنتهي ف المر إلا تنتهي‬ ‫حت تنظر الد الشريق البهي‬
‫تنظر با الفضة و ترجع ذهب‬ ‫يا طالب الكيميا ف عين هي‬
‫و جاءت‪ .‬بعدهم حلبة كان سابقها مدغليس‪ ،‬وقعت له العجائب ف هذه الطريقة‪ ،‬فمن قوله ف زجله الشهور‪:‬‬
‫و شعاع الشمس يضرب‬ ‫و رذاذ دق ينل‬
‫و ترى الخر يذهب‬ ‫فترى الواحد يفضض‬
‫و الغصون ترقص و تطرب‬ ‫و النبات يشرب و يسكر‬
‫ث تستحي و ترب‬ ‫و تريد تي إلينا‬
‫و من ماسن أزجاله قوله‪:‬‬
‫فقم بنا ننع الكسل‬ ‫لح الضيا و النجوم حيارى‬
‫أحلى هي عندي من العسل‬ ‫شربت مزوج من قراعا‬
‫قلدك ال با تقول‬ ‫يا من يلمن كما تقلد‬
‫و أنه يفسد العقول‬ ‫يقول بان الذنوب تولد‬
‫ايش ما ساقك معي ف ذا الفضول‬ ‫لرض الجاز موريكن لك أرشد‬
‫و دعن ف الشرب منهمل‬ ‫مر أنت للحج و الزيارا‬
‫النية أبلغ من العمل‬ ‫من ليس لو قدره و ل استطاع‬
‫و ظهر بعد هؤلء بأشبيلية ابن جحدر الذي فضل على الزجالي ف فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا‪:‬‬
‫أنا بري من يعاند الق‬ ‫من عاند التوحيد بالسيف يحق‬
‫قال ابن سعيد لقيتة و لقيت تلميذة العمع صاحب الزجل الشهور الذي أوله‪:‬‬
‫أفتل اذنو بالرسيل‬ ‫يا ليتن ان رأيت حبيب‬
‫و سرق فم الجيل‬ ‫ليش أخذ عنق الغزيل‬
‫ث جاء من بعدهم أبو السن سهل بن مالك إمام الدب‪ ،‬ث من بعدهم لذه العصور صاحبنا الوزير أبو عبد ال بن الطيب إمام النظم و‬
‫النثر ف اللة السلمية غي مدافع‪ ،‬فمن ماسنه ف هذه الطريقة‪:‬‬
‫ما خلق الال إل أن يبدد‬ ‫امزج الكواس و املل تدد‬
‫و من قوله على طريقة الصوفية و ينحو منحى الششتري منهم‪:‬‬
‫اختلطت الغزول‬ ‫بي طلوع و بي نزول‬
‫و بقي من ل يزول‬ ‫و مضى من ل يكن‬
‫و من ماسنه أيضا قوله ف ذلك العن‪:‬‬
‫و حي حصل ل قربك سببت قارب‬ ‫البعد عنك يا بن أعظم مصايب‬
‫و كان لعصر الوزير ابن الطيب بالندلس ممد بن عبد العظيم من أهل وادي آش‪ ،‬و كان إماما ف هذه الطريقة و له من زجل يعارض به‬
‫مدغليس ف قوله‪:‬‬
‫لح الضياء و النجوم حيارى بقوله‪:‬‬
‫مذ حلت الشمس ف المل‬ ‫حل الجون يا أهل الشطارا‬
‫ل تعلوا بينها ثل‬ ‫تددوا كل يوم خلعا‬
‫على خضورة ذاك النبات‬ ‫إليها يتخلعوا ف شنبل‬
‫أحسن عندي من ذيك الهات‬ ‫و حل بغداد و اجتياز النيل‬
‫ان مرت الريح عليه و جات‬ ‫و طاقتها أصلح من أربعي ميل‬
‫و ل بقدار ما يكتحل‬ ‫ل تلتق الغبار امارا‬
‫إل و نسرح فيه النحل‬ ‫و كيف ولش فيه موضع رقاعا‬
‫و هذه الطريقة الزجلية لذا العهد هي فن العامة بالندلس من الشعر‪ .‬و فيها نظمهم حت أنم لينظمون با ف سائر البحور المسة عشر‪،‬‬
‫لكن بلغتهم العامية و يسمونه الشعر الزجلي مثل قول شاعرهم‪:‬‬
‫و أنت ل شفقة و ل قلب يلي‬ ‫دهر ل نعشق جفونك و سني‬
‫صنعة السكة بي الدادين‬ ‫حت ترى قلب من أجلك كيف رجع‬
‫و الطارق من شال و من يي‬ ‫الدموع ترشرش و النار تلتهب‬
‫و أنت تغزو قلوب العاشقي‬ ‫خلق ال النصارى للغزو‬
‫و كان من الجيدين لذه الطريقة لول هذه الائة الديب أبو عبد ال اللوشي و له فيها قصيدة يدح فيها السلطان ابن الحر‪:‬‬
‫و نضحكو من بعدما نطربو‬ ‫طل الصباح قم يا نديي نشربو‬
‫ف ميلق الليل فقم قلبو‬ ‫سبيكة الفجر أحكت شفق‬
‫فضة هو لكن الشفق ذهبو‬ ‫ترى عيارها خالص أبيض نقي‬
‫نور الفون من نورها يكسبو‬ ‫فتنتفق سكتوا عند البشر‬
‫عيش الغن فيه بال ما أطيبو‬ ‫فهو النهار يا صاحب للمعاش‬
‫على سرير الوصل يتقلبو ‌‬ ‫والليل أيضا للقبل و العناق‬
‫ولش ليفلت من يديه عقربو‬ ‫جاد الزمان من بعدما كان بيل‬
‫يشرب بيننو و ياكل طيبو‬ ‫كما جرع مرو فما قد مضى‬
‫ف الشرب و العشق ترى ننجبو‬ ‫قال الرقيب يا أدبا إيش ذا‬
‫فقلت يا قوم من ذا تتعجبوا‬ ‫و تعجبوا عذال من ذا الب‬
‫علش تكفروا بال أو تكتبوا‬ ‫نعشق مليح ال رقيق الطباع‬
‫يفض بكرو و يدع ثيبو‬ ‫ليش يربح السن إل شاعر أديب‬
‫على الذي ما يدري كيف يشربو‬ ‫أما الكاس فحرام نعم هو حرام‬
‫يقدر يسن الفاظ أن يلبوا‬ ‫و يد الذي يسن حسابه و ل‬
‫يغفر ذنوبم لذا إن أذنبوا‬ ‫و أهل العقل و الفكر و الجون‬
‫و قلب ف جر الغضى يلهبو‬ ‫ظب بي فيها يطفي المر‬
‫و بالوهم قبل النظر يذهبوا‬ ‫غزال بي ينظر قلوب السود‬
‫و يفرحوا من بعدما يندبوا‬ ‫ث يييهم إذا ابتسم يضحكوا‬
‫خطيب المة للقبل يطبو‬ ‫فميم كالات و ثغر نقي‬
‫قد صففه الناظم و ل يثقبو‬ ‫جوهر و مرجان أي عقد يا فلن‬
‫من شبهه بالسك قد عيبو‬ ‫و شارب أخضر يريد لش يريد‬
‫ليال هجري منه يستغربوا‬ ‫يسبل دلل مثل جناح الغراب‬
‫ما قط راعي للغنم يلبوا‬ ‫على بدن أبيض بلون الليب‬
‫ديك الصليا ريت ما أصلبو‬ ‫و زوج هندات ما علمت قبلها‬
‫من رقتو يفي إذا تطلبوا‬ ‫تت العكاكن منها خصر رقيق‬
‫جديد عتبك حق ما أكذبو‬ ‫أرق هو من دين فيما تقول‬
‫من يتبعك من ذا و ذا تسلبوا‬ ‫أي دين بقا ل معاك و أي عقل‬
‫جي ينظر العاشق و حي يرقبو‬ ‫تمل ارداف ثقال كالرقيب‬
‫ف طرف ديسا و البشر تطلبو‬ ‫ان ل ينفس عدر أو ينقشع‬
‫و حي تغيب ترجع ف عين تبو‬ ‫يصي إليك الكان حي تي‬
‫أو الرمل من هو الذي يسبو‬ ‫ماسنك مثل خصال المي‬
‫من فصاحة لفظه يتقربو‬ ‫عماد المصار و فصيح العرب‬
‫و مع بديع الشعر ما أكتبو‬ ‫بمل العلم انفرد و العمل‬
‫و ف الرقاب بالسيف ما أضربو‬ ‫ففي الصدور بالرمح ما أطعنه‬
‫فمن يعد قلب أو يسبو‬ ‫من السماء يسد ف أربع صفات‬
‫الغيث جودو و النجوم منصبو‬ ‫الشمس نورو و القمر هتو‬
‫الغنيا و الند حي يركبوا‬ ‫يركب جواد الود و يطلق عنان‬
‫منه بنات العال تطيبوا‬ ‫من خلعتو يلبس كل يوم بطيب‬
‫قاصد و وارد قط ما خيبوا‬ ‫نعمتو تظهر على كل من ييه‬
‫لش يقدر الباطل بعدما يجبو‬ ‫قد أظهر الق و كان ف حجاب‬
‫من بعد ما كان الزمان خربو‬ ‫و قد بن بالسر ركن التقى‬
‫فمع ساحة وجهو ما أسيبو‬ ‫تاف حي تلقاه كما ترتيه‬
‫غلب هو ل شي ف الدنيا يغلبو‬ ‫يلقى الروب ضاحكا و هي عابسة‬
‫فليس شيء يغن من يضربو‬ ‫إذا جبد سيفه ما بي الردود‬
‫للسلطنة اختار و استنخبو‬ ‫و هو سي الصطفى و الله‬
‫يقود جيوشو و يزين موكبو‬ ‫تراه خليفة أمي الؤمني‬
‫نعم و ف تقبيل يديه يرغبوا‬ ‫لذي المارة تضع الرؤوس‬
‫يطلعوا ف الجد و ل يغربوا‬ ‫ببيته بقى بدور الزمان‬
‫و ف التواضع و اليا يقربوا‬ ‫و ف العال و الشرف يبعدوا‬
‫و أشرقت شسه و لح كوكبو‬ ‫و ال يبقيهم ما دار الفلك‬
‫يا شس خدر مالا مغربو‬ ‫و ما يغن ذا القصيد ف عروض‬
‫ث استحدث أهل المصار بالغرب فنا آخر من الشعر‪ ،‬ف أعاريض مزدوجة موشح‪ ،‬نظموا فيه بلغتهم الضرية أيضا و سوه عروض البلد‪ ،‬و‬
‫كان أول من حدثه فيهم رجل من أهل الندلس نزل بفاس يعرف بابن عمي‪ .‬فنظم قطعة بطريقة الوشح و ل يرج فيها عن مذاهب‬
‫العراب إل قليل مطلعها‪:‬‬
‫على الغصن ف البستان قريب الصباح‬ ‫ان بشاطي النهر نوح المام‬
‫و ماء الندى يري بثغر القاح‬ ‫السحر يحو مداد الظلم‬
‫كثي الواهر ف نور الوار‬ ‫جرت الرياض و الطل فيها افتراق‬
‫ياكي ثعابي حلقت بالثمار‬ ‫مع النواعي ينهرق انراق‬
‫و دار الميع بالروض دور السوار‬ ‫بالغصون خلخال على كل ساق‬
‫و يمل نسيم السك عنها رياح‬ ‫الندى ترق جيوب الكمام‬
‫و جر النسيم ذيلو عليها و فاح‬ ‫الصبا يطلى بسك الغمام‬
‫قد ابتلت ارياشو بقطر الندى‬ ‫و يطي المام بي الورق ف القضيب‬
‫قد التف من توبو الديد ف ردا‬ ‫تنوح مثل ذاك الستهام الغريب‬
‫ينظم سلوك جوهر و يتقلدا‬ ‫و لكن با أحر و ساقو خضيب‬
‫جناحا توسد و التوى ف جناح‬ ‫جلس بي الغصان جلسة الستهام‬
‫منها ضم منقاره لصدره و صاح‬ ‫و صار يشتكي ما ف الفؤاد من غرام‬
‫أراك ما تزال تبكي بدمع سفوح‬ ‫قلت يا حام احرمت عين الجوع‬
‫بل دمع نبقى طول حيات ننوح‬ ‫قال ل بكيت حت صفت ل الدموع‬
‫ألفت البكا و الزن من عهد نوح‬ ‫على فرخ طار ل ل يكن لو رجوع‬
‫انظر جفون صارت بال الراح‬ ‫كذا هو الوفا و كذا هو الزمام‬
‫يقول عنان ذا البكا و النواح‬ ‫و أنتم من بكى منكم إذا ت عام‬
‫كنت تبكي و ترثي ل بدمع هتون‬ ‫قلت يا حام لو خضت بر الضن‬
‫ما كان يصي تتك فروع الغصون‬ ‫و لو كان بقلبك ما بقلب أنا‬
‫حت ل سبيل جله تران العيون‬ ‫اليوم نقاسي الجر كم من سنا‬
‫أخفان نول عن عيون اللواح‬ ‫و ما كسا جسمي النحول و السقام‬
‫و من مات بعد يا قوم لقد استراح‬ ‫لو جتن النايا كان يوت ف القام‬
‫من خوف عليه ودا النفوس للفؤاد‬ ‫قال ل لو رقدت لوراق الرياض‬
‫طوق العهد ف عنقي ليوم التناد‬ ‫و تضبت من دمعي و ذاك البياض‬
‫بأطراف البلد و السم صار ف الرماد‬ ‫أما طرف منقاري حديثو استفاض‬
‫فاستحسنه أهل فاس و ولعوا به و نظموا على طريقته‪ .‬و تركوا العراب الذي ليس من شأنم‪ ،‬و كثر ساعه بينهم و استفحل فيه كثي منهم‬
‫و نوعةه أصنافا إل الزدوج و الكازي و اللعبة و الغزل‪ .‬و اختلفت أساؤها باختلف ازدواجها و ملحظاتم فيها‪ .‬فمن الزدوج ما قاله ابن‬
‫شجاع من فصولم و هو من أهل تازا‪:‬‬
‫يبهي وجوها ليس هي باهيا‬ ‫الال زينة الدنيا و عز النفوس‬
‫ولوه الكلم و الرتبة العاليا‬ ‫فها كل من هو كثي الفلوس‬
‫و يصغر عزيز القوم اذ يفتقر‬ ‫يكب من كثر مالو و لو كان صغي‬
‫و كاد ينفقع لول الرجوع للقدر‬ ‫من ذا ينطبق صدري و من ذا تغي‬
‫لن ل أصل عندو و ل لو خطر‬ ‫حت يلتجي من هو ف قومو كبي‬
‫و يصبغ عليه ثوب فراش صافيا‬ ‫لذا ينبغي يزن على ذي العكوس‬
‫و صار يستفيد الواد من الساقيا‬ ‫اللي صارت الذناب أمام الرؤوس‬
‫ما يدروا على من يكثروا ذا العتاب‬ ‫ضعف الناس على ذا و فسد ذا الزمان‬
‫و لو رأيت كيف يرد الواب‬ ‫اللي صار فلن يصبح بو فلن‬
‫أنفاس السلطي ف جلود الكلب‬ ‫عشنا و السلم حت رأينا عيان‬
‫هم ناحيا و الجد ف ناحيا‬ ‫كبار النفوس جدا ضعاف السوس‬
‫و جوه البلد و العمدة الراسيا‬ ‫يرو أنم و الناس يروهم تيوس‬
‫و من مذاهبهم قول ابن شجاع منهم ف بعض مزدوجاته‪:‬‬
‫اهل يا فلن ل يلعب السن فيك‬ ‫تعب من تبع ذا الزمان‬
‫قليل من عليه تبس و يبس عليك‬ ‫ما منهم مليح عاهد إل و خان‬
‫و يستعمدوا تقطيع قلوب الرجال‬ ‫يهبوا على العشاق و يتمنعوا‬
‫و ان عاهدوا خانوا على كل حال‬ ‫و ان واصلوا من حينهم يقطعوا‬
‫و صيت من خدي لقدمو نعال‬ ‫مليح كان هويتو وشت قلب معو‬
‫و قلت لقلب اكرم لن حل فيك‬ ‫و مهدت لو من وسط قلب مكان‬
‫فل بد من هول الوى يعتريك‬ ‫و هون عليك ما يعتريك من هوان‬
‫فلو كان يرى حال اذا يبصرو‬ ‫حكمتوا علي و ارتضيت بو أمي‬
‫مرديه و يتعطس بال انرو‬ ‫يرجع مثل در حول بوجه الغدير‬
‫و يفهم مرادو قبل أن يذكرو‬ ‫و تعلمت من ساعا بسبق الضمي‬
‫عصر ف الربيع أو ف الليال يريك‬ ‫و يتل ف مطلو لوان كان‬
‫وايش ما يقل يتاج لو ييك‬ ‫و يشي بسوق كان و لو باصبهان‬
‫حت أتى على آخرها‪.‬‬
‫و كان منهم علي بن الؤذن بتلمسان‪ ،‬و كان لذه العصور القريبة من فحولم بزرهون من ضواحي مكناسة رجل يعرف بالكفيف‪ .‬أبدع ف‬
‫مذاهب هذا الفن‪ .‬و من أحسن ما علق له بحفوظي قوله ف رحلة السلطان أب السن و بن مرين إل أفريقية يصف هزيتهم بالقيوان‪ .‬و‬
‫يعزيهم عنها و يؤنسهم با وقع لغيهم بعد أن عيبهم على غزاتم إل إفريقية ف ملعبة من فنون هذه الطريقة يقول ف مفتتحها‪ .‬و هو من‬
‫أبدع مذاهب البلغة ف الشعار بالقصد ف مطلع الكلم و افتتاحه و يسمى براعة الستهلل‪:‬‬
‫و نواصيها ف كل حي و زمان‬ ‫سبحان مالك خواطر المرا‬
‫و ان عصيناه عاقب بكل هوان‬ ‫ان طعناه أعظم لنا نصرا‬
‫إل أن يقول ف السؤال عن جيوش الغرب بعد التخلص‪:‬‬
‫فالراعي عن رعيته مسؤول‬ ‫كن مرعى قل و ل تكن راعي‬
‫للسلم و الرضا السن الكمول‬ ‫‌ و استفتح بالصلة على الداعي‬
‫و اذكر بعدهم اذا تب و قول‬ ‫على اللفاء الراشدين و التباع‬
‫ودوا سرح البلد مع السكان‬ ‫أحجاجا تللوا الصحرا‬
‫وين سارت بوعزاي السلطان‬ ‫عسكر فاس النية الغرا‬
‫و قطعتم لو كلكل البيدا‬ ‫أحجاج بالنب الذي زرت‬
‫التلوف ف افريقيا السودا‬ ‫عن جيش الغرب حي يسألكم‬
‫و يدع برية الجاز رغدا‬ ‫و من كان بالعطايا يزودكم‬
‫و يعجز شوط بعدما يفان‬ ‫قام قل للسد صادف الزرا‬
‫أي ما زاد غزالم سبحان‬ ‫و يزف كر دوم تب ف الغبا‬
‫و بلد الغرب سد السكندر‬ ‫لو كان ما بي تونس الغربا‬
‫طبقا بديد أو ثانيا بصفر‬ ‫مبن من شرقها إل غربا‬
‫أو يأت الريح عنهم بفرد خب‬ ‫ل بد الطي أن تيب نبا‬
‫لو تقرا كل يوم على الديوان‬ ‫ما أعوصها من أمور و ما شرا‬
‫و هوت الراب و خافت الغزلن‬ ‫لرت بالدم و انصدع حجرا‬
‫و تفكر ل باطرك جعا‬ ‫أدرل بعقلك الفحاص‬
‫عن السلطان شهر و قبله سبعا‬ ‫ان كان تعلم حام و ل رقاص‬
‫و علمات تنشر على الصمعا‬ ‫تظهر عند الهيمن القصاص‬
‫مهولي ل مكان و ل امكان‬ ‫ال قوم عاريي فل سترا‬
‫و كيف دخلوا مدينة القيوان‬ ‫ما يدروا كيف يصوروا كسرا‬
‫قضية سينا إل تونس‬ ‫امولي أبو السن خطينا الباب‬
‫واش لك ف اعراب افريقيا القوبس‬ ‫فقنا كنا على الريد و الزاب‬
‫الفاروق فاتح القرى الولس‬ ‫ما بلغك من عمر فت الطاب‬
‫و فتح من افريقيا و كان‬ ‫ملك الشام و الجاز و تاج كسرى‬
‫و نقل فيها تفرق الخوان‬ ‫رد ولدت لو كره ذكرى‬
‫صرح ف افريقيا بذا التصريح‬ ‫هذا الفاروق مردي العوان‬
‫و فتحها ابن الزبي عن تصحيح‬ ‫و بقت حى إل زمن عثمان‬
‫مات عثمان و انقلب علينا الريح‬ ‫لن دخلت غنائمها الديوان‬
‫و بقي ما هو للسكوت عنوان‬ ‫و افترق الناس على ثلثة أمرا‬
‫اش نعمل ف أواخر الزمان‬ ‫اذا كان ذا ف مدة البارا‬
‫و ف تاريخ كأنا و كيوانا‬ ‫و أصحاب الضر ف مكناساتا‬
‫شق و سطيح و ابن مرانا‬ ‫تذكر ف صحتها أبياتا‬
‫لدا و تونس قد سقط بنيانا‬ ‫ان مرين إذا تكف براياتا‬
‫عيسى بن السن الرفيع الشان‬ ‫قد ذكرنا ما قال سيد الوزرا‬
‫لكن إذا جاء القدر عميت العيان‬ ‫قال ل رأيت و أنا بذا أدري‬
‫من حضرة فاس إل عرب دياب‬ ‫و يقول لك ما دهى الرينيا‬
‫سلطان تونس و صاحب البواب‬ ‫أراد الول بوت ابن يي‬
‫ث أخذ ف ترحيل السلطان و جيوشه‪ ،‬إل آخر رحلته و منتهى أمره‪ ،‬مع أعراب إفريقية‪ .‬و أتى فيها بكل غريبة من اليداع‪ .‬و أما أهل‬
‫تونس فاستحدثوا فن اللعبة أيضا على لغتهم الضرية‪ ،‬إل أن أكثره رديء و ل يعلق بحفوظي منة شيء لرداءته‪.‬‬
‫الوشحات و الزجال ف الشرق‬
‫و كان لعامة بغداد أيضا فن من الشعر يسمونه الواليا‪ ،‬و تته فنون كثية يسمون منها القوما‪ ،‬و كان و كان‪ ،‬و منه مفرد و منه ف بيتي‪ ،‬و‬
‫يسمونه دوبيت على الختلفات العتبة عندهم ف كل واحد منها‪ ،‬و غالبها مزدوجة من أربعة أغصان‪ .‬و تبعهم ف ذلك أهل مصر القاهرة‬
‫و أتوا فيها بالغرائب‪ .‬و تبحروا فيها ف أساليب البلغة بقتضى لغتهم الضرية‪ ،‬فجاؤوا بالعجائب‪ .‬و رأيت ف ديوان الصفي اللي من‬
‫كلمه أن الواليا من بر البسيط‪ ،‬و هو ذو أربعة أغصان و أربع قواف‪ ،‬و يسمى صوتا و بيتي‪ .‬و أنه من مترعات أهل واسط‪ ،‬و أن كان‬
‫و كان فهو قافية واحدة و أوزان متلفة ف أشطاره‪ :‬الشطر الول من البيت أطول من الشطر الثان و ل تكون قافيته إل مردفة برف العلة‬
‫و أنه من مترعات البغداديي‪ .‬و أنشد فيه لنا‪:‬‬
‫بغمز الواجب حديث تفسي و منو أوبو‪ ،‬و أم الخرس تعرف بلغة الرسان‪ .‬انتهى كلم الصفي‪ .‬و من أعجب ما علق بفظى منه قول‬
‫شاعرهم‪:‬‬
‫و الدما تنضح‬ ‫هذي جراحي طريا‬
‫ف الفل يرح‬ ‫و قاتلي يا أخيا‬
‫قلت ذا أقبح‬ ‫قالوا و ناخذ بثارك‬
‫يكون أصلح‬ ‫إل جرحت يداوين‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫فقلت مفتون ل ناهب ول سارق‬ ‫طرقت باب البا قالت من الطارق‬
‫رجعت حيان من بر أدمعي غارق‬ ‫تبسمت لح ل من ثغرها بارق‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫و ان شكوت الوى قالت فديتك العي‬ ‫عهدي با و هي ل تأمن علي البي‬
‫ذكرتا العهد قالت لك على دين‬ ‫لن يعاين لا غيي غلم الزين‬
‫و لغيه ف وصف الشيش‪:‬‬
‫تغن عن المر و المار و الساقي‬ ‫دي خر صرف الت عهدي با باقي‬
‫خبيتها ف الشى طلت من احداقي‬ ‫قحبا و من قحبها تعمل على احراقي‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫كم توجع القلب بالجران أوه أح‬ ‫يا من و صالو لطفال الحبة بح‬
‫كل الورى كخ ف عين و شخصك دح‬ ‫أودعت قلب حوحو و التصب بح‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫جودي علي بقبلة ف الوى يا مي‬ ‫ناديتها و مسيب قد طوان طي‬
‫ما ظن ذا القطن يغشى فم من هو حي‬ ‫قالت و قد كوت داخل فؤادي كي‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫ماط اللثام تبدي بدر ف شرقه‬ ‫ران ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه‬
‫رجع هدانا بيط الصبح من فرقه‬ ‫اسبل دجى الشعرتاه القلب ف طرقه‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫وقف على منل أحباب قبيل الفجر‬ ‫يا حادي العيس ازجر بالطايا زجر‬
‫ينهض يصلي على ميت قتيل الجر‬ ‫و صيح ف حيهم يا من يريد الجر‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫ترعى النجوم و بالتسهيد اقتاتت‬ ‫عين الت كنت ارعاكم با باتت‬
‫و سلوت عظم ال أجركم ماتت‬ ‫و أسهم البي صابتن و ل فاتت‬
‫و لغيه‪:‬‬
‫غزال يبلى السود الضاريا بالفكر‬ ‫هويت ف قنطرتكم يا ملح الكر‬
‫وان تلل فما للبدر عندو ذكر‬ ‫غصن اذا ما انثن يسب البنات البكر‬
‫و من الذي يسمونه دوبيت‪:‬‬
‫أن يبعث طيفه مع السحار‬ ‫قد اقسم من أحبه بالباري‬
‫ليل فعساه يهتدي بالنار‬ ‫يا نار أشواقي به فاتقدي‬
‫و اعلم أن الذواق كلها ف معرفة البلغة إنا تصل لن خالط تلك اللغة و كثر استعماله لا و ماطبته بي أجيالا حت يصل ملكتها كما‬
‫قلناه ف اللغة العربية‪ .‬فل يشعر الندلس بالبلغة الت ف شعر أهل الغرب و ل الغرب بالبلغة الت ف شعر أهل الندلس و الشرق و ل‬
‫الشرقي بالبلغة الت ف شعر الندلس و الغرب‪ .‬لن اللسان الضري و تراكيبه متلفة فيهم‪ .‬و كل واحد منهم مدرك لبلغة لغته و ذائق‬
‫لحاسن الشعر من أهل جلدته و ف خلق السماوات والرض و اختلف ألسنتكم و ألوانكم آيات للعالي و قد كدنا نرج عن الغرض‪.‬‬
‫و جاء مصليا خلفه منهم ابن رافع‪ ،‬رأس شعراء الأمون ابن ذي النون صاحب طليطلة‪ .‬قالوا و قد أحسن ف ابتدائه ف موشحته الت طارت‬
‫له حيث يقول‪:‬‬
‫و سقت الذانب رياض البساتي‬ ‫العود قد ترن بأبدع تلحي‬
‫و ف انتهائه حيث يقول‪:‬‬
‫مروع الكتائب يي بن ذي النون‬ ‫تطر و ل تسلم عساك الأمون‬
‫ث جاءت اللبة الت كانت ف دولة اللثمي‪ ،‬فظهرت لم البدائع‪ ،‬و سابق فرسان حلبتهم العمى الطليطلي‪ ،‬ث يي بن بقي‪ ،‬و للطليطلي‬
‫من الوشوحات الهذبة قوله‪:‬‬
‫صبي و ف العال أشجان‬ ‫كيف السبيل إل‬
‫بالرد النواعم قد بان‬ ‫و الركب وسط الفل‬

‫خاتة‬
‫و لذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القول ف هذا الكتاب الول الذي هو طبيعة العمران و ما يعرض فيه و قد استوفينا من مسائله ما حسيناه‬
‫كفا ية له‪ .‬و ل عل من يأ ت بعد نا م ن يؤيده ال بف كر صحيح و علم مبي يغوف من م سائله على أك ثر م ا كتب نا فل يس على م ستنبط ال فن‬
‫إحصاء مسائله و إنا عليه تعيي موضع العلم و تنويع فصوله و ما يتكلم فيه و التأخرون يلحقون السائل من بعده شيئا فشيئا إل أن يكمل‪.‬‬
‫و ال يعلم و أنتم ل تعلمون‪.‬‬
‫قال مؤلف الكتاب عفى ال عنه‪ :‬أتمت هذا الزء الول الشتمل على القدمة بالوضع و التأليف قبل التنقيح و التهذيب ف مدة خسة أشهر‬
‫آخرها منتصف عام تسعة و سبعي و سبعمائة‪ .‬ث نقحته بعد ذلك و هذبته و القت به تواريخ المم كما ذكرت ف أوله و شرطته‪ .‬و ما‬
‫العلم إل من عند ال العزيز الكيم‪.‬‬

‫ل عن مو قع ا سلموب مع ب عض التعديلت وال من وراء الق صد‪ .‬ت ف صباح يوم الثلثاء‪01 ,‬‬
‫مع تيات مو قع الفل سفة ال سلمية نق ً‬
‫تشرين الول‪2002 ,‬‬

You might also like