Professional Documents
Culture Documents
كتاب يبحث في السيرة النبوية والشمائل الكريمة المحمدية ،حيث أن مصنفه أورد سيرة رسول ال
صلى ال عليه وسلم وكل ما يتعلق بها منذ ولدة آدم إلى يوم القيامة حيث أورد الناحية التاريخية
كالنشأة والبعثة والهجرة والمعارك ،وناحية المآثر والمناقب كالمعجزات والصفات الخلقية والخلقية
من زهد وآداب وعبادة وغير ذلك .فجاء موضوع الكتاب موافقا لعنوانه حيث أوفى بأحوال رسول
ال صلى ال عليه وسلم .
الباب الول
في ذكر التنويه بذكر نبينا محمد صلى ال عليه وسلم من زمن آدم عليه السلم
عن العِرْباض بن سارِيَة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إِنّي عِ ْندَ ال َلخَاتِمُ النّبِيّينَ
ج ِدلٌ فِي طِيْنَتِه» .
وإِنّ آ َدمَ لمُنْ َ
عن مَيْسَرة الفَجْر قال :قلت يا رسول ال متى كنت نبيّا؟.
ح وَالجَسَدِ».
قال« :وآدَمُ بَيْنَ ال ّروْ ِ
عن ميسرة قال :قلت يا رسول ال ،متى كنت نبيا؟.
سمَواتٍ ،وخَلَقَ العَرْشَ،
سوّاهُنّ سَ ْبعَ َ
سمَاءِ ،فَ َ
قالَ« :لمّا خَلَقَ اللّهُ تَعالى الَ ْرضَ ،واسْ َتوَى إلى ال ّ
سكَ َنهَا آدَمَ
خلَقَ اللّهُ َتعَالى الجَنّةَ التي أَ ْ
حمّدٌ َرسُولُ ال خَاتِمُ النْبِيَاءِ ،و َ
كَ َتبَ عَلى سَاقِ العَرْشُِ :م َ
سدِ ،فَلمّا أَحْيَاهُ
ح وَالجَ َ
ق والقِبَابِ والخِيَام ،وآدمُ بَيْنَ ال ّروْ ِ
ب والَوْرَا ِ
سمِي على ال ْبوَا ِ
حوّاءَ ،فكَ َتبَ ا ْ
وَ َ
سمِي ،فأخْبَ َرهُ اللّهُ تَعالى أنّهُ سَيّ ُد وََل ِدكَ .فَلمّا غَرّ ُهمَا الشَ ْيطَانُ
اللّهُ تَعالى َنظَرَ إلى العَرْشِ فَرَأى ا ْ
سمِي إِليه» .
ش َفعَا با ْ
تَابَا واسْتَ ْ
عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لمّا أصَابَ آدمُ
حمّدَُ ،ومَنْ
غفَ ْرتَ لِي .فََأوْحَى اللّهُ َتعَالى إِليهَ :ومَا مُ َ
حمّ ٍد إلّ َ
حقّ مُ َ
خطِيْئَةََ ،رفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ :ربّ بِ َ
ال َ
شكَ ،فإذا عَليه َمكْتُوبٌ ل اله إلّ اللّهُ
حمّدُ؟ فَقالَ :ربّ ،إنّك لمّا أ ْت َممْتَ خَ ْلقِي َر َف ْعتُ رَأسِي إلى عَرْ ِ
مُ َ
غفَ ْرتُ لكَ،
س ِمكَ .قالَ :نعَمْ قَدْ َ
سمَهُ مع ا ْ
حمّدٌ رَسولُ الَ .فعَِل ْمتُ أنّه أكْ َرمُ خَ ْل ِقكَ عَلَيك ،إذ قَرَ ْنتَ ا ْ
مُ َ
وَهو آخِرُ النْبِيَاءِ من ذُرّيّ ِتكَ ،وَل ْولَه ما خََلقْ ُتكَ» .
وقال سعيد بن جبير :اختصمَ ولد آدم :أيّ الخلْق أكر ُم على ال تعالى؟.
فقال بعضهم :آدمُ ،خلقه ال بيده ،وأسْجد له ملئكته.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وقال آخرون :بل الملئكة الذين لم يعصوا ال.
فذكروا ذلك لدم ،فقال آدم :لمّا نفخ فيّ الروحُ لم تبلغ قدميّ ،فاستويت جالسا ،فبرق لي العرش،
فنظرت فيه :محمد رسول ال .فذاك أكرمُ الخلق على ال عز وجل.
عن وهب قال :أوحى ال تعالى إلى آدم :أنا ال ذو بكّة ،أهلُها خيرتي ،وزوارها وفدي وفي
شعْثا غُبراَ ،ي ُعجّون بالتكبير
كنفي( ،وفيها بيتي) أعمره بأهل السماء وأهل الرض ،يأتونه أفواجا ُ
عجيجا ،ويزجون بالتلبية زجيجا ،ويثجون بالبكاء ثجيجا ،فمن اعتمده ل يريد غيره فقد زارني،
وضافني ،ووفد إليّ ،ونزل بي ،وحقّ لي أن أتحفه بكرامتي ،أجعل ذلك البيت وذِكره وشرفه
ومجده وسناءَه لنبيَ من ولدك يقال له :إبراهيم ،أرفع له قواعده وأقضي على يديه عمارته ،وأنْبِط
له سقايته ،وأريه حِلّه وحَرَمه ،وأعّلمُه مشاعره ،ثم َت ْعمُره المم والقرون حتى ينتهي إلى نبي من
ولدك يقال له :محمد صلى ال عليه وسلم ،وهو خاتم النبيين ،أجعله من سكانه وولته وحجابه
شعْث الغُبْر الموفين بنذرهم المقبلين إلى ربهم.
وسقاته ،فمن سأل عني يومئذ فأنا مع ال ّ
عن ابن عباس :أوحى ال تعالى إلى عيسى عليه السلم :لول محمد ما خلقت آدم ،ولقد خلقت
سكَن.
العرش فاضطرب ،فكتبت عليه ل إله إل ال محمد رسول ال ف َ
الباب الثاني
في ذكر الطينة التي خلق منها محمد صلى ال عليه وسلم
عن كعب الحبار قال :لما أراد ال تعالى أن يخلق محمدا صلى ال عليه وسلم أمر جبريل عليه
السلم أن يأتيه فأتاه بالقبضة البيضاء التي هي موضع قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فعجنت بماء التّسْنيم ،ثم غمست في أنهار الجنة ،وطيف بها في السموات والرض ،فعرفت
الملئكة محمدا و َفضْله قبل أن تعرف آدم ،ثم كان نور محمد صلى ال عليه وسلم يُرى في غُرّة
جبهة آدم .وقيل له :يا آدم هذا سيد ولدك من النبياء والمرسلين.
فلما حملت حواء بشيت انتقل عن آدم إلى حواء ،وكانت تلد في كل بطن ولدين إل شيتا ،فإنها
ولدته وحده ،كرامة لمحمد صلى ال عليه وسلم.
ثم لم يزل ينتقل من طاهر إلى طاهر إلى أن ولد صلى ال عليه وسلم.
عن ابن عباس قال :قلت :يا رسول ال ،أين كنت وآدم في الجنة؟.
سفِيْنَةَ فِي صُ ْلبِ أَبي نوحٍ،
ض وَأنا فِي صُلْ ِبهِ ،وَ َركِبْتُ ال ّ
ط إلى الَ ْر ِ
قال« :كُ ْنتُ في صُلْبِه ،وأُهْبِ َ
سفَاحٍ ،لم يَ َزلْ يَ ْنقُلُني من
وقُ ِذ ْفتُ في النّا ِر في صُ ْلبِ أبي إِبْرَاهِيم ،لم يَلْ َتقِ لي أ َبوَانِ قَطّ على ِ
خذَ اللّهُ لي
ن إلّ كُ ْنتُ في خَيْرِهِما ،أ َ
شعْبَتَا ِ
ش ّعبُ ُ
الصْلبِ الطّاهِ َر ِة إلى الَرْحَامِ ال ّنقِيّةِ ُمهَذّبًا ل تَتَ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جهِي والسّماءُ
سمِي ،تُشْ ِرقُ ال ْرضُ ِلوَ ْ
شهَرَ ا ْ
بالنّب ّوةِ مِيْثَاقِي ،وفي ال ّتوْرَاةِ َبشّرَ بِي ،وفي الِنْجِيلِ َ
لِ ُرؤْيَتِي» .
وقال العباس :يا رسول ال ،إني أريد أن أمتدحك.
ل لَ َيفْضُض اللّهُ فَاكَ» .
فقال لهُ « :ق ْ
فأنشأ يقول:
منْ قبلها طِبت في الظلل وفي
مستودع حيث ُيخْصف الوَرَقُ
ثم هبطتَ البلدَ ل بشرٌ أنت
ول مضغ ٌة ول عَلقُ
بل نطفةٌ تركب السفين وقد
ألجم نسْرا وأهلَه الغرَق
ور ْدتَ نار الخليل مُكتتما
تجولُ فيها ولست تحترقُ
تُنقل من صُلبٍ إلى رحم
إذا مضى عالَمٌ بدا طبقُ
حتى احتوى بيتك المهيمن من
خِندف علياء تحتها النّطقُ
وأنت لما وردت أشرقت الر
الباب الثالث
في دعاء إبراهيم الخليل بإيجاد محمد صلى ال عليه وسلم
لما بنى الخليل عليه السلم الكعبة دعا لهل مكة فقال{ :س 2ش 129رَبّنَا وَا ْب َعثْ فِيهِمْ رَسُولً
حكِيمُ }
ح ْكمَ َة وَيُ َزكّيهِمْ إِ ّنكَ أَنتَ العَزِيزُ ال َ
ك وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَابَ وَالْ ِ
مّ ْنهُمْ يَتْلُواْ عَلَ ْيهِمْ آيَا ِت َ
(البقرة.)129 :
قال السدي عن أشياخه :هو محمد صلى ال عليه وسلم.
عن العِرْباض بن سارية قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إِنّي عِ ْندَ ال َلخَاتِمُ النّبِيّينَ،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ج ِدلٌ في طِيْنَتِه وسُأخْبِ ُركُم بأ ّولِ ذلك:
وإنّ آ َدمُ لمُنْ َ
ع َوةُ أبي إِبْرَاهِيم ،وبِشَا َرةُ عِيْسَى ،وَ ُرؤْيَا ُأمّي التي رََأتْ ،وكذلكَ ُأ ّمهَاتُ النّبِيّين يُرَيْنَ» .
أنَا دَ ْ
ورواه ليث عن معاوية فقال :وإن أمه رأت حين وضعته نورا أضاءت منه قصور الشام.
الباب الرابع
في بيان ذكره في التوراة والِنجيلوذكر أمته ،واعتراف علماء الكتاب بذلك
جدُونَهُ َمكْتُوبًا عِندَ ُهمْ فِى
ل ّمىّ الّذِى يَ ِ
ىاُ
قال ال تعالى{ :س 7ش 157الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ
علَ ْيهِمُ ا ْلخَبَا ِئثَ
ت وَيُحَرّمُ َ
حلّ َلهُمُ الطّيّبَا ِ
ال ّتوْرَا ِة وَالِنجِيلِ يَ ْأمُرُهُم بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُ ِ
علَ ْيهِمْ فَالّذِينَ ءَامَنُواْ بِ ِه وَعَزّرُوهُ وَ َنصَرُو ُه وَاتّ َبعُواْ النّورَ
وَ َيضَعُ عَ ْنهُمْ ِإصْرَهُمْ وَالّغْلَالَ الّتِى كَا َنتْ َ
الّذِى? أُن ِزلَ َمعَهُ ُأوْلَا ِئكَ هُمُ ا ْلمُفِْلحُونَ }(العراف)157 :
والمراد :أنهم يجدون َنعْته.
عن عطاء بن يسار :لقيت عبدال بن عمرو بن العاص رضي ال عنه فقلت :أخبرني عن صفة
رسول ال صلى ال عليه وسلم في التوراة.
جلْ ،وال إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن:
قالَ :أ َ
{س 33ش 45ياأَ ّيهَا النّ ِبىّ إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدا َومُبَشّرا وَنَذِيرا }(الحزاب ، )45 :وحرزا للميّين،
أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ،لست بفظ ،ول غليظ ،ول صَخاب في السواق ،ول تجزي
بالسيئة السيئة ولكن تعفو وتغفر ،ولن يقبضه ال حتى يقيم به الملة العوجاء بأَن يقولوا ل إله إل
ال ،فيفتح به أعينا عميا ،وآذانا صمّا ،وقلوبا غُلفا.
انفرد بإخراجه البخاري.
عن عبدال بن سَلم قال :صفةُ رسول ال صلى ال عليه وسلم في التوراة:
{إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا} وحرزا للميّين ،ليس بفظ ول غليظ ،ول صخاب في
السواق ،ول يجزي بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويصفح ،ولن أتوفاه حتى أقيم به الملة العوجاء
صمّا ،وقلوبا غُلفا ،وأعينا عميا ،بأن يقولوا :ل إله إل ال.
وأفتح به آذانا ُ
عن ابن عباس أنه سأل كعبا :كيف تجد رسول ال صلى ال عليه وسلم في التوراة؟.
قال :نجده :محمدٌ رسول ال ،مولده بمكة ،ومهاجَرُه إلى طابَة ،ويكون مُلكه بالشام ،ليس بفحاش،
ول صخاب في السواق ،ول يكافىء بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو.
وقال كعب :نجد مكتوبا :محمد رسول ال ،ل فظ ول غليظ ،ول صخاب بالسواق ،ول يجزي
بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويغفر ،وأمته الحمادون ،يكبرون ال على كل نَجد ويحمدونه في كل
منزلة ،يأتزرون على أنصافهم ،ويتوضئون على أطرافهم بهم ينادَى في جو السماء ،صفهم في
القتال وصفهم في الصلة سواءٌ ،لهم بالليل دوي كدوي النحل ،مولده بمكة ومهاجرهُ بطابة.
عن كعب قال في الشطر الول :محمد رسول ال عبدي المختار ،ليس بفظ ،ول غليظ ،ول
صخاب في السواق ،ول يجزي بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويغفر ،مولده بمكة وهجرته بطَيبة،
ومُلكه بالشام.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في الشطر الثاني :محمدٌ رسول ال أمته الحمادون ،يحمدون ال في السراء والضراء ،يحمدون
ال في كل منزلة ،ويكبّرونه على كل شَرف ،رعاةُ الشمس ،يصلون الصلة إذا جاء وقتها ولو
كانوا على رأس كناسة ،ويأتزرون على أوساطهم ويوضئون أطرافهم ،وأصواتهم بالليل (في) جو
السماء أصوات النحل.
عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ مُوسَى لمّا نَزَلَت
لمّةِ» .
ال ّتوْرَا َة وقَرَأَهَا وَجَدَ فِيها ِذكْرَ هذِه ا ُ
قال :رب إني أجد في اللواح أمة هم الخرون السابقون المشفوع لهم ،فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة محمد.
قال :رب إني أجد في اللواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم ،فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال :رب إني أجد في اللواح أمة أناجيلهم في صدورهم ،يقرءونه ظاهرا ،فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال :رب إني أجد في اللواح أمة يجعلون الصدقة في بطونهم يؤجرون عليها .فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال :رب إني أجد في اللواح أمة إذا همّ أحدهم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه ،فإن عملها كتبت
عليه سيئة ،فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال :رب إني أجد في اللواح أمة يؤتَون العلم الول والعلم الخر ،يقتلون قرن الضللة المسيح
الدجال ،فاجعلها أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال :رب فاجعلني من أمة أحمد ،فأُعطيَ عند ذلك خصلتين.
قال :يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلمي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.
قال :قد رضيت رب.
وروي أن كعب الحبار رأى حَبرا من اليهود يبكي ،فقال له :ما يبكيك؟ قال :ذكرت بعض المر.
فقال كعب :أنشدك ال لئن أخبرتك ما أبكاك ل َتصْدُقنّي؟.
قال :نعم.
قال :أنشدك ال هل تجد في كتاب ال المنزل ،أن موسى عليه السلم نظر في التوراة ،فقال :رب:
إني أجد أمةً خير أمة أخرجت للناس ،يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الول والكتاب الخر ،ويقاتلون أهل الضللة ،حتى يقاتلون العور الدجال ،فاجعلهم أمتي.
قال :تلك أمة أحمد.
قال الحبر :نعم.
قال :أنشدك ال هل تجد في كتاب ال المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال :رب إني أجد أمة
هم الحمّادون رعاة الشمس المحكّمون ،إذا أرادوا أمرا قالوا :نفعله إن شاء ال .فاجعلهم أمتي.
قال :هم أمة أحمد؟.
قال الحبر :نعم.
قال :فأنشدك ال ،هل تجد في كتاب ال المنزل أن موسى نظر في التوراة؟.
فقال :رب ،إني أجد أمة إذا أشْرف أحدهم على شرف كبرّ ال ،وإذا هبط واديا حمد ال ،الصعيدُ
صعِيد
لهم طهُور ،والرض لهم مسجد حيث ما كانوا ،مطهّرون من الجنابة ،طهُورهم بال ّ
كطهورهم بالماء حيث ل يجدون الماء ،غُرّ محجّلُون من آثار الوضوء ،فاجعلهم أمتي.
فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى ال محمدا وأمته قال ليتني من أصحاب محمد :فأوحى
طفَيْ ُتكَ عَلَى النّاسِ
ال إليه ثلث آيات يرضيه بهن{ :س 7ش /144ش 145قَالَ يَامُوسَى إِن?ى اصْ َ
ظةً
شىْءٍ ّموْعِ َ
ك َوكُنْ مّنَ الشّاكِرِينَ * َوكَتَبْنَا لَهُ فِى الّ ْلوَاحِ مِن ُكلّ َ
خذْ مَآ ءاتَيْ ُت َ
بِرِسَالَاتِي وَ ِبكَلَامِي فَ ُ
سقِينَ } الية
خذْهَا ِب ُق ّوةٍ وَ ْأمُرْ َق ْو َمكَ يَأْخُذُواْ بَِأحْسَ ِنهَا سَُأوْرِيكُمْ دَارَ ا ْلفَا ِ
شىْءٍ فَ ُ
وَتَ ْفصِيلً ّل ُكلّ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
(العراف)145 ،144 :
ق وَبِهِ َيعْدِلُونَ }(العراف)159 :
وقال تعالى{ :س 7ش َ 159ومِن َقوْمِ مُوسَى ُأمّةٌ َيهْدُونَ بِا ْلحَ ّ
فرضي موسى كلّ الرضا.
ل يقول :إني رأيت في المنام كأن الناس جمعوا للحساب ،فدُعي النبياء،
عن كعب أنه سمع رج ً
فجاء مع كل نبي أمته ،ورأى لكل نبي نورين ،ولكلّ من اتبعه نورا يمشي به ،فدعي محمد صلى
ال عليه وسلم فإذا لكل شعرة في رأسه ووجهه نور ،ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما.
فقال كعب ،وهو ل يشعر أنها رؤيا :من حدّثك هذا؟.
قال :أنا وال الذي ل إله إل هو رأيتُ هذا المنام.
فقال :بال الذي ل إله إل هو لقد رأيتَ هذا في منامك؟.
قال :نعم.
قال :والذي نفس كعب بيده ،أو والذي نفس محمد صلى ال عليه وسلم بيده ،إنها لصفة محمد
صلى ال عليه وسلم وأمته وصفة النبياء وأممها في كتاب ال ،لكأنما قرأه من التوراة.
وقال ابن أبي نملة :كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم في
كتبهم و ُيعْلمون الولدان بصفته واسمه ،ومُهاجره المدينة فلما ظهر حسدوا وبغوا وأنكروا.
وقال أبو سعيد الخدري :سمعت أبي مالك بن سنان يقول :جئت بني عبد الشهل يوما لتحدث
فيهم ،ونحن يومئذ في هدنة من الحرب ،فسمعت يوشع اليهودي يقول :أظلّ خروجُ نبي يقال له
أحمد :يخرج من الحرم.
فلما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة لم يخرج إليه ،وأقام على ما كان عليه ،فلما قدم
النبي صلى ال عليه وسلم المدينة حسد وبغَى ونافق ،فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا
محمد ،بم بعثت؟.
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :بالحَنِ ْيفِيّةِ دِيْنِ إبْرَاهِيم» .
(قال :فأنا عليها.
ستَ عَلَيها) .
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :إ ّنكَ َل ْ
فقال :أنت تخلطها بغيرها.
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :أَتَ ْيتُ بِها بَ ْيضَاءَ َنقِيّةٌ ،أيْنَ مَا كَان يُخْبِ ُركَ الحْبَارُ منَ اليهَودِ
صفَتِي؟» .
وال ّنصَارَى مِن ِ
يقول يستنصرون بخروج محمد صلى ال عليه وسلم على مشركي العرب .يعني بذلك أهل
الكتاب ،فلما بعث ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه.
عن قتادة {وكانوا يستفتحون على الذين كفروا} .
قال :كانت يهود تستفتح بمحمد صلى ال عليه وسلم على كفار العرب ،كانوا يقولون :اللهم ابعث
النبيّ الذي نجدُه في التوراة ،نعذبهم ونقتلهم.
فلما بُعثَ منْ غيرهم كفروا به حسدا للعرب.
وقال المغيرة بن شعبة :إنه دخل على المقوْقس ،وإنه قال له :إن محمدا نبي مُرْسل ،ولو أصاب
القبط والروم اتبعوه.
قال المغيرة :فأقمت بالِسكندرية ل أعد كنيسة إل دخلتُها وسألت أساقفها من قبطها ورومها عمّا
سقُف من القبط هو رأسُ كنيسة أبي يحنس،
يجدون من صفة محمد صلى ال عليه وسلم ،وكان أ ْ
كانوا يأتونه بمرضاهم فيدعو لهم ،لم أر أحدا قط يصلي الصلوات الخمس أشدّ اجتهادا منه.
فقلت :أخبرني هل بقي أحدٌ من النبياء؟.
قال :نعم ،وهو آخر النبياء ،ليس بيْنه وبين عيسى بن مريم أحدٌ ،وهو نبي قد أمرنا عيسى
حمْرة وليس
باتباعه ،وهو النبي الميّ العربي ،اسمه أحمد ،ليس بالطويل ول بالقصير ،في عينيه ُ
بالبيض ول بالدم ،سيفه على عاتقه ول يُبالي من لقى ،يباشر القتال بنفسه .ومعه أصحابُه
َيفْدونه بأنفسهم ،هم له أشد حُبّا من أولدهم وآبائهم ،يخرج من أرض القَرظ ومن حرم يأتي إلى
حرم ،ويهاجر إلى أرضٍ ذات سباخ ونخل ،يدين بدين إبراهيم عليه السلم،
ثم إن المغيرة جاء فأسلم وأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم بجميع ذلك ،فأعجبه أن يسمعه
أصحابه .قال :فكنت أحدثهم ذلك في اليومين والثلثة.
وروي :أن ورقة بن نوفل ،وزيد بن سعيد خرجا يلتمسان الدين ،حتى انتهيا إلى راهب بالموْصل،
فقال لزيد :من أين أقبلت؟.
فقال :منْ بيت إبراهيم.
قال :وما تلتمس؟
قال :ألتمس الدين.
قال :ارجع ،فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك.
فرجع وهو يقول:
لبّيْك حقّا حقا ،تعبّدا و ِرقّا.
عن خليفة بن عبدة المنقري قال :سألت محمدَ بن عديَ كيف سمّاك أبوك محمدا.
قال :أمَا إني سألتُ أبي عما سألتني عنه ،فقال :خرجتُ رابع أربعة من بني تميم ،أنا أحدهم،
وسفيان بن مُجاشع بن دارم ،ويزيد بن عمرو بن ربيعة ،وأسامة بن مالك بن جنْدب ،نريد ابن
جفْنة الغسّاني.
فلما قدمنا الشام :نزلنا على غدير فيه شجيرات ،وقُرْبه ديرٌ وفيه ديراني ،فأشرف علينا وقال :إن
هذه اللغة ما هي لهل هذا البلد.
قلنا :نعم نحن قومٌ من مُضر.
قال :من أيّ المضرين.
قلنا :من خنْدف.
قال :أما إنه سيبعث فيكم وشيكا نبيّ فسارعوا إليه ،وخذوا بحظكم منه ترْشدوا ،فإنه خاتم النبيين
واسمه محمد.
فلما انصرفنا من عند ابن جفْنة وصرنا إلى أهلنا ،ولد لكلّ رجل منا غلم فسماه محمدا.
عن سلمة بن سلمة بن وقش قال :كان لنا جارٌ من يهود في بني عبد الشهل.
قال :فخرج علينا يوما من بيته قبل مَبعث النبي صلى ال عليه وسلم بيسير ،حتى وقف على
مجلس بني عبد الشهل.
قال سلمة :وأنا يومئذ أحدَث من فيه سنا ،عليّ بُرْدة مضطجع فيها بفناء أهلي.
فذكر البعث ،والقيامة ،والحساب ،والميزان ،والجنة ،والنار.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال ذلك لقومٍ أهل شرك أصحاب أوثان ،ل يروْن أن بعثا كائن بعد الموت.
فقالوا :ويحك يا فلن ترى هذا كائنا ،أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دارٍ فيها جنة ونار يجزون
فيها بأعمالهم.
قال :نعم ،والذي يحلف به ،لودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تَنوّر يُحْمونه في الدار ثُمّ
يدخلونه إياه فيطبقونه عليه ،وأن ينجو من تلك النار غدا.
قالوا له :ويحك وما آية ذلك؟.
قال :نبي يبعث من نحو هذه البلد .وأشار بيده نحو مكة واليمن.
قالوا :ومتى نراه؟.
عمْره ُيدْركه.
قال :فنظر إليّ وأنا من أحدثهم سنا ،قال :إن يستنفد هذا الغلم ُ
قال سلمة :فوال ما ذهب الليل والنهار حتى بعث ال رسوله صلى ال عليه وسلم وهو حيّ بين
أظهرنا ،فآمنّا به وكفر به حسدا وبغيا.
فقلنا له :ويلك يا فلن ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟.
قال :بلى ،وليس به.
عن ابن مسعود :أن ال تعالى ابتعث نبيه لدخال رجل الجنة ،وذلك أنه دخل الكنيسة فإذا هو
بيهود .وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى ال عليه وسلم أمسكوا،
وفي ناحيتها رجل مريض.
سكْتُم؟» .
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :مَا َل ُكمْ َأمْ َ
قال المريض :إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا .حتى جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ
حتى أتى على صفة النبي صلى ال عليه وسلم ،قال :هذه صفتك ،وصفة أمتك أنا أشهد أن ل إله
إل ال ،وأنك رسول ال .ثم مات.
فقال النبي صلى ال عليه وسلم لصحابه« :ا ْدفِنوا أخَاكُم» .
عن أبيّ بن كعب قال :لمّا قدم تُبّعٌ المدينة ونزل بقناة ،بعث إلى أحبار يهود فقال :إني مُخْرب هذا
البلد حتى ل تقوم به يهوديةٌ ويرجع المر إلى دين العرب.
فقال له ساموكُ اليهوديّ ،وهو أعلمهم يومئذ:
أيها الملك ،إن هذا بلدٌ يكون إليه مهاجرُ نبي من ولد إسماعيل ،مولدُه مكة ،اسمه أحمد ،وهذه دار
هجرته ،وإن منزلك هذا الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمرٌ كثير في أصحابه وفي
عدوهم.
قال تُبّع :ومَنْ يقاتله يومئذ وهو نبي كما يزعمون؟.
قال :يسير إليه قومُه فيقتتلون ها هنا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فأين قبرُه؟.
قال :بهذا البلد.
قال :فإذا قوتل لمن تكون الدائرة.
قال :تكون له مرة وعليه مرة ،وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ،و ُيقْتل به أصحابه قتلً لم
يقتلوه في َموْطن ،ثم تكون له العاقبة ،ثم يظهر فل ينازعه هذا المر أحد.
قال :وما صفته؟.
قال :رجلٌ ليس بالقصير ول بالطويل ،في عينيه حمرة ،يركب البعير ويلبس الشّملة ،سيفُهُ على
عاتقه ،ل يبالي بمن لقاه من أخ ،أو ابن عم ،أو عم حتى يظهر أمره.
قال تُبع :ما لي إلى هذه البلد من سبيل ،وما كان ليكون خرابها على يدي.
فخرج تُبّع منصرفا إلى اليمن.
قال عبدال بن سلم :لم يمت تُبع حتى صدق بالنبي صلى ال عليه وسلم لمَا كان يهود يثرب
يخبرونه ،وإن تبعا مات مُسْلما.
سفْرا كان أبي يختمه عليّ ،فيه :ذكر أحمد:
عن الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود قال :إني وجدت ِ
نبي يخرج بأرض القَرظ ،صفته كذا وكذا.
فيحدث به الزبير بعد أبيه والنبي صلى ال عليه وسلم يومئذ لم يبعث.
فما هو إل أن سمع بالنبي صلى ال عليه وسلم قد خرج بمكة عمد إلى ذلك السّفر فمحاه ،وكتم
شأن النبي صلى ال عليه وسلم وصفته ،وقال :ليس به.
عن ابن عباس قال :كانت يهود قريظة والنضير وفَدَك وخيبر يجدون صفة النبي صلى ال عليه
وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة.
فلما ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت أحبار يهود :ولد أحمد الليلة ،هذا الكوكب قد طلع.
فلما تنبأ قالوا :تنبأ أحمد ،قد طلع الكوكب.
كانوا يعرفون ذلك ويقرّون به ويصفونه ،إل الحسد والبغي.
وعن عائشة رضي ال عنها قالت :سكن يهودي بمكة يبيع بمنى تجارات ،فلما كانت الليلة التي
ولد فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش :هل كان فيكم من
مولود هذه الليلة؟.
قالوا :ل نعلمه.
قال :انظروا يا معاشر قريش ،أحصوا ما أقول لكم :ولد الليلة نبي هذه المة أحمد ،وبه شامة بين
كتفيه فيها شعرات.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فتصدع القوم من مجالسهم وهم يتعجبون من حديثه ،فلما صاروا في منازلهم ذكروا ذلك لهاليهم،
فقيل لبعضهم :ولد لعبدال بن عبد المطلب الليلة غلم وسماه محمدا.
وأتوا اليهودي في منزله ،فقالوا :علمنا أنه ولد فينا مولود.
قال :أبعد خبري أم قبله؟.
قالوا :قبله واسمه أحمد.
قال :فاذهبوا بنا إليه.
فخرجوا معه حتى دخلوا على آمنة رضي ال عنها ،فأخرجته إليهم فرأى الشامة بظهره ،فغشي
على اليهودي ثم أفاق .قالوا :ما لك ويلك.
قال :ذهبت النبوة من بني إسرائيل ،وخرج الكتاب من أيديهم ،وهذا مكتوب أنه يقتلهم ويبيد
أحبارهم ،فازت العرب بالنبوة ،أفرحتم به يا معشر قريش؟ أما وال ليسطون بكم سطوة يخرج
نبؤها من المشرق والمغرب.
عن أبي هريرة رضي ال عنه :قال :أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم بيت المدارس فقال:
«أخْرِجُوا إليّ أَعَْلمَكم» .
فقالوا :عبدال بن صوريا .فخل به رسول ال صلى ال عليه وسلم فناشده بدينه ،وبما أنعم ال
عليهم وأطعمهم من المن والسّلوى ،وظللهم من الغمام ،أتعلم أني رسول ال؟.
قال :اللهم نعم ،وإن القوم ليعرفون ما أعرف ،وإن صفتك ونعتك لمبين في التوراة ولكن حسدوك.
قالَ « :فمَا َيمْ َن ُعكَ أَ ْنتَ؟» .
قال :أكره خلفَ قومي ،عسى أن يتبعوك ويسلموا فأسلم.
وقال عمر بن الخطاب رضي ال عنه :كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة ،فأعجب من موافقة
التوراة القرآن.
فقالوا :يا عمر ما أحدٌ أحب إلينا منك ،لنك تغشانا.
قلت :إنما أجيء لعجب من تصديق كتاب ال بعضه بعضا.
فبينا أنا عندهم ذات يوم إذ مرّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالوا :هذا صاحبك.
فقلت :أنشدكم ال ،وما أنزل عليكم من الكتاب أتعلمون أنه رسول ال؟.
قال سيدهم :نشدكم ال فأخبروه.
قالوا :أنت سيدنا فأخبرْه.
فقال :إنا نعلم أنه رسول ال.
قلت :فما أهلككم إن كنتم تعلمون أنه رسول ال ثم لم تتبعوه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالوا :إن لنا عدوا من الملئكة وسلْما من الملئكة ،عدوّنا جبريل ،وهو ملك الفظاظة والغلظة،
وسِلْمنا ميكائيل ،وهو ملك الرأفة واللين.
قلت :فإني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سِلم ميكائيل ،ول لميكائيل أن يسالم عدو جبريل.
ثم قمت ،فاستقبلني رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالَ« :ألَ أقْرَأَ ُتكَ آيَاتٍ نَزََلتْ عََليّ قَ ْبلُ؟ فتل:
ع ُدوّا لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْ ِبكَ بِإِذْنِ اللّهِ ُمصَ ّدقًا ّلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى
{س 2ش ُ 97قلْ مَن كَانَ َ
وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ }(البقرة.)97 :
فقلت :والذي بعثك بالحق ،ما جئت إل لخبرك بقول يهود ،فإذا اللطيف الخبير قد سبقني.
قال عمر :فلقد رأيتني في دين ال أصلبَ من الحجَر.
عن أبي سفيان بن حرب قال :خرجت أنا وأمية بن أبي الصّلت تجارا إلى الشام ،فكنا كلما نزلنا
سفْرا يقرؤه علينا.
منزلً أخرج من رحله ِ
فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى ،فرأوه وعرفوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بَيْعتهم،
ثم رجع في وسط النهار فطرح ثوبيه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما ،ثم قال :يا أبا سفيان ،هل
لك في عالِم من علماء النصارى إليه تناهى علم الكتب تسأله عما بدا لك؟.
قلت :ل.
فمضى هو وحده ،وجاءنا بعد هَدْأة من الليل ،فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه فوال ما نام ول
قام حتى أصبح.
وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ول نكلمه ،فسرنا ليلتين على ما به من الهم ،فقلت له :ما رأيت مثل
الذي رجعتَ به من عند صاحبك.
فخرجنا حتى إذا كان بيننا وبين مكة ليلتان أدركَنا راكب من خلفنا ،فإذا هو يقول :أصابت الشام
بعدكم رجفة دمّر أهلها فيها وأصابتهم مصائب عظيمة.
فقال أمية :كيف ترى يا أبا سفيان؟
فقلت :وال ما أظن صاحبك إل صادقا.
وقدمنا مكة ،ثم انطلقت حتى جئت أرض الحبشة تاجرا ،فمكثت فيها خمسة أشهر ،ثم قدمت مكة
ي وفي آخرهم محمد صلى ال عليه وسلم ،وهندٌ تلعب صبيانها ،فسلم
فجاء الناس يسلّمون عل ّ
علي ورحب بي وسألني عن سَفري ومقدَمي ،ثم انطلق.
فقلت :وال إن هذا الفتى لعجب ما جاءني أحد من قريش له معي بضاعة إل سألني عنها وما
بَل َغتْ ،ووال إن له معي لبضاعة ما هو بأغناهم عنها ثم ما سألني عنها.
فقالت :أوما علمتَ بشأنه؟
فقلت وفزعت :وما شأنه؟
قالت :يزعم أنه رسول ال
فذكرتُ قول النصارى ووجمتُ.
ثم قدمتُ الطائفَ فنزلتُ على أمية ،فقلت :هل تذكر حديث النصارى؟
قال :نعم.
قلت :قد كان.
قال :ومن؟
قلت :محمد بن عبدال صلى ال عليه وسلم ،فتصبب عرقا وقال :إن ظهر وأنا حيّ لُبلين ال في
نصره عذرا.
فعدت من اليمن ،فنزلت على أمية ،فقلت :قد كان من أمر الرجل ما بلغك ،فأين أنت منه؟
قال :وال ما كنت لومن برسول من غير ثقيف أبدا
عن عاصم بن عمر بن قَتادة عن رجال من قومه قالوا :إن مما دعانا إلى الِسلم مع رحمة ال
وهداه َلمَا كنا نسمع من يهود.
كنا أهل شرك أصحاب أوثان ،وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا ،وكانت ل تزال بيننا
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وبينهم شرور ،فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا :إنه تقاربَ زمان نبي يبعث الن ،نتبعه
فنقتلكم معه قتلَ عاد وإرم.
فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم ،فلما بعث ال رسوله أجبناه حين دعانا إلى ال وعرفنا ما كانوا
يتواعدوننا به فبادرناهم إليه ،فآمنا به وكفروا ،ففينا وفيهم نزلت هذه اليات{ :ولمّا جاءهم كتابٌ
مِنْ عندِ ال ُمصَدّق لما معهم} إلى قوله{ :س 2ش 89وََلمّا جَآ َءهُمْ كِتَابٌ مّنْ عِندِ اللّهِ ُمصَدّقٌ ّلمَا
َم َعهُ ْم َوكَانُواْ مِن قَ ْبلُ يَسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُواْ فََلمّا جَآءَهُم مّا عَ َرفُواْ َكفَرُواْ بِهِ فََلعْنَةُ اللّهِ عَلَى
ا ْلكَافِرِينَ }(البقرة)89 :
قال عاصم :وقال لي شيخ من بني قريظة :هل تدرون عما كان إسلم ثعلبة وأسد ابني سعية وأسدُ
بن عبيد نفر من بني ذهل إخوة بني قريظة ،كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الِسلم؟
قلت :ل أدري.
قال :فإن رجلً من يهود أهل الشام يقال له ابن الهَيّبان قدم علينا قبل الِسلم فحلّ بين أظهرنا،
فما رأينا رجلً ل يصلي الخمس أفضل منه ،وكان إذا قحط المطر استسقى لنا فنسقى ،فلما
حضرته الوفاة قال :يا معشر يهود ما ترون أخرجني إلى أرض الجوع والبؤس؟
قلنا :أنت أعلم.
قال :فإني قدمت هذه البلدة أتوكّفُ خروج نبي قد أظل زمانه ،هذه البلدة مهاجره ،وكنت أرجو أن
يبعث فأتبعه ،وقد أظلكم زمانه فل تُسبقن إليه يا معشر اليهود ،فإنه يبعث بسفك الدماء وسَبْي
الذراري والنساء مما خالفه ،فل يمنعنكم ذلك منه.
فلما بعث ال رسوله صلى ال عليه وسلم وحاصر بني قُريظة قال هؤلء الفتية ،وكانوا شبانا
أحداثا :يا بني قريظة ،وال إنه النبي الذي عهد إليكم فيه ابن الهيّبان قالوا :ليس به.
قالوا :بلى وال إنه لهو .فنزلوا فأسلموا وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهْليهم.
عن سَلمان الفارسي رضي ال عنه أنه صحب الرهبان في طلب الدين ،إلى أن قال له آخر من
صحبه :أي بني :وال ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس بمكان تأتيه ،ولكنه قد
أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم ،يخرج بأرض العرب ،مُهاجره إلى أرض بين حرّتين
بينهما نخل ،به علمات ل تخفى :يأكل الهدية ول يأكل الصدقة ،بين كتفيه خاتم النبوة.
وقال طلحة بن عبيدال :حضرت سوق بُصرى فإذا راهب في صومعته يقول :سلوا أهل الموسم
هل فيكم أحد من أهل الحرم؟
قال طلحة :فقلت نعم أنا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال لي :ظهر بمكة بعدُ أحمد؟
قلت :ومن أحمد؟
قال :ابن عبد المطلب ،هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر النبياء ،ومَخرجه من الحرم
ومهاجره إلى نخل وحَرة وسباخ.
قال طلحة :فوقع في قلبي ما قال الراهب ،فخرجت حتى قدمت مكة ،فقلت :هل كان من حديث؟
قالوا :نعم محمد بن عبدال المين تنبّأ وتابَعه ابن أبي ُقحَافة.
فخرجت حتى أتيت أبا بكر فأخبرته وقلت له اتبعت هذا الرجل؟
قال :نعم انطلق فتابعْه فإنه يدعو إلى الحق .وذهب أبو بكر معه.
قال طلحة :فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته خبر الراهب وما قال لي.
عن جُبَير بن مُطْعم :لما بعث ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم فظهر أمره بمكة خرجتُ إلى
الشام ،فلما كنت ببُصرى أتاني جماعة من النصارى فقالوا لي :أمن أهل الحرم أنت؟
قلت :نعم.
قالوا :فتعرف هذا الذي تنبأ فيكم؟
قلت :نعم .فأخذوا بيدي وأدخلوني ديرا لهم فيه تماثيل وصور.
فقالوا :انظر هل ترى صورة هذا النبي الذي بعث فيكم ،فنظرت فلم أر صورته.
قلت :ل أرى صورته .فأدخلوني ديرا أكبر من ذاك ،فإذا فيه تماثيل وصور أكثر مما في ذلك
الدير ،فقالوا لي :انظر هل ترى صورته؟ فنظرت فإذا أنا بصفة رسول ال صلى ال عليه وسلم
وصورته ،وإذا أنا بصفة أبي بكر وصورته آخذٌ بعقب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا لي:
هل ترى صفته؟
قلت :نعم.
قلت :ل أخبرهم حتى أعرف ما يقولون.
قالوا :هل هو هذا؟
قلت :نعم .فأشاروا إلى صفة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قلت :اللهم نعم ،أشهد أنه هو.
قالوا :تعرف هذا الذي آخذٌ بعقبه؟
قلت :نعم.
قالوا :نشهد أن هذا صاحبكم ،وأن هذا الخليفة من بعده.
عن جبير بن مطعم قال :كنت أكره أذى قريش رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فلما ظننت أنهم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير من الديارات ،فذهب أهل الدير إلى رئيسهم فأخبروه ،فقال:
أقيموا له حقه الذي ينبغي له ثلثا.
فلما مرت ثلث أحضروه الصورة.
قال :قلت ما رأيت شيئا أشبه بشيء من هذه الصورة.
قال :فتخاف أن يقتلوه؟
قلت :أظنهم قد فرغوا منه.
قال :وال ل يقتلونه وليقتلن من يريد قتله ،وإنه لنبي ،وليظهرنه ال تعالى.
عن صفية بنت حُييّ قالت :لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة ونزل قباء غدا عليه
أبي حييّ بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين.
قالت :فلم يرجعا حتى كان غروب الشمس ،فأتيا كالّين كسلنين ساقطين يمشيان الهوينا ،فهششت
إليهما فما التفت إليّ أحد منهما مع ما بهما من الهم ،فسمعت عمي أبا ياسر يقول لبي :أهو هو؟
قال :نعم وال.
قال :أتثبته وتعرفه؟
قال :نعم.
قال :فما في نفسك منه.
قال :عداوته وال ما بقيتُ أبدا.
ومن حديث مُخَيْريق وكان حَبرا عالما كثير المال من النخل ،وكان يعرف رسول ال صلى ال
عليه وسلم بصفته وغلب عليه إلْف دينه ،فلم يزل على ذلك حتى كان يوم أُحد ،وكان يوم السبت.
فقال :يا معشر اليهود وال إنكم لتعلمون أن نصْر محمد عليكم لحقّ.
ثم أخذ سلحه وخرج حتى أتى النبي صلى ال عليه وسلم بأُحد ،وكان يوم السبت ،وعهد إلى من
ورائه من قومه :إن قُتِلتُ هذا اليوم فمالي لمحمد يصنع فيه ما أراه ال تعالى .فقاتل حتى قُتل
فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما بلغني يقول« :مُخَيْريْقُ خَيْرُ َيهُود» .وقبض رسول ال
صلى ال عليه وسلم أمواله فعامة صدقات رسول ال صلى ال عليه وسلم منها.
عن ابن عباس :أن قريشا اجتمعوا فيهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل ،وأبو جهل ،وأمية
وأبيّ ابنا خلف ،والسود بن المطلب ،وسائر قريش ،فبعثوا منهم خمسة رهط ،منهم عقبة بن أبي
معيط والنضر بن الحارث إلى المدينة ،يسألون اليهود عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وعن
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صفته ومبعثه ،وقالوا :يزعم أنه نبي واسمه محمد وهو يتيم فقير ،وإنا نزعم أنه يتعلم من مسيلمة
الكذاب.
فقالوا :نجد نعته وصفته في التوراة وخاتم النبوة بين كتفيه.
قالوا :إن كان كما وصفتم فهو نبي مرسل وأمره حق فاتبعوه ،ولكن سلُوه عن ثلث خصال ،فإنه
يخبركم بخصلتين ول يخبركم بالثالثة إن كان نبيا ،فإنا قد سألنا مسيلمة عن هؤلء الثلث خصال
فلم يدر ما هي ،وقد زعمتم أنه يتعلم من مسيلمة.
فرجعت الرسل إلى قريش بالخبر من اليهود ،فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالوا :يا
محمد أخبرنا عن خصال ثلث :أخبرنا عن ذي القرنين ،وعن الروح ،وعن أصحاب الكهف.
فقال« :أخبركم بذلك غدا» .ولم يقل إن شاء ال.
فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما لترك الستثناء ،فشق ذلك عليه ،فجاء جبريل فقال« :أبطأت
عليّ» .
علٌ ذاِلكَ غَدا * ِإلّ أَن يَشَآءَ
شىْءٍ إِنّى فَا ِ
فقال :لتركك الستثناء{ ،س 18ش /23ش 24وَلَ َتقْولَنّ لِ َ
لقْ َربَ مِنْ هَاذَا رَشَدًا } (الكهف23 :
اللّ ُه وَا ْذكُر رّ ّبكَ إِذَا َنسِيتَ َوقُلْ عَسَى أَن َي ْهدِيَنِ رَبّى ّ
ــــ )24
ثم أخبره بخبر ذي القرنين ،وأصحاب الكهف ،وقال :الروح من أمر ربي ل علم لي به.
فقالوا :ساحران تظاهرا .يعنون التوراة والفرقان.
عن عمرو بن عبسة :رَغِ ْبتُ عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل ،يعبدون الحجارة
وهي ل تضر ول تنفع ،فلقيت رجلً من أهل الكتاب ،فسألته عن أفضل الدين فقال :يخرج رجل
من مكة ويرغب عن آلهة قومه ويأتي بأفضل الدين ،فإذا سمعت به فاتبعه.
فلم يكن لي همّ إل مكة آتيها فأسأل هل حدث فيها أمر؟
فيقولون :ل.
فأنصرف إلى أهلي ،وأعترض الركبان فأسألهم فيقولون :ل .فإني لقاعد إذ مر بي راكب فقلت:
من أين جئت؟
قال :من مكة.
قلت :هل حدث فيها حدث؟
قال :نعم ،رجل رغب عن آلهة قومه ودعا إلى غيرها.
قلت :هذا صاحبي الذي أريد.
فشددت راحلتي وجئت فأسلمت.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن ابن عباس قال :إن ثمانية من أساقفة نجران قدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم منهم
جكَ فِيهِ مِن َبعْدِ مَا جَآ َءكَ مِنَ ا ْلعِ ْلمِ َف ُقلْ
السيد والعاقب ،فأنزل ال تعالى فيهم{ :س 3ش َ 61فمَنْ حَآ ّ
جعَل ّلعْ َنتُ اللّهِ عَلَى
سكُمْ ثُمّ نَبْ َت ِهلْ فَنَ ْ
َتعَاَلوْاْ نَ ْدعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآ َء ُك ْم وَنِسَآءَنَا وَنِسَآ َءكُ ْم وَأَنفُسَنَا وأَنفُ َ
ا ْلكَاذِبِينَ }الية
(آل عمران)61 :
.
قالوا :فأخرنا ثلثة أيام .فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع فاستشاروهم ،فأشاروا عليهم
أن يصالحوه ول يلعنوه ،فهو النبي الذي نجده في التوراة والِنجيل.
فصالحوا النبي صلى ال عليه وسلم على ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب ودراهم.
عن عكرمة :أنّ ناسا من أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى ال عليه وسلم قبل أن يبعث ،فلما بعث
سوَ ّدتْ
سوَدّ وُجُوهٌ فََأمّا الّذِينَ ا ْ
ض ُوجُوهٌ وَتَ ْ
كفروا به ،فذلك قوله تعالى{ :س 3ش َ 106يوْمَ تَبْ َي ّ
وُجُو ُههُمْ َأ ْكفَرْتُمْ َبعْدَ إِيمَا ِنكُمْ فَذُوقُواْ ا ْلعَذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ َتكْفُرُونَ }(آل عمران)106 :
.
عن سهل مولى عثيمة قال :إنه كان نصرانيا وكان يتيما في حجر أبيه وعمه ،وكان يقرأ الِنجيل.
قال :فأخذت مصحفا لعمي فقرأته ،حتى مرت بي ورقة فأنكرت كثافتها فإذا هي ملصقة ،ففتفتها
فوجدت فيها نعت محمد صلى ال عليه وسلم :أنه ل قصير ول طويل ،أبيض ،بين كتفيه خاتم
النبوة ،يكثر الحتباء ،ول يقبل الصدقة ،ويركب الحمار والبعير ،ويحتلب الشاة ،ويلبس قميصا
مرقوعا ،وهو من ذرية إسماعيل ،اسمه أحمد.
قال :فجاء عمي فرأى الورقة فضربني ،وقال :ما لك وفتْح هذه الورقة؟
فقلت :فيها نعت النبي أحمد.
قال :إنه لم يأت بعد.
عن عمر بن حفص ،وكان من خيار الناس ،قال :كان عند أبي أو عند جدي ورقة يتوارثونها قبل
الِسلم بزمان ،فيها :بسم ال وقوله الحق وقول الظالمين في تباب ،هذا الذكر لمة تأتي في آخر
الزمان ،يأتزرون على أوساطهم ويغسلون أطرافهم ،ويخوضون البحار على أعدائهم ،فيهم صلة
لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان ،أو في ثمود ما أهلكوا بالصيحة.
فأخبرني أنهم جاؤوا بها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأوها عليه وأخبروه خبرها،
فأمرهم أن يضعوها في أضعاف المصحف.
عن ابن عباس قال :أوحى ال تعالى إلى عيسى عليه السلم فيما أوحى إليه :أن صدّق بمحمد،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ومُر أمتك من أدركه منهم أن يؤمنوا به ،فلول محمد ما خلقت آدم ،ولول محمد ما خلقت الجنة
والنار ،ولقد خلقت العرش فاضطرب فكتبت عليه ل إله إل ال محمد رسول ال فسكن.
وقال وهب بن منبه :أوحى ال تعالى إلى شعيا :إني مبتعث نبيّا أميا أفتح به أذانا صما وقلوبا
غلفا ،أجعل السكينة لباسه ،والبر شعاره ،والتقوى ضميره ،والحكمة معقوله ،والصدق والوفاء
طبيعته ،والعفو والمعروف خلقه ،والعدل سيرته ،والحق شريعته ،والهدى إمامه ،والِسلم ملته،
وأحمد اسمه ،أهدي به بعد الضللة ،وأعلم به بعد الجهالة ،وأكثر به بعد القلة( ،وأغني به بعد
العَيْلة) وأجمع به بعد الفرقة ،وأؤلف به بين قلوب وأهواء متشتتة وأمم مختلفة ،وأجعل أمته خير
أمة ،وهم رعاة الشمس طوبى لتلك القلوب.
وقال أشعياء ليلياء ،وهي قرية ببيت المقدس ،واسمها «أوراشليم» :أبشري أوراشليم ،يأتيك الن
راكب الحمار ،يعني عيسى ،ويأتيك بعده راكب البعير ،يعني محمدا صلى ال عليه وسلم.
وروي أن رجلً من أهل الشام من النصارى قدم مكة ،فأتى على نسوة قد اجتمعن في يوم عيد
من أعيادهم ،وقد غاب أزواجهن في بعض أمورهن فقال :يا نساء قريش إنه سيكون فيكم نبي
يقال له أحمد فأيتما امرأة منكن استطاعت أن تكون له فراشا فلتفعل.
ومضى الرجل فحفظت خديجة حديثه.
(ذكر النبي صلى ال عليه وسلم في التوراة)
ومن أعلم نبينا صلى ال عليه وسلم الموجودة في كتب ال القديمة .قول ال تعالى في السّفر
الول من «التوراة» لبراهيم عليه السلم:
«قد أجبت دعاءك في إسماعيل ،وباركت عليه ،وكثّرته وعظّمته جدا جدا ،وسيلد اثني عشر
عظيما ،وأجعله لمة عظيمة».
ثم أخبر موسى بمثل ذلك في السفر وزاد شيئا.
يقال فلما خرجت هاجر من سارة تراءى لها ملك ال وقال :يا هاجر أمة سَارة ،ارجعي إلى
سيدتك واخضعي لها ،فإني سأكثر ذريتك وزرعك حتى ل يحصوا كثرة ،وها أنت تحبلين وتلدين
ابنا وتسمينه إسماعيل ،لن ال تعالى قد سمع خشوعك ،وتكون يده فوق يد الجميع ،ويدُ الجميع
مبسوطة إليه بالخضوع.
قال ابن قتيبة :فتدبر هذا القول ،فإن فيه دليلً بيّنا على أن المراد به رسول ال صلى ال عليه
وسلم.
لن إسماعيل لم تكن يده فوق يد إسحاق ،ول كانت يد إسحاق مبسوطة إليه بالخضوع ،وكيف
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
يكون ذلك والملك والنبوة في ولد إسرائيل والعيص ،وهما أبناء إسحاق ،فلما بعث رسول ال
صلى ال عليه وسلم انتقلت النبوة إلى ولد إسماعيل فدانت له الملوك وخضعت له المم ،ونسخ
ال به كل شريعة ،وختم به النبيين ،وجعل لهم الخلفة والملك في آخر الزمان ،فصارت أيديهم
فوق أيدي الجميع ،وأيدي الجميع بالرغبة إليهم مبسوطة بالخضوع.
ومن أعلمه في «التوراة» قال« :جاء ال من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من جبال
فاران».
وليس بهذا خفاء على من تدبره ول غموض؛ لن مجيء ال من سيناء إنزاله التوراة على موسى
بطور سيناء ،هكذا هو عند أهل الكتاب وعندنا وكذلك يجب أن يكون إشراقه من ساعير إنزاله
على المسيح الِنجيل ،وكان المسيح يسكن ساعير بأرض الخليل بقرية تدعى ناصرة ،وباسمها
سمي من اتبعه نصارى ،وكما وجب أن يكون إشراقه من ساعير بالمسيح فكذلك يجب أن يكون
استعلنه من جبال فاران بإنزاله القرآن على محمد صلى ال عليه وسلم في جبال فاران ،وهي
جبال مكة ،وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلف في أن فاران هي مكة .فإن ادعوا أنها غير
مكة وليس بنكير من تحريفهم وإفكهم قلنا :أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن هاجَر وإسماعيل
فاران؟
وقلنا :دُلّونا على الموضع الذي استعلن ال منه واسمه فاران ،والنبيّ الذي أنزل عليه كتابا بعد
المسيح.
ى واحد وهما ظهر وانكشف؟
أو ليس استعْلنَ وعَلَن بمعن ً
شوّه.
فهل تعلمون دِينا ظهر ظهو َر الِسلم وفشا في مشارق الرض ومغاربها ف ُ
سفْر الخامس» :إني أقيم لبني إسرائيل
ومن أعلمه في «التوراة» :قال ال تعالى لموسى في «ال ّ
نبيا من إخوتهم مثلَك ،أجعل كلمي على فمه.
فَمن (مِن) إخوة بني إسرائيل إل هو (ابن) إسماعيل ،كما تقول :بكرٌ و َتغْلب أبناء وائل ،ثم تقول
تغلب أخو بكر ،وبنو تغلب إخوة بني بكر .يُرْجع في ذلك إلى أخوّة البوين.
فإن قالوا :هذا النبي الذي وعد ال أن يقيمه لهم هو أيضا من بني إسرائيل ،لن بني إسرائيل
إخوة بني إسرائيل ،أكْذَبتهم التوراة وأكذبهم النظر؛ لن في التوراة أنه لم يقم في بني إسرائيل مثل
موسى.
وأما النظر :فإنه لو أراد أني أقيم لهم نبيا من بني إسرائيل مثل موسى ،لقال :أقيم لهم من أ ْنفُسهم
مثل موسى .ولم يقل من إخوتهم .كما لو أن رجلً قال لرسوله :ائتني ،برجل من بني َتغْلب بن
وائل .فل يجب أن يأتيه برجل من بني بكر.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال ابن قتيبة :ومن قول حبقون المتنبىء في زمان دانيال قال حبقون :جاء ال من التيمن والقديسُ
من جبال فاران ،فامتلت الرض من تحميد أحمد وتقديسه ،وملَك الرضَ بيمينه ورقابَ المم.
حمَل خيلُه في البحر.
قال :وقال أيضا :تضيء لنوره الرض وتُ ْ
وزاد في بعض أهل الكتاب :أنه قيل في كلم حبقون :وستُتْرِع في قسيك إتراعا وترتوي السهام
بأمرك يا محمد ارتواءً.
وهذا إفصاح باسمه وصفاته.
فإن ادّعوا أنه غير نبينا ـ وليس ذلك بنُكرٍ من جحْدهم وتحريفهم :فَمنْ أحمدُ الذي امتلت
الرض من تحميده ،والذي جاء من جبال فاران فملَك الرض ورقاب المم.
شعْيا له عن ال عز وجل :عبدي الذي سُرّت به نفسي.
قال ابن قتيبة :ومن ذكر َ
وترجمه آخر فقال :عبدي ،خِيرتي ،رضى َنفْسي ،أُفيض عليه روحي.
وترجمه آخر فقال :أنزل عليه وحيي ،فَيظهر في المم عدْله ،ويوصي المم بالوصايا ،ل يضحك
ول يُسْمع صوته في السواق ،يفتح العيون العور ،ويُسْمع الذانَ الصّمّ ،ويحيي القلوب الغُلْف،
وما أعطيته ل أعطي أحدا غيرَه ،أحمدُ يحمد ال حمدا حديثا ،يأتي من أقصى الرضُ ،يفْرح
البَرّيّةَ وسكانَها ،يهللون ال على كل شَرَف ،ويكبرونه على كل رابية.
ضعُف ول ُيغْلَب ،ول يميل إلى الهوى ،ول يُسْمع في السواق
وزاد آخر في الترجمة :ل ي ْ
صوتُه ،ول يُذل الصالحين الذين هم كالقصبة الضعيفة ،بل يقوّي الصّديقين ،وهو ركنُ
حجّتي وينقطع به
المتواضعين ،وهو نور ال الذي ل ُيطْفأ ول يخصم حتى يثبّت في الرض ُ
العُذْر ،وإلى َتوْراته تنقاد الجن.
وهذا إفصاح باسمه وبصفاته.
فإن قالوا :أي توراة له؟
قلنا :أراد أنه يأتي بكتاب يقوم مقام التوراة لكم.
ومنه قول كعب :شكا بيتُ المقدس إلى ال تعالى الخرابَ ،فقيل له :لَبْدِلنّك توراةً مُحدثة ،وعمّالً
مُحْدَثين ،يزفون بالليل زفيفَ النسور ،ويتحننون عليك كما تتحنن الحمامة على بيْضها ،ويملونك
سجّدا.
خدودا ُ
قال ابن قتيبة :ومن ذكر شعيا له قال« :أنا ال ،عظّمتُك بالحق ،وجعلتك نور المم وعهدَ
الصيْفون ،لتفتح أعين العميان ،وتُنْقذ السْرى من الظلمات إلى النور».
قال :وقال في الفصل الخامس« :إيليا من سلطانُه على كتفه».
يريد :علمة نبوته على كتفه هذا في التفسير السرياني .فأما في العبراني فإنه يقول :على كتفه
علمة النبوة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال ابن قتيبة :ومِن ذكر داود له في الزّبُور« :سبّحوا الربّ تسبيحا حديثا ،سبحوا الذي هيكله
الصالحون ،ليفرح إسرائيل بخالقه وبيوت صهيون ،من أجل أن ال اصطفى له أمّته وأعطاه
النصر وشدّد الصالحين منه بالكرامة ،يسبّحونه على مضاجعهم ويكبّرون ال بأصوات مرتفعة،
بأيديهم سيوف ذات شفْرتين ،لينتقموا (ل) من المم الذين ل يعبدونه ،يوثقون ملوكهم بالقيود
وأشرافهم بالغلل».
قال ابن قتيبة :فمن هذه المة التي سيوفها ذات شفْرتين من غير العرب؟
ومن المنتقِم بها من المم الذين ل يعبدونه؟
ومن المبعوث بالسيف من النبياء غير نبينا صلى ال عليه وسلم؟
قال ابن قتيبة :وفي مزمور آخر« :تقلّدْ أيها الجبار السيف ،فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة
يمينك ،وسِهامُك مسنونة ،والمم يخرّون تحتك».
فمَنْ متقلّدُ السيف من النبياء غيرُ نبينا صلى ال عليه وسلم؟
ومَنْ خرّت المم تحته غيره صلى ال عليه وسلم؟
ومَنْ قُرِنت شرائعه بالهيْبة ،فإما القبول أو الجزية أو السيف؟
عبِ» .
ونحوه قوله صلى ال عليه وسلم« :و ُنصِ ْرتُ بالرّ ْ
قال :وفي مزمور آخر« :أن ال أظهره من صيفون إكليلً محمودا.
ضرب الِكليل مثلً للرياسة والِمامة ومحمود :هو محمد صلى ال عليه وسلم.
قال :وفي مزمور آخر« :أنه يحوز من البحر (إلى النهر) ومن لدن النهار (إلى النهار) إلى
منقطع الرض ،وأن تخر أهل الجزائر بين يديه على رُكبهم ويلحس أعداؤه التراب ،تأتيه الملوك
بالقرابين وتسجد له ،وتدين له المم بالطاعة والنقياد ،لنه يخلّص المضطهد البائس ممن هو
أقوى منه ،وينقذ الضعيف الذي ل ناصر له ،ويرأف بالضعفاء والمساكين ،وأنه ُيعْطَى من ذهب
بلد سَبَأ ،ويصلى عليه في كل وقت ،ويبارك في كل يوم ،ويدوم ِذكْرُه إلى البد».
قال ابن قتيبة :فمن هذا الذي ملك ما بين البحر والنهر وما بين ِدجْلة والفرات إلى منقطع الرض،
ومن ذا الذي يصلّى عليه ويُبارك في كل وقت من النبياء غيره؟
قال :وفي موضع آخر من «الزبور» قال داود« :اللهم ابعث حامل السّنة ،حتى َيعْلم الناس أنه
بشر».
وهذا إخبار عن المسيح وعن محمد صلى ال عليه وسلم قبلهما بأحقاب .يريد :ابعث محمدا حتى
يَعلم الناس أن المسيح بشرٌ.
ُيعْلم داود أنهم سيدّعون للمسيح ما ادّعوا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :وفي شعيا« :قيل لي :قمْ نظارا فانظر ما ترى فخبّر به قلت :أرى راكبيْن ُمقْبلين ،أحدهما
ت بابل وأصنامها المنجرّة».
على حمار والخر على جمل ،يقول أحدهما للخر :سقط ْ
قال :فصاحبُ الحمار عندنا وعند النصارى هو المسيح ،فإذا كان صاحب الحمار المسيح فل َم ل
يكون محمد صلى ال عليه وسلم صاحب الجمل؟
أو ليس سقوط بابل والصنام المنجرّة به وعلى يديه ،ل بالمسيح؟ ولم يزلْ في إقليم بابل ملوك
يعبدون الوثان من لدن إبراهيم عليه السلم .أو ليس هو بركوب الجمل أشهرُ من المسيح بركوب
الحمار؟
(ذكر النبي صلى ال عليه وسلم في «الِنجيل»)
قال ابن قتيبة :فأما ذكْر النبي صلى ال عليه وسلم في «الِنجيل»:
قال المسيح للحواريين« :أنا أذهب وسيأتيكم الفار قليط روح الحق الذي ل يتكلّم منْ قِبل نفسه،
إنما هو كما يقال له ،وهو يشْهد عليّ وأنتم تشهدون لنكم مع من قَبل الناس ،وكلّ شيء أعده ال
لكم يخبركم به».
قال :وفي حكاية يوحنا عن المسيح أنه قال« :الفار قليط ل يجيئكم ما لم أذهب ،فإذا جاء وبّخ
العالم على الخطيئة ،ول يقول من تلقاء نفسه ،ولكنه مما يسمع به يكلمكم ،ويسوسكم بالحق،
ويخبركم بالغيوب والحوادث».
قال :حكاية أخرى« :إن الفار قليط روح الحق الذي يرسله أبي باسمي ،هو يعلمكم كلّ شيء».
وقال« :إني سائلٌ أبي أن يبعث إليكم فاراقليطا آخر ،يكون معكم إلى البد ،يعلمكم كل شيء».
وفي حكاية أخرى« :إن البشير ذاهب ،والفار قليط من بعده يجيء لكم بالسرار ويفسر لكم كلّ
شيء ،وهو يشهد لي كما شهدت له ،فإني أجيئكم بالمثال وهو يأتيكم بالتأويل».
قال ابن قتيبة :وهذه الشياء على اختلفها متقاربة.
ن نقل الِنجيل عن المسيح ع ّدةٌ.
وإنما اختلفت لن مَ ْ
فمنْ هذا الذي هو روح الحق ل يتكلم إل بما يوحى إليه؟
ومن العاقب للمسيح والشاهد له بأنه قد بلّغ؟
ومن الذي أخبر بالحوادث في الزمنة ،مثل خروج الدجال وظهور الدابة وطلوع الشمس من
مغربها وأشباه هذا ،وبالغيوب من أمر القيامة والحساب والجنة والنار وأشباه ذلك ،مما لم يُذْكر
في التوراة والِنجيل ،غير نبينا صلى ال عليه وسلم؟
قال ابن قتيبة :وفي «إنجيل متّى» :أنه لما حبس يحيى بن زكريا ل ُيقْتل بعث تلميذه إلى المسيح
وقال :قولوا له أنت هو التي أو نتوقع غيرك؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فأجابه المسيح وقال« :الحق اليقين أقول لكم ،إنه لم تقُم النساءُ عن أفضل من يحيى بن زكريا،
وإن التوراة وكتب النبياء يتلو بعضها بعضا بالنبوة والوحي حتى جاء يحيى ،فأما الن فإن شئتم
فاقتلوا ،فإن الياهو مُزْمع أن يأتي ،فمن كانت له أذن سامعة فليسمع».
وإما أن يكون قال« :إن إيل مزمع أن يأتي» وإيل هو ال عز وجل ،ومجيء ال هو مجيء
رسوله بكتابه ،كما قال في التوراة« :جاء ال من سيناء» أراد جاء موسى من سيناء بكتاب ال،
ولم يأت كتابٌ بعد المسيح إل القرآن.
وإما يكون أراد النبيّ المسمى بهذا السم ،وهذا ل يجوز عندهم لنهم مجمعون على أنه ل نبيّ
بعد المسيح.
(ذكر مكة والحرم والبيت في الكتب المتقدمة)
قال ابن قتيبة :ذكر مكة والحرم والبيت في الكتب المتقدمة:
وفي كتاب «شعيا»« :إنه ستملؤ البادية والمدن قصورُ آل قيدار ،يسبّحون ،ومن رؤوس الجبال
ينادون ،هم الذين يجعلون ل الكرامة ،ويبثُون تسبيحه في البر والبحر».
وقال« :أرفع علما لجميع المم من بعيد ف ُيصْفر بهم من أقاصي الرض فإذا هم سراع يأتون».
قال ابن قتيبة :وبنو قيدار هم العرب ،لن قيدار هو ابن إسماعيل بإجماع الناس.
والعلمَ الذي يُرفع هو النبوة.
والصفير بهم :دعاؤهم من أقاصي الرض للحج فإذا هم سراع يأتون .وهو نحو قول ال تعالى:
ل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن ُكلّ فَجّ عَم ِيقٍ }
{س 22ش 27وَأَذّن فِى النّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوكَ ِرجَالً وَعَلَى ُك ّ
(الحج)27 :
وفي موضع آخر من كتاب «شعيا»« :سيَبْعث من الصّبا قوما فيأتون من المشرق مجيبين أفواجا
كالصعيد كثرةً ،ومثل الطيّان الذي يدوس برجليه الطين» والصبا يأتي من مطلع الشمس ،يبعث
ال من هناك قوما من أهل خراسان وما ضاهاها.
فمن الذي هو نازل بمهبّ الصّبا فيأتون مجيبين بالتلبية أفواجا كالتراب كثرة و(من) مثل الطيان
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الذي يدوس برجليه الطين؟
يريد أن منهم رجالً كالّين ،وقد يجوز أن يكون أراد الهرْولة إذا طافوا بالبيت.
قال ابن قتيبة :وقال في ذكر الحجَر المسْتَلم :قال شعيا« :قال الرب السيد :هأنا ذا مؤسس
بصهيون وهو بيت ال حجرا في زاوية مكرّمة».
«ارفعي بصرك إلى ما حولك تستبهجين وتفرحين ،من أجل أنه يصل إليك ذخائر البحر ،ويحج
إليك عساكر المم ،حتى تعمرك قطر الِبل المؤبّلة ،وتضيق أرضك عن القطرات التي تجمع
إليك ،وتساق إليك كباش مدْين ،ويأتيك أهل سبأ وتسير إليك بأغنام قيدار ،ويخدمك رجالت
بناوت».
يعني سدنة البيت ،إنما هم من ولد بناوت بن إسماعيل.
(ذكر طريق مكة في شعيا)
قال ابن قتيبة :ذكرُ طريق مكة في «شعيا»:
قال شعيا :وذكر قصة العرب يوم بدر« :يدوسون المم كدياس البيادر ،وينزل البلء بمشركي
العرب ويهزمون».
ثم قال« :ينهزمون بين ي َديْ سيوف مسلولة وقسيَ موتورة ومن شدة الملحمة».
قال ابن قتيبة :فهذا ما في كتب ال المتقدمة الباقية في أيدي أهل الكتاب ،يتلونه ول يجحدون
ظاهره ،خل اسم نبينا عليه السلم ،فإنهم ل يسمحون بالِقرار به تصريحا ،ولن يعبأ ذلك عنهم،
لن اسم النبي صلى ال عليه وسلم بالسريانية عندهم «مشقّح» فمشقح هو محمد صلى ال عليه
وسلم بغير شك.
واعتباره أنهم يقولون« :شقحا للهنا» إذا أرادوا أن يقولوا« :الحمد ل» فإذا كان الحمد «شقحا»
«فمشقح» محمد صلى ال عليه وسلم.
ق لحواله وزمانه ومَخرَجه ومبعثه وشرْعته.
ولن الصفات التي أقروا بها هي وفا ٌ
فليدلّونا على من له هذه الصفات ،ومنْ خرّت المم بين يديه وانقادت لطاعته واستجابت لدعوته،
ومن صاحبُ الجمل الذي هلكت بابل وأصنامها به ،وأين هذه المة من ولد قيدار بن إسماعيل
الذي ينادون من رؤوس الجبال بالتلبية والذان ،والذين بثوا تسبيحه في البر والبحر؟
الباب الخامس
في إعلم كعب بن لؤي بن كعب بن غالب ببعثة رسول ال صلى ال عليه وسلملما كان يسمع من
أهل الكتاب
عن عبد الرحمن بن عوف قال :كان كعب بن لُؤيّ بن غالب بن فهْر بن مالك ،يجمع قومه يوم
الجمعة ،وكانت قريش تسمي الجمعة« :عَرُوبة» ،فيخطبهم فيقول :أما بعد ،فاسمعوا وتعلّموا،
ج ونهار ضاح ،والرض مهادٌ ،والسماء بناء ،والجبال أوتاد ،والنجوم
وافهموا واعلموا ،ليلٌ سا ٍ
أعلم والولون كالخرين ،والنثى والذّكر ،والزوج وما يهيج إلى بلىً صائرون .فصلوا
أرحامكم ،واحفظوا أصهاركم ،وثمّروا أموالكم.
فهل رأيتم منْ هالك َرجَع ،أو ميت نُشر؟ الدار أمامَكم ،والظنّ غير ما تقولون ،ح َرمَكم زينوه
وعظموه وتمسّكوا به ،فسيأتي له نبأ عظيم وسيخرج منه نبي كريم .ثم يقول:
ل أ ْوبٍ بحادثٍ
نها ٌر وليلٌ ك ّ
سواءٌ علينا ليلُها ونهارُها
يؤوبان بالحداث حين تأوّبا
وبالنّعم الضافي علينا ستورُها
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
على غفلةٍ يأتي النبيّ محمدٌ
فيُخْبر أخبارا صَدُوقٌ خبيرها
صبَ الجمَل ،ولرْقلْت فيها
ثم يقول :وال لو كنتُ فيها ذا سمْع وبصر ويد ورجل لتنصّ ْبتُ فيها تَن ّ
إرقال الفحل.
يا ليتني شاهد فحواء دَعْوته
خذْلنا
حينَ العشيرة تَبْغي الحقّ ُ
وكان بين موت كعب بن لؤي وبين مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خمسمائة سنة وستون
سنة.
الباب السادس
في ذكر منام رآه َنصْرُ بن ربيعة اللّخْمي يدل على وجود نبينا صلى ال عليه وسلم
قال أهل السّير:
رأى َنصْرُ بن ربيعة رؤيا هالته ،فلم ي َدعْ كاهنا ول منجّما إل جمعه إليه ،وقال لهم :إني رأيت
رؤيا هالَتْني ،فأخبروني بتأويلها.
صصْها علينا.
فقالوا :اق ُ
فقال :إنه ل َيعْرف تأويلها إل من عَرَفها قَبْل أن أخبره بها.
قالوا :فإن كنت تريد ذلك فابعث إلى سَطيح وشقَ .وهما اسم كاهنين.
فبعث إليهما فقدم سطيح فقال (له) :إني رأيت رؤيا هالتني فإن أصبتها أصبتَ تأويلها.
جمْجمة.
ح َممَةً خرجت من ظُلمة ،فوقعت بأرضٍ َتهِمة فأكلت منها كلّ ذات ُ
فقال :رأيت ُ
فقال الملك :ما أخطأتَ منها شيئا يا سطيح ،فما عندك فيها؟
قال :أحلف بما بين الحَرّتين من حَنش ،لتهبطن أرضكم الحَبَش ،فليملكن ما بين أبْين إلى جُرَش،
فقال له الملك :وأبيك إن هذا لنا لغائظ موجع ،فمتى هو؟ أفي زماني أم بعده؟
قال :ل ،بل بعده بحين ،الحينُ من ستين إلى سبعين.
قال :فهل يدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟
قال :ل بل ينقطع لبضع وتسعين يمضين من السنين ،ثم يخرجون منها هاربين.
قال :ومن يلي ذلك؟
قال :إرم ذي يزن ،يخرج عليهم من عَدن ،فل يترك أحدا منهم باليمن.
قال :أفيدوم ذلك؟
قال :ل بل ينقطع.
قال :ومن يقطعه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ي زكي ،يأتيه الوحي من (قِبَل) العليّ.
قال :نب ّ
قال :ومن هذا النبي؟
قال :رجل منْ ولد غالب بن فهر بن مالك بن ال ّنضْر ،يكون المُلك في قومه إلى آخر الدهر.
قال :وهل للدهر من آخر؟
قال :نعم ،يوم يُجمع فيه الولون والخرون ،ويسْعد فيه المحسنون ويشقى به المسيئون.
قال :أحق ما تخبرني به؟
قال :نعم ،والشّفق ،والغسق ،والفلق ،إن ما أنبأتك به لحق.
ق فقال له :إني رأيت رؤيا فأخبرني بها .فأخبره كما قال سطيح ،وأخبره بتقلب
فلما فرغ قدم ش ّ
الممالك على نحو ما قال سطيح ،إلى أن قال:
ثم يأتي رسولٌ يأتي بالحق والعدل ،يكون المُلك في قومه إلى يوم الفصْل.
قال :وما يوم الفصْل؟
قال :يوم تجزى فيه الولدة ،ويجمع الناس للميقات.
الباب السابع
في ذكر نسَب نبينا محمد صلى ال عليه وسلم
هو :محمد ،بن عبدال ،بن عبد المطلب ،بن هاشم ،بن عبد مناف ،بن قُصي ،بن كلب ،بن مُرّة،
بن كعب ،بن لؤيّ ،بن فهر ،بن مالك ،بن النّضر ،بن كنانة ،بن خزيمة ،بنُ مُدْركة ،بن الياس،
بن مُضر ،بن نزار ،بن مَعد ،بن عدنان.
ول يختلف النسابون إلى :عدنان.
ثم يختلفون فيما بعده ،فبعضهم يقول :عدنان بن أدّ ،بن الهميسع ،بن حمل بن قيدار ،ابن إسماعيل
بن إبراهيم.
وبعضهم يقول :عدنان من غير ذكر :أد بن أدد.
وفي حديث أم سلمة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :عدْنانُ بنُ أُ َددِ بنِ لُؤيّ بنِ أعْرَاقِ
الثّرَى» .
قالت أم سلمة :فزيد هو :الهميسع .ويرى هو :نبْت .وأعراق الثرى هو :إسماعيل .كذلك حكى
الزبير بن بكار.
وحكى أيضا أن أعراق الثرى :إبراهيم ،لنهم لما رأوه لم يحترق بالنار قالوا :ما هو إل أعراق
الثرى.
وهكذا ضبط لنا زيد .وقد حدّثنا عن أبي أحمد العسكري أنه قال :إنما هو زيد مثل اسم أبي دلمة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عروة قال :ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء عدنان.
وقال ابن أبي خيثمة:
ما وجدنا في علم عالِم ول شعْر شاعر أحدا يعرف ما وراء معدّ بن عدنان بثَبت.
الباب الثامن
في ذكر طهارة آبائه وشرفهم
عن واثلة بن السقع أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
طفَى مِن
سمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ ،واصْ َ
طفَى منْ بَنِي إ ْ
سمَاعِ ْيلُ ،واصْ َ
طفَى مِن وَلَدِ إبْرَاهِيم إ ْ
صَ«إنّ اللّهَ ا ْ
طفَانِي من بَنِي هَاشِم» .
طفَى من قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِم ،واصْ َ
بَنِي كِنَا َنةَ قُرَيْشًا ،واصْ َ
انفرد بإخراجه مسلم.
عن عائشة رضي ال عنها قالت :قال النبي صلى ال عليه وسلم:
حمّدٍ صلى ال عليه
ضلَ مِن مُ َ
جدْ رَجُلً أ ْف َ
«قَالَ جِبْرِ ْيلَ :قَلَ ْبتُ مَشَا ِرقَ ال ْرضِ ومغَارِ َبهَا فَلَمْ أَ ِ
شمٍ» .
ضلَ من بَ ْيتِ بَنِي هَا ِ
وسلم ،وقَلَ ْبتُ مَشَارِقَ ال ْرضِ و َمغَارِ َبهَا فَلَمْ َأجِدْ بَيْتًا أ ْف َ
عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال:
ن القَرْنِ الذي كُ ْنتُ فِيه» .
« ُبعِثْتُ من خَيْرِ قُرونِ بَنِي آدَمَ قَرْنَا َفقَرْنا ،حَتّى ُبعِ ْثتُ م َ
عن العباس بن عبد المطلب قال :قلت :يا رسول ال ،إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم ،فجعلوك
مثل نخلة تنبت في كَبْوة من الرض.
جعَلَنِي في خَيْرِهِم ،ثمّ
جلّ يومَ خََلقَ الخَلْقَ َ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ اللّهَ عزّ و َ
ج َعلَ
جعَلَنِي في خَيرِ قَبِيْلَةٍ ،ثمّ حينَ َ
ل القَبَا ِئلَ َ
ج َع َ
جعَلَني في خَيْ ِر الفَرِيقَيْن ،ثمّ حِينَ َ
حينَ فَ َر َقهُم َ
جعَلَنِي من خَيرِ بيُوتِهم ،فأَنا خَيْرُهُم بَيْتا وخَيْرُهُم َنفْسًا» .
البُيوتَ َ
وقال ربيعة :إن ناسا من النصار قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم :إنا نسمع من قومك حين يقول
القائل منهم :إنما مثل محمد مثل نخلة تنبت في كِبا.
جعَلنِي من خَيرِ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَل إنّ ال خََلقَ خَ ْلقَهُُ ،ثمّ فَر َقهَمَ فِ ْرقَتَين ،فَ َ
جعَلِني في خَي ِرهِم قَبيِلةً ،فأنا خيرُكمُ بيَتْا وخيَرُكم نَفسَا» .
جعََلهُم قَبَا ِئلَ َف َ
الفَريقَين ،ثمّ َ
الكبا :مقصور ،وهو الكناسة.
قال الصمعي :فإذا مدّ فهو البحر.
شمّر :ولم يسمع الكبوة.
قال َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب التاسع
في بيان أن جميع العرب ولدوا رسول ال صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :لم يكن بطن من قريش إل لرسول ال صلى ال عليه وسلم فيهم قرابة،
عمِلُواْ الصّالِحَاتِ قُل لّ َأسْئَُلكُمْ عَلَ ْيهِ
فنزلت{ :س 42ش 23ذَِلكَ الّذِى يُ َبشّرُ اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ ءَامَنُو ْا وَ َ
شكُورٌ }
غفُورٌ َ
حسْنا إِنّ اللّهَ َ
أَجْرا ِإلّ ا ْل َموَ ّدةَ فِى ا ْلقُرْبَى َومَن َيقْتَ ِرفْ حَسَ َنةً نّزِدْ لَهُ فِيهَا ُ
(الشورى)23 :
.
أي :إل أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.
وقال الشعبي :أكثر الناسُ علينا في هذه الية{ :قل ل أسألكم عليه أجرا إل المودة في القربى} .
أي :إل أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم.
فكتبت إلى ابن عباس ،فكتب ابن عباس :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان واسط النسب في
قريش ،لم يكن حيّ من أحياء قريش إل وقد ولدوه ،فقال ال تعالى { :قل ل أسألكم عليه أجرا إل
المودة في القُرْبى} .
أي :تودّوا قرابتي منكم وتحفظوني في ذلك.
سكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتّمْ
عن ابن عباس في قوله تعالى{ :س 9ش َ128لقَدْ جَآ َءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُ ِ
حَرِيصٌ عَلَ ْيكُمْ بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ َرءُوفٌ رّحِيمٌ }(التوبة)128 :
.
قال :ليس من العرب قبيلة إل ولدت النبي صلى ال عليه وسلم مضريّها ،وربيعيّها ،ويمانيّها.
الباب العاشر
سفَاحٍ»
ح ل مِن ِ
في قوله عليه السلم« :وُل ْدتُ مِن ِنكَا ٍ
جتُ من ِنكَاحٍ ،ولمْ أخْرُجْ مِن
عن علي بن أبي طالب :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :خَرَ ْ
شيْءٌ» .
سفَاحِ الجَاهِلِيّةِ َ
ن وَلَدَنِي أبِي وُأمِيّ ،ولمْ ُيصِبْنِي مِن ِ
سفَاحٍ ،من لَدُنْ آ َدمَ إلى أ ْ
ِ
فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث ،والنبي صلى ال عليه وسلم قد خرج ويقول :كانت الشجرة
وال أعلم أبا القاسم المين.
فيقال له :أل تؤمن به؟
فيقول :السبة والعار
فأتيت قومي ،فقلت :يا بني رفاعة ،بل يا معاشر جهينة إني رسول رسول ال صلى ال عليه
وسلم إليكم ،أدعوكم إلى الجنة وأحذركم النار ،وآمركم بحقن الدماء ،وصلة الرحام وعبادة ال،
ورفض الصنام ،وحج البيت ،وصيام شهر رمضان شهر من اثني عشر شهرا ،فمن أجاب فله
الجنة ومن عصى فله النار .يا معشر جهينة إن ال وله الحمد جعلكم خيار من أنتم منه ،وبغض
إليكم في الجاهلية ما حبب إلى غيركم من العرب ،كانوا يجمعون بين الختين ،ويخلف الرجل
على امرأة أبيه ،والغَزَاة في الشهر الحرام ،فأجيبوا هذا النبي المرسل من بني لؤي بن غالب،
تنالوا شرف الدنيا وكرامة الخرة وسارعوا في ذلك تكن لكم فضيلة عند ال عزّ وجلّ.
فأجابوا إل رجلً منهم ،فقام فقال :يا عمرو بن مرة أمرّ ال عيشك أتأمرنا أن نرفض آلهتنا
ونفرق جماعتنا ونخالف دين آبائنا إلى ما يدعو إليه هذا القرشي من أهل تهامة؟ ل حبا ول
كرامة.
ثم أنشأ الخبيث يقول:
هذا ابن مرّة قد أتى بمقالة
ليست مقالةَ من يريد صلحا
إني لحسب قوله وفعاله
يوما ،وإن طال الزمان رِياحَا
سفّهُ الشياخ فيمن قد مضى
أنُ َ
من رام ذاك فل أصاب فلحا
فقال عمرو بن مرة :الكاذب بيني وبينك أمرّ ال عيشه وأبكمَ لسانه وأكمه أسنانه.
قال عمرو :فوال ما مات حتى سقط فوه ،فكان ل يجد طعم الطعام ،وعَمي وخرس.
فخرج عمرو بن مُرّة ومن أسلم من قومه معه حتى أتوا النبي صلى ال عليه وسلم ،فرحب بهم
وحياهم وكتب لهم كتابا هذه نسخته:
بسم ال الرحمن الرحيم هذا كتابُ أمانٍ من ال تعالى على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم،
بكتاب صادق وحق ناطق ،مع عمرو بن مرة الجُهني :أجهينة بن زيد ،إن لكم بطونَ الرض
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عوْن نباته وتشربون صافِيه ،على أن تُقرّوا بالخُمس
وظهورها ،وقِلَع الودية وسهولها ،تر َ
وتصلّوا صلة الخَمس ،وفي التّبعة والصريمةَ شاتان إذا اجتمعا وإن افترقا فشاة شاة ،ليس على
أهل المِيرة صدقة ،وال يشهد على ما بيننا ومَنْ حضر من المسلمين.
فذلك حين يقول عمرو بن مُرّة:
ظهَرَ دينه
ألم تر أن ال أ ْ
وبَين بُرهان القُران لعامِر
كتابٌ من الرحمن نورٌ لجمعنا
وأخلفنا في كل بادٍ وحاضر
إلى خير من يمشي على الرض كلها
وأفضِلهَا عند اعتكار الضرائر
طعْنَا رسول ال لمّا تقطعت
أَ
بطون العادي بالظّبا والخواصِر
فنحن قَبيلٌ قد بَنَى المجْدُ حوْلنا
إذا اجتلبت في الحرب ها ُم الكابر
بنو الحرب َنقْريها بأيدٍ طويلةٍ
للَ في أكفّ المغاوِرِ
وبيضٍ ت َ
حوْله النصار يحْمون سربه
ترى َ
سمْر العوالي والصّفاح البواتِر
بُ
إذا الحرب دارت عند كل عظيمة
ودارت رحاها بالليوث الهواصِرِ
تبلّج منه اللونُ وازداد وجهُه
كمثل ضياء البَدْر بَيْنَ الهَواصر
وذكر ياسر بن سُويد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وجّهه في خيل أو سَرية وامرأته حامل،
فولد له مولود ،فحملته أمه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول ال ،قد ولدت هذا
المولود وأبوه في الخَيْل.
فأخذه النبي صلى ال عليه وسلم فأمَرّ يده عليه وقال« :اللهّم أكْثِرْ رجَاَلهُم وَأ ِقلّ نِسَا َءهُم ول
سمّيْه ُمسْرِعا فَهو إسْرَاعٌ فِي الِسْلمِ» .
خصَاصَةً» .ثم قالَ « :
جهُم ،ول تُرِ أحْدَا َثهُم َ
تَحو َ
عن عبد المطلب :خرجتُ إلى اليمن في رحلتي الِيلف ،فنزلت على رجل من اليهود يقرأ
الزّبُور ،فقال :يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بعض جسدك؟
قلت :نعم ،ما لم يكن عورة.
فنظر في منخري ،فقال :أجد في أحد منخريك مُلْكا ،وفي الخر نُ َبوّة ،فهل لك من شاعة؟
قلت :وما الشاعة؟
قال :الزوجة.
قلت :أمّا اليوم فل.
قال :فإذا قدمت مكة فتزوج.
فقدم عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة ،فولدت له حمزة وصفية.
ثم تزوج عبدال بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فكانت قريش :تقول فلج عبدال على أبيه.
وفي رواية أخرى أنه قال :وفي الخر نبوة ،وإنا نجد ذلك في بني ُزهْرة ،فإذا رجعت فتزوج
فيهم.
وقيل :إنه ولد صلى ال عليه وسلم في الدار التي تعرف بدار محمد بن يوسف الثقفي أخي
الحجاج.
وقيل إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان وهبها لعقيل بن أبي طالب ،فلم تزل في يد عقيل
حتى توفي فباعها ولده من محمد بن يوسف ،فبنى داره التي يقال لها دار ابن يوسف ،وأدخل ذلك
في الدار حتى أخرجته الخيزران وجعلته مسجدا يصلى فيه.
عن أبي قتادة :أن رجلً سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن صوم يوم الثنين .فقال« :ذلكَ
َيوْ ٌم وُلِ ْدتُ فِيه وأُنْ ِزلَ عََليّ فِيه» .
انفرد بإخراجه مسلم.
قال ابن إسحاق :ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين عام الفيل لثنتي عشرة ليلة
مضت من شهر ربيع الول .
وقد روي عن الزهري أنه قال :ولد بعد الفيل بعشر سنين ول يصح.
وقال البرَاء :ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الثنين لثمان خَلَون من ربيع الول يوم
العشر من نيسان.
وقال حسان بن ثابت :إني لغلم يفَعة ابن سبع سنين أو ثمان سنين ،إذا يهودي بيثرب يصرخ
ذات غداة :يا معشر يهود .فلما اجتمعوا قالوا :ما لك ويلك؟ قال :قد طلع نجم أحمد الذي يولد به
هذه الليلة.
قال :فأدركه اليهودي فلم يؤمن
عن حسان أيضا قال :إني لعلى فارع وهو أُطُم ،في السّحر؛ إذ سمعت صوتا لم أسمع قط صوتا
أنفَذَ منه ،فإذا يهودي على أطم من آطام المدينة معه شعلة من نار ،فاجتمع الناس إليه فقالوا :ما
لك ويلك فقال :هذا كوكب أحمد قد طلع ،هذا كوكب ل يطلع إل بالنبوة ،ولم يبق من النبياء إل
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أحمد.
فجعل الناس يضحكون منه ويعجبون لما يأتي به.
الباب العشرون
في قصة الفيل
قال علماء السير :بنَى أبرهة كنيسةً لم يُرَ مثلها وقال :لست ُبمُنْتَه حتى أصرف إليها حجاج
العرب.
فلما عرفت العرب ذلك خرج منهم رجل فأحدث فيها.
فغضب أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه.
وأصيب أبرهة بداء في جسده ،فسقطت أنامله فقدموا (به) صنعاء وهو مثل الفرخ ،فما مات حتى
انصدع صدره عن قلبه.
وقالت آمنة أيضا لما ضربها المخاض قالت :فجعلت أنظر إلى النجوم تدلى حتى قلت لتقعنّ عليّ.
فلما وضعته خرج منها نور أضاء له البيت والدار حتى جعلت ل ترى إل نورا.
شفّاء أم عبد الرحمن :لما ولدت آمنةُ محمدا صلى ال عليه وسلم ووقع على يدي استهل
وقالت ال ّ
ل يقول :رحمك ربك.
صارخا فسمعت قائ ً
شفّاء :فأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الشام.
قالت ال ّ
قالت :ثم اضطجعت فلم أنشب أن غشيني ظلمة ورعب وقشعريرة ثم أسفر لي عن يميني،
ل يقول :أين ذهبت به؟
فسمعت قائ ً
قال :ذهبتُ به إلى المغرب .ثم عاودني الرعب والظلمة والقشعريرة ،ثم أسفر لي عن يساري
ل يقول :أين ذهبت به؟
فسمعت قائ ً
قال :ذهبت به إلى المشرق ولن يعود أبدا.
فلم يزل الحديث مني على بال حتى ابتعث ال رسوله صلى ال عليه وسلم فكنت في أول الناس
إسلما.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وقالت آمنة :ولدتهُ جاثيا على ركبتيه ينظر إلى السماء ،ثم قبض قبضة من الرض وأهوى
ساجدا ،وولد وقد قطعت سُرته ،وكنت وضعت عليه إناءً فوجدت الِناء قد انفلق عنه وهو يمصّ
إبهامه يشخب لبنا.
وكان بمكة رجل من اليهود حين ولد ،فلما أصبح قال :يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود؟
قالوا :ل نعلمه.
قال :ولد الليلة نبي العرَب له شامَة بين منكبيه سوداء ظفراء فيها شعرات ،فرجع القوم فسألوا
أهليهم هل ولد لعبد المطلب الليلة ولد؟ قالوا :نعم .فأخبروا اليهودي فقال :ذهبت النبوة من بني
إسرائيل.
عن أبي أمامة قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :رََأتْ ُأمّي كَأَنّه خَرَجَ مِنْها نُورٌ أضَا َءتْ مِنه
صوْرُ الشّامِ» .
ُق ُ
عن عكرمة :أن النبي صلى ال عليه وسلم لما ولدته أمه وضعته تحت برمة فانفلقت عنه .قالت:
شقّ بصره ينظر إلى السماء.
فنظرت إليه فإذا هو قَد َ
وعن عمة وهب بن زَمعة قالت :لما ولدت آمنة رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسلت إلى عبد
المطلب ،فجاءه البشير وهو جالس في الحجْر معه ولده ورجال من قومه ،فأخبروه أن آمنة ولدت
غلما ،فسُرّ بذلك عبد المطلب ،وقام هو ومن كان معه فدخل عليها فأخبرتْه بكل ما رأت وما قيل
لها ،وما أمرت به ،فأخذه عبد المطلب فأدخله الكعبة ،وقام عندها يدعو ال تعالى ويشكر ما
أعطاه.
عقِيل :لن ال سبحانه أخفى أدْون التطهيريْن الذي جرت العادة أن تفعله القابلة والطبيب،
قال ابن َ
وأظهر أشرَفهما وهو القلب ،فأظهر آثار التجمل والعناية بالعصمة في طرقات الوحي.
يا عبد المسيح إذا كثرت التلوة ،وبُعث صاحبُ الهراوة ،وفاض وادي السماوة وغاضت بحيرة
ساوة ،وخمدت نار فارس ،فليست الشام لسطيح بشام ،يمْلك منهم ملوك وملكات على عدد
الشرفات ،وكل ما هو آت آت.
ثم قضى سطيح مكانه.
فثار عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمّيرُ
شمّرْ فإنك ماضي الهم ِ
َ
ق وتغييرُ
ل يفزعنك تفري ٌ
إن يُمس مُلك بني ساسان أفْرطهم
فإن ذا الدهر أطوار دهاريرُ
فربمّا ربما أضْحوا بمنزلةٍ
تهاب صولَهم السْد المهاصيرُ
منهم أخو الصّرح ُبهْرامٌ وإخوته
والهُرْمزان وسابورٌ وسابورُ
والناسُ أولد علّت فمنْ علموا
أن قَدْ َأ َقلّ فمحقو ٌر و َمهْجُورُ
وهم بنو الم إما إن رأوا نشبا
ظ ومنصورُ
فذاك بالغَ ْيبِ محفو ٌ
والخيرُ والشرّ مقرونان في قَرَنٍ
فالخيرُ متبَعٌ والشرّ محذور
فلما قدِم عبدُ المسيح على كسرى أخبره بقول سَطِيح ،فقال :إلى أن َيمْلك منا أربعة عشر قد كانت
أمورٌ.
فملكَ منهم عشرةٌ أربعَ سنين ،وملكَ الباقون إلى خلفة عثمان بن عفان رضي ال عنه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وكان سَطيح لحما على وَضم ،لم يكن فيه عظم ول عصب إل الجمجمة والكفين ،ويطْوى من
حمَل على
ترقوته إلى رجليه كما يُطوى الثوب ،ولم يكن منه شيء يتحرك إل لسانه ،وكان ُي ْ
وضمة.
1وفي السنة الولى من سني الهجرة خرج إلى الغار .وفيها آخى بين المهاجرين والنصار.
1وفي سنة اثنتين حوّلت القبلة إلى الكعبة ،ونزلت فريضة رمضان ،وكانت غَزَاة بدر.
1وفي السنة الثالثة كانت غزاة أحُد وفي السابعة غزاة خيبر.
1وفي الثامنة كانت غزاة الفتح.
1وفي العاشرة حجّ صلى ال عليه وسلم.
1وفي الحادية عشرة توفي صلى ال عليه وسلم.
فالتفت النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال الرجل :لم أعِنك يا رسول ال ،إنما عنيت فلنا.
سمِي ول ُتكَنّوا ِبكُنْيَتِي» .
س ّموْا با ْ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :تَ َ
عن جابر أن رجلً من النصار ولد له غلم ،فأراد أن يسميه محمدا ،فأتى النبي صلى ال عليه
سمِي ول ُتكَنّوا ِبكُنْيَتِي» .
س ّموْا با ْ
وسلم فسأله فقال« :تَ َ
سمِي فل ُيكَنّي
سمّى بِا ْ
عن أبي الزبير ،عن جابر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :من تَ َ
سمِي» .
سمّى با ْ
ِبكُنْيَتِي ،ومن اكتَنَى ِبكُنْيَتِي فل يَتَ َ
وقد اختلفت الرواية عن أحمد ،فروي عنه أنه يكره أن يجمع بين اسم النبي صلى ال عليه وسلم
وكنيته ،فإن أفرد الكنية عن اسمه لم يكره.
وروي عنه كراهية في الجملة في الجمع والِفراد.
وروي عنه نفي الكراهة في الجملة ،لما روي في حديث عائشة أن امرأة جاءت إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم فقالت :إني ولدت غلما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم ،فذكر لي أنك تكره
ذلك.
سمِي» .
حلّ ا ْ
سمِي وحَرّمَ كُنْيَتِي»؟ أو« :مَاالذي حَرّمَ كُنْيَتِي وأ َ
حلّ ا ْ
فقال« :مَا الذي أ َ
قلت :وقد أجاب ذلك لعلي في ولد يأتيه بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وقال علي :يا رسول
ال أرأيت إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال« :نعم» .
فكانت رخصة من رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي.
قلت :والذي يقتضيه النظر في الحاديث أنه قد كان يكره أن يكتنى بكنيته ،لن الخطاب لمثله
بالكنية ،فأما بعده فل تكره الكنية ول يجمع بينها وبين السم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وكان عبد المطلب قد تزوج هالة بنت وهب بن عبد مناف ،وزوج ابنه عبدال آمنة بنت وهب بن
عبد مناف في مجلس واحد ،فولد حمزة ،ثم ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأرضعتهما ثويبة
بلبن ابنها مسروح أياما ،ولذلك قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وقد عرضت عليه ابنة حمزة
ضعَتْنِي وَأَبَاهَا ُثوَيْبَة» .
حلّ لِي ،إنّها بِ ْنتُ َأخِي أَ ْر َ
ليتزوجها« :إ ّنهَا لَ َت ِ
وكانت ثويبة تدخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ما تزوج خديجة فيكرمها رسول ال
صلى ال عليه وسلم وتكرمها خديجة ،وهي يومئذ أمَة ،ثم أعتقها أبو لهب.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح
خيبر ،ول يعلم أنها أسلمت.
بل قد قال أبو نعيم الصبهاني :حكى بعض العلماء أنه اختلف في إسلمها.
عن عروة قال :كانت ثويبة مولة لبي لهب فأعتقها .فأرضعت النبي صلى ال عليه وسلم ،فلما
مات أبو لهب رآه بعض أهله في النوم ،فقال :ماذا لقيت يا أبا لهب؟ فقال :ما رأيت بعدكم رَوحا،
غير أني سقيت في هذه ـ وأشار إلى النقرة التي فوق الِبهام ـ بعتقي ثويبة.
قال :وكانت أرضعت النبي صلى ال عليه وسلم وأبا سلمة.
قالت :فقدمنا على أجدَب أرض ال .قالت :فوالذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا
حفّل بطانا ،وتروح أغنامهم جياعا هلكا ،ما بها
أصبحوا وأسرح راعي غُنيمتي ،وتروح غنمي ُ
من لبن لشربة ،فنشرب ما شئنا من لبن ،وما من الحاضر من أحد يحْلب قطرة ول يجدها .قالت:
فيقولون لرعاتهم :ويلكم أل تسرحون حيث يسرح راعي حليمة .فيسرحون في الشعب الذي يسرح
حفّل لبنا.
فيه ،وتروح غنمهم جياعا ما بها من لبن ،وتروح غنمي ُ
قالت :وكان يشب في اليوم شبابَ الصبي في الشهر ويشب في الشهر شباب الصبي في سنة.
قالت :فبلغ سنتين وهو غلم جَفر .قالت :فقدمْنا به على أمه فقلت لها وقال لها زوجي :دعي ابني
فلنرجع به ،فإنا نخاف عليه وباء مكة .قالت :ونحن أضن شيء به لما رأينا من بركته صلى ال
عليه وسلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فلم نزل بها حتى قالت ارجعي به.
قالت :فمكث عندنا شهرين.
قالت :فبينما هو يوما مع إخوته خلف البيت إذ جاء أخوه يشتد ،فقال لي ولبيه :أدْركا أخي
القرشي ،فقد جاءه رجلن فأضجعاه فشقا بطنه .قالت :فخرجت وخرج أبوه نشتد نحوه ،فانتهينا
إليه وهو نائم ممتقع لونه ،فاعتنقه واعتنقته ،وقال :ما لك يا بني؟
قال :أتاني رجلن عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشقا بطني ،فوال ما أدري ما صنعا.
قالت :فاحتملناه فرجعنا به .قالت يقول زوجي :يا حليمة وال ما أرى الغلم إل قد أصيب.
فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه.
قالت :فرجعنا به إلى أمه :قالت ما ردّكما به؟ فقد كنتما حريصين عليه؟ فقلنا :ل وال ،إل أنا قد
كفلناه وأدّينا الذي علينا من الحق فيه ،وتخوفنا عليه الحداث ،فقلنا يكون عند أمه.
قالت :وال ما ذاك بكما ،فأخبراني خبركما وخبره .قالت :فوال ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره.
قالت :أتخافين عليه؟ ل وال إن لبني هذا شأنا .أل أخبركما عنه؟
إني لما حملت به ،فلم أحمل حملً قط هو أخف منه ول أعظم بركة منه .ولقد وضعته فلم يقع كما
تقع الصبيان ،لقد وقع واضعا يده في الرض رافعا رأسه إلى السماء .دعاه وألحقا بشأنكما.
فأقبل يبتدران فأخذاني فبطحاني إلى القفا ،فشقا بطني ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا علقتين
سوداوين ،فقال أحدهما لصاحبه :أيتني بماء ثلج .فغسل به جوفي ،ثم قال :أيتني بماء برَد .فغسل
به قلبي .ثم قال :ايتني بالسّكينة .فذرّاها في قلبي .ثم قال أحدهما لصاحبه :خطْه .فخاطه وختم
عليه بخاتم النبوة .وقال أحدهما لصاحبه :اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة .فإذا أنا
أنظر إلى اللف فوقي أشفق أن يخرّ عليّ بعضُهم .فقال :لو أن أمته وزنت به لمال بهم.
ثم انطلقا وتركاني وقد فرقتُ فرقا شديدا ،ثم انطلقت إلى أمي ،فأخبرتها بالذي لقيت فأشفقت على
أن يكون التبس بي .فقالت :أعيذك بال .فحملتني على الرحل وركبت خلفي ،حتى بلغت إلى أمي
فقالت :أديتُ أمانتي وذمتي وحدثتها بالذي لقيت.
فلم يرُعها ذلك وقالت :إني رأيت حين خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام.
عن أنس بن مالك :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان ،فأخذه
فصرعه وشقّ عن قلبه فاستخرج القلب ،ثم شق القلب فاستخرج منه علقة فقال :هذا حظّ الشيطان
منك .فغسله في طست من ذهب بماء زمزم ،ثم لمه ،ثم أعاده في مكانه.
وجاء الغلماء يسعون إلى أمه ــــ يعني ظئره ــــ فقالوا :إن محمدا قد قتل .فاستقبلوه
وهو ممتقع.
قال أنس :وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى ال عليه وسلم.
عن شداد بن أوس قال :بينا نحن جلوس عند رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ أقبل شيخ من بني
عامر فقال :يا محمد أنبئني ببدء شأنك.
ضعَتْنِي كُ ْنتُ
ع َوةُ أبي إبْرَاهِيمَ ،وبُشْرَى أخِي عِيْسَى ابنَ مَرْيَمَ ،وذلكَ أنّ ُأمّي لمّا َو َ
قال« :أَنا دَ ْ
س ْعدِ بْنِ َبكْرٍ ،فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ َيوْمٌ مُنْتَبِذٌ من أهْلِي في َبطْنِ وادٍ مع أتْرابٍ لي من
ضعَا في بَنِي َ
مُسْتَ ْر َ
خذَنِي من بينِ أصْحَابِي ،فَخَرَجَ
ستٌ من ذَ َهبٍ مَلِيءٌ ثَ ْلجًا ،فَأَ َ
الصّبْيَانِ ،إذَا أنا بِرَهْطٍ ثَلثةٍ َم َعهُم طِ ْ
شفِيرِ الوَادِي ثم أقْبَلوا عَلى الرّ ْهطِ َفقَالوا :مَا أَرْ ُبكُم إلى هذا الغُلمِ؟
أصْحَابِي هَرَابا حتى انْ َت َهوْا إلى َ
فَإنّه لَيْسَ منّا ،هذا ابنُ سَيّدِ قُرَيْشٍ ،فإن كُنْتُم ل بُدّ قَاتِلِيه فَاخْتَارُوا مِنّا أَيّنَا شِئْتُمْ فَاقْتُلوه» .
غسَلَها بذلكَ الثّلْجِ فَأَ ْنعَمَ
جعَني ،ثُم شَقّ صَدْرِي ثُم أخَرَجَ أحْشَاءَ بَطْنِي ثم َ
ضَحدُهُم فأ ْ
« َفعَمَدَ أ َ
خلَ يَ َدهُ فِي
غَسْلَها ،ثمَ أعَادَها مَكانَها .ثمَ قَامَ الثّانِي منهُم فقالَ ِلصَاحِبِه :تَنَحّ .فَتَ َنحّى عَنّيُ ،ثمَ أ ْد َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سوْدَاءَ ف َرمَى بِها ،ثمَ قَال بِيَدِه مِنه
ضغَةً َ
ج ْوفِي وأخْرَجَ قَلْبِي وأَنا أنْظُرُ إليهِ َفصَدَعَه ثمَ أخْرَجَ مِنْ ُم ْ
َ
كَأَنّه يَتَنَا َولُ شَيْئَا ،فإذا أنا بَخَا ِتمٌ فِي يَدِه من نُورٍ يَحَارُ النّاظِرونَ دونَه .فَخَتَمَ به قَلْبِي فَامْتَلَ نورا،
ق صَدْرِي
ج ْدتُ بَ ْردَ الخَاتَ ِم في قَلْبِي دَهْرا .ثمَ قَال الثالثُ :تَنَحّ .فَأمَرّ يَدَه من َمفْرِ ِ
ثم أعادَه مَكانَه فوَ َ
خذَ بِيَدِي فَأ ْن َهضَنِي من َمكَاني إنهَاضَا
إلى مُنْ َتهَى عَانَتي ،فَالتَأَم ذلكَ الشّقّ بإذنِ ال َتعَالى ،ثُم أ َ
ي وقالوا :يا حَبِ ْيبَ ال لِمَ تُزع إنكَ
ضمّوني إلى صُدورِهِم وقَبّلوا ما بيْنَ رأسِي وبينَ عَي َن ّ
لطِيفَا .ثم َ
لو تَدرِي ما يُرادُ بكَ من الخَيْرِ لقَرّتَ عَيْنَاكَ» .
حيّ َقدْ جَاؤوا بحَذَافِيْرِهِم ،وإذا ُأمّي ،وهي ظِئْرِي أمَامَ الحيّ تَه ِتفُ
قال« :فبينَا نَحنُ كَذَلكَ إذا أنا بال َ
ضعِيفَاه ،يا حَبّذَاه يا سُماه» .
بأعْلَى صَوْتِها :يا َ
عن محمد بن المُنكَدر قال :استأذنت امرأةٌ على النبي صلى ال عليه وسلم كانت أرضعته ،فلما
دخلت عليه قال :أمي أمي .وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه.
وقد روي أنها جاءت إلى أبي بكر بعده فأكرمها وإلى عمر ففعل مثل ذلك.
وقد روي أنه أعيد شرحُ صدره بعد أن تم له عشر سنين.
عن أُبي بن كعب :كان أبو هريرة جريئا على سؤال رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أشياء ل
يسأله عنها غيره ،فقال :يا رسول ال ما أولُ ما رأيت من أمر النبوة؟
فاستوى جالسا وقالَ« :لقَدْ سَأَ ْلتَ يا أبَا هُرَيْ َرةَ» .
الباب الثلثون
في ذكر ما جرى لرسول ال صلى ال عليه وسلم بعد تمام خمس سنين من مولده صلى ال عليه
وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن كعب قال :قالت حليمة :ركبت أتاني وحملت محمدا بين يدي أسير به ،حتى أتيت الباب
العظم من أبواب مكة وعليه جماعة مجتمعة ،فوضعته لقضي حاجة وأصلح شأني ،فسمعت هدة
شديدة ،فالتفت فلم أره فقلت :معاشر الناس أين الصبيّ؟
قالوا :أي الصبيان؟
قلت :محمد بن عبدال بن عبد المطلب الذي نضّر ال به وجهي وأشبع جوعي ،ربيته حتى إذا
أدركت سروري أتيت به لرده إلى أمه وأخرج من أمانتي ،اختلس من بين يدي ،واللت والعُزّى
لئن لم أره لرمين نفسي من شاهق هذا الجبل.
قالوا :ما رأينا شيئا.
فلما أيأسوني وضعت يدي على رأسي وقلت :وامحمداه واولداه .فأبكيت الجواري البكار لبكائي،
وضج الناس معي بالبكاء.
فأتيت عبد المطلب فأخبرته فسلّ سيفه ونادى :يا آل غالب .وكانت دعوتهم في الجاهلية .فأجابته
قريش.
فقال :فقد ابني محمد.
فقالوا قريش :اركب نركب معك ،فلو خضت بحرا خضناه معك .فركب وركبوا فأخذ على أعل
س وأقبل إلى البيت الحرام ،فطاف أسبوعا ثم
مكة وانحدر على أسفلها ،فلم ير شيئا ،فترك النا َ
أنشأ يقول:
يا ربّ رُدّ راكبي محمدا
رُدّه لي واتخذ عندي َيدَا
فسمعوا مناديا ينادي في الهواء يقول :معاشر الناس ل تضجوا ،إن لمحمد رَبّا ل يضيعه .قال عبد
المطلب :أيها الهاتف ومن لنا به وأين هو؟ قال :هو بوادي تهامة ،عند شجرة اليمن.
فمضى عبد المطلب ،فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت شجرة يجذب الغصان ويعبث
بالورق ،فحمله إلى مكة وجهز حليمة أحسن الجهاز.
وفي رواية أخرى أن حليمة لما قدمت به ضاع في الناس ،فأخبرت عبد المطلب فأتى الكعبة فقال:
ل همّ رد راكبي محمدا
رده رب واتخذ عندي يَدا
أنت الذي جعلته لي عضُدا
وفي رواية أن عبد المطلب بعث به في حاجة فقال هذا.
عن أبي حازم قال :قدم كاهن مكة ،ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم ابن خمس سنين ،وقد قدمت
به ظئره إلى عبد المطلب فقال :يا معشر قريش اقتلوا هذا الفتى فإنه يفرّقكم ويقتلكم .فهرب به
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عبد المطلب.
ولم تزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم.
1لما نظر إلى أطُم بني عدي بن النجار بالمدينة عرفه فقال :كنت ألعب أنيسة جارية من
النصار على هذه الطام ،وكنت مع غلمان من أخوالي نطير طائرا كان عليه يقع.
ونظر إلى الدار فقال :ها هنا نزلت بي أمي ،وفي هذه الدار قبر أبي عبدال بن المطلب ،وأحسنتُ
العوْم في بئر بني عدي بن النجار.
1وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إليه .قالت أم أيمن :فسمعت أحدهم يقول :هو نبي هذه
المة وهذه دار هجرته .فوعيت ذلك.
ثم رجعت به أمه إلى مكة ،فلما كانوا بالبواء توفيت أمه آمنة بنت وهب ،فقبرها هناك.
فرجعت به أم أيمن إلى مكة وكانت تحضنه.
حمّدٍ
1فلما مَرّ رسول ال صلى ال عليه وسلم في عُمرة الحديبية بالبواء قال« :إن اللّهَ قَدْ ُأذِنَ لمُ َ
فِي زيَا َرةِ قَبْرِ ُأمّه» .فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم فأصلحه وبكى عنده ،وبكى المسلمون
حمْتُها فَ َبكَ ْيتُ» .
حمَةٌ رَ ِ
لبكائه ،فقيل له ،فقال« :أدْ َركَتْنِي رَ ْ
عن أبي مرثد قال :لما فتح رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة أتى جذم قبر فجلس إليه وجلس
الناس حوله ،فوقف كهيئة المخاطب ،ثم قام وهو يبكي فاستقبله عمر وكان من أجْرأ الناس عليه،
فقال :بأبي أنت وأمي يا رسول ال ما الذي أبكاك؟ قال« :هذا قَبْرُ ُأمّي ،سأَ ْلتُ رَبّي الزّيَا َرةَ فأَذِنَ
لِي ،وسََألْتُه السْ ِت ْغفَارَ فَلَمْ يَ ْأذَنْ لِيَ ،ف َذكَرْ ُتهَا َف َوقَ ْفتُ فَ َبكَ ْيتُ» .
فلم يُرَ يوم كان أكثر باكيا من يومئذ.
قال ابن سعد :هذا غلط ،ليس قبرها بمكة إنما قبرها بالبواء.
عن أبي هريرة قال :زار رسول ال صلى ال عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله .فقال
جلّ في أنْ أسْ َت ْغفِرَ َلهَا فلَمْ ُيؤْذَنْ لِي،
رسول ال صلى ال عليه وسلم« :استَأذَ ْنتُ رَبّي عزّ و َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
واستَأذَنْتُه في أَنْ أ ُزوْرَ قَبْرَهَا فَأذِنَ لِي ،فَ ُزوْرُوا القُبُورَ فَإنّها تُ ّذكِ ّر ُكمُ ال َم ْوتَ» .
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أبي بُريدة عن أبيه قال :أتيت مع النبي صلى ال عليه وسلم ،فوقف على عسفان فنظر يمينا
وشمالً ،وأبصر قبر أمه ،فورد الماء ،فتوضأ ثم صلى ركعتين ،فلم يفجأنا إل ببكائه.
عن نافع بن جبير قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكون مع أمه آمنة بنت وهب ،فلما
توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورقّ عليه رقة لم يرقها على ولده ،وكان يقربه ويُدْنيه
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ويدخل عليه إذا خل وإذا نام ،وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك :دعوا
ابني إنه ليؤتين ملْكا.
1وقال قوم من بني مُدْلج لعبد المطلب :احتفظ به ،فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه.
فقال عبد المطلب لبي طالب :اسمع ما يقول هؤلء .فكان أبو طالب يحتفظ به.
1وقال عبد المطلب لم أيمن ،وكانت تحضن رسول ال صلى ال عليه وسلم :يا بركة ل تغفلي
عن ابني ،فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه المة.
1وكان عبد المطلب ل يأكل طعاما إل قال :عليّ بإبني .فيؤتى به إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول ال صلى ال عليه وسلم وحياطته.
عن ابن عباس قال :سمعت أبي يقول :كان لعبد المطلب مَفرش في الحجْر ل يجلس عليه غيره،
وكان حربُ بن أمية فمَنْ دونه يجلسون حوله دون ال َمفْرش ،فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم
يوما وهو غلم لم يبلغ ،فجلس على المفرش فجذبه رجل ،فبكى رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال عبد المطلب ،وذلك ما بعد ُكفّ بصره :ما لبني يبكي؟ قالوا له :أراد أن يجلس على المفرش
فمنعوه .فقال عبد المطلب :دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحسّ من نفسه شرَفا ،وأرجو أن يبلغ من
الشرف ما لم يبلغه عربيّ قبله ول بعدَه.
فبَيْنا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صَحِل يقول :يا معشر قريش إن هذا النبي
المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه ،وهذا إبّان نجومه فحيهلً بالحَيَا والخصب ،أل فانظروا رجلً منكم
وسيطا عظاما جسَاما ،أبيض َبضّا أوطفَ الهداب ،سهل الخدين ،أشمّ العرنَين له فخر يكظم
عليه ،وسُنة تُهدى إليه ،فليَخْلص هو وولده ،وليهبط إليه من كل بطن رجل ،فليستَنّوا من الماء
وليمسّوا من الطيّب ،ثم يستلموا الركن ثم ليرتقوا أبا قُبَيس ،فل َيسْتسق الرجل وليؤمّن من القوم،
فغِثْتم ما شئتم.
صصَت رؤياي ،فوالحرمة والحَرَم ما
فأصبحتُ عَلم ال مذعورة قد اقشعر جلدْي وولَه عقلي ،واقت َ
بقي (بها) أبْطحي إل قال :هذا شَيْبة الحمد.
فتتامّت إليه رجالت قريش ،وهبط إليه من كل بطن رجل ،فسنوا ومسّوا واستلموا ،ثم ارتقوا أبا
قُبَيس ،وطبقوا جانبيه ما يَبلغ سعيهم ُمهْلةً ،حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه
رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو غلم قد أيفع أو كَرب ،فقال :اللهم سادّ الخَلّة وكاشف الكُرْبة
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أنت معلّمٌ غير مُعلّمٍ ،ومسؤول غير مُبخَل ،وهؤلء عبادك وإماؤك بعُدرات حرمك يشكون إليك
خفّ والظلف ،اللهم فأمطرنا غيثا مُغدقا ممرعا.
سنتهم ،أذهبت ال ُ
فوالكعبة ما راحوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه ،فلسمعت شيخان قريش
وجلتها :عبدَال بن جُدْعان ،وحرب بن أمية ،وهشام بن المغيرة ،يقولون لعبد المطلب :هنيئا لك
أبا البطحاء .أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشَيبة الحمد أسقى ال بلدتنا
لما فقدْنا الحيا واجلوّذَ المطرُ
جوْنيّ له سَبل
فجاد بالماء َ
سحّا فعاشت به النعام والشجرُ
مُبَا َركُ المرُ ُيسْتسقى الغمام به
ع ْدلٌ ول خطر
ما في النام له ِ
منّا من ال بالميمون طائره
وخَيْر مَنْ بشرَت يوما به مُضرُ
في ذكر خروج عبد المطلب لتهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلكوتبشير سيفٍ عبدَ المطلب بأنه سيظهر
رسول ال صلى ال عليه وسلم من نسْله
عن ابن الكلبي قال :لمّا ملك سيفُ بن ذي يَزَن أرضَ اليمن وقتل الحَبَش وأبادهم وفدت إليه
أشرافُ العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق ال من الظّفر.
ووفِد وفدُ قريش ،وكانوا خمسة من عظمائهم :عبد المطلب بن هاشم ،وأمية بن عبد شمس،
وعبدال بن جُدعان ،وخُويلد بن أسيد ،ووهب بن عبد مناف بن زهرة.
غمْدان ،وكان أحد
فساروا حتى وا َفوْا مدينة صنعاء ،وسيف بن ذي يزن نازل بقصر يقال له ُ
القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان ،فأناخ عبد المطلب وأصحابه واستأذنوا على
سيف فأذن لهم.
فدخلوا وهو جالس على سرير من ذهب ،وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب ،وهو
متضمخ بالعنبر وبصيصُ المسك يلوح من َمفْرقه ،فحيّوه بتحية الملك ،ووضعت لهم كراسي
الذهب فجلسوا عليها إل عبد المطلب فإنه قام ماثلً بين يديه واستأذنه في الكلم.
فقيل له :إن كنت ممن تتكلم بين يدي الملوك فتكلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال :أيها الملك إن ال قد أحلك مَحِلً رفيعا شامخا منيعا ،وأنْبَتك مَنْبتا طابت أرومته وعزّت
جرثومته ،وثبت أصله وبَسق فَرْعه ،في أطيب مغرس وأعذب منبت ،فأنت أيها الملك ربيعُ
العرب الذي إليه مَلذها ،وورْدها الذي إليه مَعادها ،سلفُك خير سلف ،وأنت لنا منهم خير خلف،
ولن يهلك ال من أنت خلفه ،ولن يَخْمل من أنت سلفه.
نحن أيها الملك أهل حَرَم ال وسدنة بيت ال ،أوفدنا إليك الذي أ ْبهَجنا مِن كَشْف الضر الذي
فَدَحنا ،فنحن وفد التّهنئة ل وفد الترزئة.
فقال سيف :أنتم قريش الباطح؟
قالوا :نعم.
ل ومُناخا سهلً ،وملكا سَمحلً يعطي عطاءً جزلً ،قد سمع الملك
قال :مرحبا وأهلً وناقة ورح ً
مقالتكم وعرف فضلكم ،فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد ،فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء
الواسع إذا انصرفتم.
فأتاه فوجده مستخليا ل أحدَ عنده ،فقرّبه حتى أجلسه معه على سريره ،ثم قال :يا عبد المطلب إني
أريد أن ألقي إليك من علمي سرا لو غيرك يكون لم أبحْ به إليه ،غير أني رأيتك معدنه ،فليكن
عندك مصونا حتى يأذن ال فيه بأمره ،فإن ال منجز وعده وبالغُ أمره.
قال عبد المطلب :أرشدَك ال أيها الملك.
قال سيف :إني أجد في الكتب الصادقة والعلوم السابقة التي اختزنّاها لنفسنا ،وسترْناها عن غيرنا
خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفخر الممات ،للعرب عامة ،ولرهطك كافة ،ولك
خاصة.
فقال عبد المطلب :أيها الملك لقد أبتُ بخير ما آب به وافد ،ولول هيبة الملك وإعظامه لسألته أن
يزيدني من سروره إياي سرورا.
فقال سيف :نبي يبعث من عقبك ،ورسولٌ من قرنك ،اسمه أحمد ومحمد وهذا زمانه الذي يولد فيه
أو لعله قد ولد ،يموت أبوه وأمه ،ويكفله جده وعمه (قد ولدناه مرارا) وال باعثه جهارا ،وجاعل
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
له منا أنصارا ،يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ،تخمد عند مولده النيران ،ويعبد الواحد المنان
ويزجر الكفر والطغيان ،ويكسر اللت والوثان ،قوله فصل وحكمه عَدْل ،يأمر بالمعروف
ويفعله ،وينهى عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب :عل كعبك ودام فضلك وطال عمرك ،فهل الملك سارّي بإفصاح وتفسير
وإيضاح؟
حجُب ،واليات والكتب ،إنك يا عبد المطلب لجدّه غير كذب.
قال سيف :والبيت ذي ال ُ
فخرّ عبد المطلب ساجدا.
قال سيف :ارفع رأسك ،ثلج صدرُك وطال عمرك ،وعل أمرك ،فهل أحسست بشيء مما ذكرت
لك؟
قال عبد المطلب :نعم أيها الملك ،كان لي ابن كنت به معجبا ،فزوّجته كريمة من كرائم قومي
يقال لها آمنة بنت وهب ،فجاءت بغلم سميته محمدا وأحمد ،مات أبوه وأمه ،وكفلته أنا وعمه.
قال :هو هو ل أبوك ،فاحذر عليه أعداءه ،وإن ال لم يجعل لهم عليه سبيلً ،ولول علمي بأن
الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرْت إليه بخيلي ورجلي حتى أجعل مدينة يثرب دار ملكي ،فإني
أجد في كتب آبائي أن بيثرب استتباب أمره ،وهم أهل دعوته ونصرته ،وفيها موضع قبره ،ولول
ما أجد من بلوغه الغايات وأن أقيه الفات وأن أدفع عنه العاهات ،لظهرت اسمه وأوطأت
العرب عقِبه ،وإن أعش فسأصرف ذلك إليه .قم فانصرف بمن معك من أصحابك .ثم أمر لكل
رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعبد من الحبش وعشرة أرطال من الذهب وحلتين من البرود.
وأمر لعبد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم ،وقال له :يا عبد المطلب إذا شبّ محمد وترعرع فاقدم
عليّ بخبره .ثم ودعوه وانصرفوا إلى مكة.
ل وفضل
فكان عبد المطلب يقول :ل تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم وإن كان ذلك جزي ً
إحسانه إليّ وإن كان كثيرا ،اغبطوني بأمر ألقاه إليّ من شرفٍ لي ولعقبي من بعدي .فكانوا
يقولون له :ما هو؟
فيقول :ستعرفونه بعد حين.
فمكث سيف باليمن ملكا عدة أحوال ،وإنه ركب يوما كنحو ما كان يركب للصيد وقد كان قد اتخذ
من السودان نفرا يجهزون بين يديه بحرابهم ،فعطفوا عليه يوما فقتلوه وبلغ كسرى أنوشروان فرد
إليهم هُرْمز وأمره أن ل يدع أسودَ إل قتله.
عن ابن عباس قال :لما ظهر ابن ذي يزن على الحبشة بعد مولد النبي صلى ال عليه وسلم أتت
وفود العرب وشعراؤها تهنيه وتمدحه ،فأتاه فيمن أتاه وفد من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وأمية بن عبد شمس ،وعبدال بن جدْعان ،وخويلد بن أسد في ناس من وفود قريش ،فقدموا عليه
صنعاء ،فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية بن أبي الصلت:
قال عبد المطلب :أيها الملك مثلك سَرّ وبرّ فما هو؟ فدا لك أهل الوبر زُمرا بعد زُمر.
قال :إذا ولد مولود بتهامة ،غلم بين كتفيه شامة ،كانت له الِمامة ولكم به الزعامة ،إلى يوم
القيامة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال عبد المطلب :أبيتَ اللعن ،لقد أبتُ بخير ما آب به وافد ،ولول هيبة الملك وإجلله وإعظامه
لسألت من سارّه إياي ما أزداد به سرورا.
قال ابن ذي يزن :هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد ،واسمه محمد ،يموت أبوه وأمه ،ويكفله جده
وعمه ،قد ولدناه مرارا وال باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم
أعداءه ،يضرب بهم الناس عن عَرْض ويمسح بهم كرائ َم الرض ،يكسر الوثان ،ويخمد النيران
ويعبد الرحمن ،ويَدْحر الشيطان ،قوله َفصْل وحكمه عدل ،يأمر بالمعروف ويفعله ،وينهي عن
المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب :عز جدك وعل كعبك ودام مُلكك وطال عُمرك فهل الملك سارّي بإفصاح فقد
أوضح لي بعض الِيضاح؟
قال ابن ذي يزن :والبيت ذي الحجب والعلمات على النصب إنك يا عبد المطلب لجدّه غير
كذب.
فخرّ عبد المطلب ساجدا ،فقال له :ارفع رأسك ثلُج صدرُك وعل أمرك ،فهل أحسست شيئا مما
ذكرت لك؟
قال :أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجَبا وعليه رفيقا ،زوجته كريمةً من كرائم قومي آمنة
بنت وهب ،فولدت غلما فسميته محمدا ،مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.
وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول :يا معشر قريش ل يغْبطني أحد بجزيل عطاء الملك وإن كثر
فإنه إلى نفاد ،ولكن ليغبطني مما يَبْقى لي ولعقبي من بعدي ذكره ومجده وشرفه فإذا قيل :ومتى
ذلك؟ قال :سيعلم ولو بعد حين.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:
حقُبُهُ المطايا
جلَبْنَا النصحَ تَ ْ
على أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ
مُغلغلةً مَرَابعُها ثقال
إلى صنعاءَ مِنْ فَجَ عميقِ
نَؤمّ بنا ابن ذي يزن و َتقْرى
ذواتَ بطونها أمّ الطريق
فلما واف َقتْ صنعاء حلت
بدارِ المُلك والحسبِ العريق
عن نافع بن جبير قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكون مع أمه آمنة بنت وهب ،فلما
توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب وضمه ورقّ عليه رقة لم يرقها على ولده ،وكان يقربه ويُدْنيه
ويدخل عليه إذا خل وإذا نام ،وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأى ذلك :دعوا
ابني إنه ليؤتين ملْكا.
1وقال قوم من بني مُدْلج لعبد المطلب :احتفظ به ،فإنا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه.
فقال عبد المطلب لبي طالب :اسمع ما يقول هؤلء .فكان أبو طالب يحتفظ به.
1وقال عبد المطلب لم أيمن ،وكانت تحضن رسول ال صلى ال عليه وسلم :يا بركة ل تغفلي
عن ابني ،فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه المة.
1وكان عبد المطلب ل يأكل طعاما إل قال :عليّ بإبني .فيؤتى به إليه.
فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول ال صلى ال عليه وسلم وحياطته.
عن ابن عباس قال :سمعت أبي يقول :كان لعبد المطلب مَفرش في الحجْر ل يجلس عليه غيره،
وكان حربُ بن أمية فمَنْ دونه يجلسون حوله دون ال َمفْرش ،فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم
يوما وهو غلم لم يبلغ ،فجلس على المفرش فجذبه رجل ،فبكى رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقال عبد المطلب ،وذلك ما بعد ُكفّ بصره :ما لبني يبكي؟ قالوا له :أراد أن يجلس على المفرش
فمنعوه .فقال عبد المطلب :دعوا ابني يجلس عليه فإنه يحسّ من نفسه شرَفا ،وأرجو أن يبلغ من
الشرف ما لم يبلغه عربيّ قبله ول بعدَه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثالث والثلثون
في ذكر خروج عبد المطلب برسول ال صلى ال عليه وسلم يستسقون عند منام رقيقة
عن رقيقة ،وهي لِدة عبد المطلب قالت :تتابعت على قريش سنون أمحَلت الضّرْع وأدقّت العظم.
فبَيْنا أنا نائمة أو مهومة إذا هاتف يصرخ بصوت صَحِل يقول :يا معشر قريش إن هذا النبي
المبعوث فيكم قد أظلتكم أيامه ،وهذا إبّان نجومه فحيهلً بالحَيَا والخصب ،أل فانظروا رجلً منكم
وسيطا عظاما جسَاما ،أبيض َبضّا أوطفَ الهداب ،سهل الخدين ،أشمّ العرنَين له فخر يكظم
عليه ،وسُنة تُهدى إليه ،فليَخْلص هو وولده ،وليهبط إليه من كل بطن رجل ،فليستَنّوا من الماء
وليمسّوا من الطيّب ،ثم يستلموا الركن ثم ليرتقوا أبا قُبَيس ،فل َيسْتسق الرجل وليؤمّن من القوم،
فغِثْتم ما شئتم.
صصَت رؤياي ،فوالحرمة والحَرَم ما
فأصبحتُ عَلم ال مذعورة قد اقشعر جلدْي وولَه عقلي ،واقت َ
بقي (بها) أبْطحي إل قال :هذا شَيْبة الحمد.
فتتامّت إليه رجالت قريش ،وهبط إليه من كل بطن رجل ،فسنوا ومسّوا واستلموا ،ثم ارتقوا أبا
قُبَيس ،وطبقوا جانبيه ما يَبلغ سعيهم ُمهْلةً ،حتى إذا استووا بذروة الجبل قام عبد المطلب ومعه
رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو غلم قد أيفع أو كَرب ،فقال :اللهم سادّ الخَلّة وكاشف الكُرْبة
أنت معلّمٌ غير مُعلّمٍ ،ومسؤول غير مُبخَل ،وهؤلء عبادك وإماؤك بعُدرات حرمك يشكون إليك
خفّ والظلف ،اللهم فأمطرنا غيثا مُغدقا ممرعا.
سنتهم ،أذهبت ال ُ
فوالكعبة ما راحوا حتى تفجرت السماء بمائها واكتظ الوادي بثجيجه ،فلسمعت شيخان قريش
وجلتها :عبدَال بن جُدْعان ،وحرب بن أمية ،وهشام بن المغيرة ،يقولون لعبد المطلب :هنيئا لك
أبا البطحاء .أي عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشَيبة الحمد أسقى ال بلدتنا
لما فقدْنا الحيا واجلوّذَ المطرُ
جوْنيّ له سَبل
فجاد بالماء َ
سحّا فعاشت به النعام والشجرُ
مُبَا َركُ المرُ ُيسْتسقى الغمام به
ع ْدلٌ ول خطر
ما في النام له ِ
منّا من ال بالميمون طائره
وخَيْر مَنْ بشرَت يوما به مُضرُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر خروج عبد المطلب لتهنئة سَيْف بن ذي يَزَن بالمُلكوتبشير سيفٍ عبدَ المطلب بأنه سيظهر
رسول ال صلى ال عليه وسلم من نسْله
عن ابن الكلبي قال :لمّا ملك سيفُ بن ذي يَزَن أرضَ اليمن وقتل الحَبَش وأبادهم وفدت إليه
أشرافُ العرب ورؤساؤهم ليهنئوه بما ساق ال من الظّفر.
ووفِد وفدُ قريش ،وكانوا خمسة من عظمائهم :عبد المطلب بن هاشم ،وأمية بن عبد شمس،
وعبدال بن جُدعان ،وخُويلد بن أسيد ،ووهب بن عبد مناف بن زهرة.
غمْدان ،وكان أحد
فساروا حتى وا َفوْا مدينة صنعاء ،وسيف بن ذي يزن نازل بقصر يقال له ُ
القصور التي بنتها الشياطين لبلقيس بأمر سليمان ،فأناخ عبد المطلب وأصحابه واستأذنوا على
سيف فأذن لهم.
فدخلوا وهو جالس على سرير من ذهب ،وحوله أشراف اليمن على كراسي من الذهب ،وهو
متضمخ بالعنبر وبصيصُ المسك يلوح من َمفْرقه ،فحيّوه بتحية الملك ،ووضعت لهم كراسي
الذهب فجلسوا عليها إل عبد المطلب فإنه قام ماثلً بين يديه واستأذنه في الكلم.
فقيل له :إن كنت ممن تتكلم بين يدي الملوك فتكلم.
فقال :أيها الملك إن ال قد أحلك مَحِلً رفيعا شامخا منيعا ،وأنْبَتك مَنْبتا طابت أرومته وعزّت
جرثومته ،وثبت أصله وبَسق فَرْعه ،في أطيب مغرس وأعذب منبت ،فأنت أيها الملك ربيعُ
العرب الذي إليه مَلذها ،وورْدها الذي إليه مَعادها ،سلفُك خير سلف ،وأنت لنا منهم خير خلف،
ولن يهلك ال من أنت خلفه ،ولن يَخْمل من أنت سلفه.
نحن أيها الملك أهل حَرَم ال وسدنة بيت ال ،أوفدنا إليك الذي أ ْبهَجنا مِن كَشْف الضر الذي
فَدَحنا ،فنحن وفد التّهنئة ل وفد الترزئة.
فقال سيف :أنتم قريش الباطح؟
قالوا :نعم.
ل ومُناخا سهلً ،وملكا سَمحلً يعطي عطاءً جزلً ،قد سمع الملك
قال :مرحبا وأهلً وناقة ورح ً
مقالتكم وعرف فضلكم ،فأنتم أهل الشرف والحمد والثناء والمجد ،فلكم الكرامة ما أقمتم والحباء
الواسع إذا انصرفتم.
فأتاه فوجده مستخليا ل أحدَ عنده ،فقرّبه حتى أجلسه معه على سريره ،ثم قال :يا عبد المطلب إني
أريد أن ألقي إليك من علمي سرا لو غيرك يكون لم أبحْ به إليه ،غير أني رأيتك معدنه ،فليكن
عندك مصونا حتى يأذن ال فيه بأمره ،فإن ال منجز وعده وبالغُ أمره.
قال عبد المطلب :أرشدَك ال أيها الملك.
قال سيف :إني أجد في الكتب الصادقة والعلوم السابقة التي اختزنّاها لنفسنا ،وسترْناها عن غيرنا
خبرا عظيما وخطرا جسيما فيه شرف الحياة وفخر الممات ،للعرب عامة ،ولرهطك كافة ،ولك
خاصة.
فقال عبد المطلب :أيها الملك لقد أبتُ بخير ما آب به وافد ،ولول هيبة الملك وإعظامه لسألته أن
يزيدني من سروره إياي سرورا.
فقال سيف :نبي يبعث من عقبك ،ورسولٌ من قرنك ،اسمه أحمد ومحمد وهذا زمانه الذي يولد فيه
أو لعله قد ولد ،يموت أبوه وأمه ،ويكفله جده وعمه (قد ولدناه مرارا) وال باعثه جهارا ،وجاعل
له منا أنصارا ،يعز بهم أولياءه ويذل بهم أعداءه ،تخمد عند مولده النيران ،ويعبد الواحد المنان
ويزجر الكفر والطغيان ،ويكسر اللت والوثان ،قوله فصل وحكمه عَدْل ،يأمر بالمعروف
ويفعله ،وينهى عن المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب :عل كعبك ودام فضلك وطال عمرك ،فهل الملك سارّي بإفصاح وتفسير
وإيضاح؟
حجُب ،واليات والكتب ،إنك يا عبد المطلب لجدّه غير كذب.
قال سيف :والبيت ذي ال ُ
فخرّ عبد المطلب ساجدا.
قال سيف :ارفع رأسك ،ثلج صدرُك وطال عمرك ،وعل أمرك ،فهل أحسست بشيء مما ذكرت
لك؟
قال عبد المطلب :نعم أيها الملك ،كان لي ابن كنت به معجبا ،فزوّجته كريمة من كرائم قومي
يقال لها آمنة بنت وهب ،فجاءت بغلم سميته محمدا وأحمد ،مات أبوه وأمه ،وكفلته أنا وعمه.
قال :هو هو ل أبوك ،فاحذر عليه أعداءه ،وإن ال لم يجعل لهم عليه سبيلً ،ولول علمي بأن
الموت مجتاحي قبل ظهوره لسرْت إليه بخيلي ورجلي حتى أجعل مدينة يثرب دار ملكي ،فإني
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أجد في كتب آبائي أن بيثرب استتباب أمره ،وهم أهل دعوته ونصرته ،وفيها موضع قبره ،ولول
ما أجد من بلوغه الغايات وأن أقيه الفات وأن أدفع عنه العاهات ،لظهرت اسمه وأوطأت
العرب عقِبه ،وإن أعش فسأصرف ذلك إليه .قم فانصرف بمن معك من أصحابك .ثم أمر لكل
رجل منهم بمائتي بعير وعشرة أعبد من الحبش وعشرة أرطال من الذهب وحلتين من البرود.
وأمر لعبد المطلب بمثل جميع ما أمر لهم ،وقال له :يا عبد المطلب إذا شبّ محمد وترعرع فاقدم
عليّ بخبره .ثم ودعوه وانصرفوا إلى مكة.
ل وفضل
فكان عبد المطلب يقول :ل تغبطوني بكرامة الملك إياي دونكم وإن كان ذلك جزي ً
إحسانه إليّ وإن كان كثيرا ،اغبطوني بأمر ألقاه إليّ من شرفٍ لي ولعقبي من بعدي .فكانوا
يقولون له :ما هو؟
فيقول :ستعرفونه بعد حين.
فمكث سيف باليمن ملكا عدة أحوال ،وإنه ركب يوما كنحو ما كان يركب للصيد وقد كان قد اتخذ
من السودان نفرا يجهزون بين يديه بحرابهم ،فعطفوا عليه يوما فقتلوه وبلغ كسرى أنوشروان فرد
إليهم هُرْمز وأمره أن ل يدع أسودَ إل قتله.
عن ابن عباس قال :لما ظهر ابن ذي يزن على الحبشة بعد مولد النبي صلى ال عليه وسلم أتت
وفود العرب وشعراؤها تهنيه وتمدحه ،فأتاه فيمن أتاه وفد من قريش فيهم عبد المطلب بن هاشم،
وأمية بن عبد شمس ،وعبدال بن جدْعان ،وخويلد بن أسد في ناس من وفود قريش ،فقدموا عليه
صنعاء ،فإذا هو في رأس غمدان الذي ذكره أمية بن أبي الصلت:
قال عبد المطلب :أيها الملك مثلك سَرّ وبرّ فما هو؟ فدا لك أهل الوبر زُمرا بعد زُمر.
قال :إذا ولد مولود بتهامة ،غلم بين كتفيه شامة ،كانت له الِمامة ولكم به الزعامة ،إلى يوم
القيامة.
فقال عبد المطلب :أبيتَ اللعن ،لقد أبتُ بخير ما آب به وافد ،ولول هيبة الملك وإجلله وإعظامه
لسألت من سارّه إياي ما أزداد به سرورا.
قال ابن ذي يزن :هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد ،واسمه محمد ،يموت أبوه وأمه ،ويكفله جده
وعمه ،قد ولدناه مرارا وال باعثه جهارا وجاعل له منا أنصارا يعز بهم أولياءه ويذل بهم
أعداءه ،يضرب بهم الناس عن عَرْض ويمسح بهم كرائ َم الرض ،يكسر الوثان ،ويخمد النيران
ويعبد الرحمن ،ويَدْحر الشيطان ،قوله َفصْل وحكمه عدل ،يأمر بالمعروف ويفعله ،وينهي عن
المنكر ويبطله.
قال عبد المطلب :عز جدك وعل كعبك ودام مُلكك وطال عُمرك فهل الملك سارّي بإفصاح فقد
أوضح لي بعض الِيضاح؟
قال ابن ذي يزن :والبيت ذي الحجب والعلمات على النصب إنك يا عبد المطلب لجدّه غير
كذب.
فخرّ عبد المطلب ساجدا ،فقال له :ارفع رأسك ثلُج صدرُك وعل أمرك ،فهل أحسست شيئا مما
ذكرت لك؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :أيها الملك كان لي ابن وكنت به معجَبا وعليه رفيقا ،زوجته كريمةً من كرائم قومي آمنة
بنت وهب ،فولدت غلما فسميته محمدا ،مات أبوه وأمه وكفلته أنا وعمه.
وكان عبد المطلب كثيرا ما يقول :يا معشر قريش ل يغْبطني أحد بجزيل عطاء الملك وإن كثر
فإنه إلى نفاد ،ولكن ليغبطني مما يَبْقى لي ولعقبي من بعدي ذكره ومجده وشرفه فإذا قيل :ومتى
ذلك؟ قال :سيعلم ولو بعد حين.
وفي ذلك يقول أمية بن عبد شمس:
حقُبُهُ المطايا
جلَبْنَا النصحَ تَ ْ
على أكوارِ أجمالٍ ونُوقِ
مُغلغلةً مَرَابعُها ثقال
إلى صنعاءَ مِنْ فَجَ عميقِ
نَؤمّ بنا ابن ذي يزن و َتقْرى
ذواتَ بطونها أمّ الطريق
فلما واف َقتْ صنعاء حلت
بدارِ المُلك والحسبِ العريق
قال عطاء :سمعت ابن عباس يقول :سمعت أبي يقول :كان عبد المطلب أطول الناس قامة وأحسن
الناس وجها ،ما رآه أحد إل أحبه ،كان له مفرش في الحجر ما يجلس عليه غيره ،ول يجلس عليه
أحد ،وكان النّ ْدوَي من قريش حرب بن أمية فمن دونه يجلسون دون الفرش ،فجاء رسول ال
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صلى ال عليه وسلم يوما وهو غلم لم يبلغ فجلس على الفرش ،فجذبه رجل فبكى رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقال عبد المطلب وذلك بعد ما كفّ بصره :ما لبني يبكي؟
فقالوا :أراد أن يجلس على الفرش فمنعوه.
فقال عبد المطلب :دعوا ابني يجلس عليه ،فإنه يحسّ من نفسه بشرَف ،وأرجو أن يبلغ من
الشرف ما لم يبلغه عربي قبله ول بعده.
قال :ومات عبد المطلب والنبي صلى ال عليه وسلم يومئذ ابن ثمان سنين ،وكان خلف جنازة عبد
المطلب يبكي حتى دفن بالحجون.
قال :ودفن عبد المطلب بالحجون.
وإنما أوصى برسول ال صلى ال عليه وسلم أبا طالب؛ لن أبا طالب وعبدال كانا أخوين لم،
وقد كان الزبير لمهما ،غير أن في سبب تقديم أبي طالب ثلثة أقوال:
أحدها :وصية عبد المطلب إليه.
والثاني :أنهما اقترعا فخرجت القرعة لبي طالب.
والثالث :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم اختاره.
عن ابن عباس قال :لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول ال صلى ال عليه وسلم إليه
فكان يكون معه وكان أبو طالب ل مال له ،إن كان يحبه حبا شديدا ل يحبه ولده ،وكان ل ينام إلّ
إلى جنبه ،ويخرج فيخرج معه وصبّ به أبو طالب صبابة لم يصبّ مثلها بشيء قط ،وقد كان
يخصه بالطعام ،وإذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا ،وإذا أكل معهم رسول ال
صلى ال عليه وسلم شبعوا ،فكان إذا أراد أن يغذيهم قال :كما أنتم حتى يحضر ابني ،فيأتي
رسول ال صلى ال عليه وسلم فيأكل معهم ،فكانوا يفضلون من طعامهم ،وإذا لم يكن معهم لم
يشبعوا فيقول أبو طالب :إنك لمبارك
وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم دهينا كحيلً.
عن عمرو بن سعيد قال :كان أبو طالب يلقي له وسادة يقعد عليها ،فجاء النبي صلى ال عليه
وسلم وهو غلم يقعد عليها فقال أبو طالب :وآلهة ربيعة إن ابن أخي ليحس بنعيم.
عن عمرو بن سعيد أنا أبا طالب قال :كنت بذي المجاز ومعي ابن أخي ،يعني النبي صلى ال
عليه وسلم ،فأدركني العطش فشكوت إليه فقلت يا ابن أخي قد عطشت ،وما قلت له وأنا أرى أن
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عنده شيئا إل الجوع ،قال :فثنى وركه ثم نزل فقال :يا عم أعطشت؟ قال :قلت نعم .فأهوى بعقبه
إلى الرض فإذا بالماء ،فقال :اشرب يا عم فشربت.
فلما نزلوا بدير بحيرى وكانوا كثيرا ما يمرون به ل يكلمهم ،حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلً
قريبا من صومعته قد كانوا ينزلونه قبل ذلك كلما مروا صنع لهم طعاما ودعاهم ،وإنما حمله على
دعائهم أنه رآهم حين طلعوا وغمامة تظلل رسول ال صلى ال عليه وسلم من دون القوم حتى
نزلوا تحت الشجرة ،ثم نظر إلى تلك الغمامة أظلت تلك الشجرة فاخضلت أغصان الشجرة على
رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى استظل تحتها ،فلما رأى بحيرى ذلك نزل عن صومعته
وأمر بذلك الطعام فأتي به ،وأرسل إليهم فقال :إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ،فأنا
أحب أن تحضروه كلكم ول تخلفوا منكم صغيرا ول كبيرا حرا ول عبدا ،فإن هذا شيء تكرموني
به.
فقال له رجل :إن لك لشأنا يا بحيرى ،ما كنت تصنع هذا ،فما شأنك اليوم؟
قال :إني أحب أن أكرمكم ولكم حق.
فاجتمعوا إليه وتخلف رسول ال صلى ال عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه ليس في القوم
أصغر منه ،في رحالهم تحت الشجرة ،فلما نظر بحيرى إلى القوم ولم ير الصفة التي يعرف
ويجدها عنده ،وجعل ينظر فل يرى الغمامة على أحد من القوم ويراها متخلفة على رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقال بحيرى :يا معشر قريش ل يتخلفن منكم أحد عن طعامي.
قالوا :ما تخلف أحد إل غلم وهو أحدث القوم سنا في رحالهم.
فقال :ادعوه ليحضر طعامي فما أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد مع أني أراه من أنفسكم.
فقال القوم :هو وال أوسطنا نسبا ،وهو ابن أخي هذا الرجل ،يعنون أبا طالب ،وهو من ولد عبد
المطلب.
فقال الحرث بن عبد المطلب :وال إن بنا للؤم أن يتخلف ابن عبد المطلب من بيننا .ثم قام إليه
واحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام والغمامة تسير على رأسه.
وجعل بحيرى يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده في صفته.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فلما تفرقوا عن الطعام قام إليه الراهب وقال :يا غلم أسألك بحق اللت والعزى إل أخبرتني عما
ضتُ شَيْئا
أسألك .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَ تَسْأَلْنِي بِاللتِ والعُزّىَ ،فوَال مَا أ ْب َغ ْ
ضهُمَا» .
ُب ْغ َ
قالوا :أخبرنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر ،فلم يبق طريق إل بعث إليه ناس وإنا أُخبرنا
خبره فبُعثنا إلى طريقك هذه.
فقال :هل خلفكم أحدٌ هو خير منكم؟
قالوا :ل.
قال :أفرأيتم أمرا أراد ال أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟
قالوا :ل( .فبايَعوه وأقاموا معه) ثم قال :أنشدكم ال أيكم وليه؟
قال أبو طالب :أنا .فلم يزل يناشده حتى رده فزوده الراهب من الكعك.
أما المرة الولى :فسببها أن بدر بن معشر الغفاري كان يفتخر على الناس فبسط يوما رجله وقال:
أنا أعز العرب ،فمن زعم أنه أعز مني فليضربها بالسيف.
فوثب رجل من بني نصر بن معاوية يقال له الحمر بن مازن فضربه بالسيف على ركبته
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فأندرها فاقتتلوا.
وأما المرة الثاني :فكان سببها أن امرأة من بني عامر كانت جالسة بسوق عكاظ ،فأطاف بها
شباب من قريش من بني كنانة فسألوها أن تسْفر فأبتْ ،فقام أحدهم فجلس خلفها وحلّ طرف
درعها إلى ما فوق عجزها بشوكة ،فلما قامت انكشف دبرها فضحكوا وقالوا :منعتينا النظر إلى
وجهك وجُدتي لنا بالنظر إلى دبرك
فنادت :يا آل عامر .فتنادوا بالسلح واقتتلوا مع بني كنانة ،ووقعت بينهما دماء فتوسطها حرب
بن أمية وأرضى بني عامر من مُثلة صاحبتهم.
وأما المرة الثالثة :فكان سببها أنه كان لرجل من بني جشم بن عامر دين على رجل من بني كنانة
فلواه به ،فجرت بينهما خصومة واقتتل الحيّان ،وحمل ابن جدعان ذلك من ماله.
وهذه اليام لم يحضرها صلى ال عليه وسلم.
وأما الفجار الثاني فكان بين هوازن وقريش ،وإنما سمي الفجار لن بني كنانة وهوازن استحلوا
الحَرَم ففجروا ،فاقتتل الفريقان.
عمَامِي َيوْ َم الفِجَارِ» .
وحضر رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال« :كُ ْنتُ أُنَ ّبلُ عَلى أ ْ
أي :أناولهم النبل.
وكان لرسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ أربع عشرة سنة ،ويقال :عشرون سنة.
عن أبي عبيدة قال :كان سبب حلف الفضول أن رجلً من اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل
من بني سهم ،فلوى الرجل بحقه ،فسأله ماله فأبى عليه ،فسأله متاعه فأبى عليه ،فقام على
الحجْر ،وقال:
يا آل فهر لمظلوم بضاعته
ببْطن مكة نائي الدار والنّفر
أقائمٌ من بني سهْم بذمتهم
أمْ ذاهبٌ في ضلل مال ُمعْتمر قال :وقال بعض العلماء :إن قيس بن شبة السلمي باع متاعا من
أبيّ بن خلف فلواه وذهب بحقه ،فاستجار برجل من جُمح فلم يقم بجواره ،فقال قيس:
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
يا قصيّ هذا في الحرمْ
وحرمة البيت وأخلق الكرمْ
أظْلم ل يُمنْع مني من ظلمْ†
فقام العباس وأبو سفيان حتى ردوا عليه حقه.
واجتمعت رجال من قيس في دار عبدال بن جدعان ،فتحالفوا على رد الظلم بمكة ،وأن ل يظلم
أحد إل منعوه وأخذوا له بحقه ،وكان حلفهم في دار عبد ال بن جدعان.
حبّ أنّ لِي بِه
جدْعَانٍ ،مَا أُ ِ
حلْفا في دَارِ ابْنِ ُ
شهِ ْدتُ ِ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَقَدْ َ
حمْرُ ال ّن َعمْ .وََلوْ دُعِ ْيتُ بِه فِي الِسْلَم لَجَ ْبتُ» .فقال قوم من قريش :هذا وال فضْل من الحلف،
ُ
فسمي :حلف الفضول.
قال الزبير :وقال آخر :وتحالفوا على مثال حلف تحالف عليه قوم من جُرْهم في هذا المر ،أن ل
يقروا ظلما ببطن مكة إل غيّروه .وأسماؤهم الفضْل بن شراعة ،والفضل بن بضاعة ،والفضل بن
قضاعة.
قال الزبير :وحدثني عبد العزيز بن عمر العنسي قال :أهل حلف الفضول :بنو هاشم ،وبنو
المطّلب ،وبنو أسد بن عبد العُزّى ،وبنو زهرة ،وبنو تيم ،تحالفوا بال أن ل يُظلم أحد إل كنا
جميعا مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممن ظلمه شريفا ووضيعا.
قال الزبير :وحدثني إبراهيم بن حمزة ،عن جدي عبدال بن مصعب عن أبيه ،قال :إنما سمي
حلف الفضول :أنه كان في جرهم رجال يردون المظالم يقال لهم فضيل وفضال ومفضل وفضل،
فلذلك سمي حلف الفضول.
قال :وحدثني محمد بن حسين ،عن نوفل بن عمارة ،عن إسحاق بن الفضل قال :إنما سمّت قريش
هذا الحلف حلف الفضول :أن نفرا من جرهم يقال لهم :الفضل ،وفضال ،والفضل تحالفوا على
مثل ما تحالفت عليه هذه الفصائل.
عن معروف بن خربوذ قال :تداعت بنو هاشم وبنو المطلب وأسد وتيم وتحالفوا على أن ل يدعوا
بمكة كلها ول في الحابيش مظلوما يدعوهم إلى نصرته إل أنجدوه حتى يردوا عليه مظْلمته ،أو
يُبْلوا في ذلك عذرا ،وكره ذلك المطيبون والحلف بأسرهم وسمّوه حلف الفضول عيبا له،
وقالوا :هذا من فضول القوم .فسمي حلف الفضول.
عن حكيم بن حزام أنه قال :كان حلف الفضول مُنْصرف قريش من الفجار ،ورسولُ ال صلى ال
عليه وسلم يومئذ ابن عشرين سنة.
وأخبرني غير الضحاك قال :كان الفجار في شوال ،وهذا الحلف في ذي القعدة ،وكان أشرف
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حلف كان قط ،وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب ،فاجتمعت بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في
دار عبدال بن جدعان فصنع لهم طعاما ،فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه
حقّه ما بل بح ٌر صوفة (وعلى) التآسي في المعاش ،فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
حضَرْتُه فِي
حبّ أنّ لِي بِحِ ْلفٍ َ
عن جبير بن مطعم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَا ُأ ِ
حمْرُ ال ّن َعمِ ،وَلَو دُعِ ْيتُ لَه لَجَ ْبتُ» وهو حلف الفضول.
جدْعَانٍ ُ
دَارِ ابْنِ ُ
قال محمد بن عمرو :ل يعلم أحد سبق من بني هاشم بهذا الحلف.
ف ال ُفضُولَ مَع
ش ِه ْدتُ حِ ْل َ
عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قالَ « :
حمْرَ ال ّنعَمِ وَأنّي َنكَثْتُه» .
حبّ أنّ لِي ُ
عُمومَتِي وَأَنا غُلَمٌَ ،فمَا ُأ ِ
وقد ذكر محمد بن حبيب الهاشمي أن هذا الحلف كان قبل أن يوحى إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم بخمس سنين.
الباب الربعون
في ذكر ما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتعبد به قبل النبوة
كان رسول ال صلى ال عليه وسلم في زمن الصبا يبْغض الصنام ،ول يلتفت إليها ،وكان أهله
يسألونه أن يخرج معهم إلى ناحيتها فل يفعل ول يقرب منها ويعيبها.
عن ابن عباس قال :حدثتني أم أيمن قالت :كانت بوانة صنما تحضره قريش وتعظمه ،وتنسك له
المناسك ،ويحلقون رؤوسهم عنده ،ويعكفون عنده يوما إلى الليل ،وذلك يومٌ في السنة ،وكان أبو
طالب يحضره مع قومه ،وكان يكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه
فيأبى رسول ال صلى ال عليه وسلم ذلك ،حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ورأيت عماته
غضبن عليه أشد الغضب ،وجعلن يقلن :إنا لنخاف عليك مما تصنع من اجتناب آلهتنا وجعلن
يقلن :ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدا ول تكثر لهم جمعا.
فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء ال ،ثم رجع فزعا مرعوبا ،فقلن له عماته :ما دهاك؟
خشَى أنْ َيكُونَ ِبيْ َل َممٌ» .
قال« :إنّي أ ْ
فقلن :ما كان ال ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك ،فما الذي رأيت؟
حمّ ُد ل
جلٌ أبْ َيضٌ طَو ْيلٌ َيصِيحُ بِي :وَرَا َءكَ يا مُ َ
قال« :إنّي كُّلمَا دَ َن ْوتُ مِن صَنَمٍ مِ ْنهَا َتمَ ّثلَ لي َر ُ
َتمَسّه» .
قالت :فما عاد إلى عيدهم حتى نبىء صلى ال عليه وسلم.
عن محمد بن عمرو عن أشياخه قالوا :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لبحيرى« :ل َتسْأَلْنِي
ض ُهمَا» .
ضتُ شَيْئًا ُب ْغ ُ
بِاللتِ والعُزّىَ ،فوَال ما أ ْب َغ ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال أحمد بن حنبل :من قال إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان على دين قومه فهو قول
سوء ،أليس كان ل يأكل ما ذبح على النصب.
قال أبو الوفا علي بن عقيل :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم متدينا قبل بعثه ونزول الوحي
عليه بما يصح عنده أنه من شريعة إبراهيم.
فأما بعد مبعثه فهل كان يتعبد بشريعة من قبله؟
فيه روايتان:
أحدهما :أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه ل من جهتهم ول بعلمهم
ول كتبهم المنزلة .واختاره أبو الحسن التميمي وهو قول أصحاب أبي حنيفة.
والرواية الثانية :أنه لم يكن يتعبد بشيء من الشرائع إل ما أوحي إليه في شريعته ،وهو قول
المعتزلة والشعرية.
ولصحاب الشافعي قولن كالروايتين.
قال :واختلف القائلون بأنه متعبد بشرع من قبله ،بأي شريعة كان متعبدا فقال بعضهم :بشريعة
إبراهيم خاصة .وإليه ذهب أصحاب الشافعي.
وذهب قوم منهم إلى أنه كان متعبدا بشريعة موسى إل ما نسخ في شرعنا.
وظاهر كلم أحمد أنه كان يتعبد بكل ما صح أنه شريعة النبي قبله ما لم يثبْت نسْخه .يدل عليه
قوله تعالى{ :س 6ش ُ90أوْلَا ِئكَ الّذِينَ هَدَى اللّهُ فَ ِبهُدَا ُهمُ اقْتَ ِدهْ قُل لّ أَسْأَُل ُكمْ عَلَيْهِ َأجْرا إِنْ ُهوَ ِإلّ
ِذكْرَى لِ ْلعَاَلمِينَ }(النعام)90 :
.
وقال ابن قتيبة :لم تزَل العربُ على بقايا من دين إسماعيل.
من ذلك :حج البيت ،والختان ،وإيقاع الطلق إذا كان ثلثا ،وأن للزوج الرجعة في الواحدة
والثنين ،ودية النفس مائة من الِبل ،والغسل من الجنابة ،وتحريم ذوات المحارم بالقرابة
والصهر.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما كانوا عليه من الِيمان بال والعمل بشرائعهم في
الختان والغسل والحج.
قال :وقوله تعالى{ :حم? * ع?س?ق? * كَذَِلكَ يُوحِى? ِإلَ ْيكَ وَإِلَى الّذِينَ مِن قَبِْلكَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ
سمَاوَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِن
ض وَ ُهوَ ا ْلعَِلىّ العَظِيمُ * َتكَادُ ال ّ
ت َومَا فِى الّ ْر ِ
سمَاوَا ِ
حكِيمُ * لَهُ مَا فِى ال ّ
الْ َ
ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِلمَن فِى الّ ْرضِ َألَ إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ *
َف ْو ِقهِنّ وَا ْلمَلَا ِئكَةُ ُيسَبّحُونَ بِ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
علَ ْيهِم ِب َوكِيلٍ * َوكَذَِلكَ َأوْحَيْنَآ إِلَ ْيكَ قُرْءَانا
حفِيظٌ عَلَ ْي ِه ْم َومَآ أَنتَ َ
وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ َأوْلِيَآءَ اللّهُ َ
سعِيرِ
جمْ ِع لَ رَ ْيبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِى الْجَنّةِ َوفَرِيقٌ فِى ال ّ
حوَْلهَا وَتُنذِرَ َيوْمَ ا ْل َ
عَرَبِيّا لّتُنذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ
حمَتِ ِه وَالظّاِلمُونَ مَا َلهُمْ مّن وَلِىّ
خلُ مَن يَشَآءُ فِى َر ْ
جعََلهُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وَلَاكِن يُ ْد ِ
* وََلوْ شَآءَ اللّهُ َل َ
شىْءٍ قَدِيرٌ
حىِ ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ
ى وَ ُهوَ يُ ْ
خذُواْ مِن دُونِهِ َأوْلِيَآءَ فَاللّهُ ُهوَ ا ْلوَلِ ّ
وَلَ َنصِيرٍ * َأمِ اتّ َ
ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ * فَاطِرُ
ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَبّى عَلَيْهِ َت َوكّ ْل ُ
شىْءٍ َف ُ
* َومَا اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِن َ
شىْءٌ
ن الّ ْنعَامِ أَزْواجا يَذْ َر ُؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ َكمِثْلِهِ َ
سكُمْ أَ ْزوَاجا َومِ َ
ج َعلَ َلكُم مّنْ أَنفُ ِ
سمَاوَاتِ وَالّ ْرضِ َ
ال ّ
سمِيعُ
وَ ُهوَ ال ّ
فِى حَرْثِ ِه َومَن كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا َلهُ فِى الّخِ َرةِ مِن ّنصِيبٍ * أَمْ َل ُهمْ شُ َركَاءُ
ضىَ بَيْ َن ُه ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ عَذَابٌ
صلِ َل ُق ِ
شَرَعُواْ َلهُمْ مّنَ الدّينِ مَا َلمْ يَأْذَن ِبهِ اللّ ُه وََلوْلَ كَِلمَةُ ا ْل َف ْ
عمِلُواْ
شفِقِينَ ِممّا كَسَبُواْ وَ ُهوَ وَاقِعٌ ِب ِه ْم وَالّذِينَ ءَامَنُواْ وَ َ
أَلِيمٌ * تَرَى الظّاِلمِينَ ُم ْ
شىْءٍ
وَ َيعْفُ عَن كَثِيرٍ * وَ َيعْلَمَ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِى? ءَايَاتِنَا مَا َلهُمْ مّن مّحِيصٍ * َفمَآ أُوتِيتُمْ مّن َ
َفمَتَاعُ الْحياةِ الدّنْيَا َومَا عِندَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى ِللّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ * وَالّذِينَ َيجْتَنِبُونَ
غضِبُواْ ُهمْ َي ْغفِرُونَ * وَالّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَ ّب ِه ْم وََأقَامُواْ الصلةَ
ش وَإِذَا مَا َ
كَبَائِ َر الِثْ ِم وَا ْلفَوَاحِ َ
وََأمْرُهُمْ شُورَى بَيْ َنهُمْ َومِمّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُنفِقُونَ * وَالّذِينَ ِإذَآ َأصَا َبهُمُ الْ َب ْغىُ هُمْ يَن َتصِرُونَ * وَجَزَآءُ
حبّ الظّاِلمِينَ * وََلمَنِ ان َتصَرَ َبعْدَ ظُ ْلمِهِ
عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ إِنّ ُه لَ ُي ِ
سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثُْلهَا َفمَنْ َ
س وَيَ ْبغُونَ فِى الّ ْرضِ ِبغَيْرِ
فَُأوْلَا ِئكَ مَا عَلَ ْي ِهمْ مّن سَبِيلٍ * إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ َيظِْلمُونَ النّا َ
لمُورِ * َومَن ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا
غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْز ِم ا ّ
عذَابٌ أَلِيمٌ * وََلمَن صَبَ َر وَ َ
حقّ ُأوْلَا ِئكَ َلهُمْ َ
الْ َ
لَهُ مِن وَِلىّ مّن َبعْ ِد ِه وَتَرَى الظّاِلمِينَ َلمّا رََأوُاْ ا ْلعَذَابَ َيقُولُونَ َهلْ إِلَى مَرَدّ مّن سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ
ى َوقَالَ الّذِينَ ءَامَنُو?اْ إِنّ الْخَاسِرِينَ
خفِ ّ
شعِينَ مِنَ ال ّذلّ يَنظُرُونَ مِن طَ ْرفٍ َ
ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا خَا ِ
عذَابٍ مّقِيمٍ * َومَا كَانَ َلهُم مّنْ
سهُ ْم وَأَهْلِيهِمْ َي ْومَ ا ْلقِيَامَةِ َألَ إِنّ الظّاِلمِينَ فِى َ
الّذِينَ خَسِرُو?اْ أَنفُ َ
َأوْلِيَآءَ يَنصُرُو َنهُم مّن دُونِ اللّ ِه َومَن ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ * اسْ َتجِيبُواْ لِرَ ّبكُمْ مّن قَ ْبلِ أَن
يَأْ ِتىَ َي ْو ٌم لّ مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ مَا َل ُكمْ مّن مّلْجَأٍ َي ْومَئِذٍ
الشورى)52 :
يعني به :شرائع الِسلم ،ولم يرد به الِيمان الذي هو الِقرار بال ،لن آباءه الذين ماتوا في
الشرك كانوا يؤمنون بال ويحجون له مع شركهم.
ش َك ْوتُ إِلَى خَدِ ْيجَةَ َفقَاَلتْ :لَ َيصْنَعُ اللّهُ ِبكَ ِإلّ خَيْرا» .
سقْفُ عَلَى حَالِه ،فَ َ
ظتُ وال ّ
«فَاسْتَ ْيقَ ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثاني والربعون
في ذكر رَعْيه الغنم
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :ما بعث ال نبيا إل رعى الغنم» .
فقال أصحابه :وأنت؟
ط لِءَ ْهلِ َمكّةَ» .
قالَ « :نعَمْ ،كُ ْنتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِ ْي َ
انفرد بإخراجه البخاري.
قال سُويد بن سعيد :يعني كل شاة بقيراط.
وقال إبراهيم الحرْبي :قراريط :موضع ولم يرد بذلك القراريط من الفضة.
سعَة خلق وانشراح صدر للمداراة ،وكان النبياء
قال ابن عقيل :لما كان الراعي يحتاج إلى ِ
ُمعَدّين لِصلح المم حَسُن هذا في حقهم.
ضعْف ما
وبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له ،فأرسلت إليه في ذلك وقالت :أنا أعطيك ِ
أعطي رجلً من قومك.
فقال أبو طالب :هذا رزقٌ ساقه ال لك.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فخرج مع غلمها ميسرة وجعل عمومته يوصون به أهلَ العير.
حتى قدموا ُبصْرى من أرض الشام ،فنزل في ظل شجرة ،فقال نسطورا الراهب :ما نزل تحت
هذه الشجرة قط إل نبي.
ثم قال لميسرة :أفي عينيه حمرة ل تفارقه؟
قال :نعم.
قال :هذا نبي وهو آخر النبياء.
ثم باع سلعته ،فوقع بينه وبين رجل تلحٍ ،فقال له :احلف باللت والعزى .فقال له رسول ال
لمُرّ ِب ِهمَا فَل أل َتفِتُ إِل ْي ِهمَا» .
صلى ال عليه وسلم« :مَا حََلفْتُ ِب ِهمَا قَطّ ،وَإنّي َ
فقال الرجل :القَولُ قولك .ثم قال لميسرة :هذا وال نبي تجده أحبارنا منعوتا في كتابهم.
وكان ميسرة إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلن رسول ال صلى ال عليه وسلم من
الشمس ،فوعى ذلك كله ميسرة.
وباعوا تجارتهم وربحوا ضعفَ ما كانوا يربحون.
ودخل مكة في ساعة الظهيرة وخديجة في عُلية لها ،فرأت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وهو
على بعيره وملكَان يظلن عليه ،فأرته نساءَها فعجبن لذلك.
ودخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم فخبّرها بما ربحوا في وجوههم .فسرّت بذلك.
فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت ،فقال :قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام .وأخبرها بما
قال الراهب نسطورا وبما قال الخر الذي خالفه في البيع.
فأرسلتني دسيسا إلى محمد صلى ال عليه وسلم بعد أن رجع من الشام ،فقلت :يا محمد ما يمنعك
أن تتزوج؟
قال« :مَا بِيَدِي مَا أَتَ َزوّجُ» .
قلت :فإن كنت ذلك ،ودعيت إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ،أفل تجيب؟
قالَ « :فمَنْ ِهيَ؟» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قلت :خديجة.
قالَ « :وكَ ْيفَ لِي ِبذَلكَ؟» .
قلت :عليّ.
قال« :فَأَنا َأفْعلَ» .
فذهبت فأخبرتها وأرسلت إليه أن إيت ساعة كذا وكذا .وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد
ليزوجها.
فحضر ودخل رسول ال صلى ال عليه وسلم في عمومته فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة
وخديجة يومئذٍ بنت أربعين سنة.
وقد روي أن أباها زوّجها ،وليس بصحيح لن أباها مات قبل الفجار.
وذكر أبو الحسين بن فارس أن أبا طالب خطب يومئذ فقال :الحمد ل الذي جعلنا من ذرية
إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد ،وعنصر مضر ،وجعلنا سدنة بيته وسواس حرمه،
وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا ،وجعلنا الحكام على الناس.
ثم إنّ ابن أخي هذا محمد بن عبدال ل يوزن به رجل إل رجحه ،وإن كان في المال قلّ فإن
المال ظلّ زائل وحال حائل ،ومحمد من قد عرفتم قرابته ،وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها
من الصداق ما آجلُه وعاجله من مالي.
وهو وال بعدَ هذا له نبأ عظيم وخطر جليل.
فتزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وكانت خديجة قد ذُكرت لورقة بن نوفل ،فلم يقضَ بينهما نكاح ،فتزوجها أبو هالة واسمه :هند،
وقيل :مالك بن النباش ،فولدت له هندا وهالة وهما ذكران ،ثم خلف عليها عتيق ابن عائذ
المخزومي فولدت له جارية اسمها هند.
وبعضهم يقدم عتيقا على أبي هالة.
ثم تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فكل أولده منها إل إبراهيم.
أول وضع البيت أن ال تعالى أنزل البيت المعمور فجعله مكان الكعبة وكان ياقوتة حمراء ،ثم
رفع وبنى آدم مكانه البيت ،ثم بناه أولده بالطين والحجارة ،ثم غرق في زمن نوح وبقي مكانه
أكمة ل يعلوها السيول ،إلى أن بناه الخليل ،ثم بنته العمالقة ،ثم بنته جرهم ،ثم بنته قريش.
عن طلحة قال :وجد في البيت حجر منقور في الهدمة الولى ،فدعي رجل فقرأه فإذا فيه :عبدي
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
المتحبب المتمكن المثبت المختار ،مولده بمكة ومهاجره طَيبة ،ل يذهب حتى يقيم الملة العوجاء،
ويشهد أن ل إله إل ال ،أمته الحمادون يحمدون ال تعالى بكل أكمة ،يأتزرون على أوساطهم
ويطهرون أطرافهم.
فلما بلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم من العمر خمسا وثلثين سنة هدمت قريش الكعبة وبنتها،
لنها كانت قد تضعضعت بالسيل.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينقل معهم الحجارة.
فلما بلغ البنيان موضع الركن اختصموا ،فكل قبيلة تريد أن ترفعه ،حتى تواعدوا للقتال ،وقربت
بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ،وأدخلوا أيديهم في الدم وتعاقدوا على الموت .فسموا لعقة الدم.
فمكثوا على ذلك ليالي ثم تشاوروا .فقال أبو أمية بن المغيرة ،وهو رأس قريش :اجعلوا بينكم أول
من يدخل من باب هذا المسجد.
فكان أول من دخل عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فلما رأوه قالوا :هذا المين رضينا به.
فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر قال« :هَُلمّوا َثوْبا» .فأتي به ،فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ،ثم
جمِيعا» .حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده
قال« :لِتَ ْأخُذَ ُكلّ قَبِيْلَةٍ بِنَاحِيَةٍ منَ ال ّثوْبِ ثُمَ ا ْر َفعُوه َ
ثم بنى عليه.
وكانت قريش تسمي رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن يُنزَل عليه :المين.
الباب الول
في ذكر الهواتف بنبوة نبينا صلى ال عليه وسلم
عن ال ّنضْر بن سفيان الهذَلي عن أبيه قال :خرجنا في عير لنا إلى الشام ،فلما كنا بين الزرقاء
و َمعَان ،وقد عرّسنا من الليل ،إذا بفارس يقول (وهو بين السماء والرض) :أيها النيّام هُبوا فليس
هذا بحين رقاد ،قد خرج أحمد ،وطردت الجن كل مطْرد.
ففزعنا ونحن رفقةٌ (حزَاورة) كلهم قد سمع هذا ،فرجعنا إلى أهلنا فإذا هم يذكرون اختلفا بمكة
بين قريش ونبي خرج فيهم من بني عبد المطلب اسمه أحمد.
عن محمد بن كعب القُرَظي قال :بينما عمر بن الخطاب قاعد في المسجد إذ مرّ به رجل في
مؤخر المسجد ،فقال رجل :يا أمير المؤمنين أتعرف المارّ؟
قال :من هو؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
(قال هذا) سواد بن قارب ،وهو رجل من أهل اليمن له شرَف وموْضع ،وهو الذي أتاه رئيه
يخبره بظهور النبي صلى ال عليه وسلم.
فقال عمر :عليّ به.
فدعا به فقال :أنت سواد بن قارب؟
قال :نعم.
(قال :فأنت الذي أتاك رئيك بظهور رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قال :نعم)
قال :فأنت على ما كنت عليه من كهانتك؟
(فغضب غضبا شديدا وقال :يا أمير المؤمنين ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت.
فقال عمر :سبحان ال ،وال ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك) أخبرني
بإتيان رئيك بظهور النبي صلى ال عليه وسلم.
قال :نعم يا أمير المؤمنين.
بينا أنا نائم ذات ليلة إذ أتاني آت فضربني برجله.
وقال :قمْ يا سوادَ بنَ قارب فافهم واعقل إن كنت تعقل ،إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب
يدعو إلى ال وإلى عبادته ،ثم أنشأ يقول:
عجبتُ للجن وتجْساسها
وشدَها العيسَ بأحلسها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ما خيّر الجنّ كأرجاسها
فارحل إلى الصفوة من هاشمٍ
واسمُ بعينيك إلى رأسها قال :فلم أرفع لقوله رأسا ،وقلت :دعني أنام فإني أمسيت ناعسا.
فلما كان في الليلة الثانية أتاني فضربني برجله ،وقال :ألم أقل لك يا سواد بن قارب قم فافهم،
واعقل إن كنت تعقل ،إنه قد بعث نبي من لؤي بن غالب يدعو إلى ال وإلى عبادته ،ثم أنشأ
الجني يقول:
عجبتُ للجن وتَطْلبها
وشدّها العيسَ بأقتابها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ما صادقُ الجن ككذّابها
فارحل إلى الصفوة من هاشمٍ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ليس قُدَاماها كأذنابها قال :فلم أرفع لقوله رأسا ،وقلت :دعني أنام فإني أمسيت ناعسا.
فلما كانت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله ،وقال :ألم أقل لك يا سواد بن قارب ،قم فافهم واعقل
إن كنت تعقل ،إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب يدعو إلى ال وإلى عبادته ثم أنشأ الجني
يقول:
عجبتُ للجن وأخبارها
وشدَها العيسَ بأكوارها
تهوي إلى مكة تبغي الهدَى
ن ككفارها
ما مؤمن الج ّ
فارحل إلى الصفوة من هاشم
بين روابيها وأحجارها
قال :فوقع في قلبي حب الِسلم ورغبت فيه ،فلما أصبحت شددت على راحلتي وانطلقت متوجها
إلى مكة.
فلما كنت ببعض الطريق أخبرت أن النبي صلى ال عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة.
فقدمت المدينة فسألت عن النبي صلى ال عليه وسلم فقيل لي في المسجد ،فانتهيت إلى المسجد
فعقلت ناقتي ،فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم والناس حوله ،فقلت :تسمع مقالتي يا رسول
ال.
فقال لبي بكر :أدنه أدنه .فلم يزل بي حتى صرت بين يديه.
فقلت :اسمع مقالتي يا رسول ال.
فقال :هات .فأخبرني بإتيانك رئيك .فقلت:
أتاني نجيّ بعد َهدْءٍ و َرقْدة
ولم أكُ فيما قد بلوتُ بكا ِذبِ
ثلثَ ليالٍ قولهُ كل ليلة
أتاك رسولٌ من لؤيّ بن غالبِ
فشمّرت عن ذيلي الِزارَ ووسّطت
ب الوَجْناء بَيْن السّبَاسبِ
بيَ الذّعْل ُ
فأشهد أن ال ل رب غَيْره
وأنك مأمونٌ على كل غائبِ
وأنك أدْنى المرسلين وسيلةً
إلى ال يا بن الكرمين الطايبِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فمرْنا بما يأتيك يا خيَرَ مُرْسل
وإن كان فيما جاء شيبُ الذوائب
قال :ففزعت لذلك .ثم عترنا بعد أيام عتيرة أخرى ،فسمعت صوتا من الصنم يقول :أقبل إليّ
أقبل ،تسمع ما ل تجهل ،هذا نبي مرسل ،جاء بحق منزل فآمن به كي تعدل ،عن حر نار تشْعل،
وقودها بالجندل.
قال مازن :فقلت إن هذا لعجب وإنه لخير يراد بي.
وقدم علينا رجل من أهل الحجاز فقلنا :ما الخبر وراءك؟
قال :ظهر رجل يقال له محمد ،يقول لمن أتاه أجيبوا داعي ال.
فقلت :هذا نبأ ما سمعت.
فثرت إلى الصنم فكسرته وركبت راحلتي حتى قدمت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فشرح
لي الِسلم فأسلمت.
عن رجل من خثعم قال :كانت العرب تتحاكم إلى الصنام ،فبينا نحن ليلة عند وثن وقد تقاضينا
إليه في شيء قد وقع بيننا (أن يفرق بيننا) إذ هتف هاتف وهو يقول:
يا أيها الناس ذوو الجسام
ومسند الحكم إلى الصنام
ما أنتمُ وطائشُ الحلمِ
هذا نبيّ سيدُ النام
حكْم من الحكامِ
أعْدَل في ال ُ
َيصْدع بالنور وبالِسلم
ويَنْزِع الناسَ عن الثام
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
مستعلنٌ في البلد الحرام
ففزعنا وتفرقنا من عنده وصار ذلك الشعر حديثا ،حتى بلغنا أن النبي صلى ال عليه وسلم قد
خرج من مكة ثم قدم المدينة فجئت فأسلمت.
عن تميم الداري قال :كنت بالشام حين بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فخرجت إلى بعض
حاجتي ،فأدركني الليل ،فقلت :أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة.
قال :فلما أخذت مضجعي إذا أنا بمناد ينادي ل أراه :عُذْ بال ،فإن الجن ل تجير أحدا على ال
تعالى ،قد خرج الرسول المين رسول ال ،وصلينا خلفه بالحَجُون وأسلمنا واتبعناه ،وذهب كيد
الجن ورميت بالشهب ،فانطلقْ إلى محمد رسول رب العالمين فأسلم.
قال تميم :فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهبا وأخبرته الخبر ،فقال الراهب قد
صدقوك ،يخرج من الحرم ،وهو خير النبياء فل تُسْبق إليه.
قال تميم :فتكلفت الشخوصَ حتى جئت رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن خويلد الضمري قال :كنا عند صنم جلوسا ،إذ سمعنا من جوفه صائحا يصيح :ذهب استراق
الوحي ،ورمي بالشهب لنبي مكة ،اسمه أحمد ،مهاجَره إلى يثرب ،يأمر بالصلة والصيام والبر
والصلت للرحام.
فقمنا من عند الصنم فسألنا فقالوا :خرج نبي مكة اسمه أحمد.
عن جبير بن مطعم قال :كنا جلوسا عند صنم ببوانة قبل أن يبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم
بشهر ،نحرنا جزورا فإذا صائح يصيح من جوفه :اسمعوا العجب ذهب استراق الوحي ورمي
بالشهب لنبي بمكة اسمه أحمد ُمهَاجَره إلى يثرب .فأمسكنا وعجبنا .وخرج رسول ال صلى ال
عليه وسلم.
ضمَار .فجعلته في
عن العباس بن مرْداس قال :لما حضرت أبي الوفاة أوصاني بصنم له يقال له َ
بيت .وكنت آتيه كل يوم مرة.
فلما ظهر النبي صلى ال عليه وسلم سمعت صوتا من جوف الليل راعني ،فوثبت إلى ضمار
مستغيثا ،فإذا بالصوت من جوفه وهو يقول:
ُقلْ للقبيلة من سُليم كلها
هلك النيسُ وعاش أهل المسجدِ
أودى ضمارُ وكان ُيعْ َبدُ مرّة
قبْل الكتاب إلى النبي محمد
إن الذي ورث النبوة والهُدَى
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
َبعْد ابن مريم من قريشٍ ُمهْتدِي
فكتمتُه الناس .فلما رجع الناس من الحزاب سمعت صوتا في منامي يقول :النور الذي وقع ليلة
الثلثاء مع صاحب الناقة العضباء.
فرحلت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسلمت.
ظفَر من
عن راشد بن عبد ربه قال :كان الصنم الذي يقال له سواع بالمعلت تدين له هذيل وبنو ُ
سُلَيم ،فأرسلت بنو ظفر راشد بن عبد ربه بهدية بني سُليم إلى سواع.
جبُ كلّ
سوَاع ،فإذا صارخ يصرخ من جوفه :الع َ
قال :فأتيته فألقيته مع الفَجْر إلى صنم قبل ُ
العجب ،من خروج نبي عبد المطلب ،يحرّم الزنى والربا والذبح للصنام ،وحرست السماء
ورمينا بالشهب.
ثم هتف صنم آخر من جوفه :ترك الضمار ،وكان ُيعْبد ،خرج النبي محمد ،نبي يصلي الصلة
ويأمر بالزكاة والصيام والبر والصلت للرحام.
الباب الثاني
في ذكر إعلم الوحش بنبوته
سقْنا إليه
عن أبي عمرو الهُذَلي قال :حضرت مع رجال من قومي صنما يقال له :سوَاع ،وقد ُ
الذبائح.
فكنت أولَ من قرّب إليه بقرة سمينة ،فذبحتها على الصنم ،فسمعنا صوتا من جوفها (يقول):
العجبُ ُكلّ العجب خروجُ نبي بين الخاشب ،يحرّم الزنى ويحرم الذبح للصنام .وحرست السماء
ورُمينا بالشّهب.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فتفرقنا فقدمنا مكة فسألنا فلم نجد أحدا يخبرنا بخروج محمد صلى ال عليه وسلم ،حتى لقينا أبا
بكر الصديق .فقلت :يا أبا بكر أخرج أحد بمكة يدعو إلى ال تعالى يقال له أحمد؟
قال :وما ذاك؟ فأخبرته الخبر.
فقال :نعم هو رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم دعانا إلى الِسلم ،فقلنا :حتى ننظر ما يصنع قومنا.
ويا ليت أنا أسلمنا يومئذٍ .فأسلمنا بعده.
عن مجاهد قال :حدثني شيخ أدرك الجاهلية ونحن في غزوة رودس يقال له ابن عنبس قال :كنت
أسوق بقرة لل لنا فسمعت من جوفها :يا آل ذريح :قول فصيح ،رجل يصيح ،يقول ل إله إل
ال.
قال :فق ِدمْنا مكة .فوجدنا النبي صلى ال عليه وسلم وقد خرج بمكة.
عن أبي هريرة قال :جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة ،فطلبه الراعي حتى انتزعها منه،
فصعد الذئب على تل فأقعى واستثْغر وقال :عمدت إلى رزق رزقنيه ال تعالى انتزعته مني؟
فقال الرجل :بال إن رأيتُ كاليوم ،ذئبٌ يتكلم
قال الذئب :أعجبُ من هذا رجل في النخلت بين الحرّتين يخبركم بما مضى وما هو كائن من
بعدكم.
وكان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره خبره وصدقه النبي ،ثم قال النبي
جلُ أن يَخْرُجَ فَلَ يَرْجِعَ حَتّى
شكَ الرّ ُ
صلى ال عليه وسلم« :إِ ّنهَا َأمَا َرةٌ مِن َأمَارَاتِ السّاعَةِ ،أوْ َ
ح َدثَ أهْلُه َب ْعدَه» .
سوْطُه ِبمَا أ ْ
حدّثُه َنعْلَه وَ َ
تُ َ
الباب الثالث
في ذكر أمارات النبوة التي رآها رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل بعثه
عن ابن عباس قال :أقام النبي صلى ال عليه وسلم بمكة خمس عشرة سنة؛ سبعا يرى الضوء
والنور ويسمع الصوت ،وثمان سنين يوحى إليه.
عن عائشة قالت :أول ما بدىء به رسول ال صلى ال عليه وسلم من الوحي :الرؤيا الصادقة في
النوم ،فكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح ،ثم حبب إليه الخلء ،فكان يأتي حراء
فيتحنث فيه حتى فجأه الحق وجاءه الملك.
عن أبي ميسرة :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا برز سمع من يناديه :يا محمد .فإذا سمع
عقْلِي
خشِ ْيتُ أنْ َيكُونَ خَالَطَ َ
الصوت انطلق هاربا ،فأتى خديجة فذكر لها ذلك فقال« :يَا خَد ْيجَةَ َقدْ َ
سمَعُ شَيْئا يُنَادِي فَلَ أَرَى شَيْئا ،فأَنْطَِلقُ هَارِبا» .
شيْءٌ ،إنّي إذَا بَرَ ْزتُ أ ْ
َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقالت :ما كان ال ليفعل ذلك بك.
فأسرّت ذلك إلى أبي بكر ،وكان نديما له في الجاهلية ،فأخذ أبو بكر بيده فقال :انطلق بنا إلى
ورقة ،فقال :وما ذاك؟ فحدثه بما حدثته به خديجة.
فأتى ورقة فذكر ذلك له فقال له ورقة :هل ترى شيئا؟
س ِم ْعتُ النّدَاءَ وَلَ أَرَى شَيْئا فَأَنْطَِلقُ هَارِبا فَِإذَا ُهوَ عِنْدِي يُنَادِي» .
قال« :لَ ،وََلكِنّي إذَا بَرَ ْزتُ َ
قال :فل تفعل ،إذا سمعت النداء ،فأثبت له حتى تسمع ما يقول لك.
فلما برز سمع :يا محمد.
قال« :لبيك».
قال :قل :أشهد أن ل إله إل ال ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ،ثم قال :قل :الحمد ل رب
العالمين حتى فرغ من فاتحة الكتاب.
ثم أتى ورقة فذكر ذلك له فقال :أبشر؛ ثم أبشر ،ثم أبشر ،أشهد أنك أنت أحمد ،وأنا أشهد أنك
محمد ،وأنا أشهد أنك رسول ال ،يوشك يوشك أن تؤمر بالقتال ،وإن أمرت بالقتال وأنا حي
فلقاتلن معك.
فمات ورقة .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :رأيت القَس في الجنة عليه ثياب خضر» .
الباب الرابع
في ذكر تسليم الحجار والشجار عليه
حجَرَا ِب َمكّة كَانَ ُيسَلّمُ
شمُرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّي لَعْرِفُ َ
عن جابر بن َ
عََليّ قَ ْبلَ أَنْ أُ ْب َعثَ إِنّي لَعْ ِرفُه الن» .
عن علي بن أبي طالب قال :كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم بمكة ،فخرجنا في بعض نواحيها
خارجا من مكة بين الجبال والشجر ،فلم يمر بشجر ول حجر إل قال :السلم عليك يا رسول ال.
عن جابر بن سمرة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :لمّا كَا َنتْ لَيَالِي ُبعِ ْثتُ ما
علَيكَ يَا رَسُول ال» .
حجَ ٍر إل قال :السّلمُ َ
مَرَ ْرتُ ِبشَجَ ٍر َولَ َ
عن برّة قالت :لما ابتدأ ال تعالى محمدا بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى ل يرى بيتا
ويفضي إلى الشعاب والودية ،فل يمر بحجر ول شجر إل قال :السلم عليك يا رسول ال فكان
يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فل يرى أحدا.
الباب الخامس
في ذكر بدء الوحي
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة قالت :أول ما بدىء به رسول ال من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ،فكان ل يرى
رؤيا إل جاءت مثل فلق الصبح.
ثم حُبب إليه الخلء فكان يأتي غار حراء يتحنّث فيه وهو التعبد؛ الليالي ذوات العدد ،ويتزود
لذلك ،ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها.
حتى فجأه الحق وهو غائر.
فجاءه الملك فيه فقال :إقرأ .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ما أنا بقارىء» .
جهْدَ ُثمَ أرْسَلنِي َفقَال :إقْرَأ .فَقُلتُ :مَا أنَا بقَارِىءٍ» .
«فأخَذَنِي َفغَطّنِي حَتّى بََلغَ مِنّي ال َ
جهْدَ ثُمَ أرْسَلَنِي َفقَال :إقْرَأَ .فقُ ْلتُ :مَا أَنَا ِبقَارِىءٍ» .
«فَأَخَذَنِي َفغَطّنِي الثّانِيَةَ ،حَتّى بَلَغَ مِنّي ال َ
جهْدَ ،ثُمَ أَرْسَلَنِي َفقَال{ :إقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى
«فَأَخَذَنِي َفغَطّنِي الثّالِ َثةَ حَتّى بَلَغَ مِنّي ال َ
بلغ {ما لم يعلم} » .
فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقالَ « :زمّلونِي َزمّلونِي» .فزملوه حتى ذهب
جةَ مَا لِي؟» .
خدِيْ َ
عنه الروع فقال« :يَا َ
خشِ ْيتَ عَلَى َنفْسِي» .
وأخبرها الخبر ،قال« :قَدْ َ
فقالت له :كلّ أبشر ،فوال ل يخزيك ال أبدا ،إنك لتصل الرحم و َتصْدق الحديث ،وَتَحْمل ال َكلّ،
وتَقْري الضيف ،وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقةَ بن نوفل ،وهو ابن عم خديجة وكان امرءا تنصّر في
الجاهلية ،وكان يكتب الكتاب العربي وكان شيخا كبيرا قد عمي ،فقالت خديجة :أي ابن عم ،اسمع
من ابن أخيك.
فقال ورقة :يا أخي ما ترى؟ فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فقال ورقة :هذا الناموس الذي أنزل على موسى ،يا ليتني فيه جَذعا ،ليتني أكون حيّا حين
يخرجك قومك.
جيّ ُهمْ؟» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ« :أوَ ُمخْرِ ِ
قال :نعم ،ولم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إل عودِي وإن يدركني يومك أنصرْك نصرا
مؤزّرا.
ثم لم يَنْشَب ورقة أن توفي.
وفتر الوحي حتى حزن رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غَدَا منه مرارا كي يتردّى
من رؤوس شواهق الجبال.
فكلما َأ ْوفَى بِذرْوة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدّى له جبريل عليه السلم فقال :يا محمد ،إنك رسول
ال حقا .فيسكن بذلك جأشه وتقرّ نفسه فيرجع.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فإذا طال عليه فترة الوحي غَدا لمثل ذلك ،فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك.
أخرجاه.
عن جابر بن عبدال قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي،
صوْتا منَ السّماءِ ،فَ َر َف ْعتُ رَأسِي فَإذا المََلكُ الذي جَا َء في
ت َ
س ِم ْع ُ
فقال في حديثه« :فَبَيْنَا أنَا َأمْشِي َ
ج ْعتُ فَقُ ْلتَُ :زمّلوُنِي .فَدَثّرونِي
سمَا ِء وال ْرضِ فَجَثَ ْيتُ مِنْه رُعْبا فَ َر َ
سيٍ بَينَ ال ّ
حِرَاءَ جَاِلسٌ عَلَى كُرْ ِ
فَأنْ َزلَ اللّهُ َتعَالى { يا أيها المدثر}» .
أخرجاه.
عن عائشة رضي ال عنها قالت :قال ورقة :لما ذكرت له خديجة أنه ذكر لها جبريل :سبوح
سبوح ،وما لجبريل يذكر في هذه الرض التي تعبد فيها الوثان ،جبريل أمين ال بينه وبين
رسله ،اذهبي به إلى المكان الذي رأى فيه ما رأى ،فإذا أتاه فتحسّري ،فإن يكن من عند ال ل
يراه .ففعلت.
قالت :فلما تحسّرت تغيّب جبريل فلم يره ،فرجعت فأخبرت ورقة قال :إنه ليأتيه الناموس الكبر
الذي ل يعلّمه بنو إسرائيل أبناءهم إل بالثمن.
ثم قام ورقة ينتظر الدعوة.
عن خديجة أنها قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم :يا ابن عم تستطيع أن تخبرني بصاحبك
هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟
فقالَ « :نعَمْ» .
فقالت :إذا جاءك فأخبرني.
قالت :خديجة :فجاءه جبريل ذات يوم وأنا عنده.
خدِيْجَةَ ،هَذَا صَاحِبِي الذِي يَأْتِيْنِي قَدْ جَاءَ» .
فقال« :يَا َ
فقلت :قم فاجلس على فخذي .فجلس عليها .فقلت :هل تراه؟
قالَ « :نعَمْ» .
فقلت :تحوّل فاجلس على فخذي اليسرى .فجلس عليها ،فقلت :هل تراه؟
قالَ « :نعَمْ» .
قالت خديجة :فطرحت خماري .فقلت :هل تراه؟
فقال« :لَ» .
فقلت :هذا وال ملك كريم ما هو شيطان ل وال.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نذر أن يعتكف شهرا بحراء ،فوافق ذلك شهر
رمضان .فخرج النبي صلى ال عليه وسلم ذات ليلة فسمع :السلم عليك .قال« :فَظَنَنْ ُتهَا فَجَْأةُ
سجّتْنِي َثوْبا َوقَالت :مَا شَأْ ُنكَ؟ فَأَخْبَرْ ُتهَاَ :فقَالت:
جةَ فَ َ
الجِنّ فَجِ ْئتُ مُسْرِعا حَتّى دَخَ ْلتُ عَلَى خَدِيْ َ
أَبْشِرْ ،فإن السّلَمَ خَيْرٌ» .
شمْسِ جَنَاحٌ لَه بِالمَشْرِقِ وَجَنَاحٌ له بال َمغْرِبِ،
جتُ مَ ّرةً ُأخْرَى فَإِذَا بِجِبْرِ ْيلَ عَلَى ال ّ
قال« :ثُمّ خَ َر ْ
ستُ بِهُ ،ثمَ وعَدَنِي َموْعِدا
قال :فهِ ْلتُ مِنه َفجِ ْئتُ مُسْرِعا ،فإذا هو بَيْنِي وبَينَ البَابَِ ،فكَّلمَني حَتّى أَنِ ْ
لفُقََ ،فهَبَطَ جِبْرِ ْيلُ فَسََلقَنِي
س ّد ا ُ
فَجِ ْئتُ لَه ،فَأَ ْبطَأَ عََليّ فَرَأَ ْيتُ أنْ أَ ْرجِع ،فَإذا أنَا به وم ْيكَائِ ْيلَ َقدْ َ
شقّ عَلَى قَلْبِي فَاسْتَخْ َرجَهُُ ،ثمَ اسْ َتخْرَجَ مِنْه مَا يَشَاءُ أن َيسْتَخْرِجَُ ،ثمَ غَسَلَه فِي
لَحَل َو ِة ال َقفَا ُثمَ َ
ظهْرِيَ .فقَال :اقْرَأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ.
لمُهُ ،ثمَ خَ َتمَ فِي َ
ستٍ من ذَ َهبٍ ِبمَاءِ َزمْزَمَ ،ثُمَ أَعَادَه َمكَانَه ثُ َم َ
طِْ
جةَ.
حجَ ٌر َولَ شَجَرٌ إل قَال :السّلمُ عَلَ ْيكَ يَا َرسُولَ ال .حَتّى دَخَ ْلتُ عَلَى خَدِيْ َ
جعَ ْلتُ ل يَ ْلقَانِي َ
فَ َ
َفقَالت :السّلمُ عَلَ ْيكَ يَا َرسُولَ ال» .
عن عبيد قال :كيف (كان) بدء (ما) ابتدأ ال به رسوله صلى ال عليه وسلم من النبوة حتى جاءه
جبريل؟
فقال عبيد :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجاور في حراء كل سنة شهرا ،وإن ذلك مما
تحنّث به قريش في الجاهلية.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجاور الشهر من كل سنة يُطْعم من جاءه من المساكين ،فإذا
قضى رسول ال صلى ال عليه وسلم جواره من ذلك الشهر كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من
جواره الكعبة قبل أن يدخل بيته ،يطوف بها سبعا أو ما شاء ال من ذلك ،ثم يرجع إلى بيته ،حتى
إذا كان الشهر الذي أراد ال (به) فيه (ما أراد) من كرامته برسالته ،والسّنة التي بعثه ال فيها
نبيا ،وذلك الشهر شهر رمضان ،خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج
لجواره ومعه أهله ،حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه ال فيها برسالته جاءه جبريل من ال تعالى.
قال ابن إسحاق :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :فَجَاءَنِي وَأَنا نَائِمٌ بِ َن َمطٍ مِن دِيْبَاجٍ فيه
كِتَابٌ ،فقال :اقْ َرأْ ،قُ ْلتَُ :ومَا َأقْرَأُ؟ َفغَطّنِي حَتّى ظَنَ ْنتُ أَنّه ال َموْتُ ،قَالَ ذَلك ثَلَثا ،ثُمَ أَرْسَلَنِي َفقَال:
سمِ رَ ّبكَ الّذِى
ك إلّ افْ ِتدَاءً مِنه أن َيعُودََ ،فقَال{ :س 96ش 1اقْرَأْ بِا ْ
ِاقْرَأ .قُ ْلتُ :مَاذَا َأقْرَأُ؟ مَا َأقُولُ ذَل َ
خََلقَ }(العلق)1 :
».
عن ابن البراء قال :بعث ال تعالى محمدا صلى ال عليه وسلم وله يومئذ أربعون سنة ويوم ،فأتاه
جبريل ليلة السبت وليلة الحد ،ثم ظهر له بالرسالة يوم الثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في حراء ،وهو أول موضع نزل فيه القرآن نزل { :اقرأ باسم ربك} إلى قوله { :ما لم َيعْلم} .
فقط ثم فحص بعقبه الرض فنبع منها ماء فعلمه الوضوء والصلة ركعتين.
الباب السادس
في ذكر تعليم جبريل رسول ال صلى ال عليه وسلم الوضوء والصلة
عن أسامة بن زيد ،عن النبي صلى ال عليه وسلم :أن جبريل أتاه في أول ما أوحي إليه فعلمه
الوضوء والصلة ،فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه.
قلت :لم يذكر كيفية الصلة في هذا الحديث ،وقد ذكرنا عن ابن البراء أنه قال« :ركعتين».
وقال مقاتل بن سليمان :فرض ال على المسلمين في أول الِسلم صلة ركعتين بالغداة وركعتين
بالعشيّ ،ثم فرض الخمس في ليلة المعراج.
وقد جاء في حديث :أنه صلى عند زوال الشمس في أول النبوة.
وقال علماء التفسير :نزلت سورة «المزمل» بمكة ،فكان قيام الليل فرضا عليه .فكان يقوم ومعه
طائفة من المؤمنين ،فشق ذلك عليه وعليهم ،فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى{ :س 73ش 20إِنّ
ل وَال ّنهَارَ
صفَهُ وَثُلُثَ ُه وَطَآ ِئفَةٌ مّنَ الّذِينَ َم َعكَ وَاللّهُ ُيقَدّرُ الّ ْي َ
ل وَ ِن ْ
رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِن ثُلُ َثىِ الّ ْي ِ
علَ ْيكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَ َيكُونُ مِنكُمْ مّ ْرضَى وَءَاخَرُونَ
حصُوهُ فَتَابَ َ
عَلِمَ َألّن تُ ْ
ضلِ اللّ ِه وَءَاخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسّرَ مِ ْنهُ
َيضْرِبُونَ فِى الّ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِن َف ْ
جدُوهُ عِندَ
سكُمْ مّنْ خَيْرٍ تَ ِ
وََأقِيمُواْ الصل َة وَءَاتُواْ الزكا َة وََأقْ ِرضُواُ اللّهَ قَرْضا حَسَنا َومَا ُتقَ ّدمُواْ لّنفُ ِ
غفُورٌ رّحِيمٌ }(المزمل)20 :
عظَمَ َأجْرا وَاسْ َت ْغفِرُواْ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ
اللّهِ ُهوَ خَيْرا وَأَ ْ
.
وقال عطاء بن يسار ،ومقاتل بن سليمان :نزل قوله{ :إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل}
بالمدينة .والول أصح.
وقال قوم :نُسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى{ :س 17ش َ 79ومِنَ الّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافَِلةً ّلكَ عَسَى
حمُودًا }(السراء)79 :
أَن يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَاما مّ ْ
ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس.
وقيل :نسخ عن المة وبقي فَرْضه عليه.
وقيل :إنما كان مفروضا عليه دونهم.
قال ابن عباس :كان بَيْن نزول أول المزمل وآخرها سنةٌ.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب السابع
في ذكر صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في بداية النبوة بخديجة وعلي عليهما السلم
عن ابن عفيف الكندي عن أبيه ،عن جده قال :كنت امرءا تاجرا ،فقدمت للحج ،فأتيت العباس بن
عبد المطلب لبتاع منه بعض التجارة.
قال :إني فوال لعنده بمنى إذا رجل خرج من خباء قريب منه ينظر إلى الشمس ،فلما رآها قام
يصلي .ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي .ثم خرج
غلم حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي.
قال :فقلت للعباس :يا عباس ،ما هذا؟
قال :محمد بن عبدال بن عبد المطلب ابن أخي.
قلت :من هذه المرأة؟
قال :امرأته خديجة بنت خويلد.
فقلت :مَنْ هذا الفتى؟
قال :علي بن أبي طالب ابن عمه.
قلت :فما هذا الذي يصنع؟
قال :يصلي ،وهو يزعم أنه نبي ،ولم يتبعه على أمره إل امرأته وابن عمه هذا الفتى ،وهو يزعم
أنه تفتح عليه كنوز كسرى وقيصر
وكان عفيف ،وهو ابن عم الشعث بن قيس يقول ــــ وأسلم بعد ذلك فحسُن إسلمه
ــــ :لو أن ال رزقني الِسلم يومئذ فأكون ثانيا مع علي بن أبي طالب رضي ال عنه
الباب الثامن
في صفة نزول الوحي عليه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة :أن الحارث بن هشام سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،كيف
يأتيك الوحي؟
ش ّدهُ عََليّ،
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَحْيَانا يَأْتِيْنِي فِي مِ ْثلِ صَ ْلصَلَةِ الجَرَسِ ،وَهُو أَ َ
فَ ُيفْصَمُ عَنّي َوقَ ْد وَعَ ْيتُ مَا قَال ،وأحْيَانا يَ َتمَ ّثلُ لِي المََلكُ رَجُلً فَ ُيكَّلمُنِي فَأَعِي مَا َيقُولُ» .
قالت عائشة :ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.
عن َيعْلى بن أمية :أنه كان يقول لعمر بن الخطاب :ليتني أرى نبي ال حين يوحى إليه ،فلما كان
جعْرانة وعلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ثوب قد أظل به ،ومعه ناس من أصحابه منهم
بال ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عمر ،إذ جاءه رجل عليه جبة متضمخة بطيب ،فقال :يا رسول ال ،كيف ترى في رجل أحرم
بعمرة في جبة بعدما تضمّخ بطيب؟
فنظر النبي صلى ال عليه وسلم ساعة ،ثم سكت فجاءه الوحي ،فأشار عمر إلى يعلى :تعال.
فجاءه يعلى فأدخل رأسه ،فإذا النبي صلى ال عليه وسلم محمر الوجه يغطّ كذلك فمكث كذلك
ساعة.
ثم سري عنه ،فقال« :أَيْنَ الذِي سَأَلَنِي عَن ال ُعمْ َرةِ آنِفا؟» .
لثَ
فالتُمس الرجل فأتي به ،فقال النبي صلى ال عليه وسلمَ« :أمّا الطّ ْيبُ الذِي ِبكَ فَاغسِلْه ثَ َ
جكَ» .
عمْرَ ِتكَ مَا َتصْنَعُ فِي حَ ّ
عهَاُ ،ثمَ اصْنَعْ فِي ُ
مَرّاتٍ ،وأمّا الجّبَةَ فَانْزَ ْ
هذا والذي قبله في الصحيحين.
عن خارجة بن زيد قال :قال زيد بن ثابت :إني قاعد إلى جنب النبي صلى ال عليه وسلم يوما إذ
أوحي إليه.
قال :وغشيته السكينة ،فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة.
قال زيد :فل وال ما وجدت شيئا أثقل من فخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم سري عنه قال« :اكتب يا زيد» .
عن زيد بن ثابت قال :كان إذا نزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم السورة الشديدة أخذه
من الشدة والكرب على قَدْر شدة السورة ،وإذا أنزلت عليه السورة اللينة أصابه من ذلك على َقدْر
لينها.
عن زيد بن ثابت قال :كان إذا نزل الوحي على رسول ال صلى ال عليه وسلم َثقُل لذلك وتحدّر
جبينه عرقا كأنه الجُمان ،وإن كان في البرد.
عن عمر بن الخطاب قال :كان إذا نزل الوحي على رسول ال صلى ال عليه وسلم يُسمع عند
وجهه كدوي النحل.
عن عبدال بن عمرو قال :سألت النبي صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول ال ،هل تحس
بالوحي؟
عن أسماء بنت يزيد قالت :إني لخذةٌ بزمام ال َعضْباء ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ
نزلت عليه المائدة كلها ،وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة.
عن عُبَادة بن الصامت :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي كرب له وتربّد
وجهه.
عن أبي أَ ْروَى الدّوسي قال :رأيت الوحي ينزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم وإنه على
راحلته ،فترغو وتفتل يديها حتى أظن أن ذراعها ينقصم ،فربما بركت وربما قامت مؤبدة يديها،
حتى يسرّي عنه من ثقل الوحي وإنه ليتحدر منه مثل الجمان.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عكرمة قال :كان إذا أوحي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم رقد لذلك ساعة كهيئة
السكران.
عن أبي هريرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي صدِع فغلف رأسه
بالحناء.
قال ابن عقيل :إنما نسبوا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الجنون لما كان يعتاده عند نزول
الملك من الِغماء والشدة.
ثم أغفلوا ما وراء الصورة من المعنى بترك الفرق بين ذلك بين إغماء الجنون ،فإن أثر ما كان
يجري له بيان الصواب والحق ،بخلف إغماء الجنون.
وهذا الذي تلمّحته خديجة فقالت :وال ل يخزيك ال أبدا؛ إنك ل َتصْدُق الحديث وتعين على نوائب
الحق.
قال ابن عقيل :فإن قال قائل :ما كان يجري عليه من البرحاء حين نزول الوحي هل ينقض
وضوءه؟
فالجواب :ل ،لنه كان محفوظا في منامه ،تنام عيناه ول ينام قلبه ،فإذا كان النوم الذي يستطلق
فيه الوكاء ،ل ينقض وضوءه ،فالحالة التي أكرم فيها بالمسارّة والِلقاء إلى قلبه الهُدى أولى أن
تكون طباعه فيها معصومة من الذى.
الباب التاسع
في ذكر الخلف فيمن قُرِن برسول ال صلى ال عليه وسلم من الملئكة في نبوته
عن عامر قال :نزلت عليه النبوة صلى ال عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فقُرن بنبوته إسرافيل
ثلث سنين ،فكان يعلمه الكلمة والشيء ،ولم ينزل من القرآن على لسانه.
فلما مضت ثلث سنين قرن بنبوته جبريل فنزل القرآن على لسانه.
عن عامر ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة ،وكان معه
إسرافيل ثلث سنين ،ثم عزل عنه إسرافيل ،وقرن به جبريل عليه السلم عشر سنين بمكة وعشر
سنين مهَاجره بالمدينة.
قال ابن سعد :فذكرت هذا الحديث لمحمد بن عمر ،فقال :ليس َيعْرف أهل العلم ببلدتنا أن إسرافيل
قرن بالنبي صلى ال عليه وسلم ،وإن علماءهم وأهل السيرة منهم يقولون :لم ُيقْرن به إل جبريل
من حين أنزل عليه الوحي إلى أن قبض صلى ال عليه وسلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب العاشر
في سؤال رسول ال صلى ال عليه وسلم ربه أن يريه آية تقوّي ما عنده
عن عمر قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم بالحجُون فقال« :الل ُهمّ أَرِنِي آيَةً لَ أُبَالِي مَنْ كَذّبَنِي
َبعْدَهَا مِنْ قُرَيْشٍ» .
فقيل له :ادع هذه الشجرة.
فدعاها فأقبلت على عروقها فقطعها ،ثم أقبلت تخ ّد الرض ،حتى وقفت بين يدي رسول ال صلى
ال عليه وسلم ثم قالت :ما تشاء ما تريد؟
جعِي إِلَى َمكَا َنكِ» .فرجعت إلى مكانها فقال« :وَال مَا أُبَالِي مَن كَذّبَنِي مِن قُرَيْشٍ» .
قال« :ا ْر ِ
عن أنس بن مالك قال :جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد
خضب بالدماء ،ضربه بعض أهل مكة ،فقال له :ما لك؟
قالَ « :ف َعلَ بِي هَؤل ِء َو َفعَلُوا» .
فقال له جبريل :أتحب أن أريك آية؟
قالَ « :نعَمْ» .
قال :فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال :ادع تلك الشجرة .فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت
بين يديه .فقال :مُرْها فلترجع .فأمرها فرجعت إلى مكانها.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :حَسْبِي» .
عن ابن عباس قال :لما بعث محمد صلى ال عليه وسلم زجِر الجن و ُرمُوا بالكواكب .وكانوا قبل
ذلك يسمعون ،ولكل قبيل من الجن َمقْعد يستمعون فيه .فأول ما فزع لذلك أهل الطائف فجعلوا
يذبحون للهتهم ،من كان له إبل أو غنم كل يوم ،حتى كادت أموالهم تذهب ثم تناهوا وقال بعضهم
لبعض :أما ترون معالم السماء كيف هي ،لم يذهب منها شيء؟ وقال إبليس :هذا أمر حدث في
الرض ،ايتوني من كل أرض بتربة .فكان يؤتى بالتربة فيشمها ويلقيها حتى أتِي بتربة تهامة
فشمها وقال :ها هنا الحدث.
عن يعقوب بن الخنس قال :إن أول العرب فزع لِ َرمْي النجوم ثقيف وأتوا عمرو بن أمية فقالوا:
ألم تر ما حدث؟
قال :بلى فانظروا ،فإن كانت معالم النجوم التي يهتدي بها ويعرف بها أنواء الصيف والشتاء فهو
خلْق الذي فيها ،وإن كانت نجوما غيرها فأمرٌ أراد ال بهذا الخلق ونبي
طيّ الدنيا وذهاب هذا ال َ
َ
يبعث في العرب .فقد تحدّث بذلك.
عن أبي بن كعب قال :لم يُرْمَ بنجم منذ رفع عيسى بن مريم حتى تنبّأ رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فلما تنبأ رمي بها ،فرأت قريش أمرا لم تكن تراه ،فجعلوا يسيّبُون أنعامهم ويعتقون أرقاءهم
يظنون أنه الفناء.
فبلغ ذلك من فعلهم أهلَ الطائف ففعلت ثقيف مثل ذلك ،فبلغ عبدَ ياليل بن عمرو ما صنعت ثقيف
قال :ولِم فعلتم ما أرى؟
قالوا :رمي بالنجوم فرأينا أنها تهافت من السماء.
قال :إن إفادة المال بعد ذهابه شديد ،فل تعْجَلوا وانظروا ،فإن تكن نجوما تعرف فهو عند فناء
الناس ،وإن تكن نجوما ل تعرف فهو عند أمر حدث.
فنظروا فإذا هي ل ُتعْرف ،فأخبروه فقال :المر فيه ُمهْلة بعدُ ،هذا عند ظهور نبي.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فما مكثوا إل يسيرا حتى قدم الطائف أبو سفيان بن حرب إلى أمواله ،فجاء عبد ياليل فتذاكروا
أمر النجوم ،فقال أبو سفيان :ظهر محمد بن عبدال يدعي أنه مرسل.
قال عبد ياليل :فعند ذلك رمي بها.
عن ابن عباس قال :لم تكن السماء تُحْرسُ في الفترة بين عيسى ومحمد صلى ال عليه وسلم،
كانوا يقعدون منها (مقاعد) للسمع.
فلما بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم حرست السماء حرسا شديدا ،ورجمت الشياطين،
وأنكروا ذلك فقالوا{ :س 72ش 10وَأَنّا لَ َندْرِى? َأشَرّ أُرِيدَ ِبمَن فِى الّ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّبهُمْ
رَشَدا }(الجن)10 :
.
فقال إبليس :لقد حدث في الرض حدث .واجتمعت إليه الجن ،فقال :تفرقوا في الرض
وأخبروني ما هذا الذي حدث في السماء.
وكان أول ركب بعث من أهل نصيبين وهم أشراف الجن ،فبعثهم إلى تهامة فاندفعوا حتى بلغوا
وادي نَخْلة ،فوجدوا نبي ال صلى ال عليه وسلم يصلي صلة الغداة ببطن نخلة فلما سمعوه يتلو
القرآن قالوا :أنصتوا.
قال وهب بن منبّه :كان إبليس يصعد إلى السموات كلهن ويتقلب فيهن كيف شاء ل ُيمْنع منذ
أخرج آدم من الجنة إلى أن رفع عيسى ،فحينئذ حجب من أربع سموات ،فصار يتردد في ثلث
سموات .فلما بعث نبينا صلى ال عليه وسلم حجب من الثلث فصار هو وجنوده يسترقون السمع
ويقذفون بالكواكب.
عن أبي هريرة قال :لما بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم أصبح كل صنم منكسا ،فأتت
الشياطين إبليس ،فقالت :ما على الرض من صنم إل وقد أصبح نكوسا .قال :هذا نبي قد ُبعِث
فالتمسوه في قرى الرياف .فالتمسوه فقالوا :لم نجده .قال :أنا صاحبه.
فخرج يلتمسه فنودي :عليك بحبة القلب مكة .فالتمسه فوجده عند قرن الثعالب .فخرج إلى
الشياطين فقال :قد وجدته معه جبريل فما عندكم؟
فلما اجتمعت الحزاة قال بعضهم لبعض :وال ما حيل بينكم وبين علمكم إل لمر جاء من السماء،
وإنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث يَسْلب هذا الملك ويكسره ،ولئن نعيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم،
فأقيموا بينكم أمرا تقولونه.
فجاؤوا كسرى فقالوا له :إنا نظرنا في هذا فوجدنا حُسابك الذين وضعت على حِسابهم طاق ملكك
وسَكرت دجلة العوراء وضعوه على النحوس ،وإنا سنحسب لك حسابا تضع عليه بنيانك فل
يزول.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالوا :ل نكذبك ،أيها الملك أمرتنا حين انخرقت عليك دجلة وانفصمت طاق مجلسك أن ننظر في
علمنا ،فنظرنا فأظلمت علينا الرض وأخذ علينا بأقطار السماء فلم يستقم لعالمنا علمه ،فعرفنا أن
هذا لمر حدث من السماء ،وأنه قد بعث نبي أو هو مبعوث ،فلذلك حيل بيننا وبين علمنا ،فخشينا
إن َنعَيْنا مُ ْل َككَ أن تقتلنا فعللناك على أنفسنا بما رأيت .فتركهم ولهى عنهم وعن دجلة حين غلبته.
وقال ابن إسحاق :كان من حديث كسرى قبل أن يأتيه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيما
سكَر دجلة العوارء وأنفق فيها من الموال ما ل يدرى ما هو .وذكر الحديث الذي
بلغني أنه كان َ
سقناه بعينه.
وقال ابن إسحاق :وحدثني من ل أتهم عن الحسن البصري أن أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم قالوا :يا رسول ال ،ما حجة ال على كسرى فيك؟
قالَ « :ب َعثَ اللّهُ إِليْهِ مََلكَا فَأَخْرَجَ يَدَه مِن سُورِ بَيْتِه الذِي ُهوَ فِيه تَللَ نُورًا .فََلمّا رَآها فَ ِزعَ» .
ك وَآخِرَ ُتكَ.
قالِ« :لمَ َتفْزَعْ يَا كِسْرَى؟ إنّ اللّهَ َقدْ َب َعثَ َرسُولً وأنْ َزلَ عَلَيه كِتَابَا فَاتّ ِبعْهُ لِتَسْلَمَ دُنْيَا َ
قَال :سَأنْظُر» .
وقال ابن إسحاق :بعث ال ملكا إلى كسرى وهو في بيت من بعض بيوت إيوانه الذي ل يدخل
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عليه فيه ،فلم يرعه إل هو قائما على فراشه في يده عصا بالهاجرة في الساعة التي كان يقيل
فيها ،فقال :يا كسرى أتسلم أو أكسر هذه العصا؟
حتى إذا كان في العام الثالث أتاه في الساعة التي جاءه فيها ،وقال كما قال له ثم قال له :أتسلم أو
أكسر هذه العصا؟
قال :بهل بهل.
قال :فكسر العصا ثم خرج .فلم يكن إل أن تهوّر ملكه.
قال الزهري :حدثت عمر بن عبد العزيز هذا الحديث عن أبي سلمة قال :ذكر لي أن الملك إنما
دخل عليه بقارورتين في يديه ثم قال :أسلم.
فلم يفعل فضرب إحداهما بالخرى فرضّهما ثم خرج .فكان من هلكه ما كان.
عن خالد بن ويدة ،وكان رأسا في المجوس ثم أسلم ،قال :كان كسرى إذا ركب ركب أمامه
رجلن فيقولن له ساعة بساعة :أنت عبد ولست برب .فيشير برأسه :أي نعم.
قال :فركب يوما فقال له ذلك فلم ُيشِرْ برأسه ،فعلم ذلك صاحب شرطته فأتاه ليعاتبه ،وكان
كسرى قد نام ،فلما وقع صوت حوافر الدواب في سمعه استيقظ فدخل عليه صاحب شرطته،
فقال :أيقظتموني ولم تَدَعوني أنام ،إني رأيت أنه رقي بي فوق سبع سموات فوقفت بين يدي ال
تعالى ،فإذا رجل بين يديه عليه إزار ورداء ،فقال لي سلّم بحر مفاتيح خزائن أرضي إلى هذا
ألست المأمور بكذا؟
قال :وصاحب الِزار والرداء يعني به النبي صلى ال عليه وسلم.
ل يقول لي :إنكم غيّرتم فغيّر ما بكم ونقل
عن ابن قتيبة :أن أبرويز قال :رأيت في المنام قائ ً
المكان إلى أحمد.
وكانوا يتوقعون حادثة تحدث ،حتى كتب النعمان إليه :أن خارجا نَجم بتهامة يخبر أنه رسول إله
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
السماء والرض.
فانزعج لذلك وعلم أنه الذي كان يتوقعه.
قال ابن قتيبة :فانقضت ممالك المم عند مَبْعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خل الرومِ ،لمَا
سبق من دعوة إسحاق بن إبراهيم ،فإن يعقوب لما سبق إلى دعوة ابنه إسحاق صارت النبوة في
ولده ،فدعا إسحاق للعيص بالنماء والكثرة ،فالروم كلهم من ولده.
وانتقضت مملكة فارس ،وكان أول انتقاضها قتل شيرويه أباه ،ثم ظهر الطاعون في ملكه فهلك
فيه ،ثم تعاوروا الملك ولم يلبثوا.
وانتقض ملك أهل اليمن ،وكان أول ذلك قتل الحبشة سيف بن ذي يزن ،وانتشر المر بعده .فكل
أهل ناحية ملّكوا رجلً حتى جاء الِسلم.
وانتقضت مملكة الحيرة بعد النعمان بن المنذر.
جفْنة وكان آخر من ملك منهم جَبَلة بن اليهم الذي تنصّر في خلفة عمر
وانتقض ملك أبي َ
رضي ال عنه.
عن طارق بن عبدال المحاربي قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم مرتين :مرة بسوق
المَجاز وأنا في بياعة لي ،فمرّ وعليه حلة حمراء وهو ينادي بأعلى صوته« :يَا أيّها النّاس قُولوا
لَ اله إلّ اللّهُ ُتفْلِحُوا» .
ورجل يتبعه بالحجارة قد أدمى كعبيه وعرقوبيه وهو يقول :يا أيها الناس ل تطيعوه فإنه كذاب.
قلت :مَنْ هذا؟
قالوا :هذا غلم من بني عبد المطلب.
قلت :فمن ذا الذي يتبعه يرميه؟
قالوا :هذا عمه عبد العزى؛ وهو أبو لهب.
عن جابر قال :مكث رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة عشر سنين يتتبع الناس في منازلهم
بعكاظ ومجنّة وفي المواسم بمنى« :مَنْ يُؤوِينِي؟ مَنْ يَ ْنصُرُونِي حَتّى أُبَلّغَ رِسَالَةَ رَبّي وَلُه الجَنّةَ؟»
حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون :احذر غلم قريش ل يفتنك.
فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله ،فقال رسول ال صلى ال عليه
سفْحِ هَذَا
وسلم« :يا بَنِي عَبْدَ المُطِّلبِ ،يَا بَنِي َفهْرٍ ،يَا بَنِي يَا بَنِي ،أَرَأَيْتُم لَو أخْبَرْ ُتكُم أنّ خَيْلً بِ َ
الجَ َبلِ تُر ْيدُ أن ُتغِيْرَ عَلَ ْيكُم صَ ّدقْ ُتمُونِي؟ قَالوْاَ :نعَمْ .قَال :فَإِنّي َنذِيرٌ َلكُم بَيْنَ يَ َديْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال أبو لهب :تبّا لك سائر اليوم ،ما دعوتنا إلّ لهذا؟ فأنزل ال تعالى {س 111ش 1تَ ّبتْ يَدَآ أَبِى
َل َهبٍ وَ َتبّ } (المسد)1 :
عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمر قال :لما نزلت {وأنذر عشيرتك القربين} صعد رسول ال
صلى ال عليه وسلم قمة من جبل على أعلها حجرا فجعل ينادي« :يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ إِ ّنمَا أَنا
ج َعلَ يُنَادِي وَ َيهْ ِتفُ يَا
شقُوه فَ َ
شيَ أَن يُ ْ
جلٍ رَأَى ال َع ُدوّ َفذَ َهبَ يُنْذِرُ أَهْلَه َفخَ ِ
نَذِيْرٌ ،إ ّنمَا مَثَلِي َومَثَُلكُم كَرَ ُ
صَبَاحَاه» .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم ،واتفقا على الحديثين قبله.
عن ابن عباس قال :لما نزلت { وأنْذرْ عشيرتك القْرَبين} صعد رسول ال صلى ال عليه وسلم
الصفا فقال« :يا معشر قريش» .
فقالت قريش :محمد على الصّفا يهتف .فأقبلوا واجتمعوا ،قالوا :ما لك يا محمد.
سفْحِ هذا الجَ َبلِ كُنْتُم ُتصَ ّدقُونِي؟» .
قال« :أرَأَيْتكُمُ لو أخْبَرْ ُتكُم أن خَيْلً ِب َ
قالوا :نعم ،أنت عندنا غيرُ م ّتهَم ،وما جرّبنا عليك كذبا قط.
قال« :فَإني نَذِيرٌ َلكُم بَيْنَ عَذَابٍ شَدِيْدٍ ،يَا بَنِي عَ ْبدِ ال ُمطِّلبِ ،يَا بَنِي عَ ْبدِ مَنَافٍ ،يَا بَنِي ُزهْرةٍ ،حَتّى
لقْرَبِينَ ،إنِي ل أمِْلكُ َلكُم منَ
عشِيرَتي ا َ
جلّ أمَرَنِي أن أُنْذِرَ َ
ع ّد الفْخَاذَ من قُرَيْشٍ ،إن ال عزّ و َ
الدّنْيَا مَ ْن َفعَ ًة ولَ مِنَ الخِ َرةِ َنصِيْبا إلّ أن َتقُولوُا لَ اله إلّ اللّهُ» .
فقمت وجمعتهم فأكلوا وشربوا ،ثم تكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :يَا بَنِي عَ ْبدِ
ضلَ ِممّا قَدْ جِئْ ُتكُم بِه ،إنّي َقدْ جِئْ ُت ُكمْ
المُطِّلبِ ،إني واللّهُ مَا أعَْلمُ شَابّا منَ العَ َربِ جَاءَ َق ْومَه بأ ْف َ
لمْرِ عَلَى أن
بِخَيْرِ الدّنْيَا والخِ َرةِ ،وقَدْ َأمَرَنِي رَبّي أنْ أُدْعُوكُم إليْهِ ،فأ ّيكُم ُيؤَازِرُنِي عَلَى هَذا ا َ
َيكُونَ َأخِي» .
فأحجم القوم فقلت ،وأنا أحدثهم سنّا :أنا يا نبي ال.
فقام القوم يضحكون.
عن سعد بن أبي وقاص قال :خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم عليّ بن أبي طالب في غزاة
تبوك ،فقال :يا رسول ال تخلّفني في النساء والصبيان؟
قالَ« :أمَا تَ ْرضَى أنْ َتكُونَ مِنّي ِبمَنْزِلَةِ هَاروُنَ منْ مُوسَىِ ،إلّ أَنّه لَ نَ ِبيّ َبعْدِي» .
أخرجاه.
ن لَ نَ ِبيّ َبعْدِي» .
عن ثوبان قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا خَا ِتمُ النّبِييّ َ
انفرد بإخراجه مسلم.
قال :حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحِجْر ،فذكروا رسول ال صلى ال عليه وسلم
فقالوا :ما رأينا مثل ما صَبَرْنا عليه من هذا الرجل قط ،سفّه أحلمنا ،وشتم آباءنا ،وعاب ديننا،
وفرّق جماعتنا ،وسب آلهتنا ،لقد صبرنا منه على عظيم.
فبينما هم على ذلك إذ طلع عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأقبل يمشي حتى استلم الركن،
ثم مر بهم طائفا بالبيت ،فلما مر بهم غمزوه ببعض ما يقول.
سمَعونَ يا َمعْشَرَ
قال :فعرفت ذلك في وجهه ،ثم مضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ،فقال« :تَ ْ
حمّدٍ بِيَدِه َلقَدْ جِئْ ُتكُم بالذّبْحِ» .
قُرَيْشٍ َأمَا والذي َنفْسُ مُ َ
فأخذت القوم كلمته ،حتى ما منهم رجل إل كأنما على رأسه طائر واقع ،حتى إن أشدهم فيه وصاة
قبل ذلك يترضاه بأحسن ما يجد من القوم حتى إنه ليقول :انصرف يا أبا القاسم ،انصرف راشدا،
فوال ما كنت جهولً.
قال :فانصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم،
فقال بعضهم لبعض :ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه ،حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه
فبينا هم على ذلك طلع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ،فأحاطوا به
يقولون له :أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم عنه من عيْب آلهتهم ودينهم .قال :فيقول
رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :نعَمْ أنا الذي قُ ْلتُ ذَِلكَ» .
قال :فلقد رأيت رجلً منهم أخذ بمجامع ردائه.
قال :وقام أبو بكر الصديق دونه يقول وهو يبكي :أتقتلون رجلً أن يقول ربي ال ثم انصرفوا
عنه.
فإن ذلك لشد ما رأيت قريشا بلغوا منه قط.
عن عمرو ،عن عثمان بن عفان رضي ال عنه قال :أكثر ما نالت قريش من رسول ال صلى
ال عليه وسلم.
قال عمرو :فرأيت عيني عثمان ذرفتا من تذكّر ذلك
قال عثمان :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر ،وفي الحجْر
ثلثة نفر جلوس عقبة بن أبي ُمعَيط ،وأبو جهل بن هشام ،وأمية بن خلف.
فمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما حاذاهم أسمعوه بعضَ ما يكره ،فعرفت ذلك في وجه
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
النبي صلى ال عليه وسلم ،فدنوت منه حتى كان بيني وبين أبي بكر ،فأدخل أصابعه في أصابعي
حتى طفنا جميعا.
فلما حاذاهم قال أبو جهل :وال ل نصالحك ما َبلّ بحرٌ صوفة وأنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا ذلك» .ثم مضى عنهم فصنعوا به في الشوط الثالث
مثل ذلك.
حتى إذا كان الشوط الرابع ناهضوه ،فوثب أبو جهل يريد أن يأخذ بمجمع ثوبه ،فدفعت في صدره
فوقع على استه ،ودفع أبو بكر أمية بن خلف ،ودفع رسول ال صلى ال عليه وسلم عقبة بن أبي
معيط ،ثم انفرجوا عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو واقف ثم قال لهم« :أمَا وَال ل
عقَابُه عَاجِلً» .
حلّ ِ
تَنْ َتهُونَ حَتّى يَ ِ
قال عثمان :فوال ما منهم رجل إل وقد أخذه الخوف وجعل يرتعد ،فجعل رسول ال صلى ال
س ال َقوْمُ أنْتُم لنَبِ ّيكُم» .
عليه وسلم يقول« :بِئْ َ
ثم انصرف إلى بيته وتبعناه حتى انتهى إلى باب بيته ،فوقف على السدة ،ثم أقبل علينا بوجهه ثم
جلّ ُمظْهرٌ دِيْنَه ومُتَمّمٌ كَِلمَتَه ونَاصِرٌ نَبِيّه ،إنّ هَؤلء الذين تَ َروْنَ ِممّا
قال« :أبْشِروا ،فَإنّ اللّهَ ع ّز وَ َ
يَذْبَحُ اللّهُ بأيْدِيكُم عَاجِلً» .ثم انصرفنا إلى بيوتنا.
فوال لقد رأيتهم قد ذبحهم ال عزّ وجلّ بأيدينا
عن أسماء بنت أبي بكر قالت :قال لي الزبير بن العوام :لقد رأيتُ اليوم عَجبا
رأيت نفرا من المشركين جلوسا حول الكعبة ورئيسهم أبو جهل بن هشام ،فأقبل رسول ال صلى
ال عليه وسلم وهم يتآمرون بمناهضته ،فوقف عليهم وقال« :قُبّحْتُم وقُبّح صَاحِ ُبكُم» .فكأنهم
خرسوا ما فيهم أحد يتكلم ول يقوم.
ولقد نظرت إلى أخبثهم وأنجسهم وهو يعدو في أثره يعتذر إليه ويقول :كف عنا ونكف عنك.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :ل أ ُكفّ ع ْنكَ حتّى ُت ْؤمِنَ بِال أوْ أقْتُُلكَ» .
قال :وأنت تقدر على قتلي؟
قال« :اللّهُ َيقْتُُلكَ و َيقْ ُتلُ هَؤلءِ» .
فانصرف أبو جهل وأولئك منكسرين.
عن عروة بن الزبير قال :قلت لعبدال بن عمرو بن العاص :أخبرني بأشدّ شيء صنعه المشركون
برسول ال صلى ال عليه وسلم.
عقْبة بن أبي معيط ،فأخذ بمنكب
قال :بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بفناء الكعبة ،إذ أقبل ُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا ،فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ودفعه عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال :أتقتلون رجلً أن يقول ربي ال ،وقد جاءكم
البينات من ربكم؟
عن عبدال قال :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا على قريش غير يوم واحد.
فإنه كان يصلي ورهطٌ من قريش جلوس ،وسل جزور قريب منه ،فقالوا :مَنْ يأخذ هذا السل
فيلقيه على ظهره.
قال :فقال عقبة بن أبي معيص :أنا .فأخذه فألقاه على ظهره ،فلم يزل ساجدا حتى جاءت فاطمة
فأخذته عن ظهره.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ عل ْيكَ المَلَ من قُرَيْشٍ ،اللهُمّ عَل ْيكَ ِب ُعقْبَةَ ،اللهُمّ عَل ْيكَ
ج ْهلٍ بْنِ هِشَامٍ ،اللهُمّ عَل ْيكَ ِب ُعقْبَةَ بْنِ أَبِي ُمعَيْطٍ ،الل ُهمّ عَلَ ْيكَ بأُ َبيّ بْنِ خََلفٍ
بِشَيْبَةَ ،اللهُمّ عَل ْيكَ بِأبِي َ
َأوْ ُأمَيّةَ بْنِ خََلفٍ» .
قال عبدال :فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر جميعا ثم سحبوا إلى القليب ،غير أبيّ أو أمية فإنه كان
رجلً ضخما فتقطع.
عن ابن إسحاق :لما أجمع المشركون على خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم منعه عمه أبو
طالب ،فمشى جماعة من أشرافهم كعقبة ،وشيبة ،وأبي جهل إلى أبي طالب فقالوا :إن ابن أخيك
قد سب آلهتنا ،وعاب ديننا ،وسفّه أحلمنا ،وضلل آباءنا ،فإما أن تكفه عنا ،وإما أن تخلي بيننا
وبينه ،فإنك على مثل ما نحن عليه من خلفه فنكفيه.
فقال لهم أبو طالب قولً رقيقا ،وردهم ردا جميلً فانصرفوا.
ومضى رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما هو عليه ،فَشَرِي المرُ بينه وبينهم ،فحضّ
بعضهم بعضا عليه ،ثم عادوا إلى أبي طالب فقالوا :ل نصبر على هذا.
فقال له :يا ابن أخي ،إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا وكذا ،فل تحمّلني من المر ما ل أطيق.
شمْسَ في َيمِينّي وَال َقمَرَ فِي َيسَارِي عَلَى أنْ أَتْ ُركَ هذا المْرُ مَا
ضعُوا ال ّ
عمّاهُ ،وال لَو َو َ
فقال« :يَا َ
ظهِ َرهُ اللّهُ أو أهَْلكَ فِيه» .
تَ َركْتُه حتّى ُي ْ
ثم بكى رسول ال صلى ال عليه وسلم وقام ،فلما ولّى ناداه أبو طالب :أقبل إليّ يا ابن أخي.
فأقبل.
فقال :اذهب فقل ما أحببت ،فوال ل أسلمك لشيء أبدا.
فبدأت الحرب ،ووثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ،وقام
أبو طالب في بني هاشم وبني المطلب فدعاهم إلى المنع عن رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وكانوا إذا صلوا ذهبوا إلى الشعاب يستخفون من قومهم فقاتلوهم ،فضرب سعد ابن أبي وقاص
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
رجلً من المشركين بلَحْي جمل فشجه.
فكان أول دم أريق في الِسلم.
عن ابن عباس قال :مرض أبو طالب ،فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم يعوده ،وعند رأسه
مقعد رجل ،فقام أبو جهل وقعد فيه.
قالوا :إن ابن أخيك يقع في آلهتنا.
قال :ما شأن قومك يشكونك؟
عمّ ،أرَدْ ُتهُم عَلَى كَِل َم ٍة وَاحِ َدةٍ َتدِينُ َلهُم العَ َربُ ،ويَؤدّي ال َعجَمُ إل ْيهِم الجِزْ َيةَ» .
قال« :يَا َ
قال :ما هي؟
قال« :لَ اله إلّ اللّهُ» .
فقالوا :أجعل اللهة إلها واحدا.
ونزل{ :ص والقرآن ذِي الذكر} فقرأ حتى بلغ {ص? وَا ْلقُرْءَانِ ذِى ال ّذكْرِ * َبلِ الّذِينَ كَفَرُواْ فِى
عجِبُو?اْ أَن جَآءَهُم مّنذِرٌ
لتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَ َ
شقَاقٍ * كَمْ أَهَْلكْنَا مِن قَبِْلهِم مّن قَرْنٍ فَنَادَو ْا وّ َ
عِ ّز ٍة وَ ِ
عجَابٌ * وَانطََلقَ
شىْءٌ ُ
ج َعلَ الِّلهَةَ الها وَاحِدا إِنّ هَاذَا لَ َ
مّ ْنهُ ْم َوقَالَ ا ْلكَافِرُونَ هَاذَا سَاحِرٌ كَذّابٌ * َأ َ
س ِمعْنَا ِبهَاذَا فِى ا ْلمِلّ ِة الّخِ َرةِ
شىْءٌ يُرَادُ * مَا َ
ا ْلمَلُ مِ ْنهُمْ أَنِ ا ْمشُواْ وَ ْاصْبِرُواْ عَلَى ءَاِلهَ ِتكُمْ إِنّ هَاذَا لَ َ
عذَابِ
شكّ مّن ِذكْرِى بَل ّلمّا َيذُوقُواْ َ
لقٌ * أَءَن ِزلَ عَلَ ْيهِ ال ّذكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَى َ
إِنْ هَاذَا ِإلّ اخْتِ َ
ت وَالّ ْرضِ َومَا بَيَ َن ُهمَا
سمَاوَا ِ
ح َمةِ رَ ّبكَ ا ْلعَزِيزِ ا ْلوَهّابِ * أَمْ َلهُم مّ ْلكُ ال ّ
* أَمْ عِندَ ُهمْ خَزَآئِنُ رَ ْ
عوْنُ
ح وَعَا ٌد وفِرْ َ
فَلْيَرْ َتقُواْ فِى الّسْبَابِ * جُندٌ مّا هُنَاِلكَ َمهْزُومٌ مّن الّحَزَابِ * َكذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُو ٍ
سلَ فَحَقّ
ك الّحْزَابُ * إِن ُكلّ ِإلّ كَ ّذبَ الرّ ُ
ط وََأصْحَابُ لئَ ْيكَةِ ُأوْلَا ِئ َ
لوْتَادِ * وَ َثمُو ُد َو َقوْمُ لُو ٍ
ذُو ا ّ
عقَابِ *
ِ
ل صَيْحَةً واحِ َدةً مّا َلهَا مِن َفوَاقٍ * َوقَالُواْ رَبّنَا عَجّل لّنَا ِقطّنَا قَ ْبلَ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ
َومَا يَنظُرُ هؤلء ِإ ّ
ن وَا ْذكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الّيْدِ إِنّهُ َأوّابٌ * إِنّا سَخّرْنَا الجِبَالَ َمعَهُ ُيسَبّحْنَ
* اصْبِر عَلَى مَا َيقُولُو َ
صلَ
ح ْكمَةَ َوفَ ْ
شدَدْنَا مُ ْلكَهُ وَءَاتَيْنَاهُ الْ ِ
ى وَالِشْرَاقِ * وَالطّيْرَ مَحْشُو َرةً ُكلّ لّهُ َأوّابٌ * وَ َ
شّبِا ْلعَ ِ
سوّرُواْ ا ْل ِمحْرَابَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَى دَاوُودَ َففَزِعَ مِ ْنهُمْ قَالُو ْا لَ
خصْمِ إِذْ َت َ
خطَابِ * وَ َهلْ أَتَاكَ نَ َبؤُا الْ َ
الْ ِ
سوَآءِ الصّرَاطِ *
ط وَا ْهدِنَآ إِلَى َ
شطِ ْ
ق َولَ تُ ْ
حكُمْ بَيْنَنَا بِا ْلحَ ّ
صمَانِ َبغَى َب ْعضُنَا عَلَى َب ْعضٍ فَا ْ
خ ْ
خفْ َ
تَ َ
ج ٌة وَاحِ َدةٌ َفقَالَ َأ ْكفِلْنِيهَا وَعَزّنِى فِى ا ْلخِطَابِ * قَالَ َلقَدْ
سعُونَ َنعْجَ ًة وَلِى َنعْ َ
س ٌع وَتِ ْ
إِنّ َهذَآ َأخِى لَهُ تِ ْ
ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ ِإلّ الّذِينَ
سؤَالِ َنعْجَ ِتكَ ِإلَى ِنعَاجِ ِه وَإِنّ كَثِيرا مّنَ ا ْلخُلَطَآءِ لَيَ ْبغِى? َب ْع ُ
ظََل َمكَ بِ ُ
ت َوقَلِيلٌ مّا ُه ْم وَظَنّ دَاوُودُ أَ ّنمَا فَتَنّاهُ فَاسْ َت ْغفَرَ رَبّ ُه وَخَرّ رَاكِعا وَأَنَابَ *
عمِلُواْ الصّالِحَا ِ
ءَامَنُو ْا وَ َ
حكُمْ
جعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الّ ْرضِ فَا ْ
ك وَإِنّ َلهُ عِندَنَا لَ ُز ْلفَى وَحُسْنَ مَئَابٍ * يادَاوُودُ إِنّا َ
َفغَفَرْنَا َلهُ ذَاِل َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عذَابٌ
بَيْنَ النّاسِ بِا ْلحَقّ وَلَ تَتّبِعِ ا ْل َهوَى فَ ُيضِّلكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِنّ الّذِينَ َيضِلّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ َلهُمْ َ
سمَآ َء وَالّ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِلً ذَاِلكَ ظَنّ الّذِينَ كَفَرُواْ
حسَابِ * َومَا خََلقْنَا ال ّ
شَدِيدُ ِبمَا نَسُواْ َيوْمَ الْ ِ
ج َعلُ الّذِينَ
َفوَيْلٌ لّلّذِينَ َكفَرُواْ مِنَ النّارِ * أَمْ َن ْ
الباب العشرون
في ذكر ما روي عن إيمان أكثم بن صيفي برسول ال صلى ال عليه وسلم :لمّا بلغه خروجه
عن ابن عمير قال :بلغ أكثم بن صيفي مَخْرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأراد أن يأتيه
فأبى قومه أن يَدَعوه ،فقال :مَنْ يبلّغه عني ويبلغني عنه؟
فانتدب رجلن فأتيا النبي صلى ال عليه وسلم فقال :نحن رسل أكثم بن صيفي ،وهو يسألك ،مَنْ
أنت ،وما أنت ،وبم جئت؟
حمّدُ بنُ عَبْدِال ،وأَنَا عَبْدُ ال وَرَسُولُه» ثم تل عليهما {س
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :أنَا م َ
ن وَإِيتَآءِ ذِى ا ْلقُرْبَى وَيَ ْنهَى عَنِ ا ْلفَحْشَا ِء وَا ْلمُ ْنكَرِ وَالْ َبغْى
ل وَالْحْسَا ِ
16ش 90إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْلعَ ْد ِ
ظكُمْ َلعَّلكُمْ تَ َذكّرُونَ }
َيعِ ُ
(النحل)90 :
الية.
فقال :ردّ علينا هذا القول .فرده عليهم حتى حفظوه.
وأتيا أكثم فقال :سألناه عن نسبه ،فوجدناه واسط النسب في مضر ،وقد رمى إلينا كلمات .فلما
سمعهن أكثم قال :يا قوم ،أراه يأمر بمكارمِ الخلق ،وينهى عن ملئمها ،فكونوا في المر
رؤوسا ،ول تكونوا أذنابا ،وكونوا فيه أولً ،ول تكونوا آخرا .فلم يلبث أن حضرته الوفاة.
فقال أكثم :ويلٌ للشجيّ من الخلّي ،يا َلهْف نفسي على أمر لم أدركه ولم َيفُتْني ،ما آسَى عليك بل
على العامة ،يا مالك ،إن الحق إذا قام دفع الباطل.
فتبعه مائة نفس ،وخرج إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما كان في بعض الطريق عمد
حُبيش إلى رواحلهم ،فنحرها وشقّ ما كان معهم من مزادة وهرب ،فجهد أكثمَ العطشُ ،فمات
وأوصى مَنْ معه باتباع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأشهدهم أنه أسلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سعَةً َومَن
جدْ فِى الّ ْرضِ مُرَاغَما كَثِيرا وَ َ
فأنزل فيه{ :س 4ش َ 100ومَن ُيهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللّهِ يَ ِ
غفُورا
يَخْرُجْ مِن بَيْ ِتهِ ُمهَاجِرا إِلَى اللّ ِه وَرَسُولِهِ ُثمّ يُدْ ِركْهُ ا ْل َموْتُ َفقَ ْد َوقَعَ َأجْ ُرهُ عَلىَ اللّ ِه َوكَانَ اللّهُ َ
رّحِيما }
(النساء)100 :
.
قال ابن إسحاق :جميع مَنْ لحقَ بأرض الحبشة سوى أبنائهم الذين خرجوا معهم صغارا أو ولدوا
بها :ن ّيفٌ وثمانون رجلً ،إن كان عمار بن ياسر منهم.
وقال الواقدي :كانوا ثلثة وثمانين رجلً ،ومن النساء إحدى عشرة قُرَشية وسبع غرائب.
عن عمرو بن العاص قال :لما انصرفنا مع الحزاب عن الخندق جمعتُ رجالً من قريش كانوا
يرون مكاني ويسمعون منّي ،فقلت لهم :تعلمون وال إني لَرى أمرَ محمد يعلو المورَ علوّا
مُنْكرا ،وإني قد رأيت رأيا فما ترون فيه؟
قالوا :وما رأيتَ؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :رأيتُ أن نَلْحق بالنجاشي فنكون عنده ،فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي ،فإنا أن
نكون تحت يده أحبّ إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ،وإن ظهر قومنا فنحن ممّن عَ َرفْنا فلن
يأتينا منهم إل خير.
فقالوا :إن هذا الرأيُ.
قلت :فاجمَعوا ما ُن ْهدِي له ،وكان أحبّ ما ُي ْهدَى إليه من أرضنا الدَم فجمعنا له أدَما كثيرا.
ضمْري ،وكان رسول ال
ثم خرجنا حتى ق ِدمْنا عليه ،فوال إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية ال ّ
صلى ال عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه ،قال :فدخل عليه ثم خرج من عنده.
قال :قلت لصحابي :هذا عمرو بن أمية ،لو قد دخلتُ على النجاشي لسألته إياه فأعطانيه فضربت
عنقه ،فإذا فعلتُ ذلك رأت قريش أني قد أجَ َز ْأتُ عنها حين قتلتُ رسولَ محمد.
قال :فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ،فقال :مرحبا بصديقي ،أهديتَ لي من بلدك شيئا؟
قال :قلت :نعم أيها الملك ،قد أهديت لك أدَما كثيرا.
قال :ثم قدّمته إليه فأعجبه واشتهاه ،ثم قلت :أيها الملك إني قد رأيت رجلً قد خرج من عندك،
وهو رسولُ رجلٍ عدوَ لنا ،فأعطنيه لقتله ،فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا.
قال :فغضب ثم مدّ يده فضرب أنفه ضربةً ظننت أنه قد كسره ،فلو انشقت لي الرض لدخلت
فيها فَرَقا منه.
مرحبا بكم وبمن جئتم من عنده ،أشهد أنه رسول ال ،فإنه الذي نجد في الِنجيل ،وإنه الذي بشّر
به عيسى بن مريم ،انزلوا حيث شئتم ،وال لول ما أنا فيه من المُلْك لتيته حتى أكون أنا َأحْمل
نعليه وأمر بهدايا الخرين فردّت إليهم.
سقِط في
فأرسلوا إلى الصحيفة ،فلما فتحوها إذا هي كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ف ُ
أيدي القوم ،ثم ُنكِسوا على رؤوسهم ،فقال أبو طالب :هل تبيّن لكم أنكم َأوْلى بالظلم والقطيعة.
فلم يراجعه أحد منهم .ثم انصرفوا.
رواه محمد بن سعد عن أشياخ له.
والثاني :أن هشام بن عمرو بن الحارث العمري مشى إلى زُهَير بن أبي أمية بن المغيرة ،فقال:
يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء ،وأخوالك حيث قد علمتَ ل
يبتاعون ول يُبْتَاع منهم ،ول يَنْكحون ول يُنْكح إليهم أمَا إني أحلف بال لو كان أخوال أبي الحكم
بن هشام ،ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا.
قال :ويحك يا هشام ،فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد ،وال لو كان معي آخر لقمتُ في َنقْضها.
قال :قد وجدتَ رجلً.
قال :مَنْ هو؟
قال :أنا.
قال :ابغنا ثالثا.
فذهب إلى ال ُمطْعم بن عديّ ،فقال له :يا مطعم ،أرضيتَ أن تهلك بَطْنان من بني عبد مناف ،وأنت
موافق لقريش في ذلك
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :ويحك ماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد.
قال :قد وجدتُ ثالثا.
قال :مَنْ هو؟
قال :زهير بن أمية.
قال :ابغِنا رابعا.
فذهب إلى أبي ال َبخْتَ ِريّ بن هشام فقال له نحوا مما قال للمُطْعم بن عدي ،فقال :وهل من أحد
ُيعِين على هذا؟
قال :نعم ،زُهَير ،والمطعم ،وأنا معك.
قال :ابغنا خامسا.
فذهب إلى َزمْعة بن السود فكلمه .فقال :وهل على هذا المر أحد؟
قال :نعم .فسمّى له القومَ.
فاتّعدوا واجتمعوا ،وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها.
فغدا زُهير فطاف ثم قال :يا أهل مكة ،إنا نأكل الطعام ،ونشرب الشراب ،ونلبس الثياب ،وبنو
شقّ هذه الصحيفة الظالمة القاطعة.
هاشم هَ ْلكَى ،وال ل أقعد حتى تُ َ
فقال أبو جهل :كذبت وال ل تُشق.
فقال َزمْعة :أنت وال أكْ َذبُ ،ما رضينا كتابتها حين كُتبت.
فقال أبو ال َبخْتَريّ :صدق زَمعة ،ل نرضى ما كتب فيها ول نقرّ به.
فقال :المطعم :صدقتما وكذب من قال غير ذلك ،نَبْرأ إلى ال منها ومما كُتب فيها.
وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك.
فقال أبو جهل :هذا أمرٌ ُقضِي بليل وتُشُووِرَ فيه بغير هذا المكان.
فقام مطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الرضة قد أكلتها إلّ ما كان من «باسمك اللهم».
وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم فشْلّت يده.
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم النحر وهو بمنًى« :نَحْنُ نَازِلُونَ غَدا
سمُوا عَلَى ال ُكفْرِ» .
بِخَ ْيفِ بَنِي كِنَانَةَ حَ ْيثُ َتقَا َ
يعني بذلك :المحصّب .وذلك أن قريشا وكنانة تحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألّ يناكحوهم
ول يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم.
عن عمرو :أن الوليد بن المغيرة قال :قد سمعت الشعر رجزه وقريضه فما سمعت مثل هذا؛
يعني :القرآن ،ما هو بشعر ،إن عليه لطلوة وإن له لنورا ،وإنه يعلو وما ُيعْلَى.
عن عكرمة :أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه َرقّ
له ،فبلغ ذلك أبا جهل ،فأتاه فقال :أي عم ،إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالً.
قال :ولم؟
قال :ليعطوكه فإنك أتيت محمدا تتعرض لما نقوله.
قال :قد علمت قريش أني من أكثرها مالً.
قال :فقل له قولً يَبْلغ قومَك أنك مِنْكر لما قال وأنك كاره له.
قال :وماذا أقول فيه؟ فوال ما منكم أعلم بالشعار مني ،وال ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا،
وال إن لقوله لحلوة وإن عليه لطلوة ،وإنه لمُثْمر أعله ُمغْدِقٌ أسفله ،وإنه ل َيحْطِم ما تحته ،وإنه
لَيْعلو وما ُيعْلَى.
طفَيل بن عمرو ال ّدوْسي يحدّث :أنه قدم مكة ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم بها ،فمشى
وكان ال ّ
طفَيل ،إنك ق ِدمْت بلدَنا
إليه رجال من قريش ،وكان الطفيل رجلً شريفا شاعرا لبيبا ،فقالوا له :يا ُ
ضلَ بنا ،وفَرّق جماعتنا ،وإنما قوله كالسّحر ،يفرق بين
ع َ
ظهُرنا قد أَ ْ
وهذا الرجل الذي بين أَ ْ
الرجل وبين أبيه ،وبين الرجل وبين أخيه ،وبين الرجل وزوجته ،وإنما َنخْشَى عليك وعلى قومك
ما قد دخل علينا ،فل تكلّمه ول تسمع منه.
قال :فوال ما زالوا بي حتى أجمعتُ على ألّ أسمع منه شيئا ول أكلّمه ،حتى حشوتُ أُذنيّ حين
غَدوت إلى المسجد كُرْسُفا ،فَرَقا من أن يَبْلغني شيء من قوله ،وأنا ل أريد أن أسمعه.
قال :فغدوتُ إلى المسجد ،فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائمٌ يصلّي عند الكعبة.
قال :فقمت قريبا منه ،فأبَى ال إل أن يُسْمعني بعضَ قوله.
خفَى عليّ
حسَنا ،فقلت في نفسي :وا ُثكْل أمي وال إني لرجل لبيب شاعر ما يَ ْ
قال :فسمعت كلما َ
حسَنُ من القبيح ،فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ،فإن كان الذي يأتي به حسنا
ال َ
قَبِلْتُهُ ،وإن كان قبيحا تركته.
قال :فمكثت حتى انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بيته ،فاتبعته حتى دخلت عليه،
فقلت :يا محمد ،إن قومك قالوا لي كذا وكذا .للذي قالوا ،فوال ما برحوا يخوّفونني أمرَك حتى
ت قولً حسنا ،فأعرض
سَ َد ْدتُ أذني بكُرْسُف لئل أسمع قولَك ،ثم أبَى ال إل أن يُسْمعنيه ،فسمع ُ
عليّ أمرَك.
ي الِسلم ،وتل عليّ القرآن ،فوال ما سمعت قولً قط أحسنَ ول أمرا أعدلَ منه.
قال :فعرض عل ّ
قال :فأسلمتُ وشهدتُ شهادة الحق ،وقلت :يا نبي ال ،إني أمرؤ مُطاع في قومي ،وأنا راجع إليهم
وداعيهم إلى الِسلم ،فادعُ ال أن يجعل لي آية لتكون لي عَونا عليهم فيما أدعوهم إليه.
ج َعلْ َلهُ آيَةً» .
قال :فقال« :اللهُمّ ا ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيّة ُتطْلِعني على الحاضر وقع نورٌ بين عينيّ مثل
المصباح.
قال :فقلت :اللهم اجعله في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوا أنها مُثْل ٌة وقعت في وجهي لفراقي
دِينَهم.
عن سعيد بن المسيّب قال :لما احتضِر أبو طالب أتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم وعنده
ظمُ
عبدال ابن أبي أُمية ،وأبو جهل بن هشام ،فقال له النبي صلى ال عليه وسلم« :يَا عَمّ ،إنّك أعَ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جبُ َلكَ بهَا
عَليّ حَقا من وَاِلدِيَ ،فقُلْ كَِلمَةً َت ِ
عظَمُ َ
حسَ ُنهُم عِ ْندِي يَدًا ،ولَ ْنتَ أَ ْ
حقّا وأ ْ
النّاسَ عََليّ َ
شفَاعَةَ َيوْمَ القِيَامَةِ ،قُل :ل اله إلّ اللّهُ» .
ال ّ
فقال له :أتَرْغَب عن ملة عبد المطلب؟
فقال :أنا على ملة عبد المطلب ومات.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :وال لءَسْ َت ْغفِرَنّ َلكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَ ْنكَ» .
فأنزل ال تعالى { :ما كان للنبيّ والذين آمَنُوا أن َيسْ َتغْفروا للمشركين ولو كانوا أولي قُرْبَى} إلى
ن وََلوْ كَانُو?اْ
ى وَالّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْ َت ْغفِرُواْ لِ ْلمُشْ ِركِي َ
قوله{ :س 9ش /113ش 114مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ
جحِيمِ * َومَا كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِي َم لّبِيهِ ِإلّ عَن
ُأوْلِى قُرْبَى مِن َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ الْ َ
لوّاهٌ حَلِيمٌ }(التوبة 113 :ـ
ّموْعِ َد ٍة وَعَدَهَآ إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِي َم َ
)114
شهَدُ َلكَ ِبهَا
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمهُ « :قلْ :لَ اله إل اللّهُ أ ْ
عِنْدَ ال َيوْمَ القِيَامَةِ» .
حمَله على ذلك الجَزَع لقرَ ْرتُ بها عَيْنك.
ش فيقولون إنما َ
فقال :لول أن تعيّرني قري ٌ
ت وَلَاكِنّ اللّهَ َيهْدِى مَن َيشَآ ُء وَ ُهوَ أَعَْلمُ
ك لَ َتهْدِى مَنْ َأحْبَ ْب َ
فأنزل ال عز وجل{ :س 28ش 56إِ ّن َ
بِا ْل ُمهْتَدِينَ }
(القصص)56 :
.
انفرد بإخراجه مسلم.
وهكذا رُوي لنا الجَزَع ـ بالجيم والزاي ـ وأهل اللغة ينكرون ذلك .قال ثعلب :إنما هو الخَرَع
ـ بالخاء والراء ـ وهو الضعف والخوَر.
صعَير العُذْري قال :قال أبو طالب :يا ابن أخي ،لول رهبة أن تقول
عن عبدال بن ثعلبة بن ُ
قريش وهرني الجَزَع فتكون سُبّةً عليك وعلى بني أبيك ،لفعلت الذي تقول ،وأقررت بها عينك ِلمَا
أرى من شكرك َووَجْدك بي ونصيحتك لي.
ثم إن أبا طالب دعا بني عبد المطلب فقال :لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمد صلى ال عليه
وسلم ،وما اتبعتم أمرَه فاتّبِعوه وأعينوه تَرْشدوا.
سكَ؟» .
عهَا لِ َنفْ ِ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لِمَ تَأمُرْ ُهمْ ِبهَا وتَدَ ُ
فقال أبو طالب :أما إنك لو سألتني الكلمة وأنا صحيح لبايعتك على الذي تقول ،ولكن أكره أن
أَجْزَع عند الموت فترى قريش أني أخذتها جَزَعا وردَدْتها في صحتي.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن علي قال :أخبرتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بموتِ أبي طالب فبكى ،ثم قال« :اذْ َهبْ
حمَه» .
غفَرَ اللّهُ لهُ وَرَ ِ
فَاغْسِلْهُ وكَفّنْ ُه وَا ْدفِنْهُ َ
قال :ففعلت.
قال :وجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يستغفر له أياما ول يخرج من بيته ،حتى نزل عليه
ن وََلوْ كَانُو?اْ
ى وَالّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْ َت ْغفِرُواْ لِ ْلمُشْ ِركِي َ
جبريل بهذه الية{:س 9ش 113مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ
جحِيمِ }
ُأوْلِى قُرْبَى مِن َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمْ أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ الْ َ
(التوبة)113 :
الية.
قال علي :فأمرني رسول ال صلى ال عليه وسلم فاغتسلت.
عن علي قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فقلت :إن عمك الشيخ الضال مات.
قال« :اذهب فواره ول تُحْدث شيئا حتى تأتيني» .
فأتيته فقلت له ،فأمرني فاغتسلت ،ثم دعا لي بدعوات ما يسرّني ما عُرِض بهن من شيء.
عن ابن عباس قال :عارضَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم جنازة أبي طالب فقال« :وصَلَ ْتكَ
حمٌ ،وجَزَاكَ اللّهُ خَيْرًا يَا عَمّ» .
رَ ِ
عن العباس بن عبد المطلب قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول ال ،عمّك
أبو طالب ،كان يغضب لك ويمنعك ،هل ينفعه ذلك؟
س َفلِ منَ النّارِ» .
ك الَ ْ
حضَاحٍ منْ نَارٍ ،وََل ْولَ أنَا َلكَانَ فِي الدّ ْر ِ
قالَ « :نعَمُْ ،هوَ فِي ضَ ْ
أخرجاه في الصحيحين.
عن محمد بن كعب القُرَظي قال :بلغني أنه لما اشتكى أبو طالب شكواه الذي قبض فيه قالت
قريش :يا أبا طالب ،أرسل إلى ابن أخيك فيرسل إليك من هذه الجَنّة التي يذكر بشيء يكون لك
شفاء.
قال :فخرج الرسول حتى وجد رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،وأبو بكر معه جالس ،فقال :يا
محمد ،عمّك يقول لك :يا ابن أخي إني كبير ضعيف سقيم ،فأرسل إليّ من جَنّتك هذه التي تَذْكر
من طعامها وشرابها بشيء يكون لي فيه شفاء.
قال أبو بكر :إن ال حَرّمها على الكافرين.
فرجع إليهم فأخبرهم .فقال :قد بلّغت محمدا الذي أرسلتموني فلم ُيجِزْ لي شيئا ،فقال أبو بكر :إن
ال حرمها على الكافرين .فسكت محمد.
فحملوا أنفسهم عليه حتى يرسل رسولً من عنده ،فوجدت الرسول في مجلسه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فقال له مثل ذلك ،فقال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ اللّهَ حَ ّر َمهَا عَلَى الكَافِرِينَ
طعَا َمهَا وَشَرَا َبهَا» .
َ
ل فقال« :خلّوا عن عمي» .
ثم قام في أثر الرسول حتى دخل معه البيت فوجده مملوءًا رجا ً
فقالوا :ما نحن بفاعلين ،وما أنت بأحق به منا ،إن كانت لك قرابة فإن لنا قرابة مثل قرابتك.
صغِيْرا وحضَنْتَنِي كَبِيراَ ،فجُز ْيتَ عَنّي خَيْرا يا
عمّ ،جُزِ ْيتَ خَيْراَ ،كفَلْتَنِي َ
فجلس إليه فقال« :يَا َ
شفَعُ َلكَ ِبهَا ع ْندَ ال َيوْ َم القِيَامَةِ» .
سكَ ِبكَِلمَ ٍة وَاحِ َدةٍ ،أ ْ
عمّاهُ ،أعِنّي عَلَى َنفْ ِ
َ
قال :وما هي يا بن أخي؟
ل لَ اله ِإلّ اللّهُ وحْ َد ُه لَ شَرِ ْيكَ لَهُ» .
قالُ « :ق ْ
قال :إنك لي لَنَاصح ،وال لول تُعيّر بها بعدي فيقال :جَزِع عمّك عند الموت .لقرَ ْرتُ بها عينَك.
قال :فصاح القوم :يا أبا طالب ،أنت رأسُ الحنيفية ملة الشياخ.
فقال :أنا على ملة الشياخ ،ل تحدّث قريشٌ أن عمك جَزِع عند الموت.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَ أزَالُ أسْ َتغْفِرُ َلكَ رَبّي حَتّى يَ ُردّنِي» .
فاستغفر له بعدما مات .فقال المسلمون :ما يمنعنا أن نستغفر لبائنا ولذوي قرابتنا ،وقد استغفر
إبراهيمُ لبيه ،وهذا محمد يستغفر لعمه؟ فاستغفروا للمشركين حتى نزلت الية{ :س 9ش 113مَا
ن وََلوْ كَانُو?اْ ُأوْلِى قُرْبَى مِن َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َل ُهمْ أَ ّنهُمْ
ى وَالّذِينَ ءَامَنُو?اْ أَن يَسْ َت ْغفِرُواْ لِ ْلمُشْ ِركِي َ
كَانَ لِلنّ ِب ّ
َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ } (التوبة)113 :
حتى فرغ من الية.
فمكث رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أياما كذلك ،يذهب ويأتي ،ول يعترض له أحد من قريش،
عقْبة بن أبي ُمعَيط وأبو جهل إلى أبي لهب فقال له :أخبرك ابنُ أخيك
وهابُوا أبا لهب ،إذ جاء ُ
أيْنَ مُدْخل أبيك؟
فقال له أبو لهب :يا محمد ،أين مدخل عبد المطلب؟
قال« :مَعْ َق ْومِهِ» .
قال :فخرج أبو لهب إليهما ،فقال :قد سألتُه فقال :مع قومه.
فقال :يزعم أنه في النار
فقال :يا محمد ،أيدخل عبد المطلب النار؟
خلَ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :نعَمْ ،ومَنْ مَاتَ عَلَى مِ ْثلِ مَا مَاتَ عَلَيْه عَبْدُ المُطِّلبِ َد َ
النّارَ» .
حتُ لك عدوّا أبدا وأنت تزعم أن عبد المطلب في النار .فاشتد عليه
فقال أبو لهب :وال ل بَ ِر ْ
وسائرُ قريش.
عن محمد بن جبير بن مُطْعم قال :لما توفي أبو طالب تناولت قريش من رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فخرج رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إلى الطائف.
الباب الثلثون
في دخول رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة لمّا رجع من الطائف
لمّا رجع رسولُ ال صلى ال عليه وسلم من الطائف أرسل إلى الخْنَس بن شَرِيق ،فقالَ « :هلْ
أنتَ مُجِيْرِي حَتّى أبلّغَ رَسَاَلةَ رَبّي؟» .
فقال الخنس :إن الحليف ل يجير على الصّريح.
سهَيل بن عمرو فقل له :إن محمدا يقول لك :هل أنت ُمجِيري حتى أبلّغ رسالةَ
فقال للرسول :أيت ُ
ربي؟ فأتاه ،فقال له ذلك (فقال) :إن بني عامر بن لؤي ل تجير على بني كعب.
طعِم بن عَديّ .فقل له :إن محمدا
قال :فرجع إلى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره ،فقال :أيت المُ ْ
يقول لك :هل أنت مُجيري حتى أبلّغ رسال َة ربي؟.
قال :نعم فليَدْخل.
فرجع إليه فأخبره.
وأصبح المطعم بن عدي قد لبس سلحه هو وبنوه وبنو أخيه ،فدخل المسجد ،فلما رآه أبو جهل
قال :أمجيرٌ أم تابع؟
قال :بل مجير.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :أجَرْنا من أجرتَ.
فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فانتهى إلى الركن فاستلمه وصلى ركعتين وانصرف إلى
بيته ،ومطعم وأولده مُطيفون به.
ط َعمُ
عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ« :لوْ كَان المُ ْ
لطَْلقْتُهُم لَهُ» .
ابنِ عَ ِديّ حيّا َفكَّلمَنِي في هَؤلِء النّتْنَىَ ،يعْنِي أَسَارَى بَدْرٍَ ،
وقال جابر بن عبدال :مكث رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بمكة عشر سنين يتّبع الناسَ في
منازلهم بعكاظ ومِجَنّة وفي المواسم يقول« :مَن يُؤوِينِي مَن يَ ْنصُرُنِي؟» .
جلٌ
عن جابر بن عبدال قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم يعرض نفسه بالموقف ويقول« :ألَ َر ُ
حمِلُنِي إلَى َق ْومِه ،فإنّ قُرَيْشَا قَدْ مَنَعوُنِي أَنْ أبَلّغَ كَلَمَ رَبّي» .
يَ ْ
فصل
ربما عَرَض لملحد أو قليل الِيمان فقال :ما وَجْه احتياج الرسول أن يدخل في خفارة كافر ،وأن
يقول في المواسم :من يؤويني؟
فلو كان أمره حقّا كان مُرْسلُه ينصره.
فيقال له :قد ثبت أن الِله القادر ل يفعل شيئا إل لحكمة.
فإذا خفيت حكمةُ ِفعْله عنا وجب علينا التسليم له.
وما جرى للرسول إنما صدَر عن الحكيم الذي أقام قوانينَ الكلّيات ،وأدار الفلك ،وأجرى المياه
حكَمٍ ل خلل فيه.
وأرسل الرياح ،بتدبير ُم ْ
حكَما ،إن تلمّحْنا
فإذا رأينا رسوله يشدّ الحَجَر من الجوع و ُيقْهر ويُؤذَى ،علمنا أن تحت ذلك ِ
بعضَها لحت من خلل سُجُف البلء حكمتان:
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
إحداهما :اختبار المبتَلَى ليَسْكن قلبُه إلى الرضا بالبلء ،فيؤدّي القلبُ ما كلّف من ذلك.
والثانية :بثّ الشبهة من خِلَل الحجج ليُثَاب المجتهد في دفع الشبه.
عن ابن جُميع قال :لما حضرت أوسَ بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر الوفاة قالوا له :قد
كنا نأمرك بالتزويج في شبابك فتأبى ،وهذا أخوك الخزرج له خمس بنين ،وليس لك غير مالك.
فقال :لن يهلك هالك تَرك مثلَ مالك.
وأنشد:
ألمْ يَ ْأتِ َقوْمي أنّ ل دَعْوةً
يفوزُ بها أهلُ السعادةِ والبِرّ
إذا ُبعِث المبعوثُ مِنْ آلِ غالبٍ
بمكةَ فيما بَيْنَ زَمز َم والحِجْرِ
هنالك فابغُوا نصرَه ببلدكم
بني عامرٍ إِنّ السعادة في النصرِ
وكان أولئك الذين عرض عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم يسمعون من اليهود أنه قد أظلّ
ن نبي.
زما ُ
فلما كلّمهم قال بعضهم لبعض :وال إنه للنبي الذي َتعِدكم يهودُ فل يسبقنكم إليه.
فأجابوه وانصرفوا راجعين إلى بلدهم قد آمنوا.
عفْراء ،ورافع بن مالك ،وقُطْبة بنِ عامر( ،وعُقْبة
وكانوا ستة نفر :أسعد بن زُرَارة ،وعوف بن َ
بن عامر) ،وجابر بن عبدال بن رِئاب.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فلما قدموا المدينةَ على قومهم ذكروا لهم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ودعوهم إلى الِسلم
حتى فشا فيهم.
فلما كان من العام المقبل قدم من النصار اثنا عشر رجلً ،فلقوه بالعقَبة ،منهم الستة الذين تقدم
عفْراء ،و َذ ْكوَان بن عبد قيس ،وعُبَادة بن الصامت ،ويزيد بن
ذِكرهم سوى جابر ،ومُعاذ بن َ
َثعْلبة ،وعباس بن عبادة ،وعُوَيم بن ساعدة ،وأبو الهيثم بن التّيّهان.
فبايعهم رسولُ ال صلى ال عليه وسلم.
قال عُبَادة بن الصامت :بايعنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ليل َة العقَبة ونحن اثنا عشر رجلً أنا
أحدُهم ،فبايعناه بيعةَ النساء على أن ل ُنشْرك بال شيئا ،ول نسرق ،ول نزني ،ول نقتل أولدَنا،
ول نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ،ول نعصيه في معروف ،وذلك قبل أن ُتفْرض الحرب،
فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة ،وإن غشيتم شيئا فأمرُكم إلى ال ،فإن شاء غفر وإن شاء عذّب.
طلَقَ بينَ جِبْرِيلَ حتّى أتَى السّماءَ الدّنيَا ،فاسْ َتفْتَحَ َفقِيل :مَنْ هَذا؟ قَال :جِبْرِيلُ .قِيْلَ :ومَن
قال« :فَانْ َ
سلَ إِلَيْه؟ قالََ :نعَم .قِيلَ :مَرْحَبا بِه و ِنعْمَ ال َمجِيءِ جَاءَ» .
حمّدٌ .قِيلَ :أ َوقَدْ أُرْ ِ
َمعَك؟ قَالَ :مُ َ
صتُ إذا فِيها آ َدمُ .قَالَ :هَذا أبوكَ آدَمُ َفسَلّمْ عَلَيهِ .فَسَّل ْمتُ عَلَيه ،فَ َردّ السّلمَ ثمَ
قالَ « :ففَتَحَ ،فَلمّا خَُل ْ
قَال :مَ ْرحَبا بِالِبنِ الصّالِحِ والنّ ِبيّ الصّالِحِ» .
صعَدَ حَتّى أتَى السّماءَ الثّانِيَة ،فَاسْ َتفْتَحَ فَقِيل :مَنْ هَذا؟ قَالَ :جِبْرِيلُ .قِيل :ومَنْ َمعَك؟ قَالَ:
«ثُ َم َ
سلَ إِليه؟ (قَالََ :نعَمَ) قِيل :مَرْحَبا به و ِنعْمَ المَجِيء جَاءَ .قَالَ :ففَتَحَ» .
حمّد .قِيلَ :أ َوقَدْ أُ ْر ِ
مُ َ
صتُ إذا بِ َيحْيَى وعِيْسَى وَهُما ابْنَا الخَاَلةِ ،قَال :هذا َيحْيَى وعِيْسَى ،فَسَلّمْ عَلَي ِهمَا .قَالَ:
«فَلمّا خَُل ْ
فَسَّل ْمتُ فَرَدّا السّلمَ ُثمَ قَالَ :مَ ْرحَبَا بالخِ الصّالِحِ والنّ ِبيّ الصّالِحِ» .
صعَدَ حَتّى أَتَى السّماءَ الثّالِثَة فَاسْ َتفْتَحَ َفقِيل :مَنْ هذا؟ قَال :جِبْرِيلُ .قيل :ومَنْ َمعَك؟ قَال:
«ثُ َم َ
سلَ إِليْهِ؟ قَالََ :نعَمْ .قِ ْيلَ :مَرْحَبا بِه وَ ِنعْمَ المَجِيءِ جَاءَ .قَالَ :ففَتَحَ» .
حمّد .قِيلَ :أ َوقَدْ أُ ْر ِ
مُ َ
سفَ َفسَلّمْ عَلَيهِ .فَسَّل ْمتُ عَلَيهِ فَ َردّ السّلمَ ،ثُمَ قَال :مَرْحَبا
سفَ ،قَالَ :هَذا يو ُ
صتُ إذا يُو ُ
«فََلمّا خَُل ْ
بالَخِ الصّالِحِ والنّبيّ الصّالِحِ» .
سمَاءَ الرّا ِبعَةَ ،فَاسْ َتفْتَحَ َفقِيل :مَنْ هذا؟ قَال :جِبْرِيلُ .قِيل :ومَنْ َمعَك؟ قَال:
صعَدَ حَتّى أتَى ال ّ
«ثُ َم َ
سلَ إِلَيْه؟ قَالََ :نعَمْ .قِيل مَرْحَبا بِه وَ ِنعْمَ المَجِيءِ جَاءَ .قَالَ :ففَتَح» .
حمّد .قيلَ :أ َوقَدْ أُ ْر ِ
مُ َ
سّل ْمتُ عَلَيه فَرَدّ السّلمَ،
صتُ إذا إدْرِيْسَ عَلَيهِ السّلمُ ،قَالَ :هاذا ِإدْرِيْسُ فَسَلّمْ عَلَيهِ قَال :فَ َ
«فَلمّا خَُل ْ
ح والَخِ الصّالِحِ» .
ثُمَ قَال :مَرْحَبا بالنّ ِبيّ الصّالِ ِ
سمَاءَ الخَا ِمسَةَ ،فَاسْ َتفْتَحَ َفقِيلَ :مَنْ هَذا؟ قَالَ :جِبْرِ ْيلُ .قِيل :ومَنْ َمعَك؟
صعَدَ حَتّى أتَى ال ّ
قال« :ثُمَ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سلَ إِلَ ْيهِ؟ قَالََ :ن َعمْ .قِ ْيلَ :مَ ْرحَبَا بِه و ِنعْمَ المَجِيءِ جَاءَ .قَالَ :ففَتَحَ فََلمّا
حمّدٌ .قِيلَ :أ َوقَدْ أُرْ ِ
قالُ :م َ
صتُ فإِذَا هَارُونَ .قَالَ :هَذا هَارُونُ فَسَلّم عَلَيْهِ فَسَّل ْمتُ عَلَيهِ ،فَرَدّ السّلمُ وقَالَ :مَرْحَبا بالنّ ِبيّ
خَُل ْ
ح والَخِ الصّالِحِ» .
الصّالِ ِ
سمَاءَ السّادِسَةَ ،فَاسْ َتفْتَحَ َفقِيل :مَنْ هذا؟ قَالَ :جِبْرِيْل .قِيل :ومَنْ َمعَك؟
صعَدَ حَتّى أَتَى ال ّ
قال« :ثُمَ َ
سلَ إِليْه؟ قَالََ :نعَم .قِيل :مَ ْرحَبا بِه و ِنعْمَ المَجِيءِ جَاءَ» .
حمّدٌ .قِيلَ :أ َوقَدْ أُرْ ِ
قَالَُ :م َ
صتُ إذَا مُوسَى عَلَيهِ السّلمُ قِيل :هَذا مُوسَى فَسَلّمْ عَلَيهِ ،فَسَّل ْمتُ عَلَيهِ ،فَقَال :مَرْحَبا
«فََلمّا خَُل ْ
ح والَخِ الصّالِحِ» .
بِالنّ ِبيّ الصّالِ ِ
خلُ الجَنّةَ مِن ُأمّتِه َأكْثرُ ِممّا
«فَلمّا َتجَاوَ ْزتُ َبكَىَ ،فقِيلَ لَه :ما يُ ْبكِ ْيكَ؟ قَالَ :غُلمٌ ُب ِعثَ َبعْدي َيدْ ُ
خلُ من ُأمّتِي» .
يَ ْد ُ
صعَدَ حَتّى أَتَى السّماءَ السّا ِبعَةَ ،فَاسْ َتفْتَحََ .فقِيل :مَنْ هاذا؟ قَالَ :جِبْريْل .قِيل :ومَنْ َمعَك؟
قال« :ثُمَ َ
سلَ إِل ْيهِ؟ قَالََ :ن َعمْ .قِ ْيلَ :مَ ْرحَبا بِه ،و ِنعْمَ المَجِيءِ جَاءَ .قَالَ :ففَتَحَ» .
حمّدٌ .قِيلَ :أ َوقَدْ أُرْ ِ
قِيلُ :م َ
صتُ إذَا إبْرَاهِيمَُ ،فقَال :هَذا إبْرَاهِيمُ َفسَلّمْ عَلَيهِ .فَسَّل ْمتُ عَلَيه فَ َردّ السّلمَ ثُمّ قَالَ :مَرْحَبا
«فََلمّا خَُل ْ
بالبْنِ الصّالِحِ والنّ ِبيّ الصّالِحِ» .
سدْرةُ المُنْ َتهَى ،فَإذَا نَ ْبقُها مِ ْثلُ قِلَل َهجَر ،وإذا وَ َرقُها مِ ْثلُ آذانِ الفِيَلَةِ .قَال:
قال« :ثُمَ ُر ِف َعتَ لي ِ
ن و َنهْرَانِ ظَاهِرَانِ ( َفقُلْتُ :مَا هذانِ يَا
هذه سِدْ َرةُ المُنْ َتهَى .قَالَ :وإذَا أَر َبعَةُ أ ْنهَارٍَ ،نهْرَانِ بَاطِنَا ِ
ل والفُرَاتُ» .
جِبْرِ ْيلُ قال ):أمّا البَاطِنَان فَ َنهْرَانِ في الجَنّةِ ،وأما الظّاهِرانِ فالنّ ْي ُ
قال« :ثُمَ ُرفِعَ ِليَ البَ ْيتُ ال َم ْعمُورُ» .
قال قَتادة :وحدثنا الحسن ،عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه رأى البيتَ المعمور
يدخله كلّ يوم سبعون أَلف ملك ثم ل يعودون فيه.
سلٍ ،قَالَ:
خمْرٍ ،وَإِناءٍ مِنْ لَبَنٍ ،وإِنَاءٍ مِنْ عَ َ
ثم رجع إلى حديث أنس قال« :ثُمَ أُتِ ْيتُ بِإنَاءٍ مِنْ َ
خ ْذتُ الّلبَنَ ،قَالَ :هذِه الفِطْ َرةُ أ ْنتَ عَلَ ْيهَا وُأمّتُك» .
فأَ َ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ» .
خ ْمسُونَ صَ َ
قال« :ثُمَ فُ ِرضَتْ عََليّ َ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ .قَالَ :إنّ
ن صَ َ
خمْسِي َ
ج ْعتُ َفمَرَ ْرتُ عَلَى مُوسَى َفقَالَِ :بمَ ُأمِ ْرتَ؟ قُلتُُ :أمِ ْرتُ ِب َ
قال« :فَرَ َ
جتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدّ ال ُمعَاَلجَةِ
لةً ،وإنّي قَدْ خَبِ ْرتُ النّاسَ قَبَْلكَ وعَالَ ْ
ن صَ َ
خمْسِي َ
ُأمّ َتكَ لَ َتسْتَطِيْعُ َ
لمّ ِتكَ» .
خفِيفَ ُ
فَارْجِعْ إلى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
لةٍ
ن صَ َ
ج ْعتُ إلى مُوسَى قَالَِ :بمَ ُأمِ ْرتَ؟ قُلتُ :بِأَرْ َبعِي َ
ج ْعتُ َف ُوضِعَ عَنّي عَشْرا آخَر ،ف َر َ
قال« :فَرَ َ
جتُ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ ،وَإِنّي قَدْ خَبِ ْرتُ النّاسَ قَبََلكَ ،وعَالَ ْ
ن صَ َ
ُكلّ َيوْمٍ .قَالَ :إنّ ُأمّ َتكَ ل تَسْ َتطِيعُ أرْبَعي َ
لمّ ِتكَ» .
ف ُ
خفِي َ
جةِ ،فَارْجِعْ إلَى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
شدّ ال ُمعَالَ َ
بَنِي إسْرَائِيلَ أ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ج ْعتُ إلَى مُوسَى َفقَال :بِمَ ُأمِ ْرتَ؟ قُلتُُ :أمِ ْرتُ بِثَلثِينَ
ج ْعتُ َف ُوضِعَ عَنّي عَشْرا آخَر ،فَ َر َ
قال« :فَرَ َ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ ،وإنّي َقدْ خَبِ ْرتُ النّاسَ قَبَْلكَ،
ن صَ َ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ .قَالَ :إنّ أمّ َتكَ ل تَسْ َتطِيعُ لثَلثِي َ
صَ َ
لمّ ِتكَ» .
خفِيفَ ُ
جةِ ،فَارْجِعْ إلى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
شدّ ال ُمعَالَ َ
جتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أ َ
وعَالَ ْ
ج ْعتُ إلَى مُوسَى قَالِ :بمَ ُأمِ ْرتَ؟ قُلتُُ :أمِ ْرتُ ِبعِشْرينَ
ج ْعتُ َف ُوضِعَ عَنّي عَشْرا آخَر ،فَ َر َ
قال« :فَرَ َ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ ،وإنّي قَدْ خَبِ ْرتُ النّاسَ قَبَْلكَ
لةٍ ُكلّ َيوْمٍ .قَالَ :إنّ أمّ َتكَ ل تَسْ َتطِيعُ ِلعِشْرِينَ صَ َ
صَ َ
خفِيفَ» .
جةِ ،فَارْجِعْ إلى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
شدّ ال ُمعَالَ َ
جتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أ َ
وعَالَ ْ
ك لَ تَسْ َتطِيعُ ِلعَشْرِ صَلَواتٍ ُكلّ َيوْمٍ،
ج ْعتُ فَُأمِ ْرتُ ِبعَشْ ِر صَلَواتٍ ُكلّ َيوْمٍ ،قَالَ :إن أمّ َت َ
قال« :فَرَ َ
خفِيفَ
شدّ ال ُمعَالَجَةِ ،فارْجِعْ إلَى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
جتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أ َ
وإنّي قَد خَبِرتُ النّاسَ قَبَْلكَ وعَالَ ْ
لمّتِكَ» .
ُ
ج ْعتُ إلَى مُوسَى َفقَالَِ :بمَ ُأمِ ْرتَ؟ قُلتُُ :أمِ ْرتُ
س صَلَواتٍ ُكلّ َي ْومٍ ،فَرَ َ
خمْ ِ
ج ْعتُ فَُأمِ ْرتُ بِ َ
قال« :فَرَ َ
س صَلوَاتٍ ُكلّ َيوْمٍ ،وإنّي قَدْ خَبِ ْرتُ النّاسَ
خمْ ِ
ت كلّ َي ْومٍ .قالَ :إنّ أمّ َتكَ ل َتسْتَطِيعُ لِ َ
س صَلَوا ٍ
خمْ ِ
بِ َ
لمّ ِتكَ» .
خفِيفَ ُ
جةِ فارْجِعْ إلَى رَ ّبكَ َفسَلْهُ التّ ْ
شدّ ال ُمعَالَ َ
جتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أ َ
قَبَْلكَ ،وعالَ ْ
قال« :قُلتُ :قَدْ سَأَ ْلتُ رَبّي حَتّى اسْتَحَ ْيتُ ،ولكنّي أ ْرضَى وأُسَلّمُ .فََلمّا َنفَ َذتْ نَادَى مُنَادٍَ :قدْ أ ْمضَ ْيتُ
خ ّففْتُ عَنْ عِبَادِي» .
فَرِيضَتِي و َ
عن جابر قال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :لمّا كذّبَتْنِي قُرَيْشٌ حِينَ أُسْ ِريَ بي ( ُق ْمتُ
ط ِفقْتُ ُأخْبِرُهُم عَنْ آياتِه وأنا أنْظُرُ إِلَيْه» .
حجْرِ فَجَل اللّهُ لِي بَ ْيتَ ال َمقْدِسِ) فَ َ
فِي ال ِ
أخرجاهما.
حتُ ِب َمكّةَ
عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لمّا كانَ لَ ْيلَةَ أُسْ ِريَ بِي فََأصْبَ ْ
ظ ْعتُ بَِأمْرِي ،وعَ َرفْتُ أنّ النّاسَ ُمكَذّ ِبيّ» .
فَ ِ
قالَ « :ف َقعَ ْدتُ ُمعْتَزِلً حَزِيْنا» .
فمرّ به أبو جهل ،فجاء حتى جلس إليه فقال له كالمستهزىء :هل كان من شيء؟
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :نعَم» .
قال :وما هو؟
قال« :إِنّي أُسْ ِريَ ِبيَ اللّيَْلةَ» .
قال :إلى أين؟
قال« :إِلَى بَ ْيتِ ال َمقْدِسِ» .
قال :ثم أصبحتَ بين ظهرانينا؟
قالَ « :نعَمْ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ت قومك
قال :فلم يُرِه أنه مكذّبُه مخافَةَ أن َيجْحدْ الحديثَ إن دعا قومَه إليه ،قال :أرأيتَ إن دعو ُ
أتحدثهم ما حدثتني؟
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إِنّي ُأسْ ِريَ ِبيَ اللّيْلَةَ» .
قالوا« :إلى أين؟».
قال« :إلَى بَ ْيتِ ال َمقْدِسِ» .
قالوا :ثم أصبحت بين ظهرانينا؟
قالَ « :نعَمْ» .
قال :فمِنْ بَيْن مصفّق ،ومن بين واضح يده على رأسه متعجبا للكذب.
ثم قالوا :أو تستطيع أن تَنْعت لنا المسجدَ؟ وفي القوم مَنْ قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :فمَا زِ ْلتُ أَ ْن َعتُ حَتّى التَ َبسَ عََليّ َب ْعضُ ال ّن ْعتِ» .قال:
عقَالٍ ،فَ َنعَتّه وأَنا أنْظُرُ إِليْه» .
عقَ ْيلٍ أو ُ
سجِ ِد وأَنَا أ ْنظُرُ حَتّى ُوضِعَ دُونَ دَارَ ُ
«فَجِيءَ بالمَ ْ
فقال القوم :أمّا النعت فقد وال أصاب.
ث المعراج والِسراء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم جماعة منهم :ابن مسعود،
وقد رَوى حدي َ
وعلي ،وأبو ذر ،وأُبيّ ،وحذيفة ،وأبو سعيد ،وجابر ،وأبو هريرة ،وابن عباس ،وأم هانىء.
وقد ذكرنا في حديث أنس بن مالك ،من رواية شريك عنه ،وفي رواية حماد بن سلمة ،عن ثابت،
خمْسا ولَمَ أُ َزلْ أُرَاجِعُ بَينَ رَبّي وبَيْنَ مُوسَى
حطّ عَنّي َ
ج ْعتُ إلَى رَبّي فَ َ
عن أنس أنه قال« :رَ َ
خمْسا» .
خمْسا َ
وَيَحُطّ عَنّي َ
وهذا من أفراد مسلم ،والول أصح؛ لنه قد اتفق البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك ،ومن
خمْسا» غلط من
خمْسا َ
حطّ َ
حديث أنس عن نفسه أنه حط عشرا .فهذه الرواية التي فيها «فَ َ
الراوي.
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَيَْلةُ أُسْ ِريَ بِي أتَانِي جِبْرِ ْيلُ بِالبُرَاقِ مُسْرَجا
حمّدٍ َت ْف َعلُ هَذا؟ وال مَا َركِ َبكَ نَ ِبيّ َأكْرَمُ
صعَبَ عََليّ ،فَقالَ جِبْرِ ْيلُ :أَ ِب ُم َ
جمًا ،فَ َذهَ ْبتُ ل ْركَبَهُ فَاسْ َت ْ
مُلْ َ
مِنْه عَلَى ال َتعَالَى .فَا ْر َفضّ البُرَاقُ عَرَقا» .
فتل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم القرآن ودعا إلى الِسلم ،ثم قال« :أُبَا ِي ُعكُم عَلَى أن َتمْ َنعُونِي
ِممّا َتمْ َنعُونَ مِنْهُ ِنسَا َءكُم وأبْنَا َءكُم» .
فأخذ البَراءُ بن َمعْرور بيده ثم قال :والذي بعثك بالحق نبيّا لنمنعك مما نمنع منه أُزُرَنا.
فبايعْنَا يا رسول ال ،فنحن أهل الحرب وأهل الحَلْقة ورثناها كابرا عن كابر.
فاعترض القومَ أبو الهيثم بن التّيّهان فقال :يا رسول ال ،إن بيننا وبين الناس حبالً وإنا قاطعوها
يعني :العهود فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك ال أن ترجع إلى قومك وتَدَعنا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم وقالَ « :بلِ الدّمَ الدّمَ ،وال َهدْمَ ال َهدْمَ ،أنْتُم مِنّي وأنَا مِ ْنكُم،
أُحَا ِربُ مَنْ حَارَبْتُ ْم وأُسَاِلمُ مَنْ سَاَلمْ ُتمْ» .
وقال« :أخْ ِرجُوا إِليّ مِ ْنكُم اثْنَي عَشَرَ َنقِيْبا يَكوُنوُنَ عَلَى َق ْو ِمهِم» .
فأخرجوا اثني عشر نقيبا ،تسعةً من الخزرج وثلث ًة من الوس.
قال ابن إسحاق :فحدثني َمعْبد في حديثه عن أبيه كعب قال :كان أولَ مَن ضَرب على يد رسول
ال صلى ال عليه وسلم :البَرَاءُ بن َمعْرور ،ثم تتابع الناس.
فلما بايعنا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم خرج الشيطان من رأس العقبة بأبعد صوت سمعته قط:
يا أهل الجَبَاجب ـ والجباجب :المنازل ـ هل لكم في مُ َذمّم والصّباة معه قد أجمعوا على حربكم.
ع ُدوّ ال .أمَا وَال لَفرُغَنّ َلكَ» .
فقال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :هَذا أَ َزبّ ال َعقَبةِ .أيْ َ
جعُوا إلى رِحَاِل ُكمْ» .
ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ارْ ِ
فقال له العباس بن عُبادة :والذي بعثك بالحق إن شئتَ لنميلنّ غدا على أهل منًى بأسيافنا.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إِنّي َلمْ ُأ ْومَرْ بِذَِلكَ» .
فرجعنا فنمنا حتى أصبحنا ،فلما أصبحنا غ َدتْ علينا جِلّةُ قريش ،حتى جاؤونا في منازلنا ،فقالوا:
يا معشر الخزرج ،إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا
وتبايعونه على حربنا ،وال إنه ما من العرب أحدٌ أبغض إلينا أن تَنْشَب الحربُ بيننا وبينهم منكم.
قال :فانبعث مَنْ هنالك من مشركي قومنا يحلفون بال ما كان من هذا شيء وما علمناه.
وقد صَدَقوا لم يعلموا ما كان منا .قال :فبعضنا ينظر إلى بعض.
ن يؤويني» .حتى بعثنا
عن جابر قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول في الموسم« :مَ ْ
ال من يثرب فآويناه وصدقناه ،ثم قلنا :حتى متى نترك رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يُطرد في
جبال مكة ويخاف؟
فرحل منا سبعون حتى قدموا عليه في الموسم ،فواعدناه شِعب العقبة ،فاجتمعنا عنده فقلنا :يا
رسول ال علم نبايعك؟
لمْرِ
سلِ ،وال ّنفَقَ ِة في العُسْرِ واليُسْرِ ،وعَلَى ا َ
ط والكَ َ
سمْع وَالطّاعَةِ فِي النّشَا ِ
فقال« :تُبَايعُونِي عَلَى ال ّ
بال َمعْرُوفِ وال ّنهْي عَنِ المُ ْنكَرِ؛ وأنَ َت َقوُلوا فِي ال ل تَخَافُونَ َل ْومَ َة لَئِمٍ ،وعَلَى أنْ تُ ْنصُرونِي
جكُ ْم وأ ْولَ َدكُمْ ،وَلكُمْ الجَنّةَ» .
سكُمْ وأ ْزوَا َ
علَ ْيكُم ِممّا َتمْ َنعُونَ مِنه أ ْنفُ َ
فَ َتمْ َنعُونِي إذا َق ِد ْمتُ َ
فقالوا :أمِطْ عنا يا أسعد ،فوال ل نَدعُ هذه البيعة أبدا ول نَسْلُبها أبدا .فقمنا فبايعناه ،فأخذ علينا
وشرط ،ويعطينا على ذلك الجنة.
قال :أرى أن نأخذ من كل قبلة فتًى شابّا جَلْدا َنسِيبا وسيطا ،ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما،
ثم َيعْمدون فيضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه ،فنستريح ،فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرّق دمه في
القبائل كلها ،فلم تقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ورضوا منا بال َعقْل فعقلناه لهم.
فقال الشيخ النجدي :القولُ ما قال هذا الرجل ل أرى لكم غيره.
فتفرق القوم على ذلك.
فأتى جبريلُ النبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :ل تَ ِبتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه.
فلما كانت العَتمةُ اجتمعوا على بابه ،ثم ترصّدوه متى ينام فَيَثِبُون عليه.
فلما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم مكانهم قال لعلي بن أبي طالب« :نَمْ عَلَى فِرَاشِي وتَسَبحّ
خضَرِ ،فإنّه ل َيخُْلصُ إل ْيكَ شَيءٌ َتكْرَهُه مِ ْنهُم» .وكان رسولُ ال صلى ال
حضْ َرمِيّ ال ْ
ببُرْدي ال َ
عليه وسلم ينام في برده ذلك.
عن ابن عباس في قوله تعالى{ :وَإِذْ َي ْمكُرُ ِبكَ الّذِينَ َكفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ َأوْ َيقْتُلُوكَ َأوْ ُيخْرِجُوكَ
ن وَ َي ْمكُرُ اللّ ُه وَاللّهُ خَيْرُ ا ْلمَاكِرِينَ } (النفال)30 :
وَ َي ْمكُرُو َ
.
قال :تشاورت قريش ليلة بمكة ،فقال بعضهم :إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق.
وقال بعضهم :بل اقتلوه.
وقال بعضهم :بل أخرجوه.
فأطلع ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم على ذلك ،فبات عليّ عليه السلم على فراش رسول ال
صلى ال عليه وسلم تلك الليلة ،وخرج النبي صلى ال عليه وسلم حتى لحق بالغار ،وبات
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
المشركون يحرسون عليّا يحسبونه النبي صلى ال عليه وسلم.
فلما أصبحوا ثاروا إليه ،فلما رأوه عليّا ردّ ال مكرهم فقالوا :أين صاحبك؟
قال :ل أدري.
فاقتصوا أثره ،فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ،فصعدوا في الجبل فمروا بالغار ،فرأوا على بابه
نسج العنكبوت ،فقالوا :لو دخل ههنا لم يكن نسج العنكبوت.
فمكث فيه ثلث ليال.
وقال محمد بن كعب القرظي :اجتمعوا على بابه ،فخرج فأخذ حفنةً من تراب فنثرها على
سدّا ومِنْ خَ ْل ِفهِمْ سَدّا فَأغْشَيْنَاهُمْ َفهُمْ لَ
جعَلْنَا مِن بَيْنِ أَ ْيدِيهِمْ َ
رؤوسهم فلم يروه وقرأ{ :س 36ش 9وَ َ
يُ ْبصِرُونَ }(يس)9 :
ثم انصرف حيث أراد.
ت ممن لم يكن معهم فقال :ما تنتظرون ههنا؟
فأتاهم آ ٍ
قالوا :محمدا.
قال :وال قد خرج عليكم محمد .فجعلوا يطّلعون فيرون عليّا عليه السلم عليه بُرد رسول ال
صلى ال عليه وسلم فيقولون :هذا محمد عليه بُرْده .فأقام إلى الصباح.
الباب الول
في ذكر خروج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الغار
عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت :بَيْنا نحن جلوسٌ في بيت أبي بكر في حَرّ الظهيرة قال قائل
لبي بكر :هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم متقنّعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها.
قال أبو بكر :فداءٌ له أبي وأمي ،ما جاء به في هذه الساعة إل أمرٌ.
قالت :فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فاستأذنَ فأذِن له.
فدخل فقال لبي بكر« :أَخْرِجْ مَنْ عندك» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال أبو بكر :إنما هم أهلُك يا رسول ال.
قال« :فَإنّي قَدْ ُأذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ» .
فقال أبو بكر :الصحبة بأبي أنت يا رسول ال
قال« :نعم» .
قال :فخُذ إحدى راحلتيّ هاتين.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :بال ّثمَنِ» .
سفْرة في جراب ،فقطعت أسماء بنت أبي
قالت عائشة :فجهزناهما أحبّ الجهاز ،ووضعنا لهما ُ
بكر قطعة من نطاقها فربطت به فم الجراب ،فبذلك سمّيت ذات النطاقين.
قالت :ثم لحق رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر بغارٍ في جبل َثوْر فمكثا فيه ثلثَ ليالٍ.
يبيت عندهما عبدُال بن أبي بكر ،وهو غلم شاب َث ِقفٌ َلقِنٌ ،فيُدْلج مِن عندهما بسَحَر ،فيصبح مع
قريش كبائتٍ ،فل يسمع أمرا ُيكَادان به إل وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلم.
ويرعَى عليهما عمرُ بن ُفهَيرة َموْلى أبي بكر مِ ْنحَةً من غَنَم فيُرِيحها عليهما ،حتى تذهب ساعة
من العشاء ،فيبيتان في ِرسْل وهو لبن مِنْحتهما ،حتى يَنْعق بها عامر بن ُفهَيره بغلَس ،يفعل ذلك
في كل ليلة من الليالي الثلث.
واستأجر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر (رجلً) من بني الدّيل ،وهو على دين كفار
قريش فأمّناه ،ودفعا إليه راحلتيهما ،وواعداه غارَ ثور بعدَ ثلث ليال براحلتيهما.
وقد روينا عن عائشة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتى أبا بكر لمّا أراد أن يخرج ،فخرجا
من خوخة لبي بكر في ظهر بيته ،ثم عمدا إلى جبل ثور.
وروي الواقدي ،عن أشياخه :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أقام بمنزل أبي بكر إلى الليل ،ثم
خرجا إلى الغار.
وكان خروجهما وقد بقي من صفر ثلث ليال.
الباب الثاني
في ذكر ما جرى في الغار
عن أنس أن أبا بكر حدّثه قال :قلت للنبي صلى ال عليه وسلم ونحن في الغار :لو أن أحدهم نظر
إلى قدميه لبصرنا.
فقال« :يَا أبَا َبكْرٍ ،مَا ظ ّنكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِ ُث ُهمَا» .
أخرجاه في الصحيحين.
عن أنس قال :لما كانت ليلةُ الغار قال أبو بكر :يا رسولَ ال ،دَعْني أدخل قَبْلك ،فإن كان فيه
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
(شيء) كان بي قَبْلك.
قال« :أدخل» .
فدخل أبو بكر ،فجعل يلتمس بيديه ،فكلما رأى جُحرا قال بثوبه فشقّهُ ثم ألقمه الجُحر ،حتى فعل
عقِبه عليه.
ذلك بثوبه أجمع .قال :فبقي جُحر فوضع َ
ثم دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما أصبح قال له النبي صلى ال عليه وسلم« :أيْنَ َثوْ ُبكَ
يَا أبَا َبكْرٍ؟» .
ج َعلْ أبَا َبكْرٍ َم ِعيَ فِي
فأخبره بالذي صنع ،فرفع النبي صلى ال عليه وسلم يديه فقال« :اللهُمّ ا ْ
دَ َرجَتِي َيوْمَ القِيَامَةِ» .فأوحى ال تعالى إليه :قد استجيب لك.
عن عمر بن الخطاب أنه قال :وال للَيلة من أبي بكر ويوم خير من آل عمر.
هل لك بأن أحدثك بليلته ويومه؟
قال :قلت :يا أمير المؤمنين حدّثني.
قال :أمّا ليلته لما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم مختفيا من أهل مكة خرج ليلً ،فتبعه أبو
بكر ،فجعل يمشي مرةً أمامه ،ومرة خَلْفه ،ومرة عن يمينه ،ومرة عن شماله.
فقال له رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :مَا هذا يَا أبَا َبكْرٍ؟ مَا أعْ ِرفُ هذا مِن ِفعِْلكَ» .
فقال :يا رسول ال ،أذكر ال ّرصَد فأكون أمامك ،وأذكر الطلَب فأكون خَلْفك ،ومن عن يمينك وعن
يسارك ،ل آمن عليك.
قال :فمشى رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حَفيت رجله ،فلما
رآها أبو بكر أنها قد حفيت حمله على كاهله ،وجعل يشتد به حتى أتى به الغار فأنزله.
ثم قال :والذي بعثك بالحق ل تدخله حتى أدخله ،فإن كان فيه شيء نزل بي قبلَك ،ففعل ولم ير
شيئا ،فحمله وأدخله.
وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاع ،فخشي أبو بكر أن يخرج منهن شيء فيؤذي رسولَ ال
جعَلْن يضربنه ويلسعنه الحيات والفاعي ،وجعلت دموعه
صلى ال عليه وسلم ،فألقمه قدَمه ،ف َ
تتحدر ،ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم يقول« :يَا أبَا َبكْرٍ ،لَ تَحْزَنْ إِنّ اللّهَ َمعَنَا» .فأنزل ال
سكِينته ـ أي طمأنينته ـ لبي بكر .فهذه ليلته.
َ
وقال الواقدي ،عن أشياخه :طلبت قريش رسولَ ال صلى ال عليه وسلم أشدّ الطلَب ،حتى انتهت
إلى باب الغار ،قالت :إن عليه لعنكبوتا قبل ميلد محمد صلى ال عليه وسلم .فانصرفوا.
وقالت أسماء بنت أبي بكر :لم َندْر بالحال ،حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يغني غناءَ
العرب والناس يتبعونه ،يسمعون صوته ول يرونه ،حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جَزَى ال ربّ الناس خيرَ جزائه
رفيقين حَلّ خيم َتيْ أُمّ َمعْبدِ
وسيأتي ذكر القصة إن شاء ال تعالى.
الباب الثالث
في ذكر ما جرى له في طريقه إلى المدينة
قال أبو الحسن البراء :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من الغار ليلة الخميس لغرة شهر
ربيع الول.
وذكر محمد بن سعد :أنه خرج من الغار ليلة الثنين لربع خََلوْن من ربيع الول.
قلت :أقام رسول ال صلى ال عليه وسلم في الغار ثلثا ،وخرج معه أبو بكر ،وعامر بن ُفهَيرة،
ودليلهم عبدال بن أُرَيقط الليثي ،وكان على دين قومه ،فأخذ بهم طريقَ السواحل.
عن البَرَاء بن عازب قال :اشترى أبو بكر مِن عازبٍ سرجا ،فقال :مُرِ البَرَاءَ فل َيحْمله إلى منزلي.
قال :ل ،حتى تحدثنا كيف صنعتَ حين خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنت معه؟
ظهَرْنا وقام قائمُ الظهيرة ،فضربتُ
قال أبو بكر :خرجنا فَأدْلَجْنا فَأَحْثَثْنا يومَنا وليلتنا حتى َأ ْ
ببصري هل أرى ظلّ آوِي إليه ،فإذا أنا بصخرة ،فأهويت إليها ،فإذا هو بقية ظلها ،فسوّيته
لرسول ال صلى ال عليه وسلم وفرشت له فروةً وقلت :اضطجع يا رسول ال .فاضطجع.
ثم خرجتُ أنظر هل أرى أحدا من الطّلَب ،فإذا أنا براعي غنم ،فقلت :لمَنْ أنت يا غلم؟
فقال :لرجل من قريش .فسماه فعرفته ،فقلت :هل في غنمك من لبن؟
قال :نعم.
قلت :هل أنت حالب لي؟
قال :نعم .فأمرتُه فاعتقل شاةً منها ،ثم أمرته فنفض ضرعَها من الغبار ،ثم أمرته فنفض كفّه من
الغبار ،ومعي إداوة على فمها خرقة ،فحلب لي كُثْبة من اللبن فصببت على القَدَح حتى بَرد أسفله.
ثم أتيت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فقلت :اشرب يا رسول ال .فشرب حتى رضيت.
ثم قلت :قد آن الرحيل.
جعْشُم على فرس له ،فقلت:
فارتحَلْنَا والقومُ يطلبوننا ،فلم يدركنا أحد منهم إل سُرَاقة بن مالك بن ُ
حقَنَا.
يا رسول ال ،هذا الطلبُ قد لَ َ
فقال« :ل َتحْزَنْ إنّ اللّهَ َمعَنَا» .
حتى إذا دنا منا وكان بيننا وبينه قيدُ رمح أو رمحين أو ثلثة قلت :يا رسول ال ،هذا الطلب قد
لحقنا .وبكيت.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالِ« :لمَ تَ ْبكِي؟» .
قلت :أمَا وال ما على نفسي أبكي ،ولكن أبكي عليك.
فدعا عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :اللهُمّ ا ْكفِنَاهُ ِبمَا شِ ْئتَ» .
فساخت قوائم فرسه إلى بطنها في أرض صلد ،فوثب عنها ،وقال :يا محمد ،قد علمتُ أن هذا
عملك ،فادع ال عز وجل أن ينجيني مما أنا فيه ،فوال لعمهنّ على مَنْ ورائي من الطلب ،وهذه
كنانتي فخذ منها سهما ،فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا ،فخذ منها حاجتك.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَ حَاجَةَ لِي فِ ْيهَا» .ودعا له ،فانطلق ورجع إلى أصحابه.
عن عبد الرحمن بن مالك ال ُمدْلجيّ (أن أباه أخبره أنه) سمع سُرَا َق َة يقول :جاءنا رُسُل كفار قريش
يجعلون في رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر دي َة كلّ واحد منهما لمن قتله أو أسَره.
فبينا أنا جالس في مجلس من مجالس قومي أقبل رجل منهم حتى قام علينا فقال :يا سراقة ،إني
رأيت آنفا أَسْودةً بالساحل أراها محمدا وأصحابه.
قال سراقة :فعرفت أنهم هم ،فقلت :إنهم ليسوا بهم ،ولكنك رأيت فلنا وفلنا انطلقوا بأعييننا
(يبتغون ضالةً لهم) ،ثم لبثتُ في المجلس ساعة ،ثم قمت فدخلت فأمرت جاريتي أن تخرج بفرسي
وهي من وراء أكمة فتحبسها عليّ ،وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزُجّه
الرضَ وخ َفضْت عاليه ،حتى أتيت فرسي ،فركبتها فرفعتُها تقرّب بي ،حتى دنوت منه ،فعثرت
بي فرسي فخرَرْت عنها ،فقمت فأ ْهوَيت يدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الزلم فاستقسمتُ بها:
أضرّهم أم ل؟ فخرج الذي أكره ،فركبتُ فرسي وعصيت الزلم ،حتى إذا سمعت قراءة رسول
ختْ يَدَا فرسي في الرض
ال صلى ال عليه وسلم وهو ل يلتفت وأبو بكر يكثر اللتفات ،سا َ
حتى بلغتا الركبتين ،فخرَ ْرتُ عنها ،ثم زجرتها فنهضت ولم تكد تخرج يديها ،فلما استوت قائمة
إذا لثر يديها غبارٌ ساطع في السماء مثل الدخان ،فاستقسمت بالزلم فخرج الذي أكره ،فناديتهم
المان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم.
ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحَبْس عنهم أَنْ سيظهر أمرُ رسول ال صلى ال عليه
وسلم.
فقلت له :إن قومك قد جعلوا فيك الديةَ .وأخبرتهم أخبارَ ما يريد الناس بهم ،وعرضت عليهم الزادَ
خفِ عنا.
والمتاع ،فلم يَرْزآني ولم يَسْألني (شيئا) إل أن قال :أَ ْ
فسألته أن يكتب لي كتابَ أمن ،فأمر عامرَ بن ُفهَيرة فكتب في رقعة من أدَم .ثم مضى رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال الزهري :وأخبرني عروة بن الزبير :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لقي الزبيرَ في َركْب
من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام ،فكسَا الزبيرُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وأبا بكر
ثيابَ بياض.
الباب الرابع
في ذكر حديث أم َمعْبد
عن أبي َمعْبد الخُزَاعي :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة هو
وأبو بكر ،وعامر بن ُفهَيرة ،ودليلهم عبدال بن أُرَيْقط ،فمرّوا بخيمتي أم َمعْبد الخُزَاعية ،وكانت
امرأة جَلْدة بَرْزة تَحْتبي وتقعد بفناء الخيمة ،ثم تسقي وتطعم.
فسألوها تمرا ولحما يشترونه ،فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ،فإذا القوم مُرْملون مُسْنتون،
عوَزكم القِرَى.
فقالت :وال لو كان عندنا شيء ما أَ ْ
فنظر رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى شاة في كِسْر الخيمة ،فقال« :مَا هذه الشّاةَ يَا أُمّ َمعْبَد؟»
.
جهْدُ عن الغنم.
فقالت :هذه شاة خَلّفها ال َ
قالَ « :هلْ ِبهَا مِنْ لَبَنٍ؟» .
جهَدُ مِن ذلك.
قالت :هي أَ ْ
قال« :أتَ ْأذَنِينَ لِي أنَ أحْلِ َبهَا؟» .
قالت :نعم بأبي أنت وأمي إن كان رأيت بها حَلَبا.
فدعا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم الشاة ،فمسح ضرعها ،وذكر اسم ال وقال« :اللهُمّ بَا ِركْ َلهَا
فِي شَاتِها» .
قالت :فتفاجّت ودَرّت واجتَرّت ،فدعا بإناء يُرْبض الرهطَ فحلب فيه ثَجّا حتى عله الّثمَال.
فسقاها فشربت حتى رويت ،وسقى أصحابه حتى رووا ،وشرب صلى ال عليه وسلم آخرهم،
وشربوا جميعا عَلَل بعد نهل حتى أراضوا.
عوْدا على بَدْء فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها.
ثم حلب فيه ثانية َ
فقلّ ما لبث أن جاء زوجُها أبو َمعْبد يسوق أعترا حُيّل عجافا يتسا َوكْنَ هُ ْزلً مُخّهن قليل ل نِقى
بهن.
فلما رأى اللبن عجب وقال :من أين لكم هذا ،والشاة عازبة ول حَلُوبة في البيت؟
قالت :ل وال ،إل أنه مرّ بنا رجل مُبارك ،كان من حديثه كيت وكيت.
قال :وال إني لراه صاحبَ قريش الذي تطلب ،صفيه لي يا أم معبد.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صعْلة،
قالت :رأيت رجلً ظاهرَ الوضاءة ،متبلّج الوجه ،حسن الخَلْق ،لم َتعِبْه ثُجْلة ،ولم تُزْر به ُ
حوَر ،أكحل ،أزجّ ،أقرن،
قَسِيمٌ وسيم ،في عينيه دَعَج ،وفي أشفاره وطَف ،وفي صوته صَحَلَ ،أ ْ
سطَع ،وفي لحيته كثافة ،إذا صمت فعليه الوقار ،وإذا تكلم سمَا وعله
شديد سواد الشعر ،في عنقه َ
جهَر الناس
ظمْن يتحدّرْن ،حلو المَنْطق َفصْل ل نَزْر ول هَذَر ،أَ ْ
البهاء ،كأَنّ مَنْطقه خرزاتٌ نُ ِ
وأجمله مِن بعيد ،وأحله وأحسنه من قريب ،ربعة ل تَشْنَؤه عَيْن من طُول ،ول تقتحمه عين من
غصْنين ،فهو أَ ْبهَى الثلثة منظرا وأحسنهم قدّا ،له رفقاء يحفّون به ،إذا قال
غصْنٌ بَيْن ُ
قِصرُ ،
حفُود مَحْشُود ،ل عابس ول ُمفْنِد.
استمعوا لقوله ،وإذا أمر تبادروا لمره ،مَ ْ
قال :هذا وال صاحب قريش الذي ذُكر له من أمره ما ذكر ،ولو كنت وافيته للتمستُ أَنْ
َأصْحبه ،ولفعلنّ إن وجدتُ إلى ذلك سبيلً.
وأصبح صوتٌ بمكة عاليا بين السماء والرض يسمعونه ول يرون من يقوله وهو يقول:
جَزَى ال ربّ الناس خيرَ جزائه
رفيقَيْن حَلّ خيمَتيْ أمّ َمعْبَدِ
هما نَزَل بالبِرّ وارتحل به
فأفْلَح من أمْسَى رفيقَ محمدِ
صيَ ما َزوَى ال عنكمُ
فيالَ ُق َ
سؤْ َددِ
به من فِعالٍ ل تُجَازَى و ُ
سَلُوا أختكم عن شاتِها وإنائها
فإنكمُ إنْ َتسْأَلوا الشاة َتشْهدِ
دعاها بشاةٍ حائلٍ فتحلّ َبتْ
له بصريح ضَ ّرةُ الشاةِ مُزْبِدِ
فغادَره رَهنا لديها لحالبٍ
بَدرّتها في َمصْدرٍ ثم َموْرِدِ
فأصبح القوم قد فقدوا نبيهم وأجدوا على خيمتي أم معبد .فأَجابه حسان بن ثابت فقال:
وبقيت الشاة التي لمس رسول ال صلى ال عليه وسلم ضرعها ،حتى كان عام الرمادة زمن
عمر ،وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة.
قالت :وكنا نحلبها صَبُوحا وغَبُوقا ،وما في الرض قليل ول كثير.
الباب الخامس
في تورية أبي بكر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في طريقهم إلى المدينة
عن أنس قال :لما هاجر رسول ال صلى ال عليه وسلم كان رسول ال صلى ال عليه وسلم
يركب وأبو بكر رَدِيفه.
وكان أبو بكر يُعرف في الطريق لختلفه إلى الشام ،وكان يمر بالقوم فيقولون :مَنْ هذا بين يديك
يا أبا بكر؟ فيقول :هادٍ يهديني إلى الطريق.
فلما د َنوْا من المدينة بعث إلى القوم الذين أسلموا من النصار ،إلى أبي أمامة وأصحابه ،فخرجوا
إليهما فقالوا :ادخل آمنَيْن مطاعَيْن( .فدخل).
قال أنس :فما رأيت يوما قط أنو َر ول أحسنَ من يوم دخلَ رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو
بكر المدينة.
وشهدت وفاته ،فما رأيت يوما قط أظلَم ول أقبح من اليوم الذي توفي فيه رسول ال صلى ال
عليه وسلم.
الباب السادس
في لقاء رسول ال صلى ال عليه وسلم في طريق المدينةبُرَيدة السلمي ،وتفاؤله باسمه وخدمة
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
بريدة إياه
عن عبدال بن بُرَيدة ،عن أبيه :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل يتطيّر ،وكان يتفاءل ،وكانت
قريش جعلت مائة من الِبل فيمن يأخذ نبيّ ال صلى ال عليه وسلم فيرده عليهم حين توجه إلى
المدينة.
سهْم ،فتلقى نبيّ ال صلى ال عليه وسلم.
فركب بُرَيدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني َ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَنْ أ ْنتَ؟» .
فقال :أنا بُرَيدة.
فالتفت إلى أبي بكر الصّديق فقال« :يَا أبَا َبكْرٍ ،بَرُدَ أمْرُنَا َوصَلُحَ» ،ثم قالِ « :ممّنْ أ ْنتَ؟» .
قال :مِنْ أَسلم.
قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لبي بكر« :سَِلمْنَا» .
قال« :ممَنْ؟» .
الباب السابع
في ذكر تلقي أهل المدينة رسول ال صلى ال عليه وسلم ودخوله إليها
عن عائشة رضي ال عنها قالت :سمع المسلمون بالمدينة بمَخْرج رسول ال صلى ال عليه وسلم
من مكة.
وكانوا َيغْدون كل غداة إلى الحَرّة ينتظرونه حتى يردهم حرّ الظهيرة.
فأقبلوا يوما بعد ما أطالوا انتظارهم ،فلما أوَوْا إلى بيوتهم َأ ْوفَى رجلٌ من اليهود على ُأطُمٍ من
آطامهم لمر ينظر إليه ،ف َبصُر برسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه مُبْيِضين يزولُ بهم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
السرابُ.
جدّكم الذي تنتظرونه.
فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته :يا معشر العرب ،هذا َ
ظهْر الحَرّة ،فعَدَل بهم ذات
فثار المسلمون إلى السلح ،فتل ّقوْا رسول ال صلى ال عليه وسلم ب َ
اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو بن عوف.
فقام أبو بكر للناس وجلس رسول ال صلى ال عليه وسلم صامتا.
الباب الثامن
في ذكر اليوم الذي قدم فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة
قال الزّهري :قَدِم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة يوم الثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من
ربيع الول.
وروى حَنَش الصنعاني ،عن ابن عباس ،قال :ولد رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين،
حجَر يوم الثنين ،وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الثنين،
ونبّىء يوم الثنين ،ورفَعَ ال َ
وقدم المدينة يوم الثنين ،وقُبض يوم الثنين ،صلى ال عليه وسلم.
الباب التاسع
في ذكر المكان الذي نزل به صلى ال عليه وسلم حين دخل المدينة
عن أبي بكر الصديق قال :مضى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا معه حتى قَ ِدمْنا المدينة،
فتلقاه الناس فخرجوا في الطرق وعلى الباعر ،واشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون :ال
أكبر جاء رسول ال ،جاء محمد.
قال :وتنازع القوم أيهم ينزل عليه.
لكْرِ َمهُمْ
خوَالِ عَبْدِ ال ُمطِّلبِ ُ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنزلُ اللّيْلَةَ عَلَى بَنِي النّجّارِ ،أَ ْ
بِذَِلكَ» .
فلما أصبح غدا حيث ُأمِر.
قلت :بيان الخؤولة أن هاشما تزوج امرأةً من بني عدي بن النجار ،فولدت له عبد المطلب.
وقد ذكرنا في حديث عائشة آنفا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نزل في بني عمرو بن عوف
وهم أهل قِبَاء.
قال ابن إسحاق :فنزل على كلثوم بن ال َهدْم أخي بني عمرو بن عوف ،وقيل :نزل على سعد بن
خيثمة ،وذلك أنه كان عزَبا ل أهل له.
فأقام رسول ال صلى ال عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الثنين ،ويوم الثلثاء،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ويوم الربعاء ،ويوم الخميس ،وأسّس مسجدهم ،ثم خرج عنهم يوم الجمعة.
وقيل :مكث فيهم بضعة عشر يوما.
ثم ركب ناقته ،وأرخى لها الزمام ،فجعلت ل تمرّ بدار من دور النصار إل دعاه أهلُها إلى
النزول عندهم وقالوا :هلمّ يا رسول ال إلى العَدد والعُدّة ،فيقول لهم« :خَلّوا ِزمَا َمهَا فإِنّها مَ ْأمُو َرةٌ»
.
حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم ،فبركت على باب المسجد ،وهو يومئذ مَرْبد ،فلم ينزل عنها،
فوثبت فسارت غير بعيد ،ثم رجعت إلى مَبْركها الول فبركت فيه ،ووضعت جِرَانها ،ونزل
رسول ال صلى ال عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب َرحْلَه.
فنزل على أبي أيوب فأقام عنده حتى بنى مسجده ومساكنه.
وقال الواقدي عن أشياخه :لما قَدِم رسول ال صلى ال عليه وسلم أقام ببني عمرو بن عوف ،فلما
كان يوم الجمعة ارتفاعَ النهار دعا براحلته ،وركب والناس معه عن يمينه ويساره ،فاعترضتْهُ
النصار ل يمرّ إل قالوا :هلمّ يا نبي ال إلى القوة والمنعة ،فيقول لهم خيرا ويقول« :إنّها
مَ ْأمُورَةٌ» .
فبركت عند مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فجاء أبو أيوب فحطّ رحلَه وأدخله منزلَه،
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :المَرْءُ مَعْ َرحْلِه» .
وجاء أسعدُ بن زُرارة فأخذ بزمام راحلته فكانت عنده.
وما كان من ليلة إل وعلى باب رسول ال صلى ال عليه وسلم الثلثةُ والربعة يتناوبون ،حتى
تحوّل رسول ال صلى ال عليه وسلم من منزل أبي أيوب.
عن أنس قال :لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة لعبت الحبشة بحرابها فرحا بذلك.
عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم مرّ بجوارٍ من النصار ،وهن يتغنّين َيقُلْن:
نحن جَوارٍ من بني النجارِ
وحَبّذا محمدٌ مِنْ جارِ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللّهُ َيعْلَمُ أَنّي أُحِ ّبكُم» .
عن عائشة قالت :لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولئد
يقلن:
طََلعَ البدُر عَلينا
من ثَنِيّات الوداعِ
وجب الشكْرُ عَلَيْنَا
مَا دَعَا ل داعِ
فأقام النبي صلى ال عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة ،ثم أرسل إلى بني النجار ،فجاؤوا بالسيوف،
وكأني أنظر إلى النبي صلى ال عليه وسلم على راحلته وأبو بكر رِدفه ،وملُ بني النجار حوله،
حتى ألقى بفناء أبي أيوب ،وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلة ،ويصلي في مرابض الغنم،
ط ُكمْ هَذَا» .
وإنه أمر ببناء المسجد ،فأرسل إلى بني النجار فقال« :يَا بَنِي النّجّارِ ثَامِنُونِي ِبحَائِ ِ
قالوا :ل وال ل نطلب ثمنه إل إلى ال.
قال أنس :فكان فيه ما أقول لكم ،كان فيه قبور المشركين وخَ ِربٌ ،وفيه نخل ،فأمر النبي صلى
ال عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ،ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع ،فصفوا النخل قبلةَ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
المسجد ،وجعلوا عضادتيه حجارة ،وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون ،والنبي صلى ال عليه
وسلم معهم وهو يقول:
اللهم ل خير إل خير الخره
فاغفر للنصار والمهاجره
عن ابن عمر قال :كان المسجد على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم مبنيا باللبن ،وسقفه
الجريد ،وعمده الخشب من النخل ،فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ،وزاد فيه عمر ،وبناه على بنائه في
عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم باللبن والجريد ،وأعاد عمده خشبا .ثم غيّره عثمان وزاد فيه
زيادة كثيرة ،وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصّة ،وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه
بالساج.
انفرد بإخراجه البخاري.
ضلُ مِن
جدِي هَذَا أ ْف َ
عن جبير بن مطعم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :صلةٌ فِي مَسْ ِ
جدُ الحَرَامُ» .
سوَاهُ إلّ ال َمسْ ِ
لةٍ فِ ْيمَا ِ
ألفِ صَ َ
قال ابن عقيل :قوله« :صلة في مسجدي» إشارة إلى ما كان مسجدا في زمانه ل إلى ما أدخل
في المسجد من الزيادة.
عن أبي سعيد قال :تمارَى رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ،فقال رجل:
هو مسجد قباء .وقال الخر :هو مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقال رسول ال صلى ال
جدِي» .
عليه وسلمُ « :هوَ مَسْ ِ
أخرجه مسلم.
قال محمد بن عمر :كانت لحارثة بن النعمان منازل قريبة من المسجد وحوله ،فكلما أحدث رسول
ال صلى ال عليه وسلم أهلً تحوّل له حارثة عن منزله ،حتى صارت منازله كلها لرسول ال
صلى ال عليه وسلم وأزواجه.
سوْدة ببيتها لعائشة.
قال ابن سعد :وأوصت َ
وباع أولياء صفية بنت حُيَي بيتها من معاوية بمائة ألف وثمانين ألف درهم.
واشترى معاوية من عائشة منزلها بمائة ألف وثمانين ألف ،وقيل ثمانين ألف .وشرط لها سكناها
حياتَها ،وحمل إليها المال ،فما قامت من مجلسها حتى قسمته.
وقيل :بل اشتراه ابنُ الزبير من عائشة ،بعث إليها خمسة أجمال تحمل المال وشرط لها سكناها
حياتها ،ففرّقت المال ،فقيل لها :لو خبأتِ منه درهما؟ فقالت :لو ذكّرتموني فعلتُ.
وتركت حفصة بيتها فورثه ابن عمر فلم يأخذ له ثمنا ،فأدخل في المسجد.
قال ابن سعد :قال عبدال بن يزيد الهُذَلي :رأيت منازلَ أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ،حين
هدمها عمرُ ابن عبد العزيز وهو أمير المدينة في خلفة الوليد بن عبد الملك وزادها في المسجد،
حجَر من جريد ،ع َد ْدتُ تسعةَ أبيات بحُجَرها ،ورأيت بيتَ أمّ سلمة
ن ولها ُ
كانت بيوتا مبنية باللب ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وحجرتها من لبن.
قال ابن شهاب :لما غزا رسول ال صلى ال عليه وسلم دُومَة الجندل؛ بَ َنتْ أمّ سلمة حجرتها
بلبن ،فلما قدم قال« :مَا هَذا البِنَاء؟» .
فقالت :أردت أن أكفّ أبصارَ الناس.
فقال« :إنّ شَرّ مَا ذَ َهبَ فِيهِ مَالُ المَرْءِ المُسْلِمِ البُنْيَانُ» .
وقال عطاء الخراساني :أدركت حُجَر أزواج رسول ال صلى ال عليه وسلم من جريد النخل على
أبوابها المسوح من شعر أسود ،فحضرتُ كتابَ الوليد ُيقْرأ؛ يأمر بإدخال حُجَر أزواج رسول ال
صلى ال عليه وسلم في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فما رأيت يوما أكثر باكيا من ذلك اليوم
فسمعت سعيد بن المسيّب يقول يومئذ :وال لو ِد ْدتُ أنهم تركوها على حالها حتى ينشأ أناس من
أهل المدينة ويَقْدَم القادم ،فيكون ذلك مما يزهّد الناس في التكاثر والتفاخر
قال الواقدي :كان هذا يوم الثنين للنصف من رجب على رأس السبعة عشر شهرا.
وقال السّدّي :حوّلت على رأس ثمانية عشر شهرا.
الباب العشرون
في نزول فرض رمضان
عن أبي سعيد الخدري قال :أُنزل فرضُ رمضان بعدما صُرفت القبلة إلى الكعبة بشهر ،وأمر
رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بزكاة الفطر قَبْل أن ُتفْرضَ الزكاة في الموال.
الباب الول
في ذكر معجزه الكبر وهو القرآن العزيز
لمّا غلب السّحْرُ في زمن موسى عليه السلم جاءهم بجنسه في معجزاته ،ففَلَقَ البحر ،وألقى
العصا.
ولمّا غلب الطبّ في زمن عيسى عليه السلم جاءهم بجنسه ،فأحيا الموتى ،وأَبْرَأَ الكمة.
ولمّا غلبت الفصاحة ،وقولْ الشعر ،والنظم ،والنثر في زمن نبينا صلى ال عليه وسلم جاءهم
بالقرآن.
وهو ُمعْجزٌ من أوجه:
أحدها :ما اشتمل عليه من الفصاحة والبلغة في الِيجاز والِطالة .فتارةً يأتي بالقصة باللفظ
ل بمقصود الولى.
الطويل ،ثم يعيدها باللفظ الوجيز ،فل يُخ ّ
والثاني :مفارقته لساليب الكلم وأوزان الشعار.
وبهذين المعنَيَيْن تحدثت العرب ،فعجزوا وتحيّروا وَأقَرّوا بفضله ،حتى قال الوليد بن المغيرة:
وال إن له لحلوةً وإن عليه لطلوة.
عن ابن عباس :أن الوليد بن المغيرة اجتمع هو ونفر من قريش ،وكان ذا سنَ فيهم ،وقد حضر
ج ِمعُوا فيه رأيا ،ول
الموسمُ ،فقال :إن وفود العرب س َتقْدَم عليكم وقد سمعوا بصاحبكم هذا ،فَأ ْ
تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا ،ويردّ قول بعضكم بعضا.
قالوا :أنت ف ُقلْ وأقم لنا رأيا نقول به.
قال :بل أنتم فقولوا أسمع.
فقالوا :نقول :كاهن.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال :ما هو بكاهن ،لقد رأيت الكهان ،فما هو ب َزمْزَمة الكاهن وسحره.
فقالوا :نقول مجنون.
فقال :ما هو بمجنون ،ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بخنقه ول َتخَالجه ول وسوسته.
فقالوا :نقول شاعر.
قال :ما هو بشاعر ،قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه ،وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ،فما هو
بالشعر.
قالوا :نقول ساحر.
عقْده.
قال :ما هو بساحر ،قد رأينا السّحّار وسحرهم ،فما هو ب َنفْثه ول َ
قالوا :فما تقول يا أبا عبد شمس؟
قال :وال إن لقوله حلوة ،وإن أصله ل ُمغْدق وإن فرعه لمثمر ،فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إل
عُرف أنه باطل ،وإن أقرب القول أن تقولوا ساحر .فقولوا هو ساحر يفرّق بين المرء وزوجه
وأخيه.
فتفرقوا عنه بذلك.
وكان النضر بن الحارث بن كَلْدة يقول :يا معشر قريش ،لقد نزل بكم أمرٌ ما ابتُلِيتم بمثله ،وال ما
هو بساحر ول كاهن ول شاعر ول مجنون.
ولما حضر عتبةُ بن ربيعة عند رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأ عليه{ :حم تَنزيلٌ من الرحمن
عقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ
ل صَا ِ
الرحيم} إلى أن بلغ فقال{ :س 41ش 13فَإِنْ أَعْ َرضُواْ فَ ُقلْ أَنذَرْ ُت ُك ْم صَاعِقَةً مّ ْث َ
}(فصلت)13 :
قال ابن عقيل :الصّ ْرفُ عن الِتيان بمثله دالّ على أن القدرة لهم حاصلة ،فإن كان في الصّرْف
نوعُ إعجاز ،إل أن كونَ القرآن في نفسه ممتنعا على الِتيان بمثله لمعنىً نعود إليه أكبرُ في
الدللة وأعَلمُ لفضيلة القرآن.
ن قال :إن عيون الناظرين إلى عصى موسى تخيّل لهم أنها
وما قولُ مَنْ قال بالصّرْفة إل بمثابة مَ ْ
حية وثعبان ،ل أنها في نفسها انقلبت.
حسُن ،كما ل يُتَحدّى العَجم بالعربية.
قال :والتحدّي للمصروف عن الشيء ل يَ ْ
هذا قول ابن عقيل.
وأنا أقول :إنما ُيصْرفون عن الشيء بتغيير طباعهم عند نزوله أن يقدروا على مثله.
فهل وجِد لحد منهم قَبْل الصّرْفة منذ وجد العرب كلمٌ يقاربه مع اعتمادهم الفصاحة؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
والثالث في معجز القرآن :ما تضمن من أخبار المم السالفة وسير النبياء التي عرفها أهل
الكتب ،مع كون التي بها أميّا ل يكتب ول يقرأ ،ول عُلِم بمجالسة الحبار ول الكهان ،ومن كان
من العرب يكتب ويقرأ ويجالس علماء الحبار لم يُدْرِك ما أخبر به القرآن.
والرابع :إخباره عن الغيوب المستقبلَة الدالة على صدقه قطعا لوقوعها على ما أخبر ،كقوله:
{فتمنّوا الموت} ثم قال{ :س 2ش /94ش ُ 95قلْ إِن كَا َنتْ َلكُمُ الدّا ُر الّخِ َرةُ عِندَ اللّهِ خَاِلصَةً مّن
دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُاْ ا ْل َم ْوتَ إِن كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ * وَلَن يَ َتمَ ّن ْوهُ أَ َبدًا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمينَ
}
(البقرة)95 ،94 :
وقوله{ :فَأْتُوا بسورة مثله} ثم قال{ :س 2ش 23وَإِن كُنتُمْ فِى رَ ْيبٍ ّممّا نَزّلْنَا عَلَى عَ ْبدِنَا فَأْتُواْ
شهَدَآ َءكُم مّن دُونِ اللّهِ إِن كُن ُت ْم صَا ِدقِينَ }
بِسُو َرةٍ مّن مّثْلِ ِه وَادْعُواْ ُ
(البقرة)23 :
فما فعلوا.
جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل ِمهَادُ }(آل عمران)12 :
وقوله{ :س 3ش ُ 12قلْ لّلّذِينَ َكفَرُواْ سَ ُتغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى َ
.
وغُلبوا:
سجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللّهُ
حقّ لَتَ ْدخُلُنّ ا ْلمَ ْ
صدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ ال ّرؤْيَا بِالْ َ
وقوله{ :س 48ش ّ27لقَ ْد َ
ج َعلَ مِن دُونِ ذَِلكَ فَتْحا
ن لَ تَخَافُونَ َفعَلِمَ مَا َلمْ َتعَْلمُواْ فَ َ
سكُ ْم َومُ َقصّرِي َ
حّلقِينَ ُرءُو َ
ءَامِنِينَ مُ َ
قَرِيبا } }
(الفتح)27 :
ودخلوا.
وقوله في أبي لهب{ :س 111ش 3سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ }
(المسد)3 :
وهذا دليل على أنهما يموتان على الكفر ،وكذلك كان.
والخامس :أنه محفوظ من الختلف والتناقض.
ولو كان من عند غير ال لوجدوا فيه اختلفا كثيرا .وقال تعالى{ :س 15ش 9إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا ال ّذكْرَ
وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ }
(الحجر)9 :
.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال ابن عقيل :حفظ جميعه وآياته وسوره التي ل يدخل عليها تبديل ،من حيث عجز الخلئق عن
مثلها ،فكان القرآن حافظ نفسه ،من حيث عجز الخلئق عن مثله.
طيَ
عِل وقَدْ أُ ْ
عن أبي هريرة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :مَا مِنَ النْبِيَاءِ مِنْ نَ ِبيَ إ ّ
ل إليّ ،فَأَرْجُوا أنْ
جّت وَحْيا أوْحَى اللّهُ ع ّز وَ َ
ن الياتِ مَا آمَنَ عَلَيْهِ ال َبشَرُ ،وإنّما كَانَ الذي أُوتِ ْي ُ
مِ ْ
أكُونَ أكْثَ ُرهُمْ تَابِعا َيوْمَ القِيَامَةِ» .
قال أبو الوفا علي بن عقيل :إذا أردت أن َتعْلم أن القرآن ليس من قول رسول ال صلى ال عليه
وسلم إنما هو مُلْقًى إليه ،فانظر إلى كلمه كيف يمتاز عن القرآن ،وتلمّح ما بَيْن الكلمين
والسلوبين ،ومعلوم أن كلم الِنسان يتشابه وما للنبي صلى ال عليه وسلم كلمةٌ ُتشَاكر َنمَط
القرآن.
قال ابن عقيل :ومن إعجاز القرآن أنه ل يمكن أحدا أن َيسْتخرج منه آيةً قد أخذ معناها من كلم
قد سبق ،فإنه ما زال الناس َيكْشف بعضهم عن بعض فيقال :المتنبي أخذ من البحتري.
قال :وقد سئل علي بن عيسى فقيل له :لو كان هذا الكتاب العزيز يترجم ما الذي كان ينبغي (أن)
يترجم به؟
فقال :كان ينبغي أن يترجَم بآية منه ل بشيء من كلمنا.
قالوا :وما هذه الية التي يترجم بها؟
ح ٌد وَلِيَ ّذكّرَ
س وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِ َيعَْلمُو?اْ أَ ّنمَا ُهوَ اله وَا ِ
قال :قوله تعالى{ :س 14ش 52هَاذَا بَلَاغٌ لّلنّا ِ
ُأوْلُواْ الَلْبَابِ }(إبراهيم)52 :
قال ابن عقيل :ما أصاب ابنُ عيسى عندي ،لنه إنما يترجم الكتاب تعريفا لئل يختلط كتاب
بكتاب ،فإذا كان هذا الكتاب ممتنع النظير سيوجد النظر في نفسه ل يختلط به غيره ،فلماذا
يترجم؟
ولو جاز أن يترجم كما تترجم الكتب مع تمييزه بإعجازه وعدم اختلطه بغيره ،ول ُيعْلم كلم من
هو ،وتأليف من هو ،كعادة آيات الكتب جاز أن يُكتب على جبهة الحيوانات :كالفرس ،والبعير،
وعلى جبهة الدمي :هذا صنعة ال
الباب الثاني
في معجزه بشق القمر
قال ابن عباس :اجتمعت المشركون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :إن كنت صادقا
فشُقّ لنا القمر فرقتين.
ت تؤمنون؟» .
فقال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إن فعل ُ
قالوا :نعم.
فسأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ربّه أن يعطيه ما قالوا.
ش َهدُوا» .
فانشق القمر فرقتين ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم ينادي« :يَا فُلَنُ ،يَا فُلَنُ ا ْ
وذلك بمكة قبل الهجرة.
قال مجاهد :انشق القمر ،فوقعت فرقةٌ فوقَ الجبل ،وذهبت فرقة من وراء الجبل.
وقال ابن زيد :لما انشق كان يُرى نصفه على قيعان ،والنصف الخر على أبي قبيس.
عن ابن مسعود قال :انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم شقتين حتى نظروا
ش َهدُوا» .
إليه .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ا ْ
أخرجاه.
وفي لفظ :انشق القمر شقة فوق الجبل وشقة يسترها الجبل ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
«اشهدوا» .
عن أنس بن مالك :أن أهل مكة سألوا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم أن يريهم آية ،فأراهم القمر
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
شقتين حتى رأوا حراءَ بَيْنهما.
قال البخاري :عن ابن عباس :انشق القمر في زمان النبي صلى ال عليه وسلم.
أخرجاهما.
عن عبدال قال :انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال قوم :هذا سحرٌ
سحرهم ابنُ أبي كبشة ،فاسألوا الذين َيقْدمون عليكم ،فإن كان مثل ما رأيتم فقد صدق ،وإل فهو
سحر .فقدموا السّفار فسألوهم فقالوا :نعم قد رأيناه ،قد انشق القمر.
ا ْلمُ ّتقِينَ فِى جَنّاتٍ وَ َنهَرٍ * فِى َم ْقعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ ّمقْتَدِرِ }(القمر)1 :
قال :انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فرقتين.
الباب الثالث
في إظهار معجزاته صلى ال عليه وسلم في تكثير الطعام
عن جابر بن عبدال قال :عملنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في الخندق وكانت عندي
شويهة عنز جذعة سمينة فقلت :لو صنعناها لرسول ال صلى ال عليه وسلم.
فأمرتُ امرأتي فطحنت لنا شيئا من شعير ،وصنعت لنا منه خبزا ،وذبحت تلك الشاة ،فشويناها
لرسول ال صلى ال عليه وسلم.
قال :فلما أمسينا وأراد رسول ال صلى ال عليه وسلم النصرافَ عن الخندق ،قال :وكنا نعمل
فيه نهارا فإذا أمسينا رجعنا إلى أهلنا ،قال :قلت :يا رسول ال ،إني قد صنعت لك شويهة كانت
عندنا ،وصنعنا معها شيئا من خبز الشعير ،فأحبّ أن ينصرف معي رسول ال صلى ال عليه
وسلم إلى منزلي .وإنما أريد أن ينصرف معي رسول ال صلى ال عليه وسلم وحده.
فلما قلت له ذلك قال« :نعم».
ثم أمر صارخا فصرخ :أن انصرفوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بيت جابر .قال:
قلت :إنا ل وإنا إليه راجعون.
فأقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم وأقبل الناس معه ،فجلس فأخرجناها إليه .قال :فبارك وسمّى
صدَر أهلُ الخندق عنها.
س كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس حتى َ
ثم أكل .وتواردها النا ُ
أخرجاه.
عن جابر بن عبدال قال :توفي عبدال بن عمرو بن حرام ،يعني أباه ،أو استشهد ،وعليه دَين.
ضعُوا من دَيْنه شيئا ،فطلب إليهم
فاستعنت برسول ال صلى ال عليه وسلم على غرمائه أن َي َ
فأبوْا.
ج َوةُ عَلى حِ َدةٍ وعَ َذقُ
فقال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اذْ َهبْ َفصَ ّنفْ َتمْ َركَ أصْنَافًا العَ ْ
(ابنُ) زَيدٍ عَلَى حِد ٍة وأصْنَافَه ُثمَ ا ْب َعثْ إليّ» .
ل لل َقوْمِ»
ففعلت ،فجاء رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ،فجلس في أعله أو في وسطه ،ثم قال« :كِ ْ
.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فكِلْت لهم حتى َأ ْوفَيْتهم ،وبقي تمري كأنْ لم ينقص منه شيء.
انفرد بإخراجه البخاري.
عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ،عن أبيه قال :كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاة،
ظهْرهم
فأصاب الناس مَخْمصةٌ ،فاستأذن الناسُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم في نَحْر بعض َ
وقالوا :يبلّغنا ال به.
فلما رأى عمر بن الخطاب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد هَمّ أن يأذن لهم في نحر بعض
ظهرهم قال :يا رسول ال ،كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدا جياعا رجالً؟ ولكن إن رأيت يا
رسول ال أن ندعو الناس ببقايا أزوادهم نجمعها لهم ،ثم تدعو ال فيها بالبركة ،فإن ال تعالى
سيبلّغنا بدعوتك .أو قال :سيبارك لنا في دعوتك.
فدعا النبي صلى ال عليه وسلم ببقايا أزوادهم ،فجعل الناس َيحْثُون بالحثوة من الطعام وفوق
ذلك ،وكان أعلهم من جاء بصاع من تمر.
فجمعها رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال :فدعا ما شاء ال أن يدعو ،ثم دعا الجيشَ
بأوعيتهم ،وأمرَهم أن َيحْثوا ،فما بقي في الجيش وعاء إل مملوءة وبقي مثله.
ن لَ اله إلّ اللّ ُه وأَنّي
ش َهدُ أ ْ
فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال« :أ َ
رَسُولُ ال ،لَ يَ ْلقَى اللّهَ عَ ْبدٌ ُم ْؤمِنٌ ِب ِهمَا إلّ حُجِ َبتْ عَنْهُ النّارُ َيوْ َم القِيَامَةِ» .
عن عمر بن الخطاب قال :خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ،فقلت :يا
رسول ال ،خرج إلينا الروم وهم شباع ونحن جياع ،وأرادت النصار أن ينحروا نواضحهم.
ضلُ زَادِ فَليَأْتِنَا» .
فنادى منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم في الناس« :مَنْ كَانَ عِنْدَه َف ْ
فحزَرْنا جميعَ ما جاؤوا به فوجدوه سبعا وعشرين صاعا.
عكّة لها
فأتت بذلك الخبز ،فأمر به رسول ال صلى ال عليه وسلم ف ُفتّ ،وعصرت أم سليم ُ
فآ َدمَتْه .ثم قال فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ما شاء ال أن يقول :ثم قال« :إئذَنْ ِلعَشَ َرةٍ» .
فأذن لهم ،فأكلوا حتى شبعوا ،ثم خرجوا فأكل القوم وشبعوا ،والقوم ثمانون رجلً.
أخرجاه.
عن أنس بن مالك قال :تزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم فدخل بأهله ،قال :فصنعت أمي أم
سليم حَيْسا ،فجعلته في َتوْر فقالت :يا أنس ،اذهب بهذا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقل:
بعثت بهذا إليك أمي ،وهي تقرئك السلم وتقول لك :إن هذا لك منا قليل.
قال :فذهبت به إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :إن أمي تقرئك السلم ،وتقول لك :إن
هذا لك منا قليل.
ضعْهُ» .
فقالَ « :
ثم قال« :اذْ َهبْ فَا ْدعُ فُلَنا وفُلَنا ،أو مَنْ َلقِ ْيتَ» .وسمّى رجالً.
قال :فدعوت مَنْ سمّى ومن لقيت.
قال :قلت لنس :كما كانوا؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :زهاء ثلثمائة.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا أنَسْ ،هَاتِ ال ّتوْرَ» .فدخلوا حتى امتلت الصّفة
ن ممّا
والحجرة ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لِيَتَخَّلفْ عَشَ َرةٌ عَشَ َرةٌ ،لِيَ ْأ ُكلْ ُكلّ إنْسَا ٍ
يَلِيهِ» .
قال :فأكلوا حتى شبعوا ،وخرجت طائفة ،ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم.
ثم قال« :يَا أَنَسْ ،ا ْرفَعْ» .فما أدري حين وُضعت (كان) أكثَرَ أم حين ُرفِعت؟.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال :كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم ثلثين ومائة ،فقال النبي
طعَامٌ؟» فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه ،فعُجْن.
حدٍ مِ ْنكُمْ َ
صلى ال عليه وسلمَ « :هلْ مَعْ أَ َ
ثم جاء رجل مشرك مُشعانّ طويل بغنم يسوقها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :أبَ ْيعًا أم
عَطِيّةً؟» أو قال« :هِبَةً» .
قال :بل بيع.
شوَى.
فاشترى منه شا ًة فصُنعت ،وأمر النبي صلى ال عليه وسلم بسواد البطن أن ُي ْ
قال :وايم ال ما من الثلثين والمائة إل قد حَزّ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم حَ ّزةً من سواد
بطنها ،إن كان شاهدا أعطاه (إياه) وإن كان غائبا خبأ له .قال :وجعل منها قصعتين.
قال :فأكلنا أجمعون وشبعنا ،وفضل في القصعتين ،فحملناه على بعير .أو كما قال.
أخرجاه.
عن علي رضي ال عنه قال :خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فدعا بني عبد المطلب،
س أولُه بشرب ،فقال« :يَا بَنِي عَبْدَ
ثم دعا بُعس فشربوا حتى رووا ،وبقي الشراب كأنه لم يُم ّ
المُطِّلبِ ،إنّي بُع ْثتُ إل ْيكُمْ خَاصّةً ،وإلَى النّاسِ عَامّةًَ ،وقَدْ رَأيْ ُتمْ مِنّي هَذه اليَةِ ،فأ ّيكُم يُبَا ِيعُنِي عَلَى
أنْ َيكُونَ أَخِي َوصَاحِبِي؟» .
الباب الرابع
في ذكر معجزه صلى ال عليه وسلم في تكثير السمن
عكّة ،فقالت :يا زبيبة،
عن أم أنس بن مالك قالت :كانت لي شاة فجمعت من سمنها ما ملت به ُ
امضي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بهذه العكة يأتدم بها.
فمضت بها إليه فقالت :يا رسول ال ،إن أم سُلَيم أرسلت إليك بهذه العكة لتَأْتَدم بها.
فقال« :خُذُوهَا فَفَرّغُوهَا وَرُدّوهَا عَلَ ْيهَا» .
فانصرفت بها وأمّ سُلَيم غائبة عن المنزل ،فعلقتها على وتد ،فلما رجعت أم سُلَيم رأت العكة
حمْل العكة إلى رسول ال صلى ال عليه
مملوءة سمنا َتقْطر ،فقالت :يا زبيبة ،ألم أتقدم إليك ب َ
وسلم.
فقالت :قد حملتها وإن لم تصدقيني فاسأليه.
سمْن لتأتدم بها.
فمضت فقالت :يا رسول ال ،كنت وجّهت إليك بعكة َ
قال« :قَدْ وَصََلتْ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالت :والذي بعثك بالهدى ودين الحق ،لقد وجدتها مملوءة سمنا تقطر.
ط َعمِي» .
ط َع ْمتِ نِبِيّه؟ اذْهَبِي َفكُلِي وأ ْ
ط َع َمكِ اللّهُ َكمَا أ ْ
قال« :أفَ َتعْجَبِينَ أنْ أَ ْ
فانصرفتُ ففرغت منها في عكة لنا ،وأبقيت ما تَأدّمنا به شهرا أو شهرين.
عن جابر :أن أم مالك ال ِفهْرية كانت تهدي في عكة لها سمنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عكّتها التي كانت تُهدي فيها إلى رسول
فبَيْنا بنوها يسألونها الِدامَ وليس عندها شيء ،عمدت إلى ُ
ال صلى ال عليه وسلم ،فوجدت فيها سمنا ،فما زال يَأْدم لها ُأدْمَ بيتها حتى عصَرَتْه.
عصَرْتِيه؟» .
فأتت النبي صلى ال عليه وسلم قال« :أ ْ
قالت :نعم.
قال« :لو تَ َركْتِيه مَا زَالَ ذَِلكَ َلكِ ُمقِيْمًا» .
انفرد بإخراجه مسلم.
الباب الخامس
في معجزه صلى ال عليه وسلم في تكثير التمر
عن أبي هريرة قال :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما بتمرات فقلت :ادع ال لي فيهن
بالبركة.
خلَ َيدَك ول تَنْثُ ْرهُ» .
جعَلهُنّ فِي مِزْو ِدكَ وأدْ ِ
قال :فصفّهن بين يديه ثم دعا ،وقال لي« :ا ْ
حقْوي ،فلما قتل
قال :فحملتُ منه كذا وكذا وسَقا في سبيل ال ،وآكل وأطعم ،وكان ل يفارق ِ
عثمان انقطع حقوي فسقط.
عن أبي هريرة قال :أُصبتُ بثلث :موت النبي صلى ال عليه وسلم وكنت صُويحبه وخويدمه،
ومَقْتل عثمان ،وبالمِزْود.
قالوا :وما الزود؟
قال :كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأصابت الناس َمخْمصة ،فقال رسول ال صلى ال
شيْءٍ؟» .
عليه وسلم« :يَا أبَا هُرَيْ َرةََ ،هلْ مِنْ َ
قلت :نعم شيء من تمر في مزود.
قال« :فَأْتِني بِه» .
فأتيته به ،فأدخل يده ،فأخرج قبضةً فبسطها ،ثم قال« :ا ْدعُ لِي عَشَ َرةً» .
فدعوت له عشرة ،فأكلوا حتى شبعوا .ثم أدخل يده فأخرج قبضةً فبسطها ،ثم قال« :ا ْدعُ لِي
عَشَ َرةً» فدعوت له عشرة ،فأكلوا حتى شبعوا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كله وشبعوا.
ك وَاقْ َتصِ ْر َولَ َتكُبّهُ» .
خلْ يَ َد َ
ثم قال لي« :خُذْ مَا جِ ْئتَ بِه ،وأ ْد ِ
قال أبو هريرة :فقبضت على أكثر ما جئت به ،أكلت منه حياةَ رسول ال صلى ال عليه وسلم
وأطعمت ،وحياة أبي بكر وأطعمت ،وحياة عمر وأطعمت ،وحياة عثمان وأطعمت ،فلما قتل
عثمان انتُهب بيتي فذهب المزود.
عوَز من الطعام،
عن أبي هريرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاة وأصابهم َ
شيْءٌ؟» .
فقال« :يَا أبَا هُرَيْ َرةَ ،عِ ْن َدكَ َ
قلت :نعم شيء من تمر في مِزْود لي.
قال« :جِيءْ بِه» .
فجئت به على النطع فبسطته ،فأدخل يده فقبض على التمر ،فإذا هو واحد وعشرون تمرة ،ثم
قال« :بسم ال» .فجعل يضع كل تمرة ويسمّي حتى أتى على التمر ،فقال به هكذا فجمعه.
فقال« :ا ْدعُ فُلَنا وأصْحَابَه» .فدعوت فلنا وأصحابه فأكلوا ،وشبعوا ،وخرجوا .ثم قال« :ا ْدعُ
فُلَنا وأصْحَابَه» .فأكلوا وشبعوا وخرجوا.
وفضل تمر ،فقال لي« :ا ْقعُدْ» .
فقعدت ،فقالُ « :كلْ» .فأكلت وأكل.
ك َولَ َت ْكفَأ فَ ُي ْكفَأُ
خلْ يَ َد َ
وفضل تمر فأدخله في المزود فقال« :يَا أبَا هُرَيْ َرةَ ،إذَا أرَ ْدتَ شَيْئا فََأدْ ِ
عَلَ ْيكَ» .
قال :فما كنت أريد تمرا إل أدخلت يدي فأخَذت ،ولقد جهزت منه خمسين وسَقا في سبيل ال،
وكان معلقا خلف رحلي فوقع زمن عثمان فذهب.
عمْرة بنت رواحة ،فأعطتني
عن ابنة بشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قالت :بعثتني أمي َ
تمرا في ثوبي فقالت :أي بنية ،اذهبي إلى أبيك وخالك عبدال بن رواحة بغدائهما.
فانطلقت بذلك ،فمررت برسول ال صلى ال عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ،فقالَ « :تعَالَيْ يَا
بُنَيّةِ مَا َهذَا َم َعكِ؟» .
قلت :يا رسول ال ،هذا تمر بعثت به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبدال بن رواحة
يتغدّيان به.
قال« :هَاتِيْه» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالت :فصببته في كفي رسول ال صلى ال عليه وسلم فما ملهما ،وأمر بثوب فبسط ثم دحى
التمر عليه ،ثم قال لِنسان« :اصْرُخْ فِي أ َهلِ الخَنْ َدقِ :هَُلمّوا إلَى الغَدَاءِ» .
فاجتمع أهل الخندق فجعلوا يأكلون منه ،وجعل يزيد ،حتى صدر عنه أهل الخندق وإنه ليسقط من
أطراف الثوب.
الباب السادس
في معجزته صلى ال عليه وسلم في تكثير الماء
حصَين قال :كنا في سفَر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وإنا أسْرَينا حتى إذا
عمْران بن ُ
عن ِ
كنا في آخر الليل وقَعْنا وقعةً ،ول وقعة أحلى عند المسافر منها ،فما أيقظنا إل حَرّ الشمس.
فكان أول مَنْ استيقظ فلن ثم فلن ،كان يسمّيهم أبو رجاء ونسِيهم عوف ،ثم عمر بن الخطاب
الرابع.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا نام لم يُوقَظ حتى يكون هو يستيقظ لنا ل ندري ما
يَحْدث له في نومه.
فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناسَ ،وكان رجلً أجوف جليدا ،قال :فكبّر ورفع صوته
بالتكبير ،حتى استيقظ بصوته رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فلما استيقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم شكوْا إليه الذي أصابهم ،فقال« :لَ ضَيْر َأ ْو لَ َتضَيّر،
ارْتَحِلُوا» .
فارتحلوا فسار غيرَ بعيد ،ثم نزل فدعا بالوَضوء ،فتوضأ ونودي بالصلة فصلى بالناس.
فلما انفتل من صلته إذا هو برجل معتزل لم يصلّ مع القوم ،قال« :مَا مَ َن َعكَ يَا فُلَنَ أَنْ ُتصَلّي
مَ َع ال َقوْمِ؟» .
فقال :يا رسول ال ،أصابتني جنابة ول ماء.
صعِيد» .
قال« :عَلَ ْيكَ بِال ّ
ثم سار رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وشكا إليه الناسُ العطش ،فنزل فدعا فلنا ،كان يسمّيه
أبو رجاءَ ونسيه عَوف ،ودعا عليّا فقال :اذهبا فابغيا لنا الماء.
سطِيحَتَيْن من ماء على بعير ،فقال لها :أين الماء؟
قال :فانطلقا فلقيا امرأة بين مَزَادتين أو َ
خلُوف.
فقالت :عهدي بالماء أمس هذه الساعة ونفرُنا ُ
فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسَويقة ،حتى جمعوا لها طعاما كثيرا ،وجعلوه في ثوب
وحملوها على بعيرها ،ووضعوا الثوب بين يديها.
فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :تعْلمين وَال ما رَزِئْنَا مِنْ مَا ِئكِ شَيْئا ،ولكّنَ ال عزّ
سقَانَا» .
جلّ هو الذي َ
وَ
قال :فأتت أهلها وقد احتبست عنهم ،فقالوا :ما حبسك يا فلنة؟
قالت :العجب لقيني رجلن فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له الصابىء ،ففعل بمائي كذا وكذا ،فوال
سحَرُ مَنْ بَيْن هذه وهذه .وقالت بإصبعيها السبابة والوسطى فرفعتهما إلى السماء؛ تعني:
إنه ل ْ
السماء والرض ،أو إنه لرسول ال حقا.
قال :فكان المسلمون يُغيرون على مَنْ حولها من المشركين ول يصيبون الصّرْمَ الذي هي منه،
عمْدا ،فهل لكم في الِسلم؟
فقالت يوما لقومها :ما أرى أن هؤلء القوم يَدَعونكم َ
فأطاعوها فدخلوا في الِسلم.
أخرجاه.
عن البراء قال :انتهينا إلى الحُدَيبية ،وهي بئر قد نُزحت ،ونحن أربع عشرة مائة.
قال :فنزع منها دلوا ،فتمضمض النبي صلى ال عليه وسلم منه ثم مجّه فيه ودعا .قال :فروَيْنا
وأَ ْروَيْنا.
سوَر بن َمخْرمة ،ومروان بن الحكم قال :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم زمان
عن المِ ْ
حلَيفة قلد رسول ال صلى ال
الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ،حتى إذا كانوا بذي ال ُ
عليه وسلم الهَدْي وأَشْعره وَأحْرم بالعُمرة ،فسار َي ْعدِل بهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمَد
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قليل الماء يتبرّضه الناس تبرّضا ،فلم يُلْبثه الناسُ أن نزحوه.
فشكونا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم العطشَ ،فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه
فيه.
قال :فوال ما زال يجيش لهم بالرّي حتى صدَروا عنه.
عن البراء قال :كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في مسير ،فأتينا على ركًى زمّة ،يعني
قليلة الماء فنزل فيها ستة أنا سادسهم ،فأُدليت إلينا دلو ورسول ال صلى ال عليه وسلم على شقة
الركَى ،فجعلنا فيها نصفها أو قريب ثلثها ،فرُفعت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فغمس يده
فيها وقال ما شاء ال أن يقول ،فعادت إلينا الدلو بماءٍ فيها.
قال :فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشية الغرق.
قال :ثم ساحت حتى جرت نهرا.
عن زياد بن الحارث الصّدائي قال :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فبايعته على الِسلم ،ثم أتى
وف ٌد من قومي بإسلمهم ،فقالوا يا رسول ال ،إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسَعنا ماؤها فاجتمعنا
إليه ،فإذا كان الصيف قلّ ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا ،وإنا ل نستطيع أن نتفرق اليوم ،كلّ من
حولنا لنا عدُو ،فادع ال أن يسعنا ماؤها ،فدعا بسبع حصيات ففرقهن في يده ودعا ثم قال« :إذَا
سمَ ال َتعَالَى» .فما استطاعوا أن ينظروا إلى قعرها بعد.
أَتَيْ ُتمُوهَا فَأَ ْلقُوهَا وَاحِ َد ًة وَا ْذكُرْوا ا ْ
عن أبي إياس قال :جاء رجل بإداوة فيها نقطة من ماء ،فأفرغها رسول ال صلى ال عليه وسلم
غفَقَةً أربع عشر مائة ،ثم جاء بعدُ ثمانية ،فقالوا :هل من طهُور؟
غفِقه دَ ْ
في قدح ،فتوضأنا كلنا ُندَ ْ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :قَدْ فَ َرغَ ال َوضُوءُ» .
انفرد بإخراجه مسلم.
عشِيّ َتكُم وَلَيْلَ َتكُمْ،
عن أبي قتادة قال :خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :إِ ّنكُمْ تَسِيْرُونَ َ
وَتَأْتُونَ المَاءَ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ» .
فانطلق الناسُ ل يَلْوي أحد على أحد ،فَبَيْنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يسير حتى ابْهارّ الليل
عمْته قبل أن
وأنا إلى جَنْبه ،فنعس رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ،فمال عن راحلته ،فأتيت فدَ َ
أوقظه حتى اعتدل على راحلته.
عمْته من غير أن أوقظه حتى اعتدل.
ثم سار حتى تهوّر الليلُ ،فمال عن راحلته فدَ َ
ثم سار حتى كان من آخر السّحَر مال مَيْلةً أشد من (الميلتَيْن) الولتين حتى كاد يَنْجفل ،فأتيته
عمْته.
فد َ
فرفع رأسه فقال« :مَنْ هَذا؟» .
قلت :أبو قتادة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :مَتَى كَانَ هَذا مَسِي ُركَ مِنّي؟» .
قال :ما زال هذا مسيري منذ الليلة.
ظتَ بِه نَبِيّه» .
حفِ ْ
ظكَ (اللّهُ) ِبمَا َ
حفِ َ
قالَ « :
حدٍ؟» .
خفَى عَلَى النّاسِ؟» ثم قالَ « :هلْ تَرَى مِنْ أَ َ
ثم قالَ « :هلْ تَرَانَا نَ ْ
قلتُ :هذا راكب .ثم قلت :هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة َركْب.
حفَظْ عَلَيْنَا صَلَتَنَا»
فمالَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عن الطريق ،فوضع رأسه (ثم) قال« :ا ْ
.
ظهْره ،ف ُقمْنا فَزِعين ،ثم قال:
فكان أول مَنْ استيقظ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم والشمسُ في َ
«اركبوا» .
فركبنا فسِرْنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل فدعا بمِيضأة كانت معي فيها شيء من ماء ،فتوضأ
حفَظْ عَلَيْنَا مِيضَأَ ِتكَ فَسَ َيكُونُ َلهَا نَبَأٌ» .
منها ،وبقي فيها شيء من ماء ،ثم قال لبي قتادة« :ا ْ
ثم أذّن بلل بالصلة ،فصلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ركعتين ،ثم صلى الغداة فصنع كما
(كان) يصنع كل يوم وركب وركبنا معه.
فجعل بعضنا يهمس إلى بعض :ما كفارةُ ما صنعنا بتفريطنا في صلتنا؟
صلّ
س َوةٌ؟» ثم قالَ« :أمَا إِنّه لَيْسَ ال ّتفْريْطُ فِي ال ّنوْم ،إ ّنمَا ال ّتفْرِيْطُ عَلَى مَنْ َلمْ ُي َ
فقال« :أمَا َلكُمْ ِفيّ أُ ْ
ل ِة الُخْرَىَ ،فمَنْ َف َعلَ ذَِلكَ فَلْ َيصَّلهَا حينَ يَنْتَبِه َلهَا» .
لةَ حَتّى يَجِي َء َو ْقتُ الصّ َ
الصّ َ
فانتهينا إلى الناس وهم يقولون :يا رسول ال ،هلكنا عطشا.
فقال« :لَ هُ ْلكَ عَلَ ْيكُم» .
غمَرِي» .ودعا بالميضأة ،فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصب ،وأبو
ثم قال« :أطِْلقُوا لِي ُ
قتادة يسقيهم ،فلم يعْدُ أن رأى الناس ما ًء في الميضأة فتكابّوا عليها ،فقال رسولُ ال صلى ال عليه
وسلمَ« :أحْسِنُوا المَلَ كُّلكُم سَيَ ْروَى» .
فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصبّ وأسقيهم ،حتى ما بقي غيري وغيرُ رسول ال صلى
ال عليه وسلم.
ثم صبّ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم فقال لي« :اشْ َربْ» .
قلت :ل أشرب حتى يشرب رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قال« :إنّ سَاقِي ال َقوْمِ آخِرُ ُهمْ شُرْبا» .
فشربتُ وشرب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فأتى الناس (الماءَ) جامّين ِروَاءً.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب السابع
في ذكر نبع الماء من بين أصابعه صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك :أن نبي ال صلى ال عليه وسلم كان بالزّوراء ،فأتي بإناء فيه ماء ل يَغمْر
أصابعه ،فأمر أصحابه أن يتوضؤوا ،فوضع كفه في الماء ،فجعل الماء يَنْبع من بين أصابعه
وأطراف أصابعه ،حتى توضأ القوم.
فقلت لنس :كم كنتم؟ قال :كنا ثلثمائة.
أخرجاه.
عن عبدال قال :بينما نحن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس معنا ماء ،فقال لنا رسول ال
صلى ال عليه وسلم« :اطْلُبُوا مَنْ َمعَه مَاءٌ» .
ففعلنا ،فأتي بماء ،فصبه في إناء ،ثم وضع كفه فيه ،فجعل الماء يخرج من بين أصابعه .ثم قال:
طهُورِ المُبَا َركِ ،وَالبَ َركَةُ مِنَ ال» .فملتُ بطني منه واستقى الناس.
حيّ عَلَى ال ّ
«َ
أخرجه البخاري.
عن ابن عباس قال :أصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم وليس في العسكر ماء ،فأتاه رجل
فقال :يا رسول ال ،ليس في العسكر ماء.
شيْءٌ؟» .
قالَ « :هلْ عِ ْن َدكَ َ
قال :نعم.
قال« :فَأْتِنِي بِه» .
قال :فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل.
قال :فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم أصابعه في فم الِناء وفتح أصابعه ،فانفجرت من
ل فقال« :نَادِ فِي النّاسِ ال َوضُوءُ المُبَا َركُ» .
أصابعه عيون ،وأمر بل ً
عن عبدال قال :كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفَر ،فلم يجدوا ماء فأتي ب َتوْر من
ماء ،فوضع النبي صلى ال عليه وسلم فيه يده وفرّج بين أصابعه قال :فرأيت الماء يتفجر من
حيّ عَلَى ال َوضُوءِ والبَ َركَةُ مِنَ ال َتعَالَى» .
بين أصابع رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقالَ « :
جعْد قال :قلت لجابر بن عبدال :كم كان الناس يومئذ؟ قال:
قال العمش :فأخبرني سالم بن أبي ال َ
قال :كنا ألفا وخمسمائة.
أخرجه البخاري.
عن جابر قال :عطش الناس يوم الحديبية ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم بين يديه َركْوة،
فتوضأ منها ثم أقبل على الناس نحوه فقال« :مَا َلكُم؟» .
قالوا :يا رسول ال ،ليس عندنا ما يتوضأ به ول نشرب إل ما في ركوتك.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فوضع النبي صلى ال عليه وسلم يده في الركوة ،فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال
العيون.
قال :فشربنا وتوضأَنا ،فقلت لجابر :كم كنتم يومئذ؟
قال :لو كنا مائة (ألف) لكفانا ،كنا خمس عشرة مائة.
أخرجاه.
عن جابر قال :أتينا العسكر ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا جَابِرْ ،نَادِ َت َوضّؤُوا» .
الباب الثامن
في معجزه صلى ال عليه وسلم في تكثير اللبن
عن أبي هريرة قال :وال إني كنت لعتمد على كبدي بالرض من الجوع ،ولقد قعدت على
طريقهم الذي يخرجون منه ،فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب ال ،ما سألته إل ليَسْتَتْبعني،
فلم يفعل .فمرّ عمر فسألته فلم يفعل.
فمر أبو القاسم صلى ال عليه وسلم ،فعرف ما بوجهي وما في نفسي ،فقال« :يَا أَبَا هُرَيْ َرةَ» .
فقلت :لبّيك يا رسول ال.
قال« :إلحقْ» .فاتّبعته ،فاستأذنت فأذن لي ،فوجد لبنا في قدح فقال« :مِنْ أَيْنَ َل ُكمْ هَذَا اللّبَنُ؟» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقالوا :أهداه فلن وآل فلن.
قال« :أَبَا هِرَ» .
قلت :لبّيك يا رسول ال.
الباب التاسع
في ظهور معجزته صلى ال عليه وسلم بمجيء الشجر إليه
عن َيعْلى بن مُرّة الثقفي قال :بَيْنَا نحن نسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فنزلنا منزلً فقام
النبي صلى ال عليه وسلم ،فجاءت شجرة تشق الرض حتى غشيَتْه ،ثم رجعت إلى مكانها.
جلّ في أَنّ تُسَلّمَ عََليّ فَأَذِنَ َلهَا»
فلما استيقظ ذكرت ذلك له فقالِ « :هيَ شَجَرةٌ اسْتَأذَ َنتْ رَبّها عَ ّز وَ َ
.
عن يعلى بن مرّة قال :خرجت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم إلى الجبانة حتى
أبَرزْنا.
شيْءٍ ُيوَارِيْنِي؟» .
حكَ ،ا ْنظُرْ َهلْ تَرَى من َ
قال« :وَيْ َ
قلت :ما أرى شيئا يواريك إل شجرة ما أراها تواريك.
قالَ « :فمَا قُرْبُها؟» .
قلت :شجرة مثلها أو قريبا منها.
قال« :فَا ْذ َهبْ إل ْي ِهمَا َفقُل :إنّ رَسُولَ ال صلى ال عليه وسلم يَأمُ َر ُكمَا أنْ تَجْ َت ِمعَا بِإذْنِ ال َتعَالَى»
.
قال :فاجتمعتا ،فبرز لحاجته ،ثم رجع فقال« :اذْ َهبْ إل ْي ِهمَا َفقُل َل ُهمَا :إنّ َرسُولَ ال صلى ال عليه
ح َدةٍ مِ ْن ُكمَا إلَى َمكَا ِنهَا» فرجعت.
ل وَا ِ
وسلم يَ ْأمُ َر ُكمَا أنْ تَ ْرجِع ُك ّ
عن جابر بن عبدال قال :سِرْنَا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفْيَحَ ،فذهب
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقضي حاجته ،فاتبعته بإداوة من ماء ،فنظر رسول ال صلى ال
عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به ،وإذا شجرتان بشاطىء الوادي ،فانطلق رسول ال صلى ال
عليه وسلم إلى إحداهما ،فأخذ بغصن من أغصانها فقال« :ا ْنقَادِي َمعِي بِإذْنِ ال َتعَالَى» .فانقادت
معه كالبعير المَخْشوش الذي يصانع قائدَه ،حتى أتى الشجرة الخرى فأخذ بغصن من أغصانها
فقال« :ا ْنقَادِي عََليّ بِإذْنِ ال َتعَالَى» .فانقادت معه كذلك ،حتى إذا كان بالمنصف مما بينهما لم
بينهما فقال« :إلتَ ِئمَا بِإذْنِ ال َتعَالَى عََليّ» .فالتأمتا.
قال جابر :فخرجت أَحْضر مخافة أن يحسّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بقُرْبي فيبتعد ،فجلست
فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم مقبلً وإذا الشجرتان قد افترقتا ،فقامت كل واحدة منهما على
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ساق.
عن جابر قال :خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فجئنا حتى نزلنا موضعا ليس فيه
شجر ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا جَابِرُ ،اتْ َبعْنِي ِبمَاءٍ» .
فاتبعته حتى انتهينا إلى موضع فيه شجر ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا جَابِرُ ،ا ْيتِ
ضمّا» .
هَاتَيْنِ الشَجَرَتَيْنِ َف ُقلْ َل ُهمَا :إنّ رَسُولَ ال صلى ال عليه وسلم يَقولُ َل ُكمَا ا ْن َ
خدّان الرضَ خدّا حتى انضمّتا ،فتوضأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال« :يَا جَابِرُ،
فأقبلتا تَ ُ
ايْ ِت ِهمَا َفقُل َل ُهمَا َيعُودَانِ إلَى َم ْوضِ ِع ِهمَا» .
عن ابن بُرَ ْيدَة عن أبيه قال :جاء أعرابي إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،قد
أسلمتُ فأرني شيئا أزدد به يقينا.
قالَ « :فمَا الذي تُريْدُ؟» .
قال :ادع تلك الشجرة فلتأتك.
عهَا» .
قال« :اذْ َهبْ فَادْ ُ
فأتاها العرابي فقال :أجيبي رسولَ ال صلى ال عليه وسلم .فمالت على جانب من جوانبها
فقَطعت عروقَها ،ثم مالت على الجنب الخر فقطعت عروقها ،حتى أتت النبي صلى ال عليه
وسلم فقالت :السلم عليك يا رسول ال.
فقال العرابي :حسبي حسبي.
جعِي» .فرجعت فجلست على عروقها.
فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم« :ارْ ِ
عن ابن عمر قال :كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر ،فأقبل أعرابي ،فلما دنا منه قال له
رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَيْنَ تُر ْيدُ؟» .
قال :إلى أهلي.
قالَ « :ف َهلْ َلكَ في خَيْرٍ؟» .
قال :وما هو؟
حمّدا عَ ْب ُدهُ وَرَسُولُه» .
ح َد ُه لَ شَرِيكَ لَ ُه وَأَنّ ُم َ
ن لَ اله إلّ اللّ ُه وَ ْ
ش َهدُ أ ْ
قال« :تَ ْ
قال :ومن يشهد (على) ما تقول؟
قالَ « :ه ِذهِ الشّجَ َرةُ» .
فدعاها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بشاطىء الوادي ،فأقبلت تخ ّد الرضَ خدّا ،حتى
قامت بين يديه فاستشهدها ثلثا أنه كما قال .ثم رجعت إلى منبتها .ورجع العربي إلى قومه
وقال :إن اتّبعوني أتيتُك بهم ،وإل رجعت فكنت معك.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن ابن عباس ،قال :جاء أعرابي إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،بم أعرف
أنك رسول ال؟
ش َهدُ أَنّي رَسُولُ ال؟» .
ع ْوتُ هَذا ال ِعذْقَ مِن َه ِذهِ النّخْلَةِ َفجَاءَ ،تَ ْ
قال« :أَرَأ ْيتَ إنْ دَ َ
قال :نعم.
فدعاه فجعل ينزل من النخلة حتى سقط في الرض ثم جعل يَنْقزُ حتى أتى النبي صلى ال عليه
وسلم ،فقال له« :عُدْ» .فعاد إلى مكانه.
قال :أشهد أنك رسول ال .وآمن.
عن أبي عبيدة بن عبدال قال لي مسروق :أخبرني أبوك أن شجرة أنذرت النبيّ صلى ال عليه
وسلم بالجن.
فإن قال أهل الِلحاد :هذا سحر.
قلنا :السحر خيال وشعبذة ل حقيقة.
سعَى }
عصِ ّيهُمْ ُيخَ ّيلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِ ِهمْ أَ ّنهَا تَ ْ
قال ال تعالى{ :س 20ش 66قَالَ َبلْ أَ ْلقُواْ فَإِذَا حِبَاُلهُ ْم وَ ِ
(طه)66 :
قال ابن عقيل :لو كان السحر قَلْبا للعيان لساوَى الِعجازَ وتعذر علينا العلمُ بصدق الصادق ،لن
ال سبحانه لم يجعل لنا طريقا إلى العلم إل كون المعجز دالّ على الصدق بكونه معجزا عنه،
فمتى قلنا إن الساحر َيقْلب العيان كما نقول في حق النبي صلى ال عليه وسلم لم تَبْق ميزة،
وانسدّ الطريق إلى حصول التحقيق.
قال :فإن قال قائل :فأيّ ثقة تبقى لنا بالمدرَكات مع قوله{ :س 4ش َ 157و َقوِْلهِمْ إِنّا قَتَلْنَا ا ْلمَسِيحَ
شكّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َرسُولَ اللّ ِه َومَا قَتَلُوهُ َومَا صَلَبُو ُه وَلَاكِن شُبّهَ َل ُه ْم وَإِنّ الّذِينَ اخْتََلفُواْ فِيهِ َلفِى َ
ن َومَا قَتَلُوهُ َيقِينا }(النساء)157 :
مّنْهُ مَا َلهُمْ بِهِ مِنْ عِ ْلمٍ ِإلّ اتّبَاعَ الظّ ّ
.وقد أخبر عز وجل أن المقتول غيره؟
ب الصلح ،على ما اقتضت الحكمة صيانته ،وتعجيز
فالجواب :أن القادر سَلَب حينئذ المداركَ حس َ
الكفار عما عزموا عليه ،ولو عُدمت الثقة بالمدارك جاز عدم الثقة بحلوة العسل ،لمَا يتطرّق من
الغرض من المطاعم والمزجة ،فيدْرَك في حالٍ مُرّا.
فإن قال قائل :فما فائدة وقوع ما يجانس المعجزةَ من السّحر ،والكهانة ،وغير ذلك.
فالجواب :أن المراد التكليف ،لتخليص المعجزة من الشعبذة ل َيحْظَى الفارقُ بثواب الجتهاد ،وما
يزال السحرة يطعن بعضهم في بعض ،والرسلُ متساعدون.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب العاشر
في تحرّك الجبل لجله وسكونه لمره صلى ال عليه وسلم
عن سعيد بن زيد قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على حِرَاء ،فتحرك الجبلُ
شهِيدٌ» .
سكُنْ حِرَاءُ ،فَإنّه ليْسَ عَلَ ْيكَ إل نَبيّ ،أو صِدّيقٌ ،أوْ َ
فضربه برجله ،ثم قال« :ا ْ
ومعه أبو بكر ،وعمر ،وعثمان ،وعلي ،وطَ ْلحَة ،والزّبيرَ ،وسعد ،وعبد الرحمن ،ولو شئت أن
أسمي التاسع لسمّ ْيتُ.
فلما نظر الجمل إلى رسولِ ال صلى ال عليه وسلم أقبل نحوه حتى خرّ ساجدا بين يديه ،فأخذ
رسول ال صلى ال عليه وسلم بناصيته أذلّ ما كان حتى أدخله في العمل.
فقال له أصحابه :يا نبي ال ،هذا بهيمة ل يعقل يسجد لك ،ونحن نعقل فنحن أحق أن نسجد لك.
جدَ
لمَرْتُ المَرَْأةَ أَنْ َتسْ ُ
جدَ بَشَرٌ لِ َبشَرٍ؛ َ
جدَ لِبَشَرٍ ،وَلَ ْو صَلُحَ أنْ َيسْ ُ
قال« :لَ َيصْلُحُ لِبَشَرٍ أنْ يَسْ ُ
حقّه عَلَ ْيهَا» .
ظمِ َ
جهَا مِنْ عُ ْ
لِ َزوْ ِ
عن جابر بن عبدال قال :أقبلنا مع النبي صلى ال عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط
من حيطان النصار ،وإذا فيه جمل ل يدخل الحائط أحد إل شدّ عليه.
قال :فذكروا ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم ،فجاء حتى أتى الحائط ،فرغا البعير وجاء واضعا
شفْره إلى الرض ،حتى برك بين يديه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :هَاتُوا خِطَامًا»
َ
فخطمه ،ودفعه إلى صاحبه.
سمَا ِء والَ ْرضِ إلّ َيعَْلمُ أَنّي رَسُولُ ال صلى
شيْءٌ بينَ ال ّ
قال :ثم التفت إلى الناس فقال« :إنّه لَ ْيسَ َ
ن والِنْسِ » .
ال عليه وسلم إلّ عَاصِي الجِ ّ
عن جابر قال :خرجت مع النبي صلى ال عليه وسلم في سفر ،فإذا جمل بادٍ حتى إذا كان بين
السماطين خرّ ساجدا.
ج َملِ؟» .
حبُ ال َ
ن صَا ِ
فجلس رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال للناس« :مَ ْ
فإذا فِتْية من النصار قالوا :هذا لنا يا رسول ال.
قالَ « :فمَا شَأْنُه؟» .
قالوا :سنَيْنا عليه منذ عشرين سنة ،وكانت به شحمة ،فأردنا أن ننحره فنقسمه بين غلماننا فانفلت
منا.
قال« :تَبِيْعوُنِيْه؟» .
قالوا :ل ،بل هو لك يا رسول ال.
حسِنُوا إِليْهِ حَتّى يَأْتِيه َأجَلُه» .
قالَ« :أمَا لَ فَأَ ْ
فقال المسلمون عند ذلك :يا رسول ال ،نحن أحق بالسجود لك من البهائم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جهِنّ» .
شيْءٍ ،وََلوْ كَانَ َذِلكَ كَانَ النّسَاءُ لَزْوَا ِ
جدَ لِ َ
قال« :ل يَنْ َبغِي أنْ يُسْ َ
عمُ أ ّنكُمْ اسْ َت ْعمَلْ ُتمُوهُ شَابّا حتّى إذَا كَبِرَ
شكُوكُمْ ،يَزْ ُ
وفي رواية أخرى ،أنه قال« :إنّ َبعِي َركُمْ َهذَا يَ ْ
أرَدْ ُتمْ نَحْ َرهُ» .
ثم أخذ يحدثنا عن أهل بدر ،قال :إنْ كان رسول ال صلى ال عليه وسلم لَيُرينا مصارعهم
غدَا إنْ شَاءَ اللّهُ ،وهَذا َمصْ َرعُ فُلَنٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ» .
بالمس يقول« :هذا َمصْ َرعُ فُلنٌ َ
قال :فجعلوا ُيصْرعون عليها.
قال :قلت :والذي بعثك بالحق ما أخطؤوا تيك ،كانوا يصرعون عليها.
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أبي هريرة قال :شهدنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدّعي
الِسلم« :هَذا مِنْ أَ ْهلِ النّارِ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالً شديدا ،فأصابته جراحة ،فقيل :يا رسول ال ،الرجلُ الذي
قلتَ إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالً شديدا وقد مات.
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :إلَى النّارِ» .
فكاد بعض القوم أن يرتاب ،فبينما هم على ذلك إذ قيل :إنه لم يمت ولكن به جراح شديد .فلما
كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه ،فأُخبر النبي صلى ال عليه وسلم بذلك فقال« :اللّهُ
خلُ الجَنّ َة إلّ َنفْسٌ
شهَدُ أنّي عَ ْب ُد ال وَرَسُولُه» .ثم أمر بللً فنادى في الناس« :إنّه لَ يَ ْد ُ
أكْبَرُ ،أ ْ
ل الفَاجِرِ» .
جِمُسِْلمَةٌ ،فإنّ اللّهَ ُيؤَيّدُ هَذا الدّيْنَ ،بالرّ ُ
عن عبدال بن رافع أنه سمع عليا يقول :بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا ،والزبير،
خذُوه مِ ْنهَا» .
ظعِيْنَةٌ َم َعهَا كِتَابٌ فَ ُ
والمقداد فقال« :انْطَِلقُوا حَتّى تَأتُوا َر ْوضَةَ خَاخٍ ،فَإنّ ِبهَا َ
فانطلقنا تعادي بنا خيلُنا ،حتى أتينا الروضةَ ،فإذا نحن بالظعينة ،فقلنا :أخرجي الكتاب.
قالت :ما معي من كتاب.
فقلنا :لتخرجِنّ الكتاب أو لتلقين الثياب.
فأخرجت الكتابَ ،فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا فيه :من حاطب بن بَلْعتة إلى ناس
من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم.
طبُ ،مَا هَذا؟» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا حَا ِ
قال :ل تعجل عليّ يا رسول ال ،إني كنت امرأ مُلْصقا في قريش ،ولم أكن من أنفسهم ،وكان مَنْ
كان من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ،فأحببت إذ فاتني ذلك من النّسب فيهم أن اتخذ
فيهم يدا يَحْمون بها قرابتي ،وما فعلت ذلك كفرا ول ارتدادا عن ديني ،ول أَ ْرضَى بالكفر بعد
الِسلم.
ص َد َقكُم» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّه قَ ْد َ
فقال عمر :دَعْني أضرب عنق هذا المنافق.
غفَرْتُ
عمَلُوا مَا شِئْتُم َفقَد َ
شهِدَ َبدْرَاَ ،ومَا يُدْرِ ْيكَ أنّ اللّهَ أطّلَعَ عَلَى أَ ْهلِ َبدْرٍ َفقَال :ا ْ
فقال« :إنّه قَدْ َ
َلكُم» .
أخرجاه.
عن أبي َبكْرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي ،وكان الحسن بن علي ي ِثبُ على
ظهره إذا سجد ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ ابْنِي هَذا سَيّدٌ ،وسَ ُيصْلِحُ اللّهُ بِه بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمينَ» .
سفَرَ ،فلما كان قُرْب المدينة هاجت ريح
عن جابر :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قَدِم من َ
تكاد تدفع الراكب ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :هَ ّبتْ هَذه الرّيْحُ ِل َموْتِ مُنَافِقٍ مَاتَ
بالمَدِيْنَةِ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقدم المدينة ،فإذا منافق عظيم من المنافقين مات ذلك اليوم..
عن عديّ بن حاتم قال :بَيْنا أنا عند النبي صلى ال عليه وسلم إذ أتاه رجل ،فشكا إليه الفاقة ،ثم
طعَ السبيل.
أتاه آخر فشكا إليه قَ ْ
فقال« :يَا عَ ِديَّ ،هلْ رَأَ ْيتَ الحِيْ َرةَ؟» .
قلت :لم أرها وقد أنبئت عنها.
حلُ منَ الحِيْ َرةِ حَتّى َتطُوفَ بال َكعْبَةِ ل َتخَافُ (أَحَدا)
ظعِينَةَ تَرْ َت ِ
فقال« :إنْ طَاَلتْ ِبكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنّ ال ّ
إل اللّهُ» .
سعّروا البلد؟.
قلت ،بيني وبين نفسي :فأين دُعّار طيء الذين قد َ
قال« :وإنْ طَاَلتْ ِبكَ حَيَاةٌ ل َتفْتَحَنّ كُنوزُ كِسْرَى» .
قلت :كسرى بن هُرْمز؟.
قال« :كِسْرَى بنُ هُ ْرمُزْ» .
جدُ
جلَ ُيخْرِجُ ِملْ َء كفّه ذَهَبا و ِفضّةًَ ،يطُْلبُ مَنْ َيقْبَلُه مِنْه ،فَلَ يَ ِ
«وإنْ طَاَلتْ ِبكَ حَيَاةٌ لَتَرَينّ الرّ ُ
أحَدا َيقْبَلُه مِنْه» .
قال عدي :فرأيت الظّعينة ترتحل من الحِيرة حتى تطوف بالكعبة ل تخاف إل ال ،وكنت فيمن
افتتح كنوز كسرى بن هُرمز.
وإن طالت بكم حياة لتروُنّ ما قال أبو القاسم صلى ال عليه وسلم ُيخْرج ِملْء كفه.
أخرجاه.
عن أبي موسى :أنه كان مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء
رجل يستفتح ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :افْتَحْ لَه وبَشّ ْرهُ بِالجَنّةِ» فإذا هو أبو بكر رضي
ال عنه ،ثم استفتح رجل آخر فقال« :افْتَحْ لَه وبَشّ ْرهُ بِالجَنّة» فإذا عمر ،ففتحت له وبشّرته بالجنة،
ثم استفتح رجل آخر ،وكان متكئا فجلس ،فقال« :افْتَحْ لَه وبَشّ ْرهُ بِالجَنّةِ عَلَى بَلوَى ُتصِيْبُه» .فإذا
عثمان ،ففتحت له وبشّرته بالجنة ،فأخبرته بالذي قال :فقال ال المستعان.
أخرجاه.
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَ َتقُومُ السّاَعةُ حَتّى ُتقَاتِلُوا َقوْما
ف الُنوفِ ،كأنّ وجُو َههُم
حمْ ُر الوُجُوهِ) ،ذُ ْل ُ
صغَا َر الَعْيُنِ ( ُ
ك ِ
شعْرُ ،وحتّى ُتقَاتِلوُا التّر َ
ِنعَاُلهُم ال ّ
المَجَانّ المُطْرقة» .
عن أبي سعيد الخدري قال :بينما نحن عند رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقسم قسما إذ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
خوَيصرة وهو رجل من بني تميم فقال :يا رسول ال ،اعدل.
جاءه ذو ال ُ
قال« :وَيَْلكَ ،ومَنْ َي ْع ِدلُ إذَا َلمْ أَعْ ِدلْ َفقَد خِ ْبتُ وخَسِ ْرتُ إنْ َلمْ َأكُنْ أَعْ ِدلُ» .
فقال عمر :ائذن لي فيه فأضرب عنقه.
ح ُدكُم صَلَتَه مَ َع صَلَ ِتهِمَ ،وصِيَامَهُ مَ َع صِيَا ِمهِمَ ،يقْرَؤونَ
حقِرُ أ َ
فقال« :دَعْه ،فإنّ لَه أصْحَاباَ ،ي ْ
سهْمُ مِن ال ّرمِيّةِ ،يُنْظَرُ إلَى َنضْلِه فَلَ
القُرآنَ ل يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمَ ،يمْ ُرقُونَ منَ الدّيْنِ َكمَا َيمْرُقُ ال ّ
شيْءٌ ،ثُمَ يُنْظَرُ إلَى َنضِيّه وَ ُهوَ ِقدْحُهُ فَل يُوجَدُ
شيْءٌ ،ثم يُنْظَرُ إلى ِرضَافِه فَلَ يُوجَدُ فِيهِ َ
يُوجَدُ فِيهِ َ
حدَى
سوْدُ إ ْ
جلٌ أ َ
شيْءٌ قَدْ سَبَقَ الفَرْثَ والدّمَ ،آي ُتهُم ر ُ
شيْءٌُ ،ثمَ يُ ْنظَرُ إلَى قُذَذِه فَلَ يُوجَدُ فِيه َ
فِيه َ
ضعَةِ َتدَرْدَرَُ ،يخْرُجُونَ عَلَى حِيْنِ فُ ْرقَةٍ منَ النّاسِ» .
عضُدَيْه مِ ْثلُ ثَ ْديِ المَرَْأةِ ،أو مِ ْثلُ ال َب ْ
َ
قال أبو سعيد :وَأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأشهد أن علي
بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه ،وأمر بذلك الرجل فالتُمسِ ،فأُتي به حتى نظرت إليه على َنعْت
النبي صلى ال عليه وسلم الذي نَعته.
عقَبة تُ ْلوَى على مَدْخَل النصل في السهم.
والرضاف :جمع رضفة ،وهي َ
والنّضيّ :القِدْح قبل أن يبحث.
والقُذَذ :ريش السهم.
والمعنى :أنه مَرَق عاجلً فلم َيعْلق به دم.
عن جابر :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أُتي بصفية يوم خيبر ،وأتي بزوجها وأخيها ،وكان
قد أعطاهما المان على أن ل يكتما شيئا فإن كتماه استحلّ دماءهما ،فأما أحدهما فصدقه ولم
َيكْتمه ،وأما كنانة وهو زوج صفية فكتمه مَسك الجمل ،وكان فيه حلي كثير ،فقال« :يَا كِنَانَةَ ،إ ّنكَ
ج َملُ؟» .
سكَ ال َ
ن لَ َتكْ ُتمَنِي شَيْئا ،فأيْنَ ُم ِ
عطَيْتَنِي أ ْ
قَدْ أ ْ
فقال :ما كتمتك شيئا.
فأتاه جبريل فأخبره بمكانه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لصحابه« :اذْهَبُوا فَإنّه فِي َمكَانِ
كَذَا َوكَذَا» .
خذْ بِيَدِ صَفِيّةَ» .
فلما أُتي به أمر بهما ،فضربت أعناقهما ،وقال لبللُ « :
فأخذ بيدها فمر بها بين القبيلتين ،فكره ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى رؤي في وجهه،
فدخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم .فخيرها بين أن يعتقها فترجع إلى مَنْ بقي من أهلها،
أو تسلم فيتخذها لنفسه.
فقالت :أختار ال ورسوله.
فنادى رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس« :ا ْنصَ ِرفُوا عَنْ ُأ ّمكُم» .حتى إذا كان على ستة
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها ،فأبت فوجد عليها في نفسه ،فلما كان بالصهباء مال إلى
حمََلكِ عَلَى إِبَا ِئكِ؟» .
هناك فطاوعته ،فقال« :مَا َ
قالت :خشيت عليك قربَ يهود.
فأعرَس بها ،وبات أبو أيوب يحرس رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يدور حول خبائه ،فلما سمع
رسول ال صلى ال عليه وسلم الوطء قال« :مَنْ هَذا؟» .
قال :خالد بن زيد.
قال« :مَا َلكَ؟» .
فقال :ما نمت هذه الليلة مخافة هذه الجارية عليك.
فأمره رسول ال صلى ال عليه وسلم فرجع.
عن عبدال بن عباس قال :لقي رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا سفيان في الطواف ،فقال رسول
ك وبَيْنَ هِنْدٌ َكذَا َوكَذَا» .
سفْيَانََ ،أمَا كَانَ بَيْ َن َ
ال صلى ال عليه وسلم« :يَا أَبا ُ
شتْ عليّ هند سِرّي ،لفعلن بها ولفعلن.
فقال أبو سفيان في نفسه :أف َ
فقال أبو سفيان :أشهد أنك رسول ال ،فمن أنبأك بما في نفسي
عن عاصم بن كليب قال :حدثني أبي قال :حدثني رجل من النصار قال :خرجت مع أبي وأنا
غلم مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فتلقانا رجل فقال :يا رسول ال ،فلنة تدعوك
وأصحابك إلى طعام.
فانطلق النبي صلى ال عليه وسلم ومَنْ معه ،فقعدنا مقاعد الغلمان من آبائهم ،فجيء بالطعام ،فلما
وضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده وضعوا أيديهم ،فنظر القوم إلى رسول ال صلى ال
عليه وسلم يلوك أكل ًة فكفوا أيديهم.
حمُ شَاةٍ أُخِ َذتْ ِبغَيْرِ إذْنِ أهِْلهَا» .
قال :فلك الكلة ثم لفظها ،وقال« :لَ ْ
فقامت المرأة فقالت :يا رسول (ال) ،أردت أن أجمعك وأصحابك على طعام ،فبعثت إلى البقيع،
فلم أجد شيئا يباع ،فبعثتُ إلى أخي أن ابعث إليّ شاتك ،فلم يكن أخي ثَمّ فدفع أهلُه إليّ الشاةَ.
عن أنس قال :نعى النبي صلى ال عليه وسلم أصحابَ ُمؤْتة على المنبر ،فبدأ بزيد ،ثم بجعفر ،ثم
ابن َروَاحة.
ثم قال :وأخذ اللواء خالد بن الوليد ،وهو سيف من سيوف ال تعالى.
عن عائشة :أن النبي صلى ال عليه وسلم أرسل عائشة إلى امرأة فقالت :ما رأيت طائلً.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
شعَ ّرتْ مِنْه َذؤُابَ ُتكِ» .
قالَ« :لقَدْ رَأَ ْيتِ خَالً ِبخَدّهَا اقْ َ
فقالت :ما دونك سِرّ ،ومَنْ يستطيع أن َيكْتُمك
عن سليمان بن صُرَد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الحزابَ « :نغْزُوهُم وَلَ َيغْزُونَا» .
قال أبو نعيم :فحقق ال ذلك فغزاهم ،ولم ُيغْزَ بعد ذلك.
عن أم ذر قالت :لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال :ل تبكي وابشري فإني سمعت رسول ال
عصَابَةٌ مِنَ
ش َهدُه ِ
جلٌ مِ ْنكُم ِبفَلةِ مِنَ ال ْرضِ يَ ْ
صلى ال عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم« :لَ َيمُوتَنّ َر ُ
المُؤمِنينَ» .وليس من أولئك النفر أحدٌ إل وقد مات في قرية أو جماعة ،وأنا الذي أموت بالفلة،
وال ما َكذَبتُ ول كُذِبتُ فأبصري الطريق.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالت :فقلت :إنه قد ذهب الحاج وتقطعت الطريق.
حتُ بثوبي
قالت :فكنت أشتد إلى الكثيب ،ثم أرجع إليه فأمرضه ،فإذا أنا برجال على رواحلهم ،فأَلَ ْ
فأسرعوا وقالوا :ما لك؟
قلت :رجل من المسلمين يموت.
قالوا :ومن هو؟
قلت :أبو ذر.
قالوا صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قلت :نعمَ .ففَدّوه بآبائهم وأمهاتهم ،فكفنه أحدهم ودفنوه.
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :صِ ْنفَانِ مِنْ َأ ْهلِ النّارِ لَمْ أَرَ ُهمَاَ :قوْمٌ
لتٌ ُممِيْلَتٌ ،رؤوسِهنّ
َم َعهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ ال َبقَرِ َيضْرِبُونَ ِبهَا النّاسَ ،وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ ،مَائِ َ
حهَا لَيُوجَدُ مِنْ َمسِيْ َرةِ كَذَا وكَذَا»
حهَا ،وإنّ رِ ْي َ
جدْنَ رِيْ َ
ختِ المَائِلةِ ،ل يَ ْدخُلْنَ الجَنّ َة َولَ يَ ِ
كَأَسْ ِنمَةِ ال ُب ْ
.
عن أبي نوفل قال :لما قتل ابنُ الزبير أرسل الحجاج إلى أمه أسماء فقالت له :إن رسول ال
صلى ال عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذّابا ومُبِيرا ،فأما الكذّاب فرأيناه ،وأما المُبِير فل أخالك
إل إياه.
انفرد بإخراجه مسلم.
والكذاب هو :المختار بن عبيد.
عن أبي هارون العبدي قال :كنا إذا دخلنا على أبي سعيد الخدري قال :مرحبا بوصية رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إنّه سَيَأْتِ ْيكُم ِرجَالٌ مِنْ َأقْطَارِ
الَ ْرضِ ليَ َت َف ّقهُوا فَإِذَا أ َت ْوكُمْ فَاسْ َت ْوصُوا ِب ِهمْ خَيْرا» .
سمَعُ ِممّنْ
سمَعُ مِ ْنكُمْ ،ويُ ْ
ن ويُ ْ
عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :تَسْمعُو َ
سمَعُ مِ ْنكُمْ» .
يَ ْ
عن أم ورقة بنت عبدال بن الحارث :أن نبي ال صلى ال عليه وسلم كان يزورها كل جمعة،
وإنها قالت يوم بدر :أتأذن لي فأخرج معك ،أُمرّض مرضاكم ،وأداوي جرحاكم ،لعل ال ُيهْدي
لي شهادة؟
شهَا َدةً» .
جلّ ُيهْدِي َلكِ َ
قال« :قَرّي ،فإنّ ال عَ ّز وَ َ
وكانت أعتقت جارية لها وغلما عن دَبر منها ،فطال عليهما ،فغمّاها في قطيفة حتى ماتت،
وهربا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فأتى عمر فقيل له :إن ورقة قتلها غلمُها وجاريتها وهربا.
فقام عمر في الناس فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يزور أمّ ورقة ويقول« :ا ْنطَِلقُوا
نَزُورُ الشّهي َدةَ» وأُتي بهما َفصُلِبا.
عن ابن عباس قال :لما أُسر العباس وطلب منه الفداء قال :ليس لي مال.
جتَ عِنْدَ أمّ
ضعْتَه ِب َمكّةَ حِيْنَ خَرَ ْ
فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم« :فَأَيْنَ المَالُ الذي َو َ
ضلِ كَذَا وأنْتُم َكذَا وِلعَبْدِال كَذَا» .
سفَرِي هَذا فَلِل َف ْ
حدٌ ،وقُلْتَ :إن ُأصِ ْبتُ فِي َ
ل وَلَيْسَ َم َع ُكمَا أ َ
ال َفضْ ِ
قال :والذي بعثك بالحق ما عَلم بهذا أحدٌ من الناس غيري وغيرك ،وإني أعلم أنك رسول ال.
وقد روى محمد بن إسحاق :أن عمير بن وهب جلس مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر
بيسير وهو في الحجر.
وكان عمير من شياطين قريش ،وكان يؤذي رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه بمكة،
وكان ابنه وهب ابن عمير في أسارى بدر ،فذكر أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان :وال ما
في العيش بعده من خير.
فقال له عمير :صدقت وال ،أما وال لول دَينٌ عليّ ليس له عندي قضاء ،وعيال أخشى عليهم
الضّيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله ،فإن لي فيهم علة ،ابني أسير في أيديهم.
فقال صفوان :فعليّ دينك أنا أقضيه عنك ،وعيالك مع عيالي أسوتهم كأسوتهم.
ثم دخل به عمر على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما رآه وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه
عمَيْر» .
عمَر ،ادْنُ يَا ُ
سلْهُ يَا ُ
قال« :أَرْ ِ
فدنا ثم قال :انعم صباحا ،وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
لمُ تَحِيّةُ أَ ْهلِ الجَنّةِ ،مَا جَاءَ
عمَيْرُ ،السّ َ
فقال رسول ال« :قَدْ َأكْ َرمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةً خَيْرٌ مِنْ َتحِيّ َتكَ يَا ُ
عمَيْرُ؟» .
ِبكَ يَا ُ
قال :جئتُ في فداء أسير لي في أيديكم فأحسنوا إليه.
قالَ « :فمَا بَالُ السّ ْيفِ فِي عُ ُن ِقكَ؟» .
قال :قبحها ال من سيوف وهل أغ َنتْ شيئا.
قال« :اصْ ُدقْنِي فِي الذي جِ ْئتَ لَهُ» .
قال :ما جئت إل لذلك.
صحَابَ القَلِيْبِ مِن قُرَيْشٍُ ،ثمّ قُلتََ :لوْلَ دَيْنٌ
حجْرِ ،فَ َذكَرْ ُتمَا أ ْ
صفْوَانَ فِي ال ِ
ت َو َ
فقالَ « :بلْ َق َع ْدتَ أ ْن َ
ك وَعِيَاِلكَ عَلَى أنْ
صفْوَانُ بنُ أمَيّةَ بِدَيْ ِن َ
ك َ
ح ّملَ َل َ
حمّدًا ،فَتَ َ
جتُ حَتّى َأقْ ُتلَ مُ َ
ي وَلِي عِيَالٌ لَخَ َر ْ
عََل ّ
َتقْتُلَنِي ،واللّهُ حَا ِئلٌ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ» .
فقال عمير :أشهد أنك رسول ال قد كنا نكذّبك ،وهذا أمر لم يحضره إل أنا صفوان ،فوال إني
لعلم ما أتاك به إل ال ،فالحمد ل الذي هداني للِسلم وساقني هذا المساق .ثم تشهد شهادة
الحق.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ف ّقهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ ،وعَّلمُوهُ القُرْآنَ ،وأطِْلقُوا َلهُ أَسِيْ َرهُ»
.ففعلوا.
ثم قال :يا رسول ال ،إني كنت جاهدا في إطفاء نور ال شديد الذى لمن كان على دين ال ،وإني
أحب أن تأذن لي فأقدَم مكة ،فأدعوهم إلى ال وإلى دين الِسلم ،لعل ال أن يهديهم ،وإل آذيتهم
في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك.
فأذن له ،فلحق بمكة ،وكان صفوان حين خرج عمير يقول لقريش :أبشروا بوقعة تأتيكم الن في
أيام تنسيكم وقعة بدر.
وكان صفوان يسأل عنه الركبان ،حتى قدم راكب فأخبره بإسلمه ،فحلف أن ل يكلمه أبدا ،ول
ينفعه بنفع أبدا.
فلما قدم مكة أقام بها يدعو إلى الِسلم ويؤذي من خالفه ،فأسلم على يديه ناس.
قال المصنف:
قال أبو الوفا بن عقيل :إقدامُ الرسول صلى ال عليه وسلم على الِعلم بالغائبات والمستقبلَت فيه
مخاطرة عظيمة ،لن السود ومسيلمة فضحهما تخمينهما ،فخرج الخبر على خلف ما أَخبرا به.
ونبينا صلى ال عليه وسلم يقول{ :س 111ش 3سَ َيصْلَى نَارا ذَاتَ َل َهبٍ }
(المسد)3 :
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فلو أنه َأسْلَم كان في هذا ما فيه ،وإنما طالع العواقب ،وذلك دليل على أنه كان شديد الثقة ،فالحمد
ل الذي ثبته على ذلك ،وأنه بانٍ ل يخاف أن ينهدم بأمور توجب التهم ،وإنما هو صادر عن قادر
على الِتمام.
عن ابن بُريدة ،عن أبيه :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا خطب قام فأطال القيام ،فكان يشق
عليه قيامه ،فأتى بجذع نخلة ،فحفر له وأقيم إلى جنبه ،فكان النبي صلى ال عليه وسلم إذا خطب،
وطال القيام عليه استند إليه فاتكأ عليه ،فبصر به رجل كان ورد المدينة ،فقال لمن يليه من الناس:
لو أعلم أن محمدا َيحْمدَني في شيء يرفُق به لصنعت له مجلسا يقوم عليه ،فإن شاء جلس ما
شاء ،وإن شاء قام.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :ايْتُونِي به» .فأُتي به فأمره أن يصنع له هذه المراقي،
فوجد النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك راحةً.
ن كما تحن
فلما فارق النبي صلى ال عليه وسلم الجذعَ ،وعمد إلى الذي صُنع له ،جَزع الجذع فح ّ
النافة حين فارقه النبي صلى ال عليه وسلم.
فسمع بريدة عن أبيه :أن النبي صلى ال عليه وسلم حين سمع الجذع رجع إليه فوضع يده عليه
سكَ فِي الجَنّةِ
سكَ فِي ال َمكَانِ الذي كُ ْنتَ فِيهِ فَ َتكُونَ َكمَا كُ ْنتَ ،وَإنْ شِ ْئتَ فَأَغْرِ ُ
وقال« :اخْتَرْ أَنْ أَغْرُ َ
فَتَشْ َربُ مِنْ أ ْنهَارِهَا وَعُيُو ِنهَا ،فَ َيحْسُنُ نَبْ ُتكَ ،وتُ ْثمِرُ ،فَيَ ْأ ُكلُ أوْلِيَاءُ ال مِنْ َثمَرَ ِتكَ ـ َفعَ ْلتُ» .
فزعم أنه سمع من النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقولَ « :نعَمْ َفعَ ْلتُ» .مرتين.
حبّ أَنْ أَغْ ُرسَهُ فِي الجَنّةِ» .
فسئل النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :أَ َ
ي بن كعب ،عن أبيه ،قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم يصلي إلى جذع وكان عريشا،
عن أب ّ
وكان يخطب إلى ذلك الجذع.
فقال رجل من أصحابه :أل نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس ويسمع الناس
خطبتك؟
قالَ « :نعَمْ» .
سكُنْ» .
فصنع له ثلث درجات فقام عليها كما كان يقوم فأصغى إليه الجذع فقال له «ا ْ
سكَ فِي الجَنّةِ فَيَ ْأكُلُ مِ ْنكَ الصّالِحُونَ ،وإنْ تَشَأْ أعِ ْدكَ َرطْبًا َكمَا
ثم التفت ،فقال« :إنْ تَشَأْ أَغْ ِر ْ
كُ ْنتَ» .فأختار الخرة على الدنيا ،فلما قبض النبي صلى ال عليه وسلم دُفع إلى أبي فلم يزل
عنده إلى أن أكلته الرضة.
قال ابن عقيل :ل ينبغي أن يُتعجّب من حنين الجذع ومجيء الشجار إلى رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فإن مَنْ جَعل في المغناطيس خاصيةً تجذب الحديد إليه ،يجوز أن يجعل في الرسول
خاصية تجذب إليه.
الباب العشرون
حكى الواقدي عن أشياخه قال :جاء الظهر يوم الفتح ،فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بللً
أن يؤذن بالظهر فوق الكعبة ،وقريش فوق الجبال وقد فرّ وجوههم وتغيبوا.
فلما قال :أشهد أن محمدا رسول ال .يقول جويرية بن أبي جهل :لعمري ،لقد رفع لك ذِكرك ،أما
الصلة فنصلي ،ووال ما نحب مَن قَتل الحبة.
وقال خالد بن أسيد :الحمد ل الذي أكرم أبي فلم يسمع بهذا اليوم.
وقال الحارث بن هشام :واثكله ليتني متّ قبل أن أسمع بللً ينهق فوق الكعبة
جمَح ينهق على بَنِيّة أبي
وقال الحكم بن أبي العاص :هذا واللت الحادث الجليل ،يصيح عبدُ بني َ
طلحة.
عن المعتمر بن سليمان ،عن أبيه ،أن رجلً من بني مخزوم قام إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم وفي يده ِفهْر يرمي به رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فلما أتاه وهو ساجد رفع يده وفيها
الفهر ليدفع رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فيبست يده فرجع إلى أصحابه فقالوا :جَبُ ْنتَ عن
الرجل؟
قال :ل ،ولكن هذا في يدي ل أستطيع أُرسلَه .فتعجبوا من ذلك ووجدوا أصابعه قد يبست على
الفِهر فعالجوا أصابعه حتى خلصوها وقالوا هذا شيء يراد.
وروى أبو بكر بن أبي الدنيا في حديث الحكم قالوا له :ما رأينا أعجزَ منك في أمر رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
فقال :ل تلومونا لقد تواعدنا له ،فلما دنونا منه سمعنا صوتا خلْفنا ظننّا أنه ما بقي بتهامة جبال إل
ألقيت ،ثم تواعدنا ليلة أخرى فرأيت الصّفا والمروة التقتا فحالتا بيننا وبينه.
وأومأ إلى ساقه فمرّ برجل يريش نَبلَ ،فتعلقت شظية من نبله بإزاره ،فمنعه الكبْر أن ُيطَامن
لينزعها فمرض فمات.
ومرّ العاص بن وائل ،فقال جبريل :كيف تجد هذا؟
قال« :بِئْسَ عَ ْبدُ ال» .فأشار إلى أخمص قدمه فمات.
ومرّ السود بن عبد يغوث فقال :كيف تجد هذا؟
قال« :بئس عبد ال» .فأشار إلى بطنه فمات حَبَنا.
ومرّ الحارث بن قيس فقال :كيف تجد هذا؟
قال« :بِئْسَ عَ ْب ُد ال» .فأومأ إلى رأسه فانتفخ رأسه فمات.
قال عكرمة :هلك المستهزئون قبل بدر.
قال ابن السائب :هلكوا في يوم وليلة.
قال العرابي :ل أبتغي أثرا بعد عين أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأن محمدا عبده
شعْري ،وبَشَري ،وسرّي ،وعلنيتي ،وال لقد أتيتك وما على وجه الرض أحد هو
ورسوله ب َ
أبغضُ إليّ منك ،ولنت الن أحب إلي من سمعي ،وبصري ،ووالدي ،وولدي.
حمْدُ دِ الذي هَدَاكَ ِبيْ» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ال َ
عن ابن عباس قال :خرج أعرابي من بني سُلَيم يتبدّى في البرّية ،فإذا هو بضب ،فاصطاده ثم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جعله في كمه ،ثم جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فناداه :يا محمد ،أنت الساحر ،ولول أني
أخاف أن قومي يسموني ال َعجُول لضربتك بسيفي هذا.
ح ْفصٍَ ،فقَدْ كَادَ الحَلِيْمُ
فوثب له عمر ليبطش به ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :اجِْلسْ أَبَا َ
يكونُ نَبِيّا» .
ثم التفت رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى العرابي ،فقال له« :أسْلِمْ َتسْلَمُ مِنَ النّارِ» .
فقال :واللت والعزى ل أومن حتى يؤمن بك هذا الضب .ثم رمى الضبّ من كمه .فولّى الضب
هاربا ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أ ّيهَا الضَبّ َأقْ ِبلْ» .فأقبل ،فقال له« :مَنْ أَنَا؟».
قال :أنت محمد بن عبدال بن عبد المطلب ،ثم أنشأَ الضب يقول:
أل يا رسولَ ال إنك صادقٌ
فبوركتَ َمهْديا وبوركتَ هادِيَا
شهَ ْرتَ لنا دينَ الحنيفةِ بعدما
َ
حمِير الطواغيا
عبَدْنا كأمثال ال َ
فيا خيرَ َمدْعوَ ويا خيرَ مُرْسل
إلى الجن ثم الِنس لبّيْك داعيَا
أتيتَ ببرهانٍ من ال واضحٍ
فأَصبحتَ فينا صادقَ القول واعيَا
فبوركت في الحوال حيّا ومَيّتا
وبوركت مولودا وبوركت ناشيَا
ثم سكت الضب ،فقال العرابي :واعجبا ضبّ اصطدته من البرّية ثم أتيت به في كمّي ،يكلم
محمدا بهذا الكلم ويشهد له بهذه الشهادة أنا ل أطلب أثرا بعد عين ،أشهد أن ل إله إل ال،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .فأسلم وحسن إسلمه .ثم التفت إلى أصحابه .فقال« :عَّلمُوا
سوَرًا مِنَ القُرْآنِ» .
الَعْرَا ِبيّ ُ
فصل
فإن قال قائل :ما رويتم من المعجزات لم يُنْقل نقلَ التواتر.
قلنا :مجموع الوقائع يورث علما ضروريا كشجاعة عليَ وجُود حاتم.
ثم عندنا القرآن الذي ل يُرْتاب فيه ،فمعجزه قائم أبدا ينادِي على منار التحدي { :فَأْتوا بسورة من
مثله} .
ثم إذعان الملك لنبينا صلى ال عليه وسلم مع فقره وضعفه ،وإقرار أهل الكتاب بصفته من أكبر
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الدلة.
ثم قال :يا رسول ال ،إن اليهود قومٌ ُبهْت ،وإنهم إن يعلموا بإسلمي يَبْهتوني عندك ،فأرسل إليهم
فاسألْهم عن أيّ رجل ابنُ سلم فيكم.
لمَ فِ ْيكُم؟» .
جلٍ ابنُ سَ َ
فأرسل إليهم فقال« :أيّ َر ُ
قالوا :خيرنا وابن خيرنا ،وعالمنا وابن عالمنا ،وأ َفقَهنا وابن أفقهنا.
سلَمَ عَ ْبدُال؟» .
قال« :أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ أَ ْ
قالوا :أعاذه ال من ذلك
قال :فخرج ابنُ سَلَم فقال :أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال.
فقالوا :شرّنا ،وابن شرنا ،وجاهلنا ،وابن جاهلنا.
فقال :هذا الذي كنت أخاف يا رسول ال.
انفرد بإخراجه البخاري.
عن ابن عباس قال :أقبلت يهود إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالوا :يا أبا القاسم ،نحن
نسألك عن خمسة أشياء ،فإن أنت أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك.
قال :فأخذ عليهن ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا{ :س 28ش 28قَالَ ذَِلكَ بَيْنِى وَبَيْ َنكَ أَ ّيمَا
ل َوكِيلٌ }
ى وَاللّهُ عَلَى مَا َنقُو ُ
الّجَلَيْنِ َقضَ ْيتُ فَلَ عُ ْدوَانَ عََل ّ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
(القصص)28 :
.
قالوا :حدّثنا عن علمة النبي.
قال« :تَنَامُ عَيْنَا ُه وَلَ يَنَامُ قَلْبُه» .
قالوا :أخبرنا كيف تؤنّث المرأة ،وكيف تُذكر؟
صوْتُهُ» .
قالَ « :
قالوا :صدقت.
إنما بقيت واحدة وهي التي إن أخبرتنا بها اتبعناك ،إنه ليس من نبي إل يأتيه ملك بالخبر من
السماء ،فمن يأتيك بالخبر من صاحبك؟
قال« :جِبْرِ ْيلُ» .
قالوا :جبريل ذاك الذي ينزل بالحرب والقتال ،ذاك عدوّنا من الملئكة ،لو قلت ميكائيل الذي
ينزل بالرحمة والنبات والقطر
فأنزل ال تعالى{ :س 2ش ُ 97قلْ مَن كَانَ عَ ُدوّا لّجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزَّلهُ عَلَى قَلْ ِبكَ بِإِذْنِ اللّهِ ُمصَ ّدقًا ّلمَا
بَيْنَ يَدَ ْي ِه وَهُدًى وَبُشْرَى لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ }
(البقرة)97 :
الية.
عن عبدال قال :مرّ يهودي برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يحدث أصحابه .فقالت قريش:
يا يهودي ،إن هذا يزعم أنه نبي.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :لسألنه عن شيء ل يعلمه إل نبي.
قال :فجاء حتى جلس ،ثم قال :يا محمد ،مم يخلق الِنسان؟
طفَةٌ
جلِ فَنُ ْ
طفَةُ الرّ ُ
طفَةِ المَرَْأةِ ،فَأمّا ُن ْ
ل ومِنْ نُ ْ
جِطفَةِ الرّ ُ
قال« :يَا َيهُو ِديّ ،مِنَ ُكلَ يُخَْلقُ ،مِنْ نُ ْ
طفَةٌ َرقِ ْيقَةٌ مِ ْنهَا الدّمُ واللّحْمُ» .
طفَةُ المَرَْأةِ فَ ُن ْ
ظ ُم وال َعصَبُ ،وأمّا نُ ْ
ظةٌ مِ ْنهَا العَ ْ
غَلِيْ َ
فقام اليهودي فقال :هكذا كان يقول مَنْ قَبْلك.
عن َثوْبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :كنت قائما عند رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،فجاء حَبْر من أحبار اليهود فقال :السلم عليك يا محمد .فدفعته دفعة كاد ُيصْرع منها،
فقال :لِمَ تدفعني؟
فقلت :أل تقول يا رسول ال
فقال اليهودي :إنما أدعوه باسمه الذي سماه به أهله.
فقال اليهودي :أين يكون الناس يوم تبدل الرض غير الرض والسموات؟
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :في الظّ ْلمَةِ ُدوْنَ الجِسْرِ» .
قال :فمَنْ أول الناس إجازةً؟
قالُ « :فقَرَاءُ ال ُمهَاجِرِيْنَ» .
قال اليهودي :فما ُتحْفتهم حين يدخلون الجنة.
قال« :زِيَا َدةُ كَبِدِ الّنوْنِ» .
قال :فما غذاؤهم في أثرها.
قال« :يُ ْنحَرُ َلهُمْ َثوْرُ الجَنّةِ الذي كَانَ يَ ْأ ُكلُ مِنْ أطْرَا ِفهَا» .
قال :فما شرابهم عليه؟
سمّى سَ ْلسَبِيْلً» .
قال« :مِنْ عَيْنٍ فِ ْيهَا تُ َ
قال :صدقتَ.
قال :وجئت أسألك عن شيء ل يعلمه أحد من الرض إل نبي أو رجل أو رجلن.
حدّثْ ُتكَ؟» .
قال« :يَ ْن َف ُعكَ إنْ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :أسمع بأذني ،جئت أسألك عن الولد.
جلِ مَ ِنيّ المَرَْأةِ أ ْذكَرَ بِإذْنِ
صفَرُ ،فَإذَا اجْ َت َمعَا َفعَلَ مَ ِنيّ الرّ ُ
ض َومَاءُ المَرَْأةِ أ ْ
جلِ أبْ َي ُ
قال« :مَاءُ الرّ ُ
جلِ أنّثا بِإذْنِ ال» .
ال ،وإذا عَلَ مَ ِنيّ المَرَْأةِ مَ ِنيّ الرّ ُ
فقال اليهودي :لقد صدقتَ ،وإنك لنبي .ثم انصرف.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَقَدْ سَأَلَنِي هَذا عَنْ الذي سَأَلَنِي عَنْه َومَا ِليْ عِلْمٌ ِبشَيءٍ
مِنْه ،ثُمّ أَتَانِي اللّهُ بِه» .
انفرد بإخراجه مسلم.
الباب الثلثون
في رؤيته الشياء من وراء ظهره صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيقْبل علينا بوجهه قبل أن يكبّر ،فيقول:
ظهْرِي» .
ن وَرَاءِ َ
«تَرَاصّوْا واعْتَدِلُوا ،فإِنّي أرَاكُمْ مِ ْ
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :هلْ تَ َروْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَاَ ،فوَال مَا
ظهْرِي» .
ن وَرَاءِ َ
عكُ ْم َولَ َركُوعَكُمْ ،إِنّي لَرَاكُمْ مِ ْ
عَليّ خُشُو َ
خفَى َ
يَ ْ
الحديثان في الصحيحين.
قالت :والذي بعثك بالحق ما حسَسْنا منه شيئا حتى الساعة ،فاجترِرْ هذه الغنم.
خذْ مِ ْنهَا وَاحِ َدةً وَرُدّ ال َبقِيّةَ» .
قال« :انْ ِزلْ فَ ُ
عن ابن عباس أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم .فقالت :يا رسول ال،
إن به َلمَما ،وإنه يأخذه عند طعامنا.
قال :فمسح رسول ال صلى ال عليه وسلم صدره ودعا ،فثَعّ ثعّة ،فخرج مِن فيه مثلُ الجَرْو
السود .فسعى.
عن أنس بن مالك قال :أصابت الناسَ سَنةٌ على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة إذ قام أعرابي فقال :يا رسول
ال ،هلك المالُ ،وجاع العيال ،فادعُ ال أن يسقينا.
فرفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يديه وما في السماء قَزَعَةٌ ،فثار السحابُ أمثال الجبال ،ثم لم
ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادَرُ على لحيته.
قال :ف ُمطِرْنا يومَنا ،ومِن الغد ،وبعدَ الغد ،والذي يليه إلى الجمعة الخرى.
فقام ذلك العرابي أو رجل غيره فقال :يا رسول ال ،تهدّم البناء وغرق المال فادع ال لنا.
حوَالَيْنَا َولَ عَلَيْنَا» .
فرفع رسول ال صلى ال عليه وسلم يدَه وقال« :اللهُمّ َ
حوْبَة
قال :فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إل انفرجت ،حتى صارت المدينة في مثل ال َ
حتى سال الوادي قناة شهرا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جوْد.
قال :ولم يجىء أحد إل حدّث بال َ
أخرجاه.
عن أنس بن مالك أنه سئل :هل كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء؟
جدَبت الرضُ،
قال :نعم ،بينا هو في جمعة يخطب الناس ،فقيل له :يا رسول ال ،قحط المطر ،وأَ ْ
فادع ال عز وجل.
فرفع يديه حتى رأينا بياض إبطيه ،فاستسقى وما في السماء سحابة ،فما قضينا الصلة حتى إن
الشاب القريب الدار ليُهمّه الرجوعُ إلى أهله ،فدامت جمعة ،فلما كانت الجمعة الخرى قالوا :يا
رسول ال ،تهدّمت البيوت ،واحتبس الرّكبان ،وهلك المال.
حوَالَيْنَا َولَ عَلَيْنَا» .
فتبسّم رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال بيده هذا ،ففرّق بين يديه« :اللهُمّ َ
قال :فتكشّطت عن المدينة.
عن عائشة بنت سعد :أن أباها حدّثها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نزل واديا دَهْسا ل ماء
به ،وسبقه المشركون إلى القُلب فنزلوا عليها ،وأصاب المسلمين العطش ،فشكوا إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم ونجمَ النفاقُ ،وقال بعض المنافقين :لو كان نبيّا كما يزعم لستسقى لقومه
كما استسقى موسى.
سقِ َيكُمْ» .
عسَى أَنْ يَ ْ
فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم فقالَ« :أوَ قَاُْلوْهَا َ
حكُ مِنْ ُه الَرْجَاءُ ُتمْطِرُنَا مِنْهُ َرذَاذا قَدْ
ضَثم بسط كفيه وقال« :الل ُهمّ جَلّلْنَا سَحَابا كَثِيْفا ُمغْ َدوْدِقا َت ْ
لكْرَامِ» .
للِ وا ِ
قُطِعَ سَجْلً َنعّاقا ،يَا ذَا الجَ َ
فما ردّ يديه من ردائه حتى أظلتنا سحابة تتلون في كل صفةٍ وصفَ رسول ال صلى ال عليه
وسلم من صفات السحاب.
قال :ثم أُمطرنا الضروبَ التي قالها رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وأفعم السيلُ الوادي ،فشرب
الناس وارتووا.
عن أنس قال :لما كان يوم الحُدَيْيبية ،هبط إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ثمانون
رجلً من أهل مكة في السلح من قِبَل جبل التنعيم ،يريدون غِرّة رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فدعا عليهم ،وأخذوا مال عفان فعفا عنهم ونزلت هذه الية{ :س 48ش 24وَ ُهوَ الّذِى كَفّ أَ ْيدِ َيهُمْ
ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ َوكَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا }
عَنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُم بِ َبطْنِ َمكّةَ مِن َبعْدِ أَنْ أَ ْ
(الفتح)24 :
.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حطَب قال :استسقى رسول ال صلى ال عليه وسلم ماءً ،فأتيته بقدح فيه ماء،
عن عمرو بن أَ ْ
جمّ ْلهُ» .
وكانت فيه شعرة فأخذتُها ،فقال« :اللهُمّ َ
قال :فرأيته وهو ابن أربع وتسعين سنة ليس في لحيته شعرة بيضاء.
طلْ حَيَاتَهُ»
عن أنس قال :دعا لي رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :الل ُهمّ أكْثِرْ مَالَ ُه َووَلَ َد ُه وأَ ِ
.فأكثرَ ال مالي حتى إن كنز مالي يْحمل في السنة مرتين وولدي لصُلْبي مائة وستة.
عن نوفل ،عن أبيه قال :كان ابن أبي لهب يسبّ النبي صلى ال عليه وسلم ،واسمه عُتْبة ،فقال
النبي صلى ال عليه وسلم« :الل ُهمّ سَلّطْ عَلَيْهِ كَلْبا مِنْ كِلَ ِبكَ» .
فخرج يريد الشام في قافلة مع أصحابه ،فنزلوا منزلً فقال :وال إني لخاف دعوة محمد.
قال :فقالوا له كلّ.
قال :فحطوا المتاعَ وقعدوا حوله يحرسونه.
قال :فجاء السبع فانتزعه فذهب به.
عن جابر ،عن بلل قال :أذّنتُ بالصبح في ليلة باردة ،فلم يأتِ أحد ،ثم أذّنتُ فلم يأتي أحد ،فقال
للُ؟» .
النبي صلى ال عليه وسلم« :مَا شَأْ ُن ُهمْ يَا بِ َ
قلت :كَبَدهم البَرْدُ.
فقال« :اللهُمّ أكْسِرْ عَ ْنهُم البَ ْردَ» .
قال بلل :فلقد رأيتهم يتروّحون.
عن أنس أن أبا طالب مرض؛ فعاده النبي صلى ال عليه وسلم فقال له :يا بن أخي ،ادعُ ربك
الذي تعبده أن يعافيني.
عقَال .قال :يا بن أخي إن ربك الذي
عمّي» .فقام أبو طالب كأنما أنْشط من ِ
شفِ َ
قال« :الل ُهمّ ا ْ
عكَ» .
ط ْعتَ اللّ َه لَطَا َ
عمّاهُ َلوْ َأ َ
تعبده لَيُطيعك .قال« :وأ ْنتَ يَا َ
فصل
ولما ظهرت معجزات رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعه المؤمنون عملً بالدليل ل تقليدا.
ولهذا كانوا يتعرضون ليعرفوا السبب ،فيقولون :واصلتَ ونهيتنا وفعلت كذا .فيبين لهم سبب ذلك.
فلما أذع َنتْ له القلوبُ وشاع الِسلم ضَنِيت قلوبُ مكذّبيه وحاسديه.
فرضي اليهود بالخلود في النار اتباعا لمقتضى الحسد ،ومع علمهم أنه رسول ال صلى ال عليه
وسلم.
وأخذ قوم يقولون بزَعْمهم ،مثلَ القرآن :كمسيلمة ،فإنه قال :يا ضفدع ُنقّي كم تنقّين.
وسمع أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مسح على رأس صبي فنبت شعره ،فمسح على رأس
صبي فقرع.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وبلغه أن النبي صلى ال عليه وسلم بصق في بئر فجاشت بالريّ فبصق هو في بئر فيبست.
فلما فشا الِسلمُ بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وفُتحت البلدان ،اجتمع جماعة من الملحدين
فقالوا :ل طاقة لنا بالمسلمين ،فهلموا حتى نظهر الِسل َم ونُدحل فيه الفات.
وهم الباطنية ،يظهرون الِسلم والتعبد ومقصودهم الجهالُ واصطيادهم ،فإذا تملّكوا منهم كاشفُوا
بالِلحاد.
ق الِزراء على عقله وعقول أتباعه.
قال ابن عقيل :لو اجتمعتُ برئيس الباطنية سلكتُ معه طري َ
حمْقٌ.
فكنت أقول :للمال طرق ووجوه ،و َوضْعُ المل في جهة الِياس ُ
وقد طبّقت شريعة الِسل ُم الرضَ وتمكنت.
جمَع كلّ سنة بعرفه ،وكل أسبوع في الجمعة ،ومجامع في المساجد.
فلها مَ ْ
فمتى تحدّثون أنفسكم بتكدير هذا البحر الزاخر و َتمْحِيق هذا المر الظاهر في الفاق ،وكلّ يوم
يؤذّن على مائتي ألف منار باسم هذا الرسول.
وغاية ما أنتم عليه حديثٌ في خلوة ،لو ظهر لم ُي ْؤمَن هلك قائله.
فل أعرفُ أحمقَ منكم
هذا إلى أن يجيء باب المناظرة
قال المصنف :وقد اندسّ جماعة من الملحدين في المسلمين ،كأبي العلء المعَرّي ،وابن الراوَندي
قبله ،فماتَا على أقبح صفة.
واندسّ منهم جماعة في المحدّثين ،فوضعوا أحاديث يقصدون بها شَيْنَ الشريعة وتناقضها.
فأظهر ال علماءَ يكشفون فضائحهم ،ويبينون الصوابَ من الخطأ.
وأظهر قومٌ التكهن ،فأقبلوا يخبرون عن الغيوب ،وأخذ قو ٌم يتكلمون على ما في القلوب ،والمنجّم
عمّا يكون غدا.
كلّ ذلك ليظهروا أن دين الِسلم لم يأتِ بمعجزة.
الباب الول
في ذكر فضله على النبياءعليه وعليهم الصلة والسلم
اعلم أن ال تعالى أنشأ النفوس مختلفة ،فمنها الغاية في جودة الجوهرية ،ومنها ال َكدِر وفي كل
رُتْبة درجات.
فالنبياء هم الغاية ،خُلقت أبدانهم سليمةً من العيب ،فصَلُحت لحلول النفوس الكاملة ،ثم يتفاوتون.
فكان نبينا صلى ال عليه وسلم أصح النبياء مزاجا ،وأكملَهم بدنا ،وأصفاهم روحا.
وبمعرفة ما نذكره من أخلقه وصفاته يبين ذلك.
ولذلك قدّمه ال عزّ وجلّ على ال ُكلّ.
ق نفسه قبل خَلق نفوسهم.
فمن ذلك خَلْ ُ
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :كُ ْنتُ أوّلَ النّبِيّينَ فِي الخَلْقِ وآخِرَ ُهمْ
فِي ال َب ْعثِ» .
وقد ذكرنا كيف خُلقت طينته في أول الكتاب.
ومن ذلك :أنه أخذ له الميثاق على النبياء.
ط لَ اله
سِشهِدَ اللّهُ أَنّهُ ل? اله ِإلّ ُه َو وَا ْلمَلَا ِئكَ ُة وَُأوْلُواْ ا ْلعِلْمِ قَآ ِئمَا بِا ْلقِ ْ
فقال عزّ وجلّ{ :س 3ش َ 18
حكِيمُ }
ِإلّ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
(آل عمران)81 :
.
فجَعل النبياء كالتباع له ،وألهمهم النقيادَ ،فلو أدركوه وجب عليهم اتباعه.
سعَ ُه إلّ اتّبَاعِي» .
وقد قال عليه الصلة والسلمَ« :لوْ كَانَ ُموْسَى حيّا مَا وَ ِ
وقدّم ذكرَه على النبياء فقال عزّ وجل{ :س 4ش 163إِنّآ َأوْحَيْنَآ ِإلَ ْيكَ َكمَآ َأ ْوحَيْنَآ إِلَى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ب وَيُونُسَ
ط وَعِيسَى وَأَيّو َ
ق وَ َي ْعقُوبَ وَالّسْبَا ِ
ل وَإْسْحَا َ
سمَاعِي َ
مِن َبعْ ِد ِه وََأوْحَيْنَآ إِلَى إِبْرَاهِي َم وَإِ ْ
سلَ ْيمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورا }
وَهَارُونَ وَ ُ
(النساء)163 :
جكَ الْجَنّ َة َوكُلَ مِ ْنهَا
ت وَ َزوْ ُ
سكُنْ أَ ْن َ
وخاطب كلّ نبي باسمه فقال تعالى{ :س 2ش َ 35وقُلْنَا يَاءَادَمُ ا ْ
رَغَدًا حَ ْيثُ شِئْ ُتمَا َولَ َتقْرَبَا هَا ِذهِ الشّجَ َرةَ فَ َتكُونَا مِنَ الْظّاِلمِينَ }
(البقرة)35 :
ك وَُأمَمٌ سَ ُنمَ ّت ُعهُمْ ُثمّ
ك وَعَلَى ُأمَمٍ ّممّن ّم َع َ
{ ،س 11ش 48قِيلَ يانُوحُ اهْ ِبطْ بِسَلَامٍ مّنّا وَبَركَاتٍ عَلَ ْي َ
عذَابٌ أَلِيمٌ }
سهُمْ مّنّا َ
َيمَ ّ
(هود)48 :
ك وَإِ ّنهُمْ آتِي ِهمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }
{ ،س 11ش 76يإِبْرَاهِيمُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَاذَآ إِنّهُ قَدْ جَآءَ َأمْرُ رَ ّب َ
(هود)76 :
ح ْك َم صَبِيّا }
{ ،س 19ش 12يا َيحْيَى خُذِ ا ْلكِتَابَ ِب ُق ّوةٍ وَآتَيْنَاهُ الْ ُ
(مريم)12 :
جوّا قَ ْبلَ هَاذَا أَتَ ْنهَانَآ أَن ّنعْبُدَ مَا َيعْبُدُ ءابَاؤُنَا وَإِنّنَا َلفِى
{ ،س 11ش 62قَالُواْ ياصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَ ْر ُ
شكّ ّممّا تَدْعُونَآ إِلَ ْيهِ مُرِيبٍ }
َ
(هود)62 :
ن وَالِنْسِ فِى النّارِ كُّلمَا َدخََلتْ ُأمّةٌ
خلُواْ فِى? ُأمَمٍ قَدْ خََلتْ مِن قَبِْلكُم مّن الْجِ ّ
{ ،س 7ش 38قَالَ ادْ ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عذَابًا
جمِيعًا قَاَلتْ أُخْرَا ُه ْم لّولَاهُمْ رَبّنَا هؤلء َأضَلّونَا فَئَا ِتهِمْ َ
ّلعَ َنتْ أُخْ َتهَا حَتّى ِإذَا ادّا َركُواْ فِيهَا َ
ف وَلَاكِن لّ َتعَْلمُونَ }
ضعْ ٌ
ل ِ
ضعْفًا مّنَ النّارِ قَالَ ِل ُك ّ
ِ
(العراف)38 :
حوَارِيّونَ ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ َهلْ يَسْ َتطِيعُ رَ ّبكَ أَن يُنَ ّزلَ عَلَيْنَا مَآ ِئ َدةً مّنَ
{ .س 5ش ِ112إذْ قَالَ الْ َ
سمَآءِ قَالَ ا ّتقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم ّم ْؤمِنِينَ }
ال ّ
(المائدة)112 :
جعَلُواْ دُعَآءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَآءِ
ونهى أمته أن يخاطبوه باسمه ،فقال تعالى{ :س 24ش 63لّ تَ ْ
ضكُمْ َبعْضا َقدْ َيعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنكُمْ ِلوَاذا فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ يُخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَن ُتصِي َبهُمْ
َب ْع ِ
عذَابٌ أَلِيمٌ }
فِتْنَةٌ َأوْ ُيصِي َبهُمْ َ
(النور)63 :
.
ضكُمْ َبعْضا
جعَلُواْ دُعَآءَ الرّسُولِ بَيْ َنكُمْ كَدُعَآءِ َب ْع ِ
عن ابن عباس في قوله تعالى{ :س 24ش 63لّ تَ ْ
قَدْ َيعَْلمُ اللّهُ الّذِينَ يَ َتسَلّلُونَ مِنكُمْ ِلوَاذا فَلْ َيحْذَرِ الّذِينَ ُيخَاِلفُونَ عَنْ َأمْ ِرهِ أَن ُتصِي َبهُمْ فِتْنَةٌ َأوْ ُيصِي َبهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ }
(النور)63 :
.
قال :ل تقولوا يا محمد ،قولوا يا رسول ال.
وقد كانت النبياء يجادلون أممهم عن أنفسهم.
يقول قوم نوح{ :س 7ش 60قَالَ ا ْلمَلئ مِن َق ْومِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مّبِينٍ }
(العراف)60 :
،فقال دافعا عن نفسه{ :س 7ش 61قَالَ يَا َقوْمِ لَيْسَ بِى ضَلَالَ ٌة وََلكِنّي رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ }
(العراف)61 :
.
سفَاهَ ٍة وِإِنّا لَ َنظُ ّنكَ مِنَ
وقال قوم هود{ :س 7ش 66قَالَ ا ْلمَلُ الّذِينَ َكفَرُواْ مِن َقوْمِهِ إِنّا لَنَرَاكَ فِي َ
ا ْلكَاذِبِينَ }
(العراف)66 :
سفَاهَ ٌة وََلكِنّى رَسُولٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ }
(فقال{ :س 7ش 67قَالَ يَا َقوْمِ لَيْسَ بِى َ
(العراف)67 :
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
.
وقال فرعون لموسى{ :س 17ش 101وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ ءَايَاتٍ بَيّنَاتٍ فَاسَْألْ بَنِى ِإسْرَاءِيلَ ِإذْ
جَآءَهُمْ َفقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنّى لَظُ ّنكَ يامُوسَى َمسْحُورًا }
(السراء)101 :
.
ت وَالّرْضِ َبصَآئِرَ
سمَاوَا ِ
فقال موسى{ :س 17ش 102قَالَ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَآ أَن َزلَ هؤلء ِإلّ َربّ ال ّ
وَإِنّى لَظُ ّنكَ يافِرْعَونُ مَثْبُورًا }
(السراء)102 :
فتولّى ال عزّ وجلّ المجادلة عن نبيه صلى ال عليه وسلم.
شعْ َر َومَا يَن َبغِى لَهُ إِنْ ُهوَ ِإلّ ِذكْرٌ
فلما قالوا :هو شاعر قال ال تعالى{ :س 36ش َ 69ومَا عَّلمْنَاهُ ال ّ
َوقُرْءَانٌ مّبِينٌ }
(يس)69 :
وقالوا :كاهن ،فقال تعالى{ :س 69ش 42وَلَ ِب َقوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلً مّا َت َذكّرُونَ }
(الحاقة)42 :
غوَى }
ضلّ صَاحِ ُبكُ ْم َومَا َ
وقالوا :ضال .فقال ال تعالى{ :س 53ش 2مَا َ
(النجم)2 :
.
وقالوا :مجنون .فقال ال تعالى{ :س 68ش 2مَآ أَنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِب َمجْنُونٍ }(القلم)2 :
.
وأقسم الحق سبحانه وتعالى بحياته ،وإنما يقع القسم بالمعظّم.
عن ابن عباس قال :ما خلق ال تعالى وما ذرأ نفسا هي أكرمَ من محمد صلى ال عليه وسلم.
سكْرَ ِتهِمْ َي ْع َمهُونَ }
وما سمعتُ ال أقسَم بحياة أحد غيره ،فقال{ :س 15ش َ72ل َعمْ ُركَ إِ ّنهُمْ َلفِى َ
الحجر)72 :
قال ابن عقيل:
(ص)25 :
.
ن وَأَ ْلقَيْنَا عَلَى كُ ْرسِيّهِ جَسَدا ثُمّ أَنَابَ }
وقال{ :س 38ش 34وَلَقَدْ فَتَنّا سُلَ ْيمَا َ
(ص)34 :
،ثم قال{ :ثم أنابَ} .
وأخبر تعالى بغفران ذنب نبينا من غير أن يذكر له ذنبا ،فقال{ :س 48ش 2لّ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ
ك صِرَاطا مّسْ َتقِيما }
ك وَ َيهْدِ َي َ
ك َومَا تَأَخّ َر وَيُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي َ
مِن ذَن ِب َ
(الفتح)2 :
ومن بيان فضله على النبياء :أن آدم سأل ربّه بحرمة محمد أن يتوب عليه ،كما ذكرنا.
غفِرْ ِل َقوْمِي فَإ ّنهُ ْم لَ َيعَْلمُونَ» .
وأن نوحا دعا على قومه ،ونبيّنا قال« :اللهُمّ ا ْ
ن صَاحِ َبكُمْ خَلِ ْيلُ ال» .
ثم قد اتخذه خليلً كما اتّخذ إبراهيم ،فقال عليه السلم« :وَلك ّ
عن ابن عباس قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :إِنّ صاحِ َبكُمْ خَلِ ْيلُ ال» يعني
نفسَه.
ثم جعله حبيبا ،وهذه ليست لغيره.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أبي هريرة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ربه« :قد اتخذتك خليلً ،وهو في
التوراة مكتوب :محمد حبيب الرحمن» .
خذَ اللّهُ إبْرَاهِ ْيمَ خَلِيلًَ .ومُوسَى نَجِيّا،
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اتّ َ
واتّخَذَنِي حَبِيْبا ،ثُمَ قَالَ :وَعِزّتِي لُوثِرَنّ حَبِيْبِي عَلَى خَلِ ْيلِي ونَجِيّي» .
قال المصنف رحمه ال :فإن كان إبراهيم كَسر الصنام ،فقد رمى نبيّنا رسول ال صلى ال عليه
وسلم هُ َبلَ من أعلى الكعبة ،ثم أشار يوم الفتح إلى ثلثمائة وستين صنما فوقعت.
وإن كان هود نُصر على قومه بالدّبور ،فقد نُصر نبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم بالصّبَا.
فمزّقت أعداءَه يوم الخندق.
وإن كان لصالح ناقة ،فقد سجدت الِبل لنبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم.
وإن كان يوسف مليح الصورة ،فقد كان نبينا كالقمر ليلة البدر.
وإن كان الحجَر انفجر لموسى ،فقد نبع الماءُ من بين أصابع نبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم،
جبُ ،لن الماء ما يزال يخرج من الحجارة.
وهو أَعْ َ
وخوار النخل وحنينه إلى نبينا أعجبُ من حالت عصا موسى.
وقد دعا نبينا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم الشجرةَ فشقّت الرضَ وجاءت إليه.
وإن كانت الجبال سبّحت مع داود ،فقد سبّح الحصا في كفّ نبينا صلى ال عليه وسلم.
وإن كان الحديد ليّن لداود فقد لن الصخر لنبينا صلى ال عليه وسلم.
وقال أبو نُعيم الصبهاني :لما دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم الغار مال برأسه إلى الجبل
ليخفي شخصه عنهم ،فليّن ال الجبل حتى أدخل فيه رأسه ،واستروحَ إلى حجر من جبل أصمّ
فَلن له حتى أثّر فيه ذراعُه وساعدُه.
وذلك مشهور يقصده الحاج ويرونه.
وعادت صخرة بيت المقدس كهيئة العجين ،فربط به دابته ،والناس يلتمسون ذلك الموضع إلى
اليوم.
قال المصنف رحمه ال :وإن كان سليمان أُعطي ملكَ الدنيا ،فقد جيء لنبينا صلى ال عليه وسلم
بمفاتيح خزائن الرض فأباها زُهْدا.
وإن كانت الريح سُخّرت لسليمان ،غدوّها شهر ورَواحها شهر ،فنبينا صلى ال عليه وسلم سار
إلى بيت المقدس مسيرة شهر في بعض ليلة.
عبُ بين يديه مسيرة شهر.
وسارَ الرّ ْ
وعرج به مسيرة خمسين ألف سنة إلى العرش.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وإن كان سليمان فهم كلمَ الطير ،فقد فهم نبينا صلى ال عليه وسلم كلمَ البعير والذئب والشجر
والحجر.
سخّرت لسليمان ،فقد جاءت إلى نبينا صلى ال عليه وسلم طائفة من الجن مؤمنة
وإن كانت الجن ُ
به.
وقد كان سليمان يصفّد مَن عصاه منهم ،فلما تفَلّت عفريت على نبينا صلى ال عليه وسلم (تمكن
منه) وأسَره.
وقد كانت الجن أعوانا لسليمان يخدمونه ،ونبيّنا صلى ال عليه وسلم أعوانُه الملئكة يقاتلون بين
يديه ويدفعون أعداءه.
وقد ذكرنا فيما تقدم أن أبا جهل لما أتى رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلّي ليطأ على
عنقه نكص على عقبيه وقال :إن بيني وبينه لخندقا من نار و َه ْولً وأجنحة.
وإن كان عيسى يخبر بالغُيوب ،فقد شارَكه نبينا صلى ال عليه وسلم في ذلك.
وقد قرَن ال تعالى اسمَ نبينا صلى ال عليه وسلم باسمه عزّ وجلّ عند ذكْر الطاعة والمعصية،
لمْرِ مِ ْنكُمْ فَإِن
ل وَُأوْلِى ا ّ
فقال تعالى{ :س 4ش 59يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللّ َه وَأَطِيعُواْ الرّسُو َ
حسَنُ
شىْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ إِن كُنتُمْ ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الّخِرِ ذاِلكَ خَيْ ٌر وَأَ ْ
تَنَازَعْتُمْ فِى َ
تَ ْأوِيلً }
(النساء)59 :
.
ف وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ
ضهُمْ َأوْلِيَآءُ َب ْعضٍ يَ ْأمُرُونَ بِا ْل َمعْرُو ِ
وقال{ :س 9ش 71وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َب ْع ُ
ح ُمهُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ
ا ْلمُ ْنكَ ِر وَيُقِيمُونَ الصلةَ وَ ُيؤْتُونَ الزكا َة وَيُطِيعُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ ُأوْلَا ِئكَ سَيَرْ َ
حكِيمٌ }
َ
(التوبة)71 :
.
وقال{ :س 9ش َ 74يحِْلفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُو ْا وَلَقَدْ قَالُواْ كَِل َمةَ ا ْل ُكفْرِ َو َكفَرُواْ َب ْعدَ إِسْلَا ِمهِ ْم وَ َهمّواْ ِبمَا َلمْ
يَنَالُو ْا َومَا َن َقمُو?اْ ِإلّ أَنْ أَغْنَا ُهمُ اللّ ُه وَرَسُولُهُ مِن َفضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ َيكُ خَيْرا ّلهُ ْم وَإِن يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْبهُمُ
ي وَلَ َنصِيرٍ }
عذَابًا أَلِيمًا فِى الدّنْيَا وَالّخِ َرةِ َومَا َل ُهمْ فِى الّ ْرضِ مِن وَِل ّ
اللّهُ َ
(التوبة)74 :
.
وقال{ :س 33ش 57إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فِى الدّنْيَا وَالّخِ َر ِة وَأَعَدّ َل ُهمْ عَذَابا
ّمهِينا }
(الحزاب)57 :
سمَاوَات
خلَقَ ال ّ
شهْرا فِي كِتَابِ اللّهِ َيوْمَ َ
شهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ َ
ع ّدةَ ال ّ
وقال{ :س 9ش 36إِنّ ِ
سكُ ْم َوقَاتِلُواْ ا ْلمُشْ ِركِينَ كَآفّةً َكمَا
وَالّرْضَ مِ ْنهَآ أَرْ َبعَةٌ حُرُمٌ ذاِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ فَلَ تَظِْلمُواْ فِيهِنّ أَنفُ َ
ُيقَاتِلُو َنكُمْ كَآفّةً وَاعَْلمُو?اْ أَنّ اللّهَ مَعَ ا ْلمُ ّتقِينَ }
(التوبة)63 :
ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَلَ بِالْ َيوْ ِم الّخِ ِر وَلَ ُيحَ ّرمُونَ مَا حَرّمَ اللّ ُه وَرَسُولُهُ
وقال{ :س 9ش 29قَاتِلُواْ الّذِي َ
وَلَ َيدِينُونَ دِينَ ا ْلحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُواْ ا ْلكِتَابَ حَتّى ُيعْطُواْ ا ْلجِزْيَةَ عَن َي ٍد وَهُ ْم صَاغِرُونَ }
(التوبة)29 :
ت معي» .
وقد ذكرنا أن ال تعالى قال لنبينا صلى ال عليه وسلم« :ل أُ ْذكَر إل ذُكر َ
وأما الحاديث المنقولة في تفضيله على النبياء صلوات ال عليهم:
حدٌ مِنَ
طهُنّ أَ َ
خ ْمسًا لم ُي ْع َ
عن جابر بن عبدال :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :أُعْطِ ْيتُ َ
جلٌ مِنْ
طهُورًا ،فَأَ ّيمَا رَ ُ
سجِدا و َ
جعَِلتْ ِليَ الَ ْرضُ مَ ْ
شهْرٍ ،و ُ
عبِ مَسِي َرةَ َ
النْبِيَاءِ قَبْلِيُ :نصِرْتُ بِالرّ ْ
شفَاعَةَ ،وكَانَ
ل لَحَدٍ قَبْلِي ،وأُعْطِ ْيتُ ال َ
حّصلّ ،وأُحِّلتْ ِليَ الغَنَائِ ُم وَلَمْ تَ ِ
ُأمّتِي أدْ َركَتْهُ الصّلةُ فَلْ ُي َ
النّ ِبيّ يُ ْب َعثُ إلى َق ْومِه خَاصّةُ ،وبُعثْتُ إلى النّاسِ عَامّةً» .
عبِ ،وبَيْنَا
جوَامِعِ الكَلِمِ ،و ُنصِ ْرتُ بِالرّ ْ
عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :بُعثْتُ ِب َ
ضعَتْ فِي يَدِي» .
أَنَا نَائِمٌ رأَيْتُنِي أُتِ ْيتُ َبمَفاتِيْحَ خَزَائِنِ الَرْضِ َف ُو ِ
الحديثان في الصحيحين.
وجوامع الكلم :أن يَجْمع المعاني الكثيرة في اللفاظ اليسيرة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
طهُنُ َأحَدٌ قَبْلِيُ :بعِ ْثتُ
خمْسا َلمْ ُيعْ َ
عطِ ْيتُ َ
عن أبي ذَرَ قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أُ ْ
حدٍ قَبْلِي،
حلّ لَ َ
سجِدًا ،وأُحِّلتْ ِليَ الغَنَا ِئ ُم ولَمْ َت ِ
ط ُهوْرا َومَ ْ
جعَِلتْ ِليَ ال ْرضُ َ
سوَدِ ،و ُ
حمَ ِر والَ ْ
إلى الَ ْ
عوَتِي
طهُ ،فاخْتَبَ ْأتُ دَ ْ
سلْ ُتعْ َ
شهْرٍ ،وقِيْلَ لِيَ :
عبُ العَ ُد ّو وَهو مِنّي مَسِيْ َرةَ َ
عبِ ،فَيُر َ
و ُنصِرْتُ بِالرّ ْ
لمّتِي َيوْمَ القِيَامَةَِ ،فهِي نَائِلةٌ إنْ شَاءَ اللّهُ مَنْ َلمْ يُشْ ِركْ بِال شَيْئا» .
شفَاعَ ًة ُ
َ
حمَرِ
ت إلى الَ ْ
خمْسًاُ :بعِ ْث ُ
عطِ ْيتُ َ
عن أبي موسى قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أُ ْ
حلّ ِلمَنْ كَانَ قَبْلِي،
طهُورًا ،وأُحِّلتْ ِليَ الغَنَائِمُ ولَمْ تَ ِ
سجِدا وَ َ
جعَِلتْ ِليَ الَ ْرضُ مَ ْ
سوَدِ ،و ُ
والَ ْ
شفَاعَةً ،وإنّي اخْتَبَ ْأتُ
ل وقَدْ سََألَ َ
يإّ
شفَاعَةَ ،ومَا مِن نَ ِب َ
شهْرًا ،وأُعْطِ ْيتُ ال َ
عبِ َ
و ُنصِرْتُ بالرّ ْ
جعَلْ ُتهَا ِلمَنْ كَانَ مِنْ ُأمّتِي لَ يُشْ ِركُ بِال شَيْئا» .
شفَاعَتِي ُثمَ َ
َ
لمّتِي
ض ُ
جعَِلتْ الَرْ ُ
عن أبي أمامة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قالُ « :فضّلْتُ بَأَرْبَعٍُ :
طهُورًا ،وأُحِّلتْ ِليَ الغَنَائِمُ. »..
جدًا وَ َ
مَسْ ِ
عن ابن الحنفية أنه سمع عليّ بن أبي طالب يقول :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أُعْطِ ْيتُ
ن الَنْبِيَاءِ» .
حدٌ مِ َ
مَا لَمْ ُي ْعطَ أَ َ
عطِ ْيتُ
ستَ :أُ ْ
عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قالُ « :فضّلْتُ عَلَى النْبِيَاءِ بِ ِ
سجِدًا ،وأُرْسِ ْلتُ
طهُورًا ومَ ْ
جعَِلتْ ِليَ الَرْضُ َ
عبِ ،وأُحِّلتْ لَنَا الغَنَا ِئمُ ،و ُ
جوَامِعَ الكَِلمِ ،و ُنصِرْتُ بِالرّ ْ
َ
إلَى الخَ ْلقِ كَافّة ،وخُ ِتمَ ِبيَ النّبِيّونَ» .
عن أبيّ بن كعب قال :كنت في المسجد فدخل رجل يصلي ،فقرأ قراءةً أنكرتها عليه ،ثم دخل
سوَى قراءة صاحبه.
آخر فقرأ قراءةً ِ
فلما قضينا الصلة دخلنا جميعا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقلت :إنّ هذا قرأ قراءة
سوَى قراءة صاحبه.
أنكرتُها عليه ،ودخل آخر فقرأ ِ
فأقرأهما رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ،فقرآ ،فحسّن النبي صلى ال عليه وسلم شأنهما.
فسقط في نفسي من التكذيب ول إذ كنت في الجاهلية.
ضتُ عرَقا وكأني
فلما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قد غَشِيني ضرب في صدري ،ف ِف ْ
سلَ إِليّ :أَنْ اقْرَأ القُرْآنَ عَلَى حَ ْرفٍ .فَرَ َد ْدتُ إِلَيْهِ :أنْ َهوّنْ
أنظر إلى ال فرَقا ،فقال« :يَا أُ َبيّ ،أَ ْر ِ
عَلَى ُأمّتِي.
فر ّد إليّ الثّانِ َيةَ :أنْ اقْرَ ْأهُ عَلَى حَرفٍ فَ َردَ ْدتُ إِلَيْهِ :أنْ َهوّنْ عَلَى ُأمّتِي.
فر ّد إليّ الثّالِ َثةَ :أنْ اقْرَ ْأهُ عَلَى سَ ْب َعةِ أَحْ ُرفٍ ،وَلكَ ِب ُكلّ َر ّدةٍ رَ َددّْت َكهَا مَسْأَلَةً َتسَلْنِ ْيهَا» .
غبُ فِيه إليّ الخَلْقُ كُّل ُهمْ،
غفِرْ لُمّتِي ،وأخّ ْرتُ الثّالِثَةَ لِ َيوْمَ يَرْ ُ
لمّتِي ،الل ُهمّ ا ْ
غفِ ْر ُ
فقلت« :اللهُمّ ا ْ
علَيْهِ» .
حَتّى إِبْرَاهِ ْي َم صََلوَاتُ ال َ
هذا الحديث وحديثان قبله من أفراد مسلم.
عن أبي أمامة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إنّ اللّهَ َفضّلَنِي عَلَى النْبِيَاءِ ،و َفضّل
عبِ يَسِيْرُ بَيْنَ يَ َديّ قَ َذ َفهُ فِي قُلُوبِ
لمَمِ ،وأَرْسَلَنِي إلَى النَاسِ كَافّةً ،و ُنصِرْتُ بالرّ ْ
ُأمّتِي عَلَى ا ُ
سجِدُه
لةُ َفعِنْدَه مَ ْ
طهُورًا ،فأ ّيمَا عَ ْبدٌ أدْ َركَتْه الصّ َ
سجِدًا وَ َ
ت الَ ْرضُ كُّلهَا لِي مَ ْ
جعَِل ْ
أعْدَائِي ،و ُ
طهُورُه ،وَُأحِّلتْ ِليَ الغَنَائِمَ» .
وَ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ط لَحَدٍ مِنَ النْبِيَاءِ
خمْسًا لَم ُت ْع َ
عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أُعْطِ ْيتُ َ
طهُورًا ،ولَمْ َيكُن نَ ِبيّ مِنَ النْبِيَاءِ َيعْنِي ُيصَلّي حَتّى يَبْلُغَ
سجِدًا َو َ
جعَِلتْ ِليَ ال ْرضُ مَ ْ
قَبْلِيُ :
شهْرٍ فَ َيقْ ِذفَ اللّهُ
شهْرٍ َيكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَ المُشْ ِركِيْنَ مَسِيْ َرةُ َ
عبِ مَسِي َرةَ َ
مِحْرابَه ،ونُصِ ْرتُ بالرّ ْ
ن والِنْسِ ،وكَانَت الَنْبِيَاءُ
عبَ فِي قُلو ِبهِمَ ،وكَانَ النّ ِبيّ يُ ْب َعثُ إلى خَاصّةِ َق ْومِهِ ،و ُبعِ ْثتُ إلى الجِ ّ
الرّ ْ
طيَ سُؤلَه
ي إل َوقَد أُعْ ِ
سمَه فِي ُأمّتِي ،ولَمْ يَ ْبقَ نَ ِب ّ
خمْسَ فَ َتجِيءُ النّارُ فَتَ ْأكُلُه ،وُأمِ ْرتُ أنْ َأقْ ِ
َيعْزِلُونَ ال ُ
شفَاعَةَ لُمّتِي» .
وأَخّ ْرتُ أنَا ال ّ
فإن قال قائل :قد كان لسليمان سراري ،ومعلوم أن العبيد والِماء أثرُ الغنيمة ،فما وجه قول
الرسول« :أُحِلّت لي الغنائم».
فالجواب :أنه كان النبياء إذا جاهدوا وقدّموا الغنيمة التي هي أمتعةٌ وأطعمة وأموال نزلت نار
خمْس ذلك النبي وسهام المّة .يدل عليه ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة:
فأكلتها كلّهاُ :
ج َمعُوا مَا غَ ِنمُوا ،فََأقْبَلَت النّارُ
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :غَزَا نَ ِبيّ مِنَ النْبِيَاءِ فَ َ
ط َعمَه َفقَالَ النّ ِبيّ صلى ال عليه وسلم :فِ ْيكُم غُلولٌ .فأخْ َرجُوا مِثلَ رَأسِ َبقَ َرةٍ
لِتَ ْأكُلَه فَأَ َبتْ أنْ ُت ْ
َف َوضَعُوه فِي المَالِ ،فأقْبَلَت النّارُ فََأكَلَتْه» .
ضعْفَنَا وعَجْزَنَا َفطَيّبهَا لَنَا» .
حلّ الغَنَا ِئ َم لَحَدٍ قَبْلَنا ،ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َتعَالَى رَأَى َ
«فَلَمْ تَ ِ
وأما العبيد والِماء والحيوانات فإنها تكون مِلْكا للغانمين دون النبياء ،فل يجوز للنبياء أخذُ شيء
من ذلك بسبب الغنيمة بل بالبتياع والهدية ونحو ذلك.
ومِنْ هذا تَسرّي سليمان.
س والفَيْ َء ويتصرّف فيه ،وهما من
خمْ َ
وكان يجوز ذلك لنبينا صلى ال عليه وسلم ،وكان يأخذ ال ُ
خصائصه دون النبياء.
فإن قيل :فالعبيد والِماء غنيمة أيضا؟
قلنا :نعم ،ولكن ذلك حرّم على النبياء خاصة ،وأُحلّ لنبينا صلى ال عليه وسلم فانفرد بذلك عن
النبياء.
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَنا سَيّدُ النّاسِ َيوْ َم القِيَامَةِ ،وَهَل
شمْسُ ،فَيَبْلُغُ النّاسُ مِنَ الغَمّ
صعِيْ ٍد وَاحِدٍ ،وتَدْنو ال ّ
جمَ ُع ال الوّلِينَ والخِرِيْنَ فِي َ
تَدْرونَ لِمَ ذَِلكَ؟ َي ْ
جلّ؟
شفَعُ َلكُمْ إِلَى رَ ّب ُكمْ عَ ّز وَ َ
والكَ ْربِ مَا ل يُطِيقُونَ ،فَ َيقُولُ َب ْعضُ النّاسِ لِ َب ْعضٍ :ألَ تَ ْنظُرُونَ مَنْ يَ ْ
فَيَأْتُونَ آ َدمَ» .
وذكَر حديث الشفاعة ،وأنه هو الذي يشفع في الخلق.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وسيأتي هذا الحديث في باب الشفاعة إن شاء ال تعالى ،ويذكر في الحاديث هناك احتياجَ الخلق
كلهم إليه وتقدّمه عليهم.
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَنا أ ّولُ النّاسِ خُروجًا إذا ُبعِثُوا،
خطِيْ ُبهُمْ إذَا َوفَدُوا ،وأنَا مُبَشّرُهُمْ إذَا أَ ِيسُوا ،وأَنا أكْ َر ُم وَلَدِ آ َدمَ عَلَى ال وَلَ فَخْرَ» .
وأَنَا َ
وفي رواية عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :أَنا أكْرَمُ الوّلِينَ والخِرِينَ عَلَى ال
وَلَ َفخْرَ» .
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أَنا َأوُّلهُمْ خُروجًا إذَا ُبعِثُوا ،وأَنا وَافِدُ ُهمْ إذَا
شفِيْ ُعهُمْ إذَا حُبِسُوا ،وأَنا مُبَشّرُهم إذَا أَ ُيسُوا ،والمَفَاتِيحُ َي ْومَئِذٍ
َوفِدُوا ،وأَنا خَطِيْ ُب ُهمْ إذَا أ ْنصَتُوا ،وأنا َ
بِيَدِي ،وأَنَا أكْرَ ُم وََلدِ آدَمُ عَلَى رَبّي ،يَط ُوفُ عََليّ ألفُ خَا ِدمٍ كَأ ّنهُمْ بَ ْيضٌ َمكْنونٌ أو لؤلؤٌ منْثُورٌ» .
عن ابن عباس قال :جلس ناس من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ينتظرونه ،فخرج
حتى دنا منهم فسمعهم يتذاكرون ،فإذا بعضهم يقول :عجبا إن ال اتخذ من خلقه خليلً وإبراهيمُ
خليله.
وقال آخر :ماذا بأعجب من أن يكلّم ال موسى تكليما.
وقال آخر :فعيسى كلمة ال وروحه.
وقال آخر :آدم اصطفاه ال.
ل َمكُ ْم وَعَجَ ِبكُمْ أنّ إبْرَاهِ ْيمَ خَلِ ْيلُ ال ،وهو كَذَِلكَ ،ومُوسَى
س ِم ْعتُ كَ َ
فخرج عليهم فسلّم ثم قال« :قَدْ َ
ب ال وَل َفخْرَ ،وأَنا حَا ِملُ ِلوَاءَ
نَجِيّه ،و ُهوَ كَذِلكَ ،وَعِيْسَى رُوحُه وكَِلمَتُه ،وهو كَذِلكَ ،ألَ وأنَا حَبِ ْي ُ
ح ْلقَةَ بَابِ الجَنّةِ وَلَ فَخْرَ ،فَ َيفْتَحُ اللّهُ فَيُ ْدخِلْنِ ْيهَا
ح ْمدِ َيوْ َم القِيَامَ ِة ول َفخْرَ ،وأَنا أ ّولُ مَنْ ُيحَ ّركُ َ
ال َ
َو َمعِيَ ُفقَرَاءُ ال ُم ْؤمِنينَ َولَ فَخْرَ ،وأَنَا أكْ َر ُم الوّلِينَ والخِرِيْنَ عَلَى ال َولَ فَخْرَ» .
عن ابن عباس قال« :ما خلق ال خَلْقا ول برأَه أحب إليه من محمد صلى ال عليه وسلم».
عن حذيفة قال :قال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم :إبراهيم خليل ال ،وموسى كلمه ال
تكليما ،وعيسى كلمة ال وروحه ،فما أُعطيتَ يا رسول ال؟.
حتَ لِوائِي ،وأَنا َأ ّولُ مَنْ ُيفْتَحُ لَه بَابُ الجَنّةِ» .
قال« :وَلَدُ آ َدمَ كُّلهُمْ َت ْ
ل َوقَدْ أكْ َرمْتَه،
يإّ
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :قُ ْلتُ :يَا َربّ إنّه لَمْ َيكُنْ نَ ِب ّ
جعَ ْلتَ إبْرَاهِ ْيمَ خَلِيْلً ،ومُوسَى كَلِيْما ،وَسَخّ ْرتَ لِدَا ُودَ الجِبَالَ ولسُلَ ْيمَانَ الرّيْحَ والشّيَاطِيْنَ ،وأحْيَ ْيتَ
فَ َ
جعَ ْلتَ لِي؟» .
ِلعِيْسَى ال َموْتَىَ ،فمَا َ
صدُورَ
جعَ ْلتُ ُ
قالَ« :أوَ لَيْسَ َقدْ أعْطَيْ ُتكَ مَا ُهوَ َأ ْفضَلَ مِنْ ذَِلكَ كُلّه :لَ أُ ْذكَ ُر إلّ ُذكِ ْرتَ َمعِيَ ،و َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
طهَا ُأمّةً» .
ن القُرَآنَ ظَاهِرا ،وَلَمْ أُعْ ِ
أمّ ِتكَ أنَاجِ ْيلَ َيقْرَؤوُ َ
خذْ ُتكَ خَلِيْلً َكمَا اتّخَ ْذتُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلً ،وكَّلمْتُكَ َكمَا كَّل ْمتُ مُوسَى َتكْلِيما،
حمّدُ،اتّ َ
قال« :يَا ُم َ
سوَدِ أ َهلِ
طهَا نَبِيّا قَبَْلكَ ،وأرْسَلْ ُتكَ إِلَى َأ ْ
عِخوَاتِيْمَ سُو َرةِ ال َبقَ َر ِة وَلَمْ أُ ْ
ب وَ َ
حةُ الكِتَا ِ
وأَعْطَيْ ُتكَ فَاتِ َ
لمّتِكَ
كوُ
جعَ ْلتُ ال ْرضَ َل َ
جمَاعِهمْ قَبَْلكََ ،و َ
حمَرِهِ ْم وإِنْسِهم وَجِ ّنهِمْ ،ولَمْ أُرْسِل إلَى َ
ال ْرضِ وأ ْ
لمّةٍ قَبَْلهَا ،و َنصَرْتُكَ بِالرّعبِ ،حتّى إنّ عَد ّوكَ
ط َع ْمتُ أمّ ُتكَ الفَيْ َء وَلَمْ أُحِلّه َ
طهُورا ،وأ ْ
مَسْجِدا وَ َ
عبُ مِ ْنكَ وأَنْزَ ْلتُ عَلَ ْيكَ سَيّدَ الكُ ُتبِ ،قَالَ قُرآنا عَرَبِيّا ،وَ َر َف ْعتُ َلكَ ِذكْ َركَ حَتّى ل أُ ْذكَ ُر إلّ
ليُرْ َ
ُذكِ ْرتَ َمعِي» .
عن جابر بن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ اللّهَ اخْتَارَنِي عَلَى العَاَلمِينَ
ن والمُرْسَلِينَ» .
مِنَ النّبِيّي َ
جمِيعِ
عن جابر بن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ اللّهَ اخْتَارَنِي عَلَى َ
العَالمِينَ مِنَ النّبِيّينَ المُرْسَلينَ» .
عطَى مُوسَى الكَلَمَ،
عن جابر بن عبدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ اللّهَ أ ْ
ح ْوضِ ال َموْرُودِ» .
حمُو ِد وَال َ
وأعْطَانِي ال ّرؤْيَةََ ،و َفضّلَنِي بِال َمقَامِ ال َم ْ
خصْلَتَيْنِ :كَانَ شَيْطَانِي
عن ابن عمر قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلمُ « :فضّ ْلتُ عَلَى آ َدمَ بِ َ
عوْنا لِي وَكانَ شَيْطَانُ آ َدمَ كَافِرا ،وكَا َنتْ َزوّجَتُه
كَافِرا فَأَعَانَنِي اللّهُ عَلَيهِ فَأَسْلَمََ ،وكُنّ أ ْزوَاجِي َ
عوْنا عَلَى خَطِيئَتِه» .
َ
فصل
فإن قال قائل :كيف قال« :وبعثت إلى الخَلْق كافة» .
ومعلوم أن موسى لمّا بُعث إلى بني إسرائيل لو جاءه غيرهم من المم يسألونه تبليغَ ما جاء به
عن ال لم يَجُزْ له كَتْمه ،بل يجب عليه إظهارُ ذلك لهم؟
ثم قد أُهلك الخَلْق في زمن نوح ،وما كان ذلك إل لعموم رسالته؟
ن عقيل فقال« :إن شريعة نبينا جاءت ناسخة لكل شريعة قَبْلها ،وقد كان
فقد أجاب عن هذا اب ُ
يجتمع في العصر الواحد نبيّان وثلثة يدعو كل واحد إلى شريعة تخصّه ،ول يدعو غيره من
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
النبياء إليها ول ينسخها».
سعُ ُه إلّ
بخلف نبينا صلى ال عليه وسلم ،فإنه دعا الكلّ ونسخ ،وقالَ« :لوْ كَانَ مُوسَى حَيّا مَا وَ ِ
اتّبَاعِي» وما كان يمكن عيسى أن يقول هذا في حق موسى.
وأما نوح فإنه لم يكن في زمنه نبيّ يدعو إلى ملته.
الباب الثاني
في ذكر خصائصه صلى ال عليه وسلم
خصّ النبي صلى ال عليه وسلم بواجبات ،ومحظورات ،ومباحات ،وتكرّمات.
قد ُ
فالواجبات :السواك ،والوِتْر ،والضْحية ،وركعتا الفجر .وفي قيام الليل خلف.
والمحظورات :الرمزُ بالعين ،وأكل الصدقة المفروضة ،والتزويج بالِماء ،وخَلْع لمة الحرب
حتى يَلْقى العدوّ.
وأما قول الشعر والكهانة فقد ذكرت في المحظورات ،وإنما مُنِع من ذلك ،ل أنه حرّم عليه.
خمْس
وأما المباحات :فمنها الوصال في الصوم ،وقد مُنِع منه غيره ،وَأخْذُ الماء من العطشان ،و ُ
ص ِفيّ من ال َمغْنَم ،والتزوج بأي عدد شاء ،والنكاح بغير َمهْر ول وليَ وبلفظ الهِبَة.
الخُمس ،وال ّ
ج ْعلُ أزواجه في الجنة.
وأما التكرّمات :فتحريم أزواجه على غيره في الدنيا ،و َ
وبُعث إلى الخَلْق كافة ،ول نبيّ َبعْدَه.
وخلّدت شريعته فلم تُنْسخ ،وجُعل ُمعْجِزُه باقيا يُتصفّح إلى يوم القيامة ويُتحدّى به.
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :فُضّ ْلتُ عَلَى النّاسِ بَأَرْبَعٍ :بالسّخَاءِ،
جمَاعِ ،وَشِ ّدةِ ال َبطْشِ» .
عةِ ،وكَثْ َرةِ ال ِ
والشّجَا َ
الباب الثالث
في إنفاذ قطف له صلى ال عليه وسلم من الجنة
عن أنس بن مالك قال :جاء جبريل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :إن ال يقرئك السلم،
وأرسلني إليك بهذا القطف» فأخذه صلى ال عليه وسلم.
الباب الرابع
في إنفاذ مقاليد الدنيا إليه صلى ال عليه وسلم
عن جابر قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :أُتِ ْيتُ ِب َمقَالِيْدَ الدّنْيَا عَلَى فَرَسٍ أَبَْلقَ
عَلَيْه َقطِ ْيفَةٌ مِنْ سُنْ ُدسٍ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الخامس
في رفع ذكره صلى ال عليه وسلم
خدْري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أتَانِي جِبْرِ ْيلَ فَقَالَ :إنّ اللّهَ عزّ
عن أبي سعيد ال ُ
جلّ َيقُولُ َلكَ :تَدْرِي كَ ْيفَ َر َف ْعتُ َلكَ ِذكْ َركَ؟ إذَا ُذكِ ْرتُ ُذكِ ْرتَ َمعِي» .
وَ َ
الباب السادس
في ذكر مثله صلى ال عليه وسلم ومثل النبياء
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَثَلي ومَثَلُ النْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي َكمَ َثلِ
ج َعلَ النّاسُ
جمَلَها ،إلّ َم ْوضِعَ لَبِنَةً مِن زَاوِيَةٍ من َزوَايَاهَاَ ،ف َ
جلٍ ابْتَنَى بُيُوتا فَأَحْسَ َنهَا وأ ْكمَلَها وأَ ْ
رَ ُ
ض ْعتَ هَا هُنَا لِبَ َنةً فَيَتِمّ بُنْيَا ُنكَ؟» .
يَطوفونَ و َيعْجَبُونَ مِن البُنْيَانِ ،فَ َيقُولون :أل َو َ
قال النبي صلى ال عليه وسلمَ « :فكُ ْنتُ أنَا اللّبِنَةَ» .
ي بن كعب ،عن أبيه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم :قال« :مَثَلي فِي النّبِيّينَ
طفَيْل بن أب ّ
عن ال ّ
ج َعلَ النّاسُ يطوفونَ
ض ْعهَا ،فَ َ
جمَلَها وَتَ َركَ فِيهَا َموْضِعَ لَبِ َنةً لَمْ َي َ
حسَنَها وأَ ْ
جلٍ بَنَى دَارَا فأ ْ
َكمَ َثلِ َر ُ
ن و َيعْجَبونَ مِنه ويَقوُلونَ لِمَ لَمْ تُوضَعْ هَذهِ اللبِنَةُ ،فأنَا فِي النّبِييّنَ َموْضِعُ تِلكَ اللّبِنَةَ» .
بالبُنْيَا ِ
الباب السابع
في ذكر مثله صلى ال عليه وسلم ومثل ما بعثه ال به
عن بُرَيْد (عن) ابن أبي موسى ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إنّ مَثَلِي ومَ َثلَ مَا َبعَثَنِي
جلٍ أتَى قَومَه فَقَالَ :يَا َقوْمُ إنّي رَأَ ْيتُ الجَ ْيشَ ِبعَيْنِي ،وأَنا النّذيرُ العُرْيَانُ فالنّجَاءَ» .
اللّهُ به َكمَ َثلِ َر ُ
«فَأَطَاعَتْه طَا ِئفَةٌ مِنْ َق ْومِه فَأدَلجُوا وانْطَلقُوا عَلَى َم ْهلٍ ،فنَجوْا ،وكذّبَتْه طَا ِئفَةٌ مِنْهم ،فَأصْبَحوا
حهُمْ ،فَذَِلكَ مَ َثلُ مَنْ أطَاعَنِي واتّبَعَ مَا جِ ْئتُ بِه ،ومَ َثلُ مَنْ
حهُمْ الجَيْشُ فأهَْل َكهُمْ واجْتَا َ
مكَا َنهُم َفصَبّ َ
حقّ» .
عصَانِي َوكَذّب مَا جِ ْئتُ بِه مِنَ ال َ
َ
أخرجاه.
الباب الثامن
في فضل أمته صلى ال عليه وسلم على المم
عن أبي هريرة ،عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :نَحنُ الخِروُنَ السّابِقونَ َيوْ َم القِيَامَةِ،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
بَيْدَ أ ّنهُم أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنا وأُوتِيْنَاه مِنْ َبعْدِهمَ ،فهَذا َي ْو ُمهُم الذي اخْتَلفُوا فِيه َف َهدَانا اللّهُ له،
غدٌ ولل ّنصَارَى َبعْدَ غَدٍ» .
النّاسُ لنَا فِيه تَبَعٌ ،لِليَهودِ َ
عن أبي سعيد قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :وال إنّي لَرْجُو أنْ َتكُونُوا رُ ْبعَ أ ْهلِ
صفَ أ ْهلِ الجَنّةِ»
الجَنّةِ ،وال إنّي لَرْجُو أنْ تكُونُوا ثُُلثَ أهلِ الجَنّة ،وال إنّي لَرْجُو أنْ تكُونُوا ِن ْ
.
الحديثان في الصحيحين.
جلٍ
عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :مَثلُكم ومَ َثلُ ال َيهُودُ وال ّنصَارَى كَرَ ُ
لةِ الصّبْحِ إلى ِنصْفِ ال ّنهَارِ عَلَى قِيْرَاطٍ؟ َألَ َف َعمِلَتِ ال َيهُودُ.
ن صَ َ
عمّالً َفقَال :مَنْ َي ْع َملُ مِ ْ
اس َت ْع َملَ ُ
لةِ ال َعصْرِ؟ ألَ َف َعمَِلتِ ال ّنصَارَى .ثُمّ قَالَ :مَنْ َي ْع َملُ
صفِ ال ّنهَارِ إلَى صَ َ
ثُمَ قَالَ :مَنْ َي ْع َملُ لِي مِنْ ِن ْ
عمِلْتُمْ.
شمْسِ عَلى قِيرَاطَيْنَِ ،ألَ فَأَنْتُمْ الذينَ َ
لةِ ال َعصْرِ إلى غُرُوبِ ال ّ
لِي مِنْ صَ َ
عطَاءً.
ل وَأَقلّ َ
عمَ ً
َف َغضِبَ ال َيهُودُ وال ّنصَارَى َفقَالُواَ :نحْنُ أكْثَرُ َ
ح ّقكُم شَيْئا؟.
ظَلمْ ُتكُم مِنْ َ
قَالََ :فهَل َ
قَالُوا :لَ.
قَالَ :فَإ ّنمَا هو َفصْلِي أوتِيْهِ مَنْ َأشَاءُ» .
انفرد بإخراجه البخاري.
عن َبهْز بن حكيم بن معونة ،عن أبيه ،عن جده قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
جلّ» .
يقول« :أَلَ إِنّكم تُوفُونَ سَ ْبعِيْنَ ُأمّةً ،أنْتُم خَيْرُهَا وأكْ َر ُمهَا عَلَى ال عَ ّز وَ َ
سمَاءِ قَرّبَنِي رَبّي َتعَالَى،
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لمّا ُأسْرِي بِي إلَى ال ّ
حمّدُ .قُ ْلتُ :لَبّ ْيكَ يَا ربّ .قَالَ:
حَتّى إذَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَه كَقَابِ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى قَالَ :يَا حَبِيْبي يَا ُم َ
لمَ ،وأخْبِرْهُم أنّي
جعَلْ ُتكَ آخِرَ النّبِيّينَ؟ قُ ْلتَ :لَ يَا َربّ ،قَالَ :أَبْلِغْ ُأمّ َتكَ عَنّي السّ َ
غ ّمكَ أنْ َ
هَل َ
لمَمِ» .
حهُم عِ ْن َد ا ُ
ضُلمَمَ عِنْدَهُم َولَ أ ْف َ
حاُ
ل ْفضَ َ
لمَ ِم َ
جعَلْتُها آخِ َر ا ُ
َ
الباب التاسع
في ذكر مثله صلى ال عليه وسلم ومثل أمته
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَثَلِي َكمَثَلِ اسْ َت ْوقَدَ نَارا ،فَلمّا أضَا َءتْ
ن و َيغْلِبْنَه
حجِزُهُ ّ
ج َعلَ يَ ْ
جعَل الفَرَاشُ وهذه ال ّدوَابّ التي َي َقعْنَ فِي النّا ِر ي َقعْنَ فِيها ،و َ
حوْلَه َ
مَا َ
حمْنَ فِيها .
فَيَ َتقَ ّ
أخرجاه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أتاه فيما يرى النائم ملَكان ،فقعد أحدهما عند
رجليه والخر عند رأسه ،فقال الذي عند رجليه :اضربْ مَ َثلَ هذا ومثل أمته.
سفْرٍ انتهوا إلى رأس مفازة ،فلم يكن معهم من الزاد ما
قال :إنّ مثله ومثل أمته كمثل قومٍ َ
يقطعون به المفازة ول ما يرجعون به ،فبينما هم كذلك أتاهم رجل مُرَحّل في حُلّة ،فقال :أرأيتم
إن وردتُ به رياضا ُمعْشبةً وحياضا رِوا ًء أتتبعوني؟
قالوا :بلى.
شبَ من هذه ،وحياضا أَ ْروَى من هذه ،فاتبعوني .فقالت طائفة:
قال :فإِنّ بَيْن أيديكم رياضا أعْ َ
صدق وال ،لنَتبعنّه .وقالت طائفة :لقد رضينا بهذا نقيم عليه.
الباب العاشر
في ذكر مثل من قبل ما جاء به صلى ال عليه وسلم ومن لم َيقْبَل
عن أبي موسى عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :مَ َثلُ مَا َبعَثَنِي اللّهُ بِه مِنَ ال ُهدَى والعِلْمِ َكمَ َثلِ
شبَ الكَثِيرََ ،وكَانَ
ل والعُ ْ
الغَ ْيثِ الكَثِيرِ أصَابَ أ ْرضًاَ ،فكَا َنتْ مِنْها طَا ِئفَةٌ َنقِيّةٌ قَبَِلتْ المَاءَ وأنْبَتَتْ الكَ َ
س َقوْا وَزَرَعُوا ،وَأصَابَ مِ ْنهَا طَا ِئفَةً أخْرَى
سكَت المَاءَ َنفَعَ اللّهُ ِبهَا النّاسَ فَشَرِبُوا وَ َ
مِ ْنهَا أجَا ِدبُ أ ْم َ
سكُ ما ًء ول تُنْ ِبتُ كَلً.
ن لَ ُت ْم ِ
إنّما هِي قِ ْيعَا ُ
فَذَِلكَ مَ َثلُ مَنْ َفقُه فِي دِيْنِ ال و َن َفعَه مَا َبعَثَنِي اللّهُ بِه َفعَِلمَ وعَلّمََ ،ومَ َثلُ مَنْ َلمْ يَ ْرفَعِ ِبذَلِك رَأْسًا وََلمْ
َيقْبَلْ ُهدَى ال الذي أُ ْرسِ ْلتُ بِه» .
أخرجاه.
عن أبي عثمان النهْدي :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج إلى البطحاء ومعه ابن مسعود،
فأقعده وخطّ عليه خطّا ،ثم قال« :ل تَبْ َرحَنّ فَإنّه سَيَنْ َتهِي إل ْيكَ ِرجَالٌ فَلَ ُتكَّل َمهُم فَإ ّنهُم لَنْ ُيكَّلمُوكَ»
.
فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم حيث أراد ،ثم جعلوا ينتهون إلى الخط فل يجاوزونه
َيصْدرون إلى النبي صلى ال عليه وسلم.
حتى إذا كان من آخر الليل جاء إليّ فتوسّد فخذي ،وكان إذا نام نفخ.
جمَال ،عليهم ثيابٌ
فبَيْنَا رسول ال صلى ال عليه وسلم متوسدٌ فخذي راقد أتاني رجالٌ كأنهم ال ِ
جمَال ،حتى قعد طائفة عند رأسي وطائفة عند رجلي ،فقالوا بينهم :ما
بيض ال أعلمُ ما بهم من ال َ
رأينا عبدا أوتي مثل ما أوتيَ هذا النبي ،إن عينيه لتنامان وإِنّ قلبه ل َيقْظان ،اضربوا له مثلً :سيد
بَنى قصرا ثم جعل مأدبة فدعا الناسَ إلى طعامه وشرابه.
ثم ارتفعوا واستيقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم عند ذلك .فقال لي« :أَتَدْرِي مَا َه ُؤلَءِ؟» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قلت :ال ورسوله أعلمُ.
قال« :هُم المَلَ ِئكَةُ» .
قال« :وهل تدري ما المثلُ الذي ضربوه؟» .
قلت :ال ورسوله أعلم.
قال« :الرّحْمانُ ،بنَى الجَنّةَ فَدَعَا إِلَ ْيهَا عِبَادَه َفمَنْ أجَابَه َدخَل جَنّتَه ،ومَنْ َلمْ يُجِبْه عَاقَبَه أو عَذّبَه» .
الباب الول
في صفة رأسه صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي ،عن خاله هِنْد بن أبي هالَة ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم عظيم
الهامَة» .
عن نافع بن جُبير قال :وصَف لنا عليّ بن أبي طالب النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :كان
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عظيمَ الهامَة» .
الباب الثاني
في صفة جبينه صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن (علي ،عن) خاله هند قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم واسعَ الجبين».
الباب الثالث
في صفة حاجبيه صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي بن أبي طالب ،عن خاله هند بن أبي هالَة ،قال« :كان رسول ال صلى ال
سوَابغَ في غير قَرَن ،بينها عِرْق يُدرّه الغضب».
عليه وسلم أزَجّ الحواجبَ ،
قال المصنف :قوله «أزجّ الحواجب» :أي طويل امتدادها.
الباب الرابع
في صفة عينيه وأهدابه صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند بن أبي هالَة ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أدْعَجَ
شفَار».
العينين ،أزجّ الحواجِب سوابغَ من غير قرَن ،أه َدبَ ال ْ
الدّعَجُ :سواد العينين.
والهدب :الطويل الشفار ،وهو الشعر المتعلق بالجفان.
عن جابر بن سمُرة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم َأشْكل العينين».
ش َهلَ العينين».
ورواه أبو داود عن شُعبة فقال« :أَ ْ
حلَ ،وليس
سمُرة قال« :كنت إذا نظرتُ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قلتُ أكْ َ
عن جابر بن َ
بأكحل».
قال المصنف :أمّا قوله« :أشْكل العينين»:
شهْلة :حمرة في سوادها .والكحَل :سواد هدب
حمْرة في بياض العين ،وال ّ
شكْلةُ :
قال أبو عبيدة« :ال ّ
العين خِلْقةً».
قال الزّجّاج« :الكَحَل :أن يسوَ ّد مواضع الكحل».
الباب الخامس
في صفة خديه صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند بن أبي هالة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم سهلَ
الخدّين».
الباب السادس
في صفة أنفه صلى ال عليه وسلم
عن هند بن أبي هالة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أقْنَى العِرْنِين ،له نور َيعْلوه،
يحسبه من لم يتأمله أشمّ».
العِرْنين :النف .والقَنَى :أن يكون في عَظْم النف اح ِدوْداب في وسطه.
الباب السابع
في صفة فمه وأسنانه صلى ال عليه وسلم
سمُرة قال« :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ضَلِيع الفم».
عن جابر بن َ
عن جُميع قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ضليعَ الفم ُمفَلّج السنان».
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أفْلَجَ الثّنِيّتَيْن».
عن هند قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم َيفْتَرّ عن مِثْل حبّ الغَمام».
قوله« :ضليع الفم» أي كبير.
والفَلج :تباعُد ما بين الثنايا والرّباعيات.
عن أبي هريرة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم حسَن ال ّثغْر».
الباب الثامن
في صفة نكهته صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :صحبت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم عشر سنين ،وش َم ْمتُ العطرَ كله
فلم أشمّ َن ْكهَةً أطيبَ من َنكْهته.
الباب التاسع
في صفة وجهه صلى ال عليه وسلم
عن الحسن ،عن خاله هند قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم فخما مفخّما ،يتلل وجهه
كتللؤ القمر ليلة البدر».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن علي قال« :كان في وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم َتدْوير».
سمُرة قال« :كان وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم مستديرا».
عن جابر بن َ
عن أم َمعْبَد :أنها وصفت رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت« :رأيت رجلً ظاه َر ال َوضَاءة
متبلّجَ الوجه».
سفَر.
قال المصنف« :متبلّج الوجه» :يعني مُشْرِق الوجه مضيئه ،ومنه :تبلّج الصّبح ،إذا َأ ْ
الباب العاشر
في ذكر اللحية الكريمة صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم َكثّ اللحية».
عن علي بن أبي طالب قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم عظيمَ اللحية».
عن أم َمعْبَد قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيف للحية».
عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم «كان يأخذ من
سوِيّة».
لحيته من طولها وعَرْضها بال ّ
عن أم َمعْبد :أنها وصفت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالت« :في عنقه سَطع».
سطَع :الطول.
قال المصنف :ال ّ
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم كأن عنقه جِيدُ
ُدمْية في صفاء الفضة».
قال المصنف :ال ّدمْية الصورة المصوّرة.
صفّين ،عن علي ،قال:
عن عثمان بن عبد الملك ،قال :حدثني خالي ،وكان من أصحاب علي يوم ِ
«كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ،كأن عنقه إبريقُ فضة».
عن الحسن ،عن خاله هند ،قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أَ ْنوَرَ المتجرّد دقيق المسْربة،
موصولَ ما بين اللبّة والسّرة بشَعر ،يجري كالخيط ،عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ،أشعرَ
الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر».
الباب العشرون
في صفة زنديه صلى ال عليه وسلم
عن هند قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم طويلَ الزندين ضخمَ الكراديس».
عن صالح مولى ال ّتوْأَمة قال :كان أبو هريرة رضي ال عنه ينعت رسول ال صلى ال عليه
وسلم فقال« :كان شبح الذراعين .أي طويلهما».
حمُوشة».
سمُرة قال« :كان في سا َقيْ رسول ال صلى ال عليه وسلم ُ
عن جابر بن َ
قال المصنف :الحموشة :دقة الساقين.
عن عبد الرحمن بن مالك بن جُعشم :أن أباه أخبره أن أخاه سراقة أخبره قال :دنوتُ من رسول
جمّارة.
ال صلى ال عليه وسلم وهو على ناقته ،فرأيت ساقيه في غَرْزها كأنهما ُ
قال بعض البلغاء:
يا ربّ بالقدم التي أوْطَأْتَها
حلّ العظمَا
ن قابِ َقوْسَيْن الم َ
مِ ْ
وبُحْرمة القَ َدمِ التي جُعلت بها
كتف البَرِيّة بالرسالة سُّلمَا
ثَ ّبتْ على مَتْن الصراط تَكرّما
قدمي وكُنْ لي مُ ْنقِذا ومُسَّلمَا
واجعلهما ُذخْري ومَنْ كانا له
َأمِنَ العذابَ ول يخافُ جه ّنمَا
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثاني والعشرون
في ذكر صفة عقبه صلى ال عليه وسلم
سمُرة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مَنْهوسَ ال َعقِب».
عن جابر بن َ
أي قليل لحم العقب.
انفرد بإخراجه مسلم.
عن عثمان بن عبد الملك قال :حدثني خالي ،وكان من أصحاب علي بن أبي طالب يوم صِفّين،
عن علي عليه السلم قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم رقيق البشرة».
الباب الثلثون
في ذكر عرقه صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يدخل بيتَ أم سليم فينام على فراشها
وليست فيه.
فجاء ذات يوم فنام على فراشها ،فأُتيت فقيل لها :هذا رسول ال صلى ال عليه وسلم نائمٌ على
فراشك ،فجاءت وقد عَرِق الفراش ،ففتحت عَيْبتها فجعلت تنشف ذلك العرَق فتعصره في
قواريرها.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَا َتصْ َنعِيْنَ؟» .
قالت :نرجو بركته لصبياننا.
قال« :قد أصَ ْبتِ» .
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أزهر اللون ،كأنّ عَرَقه اللؤلؤ».
عن عائشة قالت« :كان عرق رسول ال صلى ال عليه وسلم في وجهه مثل اللؤلؤ الرطب،
أطيبَ من المِسْك ال ْذفَر».
عن علي قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم كأن عَرَقه اللؤلؤ ،وريح عرقه كالمسك».
عن حبيب بن أبي حردة ،حدثني رجل من بني حريش قال« :كنت مع أبي حين َرجَم رسولُ ال
صلى ال عليه وسلم ماعزَ بن مالك ،فلما أخذته الحجارةُ أُرعبتُ ،فضمّني إليه صلى ال عليه
وسلم فسال من عرق إبطه مثلُ ريح المسك».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أبي هريرة قال :قال رجل :يا رسول ال ،إني زوّجت ابنتي ،وإني أحب أن تعينني.
شجَ َرةٍ» .
عوْدَ َ
سعَةِ الرّ ْأسِ و ُ
شيْءٌ ،وَلكِن ا ْلقَنِي غَدا وَجِيءْ َم َعكَ ِبقَارُو َر ِة وَا ِ
قال« :مَا عِنْدِي َ
خذْهَا وأَخْبِرْ أهَْلكَ إذَا
قال :فجاء فجعل يسلت العرَق من ذراعيه حتى مل القارورة ،وقالُ « :
أرَادَت أنْ تَ َتطَيّب أنْ َت ْغمِسَ هذا العُودَ فِي القَا ُروْ َرةِ فَ َتطّ ّيبَ بِه» .
فكانت إذا تطيّبت شمّ أهل المدينة ريحا طيبة .فسمّوا المطيبين.
عن عمرو بن أخطب قال :قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا أبَا زَيْدٍ ،ادْنُ مِنّي فَا ْمسَحْ
ظهْرِي» .فمسحت ظهره ،فوقعت أصابعي على الخاتم.
َ
قلت :وما الخاتم؟
قال :شعرات مجتمعات.
عن أبي َنضْرة قال :سألت أبا سعيد الخدري عن خاتم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،يعني خاتم
النبوة فقال« :كان في ظهره َبضْعةٌ ناشزة».
عن عبدال بن سَرْجس قال« :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في أناس من أصحابه،
فدُ ْرتُ من خلفه ،فعرف الذي أريده فألقى الرداء عن ظهره ،فرأيت موضعَ الخاتم على كتفه مثل
جمْع حولها خِيلَن كأنه الثآليل».
ال ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عبدال بن سَرْجِس قال« :رأيت النبي صلى ال عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما ،أو قال:
ثريدا .ثم دُ ْرتُ حتى صِرتُ خلفه حتى نظرتُ إلى خاتم النبوة بين كتفيه على نغض كتفه اليسرى
جمْعا عليه خِيلن».
ُ
عن أبي معاوية بن قُرّة قال« :أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فاستأذنته أن ُأدْخل يدي في
جُرُبّانه وإنه ليدعو لي ،فما منعه أن دعا لي».
قال :فوجدتُ على نغض كتفه مثل السّ ْلعَة.
ض الكتف :فَرْعه.
قال المصنف :الجُرُبّان :جيب القميص .ونغ ُ
ب الول
البا ُ
في حسن خلقه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :لما قَدِم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي ،فانطلق بي إلى
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :يا رسول ال ،إن أنسا غلمٌ كَيّس فليخدمك.
فخدمتهُ في السَفرِ والحضَر ،وال ما قال لي لشيء صنعتهُ :لِمَ صنعته؟ ول لشيء لم َأصْنعه :لم ل
صنعتَ هذا؟
أخرجاه.
عن أبي عبد ال الجَدَليّ قال :قلت لعائشة :كيف كان خُلُق رسول ال صلى ال عليه وسلم في
أهله؟
قالت« :كان أحسنَ الناس خُلقا ،لم يكن فاحشا ول متفحّشا ول سخّابا في السواق ،ول يجزي
بالسيئة مثلَها ،ولكن يعفو و َيصْفح».
عن أنس بن مالك قال« :لم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم سَبّابا ول لعّانا ول فَحّاشا ،كان
يقول لحدِنا عندَ الَمعْتبة :تَ ِربَ جبينهُ».
وعن عبد ال بن مسعود قال« :بَيْنَا نحن عند رسول ال صلى ال عليه وسلم قريبا من ثمانين
رجلً من قريش ليس فيهم إل قُرَشي ،ل وال ما رأيت صفحةَ وجوهِ رجالٍ قط أحسنَ من
وجوههم يومئذٍ ،فذكروا النساء فتحدّثوا فيهن ،فتحدث معهم حتى أحببتُ أن يسكت».
سمُرة :أكنت تجالس رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
سمَاك قال :قلت لجابر بن َ
عن ِ
قال« :نعم ،كان طويلَ الصمت قليلَ الضحك ،وكان أصحابه يذكرون عنده الشّعر وأشياءَ من
أمورهم ،فيضحكون ويتبسّم».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ى يضربون بالدف ،ورسولُ ال
عن عائشة :أن أبا بَكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام مِن ً
صلى ال عليه وسلم مسجّى بثوبه ،فانتهرهما أبو بكر ،فكشف رسول ال صلى ال عليه وسلم
عهُنّ يَا أبَا َبكْرٍ ،فَإنّها أيّامُ عِيْدٍ» .
وقال« :دَ ْ
قالت عائشة :ورأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون
في المسجد ،حتى أكون أنا أسأَم فأَقعد ،فاقْدُروا َقدْرَ الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو.
أخرجاه.
عن خارجة بن زيد بن ثابت قال :دخل نفرٌ على زيد بن ثابت فقالوا له :حدّثنا أحاديثَ رسول ال
صلى ال عليه وسلم.
فقال« :كنا إذا َذكْرنا الدنيا ذكرها معنا ،وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا».
عن أنس بن مالك قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أحسنَ الناس خُلقا».
عن عائشة قالت« :ما كان أحدٌ أحسنَ خلقا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ما دعاه أحد من
عظِيمٍ }(القلم:
أصحابه ول أهل بيته إل قال :لبّيك .فأَنزل ال تعالى{ :س 68ش 4وَإِ ّنكَ َلعَلَى خُلُقٍ َ
)4
.
عن عائشة قالت« :كنت ألعب بالبنات في بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وكنّ لي صواحب
يأَتينني فيلعبن معي ،فينقمعْن إذا رأين رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فكان رسولُ ال صلى ال
ي فيلعبن معي».
عليه وسلم يُسَرّبهن إل ّ
عن أنس بن مالك قال« :كان إذا لقي رسولُ ال صلى ال عليه وسلم واحدا من أصحابه قام معه
فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي يَنْزع عنه».
عن أنس« :أن النبي صلى ال عليه وسلم مَرّ بصبيان فسلّم عليهم».
لمُ
عن أنس بن مالك قال« :مرّ علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ونحن صِبيْان فقال« :السّ َ
عَلَ ْيكُم يَا صِبْيَان» .
البَابُ الثاني
في ذكر حلمه وصفحه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :سأَل أهلُ مكة النبي صلى ال عليه وسلم أن يَجعْل لهم الصّفا ذهبا وأن ينحّي
عنهم الجبال فَيزْدرعون.
فقيل له :إن شئت أن تَسْتأَني بهم ،وإن شئت أن ُنعْطيهم الذي سأَلوا ،فإن كفروا أهلكتم من قبلهم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :لَ َبلْ أَسْتَأني ِبهِم» .
عن أبي هريرة قال :جاء الطّفيل بن عمرو الدّوسي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :إنّ
صتْ وأ َبتْ فادعُ ال عليهم.
دوسا قد ع َ
فاستقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم القبلة ورفع يديه ،فقال الناس :هلكوا.
فقال« :اللهُمّ اهْدِ َدوْسا وَا ْئتِ ِبهِم» .
عن عروة أن أسامة أخبره أن النبي صلى ال عليه وسلم ركب حمارا عليه إكافٌ تحته قطيفة
فَدكيّة ،وأردف وراءه أسامة ،وهو يعود سعدَ بن عُبَادة قَبْل وقعة بدر.
حتى مرّ بمجلس فيه أخلط من المسلمين والمشركين عَبَدة الوثان واليهود ،وفيهم عبد ال بن
أُ َبيّ ،وفي المجلس عبدُ ال بن َروَاحة.
خمّر عبد ال بن أُ َبيّ أنفَه وتردّى به ثم قال :ل تغبّروا علينا.
فلما غشيت المجلسَ عَجَاجةُ الدابة َ
فسلّم ثم وقف ونزل ،فدعاهم إلى ال تعالى وقرأ عليهم القرآن ،فقال له عبدُ ال بن أُبي :ل أحسنَ
صصْ
من هذا إذا كان ما تقول حقّا فل تُؤذنا في مجالسنا (وارجع إلى رحلك ،فمن جاءك منّا فا ْق ُ
عليه.
فقال عبد ال بن رواحة :أغْشَنا في مجالسنا) فإنا نحب ذلك.
فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا أن يتواثبوا ،فم يزل رسول ال صلى ال عليه
وسلم يخفّضهم حتى سكتوا.
ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقالَ :أيْ سعد ،ألم تسمع ما قال أبو حباب ،يريد ابن
أُبيّ ،قال كذا وكذا.
قال أعفُ عنه يا رسول ال واصفح ،فوال لقد أعطاك ال الذي أعطاك وإن أهل البُحَيرة قد
اصطلحوا على أن يتوّجوه ويعصبوه بالعصابة ،فلما ردّ ال ذلك بالحق الذي أعطاكه شَرِق بذلك.
فعفا عنه النبي صلى ال عليه وسلم.
أخرجاه.
عن عبد ال بن عباس قال :سمعت عمر بن الخطاب يقول :لماتوفي عبد ال بن أُبيّ دُعي رسول
ال صلى ال عليه وسلم للصلة عليه ،فقام عليه ،فلما وقف يريد الصلة عليه تحولتُ حتى قمتُ
في صدره فقلت :يا رسول ال ،أعَلَى عدوّ ال ابن أبيّ ،القائل يوم كذا وكذا كذا وكذا .أعدّد عليه
أيامه.
عمَرُ إنّي خُيّ ْرتُ
ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم يتبسّم ،حتى أكثرتُ عليه ،قال« :أخّرْ عَنّي يَا ُ
فَاخْتَ ْرتُ ،قَدْ قِيلَ لِي :اسْ َت ْغفِر َلهُم أ ْو لَ تَسْ َت ْغفِر َلهُم ،إن َتسْ َت ْغفِر َلهُم سَ ْبعِينَ مَ ّرةً فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُم،
غفِرَ َلهُم لَ ِز ْدتُ» .
َلوْ أُعلَمُ أنّي (إنْ) ِز ْدتُ عَلَى السّ ْبعِينَ ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :ثم صلى عليه ومشى معه إلى قبره حتى فرغ منه.
قال :فعجبا لي وجرأتي على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وال ورسوله أعلم.
ل َوقَلّبُواْ َلكَ
قال :فوال ما كان يسيرا حتى نزلت هاتان اليتان{ :س 9ش َ48لقَدِ ابْ َت َغوُاْ ا ْلفِتْنَةَ مِن قَ ْب ُ
ظهَرَ َأمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ }(التوبة)48 :
لمُورَ حَتّى جَآءَ ا ْلحَقّ وَ َ
اُ
.
فما صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بعده على منافق ول قام على قبره حتى قبضه ال.
عن أنس :أن ثمانين رجلً من أهل مكة هبطوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم متسلّحين
يريدون غِ ّرةَ النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ،فأخذهم سَلَما واستحياهم .فأنزل ال تعالى{ :س
ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ
48ش 24وَ ُهوَ الّذِى َكفّ أَيْدِ َيهُمْ عَنكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْنهُم بِبَطْنِ َمكّةَ مِن َبعْدِ أَنْ أَ ْ
ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرا }
(الفتح)24 :
.
عن عائشة قالت :ما ضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم خادما له قط ول امرأةً قط ،ول
ضَرَب بيده إل أن يجاهد في سبيل ال ،وما نِيلَ منه شيء فانتقم من صاحبه إل أن تُنْتَهك محارمُ
ال فينتقم ل عزّ وجلّ ،وما عُرض عليه أمران إل اختار أيسرهما إل أن يكون مَأْثَما ،فإن كان
مأثما كان أبعدَ الناس منه.
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل ُتغْضبه الدنيا
وما كان منها ،فإذا تُعدّي الحقّ لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ،ول يغضب لنفسه ول ينتصر
لها».
عن عائشة أنها قالت للنبي صلى ال عليه وسلم :هل أتى عليك يومٌ كان أشدّ من يوم أُحد؟
ضتُ َنفْسِي عَلَى بَنِي عَ ْبدِ
فقالَ« :لقَدْ َلقِيْتُ مِن َق ْو ِمكِ ،وكَانَ أشَدّ مَا َلقِ ْيتُ مِ ْنهُم َيوْمَ ال َعقَبَةِ ،إذ عَ َر ْ
كُلَل فََلمْ تُجِبْنِي إلَى مَا أ َر ْدتُ.
سحَابَةٍ قَد
ق إلَ بِقرْن ال ّثعَالِب ،فَ َر َف ْعتُ رَأسِي فَإذَا أنَا بِ َ
جهِي ،فَلَمْ أسْ َتفِ ْ
فانْطََل ْقتُ وأَنا َم ْهمُومٌ عَلَى وَ ْ
ك َومَا ردّوا عَلَيكَ ،وقَدْ
سمِعَ َق ْولَ َق ْومِكَ َل َ
أظَلّتْنِي ،فَنَظَ ْرتُ فَإذَا فِيهَا جِبْرِ ْيلُ ،فَنَادَانِي :إنّ اللّهَ قَدْ َ
َب َعثَ إليكَ مََلكَ الجِبَالِ لتَأمُرَه ِبمَا شِ ْئتَ فِيهِم»
سمِعَ َق ْولَ َق ْو ِمكَ َلكَ ،وأنا مََلكُ
جلّ قَدْ َ
«فَنَاداني مََلكُ الجِبَالِ ،فَسَلّمَ عََليّ ثُمَ قَال( :إنّ اللّهَ عزّ و َ
حمّدُ َفمَا شِ ْئتَ ،إنْ شِ ْئتَ أطْ َب ْقتُ عَلَيهم
الجِبَالِ ،وقَدْ َبعَثَنِي رَ ّبكَ إلَيكَ لتَأمُرَنِي بََأمْ ِركَ) يَا مُ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الخْشَبَيْنِ» .
حدَه َولَ
قال النبي صلى ال عليه وسلمَ « :بلْ أرْجُو أنْ ُيخْرِجَ اللّهُ مِن أصْلَ ِبهِم مَنْ َيعْبُدَ اللّ َه وَ ْ
يُشْ ِركَ بِه شَيْئا» .
عن أنس بن مالك قال :كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه بُرْد نَجْراني غليظ
الحاشية ،فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جَبْذةً شديدة حتى نظرت إليه صفحة عاتق رسول ال صلى
ال عليه وسلم قد أثّرت بها حاشية البرد من شدة جبذته .ثم قال :يا محمد ،مُرْ لي من مال ال
الذي عندك.
فالتفت إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم ضحك ،ثم أمر له بعطاء.
قال البخاري :فلما كان يوم حنين آثر النبي صلى ال عليه وسلم ناسا في القسمة ،فأَعطى القرع
بن حابس مائ ًة من البل ،وأعطى عْيَيْنة مثل ذلك ،وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذٍ
في القسمة.
فقال رجل :وال إن هذه القِسْمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه ال.
فقلت :وال لخبرنّ النبي صلى ال عليه وسلم.
فأتيته فأخبرته فقال« :مَنْ َيعْ ِدلُ إذَا لَمْ َي ْع ِدلُ اللّهُ ورَسُولُه َرحِمَ اللّهُ مُوسَى قَدْ أُو ِذيَ بأكْثَرَ مِن هذا
َفصَبَر» .
عن أبي هريرة قال :قيل يا رسول ال ،ادعُ ال على المشركين.
قال« :إنّي لَمْ أُ ْب َعثْ َلعّانا ،وإ ّنمَا ُبعِ ْثتُ رَحْمةً» .
عن أبي هريرة قال :لمّا فتح رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة طاف بالبيت وصلى فيه
ركعتين ،ثم أتى الكعبة وأخذ بعضادَ َتيْ الباب ،فقال« :مَا َتقُولُونَ َومَا َتظُنّونَ؟» .
قالوا :نقول أخٌ وابنُ عمَ حليمٌ رحيمٌ .قالوا ذلك ثلثا.
سفَ {س 12ش 02إِنّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أقُولُ َكمَا قَالَ يُو ُ
ّلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ }
(يوسف)92 :
فخرجوا كأنما ُنشِروا من القبور ،فدخلوا في السلم.
صفْوان
عن عمر بن الخطاب قال :لما كان يوم الفتح أرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى َ
بن أبي أمية ،وأبي سفيان بن حرب ،والحارث بن هشام.
قال عمر :فقلت :قد أمكَنني ال تعالى منهم.
خوَتِه{ :ل تثريب عليكم
سفَ لِ ْ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مثَلَي َومَثَُلكُم َكمَا قَالَ يُو ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
اليوم يغفر ال لكم}» .
قال :فانفضحتُ حياءً من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن جابر بن عبد ال :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل يعطي الناس يوم حنين من فضةٍ
في ثوب بلل.
فقال له رجل :يا نبي ال اع ِدلْ.
حكَ َفمَنْ َي ْع ِدلُ إذَا َلمْ أَعْ ِدلَْ ،قدْ خِ ْبتُ إذا وخَسِ ْرتُ إذا كُ ْنتُ ل
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :وَيْ َ
أَعْ ِدلُ» .
عن َبهْز بن حكيم ،عن أبيه ،عن جده ،أن أخاه أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :جيراني عليّ
ما أخذوا.
فأعرض عنه النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال :إن الناس يزعمون أنك نُهيت عن البغي ثم
تستحلي به.
فقال« :إنْ كُ ْنتُ أ ْف َعلُ ذَلكَ إنّه َلعَليَّ ،ومَا ُهوَ عَلَ ْيكُم ،خَلّوا لَه جِيْرَانه» .
عن عائشة قالت :ابتاع رسول ال صلى ال عليه وسلم جَزُورا من أعرابي بوسقٍ من تمر
الذخيرة ،فجاء به إلى منزله ،فالتمس التمرَ ،فلم يجده في البيت.
سقٍ مِنْ َتمْرِ الذّخِيْ َرةِ
قال :فخرج إلى العرابي .فقال« :يَا عَ ْبدَ ال ،إنّا ابْ َتعْنَا مِ ْنكَ جَزُو َركَ هَذا ِبوَ ْ
ونَحْنُ نَرَى أنّه عِنْدَنا» .
فقال العرابي :واغدراه.
فوكزه الناس فقالوا :لرسول ال صلى ال عليه وسلم تقول هذا؟
فقال« :دَعُوه» .
عن أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم يستعينه في شيء ،فأعطاه شيئا ،ثم
قال« :أحْسَ ْنتُ إلَ ْيكَ؟» .
جمَلت.
قال :ل ،ول أَ ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فغضب المسلمون وقاموا إليه.
فأشار إليهم :أن كفّوا .ثم قام فدخل منزله ثم أرسل إلى العرابي فدعاه إلى البيت (فزاده شيئا)
سِلمِينَ شَيءٌ مِن ذَلكَ ،فَإنْ
عطَيْنَاكَ وقُلْتَ مَا قُ ْلتَ ،وفِي أ ْنفُسِ المُ ْ
فرضي فقال« :إ ّنكَ جِئْتَنَا فَسَأَلْتَنَا فَأَ ْ
أحْبَ ْبتَ َف ُقلْ بَيْن أيْدِيهِم مَا قُلتَ بَينَ َي َديّ ،حَتّى يَ ْذ َهبَ منْ صُدُورِهِم مَا فِ ْيهَا عَلَيكَ» .
قال :نعم.
ن صَاحِ َبكُم هذا كَانَ
فلما كان الغداة أو العشي جاء ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إ ّ
ضيَ،
عطَيْنَاه ،فَزَعَمَ أنّه قَدْ َر ِ
عوْنَاه إلى البَ ْيتِ فأ ْ
جَائِعا ،فَسَأَلَنَا فَأَعْطَيْنَاه ،قَالَ مَا قَالَ ،وإنّا دَ َ
أكَذاكَ؟» .
قال العرابي :نعم ،فجزاك ال من أهل وغشيرة خيرا.
عن زيد بن أرقم قال :سحَر النبيّ صلى ال عليه وسلم رجلٌ من اليهود ،فاشتكى ذلك أياما ،فأتاه
عقَدا.
جبريل فقال :إن رجلً من اليهود سحَرك فعقد لذلك ُ
فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم عليّا فاستخرجها فجاء بها ،فجعل كلّما حلّ عقدةً وجَد لذلك
عقَال.
خِفةً ،فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم كأنما نشط من ِ
فما ذَكرَ ذلك لليهودي و(ل) رآهُ في وجهه قط.
عن أنس قال :خدمتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم عشرَ سنين ،فما سبّني سبّةً قط ،ول ضربني
ضربةً ،ول انتهرني ،ول عبَس في وجهي ،ول أمرني بأمر فتوانيتُ فيه فعاتبني عليه ،فإن
عاتبني أحدٌ من أهله قال« :دَعُوه ،فََلوْ قُدّرَ شَيءٌ كَانَ» .
سعْيَة قال زيد :ما من علمات
عن عبد ال بن سَلَم قال :إن ال عزّ وجلّ لمّا أراد هُدَى زيد بن َ
النبوة شيء إل وقد عرفته في وجهه ،سوى اثنتين لمّا أخْبُرهما منه :يسبقُ حلمُه جهلَ الجاهل،
ول يزيده شدةُ الجهل عليه إل حِلْما.
فكنت أنطلق إليه لخالطه وأعرف حلمه ،فخرج يوما ومعه علي بن أبي طالب ،فجاءه رجل
كالبدويّ ،قال :يا رسول ال ،إن قرية بني فلن أسلموا ،وحدّثتهم أنهم (إن) أسلموا أتتهم أرزاقهم
رِغَدا ،وقد أصابتهم سَنَةٌ وشِدّة ،وإني ُمشْفق عليهم أن يخرجوا من السلم ،فإن رأيتَ أن ترسلَ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
لهم بشيء يعينهم.
قال زيد :فقلت :أنا أبتاع منكم بكذا وكذا وسَقا .فأعطيتُه ثمانين دينارا ،فدفعَها إلى الرجل وقال:
جلْ عَلَ ْيهِم ِبهَا فَأغْنِهم» .
«اعْ َ
حلّ بيوم أو يومين أو ثلثة ،خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جنازة في
فلما كان قِبَل المَ َ
جهْم غليظ،
ت بوجهٍ َ
نفر من أصحابه ،فجبَ ْذتُ رداءه جَ ْب َذةً شديدة ،حتى سقط عن عاتقه ،ثم أقبل ُ
فقلت :أل تقضيني يا محمد ،فوال ما عَِلمْتُكم بني عبد المطلب ل ُمطْل.
فارتعدت فرائصُ عمر بن الخطاب كالفُلك المستدير ،ثم رمى ببصره فقال :أيْ عدوّ ال ،أتقول
هذا لرسول ال صلى ال عليه وسلم ،وتصنع به ما أرى وتقول ما أسمع فوالذي بعثه بالحق لول
ما أخاف َفوْتَه لسبقني رأسُك.
ورسول ال صلى ال عليه وسلم ينظر إلى عمر في تُؤدة وسكون ،ثم تبسّم وقال« :أنَا (وهو)
حقّه
عمَرُ فَا ْقضِه َ
عةِ ،اذْ َهبْ يَا ُ
حسْنِ الدَاءِ وتَأمُرَه ِبحْسْنِ التّبَا َ
حوَجُ إلى غَيْرِ هذا ،أنْ تَأمُرَنِي بِ ْ
أْ
ن صَاعا منْ َتمْرٍ» .
وزِدْه عِشْرِيْ َ
فقلت :ما هذا؟
قال :أمرني رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أن أزيدك مكانَ منازعتك.
قلت :يا عمر ،إنه لم يَبْقَ من علمات النبوة شيء إل وقد عرفته في وجه رسول ال صلى ال
عليه وسلم حين نظرتُ إليه إل اثنَتَين لم َأخْبرهما منه :يسبقُ حلمُه جهلَه ،ول يزيده شدةُ الجهل
عليه إل حِلْما ،فقد اختبرته منه ،فأشهدك يا عمر أني رضيت بال ربّا بالسلم دينا وبمحمد نبيّا،
وأشهدك أنّ شَطْر مالي ل ،فإني أكثُرها مالً ،صدقةً على أمة محمد صلى ال عليه وسلم.
فقال عمر :أو على بعضهم ،فإنك ل َتسَعهم كلهم .قلت :أو على بعضهم.
سعْية إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال زيد :أشهد أن ل إله إل
قال :فرجع عمر وزيد بن َ
ال وأن محمدا عبده ورسوله.
فآمن به وصدّقه وبايعه وشهد معه مشاهد كثيرة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن الزّهري قال :إن يهوديا قال :ما كان بقي شيء مِن َنعْت رسول ال صلى ال عليه وسلم في
التوراة إل رأيتُه إل الحِلْم.
وإني َأسَْلفْتُه ثلثين دينارا إلى أجل معلوم ،فتركته حتى بقي من الجل يوم ،فأتيته فقلت :يا محمد
َأ ْوفِني حقي ،فإنكم معاشر بني عبد المطلب مُطْل.
فقال عمر :يا يهودي جُننتَ؟ أما وال لول مكانُه لضربتُ الذي فيه عيناك.
ح ْفصٍَ ،نحْنُ كُنّا إلى غَيْرِ هذا مِ ْنكَ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :غَفَرَ اللّهُ َلكَ يَا أبَا َ
حوَجُ» .
حقّه أ ْ
حوَجُ ،إلى أن َتكُونَ أمَرْتَنِي ِبقَضَاءِ مَا عََليّ ،وهو إلَى أنْ َتكُونَ أعَنْتَه فِي َقضَاءِ َ
أْ
ح ْفصٍ،
قال :فلم يزده جهلي عليه إل حلما ،قال :يا يهودي إنما يحلّ حقّك غدا .ثم قال« :يَا أبَا َ
عطِهِ كَذا َوكَذا صَاعا ،وَزِدْه ِلمَا قُ ْلتَ له
ل أ ّولَ َيوْمٍ ،فإنْ َرضِيَه فأ ْ
اذْ َهبْ إلَى الحَائِطِ الذي كَانَ سََأ َ
كَذا َوكَذا صَاعا ،وإنْ َلمُ يَ ْرضَه فأَعْطِه ذَلكَ مِن حَائِطِ كَذا َوكَذا» .
فأَتى به الحائط فرضي ،فأَعطاه ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وما أمره من الزيادة.
فلما قبض اليهودي َتمْرَه قال :أشهد أن ل إله إل ال وأنه رسول ال ،وإنه وال ما حملني على ما
رأيتني صنعتُ يا عمر إل أني كنتُ رأيتُ صفات رسول ال صلى ال عليه وسلم في التوراة كلها
إل الحِلْم ،فاختبرتُ حلمه اليوم فوجدتُه على ما وصِف في التوراة ،وإني أشهدك أن هذا التمرَ
وشطرَ مالي في فقراء المسلمين.
البابُ الثالث
في نهيهصلى ال عليه وسلم أن يبلغ ما ل يصلح
حدٍ
عن عبد ال بن مسعود قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ل يُبّلغْني َأحَدٌ مِ ْنكُم عَنْ أ َ
حبّ أنْ أخْرُجَ إل ْيكُم وأنَا سَل ْيمَ الصّدْر» .
من أصْحَابِي شَيئا ،فإنّي أُ ِ
قال :فأَتاه مال فقسمه ،فانتهيت إلى رجلين يتحدثان ،وأحدهما يقول لصاحبه :وال ما أراد محمد
بقسمته التي قسَم وجه ال والدار الخر.
قال :فوثبت حين سمعتهما ،ثم أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فذكرتُ له ذلك ،ثم قلتُ :إنك قلت:
ل يبلغني أحدٌ عن أحد من أصحابي شيئا ،وإنى سمعت فلنا وفلنا يقولن كذا وكذا .فاحمرّ
وجهه وقال« :دَعْنَا مِنكَ ،فَقَدْ أوْ ِذيَ مُوسَى بَأكْثَرَ مِن مِ ْثلِ هَذا َفصَبَرَ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
البَابُ الرّابع
في ذكر شفقته ومداراته صلى ال عليه وسلم
لةِ وأنَا أُرِ ْيدُ أنْ ُأطِيَْلهَا
خلُ فِي الصّ َ
عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إنّي لَدْ ُ
جدِ أمّه مِن ُبكَائِه» .
ش ّد ِة وَ ْ
علَمُ من ِ
جوّزُ في صَلَتِي ِممّا أ ْ
سمَعُ بُكاءَ الصّ ِبيّ فأ َت َ
فأَ ْ
ط ّولَ فِيهَا،
لةِ فَأُرِيْدُ أنْ أُ َ
ل ُقوْ َم في الصّ َ
عن أبي قتادة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إنّي َ
جوّزُ فِي صَلَتِي كَرَاهِيَةَ أنْ أُشُقّ عَلى ُأمّه» .
سمَعُ ُبكَاءَ الصّ ِبيّ فأَ َت َ
فَأَ ْ
انفرد بإخراج هذا البخاري ،واتفقا على الذي قبله.
عن زيد بن ثابت :أن النبي صلى ال عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير ،فصلّى فيها
ليالي ،حتى اجتمع إليه ناس ،ثم فقد صوتُه ،فظنوا أنه قد نام ،فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج إليهم،
فقال« :مَا زَ ْالَ ِب ُكمْ الذي َرأَ ْيتُ من صَنِ ْي ِعكُم ،حَتّى خَشِ ْيتُ أنْ ُيكْتَب عَلَ ْيكُم ،وَلَوْ كُ ِتبَ عَلَ ْيكُم مَا ُقمْتُم
لةِ المَرْءِ فِي بَيْتِه إل ال َمكْتُوبَةُ» .
ل صَ َ
بِهَ ،فصَلّوا في بُيُو ِتكُم ،فَإنّ أ ْفضَ َ
عن أنس قال :قال رجل للنبي صلى ال عليه وسلم :أين أبي؟
قال« :فِي النّارِ» .
فلما رأى ما في وجهه قال« :إنّ أَبِي وَأبَاكَ فِي النّارِ» .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم ،واتفقا على الذي قبله.
عن ابن عباس قال :قالت قريش للنبي صلى ال عليه وسلم :أدع لنا ربك أن يجعل لنا الصّفا
ذهبا .ونؤمنُ بك.
قال« :و َت ْفعَلُونَ؟» .
قالوا :نعم.
فدعا ،فأتاه جبريل فقال :إن ربك عزّ وجلّ يقرأ عليك السلم ويقول لك :إن شئتَ أصبح لهم
الصّفا ذهبا ،فمن كفر منهم بعد ذلك عذّبته عذابا ل أعذبه أحدا من العالمين ،وإن شئت فتحتُ لهم
باب التوبة والرحمة.
ح َمةُ)» .
(قال« :بَل ال ّتوْبَةُ والرّ ْ
عن أبي أمامة أن فتى شابا أتى النبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :يا محمد ،إئذن لي في الزنى.
فأقبل عليه القومُ فزجروه وقالوا :مه مه.
فقال« :ادنه» .
لمّكَ؟» .
فدنا منه قريبا ،فجلس .قال« :أتُحِبّه ُ
قال :ل وال ،جعلني ال فداك.
لمّهَا ِتهِم» .
قال« :ول النّاسُ يُحِبّونَه ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
«أفَتُحِبّه لبْنَ ِتكَ؟» .
قال :ل وال يا رسول ال ،جعلني ال فداك.
لخْ ِتكَ؟»
«أتُحِبّه ُ
قال :ل وال يا رسول ال ،جعلني ال فداك.
خوَا ِتهِم» .
قال« :ول النّاسُ يُحِبّونَه لَ َ
«أتُحِبّه ل َعمّ ِتكَ؟»
قال :ل وال يا رسول ال ،جعلني ال فداك.
قال« :ول النّاسُ يُحِبّونَه ل َعمّا ِتهِم» .
«أتُحِبّه لخَالَ ِتكَ؟»
قال :ل وال يا رسول ال ،جعلني ال فداك.
قال« :ول النّاسُ يُحِبّونَه لخَالَ ِتهِم» .
حصّنْ فَ ْرجَه» .
طهّرْ قَلْبَه وَ َ
غفِرْ ذَنْبَه و َ
قال :فوضع يده عليه ثم قال« :الل ُهمّ ا ْ
قال :فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
عن عبد ال بن عمرو بن العاص أن النبي صلى ال عليه وسلم تل قولَ ال تعالى{ :س 14ش
ق الّ ْرضِ مَا َلهَا مِن قَرَارٍ }(إبراهيم)26 :
شجَ َرةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُ ّثتْ مِن َف ْو ِ
َ 26ومَثلُ كَِلمَةٍ خَبِيثَةٍ كَ َ
.
حكِيمُ }
ك وَإِن َت ْغفِرْ َل ُهمْ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
وقولَ عيسى{ :س 5ش 118إِن ُت َعذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ
(المائدة)118 :
.
فرفع يديه وقال« :اللهُمّ ُأمّتِي ُأمّتِي» .وبكى .فقال ال عز وجل :يا جبريل ،اذهب إلى محمد،
وربّك أعلم ،فَسَلْه ما يبكيه.
فأتاه جبريل فسأله ،فأخبره رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قال :فقال ال عز وجل :يا جبريل ،اذهب إلى محمد فقل له :إنّا سنرضيك في أمتك ول نسؤوك.
عن أنس بن مالك قال :بَيْنا نحن جلوس في المسجد مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ جاء
أعرابي فقام يبول في المسجد ،فقال أصحابُ رسول ال صلى ال عليه وسلم :مه مه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ل تُزْ ِرمُوه ،دَعُوه» .فتركوه حتى بال ،ثم إن رسول ال
ل القَذَرِ ،إنّما هي
صلى ال عليه وسلم دعاه فقال له« :إن المَسَاجِدَ ل َتصْلُحُ لِشَيءٍ من هذا ال َبوْ ِ
لةِ وقِرَا َءةِ القُرْآنِ» .وأمر رجلً فجاء بدلو من ماء فَشَنّه عليه.
لِ ِذكْرِ ال َتعَالى والصّ َ
عن عائشة أن رجلً استأذن على رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :ايذنوا له فبئس أخو
العشيرة» .فلما دخل عليه ألنَ له القول.
فقالت عائشة :يا رسول ال ،قلتَ له الذي قلت ،ثم ألَ ْنتَ له القول:
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،إنّ شَرّ النّاسِ منْزِلَةً عِنْدَ ال َيوْمَ القِيَامَةِ مَنْ تَ َركَهُ النّاسُ ا ّتقَاءَ ُفحْشِه؟» .
عن مسعود بن الحكم قال :صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم فعطس رجل من القوم فقلت:
رحمك ال .فرماني القوم بأَبصارهم وضربوا بأَيديهم على أفخاذهم ،فلما رأيتُهم ُيصْمتوني سكتّ.
قال :فدعاني النبي صلى ال عليه وسلم.
بأبي وأمي ،ما رأيتُ معلّما أحسنَ تعليما منه
ما ضرَبني ول سبّني ،ثم قال« :إنّ هذه الصّلةُ ل َيصْلُحُ فِيهَا شَيءٌ مِن كَلَمِ ال َدمِيّينَ ،إ ّنمَا هو
حمِيدُ وال ّتكْبِيرُ» .
التّسْبِيحُ والتّ ْ
حوَيرث ،قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم رحيما رفيقا ،فأقمنا عنده
عن مالك بن ال ُ
جعُوا إلى
عشرين ليلة ،فظن أنا قد اشْ َتقْنا أهلَنا ،فسألَنا عمن تركنا من أهلنا ،فأخبرناه ،فقال« :ا ْر ِ
أهْلِ ْيكُم فَأقِ ْيمُوا فِ ْيهِم» .
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قعد الرجلُ من إخوانه ثلثة أيام سأل
عنه ،فإن كان غائبا دعا له ،وإن كان شاهدا زاره ،وإن كان مريضا عاده».
البَابُ الخامِس
في ذكر حيائه صلى ال عليه وسلم
عن أبي سعيد الخدري قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أشدّ حياءً من العذراء في
خدْرها ،وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه».
ِ
عن أنس رضي ال عنه :أن النبي صلى ال عليه وسلم رأى على رجل صُفْ َر ًة فكرهها وقال:
سلَ هذه الصّفْرَة» .
«(َلوْ) أمَرْتُمْ هذا أنْ َيغْ ِ
وكان ل يواجه أحدا في وجهه بشيء يكره.
عن عائشة رضي ال عنها قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شيء
لم يقل له :قلتَ كذا وكذا».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن سهل بن سعد رضي ال عنه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم حَييّا ل ُيسْأل عن
شيء إل أعطَى».
البابُ السّادِس
في ذكر تواضعه صلى ال عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :استبّ مسل ٌم ويهودي ،فقال المسلم :والذي اصطفى محمدا
على العالمين.
وقال اليهودي :والذي اصطفى موسى على العالمين.
فغضب المسلم على اليهودي فلطمه ،فأتى اليهوديّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فأخبره ،فدعاه
رسول ال صلى ال عليه وسلم فسأله فاعترف بذلك.
صعَقُونَ َيوْ َم القِيَامَةِ ،فََأكُونُ أ ّولَ مَنْ
فقال عليه السلم« :ل تُخَيّروُنِي عَلَى مُوسَى ،فإنّ النّاسَ ُي ْ
ص ِعقَ فََأفَاقَ قَبْلِي ،أمْ كَانَ ِممّنْ
جدُ مُوسَى ُممْسِكا ِبجَا ِنبِ العَرْشِ ،فَل أدْرِي أكَانَ فِ ْيمَنْ ُ
يُفيْقُ ،فأ ِ
اسْتَثْنَاه اللّهُ َتعَالَى» .
وعنه أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :ما يَنْ َبغِي ِلعَبْدٍ أنْ َيقُولَ؛ أنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنَ مَتّى» .
عن عمر رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ل تُطْرُونِي َكمَا أطْرَت
ال ّنصَارَى عِيْسَى بْنَ مَرْيَمَ ،وإ ّنمَا أنَا عَ ْبدَُ ،فقُولوا عَبْدُ ال ورَسُوله» .
عن أبي هريرة رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله تعالى{ :س 12ش
طعْنَ
س َوةِ الّاتِى قَ ّ
جعْ إِلَى رَ ّبكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّ ْ
َ 50وقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِى بِهِ فََلمّا جَآ َءهُ الرّسُولُ قَالَ ارْ ِ
أَيْدِ َيهُنّ إِنّ رَبّى ِبكَيْ ِدهِنّ عَلِيمٌ } (يوسف)50 :
.
عتُ الجَابَة ومَا ابْ َتغَ ْيتُ العُذْرَ» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ« :لوْ كُ ْنتُ أنَا لَسْرَ ْ
وسُئلت عائشة رضي ال عنها ،ما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصنع إذا دخل بيته؟
قالت« :كان يكون في مهنة أهله ،فإذا حضرت الصلة خرج فصلّى».
عن أنس رضي ال عنه أن رجلً قال :يا محمد ،يا سيدنا وابن سيدنا ،وخَيْرنا وابن خيرنا.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا أ ّيهَا النّاسُ قُولُوا ِبقَوِْلكُم ،ولَ يَسْ َت ْهوِيَ ّنكُم الشّ ْيطَانُ ،أنَا
حبّ أنْ تَ ْر َفعُونِي َفوْقَ مَنْزِلَتِي» .
حمّدُ ابن عَبْدِ ال ،وعَبْدُ ال ورَسُولُه ،واللّهُ مَا ُأ ِ
مُ َ
وقيل لعائشة رضي ال عنها :ما كان يعمل رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيته؟
قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم بَشَرا من البشر ،يفلّي ثوبه ،ويحلب شاته ويخدم
نفسه».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وفي رواية :يصنع في بيته كما يصنع أحدكم في بيتهَ ،يخْصف النعلَ ويرقع الثوبَ.
عن البَرَاء رضي ال عنه قال« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الحزاب ينقل الترابَ،
وقد وارَى البياضُ بياضَ بطنه».
عن أنس رضي ال عنه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم َيعُودُ المرضى ويشهد
الجنائز ،ويأتي دعو َة المملوك ،ويركب الحمار ،ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف».
وعنه قال :كان غلم يهودي يخدم النبي صلى ال عليه وسلم فمرض فعاده النبي صلى ال عليه
ن لَ اله ِإلّ اللّ ُه وأَنّي رَسُولُ ال؟» .
شهَدُ أ ْ
وسلم وقال« :أتَ ْ
فنظر الغلم إلى أبيه ،فقال أبوه :قل ما يأمرك به محمد .فقالها ،فمات.
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :صَلّوا عَلَى َأخِ ْيكُم وا ْدفِنُوه» .
عن أبي هريرة رضي ال عنه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قالَ« :لوْ دُعِ ْيتُ إلَى كِرَاعٍ لجَ ْبتُ،
ع لقَبِ ْلتُ» .
ي إليّ ذِرَا ٌ
ولو ُأهْ ِد َ
عن أنس رضي ال عنه« :ما كان شخص أحبّ إليهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكانوا
إذا رأوه لم يقومواِ ،لمَا يعلمون من كراهيته لذلك».
عن الحسن رضي ال عنه أنه ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال« :ل وال ما كان ُيغْلق
دونه البواب ،ول يقوم دونه الحُجّاب ،ول ُيغْدى عليه بالجفان ول يُرَاح عليه بها».
«ولكنه كان بارزا ،من أراد أن يَ ْلقَى نبيّ ال لقيه».
«كان يجلس بالرض ويوضع طعامه بالرض ،ويلبس الغليظ ،ويركب الحمار ويُرْدف بعده،
ويَلْعق وال يدَه صلى ال عليه وسلم».
عن قيس بن أبي حازم أن رجلً أتى النبي صلى ال عليه وسلم فلما قام بين يديه استقبلته رِعْدة،
ستُ مَِلكَا ،إ ّنمَا أنَا ابْنُ امْرََأةٍ منْ قُرَ ْيشٍ
فقال له النبي صلى ال عليه وسلمَ « :هوّن عَلَ ْيكَ ،فَإنّي لَ ْ
ل القَدِ ْيدَ» .
كَا َنتْ تَ ْأ ُك ُ
عن أنس رضي ال عنه ،أن امرأة كانت في عقلها شيء ،فقالت :يا رسول ال ،إن لي إليك
حاجة.
خذِي في أيّ طَرِيْقٍ شِ ْئتِ قُومِي فيه حتّى َأ ُقوْمَ َم َعكِ» .
قال« :يَا ُأمّ فُلنٍُ ،
فخل معها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يناجيها حتى قضت حاجتها.
وعنه قال« :إن كانت الوليدةُ من ولئد المدينة تجيء فتأخذ بيد رسول ال صلى ال عليه وسلم،
فما يَنْزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ف ول يستكبر أن يمشي مع
عن ابن أبي َأ ْوفَى قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يأن ُ
الرملة والمكسين فيقضي له حاجته».
عن نصر بن وهب الخُزاعي« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ركب حمارا مَرْسونا بغير
سَرْج موكف عليه قطيفة جُورية ،ثم دعا معاذا فأردفه».
عن أسماء بنت يزيد« :أن النبي صلى ال عليه وسلم مرّ بنسوة فسلّم عليهن».
وقد سبق أنه كان يسلّم على الصبيان.
عن أبي هريرة رضي ال عنه وأبي ذَرَ .قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجلس بَيْن
ظَهرا َنيْ أصحابه .فيجيء الغريب فل يَدْري أيهم هو حتى َيسْأل».
فطلبنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ،فبنينا له دكانا
من طين ،فكان يجلس عليه ونجلس بجانبيه.
عن عائشة رضي ال عنها قالت :قلت :يا رسول الُ ،كلْ ،جعلني ال فداك ،متكّئا فإنه أ َهوْنُ
عليك.
قال« :لََ ،بلْ آ ُكلُ َكمَا يَ ْأ ُكلُ العَ ْب ُد وأَجْلِسُ َكمَا َيجْلِسُ العَ ْبدُ» .
لمَ
وعنها قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :جَاءَنِي مََلكٌَ ،فقَال :إنّ رَ ّبكَ َيقْرَأُ عَلَ ْيكَ السّ َ
ويقول :إنْ شِ ْئتَ نَبِيّا عَبْدا وإِنْ شِ ْئتَ نَبِيّا مَلِكا» .
سكَ» .
ن ضَعْ َنفْ َ
«فَنَظَ ْرتُ إلى جِبْرِ ْيلَ فَأشَارَ لِي :أَ ْ
فقلت« :نبيّا عَبْدا» .
عن عبد ال بن أبي أوفى قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيكْثر الذّك َر ويُقلّ الّلغْو،
ويطيل الصلةَ ويُ َقصّر الخطبة ،ول يأنف ول يستنكف أن يمشي مع الرملة والمسكين يقضي
لهما حاجتهما».
ن بعضَهم
عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال« :كنت في عصابة من المهاجرين جالسا ،وإ ّ
يَسْتَتِرُ ببعض من العُرْي ،وقارىء لنا يقرأ علينا ،فكنا نستمع إلى كتاب ال».
ج َعلَ مِنْ ُأمّتِي مَنْ ُأمِ ْرتُ أنْ أصْبِرَ َم َعهُم َنفْسِي»
حمْدُ دِ الذي َ
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :ال َ
.
صعَالِ ْيكِ
ثم جلس رسول ال صلى ال عليه وسلم وسطنا ل َيعْ ِدلَ بيننا بنفسه .فقال« :أَ ْبشِروُا َمعَاشِرَ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سمِائَة عَامٍ»
خمْ ُ
صفِ َي ْومٍ ،وذَلكَ َ
ال ُمهَاجِرينَ بِالنّورِ التّامّ َيوْ َم القِيَامَةِ ،تَ ْدخُلونَ الجَنّةَ قَ ْبلَ الغْنِيَاءِ بِ ِن ْ
.
الباب السابع
في أنه صلى ال عليه وسلم بُعث رحمة
عن أبي هريرة رضي ال عنه قال :قيل :يا رسول ال ،ادعُ على المشركين.
حمَةً» .
قال« :إنّي لَمْ أُ ْب َعثْ َلعّانا وإ ّنمَا ُبعِ ْثتُ رَ ْ
حمَةٌ ُمهْدَاةٌ» .
وعنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إ ّنمَا أنا َر ْ
حمَةً لّ ْلعَاَلمِينَ } (النبياء:
حصْر مؤيّدٌ بقوله تعالى{ :س 21ش َ 107ومَآ أَرْسَلْنَاكَ ِإلّ َر ْ
قلت :وهذا ال َ
)107
.
الباب الثامن
سبّ من المسلمين أجرا
في ذكر اشتراطه صلى ال عليه وسلم على ربه سبحانه أن يجعل سبّهلمن َ
عهْدا
عن أبي هريرة رضي ال عنه ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :اللهُمّ إنّي أتّخِذُ عِ ْن َدكَ َ
لةً و َزكَاةً وقُرْبَةً
جعَلها له صَ َ
خِلفَنِيْه ،إ ّنمَا أنا بَشَرٌ ،فأيّ ال ُم ْؤمِنينَ آذَيْتُه أو شَ َتمْتُه أو جََلدْتُهُ فَا ْ
لَنْ تُ ْ
ُتقَرّبُه ِبهَا إليكَ َيوْ َم القِيَامَةِ» .
عن أنس رضي ال عنه قال :كانت عند أم سليم يتيمة ،فرأى رسول ال صلى ال عليه وعلى آله
وسلم اليتيمة فقال« :آ ْنتِ ،هِيَهَْ ،لقَدْ كَبِ ْرتِ لَ كَبِرَ سِ ّنكِ» .
فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي ،فقالت أم سُليم :يا بنيّة مالك؟
قالت :دعا عليّ نبي ال أن ل يكبر سني ،فالن ل يَكبَر سنّي أبدا.
فخرجت أم سليم مستعجلة تَلُوثُ خمارها حتى لقيت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فقال لها:
سلَيْمٍ؟» .
«مَاَلكِ يَا أُمّ ُ
فقالت :أدعوتَ على يتيمتي أل َيكْبَرَ سِ ّنهَا؟
جلّ،
طتُ عَلَى رَبّي عَ ّز وَ َ
فضحك ثم قال« :يَا أُمّ سُلَيْمٍ ،أما َتعَْلمِينَ أنّ شَ ْرطِي عَلَى رَبّي أَنّي اشْتَ َر ْ
ع ْوتُ عَلَيه
ضبُ َكمَا َي ْغضَبُ الرّجُل ،فَأَيّما َأحَدٌ دَ َ
غ َ
َفقُلتُ :إنّما أنَا َبشَرٌ أ ْرضَى َكمَا يَ ْرضَى البَشَر وأ ْ
طهُورًا و َزكَا ًة وقُرْبَةً ُتقَرّبُه إليّ َيوْ َم القِيَامَةِ» .
جعََلهَا له َ
منْ ُأمّتِي لَ ْيسَ َلهَا بِأَ ْهلٍ أنْ َت ْ
قال ابن عقيل :وأما لعنه في الخمر فتشريع للزجر ،فلو كانت وضعت للزجر ثم أبان أنها رحمة،
جرت عن موضعها ،فيصير ذلك ترغيبا في المعصية.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وذلك غير جائز على الشارع.
اللهم إل أن يكون أراد به من وجهٍ أنه رحمة في (غايته) ذلك أن َلعْن الرسول لمن لعنه يكون عند
سمّيا للعنة
من لعنه غاية في المنع عن ارتكاب ما لعنه عليه وحاملً له على التوبة ،فيكون مُ َ
رحمةً حيث أفْضت إلى الرحمة ،تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه.
الباب التاسع
في ذكر جوده صلى ال عليه وسلم
عن جابر رضي ال عنه قال« :ما سُئِل رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا قط فقال ل».
عن ابن عباس رضي ال عنهما قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أجودَ الناس ،وكان
أجودَ ما يكون في رمضان ،حين يلقى جبريل عليه السلم ،وكان جبريل يلقا ُه في كل ليلة من
رمضان فيدارسه القرآن».
قال« :فلَرَسول ال صلى ال عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».
عن أنس رضي ال عنه« ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكن يْسْألُ شيئا على السلم إل
أعطاه».
قال فأتاه رجل فسأله ،فأمر له بشاءٍ كثير بين جبلين من شاء الصدقة.
قال :فرجع إلى قومه ،فقال :يا قوم أسلموا ،فإن محمدا يعطي عطاء من ل يخشى الفاقة
عن جُبير بن مطعم رضي ال عنه قال :بينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ومعه الناس مقفله من
سمُرَة فخطفت رداءه.
حُنَين عَلقه العراب يسألونه ،حتى اضطرّوه إلى َ
خلَ؟ فََلوْ كَانَ
شوْنَ عََليّ البُ ْ
فوقف رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال« :رُدّوا عََليّ رِدَائِي ،أ َتخْ َ
ل ول كَذّابا ول جَبَانا» .
سمْتُه بَيْ َنكُم ،ل َتجِدُونِي بَخِيْ ً
لِي عَدَدُ هذه ال ِعضَاهِ ذَهَبا َلقَ َ
عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل على بلل وعنده صُبْ َرةٌ
من تمر ،فقال« :ما هذا يا بلل» .
فقال :أدّخِره يا رسول ال
للً» .
ل ول تَخْشَ إقْ َ
لُقال« :أَما َتخْشَى أنْ َيكُونَ لَه سِجَارٌ في النّارِ؟ أ ْنفِقْ بِ َ
عن أنس رضي ال عنه« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل يدّخر شيئا لغدِ».
عن هارون بن رئاب قال :قدم على النبي صلى ال عليه وسلم سبعون ألف درهم ،وهو أكث ُر مالٍ
أتي به قط ،فوضع على حصير ،ثم قام فقسمه ،فما ردّ سائلً حتى فرغ منه.
الباب العاشر
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر شجاعته صلى ال عليه وسلم
عن أنس رضي ال عنه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس
وأجودَ الناس ،كان فَ َزعٌ بالمدينة فخرج الناس قِبَل الصوت فاستقبلهم رسول ال صلى ال عليه
وسلم قد سبقهم فاستنبأ الفزع على فرس عُرْي لبي طلحة ما عليه سرج ،في عنقه السيف ،فقال:
«لَمْ تُرَاعُوا» .
وقال للفرس :وجدناه بحرا ،وإنه لبحر.
عن البراء رضي ال عنه أنه سأله رجل من قيس فقال :أفررتم عن رسول ال صلى ال عليه
وسلم يوم حُنَين؟
فقال البراء :ولكن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يفرّ ،كان هوازن قوما ُرمَاة ،وإنا لما حملنا
عليهم انكشفوا ،فأكْبَبْنَا على الغنائم ،فاستقبلونا بالسهام ،ولقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم
على بغلته البيضاء ،وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها ،وهو يقول:
ي ل كَ ِذبْ
أنا النب ّ
أنا ابنُ عبد المطلب
عن علي رضي ال عنه قال« :لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذُ بالنبي صلى ال عليه وسلم وهو
أقربنا إلى العدو ،وكان من أشد الناس يومئذ».
وعنه قال« :كنا إذا احمرّ البأس ولقي القومُ القومَ اتقينا برسول ال صلى ال عليه وسلم ،فما كان
أحدٌ أقرب إلى العدو منه».
عن البراء رضي ال عنه قال« :كنا وال إذا احمرّ البأس نتّقي به ،يعني النبي صلى ال عليه
وسلم ،وإن الشجاع منا الذي يحاذِي به».
عن عائشة رضي ال عنها قالت :خرجت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في بعض أسفاره
وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أ ْبدُنْ ،فقال للناس« :تقدموا» فتقدموا.
ثم قال« :تعال حتى أسابقك» فسابقته فسبقته .فسكت عني ،حتى إذا حملتُ اللحمَ وبدنتُ ونسيت،
خرجت معه في بعض أسفاره ،فقال للناس« :تَقَ ّدمُوا» فتقدموا ،فقال ليَ « :تعَالِ حَتّى أُسَا ِب َقكِ»
فسابقته فسبقني.
فجعل يضحك ويقول« :هذه بِتِ ْلكَ» .
عن أنس رضي ال عنه :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال له« :يا ذا الُذُنَيْنِ» .
قال أبو أسامة :يمازحه.
عن أبي هريرة رضي ال عنه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم َيدْلَعُ لسانَه للحسن بن
حمْرةَ لسانه فيهشّ إليه».
علي رضي ال عنهما ،فيرى الصبيّ ُ
عن عبد ال بن الحارث بن جَزء رضي ال عنه قال« :ما رأيتُ رجلً أكثر مزاحا من رسول ال
صلى ال عليه وسلم».
لمْزَجُ وَلَ أقُولُ إلّ
عن عائشة رضي ال عنها قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّي َ
حقّا» .
َ
ل أتى النبيّ صلى ال عليه وسلم فقال :احملني.
عن أنس رضي ال عنه أن رج ً
فقال« :إنّا حَامِلُوكَ عَلَى وَلَدِ النّاقَةِ» .
قال :وما أصنع بولد الناقة؟
فقال« :وهل تَِلدُ ال ْبلَ إلّ النّوقُ» .
عجُوزٌ» .
خلُ الجَنّةَ َ
وقال« :ل َيدْ ُ
قال :إن عجوزا دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم فسألته عن شيء فقال لها ومازحها:
خلُ الجَنّةَ عَجُوزٌ» .
«إنّه لَ يَ ْد ُ
وحضرت الصلة فخرج النبي صلى ال عليه وسلم إلى الصلة ،فبكت بكاءً شديدا ،حتى رجع
النبي صلى ال عليه وسلم.
فقالت عائشة :يا رسول ال ،إن هذه المرأة تبكي لما قلت لها :إنه ل يدخل الجنة عجوز.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
خلُ الجَنّةَ عَجُوزٌ ،ولكنْ قَالَ َتعَالَىِ{ :إذَا َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ * لَيْسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِبَةٌ
فضحك وقال« :لَ يَ ْد ُ
ستِ الْجِبَالُ بَسّا * َفكَانَتْ هَبَآءً مّنبَثّا * َوكُنتُمْ
ت الّ ْرضُ رَجّا * وَبُ ّ
ج ِ
* خَا ِفضَةٌ رّا ِفعَةٌ * ِإذَا رُ ّ
صحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ * وََأصْحَابُ ا ْلمَشْ َئمَةِ مَآ َأصْحَابُ ا ْلمَشْ َئمَةِ *
أَ ْزوَاجا ثَلَا َثةً * فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَآ َأ ْ
لوّلِينَ * َوقَلِيلٌ مّنَ
ناّ
وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ * ُأوْلَا ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ * فِى جَنّاتِ ال ّنعِيمِ * ثُلّةٌ مّ َ
الّخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ ّموْضُونَةٍ * مّ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ مّخَلّدُونَ *
ب وَأَبَارِيقَ َوكَأْسٍ مّن ّمعِينٍ * لّ ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا َولَ يُن ِزفُونَ * َوفَا ِكهَةٍ ّممّا يَ َتخَيّرُونَ *
بَِأ ْكوَا ٍ
وَلَحْمِ طَيْرٍ ّممّا يَشْ َتهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ * جَزَآءً ِبمَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ * لَ
سلَاما * وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ مَآ َأصْحَابُ الْ َيمِينِ * فِى
س َمعُونَ فِيهَا َلغْوا َولَ تَأْثِيما * ِإلّ قِيلً سَلَاما َ
يَ ْ
سكُوبٍ * َوفَاكِهَةٍ كَثِي َرةٍ * لّ َمقْطُوعَةٍ
ظلّ ّممْدُودٍ * َومَآءٍ مّ ْ
خضُودٍ * وَطَلْحٍ مّنضُودٍ * وَ ِ
سِدْرٍ مّ ْ
جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارا * عُرُبا أَتْرَابا *
وَلَ َممْنُوعَةٍ * َوفُرُشٍ مّ ْرفُوعَةٍ * إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * َف َ
شمَالِ *
شمَالِ مَآ َأصْحَابُ ال ّ
ن الّخِرِينَ * وََأصْحَابُ ال ّ
لوّلِينَ * وَثُلّةٌ مّ َ
ناّ
لصْحَابِ الْ َيمِينِ * ثُلّةٌ مّ َ
ّ
حمُومٍ * لّ بَارِدٍ وَلَ كَرِيمٍ * إِ ّنهُمْ كَانُواْ قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ * َوكَانُواْ
ظلّ مّن يَ ْ
حمِيمٍ * وَ ِ
سمُو ٍم وَ َ
فِى َ
ُيصِرّونَ عَلَى
لوّلُونَ
الْحِنثِ ا ْل َعظِيمِ * َوكَانُواْ ِيقُولُونَ أَ ِءذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابا وَعِظَاما َأءِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ * َأوَ ءَابَآؤُنَا ا ّ
جمُوعُونَ ِإلَى مِيقَاتِ َي ْومٍ ّمعْلُومٍ * ثُمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّآلّونَ ا ْل ُمكَذّبُونَ
لوّلِينَ وَالّخِرِينَ * َلمَ ْ
ناّ
* ُقلْ إِ ّ
حمِيمِ * فَشَارِبُونَ
لكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن َزقّومٍ * َفمَالُِونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ
* ّ
شُ ْربَ ا ْلهِيمِ * هَاذَا نُزُُلهُمْ َيوْمَ الدّينِ * َنحْنُ خََلقْنَاكُمْ فََل ْولَ ُتصَ ّدقُونَ * َأفَرَءَيْ ُتمْ مّا ُتمْنُونَ * أَءَنتُمْ
تَخُْلقُونَهُ أَم نَحْنُ ا ْلخَاِلقُونَ * نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْوتَ َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نّ َب ّدلَ َأمْثَاَل ُكمْ
وَنُنشِ َئكُمْ فِى مَا لَ َتعَْلمُونَ * وََلقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأ َة الّولَى فََل ْولَ تَ َذكّرُونَ * َأفَرَءَيْتُم مّا تَحْرُثُونَ *
حطَاما فَظَلْ ُتمْ َت َفكّهُونَ * إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ * َبلْ
جعَلْنَاهُ ُ
أَءَن ُتمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزرِعُونَ * َلوْ َنشَآءُ َل َ
نَحْنُ َمحْرُومُونَ * َأفَ َرءَيْتُمُ ا ْلمَآءَ الّذِى َتشْرَبُونَ * أَءَنتُمْ أَنزَلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنزِلُونَ * َلوْ
شجَرَ َتهَآ أَمْ َنحْنُ
شكُرُونَ * َأفَرَءَيْ ُتمُ النّارَ الّتِى تُورُونَ * أَءَن ُتمْ أَنشَأْ ُتمْ َ
جعَلْنَاهُ ُأجَاجا فََل ْولَ تَ ْ
نَشَآءُ َ
جعَلْنَاهَا تَ ْذكِ َر ًة َومَتَاعا لّ ْل ُمقْوِينَ * فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ * فَلَ ُأقْسِمُ ِب َموَاقِعِ
ا ْلمُنشِئُونَ * َنحْنُ َ
عظِيمٌ * إِنّهُ َلقُرْءَانٌ كَرِيمٌ * فِى كِتَابٍ ّمكْنُونٍ * لّ َي َمسّهُ ِإلّ
النّجُومِ * وَإِنّهُ َلقَسَمٌ ّلوْ َتعَْلمُونَ َ
طهّرُونَ * تَنزِيلٌ مّن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ
ا ْلمُ َ
جعَلُونَ رِ ْز َق ُكمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ * فََل ْولَ إِذَا بََل َغتِ الْحُ ْلقُومَ * وَأَنتُمْ
* َأفَ ِبهَاذَا الْحَدِيثِ أَن ُتمْ مّدْهِنُونَ * وَ َت ْ
حِينَ ِئذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِنكُ ْم وَلَاكِن لّ تُ ْبصِرُونَ * فََلوْلَ إِن كُن ُتمْ غَيْرَ مَدِينِينَ *
ن وَجَنّاتُ َنعِيمٍ * وََأمّآ إِن
جعُو َنهَآ إِن كُنتُ ْم صَا ِدقِينَ * فََأمّآ إِن كَانَ مِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ * فَ َروْحٌ وَرَيْحَا ٌ
تَرْ ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صحَابِ الْ َيمِينِ * وََأمّآ إِن كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّآلّينَ *
سلَامٌ ّلكَ مِنْ َأ ْ
كَانَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ * فَ َ
سمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ }(الواقعة:
جحِيمٍ * إِنّ هَاذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ * َفسَبّحْ بِا ْ
حمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ َ
فَنُ ُزلٌ مّنْ َ
35ــــ )37
عن خَوات بن جُبير قال :نزلتُ مع رسول ال صلى ال عليه وسلم مَرّ الظهران ،فخرجت من
خبائي فإذا نسوة يتحدثن ،فأعجبنني ،فرجعت ،فأخرجت حلة لي من حبرة فلبستها ،ثم جلست
سكَ إل ْيهِنّ؟»
إليهن وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من قبته ،فقال« :يَا أبَا عَبْدِ ال ،ما ُيجْلِ َ
فهِبْت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت :يا رسول ال ،جملٌ لي شَرود أبتغي له قيدا.
قال :فمضى رسول ال صلى ال عليه وسلم وتبعته ،فألقى رداءه ودخل الراك فقضى حاجته
جمَِلكَ؟»
وتوضأ ،ثم جاء فقال« :أبَا عَبْدِ ال ،مَا َف َعلَ شِرَادُ َ
ثم ارتحلنا ،فجعل ل يلحقني في منزل إل قال لي« :السّلمُ عَلَ ْيكَ يَا أبَا عَبْدِ ال ،مَا َف َعلَ شِرادُ
جمَِلكَ؟»
َ
قال :فتعجلت إلى المدينة ،فاجتنبت المسجدَ ومجالسةَ رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما طال
ذلك َتحَيّ ْنتُ ساعة خلوة المسجد فجعلت أصلي ،فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من بعض
حجَره ،فجاء يصلّي ،فصلى بركعتين خفيفتين ،ثم جاء فجلس ،وطوّلت رجاء أن يذهب ويدَعني،
ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ستُ ِبقَائِمٍ ،حتّى تَ ْنصَ ِرفَ» .
فقال« :يَا أبَا عَبْدِ ال مَا شِ ْئتَ فَلَ ْ
فقلت :وال لعتذرنّ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ولبردنّ صدره.
ج َملِ؟»
قال :فانصرفتُ ،فقال« :السّلمُ عَلَ ْيكَ يَا أبَا عَبْدِ ال ،مَا َف َعلَ شِرَادُ ال َ
فقلت :والذي بعثك بالحق ما شردَ ذلك منذ أسلمتُ.
ح َمكَ اللّهُ» مرتين أو ثلثا ،ثم أمسك عنّي فلم َي ُعدْ.
فقال« :رَ ِ
الباب الول
في جعله يده اليمنى صلى ال عليه وسلم للطهور واليُسْرَى لدفع الذى
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كانت يده اليمنى لطهوره وطعامه ،وكانت يده اليسرى
لخَلئه وما به من أذى».
الباب الثاني
في فعله عند عطسته صلى ال عليه وسلم
عن أبي هريرة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا عطس يَخْفض صوته وتلقّاها بثوبه
خمّر وجهه».
وَ
خمّر وجهه وأخفَى عطسته».
وعنه« :أن النبي صلى ال عليه وسلم (كان) إذا عطس َ
الباب الثالث
في محبته التيامن في أفعاله صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أخذ شيئا أخذه بيمينه ،وإذا أعطى
أعطى بيمينه ،ويبدأ بميامنه في كل شيء».
الباب الرابع
في ذكر جلسته صلى ال عليه وسلم
عن قَيْلة بنت َمخْرمة :أنها رأت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم في المسجد وهو قاعد القرفصاء،
قالت :فلما رأيتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم المتخشعَ في الجلسة أُرع ْدتُ من الفَرَق.
الباب الخامس
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر احتبائه صلى ال عليه وسلم
عن أبي سعيد قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا جلس في المجلس احتبَى بيديه».
الباب السادس
في ذكر اتكائه صلى ال عليه وسلم
سمُرة رضي ال عنه قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم متكئا على وسادة
عن جابر بن َ
على يساره.
الباب السابع
في ذكر استلقائه صلى ال عليه وسلم
عن عَبّاد بن تميم ،عن عمّه ،أنه رأى النبيّ صلى ال عليه وسلم مُسْتلقيا في المسجد ،واضعا
إحدى رجليه على الخرى.
الباب الثامن
في صفاء منطقه وألفاظه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعيد الكلمة ثلثا».
وعنه :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم «(كان) إذا تكلم بكلمة ردّها ثلثا ،وإذا أتى قوما فسلّم
عليهم سَلّم ثلثا».
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يَسْرد سَرْدَكم هذا كان يتكلم بكلم
يُبينهَ ،فصْلً يحفظه من يَسْمعه».
عدّه العادّ لحصاه».
وفي رواية عنها قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحدّث حديثا لو َ
ف لي مَنْطقَ رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ص ْ
عن الحسن بن علي قال :سألت خالي هندا فقلتِ :
سكْت ،يفتتح الكلم ويختمه بأشداقه ،ويتكلم بجوامع
فقال« :كان ل يتكلم في غير حاجة ،طويل ال ّ
الكلمَ ،فصْلً ل ُفضُول فيه ول تقصير».
عن أم َمعْبَد قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صمت فعليه الوقار ،وكأنّ مَنْطقه
خَرزات نظمٍ يتحدّرن ،حلو المنطق ل نَزْرٌ ول َهذْر».
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا تكلم رُئي كالنور من ثناياه».
الباب التاسع
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر تحريك يده حين يتكلم صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أشار أشار بكفه
كلها ،وإذا تعجّب قلّبها ،وإذا (تحدث) اتّصل بها وضرب براحته اليمنى بطنَ إبهامه اليسرى ،وإذا
غضب أعرض وأشاح».
الباب العاشر
في ذكر منبره صلى ال عليه وسلم
عن سهل بن سعد :أنه سئل عن المنبر من أيّ عُود هو؟
ي صلى
قال :أمَا وال إني لعرف من أيّ عُود هو ،وأعرف من عَمله وأيّ يوم صُنع ،ورأيت النب ّ
ال عليه وسلم أيّ يوم جلَس عليه.
ل َمكِ النّجّارَ أن
أرسل النبي صلى ال عليه وسلم إلى امرأة لها غلم نجار فقال لها« :مُري غُ َ
عوَادا أجْلِسُ عَلَيها إذا كَّل ْمتُ النّاسَ» .
َي ْع َملَ لِي أ ْ
فأمَرَتْه فذهب إلى الغابة فقطع طَرْفا فعمل المنبر ثلث درجات ،فأرسلت به إلى النبي صلى ال
عليه وسلم ،فوضعه في موضعه الذي ترون ،فجلس عليه أول يوم فكّبَر وهو عليه ثم ركع ،ثم
نزل القهقرى فسجد وسجد الناس معه ،ثم عاد حتى فرغ .فلما انصرف قال« :يَا أيّها النّاسُ ،إنّما
َفعَ ْلتُ هذا لتَأ َتمّوا بِي و َتعَْلمُوا صَلَتِي» .
وقد قيل لعائشة رضي ال عنها :هل كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟
قالت :كان يتمثل بشعر ابن رَواحة ويتمثل بقوله:
ويأتيك بالخبار من لم تزوّدِ
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ أصْ َدقَ كَِلمَةً قَالَها شَاعِرٌ كَِلمَةُ لَب ْيدٍ:
.
ألّ ُكلّ شَيءٍ مَا خَلَ اللّهَ باطلُ»
وكاد شعر أمية بن أبي الصّلْت (أن) ُيسْلم.
فكساهُ النبي صلى ال عليه وسلم بردةً اشتراها معاوية بن أبي سفيان من آل كعب بن زهير بعده
بمال كثير.
فهي البردة التي تلبسها الخلفاء في العيدين .زعم ذلك أبان.
قال المصنف :وقد أنشده جماعة ،منهم العباس وعبد ال بن رواحة ،وحسّان ،وضمار ،وأسد بن
زنيم ،وعائشة ،في خَلْق كثير قد ذكرتهم في كتاب الشعار.
فقال :مالي به علم .وأشار بيده إلى مكانه .فكشف رسول ال صلى ال عليه وسلم عنه ،وقال:
علَى مَا صَ َن ْعتَ»
حمََلكَ َ
غدَرَ ما َ
«أيْ ُ
قال :والذي بعثك بالحق لمرني به حمزةُ وأصحابه.
فأرضى رسول ال صلى ال عليه وسلم العرابيّ وقال« :شَأ ُنكُم ِبهَا» .فأكلوها.
فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا ذكرَ صنيعه ضحك حتى تبدو نواجذُه.
عن جرير بن عبد ال قال« :ما حجَبني رسولُ ال صلى ال عليه وسلم منذ أسلمت ،ول رآني إل
ضَحِك».
وفي الصحيح :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حكى عن رجل ُأخْرج من النار فقيل له :تمنّ.
فيتمنى فيقال :هو لك ما تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا.
فيقول :تَسْخَر بي وأنت المِلك
جمِيْلَةٌ» .
عن ابن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم غيّر اسم عاصية فقال« :أ ْنتِ َ
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم« :كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع :يا راشد يا
نَجِيح».
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتفاءل ول يتطيّر .وكان رسول ال
صلى ال عليه وسلم يحب السمَ الحسن».
خذْنَا فَاَلكَ مِنْ فِ ْيكَ»
عن ابن عمر :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع كلمةً فأعجبته فقال« :أ َ
.
الباب العشرون
في كثرة مشاورته أصحابه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :ما رأيت رجلً أكثر استشارةً للرجال من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن أنس قال :مُطِرْنا ونحن مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فحسَرَ عن رأسه حتى أصابه
المطرُ ،فقلت له :لم صنعتَ هذا يا رسول ال؟
جلّ» .
ع ْهدِ بِرَبّه عَ ّز َو َ
حدِ ْيثُ َ
قال« :إنّه َ
عن أبي هريرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه يكشفون رؤوسهم في أول
عهْدا
مطرة تكون من السماء في ذلك العام ،ويقول رسول ال صلى ال عليه وسلم« :هو أَحْ َدثُ َ
ظمَه بَ َر َكةً» .
بِرَبّنا وأعْ َ
حصَين قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا كَره شيئا عُرف ذلك في وجهه».
عمْران بن ُ
عن ِ
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اشت ّد وَجْدُه أكْثَر من مَسّ لحيته».
«قد ترك نفسه من ثلث :المِرَاء والكثار وما ل َيعْنيه (وتَرك الناسَ من ثلث ،وكان ل يذم أحدا
ول يعيبه) ول يطلب عورةَ أحد ،ول يتكلم إل فيما رجا ثوابَه ،وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
رؤوسهم الطير فإذا سكت تكلموا ،ل يتنازعون عنده الحديثَ ،من تكلم عنده أنصتوا له حتى
َيفْرغ( .حديثُهم عنده حديثُ أولهم) ،يضحك مما يضحكون منه ويتعجّب مما يتعجبون به ،قد صبَرَ
للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ،حتى إنْ كان أصحابه يَسْتجلبونهم ،ويقول :إذا رأيتم
طالبَ حاجة فارفدوه .ول يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (فيقطعه) ب َنهْي أو قيام».
قال الحسن :فكتمتُها الحسينَ زمانا ،ثم حدثّته بها فوجدته فد سبقني إليه ،فسأله عما سألته عنه،
ووجدتُه سأل أباه عن مَدْخله ومَخْرجه.
قال الحسين :سألت أبي عند دخول رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال:
كان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلثةَ أجزاء :جزءا ل ،وجزءا لهله ،وجزءا لنفسه .ثم جزّأ
جُزْأه بينه وبين الناس ،فردّ ذلك بالخاصة على العامة ،ول يدّخر عنهم منه شيئا.
وكان مِنْ سيرته في جزء المة؛ إيثا ُر أهل الفضل على قدر فضلهم ،فمنهم ذو الحاجة والحاجتين،
ومنهم ذو الحوائج ،فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم مِنْ مَسْألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي
لهم ،ويقول« :ليُبَلّغ الشاهدُ الغائبَ ،وأبُلغوني حاجةَ من ل يستطيع إبلغها ،فإنه مَنْ أَبْلغ سلطانا
حاجةَ من ل يستطيع إبلغَها ث ّبتَ ال قدميه يوم القيامة» يدخلون روّادا ول يفترقون إل عن
ذواق ،ويخرجون أدلةً على الخير.
قال المصنف :قوله« :فرّد بالخاصة» أي يعتمد على أن الخاصة ترفع إلى العامة علومَه.
والذواق :العلم.
حجّة ،وأَلْيَنَهم
عن علي قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أجودَ الناس صدرا وأصدقهم ُ
عريكةً ،وأكرمهم عشرة ،من رآه بديهةً هابَه ،ومَنْ خالَطه معرفة أحبّه ،يقول ناعتُه :لم أرَ قَبْله
ول بعده مثلَه صلى ال عليه وسلم».
الباب الول
في إعراضه صلى ال عليه وسلم عن الدنيا
عن عبد ال قال :نام رسولُ ال صلى ال عليه وسلم على حَصير فأثّر في جنبه ،فقلت :يا رسول
ال ،أل آذَنْتَنا فنبسط تحتك أَلينَ منه؟
حتَ شَجَ َرةٍ ثُمّ رَاحَ
فقال« :مَالِي ولِلدّنْيَا ،أ ّنمَا مَثَلي َومَ َثلُ الدّنْيَا رَا ِكبٌ سَارَ في َيوْمٍ صَائِفٍ َفقَالَ َت ْ
وتَ َركَها» .
عن أبي أمامة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم «عَرضَ عََليّ رَبّي َبطْحَاءَ َمكّةَ َذهَبا،
ج ْعتُ
شكَرْ ُتكَ ،وإذا ُ
حمَدْ ُتكَ و َ
َفقُلتُ :ل يا ربّ ،ولكِنْ أجُوعُ َيوْما وأشْبَعُ َيوْما .فَإذا شَ ِب ْعتُ َ
عوْ ُتكَ» .
عتُ إليكَ ودَ َ
َتضَرّ ْ
شةُ ،مَالِي وللدّنْيَا ،أ ّنمَا أنا
حشْوهما ليف وإذْخَر ،فقال« :يا عَائِ َ
عن عائشة قالت :اتخذتُ فراشين َ
جعْ إِلَ ْيهَا
حلَ فََلمْ يَرْ ِ
شجَ َرةٍ َفقَالَ فِي أصِْلهَا ،حَتّى إذا فَا َء ال َفيْءُ ارْتَ َ
حتَ َ
جلٍ نَ َزلَ تَ ْ
والدّنْيَا ِبمَنْزِلَةِ رَ ُ
أبَدا» .
البَابُ الثاني
في اقتناعه باليسير من الدنيا صلى ال عليه وسلم
حمّدٍ قُوتا» .
ج َعلْ رِزْقَ آل مُ َ
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ ا ْ
أخرجاه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة قالت« :ما رفع رسولُ ال صلى ال عليه وسلم قط عشاء لغداء ول غداء لعشاء ،ول
اتخذ من شيء ،زوجين ،ل قميصين ول رداءين ول إزارين ول من النعال ،ول رئي قط فارغا
في بيته ،إما يخصف نعلً لرجل مسكين أو يخيط ثوبا لرملة».
الباب الثالث
في أنه كان ل يدخر شيئا صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم ل َيدّخر شيئا».
الباب الرابع
فيما روي أنه كان يدخر صلى ال عليه وسلم
عن عمر قال« :كانت أموال بني النضير مما أفاء ال على رسوله مما لم يوجِف المسلمون عليه
بخيل ول رِكاب ،وكانت لرسول ال صلى ال عليه وسلم خاصةً ،وكان ينفق على أهله منها نفقة
ع ّدةً في سبيل ال».
سنة وما بقي جعله في الكراع والسلح ُ
عن ابن عُيينة قال :قال لي َمعْمر :قال لي الثّوري :هل سمعتَ في الرجل يجمع لهله قوت سنة
أو بعض سنة؟
قال معمر :فلم يَحْضرني ،ثم ذكرت حديثا حدّثنَاه الزهري عن مالك بن أوس ،عن عمر« ،أن
النبي صلى ال عليه وسلم كان يبيع نخلَ بني النضير ويحبس لهله قوتَ سنتهم».
هذا والول حديث واحد وهو متفق عليه،
فإن قال قائل :كيف الجمع بينه وبين ما رويتم أنه كان ل يدخر شيئا لغد؟
فالجواب :أنه كان يدّخر ليعطي أهله نفقاتهم ،ول يدخر لنفسه.
البَابُ الخامِس
في ذكر نفقته صلى ال عليه وسلم
عن زيد بن سلم قال :حدثني عبد ال الهوزاني ،يعني أبا عامر ،قال :لقيت بللً مؤذّن رسول
ال صلى ال عليه وسلم.
فقلت :يا بلل حدّثني كيف كانت نفقة رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قال :ما كان له شيء إل أنا الذي كنت أَلِي ذلك منه منذ بعثه ال عزّ وجلّ إلى يومي هذا.
فكان إذا أتاه النسان المسلم فرآه عاريا يأمرني فأسْتَقرض الشيء وأشتري البُرْدة فأكسوه
وأطعمه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حتى اعترضني رجل من المشركين قال :يا بلل ،إن عندي سعة ،فل تَسْتقرض من أحد إل منّي،
ففعلتُ.
فلما كان ذات يوم توضأت ثم قمت أؤذن ،فإذا المشرك في عصابة من التجار .فلما رآني قال :يا
حبشي.
قلت :لبيك .فتجهّمني وقال قولً غليظا ،وقال :أتدري كم بينك وبين الشهر؟
فقلت :قريب.
ن كرامتك
فقال :إنما بينك وبينه أربع ليال وآخذك بالذي لي عليك ،فإني لم أعطك الذي أعطيتك مِ ْ
ول من كرامة صاحبك ،ولكن أعطيتك لتكون لي عبدا فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك.
فأخذ في نفسي ما يأخذ في أَ ْنفُس الناس ،فأذّنت للصلة حتى إذا صليت العتَمة رجع النبي صلى
ال عليه وسلم إلى أهله ،فاستأذنت عليه فأذن لي ،فقلت :يا رسول ال ،بأبي أنت وأمي إن
المشرك الذي ذكرتُ لك أني كنت أتدَيّن منه قد قال كذا وكذا ،وليس عندك ما َيقْضي عني ول
عندي ،فهو فاضحي ،فَأْذن لي أن آتي بعض الحياء الذين أسلموا حتى يرزق ال رسولَه ما
يقضي عني.
فخرجت حتى أتيت منزلي فحملت سيفي ورمحي ونعلي عند رأسي ،واستقبلت بوجهي الفقَ،
فكلما نمت انتبهت (فإذا رأيتُ عليّ ليلً ِن ْمتُ) حتى انشقّ عمودُ الصبح الول ،فأردت أن أنطلق،
جبْ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم.
فإذا إنسان يسعى يدعو :يا بلل أ ِ
فانطلقت حتى أتيته فإذا أربع ركائب عليهن أحمالهن فقال لي :أبشر فقد جاءك ال بقضائك
فحمدت ال تعالى.
فقال :ألم تمرّ على الركائب المناخات الربع؟
فقلت :بلى.
قال :فإن لك رقابهن وما عليهن .فإذا عليهن كسوة وطعام أهداهن عظيمُ فَدَك ،فانهض فاقض
دينك.
ططْت بعضَ أحمالهن ثم عقلتهم ثم عمدت إلى تأذين صلة الصبح ،حتى إذا صلى
قال :ففعلت فح َ
رسول ال صلى ال عليه وسلم خرجت إلى البقيع فجعلت إصبعي في أذني فناديت :مَنْ يَطْلب
رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بدين فليحضر.
فما زلت أبيع وأقضي حتى لم يبق على رسول ال صلى ال عليه وسلم دَيْن في الرض ،حتى
فضل عندي أوقيتان أو أوقية ونصف.
ثم انطلقت إلى المسجد وقد ذهب عامّة النهار .فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قاعد في
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
المسجد وحده فسلّمت عليه ،فقال لي« :مَا َف َعلَ مَا قِبََلكَ؟»
قلت :قضى ال عز وجل كلّ شيء كان على رسول ال فلم يَبْقَ شيء.
فقالَ « :فضَلَ شَيءٌ؟» .
قلت :نعم ديناران.
حدٍ مِنْ أهْلِي حَتّى تُرِ ْيحَنِي مِ ْن ُهمَا» .
ستُ ِبدَاخِل عَلَى أَ َ
قال« :ا ْنظُرْ أنْ تُر ْيحَنِي مِ ْن ُهمَا فَلَ ْ
فلم يأتنا أحد ،فبات في المسجد حتى أصبح ،وظل في المسجد اليوم الثاني ،حتى إذا كان آخر
النهار جاء راكبان فانطلقت بهما فكسوتهما وأطعمتهما ،حتى إذا صلى العتمة ناداني .فقال« :مَا
َف َعلَ الذي قِبََلكَ؟» .
قلت :قد أراحك ال منه .فكبّر وحمد ال ،شفقا من أن ُيدْركه الموتُ وعنده ذلك ،ثم اتبعته حتى
جاء أزواجَه فسلّم على امرأة امرأة حتى أتى مَبِيته.
فهذا الذي سألتني عنه.
البَابُ السّادس
في صفة عيشه في الدنيا صلى ال عليه وسلم
عن أبي حازم قال :رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مرارا :والذي نفس أبي هريرة بيده ،ما شَبع
رسول ال صلى ال عليه وسلم وأهله ثلثة أيام تِبَاعا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا.
سمِاك ين حرب قال :سمعت النعمان بن بشير (يقول :سمعت عمر بن الخطاب) يخطب فذكَر
عن َ
عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال :لقد رأيت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يظل اليوم يلتوي
ما يجد ِدقْلً يمل به بطنه.
ل ول أكل خبزا منخولً
عن عروة عن عائشة أنها قالت :والذي بعث محمدا بالحق ما رأى منخ ً
منذ بعثه ال إلى أن قُبض .قلت :كيف كنتم تصنعون بالشعير؟ قالت :كنا نقول أفّ.
عن جابر قال :مكث رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه وهم يحفرون الخندق ثلثا لم
يذوقوا طعاما ،قالوا :يا رسول ال ،إن ههنا كُدْيَة من الجبل ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
«رُشّوها بِالمَاءِ» .فرشوها بالماء ،ثم جاء النبي صلى ال عليه وسلم فأخذ ال ِمعْول أو المسحاة ثم
سمِ ال» .
قال« :بِ ْ
فضربها ثلثا فصارت كثيبا ينهال.
قال جابر :فحانت مني التفاتةٌ فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم قد شدّ على بطنه حجرا.
أخرجاه.
ل وهلل ،ما يوقد في بيتٍ من بيوت رسول ال
عن عروة أنه سمع عائشة تقول :كان يمر بنا هل ٌ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صلى ال عليه وسلم نار.
قال :قلت :يا خالة ،فعلى أي شيء كنتم تعيشون؟
قالت :لو كان عندنا مصباح لكلناه إنْ كان لَيأتي على آل محمد الشهرُ ما يختبزون فيه خبزا ول
يطبخون فيه بُرْمة.
عن أنس بن مالك قال :مشيتُ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بخبز شعير وإهالةٍ سَنخة ،ولقد
ل صَاعٌ» .وإنهن يومئذ تسعة أبيات.
حمّ ٍد إ ّ
ح ولَ أمْسَى للِ مُ َ
سمعته يقول« :مَا أصْبَ َ
عن أبي هريرة قال :دخلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يصلي جالسا ،فقلت :ما
أصابك يا رسول ال؟
قال« :الجُوعُ» .
سبَ
ش ّدةَ الجُوعِ ل ُتصِ ْيبُ الجَائِعََ ،يعْنِي فِي القِيَامَةِ إذا احْتَ َ
فبكيتُ .قال« :ل تَبْك يَا أبَا هُرَيْ َرةَ ،فإنّ ِ
في دَارِ الدّنْيَا» .
عن أنس بن مالك قال :جاءت فاطمة بكسرة خبز إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :مَا هذه
طمَةَ»؟
الكِسْ َرةُ يا فَا ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
طبْ نفسي حتى آتيك بهذه الكسرة.
قالت :قرصٌ خبزْتُه فلم تَ ِ
خلَ َفمَ أبِ ْيكِ مُنْذُ ثَلَ َثةِ أيّامٍ» .
طعَامٍ َد َ
فقال« :أمَا إنّه أ ّولُ َ
عن ابن عباس قال :قُبض رسول ال صلى ال عليه وسلم وإن درعه مرهونة عند رجل يهودي
على ثلثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.
عن عائشة قالت :توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي.
عن أنس قال :بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ولقد أرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم
خادمه إلى يهودي يبيع البُرّ .فقال :قُل له يعطينا ثوبين حتى يجيئنا شيء فنقضيه.
ي فقال :وال ما لمحمد زَرْع ول ضرع ،فمن أين
فجعل يتشاغل عني ويبايع الناسَ ،ثم التفتَ إل ّ
َيقْضيني؟
فجئت فأخبرت النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :كَ َذبَ عَ ُدوّ ال ،وََلوْ أعْطَانِي ل َقضَيْتُه وكُ ْنتُ خَيْرا
له مِ ْنهُم».
جلُ َثوْبَه ُمعْلَما ،يَعنِي مَ ْرقُوعا خَيْرٌ لَه مِنْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ فِي َأمَانَتِه» .
ثم قال« :لنْ يَلْ َبسَ الرّ ُ
الباب الول
في ذكر ما كان يقول إذا دخل الكنيف صلى ال عليه وسلم
عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا دخل الكنيف قال« :اللهُمّ إنّي أَعُوذُ ِبكَ مِنَ
ث والخَبَا ِئثِ» .
الخُ ُب ِ
الباب الثاني
فيما كان يقول إذا خرج صلى ال عليه وسلم
غفْرَا َنكَ» .
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا خرج من الخلء قالُ « :
البابُ الثالث
في ابتلع الرض حدثه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :قلت يا رسول ال إني أراك تدخل الخَلء ثم يجيء الذي يدخل بعدك فل يرى
ِلمَا يخرج منك أثَرا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،أمَا عَِل ْمتِ أنّ اللّهَ َأمَ َر الَ ْرضَ أنْ تَبْتَلعَ مَا خَرَجَ مِن النْبِيَاءِ» .
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا خرج من الغائط دخلتُ على أثره فل
علَى أ ْروَاحِ أ ْهلِ الجَنّةِ
أرى شيئا ،فذكرت ذلك له فقال« :يَا عَا ِئشَةُ ،أمَا عَِل ْمتِ أنّ أجْسَادَنَا نَبَ َتتْ َ
َفمَا خَرَجَ مِنّا مِنْ شَيءٍ إل ابْتََلعَتْ ُه الَ ْرضُ» .
عن ابن عباس قال :لم يُحْدث رسول ال صلى ال عليه وسلم في موضع قط إل ابتلعته الرض.
البابُ الرابع
في ذكر وضوئه وغسله صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ ثلثا بإناء يكون رطلين ،ويغتسل
بالصاع».
عن جابر بن عبد ال قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يغتسل بالصاع ويتوضأ بال ُمدّ».
الباب الخامس
في أنه صلى ال عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلة
عن عمرو بن عامر قال سمعتُ (أنسا) يقول« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتوضأ عند
كل صلة قال :فأنتم كيف كنتم تصنعون؟
قال :كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نُحُدث.
انفرد بإخراجه البخاري.
البابُ السّادس
في جمعه صلى ال عليه وسلم الصلوات بوضوء واحد
عن سليمان بن بُرَيْدة ،عن أبيه ،قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يتوضأ عند كل صلة ،فلما
خفّيه وصلى الصلوات بوضوء واحد .فقال له عمر :يا رسول
كان يوم الفتح توضأ ومسح على ُ
ال إنك فعلتَ شيئا لم تكن تفعله».
عمَرَ» .
عمْدا َفعَلْتُه يَا ُ
قالَ « :
انفرد بإخراجه مسلم.
البابُ السّابع
في مسحه على خفيه صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سفَره ،فقضى حاجته وتوضأ
عن المغيرة بن شعبة قال« :كنت مع النبي صلى ال عليه وسلم في َ
وضوءه للصلة ومسح على خفيه ثم صلى».
أخرجاه.
الباب الثامن
في ذكر سواكه صلى ال عليه وسلم
خشِ ْيتُ
سوَاكِ حَتّى ظَنَ ْنتُ َأوْ َ
عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلمُ« :أمِرْتُ بِال ّ
أن سَيَنْ ِزلَ عََليّ فِيه قُرآنٌ» .
عن حذيفة قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يَشُوصُ فاه بالسواك».
الباب التاسع
في صفة غسله صلى ال عليه وسلم
غسْلً فأفرغ
عن ابن عباس قال :حدّثتنا ميمونة قالت :صبَبْت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ُ
بيمينه على يساره فغَسَلهما ،ثم غسل فرجه ،ثم مال بيده للرض فمسحها بالتراب ،ثم غسلها ،ثم
مضمض واستنشق ،ثم غسل وجهه ،ثم أفاض على رأسه ،ثم تنحى فغسل قدميه.
الباب الوّل
في صفة صلته صلى ال عليه وسلم
حمْ ِدكَ،
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يفتتح صلته« :بِسُبْحَا َنكَ الل ُه ّم وَبِ َ
ج ّدكَ ،ولَ اله غَيْ ُركَ» .
س ُمكَ ،وَتَعالَى َ
وَتَبَا َركَ ا ْ
عن عطاء :أنه كان جالسا في نفر من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فذكرنا صلةَ
حمَيد السّاعدي:
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال أبو ُ
حفَظكم لصلة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،رأيتُه إذا كَبّر جعل يديه حذاء مِنْكبيه ،وإذا
أنا أ ْ
ل فقار مكانه ،فإذا
ركع أمكنَ يديه من ركبتيه ثم صهر ظَهره ،فإذا رفع رأسه استوى حتى يَعود ك ّ
سجد وضع يديه غيرَ ُمفْترش ول قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القِبْلَةَ ،وإذا جلس في
الركعتين على رجله اليسرى و َنصَب اليمنى وقعد على مقعدته.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أخرجاه.
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يوجز الصلة و ُيكْملها».
عن سالم عن أبيه قال« :رأيت رسولَ ال صلى ال عليه وسلم إذا افتتح الصلة رفع يديه حتى
يحاذي منكبيه ،وإذا أراد أن يركع ،وبعدما يرفع رأسه من الركوع ،ول يرفع بين السجدتين».
أخرجاه.
عن عبد ال بن القاسم قال :جلسنا إلى عبد الرحمن بن أبزى فقال :أل أريكم صلةَ رسول ال
صلى ال عليه وسلم؟
قال :فقلنا بلى.
فكّبر ثم قرأ ثم ركع ،فوضع يديه على ركبتيه حتى أخذ كل عظم مأخذه ،ثم رفع حتى أخذ كل
عظم مأخذه ،ثم سجد حتى أخذ كل عظم مأخذه ،ثم رفع .فصنع في الركعة الثانية كما صنع في
الركعة الولى.
ثم قال :هكذا صلةُ رسول ال صلى ال عليه وسلم.
الباب الثاني
في مقدار ما كان يقرأ صلى ال عليه وسلم في الصلوات المفروضات
عن أبي برزة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم «كان يقرأ في صلة الغداة من الستين إلى
المائة».
عن أبي سعيد الخدري قال :كنا َنحْزر قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم في الظهر والعصر،
فحزَرْنا قيامَه في الركعتين الوليين من الظهر َقدْر قراءة ثلثين آية ،وحزرنا قيامه في الركعتين
الخريين قدر النصف من ذلك ،وحزرنا قيامه في الركعتين الوليين من العصر على قدر قيامه
من الخريين من الظهر ،وفي الخريين من العصر على النصف من ذلك.
عن ابن عباس أن أم الفضل سمعته يقرأ{ :س 77ش 1وَا ْلمُرْسَلَاتِ عُرْفا }
(المرسلت)1 :
.
فقالت «يا بني ،لقد ذكّرتني هذه السورة ،إنها لخر ما سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ
بها في المغرب».
عن البراء قال« :صلّيت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم العشاء فقرأ بالتين والزيتون».
الباب الثالث
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فيما كان يقوله صلى ال عليه وسلم بعد الفراغ من الصلة
عن وَرّاد كاتب المغيرة قال :كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة :اك ُتبْ إليّ بما سمعتَ من رسول
ال صلى ال عليه وسلم.
فدعاني المغيرة وكتب إليه :إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا انصرف من الصلة
حمْدُ و ُهوَ عَلَى ُكلّ شَيءٍ قَدِيْرٌ ،اللهُ ّم لَ
ك ولَهُ ال َ
ح َد ُه لَ شَرِ ْيكَ لَهَ ،لهُ المُ ْل ُ
قال« :لَ اله إلّ اللّ ُه وَ ْ
جدّ» .
طيَ ِلمَا مَ َن ْعتَ ولَ يَ ْنفَعُ ذَا الجَدّ مِ ْنكَ ال َ
عطَ ْيتَ ولَ ُمعْ ِ
مَانِعَ ِلمَا أ ْ
أخرجاه.
عن َثوْبان مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :كان) إذا أراد أن ينصرف من صلته
لكْرَامِ» .
ل وا ِ
لِاستغفر ثلث مرات ثم قال« :الل ُهمّ أ ْنتَ السّلَمُ ومِنْكَ السَلَمُ تَبَا َر ْكتَ يَا ذَا الجَ َ
الباب الرابع
في تنقله صلى ال عليه وسلم بالنهار
عن عائشة قالت« :لم يكن النبي صلى ال عليه وسلم على شيء من النوافل أشد َتعَاهدا منه على
ركعتي الفجر».
أخرجاه.
عن أبي أمامة الباهليّ قال :قال أبو أيوب النصاري :نزل عليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم
شهرا ،فرأيته إذا زالت الشمس فلو كان في يده عملُ الدنيا َفضّه ،وإن كان نائما فكأنما يوقَظ له،
فيغتسل أو يتوضأ ثم يركع أربع ركعات يتمهن ويُحْسِنهن ويتمكن فيهن.
سمَاءِ وأ ْبوَابَ الجِنَانِ ُتفْتَحُ في تِ ْلكَ السّاعةِ ،فَلَ تُرْتَجُ أ ْبوَابُ
فسألته عن ذلك فقال« :إنّ أ ْبوَابَ ال ّ
عةِ
صعَد منّي إلَى رَبّي فِي تِ ْلكَ السّاَ َ
لةُ ،فأ ْرجُو أنْ َي ْ
السّماءِ وأبْوَابُ الجِنَانِ حَتّى ُتصَلّى هذه الصّ َ
خَيْرٌ» .
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يَدَع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل
الفجر على كل حال».
انفرد بإخراجه البخاري.
عن عبد ال بن شقيق قال :سألتُ عائشةَ عن صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم من التطوع،
فقالت« :كان يصلي قبل الظهر أربعا في بيتي ،ثم يخرج فيصلي بالناس ،ثم يرجع إلى بيتي
فيصلي ركعتين ،وكان يصلي بالمسجد المغرب ،ثم يرجع إلى بيتي فيصلي ركعتين ،وكان يصلي
بهم العشاء ،ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
انفرد بإخراجه مسلم.
الباب الخامس
فيما كان يقرأ صلى ال عليه وسلم في صلة الفجر يوم الجمعة
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه« :كان يقرأ في صلة الصبح يوم الجمعة{ :س
32ش /1ش 2ال?ـم? * تَنزِيلُ ا ْلكِتَابِ لَ رَ ْيبَ فِيهِ مِن ّربّ ا ْلعَاَلمِينَ }
(السجدة 1 :ــــ )2
و {س 76ش َ 1هلْ أَتَى عَلَى الِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ َلمْ َيكُن شَيْئا مّ ْذكُورا }
(النسان)1 :
».
أخرجاه.
الباب السّادس
في ملزمته صلى ال عليه وسلم المسجد بعد الصلة
عن جابر بن عبد ال قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلّى الغداة جلس في ُمصَلّه
حتى تطلع الشمس».
انفرد بإخراجه مسلم.
البابُ السابع
في صلته صلى ال عليه وسلم الضحى
عن أبي ليلى قال :ما أخبرني أحدٌ أنه رأى النبي صلى ال عليه وسلم يصلي الضحى غير أمّ
هانىء ،فإنها حدّثت :أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني
ركعات ،ما رأيته قط صلّى صلةً أخفّ منها ،غير أنه كان يتم الركوع والسجود.
أخرجاه.
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء ال».
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أنس بن مالك قال :صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في بيت رجل من أصحابه ركعتين،
فقيل لنس :كان النبي صلى ال عليه وسلم يصلي الضحى؟
قال :ما رأيته صلّها إل يومئذ.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أبي سعيد قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول ل يدَعها،
ويَدَعها حتى نقول :ل يصلّيها».
البَابُ الثامن
في ذكر صلته بالليل صلى ال عليه وسلم
عن مسروق قال :سألتُ عائشةَ أيّ العمل كان أحبُ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قالت :الدائمُ.
قلت :متى كان يقوم؟
قالت« :كان يقوم إذا سَمع الصارخَ».
قال لنا ابن ناصر :الصارخُ :الديك .وأولُ ما يصيح :نصفُ الليل.
حذَيفة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا قام من الليل يَشُوص فاه بالسّواك».
عن ُ
أخرجاه.
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قام من الليل يصلّي ،افتتح صلته
بركعتين خفيفتين».
انفرد بإخراجه مسلم.
عن خالد بن َمعْدَان قال :حدثني ربيعة الجُرَشي قال :سألتُ عائش َة فقلت :ما كان رسول ال صلى
ال عليه وسلم يقوم إذا قام من الليل؟ وبمَ كان يستفتح؟
قالت« :كان يكبّر عشْرا ويحمد عشرا ،ويسبح عشرا ،ويهلّل عشرا ،ويستغفر عشرا ويقول:
غفِرْ لِي واهْدِنِي وارْ ُزقْنِي» عشرا .ويقول« :اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ مِنَ الضّيْقِ َيوْمَ الحِسَابِ»
«اللهُمّ ا ْ
عشرا».
عن علقمة قال :سألتُ عائشةَ :أكان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يخصّ شيئا من اليام؟
قالت« :ل ،كان عمله دِيمَةً ،وأيّكم يُطيق ما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يُطيق».
عن أبي سلمةَ قال :سألتُ عائشةَ عن صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم في رمضان.
فقالت« :ما كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يزيد على إحدى عشرة ركعة ،يصلي أربعا ،فل
سلْ عن حسنهن وطولهن ،ثم يصلي ثلثا».
سلْ عن حُسنهن وطُولهنّ ،ثم يصلي أربعا فل ت َ
تَ
فقلت :يا رسول ال تنام قبل توتر؟
ي َولَ يَنَامُ قَلْبِي» .
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،إنّه أرَانِي تَنَامُ عَيْنَا َ
عن عبد ال بن شقيق قال :سألت عائشة عن صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قالت« :كان يصلي من الليل تسْعَ ركعات فيهن الوتر ،وكان يصلي ليلً طويلً قائما وليلً طويلً
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جالسا ،فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم ،وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد».
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم لمّا بَدِنَ وثَقُل يقرأ ما شاء ال وهو جالس،
فإذا غبر من السورة ثلثون آية أو أربعون آية قام فقرأها ثم سجد».
أخرجاه.
حمْدُ
عن ابن عباس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذ قام من الليل يتهجّد قال« :الل ُهمّ َلكَ ال َ
حمْدُ أ ْنتَ قَيّمُ السّماواتِ وال ْرضِ ومَنْ فِيهنّ ،وَلكَ
أ ْنتَ ُنوْرُ السّماواتِ والَ ْرضِ ومَنْ فِيهنّ ،وَلكَ ال َ
حقّ ،والسّاعةُ حَقّ ،والنّبِ ُيوّنَ
حقّ ،والنّارُ َ
حقّ ،والجَنّةُ َ
حقّ ،وِلقَاؤكَ َ
حقّ ،ووَعْدُك َ
ح ْمدُ أ ْنتَ ال َ
ال َ
صمْتُ،
سَل ْمتُ ،وعَلَ ْيكَ َت َوكّ ْلتُ ،و ِبكَ آمَ ْنتُ ،وإل ْيكَ أنَ ْبتُ ،و ِبكَ خَا َ
حمّدُ حَقّ ،اللهُمّ َلكَ أ ْ
حقّ ،ومُ َ
َ
ت المقَدّ ُم وأ ْنتَ
ت ومَا أعْلَ ْنتُ ،أ ْن َ
ت وما أخّ ْرتُ ،ومَا أسْرَ ْر ُ
غفِرْ لِي ما ق ّد ْم ُ
وإل ْيكَ حَا َك ْمتُ ،فا ْ
ال ُمؤَخّ ُر لَ اله إلّ أ ْنتَ ،ول اله غَيْ ُركَ» .
عن كُرَيب :أن ابن عباس أخبره :أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى ال عليه وسلم وهي
خالته.
قال :فاضطجعت في عرض الوسادة ،واضطجع رسول ال صلى ال عليه وسلم في طولها ،فنام
رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى انتصف الليل ،أو قَبْله بقليل أو بعده بقليل ،فاستيقظ رسول
ال صلى ال عليه وسلم صلى ال عليه وسلم ،فجعل يمسح النومَ عن وجهه بيده ،ثم قرأ العشر
ن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ،ثم قام
اليات الخواتم من سورة آل عمران ،ثم قام إلى شَ َ
يصلي.
البَابُ التّاسع
في طول قيامه بالليل صلى ال عليه وسلم
عن حذيفة قال« :صليت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلةً ،فافتتح البقرة فقلت ،يركع عند
المائة ،فمضى فقلت يصلي بها في ركعة ،فمضى فقلت يركع بها ،ثم افتتح النساء فقرأها ،ثم افتتح
آل عمران فقرأها ،يقرأ مترسّلً ،إذا مرّ بآية فيها تسبيح سَبّح ،وإذا مرّ بسؤال سأل ،وإذا مرّ
بتعوذ تعوّذ ،ثم ركع فجعل يقول :سبحان ربي العظيم .وكان ركوعه نحوا من قيامه ،ثم قال :سمع
ال لمن حمده ،ثم قام طويلً قريبا مما ركع ،ثم سجد فقال :سبحان ربي العلى ،وكان سجوده
قريبا من قيامه».
عن أبي وائل ،عن عبد ال ،قال :صليت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة ،فلم ي َزلْ
قائما حتى َهمْمتُ بأمرِ سوء.
قال :ما َه َممْتَ؟
قال :هممتُ أن أجلس وأدَعه.
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلى قام حتى تنفطر رجله.
قالت عائشة :يا رسول ال ،أتصنع هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
شكُورًا» .
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،أفَلَ أ ُكوْنُ عَبْدًا َ
عن المغيرة بن شعبة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي حتى تَرِمَ قدماه .فقيل له:
أليس قد غَفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
شكُورًا» .
قال« :أفَلَ أ ُكوْنُ عَبْدًا َ
ش ْه َوةٌ ،وإنّ
ج َعلَ ِل ُكلّ نَ ِبيَ َ
ي صلى ال عليه وسلم قال« :إنّ اللّهَ َتعَالَى َ
عن ابن عباس :أن النب ّ
ش ْهوَتِي قِيَامُ هَذا اللّ ْيلِ» .
َ
عن أنس :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم وجد شيئا من وجع ،فقيل :يا رسول ال ،إنا نرى
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أثرا لوجعٍ عليك.
طوَالَ» .
حةَ السّبْعَ ال ّ
قال« :أمّا مَعْ مَا تَ َروْنَ َقدْ قَرَ ْأتُ البَارِ َ
عن أنس قال« :تعبّد رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى صار كالشّن البالي».
الباب العاشر
في قيامه طول الليل بآية صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم بآية من القرآن ليلةً».
عن أبي ذر قال« :صلّى رسول ال صلى ال عليه وسلم ليل ًة فقرأ بآية حتى أصبح ،يركع بها
حكِيمُ }
ك وَإِن َت ْغفِرْ َل ُهمْ فَإِ ّنكَ أَنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ
ويسجد بها{ :س 5ش 118إِن ُت َعذّ ْبهُمْ فَإِ ّنهُمْ عِبَا ُد َ
(المائدة)118 :
.
فلمّا أصْبَح قلت :يا رسول ال ،ما زلتَ تقرأ هذه الية حتى أصبحتَ تركع بها وتسجد بها.
شفَاعَةَ لُمّتِي ،فأَعْطَانِ ْيهَا ،وهيَ نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللّهُ مَنْ ل يُشْ ِركَ
جلّ ال ّ
قال« :إنّي سَأَ ْلتُ اللّهَ عَزّ و َ
بِال شَيْئا» .
عن عائشة قالت« :كان إذا شُغل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن قيام الليل بنوم أو وجع أو
مرض صلّى من النهار ثنتي عشرة ركعة».
الباب الول
في ذكر صومه من الشهر وفطره صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم إذا صام حتى يقول القائلُ ل ُيفْطر،
ويفطر إذا فطر حتى يقول القائل :ل وال ل يصوم».
عن سعيد بن جبير ،عن ابن عباس ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم حتى نقول:
ل يريد أن يفطر ،ويفطر حتى نقول :ما يريد أن يصوم ،وما صام شهرا متتابعا غير رمضان منذ
قدم المدينةَ».
أخرجاهما.
عن أنس :أنه سُئل عن صوم النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :كان يصوم من الشهر حتى نرى
أنه ل يريد أن يفطر منه ،ويفطر حتى نرى أنه ل يريد أن يصوم منه شيئا ،وكنتَ ل تشاء أن
تراه من الليل مصلّيا إل رأيتَه مصليا ،ول نائما إل رأيته نائما».
الباب الثاني
في صومه ثلثة أيام من كل شهر صلى ال عليه وسلم
عن عبد ال أنه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم من غُرة كل شهر ثلثة أيام».
عن معاذة قالت :قلت لعائشة :أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلثة أيام؟
قالت :نعم.
قلت :من أيّه كان يصوم؟
قالت« :كان ل يُبالي من أيّه صام».
عن ابن عمر قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلثة أيام :الثنين
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
من أول الشهر ،ثم الخميس الذي يَلِيه ،ثم الخميس الذي يَليه».
الباب الثالث
في صومه الثنين والخميس صلى ال عليه وسلم
عن عائشة :أنها سُئلت عن صوم رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقالت« :يتحرّى الثنين
والخميس».
عن أسامة بن زيد قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم اليامَ يَسْرُد حتى يقال :ل
يفطر ،ويفطر اليام حتى ل يكاد يصوم ،إل يومين من الجمعة إن كانا في صيامه (و) إل
صامهما .فقلت يا رسول ال إنك تصوم حتى ل تكاد تفطر ،وتفطر حتى ل تكاد تصوم إل يومين.
صمْتهما».
إن دخل في صيامك وإل ُ
قال :أيّ َي ْومَيْنِ ؟.
قلت« :الثنين والخميس».
عمَلِي وأنا صَائِمٌ»
حبّ أنْ ُيعْ َرضَ َ
عمَالُ عَلَى َربّ العَاَلمِينَ ،فأ ِ
قال« :ذَلكَ َي ْومَانِ ُتعْ َرضُ فِي ِهمَا ال ْ
.
خمِيْسِ،
ن وال َ
عمَالُ َيوْمَ الثْنَيْ ِ
عن أبي هريرة قال :أن النبي صلى ال عليه وسلم قالُ « :تعْ َرضُ ال ْ
عمَلِي وأنا صَا ِئمٌ» .
حبّ أن ُيعْ َرضَ َ
وأ ِ
عن حفصة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يصوم الثنين والخميس».
الباب الرابع
في صومه شعبان صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يصوم من شهرٍ من السّنة أكثر من صيامه
من شعبان ،كان يصومه كله».
أخرجاه.
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم شعبان».
عن أسامة بن زيد قال :لم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم يصوم من شهر ما يصومه من
شعبان ،فقلت :يا رسول الَ ،لمْ أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان؟
عمَالُ إلَى َربّ
شهْرٌ تُ ْرفَعُ فيه ال ْ
جبَ و َرمَضَانَ ،وهو َ
شهْرٌ َت ْغفَلُ النّاسُ عَنْه بَينَ َر َ
قال« :ذَاكَ َ
عمَلِي وأنا صَائِمٌ» .
حبّ أن يُ ْرفَعَ َ
العَاَلمِينَ ،فأُ ِ
عن أم سَلَمة قالت« :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم صام شهرين متتابعين ،إل أنه كان
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
َيصِل شعبان برمضان».
قال الترمذي :هذا إسناد صحيح.
الباب الخامس
في مواصلته للصيام صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم يواصل ،وذلك في آخر الشهر ،فأخذ رجالٌ من
شهْرُ
أصحابه يواصلون ،فقال« :ما بَالُ رِجَالِ يُواصِلُونَ؟ إ ّنكُم لَسْتُم مِثْلِي ،أمَا وَال لو مُ ّد ليْ ال ّ
َلوَاصَ ْلتُ ِوصَالً َي َدعُ المُ َت َعمّقُونَ َت َعمّ َقهُم» .
ستُ مِثُلكُم ،إني
عن أنس قال :واصَل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم فواصل أناسٌ ،فقال« :إنّي َل ْ
سقِينِي» .
ط ِعمُنِي ربّي وَيَ ْ
ظلّ ُي ْ
أَ
الباب السادس
في ذكر ما كان يفطر عليه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يفطر على ُرطَبات قبل أن يصلي ،فإن لم
سوَاتٍ من ماء».
يكن رطبات فتمرات ،فإن لم يكن تمرات حَسَا حَ َ
الباب السابع
فيما كان يقوله صلى ال عليه وسلم إذا أفطر عند قوم
عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أفطر عند أهل بيتٍ قال لهم« :أفطَرَ عِنْ َدكُم
طعَا َمكُم البْرَارُ ،وصَّلتْ عَلَ ْيكُم المَلَ ِئكَةُ» .
الصّا ِئمُونَ ،وأ َكلَ َ
الباب الثامن
في جدّه واجتهاده صلى ال عليه وسلم في العَشْرِ الخير من رمضان
عن عائشة رضي ال عنها قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجتهد في العشر الواخر
من رمضان حتى توفاه ال ُيحْيي الليلَ ،ويوقظ أهلَه ويشُدّ المِئْزر».
أخرجاه.
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا بقي عشرٌ من رمضان شدّ مِئْزره
واعتزل أهله».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب التاسع
في ذكر اعتكافه صلى ال عليه وسلم في العَشر الواخر من رمضان
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يعتكف العشر الواخر من رمضان حتى توفاه
ال تعالى».
الباب العاشر
في أكله صلى ال عليه وسلم يوم عيد الفطر قبل الخروج
عن عبد ال بن زيد ،عن أبيه« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا أفطر يومَ الفطر لم
يخرج حتى يأكل ،فإذا كان يومُ النحر لم يأكل حتى يذبح».
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا كان يوم الفطر لم يخرج حتى يأكل
تمرات يأكلهن أفرادا».
الباب الول
في ذكر إحرامه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عمر« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أهلّ مِنْ قِبَل مسجد ذي الحُلَيْفة حين است َوتْ به
راحلتُه».
الباب الثاني
في ذكر تلبيته صلى ال عليه وسلم
الباب الثالث
في دعائه يوم عرفة صلى ال عليه وسلم
شعَيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :خَيْرُ الدّعَاءِ َيوْمُ
عن عمرو بن ُ
حمْدُ
ك ولَه ال َ
عَ َرفَةَ ،وخَيْرُ مَا قُ ْلتُ أَنا والنّبِيّونَ مِن قَبْلِي :لَ اله إلّ اللّ ُه وَحْ َدهُ ل شَرِ ْيكَ لَه ،لَه المُ ْل ُ
علَى ُكلّ شَيءٍ َقدِيْرٌ» .
وهو َ
عن ابن عباس بن مِرْداس :أن النبي صلى ال عليه وسلم دعا لمته عشية عرفة بالمغفرة فأجيب:
«إني قد غفرتُ لكم ما خل الظالم فإني آخذ للمظلوم منه» .
غفَ ْرتَ للظّاِلمِ» .فلم يجِبْه عشيته ،فلما
عطَ ْيتَ المَظْلُومَ منَ الخَيْرِ و َ
قال« :أيْ َربّ ،إنْ شِ ْئتَ أ ْ
أصبح بالمزدلفة أعاد الدعاء فأجيب إلى ما سأَل .فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم أو قال
تبسّم.
فقال أبو بكر أو عمر :إن هذه لساعة ما كنت تضحك فيها ،فما الذي أضحكك ،أضحكَ ال سنّك؟
ج َعلَ َيحْثُو
خذَ التّرَابَ فَ َ
لمّتِي أ َ
غفَرَ ُ
قال« :إنّ ع ُدوّ ال إبْلِيسَ لمّا عَِلمَ أنّ اللّهَ قَد اسْتَجَابَ دُعَائِي و َ
ح ْكتُ ِممّا رَأَ ْيتُ مِنْ ِفعْلِه» .
عَلَى رَأْسِه و َيدْعُو بالوَ ْيلِ والثّبوُرِ َفضَ ِ
الباب الرابع
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذبح أضحيته بيده صلى ال عليه وسلم
عن أنس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذبح أضحيته بيده وكبّر عليها».
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يضحّي بكبشين أقْرنين َأمْلحين ،وكان يسمّي
صفَاحهما قدمَه».
ويكبّر ،ولقد رأيته يذبحهما بيده واضعا على ِ
أخرجاه.
عن جابر قال :ضحّى رسول ال صلى ال عليه وسلم بكبشين أمْلَحين أقْرَنين ِموْجُوءيْن ،فقدّم
شهِدَ
ش ِهدَ َلكَ بالتّوحِ ْيدِ و َ
سمِ ال واللّهُ َأكْبَرُ ،الل ُهمّ مِ ْنكَ وإل ْيكَ ،عَنْ ُأمّتِي وعَنْ مَنْ َ
أحدهما فقال« :بِ ْ
حمّدٍ» .
حمّدٍ وآلِ ُم َ
ك وإِل ْيكَ عَنْ مُ َ
سمِ ال واللّهُ أكْبَرُ ،اللهُمّ مِ ْن َ
لغِ» .ثم قدّم الخ َر وقال« :بِ ْ
لي بالبَ َ
خصِي.
قال :ال َموْجوء :الذي قد ُ
الباب الخامس
في طوافه واستلمه الحجر صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس أنه قال :طاف رسول ال صلى ال عليه وسلم بالبيت وجعل يستلم الحجر بمحْجنه،
ثم أتى السقايةَ وبنو عمه ينزعون منها ،فقال« :نَاوِلُونِي» .فدُفع إليه الدلو فشرب .ثم قال« :لوْلَ
عتُ َم َعكُم» .ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة.
خذُونَه نُسُكا و َيغْلِبُو َنكُم عَلَيه لَنَزَ ْ
أنّ النّاسَ سَيَتّ ِ
الباب السادس
في استلمه الركن اليماني صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقبّل الركن اليماني ويضع خدّه عليه».
الباب السابع
في سعيه بين الصفا والمروة صلى ال عليه وسلم
عن حبيبة بنت أبي تَجْراة ،قالت :أش َر ْفتُ على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يسعى ،فإذا
س ْعيَ» .ولقد رأيته من شدة السعي يدور
س َعوْا فإنّ اللّهَ كَ َتبَ عَلَ ْيكُم ال ّ
هو يقول لصحابه« :ا ْ
الزارُ حول بطنه حتى رأيت بياضَ إبطه وفخذه.
الباب الثامن
في رميه الجمرة صلى ال عليه وسلم
عن الفضل بن عباس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لبّى حين تُرْمى جمرة العقبة».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :ورمى بسبع حصيات وكبّرَ مع كل حصاة».
الباب التاسع
في دخوله الكعبة صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :لمّا دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم البيت دعا في نواحيه كلها ،ولم
يصلّ حتى خرج منه ،فلما خرج ركع ركعتين في قِبَل الكعبة وقال« :هذه القِبْلَةِ» .
أخرجاه.
عن ابن عمر قال :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم البيت ومعه أسامة ،وبلل ،وعثمان بن
ل فقلت :أين صلى
أبي طلحة ،فأجافوا عليهم الباب طويلً ،ثم فتح ،وكنت أول من دخل ،فلقيت بل ً
رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
فقال :بين العمودَيْن المقدمين :فنسيت أن أسأله كم صلى؟.
الباب العاشر
في خطبته في حجة الوداع صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
«يَا أيّها النّاسُ ،أيّ َيوْمٍ هَذا؟»
قالوا :يوم حرام.
قال« :أيّ بََلدٍ هَذا؟» .
قالوا :بلد حرام.
شهْرٍ هَذا؟»
قال« :فَأيّ َ
قالوا :شهر حرام.
شهْ ِركُم
ضكُم عَلَ ْيكُم حَرَامٌ كَحُ ْرمَةِ َي ْو ِمكُم هَذا فِي بَلَ ِد ُكمْ هَذا فِي َ
قال« :فإنّ أ ْموَاُلكُم و ِدمَا ُءكُم وأعْرَا ُ
هَذا» .
ثم أعادها مرارا ،ثم رفع رأسه إلى السماء فقال« :اللهُمّ َهلْ بّل ْغتُ؟» ثلث مرات ،وقال« :لِيُبَلّغْ
ضكُم ِرقَابَ َب ْعضٍ» .
جعُوا َبعْدِي ُكفّارا َيضْ ِربُ َب ْع ُ
الشّا ِهدُ الغَا ِئبَ ،ل تَرْ ِ
عن أبي شُريح العدَوي قال :قام رسول ال صلى ال عليه وسلم الغدَ من يوم الفتح ،فحمد ال
ل لمْرِىءٍ يُؤمِنُ بال وال َيوْمِ
حّوأثنى عليه وقال« :إنّ َمكّةَ حَ ّر َمهَا اللّ ُه ولَمْ يُحَ ّر ْمهَا النّاسُ فَلَ َي ِ
خصَ ِلقِتَالِ رَسُولِ ال صلى ال عليه
شجَرةً فإنْ َأحَدٌ تَ َر ّ
سفَكَ ِبهَا دَما ول ُي ْعضَدُ ِبهَا َ
الخِرِ أنْ ُي ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جلّ أَذِنَ لِ َرسُولِه وَلَمْ يَ ْأذَنْ َلكُم ،وإنّما أَذِنَ لِي فِ ْيهَا سَاعَةً مِنْ َنهَارٍ،
وسلم فيهَا َفقُولوا :إنّ اللّهَ عَزّ و َ
وقَدْ عَا َدتْ حُ ْرمَ ُتهَا ال َيوْمَ كَحُ ْرمَ ِتهَا أمْسِ .فَلْيُبَلّغْ الشّا ِهدُ الغَا ِئبَ» .
أخرجاه .وانفرد البخاري بالذي قبله.
عن أبي نضرة قال :حدّثني من شهد خطبة النبي صلى ال عليه وسلم بمنًى في وسط أيام
التشريق ،وهو على بعير فقال:
ل لَ
ج ِميَ ،أ َ
ضلَ َلعَرَ ِبيَ عَلَى عَ َ
ل لَ َف ْ
«يَا أيّها النّاسُ ،ألَ إنّ رَ ّبكُم وَاحِدٌ ،ألَ وإنّ أبَاكُمْ وَاحِدٌ ،أ َ
حمَ َر إلّ بال ّتقْوَى ،ألَ قَدْ بَّل ْغتُ؟» قالوا :نعم.
سوَدَ عَلَى أ ْ
ضلَ ل ْ
َف ْ
قال« :ليُبَلّغ الشّا ِهدُ الغَا ِئبَ» .
عن أبي أمامة قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب في حجة الوداع ،فقال« :ا ّتقُوا
شهْ َركُم ،وأدّوا َزكَاةَ أ ْموَاِلكُم وأط ْيعُوا أولِي أمْ ِركُمَ ،تدْخُلُوا جَنّةَ
سكُم ،وصُومُوا َ
خ ْم َ
اللّ َه وصَلّوا َ
رَ ّبكُم» .
فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحُلَيفة ،فصلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في المسجد ثم ركب
ال َقصْواء ،حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرتُ إلى َمدّ بصري بين يديه ،بين راكبٍ
وماشٍ ،وعن يمينه مثل ذلك ،وعن يساره مثل ذلك ،ومن خلفه مثل ذلك.
حمْدَ وال ّن ْعمَةَ َلكَ والمُ ْلكَ ،لَ شَرِ ْيكَ َلكَ» .
ك لَ شَرِ ْيكَ َلكَ لبّ ْيكَ ،إنّ ال َ
فأهلّ بالتوحيد« :لبّ ْيكَ الل ُهمّ لبّ ْي َ
ولزم رسول ال صلى ال عليه وسلم تلبيته ،حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ،فرمَل ثلثا
س وََأمْنا
جعَلْنَا الْبَ ْيتَ مَثَابَةً لّلنّا ِ
ومشى أربعا ،ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ{ :س 2ش 125وَإِذْ َ
طهّرَا بَيْ ِتىَ لِلطّآ ِئفِينَ وَا ْلعَا ِكفِينَ
سمَاعِيلَ أَن َ
عهِدْنَآ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِ ْ
وَاتّخِذُواْ مِن ّمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَلّى وَ َ
وَال ّركّعِ السّجُودِ }
(البقرة)125 :
،فصل ركعتين ،ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
شعَآئِرِ
ثم خرج من الباب إلى الصفا ،فلما دنا من الصفا قرأ{:س 2ش 158إِنّ الصّفَا وَا ْلمَ ْر َوةَ مِن َ
ط ّوعَ خَيْرًا فَإِنّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ
ط ّوفَ ِب ِهمَا َومَن تَ َ
اللّهِ َفمَنْ حَجّ الْبَ ْيتَ َأوِ اعْ َتمَرَ فَلَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَ ّ
}
(البقرة)158 :
ابدؤوا بما بدأ ال به .فبدأ بالصفا فرقى عليه ،حتى رأى البيت ،فاستقبل القبلة فوحّ َد ال وكبره،
وقال« :لَ اله إلّ اللّهُ وحْدَه لَ شَرِ ْيكَ لَه ،أ ْنجَزَ وعْدَه و َنصَرَ عَ ْبدَه ،وهَزَ َم الحْزَابَ َوحْدَه» .
ثم نزل إلى المروة حتى انصبّت قدماه في بطن الوادي ،حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة
ففعل على المروة كما فعل على الصفا ،حتى إذا كان آخر طواف على المروة قال :لو أني
ي ولجعلتها عمرة.
سقْ الهد َ
استقبلت من أمري ما استدبرت لم أ ُ
جعْشم فقال :يا رسول ال ،ألِعامنا هذا أم للبد.
فقام سراقة بن مالك بن ُ
قال :فشبّك رسول ال صلى ال عليه وسلم أصابعه واحدة في الخرى ثم قال« :دَخََلتْ ال ُعمْ َرةُ في
ل لَبَ ِد الَبَد» .
الحَجّ ،مَرّتَيْنِ ،لَ َب ْ
نل
جهُنّ بكَِلمَةِ ال ،ولكُم عَلَ ْيهِنّ أ ْ
خذْتُموهُنّ بَأمَانَةِ ال واسْ َتحْلَلتُم فُرو َ
واتّقُوا اللّهَ فِي النّسَاءِ فإ ّنكُم أ َ
شكُم أحَدا َتكْرَهونَه ،فإنْ َفعَلْنَ ذَلكَ فاضْرِبُوهُنّ ضَرْبا غَيْرَ مُبرّحٍ ،وَلهُنّ علَ ْيكُم رِ ْز ُقهُنّ
يُوطِئْنَ فُرُ َ
سوَ ُتهُنّ بال َمعْرُوفِ.
وكِ ْ
صمْتُم به :كِتَابَ ال ،وأنْتُم تُسْألونَ عَنّي َفمَا أنْتُم
وقَدْ تَ َر ْكتُ فِ ْيكُم مَا إنْ َتضِلّوا َبعْدَه إنْ اعْ َت َ
قَائِلوُنَ؟»
قالوا :نشهد أنك قد بَّلغْت الرسالة وأديت ونصحت.
شهَدْ» ثلث مرات.
فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكيها إلى الناس« :الل ُهمّ ا ْ
فدفع قبل أن تطلع الشمس ،وأردف الفضلَ بن عباس حتى أتى بطنَ ُمحَسّر فحرك قليلً ثم سلك
الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ،حتى أتى الجم َرةَ التي عند الشجرة فرماها
بسبع حصيات ،يكّبّر مع كل حصاة منها ،مثل حصى الخَذْف ،رمى مِنْ بطن الوادي ،ثم انصرف
إلى المنحر فنحر ثلثا وستين َبدَنة ،ثم أعطى عليّا فنحر ما غبَر وأشْرَكه في َهدْيه ،ثم أمر من كل
بَدَنة ب َبضْعة ،فجُعلت في ِقدْر فطُبخت فأكل من لحمها وشربا مرقها.
ثم ركب رسول ال صلى ال عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر.
قال :فأتى بني عبد المطلب ،وهم َيسْقون على زمزم ،فقال« :انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ ال ُمطِّلبِ ،فََلوْلَ أنْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عتُ َم َعكُم» فناولوه دلوا فشرب منه
سقَايَتكُم لَنَزَ ْ
َيغْلِ َبكُم النّاسُ عَلَى ِ
انفرد بإخراجه مسلم.
أبواب خوفه ،وتضرعه ،وحزنه ،وفكره ،وبكائه ،وورعه ،وقصر أمله،واستغفاره ،وتوبته صلى
ال عليه وسلم
الباب الوّل
في ذكر خوفه وتضرعه صلى ال عليه وسلم
عمَلُه الجَنّةَ» .
ح َدكُمْ َ
خلَ أ َ
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لن ُيدْ ِ
قالوا :ول أنت يا رسول ال؟
ضلٍ» .
حمَةِ مِنْهُ َوفَ ْ
قال« :ولَ أَنا إلّ أنْ يَ َت َغمّدَنِي اللّهُ بِ َر ْ
عمَلُه» .
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَا مِ ْنكُم أحَدٌ يُ ْنجِيْه َ
قالوا :ول أنت؟
الباب الثاني
في انزعاجه للغيم والريح صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا رأى غَيْما أو رِيحا عُرف ذلك في
وجهه .فقلت :يا رسول ال ،الناسُ إذا رأوا الغَيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ،وأراك إذا
رأيته عُرف في وجهك الكراهة؟
ع ّذبَ َقوْمٌ بالرّيْحِ ،وقَدْ رَأَى َقوْمٌ ال َعذَابَ
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،مَا ُي ْؤمِنُنِي أنْ َيكُونَ فِيه عَذَابٌ؟ قَدْ ُ
َفقَالُوا :هَذا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا» .
أخرجاه.
الباب الثالث
فيما كان يقوله إذا سمع صوت الرعد والصواعق
عن سالم بن عبد ال ،عن أبيه ،قال :كان النبي إذا سم َع صوتَ الرعد والصواعق قال« :اللهُ ّم ل
ك َولَ ُتهِْلكْنَا ِب َعذَا ِبكَ ،وعَافِنَا قَ ْبلَ ذَِلكَ» .
َتقْتُلْنَا َب َغضَ ِب َ
الباب الرابع
في ذكر خوفه وفكره صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن علي ،عن خاله هند ،قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم مُتَواصل
الحزان ،دائم ال ِفكْر ،ليست له راحة».
الباب الخامِس
في ذكر بكائه صلى ال عليه وسلم
قال المصنّف :قد ذكرنا في باب شفقته أنه سأل في أمّته وبكى ،فأوحى ال إليه :سأُرضيك في
أمتك.
عن عبد ال بن مسعود قال :قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إقْرَأْ عََليّ» .
فقلت :يا رسول ال ،أقرأْ عليك ،وعليك أُنْزل؟
س َمعَه مِنْ غَيْرِي» .
حبّ أنْ أَ ْ
قالَ « :نعَمْ ،إنّي أ ِ
شهِيدٍ
فقرأت سورة النساء حتى أتيتُ على هذه الية{ :س 4ش َ 41فكَ ْيفَ إِذَا جِئْنَا مِن ُكلّ أمّةٍ ِب َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
شهِيدا } (النساء)41 :
وَجِئْنَا ِبكَ عَلَى هؤلء َ
قال« :حَسْبُك» .فنظرت إليه فإذا عيناه َتذْرفان.
أخرجاه.
جوْفه أزيزٌ كأزيز
عن مطرف ،عن أبيه ،قال« :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو يصلي ولِ َ
المِرْجَل من البكاء».
عمَيْر على عائشة ،فقال ابن عمر :حدّثيني
عن عطاء قال :دخلت أنا وعبد ال بن عمر وعُبَيْد بن ُ
بأعجب ما رأيتِ من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فبكت ثم قالت« :كلّ أمره كان عجبا ،أتاني في ليلتي حتى إذا دخل معي في لحافي وألصق جلده
بجلدي ،فقال« :يَا عَائِشَةُ ،أتَ ْأذَنِينَ فِي عِبَا َدةِ رَبّي؟ فقلت :إني لحبّ قُرْبَك وهواك».
صبّ الماء ثم قام فقرأ القرآن ،قالت :ثم بكى حتى
قالت« :فقام إلى قِرْبة في البيت ،فلم ُيكْثر َ
حجْزته ،ثم اتكأ على جنبه اليمن ،ثم وضع يده اليمنى تحت خده ،ثم بكى حتى
رأيت دموعه بَلّت ُ
رأيت دموعه قد بلّت الرض».
«فجاءه بلل يُوءْذنه بالصلة فرآه يبكي ،فقال :يا رسول ال ،أتبكي وقد غفر ال لك ما تقدم من
شكُورًا؟» .
ذنبك وما تأخر؟ قال« :أفَلَ أكُونُ عَبْدا َ
سمَاوَاتِ وَالّ ْرضِ
ثم قالَ « :ومَالِي لَ أ ْبكِي ،وقَدْ أنْ َزلَ اللّهُ عََليّ اللّيَْلةَ{ :س 3ش 190إِنّ فِى خَلْقِ ال ّ
لوْلِى الّلْبَابِ }
ت ّ
ل وَال ّنهَارِ لّيَا ٍ
وَاخْتِلَافِ الّ ْي ِ
(آل عمران)190 :
اليات.
ثم قال« :ويلٌ ِلمَنْ قَرَأَهَا ولَمْ يَ َت َفكّرْ فِيهَا» .
عن علي قال« :لقد رأيتنا وما فينا قائم إل رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت شجرة يصلي
ويبكي حتى أصْبَح» .يعني ليلة بَدْر.
سمِ ال
عن أبي هريرة قال« :صحبتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر ليلةً ،فقرأ« :بِ ْ
الرّحْمانِ الرّحِيْم» فبكى حتى سقط ،فقرأها عشرين مرة ،كلّ ذلك يبكي حتى يَسْقط ،ثم قال لي
حمْه الرّحْمانُ الرّحِ ْيمُ» .
آخر ذلكَ« :لقَدْ خَابَ مَنْ َلمْ يَ ْر َ
عن سلمة المخزومي قال :لمّا أصيب زيدُ بن حارثة انطلق رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما
رأته ابنته أجهشت في وجهه ،فانتحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له بعضُ أصحابه :ما
هذا يا رسول ال؟
شوْقُ الحَبِ ْيبِ إلَى حَبِيْبِه» .
قال« :هَذا َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أنس قال :دخلنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على إبراهيم وهو يجود بنفْسه ،فجعلت
عَيْنا رسول ال صلى ال عليه وسلم تَذْرفان ،وقال« :إن العَيْنَ تَ ْدمَ ُع والقَلبُ َيحْزَنُ ،ولَ َنقُولُ إلّ
مَا يُ ْرضِي رَبّنَا ،وإنّا ِبفُرَا ِقكَ يَا إبْرَاهِ ْيمُ لمَحْزُونُونَ» .
عن أسامة بن زيد قال :أرسَلتْ بنتُ النبي صلى ال عليه وسلم :أن ابنا لي في الموت .فأرسل
سمًى» .
جلٍ مُ َ
عطَى ،وكلّ شَيءٍ ع ْندَه بِأَ َ
خ َذ ولَه مَا أَ ْ
يقول« :إنّ نِ مَا أَ َ
فأرسلت تقسم عليه ليأتينها ،فقام ومعه رجال ،فرُفع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الصبيّ
ونَفْسه ت َقعْقع ،ففاضت عينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال سعد بن عبادة :ما هذا يا رسول
ال؟
حمَاءَ» .
جعََلهَا اللّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِه ،وإنّما يَ ْرحَمُ مِنْ عِبَادِه الرّ َ
حمَةٌ َ
قالَ « :ر ْ
عن عبد ال بن عمر قال :اشتكى سعدُ بن عبادة ،فأتاه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما دخل
وجده في غاشية أهله ،فقال :قد قَضى؟
قالوا :ل .فبكى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن عائشة قالت :لما مات عثمان بن َمظْعون كشف النبيّ صلى ال عليه وسلم الثوب عن وجهه
سكَ
وقبّل بين عينيه وبكى ،ثم بكى طويلً ،ثم رفع على السرير فقال« :طُوبَاكَ يَا عُ ْثمَانُ ،لم َتلْبَ ْ
سهَا» .
الدّنْيَا وَلمْ تَلْبَ ْ
عن مَيْسرة بن مَعبد ،أن رجلً أتى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إنّا كنّا أهل
جاهلية وعبادة أوثان ،وكنا نقتل الولد ،وكانت عندي بنت وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها،
فدعوتها يوما فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئرا من أهلي غير بعيد ،فأخذت بيدها فورّيتها في
البئر ،وكان آخر عهدي بها أن تقول :يا أبتاه يا أبتاه.
فبكى رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى َوكَف َدمْعُ عينيه.
فقال له رجل من جلساء رسول ال صلى ال عليه وسلم :أحْزَ ْنتَ رسولَ ال.
عمّا أ َهمّه» .
فقال لهُ « :كفّ فإنّه يَسَْألُ َ
حدِيْ َثكَ .
عدْ عََليّ َ
قال :أ ِ
فأعاده فبكى حتى وكَف الدمعُ من عينيه على لحيته ،ثم قال« :إنّ اللّهَ قَد َوضَعَ عَنْ الجَاهِلِيّة مَا
عمََلكَ» .
عمِلوا فَاسْتَأ ِنفْ َ
َ
البابُ السّادِس
في ذكر ورعه صلى ال عليه وسلم
خشَى
عن أنس قال :إنْ كان رسول ال صلى ال عليه وسلم لَيصيب التمرة فيقولَ« :لوْلَ أنّي أ ْ
أنّها مِنَ الصَ َدقَةِ لَكَلْتُها» .
أخرجاه.
عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان نائما فوجد
تمرة تحت جنبه ،فأخذها فأكلها ثم جعل يتضوّر من آخر الليل ،وفزع لذلك بعض أزواجه فقال:
خشِ ْيتُ أنْ َتكُونَ مِنْ َتمْرِ الصّ َدقَةِ» .
حتَ جَنْبِي فأكَلْتُها فَ َ
ج ْدتُ َتمْ َرةً تَ ْ
«إنّي وَ َ
الباب السابع
في قصر أمله صلى ال عليه وسلم
عن أبي سعيد الخدري قال :اشترى أسامة بن زيد وليدة بمائة دينار إلى شهر ،فسمعت النبي
شهْرٍ؟» .
صلى ال عليه وسلم يقول« :ألَ َتعْجَبُونَ منْ ُأسَامَةَ المُشْتَرِي إلَى َ
ي ل يَلْ َتقِيَانِ حَتّى
شفْ َر ّ
ي إلّ ظَنَ ْنتُ أنّ َ
ل َملِ ،والذي َنفْسِي بِيَدِه مَا طَ َر َفتْ عَيْنَا َ
«إنّ أُسَامَةَ َلطَو ْيلُ ا َ
ضعُه حَتّى ُأقْ َبضَ ،ولَ َل َق ْمتُ ُل ْقمَةً َفظَنَ ْتتُ أنّي لَ أسِ ْي ُغهَا
ُأقْ َبضَ ،ولَ َر َف ْعتُ طَ ْرفِي فَظَنَ ْنتُ أنّي وا ِ
غصّ ِبهَا مِنَ ال َم ْوتِ» .
حتّى أَ ُ
ن لتٍ
سكُم منَ ال َموْتَى ،والذي َنفْسِي بِ َيدِه إنّما تُوعَدُو َ
ثم قال« :يَا بَنِي آ َدمَ إنْ كُنْتُم َتعْقِلونَ َفعُدّوا أ ْنفُ َ
ومَا أنْتُم ِب ُمعْجِزِينَ» .
عن ابن عباس :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يهريق الماء فيتمسح بالتراب ،فأقول :يا
رسوب ال ،إن الماء منك قريب.
فيقول« :ومَا يُدْرِيْنِي َلعَلّي لَ أبُْلغَه» .
البَابُ الثامن
في توبته واستغفاره صلى ال عليه وسلم
عن ابن عمر :أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول« :يَا أيّها النّاسُ ،تُوبُوا إلَى رَ ّبكُم ،فَإنّي
أتُوبُ إليه فِي ال َيوْمِ مِائَةَ مَ ّرةٍ» .
غفِرْ لي
عن ابن عمر قال :إنْ كنا لَنعدّ لرسول ال صلى ال عليه وسلم في المجلس يقولَ « :ربّ ا ْ
وَ ُتبْ عََليّ إ ّنكَ أ ْنتَ التّوابُ الرّحِ ْيمُ» مائة مرة .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
غفِرْ لِي وَ ُتبْ
عن عائشة قالت :صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الضحى ،ثم قال« :اللهُمّ ا ْ
عََليّ إ ّنكَ أ ْنتَ التّوابُ الرّحِيْمُ» .حتى قالها مائة مرة.
عن أبي موسى :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إنّي لَسْ َت ْغفِرُ اللّهَ وَأتُوبُ إليه في ال َيوْمِ
مِائَةَ مَ ّرةٍ» .
عن سعيد بن أبي بردة ،عن أبيه ،عن جده ،قال :جاءنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ونحن
ط إلّ اسْ َت ْغفَرْتُ اللّهَ فِيهَا مِائَةَ مَ ّرةٍ» .
غدَاةٌ قَ ّ
حتْ َ
جلوس فقال« :مَا أصْبَ َ
الباب الول
في بسط يديه عند الدعاء صلى ال عليه وسلم
عن ابنة الحسين قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا ،كما
يستطعم المسكينُ».
الباب الثاني
في دعائه عند الصباح والمساء صلى ال عليه وسلم
عن ابن عمر قال :لم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم يدَع هؤلء الدعوات حين يصبح وحين
عوْرَاتِي وآمِنْ
يمسي« :اللهُمّ إنّي أسْأَُلكَ ال َع ْفوَ والعَافِيَةَ فِي دِيْنِي ودُنْيَايَ وأهْلِي ومَالي ،اللهُمّ َأسْتُرْ َ
شمَالِي ،ومِنَ َف ْوقِي ،وأعُوذُ
ي ومِنْ خَ ْلفِي ،وعَنْ َيمِيْنِي وعَنْ ِ
حفَظْنِي مِنْ بَينِ َي َد ّ
َروْعَاتِي ،الل ُهمّ ا ْ
ظمَ ِتكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ َتحْتِي» .
َبعَ َ
قال :يعني :الخسف.
عن عبد الرحمن بن أَبْزَى ،عن أبيه ،أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يقول إذا أصبح وإذا
حمّدٍ صلى ال عليه
لصِ ،وعَلَى دِيْنِ نَبِيّنَا مُ َ
أمسى« :أصْبَحْنَا عَلَى فِطْ َرةِ السْلَمِ وعَلَى كَِلمَ ِة الخْ َ
وسلم ،وعَلَى مِلّةِ أبِيْنَا إبْرَاهِيْمَ صلى ال عليه وسلم حَنِ ْيفًا ومَا كَانَ مِنَ ال ُمشْ ِركِيْنَ» .
عن أبي هريرة ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول إذا أصبح« :اللهُمّ ِبكَ َأصْبَحْنَا و ِبكَ
َأمْسَيْنَا و ِبكَ نَحْيَا و ِبكَ َنمُوتُ وإل ْيكَ ال َمصِيْرُ» .
عن عبد ال قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أمْسَى قال« :أمسَيْنَا وأمْسَى المُ ْلكُ كِ
حمْدُ وهو عَلَى ُكلّ شَيءٍ قَدِيْرٌَ .ربّ
ك ولَه ال َ
حدَه لَ شَرِ ْيكَ لَه ،لَه المُ ْل ُ
حمْدُ ِد لَ اله إلّ اللّ ُه وَ ْ
وال َ
أسْأَُلكَ خَيْرَ هَذه اللّيْلَةِ وخَيْرَ مَا َبعْدَها ،وأعوذُ ِبكَ مِنْ شَرّ مَا فِي هَذِه اللّيْلَةِ وشَرّ مَا َب ْعدَهَا َربّ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سلِ وسُوءِ الكِبْرِ ،ربِ أعوذُ ِبكَ من عَذَابٍ فِي النّارِ وعَذَابٍ فِي القَبْرِ» .
أعوذُ ِبكَ منَ الكَ َ
وإذا أصبح قال ذلك أيضا« :أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُ ْلكُ كِ» .
انفرد بإخراجه مسلم.
الباب الثالث
في دعائه عند الكرب صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول عند الكرب «لَ اله إلّ اللّهُ العَظِ ْيمُ
ت وَ َربّ الَ ْرضِ َربّ العَرْشِ
الحَلِ ْيمُ ،لَ اله إلّ اللّهُ َربّ العَرْشِ ال َعظِيْمِ ،لَ اله إلّ اللّهُ ربّ السّماوا ِ
الكَرِيْمِ» .
البَابُ الرّابع
في دعائه مطلقا صلى ال عليه وسلم
غفِرْ
عن أبي موسى ،عن أبيه ،عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول هذا الدعاء« :الل ُهمّ ا ْ
غفِرْ لِي جِدّي وهَزْلِي
جهْلِي وإسْرَافِي فِي َأمْرِي ،ومَا أ ْنتَ أعَْلمُ بِه مِنّي ،اللهُمّ ا ْ
خطِيْئَتِي و َ
لِي َ
غفِرْ لِي مَا َق ّد ْمتُ ومَا أخّ ْرتُ ومَا أسْرَ ْرتُ وما أَعْلَ ْنتُ
عمْدِي و ُكلّ ذَِلكَ عِنْدِي ،الل ُهمّ ا ْ
وخَطَئِي و َ
ومَا أَ ْنتَ أَعَْلمُ به مِنّي ،أَ ْنتَ ال ُمقَدّ ُم وأَ ْنتَ ال ُمؤَخّ ُر وأَ ْنتَ عَلَى ُكلّ شَيءٍ قَدِيرٌ» .
عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو بهؤلء الدعوات« :اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ
ب القَبْرِ ،ومنْ شَرّ فِتْنَة ال َفقْر ،وأعُوذُ ِبكَ مِنَ ال َمسِيْحِ
عذَابِ النّا ِر وفِتْنَ ِة القَبْرِ وعَذَا ِ
مِنْ فِتْنَةِ النّارِ و َ
خطَايَا َكمَا َنقَيْتَ ال ّث ْوبَ البْ َيضَ
سلْ خَطَايَايَ ِبمَاءِ الثّلْج والبَرَدِ ،ونَقّ قَلْبِي مِنَ ال َ
غِالدّجّالِ ،اللهُمّ ا ْ
ع ْدتَ بَيْنَ المُشْرِقِ وال َمغْرِبِ ،اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ منَ
مِنَ الدّنَسِ ،وبَاعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطَايَايَ َكمَا بَا َ
الكَسَل والهَرَ ِم والمَأثَ ِم وال َمغْرَمِ» .
هذا والذي قبله في الصحيحين.
عن زيد بن أرقم قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ مِنَ ال َعجْزِ
عذَابِ القَبْرِ ،الل ُهمّ آتِ َنفْسِي َتقْوَاهَا وز ّكهَا أ ْنتَ خَيْرُ مَنْ َزكّاهَا،
خلِ و َ
ن والهَرَمِ وال ُب ْ
سلِ والجُبْ ِ
والكَ َ
ع َوةٍ
خشَع ،و َنفْسٍ ل َتشْبَعُ ،وعِلْ ٍم لَ يَ ْنفَع ،ودَ ْ
أ ْنتَ وَلِ ّيهَا َو َم ْولَهَا ،اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ مِنْ قَ ْلبٍ ل يَ ْ
ل ُيسْتَجَابُ َلهَا» .
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ مِنَ البَ َرصِ،
سقَامِ» .
جذَامِ ،وشَتّى ال ْ
والجُنونِ ،وال ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ب القُلُوبِ ثَ ّبتْ قَلْبِي
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيكْثر أن يقول« :يا مُقلّ َ
عَلَى دِيْ ِنكَ» .
فقلنا :يا رسول ال ،آمنا بك وبما جئتَ به ،فهل تخاف علينا؟
ك و َتعَالَى» .
قالَ « :نعَمْ ،إنّ القُلوبَ بينَ إصْ َبعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الُ ،يقَلّ ُبهَا تَبَا َر َ
غفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
عن عبد ال بن عمرو ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو« :اللهُمّ ا ْ
عمْدَنَا و ُكلّ ذلكَ عِنْدَنَا ،اللهُمّ إنّي أعوذُ ِبكَ من غَلَ َبةِ الدّيْنِ وغَلَ َبةِ العَ ُدوّ
جدّنَا و َ
وظُ ْلمَنَا وهَزْلَنَا و ِ
شمَاتَةِ العْدَاءِ» .
وَ
طهّرْنِي بالثّلْجِ
عن عبد بن أبي َأ ْوفَى أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو فيقول« :اللهُمّ َ
س وبَاعِدْ
طهّ ْرتَ ال ّث ْوبَ البْ َيضَ مِنَ الدّنَ ِ
طهّرْ قَلْبِي مِنَ الخَطَايَا َكمَا َ
والبَرَ ِد والمَاءِ البَا ِردِ ،اللهُمّ َ
ق وال َمغْ ِربِ ،اللهُمّ إنّي أعُوذُ ِبكَ مِنْ قَ ْلبٍ ل َيخْشَع و َنفْسٍ
بَيْنِي وبَيْنَ ذُنُوبِي َكمَا بَاعَ ْدتَ بَيْنَ المَشْرِ ِ
سمَع وعِلْمٍ ل يَ ْنفَع» .
لَ َتشْبَع ودُعَاءٍ ل يُ ْ
عن أبي اليسر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يدعو بهؤلء الدعوات السبع« :اللهُمّ إنّي
أعوذُ ِبكَ مِنَ الهَرَمِ ،وأعوذُ ِبكَ منَ التّرَدّي ،وأعوذُ ِبكَ مِنَ الغَمّ والطّرْقِ والحَرْقِ والهَدْمِ ،وأعوذُ
ِبكَ أنْ يَتَخَبّطَنِي الشّ ْيطَانُ عِنْدَ ال َموْتِ ،وأعوذُ ِبكَ منْ أَنْ أَموتَ فِي سَبِيِْلكَ مُدْبِرا ،وأَعوذُ ِبكَ مِنْ
ن أموتَ َلدِ ّيغًا» .
أْ
عمّا ٌر صل ًة فأوْجَز فيها ،فأنكَروا ذلك فقال :ألم أ ِت ّم الركوع
عن قيس بن عَبّاد قال :صَلّى بنا َ
والسجود؟
قالوا :بلى.
قال :أمَا إني قد دعوت فيها بدعاء كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو به« :اللهُمّ بعِ ْل ِمكَ
الغَ ْيبَ وقُدْرَ ِتكَ عَلَى الخَ ْلقِ أحْيِنِي مَا عَِل ْمتَ الحَيَاةَ خَيْرا لِي ،و َت َوفّنِي إذَا كَا َنتْ ال َوفَاةُ خَيْرًا لِي،
ضبِ وال ّرضَى ،والقَصْدَ فِي ال َفقْرِ والغِنَى،
شهَا َدةِ ،وكَِلمَةَ الحَقّ فِي ال َغ َ
أسْأَُلكَ خَشْيَ َتكَ فِي الغَ ْيبِ وال ّ
ش ْوقًا إلى ِلقَا ِئكَ ،وأسْأَُلكَ َنعِ ْيمًا ل يَنْفدُ ،وقُ ّرةَ عَيْنٍ ل تَ ْنقَطِعُ ،وأعوذُ ِبكَ
ج ِهكَ و َ
ولَ ّذةَ ال َنظَ ِر إلى وَ ْ
جعَلْنَا ُهدَاةً ُمهْتَدِينَ» .
منْ ُكلّ ضَرّاءَ ُمضِ ّرةٍ وفِتْنَةٍ ُمضِلّةٍ ،اللهُمّ زيّنَا بِزِيْ َنةِ ال ْيمَانِ وا ْ
عن ابن عباس قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم يدعو« :ربّ أعِنّي ولَ ُتعِنْ عََليّ ،وا ْنصُرْنِي
عَليّ وا ْهدِني ويَسّرْ لي الهُدَى ،وا ْنصُرْني عَلَى مَنْ َبغَى
ول تَ ْنصُر عََليّ ،وا ْمكُرْ لِي ول َت ْمكُرْ َ
ك أوّاها مُنِيْبًاَ ،ربّ
طوَاعاَ ،لكَ ُمخْبِتاَ ،ل َ
جعَلْنِي َلكَ شَاكِراَ ،لكَ ذَاكِراَ ،لكَ رَهّاباَ ،لكَ مِ ْ
عََليَّ ،ربّ ا ْ
شدّدْ ِلسَانِي ،وا ْهدِ قَلْبِي ،واسُْللْ
عوَتِي ،وثَ ّبتْ حُجّتِي ،و َ
جبْ دَ ْ
حوْبَتِي ،وأ ِ
سلْ َ
َتقَبّلْ َتوْبَتِي ،واغْ ِ
سخِ ْيمَةَ قَلْبِي» .
َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عروة بن نوفل قال :سألتُ عائشةَ عن شيء كان يدعو به رسول ال صلى ال عليه وسلم،
عمَل» .
ت ومِنْ شَرّ مَا َلمْ أَ ْ
عمِل ُ
فقالت :كان يدعو« :اللهُمّ إنّي أعوذُ ِبكَ مِنْ شَرّ مَا َ
عن أبي هريرة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :الل ُهمّ أصْلِحْ لِي دِيْنِي الذي هو
جعَل
صمَةُ أمْرِي ،وأصْلِحْ لِي دُنْيَايَ التي فِيهَا َمعَاشِي ،وأصْلِح ليْ آخِرَتِي التي إل ْيهَا َمعَادِي ،وا ْ
ع ْ
ِ
جعَل ال َممَاتَ رَاحَةً لِي مِنْ ُكلّ شَرَ» .
الحَيَاةَ زِيَا َدةً لِي فِي ُكلّ خَيْرٍ ،وا ْ
عن عبد بن عمر قال :كان مِنْ دعاء رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ إنّي أعوذُ ِبكَ مِنْ
طكَ» .
خِجمِيْعَ سُ ْ
ح ّولِ عَافِيَ ِتكَ ،وفَجَْأةِ َنقْمَ ِتكَ ،وَ َ
َزوَالِ ِن ْعمَ ِتكَ ،وتَ َ
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :اللهُمّ إنّي أعوذُ ِبكَ مِنَ ال َهمّ والحَزَنِ
خلِ وضَلْعِ الدّيْنِ وغَلَبَةِ الرّجَالِ» .
سلِ والجُبْنِ وال ُب ْ
والعَجْ ِز والكَ َ
غفِرْ لِي مَا ق ّد ْمتُ ومَا
عن أبي هريرة قال :كان من دعاء رسول ال صلى ال عليه وسلم« :الل ُهمّ ا ْ
ت ومَا أعْلَ ْنتُ ،ومَا أ ْنتَ أعَْلمُ بِه مِنّي ،أ ْنتَ ال ُمقَدّ ُم وأ ْنتَ ال ُمؤَخّرُ ل اله إلّ أ ْنتَ»
أخّ ْرتُ ،ومَا أسْرَ ْر ُ
.
ن ال َفقْرِ والعِلّةِ
عن أبي هريرة قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم يقول« :الل ُهمّ إنّي أعوذُ ِبكَ م َ
ظلَمَ» .
والذّلّةِ ،وأعوذُ ِبكَ أنْ أَظِْلمَ أو أُ ْ
عن أنس قال :كان أكثرُ دعاء رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ آتِنَا في الدّنْيَا حَسَنة وفِي
حسَنةً ،وقِنَا عَذَابَ النّارِ» .
الخِ َرةِ َ
جهْد البلء ودَرْك الشقاء،
عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم« :كان يتعوّذُ من َ
وسوء القضاء ،وشماتة العداء».
أبواب :آلت بيته صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في ذكر سريره صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :دخلتُ على رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على سرير ُمضْطَجع مزمّل
بشريط ،وتحت رأسه وسادة من َأدَم حَشْوها ليف ،فدخل عليه نفر من أصحابه ودخل عمر،
فانحرف رسول ال صلى ال عليه وسلم انحرافةً ،فلم يَرَ عمر بَيْنَ جنبيه وبين الشريط ثوبا ،وقد
أثّر الشريطُ بجنب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فبكى عمر ،فقال له رسول ال صلى ال عليه
وسلم« :ما يُ ْبكِ ْيكَ؟» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :وال ما أبكي إل أن أكون أعلم أنك َأكْرمُ على ال مِنْ كسرى وقيصر ،وهما يعيشان فيما
يعيشان فيه من الدنيا ،وأنت رسولُ ال بالمكان الذي أرى.
قال« :أَما تَ ْرضَى أنْ َتكُونَ َلهُم الدّنْيَا وَلَنَا الخِ َرةُ» ؟
قال :بلى.
قال« :فَإنّه َكذَِلكَ» .
عن عمرو بن مهاجر :كان متاع رسول ال صلى ال عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز في
بيتٍ ينظر إليه كلّ يوم ،وكان إذا اجتمعت إليه قريش أدخلهم ذلك البيتَ ثم استقبل ذلك المتاعَ
فيقول :هذا ميراثُ مَنْ أكْرَمكم ال وأعزّكم به.
جفْنة وقَدَحا وثوبا ،ورحًى وكنانةَ
قال :وكان سريرا مزمّلً بشريط ،ومِ ْرفَقةً من أَدم محشوة ليفا ،و َ
سهُم ،وكان في القطيفة أثرُ رشح عرق رأسه أطيب من ريح المسك .فأصيب رجلٌ فطلبوا
فيها أَ ْ
سعّط به ،فذكر ذلك لعمر ،فسُعط به فبرأ.
أن يغسلوا بعضَ ذلك الرشح فيُ َ
الباب الثاني
في ذكر حصيره صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحْتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه،
ويُبْسط بالنهار فيجلس عليه للناس».
البابُ الثالِث
في ذكر كرسيه صلى ال عليه وسلم
عن أبي رفاعة قال« :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم وهو على كرسي خُلْب قوائمه حديدٌ».
عن أبي رفاعة (العُذْري) قال :أتيت النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو يخطب فقلت :رجل غريب
يسأل عن دينه .فأقبل إليّ وترك خطبته ،ثم أتي بكرسي خُلْب قوائمه حديد ،فقعد عليه رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،ثم أقبل يعلمني مما علّمه ال.
قال أبو عبد الرحمن في حديثه قال حميد :أراه رأى خشبا أسود حسبه حديدا انفرد بإخراجه مسلم.
وقد ذكره ابن قتيبة فقال :أتي بكرسي من خُلْب.
والخلب :الليف.
قال المصنف :لول ما ذكرناه عن حميد لكان الليق أن يكون من ليف قوائمه من جريد بالراء
والجريد :السعف.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
البابُ الرابع
في ذكر فراشه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم من أدَم حشوه ليف».
عن عائشة قالت« :كان ضِجَاع رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي ينام عليه بالليل من أدم
حشوه ليف».
عن عائشة قالت :دخلت عليّ امرأةٌ من النصار ،فرأت فراش رسول ال صلى ال عليه وسلم
عباءةً مَثْنِيّة ،فانطلقتْ فبعثت إليّ بفراش حَشْوه صوفٌ.
فدخل عليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :مَا َهذَا؟» .
ك فبعثت إليّ بهذا.
فقلت :إن فلنة النصاريّة دخلتْ فرأت فراش َ
قال« :رُدّيْه» .
قالت :فلم أردّه وأعجبني أن يكون في بيتي ،قالت :حتى قال ذلك ثلث مرات فقال« :رُدّيْه يَا
ب والفِضّةِ» .
ت لَجْرَى اللّهُ عََليّ جِبَالَ الذّ َه ِ
عَائِشَةَُ ،فوَال َلوْ شِ ْئ ُ
قالت :فردَدْته.
عن الربيع بن زياد الحارثي ،قال :قد ْمتُ على عمر بن الخطاب في وفد العراق ،فأمر لكل رجل
منا َبعَبَاء فأرسلتْ إليه حفص َة فقالت :يا أمير المؤمنين ،إياك أهلَ العراق وجوه الناس فأحسنْ
كرامتهم .فقال :ما أزيدهم على العباء يا حفصة ،أخبريني بأَلْين فراشٍ فرشتِ لرسول ال صلى
ال عليه وسلم.
قالت :كان لنا كساء من هذه اللبدة أصبناه يومَ خيبر ،فكنت أفرشه لرسول ال صلى ال عليه وسلم
ح ْفصَةُ ،أعِيْدِيْه ِلمَرّتِه الولَى ،فإ ّنهَا مَ َنعَتْنِي وَطْأتُه البَا ِرحَةَ
كلّ ليلة ،إل أني ربّعته ليلةً فقال« :يَا َ
لةِ» .
مِنْ الصّ َ
فأرسل عمر عينيه بالبكاء ،وقال :وال ل أزيدهم على العباء
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال :سأَلتُ عائشةَ :ما كان فراشُ رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قالتِ :مسْحٌ ثَنَيْته ثَنْيتين فنام عليه ،فلما كان ذات ليلة قلت لو ثَنَيْتُه أربع ثنيات كان أوْطأَ له.
فثنيناه أربع ثنيات.
فلما أصبح قال« :مَا فَرَشْتُم لِي اللّيْلَة؟» .
قالت :قلنا هو فراشُك( ،إلّ أنّا ثَنيْناه بأَربع ثنيات) قلنا هو أوْطأ لك.
قال« :رُدّوه ِلحَالَتِه الولَى ،فإِنّه م َنعَنِي وطْأَتُه صَلَتي اللّيْلَة» .
البَابُ الخامِس
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر لحافه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي وعليه طرف اللحاف وعلى عائشة
طرفه».
عن ابن عباس قال :تض ّي ْفتُ ميمونةَ وهي خالتي ،فجاءت بكساء فطرحته وفرشَتْه للنبي صلى ال
عليه وسلم ،ثم جاءت ميمونةُ بخرقة فطرحتها عند رأس الفراش ،فجاء رسولُ ال صلى ال عليه
وسلم وقد صلّى العشاء الخرة ،فانتهى إلى الفراش فأخذ الخرقة التي عند رأس الفراش فاتّزَر بها
وخلع ثوبيه فعلقهما ،ثم دخل معها في لحافها.
البَابُ السّادس
في ذكر وسادته صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :دخلتُ على النبي صلى ال عليه وسلم وتحت رأسه وسادة من أَدَم حَشْوها ليفٌ».
عن عمر :أنه دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا هو على حصير قد أثّر في جنبه،
وإذا تحت رأسه مِ ْرفَقة من أدم حشوها ليف.
البابُ السّابع
في اتكائه صلى ال عليه وسلم على الوسادة
عن جابر بن سَمرة قال« :رأيتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم متكئا على وسادة على يساره».
عن عائشة قالت« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم متكئا على وسادة فيها صُور».
الباب الثامن
في ذكر قطيفته صلى ال عليه وسلم
حلٍ َرثّ وقطيفةٍ ل تساوي أربعة
عن أنس قال« :حجّ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم على رَ ْ
دراهم».
البَابُ التّاسِع
في ذكر قبته صلى ال عليه وسلم
عن عبد الرحمن بن عبد ال عن أبيه قال« :أتيتُ النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو في قُبّة من
أَدَم».
أبواب لباسه صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الول
في ذكر قميصه صلى ال عليه وسلم
عن أم سلمة قالت« :كان أحبّ الثياب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم القميص».
عن أنس بن مالك قال« :كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم قميصٌ ُقطْني قصير الطول قصير
ال ُكمّين».
عن ابن عباس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يلبس قميصا فوق الكعبين مستوي ال ُكمّين
بأطراف أصابعه».
عن ابن عمر قال« :مااتّخِذَ لرسول ال صلى ال عليه وسلم قميص له زِرّ».
عن عائشة قالت« :كان على رسول ال صلى ال عليه وسلم ثوبان خشنان غليظان ،فقلت :يا
رسول ال؛ إن ثوبيك هذين خشنان غليظان تَرْشح فيهما فيثقلن عليك».
عن قتادة قال« :سألتُ أنسا :أيّ اللباسِ كان أعجبَ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؟».
قال« :الحبَرة».
عن قتادة قال :قلت لنس :أيّ اللباس كان أعجبَ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قال« :الحبَرة».
أخرجاه.
الباب الثاني
في ذكر جبته صلى ال عليه وسلم
حسِر عن
عن المغيرة بن شعبة« :أن رسولَ ال صلى ال عليه وسلم غسَل وجهه ،ثم ذهب يَ ْ
ذراعيه وعليه جُبّة شامية ضيّقة ال ُكمّين ،فأخرج يده من تحتها».
عن زيد بن هارون قال :أخرجت لنا أسماء جبّةً مَزْرورةً بالديباج ،فقالت« :في هذه كان يَلْقى
رسول ال صلى ال عليه وسلم العدوّ».
عن ِدحْية الكلبي« :أنه َأهْدى إلى النبي صلى ال عليه وسلم جبّةً من الشام وخفين فلبسهما حتى
تخرقا».
عن سهل بن سعد قال :خِيطت لرسولِ ال صلى ال عليه وسلم جبّة من صوف أَنْمار فلبسها ،فما
أُعْجب بثوبٍ ما أُعجب بها ،فجعل يمسّها بيده ويقول« :ا ْنظُروا مَا أحْسَنَها» .
وفي القوم أعرابي فقال :يا رسول ال هَبْها لي .فخلعها فدفعها في يده.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
البابُ الثالث
في ذكر إزاره وكسائه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة :أن النبي صلى ال عليه وسلم صلّى في خميصة لها أعلم ،فنظر إلى أعلمها نظرةً،
جهْمٍ ،فإنّها ا ْلهَتْنِي
جهْمٍ وائْتوُنِي بأَنْبَجَانيّةِ أبي َ
خمِ ْيصَتِي َهذِه إلَى أبِي َ
فلما انصرف قال« :اذْهَبُوا ِب َ
ن صَلَتِي» .
عَ ْ
الخميصة :رداء من صوف ذو عَلَمين.
والَنْبجانِيّة :كساء من صوف غليظ له خَمل وليس له عَلَم.
جتْ لنا عائشة كساءً مُلبّدا وإزارا غليظا ،فقالت« :قُبض رسول ال صلى
عن أبي بُرْدة قال :أخر َ
ال عليه وسلم في هذين».
عن عائشة قالت« :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات غداة إلى المسجد وعليه مِرْطٌ
مُرَحّل من شعر أسود».
ي صلى ال عليه وسلم عثمانَ إلى مكة فأجاره أبان
عن سلمة بن الكوع ،عن أبيه ،قال :بعث النب ّ
عمّ ،ألَ أراك متخشّعا؟ أسْ ِبلْ كما ُيسْبل قومُك.
ابن سعد ،فقال :يا بن َ
قال :هكذا يَتّزِ ُر صاحبُنا إلى نصف ساقيه.
ع ّمهَا قال :بَيْنا أنا أمشي إذا إنسان خلفي
عن الشعث بن سليم قال :سمعت عمتي تحدث عن َ
يقول« :ا ْرفَعْ إزَا َركَ فإنّه أ ْنقَى وأَبْقَى» .فإذا هو رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فقلت :يا رسول ال ،إنما هي بُرْدة مَلْحاء.
س َوةٌ؟» فنظرتُ فإذا إزاره إلى نصف ساقيه.
قال« :أمَاَلكَ ِفيّ أُ ْ
الباب الرابع
في ذكر حلته صلى ال عليه وسلم
عن عبد ال بن الحارث :أن النبيّ صلى ال عليه وسلم اشترى حُلة بسبع وعشرين ناقة فلبسها.
عن جابر بن عبد ال قال :ما رأيت أحسنَ من رسول ال صلى ال عليه وسلم في حُلة حمراء.
الباب الخامس
في ذكر بردته صلى ال عليه وسلم
عن سليم بن جابر قال« :أتيتُ النبيّ صلى ال عليه وسلم وهو جالس في أصحابه ،وإذا هو ُمحْ َتبٍ
بُبّردة قد وقع هدبُها على قدميه».
عن عائشة :أن النبي صلى ال عليه وسلم لبس بردةً سوداء ،فقالت عائشة« :ما أحْسَنهاعليك،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
يَشُوب بياضُك سوادَها ،وسوادُها بياضَك».
عن أنس قال« :كنت أمشي مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه بُرْدٌ َنجْرَا ِنيّ غليظ
الحاشِيَة».
عن جابر بن عبدال قال« :كان للنبي صلى ال عليه وسلم بُ ْردٌ أحمر يلبسه في العيدين».
عن أبي ِرمْثة قال« :رأيتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وعليه بُرْدان أخضران».
الباب السادس
في ذكر عمامته صلى ال عليه وسلم
عن جابر قال« :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء».
عن خالد الحَذّاء قال :أخبرني أبو عبد السلم قال :قلت لبن عمر :كيف كان رسول ال صلى ال
عليه وسلم َيعْتَمّ؟
قالُ :يدِير كَور العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ،ويُرْخي لها ذؤابةً بين كتفيه».
سدَل عمامته بين كتفيه.
عن نافع عن ابن عمر :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا اعتمّ َ
قال نافع :وكان ابن عمر يفعل ذلك.
الباب السابع
في ذكر قلنسوته صلى ال عليه وسلم
عن ابن عمر قال« :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يلبس قلنسوةً بيضاء».
عن أبي هريرة قال« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم قلنسوة بيضاء شامية».
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يلبس من القلنس في السفَر ذوات الذان وفي
الحضر المشمّرة» .يعني :الشامية.
عن ابن عباس قال« :كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم ثلث قلنس :بيضاء ِمصْريّة ،وقلنسوة
سفَر».
بُرْد حَبرة ،وقلنسوة ذات آذان يلبسها في ال ّ
عن عبد ال بن بُسْر قال« :رأيتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم وله قلنسوة مصرّية ،وقلنسوة
لها آذان ،وقلنسوة شامية».
الباب الثامن
في ذكر ردائه صلى ال عليه وسلم
عن عروة بن الزبير قال« :كان طولُ رداءِ رسول ال صلى ال عليه وسلم أربعة أذرع،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وعرضه ذراعين ونصف ،وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه».
عن عروة« :أن ثوب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفد رداء ،وثوب
أخضر :طوله أربعة أذرع ،وعرضه ذراعان وشبر ،وهو عند الخلفاء اليوم ،قد كان خَلِقَ وطُرّف
بثوبٍ يلبسونه يوم الفطر ،ويوم الضحى».
عن أبي هريرة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم قام يوما حتى بلغ وسط المسجد ،فأدركه أعرابي
حمّر رقبته».
فجبذ بردائه ،من ورائه وكان رداء خشنا ف َ
عن عبد ال بن جعفر ،عن أبيه ،قال« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وعليه ثوبان
مصبوغان بالزعفران ،ورداء ،وعمامة».
عن عبد ال بن بُرَيدة ،عن أبيه :أن النجاشي كتب إلى النبي صلى ال عليه وسلم« :إني قد
زوّجتك امرأ ًة من قومك وهي على دينك :أم حَبيبة بنت أبي سفيان ،وأهديتُ لك هديةً جامعة:
خفّين ساذَجين».
قميصا ،وسراويلَ ،وعِطافا ،و ُ
فتوضأ النبي صلى ال عليه وسلم ومسح عليهما.
قال سليمان :قلت للهيثم :ما العِطاف؟
قال :الطيلسان.
عن أنس بن مالك قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيكْثر القناع كأن ثوبه ثوبُ زَيّات».
الباب التاسع
في ذكر سراويله صلى ال عليه وسلم
عن قيس قال :جلبت أنا ومخْرمة العبدي بُرّا من هجر إلى مكة ،فأتانا رسولُ ال صلى ال عليه
وسلم فاشترى سراويل ،و َث ّم وَزّانٌ يَزِن بالجر ،فقال« :إذا وزَنْتَ فَأَرْجح» .
الباب العاشر
في لبسه الصوف صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :لبس رسول ال صلى ال عليه وسلم الصوف واحْتَذى المخصوفَ ،ولبس خَشنا،
وأكل شِبْعا ،فسألنا الحسن :ما الشبع؟
قال :غليظُ الشعير ،ما كان يسيغه إل بجرعة ماء.
عن أبي أيوب قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يلبس الصوف ،ويخصف النعلَ ،ويرقع
غبَ عَنْ سُنَتِي فَلَ ْيسَ مِنّي» .
القميص ،ويركب الحمار ويقول« :مَنْ رَ ِ
عن أنس بن مالك قال« :لبس رسول ال صلى ال عليه وسلم جبّة من صوف ثلثة أيام ،فلما
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عرق وجد منها ريحا كريها فرمى بها».
عن أبي سعيد قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا استجدّ ثوبا سمّاه باسمه ،عمام ًة أو
سوْتَنِيْه ،أسْأَُلكَ خَيْرَه وخَيْرَ مَا صُنِعَ لَه وأعُوذُ ِبكَ
حمْدُ َكمَا َك َ
قميصا أو رداء ،يقول« :اللهُمّ َلكَ ال َ
مِنْ شَرّه وَشَرّ مَا صُنِعَ لَه» .
الباب الول
في ذكر خيله صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :لم يكن شيء أحبّ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بعدَ النساء من الخيل».
شقَر الرْثَم القْدح
عن أبي هريرة قال« :كان أحبّ الخيل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ال ْ
حجّل في الشق اليمن».
المُ َ
عن ابن عباس قال« :كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم فرس يقال له :المرْتجز».
سكْب ،وكان له:
س يقال له :ال ّ
قال المصنف :أولُ فرس مَلَكه رسول ال صلى ال عليه وسلم فر ٌ
المُرْتَجز ،وهو الفرس الذي اشتراه من العرابي وشهد فيه خزيمة بن ثابت ،وفرس يقال له:
اللّزاز ،وفرس يقال له :الطّرف وفرس يقال له :الورْد ،وفرس يقال له :النّحيف ،وبعضهم يقول:
اللّحيف.
وبعض العلماء يسمّي بعضَ خيله :ال َي ْعسُوب.
الباب الثاني
في ذكر ناقته صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :كانت ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم تسمى ال َعضْباء ،وكانت ل تُسْبق ،فجاء
أعرابي على قعود له فسبقها ،فشق ذلك على المسلمين ،فقال« :مَاَلكُمْ؟»
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالوا :سُبقت العضباء.
ضعَه» .
ل َو َ
جلّ أنْ يَ ْرفَعَ شَيْئا منْ َأمْرِ الدّنْيَا إ ّ
فقال« :إنّه حَقّ عَلَى ال عَ ّز َو َ
عن ابن عمر قال« :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته ال َقصْواء».
عن معاذ قال« :كنت َردِيفَ رسول ال صلى ال عليه وسلم على جمل أحمر».
عن هشام بن عروة ،عن أبيه ،قال :لما خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم وخلّف عثمان على
بنته وكانت مريضة وخلّف أسامة ،فبينما هم إذ سمعوا ضَجّة التكبير ،فجاء زيد بن حارثة على
ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم الجَدْعاء وهو يقول :قُتل فلن وأُسَر فلن.
جدْعاء.
واعلم أن القَصْواء :هي العَضباء ،وهي ال َ
قال سعيد بن المسيّب« :كان في طرف أذنها جَدع».
والجدعاء :التي استؤصلت أذنها.
والمقصوّة :التي قُطع بعضُ أذنها.
وحكى لنا شيخنا ابن ناصر ،عن ثعلب ،أنه قال :هذه أسماء لناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم
ولم تكن جَدْعاء ول َمقْصوّة.
الباب الثالث
في ذكر بغلته صلى ال عليه وسلم
عن العباس بن عبد المطلب قال :شهدتُ مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين فلم يثبت
معه إل أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ،فلم نفارقه ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم
على بغلة له بيضاء أهداها له فَرْوة بن نفاثة.
عن الصبغ بن نباتة قال :لما قتل عليّ أهل النهروان ركب بغلة النبي صلى ال عليه وسلم
الشهباء.
قال المصنف :كانت بغلته تسمى :الشهباء ،وتسمى :الدّلْدل.
الباب الرابع
في ذكر حماره صلى ال عليه وسلم
عن معاذ قال« :كنت ِردْف النبي صلى ال عليه وسلم على حمار يقال له :عفير».
عن أنس بن مالك قال« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم على حمار عليه إكاف».
عن أنس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يوم خيبر ويوم النضير على حمار عليه إكافٌ
مَخْطوم بحبْل من ليف».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الخامس
في ذكر سرجه صلى ال عليه وسلم
عن أبي عبد الرحمن الفهري قال :شهدتُ مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين في يوم
صائف شديد الحر ،فقال« :يَا بِلَل ،أسْرُجْ لِي فَ َرسِي» .
فأخرج سرجا رقيقا من لبد ليس فيه أشَر ول بَطر.
الباب السادس
فيما كان يقوله إذا ركب صلى ال عليه وسلم
عن علي بن ربيعة قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم أُتي بدابّة ليركبها ،فلما وضع
رجله في الركاب قال« :بِسْمِ ال» .
حمْدُ دِ الذي سَخّرَ لَنَا هَذا ومَا كُنّا لَه ُمقْرِنِينَ وإنّا إلى رَبّنَا لم ْنقَلِبُونَ» .
فلما استوى عليها قال« :ال َ
غفِر لي» .
ثم حمد ال ثلثا وكبّر ثلثا ،ثم قال« :س ْبحَانَك ل اله إلّ أ ْنتَ قَدْ ظََل ْمتُ َنفْسِي فَا ْ
ثم ضحك.
فقلت :مم ضحكت يا رسول ال؟
غفِرْ لِي .و َيقُولُ عَلِمَ عَ ْبدِي أنّه لَ َي ْغفِرُ الذّنوبَ غَيْرِي» .
جبُ الربّ مِنْ عَبْدِه إذا قَالَ :ا ْ
فقالَ « :يعْ َ
الباب السابع
في صفة سيره صلى ال عليه وسلم
عن هشام قال :سُئل أسامة عن سَيْر رسول ال صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع :فقال« :كان
سيره العَنَق ،فإذا وجد فجوةً َنصّ».
وال ّنصّ فوقَ العنق.
والفَجْوة :المتسع.
أبواب ذكر مواليه وخدمه عليه الصلة والسلم
الباب الول
في ذكر مواليه
أسْلَم ،ويكنى :أبا رافع .أحمر ويكنى :أبا عَسيب .أسامة بن زيد .أفْلَح .أنسة .أيمن َثوْبانَ .ذكْوان،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
طهْمان .رافع ،رَباح .زيد بن حارثة ،زيد بن َبوْلَى ،سابق ،سالم،
ويقال :هو مهران ،ويقالَ :
ضمَيرة
شقْرَان واسمه صالحُ .
سلمان الفارسي ،سليم :ويكنى أبا كبشة الدّوسي ،سعيد أبو كنديدُ ،
بن أبي ضميرة .عبدال بن أَسْلَم .عبيد بن عبد الغفار .فَضالة اليماني .كَيْسَان .مهران ،أبو عبد
سفِينَة رومان .مِدْعَم .نافعُ .نفَيع
سفِينة في قول إبراهيم الحربي .وقال غيره :اسم َ
الرحمن ،وهو َ
ويكنى :أبا َبكْرة .نبيه .واقد .ورْدَان .هشام .يَسَار أبو أثيلة .أبو الحمراء .أبو رافع والد البهيّ.
ضمْرة .أبو عبيد واسمه سعد ،وقيل :عبيد .أبو َموْيْهبة وهو من مُزَينة .أبو واقد.
أبو السّمح .أبو َ
كركرة .مابُور .أبو لبابة .أبو لقيط .أبو هند مُولدي.
الباب الثاني
في ذكر مولياته صلى ال عليه وسلم
سلْمى .مارية .ميمونة بنت سعد.
أم أيمن ،واسمها :بركة .أُميمة .خضرةَ .رضْوى .ريحانةَ .
عسِيب .أم ضُميرة .أم عيّاش.
ميمونة بنت أبي َ
الباب الثالث
في ذكر مَنْ خدمه من الحرار صلى ال عليه وسلم
قد خدمه من الحرار جماعة منهم ابن مسعود.
عن القاسم بن عبد الرحمن قال« :كان عبدال يُلْبس رسولَ ال صلى ال عليه وسلم نعليه ثم يمشي
أمامه ،حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه فأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا ،فإذا أراد أن يقوم
أَلْبَسه نعليه ،ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة».
قال المصنف :وقد كان بلل يخدمه كثيرا ،وكان خازنَه على بيت ماله.
وخَدمه المغيرةُ وخلق كثير من الصحابة ،وكان من أخصّهم بخدمته أنس بن مالك .وقد خدمه
بعض اليهود.
عن أنس بن مالك قال« :كان غلم يهودي يخدم النبي صلى ال عليه وسلم فمرض فعاده النبي
صلى ال عليه وسلم».
ابواب زينته صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في ذكر خاتمه صلى ال عليه وسلم
عن أنس :أنه أبصر في يد رسول ال صلى ال عليه وسلم خاتما من وَرِق يوما واحدا ،فصنع
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الناسُ خواتيم من ورق ،فطرح رسول ال صلى ال عليه وسلم خاتمه ،فطرح الناس خواتيمهم.
أخرجاه.
شغَلَنِي هَذا عَ ْنكُم مُ ْنذُ
عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم أخذ خاتما فلبسه ثم قالَ « :
ال َيوْمَ ،إِليْه نَظْ َرةٌ وإل ْيكُم نَظْ َرةٌ» ثم رمى به.
عن ابن عمر قال« :كان للنبي صلى ال عليه وسلم خاتم فكان يجعل فصّه في باطن يده».
قال :فطرحه ذات يوم فطرح الناسُ خواتيمهم .ثم اتخذ خاتما من فضة فكان َيخْتم به ول يلبسه».
عن أنس بن مالك :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم اتخذ خاتما من فضة ونقش عليه« :محمد
حمّدٌ رَسُولُ ال .فَلَ تَ ْنقُشُوا عَلَيه» .
شتُ فِيهُ :م َ
رسول ال» وقال« :إنّي اتّخَ ْذتُ خَا َتمًا مِن ِفضّةٍ ونَقَ ْ
أخرجاه.
عن أنس قال« :كان خاتم رسول ال صلى ال عليه وسلم من فضة َفصّه منه».
انفرد بإخراجه البخاري.
عن ابن عمر قال« :اتخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم خاتما من ورق ،وكان في يده ،ثم كان
في يد أبي بكر من بعده ،ثم كان في يد عمر ،ثم كان في يد عثمانَ ،نقْشُه :محمد رسول ال».
زاد مسلم« :ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس».
أخرجاه.
عن أنس بن مالك قال« :كان خاتم النبي صلى ال عليه وسلم من ورق وكان َفصّه حبشيّا».
عن أنس قال« :كان َنقْش خاتم رسول ال صلى ال عليه وسلم« :محمد سطر «ورسول» سطر
«وال» سطر».
فصل
واختلفت الرواية :هل كان يلبسه في يمينه ،أو في يساره؟
عن جابر« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يتختم في يمينه».
محمد بن عباد :ضعيف ،وابن ميمون .ليس بشيء .قال البخاري :هو ذاهب الحديث.
واليسار أصح.
عن أنس قال« :كأني أنظر إلى وَبيص خاتم رسول ال صلى ال عليه وسلم في يده اليسرى وهو
يَخْطبنا».
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر وعمر والحسن
والحسين كلهم يتختّمون في اليسار».
الباب الثاني
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر خضابه صلى ال عليه وسلم
عن عثمان بن عبدال بن َموْهب قال« :دخلنا على أم سلمة فأخرجت إلينا شَعرَ رسول ال صلى
ال عليه وسلم مخضوبا بالحنّاء والكَتَم».
عن أبي ِرمْثة قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يخصب بالحناء والكَتَم ،وكان شعره يبلغ
كتفيه أو منكبيه».
عن عائشة« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يخضب بالحِنّاء والكَتَم».
ويقول« :غَيّروا فَإنّ ال َيهُودَ ل ُتغَيّرُ» .
وقد روي عنه أنه اختضب بالحناء وحده.
عن أبي ِرمْثة قال« :أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فرأيته قد خضَب لحيته بالحناء».
صفْرة.
و ُروِيَ أنه اخْتَضب بال ّ
عن عبيدال بن جُريج :أنه قال لعبد ال بن عمر :يا أبا عبد الرحمن ،رأيتك تصبغ بالصفرة.
فقال« :إني رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يصبغ بها ،فأنا أحبّ أن أصبغ بها».
أخرجاه.
عن ابن عمر« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يصفّر لحيته بالوَرْس والزعفران».
عن عائشة قالت« :كان أكثر شيب رسول ال صلى ال عليه وسلم في الرأس في َفوْدَي رأسه».
الباب الثالث
في استعماله المشط صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُيكْثر تسريحَ لحيته ورأسه بالماء».
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أخذ َمضْجعه من الليل وضع له سِواكه
طهُوره ومشطه ،فإذا أهبّه ال من الليل استاك وتوضأ وامتشط».
وَ
الباب الرابع
في فرق رأسه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان أهل الكتاب يَسْدلون شعورهم ،وكان المشركون َيفْرقون شعورهم،
ب موافقة أهلِ الكتاب فيما لم يُؤمر به ،فسَدل رسولُ ال
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يح ّ
صلى ال عليه وسلم ناصيته ثم فَرَق بعدُ».
الباب الخامس
في استعماله الدهن صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يكثر دَهْن رأسه ويسرح لحيته».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب السادس
في ذكر المرآة صلى ال عليه وسلم
حمْدُ دِ الذي
عن أنس قال :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال« :ال َ
حسّنَ خَ ْلقِي وخُُلقِي وزَانَ مِنّي مَا شَانَ مِن غَيْرِي» .
َ
حمْدُ دِ الذي
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا نظر وجهه في المرآة قال« :ال َ
جعَلَنِي مِن المُسِْلمِينَ» .
جهِي وَحَسّنَها و َ
سوّى خَ ْلقِي َفعَدَلَه ،وكرّ َم صُو َر َة وَ ْ
َ
حسَ ْنتَ
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال« :اللهُمّ َكمَا أ ْ
خَ ْلقِي فَحَسّنْ خُُلقِي» .
عن عائشة قالت« :كنت أزوّد رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاةٍ له ،أزوده دُهْنا ،ومشطا،
والمرآة ،ومقصين ،ومكحلة ،وسواكا».
عن عائشة قالت :سَبْعٌ لم يكن رسول ال صلى ال عليه وسلم يتركهن في سفر ول حضر:
القارورة ،والمشط ،والمرآة ،والمكحلة ،والسواك ،والمقصان ،والمِدْرى.
البابُ السابع
الباب الثامن
في جز شاربه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجزّ شاربه».
عن أبي عبدال الغرّ« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقص شاربه ويأخذ من أظفاره
قبل أن يروح إلى الجمعة».
الباب التّاسع
في استعماله النورة صلى ال عليه وسلم
عن أم سلمة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا اطّلى وِلَي عانتَه».
عن حبيب بن أبي ثابت« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ينوّر ما َأقْبَل منه ،ويُنَوّر أهلُه سائر
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جسده».
عن أبي َمعْشر« :أن النبي صلى ال عليه وسلم نورّه بعضُ أهله ،ونوّر هو عورته بيده».
ل نوّر رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلما بلغَ مَراقّه َكفّ الرجُل
عن زياد بن كليب« :أن رج ً
ونوّر رسول ال صلى ال عليه وسلم نفسه».
عن أنس بن مالك« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ل ينوّر ،فإذا كثر شعره حَلَقه».
خضَاب.
والكلم في هذا مثل الكلم في ال ِ
البَابُ العاشر
في تطيبه ومحبته للطيب صلى ال عليه وسلم
عن أنس :أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :حُبّب إليّ النساءُ والطيب ،وجُعلت قُرّة عَيْنِي في
الصلة» .
عن أنس قال« :ما شَممْت ِمسْك ًة ول عنبرةً أطيبَ من ريح رسول ال صلى ال عليه وسلم».
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم أطيبَ الناس ريحا ،ما شممت رائحةً قط
مسكةً ول عنبرة أطيبَ منه».
عطّار».
عن جابر بن سمرة قال« :مَسْت يد رسول ال صلى ال عليه وسلم فكأنها جُؤنة َ
عن أنس قال« :كانت لرسول ال صلى ال عليه وسلم سَلّةٌ يتطيب منها».
عن عائشة قالت« :كان أحبّ الطيب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم العُود».
عن محمد بن علي قال :سألت عائشة :أكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتعطر؟
قالت« :كان يتعطر بذكَارة المِسْك والعنبر».
عن أنس قال« :ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم عُرض عليه طِيبٌ فردّه».
أبواب أكله ومأكولته صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في ذكر مائدته وسفرته صلى ال عليه وسلم
عن الحسن بن مهران قال :سمعت فرقدا صاحب النبي صلى ال عليه وسلم يقول« :رأيت رسول
ال صلى ال عليه وسلم وأكلت على مائدته».
سكُرّجة ،ول خُبز له
خوَان ول في ُ
عن أنس قال« :ما أكل رسول ال صلى ال عليه وسلم على ِ
مُرقّق».
فقلت لقتادة :على ما كانوا يأكلون؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سفْرَة.
قال :ال ّ
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يجلس على الرض ويأكل على
الرض».
الباب الثاني
في ذكر قصعته صلى ال عليه وسلم
جفْنة لها أربع حلَق».
عن عبدال بن بشر قال« :كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم َ
الباب الثالث
في صفة خبزه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعات طاويا وأهله ل
يجدون شيئا ،وكان أكثر خبزهم الشعير».
عن أبي أمَامة قال« :ما كان َيفْضل عن أهل بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم خبز الشعير».
عن سهل بن سعد قال( :و) قيل له أكَل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ال ّن ِقيّ؟
قال :ما رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ال ّن ِقيّ حتى لقي ال.
فقيل له :هل كانت لكم مناخل على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
فقال :ما كانت لنا مَنَاخل.
قيل :كيف كنتم تصنعون بالشعير؟
قال :كنا ننفخه فيطير منه ما يطير ،ثم نعجنه.
عن أنس قال« :ما أكل رسول ال صلى ال عليه وسلم على خِوان ول أكل خبزا مُرقّقا حتى
مات».
الباب الرابع
في اختياره البقل صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان أحبّ الطعام إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ال َبقْل».
الباب الخامس
في ائتدامه بالخل صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان أحبّ الصباغ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الخلّ».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أم هانىء قالت :دخل عليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :أعِنْ َدكَ شَيءٌ؟»
خلّ.
فقلت :ل ،إل خبز يابس و َ
خلّ» .
فقال« :هَاتِ ،مَا أ ْقفَرَ بَيْت ُأدِم فِيه َ
الباب السادس
في أكله القثاء صلى ال عليه وسلم
غبٍ،
عفْراء بقِنَاع من رُطب وعليه جرْو من قِثّاء زُ ْ
عن الربيع بنت معوّذ قالت :بعثني معاذ بن َ
وكان النبي صلى ال عليه وسلم يحب القثاء ،فأتيته بها وعنده حِلْية قد قَ ِد َمتْ عليه من البحرين
فمل يده منها فأعطانيه.
الباب السابع
في أكله الدباء صلى ال عليه وسلم
عن أنس« :أن خياطا دعا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم إلى طعام صنَعه.
قال أنس :فذهبت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى ذلك الطعام ،فقرّب إلى رسول ال صلى
ال عليه وسلم خبزَ الشعير ومرقا فيه دُبّاء وقديد.
قال أنس :فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يتتبع الدُبّاء من الصّحفة ،فلم أزَل أحب الدبّاء
من يومئذ.
عن أبي طالوت قال :دخلت على أنس بن مالك وهو يأكل القرع وهو يقول :يا لك من شجرة ،ما
حبّ رسول ال صلى ال عليه وسلم إياك
أحبّك إليّ ِل ُ
الباب الثامن
في أكله السمن والقط صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :أُهْدي لرسول ال صلى ال عليه وسلم سمن وأقط وضب ،فأكل السمن
خوَانِه»
والقط ،ثم قال للضب« :إنّ هَذا الشّيء مَا أكَلْتُه َقطَّ ،فمَنْ شَاءَ أنْ يَ ْأكُلَه فَلْيَ ْأ ُكلْ فَُأ ِكلَ على ِ
.
الباب التاسع
في أكله الحيس صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان أحبّ الطعام إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الثريد من التمر،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وهو :الحَيْس».
الباب العاشر
في حبه الثريد صلى ال عليه وسلم
عن عكرمة قال :صَنع سعيدُ بن جبير طعاما ثم أرسل إلى ابن عباس :ائتني أنت ومَنْ أحببتَ من
مواليك.
فجاء وجئنا معه ،فقال له :ائتنا بالثريد ،فإنه كان أحب الطعام إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم
الثريد من الخبز.
عن أبي هريرة« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أُتي بلحم فرفعت إليه الذراع وكانت
تعجبه».
عن أبي عبيد قال :طَبخت للنبي صلى ال عليه وسلم قِدْرا وكان يعجبه الذراع فناولْته الذراع ،ثم
قال« :نَاوِلْنِي الذّرَاعَ» .فناولته .ثم قال« :نَاوِلْنِي الذّرَاعَ» فقلت :يا رسول ال ،وكم للشاة من
ذراع؟
ع ْوتُ» .
س َكتّ لَنَاوَلْتَنِي الذّرَاعَ مَا دَ َ
فقال« :والذي َنفْسِي بِ َيدِه َلوْ َ
عن أبي هريرة« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يكن يعجبه في الشاة إل الكتف».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن خالد بن الوليد :أنه دخل مع رسول ال صلى ال عليه وسلم على ميمونة بنت الحارث وهي
ضبَ ،وكان رسول ال صلى ال عليه
خالته ،فقدمت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم لح َم َ
وسلم ل يأَكل شيئا حتى يعلم ما هو ،فقال بعض النسوة :أل تخبرين رسول ال صلى ال عليه
وسلم ما يأكل؟
ضبَ فتركَه.
فأخبرته أنه لحم َ
قال خالد :فسأَلتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم :أحرامٌ هو؟
جدُنِي أعَافُه»
طعَامٌ لَيْسَ فِي َق ْومِي فأَ ِ
قال« :ل ،ولكِنّه َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال خالد :فاجتَررْتُه فأكلته ،ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم ينظر.
أخرجاه.
عن أبي شيخ قال :أتانا النبي صلى ال عليه وسلم فقال« :يَا َمعْشَرَ مُحَا ِربٍَ ،نصَ َركُم اللّ ُه لَ
حَلبَ امْرََأةٍ» .
سقُونِي َ
تَ ْ
قال العسكري :وكان الحلب في النساء عيبا عند العرب يعيّرون به ،وأنشدوا:
كَمْ عَمةٍ لك يا جَرير وخالة
عشَارِي قال :ويجوز أن يكون قد كرهه لما يعتري النساء من الحيض
فَدْعاء قد حَلبتْ عَليّ ِ
وغيره.
قال :ويدل على ذلك ما روى سعيد بن جُبَير قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم مِنْ ألطف
الناس ،وكان ل يشرب من ميزابِ الداوة ،ول يأكل من لحوم الجَلّلت من غير تحريم».
وقد روى الزهري« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ل يأكل قاذورة ،ول يأكل الدجاج
حتى ُيعْلف».
قال :القاذورة ها هنا :الذي يتقذر الشيء ،وكأنه كان يجتنب ما تأكل النجاسات حتى تعتلف
الطاهر.
ويقال :القاذورة .ويراد به الفعل القبيح .ومنه قوله عليه السلم« :مَنْ أتى شيئا من هذه
القَاذُروَات» .
عن أبي هريرة :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أُتي بالباكورة من التمر قال« :اللهُمّ بَا ِركْ
ج َعلْ مِن البَ َركَةِ بَ َركَةٌ» .ثم يعطيه أصغر حضَره من الولدان.
لَنَا فِي مَدِيْنَتِنَا ومُدّنَا َوصَاعِنَا وا ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثلثون
في أنه لم يذمّ طعاما صلى ال عليه وسلم
عن أبي هريرة قال« :ما عاب رسولُ ال صلى ال عليه وسلم طعاما قط ،كان إذا أُ ِتيَ به إن
اشتهاه أكله ،وإل تركه».
أخرجاه.
عن علي بن أبي طالب قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ل يذمّ ذَواقا ،ول يمدحه».
الباب الول
في أنه كان يستعذب له من الماء صلى ال عليه وسلم
سقْيا».
عن عائشة قالت« :كان يُسْتع َذبُ لرسول ال صلى ال عليه وسلم الماءُ من ال ّ
والسقيا :من أطراف الحَرّة من أرض بني فلن.
الباب الثاني
الباب الثالث
في اختياره الماء البارد صلى ال عليه وسلم
عن عبادة بن الوليد ،عن جابر بن عبدال ،أن رسول ال صلى ال عليه وسلم «كان له رجل من
جمّارة من جريد».
النصار يُبْرد الماءَ في أَشْجاب ،أو على ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يعجبه الحلو البارد».
الباب الرابع
في ذكر النية التي كان يشرب منها صلى ال عليه وسلم
طهْمان (عن ثابت) ،قال :أخرجَ لنا أنس بن مالك قَدح خشب غليظ ُمضَبّب بحديد،
عن عيسى بن َ
فقال :يا ثابت ،هذا قدحُ رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن أنس (قال) :لقد سَقيتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بهذا القدح الشرابَ كله :الماء ،والنبيذ،
والعسل ،واللبن.
عن محمد بن إسماعيل قال :دخلت على أنس فرأيت في بيته قدحا من خشب ،فقال« :كان النبي
صلى ال عليه وسلم يشرب فيه ويتوضأ».
عن ابن عباس :أن صاحب إسكندرية بعث إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بقدح َقوَارير،
فكان يشرب منه.
الباب الخامس
في شربه اللبن صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :كان أحب الشراب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم اللبن».
طعَاما فَلْ َيقُل :اللهُمّ
ط َعمَه اللّهُ َ
عن ابن عباس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَن أ ْ
سقَاه اللّهُ لَبَنا فَلْ َيقُل :الل ُهمّ بَا ِركْ لَنَا فِيه و ِزدْنا مِنه،
بَا ِركْ لَنَا فِيه وا ْبدِلْنا بِه مَا هو خَيْرٌ مِنه ،ومَنْ َ
طعَامِ والشّرَابِ غَيْرُه» .
فإنّا ل َنعْلَمُ ُيجْزِىءُ مِن ال ّ
الباب السادس
في شربه النبيذ ،وصفة ذلك النبيذ صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :كنا نَنْبذ للنبي صلى ال عليه وسلم غدوةً فيشربه بالعشيّ ،وننبذ له بالعشيّ
فيشربه بالغداة.
الباب السابع
في شربه السويق صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كنت أسقي لرسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا القدح اللبن ،والعسل،
والسّويق ،والنبيذ ،والماء البارد».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثامن
في كيفية شربه صلى ال عليه وسلم
عن ربيعة بن أكثم قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يستاك عَرْضا ،ويشرب مصّا
ويقول :هو َأهْنَُأ وَأمْرَأُ»
الباب التاسع
في تنفسه في الناء ثلثا صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم يتنفّس في الناء ثلثا».
أخرجاه.
والمعنى :كان يتنفس في الشّرب من الناء ثلثا.
ح ُدكُم فَلَ يَتَ َنفّسْ فِي
وقد روى أبو قتادة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :إذا شَ ِربَ أ َ
النَاءِ» .
وبيان ما قلنا :ما رَوى أنس بن مالك أنه رأى رسولَ ال صلى ال عليه وسلم شَرب جرعةً ثم
سمّى ثم جرع ،ثم قطع ،ثلثا حتى فرغ ،فلما فرغ حمد ال.
سمّى ثم جرع ،ثم قطع ثم َ
قطع ،ثم َ
عن ابن مسعود قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا شرب تنفس على الناء ثلث
أنفاس ،يحمد ال على كل نفَس ويشكره عند آخرهن».
الباب العاشر
في شربه قاعدا وقائما صلى ال عليه وسلم
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم شرب قاعدا وقائما ،وصلى حافيا ومنتعلً ،وانصرف
عن يمينه وشماله».
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسقي أصحابه .قالوا :يا رسول ال ،لو
شربتَ.
قال« :سَاقِي ال َقوْمِ آخِرُ ُهمْ شُرْبا» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثاني عشر
في مناولته من عن يمينه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :دخل علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم فحلبْنا له من شاةٍ داجن ،وشِيبَ له من
بئر في الدار ،وأعرابيّ عن يمينه ،وأبو بكر عن يساره ،وعمر ناحيةً ،فشرب رسول ال صلى
ي وقال« :ال ْيمَنَ فَالَ ْيمَنَ» .
ال عليه وسلم فقال عمر :أعطِ أبا بكر ،فناوله العراب ّ
عن سهل بن سعد :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه ،وعن يمينه
أعرابي ،وعن يساره الشياخ ،فقال للغلم« :أتَأْذَنُ فِي أنْ أُعْطِي َه ُؤلَءِ؟» .
فقال« :وال ل أوثر نصيبي منك أحدا» فتلّه رسولُ ال صلى ال عليه وسلم في يد.
الحديثان في الصحيحين .ومعنى تلّه :ألقاه.
أبواب :نومه صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في مسامرته صلى ال عليه وسلم أزواجه بالليل
عن عائشة قالت :حدّث رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما نساءه حديثا ،فقالت امرأة منهن:
«كان الحديث حديثَ خُرَافة».
فقال« :أتَدْرُونَ مَا خُرَافَة؟» .
عذْرة أسَرتْه الجن في الجاهلية ،فمكث فيهم دهرا ثم رَدّوه إلى النس ،فكان يحدثهم
كان رجلً من ُ
بما رأى فيهم من العاجيب ،فقال الناس :حديث خرافة».
قال المصنف :ومن هذا الفن حديث أم زَرْع ،وهو معروف.
الباب الثاني
في صعوده صلى ال عليه وسلم ونزوله ليلة الجمعة
عن ابن عباس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا كان الصيفُ خرج من البيت ليلة
الجمعة ،وإذا كان الشتاء نزل ودخل البيت ليلة الجمعة».
البابُ الثالث
في وضوئه قبل النوم صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جُنب غسل فرجه
وتوضَأ وضوءه للصلة».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أخرجاه.
البَابُ الرّابع
في اكتحاله عند نومه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يكتحل بالثمد كلّ ليلة قبل أن ينام،
وكان يكتحل في كل عين ثلثة أميال».
البَابُ الخامِس
في صفة فراشه الذي كان ينام عليه بالليل صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :كان ضِجَاع رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي ينام عليه بالليل من أدم
محشوّا ليفا».
البَابُ السّادس
فيما كان يصنع إذا أتى الفراش صلى ال عليه وسلم
عن عائشة« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أتى فراشه في كل ليلة جمَع كفيه ثم نَفث
فيهما وقرأ فيهما{ :قل هو ال أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس} ثم مسح
بهما ما استطاع من جسده ،يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما َأقْبل من جسده ،يفعل ذلك ثلث
مرات».
أخرجاه.
عن أبي هريرة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال« :اللهُمّ ربّ
حبّ وال ّنوَى ،مُنَ ّزلُ ال ّتوْرَاةَ
ب الَ ْرضِينَ قُدْسًا ،وَ َربّ ُكلّ شَيءٍ ،فَالِقَ ال َ
السّماواتِ السّبْعِ وَرَ ّ
لوّلُ فَلَيْسَ قَبَْلكَ
تاَ
والنْجِ ْيلَ والزّبُو َر والفُ ْرقَان ،أعوذُ ِبكَ منْ شَرّ ُكلّ شَيءٍ أ ْنتَ آخذٌ بِنَاصِيَتِه ،أ ْن َ
شَيءٌ ،وأ ْنتَ الخِرُ فلَيْسَ َب ْع َدكَ شَيءٌ وأ ْنتَ الظّاهِرُ فَلَيْسَ َف ْو َقكَ شَيءٌ ،وأ ْنتَ البَاطِنُ فَلَيْسَ دُو َنكَ
شَيءٌ ِا ْقضِ عَنّي الدّيْنَ وأعْنِنِي مِن ال َفقْرِ» .
الباب السابع
في كيفية نومه ،وما كان يقوله عند النوم صلى ال عليه وسلم
عن البَراء بن عازب قال :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه
ظهْرِي إل ْيكَ ،رَغْبَةً
جهِي إل ْيكَ وألجَأتُ َ
ج ْهتُ و ْ
ك ووَ ّ
اليمن ثم قال« :اللهُمّ إنّي أَسَْل ْمتُ َنفْسِي إل ْي َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ت ونَبِ ّيكَ الذي أرْسَ ْلتَ» .
ورَهْبَةً إل ْيكَ ،ل مَلْجَأَ ول مَنْجَى مِ ْنكَ إل إل ْيكَ ،آمَ ْنتُ ِبكِتَا ِبكَ الذي أنْزَ ْل َ
وقال النبي صلى ال عليه وسلم« :مَن قَاَلهُنّ ثمّ مَاتَ من لَيْلَتِه مَاتَ عَلَى الفِطْ َرةِ» .
حمْدُ دِ
عن حذيفة بن اليمان قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أخذ مضجعه قال« :ال َ
الذي أحْيَانَا َبعْدَ مَا أمَاتَنَا وإليْهِ النّشُورُ» .
الباب الثامن
في ما كان يقوله إذا استيقظ صلى ال عليه وسلم
حمْدُ دِ الذي أحْيَانَا َب ْع َدمَا
عن أبي ذر قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا استيقظ قال« :ال َ
أمَاتَنَا وإليْهِ النّشُورُ» .
عن ابن عباس :أنه بات عند خالته ميمونة ،فنام رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى (إذا)
انتصف الليل أو قبْله بقليل أو بعده بقليل ،استيقظ فجعل يمسح النومَ عن وجهه بيده ،ثم قرأ العشر
اليات الخواتم من سورة آل عمران ،ثم توضأ وقام يصلي.
عن شمر بن عطية قال« :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر فقلت :لَرْمقنّ الليلة
كيف صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم :فلما صلى العشاء اضطجع فنام َهوِيّا من الليل ثم
استيقظ فنظر في السماء فقال{ :ربّنا ما خلقت هذا باطلً} إلى قوله{ :إنك ل ُتخْلف الميعادَ} .
الباب التاسع
في أنه تنام عيناه ول ينام قلبه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :قلت :يا رسول ال ،أتنام قبلَ أن تُوتِر؟
قال« :يَا عَا ِئشَةُ ،إن عَيْ َنيّ تَنَامَان ولَ يَنَامُ قَلْبِي» .
فإن قال قائل :إذا كان نومه يساوي نومَنا في انطباق الجفن وعدم السماع ،حتى أنه نام عن
الصلة فما أيقظه إل حَرّ الشمس ،فما وَجْه الفَرْق؟
فقد أجاب عنه ابن عقيل ،فقال :النو ُم يتضمّن أمرين:
أحدهما :راحة الجسد ،وهو الذي يشاركنا فيه.
الثاني :غفلةُ القلب .وقَلْبُه كان متيقظا سليما من الحلم ،مُتلقيا للوحي في المنام ،متفكرا في
المصالح على مثل ما يكون المتنبّه ،فما َيغْفل قلبُه بالنوم عما وضِع له ،وقد كان ُيغْشَى عليه عند
نزول الوحي ويستطرح ،وهي حالةٌ لو أصابت بعضَ أمته انتفض وضوءه ،وهو كان في تلك
الحالة حافظا محفوظا من غَلَبات الطبع واسترخاء مخارج الحدَث ،فهو غائب عنا حينئذ بحال.
فال سبحانه يسيّر إليه ما يشاء.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وأمّا نومُه حتى طلعت الشمس ،فله وجهان:
أحدهما :أنه أريد بذلك أن يَشْرع ما يتعبّد به ويسهو ويَغفل .وهذا كإعدامه الماء حتى تيمم.
والثاني :أن يكون ذلك جرَى لنكشاف علوم تخصّه من المعارف عطّلته عن القيام بحقوق
الظواهر ،لشتغال الباطن بأدب التلقّي ،كما قال من مَلَكه ذكْرُ محبوبه:
فوال ما َأدْرِي إذا ذكرتُها
ن صليتُ العِشَا َأمْ ثمانيَا
أثِنْتَيْ ِ
وما زالت مُهمّات القلوب تُخلّ بالعمال (و) الركان.
الباب العاشر
في ذكر بعض مناماته صلى ال عليه وسلم
سمُرة بن جندب قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلّى صلةَ الغداة َأقْبل علينا
عن َ
بوجهه فقال« :هل رأى أحدٌ منكم الليلةَ رؤيا؟» فإن كان أحدٌ رأى رؤيا َقصّها عليه ،فيقول فيها ما
شاء ال أن يقول.
حدٌ مِ ْنكُم اللّيْلَةَ ُرؤْيَا؟»
فسألَنا يوما فقالَ « :هلْ رَأَى أَ َ
قلنا :ل.
خذَا بِ َيدِي فأَخْرَجَانِي إلى َفضَا ٍء أوْ أ ْرضٍ مُسْ َتوِيَةٍ ،فمّرا
قال« :لكنّي رَأَ ْيتُ الليْلَةَ َرجُلَيْن أتَيَانِي فأَ َ
شقّه حتّى يَبُْلغَ
خلُه فِي شِ ْدقِه فَيَ ُ
جلٍ ،وإذا آخَرَ قَائِمٌ عَلَى رَ ْأسِه بِ َيدِه كَلوبٌ مِن حَدِيْد ،فَيُدْ ِ
علَى َر ُ
بِي َ
َقفَاه ،ثم يُخْ ِرجَه فَ ُيدْخِلَه فِي شِ ْدقِه الخَرَ ،ويَلْتَئِم هذا الشّدْقِ .فهو َي ْف َعلُ ذَِلكَ بِه» .
«فَقُ ْلتُ :مَا هَذا؟»
صخْ َرةٌ فيَشْدَخُ
جلٌ قَائِمٌ بِيَدِه ِفهْرٌ أو َ
جلٌ ُمسْتَلْق عَلَى َقفَاه ،ورَ ُ
«قَال :ا ْنطَلِق .فا ْنطََلقْتُ َم َع ُهمَا ،فإذا َر ُ
حجَرُ ،فإذا ذَ َهبَ ليَ ْأخُذَه عَادَ رَأسُه َكمَا كان ،ف َيصْنَعُ مِ ْثلُ ذَلك» .
ِبهَا رَأْسَه فيتدَ ْهدَه ال َ
«فَقُلتُ :ما هذا؟ قَالَ :ا ْنطَلِقْ» .
سفَلُه واسِعٌ ،تُوقَدُ َتحْتُه نَارٌ ،فِيه
ق وأ ْ
«فانْطََل ْقتُ َم َع ُهمَا ،فإذا بَ ْيتٌ مَبْ ِنيّ عَلَى بِنَاءِ التّنّورِ أعْلَه ضَيّ ٌ
خمَ َدتْ َرجَعوا فيها» .
ل ونِسَاءٌ عرَاةٌ ،فإذا أ ْوقِ َدتْ ارْ َتفَعوا ،حتّى كَادُوا أن َيخْرُجوا ،فإذا َ
رِجَا ٌ
«فقلتُ :ما هذا؟ قال :ا ْنطَلِقْ» .
جلُ
حجَا َرةٌ ،فيُقْبلُ الرّ ُ
جلٌ بَيْنَ يَدَيْه ِ
جلٌ وعَلَى شَاطِىءِ ال ّنهْرِ َر ُ
«فانْطََل ْقتُ فإذا َنهْرٌ مِن َدمٍ فِيه َر ُ
ل في فِيْه حَجَرا فَ َرجَ َع إلى َمكَانِه ،فَهو َي ْفعَلُ ذلك به.
جُالذي فِي النّهرِ فإذا دَنَا ل َيخْرُجَ َرمَى الرّ ُ
فقلت :ما هذا؟ قال :ا ْنطَِلقْ» .
جلٌ
حوْلَه صِبْيَانُ ،وإذا رَ ُ
خ في أصْلِها َ
عظِ ْيمَةٌ ،وإذا شَيْ ٌ
خضْرَاءُ فِيها شَجَ َرةٌ َ
«فانْطََل ْقتُ فإذا َر ْوضَةٌ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صعِدا بي في الشّجَرَة فأ ْدخَلنِي دَارا (ثم أ ْدخَلَنِي
حوَْلهَاَ ،ف َ
سعَى َ
حشّها ويَ ْ
حوْلَه نَارٌ يَ ُ
قَرِ ْيبٌ منه َ
ضلُ ،فيها شُيوخٌ وشَبَابٌ» .
ن وأ ْف َ
دَارا) هي أحْسَ ُ
عن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :بَيْنَا أَنا نَائِمٌ رَأَ ْيتُ النّاسَ
عمَرُ بْنُ
عَليّ ُ
ي ومِ ْنهَا ما دُونَ ذَِلكَ ،وعُ ِرضَ َ
ُيعْ َرضُونَ عََليّ وعَلَ ْيهِم ُق ُمصٌ مِ ْنهَا مَا يَبْلُغُ الثّ ْد َ
خطّابِ وعَلَيْه َقمِ ْيصٌ يَجُرّه» .
ال َ
قالوا :فما أوّلت ذلك يا رسول ال؟
قال« :الدّين» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أخرجاه.
صعِيْدٍ ،فَ َتقَدّم أبو
عن عبد ال أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :رأيتُ النّاسَ ُمجْ َت ِمعِيْنَ في َ
عمَرُ فاسْ َتحَاَلتْ غَرْبا ،فَلَمْ
خذَهَا ُ
ضعْفٌ ،واللّهُ َي ْغفِرُ لهُ ،ثمّ أ َ
َبكْرٍ فَنَ َزعَ ذَنُوبا أوْ ذَنُوبَيْن ،وفي نَزْعِه َ
أرَ عَ ْبقَرّيا في النّاس َيفْرِي فَرِيّه ،حتّى ضَ َربَ النّاسُ ِبعَطَن» .
أخرجاه.
عن أبي هريرة ،عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :بَيْنَا أَنا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنّةِ ،فإذا امْرََأةٌ
تَ َت َوضّأُ إلى جَا ِنبِ َقصْرِ َفقُلتُِ :لمَنْ هذا ال َقصْرُ؟ قالواِ :ل ُعمَرَ .فَ َذكَ ْرتُ غَيْر َتكََ ،فوَلّ ْيتُ مُدْبِرا» .
فبكى عمر وقال :أو عليك أغار يا رسول ال.
س ْودٍ مُخَاِلطُها
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :رأيتُ كأنّي أَنْ َزعُ عَلَى غَنَمٍ ُ
ض ْعفٌ ،و َيغْفِرُ اللّ ُه لَبِي َبكْرٍ ،إذ
عفْرٌ ،إذ جَاءَ أبو َبكْرٍ فنَ َزعَ ذَنُوبا أو ذَنوبَيْن ،وفي نَزْعِه َ
غَنَمٌ ُ
س وصَدَرُ الشّاءُ ،فَلَمْ أرَ عَ ْبقَرِيّا َيفْرِي فَرِيّه» .
خذَ الدّ ْلوَ فاسْ َتحَال غَرْبا فأ ْروَى النّا َ
عمَرُ فأَ َ
جَاءَ ُ
خوَا ُنهُم من هذه
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :فأوّلتُ أنّ الغَ َنمَ السّودَ العَ َربُ ،وأنّ ال ُعفْرَ إ ْ
العاجِمُ» .
«فق ْيلَ ،إنّ مَع هَؤلَءِ سَ ْبعِينَ ألفا َيدْخُلونَ الجَنّة ِبغَيْر حِسَابٍ» .
عن أنس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم :يدخل على أم حرَام بنت ملْحان فتطعمه،
وكانت تحت عُبادة بن الصامت ،فدخل عليها رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما فأطعمته ،ثم
جلست تفلّي رأسه ،فنام رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم استيقظ وهو يضحك (قالت) :فقلت :يا رسول ال ،ما يضحكك؟
قال« :نَاسٌ مِن ُأمّتِي عُ ِرضُوا عََليّ غُزَاةً في سَبِ ْيلِ ال يَ ْركَبُونَ ثَبَجَ هذا البَحْرِ مُلُوكا على السِرّة
شكّ أ ّي ُهمَا قَال» .
أو مِ ْثلَ المُلوكِ عَلَى السِ ّرةَِ .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقلت :يا رسول ال ،أدع ال أن يجعلني منهم.
شمَالِه
«ورأيتُ رَجُلً مِنْ أمّتِي مِنْ بيْنِ َيدَيْه ظُ ْلمَةٌ ،ومن خَ ْلفِه ظُ ْلمَةٌ ،وعن َيمِيْنِه ظُ ْلمَةٌ .وعنْ ِ
عمْرَتُه فاسْتَ ْنقَذَاه من
ظُ ْلمَةٌ ،ومن َف ْوقِه ظُ ْلمَةٌ ،ومنْ تَحْتِه ظُ ْلمَةٌ ،وهو مُ َتحَيّرٌ فِيها ،فَجَاءَه حَجّه و ُ
الظّلمَة وأدْخَلَه النّورَ» .
«ورأيتُ رجُلً من أمّتِي ُيكَلّمُ المُؤمِنينَ ول ُيكَلّمونَه فَجَاءَتْه صِلَةُ الرّحِمِ فَقَالت :يا َمعْشَرَ المُؤمِنينَ،
حمِه .فكَّلمُوه وصَافَحُوه» .
كَّلمُوه فَإنّه كانَ وَاصِلً لِ َر ِ
جهِه ،فجَاءَتْه صَ َدقَتُه َفصَارَتْ سِتْرا
«ورأيتُ رجُلً مِن أمّتِي يَ ّتقِي وَهَجَ النّار وضَرَرَها بِيَدِه عَن َو ْ
جهِه» .
عَلَى رَأْسِه وظِلّ عَلَى وَ ْ
خذَتْه الزّبَانِ َيةُ منْ ُكلّ َمكَانٍ َفجَاءَه َأمْرُه بال َمعْروفِ و َنهْيُه عن المُ ْنكَرِ
«ورأيتُ رَجُلً من أمّتِي قد أ َ
حمَةِ َفصَارَ َم َعهُم» .
فاسْتَ ْنقَذَاه منْ أ ْيدِيهِم وأ ْدخَلَه في مَلَ ِئكَةِ الرّ ْ
«ورأيتُ رَجُلً من أمّتِي جَاثِيًا عَلَى ُركْبَتَيْه بَيْنَه وبَيْنَ ال حِجَابٌَ ،فجَاءَه حُسْنُ خُُلقِه فأخَذَ بِيَدِه
جلّ» .
فَأ ْدخَلَه عَلَى ال عَزّ و َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
صحِ ْيفَتَه
خ ْوفُه منَ ال َتعَالَى فَأخَ َذ َ
شمَالِهَ ،فجَاءَه َ
صحِ ْيفَتُه قِبلَ ِ
«ورأيْتُ رَجُلً من أمّتِي َقدْ َه َوتْ َ
جعَلَها في َيمِيْنِه» .
فَ َ
صغَارُ ،فَ َثقّلوا مِيْزَانَه» .
خفّ مِيْزَانُه ،فَجَاءَتْه َأفْ َرطَاهَ ،يعْنِي أ ْولَدَه ال ّ
«ورأيْتُ رَجُلً من أمّتِي َ
جهَنّمَ ،فَجَاءَه وَجَلُه مِنَ ال َتعَالَى فاسْتَ ْنقَذَه مِن ذَلك» .
شفِيرِ َ
«ورأيْتُ رَجُلً من أمّتِي عَلَى َ
صفٍ ،فجَاءَه
س ْعفَةُ في رِيْحٍ عَا ِ
«ورَأيْتُ رَجُلً من أمّتِي قَا ِئمًا عَلَى الصّراطِ يُرْعِد َكمَا تُرْعِد ال ّ
سكّنَ َروْعَتَه و َمضَى عَلَى الصّرَاطِ» .
حسْنُ ظَنّه بال فَ َ
ُ
«ورَأيْتُ رَجُلً من أمّتِي َيحْبُو أحْيَانا ويَ َتعَلّقُ أحْيَاناَ ،فجَاءَتْه صَلَتُه عََليّ فَأخَ َذتْ بِ َيدِه فَأقَامَتْه عَلَى
ط و َمضَى» .
الصّرا ِ
ن لَ اله إلّ
شهَا َدةُ أ ْ
«ورأيْتُ رَجُلً من أمّتِي انْ َتهَى إلَى أ ْبوَابِ الجَنّةِ َفغُلّ َقتْ البْوابُ دُونَه ،فَجَاءَتْه َ
حتْ ال ْبوَابَ وأدْخَلَتْه الجَنّةَ» .
اللّهُ َففَتَ َ
أبواب طِبّه صلى ال عليه وسلم
ب الول
البا ُ
في كثرة أمراضه صلى ال عليه وسلم
ب من فقهك ،أقول :زوجةُ رسول ال صلى ال
عن هشام قال :كان عُرْوة يقول لعائشة :ل أَعْج ُ
عليه وسلم وابن ُة أبي بكر .ول أَعْجبُ من عِلْمك بالشعر وأيام الناس ،أقول :ابنة أبي بكر ،ولكن
أَعْجبُ مِنْ عِلْمك بالطّب
سقِيما في آخر عمره ،فكانت َتقْدَم عليه وفودُ
فقالت :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم «كان َ
العرب من كل وَجْه فَتَنْعتُ النعاتَ ،فكنت أعالجها ،فمِنْ ثَمّ».
الباب الثاني
في أنه سحر صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت« :سَحر رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يهوديّ من يهود بني زُريق يقال له لَبيد
بن أَعْصم ،حتى كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم يخيّل إليه أنه َيفْعل الشيءَ وما يفعله».
قالت« :حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم دعا .ثم قال:
حدُ ُهمَا عِ ْندَ رَأسِي
جلَس أ َ
شعَ ْرتِ أنّ اللّهَ أفْتَانِي فِ ْيمَا اسْ َتفْتَيْتُه فِيه؟ جَاءَنِي َرجُلنِ فَ َ
«يَا عَائِشَةُ أ َ
جلِ؟ قالَ :مطْبوبٌ .قال:
جَليّ للذي عِنْدَ رَأسِي :ما وَجَعُ الرّ ُ
والخَرُ عِنْدَ ِرجَْليّ ،فَقَال الذي ع ْندَ رِ ْ
جفّ طَ ْلعَةٍ َذكَرٍ.
عصَمِ .قال :في أيّ شَيءٍ؟ قال :في مُشْطٍ ومُشَاطَةٍ و ُ
ومَنْ طَبّه؟ قال :لَبِيْدُ بْنُ ال ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :فأين هو؟ قال :في بِئْرِ ذروان» .
شةُ ،لَكأنّ
قال فأتاها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم في ناسٍ من أصحابه ،ثم جاء فقال« :يَا عَائِ َ
ماءَهَا نُقاعَةُ الحِنّاءِ وأنّ َنخَْلهَا رُؤوسُ الشّيَاطِينِ» .
قلت :يا رسول ال .أفل نقتله؟
قال« :ل أمّا أنا َفعَافَانِي اللّهُ ،وكَرِ ْهتُ أن أُثِيرَ عَلَى النّاسِ شرّا» .
قالت :فأمر بها فدفنت.
أخرجاه.
الباب الثالث
في ذكر حجامته صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :احتجمَ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم وهو مُحْرم في رأسه ،من صداع
كان به أو شيء كان به».
أخرجاه.
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحتجم ثلثا؛ واحدةً على كاهله واثنتين على
الخْدعين».
الكاهل :موصل العنق في القلب.
والخدعان :عرقان في العنق.
عن ابن عمر« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يحتجم في رأسه .ويسمّيه أمّ مُغيث».
عن أنس بن مالك :أنه سئل عن كَسْب الحجّام فقال« :احتجم رسول ال صلى ال عليه وسلم،
حجَمه أبو طيبة ،فأمَر له بصاعين من طعام وكلّم أهلَه فوضعوا عنه من خَراجه ،وقال« :إنّ
َ
حجَامَةُ» .
ضلَ ما َتدَاوَيْتُم بِه ال ِ
أ ْف َ
عن أنس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم احتجم وهو ُمحْرمٌ بمَلَل على ظهر القدَم».
عن عليَ« :أن النبي صلى ال عليه وسلم احتجم وأمَرني أن أُعطي الحَجّام أجره».
عن أنس« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى
وعشرين».
البابُ الرابع
في تداويه بالحناء صلى ال عليه وسلم
عن سلمى قالت« :كنت أخْدم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فما كانت تصيبه قَرْحة ،ول نكب ٌة إل
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أمرني أن أضع عليها الحناء».
أبواب نكاحه صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في تحبيب النساء إليه صلى ال عليه وسلم
جعَِلتْ
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :حُ ّببَ إليّ منَ الدّنْيَا الطّ ْيبُ والنّسَاءُ و ُ
لةِ» .
قُ ّرةُ عَيْنِي في الصّ َ
قال ابن عقيل :إنما قال صلى ال عليه وسلم« :حُبب إليّ من الدنيا» لقامة العذر وبراءة النفس
من النتماء إلى مَحبّة الدنيا بمجرد الختيار.
«وجعلت قرة عينه في الصلة» لظهور آثارٍ من العبودية بها يظهر ما ل يظهر في سائر
العبادات.
قال المصنف :وهذا الكلم ل أرتضيه لن مضمونه وضع فيما غيرُه أصْلَح ،فأنا معذور.
عظّمَ من التناسل ليجاد الموحّدين (حُبّب) فيه لينسخ حالُه غيرَه.
ن يقال :إنه لمّا َ
وإنما الصواب أ ْ
وأمّا الطّيب فإنه من الدب في خدمة الحق ولقاء الخَلْق .وأما الصلة فإنها لمّا كانت في الدنيا
نُسبت إليها.
الباب الثاني
في ذكر أزواجه وعددهن صلى ال عليه وسلم
خوَيلد.
1ــــ أول أزواجِ رسول ال صلى ال عليه وسلم خديجة بنت ُ
وقد سبق ذكرُ تزويج رسول ال صلى ال عليه وسلم بها .وتوفيت بعد أن مضى من النبوة سبعٌ،
وقيل :عَشْر ،قبل أن ُتفْرض الصلوات الخمس.
ولم ينكح غيرَها حتى ماتت ،وكانت تُنْفق عليه ،وكان يكرمها بعد موتها كثيرا و ُيهْدي إلى
جةَ،
خدِيْ َ
ع ْهدِ َ
صدائقها .ودخلت عليه أم أزفر ماشطة خديجة فأكرَمها وقال« :هذه كَا َنتْ َت ْغشَانَا فِي َ
وإنّ حُسْنَ ال َعهْدِ مِنَ ال ْيمَانِ» .
عن عبد الرحمن بن زيد قال :إن آدَم عليه السلم ذكرَ محمدا صلى ال عليه وسلم فقال« :إنّ مَا
عوْنا لي
عوْنا له فِي دِيْنِه ،وكا َنتْ َز ْوجَتِي َ
حبُ ال َبعِيْرِ أن َزوْجَتَه كا َنتْ َ
ُفضّل بِه عََليّ ابْنِي صَا ِ
خطِيْئَةِ» .
عَلَى ال َ
قال المصنف :يشير إلى خديجة عليها السلم.
وسيأتي هذا الحديث مرفوعا في فضله على النبياء.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سكْران بن عمرو ،فأسلمَا وهاجَرا إلى أرض الحبشة،
سوْدَة بنت َزمْعة .كانت تحت ال ّ
2ــــ َ
فمات زوجُها ،فتزّوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهاجَر بها ،فلما كبرت أراد طلقها
فسألته أن ل يفعل وجعلت ليلتها لعائشة.
3ــــ عائشة بنت أبي بكر .تزوّجها رسول ال صلى ال عليه وسلم وهي بنت ست سنين،
وبنَى بها وهي بنت تِسْع ،ولم ينكح ِبكْرا غيرَها .وبقيت معه تسعَ سنين.
4ــــ حفصة بنت عمر .كانت عند خُنَيس بن حُذَافة ،وهاجرت معه إلى المدينة فمات عنها،
فتزوّجها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ،ثم طلقها تطليقةً ،فقال له جبريل :إن ال يأمرك أن
تراجِع حفصة فإنها صوّامة .فراجَعها.
وقيل :إنما َهمّ بطلقها ولم يفعل.
5ــــ أُم سَلَمة واسمها هند بنت أبي أُمية ،واسمه سهل ،كانت عند أبي سلمة فهاجر بها إلى
أرض الحبشة وتوفي سنة أربع ،فتزوّجها رسول ال صلى ال عليه وسلم.
6ــــ أُم حَبيبة :واسمها َرمْلة بنت أبي سفيان ،كانت عند عُبيد ال بن جحش ،هاجرا إلى
ضمْري إلى
الحبشة فتنصّرَ عُبيدُ ال ،فبعث رسولُ ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن أُمية ال ّ
النجاشي ليزوجها إياه ،فوكّلَت خالدَ بن سعيد بن العاص فزوّجها إياه.
7ــــ زينب بنت جحش :كانت عند زيد بن حارثة فطلّقها ،فتزوجها رسول ال صلى ال
عليه وسلم.
8ــــ زينب بنت خزيمة :كانت عند الطفيل بن الحارث فطلّقها ،فتزوجها أخوه عَبدة بن
الحارث ،فقُتل عنها يوم بَدْر شهيدا ،فتزوجها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم.
9ــــ جُويرية بنت الحارث :أصابها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم في غزوة ال ُمصْطَلق،
وكانت قد وقعت في سَهم ثابت بن قيس فكاتبها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقضى كتابتَها
وتزوجها.
10ــــ صفية بنت حُيَي .قُتل زوجها كِنانة بن الربيع يومَ خيبر ،فسبَاها رسولُ ال صلى ال
عليه وسلم واصطفاها لنفسه ،فأسلمت فأعتقها وجعل عِتْقها صداقها.
11ــــ ريحانة بنت زيد .سَبَاها رسول ال صلى ال عليه وسلم من بني النضير فأعتقها
وتزوّجها ويقال :كان يطأها بمِلْك اليمين ولم يعتقها.
12ــــ ميمونة بنت الحارث .تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم بسَرِف ،وقدّر ال
تعالى أنها ماتت في المكان الذي بنى بها رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه.
وتزوج رسول ال صلى ال عليه وسلم جماعة من النساء ولم يدخل بهن منهن :الكِلَبية .فمنهم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عمْرة ،ومنهم من يقول العالية.
مَنْ يسميها فاطمة ،ومنهم من يسميها َ
خوْلة ،وشَراف،
ومنهن :أسماء بنت النعمان ،وقَتِيلة بنت قيس ،ومليكة بنت كعب ،وأم شريك ،و َ
وليلى بنت الحطيم ،والغِفَارية.
وقد خطب جماعةً فلم يتم النكاح.
وفيما ذكرنا خلف وقد ذكرته في كتاب «التّلْقيح».
وقد عُرض عليه نسوة فأبَى.
البابُ الثالث
في ذكر سراريه صلى ال عليه وسلم
مارية القبطية :بعث بها ال ُمقَوقس ،ريحانة بنت زيد ،التي ذكرناها في أزواجه .وقد قيل إنها كانت
سُرّية.
وقال أبو عُبيدة :كانت له أربع سَراري ،مارية ،وريحانة ،وأخرى جميلة أصابها في السّبْى،
وجارية وهبتها له زينبُ بنت حجش.
قال أبو الوفاء بن عقيل :استكثارُ رسول ال صلى ال عليه وسلم من النساء وزيادته على ما أبيح
لمته :دليل على أنه يَبْنِ لنفسه ناموسا ،ولو أراد الناموسَ لشتغل بالتعبّد عن النساء.
الباب الرابع
في ذكر قوته على الجماع صلى ال عليه وسلم
عن جابر بن عبد ال قال« :أعطِي رسولُ ال صلى ال عليه وسلم الكفيت».
قلت للحسن :ما الكفيت؟
قال :الجماع.
الباب الخامس
في استتاره وغض بصره عند الجماع صلى ال عليه وسلم
عن مولى لعائشة قال :قالت عائشة« :ما رأيت عورةَ رسول ال صلى ال عليه وسلم َقطّ».
عن أنس قال« :ما رأيت عورةَ رسول ال صلى ال عليه وسلم َقطّ».
عن عائشة قالت« :ما أتى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم أحدا من نسائه إل مقنّعا يُرْخي الثوبَ
على رأسه ،وما رأيتُه من رسول ال صلى ال عليه وسلم ول رآه منّي».
عن أم سلمة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أتى امرأةً من نسائه غمض عينيه
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سكِيْنَ ِة وال َوقَارِ» .
وقنّع رأسَه وقال للتي تكون تحته« :عَلَ ْيكِ بِال ّ
الباب السادس
في ذكر طوافه على نسائه في ساعة صلى ال عليه وسلم
عن أنس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طاف على نسائه جميعا في يوم واحد».
عن أنس« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يدور على نسائه في الساعة من الليل والنهار،
وهن إحدى عشرة امرأة».
قلت لنس :وهل كان يُطيق ذلك؟
قال :كنا نتحدث أنه أُعطي قوةَ ثلثين.
الباب السابع
في أنه كان يطوف على نسائه بغسل واحد صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يطوف على نسائه بغسل واحد».
الباب الثامن
في اغتساله في كل وطء صلى ال عليه وسلم
عن أبي رافع« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طاف على نسائه في يوم ،فجعل يغتسل عند
هذه وعند هذه .فقيل :يا رسول ال ،لو جعلتَه غسلً واحدا؟
طهَرُ» .
قال« :هَذا أ ْزكَى وأطْ َيبُ وأ ْ
الباب التاسع
في مداراته نساءه صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :جاء حبش يَزْفنون يوم عيدٍ في المسجد ،فدعاني النبي صلى ال عليه وسلم
فوضعتُ رأسي على منكبه ،فجعلت أنظر إلى لعبهم ،حتى كنت أنا الذي أنصرف عن النظر
إليهم.
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحب الحَلْواء ،والعسل ،وكان إذا صلى
العصر دار على نسائه فيدنو منهن».
فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما يحتبس ،فسألتُ عن ذلك فقيل لي :أهدَت لها امرأةٌ من
عكّةً من عسل فسقت رسول ال صلى ال عليه وسلم منه شَرْبة.
قومها ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قلت :أما وال لنحتالنّ له.
سوْدَة وقلت :إذا دخل عليك فإنه سيدنو منك فقولي له :يا رسول ال أكلتَ َمغَافير؟
فذكرت ذلك ل َ
فإنه يقول لك ل .فقولي له :ما هذه الريح؟ فإنه سيقول لك :سقَتْني حفصُة عسلً .فقولي جرست
نَحْلُه العُرفط وسأقول ذلك له ،وقولي له أنتِ يا صفية.
سوْدة :والذي ل إله إل هو لقد كِ ْدتُ أن أُباديه بالذي قلتِ وإنه
سوْدة قالت :تقول َ
فلما دخل على َ
ت مغَافير؟
على الباب فَرقا منكِ ،فلما دنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم قلت :يا رسول ال ،أكل َ
قال« :ل» .
قلت :فما هذه الريح؟
سلٍ» .
ح ْفصَةُ شُرْ َبةَ عَ َ
سقَتْنِي َ
قالَ « :
قلت :جرست نحلُه العُ ْرفُط.
فلما دخل عليّ قلت له مثل ذلك .ثم دخل على صفية فقالت له مثل ذلك.
فلما دخل على حفصة قالت :يا رسول ال ،أل أسقيك منه؟
قال« :ل حَاجَةَ لِي بِه» .
قالت مولة سودة :وال لقد حُ ِرمْنَا.
قالت :قلت لها :اسكتي.
عن عائشة قالت :كان بيني وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم كل ٌم فقال« :مَنْ تَ ْرضَيْن أنْ
َيكُونَ بَيْنِي وبَيْ َنكِ؟ أتَ ْرضِيْنَ أبا عُبَيْ َدةَ بْنَ الجَرّاحِ؟» .
قلت :ل ذاك رجل لن يقضي لك عليّ.
ن بعمر؟» .
قال« :أتَ ْرضِيْ َ
قلت :ل إني أفْرَق من عمر.
قال« :فَالشّ ْيطَانُ َيفْ َرقُه ،أتْ َرضِيْنَ بأبِي َبكْرٍ؟» .
قلت :نعم.
فبعث إليه فجاء ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم «ا ْقضِ بَيْنِي وبَيْنَ َهذِه» .
قال :أنا يا رسول ال؟
قالَ « :نعَمْ» .
فتكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت له :ا ْقصِدْ يا رسول ال.
قالت :فرفع أبو بكر يده فلطم وجهي لطمةً بد َر منها أنفي ومِنْخراي دما وقال :ل أبا لكِ فمن
َيقْصدُ إذا لم يقصد رسولُ ال صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ما أ َردْنَا هَذا» .وقام فغسل الد َم عن وجهي وثوبي بيده.
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم :إذا غضبتُ وضع يده على منكبي وقال:
ن الفِتَنِ» .
غفِرْ َلهَا ذَنْبَها وأ ْذ ِهبْ غَيْظَ قَلْبِها وأعِ ْذهَا م َ
«اللهُمّ ا ْ
الباب العاشر
في تأديبه أزواجه صلى ال عليه وسلم بالهجر للخطأ والِيلء منهن شهرا واعتزالهن
وفي سبب ذلك ثلثة أقوال:
أحدها :أنهن سألْنَه من النفقة ما ليس عنده.
والثاني :أنه خل بماريةَ في بيت حفصة ،فلما علمت قال« :اكْ ُتمِي عََليّ» فأخبرت عائشة.
والثالث :أنه أُهديت إليه هدية فبعث إلى زينب نصيبها فردّته ،فزادها فردّته ،فقالت :لقد أقمتَ
شهْرا» .
خلُ عَلَ ْيكُنّ َ
علَى ال منْ أنْ تُ ْنقِمْنَنِي ،ل أدْ ُ
وجهك حيث تُرَدّ هديتك .فقال« :أنْتُنّ أ ْهوَنُ َ
عن عمر بن الخطاب قال :تغضّبتُ يوما عن امرأتي ،فإذا هي تراجعني ،فأنكرتُ أن تراجعني،
فقالت :ما تُنْكر أن أراجعك ،فوال إن أزواجَ النبي صلى ال عليه وسلم ليراجعْنه وتهجره إحداهن
إلى الليل.
فانطلقتُ فدخلتُ على حفصة ،فقلت :أتراجعن رسولَ ال صلى ال عليه وسلم؟
قالت :نعم.
قلت :و َتهْجره إحداكن اليو َم إلى الليل؟
قالت :نعم.
قلت :قد خاب مَنْ فعل ذلك منكن وخسر ،أفتأمنُ إحداكن أن يغضب ال عليها لغضب رسول ال
صلى ال عليه وسلم فإذا هي قد هلكت.
ثم دخلتُ على حفصة وهي تبكي ،فقلت :أطلّقكن رسولُ ال صلى ال عليه وسلم؟
قالت :ل أدري ،هو معتزلٌ في هذه المشربة .وكان أقْسَم أن ل يدخل عليهن شهرا ،من شدة
َموْجدته عليهن.
أخرجاه.
عن جابر قالَ :أقْبل أبو بكر يستأذن على رسول ال صلى ال عليه وسلم والناسُ ببابه جلوسٌ فلم
يُؤذَن له ،ثم أقبل عمر فاستأذن فلم يؤذن له ،ثم أَذِن لبي بكر وعمر ،فدخل والنبيّ صلى ال
حوْله نساؤه وهو ساكت.
عليه وسلم جالسٌ و َ
فقال عمر :لكلمنّ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم لعلّه يضحك.
فقال :يا رسول ال ،لو رأيتَ ابنة زيد ،يعني امرأة عمر ،سألْتني النفقة آنفا فوجَأتُ عُنقها
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حوْلِي َكمَا تَرَى َيسْألْنَنِي
جذُه وقال« :هُنّ َ
فضحك رسولُ ال صلى ال عليه وسلم حتى بَ َدتْ َنوَا ِ
ال ّنفَقَةَ» .
فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ،وقام عمر إلى حفصة ،كلهما يقول :تسألين رسولَ ال صلى
ال عليه وسلم ما ليس عنده
فنهاهما رسولُ ال صلى ال عليه وسلم.
فقال نساؤه :وال ل َنسْأل رسولَ ال صلى ال عليه وسلم بعدَ هذا المجلس ما ليس عنده.
فأنزل ال تعالى آية التخيير.
حبّ أن َت ْعجَلَي فِيه حتّى َتسْتَ ْأمْرِي أ َبوَ ْيكِ» .
فبدأ بعائشة فقال« :إنّي ذَاكِرٌ َلكِ أمْرا ولَ أ ِ
فقالت :ما هو؟
فقالت عائشة :أفيكَ أستَأْمر أبويّ؟ إنّي أختار ال ورسوله ،وأسألك أن ل تذكر لمرأة من نسائك
ما اخترتُ.
ت إلّ
عمّا اخْتَ ْر ِ
فقال« :إنّ اللّهَ لَمْ يَ ْبعَثْنِي مُ َتعَنّتا ،ولكنْ َبعَثَنِي ُمعَّلمًا مُيَسّرًا ،ل تَسْأَلُني امْرَأ ٌة منهُنّ َ
أخْبَرْتُها» .
انفرد بإخراجه مسلم.
الباب الول
في ذكر اليوم الذي كان يسافر فيه صلى ال عليه وسلم
عن عبد الرحمن بن كعب ،عن أبيه ،قال :قلّ ما كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد
سفَرا أن يخرج إل يوم الخميس.
عن أم سلمة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحب يومَ الخميس ،ويستحب أن يسافر
فيه».
عن عائشة قالت« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحب أن يسافر يوم الثنين والخميس».
الباب الثاني
في ذكر ما كان يقوله إذا خرج إلى السفر صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال« :اللهُمّ
سفَرِ والكآبَةِ فِي
حبُ فِي السَفرِ والخَلِ ْيفَةُ فِي الَ ْهلِ ،اللهُمّ إنّي أعوذُ ِبكَ مِن الفِتْنَةِ فِي ال ّ
أ ْنتَ الصّا ِ
سفَرَ» .
المُ ْنقَلِب ،الل ُهمّ اقْ ِبضْ لَنَا ال ْرضَ و َهوّنْ عَلَيْنَا ال ّ
عن عبدال بن سَرْجِس أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا خرج في سفر :قال« :الل ُهمّ إنّي
ع َوةِ المَظْلومِ ،وسُوءِ المَنْظَ ِر في
حوْرِ َبعْدَ ال َكوْرِ ،ودَ ْ
سفَرِ ،وكَآبَةِ المُ ْنقَلِب ،وال َ
ن وَعْثَاءِ ال ّ
أعوذُ ِبكَ م ْ
ال ْهلِ والمَالِ» يبدأ بالهل.
انفرد بإخراج هذا مسلم.
عن عبدال بن عمر أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا ركب راحلته ،يعني إلى السفر ،كبّر
جعَلْنَاهُ قُرْءَانا عَرَبِيّا ّلعَّل ُكمْ َت ْعقِلُونَ * وَإِنّهُ فِى? أُمّ
ثلثا ثم قال{ :حم? * وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ * إِنّا َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حكِيمٌ * َأفَ َنضْ ِربُ عَنكُمُ ال ّذكْرَ صَفْحا أَن كُنتُمْ َقوْما مّسْ ِرفِينَ * َوكَمْ أَ ْرسَلْنَا مِن
ا ْلكِتَابِ لَدَيْنَا َلعَِلىّ َ
لوّلِينَ * َومَا يَأْتِيهِم مّنْ نّ ِبىّ ِإلّ كَانُواْ ِبهِ يَسْ َتهْزِءُونَ * فَأَ ْهَلكْنَآ أَشَدّ مِ ْنهُم بَطْشا َو َمضَى
نّ ِبيّ فِى ا ّ
ج َعلَ
ت وَالّ ْرضَ لَ َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ * الّذِى َ
سمَاوَا ِ
لوّلِينَ * وَلَئِن سَأَلْ َت ُهمْ مّنْ خََلقَ ال ّ
مَ َثلُ ا ّ
سمَآءِ مَآءً ِبقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا ِبهِ
ج َعلَ َلكُمْ فِيهَا سُبُلً ّلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ * وَالّذِى نَ ّزلَ مِنَ ال ّ
َلكُ ُم الّ ْرضَ َمهْدا وَ َ
ك وَالّنْعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ *
ج َعلَ َلكُمْ مّنَ ا ْلفُ ْل ِ
ق الَ ْزوَاجَ كُّلهَا وَ َ
بَلْ َدةً مّيْتا َكذَِلكَ تُخْ َرجُونَ * وَالّذِى خََل َ
ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُواْ ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ إِذَا اسْ َتوَيْتُمْ عَلَ ْي ِه وَ َتقُولُواْ سُ ْبحَانَ الّذِى سَخّرَ لَنَا هَاذَا
لِتَسْ َتوُواْ عَلَى ُ
جعَلُواْ َلهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُزْءًا إِنّ النسَانَ َل َكفُورٌ مّبِينٌ
َومَا كُنّا َلهُ ُمقْرِنِينَ * وَإِنّآ إِلَى رَبّنَا َلمُنقَلِبُونَ * وَ َ
خذَ ِممّا يَخُْلقُ بَنَاتٍ وََأصْفَاكُم بِالْبَنِينَ * وَِإذَا بُشّرَ َأحَ ُدهُم
* أَمِ اتّ َ
خصَامِ
سوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ * َأ َومَن يُنَشّأُ فِى ا ْلحِلْيَ ِة وَ ُهوَ فِى الْ ِ
ج ُههُ مُ ْ
ل وَ ْ
ظّحمَانِ مَثَلً َ
ِبمَا ضَ َربَ لِلرّ ْ
شهَادَ ُتهُمْ وَيُسْئَلُونَ
شهِدُواْ خَ ْل َقهُمْ سَ ُتكْ َتبُ َ
حمَانِ إِنَاثا أَ َ
جعَلُواْ ا ْلمَلَا ِئكَةَ الّذِينَ ُهمْ عِبَادُ الرّ ْ
غَيْرُ مُبِينٍ * وَ َ
حمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مّا َلهُم بِذَِلكَ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ ُهمْ ِإلّ يَخْ ُرصُونَ * أَمْ ءَاتَيْنَا ُهمْ
* َوقَالُواْ َلوْ شَآءَ الرّ ْ
علَى ءَاثَارِهِم
سكُونَ * َبلْ قَالُو?اْ إِنّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى ُأمّةٍ وَإِنّا َ
كِتَابا مّن قَبْلِهِ َفهُم بِهِ مُسْ َتمْ ِ
علَى
ّمهْتَدُونَ * َوكَذَِلكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبِْلكَ فِى قَرْيَةٍ مّن نّذِيرٍ ِإلّ قَالَ مُتْ َرفُوهَآ إِنّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا َ
ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى ءَاثَا ِرهِم ّمقْتَدُونَ * ُقلْ َأوََلوْ جِئْ ُتكُمْ بِأَ ْهدَى ِممّا وَجَدتّمْ عَلَيْهِ ءَابَآ َءكُمْ قَالُو?اْ إِنّا ِبمَآ
أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ * فَان َت َقمْنَا مِ ْن ُهمْ فَانظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُم َكذّبِينَ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لّبِي ِه َو َق ْومِهِ
عقِبِهِ َلعَّلهُمْ
جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِى َ
إِنّنِى بَرَآءٌ ّممّا َتعْ ُبدُونَ * ِإلّ الّذِى فَطَرَنِى فَإِنّهُ سَ َيهْدِينِ * َو َ
ق وَرَسُولٌ مّبِينٌ * وََلمّا جَآءَ ُهمُ ا ْلحَقّ قَالُواْ
حّجعُونَ * َبلْ مَ ّت ْعتُ هؤلء وَءَابَآءَهُمْ حَتّى جَآءَهُمُ الْ َ
يَرْ ِ
جلٍ مّنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَ ُهمْ
هَاذَا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ * َوقَالُواْ َل ْولَ نُ ّزلَ هَاذَا ا ْلقُرْءَانُ عَلَى رَ ُ
سمْنَا بَيْ َنهُمْ ّمعِيشَ َت ُهمْ فِى الْحياةِ الدّنْيَا وَ َر َفعْنَا َب ْعضَهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ
حمَةَ رَ ّبكَ َنحْنُ قَ َ
سمُونَ َر ْ
َيقْ ِ
ضهُم َبعْضا
خذَ َب ْع ُ
لّيَتّ ِ
حمَانِ ُنقَيّضْ لَهُ شَيْطَانا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ * وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ
رَ ّبكَ لِ ْلمُ ّتقِينَ * َومَن َيعْشُ عَن ِذكْرِ الرّ ْ
حسَبُونَ أَ ّنهُم ّمهْتَدُونَ * حَتّى ِإذَا جَآءَنَا قَالَ يالَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ
ل وَيَ ْ
عَنِ السّبِي ِ
سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِى
ا ْلقَرِينُ * وَلَن يَنفَ َعكُمُ الْ َيوْمَ إِذ ظَّلمْتُمْ أَ ّنكُمْ فِى ا ْلعَذَابِ مُشْتَ ِركُونَ * َأفَأَنتَ تُ ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ا ْل ُع ْمىَ َومَن كَانَ فِى ضَلَالٍ مّبِينٍ * فَِإمّا َنذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُم مّنتَ ِقمُونَ * َأوْ نُرِيَ ّنكَ الّذِى وَعَدْنَاهُمْ
حىَ ِإلَ ْيكَ إِ ّنكَ عَلَى صِرَاطٍ مّسْ َتقِيمٍ * وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ ّلكَ
سكْ بِالّذِى? أُو ِ
فَإِنّا عَلَ ْيهِمْ ّمقْتَدِرُونَ * فَاسْ َتمْ ِ
حمَانِ ءَاِلهَةً
جعَلْنَا مِن دُونِ الرّ ْ
س ْوفَ تُسْئَلُونَ * وَاسْئلْ مَنْ أَ ْرسَلْنَا مِن قَبِْلكَ مِن رّسُلِنَآ أَ َ
وَلِ َق ْو ِمكَ وَ َ
ن َومَلّيْهِ َفقَالَ إِنّى رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ * فََلمّا
عوْ َ
ُيعْبَدُونَ * وََلقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِئَايَاتِنَآ إِلَى فِرْ َ
حكُونَ * َومَا نُرِ ِيهِم مّنْ ءَايَةٍ ِإلّ ِهىَ َأكْبَرُ مِنْ ُأخْ ِتهَا وَأَخَذْنَاهُم
جَآءَهُم بِئَايَاتِنَآ إِذَا هُم مّ ْنهَا َيضْ َ
عهِدَ عِن َدكَ إِنّنَا َل ُمهْتَدُونَ * فََلمّا
جعُونَ * َوقَالُواْ ياأَيّهَ السّاحِرُ ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ
بِا ْلعَذَابِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ
عوْنُ فِى َق ْومِهِ قَالَ يا َقوْمِ أَلَيْسَ لِى مُ ْلكُ ِمصْ َر وَهَا ِذهِ
شفْنَا عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَابَ ِإذَا ُهمْ يَنكُثُونَ * وَنَادَى فِرْ َ
كَ َ
الّ ْنهَارُ َتجْرِى مِن تَحْتِى? َأفَلَ تُ ْبصِرُونَ * َأمْ أَنَآ خَيْرٌ مّنْ هَاذَا الّذِى ُهوَ َمهِينٌ َولَ َيكَادُ يُبِينُ *
سوِ َرةٌ مّن ذَ َهبٍ َأوْ جَآءَ
فََلوْلَ أُ ْل ِقىَ عَلَيْهِ َأ ْ
سفُونَا ان َتقَمْنَا
سقِينَ * فََلمّآ ءَا َ
خفّ َق ْومَهُ فََأطَاعُوهُ إِ ّنهُمْ كَانُواْ َقوْما فَا ِ
َمعَهُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ ُمقْتَرِنِينَ * فَاسْ َت َ
جعَلْنَاهُمْ سَلَفا َومَثَلً لّلّخِرِينَ * وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْ َيمَ مَثَلً إِذَا َقوْ ُمكَ
ج َمعِينَ * َف َ
مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ أَ ْ
صمُونَ * إِنْ ُهوَ
خ ِ
ج َدلَ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ
مِنْهُ َيصِدّونَ * َوقَالُو?اْ ءَأَاِلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ ُهوَ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ ِإلّ َ
جعَلْنَا مِنكُمْ مّلَا ِئكَةً فِى الّ ْرضِ
جعَلْنَاهُ مَثَلً لّبَنِى? إِسْرَاءِيلَ * وََلوْ َنشَآءُ َل َ
ِإلّ عَبْدٌ أَ ْن َعمْنَا عَلَيْهِ وَ َ
يَخُْلفُونَ * وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لّلسّاعَةِ فَلَ َتمْتَرُنّ ِبهَا وَاتّ ِبعُونِ هَاذَا صِرَاطٌ مّسْ َتقِيمٌ * َولَ َيصُدّ ّن ُكمُ الشّ ْيطَانُ
ح ْكمَ ِة َولُبَيّنَ َلكُم َب ْعضَ الّذِى
إِنّهُ َل ُكمْ عَ ُدوّ مّبِينٌ * وََلمّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْ ُتكُم بِا ْل ِ
تَخْتَِلفُونَ فِيهِ فَا ّتقُواْ اللّ َه وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ ُهوَ رَبّى وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَاذَا صِرَاطٌ مّسْ َتقِيمٌ * فَاخْ َتَلفَ
الّحْزَابُ مِن بَيْ ِنهِمْ َفوَ ْيلٌ لّلّذِينَ ظََلمُواْ مِنْ عَذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ * َهلْ يَنظُرُونَ ِإلّ السّاعَةَ أَن تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً
خ ْوفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َي ْومَ
ضهُمْ لِ َب ْعضٍ عَ ُدوّ ِإلّ ا ْلمُ ّتقِينَ * ياعِبَا ِد لَ َ
لءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ
شعُرُونَ * الّخِ ّ
وَهُ ْم لَ يَ ْ
جكُمْ ُتحْبَرُونَ *
وَلَ أَن ُتمْ تَحْزَنُونَ * الّذِينَ ءَامَنُواْ بِئَايَاتِنَا َوكَانُواْ مُسِْلمِينَ * ادْخُلُواْ ا ْلجَنّةَ أَن ُت ْم وَأَ ْزوَا ُ
ن وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *
س وَتَلَ ّذ الّعْيُ ُ
ب َوفِيهَا مَا تَشْ َتهِي ِه الّ ْنفُ ُ
ب وََأ ْكوَا ٍ
صحَافٍ مّن ذَ َه ٍ
يُطَافُ عَلَ ْيهِمْ ِب ِ
وَتِ ْلكَ
الْجَنّةُ الّتِى? أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنتُمْ َت ْعمَلُونَ * َلكُمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ مّ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ * إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِى
جهَنّمَ خَالِدُونَ * لَ ُيفَتّرُ عَ ْن ُه ْم وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * َومَا ظََلمْنَا ُه ْم وَلَاكِن كَانُواْ هُمُ الظّاِلمِينَ *
عَذَابِ َ
حقّ كَارِهُونَ
وَنَا َدوْاْ يامَاِلكُ لِ َيقْضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ قَالَ إِ ّنكُمْ مّاكِثُونَ * َلقَدْ جِئْنَاكُم بِا ْلحَقّ وَلَاكِنّ َأكْثَ َر ُكمْ لِلْ َ
جوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَ ْيهِمْ
سمَعُ سِرّ ُه ْم وَنَ ْ
* أَمْ أَبْ َرمُو?اْ َأمْرا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ * أَمْ َيحْسَبُونَ أَنّا لَ نَ ْ
ت وَالّرْضِ َربّ
سمَاوَا ِ
ن وَلَدٌ فَأَنَاْ َأ ّولُ ا ْلعَا ِبدِينَ * سُ ْبحَانَ َربّ ال ّ
حمَا ِ
َيكْتُبُونَ * ُقلْ إِن كَانَ لِلرّ ْ
عدُونَ * وَ ُهوَ الّذِى فِى
صفُونَ * َفذَرْهُمْ َيخُوضُواْ وَيَ ْلعَبُواْ حَتّى يُلَاقُواْ َي ْو َمهُمُ الّذِى يُو َ
عمّا َي ِ
ا ْلعَرْشِ َ
ت وَالّ ْرضِ َومَا
سمَاوَا ِ
حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ * وَتَبَا َركَ الّذِى لَهُ مُ ْلكُ ال ّ
السّمآءِ اله َوفِى الّرْضِ اله وَ ُهوَ الْ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
شهِدَ
شفَاعَةَ ِإلّ مَن َ
جعُونَ * َولَ َيمِْلكُ الّذِينَ َيدْعُونَ مِن دُونِهِ ال ّ
بَيْ َن ُهمَا وَعِن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ
خَلقَهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ * َوقِيلِهِ يا َربّ إِنّ هؤلء
ق وَهُمْ َيعَْلمُونَ * وَلَئِن سََألْ َتهُم مّنْ َ
حّبِالْ َ
سوْفَ َيعَْلمُونَ }الزخرف 13 :ــــ )14
صفَحْ عَ ْن ُه ْم َو ُقلْ سَلَامٌ َف َ
َقوْ ٌم لّ ُي ْؤمِنُونَ * فَا ْ
.
سفَري هَذا البِرّ والتّ ْقوَى ،ومن ال َعمَل ما تَ ْرضَى ،اللهُمّ هوّنْ عَلينَا
ثم يقول« :اللهُمّ إنّي أسْأَُلكَ فِي َ
سفَرِنَا
سفَرِ والخَلِ ْيفَةُ فِي الَ ْهلِ ،الل ُهمّ اصْحَبْنَا في َ
حبُ في ال ّ
طوِ لَنَا ال َبعِيدَ ،اللهُمّ أ ْنتَ الصّا ِ
سفَرَ وا ْ
ال ّ
واخُْلفْنا فِي أهْلِنا» .
عن علي بن ربيعة قال :رأيت عليّا أُتي بدابّة ليركبها ،فلما وضع رحله في الرّكاب قال :بسم ال.
فلما استوَى عليها قال :الحمد ل سبحان الذي سَخّر لنا هذا وما كُنّا له مُقْرِنين وإنّا إلى ربنا
َلمُ ْنقَلِبون .ثم حمد ال ثلثا وكبّر ثلثا ثم قال :سبحانك ل إله إل أنت قد ظَلمتُ نفسي فاغفر لي.
ثم ضحك ،فقلت :مم تضحك يا أمير المؤمنين؟
جبُ
ل ما فعلتُ ،ثم ضحك .فقلت :مم ضحكت يا رسول ال؟ قالَ « :يعْ َ
قال :رأيت رسول ال فع َ
غفِرْ لِي .يقُولُ اللّهُ َتعَالَى :عَلِم عَبْدِي أنّه لَ َي ْغفِرُ الذّنوبَ غَيْرِي» .
ال ّربّ مِن عَبْدِه إذا قَالَ :ربّ ا ْ
الباب الثالث
كيف كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يودّع المسافر
سفَرا :ادْنُ منّي أودّعك كما كان رسول ال صلى
عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد َ
عمَِلكَ» .
خوَاتِيْمَ َ
ال عليه وسلم يودّعنا فيقول« :أسْ َتوْ ِدعُ اللّهُ دِي َنكَ ،وأمَانَ َتكَ و َ
عن ابن عمر قال :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا ودّع رجلً من أصحابه قالَ « :زوّ َدكَ اللّهُ
ج ْهتَ» .
ك وَلقْاكَ الخَيْرَ حَ ْيثُ َتوَ ّ
غفَرَ ذَنْ َب َ
ال ّت ْقوَى و َ
الباب الرابع
كيف كان سير رسول ال صلى ال عليه وسلم في السّفر
عن أسامة أنه سُئل عن سَيْرِ رسول ال صلى ال عليه وسلم في حجة الوداع ،وأنا شاهد ،قال:
«كان سيره العَنَق ،فإذا وجدَ فجوةً َنصّ ،وال ّنصَّ :فوْق العَنَق».
أخرجاه.
الباب الخامس
فيما كان يقول إذا نزل منزلً من الليل صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن ابن عمر قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا غزا أو سافر فأدركه الليل بأرض قال:
«ربّي ور ّبكِ اللّهُ ،أعوذُ بِال مِنْ شَ ّركِ وشَرّ ما فِيكِ وشَرّ مَا َدبّ علَ ْيكِ ،وأعوذُ بال مِن شَ ّر كل
سوَدَ ،وحَيّةٍ وعَقْ َربٍ ،ومن شرّ سَاكِني البَلَدِ ،ومن شَرّ وال ٍد ما وَلَدَ» .
سدٍ وأ ْ
أَ َ
الباب السادس
فيما كان يقوله في السحر صلى ال عليه وسلم
سمِعَ سَامِعٌ
سفَرٍ وأسْحَر يقولَ « :
عن أبي هريرة :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا كان في َ
ضلْ عَلَيْنَا ،عَائِذا بال مِن النّارِ» .
حمْدِ ال وحُسْنِ بَلَئِه عَلَيْنَا ،ربّنا صَاحِبْنا وأفْ ِ
بِ َ
الباب السابع
في تنفله على الراحلة صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن يصلّي على راحلته استقبل القِبْلَة
وكبّر للصلة ،ثم خلّى عن راحلته فصلّى حيث ما توجّهت به».
الباب الثامن
فيما كان يقوله صلى ال عليه وسلم إذا رجع من السّفر
عمْرة يكبّر على
عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا َقفَل من غَ ْزوٍ أو حَجَ أو ُ
كل شَرَف من الرض ثلثَ تكبيرات ،ثم يقول« :لَ اله إلّ اللّهُ وَحْدَه لَ شَرِ ْيكَ لَه ،لَهُ المُ ْلكُ ولَه
شيْءٍ َقدِيرٌ ،آيِبونَ تَائِبونَ عَابِدونَ لِربّنا حَامِدونَ ،صَ َدقَ اللّهُ وَعْدَه و َنصَرَ
ح ْمدُ وهو عَلَى ُكلّ َ
ال َ
عَبْدَه وهَ َزمَ الحْزَابَ وحْدَه» .
أخرجاه.
عن ابن عباس قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد الرجوعَ من السفر قال« :آيِبونَ
تَائِبونَ لرَبّنا حَامِدونَ» .
حوْبا» .
فإذا دخل على أهله قالَ« :أوْبا َأوْبا لِرَبّنا َتوْبا ل ُيغَادِرُ عَلَيْنَا َ
الباب التاسع
فيما كان يضع إذا قدم من السفر صلى ال عليه وسلم
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم ل َيقْدَم من
سفر إلّ نهارا في الضحى ،فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلّى فيه ركعتين ثم جلس».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن كعب بن مالك قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى
فيه ركعتين ،ثم يقعد ما قدّر له في مسائل الناسِ وسلمهم».
الباب العاشر
في أنه كان ل يطرق أهله ليلً صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ل يَطْرُق أهلَه ليلً ،كان يدخل عليهم
غُدْوةً أو عِشاءً».
أبواب آلت حَربه صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في ذكر سيفه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تن ّفلَ سيفَه ذا الفِقَار يومَ بَدْر ،وهو الذي رأى
فيه الرؤيا يومَ أُحد».
عن علي قال« :كان اسمُ سيف رسول ال صلى ال عليه وسلم ذا الفِقَار».
عن ابن عاصم قال« :أخرج إلينا عليّ بن الحسين سيفَ رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا
قَبِيعته والحَلْقتان اللتان فيهما الحمائلُ من فضة .قال :فسلَلْته فإذا هو قد نحل ،كان سيفا لمنبّه بن
الحجاج السّهمي اتخذه رسول ال صلى ال عليه وسلم يومَ َبدْر».
عن أنس قال« :كانت قَبِيعة سيفِ رسول ال صلى ال عليه وسلم من فضة».
الباب الثاني
في ذكر درعه صلى ال عليه وسلم
عن علي قال« :كان اسم درع النبي صلى ال عليه وسلم ذا الفُضول».
عن جابر بن عبدال قال« :أخرج عليّ بن الحسين لنا درعَ رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فإذا
هي يَمانية رقيقة ذات زَرَافين ،فإذا علقت بزرافينها شمّرت ،فإذا أُرسلت مَسّت الرضَ».
عن جعفر بن محمد ،عن أبيه قال« :كانت في درع رسول ال صلى ال عليه وسلم حلقتان من
فضة».
عن السائب بن زيد« :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان عليه يومَ أُحد دِرْعان قد ظاهرَ
بينهما».
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثالث
في ذكر مغفره صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه ِم ْغفَر من حديد».
الباب الرابع
في ذكر قوسه صلى ال عليه وسلم
سفَر متوكئا
عن ابن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطبهم يوم الجمعة في ال ّ
على قوس قائما».
الباب الخامس
في ذكر رمحه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال« :كان للنبي صلى ال عليه وسلم رمح أو عصا تُرْكز له فيصلّي إليها».
الباب السادس
في ذكر حربته صلى ال عليه وسلم
عن ابن عمر« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان تُ ْركَز له الحَرْبة فتوضع بين يديه فيصلي إليها
والناسُ وراءه ،وكان يفعل ذلك في السفَر فمن ثَمّ اتخذَها المراءُ».
عن ابن يزيد قال :بعثني نجدة الحَرُوري إلى ابن عباس أسأله هل (كان) يُسْتَر بين يدي رسول
ال صلى ال عليه وسلم بحَرْبة؟
قال :نعم في خيبر.
الباب السّابع
في ذكر رايته ولوائه صلى ال عليه وسلم
عن عبدال بن بُرَيدَة ،عن أبيه« :أن راية رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت سوداء ولواءه
أبيض».
عن عائشة قالت« :كان لواء رسول ال صلى ال عليه وسلم أبيض ،وكانت رايته سوداءَ من مِرْط
لعائشة مُ َرحّل».
عن يونس بن عُبيد مولَى محمد بن القاسم قال :بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازِب أسأله
عن راية رسول ال صلى ال عليه وسلم ما كانت؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :كانت سوداء مربّعة من َنمِرة».
عن ابن عباس قال« :كانت راية رسول ال صلى ال عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض مكتوب
حمّدٌ رسُولُ ال» .
فيه« :لَ اله إلّ اللّهُ مُ َ
عن الحسن قال« :كانت راية رسول ال صلى ال عليه وسلم تسمّى العُقَاب».
الباب الثامن
في ذكر قضيبه صلى ال عليه وسلم
عن أبي سعيد قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يستحبّ العراجينَ فل يزال في يده منها
شيء ،فدخل يوما المسج َد وفي يده عرجون ،فرأى نخامةً في القبلة فحكّها بالعرجون».
خصَرة».
عن أبي الزبير« :أن رسولَ ال صلى ال عليه وسلم كان يخطب وفي يده ِم ْ
عن علي بن أبي طالب قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ببقيع الغَ ْرقَد فقعد ومعه
مِخْصرة ،فنكس وجعل ينكث يده».
قال المصنف :كان له قضيب وهو اليومَ عندَ الخلفاء.
الباب التاسع
في ذكر عصاه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال« :التوكؤ على العصا من أخلق النبياء ،كان لرسول ال صلى ال عليه وسلم
عصا يتوكأ عليها ويأمر بالتوكؤ على العصا».
أبواب غزواته صلى ال عليه وسلم
غزا رسول ال صلى ال عليه وسلم سبعا وعشرين غزاة قاتل منها في تسع؛ َبدْر ،وأُحد،
والمُرَيْسيع ،والخَنْدق ،وقُرَيظة ،وخَيبر ،والفتح ،وحُنين ،والطائف.
وقد قيل إنه قاتل في بني النضير وفي غزاة وادي القُرى وفي الغابَة.
ونحن نشير إلى غزواته إشارة لطيفة إن شاء ال تعالى.
الباب الول
في ذكر ما كان يقوله صلى ال عليه وسلم إذا غزا
ضدِي ،وأ ْنتَ َنصِيْرِي
ع ُ
عن أنس قال« :كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا غزا قال« :اللهُمّ أ ْنتَ َ
وَ ِبكَ أُقا ِتلُ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثاني
في ذكر غزاة البواء
وهي غزاة وَدّان هي أولُ غزاة غزاها رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بنفسه ،وذلك على رأس
اثني عشر شهرا من الهجرة.
وحمل اللواءَ حمزةُ ،وخرج في المهاجرين ليس فيهم أنصاريّ ،حتى بلغ البْواءَ يعترضُ عِيرا
ضمْرة
ضمْري وهو سيدهم ،على أن ل يغزو بني َ
شيّ بن عمرو ال ّ
لقريش فلم يَلْق كيدا وواعَد َمخْ ِ
ول َيغْزونه .وكتب بينه وبينهم كتابا.
وانصرف إلى المدينة ،وكانت غيبته خمس عشرة ليلة.
الباب الثالث
في غزاة بواط
وكانت في ربيع الول على رأس ثلثة عشر شهرا من ُمهَاجره ،وحمل اللواءَ سعدُ بن أبي
وقّاص ،واستخلَف على المدينة سعدَ بن معاذ.
وخرج في مائتين من أصحابه يعترضُ عِيرَ قريش ،وكان أمية بن خلَف فيها مائة رجل من
قريش ،وألفان وخمسمائة بعير.
فبلغ ُبوَاطَا وهي جبال هَيّنَة من ناحية ُرضْوى ،وبين بواط والمدينة نحوٌ من أربعة بُ ُردٍ ،فلم يَلْق
كيدا فرجع إلى المدينة.
الباب الرابع
في غزاة طلب كرز بن جابر
على رأس ثلثة عشر شهرا .وكان كُرْز قد أغار على سَرْح المدينة فاستاقه ،فطلبه رسول ال
سفْوان من ناحية بدر ففاته كُرْز ،فرجع.
صلى ال عليه وسلم حتى بلغ وادي َ
الباب الخامس
في غزاة ذي العشيرة
على رأس ستة عشر شهرا من ُمهَاجره .واستخلف على المدينة أبا سَلَمة وخرج هو وأصحابه
على ثلثين بعيرا َيعْتقبونها ،خرج يعترض عير قريش فيها أموالهم ،فبلغ ذا العُشَيرة وبينها وبين
المدينة تسعة بُرد ،ففاتوه.
وهي العير التي رجعت من الشام وخرجت قريش لل ّدفْع عنها فكانت وقعة بدر.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب السادس
في غزاة بدر
كان مع أبي سفيان أموالٌ لقريش يتّجر لهم بها وهو في قلة من العَدد.
فما زال يستغيث حتى سقط رداؤه ،فأتاه أبو بكر فأخذ رداءَه فردّاه ثم التزمه من ورائه ثم قال :يا
نبي ال كفاك مُنَاشدتك ربك فإنه سيُ ْنجِز لك ما وعدك.
وخرج عُتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد ،فدعا إلى المبارزة فخرج فِتْية من النصار فقالوا :ما لنا
بكم من حاجة.
ثم نادى مناديهم :يا محمد َأخْرِج إلينا أكفاءنا من قومنا.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حمْ َزةُ قُمْ ،يا عُبَيْ َدةُ قُمْ ،يا عَِليّ ُقمْ» .
فقال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :يَا َ
فقالوا :أكفاءٌ كرام.
فبارز عبيدةُ عتبة ،وبارز حمزةُ شيبة ،وبارز عليّ الوليد.
ت صاحبَه ،فكَرّ
فقتل حمزةُ شيبة ،وقَتل عليّ الوليد ،واختلفَ عبيدةُ وعتبة ضربتين ،كلهما أثْب َ
حمز ُة وعليّ على عُتْبة فقتله.
ثم زَحف بعضُ الناس إلى بعض ،فأخذ رسولُ ال صلى ال عليه وسلم حفنةً من الحصباء فاستقبلَ
بها قريشا وقال« :شَا َهتِ الوُجُوهُ» .ثم قال لصحابه« :شُدّوا» .
ونزلت الملئكةُ ،فجاءت ريحٌ ثم ذهبت ،ثم جاءت ريحٌ أخرى ثم أخرى ،فكان في الولى جبريل
في ألف ،وفي الثانية ميكائيل في ألف ،وفي الثالثة إسرافيل في ألف ،وكان سِيمَا الملئكةِ عمائمُ
ح ْمحَمة الخيل ،وكان المسلم
خضْر وصفر وحمر من نور ،وهم على خيلٍ بُلْقٍ .وسمع المشركون َ
ُ
يَتْبعُ الكافر ليقتله فيقع رأسُه قبلَ أن يصل إليه.
فكانت الهزيمةُ.
فقُتل من صَنَاديد القومِ سبعون ،وأُسِر سبعون ،واستشار رسول ال صلى ال عليه وسلم أصحابه
في السارى ،فقال أبو بكر :هؤلء بنو العم والعشيرة ،وإني أرى أن نأخذ منهم الفِدْية فتكون قوة
لنا على الكفار ،وعسى أن َي ْهدِيهم (ال).
فردّدها ثلثا.
فقلت :ال الذي ل إله إل هو.
لمّةِ»
عوْنَ َهذِه ا ُ
ع ُدوّ اللّهَ ،هذا كَانَ فِرْ َ
حمْدُ دِ الذي أخْزَاكَ يَا َ
فخرج يمشي حتى قام عليه فقال« :ال َ
.
عن عطية بن قيس قال :لما فرغ رسول ال صلى ال عليه وسلم من قتال بدر جاءه جبريل عليه
السلم على فرس عليه درعه ورمحه وقد عصّب الغبارُ رأسَه فقال :يا محمد ،إن ال عز وجل
بعثني إليك وأمرني أن ل أفارقك حتى تَرْضى أَرضيتَ؟ قالَ « :نعَمْ َرضَ ْيتُ» .فانصرف.
الباب السابع
في إلقاء رؤوس المشركين في القليب
عن طلحة :أن نبيّ ال صلى ال عليه وسلم أمر بأربعة وعشرين رجلً من صَناديد قريش يوم
بدر خبيث مُخّبث ،وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرْصة ثلثة أيام ،فلما كان ببدر اليومَ الثالث
شدّ عليها رَحْلُها ،ثم (مشى و) اتبعه أصحابه فقالوا :ما نرى ينطلق إل لبعض
أمر براحلته ف ُ
ن ويَا
حاجته .حتى قام على شقة ال ّركِي ،فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم« :يا فُلنَ ابنَ فُل َ
حقّاَ ،ف َهلْ وجَدْتُم ما
عدَنا رَبّنا َ
طعْتُم اللّهَ ورَسُولَه ،فإنّا َق ْد وَجَدْنا مَا وَ َ
فُلنَ ابنَ فُلنَ ،أيَسُ ّركُم أ ّنكُم أ َ
حقّا؟»
وَعَدَ رّبكُم َ
فقال عمر :يا رسول ال ،ما تُكلّم من أجسادٍ ل أرواح لها فيها.
سمَعَ ِلمَا أقُولُ مِ ْنهُم» .
حمّدٍ بِ َيدِه ما أنْتُم بَِأ ْ
فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم« :والذي َنفْسُ ُم َ
سمَعهم قولَه توبيخا وتصغيرا و ِنقْمةً وندما.
قال قتادة :أحياهم ال حتى أ ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أخرجاه.
الباب الثامن
في غزوة بني قينقاع
وكانت للنصف من شوال على رأس عشرين شهرا .وكانوا يهودا ،فحمل لواءه حمزة واستخلف
أبا لُبابة.
وكانوا وادعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم غدَروا.
فحاصرهم فنزلوا على حكمه وأن له أموالهم ولهم النساءُ والذّرية.
الباب التاسع
غزاة السويق
الباب العاشر
غزاة قرقرة الكدر
على رأس ثلثة وعشرين شهرا.
حمل لواءه عليّ بن أبي طالب ،واستخَلفَ ابنَ أم مكتوم ،فظفر بنعم تبلغ خمسمائة بعير ورجع.
وخرجت قريش ومعهم أبو عامر الراهب ،وهم ثلثة آلف فيهم سبعمائة دارع ،ومعهم مائتا
فرس ،وثلثة آلف بعير ،وكانت الظّعن معهم خمس عشرة امرأة.
حلَيفة.
فساروا حتى نزلوا ذا ال ُ
حضَير بباب رسول ال صلى ال عليه وسلم في
وكان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأُسَيْد بن ُ
عدة من الناس ،وحُرست المدينة.
وكان رَ ْأيُ رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ل يخرج من المدينة ،فطلب فتيانٌ أحداثٌ لم يَشْهدوا
بدرا أن يخرجوا ،حرصا على الشهادة.
فصلّى الجمعة ثم وعظهم وأمرَهم بالجد والجتهاد ،ثم صلى العصر ودخل بيته ومعه أبو بكر
ف وألقى التّ ْرسَ من وراء
وعمر ،ف َعمّماه وألْبَساه ،وصُفّ له الناسُ فخرج وقد لبس لمته وتقلّدالسي َ
س وأخذ
ظهره وعقد ثلثَةَ ألوية واستخلف على المدينة ابنَ أم مكتوم ،ثم ركب فرسه وتقلّد القو َ
قِبلته بيده ،وفي المسلمين مائة دارع.
واعتزَل ابنُ أُبيّ في ثلثمائة ،فبقي رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبعمائة ،وأقبل يسوّي
الصفوف وخلّف أُحدا وراء ظهره ،واستقبلَ القبلة وأقام خمسين من الرماة.
وأقام (المشركون) على الميمنة خالدَ بن الوليد ،وعلى الميسرة عكرمة ،وعلى الخيل صفوان بن
أمية.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وجعل نساءُ المشركين يضربن الدفوف ويقلن:
نحن بنات طارق
نمشي على النّمارقْ
والمسكُ في المَفَارقْ
إنْ ُتقْبلوا ُنعَانقْ
وإنْ تُدْبروا نفارقْ
فراقَ غير وامق
فأقبلوا وانكشف المشركون ،وأقبل المسلمون يأخذون الغنائم ،وأقبل جماعة من الرماة.
فنظر خالد بن الوليد إلى خلَل فكَرّ بالخيل وتبعه عكرمة ،وانتقضت صفوفُ المسلمين ونادى
إبليس لعنه ال :قُتِل محمد.
وثَبت رسول ال صلى ال عليه وسلم في عصابة من أصحابه فأصيبت رُبَاعيّته ورماه ابنُ َقمِئة
شجّه في وجهه.
بحجر فكسر أنفه ورباعيته و َ
ورمَى رسول ال صلى ال عليه وسلم أُبيّ بن خلف بحَرْبة فمات منها.
عن سعد بن أبي وقاص قال« :لقد رأيت عن يمين رسول ال صلى ال عليه وسلم ويساره رجلين
عليهما ثياب بيضٌ يقاتلن عنه أشدّ القتال ما رأيتهما قبل ول بعدُ».
أخرجاه.
عن أنس :أن النبي صلى ال عليه وسلم لما ُكسِرت رُبَاعيته يومَ أُحد وشُجّ في وجهه جعل يمسح
خضَبوا َوجْهَ نَبِ ّيهِم بالدّمِ وهُو َيدْعُوهُم إلَى ال َتعَالَى» .
الدم عن وجهه ويقول« :ك ْيفَ ُيفْلِحُ َقوْمٌ َ
شىْءٌ َأوْ يَتُوبَ عَلَ ْيهِمْ َأوْ ُيعَذّ َب ُهمْ فَإِ ّنهُمْ ظَاِلمُونَ }
لمْرِ َ
ناّ
فنزلت هذه الية{ :س 3ش 128لَيْسَ َلكَ مِ َ
(آل عمران)128 :
انفرد بإخراجه مسلم.
عن أبي بشر المازني قال :حضرتُ يومَ أُحد وأنا غلم فرأيت ابن قَمئة عل رسولَ ال صلى ال
عليه وسلم بالسيف فرأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وقع على كتفيه في حفرة أمامه حتى
َتوَارى ،فجعلتُ أصيح وأنا غلم ،حتى رأيت الناسَ يأتون إليه فأنظر إلى طلحة بن عبيدال أخذ
يحضنه حتى قام رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن ابن يوسف الفِرْيابي قال :لقد بلغني أن الذين كَسروا رُبَاعية النبي صلى ال عليه وسلم لم يولد
لهم صبي فنبتت له رُبَاعية
عن الزبير بن َبكّار قال :قُتل أُميةُ بن خَلَف ببَدْر ،وكان أخوه أبيّ بن خلف قد أُسر يومئذٍ ،فلما
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فُدي قال لرسول ال صلى ال عليه وسلم :إن عندي فَرسا أعلفه كلّ يوم فَرقا من ذُرَة أقْتلك عليه.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلمَ « :بلْ أنَا أقُْتُلكَ إنْ شَاءَ اللّهُ» .
فهزموهم ،فأنا وال رأيت النساءَ يشتددْن على الجبل ،وقد ب َدتْ أَسْوقتهن وخلخيلهن رافعات
ظهَر أصحابكم فما تنتظرون.
ثيابهن ،فقال أصحابُ عبدال بن جبير :الغنيمة َ
قال ابنُ جُبير :أنسيتم ما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم؟
قالوا :لَنَأْتينّ الناسَ فلنصيبنّ من الغنيمة.
فلما أتوهم صُرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ،فلم يبق مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غير
اثني عشر رجلً ،فأصابوا منهم سبعين رجلً ،وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أصاب من
المشركين يومَ بدرٍ أربعين ومائة :سبعين أسيرا وسبعين قتيلً.
فقال أبو سفيان :أفي القوم محمد؟ ثلثا.
فنهاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يجيبوه .ثم قال :أفي القوم ابن (أبي) قحافة :ثلثا .أفي
القوم ابن الخطّاب؟ ثلثا .ثم أقبل أصحابه فقال :هؤلء قد قُتلوا وقد كفيتموهم.
فما ملَك عمر نفسه أنْ قال :كذبتَ وال يا عدوّ ال ،إنّ الذين ع َد ْدتَ لحياءٌ كلهم وقد بَقي لك ما
علُ هُبَل.
علُ هُبَل ،ا ْ
يَسوؤك .قال :ولم َيسُوؤني؟ ثم أخذ يرتجز :ا ْ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أل ُتجِيْبُونه؟» .
فقالوا :يا رسول ال ما نقول؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :قُولوا :اللّهُ َم ْولَنا ولَ َموْلًى َلكُم» .
فأرسلَ إليهم ابنُ أبيّ :ل تخرجوا فإن معي ألفين من قومي وغيرهم ،وتُمدكم قُرَيظةُ وحلفاؤكم من
ي فقال :ما نخرج (فخرج) إليهم وعليّ يحمل رايَته ،واستخلَف على المدينة ابنَ
غَطفان .فطمع حُ َي ّ
أم مكتوم ،فقاموا على حصنهم يضربون بالنّبْل والحجارة ،واعتزلْتهم قريظة ،وخذلهم ابنُ أبيّ
وحلفاؤهم من غَطفان .فحاصرهم وقطع نخلهم ،فقالوا :نخرج من بلدك .فتحمّلوا على ستمائةِ
بعير.
فقال :اخرجوا ولكم دماؤكم وما حملت البلُ إل الحَلْقة .فُأخِذ منهم خمسين درعا وخمسين بَيْضة
وثلثمائة وأربعين سيفا .وكان ذلك خالصا له لم ُيسْهم منه أحدا.
البابُ العشرون
في ذكر غزاة الخندق
وهي غزاة الحزاب.
لمّا أجْلَى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بني النّضير خرج نفرٌ من أشرافهم إلى مكة ،فألّبوا
قريشا ودَعوهم إلى الخروج ،واجتمعوا معهم على قتاله ،ثم خرجوا فأتوا غطفان و(بني) سُليم
ففارقوهم على مثل ذلك.
وتجهزت قريش وجمعوا ،فكانوا أربعة آلف ،وعقدوا اللواءَ في دار الندوة ،وقادوا معهم ثلثمائة
خمْسمائة بعير ،وخرج يقودهم أبو سفيان .ووافَتْهم بنو سُليم بمرّ الظّهران وهم
فرس وألفا و َ
سَبْعمائة ،وخرجت معهم بنو أسد ،وخرجت فَزارةُ وهم ألفٌ .وخرجت أَشْجع وهم أربعمائة.
وخرجت بنو مُرّة وهم أربعمائة أيضا .وكان جميع من وافى الخندق من القبائل عشرةُ آلف ،وهم
الحزاب.
فلما بلغ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وصولُهم من مكة ندَب الناسَ ،فأشار سَلْمانُ بالخندق،
وعسكَر رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بالناس إلى سفح سَلْع ،وكان المسلمون ثلثة آلف.
وفرغوا من الخندق في ستة أيام .وعمل معهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده.
عن البَراء بن عازب قال :لمّا أَمرنا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بحفر الخندق عَرضت لنا في
بعض الخندق صخرة عظيمة شديدة ل تأخذ فيها المعاول .فشكَونا ذلك إلى النبي صلى ال عليه
وسلم .فجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم فلما رآها إلقى َثوْبَه وأخد ال ِمعْول وقال« :بِسْمِ ال» ثم
ت مفَاتِيْحَ الشّامِ ،وال إنّي لُ ْبصِرُ قُصورَها
ضَرَب ضربةً فكسر ثلثها ،وقال« :اللّهُ أكَبْرُ أُعْطِي ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حمْرَ السّاعَةَ» .
ال ُ
عطِيتُ َمفَاتِيحَ فَارِسٍ ،وال إنّي لُ ْبصِرُ
ثم ضرب الثانية فقطع ثلثها الخر .وقال« :اللّهُ أكْبَرُ أُ ْ
ال َقصْرَ البْ َيضَ مِن المَدَائِنِ» .
ثم ضرب الثالثة وقال «بِسْمِ ال» فقطع بقية الحجر ،وقال« :اللّهُ أكْبَرُ أُعْطِيتُ َمفَاتِيحَ ال َيمَنِ .وال
عةَ» .
ب صَ ْنعَاءَ مِن َمكَانِي هذِه السّا َ
إنّي لُبْصِرُ أ ْبوَا َ
قال علماء السّيَر :كان اشتدّ الخوفُ يومَ الخندق ،وفشل الناسُ وخِيف على الذراري والموال،
وطَلب المشركون َمضِيقا من الخندق ُيقْحمون فيه خيلَهم ،فعبرَ منهم جماعةٌ منهم :عمرو بن
عبدودّ .فجعل يدعو إلى البِراز وهو ابن سبعين سنة؛ فبارزه عليّ فقتله.
فأصبحوا فجمعوا كَتيبةً غليظةً فيها خالد بن الوليد ،وقاتلوا إلى الليل ولم يصلّ رسول ال صلى
شغَلونا عن الصّلةِ الوُسْطَى
ال عليه وسلم يومئذٍ ظهرا ول عصرا صلى ال عليه وسلم قالَ « :
لةِ ال َعصْرِ ،مَلَ اللّهُ بُيو َتهُم أو قُبُورَهُم نَارا» .
صَ َ
وحُصر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة ،وقيل :أربعا وعشرين.
وكان ُنعَيم بن مسعود قد أسلم ،فمشى بين قريش وقريظة فخذّل بينهم ،وه ّبتْ ريحٌ شديدة ،فقال أبو
ف والحافر ،واختلف قريظة ،ولقينا من الريح
سفيان لصحابه :إنكم لستم بدار ُمقَام ،قد هلك الخ ّ
ما ترون ،فارتحلوا إني مرتحل.
وقُتل من المشركين يومئذٍ ثلثة ومن المسلمين ستة.
في ربيع الول سنة ست أيضا .وذلك أن عُيَيْنة بن حصن أغار على ِلقَاح رسول ال صلى ال
عليه وسلم فاستاقها وقتل راعيها وجاء الصّريخُ ،فخرج رسولُ ال صلى ال عليه وسلم واستخلف
ابنَ أم مكتوم ،وخلّف سعدَ ابن عبادة في ثلثمائة يحرسون المدينة وعقد لواءً للمقداد ،وقال :امض
فأنا في أثرك .ومضى وراءهم سلمة بن الكوع ،وجاء رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال له
سلمة :يا رسول ال ،إن القوم عِطاش .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مَل ْكتَ فأسْجِح»
ورجع.
ش ومَن أطاعهم،
وجاء ُبدْيل بن وَرْقاء فقال :قد جئناك مِن عند قومك ،قد استنفروا لك الحابي َ
معهم العُوذ ال َمطَافيل والنساء والصبيان ُيقْسمون بال ل يُخلون بينك وبين البيت حتى َتسْتَبيد
خضراءهم.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لَمْ نَ ْأتِ ِلقِتَالِ أحَدٍ ،وإنّما جِئْنَا لِنَطُوفَ بهذا البَ ْيتَِ ،فمَنْ
صَدّنا عَنْه قَاتَلْنَاه» .
فرجع بُدَيل فأخبر قريشا .فبعثوا عروةَ بن مسعود فكلمه بنحوٍ من ذلك فأخبر قريشا ،فقالوا :نرُدّه
عن البيت في عامنا هذا ،ويرجع مِن قابل فيدخل ويطوف.
فأرسل عثمانَ بن عفان إلى أهل مكة ،فأُخبر أنه قد قُتل ،فبايعَ الناس بَيْعة الرّضوان تحت
الشجرة.
ثم أجمعوا على الصلح وكتبوا« :هذا ما صالح عليه محمدُ بن عبدال وسهيل ابن عمرو ،اصطلحا
ف بعضُهم عن بعض ،على أنه ل سلسل ول
س ويك ّ
على وضع الحرب عشر سنين يَأْمن فيها النا ُ
عهْدها فعَل ،وأنه من أتى
أغلل ،وأن بيننا عَيْبة مكفوفةً ،وأنه من أحبّ أن يدخل في عقد قريش و َ
محمدا منهم بغير إذن وليه ردّه إليه ،وأنه من أتى قريشا من أصحاب محمدٍ لم يردّوه ،وأن محمدا
يرجع عامَه هذا بأصحابه ،ويدخل علينا مِن قابل في أصحابه فيقيم بها ،ول يَدْخل علينا بسلح إل
سلح المسافر :السيوف في القرب .شهد أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن وسعد وأبو عبيدة
حوَيطب وكتَب عليّ».
وابن سَلْمة و ُ
وكان هذا الكتاب عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ونُسْخته عند سُهيل بن عمرو.
وخرج أبو جَنْدل عند رسول ال صلى ال عليه وسلم يَرْسُف في قيوده ،فقال سُهيل :هذا أولُ ما
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أقاضيك عليه فردّه .ثم نحر رسول ال صلى ال عليه وسلم هَدْيه ونزل عليه{ :س 48ش 1إِنّا
فَتَحْنَا َلكَ فَتْحا مّبِينا }(الفتح)1 :
.
خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى خيبر ،فلما وصل دخلوا حصونهم وقاتلوه ،فقَتل منهم
حصْنا حصنا .وخرج
ثلثة وتسعين رجلً ،واستشهد من المسلمين خمسة عشر رجلً ،وفتحها ِ
مَرْحَب فقتله عليّ .وكان الفتح على يديه.
عكْرمة
ونهَى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن القتال ،غير أنه أَمر بقتل ستة نفر وأربع نسوةِ :
بن أبي جهل فهرب ثم استأمنتْ له امرأته أمّ حكيم بنت الحارث فأمّنه رسول ال صلى ال عليه
وسلم ،وهَبّار بن السود ،وعبدال بن سعد بن أبي سَرْح ،فاستأمَنَ له عثمانُ وكان أخاه من
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حوَيْرث بن ُنقَيد قتله عليّ بن أبي
الرضاعة .ومقْيس بن صُبَابة قتله ُنمَيلة بن عبد ال الليثي .وال ُ
طالب ،وأبو عبد ال بن هلل بن خَطل قتله أبو بَرْزة .وهند بنت عتبة فأسلمت ،وسارّة مولة
عمرو بن هاشم قُتلت ،وقُرَيْبة قُتلت .وفَرْتَنَى آمنتْ حتى ماتت في خلفة عثمان.
وكل جنود رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يَلقوا جمعا غير خالد ،فإنه لقيه صفْوان بن أمية
وسهل بن عمرو وعكرمة ،وفي جمع من قريش با ْلخَندَمة ،فمنعوه من الدخول وشَهروا السلح
ورموا بالنّبل ،فصاح خالد في أصحابه وقاتلهم فقتل أربعة وعشرين من قريش وأربعة من هُذَيل،
فلما ظهر رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :ألم أنْه عن القتال؟
فقيل :خالد قوتل فقتل.
وضُربت لرسول ال صلى ال عليه وسلم قبة بالحَجُون ودخل مكة عَنْوة فأسلموا طائعين
وكارهين ،فطاف بالبيت على راحلته ،وحول الكعبة ثلثمائة وستون صنما ،فجعل كلما مرّ بصنم
طلُ» فيقع الصنم لوجهه .وكان
منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول« :جَاءَ الحَقّ وزَهَقَ البَا ِ
أعظمها هُبَل وهو تجاه الكعبة ،فجاء إلى المقام فصلى خلفه ركعتين ثم جلس ناحية.
ثم أرسل بللً إلى عثمان بن أبي طلحة أن يأتي بمفتاح الكعبة ،فجاء به ،فقبض رسول ال صلى
ال عليه وسلم وفتح الباب ودخل الكعبة فصلى فيها ركعتين ودعا عثمانَ بن أبي طلحة فدفع إليه
سقَاية إلى
حةَ خَالِدةً تَالِدةً ل يَنْزِعُها مِ ْنكُم إل ظَالِمٌ» .ودفع ال ّ
المفتاح وقال« :خُذُوها يا بَنِي أبي طَلْ َ
العباس.
وصلى رسول ال صلى ال عليه وسلم الضحى يومئذٍ ثماني ركعات وأَذّن بلل للظهر فوق الكعبة
وكُسرت الصنام ،وخطب رسول ال صلى ال عليه وسلم على الصّفا.
عن أبي هريرة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حين سار إلى الكعبة صعد الصفا فخطب
الناسَ ،فقالت النصار بعضهم لبعض :أمّا الرجلُ فأخذته الرأفةُ بقومه والرغبة في قَرْيته .فأنزل
جلُ فَقَدْ أدْ َركَتْه رَ ْأ َفةً
ال الوحيَ بما قالت النصار ،فقال« :يَا َمعْشَرَ ال ْنصَارَ َتقُولون :أمّا الرّ ُ
ِبقَ ْومِه وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِه .فمَنْ أنَا إذَنْ؟ كَلّ وال إنّي عَبْدُ ال ورَسُولُهَ ،معَاذَ (اللّهُ) ال َمحْيَا مَحْيَاكُم
وال َممَاتُ َممَا ُتكُم» .
قالوا :وال يا رسول ال ما قلنا ذلك إل مخافة أن تفارقنا.
فقال« :أنْتُم صَا ِدقُونَ عِ ْندَ ال وعِنْدَ رَسُولِه» .
قال« :فوال ما منهم إل من َبلّ نحْرَه بدموعه».
قال المصنف :لما جلس رسول ال صلى ال عليه وسلم على الصفا بايع الناسَ على السلم ،ثم
تتابع الناسُ ،وكان الفتحُ يومَ الجمعة لعشر بقين من رمضان ،وأقام بها خمس عشرة ليلة وخرج
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
إلى حُنين ،واستعمل على مكة عتّاب بن أُسيد يصلي بهم ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
صفّ أصحابه
فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم من مكة في اثني عشر ألفا ،فلما وصل إليهم َ
صفوفا ،وركب بغلته الدّلْدل ،ولبسَ درعين ،ال ِم ْغفَر والبَيْضة.
فاستقبلتهم هوزان وحملت حملة واحدة ،فانهزم الناسُ ،فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول« :يَا أ ْنصَارَ ال وأ ْنصَارَ َرسُولِه ،أنَا عَبْدُ ال وَرَسُولَه» .
ورجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى العسكر ،وثبت معه أبو بكر وعمر وعليّ والعباس
والفضل وأبو سفيان بن الحارث وربيعة بن الحارث وأسامة.
عن عبد ال بن مسعود قال :كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يومَ حُنين ،فولى عنه
(الناسُ) وثبت معه ثمانون رجلً من المهاجرين والنصار ،فن َكصْنا على أعقابنا نحوا من ثمانين
قدما ولم نولّهم الدّبُر ،ورسول ال صلى ال عليه وسلم على بغلته لم يمض قدما ،فحادت به بغلته
فمال عن السّرْج ،فقلت له :ارتفع رفعك ال .فقال« :نَاوِلْنِي َكفّا مِنْ تُرَابٍ» .فضرب به وجوههم
فمل أعينهم ترابا ثم قال« :أيْنَ ال ُمهَاجِرونَ وال ْنصَارُ؟»
قلت :هم هؤلء.
قال« :اهْ ِتفْ ِبهِم» .فهتفتُ بهم فجاؤوا وسيوفهم في أيمانهم كأنها الشهب وولّى المشركون
أدبارهم.
عن العباس قال :شهدتُ مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حُنَينا ،فلقد رأيت رسول ال صلى ال
عليه وسلم وما معه إل أنا وأبو سفيان بن الحارث ،فلزمنا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فلم
نفارقه وهو على بغلة شهباء أهداها له فَ ْروَة بن ُنفَاثة الجذاميّ.
فلما التقى المسلمون والكفار وَلّى المسلمون مُدْبرين ،وطفق رسول ال صلى ال عليه وسلم
يُركض بغلته قِبَل الكفّار .قال العباس :وأنا آخِذٌ بلجام بغلة رسول ال صلى ال عليه وسلم أ ُكفّها،
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وهو ل يألو ما أسرع نحو المشركين ،وأبو سفيان بن الحارث آخِذٌ بغَرْز رسول ال صلى ال
عليه وسلم ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَا عَبّاسُ نَادِ :يَا أصْحَابَ الشّجَ َرةِ» .قال:
طفَتهم حين سمعوا
وكنت رجلً صَيّتا فقلت بأعلى صوتي :أين أصحابُ الشجرة؟ فوال لكأن عَ ْ
صوتي عطفةَ البقر على الولد ،فقالوا :يا لبّيك يا لبّيك
ح ِميَ
وأقبل المسلمون واقتتلوا هم والكفّار ،فنظر رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال« :هذا حِينَ َ
الوَطِيْسُ» .ثم أخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار وقال« :ا ْنهَ َزمُوا و َربّ ال َكعْبَةِ».
ل وأمرهم مدبرا حتى هزمهم ال
حدّهم كلي ً
فوال ما هو إل (أن) رماهم بحصياته فما زلْت أرى َ
تعالى ،وكأني أنظر إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يركض خلفهم على بغلته
عن أبي عبد الرحمن الفهري قال :كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزاة حنين ،فكنا
ت لمتي وركبت
نسير في يوم قائظ شديد الحر فنزلنا تحت ظلل الشجر فلما زالت الشمس لبس ُ
فرسي وانطلقت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو في فسطاطه فقلت :السلم عليك يا
جلْ» .
رسول ال حان ال ّروَاح؟ فقالَ« :أ َ
سمُرة كأن ظله ظلّ طائر ،فقال :لبّيك وسعديك وأنا فداؤك.
للُ» .فثار من تحت َ
فقال« :يَا بِ َ
فقال« :أسْرُجْ فَرَسِي» .فأخرج سرجا َدفّتاه من ليف ليس فيها أشر ول بطر ،فأسرج فركب
وركبنا ،فصاففناهم عشيّتنا وليلتنا ،فولّى المسلمون مدبرين ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
«يَا عِبَادَ ال أَنا عَ ْبدُ ال ورَسُولُه» .ثم اقتحم عن فرسه فأخذ كفَا من تراب :فأخبرني الذي كان
أدنى إليهم مني أنه ضَرَب به وجوههم وقال« :شَاهَت الوُجُوهُ» .فهزمهم ال تعالى.
قال يعلى بن عطاء :فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا :لم يبق منا أحد إل امتلت عيناه وفمه
طسْت الحديد.
ترابا؛ وسَمعنا صلصلة بين السماء وَالرض كإمرار الحديد على ال ّ
عن البراء قال :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يومَ حنين وأبو سفيان بن الحارث بن عبد
المطلب آخذٌ بغَرْز النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول:
ي ل كَ ِذبْ
أنا النب ّ
أنا ابنُ عبد المطلب
عن يزيد بن عامر قال :أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم حنين قبضة من الرض ثم أقبل
جعُوا» .فما بقي أحد يلقى أخاه إل وهو
بها على المشركين فرمى بها في وجوههم وقال« :ارْ ِ
يشكو القذى ويمسح عينيه.
ت قبلَ هزيمة القوم الناس يقتتلون ،مثل ال ِبجَاد السود أقبل من
عن جُبَير بن مُطْعم قال :لقد رأي ُ
السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فإذا نمل أسود مبثوث قد مل الوادي ،لم أشكّ أنها الملئكة ،ولم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
يكن إل هزيمة القوم.
قال علماء السّير :نزلت الملئكة يومئذٍ عليها عمائم حمر.
ورجع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى المدينة ،فجاء وفدُ هَوزان فسألوا رسولَ ال صلى ال
عليه وسلم أن َيمُنّ عليهم فيما أخذ منهم ،وقال رجل منهم من بني سعد بن بكر ،وبنو سعد هم
الذين أرضَعوا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فقال :إنّا لو مََلحْنا للحارث بن أبي شمر أو النعمان
بن المنذر لرجونا عطفه .ثم أنشد:
الباب الثلثون
في ذكر شعاره في حروبه صلى ال عليه وسلم
عن سلمة بن الكوع قال« :كان شعار النبي صلى ال عليه وسلم :أ ِمتْ أ ِمتْ».
وقال زيد بن علي :كان شعاره« :يا منصور أ ِمتْ».
عن المهلّب بن أبي صُفْرة عمن سمع النبي صلى ال عليه وسلم يقول« :إنْ َلقِ َيكُم العَدوّ فإنَ
شعَا َركُم{ :حم ل يُ ْنصَرون}» .
ِ
أبواب سراياه صلى ال عليه وسلم كان رسولُ ال صلى ال عليه وسلم إذا لم يخرج بعث السّرايا
الباب الول
في عذره عن تخلفه عن السرايا صلى ال عليه وسلم
الباب الثاني
في عدد سراياه صلى ال عليه وسلم
بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم ستّا وخمسين سَرِيّةً ،فلم نر أن نطيل بذكرها ،وإنما ذكرنا
الغزوات لنه أمرٌ باشره رسول ال صلى ال عليه وسلم بنفسه.
جهّال الملحدة :إنّ محمدا بُعث بالسيف.
قال أبو الوفاء بن عَقيل :يقول ُ
وهذا مُحال ،إنما بُعث بالبراهين والحجج ،فلمّا لم َيقْبلوا قُتلوا بالسيف مكانَ عذابِ ال للمم
السالفة.
الباب الثالث
في وصاياه السرايا صلى ال عليه وسلم
عن سليمان بن بُرَيدة عن أبيه قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أمرّ أميرا على جيش
أو سَرِية أوصاه في خاصّته بتقوى ال عزّ وجلّ ،وبمن معه من المسلمين خيرا ،ثم قال« :اغْزُوا
بِاسْمِ ال فِي سَبِ ْيلِ ال ،قَاتِلُوا مَنْ َكفَرَ بِال ،اغْزُوا ول َتغُلّوا ول َتغْدُرُوا ول ُتمَثّلوا ول َتقْتُلوا
خصَالٍ ،فَأيْ ُتهُن ما أجَابُوكَ فَاقْبَل مِ ْنهُم
عهُم إلى ثَلثِ ِ
واحِدا ،فإذَا َلقِ ْيتَ عَد ّوكَ مِن المُشْ ِركِينَ فادْ ُ
حوّلِ من
عهُم إلى التّ َ
عهُم إلَى الِسْلَمِ ،فإنْ أجَابُوكَ فَاقْبَل مِ ْنهُم وكُفّ عَ ْنهُم .وادْ ُ
وكُفّ عَ ْنهُم :ادْ ُ
دَارِهِم إلى دَارِ ال ُمهَاجِرينَ ،وأخْبِ ْرهُم أ ّنهُم (إن) َفعَلوا ذَلكَ فََلهُم مَا لل ُمهَاجِرينَ ،وعَلَ ْيهِم ما عَلَى
حكْمُ
حوّلوا مِنها ،فأخْبِرْهُم أنّهم يكُونونَ كأعْرَابِ ال ُمسْلِمينَ يَجْرِي عَلَ ْيهِم ُ
ال ُمهَاجِرينَ ،فإن أ َبوْا أن يَ َت َ
شيْءٌ ،إل أن يُجَاهِدُوا مَع
ل يكونُ َلهْم فِي الغَنِ ْيمَ ِة أو ال َفيْءِ َ
ال الذي َيجْرِي عَلَى المُؤمِنينَ ،و َ
المُسْلِمينَ» .
«فإن هُم أ َبوْا فسَ ْلهُم الجِزْيَةَ ،فإنْ هُم أجَابُوكَ فَأقْ َبلْ مِ ْنهُم و ُكفّ عَ ْنهُم» .
ل وقَاتِ ْلهُم» .
جّ«فإن هُم أ َبوْا فاسْ َتعِنْ بال عَزّ و َ
جعَل َلهُم ِذمّةَ ال
ج َعلَ َلهُم ِذمّةَ ال و ِذمّةَ نَبِيّه ،فل تَ ْ
حصْنٍ فأرَادُوكَ على أن تَ ْ
«وإذا حَاصَ ْرتَ أهلَ ِ
صحَا ِبكُم أ ْهوَن
خفِرُوا ِذمّ َتكُم و ِذمّةَ أ ْ
صحَا ِبكَ ،فإ ّنكُم أنْ َت ْ
ج َعلْ َلهُم ِذمّ َتكَ و ِذمّةَ أ ْ
ولَ ِذمّةَ نَبِيّه ،ولكن ا ْ
جلّ و ِذمّةَ َرسُولِه» .
خفِرُوا ِذمّةَ ال عَزّ و َ
من أن تَ ْ
الباب الول
في إرساله صلى ال عليه وسلم إلى المقوقس وكتابه إليه
بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم حاطِب بن أبي بَلْتعة إلى المقوقس.
فلما وصل أكرمه وأخذ كتابَ رسول ال صلى ال عليه وسلم وكتب في جوابه :قد علمتُ أن نبيّا
قد بقي ،وقد أكرمت رسولَك.
وأهدى إليه أربع جوارٍ ،منهن مارية وحمارا يقال له عفير وبغل ًة يقال لها الدلدل .ولم ُيسْلم.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ضَنّ الخبيث بمُلْكه ول بقاء لملكه.
فقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم هديته واصطفى مارية لنفسه ،فولدت إبراهيم ،ونفق الحمار
مُ ْنصَرفه من حجة الوداع ،وبقيت البغلة إلى زمن معاوية.
قال :على الفقراء يردّها على فقرائهم ،ويأمر بصلَة الرحم وإدامة الوفاء بالعهد ويحرّم الربا
والزنى والخمر ،ول يأكل ما ذُبح لغير ال.
قال :هو نبيّ مرسَل إلى الناس كافة ،ولو أصاب القبطُ والروم تبعوه ،وقد أمرهم بذلك عيسى بن
مريم ،وهذا الذي تصفون منه بُعث به النبياء من قبله ،وستكون له العاقبة حتى ل ينازعه أحد
خفّ والحافر ومنقَطع البحار ،ويوشك قومه يدفعونه بالرّماح.
ويظهر دينُه إلى مُنْتهى ال ُ
فقلنا :لو دخل الناسُ كلّهم معه ما دخلنا .فأَ ْنغَض رأسَه ،وقال :أنتم في اللّعب.
(ثم) قال :كيف َنسَبُه في قومه.
قلنا :هو أوسطُهم نَسبا.
قال :كذلك المسيحُ والنبياء عليهم السلم تُبْعث في نسَب قومها.
قال :فكيف صِ ْدقُ حديثه؟ قلنا :ما يُسمّى إل المينَ مِنْ صِدْقه.
قال :انظروا في أمركم ،أترونه َيصْدِق فيما بَيْنكم وبَيْنه ويكْذب على ال
قال :فمن تَبعه؟ قلنا :الحداث.
قال :هم والمسيح أتباعُ النبياء قبلَه.
قال :فما فعلتْ به يهودُ يثرب فهم أهلُ التوراة؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قلنا :خالَفوا فأوقع بها فقتلهم وسبَاهم وتفرقوا في كل وجه.
قال :هم حَسَدةٌ حَسَدوا ،أمَا إنهم يعرفون من أمره مثلَ ما نعرف.
قال المغيرة :فقمنا مِن عنده ،وقد سمعنا كلما ذلّلنا لمحمد وخضعنا ،وقلنا :ملوكُ العجم يصدّقونه
ويخافونه في ُبعْد أرحامهم منه،ونحن أقرباؤه وجيرانه ولم ندخل معه ،وقد جاءنا داعيا إلى
منازلنا.
الباب الثاني
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى قيصر وكتابه إليه
قالوا :أصبح قيصر يوما مهموما فقالت له بطارقته :ما هذا الهمّ؟
قال :رأيت في هذه الليلة أن مُلْك الختان قد ظَهر .قالوا :ما نعلم أنه تختتن إل يهود ،وهم في
سلطانك فاقتلهم.
فبَيْنا هم في ذلك من رأيهم أتاهم رسولُ صاحب بُصرى برجل من العرب يقوده ،فقال :يا أيها
الملك إنّ هذا من العرب يحدّث عن أمرٍ حدَث ببلده عجيب.
قال أبو سفيان :فوال لول الحياءُ يومئذٍ أن يَأْثِر أصحابي عني الكذب لكذَبْتُه حين سألني ولكني،
استحيَيْت أن يَأْثروا عني الكذب فص َدقْته عنه.
وسألتك :بماذا يأمركم؟ فزعمتَ أنه يأمركم أنْ تعبدوا ال وحده ل تشركوا به شيئا ،وينهاكم عما
كان يعبد آباؤكم ،ويأمركم بالصدق والوفاء بالعهد وأداء المانة .وهذه صفة نبيَ قد كنتُ أعلم أنه
خارجٌ ،ولكن لم أظن أنه منكم.
خلُص إليه لتجشّمتُ
وإن يكن ما قلتَ حقّا فيوشك أنْ يملك موضعَ قدميّ هاتين ،وال لو أعلم أني أَ ْ
لقاءه ،ولو كنت عنده َلغَسلتُ عن قدميه.
قال أبو سفيان :ثم دعا بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فأمر به فقريء فإذا فيه« :بِسْمِ ال
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عظِيْمِ الرّومِ ،سَلَمٌ عَلَى مَن اتّ َبعَ الهُدَى،
حمّدٍ عَ ْبدِ ال ورَسُولِه إلى هِ َر ْقلَ َ
الرّحْمانِ الرّحِيْم .مِن مُ َ
أمّا َبعْدُ فإنّي أَدْعُوكَ بِدِعَا َيةِ السْلَمِ أسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤ ِتكَ اللّهُ أجْ َركَ مَرّتَيْنِ ،فإن َتوَلّيْتَ َفعَلَ ْيكَ إثْمُ
سوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمْ َألّ َنعْ ُبدَ ِإلّ اللّ َه َولَ
الَرِيْسِيّينَ :و {س 3ش ُ 64قلْ ياأَ ْهلَ ا ْلكِتَابِ َتعَاَلوْاْ إِلَى كَِلمَةٍ َ
شهَدُواْ بِأَنّا مُسِْلمُونَ }
نُشْ ِركَ بِهِ شَيْئا َولَ يَتّخِذَ َب ْعضُنَا َب ْعضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللّهِ فَإِن َتوَّلوْاْ َفقُولُواْ ا ْ
(آل عمران)64 :
.
قال أبو سفيان :فلما قضَى مقالته علَت الصواتُ حوله من عظماء الروم ،وكثر لغَطهم ،فل أدري
ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا.
قال أبو سفيان :فلما خرجت مع أصحابي وخلصتْ قلت لهمَ :أمِرَ َأمْرُ ابن أبي كَبْشة إنه ليخافه
مَلِك بني الصفر.
قال أبو سفيان :فوال ما زلتُ ذليلً ُمسْتيقنا أن أمره سيظهر حتى أدخل ال في قلبي السلمَ وأنا
كاره.
وقد روينا عن الزّهري قال :حدثني أسقفّ من النصارى أن هرقل قدم عليه كتابُ رسول ال
صلى ال عليه وسلم فجعله بين فخذه وخاصرته ،ثم كتب إلى رجل برومية ،وكان يقرأ الكتاب
العِبْرانيّ يخبره الخبر.
ب روميّة أنه النبي الذي ننتظره ل شك فيه فاتّبعه وصدّقه.
فكتب إليه صاح ُ
سكَرة ،وأُغلقت أبوابها ثم اطّلع عليهم من عُلّية له وخافهم
فأمر ببطارقة الروم فجُمعوا له في دَ ْ
على نفسه .فقال :يا معشر الروم ،إنه أتاني كتابُ هذا الرجل يدعوني إلى دينه ،وإنه وال لَلنّ ِبيّ
الذي كنا ننتظر ونجده في كتبنا فهلم فلنتبعه فتَسْلم لنا دُنْيانا وآخرتنا.
ل واحد ،ثم ابتدروا أبوابَ الدّسْكرة ،فوجدوها قد أُغلقت ،فقال ردّوهم .فقال :يا
فنَخَروا َنخْرة رج ٍ
معشر الروم ،إنما قلت لكم لنظر كيف صِلبتكم في دِينكم ،فقد رأيتُ الذي أُسرّ به.
سجّدا له وانطلقوا.
فوقعوا ُ
عن ِدحْية بن خليفة قال :وجّهني النبي صلى ال عليه وسلم بكتاب إلى ملك الروم وهو بدمشق،
فناولته كتابَ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فقبّل خاتمه ووضَعه تحت شيء كان عليه قاعدا ،ثم
نادَى فاجتمع البطاركة وقومُه ،فقام على وسائد ثُبّتتَ له ،وكذلك كانت فارس الروم ،لم تكن لها
منابر.
ثم خطب أصحابَه فقال :هذا كتابُ النبي الذي بشّرنا به المسيح عيسى من ولد إسماعيل بن
إبراهيم .فنَخَروا نَخْرةً ،فأومأ بيده أن اسكتوا ،ثم قال :إنما جرّبتكم لنظر كيف ُنصْرتكم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
للنصرانية.
قال :فبعث إليّ من الغد سرّا ،فأدخَلني بيتا عظيما فيه ثلثمائة وثلثة عشر صورة ،فإذا هي
صور النبياء المرسلين .قال :انظر أين صاحبُك من هؤلء.
قال :فرأيت صورة النبي صلى ال عليه وسلم كأنه ينظر ،فقلت :هذا.
قال :صدقت.
قال :صورة مَنْ هذا عن يمينه؟
قلت :رجلٌ من قومه يقال له أبو بكر الصديق.
قال :فمن ذا عن يساره؟
قلت :رجلٌ من قومه يقال له عمر بن الخطاب.
قال :أما إنا نجدُ في الكتاب أنّ بصاحبيه هذين يُتم ال الدّين.
فلما قَدِمتُ على النبي صلى ال عليه وسلم أخبرتُه الخبرَ.
ن ويَفْتَحُ» .
عمَرَ يُتِمّ اللّهُ هَذا الدّيْ َ
فقال« :صدَق ،بِأَبِي َبكْرٍ و ُ
وحكى ابن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال لدِحْية :وال إني لعلم أنّ صاحبك نبيّ
مُرْسل ،وأنه الذي كنا ننتظره ،ولكني أخاف على نفسي من الروم ،ولول ذلك لتبعته.
وحكى ابن إسحاق عن خالد بن سِنَان ،عن رجل من قدماء الروم ،قال :لما أراد هرقلُ الخروجَ
من الشام إلى القُسْطنطينيّة ،لما بلغه من أمرْ رسول ال صلى ال عليه وسلم جمعَ الرو َم وقال:
إني عارضٌ عليكم أمرا فانظروا.
قالوا :ما هو؟
قال :تعلمون وال (أن) هذا الرجل لنبيّ مُرْسل نجده في كتبنا نعرفه بصِفته ،فهلم نتبعه.
قالوا :تكون تحت أيدي العرب
قال :فأعطيه الجزية كل سنة أكسر عنّي شوكته وأستريح من حربه.
ل والصّغار ل وال.
قالواُ :نعْطِي العربَ الذ ّ
قال :فأعطيه أرضَ سورية ،وهي فلسطين والردن ودمشق وحمص وما دون الدّرْب.
قالوا :ل نفعل.
قال :أما وال لتَرونّ أنكم قد ظَفرتم إذا امتنعتم في مدينتكم.
ثم جلس على بغل له فانطلق ،حتى إذا َأشْرَف على الدّرْب استقبل أرضَ الشام فقال :السلم عليكِ
أرض سوريّة سلمَ الوداع .ثم ركض حتى دخل القسطنطينية.
قال المصنف :وقد بعث أبو بكر بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى قيصر.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عقْبة أن هشام بن العاص و ُنعَيم بن عبدال ورجلً آخر قد سمّاه ،بُعثوا إلى ملك
عن موسى بن ُ
الروم في زمان أبي بكر ،قال :فدخلنا على جَبَلة بن اليْهم وهو بالغوطة ،وإذا عليه ثيابٌ سُود،
وإذا كلّ شيء حوله أسود.
فقال :لبستُ هذه نَذْرا ول أنزعها حتى أخرجكم من الشام كلها.
قلنا :فاتّئدْ حتى َتمْنع مجلسك ،فوال لنأخذنّه منك ومن الملِك العظَم ،إن شاء ال تعالى ،أخبرنَا
بذلك نبيّنا صلى ال عليه وسلم.
قال :فأنتم إذا السّمراء.
قلنا :السّمراء؟
قال :لستم بهم.
قلنا :ومن هم؟
قال :الذين يصومون النهار ويقومون الليل.
قلنا :نحن وال هم.
صفْنا له صَلتنا.
فكيف صَلتُكم؟ فو َ
قال :فوال لقد غشيه سوادٌ حتى صار وجهه كأنه قطعةُ طابق.
قال :فقوموا فأمر بنا إلى الملك ،فانطَلْقنا فلقينا الرسولُ بباب المدينة.
فقال :إن شئتم (أتيتكم) ببغال ،وإن شئتم أتيتكم ببرَاذين.
قلنا :ل وال ل ندخل عليه إل كما نحن.
خلّ سبيلهم.
قال( :فأرسل إليه أنهم يأبون .قال ):فأرسل أنْ َ
فدخلنا ُمعْ َتمّينَ متقلدين السيوفَ على الرواحل ،فلما كنا بباب الملك إذا هو في غرفة له عالية،
فنظر إلينا فر َفعْنا رؤوسنا وقلنا :ل إله إل ال.
ق نفضَتْه الريح.
عذْ ٌ
قال :فال أعلمُ لنتقضت الغرفة كلها حتى كانا ِ
جهَروا بدينكم عليّ.
قال :فأرسل إلينا :أنّ هذا ليس لكم أن َت ْ
وأرسل أن ادخلوا فدخلنا فإذا هو على فراش إلى السقف ،وإذا عليه ثياب حُمر وإذا كل شيء
(عنده أحمر إذا) عنده بطارقة الروم ،وإذا هو يريد أن يكلّمنا برسول.
فقلنا :ل وال ل نكلمه برسول وإنما بُعثنا إلى الملك ،فإن كنت تحب أن نكلمك فاذن لنا نكلمك.
فلما دخلنا عليه ضحك ،وإذا هو رجل فصيح ُيحْسن العربية .فقلنا :ل إله إل ال .فال أعلم قد
انتقض السقفُ حتى رفع رأسه هو وأصحابه.
فقال :ما أعْظ ُم كلمِكم عندكم؟
قلنا :هذه الكلمة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال :التي قلتموها قبلُ؟
قلنا :نعم.
ثم أعاده وفتح بابا آخر فاستخرج منه خرقة سوداء فيها صورة بيضاء ،فإذا رجل مقلّص الشفتين،
غائر العينين ،مُتراكب السنان ،كثّ اللحية ،عابسٌ.
قال :أتعرفون هذا؟
قلنا :ل.
ل وفي رأسه استدارة ،فقال :هذا
قال :هذا موسى .وإلى جنبه رجل يشبهه غير أن في عينيه قب ً
هارون.
ثم رفعها وفتح بابا آخر فاستخرج منه خرقة سوداء ،فإذا صورة حمراء أو بيضاء ،فإذا رجل
مَرْبُوع أشبه من خَلْق امرأة عجوز.
قال :أتعرفون هذا؟
قلنا :ل.
قال :هذا داود.
ثم عاد وفتح بابا آخر واستخرج منه حريرة سوداء ،وإذا فيها صورة بيضاء وإذا رجل راكب
على فرس طويل الرجلين (قصير الظهر) كلّ شيء منه جناح ،تحفّه الريح.
ثم قال :أخبرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أنهم واليهود يجدون َن ْعتَ محمد صلى ال عليه
لمّىّ الّذِى َيجِدُونَهُ َمكْتُوبًا عِن َدهُمْ
ىاُ
وسلم .قال ال تعالى{ :س 7ش 157الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِب ّ
حلّ َل ُهمُ الطّيّبَاتِ وَ ُيحَرّمُ عَلَ ْيهِمُ
ف وَيَ ْنهَاهُمْ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ وَ ُي ِ
فِى ال ّتوْرَاةِ وَالِنجِيلِ يَ ْأمُرُهُم بِا ْل َمعْرُو ِ
ث وَ َيضَعُ عَ ْنهُمْ ِإصْرَهُ ْم وَالّغْلَالَ الّتِى كَا َنتْ عَلَ ْيهِمْ فَالّذِينَ ءَامَنُواْ ِب ِه وَعَزّرُو ُه وَ َنصَرُوهُ
الْخَبَا ِئ َ
وَاتّ َبعُواْ النّورَ الّذِى? أُن ِزلَ َمعَهُ ُأوْلَا ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } (العراف)157 :
.
الباب الثالث
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى كسرى وكتابه إليه
حذَافة بكتابه إلى
عن عبدال بن عباس قال :بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عبدَ ال بن َ
كسرى ،فدفعه إلى عظيم البحرين فدفعه عظيمُ البحرين إلى كسرى ،فلما قرأه ـ يعني كسرى ـ
مزّقه.
قال ابن شهاب :فحسبت أن المسيّب قال :فدعا عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يُمزّقوا
كل ممزّق.
عن محمد بن إسحاق قال :بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عبدَ ال بن حذافة بن قيس إلى
حمّدٍ رَسُولِ ال إلى كِسْرَى
كسرى بن هرمز ملك فارس ،وكتب« :بِسْمِ ال الرّحْمانِ الرّحِيْمِ .مِن مُ َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
لمٌ عَلَى مَن اتّبَعَ ال ُهدَى وآمَنَ بال ورَسُولِه .أدْعُوكَ بِدِعَا َيةِ ال ،فإنّي أنَا رَسُولُ ال
عَظِيمِ فَارِسٍ سَ َ
ق ال َق ْولُ على الكَافِرِينَ .فأسِْلمْ تَسَْلمْ ،فإنْ أبَ ْيتَ فإنّ إثْمَ
حّإلى النّاسِ كَافّ ًة لنْذِرَ مَن كَانَ حَيّا ويَ ِ
المَجُوسِ عَلَ ْيكَ» .
فلما قرأ كتابَ رسول ال صلى ال عليه وسلم شقّ كتابه.
ثم كتب كسرى إلى باذان وهو على اليمن :أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز من عندك
رجلين جَلْدَين فليأتياني به.
فبعث باذان قهرمانة وهو بابويْه ،وكان كاتبا حاسبا ،وبعث معه برجل من الفُرْس وكتب معهما
كتابا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى ،وقال لبَابويْه:
ويلك انظر حال الرجل وكلمه وائتني بخبره.
فخرجا حتى قدما الطائف ،فسأل عنه ،فقالوا :هو بالمدينة .واستبشروا وقالوا قد نَصب له كسرى،
كُفيتم الرجل
فخرجا حتى قدما المدينة على رسول ال صلى ال عليه وسلم فكلمه بابويه وقال :إن شاه شاه ملك
الملوك كسرى كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك ،وقد بعثني إليك لتنطلق
ت كتبتُ فيك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك ويكفّ عنك به ،وإن أبيت فهو من قد
معي ،فإن فعل َ
علمتَ ،وهو مهلكك ومهلك قومك ومخرّب بلدك.
وكانا قد دخل على رسولِ ال صلى ال عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ،فكره النظر
إليهما وقال« :ويَْل ُكمَا مَن أمَ َر ُكمَا بِهذا؟»
قال :أمرنا بهذا ربّنا .يعنيان كِسْرى.
عفَاءِ لِحْيَتِي و َقصّ شَارِبِي» .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لكنّ رَبّي أمَرَنِي بإ ْ
غدًا» .
جعَا حتّى تَأْتِيَانِي َ
ثم قال لهما« :ارْ ِ
وأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم الخبر أن ال سلّط على كِسرى ابنَه شيرويه فقتله في شهر
كذا في ليلة كذا وكذا ولكذا من الليل.
فلما أتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهما« :إنّ رَبّي قَ َتلَ رَ ّب ُكمَا لَيْلَة َكذَا وكَذَا لكَذَا وكَذَا
منَ اللّ ْيلِ ،سَلّطَ عَلَيْه ابْنَه شِيْ َروَيْه َفقَتَلَه» .
فقال :هل تدري ما تقول؟ إنا قد ن ِقمْنا منك ما هو أيسر من هذا ،أفنكتب بها ونخبر الملك؟».
قالَ « :نعَمْ ،أخْبِرَاه ذَلكَ عَنّي ،وقُولَ لَه :إنّ دِيْنِي وسُ ْلطَانِي سَيَبْلُغُ مَا بََلغَ مُ ْلكُ كِسْرَى ،وينْ َتهِي إلى
ك ومّلكْ ُتكَ عَلَى َق ْو ِمكَ مِن
حتَ يَدَ ْي َ
خفّ ،والحَافِرِ ،وقُولَ لَه :إ ّنكَ إن أسَْل ْمتَ أعْطَيْ ُتكَ ما َت ْ
مُنْ َتهَى ال ُ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الَبْنَاء» .
ثم أعطى رفيقه الخر مِنْطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك.
فخرجا من عنده حتى قدما على باذان (فأخبراه) الخبر فقال :وال ما هذا بكلم مَلك ،إني لرى
الرجل نبيّا كما يقول ،ولننظرنّ ما قال ،فلئن كان ما قال حقا إنه لنبي مُرْسَل ،وإن لم يكن فسنرى
فيه رأينا.
فلم يلبث باذانُ أن قدم عليه كتابُ شيرويه :أمّا بعد فإني قتلت كسرى ولم أقتله إل غضبا لفارس،
لما كان يستحلّ بقتل أشرافهم وتَجْميرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممّن
قِبَلَك ،وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب لك فيه فل ت ِهجْه حتى يأتيك أمري فيه.
فلما انتهى كتابُ ابن كسرى إلى باذان قال :إن هذا الرجل رسولُ ال ،فأسلم وأسلمت البناء من
فارس ،من كان منهم (باليمن).
عن المقْبُري قال :جاء فيروز الديلمي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :إن كِسرى كَتب
ضبَ عَلَى
غ ِ
إلى باذان :أن بلغني أن في أرضك رجلً نبيّا فاربطه وابعث به إليّ :فقال« :إنّ رَبّي َ
رَ ّبكَ َفقَتَلَه بَنُوه سَحَرًا لِسَاعَةٍ» .فخرج من عنده فسمع الخبر فأسلم وحَسُن إسلمه.
الباب الرابع
في ذكر إرسال رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى النجاشي وكتابه إليه
قال ابن إسحاق :بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم عمرو بن أُمية إلى النجاشي في شأن جعفر
حمّدٍ َرسُولِ ال إلى
بن أبي طالب وأصحابه ،وكَتب معهم« :بِسْمِ ال الرّحْمانِ الرّحِيم مِن ُم َ
حمَدُ إل ْيكَ اللّهَ الذي لَ اله إلّ هو المَِلكُ القَدّوسِ السّلمُ ال ُم ْؤمِنُ
شةِ .إنّي أ ْ
شيّ مَِلكِ الحَبَ َ
النّجَا ِ
حمََلتْ ِبعِيْسَى،
ح ال َوكَِلمَتُه أ ْلقَاها إلى مَرْيَمَ البَتُولِ الطّيّ َبةِ فَ َ
شهَدُ أنّ عِ ْيسَى بْنَ مَرْ َيمَ ُروْ ُ
ال ُمهَ ْيمِنُ ،وَأ ْ
وإنّي أدْعُوكَ إلى ال َوحْدَه ل شَرِيكَ لَه وأنْ تَتّ ِبعْنِي و ُت ْؤمِنَ بالذي جَاءَنِي ،فإنّي َرسُولُ ال ،وقَدْ
ج ْعفَرًا و َمعَه َنفَرٌ منْ المُسِْلمِينَ .والسّلمُ عَلَى مَن اتّبعَ ال ُهدَى» .
عمّي َ
َبعَ ْثتُ إل ْيكَ ابْنَ َ
وكَتب النجاشي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم« :بسم ال الرحمن الرحيم إلى محمد رسول
ال من النجاشي سلمٌ عليك يا نبي ال ورحمة ال وبركاته الذي ل إله إل هو الذي هداني إلى
السلم.
أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول ال فيما ذكَرت من أمر عيسى ،فوربّ السماء والرض إن
عيسى عليه السلم ما زاد على ما ذكرْت ثفرُوقا ،وإنه كما قلت .وقد عرفنا ما بعثته إلينا وقدم
ابن عمك وأصحابه ،وأشهد أنك رسول ال ،وقد بايعتُك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه ل
رب العالمين وقد بعثت إليك بابني ،وإن شئت أن آتيك فعلتُ يا رسول ال .فإني أشهد أن ما تقول
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
حق ،والسلم عليك ورحمة ال وبركاته.
قال ابن إسحاق :فذكر لي أنه بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة حتى إذا توسطوا البحر
غرقت بهم سفينتهم فهلكوا.
وقال الواقدي عن أشياخه :كَتب رسول ال صلى ال عليه وسلم كتابين إلى النجاشي يدعوه في
أحدهما إلى السلم ويتلو عليه القرآن ،فأخذ كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فوضعه على
عينيه ونزل عن سريره وجلس على الرض تواضعا ،ثم أسلم وشهد شهادة الحق .وقال :لو كنت
أستطع أن آتيه لتيته.
وكتب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم بإجابته وتصديقه ،وإسلمه على يد جعفر.
وفي الكتاب الخر يأمره أن يزوجه بأم حبيبة بنت أبي سفيان ،وكانت هاجرت إلى الحبشة مع
عبيد ال بن جحش السدي فتنصّر هناك ومات ،وأمره في الكتاب أن يبعث إليه بمن قِبَله من
أصحابه ويحملهم .ففعل ذلك.
عن أبي قتادة قال :قدم وفدُ النجاشي على رسول ال صلى ال عليه وسلم فكان يخدمهم بنفسه،
فقال له أصحابه :نحن نكفيك.
الباب الخامس
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ،وكتابه إليه
روى الواقدي عن أشياخه قالوا :بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم شجاعَ بن وهب السدي إلى
شمْر يدعوه إلى السلم ،وكتب معه كتابا.
الحارث ابن أبي ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال شجاع :فانتهيت إليه وهو بغوطة دمشق لتهيئة النزال واللطاف (لقيصر) من حمص إلى
إيلياء ،فأقمت على بابه يومين أو ثلثة ،فقلت لحاجبه إني رسولُ رسول ال صلى ال عليه وسلم.
فقال :ل تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا .وجعل حاجبه ـ وكان روميَا ـ يسألني عن رسول
ال صلى ال عليه وسلم فكنت أحدّثه عن صفة رسولِ ال صلى ال عليه وسلم وما يدعو إليه
فيرقّ حتى َيغْلبه البكاء ويقول :إني قرأت النجيل فأجد صفة هذا النبي و َنعْته ،وأنا أُومن به
وأصدّقه ،وأخاف من الحارث أن يقتلني .فكان يكرمني ويحسن ضيافتي.
وخرج الحارث يوما فجلس ووضع التاج على رأسه ،فأذن لي عليه ،فدفعت إليه كتابَ رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقرأه ثم رمى به وقال :من ينزع مني مُلكي أنا سائر إليه عليّ بالناس .فلم
يزلْ يعرضُ ختى قام ،وأمر بالخيول (أن) تُنعل.
ثم قال :أخبر صاحبك بما ترى.
(وكتب إلى قيصر يخبره بخبري) فكتب إليه قيصر :أن ل تسرْ إليه والْه عنه ووافِني بإيلياء.
فلما جاء جوابُ كتابه دعاني فقال لي؛ متى تريد أن تخرج لصاحبك؟ فقلت :غدا .فأمر لي بمائة
دينار ذهبا ،ووصَلني حاجبُه بنفقة وكسوة وقال :اقرأ على رسول ال صلى ال عليه وسلم مني
السلم.
فقدمتُ على النبي صلى ال عليه وسلم فأخبرته فقال« :بادَ مُ ْلكُه» .
ومات الحارث بن أبي شمر عام الفتح.
الباب السادس
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي وكتابه إليه
روى الواقدي عن أشياخه قالوا ،بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم سَلِيط بن عمرو العامري
إلى َهوْذَة بن علي الحنفي يدعو إلى السلم وكتب معه كتابا ،فقدم عليه فأنزله وحبَاه ،وقرأ كتاب
رسول ال صلى ال عليه وسلم وكتب إليه :ما أحسنَ أن تدعو إليه وأجمله ،وأنا شاعر قومي
وخطيبهم ،والعرب تهاب مكاني ،فاجعل لي بعض المر أتّبعك .وأجاز سَلِيط بن عمرو يجائزة
وكساه ثوبا من نسيج هجر.
فقدم بذلك كله على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأخبره عنه بما قال ،وقرأ كتابه فقال« :لَوْ
سَأَلَنِي سَيَابةً مِن الَ ْرضِ مَا َفعَ ْلتُ ،بَا َد وبَادَ مَا فِي َيدَيْه».
فلما انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل فأخبره أنه مات.
الباب السابع
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى جبلة بن اليهم
كتب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جبلة بن اليهم ملك غسان يدعوه إلى السلم ،فأسلم
وكتب بإسلمه إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم لم يزل مسلما إلى زمن عمر بن الخطاب ،فطاف بالبيت فوطىء إزاره رجلٌ من بني فزارة
فانحلّ ،فرفع جبلةُ يده فلطمه فهشَم أنفه ،فاستعدى عليه عم َر فقال له :إما أن تُ ْرضِي الرجل وإما
ت ضربتُ عنقك .قال :سأنظر في أمري الليل.
أن أُقيده منك .قال :إذا أتنتصّر .قال :إن تنصّ ْر َ
فتحمّل في الليل هو وأصحابه حتى أتى القسطنطينية فتنصّر ومات على ذلك.
وقد شرحنا قصته في كتاب «المنتظم».
الباب الثامن
في ذكر إرساله صلى ال عليه وسلم إلى ذي الكلع
سمَيْفع بن حَوشب .وكان قد استعلى حتى ادعى الربوبية،
(وكان) ملكا من ملوك الطائف ،واسمه َ
فكاتبه رسول ال صلى ال عليه وسلم على يد جرير بن عبدال ،ومات رسول ال صلى ال عليه
وسلم قبل عَود جرير.
وأقام ذو الكَلَع على ما هو عليه إلى أيام عمر ،ثم رغِب في السلم فوفد على عمر ومعه
ثمانمائة عبد ،فأسلم هو وعبيده كلهم ،وقال لعمر :لي ذنبٌ ما أظن ال تعالى يغفره .قال :ما هو؟
قال :تواريتُ مرةً عمن تعبدّ لي ،ثم أشرفتُ عليهم فسجد لي زُهاء مائة ألف.
فقال عمر :التوبة بإخلص يُرْجى بها الغفران.
عن علوان بن داود عن رجل من قومه قال :بعثني قومي بهدية إلى ذي الكَلع في الجاهلية،
فمكثت سَنة ل أصل إليه ،ثم إنه أشرف بعد ذلك من القصر فلم يره أحد إلّ خَرّ له ساجدا .ثم
رأيته بعد ذلك في السلم قد اشترى لحما بدرهم فلم يكن معه من يحمله فسمَطه على فرسه وأنشأ
يقول:
أفّ للدنيا إذا كانت كذا
كلّ يوم أنا منها في َأذَى
ولقد كنتُ إذا ما قِيلَ مَنْ
أ ْنعَمُ الناسِ معاشا قيلَ ذا
شقْ َوةً
بَدّلَتْنِي بعدَ عِزّي َ
حبّذا فيك شَقايَ حبذا
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب التاسع
في كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى فروة الجذامي
عن وائل بن عمرو قال :كان فَ ْروَة بن عمرو الجذامي عاملً للروم فأسلم وكتب إلى رسول ال
صلى ال عليه وسلم بإسلمه ،وبعث به رجل من قومه وبعث إليه ببغلة بيضاء وفرس وحمار
وأثواب ،وبقَباء سندس محوّص بالذهب.
عمْروٍ ،أمّا َبعْدُ
حمّدٍ رَسُولِ ال إلَى فَ ْر َوةَ بْنِ َ
وكتب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مِن مُ َ
ل ِمكَ .قَال :وإنّ اللّهَ هَدَاكَ
عمَا قِبَلكَ وأتَانَا بإسْ َ
ك وبَلّغَ مَا أ ْرسَ ْلتَ بِه ،وخَبّر َ
َفقَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُوُل َ
ِبهُدَاه» .
وأمر بللً فأعطى رسولَه اثنتي عشرة أوقية ونَشّا.
وبلغ ملكَ الروم إسل ُم فورة فقال له :ارجع عن دينك .قال :ل أفارق دين محمد صلى ال عليه
وسلم ،وإنك تعلم أن عيسى بشّر به ولكنك تضِنّ بملكك .فحبسه ثم أخرجه فقتله وصلبه.
الباب العاشر
في ذكر كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى جيفر وعبد ابني الجَلَنْدي
كتَب رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهما وهما بعُمان يدعوهما مع عمرو بن العاص.
قال :فعمدْت إلى ع ْب ٍد فقلت :إني رسولُ رسولِ ال صلى ال عليه وسلم إليك وإلى أخيك.
قال :أخي المقدّم عليّ بالسنّ والملْك ،وأنا أوصلك إليه.
فدخلتُ عليه فدفعتُ إليه الكتابَ مختوما ،فقرأه فقال :دعني يومي هذا وارجع إليّ غدا .فرجعت
إليه ،فقال :إني فكّرتُ فيما دعوتني إليه ،فأنا أضعفُ العرب إنْ مّل ْكتُ رجلً ما في يدي (وهو ل
تبلغ خيله ها هنا ،وإن بلغت خيله ها هنا أَِلفَتْ قتالً ليس كقتال من لقى( .قلت :فإني خارجٌ غدا.
فلما أصبح أرسل إليّ فأجابَ إلى السلم هو وأخوه وخلّيَا بيني وبين الصدقة فأخذتها فرددتها في
فقرائهم.
عن محمد بن إسحاق عن عبدال بن أبي بكر قال :قدِم على رسول ال صلى ال عليه وسلم كتاب
ملوك حمير َمقْدمه من تبوك بإسلم الحارث بن عبد كُلل ونُعيم بن عبد كلل والنعمان قَيْل ذي
رُعَيْن وَ ِهمْدان ومعافر ،فكتب إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم« :بِسْمِ ال الرّحْمانِ الرّحِيمِ.
للٍ والّن ْعمَانَ قَيْل ذي رُعَيْن
ل و ُنعَيْمٍ بنِ عَ ْبدِ كُ َ
حمّدٍ َرسُولِ ال إلى الحَا ِرثِ بْنِ عَبْدِ كُلَ ٍ
مِن مُ َ
حمَدُ إل ْيكُم اللّهَ الذي لَ اله إلّ هو ،فإنّه َوقَعَ إليْنَا رَسُوَلكُم قَافِلً مِن
ن و َمعَافِرُ ،أمّا بعدُ فإنّي أ ْ
و َهمْدَا َ
ل ِمكُم وقَتِْلكُم المُشْ ِركِينَ ،وإنّ اللّهَ َتعَالَى قَدْ
أ ْرضِ الرّومِ ،فََلقِيَنا بالمَدِينَةِ ،فَبَلّغَ مَا أرْسَلْتُم ،وأنْبَأنا بإسْ َ
لةَ وأعْطَيْتُم ال ّزكَاةَ وأعْطَيْتُم مِن ال ِمغْنَامِ
طعْتُم اللّهَ ورَسُولَه وأ َقمْتُم الصّ َ
هَدَاكُم ِبهِدَايَتِه إن أصْلَحْتُم وأ َ
صفِيّة ،ومَا كَ َتبَ اللّهُ عَلى ال ُم ْؤمِنينَ مِن الصّ َدقَةِ ،ومَن كانَ عَلَى َيهُودِيّتِه
خمْسَ نَبِيّه و َ
خمْسَ ال و ُ
ُ
أو َنصْرَانِيّتِه ،فإنّه ل ُيغَيّرُ عَ ْنهَا وعَلَيْه الجِزْيَةُ» .
وقد كتب وأرسل إلى آخرين ،فاقتصرنا على ما ذكرنا ،وال الموفق.
قال ابن عقيل :من الدليل على صحة نبوة نبينا صلى ال عليه وسلم أنه كا َتبَ كسرى وقيصر
وغيرهما ،وأمْرُه مع قومه كلهم ما استتبّ ،فضلً عن عامة العرب ،ولول أنه مدفوع إلى المكاتبة
من جهة مَن إليه حفظُ العاقبة لم يفعل ذلك ،فإن ذلك ل َيصْدر عن رأيِ ذي رأيٍ قط.
ثم أ ْفضَى المرُ إلى أن قُسمت غنائم كسرى في مسجده ،وإنما كان يتكلم على ما اطلع عليه من
انتشار دعوته وعُلوّها على كل الملْك ،فذاك الذي أطالَ لسانَه على الكل.
فهل يكون في الطلع على الغيب أوْحَى من هذا ومن الثقة بالمرسِل له.
فهذا الذي لِلْعالم أن يستدلّ به على صدقه.
الباب الول
في ذكر وفد سعد بن بكر
ضمَامَ بن ثعلبة وافدا إلى رسول ال صلى ال
عن عبدال بن عباس قال :بَعثت بنو سعد بن بكر ِ
عليه وسلم .فقدِم وأناخ بعيره على باب المسجد وعقَله .ثم دخل المسجد ورسول ال صلى ال
شعَر ذا غَدِيرتين ،فأقبل حتى وقف على
عليه وسلم جالس في أصحابه ،وكان ضمام رجلً جَلْدا أ ْ
رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم في أصحابه .فقال :أيّكم ابنُ عبد المطلب؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا ابْنُ عَبْدِ المُطِّلبِ» .
قال :محمد؟
قالَ « :نعَمْ» .
ن في نفسك؟
قال :يا بن عبد المطلب ،إني سائلك ومشدّد في المسألة ،فل تجدَ ّ
عمّا َبدَا لك» .
سلْ َ
جدُ فِي َنفْسِي َ
قال« :لَ أ ِ
قال :أنشدك ال إلهك وإله مَنْ كان قبلك وإله من هو كائنٌ بعدَك ،آل بعثَك إلينا رسولً؟
قال« :الل ُهمّ َنعَمْ» .
قال :فأنشدك ال إلهك وإله مَنْ كان قبلك وإله مَنْ هو كائن بعدك ،آل أمرك أن تأمرنا أن نعبد ال
وحده ل شريك له ،وأن نخلع هذه النداد التي كانت أوثانا ُتعْبد من دون ال؟
قال« :الل ُهمّ َنعَمْ» .
قال :فأنشدك ال إلهك وإله من هو كائن قبلك وإله من هو كائن بعدك آل أمرك أن ُنصَلي هذه
الصلوات الخمس؟
قال« :الل ُهمّ َنعَمْ» .
قال :ثم جعل يذكر فرائضَ السلم فريضةً فريضة ،الزكاة ،والصيام ،والحج ،وشرائع السلم
كلها (يناشده عند كل فريضة منها كما) يناشده في التي قبلها.
حتى إذا فرغ قال :فإني أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أن محمدا رسول ال ،وسأؤدي هذه
الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ل أزيد ول أنقص.
ثم انصرف راجعا إلى بعيره ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم جين ولّى« :إنْ َيصْ ُدقْ ذُو
ال َعقِيْصَتَيْنِ َيدْخُل الجَنّةَ» .
قال :فأتَى إلى بعيره فأطلق عقاله ،ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم
ت والعزّى.
به أن قال :بئست الل ُ
فقالوا :مَهْ يا ضمام ،اتق البرصَ والجذام والجنون
فقال :ويلكم إنهما وال ل يضران ول ينفعان ،إن ال عز وجل قد بعث رسولً وأنزل عليه كتابا
استنقذكم (به) مما كنتم فيه ،وإني أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله ،وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه.
قال :فوال ما أمَسْى في حاضِره رجلٌ ول امرأة إل مسلما.
ضمَام بن ثعلبة.
ضلَ من ِ
قال :يقول ابن عباس :فما سمعنا بوافد قومٍ كان أف َ
الباب الثاني
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
في وفد مزينة
عن كثير بن عبدال المزني قال :كان أول وفدٍ على رسول ال صلى ال عليه وسلم من مضر
أربعمائة من مُزَينة ،وذلك في رجب سنة خمس ،فجعل لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم
جعُوا إلَى أ ْموَاِلكُم» .فرجعوا إلى بلدهم.
الهجرة في دارهم وقال« :أنْتُم ُمهَاجِرُونَ حَ ْيثُ كُنْتُم فَارْ ِ
الباب الثالث
في ذكر وفد فزارة
عن أبي وَجْزة السّعدي قال :لما رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم من تبوك قدم عليه وفدُ بني
فَزَارة ،بضعة عشر رجلً منهم خارجة بن حصن والحُرّ بن قيس ،على ِركَابٍ عِجَاف ،فجاؤوا
مُقرّين بالسلم ،وسألهم رسول ال صلى ال عليه وسلم عن بلدهم فقال أحدهم :أسْنَ َتتْ بلدُنا
وهلكت مواشينا وأجدبَ جَنابنا وغَرِثَتْ عيالنا ،فادع لنا ربّك.
ك وانْشُرْ
فصعد رسول ال صلى ال عليه وسلم المنبر ودعا فقال« :اللهُمّ اسْقِ بِلَ َدكَ وعِبَا َد َ
جلٍ نَا ِفعًا
سعًا عَاجِلً غَيْرَ آ ِ
سقِنَا غَيْثا ُمغِيْثا مَرِيّا مَرِيْعا طَبَقا ،وَا ِ
ك وأَحي بََل َدكَ المَ ّيتْ ،اللهُمّ ا ْ
حمَ َت َ
رَ ْ
سقِنا الغَ ْيثَ
ق ول مَحْقَ ،اللهُمّ ا ْ
سقْيَا عَذَابٍ ول هَ ْد َم ول غَ َر َ
حمَ ٍة لَ ُ
سقْيَا َر ْ
سقِنَا ُ
غَيْ َر ضَارَ ،اللهُمّ ا ْ
وا ْنصُرْنا عَلَى العْدَاءِ» .
فمطرت فما رأوا السماء سَبْتا ،فصعد رسول ال صلى ال عليه وسلم المنبر فدعا وقال« :اللهُمّ
علَى الكَا ِم والظّرَابِ وبُطُونِ الوْدِ َي ِة ومنَا ِبتِ الشّجَ َرةِ» .قال :فانجابَ
حوَالَيْنا َولَ عَلَيْنَا ،اللهُمّ َ
َ
ب الثوب.
السحابُ عن المدينة كانجِيَا ِ
الباب الرابع
في ذكر وفد تجيب
عن الحويرث قال :قدم وفدُ تَجِيب على رسول ال صلى ال عليه وسلم سنة تسع وهم ثلثة عشر
رجلً ،وساقوا معهم صدقات أموالهم.
فسُرّ رسول ال صلى ال عليه وسلم بهم وقال« :مَرْحَبًا ِبكُم» .وأكرمَ منزلهم ،وأمر بللً أن
يحسن ضيافتهم وجوازئهم ،وأعطاهم أكثر مما كان يُجيز به الوفدَ.
وقالَ « :هلْ َبقِيَ مِ ْنكُم َأحَدٌ؟»
حدَثنا سنّا.
قالوا :غلمٌ خلفناه على رحالنا وهو أ ْ
سلُوه إلَيْنَا» .فأقبل الغلمُ إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال :إني امرؤ من بني
قال« :أرْ ِ
أَبْذَى الرهط الذين أتوك آنفا فقضيتَ حوائجهم ،فاقض حاجتي.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :وما حَاجَ ُتكَ؟»
قال :تسأل ال أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غَناي في قلبي.
ج َعلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِه» .ثم أمَر له بما أمر لرجلٍ من أصحابه.
حمْه وا ْ
غفِرْ لَه وارْ َ
فقال« :اللهُمّ ا ْ
فانطلقوا راجعين إلى أهليهم ،ثم وافوا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم في الموسم بمنًى سنة عشر
فسألهم عن الغلم .فقالوا :ما رأينا مثله ول َأقْنع منه بما رزقه ال عز وجل.
الباب الخامس
في ذكر وفد سعد هذيم وهم من أهل اليمن
عن فروة بن سعيد ،عن أبيه ،عن جده قال :كنا عند النبي صلى ال عليه وسلم فجاءه وفدُ أهل
اليمن .فقالوا :يا رسول ال ،قد أحيانا ال ببيتين من شعر امرىء القيس.
قالَ « :ومَا ُهمَا؟»
قالوا :أقبلنا نريدك حتى إذا كنا بموضع كذا وكذا أخطأنا الماء فلم نقدر عليه ،فانتهينا إلى موضع
طلح وسَمر ،فانطلق كل رجل منا إلى ظل شجرة ليموت في أصلها ،فبينا نحن في آخر رمقٍ إذا
راكبٌ قد أقبل فلما رآه بعضنا تمثّل:
ولمّا رأتْ أنّ الشّرِيعة همّها
وأن البَياضَ من فَرائصها دامِي
تَيّممت العينَ التي عند ضارجٍ
يفيء عليها الظلّ عَ ْرمُضها طامي
فقال الراكب :مَنْ يقول هذا الشعر؟
فقال بعضنا :امرؤ القيس.
قال :هذه وال ضارج أمامكم ،وقد رأى ما بنا من الجهد .فرجعنا إليها فإذا بيننا وبينها نحوا من
خمسين ذراعا ،وإذا هي كما وصف امرؤ القيس عليها العَرْمض يَفيء عليها الظلّ.
شهُورٌ فِي الدّنْيا خَا ِملٌ فِي الخِ َرةِ مَ ْذكُورٌ فِي
جلٌ مَ ْ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ذَاكَ رَ ُ
شعَرَاءِ َيقُودُهُم إلى النّارِ» .
الدّنْيَاَ ،يجِيءُ َيوْ َم القِيَامَةِ َمعَه ِلوَاءُ ال ّ
الباب السادس
في ذكر وفد محارب
عن أبي وَجْزة السعدي قال :قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع وهم عشرة نفر منهم
سواء بن الحارث وابنه خزيمة ،فأسلموا ولم يكن أحد أفظّ ول أغلظ على رسول ال صلى ال
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عليه وسلم منهم.
وكان في الوفد رجل منهم يعرفه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال :الحمد ل الذي أبقاني حتى
صدّقتُ بك.
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنّ هَذِه القُلُوبُ بِيَ ِد ال» ومَسَح وجهَ خزيمة فصارت له
غرة بيضاء وأجازه كما يجيز الوف َد وانصرفوا.
الباب السابع
في ذكر وفد بجيلة
عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ،قال :قدم جريرُ بن عبدال البَجلي المدينة سنة عشر ومعه
قومه مائة وخمسون رجلً ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يَطْلُع عَلَ ْيكُم مِن هَذا الفَجّ مِن
سحَةُ مُ ْلكٍ» .
جهِه مِ ْ
خَيْرِ ذِي َيمَنٍ عَلَى وَ ْ
فطلع جريرٌ على راحلته ومعه قومه ،فأسلموا وبايعوه.
ن لَ اله
شهَدَ أ ْ
قال جرير :وبسط رسول ال صلى ال عليه وسلم يده ،فبايعني ،وقال« :عَلَى أنْ َت ْ
شهْرَ َر َمضَانَ ،وتَ ْنصَحَ المُسِْلمِينَ،
لةَ ،و ُتؤْ ِتيَ ال ّزكَاةَ ،و َتصُومَ َ
إلّ اللّ ُه وَأنّي رَسُولُ ال ،وتُقِيْمَ الصّ َ
وتُطِيْ َع الوَالِي وإنْ كَانَ عَبْدا حَبَشِيّا» .
قال :نعم فبايعته.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يسائله عما وراءه ،فقال :يا رسول ال ،قد أظهر ال السلمَ
والذان وهَدمت القبائل أصنامها التي كانت تعبدها.
قال :فما فعل ذو الخَلَصة؟
قال« :هُو عَلَى حَالِه» .فبعثه رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى هدم ذي الخَلَصة ،وعقد له
جعَلْهُ هَادِيًا
لواء ،فقال :إني ل أَثْبُت على الخيل .فمسح رسولُ ال صدره وقال« :اللهُمّ ثَبّتْ ُه وا ْ
َمهْدِيّا» .
فخرج في قومه وهم ُزهَاء مائتين ،فما أطالَ الغيبة حتى رجع ،فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم« :أ َه َدمْتَه؟» .
قال :نعم ،وأحرقته بالنار والذي بعثك بالحق ،وتركتُه كما يسوء أهلَه.
فبارَك رسول ال صلى ال عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها.
الباب الثامن
في ذكر وفد نهد
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
طخْفة بن
عن علي بن أبي طالب أن وفد َنهْدٍ قدِموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم وفيهم ِ
غوْري تِهامة على َأكْوار الميْس ،ترتمي بنا العيسُ،
زهير ،فقالوا :أتيناك يا رسول ال من َ
نستحلب الصّبير ،ونَستحلب الخبير ،ونَسْتخيل الرّهام ،ونسْتخيل الجهَام ،من أرض بعيدة المْبطأ،
جعْثن ،وسقطت الملوج ،ومات العُسْلوج ،وهلك الهَدَال،
غليظة الموْطأ ،قد يبس المُدْهن ،ونَشِف ال ِ
ل أغفال،
ومادَ الودْي ،بَرِئْنا إليك يا رسول ال من الوَثَن والعنَنَ ،وما يُحْدث الزمَن ،ولنا نَعم هم َ
ووقيرٌ قليل الرّسْل كثير الرّسَل ،أصابتنا سَنة حمراء ،أ ْكدَى فيها الزرع ،وامتنع فيها الضّرع،
ليس لها عَلل ول نَهل.
ضهَا ومَ ْذ ِقهَا ،واحْبِسْ
خ ِ
ضهَا ومَ ْ
خ ِ
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ بَا ِركْ َلهُمْ في َم ْ
ال ّثمَرَ بِيَانِعِ ال ّثمَرِ ،وا ْفجُرْ َلهُمْ ال ّث َم َد وبَا ِركْ َلهُم فِي الوَلَدِ» .
لمُ عَلَ ْيكُم
حمّدٍ رَسُولِ ال إلى َن ْهدٍ ،السّ َ
سمِ ال الرّحْمانِ الرّحِيمِ .مِن مُ َ
ثم كتب معه كتابا نسخته« :بِ ْ
ن لَ اله إلّ اللّهُ َلمْ ُيكْ َتبْ
شهِدَ أ ْ
لةَ كَانَ ُم ْؤمِنا ،ومَن آتَى ال ّزكَاةَ كَانَ مُسْلِما ،ومَنْ َ
مَن أقَامَ الصّ َ
طعُوا
ضمِرُوا إمَاقا ،ولم َتقْ َ
غَافِلًَ ،لكُم فِي الوَظِ ْيفَةِ ،الفَرِ ْيضَةَ ،وَلكُم الفَا ِرضُ والقَرِيْشُ ،مَا َلمْ ُت ْ
رِبَاقَا ،ولَمْ تَ ْأكُلوا الرّبا».
فقلت له :يا رسول ال ،بأبي أنت وأمي نحن بنو أب واحد ،ونشأنا في بلد واحد ،وإنك لتكلم وفودَ
سعْدٍ» .
حسَنَ أدَبِي ونَشَ ْأتُ فِي بَنِي َ
العرب بلسانٍ ما ُيفْهم أكثره .فقال« :إنّ اللّهَ أدّبَنِي فَأ ْ
الكوار :الرّحَال.
والميس :شجر.
والصّبِير :سحاب أبيض متراكب.
ونستحلب :بمعنى نحصد.
والخبير :النبات.
وتستخيل السحابة :إذا رأيتها فحسبتها ماء مطر ،وتخيّلت السحابة إذا تهيأت للمطر،
والوقير :الشاة براعيها .والرّسل :اللبن .والرّسَل :ما يرسل منها إلى المراعي.
والسّنة الحمراء :سنة الجدَب .وأكدى :انقطع .والنهل :الشّرب الول.
والعلل :الثاني .والوظيفة :كل ما يُقدّر.
والفَرِيضة :الهرمة ،وهي الفارض .والفارض :المريضة.
والقريش :التي وضعت حديثا كالنفساء من النساء.
والماق :النفة .والرباق :جمع ربق ،وهو الحَبْل ،والمعنى :ما لم يقطعوا رباق العهد الذي في
أعناقهم.
الباب التاسع
في ذكر وفد عامر بن صعصعة
روى ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال :قَدِم على رسول ال صلى ال عليه وسلم وفدُ
(بني عامر ،فيهم) عامر بن الطّفيل ،وأربد بن قيس ،وجَبّار بن سلمى ،وهؤلء الثلثة رؤساء
القوم (وشياطينهم) .وكان قد قال لعامر قومُه :أسْلِم فإنّ الناس قد أسلموا .فقال :وال لقد كنت آليتُ
عقِبي فأنا أتبعُ عَقبي هذا الفتى
أن ل أنتهي حتى تتبع العرب َ
ثم قال لرْيَد :إذا قَ ِدمْنا على هذا الرجل فإني سأشغل وجهه عنك فاعْلُه بالسيف.
فلما قدموا جعل عامر يكلّم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وينتظر من أَرْبَد ما أمره فلم يُحرْ
شيئا ،فقال :أمَا وال لمْلنّها عليك خيلً جُرْدا ورجالً مُرْدا.
طفَ ْيلِ» .
فلما ولّى قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :اللهُمّ ا ْكفِنِي عَامِرَ بْنَ ال ّ
فقال عامر لربد :أين ما أوصيتك به ويلك؟
ت بالمر إل دخلتَ بيني وبين الرجل ،أفأضربك بالسيف؟
قال :وال ما همم ُ
وخرجوا راجعين إلى بلدهم.
فبعث ال الطاعون على عامر في طريقه فقتله ال ،وأرسل على أَرْبد صاعقةً فأحرقته.
عن عامر بن الطفيل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فرَشه وسادة وقال« :أَسْلِمْ يَا عَامِرُ» .
قال :على أن لي الوَبر ولك المدَر .فأبَى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم .وقام عامر مغضبا
وقال :وال لملنّها عليك خيلً جُرْدا ،ورجالً مُرْدا ،ولربَطنّ بكل نخلة فرسا.
ح َمتْ قُرَيْشا
فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :والذي َنفْسِي بِ َيدِه َلوْ أسَْلمَ وأسَْل َمتْ بَنُو عَامِرٍ لَزَا َ
عَلَى مَنَابِرِهَا» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ثم دعا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم وقال« :يَا َقوْمُ آمِنُوا» ثم قال« :اللهُمّ اهْدِ بَنِي عَامِرٍ،
طفَ ْيلِ ِبمَا شِ ْئتَ وأنّى شِ ْئتَ» .
ش َغلْ عَنّي عَامِرَ بْنَ ال ّ
وا ْ
فخرج فأخذتْه غُ ْدةٌ مثل غدة البعير ،ومات في بيت امرأة سَلُولية ،فقال :يا موت ابْرز لي ،وأقبل
يشتدّ ويَنْزو إلى السماء ويقول :غُدةً كغدة البعير ،وموتا في بيت سَلُولية
الباب العاشر
في (ذكر) وفد عبد القيس
عن ابن عباس قال :إن وفد عبد القيس لمّا قدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرهم
باليمان بال ثم قال« :أتَدْ ُروَن مَا ال ْيمَانُ بِال؟»
قالوا :ال ورسوله أعلم.
لةِ ،وإيْتَاءُ ال ّزكَاةَِ ،وصَوْمُ
حمّدًا رَسُولُ ال ،وإقَامُ الصّ َ
ن لَ اله إلّ اللّهُ وأنّ مُ َ
شهَا َدةُ أ ْ
قالَ « :
خمْسَ من ال َمغْنَمِ» .
َر َمضَانَ ،وأنْ ُت ْعطُوا ال ُ
أخرجاه.
قال ابن إسحاق :حدثني بعض علمائنا :أن بني حنيفة أتو بمسيلمة إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم يسترونه بالثياب ،فأقرّ له بالنبوة ،ومع رسول ال صلى ال عليه وسلم عَسِيب من النخل
فكلّم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وسأله فقال« :لو سَأَلْتَنِي هَذا العَسِ ْيبَ ما أعْطَيْ ُتكَ» .
فلما رجعوا إلى اليمامة ارتدّ مسيلمة.
وقد قدم وفدُ بني أسد ،ووفد كِلَب ،ووفد الداريين ،ووفد بني البكّاء ،ووفد طيء ،ووفد سُلمان،
ووفد زبيد ،ووفد عبْس ،ووفد خَولن.
وقد ذكر محمد بن سعد في «الطبقات» سبعين وفدا ،فلم نُطل ذكرهم وإنما ذكرنا من له حديث
مُسْتطرَف.
وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا قدم عليه الوفد لبس أحسنَ ثيابه.
أبواب ما جرى بعد رجوعه صلى ال عليه وسلم من حجة الوداع
الباب الول
في استغفار رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل البقيع
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قد روينا من حديث أبي ُموَيْهِبة :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج فاستغفر لهل البقيع في
جعَه من حجته.
المحرّم مَرْ ِ
عن أبي ُموَيهبة مولَى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم
من جوف الليل فقال« :يَا أبَا ُموَ ْيهِبَةَ ،إنّي قَدْ ُأمِ ْرتُ أنْ أسْ َت ْغفِ َر لَ ْهلِ ال َبقِيْعِ ،فانْطَِلقْ َمعِي» .
لمُ عَلَ ْيكُم يَا أ ْهلَ ال َمقَابِرِ ،ل َيهْنَ َلكُم مَا أصْبَحْتُم فِيه
فانطلقت معه ،فلما وقف بين أظهرهم قال« :السّ َ
طعِ اللّ ْيلِ المُظِْلمِ يَتْبَعُ آخِ ُرهَا
ِممّا أصْبَحَ النّاسُ فِيه ،لو َتعَْلمُونَ مَا نَجّاكُم اللّهُ مِنه ،أقْبَلَت الفِتَنُ كِقِ َ
أوَّلهَا ،الخِ َرةُ شَرّ مِن الوْلَى» .
قال :ثم أقبل على أبي مُويهبة فقال« :يَا أبَا ُموَيْهِبَةَ ،إنّي قَدْ أُوتِ ْيتُ َمفَاتِيْحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا والخُلْدَ فِيْها
ك وبَيْنَ ِلقَاءِ ربّي والجَنّةَ» .
ثُمّ الجَنّةَ ،وخُيّ ْرتُ بَيْنَ ذَِل َ
قال فقلت :بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلْد فيها ثم الجنة .قال« :يَا أبَا موَ ْيهِبَةََ ،لقَدْ اخْتَ ْرتُ
ِلقَاءَ ربّي والجَنّةَ» .ثم استغفر لهل البقيع.
ثم انصرف .فبدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم في وجعه الذي قبضه ال فيه حين أصبح.
عن أبي مويهبة مولى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال :أُمر رسول ال صلى ال عليه وسلم
أن يصلّي على أهل البقيع ،فصلّى عليهم في ليلةٍ ثلثُ مراتٍ ،فلما كانت الليلة الثالثة قال« :يَا أبَا
ُموْيِهبَةَ ،أسْرُجْ لِي دَابّتِي» .حتى انتهى إليهم ،فنزل عن دابته وأمسكتُ الدابة ،ووقف عليهم أو
ت الفِتَنُ َكقِطَعِ اللّ ْيلِ ال ُمظْلِم يَ ْر َكبُ َب ْعضُها َب ْعضًا،
قام ثم قال« :ل َيهْ َنكُم مَا أنْتُم فِيه ِممّا فِيه النّاسُ ،أَ َت ْ
ن الولَى ،فَلْ َيهْ َنكُم مَا أنْتُم فِيه» .
الخِ َرةُ شَرّ مِ َ
ثم رجع فقال« :يَا أَبا ُموَ ْيهِبَةَ ،أنّي قَدْ أُعْطِ ْيتُ أو خُيّ ْرتُ .مَا فَتَحَ اللّهُ عَلَى ُأمّتِي مِنْ َب ْعدِي والجَنّةَ،
أو ِلقَاءَ رَبّي» .
قال :قلت :يا رسول ال ،فاختر.
قال« :اخْتَ ْرتُ ِلقَاءَ رَبّي» .
فما لبث بعد ذلك إل سبعا أو ثمانيا ثم قُبض صلى ال عليه وسلم.
الباب الثاني
في تأميره صلى ال عليه وسلم أسامة بن زيد
قال أهل السّير :دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم أُسامة فقال :سِ ْر إلى موضع مقتل أبيك
فأوطئهم الخيل .فعسكر بالْجُرُف وخرج في عسكره أبو بكر وعمر وسعد وسعيد وأبو عبيدة،
فتكلم قومٌ وقالوا :يستعمل هذا الغلمَ على المهاجرين الولين؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم غضبا شديدا ،فخرج وقد عصب رأسه بعصابة ،فصعد
طعَنْتُم فِي تَ ْأمِيْرِي أُسَامَةَ
المنبر وقال« :أمّا َبعْدَُ ،فمَا َمقَالَةٌ بََلغَتْنِي عَ ْنكُم فِي تَ ْأمِيْرِي أُسَامَةَ ،ولَئِن َ
طعَنْتُم في تَ ْأمِيْرِي أبَاه مِن قَبْلِه ،وأيْمُ ال إنْ كانَ للمَا َرةِ خليقًا ،وإنّ ابْنَه مِن َبعْدِه لخَلِ ْيقٌ
َلقَدْ َ
للمَا َرةِ» .
واشتد برسول ال صلى ال عليه وسلم وجعه.
الباب الثالث
في مجيء الخبر بظهور مسيلمة
قدم على رسول ال صلى ال عليه وسلم وشهد لرسول ال صلى ال عليه وسلم أنه نبي ،وقال:
إني أُشْرِكتُ معه.
فلما رجع إلى بلدِه كتب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم :من مسيلمة رسول ال إلى محمد
رسول ال :سلمٌ عليك ،أما بعد ،فإني أُشر ْكتُ في المر معك ،وإن لنا نصف الرض ولقريش
نصف الرض ،ولكن قريشا قوم يعتدون.
حمّدٍ رَسُولِ ال إلى مُسَيِْلمَةَ الكَذّابِ ،أمّا َبعْدُ فَإنّ
فكتب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم« :مِن ُم َ
ال ْرضَ ضِ يُورِثُها مَنْ يَشَاءُ مِن عِبَادِه» .
الباب الرابع
في ظهور السود العنسي
كان السود يُشَعبذ ،وكان أول خروجه بعد حج رسول ال ،فكاتبته مذحج وواعدوه نجران،
وأخرجوا عمرو بن حزم ،وخالد بن سعيد ،ثم قوي أمره بمرض رسول ال صلى ال عليه وسلم
ودانت له سواحل واتّقَاه المسلمون ،ثم قتله فيروز ،فأخبر رسولُ ال صلى ال عليه وآله وسلم
الناس.
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :بَيْنَا أنَا نَا ِئمٌ أُتِ ْيتُ بَخَزَائِنِ الرْضِ
حيَ إليّ أن
سوَارَينِ مِن ذَ َهبٍ ،فكَبُرَا عََليّ وأ َهمّنِي شَأْ ُن ُهمَا ،فأُو ِ
َف ُوضِ َعتْ فِي َيدِي ،ورَأَ ْيتُ فِي يَ َديّ ِ
حبُ ال َيمَامَةِ» .
ب صَ ْنعَا َء وصَا ِ
ح ُ
خ ُهمَا فَطَارا ،فََأوّلْ ُت ُهمَا الكَذّابَيْنِ الذيْنِ أنَا بَيْ َن ُهمَا :صَا ِ
أ ْنفُ ْ
الباب الخامس
في ظهور طليحة بن خوليد بعد السود ومسيلمة
فادعى النبوة وتبعه .جماعة ،وكتب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم يسأله الموادعة ،ثم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
تناقض أمره ،ثم أسلم وقاتل في نهاوَنْد فقُتل.
أبواب مرضه ووفاته صلى ال عليه وسلم
الباب الول
في أنه سم صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :إن يهوديةً جعلت سمّا في لحم وأتت به رسول ال صلى ال عليه وسلم
سمّا» .
جعََلتْ فِيه ُ
فأكل منه وقال« :إنّها َ
قالوا :يا رسول ال ،أل نقتلها؟
قال« :ل» .
فجعلت أعرف ذلك في َل َهوَات رسول ال صلى ال عليه وسلم.
أخرجاه.
عن أبي هريرة :أن امرأة من اليهود أهدت لرسول ال صلى ال عليه وسلم شاةً مسمومة ،فقال
حمََلكِ عَلَى ما صَ َن ْعتِ؟» .
سمُومَةً» .ثم قال« :ما َ
سكُوا فإنّها مَ ْ
لصحابه« :أمْ ِ
قالت :أردت أن أعلم إن كنت نبيّا فيسطلعك ال على (ذلك) ،وإن كنت كاذبا أريح الناس منك.
عن أبي سلمة قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأكل الهدية ول يقبل الصدقة ،فأهدت له
امرأةٌ من يهود خيبر شاةً َمصْلية ،فتناول منها وتناول ِبشْرُ بن البراء ،فأرسل إليها النبي صلى ال
حمََلكَ عَلَى مَا صَ َن ْعتِ؟» .
عليه وسلم« :مَا َ
حتُ الناس منك.
فقالت :إن كنت نبيّا لم يضرك شيء ،وإن كنت ملكا أَ َر ْ
لكْلَةُ التي أكَ ْلتُ ِبخَيْبَرَ ُتعَادّنيَ ،فهَذا أوَانُ ا ْنقِطَاع أَ ْبهَري» .
فقال في مرضه« :مَا زَالَت ا َ
سمّت شاة َمصْلية ،ثم أهدتها إلى النبي صلى
عن جابر بن عبدال قال :إن يهودية من أهل خيبر َ
ال عليه وسلم ،فأخذ النبي صلى ال عليه وسلم الذراع فأكل منها ،وأكل الرهطُ من أصحابه معه،
ثم قال لهم النبي صلى ال عليه وسلم« :ا ْر َفعُوا أيْدِ ْيكُم» .وأرسل النبي صلى ال عليه وسلم إلى
س َم ْمتِ َهذِه الشّاةَ؟»
اليهودية فدعاها فقال لها« :أ َ
قالت :نعم ،ومَنْ أخبرك؟
قال« :أخْبَرَتْنِي هَذِه» .وفي يده الذراع.
قالت :نعم.
قالَ « :فمَاذا أرَ ْدتِ إلَى ذَلِك؟»
قالت :قلت إن كان نبيّا لم تضره ،وإن لم يكن استرحنا منك.
فعفا عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يعاقبها.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
وتوفي بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم الذين أكلوا من الشاة ،واحتجم النبي صلى ال
عليه وسلم على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة ،حجمه أبو هند مولى بني بَيَاضة بالقَرْن
والشّفرة.
سمّته :زينب بنت الحارث امرأة سلّم بن مِشكم.
قال المصنف :اسمُ هذه المرأة التي َ
قال محمد بن سعد :والثابت عندنا أن النبي صلى ال عليه وسلم قتلها.
الباب الثاني
في تقريب أجله صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :لما نزلت {س 48ش 1إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحا مّبِينا }
(الفتح)1 :
دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم فاطمة فقال« :إنّي قَدْ ُنعِ ْيتُ إلى َنفْسِي» .فبكت فاطمة ،فقال:
«ل تَبْكي فإ ّنكِ أ ّولَ أهْلِي بِي َلحُوقا» .فضحكت.
الباب الثالث
في عرضه القرآن على جبريل قبل وفاته صلى ال عليه وسلم
عن عبدال بن عباس قال« :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في
كل رمضان ،فلما كان في الشهر الذي مات فيه عرضه عليه مرتين».
الباب الرابع
في ابتداء المرض به صلى ال عليه وسلم
ابتدأ به صُداع في أواخر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة.
قال الواقدي :لليلتين َبقَيتا منه .وقال غيره :لليلة .وقيل :بل ُمفْتتح ربيع (الول).
ي فقلت :وارأساه.
قالت عائشة :بداية شكواه وهو في بيت ميمونة ،فخرج في يومه فدخل عل ّ
قالَ « :بلْ أنَا وَارَأْسَاه» .
ثم رجع إلى بيت ميمونة واشتد وجعه ،فاستأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة ،فأذِنّ له ،فخرج
إلى بيتها تخطّ رجله.
عن عائشة قالت :رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم من جنازة من البقيع فوجدني وإذا
أجد صداعا وأقول :وارأساه.
ك وصَلّ ْيتُ عَلَ ْيكِ و َدفَنْ ُتكِ» .
ك وكَفّنْ ُت ِ
قال« :ومَا ضَ ّركِ َلوْ ِمتّ قَبْلِي َفغَسّلْ ُت ِ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
فقلت :لكأني بك وال ،لو فعلت ذلك لرجعتَ إلى بيتي فعرّست فيه بعض نسائك
قالت :فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم بدأ به وجعه الذي مات فيه.
عن عائشة :أن رسولَ ال صلى ال عليه وسلم كان يسأل في مرضه« :أينَ أنا غَدا ،أينَ أنا
غَدا؟» يريد يوم عائشة .فأذنَ له أزواجه أن يكون حيث شاء .فكان في بيت عائشة حتى مات
صلى ال عليه وسلم عندها.
الباب الخامس
في سؤال أبي بكر أن يمرضه صلى ال عليه وسلم
عن ابن سالم قال :جاء أبو بكر إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال ،إئذن لي
فأمّرضك فأكون الذي أقوم عليك.
لجِي إنْ زَا َدتْ ُمصِيْبَتِي عَلَ ْيهِم عُظمًا ،وقَ ْد َوقَعَ
حمّل أ ْزوَاجِي وبَنَاتِي عِ َ
فقال« :يَا أبَا َبكْرٍ ،إنّي لَمْ ُأ َ
أجْ ُركَ عَلَى ال َتعَالَى» .
الباب السادس
في أنه كان يدور على بيوت أزواجه في مرضه صلى ال عليه وسلم
حمَل في ثوبه يطاف به على
عن جعفر بن محمد ،عن أبيه« :أن النبي صلى ال عليه وسلم كان ْي ْ
نسائه وهو مريض يقسم بينهن».
الباب السابع
في ذكر اشتداد الوجع عليه صلى ال عليه وسلم
ج ْدتَ عليه.
قالت عائشة :جعل يشتكي ويتقلّب على فراشه ،فقلت له :لو فعل هذا بعضُنا وَ َ
شدّدُ عَلَ ْيهِم» .
قال« :إنّ ال ُم ْؤمِنِينَ يُ َ
عن عبدال قال :دخلت على النبي صلى ال عليه وسلم وهو يوعَك ،فمسَسْته فقلت :يا رسول ال،
إنك لتوعك وعكا شديدا.
عكَ رجُلَنِ مِ ْنكُم» .
عكُ َكمَا يُو َ
جلْ إنّي أوْ َ
قال« :أ َ
قلت :إن لك أجرين.
سوَاه إلّ حَطّ اللّهُ
قالَ « :نعَمْ ،والذي َنفْسِي بِ َيدِه مَا عَلى الرْضِ مُسِْلمٌ ُيصِيْبُه أذًى مِن مَ َرضٍ َفمَا ِ
عَنه خَطَايَاه مَا َتحُطّ الشّجَ َرةُ وَ َرقَها» .
أخرجاه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة قالت :ما رأيت أحدا أشدّ عليه الوجع من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن أبي سعيد الخدري قال :جئنا النبيّ صلى ال عليه وسلم فإذا عليه صاِلبٌ من الحمّى ،ما تكاد
شدّ بَلَءً مِنَ النْبِيَاءَِ ،كمَا ُيشَدّدُ
حدٌ أ َ
حمّى ،فجعلنا نسبّح ،فقال« :ليْسَ أ َ
يَدُ أحدنا َتقَرّ عليه من شدة ال ُ
عفُ لَنَا الَجْرُ» .
عَلَيْنَا البَلَءُ كذلكَ ُيضَا َ
فإن قيل :ما وجهُ تشديد البلء على الكابر؟
عقِيل :كان له فيهم جواهر ُموَدعة أحبّ أن يُظْهرها ويجعلها حُججا على المتخلّفين عنه،
قال ابنُ َ
صبرا على بلئه ورضًا بقضائه.
عن فاطمة عمة أبي عبيدة قالت :بَيْنا (نحن عند) رسول ال صلى ال عليه وسلم في نساءٍ َنعُوده،
سقَاء َيقْطر عليه من شدة ما يجد من الحمى ،فقلنا :يا رسول ال ،لو دعوتَ ال أن يكشف
فإذا ِ
عنك؟
ل فالمْثَلُ» .
لءً النْبِيَاءُ ثُ ّم المْ َث ُ
شدّ النّاسِ بَ َ
فقال« :إنّ أ َ
عن عائشة أنها قالت :رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء،
سكَرَاتِ ال َموْتِ» .
علَى َ
فيُدْخل يده في القدح ثم يمسح به وجهه ويقول« :اللهُمّ أعِنّي َ
عن عائشة أيضا قالت :رأيتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يموت وعنده قدح فيه ماء،
سكَرَاتِ ال َم ْوتِ» .
فيُدْخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ويقول« :اللهُمّ أعِنّي عَلَى َ
عن عائشة قالت :ل أغبط أحدا ُيهّون عليه الموت بعدَ الذي رأيتُ من شدة موتِ رسول ال صلى
ال عليه وسلم.
عن أنس قال :لما وجد رسولُ ال صلى ال عليه وسلم من كَرْب الموت ما وجد قالت فاطمة:
واكَرْباه ِلكَربك يا أبتاه.
حضَرَ مِن أَبِ ْيكِ مَا لَيْسَ بِتَا ِركٍ مِنه أحَدًا إل َوفّاه َيوْمَ
علَى أب ْيكِ َب ْعدَ ال َيوْمَ ،إنّه قَدْ َ
قال« :ل كَ ْربَ َ
القِيَامَةِ» .
الباب الثامن
في أمره أن يصب عليه الماء لتقوى نفسُه ف َيعْهد إلى الناس صلى ال عليه وسلم
عن عائشة قالت :لمّا َثقُل رسول ال صلى ال عليه وسلم واشتدّ وجعه قال« :هَرِيْقُوا عليّ مِن
عهَدُ إلى النّاسِ» .
سَبْعِ قِ َربٍ لم تُخَْللْ َأ ْوكِيَ ُتهُنّ لعَلّي أ ْ
صبّ عليه حتى جعل يشير إلينا :أن قد فعلتنّ .ثم خرج
فأجلسناهُ في ِمخْضب لحفصة ،ثم ظفقنا َن ُ
إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة قالت :قال النبي صلى ال عليه وسلم في مرضه« :صُبّوا عََليّ سَبْعَ قِ َربٍ مِن سَبْعِ آبارٍ
عهَد إل ْيهِم» .
شَتّى حتّى أخْرُجَ إلى النّاسِ فأ ْ
خضَب لحفصةَ ،فصَببْنا عليه الماء صبّا أو سَنَنّا عليه الماء سَنّا ـ الشك من
قالت :فأقعدناه في ِم ْ
قِبَل ابن إسحاق ـ فوجد راحة فخرج وصعد المنبر ،فحمد ال وأثنى عليه واستغفر للشهداء من
أصحاب أُحد ودعا لهم ،ثم قال« :أمّا َبعْدُ ،فإنّ ال ْنصَارَ عَيْبَتي التي أوَ ْيتُ إلَ ْيهَا ،فأكْ ِرمُوا كَرِ ْي َمهُم،
حدّ ،ألّ إنّ عَبْدا مِن عِبَاد ال قَدْ خُيّرَ بينَ الدّنيا وبَين مَا عِنْدَ ال،
وتَجَاوَزُوا عن مُسِيْ ِئهِم إلّ في َ
فَاخْتَارَ مَا عِ ْندَ ال» .
فبكى أبو بكر وظن أنه يعني نفسه ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم« :عَلَى ِرسِْلكَ يَا أبَا َبكْرٍ،
ضلَ عِ ْندِي غَدًا
ج ِد إلّ بَابَ أبي َبكْرٍ ،فإنّي لَ أعْلَمُ امْ َرءًا أ ْف َ
شوَا ِرعَ إلى ال َمسْ ِ
سُدّوا هذه ال ْبوَابَ ال ّ
في الصّحْبَةِ مِن أبِي َبكْرٍ» .
الباب التاسع
فيما يروى أنه اقتص من نفسه صلى ال عليه وسلم
عن الفضل بن عباس قال :جاءني رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فخرجت إليه فوجدته مُوعكا
قد عصب رأسه ،فقال« :خُذْ بِيَدِي» .فأخذت بيده ،فانطلق حتى جلس على المنبر ثم قال« :نادِ
في النّاسِ» .
فلما اجتمعوا حمد ال وأثنى عليه ثم قال« :أمّا َبعْدُ ،أ ّيهَا النّاسُ ،إنّه َقدْ دَنَا مِنّي خُلُوفٌ مِن بَينِ
خ ْذتُ له مَالً فَهذا مَالِي،
ظهْرِي فلْيَسْ َتقِدْ مِنه ،ومَنْ كُ ْنتُ أ َ
ظهْرا َفهَذا َ
ظهُ ِركُم ،فمَنْ كُ ْنتُ جَلْدتُ لَه َ
أ ْ
ومَنْ كُ ْنتُ شَ َت ْمتُ لَه عِرْضا (فهذا عرضي) فل َيسْ َتقِدْ ،ول َيقُولَنّ أحَدٌ :إنّي أخْشَى الشّحْنَاء مِن
ستْ مِن طَبِ ْيعَتِي ولَ مِن شَأْنِي ،ألَ وإنّ أحَ ّبكُم إليّ مَن أخَذَ شَيْئا
رَسُولِ ال ،ألَ وإنّ الشّحْنَاءَ لَيْ َ
كَانَ لَه أو حَلّلَنِي فََلقِيْتُ اللّهَ وأنَا طَ ّيبَ ال ّنفْس ،وإنّي أرَى أنّ هَذا غَيْرَ ُمغْنِ حتّى أ ُقوْمَ فِ ْيكُم مِرَارا»
.
ثم نزل فصلى الظهر ،ثم جلس على المنبر ،فعاد لمقالته الولى في الشحناء وغيرها فقام رجل
فقال :إذن وال لي عندك ثلثة دراهم.
ضلُ أعْطِه» .
قال« :يَا َف ْ
جلٌُ :فضُوحُ الدّنيا ،فإنّ َفضُوحَ الدّنيا
ثم قال« :أ ّيهَا النّاسُ ،مَن كَانَ عَلَيْه شَيءٌ فَلْ ُيؤَدّه ،ول َيقُولَنّ َر ُ
أ ْهوَنُ مِن ُفضُوحِ الخَ َرةِ» .
فقام رجل فقال :يا رسول ال ،عندي ثلثة دراهم غََللْتها في سبيل ال.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قال« :فَلِمَ غَلَلْتَها؟»
قال :كنت محتاجا إليها.
قال« :خُذْهَا مِنْه يَا َفضْل» .
عن عبدال بن أبي بكر قال :زحمتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم يومَ خيبر وفي رجلي نعلٍ
كثيفة ،فوطئتُ بها على ِرجْل رسول ال صلى ال عليه وسلم فنفَحني نفحةً بسوطٍ في يده وقال:
جعْتَنِي» .
«بِسْمِ ال ،أ ْو َ
ت لنفسي لئما أقول :أوجعتُ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم .فبتّ بليلةٍ كما يعلم ال.
قال :فب ّ
فلما أصبحوا إذا رجل يقول :أين فلن؟
قلت :هذا وال الذي كان مني بالمس .فانطلقتُ وأنا متخوّف ،فقال لي رسول ال صلى ال عليه
حةً شَديْ َدةً بالسّوطِ ،فَهذه
جعْتَنِي فَ َنفَخْ ُتكَ َنفْ َ
س وأوْ َ
ك وَطِئتَ بِ َنعِْلكَ عَلَى رِجْلِي بالمْ ِ
وسلم« :إ ّن َ
َثمَانُونَ رَأسا مِن الغَنَمِ فَخُذْها بِها» .
عن ابن عمر قال :رغّب رسولُ ال صلى ال عليه وسلم في الجهاد ذات يوم ،فاجتمعوا عليه حتى
غ َممْتُونِي»
غمّوه وفي يده جريدة قد نزع سِلها وبقيت سلةٌ لم نرها ،فقال« :أخّرُوا عنّي هَذا َفقَدْ َ
.
فأصاب النبيّ صلى ال عليه وسلم بطنَ رجل فأ ْدمَاه ،فخرج الرجل وهو يقول :هذا ِفعْل نبيّك بي.
فسمعه عمر ،فأتى به رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ،فقال« :أحقّا أَنا أصَبْتُك؟» .
قال :نعم.
قالَ « :فمَا تُرِيْدُ؟» .
قال :أريد أن َأسْتَقيد منك.
فأ ْمكَنه من الجريدة ،فكشف عن بطنه ،فألقى الجريدةَ من يده وقبّل سُرّته وقال :هذا أردتُ كَيْما
يَنْقمع الجبّارون مِن بعدك
عن أبي سعيد الخدري قال :كان رجل من المهاجرين ،وكان ضعيفا وكانت له حاجةٌ إلى رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،فأراد أن َيلْقاه على خَلء فيسأل حاجته ،وكان رسول ال صلى ال عليه
وسلم معسكرا بالبطحاء ،وكان يجيء من الليل فيطوف بالبيت ،حتى إذا كان وجهُ السّحر صلّى به
صلة الغداة.
قال :فحبسه الطوافُ ذات ليلة حتى أصبح ،فلما استوى على راحلته عَرض له الرجل فأخذ بخطام
ناقته ،فقال :يَا رسول ال ،لي إليك حاجة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
خفَقة بالسوط ،ثم مضى فصلّى بهم
قال« :إ ّنكَ سَ ُتدْ ِركُ حَاجَ َتكَ» .فأبى ،فلما خشي أن يحبسه َ
صلة الغداة.
فلما انفتل أقبلَ بوجهه على القوم ،وكان إذا فعل ذلك عرفوا أنه قد حدث أمر ،فاجتمعوا حوله
فقال« :أينَ الذي جَلَ ْدتُ آنِفا؟» فأعادها .إنْ كان في القوم فليقم .قال :فجعل الرجل يقول :أعوذ
بال ثم برسله وجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول« :ادْنُه ،ادْنُه» .حتى دنا منه ،فجلس
رسول ال صلى ال عليه وسلم بين يديه وناوله السوطَ وقال« :خذ ب َمجْلَ ِدكَ فَاقْ َتصّ» .
فقال :أعوذ بال أن أجْلَد نبيّه
ط وقال :قد عفوتُ يا رسول ال.
قال« :إلّ أنْ َت ْعفُو» .قال :فألقى السو َ
فقام إليه أبو ذَر فقال :يا رسول ال ،تَذْكر ليلةَ العقبة ،وقد كنت أسوق بك وأنت نائم ،وكنت إذا
خفْقةً بالسوط وقلتُ :قد أتاك القومُ .وقلتَ:
ضتْ ،فخفَقْتُك َ
سقْتها أبطأتْ ،وإذا أخذتُ بخطامها اعتر َ
ُ
ب إليّ .فجلَده
ع َف ْوتُ» .قال :اقتصّ فإنه أح ّ
ل بأس عليك .خذ يا رسول ال فاقتصّ .قال« :قَدْ َ
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فلقد رأيته يتضوّر من جَلْد رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ثم قال« :يَا أيّها النّاسُ ،ا ّتقُوا اللّهََ ،فوَال ل يَظِْلمُ ُم ْؤمِنٌ ُمؤْمِنا إل انْ َتقَمَ اللّهُ مِنه َيوْمَ القِيَامَةِ» .
جعْرانة وأبو
عن محمد بن عمر قال :بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم يسير من الطائف إلى ال ِ
زُنَيم إلى جنبه على ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،قال أبو زُنَيم :فوقع حرفُ نعلي على
جعْتَنِي أخّرْ ِرجَْلكَ» وقَرع رجلي بالسوط
ساقه فأوجعه ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أوْ َ
فأخّرني ما قدّم وما أخّر ،وخشيت أن ينزل فيّ قرآنٌ لَعظيم ما صنعت.
جعْرانة خرجت أرعى الظّهر ،وما هو يومي ،فرَقا أن يأتي للنبيّ صلى ال عليه
فلما أصبحنا بال ِ
وسلم رسولٌ يطلبني .فلما روّحت الركاب سألت فقالوا :طلبك رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ع َوضًا
جعْ ُتكَ ،فَخُذْ هَذه الغَنَمَ ِ
ط فأوْ َ
جعْتَنِي بِ ِرجِْلكَ َفقَرَعْتُكَ بِالسّو ِ
فجئت وأنا أرتقب فقال« :إنّك أوْ َ
عَن ضَرْبَتِي» .
ب إليّ من الدنيا وما فيها.
قال :فَ ِرضَاه عني كان أح ّ
قال :وبعثه النبي صلى ال عليه وسلم إلى قومه يَسْتنفِرهم لما أراد تبوكا.
الباب العاشر
في مدة مرضه وأمره صلى ال عليه وسلم أبا بكر أن يصلّي بالناس
كانت مدة مرضه إثني عشر يوما .وقيل :أربعة عشر يوما ،وكان يخرج إلى الصلة .إل أنه
صلّ بِالنّاسِ» .
انقطع ثلثة أيام ،وقال« :مُرُوا أبَا َبكْرٍ فَلْ ُي َ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عائشة قالت :لما َثقُل رسول ال صلى ال عليه وسلم جاءه بلل يوءْذنه بالصلة ،فقال:
صلّ بالنّاسِ» .
«مُرُوا أبا َبكْرٍ فلْ ُي َ
قالت :فقلت :يا رسول ال ،إن أبا بكر رجلٌ أَسِيفٌ وإنه متى يقوم مَقامك ل يُسمع الناسَ ،فلو
أمرتَ عمر؟
صلّ بالنّاسِ» .
قال« :مُرُوا أبَا َبكْرٍ فَلْ ُي َ
قالت :فقلت لحفصة :قولي له .فقالت له حفصة :يا رسول ال ،إن أبا بكر رجلٌ أَسِيف ،وإنه متى
يقوم مقامك ل يُسمع الناس ،فلو أمرت عمر؟
صلّ بالنّاسِ» .
سفَ ،مُرُوا أبَا َبكْرٍ فَلْ ُي َ
حبُ يُو ُ
صوَا ِ
ن َ
قال« :إ ّنكُ ّ
وفي البيت رجال منهم عمر بن الخطاب ،فقال عمر :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد اشتدّ
عليه الوجعُ ،وعندكم القرآن ،حَسْبُنا كتابُ ال .فاختلف أهلُ البيت واختصموا ،منهم مَنْ يقول:
يكتب لكم رسول ال صلى ال عليه وسلم.
ومنهم مَنْ قال مثلَ ما قال عمر.
غمّوا رسولَ ال صلى ال عليه وسلم قال :قوموا عني.
فلما أكثَروا اللغط والختلفَ و َ
وكان ابن عباس يقول :إن الرزيّة كلّ الرّزِيّة ما حالَ بينَ رسول ال صلى ال عليه وسلم وبَيْنَ أن
يكتب لهم ذلك الكتاب في اختلفهم ولغطهم.
عن عائشة أنها كانت تقول :مِن ِنعَم ال عليّ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم توفي في بيتي
وفي يومي وبين سَحري ونَحْرَي ،وأن ال جمع بين ريقي وريقه عند موته ،دخل عليّ عبدُ
الرحمن وبيده سواك وإني مُسْندته إلى صدري ،فرأيته ينظر فعرفتُ أنه يحب السواك ،فقلت:
آخذه لك؟ فأشار برأسه :أي نعم .فليّنْته فأحذه فأمرّه ،وبين يديه َركْوة أو علبة يشك عمرو ،فيها
سكَرَاتٌ» ثم
ماء فجعل يُدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ويقول« :لَ اله إلّ اللّهُ ،إنّ لِل َم ْوتِ َ
نَصب يده فجعل يقول« :في ال ّرفِ ْيقِ العْلَى» .حتى قُبض ومالت يده صلى ال عليه وسلم.
عن ابن مسعود قال :نعى لنا نبينا وحبيبنا نفسه قبل موته بشهر ،بأبي هو وأمي ونفسي له الفِداء،
ظكُم
حفِ َ
فلما دنا الفراق جمعنا في بيت أمنا عائشة ،فقال« :مَرْحَبا ِبكُمْ ،حَيّاكُم اللّهَُ ،ر َف َعكُم اللّهَُ ،
اللّهُ ،جَبَ َركُم اللّهُ ،رَ َز َقكَم اللّهَُ ،ن َف َعكُم اللّهُ ،آوَاكُم اللّهُ ،وقَاكُم اللّهُ» .
نل
«أوْصِ ْيكُم بِ َت ْقوَى ال وأُ ْوصِي اللّهَ ِبكُم وأسْتَخِْلفُه عَلَ ْيكُم ،وأُحَذّ ُركُم إنّي َلكُم مِنْه َنذِيرٌ مُبِيْنٌ أ ْ
جعَُلهَا لِلّذِينَ لَ
َتعْلُوا عَلَى ال في عِبَادِه وبِلَدِه ،فإنّه قَالَ لِي وَلكُم{ :س 28ش 83تِ ْلكَ الدّا ُر الّخِ َرةُ َن ْ
يُرِيدُونَ عُُلوّا فِى الّ ْرضِ َولَ فَسَادا وَا ْلعَاقِبَةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ }القصص)83 :
صمُونَ }
وقال{ :س 39ش 31ثُمّ إِ ّن ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ عِندَ رَ ّبكُمْ َتخْ َت ِ
(الزمر)31 :
».
قلنا :يا رسول ال ،متى أجَلُك؟
سدْ َرةِ المُنْ َتهَى وإلى ال ّرفِ ْيقِ العْلَى
ق والمُ ْنقَلَبُ إلى ال وإلى جَنّةِ المَ ْأوَى وإلى ِ
قال« :دنَا الفِرَا ُ
ظ والعَيْشِ الهْنَى» .
حّلوْفَى وال َ
ساَ
والكأ ِ
قلنا :يا رسول ال ،مَنْ يغسلك؟
قالِ « :رجَالُ أ ْهلِ بَيْتِي ،الدْنَى فَالَدْنَى» .
قلنا :يا رسول ال ،فيم نكفّنك؟
قال« :فِي ثِيَابِي هَذه إنْ شِئْتُم ،أو ثِيَابِ مِضرَ ،أوْ فِي حُلّةٍ َيمَنِيّةٍ» .
قلنا :يا رسول ال ،مَنْ يصلّي عليك؟
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ح َمكُم اللّ ُه وَجَزَاكُم عَن نَبِ ّيكُم خَيْرا ،فَإذا أنْتُم غَسَل ُتمُونِي وكفّنْ ُتمُونِي
فبكى وبكينا ،فقالَ « :مهْلً َر ِ
ن أ ّولَ مَنْ
عةً ،فإ ّ
شفِيْرِ قَبْرِي فِي بَيْتِي هَذا ،ثُمّ اخْرُجُوا عَنّي سَا َ
ضعُونِي عَلَى سَرِيْرِي هَذا عَلَى َ
َف َ
ُيصَلّي عََليّ حَبِيْبِي وخَلِيْلِي جِبْرِ ْيلُ ،ثُم مِ ْيكَائِ ْيلُ ،ثُمّ إسْرَافِ ْيلُُ ،ثمّ مََلكُ ال َم ْوتِ فِي جُنُودِ المَلَ ِئكَةِ ،ثم
لةِ
سّلمُوا َتسْلِ ْيمًا ،ول ُتؤْذُونِي بِبَاكِيَ ٍة ول مُرِنّةٍ ،وليَبْدَأ بالصّ َ
ا ْدخُلوا عََليّ َفوْجًا َفوْجًاَ ،فصَلّوا عََليّ و َ
عََليّ رِجَالُ أ ْهلِ بَيْتِي ثُمّ ِنسَاؤُهُمُ ،ثمّ أنْتُم َب ْعدُ ،واقْرَأوا السّلَمَ عَلَي مَنْ غَابَ عَنّي مِن أصْحَابِي
وعَلَى مَنْ يَتْ َبعُنِي عَلَى دِيني إلى َيوْ ِم القِيَامَةِ» .
عن عائشة قالت :ما ترك رسول ال صلى ال عليه وسلم دينارا ،ول درهما ،ول شاةً ،ول بعيرا،
ول أوصى بشيء.
أخرجه مسلم.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب العشرون
في تحذيره أن يتخذ قبره مسجدا صلى ال عليه وسلم
خمِيصةً له
طفِق يَطْرَح َ
عن ابن عباس وعائشة قال :لمّا نزل برسول ال صلى ال عليه وسلم َ
خذَوا
على وجهه ،فإذا اغتَمّ كشفها عن وجهه ،فقال وهو كذلكَ« :لعْنَةُ ال عَلَى ال َيهُودِ وال ّنصَارَى اتّ َ
قُبُورَ أنْبِيَا ِئهِم مَسَاجِدَ» يحذّر مثل ما صنعوا.
قال« :أجِدُنِي يَا جِبْرِ ْيلُ َم ْغمُوما ،وَأجِدُنِي يَا جِبْرِ ْيلُ َمكْرُوبا» .
فلما كان اليوم الثاني هبط جبريل فقال :يا محمد ،إن ال تعالى أرسلني إكراما وتفضيلً لك يسألك
عما هو أعلم به منك يقول :كيف تجدك؟
جدُنِي يَا جِبْرِ ْيلُ َمكْرُوبا» .
جدُنِي يَا جِبْرِ ْيلُ َم ْغمُوما ،وأَ ِ
فقال« :أ ِ
فلما كان في اليوم الثالث نزل جبريلُ وهبط معه ملَك يقال له :إسماعيل يسكن الهواء لم يصعد
إلى السماء قط ،ولم يهبط إلى الرض منذ يوم كانت الرض ،وهو على سبعين ألف ملك ،فسبقهم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
جبريل ،وقال :يا محمد ،إن ال أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلً لك وخاصة لك ،يسألك عما هو
أعلم به منك ،يقول لك :كيف تجدك؟
جدُنِي َمكْرُوبا» .
قال« :أجِدُنِي َم ْغمُوما ،وأَ ِ
ن ملك الموت ،فقال جبريل :يا محمد ،هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على
ثم استأذ َ
آدمي كان قَبلك ،ول يستأذنُ على آدمي بعدك.
قال« :ا ْئذَنْ لَه» .
فدخل ملك الموت فوقف بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال :يا رسول ال ،إن ال
أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمرني ،إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتُها ،وإن
أمرتني أن أتركها تركتها.
حوَيرث :أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يَشْتك شكوى إل سأل ال العافية ،حتى
عن أبي ال ُ
كان في مرضه الذي توفي فيه ،فإنه لم يَ ْدعُ بالشّفاء ،وطفِق يقول« :يَا َنفْسُ مَاَلكِ تَلُوذِينَ ُكلّ
مَلَذٍ» .
عن عائشة قالت :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعوّذ نفسه بهذه الكلمات «أَذْهِب البِأسَ َربّ
سقَما» .
ك لَ ُيغَادِرُ َ
شفَاؤ َ
شفَا َء إلّ ِ
شفِ أ ْنتَ الشّافِي لَ ِ
النّاسِ ،ا ْ
قالت :فلما َثقُل رسول ال صلى ال عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه أخذتُ بيده فجعلت
حقْنِي بِال ّرفِيقِ» فكان هذا آخر ما
غفِرْ لِي وأ ْل ِ
أمسحه بها وأقولها ،فنزع يده مني ثم قالَ « :ربّ ا ْ
سمعتُ من كلمه.
أخرجاه.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
الباب الثالث والعشرون
في صفة خروج روحه الطاهرة صلى ال عليه وسلم
سحْري ونَحْري ،فلما خرجتْ
عن عائشة قالت :قُبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ورأسُه بين َ
نفسُه لم أجد ريحا قط أطيب منها.
عن أبي سلمة :أن عائشة أخبرته أن أبا بكر أقبل على فَرس من مسكنه بالسّنْحِ ،حتى نزل فدخل
المسجدَ ،فلم يكلّم الناسَ حتى دخل على عائشة ف َيمّمَ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم وهو ُمغَشّى
بثوب حِبَرة ،فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبله وبكى ،ثم قال :بأبي أنت وأمي وال ل يجمع
ال عليك موتَتْين ،أمّا الموتة التي كتبت عليك فقد مِتّها.
س فقال:
وحدثني أبو سلمة عن عبدال بن عباس ،أنا أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يكلّم النا َ
اجلس يا عمر .فأبَى عمر أن يجلس ،فأقبلَ الناسُ إليه وتركوا عمر فقال أبو بكر :أمّا بعدُ ،فمن
كان َيعْبد محمدا فإن محمدا قد مات ،ومَنْ كان َيعْبد ال فإنّ ال حيّ ل يموت .قال ال تعالى:
حمّدٌ ِإلّ َرسُولٌ َقدْ
{ وما محمدٌ إل رسولٌ قد خََلتْ من قبله الرّسُل} إلى قوله{س 3ش َ 144ومَا مُ َ
عقِبَيْهِ فَلَن َيضُرّ اللّهَ
عقَابِكُمْ َومَن يَنقَِلبْ عَلَى َ
سلُ أَفإِيْن مّاتَ َأوْ قُ ِتلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَ ْ
خََلتْ مِن قَبْلِهِ الرّ ُ
شَيْئا وَسَ َيجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ }
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
(آل عمران)144 :
قال :وال لكأنّ الناس لم يعلموا أن ال أنزَل هذه الية حتى تلها أبو بكر فتلها الناسُ كلهم ،فلم
أسمع َبشَرا من الناس إل يَتْلوها.
وأخبرني سعيد بن المسيّب أن عمر قال :وال ما هو إل أن سمعتُ أبا بكر تلها فقعَ ْدتُ حتى ما
ُتقَلّني رجلي وحتى أهويت إلى الرض حين سمعته تلها أخبرنا أن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قد مات.
انفرد البخاري بإخراجه.
وأخبرنا أبا محمد الدارميّ قال :فعُقرتُ حتى ما تُقلّني رجلي وحتى أَهْويتُ إلى الرض حين
سمعته تلها.
عن ابن عباس قال :توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين ،فحُبس بقيةَ يومه وليلته
والغد ،حتى دفن ليلة الربعاء ،وقالوا :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم ي ُمتْ ،ولكنه عُرج
بروحه كما عُرج بروح موسى.
فقام عمر فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم َي ُمتْ ،ولكنه عُرج بروحه كما عُرج بروح
موسى ،وال ل يموت رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى يقطّع أيدي أقوام وألسنتهم .فلم يَ َزلْ
شدْقاه مما يوعِد ويقول.
عمر يتكلم حتى أزْبَد ِ
فقام العباس فقال :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد مات ،وإنه لَبَشر وإنه لَيَأسن كما يَأْسن
البشر ،أيْ قوم فادفنوا صاحبكم فإنه أكرمُ على ال من أن يميته إماتتين ،أيميت أحدَكم إماتةً
ويميته إماتتين؟ هو أكرمُ على ال من ذلك ،أيْ قوم فادفنوا صاحبكم ،فإن يك كما تقولون فليس
بعزيز على ال أن يبحث عنه الترابَ ،إن رسول ال صلى ال عليه وسلم ما مات حتى ترك
السبيلَ َنهْجا واضحا وأحلّ الحللَ وحرّم الحرامَ ونكح وطلقّ وحارب وسالم ما كان راعي غنم
ح ْوضَها بيده ،بأ ْنصَب ول أدْأبَ من رسول ال
يَتْبع بها رؤوسَ الجبال َيخْبط عليها العضاة و َيمْدُر َ
صلى ال عليه وسلم كان فيكم ،أي قوم فادفنوا صاحبكم.
قال :وجعلت أمّ أيمن تبكي ،وقالت :ما أبكي على رسول ال صلى ال عليه وسلم أن ل يكون
أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا ،ولكني أبكي على خبر السماء كيف انقطع.
عن أنس قال :قُبض رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الثنين ،فقام عمر فقال :إن رسول ال
صلى ال عليه وسلم لم يمت ،ولكن ربّه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى فمكث عن قومه أربعين
ليلة ،وإني لرجوا أن يعيش رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين
وألسنتَهم يزعمون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد مات.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أنس قال( :لما) دخل رسولُ ال صلى ال عليه وسلم المدينة أضاء منها كلّ شيء ،فلما كان
اليوم الذي مات فيه أظل َم منها كل شيء ،وما َنفَضْنا اليدي من تراب قبر رسول ال صلى ال
عليه وسلم حتى أنكرْنا قلوبَنا
وقد روى محمد بن سعد ،عن محمد بن سهل بن أبي حَثْمة قال :كانت صدقة رسول ال صلى ال
عليه وسلم من أموال بني النّضير (وهي) سبعة :العراف .والدلل ،والمِيثَب ،وبُرقة ،وحُسْنَى،
ومَشْربة أم إبراهيم( ،وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لن أم إبراهيم مارية) كانت تَنْزلها ،وكان
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ذلك المال لسَلّم بن مِشْكم ال ّنضِيري.
وقال عمر بن الخطاب كانت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ثلث صَفَايا ،وكانت بنو النّضير
خمْس قد جَزّأه ثلثة
حبْسا لنوائبه ،وكانت َفدَك لبن السبيل ،وكانت خيبر لمُؤنة أهله ،وكان ال ُ
أجزاء :فجزآن للمسلمين ،وجزء كان ينفق منه على أهله ،فإن َفضَل َفضْلٌ ردّه على فقراء
المهاجرين ،صلى ال عليه وسلم .
عن عائشة قالت :لما أرادوا غسلَ رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا وال ما ندري أنجرّد
رسول ال صلى ال عليه وسلم من ثيابه كما نجرّد َموْتانا أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا،
أرسل ال عليهم السّنَة حتى وال ما من القوم رجل إل وذقنه في صدره نائما .قالت :ثم كلّمهم من
ن هو ،فقال :اغسلوا النبي صلى ال عليه وسلم وعليه ثيابه.
ف ل َيدْرون مَ ْ
ناحية البيت هات ٌ
قالت :فقاموا إليه فغسلوه وعليه قميصهُ ،يفَاض عليه الماء والسّدْر ،ويدلّكه الرجال بالقميص.
وكانت تقول :لو استقبلتُ من أمري ما استدبرتُ ما غسلَ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم إل
نساؤه.
عن جعفر بن محمد قال :كان الماء يَسْتنقع من جفون النبي صلى ال عليه وسلم وكان عليّ
يَحْسوه.
عن ابن عباس قال :جعل عليّ عليه السلم يغسل النبي صلى ال عليه وسلم فلم يَرَ منه شيئا مما
يراه من الميت ،وهو يقول :ما أطْيَبك حيّا وميتا.
عن علي :أنه غسل النبي صلى ال عليه وسلم فعصر بطنه في الوسطى فلم يخرج شيء فقال:
بأبي أنت وأمي ،طيّبا في الموت وطيبا في الحياة.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
ي والفضل،
عن جعفر بن محمد ،عن أبيه ،قال :غسل رسول ال صلى ال عليه وسلم عل ّ
والعباس ،وأسامة بن زيد ،وغُسل ثلثَ غسلت بماء وسِدْر من بئر لسعد بن خيثمة ،كان يشرب
منها.
وفي رواية :ويقال لتلك البئر العرس.
عن الحسن قال :لما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم وجدوا في ثيابه نافِجَة مِسْك فطيّبت بها
ثيابُه.
الباب الثلثون
في ذكر كفنه صلى ال عليه وسلم
عن ابن عباس قال :لما غسلوا رسول ال صلى ال عليه وسلم جفّفوه ثم صُنع به كما ُيصْنَع
بالميت ،ثم أُدْرِج في ثلثة :ثوبين أبيضين ،وبُرْد حِبَرة.
عن ابن عمر قالُ :كفّن رسول ال صلى ال عليه وسلم في ثلثة أثواب :ثوبين سُحُوليّيْن ،وبُرْد
حِبَرة.
عن عائشة قالتُ :كفّن رسول ال صلى ال عليه وسلم في ثلثة أثواب بيض سُحُوليّة ليس فيها
قميص ول عمامة.
عن عبد الرحمن بن سعيد بن يَرْبوع قال :لمّا توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم اختلفوا في
موضع قبره ،قال القائل :بال َبقِيع ،فقد كان ُيكْثر الستغفار لهم ،وقال القائل :عند منبره .وقال
القائل :في مصلّه ،فجاء أبو بكر فقال :إن عندي من هذا خَبرا وعلما ،سمعتُ النبي صلى ال
ي إلّ ُدفِنَ حَ ْيثُ ُت ُوفّيَ» .
عليه وسلم يقول« :مَا قُ ِبضَ نَ ِب ّ
عن عائشة أنها قالت لبي بكر :رأيت في المنام كأنه ثلثة أقمار سقطن في حجرتي .فقال أبو
بكر :خيرٌ .قال يحيى :فسمعت الناس يتحدثون أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لمّا قُبض دفن
في بيتها ،فقال أبو بكر :هذا أحدُ أقمارك.
عن عائشة قالت :لما قُبض النبي صلى ال عليه وسلم اختلفوا في دفنه فقالوا :أين يُدفن رسول ال
صلى ال عليه وسلم؟
فقال علي :إنه ليس في الرض بقعةٌ أكرم على ال من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى ال عليه
وسلم.
عن سعيد بن عبد العزيز قال :لما كان أيام ا ْلحَرّة لم يؤذّن في مسجد رسول ال صلى ال عليه
وسلم ثلثا ولم ُيقَمْ ،ولم يَبرح سعيد بن المسيّب من المسجد ،فكان ل يعرف وقت الصلة إل
ب َهمْهمة يسمعها من قبر رسول ال صلى ال عليه وسلم.
عن أبي المِ ْنقَريّ قال :كنت أنا والطّبَراني ،وأبو الشيخ في حَرَم رسول ال صلى ال عليه وسلم
وكنا على حالة ،فأثّر فينا الجوع ،فواصَلْنا ذلك اليوم ،فلما كان وقت العشاء حضرتُ قبرَ رسول
ال صلى ال عليه وسلم وقلت :يا رسول ال صلى ال عليه وسلم الجوع الجوع وانصرفت.
فقال لي أبو الشيخ :اجلس فإما أن يكون الرزق أو الموت.
قال أبو بكر :فنمت أنا ،وأبو الشيخ ،والطبرانيّ جالسٌ ينظر في شيء .فحضر بالباب عََل ِويّ فدقّ
الباب ،فإذا معه غلمان مع كل واحد منهما زنبيل كبير فيه شيء كثير .فجلسنا وأكلنا ،وظننا أن
الباقي يأخذه الغلم ،فولّى وترك عندنا الباقي ،فلما فرغنا من الطعام قال العلوي :يا قوم ،أشكوتم
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فإني رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم في النوم فأمرني
بحمل شيء إليكم
الباب الربعون
في ذكر ندب فاطمة عليه صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :لمّا َثقُل رسول ال صلى ال عليه وسلم جعل يتغشّاه الكَرْب ،فقالت فاطمة :واكرب
أبتاه .فقال لها« :ليْسَ عَلَى أب ْيكِ كَ ْربٌ َبعْدَ ال َيوْمَ» .فلما مات قالت :يا أبتاه أجاب ربّا دعاه ،يا
أبتاه جنة الفردوس مأواه ،يا أبتاه إلى جبريل أنعاه .ثم لما دُفن قالت فاطمة :يا أنس كيف طابت
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أنفسكم أن َتحْثُوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم الترابَ
عن علي عليه السلم قال :لما مات رسول ال صلى ال عليه وسلم جاءتْ فاطمة عليها السلم،
فأخذت قبضة من تراب القبر ،فوضعته على عينيها ،فبكت وأنشأت تقول:
شمّ تُرْبَة أحمدٍ
ماذا على من َ
غوَالَيَا
أن ل يَشُمّ مدى الزمان َ
ي مصائبٌ لو أنها
صُ ّبتْ عَل ّ
عدْنَ لَيَالِيَا
صُبّت على اليام ُ
عن عطاء قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :إذا أصَا َبتْ أحَ َدكُم مُصيْبَةٌ فلْيَ ْذكُرْ ُمصَابَه
عظَمِ ال َمصَائِبِ» .
ِفيّ ،فإنّها مِن أ ْ
عن عبد الرحمن بن عوف قال :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فتوجه نحو مسجده فدخل
فاستقبل القبلة فخرّ ساجدا ،فأطال السجود حتى ظننا أن ال تعالى قد قبض نفسه فيها ،فدنوت منه
ثم جلس فرفع رأسه فقال :من هذا؟ قلت :عبد الرحمن ،قال :ما شأنك؟ قلت :يا رسول ال صلى
ال عليه وسلم سجدتَ ،فخشيت أن يكون ال قد قبض نفسك فيها .فقال« :إنّ جِبْرِ ْيلَ أتَانِي فَبَشّرَنِي
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
سجَ ْدتُ
سّل ْمتُ عَلَيْه فَ َ
ك صَلّ ْيتُ عَلَيْه ،ومَنْ سَلّمَ عَلَيْك َ
َفقَال :إنّ اللّهَ َتعَالَى يقُولُ َلكَ :مَنْ صَلّى عَلَ ْي َ
شكْرا» .
تِ ُ
عن أبي طلحة النصاري قال :أصبح رسول ال صلى ال عليه وسلم طَ ّيبَ النفس يُرى في وجهه
جلْ ،أتَانِي آتٍ مِن
البشر ،فقالوا :يا رسول ال أصبحت اليوم طيب النفس في وجهك البشر قال« :أ َ
ت ومَحَا عَنْه عَشْرَ سَيّئَاتٍ و َرفَعَ له
لةً كَ َتبَ اللّهُ لَه ِبهَا عَشْرَ حَسَنَا ٍ
ك صَ َ
رَبّي َفقَال :مَن صَلّى عَلَ ْي َ
ت وَرَدّ عَلَيْه مِثَْلهَا» .
عَشْرَ دَرَجَا ٍ
عن أبي طلحة قال :دخل عليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأيتُ من بشره وطَلقته ما لم أره
على مثل تلك الحال .فقلت :يا رسول ال ،ما رأيتك على مثل هذه الحال؟
فقال« :ومَا َيمْ َنعُنِي يَا أبا طَلْحَةَ ،وقَدْ خَرَجَ جِبْرِ ْيلُ مِن عِنْدِي آنِفا فَأتَانِي بِبِشَا َرةٍ مِنْ رَبّي َتعَالَى،
ل َة إل صَلّى اللّهُ عَلَيْه ومَلَ ِئكَتُه عَشْرا» .
ك صَ َ
حدٌ من أمّ ِتكَ ُيصَلّي عَلَ ْي َ
َبعَثَنِي يُ َبشّ ُركَ أنّه لَيْسَ أ َ
ي قال :خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فإذا هو بأبي طلحة ،فقام
عن سهل بن سعد الساعد ّ
فتلقاه ،فقال :بأبي أنت وأمي يا رسول ال ،إني لرى السرور في وجهك.
خَلقَكَ إلى أنْ يَ ْبعَ َثكَ ،ل ُيصَلّي عَلَيْك أحَدٌ إلّ قَال؛ وأ ْنتَ
قال :إنّ اللّهُ َتعَالَى و َكلّ ِبكَ مَلَكا مِن َلدُنْ َ
صَلّى اللّهُ عَلَيْك» .
حبّ
عن أبي بكر الصديق قال :الصلة على النبي صلى ال عليه وسلم أفضل من عِتْق الرّقاب ،و ُ
رسول ال صلى ال عليه وسلم أفضلُ من ضرب السيف في سبيل ال .أو كما قال.
عن أوس بن أوس قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :إن من أفضل أيمانكم يوم الجمعة،
صعْقَة ،فأكثروا من الصلة عََليّ فيه ،فإن صلتكم
فيه خُلق آدم ،وفيه قُبِض ،وفيه النفخة وفيه ال ّ
معروضةٌ عليّ» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
قالوا :يا رسول ال وكيف تعرض صلتنا عليك وقد أ ِرمْت ،أي بليت؟
قال« :إن ال حَرّم على الرض أن تأكل أجساد النبياء» .
الباب الوّل
في أنه أول من تنشق عنه الرض يوم القيامة صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أولُ الناس خروجا إذا بُعثوا» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أبي سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :إن الناس ُيصْععَقون يوم القيامة فأكون
أول من يرفع رأسَه من التراب فأجد موسى عند العرش ل أدري أكان فيمن صُعق أم ل» .
أخرجاه .
عن أبي سعيد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا سي ُد ولد آدم وأول من تنشقّ عنه
الرض ،وأول شافع وأول مشفّع» .
عن عبدال بن سلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أول من تنشق عنه الرض
ول فخر» .
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :أنا أولُ من تنشقّ عنه الرض يوم القيامة
ول فخرَ» .
الباب الثاني
في حشر عيسى بن مريم مع نبينا صلى ال عليه وسلم
عن عبدال بن عمرو قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ينزل عيسى بن مريم إلى
الرض فيتزوج ويولد له ،ويمكث خمسا وأربعين سنة ،ثم يموت فيدفن معي في قبري ،فأقوم أنا
وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر» .
البابُ الثالِث
في كيفية حشره صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أول من تنشقّ عنه الرضُ يوم
القيامة ،فأخرج من قبري وحولي المهاجرين والنصارَ يَنْفضون التراب عن رؤوسهم» .
عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أول من تنشقّ عنه الرض ثم أبو
بكر ثم عمر ،ثم آتي أهلَ البقيع ف ُيحْشرون معي ،ثم أنتظر أهل مكة» .زاد المطرز :فأحشر بين
الحَرمين .
عن َكعْب الحبار قال :ما من فجرٍ يطلع إل نزل سبعون ألفا من الملئكة حتى يحفّوا بالقبر،
َيضْربون بأجنحتهم ويصلّون على النبي صلى ال عليه وسلم حتى إذا أمسَوا عَرجوا وهبط مثلُهم
فصنعوا مثل ذلك ،حتى إذا انشقت الرض خرج في سبعين ألفا من الملئكة يزفّونه صلى ال
عليه وسلم.
عن يوسف بن سيف قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يُحشر الناسُ رجالً وأُحشر راكبا
جمَع الناس نادى بلل بالذان ،فإذا قال:
على البُرَاق وبللٌ بين يديّ على ناقة حمراء ،فإذا بلَغنا َم ْ
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
أشهدُ أن ل إله إل ال وأشهد أن محمدا رسول ال صدّقه الولون والخرون» .
البَابُ الرّابع
في ذكر لوائه صلى ال عليه وسلم
حمْد بيدي» .
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لواءُ ال َ
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :لواء الحمد بيدي ول فخر ،آد ُم ومَن
دونه من النبيين تحت لوائي يوم القيامة ول فخر» .
البَابُ الخامِس
في أنه أكثر النبياء تبعا صلى ال عليه وسلم
عن أنس قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يجيء يوم القيامة ومعه الرجلُ ،ويجيء
ومعه الرجلن وأنا أكثر الناس تبعا يوم القيامة» .
البَابُ السّادس
في ذكر حوضه صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إن قَدْر حوضي ما بين أَ ْيلَة وصنعاء
من اليمن ،وإن فيه من الباريق كعدد نجوم السماء» .
عن عبدال بن عمرو قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :حوضي مسيرةُ شهر ،ماؤه
أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء ،من شرب منه ل يظمأ أبدا» .
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :أنا فَرَطكم على الحوض من وردَ شَرِب ومن شرب لم
يَظْمأ أبدا» .
عن عبدال بن مسعود قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا فَرَطكم على الحوض
حدَثوا بعدك» .
ل دوني فأقول :يا رب أصحابي .فيقال :إنك ل َتدْري ما أَ ْ
وليَخْتَلِجنّ رجا ٌ
عن ابن عمر قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إن أمامكم حوضا ما بين ناحيتيه كما
بين جَرْباء وأَذْرح» .
عن أبي ذر قال :قلت يا رسول ال ما آنية الحوض؟ قال« :والذي نفسي بيده لنيته أكثر من عدد
نجوم السماء وكواكبها في الليلة الظّ ْلمَاء المْصحية ،آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ ،آخر ما
عليهَ ،يشْخب فيه ميزابان من الجنة عرضه مثل طوله ما بين عَمان إلى أَيْلة ،ماؤه أشد بياضا من
اللبن ،وأحلى من العسل» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن حذيفة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إن حوضي لبعد من أيلة إلى عدن ،والذي
نفسي بيده إني لذُود عنه الرجال كما يذود الرجل البلَ الغربية عن حوضه» .
قالوا :يا رسول ال ،وتعرفنا؟
حجّلين» .
قال« :نعم ،تَ ِردُون عليّ غُرّا مُ َ
انفرد بإخراج هذا الحديث والذي قبله مسلم ،واتفقا على ما قبل هذا من الحاديث.
الباب السابع
في ذكر شفاعة النبي صلى ال عليه وسلم
قد سبق في حديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :أنا أول شافع وأول
مُشّفع» .
عن أبي هريرة قال :أُتي النبي صلى ال عليه وسلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه ،فنهس
منها َنهْسةً ثم قال« :أنا سيد الناس يوم القيامة ،وهل تدرون لم ذلك؟ يجمع ال الولين والخرين
في صعيد واحد ُيسْمعهم الداعي وينفذُهم البصر وتدنو الشمسُ فيبلغ الناس من الغم والكرب ما ل
يطيقون ،ول يحتملون ،فيقولون بعض الناس لبعض :أل ترون ما أنتم فيه؟ أل ترون ما قد بلغ
بكم؟ أل تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم عزّ وجلّ؟
فيقول بعض الناس لبعض :أبوكم آدم .فيأتون آدم فيقولون :يا آدم أنت أبو البشر ،خَلَقك ال بيده
ونفخ فيك من روحه وأمرَ الملئكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك عزّ وجلّ ،أل ترى ما نحن فيه،
أل ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم :إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبلَه مثلَه ،ولن يغضب
بعده مثله ،وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته ،نفسي نفسي ،اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحا فيقولون :أنت أول الرسل إلى أهل الرض ،سمّاك عبدا شكُورا ،فاشفع لنا إلى ربنا،
أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا؟ فيقول نوح :إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب
قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ،وإنه قد كانت لي دعوة على قومي ،نفسي نفسي ،اذهبوا إلى
غيري ،اذهبوا إلى إبراهيم.
فيأتون إبراهيم عليه السلم فيقولون :يا إبراهيم أنت نبي ال وخليله من أهل الرض ،اشفع لنا
ربك ،أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم إبراهيم :إن ربي قد غضب اليوم
غضبا لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثله ،وذكر كِذباته ،نفسي نفسي ،اذهبوا إلى غيري،
اذهبوا إلى موسى.
فيأتون موسى فيقولون :يا موسى أنت رسول ال ،اصطفاك ال برسالته وبتكليمه على الناس،
إشفع لنا إلى ربك ،أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا؟ فيقول موسى :إن ربي قد غضب
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
غضَبا لم يغضب قبله مثله ،ولن يغضب بعده مثلَه ،وإني قتلت نفسا لم أُمر بقتلها ،نفسي
اليوم َ
نفسي ،اذهبوا إلى غيري ،إذهبوا إلى عيسى.
فيأتون عيسى فيقولون :يا عيسى أنت رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم ،وروح منه( ،قال هكذا
هو) وكلمت الناسَ في المهد .فاشفع لنا إلى ربك ،أل ترى ما نحن فيه؟ أل ترى ما قد بلغنا؟
فيقول لهم عيسى :إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبلَه مثله ،ولن يغضب بعده مثله،
ولم يذكر ذَنْبا ،اذهبوا إلى غيري ،اذهبوا إلى محمد صلى ال عليه وسلم.
فيأتوني فيقولون :يا محمد أنت رسولُ ال وخاتم النبيين ،غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر،
فاشفع لنا إلى ربك ،أل ترى ما نحن فيه ،أل ترى ما قد بلغنا؟
ي ويُلهمني من محامده وحسن
فأقوم فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عزّ وجلّ ،ثم يفتح ال عل ّ
شفّع.
سلْ ُت ْعطَه ،واشفع تُ َ
الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ،فيقال :يا محمد ارفع رأسك َ
فأقول يا رب أُمتي أمتي ،يا رب أمتي أمتي ،فقال :يا محمد أَدْخل من أمتك من ل حساب عليه
من الباب اليمن من أبواب الجنة ،وهم شركاء الناي فيما سواه من البواب.
ثم قال :والذي نفسي بيده لما بَيْن مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهَجَر ،وكما بين
مكة و ُبصْرَى» .
عن أنس بن مالك عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :يجتمع المؤمنون يوم القيامة فَيُ ْلهَمون
ذلك ،فيقولون :لو استشفعنا ربنا تبارك وتعالى فأراحنا من مكاننا» .قريبا مما في الحديث قبله.
إلى أن قال« :فأقوم فأستأذن على ربي فيُؤذن لي ،فإذا رأيت ربي وقعتُ ساجدا لربي ،فيدَعني ما
شفّع» .
سلْ ُت ْعطَه واشفع ُت َ
شاء ال أن يدعني ثم يقال :يا محمد ارفع رأسك و َ
فأرفع رأسي فأحمده بتحميدٍ يعلّمنيه ثم أشفع فيحدّ لي حدا فأُدخلهم الجنة ،ثم أعود الرابعة فأقول:
يا رب ما بقي إل من ل حبسه القرآن» أي وجب عليه الخلود.
فحدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم قال(« :يُخرج من النار من قال ل إله إل ال
وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة) ثم ُيخْرَج من النار من قال ل إله إل ال ،وكان في قلبه
من الخير ما يزن ذَ ّرةً ،ثم يخرج من النار من قال ل إله إل ال وكان في قلبه من الخير ما يزن
بُ ّرةً» .
عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إن لكل نبي دعوة قد دعا بها ،فاستُجِيب له،
وإني قد اختبأت دعوتي شفاع ًة لمتي يوم القيامة» .
الحاديث الثلثة في الصحيحين.
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أُبيّ بن كعب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إذا كان يوم القيامة كُنت إمام الناس
وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ول فخر» .
عن أنس أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إني لقائم أنتظر أمتي تعبر على الصراط إذا جاءني
عيسى فقال :هذه النبياء قد جاءتك يا محمد يسألون ،أو قال :يجتمعون إليك ويدعون ال أن يفرق
جميعَ المم إلى حيث يشاء ال ،لعِظم ما هم فيه ،فالخلق مُلْجَمون في العرق؛ فأما المؤمن فهو
عليه كالزكيبة؛ وأما الكافر فيغشاه الموت .فقال :انتظر حتى أرجع إليك.
فذهب نبي ال صلى ال عليه وسلم فقام تحت العرش فلقي ما لم َيلْقَ ملَك مصطفًى ول نبي
سلْ ُتعْطه واشفع تشفع.
مرسَل ،فأوحى ال إلى جبريل :أن أذهب إلى محمد فقل له :ارفع رأسك َ
فشفعت في أمتي أن أُخْرج من كل تسعة وتسعين إنسانا واحدا ،فما زلت أردّد إلى ربي عزّ وجلّ
شفّعت ،حتى أعطاني ال من ذلك أن قال :يا محمد أدخل من أمتك من
فل أقوم منه مقاما إل ُ
خَلْف ال من شهد أن ل إله إل ال يوما واحدا مخلصا ومات على ذلك» .
عن عمران بن حصين عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :يخرج من النار قوم بشفاعة محمد
فيسمّون الجهنميين» .
انفرد بإخراجه البخاري.
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :شفاعتي لهل الكبائر من أُمتي» .
عن عبدال بن عمرو قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :خُيّرت بين الشفاعة وبين أن
يَدْخل شَطْر أمتي الجنة ،فاخترت الشفاعة لنها أع ّم وأ ْكفَى ،أفترونها للمؤمنين المتقين؟ ل ولكنها
للمذنبين المتلوثين» .
عن عيدال قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إن لكل نبي دعوة يُعجّلها في الدنيا ،وإني
اختبأت دعوتي شفاع ًة لمتي يوم القيامة للمذنبين المتلطّخين» .
عن أبي سعد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا سي ُد ولد آدم يوم القيامة ول فخر،
وأنا أول شافع يوم القيامة ول فخر» .
عن جابر بن عبدال أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إن لكل نبي دعوة دعا بها في أمته،
وخبأتُ دعوتي شفاع ًة لمتي يوم القيامة» .
أخرجه اليخاري ومسلم. .
عن أبيّ بن كعب قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إن كان يوم القيامة كنت إمام النبيين
وخطيبهم وصاحب شفاعتهم ول فخر» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
البَابُ الثامن
في ذكر المقام المحمود
عن كعب بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :يُبْعث الناس يوم القيامة فأكون أنا
ل ويكسوني ربي حُلةً خضراء ثم يُؤذَن لي فأقول ما شاء ال أن أقول .فذلك المقام
وأمتي على َت ّ
المحمود» .
عن ابن مسعود قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إني لقوم المقام المحمود ،قال :ذاك
حفَاةً عراة غُ ْرلً فأقوم مقاما محمودا .قال :هو المقام المحمود الذي أشفع فيه لمتي»
إذا جيء بكم ُ
.
ب العالمين مقاما لم يقمه
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :يقيمني ر ّ
أحد ،فبكى ،ولن يقيمه أحد بعدي» .
عن ابن عباس في قوله تعالى { :عسى أن يَبْعثك ربك مقاما محمودا} .قالُ :يقْعده على العرش».
فإذا قيل :ما معنى قوله محمودا؟
حمَده هو لرفعته على الخلق.
قلنا :إن قلنا يُقعده على العرش فذلك مقام يَ ْ
عن ابن عباس في قوله تعالى{ :عسى أن يَ ْبعَثَك ربك مقاما محمودا} .
قال :إن لمحمد من ربه مقاما ل يقومه نبيّ مرسل ول ملك مُقَرّب ،يبين ال عزّ وجلّ للخلئق
فضلَه على جميع الولين والخرين.
عن علي بن حسين أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :إن كان يوم القيامة مُدّت الرض َمدّ
الديم حتى ل يكون للنسان إل موضع قدميه» .
قال النبي صلى ال عليه وسلم« :فأكون أولَ من يُدْعى ،وجبريل عن يمين الرحمن ،وال ما رآه
قبلها ،فأقول :ربّ إن هذا أخبرني أنك أرسلت إليّ .فيقول ال تبارك وتعالى :صدق .ثم أشفع
فأقول :يا رب عبادك في أطراف الرض ،فهو المقام المحمود» .
الباب التاسع
في تخليصه صلى ال عليه وسلم المؤمنين على الصراط
عن أبي هريرة قال :يُضرب الصراط على جسر جهنم .قال النبي صلى ال عليه وسلم« :فأكون
أول من يجوزه» .
أخرجاه .
وفي أفراد مسلم من حديث حذيفة وأبي هريرة قال :قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم« :نبيكم
قائم على الصراط يقول :ربّ سلّم سلم» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أنس :سألت النبي صلى ال عليه وسلم أن يَشفع لي يوم القيامة قال :أنا فاعل .قلت فأين
أطلبك يوم القيامة يا نبي ال؟ قال :اطلبني أولَ ما تطلبني على الصراط .قال :قلت :فإن لم أ ْلقَك
على الصراط؟ قال :فأنا عند الميزان .قال :قلت :فإن لم ألقَك عند الميزان؟ قال :فأنا عند
الحوض ،ل أخطىء هذه الثلثة المواطن .
البَابُ العاشر
في ذكر أن نبينا صلى ال عليه وسلم أول من يدخل الجنة
عن ثابت قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :آتي بابَ الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول
الخازن :من أنت؟ فأقول :محمد .فيقول :بك أُمرتُ ل أفتح لحد قبلَك» .
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أول من َيقْرع باب الجنة فيقول
الخازن :من أنت؟ فأقول :محمد .فيقول :أقوم فأفتح لك فلم أقم لحد قبلك ول أقوم لحد بعدك» .
انفرد بإخراجه مسلم .
عن حذيفة قال :قال أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم :إبراهيم خليلُ ال وموسى كلّمه ال
تكليما ،وعيسى كلمة ال وروحه ،فماذا أُعطيتَ؟
قال« :ولدُ آدم كلهم تحت رايتي يوم القيامة وأنا أول من ُتفْتح له أبواب الجنة» .
عن عمر بن الخطاب عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال« :إن الجنة حُرّمت على النبياء
كلهم حتى أدخلها ،وحُرّمت على الممِ حتى تدخلها أمتي» .
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا شافعهم إذا حُبسوا ،وأنا مْبّشرهم
إذا أَبْلَسُوا ،ومفاتيح الجنة بيدي» .
عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :إنما أنا أولُ من يدخل الجنة ول َفخْر»
.
ولقد أعطاني ربي ول فخر وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر ،وأعطاني أن ل تَجُوع أمتي ول
ُتغْلب ،وأعطاني الكوثر ،وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي ،وأعطاني العز والنصب والرعب
ب لي ولمتي الغنيمة،
يسير بين يديْ أمتي شهرا ،وأعطاني أني أول النبياء أدخل الجنة ،وطَ ّي َ
وأحلّ لنا كثيرا مما شدّد على من قَبلنا ،ولم يجعل علينا من حَرج» .
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :من رآني في المنام فقد رآني ،فإن
الشيطان ل يتمثلّ بي» .
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن أبي سعيد أن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :من رآني فقد رأى الحقّ ،فإن الشيطان ل
يتكونّ بي» .
عن أبي مالك الشجعي قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :من رآني في المنام فقد
رآني» .
أبواب بعثه وحشره وما يجري له صلى ال عليه وسلم
الباب الوّل
في أنه أول من تنشق عنه الرض يوم القيامة صلى ال عليه وسلم
عن أنس بن مالك قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أولُ الناس خروجا إذا بُعثوا» .
عن أبي سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال« :إن الناس ُيصْععَقون يوم القيامة فأكون
أول من يرفع رأسَه من التراب فأجد موسى عند العرش ل أدري أكان فيمن صُعق أم ل» .
أخرجاه .
عن أبي سعيد قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا سي ُد ولد آدم وأول من تنشقّ عنه
الرض ،وأول شافع وأول مشفّع» .
عن عبدال بن سلم قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :أنا أول من تنشق عنه الرض
ول فخر» .
عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال« :أنا أولُ من تنشقّ عنه الرض يوم القيامة
ول فخرَ» .
الباب الثاني
في حشر عيسى بن مريم مع نبينا صلى ال عليه وسلم
عن عبدال بن عمرو قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ينزل عيسى بن مريم إلى
الرض فيتزوج ويولد له ،ويمكث خمسا وأربعين سنة ،ثم يموت فيدفن معي في قبري ،فأقوم أنا
وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر» .
الباب الثاني
في حشر عيسى بن مريم مع نبينا صلى ال عليه وسلم
الوفا بتعريف فضائل المصطفى
مكتبة مشكاة السلمية
عن عبدال بن عمرو قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم« :ينزل عيسى بن مريم إلى
الرض فيتزوج ويولد له ،ويمكث خمسا وأربعين سنة ،ثم يموت فيدفن معي في قبري ،فأقوم أنا
وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر» .