You are on page 1of 46

‫قصة غرام‬

‫جْزأين ‪" :‬ما كانش حلم" و‬ ‫من ُ‬ ‫قِ َّ‬


‫صة ِ‬
‫صاف الغرام"‬ ‫"و َّ‬
‫قرأ ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ت لت ُ ْ َ َ ّ َ ْ ْ‬
‫ي‬ ‫رت‬ ‫م‬ ‫كُتِب َ ْ‬
‫صاف الغرام أو إيهاب‬ ‫من تأليف ‪ :‬و َّ‬
‫العشري‬
‫ت منزل ‪:‬‬
‫‪0237800805‬‬
‫ت محمول ‪0123710664 :‬‬

‫وَصّاف ا ْلغَرَام‬

‫هـيـَـه الـغــرام‬ ‫وقلت‬ ‫قالو لي إنت مين ؟‬


‫ساكْنَـة في الَحْـلم‬ ‫وقلت‬ ‫قالو لي ساكن فين ؟‬
‫بـتِـرْسِـم الوهَـام‬ ‫وقلت‬ ‫قالو لي بتعمل إيه ؟‬
‫أوصِفْها بـالْـكَـلم‬ ‫وقلت‬ ‫قالو لي هيّه مين ؟‬

‫والمليكة مش على الرض تلقوهـا‬ ‫مَـلك‬ ‫هيّه‬


‫وأرضه أبعد من إنكم يوم تلمسـوهـا‬ ‫َقمَـر‬ ‫هيّه‬
‫والثواني عمركم ما ها تلحـقـوهـا‬ ‫حظَة‬
‫لَ ْ‬ ‫هيّه‬
‫والمسرحية بتنتهي وبتـصـدّقـوهـا‬ ‫ِكدْبَـة‬ ‫هيّه‬
‫والوهم عمره ما كان حقيقة بتشوفوها‬ ‫خيَـال‬‫َ‬ ‫هيّه‬

‫هيّه لحظة مـن زمـانـي‬ ‫هيّه كلمة في الغـانـي‬


‫هيّه سراب بحر المـانـي‬ ‫هيّه صورة لحد تـانـي‬

‫هيّه جُـزء مـن الـحَـرام‬ ‫هيّه لحـظـة إنـتـقـام‬


‫هيّه لِـعـبـة اليـَـــام‬ ‫هيّه احــســاس اللم‬

‫ما قلتـلـكـم غَـرام‬ ‫وقلت‬ ‫قالو لي هيّه ميـن ؟‬


‫وَصـَـاف الـغَـرام‬ ‫فقلت‬ ‫قالو لي وانت مين ؟‬

‫الجزء الول من ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫قصة غرام‬

‫ما كانش حلم‬


‫‪-1-‬‬
‫هي قصة حب‪ ،‬بدايتها هي نهايتها‪ ،‬ونهايتها هي بدايتها‪ ،‬هي قصة كل‬
‫محب وعاشق‪ ،‬كان هو بطل قصتنا هنا‪ ،‬لكنها قصة انتهت منذ أكثر من سبع‬
‫سنوات‪ ،‬لكنها لم تنتهي بعد من قلبه وعقله‪ ،‬حاول كثيرا أن يلتمس لها العذار‬
‫وأن ينساها‪ ،‬لكنها كانت أقوى من النسيان‪ ،‬أغرق نفسه في العمل‪ ،‬سافر واغترب‪،‬‬
‫وحقق نجاحا من الصعب أن يحققه شاب في مثل سنه‪ ،‬أصبح له من الصدقاء‬
‫الكثير في العديد من دول العالم‪ ،‬لكنها ل تغيب عن تفكيره‪...‬‬
‫‪ -‬البنت دي أكيد كانت عامل لك عمل ‪-‬‬
‫كانت هذه آخر جملة سمعها اليوم من إحدى صديقاته قبل أن يتركها ويأتي‬
‫إلى هنا‪ ...‬كان الوقت ل يزال صباحا قبل انتصاف النهار‪ ،‬ترك سيارته في شارع‬
‫الهرم‪ ،‬كانت الهرامات تبدو من بعيد‪ ،‬أخذ يتجول بدون هدف‪ ،‬يدخل شارع‬
‫ويخرج من آخر‪...‬‬
‫‪ -‬أنا باعمل كل ده ليه؟ ولمين؟ أنا ليه مش سعيد؟!‪-‬‬
‫كان يحدث نفسه وهو يسترجع ذكرياته وحياته وكأنها مرت كشريط‬
‫سينمائي أمامه حالً‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬عملت كل ده عشان أثبت لها إنها خسرت كثير لما خانتني وباعت حبي‪،‬‬
‫كنت باحبها حب لوا توزع على الدنيا بحالها لكانت الناس كلها عاشقة‪ ،‬باعت كل‬
‫ده ليه؟ وسابتني ليه؟ واتجوزت غيري ليه؟ وكانت بتقوللي بحبك ليه؟ وانا صدقتها‬
‫ليه؟ وضيعت من عمري سنين طويلة معاها ليه؟ ودلوقتي‪ ...‬هية فين؟ ويا ترى‬
‫متابعة أخباري ول خلص‪ ،‬مشغولة بعيالها وجوزها ونسيتني‪ .‬الظاهر إني كنت‬
‫في رحلتي دي كنت بانتقم من نفسي مش منها‪-‬‬
‫كانت الفكار وكأنها تفترسه حتى وجد نفسه فجأة أمام كافتيريا كان يجلس‬
‫فيها معها منذ سنين طويلة‪ ،‬لم يعرف كيف أوصلته خطواته إلى هذا المكان رغم‬
‫أنه كان يخشى من مجرد القتراب منه‪ ،‬فهذا المكان شهد اللقاء الول كما شهد‬
‫اللقاء الخير‪ ،‬أحلى أيام العمر وأمر الذكريات‪ ،‬شعر وكأن قوة غامضة ساقته لهذا‬
‫المكان‪...‬‬
‫‪-2-‬‬
‫دخل الكافتيريا‪ ،‬كان المكان صاخب وكثير من الشباب والفتيات في سن‬
‫المراهقة ينتشرون حول الطاولت‪ ،‬وبعض من الفتيات كُنّ يرقصن على صوت‬
‫الموسيقى والغاني الصاخبة والمنبعثة من جهاز تلفاز كبير الحجم‪ ،‬أخذ يتأمل‬
‫المكان الذي تغير كثيرا‬

‫‪ -‬إيه المسخرة دي ! الدنيا اتغيرت قوي‪ ،‬وأكيد هيّه كمان اتغيرت كتير‪-‬‬
‫حدث بها نفسه وهو يتجه إلى نفس المكان الذي كانا يجلسان فيه سويا قبل‬
‫أن يعرف ما خبأته له القدار‬
‫‪ -‬غريبة ! المكان بتاعنا تقريبا ً زي ما هوة –‬
‫‪ -‬تحت أمرك يافندم‪.‬‬
‫قالها الجارسون الذي قطع تأملت الشاب‪..‬‬
‫‪ -‬قهوة مظبوط لو سمحت‪.‬‬
‫‪ -‬حاضر يا فندم‪.‬‬
‫وقبل أن يستدير الجارسون استدرك الشاب قائلً‪:‬‬
‫‪ -‬ول أقولك‪ ،‬هاتلي أثنين مانجة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫كانت تحب المانجة‪ ،‬لم يعرف لماذا طلب اثنين مانجة‪ ،‬كان يشعر وكأن‬
‫روحها معه‪ ،‬أو بمعنى أكثر دقة روحها في المكان الذي يحتفظ بذكرياتها معه‪...‬‬
‫وفجأة‪ ،‬دخلت من الباب‪ ،‬شعر الشاب بأن قلبه يكاد يحترق من نبضاته السريعة‪،‬‬
‫وبأنه في طريقه إلى الشلل‪ ،‬أخذ يدقق النظر إلى الفتاة التي توجهت إلى إحدى‬
‫الطاولت وجلست إلى المقعد الذي يواجهه مباشرة‪ ،‬فاكتشف أنها ليست هي‪.‬‬
‫‪ -‬إيه اللي أنا فيه ده؟ معقولة خيالي صور لي إنها هية؟ وكمان تيجي في‬
‫اللحظة دي بالذات؟ ليه؟ خيالي واسع كده ليه؟ امتى أسيب الوهام‬
‫وانزل للواقع وأنساها وأنسى إنه فيه حاجة اسمها حب ‪-‬‬
‫كان يحدث نفسه وعيناه دامعتان‪ ،‬وأحيانا يبتسم بسخرية على أحواله عندما‬
‫لحظ أن الفتاة التي دخلت الكافتيريا تنظر نحوه‪ ،‬حاول أن يوهم نفسه بأنها ل‬
‫تنظر له وإنما لشيء ما حوله‪ ،‬لكنها كانت تثبت نظرتها عليه لدرجة أربكته‪.‬‬
‫‪ -‬الظاهر افتكرتني مجنون ول ّ حاجة‪ ،‬يا دي الفضايح‪ ،‬أنا أمشي أحسن ‪-‬‬
‫حاول أن ينادي على الجارسون ليطلب الحساب‪ ،‬كان الجارسون عند الفتاة‬
‫التي قامت من مكانها متجهة نحوه‪ ،‬وتصادف ذلك مع خروج شاب وفتاة من‬
‫الكافتيريا‪ ،‬كانت واثقة في خطواتها بينما كان هو يتلفت حوله ربما كانت متجهة‬
‫نحو شخص آخر‪ ،‬لكنها قطعت شكه عندما وقفت أمامه‪..‬‬
‫‪ -‬تسمح لي اقعد معاك؟‬
‫‪ -‬ليـه؟‬
‫قالها باندهاش‪ ،‬لكنه استدرك سريعا‪..‬‬
‫‪ -‬طبعا طبعا ‪ ...‬إتفضلي‪.‬‬
‫‪ -‬بصراحة أنا مراقباك من ساعة ما دخلت هنا‪ ،‬فيك حاجة غامضة‬
‫بتشدنى ليك‪ ،‬وتقدر تقول إني بتشبه عليك‪ ،‬مش عارفة‪ ،‬عايزة أتكلم‬
‫معاك‪ ،‬ممكن؟‬
‫كان شارد الذهن وهو يتأملها‪ ،‬كانت جريئة جذابة وجميلة‪ ،‬شعرها أسود‬
‫طويل مسدل على كتفيها‪ ،‬نظراتها غامضة وعميقة تبدو كأنها تخفي شيء ما أو‬
‫حزن ما‪ ...‬قاطعت أفكاره عندما لحظت شرود ذهنه‪..‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ -‬اللي واخدة عقلك‪ ...‬إل انت مستني حد ؟‬
‫‪-‬ل‬
‫‪ -‬امّال المانجة دي لمين ؟‬
‫‪ -‬الظاهر التاريخ بيعيد نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬قصدك إيه ؟‬
‫سرح بخياله للحظات قبل أن يهمس قائلً‪:‬‬
‫‪ -‬حاسس إني باحلم‪.‬‬
‫‪ -‬يبقى لزم تصحى لن الواقع أوقات كثير بيكون ليه طعم ولون وريحة‬
‫أجمل من الخيال‪.‬‬
‫‪ -‬إيه اللباقة والحلوة دي ! دانتي فيلسوفة ‪...‬‬
‫قالها متصنعا المرح عندما اتجه الجارسون للفتاة قائلً‪:‬‬
‫‪ -‬العصير هنا يا فندم ؟‬
‫‪ -‬لو سمحت‬
‫وضع الجارسون كوبا من المانجة أمام الفتاة تعلقت به عيناه لوهلة من‬
‫الزمن‪ ،‬ثم نظر باستغراب شديد إليها‪ ،‬فوجدها تبتسم ابتسامة رقيقة واثقة زادت من‬
‫حيرته‪...‬‬
‫‪ -‬ممكن أعرف إنتي مين ؟‬
‫‪ -‬ها تعرف في الوقت المناسب‬
‫‪ -‬الوقت المناسب عمره ما بييجي معايا أبدا‬
‫‪ -‬يمكن ييجي معايا أنا‬
‫‪ -‬إنتي ! إنتي مين ؟‬
‫‪ -‬يمكن أكون واحدة إنت بتحلم بيها‬
‫‪ -‬أحلمي عادة بتنتهي بكوابيس‬
‫‪ -‬بإيدك تنهي أي حلم زي مانت عايز‬
‫‪ -‬ده لو كان الحلم في اليقظة‪ ،‬وحتى ده بينتهي بكابوس لما بارجع للواقع‬
‫‪ -‬الواقع برضه من صنع إيدينا‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬يمكن‪.‬‬

‫قالها وكأنه غير مقتنع بها‪ ،‬بينما كان آخر مجموعة من الشباب والفتيات‬
‫تخرج من الكافتيريا‬
‫‪ -‬غريبة‪ ،‬المكان من نص ساعة كان موريستان‪ ،‬ودلوقتي مافيش غيرنا أنا وانتي!‬

‫لحظات من الصمت ارتشف خللها رشفات من المانجة‪ ،‬نظر إلى ساعة يده‬
‫باهتمام‪..‬‬
‫‪ -‬أنا آسف‪ ،‬أنا عندي معاد مهم ولزم استأذن‬
‫‪ -‬المعاد ده ينفع أكون موجودة فيه؟‬
‫‪ -‬إنتي متعودة تاخدي على أي حد بسرعة كدة؟‬
‫‪ -‬إنت مش أي حد ‪ ...‬إل قوللي ‪ ...‬إنت بتشتغل إيه؟‬
‫‪ -‬أي حاجة تجيب فلوس‪ ،‬بيع وشرا وسمسرة وخلفه‪ ،‬عشان اقدر اصرف‬
‫على فني‬
‫‪ -‬فن إيه ؟‬
‫‪ -‬ا صل أ نا فنان‪ ،‬جوا يا مشا عر وأحا سيس وخيال‪ ،‬با حب أك تب أشعار‬
‫وأغا ني وبانشر هم على ح سابي الشخ صي‪ ،‬وكمان با حب التمث يل‪ ،‬يم كن‬
‫عشان كدة بتشبهي علية‪ ،‬إنتي ما شفتنيش في السينما قبل كدة ول إيه ؟‬
‫‪ -‬ما خدش بالي‪ ،‬هوة انت متعود تقعد في سينما معينة ؟‬
‫‪ -‬ل ما باقعدش ! بصراحة ‪ ..‬أنا اللي باِلفّ بالحاجة الساقعة والفشار !‬
‫قالها بطريقة تهكمية‪ ،‬بينما بدا عليها الجدية وهي تكمل‪...‬‬
‫‪ -‬وانا باقول شفتك فين ! شفتك فين ؟‬
‫تحول صوته إلى الجدية وهو يسألها‪:‬‬
‫‪ -‬إنتي بقه بتعملي إيه أو بتشتغلي فين ؟‬
‫‪-3-‬‬
‫‪ -‬أنا من عيلة متواضعة جدا‪ ،‬فقيرة يعني‪ ،‬مايغركش مظهري‪ ،‬أنا برضه‬
‫باشتغل زيك أي حاجة تجيب فلوس‬

‫‪7‬‬
‫كانت تتحدث أثناء سيرهما في نفس الشوارع التي كان يسير فيها الشاب‬
‫قبل دخوله الكافتيريا‪ ،‬وكان الشاب ينصت لها باهتمام شديد‬
‫‪ -‬بس للسف أنا ابتديت شغل من وأنا صغيرة قوي‪ ،‬تصدق كان عندي‬
‫كام سنة لما نزلت عشان أعرف أجيب لقمة العيش؟‬
‫‪ 14 -‬سنـة‬
‫قالها وهو شارد الذهن بصوت ضعيف من الصعب أن يسمعه أحد إل أنها‬
‫سمعته باستغراب‬
‫‪ -‬اشمعنى قلت ‪ 14‬سنة يعني !‬
‫‪ -‬كنت باحب ‍‍واحدة زمان‪ ،‬كانت فقيرة برضه ونزلت تشتغل في السن ده‬
‫‪ -‬أنت شايفني شبهها ؟‬
‫‪ -‬كل شوية باحس إن الشبه بينكم بيزيد‪ ...‬كملي‬
‫‪ -‬اشتغلت بياعة في محلت ملبس ومحلت قطع غيار سيارات وممرضة‬
‫في عيادات وسكرتيرة ومندوبة مبيعات‪ ،‬واشتغلت في الخر‪...‬‬
‫قاطعها قبل أن تكمل دون أن يلحظ الدموع التي بدأت تترقرق في عينيها‬
‫‪ -‬ودراستك ؟‬
‫‪ -‬خلصت دبلوم تجارة‪ ،‬وكنت دخلت الجامعة العمالية بس ماكملتش‬
‫‪ -‬أكيد كانت معاكي‬
‫‪ -‬هيّه برضه !‬
‫قالتها بنفاد صبر عندما رن جرس الموبايل الخاص بها‪ ،‬ارتبكت للحظات‬
‫عندما رأت بيانات المتصل على الجهاز‪ ،‬ردت قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬ايوة حبيبي‪...‬‬
‫ل يا حياتي وانا اقدر برضه على زعلك‪...‬‬
‫ول يهمك‪ ،‬ها عوضها لك‪...‬‬
‫ل‪ ...‬النهاردة ما ينفعش اصل أنا برة القاهرة‪...‬‬
‫هاجي بكرة‪...‬‬
‫خلّص بقه وكلمني بكرة‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫سلم يا عسل‬
‫‪ -‬صديق ولّ حبيب ؟‬
‫‪ -‬حبيب إيه بس‪ ،‬ده واحد مداينني بفلوس ولزم أسكته لغاية لما تفرج‬
‫‪ -‬مداينك بكام ؟‬
‫‪ 300 -‬جنيه‬
‫‪ -‬بس‬
‫‪ -‬مش عارفة أجيبهمله منين؟ ظروفي وحشة قوي اليومين دول‬
‫‪ -‬أنا تحت أمرك‬
‫نظرت له بخجل نظرة تحمل نوعا من المتنان‬
‫‪ -‬مش عايزة أغرمك وانت ملكش ذنب‬
‫‪ -‬اعتقد إننا بقينا أصدقاء وبالتالي ده واجب علية أقف جنبك‬
‫‪ -‬ميرسي حبيبي‬
‫كان يبدو عليها امتنان حقيقي وهي تشكره‪ ،‬ثم لم تلبث أن سألته ‪:‬‬
‫‪ -‬إحنا مشينا كتير‪ ...‬هوة إحنا رايحين فين؟‬
‫‪ -‬خلص وصلنا‪ ...‬العربية أهه‬
‫‪ -‬العربية أهه ؟!! طيب لما انت عندك عربية‪ ،‬راكنها بعيد قوي كده ليه ؟‬
‫‪ -‬أبدا ‪ ...‬كنت قرفان وعايز أتمشى‬
‫قالها وهو يفتح لها باب السيارة الحديثة والفارهة قبل أن ينطلق بها‪.‬‬
‫‪-4-‬‬
‫رغم أن هذا الوقت من العام كان في منتصف موسم الصيف‪ ،‬إل أن الجو‬
‫لم يكن حارا في هذا اليوم‪ ،‬وكانت هناك بعض السحب الخفيفة التي كانت تحجب‬
‫جزءا من أشعة الشمس الدافئة‪ ،‬كان النهار قد انتصف عندما نزل من السيارة وقبل‬
‫أن يغلق الباب سألته الفتاة بتلقائية‪:‬‬
‫‪ -‬أجي معاك ول أستناك في العربية ؟‬

‫‪9‬‬
‫لم تكن قد تحدثت معه طوال الطريق‪ ،‬كان يبدو منشغل بشئ ما وكانت‬
‫تريد أن تكون ضيفة خفيفة عليه قدر المكان‪ ،‬كانت تنتظر منه الجابة وهى‬
‫تتابعه بنظرها وهو يدور حول السيارة ليفتح لها الباب‪:‬‬
‫‪ -‬طلبتي تبقي معايا من الول !‬
‫‪ -‬ولّ فرضت نفسي عليك ؟‬
‫‪ -‬في الحالتين أنا كنت محتاجك‬
‫‪ -‬محتاجني ؟‬
‫قالتها باستغراب ل يخلو من لهفة قبل أن تكمل‪...‬‬
‫‪ -‬كل ما ها تحتاجني هتلقيني جنبك‬
‫كان ينظر في عينيها وكأنه ينظر إلى مال نهاية‪ ،‬وكأنه يحاول أن يقرأ ما‬
‫تخفيه هذه العيون الغامضة‪ ،‬شيء ما غامض يجذبه نحو هذه الفتاة‪ ،‬قد يكون كونها‬
‫تشبه حبيبته القديمة‪ ،‬أو كونها اقتحمت حياته فجأة في مكان كان يشعر فيه بضعف‬
‫واحتياج نفسي شديد‬
‫‪ -‬ممكن اعرف انت جاي هنا ليه ولمين ؟‬
‫أفاق من شروره على صوتها وكأنه تذكر فجأة سبب مجيئه هنا‪:‬‬
‫‪ -‬آه‪ ..‬المكتب اللي في الدور الرضي هناك ده بتاع مطرب كبير كتبتله‬
‫كام أغنيه قبل كدة‪ ،‬عندي معاد معاه دلوقتي عشان شوية حاجات كدة‪،‬‬
‫س ّمعُه كام أغنية مألفها ويهمني رأيك فيهم برضه‬
‫وها َ‬
‫‪ -‬حلوين طبعا‬
‫‪ -‬وعرفتي منين ؟‬
‫‪ -‬الجواب بيبان من عنوانه‪ ،‬وطالما إنت اللي كاتبهم يبقوا أكيد حلوين‬
‫‪ -‬إنتي إيه اللي عاجبك ِفيّه قوي كدة ؟‬
‫‪ -‬أنا عارفاك كويس‬
‫‪ -‬تعرفيني منين يعني وده أول يوم تعارف بيننا‪ ،‬قدرتي تعرفي عني إيه‬
‫يعني ؟‬
‫‪ -‬إنت شايف وقفتنا في الشارع وضع مناسب للكلم ده؟‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬الكلم مالوش مكان‪ ،‬ده زي اللهام اللي بيخطر علي بال الواحد فجأة‬
‫و‪...‬وبعدين ها تتعبيني معاكي ليه‪...‬يلّ بينا‬
‫قالها وهو يمسك يدها ليعبر الشارع فشعر وكأن شرارة كهربائية تولدت‬
‫بينهما‪ ،‬فنظر لها ليجدها تبتسم ويكمل هو حديثه وهما يتجهان نحو مكتب‬
‫المطرب‪...‬‬
‫‪ -‬عموما الكلم معاكي طعمه حلو‪ ،‬أحلى من الخيال‪ ،‬على رأيك الواقع‬
‫أوقات بيكون ليه طعم ولون أحلى من الخيال‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
‫لم ي كن المطرب قد و صل ب عد إلى المك تب‪ ،‬هذا ما عر فه من ال سكرتيرة‬
‫عندما سألها عنه‪ ،‬كان يتلفت حوله في المكتب قبل أن يسألها ثانية‪:‬‬
‫‪ -‬هيّه ليلى مش موجودة ؟‬
‫السكرتيرة ‪ :‬ليلى مين يا فندم ؟‬
‫‪-‬السكرتيرة ؟‬
‫السكرتيرة ‪ :‬أنا السكرتيرة الجديدة يا فندم‪ ،‬عموما تقدروا تستنوا الستاذ في‬
‫المكتب جوّه‪ ،‬وعقبال ما يوصل هاجيبلكم إتنين عصير مانجة إنما‬
‫إيه‪ ...‬حكاية !‬
‫نظر لها باستغراب وهو يتمتم‬
‫‪-‬مانجة ؟ ورايا ورايا في كل حتة !‬
‫نظرت له الفتاة في خبث وهي تسأله‪:‬‬
‫‪-‬المانجة ول حاجة تانية ؟‬
‫‪-‬ول تانية ول تالتة ‪ ،‬إتفضلي‬
‫وبينما كان يتجه لغرفة المطرب وهو يتأمل المكتب وكأنه يراه لول مرة‪،‬‬
‫قال بصوت خفيض‪:‬‬
‫‪-‬المكتـب متغيـر شويـة ‪ ،‬فيـه حاجـة متغيرة يانـا مـش مظبوط‬
‫النهاردة !‬
‫بالر غم من أن صوته كان شد يد الخفوت إل أن ال سكرتيرة سمعته‪ ،‬وأخذت‬
‫توضح له‪:‬‬
‫السكرتيرة ‪ :‬الظاهر حضرتك ماجيتش بقالك فترة ‪ ،‬أنا لما جيت استأذنت الستاذ‬
‫وغيرت شوية في الديكورات ‪ ،‬ذوقي حلو؟‬
‫‪ -‬آه ‪ ...‬عندك حق‪ ،‬أنا ماجيتش من أكتر من شهر‬

‫‪11‬‬
‫ود خل مع الفتاة إلى غر فة المطرب في انتظار و صوله‪ ،‬كان من الوا ضح‬
‫أن الغر فة شديدة الفخامة والجمال‪ ،‬والورد والزهار تنتشر بكثافة غ ير معتادة في‬
‫المكاتب‪ ،‬منها في فازات أو بوكيهات ورد‪ ،‬وبعض منها منثور على المكتب وعلى‬
‫الثاث‬
‫‪ -‬إنت ما تجوزتش ليه لغاية دلوقتي ؟‬
‫فاجأته بالسؤال وهي تجلس على الريكة الوثيرة المواجهة للمقعد الذي‬
‫جلس هو عليه‪...‬‬
‫‪ -‬إنتي شايفاني كبير قوي كدة ؟‬
‫‪ -‬ل ‪ ...‬شايفاك وحيد قوي كدة‪...‬‬
‫‪ -‬وبعدين مين قالك إن أنا مش متجوز ؟‬
‫‪ -‬شكلك بيقول كدة‬
‫‪ -‬وشكلي مش بيقول إني على وش جواز ؟‬
‫تأملته للحظات دون أن يبدو عليها أي تعبير قبل أن تنظر للرض وهي‬
‫تقول‪:‬‬
‫‪ -‬مبروك مقدما‪...‬‬
‫ثم استدركت بعد أن نظرت في عينيه مباشرة‬
‫‪ -‬بتحبها ؟‬
‫‪ -‬ل‪ ..‬حب إيه بس‪ ،‬ده مجرد جواز تقليدي‪ ،‬جواز من أجل الجواز فقط‪،‬‬
‫تقضية واجب يعني‬
‫‪ -‬والحب ؟‬
‫‪ -‬أنا ماحبتش غيرها‬
‫‪ -‬هية مين ؟‬
‫‪ -‬اللي انتي شبهها‬
‫‪ -‬وماتجوزتهاش ليه ؟‬
‫‪ -‬ياه‪ ...‬دي قصة طويلة جدا‪ ،‬لكن أجيبلك من آخرها‪ ...‬السبب الرئيسي‬
‫اللي بعدنا عن بعض‪ ،‬إنها كانت‪...‬‬

‫‪12‬‬
‫قاطعه رنين جرس الموبايل الخاص بها‪ ،‬نظرت باستغراب للرقم الذي‬
‫ظهر على الجهاز قبل أن تستأذنه في الرد على المكالمة‪...‬‬
‫سامي مين ؟ ‪...‬‬ ‫مين ؟ ‪...‬‬ ‫‪ -‬الـو‪...‬‬
‫طيب بص‪ ،‬كلمني بعد ساعة‪ ،‬ول‬ ‫ايوة ايوة افتكرت‪...‬‬
‫ل مشغولة‬ ‫أقولك كلمني بكرة‪ ،‬بس تكون جاهز‪...‬‬
‫دلوقتي‪ ،‬خليك جاهز لغاية بكرة‪ ،‬وعلى فكرة أنا باخد العربون الول‪...‬‬
‫ماشي يا عسل‪...‬‬
‫سلم‬
‫أنهت المكالمة وهي تنظر له بارتباك قبل أن يكمل هو حديثه‪...‬‬
‫‪ -‬إنها كانت‪ ...‬زيك كدة‬
‫‪ -‬قصدك إيه ؟‬
‫‪ -‬كان ليها علقات كثير‪ ،‬وكانت فقيرة ولزم تشتغل وتجيب فلوس عشان‬
‫تصرف على نفسها وتساعد أهلها‪ ،‬وانا كنت باغير عليها قوي‪ ،‬ومين‬
‫في الدنيا يحبها ويقدر ما يغيرش عليها‪ ،‬الحب كله والحنان كله والذكاء‬
‫كله والشقاوة كلها‪ ،‬وأقول إيه‪ ...‬لو ألفت فيها كتب مش هاقدر أقول‬
‫واحد في ال ِميّة من أوصافها‬
‫‪ -‬ياااه ‪ ،‬كل ده !‬
‫‪ -‬المهم إني غرت عليها زيادة عن اللزوم وما كنتش اقدر ساعتها أقعدها‬
‫في بيتها واصرف عليها عشان اطمن عليها لغاية لما الظروف تسمح إننا‬
‫نتجوز‪ ،‬وما كنتش أقدر استحمل علقاتها وخروجها فقطعت علقتي بيها‬
‫‪ -‬هربت يعني‪ ،‬و ِهيّه كانت بتحبك ؟‬
‫‪ -‬طبعـا‪...‬‬
‫‪ -‬كانت بتكدب عليك‪ ،‬أو إنك كنت مجرد واحد من علقاتها وانت اللي‬
‫كبرت الموضوع في دماغك‪ ،‬أو التنين‬
‫‪ -‬ل طبعا‪ ،‬إنتي ماتعرفيش حاجة‪ ،‬عموما الموضوع انتهى من سنين‬
‫طويلة‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬بإيـه ؟‬
‫‪ -‬بعد ما سبتها بسنة اتجوزت وخلفت وخلص‬
‫‪ -‬وتقوللي كانت بتحبك ؟‬
‫‪ -‬صدقيني‪ ،‬كانت بتقوللي إنها ماترضاش لواحد زيي يتجوز واحدة زيها‪،‬‬
‫ياما رخصت نفسها عشان تغلّيني وتكبّرني‪ ،‬ولما سبتها حوالي سنة قبل‬
‫ما تتجوز حاولت كثير إنها ترجعلي‪ ،‬ماكانتش عايزة مني حاجة غير‬
‫إني أكون جنبها‪ ،‬لكن كان قربي منها عذاب وبعدها عني عذاب‪ ،‬وكان‬
‫لزم اختار‬
‫‪ -‬بس الموضوع ما نتهاش‪ ،‬لزم ينتهي النهاردة‬
‫‪ -‬بالسهولة دي؟ إنتي جايبة الثقة دي منين ؟ إنتي مين؟‬
‫‪ -‬تقدر تقول عمل كان معمولك واتقلب في صفك لنه حبك‬
‫‪ -‬مش فاهم‬
‫‪ -‬مش مهم تفهم دلوقتي‬
‫‪ -‬المهم في الموضوع إن ربنا قبل دعوتي ليها وسترها وريح بالي عليها‬
‫‪ -‬المهم في الموضوع إن المطرب ماجاش لغاية دلوقتي‬
‫‪ -‬أغلب الفنانين الكبار كدة ‪ ،‬من كتر ما الناس تعبتهم في البداية ‪ ،‬بقوا‬
‫متعبين في النهاية ‪ ،‬ربع ساعة كمان ‪ ،‬لو ماجاش هانمشي‬
‫‪ -‬طيب قوللي حاجة كدة من اللي بتكتبه وانا أقولك المطرب بتاعك ده‬
‫ماجاش ليه‬
‫‪ -‬ل يا هانم‪ ،‬لست أنا‪ ،‬أنا أشعاري زي الفل‪ ،‬وكدة كدة المطرب ده غنالي‬
‫اغنيتين قبل كدة‬
‫‪ -‬أنا مش متابعة الغاني قوي‪ ،‬وبعدين ماتزعلش أنا بهزر معاك‬
‫‪ -‬بالعكس‪ ،‬أنا مش زعلن‪ ،‬ويهمني أعرف رأيك بصراحة‬
‫تجلس وتعتدل على الريكة ويبدو عليها اهتمام حقيقي وهي تقول‪:‬‬
‫‪ -‬طيب قول وكلي آذان مصغية‬
‫‪ -‬دي أغنية اسمها‪ ...‬المشكلة هية‬

‫‪14‬‬
‫إن انتـي مش هيـَه‬ ‫المشــكلـة هيــَـه‬
‫مش زيهــا هيـَـه‬ ‫إن انـتـي جُـوّايَــا‬
‫مهما تعيشي في كوني‬ ‫إن إنتي مهمـا تكونـي‬
‫مكانها فـي عيونـي‬ ‫متقـدريـش تـاخـدي‬
‫وباحيا جـوّة هواهـا‬ ‫هيّه اللي انـا باهـواها‬
‫هنساكي مش هنساهـا‬ ‫وان كنت يوم راح أنسى‬
‫لو حتـى مش جنبـي‬ ‫هيـَـه حبيبـة قلبــي‬
‫والذنـب مش ذنبــي‬ ‫وانتي مجـرد صـورة‬
‫وغلطـتــي هيـَـه‬ ‫ده ذنبـهـا هيــَـه‬
‫عليـكــي وعليـَـه‬ ‫والحكـم كان قاسـي‬
‫‪ -‬موجودة حتى في أشعارك كمان ‍!‬
‫قالتها وصوتها تبدو فيه نبرة حزن وانفعال لم يلحظهما وهو يجيبها‪:‬‬
‫‪ -‬هية السبب في إني أكتب أشعار أصلً‪ ،‬هيّه بالنسبالي اللهام اللي‬
‫بيحتاجه كل شاعر وفنان‬
‫كانت السكرتيرة قد دخلت لتوها غرفة المكتب‪ ،‬وضعت صينية عليها‬
‫كوبين من عصير المانجة على المكتب وظرف أبيض اللون وما أن انتهي من‬
‫كلمه حتى بادرته بالعتذار‬
‫‪ -‬أنا متأسفة جدا‪ ،‬الستاذ كان اعتذر إنه مش ها يقدر يقابل حضرتك‬
‫النهاردة وساب لحضرتك الظرف ده‪ ،‬أنا متأسفة مرة تانية نسيت أبلغ‬
‫حضرتك أول ما وصلتم‬
‫‪ -‬طيب ليه ما كلمنيش عالموبايل قبل ماجي؟‬
‫‪ -‬هوة حاول يافندم وانا كمان حاولت أطلبك كتير لكن تليفونك ربما يكون‬
‫مغلقا أو خارج نطاق الخدمة‬
‫قالتها بنفس طريقة الرسالة الصوتية بينما كان هو يبحث عن‬
‫الموبايل بين طيات ملبسه وقد بدت عليه علمات القلق والتوتر‪...‬‬
‫‪ -‬معقولة يكون وقع منى ؟ عمرها ماحصلت !‬

‫‪15‬‬
‫كانت الفتاة تراقبه باهتمام وربتت على كتفه وهى تقول بحنان بالغ‬
‫‪ -‬فداك يا حبيبي‬
‫‪ -‬فدايا إيه بس‪ ،‬ده فيه نمر تليفونات مهمة جدا‪ ،‬شغلي كله معتمد‬
‫على التليفون ده‪ ،‬مش عارف لو مالقيتهوش ها عوض كل المتسجل فيه‬
‫إزاى ؟‬
‫‪ -‬يمكن يكون وقع منك واحنا ماشيين في الشارع أو وآنت ماشي لوحدك‬
‫قبل ماتييجى الكافيتريا ؟‬
‫‪ -‬أنا كنت ماشـى مش باجري في ماراثون‪ ،‬ولو كان وقع في الكافيتريا‬
‫كنت سمعت صوت وقعته‬
‫كانت تنظر له باستغراب‪ ،‬ثم ابتسمت في مكر وهى تسأله‪:‬‬
‫‪ -‬معقولة زعلك ده كله على عدة موبايل تقدر تشترى غيرها حالً‪،‬‬
‫وماتقنعنيش إنك ماتقدرش تعوض كل النمر اللي فيه أو أغلبها على‬
‫القل‪ ...‬الموبايل ده كان فيه حاجه تانية أهم من كل ده‪ ،‬مظبوط ولّ أنا‬
‫غلطانة ؟‬
‫لم تكد تكمل حديثها حتى رن جرس الهاتف على مكتب السكرتيرة‬
‫التي كانت ل تزال واقفة معهما‪ ،‬فخرجت لترد على الهاتف‪ ،‬لحظة من الصمت‬
‫مرت قبل أن يقول بصوت ضعيف‪:‬‬
‫‪ -‬ل مش غلطانة‪ ...‬أنا اللي غلط‬
‫‪ -‬كان فيه حاجه تخصها ؟‬
‫ظل صامتا وهو ينظر في عينيها وكأنه يفكر أو يسترجع شيء ما‬
‫في ذاكرته‪ ،‬بينما تابعت حديثها‪:‬‬
‫‪ -‬رسايل منها مثلً ؟ صور أو فيديو أو صوتها ؟ وأكيد ليها نمر‬
‫تليفون عندك‬
‫‪ -‬إيه اللي تعرفيه تاني عنى ؟‬
‫كان يبدو غاضبا وهو يسألها‪ ،‬بينما كانت تبدو هي ل مبالية وهى تجيب‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬ده مجرد استنتاج ‪ ،‬أكيد كلمتك بعد ما اتجوزت أو بعتتلك رسايل في‬
‫مناسبات معينه وده يثبت أنها ماكانتش بتحبك ‪ ،‬عايزاك تفضل منشغل بيها‬
‫وحالك يقف ‪ ،‬وأكيد إنك عمرك ما كلمتها بعد ما اتجوزت لنك بتحبها‬
‫بجد‪ ،‬أنا ممكن أساعدك ‪ ،‬بس انت كمان لزم تساعد نفسك‬
‫‪ -‬بقولك إيه‪ ...‬كفاية كدة‪ ،‬يالّ بينا من هنا‬
‫قالها وهو يستدير متجها لباب الغرفة عندما أشارت إلى الظرف‬
‫الموضوع على الطاولة الصغيرة بجوار المقعد والذي أعطته له السكرتيرة‪:‬‬
‫‪ -‬والظرف بتاعك مش هاتخده ؟‬
‫‪ -‬كـنت ها نسى‪ ،‬شـكرا‬
‫تناول الظرف ووضعه في جيب سترته الداخلي وخرج من المكتب‬
‫بعد أن ودع السكرتيرة‪ ،‬بينما كانت هي تلحقه وكان هو ل يعبأ بها‪ ،‬وعندما‬
‫وصل إلى سيارته وفتح الباب كانت هي بجواره‪...‬‬
‫‪ -‬إنت بتهرب منى وال إيـه ؟‬
‫‪ -‬ل خالص ‪ ...‬اركبي‬
‫أمسكت بيده ونظرت إليه بحنان شديد وهى تقول‪:‬‬
‫‪ -‬أنت بتحبها قوى‪ ،‬أنا حاسة بيك‬
‫دمعت عيناه وهو ينظر لها قبل أن تكمل‪:‬‬
‫‪ -‬يا بختها‪ ،‬خدت كل حاجه حلوه في الدنيا‪ ،‬خدت الحب‪ ،‬خدت‬
‫السرة والستقرار والولد‪...‬‬
‫قاطعها قائلً‪:‬‬
‫‪ -‬وانا خدت بالجـزمة‬
‫نظرت إليه لحظة قبل أن تنفجر ضاحكة‬
‫‪ -‬انتي بتضحكي على إيـه ؟‬
‫قالها باستغراب شديد بينما استمرت هي في الضحك‪ ،‬فلم يتمالك‬
‫نفسه وأنفجر ضاحكا هو الخر‪ ،‬فسألته بصعوبة بالغة‪:‬‬
‫‪ -‬وانت بتضحك على إيـه ؟‬

‫‪17‬‬
‫‪ -‬على خيبتي القويـة‪...‬‬
‫دارت حول السيارة بسعادة وركبت بجواره بينما كان هو أيضا‬
‫يجلس على مقعد السيارة‪ ،‬أغلقا أبواب السيارة في وقت واحد‪ ،‬وما أن أدار السيارة‬
‫حتى تحدثت بطفولة شديدة‪:‬‬
‫‪ -‬نفسي أروح ملهي‪ ،‬عمري ما رحتها‪ ،‬عايزة العب‪ ،‬عايزة الزمن‬
‫يرجع تاني لورا‬
‫‪ -‬معقـولة ؟ !‬
‫‪ -‬مـش مصدق ؟ أنا ماعشتش طفولتي‪ ،‬أنا طول عمري شغل‬
‫وكازينوهات و‪.....‬‬
‫قاطعها باستغراب‬
‫‪ -‬كازينوهات ؟‬
‫‪ -‬قصدي‪ ...‬فلوس يعنى‪،‬‬
‫كانت عيناها دامعتان وهى تكمل حديثها‬
‫‪ -‬أنا ماعشتش حياتي‪ ،‬أنا ماحبتش في حياتي بجد‪ ،‬وباخسر أيام عمري‪،‬‬
‫والمقابل ؟ ‪ ...‬مايسواش‪ ،‬مش باقولك‪ ،‬يا بختها‬
‫‪ -‬كانت ها تبقى زيك‬
‫‪ -‬خلص‪ ،‬حبني وادعيلي زيها ربنا يسترني‬
‫‪ -‬وآخد بالجزمـة تاني‪ ،‬أصل أنا موعود‬
‫‪ -‬إنت إنسان عظيم‬
‫‪ -‬هية شوطه ماشية في البلد‪ ،‬تعالي نروح الملهي‬
‫قالها عندما بدأ يتحرك بالسيارة من أمام مكتب المطرب‪ ،‬كان متجها‬
‫بالفعل إلى إحدى مدن الملهي‬
‫‪-6-‬‬
‫دخل الثنان إلى مدينة الملهي التي لم تكن تبعد كثيرا عن القاهرة‪،‬‬
‫والتي كانت في طريق السكندرية فكانت أقرب ملهي بالنسبة له‪ ،‬كانت الساعة‬
‫تشير إلى الثانية ظهرا‪ ،‬بينما كانت هي تضحك بصوت عالي وتجري وتصرخ‬

‫‪18‬‬
‫وتقفز كالطفال حتى تجمع جمهور من مرتادي الملهي ينظرون لهما‪ ،‬وبينما كان‬
‫يضحك هو الخر مما يراه منها قال لها‪:‬‬
‫‪ -‬اِهدِي شوية‪َ ،‬فرّجْتي الناس علينا‬
‫‪ -‬إيه يعنى ؟ خليهم يتفرجوا‪ ،‬طول عمرهم بيتفرجوا‪ ،‬بلش نكون‬
‫متفرجين زيهم‪ ،‬خلينا نكون أبطال ولو مره واحدة في عمرنا‪ ،‬خلينا نسيب‬
‫كراسي المتفرجين وننزل المسرح تحت الضواء‬
‫‪ -‬خايف لتحرقك الضواء‬
‫نظرت له بحب‪ ،‬ثم لم تلبث أن أمسكت يده وأخذا يركضان في اتجاه‬
‫إحدى اللعاب‪ ،‬كانت تصرفاتهما وحركاتهما تشبه الطفال وكان يبدو عليهما‬
‫استمتاع حقيقي‪ ،‬حتى إنه بعد فترة من اللعب شعرا بالجهاد‪ ،‬فجلسا على إحدى‬
‫الرائك المنتشرة في مدينة الملهي‪ ،‬كانت ملمح وجهها تنطق بالسعادة عندما‬
‫قالت‪:‬‬
‫‪ -‬عمري ما ضحكت من قلبي وفرحت في حياتي زى النهاردة‬
‫‪ -‬يارب تكون حياتك كلها سعادة وفرح‬
‫‪ -‬يارب تكون حياتك أنت اللي كلها سعادة‪ ،‬ومش مهم أنا‬
‫‪ -‬ده حب ده ول إيـه ؟‬
‫‪ -‬معرفش‪ ،‬لكن صدقني إنت جواك جمال ما يشفهوش غير اللي‬
‫يقرب منك و‪....‬‬
‫قاطعها وقد بدت عليه علمات التوتر‬
‫‪ -‬كفاية‪ ....‬الكلم ده بيعذبني‬
‫‪ -‬كانت بتقولك زيـه ؟‬
‫‪ -‬وأكثر منه بكـتير‬
‫‪ -‬عايزة أقولك حاجة‪ ...‬بس ماتزعلش منى‬
‫‪ -‬مـش هازعل منك‪ ،‬قولي اللي إنتي عايزاه‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬أنت عندك نقطة ضعف قوية جدا‪ ،‬فيه ناس ممكن يشوفوها عندك‬
‫ويستغلوها‪ ،‬وناس ممكن ما يشوفوهاش‪ ،‬بس المشكلة الحقيقية إنك مش‬
‫شايفها ول حاسس بيها كمان‬
‫‪ -‬أصل أنا ماعنديش إحساس‪ ،‬وبعدين عندي ضعف نظر‪...‬‬
‫قالها بسخرية قبل أن يكمل بنفاذ صبر‪:‬‬
‫‪ -‬ممكن تقولي اللي عندك من غير مقدمات ؟‬
‫‪ -‬انت عندك حاجة اسمها حب الفتقاد إلى الحب‪ ،‬فراغ عاطفي مهول‪،‬‬
‫وعندك استعداد تحب أي واحدة تمل لك الفراغ ده ولو بالكلم‪ ،‬إياك‬
‫تحبني‪ ،‬إياك تتعلق بأوهام‬
‫‪ -‬ما تخافيش عليّة‪ ،‬خلص أتطعمت ضد الحب من زمان قوى‬
‫‪ -‬التطعيم مش ها يجيب نتيجة‬
‫‪ -‬وليـه؟‬
‫‪ -‬لن الحب هو المرض الوحيد اللي مالوش تطعيم‪ ،‬لنه مش مرض‬
‫معدي أصلً‬
‫كانت نظرات الستنكار تعلو وجهه وهو يستعد للدفاع عن وجهة‬
‫نظرة‬
‫‪ -‬مـش معدي إزاى ؟ القلوب بتحس ببعضها‪ ،‬ما سمعتيش عن التخاطر ؟‬
‫ومعروف إن الكلم اللي بيخرج من القلب بيدخل القلب‪ ،‬مش كده ول‬
‫إيـه؟‬
‫‪ -‬وأوقات كتير ما بيدخلش‪ ،‬ما سمعتش عن الحب من طرف واحد ؟ عمره‬
‫عدى الطرف التاني؟‬
‫‪ -‬عايزة توصلي ليـه ؟‬
‫‪-‬للنهايــة‬
‫‪ -‬نهاية ؟ نهاية إيـه ؟‬
‫‪ -‬انت نجحت في حاجات كتير‪ ،‬بس النجاح مش مجرد إنجاز‪ ،‬النجاح‬
‫الحقيقي هو انك تبقى سعيد بالنجاز اللي تعمله‪ ،‬وتبقى عايز تبنى عليه مش‬

‫‪20‬‬
‫تكتفي باللي عملته وتزهق وتبتدي في حاجه تانية ومجال تاني‪ ،‬تقدر تقوللي‬
‫انت بتشتغل إيه بالضبط ؟ وها تكمل في إيه ؟ الفن بالنسبالك هواية ولّ‬
‫جرّ ْد تنفيس عن ضغوط جواك ؟ انت شاعر ول ممثل ول‬
‫احتراف ولّ مُ َ‬
‫مؤلف ول إيه بالضبط ؟ أنا عارفه كويس إنها قلبت حالك وكيانك ومن‬
‫بعدها ما بَقاش ليك هدف محدد تسعى له‪ ،‬أنا عارفه إنك حبيتها بجد‪ ،‬لكن‬
‫لزم تعرف إن ليك دور كبير في اللي انت فيه ده‪ ،‬انت اللي اديت فرصة‬
‫لخيال وحاجات كثير أقوى منك إنها تتحكم فيك‪...‬‬
‫‪ -‬وانتي مالك بكل ده‪ ،‬ودخلك إيه ودورك إيه ؟‬
‫كان يبدو عصبيا وهو يصرخ بهذه الكلمات وعيناه دامعتان فتكمل‬
‫بعد أن يهدأ صوتها‪...‬‬
‫‪ -‬أنا كما كان ليه دور‪ ،‬بـس خلص دوري انتهى‪ ،‬أنا اللي نهيته وكان‬
‫لزم ينتهي من زمان قـوى‪ ،‬صدقني‪ ...‬ماتستاهلكش‬
‫‪ -‬إنت قصدك إيه بكل ده‪ ،‬دور إيه وانت علقتك إيه بالضبط ؟‬
‫كان يبدو عليه التعب وهو يتحدث غاضبا بهذه الكلمات قبل أن يكمل‬
‫بصوت مرتفع‪:‬‬
‫‪ -‬أنا خلص‪ ...‬تعبت‪ ،‬قولي اللي عندك وريحيني‬
‫‪ -‬أنا آسفة‪ ،‬كلمي كان فيه حاجات خاصة بحياتي ودخل الكلم في‬
‫بعضه‪ ...‬صدقني‪ ،‬أنا آسفة بجد‬
‫أمسـك رأسه بيديه وكان يبدو عليه إرهاق شديد‪ ،‬كان يشعر‬
‫بصداع ودوخه عندما نظرت له بلهفة شديدة قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬استنى‪ ...‬ما تمشيش دلوقتي‬
‫‪-7-‬‬
‫كانت السيارة تبدو وكأنها مركب في عرض البحر‪ ،‬فلم يكن هناك‬
‫في الطريق سواها‪ ،‬وكان النهار ل يزال قبل الزوال‪ ،‬كان يقود السيارة في طريق‬
‫السكندرية الصحراوي بعد أن غادرا مدينة الملهي‪ ،‬نظر في ساعة يده‪ ،‬كانت‬
‫الساعة تشير إلى الخامسة مساءً عندما قال لها‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬مـش عارف إيه اللي طلع السفرية دي في دماغك دلوقتي ؟‬
‫‪ -‬مكان بحبه قوى‪ ،‬رومانسي وجميل‪ ،‬عالم تاني‪ ،‬ده مكاني‬
‫الحقيقي‪ ،‬عايزة أقعد معاك هناك‬
‫‪ -‬مـش عارف إيه اللي مخليني أمشى وراكي‬
‫‪ -‬أنا عارفه‬
‫‪ -‬قولي يامّ العُرّيف‬
‫‪ -‬انت ضيعت فرص كتير‪ ،‬وال َمرّة دي مش عايز تضيع الفرصَة‪ ،‬ممكن‬
‫تكون الفرصة الخيرة‬
‫‪ -‬الفرصة الخيرة ليه ؟‬
‫‪ -‬لنك تنساها‪ ،‬وتبتدي بداية جديدة‪ ،‬وتحط لنفسك هدف صح يناسب‬
‫قدراتك ومواهبك‪ ،‬صدقني الوقت لسه ما فاتش‪ ،‬الفرصة لو جت لباب بيتك‬
‫لزم تقوم وتمشى وتفتح لها الباب‬
‫‪ -‬بـس أنا تعبان‪ ،‬وحاليا عندي صداع و خايف ما قدرش أكمل الطريق‬
‫‪ -‬ما تخفش‪ ،‬ها ت َكمّل الطريق وها ترتاح قريب‬
‫‪ -‬إنتي ليه كلمك غامض وكله ألغاز ؟ تصدقي إن أنا كل ده معرفش‬
‫حتى اسمك !‬
‫‪ -‬تقدر تختار لي السم اللي يعجبك‬
‫لم يعقب على حديثها‪ ،‬كان يفكر بعمق في هذه الزائرة الغامضة وكلمها‬
‫بينما كانت هي تختلس النظر له من حين لخر‪َ .‬مرّت أكثر من ساعة‬
‫والصمت وصوت الكاسيت بالسيارة هما المتحدثان الساسيان داخل السيارة‬
‫المسافرة‪ ،‬وعندما بدأت الشمس في الغروب قطعت هي حبل الصمت‪...‬‬
‫‪ -‬خلص‪ ...‬قربنا نوصل‬
‫‪ -‬أخيرا‪...‬‬
‫‪ -‬مستعجل قوى للدرجادى ؟‬
‫‪ -‬صدقيني‪ ...‬تعبان و خايف من تعبي عليكي‪ ،‬أنا اللي سايق‬
‫‪ -‬بيتهيألك‬

‫‪22‬‬
‫‪ -‬وبعدين معاكي ؟‬
‫‪ -‬ول قبلين‪ ،‬جَـه الوقت اللي لزم أكون صريحة معاك فيه‬
‫‪ -‬على قد ما بحب الصراحة على قد ما بخاف منها‪ ،‬صراحتها خسرتنا‬
‫بعض‬
‫‪ -‬أحيانا الصراحة بتكون حب‪ ،‬وأحيانا بتكون عدم اهتمام واستهتار‬
‫بمشاعر الخرين‬
‫‪ -‬انتي مين فيهم ؟‬
‫‪ -‬أنــا الحـب‪.....‬‬
‫كانت تتحدث بحنان شديد وكأنها تخشى عليه من شيء ما‪ ،‬بينما كان رده‬
‫عليها فيه نبره تهكمية ساخرة وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬هية دي بقة الصراحة ؟ !‬
‫ظلت صامته للحظات تتأمله وهو يقود السيارة قبل أن تسأله‪:‬‬
‫‪ -‬انت عارف أنا باشتغل إيـه ؟‬
‫‪ -‬إنت قولتيلي إنك اشتغلتي حاجات كتير‬
‫‪ -‬وحاليا‪ ...‬بنـت ليل‪ ،‬بائعة هوى يعنى‬
‫‪ -‬بتبيعي نفسـك ؟ خسارة‪ ،‬وبتجيلك الجرأة تساومي على الثمن ؟‬
‫قالها بصوت حزين يؤكد الحزن الذي ظهر على ملمح وجهه‪...‬‬
‫‪ -‬حتى لو السعادة بتتباع‪ ،‬هتلقي ناس بيساوموا على الثمن‬
‫‪ -‬كملي‪ ...‬كملي الصراحة‬
‫‪ -‬أنا لما اتعرفت عليك في الكافتيريا كنت عايزة أعلق زبون‪ ،‬ما كنتش‬
‫عايزة أحبك‬
‫‪ -‬إنتي كدابة‪ ،‬إنتي بتقوليلي الكلم ده ليه ؟‬
‫كان يصرخ بهذه الكلمات وكأنه يفيق من حلم جميل وينتقل إلي كابوس‬
‫مرعب بينما استمرت هي في الكلم‪...‬‬
‫‪ -‬أنا لما قلتلك أنى مديونة بتلتميت جنيه كنت كدابة وعايزة منّك فلوس‬
‫وبس‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬مانتي ما خدتيش حاجة‬
‫‪ -‬والمكان اللي رايحينه ده‪ ،‬عندي معاد هناك‪ ،‬آخر معاد‪ ،‬كنت واخداك‬
‫مجرد تاكسي ببلش‬
‫‪ -‬قرفتيني من نفسي‪ ،‬منظري وانا سايق العربية زبالة‬
‫‪ -‬ماتزعلش منى‪ ،‬كان لزم تعرف‬
‫‪ -‬وأديني عرفت‪ ،‬إيه المطلوب منى ؟ أنزلك هنا في نص الطريق وال‬
‫أوصلك ؟‬
‫‪ -‬مانت وصلتها قبل كده‬
‫‪ -‬وصلتها لجوزهـا‬
‫كان يصرخ بهستيريا وصوته جريح بينما أكملت هي ببرود ل يتناسب مع‬
‫الموقف‪...‬‬
‫‪ -‬كنت تاكسي ببلش برضـه‬
‫‪ -‬كدابة ‪ ،‬هيّه ماكانتش بتضحك عليّة ‪...‬‬
‫‪ -‬أنا اللي مابتضحكش عليك‪ ،‬أنا صريحة معاك‪ ،‬أنا اديتك مشاعر‬
‫ماديتهاش لحد في عمري‬
‫‪ -‬وعايزة إيه دلوقتي ؟ إيصال استلم ؟‬
‫‪ -‬عايزاك تفوق من الوهم اللي انت فيـه‬
‫‪ -‬بوهم تاني ؟ وانتي يهمك في إيه أمري أصلً ؟‬
‫‪ -‬أنا‪ ...‬بحبـك‬
‫نظر لها باستغراب‪ ،‬لكنه لم يتكلم‬
‫‪-8-‬‬
‫وصل الثنان إلى المكان الذي تقصده الفتاة‪ ،‬كان المكان ساحر الجمال‪،‬‬
‫عبارة عن حديقة غنّاء تطل على قناة عريضة متفرعة من نهر النيل‪ ،‬الكثير من‬
‫الزهار والورود بكافة النواع واللوان منتشرة في الحديقة خاصة حول جذع‬
‫شجرة عريضة مكسـور وملقى على الرض‪ ،‬كانت الشمس على وشك المغيب‬
‫عندما وقفت السيارة بالقرب من الجذع المكسور‪ ،‬خرجت هي من السيارة واتجهت‬

‫‪24‬‬
‫نحو جذع الشجرة لتجلس علية بينما ظل هو في السيارة للحظات قبل أن ينزل‬
‫متباطئا ويتجه نحوها ليجلس على الرض وهو يقول بسخرية‪:‬‬
‫‪ -‬بتحبينـي !‬
‫‪ -‬قـوى‬
‫‪ -‬في يوم واحد بـس ؟‬
‫‪ -‬من قبل كده بكتير‬
‫‪ -‬كلكم كدابين‪ ،‬كلكم منافقين‬
‫‪ -‬شفني زى مانت عايز‪ ،‬ما يهمنيش‪ ،‬كفاية عليه أنى بحبك وبس‬
‫‪ -‬حـب ؟ حب إيه اللي جايّه تتكلمي فيه ؟ بأمارة إيه ؟‬
‫‪ -‬بأمارة أنى لو كنت عايزة أكدب عليك لغاية لما أخليك تحبني كنت كملت‬
‫معاك‬
‫‪ -‬ومين قالك إني مـش‪...‬‬
‫سـكت سريعا قبل أن يكمل وكأنه كان سيرتكب خطأ ما‪ ،‬فتحدثت هي‪:‬‬
‫حبّي ليك وبـس‪ ،‬ما‬
‫‪ -‬إياك تصدق إنك حبتـني‪ ،‬انت ممكن تكون حبيت ُ‬
‫ينفعش تحبني‬
‫‪ -‬ليه؟ لنك كل يوم مع واحد؟ كل يوم كدبه جديدة ؟ كل يوم خيانة ونصب‬
‫وضحية جديدة ؟‬
‫‪ -‬ما تحكمش على الناس بالمظاهر‪ ،‬ول حتى بالكلم اللي بيقولوه عن‬
‫نفسهم‪ ،‬احكم على الناس بإحساسك وبخبرتك وبذكائك‪ ،‬خدعك مظهرها زى‬
‫ما خدعك مظهري‪ ،‬خدعك كلمي زى مخدعك كلمها‪ ،‬بـس الفرق بيني‬
‫وبينها اني مش عايزة أتحول لوهم في خيالك زيها‪ ،‬ول عايزة احرق سنين‬
‫تاني من عمرك‪ ،‬عايزاك تكون ناجح وسعيد‪ ،‬عايزاك تنساني‬
‫‪ -‬أنساكي ؟ ‪ ...‬وصلنا للنهاية خلص ؟‬
‫‪ -‬أنا اللي وصلت للنهاية‪ ،‬لكن أنت لسه الطريق قدامك طويل‪ ،‬ويادوب‬
‫تبتدي عشان تلحق توصل‬
‫‪ -‬طيب مـش محتاجه تاكسي ببلش برضه يروّحِك بعد المعاد بتاعك ؟‬

‫‪25‬‬
‫كان يتحدث والدموع تترقرق في عينيه‪ ،‬بينما ل يبدو عليها أي‬
‫حزن أو تأثر وكأنها قالب من الثلج في فصل الشتاء‪ ،‬ل يذوب‬
‫‪ -‬ومين قالك أن أنا ما َروّحتش‪ ،‬أنا مش قلتلك أن ده مكاني الحقيقي‪ ،‬أنت‬
‫خلص َروّحتني‪ ،‬وفاضل أنا كمان أطمّن عليك لغاية لما ت َروّح بالسلمة‬
‫‪ -‬وهتطمّني إزاي وتعرفي إني روحت بالسلمة ؟‬
‫قامت بقطف وردة حمراء كانت بين قدميها بجوار جذع الشجرة ثم أخرجت‬
‫من جيبها منديل أبيض اللون عقدته على الوردة قبل أن تقبلها وتعطيها له‬
‫‪ -‬خللي دي معاك‪ ،‬وانا هابقى م ّ‬
‫طمِنة عليك‬
‫‪ -‬إيه دي؟‬
‫‪ -‬حاجة‪ ...‬ممكن تؤذي وممكن تحمي‪ ،‬بس هيّة معاك عشان تحميك‬
‫‪ -‬الحامي هـو ال‬
‫‪ -‬وربنا يسبب السباب‬
‫وضع الوردة في جيب سترته الداخلي وهو يقول‪:‬‬
‫‪ -‬طيب‪ ...‬مـش عايزة مني حاجة قبل ما مشـي ؟‬
‫‪ -‬باتمنالك حياة سعيدة‪ ،‬يالّ بقـى‪ ،‬الدنيا بقت ليل خلص‬
‫رغم أنه كان دامع العينين إلّ أنها كانت ل تزال تتحدث ببرود شديد‬
‫‪ -‬مستعجلة قوى أنى أمشى ؟‬
‫‪ -‬مانت كنت مستعجل قوى أنك توصل‬
‫‪ -‬ما كنتش أعرف إنها النهاية‬
‫‪ -‬ومين قالك إن دي النهاية ؟ دي البداية ‪ ...‬صدقني‬
‫‪ -‬طيب‪ ،‬أمشى أزاي واسيبك هنا لوحدك؟ أنا مـش شايف حد في‬
‫المنطقة دي خالص‬
‫‪ -‬ما تخافش عليّه‪ ،‬دي منطقتي وده مكاني وأنا أدرى بيـه‬
‫‪ -‬قلبي كان حاسس إن الحلم ده ها صحى منه زي كل مرة‬
‫‪ -‬صدقني‪ ،‬ده ما كانش حلم‬

‫‪26‬‬
‫‪ -‬عموما‪ ...‬واضح إن الرحلة انتهت‪ ،‬ربنـا يحميكي‪ ،‬خللي بالِك من‬
‫نفسـك‬
‫كانت تبتسم له قبل أن يستدير متجها لسيارته ويلقى عليها نظرة وداع‬
‫دا ِمعَة‪ ،‬ركب السيارة وما إن انطلق بها عائدا من نفـس الطريق حتى انفجرت‬
‫هي باكية وهى تتمتم قائلة‪:‬‬
‫‪ -‬كان لزم أعمل كدة‪ ،‬كان لزم أعمل كدة‪ ،‬مع السلمة يا حبيبي ‪ ...‬يا‬
‫إنسان‬
‫‪-9-‬‬
‫كان يقود السيارة وهو يشعر بتعب شديد وإجهاد لم يشعر بمثله من قبل فهو‬
‫لم ينم جيدا بالمس‪ ،‬ولم يتناول منذ الصباح سوى عصير المانجة في الكافيتريا‪،‬‬
‫كان يفكر في كل ما حدث في هذا اليوم الغريب‪ ،‬في هذه الفتاة التي اقتحمت حياته‬
‫فجأة بل أيّة مقدمات‪ ،‬وابتعدت فجأة أيضا بدون سبب وجيه ومقنع من وجهة‬
‫نظرة‪،‬‬
‫" إنت عندك حاجة اسمها حـب الفتقاد إلى الحب‪ ،‬وعندك استعداد تحب‬
‫أي واحده تمل لك الفراغ ده ولو بالكلم "‬
‫" الفرصة لو جت لباب بيتك لزم تقوم وتمشى وتفتح لها الباب "‬
‫" الصراحة أوقات بتكون حب وأحيانا بتكون عدم مبالة واستهتار بمشاعر‬
‫الخرين "‬
‫" حتى لو السعادة بتتباع‪ ،‬ها تلقي ناس بيساوموا على الثمن "‬
‫" ما تحكمش على الناس بالمظاهر‪ ،‬ول بالكلم اللي بيقولوه عن نفسهم‪،‬‬
‫احكم على الناس بإحساسك وخبرتك وذكائك "‬
‫كان يحاول تفسير كلماتها الغامضة والمليئة بالنصائح والحكم بينما كان‬
‫يغالب النعاس أيضا‪ ،‬ظل عقله الباطن يفكر في كل ما حدث لكن عقله الواعي لم‬
‫يستطع الصمود أكثر من ذلك حتى سقط رأسه على مقود السيارة بينما كانت يده‬
‫تمسك بالوردة الحمراء والمنديل المنعقد حولها‪.‬‬
‫‪-10-‬‬

‫‪27‬‬
‫شـق السكون صوت رنين موبايل‪ ،‬نفس صوت رنين الموبايل الخاص‬
‫بها‪ ،‬استيقظ سريعا وهو يرفع رأسه من بين ذراعيه ليجد نفسه في نفس الكافيتريا‬
‫التي كان فيها في الصباح‪ ،‬شعر باندهاش شديد وذهول‪ ،‬تلفت حوله فلم يجد أحد‪،‬‬
‫حتى الطاولة التي كانت تجلس عليها عندما دخلت الكافيتريا كانت خالية‪ ،‬ثلثة‬
‫أكواب من عصير المانجة على طاولته شبة فارغة‪ ،‬كان الموبايل ل يزال يرِنّ‪ ،‬لم‬
‫تكن هذه هي ال َرنّة الخاصة بتليفونه‪ ،‬لكنها كانت نغمة موبايلها هي‪ ،‬كان المتصل‬
‫هو المطرب‪...‬‬
‫‪-‬الو‪...‬‬
‫أنا فين إزاي يعني ! أنا جيت لك المكتب في المعاد وما لقيتكش‪...‬‬
‫مش ممكن !‪...‬‬
‫والظرف اللي سيبتهولي مع السكرتيرة الجديدة ؟‪...‬‬
‫يعني إيه ما سيبتليش ظرف ول فيه سكرتيرة جديدة ؟‪...‬‬
‫حضرتك وال أنا ل بهزر ول شارب حاجة‪...‬‬
‫طيب اسمح لي أنا ها كلّمك بعد شوية‪ ...‬مع السلمة‬
‫أنهى المكالمة ونظر إلى الموبايل باستغراب شديد‪ ،‬حاول البحث عن أشياء‬
‫خاصة مسجله داخل الجهاز‪...‬‬
‫‪ -‬كل حاجه خاصة بيها اتمسحت‪ ،‬راحت‪ ،‬اشمعنى هيه بس‪ ،‬معقول ؟‬
‫كان يحدث نفسه بينما تذكر فجأة أن الظرف الذي أخذه من سكرتيرة‬
‫المطرب كان قد وضعه في جيب سترته الداخلي‪ ،‬وضع يده في جيبه فوجد‬
‫الظرف‪ ،‬كانت يده ترتعش وهو يخرجه من جيبه‪ ،‬فتحه بسرعة وأخرج ما في‬
‫الظرف‪ ،‬كانت وردة خشبية عليها بعض النقوش الغريبة ومربوط عليها منديل‬
‫ابيض عليه بقعة جافة من الدم‪...‬‬
‫ـ ده ‪...‬‬
‫ده ما كانش حلم ! ‪...‬‬
‫قام متجها نحو باب الخروج من الكافتيريا‪ ،‬في نفس هذه اللحظة كانت‬
‫هناك أسرة تدخل من الباب‪ ،‬امرأة ورجل وثلثة أطفال‪ ،‬توقف الجميع للحظة‪،‬‬
‫كان جسده يرتجف وهو ينظر لها‪ ،‬نظر إلى الرجل‪ ،‬نظر إلى الطفال الثلثة‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫دمعت عيناه وهو يلقـى عليها النظرة الخيرة قبل أن يستمر في طريقه خارجا‬
‫من الكافتيريا‪ ،‬وتكمل هي وزوجها وأطفالهما الدخول‪...‬‬
‫‪ -‬كانت هِيّه ‪ ...‬كانت غرام ‪-‬‬

‫الجزء الثاني من ‪:‬‬

‫قصة غرام‬

‫و َّ‬
‫صاف الغرام‬
‫‪29‬‬
‫‪-1-‬‬
‫"ما كانش حلم" بالفعل لم يكن حلما ذلك الذي عاشه هذا الشاب العاشق‪ ،‬كان‬
‫يوما غريبا وحافلً‪ ،‬تكاد تنطبق عليه أغنية العندليب السمر عبد الحليم حافظ‬
‫والتي شدا فيها بهذه الكلمات "يوم من عمري هوة اليوم اللي اتهنيت فيه واللي‬
‫بكيت منه وعليه"‪ ،‬من هي تلك الفتاة الغريبة التي ظهرت في حياته فجأة في‬
‫كافتيريا الذكريات‪ ،‬لتختفي فجأة أيضا كما ظهرت في نفس الكافتيريا ولكن بعد أن‬
‫تترك آثارا مادية تثبت له أنه لم يكن في حلم من الحلم التي كانت تراوده عادة‬
‫لتهون عليه قسوة الواقع الذي يعيشه‪ ،‬عذاب الحب وانتقام الغرام‪...‬‬
‫لم تكن نهاية القصة عندما التقى الشاب بحبيبته القديمة أثناء مغادرته‬
‫الكافتيريا لحظة دخولها هي وزوجها وأبنائهم الثلثة‪ ،‬كانت أول مرة يراها منذ‬
‫آخر لقاء مضى عليه أكثر من سبع سنوات‪ ،‬كان المفترض أن تنتهي القصة عند‬
‫هذا الحد ليبدأ هو حياته من جديد‪ ،‬غير أنها صرخت عليه بلهفة‪:‬‬
‫‪ -‬وصّاف ‪ ...‬استنى‍!‬
‫كان وصّاف على وشك أن يعبر الشارع عندما سمع هذا الصوت الذي‬
‫طالما أحبه‪ ،‬التفت إليها ليجدها تركض نحوه‪ ،‬كان زائغ العينين مرهقا‪ ،‬وبالرغم‬
‫من دهشته إل أنه صرخ فيها بغضب لم تعهده فيه طيلة علقتهما القديمة‪:‬‬
‫‪ -‬ابعدي عني يا غرام !‬
‫قالها وهو يركض نحو سيارته محاولً البتعاد عنها‪ ،‬ولم تكد تقترب منه‬
‫حتى سمع صوت غليظ مرعب لسيارة نقل ضخمة مسرعة‪ ،‬لم يكد يلمحها وهي‬
‫تتجه نحو غرام وعلى وشك الصطدام بها حتى استدار عائدا وهو يصرخ برعب‪:‬‬
‫‪ -‬ابعدي‪...‬‬

‫‪30‬‬
‫وفي نفس اللحظة التي دفعها بيديه‪ ،‬كانت السيارة الضخمة ترتطم بجسده‬
‫النحيل ملقية به لعدة أمتار‪ ،‬ليسقط بعيدا مضرجا في دمائه‪ ،‬بينما اختلت عجلة‬
‫القيادة في يد السائق لتصعد السيارة فوق رصيف الشارع وتنقلب محدثة دويّـا‬
‫هائلً‪ ،‬لكنه شعر بأن صوتها أعلى من هذا الدويّ الهائل وهي تقترب منه‪:‬‬
‫‪ -‬وصّاف حبيبي !‬
‫كان على وشك أن يفقد وعيه وهو يتمتم بصعوبة بالغة‪:‬‬
‫‪ -‬ليه يا غرام ؟ قتلتيني مرتين‪ ،‬قلبي اللي مات زمان فدى قلبك‪،‬‬
‫و النهاردة باموت فداكي‪...‬‬
‫حاولت أن تحتضن هذا الجسد الممزق بحنان بالغ بينما كانت تبكي وهي‬
‫تقول‪:‬‬
‫‪ -‬مش هاسيبك تموت يا حبيبي‪ ،‬ماعنديش استعداد أخسرك تاني‪ ،‬انت‬
‫ها تعيش‪ ...‬علشاني‪.‬‬
‫كان الناس قد بدأوا في التجمهر وكأنهم كانوا في النتظار‪ ،‬أصوات‬
‫استغاثة‪ ،‬وصوت سيارة إسعاف لم يكن من المعتاد وصولها لمواقع الحوادث بهذه‬
‫السرعة‪ ،‬كان زوج غرام بجوار البناء الذين كانوا ينظرون بدهشة وخوف لهذا‬
‫المشهد الذي لم يستغرق من الزمن إل ثواني معدودة‪ ...‬هذا آخر ما رآه وصّاف‬
‫قبل أن يفقد وعيه تماما وهو بين يديها وسط بركة حمراء من الدم‪ ...‬دمه‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫‪ -‬حالته حرجة جدا‪ ،‬احتاج نقل كمية كبيرة من الدم وبذلنا مجهود خرافي‬
‫علشان نقدر نوفره خاصة إن فصيلة دمه نادرة‪ ،‬وعنده كسور مضاعفة متعددة‬
‫وارتجاج في المخ وتهشم للفقرات العنقية‪ ،‬واحنا لسّة في مرحلة التقييم علشان‬
‫نعرف حجم الضرر علي العصاب وهل حدث تلف نهائي ول جزئي‪ ،‬إحنا في‬
‫سباق مع الزمن يافندم‪.‬‬
‫كان الضابط يستمع باهتمام لهذا الطبيب وهو يشرح حالة وصّاف‪ ،‬وكان‬
‫من الواضح أنه في حالة ل تسمح بالحديث‪ ،‬لذا سأل الضابط الطبيب عن حالة‬
‫سائق سيارة النقل وهل تسمح بالستجواب أم ل !!‬

‫‪31‬‬
‫‪-‬تقدر تستجوبه يافندم‪ ،‬هوة في كامل وعيه وإصاباته كلها كسور‬
‫بسيطة وكدمات‪.‬‬
‫اتجه الطبيب ومعه الضابط نحو غرفة السائق والذي كان مستلقيـا فـوق‬
‫السرير وعليه بعض الجبائر والربطة‪...‬‬
‫الضابط ‪ :‬سلمتك يا عم حسن‪.‬‬
‫حسـن ‪ :‬ال يسلمك يا بيه‪.‬‬
‫الضابط ‪ :‬ممكن تحكيلي اللي حصل بالضبط‪.‬‬
‫حسـن ‪ :‬أنا كنت ماشي يا بيه بالعربية في شارع الهرم ‪ ،‬بالسرعة‬
‫القانونية وال يا سعادة البيه ‪ ،‬والظاهر إن النور كان مقطوع في‬
‫المنطقة اللي حصل فيها اللي حصل لن الشارع كان ضلمة ‪،‬‬
‫وفجأة لقيت واحد بيجري قدامي ‪ ،‬حاولت أتفاداه لقيت واحدة تانية‬
‫قدامي ‪ ،‬كلكست بالعربية وحاولت أضرب فرامل مالقيتهاش ‪،‬‬
‫هربت الفرامل مني يا باشا وحصل اللي حصل‪.‬‬
‫الضابط ‪ :‬انت بتاخد أدوية معينة يا عم حسن؟‬
‫حسـن ‪ :‬ل يا بيه ‪ ،‬ده حتى السوجارة ما بشربهاش‪.‬‬
‫الضابط ‪ :‬عموما احنا ما لقيناش عندك أي آثار للمخدرات ول الكحول يا‬
‫عم حسن ‪ ،‬وتقرير الخبراء بيأكد إن الفرامل اتعطلت فجأة ‪ ،‬وده‬
‫بيأكد كلمك‪.‬‬
‫حسـن ‪ :‬الفرامل كانت سليمة وال يا بيه ‪ ،‬أنا جاي بالعربية من إسكندرية‬
‫ووقفتها ياما طول الطريق ‪ ،‬مش عارف إيه اللي حصلها‬
‫ساعتها ‪ ،‬زي ما يكون لبسها عفريت ‪ ،‬قدر يا بيه‪.‬‬
‫الضابط ‪ :‬عموما إحنا بنحاول نعرف سبب تعطل الفرامل‪ ،‬وهنتقابل تاني‪،‬‬
‫بس لما تخف وتقوم بالسلمة‪.‬‬
‫حسـن ‪ :‬أنا تحت أمرك يا باشا‪.‬‬
‫غادر الضابط الغرفة وهو يفكر في غرابة المر‪ ،‬تقرير الخبراء يقول أن‬
‫الفرامل تعطلت بفعل فاعل‪ ،‬والسيارة كانت سليمة طوال الطريق‪ ،‬وكانت الفرامل‬

‫‪32‬‬
‫تعمل‪ ،‬إذن تعطلت الفرامل لحظة وقوع الحادث بفعل فاعل ! وهذا غير منطقي‪،‬‬
‫فما الذي حدث ؟ ‪ ،‬ظل الضابط يفكر وهو يغادر المستشفى متجها لمكتبه وهو‬
‫ينوي الطلع على التقرير مرة أخرى‪ ،‬ولم يعلم لماذا طرأ في ذهنه ذلك المسلسل‬
‫الشهير الغامض "اكس فايلز" !!‪...‬‬
‫‪-3-‬‬
‫كانت هناك حركة غير معتادة في المستشفى‪ ،‬كثير من أصدقاء وصّاف‬
‫وأقاربه‪ ،‬بل وكثير من معجبيه الذين تأثروا بأشعاره التي كان ينشرها دائما والتي‬
‫تغنّي بها بعض المطربين‪ ،‬بل أيضا كان هناك معجبين بأدواره التمثيلية – رغم‬
‫قلتها – لنه كان صادقا في أدائه لدرجة أدخلته قلب كل من شاهده‪ ،‬كان الجميع‬
‫يدخلون إحدى قاعات المستشفى والتي تبدو وكأنها جهزت لمؤتمر ما‪ ،‬الكراسي‬
‫مصفوفة في مواجهة منصة منصوبة في القاعة وعليها ثلث كراسي‪ ،‬كان والده‬
‫الدامع العينين يجلس في أول صف بجوار والدته التي كانت تبكي بحرقة وهي‬
‫تتحدث‪:‬‬
‫‪-‬يعني إيه يعني ؟ ها ن َموّت ابننا بإيدينا ؟‬
‫الب ‪ :‬الدكاترة بيقولوا إنه مات ‪ ،‬والجهزة اللي عليه دي مالهاش لزمة ‪،‬‬
‫والمصاريف عالية قوي ‪ ،‬وادي احنا بقالنا شهر وهوة زي ما هوة‬
‫ومافيش فايدة ‪ ،‬وحدي ال ‪ ،‬الحي أبقى من الميت ‪ ،‬يعني لو صرفنا‬
‫كل اللي معانا الحال مش ها يتغير وها نوصل لنفس النتيجة ‪ ،‬يبقى‬
‫نسيب قرشين لخواته أحسن ‪.‬‬
‫الم ‪ :‬يا عيني عليك يا بني ‪ ،‬مالحقش يتهنى بشبابه ‪ ،‬كنت عايزة أفرح بيه‬
‫ويخش دنيا يقوم يخرج منها ؟ كده يا حبيبي‪ ،‬ليه يا وصّاف‪...‬‬
‫الب ‪ :‬إرادة ربنا ‪ ،‬ربنا يصبرنا‪.‬‬
‫في هذه اللحظات كان مجموعة من الدكاترة يدخلون إلى القاعة ويأخذون‬
‫أماكنهم علي المنصة‪ ،‬بينما أخذ الجميع في النتباه وكان الحزن هو العامل‬
‫المشترك بين الجميع‪ ،‬حيث كانت الدموع في أعين الكثير من الحضور‪ ،‬ولم تكد‬
‫القاعة تغلق حتى بدأ أكبر الطباء سنا في الحديث‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ ،‬السادة الحضور‪ ...‬باسم المستشفى‬
‫وزملئي الطباء وكافة الطقم العاملة بالمستشفى بارحب بيكم‬
‫جميعا‪ ،‬وفي بداية هذا اللقاء أحب أشرح حالة وصّاف قبل ما‬
‫نتخذ قرار عادة ما يتخذ في مثل هذه الحالت‪ ،‬الفنان وصّاف‬
‫وصل المستشفى بعد إصابته في الحادث اللي كلنا عارفينه‪،‬‬
‫الحالة كانت حرجة جدا ومعقدة‪ ،‬فقد كميات كبيرة من الدم اللي‬
‫تم تعويضه‪ ،‬ارتجاج في المخ وكسور مضاعفة قمنا بوضع‬
‫برنامج علج لها على أعلي مستوى‪ ،‬حاولنا أن نحجم من التلف‬
‫العصبي المصاحب للكسور في الفقرات العنقية‪ ،‬ورغم التحسن‬
‫العضوي الذي بدأنا نلحظه علي الحالة‪ ،‬إل أن وصّاف ظل في‬
‫حالة غيبوبة عميقة منذ وصوله نتيجة لتأثر المراكز العصبية في‬
‫الدماغ‪ ،‬ومن عشر أيام تدهورت جميع أجهزة وأعضاء وصّاف‬
‫لمستوى أصبحت فيه الحالة ميؤس منها بجميع المقاييس الطبية‪،‬‬
‫وأصبح معتمدا اعتمادا كليا على الجهزة الطبية‪ ،‬والحالة دي‬
‫بتسّمى طبيا موت إكلينيكي‪ ،‬وهي حالة ممكن تستمر لفترات‬
‫طويلة جدا‪ ،‬لذلك عادة ما ُيتّخذ القرار في مثل هذه الحالت‬
‫بفصل الجهزة‪ ،‬ولو كان المل كبير في نجاة مثل هذه الحالة لما‬
‫ادخرنا أي جهد‪ ،‬لذا نضع الصورة كاملة أمامكم قبل أن نبدأ في‬
‫فصل أجهزة العاشة‪ ،‬واحنا تحت أمركم للجابة على أي‬
‫استفسار أو سؤال‪...‬‬
‫لحظات من الصمت كان يتخللها نحيب والدته قبل أن يقف أحد الحضور‬
‫ليسأل‪:‬‬
‫‪-‬هوة مافيش حد مات موت إكلينيكي وخف يا دكتور؟‬
‫الدكتور ‪ :‬فيه حالت نادرة جدا ما نقدرش نعتبرها قاعدة ونقيس عليها‪ ،‬وما‬
‫تكررتش إل مرات ما تزيدش عن صوابع اليد الواحدة في تاريخ‬
‫الطب‪ ،‬وكانت أقرب للمعجزات‪ ،‬فيه أسئلة تاني ؟‬

‫‪34‬‬
‫كان الجميع صامتا للحظات قبل أن يستدرك الطبيب قائلً‪:‬‬
‫‪ -‬ها يتم فصل الجهزة بعد المؤتمر واتخاذ كافة الجراءات اللزمة و‪...‬‬
‫قاطعه فتح باب القاعة لتدخل غرام ‪ ،‬كانت تبدو واثقة من نفسها ول يبدو‬
‫عليها الحزن ‪ ،‬تحدثت غرام بصوت مرتفع‪:‬‬
‫‪ -‬لو سمحت يا دكتور ‪ ،‬ممكن أعرف قلبه عايش ول ميت ؟‬
‫كان جميع الحضور ينظرون إليها باستغراب‪ ،‬كما نظر الدكتور إلي زملئه‬
‫الطباء علي المنصة ليتحدث أحدهم‪...‬‬
‫دكتور ‪ : 2‬ما نقدرش نقول عايش ول ميت ‪ ،‬لكن اللي نقدر نقوله إنه لزال‬
‫يعمل بمساعدة خارجية ‪ ،‬كذلك الدماغ !! ‪...‬‬
‫غرام ‪ :‬أنا مستعدة أتحمل تكاليف وجوده في المستشفى طول ما قلبه عايش‪،‬‬
‫حتى لو كان ده احتمال واحد في الِميّة ‪ ،‬مستحيل نكون سبب في‬
‫موت قلب النسان ده‪.‬‬
‫دكتور ‪ : 3‬احتمالت نجاته شبه مستحيلة ‪ ،‬والمصاريف اللي ها تدفعيها هنا‬
‫ممكن تصرفيها على روحه في أوجه الخير ‪ ،‬وخللي بالك‬
‫المصاريف هاتكون عالية جدا‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬أيا كانت المصاريف ‪ ،‬أنا مسئولة عن كل المصاريف لغاية لما‬
‫يقوم ويخف‪.‬‬
‫الدكتور ‪ :‬أو القلب يموت ‪ ،‬وده شيء رغم إننا مش بنتمناه لكنه متوقع ‪،‬‬
‫عموما ما نقدرش نمنع المحاولة ‪ ،‬مش ها نفصل الجهزة‪.‬‬
‫يهنئ الحضور بعضهم بعضا بينما تصرخ أمه وهي تحاول الوصول لغرام‬
‫ومعها الب‪...‬‬
‫‪-‬ربنا يكرمك يا بنتي‪ ،‬يارب يخف ويقوم وتكوني من نصيبه‪،‬‬
‫يارب يا حبيبتي يا بنتي‪.‬‬
‫الب ‪ :‬ممكن أعرف يا بنتي إنتي مين ؟ وعملتي كدة ليه ؟‬
‫غرام ‪ :‬مش مهم المعرفة ‪ ،‬المهم النتيجة‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫كانت تبدو في حالة سرحان وهي تنطق بهذه الكلمات‪ ،‬قبل أن تستدير‬
‫لتخرج من القاعة‪ ،‬تاركة ورائها كثير من علمات الستفهام‪...‬‬
‫‪-4-‬‬
‫كان الجو جميل وصحوا في تلك المنطقة الخلّبة المناظر‪ ،‬مجموعة من‬
‫جبال البحر الحمر تطل على مياه البحر الشديدة الزرقة‪ ،‬أعشاب وزهور متناثرة‬
‫في كل مكان‪ ،‬وبخلف صوت أمواج البحر ونسيمه‪ ،‬لم يكن هناك سوى صوت‬
‫وقع أقدامهما الحافيتان‪ ،‬وصّاف وغرام‪ ،‬كان يمشي بصعوبة شديدة معتمدا عليها‬
‫عندما قال لها بصوت حزين‪:‬‬
‫‪-‬ما كنتش عايز أعيش‪ ،‬أو على القل أفقد الذاكرة وانساكي‪ ،‬إنتي‬
‫عايزة مني إيه؟ جايباني هنا ليه؟ كفاية عذاب أرجوكي‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬كفاية يا وصّاف ‪ ،‬كفاية العذاب اللي عشته من يوم ما سبتني‪ ،‬كفاية‬
‫إني كنت باموت بدالك كل يوم ألف مرة طول الشهور اللي كنت‬
‫فيها في المستشفى أقرب للموت منك للحياة ‪ ،‬أنا باعمل المستحيل‬
‫علشان تعيش‪ ،‬مش كفاية ضحيت بنفسك علشاني !‬
‫وصّاف ‪ :‬يا ريتني نسيتك من زمان ‪ ،‬يا ريتني !‬
‫غرام ‪ :‬كنت تقدر ‪ ،‬بس كان فيه شيء أقوى منك‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬إيه هوة ؟‬
‫غرام ‪ :‬أنا ! ‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬إنتي !! تصدقي كنت هاسألك إنتي مين ! إنتي غريبة‪ ،‬مش انتي‬
‫غرام اللي كنت أعرفها زمان‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬ومين قال اني هية ! ‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬قصدك إيه ؟‬
‫غرام ‪ :‬أنا النهاردة انسانة جديدة ‪ ،‬اتولدت من جديد ‪ ،‬الشيء الوحيد‬
‫المشترك بيني وبينها ‪ ...‬هوة إنت ! ‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬بينك وبينها ؟‬
‫غرام ‪ :‬أنا وغرام القديمة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وصّاف ‪ :‬إنتي جايباني هنا ليه يا غرام ؟‬
‫غرام ‪ :‬إنت ناسي إن الدكاترة نصحوك تغير جو‪ ،‬وطلبوا إنك تقضي فترة‬
‫نقاهة في أماكن طبيعية مفتوحة ؟ والضعف والتنميل اللي حاسس‬
‫بيهم محتاجين قوة إرادة وعزيمة‪ ،‬لزم تخف وعهدي بيك انك‬
‫ارادتك قوية‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬بس أنا ماجيتش علشان أخف ‪ ،‬أنا جيت علشان أعرف بعتيني‬
‫ليه وانتي عارفة قد إيه أنا كنت باحبك‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬كنت ؟ !!!‬
‫قالتها ثم انفجرت ضاحكة‪ ،‬كانت تضحك بطريقة هستيرية أثارت استغرابه‪،‬‬
‫حتى أنه لم يلحظ تلك الدموع التي ترقرقت في عينيها قبل أن تكمل‪...‬‬
‫‪-‬إنت لسة بتحب غرام‪ ،‬ما تنكرش‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬لما انتي متأكدة قوي كدة ‪ ،‬إيه اللي حصل ؟‬
‫غرام ‪ :‬سيبك من اللي فات ‪ ،‬اللي بيفوت بيموت ‪ ،‬إنت غلطت وانا كمان‬
‫غلطت ‪ ،‬وكل واحد فينا عارف كويس هوة غلطان في إيه ‪ ،‬وفي‬
‫الخر ! أنا وانت أهه ! مع بعض‪ ،‬اتعلمنا وهانبتدي من جديد‪،‬‬
‫هانحلم ونحقق الحلم‪ ،‬هاننجح مع بعض ونعيش مع بعض و‪...‬‬
‫قاطعها وصّاف في صرامة‪...‬‬
‫‪-‬وجوزك ؟ وولدكم ؟‬
‫نظرت له باستغراب لوهلة من الزمن قبل أن تتحدث ببطئ شديد‪...‬‬
‫‪-‬إحنا منفصلين من شهور طويلة‪ ،‬ماقدرتش أستحمل أعيش معاه‪،‬‬
‫كنت إنت اللي في قلبي وعقلي من يوم ما بعدت‪ ،‬كنت باقابله في‬
‫الكافتيريا علشان يشوف ولده وبس‪ ،‬حتى الولد مش بيحبوه‪،‬‬
‫وباغصب عليهم يشوفوا أبوهم‪..‬‬
‫وصّاف ‪ :‬لما انتي ما ستحملتيش العيش معاه ‪ ،‬إيه خلكي تخلفي منه تلت‬
‫عيال ؟‬

‫‪37‬‬
‫غرام ‪ :‬إرادة ربنا ‪ ،‬سيبك من ده كله ‪ ،‬عيش اللحظة ‪ ،‬حب الحياة ‪ ،‬كفاية‬
‫إني أنا وانت لوحدنا في أجمل مكان في العالم ‪ ،‬فاكر لما كنت‬
‫بتقوللي نفسك تعيش معايا في جزيرة معزولة عن الدنيا ما فيهاش‬
‫غيرنا ؟‬
‫وصّاف ‪ :‬عمري ما نسيت ‪ ،‬عشت فيها لوحدي وصورتك معايا ‪ ،‬ولما‬
‫جيتي كانت صحتي راحت ‪ ،‬أنا باتنفس بصعوبة وكل حاجة في‬
‫جسمي متلصمة‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬إنت بتتحسن ‪ ،‬وبإيدك تساعد نفسك ‪...‬‬
‫نظر إليها باستغراب قبل أن يقول‪:‬‬
‫‪-‬كلمك يشبه كلم‪...‬‬
‫صمت للحظة قبل أن تقاطعه هي‪:‬‬
‫‪-‬تيجي نطلع الجبل ده ؟‬
‫وصّاف ‪ :‬جبل مرة واحدة ‪ ،‬هوة أنا قادر أمشي علشان أطلع جبل ؟!!‪...‬‬
‫غرام ‪ :‬الجبل مش عالي ‪ ،‬تعال نحاول يمكن ننجح ‪ ...‬ونوصل‬
‫وصّاف ‪ :‬يمكن ؟‬
‫ثم استطرد بصوت ضعيف وكأنه يتذكر‪...‬‬
‫‪-‬كنت أعرف واحدة ماكانتش تعرف يمكن‪ ،‬كانت دايما متأكدة‪...‬‬
‫غرام ‪ :‬مفتقدها ؟‬
‫كانت تنظر له بكل ما في الدنيا من حنان ولهفة وهي تسأله‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬إنتي عارفة أنا باتكلم عن مين ؟‬
‫كان يزداد تعبا وإنهاكا وهو يتحدث عندما أجابته‪:‬‬
‫‪-‬أوعدك إني أجاوبك على السؤال ده لو طلعنا الجبل‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬ولو فشلت ؟‬
‫غرام ‪ :‬ها جاوبك برضه ‪ ،‬ل النجاح بإدينا ول الفشل ‪ ،‬إحنا ما نملكش في‬
‫الحياة كلها إل المحاولة‪.‬‬
‫حاول أن يتصنع المرح وهو يقول‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫‪-‬إنتي ناوية على إيه ؟ شكلك ها ترميني من فوق‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬أنا باحاول ألحقك قبل ما تقع ‪.‬‬
‫كانا ينظران للجبل سويا قبل أن تمسك يده بيدها ليبدئان في التسلق‪ ،‬كانا‬
‫كلما صعدا جزءا من الجبل نظرا لبعضهما البعض‪ ،‬كان يحاول أن يستمد منها‬
‫القوة‪ ،‬وبالفعل كان يشعر أحيانا بالقوة والراحة‪ ،‬لكن ل يلبث أن ينهار وشعر‬
‫بالضعف الشديد عندما وصل لجزء صخري شديد النحدار‪ ،‬عندها قال بصوت‬
‫ضعيف ل يكاد يُسمَع‪:‬‬
‫‪-‬مش قادر أكمل‪ ...‬نفسي بيتقطع‪...‬‬
‫لم يكد يكمل الجملة حتى انزلقت صخرة من تحت قدم غرام لتصرخ وهي‬
‫تمد يدها لوصّاف ‪:‬‬
‫‪-‬وصّاف الحقني‪.‬‬
‫في نفس اللحظة التي أمسكها وصّاف بيده اليسرى بينما يده اليمنى ممسكة‬
‫بصخرة عملقة ذات تجاويف غريبة الشكل‪ ،‬كان جسدها معلقا في الهواء بالكامل‬
‫وهي تصرخ‪:‬‬
‫‪-‬شدني يا وصّاف‪.‬‬
‫كان بالفعل ل يستطيع فهو يكاد يفقد وعيه من شدة النهاك ولكنه يقاوم من‬
‫أجلها‪...‬‬
‫غرام ‪ :‬ها تسيب حبيبتك تموت ؟‬
‫حاول أن يرفعها مرة ثانية‪ ،‬وبالفعل كان يبدو عليه أنه استجمع قواه من‬
‫أجلها‪ ،‬ولكنه في لحظة توقف عن رفعها‪ ،‬ولكنه كان ل يزال يمسك بها بقوة‬
‫واضحة عندما قال لها وكأنه على وشك اتخاذ قرار مجبر عليه‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬لو ماقدرتش ها سيب نفسي معاكي‪.‬‬
‫كان على وشك أن يجلسها على صخرة قريبة منها‪ ،‬لكن قواه خارت تماما‬
‫فجأة‪ ،‬لكنه ظل ممسكا بها وهو يقول في يأس‪:‬‬
‫‪-‬أنا خلص بانهار‪.‬‬
‫غرام ‪ :‬أنا عملت المستحيل علشان تعيش ‪ ،‬حاول تعيش ‪ ،‬حاول يا حبيبي‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫كانت تبكي وهي تقول هذه الكلمات‪ ،‬كانت تخشى عليه وكأنها ل تعبأ‬
‫بنفسها الن‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬مش قادر ‪...‬‬
‫قالها صارخا وهو يفقد القدرة على المساك بالصخرة‪ ،‬ليسقطا سويا فتمسك‬
‫هي صخرة أخرى بيدها اليسرى بينما كانت ل تزال ممسكة بيده اليسرى‪ ،‬فيتعلق‬
‫هو بها‪ ،‬كان ينظر لها باستغراب شديد وهو يرى وجه غرام يتحول إلى وجه‬
‫شبيهتها التي قابلته في الكافتيريا‪ ،‬كانت الدموع تتساقط من عينيها وهي تقول في‬
‫يأس‪:‬‬
‫‪-‬خلص‪ ...‬مافيش فايدة‪.‬‬
‫‪-5-‬‬
‫كان الحزن يخيم علي مجموعة التمريض في غرفة العناية المركزة‬
‫بالمستشفى وهم يستمعون للطبيب المعالج والمسئول عن حالته‪ ،‬قبل أن تقول‬
‫إحدى الممرضات‪:‬‬
‫‪-‬يعني إيه مافيش فايدة يا دكتور ؟‬
‫الدكتور ‪ :‬تذبذب القراءات في أجهزة العاشة ده معناه إن القلب بيتوقف‬
‫عن العمل و بيموت ‪ ،‬ماعدش فيه فايدة من وجود الجهزة دي‪.‬‬
‫ممرض ‪ : 1‬طيب يا دكتور مش ها نبلغ الست اللي بتدفع مصاريف علجه‬
‫قبل ما نتخذ أي إجراء ؟‬
‫الدكتور ‪ :‬وال الست دي غريبة جدا ‪ ،‬من يوم المؤتمر ما ظهرتش ول‬
‫نعرف عنها حاجة ‪ ،‬ومصاريف العلج بتتحوّل دوريا للمستشفى ‪،‬‬
‫و هيّه مش سايبة أي وسيلة اتصال ‪ ،‬عموما إحنا ها نعلن في‬
‫وسائل العلم إننا فصلنا الجهزة ‪ ،‬وأكيد ها تعرف علشان تبقى‬
‫موجودة في الدفن والعزاء ‪.‬‬
‫ممرض ‪ : 2‬يعني نفصل الجهزة يا دكتور؟‬
‫كان الدكتور يبدو شارد الذهن وهو ينظر لجسد وصّاف المسجى أمامه‬
‫علي السرير‪ ،‬وعليه الوصلت والربطة وخراطيم التغذية‪...‬‬

‫‪40‬‬
‫‪-6-‬‬
‫كان وصّاف ل يزال متعلقا بيدها‪ ،‬كان يسمع الكلم مشوشا ول يعلم أين‬
‫هو الن‪ ،‬لذا كان يصرخ بصوت مبحوح وضعيف‪:‬‬
‫‪-‬أنا فين ؟ ومافيش فايدة في إيه ؟ وأجهزة إيه ؟ إنتي‪ ....‬إنتي‬
‫مين؟‬
‫ل صغيرا حتى أجلسته على‬
‫كانت ترفعه بيدها في سهولة وكأنها ترفع طف ً‬
‫صخرة بجوارها‪ ،‬لم يستطع الجلوس فاستلقى على ظهره‪ ،‬بينما تحدثت هي‬
‫باكية‪:‬‬
‫‪-‬إنت بتموت يا حبيبي خلص‪ ...‬قلبك رافض الحياة و بيموت‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬إنتي مين ؟‬
‫‪-‬قلتلك قبل كدة‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬فكريني !‬
‫‪-‬أنا العمل اللي كان معمولك ! ‪...‬‬
‫كان يحاول أن يتكلم فلم يستطيع‪ ،‬فأشارت له بيدها وهي باكية قبل أن‬
‫تقول‪:‬‬
‫‪ -‬استريح‪ ،‬أنا وعدتك إني هاقولك كل حاجة لو حاولت سواء نجحت أو‬
‫فشلت‪ ،‬زمان لما اتعرفت على غرام‪ ،‬هية لقت فيك فرصة مش لزم‬
‫تضيعها‪ ،‬كنت أحسن منها في حاجات كتير‪ ،‬حاولت تخليك تحبها بكل‬
‫الطرق علشان تملكك‪ ،‬وكنت إنت في أول حياتك ومشغول بأحلمك‬
‫وطموحاتك‪ ،‬راحت لكاهن علشان يعملك عمل يخليك تحبها‪ ،‬العمل ده‬
‫بيبقى تسخير جند من الجن لتنفيذ المطلوب‪ ،‬بس كان لزم يتعرف مين‬
‫المقصود بالعمل‪ ،‬حاجة بنحتاجها علشان نعرف مين من البشر بالذات‬
‫اللي هانأثر عليه‪ ،‬زي البطاقة الشخصية عندكم كدة‪ ،‬فطلب الكاهن منها‬
‫حاجة من أثرك‪ ،‬فكان إنها جابت منديل أبيض عليه بقعة دم منك‪ ،‬وكان‬
‫ده عنوانك‪ ،‬ووقع الختيار علية أقوم بالمهمة‪ ،‬وقمت بيها على أكمل‬
‫وجه‪ ،‬خليتك تفكر فيها دايما‪ ،‬تبقى أحلي بنت في نظرك‪ ،‬دايما على بالك‬

‫‪41‬‬
‫و َتمَـلّي معاك‪ ،‬كنت موجودة لما بدأت تخونك‪ ،‬لقت قدامها فرصة جاهزة‬
‫س ِيتْ العمل‪ ،‬عشت‬
‫أحسن منك من وجهة نظرها‪ ،‬سابتك واتجوزته‪ ،‬ونِ ْ‬
‫معاك سنين طويلة‪ ،‬ورغم إن مهمتي كانت ناجحة‪ ،‬لكن أنا حبيتك‪ ...‬وال‬
‫العظيم حبيتك بجد‪ ،‬صعب عليّة حالك‪ ،‬وحَسّيت إن المهمة أصبحت‬
‫مالهاش لزمة‪ ،‬هية عاشت حياتها‪ ،‬و إنت حياتك بت ّدمَر‪ ،‬لغاية لما جه‬
‫اليوم اللي كنت قاعد فيه مع واحدة زميلتك‪ ،‬كانت بتحبك بجد‪ ،‬وكنت إنت‬
‫بتتكلم عن غرام كالعادة‪ ،‬لني كنت معاك‪ ،‬قالتلك ساعتها‪ :‬البنت دي أكيد‬
‫كانت عامللك عمل‪...‬‬
‫كنت صعبان عليها‪ ،‬وكان عندها حق‪ ،‬حسّيت إني لو باحبك بجد يبقى‬
‫لزم أبعدك عنها‪ ،‬وأنا جنيّة‪ ،‬ما ينفعش أرتبط بيك‪ ،‬إنت ما تستاهلش‬
‫شيء وحش‪ ،‬قررت ساعتها أنهي المهمة‪ ،‬فاكر لما قلتلك إن دوري انتهى‬
‫خلص وانا اللي نهيته ! خليتك تروح الكافتيريا اللي كنت بتخاف تقرب‬
‫منها‪ ،‬علشان تتأكد إنها اتغيرت‪ ،‬ما بقتش اللي في خيالك‪ ،‬ومنها خدتك‬
‫للعالم بتاعي علشان أرجع لك العمل‪ ،‬أو بمعنى أصح شيء منك مربوط‬
‫بشيء مني‪ ،‬كان المفروض أفك العمل وأديلك المنديل بس علشان تتوه‬
‫عني وأبعد عنك للبد‪ ،‬نسيت واديتلك العمل زي ما هوة مربوط بيّة‪،‬‬
‫وانت عارف الباقي لغاية لما رجعتك الكافتيريا‪...‬‬
‫كان يستمع لها بذهول وهو يزداد ضعفا وإرهاقا‪ ،‬واستمرت هي في الكلم‬
‫وكأنها تسابق الزمن قبل الرحيل‪...‬‬
‫وانا اللي قصدت إن غرام تيجي الكافتيريا مع جوزها و ولدهم علشان‬
‫تشوفها بعد الزمن ما َمرّ واكسر جواك صورتها اللي عايشة في خيالك‬
‫زي ماهية ما بتكبرش ول بتتغير‪ ،‬ما توقعتش انها ها تستندل مع جوزها‬
‫وتجري وراك‪ ،‬عارف هيّه جريت وراك ليه ؟‬
‫نظر لها متسائلً بينما أكملت هي‪:‬‬
‫‪-‬بعد ما خدت اللي ورا جوزها واللي قدامه كان عايش معاها‬
‫مجرد طرطور‪ ،‬وطبعا هية كانت بتسمع أخبار نجاحك‪ ،‬كان حلم‬

‫‪42‬‬
‫من أحلم حياتها إنها تكون ممثلة مشهورة‪ ،‬فكانت عايزة تكمل‬
‫الصورة‪ ،‬وانت أكتر واحد كان ممكن يساعدها في المرحلة‬
‫الجديدة‪ ،‬مجرد مصلحة يعني‪ ،‬خفت عليك من سمومها‪ ،‬كنت‬
‫معاك ساعتها واستغليت مرور العربية النقل وقررت أموّتها‬
‫علشان إنت تعيش سعيد‪ ،‬اللي زيها كان لزم تموت‪ ،‬عطلت‬
‫الفرامل‪ ،‬لكن ما توقعتش منك اللي إنت عملته‪ ،‬لقيتك بتحبها من‬
‫غير العمل‪ ،‬من غير تأثيري‪ ،‬يعني بيّة أو من غيري كنت ها‬
‫تحبها برضه‪ ،‬حسّيت إن حبك ليها ممكن يشجع قلبك إنه يتمسك‬
‫بالحياة‪ ،‬أثّرت على الدكاترة في المستشفى علشان ما يفصلوش‬
‫أجهزة العاشة عنك‪ ،‬و جيتلك في صورتها وانت بين الحياة‬
‫والموت يمكن‪ ...‬يمكن تقاوم‪ ...‬يمكن تعيش‪ ...‬لكن دي إرادة‬
‫ربنا‪ ،‬عارفة إنك عايز تسأل هية عملت إيه بعد اللي حصلك‪،‬‬
‫أول ما عرفت إنك حالة ميئوس منها وشبه ميت‪ ،‬رجعت‬
‫لجوزها وبررت الموقف بسهولة‪ ،‬اللي زيها تعرف تعامل‬
‫الرجالة كويس‪ ،‬مش باقولك ممثلة‪ ،‬أنا كان ممكن أضرّها‪ ،‬لكن‬
‫احتراما لكونها حبيبة حبيبي مش هأذيها‪...‬‬
‫كان ينظر لها نظرة تحمل كثيرا من الحب والمتنان عندما قال في‬
‫ضعف‪:‬‬
‫وصّاف ‪ :‬بحبك ‪ ...‬كان نفسي يطول بيّة العمر‪ ...‬علشانك‬ ‫‍‬
‫‪-‬يا ترى ممكن نتقابل هناك ؟‬
‫وصّاف ‪ :‬أنا شايف أجمل وشوش في العالم جايّة عليّة ‪...‬‬
‫‪-‬ادعي ربنا أقابلك هناك عنده‪...‬‬
‫وصّاف ‪ :‬مش ممكن تكون دي مليكة العذاب ‪ ،‬بس أنا ما عملتش حاجة‬
‫تستحق الرحمة !‬

‫‪43‬‬
‫‪-‬ربنا رحمن رحيم‪ ،‬ربنا رب قلوب‪ ،‬وانت قلبك نضيف ربنا‬
‫زرع فيه الحب والرحمة‪ ،‬مع السلمة ياللي ماحبتش حد في‬
‫حياتي من الجن ول النس زي ما حبيتك‪...‬‬
‫كان يختفي ويتلشى عندما كانت تتمتم باكية بهذه الكلمات‪...‬‬
‫‪-7-‬‬
‫برهة من الزمن مرت علي الطبيب وهو شارد الذهن أثناء نظره لجسد‬
‫وصّاف‪ ،‬وما أن أفاق من شروده حتى قال للممرض الذي يقف بجوار سرير‬
‫وصّاف ‪:‬‬
‫‪ -‬خلص افصل الجهزة‪.‬‬
‫الممرض ‪ :‬تحت أمرك يا دكتور ‪ ...‬إنا ل وإنا إليه راجعون‪...‬‬
‫قالها وهو يفصل الجهزة ببطء وكأنه يتمنى لو أنه عاد إلي الحياة‪ ،‬لم‬
‫يعرف أحد السر في كون الجميع هنا يحبونه بالرغم من أنهم لم يعايشونه‪ ،‬لكنها‬
‫كانت هنا‪ ،‬أو بمعنى أكثر دقة‪ ...‬لنها كانت هنا‪ ...‬والن هي تراقب حبيبها وقد‬
‫غادر الحياة بجسده ليلحق بقلبه هناك‪ ،‬كانت الدموع تتساقط على وجنتيها بينما‬
‫كانت تتساءل‪ ...‬هل من الممكن فعلً أن تقابله هناك‪ ،‬فهي بالفعل لم تحب أحد من‬
‫النس أو الجن سواه‪ ،‬ظلت معه في جميع مراسم الجنازة وحتى مثواه الخير‪...‬‬
‫كانت هناك‪ ...‬و ‪ ...‬ستظل ‪.‬‬
‫‪-8-‬‬
‫‪ -‬القصة لزم تنتهي هنا‪ ،‬قلبه مات فلزم كل شيء ينتهي‪ ،‬ويظل الحب‪،‬‬
‫حتى لو كان من عالم تاني‪ ،‬حب صنعه خيالي علشان يعوضني حب عاش في‬
‫خيالي ‪-‬‬
‫نحن هنا الن في غرفة نوم‪ ،‬تبدو غير مرتبة بعض الشيء‪ ،‬كانت‬
‫الضاءة خافتة والساعة تشير إلى الثالثة صباحا‪ ،‬وكان هو هناك‪ ،‬خلف مكتب‬
‫صغير في ركن الغرفة‪ ،‬إنه وصّاف الغرام‪ ،‬كاتب هذه القصة التي استلهمها من‬
‫واقعه ليبني عليها صروحا من الخيال‪ ،‬ذلك الخيال الذي جعله يوما يحبها‪ ،‬ولن‬
‫الواقع قد امتزج بالخيال في قصته‪ ،‬فكان من الطبيعي أن تكون عيناه دامعتان وهو‬

‫‪44‬‬
‫ينهي قصته علي الورق بعد أن انتهت في الواقع منذ أكثر من سبع سنوات عندما‬
‫تزوجت حبيبته‪...‬‬
‫مرت دقائق شعر فيها بصمت غريب‪ ،‬وكأن المكان كان يمتليء ضجيجا‬
‫وحركة‪ ،‬ثم انتهى كل شيء إلى صمت‪ ،‬كان هذا هو نفس شعوره منذ سبع سنوات‬
‫أيضا‪ ...‬تخلل الصمت صوت طرقات خفيفة على باب الحجرة لتدخل أمه الغرفة‬
‫وتنظر له في شفقة وهي تقول‪:‬‬
‫‪-‬وبعدين يا حبيبي ؟ كل يوم سهر ؟ حرام عليك نفسك يا بني ‪...‬‬
‫كفاية عليك سهر النهاردة‪ ،‬إنت مش كان عندك تصوير الصبح‬
‫بدري ؟‬
‫وصّاف ‪ :‬عندي يا ماما ‪.‬‬
‫‪-‬طيب يا حبيبي‪ ،‬يا دوب تنام !‬
‫وصّاف ‪ :‬ما تقلقيش عليّة ‪ ،‬روحي إنتي استريحي ‪.‬‬
‫‪-‬إنت عارف اللي يريحني‪ ،‬عايزة أفرح بيك وأشيل لك عيل قبل‬
‫ماموت‪.‬‬
‫وصّاف ‪ :‬مش وقت الكلم ده يا ماما ‪ ،‬وكل شيء بأوان ‪ ،‬ممكن كباية َميّة‬
‫لو سمحتي ؟‬
‫‪-‬حاضر يا حبيبي‪.‬‬
‫كانت تقولها بأسف وهي تخرج من الغرفة‪ ،‬بينما أغلق هو دفتر أوراقه‬
‫والتي تحوي القصة‪ ،‬ليصل إلى أول ورقة في الدفتر ويبدأ في كتابة الهداء‪...‬‬
‫‪-‬الحب طائر رقيق بجناحين‪ ،‬إذا قطع له جناح‪ ،‬سقط الطائر‬
‫ومات‪ ،‬أهدي هذه القصة إلي بطلته الحقيقية التي قطعت جناح‬
‫الحب‪ ...‬فمات القلب ‪. -‬‬
‫‪-9-‬‬
‫مرت دقائق قليلة قبل أن تدخل أمه وهي تحمل كوب الماء الذي‬
‫طلبه وصّاف‪ ،‬لتجده مستلقيا على مكتبه الصغير‪...‬‬
‫‪ -‬إنت نمت يا حبيبي ؟‬

‫‪45‬‬
‫قالتها وهي تتجه نحوه‪ ،‬وضعت كوب الماء فوق المكتب وحاولت إيقاظه‪،‬‬
‫لكنها لم تستطع‪ ...‬لنه كان قد مات‪ ،‬ولكن هذه المرة في الحقيقة ل في‬
‫الخيال‪ ،‬كانت صرخاتها مدوّية‪ ،‬وكأنها تعلن للعالم رحيله‪ ...‬لم يكن العالم‬
‫يعبأ كثيرا لرحيله‪ ،‬بينما كانت هي هناك‪...‬‬
‫وهناك‪ ،‬في أحد أركان الغرفة‪ ،‬مكتبة صغيرة‪ ،‬بها كثير من الشياء‬
‫المبعثرة وكتب وأوراق قديمة وهدايا و ‪ ...‬وردة خشبية عليها بعض‬
‫النقوش الغريبة ومربوط عليها منديل ابيض عليه بقعة جافة من الدم !‬

‫‪ -‬النهاية ‪-‬‬

‫‪46‬‬

You might also like