Professional Documents
Culture Documents
وَصّاف ا ْلغَرَام
2
قصة غرام
3
-عملت كل ده عشان أثبت لها إنها خسرت كثير لما خانتني وباعت حبي،
كنت باحبها حب لوا توزع على الدنيا بحالها لكانت الناس كلها عاشقة ،باعت كل
ده ليه؟ وسابتني ليه؟ واتجوزت غيري ليه؟ وكانت بتقوللي بحبك ليه؟ وانا صدقتها
ليه؟ وضيعت من عمري سنين طويلة معاها ليه؟ ودلوقتي ...هية فين؟ ويا ترى
متابعة أخباري ول خلص ،مشغولة بعيالها وجوزها ونسيتني .الظاهر إني كنت
في رحلتي دي كنت بانتقم من نفسي مش منها-
كانت الفكار وكأنها تفترسه حتى وجد نفسه فجأة أمام كافتيريا كان يجلس
فيها معها منذ سنين طويلة ،لم يعرف كيف أوصلته خطواته إلى هذا المكان رغم
أنه كان يخشى من مجرد القتراب منه ،فهذا المكان شهد اللقاء الول كما شهد
اللقاء الخير ،أحلى أيام العمر وأمر الذكريات ،شعر وكأن قوة غامضة ساقته لهذا
المكان...
-2-
دخل الكافتيريا ،كان المكان صاخب وكثير من الشباب والفتيات في سن
المراهقة ينتشرون حول الطاولت ،وبعض من الفتيات كُنّ يرقصن على صوت
الموسيقى والغاني الصاخبة والمنبعثة من جهاز تلفاز كبير الحجم ،أخذ يتأمل
المكان الذي تغير كثيرا
-إيه المسخرة دي ! الدنيا اتغيرت قوي ،وأكيد هيّه كمان اتغيرت كتير-
حدث بها نفسه وهو يتجه إلى نفس المكان الذي كانا يجلسان فيه سويا قبل
أن يعرف ما خبأته له القدار
-غريبة ! المكان بتاعنا تقريبا ً زي ما هوة –
-تحت أمرك يافندم.
قالها الجارسون الذي قطع تأملت الشاب..
-قهوة مظبوط لو سمحت.
-حاضر يا فندم.
وقبل أن يستدير الجارسون استدرك الشاب قائلً:
-ول أقولك ،هاتلي أثنين مانجة.
4
كانت تحب المانجة ،لم يعرف لماذا طلب اثنين مانجة ،كان يشعر وكأن
روحها معه ،أو بمعنى أكثر دقة روحها في المكان الذي يحتفظ بذكرياتها معه...
وفجأة ،دخلت من الباب ،شعر الشاب بأن قلبه يكاد يحترق من نبضاته السريعة،
وبأنه في طريقه إلى الشلل ،أخذ يدقق النظر إلى الفتاة التي توجهت إلى إحدى
الطاولت وجلست إلى المقعد الذي يواجهه مباشرة ،فاكتشف أنها ليست هي.
-إيه اللي أنا فيه ده؟ معقولة خيالي صور لي إنها هية؟ وكمان تيجي في
اللحظة دي بالذات؟ ليه؟ خيالي واسع كده ليه؟ امتى أسيب الوهام
وانزل للواقع وأنساها وأنسى إنه فيه حاجة اسمها حب -
كان يحدث نفسه وعيناه دامعتان ،وأحيانا يبتسم بسخرية على أحواله عندما
لحظ أن الفتاة التي دخلت الكافتيريا تنظر نحوه ،حاول أن يوهم نفسه بأنها ل
تنظر له وإنما لشيء ما حوله ،لكنها كانت تثبت نظرتها عليه لدرجة أربكته.
-الظاهر افتكرتني مجنون ول ّ حاجة ،يا دي الفضايح ،أنا أمشي أحسن -
حاول أن ينادي على الجارسون ليطلب الحساب ،كان الجارسون عند الفتاة
التي قامت من مكانها متجهة نحوه ،وتصادف ذلك مع خروج شاب وفتاة من
الكافتيريا ،كانت واثقة في خطواتها بينما كان هو يتلفت حوله ربما كانت متجهة
نحو شخص آخر ،لكنها قطعت شكه عندما وقفت أمامه..
-تسمح لي اقعد معاك؟
-ليـه؟
قالها باندهاش ،لكنه استدرك سريعا..
-طبعا طبعا ...إتفضلي.
-بصراحة أنا مراقباك من ساعة ما دخلت هنا ،فيك حاجة غامضة
بتشدنى ليك ،وتقدر تقول إني بتشبه عليك ،مش عارفة ،عايزة أتكلم
معاك ،ممكن؟
كان شارد الذهن وهو يتأملها ،كانت جريئة جذابة وجميلة ،شعرها أسود
طويل مسدل على كتفيها ،نظراتها غامضة وعميقة تبدو كأنها تخفي شيء ما أو
حزن ما ...قاطعت أفكاره عندما لحظت شرود ذهنه..
5
-اللي واخدة عقلك ...إل انت مستني حد ؟
-ل
-امّال المانجة دي لمين ؟
-الظاهر التاريخ بيعيد نفسه.
-قصدك إيه ؟
سرح بخياله للحظات قبل أن يهمس قائلً:
-حاسس إني باحلم.
-يبقى لزم تصحى لن الواقع أوقات كثير بيكون ليه طعم ولون وريحة
أجمل من الخيال.
-إيه اللباقة والحلوة دي ! دانتي فيلسوفة ...
قالها متصنعا المرح عندما اتجه الجارسون للفتاة قائلً:
-العصير هنا يا فندم ؟
-لو سمحت
وضع الجارسون كوبا من المانجة أمام الفتاة تعلقت به عيناه لوهلة من
الزمن ،ثم نظر باستغراب شديد إليها ،فوجدها تبتسم ابتسامة رقيقة واثقة زادت من
حيرته...
-ممكن أعرف إنتي مين ؟
-ها تعرف في الوقت المناسب
-الوقت المناسب عمره ما بييجي معايا أبدا
-يمكن ييجي معايا أنا
-إنتي ! إنتي مين ؟
-يمكن أكون واحدة إنت بتحلم بيها
-أحلمي عادة بتنتهي بكوابيس
-بإيدك تنهي أي حلم زي مانت عايز
-ده لو كان الحلم في اليقظة ،وحتى ده بينتهي بكابوس لما بارجع للواقع
-الواقع برضه من صنع إيدينا
6
-يمكن.
قالها وكأنه غير مقتنع بها ،بينما كان آخر مجموعة من الشباب والفتيات
تخرج من الكافتيريا
-غريبة ،المكان من نص ساعة كان موريستان ،ودلوقتي مافيش غيرنا أنا وانتي!
لحظات من الصمت ارتشف خللها رشفات من المانجة ،نظر إلى ساعة يده
باهتمام..
-أنا آسف ،أنا عندي معاد مهم ولزم استأذن
-المعاد ده ينفع أكون موجودة فيه؟
-إنتي متعودة تاخدي على أي حد بسرعة كدة؟
-إنت مش أي حد ...إل قوللي ...إنت بتشتغل إيه؟
-أي حاجة تجيب فلوس ،بيع وشرا وسمسرة وخلفه ،عشان اقدر اصرف
على فني
-فن إيه ؟
-ا صل أ نا فنان ،جوا يا مشا عر وأحا سيس وخيال ،با حب أك تب أشعار
وأغا ني وبانشر هم على ح سابي الشخ صي ،وكمان با حب التمث يل ،يم كن
عشان كدة بتشبهي علية ،إنتي ما شفتنيش في السينما قبل كدة ول إيه ؟
-ما خدش بالي ،هوة انت متعود تقعد في سينما معينة ؟
-ل ما باقعدش ! بصراحة ..أنا اللي باِلفّ بالحاجة الساقعة والفشار !
قالها بطريقة تهكمية ،بينما بدا عليها الجدية وهي تكمل...
-وانا باقول شفتك فين ! شفتك فين ؟
تحول صوته إلى الجدية وهو يسألها:
-إنتي بقه بتعملي إيه أو بتشتغلي فين ؟
-3-
-أنا من عيلة متواضعة جدا ،فقيرة يعني ،مايغركش مظهري ،أنا برضه
باشتغل زيك أي حاجة تجيب فلوس
7
كانت تتحدث أثناء سيرهما في نفس الشوارع التي كان يسير فيها الشاب
قبل دخوله الكافتيريا ،وكان الشاب ينصت لها باهتمام شديد
-بس للسف أنا ابتديت شغل من وأنا صغيرة قوي ،تصدق كان عندي
كام سنة لما نزلت عشان أعرف أجيب لقمة العيش؟
14 -سنـة
قالها وهو شارد الذهن بصوت ضعيف من الصعب أن يسمعه أحد إل أنها
سمعته باستغراب
-اشمعنى قلت 14سنة يعني !
-كنت باحب واحدة زمان ،كانت فقيرة برضه ونزلت تشتغل في السن ده
-أنت شايفني شبهها ؟
-كل شوية باحس إن الشبه بينكم بيزيد ...كملي
-اشتغلت بياعة في محلت ملبس ومحلت قطع غيار سيارات وممرضة
في عيادات وسكرتيرة ومندوبة مبيعات ،واشتغلت في الخر...
قاطعها قبل أن تكمل دون أن يلحظ الدموع التي بدأت تترقرق في عينيها
-ودراستك ؟
-خلصت دبلوم تجارة ،وكنت دخلت الجامعة العمالية بس ماكملتش
-أكيد كانت معاكي
-هيّه برضه !
قالتها بنفاد صبر عندما رن جرس الموبايل الخاص بها ،ارتبكت للحظات
عندما رأت بيانات المتصل على الجهاز ،ردت قائلة:
-ايوة حبيبي...
ل يا حياتي وانا اقدر برضه على زعلك...
ول يهمك ،ها عوضها لك...
ل ...النهاردة ما ينفعش اصل أنا برة القاهرة...
هاجي بكرة...
خلّص بقه وكلمني بكرة...
8
سلم يا عسل
-صديق ولّ حبيب ؟
-حبيب إيه بس ،ده واحد مداينني بفلوس ولزم أسكته لغاية لما تفرج
-مداينك بكام ؟
300 -جنيه
-بس
-مش عارفة أجيبهمله منين؟ ظروفي وحشة قوي اليومين دول
-أنا تحت أمرك
نظرت له بخجل نظرة تحمل نوعا من المتنان
-مش عايزة أغرمك وانت ملكش ذنب
-اعتقد إننا بقينا أصدقاء وبالتالي ده واجب علية أقف جنبك
-ميرسي حبيبي
كان يبدو عليها امتنان حقيقي وهي تشكره ،ثم لم تلبث أن سألته :
-إحنا مشينا كتير ...هوة إحنا رايحين فين؟
-خلص وصلنا ...العربية أهه
-العربية أهه ؟!! طيب لما انت عندك عربية ،راكنها بعيد قوي كده ليه ؟
-أبدا ...كنت قرفان وعايز أتمشى
قالها وهو يفتح لها باب السيارة الحديثة والفارهة قبل أن ينطلق بها.
-4-
رغم أن هذا الوقت من العام كان في منتصف موسم الصيف ،إل أن الجو
لم يكن حارا في هذا اليوم ،وكانت هناك بعض السحب الخفيفة التي كانت تحجب
جزءا من أشعة الشمس الدافئة ،كان النهار قد انتصف عندما نزل من السيارة وقبل
أن يغلق الباب سألته الفتاة بتلقائية:
-أجي معاك ول أستناك في العربية ؟
9
لم تكن قد تحدثت معه طوال الطريق ،كان يبدو منشغل بشئ ما وكانت
تريد أن تكون ضيفة خفيفة عليه قدر المكان ،كانت تنتظر منه الجابة وهى
تتابعه بنظرها وهو يدور حول السيارة ليفتح لها الباب:
-طلبتي تبقي معايا من الول !
-ولّ فرضت نفسي عليك ؟
-في الحالتين أنا كنت محتاجك
-محتاجني ؟
قالتها باستغراب ل يخلو من لهفة قبل أن تكمل...
-كل ما ها تحتاجني هتلقيني جنبك
كان ينظر في عينيها وكأنه ينظر إلى مال نهاية ،وكأنه يحاول أن يقرأ ما
تخفيه هذه العيون الغامضة ،شيء ما غامض يجذبه نحو هذه الفتاة ،قد يكون كونها
تشبه حبيبته القديمة ،أو كونها اقتحمت حياته فجأة في مكان كان يشعر فيه بضعف
واحتياج نفسي شديد
-ممكن اعرف انت جاي هنا ليه ولمين ؟
أفاق من شروره على صوتها وكأنه تذكر فجأة سبب مجيئه هنا:
-آه ..المكتب اللي في الدور الرضي هناك ده بتاع مطرب كبير كتبتله
كام أغنيه قبل كدة ،عندي معاد معاه دلوقتي عشان شوية حاجات كدة،
س ّمعُه كام أغنية مألفها ويهمني رأيك فيهم برضه
وها َ
-حلوين طبعا
-وعرفتي منين ؟
-الجواب بيبان من عنوانه ،وطالما إنت اللي كاتبهم يبقوا أكيد حلوين
-إنتي إيه اللي عاجبك ِفيّه قوي كدة ؟
-أنا عارفاك كويس
-تعرفيني منين يعني وده أول يوم تعارف بيننا ،قدرتي تعرفي عني إيه
يعني ؟
-إنت شايف وقفتنا في الشارع وضع مناسب للكلم ده؟
10
-الكلم مالوش مكان ،ده زي اللهام اللي بيخطر علي بال الواحد فجأة
و...وبعدين ها تتعبيني معاكي ليه...يلّ بينا
قالها وهو يمسك يدها ليعبر الشارع فشعر وكأن شرارة كهربائية تولدت
بينهما ،فنظر لها ليجدها تبتسم ويكمل هو حديثه وهما يتجهان نحو مكتب
المطرب...
-عموما الكلم معاكي طعمه حلو ،أحلى من الخيال ،على رأيك الواقع
أوقات بيكون ليه طعم ولون أحلى من الخيال.
-5-
لم ي كن المطرب قد و صل ب عد إلى المك تب ،هذا ما عر فه من ال سكرتيرة
عندما سألها عنه ،كان يتلفت حوله في المكتب قبل أن يسألها ثانية:
-هيّه ليلى مش موجودة ؟
السكرتيرة :ليلى مين يا فندم ؟
-السكرتيرة ؟
السكرتيرة :أنا السكرتيرة الجديدة يا فندم ،عموما تقدروا تستنوا الستاذ في
المكتب جوّه ،وعقبال ما يوصل هاجيبلكم إتنين عصير مانجة إنما
إيه ...حكاية !
نظر لها باستغراب وهو يتمتم
-مانجة ؟ ورايا ورايا في كل حتة !
نظرت له الفتاة في خبث وهي تسأله:
-المانجة ول حاجة تانية ؟
-ول تانية ول تالتة ،إتفضلي
وبينما كان يتجه لغرفة المطرب وهو يتأمل المكتب وكأنه يراه لول مرة،
قال بصوت خفيض:
-المكتـب متغيـر شويـة ،فيـه حاجـة متغيرة يانـا مـش مظبوط
النهاردة !
بالر غم من أن صوته كان شد يد الخفوت إل أن ال سكرتيرة سمعته ،وأخذت
توضح له:
السكرتيرة :الظاهر حضرتك ماجيتش بقالك فترة ،أنا لما جيت استأذنت الستاذ
وغيرت شوية في الديكورات ،ذوقي حلو؟
-آه ...عندك حق ،أنا ماجيتش من أكتر من شهر
11
ود خل مع الفتاة إلى غر فة المطرب في انتظار و صوله ،كان من الوا ضح
أن الغر فة شديدة الفخامة والجمال ،والورد والزهار تنتشر بكثافة غ ير معتادة في
المكاتب ،منها في فازات أو بوكيهات ورد ،وبعض منها منثور على المكتب وعلى
الثاث
-إنت ما تجوزتش ليه لغاية دلوقتي ؟
فاجأته بالسؤال وهي تجلس على الريكة الوثيرة المواجهة للمقعد الذي
جلس هو عليه...
-إنتي شايفاني كبير قوي كدة ؟
-ل ...شايفاك وحيد قوي كدة...
-وبعدين مين قالك إن أنا مش متجوز ؟
-شكلك بيقول كدة
-وشكلي مش بيقول إني على وش جواز ؟
تأملته للحظات دون أن يبدو عليها أي تعبير قبل أن تنظر للرض وهي
تقول:
-مبروك مقدما...
ثم استدركت بعد أن نظرت في عينيه مباشرة
-بتحبها ؟
-ل ..حب إيه بس ،ده مجرد جواز تقليدي ،جواز من أجل الجواز فقط،
تقضية واجب يعني
-والحب ؟
-أنا ماحبتش غيرها
-هية مين ؟
-اللي انتي شبهها
-وماتجوزتهاش ليه ؟
-ياه ...دي قصة طويلة جدا ،لكن أجيبلك من آخرها ...السبب الرئيسي
اللي بعدنا عن بعض ،إنها كانت...
12
قاطعه رنين جرس الموبايل الخاص بها ،نظرت باستغراب للرقم الذي
ظهر على الجهاز قبل أن تستأذنه في الرد على المكالمة...
سامي مين ؟ ... مين ؟ ... -الـو...
طيب بص ،كلمني بعد ساعة ،ول ايوة ايوة افتكرت...
ل مشغولة أقولك كلمني بكرة ،بس تكون جاهز...
دلوقتي ،خليك جاهز لغاية بكرة ،وعلى فكرة أنا باخد العربون الول...
ماشي يا عسل...
سلم
أنهت المكالمة وهي تنظر له بارتباك قبل أن يكمل هو حديثه...
-إنها كانت ...زيك كدة
-قصدك إيه ؟
-كان ليها علقات كثير ،وكانت فقيرة ولزم تشتغل وتجيب فلوس عشان
تصرف على نفسها وتساعد أهلها ،وانا كنت باغير عليها قوي ،ومين
في الدنيا يحبها ويقدر ما يغيرش عليها ،الحب كله والحنان كله والذكاء
كله والشقاوة كلها ،وأقول إيه ...لو ألفت فيها كتب مش هاقدر أقول
واحد في ال ِميّة من أوصافها
-ياااه ،كل ده !
-المهم إني غرت عليها زيادة عن اللزوم وما كنتش اقدر ساعتها أقعدها
في بيتها واصرف عليها عشان اطمن عليها لغاية لما الظروف تسمح إننا
نتجوز ،وما كنتش أقدر استحمل علقاتها وخروجها فقطعت علقتي بيها
-هربت يعني ،و ِهيّه كانت بتحبك ؟
-طبعـا...
-كانت بتكدب عليك ،أو إنك كنت مجرد واحد من علقاتها وانت اللي
كبرت الموضوع في دماغك ،أو التنين
-ل طبعا ،إنتي ماتعرفيش حاجة ،عموما الموضوع انتهى من سنين
طويلة
13
-بإيـه ؟
-بعد ما سبتها بسنة اتجوزت وخلفت وخلص
-وتقوللي كانت بتحبك ؟
-صدقيني ،كانت بتقوللي إنها ماترضاش لواحد زيي يتجوز واحدة زيها،
ياما رخصت نفسها عشان تغلّيني وتكبّرني ،ولما سبتها حوالي سنة قبل
ما تتجوز حاولت كثير إنها ترجعلي ،ماكانتش عايزة مني حاجة غير
إني أكون جنبها ،لكن كان قربي منها عذاب وبعدها عني عذاب ،وكان
لزم اختار
-بس الموضوع ما نتهاش ،لزم ينتهي النهاردة
-بالسهولة دي؟ إنتي جايبة الثقة دي منين ؟ إنتي مين؟
-تقدر تقول عمل كان معمولك واتقلب في صفك لنه حبك
-مش فاهم
-مش مهم تفهم دلوقتي
-المهم في الموضوع إن ربنا قبل دعوتي ليها وسترها وريح بالي عليها
-المهم في الموضوع إن المطرب ماجاش لغاية دلوقتي
-أغلب الفنانين الكبار كدة ،من كتر ما الناس تعبتهم في البداية ،بقوا
متعبين في النهاية ،ربع ساعة كمان ،لو ماجاش هانمشي
-طيب قوللي حاجة كدة من اللي بتكتبه وانا أقولك المطرب بتاعك ده
ماجاش ليه
-ل يا هانم ،لست أنا ،أنا أشعاري زي الفل ،وكدة كدة المطرب ده غنالي
اغنيتين قبل كدة
-أنا مش متابعة الغاني قوي ،وبعدين ماتزعلش أنا بهزر معاك
-بالعكس ،أنا مش زعلن ،ويهمني أعرف رأيك بصراحة
تجلس وتعتدل على الريكة ويبدو عليها اهتمام حقيقي وهي تقول:
-طيب قول وكلي آذان مصغية
-دي أغنية اسمها ...المشكلة هية
14
إن انتـي مش هيـَه المشــكلـة هيــَـه
مش زيهــا هيـَـه إن انـتـي جُـوّايَــا
مهما تعيشي في كوني إن إنتي مهمـا تكونـي
مكانها فـي عيونـي متقـدريـش تـاخـدي
وباحيا جـوّة هواهـا هيّه اللي انـا باهـواها
هنساكي مش هنساهـا وان كنت يوم راح أنسى
لو حتـى مش جنبـي هيـَـه حبيبـة قلبــي
والذنـب مش ذنبــي وانتي مجـرد صـورة
وغلطـتــي هيـَـه ده ذنبـهـا هيــَـه
عليـكــي وعليـَـه والحكـم كان قاسـي
-موجودة حتى في أشعارك كمان !
قالتها وصوتها تبدو فيه نبرة حزن وانفعال لم يلحظهما وهو يجيبها:
-هية السبب في إني أكتب أشعار أصلً ،هيّه بالنسبالي اللهام اللي
بيحتاجه كل شاعر وفنان
كانت السكرتيرة قد دخلت لتوها غرفة المكتب ،وضعت صينية عليها
كوبين من عصير المانجة على المكتب وظرف أبيض اللون وما أن انتهي من
كلمه حتى بادرته بالعتذار
-أنا متأسفة جدا ،الستاذ كان اعتذر إنه مش ها يقدر يقابل حضرتك
النهاردة وساب لحضرتك الظرف ده ،أنا متأسفة مرة تانية نسيت أبلغ
حضرتك أول ما وصلتم
-طيب ليه ما كلمنيش عالموبايل قبل ماجي؟
-هوة حاول يافندم وانا كمان حاولت أطلبك كتير لكن تليفونك ربما يكون
مغلقا أو خارج نطاق الخدمة
قالتها بنفس طريقة الرسالة الصوتية بينما كان هو يبحث عن
الموبايل بين طيات ملبسه وقد بدت عليه علمات القلق والتوتر...
-معقولة يكون وقع منى ؟ عمرها ماحصلت !
15
كانت الفتاة تراقبه باهتمام وربتت على كتفه وهى تقول بحنان بالغ
-فداك يا حبيبي
-فدايا إيه بس ،ده فيه نمر تليفونات مهمة جدا ،شغلي كله معتمد
على التليفون ده ،مش عارف لو مالقيتهوش ها عوض كل المتسجل فيه
إزاى ؟
-يمكن يكون وقع منك واحنا ماشيين في الشارع أو وآنت ماشي لوحدك
قبل ماتييجى الكافيتريا ؟
-أنا كنت ماشـى مش باجري في ماراثون ،ولو كان وقع في الكافيتريا
كنت سمعت صوت وقعته
كانت تنظر له باستغراب ،ثم ابتسمت في مكر وهى تسأله:
-معقولة زعلك ده كله على عدة موبايل تقدر تشترى غيرها حالً،
وماتقنعنيش إنك ماتقدرش تعوض كل النمر اللي فيه أو أغلبها على
القل ...الموبايل ده كان فيه حاجه تانية أهم من كل ده ،مظبوط ولّ أنا
غلطانة ؟
لم تكد تكمل حديثها حتى رن جرس الهاتف على مكتب السكرتيرة
التي كانت ل تزال واقفة معهما ،فخرجت لترد على الهاتف ،لحظة من الصمت
مرت قبل أن يقول بصوت ضعيف:
-ل مش غلطانة ...أنا اللي غلط
-كان فيه حاجه تخصها ؟
ظل صامتا وهو ينظر في عينيها وكأنه يفكر أو يسترجع شيء ما
في ذاكرته ،بينما تابعت حديثها:
-رسايل منها مثلً ؟ صور أو فيديو أو صوتها ؟ وأكيد ليها نمر
تليفون عندك
-إيه اللي تعرفيه تاني عنى ؟
كان يبدو غاضبا وهو يسألها ،بينما كانت تبدو هي ل مبالية وهى تجيب:
16
-ده مجرد استنتاج ،أكيد كلمتك بعد ما اتجوزت أو بعتتلك رسايل في
مناسبات معينه وده يثبت أنها ماكانتش بتحبك ،عايزاك تفضل منشغل بيها
وحالك يقف ،وأكيد إنك عمرك ما كلمتها بعد ما اتجوزت لنك بتحبها
بجد ،أنا ممكن أساعدك ،بس انت كمان لزم تساعد نفسك
-بقولك إيه ...كفاية كدة ،يالّ بينا من هنا
قالها وهو يستدير متجها لباب الغرفة عندما أشارت إلى الظرف
الموضوع على الطاولة الصغيرة بجوار المقعد والذي أعطته له السكرتيرة:
-والظرف بتاعك مش هاتخده ؟
-كـنت ها نسى ،شـكرا
تناول الظرف ووضعه في جيب سترته الداخلي وخرج من المكتب
بعد أن ودع السكرتيرة ،بينما كانت هي تلحقه وكان هو ل يعبأ بها ،وعندما
وصل إلى سيارته وفتح الباب كانت هي بجواره...
-إنت بتهرب منى وال إيـه ؟
-ل خالص ...اركبي
أمسكت بيده ونظرت إليه بحنان شديد وهى تقول:
-أنت بتحبها قوى ،أنا حاسة بيك
دمعت عيناه وهو ينظر لها قبل أن تكمل:
-يا بختها ،خدت كل حاجه حلوه في الدنيا ،خدت الحب ،خدت
السرة والستقرار والولد...
قاطعها قائلً:
-وانا خدت بالجـزمة
نظرت إليه لحظة قبل أن تنفجر ضاحكة
-انتي بتضحكي على إيـه ؟
قالها باستغراب شديد بينما استمرت هي في الضحك ،فلم يتمالك
نفسه وأنفجر ضاحكا هو الخر ،فسألته بصعوبة بالغة:
-وانت بتضحك على إيـه ؟
17
-على خيبتي القويـة...
دارت حول السيارة بسعادة وركبت بجواره بينما كان هو أيضا
يجلس على مقعد السيارة ،أغلقا أبواب السيارة في وقت واحد ،وما أن أدار السيارة
حتى تحدثت بطفولة شديدة:
-نفسي أروح ملهي ،عمري ما رحتها ،عايزة العب ،عايزة الزمن
يرجع تاني لورا
-معقـولة ؟ !
-مـش مصدق ؟ أنا ماعشتش طفولتي ،أنا طول عمري شغل
وكازينوهات و.....
قاطعها باستغراب
-كازينوهات ؟
-قصدي ...فلوس يعنى،
كانت عيناها دامعتان وهى تكمل حديثها
-أنا ماعشتش حياتي ،أنا ماحبتش في حياتي بجد ،وباخسر أيام عمري،
والمقابل ؟ ...مايسواش ،مش باقولك ،يا بختها
-كانت ها تبقى زيك
-خلص ،حبني وادعيلي زيها ربنا يسترني
-وآخد بالجزمـة تاني ،أصل أنا موعود
-إنت إنسان عظيم
-هية شوطه ماشية في البلد ،تعالي نروح الملهي
قالها عندما بدأ يتحرك بالسيارة من أمام مكتب المطرب ،كان متجها
بالفعل إلى إحدى مدن الملهي
-6-
دخل الثنان إلى مدينة الملهي التي لم تكن تبعد كثيرا عن القاهرة،
والتي كانت في طريق السكندرية فكانت أقرب ملهي بالنسبة له ،كانت الساعة
تشير إلى الثانية ظهرا ،بينما كانت هي تضحك بصوت عالي وتجري وتصرخ
18
وتقفز كالطفال حتى تجمع جمهور من مرتادي الملهي ينظرون لهما ،وبينما كان
يضحك هو الخر مما يراه منها قال لها:
-اِهدِي شويةَ ،فرّجْتي الناس علينا
-إيه يعنى ؟ خليهم يتفرجوا ،طول عمرهم بيتفرجوا ،بلش نكون
متفرجين زيهم ،خلينا نكون أبطال ولو مره واحدة في عمرنا ،خلينا نسيب
كراسي المتفرجين وننزل المسرح تحت الضواء
-خايف لتحرقك الضواء
نظرت له بحب ،ثم لم تلبث أن أمسكت يده وأخذا يركضان في اتجاه
إحدى اللعاب ،كانت تصرفاتهما وحركاتهما تشبه الطفال وكان يبدو عليهما
استمتاع حقيقي ،حتى إنه بعد فترة من اللعب شعرا بالجهاد ،فجلسا على إحدى
الرائك المنتشرة في مدينة الملهي ،كانت ملمح وجهها تنطق بالسعادة عندما
قالت:
-عمري ما ضحكت من قلبي وفرحت في حياتي زى النهاردة
-يارب تكون حياتك كلها سعادة وفرح
-يارب تكون حياتك أنت اللي كلها سعادة ،ومش مهم أنا
-ده حب ده ول إيـه ؟
-معرفش ،لكن صدقني إنت جواك جمال ما يشفهوش غير اللي
يقرب منك و....
قاطعها وقد بدت عليه علمات التوتر
-كفاية ....الكلم ده بيعذبني
-كانت بتقولك زيـه ؟
-وأكثر منه بكـتير
-عايزة أقولك حاجة ...بس ماتزعلش منى
-مـش هازعل منك ،قولي اللي إنتي عايزاه
19
-أنت عندك نقطة ضعف قوية جدا ،فيه ناس ممكن يشوفوها عندك
ويستغلوها ،وناس ممكن ما يشوفوهاش ،بس المشكلة الحقيقية إنك مش
شايفها ول حاسس بيها كمان
-أصل أنا ماعنديش إحساس ،وبعدين عندي ضعف نظر...
قالها بسخرية قبل أن يكمل بنفاذ صبر:
-ممكن تقولي اللي عندك من غير مقدمات ؟
-انت عندك حاجة اسمها حب الفتقاد إلى الحب ،فراغ عاطفي مهول،
وعندك استعداد تحب أي واحدة تمل لك الفراغ ده ولو بالكلم ،إياك
تحبني ،إياك تتعلق بأوهام
-ما تخافيش عليّة ،خلص أتطعمت ضد الحب من زمان قوى
-التطعيم مش ها يجيب نتيجة
-وليـه؟
-لن الحب هو المرض الوحيد اللي مالوش تطعيم ،لنه مش مرض
معدي أصلً
كانت نظرات الستنكار تعلو وجهه وهو يستعد للدفاع عن وجهة
نظرة
-مـش معدي إزاى ؟ القلوب بتحس ببعضها ،ما سمعتيش عن التخاطر ؟
ومعروف إن الكلم اللي بيخرج من القلب بيدخل القلب ،مش كده ول
إيـه؟
-وأوقات كتير ما بيدخلش ،ما سمعتش عن الحب من طرف واحد ؟ عمره
عدى الطرف التاني؟
-عايزة توصلي ليـه ؟
-للنهايــة
-نهاية ؟ نهاية إيـه ؟
-انت نجحت في حاجات كتير ،بس النجاح مش مجرد إنجاز ،النجاح
الحقيقي هو انك تبقى سعيد بالنجاز اللي تعمله ،وتبقى عايز تبنى عليه مش
20
تكتفي باللي عملته وتزهق وتبتدي في حاجه تانية ومجال تاني ،تقدر تقوللي
انت بتشتغل إيه بالضبط ؟ وها تكمل في إيه ؟ الفن بالنسبالك هواية ولّ
جرّ ْد تنفيس عن ضغوط جواك ؟ انت شاعر ول ممثل ول
احتراف ولّ مُ َ
مؤلف ول إيه بالضبط ؟ أنا عارفه كويس إنها قلبت حالك وكيانك ومن
بعدها ما بَقاش ليك هدف محدد تسعى له ،أنا عارفه إنك حبيتها بجد ،لكن
لزم تعرف إن ليك دور كبير في اللي انت فيه ده ،انت اللي اديت فرصة
لخيال وحاجات كثير أقوى منك إنها تتحكم فيك...
-وانتي مالك بكل ده ،ودخلك إيه ودورك إيه ؟
كان يبدو عصبيا وهو يصرخ بهذه الكلمات وعيناه دامعتان فتكمل
بعد أن يهدأ صوتها...
-أنا كما كان ليه دور ،بـس خلص دوري انتهى ،أنا اللي نهيته وكان
لزم ينتهي من زمان قـوى ،صدقني ...ماتستاهلكش
-إنت قصدك إيه بكل ده ،دور إيه وانت علقتك إيه بالضبط ؟
كان يبدو عليه التعب وهو يتحدث غاضبا بهذه الكلمات قبل أن يكمل
بصوت مرتفع:
-أنا خلص ...تعبت ،قولي اللي عندك وريحيني
-أنا آسفة ،كلمي كان فيه حاجات خاصة بحياتي ودخل الكلم في
بعضه ...صدقني ،أنا آسفة بجد
أمسـك رأسه بيديه وكان يبدو عليه إرهاق شديد ،كان يشعر
بصداع ودوخه عندما نظرت له بلهفة شديدة قائلة:
-استنى ...ما تمشيش دلوقتي
-7-
كانت السيارة تبدو وكأنها مركب في عرض البحر ،فلم يكن هناك
في الطريق سواها ،وكان النهار ل يزال قبل الزوال ،كان يقود السيارة في طريق
السكندرية الصحراوي بعد أن غادرا مدينة الملهي ،نظر في ساعة يده ،كانت
الساعة تشير إلى الخامسة مساءً عندما قال لها:
21
-مـش عارف إيه اللي طلع السفرية دي في دماغك دلوقتي ؟
-مكان بحبه قوى ،رومانسي وجميل ،عالم تاني ،ده مكاني
الحقيقي ،عايزة أقعد معاك هناك
-مـش عارف إيه اللي مخليني أمشى وراكي
-أنا عارفه
-قولي يامّ العُرّيف
-انت ضيعت فرص كتير ،وال َمرّة دي مش عايز تضيع الفرصَة ،ممكن
تكون الفرصة الخيرة
-الفرصة الخيرة ليه ؟
-لنك تنساها ،وتبتدي بداية جديدة ،وتحط لنفسك هدف صح يناسب
قدراتك ومواهبك ،صدقني الوقت لسه ما فاتش ،الفرصة لو جت لباب بيتك
لزم تقوم وتمشى وتفتح لها الباب
-بـس أنا تعبان ،وحاليا عندي صداع و خايف ما قدرش أكمل الطريق
-ما تخفش ،ها ت َكمّل الطريق وها ترتاح قريب
-إنتي ليه كلمك غامض وكله ألغاز ؟ تصدقي إن أنا كل ده معرفش
حتى اسمك !
-تقدر تختار لي السم اللي يعجبك
لم يعقب على حديثها ،كان يفكر بعمق في هذه الزائرة الغامضة وكلمها
بينما كانت هي تختلس النظر له من حين لخرَ .مرّت أكثر من ساعة
والصمت وصوت الكاسيت بالسيارة هما المتحدثان الساسيان داخل السيارة
المسافرة ،وعندما بدأت الشمس في الغروب قطعت هي حبل الصمت...
-خلص ...قربنا نوصل
-أخيرا...
-مستعجل قوى للدرجادى ؟
-صدقيني ...تعبان و خايف من تعبي عليكي ،أنا اللي سايق
-بيتهيألك
22
-وبعدين معاكي ؟
-ول قبلين ،جَـه الوقت اللي لزم أكون صريحة معاك فيه
-على قد ما بحب الصراحة على قد ما بخاف منها ،صراحتها خسرتنا
بعض
-أحيانا الصراحة بتكون حب ،وأحيانا بتكون عدم اهتمام واستهتار
بمشاعر الخرين
-انتي مين فيهم ؟
-أنــا الحـب.....
كانت تتحدث بحنان شديد وكأنها تخشى عليه من شيء ما ،بينما كان رده
عليها فيه نبره تهكمية ساخرة وهو يقول:
-هية دي بقة الصراحة ؟ !
ظلت صامته للحظات تتأمله وهو يقود السيارة قبل أن تسأله:
-انت عارف أنا باشتغل إيـه ؟
-إنت قولتيلي إنك اشتغلتي حاجات كتير
-وحاليا ...بنـت ليل ،بائعة هوى يعنى
-بتبيعي نفسـك ؟ خسارة ،وبتجيلك الجرأة تساومي على الثمن ؟
قالها بصوت حزين يؤكد الحزن الذي ظهر على ملمح وجهه...
-حتى لو السعادة بتتباع ،هتلقي ناس بيساوموا على الثمن
-كملي ...كملي الصراحة
-أنا لما اتعرفت عليك في الكافتيريا كنت عايزة أعلق زبون ،ما كنتش
عايزة أحبك
-إنتي كدابة ،إنتي بتقوليلي الكلم ده ليه ؟
كان يصرخ بهذه الكلمات وكأنه يفيق من حلم جميل وينتقل إلي كابوس
مرعب بينما استمرت هي في الكلم...
-أنا لما قلتلك أنى مديونة بتلتميت جنيه كنت كدابة وعايزة منّك فلوس
وبس
23
-مانتي ما خدتيش حاجة
-والمكان اللي رايحينه ده ،عندي معاد هناك ،آخر معاد ،كنت واخداك
مجرد تاكسي ببلش
-قرفتيني من نفسي ،منظري وانا سايق العربية زبالة
-ماتزعلش منى ،كان لزم تعرف
-وأديني عرفت ،إيه المطلوب منى ؟ أنزلك هنا في نص الطريق وال
أوصلك ؟
-مانت وصلتها قبل كده
-وصلتها لجوزهـا
كان يصرخ بهستيريا وصوته جريح بينما أكملت هي ببرود ل يتناسب مع
الموقف...
-كنت تاكسي ببلش برضـه
-كدابة ،هيّه ماكانتش بتضحك عليّة ...
-أنا اللي مابتضحكش عليك ،أنا صريحة معاك ،أنا اديتك مشاعر
ماديتهاش لحد في عمري
-وعايزة إيه دلوقتي ؟ إيصال استلم ؟
-عايزاك تفوق من الوهم اللي انت فيـه
-بوهم تاني ؟ وانتي يهمك في إيه أمري أصلً ؟
-أنا ...بحبـك
نظر لها باستغراب ،لكنه لم يتكلم
-8-
وصل الثنان إلى المكان الذي تقصده الفتاة ،كان المكان ساحر الجمال،
عبارة عن حديقة غنّاء تطل على قناة عريضة متفرعة من نهر النيل ،الكثير من
الزهار والورود بكافة النواع واللوان منتشرة في الحديقة خاصة حول جذع
شجرة عريضة مكسـور وملقى على الرض ،كانت الشمس على وشك المغيب
عندما وقفت السيارة بالقرب من الجذع المكسور ،خرجت هي من السيارة واتجهت
24
نحو جذع الشجرة لتجلس علية بينما ظل هو في السيارة للحظات قبل أن ينزل
متباطئا ويتجه نحوها ليجلس على الرض وهو يقول بسخرية:
-بتحبينـي !
-قـوى
-في يوم واحد بـس ؟
-من قبل كده بكتير
-كلكم كدابين ،كلكم منافقين
-شفني زى مانت عايز ،ما يهمنيش ،كفاية عليه أنى بحبك وبس
-حـب ؟ حب إيه اللي جايّه تتكلمي فيه ؟ بأمارة إيه ؟
-بأمارة أنى لو كنت عايزة أكدب عليك لغاية لما أخليك تحبني كنت كملت
معاك
-ومين قالك إني مـش...
سـكت سريعا قبل أن يكمل وكأنه كان سيرتكب خطأ ما ،فتحدثت هي:
حبّي ليك وبـس ،ما
-إياك تصدق إنك حبتـني ،انت ممكن تكون حبيت ُ
ينفعش تحبني
-ليه؟ لنك كل يوم مع واحد؟ كل يوم كدبه جديدة ؟ كل يوم خيانة ونصب
وضحية جديدة ؟
-ما تحكمش على الناس بالمظاهر ،ول حتى بالكلم اللي بيقولوه عن
نفسهم ،احكم على الناس بإحساسك وبخبرتك وبذكائك ،خدعك مظهرها زى
ما خدعك مظهري ،خدعك كلمي زى مخدعك كلمها ،بـس الفرق بيني
وبينها اني مش عايزة أتحول لوهم في خيالك زيها ،ول عايزة احرق سنين
تاني من عمرك ،عايزاك تكون ناجح وسعيد ،عايزاك تنساني
-أنساكي ؟ ...وصلنا للنهاية خلص ؟
-أنا اللي وصلت للنهاية ،لكن أنت لسه الطريق قدامك طويل ،ويادوب
تبتدي عشان تلحق توصل
-طيب مـش محتاجه تاكسي ببلش برضه يروّحِك بعد المعاد بتاعك ؟
25
كان يتحدث والدموع تترقرق في عينيه ،بينما ل يبدو عليها أي
حزن أو تأثر وكأنها قالب من الثلج في فصل الشتاء ،ل يذوب
-ومين قالك أن أنا ما َروّحتش ،أنا مش قلتلك أن ده مكاني الحقيقي ،أنت
خلص َروّحتني ،وفاضل أنا كمان أطمّن عليك لغاية لما ت َروّح بالسلمة
-وهتطمّني إزاي وتعرفي إني روحت بالسلمة ؟
قامت بقطف وردة حمراء كانت بين قدميها بجوار جذع الشجرة ثم أخرجت
من جيبها منديل أبيض اللون عقدته على الوردة قبل أن تقبلها وتعطيها له
-خللي دي معاك ،وانا هابقى م ّ
طمِنة عليك
-إيه دي؟
-حاجة ...ممكن تؤذي وممكن تحمي ،بس هيّة معاك عشان تحميك
-الحامي هـو ال
-وربنا يسبب السباب
وضع الوردة في جيب سترته الداخلي وهو يقول:
-طيب ...مـش عايزة مني حاجة قبل ما مشـي ؟
-باتمنالك حياة سعيدة ،يالّ بقـى ،الدنيا بقت ليل خلص
رغم أنه كان دامع العينين إلّ أنها كانت ل تزال تتحدث ببرود شديد
-مستعجلة قوى أنى أمشى ؟
-مانت كنت مستعجل قوى أنك توصل
-ما كنتش أعرف إنها النهاية
-ومين قالك إن دي النهاية ؟ دي البداية ...صدقني
-طيب ،أمشى أزاي واسيبك هنا لوحدك؟ أنا مـش شايف حد في
المنطقة دي خالص
-ما تخافش عليّه ،دي منطقتي وده مكاني وأنا أدرى بيـه
-قلبي كان حاسس إن الحلم ده ها صحى منه زي كل مرة
-صدقني ،ده ما كانش حلم
26
-عموما ...واضح إن الرحلة انتهت ،ربنـا يحميكي ،خللي بالِك من
نفسـك
كانت تبتسم له قبل أن يستدير متجها لسيارته ويلقى عليها نظرة وداع
دا ِمعَة ،ركب السيارة وما إن انطلق بها عائدا من نفـس الطريق حتى انفجرت
هي باكية وهى تتمتم قائلة:
-كان لزم أعمل كدة ،كان لزم أعمل كدة ،مع السلمة يا حبيبي ...يا
إنسان
-9-
كان يقود السيارة وهو يشعر بتعب شديد وإجهاد لم يشعر بمثله من قبل فهو
لم ينم جيدا بالمس ،ولم يتناول منذ الصباح سوى عصير المانجة في الكافيتريا،
كان يفكر في كل ما حدث في هذا اليوم الغريب ،في هذه الفتاة التي اقتحمت حياته
فجأة بل أيّة مقدمات ،وابتعدت فجأة أيضا بدون سبب وجيه ومقنع من وجهة
نظرة،
" إنت عندك حاجة اسمها حـب الفتقاد إلى الحب ،وعندك استعداد تحب
أي واحده تمل لك الفراغ ده ولو بالكلم "
" الفرصة لو جت لباب بيتك لزم تقوم وتمشى وتفتح لها الباب "
" الصراحة أوقات بتكون حب وأحيانا بتكون عدم مبالة واستهتار بمشاعر
الخرين "
" حتى لو السعادة بتتباع ،ها تلقي ناس بيساوموا على الثمن "
" ما تحكمش على الناس بالمظاهر ،ول بالكلم اللي بيقولوه عن نفسهم،
احكم على الناس بإحساسك وخبرتك وذكائك "
كان يحاول تفسير كلماتها الغامضة والمليئة بالنصائح والحكم بينما كان
يغالب النعاس أيضا ،ظل عقله الباطن يفكر في كل ما حدث لكن عقله الواعي لم
يستطع الصمود أكثر من ذلك حتى سقط رأسه على مقود السيارة بينما كانت يده
تمسك بالوردة الحمراء والمنديل المنعقد حولها.
-10-
27
شـق السكون صوت رنين موبايل ،نفس صوت رنين الموبايل الخاص
بها ،استيقظ سريعا وهو يرفع رأسه من بين ذراعيه ليجد نفسه في نفس الكافيتريا
التي كان فيها في الصباح ،شعر باندهاش شديد وذهول ،تلفت حوله فلم يجد أحد،
حتى الطاولة التي كانت تجلس عليها عندما دخلت الكافيتريا كانت خالية ،ثلثة
أكواب من عصير المانجة على طاولته شبة فارغة ،كان الموبايل ل يزال يرِنّ ،لم
تكن هذه هي ال َرنّة الخاصة بتليفونه ،لكنها كانت نغمة موبايلها هي ،كان المتصل
هو المطرب...
-الو...
أنا فين إزاي يعني ! أنا جيت لك المكتب في المعاد وما لقيتكش...
مش ممكن !...
والظرف اللي سيبتهولي مع السكرتيرة الجديدة ؟...
يعني إيه ما سيبتليش ظرف ول فيه سكرتيرة جديدة ؟...
حضرتك وال أنا ل بهزر ول شارب حاجة...
طيب اسمح لي أنا ها كلّمك بعد شوية ...مع السلمة
أنهى المكالمة ونظر إلى الموبايل باستغراب شديد ،حاول البحث عن أشياء
خاصة مسجله داخل الجهاز...
-كل حاجه خاصة بيها اتمسحت ،راحت ،اشمعنى هيه بس ،معقول ؟
كان يحدث نفسه بينما تذكر فجأة أن الظرف الذي أخذه من سكرتيرة
المطرب كان قد وضعه في جيب سترته الداخلي ،وضع يده في جيبه فوجد
الظرف ،كانت يده ترتعش وهو يخرجه من جيبه ،فتحه بسرعة وأخرج ما في
الظرف ،كانت وردة خشبية عليها بعض النقوش الغريبة ومربوط عليها منديل
ابيض عليه بقعة جافة من الدم...
ـ ده ...
ده ما كانش حلم ! ...
قام متجها نحو باب الخروج من الكافتيريا ،في نفس هذه اللحظة كانت
هناك أسرة تدخل من الباب ،امرأة ورجل وثلثة أطفال ،توقف الجميع للحظة،
كان جسده يرتجف وهو ينظر لها ،نظر إلى الرجل ،نظر إلى الطفال الثلثة،
28
دمعت عيناه وهو يلقـى عليها النظرة الخيرة قبل أن يستمر في طريقه خارجا
من الكافتيريا ،وتكمل هي وزوجها وأطفالهما الدخول...
-كانت هِيّه ...كانت غرام -
قصة غرام
و َّ
صاف الغرام
29
-1-
"ما كانش حلم" بالفعل لم يكن حلما ذلك الذي عاشه هذا الشاب العاشق ،كان
يوما غريبا وحافلً ،تكاد تنطبق عليه أغنية العندليب السمر عبد الحليم حافظ
والتي شدا فيها بهذه الكلمات "يوم من عمري هوة اليوم اللي اتهنيت فيه واللي
بكيت منه وعليه" ،من هي تلك الفتاة الغريبة التي ظهرت في حياته فجأة في
كافتيريا الذكريات ،لتختفي فجأة أيضا كما ظهرت في نفس الكافتيريا ولكن بعد أن
تترك آثارا مادية تثبت له أنه لم يكن في حلم من الحلم التي كانت تراوده عادة
لتهون عليه قسوة الواقع الذي يعيشه ،عذاب الحب وانتقام الغرام...
لم تكن نهاية القصة عندما التقى الشاب بحبيبته القديمة أثناء مغادرته
الكافتيريا لحظة دخولها هي وزوجها وأبنائهم الثلثة ،كانت أول مرة يراها منذ
آخر لقاء مضى عليه أكثر من سبع سنوات ،كان المفترض أن تنتهي القصة عند
هذا الحد ليبدأ هو حياته من جديد ،غير أنها صرخت عليه بلهفة:
-وصّاف ...استنى!
كان وصّاف على وشك أن يعبر الشارع عندما سمع هذا الصوت الذي
طالما أحبه ،التفت إليها ليجدها تركض نحوه ،كان زائغ العينين مرهقا ،وبالرغم
من دهشته إل أنه صرخ فيها بغضب لم تعهده فيه طيلة علقتهما القديمة:
-ابعدي عني يا غرام !
قالها وهو يركض نحو سيارته محاولً البتعاد عنها ،ولم تكد تقترب منه
حتى سمع صوت غليظ مرعب لسيارة نقل ضخمة مسرعة ،لم يكد يلمحها وهي
تتجه نحو غرام وعلى وشك الصطدام بها حتى استدار عائدا وهو يصرخ برعب:
-ابعدي...
30
وفي نفس اللحظة التي دفعها بيديه ،كانت السيارة الضخمة ترتطم بجسده
النحيل ملقية به لعدة أمتار ،ليسقط بعيدا مضرجا في دمائه ،بينما اختلت عجلة
القيادة في يد السائق لتصعد السيارة فوق رصيف الشارع وتنقلب محدثة دويّـا
هائلً ،لكنه شعر بأن صوتها أعلى من هذا الدويّ الهائل وهي تقترب منه:
-وصّاف حبيبي !
كان على وشك أن يفقد وعيه وهو يتمتم بصعوبة بالغة:
-ليه يا غرام ؟ قتلتيني مرتين ،قلبي اللي مات زمان فدى قلبك،
و النهاردة باموت فداكي...
حاولت أن تحتضن هذا الجسد الممزق بحنان بالغ بينما كانت تبكي وهي
تقول:
-مش هاسيبك تموت يا حبيبي ،ماعنديش استعداد أخسرك تاني ،انت
ها تعيش ...علشاني.
كان الناس قد بدأوا في التجمهر وكأنهم كانوا في النتظار ،أصوات
استغاثة ،وصوت سيارة إسعاف لم يكن من المعتاد وصولها لمواقع الحوادث بهذه
السرعة ،كان زوج غرام بجوار البناء الذين كانوا ينظرون بدهشة وخوف لهذا
المشهد الذي لم يستغرق من الزمن إل ثواني معدودة ...هذا آخر ما رآه وصّاف
قبل أن يفقد وعيه تماما وهو بين يديها وسط بركة حمراء من الدم ...دمه.
-2-
-حالته حرجة جدا ،احتاج نقل كمية كبيرة من الدم وبذلنا مجهود خرافي
علشان نقدر نوفره خاصة إن فصيلة دمه نادرة ،وعنده كسور مضاعفة متعددة
وارتجاج في المخ وتهشم للفقرات العنقية ،واحنا لسّة في مرحلة التقييم علشان
نعرف حجم الضرر علي العصاب وهل حدث تلف نهائي ول جزئي ،إحنا في
سباق مع الزمن يافندم.
كان الضابط يستمع باهتمام لهذا الطبيب وهو يشرح حالة وصّاف ،وكان
من الواضح أنه في حالة ل تسمح بالحديث ،لذا سأل الضابط الطبيب عن حالة
سائق سيارة النقل وهل تسمح بالستجواب أم ل !!
31
-تقدر تستجوبه يافندم ،هوة في كامل وعيه وإصاباته كلها كسور
بسيطة وكدمات.
اتجه الطبيب ومعه الضابط نحو غرفة السائق والذي كان مستلقيـا فـوق
السرير وعليه بعض الجبائر والربطة...
الضابط :سلمتك يا عم حسن.
حسـن :ال يسلمك يا بيه.
الضابط :ممكن تحكيلي اللي حصل بالضبط.
حسـن :أنا كنت ماشي يا بيه بالعربية في شارع الهرم ،بالسرعة
القانونية وال يا سعادة البيه ،والظاهر إن النور كان مقطوع في
المنطقة اللي حصل فيها اللي حصل لن الشارع كان ضلمة ،
وفجأة لقيت واحد بيجري قدامي ،حاولت أتفاداه لقيت واحدة تانية
قدامي ،كلكست بالعربية وحاولت أضرب فرامل مالقيتهاش ،
هربت الفرامل مني يا باشا وحصل اللي حصل.
الضابط :انت بتاخد أدوية معينة يا عم حسن؟
حسـن :ل يا بيه ،ده حتى السوجارة ما بشربهاش.
الضابط :عموما احنا ما لقيناش عندك أي آثار للمخدرات ول الكحول يا
عم حسن ،وتقرير الخبراء بيأكد إن الفرامل اتعطلت فجأة ،وده
بيأكد كلمك.
حسـن :الفرامل كانت سليمة وال يا بيه ،أنا جاي بالعربية من إسكندرية
ووقفتها ياما طول الطريق ،مش عارف إيه اللي حصلها
ساعتها ،زي ما يكون لبسها عفريت ،قدر يا بيه.
الضابط :عموما إحنا بنحاول نعرف سبب تعطل الفرامل ،وهنتقابل تاني،
بس لما تخف وتقوم بالسلمة.
حسـن :أنا تحت أمرك يا باشا.
غادر الضابط الغرفة وهو يفكر في غرابة المر ،تقرير الخبراء يقول أن
الفرامل تعطلت بفعل فاعل ،والسيارة كانت سليمة طوال الطريق ،وكانت الفرامل
32
تعمل ،إذن تعطلت الفرامل لحظة وقوع الحادث بفعل فاعل ! وهذا غير منطقي،
فما الذي حدث ؟ ،ظل الضابط يفكر وهو يغادر المستشفى متجها لمكتبه وهو
ينوي الطلع على التقرير مرة أخرى ،ولم يعلم لماذا طرأ في ذهنه ذلك المسلسل
الشهير الغامض "اكس فايلز" !!...
-3-
كانت هناك حركة غير معتادة في المستشفى ،كثير من أصدقاء وصّاف
وأقاربه ،بل وكثير من معجبيه الذين تأثروا بأشعاره التي كان ينشرها دائما والتي
تغنّي بها بعض المطربين ،بل أيضا كان هناك معجبين بأدواره التمثيلية – رغم
قلتها – لنه كان صادقا في أدائه لدرجة أدخلته قلب كل من شاهده ،كان الجميع
يدخلون إحدى قاعات المستشفى والتي تبدو وكأنها جهزت لمؤتمر ما ،الكراسي
مصفوفة في مواجهة منصة منصوبة في القاعة وعليها ثلث كراسي ،كان والده
الدامع العينين يجلس في أول صف بجوار والدته التي كانت تبكي بحرقة وهي
تتحدث:
-يعني إيه يعني ؟ ها ن َموّت ابننا بإيدينا ؟
الب :الدكاترة بيقولوا إنه مات ،والجهزة اللي عليه دي مالهاش لزمة ،
والمصاريف عالية قوي ،وادي احنا بقالنا شهر وهوة زي ما هوة
ومافيش فايدة ،وحدي ال ،الحي أبقى من الميت ،يعني لو صرفنا
كل اللي معانا الحال مش ها يتغير وها نوصل لنفس النتيجة ،يبقى
نسيب قرشين لخواته أحسن .
الم :يا عيني عليك يا بني ،مالحقش يتهنى بشبابه ،كنت عايزة أفرح بيه
ويخش دنيا يقوم يخرج منها ؟ كده يا حبيبي ،ليه يا وصّاف...
الب :إرادة ربنا ،ربنا يصبرنا.
في هذه اللحظات كان مجموعة من الدكاترة يدخلون إلى القاعة ويأخذون
أماكنهم علي المنصة ،بينما أخذ الجميع في النتباه وكان الحزن هو العامل
المشترك بين الجميع ،حيث كانت الدموع في أعين الكثير من الحضور ،ولم تكد
القاعة تغلق حتى بدأ أكبر الطباء سنا في الحديث:
33
-بسم ال الرحمن الرحيم ،السادة الحضور ...باسم المستشفى
وزملئي الطباء وكافة الطقم العاملة بالمستشفى بارحب بيكم
جميعا ،وفي بداية هذا اللقاء أحب أشرح حالة وصّاف قبل ما
نتخذ قرار عادة ما يتخذ في مثل هذه الحالت ،الفنان وصّاف
وصل المستشفى بعد إصابته في الحادث اللي كلنا عارفينه،
الحالة كانت حرجة جدا ومعقدة ،فقد كميات كبيرة من الدم اللي
تم تعويضه ،ارتجاج في المخ وكسور مضاعفة قمنا بوضع
برنامج علج لها على أعلي مستوى ،حاولنا أن نحجم من التلف
العصبي المصاحب للكسور في الفقرات العنقية ،ورغم التحسن
العضوي الذي بدأنا نلحظه علي الحالة ،إل أن وصّاف ظل في
حالة غيبوبة عميقة منذ وصوله نتيجة لتأثر المراكز العصبية في
الدماغ ،ومن عشر أيام تدهورت جميع أجهزة وأعضاء وصّاف
لمستوى أصبحت فيه الحالة ميؤس منها بجميع المقاييس الطبية،
وأصبح معتمدا اعتمادا كليا على الجهزة الطبية ،والحالة دي
بتسّمى طبيا موت إكلينيكي ،وهي حالة ممكن تستمر لفترات
طويلة جدا ،لذلك عادة ما ُيتّخذ القرار في مثل هذه الحالت
بفصل الجهزة ،ولو كان المل كبير في نجاة مثل هذه الحالة لما
ادخرنا أي جهد ،لذا نضع الصورة كاملة أمامكم قبل أن نبدأ في
فصل أجهزة العاشة ،واحنا تحت أمركم للجابة على أي
استفسار أو سؤال...
لحظات من الصمت كان يتخللها نحيب والدته قبل أن يقف أحد الحضور
ليسأل:
-هوة مافيش حد مات موت إكلينيكي وخف يا دكتور؟
الدكتور :فيه حالت نادرة جدا ما نقدرش نعتبرها قاعدة ونقيس عليها ،وما
تكررتش إل مرات ما تزيدش عن صوابع اليد الواحدة في تاريخ
الطب ،وكانت أقرب للمعجزات ،فيه أسئلة تاني ؟
34
كان الجميع صامتا للحظات قبل أن يستدرك الطبيب قائلً:
-ها يتم فصل الجهزة بعد المؤتمر واتخاذ كافة الجراءات اللزمة و...
قاطعه فتح باب القاعة لتدخل غرام ،كانت تبدو واثقة من نفسها ول يبدو
عليها الحزن ،تحدثت غرام بصوت مرتفع:
-لو سمحت يا دكتور ،ممكن أعرف قلبه عايش ول ميت ؟
كان جميع الحضور ينظرون إليها باستغراب ،كما نظر الدكتور إلي زملئه
الطباء علي المنصة ليتحدث أحدهم...
دكتور : 2ما نقدرش نقول عايش ول ميت ،لكن اللي نقدر نقوله إنه لزال
يعمل بمساعدة خارجية ،كذلك الدماغ !! ...
غرام :أنا مستعدة أتحمل تكاليف وجوده في المستشفى طول ما قلبه عايش،
حتى لو كان ده احتمال واحد في الِميّة ،مستحيل نكون سبب في
موت قلب النسان ده.
دكتور : 3احتمالت نجاته شبه مستحيلة ،والمصاريف اللي ها تدفعيها هنا
ممكن تصرفيها على روحه في أوجه الخير ،وخللي بالك
المصاريف هاتكون عالية جدا.
غرام :أيا كانت المصاريف ،أنا مسئولة عن كل المصاريف لغاية لما
يقوم ويخف.
الدكتور :أو القلب يموت ،وده شيء رغم إننا مش بنتمناه لكنه متوقع ،
عموما ما نقدرش نمنع المحاولة ،مش ها نفصل الجهزة.
يهنئ الحضور بعضهم بعضا بينما تصرخ أمه وهي تحاول الوصول لغرام
ومعها الب...
-ربنا يكرمك يا بنتي ،يارب يخف ويقوم وتكوني من نصيبه،
يارب يا حبيبتي يا بنتي.
الب :ممكن أعرف يا بنتي إنتي مين ؟ وعملتي كدة ليه ؟
غرام :مش مهم المعرفة ،المهم النتيجة.
35
كانت تبدو في حالة سرحان وهي تنطق بهذه الكلمات ،قبل أن تستدير
لتخرج من القاعة ،تاركة ورائها كثير من علمات الستفهام...
-4-
كان الجو جميل وصحوا في تلك المنطقة الخلّبة المناظر ،مجموعة من
جبال البحر الحمر تطل على مياه البحر الشديدة الزرقة ،أعشاب وزهور متناثرة
في كل مكان ،وبخلف صوت أمواج البحر ونسيمه ،لم يكن هناك سوى صوت
وقع أقدامهما الحافيتان ،وصّاف وغرام ،كان يمشي بصعوبة شديدة معتمدا عليها
عندما قال لها بصوت حزين:
-ما كنتش عايز أعيش ،أو على القل أفقد الذاكرة وانساكي ،إنتي
عايزة مني إيه؟ جايباني هنا ليه؟ كفاية عذاب أرجوكي.
غرام :كفاية يا وصّاف ،كفاية العذاب اللي عشته من يوم ما سبتني ،كفاية
إني كنت باموت بدالك كل يوم ألف مرة طول الشهور اللي كنت
فيها في المستشفى أقرب للموت منك للحياة ،أنا باعمل المستحيل
علشان تعيش ،مش كفاية ضحيت بنفسك علشاني !
وصّاف :يا ريتني نسيتك من زمان ،يا ريتني !
غرام :كنت تقدر ،بس كان فيه شيء أقوى منك.
وصّاف :إيه هوة ؟
غرام :أنا ! ...
وصّاف :إنتي !! تصدقي كنت هاسألك إنتي مين ! إنتي غريبة ،مش انتي
غرام اللي كنت أعرفها زمان.
غرام :ومين قال اني هية ! ...
وصّاف :قصدك إيه ؟
غرام :أنا النهاردة انسانة جديدة ،اتولدت من جديد ،الشيء الوحيد
المشترك بيني وبينها ...هوة إنت ! ...
وصّاف :بينك وبينها ؟
غرام :أنا وغرام القديمة.
36
وصّاف :إنتي جايباني هنا ليه يا غرام ؟
غرام :إنت ناسي إن الدكاترة نصحوك تغير جو ،وطلبوا إنك تقضي فترة
نقاهة في أماكن طبيعية مفتوحة ؟ والضعف والتنميل اللي حاسس
بيهم محتاجين قوة إرادة وعزيمة ،لزم تخف وعهدي بيك انك
ارادتك قوية.
وصّاف :بس أنا ماجيتش علشان أخف ،أنا جيت علشان أعرف بعتيني
ليه وانتي عارفة قد إيه أنا كنت باحبك.
غرام :كنت ؟ !!!
قالتها ثم انفجرت ضاحكة ،كانت تضحك بطريقة هستيرية أثارت استغرابه،
حتى أنه لم يلحظ تلك الدموع التي ترقرقت في عينيها قبل أن تكمل...
-إنت لسة بتحب غرام ،ما تنكرش.
وصّاف :لما انتي متأكدة قوي كدة ،إيه اللي حصل ؟
غرام :سيبك من اللي فات ،اللي بيفوت بيموت ،إنت غلطت وانا كمان
غلطت ،وكل واحد فينا عارف كويس هوة غلطان في إيه ،وفي
الخر ! أنا وانت أهه ! مع بعض ،اتعلمنا وهانبتدي من جديد،
هانحلم ونحقق الحلم ،هاننجح مع بعض ونعيش مع بعض و...
قاطعها وصّاف في صرامة...
-وجوزك ؟ وولدكم ؟
نظرت له باستغراب لوهلة من الزمن قبل أن تتحدث ببطئ شديد...
-إحنا منفصلين من شهور طويلة ،ماقدرتش أستحمل أعيش معاه،
كنت إنت اللي في قلبي وعقلي من يوم ما بعدت ،كنت باقابله في
الكافتيريا علشان يشوف ولده وبس ،حتى الولد مش بيحبوه،
وباغصب عليهم يشوفوا أبوهم..
وصّاف :لما انتي ما ستحملتيش العيش معاه ،إيه خلكي تخلفي منه تلت
عيال ؟
37
غرام :إرادة ربنا ،سيبك من ده كله ،عيش اللحظة ،حب الحياة ،كفاية
إني أنا وانت لوحدنا في أجمل مكان في العالم ،فاكر لما كنت
بتقوللي نفسك تعيش معايا في جزيرة معزولة عن الدنيا ما فيهاش
غيرنا ؟
وصّاف :عمري ما نسيت ،عشت فيها لوحدي وصورتك معايا ،ولما
جيتي كانت صحتي راحت ،أنا باتنفس بصعوبة وكل حاجة في
جسمي متلصمة.
غرام :إنت بتتحسن ،وبإيدك تساعد نفسك ...
نظر إليها باستغراب قبل أن يقول:
-كلمك يشبه كلم...
صمت للحظة قبل أن تقاطعه هي:
-تيجي نطلع الجبل ده ؟
وصّاف :جبل مرة واحدة ،هوة أنا قادر أمشي علشان أطلع جبل ؟!!...
غرام :الجبل مش عالي ،تعال نحاول يمكن ننجح ...ونوصل
وصّاف :يمكن ؟
ثم استطرد بصوت ضعيف وكأنه يتذكر...
-كنت أعرف واحدة ماكانتش تعرف يمكن ،كانت دايما متأكدة...
غرام :مفتقدها ؟
كانت تنظر له بكل ما في الدنيا من حنان ولهفة وهي تسأله.
وصّاف :إنتي عارفة أنا باتكلم عن مين ؟
كان يزداد تعبا وإنهاكا وهو يتحدث عندما أجابته:
-أوعدك إني أجاوبك على السؤال ده لو طلعنا الجبل.
وصّاف :ولو فشلت ؟
غرام :ها جاوبك برضه ،ل النجاح بإدينا ول الفشل ،إحنا ما نملكش في
الحياة كلها إل المحاولة.
حاول أن يتصنع المرح وهو يقول:
38
-إنتي ناوية على إيه ؟ شكلك ها ترميني من فوق.
غرام :أنا باحاول ألحقك قبل ما تقع .
كانا ينظران للجبل سويا قبل أن تمسك يده بيدها ليبدئان في التسلق ،كانا
كلما صعدا جزءا من الجبل نظرا لبعضهما البعض ،كان يحاول أن يستمد منها
القوة ،وبالفعل كان يشعر أحيانا بالقوة والراحة ،لكن ل يلبث أن ينهار وشعر
بالضعف الشديد عندما وصل لجزء صخري شديد النحدار ،عندها قال بصوت
ضعيف ل يكاد يُسمَع:
-مش قادر أكمل ...نفسي بيتقطع...
لم يكد يكمل الجملة حتى انزلقت صخرة من تحت قدم غرام لتصرخ وهي
تمد يدها لوصّاف :
-وصّاف الحقني.
في نفس اللحظة التي أمسكها وصّاف بيده اليسرى بينما يده اليمنى ممسكة
بصخرة عملقة ذات تجاويف غريبة الشكل ،كان جسدها معلقا في الهواء بالكامل
وهي تصرخ:
-شدني يا وصّاف.
كان بالفعل ل يستطيع فهو يكاد يفقد وعيه من شدة النهاك ولكنه يقاوم من
أجلها...
غرام :ها تسيب حبيبتك تموت ؟
حاول أن يرفعها مرة ثانية ،وبالفعل كان يبدو عليه أنه استجمع قواه من
أجلها ،ولكنه في لحظة توقف عن رفعها ،ولكنه كان ل يزال يمسك بها بقوة
واضحة عندما قال لها وكأنه على وشك اتخاذ قرار مجبر عليه...
وصّاف :لو ماقدرتش ها سيب نفسي معاكي.
كان على وشك أن يجلسها على صخرة قريبة منها ،لكن قواه خارت تماما
فجأة ،لكنه ظل ممسكا بها وهو يقول في يأس:
-أنا خلص بانهار.
غرام :أنا عملت المستحيل علشان تعيش ،حاول تعيش ،حاول يا حبيبي.
39
كانت تبكي وهي تقول هذه الكلمات ،كانت تخشى عليه وكأنها ل تعبأ
بنفسها الن...
وصّاف :مش قادر ...
قالها صارخا وهو يفقد القدرة على المساك بالصخرة ،ليسقطا سويا فتمسك
هي صخرة أخرى بيدها اليسرى بينما كانت ل تزال ممسكة بيده اليسرى ،فيتعلق
هو بها ،كان ينظر لها باستغراب شديد وهو يرى وجه غرام يتحول إلى وجه
شبيهتها التي قابلته في الكافتيريا ،كانت الدموع تتساقط من عينيها وهي تقول في
يأس:
-خلص ...مافيش فايدة.
-5-
كان الحزن يخيم علي مجموعة التمريض في غرفة العناية المركزة
بالمستشفى وهم يستمعون للطبيب المعالج والمسئول عن حالته ،قبل أن تقول
إحدى الممرضات:
-يعني إيه مافيش فايدة يا دكتور ؟
الدكتور :تذبذب القراءات في أجهزة العاشة ده معناه إن القلب بيتوقف
عن العمل و بيموت ،ماعدش فيه فايدة من وجود الجهزة دي.
ممرض : 1طيب يا دكتور مش ها نبلغ الست اللي بتدفع مصاريف علجه
قبل ما نتخذ أي إجراء ؟
الدكتور :وال الست دي غريبة جدا ،من يوم المؤتمر ما ظهرتش ول
نعرف عنها حاجة ،ومصاريف العلج بتتحوّل دوريا للمستشفى ،
و هيّه مش سايبة أي وسيلة اتصال ،عموما إحنا ها نعلن في
وسائل العلم إننا فصلنا الجهزة ،وأكيد ها تعرف علشان تبقى
موجودة في الدفن والعزاء .
ممرض : 2يعني نفصل الجهزة يا دكتور؟
كان الدكتور يبدو شارد الذهن وهو ينظر لجسد وصّاف المسجى أمامه
علي السرير ،وعليه الوصلت والربطة وخراطيم التغذية...
40
-6-
كان وصّاف ل يزال متعلقا بيدها ،كان يسمع الكلم مشوشا ول يعلم أين
هو الن ،لذا كان يصرخ بصوت مبحوح وضعيف:
-أنا فين ؟ ومافيش فايدة في إيه ؟ وأجهزة إيه ؟ إنتي ....إنتي
مين؟
ل صغيرا حتى أجلسته على
كانت ترفعه بيدها في سهولة وكأنها ترفع طف ً
صخرة بجوارها ،لم يستطع الجلوس فاستلقى على ظهره ،بينما تحدثت هي
باكية:
-إنت بتموت يا حبيبي خلص ...قلبك رافض الحياة و بيموت...
وصّاف :إنتي مين ؟
-قلتلك قبل كدة.
وصّاف :فكريني !
-أنا العمل اللي كان معمولك ! ...
كان يحاول أن يتكلم فلم يستطيع ،فأشارت له بيدها وهي باكية قبل أن
تقول:
-استريح ،أنا وعدتك إني هاقولك كل حاجة لو حاولت سواء نجحت أو
فشلت ،زمان لما اتعرفت على غرام ،هية لقت فيك فرصة مش لزم
تضيعها ،كنت أحسن منها في حاجات كتير ،حاولت تخليك تحبها بكل
الطرق علشان تملكك ،وكنت إنت في أول حياتك ومشغول بأحلمك
وطموحاتك ،راحت لكاهن علشان يعملك عمل يخليك تحبها ،العمل ده
بيبقى تسخير جند من الجن لتنفيذ المطلوب ،بس كان لزم يتعرف مين
المقصود بالعمل ،حاجة بنحتاجها علشان نعرف مين من البشر بالذات
اللي هانأثر عليه ،زي البطاقة الشخصية عندكم كدة ،فطلب الكاهن منها
حاجة من أثرك ،فكان إنها جابت منديل أبيض عليه بقعة دم منك ،وكان
ده عنوانك ،ووقع الختيار علية أقوم بالمهمة ،وقمت بيها على أكمل
وجه ،خليتك تفكر فيها دايما ،تبقى أحلي بنت في نظرك ،دايما على بالك
41
و َتمَـلّي معاك ،كنت موجودة لما بدأت تخونك ،لقت قدامها فرصة جاهزة
س ِيتْ العمل ،عشت
أحسن منك من وجهة نظرها ،سابتك واتجوزته ،ونِ ْ
معاك سنين طويلة ،ورغم إن مهمتي كانت ناجحة ،لكن أنا حبيتك ...وال
العظيم حبيتك بجد ،صعب عليّة حالك ،وحَسّيت إن المهمة أصبحت
مالهاش لزمة ،هية عاشت حياتها ،و إنت حياتك بت ّدمَر ،لغاية لما جه
اليوم اللي كنت قاعد فيه مع واحدة زميلتك ،كانت بتحبك بجد ،وكنت إنت
بتتكلم عن غرام كالعادة ،لني كنت معاك ،قالتلك ساعتها :البنت دي أكيد
كانت عامللك عمل...
كنت صعبان عليها ،وكان عندها حق ،حسّيت إني لو باحبك بجد يبقى
لزم أبعدك عنها ،وأنا جنيّة ،ما ينفعش أرتبط بيك ،إنت ما تستاهلش
شيء وحش ،قررت ساعتها أنهي المهمة ،فاكر لما قلتلك إن دوري انتهى
خلص وانا اللي نهيته ! خليتك تروح الكافتيريا اللي كنت بتخاف تقرب
منها ،علشان تتأكد إنها اتغيرت ،ما بقتش اللي في خيالك ،ومنها خدتك
للعالم بتاعي علشان أرجع لك العمل ،أو بمعنى أصح شيء منك مربوط
بشيء مني ،كان المفروض أفك العمل وأديلك المنديل بس علشان تتوه
عني وأبعد عنك للبد ،نسيت واديتلك العمل زي ما هوة مربوط بيّة،
وانت عارف الباقي لغاية لما رجعتك الكافتيريا...
كان يستمع لها بذهول وهو يزداد ضعفا وإرهاقا ،واستمرت هي في الكلم
وكأنها تسابق الزمن قبل الرحيل...
وانا اللي قصدت إن غرام تيجي الكافتيريا مع جوزها و ولدهم علشان
تشوفها بعد الزمن ما َمرّ واكسر جواك صورتها اللي عايشة في خيالك
زي ماهية ما بتكبرش ول بتتغير ،ما توقعتش انها ها تستندل مع جوزها
وتجري وراك ،عارف هيّه جريت وراك ليه ؟
نظر لها متسائلً بينما أكملت هي:
-بعد ما خدت اللي ورا جوزها واللي قدامه كان عايش معاها
مجرد طرطور ،وطبعا هية كانت بتسمع أخبار نجاحك ،كان حلم
42
من أحلم حياتها إنها تكون ممثلة مشهورة ،فكانت عايزة تكمل
الصورة ،وانت أكتر واحد كان ممكن يساعدها في المرحلة
الجديدة ،مجرد مصلحة يعني ،خفت عليك من سمومها ،كنت
معاك ساعتها واستغليت مرور العربية النقل وقررت أموّتها
علشان إنت تعيش سعيد ،اللي زيها كان لزم تموت ،عطلت
الفرامل ،لكن ما توقعتش منك اللي إنت عملته ،لقيتك بتحبها من
غير العمل ،من غير تأثيري ،يعني بيّة أو من غيري كنت ها
تحبها برضه ،حسّيت إن حبك ليها ممكن يشجع قلبك إنه يتمسك
بالحياة ،أثّرت على الدكاترة في المستشفى علشان ما يفصلوش
أجهزة العاشة عنك ،و جيتلك في صورتها وانت بين الحياة
والموت يمكن ...يمكن تقاوم ...يمكن تعيش ...لكن دي إرادة
ربنا ،عارفة إنك عايز تسأل هية عملت إيه بعد اللي حصلك،
أول ما عرفت إنك حالة ميئوس منها وشبه ميت ،رجعت
لجوزها وبررت الموقف بسهولة ،اللي زيها تعرف تعامل
الرجالة كويس ،مش باقولك ممثلة ،أنا كان ممكن أضرّها ،لكن
احتراما لكونها حبيبة حبيبي مش هأذيها...
كان ينظر لها نظرة تحمل كثيرا من الحب والمتنان عندما قال في
ضعف:
وصّاف :بحبك ...كان نفسي يطول بيّة العمر ...علشانك
-يا ترى ممكن نتقابل هناك ؟
وصّاف :أنا شايف أجمل وشوش في العالم جايّة عليّة ...
-ادعي ربنا أقابلك هناك عنده...
وصّاف :مش ممكن تكون دي مليكة العذاب ،بس أنا ما عملتش حاجة
تستحق الرحمة !
43
-ربنا رحمن رحيم ،ربنا رب قلوب ،وانت قلبك نضيف ربنا
زرع فيه الحب والرحمة ،مع السلمة ياللي ماحبتش حد في
حياتي من الجن ول النس زي ما حبيتك...
كان يختفي ويتلشى عندما كانت تتمتم باكية بهذه الكلمات...
-7-
برهة من الزمن مرت علي الطبيب وهو شارد الذهن أثناء نظره لجسد
وصّاف ،وما أن أفاق من شروده حتى قال للممرض الذي يقف بجوار سرير
وصّاف :
-خلص افصل الجهزة.
الممرض :تحت أمرك يا دكتور ...إنا ل وإنا إليه راجعون...
قالها وهو يفصل الجهزة ببطء وكأنه يتمنى لو أنه عاد إلي الحياة ،لم
يعرف أحد السر في كون الجميع هنا يحبونه بالرغم من أنهم لم يعايشونه ،لكنها
كانت هنا ،أو بمعنى أكثر دقة ...لنها كانت هنا ...والن هي تراقب حبيبها وقد
غادر الحياة بجسده ليلحق بقلبه هناك ،كانت الدموع تتساقط على وجنتيها بينما
كانت تتساءل ...هل من الممكن فعلً أن تقابله هناك ،فهي بالفعل لم تحب أحد من
النس أو الجن سواه ،ظلت معه في جميع مراسم الجنازة وحتى مثواه الخير...
كانت هناك ...و ...ستظل .
-8-
-القصة لزم تنتهي هنا ،قلبه مات فلزم كل شيء ينتهي ،ويظل الحب،
حتى لو كان من عالم تاني ،حب صنعه خيالي علشان يعوضني حب عاش في
خيالي -
نحن هنا الن في غرفة نوم ،تبدو غير مرتبة بعض الشيء ،كانت
الضاءة خافتة والساعة تشير إلى الثالثة صباحا ،وكان هو هناك ،خلف مكتب
صغير في ركن الغرفة ،إنه وصّاف الغرام ،كاتب هذه القصة التي استلهمها من
واقعه ليبني عليها صروحا من الخيال ،ذلك الخيال الذي جعله يوما يحبها ،ولن
الواقع قد امتزج بالخيال في قصته ،فكان من الطبيعي أن تكون عيناه دامعتان وهو
44
ينهي قصته علي الورق بعد أن انتهت في الواقع منذ أكثر من سبع سنوات عندما
تزوجت حبيبته...
مرت دقائق شعر فيها بصمت غريب ،وكأن المكان كان يمتليء ضجيجا
وحركة ،ثم انتهى كل شيء إلى صمت ،كان هذا هو نفس شعوره منذ سبع سنوات
أيضا ...تخلل الصمت صوت طرقات خفيفة على باب الحجرة لتدخل أمه الغرفة
وتنظر له في شفقة وهي تقول:
-وبعدين يا حبيبي ؟ كل يوم سهر ؟ حرام عليك نفسك يا بني ...
كفاية عليك سهر النهاردة ،إنت مش كان عندك تصوير الصبح
بدري ؟
وصّاف :عندي يا ماما .
-طيب يا حبيبي ،يا دوب تنام !
وصّاف :ما تقلقيش عليّة ،روحي إنتي استريحي .
-إنت عارف اللي يريحني ،عايزة أفرح بيك وأشيل لك عيل قبل
ماموت.
وصّاف :مش وقت الكلم ده يا ماما ،وكل شيء بأوان ،ممكن كباية َميّة
لو سمحتي ؟
-حاضر يا حبيبي.
كانت تقولها بأسف وهي تخرج من الغرفة ،بينما أغلق هو دفتر أوراقه
والتي تحوي القصة ،ليصل إلى أول ورقة في الدفتر ويبدأ في كتابة الهداء...
-الحب طائر رقيق بجناحين ،إذا قطع له جناح ،سقط الطائر
ومات ،أهدي هذه القصة إلي بطلته الحقيقية التي قطعت جناح
الحب ...فمات القلب . -
-9-
مرت دقائق قليلة قبل أن تدخل أمه وهي تحمل كوب الماء الذي
طلبه وصّاف ،لتجده مستلقيا على مكتبه الصغير...
-إنت نمت يا حبيبي ؟
45
قالتها وهي تتجه نحوه ،وضعت كوب الماء فوق المكتب وحاولت إيقاظه،
لكنها لم تستطع ...لنه كان قد مات ،ولكن هذه المرة في الحقيقة ل في
الخيال ،كانت صرخاتها مدوّية ،وكأنها تعلن للعالم رحيله ...لم يكن العالم
يعبأ كثيرا لرحيله ،بينما كانت هي هناك...
وهناك ،في أحد أركان الغرفة ،مكتبة صغيرة ،بها كثير من الشياء
المبعثرة وكتب وأوراق قديمة وهدايا و ...وردة خشبية عليها بعض
النقوش الغريبة ومربوط عليها منديل ابيض عليه بقعة جافة من الدم !
-النهاية -
46