Professional Documents
Culture Documents
للخشوع في
الصلة
محمد صالح المنجد
بسم ال الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد ل رب العالمين ،الذي قال في كتابه المبين { :وقوموا ل قانتين } ،وقال عن الصلة { :وإنها لكبيرة إل
على الخاشعين } والصلة والسلم على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول ال وعلى آله وصحبه أجمعين .
وبعد
فإن الصلة أعظم أركان الدين العملية ،والخشوع فيها من المطالب الشرعية ،ولما كان عدو ال إبليس قد أخذ
العهد على نفسه بإضلل بني آدم وفتنتهم ،وقال {:ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
} صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلة بشتى الوسائل ،والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة
وإضاعة أجرهم وثوابهم ،ولما كان الخشوع أول ما يرفع من الرض ونحن في آخر الزمان ،انطبق فينا قول
ل لخير
ب مص ّ
حذيفة رضي ال عنه :أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ،وآخر ما تفقدون من دينكم الصلة ،ورُ ّ
فيه ،ويوشك أن تدخل المسجد فل ترى فيهم خاشعا .
أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من ال
ومراقبته " .تفسير ابن كثير ط .دار الشعب 6/414والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل المدارج 1/520
ويروى عن مجاهد قال ( :قوموا ل قانتين ) :فمن القنوت :الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من
رهبة ال عز وجل تعظيم قدر الصلة 1/188
ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح .وأما التظاهر بالخشوع ممقوت ،ومن علمات الخلص :
إخفاء الخشوع
كان حذيفة رضي ال عنه يقول :إياكم وخشوع النفاق فقيل له :وما خشوع النفاق قال :أن ترى الجسد خاشعا
والقلب ليس بخاشع .وقال الفضيل بن عياض :كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه .ورأى
بعضهم رجل خاشع المنكبين والبدن فقال :يا فلن ،الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره ،ل هاهنا وأشار إلى منكبيه
.المدارج 1/521
وقال ابن القيم رحمه ال تعالى مبيّنا الفرق بين خشوع اليمان وخشوع النفاق " :خشوع اليمان هو خشوع القلب
ل بالتعظيم والجلل والوقار والمهابة والحياء ،فينكسر القلب ل كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء
و شهود نعم ال وجناياته هو ،فيخشع القلب ل محالة فيتبعه خشوع الجوارح .وأما خشوع النفاق فيبدو على
الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع ،و كان بعض الصحابة يقول :أعوذ بال من خشوع النفاق ،قيل له :
وما خشوع النفاق ؟ قال :أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع .فالخاشع ل عبد قد خمدت نيران شهوته ،
وسكن دخانها عن صدره ،فانجلى الصدر وأشرق فيه نور العظمة فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي
به وخمدت الجوارح وتوقر القلب واطمأن إلى ال وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصار مخبتا له ،
والمخبت المطمئن ،فإن الخبت من الرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء ،فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن
كالبقعة المطمئنة من الرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها ،وعلمته أن يسجد بين يدي ربه إجلل له وذل
وانكسارا بين يديه سجدة ل يرفع رأسه عنها حتى يلقاه .فهذا خشوع اليمان ،وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز
بتكبره وربا فهو كبقعة رابية من الرض ل يستقر عليها الماء وأما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف
إسكان الجوارح تصنعا ومراءاة ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وحية
الوادي وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة .كتاب الروح
"والخشوع في الصلة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ،واشتغل بها عما عداها ،وآثرها على غيرها،وحيئذ تكون
راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى ال عليه وسلم..(:جعلت قرة عيني في الصلة ) " تفسير ابن كثير 5/456
والحديث في مسند أحمد 3/128وهو في صحيح الجامع 3124
والخشوع أمر عظيم شأنه ،سريع فقده ،نادر وجوده خصوصا في زماننا وهو من آخر الزمان قال النبي صلى ال
) عليه وسلم ( أول شيء يرفع من هذه المة الخشوع ،حتى ل ترى فيها خاشعا
حكم الخشوع
والراجح في حكم الخشوع أنه واجب .قال شيخ السلم رحمه ال تعالى :قال ال تعالى{ واستعينوا بالصبر
والصلة وإنها لكبيرة إل على الخاشعين } وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين ..والذم ل يكون إل لترك واجب أو فعل
محرّم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع ..ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله
تعالى {:قد أفلح المؤمنون .الذين هم في صلتهم خاشعون - ..إلى قوله -أولئك هم الوارثون الذين يرثون
الفردوس هم فيها خالدون } أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه ل يرثها
غيرهم ..فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم
يسكن لن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ول في سجوده
ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ..ويدل على وجوب الخشوع في الصلة أن النبي صلى ال عليه وسلم توعد تاركيه
كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته ورفعه وهو ضد حال الخاشع ..
وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلى ال عليه وسلم:
خمس صلوات افترضهن ال تعالى ،من أحسن وضوءهن وصلهن لوقتهن ،وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له (
). على ال عهد أن يغفر له ،ومن لم يفعل ،فليس له على ال عهد ،إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه
وقال عليه الصلة والسلم في فضل الخشوع أيضا ( :من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما
بقلبه ووجهه[ وفي رواية :ل يحدّث فيهما نفسه] غفر له ما تقدّم من ذنبه[ وفي رواية إل وجبت له الجنة ])البخاري
ط.البغا رقم 158والنسائي 1/95وهو في صحيح الجامع 6166
ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والتيان بالدعاء المشروع بعده " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلة
القائمة ،آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته " ،والدعاء بين الذان والقامة ،وإحسان
الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده ( أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده
والعتناء بالسواك وهو تنظيف وتطييب للفم ). ورسوله ) ( .اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين
الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل لحديث ( :طهروا أفواهكم للقرآن ) رواه البزار وقال :ل نعلمه عن علي بأحسن
من هذا السناد كشف الستار 1/242وقال الهيثمي :رجاله ثقات 2/99وقال اللباني إسناده جيد :الصحيحة . 1213وأخذ الزينة
باللباس الحسن النظيف ،قال ال تعالى {:يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } وال عز وجل أحقّ من تُزيّن له
،كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية بخلف ثوب النوم والمهنة .وكذلك الستعداد
بستر العورة وطهارة البقعة والتبكير وانتظار الصلة ،وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لن الشياطين تتخلل
ال ُفرَج بين الصفوف .
( )2الطمأنينة في الصلة
( كان النبي صلى ال عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ) صحح إسناده في صفة الصلة ص 134 :ط.
11وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح 2/308وأمر بذلك المسيء صلته وقال له ( :ل تتم صلة أحدكم
حتى يفعل ذلك ) .رواه أبو داود 1/536رقم 858
عن أبي قتادة رضي ال عنه قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلته ،
قال يا رسول ال :كيف يسرق صلته ،قال ( :ل يتم ركوعها ول سجودها ) .رواه أحمد والحاكم 229 /1وهو في
صحيح الجامع 997
وعن أبي عبد ال الشعري رضي ال عنه قال :قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :مثل الذي ل يتمّ ركوعه ،
وينقر في سجوده ،مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ،ل يغنيان عنه شيئا ) رواه الطبراني في الكبير 4/115وقال في
صحيح الجامع :حسن
والذي ل يطمئن في صلته ل يمكن أن يخشع لن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب .
لقوله صلى ال عليه وسلم ( :اذكر الموت في صلتك ،فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلته لحريّ أن يحسن
ل صلة رجل ل يظن أنه يصلي غيرها ) السلسلة الصحيحة لللباني 1421ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ
صلته ،وص ّ
ابن حجر رحمه ال لهذا الحديث
وفي هذا المعنى أيضا وصية النبي صلى ال عليه وسلم لبي أيوب رضي ال عنه لما قال له ( :إذا قمت في
صلتك فصلّ صلة مودّع ) رواه أحمد 5/412وهو في صحيح الجامع رقم ، 742يعني صلة من يظن أنه لن يصلي
غيرها وإذا كان المصلي سيموت ولبد ،فإن هناك صلة مّا هي آخر صلة له فليخشع في الصلة التي هو فيها
فإنه ل يدري لعلها تكون هذه هي .
القرآن نزل للتدبر { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا اللباب} ول يحصل التدبر إل بالعلم بمعنى
ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر قال ال تعالى { :والذين إذا ُذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا
وعميانا } وهنا يتبين أهمية العتناء بالتفسير قال ابن جرير رحمه ال " :إني لعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم
تأويله ( أي :تفسيره ) كيف يلتذ بقراءته " مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر 1/10ولذلك فمن المهم لقارئ القرآن أن
ينظر في تفسير ولو مختصر مع التلوة مثل كتاب زبدة التفسير للشقر المختصر من تفسير الشوكاني وتفسير
العلمة ابن سعدي المسمى " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان " وإن لم يكن فكتاب في شرح الكلمات
الغريبة مثل " المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن " لعبد العزيز السيروان فإنه جمع فيه أربعة كتب من كتب
غريب القرآن .ومما يُعين على التدّبر كثيرا ترديد اليات لنه يعين على التفكّر ومعاودة النظر في المعنى وكان
النبي صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك فقد جاء أنه صلى ال عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي {:إن
تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } " .رواه ابن خزيمة 1/271وأحمد 5/149وهو في صفة
الصلة ص102 :
وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع اليات كما روى ( حذيفة قال :صليت مع رسول ال ذات ليلة ..يقرأ
مسترسل ،إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ ) رواه مسلم رقم 772وفي رواية
صليت مع رسول ال ليلة ،فكان إذا مر بآية رحمة سأل ،و إذا مر بآية عذاب تعوذ ،و إذا مر بآية فيها تنزيه ل (
سبح ) .تعظيم قدر الصلة 1/327وقد جاء هذا في قيام الليل .
وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن النعمان رضي ال عنه ـ الليل ل يقرأ إل { قل هو ال أحد } يرددها ل يزيد
عليها البخاري :الفتح 9/59وأحمد 3/43
وقال سعيد بن عبيد الطائي :سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الية { فسوف يعلمون .
إذ الغلل في أعناقهم والسلسل يُسحبون .في الحميم ثم في النار يُسجرون . } .وقال القاسم رأيت سعيد بن جبير
قام ليلة يصلي فقرأ { واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى ال ثم تُوفى كل نفس ما كسبت} فرددها بضعا وعشرين مرة .
وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد ال :بتنا ذات ليلة عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الية حتى
السّحر :وإن تعدّوا نعمة ال ل تُحصوها ) فلما أصبح قلنا :يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الية سائر الليل ،قال :
أرى فيها معتبرا ،ما أرفع طرفا ول أردّه إل وقد وقع على نعمة وما ل يُعلم من نعم ال أكثر .التذكار للقرطبي ص:
125
وكان هارون بن رباب السيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الية حتى يُصبح ( :قالوا يا ليتنا نُردّ ول
نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ويبكي حتى يُصبح .
ومما يعين على التدبر أيضا حفظ القرآن والذكار المتنوعة في الركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها .
ول شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال ال تعالى :
{ ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا }
وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره وخشوعه صلى ال عليه وسلم مع بيان وجوب التفكر في اليات :عن
عطاء قال :دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي ال عنها فقال ابن عمير :حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فبكت وقالت :قام ليلة من الليالي فقال :يا عائشة ذريني أتعبّد لربي ،قالت :قلت
ل حجره ،ثم
:وال إني لحبّ قربك ،وأحب ما يسرّك ،قالت :فقام فتطهر ثم قام يصلي ،فلم يزل يبكي حتى ب ّ
ل الرض ،وجاء بلل يؤذنه بالصلة ،فلما رآه يبكي قال :يا رسول ال ،تبكي وقد غفر
بكى فلم يزل يبكي حتى ب ّ
ي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم
ال لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال :أفل أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عل ّ
يتفكّر ما فيها { :إن في خلق السموات والرض ...الية } رواه ابن حبّان وقال في السلسلة الصحيحة رقم : 68وهذا إسناد
جيد .
ومن التجاوب مع اليات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :إذا أمّنَ
المام فأ ّمنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُ ُه تأمين الملئكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري رقم 747وهكذا التجاوب مع
المام في قوله سمع ال لمن حمده فيقول المأموم ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم فعن رفاعة ابن رافع الزرقي قال
:كنا يوما نصلي وراء النبي صلى ال عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال :سمع ال لمن حمده ،قال رجل
وراءه :ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ،فلما انصرف قال :من المتكلم ،قال :أنا ،قال :رأيت
ل .رواه البخاري الفتح 2/284
بضعة وثلثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أو ُ
وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي صلى ال عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي ال عنها قراءة رسول ال
عليه وسلم ( بسم ال الرحمن الرحيم ،وفي رواية :ثم يقف ثم يقول ،الحمد ل رب العالمين ،الرحمن الرحيم ،
وفي رواية :ثم يقف ثم يقول :ملك يوم الدين ) يقطّع قراءته آي ًة آية رواه أبو داود رقم 4001وصححه اللباني في
الرواء وذكر طرقه 2/60
والوقوف عند رؤوس الي سنّة وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها .
كما قال ال عز وجل { :ورتل القرآن ترتيل } وكانت قراءته صلى ال عليه وسلم ( مفسرة حرفا حرفا ) .مسند
أحمد 6/294بسند صحيح صفة الصلة :ص ( 105 :وكان صلى ال عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول
من أطول منها ) رواه مسلم رقم 733
وهذا الترتيل والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلف السراع والعجلة .
ومما يعين على الخشوع أيضا تحسين الصوت بالتلوة وفي ذلك وصايا نبوية منها قوله صلى ال عليه و سلم :
( زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) أخرجه الحاكم 1/575و هو في صحيح الجامع رقم
3581
وليس المقصود بتحسين الصوت:التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن كما
قال النبي صلى ال عليه وسلم (إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى ال ) رواه
إبن ماجه 1/1339و هو في صحيح الجامع رقم 2202
قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :قال ال عز وجل قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ،فإذا
ي عبدي ،فإذا
قال :الحمد ل رب العالمين قال ال :حمدني عبدي فإذا قال :الرحمن الرحيم ،قال ال :أثنى عل ّ
قال :مالك يوم الدين ،قال ال :مجّدني عبدي ،فإذا قال :إياك نعبد وإياك نستعين ،قال :هذا بيني وبين عبدي
ولعبدي ما سأل ،فإذا قال :إهدنا الصراط المستقيم ،صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين
،قال ال :هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) .صحيح مسلم كتاب الصلة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
وهذا حديث عظيم جليل لو استحضره كل مصلّ لحصل له خشوع بالغ ولوجد للفاتحة أثرا عظيما كيف ل وهو
يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله .
وينبغي إجلل هذه المخاطبة وقدرها حقّ قدرها ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :إن أحدكم إذا قام يصلي
فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه )مستدرك الحاكم 1/236و هو في صحيح الجامع رقم 1538
قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة و ليدن منها ) رواه أبو داود رقم 1/446 695و هو
في صحيح الجامع رقم 651
وللدنو من السترة فائدة عظيمة ،قال عليه الصلة والسلم ( :إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ل يقطع
الشيطان عليه صلته ) رواه أبو داود رقم 1/446 695و هو في صحيح الجامع رقم 650والسنّة في الدن ّو من السترة أن يكون
بينه وبين السترة ثلثة أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممرّ شاة كما ورد في الحاديث الصحيحة .البخاري أنظر الفتح ، 1/574
579
وأوصى النبي صلى ال عليه وسلم المصلي بأن ل يسمح لحد أن يمرّ بينه وبين سترته فقال ( :إذا كان أحدكم
يصلي فل يدع أحدا يمر بين يديه ،و ليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين ) رواه مسلم 1/260و هو في
صحيح الجامع رقم 755
قال النووي رحمه ال تعالى " :والحكمة في السترة كف ّ البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه ..وتمنع
الشيطان المرور والتعرض لفساد صلته " شرح صحيح مسلم 4/216
كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا قام في الصلة (وضع يده اليمنى على اليسرى)مسلم رقم 401و( كان يضعهما على
الصدر) أبوداود رقم 759وانظر إرواء الغليل 2/71وقال رسول ال صلى ال عليه و سلم (:إنا معشر النبياء أمرنا..أن
نضع أيماننا على شمائلنا في الصلة)رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم 11485قال الهيثمي :رواه الطبراني في الوسط
ورجاله رجال الصحيح؛المجمع 3/155
ل بين يدي
وسئل المام أحمد رحمه ال تعالى عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الخرى حال القيام فقال :هو ذ ّ
العزيز الخشوع في الصلة .ابن رجب ص21:
قال ابن حجر رحمه ال تعالى :قال العلماء :الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث
وأقرب إلى الخشوع .فتح الباري 2/224
لما ورد عن عائشة(كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الرض ) رواه
الحاكم ا 479/وقال صحيح على شرط الشيخين و وافقه اللباني صفة الصلة ص 89
( و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها ) .رواه الحاكم في المستدرك 479/ 1وقال صحيح
على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ،قال اللباني وهو كما قال ؛ إرواء الغليل 2/73
أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا جلس
للتشهد ( يشير بأصبعه التي تلي البهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها) رواه ابن خزيمة 1/355رقم 719وقال المحقق :
إسناده صحيح وانظر صفة الصلة ص 139 :وفي رواية ( وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ) رواه أحمد 4/3وأبو
داود رقم . 990
مسألة
وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو:ما حكم إغماض العينين في الصلة خصوصا وأن المرء قد يحس
بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟
والجواب :أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى ال عليه وسلم كما تقدّم قبل قليل كما أن الغماض يفوّت
سنة النظر إلى موضع السجود وإلى الصبع .ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة فلندع الميدان للفارس
ولنفسح المكان للعلمة أبي عبد ال ابن القيم يبين المر ويجلّيه ،قال رحمه ال تعالى " :ولم يكن من هديه صلى
ال عليه وسلم تغميض عينيه في الصلة ،وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى إصبعه في الدعاء ول
يُجاوز بصره إشارته ...
وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ،وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها
وصاحب المحجن ،وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلم والجارية وحجزه بين
الجاريتين ،وكذلك أحاديث ردّ السلم بالشارة على من سلّم عليه وهو في الصلة ،فإنه إنما كان يشير إلى من
يراه ،وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين .فهذه الحاديث وغيرها يُستفاد من
مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلة .
وقد اختلف الفقهاء في كراهته ،فكرهه المام أحمد وغيره وقالوا :هو فعل اليهود ،وأباحه جماعة ولم يكرهوه ...
والصواب أن يُقال إن كان تفتيح العين ل يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ،وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته
من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك ل يُكره التغميض قطعا ،والقول باستحبابه في هذا
الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ،وال أعلم " زاد المعاد 1/293ط .دار الرسالة
وبهذا يتبين أن السنة عدم الغماض إل إذا دعت الحاجة لتلفي أمر يض ّر بالخشوع .
وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضل عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع
قال النبي صلى ال عليه وسلم ( :لهي أشد على الشيطان من الحديد ) .رواه المام أحمد 2/119بسند حسن كما في صفة
الصلة ص " 159 :أي أن الشارة بالسبابة عند التشهد في الصلة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد لنها تذكّر
العبد بوحدانية ال تعالى والخلص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بال منه ".الفتح الرباني
للساعاتي . 4/15
ولجل هذه الفائدة العظيمة كان الصحابة رضوان ال عليهم يتواصون بذلك ويحرصون عليه ويتعاهدون أنفسهم في
هذا المر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالستخفاف والهمال ،فقد جاء في الثر ما يلي ( :كان
أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يأخذ بعضهم على بعض .يعني :الشارة بالصبع في الدعاء)رواه ابن أبي شيبة
بسند حسن كما في صفة الصلة ص 141:وفي المطبوع من أبي شيبة [بإصبع] أنظر المصنف رقم 9732ج 10ص381:ط.الدار
السلفية -الهند
والسنة في الشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد .
وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني والنتقال بين المضامين المتعددة لليات والذكار وهذا ما يفتقده الذي ل يحفظ
إل عددا محدودا من السور ( وخصوصا قصارها ) والذكار ،فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع .
وإذا تأملنا ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلته فإننا نجد هذا التنوع
اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ،اللهم نقني من خطاياي كما يُنقّى الثوب البيض (
) من الدّنس ،اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد .
وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا وما أنا من المشركين ،إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل (
وغير ذلك من الدعية والذكار والمصلي يأتي بهذا مرة وبهذا مرة وهكذا .
وفي السور التي كان صلى ال عليه وسلم يقرؤها في صلة الفجر نجد عددا كثيرا مباركا مثل:
( طوال المفصّل كالواقعة والطور و ق ،وقصار المفصّل مثل :إذا الشمس كورت والزلزلة والمعوذتين وورد أنه
) قرأ الروم و يس والصافات وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة والنسان
ل من الركعتين قدر ثلثين آية وقرأ بالطارق والبروج والليل إذا يغشى .
وفي صلة الظهر ورد أنه كان يقرأ في ك ّ
وفي صلة العصر يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ويقرأ بالسور التي سبقت في صلة الظهر
وفي صلة المغرب يقرأ بقصار المفصّل كالتين والزيتون وقرأ بسورة محمد والطور والمرسلت وغيرها .
وفي العشاء كان يقرأ من وسط المفصّل كـ { الشمس وضحاها }و { إذا السماء انشقت} وأمر معاذا أن يقرأ بـ
العلى والقلم والليل إذا يغشى .
وفي قيام الليل كان يقرأ بطوال السور وورد في سنته صلى ال عليه وسلم قراءة مائتي ومائة وخمسين آية وكان
أحيانا يقصّر القراءة .
) وأذكار ركوعه صلى ال عليه وسلم متنوعة فبالضافة إلى ( سبحان ربي العظيم ) و( سبحان ربي العظيم وبحمده
سبّوح ُقدّوس رب الملئكة والروح ) ويقول (:اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت
يقول ُ ( :
ربي ،خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي ل رب العالمين ) .
وفي الرفع من الركوع يقول بعد ( سمع ال لمن حمده ) ( :ربنا ولك الحمد ) وأحيانا ( ربنا لك الحمد ) وأحيانا
) اللهم ربنا ) و( لك الحمد ) وكان يضيف أحيانا ( ملء السموات وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد (
) ويضيف تارة ( أهل الثناء والمجد ،اللهم ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعت ،ول ينفع ذا الجدّ منك الجدّ
سبّوح قدوس
وفي السجود بالضافة إلى ( سبحان ربي العلى ) و( سبحان ربي العلى وبحمده ) يقول أيضا ُ ( :
رب الملئكة والروح ) و ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) و ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك
أسلمت ،سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ،تبارك ال أحسن الخالقين ) وغير ذلك .
وفي الجلسة بين السجدتين بالضافة إلى ( رب اغفر لي رب اغفر لي ) يقول ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني
وارفعني واهدني وعافني وارزقني ) .
وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل ( التحيات ل والصلوات والطيبات السلم عليك أيها النبي ...الخ ) وكذلك
ورد ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ،السلم عليك أيها النبي ...الخ ) وورد ( التحيات الطيبات
الصلوات ل ،السلم عليك أيها النبي ...الخ ) .
وورد أيضا ( اللهم صلّ على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد
مجيد وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
ل على محمد النبي المي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد النبي
وورد ( اللهم ص ّ
المي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ).
ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم ول يمنع أن يواظب على بعضها أكثر من بعض لقوة
ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة أو لن النبي صلى ال عيه وسلم علّمها أصحابه لمّا سألوه عن
الكيفية بخلف غيرها وهكذا .جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلة النبي صلى ال عليه وسلم
للعلمة الشيخ محمد ناصر الدين اللباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث .
من آداب التلوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف ال في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم { إذا تتلى
عليهم آيات الرحمن خروا سجّدا وبكيا } قال ابن كثير رحمه ال تعالى " :أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا
اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم " تفسير القرآن العظيم 5/238ط .دار الشعب .
وسجود التلوة في الصلة عظيم وهو مما يزيد الخشوع قال ال عز وجل {:ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم
خشوعا } وقد ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سجد بسورة النجم في صلته وروى البخاري رحمه ال في
صحيحة (عن أبي رافع قال :صليت مع أبي هريرة رضي ال عنه العتمة [ أي :العشاء] فقرأ { إذا السماء انشقت}
فسجد فقلت له ،قال :سجدت خلف أبي القاسم صلى ال عليه وسلم فل أزال أسجد بها حتى ألقاه ) .صحيح البخاري
:كتاب الذان ،باب الجهر بالعشاء .فينبغي المحافظة على سجود التلوة في الصلة خصوصا وأن سجود التلوة
فيه ترغيم للشيطان وتبكيت له وذلك مما يضعف كيده للمصلي .عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال
عليه و سلم ( :إذا قرأ ابن آدم السجدة ،اعتزل الشيطان يبكي ،يقول :يا ويله ،أمر بالسجود فسجد ،فله الجنة ،
رواه المام مسلم في صحيحه رقم 133 وأمرت بالسجود فعصيت ،فلي النار ) .
الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبّس عليه صلته
" و الوسواس يعرض لكل من توجه إلى ال تعالى بذكر أو بغيره ،ل بد له من ذلك ،فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر
،و يلزم ما هو فيه من الذكر والصلة ول يضجر ،فإنه بملزمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان { إن كيد
الشيطان كان ضعيفا} .
وكلما أراد العبد توجها إلى ال تعالى بقلبه جاء من الوسوسة أمور أخرى،فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ،كلما
أراد العبد السير إلى ال تعالى ،أراد قطع الطريق عليه ،ولهذا قيل لبعض السلف " :إن اليهود والنصارى يقولون :
ل نوسوس قال :صدقوا ،وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب " ( .مجموع الفتاوى . ) 608 / 22
" وقد مثل ذلك بمثال حسن ،وهو ثلثة بيوت :بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره ،وبيت للعبد فيه كنوز
العبد وذخائره وجواهره وليس جواهر الملك وذخائره ،وبيت خال صفر ل شيء فيه ،فجاء اللص يسرق من أحد
البيوت ،فمن أيها يسرق ؟ ( الوابل الصيب ص) 43 :
" والعبد إذا قام في الصلة غار الشيطان منه ،فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان ،وأشده عليه فهو
يحرص ويجتهد كل الجتهاد أن ل يقيمه فيه بل ل يزال به يعده ويمنّيه وينسيه ،ويجلب عليه بخيله ورجله حتى
يهوّن عليه شأن الصلة ،فيتهاون بها فيتركها .فإن عجز عن ذلك منه ،وعصاه العبد ،وقام في ذلك المقام ،أقبل
عدو ال تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ،ويحول بينه وبين قلبه ،فيذكّره في الصلة ما لم يكن يذكر قبل دخوله
فيها ،حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها ،فيذكره إياها في الصلة ليشغل قلبه بها ،ويأخذه عن ال
عز وجل ،فيقوم فيها بل قلب ،فل ينال من إقبال ال تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل
الحاضر بقلبه في صلته ،فينصرف من صلته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله ،لم تُخ َففْ عنه بالصلة ،
فإن الصلة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ،وأكمل خشوعها ،ووقف بين يدي ال تعالى بقلبه وقالبه ".الوابل
الصيب ص36 :
ولمواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي صلى ال عليه وسلم إلى العلج التالي :
عن أبي العاص رضي ال عنه قال :يا رسول ال إن الشيطان قد حال بيني وبين صلتي وقراءتي يلبّسها عليّ ،
فقال رسول ال صلى عليه وسلم ( :ذاك شيطان يُقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بال منه واتفل على يسارك ثلثا
) .قال :ففعلت ذلك فأذهبه ال عني .رواه مسلم رقم 2203 :
ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا عنه صلى ال عليه وسلم وعن علجه فقال ( :إن أحدكم إذا قام يصلي جاء
الشيطان فلبس عليه -يعني خلط عليه صلته وشككه فيها -حتى ل يدري كم صلى .فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد
سجدتين وهو جالس ) رواه البخاري ،كتاب السهو ،باب السهو في الفرض والتطوع .
ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول ال صلى ال عليه و سلم بقوله(:إذا كان أحدكم في الصلة فوجد حركة في
دبره أحدث أو لم يحدث ،فأشكل عليه ،فل ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا).رواه مسلم رقم .389
بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا الحديث :عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن
الرجل يخيّل إليه في صلته أنه أحدث ولم يُحدِث ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (:إن الشيطان يأتي أحدكم
وهو في صلته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث و لم يُحدث،فإذا وجد أحدكم ذلك فل ينصرفن حتى يسمع
صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه ) رواه الطبراني في الكبير رقم 11556ج11:ص222:وقال في مجمع الزوائد
1/242رجاله رجال الصحيح
مسألة
وهناك خدعة شيطانية يأتي بها " خنزب " إلى بعض الخيّرين من المصلين وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب
أخرى من الطاعات عن الصلة التي هم بشأنها وذلك كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة أو المسائل العلمية
فيستغرقون فيها فل يعقلون أجزاء من صلتهم وربما لبّس عل بعضهم بأن عمر كان يجهّز الجيش في الصلة ،
ولندع المجال لشيخ السلم ابن تيمية يجلي المر ويجييب عن هذه الشبهة .
) قال رحمه ال تعالى " :وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله ( :وإني لجهز جيشي وأنا في الصلة
فذاك لن عمر كان مأمورا بالجهاد وهو أمير المؤمنين ،فهو أمير الجهاد ،فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة
المصلي الذي يصلي صلة الخوف حال معاينة العدو ،إما حال القتال وإما غير حال القتال ،فهو مأمور بالصلة ،
ومأمور بالجهاد ،فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب المكان .قال تعالى {:يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا
واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون } ،ومعلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد ل تكون كطمأنينتة حال المن ،فإذا ُقدّر
أنه نقص من الصلة شيء لجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد وطاعته .
ولهذا تخفف صلة الخوف عن صلة المن ،ولما ذكر ال سبحانه صلة الخوف قال {:فإذا اطمأننتم فأقيموا
الصلة إن الصلة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فالقامة المأمور بها حال الطمأنينة ل يؤمر بها حال الخوف .
ومع هذا :فالناس متفاوتون في ذلك ،فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلة ،مع تدبره للمور بها ،
وعمر قد ضرب ال الحق على لسانه وقلبه ،وهو المحدّث المُلهم فل ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره جيشه في
الصلة من الحضور ما ليس لغيره ،لكن ل ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ،ول ريب أن صلة رسول
ال حال أمنه كانت أكمل من صلته حال الخوف في الفعال الظاهرة فإذا كان ال قد عفا حال الخوف عن بعض
الواجبات الظاهرة فكيف بالباطنة .
وبالجملة فتفكر المصلي في الصلة [في] أمر يجب عليه ،قد يضيق وقته ،ليس كتفكره فيما ليس بواجب أو فيما لم
يضق وقته .وقد يكون عمر لم يمكن [ لعلها :يمكنه ] التفكر في تدبير جيشه إل في تلك الحال ،وهو إمام المة
والواردات عليه كثيرة ،ومثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته ،والنسان دائما يذكر في الصلة ما ل يذكره
خارج الصلة ،ومن ذلك ما يكون من الشيطان ،كما أن بعض السلف ذكر له رجل أنه دفن مال وقد نسي موضعه
،فقال :قم فصل ،فقام فصلى فذكره ،فقيل له ،من أين علمت ذلك ؟ قال :علمت أن الشيطان ل يدعه في
الصلة حتى يذكره بما يشغله ول أهم عنده من ذكر موضع الدفن ،لكن العبد الكيّس يجتهد كمال الحضور مع كمال
فعل بقية المأمور ،ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم .مجموع الفتاوى . 610 / 22
وهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى القتداء فـ " لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلته فلما وقف في محرابه واستفتح كلم
سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله " الخشوع في
الصلة ابن رجب ص 22 :
قال مجاهد رحمه ال " :كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يقلب الحصى
أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إل ناسيا ما دام في صلته ".تعظيم قدر الصلة 1/188
كان ابن الزبير إذا قام في الصلة كأنه عود من الخشوع ،وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في
الصلة ل يرفع رأسه ،وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلة لم
يشعر ،ولقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ،وبعضهم ينفتل من صلته متغير اللون لقيامه بين يدي ال عز
وجل .وبعضهم إذا كان في الصلة ل يعرف من على يمينه وشماله .وبعضهم يصفر وجهه إذا توضأ للصلة ،
فقيل له إنا نراك إذا توضأت للصلة تغيرت أحوالك ،قال :إني أعرف بين يدي من سأقوم ،وكان علي بن أبي
طالب رضي ال عنه إذا حضرت الصلة يتزلزل ويتلون وجهه ،فقيل له :ما لك ؟ فيقول :جاء وال وقت أمانة
عرضها ال على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها .وكان سعيد التنوخي إذا صلى
لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته .وبلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلة تغير لونه ،وكان
يقول :أتدرون بين يدي من أقف ومن أناجي .فمن منكم ل في قلبه مثل هذه الهيبة ؟سلح اليقظان لطرد الشيطان :عبد
العزيز السلمان ص209 :
وقال سعد بن معاذ :فيّ ثلث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ،لكنت أنا أنا :إذا كنت في الصلة ل
أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ،وإذا سمعت من رسول ال حديثا ل يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ،وإذا كنت في جنازة
لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها الفتاوى لبن تيمية 22/605
قال حاتم رحمه ال :أقوم بالمر ،وأمشي بالخشية ،وأدخل بالنية ،وأكبّر بالعظمة ،وأقرأ بالترتيل والتفكير ،
وأركع بالخشوع ،وأسجد بالتواضع ،وأجلس للتشهد بالتمام ،وأسلّم بالنية ،وأختمها بالخلص ل عز وجل ،
وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن ل يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت الخشوع في الصلة 28 - 27
قال أبو بكر الصبغي :أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما :أبو حاتم الرازي ومحمد بن نصر المروزي ،فأما
ابن نصر فما رأيت أحسن صلة منه ،لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك .
وقال محمد بن يعقوب الخرم :ما رأيت أحسن صلة من محمد بن نصر ،كان الذباب يقع على أذنه ..فل يذبّه
على نفسه ،ولقد كنا نتعجب من حسن صلته وخشوعه وهيبته للصلة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة
منصوبة .تعظيم قدر الصلة 1/58وكان شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال تعالى إذا دخل في الصلة ترتعد أعضاؤه
حتى يميل يمنة ويسرة .الكواكب الدريّة في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي الكرمي ص 83 :دار الغرب السلمي .
قارن بين هذا وبين ما يفعله بعضنا اليوم هذا ينظر في ساعته وآخر يصلح هندامه وثالث يعبث بأنفه ومنهم من يبيع
ويشتري في الصلة وربما ع ّد نقوده وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف أو يحاول التعرّف على من
بجانبيه .
تُرى لو وقف واحد من هؤلء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك .
ومنها
-قوله صلى ال عليه و سلم ( :ما من امريء مسلم تحضره صلة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ،
إل كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ،وذلك الدهر كله).رواه مسلم 1/206رقم 2/4/7
-أن الجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال صلى ال عليه وسلم ( :إن العبد ليصلي الصلة ما يُكتب له منها إل
عشرها ،تسعها ،ثمنها ،سبعها ،سدسها ،خمسها ،ربعها ،ثلثها ،نصفها ) رواه المام أحمد 4/321وهو في صحيح
الجامع 1626
-أنه ليس له من صلته إل ما عقل منها كما جاء عن ابن عباس رضي ال عنه ( :ليس لك من صلتك إل ما
عقلت منها ) .
-أن الوزار والثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام وخشوع كما قال النبي صلى عليه وسلم (:إن العبد إذا قام يصلي
أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ) ( رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10
وهو في صحيح الجامع ) .قال المناوي " :المراد أنه كلما أتم ركنا سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل
السقوط وهذا في صلة متوفرة الشروط والركان والخشوع كما يؤذن به لفظ " العبد " و" القيام " إذ هو إشارة إلى
أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل " .رواه البيهقي في السنن الكبرى 3/10وهو في صحيح الجامع .
-أن الخاشع في صلته " إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه ،وأحس بأثقال قد وضعت عنه ،فوجد نشاطا
وراحة وروحا ،حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ،لنها قرّة عينه ونعيم روحه ،وجنة قلبه ،ومستراحه في الدنيا
،فل يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ،فيستريح بها ،ل منها ،فالمحبون يقولون :نصلي فنستريح
بصلتنا ،كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى ال عليه وسلم ( :يا بلل أرحنا بالصلة ) ولم يقل أرحنا منها .
وقال صلى ال عليه وسلم ( :جعلت قرة عيني بالصلة ) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلة ،كيف تق ّر عينه بدونها
وكيف يطيق الصبر عنها ؟ " الوابل الصيّب . 37
ومن أدعيته صلى ال عليه وسلم في سجوده (:اللهم اغفر لي ذنبي دِقّه وجِلّه ،وأوله وآخره ،وعلنيته وسره) رواه
مسلم :كتاب الصلة ،باب ما يُقال في الركوع والسجود رقم 216وكذلك (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) أخرجه
النسائي:المجتبى 2/569وهو في صحيح النسائي 1067وقد تقدّم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين أنظر السبب رقم 11
ومما كان يدعو به صلى ال عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله ( " :إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بال من
( أربع ؛ من عذاب جهنم ،ومن عذاب القبر ،ومن فتنة المحيا والممات ،ومن شر المسيح الدجال ).وكان يقول
اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل ) ( .اللهم حاسبني حسابا يسيرا ) وعلّم أبا بكر الصديق
رضي ال عنه أن يقول ( :اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ،ول يغفر الذنوب إل أنت ،فاغفر لي مغفرة من
عندك ،وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) وسمع رجل يقول في تشهده ( :اللهم إني أسألك يا ال الحد الصمد الذي
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى ال عليه وسلم :قد غُفر
له ،قد غُفر له ) .وسمع آخر يقول في تشهده (:اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ،ل إله إل أنت وحدك ل شريك
لك المنان يا بديع السموات والرض يا ذا الجلل والكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال
النبي صلى ال عليه وسلم لصحابه :تدرون بما دعا ؟ قالوا ال ورسوله أعلم قال :والذي نفسي بيده لقد سأل ال
باسمه العظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى ) .وكان من آخر ما يقوله صلى ال عليه وسلم بين
التشهد والتسليم (:اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني
أنت المقدّم وأنت المؤخّر،ل إله إل أنت) " .هذه الدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلة للعلمة اللباني ص 163 :ط11.
وحفظ مثل هذه الدعية يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء المام إذا فرغوا من التشهد لنهم ل يدرون ماذا يقولون.
فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلة وفائدتها
ولشك أن من حفظ الطاعة الولى وصيانتها إتباعها بطاعة ثانية ،وكذلك فإن المتأمل لذكار ما بعد الصلة يجد
أنها تبدأ بالستغفار ثلثا فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلته وعما حصل من التقصير في
خشوعها فيها ،ومن المهم كذلك الهتمام بالنوافل فإنها تجبر النقص في الفرائض ومنه الخلل بالخشوع .
عن أنس رضي ال عنه قال :كان قِرام (ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن )لعائشة سترت به جانب بيتها ،فقال لها
النبي صلى ال عليه وسلم ( :أميطي -أزيلي -عني فإنه ل تزال تصاويره تعرض لي في صلتي ) رواه البخاري
:فتح الباري . 10/391
وعن القاسم عن عائشة رضي ال عنها أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ( بيت صغير منحدر في
الرض قليل شبيه بالمخدع أو الخزانة ) فكان النبي صلى ال عليه وسلم يصلي إليه فقال ( :أخّريه عني فإنه ل
تزال تصاويره تعرض لي في صلتي ) فأخرته فجعلته وسائد .رواه مسلم رحمه ال في صحيحه 3/1668
ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم لما دخل الكعبة ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى
قال لعثمان الحجبي ( إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي
) .أخرجه أبو داود 2030وهو في صحيح الجامع 2504
ويدخل في هذا ؛ الحتراز من الصلة في أماكن مرور الناس وأماكن الضوضاء والصوات المزعجة وبجانب
المتحدثين وفي مجالس اللغو واللغط وكل ما يشغل البصر .
وكذلك تجنب الصلة في أماكن الحرّ الشديد والبرد الشديد إذا أمكن ذلك فإن النبي صلى ال عليه وسلم أمر بالبراد
في صلة الظهر بالصيف لجل هذا ،قال ابن القيم رحمه ال تعالى " :إن الصلة في شدة الحر تمنع صاحبها من
الخشوع والحضور ،ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ،فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ،
فيصلي العبد بقلب حاضر ،ويحصل له مقصود الصلة من الخشوع والقبال على ال تعالى " .الوابل الصيّب ط.
دار البيان ص22 :
( )20أن ل يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي
فعن عائشة رضي ال عنها قالت :قام النبي ال صلى ال عليه و سلم يصلي في خميصة ذات أعلم -أي :كساء
مخطط ومربّع -فنظر إلى علمها فلما قضى صلته قال ( :اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني
بأنبجانيّه -كساء ليس فيه تخطيط ول تطريز ول أعلم ،-فإنها ألهتني آنفا في صلتي " وفي رواية " :شغلتني
أعلم هذه " وفي رواية " :كانت له خميصة لها علم ،فكان يتشاغل بها في الصلة " الروايات في صحيح مسلم رقم
556ج. 1/391 :
ومن باب أولى أن ل يصلي في ثياب فيها صور وخصوصا ذوات الرواح كما شاع وانتشر في هذا الزمان.
فإذا وُضع الطعام وحضر بين يديه أو قُدّم له ،بدأ بالطعام لنه ل يخشع إذا تركه وقام يصلي ونفسه متعلّقة به .بل
إن عليه أن ل يعجل حتى تنقضي حاجته منه لقوله صلى ال عليه وسلم ( :إذا قرّب العَشاء وحضرت الصلة ،
فابدؤا به قبل أن تصلوا صلة المغرب .ول تعجلوا عن عشائكم ) .وفي رواية ( :إذا وُضع عشاء أحدكم وأقيمت
الصلة فابدؤا بالعشاء ول يعجلنّ حتى يفرغ منه ) متفق عليه ،البخاري كتاب الذن ،باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلة ،
وفي مسلم رقم . 559-557
لشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط ولذلك ( نهى رسول ال صلى ال عليه
وسلم أن يصلي الرجل وهو حاقن ) والحاقن أي الحابس البول .رواه إبن ماجه في سننه رقم 617وهو في صحيح الجامع
رقم . 6832والحاقب هو حابس الغائط .
ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلء لقضاء حاجته ولو فاته ما فاته من صلة الجماعة فإن النبي صلى ال
عليه و سلم قال ( :إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلء وقامت الصلة فليبدأ بالخلء ) .رواه أبو داود رقم 88وهو في
صحيح الجامع رقم 299
بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلة فإنه يقطع صلته لقضاء حاجته ثم يتطهر ويصلي لن النبي صلى ال عليه
وسلم قال ( :ل صلة بحضرة طعام ول وهو يدافعه الخبثان ).صحيح مسلم رقم 560وهذه المدافعة بل ريب تذهب
بالخشوع .ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح .
عن أنس بن مالك قال ،قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :إذا نعس أحدكم في الصلة فلينم حتى يعلم ما يقول
) أي فليرقد حتى يذهب عنه النوم .رواه البخاري رقم 210
وقد جاء ذكر السبب في ذلك :فعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ( :إذا نعس
أحدكم و هو يصلي فليرقد ،حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس ل يدري لعله يستغفر فيسب
نفسه ) .رواه البخاري رقم 209
وقد يحصل هذا في قيام الليل وقد يصادف ساعة إجابة فيدعو على نفسه وهو ل يدري ،ويشمل هذا الحديث
الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت .فتح الباري :شرح كتاب الوضوء :باب الوضوء من النوم
لن النبي صلى ال عليه و سلم نهى عن ذلك فقال ( :ل تصلوا خلف النائم ول المتحدث ) رواه أبو داود رقم 694و
هو في صحيح الجامع رقم 375و قال حديث حسن .
لن المتحدث يلهي بحديثه والنائم قد يبدو منه ما يلهي .
قال الخطابي رحمه ال " :أما الصلة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلمهم
يُشغل المصلي عن صلته " .عون المعبود 2/388
أما أدلة النهي عن الصلة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم منهم أبو داود في سننه كتاب الصلة :تفريع
أبواب الوتر :باب الدعاء ،وابن حجر في فتح الباري شرح باب الصلة خلف النائم :كتاب الصلة
وقال البخاري -رحمه ال تعالى -في صحيحه :باب الصلة خلف النائم ،وساق حديث عائشة :كان النبي صلى
ال عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه ..صحيح البخاري :كتاب الصلة
" وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلته "..فتح الباري
الموضع السابق .
فإذا أُمن ذلك فل تُكره الصلة خلف النائم وال أعلم .
روى البخاري رحمه ال تعالى عن معيقيب رضي ال عنه ( أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في الرجل يسوي
التراب حيث يسجد قال :إن كنت فاعل فواحدة ) فتح الباري 3/79
قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ( :ل تمسَح وأنت تصلي فإن كنتَ ل بدّ فاعِل فواحدة) يعني تسوية الحصى .
رواه أبو داود رقم 946و هو في صحيح الجامع رقم 7452
والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئل يكثر العمل في الصلة .والَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج
إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلة .
ويدخل في الكراهية مسح الجبهة والنف وقد سجد النبي صلى ال عليه وسلم في ماء وطين وبقي أثر ذلك في
جبهته ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق فالستغراق في الصلة والخشوع فيها ينسي ذلك
ويشغل عنه وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم (:إن في الصلة شغل) رواه البخاري فتح الباري ،72 /3وقد روى ابن
أبي شيبة عن أبي الدرداء قال :ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى .وقال عياض :
كره السلف مسح الجبهة في الصلة قبل النصراف .الفتح . 79 /3يعني النصراف من الصلة .
وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلته كما مرّ في النقاط السابقة فكذلك عليه أن يلتزم بعدم
التشويش على المصلين الخرين ومن ذلك :
لحديث أبي ذر رضي ال عنه قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ( :ل يزال ال عز وجل مقبل على العبد
وهو في صلته ما لم يلتفت ،فإذا التفت انصرف عنه ) رواه أبو داود رقم 909وهو في صحيح أبي داود .
الثاني :التفات البصر ،وكلهما منهي عنه وينقص من أجر الصلة،وقد سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن
اللتفات في الصلة فقال ( :اختلس يختلسه الشيطان من صلة العبد ) رواه البخاري :كتاب الذان باب :اللتفات في
الصلة .
" ومثل من يلتفت في صلته ببصره أو قلبه مثل رجل استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو
في خلل ذلك يلتفت عن السلطان يمينا وشمال ،وقد انصرف قلبه عن السلطان فل يفهم ما يخاطبه به لن قلبه
ن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ .
ليس حاضرا معه فما ظ ّ
أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ،فهذا المصلي ل يستوي
والحاضر القلب المقبل على ال تعالى في صلته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتل قلبه من
هيبته وذلت عنقه له ،واستحيى من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين صلتيهما كما قال حسان بن عطية
:إن الرجلين ليكونان في الصلة الواحدة ،وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والرض ،وذلك أن أحدهما
مقبل بقلبه على ال عز وجل والخر ساه غافل " .الوابل الصيب لبن القيم .دار البيان ص . 36 :
و أما اللتفات " لحاجة فل بأس به ،روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال ( :ثوب بالصلة -صلة الصبح -
فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب ) .قال أبو داود ( :وكان أرسل فارسا من
الليل إلى الشعب يحرس ) .وهذا كحمله أمامة بنت أبي العاص .. ،وفتحه الباب لعائشة ونزوله من المنبر لما
صلى بهم يعلمهم ،وتأخره في صلة الكسوف ،وإمساكه الشيطان وخنقه لما أراد أن يقطع صلته ،وأمره بقتل
الحية والعقرب في الصلة ،وأمره بردّ المار بين يدي المصلي ومقاتلته ،وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في
الصلة وغير ذلك من الفعال التي تُفعل لحاجة ،ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث -المنافي للخشوع -
المنهي عنه في الصلة " .مجموع الفتاوى . 22/559
لنه مما ينافي الخشوع في الصلة والدب مع ال لقوله صلى ال عليه و سلم ( :إذا كان أحدكم يصلي فل يبصق
ِقبَل وجهه فإن ال قِبَل وجهه إذا صلى ) .رواه البخاري في صحيحه رقم 397
و قال (:إذا قام أحدكم إلى الصلة فل يبصق أمامه ،فإنما يناجي ال -تبارك و تعالى-ما دام في مصله ،ول عن
يمينه فإن عن يمينه ملكا ،و ليبصق عن يساره ،أو تحت قدمه فيدفنها )رواه البخاري:الفتح رقم 1/512 416
وقال ( :إن أحدكم إذا قام في صلته فإنما يناجي ربه ،وإن ربه بينه و بين قبلته ،فل يبزقن أحدكم في قبلته ،
ولكن عن يساره أو تحت قدمه ) رواه البخاري الفتح الباري رقم 1/513 417
وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد ونحوه كما هو الغالب في هذا الزمان فيمكنه إذا احتاج أن يُخرج منديل ونحوه
فيبصق فيه ويردّه .
قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ( :إذا تثاءَب أحدُكم في الصلة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل ) .رواه
مسلم . 4/2293وإذا دخل الشيطان يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالضافة إلى أنه يضحك من
المصلي إذا تثاءب .
عن أبي هريرة قال ( :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الختصار في الصلة )رواه أبو داود رقم 947وهو في
صحيح البخاري كتاب العمل في الصلة ،باب الخصر في الصلة .والختصار هو أن يضع يديه على خصره .
فعن زياد بن صبيح الحنفي قال :صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فضرب يدي فلما صلى
قال هذا الصّلب في الصلة وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهى عنه رواه المام أحمد 106 /2وغيره وصححه
الحافظ العراقي في تخريج الحياء :أنظر الرواء 2/94
وقد جاء في حديث مرفوع أن التخصّر راحة أهل النار والعياذ بال رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا .قال
العراقي :ظاهر إسناده الصحة
( )32ترك السدل في الصلة :
لما ورد أن رسول ال صلى ال عليه و سلم ( نهى عن السدل في الصلة وأن يغطي الرجل فاه ) .رواه أبو داود رقم
643و هو في صحيح الجامع رقم 6883و قال حديث حسن في عون المعبود 2/347قال الخطّابي :السدل؛ إرسال الثوب حتى
يصيب الرض .ونقل في مرقاة المفاتيح :2/236السدل منهي عنه مطلقا لنه من الخيلء وهو في الصلة أشنع وأقبح .وقال
صاحب النهاية :أي يلتحف بثوبيه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد .وقيل إن كانت اليهود تفعله .وقيل السدل
:أن يضع الثوب على رأسه أو كتفه ويرسل أطرافه أمامه أو على عضديه فيبقى منشغل بمعالجته فيخلّ بالخشوع
بخلف ما لو كان مربوطا أو مزررا ل يُخشى من وقوعه فل يُشغل المصلي حينئذ ول ينافي الخشوع .ويوجد في
بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الفارقة وغيرهم وفي طريقة لبس بعض المشالح والردية ما يبقي المصلي
مشغول في أحيان من صلته برفع ما وقع أو ضم ما انفلت وهكذا فينبغي التنبه لذلك .
أما النهي عن تغطية الفم فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه أنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود
مرقاة المفاتيح 2/236
لمّا أن ال كرّم ابن آدم وخلقه في أحسن تقويم ،كان من المعيب أن يتشبه الدمي بالبهائم وقد نهينا عن مشابهة عدد
من هيئات البهائم وحركاتها في الصلة لما في ذلك من منافاة الخشوع أو قبح الهيئة التي ل تليق بالمصلي فمما ورد
في ذلك ( :نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصلة عن ثلث :عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن
الرجل المقام الواحد كإيطان البعير ) رواه أحمد 3/428قيل معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي
فيه كالبعير ل يُغير مناخه فيوطنه الفتح الرباني 4/91وفي رواية(:نهاني عن نقرة كنقرة الديك،وإقعاء كإقعاء الكلب،والتفات
كالتفات الثعلب) .رواه المام أحمد 2/311وهو في صحيح الترغيب رقم 556
هذا ما تيسر ذكره من السباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والسباب المشغلة عنه لتلفيها
وإن من عِظم مسالة الخشوع وعلوّ قدرها عند العلماء أنهم ناقشوا القضية التالية
قيل :أما العتداد بها في الثواب :فل يعتد بها ،إل بما عقل فيه منها ،و خشع فيه لربه .
ع ُتدّ له
فقد علق ال فلح المصلين بالخشوع في صلتهم ،فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلح ،و لو ا ْ
بها ثوابا لكان من المفلحين .و أما العتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع و تعقلها
اعتد بها إجماعا ،و كانت من السنن و الذكار عقيبها ( بعدها) جوابر و مكملت لنقصها .
وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ،فأوجبها ابن حامد من
أصحاب أحمد .ومن هذا أيضا اختلفهم في الخشوع في الصلة وفيه قولن للفقهاء ،وهما في مذهب أحمد وغيره
.
وعلى القولين :اختلفهم في وجوب العادة على من غلب عليه الوسواس في صلته ،فأوجبها ابن حامد من
أصحاب أحمد ولم يوجبها أكثر الفقهاء .
واحتجوا بأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر من سها في صلته بسجدتي السهو ولم يأمره بالعادة مع قوله ( :إن
الشيطان يأتي أحدكم في صلته فيقول :أذكر كذا ،أذكر كذا ،لما لم يكن يذكر ،حتى يُضل الرجل أن يدري كم
صلى ) .
ولكن ل نزاع أن هذه الصلة ل ثواب على شيء منها إل بقدر حضور قلبه وخضوعه ،كما قال صلى ال عليه
) وسلم ( :إن العبد لينصرف من الصلة ولم يكتب له إل نصفها ،ثلثها ،ربعها ،حتى بلغ عشرها
وقال ابن عباس ( :ليس لك من صلتك إل ما عقلت منها ) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها
وإن سميت صحيحة باعتبار أنا ل نأمره بالعادة .مدارج السالكين 1/112
وقد ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصحيح أنه قال ( :إذا أذن المؤذن بالصلة أدبر الشيطان وله ضراط ،
حتى ل يسمع التأذين ،فإذا قضى التأذين أقبل ،فإذا ثوب بالصلة أدبر ،فإذا قضى التثويب أقبل ،حتى يخطر بين
المرء ونفسه ،يقول :اذكر كذا اذكر كذا ،ما لم يكن يذكر ،حتى يظل ل يدري كم صلى ،فإذا وجد أحدكم ذلك
فليسجد سجدتين وهو جالس ) .قالوا :فأمره النبي في هذه الصلة التي قد أغفله الشيطان فيها ،حتى لم يدر كم
صلى بأن يسجد سجدتي السهو ،ولم يأمره بإعادتها ،ولو كانت باطلة -كما زعمتم -لمره بإعادتها .
قالوا :وهذا هو السر في سجدتي السهو ،ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ،وكونه حال بينه وبين الحضور في
الصلة ،ولهذا سماها النبي المرغمتين .مدارج السالكين 530-1/528
فإن أردتم وجوب العادة :لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على
نفسه .
وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك الصلة فل.
وهذا هو أرجح القولين .وال أعلم .
خاتمة
أمر الخشوع كبير ،وشأنه خطير ،ول يتأتى إل لمن وفقه ال لذلك ،وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل
ولذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم يقول في دعائه ( :اللهم إني أعوذ بك من قلب ل يخشع ) ..رواه الترمذي /5
485رقم 3482وهو في صحيح سنن الترمذي 2769
والخاشعون درجات ،والخشوع من عمل القلب يزيد وينقص فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء ومن يخرج من
صلته لم يعقل شيئا " ،
أحدها :مرتبة الظالم لنفسه المفرط ،وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثاني :من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها ،لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ،
فذهب مع الوساوس والفكار .
الثالث :من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والفكار ،فهو مشغول بمجهادة عدوه لئل
يسرق صلته ،فهو في صلة وجهاد .
الرابع :من إذا قام إلى الصلة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها ،واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئل
يضيع شيئا منها ،بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها ،قد استغرق قلبه شأن الصلة
وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها .
الخامس :من إذا قام إلى الصلة قام إليها كذلك ،ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ،
ناظرا بقلبه إليه ،مراقبا له ،ممتلئا من محبته وعظمته ،كأنه يراه ويشاهده ،وقد اضمحلت تلك الوساوس
والخطرات ،وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ،فهذا بينه وبين غيره في الصلة أعظم مما بين السماء والرض ،وهذا
في صلته مشغول بربه عز وجل قرير العين به .
فالقسم الول معاقب ،والثاني محاسب ،والثالث مكفّر عنه ،والرابع مثاب ،والخامس مقرّب من ربّه ،لن له نصيبا
ممن جُعلت قرّة عينه في الصلة ،فمن قرّت عينه بصلته في الدنيا ،قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الخرة ،
وقرّت عينه أيضا به في الدنيا ،ومن قرت عينه بال قرّت به كل عين ،ومن لم تق ّر عينه بال تعالى تقطعّت نفسه على
الدنيا حسرات " الوابل الصيب ص 40 :