You are on page 1of 25

‫‪ 33‬سببا ً‬

‫للخشوع في‬
‫الصلة‬
‫محمد صالح المنجد‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬الذي قال في كتابه المبين ‪ { :‬وقوموا ل قانتين } ‪ ،‬وقال عن الصلة‪ { :‬وإنها لكبيرة إل‬
‫على الخاشعين } والصلة والسلم على إمام المتقين وسيد الخاشعين محمد رسول ال وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫وبعد‬

‫فإن الصلة أعظم أركان الدين العملية ‪ ،‬والخشوع فيها من المطالب الشرعية ‪ ،‬ولما كان عدو ال إبليس قد أخذ‬
‫العهد على نفسه بإضلل بني آدم وفتنتهم ‪ ،‬وقال ‪ {:‬ثم لتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم‬
‫} صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلة بشتى الوسائل ‪ ،‬والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة‬
‫وإضاعة أجرهم وثوابهم‪ ،‬ولما كان الخشوع أول ما يرفع من الرض ونحن في آخر الزمان ‪ ،‬انطبق فينا قول‬
‫ل لخير‬
‫ب مص ّ‬
‫حذيفة رضي ال عنه ‪:‬أول ما تفقدون من دينكم الخشوع ‪ ،‬وآخر ما تفقدون من دينكم الصلة ‪ ،‬ورُ ّ‬
‫فيه ‪ ،‬ويوشك أن تدخل المسجد فل ترى فيهم خاشعا ‪.‬‬

‫فقد قال ال تعالى ‪ { :‬قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلتهم خاشعون }‬

‫أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من ال‬
‫ومراقبته ‪ " .‬تفسير ابن كثير ط‪ .‬دار الشعب ‪ 6/414‬والخشوع هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل المدارج ‪1/520‬‬

‫ويروى عن مجاهد قال ‪ ( :‬قوموا ل قانتين ) ‪ :‬فمن القنوت ‪ :‬الركوع والخشوع وغض البصر وخفض الجناح من‬
‫رهبة ال عز وجل تعظيم قدر الصلة ‪1/188‬‬

‫ومحل الخشوع في القلب وثمرته على الجوارح ‪ .‬وأما التظاهر بالخشوع ممقوت ‪ ،‬ومن علمات الخلص ‪:‬‬

‫إخفاء الخشوع‬

‫كان حذيفة رضي ال عنه يقول ‪ :‬إياكم وخشوع النفاق فقيل له ‪ :‬وما خشوع النفاق قال ‪ :‬أن ترى الجسد خاشعا‬
‫والقلب ليس بخاشع ‪ .‬وقال الفضيل بن عياض ‪ :‬كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه ‪ .‬ورأى‬
‫بعضهم رجل خاشع المنكبين والبدن فقال ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره ‪ ،‬ل هاهنا وأشار إلى منكبيه‬
‫‪ .‬المدارج ‪1/521‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه ال تعالى مبيّنا الفرق بين خشوع اليمان وخشوع النفاق ‪ " :‬خشوع اليمان هو خشوع القلب‬
‫ل بالتعظيم والجلل والوقار والمهابة والحياء ‪ ،‬فينكسر القلب ل كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء‬
‫و شهود نعم ال وجناياته هو ‪ ،‬فيخشع القلب ل محالة فيتبعه خشوع الجوارح ‪ .‬وأما خشوع النفاق فيبدو على‬
‫الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع ‪ ،‬و كان بعض الصحابة يقول ‪ :‬أعوذ بال من خشوع النفاق ‪ ،‬قيل له ‪:‬‬
‫وما خشوع النفاق ؟ قال ‪ :‬أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع ‪ .‬فالخاشع ل عبد قد خمدت نيران شهوته ‪،‬‬
‫وسكن دخانها عن صدره ‪ ،‬فانجلى الصدر وأشرق فيه نور العظمة فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حشي‬
‫به وخمدت الجوارح وتوقر القلب واطمأن إلى ال وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه فصار مخبتا له ‪،‬‬
‫والمخبت المطمئن ‪ ،‬فإن الخبت من الرض ما اطمأن فاستنقع فيه الماء ‪ ،‬فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن‬
‫كالبقعة المطمئنة من الرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها ‪ ،‬وعلمته أن يسجد بين يدي ربه إجلل له وذل‬
‫وانكسارا بين يديه سجدة ل يرفع رأسه عنها حتى يلقاه ‪ .‬فهذا خشوع اليمان ‪ ،‬وأما القلب المتكبر فإنه قد اهتز‬
‫بتكبره وربا فهو كبقعة رابية من الرض ل يستقر عليها الماء وأما التماوت وخشوع النفاق فهو حال عند تكلف‬
‫إسكان الجوارح تصنعا ومراءاة ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات وإرادات فهو يتخشع في الظاهر وحية‬
‫الوادي وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة ‪ .‬كتاب الروح‬

‫"والخشوع في الصلة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها ‪ ،‬واشتغل بها عما عداها ‪ ،‬وآثرها على غيرها‪،‬وحيئذ تكون‬
‫راحة له وقرة عين كما قال النبي صلى ال عليه وسلم‪..(:‬جعلت قرة عيني في الصلة ) " تفسير ابن كثير ‪5/456‬‬
‫والحديث في مسند أحمد ‪ 3/128‬وهو في صحيح الجامع ‪3124‬‬

‫والخشوع أمر عظيم شأنه ‪،‬سريع فقده ‪،‬نادر وجوده خصوصا في زماننا وهو من آخر الزمان قال النبي صلى ال‬
‫)‬ ‫عليه وسلم ( أول شيء يرفع من هذه المة الخشوع ‪ ،‬حتى ل ترى فيها خاشعا‬

‫حكم الخشوع‬

‫والراجح في حكم الخشوع أنه واجب ‪ .‬قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬قال ال تعالى{ واستعينوا بالصبر‬
‫والصلة وإنها لكبيرة إل على الخاشعين } وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين ‪ ..‬والذم ل يكون إل لترك واجب أو فعل‬
‫محرّم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دلّ ذلك على وجوب الخشوع ‪ ..‬ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله‬
‫تعالى ‪ {:‬قد أفلح المؤمنون ‪ .‬الذين هم في صلتهم خاشعون ‪ - ..‬إلى قوله ‪ -‬أولئك هم الوارثون الذين يرثون‬
‫الفردوس هم فيها خالدون } أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلء هم الذين يرثون فردوس الجنة وذلك يقتضي أنه ل يرثها‬
‫غيرهم ‪ ..‬فمن نقر نقر الغراب لم يخشع في سجوده وكذلك من لم يرفع رأسه في الركوع ويستقر قبل أن ينخفض لم‬
‫يسكن لن السكون هو الطمأنينة بعينها فمن لم يطمئن لم يسكن ومن لم يسكن لم يخشع في ركوعه ول في سجوده‬
‫ومن لم يخشع كان آثما عاصيا ‪ ..‬ويدل على وجوب الخشوع في الصلة أن النبي صلى ال عليه وسلم توعد تاركيه‬
‫كالذي يرفع بصره إلى السماء فإنه حركته ورفعه وهو ضد حال الخاشع ‪..‬‬

‫وفي فضل الخشوع ووعيد من تركه يقول النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬

‫خمس صلوات افترضهن ال تعالى ‪ ،‬من أحسن وضوءهن وصلهن لوقتهن ‪ ،‬وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له‬ ‫(‬

‫‪).‬‬ ‫على ال عهد أن يغفر له ‪ ،‬ومن لم يفعل ‪ ،‬فليس له على ال عهد‪ ،‬إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه‬
‫وقال عليه الصلة والسلم في فضل الخشوع أيضا ‪ ( :‬من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين يُقبل عليهما‬
‫بقلبه ووجهه[ وفي رواية ‪:‬ل يحدّث فيهما نفسه] غفر له ما تقدّم من ذنبه[ وفي رواية إل وجبت له الجنة ])البخاري‬
‫ط‪.‬البغا رقم ‪158‬والنسائي ‪1/95‬وهو في صحيح الجامع ‪6166‬‬

‫أسباب الخشوع في الصلة ‪:‬‬

‫أول ‪ :‬الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه‬

‫وهذا يكون بأمور منها ‪:‬‬

‫( ‪ ) 1‬الستعداد للصلة والتهيؤ لها‬

‫ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والتيان بالدعاء المشروع بعده " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلة‬
‫القائمة ‪ ،‬آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته " ‪ ،‬والدعاء بين الذان والقامة ‪ ،‬وإحسان‬
‫الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده ( أشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا عبده‬
‫والعتناء بالسواك وهو تنظيف وتطييب للفم‬ ‫)‪.‬‬ ‫ورسوله ) ‪ ( .‬اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين‬
‫الذي سيكون طريقا للقرآن بعد قليل لحديث ‪ ( :‬طهروا أفواهكم للقرآن ) رواه البزار وقال ‪ :‬ل نعلمه عن علي بأحسن‬
‫من هذا السناد كشف الستار ‪ 1/242‬وقال الهيثمي ‪ :‬رجاله ثقات ‪ 2/99‬وقال اللباني إسناده جيد ‪ :‬الصحيحة ‪ . 1213‬وأخذ الزينة‬
‫باللباس الحسن النظيف ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ {:‬يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } وال عز وجل أحقّ من تُزيّن له‬
‫‪ ،‬كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية بخلف ثوب النوم والمهنة ‪ .‬وكذلك الستعداد‬
‫بستر العورة وطهارة البقعة والتبكير وانتظار الصلة ‪ ،‬وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لن الشياطين تتخلل‬
‫ال ُفرَج بين الصفوف ‪.‬‬

‫( ‪ )2‬الطمأنينة في الصلة‬

‫( كان النبي صلى ال عليه وسلم يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ) صحح إسناده في صفة الصلة ص‪ 134 :‬ط‪.‬‬
‫‪ 11‬وعند ابن خزيمة نحوه كما ذكر الحافظ في الفتح ‪ 2/308‬وأمر بذلك المسيء صلته وقال له ‪ ( :‬ل تتم صلة أحدكم‬
‫حتى يفعل ذلك ) ‪.‬رواه أبو داود ‪ 1/536‬رقم ‪858‬‬

‫عن أبي قتادة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلته ‪،‬‬
‫قال يا رسول ال ‪ :‬كيف يسرق صلته ‪ ،‬قال ‪ ( :‬ل يتم ركوعها ول سجودها ) ‪ .‬رواه أحمد والحاكم ‪ 229 /1‬وهو في‬
‫صحيح الجامع ‪997‬‬

‫وعن أبي عبد ال الشعري رضي ال عنه قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬مثل الذي ل يتمّ ركوعه ‪،‬‬
‫وينقر في سجوده ‪ ،‬مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين ‪ ،‬ل يغنيان عنه شيئا ) رواه الطبراني في الكبير ‪ 4/115‬وقال في‬
‫صحيح الجامع ‪ :‬حسن‬
‫والذي ل يطمئن في صلته ل يمكن أن يخشع لن السرعة تذهب بالخشوع ونقر الغراب يذهب بالثواب ‪.‬‬

‫( ‪ ) 3‬تذكر الموت في الصلة‬

‫لقوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬اذكر الموت في صلتك ‪ ،‬فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلته لحريّ أن يحسن‬
‫ل صلة رجل ل يظن أنه يصلي غيرها ) السلسلة الصحيحة لللباني ‪1421‬ونقل عن السيوطي تحسين الحافظ‬
‫صلته ‪ ،‬وص ّ‬
‫ابن حجر رحمه ال لهذا الحديث‬

‫وفي هذا المعنى أيضا وصية النبي صلى ال عليه وسلم لبي أيوب رضي ال عنه لما قال له‪ ( :‬إذا قمت في‬
‫صلتك فصلّ صلة مودّع ) رواه أحمد ‪ 5/412‬وهو في صحيح الجامع رقم ‪ ، 742‬يعني صلة من يظن أنه لن يصلي‬
‫غيرها وإذا كان المصلي سيموت ولبد ‪ ،‬فإن هناك صلة مّا هي آخر صلة له فليخشع في الصلة التي هو فيها‬
‫فإنه ل يدري لعلها تكون هذه هي ‪.‬‬

‫( ‪ ) 4‬تدبر اليات المقروءة وبقية أذكار الصلة والتفاعل معها‬

‫القرآن نزل للتدبر { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليذكّر أولوا اللباب} ول يحصل التدبر إل بالعلم بمعنى‬
‫ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر قال ال تعالى ‪ { :‬والذين إذا ُذكّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا‬
‫وعميانا } وهنا يتبين أهمية العتناء بالتفسير قال ابن جرير رحمه ال ‪ " :‬إني لعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم‬
‫تأويله ( أي ‪ :‬تفسيره ) كيف يلتذ بقراءته " مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر ‪ 1/10‬ولذلك فمن المهم لقارئ القرآن أن‬
‫ينظر في تفسير ولو مختصر مع التلوة مثل كتاب زبدة التفسير للشقر المختصر من تفسير الشوكاني وتفسير‬
‫العلمة ابن سعدي المسمى " تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان " وإن لم يكن فكتاب في شرح الكلمات‬
‫الغريبة مثل " المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن " لعبد العزيز السيروان فإنه جمع فيه أربعة كتب من كتب‬
‫غريب القرآن ‪ .‬ومما يُعين على التدّبر كثيرا ترديد اليات لنه يعين على التفكّر ومعاودة النظر في المعنى وكان‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم يفعل ذلك فقد جاء أنه صلى ال عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي ‪ {:‬إن‬
‫تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } " ‪ .‬رواه ابن خزيمة ‪ 1/271‬وأحمد ‪ 5/149‬وهو في صفة‬
‫الصلة ص‪102 :‬‬

‫وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع اليات كما روى ( حذيفة قال ‪ :‬صليت مع رسول ال ذات ليلة ‪ ..‬يقرأ‬
‫مسترسل ‪ ،‬إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ ) رواه مسلم رقم ‪ 772‬وفي رواية‬
‫صليت مع رسول ال ليلة ‪ ،‬فكان إذا مر بآية رحمة سأل ‪ ،‬و إذا مر بآية عذاب تعوذ ‪ ،‬و إذا مر بآية فيها تنزيه ل‬ ‫(‬

‫سبح ) ‪ .‬تعظيم قدر الصلة ‪ 1/327‬وقد جاء هذا في قيام الليل ‪.‬‬

‫وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن النعمان رضي ال عنه ـ الليل ل يقرأ إل { قل هو ال أحد } يرددها ل يزيد‬
‫عليها البخاري ‪ :‬الفتح ‪ 9/59‬وأحمد ‪3/43‬‬
‫وقال سعيد بن عبيد الطائي ‪ :‬سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الية { فسوف يعلمون ‪.‬‬
‫إذ الغلل في أعناقهم والسلسل يُسحبون ‪ .‬في الحميم ثم في النار يُسجرون ‪ . } .‬وقال القاسم رأيت سعيد بن جبير‬
‫قام ليلة يصلي فقرأ { واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى ال ثم تُوفى كل نفس ما كسبت} فرددها بضعا وعشرين مرة ‪.‬‬
‫وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد ال ‪ :‬بتنا ذات ليلة عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الية حتى‬
‫السّحر ‪:‬وإن تعدّوا نعمة ال ل تُحصوها ) فلما أصبح قلنا ‪ :‬يا أبا سعيد لم تكد تجاوز هذه الية سائر الليل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أرى فيها معتبرا ‪ ،‬ما أرفع طرفا ول أردّه إل وقد وقع على نعمة وما ل يُعلم من نعم ال أكثر ‪ .‬التذكار للقرطبي ص‪:‬‬
‫‪125‬‬

‫وكان هارون بن رباب السيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الية حتى يُصبح ‪ ( :‬قالوا يا ليتنا نُردّ ول‬
‫نكذّب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) ويبكي حتى يُصبح ‪.‬‬

‫ومما يعين على التدبر أيضا حفظ القرآن والذكار المتنوعة في الركان المختلفة ليتلوها ويذكرها ليتفكّر فيها ‪.‬‬

‫ول شك أن هذا العمل ـ من التدبر والتفكر والترديد والتفاعل ـ من أعظم ما يزيد الخشوع كما قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم خشوعا }‬

‫وفيما يلي قصة مؤثرة يتبين فيها تدبره وخشوعه صلى ال عليه وسلم مع بيان وجوب التفكر في اليات ‪ :‬عن‬
‫عطاء قال ‪ :‬دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي ال عنها فقال ابن عمير ‪ :‬حدّثينا بأعجب شيء رأيتيه من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبكت وقالت ‪ :‬قام ليلة من الليالي فقال‪ :‬يا عائشة ذريني أتعبّد لربي ‪ ،‬قالت ‪ :‬قلت‬
‫ل حجره ‪ ،‬ثم‬
‫‪ :‬وال إني لحبّ قربك ‪ ،‬وأحب ما يسرّك ‪ ،‬قالت ‪ :‬فقام فتطهر ثم قام يصلي ‪ ،‬فلم يزل يبكي حتى ب ّ‬
‫ل الرض ‪ ،‬وجاء بلل يؤذنه بالصلة ‪ ،‬فلما رآه يبكي قال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬تبكي وقد غفر‬
‫بكى فلم يزل يبكي حتى ب ّ‬
‫ي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم‬
‫ال لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر ؟ قال ‪ :‬أفل أكون عبدا شكورا ؟ لقد نزلت عل ّ‬
‫يتفكّر ما فيها ‪ { :‬إن في خلق السموات والرض ‪ ...‬الية } رواه ابن حبّان وقال في السلسلة الصحيحة رقم ‪ : 68‬وهذا إسناد‬
‫جيد ‪.‬‬

‫ومن التجاوب مع اليات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إذا أمّنَ‬
‫المام فأ ّمنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُ ُه تأمين الملئكة غُفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري رقم ‪ 747‬وهكذا التجاوب مع‬
‫المام في قوله سمع ال لمن حمده فيقول المأموم ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم فعن رفاعة ابن رافع الزرقي قال‬
‫‪ :‬كنا يوما نصلي وراء النبي صلى ال عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال ‪ :‬سمع ال لمن حمده ‪ ،‬قال رجل‬
‫وراءه ‪ :‬ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪ :‬من المتكلم ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا ‪ ،‬قال ‪ :‬رأيت‬
‫ل ‪ .‬رواه البخاري الفتح ‪2/284‬‬
‫بضعة وثلثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أو ُ‬

‫( ‪ ) 5‬أن يقطّع قراءته آيةً آية‬

‫وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي صلى ال عليه وسلم كما ذكرت أم سلمة رضي ال عنها قراءة رسول ال‬
‫عليه وسلم ( بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬ثم يقف ثم يقول ‪ ،‬الحمد ل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيم ‪،‬‬
‫وفي رواية ‪ :‬ثم يقف ثم يقول ‪ :‬ملك يوم الدين ) يقطّع قراءته آي ًة آية رواه أبو داود رقم ‪ 4001‬وصححه اللباني في‬
‫الرواء وذكر طرقه ‪2/60‬‬

‫والوقوف عند رؤوس الي سنّة وإن تعلّقت في المعنى بما بعدها ‪.‬‬

‫( ‪ ) 6‬ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها ‪:‬‬

‫كما قال ال عز وجل ‪ { :‬ورتل القرآن ترتيل } وكانت قراءته صلى ال عليه وسلم ( مفسرة حرفا حرفا ‪ ) .‬مسند‬
‫أحمد ‪ 6/294‬بسند صحيح صفة الصلة ‪ :‬ص‪ ( 105 :‬وكان صلى ال عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول‬
‫من أطول منها ) رواه مسلم رقم ‪733‬‬

‫وهذا الترتيل والترسل أدعى للتفكر والخشوع بخلف السراع والعجلة ‪.‬‬

‫ومما يعين على الخشوع أيضا تحسين الصوت بالتلوة وفي ذلك وصايا نبوية منها قوله صلى ال عليه و سلم ‪:‬‬
‫( زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ) أخرجه الحاكم ‪ 1/575‬و هو في صحيح الجامع رقم‬
‫‪3581‬‬

‫وليس المقصود بتحسين الصوت‪:‬التمطيط والقراءة على ألحان أهل الفسق وإنما جمال الصوت مع القراءة بحزن كما‬
‫قال النبي صلى ال عليه وسلم (إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى ال ) رواه‬
‫إبن ماجه ‪ 1/1339‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪2202‬‬

‫( ‪ ) 7‬أن يعلم أن ال يُجيبه في صلته ‪:‬‬

‫قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬قال ال عز وجل قسمت الصلة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ‪ ،‬فإذا‬
‫ي عبدي ‪ ،‬فإذا‬
‫قال ‪ :‬الحمد ل رب العالمين قال ال ‪ :‬حمدني عبدي فإذا قال ‪ :‬الرحمن الرحيم ‪ ،‬قال ال ‪ :‬أثنى عل ّ‬
‫قال ‪ :‬مالك يوم الدين ‪ ،‬قال ال ‪ :‬مجّدني عبدي ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬إياك نعبد وإياك نستعين ‪ ،‬قال ‪ :‬هذا بيني وبين عبدي‬
‫ولعبدي ما سأل ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬إهدنا الصراط المستقيم ‪ ،‬صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ول الضالين‬
‫‪ ،‬قال ال ‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ‪ ) .‬صحيح مسلم كتاب الصلة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة‬

‫وهذا حديث عظيم جليل لو استحضره كل مصلّ لحصل له خشوع بالغ ولوجد للفاتحة أثرا عظيما كيف ل وهو‬
‫يستشعر أن ربّه يخاطبه ثم يعطيه سؤله ‪.‬‬

‫وينبغي إجلل هذه المخاطبة وقدرها حقّ قدرها ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن أحدكم إذا قام يصلي‬
‫فإنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه )مستدرك الحاكم ‪ 1/236‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪1538‬‬

‫( ‪ ) 8‬الصلة إلى سترة والدنو منها‬


‫من المور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلة الهتمام بالسترة والصلة إليها فإن ذلك أقصر لنظر المصلي وأحفظ‬
‫له من الشيطان وأبعد له عن مرور الناس بين يديه فإنه يشوّش ويُنقص أجر المصلي ‪.‬‬

‫قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة و ليدن منها ) رواه أبو داود رقم ‪ 1/446 695‬و هو‬
‫في صحيح الجامع رقم ‪651‬‬

‫وللدنو من السترة فائدة عظيمة ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها ل يقطع‬
‫الشيطان عليه صلته ) رواه أبو داود رقم ‪ 1/446 695‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪ 650‬والسنّة في الدن ّو من السترة أن يكون‬
‫بينه وبين السترة ثلثة أذرع وبينها وبين موضع سجوده ممرّ شاة كما ورد في الحاديث الصحيحة ‪ .‬البخاري أنظر الفتح ‪، 1/574‬‬
‫‪579‬‬

‫وأوصى النبي صلى ال عليه وسلم المصلي بأن ل يسمح لحد أن يمرّ بينه وبين سترته فقال‪ ( :‬إذا كان أحدكم‬
‫يصلي فل يدع أحدا يمر بين يديه ‪ ،‬و ليدرأه ما استطاع فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين ) رواه مسلم ‪ 1/260‬و هو في‬
‫صحيح الجامع رقم ‪755‬‬

‫قال النووي رحمه ال تعالى ‪ " :‬والحكمة في السترة كف ّ البصر عما وراءه ومنع من يجتاز بقربه ‪ ..‬وتمنع‬
‫الشيطان المرور والتعرض لفساد صلته " شرح صحيح مسلم ‪4/216‬‬

‫( ‪ ) 9‬وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر‬

‫كان النبي صلى ال عليه وسلم إذا قام في الصلة (وضع يده اليمنى على اليسرى)مسلم رقم ‪ 401‬و( كان يضعهما على‬
‫الصدر) أبوداود رقم ‪ 759‬وانظر إرواء الغليل ‪2/71‬وقال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪(:‬إنا معشر النبياء أمرنا‪..‬أن‬
‫نضع أيماننا على شمائلنا في الصلة)رواه الطبراني في المعجم الكبير رقم ‪11485‬قال الهيثمي ‪ :‬رواه الطبراني في الوسط‬
‫ورجاله رجال الصحيح؛المجمع ‪3/155‬‬

‫ل بين يدي‬
‫وسئل المام أحمد رحمه ال تعالى عن المراد بوضع اليدين إحداهما على الخرى حال القيام فقال ‪ :‬هو ذ ّ‬
‫العزيز الخشوع في الصلة ‪.‬ابن رجب ص‪21:‬‬

‫قال ابن حجر رحمه ال تعالى ‪ :‬قال العلماء ‪ :‬الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث‬
‫وأقرب إلى الخشوع ‪ .‬فتح الباري ‪2/224‬‬

‫(‪ )10‬النظر إلى موضع السجود ‪:‬‬

‫لما ورد عن عائشة(كان رسول ال صلى ال عليه و سلم إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الرض ) رواه‬
‫الحاكم ا‪ 479/‬وقال صحيح على شرط الشيخين و وافقه اللباني صفة الصلة ص ‪89‬‬

‫( و لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج عنها )‪ .‬رواه الحاكم في المستدرك ‪ 479/ 1‬وقال صحيح‬
‫على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪ ،‬قال اللباني وهو كما قال ؛ إرواء الغليل ‪2/73‬‬
‫أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها لما جاء عنه صلى ال عليه وسلم أنه كان إذا جلس‬
‫للتشهد ( يشير بأصبعه التي تلي البهام إلى القبلة ويرمي ببصره إليها) رواه ابن خزيمة ‪ 1/355‬رقم ‪ 719‬وقال المحقق ‪:‬‬
‫إسناده صحيح وانظر صفة الصلة ص‪ 139 :‬وفي رواية ( وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ) رواه أحمد ‪ 4/3‬وأبو‬
‫داود رقم ‪. 990‬‬

‫مسألة‬

‫وهنا سؤال يدور في أذهان بعض المصلين وهو‪:‬ما حكم إغماض العينين في الصلة خصوصا وأن المرء قد يحس‬
‫بمزيد من الخشوع إذا فعل ذلك ؟‬

‫والجواب ‪ :‬أن ذلك مخالف للسنة الواردة عن النبي صلى ال عليه وسلم كما تقدّم قبل قليل كما أن الغماض يفوّت‬
‫سنة النظر إلى موضع السجود وإلى الصبع ‪ .‬ولكن هناك شيء من التفصيل في المسألة فلندع الميدان للفارس‬
‫ولنفسح المكان للعلمة أبي عبد ال ابن القيم يبين المر ويجلّيه ‪ ،‬قال رحمه ال تعالى ‪ " :‬ولم يكن من هديه صلى‬
‫ال عليه وسلم تغميض عينيه في الصلة ‪ ،‬وقد تقدّم أنه كان في التشهد يومئ ببصره إلى إصبعه في الدعاء ول‬
‫يُجاوز بصره إشارته ‪...‬‬

‫وقد يدلّ على ذلك مدّ يده في صلة الكسوف ليتناول العنقود لما رأى الجنة ‪ ،‬وكذلك رؤيته النار وصاحبة الهرة فيها‬
‫وصاحب المحجن ‪ ،‬وكذلك حديث مدافعته للبهيمة التي أرادت أن تمرّ بين يديه وردّه الغلم والجارية وحجزه بين‬
‫الجاريتين ‪ ،‬وكذلك أحاديث ردّ السلم بالشارة على من سلّم عليه وهو في الصلة ‪ ،‬فإنه إنما كان يشير إلى من‬
‫يراه ‪ ،‬وكذلك حديث تعرّض الشيطان له فأخذه فخنقه وكان ذلك رؤية عين ‪ .‬فهذه الحاديث وغيرها يُستفاد من‬
‫مجموعها العلم بأنه لم يكن يغمض عينيه في الصلة ‪.‬‬

‫وقد اختلف الفقهاء في كراهته ‪ ،‬فكرهه المام أحمد وغيره وقالوا ‪ :‬هو فعل اليهود ‪ ،‬وأباحه جماعة ولم يكرهوه ‪...‬‬
‫والصواب أن يُقال إن كان تفتيح العين ل يُخلّ بالخشوع فهو أفضل ‪ ،‬وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته‬
‫من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوّش عليه قلبه فهنالك ل يُكره التغميض قطعا ‪ ،‬والقول باستحبابه في هذا‬
‫الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة ‪ ،‬وال أعلم " زاد المعاد ‪ 1/293‬ط‪ .‬دار الرسالة‬

‫وبهذا يتبين أن السنة عدم الغماض إل إذا دعت الحاجة لتلفي أمر يض ّر بالخشوع ‪.‬‬

‫(‪ )11‬تحريك السبابة ‪:‬‬

‫وهذا أمر أهمله كثير من المصلين فضل عن جهلهم بفائدته العظيمة وأثره في الخشوع‬

‫قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬لهي أشد على الشيطان من الحديد ‪ ) .‬رواه المام أحمد ‪ 2/119‬بسند حسن كما في صفة‬
‫الصلة ص‪ " 159 :‬أي أن الشارة بالسبابة عند التشهد في الصلة أشد على الشيطان من الضرب بالحديد لنها تذكّر‬
‫العبد بوحدانية ال تعالى والخلص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بال منه ‪ ".‬الفتح الرباني‬
‫للساعاتي ‪. 4/15‬‬

‫ولجل هذه الفائدة العظيمة كان الصحابة رضوان ال عليهم يتواصون بذلك ويحرصون عليه ويتعاهدون أنفسهم في‬
‫هذا المر الذي يقابله كثير من الناس في هذا الزمان بالستخفاف والهمال ‪ ،‬فقد جاء في الثر ما يلي ‪ ( :‬كان‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يأخذ بعضهم على بعض ‪ .‬يعني ‪ :‬الشارة بالصبع في الدعاء)رواه ابن أبي شيبة‬
‫بسند حسن كما في صفة الصلة ص‪ 141:‬وفي المطبوع من أبي شيبة [بإصبع] أنظر المصنف رقم ‪9732‬ج ‪10‬ص‪381:‬ط‪.‬الدار‬
‫السلفية‪ -‬الهند‬

‫والسنة في الشارة بالسبابة أن تبقى مرفوعة متحرّكة مشيرة إلى القبلة طيلة التشهد ‪.‬‬

‫( ‪ ) 12‬التنويع في السور واليات والذكار والدعية في الصلة‬

‫وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني والنتقال بين المضامين المتعددة لليات والذكار وهذا ما يفتقده الذي ل يحفظ‬
‫إل عددا محدودا من السور ( وخصوصا قصارها ) والذكار ‪ ،‬فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع ‪.‬‬

‫وإذا تأملنا ما كان النبي صلى ال عليه وسلم يتلوه ويذكره في صلته فإننا نجد هذا التنوع‬

‫ففي أدعية الستفتاح مثل نجد نصوصا مثل ‪:‬‬

‫اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كما يُنقّى الثوب البيض‬ ‫(‬

‫)‬ ‫من الدّنس ‪ ،‬اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرَد ‪.‬‬

‫وجهت وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا وما أنا من المشركين ‪ ،‬إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل‬ ‫(‬

‫المسلمين)‪.‬‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬ل شريك له وبذلك أمِرتُ وأنا أول‬

‫جدّك ول إله غيرك )‪.‬‬


‫( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى َ‬

‫وغير ذلك من الدعية والذكار والمصلي يأتي بهذا مرة وبهذا مرة وهكذا ‪.‬‬

‫وفي السور التي كان صلى ال عليه وسلم يقرؤها في صلة الفجر نجد عددا كثيرا مباركا مثل‪:‬‬

‫( طوال المفصّل كالواقعة والطور و ق ‪ ،‬وقصار المفصّل مثل ‪ :‬إذا الشمس كورت والزلزلة والمعوذتين وورد أنه‬
‫)‬ ‫قرأ الروم و يس والصافات وكان يقرأ في فجر الجمعة بالسجدة والنسان‬

‫ل من الركعتين قدر ثلثين آية وقرأ بالطارق والبروج والليل إذا يغشى ‪.‬‬
‫وفي صلة الظهر ورد أنه كان يقرأ في ك ّ‬

‫وفي صلة العصر يقرأ في كل من الركعتين قدر خمس عشرة آية ويقرأ بالسور التي سبقت في صلة الظهر‬
‫وفي صلة المغرب يقرأ بقصار المفصّل كالتين والزيتون وقرأ بسورة محمد والطور والمرسلت وغيرها ‪.‬‬

‫وفي العشاء كان يقرأ من وسط المفصّل كـ { الشمس وضحاها }و { إذا السماء انشقت} وأمر معاذا أن يقرأ بـ‬
‫العلى والقلم والليل إذا يغشى ‪.‬‬

‫وفي قيام الليل كان يقرأ بطوال السور وورد في سنته صلى ال عليه وسلم قراءة مائتي ومائة وخمسين آية وكان‬
‫أحيانا يقصّر القراءة ‪.‬‬

‫)‬ ‫وأذكار ركوعه صلى ال عليه وسلم متنوعة فبالضافة إلى ( سبحان ربي العظيم ) و( سبحان ربي العظيم وبحمده‬
‫سبّوح ُقدّوس رب الملئكة والروح ) ويقول ‪ (:‬اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت أنت‬
‫يقول ‪ُ ( :‬‬
‫ربي ‪،‬خشع سمعي وبصري ودمي ولحمي وعظمي وعصبي ل رب العالمين ) ‪.‬‬

‫وفي الرفع من الركوع يقول بعد ( سمع ال لمن حمده ) ‪ ( :‬ربنا ولك الحمد ) وأحيانا ( ربنا لك الحمد ) وأحيانا‬
‫)‬ ‫اللهم ربنا ) و( لك الحمد ) وكان يضيف أحيانا ( ملء السموات وملء الرض وملء ما شئت من شيء بعد‬ ‫(‬

‫)‬ ‫ويضيف تارة ( أهل الثناء والمجد ‪ ،‬اللهم ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول ينفع ذا الجدّ منك الجدّ‬

‫سبّوح قدوس‬
‫وفي السجود بالضافة إلى ( سبحان ربي العلى ) و( سبحان ربي العلى وبحمده ) يقول أيضا ‪ُ ( :‬‬
‫رب الملئكة والروح ) و ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي) و ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك‬
‫أسلمت ‪ ،‬سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره ‪ ،‬تبارك ال أحسن الخالقين ) وغير ذلك ‪.‬‬

‫وفي الجلسة بين السجدتين بالضافة إلى ( رب اغفر لي رب اغفر لي ) يقول ( اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني‬
‫وارفعني واهدني وعافني وارزقني ) ‪.‬‬

‫وفي التشهد عدد من الصيغ الواردة مثل ( التحيات ل والصلوات والطيبات السلم عليك أيها النبي ‪ ...‬الخ ) وكذلك‬
‫ورد ( التحيات المباركات الصلوات الطيبات ل ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ‪ ...‬الخ ) وورد ( التحيات الطيبات‬
‫الصلوات ل ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي ‪ ...‬الخ ) ‪.‬‬

‫فيأتي المصلي مرة بهذا ومرة بهذا ‪.‬‬

‫ل عل محمد وعلى آل محمد كما صليت‬


‫وفي الصلة على النبي صلى ال عليه وسلّم عدّة صيغ منها ‪ ( :‬اللهم ص ّ‬
‫على إبراهيم وعل آل إبراهيم إنك حميد مجيد ‪ ،‬اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ‪.‬‬

‫وورد أيضا ( اللهم صلّ على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد‬
‫مجيد وبارك على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) ‪.‬‬
‫ل على محمد النبي المي وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد النبي‬
‫وورد ( اللهم ص ّ‬
‫المي وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد )‪.‬‬

‫ووردت صيغ أخرى كذلك والسنة أن ينوّع بينها كما تقدّم ول يمنع أن يواظب على بعضها أكثر من بعض لقوة‬
‫ثبوتها أو اشتهارها في كتب الحديث الصحيحة أو لن النبي صلى ال عيه وسلم علّمها أصحابه لمّا سألوه عن‬
‫الكيفية بخلف غيرها وهكذا ‪ .‬جميع ما تقدّم من النصوص والصيغ من كتاب صفة صلة النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫للعلمة الشيخ محمد ناصر الدين اللباني الذي اجتهد في جمعها من كتب الحديث ‪.‬‬

‫( ‪ )13‬أن يأتي بسجود التلوة إذا مرّ بموضعه‬

‫من آداب التلوة السجود عند المرور بالسجدة وقد وصف ال في كتابه الكريم النبيين والصالحين بأنهم { إذا تتلى‬
‫عليهم آيات الرحمن خروا سجّدا وبكيا } قال ابن كثير رحمه ال تعالى ‪ " :‬أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا‬
‫اقتداء بهم واتباعا لمنوالهم " تفسير القرآن العظيم ‪ 5/238‬ط‪ .‬دار الشعب ‪.‬‬

‫وسجود التلوة في الصلة عظيم وهو مما يزيد الخشوع قال ال عز وجل ‪ {:‬ويخرون للذقان يبكون ويزيدهم‬
‫خشوعا } وقد ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه سجد بسورة النجم في صلته وروى البخاري رحمه ال في‬
‫صحيحة (عن أبي رافع قال ‪ :‬صليت مع أبي هريرة رضي ال عنه العتمة [ أي ‪ :‬العشاء] فقرأ { إذا السماء انشقت}‬
‫فسجد فقلت له ‪ ،‬قال ‪ :‬سجدت خلف أبي القاسم صلى ال عليه وسلم فل أزال أسجد بها حتى ألقاه ‪ ) .‬صحيح البخاري‬
‫‪ :‬كتاب الذان ‪ ،‬باب الجهر بالعشاء ‪ .‬فينبغي المحافظة على سجود التلوة في الصلة خصوصا وأن سجود التلوة‬
‫فيه ترغيم للشيطان وتبكيت له وذلك مما يضعف كيده للمصلي ‪ .‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم ‪ ( :‬إذا قرأ ابن آدم السجدة ‪ ،‬اعتزل الشيطان يبكي ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا ويله ‪ ،‬أمر بالسجود فسجد ‪ ،‬فله الجنة ‪،‬‬
‫رواه المام مسلم في صحيحه رقم ‪133‬‬ ‫وأمرت بالسجود فعصيت ‪ ،‬فلي النار ) ‪.‬‬

‫(‪ )14‬الستعاذة بال من الشيطان‬

‫الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبّس عليه صلته‬

‫" و الوسواس يعرض لكل من توجه إلى ال تعالى بذكر أو بغيره ‪ ،‬ل بد له من ذلك ‪ ،‬فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر‬
‫‪ ،‬و يلزم ما هو فيه من الذكر والصلة ول يضجر ‪ ،‬فإنه بملزمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان { إن كيد‬
‫الشيطان كان ضعيفا} ‪.‬‬

‫وكلما أراد العبد توجها إلى ال تعالى بقلبه جاء من الوسوسة أمور أخرى‪،‬فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق ‪ ،‬كلما‬
‫أراد العبد السير إلى ال تعالى ‪،‬أراد قطع الطريق عليه ‪،‬ولهذا قيل لبعض السلف ‪ " :‬إن اليهود والنصارى يقولون ‪:‬‬
‫ل نوسوس قال ‪:‬صدقوا ‪،‬وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب " ‪ ( .‬مجموع الفتاوى ‪. ) 608 / 22‬‬
‫" وقد مثل ذلك بمثال حسن ‪ ،‬وهو ثلثة بيوت ‪ :‬بيت للملك فيه كنوزه وذخائره وجواهره‪ ،‬وبيت للعبد فيه كنوز‬
‫العبد وذخائره وجواهره وليس جواهر الملك وذخائره ‪ ،‬وبيت خال صفر ل شيء فيه ‪ ،‬فجاء اللص يسرق من أحد‬
‫البيوت ‪ ،‬فمن أيها يسرق ؟ ( الوابل الصيب ص‪) 43 :‬‬

‫" والعبد إذا قام في الصلة غار الشيطان منه ‪ ،‬فإنه قد قام في أعظم مقام وأقربه وأغيظه للشيطان ‪ ،‬وأشده عليه فهو‬
‫يحرص ويجتهد كل الجتهاد أن ل يقيمه فيه بل ل يزال به يعده ويمنّيه وينسيه ‪،‬ويجلب عليه بخيله ورجله حتى‬
‫يهوّن عليه شأن الصلة ‪ ،‬فيتهاون بها فيتركها ‪ .‬فإن عجز عن ذلك منه ‪ ،‬وعصاه العبد ‪،‬وقام في ذلك المقام ‪،‬أقبل‬
‫عدو ال تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه ‪ ،‬ويحول بينه وبين قلبه ‪ ،‬فيذكّره في الصلة ما لم يكن يذكر قبل دخوله‬
‫فيها ‪ ،‬حتى ربما كان قد نسي الشيء والحاجة وأيس منها ‪ ،‬فيذكره إياها في الصلة ليشغل قلبه بها ‪ ،‬ويأخذه عن ال‬
‫عز وجل ‪ ،‬فيقوم فيها بل قلب ‪،‬فل ينال من إقبال ال تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل‬
‫الحاضر بقلبه في صلته ‪،‬فينصرف من صلته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه وأثقاله ‪ ،‬لم تُخ َففْ عنه بالصلة ‪،‬‬
‫فإن الصلة إنما تكفر سيئات من أدى حقها ‪ ،‬وأكمل خشوعها ‪ ،‬ووقف بين يدي ال تعالى بقلبه وقالبه ‪ ".‬الوابل‬
‫الصيب ص‪36 :‬‬

‫ولمواجهة كيد الشيطان وإذهاب وسوسته أرشدنا النبي صلى ال عليه وسلم إلى العلج التالي ‪:‬‬

‫عن أبي العاص رضي ال عنه قال ‪ :‬يا رسول ال إن الشيطان قد حال بيني وبين صلتي وقراءتي يلبّسها عليّ ‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى عليه وسلم ‪ ( :‬ذاك شيطان يُقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوّذ بال منه واتفل على يسارك ثلثا‬
‫) ‪ .‬قال ‪ :‬ففعلت ذلك فأذهبه ال عني ‪ .‬رواه مسلم رقم ‪2203 :‬‬

‫ومن كيد الشيطان للمصلي ما أخبرنا عنه صلى ال عليه وسلم وعن علجه فقال ‪ ( :‬إن أحدكم إذا قام يصلي جاء‬
‫الشيطان فلبس عليه ‪ -‬يعني خلط عليه صلته وشككه فيها ‪ -‬حتى ل يدري كم صلى ‪ .‬فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد‬
‫سجدتين وهو جالس ) رواه البخاري ‪ ،‬كتاب السهو ‪ ،‬باب السهو في الفرض والتطوع ‪.‬‬

‫ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول ال صلى ال عليه و سلم بقوله‪(:‬إذا كان أحدكم في الصلة فوجد حركة في‬
‫دبره أحدث أو لم يحدث ‪ ،‬فأشكل عليه ‪ ،‬فل ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)‪.‬رواه مسلم رقم ‪.389‬‬

‫بل إن كيده ليبلغ مبلغا عجيبا كما يوضحه هذا الحديث ‪:‬عن ابن عباس أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل عن‬
‫الرجل يخيّل إليه في صلته أنه أحدث ولم يُحدِث ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪(:‬إن الشيطان يأتي أحدكم‬
‫وهو في صلته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث و لم يُحدث‪،‬فإذا وجد أحدكم ذلك فل ينصرفن حتى يسمع‬
‫صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه ) رواه الطبراني في الكبير رقم ‪11556‬ج‪11:‬ص‪222:‬وقال في مجمع الزوائد‬
‫‪1/242‬رجاله رجال الصحيح‬

‫مسألة‬
‫وهناك خدعة شيطانية يأتي بها " خنزب " إلى بعض الخيّرين من المصلين وهي محاولة إشغالهم بالتفكير في أبواب‬
‫أخرى من الطاعات عن الصلة التي هم بشأنها وذلك كإشغال أذهانهم ببعض أمور الدعوة أو المسائل العلمية‬
‫فيستغرقون فيها فل يعقلون أجزاء من صلتهم وربما لبّس عل بعضهم بأن عمر كان يجهّز الجيش في الصلة ‪،‬‬
‫ولندع المجال لشيخ السلم ابن تيمية يجلي المر ويجييب عن هذه الشبهة ‪.‬‬

‫)‬ ‫قال رحمه ال تعالى ‪ " :‬وأما ما يروى عن عمر بن الخطاب من قوله ‪ ( :‬وإني لجهز جيشي وأنا في الصلة‬
‫فذاك لن عمر كان مأمورا بالجهاد وهو أمير المؤمنين ‪ ،‬فهو أمير الجهاد ‪ ،‬فصار بذلك من بعض الوجوه بمنزلة‬
‫المصلي الذي يصلي صلة الخوف حال معاينة العدو ‪ ،‬إما حال القتال وإما غير حال القتال ‪ ،‬فهو مأمور بالصلة ‪،‬‬
‫ومأمور بالجهاد ‪ ،‬فعليه أن يؤدي الواجبين بحسب المكان ‪ .‬قال تعالى ‪ {:‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا‬
‫واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون } ‪ ،‬ومعلوم أن طمأنينة القلب حال الجهاد ل تكون كطمأنينتة حال المن ‪ ،‬فإذا ُقدّر‬
‫أنه نقص من الصلة شيء لجل الجهاد لم يقدح هذا في كمال إيمان العبد وطاعته ‪.‬‬

‫ولهذا تخفف صلة الخوف عن صلة المن ‪ ،‬ولما ذكر ال سبحانه صلة الخوف قال ‪ {:‬فإذا اطمأننتم فأقيموا‬
‫الصلة إن الصلة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } فالقامة المأمور بها حال الطمأنينة ل يؤمر بها حال الخوف ‪.‬‬

‫ومع هذا ‪ :‬فالناس متفاوتون في ذلك ‪ ،‬فإذا قوي إيمان العبد كان حاضر القلب في الصلة ‪ ،‬مع تدبره للمور بها ‪،‬‬
‫وعمر قد ضرب ال الحق على لسانه وقلبه ‪ ،‬وهو المحدّث المُلهم فل ينكر لمثله أن يكون مع تدبيره جيشه في‬
‫الصلة من الحضور ما ليس لغيره ‪ ،‬لكن ل ريب أن حضوره مع عدم ذلك يكون أقوى ‪ ،‬ول ريب أن صلة رسول‬
‫ال حال أمنه كانت أكمل من صلته حال الخوف في الفعال الظاهرة فإذا كان ال قد عفا حال الخوف عن بعض‬
‫الواجبات الظاهرة فكيف بالباطنة ‪.‬‬

‫وبالجملة فتفكر المصلي في الصلة [في] أمر يجب عليه ‪ ،‬قد يضيق وقته ‪ ،‬ليس كتفكره فيما ليس بواجب أو فيما لم‬
‫يضق وقته ‪ .‬وقد يكون عمر لم يمكن [ لعلها ‪ :‬يمكنه ] التفكر في تدبير جيشه إل في تلك الحال ‪ ،‬وهو إمام المة‬
‫والواردات عليه كثيرة ‪ ،‬ومثل هذا يعرض لكل أحد بحسب مرتبته ‪ ،‬والنسان دائما يذكر في الصلة ما ل يذكره‬
‫خارج الصلة ‪ ،‬ومن ذلك ما يكون من الشيطان ‪ ،‬كما أن بعض السلف ذكر له رجل أنه دفن مال وقد نسي موضعه‬
‫‪ ،‬فقال ‪ :‬قم فصل ‪ ،‬فقام فصلى فذكره ‪ ،‬فقيل له ‪ ،‬من أين علمت ذلك ؟ قال ‪ :‬علمت أن الشيطان ل يدعه في‬
‫الصلة حتى يذكره بما يشغله ول أهم عنده من ذكر موضع الدفن ‪ ،‬لكن العبد الكيّس يجتهد كمال الحضور مع كمال‬
‫فعل بقية المأمور ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪ .‬مجموع الفتاوى ‪. 610 / 22‬‬

‫( ‪ )15‬التأمل في حال السلف في صلتهم‬

‫وهذا يزيد الخشوع ويدفع إلى القتداء فـ " لو رأيت أحدهم وقد قام إلى صلته فلما وقف في محرابه واستفتح كلم‬
‫سيده خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله " الخشوع في‬
‫الصلة ابن رجب ص ‪22 :‬‬
‫قال مجاهد رحمه ال ‪ " :‬كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يقلب الحصى‬
‫أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إل ناسيا ما دام في صلته ‪ ".‬تعظيم قدر الصلة ‪1/188‬‬

‫كان ابن الزبير إذا قام في الصلة كأنه عود من الخشوع ‪ ،‬وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في‬
‫الصلة ل يرفع رأسه ‪ ،‬وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلة لم‬
‫يشعر ‪ ،‬ولقد بلغنا أن بعضهم كان كالثوب الملقى ‪ ،‬وبعضهم ينفتل من صلته متغير اللون لقيامه بين يدي ال عز‬
‫وجل ‪ .‬وبعضهم إذا كان في الصلة ل يعرف من على يمينه وشماله ‪ .‬وبعضهم يصفر وجهه إذا توضأ للصلة ‪،‬‬
‫فقيل له إنا نراك إذا توضأت للصلة تغيرت أحوالك ‪ ،‬قال ‪ :‬إني أعرف بين يدي من سأقوم ‪ ،‬وكان علي بن أبي‬
‫طالب رضي ال عنه إذا حضرت الصلة يتزلزل ويتلون وجهه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬ما لك ؟ فيقول ‪ :‬جاء وال وقت أمانة‬
‫عرضها ال على السموات والرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها ‪ .‬وكان سعيد التنوخي إذا صلى‬
‫لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته ‪ .‬وبلغنا عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلة تغير لونه ‪ ،‬وكان‬
‫يقول ‪ :‬أتدرون بين يدي من أقف ومن أناجي ‪.‬فمن منكم ل في قلبه مثل هذه الهيبة ؟سلح اليقظان لطرد الشيطان ‪ :‬عبد‬
‫العزيز السلمان ص‪209 :‬‬

‫ب إليّ من الصلة أحدّث به نفسي ! قالوا‬


‫وقالوا لعامر بن عبد القيس ‪ :‬أتحدّث نفسك في الصلة فقال ‪ :‬أوَ شيء أح ّ‬
‫‪ :‬إنا لنحدّث أنفسنا في الصلة ‪ ،‬فقال‪ :‬أبالجنة والحور ونحو ذلك ؟ قالوا ل ‪ ،‬ولكن بأهلينا وأموالنا ‪ .‬فقال ‪ :‬لن‬
‫ب إلي من أن أحدّث نفسي في الصلة بأمور‬
‫ي أحبّ إليّ [ أي لن يكثر طعن الرماح في جسدي أح ّ‬
‫تختلف السنّة ف ّ‬
‫الدنيا ]‬

‫وقال سعد بن معاذ ‪ :‬فيّ ثلث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن ‪ ،‬لكنت أنا أنا ‪ :‬إذا كنت في الصلة ل‬
‫أحدث نفسي بغير ما أنا فيه ‪ ،‬وإذا سمعت من رسول ال حديثا ل يقع في قلبي ريب أنه الحقّ ‪ ،‬وإذا كنت في جنازة‬
‫لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها الفتاوى لبن تيمية ‪22/605‬‬

‫قال حاتم رحمه ال ‪ :‬أقوم بالمر ‪ ،‬وأمشي بالخشية ‪ ،‬وأدخل بالنية ‪ ،‬وأكبّر بالعظمة ‪ ،‬وأقرأ بالترتيل والتفكير ‪،‬‬
‫وأركع بالخشوع ‪ ،‬وأسجد بالتواضع ‪،‬وأجلس للتشهد بالتمام ‪،‬وأسلّم بالنية ‪ ،‬وأختمها بالخلص ل عز وجل ‪،‬‬
‫وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن ل يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت الخشوع في الصلة ‪28 - 27‬‬

‫قال أبو بكر الصبغي ‪ :‬أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما ‪ :‬أبو حاتم الرازي ومحمد بن نصر المروزي ‪ ،‬فأما‬
‫ابن نصر فما رأيت أحسن صلة منه ‪ ،‬لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك ‪.‬‬
‫وقال محمد بن يعقوب الخرم ‪ :‬ما رأيت أحسن صلة من محمد بن نصر ‪ ،‬كان الذباب يقع على أذنه ‪ ..‬فل يذبّه‬
‫على نفسه ‪ ،‬ولقد كنا نتعجب من حسن صلته وخشوعه وهيبته للصلة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة‬
‫منصوبة ‪ .‬تعظيم قدر الصلة ‪ 1/58‬وكان شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال تعالى إذا دخل في الصلة ترتعد أعضاؤه‬
‫حتى يميل يمنة ويسرة ‪ .‬الكواكب الدريّة في مناقب المجتهد ابن تيمية لمرعي الكرمي ص‪ 83 :‬دار الغرب السلمي ‪.‬‬
‫قارن بين هذا وبين ما يفعله بعضنا اليوم هذا ينظر في ساعته وآخر يصلح هندامه وثالث يعبث بأنفه ومنهم من يبيع‬
‫ويشتري في الصلة وربما ع ّد نقوده وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف أو يحاول التعرّف على من‬
‫بجانبيه ‪.‬‬

‫تُرى لو وقف واحد من هؤلء بين يدي عظيم من عظماء الدنيا هل يجرؤ على فعل شيء من ذلك ‪.‬‬

‫(‪ )16‬معرفة مزايا الخشوع في الصلة‬

‫ومنها‬

‫‪ -‬قوله صلى ال عليه و سلم ‪ ( :‬ما من امريء مسلم تحضره صلة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ‪،‬‬
‫إل كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة ‪،‬وذلك الدهر كله)‪.‬رواه مسلم ‪1/206‬رقم ‪2/4/7‬‬

‫‪ -‬أن الجر المكتوب بحسب الخشوع كما قال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إن العبد ليصلي الصلة ما يُكتب له منها إل‬
‫عشرها ‪ ،‬تسعها ‪ ،‬ثمنها ‪ ،‬سبعها ‪ ،‬سدسها ‪ ،‬خمسها ‪ ،‬ربعها ‪ ،‬ثلثها ‪ ،‬نصفها ) رواه المام أحمد ‪ 4/321‬وهو في صحيح‬
‫الجامع ‪1626‬‬

‫‪ -‬أنه ليس له من صلته إل ما عقل منها كما جاء عن ابن عباس رضي ال عنه ‪ ( :‬ليس لك من صلتك إل ما‬
‫عقلت منها ) ‪.‬‬

‫‪ -‬أن الوزار والثام تنحط عنه إذا صلّى بتمام وخشوع كما قال النبي صلى عليه وسلم ‪ (:‬إن العبد إذا قام يصلي‬
‫أُتي بذنوبه كلها فوضعت على رأسه وعاتقيه فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ) ( رواه البيهقي في السنن الكبرى ‪3/10‬‬
‫وهو في صحيح الجامع ) ‪ .‬قال المناوي ‪ " :‬المراد أنه كلما أتم ركنا سقط عنه ركن من الذنوب حتى إذا أتمها تكامل‬
‫السقوط وهذا في صلة متوفرة الشروط والركان والخشوع كما يؤذن به لفظ " العبد " و" القيام " إذ هو إشارة إلى‬
‫أنه قام بين يدي ملك الملوك مقام عبد ذليل " ‪ .‬رواه البيهقي في السنن الكبرى ‪ 3/10‬وهو في صحيح الجامع ‪.‬‬

‫‪ -‬أن الخاشع في صلته " إذا انصرف منها وجد خفّة من نفسه ‪ ،‬وأحس بأثقال قد وضعت عنه ‪ ،‬فوجد نشاطا‬
‫وراحة وروحا ‪ ،‬حتى يتمنى أنه لم يكن خرج منها ‪ ،‬لنها قرّة عينه ونعيم روحه ‪ ،‬وجنة قلبه ‪ ،‬ومستراحه في الدنيا‬
‫‪ ،‬فل يزال كأنه في سجن وضيق حتى يدخل فيها ‪ ،‬فيستريح بها ‪ ،‬ل منها ‪ ،‬فالمحبون يقولون ‪ :‬نصلي فنستريح‬
‫بصلتنا ‪،‬كما قال إمامهم وقدوتهم ونبيهم صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬يا بلل أرحنا بالصلة ) ولم يقل أرحنا منها ‪.‬‬

‫وقال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬جعلت قرة عيني بالصلة ) فمن جُعلت قرّة عينه في الصلة ‪ ،‬كيف تق ّر عينه بدونها‬
‫وكيف يطيق الصبر عنها ؟ " الوابل الصيّب ‪. 37‬‬

‫(‪ )17‬الجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلة وخصوصا في السجود‬


‫لشك أن مناجاة ال تعالى والتذلل إليه والطلب منه واللحاح عليه مما يزيد العبد صلة بربّه فيعظم خشوعه ‪،‬‬
‫والدعاء هو العبادة والعبد مأمور به قال تعالى‪ (:‬أدعو ربكم تضرعا وخفية ) و(من لم يسأل ال يغضب عليه ) رواه‬
‫الترمذي كتاب الدعوات ‪ 1/426‬وحسنه في صحيح الترمذي ‪ 2686‬وقد ثبت الدعاء في الصلة عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في مواضع معينة هي السجود وبين السجدتين وبعد التشهد وأعظم هذه المواضع السجود لقوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ( :‬أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء ) رواه مسلم كتاب الصلة باب مايقال في الركوع‬
‫والسجود رقم ‪ 215‬وقال ‪ ...( :‬أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فَ َقمَن ‪ -‬أي حريّ وجدير ‪ -‬أن يُستجاب لكم ) رواه‬
‫مسلم كتاب الصلة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود رقم ‪207‬‬

‫ومن أدعيته صلى ال عليه وسلم في سجوده ‪(:‬اللهم اغفر لي ذنبي دِقّه وجِلّه ‪ ،‬وأوله وآخره ‪،‬وعلنيته وسره) رواه‬
‫مسلم ‪ :‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب ما يُقال في الركوع والسجود رقم ‪ 216‬وكذلك (اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت) أخرجه‬
‫النسائي‪:‬المجتبى ‪2/569‬وهو في صحيح النسائي ‪1067‬وقد تقدّم بعض ماكان يدعو به بين السجدتين أنظر السبب رقم ‪11‬‬

‫ومما كان يدعو به صلى ال عليه وسلم بعد التشهد ماعلمناه بقوله ‪ ( " :‬إذا فرغ أحدكم من التشهد فليستعذ بال من‬
‫(‬ ‫أربع ؛ من عذاب جهنم ‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪ ،‬ومن فتنة المحيا والممات ‪ ،‬ومن شر المسيح الدجال ‪ ).‬وكان يقول‬
‫اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل )‪ ( .‬اللهم حاسبني حسابا يسيرا ) وعلّم أبا بكر الصديق‬
‫رضي ال عنه أن يقول ‪ ( :‬اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ‪ ،‬ول يغفر الذنوب إل أنت ‪ ،‬فاغفر لي مغفرة من‬
‫عندك‪ ،‬وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) وسمع رجل يقول في تشهده ‪ ( :‬اللهم إني أسألك يا ال الحد الصمد الذي‬
‫لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قد غُفر‬
‫له ‪ ،‬قد غُفر له ‪ ) .‬وسمع آخر يقول في تشهده ‪ (:‬اللهم إني أسألك بأن لك الحمد ‪ ،‬ل إله إل أنت وحدك ل شريك‬
‫لك المنان يا بديع السموات والرض يا ذا الجلل والكرام يا حي يا قيوم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪ :‬تدرون بما دعا ؟ قالوا ال ورسوله أعلم قال ‪ :‬والذي نفسي بيده لقد سأل ال‬
‫باسمه العظم الذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطى ‪ ) .‬وكان من آخر ما يقوله صلى ال عليه وسلم بين‬
‫التشهد والتسليم ‪ (:‬اللهم اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني‬
‫أنت المقدّم وأنت المؤخّر‪،‬ل إله إل أنت) "‪ .‬هذه الدعية وغيرها وتخريجها في صفة الصلة للعلمة اللباني ص‪ 163 :‬ط‪11.‬‬
‫وحفظ مثل هذه الدعية يعالج مشكلة صمت بعض الناس وراء المام إذا فرغوا من التشهد لنهم ل يدرون ماذا يقولون‪.‬‬

‫(‪ )18‬الذكار الواردة بعد الصلة‬

‫فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلة وفائدتها‬

‫ولشك أن من حفظ الطاعة الولى وصيانتها إتباعها بطاعة ثانية ‪ ،‬وكذلك فإن المتأمل لذكار ما بعد الصلة يجد‬
‫أنها تبدأ بالستغفار ثلثا فكأن المصلي يستغفر ربه عما حصل من الخلل في صلته وعما حصل من التقصير في‬
‫خشوعها فيها ‪ ،‬ومن المهم كذلك الهتمام بالنوافل فإنها تجبر النقص في الفرائض ومنه الخلل بالخشوع ‪.‬‬

‫وبعد الكلم عن تحصيل السباب الجالبة للخشوع يأتي الحديث عن‬


‫ثانيا ‪ :‬دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدّر صفوه‬

‫( ‪ )19‬إزالة ما يشغل المصلي من المكان‬

‫عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬كان قِرام (ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن )لعائشة سترت به جانب بيتها ‪ ،‬فقال لها‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬أميطي ‪ -‬أزيلي ‪ -‬عني فإنه ل تزال تصاويره تعرض لي في صلتي ) رواه البخاري‬
‫‪ :‬فتح الباري ‪. 10/391‬‬

‫وعن القاسم عن عائشة رضي ال عنها أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ( بيت صغير منحدر في‬
‫الرض قليل شبيه بالمخدع أو الخزانة ) فكان النبي صلى ال عليه وسلم يصلي إليه فقال ‪ ( :‬أخّريه عني فإنه ل‬
‫تزال تصاويره تعرض لي في صلتي ) فأخرته فجعلته وسائد ‪ .‬رواه مسلم رحمه ال في صحيحه ‪3/1668‬‬

‫ويدل على هذا المعنى أيضا أن النبي صلى ال عليه وسلم لما دخل الكعبة ليصلي فيها رأى قرني كبش فلما صلى‬
‫قال لعثمان الحجبي ( إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي‬
‫)‪ .‬أخرجه أبو داود ‪ 2030‬وهو في صحيح الجامع ‪2504‬‬

‫ويدخل في هذا ؛ الحتراز من الصلة في أماكن مرور الناس وأماكن الضوضاء والصوات المزعجة وبجانب‬
‫المتحدثين وفي مجالس اللغو واللغط وكل ما يشغل البصر ‪.‬‬

‫وكذلك تجنب الصلة في أماكن الحرّ الشديد والبرد الشديد إذا أمكن ذلك فإن النبي صلى ال عليه وسلم أمر بالبراد‬
‫في صلة الظهر بالصيف لجل هذا ‪ ،‬قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ " :‬إن الصلة في شدة الحر تمنع صاحبها من‬
‫الخشوع والحضور ‪ ،‬ويفعل العبادة بتكرّه وتضجّر ‪ ،‬فمن حكمة الشارع أن أمرهم بتأخيرها حتى ينكسر الحرّ ‪،‬‬
‫فيصلي العبد بقلب حاضر ‪ ،‬ويحصل له مقصود الصلة من الخشوع والقبال على ال تعالى ‪ " .‬الوابل الصيّب ط‪.‬‬
‫دار البيان ص‪22 :‬‬

‫( ‪ )20‬أن ل يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي‬

‫فعن عائشة رضي ال عنها قالت ‪ :‬قام النبي ال صلى ال عليه و سلم يصلي في خميصة ذات أعلم ‪ -‬أي ‪ :‬كساء‬
‫مخطط ومربّع ‪ -‬فنظر إلى علمها فلما قضى صلته قال ‪ ( :‬اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني‬
‫بأنبجانيّه ‪ -‬كساء ليس فيه تخطيط ول تطريز ول أعلم ‪ ،-‬فإنها ألهتني آنفا في صلتي " وفي رواية ‪ " :‬شغلتني‬
‫أعلم هذه " وفي رواية ‪ " :‬كانت له خميصة لها علم ‪ ،‬فكان يتشاغل بها في الصلة " الروايات في صحيح مسلم رقم‬
‫‪ 556‬ج‪. 1/391 :‬‬

‫ومن باب أولى أن ل يصلي في ثياب فيها صور وخصوصا ذوات الرواح كما شاع وانتشر في هذا الزمان‪.‬‬

‫( ‪ )21‬أن ل يصلي وبحضرته طعام يشتهيه‬


‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ل صلة بحضرة طعام ) رواه مسلم رقم ‪560‬‬

‫فإذا وُضع الطعام وحضر بين يديه أو قُدّم له ‪ ،‬بدأ بالطعام لنه ل يخشع إذا تركه وقام يصلي ونفسه متعلّقة به ‪ .‬بل‬
‫إن عليه أن ل يعجل حتى تنقضي حاجته منه لقوله صلى ال عليه وسلم‪ ( :‬إذا قرّب العَشاء وحضرت الصلة ‪،‬‬
‫فابدؤا به قبل أن تصلوا صلة المغرب ‪ .‬ول تعجلوا عن عشائكم ‪ ) .‬وفي رواية ‪ ( :‬إذا وُضع عشاء أحدكم وأقيمت‬
‫الصلة فابدؤا بالعشاء ول يعجلنّ حتى يفرغ منه ) متفق عليه ‪ ،‬البخاري كتاب الذن ‪ ،‬باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلة ‪،‬‬
‫وفي مسلم رقم ‪. 559-557‬‬

‫( ‪ )22‬أن ل يصلي وهو حاقن أو حاقب‬

‫لشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط ولذلك ( نهى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أن يصلي الرجل وهو حاقن ) والحاقن أي الحابس البول ‪ .‬رواه إبن ماجه في سننه رقم ‪ 617‬وهو في صحيح الجامع‬
‫رقم ‪ . 6832‬والحاقب هو حابس الغائط ‪.‬‬

‫ومن حصل له ذلك فعليه أن يذهب إلى الخلء لقضاء حاجته ولو فاته ما فاته من صلة الجماعة فإن النبي صلى ال‬
‫عليه و سلم قال ‪ ( :‬إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلء وقامت الصلة فليبدأ بالخلء ) ‪ .‬رواه أبو داود رقم ‪ 88‬وهو في‬
‫صحيح الجامع رقم ‪299‬‬

‫بل إنه إذا حصل له ذلك أثناء الصلة فإنه يقطع صلته لقضاء حاجته ثم يتطهر ويصلي لن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ ( :‬ل صلة بحضرة طعام ول وهو يدافعه الخبثان ‪ ).‬صحيح مسلم رقم ‪ 560‬وهذه المدافعة بل ريب تذهب‬
‫بالخشوع ‪ .‬ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح ‪.‬‬

‫(‪ )23‬أن ل يصلي وقد غلبه النّعاس‬

‫عن أنس بن مالك قال ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إذا نعس أحدكم في الصلة فلينم حتى يعلم ما يقول‬
‫) أي فليرقد حتى يذهب عنه النوم ‪ .‬رواه البخاري رقم ‪210‬‬

‫وقد جاء ذكر السبب في ذلك ‪ :‬فعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ ( :‬إذا نعس‬
‫أحدكم و هو يصلي فليرقد ‪ ،‬حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس ل يدري لعله يستغفر فيسب‬
‫نفسه ) ‪ .‬رواه البخاري رقم ‪209‬‬

‫وقد يحصل هذا في قيام الليل وقد يصادف ساعة إجابة فيدعو على نفسه وهو ل يدري ‪ ،‬ويشمل هذا الحديث‬
‫الفرائض أيضا إذا أمِن بقاء الوقت ‪ .‬فتح الباري ‪ :‬شرح كتاب الوضوء ‪ :‬باب الوضوء من النوم‬

‫(‪ )24‬أن ل يصلي خلف المتحدث أو (النائم) ‪:‬‬

‫لن النبي صلى ال عليه و سلم نهى عن ذلك فقال ‪ ( :‬ل تصلوا خلف النائم ول المتحدث ) رواه أبو داود رقم ‪ 694‬و‬
‫هو في صحيح الجامع رقم ‪ 375‬و قال حديث حسن ‪.‬‬
‫لن المتحدث يلهي بحديثه والنائم قد يبدو منه ما يلهي ‪.‬‬

‫قال الخطابي رحمه ال ‪ " :‬أما الصلة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد بن حنبل وذلك من أجل أن كلمهم‬
‫يُشغل المصلي عن صلته " ‪ .‬عون المعبود ‪2/388‬‬

‫أما أدلة النهي عن الصلة خلف النائم فقد ضعّفها عدد من أهل العلم منهم أبو داود في سننه كتاب الصلة ‪ :‬تفريع‬
‫أبواب الوتر ‪ :‬باب الدعاء ‪ ،‬وابن حجر في فتح الباري شرح باب الصلة خلف النائم ‪ :‬كتاب الصلة‬

‫وقال البخاري ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬في صحيحه ‪ :‬باب الصلة خلف النائم ‪ ،‬وساق حديث عائشة ‪ :‬كان النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه ‪ ..‬صحيح البخاري ‪ :‬كتاب الصلة‬

‫" وكره مجاهد وطاوس ومالك الصلة إلى النائم خشية أن يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلته ‪ "..‬فتح الباري‬
‫الموضع السابق ‪.‬‬

‫فإذا أُمن ذلك فل تُكره الصلة خلف النائم وال أعلم ‪.‬‬

‫( ‪ )25‬عدم النشغال بتسوية الحصى ‪:‬‬

‫روى البخاري رحمه ال تعالى عن معيقيب رضي ال عنه ( أن النبي صلى ال عليه وسلم قال في الرجل يسوي‬
‫التراب حيث يسجد قال ‪ :‬إن كنت فاعل فواحدة ) فتح الباري ‪3/79‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ( :‬ل تمسَح وأنت تصلي فإن كنتَ ل بدّ فاعِل فواحدة) يعني تسوية الحصى ‪.‬‬
‫رواه أبو داود رقم ‪ 946‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪7452‬‬

‫والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئل يكثر العمل في الصلة ‪ .‬والَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج‬
‫إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلة ‪.‬‬

‫ويدخل في الكراهية مسح الجبهة والنف وقد سجد النبي صلى ال عليه وسلم في ماء وطين وبقي أثر ذلك في‬
‫جبهته ولم يكن ينشغل في كل رفع من السجود بإزالة ما علق فالستغراق في الصلة والخشوع فيها ينسي ذلك‬
‫ويشغل عنه وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪(:‬إن في الصلة شغل) رواه البخاري فتح الباري ‪ ،72 /3‬وقد روى ابن‬
‫أبي شيبة عن أبي الدرداء قال ‪:‬ما أحب أن لي حمر النعم وأني مسحت مكان جبيني من الحصى ‪ .‬وقال عياض ‪:‬‬
‫كره السلف مسح الجبهة في الصلة قبل النصراف ‪.‬الفتح ‪ . 79 /3‬يعني النصراف من الصلة ‪.‬‬

‫وكما أن المصلي ينبغي أن يحترز مما يشغله عن صلته كما مرّ في النقاط السابقة فكذلك عليه أن يلتزم بعدم‬
‫التشويش على المصلين الخرين ومن ذلك ‪:‬‬

‫(‪ )26‬عدم التشويش بالقراءة على الخرين ‪:‬‬


‫قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ( :‬أل إن كلكم مناج ربه ‪ ،‬فل يؤذين بعضكم بعضا ‪ ،‬ول يرفع بعضكم على‬
‫ل يجهر‬ ‫(‬ ‫بعض في القراءة ) أو قال ( في الصلة ) رواه أبو داود ‪ 83/ 2‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪ 752‬وفي رواية‬
‫بعضكم على بعض بالقرآن ) رواه المام أحمد ‪ 2/36‬وهو في صحيح الجامع ‪. 1951‬‬

‫(‪ )27‬ترك اللتفات في الصلة ‪:‬‬

‫لحديث أبي ذر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬ل يزال ال عز وجل مقبل على العبد‬
‫وهو في صلته ما لم يلتفت ‪ ،‬فإذا التفت انصرف عنه ) رواه أبو داود رقم ‪ 909‬وهو في صحيح أبي داود ‪.‬‬

‫واللتفات في الصلة قسمان ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬التفات القلب إلى غير ال عز وجل ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬التفات البصر ‪،‬وكلهما منهي عنه وينقص من أجر الصلة‪،‬وقد سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن‬
‫اللتفات في الصلة فقال ‪ ( :‬اختلس يختلسه الشيطان من صلة العبد ) رواه البخاري ‪ :‬كتاب الذان باب ‪ :‬اللتفات في‬
‫الصلة ‪.‬‬

‫" ومثل من يلتفت في صلته ببصره أو قلبه مثل رجل استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه وهو‬
‫في خلل ذلك يلتفت عن السلطان يمينا وشمال ‪ ،‬وقد انصرف قلبه عن السلطان فل يفهم ما يخاطبه به لن قلبه‬
‫ن هذا الرجل أن يفعل به السلطان ؟ ‪.‬‬
‫ليس حاضرا معه فما ظ ّ‬

‫أفليس أقل المراتب في حقه أن ينصرف من بين يديه ممقوتا مبعدا قد سقط من عينيه ‪،‬فهذا المصلي ل يستوي‬
‫والحاضر القلب المقبل على ال تعالى في صلته الذي قد أشعر قلبه عظمة من هو واقف بين يديه فامتل قلبه من‬
‫هيبته وذلت عنقه له ‪ ،‬واستحيى من ربه أن يقبل على غيره أو يلتفت عنه وبين صلتيهما كما قال حسان بن عطية‬
‫‪ :‬إن الرجلين ليكونان في الصلة الواحدة ‪ ،‬وإن ما بينهما في الفضل كما بين السماء والرض ‪ ،‬وذلك أن أحدهما‬
‫مقبل بقلبه على ال عز وجل والخر ساه غافل "‪ .‬الوابل الصيب لبن القيم ‪.‬دار البيان ص ‪. 36 :‬‬

‫و أما اللتفات " لحاجة فل بأس به ‪ ،‬روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية قال ‪ ( :‬ثوب بالصلة ‪ -‬صلة الصبح ‪-‬‬
‫فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب ) ‪ .‬قال أبو داود ‪ ( :‬وكان أرسل فارسا من‬
‫الليل إلى الشعب يحرس ) ‪ .‬وهذا كحمله أمامة بنت أبي العاص ‪ .. ،‬وفتحه الباب لعائشة ونزوله من المنبر لما‬
‫صلى بهم يعلمهم ‪ ،‬وتأخره في صلة الكسوف ‪ ،‬وإمساكه الشيطان وخنقه لما أراد أن يقطع صلته ‪ ،‬وأمره بقتل‬
‫الحية والعقرب في الصلة ‪ ،‬وأمره بردّ المار بين يدي المصلي ومقاتلته ‪ ،‬وأمره النساء بالتصفيق وإشارته في‬
‫الصلة وغير ذلك من الفعال التي تُفعل لحاجة ‪ ،‬ولو كانت لغير حاجة كانت من العبث ‪ -‬المنافي للخشوع ‪-‬‬
‫المنهي عنه في الصلة " ‪ .‬مجموع الفتاوى ‪. 22/559‬‬

‫( ‪ )28‬عدم رفع البصر إلى السماء ‪:‬‬


‫وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله صلى ال عليه وسلم ‪ ( :‬إذا كان أحدكم في الصلة فل يرفع‬
‫بصره إلى السماء ‪،‬أن يلتمع بصره ) رواه أحمد ‪294 /5‬وهو في صحيح الجامع رقم ‪762‬وفي رواية ‪ (:‬ما بال أقوام‬
‫يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلتهم [ وفي رواية ‪ :‬عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلة رواه مسلم‬
‫رقم ‪ . 429‬فاشتد قوله في ذلك حتى قال ‪ :‬لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم ) رواه المام أحمد ‪ 258 /5‬وهو في‬
‫صحيح الجامع ‪. 5574‬‬

‫( ‪ )29‬أن ل يبصق أمامه في الصلة ‪:‬‬

‫لنه مما ينافي الخشوع في الصلة والدب مع ال لقوله صلى ال عليه و سلم ‪ ( :‬إذا كان أحدكم يصلي فل يبصق‬
‫ِقبَل وجهه فإن ال قِبَل وجهه إذا صلى ) ‪ .‬رواه البخاري في صحيحه رقم ‪397‬‬

‫و قال ‪ (:‬إذا قام أحدكم إلى الصلة فل يبصق أمامه ‪،‬فإنما يناجي ال‪ -‬تبارك و تعالى‪-‬ما دام في مصله‪ ،‬ول عن‬
‫يمينه فإن عن يمينه ملكا ‪ ،‬و ليبصق عن يساره ‪،‬أو تحت قدمه فيدفنها )رواه البخاري‪:‬الفتح رقم ‪1/512 416‬‬

‫وقال ‪ ( :‬إن أحدكم إذا قام في صلته فإنما يناجي ربه ‪ ،‬وإن ربه بينه و بين قبلته ‪ ،‬فل يبزقن أحدكم في قبلته ‪،‬‬
‫ولكن عن يساره أو تحت قدمه ) رواه البخاري الفتح الباري رقم ‪1/513 417‬‬

‫وإذا كان المسجد مفروشا بالسجاد ونحوه كما هو الغالب في هذا الزمان فيمكنه إذا احتاج أن يُخرج منديل ونحوه‬
‫فيبصق فيه ويردّه ‪.‬‬

‫( ‪ )30‬مجاهدة التثاؤب في الصلة ‪:‬‬

‫قال رسول ال صلى ال عليه و سلم ‪ ( :‬إذا تثاءَب أحدُكم في الصلة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل ) ‪ .‬رواه‬
‫مسلم ‪ . 4/2293‬وإذا دخل الشيطان يكون أقدر على التشويش على خشوع المصلي بالضافة إلى أنه يضحك من‬
‫المصلي إذا تثاءب ‪.‬‬

‫( ‪ )31‬عدم الختصار في الصلة ‪:‬‬

‫عن أبي هريرة قال ‪ ( :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الختصار في الصلة )رواه أبو داود رقم ‪ 947‬وهو في‬
‫صحيح البخاري كتاب العمل في الصلة ‪ ،‬باب الخصر في الصلة ‪ .‬والختصار هو أن يضع يديه على خصره ‪.‬‬

‫فعن زياد بن صبيح الحنفي قال ‪ :‬صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فضرب يدي فلما صلى‬
‫قال هذا الصّلب في الصلة وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهى عنه رواه المام أحمد ‪ 106 /2‬وغيره وصححه‬
‫الحافظ العراقي في تخريج الحياء ‪ :‬أنظر الرواء ‪2/94‬‬

‫وقد جاء في حديث مرفوع أن التخصّر راحة أهل النار والعياذ بال رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعا ‪ .‬قال‬
‫العراقي ‪ :‬ظاهر إسناده الصحة‬
‫( ‪ )32‬ترك السدل في الصلة ‪:‬‬

‫لما ورد أن رسول ال صلى ال عليه و سلم ( نهى عن السدل في الصلة وأن يغطي الرجل فاه )‪ .‬رواه أبو داود رقم‬
‫‪ 643‬و هو في صحيح الجامع رقم ‪ 6883‬و قال حديث حسن في عون المعبود ‪ 2/347‬قال الخطّابي ‪:‬السدل؛ إرسال الثوب حتى‬
‫يصيب الرض ‪ .‬ونقل في مرقاة المفاتيح ‪ :2/236‬السدل منهي عنه مطلقا لنه من الخيلء وهو في الصلة أشنع وأقبح ‪ .‬وقال‬
‫صاحب النهاية ‪ :‬أي يلتحف بثوبيه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد ‪ .‬وقيل إن كانت اليهود تفعله ‪ .‬وقيل السدل‬
‫‪ :‬أن يضع الثوب على رأسه أو كتفه ويرسل أطرافه أمامه أو على عضديه فيبقى منشغل بمعالجته فيخلّ بالخشوع‬
‫بخلف ما لو كان مربوطا أو مزررا ل يُخشى من وقوعه فل يُشغل المصلي حينئذ ول ينافي الخشوع ‪ .‬ويوجد في‬
‫بعض ألبسة الناس اليوم من بعض الفارقة وغيرهم وفي طريقة لبس بعض المشالح والردية ما يبقي المصلي‬
‫مشغول في أحيان من صلته برفع ما وقع أو ضم ما انفلت وهكذا فينبغي التنبه لذلك ‪.‬‬

‫أما النهي عن تغطية الفم فمن العلل التي ذكرها العلماء في النهي عنه أنه يمنع حسن إتمام القراءة وكمال السجود‬
‫مرقاة المفاتيح ‪2/236‬‬

‫(‪ ) 33‬ترك التشبه بالبهائم ‪:‬‬

‫لمّا أن ال كرّم ابن آدم وخلقه في أحسن تقويم ‪ ،‬كان من المعيب أن يتشبه الدمي بالبهائم وقد نهينا عن مشابهة عدد‬
‫من هيئات البهائم وحركاتها في الصلة لما في ذلك من منافاة الخشوع أو قبح الهيئة التي ل تليق بالمصلي فمما ورد‬
‫في ذلك ‪ ( :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصلة عن ثلث ‪ :‬عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن‬
‫الرجل المقام الواحد كإيطان البعير ) رواه أحمد ‪ 3/428‬قيل معناه أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي‬
‫فيه كالبعير ل يُغير مناخه فيوطنه الفتح الرباني ‪4/91‬وفي رواية‪(:‬نهاني عن نقرة كنقرة الديك‪،‬وإقعاء كإقعاء الكلب‪،‬والتفات‬
‫كالتفات الثعلب)‪ .‬رواه المام أحمد ‪2/311‬وهو في صحيح الترغيب رقم ‪556‬‬

‫هذا ما تيسر ذكره من السباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والسباب المشغلة عنه لتلفيها‬

‫وإن من عِظم مسالة الخشوع وعلوّ قدرها عند العلماء أنهم ناقشوا القضية التالية‬

‫مسألة ‪ :‬فيمن كثرت الوساوس في صلته ‪ ،‬هل تصح أم عليه العادة‬

‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪:‬‬

‫فإن قيل ما تقولون في صلة من عدِم الخشوع ‪ ،‬هل يعتد بها أم ل ؟‬

‫قيل ‪ :‬أما العتداد بها في الثواب ‪ :‬فل يعتد بها ‪ ،‬إل بما عقل فيه منها ‪ ،‬و خشع فيه لربه ‪.‬‬

‫قال ابن عباس ‪ :‬ليس لك من صلتك إل ما عقلت منها ‪.‬‬


‫و في المسند مرفوعا ‪:‬إن العبد ليصلي الصلة ‪،‬و لم يكتب له إل نصفها‪ ،‬أو ثلثها أو ربعها حتى بلغ عشرها‪.‬‬

‫ع ُتدّ له‬
‫فقد علق ال فلح المصلين بالخشوع في صلتهم ‪ ،‬فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلح ‪ ،‬و لو ا ْ‬
‫بها ثوابا لكان من المفلحين ‪ .‬و أما العتداد بها في أحكام الدنيا وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع و تعقلها‬
‫اعتد بها إجماعا ‪ ،‬و كانت من السنن و الذكار عقيبها ( بعدها) جوابر و مكملت لنقصها ‪.‬‬

‫وإن غلب عليها عدم الخشوع فيها وعدم تعقلها فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ‪ ،‬فأوجبها ابن حامد من‬
‫أصحاب أحمد ‪ .‬ومن هذا أيضا اختلفهم في الخشوع في الصلة وفيه قولن للفقهاء ‪ ،‬وهما في مذهب أحمد وغيره‬
‫‪.‬‬

‫وعلى القولين ‪ :‬اختلفهم في وجوب العادة على من غلب عليه الوسواس في صلته ‪ ،‬فأوجبها ابن حامد من‬
‫أصحاب أحمد ولم يوجبها أكثر الفقهاء ‪.‬‬

‫واحتجوا بأن النبي صلى ال عليه وسلم أمر من سها في صلته بسجدتي السهو ولم يأمره بالعادة مع قوله ‪ ( :‬إن‬
‫الشيطان يأتي أحدكم في صلته فيقول ‪ :‬أذكر كذا ‪ ،‬أذكر كذا ‪ ،‬لما لم يكن يذكر ‪ ،‬حتى يُضل الرجل أن يدري كم‬
‫صلى ) ‪.‬‬

‫ولكن ل نزاع أن هذه الصلة ل ثواب على شيء منها إل بقدر حضور قلبه وخضوعه ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه‬
‫)‬ ‫وسلم ‪ ( :‬إن العبد لينصرف من الصلة ولم يكتب له إل نصفها ‪ ،‬ثلثها ‪ ،‬ربعها ‪ ،‬حتى بلغ عشرها‬

‫وقال ابن عباس ‪ ( :‬ليس لك من صلتك إل ما عقلت منها ) فليست صحيحة باعتبار ترقب كمال مقصودها عليها‬
‫وإن سميت صحيحة باعتبار أنا ل نأمره بالعادة ‪ .‬مدارج السالكين ‪1/112‬‬

‫وقد ثبت عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصحيح أنه قال ‪ ( :‬إذا أذن المؤذن بالصلة أدبر الشيطان وله ضراط ‪،‬‬
‫حتى ل يسمع التأذين ‪ ،‬فإذا قضى التأذين أقبل ‪ ،‬فإذا ثوب بالصلة أدبر ‪ ،‬فإذا قضى التثويب أقبل ‪ ،‬حتى يخطر بين‬
‫المرء ونفسه ‪ ،‬يقول ‪ :‬اذكر كذا اذكر كذا ‪ ،‬ما لم يكن يذكر ‪ ،‬حتى يظل ل يدري كم صلى ‪ ،‬فإذا وجد أحدكم ذلك‬
‫فليسجد سجدتين وهو جالس ) ‪ .‬قالوا ‪:‬فأمره النبي في هذه الصلة التي قد أغفله الشيطان فيها ‪ ،‬حتى لم يدر كم‬
‫صلى بأن يسجد سجدتي السهو ‪ ،‬ولم يأمره بإعادتها ‪ ،‬ولو كانت باطلة ‪-‬كما زعمتم ‪ -‬لمره بإعادتها ‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬وهذا هو السر في سجدتي السهو ‪ ،‬ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ‪ ،‬وكونه حال بينه وبين الحضور في‬
‫الصلة ‪ ،‬ولهذا سماها النبي المرغمتين ‪ .‬مدارج السالكين ‪530-1/528‬‬

‫فإن أردتم وجوب العادة ‪ :‬لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك كله إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ونرتب عليه أحكام تارك الصلة فل‪.‬‬
‫وهذا هو أرجح القولين ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫أمر الخشوع كبير ‪ ،‬وشأنه خطير ‪ ،‬ول يتأتى إل لمن وفقه ال لذلك ‪،‬وحرمان الخشوع مصيبة كبيرة وخطب جلل‬
‫ولذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم يقول في دعائه ‪ ( :‬اللهم إني أعوذ بك من قلب ل يخشع ‪ ) ..‬رواه الترمذي ‪/5‬‬
‫‪ 485‬رقم ‪ 3482‬وهو في صحيح سنن الترمذي ‪2769‬‬

‫والخاشعون درجات ‪ ،‬والخشوع من عمل القلب يزيد وينقص فمنهم من يبلغ خشوعه عنان السماء ومن يخرج من‬
‫صلته لم يعقل شيئا ‪" ،‬‬

‫والناس في الصلة على مراتب خمسة ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬مرتبة الظالم لنفسه المفرط ‪ ،‬وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها ‪ ،‬لكنه قد ضيّع مجاهدة نفسه في الوسوسة ‪،‬‬
‫فذهب مع الوساوس والفكار ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والفكار ‪ ،‬فهو مشغول بمجهادة عدوه لئل‬
‫يسرق صلته ‪ ،‬فهو في صلة وجهاد ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬من إذا قام إلى الصلة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها ‪ ،‬واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئل‬
‫يضيع شيئا منها ‪ ،‬بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها ‪ ،‬قد استغرق قلبه شأن الصلة‬
‫وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها ‪.‬‬

‫الخامس ‪ :‬من إذا قام إلى الصلة قام إليها كذلك ‪ ،‬ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل ‪،‬‬
‫ناظرا بقلبه إليه ‪ ،‬مراقبا له ‪ ،‬ممتلئا من محبته وعظمته ‪ ،‬كأنه يراه ويشاهده ‪ ،‬وقد اضمحلت تلك الوساوس‬
‫والخطرات ‪،‬وارتفعت حجبها بينه وبين ربه ‪،‬فهذا بينه وبين غيره في الصلة أعظم مما بين السماء والرض ‪ ،‬وهذا‬
‫في صلته مشغول بربه عز وجل قرير العين به ‪.‬‬

‫فالقسم الول معاقب ‪ ،‬والثاني محاسب ‪ ،‬والثالث مكفّر عنه ‪ ،‬والرابع مثاب ‪ ،‬والخامس مقرّب من ربّه ‪ ،‬لن له نصيبا‬
‫ممن جُعلت قرّة عينه في الصلة ‪ ،‬فمن قرّت عينه بصلته في الدنيا ‪ ،‬قرّت عينه بقربه من ربّه عز وجل في الخرة ‪،‬‬
‫وقرّت عينه أيضا به في الدنيا ‪ ،‬ومن قرت عينه بال قرّت به كل عين ‪ ،‬ومن لم تق ّر عينه بال تعالى تقطعّت نفسه على‬
‫الدنيا حسرات " الوابل الصيب ص ‪40 :‬‬

You might also like