You are on page 1of 1181

‫الكتاب ‪ :‬تفسير القرآن العظيم‬

‫المؤلف ‪ :‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي [ ‪774- 700‬‬
‫هـ ]‬
‫المحقق ‪ :‬سامي بن محمد سلمة‬
‫الناشر ‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‬
‫الطبعة ‪ :‬الثانية ‪1420‬هـ ‪ 1999 -‬م‬
‫عدد الجزاء ‪8 :‬‬
‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‬
‫‪www.qurancomplex.com‬‬
‫[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ‪ ،‬والصفحات مذيلة بحواشي المحقق ]‬

‫شعَث أشعارهم أبدا بعدها ‪ ،‬كأنما دهنوا بالدهان ‪ ،‬ثم‬


‫النعيم ‪ ،‬فلم ُتغَير أبشارهم بعدها أبدا ‪ ،‬ولم تُ ْ‬
‫عمدوا إلى الخرى كأنما أمروا بها ‪ ،‬فشربوا منها ‪ ،‬فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو‬
‫علَ ْيكُمْ طِبْ ُتمْ فَا ْدخُلُوهَا خَالِدِينَ }‪ .‬ويلقى كل‬
‫قذى ‪ ،‬وتلقتهم الملئكة على أبواب (‪ )1‬الجنة ‪ { :‬سَلمٌ َ‬
‫غلمان صاحبهم يطيفُون به ‪ ،‬فعل (‪ )2‬الولدان بالحميم جاء من الغيبة ‪ :‬أَبْشِر ‪ ،‬قد أعَد ال لك من‬
‫الكرامة كذا وكذا ‪ ،‬قد أعد ال لك من الكرامة كذا وكذا‪ .‬وقال ‪ :‬وينطلق غلم من غلمانه إلى‬
‫أزواجه من الحور العين ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هذا فلن ‪ -‬باسمه في الدنيا ‪ -‬فيقلن ‪ :‬أنت رأيته ؟ فيقول ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬فيستخفهن الفرح حتى تخرج إلى أَس ُكفّة (‪ )3‬الباب‪ .‬قال ‪ :‬فيجيء فإذا هو بنمارق مصفوفة ‪،‬‬
‫وأكواب موضوعة ‪ ،‬وزرابي مبثوثة‪ .‬قال ‪ :‬ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه (‪ ، )4‬فإذا هو قد أسس‬
‫على جندل اللؤلؤ ‪ ،‬بين أحمر وأخضر وأصفر [وأبيض] (‪ ، )5‬ومن كل لون‪ .‬ثم يرفع طرفه إلى‬
‫سقفه ‪ ،‬فلول أن ال قدره له ‪ ،‬للمّ أن يذهب ببصره ‪ ،‬إنه لمثل البرق‪ .‬ثم ينظر إلى أزواجه من‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي َهدَانَا ِلهَذَا َومَا كُنّا‬
‫الحور العين ‪ ،‬ثم يتكئ على أريكة من أرائكه ‪ ،‬ثم يقول ‪ { :‬الْ َ‬
‫لِ َنهْتَ ِديَ َلوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [العراف ‪ ]43 :‬الية‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا ‪ ،‬أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ال ّنهْدِي ‪ ،‬حدثنا مسلمة (‪ )6‬بن جعفر‬
‫البجلي قال ‪ :‬سمعت أبا معاذ البصري يقول ‪ :‬إن عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان ذات يوم عند‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي (‪ )7‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي ‪ ،‬بيده إنهم‬
‫إذا خرجوا من قبورهم يُسْتَقبلون ‪ -‬أو ‪ُ :‬يؤْتون ‪ -‬بنوق لها أجنحة ‪ ،‬وعليها رحال الذهب ‪ ،‬شراك‬
‫نعالهم نور يتلل كل خطوة منها مد البصر ‪ ،‬فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ‪،‬‬
‫فيشربون من إحداهما ف ُيغْسَل ما في بطونهم من دنس ‪ ،‬ويغتسلون من الخرى ‪ ،‬فل تشعث‬
‫أبشارهم ول أشعارهم بعدها أبدا ‪ ،‬وتجري عليهم نضرة النعيم ‪ ،‬فينتهون ‪ -‬أو ‪ :‬فيأتون ‪ -‬باب‬
‫الجنة ‪ ،‬فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ‪ ،‬فيضربون بالحلقة على الصفيحة (‪، )8‬‬
‫فيسمع (‪ )9‬لها طنين يا علي ‪ ،‬فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ‪ ،‬فتبعث قَيّمها فيفتح له ‪ ،‬فإذا‬
‫رآه خَرّ له ‪ -‬قال مسلمة ‪ :‬أراه قال ‪ :‬ساجدًا (‪ - )10‬فيقول ‪ :‬ارفع رأسك ‪ ،‬فإنما أنا قَيمك ‪،‬‬
‫ُوكّلْتُ بأمرك‪ .‬فيتبعه ويقفو أثره ‪ ،‬فتستخف الحوراء العجلة ‪ ،‬فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى‬
‫تعتنقه ‪ ،‬ثم تقول ‪ :‬أنت حبي ‪ ،‬وأنا حبك ‪ ،‬وأنا الخالدة التي ل أموت ‪ ،‬وأنا الناعمة التي ل‬
‫أبأس ‪ ،‬وأنا الراضية التي ل أسخط ‪ ،‬وأنا المقيمة التي ل أظعن"‪ .‬فيدخل بيتًا من أسّه إلى سقفه‬
‫مائة ألف ذراع ‪ ،‬بناؤه على جندل اللؤلؤ ‪ ،‬طرائق أصفر وأخضر وأحمر ‪ ،‬ليس فيها (‪)11‬‬
‫حشْيَة ‪ ،‬على كل‬
‫طريقة تشاكل صاحبتها ‪ ،‬في البيت سبعون سريرا ‪ ،‬على كل سرير سبعون َ‬
‫حشية سبعون زوجة ‪ ،‬على كل زوجة سبعون حلة ‪ ،‬يرى مُخّ ساقها من باطن الحُلَل ‪ ،‬يقضي‬
‫جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه‪ .‬النهار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬باب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مثل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪" :‬أسفكة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بنائه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في س ‪" :‬الصفحة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فلو سمع"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬خر له ساجد" وهو خطأ والصواب ‪" :‬ساجدا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬س ‪ : :‬منها"‪.‬‬

‫( ‪)7/124‬‬

‫من تحتهم تَطّرد ‪ ،‬أنهار من ماء غير آسن ‪ -‬قال ‪ :‬صاف ‪ ،‬ل كدر فيه ‪ -‬وأنهار من لبن لم‬
‫يتغير طعمه ‪ -‬قال ‪ :‬لم يخرج من ضروع الماشية ‪ -‬وأنهار من خمر لذة للشاربين ‪ -‬قال ‪ :‬لم‬
‫تعصرها الرجال بأقدامهم ‪ -‬وأنهار من عسل مصفى ‪ -‬قال ‪ :‬لم يخرج من بطون النحل‪ .‬يستجني‬
‫الثمار ‪ ،‬فإن شاء قائما ‪ ،‬وإن شاء قاعدا ‪ ،‬وإن شاء متكئا ‪ -‬ثم تل { وَدَانِ َيةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا وَذُلَّلتْ‬
‫قُطُو ُفهَا تَذْلِيل } [النسان ‪ - ]14 :‬فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض ‪ -‬قال ‪ :‬وربما قال ‪ :‬أخضر‪.‬‬
‫قال ‪ - :‬فترفع أجنحتها ‪ ،‬فيأكل من جنوبها ‪ ،‬أي اللوان شاء ‪ ،‬ثم يطير فيذهب (‪ ، )1‬فيدخل‬
‫الملك فيقول ‪ :‬سلم عليكم ‪ ،‬تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون‪ .‬ولو أن شعرة من شعر (‪)2‬‬
‫الحوراء وقعت لهل الرض ‪ ،‬لضاءت الشمس معها سوادًا في نور"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وكأنه مرسل ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬ثم تطير فتذهب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬شعور"‪.‬‬

‫( ‪)7/125‬‬

‫حمْدُ لِلّهِ‬
‫ق َوقِيلَ ا ْل َ‬
‫حمْدِ رَ ّب ِه ْم َو ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ بِا ْلحَ ّ‬
‫ح ْولِ ا ْلعَرْشِ يُسَبّحُونَ ِب َ‬
‫وَتَرَى ا ْلمَلَا ِئكَةَ حَافّينَ مِنْ َ‬
‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)75‬‬

‫حمْدُ ِللّهِ‬
‫ق َوقِيلَ ا ْل َ‬
‫حّ‬‫ضيَ بَيْ َنهُمْ بِالْ َ‬
‫ح ْمدِ رَ ّبهِ ْم َو ُق ِ‬
‫ح ْولِ ا ْلعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِ َ‬
‫{ وَتَرَى ا ْلمَل ِئكَةَ حَافّينَ مِنْ َ‬
‫َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )75‬‬
‫لما ذكر تعالى حكمه في أهل الجنة والنار ‪ ،‬وأنه نزل كُل في المحل الذي يليق به ويصلح له‬
‫وهو العادل في ذلك الذي ل يجور ‪ -‬أخبر عن ملئكته أنهم محدقون من حول عرشه المجيد ‪،‬‬
‫يسبحون بحمد ربهم ‪ ،‬ويمجدونه (‪ )1‬ويعظمونه ويقدسونه وينزهونه عن النقائص والجور ‪ ،‬وقد‬
‫ضيَ بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬بين الخلئق‬
‫فصل القضية ‪ ،‬وقضى المر ‪ ،‬وحكم بالعدل ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وقُ ِ‬
‫{ بِا ْلحَقّ }‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬ونطق الكون أجمعه (‪ - )2‬ناطقه وبهيمه ‪ -‬ل‬
‫ثم قال ‪َ { :‬وقِيلَ ا ْل َ‬
‫رب العالمين ‪ ،‬بالحمد في حكمه وعدله ؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه ‪ ،‬فدل على أن‬
‫شهِدَت له بالحمد‪.‬‬
‫جميع المخلوقات َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ } [النعام ‪:‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫قال قتادة ‪ :‬افتتح الخلق بالحمد في قوله ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫ق َوقِيلَ ا ْل َ‬
‫حّ‬‫‪ ]1‬واختتم بالحمد في قوله ‪َ { :‬و ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ بِالْ َ‬
‫آخر تفسير سورة الزمر ول الحمد (‪[ )3‬أول وآخرًا ظاهرًا وباطنًا] (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ويحمدونه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬جميعه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من س‪.‬‬
‫( ‪)7/125‬‬

‫تفسير سورة غافر (‪)1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قد كره بعض السلف ‪ ،‬منهم محمد بن سيرين أن يقال ‪" :‬الحواميم" وإنما يقال ‪" :‬آل حم"‪.‬‬
‫قال عبد ال بن مسعود ‪" :‬آل حم" ديباج القرآن‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬إن لكل شيء لبابا ولُبَاب القرآن "آل حم" ‪ -‬أو قال ‪ :‬الحواميم‪.‬‬
‫سعَر بن كِدَام ‪ :‬كان يقال لهن ‪" :‬العرائس"‪.‬‬
‫قال ِم ْ‬
‫روى ذلك كله المام العَلم (‪ )2‬أبو عُبيد القاسم بن سلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في كتاب ‪" :‬فضائل‬
‫القرآن"‪ )3( .‬وقال حُميد بن زَنْجويه ‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص عن عبيد ال (‪ )4‬قال ‪ :‬إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لهله‬
‫منزل فمر بأثر غيث فبينا هو يسير فيه ويتعجب [منه] (‪ ، )5‬إذ هبط على روضات َدمِثات فقال ‪:‬‬
‫عجبت من الغيث الول ‪ ،‬فهذا أعجب وأعجب فقيل له ‪ :‬إن مثل الغيث الول مثل عِظَم (‪)6‬‬
‫القرآن ‪ ،‬وإن مثل هؤلء الروضات الدمثات ‪ ،‬مثل آل حم في القرآن‪ .‬أورده البغوي (‪.)7‬‬
‫وقال ابن َلهِيعة عن يزيد بن أبي حبيب ‪ :‬أن الجرّاح بن أبي الجراح حدثه عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫لكل شيء لباب ‪ ،‬ولباب القرآن الحواميم (‪.)8‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬إذا وَقعتُ في "آل حم" فقد وقعتُ في روضات أتأنّق فيهن (‪.)9‬‬
‫وقال أبو عبيد ‪ :‬حدثنا الشجعي ‪ ،‬حدثنا مِسْعر ‪ -‬هو ابن كِدَام ‪ -‬عمن حدثه ‪ :‬أن رجل رأى أبا‬
‫الدرداء [رضي ال عنه] (‪ )10‬يبني مسجدا ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما هذا ؟ فقال ‪ :‬أبنيه من أجل "آل حم" (‬
‫‪.)11‬‬
‫وقد يكون هذا المسجد الذي بناه أبو الدرداء هو المسجد المنسوب إليه داخل قلعة دمشق‪ .‬وقد‬
‫يكون صيانتها وحفظها ببركته وبركة ما وُضع له ‪ ،‬فإن هذا الكلم يدل على النصر على‬
‫العداء ‪ ،‬كما قال رسول ال (‪ )12‬صلى ال عليه وسلم لصحابه في بعض الغزوات ‪" :‬إن بَيّتم‬
‫الليلة فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل ينصرون" وفي رواية ‪" :‬ل تنصرون" (‪.)13‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن الحكم بن ظَبْيان بن خَلف المازني ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬العالم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬فضائل القرآن (ص ‪.)138 ، 137‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عظيم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/134‬‬
‫(‪ )8‬رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص ‪ )137‬والبغوي في تفسيره (‪.)7/134‬‬
‫(‪ )9‬رواه أبو عبيدة في فضائل القرآن (ص ‪.)137‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬فضائل القرآن لبي عبيد (ص ‪.)137‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬رواه المام أحمد في مسنده (‪ )4/65‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )2597‬والترمذي في السنن‬
‫برقم (‪ )1682‬عن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬

‫( ‪)7/0‬‬

‫ط ْولِ‬
‫ب َوقَا ِبلِ ال ّت ْوبِ شَدِيدِ ا ْل ِعقَابِ ذِي ال ّ‬
‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ (‪ )2‬غَافِرِ الذّ ْن ِ‬
‫لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ إِلَ ْيهِ ا ْل َمصِيرُ (‪)3‬‬

‫الليث الهمداني قال حدثنا موسى بن مسعود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي ‪ ،‬عن‬
‫زرارة بن مصعب ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسولُ ال‬
‫عصِم ذلك اليوم من كل سوء"‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من قرأ آية الكرسي وأول حم المؤمن ‪ُ ،‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يُروى إل بهذا السناد‪ .‬ورواه الترمذي من حديث المليكي ‪ ،‬وقال ‪ :‬تكلم فيه‬
‫بعض أهل العلم من قبل حفظه (‪.)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شدِيدِ ا ْل ِعقَابِ ذِي‬
‫ب َوقَا ِبلِ ال ّت ْوبِ َ‬
‫{ حم (‪ )1‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ (‪ )2‬غَافِرِ الذّ ْن ِ‬
‫ط ْولِ ل إِلَهَ إِل ُهوَ إِلَ ْيهِ ا ْل َمصِيرُ (‪} )3‬‬
‫ال ّ‬
‫أما الكلم على الحروف المقطعة ‪ ،‬فقد تقدم في أول "سورة البقرة" بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن { حم } اسم من أسماء ال عز وجل ‪ ،‬وأنشدوا في ذلك (‪)2‬‬
‫يُ َذكّرُني حامِيمَ والرمحُ شَاجر‪َ ...‬فهَل تل حَاميمَ قَبْل التّقدّمِ‪...‬‬
‫وقد ورد (‪ )3‬في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪،‬‬
‫عن المهلب بن أبي صُفْرة قال ‪ :‬حدثني من سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن بَيّتم‬
‫الليلة فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل ينصرون" وهذا إسناد صحيح (‪.)4‬‬
‫واختار أبو عبيد أن يُروى ‪" :‬فقولوا ‪ :‬حم ‪ ،‬ل ينصروا" أي ‪ :‬إن قلتم ذلك ل ينصروا ‪ ،‬جعله‬
‫جزاء لقوله ‪ :‬فقولوا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } أي ‪ :‬تنزيل هذا الكتاب ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬من ال‬
‫ذي العزة والعلم ‪ ،‬فل يرام جنابه ‪ ،‬ول يخفى عليه الذر وإن تكاثف حجابه‪.‬‬
‫ب َوقَابِلِ ال ّت ْوبِ } أي ‪ :‬يغفر ما سلف من الذنب ‪ ،‬ويقبل التوبة في المستقبل‬
‫وقوله ‪ { :‬غَافِرِ الذّ ْن ِ‬
‫خضَع لديه‪.‬‬
‫لمن تاب إليه و َ‬
‫وقوله ‪ { :‬شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } أي ‪ :‬لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ‪ ،‬وعتا عن (‪ )5‬أوامر ال ‪،‬‬
‫وبغى [وقد اجتمع في هذه الية الرجاء والخوف] (‪ .)6‬وهذه كقوله تعالى ‪ { :‬نَ ّبئْ عِبَادِي أَنّي أَنَا‬
‫عذَابِي ُهوَ ا ْلعَذَابُ اللِيمُ } [ الحجر ‪ ]50 ، 49 :‬يقرن هذين الوصفين كثيرًا‬
‫ا ْل َغفُورُ الرّحِي ُم وَأَنّ َ‬
‫في مواضع متعددة من القرآن ؛ ليبقى العبد بين الرجاء والخوف‪.‬‬
‫ط ْولِ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬السعة والغنى‪ .‬وكذا قال مجاهد وقتادة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذِي ال ّ‬
‫طوْلِ } يعني ‪ :‬الخير الكثير‪.‬‬
‫وقال يزيد بن الصم ‪ { :‬ذِي ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)2879‬‬
‫(‪ )2‬البين في تفسير الطبري (‪ )24/26‬وفي صحيح البخاري (‪" )8/553‬فتح" منسوبا إلى شريح‬
‫بن أوفى العبسي‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أبي داود برقم (‪ )2597‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1682‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/127‬‬

‫ط ْولِ } ذي المن‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬ذِي ال ّ‬
‫وقال قتادة ‪[ :‬يعني] (‪ )1‬ذي النعم والفواضل‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أنه المتفضل على عباده ‪ ،‬المتطول عليهم بما هو فيه من المنن والنعام ‪ ،‬التي ل‬
‫حصُوهَا [إِنّ النْسَانَ لَظَلُومٌ َكفّارٌ] }‬
‫يطيقون القيام بشكر واحدة منها ‪ { ،‬وَإِنْ َت ُعدّوا ِن ْع َمتَ اللّ ِه ل ُت ْ‬
‫[ إبراهيم ‪.)2( ]34 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬ل نظير له في جميع صفاته ‪ ،‬فل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه { ِإلَيْهِ‬
‫ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬المرجع والمآب ‪ ،‬فيجازي كل عامل بعمله ‪ { ،‬وَ ُهوَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ } [ الرعد ‪:‬‬
‫‪.]41‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ :‬سمعت أبا إسحاق السّبِيعي يقول ‪ :‬جاء رجل إلى عمر بن الخطاب‬
‫[رضي ال عنه] (‪ )3‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين إني قَتَ ْلتُ ‪ ،‬فهل لي من توبة ؟ فقرأ عليه { حم‪.‬‬
‫تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ‪ .‬غَافِرِ الذّ ْنبِ َوقَا ِبلِ ال ّت ْوبِ شَدِيدِ ا ْل ِعقَابِ } وقال ‪ :‬اعمل ول‬
‫تيأس‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬وابن جرير (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن مروان ال ّرقّي ‪ ،‬حدثنا عمر ‪ -‬يعني ابن أيوب‬
‫‪ -‬أخبرنا جعفر بن بَرْقان ‪ ،‬عن يزيد بن الصم (‪ )5‬قال ‪ :‬كان رجل من أهل الشام ذو بأس ‪،‬‬
‫وكان يفد إلى عمر بن الخطاب [رضي ال عنه] (‪ ، )6‬ففقده عمر فقال ‪ :‬ما فعل فلن بن فلن ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬يتابع في هذا الشراب‪ .‬قال ‪ :‬فدعا عمر كاتبه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اكتب ‪" :‬من‬
‫عمر بن الخطاب إلى فلن ابن فلن ‪ ،‬سلم عليك ‪[ ،‬أما بعد] (‪ : )7‬فإني أحمد إليك ال الذي ل‬
‫إله إل هو ‪ ،‬غافر الذنب وقابل التوب ‪ ،‬شديد العقاب ‪ ،‬ذي الطول ‪ ،‬ل إله إل هو إليه المصير"‪.‬‬
‫ثم قال لصحابه ‪ :‬ادعوا ال لخيكم أن ُيقْبِل بقلبه ‪ ،‬وأن يتوب ال عليه (‪ .)8‬فلما بلغ الرجل‬
‫كتابُ عمر جعل يقرؤه ويردده ‪ ،‬ويقول ‪ :‬غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ‪ ،‬قد حذرني‬
‫عقوبته ووعدني أن يغفر لي‪.‬‬
‫ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان ‪ ،‬وزاد ‪" :‬فلم يزل يُرَدّدها على نفسه ‪ ،‬ثم بكى‬
‫ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر [رضي ال عنه] (‪ )9‬خبرهُ قال ‪ :‬هكذا فاصنعوا ‪ ،‬إذا رأيتم‬
‫أخاكم زل زلّة فسددوه ووفقوه ‪ ،‬وادعوا ال له أن يتوب عليه ‪ ،‬ول تكونوا أعوانًا للشيطان عليه (‬
‫‪.)10‬‬
‫عمَر الصفار ‪، -‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمر بن شَبّة (‪ ، )11‬حدثنا حماد بن واقد ‪ -‬أبو ُ‬
‫حدثنا ثابت البناني ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع مصعب بن الزبير في سواد الكوفة ‪ ،‬فدخلت حائطًا أصلي‬
‫ركعتين فافتتحت ‪ { :‬حم } المؤمن ‪ ،‬حتى بلغت ‪ { :‬ل إَِلهَ إِل ُهوَ إِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ } فإذا رجل خلفي‬
‫على بغلة شهباء عليه ُمقَطّعات يمنية فقال ‪ :‬إذا قلت ‪ { :‬غَافِرِ الذّ ْنبِ } فقل ‪" :‬يا غافر الذنب ‪،‬‬
‫اغفر لي ذنبي"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي الصل ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)24/27‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى أيضا بإسناده عن يزيد بن الصم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬أن يقبل بقلبه ويتوب عليه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬حلية الولياء (‪.)4/97‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬ابن أبي شيبة"‪.‬‬

‫( ‪)7/128‬‬

‫مَا يُجَا ِدلُ فِي آَيَاتِ اللّهِ إِلّا الّذِينَ َكفَرُوا فَلَا َيغْرُ ْركَ َتقَلّ ُبهُمْ فِي الْبِلَادِ (‪َ )4‬كذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُوحٍ‬
‫حضُوا بِهِ ا ْلحَقّ فََأخَذْ ُت ُهمْ‬
‫طلِ لِيُ ْد ِ‬
‫وَالْأَحْزَابُ مِنْ َبعْدِ ِه ْم وَ َه ّمتْ ُكلّ ُأمّةٍ بِرَسُوِلهِمْ لِيَ ْأخُذُو ُه وَجَادَلُوا بِالْبَا ِ‬
‫صحَابُ النّارِ (‪)6‬‬
‫ح ّقتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫عقَابِ (‪َ )5‬وكَذَِلكَ َ‬
‫َفكَ ْيفَ كَانَ ِ‬

‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ } ‪،‬‬


‫وإذا قلت ‪َ { :‬وقَابِلِ ال ّت ْوبِ } ‪ ،‬فقل ‪" :‬يا قابل التوب ‪ ،‬اقبل توبتي"‪ .‬وإذا قلت ‪َ { :‬‬
‫فقل ‪" :‬يا شديد العقاب ‪ ،‬ل تعاقبني"‪ .‬قال ‪ :‬فالتفت فلم أر أحدًا ‪ ،‬فخرجت إلى الباب فقلت ‪ :‬مَرّ‬
‫بكم رجل عليه مقطعات يمنية ؟ قالوا ‪ :‬ما رأينا أحدًا فكانوا يُرَون أنه إلياس‪.‬‬
‫ثم رواه من طريق أخرى ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬بنحوه‪ .‬وليس فيه ذكر إلياس‪.‬‬
‫{ مَا ُيجَا ِدلُ فِي آيَاتِ اللّهِ إِل الّذِينَ َكفَرُوا فَل َيغْرُ ْركَ َتقَلّ ُبهُمْ فِي الْبِلدِ (‪َ )4‬كذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُوحٍ‬
‫خذْ ُتهُمْ‬
‫حقّ فَأَ َ‬
‫حضُوا بِهِ الْ َ‬
‫طلِ لِيُدْ ِ‬
‫خذُوهُ َوجَادَلُوا بِالْبَا ِ‬
‫وَالحْزَابُ مِنْ َب ْعدِهِمْ وَ َهمّتْ ُكلّ ُأمّةٍ بِ َرسُوِلهِمْ لِيَأْ ُ‬
‫صحَابُ النّارِ (‪} )6‬‬
‫ح ّقتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫عقَابِ (‪َ )5‬وكَذَِلكَ َ‬
‫َفكَ ْيفَ كَانَ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ما يدفع الحق ويجادل فيه بعد البيان وظهور البرهان { إِل الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪:‬‬
‫الجاحدون ليات ال وحججه وبراهينه ‪ { ،‬فَل َيغْرُ ْركَ َتقَلّ ُبهُمْ فِي الْبِلدِ } أي ‪ :‬في أموالهم ونعيمها‬
‫جهَنّمُ وَبِئْسَ‬
‫وزهرتها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬ل َيغُرّ ّنكَ َتقَلّبُ الّذِينَ َكفَرُوا فِي الْبِلدِ‪ .‬مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمّ مَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫ا ْل ِمهَادُ } [ آل عمران ‪ ، ]197 ، 196 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل ُثمّ َنضْطَرّ ُهمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ‬
‫} [ لقمان ‪.]24 :‬‬
‫ثم قال تعالى مسليًا لنبيه (‪ )1‬محمد صلى ال عليه وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ‪ ،‬بأن له‬
‫أسوة من سلف من النبياء ؛ فإنه قد كذبهم (‪ )2‬أممهم وخالفوهم ‪ ،‬وما آمن بهم منهم إل قليل (‪)3‬‬
‫‪ ،‬فقال ‪ { :‬كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ } وهو أول رسول َبعَثه ال ينهى عن عبادة الوثان ‪،‬‬
‫خذُوهُ } أي ‪ :‬حرصوا‬
‫{ وَالحْزَابُ مِنْ َبعْ ِدهِمْ } أي ‪ :‬من كل أمة ‪ { ،‬وَ َه ّمتْ ُكلّ ُأمّةٍ بِ َرسُوِلهِمْ لِيَأْ ُ‬
‫حضُوا بِهِ ا ْلحَقّ } أي ‪:‬‬
‫طلِ لِيُ ْد ِ‬
‫على قتله بكل ممكن ‪ ،‬ومنهم من قتل رسوله (‪ { ، )4‬وَجَادَلُوا بِالْبَا ِ‬
‫مَاحَلُوا بالشبهة (‪ )5‬ليردوا الحق الواضح الجلي‪.‬‬
‫وقد قال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا عارم أبو النعمان ‪ ،‬حدثنا ُمعْ َتمِر‬
‫ابن سليمان قال ‪ :‬سمعت أبي يحدث عن حَنَش ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس (‪[ )6‬رضي ال‬
‫عنه] (‪ ، )7‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من أعان باطل ليدحض بباطله حقّا ‪ ،‬فقد برئت‬
‫منه ذمة ال وذمة رسوله" (‪.)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأخَذْ ُتهُمْ } أي ‪ :‬أهلكتهم على ما صنعوا من هذه الثام والذنوب العظام ‪َ { ،‬فكَ ْيفَ كَانَ‬
‫عقَابِ } أي ‪ :‬فكيف بلغك عذابي لهم ‪ ،‬ونكالي بهم ؟ قد كان شديدًا موجعًا مؤلمًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان وال شديدًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬كذبتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬القليل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬رسولهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ما جاءوا به من الشبهة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وقد روى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )11/215‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/100‬من طريق علي بن عبد‬
‫العزيز به موقوفا وقال ‪" :‬صحيح السناد" وتعقبه الذهبي بقوله ‪" :‬فيه حنش الرحبي وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)7/129‬‬

‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ ِب ِه وَيَسْ َت ْغفِرُونَ لِلّذِينَ َآمَنُوا رَبّنَا‬


‫حوْلَهُ ُيسَبّحُونَ ِب َ‬
‫ش َومَنْ َ‬
‫حمِلُونَ ا ْلعَرْ َ‬
‫الّذِينَ َي ْ‬
‫جحِيمِ (‪)7‬‬
‫عذَابَ الْ َ‬
‫ك َو ِقهِمْ َ‬
‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَل َ‬
‫حمَ ًة وَعِ ْلمًا فَا ْ‬
‫شيْءٍ َر ْ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫وَ ِ‬

‫حقّتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا أَ ّنهُمْ َأصْحَابُ النّارِ } أي ‪ :‬كما حقت كلمةُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَذَِلكَ َ‬
‫العذاب على الذين كفروا من المم السالفة ‪ ،‬كذلك حقت على المكذبين من هؤلء الذين كذبوك‬
‫وخالفوك يا محمد بطريق الولى والحرى ؛ لن من كذبّك (‪ )1‬فل وثوق له بتصديق غيرك‪.‬‬
‫حمْدِ رَ ّبهِ ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ وَيَسْ َتغْفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا‬
‫حوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِ َ‬
‫حمِلُونَ ا ْلعَرْشَ َومَنْ َ‬
‫{ الّذِينَ َي ْ‬
‫جحِيمِ (‪} )7‬‬
‫عذَابَ الْ َ‬
‫ك َو ِقهِمْ َ‬
‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَل َ‬
‫حمَ ًة وَعِ ْلمًا فَا ْ‬
‫شيْءٍ َر ْ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫وَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬كذب بك"‪.‬‬

‫( ‪)7/130‬‬
‫جهِ ْم وَذُرّيّا ِت ِهمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ‬
‫ن صَلَحَ مِنْ آَبَا ِئ ِه ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫عدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُ ْم َومَ ْ‬
‫رَبّنَا وَأَ ْدخِ ْلهُمْ جَنّاتِ َ‬
‫حمْتَ ُه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)9‬‬
‫حكِيمُ (‪َ )8‬و ِقهِمُ السّيّئَاتِ َومَنْ َتقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ َر ِ‬
‫الْ َ‬

‫ج ِه ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ‬


‫عدْ َتهُ ْم َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫{ رَبّنَا وََأدْخِ ْلهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَ َ‬
‫حمْتَ ُه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪} )9‬‬
‫حكِيمُ (‪َ )8‬و ِقهِمُ السّيّئَاتِ َومَنْ َتقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ َفقَدْ َر ِ‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫حمَلة العرش الربعة ‪ ،‬ومن حوله من الكروبيين ‪ ،‬بأنهم‬
‫يخبر تعالى عن الملئكة المقربين من َ‬
‫يسبحون بحمد ربهم ‪ ،‬أي ‪ :‬يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص ‪ ،‬والتحميد المقتضي‬
‫لثبات صفات المدح ‪ { ،‬وَ ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ } أي ‪ :‬خاشعون له أذلء بين يديه ‪ ،‬وأنهم { َيسْ َتغْفِرُونَ‬
‫لِلّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬من أهل الرض ممن آمن بالغيب ‪ ،‬فقيض ال سبحانه ملئكته المقربين أن‬
‫يَدْعُوا للمؤمنين بظهر الغيب ‪ ،‬ولما كان هذا من سجايا الملئكة عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬كانوا‬
‫يُؤمّنون على دعاء المؤمن لخيه بظهر الغيب ‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم ‪" :‬إذا دعا المسلم‬
‫لخيه بظهر الغيب قال الملك ‪ :‬آمين ولك بمثله" (‪.)1‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن محمد ‪ -‬هو ابن أبي شيبة ‪ -‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يعقوب بن عتبة ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس (‪[ )2‬رضي ال عنه] (‪)3‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم صَدّق أمية في شيء من شعره ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حتَ رِجْل يَمينه‪ ...‬وَالنّسْرُ للخْرَى وَلَ ْيثٌ مُ ْرصَدُ‪...‬‬
‫ل وَثَور تَ ْ‬
‫جٌ‬‫رَ ُ‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صدق"‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫حمْراءُ ُيصْبحُ لَونُها يَ َتوَرّدُ‪...‬‬
‫وَالشمس تَطلعُ كل آخر لَيْلةٍ‪َ ...‬‬
‫تَأبَى فَما تَطلُع لَنَا في ِرسْلها‪ ...‬إل معَذّبَة وَإل ُتجْلدَ‪...‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صدق" (‪.)4‬‬
‫وهذا إسناد جيد ‪ :‬وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة كانوا ثمانية ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2732‬من حديث أبي الدرداء رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وقد روى المام أحمد بإسناده عن ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/256‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/127‬رجاله ثقات إل أن ابن إسحاق‬
‫مدلس"‪.‬‬

‫( ‪)7/130‬‬
‫ح ِملُ عَ ْرشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ } [الحاقة ‪.]17 :‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫وهنا سؤال وهو أن يقال ‪ :‬ما الجمع بين المفهوم من هذه الية ‪ ،‬ودللة هذا الحديث ؟ وبين‬
‫الحديث الذي رواه أبو داود ‪:‬‬
‫عمِيرة (‬
‫حدثنا محمد بن الصباح البزار ‪ ،‬حدثنا الوليد بن أبي ثور ‪ ،‬عن سِماك ‪ ،‬عن عبد ال بن َ‬
‫‪ ، )1‬عن الحنف بن قيس ‪ ،‬عن العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت بالبطحاء في عصابة فيهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فمرت بهم سحابة ‪ ،‬فنظر إليها فقال ‪" :‬ما تسمون هذه ؟" قالوا ‪:‬‬
‫السحاب‪ .‬قال ‪" :‬والمزن ؟" قالوا ‪ :‬والمزن‪ .‬قال ‪" :‬والعَنَان ؟" قالوا ‪ :‬والعنان ‪ -‬قال أبو داود ‪:‬‬
‫ولم أتقن العنان جيدًا ‪ -‬قال ‪" :‬هل تدرون ُب ْعدَ ما بين السماء والرض ؟" قالوا ‪ :‬ل ندري‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"بُعد ما بينهما إما واحدة ‪ ،‬أو اثنتان ‪ ،‬أو ثلث (‪ )2‬وسبعون سنة ‪ ،‬ثم السماء فوقها كذلك" حتى‬
‫عَدّ سبع سموات "ثم فوق السماء السابعة بحر (‪ ، )3‬بين (‪ )4‬أسفله وأعله مثل ما بين سماء إلى‬
‫سماء ‪ ،‬ثم فوق ذلك ثمانية أوْعَال ‪ ،‬بين أظلفهن ورُكبهن مثل ما بين سماء إلى سماء ‪ ،‬ثم على‬
‫ظهورهن العرش بين أسفله وأعله مثل ما بين سماء إلى سماء ‪ ،‬ثم ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فوق ذلك"‬
‫ثم رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث سماك بن حرب ‪ ،‬به (‪ .)5‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن غريب‪.‬‬
‫حوْشَب ‪ :‬حملة العرش ثمانية ‪ ،‬أربعة‬
‫شهْر بن َ‬
‫وهذا يقتضي أن حملة العرش ثمانية ‪ ،‬كما قال َ‬
‫يقولون ‪" :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على حلمك بعد علمك"‪ .‬وأربعة يقولون ‪" :‬سبحانك‬
‫اللهم وبحمدك ‪ ،‬لك الحمد على عفوك بعد قدرتك"‪.‬‬
‫حمَ ًة وَعِ ْلمًا } أي ‪ :‬إن‬
‫شيْءٍ َر ْ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫ولهذا يقولون إذا استغفروا (‪ )6‬للذين آمنوا ‪ { :‬رَبّنَا وَ ِ‬
‫رحمتك تَسَع ذنوبهم وخطاياهم ‪ ،‬وعلمك محيط بجميع أعمالهم [وأقوالهم] (‪ )7‬وحركاتهم وسكناتهم‬
‫غفِرْ لِلّذِينَ تَابُوا وَاتّ َبعُوا سَبِيَلكَ } أي ‪ :‬فاصفح عن المسيئين (‪ )8‬إذا تابوا وأنابوا وأقلعوا عما‬
‫‪ { ،‬فَا ْ‬
‫كانوا فيه ‪ ،‬واتبعوا ما أمرتهم به ‪ ،‬من فعل الخيرات وترك المنكرات ‪َ { ،‬و ِقهِمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ }‬
‫أي ‪ :‬وزحزحهم عن عذاب الجحيم ‪ ،‬وهو العذاب الموجع الليم (‪.)9‬‬
‫ج ِه ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ } أي ‪ :‬اجمع‬
‫عدْ َتهُ ْم َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِ ْم وَأَ ْزوَا ِ‬
‫{ رَبّنَا وََأدْخِ ْلهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَ َ‬
‫بينهم وبينهم ‪ ،‬لتقر بذلك أعينهم بالجتماع في منازل متجاورة ‪ ،‬كما قال [تعالى] (‪ { )10‬وَالّذِينَ‬
‫شيْءٍ } [الطور ‪( ]21 :‬‬
‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم َومَا أَلَتْنَا ُهمْ مِنْ َ‬
‫آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫‪ )11‬أي ‪ :‬ساوينا بين الكل في المنزلة ‪ ،‬لتقر أعينهم ‪ ،‬وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني ‪ ،‬بل‬
‫رفعنا الناقص في العمل (‪ ، )12‬فساويناه بكثير العمل ‪ ،‬تفضل منا ومنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ :‬عمرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أو اثنين أو ثلثة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ثم فوق السماء بحرا" وفي س ‪" :‬ثم فوق السابعة بحر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بحر ما بين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )4725 - 4723‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3320‬وسنن ابن ماجه برقم (‬
‫‪.)193‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬استغفروا للمؤمنين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬المسلمين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬المؤلم"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في س ‪" :‬واتبعتهم ذريتهم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رفعنا ناقص العمل"‪.‬‬

‫( ‪)7/131‬‬

‫عوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَ َت ْكفُرُونَ (‪)10‬‬


‫سكُمْ ِإذْ تُدْ َ‬
‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُنَا َدوْنَ َل َم ْقتُ اللّهِ َأكْبَرُ مِنْ َمقْ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫ن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَ َرفْنَا بِذُنُوبِنَا َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (‪ )11‬ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا‬
‫قَالُوا رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْ ِ‬
‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ (‪ُ )12‬هوَ الّذِي يُرِي ُكمْ آَيَا ِتهِ‬
‫عيَ اللّهُ وَحْ َدهُ َكفَرْتُ ْم وَإِنْ يُشْ َركْ ِبهِ ُت ْؤمِنُوا فَا ْل ُ‬
‫دُ ِ‬
‫ن وََلوْ كَ ِرهَ‬
‫سمَاءِ رِ ْزقًا َومَا يَ َت َذكّرُ إِلّا مَنْ يُنِيبُ (‪ )13‬فَادْعُوا اللّهَ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّي َ‬
‫وَيُنَ ّزلُ َل ُكمْ مِنَ ال ّ‬
‫ا ْلكَافِرُونَ (‪)14‬‬

‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه ‪ ،‬وأين هم ؟ فيقال ‪:‬‬
‫حقُونَ به في الدرجة ‪ ،‬ثم‬
‫إنهم لم يبلغوا طبقتك (‪ )1‬في العمل فيقول ‪ :‬إني إنما عملت لي ولهم‪ .‬فَيُل َ‬
‫تل سعيد بن جبير هذه الية ‪ { :‬رَبّنَا وَأَ ْدخِ ْلهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُمْ َومَنْ صَلَحَ مِنْ آبَا ِئهِمْ‬
‫حكِيمُ }‪.‬‬
‫جهِ ْم وَذُرّيّا ِتهِمْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫وَأَ ْزوَا ِ‬
‫قال مُطرّف بن عبد ال بن الشّخّير ‪ :‬أنصحُ عبادِ ال للمؤمنين الملئكةُ ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬رَبّنَا‬
‫عدْنٍ الّتِي وَعَدْ َتهُمْ } وأغشّ عباد ال للمؤمنين الشياطينُ‪.‬‬
‫وَأَدْخِ ْل ُهمْ جَنّاتِ َ‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬الذي ل يمانع ول يغالب ‪ ،‬وما شاء كان وما لم يشأ لم‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫يكن ‪ ،‬الحكيم في أقوالك وأفعالك ‪ ،‬من شرعك وقدرك (‪)2‬‬
‫{ َو ِقهِمُ السّيّئَاتِ } أي ‪ :‬فعلها أو وَبالها ممن وقعت منه ‪َ { ،‬ومَنْ تَقِ السّيّئَاتِ َي ْومَئِذٍ } أي ‪ :‬يوم‬
‫حمْتَهُ } أي ‪ :‬لطفت به ونجيته من العقوبة ‪ { ،‬وَ َذِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْل َعظِيمُ }‪.‬‬
‫القيامة ‪َ { ،‬فقَدْ َر ِ‬
‫عوْنَ إِلَى اليمَانِ فَ َت ْكفُرُونَ (‪)10‬‬
‫سكُمْ إِذْ تُدْ َ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا يُنَا َدوْنَ َل َمقْتُ اللّهِ َأكْبَرُ مِنْ َمقْ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫ن وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَ َرفْنَا بِذُنُوبِنَا َف َهلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (‪ )11‬ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا‬
‫قَالُوا رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْ ِ‬
‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ (‪ُ )12‬هوَ الّذِي يُرِي ُكمْ آيَا ِتهِ‬
‫عيَ اللّهُ وَحْ َدهُ َكفَرْتُ ْم وَإِنْ يُشْ َركْ ِبهِ ُت ْؤمِنُوا فَا ْل ُ‬
‫دُ ِ‬
‫ن وََلوْ كَ ِرهَ‬
‫سمَاءِ رِ ْزقًا َومَا يَ َت َذكّرُ إِل مَنْ يُنِيبُ (‪ )13‬فَادْعُوا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّي َ‬
‫وَيُنزلُ َل ُكمْ مِنَ ال ّ‬
‫ا ْلكَافِرُونَ (‪} )14‬‬
‫غمَرات النيران يتلظون ‪ ،‬وذلك‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الكفار ‪ :‬أنهم يُنَادَون يوم القيامة وهم في َ‬
‫عندما (‪ )3‬باشروا من عذاب ال ما ل قِبَل لحد به ‪ ،‬فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية‬
‫البغض ‪ ،‬بسبب ما أسلفوا (‪ )4‬من العمال السيئة ‪ ،‬التي كانت سبب دخولهم إلى النار ‪ ،‬فأخبرتهم‬
‫الملئكة عند ذلك إخبارا عاليا ‪ ،‬نادوهم [به] (‪ )5‬نداء بأن مقت ال لهم في الدنيا حين كان يُعرض‬
‫عليهم اليمان ‪ ،‬فيكفرون ‪ ،‬أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة‪.‬‬
‫عوْنَ إِلَى اليمَانِ فَ َت ْكفُرُونَ } يقول ‪:‬‬
‫سكُمْ إِذْ ُتدْ َ‬
‫قال قتادة في قوله ‪َ { :‬ل َم ْقتُ اللّهِ َأكْبَرُ مِنْ َمقْ ِتكُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫لمقتُ ال أهل الضللة حين عُرض عليهم اليمان في الدنيا ‪ ،‬فتركوه وأبوا أن يقبلوه ‪ ،‬أكبر مما‬
‫مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب ال يوم القيامة (‪.)6‬‬
‫وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذَرّ بن عبد ال (‪ )7‬ال َهمْداني ‪ ،‬وعبد الرحمن بن‬
‫زيد بن أسلم ‪ ،‬وابن جرير الطبري ‪ ،‬رحمهم ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رقبتك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وقدرتك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بعدما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أسلفوه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عذاب ال في يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في س ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬

‫( ‪)7/132‬‬

‫وقوله ‪ { :‬قَالُوا رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } قال الثوري ‪ ،‬عن أبي (‪ )1‬إسحاق ‪ ،‬عن أبي‬
‫الحوص ‪ ،‬عن ابن مسعود [رضي ال عنه] (‪ : )2‬هذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ‬
‫جعُونَ } [البقرة ‪ ]28 :‬وكذا قال ابن عباس ‪،‬‬
‫َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ ثُمّ ِإلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو مالك‪ .‬وهذا هو الصواب الذي ل شك فيه ول مرية‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ :‬أُميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ‪ ،‬ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم ‪ ،‬ثم خلقهم في الرحام ثم أماتهم [ثم‬
‫أحياهم] (‪ )3‬يوم القيامة‪.‬‬
‫وهذان القولن ‪ -‬من السدي وابن زيد ‪ -‬ضعيفان ؛ لنه يلزمهما على ما قال ثلث إحياءات‬
‫وإماتات‪ .‬والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما‪ .‬والمقصود من هذا كله ‪ :‬أن الكفار‬
‫يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في عرصات القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلوْ‬
‫جعْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا إِنّا‬
‫س ِمعْنَا فَا ْر ِ‬
‫سهِمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫تَرَى إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رُءُو ِ‬
‫مُوقِنُونَ } [السجدة ‪ ، ]12 :‬فل يجابون‪ .‬ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ‪ ،‬ونظروا إلى ما‬
‫فيها من العذاب والنّكال ‪ ،‬سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة ‪ ،‬فل يجابون ‪ ،‬قال ال تعالى ‪{ :‬‬
‫وََلوْ تَرَى ِإ ْذ ُو ِقفُوا عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدّ وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ َبلْ بَدَا‬
‫خفُونَ مِنْ قَ ْبلُ وَلَوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُون } [النعام ‪]28 ، 27 :‬‬
‫َلهُمْ مَا كَانُوا يُ ْ‬
‫فإذا دخلوا النار وذاقوا مَسّها وحَسِيسها ومقامعها وأغللها ‪ ،‬كان سؤُالهم للرجعة أشد وأعظم ‪،‬‬
‫{ وَ ُهمْ َيصْطَ ِرخُونَ فِيهَا رَبّنَا أَخْ ِرجْنَا َن ْع َملْ صَاِلحًا غَيْرَ الّذِي كُنّا َن ْع َملُ َأوَلَمْ ُن َعمّ ْركُمْ مَا يَ َت َذكّرُ فِيهِ‬
‫مَنْ تَ َذكّ َر وَجَا َءكُمُ النّذِيرُ فَذُوقُوا َفمَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َنصِيرٍ } [فاطر ‪ { ، ]37 :‬رَبّنَا َأخْرِجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ‬
‫عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ‪ .‬قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ } [المؤمنون ‪ ، ]108 ، 107 :‬وفي هذه الية‬
‫الكريمة تلطفوا في السؤال ‪ ،‬وقدموا بين يدي كلمهم مُقدّمة ‪ ،‬وهي قولهم ‪ { :‬رَبّنَا َأمَتّنَا اثْنَتَيْنِ‬
‫وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ } أي ‪ :‬قدرتك عظيمة ‪ ،‬فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتا ‪ ،‬ثم أمتنا ثم أحييتنا ‪ ،‬فأنت‬
‫قادر على ما تشاء ‪ ،‬وقد اعترفنا بذنوبنا ‪ ،‬وإننا كنا ظالمين لنفسنا في الدار الدنيا ‪َ { ،‬ف َهلْ إِلَى‬
‫خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا ؟ فإنك قادر على ذلك ؛‬
‫لنعمل غير الذي كنا نعمل ‪ ،‬فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون‪ .‬فأُجِيبُوا أل سبيل إلى عودكم‬
‫جحَده‬
‫ومرجعكم إلى الدار الدنيا‪ .‬ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم ل تقبل الحق ول تقتضيه بل تَ ْ‬
‫عيَ اللّ ُه وَحْ َدهُ كَفَرْتُ ْم وَإِنْ ُيشْ َركْ بِهِ ُت ْؤمِنُوا } أي ‪ :‬أنتم‬
‫وتنفيه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ذَِل ُكمْ بِأَنّهُ ِإذَا دُ ِ‬
‫هكذا تكونون ‪ ،‬وإن رددتم إلى الدنيا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ‬
‫َلكَاذِبُونَ } [النعام ‪.]28 :‬‬
‫حكْمُ لِلّهِ ا ْلعَِليّ ا ْلكَبِيرِ } أي ‪ :‬هو الحاكم في خلقه ‪ ،‬العادل الذي ل يجور ‪ ،‬فيهدي من‬
‫وقوله ‪ { :‬فَا ْل ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/133‬‬

‫يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬ويرحم من يشاء ‪ ،‬ويعذب من يشاء ‪ ،‬ل إله إل هو‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي ‪ :‬يظهر قدرته لخلقه (‪ )1‬بما يشاهدونه في خلقه العلوي‬
‫سمَاءِ‬
‫والسفلي من اليات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ‪ { ،‬وَيُنزلُ َلكُمْ مِنَ ال ّ‬
‫رِ ْزقًا } ‪ ،‬وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس ‪ ،‬من اختلف‬
‫ألوانه وطعومه ‪ ،‬وروائحه وأشكاله وألوانه ‪ ،‬وهو ماء واحد ‪ ،‬فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه‬
‫الشياء ‪َ { ،‬ومَا يَتَ َذكّرُ } أي ‪ :‬يعتبر ويتفكر في هذه الشياء ويستدل بها على عظمة خالقها { إِل‬
‫مَنْ يُنِيبُ } أي ‪ :‬من هو بصير منيب إلى ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ن وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ } أي ‪ :‬فأخلصوا ل وحده العبادة‬
‫وقوله ‪ { :‬فَادْعُوا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّي َ‬
‫والدعاء ‪ ،‬وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن نمير ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ -‬يعني بن عروة بن الزبير ‪ -‬عن‬
‫أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال ‪ :‬كان عبد ال بن الزبير يقول في دبر كل صلة‬
‫حين يسلم (‪ : )3‬ل إله إل ال ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء‬
‫قدير ‪ ،‬ل حول ول قوة إل بال ‪ ،‬ل إله إل ال ‪ ،‬ول نعبد إل إياه ‪ ،‬له النعمة وله الفضل ‪ ،‬وله‬
‫الثناء الحسن ‪ ،‬ل إله إل ال ‪ ،‬مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" قال ‪ :‬وكان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ُيهَلّل بهن (‪ )4‬دبر كل صلة (‪.)5‬‬
‫ورواه مسلم وأبو داود والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪ ،‬وحجاج بن أبي عثمان ‪،‬‬
‫وموسى بن عقبة ‪ ،‬ثلثتهم عن أبي الزبير ‪ ،‬عن عبد ال بن الزبير قال ‪ :‬كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول في دبر الصلة ‪" :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له (‪ )6‬وذكر تمامه (‪.)7‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول عقب‬
‫الصلوات المكتوبات ‪" :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل‬
‫شيء قدير‪ .‬ل حول ول قوة إل بال ‪ ،‬ل إله إل ال ول نعبد إل إياه ‪ ،‬له النعمة وله الفضل ‪ ،‬وله‬
‫الثناء الحسن ‪ ،‬ل إله إل ال مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" (‪.)8‬‬
‫خصِيب بن ناصح ‪ ،‬حدثنا صالح ‪ -‬يعني المِرّي ‪ -‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع حدثنا ال َ‬
‫هشام بن حسان ‪ ،‬عن ابن سيرين عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬ادعوا ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بخلقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عقب الصلوات المكتوبات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬بهن في دبر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)4/4‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ل شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)594‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )594‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1506‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‬
‫‪.)1262‬‬

‫( ‪)7/134‬‬

‫َرفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو ا ْلعَرْشِ يُ ْلقِي الرّوحَ مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ لِيُ ْنذِرَ َيوْمَ التّلَاقِ (‪)15‬‬
‫شيْءٌ ِلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ (‪)16‬‬
‫خفَى عَلَى اللّهِ مِ ْنهُمْ َ‬
‫َيوْمَ ُهمْ بَارِزُونَ لَا يَ ْ‬

‫وأنتم موقنون بالجابة ‪ ،‬واعلموا أن ال ل يستجيب دعا ًء من قلب غافل له" (‪.)1‬‬
‫علَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ لِيُنْذِرَ َيوْمَ التّلقِ (‪)15‬‬
‫{ َرفِيعُ الدّ َرجَاتِ ذُو ا ْلعَرْشِ يُ ْلقِي الرّوحَ مِنْ َأمْ ِرهِ َ‬
‫شيْءٌ ِلمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ (‪} )16‬‬
‫خفَى عَلَى اللّهِ مِ ْنهُمْ َ‬
‫َيوْمَ ُهمْ بَارِزُونَ ل َي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3479‬عن معاوية بن صالح ورواه الحاكم في المستدرك (‬
‫‪ )1/493‬عن عفان بن مسلم وموسى ابن إسماعيل ورواه الطبراني في كتاب الدعاء برقم (‪)62‬‬
‫عن مخلد بن خداش كلهم من طريق صالح المري به‪ .‬قال اطبراني في المعجم الوسط ‪" :‬لم يرو‬
‫هذا الحديث عن هشام بن حسان إل صالح المري" ومداره على صالح المري وهو متروك‪.‬‬

‫( ‪)7/135‬‬

‫حسَابِ (‪)17‬‬
‫الْ َيوْمَ ُتجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ لَا ظُلْمَ الْ َيوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْ ِ‬

‫حسَابِ (‪} )17‬‬


‫ت ل ظُلْمَ الْ َيوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْ ِ‬
‫{ الْ َي ْومَ تُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َب ْ‬
‫يقول تعالى [مخبرا] (‪ )1‬عن عظمته وكبريائه ‪ ،‬وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع‬
‫مخلوقاته كالسقف لها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ َتعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ [فَاصْبِرْ] } [ المعارج ‪ )2( ، ]4 ، 3 :‬وسيأتي بيان أن هذه‬
‫َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫مسافة ما بين العرش إلى الرض السابعة ‪ ،‬في قول جماعة من السلف والخلف ‪ ،‬وهو الرجح‬
‫إن شاء ال [تعالى] (‪ .)3‬وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء ‪ ،‬اتساع ما بين قطريه‬
‫مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬وارتفاعه عن الرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة‪ .‬وقد تقدم في‬
‫حديث "الوعال" ما يدل على ارتفاعه عن (‪ )4‬السموات السبع بشيء عظيم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يُ ْلقِي الرّوحَ مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ َيشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ } كقوله تعالى ‪ { :‬يُنزلُ ا ْلمَل ِئكَةَ بِالرّوحِ‬
‫مِنْ َأمْ ِرهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَا ِدهِ أَنْ أَ ْنذِرُوا أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا [فَا ّتقُونِ] } [النحل ‪ ، )5( ]2 :‬وكقوله‬
‫ح المِينُ‪ .‬عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ‪[ .‬بِلِسَانٍ‬
‫‪ { :‬وَإِنّهُ لَتَنزيلُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‪ .‬نزلَ ِبهِ الرّو ُ‬
‫عَرَ ِبيّ مُبِين] } [الشعراء ‪ )7( )6( ] 194 - 192 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِيُنْذِرَ َيوْمَ التّلقِ } قال علي‬
‫بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬يوْمَ التّلقِ } اسم من أسماء يوم القيامة ‪ ،‬حذر منه عباده‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬يلتقي فيه آدم وآخر ولده‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬يلتقي فيه العباد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وبلل بن سعد ‪ ،‬وسفيان بن عيينة (‪ : )8‬يلتقي فيه أهل السماء وأهل‬
‫الرض‪.‬‬
‫وقال قتادة أيضا ‪ :‬يلتقي فيه أهل السماء وأهل الرض ‪ ،‬والخالق والخلق‪.‬‬
‫وقال مَيْمون بن ِمهْران ‪ :‬يلتقي [فيه] (‪ )9‬الظالم والمظلوم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في س ‪" :‬فاعبدوه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬إنه" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬قتادة وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/135‬‬

‫شفِيعٍ ُيطَاعُ (‪)18‬‬


‫حمِي ٍم وَلَا َ‬
‫ظمِينَ مَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َ‬
‫وَأَنْذِرْ ُهمْ َيوْمَ الْآَ ِزفَةِ إِذِ ا ْلقُلُوبُ لَدَى ا ْلحَنَاجِرِ كَا ِ‬
‫ق وَالّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا َي ْقضُونَ‬
‫حّ‬‫خفِي الصّدُورُ (‪ )19‬وَاللّهُ َيقْضِي بِالْ َ‬
‫َيعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ َومَا ُت ْ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪)20‬‬
‫شيْءٍ إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّ‬
‫بِ َ‬

‫وقد يقال ‪ :‬إن يوم القيامة (‪ )1‬هو يشمل هذا كله ‪ ،‬ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمل من خير‬
‫وشر‪ .‬كما قاله آخرون‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي ‪ :‬ظاهرون بادون كلهم ‪ ،‬ل شيء يكنهم ول يظلهم ول يسترهم‪.‬‬
‫شيْءٌ } أي ‪ :‬الجميع في علمه على السواء‪.‬‬
‫خفَى عَلَى اللّهِ مِ ْنهُمْ َ‬
‫ولهذا قال ‪َ { :‬يوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ل َي ْ‬
‫وقوله ‪ِ { :‬لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْلقَهّارِ } قد تقدم في حديث ابن عمر ‪ :‬أنه تعالى (‪ )2‬يطوي‬
‫السموات والرض بيده ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا الجبار ‪ ،‬أنا المتكبر ‪ ،‬أين ملوك الرض ؟ أين‬
‫الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟‪.‬‬
‫وفي حديث الصور ‪ :‬أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ‪ ،‬فلم يبق سواه وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫حينئذ يقول ‪ :‬لمن الملك اليوم ؟ ثلث مرات ‪ ،‬ثم يجيب نفسه قائل { لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ } أي ‪:‬‬
‫الذي هو وحده قد َقهَر كل شيء وغلبه (‪.)3‬‬
‫وقد قال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن غالب الدقاق ‪ ،‬حدثنا عبيد بن عبيدة ‪ ،‬حدثنا معتمر ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬حدثنا أبو َنضْرة ‪ ،‬عن ابن عباس [رضي ال عنهما] (‪ )5‬قال ‪ :‬ينادي مناد بين يدي‬
‫الساعة ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬أتتكم الساعة‪ .‬فيسمعها الحياء والموات ‪ ،‬قال ‪ :‬وينزل ال [عز وجل] (‬
‫‪ )6‬إلى سماء الدنيا ويقول ‪ِ { :‬لمَنِ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ لِلّهِ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ }‪.‬‬
‫حسَابِ } يخبر تعالى عن‬
‫وقوله ‪ { :‬الْ َيوْمَ تُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ ل ظُلْمَ الْ َيوْمَ إِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْ ِ‬
‫عدله في حكمه بين خلقه ‪ ،‬أنه ل يظلم مثقال ذرة من خير ول من شر ‪ ،‬بل يجزي بالحسنة عشر‬
‫أمثالها ‪ ،‬وبالسيئة واحدة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل ظُ ْلمَ الْ َيوْمَ } كما ثبت في صحيح مسلم (‪ ، )7‬عن أبي‬
‫ذر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما يحكي عن ربه عز وجل ‪ -‬أنه قال ‪" :‬يا‬
‫عبادي ‪ ،‬إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فل تظالموا ‪ -‬إلى أن قال ‪ : -‬يا‬
‫عبادي ‪ ،‬إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم (‪ )8‬ثم أوفيكم إياها ‪ ،‬فمن وجد خيرًا فليحمد ال ‪ ،‬ومن‬
‫وجد غير ذلك فل يلومن إل نفسه" (‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ سَرِيعُ ا ْلحِسَابِ } أي ‪ :‬يحاسب الخلئق كلهم ‪ ،‬كما يحاسب نفسًا واحدة ‪ ،‬كما‬
‫س وَاحِ َدةٍ } [لقمان ‪ ، ]28 :‬وقال [تعالى] (‪َ { : )10‬ومَا َأمْرُنَا‬
‫قال ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُمْ وَل َبعْ ُثكُمْ إِل كَ َنفْ ٍ‬
‫إِل وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ } [القمر ‪.]50 :‬‬
‫شفِيعٍ ُيطَاعُ (‪)18‬‬
‫حمِي ٍم وَل َ‬
‫ظمِينَ مَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َ‬
‫{ وَأَنْذِ ْرهُمْ َيوْمَ ال ِزفَةِ إِذِ ا ْلقُلُوبُ لَدَى ا ْلحَنَاجِرِ كَا ِ‬
‫ق وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ ِه ل‬
‫خفِي الصّدُورُ (‪ )19‬وَاللّهُ َي ْقضِي بِا ْلحَ ّ‬
‫ن َومَا تُ ْ‬
‫َيعْلَمُ خَائِنَةَ العْيُ ِ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪} )20‬‬
‫شيْءٍ إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّ‬
‫َيقْضُونَ بِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬التلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر حديث الصور بتمامه عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬البخاري" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬لكم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2577‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من س‪.‬‬

‫( ‪)7/136‬‬

‫يوم الزفة هو ‪ :‬اسم من أسماء يوم القيامة ‪ ،‬سميت بذلك لقترابها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَ ِز َفتِ‬
‫شقّ ا ْل َقمَرُ }‬
‫ع ُة وَانْ َ‬
‫شفَةٌ } [النجم ‪ ]58 ، 57 :‬وقال { اقْتَرَ َبتِ السّا َ‬
‫ال ِزفَةُ‪ .‬لَيْسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كَا ِ‬
‫جلُوهُ }‬
‫[القمر ‪ ، ]1 :‬وقال { اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُبهُمْ } [النبياء ‪ ]1 :‬وقال { أَتَى َأمْرُ اللّهِ فَل تَسْ َتعْ ِ‬
‫ت وُجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا َوقِيلَ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ َتدّعُونَ }‬
‫[النحل ‪ ]1 :‬وقال { فََلمّا رََأ ْوهُ ُز ْلفَةً سِي َئ ْ‬
‫[الملك ‪.]27 :‬‬
‫ظمِينَ } [أي ساكتين] (‪ ، )1‬قال قتادة ‪ :‬وقفت القلوب في‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذِ ا ْلقُلُوبُ َلدَى الْحَنَاجِرِ كَا ِ‬
‫الحناجر من الخوف ‪ ،‬فل تخرج ول تعود إلى أماكنها‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير‬
‫واحد‪.‬‬
‫ظمِينَ } أي ‪ :‬ساكتين ‪ ،‬ل يتكلم أحد إل بإذنه { َيوْمَ َيقُومُ الرّوحُ وَا ْلمَل ِئكَةُ صَفّا ل‬
‫ومعنى { كَا ِ‬
‫صوَابًا } [النبأ ‪.]38 :‬‬
‫ن َوقَالَ َ‬
‫حمَ ُ‬
‫يَ َتكَّلمُونَ إِل مَنْ َأذِنَ لَهُ الرّ ْ‬
‫ظمِينَ } أي ‪ :‬باكين‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج (‪ { : )2‬كَا ِ‬
‫شفِيعٍ يُطَاعُ } أي ‪ :‬ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بال من‬
‫حمِي ٍم وَل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا لِلظّاِلمِينَ مِنْ َ‬
‫قريب منهم ينفعهم ‪ ،‬ول شفيع يشفع فيهم ‪ ،‬بل قد تقطعت بهم السباب من كل خير‪.‬‬
‫خفِي الصّدُورُ } يخبر تعالى عن علمه التام المحيط بجميع‬
‫وقوله ‪َ { :‬يعَْلمُ خَائِ َنةَ العْيُنِ َومَا ُت ْ‬
‫الشياء ‪ ،‬جليلها وحقيرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها ‪ ،‬دقيقها ولطيفها ؛ ليحذر الناس علمه فيهم ‪،‬‬
‫فيستحيوا من ال حَقّ الحياء ‪ ،‬ويَ ّتقُوهُ حق تقواه ‪ ،‬ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه ‪ ،‬فإنه تعالى‬
‫يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ‪ ،‬ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر‪.‬‬
‫خفِي الصّدُورُ } وهو الرجل يدخل على أهل‬
‫ن َومَا تُ ْ‬
‫قال ابن عباس في قوله ‪َ { :‬يعْلَمُ خَائِنَةَ العْيُ ِ‬
‫البيت بيتهم ‪ ،‬وفيهم المرأة الحسناء ‪ ،‬أو تمر به وبهم المرأة الحسناء ‪ ،‬فإذا غفلوا لحظ إليها ‪ ،‬فإذا‬
‫غضّ ‪ ،‬فإذا غفلوا لحظ ‪ ،‬فإذا فطنوا غض [بصره عنها] (‪ )3‬وقد اطلع ال من قلبه أنه وَدّ‬
‫فطنوا َ‬
‫أن لو اطلع على فرجها‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬خَائِنَةَ العْيُنِ } هو الغمز ‪ ،‬وقول الرجل ‪ :‬رأيت ‪ ،‬ولم ير ؛ أو ‪ :‬لم أر ‪ ،‬وقد‬
‫رأى‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬يعلم [ال] (‪ )4‬تعالى من العين في نظرها ‪ ،‬هل تريد الخيانة أم ل ؟ وكذا قال‬
‫مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫خفِي الصّدُورُ } يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم‬
‫وقال ابن عباس في قوله ‪َ { :‬ومَا تُ ْ‬
‫ل ؟‪.‬‬
‫خفِي الصّدُورُ } أي ‪ :‬من الوسوسة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪َ { :‬ومَا ُت ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬جرير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من س‪.‬‬

‫( ‪)7/137‬‬

‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً‬


‫َأوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا ُهمْ أَ َ‬
‫خذَهُمُ اللّهُ ِبذُنُو ِبهِ ْم َومَا كَانَ َل ُهمْ مِنَ اللّهِ مِنْ وَاقٍ (‪ )21‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬
‫وَآَثَارًا فِي الْأَ ْرضِ فَأَ َ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َف َكفَرُوا فَأَخَ َذهُمُ اللّهُ إِنّهُ َق ِويّ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪ )22‬وََلقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُ ْلطَانٍ‬
‫ن َوقَارُونَ َفقَالُوا سَاحِرٌ كَذّابٌ (‪ )24‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِا ْلحَقّ مِنْ عِ ْندِنَا‬
‫عوْنَ وَهَامَا َ‬
‫مُبِينٍ (‪ )23‬إِلَى فِرْ َ‬
‫قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الّذِينَ َآمَنُوا َمعَ ُه وَاسْ َتحْيُوا نِسَا َءهُ ْم َومَا كَيْدُ ا ْلكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَلَالٍ (‪)25‬‬

‫حقّ } أي ‪ :‬يحكم بالعدل‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َيقْضِي بِالْ َ‬
‫وقال العمش ‪ :‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس [رضي ال عنهما] (‪ )1‬في قوله ‪ { :‬وَاللّهُ‬
‫سمِيعُ‬
‫حقّ } قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ‪ ،‬وبالسيئة السيئة { إِنّ اللّهَ ُهوَ ال ّ‬
‫َيقْضِي بِالْ َ‬
‫الْ َبصِيرُ }‪.‬‬
‫عمِلُوا‬
‫وهذا الذي فسر به ابن عباس في هذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬لِيَجْ ِزيَ الّذِينَ َأسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫حسَنُوا بِالْحُسْنَى } [النجم ‪ .)2( ]31 :‬وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } أي ‪ :‬من‬
‫وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬ل يملكون شيئا ول يحكمون بشيء { إِنّ‬
‫الصنام والوثان والنداد ‪ { ،‬ل َيقْضُونَ بِ َ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ } أي ‪ :‬سميع لقوال خلقه ‪ ،‬بصير بهم ‪ ،‬فيهدي من يشاء ‪ ،‬ويضل من‬
‫اللّهَ ُهوَ ال ّ‬
‫يشاء ‪ ،‬وهو الحاكم العادل في جميع ذلك‪.‬‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً‬
‫{ َأوََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا ُهمْ أَ َ‬
‫ن وَاقٍ (‪ )21‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَا َنتْ تَأْتِيهِمْ‬
‫وَآثَارًا فِي ال ْرضِ فََأخَذَ ُهمُ اللّهُ بِذُنُو ِبهِ ْم َومَا كَانَ َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِ ْ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َف َكفَرُوا فَأَخَ َذهُمُ اللّهُ إِنّهُ َق ِويّ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪} )22‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أو لم يسر هؤلء المكذبون برسالتك يا محمد { فِي ال ْرضِ فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ‬
‫الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬من المم المكذبة بالنبياء ‪ ،‬ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم‬
‫كانوا أشد من هؤلء قوة { وَآثَارًا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬أثروا في الرض من البنايات والمعالم‬
‫والديارات ‪ ،‬ما ل يقدر عليه هؤلء ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَلَقَدْ َمكّنّاهُمْ فِيمَا إِنْ َمكّنّاكُمْ فِيهِ } [الحقاف ‪:‬‬
‫عمَرُوهَا } [الروم ‪ ]9 :‬أي ‪ :‬ومع هذه القوة‬
‫عمَرُوهَا َأكْثَرَ ِممّا َ‬
‫‪ ، ]26‬وقال { وَأَثَارُوا ال ْرضَ وَ َ‬
‫العظيمة والبأس الشديد ‪ ،‬أخذهم ال بذنوبهم ‪ ،‬وهي كفرهم برسلهم ‪َ { ،‬ومَا كَانَ َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ‬
‫وَاقٍ } أي ‪ :‬وما دفع عنهم عذاب ال أحد ‪ ،‬ول رده عنهم راد ‪ ،‬ول وقاهم واق‪.‬‬
‫ثم ذكر علة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ كَا َنتْ تَأْتِيهِمْ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬بالدلئل الواضحات والبراهين القاطعات ‪َ { ،‬ف َكفَرُوا } أي ‪ :‬مع هذا البيان‬
‫خذَهُمُ اللّهُ } أي ‪ :‬أهلكهم ودمّر عليهم وللكافرين أمثالها ‪ { ،‬إِنّهُ‬
‫والبرهان كفروا وجحدوا ‪ { ،‬فَأَ َ‬
‫َق ِويّ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } أي ‪ :‬ذو قوة عظيمة وبطش شديد ‪ ،‬وهو { شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ } أي ‪ :‬عقابه أليم‬
‫شديد وجيع‪ .‬أعاذنا ال منه‪.‬‬
‫ن َوقَارُونَ َفقَالُوا سَاحِرٌ كَذّابٌ (‬
‫ن وَهَامَا َ‬
‫عوْ َ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )23‬إِلَى فِرْ َ‬
‫حقّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه وَاسْتَحْيُوا ِنسَاءَ ُه ْم َومَا كَيْدُ‬
‫‪ )24‬فََلمّا جَاءَهُمْ بِالْ َ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ (‪} )25‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬لتجزي"‪.‬‬

‫( ‪)7/138‬‬

‫ظهِرَ فِي الْأَ ْرضِ‬


‫عوْنُ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ إِنّي َأخَافُ أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ َأوْ أَنْ ُي ْ‬
‫َوقَالَ فِرْ َ‬
‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّرٍ لَا ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ (‪)27‬‬
‫ا ْلفَسَادَ (‪َ )26‬وقَالَ مُوسَى إِنّي ُ‬

‫ظهِرَ فِي ال ْرضِ‬


‫عوْنُ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ إِنّي َأخَافُ أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ َأوْ أَنْ يُ ْ‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّ ٍر ل ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ الْحِسَابِ (‪} )27‬‬
‫ا ْلفَسَادَ (‪َ )26‬وقَالَ مُوسَى إِنّي ُ‬

‫( ‪)7/138‬‬

‫يقول تعالى مسليا لنبيه صلى ال عليه وسلم (‪ )1‬في تكذيب من كذبه من قومه ‪ ،‬ومبشرًا له بأن‬
‫العاقبة والنصرة له في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما جرى لموسى بن عمران (‪ ، )2‬فإن ال تعالى أرسله‬
‫باليات البينات ‪ ،‬والدلئل (‪ )3‬الواضحات ؛ ولهذا قال ‪ { :‬بِآيَاتِنَا وَسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ } والسلطان هو ‪:‬‬
‫الحُجة والبرهان‪.‬‬
‫عوْنَ } هو ‪ :‬ملك القبط بالديار المصرية ‪ { ،‬وَهَامَانَ } وهو ‪ :‬وزيره في مملكته‬
‫{ إِلَى فِرْ َ‬
‫{ َوقَارُونَ } وكان أكثر الناس في زمانه مال وتجارة { َفقَالُوا سَاحِرٌ َكذّابٌ } أي ‪ :‬كذبوه وجعلوه‬
‫ساحرًا ُممَخْ ِرقًا مموهًا كذابًا في أن ال أرسله‪ .‬وهذه كقوله [تعالى] (‪َ { : )4‬كذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ‬
‫صوْا ِبهِ َبلْ هُمْ َقوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات ‪، 52‬‬
‫قَبِْلهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ أَ َتوَا َ‬
‫‪.]53‬‬
‫{ فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِا ْلحَقّ مِنْ عِ ْندِنَا } أي ‪ :‬بالبرهان القاطع الدال على أن ال تعالى أرسله إليهم ‪،‬‬
‫{ قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الّذِينَ آمَنُوا َمعَ ُه وَاسْتَحْيُوا ِنسَاءَ ُهمْ } وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني‬
‫إسرائيل‪ .‬أما الول ‪ :‬فكان لجل الحتراز من وجود موسى ‪ ،‬أو لذلل هذا الشعب وتقليل‬
‫عددهم ‪ ،‬أو لمجموع المرين‪ .‬وأما المر الثاني ‪ :‬فللعلة الثانية ‪ ،‬لهانة هذا الشعب ‪ ،‬ولكي‬
‫يتشاءموا بموسى ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا قالوا ‪ { :‬أُوذِينَا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تَأْتِيَنَا َومِنْ َب ْعدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ‬
‫ع ُد ّوكُ ْم وَيَسْتَخِْل َفكُمْ فِي ال ْرضِ فَيَنْظُرَ كَ ْيفَ َت ْعمَلُونَ } [العراف ‪.]129 :‬‬
‫عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ ُيهِْلكَ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬هذا أمر بعد أمر‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَيْدُ ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ } أي ‪ :‬وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل‬
‫عدد بني إسرائيل لئل يُنصروا عليهم ‪ ،‬إل ذاهب وهالك في ضلل‪.‬‬
‫عوْنُ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ } وهذا عَ ْزمٌ من فرعون ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬على قتل‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أي ‪ :‬قال لقومه ‪ :‬دعوني حتى أقتل لكم هذا ‪ { ،‬وَلْيَ ْدعُ رَبّهُ } أي ‪ :‬ل‬
‫أبالي منه‪ .‬وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد‪.‬‬
‫ظهِرَ فِي ال ْرضِ ا ْلفَسَادَ } يعني ‪:‬‬
‫وقوله ‪ -‬قبحه ال ‪ { : -‬إِنّي َأخَافُ أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ َأوْ أَنْ ُي ْ‬
‫ل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم‪ .‬وهذا كما يقال في المثل‬
‫ضّ‬‫موسى ‪ ،‬يخشى فرعون أن ُي ِ‬
‫‪" :‬صار فرعون ُم َذكّرًا" يعني ‪ :‬واعظا ‪ ،‬يشفق على الناس من موسى ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫ظهِرَ فِي‬
‫وقرأ الكثرون ‪" :‬أن يبدل دينكم وأن يُظهِر في الرض الفساد" وقرأ آخرون ‪َ { :‬أوْ أَنْ يُ ْ‬
‫ظهَر في الرض الفسادُ" بالضم‪.‬‬
‫ال ْرضِ ا ْلفَسَادَ } وقرأ بعضهم ‪َ " :‬ي ْ‬
‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّرٍ ل ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ الْحِسَابِ } أي ‪ :‬لما بلغه قول‬
‫وقال موسى ‪ { :‬إِنّي ُ‬
‫فرعون ‪ { :‬ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى } قال موسى ‪ :‬استجرتُ بال وعُ ْذتُ به من شره وشر أمثاله ؛‬
‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ } أيها المخاطبون ‪ { ،‬مِنْ ُكلّ مُ َتكَبّرٍ } أي ‪ :‬عن الحق ‪،‬‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬إِنّي ُ‬
‫مجرم ‪ { ،‬ل ُي ْؤمِنُ بِ َيوْمِ ا ْلحِسَابِ } ؛‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬لنبيه محمد صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لموسى عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬والدللت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬

‫( ‪)7/139‬‬
‫عوْنَ َيكْتُمُ إِيمَا َنهُ أَ َتقْتُلُونَ َرجُلًا أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّ ُه َوقَدْ جَا َءكُمْ بِالْبَيّنَاتِ‬
‫جلٌ ُم ْؤمِنٌ مِنْ َآلِ فِرْ َ‬
‫َوقَالَ َر ُ‬
‫ك صَا ِدقًا ُيصِ ْبكُمْ َب ْعضُ الّذِي َيعِ ُد ُكمْ إِنّ اللّهَ لَا َيهْدِي مَنْ‬
‫مِنْ رَ ّبكُ ْم وَإِنْ َيكُ كَاذِبًا َفعَلَ ْيهِ كَذِبُهُ وَإِنْ َي ُ‬
‫ُهوَ مُسْ ِرفٌ كَذّابٌ (‪ )28‬يَا َقوْمِ َلكُمُ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَ ْرضِ َفمَنْ يَ ْنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللّهِ إِنْ‬
‫عوْنُ مَا أُرِي ُكمْ إِلّا مَا أَرَى َومَا أَ ْهدِيكُمْ إِلّا سَبِيلَ الرّشَادِ (‪)29‬‬
‫جَاءَنَا قَالَ فِرْ َ‬

‫ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان‬
‫إذا خاف قوما قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إنا نعوذ بك من شرورهم ‪ ،‬وندرأ بك في نحورهم" (‪.)1‬‬
‫عوْنَ َيكْتُمُ إِيمَانَهُ أَ َتقْتُلُونَ رَجُل أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّ ُه َوقَدْ جَا َءكُمْ‬
‫جلٌ ُم ْؤمِنٌ مِنْ آلِ فِرْ َ‬
‫{ َوقَالَ رَ ُ‬
‫ك صَا ِدقًا ُيصِ ْبكُمْ َب ْعضُ الّذِي َيعِ ُد ُكمْ إِنّ اللّ َه ل‬
‫بِالْبَيّنَاتِ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَإِنْ َيكُ كَاذِبًا َفعَلَ ْيهِ كَذِبُ ُه وَإِنْ َي ُ‬
‫َيهْدِي مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ كَذّابٌ (‪ )28‬يَا َقوْمِ َلكُمُ ا ْلمُ ْلكُ الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ال ْرضِ َفمَنْ يَ ْنصُرُنَا مِنْ‬
‫عوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِل مَا أَرَى َومَا أَهْدِي ُكمْ إِل سَبِيلَ الرّشَادِ (‪} )29‬‬
‫بَأْسِ اللّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْ َ‬
‫المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبْطيًا من آل فرعون‪.‬‬
‫قال السدي ‪ :‬كان ابن عم فرعون ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه الذي نجا مع موسى‪ .‬واختاره ابن جرير (‪، )2‬‬
‫وَرَ ّد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيليّا ؛ لن فرعون انفعل لكلمه واستمعه ‪ ،‬وكف عن قتل‬
‫موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ولو كان إسرائيليّا لوشك أن يعاجل (‪ )3‬بالعقوبة ؛ لنه منهم (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جُرَيج عن ابن عباس ‪ :‬لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون ‪،‬‬
‫والذي قال ‪ { :‬يَا مُوسَى إِنّ ا ْلمَل يَأْ َتمِرُونَ ِبكَ لِ َيقْتُلُوكَ } [القصص ‪ ]20 :‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد كان هذا الرجلُ يكتم إيمانه عن قومه القبط ‪ ،‬فلم يظهر إل هذا اليوم حين قال فرعون ‪:‬‬
‫{ ذَرُونِي َأقْ ُتلْ مُوسَى } ‪ ،‬فأخذت الرجل غضبة ل عز وجل ‪ ،‬و"أفضل الجهاد كلمة عدل عند‬
‫سلطان جائر" ‪ ،‬كما ثبت بذلك الحديث ‪ ،‬ول أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله ‪:‬‬
‫{ أَ َتقْتُلُونَ رَجُل أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّهُ } [أي ‪ :‬لجل أن يقول ربي ال] (‪ ، )5‬اللهم إل ما رواه‬
‫البخاري في صحيحه حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني يحيى بن أبي كثير ‪،‬‬
‫حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ‪ ،‬حدثني (‪ )6‬عروة بن الزبير قال ‪ :‬قلت لعبد ال بن عمرو بن‬
‫العاص ‪ :‬أخبرني بأشد شيء مما صنعه المشركون برسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬بينا‬
‫عقْبة بن أبي ُمعَيط ‪ ،‬فأخذ بمَنْكب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ولَوَى ثوبه في عنقه ‪ ،‬فخنقه خنقًا شديدا ‪ ،‬فأقبل أبو بكر ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬فأخذ بمنكبة (‪ )7‬و َدفَع عن النبي صلى ال عليه وسلم ثم قال ‪ { :‬أَ َتقْتُلُونَ رَجُل أَنْ َيقُولَ‬
‫رَ ّبيَ اللّ ُه َوقَدْ جَا َءكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِنْ رَ ّبكُمْ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في مسنده (‪.)4/414‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)24/38‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يقابل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬متهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬في صحيحه بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬بمنكبيه"‪.‬‬

‫( ‪)7/140‬‬

‫انفرد به البخاري من حديث الوزاعي قال ‪ :‬وتابعه محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عروة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا عَبْدة عن هشام ‪ -‬يعني ابن عروة‬
‫‪ -‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن العاص أنه سُئِل ‪ :‬ما أشد ما رأيت قريشًا بلغوا من رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬مر بهم ذات يوم فقالوا له ‪ :‬أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟ فقال ‪" :‬أنا‬
‫ذاك" فقاموا إليه ‪ ،‬فأخذوا بمجامع ثيابه ‪ ،‬فرأيتُ أبا بكر محتضنه من ورائه ‪ ،‬وهو يصيح بأعلى‬
‫صوته ‪ ،‬وإن عينيه ليسيلن ‪ ،‬وهو يقول ‪ :‬يا قوم ‪ { ،‬أَ َتقْتُلُونَ َرجُل أَنْ َيقُولَ رَ ّبيَ اللّ ُه َوقَدْ جَا َء ُكمْ‬
‫بِالْبَيّنَاتِ مِنْ رَ ّبكُمْ } حتى فرغ من الية كلها‪.‬‬
‫وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة ‪ ،‬فجعله من مسند عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَدْ جَا َءكُمْ بِالْبَيّنَاتِ مِنْ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬كيف تقتلون رجل لكونه يقول ‪" :‬ربي ال" ‪ ،‬وقد‬
‫أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق ؟ ثم تَنزل معهم في المخاطبة فقال ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫ك صَا ِدقًا ُيصِ ْبكُمْ َب ْعضُ الّذِي َيعِ ُدكُمْ } يعني ‪ :‬إذا لم يظهر لكم صحة ما‬
‫َيكُ كَاذِبًا َفعَلَيْهِ َكذِبُ ُه وَإِنْ َي ُ‬
‫جاءكم به ‪ ،‬فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه ‪ ،‬فل تؤذوه ‪ ،‬فإن يك كاذبا فإن ال‬
‫سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والخرة ‪ ،‬وإن يك صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي‬
‫يعدكم ‪ ،‬فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والخرة ‪ ،‬فمن الجائز عندكم أن يكون‬
‫صادقا ‪ ،‬فينبغي على هذا أل تتعرضوا له ‪ ،‬بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه‪.‬‬
‫وهكذا أخبر ال [تعالى] (‪ )3‬عن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في‬
‫ن وَجَا َءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ‪ .‬أَنْ أَدّوا إَِليّ عِبَادَ اللّهِ إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ‬
‫عوْ َ‬
‫قوله ‪ { :‬وَلَقَدْ فَتَنّا قَبَْل ُهمْ َقوْمَ فِرْ َ‬
‫جمُونِ‪ .‬وَإِنْ‬
‫َأمِينٌ‪ .‬وَأَنْ ل َتعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنّي آتِيكُمْ ِبسُلْطَانٍ مُبِينٍ‪ .‬وَإِنّي عُ ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ أَنْ تَ ْر ُ‬
‫لَمْ ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ } [الدخان ‪ ]21 - 17 :‬وهكذا قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لقريش‬
‫أن يتركوه يدعو إلى ال [تعالى] (‪ )4‬عباد ال ‪ ،‬ول يمسوه بسوء ‪ ،‬وأن يصلوا ما بينه وبينهم من‬
‫القرابة في ترك أذيته ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى }‬
‫[الشورى ‪ ]23 :‬أي ‪ :‬إل أل تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة ‪ ،‬فل تؤذوني وتتركوا بيني‬
‫وبين الناس‪ .‬وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية ‪ ،‬وكان فتحًا مبينًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ كَذّابٌ } أي ‪ :‬لو كان هذا الذي يزعم أن ال أرسله‬
‫إليكم كاذبا كما تزعمون ‪ ،‬لكان أمره بينا ‪ ،‬يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله ‪ ،‬كانت تكون في‬
‫غاية الختلف والضطراب ‪ ،‬وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ‪ ،‬ولو كان من المسرفين‬
‫الكذابين لما هداه ال ‪ ،‬وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4815‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11462‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/141‬‬

‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُودَ‬
‫َوقَالَ الّذِي َآمَنَ يَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ مِ ْثلَ َيوْمِ الَْأحْزَابِ (‪ )30‬مِ ْثلَ دَ ْأبِ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫علَ ْيكُمْ َيوْمَ التّنَادِ (‪َ )32‬يوْمَ‬
‫وَالّذِينَ مِنْ َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُ ْلمًا لِ ْلعِبَادِ (‪ )31‬وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ َ‬
‫ُتوَلّونَ ُمدْبِرِينَ مَا َلكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِ ٍم َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ (‪)33‬‬

‫ثم قال المؤمن محذرًا قومه زوال نعمة ال عنهم (‪ )1‬وحلول نقمة ال بهم ‪ { :‬يَا َقوْمِ َل ُكمُ ا ْلمُ ْلكُ‬
‫الْ َيوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬قد أنعم ال عليكم بهذا الملك والظهور في الرض بالكلمة‬
‫النافذة والجاه العريض ‪ ،‬فراعوا هذه النعمة بشكر ال ‪ ،‬وتصديق رسوله صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫واحذروا نقمة ال إن كذبتم رسوله ‪َ { ،‬فمَنْ يَ ْنصُرُنَا مِنْ بَ ْأسِ اللّهِ إِنْ جَاءَنَا } أي ‪ :‬ل تغني عنكم‬
‫هذه الجنود وهذه العساكر ‪ ،‬ول ترد عنا شيئا من بأس ال إن أرادنا بسوء‪.‬‬
‫عوْنُ } لقومه ‪ ،‬رادّا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق‬
‫{ قَالَ فِرْ َ‬
‫بالملك من فرعون ‪ { :‬مَا أُرِيكُمْ إِل مَا أَرَى } أي ‪ :‬ما أقول لكم وأشير عليكم إل ما أراه لنفسي‬
‫وقد كذب فرعون ‪ ،‬فإنه كان يتحقق صدق موسى فيما جاء به (‪ )2‬من الرسالة { قَالَ َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا‬
‫حدُوا‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ َبصَائِرَ } [السراء ‪ ، ]102 :‬وقال ال تعالى ‪ { :‬وَجَ َ‬
‫أَنزلَ َهؤُلءِ إِل َربّ ال ّ‬
‫سهُمْ ظُ ْلمًا وَعُُلوّا } [النمل ‪.]14 :‬‬
‫ِبهَا وَاسْتَ ْيقَنَ ْتهَا أَ ْنفُ ُ‬
‫فقوله ‪ { :‬مَا أُرِيكُمْ إِل مَا أَرَى } كذب فيه وافترى ‪ ،‬وخان ال ورسوله ورعيته ‪ ،‬فغشهم وما‬
‫نصحهم وكذا قوله ‪َ { :‬ومَا أَ ْهدِيكُمْ إِل سَبِيلَ الرّشَادِ } أي ‪ :‬وما أدعوكم إل إلى طريق الحق‬
‫والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك ‪ ،‬وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪{ :‬‬
‫عوْنُ َقوْمَهُ‬
‫ضلّ فِرْ َ‬
‫عوْنَ بِرَشِيدٍ } [هود ‪ ، ]97 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وََأ َ‬
‫ن َومَا َأمْرُ فِرْ َ‬
‫عوْ َ‬
‫فَاتّ َبعُوا َأمْرَ فِرْ َ‬
‫َومَا هَدَى } [طه ‪ ، ]79 :‬وفي الحديث ‪" :‬ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته ‪ ،‬إل لم‬
‫يَرح رائحة الجنة ‪ ،‬وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام" (‪.)3‬‬
‫ح وَعَا ٍد وَ َثمُودَ‬
‫{ َوقَالَ الّذِي آمَنَ يَا َقوْمِ إِنّي أَخَافُ عَلَ ْي ُكمْ مِ ْثلَ َيوْمِ الحْزَابِ (‪ )30‬مِ ْثلَ دَ ْأبِ َقوْمِ نُو ٍ‬
‫علَ ْيكُمْ َيوْمَ التّنَادِ (‪َ )32‬يوْمَ‬
‫وَالّذِينَ مِنْ َبعْ ِدهِ ْم َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُ ْلمًا لِ ْلعِبَادِ (‪ )31‬وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ َ‬
‫ُتوَلّونَ ُمدْبِرِينَ مَا َلكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِ ٍم َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ (‪} )33‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬جاءه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7151 ، 7150‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )142‬بنحوه‬
‫من حديث معقل بن يسار رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/142‬‬

‫شكّ ِممّا جَا َء ُكمْ بِهِ حَتّى إِذَا هََلكَ قُلْتُمْ لَنْ يَ ْب َعثَ‬
‫سفُ مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا زِلْ ُتمْ فِي َ‬
‫وَلَقَدْ جَا َء ُكمْ يُو ُ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ مُرْتَابٌ (‪ )34‬الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللّهِ‬
‫اللّهُ مِنْ َب ْع ِدهِ رَسُولًا كَذَِلكَ ُي ِ‬
‫ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ كَبُرَ َمقْتًا عِ ْندَ اللّهِ وَعِنْدَ الّذِينَ َآمَنُوا كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ عَلَى ُكلّ قَ ْلبِ مُ َتكَبّرٍ جَبّارٍ (‬
‫‪)35‬‬

‫شكّ ِممّا جَا َءكُمْ ِبهِ حَتّى ِإذَا هََلكَ قُلْ ُتمْ لَنْ يَ ْب َعثَ‬
‫سفُ مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا زِلْتُمْ فِي َ‬
‫{ وََلقَدْ جَا َءكُمْ يُو ُ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ ُهوَ مُسْ ِرفٌ مُرْتَابٌ (‪ )34‬الّذِينَ يُجَا ِدلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ‬
‫اللّهُ مِنْ َب ْع ِدهِ رَسُول كَذَِلكَ ُي ِ‬
‫ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ كَبُرَ َمقْتًا عِ ْندَ اللّهِ وَعِنْدَ الّذِينَ آمَنُوا كَذَِلكَ َيطْبَعُ اللّهُ عَلَى ُكلّ قَ ْلبِ مُ َتكَبّرٍ جَبّارٍ (‬
‫‪} )35‬‬
‫هذا إخبار من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عن هذا الرجل الصالح ‪ ،‬مؤمن آل فرعون ‪ :‬أنه حذر قومه بأس‬
‫ال في الدنيا والخرة فقال ‪ { :‬يَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ مِ ْثلَ َيوْمِ الحْزَابِ } أي ‪ :‬الذين كذبوا‬
‫رسل ال في قديم الدهر ‪ ،‬كقوم نوح وعاد وثمود ‪ ،‬والذين من بعدهم من المم المكذبة ‪ ،‬كيف حل‬
‫بهم بأس ال ‪ ،‬وما رده عنهم راد ‪ ،‬ول صده عنهم صاد‪.‬‬

‫( ‪)7/142‬‬
‫{ َومَا اللّهُ يُرِيدُ ظُ ْلمًا لِ ْلعِبَادِ } أي ‪ :‬إنما أهلكهم ال بذنوبهم ‪ ،‬وتكذيبهم رسله ‪ ،‬ومخالفتهم أمره‪.‬‬
‫فأنفذ فيهم قدره ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬وَيَا َقوْمِ إِنّي َأخَافُ عَلَ ْيكُمْ َيوْمَ التّنَادِ } يعني ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬وسمي‬
‫بذلك قال بعضهم ‪ :‬لما جاء في حديث الصور ‪ :‬إن الرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر‬
‫‪ ،‬وماجت وارتجت ‪ ،‬فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم الضحاك ‪ :‬بل ذلك إذا جيء بجهنم ‪ ،‬ذهب الناس هِرَابا (‪ ، )1‬فتتلقاهم الملئكة‬
‫فتردهم إلى مقام المحشر ‪ ،‬وهو قوله تعالى ‪ { :‬وَا ْلمََلكُ عَلَى أَرْجَا ِئهَا } [الحاقة ‪ ، ]17 :‬وقوله { يَا‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ فَا ْنفُذُوا ل تَ ْنفُذُونَ إِل‬
‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا مِنْ َأ ْقطَارِ ال ّ‬
‫ن وَالنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬
‫َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫بِسُ ْلطَانٍ } [الرحمن ‪.]33 :‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬أنهم قرؤوا ‪" :‬يوم التنادّ" بتشديد الدال من ند‬
‫البعير ‪ :‬إذا شرد وذهب‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬لن الميزان عنده ملك ‪ ،‬وإذا وزن عمل العبد (‪ )2‬فرجح نادى بأعلى صوته ‪ :‬أل قد سعد‬
‫فلن بن فلن سعادة ل يشقى بعدها أبدا‪ .‬وإن خف عمله نادى ‪ :‬أل قد شقي فلن بن فلن‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ينادي كل قوم بأعمالهم ‪ :‬ينادي أهل الجنة أهل الجنة ‪ ،‬وأهل النار أهل النار‪.‬‬
‫جدْتُمْ مَا‬
‫حقّا َف َهلْ وَ َ‬
‫وقيل ‪ :‬سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار ‪ { :‬أَنْ قَ ْد َوجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبّنَا َ‬
‫حقّا قَالُوا َن َعمْ } [العراف ‪ .]44 :‬ومناداة أهل النار أهل الجنة ‪ { :‬أَنْ َأفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ‬
‫وَعَدَ رَ ّبكُمْ َ‬
‫ا ْلمَاءِ َأوْ ِممّا رَ َز َقكُمُ اللّهُ قَالُوا إِنّ اللّهَ حَ ّر َم ُهمَا عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [العراف ‪ ، ]50 :‬ولمناداة‬
‫أصحاب العراف أهل الجنة وأهل النار ‪ ،‬كما هو مذكور في سورة العراف‪.‬‬
‫واختار البغوي وغيره ‪ :‬أنه سمي بذلك لمجموع ذلك‪ .‬وهو قول حسن جيد ‪ ،‬وال أعلم (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ ُتوَلّونَ مُدْبِرِينَ } أي ‪ :‬ذاهبين هاربين ‪ { ،‬كَل ل وَزَرَ‪ .‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ }‬
‫[القيامة ‪ ، ]12 ، 11 :‬ولهذا قال ‪ { :‬مَا َل ُكمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ } أي ‪ :‬ما لكم مانع يمنعكم من‬
‫بأس ال وعذابه ‪َ { ،‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي ‪ :‬من أضله [ال] (‪ )4‬فل هادي له‬
‫غيره‪.‬‬
‫سفُ مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ } يعني ‪ :‬أهل مصر ‪ ،‬قد بعث ال فيهم رسول من‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ جَا َءكُمْ يُو ُ‬
‫قبل موسى ‪ ،‬وهو يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كان عزيز أهل مصر ‪ ،‬وكان رسول يدعو إلى ال‬
‫أمته (‪ )5‬القبط ‪ ،‬فما أطاعوه تلك الساعة (‪ )6‬إل لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫شكّ ِممّا جَا َءكُمْ بِهِ حَتّى إِذَا هََلكَ قُلْتُمْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ مِنْ َبعْ ِدهِ َرسُول } أي ‪ :‬يئستم‬
‫{ َفمَا زِلْ ُتمْ فِي َ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ ُهوَ‬
‫فقلتم طامعين ‪ { :‬لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ مِنْ َب ْع ِدهِ رَسُول } وذلك لكفرهم وتكذيبهم { َكذَِلكَ ُي ِ‬
‫مُسْ ِرفٌ مُرْتَابٌ } أي ‪ :‬كحالكم هذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬هرابا منه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أعمال العبد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)148 ، 7/147‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أمة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تلك الطاعة"‪.‬‬

‫( ‪)7/143‬‬

‫سمَاوَاتِ فََأطّلِعَ ِإلَى إَِلهِ‬


‫عوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَ ْرحًا َلعَلّي أَبْلُغُ الَْأسْبَابَ (‪َ )36‬أسْبَابَ ال ّ‬
‫َوقَالَ فِرْ َ‬
‫عوْنَ إِلّا فِي‬
‫ل َومَا كَيْدُ فِرْ َ‬
‫عمَِل ِه َوصُدّ عَنِ السّبِي ِ‬
‫مُوسَى وَإِنّي لَأَظُنّهُ كَاذِبًا َوكَذَِلكَ زُيّنَ ِلفِرْعَوْنَ سُوءُ َ‬
‫تَبَابٍ (‪َ )37‬وقَالَ الّذِي َآمَنَ يَا َقوْمِ اتّ ِبعُونِ أَ ْه ِدكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ (‪ )38‬يَا َقوْمِ إِ ّنمَا هَ ِذهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا‬
‫ل صَالِحًا مِنْ‬
‫ع ِم َ‬
‫ع ِملَ سَيّ َئةً فَلَا يُجْزَى إِلّا مِثَْلهَا َومَنْ َ‬
‫مَتَاعٌ وَإِنّ الَْآخِ َرةَ ِهيَ دَارُ ا ْلقَرَارِ (‪ )39‬مَنْ َ‬
‫َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَأُولَ ِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّةَ يُرْ َزقُونَ فِيهَا ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪)40‬‬

‫ثم قال ‪ { :‬الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ } أي ‪ :‬الذين يدفعون الحق بالباطل ‪،‬‬
‫ويجادلون الحجج بغير دليل وحجة معهم من ال ‪ ،‬فإن ال يمقت على ذلك أشد المقت ؛ ولهذا قال‬
‫تعالى ‪ { :‬كَبُرَ َمقْتًا عِنْدَ اللّ ِه وَعِنْدَ الّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬والمؤمنون أيضا يُبغضُون من تكون هذه‬
‫صفته ‪ ،‬فإن من كانت هذه صفته ‪ ،‬يطبع ال على قلبه ‪ ،‬فل يعرف بعد ذلك معروفًا ‪ ،‬ول ينكر‬
‫منكرًا ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬كذَِلكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَى ُكلّ قَ ْلبِ مُ َتكَبّرٍ } أي ‪ :‬على اتباع الحق { جَبّارٍ }‪.‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة ‪ -‬وحكي عن الشعبي ‪ -‬أنهما قال ل يكون النسان جبارًا حتى‬
‫يقتل نفسين‪.‬‬
‫وقال أبو عمران الجوني وقتادة ‪ :‬آية الجبابرة القتل بغير حق‪.‬‬
‫س َموَاتِ فََأطّلِعَ ِإلَى إَِلهِ‬
‫عوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا َلعَلّي أَبُْلغُ السْبَابَ (‪َ )36‬أسْبَابَ ال ّ‬
‫{ َوقَالَ فِرْ َ‬
‫عوْنَ إِل فِي‬
‫ل َومَا كَ ْيدُ فِرْ َ‬
‫عمَلِ ِه َوصُدّ عَنِ السّبِي ِ‬
‫عوْنَ سُوءُ َ‬
‫مُوسَى وَإِنّي لظُنّهُ كَاذِبًا َوكَذَِلكَ زُيّنَ ِلفِرْ َ‬
‫تَبَابٍ (‪} )37‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون ‪ ،‬وعتوه ‪ ،‬وتمرده ‪ ،‬وافترائه في تكذيبه موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحا ‪ ،‬وهو ‪ :‬القصر العالي المنيف الشاهق‪ .‬وكان اتخاذه من‬
‫ج َعلْ لِي‬
‫الج ّر المضروب من الطين المشوي ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فََأ ْوقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطّينِ فَا ْ‬
‫صَرْحًا } [القصص ‪ ، ]38 :‬ولهذا قال إبراهيم النخعي ‪ :‬كانوا يكرهون البناء بالجر ‪ ،‬وأن‬
‫يجعلوه في قبورهم‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫س َموَاتِ } قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وأبو صالح ‪ :‬أبواب‬
‫وقوله ‪َ { :‬لعَلّي أَبْلُغُ السْبَابَ َأسْبَابَ ال ّ‬
‫السموات‪ .‬وقيل ‪ :‬طرق السموات { فَأَطّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنّي لظُنّهُ كَاذِبًا } ‪ ،‬وهذا من كفره‬
‫وتمرده ‪ ،‬أنه كذب موسى في أن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أرسله إليه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ زُيّنَ‬
‫عمَلِ ِه َوصُدّ عَنِ السّبِيلِ } أي ‪ :‬بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل‬
‫ِلفِرْعَوْنَ سُوءُ َ‬
‫عوْنَ إِل فِي‬
‫شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى ‪ ،‬عليه السلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ومَا كَ ْيدُ فِرْ َ‬
‫تَبَابٍ } قال ابن عباس [رضي ال عنهما] (‪ ، )1‬ومجاهد ‪ :‬يعني إل في خسار‪.‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِي آمَنَ يَا َقوْمِ اتّ ِبعُونِ أَ ْه ِدكُمْ سَبِيلَ الرّشَادِ (‪ )38‬يَا َقوْمِ إِ ّنمَا هَ ِذهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنّ‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ‬
‫ع ِملَ سَيّ َئةً فَل يُجْزَى إِل مِثَْلهَا َومَنْ َ‬
‫الخِ َرةَ ِهيَ دَارُ ا ْلقَرَارِ (‪ )39‬مَنْ َ‬
‫أُنْثَى وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ َيدْخُلُونَ ا ْلجَنّةَ يُرْ َزقُونَ فِيهَا ِبغَيْرِ حِسَابٍ (‪} )40‬‬
‫يقول المؤمن لقومه ممن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ‪ ،‬ونسي الجبار العلى ‪ ،‬فقال لهم ‪ { :‬يَا‬
‫َقوْمِ اتّ ِبعُونِ أَهْ ِد ُكمْ سَبِيلَ الرّشَادِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من س‪.‬‬

‫( ‪)7/144‬‬

‫ل كما كذب فرعون في قوله ‪َ { :‬ومَا َأهْدِيكُمْ إِل سَبِيلَ الرّشَادِ }‪.‬‬
‫ثم زهدهم في الدنيا التي [قد] (‪ )1‬آثروها على الخرى ‪ ،‬وصدتهم عن التصديق برسول ال‬
‫موسى [صلى ال عليه وسلم] (‪ ، )2‬فقال ‪ { :‬يَا َقوْمِ إِ ّنمَا هَ ِذهِ الْحَيَاةُ الدّنْيَا مَتَاعٌ } أي ‪ :‬قليلة زائلة‬
‫فانية عن قريب تذهب [وتزول] (‪ )3‬وتضمحل ‪ { ،‬وَإِنّ الخِ َرةَ ِهيَ دَارُ ا ْلقَرَارِ } أي ‪ :‬الدار التي‬
‫ل زوال لها ‪ ،‬ول انتقال منها ول ظعن عنها إلى غيرها ‪ ،‬بل إما نعيم وإما جحيم ‪ ،‬ولهذا قال‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا مِنْ َذكَرٍ َأوْ أُنْثَى‬
‫ع ِملَ سَيّ َئةً فَل يُجْزَى إِل مِثَْلهَا } أي ‪ :‬واحدة مثلها { َومَنْ َ‬
‫{ مَنْ َ‬
‫وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ فَأُولَ ِئكَ يَ ْدخُلُونَ الْجَنّةَ يُرْ َزقُونَ فِيهَا ِبغَيْرِ حِسَابٍ } أي ‪ :‬ل يتقدر بجزاء بل يثيبه ال ‪،‬‬
‫ثوابا كثيرا ل انقضاء له ول نفاد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/145‬‬

‫وَيَا َقوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النّجَا ِة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ (‪َ )41‬تدْعُونَنِي لَِأ ْكفُرَ بِاللّ ِه وَأُشْ ِركَ ِبهِ مَا‬
‫ع َوةٌ فِي‬
‫علْ ٌم وَأَنَا َأدْعُوكُمْ إِلَى ا ْلعَزِيزِ ا ْل َغفّارِ (‪ )42‬لَا جَرَمَ أَ ّنمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَ ْ‬
‫لَيْسَ لِي بِهِ ِ‬
‫الدّنْيَا وَلَا فِي الَْآخِ َر ِة وَأَنّ مَرَدّنَا إِلَى اللّ ِه وَأَنّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ ُهمْ َأصْحَابُ النّارِ (‪َ )43‬فسَتَ ْذكُرُونَ مَا َأقُولُ‬
‫َلكُ ْم وَُأ َف ّوضُ َأمْرِي ِإلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ (‪َ )44‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا َوحَاقَ بَِآلِ‬
‫غ ُدوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا َآلَ‬
‫عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ (‪ )45‬النّارُ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬
‫فِرْ َ‬
‫عوْنَ أَشَدّ ا ْلعَذَابِ (‪)46‬‬
‫فِرْ َ‬

‫{ وَيَا َقوْمِ مَا لِي َأدْعُوكُمْ إِلَى النّجَا ِة وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ (‪َ )41‬تدْعُونَنِي ل ْكفُرَ بِاللّ ِه وَأُشْ ِركَ بِهِ مَا‬
‫ع َوةٌ فِي‬
‫علْ ٌم وَأَنَا َأدْعُوكُمْ إِلَى ا ْلعَزِيزِ ا ْل َغفّارِ (‪ )42‬ل جَرَمَ أَ ّنمَا َتدْعُونَنِي إِلَ ْيهِ لَيْسَ َلهُ دَ ْ‬
‫لَيْسَ لِي بِهِ ِ‬
‫الدّنْيَا وَل فِي الخِ َر ِة وَأَنّ مَرَدّنَا إِلَى اللّ ِه وَأَنّ ا ْلمُسْ ِرفِينَ ُهمْ َأصْحَابُ النّارِ (‪َ )43‬فسَتَ ْذكُرُونَ مَا‬
‫َأقُولُ َل ُك ْم وَُأ َفوّضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ (‪َ )44‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ‬
‫غ ُدوّا وَعَشِيّا وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َأدْخِلُوا آلَ‬
‫عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ (‪ )45‬النّارُ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬
‫فِرْ َ‬
‫عوْنَ أَشَدّ ا ْلعَذَابِ (‪} )46‬‬
‫فِرْ َ‬
‫يقول لهم المؤمن ‪ :‬ما بالي أدعوكم إلى النجاة ‪ ،‬وهي عبادة ال وحده ل شريك له وتصديق‬
‫رسوله الذي بعثه { وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ‪َ .‬تدْعُونَنِي ل ْكفُرَ بِاللّ ِه وَأُشْ ِركَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِ ْلمٌ } أي‬
‫‪ :‬جهل (‪ )1‬بل دليل { وَأَنَا َأدْعُوكُمْ إِلَى ا ْلعَزِيزِ ا ْل َغفّارِ } أي ‪ :‬هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب‬
‫من تاب إليه ‪ { ،‬ل جَ َرمَ أَ ّنمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } يقول ‪ :‬حقا‪.‬‬
‫قال السدي وابن جرير ‪ :‬معنى قوله ‪ { :‬ل جَرَمَ } حقا‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬ل جَ َرمَ } ل كذب‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ل جَ َرمَ } يقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬إن الذي تدعونني إليه من‬
‫ع َوةٌ فِي الدّنْيَا وَل فِي الخِ َرةِ }‬
‫الصنام والنداد { لَيْسَ َلهُ دَ ْ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬الوثن ليس بشيء‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يعني الوثن ل ينفع ول يضر‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬ل يجيب داعيه ‪ ،‬ل في الدنيا ول في الخرة‪.‬‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل َيسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَهُمْ‬
‫وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َأ َ‬
‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِت ِهمْ كَافِرِينَ } [الحقاف ‪، 5 :‬‬
‫عَنْ دُعَا ِئ ِهمْ غَافِلُونَ‪ .‬وَِإذَا ُ‬
‫س ِمعُوا مَا اسْ َتجَابُوا َلكُمْ } [فاطر ‪.]14 :‬‬
‫س َمعُوا دُعَا َءكُ ْم وََلوْ َ‬
‫‪ { ، ]6‬إِنْ تَدْعُوهُمْ ل َي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬على جهل"‪.‬‬

‫( ‪)7/145‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ مَرَدّنَا إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬فيجازي كل بعمله ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَنّ‬
‫ا ْلمُسْ ِرفِينَ ُهمْ َأصْحَابُ النّارِ } أي ‪ :‬خالدين فيها بإسرافهم ‪ ،‬وهو شركهم بال‪.‬‬
‫{ َفسَتَ ْذكُرُونَ مَا َأقُولُ َلكُمْ } أي ‪ :‬سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه ‪ ،‬ونصحتكم‬
‫ووضحت لكم ‪ ،‬وتتذكرونه ‪ ،‬وتندمون حيث ل ينفعكم الندم ‪ { ،‬وَُأ َف ّوضُ َأمْرِي إِلَى اللّهِ } أي ‪:‬‬
‫وأتوكل على ال وأستعينه ‪ ،‬وأقاطعكم وأباعدكم ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ } أي ‪ :‬هو بصير بهم ‪،‬‬
‫فيهدي من يستحق الهداية ‪ ،‬ويضل من يستحق الضلل ‪ ،‬وله الحجة البالغة ‪ ،‬والحكمة التامة ‪،‬‬
‫والقدر النافذ‪.‬‬
‫وقوله [تعالى] (‪َ { : )1‬ف َوقَاهُ اللّهُ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬أما في الدنيا فنجاه‬
‫عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ } وهو ‪:‬‬
‫ال مع موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وأما في الخرة فبالجنة { وَحَاقَ بِآلِ فِرْ َ‬
‫الغرق في اليم ‪ ،‬ثم النقلة منه إلى الجحيم‪ .‬فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساءً إلى قيام‬
‫الساعة ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َيوْمَ َتقُومُ‬
‫شدّ ا ْلعَذَابِ } أي ‪ :‬أشده ألما وأعظمه نكال‪ .‬وهذه الية أصل كبير في‬
‫عوْنَ أَ َ‬
‫عةُ أَ ْدخِلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫السّا َ‬
‫غ ُدوّا‬
‫استدلل أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور ‪ ،‬وهي قوله ‪ { :‬النّارُ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا ُ‬
‫وَعَشِيّا }‪.‬‬
‫ولكن هاهنا سؤال ‪ ،‬وهو أنه ل شك أن هذه الية مكية ‪ ،‬وقد استدلوا بها على عذاب القبر في‬
‫البرزخ ‪ ،‬وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا هاشم ‪ -‬هو ابن القاسم أبو النضر ‪ -‬حدثنا إسحاق بن سعيد (‪ - )2‬هو ابن عمرو بن سعيد‬
‫بن العاص ‪ -‬حدثنا سعيد ‪ -‬يعني أباه ‪ -‬عن عائشة ؛ أن يهودية كانت تخدمها فل تصنع عائشة‬
‫إليها شيئا من المعروف إل قالت لها اليهودية ‪ :‬وقاك ال عذاب القبر‪ .‬قالت ‪ :‬فدخل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم عليّ فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة ؟ قال ‪" :‬ل وعم‬
‫ذلك ؟" قالت ‪ :‬هذه اليهودية ‪ ،‬ل نصنع إليها شيئا من المعروف إل قالت ‪ :‬وقاك ال عذاب القبر‪.‬‬
‫قال ‪" :‬كذبت يهود (‪ .)3‬وهم على ال أكذب ‪ ،‬ل عذاب دون يوم القيامة"‪ .‬ثم مكث بعد ذلك ما‬
‫شاء ال أن يمكث ‪ ،‬فخرج ذات يوم نصف النهار مشتمل بثوبه ‪ ،‬محمرة عيناه ‪ ،‬وهو ينادي‬
‫بأعلى صوته ‪" :‬القبر كقطع الليل المظلمز أيها الناس ‪ ،‬لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم‬
‫قليل‪ .‬أيها الناس ‪ ،‬استعيذوا بال من عذاب القبر ‪ ،‬فإن عذاب القبر حق" (‪.)4‬‬
‫وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ‪ ،‬ولم يخرجاه‪.‬‬
‫وروى أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ -‬قال ‪ :‬سألتها‬
‫امرأة يهودية فأعطتها ‪ ،‬فقالت لها ‪ :‬أعاذك ال من عذاب القبر‪ .‬فأنكرت عائشة ذلك ‪ ،‬فلما رأت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قالت له ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬ثم قال لنا رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم بعد ذلك ‪" :‬وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يهودية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/81‬‬

‫( ‪)7/146‬‬

‫وهذا أيضا على شرطهما (‪.)1‬‬


‫فيقال ‪ :‬فما الجمع بين هذا وبين كون الية مكية ‪ ،‬وفيها الدليل على عذاب البرزخ ؟ والجواب ‪:‬‬
‫أن الية دلت على عرض الرواح إلى النار غدوا وعشيا في البرزخ ‪ ،‬وليس فيها دللة على‬
‫اتصال تألمها بأجسادها في القبور ‪ ،‬إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح ‪ ،‬فأما حصول ذلك للجسد‬
‫وتألمه بسببه ‪ ،‬فلم يدل عليه إل السنة في الحاديث المرضية التي ذكرها‪.‬‬
‫وقد يقال إن هذه الية إنما دلت على عذاب الكفار في البرزخ ‪ ،‬ول يلزم من ذلك أن يعذب‬
‫المؤمن في قبره بذنب ‪ ،‬ومما يدل على هذا ما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عثمان بن عمر ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة رضي ال عنها ‪،‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة من اليهود ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬أشعرت‬
‫أنكم تفتنون في قبوركم ؟ فارتاع رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬إنما يفتن يهود" قالت‬
‫عائشة ‪ :‬فلبثنا ليالي ‪ ،‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أشعرت أنه أوحي إلي أنكم‬
‫تفتنون في القبور ؟" وقالت عائشة ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب‬
‫القبر‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم ‪ ،‬عن هارون بن سعيد وحرملة ‪ ،‬كلهما عن ابن وهب ‪ ،‬عن يونس بن يزيد‬
‫اليلي ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬إن هذه الية دلت على عذاب الرواح في البرزخ ‪ ،‬ول يلزم من ذلك أن يتصل‬
‫بالجساد في قبورها ‪ ،‬فلما أوحي إليه في ذلك بخصوصيّته استعاذ منه ‪ ،‬وال ‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقد روى البخاري من حديث شعبة ‪ ،‬عن أشعث بن أبي الشعثاء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫عائشة (‪ ، )3‬رضي ال عنها ‪ ،‬أن يهودية دخلت عليها فقالت ‪ :‬أعاذك ال من عذاب القبر (‪.)4‬‬
‫فسألت عائشة (‪ )5‬رسول ال صلى ال عليه وسلم عن عذاب القبر ؟ فقال ‪" :‬نعم عذاب القبر‬
‫حق"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬فما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم بع ُد صلى صلة إل تعوّذ من‬
‫عذاب القبر (‪.)6‬‬
‫فهذا يدل على أنه بادر إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر ‪ ،‬وقرر عليه‪ .‬وفي الخبار المتقدمة ‪:‬‬
‫أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي ‪ ،‬فلعلهما قضيتان ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬غُ ُدوّا وَعَشِيّا } صباحا ومساء ‪ ،‬ما بقيت الدنيا ‪ ،‬يقال لهم ‪ :‬يا آل‬
‫صغَارا لهم‪.‬‬
‫فرعون ‪ ،‬هذه منازلكم ‪ ،‬توبيخا ونقمة و َ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬هم فيها اليوم يُغدَى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/238‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )6/248‬وصحيح مسلم برقم (‪.)584‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقد روى البخاري بإسناده من عائشة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬القبور" وفي أ ‪" :‬وقاك ال من عذاب القبر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عائشة رضي ال عنها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)1372‬‬

‫( ‪)7/147‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن ثروان‬
‫‪ ،‬عن هذيل ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود (‪ ، )1‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن أرواح الشهداء في أجواف‬
‫طير خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاءوا ‪ ،‬وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير‬
‫تسرح في الجنة حيث شاءت ‪ ،‬فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ‪ ،‬وإن أرواح آل فرعون في‬
‫أجواف طير سود تغدو على جهنم وتروح عليها ‪ ،‬فذلك عرضها‪.‬‬
‫وقد رواه الثوري عن أبي قيس عن الهُزَيل ابن شرحبيل ‪ ،‬من كلمه في أرواح آل فرعون‪.‬‬
‫وكذلك قال السدي‪.‬‬
‫وفي حديث السراء من رواية أبي هارون العبدي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال فيه ‪" :‬ثم انطلق بي إلى خلق كثير من خلق ال ‪ ،‬رجالٌ‬
‫كلّ رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم ‪ ،‬مصفدون على سابلة آل فرعون ‪ ،‬وآل فرعون‬
‫شدّ ا ْلعَذَابِ } وآل‬
‫عوْنَ أَ َ‬
‫عةُ أَ ْدخِلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫يعرضون على النار غدوا وعشيا‪ { .‬وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫فرعون كالبل المسومة (‪ )2‬يخبطون الحجارة والشجر ول يعقلون" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا زيد بن أخْرَم ‪ ،‬حدثنا عامر بن مُدْرِك‬
‫الحارثي ‪ ،‬حدثنا عتبة ‪ -‬يعني ابن يقظان ‪ -‬عن قيس بن مسلم ‪ ،‬عن طارق ‪ ،‬عن (‪ )4‬شهاب ‪،‬‬
‫عن ابن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إل‬
‫أثابه ال"‪ .‬قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ما إثابة الكافر ؟ فقال ‪" :‬إن كان قد وصل رحما أو تصدق‬
‫بصدقة أو عمل حسنة ‪ ،‬أثابه ال المال والولد والصحة وأشباه ذلك"‪ .‬قلنا ‪ :‬فما إثابته في الخرة ؟‬
‫شدّ ا ْلعَذَابِ } ورواه البزار في مسنده ‪،‬‬
‫عوْنَ أَ َ‬
‫قال ‪" :‬عذابا دون العذاب" وقرأ ‪ { :‬أَ ْدخِلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫عن زيد بن أخْرَم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل نعلم له إسنادًا غير هذا (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ‪ ،‬حدثنا حماد بن محمد الفزاري البلخي قال ‪:‬‬
‫سمعت (‪ )6‬الوزاعي وسأله رجل فقال ‪ :‬رحمك ال‪ .‬رأينا طيورًا تخرج من البحر ‪ ،‬تأخذ ناحية‬
‫الغرب بيضا ‪ ،‬فوجا فوجا ‪ ،‬ل يعلم عددها إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فإذا كان العشي رجع مثلها سودا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفطنتم إلى ذلك ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬إن تلك (‪ )7‬الطير في حواصلها أرواح آل فرعون ‪،‬‬
‫تعرض على النار غدوا وعشيا ‪ ،‬فترجع إلى وكورها وقد احترقت ريَاشُها وصارت سودا ‪ ،‬فينبت‬
‫عليها من الليل ريش أبيض ‪ ،‬ويتناثر السود ‪ ،‬ثم تغدو على النار غدوا وعشيا ‪ ،‬ثم ترجع إلى‬
‫شدّ‬
‫عوْنَ أَ َ‬
‫وكورها‪ .‬فذلك دأبهم في الدنيا ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة قال ال تعالى ‪َ { :‬أدْخِلُوا آلَ فِرْ َ‬
‫ا ْلعَذَابِ } قال ‪ :‬وكانوا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن ابن مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬المنسومة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية الولى من سورة السراء‪.‬‬
‫(‪ )4‬في س ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )945‬كشف الستار" ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/253‬من طريق‬
‫علي بن الحسين به ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهب‪ .‬قلت ‪ :‬فيه عتبة بن‬
‫يقظان وهو واه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده إلي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬

‫( ‪)7/148‬‬

‫ض َعفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا َف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا َنصِيبًا‬
‫وَإِذْ يَ َتحَاجّونَ فِي النّارِ فَ َيقُولُ ال ّ‬
‫ح َكمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ (‪َ )48‬وقَالَ الّذِينَ فِي‬
‫مِنَ النّارِ (‪ )47‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا إِنّ اللّهَ َقدْ َ‬
‫خ ّففْ عَنّا َي ْومًا مِنَ ا ْلعَذَابِ (‪)49‬‬
‫جهَنّمَ ادْعُوا رَ ّب ُكمْ يُ َ‬
‫النّارِ ِلخَزَنَةِ َ‬

‫يقولون إنهم ستمائة ألف مقاتل (‪.)1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬أخبرنا مالك ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر (‪ )2‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ‪ ،‬إن كان من‬
‫أهل الجنة فمن أهل الجنة ‪ ،‬وإن كان من أهل النار فمن أهل النار‪ .‬فيقال ‪ :‬هذا مقعدك حتى يبعثك‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫ضعَفَاءُ لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا كُنّا َل ُكمْ تَ َبعًا َف َهلْ أَنْ ُتمْ ُمغْنُونَ عَنّا‬
‫{ وَإِذْ يَتَحَاجّونَ فِي النّارِ فَ َيقُولُ ال ّ‬
‫ح َكمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ (‪َ )48‬وقَالَ الّذِينَ‬
‫َنصِيبًا مِنَ النّارِ (‪ )47‬قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا إِنّ اللّهَ َقدْ َ‬
‫خ ّففْ عَنّا َي ْومًا مِنَ ا ْل َعذَابِ (‪} )49‬‬
‫جهَنّمَ ادْعُوا رَ ّبكُمْ يُ َ‬
‫فِي النّارِ لِخَزَ َنةِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)24/46‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ابن عمر رضي ال عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/113‬وصحيح البخاري برقم (‪ )1379‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2866‬‬

‫( ‪)7/149‬‬

‫قَالُوا َأوَلَمْ َتكُ تَأْتِيكُمْ ُرسُُلكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا َومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ إِلّا فِي ضَلَالٍ (‪)50‬‬

‫{ قَالُوا َأوَ َلمْ َتكُ تَأْتِيكُمْ ُرسُُلكُمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا َومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ (‬
‫‪} )50‬‬
‫يخبر تعالى عن تحاج أهل النار في النار ‪ ،‬وتخاصمهم ‪ ،‬وفرعون وقومه من جملتهم { فَ َيقُولُ‬
‫ضعَفَاءُ } وهم ‪ :‬التباع { لِلّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا } وهم ‪ :‬القادة والسادة والكبراء ‪ { :‬إِنّا كُنّا َلكُمْ تَ َبعًا }‬
‫ال ّ‬
‫أي ‪ :‬أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلل ‪َ { ،‬ف َهلْ أَنْتُمْ ُمغْنُونَ عَنّا َنصِيبًا مِنَ‬
‫النّارِ } أي ‪ :‬قسطا تتحملونه عنا‪.‬‬
‫{ قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا } أي ‪ :‬ل نتحمل عنكم شيئا ‪ ،‬كفى بنا ما عندنا ‪ ،‬وما حملنا من‬
‫حكَمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ } أي ‪ :‬يقسم (‪ )1‬بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا‬
‫العذاب والنكال‪ { .‬إِنّ اللّهَ قَدْ َ‬
‫ض ْعفٌ وََلكِنْ ل َتعَْلمُونَ } [العراف ‪.]38 :‬‬
‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬قَالَ ِل ُكلّ ِ‬
‫خفّفْ عَنّا َي ْومًا مِنَ ا ْلعَذَابِ } لما علموا أن ال ‪،‬‬
‫جهَنّمَ ادْعُوا رَ ّبكُمْ ُي َ‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ َ‬
‫سؤُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ }‬
‫سبحانه ‪ ،‬ل يستجيب منهم ول يستمع لدعائهم ‪ ،‬بل قد قال ‪ { :‬اخْ َ‬
‫[المؤمنون ‪ ]108 :‬سألوا الخزنة ‪ -‬وهم كالبوابين (‪ )2‬لهل النار ‪ -‬أن يدعوا لهم ال أن يخفف‬
‫عن الكافرين ولو يوما واحدا من العذاب ‪ ،‬فقالت لهم الخزنة رادين عليهم ‪َ { : :‬أوَ َلمْ َتكُ تَأْتِيكُمْ‬
‫رُسُُلكُمْ بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬أوما قامت عليكم الحجج في الدنيا على ألسنة الرسل ؟ { قَالُوا بَلَى قَالُوا‬
‫فَادْعُوا } أي ‪ :‬أنتم لنفسكم ‪ ،‬فنحن ل ندعو لكم ول نسمع منكم ول نود خلصكم ‪ ،‬ونحن منكم‬
‫برآء ‪ ،‬ثم نخبركم أنه سواء دعوتم أو لم تدعوا ل يستجاب لكم ول يخفف عنكم ؛ ولهذا قالوا (‪)3‬‬
‫‪َ { :‬ومَا دُعَاءُ ا ْلكَافِرِينَ إِل فِي ضَللٍ } أي ‪ :‬إل من ذهاب ‪ ،‬ل يتقبل ول يستجاب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فقسم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كالسجانين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/149‬‬

‫شهَادُ (‪َ )51‬يوْمَ لَا يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ‬


‫إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ َآمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ الْأَ ْ‬
‫َمعْذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪ )52‬وََلقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى ا ْل ُهدَى وََأوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ (‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ‬
‫ك وَسَبّحْ ِب َ‬
‫ق وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِب َ‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫‪ )53‬هُدًى َو ِذكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (‪ )54‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫ي وَالْإِ ْبكَارِ (‪ )55‬إِنّ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ ِإلّا كِبْرٌ‬
‫شّ‬‫بِا ْلعَ ِ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪)56‬‬
‫مَا هُمْ بِبَاِلغِيهِ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬

‫شهَادُ (‪َ )51‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ‬


‫{ إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫َمعْذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ (‪ )52‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْل ُهدَى وََأوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ (‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ‬
‫ك وَسَبّحْ ِب َ‬
‫ق وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِب َ‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫‪ )53‬هُدًى َو ِذكْرَى لولِي اللْبَابِ (‪ )54‬فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫ي وَالبْكَارِ (‪ )55‬إِنّ الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِ ِهمْ إِل‬
‫شّ‬‫بِا ْلعَ ِ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪} )56‬‬
‫كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَاِلغِيهِ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫قد أورد أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬رحمه ال تعالى ‪ ،‬عند قوله تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ ُرسُلَنَا وَالّذِينَ‬
‫آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } سؤال فقال ‪ :‬قد عُلِم أن بعض النبياء ‪ ،‬عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬قتله‬
‫قومه بالكلية كيحيى وزكريا (‪ )1‬وشعياء ‪ ،‬ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرا كإبراهيم‬
‫(‪ ، )2‬وإما إلى السماء كعيسى (‪ ، )3‬فأين النصرة في الدنيا ؟ ثم أجاب عن ذلك بجوابين (‪.)4‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن يكون الخبر خرج عاما ‪ ،‬والمراد به البعض ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا سائغ في اللغة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون المراد بالنصر النتصار لهم ممن آذاهم ‪ ،‬وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في‬
‫غيبتهم أو بعد موتهم ‪ ،‬كما ُف ِعلَ بقتلة يحيى وزكريا (‪ )5‬وشعياء ‪ ،‬سلط عليهم من أعدائهم من‬
‫أهانهم وسفك دماءهم ‪ ،‬وقد ذكر أن النمروذ أخذه ال أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬وأما الذين راموا صلب‬
‫المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من اليهود ‪ ،‬فسلط ال عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم ‪ ،‬وأظهرهم ال‬
‫عليهم‪ .‬ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم إماما عادل وحكما مقسطا ‪ ،‬فيقتل المسيح‬
‫الدجال وجنوده من اليهود ‪ ،‬ويقتل الخنزير ‪ ،‬ويكسر الصليب ‪ ،‬ويضع الجزية فل يقبل إل‬
‫السلم‪ .‬وهذه نصرة عظيمة ‪ ،‬وهذه سنة ال في خلقه في قديم الدهر وحديثه ‪ :‬أنه ينصر عباده‬
‫المؤمنين في الدنيا ‪ ،‬ويقر أعينهم ممن آذاهم ‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬من عادى لي وليا فقد‬
‫بارزني بالحرب" (‪ )6‬وفي الحديث الخر ‪" :‬إني لثأر لوليائي كما يثأر الليث الحرب" (‪ )7‬؛‬
‫ولهذا أهلك تعالى قوم نوح وعاد وثمود ‪ ،‬وأصحاب الرس ‪ ،‬وقوم لوط ‪ ،‬وأهل (‪ )8‬مدين ‪،‬‬
‫وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق‪ .‬وأنجى ال من بينهم المؤمنين ‪ ،‬فلم يهلك‬
‫منهم أحدًا وعذب الكافرين ‪ ،‬فلم يفلت منهم أحدا (‪.)9‬‬
‫قال السدي ‪ :‬لم يبعث ال رسول قط إلى قوم فيقتلونه ‪ ،‬أو قوما من المؤمنين يدعون إلى الحق‬
‫فيقتلون ‪ ،‬فيذهب ذلك القرن حتى يبعث ال لهم من ينصرهم ‪ ،‬فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم‬
‫في الدنيا‪ .‬قال ‪ :‬فكانت (‪ )10‬النبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا ‪ ،‬وهم منصورون فيها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كيحيى بن زكريا"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كإبراهيم عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬كعيسى عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)24/48‬‬
‫(‪ )5‬في ت "يحيى بن زكريا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)6502‬‬
‫(‪ )7‬لم أجده بهذا اللفظ وقد رواه أبو نعيم في الحلية (‪ )1/11‬موقوفا على ابن عباس ‪" :‬وأنا الثائر‬
‫لوليائي يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬وأصحاب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في س ‪" :‬واحدا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وكانت"‪.‬‬

‫( ‪)7/150‬‬

‫وهكذا نصر ال [سبحانه] (‪ )1‬نبيه محمدا صلى ال عليه وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه ‪،‬‬
‫وكذبه وعاداه ‪ ،‬فجعل كلمته هي العليا ‪ ،‬ودينه هو الظاهر على سائر الديان‪ .‬وأمره بالهجرة من‬
‫بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية ‪ ،‬وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ‪ ،‬ثم منحه أكتاف المشركين‬
‫يوم بدر ‪ ،‬فنصره عليهم وخذلهم له ‪ ،‬وقتل صناديدهم ‪ ،‬وأسر سراتهم ‪ ،‬فاستاقهم مقرنين في‬
‫الصفاد ‪ ،‬ثم من عليهم بأخذه الفداء منهم ‪ ،‬ثم بعد مدة قريبة فتح [عليه] (‪ )2‬مكة ‪ ،‬فقرت عينه‬
‫ببلده ‪ ،‬وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم ‪ ،‬فأنقذه ال به مما كان فيه من الشرك والكفر ‪،‬‬
‫وفتح له اليمن ‪ ،‬ودانت له جزيرة (‪ )3‬العرب بكمالها ‪ ،‬ودخل الناس في دين ال أفواجا‪ .‬ثم قبضه‬
‫ال ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة ‪ ،‬فأقام ال أصحابه خلفاء بعده ‪ ،‬فبلغوا عنه‬
‫دين ال ‪ ،‬ودعوا عباد ال إلى ال‪ .‬وفتحوا البلد والرّساتيق والقاليم والمدائن والقرى والقلوب ‪،‬‬
‫حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الرض ومغاربها‪ .‬ثم ل يزال هذا الدين قائما منصورا‬
‫ظاهرا إلى قيام (‪ )4‬الساعة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ ُرسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫شهَادُ } أي ‪ :‬يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل‪.‬‬
‫وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫قال مجاهد ‪ :‬الشهاد ‪ :‬الملئكة‪.‬‬
‫شهَادُ }‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُتهُمْ } بدل من قوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫شهَادُ َيوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِين } ‪ ،‬وهم‬
‫وقرأ آخرون ‪َ " :‬يوْمُ" بالرفع ‪ ،‬كأنه فسره به { وَيَوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫المشركون { َمعْذِرَ ُتهُم } أي ‪ :‬ل يقبل منهم عذر ول فدية ‪ { ،‬وََلهُمُ الّلعْنَةُ } أي ‪ :‬البعاد والطرد‬
‫من الرحمة ‪ { ،‬وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } وهي النار‪ .‬قاله السدي ‪ ،‬بئس المنزل والمقيل‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } أي ‪ :‬سوء العاقبة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْل ُهدَى } وهو ما بعثه ال به من الهدى والنور ‪ { ،‬وََأوْرَثْنَا بَنِي‬
‫إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ } أي ‪ :‬جعلنا لهم العاقبة ‪ ،‬وأورثناهم (‪ )5‬بلد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه‬
‫‪ ،‬بما صبروا على طاعة ال واتباع رسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وفي الكتاب الذي أورثوه ‪-‬‬
‫وهو التوراة ‪ُ { -‬هدًى وَ ِذكْرَى لولِي اللْبَابِ } وهي ‪ :‬العقول الصحيحة السليمة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاصْبِرْ } أي ‪ :‬يا محمد ‪ { ،‬إِنّ وَعْدَ اللّهِ } أي ‪ :‬وعدناك أنا سنعلي كلمتك ‪ ،‬ونجعل‬
‫العاقبة لك ولمن اتبعك ‪ ،‬وال ل يخلف الميعاد‪ .‬وهذا الذي أخبرناك به حق ل مرية فيه ول شك‪.‬‬
‫شيّ } أي ‪:‬‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ بِا ْلعَ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِبكَ } هذا تهييج للمة على الستغفار ‪ { ،‬وَسَبّحْ ِب َ‬
‫في أواخر النهار وأوائل الليل ‪ { ،‬وَال ْبكَارِ } وهي أوائل النهار وأواخر الليل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ } أي ‪ :‬يدفعون الحق بالباطل ‪،‬‬
‫ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بل برهان ول حجة من ال ‪ { ،‬إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِل كِبْرٌ‬
‫مَا هُمْ بِبَاِلغِيهِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬جزائر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يوم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وأورثنا بني إسرائيل"‪.‬‬

‫( ‪)7/151‬‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ (‪َ )57‬ومَا َيسْ َتوِي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫لَخَ ْلقُ ال ّ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَلَا ا ْلمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَ َت َذكّرُونَ (‪)58‬‬
‫عمَى وَالْ َبصِي ُر وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫الْأَ ْ‬

‫أي ‪ :‬ما في صدورهم إل كبر على اتباع الحق ‪ ،‬واحتقار لمن جاءهم به ‪ ،‬وليس ما يرومونه من‬
‫إخمال الحق وإعلء الباطل بحاصل لهم ‪ ،‬بل الحق هو المرفوع ‪ ،‬وقولهم وقصدهم هو الموضوع‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ } أو (‪ )1‬من شر (‪ )2‬مثل‬
‫‪ { ،‬فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ } أي ‪ :‬من حال مثل هؤلء ‪ { ،‬إِنّه ُهوَ ال ّ‬
‫هؤلء المجادلين في آيات ال بغير سلطان‪ .‬هذا تفسير ابن جرير‪.‬‬
‫وقال كعب وأبو العالية ‪ :‬نزلت هذه الية في اليهود ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ ِبغَيْرِ‬
‫سُ ْلطَانٍ أَتَا ُهمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِل كِبْرٌ مَا ُهمْ بِبَاِلغِيهِ } قال أبو العالية ‪ :‬وذلك أنهم ادعوا أن‬
‫الدجال منهم ‪ ،‬وأنهم يملكون به الرض‪ .‬فقال ال لنبيه صلى ال عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ }‪.‬‬
‫من فتنة الدجال ‪ ،‬ولهذا قال ‪ { :‬فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬وفيه تعسف بعيد ‪ ،‬وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫{ َلخَلْقُ السّموَاتِ وَال ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ (‪َ )57‬ومَا يَسْ َتوِي‬
‫ت وَل ا ْلمُسِيءُ قَلِيل مَا تَتَ َذكّرُونَ (‪} )58‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫عمَى وَالْ َبصِي ُر وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ال ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شك"‪.‬‬

‫( ‪)7/152‬‬

‫عةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَ ْيبَ فِيهَا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪)59‬‬
‫إِنّ السّا َ‬

‫{ إِنّ السّاعَةَ لتِيَةٌ ل رَ ْيبَ فِيهَا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪} )59‬‬
‫يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلئق يوم القيامة ‪ ،‬وأن ذلك سهل عليه ‪ ،‬يسير لديه ‪ -‬بأنه خلق‬
‫السموات والرض ‪ ،‬وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة ‪ ،‬فمن قدر على ذلك فهو قادر‬
‫س َموَاتِ‬
‫على ما دونه بطريق الولى والحرى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬أوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } [الحقاف ‪:‬‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَالرْ َ‬
‫سل‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫ت وَالرْضِ َأكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّا ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫‪ .)1( ]33‬وقال هاهنا ‪ { :‬لَخَ ْلقُ ال ّ‬
‫َيعَْلمُونَ } ؛ فلهذا ل يتدبرون هذه الحجة ول يتأملونها ‪ ،‬كما كان كثير من العرب يعترفون بأن ال‬
‫خلق السموات والرض ‪ ،‬وينكرون المعاد ‪ ،‬استبعادا وكفرا وعنادا ‪ ،‬وقد اعترفوا بما هو أولى‬
‫مما أنكروا‪.‬‬
‫ت وَل ا ْل ُمسِيءُ } أي كما ل‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫عمَى وَالْ َبصِيرُ وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا َيسْ َتوِي ال ْ‬
‫يستوي العمى الذي ل يبصر شيئا ‪ ،‬والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره ‪ ،‬بل بينهما فرق‬
‫عظيم ‪ ،‬كذلك ل يستوي المؤمنون البرار والكفرة الفجار ‪ { ،‬قَلِيل مَا تَتَ َذكّرُونَ } أي ‪ :‬ما أقل ما‬
‫يتذكر كثير من الناس‪.‬‬
‫ع َة لتِيَةٌ } (‪ )2‬أي لكائنة وواقعة { ل رَ ْيبَ فِيهَا وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل ُي ْؤمِنُونَ }‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ السّا َ‬
‫أي ‪ :‬ل يصدقون بها ‪ ،‬بل يكذبون بوجودها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أو ليس الذي خلق السموات والرض بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على‬
‫كل شيء قدير" وهو خطأ والصواب ما أثبتناه حيث إن ناسخا المخطوطتين ت ‪ ،‬أ قد خلطا بين‬
‫الية الحادية والثمانين من سورة يس وبين الية الثالثة والثلثين من سورة الحقاف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬آتية وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/152‬‬

‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ (‪)60‬‬


‫جبْ َل ُكمْ إِنّ الّذِينَ يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬
‫َوقَالَ رَ ّبكُمُ ادْعُونِي أَسْتَ ِ‬

‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن عبد الحكم ‪ ،‬حدثنا أشهب ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن (‪)1‬‬
‫شيخ قديم من أهل اليمن ‪ -‬قدم من ثم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت أن الساعة إذا دنت اشتد البلء على‬
‫الناس ‪ ،‬واشتد حر الشمس‪.‬‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ (‪} )60‬‬
‫جبْ َلكُمْ إِنّ الّذِينَ َيسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَ ْدخُلُونَ َ‬
‫{ َوقَالَ رَ ّبكُمُ ادْعُونِي أَسْ َت ِ‬
‫هذا من فضله ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه ‪ ،‬وتكفل لهم بالجابة ‪ ،‬كما كان‬
‫سفيان الثوري يقول ‪ :‬يا مَنْ أحبّ عباده إليه مَنْ سأله فأكثر سؤاله ‪ ،‬ويا من أبغض عباده إليه من‬
‫لم يسأله ‪ ،‬وليس كذلك (‪ )2‬غيرك يا رب‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى يقول الشاعر ‪:‬‬
‫ضبُ‪...‬‬
‫سؤَالهُ‪ ...‬وَبُنيّ آدمَ حين يُسألُ َي ْغ َ‬
‫الُ َيغْضبُ إن تر ْكتَ ُ‬
‫وقال قتادة ‪ : :‬قال كعب الحبار ‪ :‬أعطيت هذه المة ثلثا لم تُعطهُن (‪ )3‬أمة قبلهم إل نبي ‪ :‬كان‬
‫إذا أرسل ال نبيا قيل له ‪" :‬أنت شاهد على أمتك" ‪ ،‬وجَعلتُكم (‪ )4‬شهداء على الناس‪ .‬وكان يقال‬
‫ج َعلَ عَلَ ْيكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ }‬
‫له ‪" :‬ليس عليك في الدين من حرج"‪ .‬وقال لهذه المة ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫جبْ َلكُمْ }‬
‫[الحج ‪ .]78 :‬وكان يقال له ‪" :‬ادعني (‪ )5‬أستجب لك "وقال لهذه المة ‪ { :‬ادْعُونِي َأسْتَ ِ‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال (‪ )6‬المام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده ‪ :‬حدثنا أبو إبراهيم‬
‫الترجماني ‪ ،‬حدثنا صالح المري قال ‪ :‬سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فيما يروي عن ربه عز وجل ‪ -‬قال ‪" :‬أربع خصال ‪ ،‬واحدة‬
‫منهن لي ‪ ،‬وواحدة لك ‪ ،‬وواحدة فيما بيني وبينك ‪ ،‬وواحدة فيما بينك وبين عبادي (‪ : )7‬فأما التي‬
‫لي فتعبدني ل تشرك بي شيئا ‪ ،‬وأما التي لك عليّ فما عملت من خير جزيتك به ‪ ،‬وأما التي بيني‬
‫وبينك ‪ :‬فمنك الدعاء وعلي الجابة ‪ ،‬وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ما (‪ )8‬ترضى‬
‫لنفسك" (‪.)9‬‬
‫وقال (‪ )10‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن ذر ‪ ،‬عن يُسيع الكندي ‪ ،‬عن‬
‫النعمان بن بشير ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الدعاء هو‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ }‪.‬‬
‫جبْ َلكُمْ إِنّ الّذِينَ يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَ َيدْخُلُونَ َ‬
‫العبادة" ثم قرأ ‪ { :‬ادْعُونِي َأسْتَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وليس أحد كذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪" :‬يعطهن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في س ‪" :‬ادعوني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬العباد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما"‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند أبي يعلى (‪ )5/143‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )19‬كشف الستار" من طريق‬
‫الحجاج بن المنهال عن صالح المري به وقال ‪" :‬تفرد به صالح المري" قال الهيثمي في المجمع (‬
‫‪" )1/51‬في إسناده صالح المري وهو ضعيف وتدليس الحسن أيضا‪ .‬والمحمل هنا على صالح بن‬
‫بشير المري فهو ضعيف جدا وقد تفرد به‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)7/153‬‬

‫وهكذا رواه أصحاب السنن ‪ :‬الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪،‬‬
‫كلهم من حديث العمش ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن جرير أيضا ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬عن منصور ‪،‬‬
‫عن ذر ‪ ،‬به (‪ .)2‬وأخرجه الترمذي أيضا من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور والعمش ‪ ،‬كلهما‬
‫عن ذر ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما ‪ ،‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد (‪.)4‬‬
‫وقال (‪ )5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثني أبو مليح المدني ‪ -‬شيخ من أهل المدينة ‪ -‬سمعه‬
‫عن أبي صالح ‪ ،‬وقال مرة ‪ :‬سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ )6‬قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من لم يدع ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬غضب عليه"‪.‬‬
‫تفرد به أحمد (‪ ، )7‬وهذا إسناد ل بأس به‪.‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا مروان الفزاري ‪ ،‬حدثنا صُبيح أبو المليح ‪ :‬سمعت أبا صالح‬
‫يحدث عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من ل يسأله يغضب عليه" (‬
‫‪.)9‬‬
‫قال ابن معين ‪ :‬أبو المليح هذا اسمه ‪ :‬صُبَيْح‪ .‬كذا قيده بالضم عبد الغني بن سعيد‪ .‬وأما أبو‬
‫شعَب الخوز (‪ .)12‬قاله البزار في مسنده‪ .‬وكذا وقع‬
‫صالح هذا فهو (‪ )10‬الخُوزي (‪ ، )11‬سكن ِ‬
‫في روايته أبو المليح الفارسي ‪ ،‬عن أبي صالح الخُوزي ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من ل يسأل ال يغضب عليه" (‪.)13‬‬
‫وقال (‪ )14‬الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهُرْمزي ‪ :‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا إبراهيم‬
‫بن الحسن ‪ ،‬حدثنا نائل بن نجيح ‪ ،‬حدثني عائذ بن حبيب ‪ ،‬عن محمد بن سعيد قال ‪ :‬لما مات‬
‫محمد بن مسلمة النصاري ‪ ،‬وجدنا في ذؤابة (‪ )15‬سيفه كتابا ‪" :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪،‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن لربكم في بقية دهركم نفحات (‪ ، )16‬فتعرضوا‬
‫له ‪ ،‬لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد (‪ )17‬بها صاحبها سعادة ل يخسر بعدها أبدا" (‪.)18‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/271‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3372‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪)11464‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم (‪ )3828‬وتفسير الطبري (‪.)24/51‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ )1479‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2969‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪ )11446‬وتفسير الطبري (‪.)24/51‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)3247‬‬
‫(‪ )4‬صحيح ابن حبان برقم (‪" )2396‬موارد" والمستدرك (‪.)1/491‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/477‬وتفرد به أحمد بهذا اللفظ وإل فقد رواه ابن ماجه في السنن برقم (‪)3827‬‬
‫من طريق وكيع بهذا السناد بلفظ ‪" :‬من لم يسأل ال يغضب عليه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/442‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وهو"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬الجزري"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬الجزر"‪.‬‬
‫(‪ )13‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3373‬وقال ‪" :‬أبو المليح اسمه صبيح ‪ ،‬وسمعت محمدا‬
‫يقوله وقال له ‪ :‬فارسي"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )15‬في ت ‪" :‬رواية"‪.‬‬
‫(‪ )16‬في ت ‪" :‬في بقية أيام نفحات" وفي س ‪ ،‬أ ‪" :‬في بقية أيام دهركم نفحات"‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪" :‬يسعد"‪.‬‬
‫(‪ )18‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )19/233‬من وجه آخر‪.‬‬

‫( ‪)7/154‬‬

‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫ضلٍ عَلَى النّا ِ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ اللّهَ َلذُو َف ْ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ اللّ ْيلَ لِتَ ْ‬
‫اللّهُ الّذِي َ‬
‫شيْءٍ لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ (‪ )62‬كَذَِلكَ‬
‫شكُرُونَ (‪ )61‬ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ خَالِقُ ُكلّ َ‬
‫النّاسِ لَا َي ْ‬
‫سمَاءَ بِنَاءً‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْرضَ قَرَارًا وَال ّ‬
‫حدُونَ (‪ )63‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫ُي ْؤ َفكُ الّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫صوَ َركُ ْم وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ فَتَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ُ )64‬هوَ‬
‫ن ُ‬
‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)65‬‬
‫حيّ لَا ِإلَهَ إِلّا ُهوَ فَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ ا ْل َ‬
‫الْ َ‬

‫جهَنّمَ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َيسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } أي ‪ :‬عن دعائي وتوحيدي ‪ { ،‬سَيَ ْدخُلُونَ َ‬
‫دَاخِرِينَ } أي ‪ :‬صاغرين حقيرين ‪ ،‬كما قال (‪ )1‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن ابن عجلن ‪ ،‬حدثني عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ُ " :‬يحْشَر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذّرّ ‪ ،‬في صور الناس ‪،‬‬
‫يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا (‪ )2‬سجنا في جهنم ‪ -‬يقال له ‪ :‬بولس ‪ -‬تعلوهم نار‬
‫النيار ‪ ،‬يسقون من طينة الخبال ‪ :‬عصارة أهل النار" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خُنَيْس ‪:‬‬
‫سمعت أبي يحدث عن وُهَيب (‪ )4‬بن الورد ‪ :‬حدثني رجل قال ‪ :‬كنت أسير ذات يوم في أرض‬
‫الروم ‪ ،‬فسمعت هاتفا من فوق رأس جبل وهو يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عجبت لمن عرفك كيف يرجو‬
‫أحدا غيرك! يا رب ‪ ،‬عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك ‪ -‬قال ‪ :‬ثم ذهبت ‪،‬‬
‫ثم جاءت الطامة الكبرى ‪ -‬قال ‪ :‬ثم عاد الثانية فقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬عجبت لمن عرفك كيف يتعرض‬
‫لشيء من سخطك يُرضي (‪ )5‬غيرك‪ .‬قال وهيب ‪ :‬وهذه الطامة الكبرى‪ .‬قال ‪ :‬فناديته ‪ :‬أجني‬
‫أنت أم إنسي ؟ قال ‪ :‬بل إنسي ‪ ،‬أشغل نفسك بما َيعْنيك عما ل يعنيك‪.‬‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ‬
‫علَى النّا ِ‬
‫ضلٍ َ‬
‫سكُنُوا فِي ِه وَال ّنهَارَ مُ ْبصِرًا إِنّ اللّهَ لَذُو َف ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ اللّ ْيلَ لِ َت ْ‬
‫{ اللّهُ الّذِي َ‬
‫شيْءٍ ل إِلَهَ إِل ُهوَ فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ (‪َ )62‬كذَِلكَ‬
‫شكُرُونَ (‪ )61‬ذَِل ُكمُ اللّهُ رَ ّب ُكمْ خَاِلقُ ُكلّ َ‬
‫النّاسِ ل يَ ْ‬
‫سمَاءَ بِنَاءً‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ْرضَ قَرَارًا وَال ّ‬
‫حدُونَ (‪ )63‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫ُي ْؤ َفكُ الّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫صوَ َركُ ْم وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ فَتَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ُ )64‬هوَ‬
‫ن ُ‬
‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )65‬‬
‫حيّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ فَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ ا ْل َ‬
‫الْ َ‬
‫يقول تعالى ممتنا على خلقه ‪ ،‬بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه ويستريحون من حركات‬
‫ترددهم في المعايش بالنهار ‪ ،‬وجعل النهار مبصرا ‪ ،‬أي ‪ :‬مضيئا ‪ ،‬ليتصرفوا فيه بالسفار ‪،‬‬
‫سل‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫علَى النّا ِ‬
‫ضلٍ َ‬
‫وقطع القطار ‪ ،‬والتمكن من الصناعات ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ لَذُو َف ْ‬
‫شكُرُونَ } (‪ )6‬أي ‪ :‬ل يقومون بشكر نعم (‪ )7‬ال عليهم‪.‬‬
‫يَ ْ‬
‫شيْءٍ ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬الذي فعل هذه الشياء هو ال‬
‫ثم قال ‪ { :‬ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّب ُكمْ خَاِلقُ ُكلّ َ‬
‫الواحد الحد ‪ ،‬خالق الشياء ‪ ،‬الذي ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه ‪ { ،‬فَأَنّى ُت ْؤ َفكُونَ } أي ‪ :‬فكيف‬
‫تعبدون غيره من الصنام ‪ ،‬التي ل تخلق شيئا ‪ ،‬بل هي مخلوقة منحوتة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يدخلون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/179‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده عن وهيب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬يرضى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬ولكن أكثرهم"‪ .‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ما أنعم"‪.‬‬

‫( ‪)7/155‬‬

‫ُقلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْ ُبدَ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َلمّا جَاءَ ِنيَ الْبَيّنَاتُ مِنْ رَبّي وَُأمِ ْرتُ أَنْ أُسِْلمَ‬
‫لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)66‬‬

‫حدُونَ } أي ‪ :‬كما ضل هؤلء بعبادة غير ال ‪،‬‬


‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ ُي ْؤفَكُ الّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللّهِ َيجْ َ‬
‫كذلك أفك الذين من قبلهم ‪ ،‬فعبدوا غيره بل دليل ول برهان بل بمجرد الجهل والهوى ‪ ،‬وجحدوا‬
‫حجج ال وآياته‪.‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ قَرَارًا } أي ‪ :‬جعلها مستقرا لكم ‪ ،‬بساطا مهادا تعيشون‬
‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫سمَاءَ‬
‫عليها ‪ ،‬وتتصرفون فيها ‪ ،‬وتمشون في مناكبها ‪ ،‬وأرساها بالجبال لئل تميد بكم ‪ { ،‬وَال ّ‬
‫صوَ َركُمْ } أي ‪ :‬فخلقكم في أحسن‬
‫ن ُ‬
‫صوّرَكُمْ فََأحْسَ َ‬
‫بِنَاءً } أي ‪ :‬سقفا للعالم محفوظا ‪َ { ،‬و َ‬
‫الشكال ‪ ،‬ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم ‪ { ،‬وَرَ َز َقكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ } أي ‪ :‬من المآكل‬
‫والمشارب في الدنيا‪ .‬فذكر أنه خلق الدار ‪ ،‬والسكان ‪ ،‬والرزاق ‪ -‬فهو الخالق الرازق ‪ ،‬كما قال‬
‫في سورة البقرة ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَ ّبكُمُ الّذِي خََلقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلكُمْ َلعَّل ُكمْ تَ ّتقُونَ‪ .‬الّذِي‬
‫سمَاءِ مَاءً فََأخْرَجَ بِهِ مِنَ ال ّثمَرَاتِ رِ ْزقًا َل ُكمْ فَل‬
‫سمَاءَ بِنَا ًء وَأَنزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ فِرَاشًا وَال ّ‬
‫َ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ َتعَْلمُونَ } [البقرة ‪ )1( ] 20 ، 21 :‬وقال هاهنا بعد خلق هذه الشياء ‪:‬‬
‫تَ ْ‬
‫{ ذَِلكُمُ اللّهُ رَ ّبكُمْ فَتَبَا َركَ اللّهُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم‪.‬‬
‫حيّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬هو الحي أزل وأبدًا ‪ ،‬لم يزل ول يزال ‪ ،‬وهو الول‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬هوَ الْ َ‬
‫والخر ‪ ،‬والظاهر والباطن ‪ { ،‬ل إِلَهَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬ل نظير له ول عديل له ‪ { ،‬فَادْعُوهُ‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫مُخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } أي ‪ :‬موحدين له مقرين بأنه ل إله إل هو { ا ْل َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال ‪" :‬ل إله إل ال" أن يتبعها بالحمد ل‬
‫رب العالمين ‪ ،‬عمل بهذه الية‪.‬‬
‫ثم روى عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ )2‬قال ‪ :‬من قال ‪" :‬ل إله إل ال" فليقل على أثرها ‪:‬‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ‬
‫"الحمد ل رب العالمين" فذلك (‪ )3‬قوله تعالى ‪ { :‬فَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ الْ َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫وقال أبو أسامة وغيره ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬إذا قرأت ‪:‬‬
‫{ فَادْعُوا اللّهَ ُمخِْلصِينَ لَهُ الدّينَ } [غافر ‪ ، ]14 :‬فقل ‪" :‬ل إله إل ال" وقل على أثرها ‪" :‬الحمد‬
‫حمْدُ لِلّهِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ل رب العالمين" ثم قرأ هذه الية ‪ { :‬فَادْعُوهُ مُخِْلصِينَ َلهُ الدّينَ الْ َ‬
‫{ ُقلْ إِنّي ُنهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الّذِينَ َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َلمّا جَاءَ ِنيَ الْبَيّنَاتُ مِنْ رَبّي وَُأمِ ْرتُ أَنْ أُسْلِمَ‬
‫لِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )66‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬اتقوا" وهوز خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ثم روى بإسناده عن ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬وذلك"‪.‬‬

‫( ‪)7/156‬‬
‫طفْلًا ثُمّ لِتَ ْبُلغُوا َأشُ ّدكُمْ ثُمّ لِ َتكُونُوا‬
‫جكُمْ ِ‬
‫عَلقَةٍ ثُمّ ُيخْرِ ُ‬
‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ َ‬
‫ُهوَ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ ُن ْ‬
‫سمّى وََلعَّلكُمْ َتعْقِلُونَ (‪ُ )67‬هوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ‬
‫شُيُوخًا َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِنْ قَ ْبلُ وَلِتَبُْلغُوا َأجَلًا مُ َ‬
‫فَإِذَا َقضَى َأمْرًا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ (‪)68‬‬

‫ش ّدكُمْ ثُمّ لِ َتكُونُوا‬


‫طفْل ُثمّ لِتَبُْلغُوا أَ ُ‬
‫جكُمْ ِ‬
‫طفَةٍ ُثمّ مِنْ عََلقَةٍ ُثمّ يُخْ ِر ُ‬
‫خَلقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ُثمّ مِنْ نُ ْ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬
‫سمّى وََلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ُ )67‬هوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ‬
‫شُيُوخًا َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِنْ قَ ْبلُ وَلِتَبُْلغُوا َأجَل مُ َ‬
‫فَإِذَا َقضَى َأمْرًا فَإِ ّنمَا َيقُولُ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ (‪} )68‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين ‪ :‬إن ال ينهى أن ُيعْبَد أحد سواه من الصنام والنداد‬

‫( ‪)7/156‬‬

‫ب وَ ِبمَا أَرْسَلْنَا ِبهِ‬


‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللّهِ أَنّى ُيصْ َرفُونَ (‪ )69‬الّذِينَ كَذّبُوا بِا ْلكِتَا ِ‬
‫حمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ‬
‫سلُ يُسْحَبُونَ (‪ )71‬فِي ا ْل َ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪ِ )70‬إذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّلَا ِ‬
‫رُسُلَنَا َف َ‬
‫سجَرُونَ (‪ُ )72‬ثمّ قِيلَ َلهُمْ أَيْنَ مَا كُنْ ُتمْ تُشْ ِركُونَ (‪ )73‬مِنْ دُونِ اللّهِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا َبلْ لَمْ َنكُنْ‬
‫يُ ْ‬
‫حقّ‬
‫نَدْعُو مِنْ قَ ْبلُ شَيْئًا كَ َذِلكَ ُيضِلّ اللّهُ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )74‬ذَِل ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْرَحُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِ ْئسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ (‪)76‬‬
‫وَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َتمْرَحُونَ (‪ )75‬ا ْدخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬

‫والوثان‪ .‬وقد بين تعالى أنه ل يستحق العبادة أحد سواه ‪ ،‬في قوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي خََل َقكُمْ مِنْ تُرَابٍ‬
‫ش ّدكُمْ ُثمّ لِ َتكُونُوا شُيُوخًا } أي ‪ :‬هو الذي‬
‫طفْل ثُمّ لِتَبُْلغُوا أَ ُ‬
‫جكُمْ ِ‬
‫طفَةٍ ثُمّ مِنْ عََلقَةٍ ُثمّ ُيخْرِ ُ‬
‫ثُمّ مِنْ ُن ْ‬
‫يقلبكم في هذه الطوار كلها ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬وعن أمره وتدبيره وتقديره يكون ذلك كله ‪،‬‬
‫{ َومِ ْنكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم ‪ ،‬بل تسقطه أمه سقطا‬
‫‪ ،‬ومنهم من يتوفى صغيرا ‪ ،‬وشابا ‪ ،‬وكهل قبل الشيخوخة ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لِنُبَيّنَ َلكُ ْم وَ ُنقِرّ فِي‬
‫سمّى } [الحج ‪ ]5 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬وََلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } قال ابن جريج ‪،‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫الرْحَامِ مَا َنشَاءُ إِلَى َأ َ‬
‫تتذكرون البعث‪.‬‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬هوَ الّذِي ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ } أي ‪ :‬هو المتفرد بذلك ‪ ،‬ل يقدر على ذلك أحد سواه ‪ { ،‬فَإِذَا‬
‫َقضَى َأمْرًا فَإِ ّنمَا َيقُولُ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ } أي ‪ :‬ل يخالف ول يمانع ‪ ،‬بل ما شاء كان [ل محالة] (‪.)1‬‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ أَنّى ُيصْ َرفُونَ (‪ )69‬الّذِينَ كَذّبُوا بِا ْلكِتَابِ وَ ِبمَا أَ ْرسَلْنَا بِهِ‬
‫حمِيمِ ثُمّ فِي‬
‫سحَبُونَ (‪ )71‬فِي ا ْل َ‬
‫سلُ يُ ْ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪ِ )70‬إذِ الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّل ِ‬
‫رُسُلَنَا َف َ‬
‫سجَرُونَ (‪ )72‬ثُمّ قِيلَ َلهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ُتشْ ِركُونَ (‪ )73‬مِنْ دُونِ اللّهِ قَالُوا ضَلّوا عَنّا َبلْ لَمْ‬
‫النّارِ يُ ْ‬
‫َنكُنْ نَدْعُو مِنْ قَ ْبلُ شَيْئًا كَ َذِلكَ ُيضِلّ اللّهُ ا ْلكَافِرِينَ (‪ )74‬ذَِل ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْرَحُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ‬
‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ (‪} )76‬‬
‫ق وَ ِبمَا كُنْتُمْ َتمْرَحُونَ (‪ )75‬ادْخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬
‫حّ‬‫الْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬أل تعجب يا محمد من هؤلء المكذبين بآيات ال ‪ ،‬ويجادلون في الحق والباطل ‪،‬‬
‫ب وَ ِبمَا أَرْسَلْنَا ِبهِ رُسُلَنَا } أي‬
‫كيف تُصرّف عقولهم عن الهدى إلى الضلل ‪ { ،‬الّذِينَ كَذّبُوا بِا ْلكِتَا ِ‬
‫س ْوفَ َيعَْلمُونَ } هذا تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬من الرب ‪ ،‬جل جلله ‪،‬‬
‫‪ :‬من الهدى والبيان ‪ { ،‬فَ َ‬
‫لهؤلء ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ } [المرسلت ‪.]15 :‬‬
‫سلُ } أي ‪ :‬متصلة بالغلل ‪ ،‬بأيدي الزبانية يسحبونهم‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذِ الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّل ِ‬
‫حمِيمِ ثُمّ فِي‬
‫على وجوههم ‪ ،‬تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬يسْحَبُونَ‪ .‬فِي الْ َ‬
‫حمِيمٍ‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْل ُمجْ ِرمُونَ َيطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫سجَرُونَ } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬هَ ِذهِ َ‬
‫النّارِ يُ ْ‬
‫ج َعهُمْ للَى‬
‫آنٍ } [الرحمن ‪ .]44 ، 43 :‬وقال بعد ذكْره أكلهم الزقوم وشربهم الحميم ‪ُ { :‬ثمّ إِنّ مَرْ ِ‬
‫ظلّ‬
‫حمِيمٍ‪َ .‬و ِ‬
‫سمُو ٍم وَ َ‬
‫شمَالِ‪ .‬فِي َ‬
‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬
‫جحِيمِ } [الصافات ‪ ]68 :‬وقال { وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫الْ َ‬
‫شجَرٍ‬
‫حمُومٍ‪ .‬ل بَارِدٍ وَل كَرِيمٍ } إلى أن قال ‪ { :‬ثُمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُمكَذّبُونَ‪ .‬لكِلُونَ مِنْ َ‬
‫مِنْ يَ ْ‬
‫حمِيمِ‪َ .‬فشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ‪َ .‬هذَا نزُلهُمْ َيوْمَ‬
‫مِنْ َزقّومٍ‪َ .‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ‪ .‬فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ‬
‫طعَامُ الثِيمِ‪ .‬كَا ْل ُم ْهلِ َيغْلِي فِي الْبُطُونِ‪.‬‬
‫شجَ َرةَ ال ّزقّومِ‪َ .‬‬
‫الدّينِ } [الواقعة ‪ .]56 - 41 :‬وقال { إِنّ َ‬
‫حمِيمِ‪ .‬ذُقْ إِ ّنكَ‬
‫عذَابِ الْ َ‬
‫سوَاءِ ا ْلجَحِيمِ‪ .‬ثُ ّم صُبّوا َفوْقَ رَ ْأسِهِ مِنْ َ‬
‫حمِيمِ‪ .‬خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى َ‬
‫َكغَ ْليِ ا ْل َ‬
‫أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ‪ .‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ } [الدخان ‪، ]50 - 43 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/157‬‬

‫جعُونَ (‪)77‬‬
‫حقّ فَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِ ُدهُمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا يُرْ َ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫فَاصْبِرْ إِ ّ‬

‫أي ‪ :‬يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ ‪ ،‬والتحقير والتصغير ‪ ،‬والتهكم والستهزاء بهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أحمد بن منيع ‪ ،‬حدثنا منصور بن عمار ‪،‬‬
‫حدثنا بشير (‪ )1‬بن طلحة الخزامي ‪ ،‬عن خالد بن دُرَيْك ‪ ،‬عن يعلى بن مُنْيَه ‪ -‬رفع الحديث إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬ينشئ ال سحابة لهل النار سوداء مظلمة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬يا‬
‫أهل النار ‪ ،‬أي شيء تطلبون ؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون ‪ :‬نسأل بَرْد الشراب ‪،‬‬
‫فتمطرهم أغلل تزيد في أغللهم ‪ ،‬وسلسل تزيد في سلسلهم ‪ ،‬وجمرا يُ ْل ِهبُ النار عليهم"‪ .‬هذا‬
‫حديث غريب (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ قِيلَ َلهُمْ أَيْنَ مَا كُنْ ُتمْ تُشْ ِركُونَ‪ .‬مِنْ دُونِ اللّهِ } أي ‪ :‬قيل لهم ‪ :‬أين الصنام التي كنتم‬
‫تعبدونها من دون ال ؟ هل ينصرونكم اليوم ؟ { قَالُوا ضَلّوا عَنّا } أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعونا ‪َ { ،‬بلْ‬
‫لَمْ َنكُنْ َندْعُو مِنْ قَ ْبلُ شَيْئًا } أي ‪ :‬جحدوا عبادتهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬ثُمّ َلمْ َتكُنْ فِتْنَ ُتهُمْ إِل أَنْ قَالُوا‬
‫ضلّ اللّهُ ا ْلكَافِرِينَ }‪.‬‬
‫وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ } [النعام ‪ ]23 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬كذَِلكَ ُي ِ‬
‫ق وَ ِبمَا كُنْتُمْ َتمْرَحُونَ } أي ‪ :‬تقول لهم‬
‫حّ‬‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َتفْرَحُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫الملئكة ‪ :‬هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير الحق ‪ ،‬ومرحكم وأشركم وبطركم ‪،‬‬
‫جهَنّمَ خَاِلدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَ ْثوَى ا ْلمُ َتكَبّرِينَ } أي ‪ :‬فبئس المْنزلُ والمَقِيلُ الذي فيه‬
‫{ ادْخُلُوا أَ ْبوَابَ َ‬
‫الهوان والعذاب الشديد ‪ ،‬لمن استكبر عن آيات ال ‪ ،‬واتباع دلئله وحُججه‪.‬‬
‫جعُونَ (‪} )77‬‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َنعِدُ ُهمْ َأوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا يُرْ َ‬
‫{ فَاصْبِرْ إِ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بشر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪ )4846‬وابن عدي في الكامل (‪ )6/394‬من طريق أحمد‬
‫بن منيع عن منصور به ‪ ،‬وقال الطبراني ‪" :‬ل يروى إل بهذا السناد تفرد به منصور"‪ .‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع (‪" : )10/390‬فيه من فيه ضعف قليل ‪ ،‬وفيه من لم أعرفه"‪.‬‬

‫( ‪)7/158‬‬

‫علَ ْيكَ َومَا كَانَ لِ َرسُولٍ‬


‫صصْ َ‬
‫ك َومِ ْنهُمْ مَنْ لَمْ َن ْق ُ‬
‫صصْنَا عَلَ ْي َ‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُلًا مِنْ قَبِْلكَ مِ ْنهُمْ مَنْ َق َ‬
‫طلُونَ (‪)78‬‬
‫ق وَخَسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلمُبْ ِ‬
‫حّ‬‫ضيَ بِالْ َ‬
‫أَنْ يَأْ ِتيَ بِآَيَةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ فَإِذَا جَاءَ َأمْرُ اللّهِ ُق ِ‬

‫ك َومَا كَانَ لِرَسُولٍ‬


‫صصْ عَلَ ْي َ‬
‫ك َومِ ْنهُمْ مَنْ َلمْ َنقْ ُ‬
‫صصْنَا عَلَ ْي َ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُل مِنْ قَبِْلكَ مِ ْنهُمْ مَنْ َق َ‬
‫ق َوخَسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلمُبْطِلُونَ (‪} )78‬‬
‫ضيَ بِا ْلحَ ّ‬
‫أَنْ يَأْ ِتيَ بِآيَةٍ إِل بِإِذْنِ اللّهِ فَِإذَا جَاءَ َأمْرُ اللّهِ ُق ِ‬
‫يقول تعالى آمرا رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ؛‬
‫فإن ال سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك ‪ ،‬وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في‬
‫الدنيا والخرة ‪ { ،‬فَِإمّا نُرِيَ ّنكَ َب ْعضَ الّذِي َن ِعدُهُمْ } أي ‪ :‬في الدنيا‪ .‬وكذلك وقع ‪ ،‬فإن ال أقر‬
‫أعينهم من كبرائهم وعظمائهم ‪ ،‬أبيدوا في يوم بدر‪ .‬ثم فتح ال عليه مكة وسائر جزيرة العرب في‬
‫أيام حياته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬فنذيقهم العذاب الشديد في الخرة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ نَ َت َوفّيَ ّنكَ فَإِلَيْنَا يُرْ َ‬
‫صصْ‬
‫علَ ْيكَ َومِنْهُمْ مَنْ لَمْ َن ْق ُ‬
‫صصْنَا َ‬
‫ثم قال مسليا له ‪ { :‬وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا ُرسُل مِنْ قَبِْلكَ مِ ْنهُمْ مَنْ َق َ‬
‫عَلَ ْيكَ } كما قال في "سورة النساء" سواء ‪ ،‬أي ‪ :‬منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع‬
‫قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ‪َ { ،‬ومِ ْنهُمْ مَنْ َلمْ َن ْقصُصْ عَلَ ْيكَ } وهم أكثر‬
‫ممن ذكر‬

‫( ‪)7/158‬‬
‫جةً‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ الْأَ ْنعَامَ لِتَ ْركَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )79‬وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبُْلغُوا عَلَ ْيهَا حَا َ‬
‫اللّهُ الّذِي َ‬
‫حمَلُونَ (‪ )80‬وَيُرِيكُمْ آَيَا ِتهِ فََأيّ آَيَاتِ اللّهِ تُ ْنكِرُونَ (‪َ )81‬أفََلمْ‬
‫صدُو ِركُمْ وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬
‫فِي ُ‬
‫شدّ ُق ّوةً وَآَثَارًا فِي‬
‫يَسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَنْظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا َأكْثَرَ مِ ْنهُ ْم وَأَ َ‬
‫الْأَ ْرضِ َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )82‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ رُسُُل ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ فَرِحُوا ِبمَا عِ ْندَهُمْ مِنَ‬
‫ح َد ُه َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا‬
‫ا ْلعِلْ ِم َوحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )83‬فََلمّا رََأوْا بَأْسَنَا قَالُوا َآمَنّا بِاللّ ِه وَ ْ‬
‫خسِرَ‬
‫بِهِ مُشْ ِركِينَ (‪ )84‬فََلمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي عِبَا ِد ِه وَ َ‬
‫هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ (‪)85‬‬

‫بأضعاف أضعاف ‪ ،‬كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء (‪ ، )1‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْ ِتيَ بِآيَةٍ إِل بِِإذْنِ اللّهِ } أي ‪ :‬ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي‬
‫قومه بخارق للعادات ‪ ،‬إل أن يأذن ال (‪ )2‬له في ذلك ‪ ،‬فيدل ذلك على صدقه فيما جاءهم به ‪{ ،‬‬
‫فَإِذَا جَاءَ َأمْرُ اللّهِ } وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين { ُقضِيَ بِا ْلحَقّ } فينجو المؤمنون ‪ ،‬ويهلك‬
‫خسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلمُ ْبطِلُونَ }‬
‫الكافرون ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫جةً‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْنعَامَ لِتَ ْركَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )79‬وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبُْلغُوا عَلَ ْيهَا حَا َ‬
‫{ اللّهُ الّذِي َ‬
‫حمَلُونَ (‪ )80‬وَيُرِيكُمْ آيَا ِتهِ فََأيّ آيَاتِ اللّهِ تُ ْنكِرُونَ (‪} )81‬‬
‫صدُو ِركُمْ وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬
‫فِي ُ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده ‪ ،‬بما خلق لهم من النعام ‪ ،‬وهي البل والبقر والغنم { َفمِ ْنهَا َركُو ُبهُمْ‬
‫َومِ ْنهَا يَ ْأكُلُونَ } [يس ‪ ، ]72 :‬فالبل تركب وتؤكل وتحلب ‪ ،‬ويحمل عليها الثقال في السفار‬
‫والرحال إلى البلد النائية ‪ ،‬والقطار الشاسعة‪ .‬والبقر تؤكل ‪ ،‬ويشرب لبنها ‪ ،‬وتحرث عليها‬
‫الرض‪ .‬والغنم تؤكل ‪ ،‬ويشرب لبنها ‪ ،‬والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها ‪ ،‬فيتخذ منها‬
‫الثاث والثياب والمتعة كما َفصّل وبَيّنَ في أماكن تقدم ذكرها في "سورة النعام" (‪ ، )3‬و "سورة‬
‫النحل" (‪ ، )4‬وغير ذلك ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬لِتَ ْركَبُوا مِ ْنهَا َومِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ‪ .‬وََلكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ‬
‫حمَلُونَ }‪.‬‬
‫جةً فِي صُدُو ِركُ ْم وَعَلَ ْيهَا وَعَلَى ا ْلفُ ْلكِ تُ ْ‬
‫وَلِتَبُْلغُوا عَلَ ْيهَا حَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } أي ‪ :‬حججه وبراهينه في الفاق وفي أنفسكم ‪ { ،‬فََأيّ آيَاتِ اللّهِ‬
‫تُ ْنكِرُونَ } أي ‪ :‬ل تقدرون على إنكار شيء من آياته ‪ ،‬إل أن تعاندوا وتكابروا‪.‬‬
‫شدّ ُق ّوةً‬
‫{ َأفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا َأكْثَرَ مِ ْنهُ ْم وَأَ َ‬
‫وَآثَارًا فِي ال ْرضِ َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )82‬فََلمّا جَاءَ ْتهُمْ رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ فَ ِرحُوا ِبمَا‬
‫عِنْدَ ُهمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ وَحَاقَ ِب ِهمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )83‬فََلمّا رََأوْا بَ ْأسَنَا قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ‬
‫َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ ُمشْ ِركِينَ (‪ )84‬فََلمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي‬
‫خسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ (‪} )85‬‬
‫عِبَا ِد ِه وَ َ‬
‫يخبر تعالى عن المم المكذبة بالرسل في قديم الدهر ‪ ،‬وماذا حل بهم من العذاب الشديد ‪ ،‬مع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬راجع تفسير الية ‪ 164 :‬من سورة النساء‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إل بإذن ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع تفسير اليات ‪ 144 - 141 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع تفسير اليات ‪ 8 - 5 :‬من سورة النحل‪.‬‬

‫( ‪)7/159‬‬

‫شدة قواهم ‪ ،‬وما أَثّروه في الرض ‪ ،‬وجمعوه من الموال ‪ ،‬فما أغنى عنهم ذلك شيئا ‪ ،‬ول رد‬
‫عنهم ذرة من بأس ال ؛ وذلك لنهم لما جاءتهم الرسل (‪ )1‬بالبينات ‪ ،‬والحجج القاطعات ‪،‬‬
‫والبراهين الدامغات ‪ ،‬لم يلتفتوا إليهم ‪ ،‬ول أقبلوا عليهم ‪ ،‬واستغنوا بما عندهم من العلم في‬
‫زعمهم عما جاءتهم به الرسل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬قالوا ‪ :‬نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم ‪ ،‬فأتاهم من بأس ال ما ل قِبَل لهم به‪.‬‬
‫{ وَحَاقَ ِبهِمْ } أي ‪ :‬أحاط بهم { مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } أي ‪ :‬يكذبون ويستبعدون وقوعه‪.‬‬
‫{ فََلمّا رََأوْا بَ ْأسَنَا } أي ‪ :‬عاينوا وقوع العذاب بهم ‪ { ،‬قَالُوا آمَنّا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ َوكَفَرْنَا ِبمَا كُنّا بِهِ‬
‫مُشْ ِركِينَ } أي ‪ :‬وحدوا ال وكفروا بالطاغوت ‪ ،‬ولكن حيث ل ُتقَال العثرات ‪ ،‬ول تنفع المعذرة‪.‬‬
‫ل وَأَنَا‬
‫وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق ‪ { :‬آمَ ْنتُ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل الّذِي آمَ َنتْ بِهِ بَنُو ِإسْرَائِي َ‬
‫عصَ ْيتَ قَ ْبلُ َوكُ ْنتَ مِنَ‬
‫ن َوقَدْ َ‬
‫مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } [يونس ‪ ، ]90 :‬قال ال [تبارك و] (‪ )2‬تعالى ‪ { :‬آل َ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ } [يونس ‪ ]91 :‬أي ‪ :‬فلم يقبل ال منه ؛ لنه قد استجاب لنبيه موسى دعاءه عليه حين‬
‫شدُدْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪ .]88 :‬و[هكذا] (‪)3‬‬
‫قال ‪ { :‬وَا ْ‬
‫هاهنا قال ‪ { :‬فَلَمْ َيكُ يَ ْن َف ُعهُمْ إِيمَا ُنهُمْ َلمّا رََأوْا بَأْسَنَا سُنّةَ اللّهِ الّتِي قَدْ خََلتْ فِي عِبَا ِدهِ } أي ‪ :‬هذا‬
‫حكم ال في جميع (‪ )4‬مَنْ تاب عند معاينة العذاب ‪ :‬أنه ل يقبل ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬إن ال‬
‫يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" (‪ )5‬أي ‪ :‬فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة ‪ ،‬وعاين الملك ‪ ،‬فل‬
‫توبة حينئذ ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَخَسِرَ هُنَاِلكَ ا ْلكَافِرُونَ }‬
‫آخر تفسير "سورة غافر (‪ ، )6‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬رسلهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬في جميع عباده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3537‬وابن ماجه في السنن برقم (‪ )4253‬من حديث عبد‬
‫ال بن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )6‬في س ‪" :‬المؤمن"‪.‬‬

‫( ‪)7/160‬‬

‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )2‬كِتَابٌ ُفصَّلتْ آَيَاتُهُ قُ ْرآَنًا عَرَبِيّا ِل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪ )3‬بَشِيرًا‬
‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلٌ مِنَ الرّ ْ‬
‫س َمعُونَ (‪َ )4‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأكِنّةٍ ِممّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ َوفِي َآذَانِنَا َوقْرٌ‬
‫وَنَذِيرًا فَأَعْ َرضَ َأكْثَرُهُمْ َفهُمْ لَا َي ْ‬
‫ع َملْ إِنّنَا عَامِلُونَ (‪)5‬‬
‫َومِنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِنكَ حِجَابٌ فَا ْ‬

‫تفسير سورة فصلت (‪)1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ (‪ )2‬كِتَابٌ ُفصَّلتْ آيَاُتهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ (‪َ )3‬بشِيرًا‬
‫{ حم (‪ )1‬تَنزيلٌ مِنَ الرّ ْ‬
‫س َمعُونَ (‪َ )4‬وقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأكِنّةٍ ِممّا َتدْعُونَا ِإلَيْ ِه َوفِي آذَانِنَا َوقْرٌ‬
‫وَنَذِيرًا فَأَعْ َرضَ َأكْثَرُهُمْ َفهُمْ ل يَ ْ‬
‫ع َملْ إِنّنَا عَامِلُونَ (‪} )5‬‬
‫َومِنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِنكَ حِجَابٌ فَا ْ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } يعني ‪ :‬القرآن منزل من الرحمن الرحيم ‪ ،‬كقوله‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬حم تَنزيلٌ مِنَ الرّ ْ‬
‫حقّ } [النحل ‪ ، ]102 :‬وقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ لَتَنزيلُ َربّ‬
‫تعالى ‪ُ { :‬قلْ نزلَهُ رُوحُ ا ْلقُدُسِ مِنْ رَ ّبكَ بِالْ َ‬
‫ح المِينُ عَلَى قَلْ ِبكَ لِ َتكُونَ مِنَ ا ْلمُنْذِرِينَ } [الشعراء ‪.]194 - 192 :‬‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ نزلَ بِهِ الرّو ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬كِتَابٌ ُفصَّلتْ آيَاتُهُ } أي ‪ :‬بُينت معانيه وأحكمت أحكامه (‪ { ، )2‬قُرْآنًا عَرَبِيّا } أي ‪:‬‬
‫في حال كونه لفظا عربيا ‪ ،‬بينا واضحا ‪ ،‬فمعانيه مفصلة ‪ ،‬وألفاظه واضحة غير مشكلة ‪ ،‬كقوله‬
‫حكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود ‪ ]1 :‬أي ‪ :‬هو معجز من حيث لفظه‬
‫ح ِكمَتْ آيَاتُهُ ثُمّ ُفصَّلتْ مِنْ َلدُنْ َ‬
‫‪ { :‬كِتَابٌ ُأ ْ‬
‫حمِيدٍ } [فصلت ‪.]42 :‬‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫ومعناه ‪ { ،‬ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ل َقوْمٍ َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماءُ الراسخون ‪َ { ،‬بشِيرًا‬
‫س َمعُونَ }‬
‫وَنَذِيرًا } أي ‪ :‬تارة يبشر المؤمنين ‪ ،‬وتارة ينذر الكافرين ‪ { ،‬فَأَعْ َرضَ َأكْثَرُ ُهمْ َفهُمْ ل يَ ْ‬
‫أي ‪ :‬أكثر قريش ‪ ،‬فهم ل يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه‪.‬‬
‫{ َوقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأكِنّةٍ } أي ‪ :‬في غلف مغطاة { ِممّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َوقْرٌ } أي ‪ :‬صمم‬
‫ع َملْ إِنّنَا‬
‫عما جئتنا به ‪َ { ،‬ومِنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِنكَ حِجَابٌ } فل يصل إلينا شيء مما تقول ‪ { ،‬فَا ْ‬
‫عَامِلُونَ } أي ‪ :‬اعمل أنت على طريقتك ‪ ،‬ونحن على طريقتنا ل نتابعك‪.‬‬
‫سهِر عن الجلح‬
‫حمَيد في مسنده ‪ :‬حدثني ابن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا علي بن مُ ْ‬
‫قال المام العَلَم عبد بن ُ‬
‫‪ ،‬عن الذّيّال بن حَ ْرمَلة السدي عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬اجتمعت قريش‬
‫علَمكم بالسحر والكهانة والشعر ‪ ،‬فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ‪،‬‬
‫يوما فقالوا ‪ :‬انظروا أ ْ‬
‫وشتت أمرنا ‪ ،‬وعاب ديننا ‪ ،‬فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا ‪ :‬ما نعلم أحدا غير عتبة ابن‬
‫ربيعة‪ .‬فقالوا ‪ :‬أنت يا أبا الوليد‪ .‬فأتاه عتبة فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أنت خير أم عبد ال ؟ فسكت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنت خير أم عبد المطلب ؟ فسكت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬فإن كنت تزعم أن هؤلء خير منك ‪ ،‬فقد عبدوا اللهة التي عِ ْبتَ ‪ ،‬وإن كنت تزعم‬
‫أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬تفسير حم السجدة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬آياته"‪.‬‬

‫( ‪)7/161‬‬

‫سخْلةً قط أشأم على قومك (‪ )1‬منك ؛ فرقت جماعتنا ‪ ،‬وشتت أمرنا ‪،‬‬
‫قولك ‪ ،‬إنا وال ما رأينا َ‬
‫وعبت ديننا ‪ ،‬وفضحتنا في العرب ‪ ،‬حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا ‪ ،‬وأن في قريش‬
‫كاهنا! وال ما ننظر (‪ )2‬إل مثل صيحة الحُبْلى أن يقوم بعضنا إلى (‪ )3‬بعض بالسيوف ‪ ،‬حتى‬
‫نتفانى! أيها الرجل ‪ ،‬إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجل (‪ )4‬وإن‬
‫كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش [شئت] (‪ )5‬فلنزوجك عشرا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫غتَ ؟" قال ‪ :‬نعم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬بسم ال الرحمن‬
‫عليه وسلم ‪" :‬فَرَ ْ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } حتى بلغ ‪ { :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َف ُقلْ أَنْذَرْ ُتكُمْ صَاعِقَةً مِ ْثلَ‬
‫الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تَنزيلٌ مِنَ الرّ ْ‬
‫صَاعِقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ } فقال عتبة ‪ :‬حسبك! حسبك! ما عندك غير هذا ؟ قال ‪" :‬ل" فرجع إلى قريش‬
‫فقالوا ‪ :‬ما وراءك ؟ قال ‪ :‬ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إل كلمته‪ .‬قالوا ‪ :‬فهل أجابك ؟‬
‫[قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬فما قال ؟] (‪ )6‬قال ‪ :‬ل والذي نصبها بَنيّةً ما َف ِه ْمتُ شيئا مما قال ‪ ،‬غير أنه‬
‫أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود‪ .‬قالوا ‪ :‬ويلك! يكلمك الرجل بالعربية ما تدري ما قال ؟!‬
‫قال ‪ :‬ل وال ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده ‪ ،‬مثله سواء‬
‫(‪.)7‬‬
‫وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن ُفضَيل ‪ ،‬عن الجلح ‪ -‬وهو ابن عبد ال الكندي‬
‫ض ّعفَ بعض الشيء عن الذّيّال بن حرملة ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬فذكر الحديث إلى‬
‫[الكوفي] (‪ - )8‬وقد ُ‬
‫عقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ } فأمسك عتبة على فيه ‪،‬‬
‫ل صَا ِ‬
‫قوله ‪ { :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َف ُقلْ أَنْذَرْ ُتكُمْ صَاعِقَةً مِ ْث َ‬
‫وناشده بالرحم ‪ ،‬ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم‪ .‬فقال أبو جهل ‪ :‬يا معشر‬
‫قريش ‪ ،‬وال ما نرى عتبة إل قد صَبَا إلى محمد ‪ ،‬وأعجبه طعامه ‪ ،‬وما ذاك إل من حاجة [قد] (‬
‫‪ )9‬أصابته ‪ ،‬فانطلقوا بنا إليه‪ .‬فانطلقوا إليه فقال أبو جهل ‪ :‬يا عتبة ‪ ،‬ما حبسك عنا إل أنك‬
‫صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه ‪ ،‬فإن كانت لك (‪ )10‬حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن‬
‫طعام محمد‪ .‬فغضب عتبة ‪ ،‬وأقسم أل يكلم محمدا أبدا ‪ ،‬وقال ‪ :‬وال ‪ ،‬لقد علمتم أني من أكثر‬
‫قريش مال ولكني أتيته وقصصت عليه [القصة] (‪ )11‬فأجابني بشيء وال ما هو بشعر ول كهانة‬
‫عقَةِ عَادٍ‬
‫عقَةً مِ ْثلَ صَا ِ‬
‫ول سحر ‪ ،‬وقرأ السورة إلى قوله ‪ { :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َفقُلْ أَ ْنذَرْ ُتكُ ْم صَا ِ‬
‫وَ َثمُودَ } فأمسكت بفيه ‪ ،‬وناشدته بالرحم أن يكف ‪ ،‬وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ‪،‬‬
‫فخشيت أن ينزل بكم العذاب (‪.)12‬‬
‫وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد أورد هذه القصة المام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلف هذا النمط ‪،‬‬
‫فقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬جماعته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬ننتظر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل واحدا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪ )1121‬ومسند أبي يعلى (‪ )3/349‬وفي إسناده الجلح الكندي‬
‫ضعفه النسائي وغيره‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬بك"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/167‬‬

‫( ‪)7/162‬‬

‫حدثني يزيد بن زياد ‪ ،‬عن محمد بن كعب القُرَظي قال ‪ :‬حُدّ ْثتُ أن عتبة بن ربيعة ‪ -‬وكان سيدا‬
‫‪ -‬قال يوما وهو جالس في نادي قريش ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم جالس في المسجد‬
‫وحده ‪ :‬يا معشر قريش أل أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها ‪ ،‬فنعطيه‬
‫أيّها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة ‪ ،‬ورأوا أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يزيدون ويكثرون ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬بلى يا أبا الوليد ‪ ،‬فقم إليه فكلمه (‪.)1‬فقام إليه عتبة حتى جلس إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬إنك منا حيث قد علمت من السّطَة في‬
‫العشيرة ‪ ،‬والمكان في النسب ‪ ،‬وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ‪ ،‬فرقت به جماعتهم ‪ ،‬وسفهت به‬
‫أحلمهم ‪ ،‬وعبت به آلهتهم ودينهم ‪ ،‬وكفرت به من مضى من آبائهم ‪ ،‬فاسمع مني أعرض عليك‬
‫أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منا بعضها‪ .‬قال ‪ :‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قل يا أبا‬
‫الوليد ‪ ،‬أسمع"‪ .‬قال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬إن كنت إنما تريدُ بما جئتَ به من (‪ )2‬هذا المر مال جمعنا‬
‫لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا أموال (‪ .)3‬وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا ‪ ،‬حتى ل‬
‫نقطع أمرًا دونك‪ .‬وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا‪ .‬وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيّا تراه ل‬
‫تستطيع رده عن نفسك ‪ ،‬طلبنا لك الطب ‪ ،‬وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه ‪ ،‬فإنه ربما غلب‬
‫التابع على الرجل حتى يُدَاوَى منه ‪ -‬أو كما قال له ‪ -‬حتى إذا فرغ عتبة ورسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يستمع منه قال ‪" :‬أفرغت يا أبا الوليد ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فاستمع مني" قال ‪ :‬أفعل‪.‬‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ‪ .‬كِتَابٌ ُفصَّلتْ آيَاُتهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا‬
‫قال ‪ { :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬حم‪ .‬تَنزيلٌ مِنَ الرّ ْ‬
‫س َمعُونَ } ثم مضى رسول ال صلى ال عليه‬
‫ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ‪ .‬بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْ َرضَ َأكْثَرُهُمْ َفهُمْ ل يَ ْ‬
‫وسلم فيها يقرؤها عليه‪ .‬فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع‬
‫منه ‪ ،‬ثم انتهى رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى السجدة منها ‪ ،‬فسجد ثم قال ‪" :‬قد سمعت يا أبا‬
‫الوليد ما سمعت ‪ ،‬فأنت وذاك (‪ )4‬فقام عتبة إلى أصحابه ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬أقسم ‪ -‬يحلف (‬
‫‪ )5‬بال ‪ -‬لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‪ .‬فلما جلس إليهم قالوا ‪ :‬ما وراءك يا أبا‬
‫الوليد ؟ قال ‪ :‬ورائي أني قد سمعت قول وال ما سمعت مثله قط ‪ ،‬وال ما هو بالسحر ول‬
‫بالشعر ول بالكهانة‪ .‬يا معشر قريش ‪ ،‬أطيعوني واجعلوها لي ‪ ،‬خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه‬
‫فاعتزلوه ‪ ،‬فوال ليكونَنّ لقوله الذي سمعت نبأ ‪ ،‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ‪ ،‬وإن‬
‫يظهر على العرب فمُ ْلكُهُ ملككم ‪ ،‬وعزه عزكم ‪ ،‬وكنتم أسعد الناس به‪ .‬قالوا ‪ :‬سحرك وال يا أبا‬
‫الوليد بلسانه! قال ‪ :‬هذا رأيي فيه ‪ ،‬فاصنعوا ما بدا لكم (‪.)6‬‬
‫وهذا السياق أشبه من الذي قبله ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وكلمه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪" :‬مال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وحالك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في س ‪" :‬نحلف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/293‬‬

‫( ‪)7/163‬‬
‫ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْ َتقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْ َت ْغفِرُو ُه َووَيْلٌ لِ ْلمُشْ ِركِينَ (‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ َأجْرٌ‬
‫‪ )6‬الّذِينَ لَا ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَهُمْ بِالَْآخِ َرةِ ُهمْ كَافِرُونَ (‪ )7‬إِنّ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫غَيْرُ َممْنُونٍ (‪)8‬‬

‫حدٌ فَاسْ َتقِيمُوا إِلَيْ ِه وَاسْ َت ْغفِرُوهُ َووَ ْيلٌ لِ ْلمُشْ ِركِينَ‬
‫{ ُقلْ إِ ّنمَا أَنَا َبشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا إَِل ُهكُمْ إِلَ ٌه وَا ِ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َلهُمْ‬
‫(‪ )6‬الّذِينَ ل ُيؤْتُونَ ال ّزكَا َة وَ ُهمْ بِالخِ َرةِ ُهمْ كَافِرُونَ (‪ )7‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ (‪} )8‬‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد لهؤلء المكذبين المشركين ‪ { :‬إِ ّنمَا أَنَا بَشَرٌ مِثُْلكُمْ يُوحَى إَِليّ أَ ّنمَا‬
‫إَِل ُهكُمْ إَِل ٌه وَاحِدٌ } ل كما تعبدونه (‪ )1‬من الصنام والنداد والرباب المتفرقين ‪ ،‬إنما ال إله‬
‫واحد ‪ { ،‬فَاسْ َتقِيمُوا إِلَيْهِ } أي ‪ :‬أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل ‪،‬‬
‫{ وَاسْ َت ْغفِرُوهُ } أي ‪ :‬لسالف الذنوب ‪َ { ،‬ووَ ْيلٌ ِل ْلمُشْ ِركِينَ } أي ‪ :‬دمار لهم وهلك عليهم ‪،‬‬
‫{ الّذِينَ ل ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬الذين ل يشهدون أن‬
‫ل إله إل ال‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬
‫وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬قدْ َأفْلَحَ مَنْ َزكّاهَا َوقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا } [الشمس ‪ ، ]10 ، 9 :‬وكقوله ‪:‬‬
‫سمَ رَبّهِ َفصَلّى } [العلى ‪ ، ]15 ، 14 :‬وقوله { َف ُقلْ َهلْ َلكَ إِلَى أَنْ‬
‫{ َقدْ َأفْلَحَ مَنْ تَ َزكّى وَ َذكَرَ ا ْ‬
‫تَ َزكّى } [ النازعات ‪ ] 18 :‬والمراد بالزكاة هاهنا ‪ :‬طهارة النفس من الخلق الرذيلة ‪ ،‬ومن أهم‬
‫ذلك طهارة النفس من الشرك‪ .‬وزكاة المال إنما سميت زكاة لنها تطهره من الحرام ‪ ،‬وتكون‬
‫سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه ‪ ،‬وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات‪.‬‬
‫وقال السدي ‪َ { :‬ووَيْلٌ لِ ْلمُشْ ِركِينَ الّذِينَ ل ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ } أي ‪ :‬ل يَدِينون بالزكاة‪.‬‬
‫وقال معاوية بن قرة ‪ :‬ليس هم من أهل الزكاة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يمنعون زكاة أموالهم‪.‬‬
‫وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪ .‬وفيه نظر ؛ لن إيجاب الزكاة إنما‬
‫كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة ‪ ،‬على ما ذكره غير واحد وهذه الية مكية ‪ ،‬اللهم إل‬
‫أن يقال ‪ :‬ل يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫حصَا ِدهِ } [النعام ‪ ، ]141 :‬فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيّن أمرها‬
‫حقّهُ َيوْمَ َ‬
‫وَآتُوا َ‬
‫بالمدينة ‪ ،‬ويكون هذا جمعا بين القولين ‪ ،‬كما أن أصل الصلة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبها في ابتداء البعثة ‪ ،‬فلما كان ليلة السراء قبل الهجرة بسنة ونصف ‪ ،‬فرض ال على‬
‫رسوله [صلى ال عليه وسلم] (‪ )2‬الصلوات الخمس ‪ ،‬وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬شيئا فشيئا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ َلهُمْ َأجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ } قال مجاهد وغيره ‪:‬‬
‫ثم قال بعد ذلك ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ل مقطوع ول مجبوب (‪ ، )3‬كقوله ‪ { :‬مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } [الكهف ‪ ، ]3 :‬وكقوله تعالى { عَطَاءً‬
‫جذُوذٍ } [هود ‪.]108 :‬‬
‫غَيْرَ مَ ْ‬
‫وقال السدي ‪ :‬غير ممنون عليهم‪ .‬وقد رد عليه بعض الئمة هذا التفسير ‪ ،‬فإن المنة ل على أهل‬
‫الجنة ؛ قال ال تعالى ‪َ { :‬بلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِليمَانِ } [الحجرات ‪ ، ]17 :‬وقال أهل‬
‫سمُومِ } [الطور ‪ ، ]27 :‬وقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫الجنة ‪َ { :‬فمَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َو َوقَانَا عَذَابَ ال ّ‬
‫وسلم ‪" :‬إل أن يتغمدني ال برحمة منه وفضل"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬يعبدونه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬غير مقطوع ول محسوب"‪.‬‬

‫( ‪)7/164‬‬

‫ج َعلَ‬
‫جعَلُونَ َلهُ أَنْدَادًا ذَِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )9‬وَ َ‬
‫ُقلْ أَئِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خََلقَ الْأَ ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ وَ َت ْ‬
‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ (‪ُ )10‬ثمّ اسْ َتوَى‬
‫سيَ مِنْ َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ‬
‫فِيهَا َروَا ِ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ (‪)11‬‬
‫سمَا ِء وَ ِهيَ دُخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَلِلْأَ ْرضِ اِئْتِيَا َ‬
‫إِلَى ال ّ‬

‫جعَلُونَ َلهُ أَنْدَادًا ذَِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)9‬‬


‫{ ُقلْ أَئِ ّنكُمْ لَ َتكْفُرُونَ بِالّذِي خَلَقَ الرْضَ فِي َي ْومَيْنِ وَ َت ْ‬
‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ (‪ُ )10‬ثمّ‬
‫سيَ مِنْ َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ‬
‫ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ‬
‫وَ َ‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ (‪} )11‬‬
‫سمَاءِ وَ ِهيَ دُخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَلِل ْرضِ اِئْتِيَا َ‬
‫اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬

‫( ‪)7/165‬‬

‫حفْظًا‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ وَ ِ‬
‫سمَاءٍ َأمْرَهَا وَزَيّنّا ال ّ‬
‫ن وََأوْحَى فِي ُكلّ َ‬
‫س َموَاتٍ فِي َي ْومَيْ ِ‬
‫َفقَضَاهُنّ سَبْعَ َ‬
‫ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ (‪)12‬‬

‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ‬


‫سمَاءٍ َأمْ َرهَا وَزَيّنّا ال ّ‬
‫ن وََأوْحَى فِي ُكلّ َ‬
‫س َموَاتٍ فِي َي ْومَيْ ِ‬
‫{ َف َقضَاهُنّ سَبْعَ َ‬
‫حفْظًا َذِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ (‪} )12‬‬
‫وَ ِ‬
‫هذا إنكار من ال على المشركين الذين عبدوا معه غيره ‪ ،‬وهو الخالق لكل شيء ‪ ،‬القاهر لكل‬
‫جعَلُونَ لَهُ‬
‫شيء ‪ ،‬المقدر لكل شيء ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬قلْ أَئِ ّن ُكمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خََلقَ ال ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ وَتَ ْ‬
‫أَنْدَادًا } أي ‪ :‬نظراء وأمثال تعبدونها (‪ )1‬معه { َذِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬الخالق للشياء هو رب‬
‫العالمين كلهم‪.‬‬
‫ت وَال ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ } [العراف ‪:‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬
‫وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫‪ ، ]54‬ففصل هاهنا ما يختص بالرض مما اختص بالسماء ‪ ،‬فذكر أنه خلق الرض أول لنها‬
‫كالساس ‪ ،‬والصل أن يُبْ َدأَ بالساس ‪ ،‬ثم بعده بالسقف ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬هوَ الّذِي خََلقَ َلكُمْ مَا فِي‬
‫س َموَاتٍ } الية [البقرة ‪. ، ]29 :‬‬
‫سوّاهُنّ سَبْعَ َ‬
‫سمَاءِ فَ َ‬
‫جمِيعًا ثُمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫ال ْرضِ َ‬
‫ضحَاهَا‬
‫ج ُ‬
‫طشَ لَيَْلهَا وَأَخْرَ َ‬
‫سوّاهَا وَأَغْ َ‬
‫س ْم َكهَا فَ َ‬
‫سمَاءُ بَنَاهَا َر َفعَ َ‬
‫فأما قوله ‪ { :‬أَأَنْتُمْ َأشَدّ خَ ْلقًا أَمِ ال ّ‬
‫وَالرْضَ َبعْدَ ذَِلكَ َدحَاهَا َأخْرَجَ مِ ْنهَا مَاءَهَا َومَرْعَاهَا وَا ْلجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا َل ُك ْم وَلنْعَا ِمكُمْ }‬
‫حيُ هو‬
‫[ النازعات ‪ ] 33 - 27 :‬ففي هذه الية أن َدحْى الرض كان بعد خلق السماء (‪ ، )2‬فالدّ ْ‬
‫مفسر بقوله ‪َ { :‬أخْرَجَ مِ ْنهَا مَاءَهَا َومَرْعَاهَا } ‪ ،‬وكان هذا بعد خلق السماء ‪ ،‬فأما خلق الرض‬
‫فقبل خلق السماء بالنص ‪ ،‬وبهذا أجاب ابن عباس فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الية من‬
‫صحيحه ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫وقال المنهال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قال رجل لبن عباس ‪ :‬إني أجد في القرآن أشياء تختلف‬
‫ضهُمْ عَلَى‬
‫عليّ قال ‪ { :‬فَل أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون ‪ { ، ]101 :‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫َب ْعضٍ يَ َتسَاءَلُونَ } [الصافات ‪ { ، ]27 :‬وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثًا } [النساء ‪ { ، ]42 :‬وَاللّهِ رَبّنَا مَا‬
‫سمَاءُ (‪ )3‬بَنَاهَا } إلى قوله‬
‫كُنّا مُشْ ِركِينَ } [النعام ‪ ، ]23 :‬فقد كتموا في هذه الية ؟ وقال ‪ { :‬أَمِ ال ّ‬
‫‪ { :‬دَحَاهَا } [النازعات ‪ ، ]30 - 27 :‬فذكر خلق السماء قبل [خلق] (‪ )4‬الرض ثم قال ‪ُ { :‬قلْ‬
‫خلَقَ ال ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ } إلى قوله ‪ { :‬طَا ِئعِينَ } فذكر في هذه خلق الرض‬
‫أَئِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي َ‬
‫حكِيمًا } [النساء‬
‫غفُورًا رَحِيمًا } [النساء ‪ { ، ]96 :‬عَزِيزًا َ‬
‫قبل خلق السماء ؟ وقال ‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ َ‬
‫سمِيعًا َبصِيرًا } [النساء ‪ ، ]58 :‬فكأنه كان ثم مضى‪.‬‬
‫‪َ { ، ]56 :‬‬
‫قال ‪ -‬يعني ابن عباس ‪ { : -‬فَل أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَا َءلُونَ } في النفخة الولى ‪ ،‬ثم ينفخ‬
‫س َموَاتِ َومَنْ فِي ال ْرضِ إِل مَنْ شَاءَ اللّهُ } [الزمر ‪ ، ]68 :‬فل‬
‫صعِقَ مَنْ فِي ال ّ‬
‫في الصور ‪َ { ،‬ف َ‬
‫أنساب بينهم عند‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬يعبدونها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬السموات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪" :‬والسماء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من س‪.‬‬

‫( ‪)7/165‬‬

‫علَى َب ْعضٍ يَتَسَاءَلُونَ }‬


‫ضهُمْ َ‬
‫ذلك ول يتساءلون ‪ ،‬ثم في النفخة الخرى { وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫وأما قوله ‪ { :‬مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ } { وَل َيكْ ُتمُونَ اللّهَ حَدِيثًا } ‪ ،‬فإن ال يغفر لهل الخلص ذنوبهم‬
‫فقال المشركون ‪ :‬تعالوا نقول ‪" :‬لم نكن مشركين" ‪ ،‬فيختم على أفواههم ‪ ،‬فتنطق أيديهم ‪ ،‬فعند‬
‫ذلك يعرف (‪ )1‬أن ال ل يكتم حديثا ‪ ،‬وعنده { َيوَدّ الّذِينَ َكفَرُوا } الية [الحجر ‪.]2 :‬‬
‫وخلق الرض في يومين ‪ ،‬ثم خلق السماء ‪ ،‬ثم استوى إلى السماء ‪ ،‬فسواهن في يومين آخرين ‪،‬‬
‫ثم دَحَى الرض ‪ ،‬ودَحْيُها ‪ :‬أن أخرج منها الماء والمرعى ‪ ،‬وخلق الجبال والجماد والكام وما‬
‫بينهما في يومين آخرين ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬دَحَاهَا } وقوله { خََلقَ ال ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ } َفخُلِقت‬
‫الرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ‪ ،‬وخلقت السماوات في يومين‪.‬‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } [النساء ‪ ، ]96 :‬سمى نفسه بذلك ‪ ،‬وذلك قوله ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يزل كذلك ؛‬
‫{ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫فإن ال لم يرد شيئا إل أصاب به الذي أراد ‪ ،‬فل يختلفن عليك القرآن ‪ ،‬فإن كل من عند ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنيه يوسف بن عدي ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن عمرو ‪ ،‬عن زيد بن أبي أُنَيْسَة (‪، )2‬‬
‫عن المنهال ‪ -‬هو ابن عمرو ‪ -‬بالحديث (‪.)3‬‬
‫فقوله ‪ { :‬خَلَقَ ال ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ } يعني ‪ :‬يوم الحد ويوم الثنين‪.‬‬
‫سيَ مِنْ َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا } أي ‪ :‬جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس ‪{ ،‬‬
‫ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ‬
‫{ وَ َ‬
‫َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا } ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما يحتاج (‪ )4‬أهلها إليه من الرزاق والماكن التي تزرع وتغرس ‪،‬‬
‫يعني ‪ :‬يوم الثلثاء والربعاء ‪ ،‬فهما مع اليومين السابقين أربعة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فِي أَرْ َبعَةِ‬
‫سوَاءً لِلسّا ِئلِينَ } أي ‪ :‬لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه‪.‬‬
‫أَيّامٍ َ‬
‫وقال مجاهد وعكرمة في قوله ‪َ { :‬وقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا } جعل في كل أرض ما ل يصلح في غيرها‬
‫‪ ،‬ومنه ‪ :‬العصب باليمن ‪ ،‬والسابري بسابور والطيالسة بالرّي‪.‬‬
‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ } أي ‪ :‬لمن أراد السؤال عن‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي في قوله تعالى ‪َ { :‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ } أي ‪ :‬على وفق مراد من‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬معناه { َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ َ‬
‫له حاجة إلى رزق أو حاجة ‪ ،‬فإن ال قدر له ما هو محتاج إليه‪.‬‬
‫وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى ‪ { :‬وَآتَاكُمْ مِنْ ُكلّ مَا سَأَلْ ُتمُوهُ } [إبراهيم ‪ ، ]34 :‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫سمَاءِ وَ ِهيَ دُخَانٌ } ‪ ،‬وهو ‪ :‬بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ‬
‫الرض ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عرفوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شيبة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪" )8/556‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في س ‪" :‬ما تحتاج"‪.‬‬
‫( ‪)7/166‬‬

‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا } أي ‪ :‬استجيبا لمري ‪ ،‬وانفعل لفعلي طائعتين أو‬


‫{ َفقَالَ َلهَا وَلِل ْرضِ اِئْتِيَا َ‬
‫مكرهتين‪.‬‬
‫قال الثوري ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن سليمان بن موسى ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله‬
‫طوْعًا َأوْ كَرْهًا } قال ‪ :‬قال ال تعالى للسموات ‪ :‬أطلعي‬
‫[تعالى] (‪َ { )1‬فقَالَ َلهَا وَلِل ْرضِ اِئْتِيَا َ‬
‫شمسي وقمري ونجومي‪ .‬وقال للرض ‪ :‬شققي أنهارك ‪ ،‬وأخرجي ثمارك‪ .‬فقالتا ‪ { :‬أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ‬
‫}‬
‫واختاره ابن جرير ‪ -‬رحمه ال‪.‬‬
‫{ قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ } أي ‪ :‬بل نستجيب لك مطيعين بما فينا ‪ ،‬مما تريد خلقه من الملئكة والنس‬
‫والجن جميعا مطيعين (‪ )2‬لك‪ .‬حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية قال ‪ :‬وقيل ‪ :‬تنزيل لهن‬
‫معاملة من يعقل بكلمهما‪.‬‬
‫وقيل (‪ )3‬إن المتكلم من الرض بذلك هو مكان الكعبة ‪ ،‬ومن السماء ما يسامته منها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذابا يجدان ألمه‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫س َموَاتٍ فِي َي ْومَيْنِ } أي ‪ :‬ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫{ َف َقضَاهُنّ سَبْعَ َ‬
‫آخرين ‪ ،‬وهما يوم الخميس ويوم الجمعة‪.‬‬
‫سمَاءٍ َأمْرَهَا } أي ‪ :‬ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملئكة ‪ ،‬وما‬
‫{ وََأوْحَى فِي ُكلّ َ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ } وهن الكواكب المنيرة‬
‫فيها من الشياء التي ل يعلمها إل هو ‪ { ،‬وَزَيّنّا ال ّ‬
‫حفْظًا } أي ‪ :‬حرسا من الشياطين أن تستمع إلى المل العلى‪.‬‬
‫المشرقة على أهل الرض ‪ { ،‬وَ ِ‬
‫{ ذَِلكَ َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } أي ‪ :‬العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره ‪ ،‬العليم بجميع‬
‫حركات المخلوقات وسكناتهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا هَنّاد بن السري ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن أبي سعيد (‪ )4‬البقال ‪،‬‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬قال هناد ‪ :‬قرأت سائر الحديث ‪ -‬أن اليهود أتت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فسألته عن خلق السماوات والرض ‪ ،‬فقال ‪" :‬خلق ال الرض يوم الحد ويوم الثنين‬
‫‪ ،‬وخلق الجبال يوم الثلثاء وما فيهن من منافع ‪ ،‬وخلق يوم الربعاء الشجر والماء والمدائن‬
‫جعَلُونَ َلهُ‬
‫والعمران والخراب ‪ ،‬فهذه أربعة ‪ُ { :‬قلْ أَئِ ّنكُمْ لَ َت ْكفُرُونَ بِالّذِي خَلَقَ ال ْرضَ فِي َي ْومَيْنِ وَتَ ْ‬
‫سيَ مِنْ َف ْو ِقهَا وَبَا َركَ فِيهَا َوقَدّرَ فِيهَا َأ ْقوَا َتهَا فِي أَرْ َبعَةِ أَيّامٍ‬
‫ج َعلَ فِيهَا َروَا ِ‬
‫ن َو َ‬
‫أَنْدَادًا ذَِلكَ َربّ ا ْلعَاَلمِي َ‬
‫سوَاءً لِلسّائِلِينَ } لمن سأل ‪ ،‬قال ‪" :‬وخلق يوم الخميس السماء ‪ ،‬وخلق يوم الجمعة النجوم‬
‫َ‬
‫والشمس والقمر والملئكة إلى ثلث ساعات بقيت منه ‪ ،‬فخلق في أول ساعة من هذه الثلثة‬
‫الجال ‪ ،‬حين يموت من مات ‪ ،‬وفي الثانية ألقى الفة على كل شيء مما ينتفع به الناس ‪ ،‬وفي‬
‫الثالثة آدم ‪ ،‬وأسكنه الجنة ‪ ،‬وأمر إبليس بالسجود له ‪ ،‬وأخرجه منها في آخر ساعة"‪ .‬ثم قالت‬
‫اليهود ‪ :‬ثم ماذا يا محمد ؟ قال ‪" :‬ثم استوى على العرش"‪ .‬قالوا ‪ :‬قد أصبت لو أتممت! قالوا ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من س‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬مطيعون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في س ‪ ،‬أ ‪" :‬ويقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في س ‪" :‬سعد"‪.‬‬

‫( ‪)7/167‬‬

‫سلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ‬


‫عقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ (‪ِ )13‬إذْ جَاءَ ْتهُمُ الرّ ُ‬
‫ل صَا ِ‬
‫فَإِنْ أَعْ َرضُوا فَ ُقلْ أَنْذَرْ ُت ُك ْم صَاعِقَةً مِ ْث َ‬
‫َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّا َتعْبُدُوا ِإلّا اللّهَ قَالُوا َلوْ شَاءَ رَبّنَا لَأَنْ َزلَ مَلَا ِئكَةً فَإِنّا ِبمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (‪ )14‬فََأمّا‬
‫شدّ مِنّا ُق ّوةً َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََل َقهُمْ ُهوَ‬
‫ق َوقَالُوا مَنْ أَ َ‬
‫عَادٌ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَ ّ‬
‫حدُونَ (‪ )15‬فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا فِي أَيّامٍ َنحِسَاتٍ لِنُذِي َقهُمْ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً َوكَانُوا بِآَيَاتِنَا َيجْ َ‬
‫أَ َ‬
‫عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الْآَخِ َرةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُ ْنصَرُونَ (‪ )16‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ‬
‫عقَةُ ا ْل َعذَابِ ا ْلهُونِ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )17‬وَنَجّيْنَا الّذِينَ‬
‫فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى فََأخَذَ ْتهُ ْم صَا ِ‬
‫َآمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪)18‬‬

‫س َموَاتِ‬
‫ثم استراح‪ .‬فغضب النبي صلى ال عليه وسلم غضبا شديدا ‪ ،‬فنزل ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ‪.‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ } [ق ‪.)1( ] 38 :‬‬
‫وَالرْ َ‬
‫هذا الحديث فيه غرابة‪ .‬فأما حديث ابن جريج ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن أيوب بن خالد ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن رافع ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬أخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بيدي فقال ‪" :‬خلق‬
‫ال التربة يوم السبت ‪ ،‬وخلق فيها الجبال يوم الحد ‪ ،‬وخلق الشجر يوم الثنين ‪ ،‬وخلق المكروه‬
‫يوم الثلثاء ‪ ،‬وخلق النور يوم الربعاء ‪ ،‬وبث فيها الدواب يوم الخميس ‪ ،‬وخلق آدم بعد العصر‬
‫يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة ‪ ،‬فيما بين العصر إلى الليل" فقد رواه‬
‫مسلم ‪ ،‬والنسائي في كتابيهما ‪ ،‬عن حديث ابن جريج ‪ ،‬به (‪ .)2‬وهو من غرائب الصحيح ‪ ،‬وقد‬
‫عَلّله البخاري في التاريخ فقال ‪ :‬رواه بعضهم عن أبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ )3‬عن كعب‬
‫الحبار ‪ ،‬وهو الصح‪.‬‬
‫سلُ مِنْ بَيْنِ‬
‫ل صَاعِقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ (‪ )13‬إِذْ جَاءَ ْت ُهمُ الرّ ُ‬
‫عقَةً مِ ْث َ‬
‫{ فَإِنْ أَعْ َرضُوا َف ُقلْ أَ ْنذَرْ ُتكُ ْم صَا ِ‬
‫أَيْدِيهِمْ َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ قَالُوا َلوْ شَاءَ رَبّنَا لنزلَ مَل ِئكَةً فَإِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ (‬
‫ق َوقَالُوا مَنْ أَشَدّ مِنّا ُق ّوةً َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي‬
‫حّ‬‫‪ )14‬فََأمّا عَادٌ فَاسْ َتكْبَرُوا فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫جحَدُونَ (‪ )15‬فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا فِي أَيّامٍ‬
‫خََل َقهُمْ ُهوَ َأشَدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً َوكَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ‬
‫حسَاتٍ لِ ُنذِي َقهُمْ عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الخِ َرةِ َأخْزَى وَهُمْ ل يُ ْنصَرُونَ (‪ )16‬وََأمّا‬
‫نَ ِ‬
‫َثمُودُ َفهَدَيْنَا ُهمْ فَاسْ َتحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى فََأخَذَ ْتهُمْ صَاعِقَةُ ا ْل َعذَابِ ا ْلهُونِ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪)17‬‬
‫وَنَجّيْنَا الّذِينَ آمَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ (‪} )18‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق ‪ :‬إن أعرضتم عما‬
‫جئتكم به من عند ال فإني أنذركم حلول نقمة ال بكم ‪ ،‬كما حلت بالمم الماضين من المكذبين‬
‫عقَةِ عَادٍ وَ َثمُودَ } أي ‪ :‬ومن شاكلهما (‪ )4‬ممن فعل كفعلهما‪.‬‬
‫عقَةً مِ ْثلَ صَا ِ‬
‫بالمرسلين { صَا ِ‬
‫سلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ } [الحقاف ‪ ، ]21 :‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَا ْذكُرْ أَخَا‬
‫{ ِإذْ جَاءَ ْتهُمُ الرّ ُ‬
‫خ ْلفِهِ } [الحقاف ‪ ]21 :‬أي ‪ :‬في‬
‫ف َوقَدْ خََلتِ النّذُرُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه َومِنْ َ‬
‫حقَا ِ‬
‫عَادٍ ِإذْ أَنْذَرَ َق ْومَهُ بِال ْ‬
‫القرى المجاورة لبلدهم ‪ ،‬بعث ال إليهم الرسل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )24/31‬ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم ‪ 878‬والحاكم في المستدرك (‬
‫‪ )2/543‬من طريق هناد به ‪ ،‬وقال الحاكم صحيح السناد وتعقبه الذهبي فقال ‪ :‬أبو سعيد البقال‬
‫قال ابن معين ‪ :‬ل يكتب حديثه‪".‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )2789‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11010‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬شاكلهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/168‬‬

‫يأمرون بعبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬ومبشرين ومنذرين ورأوا ما أحل ال بأعدائه من النقم ‪،‬‬
‫وما ألبس (‪ )1‬أولياءه من النعم ‪ ،‬ومع هذا ما آمنوا ول صدقوا ‪ ،‬بل كذبوا وجحدوا ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬
‫{ َلوْ شَاءَ رَبّنَا لنزلَ مَل ِئكَةً } أي ‪ :‬لو أرسل ال رسل (‪ )2‬لكانوا ملئكة من عنده ‪ { ،‬فَإِنّا ِبمَا‬
‫أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ } أي ‪ :‬أيها البشر { كَافِرُونَ } أي ‪ :‬ل نتبعكم وأنتم بشر مثلنا‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فََأمّا عَادٌ فَاسْ َتكْب َروُا فِي ال ْرضِ [ ِبغَيْرِ الحَقّ] } (‪ )3‬أي ‪ :‬بغوا وعتوا وعصوا ‪،‬‬
‫شدّ مِنّا ُق ّوةً } أي ‪ :‬منوا بشدة تركيبهم وقواهم ‪ ،‬واعتقدوا أنهم يمتنعون به من بأس‬
‫{ َوقَالُوا مَنْ أَ َ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ ُق ّوةً } أي ‪ :‬أفما يتفكرون (‪ )4‬فيمن يبارزون‬
‫ال! { َأوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََل َقهُمْ ُهوَ أَ َ‬
‫بالعداوة ؟ فإنه العظيم الذي خلق الشياء وركب فيها قواها الحاملة لها ‪ ،‬وإن بطشه شديد ‪ ،‬كما‬
‫سعُونَ } [الذاريات ‪ ، ]47 :‬فبارزوا الجبار بالعداوة ‪،‬‬
‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْ ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَال ّ‬
‫وجحدوا بآياته وعصوا رسوله ‪ ،‬فلهذا قال ‪ { :‬فَأَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا } قال بعضهم ‪:‬‬
‫وهي الشديدة الهبوب‪ .‬وقيل ‪ :‬الباردة‪ .‬وقيل ‪ :‬هي التي لها صوت‪.‬‬
‫والحق أنها متصفة بجميع ذلك ‪ ،‬فإنها كانت ريحا شديدة قوية ؛ لتكون عقوبتهم من جنس ما‬
‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِيَةٍ }‬
‫اغتروا به من قواهم ‪ ،‬وكانت باردة شديدة البرد جدا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬بِرِي ٍ‬
‫[الحاقة ‪ ، ] 6 :‬أي ‪ :‬باردة شديدة ‪ ،‬وكانت ذات صوت مزعج ‪ ،‬ومنه سمي النهر المشهور ببلد‬
‫المشرق "صرصرا (‪ )5‬لقوة صوت جريه‪.‬‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُومًا } [ الحاقة ‪، ] 7 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فِي أَيّامٍ نَحِسَاتٍ } أي ‪ :‬متتابعات ‪ { ،‬سَ ْبعَ لَيَا ٍ‬
‫كقوله { فِي َيوْمِ نَحْسٍ مُسْ َتمِرّ } [القمر ‪ ، ]19 :‬أي ‪ :‬ابتدئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم ‪،‬‬
‫واستمر بهم هذا النحس سبع ليال وثمانية أيام حتى أبادهم عن آخرهم ‪ ،‬واتصل بهم خزي الدنيا‬
‫بعذاب الخرة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬لِنُذِي َقهُمْ عَذَابَ ا ْلخِ ْزيِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وََلعَذَابُ الخِ َرةِ‬
‫أَخْزَى } [أي] (‪ )6‬أشد خزيا لهم ‪ { ،‬وَهُمْ ل يُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬في الخرى (‪ ، )7‬كما لم ينصروا‬
‫في الدنيا ‪ ،‬وما كان لهم من ال من واق يقيهم العذاب ويدرأ عنهم النكال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَا ُهمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬بينا لهم (‪.)8‬‬
‫وقال الثوري ‪ :‬دعوناهم‪.‬‬
‫{ فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى } أي ‪ :‬بصرناهم ‪ ،‬وبينا لهم ‪ ،‬ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم‬
‫صالح صلى ال عليه وسلم (‪ ، )9‬فخالفوه وكذبوه ‪ ،‬وعقروا ناقة ال التي جعلها آية وعلمة على‬
‫عقَةُ ا ْلعَذَابِ ا ْلهُونِ } أي ‪ :‬بعث ال عليهم صيحة ورجفة وذل وهوانا‬
‫صدق نبيهم ‪ { ،‬فَأَخَذَ ْت ُه ْم صَا ِ‬
‫وعذابا ونكال { ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ } أي ‪ :‬من التكذيب والجحود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في س ‪" :‬ألبس ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬رسول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أفما يفكرون" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬فيما يتفكرون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬صرصر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الخرة"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وسعيد بن جبير وغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬

‫( ‪)7/169‬‬
‫س ْم ُعهُمْ‬
‫شهِدَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫وَ َيوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللّهِ إِلَى النّارِ َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )19‬حَتّى إِذَا مَا جَاءُوهَا َ‬
‫وَأَ ْبصَارُهُ ْم وَجُلُو ُدهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)20‬‬

‫{ وَنَجّيْنَا الّذِينَ آمَنُوا [ َوكَانُوا يَ ّتقُونَ] (‪ } )1‬أي ‪ :‬من بين أظهرهم ‪ ،‬لم يمسهم سوء ‪ ،‬ول نالهم من‬
‫ذلك ضرر ‪ ،‬بل نجاهم ال مع نبيهم صالح [عليه السلم] (‪ )2‬بإيمانهم ‪ ،‬وتقواهم ل ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫س ْم ُعهُمْ‬
‫شهِدَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫عدَاءُ اللّهِ إِلَى النّارِ َفهُمْ يُوزَعُونَ (‪ )19‬حَتّى إِذَا مَا جَاءُوهَا َ‬
‫{ وَ َيوْمَ ُيحْشَرُ أَ ْ‬
‫وَأَ ْبصَارُهُ ْم وَجُلُو ُدهُمْ ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪} )20‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/170‬‬

‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ وَإِلَيْهِ‬


‫طقَ ُكلّ َ‬
‫طقَنَا اللّهُ الّذِي أَنْ َ‬
‫شهِدْ ُتمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْ َ‬
‫َوقَالُوا ِلجُلُودِ ِهمْ لِمَ َ‬
‫س ْم ُعكُ ْم وَلَا أَ ْبصَا ُركُ ْم وَلَا جُلُو ُدكُ ْم وََلكِنْ ظَنَنْ ُتمْ أَنّ‬
‫شهَدَ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫جعُونَ (‪َ )21‬ومَا كُنْ ُتمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ َي ْ‬
‫تُرْ َ‬
‫اللّهَ لَا َيعْلَمُ كَثِيرًا ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪ )22‬وَذَِلكُمْ ظَّنكُمُ الّذِي ظَنَنْ ُتمْ بِرَ ّبكُمْ أَ ْردَاكُمْ فََأصْ َبحْتُمْ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ‬
‫(‪ )23‬فَإِنْ َيصْبِرُوا فَالنّارُ مَ ْثوًى َل ُه ْم وَإِنْ يَسْ َتعْتِبُوا َفمَا هُمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ (‪)24‬‬

‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَإِلَيْهِ‬


‫طقَنَا اللّهُ الّذِي أَ ْنطَقَ ُكلّ َ‬
‫ش ِهدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْ َ‬
‫جلُودِهِمْ لِمَ َ‬
‫{ َوقَالُوا لِ ُ‬
‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُمْ وَل جُلُو ُدكُ ْم وََلكِنْ ظَنَنْ ُتمْ‬
‫شهَدَ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫جعُونَ (‪َ )21‬ومَا كُنْ ُتمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ َي ْ‬
‫تُرْ َ‬
‫أَنّ اللّ َه ل َيعَْلمُ كَثِيرًا ِممّا َت ْعمَلُونَ (‪ )22‬وَذَِل ُكمْ ظَّن ُكمُ الّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَ ّب ُكمْ أَرْدَا ُكمْ فََأصْبَحْتُمْ مِنَ‬
‫الْخَاسِرِينَ (‪ )23‬فَإِنْ َيصْبِرُوا فَالنّارُ مَ ْثوًى َل ُه ْم وَإِنْ يَسْ َتعْتِبُوا َفمَا هُمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ (‪} )24‬‬
‫حشَرُ أَعْدَاءُ اللّهِ إِلَى النّارِ َفهُمْ يُوزَعُونَ } أي ‪ :‬اذكر لهؤلء المشركين يوم‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَ َيوْمَ يُ ْ‬
‫يحشرون إلى النار (‪ { )1‬يُوزَعُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬تجمع الزبانية أولهم على آخرهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫جهَنّ َم وِرْدًا } [مريم ‪ ، ]86 :‬أي ‪ :‬عطاشا‪.‬‬
‫{ وَنَسُوقُ ا ْلمُجْ ِرمِينَ إِلَى َ‬
‫س ْم ُعهُ ْم وَأَ ْبصَارُهُمْ وَجُلُودُ ُهمْ ِبمَا‬
‫شهِدَ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا مَا جَاءُوهَا } أي ‪ :‬وقفوا عليها ‪َ { ،‬‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ } (‪ )2‬أي ‪ :‬بأعمالهم مما قدموه وأخروه ‪ ،‬ل ُيكْتَم منه حرف‪.‬‬
‫ش ِهدْتُمْ عَلَيْنَا } أي ‪ :‬لموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫جلُودِهِمْ لِمَ َ‬
‫{ َوقَالُوا لِ ُ‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّرةٍ } أي ‪ :‬فهو ل‬
‫طقَ ُكلّ َ‬
‫طقَنَا اللّهُ الّذِي أَنْ َ‬
‫أجابتهم العضاء ‪ { :‬قَالُوا أَ ْن َ‬
‫يخالف ول يمانع ‪ ،‬وإليه ترجعون‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا علي بن قادم ‪ ،‬حدثنا شريك ‪،‬‬
‫عن عبيد ال ُمكْتَب ‪ ،‬عن الشعبي (‪ ، )3‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ضحك رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ذات يوم وتبسم (‪ ، )4‬فقال ‪" :‬أل تسألوني عن أي شيء ضحكت ؟" قالوا‬
‫‪ :‬يا رسول ال من أي شيء ضحكت ؟ قال ‪" :‬عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫أي ربي ‪ ،‬أليس وعدتني أل تظلمني ؟ قال ‪ :‬بلى فيقول ‪ :‬فإني ل أقبل عليّ شاهدا إل من نفسي‪.‬‬
‫فيقول ال تبارك وتعالى ‪ :‬أو ليس كفى بي شهيدا ‪ ،‬وبالملئكة الكرام الكاتبين ؟! قال ‪ :‬فيردد هذا‬
‫الكلم مرارا"‪ .‬قال ‪" :‬فيختم على فيه ‪ ،‬وتتكلم أركانه بما كان يعمل ‪ ،‬فيقول ‪ُ :‬ب ْعدًا لكُنّ وسُحقا ‪،‬‬
‫عنكن كنت أجادل"‪.‬‬
‫ثم رواه (‪ )5‬هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث أبي عامر السدي ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن عُبيد‬
‫ال ُمكْتَب ‪ ،‬عن فُضيل بن عمرو ‪ ،‬عن الشعبي (‪ )6‬ثم قال ‪" :‬ل نعلم رواه عن أنس غير الشعبي"‪.‬‬
‫وقد أخرجه مسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬جهنم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يكسبون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو بكر البزار بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أو تبسم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ورواه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه ابن أبي الدنيا في التوبة برقم (‪ )18‬من طريق مهران بن أبي عمر عن سفيان الثوري‬
‫بنحوه‪.‬‬

‫( ‪)7/170‬‬

‫والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر ‪ ،‬عن أبي النضر ‪ ،‬عن عُبَيد ال بن عبد الرحمن‬
‫الشجعي ‪ ،‬عن الثوري به (‪ .)1‬ثم قال النسائي ‪" :‬ل أعلم أحدا رواه عن الثوري غير الشجعي"‪.‬‬
‫وليس كما قال كما رأيت ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عُلّية ‪ ،‬عن يونس‬
‫ابن عُبَيْد ‪ ،‬عن حُميد بن هلل قال ‪ :‬قال أبو بُ ْردَة ‪ :‬قال أبو موسى ‪ :‬ويدعى الكافر والمنافق‬
‫للحساب ‪ ،‬فيعرض عليه ربه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬عمله ‪ ،‬فيجحد ويقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬وعزتك لقد كتب‬
‫على هذا الملك ما لم أعمل! فيقول له الملك ‪ :‬أما عملت كذا ‪ ،‬في يوم كذا ‪ ،‬في مكان كذا ؟ فيقول‬
‫‪ :‬ل وعزتك ‪ ،‬أي رب ما عملته‪[ .‬قال] (‪ )2‬فإذا فعل ذلك خُتِم على فيه ‪ -‬قال الشعري ‪ :‬فإني‬
‫لحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا زُهَيْر حدثنا حسن ‪ ،‬عن ابن َلهِيعة ‪ :‬قال دَرّاج عن أبي الهيثم (‪)3‬‬
‫عن أبى سعيد الخدري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا كان يوم القيامة عُرّف الكافر‬
‫بعمله ‪ ،‬فجحد وخاصم ‪ ،‬فيقال ‪ :‬هؤلء جيرانك ‪ ،‬يشهدون عليك ؟ فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬أهلك‬
‫[و] (‪ )4‬عشيرتك ؟ فيقول ‪ :‬كذبوا‪ .‬فيقول ‪ :‬احلفوا فيحلفون ‪ ،‬ثم يصمتهم ال وتشهد عليهم‬
‫ألسنتهم ‪ ،‬ويدخلهم النار" (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ‪:‬‬
‫سمعت أبي ‪ :‬حدثنا علي بن زيد ‪ ،‬عن مسلم بن صُبيْح أبي الضّحى ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه قال‬
‫لبن الزرق ‪ :‬إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين ‪ ،‬ل ينطقون ول يعتذرون ول يتكلمون‬
‫حتى يؤذن لهم ‪ ،‬ثم يؤذن لهم فيختصمون ‪ ،‬فيجحد الجاحد بشركه بال ‪ ،‬فيحلفون له كما يحلفون‬
‫لكم ‪ ،‬فيبعث ال عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم ‪ ،‬جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ‪،‬‬
‫طقَ ُكلّ‬
‫طقَنَا اللّهُ الّذِي أَنْ َ‬
‫ويختم على أفواههم ‪ ،‬ثم يفتح لهم الفواه فتخاصم الجوارح ‪ ،‬فتقول ‪ { :‬أَ ْن َ‬
‫جعُونَ } فتقر اللسنة بعد الجحود‪.‬‬
‫شيْ ٍء وَ ُهوَ خََل َقكُمْ َأ ّولَ مَ ّر ٍة وَإِلَيْهِ تُ ْر َ‬
‫َ‬
‫وقال (‪ )6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬حدثنا صفوان بن عمرو ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي ‪ ،‬عن رافع أبي الحسن ‪ -‬وصف رجل جحد ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫فيشير ال إلى لسانه ‪ ،‬فيربو في فمه (‪ )7‬حتى يمله ‪ ،‬فل يستطيع أن ينطق بكلمة ‪ ،‬ثم يقول‬
‫لرابه (‪ )8‬كلها ‪ :‬تكلمي واشهدي عليه‪ .‬فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده ‪ ،‬وفرجه ويداه ورجله‬
‫‪ :‬صنعنا ‪ ،‬عملنا ‪ ،‬فعلنا‪.‬‬
‫وقد تقدم أحاديث كثيرة ‪ ،‬وآثار عند قوله تعالى في سورة يس ‪ { :‬الْ َيوْمَ َنخْتِمُ عَلَى َأ ْفوَا ِههِ ْم وَ ُتكَّلمُنَا‬
‫شهَدُ أَ ْرجُُلهُمْ ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ } [يس ‪ ، ]65 :‬بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫أَيْدِيهِمْ وَتَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ ، )2969‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11653‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال الحافظ أبو يعلى بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ ، )5262‬ودراج عن أبي الهيثم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬لركانه"‪.‬‬

‫( ‪)7/171‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ -‬رحمه ال ‪ : -‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سويد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سُلَيم‬
‫الطائفي ‪ ،‬عن ابن خُثَيْم ‪ ،‬عن أبي الزبير (‪ ، )1‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬لما رجعت إلى النبي‬
‫(‪ )2‬صلى ال عليه وسلم مهاجرة البحر قال ‪" :‬أل تحدثون بأعاجيب (‪ )3‬ما رأيتم بأرض‬
‫الحبشة ؟" فقال فتية منهم ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ،‬بينا (‪ )4‬نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من‬
‫عجائز رهابينهم ‪ ،‬تحمل على رأسها قلة من ماء ‪ ،‬فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين‬
‫كتفيها ‪ ،‬ثم دفعها فخرت على ركبتيها ‪ ،‬فانكسرت قلتها‪ .‬فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت ‪ :‬سوف‬
‫غدَر ‪ ،‬إذا وضع ال الكرسي ‪ ،‬وجمع الولين والخرين ‪ ،‬وتكلمت اليدي والرجل بما‬
‫تعلم يا ُ‬
‫كانوا يكسبون ‪ ،‬فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا ؟ قال ‪ :‬يقول رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬صَ َد َقتْ [و] (‪ )5‬صدقت ‪ ،‬كيف يُقدس ال قوما ل يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الهوال ‪ :‬أخبرنا إسحاق بن‬
‫إبراهيم قال ‪ :‬أخبرنا يحيى بن سليم ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُ ْم وَل جُلُو ُدكُمْ } أي ‪ :‬تقول لهم‬
‫علَ ْيكُمْ َ‬
‫شهَدَ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كُنْتُمْ َتسْتَتِرُونَ أَنْ يَ ْ‬
‫العضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ‪ :‬ما كنتم تتكتمون (‪ )7‬منا الذي كنتم تفعلونه‬
‫بل كنتم تجاهرون ال بالكفر والمعاصي ‪ ،‬ول تبالون منه في زعمكم ؛ لنكم كنتم ل تعتقدون أنه‬
‫يعلم جميع أفعالكم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلكِنْ ظَنَنْ ُتمْ أَنّ اللّهَ ل َيعْلَمُ كَثِيرًا ِممّا َت ْعمَلُونَ وَذَِلكُمْ ظَّنكُمُ الّذِي‬
‫ظَنَنْ ُتمْ بِرَ ّبكُمْ أَ ْردَاكُمْ } أي ‪ :‬هذا الظن الفاسد ‪ -‬وهو اعتقادكم أن ال ل يعلم كثيرا مما تعملون ‪-‬‬
‫هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم ‪ { ،‬فََأصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } أي ‪ :‬في مواقف القيامة خسرتم‬
‫أنفسكم وأهليكم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ -‬رحمه ال ‪ : -‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن عمارة ‪ ،‬عن عبد‬
‫الرحمن ابن يزيد (‪ ، )8‬عن عبد ال قال ‪ :‬كنت مستترًا بأستار الكعبة فجاء ثلثة نفر ‪ :‬قرشي ‪،‬‬
‫وختناه ثقفيان ‪ -‬أو ثقفي وختناه قرشيان ‪ -‬كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ‪ ،‬فتكلموا بكلم لم‬
‫أسمعه ‪ ،‬فقال أحدهم ‪ :‬أترون أن ال يسمع كلمنا هذا ؟ فقال الخر ‪ :‬إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه‬
‫(‪ ، )9‬وإذا لم نرفعه لم يسمعه ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬إن سمع منه شيئا سمعه كله‪ .‬قال ‪ :‬فذكرت ذلك‬
‫س ْم ُعكُمْ‬
‫شهَدَ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ‪َ { :‬ومَا كُنْتُمْ َتسْتَتِرُونَ أَنْ يَ ْ‬
‫وَل أَ ْبصَا ُركُ ْم وَل جُلُو ُد ُكمْ } إلى قوله ‪ { :‬مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ }‬
‫وكذا رواه الترمذي عن هناد ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬بإسناده نحوه (‪ .)10‬وأخرجه أحمد ومسلم‬
‫والترمذي أيضا ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عُمارة بن عمير ‪ ،‬عن وهب بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بأعجب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬بينما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الهوال لبن أبي الدنيا برقم (‪ )243‬ورواه ابن ماجه في السنن برقم (‪ )4010‬حدثنا سويد بن‬
‫سعيد فذكره‪ .‬قال البوصيري في زوائد ابن ماجه ‪" :‬هذا إسناد حسن ‪ ،‬سويد مختلف فيه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬تكتمون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬يسمعه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )1/381‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3249‬‬

‫( ‪)7/172‬‬

‫ربيعة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بنحوه (‪ .)1‬ورواه البخاري ومسلم أيضا ‪ ،‬من‬
‫حديث السفيانين ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي معمر عبد ال بن سَخْبرة ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود به (‪.)2‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن بهز بن حكيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُ ْم وَل جُلُو ُدكُمْ } قال ‪" :‬إنكم تُدعَون‬
‫علَ ْيكُمْ َ‬
‫شهَدَ َ‬
‫عليه وسلم في قوله ‪ { :‬أَنْ يَ ْ‬
‫ُمفَ ّدمًا على أفواهكم بالفدام ‪ ،‬فأول شيء يبين (‪ )3‬عن أحدكم فخذه وكفه (‪." )5( )4‬‬
‫قال معمر ‪ :‬وتل الحسن ‪ { :‬وَذَِلكُمْ ظَّنكُمُ الّذِي ظَنَنْ ُتمْ بِرَ ّبكُمْ أَ ْردَاكُمْ } ثم قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قال ال أنا مع عبدي عند ظنه بي ‪ ،‬وأنا معه إذا دعاني" ثم أفترّ الحسن‬
‫ينظر في هذا فقال ‪ :‬أل إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم ‪ ،‬فأما المؤمن فأحسن الظن بربه‬
‫فأحسن العمل ‪ ،‬وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بال فأساءا العمل‪ .‬ثم قال ‪ :‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫س ْم ُعكُ ْم وَل أَ ْبصَا ُركُمْ } إلى قوله ‪َ { :‬وذَِلكُمْ ظَّنكُمُ الّذِي ظَنَنْتُمْ‬
‫شهَدَ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫{ َومَا كُنْتُمْ َتسْتَتِرُونَ أَنْ يَ ْ‬
‫بِرَ ّبكُمْ أَ ْردَاكُمْ فََأصْبَحْ ُتمْ مِنَ ا ْلخَاسِرِينَ }‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا النضر بن إسماعيل القاص (‪ - )6‬وهو أبو المغيرة ‪ -‬حدثنا ابن أبي‬
‫ليلى ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر (‪ )7‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يموتن أحد‬
‫منكم إل وهو يحسن بال الظن ‪ ،‬فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بال ‪ ،‬فقال ال تعالى ‪ { :‬وَذَِل ُكمْ‬
‫ظَّنكُمُ الّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَ ّب ُكمْ أَرْدَا ُكمْ فََأصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (‪.)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ َيصْبِرُوا فَالنّارُ مَ ْثوًى َلهُ ْم وَإِنْ يَسْ َتعْتِبُوا َفمَا ُهمْ مِنَ ا ْل ُمعْتَبِينَ } أي ‪ :‬سواء عليهم‬
‫أصبروا أم لم يصبروا هم في النار ‪ ،‬ل محيد لهم عنها ‪ ،‬ول خروج لهم منها‪ .‬وإن طلبوا أن‬
‫يستعتبوا ويبدوا أعذارا (‪ )9‬فما لهم أعذار ‪ ،‬ول ُتقَال لهم عثرات‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ومعنى قوله ‪ { :‬وَإِنْ َيسْ َتعْتِبُوا } أي ‪ :‬يسألوا الرجعة إلى الدنيا ‪ ،‬فل جواب لهم‬
‫ش ْقوَتُنَا َوكُنّا َق ْومًا ضَالّينَ رَبّنَا‬
‫علَيْنَا ِ‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم ‪ { :‬قَالُوا رَبّنَا غَلَ َبتْ َ‬
‫أَخْ ِرجْنَا مِ ْنهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَاِلمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَل ُتكَّلمُونِ } [المؤمنون ‪.]108 - 106 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/408‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2775‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3249‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )4817‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2775‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ينطق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وكتفه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير عبد الرزاق (‪ ، )2/151‬والمصنف (‪ ، )20115‬ورواه النسائي في السنن (‪ )5/4‬وابن‬
‫ماجه في السنن برقم (‪ )2536‬من طريق عن بهز بن حكيم بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬القاضي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد عن جابر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)3/390‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أعذارهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/173‬‬

‫َوقَ ّيضْنَا َل ُهمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَحَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ َقدْ خََلتْ مِنْ قَبِْل ِهمْ‬
‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ‬
‫س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآَ ِ‬
‫مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪َ )25‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لَا َت ْ‬
‫سوَأَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )27‬ذَِلكَ‬
‫َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ (‪ )26‬فَلَنُذِيقَنّ الّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫حدُونَ (‪َ )28‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللّهِ النّارُ َلهُمْ فِيهَا دَارُ ا ْلخُلْدِ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا َيجْ َ‬
‫سفَلِينَ (‪)29‬‬
‫حتَ َأقْدَامِنَا لِ َيكُونَا مِنَ الْأَ ْ‬
‫جعَ ْل ُهمَا َت ْ‬
‫ن وَالْإِنْسِ نَ ْ‬
‫رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ َأضَلّانَا مِنَ ا ْلجِ ّ‬

‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْلقَ ْولُ فِي ُأمَمٍ قَدْ خََلتْ مِنْ‬
‫{ َوقَ ّيضْنَا َلهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُ ْم وَ َ‬
‫ن وَا ْل َغوْا‬
‫س َمعُوا ِلهَذَا ا ْلقُرْآ ِ‬
‫ن وَالنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪َ )25‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل تَ ْ‬
‫قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫سوَأَ الّذِي كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪)27‬‬
‫شدِيدًا وَلَ َنجْزِيَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫عذَابًا َ‬
‫فِيهِ َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ (‪ )26‬فَلَ ُنذِيقَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫جحَدُونَ (‪َ )28‬وقَالَ الّذِينَ‬
‫عدَاءِ اللّهِ النّارُ َلهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُ ْلدِ جَزَاءً ِبمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ‬
‫ذَِلكَ جَزَاءُ أَ ْ‬
‫سفَلِينَ (‪} )29‬‬
‫حتَ َأ ْقدَامِنَا لِ َيكُونَا مِنَ ال ْ‬
‫جعَ ْل ُهمَا تَ ْ‬
‫ن وَالنْسِ نَ ْ‬
‫َكفَرُوا رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ َأضَلنَا مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين ‪ ،‬وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته ‪ ،‬وهو الحكيم في‬
‫أفعاله ‪ ،‬بما قَيّض لهم من القرناء من شياطين النس والجن ‪ { :‬فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم َومَا‬
‫حسّنوا لهم أعمالهم في الماضي ‪ ،‬وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إل‬
‫خَ ْل َفهُمْ } أي ‪َ :‬‬
‫ن وَإِ ّنهُمْ‬
‫حمَنِ ُنقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا َف ُهوَ َلهُ قَرِي ٌ‬
‫محسنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َيعْشُ عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ } [الزخرف ‪.]37 ، 36 :‬‬
‫حقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ } أي ‪ :‬كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم ‪،‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫ممن فعل كفعلهم ‪ ،‬من الجن والنس ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } أي ‪ :‬است َووَا هم وإياهم في الخسار‬
‫والدمار‪.‬‬
‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ } أي ‪ :‬تواصوا فيما بينهم أل‬
‫س َمعُوا ِلهَذَا ا ْلقُرْآ ِ‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل تَ ْ‬
‫يطيعوا للقرآن ‪ ،‬ول ينقادوا لوامره (‪ { ، )1‬وَا ْل َغوْا فِيهِ } أي ‪ :‬إذا تلي ل تسمعوا له‪ .‬كما قال‬
‫مجاهد ‪ { :‬وَا ْلغَوْا فِيهِ } يعني ‪ :‬بالمكاء (‪ )2‬والصفير والتخليط في المنطق على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَا ْل َغوْا فِيهِ } عيبوه (‪.)3‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬اجحدوا به ‪ ،‬وأنكروه وعادوه‪.‬‬
‫{ َلعَّل ُكمْ َتغْلِبُونَ } هذا حال هؤلء الجهلة من الكفار ‪ ،‬ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن‪ .‬وقد‬
‫أمر ال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عباده المؤمنين بخلف ذلك فقال ‪ { :‬وَإِذَا قُ ِرئَ ا ْلقُرْآنُ فَاسْ َت ِمعُوا لَ ُه وَأَ ْنصِتُوا‬
‫حمُونَ } [العراف ‪.]204 :‬‬
‫َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ :‬منتصرا للقرآن ‪ ،‬ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفران ‪ { :‬فَلَنُذِيقَنّ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫سوَأَ الّذِي كَانُوا‬
‫عَذَابًا شَدِيدًا } أي ‪ :‬في مقابلة ما اعتمدوه في القرآن وعند سماعه ‪ { ،‬وَلَنَجْزِيَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫عدَاءِ اللّهِ النّارُ َل ُهمْ فِيهَا دَارُ الْخُ ْلدِ جَزَاءً‬
‫َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬بشَرّ أعمالهم وسيّئ أفعالهم { ذَِلكَ جَزَاءُ أَ ْ‬
‫حتَ‬
‫جعَ ْل ُهمَا َت ْ‬
‫ن وَالنْسِ نَ ْ‬
‫ن َوقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا رَبّنَا أَرِنَا الّذَيْنِ َأضَلنَا مِنَ الْجِ ّ‬
‫جحَدُو َ‬
‫ِبمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَ ْ‬
‫سفَلِينَ }‬
‫َأقْدَامِنَا لِ َيكُونَا مِنَ ال ْ‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن مالك بن الحصين الفزاري ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )4‬عن‬
‫علي ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لمره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالمكاء والتصدية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬قعوا فيه ‪ ،‬عيبوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن أبيه روى"‪.‬‬

‫( ‪)7/174‬‬

‫رضي ال عنه ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬الّذَيْنِ َأضَلنَا } قال ‪ :‬إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه‪.‬‬
‫وهكذا روى حبة العُرَنِي عن علي ‪ ،‬مثل ذلك‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن علي ‪ :‬فإبليس يدعو به كل صاحب شرك ‪ ،‬وابن آدم يدعو به كل صاحب‬
‫كبيرة ‪ ،‬فإبليس ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬هو الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه ‪ ،‬وابن آدم الول‪ .‬كما‬
‫ثبت في الحديث ‪" :‬ما قتلت نفس ظلما إل كان على ابن آدم الول كفل من دمها ؛ لنه أول من‬
‫سن القتل" (‪.)1‬‬
‫حتَ َأقْدَامِنَا } أي ‪ :‬أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذابا منا ؛ ولهذا قالوا‬
‫جعَ ْل ُهمَا تَ ْ‬
‫وقوله (‪َ { )2‬ن ْ‬
‫سفَلِينَ } أي ‪ :‬في الدرك السفل من النار ‪ ،‬كما تقدم في "العراف" من سؤال‬
‫‪ { :‬لِ َيكُونَا مِنَ ال ْ‬
‫ض ْعفٌ وََلكِنْ ل َتعَْلمُونَ }‬
‫ل ِ‬
‫التباع من ال أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم ‪ ،‬قال ‪ِ { :‬ل ُك ّ‬
‫[العراف ‪ ]38 :‬أي ‪ :‬إنه تعالى قد أعطى كل منهم ما يستحقه من العذاب والنكال ‪ ،‬بحسب عمله‬
‫عذَابًا َفوْقَ ا ْل َعذَابِ ِبمَا‬
‫وإفساده ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ َ‬
‫سدُونَ } [النحل ‪.]88 :‬‬
‫كَانُوا ُيفْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الحديث أخرجه الجماعة سوى أبي داود ‪ ،‬وانظر تخريجه عند الية ‪ 29 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في س ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/175‬‬

‫إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنَ ّزلُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ أَلّا تَخَافُوا وَلَا َتحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ‬
‫سكُمْ‬
‫الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (‪ )30‬نَحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الَْآخِ َرةِ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ (‪)32‬‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ (‪ )31‬نُزُلًا مِنْ َ‬

‫{ إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلمَل ِئكَةُ أَل تَخَافُوا وَل تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِا ْلجَنّةِ‬
‫سكُمْ‬
‫الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (‪ )30‬نَحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َر ِة وََلكُمْ فِيهَا مَا َتشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ رَحِيمٍ (‪} )32‬‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ (‪ )31‬نزل مِنْ َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } أي ‪ :‬أخلصوا العمل ل ‪ ،‬وعملوا بطاعة ال‬
‫تعالى على ما شرع ال لهم‪.‬‬
‫شعِيري ‪،‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا الجراح ‪ ،‬حدثنا سلم (‪ )1‬بن قتيبة أبو قتيبة ال ّ‬
‫حدثنا سهيل (‪ )2‬بن أبي حزم ‪ ،‬حدثنا ثابت (‪ )3‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قرأ علينا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } قد قالها ناس ثم كفر‬
‫أكثرهم (‪ ، )4‬فمن قالها حتى (‪ )5‬يموت فقد (‪ )6‬استقام عليها‪.‬‬
‫وكذا رواه النسائي في تفسيره ‪ ،‬والبزار وابن جرير ‪ ،‬عن عمرو بن علي الفلس ‪ ،‬عن سلم (‪)7‬‬
‫بن قتيبة ‪ ،‬به (‪ .)8‬وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن الفلس ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عامر بن سعد (‪)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قال الحافظ أبو يعلى الموصلي بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ثم كفروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬حين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬فهو ممن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند أبي يعلى ‪ ، )06/213‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11470‬وتفسير الطبري (‬
‫‪.)24/73‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)7/175‬‬

‫‪ ،‬عن سعيد (‪ )1‬بن نمران (‪ )2‬قال ‪ :‬قرأت (‪ )3‬عند أبي بكر الصديق هذه الية ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ‬
‫قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } قال ‪ :‬هم الذين لم يشركوا بال شيئا‪.‬‬
‫ثم روي من حديث السود بن هلل قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬ما تقولون في هذه‬
‫الية ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا } ؟ قال ‪ :‬فقالوا ‪ { :‬رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا } من ذنب‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬لقد حملتموها على غير المحمل ‪ { ،‬قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا } فلم يلتفتوا إلى إله غيره‪.‬‬
‫وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد ال الظهراني (‪ ، )5‬أخبرنا حفص بن عمر العدني ‪ ،‬عن‬
‫الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬سئل ابن عباس (‪ ، )6‬رضي ال عنهما ‪ :‬أي آية في كتاب ال‬
‫أرخص ؟ قال قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } على شهادة أن ل إله إل ال‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬تل عمر هذه الية على المنبر ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬استقاموا ‪ -‬وال ‪ -‬ل بطاعته ‪ ،‬ولم‬
‫يروغوا روغان الثعالب‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } على أداء فرائضه‪.‬‬
‫وكذا قال قتادة ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان الحسن يقول ‪ :‬اللهم أنت ربنا ‪ ،‬فارزقنا الستقامة‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ُ { :‬ثمّ اسْ َتقَامُوا } أخلصوا له العمل والدين‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬حدثنا يعلى بن عطاء ‪ ،‬عن عبد ال بن سفيان الثقفي ‪ ،‬عن أبيه‬
‫(‪ )7‬؛ أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال مرني بأمر في السلم ل أسأل عنه أحدا بعدك‪ .‬قال ‪" :‬قل‬
‫آمنت بال ‪ ،‬ثم استقم" قلت ‪ :‬فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث شعبة ‪ ،‬عن يعلى بن عطاء ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫ثم قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن سعد ‪ ،‬حدثني ابن شهاب ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ‪ ،‬عن سفيان (‪ )9‬بن عبد ال الثقفي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬حدثني بأمر أعتصم به‪ .‬قال ‪" :‬قل ربي ال ‪ ،‬ثم استقم" قلت ‪ :‬يا رسول ال ما أكثر‬
‫ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بطرف لسان نفسه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫وهكذا (‪ )10‬رواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪ .)11‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رواه ابن جرير عن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬مهران"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬قرنت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مجاهد وغيره"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بسنده عن ابن عباس أنه سئل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )4/384‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11489‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى أحمد عن سفيان"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬هكذا وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ ، )3/413‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2410‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3972‬‬

‫( ‪)7/176‬‬

‫وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ‪ ،‬من حديث هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن سفيان بن‬
‫عبد ال الثقفي قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قل لي في السلم قول ل أسأل عنه أحدا بعدك‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"قل آمنت بال ‪ ،‬ثم استقم" وذكر تمام الحديث (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تَتَنزلُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةُ } قال مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه ‪ :‬يعني عند‬
‫الموت قائلين ‪ { :‬أَل تَخَافُوا } قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ :‬أي مما تقدمون عليه من‬
‫أمر الخرة ‪ { ،‬وَل َتحْزَنُوا } [أي] (‪ )2‬على ما خلفتموه من أمر الدنيا ‪ ،‬من ولد وأهل ‪ ،‬ومال أو‬
‫عدُونَ } فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول‬
‫دين ‪ ،‬فإنا نخلفكم فيه ‪ { ،‬وَأَبْشِرُوا بِا ْلجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُو َ‬
‫الخير‪.‬‬
‫وهذا كما في حديث البراء (‪ ، )3‬رضي ال عنه ‪" :‬إن الملئكة تقول لروح المؤمن ‪ :‬اخرجي‬
‫أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ‪ ،‬اخرجي إلى روح وريحان ‪ ،‬ورب غير‬
‫غضبان"‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إن الملئكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم‪ .‬حكاه ابن جرير عن ابن عباس ‪،‬‬
‫والسدي‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن مطهر ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان ‪:‬‬
‫سمعت ثابتا قرأ سورة "حم السجدة" (‪ )4‬حتى بلغ ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ‬
‫عَلَ ْيهِمُ ا ْلمَل ِئكَةُ } فوقف فقال ‪ :‬بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه ال من قبره ‪ ،‬يتلقاه الملكان اللذان‬
‫كانا معه في الدنيا ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ل تخف ول تحزن ‪ { ،‬وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } (‪)5‬‬
‫قال ‪ :‬فيؤمن ال خوفه ‪ ،‬ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إل هي للمؤمن قرة‬
‫عين ‪ ،‬لما هداه ال ‪ ،‬ولما كان يعمل له في الدنيا‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ :‬يبشرونه عند موته ‪ ،‬وفي قبره ‪ ،‬وحين يبعث‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وهذا القول يجمع القوال كلها ‪ ،‬وهو حسن جدا ‪ ،‬وهو الواقع‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬نحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ } أي ‪ :‬تقول الملئكة للمؤمنين عند‬
‫الحتضار ‪ :‬نحن كنا أولياءكم ‪ ،‬أي ‪ :‬قرناءكم في الحياة الدنيا ‪ ،‬نسددكم ونوفقكم ‪ ،‬ونحفظكم بأمر‬
‫ال ‪ ،‬وكذلك نكون معكم في الخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور ‪ ،‬وعند النفخة في الصور ‪،‬‬
‫ونؤمنكم يوم البعث والنشور ‪ ،‬ونجاوز بكم الصراط المستقيم ‪ ،‬ونوصلكم إلى جنات النعيم‪ { .‬وََلكُمْ‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬في الجنة من جميع ما تختارون (‪ )6‬مما تشتهيه النفوس ‪ ،‬وتقر به‬
‫فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫العيون ‪ { ،‬وََلكُمْ فِيهَا مَا َتدّعُونَ } أي ‪ :‬مهما طلبتم وجدتم ‪ ،‬وحضر بين أيديكم ‪[ ،‬أي] (‪ )7‬كما‬
‫اخترتم ‪،‬‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ } أي ‪ :‬ضيافة وعطاء وإنعاما من غفور لذنوبكم ‪ ،‬رحيم بكم رءوف ‪،‬‬
‫{ نزل مِنْ َ‬
‫حيث غفر ‪ ،‬وستر ‪ ،‬ورحم ‪ ،‬ولطف‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)38‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حديث البراء سبق تخريجه عند تفسير الية ‪ 40 :‬من سورة العراف إل أن هذا اللفظ هو‬
‫لفظ حديث أبي هريرة رضي ال عنه وهو مخرج في نفس الموضع‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ :‬وروى ابن أبي حاتم عن ثابت أنه قرأ السجدة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬وأبشر" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬تختارونه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫( ‪)7/177‬‬

‫سكُمْ‬
‫وقد ذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث "سوق الجنة" عند قوله تعالى ‪ { :‬وََلكُمْ فِيهَا مَا تَشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫غفُورٍ َرحِيمٍ } ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ نزل مِنْ َ‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد بن حبيب (‪ )1‬بن أبي العشرين أبي سعيد ‪،‬‬
‫حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني حسان بن عطية ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ :‬أنه لقي أبا هريرة [رضي ال‬
‫عنه] (‪ )2‬فقال أبو هريرة ‪ :‬نسأل (‪ )3‬ال أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة‪ .‬فقال سعيد ‪ :‬أو‬
‫فيها سوق ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أخبرني رسول ال صلى ال عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوا فيها ‪،‬‬
‫نزلوا بفضل أعمالهم ‪ ،‬فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة في أيام الدنيا فيزورون ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ويبرز لهم عرشه ‪ ،‬ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة ‪ ،‬وتوضع لهم منابر من نور ‪،‬‬
‫ومنابر من لؤلؤ ‪ ،‬ومنابر من ياقوت ‪ ،‬ومنابر من زبرجد ‪ ،‬ومنابر من ذهب ‪ ،‬ومنابر من فضة ‪،‬‬
‫ويجلس [فيه] (‪ )4‬أدناهم وما فيهم دنيء على كثبان المسك والكافور ‪ ،‬ما يرون بأن أصحاب‬
‫الكراسي بأفضل منهم مجلسا‪.‬‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل نرى ربنا [يوم القيامة] (‪ )5‬؟ قال ‪" :‬نعم هل‬
‫تتمارون (‪ )6‬في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر ؟" قلنا ‪ :‬ل‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فكذلك ل‬
‫تتمارون في رؤية ربكم تعالى ‪ ،‬ول يبقى في ذلك المجلس أحد إل حاضره ال محاضرة ‪ ،‬حتى‬
‫إنه ليقول للرجل منهم ‪ :‬يا فلن بن فلن ‪ ،‬أتذكر يوم عملت كذا وكذا ؟ ‪ -‬يذكّره ببعض غدراته‬
‫في الدنيا ‪ -‬فيقول ‪ :‬أي رب ‪ ،‬أفلم تغفر لي ؟ فيقول ‪ :‬بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فبينما هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم ‪ ،‬فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا‬
‫قط"‪ .‬قال ‪ :‬ثم يقول ربنا ‪ -‬عز وجل ‪ : -‬قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة ‪ ،‬وخذوا ما‬
‫حفّت به الملئكة ‪ ،‬فيها ما لم تنظر العيون إلى مثله ‪ ،‬ولم تسمع‬
‫اشتهيتم"‪ .‬قال ‪" :‬فنأتي سوقا قد َ‬
‫الذان ‪ ،‬ولم يخطر على القلوب‪ .‬قال ‪ :‬فيحمل لنا ما اشتهينا ‪ ،‬ليس يباع فيه شيء ول يشترى ‪،‬‬
‫وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا"‪ .‬قال ‪" :‬فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة ‪ ،‬فيلقى‬
‫من هو دونه ‪ -‬وما فيهم دنيء فيروعه ما يرى عليه من اللباس ‪ ،‬فما ينقضي آخر حديثه حتى‬
‫يتمثل عليه أحسن منه ؛ وذلك لنه ل ينبغي لحد أن يحزن فيها‪.‬‬
‫ثم ننصرف إلى منازلنا ‪ ،‬فيتلقانا أزواجنا فيقلن ‪ :‬مرحبا وأهل ِبحِبّنا ‪ ،‬لقد جئت وإن بك من‬
‫الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه‪ .‬فيقول ‪ :‬إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار ‪ -‬عز وجل ‪-‬‬
‫وبحقنا أن ننقلب بمثل (‪ )7‬ما انقلبنا به"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي في "صفة الجنة" من جامعه ‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪،‬‬
‫ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار ‪ ،‬به نحوه (‪ .)8‬ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل‬
‫نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الوليد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أسأل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬تمارون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪ )2549‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4336‬‬

‫( ‪)7/178‬‬

‫حسَنَةُ‬
‫ل صَالِحًا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )33‬وَلَا تَسْ َتوِي الْ َ‬
‫ع ِم َ‬
‫َومَنْ َأحْسَنُ َقوْلًا ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّ ِه وَ َ‬
‫حمِيمٌ (‪َ )34‬ومَا ُيَلقّاهَا إِلّا‬
‫وَلَا السّيّئَةُ ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ فَِإذَا الّذِي بَيْ َنكَ وَبَيْنَهُ عَدَا َوةٌ كَأَنّ ُه وَِليّ َ‬
‫ن صَبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِلّا ذُو حَظّ عَظِيمٍ (‪ )35‬وَِإمّا يَنْزَغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نَ ْزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ‬
‫الّذِي َ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪)36‬‬
‫ُهوَ ال ّ‬

‫عدِي ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن أبي َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من أحب لقاء ال أحب ال لقاءه ‪ ،‬ومن كره لقاء ال كره ال لقاءه"‪ .‬قلنا (‪ )1‬يا‬
‫حضِر جاءه‬
‫رسول ال كلنا نكره الموت ؟ قال ‪" :‬ليس ذلك كراهية الموت ‪ ،‬ولكن المؤمن إذا ُ‬
‫البشير من ال بما هو صائر إليه ‪ ،‬فليس شيء أحب إليه من أن يكون قد لقي ال فأحب ال لقاءه"‬
‫حضِر (‪ )2‬جاءه بما هو صائر إليه من الشر ‪ -‬أو ‪ :‬ما يلقى‬
‫قال ‪" :‬وإن الفاجر ‪ -‬أو الكافر ‪ -‬إذا ُ‬
‫من الشر ‪ -‬فكره لقاء ال فكره ال لقاءه"‪.‬‬
‫وهذا حديث صحيح (‪ ، )3‬وقد ورد في الصحيح من غير هذا الوجه (‪.)4‬‬
‫ل صَالِحًا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )33‬وَل َتسْ َتوِي‬
‫ع ِم َ‬
‫{ َومَنْ َأحْسَنُ َقوْل ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّ ِه وَ َ‬
‫حمِيمٌ (‪َ )34‬ومَا‬
‫حسَنَ ُة وَل السّيّئَةُ ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ فَِإذَا الّذِي بَيْ َنكَ وَبَيْنَهُ عَدَا َوةٌ كَأَنّ ُه وَِليّ َ‬
‫الْ َ‬
‫حظّ عَظِيمٍ (‪ )35‬وَِإمّا يَنزغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نزغٌ فَاسْ َتعِذْ‬
‫ن صَبَرُوا َومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو َ‬
‫يَُلقّاهَا إِل الّذِي َ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪} )36‬‬
‫بِاللّهِ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫ل صَالِحًا‬
‫عمِ َ‬
‫حسَنُ َقوْل ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬دعا عباد ال إليه ‪ { ،‬وَ َ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَنْ أَ ْ‬
‫َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬وهو في نفسه مهتد بما يقوله ‪ ،‬فنفعه لنفسه ولغيره لزم ومُ َتعَدٍ ‪،‬‬
‫وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ول يأتونه ‪ ،‬وينهون عن المنكر ويأتونه ‪ ،‬بل يأتمر بالخير‬
‫ويترك الشر ‪ ،‬ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى‪ .‬وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ‪،‬‬
‫وهو في نفسه مهتد ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم أولى الناس بذلك ‪ ،‬كما قال محمد بن‬
‫سيرين ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بها المؤذنون الصلحاء ‪ ،‬كما ثبت في صحيح مسلم ‪" :‬المؤذنون أطول الناس أعناقا‬
‫يوم القيامة" (‪ )5‬وفي السنن مرفوعا ‪" :‬المام ضامن ‪ ،‬والمؤذن مؤتمن ‪ ،‬فأرشد ال الئمة ‪،‬‬
‫وغفر للمؤذنين" (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن عَرُوبَة الهروي ‪ ،‬حدثنا غسان‬
‫قاضي هراة وقال أبو زرعة ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن طهمان ‪ ،‬عن مطر ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن سعد بن‬
‫أبي وقاص أنه قال ‪" :‬سهام المؤذنين عند ال يوم القيامة كسهام المجاهدين ‪ ،‬وهو بين الذان‬
‫والقامة كالمتشحط في سبيل ال في دمه"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقال ابن مسعود ‪" :‬لو كنت مؤذنا ما باليت أل أحج ول أعتمر ول أجاهد"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬احتضر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/107‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6507‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2683‬من طريق قتادة‬
‫عن أنس عن عبادة بن الصامت بنحو الحديث المتقدم‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪ )387‬من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه أحمد في مسنده (‪ )2/232‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )8/5‬والترمذي في السنن برقم (‬
‫‪.)207‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)7/179‬‬

‫قال ‪ :‬وقال عمر بن الخطاب ‪ :‬لو كنت مؤذنا لكمل أمري ‪ ،‬وما باليت أل أنتصب لقيام الليل ول‬
‫لصيام النهار ‪ ،‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬اللهم اغفر للمؤذنين" ثلثا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬تركتنا ‪ ،‬ونحن نجتلد على الذان بالسيوف‪ .‬قال ‪" :‬كل يا عمر ‪ ،‬إنه يأتي‬
‫(‪ )1‬على الناس زمان يتركون الذان على ضعفائهم ‪ ،‬وتلك لحوم حرمها ال على النار ‪ ،‬لحوم‬
‫المؤذنين" (‪.)2‬‬
‫ع ِملَ صَاِلحًا َوقَالَ‬
‫قال ‪ :‬وقالت عائشة ‪ :‬ولهم هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ َأحْسَنُ َقوْل ِممّنْ دَعَا إِلَى اللّ ِه وَ َ‬
‫إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } قالت ‪ :‬فهو المؤذن إذا قال ‪" :‬حي على الصلة" فقد دعا إلى ال‪.‬‬
‫وهكذا قال ابن عمر ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬إنها نزلت في المؤذنين‪.‬‬
‫ل صَالِحًا }‬
‫عمِ َ‬
‫وقد ذكر البغوي عن أبي أمامة الباهلي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫قال ‪ :‬يعني صلة ركعتين بين الذان والقامة‪.‬‬
‫ثم أورد البغوي حديث "عبد ال بن المغفل" قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بين كل‬
‫أذانين صلة"‪ .‬ثم قال في الثالثة ‪" :‬لمن شاء" (‪ )3‬وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ‪ ،‬من حديث عبد‬
‫ال بن بريدة ‪ ،‬عنه (‪ )4‬وحديث الثوري ‪ ،‬عن زيد العمي ‪ ،‬عن أبي إياس معاوية بن قرة ‪ ،‬عن‬
‫أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال الثوري ‪ :‬ل أراه إل وقد رفعه إلى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬الدعاء ل يرد بين الذان والقامة"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬والنسائي في "اليوم والليلة" كلهم من حديث الثوري ‪ ،‬به (‪ .)5‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫ورواه النسائي أيضا من حديث سليمان التيمي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫والصحيح أن الية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ‪ ،‬فأما حال نزول هذه الية فإنه لم يكن الذان‬
‫مشروعا بالكلية ؛ لنها مكية ‪ ،‬والذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة ‪ ،‬حين أريه عبد ال بن زيد‬
‫بن عبد ربه النصاري في منامه ‪ ،‬فقصه على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمره أن يلقيه‬
‫على بلل فإنه أندى صوتا ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ‪ ،‬فالصحيح إذًا أنها عامة ‪ ،‬كما قال عبد‬
‫حسَنُ َقوْل ِممّنْ دَعَا إِلَى‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الحسن البصري ‪ :‬أنه تل هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ أَ ْ‬
‫ل صَالِحًا َوقَالَ إِنّنِي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } فقال ‪ :‬هذا حبيب ال ‪ ،‬هذا ولي ال ‪ ،‬هذا صفوة‬
‫ع ِم َ‬
‫اللّ ِه وَ َ‬
‫ال ‪ ،‬هذا خِيَرَة ال ‪ ،‬هذا أحب أهل الرض إلى ال ‪ ،‬أجاب ال في دعوته ‪ ،‬ودعا الناس إلى ما‬
‫أجاب ال فيه من دعوته ‪ ،‬وعمل صالحا في إجابته ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬سيأتي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه السماعيلي في مسنده كما في مسند عمر لبن كثير (‪ )1/144‬من طريق إبراهيم بن‬
‫طهمان عن مطر عن الحسن البصري عن عمر به والحسن لم يسمع من عمر‪.‬‬
‫(‪ )3‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/174‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )627‬وصحيح مسلم برقم (‪ )838‬وسنن أبي داود برقم (‪)2283‬‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪ )185‬وسنن النسائي (‪ )2/28‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1162‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )521‬وسنن الترمذي برقم (‪ )212‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‬
‫‪.)9896‬‬
‫(‪ )6‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)9899‬‬
‫( ‪)7/180‬‬

‫إنني من المسلمين ‪ ،‬هذا خليفة ال‪.‬‬


‫حسَنَ ُة وَل السّيّئَةُ } أي ‪ :‬فرق عظيم بين هذه وهذه ‪ { ،‬ا ْد َفعْ بِالّتِي ِهيَ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَسْ َتوِي الْ َ‬
‫حسَنُ } أي ‪ :‬من أساء إليك فادفعه عنك بالحسان إليه ‪ ،‬كما قال عمر [رضي ال عنه] (‪ )1‬ما‬
‫أَ ْ‬
‫عاقبت من عصى ال فيك بمثل أن تطيع ال فيه‪.‬‬
‫حمِيمٌ } وهو الصديق ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا أحسنت إلى من‬
‫ك وَبَيْنَهُ عَدَا َوةٌ كَأَنّ ُه وَِليّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا الّذِي بَيْ َن َ‬
‫أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك ‪ ،‬والحنو عليك ‪ ،‬حتى يصير كأنه ولي لك‬
‫حميم أي ‪ :‬قريب إليك من (‪ )2‬الشفقة عليك والحسان إليك‪.‬‬
‫ن صَبَرُوا } أي ‪ :‬وما يقبل (‪ )3‬هذه الوصية ويعمل بها إل من صبر‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا يَُلقّاهَا إِل الّذِي َ‬
‫على ذلك ‪ ،‬فإنه يشق على النفوس ‪َ { ،‬ومَا يَُلقّاهَا إِل ذُو حَظّ عَظِيمٍ } أي ‪ :‬ذو نصيب وافر من‬
‫السعادة في الدنيا والخرى‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في تفسير هذه الية ‪ :‬أمر ال المؤمنين بالصبر عند‬
‫الغضب ‪ ،‬والحلم عند الجهل ‪ ،‬والعفو عند الساءة ‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصمهم ال من الشيطان ‪،‬‬
‫وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَِإمّا يَنزغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ } أي ‪ :‬إن شيطان النس ربما ينخدع‬
‫بالحسان إليه ‪ ،‬فأما شيطان الجن فإنه ل حيلة فيه إذا وسوس إل الستعاذة بخالقه الذي سلطه‬
‫عليك ‪ ،‬فإذا استعذت بال ولجأت إليه ‪ ،‬كفه عنك ورد كيده‪ .‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬إذا قام إلى الصلة يقول ‪" :‬أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه‬
‫ونفثه" (‪.)4‬‬
‫وقد قدمنا أن هذا المقام ل نظير له في القرآن إل في "سورة العراف" عند قوله ‪ { :‬خُذِ ا ْل َعفْوَ‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ }‬
‫ن وَِإمّا يَنزغَ ّنكَ مِنَ الشّ ْيطَانِ نزغٌ فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ إِنّهُ َ‬
‫ف وَأَعْ ِرضْ عَنِ ا ْلجَاهِلِي َ‬
‫وَ ْأمُرْ بِا ْلعُرْ ِ‬
‫[العراف ‪ ، ]200 ، 199 :‬وفي سورة المؤمنين عند قوله ‪ { :‬ا ْدفَعْ بِالّتِي ِهيَ َأحْسَنُ السّيّئَةَ َنحْنُ‬
‫حضُرُونِ }‬
‫ن وَأَعُوذُ ِبكَ َربّ أَنْ َي ْ‬
‫صفُونَ َوقُلْ َربّ أَعُوذُ ِبكَ مِنْ َهمَزَاتِ الشّيَاطِي ِ‬
‫أَعْلَمُ ِبمَا َي ِ‬
‫[المؤمنون ‪.]98 - 96 :‬‬
‫[لكن الذي ذكر في العراف أخف على النفس مما ذكر في سورة السجدة ؛ لن العراض عن‬
‫الجاهل وتركه أخف على النفس من الحسان إلى المسيء فتتلذذ النفس من ذلك ول انتقاد له إل‬
‫بمعالجة ويساعدها الشيطان في هذه الحال ‪ ،‬فتنفعل له وتستعصى على صاحبها ‪ ،‬فتحتاج إلى‬
‫مجاهدة وقوة إيمان ؛ فلهذا أكد ذلك هاهنا بضمير الفصل والتعريف باللم فقال ‪ { :‬فَاسْ َتعِذْ بِاللّهِ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ } ] (‪.)5‬‬
‫إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يتقبل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 97 :‬من سورة "المؤمنون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬

‫( ‪)7/181‬‬

‫جدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ‬


‫س وَلَا لِ ْل َقمَرِ وَاسْ ُ‬
‫شمْ ِ‬
‫سجُدُوا لِل ّ‬
‫شمْسُ وَالْ َقمَرُ لَا تَ ْ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ اللّ ْيلُ وَال ّنهَا ُر وَال ّ‬
‫ل وَال ّنهَا ِر وَهُمْ لَا يَسَْأمُونَ (‬
‫كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْ ُبدُونَ (‪ )37‬فَإِنِ اسْ َتكْبَرُوا فَالّذِينَ عِ ْندَ رَ ّبكَ يُسَبّحُونَ َلهُ بِاللّ ْي ِ‬
‫‪)38‬‬

‫سجُدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ‬


‫س وَل لِ ْلقَمَ ِر وَا ْ‬
‫شمْ ِ‬
‫س وَا ْل َقمَرُ ل َتسْجُدُوا لِل ّ‬
‫شمْ ُ‬
‫ل وَال ّنهَا ُر وَال ّ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ اللّ ْي ُ‬
‫إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْبُدُونَ (‪ )37‬فَإِنِ اسْ َتكْبَرُوا فَالّذِينَ عِنْدَ رَ ّبكَ ُيسَبّحُونَ لَهُ بِاللّ ْيلِ وَال ّنهَا ِر وَ ُه ْم ل‬
‫يَسَْأمُونَ (‪} )38‬‬

‫( ‪)7/182‬‬

‫ت وَرَ َبتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا َلمُحْيِي‬


‫شعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ أَ ّنكَ تَرَى الْأَ ْرضَ خَا ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)39‬‬
‫ا ْل َموْتَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬

‫ش َعةً فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّزتْ وَرَ َبتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا َلمُحْيِي‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ أَ ّنكَ تَرَى ال ْرضَ خَا ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪} )39‬‬
‫ا ْل َموْتَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى منبها خلقه على قدرته العظيمة ‪ ،‬وأنه الذي ل نظير له وأنه على ما يشاء قادر ‪،‬‬
‫س وَا ْل َقمَرُ } أي ‪ :‬أنه خلق الليل بظلمه ‪ ،‬والنهار بضيائه ‪ ،‬وهما‬
‫شمْ ُ‬
‫ل وَال ّنهَا ُر وَال ّ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ اللّ ْي ُ‬
‫متعاقبان ل يقران ‪ ،‬والشمس ونورها وإشراقها ‪ ،‬والقمر وضياءه وتقدير منازله في فلكه ‪،‬‬
‫واختلف سيره في سمائه ‪ ،‬ليُعرف باختلف سيره وسير الشمس مقادير الليل والنهار ‪ ،‬والجمع‬
‫والشهور والعوام ‪ ،‬ويتبين بذلك حلول الحقوق ‪ ،‬وأوقات العبادات والمعاملت‪.‬‬
‫ثم لما كان الشمس والقمر أحسن الجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي ‪ ،‬نبه تعالى على‬
‫س وَل لِ ْل َقمَرِ‬
‫شمْ ِ‬
‫جدُوا لِل ّ‬
‫أنهما مخلوقان عبدان من عبيده ‪ ،‬تحت قهره وتسخيره ‪ ،‬فقال ‪ { :‬ل تَسْ ُ‬
‫جدُوا لِلّهِ الّذِي خََل َقهُنّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ َتعْبُدُونَ } أي ‪ :‬ول تشركوا به فما تنفعكم عبادتكم له مع‬
‫وَاسْ ُ‬
‫عبادتكم لغيره ‪ ،‬فإنه ل يغفر أن يشرك به ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَإِنِ اسْ َتكْبَرُوا } أي ‪ :‬عن إفراد العبادة‬
‫له وأبوا إل أن يشركوا معه غيره ‪ { ،‬فَالّذِينَ عِنْدَ رَ ّبكَ } يعني ‪ :‬الملئكة ‪ُ { ،‬يسَبّحُونَ لَهُ بِاللّ ْيلِ‬
‫وَال ّنهَارِ وَهُمْ ل يَسَْأمُونَ } ‪ ،‬كقوله { فَإِنْ َي ْكفُرْ ِبهَا َهؤُلءِ َفقَ ْد َوكّلْنَا ِبهَا َق ْومًا لَيْسُوا ِبهَا ِبكَافِرِينَ }‬
‫[النعام ‪.]89 :‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ -‬يعني ابن وكيع ‪ -‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن‬
‫أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر (‪ )1‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تسبوا الليل ول النهار‬
‫‪ ،‬ول الشمس ول القمر ‪ ،‬ول الرياح فإنها ترسل رحمة لقوم ‪ ،‬وعذابا لقوم" (‪.)2‬‬
‫شعَةً } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ } أي ‪ :‬على قدرته على إعادة الموتى { أَ ّنكَ تَرَى ال ْرضَ خَا ِ‬
‫ت وَرَ َبتْ } أي ‪ :‬أخرجت من‬
‫هامدة ل نبات فيها ‪ ،‬بل هي ميتة { فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّز ْ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‬
‫جميل ألوان الزروع والثمار ‪ { ،‬إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى الحافظ أبو يعلى عن جابر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ ، )4/139‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/71‬إسناده ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)7/182‬‬

‫خفَوْنَ عَلَيْنَا َأ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي النّارِ خَيْرٌ َأمْ مَنْ يَأْتِي َآمِنًا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫حدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا َي ْ‬
‫إِنّ الّذِينَ يُلْ ِ‬
‫عمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )40‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِال ّذكْرِ َلمّا جَا َءهُ ْم وَإِنّهُ َلكِتَابٌ عَزِيزٌ (‬
‫اْ‬
‫حمِيدٍ (‪ )42‬مَا ُيقَالُ َلكَ إِلّا مَا قَدْ‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه وَلَا مِنْ خَ ْلفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ َ‬
‫‪ )41‬لَا يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫عقَابٍ أَلِيمٍ (‪)43‬‬
‫سلِ مِنْ قَبِْلكَ إِنّ رَ ّبكَ َلذُو َم ْغفِ َرةٍ وَذُو ِ‬
‫قِيلَ لِلرّ ُ‬

‫خفَوْنَ عَلَيْنَا َأ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي النّارِ خَيْرٌ َأمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ يُ ْلحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ل َي ْ‬
‫عمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )40‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِال ّذكْرِ َلمّا جَا َءهُ ْم وَإِنّهُ َلكِتَابٌ عَزِيزٌ (‬
‫اْ‬
‫حمِيدٍ (‪ )42‬مَا ُيقَالُ َلكَ إِل مَا قَدْ‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَل مِنْ خَ ْلفِهِ تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫‪ )41‬ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫عقَابٍ أَلِيمٍ (‪} )43‬‬
‫سلِ مِنْ قَبِْلكَ إِنّ رَ ّبكَ َلذُو َم ْغفِ َرةٍ وَذُو ِ‬
‫قِيلَ لِلرّ ُ‬
‫حدُونَ فِي آيَاتِنَا } ‪ ،‬قال ابن عباس ‪ :‬اللحاد ‪ :‬وضع الكلم على غير‬
‫قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُلْ ِ‬
‫مواضعه‪.‬‬
‫وقال قتادة وغيره ‪ :‬هو الكفر والعناد‪.‬‬
‫خ َفوْنَ عَلَيْنَا } أي ‪ :‬فيه تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد ‪ ،‬أي ‪ :‬إنه تعالى عالم بمن يلحد‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَ ْ‬
‫في آياته وأسمائه وصفاته ‪ ،‬وسيجزيه على ذلك بالعقوبة والنكال ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أ َفمَنْ يُ ْلقَى فِي‬
‫النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ } ؟ أي ‪ :‬أيستوي هذا وهذا ؟ ل يستويان‪.‬‬
‫عمَلُوا مَا شِئْ ُتمْ } قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطاء‬
‫ثم قال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬تهديدًا (‪ )1‬للكفرة ‪ { :‬ا ْ‬
‫عمَلُوا مَا شِئْ ُتمْ } ‪ :‬وعيد ‪ ،‬أي ‪ :‬من خير أو شر ‪ ،‬إنه عليم بكم وبصير‬
‫الخراساني ‪ { :‬ا ْ‬
‫بأعمالكم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ }‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا بِال ّذكْرِ َلمّا جَا َءهُمْ } قال الضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬وهو القرآن‬
‫{ وَإِنّهُ َلكِتَابٌ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬منيع الجناب ‪ ،‬ل يرام أن يأتي أحد بمثله ‪،‬‬
‫طلُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه وَل مِنْ خَ ْلفِهِ } أي ‪ :‬ليس للبطلن إليه سبيل ؛ لنه منزل من رب‬
‫{ ل يَأْتِيهِ الْبَا ِ‬
‫حمِيدٍ } أي ‪ :‬حكيم في أقواله وأفعاله ‪ ،‬حميد بمعنى‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫العالمين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬تَنزيلٌ مِنْ َ‬
‫محمود ‪ ،‬أي ‪ :‬في جميع ما يأمر به وينهى عنه الجميع محمودة عواقبه وغاياته‪.‬‬
‫سلِ مِنْ قَبِْلكَ } قال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬ما يقال‬
‫ثم قال ‪ { :‬مَا ُيقَالُ َلكَ إِل مَا قَدْ قِيلَ لِلرّ ُ‬
‫لك من التكذيب إل كما قد قيل للرسل من قبلك ‪ ،‬فكما قد كذبت فقد كذبوا ‪ ،‬وكما صبروا على‬
‫أذى قومهم لهم ‪ ،‬فاصبر أنت على أذى قومك لك‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬ولم يحك هو ‪ ،‬ول‬
‫ابن أبي حاتم غيره‪.‬‬
‫عقَابٍ أَلِيمٍ } أي ‪ :‬لمن‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ لَذُو َمغْفِ َرةٍ [لِلنّاسِ] } (‪ )2‬أي ‪ :‬لمن تاب إليه { وَذُو ِ‬
‫استمر على كفره ‪ ،‬وطغيانه ‪ ،‬وعناده ‪ ،‬وشقاقه ومخالفته‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن علي بن زيد (‪)3‬‬
‫عن سعيد بن المسيب قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ لَذُو َم ْغفِ َرةٍ } قال رسول ال صلى ال‬
‫ش ‪ ،‬ولول وعيده وعقابه لتكل كل أحد"‬
‫غفْر (‪ )4‬ال وتجاوزه ما هَنَأ أحدا العي ُ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لول َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬مهددا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬عفو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬إسناده مرسل ‪ ،‬وعلي بن زيد متفق على ضعفه‪.‬‬

‫( ‪)7/183‬‬

‫شفَاءٌ‬
‫ج ِميّ وَعَرَ ِبيّ ُقلْ ُهوَ لِلّذِينَ َآمَنُوا هُدًى وَ ِ‬
‫عَ‬‫جمِيّا َلقَالُوا َلوْلَا ُفصَّلتْ آَيَاُتهُ أَأَ ْ‬
‫عَ‬‫جعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَ ْ‬
‫وََلوْ َ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ (‪ )44‬وََلقَدْ آَتَيْنَا‬
‫وَالّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ فِي آَذَا ِن ِه ْم َوقْرٌ وَ ُهوَ عَلَ ْي ِهمْ َ‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ (‪)45‬‬
‫ضيَ بَيْ َن ُه ْم وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَاخْتُِلفَ فِي ِه وََلوْلَا كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َل ُق ِ‬
‫ج ِميّ وَعَرَ ِبيّ ُقلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى‬
‫عَ‬‫جمِيّا َلقَالُوا َلوْل ُفصّلَتْ آيَاتُهُ أَأَ ْ‬
‫جعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْ َ‬
‫{ وََلوْ َ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ (‪ )44‬وََلقَدْ‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫وَ ِ‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ‬
‫ضيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَاخْتُِلفَ فِي ِه وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ َلقُ ِ‬
‫(‪} )45‬‬
‫لما ذكر تعالى القرآن وفصاحته وبلغته ‪ ،‬وإحكامه في لفظه ومعناه ‪ ،‬ومع هذا لم يؤمن به‬
‫المشركون ‪ ،‬نبه على أن كفرهم به كفر عناد وتعنت ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلوْ نزلْنَاهُ عَلَى َب ْعضِ‬
‫علَ ْيهِمْ مَا كَانُوا بِهِ ُم ْؤمِنِينَ } [الشعراء ‪ .]199 ، 198 :‬وكذلك لو أنزل القرآن كله‬
‫جمِينَ َفقَرََأهُ َ‬
‫العْ َ‬
‫ج ِميّ وَعَرَ ِبيّ } أي ‪ :‬لقالوا ‪:‬‬
‫عَ‬‫بلغة العجم ‪ ،‬لقالوا على وجه التعنت والعناد ‪َ { :‬لوْل ُفصَّلتْ آيَاتُهُ أَأَ ْ‬
‫هل أنزل مفصل بلغة العرب ‪ ،‬ولنكروا ذلك وقالوا ‪ :‬أعجمي وعربي ؟ أي ‪ :‬كيف ينزل كلم‬
‫أعجمي على مخاطب عربي ل يفهمه‪.‬‬
‫هكذا رُوي هذا المعنى عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫ج ِميّ وَعَرَ ِبيّ } أي ‪ :‬هل أنزل بعضها بالعجمي ‪،‬‬
‫عَ‬‫وقيل ‪ :‬المراد بقولهم ‪َ { :‬لوْل ُفصَّلتْ آيَاتُهُ أَأَ ْ‬
‫وبعضها بالعربي‪.‬‬
‫ج ِميّ } وهو رواية عن‬
‫هذا قول الحسن البصري ‪ ،‬وكان يقرؤها كذلك بل استفهام في قوله { أَعْ َ‬
‫سعيد بن جبير وهو في [التعنت و] (‪ )1‬العناد أبلغ‪.‬‬
‫شفَاءٌ } أي ‪ :‬قل يا محمد ‪ :‬هذا القرآن لمن آمن به‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا ُهدًى وَ ِ‬
‫هدى لقلبه وشفاء لما في الصدور من الشكوك (‪ )2‬والريب ‪ { ،‬وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِمْ َوقْرٌ }‬
‫عمًى } أي ‪ :‬ل يهتدون إلى ما فيه من البيان كما قال‬
‫علَ ْيهِمْ َ‬
‫أي ‪ :‬ل يفهمون ما فيه ‪ { ،‬وَ ُهوَ َ‬
‫خسَارًا }‬
‫ح َمةٌ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَل يَزِيدُ الظّاِلمِينَ إِل َ‬
‫شفَا ٌء وَرَ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَنُنزلُ مِنَ ا ْلقُرْآنِ مَا ُهوَ ِ‬
‫[السراء ‪.]82 :‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } قال مجاهد ‪ :‬يعني بعيد من قلوبهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬معناه ‪ :‬كأن من يخاطبهم يناديهم (‪ )3‬من مكان بعيد ‪ ،‬ل يفهمون ما يقول (‪.)4‬‬
‫سمَعُ إِل دُعَا ًء وَنِدَا ًء صُمّ‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَ َثلُ الّذِينَ َكفَرُوا َكمَ َثلِ الّذِي يَ ْنعِقُ ِبمَا ل يَ ْ‬
‫ع ْميٌ َفهُمْ ل َي ْعقِلُونَ } [البقرة ‪.]171 :‬‬
‫ُبكْمٌ ُ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان عمر بن الخطاب [رضي ال عنه] (‪ )5‬جالسا عند رجل من المسلمين يقضي ‪،‬‬
‫إذ قال ‪ :‬يا لبّيكاه‪ .‬فقال عمر ‪ :‬لِمَ تلبي ؟ هل رأيت أحدا ‪ ،‬أو دعاك أحد ؟ قال ‪ :‬دعاني داع من‬
‫وراء (‪ )6‬البحر‪ .‬فقال عمر ‪ :‬أولئك ينادون من مكان بعيد‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ فَاخُْتِلفَ فِيهِ } أي ‪ :‬كذب وأوذي ‪ { ،‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُو‬
‫سمّى } [الشورى ‪:‬‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫سلِ } [الحقاف ‪ { .]35 :‬وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ إِلَى أَ َ‬
‫ا ْلعَزْمِ مِنَ الرّ ُ‬
‫‪ ]14‬بتأخير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬س‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الشرك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يدعوهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)24/81‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ ‪" :‬خلف"‪.‬‬

‫( ‪)7/184‬‬

‫ع ِملَ صَاِلحًا فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا َومَا رَ ّبكَ ِبظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪)46‬‬
‫مَنْ َ‬

‫الحساب إلى يوم المعاد ‪َ { ،‬ل ُقضِيَ بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬لعجل لهم العذاب ‪ ،‬بل لهم موعد لن يجدوا من‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي ‪ :‬وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا ‪،‬‬
‫دونه موئل { وَإِ ّنهُمْ َلفِي َ‬
‫بل كانوا شاكين فيما قالوا (‪ ، )1‬غير محققين لشيء كانوا فيه‪ .‬هكذا وجهه ابن جرير ‪ ،‬وهو‬
‫محتمل ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫س ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا َومَا رَ ّبكَ بِظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪} )46‬‬
‫ل صَالِحًا فَلِ َنفْ ِ‬
‫ع ِم َ‬
‫{ مَنْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬قالوه"‪.‬‬

‫( ‪)7/185‬‬

‫ح ِملُ مِنْ أُنْثَى وَلَا َتضَعُ إِلّا ِبعِ ْلمِهِ‬


‫إِلَيْهِ يُ َردّ عِلْمُ السّاعَةِ َومَا َتخْرُجُ مِنْ َثمَرَاتٍ مِنْ َأ ْكمَا ِمهَا َومَا تَ ْ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَ ْبلُ‬
‫شهِيدٍ (‪َ )47‬و َ‬
‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُ َركَائِي قَالُوا آَذَنّاكَ مَا مِنّا مِنْ َ‬
‫وَظَنّوا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ (‪)48‬‬

‫ح ِملُ مِنْ أُنْثَى وَل َتضَعُ إِل ِبعِ ْلمِهِ‬


‫{ إِلَ ْيهِ يُرَدّ عِلْمُ السّاعَ ِة َومَا تَخْرُجُ مِنْ َثمَرَاتٍ مِنْ َأ ْكمَا ِمهَا َومَا تَ ْ‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَ ْبلُ‬
‫شهِيدٍ (‪َ )47‬و َ‬
‫وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُ َركَائِي قَالُوا آذَنّاكَ مَا مِنّا مِنْ َ‬
‫وَظَنّوا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ (‪} )48‬‬
‫ل صَالِحًا فَلِ َنفْسِهِ } أي ‪ :‬إنما يعود نفع ذلك على نفسه ‪َ { ،‬ومَنْ َأسَاءَ َفعَلَ ْيهَا‬
‫ع ِم َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬مَنْ َ‬
‫} أي ‪ :‬إنما يرجع وبال ذلك عليه ‪َ { ،‬ومَا رَ ّبكَ ِبظَلمٍ ِل ْلعَبِيدِ } أي ‪ :‬ل يعاقب أحدا إل بذنب ‪ ،‬ول‬
‫يعذب أحدا إل بعد قيام الحجة عليه ‪ ،‬وإرسال الرسول إليه‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِلَيْهِ يُ َردّ عِلْمُ السّاعَةِ } أي ‪ :‬ل يعلم ذلك أحد سواه ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وهو سيد البشر لجبريل وهو من سادات الملئكة ‪ -‬حين سأله عن الساعة ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما المسئول‬
‫عنها بأعلم من السائل" ‪ ،‬وكما (‪ )1‬قال تعالى ‪ { :‬إِلَى رَ ّبكَ مُنْ َتهَاهَا } [النازعات ‪ ، ]44 :‬وقال‬
‫{ ل ُيجَلّيهَا ِل َوقْ ِتهَا إِل ُهوَ } [العراف ‪.]187 :‬‬
‫ح ِملُ مِنْ أُنْثَى وَل َتضَعُ إِل ِبعِ ْلمِهِ } أي ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا تَخْرُجُ مِنْ َثمَرَاتٍ مِنْ َأ ْكمَا ِمهَا َومَا تَ ْ‬
‫الجميع بعلمه ‪ ،‬ل يعزب عن علمه (‪ )2‬مثقال ذرة في الرض ول في السماء‪ .‬وقد قال تعالى ‪{ :‬‬
‫ح ِملُ ُكلّ أُنْثَى‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا } [النعام ‪ ، ]59 :‬وقال جلت عظمته ‪َ { :‬يعْلَمُ مَا َت ْ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫َومَا َت ْ‬
‫شيْءٍ عِ ْن َدهُ ِب ِمقْدَارٍ } [الرعد ‪ ، ]8 :‬وقال { َومَا ُي َعمّرُ مِنْ‬
‫َومَا َتغِيضُ الرْحَا ُم َومَا تَزْدَادُ َوكُلّ َ‬
‫عمُ ِرهِ إِل فِي كِتَابٍ إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } [فاطر ‪.]11 :‬‬
‫ُم َعمّرٍ وَل يُ ْن َقصُ مِنْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُ َركَائِي } أي ‪ :‬يوم القيامة ينادي ال المشركين على رءوس الخلئق‬
‫شهِيدٍ } أي ‪:‬‬
‫‪ :‬أين شركائي الذين عبدتموهم معي ؟ { قَالُوا آذَنّاكَ } أي ‪ :‬أعلمناك ‪ { ،‬مَا مِنّا مِنْ َ‬
‫ليس أحد منا اليوم يشهد أن معك شريكا ‪،‬‬
‫ضلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬ذهبوا فلم ينفعوهم ‪ { ،‬وَظَنّوا مَا َل ُهمْ مِنْ مَحِيصٍ }‬
‫{ َو َ‬
‫أي ‪ :‬وظن المشركون يوم القيامة ‪ ،‬وهذا بمعنى اليقين ‪ { ،‬مَا َلهُمْ مِنْ مَحِيصٍ } أي ‪ :‬ل محيد لهم‬
‫عن عذاب ال ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَرَأَى ا ْل ُمجْ ِرمُونَ النّارَ فَظَنّوا أَ ّنهُمْ ُموَا ِقعُوهَا وَلَمْ َيجِدُوا عَ ْنهَا‬
‫َمصْ ِرفًا } [الكهف ‪.]53 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عمله"‪.‬‬

‫( ‪)7/185‬‬

‫حمَةً مِنّا مِنْ َبعْدِ‬


‫لَا يَسَْأمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْ ِر وَإِنْ مَسّهُ الشّرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (‪ )49‬وَلَئِنْ أَ َذقْنَاهُ َر ْ‬
‫ج ْعتُ إِلَى رَبّي إِنّ لِي عِ ْن َدهُ لَ ْلحُسْنَى‬
‫ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ َهذَا لِي َومَا أَظُنّ السّاعَةَ قَا ِئمَةً وَلَئِنْ رُ ِ‬
‫عمِلُوا وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪ )50‬وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْ َرضَ‬
‫فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِبمَا َ‬
‫وَنَأَى ِبجَانِبِ ِه وَِإذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (‪ُ )51‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُثمّ َكفَرْتُمْ بِهِ‬
‫سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُمْ أَنّهُ‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ (‪ )52‬سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الَْآفَاقِ َوفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ضلّ ِممّنْ ُهوَ فِي ِ‬
‫مَنْ َأ َ‬
‫شهِيدٌ (‪ )53‬أَلَا إِ ّنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَاءِ رَ ّبهِمْ أَلَا إِنّهُ ِب ُكلّ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حقّ َأوَلَمْ َي ْكفِ بِرَ ّبكَ أَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫الْ َ‬
‫شيْءٍ مُحِيطٌ (‪)54‬‬
‫َ‬
‫حمَةً مِنّا مِنْ‬
‫{ ل يَسَْأمُ النْسَانُ مِنْ دُعَاءِ ا ْلخَيْ ِر وَإِنْ مَسّهُ الشّرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (‪ )49‬وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ رَ ْ‬
‫ج ْعتُ إِلَى رَبّي إِنّ لِي عِنْ َدهُ َللْحُسْنَى‬
‫عةَ قَا ِئمَ ًة وَلَئِنْ رُ ِ‬
‫َبعْ ِد ضَرّاءَ َمسّتْهُ لَ َيقُولَنّ هَذَا لِي َومَا َأظُنّ السّا َ‬
‫عمِلُوا وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (‪ )50‬وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى النْسَانِ أَعْ َرضَ‬
‫فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ كَفَرُوا ِبمَا َ‬
‫وَنَأَى ِبجَانِبِ ِه وَِإذَا مَسّهُ الشّرّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (‪} )51‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل َي َملّ النسان من دعائه ربّه بالخير ‪ -‬وهو ‪ :‬المال ‪ ،‬وصحة الجسم ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫‪ -‬وإن مسه الشر ‪ -‬وهو البلء أو الفقر ‪ { -‬فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } أي ‪ :‬يقع في ذهنه أنه ل يتهيأ له بعد‬
‫هذا خير‪.‬‬
‫حمَةً مِنّا مِنْ َبعْ ِد ضَرّاءَ مَسّ ْتهُ لَ َيقُولَنّ هَذَا لِي } أي ‪ :‬إذا أصابه خير ورزق بعد ما‬
‫{ وَلَئِنْ َأ َذقْنَاهُ رَ ْ‬
‫كان في شدة ليقولن ‪ :‬هذا لي ‪ ،‬إني كنت أستحقه عند ربي ‪َ { ،‬ومَا أَظُنّ السّاعَةَ قَا ِئ َمةً } أي ‪:‬‬
‫خوّل نعمة يفخر ‪ ،‬ويبطر ‪ ،‬ويكفر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬كَل‬
‫يكفر بقيام الساعة ‪ ،‬أي ‪ :‬لجل أنه ُ‬
‫طغَى أَنْ رَآهُ اسْ َتغْنَى } [العلق ‪.]7 ، 6 :‬‬
‫إِنّ النْسَانَ لَ َي ْ‬
‫حسْنَى } أي ‪ :‬ولئن كان ثَمّ معاد فليُحسنَنّ إلي ربي ‪ ،‬كما‬
‫ج ْعتُ ِإلَى رَبّي إِنّ لِي عِ ْن َدهُ لَلْ ُ‬
‫{ وَلَئِنْ ُر ِ‬
‫أحسن إلي في هذه الدار ‪ ،‬يتمنى على ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬مع إساءته العمل وعدم اليقين‪ .‬قال تعالى‬
‫عذَابٍ غَلِيظٍ } يتهدد تعالى من كان هذا عمله‬
‫عمِلُوا وَلَ ُنذِيقَنّهُمْ مِنْ َ‬
‫‪ { :‬فَلَنُنَبّئَنّ الّذِينَ َكفَرُوا ِبمَا َ‬
‫واعتقاده بالعقاب والنكال‪.‬‬
‫ض وَنَأَى بِجَانِ ِبهِ } أي ‪ :‬أعرض عن الطاعة ‪ ،‬واستكبر‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِذَا أَ ْن َعمْنَا عَلَى النْسَانِ أَعْ َر َ‬
‫عن النقياد لوامر ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِهِ } [الذاريات ‪.]39 :‬‬
‫{ وَإِذَا مَسّهُ الشّرّ } أي ‪ :‬الشدة ‪َ { ،‬فذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } أي ‪ :‬يطيل المسألة في الشيء الواحد‬
‫فالكلم العريض ‪ :‬ما طال لفظه وقل معناه ‪ ،‬والوجيز ‪ :‬عكسه ‪ ،‬وهو ‪ :‬ما قل ودل‪ .‬وقد قال‬
‫شفْنَا عَنْهُ ضُ ّرهُ مَرّ‬
‫عدًا َأوْ قَا ِئمًا (‪ )1‬فََلمّا كَ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬وَإِذَا مَسّ النْسَانَ الضّرّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ َأوْ قَا ِ‬
‫كَأَنْ لَمْ َيدْعُنَا إِلَى ضُرّ مَسّهُ } [يونس ‪.]12 :‬‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ (‪ )52‬سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا‬
‫ضلّ ِممّنْ ُهوَ فِي ِ‬
‫{ ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ُثمّ َكفَرْتُمْ بِهِ مَنْ َأ َ‬
‫شهِيدٌ (‪ )53‬أَل‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حقّ َأوَلَمْ َيكْفِ بِرَ ّبكَ أَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سهِمْ حَتّى يَتَبَيّنَ َلهُمْ أَنّهُ الْ َ‬
‫فِي الفَاقِ َوفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ ُمحِيطٌ (‪} )54‬‬
‫إِ ّنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ أَل إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين المكذبين بالقرآن ‪ { :‬أَ َرأَيْتُمْ إِنْ كَانَ } َهذَا ا ْلقُرْآنُ‬
‫{ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ ثُمّ َكفَرْتُمْ بِهِ } أي ‪ :‬كيف تُرَون حالكم عند الذي أنزله على رسوله ؟ ولهذا قال ‪{ :‬‬
‫شقَاقٍ َبعِيدٍ } ؟‬
‫ضلّ ِممّنْ ُهوَ فِي ِ‬
‫مَنْ َأ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬س ‪" :‬أو قائما أو قاعدا" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/186‬‬
‫أي ‪ :‬في كفر وعناد ومشاقة للحق ‪ ،‬ومَسْلَك بعيد من الهدى‪.‬‬
‫سهِمْ } أي ‪ :‬سنظهر لهم دللتنا وحُجَجنا على كون‬
‫ق َوفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الفَا ِ‬
‫القرآن حقا منزل من عند ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على رسوله صلى ال عليه وسلم بدلئل خارجية { فِي‬
‫الفَاقِ } ‪ ،‬من الفتوحات وظهور السلم على القاليم وسائر الديان‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ :‬ودلئل في أنفسهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وقعة َبدْر ‪ ،‬وفتح مكة ‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك من الوقائع التي حَلّت بهم ‪ ،‬نصر ال فيها محمدا وصحبه ‪ ،‬وخذل فيها الباطل وحِزْبَه‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما النسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والخلط والهيئات‬
‫العجيبة ‪ ،‬كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى‪ .‬وكذلك ما هو‬
‫مجبول عليه من الخلق المتباينة ‪ ،‬من حسن وقبيح وبين ذلك ‪ ،‬وما هو متصرف فيه تحت‬
‫القدار التي ل يقدر بحوله ‪ ،‬وقوته ‪ ،‬وحِيَله ‪ ،‬وحذره أن يجوزها ‪ ،‬ول يتعداها ‪ ،‬كما أنشده ابن‬
‫أبي الدنيا في كتابه "التفكر والعتبار" ‪ ،‬عن شيخه أبي جعفر القرشي ‪:‬‬
‫وَإذَا َنظَ ْرتَ تُريدُ ُمعْتَبَرا‪ ...‬فَانظُرْ إل ْيكَ َففِيكَ ُمعْتَبَرُ‪...‬‬
‫ح في‪ ...‬الدنيا و ُكلّ أمُوره عبَرُ‪...‬‬
‫أنتَ الذي ُيمْسِي وَ ُيصْب ُ‬
‫صكَ الكِبَرُ‪...‬‬
‫خ ِ‬
‫صغَرٍ‪ُ ...‬ثمّ اس َت َقلّ بِشَ ْ‬
‫ن في ِ‬
‫أنتَ المصرّفُ كا َ‬
‫شعْرُ والبَشَرُ‪...‬‬
‫أنتَ الذي تَ ْنعَاه خ ْلقَتُه‪ ...‬يَنْعاه منه ال ّ‬
‫أنتَ الذي ُت ْعطَى وَتُسْلَب ل‪ ...‬يُنْجيه من أنْ يُسَْلبَ الحَذَرُ‪...‬‬
‫حقّ منْه ِبمَاله القَدَرُ‪...‬‬
‫أ ْنتَ الذي ل شَيءَ منْه لَهُ‪ ...‬وَأ َ‬
‫شهِيدٌ } ؟ أي ‪ :‬كفى‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حقّ َأوَلَمْ َي ْكفِ بِرَ ّبكَ أَنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬حَتّى يَتَبَيّنَ َل ُهمْ أَنّهُ الْ َ‬
‫بال (‪ )2‬شهيدا على أفعال عباده وأقوالهم ‪ ،‬وهو يشهد أن محمدًا صادق فيما أخبر به عنه ‪ ،‬كما‬
‫شهَدُونَ } [النساء ‪.]166 :‬‬
‫ش َهدُ ِبمَا أَنزلَ إِلَ ْيكَ أَنزلَهُ ِبعِ ْل ِم ِه وَا ْلمَل ِئكَةُ يَ ْ‬
‫قال ‪َ { :‬لكِنِ اللّهُ يَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل إِ ّنهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ِلقَاءِ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬في شك من قيام الساعة ؛ ولهذا ل يتفكرون فيه‬
‫‪ ،‬ول يعملون له ‪ ،‬ول يحذرون منه ‪ ،‬بل هو عندهم َهدَ ٌر ل يعبئون به وهو واقع ل ريب فيه‬
‫وكائن ل محالة‪.‬‬
‫قال ابن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أحمد بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا خلف بن تميم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن محمد بن‬
‫سعيد النصاري ‪ :‬أن عمر بن عبد العزيز صَعد المنبر ‪ ،‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أما بعد‬
‫‪ ،‬أيها الناس ‪ ،‬فإني لم أجمعكم لمر أحدثه فيكم ‪ ،‬ولكن فكرت في هذا المر الذي أنتم إليه‬
‫صائرون ‪ ،‬فعلمت أن المصدق بهذا المر أحمق ‪ ،‬والمكذب به هالك ثم نزل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬به"‪.‬‬
‫( ‪)7/187‬‬

‫ومعنى قوله ‪ ،‬رضي ال عنه ‪" :‬أن المصدق به أحمق" أي ‪ :‬لنه ل يعمل له عمل مثله ‪ ،‬ول‬
‫يحذر منه ول يخاف من هوله ‪ ،‬وهو مع ذلك مصدق به موقن بوقوعه ‪ ،‬وهو مع ذلك يتمادى في‬
‫لعبه وغفلته وشهواته وذنوبه ‪ ،‬فهو أحمق بهذا العتبار ‪ ،‬والحمق في اللغة ‪ :‬ضعيف العقل‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬والمكذب به هالك" هذا واضح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ -‬مقررا على أنه على كل شيء قدير ‪ ،‬وبكل شيء محيط ‪ ،‬وإقامة الساعة لديه‬
‫شيْءٍ ُمحِيطٌ } أي ‪ :‬المخلوقات كلها تحت قهره‬
‫يسير سهل عليه تبارك وتعالى ‪ { : -‬أَل إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫وفي قبضته ‪ ،‬وتحت طي علمه ‪ ،‬وهو المتصرف فيها كلها بحكمه ‪ ،‬فما شاء كان وما لم يشأ لم‬
‫يكن‪[ .‬آخر تفسير سورة فصلت] (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬س ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/188‬‬

‫حكِيمُ (‪ )3‬لَهُ مَا فِي‬


‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫حم (‪ )1‬عسق (‪ )2‬كَذَِلكَ يُوحِي إِلَ ْي َ‬
‫س َموَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ َف ْو ِقهِنّ وَا ْلمَلَا ِئكَةُ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )4‬تكَادُ ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫خذُوا‬
‫حمْدِ رَ ّب ِه ْم وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِلمَنْ فِي الْأَ ْرضِ أَلَا إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )5‬وَالّذِينَ اتّ َ‬
‫يُسَبّحُونَ ِب َ‬
‫حفِيظٌ عَلَ ْيهِمْ َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِب َوكِيلٍ (‪)6‬‬
‫مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ اللّهُ َ‬

‫تفسير سورة الشورى‬


‫وهي مكية‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ (‪َ )3‬لهُ مَا فِي‬
‫ك وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫{ حم (‪ )1‬عسق (‪َ )2‬كذَِلكَ يُوحِي إِلَ ْي َ‬
‫ن وَا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫س َموَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ َف ْو ِقهِ ّ‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْل َعظِيمُ (‪َ )4‬تكَادُ ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫خذُوا‬
‫حمْدِ رَ ّب ِه ْم وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِلمَنْ فِي ال ْرضِ أَل إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ )5‬وَالّذِينَ اتّ َ‬
‫يُسَبّحُونَ ِب َ‬
‫حفِيظٌ عَلَ ْيهِمْ َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِب َوكِيلٍ (‪} )6‬‬
‫مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللّهُ َ‬
‫قد تقدم الكلم على الحروف المقطعة‪ .‬وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا منكرا ‪ ،‬فقال‬
‫‪:‬‬
‫حوْطي ‪ ،‬حدثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن‬
‫حدثنا أحمد بن زُهَير ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب بن َنجْ َدةَ ال َ‬
‫الحجاج ‪ ،‬عن أرطاة بن المنذر (‪ )1‬قال ‪ :‬جاء رجل إلى ابن عباس فقال له ‪ -‬وعنده حُذيفة بن‬
‫اليمان ‪ : -‬أخبرني عن تفسير قول ال ‪ { :‬حم عسق } قال ‪ :‬فأطرق ثم أعرض عنه ‪ ،‬ثم كرر‬
‫مقالته فأعرض عنه ‪ ،‬فلم يجبه بشيء وكره مقالته ‪ ،‬ثم كررها الثالثة فلم يُحِرْ إليه شيئا‪ .‬فقال‬
‫حذيفة (‪ : )2‬أنا أنبئك بها ‪ ،‬قد عرفت لم كرهها ؟ نزلت في رجل من أهل بيته يقال له "عبد الله"‬
‫‪ -‬أو ‪ :‬عبد ال ‪ -‬ينزل على نهر من أنهار المشرق تُبْنَى عليه مدينتان (‪ ، )3‬يشق النهر بينهما‬
‫شقا ‪ ،‬فإذا أذن ال في زوال ملكهم وانقطاع دولتهم ومدتهم ‪ ،‬بعث ال على إحداهما نارا ليل‬
‫فتصبح سوداء مظلمة وقد احترقت ‪ ،‬كأنها لم تكن مكانها ‪ ،‬وتصبح صاحبتها متعجبة ‪ :‬كيف‬
‫أفلتت ؟ فما هو إل بياض يومها ذلك ‪ ،‬حتى يجتمع فيها كل جبار عنيد منهم ‪ ،‬ثم يخسف ال بها‬
‫حمّ ‪ { :‬حم }‬
‫وبهم جميعا ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬حم عسق } يعني ‪ :‬عزيمة من ال تعالى وفتنة وقضاء ُ‬
‫عين ‪ :‬يعني عدل منه ‪ ،‬سين ‪ :‬يعني سيكون ‪ ،‬ق ‪ :‬يعني واقع بهاتين المدينتين (‪.)4‬‬
‫وأغرب منه ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في الجزء الثاني من مسند ابن عباس ‪ ،‬وعن أبي‬
‫ذر عن النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك ‪ ،‬ولكن إسناده ضعيف جدا ومنقطع ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم ‪ ،‬حدثنا أبو عبد الملك الحسن بن يحيى الخُشَني الدمشقي ‪،‬‬
‫عن أبي معاوية قال ‪ :‬صعد عمر بن الخطاب المنبر فقال ‪ :‬أيها الناس هل سمع منكم أحد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يفسر { حم عسق } ؟ فوثب ابن عباس فقال ‪ :‬أنا ‪ :‬قال ‪ { " :‬حم } اسم‬
‫من أسماء ال تعالى" قال ‪ :‬فعين ؟ قال ‪" :‬عاين المولون عذاب يوم بدر" قال ‪ :‬فسين ؟ قال ‪:‬‬
‫"سيعلم الذين ظلموا أي منقلب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقال له حذيفة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬مدينتين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )25/5‬ورواه نعيم بن حماد في الفتن برقم (‪ )568‬من طريق أبي المغيرة‬
‫عن أرطأة بن المنذر عمن حدثه عن ابن عباس فذكره‪.‬‬

‫( ‪)7/189‬‬

‫ينقلبون" قال ‪ :‬فقاف ؟ فسكت فقام أبو ذر ‪ ،‬ففسر كما قال ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫قاف ‪ :‬قارعة من السماء تغشى الناس (‪.)1‬‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬كما أنزل إليك هذا‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ يُوحِي إِلَ ْيكَ وَإِلَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلكَ اللّهُ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫القرآن ‪ ،‬كذلك أنزل الكتب والصحف على النبياء قبلك‪ .‬وقوله ‪ { :‬اللّهُ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬في انتقامه‬
‫حكِيمُ } في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫‪ { ،‬الْ َ‬
‫قال ‪ :‬المام مالك ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬عن هشام بن عُ ْروَة عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ :‬أن الحارث بن‬
‫هشام سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف يأتيك الوحي ؟ فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أحيانًا يأتيني مثل صَ ْلصَلَةِ الجَرَس ‪ ،‬وهو أشده عََليّ فيفصم عني قد‬
‫وَعَيت ما قال‪ .‬وأحيانا يأتيني الملك رجُل فيكلمني ‪ ،‬فأعي ما يقول" قالت عائشة (‪ )2‬فلقد رأيته‬
‫ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد ‪ ،‬فيفصم عنه ‪ ،‬وإن جبينه ليتفصّد عرقا‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬ولفظه للبخاري (‪.)3‬‬
‫وقد (‪ )4‬رواه الطبراني عن عبد ال ابن المام أحمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عامر بن صالح ‪ ،‬عن‬
‫هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن الحارث بن هشام ؛ أنه سأل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬كيف ينزل عليك الوحي ؟ فقال ‪" :‬مثل (‪ )5‬صلصلة الجرس فيفصمُ عني وقد وعَيتُ‬
‫ما قاله" قال ‪" :‬وهو أشده علي" قال ‪" :‬وأحيانا يأتيني الملك فيتمثل لي فيكلمني فأعي ما يقول" (‬
‫‪.)6‬‬
‫وقال ‪ :‬المام (‪ )7‬أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫الوليد ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو (‪ ، )8‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل تحس بالوحي ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬أسمع‬
‫صلصل ثم أسكت عند ذلك ‪ ،‬فما من مرة يوحى إليّ إل ظننت أن نفسي تُقبَض" تفرد به أحمد (‬
‫‪.)9‬‬
‫وقد ذكرنا كيفية إتيان الوحي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في أول شرح البخاري ‪ ،‬بما‬
‫أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬الجميع عبيد له وملك له ‪ ،‬تحت قهره‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫وتصريفه ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ ا ْلعَظِيمُ } كقوله تعالى ‪ { :‬ا ْلكَبِيرُ ا ْلمُ َتعَالِ } [ الرعد ‪ { ]9 :‬وَ ُهوَ ا ْلعَِليّ‬
‫ا ْلكَبِيرُ } [ سبأ ‪ ] 23 :‬واليات في هذا كثيرة‪.‬‬
‫س َموَاتُ يَ َتفَطّرْنَ مِنْ َف ْو ِقهِنّ } قال ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬تكَادُ ال ّ‬
‫حمْدِ رَ ّب ِه ْم وَيَسْ َت ْغفِرُونَ ِلمَنْ فِي‬
‫وكعب الحبار ‪ :‬أي فرقًا ‪ ،‬من العظمة { وَا ْلمَل ِئكَةُ يُسَبّحُونَ ِب َ‬
‫حمْدِ رَ ّب ِه ْم وَ ُي ْؤمِنُونَ بِهِ‬
‫حوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِ َ‬
‫ش َومَنْ َ‬
‫حمِلُونَ ا ْلعَرْ َ‬
‫ال ْرضِ } كقوله ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْ‬
‫حمَةً وَعِ ْلمًا } [غافر ‪.]7 :‬‬
‫شيْءٍ رَ ْ‬
‫س ْعتَ ُكلّ َ‬
‫وَيَسْ َت ْغفِرُونَ لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا وَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور (‪.)7/336‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عائشة رضي ال عنها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الموطأ (‪ )1/202‬وصحيح البخاري برقم (‪ )2‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2333‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ولقد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فقال ‪ :‬في مثل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪.)3/259‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/222‬‬

‫( ‪)7/190‬‬

‫جمْعِ لَا رَ ْيبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي‬


‫حوَْلهَا وَتُنْذِرَ َيوْمَ الْ َ‬
‫َوكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ قُ ْرآَنًا عَرَبِيّا لِتُنْذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫حمَتِهِ‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي َر ْ‬
‫جعََلهُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َد ًة وََلكِنْ يُ ْد ِ‬
‫سعِيرِ (‪ )7‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل َ‬
‫الْجَنّ ِة َوفَرِيقٌ فِي ال ّ‬
‫ي وَلَا َنصِيرٍ (‪)8‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫وَالظّاِلمُونَ مَا َلهُمْ مِ ْ‬

‫‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل إِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } إعلم بذلك وتنويه به‪.‬‬
‫حفِيظٌ عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬شهيد‬
‫خذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ } يعني ‪ :‬المشركين ‪ { ،‬اللّهُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ اتّ َ‬
‫علَ ْيهِمْ ِب َوكِيلٍ } أي‬
‫على أعمالهم ‪ ،‬يحصيها ويعدها عدّا ‪ ،‬وسيجزيهم بها أوفر الجزاء‪َ { .‬ومَا أَ ْنتَ َ‬
‫‪ :‬إنما أنت نذير وال على كل شيء وكيل‪.‬‬
‫جمْعِ ل رَ ْيبَ فِيهِ فَرِيقٌ‬
‫حوَْلهَا وَتُ ْنذِرَ َيوْمَ ا ْل َ‬
‫{ َوكَذَِلكَ َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِتُنْذِرَ ُأمّ ا ْلقُرَى َومَنْ َ‬
‫حمَتِهِ‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَ ْ‬
‫جعََلهُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً وََلكِنْ ُيدْ ِ‬
‫سعِيرِ (‪ )7‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ لَ َ‬
‫فِي الْجَنّةِ َوفَرِيقٌ فِي ال ّ‬
‫ي وَل َنصِيرٍ (‪} )8‬‬
‫ن وَِل ّ‬
‫وَالظّاِلمُونَ مَا َلهُمْ مِ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكما أوحينا إلى النبياء قبلك ‪َ { ،‬أوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ قُرْآنًا عَرَبِيّا } أي ‪ :‬واضحا جليا بينا ‪،‬‬
‫حوَْلهَا } أي ‪ :‬من سائر البلد شرقا وغربا ‪ ،‬وسميت مكة‬
‫{ لِتُ ْنذِرَ أُمّ ا ْلقُرَى } وهي مكة ‪َ { ،‬ومَنْ َ‬
‫"أم القرى" ؛ لنها أشرف من سائر البلد ‪ ،‬لدلة كثيرة مذكورة في مواضعها‪ .‬ومن أوجز ذلك‬
‫وأدله ما قال (‪ )1‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬حدثنا شعيب ‪ ،‬عن الزّهْرِي ‪ ،‬أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عبد ال بن‬
‫عَدِي بن الحمراء الزهري أخبره ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول (‪ - )2‬وهو‬
‫واقف بالحَ ْزوَرَة في سوق مكة ‪" : -‬وال ‪ ،‬إنك لخير أرض ال وأحب أرض ال إلى ال ‪ ،‬ولول‬
‫جتُ منك ما خرجت" (‪.)3‬‬
‫أني أُخْ ِر ْ‬
‫وهكذا رواية الترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪ )4‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫جمْعِ } ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪ ،‬يجمع ال الولين والخرين في صعيد واحد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتُنْذِرَ َي ْومَ الْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬ل رَ ْيبَ فِيهِ } أي ‪ :‬ل شك في وقوعه ‪ ،‬وأنه كائن ل محالة‪ .‬وقوله ‪ { :‬فَرِيقٌ فِي ا ْلجَنّةِ‬
‫جمْعِ ذَِلكَ َيوْمُ ال ّتغَابُنِ } [التغابن ‪ ]9 :‬أي ‪:‬‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ ا ْل َ‬
‫سعِيرِ } ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬يوْمَ َي ْ‬
‫َوفَرِيقٌ فِي ال ّ‬
‫شهُو ٌد َومَا‬
‫جمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَذَِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫َيغْبَن أهل الجنة أهل النار ‪ ،‬وكقوله تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫سعِيدٌ } [هود ‪]105 - 103 :‬‬
‫ي وَ َ‬
‫ش ِق ّ‬
‫جلٍ َمعْدُودٍ َيوْمَ يَ ْأتِ ل َتكَلّمُ َنفْسٌ إِل بِإِذْ ِنهِ َفمِ ْنهُمْ َ‬
‫ُنؤَخّ ُرهُ إِل ل َ‬
‫(‪.)5‬‬
‫شفَيّ‬
‫قال (‪ )6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا لَيْث ‪ ،‬حدثني أبو قبيل المعافري ‪ ،‬عن ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ما رواه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/305‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )3925‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )4252‬وسنن ابن ماجه برقم‬
‫(‪.)3108‬‬
‫(‪ )5‬قبلها في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪(" :‬إن في ذلك لية لمن خاف عذاب الخرة)"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬شقيق"‪.‬‬

‫( ‪)7/191‬‬

‫الصبحي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬خرج علينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وفي يده كتابان ‪ ،‬فقال ‪" :‬أتدرون ما هذان الكتابان ؟" قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬ل إل أن تخبرنا يا‬
‫رسول ال قال للذي في يده اليمينى ‪" :‬هذا كتاب من رب العالمين ‪ ،‬بأسماء أهل الجنة وأسماء‬
‫آبائهم وقبائلهم ‪ ،‬ثم أجمل على آخرهم ‪ -‬ل يزاد فيهم ول ينقص منهم أبدا" ثم قال للذي في يساره‬
‫‪" :‬هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم ‪ ،‬ثم أجمل على آخرهم ‪ -‬ل يزاد فيهم ول‬
‫ينقص منهم أبدا" فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فلي شيء إذًا نعمل إن كان هذا‬
‫سدّدُوا وقاربوا ‪ ،‬فإن صاحب‬
‫أمر قد فُرِغ منه ؟ فقال (‪ )1‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ " :‬‬
‫ع ِملَ أي عَمل ‪ ،‬وإن صاحب النار يختم له بعمل النار (‪، )3‬‬
‫الجنة يختم له بعمل الجنة (‪ ، )2‬وإن َ‬
‫وإن عمل أي عمل" ثم قال بيده فقبضها ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬فرغ ربكم عز وجل من العباد" ثم قال باليمنى‬
‫فنبذ بها فقال ‪" :‬فريق في الجنة" ‪ ،‬ونبذ باليسرى فقال ‪" :‬فريق في السعير"‬
‫وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا ‪ ،‬عن قتيبة عن الليث بن سعد وبكر بن مضر ‪ ،‬كلهما عن‬
‫شفَيّ بن ماتع (‪ )4‬الصبحي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫أبي قبيل ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وساقه البغوي في تفسيره من طريق بشر بن بكر (‪ ، )6‬عن سعيد بن عثمان ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزاهرية ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم فذكره بنحوه‪ .‬وعنده زيادات‬
‫منها ‪ :‬ثم قال ‪" :‬فريق في الجنة وفريق في السعير ‪ ،‬عدل من ال عز وجل" (‪.)7‬‬
‫ورواه (‪ )8‬ابن أبي حاتم عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬عن الليث ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن أبي قَبِيل ‪ ،‬عن‬
‫شفي ‪ ،‬عن رجل من الصحابة ‪ ،‬فذكره (‪.)9‬‬
‫ثم روي عن يونس ‪ ،‬عن ابن وَهْب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث وحَ ْيوَة بن (‪ )10‬شُرَيْح ‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن أبي أسيد ؛ أن أبا فراس (‪ )11‬حدثه ‪ :‬أنه سمع عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬إن ال لما خلق آدم‬
‫نفضه نفض الم ْزوَد (‪ ، )12‬وأخرج منه كل ذريته ‪ ،‬فخرج أمثال ال ّنغَف ‪ ،‬فقبضهم قبضتين ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪ :‬شقي وسعيد ‪ ،‬ثم ألقاهما ‪ ،‬ثم قبضهما فقال ‪ :‬فريق في الجنة ‪ ،‬وفريق في السعير (‪.)13‬‬
‫وهذا الموقوف أشبه بالصواب ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬بعمل أهل الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بعمل أهل النار"‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬رافع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/167‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2141‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11473‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/185‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)25/7‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬عن أبي فراس"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في م ‪" :‬المرود"‪.‬‬
‫(‪ )13‬تفسير الطبري (‪.)25/7‬‬

‫( ‪)7/192‬‬

‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪َ )9‬ومَا‬


‫ي وَ ُهوَ ُيحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫أَمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ فَاللّهُ ُهوَ ا ْلوَِل ّ‬
‫ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (‪)10‬‬
‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَبّي عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫شيْءٍ َف ُ‬
‫اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِنْ َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬يعني ابن سلمة ‪ -‬أخبرنا‬
‫الجريري ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬أن رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم يقال له ‪ :‬أبو عبد‬
‫ال ‪ -‬دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬ما يبكيك ؟ ألم يقل لك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني" قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬ولكن سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال قبض بيمينه قبضة ‪ ،‬وأخرى باليد الخرى ‪ ،‬قال ‪ :‬هذه لهذه ‪ ،‬وهذه‬
‫لهذه ول أبالي" فل أدري في أي القبضتين أنا (‪.)1‬‬
‫وأحاديث القدر في الصحاح والسنن والمسانيد كثيرة جدا ‪ ،‬منها حديث علي ‪ ،‬وابن مسعود ‪،‬‬
‫وعائشة ‪ ،‬وجماعة جمة‪.‬‬
‫جعََلهُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً } أي ‪ :‬إما على الهداية أو على الضللة ‪ ،‬ولكنه تعالى‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ شَاءَ اللّهُ َل َ‬
‫فاوت بينهم ‪ ،‬فهدى من يشاء (‪ )2‬إلى الحق ‪ ،‬وأضل من يشاء عنه ‪ ،‬وله الحكمة والحجة‬
‫ي وَل َنصِيرٍ }‬
‫ن وَِل ّ‬
‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمُونَ مَا َلهُمْ مِ ْ‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ فِي َر ْ‬
‫البالغة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلكِنْ يُ ْد ِ‬
‫وقال ‪ :‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن أبي‬
‫سويد ‪ ،‬حدثه عن ابن حجيرة ‪ :‬أنه بلغه (‪ )3‬أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال ‪ : :‬يا رب خَلقُك‬
‫الذين (‪ )4‬خلقتهم ‪ ،‬جعلت منهم فريقا في الجنة وفريقا في النار ‪ ،‬لو ما أدخلتهم كلهم الجنة ؟!‬
‫فقال ‪ :‬يا موسى ‪ ،‬ارفع ذَرْعك‪ .‬فرفع ‪ ،‬قال ‪ :‬قد رفعت‪ .‬قال ‪ :‬ارفع‪ .‬فرفع ‪ ،‬فلم يترك شيئا ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬يا رب قد رفعت ‪ ،‬قال ‪ :‬ارفع‪ .‬قال ‪ :‬قد رفعت ‪ ،‬إل ما ل خير فيه‪ .‬قال ‪ :‬كذلك أدخل خلقي‬
‫كلهم الجنة ‪ ،‬إل ما ل خير فيه‪.‬‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪َ )9‬ومَا‬
‫ي وَ ُهوَ يُحْيِي ا ْل َموْتَى وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫{ َأمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِهِ َأوْلِيَاءَ فَاللّهُ ُهوَ ا ْلوَلِ ّ‬
‫ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (‪} )10‬‬
‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ ذَِلكُمُ اللّهُ رَبّي عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫شيْءٍ َف ُ‬
‫اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِنْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)4/1769‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شاء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الذي"‪.‬‬

‫( ‪)7/193‬‬

‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا َومِنَ الْأَ ْنعَامِ أَ ْزوَاجًا َيذْ َر ُؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ َكمِثْلِهِ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َ‬
‫فَاطِرُ ال ّ‬
‫سطُ الرّ ْزقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَقْدِرُ إِنّهُ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ يَبْ ُ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪ )11‬لَهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬
‫شيْ ٌء وَ ُهوَ ال ّ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)12‬‬
‫ِب ُكلّ َ‬
‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا َومِنَ ال ْنعَامِ أَ ْزوَاجًا يَذْ َر ُؤكُمْ فِيهِ لَيْسَ‬
‫ج َعلَ َل ُكمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ت وَالرْضِ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ فَاطِرُ ال ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ يَبْسُطُ الرّزْقَ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ َيقْدِرُ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ (‪ )11‬لَهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬
‫شيْ ٌء وَ ُهوَ ال ّ‬
‫َكمِثْلِهِ َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪} )12‬‬
‫إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى منكرًا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون ال ‪ ،‬ومخبرا أنه هو الولي الحق‬
‫الذي ل تنبغي العبادة إل له وحده ‪ ،‬فإنه القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬مهما اختلفتم فيه من المور وهذا عام‬
‫شيْءٍ فَ ُ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا اخْتََلفْتُمْ فِيهِ مِنْ َ‬
‫ح ْكمُهُ إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬هو الحاكم فيه بكتابه ‪ ،‬وسنة نبيه صلى ال عليه‬
‫في جميع الشياء ‪َ { ،‬ف ُ‬
‫شيْءٍ فَ ُردّوهُ إِلَى اللّ ِه وَالرّسُولِ } [النساء ‪..]59 :‬‬
‫وسلم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي َ‬
‫ت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } أي ‪ :‬أرجع في جميع‬
‫{ ذَِلكُمُ اللّهُ رَبّي } أي ‪ :‬الحاكم في كل شيء ‪ { ،‬عَلَيْهِ َت َوكّلْ ُ‬
‫المور‪.‬‬

‫( ‪)7/193‬‬

‫ك َومَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ َومُوسَى وَعِيسَى‬


‫شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى ِبهِ نُوحًا وَالّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫ن وَلَا تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى ا ْلمُشْ ِركِينَ مَا َتدْعُوهُمْ إِلَ ْيهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ‬
‫أَنْ َأقِيمُوا الدّي َ‬
‫وَ َيهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (‪َ )13‬ومَا َتفَ ّرقُوا إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ َبغْيًا بَيْ َن ُه ْم وََلوْلَا كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ (‪)14‬‬
‫سمّى َل ُقضِيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ َب ْعدِهِمْ َلفِي َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫رَ ّبكَ إِلَى أَ َ‬

‫سكُمْ أَ ْزوَاجًا }‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ت وَالرْضِ } أي ‪ :‬خالقهما وما بينهما ‪َ { ،‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاطِرِ ال ّ‬
‫أي ‪ :‬من جنسكم وشكلكم ‪ ،‬منة عليكم وتفضل جعل من جنسكم ذكرا وأنثى ‪َ { ،‬ومِنَ ال ْنعَامِ‬
‫أَ ْزوَاجًا } أي ‪ :‬وخلق لكم من النعام ثمانية أزواج‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يذْ َر ُؤكُمْ فِيهِ } أي ‪ :‬يخلقكم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬في ذلك الخلق على هذه الصفة ل يزال يذرؤكم‬
‫(‪ )1‬فيه ذكورا وإناثا ‪ ،‬خلقا من بعد خلق ‪ ،‬وجيل بعد جيل ‪ ،‬ونسل بعد نسل ‪ ،‬من الناس‬
‫والنعام‪.‬‬
‫وقال البغوي رحمه ال ‪َ { :‬يذْ َر ُؤكُمْ فِيهِ } أي ‪ :‬في الرحم‪ .‬وقيل ‪ :‬في البطن‪ .‬وقيل ‪ :‬في هذا‬
‫الوجه من الخلقة‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬ونسل بعد نسل من الناس والنعام‪.‬‬
‫وقيل ‪" :‬في" بمعنى "الباء" ‪ ،‬أي ‪ :‬يذرؤكم به‪.‬‬
‫شيْءٌ } أي ‪ :‬ليس كخالق الزواج كلها شيء ؛ لنه الفرد الصمد الذي ل نظير له ‪،‬‬
‫{ لَ ْيسَ َكمِثْلِهِ َ‬
‫سمِيعُ الْ َبصِيرُ }‬
‫{ وَ ُهوَ ال ّ‬
‫ت وَالرْضِ } تقدم تفسيره في "سورة الزمر" ‪ ،‬وحاصل ذلك أنه‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ َمقَالِيدُ ال ّ‬
‫سطُ الرّزْقَ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ َيقْدِرُ } أي ‪ :‬يوسع على من يشاء ‪ ،‬ويضيق‬
‫المتصرف الحاكم فيهما ‪ { ،‬يَبْ ُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‬
‫على من يشاء ‪ ،‬وله الحكمة والعدل التام ‪ { ،‬إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫ك َومَا َوصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى‬
‫{ شَ َرعَ َل ُكمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى بِهِ نُوحًا وَالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْي َ‬
‫ن وَل تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى ا ْلمُشْ ِركِينَ مَا تَدْعُو ُهمْ إِلَيْهِ اللّهُ َيجْتَبِي ِإلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ‬
‫أَنْ َأقِيمُوا الدّي َ‬
‫وَ َيهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (‪َ )13‬ومَا َتفَ ّرقُوا إِل مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيًا بَيْ َنهُ ْم وََلوْل كَِل َمةٌ سَ َب َقتْ مِنْ‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ (‪} )14‬‬
‫سمّى َل ُقضِيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ َب ْعدِهِمْ َلفِي َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫رَ ّبكَ إِلَى أَ َ‬
‫يقول تعالى لهذه المة ‪ { :‬شَ َرعَ َلكُمْ مِنَ الدّينِ مَا َوصّى بِهِ نُوحًا وَالّذِي َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ } ‪ ،‬فذكر أول‬
‫الرسل بعد آدم وهو نوح ‪ ،‬عليه السلم وآخرهم وهو محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم ذكر من‬
‫بين ذلك من أولي العزم وهم ‪ :‬إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهم السلم‪ .‬وهذه الية‬
‫خذْنَا مِنَ النّبِيّينَ مِيثَا َقهُمْ‬
‫انتظمت ذكر الخمسة كما اشتملت آية "الحزاب" عليهم في قوله ‪ { :‬وَِإذْ أَ َ‬
‫ح وَإِبْرَاهِي َم َومُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } الية[الحزاب ‪ .]7 :‬والدين الذي جاءت به‬
‫َومِ ْنكَ َومِنْ نُو ٍ‬
‫الرسل كلهم هو ‪ :‬عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِل‬
‫نُوحِي إِلَيْهِ أَنّهُ ل إِلَهَ إِل أَنَا فَاعْ ُبدُونِ } [النبياء ‪ .]25 :‬وفي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نوعكم"‪.‬‬

‫( ‪)7/194‬‬

‫ت وَلَا تَتّبِعْ َأ ْهوَاءَهُمْ َوقُلْ َآمَ ْنتُ ِبمَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ وَُأمِ ْرتُ لِأَعْ ِدلَ‬
‫فَلِذَِلكَ فَا ْدعُ وَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْر َ‬
‫جمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ (‬
‫عمَاُلكُمْ لَا حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ اللّهُ يَ ْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫بَيْ َنكُمُ اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ لَنَا أَ ْ‬
‫‪)15‬‬

‫الحديث ‪" :‬نحن معشر (‪ )1‬النبياء أولد علت ديننا واحد" أي ‪ :‬القدر المشترك بينهم هو عبادة‬
‫عةً‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ شِرْ َ‬
‫ال وحده ل شريك له ‪ ،‬وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ِ { :‬ل ُكلّ َ‬
‫ن وَل تَ َتفَ ّرقُوا فِيهِ } أي ‪ :‬وصى ال‬
‫َومِ ْنهَاجًا } [المائدة ‪ ]48 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬أَنْ َأقِيمُوا الدّي َ‬
‫[سبحانه و] (‪ )2‬تعالى جميع النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ ،‬بالئتلف والجماعة ‪ ،‬ونهاهم عن الفتراق‬
‫والختلف‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كَبُرَ عَلَى ا ْلمُشْ ِركِينَ مَا َتدْعُوهُمْ إِلَ ْيهِ } أي ‪ :‬شق عليهم وأنكروا ما تدعوهم إليه يا محمد‬
‫من التوحيد‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬اللّهُ َيجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ َيشَا ُء وَ َيهْدِي إِلَ ْيهِ مَنْ يُنِيبُ } أي ‪ :‬هو الذي يُقدّر الهداية لمن‬
‫يستحقها ‪ ،‬ويكتب الضللة على من آثرها على طريق الرشد ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا َتفَ ّرقُوا إِل مِنْ‬
‫َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِلْمُ } أي ‪ :‬إنما كان مخالفتهم للحق بعد بلوغه إليهم ‪ ،‬وقيام الحجة عليهم ‪ ،‬وما‬
‫حملهم على ذلك إل البغيُ والعنادُ والمشاقة‪.‬‬
‫سمّى } أي ‪ :‬لول الكلمة السابقة‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ثم قال [ال] (‪ )3‬تعالى ‪ { :‬وََلوْل كَِلمَةٌ سَ َب َقتْ مِنْ رَ ّبكَ إِلَى أَ َ‬
‫من ال بإنظار العباد بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد ‪ ،‬لعجل لهم العقوبة في الدنيا سريعًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّ الّذِينَ أُورِثُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ َب ْعدِهِمْ } يعني ‪ :‬الجيل المتأخر بعد القرن الول المكذّب‬
‫شكّ مِنْهُ مُرِيبٍ } أي ‪ :‬ليسوا على يقين من أمرهم ‪ ،‬وإنما هم مقلدون لبائهم‬
‫للحق { َلفِي َ‬
‫وأسلفهم ‪ ،‬بل دليل ول بُرهان ‪ ،‬وهم في حيرة من أمرهم ‪ ،‬وشك مريب ‪ ،‬وشقاق بعيد‪.‬‬
‫ع وَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْرتَ وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَاءَ ُه ْم َوقُلْ آمَ ْنتُ ِبمَا أَنزلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ وَُأمِرْتُ‬
‫{ فَِلذَِلكَ فَا ْد ُ‬
‫جمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ‬
‫حجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ اللّهُ َي ْ‬
‫عمَاُلكُمْ ل ُ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫لعْ ِدلَ بَيْ َنكُمُ اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ لَنَا أَ ْ‬
‫ا ْل َمصِيرُ (‪} )15‬‬
‫اشتملت هذه الية الكريمة على عشر كلمات مستقلت ‪ ،‬كل منها منفصلة عن التي قبلها ‪[ ،‬لها] (‬
‫‪ )4‬حكم برأسه ‪ -‬قالوا ‪ :‬ول نظير لها سوى آية الكرسي ‪ ،‬فإنها أيضا عشرة (‪ )5‬فصول كهذه‪.‬‬
‫قوله (‪ { )6‬فَلِذَِلكَ فَا ْدعُ } أي ‪ :‬فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك‬
‫أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ‪ ،‬فادعُ الناس إليه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسْ َتقِمْ َكمَا ُأمِ ْرتَ } أي ‪ :‬واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة ال ‪ ،‬كما أمركم ال عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَتّبِعْ أَ ْهوَا َءهُمْ } يعني ‪ :‬المشركين فيما اختلقوه ‪ ،‬وكذبوه وافتروه من عبادة الوثان‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ُقلْ آمَ ْنتُ ِبمَا أَنزلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ } أي ‪ :‬صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬معاشر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عشر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬فقوله"‪.‬‬

‫( ‪)7/195‬‬

‫النبياء ل نفرق (‪ )1‬بين أحد منهم‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَُأمِ ْرتُ لعْ ِدلَ بَيْ َن ُكمُ } أي ‪ :‬في الحكم كما أمرني ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ رَبّنَا وَرَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬هو المعبود ‪ ،‬ل إله غيره ‪ ،‬فنحن نقر بذلك اختيارا ‪ ،‬وأنتم وإن‬
‫لم تفعلوه اختيارا ‪ ،‬فله يسجد من في العالمين طوعا وإختيارا‪.‬‬
‫عمَاُلكُمْ } أي ‪ :‬نحن برآء منكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ كَذّبُوكَ َفقُلْ‬
‫عمَالُنَا وََلكُمْ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬لَنَا أَ ْ‬
‫ل وَأَنَا بَرِيءٌ ِممّا َت ْعمَلُونَ } [يونس ‪.]41 :‬‬
‫ع َم ُ‬
‫عمَُل ُكمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ ِممّا أَ ْ‬
‫عمَلِي وََلكُمْ َ‬
‫لِي َ‬
‫حجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ } قال مجاهد ‪ :‬أي ل خصومة‪ .‬قال السدي ‪ :‬وذلك قبل نزول آية‬
‫وقوله ‪ { :‬ل ُ‬
‫السيف‪ .‬وهذا مُتّجَهٌ لن هذه الية مكية ‪ ،‬وآية السيف بعد الهجرة‪.‬‬
‫حقّ‬
‫ج َمعُ بَيْنَنَا رَبّنَا ثُمّ َيفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْ َ‬
‫ج َمعُ بَيْنَنَا } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ يَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬اللّهُ يَ ْ‬
‫وَ ُهوَ ا ْلفَتّاحُ ا ْلعَلِيمُ } [سبأ ‪.]26 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬المرجع والمآب يوم الحساب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ل يفرق"‪.‬‬

‫( ‪)7/196‬‬

‫ضبٌ وََلهُمْ‬
‫غ َ‬
‫حضَةٌ عِنْدَ رَ ّب ِه ْم وَعَلَ ْيهِمْ َ‬
‫وَالّذِينَ ُيحَاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ َب ْعدِ مَا اسْ ُتجِيبَ لَهُ حُجّ ُتهُمْ دَا ِ‬
‫شدِيدٌ (‪ )16‬اللّهُ الّذِي أَنْ َزلَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ وَا ْلمِيزَانَ َومَا ُيدْرِيكَ َل َعلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ (‪)17‬‬
‫عَذَابٌ َ‬
‫ش ِفقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا ا ْلحَقّ أَلَا إِنّ الّذِينَ‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ َآمَنُوا مُ ْ‬
‫يَسْ َتعْ ِ‬
‫ُيمَارُونَ فِي السّاعَةِ َلفِي ضَلَالٍ َبعِيدٍ (‪)18‬‬

‫ب وََلهُمْ‬
‫غضَ ٌ‬
‫حضَةٌ عِ ْندَ رَ ّبهِ ْم وَعَلَ ْيهِمْ َ‬
‫حجّ ُتهُمْ دَا ِ‬
‫{ وَالّذِينَ يُحَاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ َبعْدِ مَا اسْتُجِيبَ َلهُ ُ‬
‫شدِيدٌ (‪ )16‬اللّهُ الّذِي أَنزلَ ا ْلكِتَابَ بِا ْلحَقّ وَا ْلمِيزَانَ َومَا ُيدْرِيكَ َل َعلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ (‪)17‬‬
‫عَذَابٌ َ‬
‫حقّ أَل إِنّ الّذِينَ‬
‫شفِقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا الْ َ‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ آمَنُوا مُ ْ‬
‫يَسْ َتعْ ِ‬
‫ُيمَارُونَ فِي السّاعَةِ َلفِي ضَللٍ َبعِيدٍ (‪} )18‬‬
‫يقول تعالى ‪ -‬متوعدا الذين يصدون عن سبيل ال من آمن به ‪ { : -‬وَالّذِينَ ُيحَاجّونَ فِي اللّهِ مِنْ‬
‫َبعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ } أي ‪ :‬يجادلون المؤمنين المستجيبين ل ولرسوله ‪ ،‬ليصدوهم عما سلكوه من‬
‫ضبٌ } أي ‪:‬‬
‫غ َ‬
‫حضَةٌ عِنْدَ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬باطلة عند ال ‪ { ،‬وَعَلَ ْيهِمْ َ‬
‫حجّ ُتهُمْ دَا ِ‬
‫طريق الهدى ‪ُ { ،‬‬
‫منه ‪ { ،‬وََلهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا ل ولرسوله ‪ ،‬ليصدوهم عن الهدى ‪،‬‬
‫وطمعوا أن تعود الجاهلية‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هم اليهود والنصارى ‪ ،‬قالوا لهم ‪ :‬ديننا خير من دينكم ‪ ،‬ونبينا قبل نبيكم ‪ ،‬ونحن‬
‫خير منكم ‪ ،‬وأولى بال منكم‪ .‬وقد كذبوا في ذلك‪.‬‬
‫حقّ } يعني ‪ :‬الكتب المنزلة من عنده على أنبيائه‬
‫ثم قال ‪ { :‬اللّهُ الّذِي أَنزلَ ا ْلكِتَابَ بِالْ َ‬
‫{ والميزان } ‪ ،‬وهو ‪ :‬العدل والنصاف ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪َ { :‬لقَدْ أَ ْرسَلْنَا‬
‫سطِ } [الحديد ‪ ]25 :‬وقوله ‪:‬‬
‫ب وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِ ْ‬
‫ت وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫رُسُلَنَا بِالْبَيّنَا ِ‬
‫ط وَل تُخْسِرُوا‬
‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ‪ .‬وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫سمَاءَ َر َف َعهَا وَ َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ‪ .‬أَل َت ْ‬
‫{ وَال ّ‬
‫ا ْلمِيزَانَ } [الرحمن ‪.]9 - 7 :‬‬

‫( ‪)7/196‬‬

‫اللّهُ لَطِيفٌ ِبعِبَا ِدهِ يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلقَ ِويّ ا ْلعَزِيزُ (‪ )19‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الْآَخِ َرةِ نَ ِزدْ لَهُ فِي‬
‫حَرْ ِث ِه َومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا لَهُ فِي الَْآخِ َرةِ مِنْ َنصِيبٍ (‪َ )20‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ‬
‫شَرَعُوا َلهُمْ مِنَ الدّينِ مَا َلمْ يَأْذَنْ ِبهِ اللّ ُه وََلوْلَا كَِلمَةُ ا ْل َفصْلِ َل ُقضِيَ بَيْ َنهُ ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ عَذَابٌ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فِي‬
‫ش ِفقِينَ ِممّا كَسَبُوا وَ ُه َو وَاقِعٌ ِبهِمْ وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫أَلِيمٌ (‪ )21‬تَرَى الظّاِلمِينَ مُ ْ‬
‫ضلُ ا ْلكَبِيرُ (‪)22‬‬
‫َر ْوضَاتِ ا ْلجَنّاتِ َلهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َف ْ‬

‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يُدْرِيكَ َل َعلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ } فيه ترغيب فيها ‪ ،‬وترهيب منها ‪ ،‬وتزهيد في الدنيا‪.‬‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا } أي ‪ :‬يقولون ‪ { :‬مَتَى هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬يسْ َتعْ ِ‬
‫شفِقُونَ‬
‫[سبأ ‪ ، ]29 :‬وإنما يقولون (‪ )1‬ذلك تكذيبا واستبعادا ‪ ،‬وكفرا وعنادا ‪ { ،‬وَالّذِينَ آمَنُوا مُ ْ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬كائنة ل محالة ‪ ،‬فهم‬
‫مِ ْنهَا } أي ‪ :‬خائفون وجلون من وقوعها { وَ َيعَْلمُونَ أَ ّنهَا الْ َ‬
‫مستعدون لها عاملون من أجلها‪.‬‬
‫وقد رُوي من طرق تبلغ درجة التواتر ‪ ،‬في الصحاح والحسان ‪ ،‬والسنن والمسانيد ‪ ،‬وفي بعض‬
‫ج ْهوَ ِريّ ‪ ،‬وهو في بعض أسفاره‬
‫ألفاظه ؛ أن رجل سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم بصوت َ‬
‫فناداه فقال ‪ :‬يا محمد‪ .‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم نحوا من صوته "هاؤم"‪ .‬فقال ‪ :‬متى‬
‫الساعة ؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ويحك ‪ ،‬إنها كائنة ‪ ،‬فما أعددت لها ؟" فقال ‪:‬‬
‫حُب ال ورسوله‪ .‬فقال ‪" :‬أنت مع من أحببت (‪.)2‬‬
‫فقوله في الحديث ‪" :‬المرء مع من أحب" ‪ ،‬هذا متواتر ل محالة ‪ ،‬والغرض أنه لم يجبه عن وقت‬
‫الساعة ‪ ،‬بل أمره بالستعداد لها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل إِنّ الّذِينَ ُيمَارُونَ فِي السّاعَةِ } أي ‪ :‬يحاجّون في وجودها ويدفعون وقوعها ‪َ { ،‬لفِي‬
‫ضَللٍ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬في جهل بين ؛ لن الذي خلق السموات والرض قادر على إحياء الموتى‬
‫علَيْهِ } [الروم ‪:‬‬
‫بطريق الولى والحرى ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْدَأُ ا ْلخَلْقَ ثُمّ ُيعِي ُدهُ وَ ُهوَ َأ ْهوَنُ َ‬
‫‪.]27‬‬
‫{ اللّهُ َلطِيفٌ ِبعِبَا ِدهِ يَرْزُقُ مَنْ َيشَا ُء وَ ُهوَ ا ْل َق ِويّ ا ْلعَزِيزُ (‪ )19‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الخِ َرةِ نزدْ لَهُ‬
‫فِي حَرْثِ ِه َومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا َلهُ فِي الخِ َرةِ مِنْ َنصِيبٍ (‪َ )20‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ‬
‫ضيَ بَيْ َن ُه ْم وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ عَذَابٌ‬
‫صلِ َل ُق ِ‬
‫شَرَعُوا َلهُمْ مِنَ الدّينِ مَا َلمْ يَأْذَنْ ِبهِ اللّ ُه وََلوْل كَِلمَةُ ا ْل َف ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فِي‬
‫ش ِفقِينَ ِممّا كَسَبُوا وَ ُه َو وَاقِعٌ ِبهِمْ وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫أَلِيمٌ (‪ )21‬تَرَى الظّاِلمِينَ مُ ْ‬
‫ضلُ ا ْلكَبِيرُ (‪} )22‬‬
‫َر ْوضَاتِ ا ْلجَنّاتِ َلهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َف ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم ‪ ،‬ل ينسى أحدا منهم ‪ ،‬سواء في‬
‫رزقه البرّ والفاجر ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ فِي ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ مُسْ َتقَرّهَا‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [هود ‪ ]6 :‬ولها (‪ )3‬نظائر كثيرة‪.‬‬
‫َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬يَرْ ُزقُ مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬يوسع على من يشاء ‪ { ،‬وَ ُهوَ ا ْل َق ِويّ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬ل يعجزه‬
‫شيء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6167‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2639‬من حديث أنس‬
‫بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬

‫( ‪)7/197‬‬

‫ثم قال ‪ { :‬مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الخِ َرةِ } أي ‪ :‬عمل الخرة { نزدْ لَهُ فِي حَرْ ِثهِ } أي ‪ :‬نقويه‬
‫ونعينه على ما هو بصدده ‪ ،‬ونكثر نماءه ‪ ،‬ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ‪،‬‬
‫إلى ما يشاء ال { َومَنْ كَانَ يُرِيدُ حَ ْرثَ الدّنْيَا ُنؤْتِهِ مِ ْنهَا َومَا َلهُ فِي الخِ َرةِ مِنْ َنصِيبٍ } أي ‪ :‬ومن‬
‫كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا ‪ ،‬وليس له إلى الخرة همّة (‪ )1‬البتة بالكلية ‪ ،‬حَرَمه ال‬
‫الخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها ‪ ،‬وإن لم يشأ لم يحصل (‪ )2‬له ل هذه ول هذه ‪ ،‬وفاز هذا‬
‫الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫والدليل على هذا أن هذه الية هاهنا مقيدة بالية التي في "سبحان" وهي قوله تعالى ‪ { :‬مَنْ كَانَ‬
‫جهَنّمَ َيصْلهَا مَ ْذمُومًا مَدْحُورًا َومَنْ أَرَادَ‬
‫جعَلْنَا َلهُ َ‬
‫عجّلْنَا َلهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ ِلمَنْ نُرِيدُ ُثمّ َ‬
‫يُرِيدُ ا ْلعَاجِلَةَ َ‬
‫عطَاءِ‬
‫شكُورًا كُل ُنمِدّ َهؤُلءِ وَ َهؤُلءِ مِنْ َ‬
‫سعْ ُيهُمْ مَ ْ‬
‫سعْ َيهَا وَ ُهوَ ُمؤْمِنٌ فَأُولَ ِئكَ كَانَ َ‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫الخِ َر َة وَ َ‬
‫ض وَلَلخِ َرةُ َأكْبَرُ دَرَجَاتٍ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْع ٍ‬
‫عطَاءُ رَ ّبكَ َمحْظُورًا ا ْنظُرْ كَ ْيفَ َفضّلْنَا َب ْع َ‬
‫ك َومَا كَانَ َ‬
‫رَ ّب َ‬
‫وََأكْبَرُ َت ْفضِيل } [السراء ‪.]21 - 18 :‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن مُغيرة ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن كعب [رضي ال عنه] (‪ )3‬قال ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بشر هذه المة بالسّنَاء والرفعة ‪ ،‬والنصر والتمكين في الرض‬
‫‪ ،‬فمن عمل منهم عمل الخرة للدنيا ‪ ،‬لم يكن له في الخرة من نصيب" (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ شَرَعُوا َل ُهمْ مِنَ الدّينِ مَا لَمْ يَ ْأذَنْ بِهِ اللّهُ } أي ‪ :‬هم ل يتبعون ما شرع ال‬
‫لك من الدين القويم ‪ ،‬بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والنس ‪ ،‬من تحريم ما حرموا‬
‫عليهم ‪ ،‬من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ‪ ،‬وتحليل الميتة والدم والقمار ‪ ،‬إلى نحو ذلك من‬
‫الضللت والجهالة (‪ )5‬الباطلة ‪ ،‬التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم ‪ ،‬من التحليل والتحريم ‪،‬‬
‫والعبادات الباطلة ‪ ،‬والقوال الفاسدة‪.‬‬
‫حيّ بن َق َمعَة‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬رأيت عمرو بن لُ َ‬
‫يَجُر ُقصْبَه في النار" (‪ )6‬لنه أول من سيب السوائب‪ .‬وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة ‪ ،‬وهو‬
‫حمَل قريشا على عبادة الصنام ‪ ،‬لعنه ال وقبحه ؛ ولهذا‬
‫أول من فعل هذه الشياء ‪ ،‬وهو الذي َ‬
‫ضيَ بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬لعوجلوا بالعقوبة ‪ ،‬لول ما تقدم من النظار‬
‫صلِ َلقُ ِ‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وََلوْل كَِلمَةُ ا ْل َف ْ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬شديد موجع (‪ )7‬في جهنم وبئس المصير‪.‬‬
‫إلى يوم المعاد ‪ { ،‬وَإِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ َ‬
‫ش ِفقِينَ ِممّا كَسَبُوا } أي ‪ :‬في عرصات القيامة ‪ { ،‬وَ ُه َو وَاقِعٌ ِبهِمْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬تَرَى الظّاِلمِينَ مُ ْ‬
‫} أي ‪ :‬الذي يخافون منه واقع بهم ل محالة ‪ ،‬هذا حالهم يوم معادهم ‪ ،‬وهم في هذا الخوف‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فِي َر ْوضَاتِ الْجَنّاتِ َلهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ } فأين‬
‫والوجل ‪ { ،‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫هذا من هذا ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يجعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البغوي في شرح السنة (‪ )14/335‬من طريق الثوري به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الجهالت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 103 :‬من سورة المائدة‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وجيع"‪.‬‬

‫( ‪)7/198‬‬

‫أين من هو في العَ َرصَات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ‪ ،‬ممن هو في روضات‬
‫الجنات ‪ ،‬فيما يشاء من مآكل ومشارب وملبس ومساكن ومناظر ومناكح وملذ ‪ ،‬فيما ل عين‬
‫رأت ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا عمر بن عبد الرحمن البار ‪ ،‬حدثنا محمد بن سعد النصاري (‪)1‬‬
‫عن أبي طَيْبَة ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الشّرْب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول ‪ :‬ما أ ْمطِ ُركُم‪ .‬قال ‪ :‬فما‬
‫يدعو داع من (‪ )2‬القوم بشيء إل أمطرتهم ‪ ،‬حتى إن القائل منهم ليقول ‪ :‬أمطرينا كواعب أترابا‪.‬‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬عن الحسن بن عرفة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬ذِلكَ ُهوَ ا ْل َفضْلُ ا ْلكَبِيرُ } أي ‪ :‬الفوز العظيم ‪ ،‬والنعمة التامة السابغة الشاملة‬
‫العامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى الحسن بن عرفة بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬

‫( ‪)7/199‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ ُقلْ لَا َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرًا إِلّا ا ْل َموَ ّدةَ فِي‬
‫ذَِلكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫شكُورٌ (‪ )23‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّهِ‬
‫غفُورٌ َ‬
‫ا ْلقُرْبَى َومَنْ َيقْتَرِفْ حَسَنَةً نَ ِزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنّ اللّهَ َ‬
‫حقّ ا ْلحَقّ ِبكَِلمَا ِتهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‬
‫ل وَيُ ِ‬
‫طَ‬‫ك وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬
‫كَذِبًا فَإِنْ َيشَأِ اللّهُ َيخْتِمْ عَلَى قَلْ ِب َ‬
‫‪)24‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ ُقلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ أَجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي‬
‫{ ذَِلكَ الّذِي يُ َبشّرُ اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫شكُورٌ (‪ )23‬أَمْ َيقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّهِ‬
‫غفُورٌ َ‬
‫ا ْلقُرْبَى َومَنْ َيقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنّ اللّهَ َ‬
‫حقّ ا ْلحَقّ ِبكَِلمَا ِتهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‬
‫ل وَيُ ِ‬
‫طَ‬‫ك وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬
‫كَذِبًا فَإِنْ َيشَأِ اللّهُ َيخْتِمْ عَلَى قَلْ ِب َ‬
‫‪} )24‬‬
‫يقول تعالى لما ذكر روضات الجنة ‪ ،‬لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ‪ { :‬ذَِلكَ الّذِي يُ َبشّرُ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } أي ‪ :‬هذا حاصل لهم كائن ل محالة ‪ ،‬ببشارة ال لهم‬
‫اللّهُ عِبَا َدهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫به‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ ل أَسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ َأجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } أي ‪ :‬قل يا محمد لهؤلء المشركين من‬
‫كفار قريش ‪ :‬ل أسألكم على هذا البلغ والنصح لكم ما ل تعطونيه ‪ ،‬وإنما أطلب منكم أن تكفوا‬
‫شركم عني وتذروني أبلغ رسالت (‪ )1‬ربي ‪ ،‬إن لم تنصروني فل تؤذوني بما بيني وبينكم من‬
‫القرابة‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عبد الملك بن‬
‫ميسرة قال ‪ :‬سمعت طاوسا (‪ )2‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه سئل عن قوله تعالى ‪ { :‬إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي‬
‫عجِ ْلتَ إن النبي صلى ال عليه‬
‫ا ْلقُرْبَى } فقال سعيد بن جبير ‪ :‬قربى آل محمد‪ .‬فقال ابن عباس ‪َ :‬‬
‫وسلم لم يكن بطن من قريش إل كان له فيهم قرابة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إل أن تصلوا ما بيني وبينكم من‬
‫القرابة‪ .‬انفرد به البخاري (‪.)3‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى القطان ‪ ،‬عن شعبة به‪ .‬وهكذا روى عامر الشعبي ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وعلي بن أبي طلحة ‪ ،‬وال َعوْفي ‪ ،‬ويوسف بن ِمهْران وغير واحد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‪ .‬وبه‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪،‬‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني (‪ )4‬حدثنا هاشم بن يزيد الطبراني وجعفر القلنسي قال حدثنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬رسالة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4818‬والمسند (‪.)1/229‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني"‪.‬‬

‫( ‪)7/199‬‬

‫خصَيف ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬


‫آدم بن أبي أياس ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن ُ‬
‫لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل أسألكم عليه أجرا إل أن َتوَدّوني في نفسي لقرابتي‬
‫منكم ‪ ،‬وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم" (‪.)1‬‬
‫سوَيد ‪ -‬وابن أبي حاتم ‪ -‬عن‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن حسن بن موسى ‪ :‬حدثنا قَزَعَة يعني ابن ُ‬
‫أبيه ‪ ،‬عن مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬عن قَزَعة بن سويد ‪ -‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا ‪،‬‬
‫إل أن ُتوَادوا ال ‪ ،‬وأن تقربوا إليه بطاعته" (‪.)2‬‬
‫وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫وهذا كأنه تفسير بقول ثان ‪ ،‬كأنه يقول ‪ { :‬إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } أي ‪ :‬إل أن تعملوا بالطاعة‬
‫التي تقربكم عند ال زلفى‪.‬‬
‫وقول ثالث ‪ :‬وهو ما حكاه البخاري وغيره ‪ ،‬رواية عن سعيد بن جبير ‪ ،‬ما معناه أنه قال ‪ :‬معنى‬
‫ذلك أن تودوني في قرابتي ‪ ،‬أي ‪ :‬تحسنوا إليهم وتبروهم‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ ،‬عن أبي الديلم قال ‪ :‬لما جيء بعلي بن الحسين أسيرا ‪ ،‬فأقيم على درج دمشق ‪،‬‬
‫قام رجل من أهل الشام فقال ‪ :‬الحمد ل الذي قتلكم واستأصلكم ‪ ،‬وقطع قرني الفتنة‪ .‬فقال له علي‬
‫بن الحسين ‪ :‬أقرأت القرآن ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬أقرأت آل حم ؟ قال ‪ :‬قرأت القرآن ‪ ،‬ولم أقرأ آل‬
‫علَيْهِ َأجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } ؟ قال ‪ :‬وإنكم أنتم (‪ )3‬هم‬
‫حم‪ .‬قال ‪ :‬ما قرأت ‪ُ { :‬قلْ ل أَسْأَُلكُمْ َ‬
‫؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬أبو إسحاق السّبِيعيّ ‪ :‬سألت عمرو بن شعيب عن قوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا‬
‫إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } فقال ‪ :‬قربى النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬رواهما ابن جرير (‪.)4‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا مالك بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا عبد السلم ‪ ،‬حدثني يزيد‬
‫بن أبي زياد ‪ ،‬عن مقسم ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قالت النصار ‪ :‬فعلنا وفعلنا ‪ ،‬وكأنهم فخروا‬
‫فقال ابن عباس ‪ -‬أو ‪ :‬العباس ‪ ،‬شك عبد السلم ‪ : -‬لنا الفضل عليكم‪ .‬فبلغ ذلك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال ‪" :‬يا معشر النصار ‪ ،‬ألم تكونوا أذلة فأعزكم ال بي ؟"‬
‫قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رسول ال‪ .‬قال ‪ :‬ألم تكونوا ضلل فهداكم ال بي ؟" قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال قال‬
‫‪" :‬أفل تجيبوني ؟" قالوا ‪ :‬ما نقول يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬أل تقولون ‪ :‬ألم يخرجك قومك‬
‫فآويناك ؟ أو لم يكذبوك فصدقناك ؟ أو لم يخذلوك فنصرناك" ؟ قال ‪ :‬فما زال يقول حتى جثوا‬
‫على الركب ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أموالنا وما في أيدينا ل ولرسوله‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت ‪ُ { :‬قلْ ل َأسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ‬
‫أَجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } (‪.)5‬‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن علي بن الحسين ‪ ،‬عن عبد المؤمن بن علي ‪ ،‬عن عبد السلم ‪،‬‬
‫عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪.)11/435‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/268‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنتم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)25/17‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)25/16‬‬

‫( ‪)7/200‬‬

‫يزيد بن أبي زياد ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬بإسناده مثله ‪ ،‬أو قريبا منه‪.‬‬
‫وفي الصحيحين ‪ -‬في قسم غنائم حنين ‪ -‬قريب من هذا السياق ‪ ،‬ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه‬
‫الية‪ .‬وذكْ ُر نزولها في المدينة فيه نظر ؛ لن السورة مكية ‪ ،‬وليس يظهر بين هذه الية الكريمة‬
‫وبين السياق مناسبة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا رجل سماه ‪ ،‬حدثنا حسين الشقر ‪ ،‬عن‬
‫لل‬
‫قيس ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سعيد بن جبير (‪ )1‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ُ { :‬ق ْ‬
‫أَسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ َأجْرًا إِل ا ْل َموَ ّدةَ فِي ا ْلقُرْبَى } قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬من هؤلء الذين أمر ال‬
‫بمودتهم ؟ قال ‪" :‬فاطمة وولدها ‪ ،‬عليهم السلم" (‪.)2‬‬
‫وهذا إسناد (‪ )3‬ضعيف ‪ ،‬فيه مبهم ل يعرف ‪ ،‬عن شيخ شيعي مُتَخَرّق (‪ ، )4‬وهو حسين‬
‫الشقر ‪ ،‬ول يقبل خبره في هذا المحل‪ .‬وذكر نزول هذه الية في المدينة بعيد ؛ فإنها مكية ولم‬
‫يكن إذ ذاك لفاطمة أولد بالكلية ‪ ،‬فإنها لم تتزوج بعلي إل بعد بدر من (‪ )5‬السنة الثانية من‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫والحق تفسير الية بما فسرها به المام حَبرُ المة ‪ ،‬وترجمان القرآن ‪ ،‬عبد ال بن عباس ‪ ،‬كما‬
‫رواه عنه البخاري [رحمه ال] (‪ )6‬ول تنكر الوصاة (‪ )7‬بأهل البيت ‪ ،‬والمر بالحسان إليهم ‪،‬‬
‫واحترامهم وإكرامهم ‪ ،‬فإنهم من ذرية طاهرة ‪ ،‬من أشرف بيت وجد على وجه الرض ‪ ،‬فخرًا‬
‫وحسبًا ونسبًا ‪ ،‬ول سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية ‪ ،‬كما كان عليه‬
‫سلفهم ‪ ،‬كالعباس وبنيه ‪ ،‬وعلي وأهل بيته وذريته ‪ ،‬رضي ال عنهم أجمعين‪.‬‬
‫و [قد ثبت] (‪ )8‬في الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال في خطبته بغَدِير خُمّ ‪:‬‬
‫"إني تارك فيكم الثقلين ‪ :‬كتاب ال وعترتي ‪ ،‬وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض" (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث (‪ ، )10‬عن العباس بن عبد المطلب قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن‬
‫قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن ‪ ،‬وإذا لقونا لقونا بوجوه ل نعرفها ؟ قال ‪ :‬فغضب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم غضبا شديدا ‪ ،‬وقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يدخل قلب الرجل اليمان‬
‫حتى يحبكم ل ولرسوله" (‪.)11‬‬
‫ثم قال أحمد (‪ )12‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن يزيد بن أبي زياد ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن عبد‬
‫المطلب بن ربيعة قال ‪ :‬دخل العباس على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إنا لنخرج فنرى‬
‫قريشا تُحدث ‪ ،‬فإذا رأونا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )11/444‬من طريق حرب الطحان عن حسين الشقر‬
‫به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬السناد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬مخترق"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ول ينكر الوصاية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪ )2408‬بنحوه من حديث زيد بن الرقم‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)1/207‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬ثم روى المام أحمد"‪.‬‬

‫( ‪)7/201‬‬
‫سكتوا‪ .‬فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم ودَرّ عِ ْرقُ بين عينه (‪ ، )1‬ثم قال ‪" :‬وال ل يدخل‬
‫قلب امرئ (‪ )2‬إيمان حتى يحبكم ل ولقرابتي" (‪.)3‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن واقد قال ‪:‬‬
‫سمعتُ أبي يحدّث (‪ )4‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ارقبوا‬
‫محمدا صلى ال عليه وسلم في أهل بيته (‪.)5‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن الصديق قال لعلي ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬وال لقرابة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي (‪.)7( )6‬‬
‫وقال عمر بن الخطاب للعباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ :‬وال لسلمك يوم أسلمت كان أحب إليّ من‬
‫إسلم الخطاب لو أسلم ؛ لن إسلمك كان أحب إلى رسول ال من إسلم الخطاب‪.‬‬
‫فحال الشيخين ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك ؛ ولهذا كانا أفضل‬
‫المؤمنين بعد النبيين والمرسلين ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬وعن سائر الصحابة أجمعين‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬عن أبي حَيّان التيمي ‪ ،‬حدثني يزيد‬
‫ابن حيان قال ‪ :‬انطلقت أنا وحُسَيْن بن مَيْسَرة ‪ ،‬وعمر (‪ )8‬بن مسلم إلى زيد (‪ )9‬بن أرقم ‪ ،‬فلما‬
‫جلسنا إليه قال له حصين ‪ :‬لقد لقيتَ يا زيد (‪ )10‬خيرا كثيرا ‪ ،‬رأيت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وسمعت حديثه وغزوت معه ‪ ،‬وصليت معه‪ .‬لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا‪ .‬حدثنا يا زيد‬
‫ما سمعت من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬وال كَبُرت (‪ )11‬سني ‪،‬‬
‫وقدم عهدي ‪ ،‬ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فما حدثتكم‬
‫فاقبلوه ‪ ،‬وما ل فل ُتكَلّفونيه‪ .‬ثم قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا خطيبًا فينا ‪ ،‬بماء‬
‫خمّا ‪ -‬بين مكة والمدينة ‪ -‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬وذكر ووعظ ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬أل‬
‫يدعى ُ‬
‫أيها الناس ‪ ،‬إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ‪ ،‬وإني تارك فيكم الثقلين ‪ ،‬أولهما ‪:‬‬
‫كتاب ال ‪ ،‬فيه الهدى والنور ‪ ،‬فخذوا بكتاب ال واستمسكوا به" فحث على كتاب ال ورغب فيه ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬وأهل بيتي أذكركم ال في أهل بيتي أذكركم ال في أهل بيتي" فقال له حصين ‪ :‬ومن أهل‬
‫بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال ‪ :‬إن نساءه من أهل بيته ‪ ،‬ولكن أهل بيته من حُرم‬
‫الصدقة بعده قال ‪ :‬ومن هم ؟ قال ‪ :‬هم آل علي ‪ ،‬وآل عقيل ‪ ،‬وآل جعفر ‪ ،‬وآل العباس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫أكل هؤلء حرم الصدقة ؟ قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم [في فضائل] (‪ )12‬والنسائي من طرق عن يزيد بن حَيّان به (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عينيه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬امرئ مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/207‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)3713‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أحب إلي من أن أصل قرابتي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)3712‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرو"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وال لقد كبرت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ )4/366‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2408‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)8175‬‬

‫( ‪)7/202‬‬

‫وقال أبو عيسى الترمذي (‪ )1‬حدثنا علي بن المنذر الكوفي ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا‬
‫العمش ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ -‬والعمش ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬عن زيد بن أرقم‬
‫‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ‪،‬‬
‫أحدهما أعظم من الخر ‪ :‬كتاب ال حبل ممدود من (‪ )2‬السماء إلى الرض ‪ ،‬والخر عترتي ‪:‬‬
‫أهل بيتي ‪ ،‬ولن يَ َتفَرّقا حتى يردا علي الحوض ‪ ،‬فانظروا كيف تخلفوني فيهما"‬
‫تفرد بروايته الترمذي (‪ )3‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وقال الترمذي أيضا (‪ )4‬حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحسن ‪ ،‬عن جعفر‬
‫بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال (‪ )5‬قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫حجته يوم عرفة ‪ ،‬وهو على ناقته القصواء يخطب ‪ ،‬فسمعته يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إني تركت‬
‫فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ‪ :‬كتاب ال ‪ ،‬وعترتي ‪ :‬أهل بيتي"‬
‫تفرد به الترمذي أيضا (‪ ، )6‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪ .‬وفي الباب عن أبي ذر ‪ ،‬وأبي سعيد ‪ ،‬وزيد‬
‫بن أرقم ‪ ،‬وحذيفة بن أسيد‪.‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو داود سليمان بن الشعث ‪ ،‬حدثنا يحيى بن َمعِين ‪ ،‬حدثنا هشام بن‬
‫يوسف ‪ ،‬عن عبد ال بن سليمان النوفلي ‪ ،‬عن محمد بن علي بن عبد ال بن عباس ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن جده عبد ال بن عباس (‪ )7‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أحبوا ال لما يغذوكم‬
‫(‪ )8‬من نعمه ‪ ،‬وأحبوني (‪ )9‬بحب ال ‪ ،‬وأحبوا أهل بيتي بحبي"‬
‫ثم قال (‪ )10‬حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه (‪.)11‬‬
‫وقد أوردنا أحاديث ُأخَر عند قوله تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا يُرِيدُ اللّهُ لِ ُيذْ ِهبَ عَ ْنكُمُ الرّجْسَ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ‬
‫طهِيرًا } [ الحزاب ‪ ، )12( ]33 :‬بما أغنى عن إعادتها هاهنا ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫طهّ َركُمْ َت ْ‬
‫وَيُ َ‬
‫سعِيد ‪ ،‬حدثنا مفضل بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا سويد بن َ‬
‫حَنَش قال ‪ :‬سمعت أبا ذر وهو آخذ بحلقة الباب يقول ‪ :‬يا أيها الناس ‪ ،‬من عرفني فقد عرفني ‪،‬‬
‫ومن أنكرني فأنا أبو ذر ‪ ،‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إنما مثل أهل بيتي فيكم‬
‫مَثَل سفينة نوح ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)3788‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عبد ال رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)3786‬‬
‫(‪ )7‬قي ت ‪" :‬وروى الترمذي أيضا عن ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬يغدوكم به"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬فأحبوني"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن الترمذي برقم (‪.)3789‬‬
‫(‪ )12‬انظر تفسير الية ‪ 33 :‬من سورة لحزاب‪.‬‬

‫( ‪)7/203‬‬

‫ت وَ َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ (‪ )25‬وَيَسْ َتجِيبُ الّذِينَ َآمَنُوا‬


‫وَ ُهوَ الّذِي َيقْ َبلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَ َي ْعفُو عَنِ السّيّئَا ِ‬
‫سطَ اللّهُ الرّزْقَ‬
‫شدِيدٌ (‪ )26‬وََلوْ بَ َ‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ َفضِْل ِه وَا ْلكَافِرُونَ َلهُمْ عَذَابٌ َ‬
‫وَ َ‬
‫ض وََلكِنْ يُنَ ّزلُ ِبقَدَرٍ مَا َيشَاءُ إِنّهُ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرٌ َبصِيرٌ (‪ )27‬وَ ُهوَ الّذِي يُنَ ّزلُ‬
‫ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫حمِيدُ (‪)28‬‬
‫حمَتَ ُه وَ ُهوَ ا ْلوَِليّ الْ َ‬
‫ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ َر ْ‬

‫من دخلها نجا ‪ ،‬ومن تخلف عنها هلك" (‪.)1‬‬


‫هذا بهذا السناد ضعيف‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َيقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } أي ‪ :‬ومن يعمل حسنة { نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } أي‬
‫ع ْفهَا وَيُ ْؤتِ مِنْ لَدُ ْنهُ أَجْرًا‬
‫حسَنَةً ُيضَا ِ‬
‫‪ :‬أجرا وثوابا ‪ ،‬كقوله { إِنّ اللّهَ ل َيظْلِمُ مِ ْثقَالَ ذَ ّر ٍة وَإِنْ َتكُ َ‬
‫عَظِيمًا } [النساء ‪.]40 :‬‬
‫وقال بعض السلف ‪[ :‬إن] (‪ )2‬من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ‪ ،‬ومن جزاء السيئة(السيئة) بعدها‪.‬‬
‫شكُورٌ } أي ‪ :‬يغفر الكثير من السيئات ‪ ،‬ويكثر القليل من الحسنات ‪،‬‬
‫غفُورٌ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫فيستر ويغفر ‪ ،‬ويضاعف فيشكر‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللّهُ َيخْتِمْ عَلَى قَلْ ِبكَ } أي ‪ :‬لو افتريت عليه‬
‫كذبا كما يزعم هؤلء الجاهلون { يَخْ ِتمْ عَلَى قَلْ ِبكَ } أي ‪ :‬لَطَبَعَ على قلبك وسلبك ما كان آتاك من‬
‫طعْنَا مِ ْنهُ ا ْلوَتِينَ‬
‫القرآن ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ َتقَ ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ القَاوِيلِ لخَذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ ثُمّ َلقَ َ‬
‫حدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [الحاقة ‪ ]47 - 44 :‬أي ‪ :‬لنتقمنا منه أشد النتقام ‪ ،‬وما قدر‬
‫َفمَا مِ ْنكُمْ مِنْ أَ َ‬
‫أحد من الناس أن يحجز عنه‪.‬‬
‫طلَ } ليس معطوفا على قوله ‪ { :‬يختم } فيكون مجزوما ‪ ،‬بل هو مرفوع‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬
‫على البتداء ‪ ،‬قاله ابن جرير ‪ ،‬قال ‪ :‬وحذفت من كتابته "الواو" في رسم المصحف المام ‪ ،‬كما‬
‫حذفت في (‪ )3‬قوله ‪ { :‬سَ َن ْدعُ الزّبَانِيَةَ } [العلق ‪ ]18 :‬وقوله ‪ { :‬وَيَ ْدعُ النْسَانُ بِالشّرّ دُعَا َءهُ‬
‫بِالْخَيْرِ } [السراء ‪.]11 :‬‬
‫حقّ ا ْلحَقّ } أي ‪ :‬يحققه‬
‫ل وَيُ ِ‬
‫طَ‬‫حقّ ا ْلحَقّ ِبكَِلمَاتِهِ } معطوف على { وَ َيمْحُ اللّهُ الْبَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُ ِ‬
‫ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته ‪ ،‬أي ‪ :‬بحججه وبراهينه ‪ { ،‬إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أي ‪ :‬بما‬
‫تكنه الضمائر ‪ ،‬وتنطوي عليه السرائر‪.‬‬
‫ت وَ َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ (‪ )25‬وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ‬
‫{ وَ ُهوَ الّذِي َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِد ِه وَ َيعْفُو عَنِ السّيّئَا ِ‬
‫سطَ اللّهُ‬
‫شدِيدٌ (‪ )26‬وََلوْ بَ َ‬
‫ت وَيَزِيدُهُمْ مِنْ َفضْلِ ِه وَا ْلكَافِرُونَ َل ُهمْ عَذَابٌ َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫آمَنُوا وَ َ‬
‫ض وََلكِنْ يُنزلُ ِبقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنّهُ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرٌ َبصِيرٌ (‪ )27‬وَ ُهوَ الّذِي‬
‫الرّزْقَ ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْا فِي ال ْر ِ‬
‫حمِيدُ (‪} )28‬‬
‫حمَتَ ُه وَ ُهوَ ا ْلوَِليّ الْ َ‬
‫يُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َب ْعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ َر ْ‬
‫يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه ‪ :‬أنه من كرمه وحلمه أنه‬
‫جدِ اللّهَ‬
‫سهُ ثُمّ َيسْ َت ْغفِرِ اللّهَ يَ ِ‬
‫يعفو ويصفح ويستر ويغفر ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَنْ َي ْع َملْ سُوءًا َأوْ َيظْلِمْ َنفْ َ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } [النساء ‪ ]110 :‬وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الحاكم في المستدرك وصححه (‪ )3/150‬من طريق مفضل بن صالح عن أبي إسحاق‬
‫به ‪ ،‬وتعقبه الذهبي بقوله ‪" :‬فيه مفضل ابن صالح واه" ‪ ،‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‬
‫‪ )3/37‬من طريق عبد ال بن داهر عن عبد ال بن عبد القدوس عن العمش عن أبي إسحاق‬
‫به ‪ ،‬وفي إسناده عبد ال بن داهر الرازي متروك‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬

‫( ‪)7/204‬‬
‫حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قال (‪ )1‬حدثنا عمر بن يونس ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار‬
‫‪ ،‬حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ‪ ،‬حدثني أنس بن مالك ‪ -‬وهو عمه (‪ - )2‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه ‪ ،‬من أحدكم كان راحلته بأرض‬
‫فلة فانفلتت منه ‪ ،‬وعليها طعامه وشرابه ‪ ،‬فأيس منها ‪ ،‬فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ‪ ،‬قد أيس‬
‫من راحلته ‪ ،‬فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ‪ ،‬فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح ‪ :‬اللهم‬
‫أنت عبدي وأنا ربك ‪ -‬أخطأ من شدة الفرح" (‪.)3‬‬
‫وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد ال بن مسعود نحوه (‪.)5( )4‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن الزهري في قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َيقْ َبلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِدهِ } ‪ :‬إن‬
‫أبا هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد‬
‫ضالته (‪ )6‬في المكان الذي يخاف أن يقتله العطش فيه" (‪.)7‬‬
‫وقال همام بن الحارث ‪ :‬سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها ؟ قال ‪ :‬ل بأس به‬
‫‪ ،‬وقرأ ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َيقْبَلُ ال ّتوْبَةَ عَنْ عِبَا ِدهِ } الية رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم من حديث‬
‫شريك القاضي ‪ ،‬عن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن إبراهيم النخعي ‪ ،‬عن همام فذكره (‪.)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َي ْعفُو عَنِ السّيّئَاتِ } أي ‪ :‬يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي ‪{ ،‬‬
‫وَ َيعْلَمُ مَا َت ْفعَلُونَ } أي ‪ :‬هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ‪ ،‬ومع هذا يتوب على من تاب‬
‫إليه‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } قال السدي ‪ :‬يعني يستجيب لهم‪ .‬وكذا قال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَسْ َتجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ابن جرير ‪ :‬معناه يستجيب الدعاء لهم (‪[ )9‬لنفسهم] (‪ )10‬ولصحابهم وإخوانهم‪ .‬وحكاه عن‬
‫بعض النحاة ‪ ،‬وأنه جعلها كقوله ‪ { :‬فَاسْ َتجَابَ َلهُمْ رَ ّب ُهمْ } [آل عمران ‪.]195 :‬‬
‫ثم روى هو وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬عن شقيق بن سلمة ‪ ،‬عن سلمة بن سبرة قال‬
‫‪ :‬خطبنا معاذ بالشام فقال ‪ :‬أنتم المؤمنون ‪ ،‬وأنتم أهل الجنة‪ .‬وال إني أرجو أن يدخل ال من‬
‫تسبون من فارس والروم الجنة ‪ ،‬وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ‪ -‬يعني أحدُهم عمل ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫عمِلُوا‬
‫أحسنت رحمك (‪ )11‬ال ‪ ،‬أحسنت بارك ال فيك ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَيَسْ َتجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ت وَيَزِيدُ ُهمْ مِنْ َفضْلِهِ }‬
‫الصّالِحَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عمه رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2747‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مثله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2744‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬راحلته"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير عبد الرزاق (‪ )2/156‬وقد روى متصل ‪ ،‬فرواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2675‬من‬
‫طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام ابن منبه عن أبي هريرة به‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)25/18‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لهم الدعاء"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬يرحمك"‪.‬‬

‫( ‪)7/205‬‬

‫وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل (‪[ )1‬مثل] (‪ )2‬قوله ‪ { :‬وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ‬
‫آمَنُوا } كقوله ‪ { :‬الّذِينَ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْل َق ْولَ } [الزمر ‪ ]18 :‬أي ‪ :‬هم الذين يستجيبون للحق‬
‫س َمعُونَ وَا ْل َموْتَى يَ ْبعَ ُث ُهمُ اللّهُ } [النعام ‪:‬‬
‫ويتبعونه ‪ ،‬كقوله تبارك وتعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا يَسْ َتجِيبُ الّذِينَ يَ ْ‬
‫‪ ]36‬والمعنى الول أظهر ؛ لقوله (‪ )3‬تعالى ‪ { :‬وَيَزِيدُهُمْ مِنْ َفضْلِهِ } أي ‪ :‬يستجيب دعاءهم‬
‫ويزيدهم فوق ذلك ؛ ولهذا قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن المصفى ‪ ،‬حدثنا بقية ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عبد ال‬
‫الكندي ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن شقيق عن عبد ال (‪ )4‬قال ‪ :‬قال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫في قوله ‪ { :‬وَيَزِي ُدهُمْ مِنْ َفضْلِهِ } قال ‪" :‬الشفاعة لمن وجبت له النار ‪ ،‬ممن صنع إليهم معروفا (‬
‫‪ )5‬في الدنيا" (‪.)6‬‬
‫عمِلُوا‬
‫وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله تعالى ‪ { :‬وَيَسْ َتجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫الصّالِحَاتِ } قال ‪ :‬يشفعون في إخوانهم ‪ { ،‬وَيَزِيدُ ُهمْ مِنْ َفضْلِهِ } قال ‪ :‬يشفعون في إخوان‬
‫إخوانهم‪.‬‬
‫عذَابٌ شَدِيدٌ } لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ‪ ،‬ذكر‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْلكَافِرُونَ َلهُمْ َ‬
‫الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم‪.‬‬
‫سطَ اللّهُ الرّزْقَ ِلعِبَا ِدهِ لَ َب َغوْا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬لو أعطاهم فوق حاجتهم من‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ بَ َ‬
‫الرزق ‪ ،‬لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض ‪ ،‬أشرا وبطرا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان يقال ‪ :‬خير العيش ما ل يلهيك ول يطغيك‪ .‬وذكر قتادة حديث ‪" :‬إنما أخاف‬
‫عليكم ما يخرج ال من زهرة الحياة الدنيا" وسؤال السائل ‪ :‬أيأتي الخير بالشر ؟ الحديث‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنْ يُنزلُ ِبقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنّهُ ِبعِبَا ِدهِ خَبِيرٌ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬ولكن يرزقهم من الرزق ما‬
‫يختاره مما فيه صلحهم ‪ ،‬وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ‪ ،‬ويفقر من يستحق الفقر‪ .‬كما‬
‫جاء في الحديث المروي ‪" :‬إن من عبادي لمن (‪ )7‬ل يصلحه إل الغنى ‪ ،‬ولو أفقرته لفسدت‬
‫عليه دينه ‪ ،‬وإن من عبادي لمن ل يصلحه إل الفقر ‪ ،‬ولو أغنيته لفسدت عليه دينه"‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا قَنَطُوا } أي ‪ :‬من بعد إياس الناس من نزول المطر ‪،‬‬
‫ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يُنزلَ عَلَ ْيهِمْ مِنْ قَبِْلهِ‬
‫َلمُبْلِسِينَ } [الروم ‪.]49 :‬‬
‫حمَتَهُ } أي ‪ :‬يعم بها الوجود على أهل ذلك القُطْر وتلك الناحية‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَنْشُرُ َر ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جعله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬كقوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بسنده عن عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬المعروف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه أبي عاصم في السنة برقم (‪ )846‬من طريق محمد بن مصفى عن بقية به ‪ ،‬وفي‬
‫إسيناده إسماعيل الكندي‪ .‬قال الذهبي في الميزان (‪" : )1/235‬عن العمش ‪ ،‬وعنه بقية ‪ ،‬بخبر‬
‫عجيب منكر"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬

‫( ‪)7/206‬‬

‫ج ْم ِعهِمْ إِذَا َيشَاءُ َقدِيرٌ (‪)29‬‬


‫ض َومَا َبثّ فِي ِهمَا مِنْ دَابّ ٍة وَ ُهوَ عَلَى َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ ال ّ‬
‫َومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (‪َ )30‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي الْأَ ْرضِ‬
‫ن وَِليّ وَلَا َنصِيرٍ (‪)31‬‬
‫َومَا َل ُكمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬

‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رجل قال لعمر بن الخطاب ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬قُحط المطر وقنط‬
‫الناس ؟ فقال عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬مطرتم ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا‬
‫حمَتَهُ } (‪.)1‬‬
‫قَنَطُوا وَيَنْشُرُ َر ْ‬
‫حمِيدُ } أي ‪ :‬هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم ‪ ،‬وهو المحمود‬
‫{ وَ ُهوَ ا ْلوَِليّ الْ َ‬
‫العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله‪.‬‬
‫ج ْم ِعهِمْ إِذَا َيشَاءُ َقدِيرٌ (‪)29‬‬
‫ت وَال ْرضِ َومَا َبثّ فِي ِهمَا مِنْ دَابّةٍ وَ ُهوَ عَلَى َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ خَ ْلقُ ال ّ‬
‫َومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (‪َ )30‬ومَا أَنْتُمْ ِب ُمعْجِزِينَ فِي ال ْرضِ‬
‫ن وَِليّ وَل َنصِيرٍ (‪} )31‬‬
‫َومَا َل ُكمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِ ْ‬
‫س َموَاتِ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَاتِهِ ‪ } :‬الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر { خَلْقُ ال ّ‬
‫ض َومَا َبثّ فِي ِهمَا } أي ‪ :‬ذرأ فيهما ‪ ،‬أي ‪ :‬في السموات والرض ‪ { ،‬مِنْ دَابّةٍ } وهذا‬
‫وَالرْ ِ‬
‫يشمل الملئكة والجن والنس وسائر الحيوانات ‪ ،‬على اختلف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم ‪،‬‬
‫وطباعهم وأجناسهم ‪ ،‬وأنواعهم ‪ ،‬وقد فرقهم في أرجاء أقطار الرض والسموات ‪ { ،‬وهو } مع‬
‫ج ْم ِعهِمْ ِإذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ } أي ‪ :‬يوم القيامة يجمع الولين والخرين وسائر الخلئق‬
‫هذا كله { عَلَى َ‬
‫في صعيد واحد ‪ ،‬يسمعهم الداعي ‪ ،‬وينفذهم البصر ‪ ،‬فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ } أي ‪ :‬مهما أصابكم أيها الناس من‬
‫المصائب فإنما هو (‪ )2‬عن سيئات تقدمت لكم { وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } أي ‪ :‬من السيئات ‪ ،‬فل‬
‫ظهْ ِرهَا مِنْ دَابّةٍ }‬
‫خذُ اللّهُ النّاسَ ِبمَا كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬
‫يجازيكم عليها بل يعفو عنها ‪ { ،‬وََلوْ ُيؤَا ِ‬
‫[ فاطر ‪ ] 45 :‬وفي الحديث الصحيح ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ما يصيب المؤمن من نصب ول‬
‫َوصَب ول هم ول حُزَن ‪ ،‬إل كفر ال عنه بها من خطاياه ‪ ،‬حتى الشوكة (‪ )3‬يشاكها" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُليّة ‪ ،‬حدثنا أيوب قال ‪ :‬قرأت في كتاب‬
‫أبي قِلبَةَ قال ‪ :‬نزلت ‪َ { :‬فمَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ خَيْرًا يَ َر ُه َومَنْ َي ْع َملْ مِ ْثقَالَ ذَ ّرةٍ شَرّا يَ َرهُ }‬
‫[الزلزلة ‪ ]8 ، 7 :‬وأبو بكر يأكل ‪ ،‬فأمسك وقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني لراء ما عملت من خير‬
‫وشر ؟ فقال ‪" :‬أرأيت ما رأيت مما تكره ‪ ،‬فهو من مثاقيل ذَرّ الشر ‪ ،‬وتدخر مثاقيل الخير حتى‬
‫تعطاه يوم القيامة" قال ‪ :‬قال أبو إدريس ‪ :‬فإني أرى مصداقها في كتاب ال ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ‬
‫ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } (‪.)5‬‬
‫ثم رواه من وجه آخر ‪ ،‬عن أبي قِلبَةَ ‪ ،‬عن أنس (‪ ، )6‬قال ‪ :‬والول أصح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)25/19‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬هي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بالشوكة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )5642 ، 5641‬وصحيح مسلم برقم (‪" )2573‬من حديث أبي سعيد‬
‫الخدري وأبي هريرة رضي ال عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)25/20‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)25/21‬‬

‫( ‪)7/207‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ‪ ،‬حدثنا مروان بن معاوية‬
‫خضْر بن ال َقوّاس البجلي ‪ ،‬عن أبي سخيلة (‪)1‬‬
‫الفَزَاري ‪ ،‬حدثنا الزهر بن راشد الكاهلي ‪ ،‬عن ال َ‬
‫عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه قال ‪ :‬أل أخبركم بأفضل آية في كتاب ال عز وجل ‪ ،‬وحدثنا به‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي ُك ْم وَ َيعْفُو عَنْ‬
‫كَثِيرٍ }‪ .‬وسأفسرها لك يا علي ‪" :‬ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلء في الدنيا ‪ ،‬فبما كسبت‬
‫أيديكم (‪ )2‬وال تعالى أحلم من أن يُثَنّى عليه العقوبة في الخرة ‪ ،‬وما عفا ال عنه في الدنيا فال‬
‫(‪ )3‬تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه"‬
‫سخَيلة قال ‪ :‬قال علي‪ ...‬فذكر‬
‫وكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن مروان بن معاوية وعَبْدة ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫نحوه مرفوعا (‪.)4‬‬
‫ثم روى ابن أبي حاتم [نحوه] (‪ )5‬من وجه آخر موقوفا فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا منصور بن أبي‬
‫جحَيفَة قال ‪ :‬دخلت على‬
‫مزاحم ‪ ،‬حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح ‪ ،‬عن أبي الحسن ‪ ،‬عن أبي ُ‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يَعيَه (‪ )6‬؟‬
‫قال ‪ :‬فسألناه فتل (‪ )7‬هذه الية ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي ُك ْم وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }‬
‫قال ‪ :‬ما عاقب ال به في الدنيا فال أحلم من أن يُثَنّي عليه العقوبة يوم القيامة ‪ ،‬وما عفا ال عنه‬
‫في الدنيا فال أكرم من أن يعود في عفوه يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعلى بن عبيد ‪ ،‬حدثنا طلحة ‪ -‬يعني ابن يحيى ‪ -‬عن أبي بُرْ َدةَ ‪،‬‬
‫عن معاوية ‪ -‬هو ابن أبي سفيان ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إل َكفّرَ ال عنه به من سيئاته" (‪.)9‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسين ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد (‪ ، )10‬عن عائشة قالت ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا كثرت ذنوب العبد ‪ ،‬ولم يكن له ما يكفرها ‪ ،‬ابتله ال‬
‫بالحَزَنِ ليكفرها" (‪.)11‬‬
‫وقال (‪ )12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد ال الودي ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن إسماعيل بن‬
‫مسلم ‪ ،‬عن الحسن ‪ -‬هو البصري ‪ -‬قال في قوله ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا َكسَ َبتْ أَيْدِيكُمْ‬
‫وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } قال ‪ :‬لما نزلت قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪،‬‬
‫خدْش عود ‪ ،‬ول اختلج عرق ‪ ،‬ول عَثْرة قدم ‪ ،‬إل بذنب وما يعفو ال عنه أكثر" (‪.)13‬‬
‫ما من َ‬
‫وقال (‪ )14‬أيضا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمر بن علي ‪ ،‬حدثنا هُشَيمْ ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أيديكم ويعفو عن كثير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/85‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يصيبه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬قبل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/98‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )3/301‬رجال أحمد رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عن مجاهد ‪ ،‬وروى أيضا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)6/157‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )13‬ورواه هناد بن السري في الزهد برقم (‪ )431‬من طريق إسماعيل بن مسلم به مرسل‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)7/208‬‬

‫عمران بن حصين ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده ‪،‬‬
‫فقال له بعضهم إنا لَنَبْتَئِسُ لك لما نرى فيك‪ .‬قال ‪ :‬فل تبتئس بما ترى ‪ ،‬فإن ما ترى بذنب ‪ ،‬وما‬
‫يعفو ال عنه أكثر ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي ُك ْم وَ َيعْفُو عَنْ‬
‫كَثِيرٍ }‬
‫[قال ‪ )1( ] :‬وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحمّاني ‪ ،‬حدثنا جرير عن أبي البلد (‪)2‬‬
‫قال ‪ :‬قلت للعلء بن بدر ‪َ { :‬ومَا َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَ ْيدِيكُمْ } ‪ ،‬وقد ذهب بصري وأنا‬
‫غلم ؟ قال ‪ :‬فبذنوب والديك‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافسي ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبي راود ‪ ،‬عن‬
‫الضحاك (‪ )3‬قال ‪ :‬ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه (‪ )4‬إل بذنب ‪ ،‬ثم قرأ الضحاك ‪َ { :‬ومَا‬
‫َأصَا َبكُمْ مِنْ ُمصِيبَةٍ فَ ِبمَا كَسَ َبتْ أَيْدِي ُك ْم وَ َيعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }‪ .‬ثم يقول الضحاك ‪ :‬وأي مصيبة أعظم‬
‫من نسيان القرآن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أبي العل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى أيضا عن الضحاك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سيبه"‪.‬‬

‫( ‪)7/209‬‬
‫ظهْ ِرهِ إِنّ فِي‬
‫سكِنِ الرّيحَ فَ َيظْلَلْنَ َروَاكِدَ عَلَى َ‬
‫جوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (‪ )32‬إِنْ يَشَأْ يُ ْ‬
‫َومِنْ آَيَاتِهِ ا ْل َ‬
‫شكُورٍ (‪َ )33‬أوْ يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَسَبُوا وَ َي ْعفُ عَنْ كَثِيرٍ (‪ )34‬وَ َيعْلَمَ الّذِينَ‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ (‪)35‬‬

‫ظهْ ِرهِ إِنّ‬


‫سكِنِ الرّيحَ فَ َيظْلَلْنَ َروَاكِدَ عَلَى َ‬
‫جوَار فِي الْ َبحْرِ كَالعْلمِ (‪ )32‬إِنْ يَشَأْ يُ ْ‬
‫{ َومِنْ آيَا ِتهِ ا ْل َ‬
‫شكُورٍ (‪َ )33‬أوْ يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَسَبُوا وَ َي ْعفُ عَنْ كَثِيرٍ (‪ )34‬وَ َيعْلَمَ الّذِينَ‬
‫ل صَبّارٍ َ‬
‫ك ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا َلهُمْ مِنْ َمحِيصٍ (‪} )35‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ومن آياته الدالة على قدرته وسلطانه ‪ ،‬تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره ‪،‬‬
‫وهي الجواري في البحر كالعلم ‪ ،‬أي ‪ :‬كالجبال ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والضحاك‬
‫‪ ،‬أي ‪ :‬هي (‪ )1‬في البحر كالجبال في البر ‪. ،‬‬
‫سكِنِ الرّيحَ } أي ‪ :‬التي تسير بالسفن (‪ ، )2‬لو شاء لسكنها حتى ل تتحرك (‪)3‬‬
‫{ إِنْ يَشَأْ يُ ْ‬
‫السفن ‪ ،‬بل تظل راكدة ل تجيء ول تذهب ‪ ،‬بل واقفة على ظهره ‪ ،‬أي ‪ :‬على وجه الماء { إِنّ‬
‫ل صَبّارٍ } أي ‪ :‬في الشدائد { شكور } أي ‪ :‬إن في تسخيره البحر وإجرائه‬
‫ك ليَاتٍ ِل ُك ّ‬
‫فِي ذَِل َ‬
‫الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم ‪ ،‬لدللت على نعمه تعالى على خلقه { ِل ُكلّ صَبّارٍ } أي ‪:‬‬
‫في الشدائد ‪ { ،‬شكور } في الرخاء‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ يُو ِب ْقهُنّ ِبمَا كَسَبُوا } أي ‪ :‬ولو شاء لهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم‬
‫راكبون عليها (‪ { )4‬وَ َي ْعفُ عَنْ كَثِيرٍ } أي ‪ :‬من ذنوبهم‪ .‬ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لهلك كل من‬
‫ركب البحر (‪.)5‬‬
‫وقال بعض علماء التفسير ‪ :‬معنى قوله ‪َ { :‬أوْ يُوبِ ْقهُنّ ِبمَا كَسَبُوا } أي ‪ :‬لو شاء لرسل الريح‬
‫قوية عاتية ‪ ،‬فأخذت السفن وأحالتها (‪ )6‬عن سيرها المستقيم ‪ ،‬فصرفتها ذات اليمين أو ذات‬
‫الشمال ‪ ،‬آبقة ل تسير على طريق ‪ ،‬ول إلى جهة مقصد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬تسير بها السفن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يتحرك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬كل من يركب في البحر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬كل من يركب البحر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فأجالتها"ن وفي م ‪" :‬فاجتالتها"‪.‬‬

‫( ‪)7/209‬‬
‫شيْءٍ َفمَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْ ٌر وَأَ ْبقَى لِلّذِينَ َآمَنُوا وَعَلَى رَ ّب ِهمْ يَ َت َوكّلُونَ (‬
‫َفمَا أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬
‫غضِبُوا هُمْ َي ْغفِرُونَ (‪ )37‬وَالّذِينَ اسْ َتجَابُوا‬
‫ش وَإِذَا مَا َ‬
‫‪ )36‬وَالّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْ ِم وَا ْل َفوَاحِ َ‬
‫لِرَ ّبهِ ْم وََأقَامُوا الصّلَا َة وََأمْرُهُمْ شُورَى بَيْ َنهُمْ َومِمّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ (‪ )38‬وَالّذِينَ ِإذَا َأصَا َبهُمُ الْ َب ْغيُ‬
‫هُمْ يَنْ َتصِرُونَ (‪)39‬‬

‫وهذا القول هو يتضمن هلكها ‪ ،‬وهو مناسب للول (‪ ، )1‬وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح‬
‫فوقفت ‪ ،‬أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت‪ .‬ولكن من لطفه (‪ )2‬ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة ‪،‬‬
‫كما يرسل المطر بقدر الكفاية ‪ ،‬ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ‪ ،‬أو قليل لما أنبت الزرع (‪)3‬‬
‫والثمار ‪ ،‬حتى إنه يرسل إلى مثل بلد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها (‪ )4‬؛ لنهم ل‬
‫يحتاجون إلى مطر ‪ ،‬ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم ‪ ،‬وأسقط جدرانهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيعْلَمَ الّذِينَ ُيجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا َل ُهمْ مِنْ مَحِيصٍ } أي ‪ :‬ل محيد لهم عن بأسنا‬
‫ونقمتنا ‪ ،‬فإنهم مقهورون بقدرتنا‪.‬‬
‫شيْءٍ َفمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا َومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ‬
‫{ َفمَا أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬
‫غضِبُوا هُمْ َيغْفِرُونَ (‪ )37‬وَالّذِينَ اسْتَجَابُوا‬
‫ش وَإِذَا مَا َ‬
‫ح َ‬
‫(‪ )36‬وَالّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْلفَوَا ِ‬
‫لِرَ ّبهِ ْم وََأقَامُوا الصّلةَ وََأمْرُهُمْ شُورَى بَيْ َنهُ ْم َو ِممّا رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْنفِقُونَ (‪ )38‬وَالّذِينَ إِذَا َأصَا َبهُمُ الْ َب ْغيُ‬
‫هُمْ يَنْ َتصِرُونَ (‪} )39‬‬
‫يقول تعالى محقرا بشأن الحياة الدنيا وزينتها ‪ ،‬وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني ‪ ،‬بقوله ‪َ { :‬فمَا‬
‫شيْءٍ َفمَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا } أي ‪ :‬مهما حصلتم وجمعتم فل تغتروا به ‪ ،‬فإنما هو متاع‬
‫أُوتِيتُمْ مِنْ َ‬
‫الحياة الدنيا ‪ ،‬وهي دار دنيئة فانية زائلة ل محالة ‪َ { ،‬ومَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى } أي ‪ :‬وثواب ال‬
‫خير من الدنيا ‪ ،‬وهو باق سرمدي ‪ ،‬فل تقدموا الفاني على الباقي ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِلّذِينَ آمَنُوا }‬
‫أي ‪ :‬للذين صبروا على ترك الملذ في الدنيا ‪ { ،‬وَعَلَى رَ ّبهِمْ يَ َت َوكّلُونَ } أي ‪ :‬ليعينهم على‬
‫الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ال ْث ِم وَا ْلفَوَاحِشَ } وقد قدمنا الكلم على الثم والفواحش في‬
‫غضِبُوا هُمْ َي ْغفِرُونَ } أي ‪ :‬سجيتهم [وخلقهم وطبعهم] (‪ )5‬تقتضي‬
‫"سورة العراف" { وَإِذَا مَا َ‬
‫الصفح والعفو عن الناس ‪ ،‬ليس سجيتهم النتقام من الناس‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط ‪ ،‬إل أن تنتهك‬
‫حرمات ال (‪ )6‬وفي حديث آخر ‪" :‬كان يقول لحدنا (‪ )7‬عند المعتبة ‪ :‬ما له ؟ تربت جبينه" (‬
‫‪.)8‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن منصور (‬
‫‪ ، )9‬عن إبراهيم قال ‪ :‬كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا ‪ ،‬وكانوا إذا قدروا عفوا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬للقول الول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لطف ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الزروع"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عليها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6126‬من حديث عائشة بلفظ ‪" :‬وما انتقم رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لنفسه في شيء قط ‪ ،‬إل أن تنتهك حرمة ال ‪ ،‬فينتقم بها ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬للرجل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )6031‬من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫( ‪)7/210‬‬

‫حبّ الظّاِلمِينَ (‪ )40‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ‬


‫عفَا وََأصْلَحَ فََأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ إِنّهُ لَا ُي ِ‬
‫وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا َفمَنْ َ‬
‫س وَيَ ْبغُونَ فِي‬
‫َبعْدَ ظُ ْلمِهِ فَأُولَ ِئكَ مَا عَلَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (‪ )41‬إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ َيظِْلمُونَ النّا َ‬
‫غفَرَ إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْزمِ الُْأمُورِ (‪)43‬‬
‫ن صَبَ َر وَ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )42‬وََلمَ ْ‬
‫حقّ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬

‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ اسْ َتجَابُوا لِرَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬اتبعوا رسله وأطاعوا أمره ‪ ،‬واجتنبوا زجره ‪ { ،‬وََأقَامُوا‬
‫الصّلةَ } وهي أعظم العبادات ل عز وجل ‪ { ،‬وََأمْرُهُمْ شُورَى بَيْ َنهُمْ } أي ‪ :‬ل يبرمون أمرا حتى‬
‫يتشاوروا (‪ )1‬فيه ‪ ،‬ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫{ وَشَاوِرْ ُهمْ فِي المْرِ فَإِذَا عَ َز ْمتَ فَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ } [آل عمران ‪ ]159 :‬ولهذا كان عليه [الصلة]‬
‫(‪ )2‬السلم ‪ ،‬يشاورهم في الحروب ونحوها ‪ ،‬ليطيب بذلك قلوبهم‪ .‬وهكذا لما حضرت عمر بن‬
‫الخطاب [رضي ال عنه] (‪ )3‬الوفاة حين طعن ‪ ،‬جعل المر بعده شورى في ستة نفر ‪ ،‬وهم ‪:‬‬
‫عثمان ‪ ،‬وعلي ‪ ،‬وطلحة ‪ ،‬والزبير ‪ ،‬وسعد ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬رضي ال عنهم‬
‫أجمعين ‪ ،‬فاجتمع رأي الصحابة كلهم على تقديم عثمان عليهم ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪َ { ،‬و ِممّا‬
‫رَ َزقْنَاهُمْ يُ ْن ِفقُونَ } وذلك بالحسان إلى خلق ال ‪ ،‬القرب إليهم منهم فالقرب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ إِذَا َأصَا َبهُمُ الْ َب ْغيُ هُمْ يَنْ َتصِرُونَ } أي ‪ :‬فيهم قوة النتصار ممن ظلمهم واعتدى‬
‫عليهم ‪ ،‬ليسوا بعاجزين ول أذلة ‪ ،‬بل يقدرون على النتقام ممن بغى عليهم ‪ ،‬وإن كانوا مع هذا‬
‫علَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ َي ْغفِرُ اللّهُ َلكُمْ‬
‫إذا قدروا وعفوا ‪ ،‬كما قال يوسف ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لخوته ‪ { :‬ل تَثْرِيبَ َ‬
‫حمِينَ] (‪[ } )4‬يوسف ‪ ، ]92 :‬مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم‬
‫حمُ الرّا ِ‬
‫[وَ ُهوَ أَرْ َ‬
‫إليه ‪ ،‬وكما عفا رسول ال صلى ال عليه وسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام‬
‫الحديبية ‪ ،‬ونزلوا من جبل التنعيم ‪ ،‬فلما قدر عليهم مَنّ عليهم (‪ )5‬مع قدرته على النتقام ‪ ،‬وكذلك‬
‫غوْرَث بن الحارث ‪ ،‬الذي أراد الفتك به [عليه السلم] (‪ )6‬حين اخترط سيفه وهو‬
‫عفوه عن َ‬
‫نائم ‪ ،‬فاستيقظ ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وهو في يده صَلْتا ‪ ،‬فانتهره فوضعه من يده ‪ ،‬وأخذ رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم السيف من يده ‪ ،‬ودعا أصحابه ‪ ،‬ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا‬
‫الرجل ‪ ،‬وعفا عنه‪ .‬وكذلك عفا عن لبيد بن العصم (‪ ، )7‬الذي سحره ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومع هذا‬
‫لم يعرض له ‪ ،‬ول عاتبه ‪ ،‬مع قدرته عليه‪ .‬وكذلك عفوه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬عن المرأة اليهودية ‪-‬‬
‫وهي زينب أخت (‪ )8‬مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة ‪ -‬التي سمت الذراع‬
‫يوم خيبر ‪ ،‬فأخبره الذراع بذلك ‪ ،‬فدعاها فاعترفت فقال ‪" :‬ما حملك على ذلك" قالت ‪ :‬أردت إن‬
‫كنت نبيا لم يضرك ‪ ،‬وإن لم تكن نبيا استرحنا منك ‪ ،‬فأطلقها ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولكن لما‬
‫مات منه بشر بن البراء قتلها به ‪ ،‬والحاديث والثار في هذا كثيرة جدا ‪ ،‬والحمد ل (‪.)9‬‬
‫حبّ الظّاِلمِينَ (‪ )40‬وََلمَنِ‬
‫علَى اللّهِ إِنّهُ ل ُي ِ‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ َ‬
‫{ وَجَزَاءُ سَيّ َئةٍ سَيّ َئةٌ مِثُْلهَا َفمَنْ َ‬
‫س وَيَ ْبغُونَ‬
‫انْ َتصَرَ َبعْدَ ظُ ْلمِهِ فَأُولَ ِئكَ مَا عَلَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (‪ )41‬إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ َيظِْلمُونَ النّا َ‬
‫غفَرَ إِنّ َذِلكَ َلمِنْ عَزْ ِم المُورِ (‬
‫فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )42‬وََلمَنْ صَبَرَ وَ َ‬
‫‪} )43‬‬
‫علَ ْيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَ ْيهِ ِبمِ ْثلِ مَا‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬وَجَزَاءُ سَيّ َئةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا } كقوله تعالى ‪َ { :‬فمَنِ اعْتَدَى َ‬
‫اعْتَدَى عَلَ ْي ُكمْ } [البقرة ‪]194 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يشاورون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أعصم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬بنت"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ول الحمد والمنة"‪.‬‬

‫( ‪)7/211‬‬

‫ن صَبَرْتُمْ َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ } [النحل ‪:‬‬


‫وكقوله (‪ { )1‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِ ِه وَلَئِ ْ‬
‫‪ ]129‬فشرع العدل وهو القصاص ‪ ،‬وندب إلى الفضل وهو العفو ‪ ،‬كقوله [تعالى] (‪)2‬‬
‫عفَا‬
‫{ وَا ْلجُرُوحَ ِقصَاصٌ َفمَنْ َتصَدّقَ بِهِ َف ُهوَ َكفّا َرةٌ َلهُ } [المائدة ‪ ]45 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬فمَنْ َ‬
‫وََأصْلَحَ فََأجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬ل يضيع ذلك عند ال كما صح في الحديث ‪" :‬وما زاد ال عبدا‬
‫حبّ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬المعتدين ‪ ،‬وهو المبتدئ بالسيئة‪.‬‬
‫بعفو إل عزا" وقوله ‪ { :‬إِنّهُ ل يُ ِ‬
‫[وقال بعضهم ‪ :‬لما كانت القسام ثلثة ‪ :‬ظالم لنفسه ‪ ،‬ومقتصد ‪ ،‬وسابق بالخيرات ‪ ،‬ذكر القسام‬
‫الثلثة في هذه الية فذكر المقتصد وهو الذي يفيض بقدر حقه لقوله ‪ { :‬وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثُْلهَا }‬
‫حبّ‬
‫عفَا وََأصْلَحَ فَأَجْ ُرهُ عَلَى اللّهِ } ثم ذكر الظالم بقوله ‪ { :‬إِنّ ُه ل ُي ِ‬
‫‪ ،‬ثم ذكر السابق بقوله ‪َ { :‬فمَنْ َ‬
‫الظّاِلمِينَ } فأمر بالعدل ‪ ،‬وندب إلى الفضل ‪ ،‬ونهى من الظلم] (‪.)3‬‬
‫علَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } أي ‪ :‬ليس عليهم جناح في‬
‫ثم قال ‪ { :‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ َب ْعدَ ظُ ْل ِمهِ فَأُولَ ِئكَ مَا َ‬
‫النتصار ممن ظلمهم‪.‬‬
‫قال ابن جرير (‪ )4‬حدثنا محمد بن عبد ال بن بَزيع (‪ )5‬حدثنا معاذ بن معاذ ‪ ،‬حدثنا (‪ )6‬ابن‬
‫علَ ْيهِمْ مِنْ سَبِيلٍ }‬
‫عوْن قال ‪ :‬كنت أسأل عن النتصار ‪ { :‬وََلمَنِ انْ َتصَرَ َب ْعدَ ظُ ْل ِمهِ فَأُولَ ِئكَ مَا َ‬
‫َ‬
‫فحدثني علي بن زيد (‪ )7‬بن جدعان عن أم محمد ‪ -‬امرأة أبيه ‪ -‬قال ابن عون ‪ :‬زعموا أنها‬
‫كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة (‪ - )8‬قالت ‪ :‬قالت أم المؤمنين ‪ :‬دخل علينا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعندنا زينب بنت جحش ‪ ،‬فجعل يصنع بيده شيئا فلم َيفْطِن لها ‪ ،‬فقلت بيده‬
‫حتى (‪َ )9‬فطّنته لها ‪ ،‬فأمسك‪ .‬وأقبلت زينب تقحم لعائشة ‪ ،‬فنهاها ‪ ،‬فأبت أن تنتهي‪ .‬فقال لعائشة‬
‫‪" :‬سُبّيها" فسبتها فغلبتها ‪ ،‬وانطلقت زينب فأتت عليا فقالت ‪ :‬إن عائشة تقع بكم ‪ ،‬وتفعل بكم‪.‬‬
‫فجاءت فاطمة فقال (‪ )10‬لها "إنها حبة أبيك ورب الكعبة" فانصرفت ‪ ،‬وقالت لعلي ‪ :‬إني قلت له‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬فقال لي كذا وكذا‪ .‬قال ‪ :‬وجاء علي إلى النبي صلى ال عليه وسلم فكلمه في ذلك (‬
‫‪.)11‬‬
‫هكذا ورد هذا السياق ‪ ،‬وعلي بن زيد بن جدعان يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا ‪ ،‬وهذا فيه‬
‫نكارة ‪ ،‬والحديث الصحيح خلف هذا السياق ‪ ،‬كما رواه النسائي وابن ماجه من حديث خالد بن‬
‫سلمة الفأفاء ‪ ،‬عن عبد ال ال َب ِهيّ ‪ ،‬عن عروة قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬ما علمتُ‬
‫حتى دخلت عليّ زينب بغير إذن وهي غضبى ‪ ،‬ثم قالت لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذُرَ ّيعَتَيهَا ثم أقبلت علي فأعرضت عنها ‪ ،‬حتى قال النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬دونك فانتصري" فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ‪ ،‬ما (‪)12‬‬
‫ترد علي شيئا‪ .‬فرأيت النبي صلى ال عليه وسلم يتهلل وجهه‪ .‬وهذا لفظ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سويع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عائشة رضي ال عنها"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فقلت له حتى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬فقالت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)25/24‬‬
‫(‪ )12‬في م ‪" :‬لم"‪.‬‬

‫( ‪)7/212‬‬

‫النسائي (‪.)1‬‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا أبو غسان ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص عن أبي حمزة ‪،‬‬
‫عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود (‪ ، )2‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬من دعا على من ظلمه فقد انتصر"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث أبي الحوص ‪ ،‬عن أبي حمزة ‪ -‬واسمه ميمون ‪ -‬ثم قال ‪" :‬ل نعرفه‬
‫إل من حديثه ‪ ،‬وقد تكلم فيه من قبل حفظه" (‪.)3‬‬
‫س وَيَ ْبغُونَ فِي ال ْرضِ‬
‫ظِلمُونَ النّا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا السّبِيلُ } أي ‪ :‬إنما الحرج والعنت { عَلَى الّذِينَ يَ ْ‬
‫حقّ } أي ‪ :‬يبدؤون الناس بالظلم‪ .‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬المستبان ما قال فعلى‬
‫ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫البادئ ما لم َيعْتَد المظلوم"‪.‬‬
‫{ أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬شديد موجع‪.‬‬
‫قال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا سعيد بن زيد ‪ -‬أخو حماد بن زيد ‪-‬‬
‫حدثنا عثمان الشحام ‪ ،‬حدثنا (‪ )4‬محمد بن واسع قال ‪ :‬قدمت مكة فإذا على الخندق مَ ْنظَرَة ‪،‬‬
‫فأخذت فانطلق بي إلى مروان بن المهلب ‪ ،‬وهو أمير على البصرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬حاجتك يا أبا عبد‬
‫ال‪ .‬قلت حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي‪ .‬قال ‪ :‬ومن أخو بني عدي ؟ قال ‪:‬‬
‫العلء بن زياد ‪ ،‬استعمل صديقا له مرة على عمل ‪ ،‬فكتب إليه ‪ :‬أما بعد فإن استطعت أل تبيت‬
‫إل وظهرك خفيف ‪ ،‬وبطنك خميص ‪ ،‬وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم ‪ ،‬فإنك إذا فعلت (‬
‫س وَيَ ْبغُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ‬
‫‪ )5‬ذلك لم يكن عليك سبيل ‪ { ،‬إِ ّنمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ َيظِْلمُونَ النّا َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } فقال (‪ )6‬صدق وال ونصح ثم قال ‪ :‬ما حاجتك يا أبا عبد ال ؟ قلت‬
‫حقّ أُولَ ِئكَ َلهُمْ َ‬
‫الْ َ‬
‫‪ :‬حاجتي أن تلحقني بأهلي‪ .‬قال ‪ :‬نعم رواه ابن أبي حاتم (‪.)7‬‬
‫ن صَبَرَ‬
‫ثم إنه تعالى لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ‪ ،‬قال نادبا إلى العفو والصفح ‪ { :‬وََلمَ ْ‬
‫وَغَفَرَ } أي ‪ :‬صبر على الذى وستر السيئة ‪ { ،‬إِنّ ذَِلكَ َلمِنْ عَ ْز ِم المُورِ }‬
‫قال سعيد بن جبير ‪[ :‬يعني] (‪ )8‬لمن حق المور التي أمر ال بها ‪ ،‬أي ‪ :‬لمن المور المشكورة‬
‫والفعال الحميدة (‪ )9‬التي عليها ثواب جزيل وثناء جميل‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ‪ ،‬حدثنا عبد الصمد بن‬
‫يزيد ‪ -‬خادم الفضيل بن عياض ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت (‪ )10‬الفضيل بن عياض يقول (‪ )11‬إذا أتاك‬
‫رجل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11476‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )1981‬قال البوصيري في‬
‫الزوائد (‪" : )2/115‬هذا إسناد صحيح على شرط مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى البزار بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3552‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (‪ )10/347‬وابن عدي في‬
‫الكامل (‪ )6/412‬من طريق أبي الحوص به ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪" :‬ل أعلم من يرويه عن أبي‬
‫حمزة غير أبي الحوص"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬قبلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال مروان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المصنف لبن أبي شيبة (‪.)14/63‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬المحمودة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/213‬‬

‫ن وَِليّ مِنْ َبعْ ِد ِه وَتَرَى الظّاِلمِينَ َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَابَ َيقُولُونَ َهلْ إِلَى مَرَدّ مِنْ‬
‫َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِ ْ‬
‫سَبِيلٍ (‪)44‬‬

‫يشكو إليك رجل فقل ‪" :‬يا أخي ‪ ،‬اعف عنه"‪ .‬فإن العفو أقرب للتقوى ‪ ،‬فإن قال ‪ :‬ل يحتمل قلبي‬
‫العفو ‪ ،‬ولكن أنتصر كما أمرني ال (‪ )1‬عز وجل‪ .‬فقل له (‪ )2‬إن كنت تحسن أن تنتصر وإل‬
‫فارجع إلى باب العفو ‪ ،‬فإنه باب واسع ‪ ،‬فإنه من عفا وأصلح فأجره على ال ‪ ،‬وصاحب العفو‬
‫ينام على فراشه بالليل ‪ ،‬وصاحب النتصار يقلب المور (‪.)3‬‬
‫عجْلن ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ -‬يعني ابن سعيد القطان ‪ -‬عن ابن َ‬
‫سعيد ‪ )4( ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه أن رجل شتم أبا بكر والنبي صلى ال عليه وسلم‬
‫جالس ‪ ،‬فجعل النبي صلى ال عليه وسلم يعجب ويتبسم ‪ ،‬فلما أكثر رد عليه بعض قوله ‪ ،‬فغضب‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم وقام ‪ ،‬فلحقه أبو بكر فقال ‪ :‬يا رسول ال إنه كان يشتمني وأنت جالس‬
‫‪ ،‬فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت! قال ‪" :‬إنه كان معك ملك يرد عنك ‪ ،‬فلما رددت‬
‫عليه بعض قوله حضر (‪ )5‬الشيطان ‪ ،‬فلم أكن لقعد مع الشيطان"‪ .‬ثم قال ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ثلث‬
‫كلهن حق ‪ ،‬ما من عبد ظُلم بمظلمة فيغضي عنها ل ‪ ،‬إل أعز ال بها َنصْرَه ‪ ،‬وما فتح رجل‬
‫باب عطية يريد بها صلة ‪ ،‬إل زاده ال بها كثرة ‪ ،‬وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ‪ ،‬إل‬
‫زاده ال بها قلة"‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬عن عبد العلى بن حماد ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ -‬قال ‪ :‬ورواه صفوان بن‬
‫عيسى ‪ ،‬كلهما عن محمد بن عَجْلن (‪ )6‬ورواه من طريق الليث ‪ ،‬عن سعيد ال َمقْبُرِي ‪ ،‬عن‬
‫بشير بن المحرر ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب مرسل (‪.)7‬‬
‫وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ‪ ،‬وهو سببُ سبه للصديق (‪.)8‬‬
‫ن وَِليّ مِنْ َب ْع ِد ِه وَتَرَى الظّاِلمِينَ َلمّا رََأوُا ا ْل َعذَابَ َيقُولُونَ َهلْ إِلَى مَرَدّ‬
‫{ َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا َلهُ مِ ْ‬
‫مِنْ سَبِيلٍ (‪} )44‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ربي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال له الفضيل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬بعدها ‪" :‬رواه ابن أبي حاتم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/436‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4897 ، 4896‬‬
‫(‪ )7‬سنن أبي داود برقم (‪.)4897‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا الحديث في غاية الحسن وهو مناسب للصديق" ‪ ،‬وفي م ‪" :‬وهذا الحديث‬
‫في غاية الحسن في المعنى وهو مناسب للصديق"‪.‬‬

‫( ‪)7/214‬‬

‫خ ِفيّ َوقَالَ الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ ا ْلخَاسِرِينَ‬


‫شعِينَ مِنَ ال ّذلّ يَ ْنظُرُونَ مِنْ طَ ْرفٍ َ‬
‫وَتَرَاهُمْ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا خَا ِ‬
‫عذَابٍ مُقِيمٍ (‪َ )45‬ومَا كَانَ َلهُمْ مِنْ‬
‫سهُمْ وَأَهْلِيهِمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَلَا إِنّ الظّاِلمِينَ فِي َ‬
‫الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َأوْلِيَاءَ يَ ْنصُرُو َنهُمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (‪)46‬‬
‫ي َوقَالَ الّذِينَ آمَنُوا إِنّ‬
‫خفِ ّ‬
‫شعِينَ مِنَ ال ّذلّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَ ْرفٍ َ‬
‫{ وَتَرَا ُهمْ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا خَا ِ‬
‫س ُه ْم وَأَهْلِيهِمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ أَل إِنّ الظّاِلمِينَ فِي عَذَابٍ ُمقِيمٍ (‪َ )45‬ومَا كَانَ‬
‫الْخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َلهُمْ مِنْ َأوْلِيَاءَ يَ ْنصُرُو َنهُمْ مِنْ دُونِ اللّ ِه َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا َلهُ مِنْ سَبِيلٍ (‪} )46‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة ‪ :‬إنه ما شاء (‪ )1‬كان ول راد له ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن فل‬
‫موجد له (‪ )2‬وأنه من هداه فل ُمضِل له ‪ ،‬ومن يضلل (‪ )3‬فل هادي له ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫شدًا } [الكهف ‪]17 :‬‬
‫ُيضِْللْ فَلَنْ تَجِدَ لَ ُه وَلِيّا مُرْ ِ‬
‫ثم قال مخبرا عن الظالمين ‪ ،‬وهم المشركون بال { َلمّا رََأوُا ا ْلعَذَابَ } أي ‪ :‬يوم القيامة يتمنون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ما شاء ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فل مؤاخذة له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يضلل ال"‪.‬‬

‫( ‪)7/214‬‬

‫اسْ َتجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ لَا مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ مَا َلكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ َي ْومَئِ ٍذ َومَا َلكُمْ مِنْ َنكِيرٍ (‬
‫حمَةً‬
‫غ وَإِنّا إِذَا أَ َذقْنَا الْإِ ْنسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫علَ ْيكَ إِلّا الْبَلَا ُ‬
‫حفِيظًا إِنْ َ‬
‫‪ )47‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َفمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫فَرِحَ ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنّ الْإِنْسَانَ َكفُورٌ (‪)48‬‬

‫الرجعة إلى الدنيا ‪َ { ،‬يقُولُونَ َهلْ إِلَى مَرَدّ مِنْ سَبِيلٍ } ‪ ،‬كما قال [تعالى] (‪ { )1‬وََلوْ تَرَى إِذْ ُوقِفُوا‬
‫خفُونَ‬
‫عَلَى النّارِ َفقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَ ّد وَل ُنكَ ّذبَ بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َبلْ بَدَا َل ُهمْ مَا كَانُوا يُ ْ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ وََلوْ رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَ ْن ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ } [النعام ‪.]28 ، 27 :‬‬
‫شعِينَ مِنَ ال ّذلّ } أي ‪ :‬الذي قد اعتراهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَرَا ُهمْ ُيعْ َرضُونَ عَلَ ْيهَا } أي ‪ :‬على النار { خَا ِ‬
‫خ ِفيّ } قال مجاهد ‪ :‬يعني ذليل ‪ ،‬أي ينظرون‬
‫بما أسلفوا من عصيان ال ‪ { ،‬يَ ْنظُرُونَ مِنْ طَ ْرفٍ َ‬
‫إليها مُسَارقَة خوفا منها ‪ ،‬والذي يحذرون منه واقع بهم ل محالة ‪ ،‬وما هو أعظم مما في‬
‫نفوسهم ‪ ،‬أجارنا ال من ذلك‪.‬‬
‫{ َوقَالَ الّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬يقولون يوم القيامة ‪ { :‬إِنّ الْخَاسِرِينَ } أي ‪ :‬الخسار (‪ )2‬الكبر‬
‫سهُ ْم وَأَهْلِيهِمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ } أي ‪ :‬ذهب بهم إلى (‪ )3‬النار فعدموا لذتهم في دار‬
‫{ الّذِينَ خَسِرُوا أَ ْنفُ َ‬
‫البد ‪ ،‬وخسروا أنفسهم ‪ ،‬وفرق بينهم وبين أصحابهم وأحبابهم وأهاليهم وقراباتهم ‪)4( ،‬‬
‫عذَابٍ ُمقِيمٍ } أي ‪ :‬دائم سرمدي أبدي ‪ ،‬ل خروج لهم منها ول‬
‫فخسروهم ‪ { ،‬أَل إِنّ الظّاِلمِينَ فِي َ‬
‫محيد لهم عنها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا كَانَ َلهُمْ مِنْ َأوْلِيَاءَ يَ ْنصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ } أي ‪ :‬ينقذونهم مما هم فيه من العذاب‬
‫والنكال ‪َ { ،‬ومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ َفمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ } أي ‪ :‬ليس له خلص‪.‬‬
‫{ اسْتَجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ ل مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ مَا َلكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ َي ْومَئِ ٍذ َومَا َلكُمْ مِنْ َنكِيرٍ‬
‫حمَةً‬
‫علَ ْيكَ إِل الْبَلغُ وَإِنّا ِإذَا أَ َذقْنَا النْسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫حفِيظًا إِنْ َ‬
‫(‪ )47‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َفمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫فَرِحَ ِبهَا وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ سَيّ َئةٌ ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنّ النْسَانَ َكفُورٌ (‪} )48‬‬
‫حذّر منه وأمر‬
‫لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الهوال والمور العظام الهائلة َ‬
‫بالستعداد له ‪ ،‬فقال ‪ { :‬اسْتَجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْ ٌم ل مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّهِ } أي ‪ :‬إذا أمر‬
‫بكونه فإنه كلمح البصر يكون ‪ ،‬وليس له دافع ول مانع‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا َل ُكمْ مِنْ مَلْجَإٍ َي ْومَئِ ٍذ َومَا َلكُمْ مِنْ َنكِيرٍ } أي ‪ :‬ليس لكم حصن تتحصنون فيه ‪ ،‬ول‬
‫مكان يستركم وتتنكرون فيه ‪ ،‬فتغيبون عن بصره ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬بل هو محيط بكم بعلمه‬
‫وبصره وقدرته ‪ ،‬فل ملجأ منه إل إليه ‪َ { ،‬يقُولُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْلمَفَرّ‪ .‬كَل ل وَزَرَ إِلَى رَ ّبكَ‬
‫َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ } [القيامة ‪.]12 - 10 :‬‬
‫حفِيظًا } أي ‪ :‬لست عليهم‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا } يعني ‪ :‬المشركين { َفمَا أَ ْرسَلْنَاكَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫بمصيطر‪ .‬وقال تعالى ‪ { :‬لَيْسَ عَلَ ْيكَ ُهدَا ُه ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ } [البقرة ‪ ، ]272 :‬وقال‬
‫حسَابُ } [الرعد ‪ ]40 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬إِنْ عَلَ ْيكَ إِل الْبَلغُ }‬
‫غ وَعَلَيْنَا الْ ِ‬
‫تعالى ‪ { :‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ‬
‫أي ‪ :‬إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة ال إليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الخاسر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وأقربائهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/215‬‬

‫خلُقُ مَا َيشَاءُ َي َهبُ ِلمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَ َي َهبُ ِلمَنْ َيشَاءُ ال ّذكُورَ (‪َ )49‬أوْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ يَ ْ‬
‫لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫علِيمٌ قَدِيرٌ (‪)50‬‬
‫عقِيمًا إِنّهُ َ‬
‫ج َعلُ مَنْ يَشَاءُ َ‬
‫جهُمْ ُذكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَ ْ‬
‫يُ َزوّ ُ‬

‫حمَةً فَرِحَ ِبهَا } أي ‪ :‬إذا أصابه رخاء ونعمة فرح‬


‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّا ِإذَا َأ َذقْنَا النْسَانَ مِنّا رَ ْ‬
‫بذلك ‪ { ،‬وَإِنْ ُتصِ ْبهُمْ } يعني الناس { سيئة } أي ‪ :‬جدب ونقمة وبلء وشدة ‪ { ،‬فَإِنّ النْسَانَ كَفُورٌ‬
‫} أي ‪ :‬يجحد ما تقدم من النعمة (‪ )1‬ول يعرف إل الساعة الراهنة ‪ ،‬فإن أصابته نعمة أشر وبطر‬
‫‪ ،‬وإن أصابته محنة يئس وقنط ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم [للنساء] (‪ )2‬يا معشر‬
‫النساء ‪ ،‬تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة ‪ :‬ولِمَ يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬لنكن‬
‫تُكثرن الشكاية ‪ ،‬وتكفرن العشير ‪ ،‬لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت ‪ :‬ما رأيت‬
‫منك خيرا قط" (‪ )3‬وهذا حال أكثر الناس (‪ )4‬إل من هداه ال وألهمه رشده ‪ ،‬وكان من الذين‬
‫آمنوا وعملوا الصالحات ‪ ،‬فالمؤمن كما قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "إن أصابته سراء‬
‫شكر فكان خيرا له ‪ ،‬وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن" (‪.)5‬‬
‫ت وَالرْضِ َيخْلُقُ مَا َيشَاءُ َي َهبُ ِلمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَ َي َهبُ ِلمَنْ َيشَاءُ ال ّذكُورَ (‪َ )49‬أوْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ لِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫علِيمٌ قَدِيرٌ (‪} )50‬‬
‫عقِيمًا إِنّهُ َ‬
‫ج َعلُ مَنْ يَشَاءُ َ‬
‫جهُمْ ُذكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَ ْ‬
‫يُ َزوّ ُ‬
‫يخبر تعالى أنه خالق السموات والرض ومالكهما والمتصرف فيهما ‪ ،‬وأنه ما شاء كان ‪ ،‬وما لم‬
‫يشأ لم يكن ‪ ،‬وأنه يعطي من يشاء ‪ ،‬ويمنع من يشاء ‪ ،‬ول مانع لما أعطى ‪ ،‬ول معطي لما منع ‪،‬‬
‫وأنه يخلق ما يشاء ‪ ،‬و { َي َهبُ ِلمَنْ َيشَاءُ إِنَاثًا } أي ‪ :‬يرزقه البنات فقط ‪ -‬قال البغوي ‪ :‬ومنهم‬
‫لوط ‪ ،‬عليه السلم { وَ َي َهبُ ِلمَنْ يَشَاءُ ال ّذكُورَ } أي ‪ :‬يرزقه البنين فقط‪ .‬قال البغوي ‪ :‬كإبراهيم‬
‫ج ُهمْ ُذكْرَانًا وَإِنَاثًا } أي ‪ :‬ويعطي من يشاء‬
‫الخليل ‪ ،‬عليه السلم ‪ -‬لم يولد له أنثى ‪َ { . ،‬أوْ يُ َزوّ ُ‬
‫من الناس الزوجين الذكر والنثى ‪ ،‬أي ‪ :‬من هذا وهذا (‪ .)6‬قال البغوي ‪ :‬كمحمد ‪ ،‬عليه الصلة‬
‫عقِيمًا } أي ‪ :‬ل يولد له‪ .‬قال البغوي ‪ :‬كيحيى وعيسى ‪ ،‬عليهما‬
‫ج َعلُ مَنْ يَشَاءُ َ‬
‫والسلم { وَيَ ْ‬
‫السلم ‪ ،‬فجعل الناس أربعة أقسام ‪ ،‬منهم من يعطيه البنات ‪ ،‬ومنهم من يعطيه البنين ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ‪ ،‬ومنهم من يمنعه هذا وهذا ‪ ،‬فيجعله عقيما ل نسل له ول يولد‬
‫له ‪ { ،‬إِنّهُ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬بمن يستحق كل قسم من هذه القسام ‪ { ،‬قَدِيرٌ } أي ‪ :‬على من يشاء ‪ ،‬من‬
‫تفاوت الناس في ذلك‪.‬‬
‫جعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ } [مريم ‪ ]21 :‬أي ‪ :‬دللة لهم‬
‫وهذا المقام شبيه بقوله تعالى عن عيسى ‪ { :‬وَلِنَ ْ‬
‫على قدرته ‪ ،‬تعالى وتقدس ‪ ،‬حيث خلق الخلق على أربعة أقسام ‪ ،‬فآدم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مخلوق‬
‫من تراب ل من ذكر ول أنثى ‪ ،‬وحواء عليها السلم ‪[ ،‬مخلوقة] (‪ )7‬من ذكر بل أنثى ‪ ،‬وسائر‬
‫الخلق سوى عيسى [عليه السلم] (‪ )8‬من ذكر وأنثى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من أنثى بل ذكر‬
‫جعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ } ‪ ،‬فهذا‬
‫فتمت الدللة بخلق عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهما السلم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلِنَ ْ‬
‫المقام في الباء ‪ ،‬والمقام الول في البناء ‪ ،‬وكل منهما أربعة أقسام ‪ ،‬فسبحان العليم القدير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النعم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )79‬من حديث عبد ال بن عمر رضي ال عنه ‪ ،‬وبرقم (‪)80‬‬
‫من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النساء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )299‬من حديث صهيب رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬هذا من هذا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬عيسى ابن مريم عليهما السلم"‪.‬‬

‫( ‪)7/216‬‬

‫حيَ بِإِذْ ِنهِ مَا يَشَاءُ‬


‫سلَ رَسُولًا فَيُو ِ‬
‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َأوْ يُرْ ِ‬
‫َومَا كَانَ لِ َبشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ اللّهُ إِلّا وَحْيًا َأوْ مِ ْ‬
‫حكِيمٌ (‪)51‬‬
‫إِنّهُ عَِليّ َ‬

‫حيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ‬


‫سلَ رَسُول فَيُو ِ‬
‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ َأوْ يُرْ ِ‬
‫{ َومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ اللّهُ إِل وَحْيًا َأوْ مِ ْ‬
‫حكِيمٌ (‪} )51‬‬
‫إِنّهُ عَِليّ َ‬

‫( ‪)7/217‬‬

‫جعَلْنَاهُ نُورًا َنهْدِي‬


‫ن وََلكِنْ َ‬
‫َوكَذَِلكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا مِنْ َأمْرِنَا مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَلَا الْإِيمَا ُ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫بِهِ مَنْ َنشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِ ّنكَ لَ َت ْهدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )52‬صِرَاطِ اللّهِ الّذِي َلهُ مَا فِي ال ّ‬
‫َومَا فِي الْأَ ْرضِ أَلَا إِلَى اللّهِ َتصِيرُ الُْأمُورُ (‪)53‬‬

‫جعَلْنَاهُ نُورًا‬
‫{ َوكَذَِلكَ َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا مِنْ َأمْرِنَا مَا كُ ْنتَ تَدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَل اليمَانُ وََلكِنْ َ‬
‫َنهْدِي بِهِ مَنْ َنشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ (‪ )52‬صِرَاطِ اللّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ أَل ِإلَى اللّهِ َتصِي ُر المُورُ (‪} )53‬‬
‫ال ّ‬
‫هذه مقامات (‪ )1‬الوحي بالنسبة إلى جناب ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم شيئا ل يتمارى فيه أنه من ال عز وجل ‪ ،‬كما جاء في صحيح ابن‬
‫حبان ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن رُوح القُدُس نفث في رُوعي ‪ :‬أن نفسا‬
‫لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ‪ ،‬فاتقوا ال وأجملوا في الطلب" (‪.)2‬‬
‫ن وَرَاءِ حِجَابٍ } كما كلم موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فإنه سأل الرؤية بعد التكليم ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ مِ ْ‬
‫فحجب عنها‪.‬‬
‫وفي الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لجابر بن عبد ال ‪" :‬ما كلم ال أحدا إل من‬
‫وراء حجاب ‪ ،‬وإنه كلم أباك كفاحا" الحديث (‪ ، )3‬وكان [أبوه] (‪ )4‬قد قتل يوم أحد ‪ ،‬ولكن هذا‬
‫في عالم البرزخ ‪ ،‬والية إنما هي في الدار (‪ )5‬الدنيا‪.‬‬
‫حيَ بِإِذْ ِنهِ مَا يَشَاءُ } كما ينزل جبريل [عليه السلم] (‪ )6‬وغيره من‬
‫سلَ َرسُول فَيُو ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ يُرْ ِ‬
‫حكِيمٌ } ‪ ،‬فهو علي عليم خبير حكيم‪.‬‬
‫الملئكة على النبياء ‪ ،‬عليهم السلم ‪ { ،‬إِنّهُ عَِليّ َ‬
‫وقوله (‪َ { )7‬وكَذَِلكَ َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا مِنْ َأمْرِنَا } يعني ‪ :‬القرآن ‪ { ،‬مَا كُ ْنتَ َتدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَل‬
‫جعَلْنَاهُ } أي ‪ :‬القرآن { نُورًا‬
‫اليمَانُ } أي ‪ :‬على التفصيل الذي شرع لك في القرآن ‪ { ،‬وََلكِنْ َ‬
‫شفَا ٌء وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي‬
‫َنهْدِي بِهِ مَنْ َنشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَ ِ‬
‫عمًى أُولَ ِئكَ يُنَا َدوْنَ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [فصلت ‪.]44 :‬‬
‫آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنكَ } [أي] (‪ )8‬يا محمد { لَ َت ْهدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } ‪ ،‬وهو الخلق (‪ )9‬القويم‪ .‬ثم‬
‫فسره بقوله ‪ { :‬صِرَاطِ اللّهِ [الّذِي] } (‪ )10‬أي ‪ :‬شرعه الذي أمر به ال ‪ { ،‬الّذِي لَهُ مَا فِي‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬ربهما ومالكهما ‪ ،‬والمتصرف فيهما ‪ ،‬الحاكم الذي ل معقب‬
‫ال ّ‬
‫لحكمه ‪ { ،‬أَل إِلَى اللّهِ َتصِيرُ المُورُ } ‪ ،‬أي ‪ :‬ترجع المور ‪ ،‬فيفصلها ويحكم فيها‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة "[حم] (‪ )11‬الشورى" والحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬مقدمات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البغوي في شرح السنة (‪ )14/304‬من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن زبيد اليامي‬
‫عمن أخبره عن ابن مسعود به‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3010‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬دار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فقوله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الحق"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/217‬‬

‫جعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪ )3‬وَإِنّهُ فِي أُمّ ا ْلكِتَابِ َلدَيْنَا َلعَِليّ‬
‫حم (‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬إِنّا َ‬
‫صفْحًا أَنْ كُنْتُمْ َق ْومًا مُسْ ِرفِينَ (‪َ )5‬وكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَ ِبيّ فِي الَْأوّلِينَ‬
‫حكِيمٌ (‪َ )4‬أفَ َنضْ ِربُ عَ ْنكُمُ ال ّذكْ َر َ‬
‫َ‬
‫طشًا َو َمضَى مَ َثلُ الَْأوّلِينَ (‬
‫(‪َ )6‬ومَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَ ِبيّ إِلّا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )7‬فَأَ ْهَلكْنَا أَشَدّ مِ ْنهُمْ بَ ْ‬
‫‪)8‬‬

‫تفسير سورة الزخرف‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا َلعَّلكُمْ َتعْقِلُونَ (‪ )3‬وَإِنّهُ فِي ُأمّ ا ْلكِتَابِ لَدَيْنَا‬
‫{ حم (‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬إِنّا َ‬
‫صفْحًا أَنْ كُنْتُمْ َق ْومًا مُسْ ِرفِينَ (‪َ )5‬وكَمْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ نَ ِبيّ فِي‬
‫حكِيمٌ (‪َ )4‬أفَ َنضْ ِربُ عَ ْن ُكمُ ال ّذكْ َر َ‬
‫َلعَِليّ َ‬
‫طشًا َو َمضَى مَ َثلُ‬
‫الوّلِينَ (‪َ )6‬ومَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ نَ ِبيّ إِل كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪ )7‬فَأَ ْهَلكْنَا أَشَدّ مِ ْنهُمْ بَ ْ‬
‫الوّلِينَ (‪} )8‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬حم‪ .‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ } أي ‪ :‬البين (‪ )1‬الواضح الجلي المعاني واللفاظ ؛ لنه نزل‬
‫جعَلْنَاهُ } أي‬
‫(‪ )2‬بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب (‪ )3‬بين الناس ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِنّا َ‬
‫‪ :‬أنزلناه { قُرْآنًا عَرَبِيّا } أي ‪ :‬بلغة العرب فصيحا واضحا ‪َ { ،‬لعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } أي ‪ :‬تفهمونه‬
‫وتتدبرونه ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬بِِلسَانٍ عَرَ ِبيّ مُبِينٍ } [الشعراء ‪.]195 :‬‬
‫حكِيمٌ } بين شرفه في المل العلى ‪ ،‬ليشرفه‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَإِنّهُ فِي أُمّ ا ْلكِتَابِ َلدَيْنَا َلعَِليّ َ‬
‫ويعظمه ويطيعه أهل الرض ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬وإنه } أي ‪ :‬القرآن { فِي أُمّ ا ْلكِتَابِ } أي ‪ :‬اللوح‬
‫المحفوظ ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ { ،‬لدينا } أي ‪ :‬عندنا ‪ ،‬قاله قتادة وغيره ‪ { ،‬لعلي } أي ‪:‬‬
‫ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل ‪ ،‬قاله قتادة { حكيم } أي ‪ :‬محكم بريء من اللبس والزيغ‪.‬‬
‫وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ‪ .‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ‪ .‬ل َيمَسّهُ إِل‬
‫طهّرُونَ‪ .‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [الواقعة ‪ ]80 - 77 :‬وقال ‪ { :‬كَل إِ ّنهَا تَ ْذكِ َرةٌ‪َ .‬فمَنْ شَاءَ‬
‫ا ْلمُ َ‬
‫سفَ َرةٍ‪ .‬كِرَامٍ بَرَ َرةٍ } [عبس ‪ ]16 - 11 :‬؛‬
‫طهّ َرةٍ‪ .‬بِأَيْدِي َ‬
‫حفٍ ُمكَ ّرمَةٍ‪ .‬مَ ْرفُوعَةٍ ُم َ‬
‫َذكَ َرهُ‪ .‬فِي صُ ُ‬
‫ولهذا استنبط العلماء ‪ ،‬رحمهم ال ‪ ،‬من هاتين اليتين ‪ :‬أن المُح ِدثَ ل يمس المصحف ‪ ،‬كما ورد‬
‫به الحديث إن صح ؛ لن (‪ )4‬الملئكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في المل العلى‬
‫‪ ،‬فأهل الرض بذلك أولى وأحرى ‪ ،‬لنه نزل عليهم ‪ ،‬وخطابه متوجه إليهم ‪ ،‬فهم أحق أن يقابلوه‬
‫حكِيمٌ }‬
‫بالكرام والتعظيم ‪ ،‬والنقياد له بالقبول والتسليم ‪ ،‬لقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ فِي ُأمّ ا ْلكِتَابِ لَدَيْنَا َلعَِليّ َ‬
‫صفْحًا أَنْ كُنْتُمْ َق ْومًا مُسْ ِرفِينَ } اختلف المفسرون في معناها ‪،‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَ َنضْ ِربُ عَ ْنكُمُ ال ّذكْ َر َ‬
‫فقيل ‪ :‬معناها ‪ :‬أتحسبون أن نصفح عنكم فل نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به ؟ قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد وأبو صالح ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪)5( .‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪َ { : :‬أفَ َنضْ ِربُ عَ ْنكُمُ ال ّذكْ َر صَفْحًا } ‪ :‬وال لو أن هذا القرآن رفع حين ردته‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬النير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬منزل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬المتخاطب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إن صح ‪ ،‬وقوله ‪" :‬ل تمس المصحف إل وانت طاهر" لن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ومجاهد وغيرهما"‪.‬‬
‫( ‪)7/218‬‬

‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ لَ َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )9‬الّذِي َ‬
‫وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ فِيهَا سُبُلًا َلعَّلكُمْ َتهْ َتدُونَ (‪)10‬‬
‫َمهْدًا وَ َ‬

‫أوائل (‪ )1‬هذه المة لهلكوا ‪ ،‬ولكن ال عاد بعائدته ورحمته ‪ ،‬وكرره عليهم ودعاهم إليه عشرين‬
‫سنة ‪ ،‬أو ما شاء ال من ذلك‪.‬‬
‫وقول قتادة لطيف المعنى جدا ‪ ،‬وحاصله أنه يقول في معناه ‪ :‬أنه تعالى من لطفه ورحمته بخلقه‬
‫ل يترك دعاءهم إلى الخير والذكر (‪ )2‬الحكيم ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬وإن كانوا مسرفين معرضين‬
‫عنه ‪ ،‬بل أمر (‪ )3‬به ليهتدي من قَدّر هدايته ‪ ،‬وتقوم الحجة على من كتب شقاوته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ -‬مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ‪ ،‬وآمرا له بالصبر عليهم ‪َ { : -‬وكَمْ‬
‫أَرْسَلْنَا مِنْ نَ ِبيّ فِي الوّلِينَ } أي ‪ :‬في شيع الولين ‪َ { ،‬ومَا يَأْتِي ِهمْ مِنْ نَ ِبيّ إِل كَانُوا ِبهِ‬
‫يَسْ َتهْزِئُونَ } أي ‪ :‬يكذبونه ويسخرون به‪.‬‬
‫طشًا } أي ‪ :‬فأهلكنا المكذبين بالرسل ‪ ،‬وقد كانوا أشد بطشا من‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَهَْلكْنَا أَشَدّ مِ ْن ُهمْ بَ ْ‬
‫هؤلء المكذبين لك يا محمد‪ .‬كقوله ‪َ { :‬أفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ‬
‫شدّ ُق ّوةً } [غافر ‪ ]82 :‬واليات في ذلك كثيرة‪.‬‬
‫مِنْ قَبِْلهِمْ كَانُوا َأكْثَرَ مِ ْنهُ ْم وَأَ َ‬
‫ل الوّلِينَ } قال مجاهد ‪ :‬سنتهم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬عقوبتهم‪ .‬وقال غيرهما ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َمضَى مَ َث ُ‬
‫عبرتهم ‪ ،‬أي ‪ :‬جعلناهم عبرة لمن بعدهم من المكذبين أن يصيبهم ما أصابهم ‪ ،‬كقوله في آخر‬
‫جعَلْنَاهُمْ سََلفًا َومَثَل لِلخِرِينَ } [الزخرف ‪ .]56 :‬وكقوله ‪ { :‬سُ ّنتَ اللّهِ الّتِي َقدْ‬
‫هذه السورة ‪َ { :‬ف َ‬
‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَ ْبدِيل } [الحزاب ‪.]62 :‬‬
‫خََلتْ فِي عِبَا ِدهِ } [غافر ‪ ]85 :‬وقال ‪ { :‬وَلَنْ تَ ِ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ‬
‫خَلقَهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )9‬الّذِي َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ لَ َيقُولُنّ َ‬
‫{ وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خَلَقَ ال ّ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ فِيهَا سُبُل َلعَّل ُكمْ َتهْتَدُونَ (‪} )10‬‬
‫ال ْرضَ َمهْدًا وَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى الخير وإلى الذكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يأمر"‪.‬‬

‫( ‪)7/219‬‬

‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا ِبهِ بَلْ َدةً مَيْتًا كَذَِلكَ تُخْ َرجُونَ (‪ )11‬وَالّذِي خَلَقَ الْأَ ْزوَاجَ‬
‫وَالّذِي نَ ّزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ ِإذَا‬
‫ك وَالْأَ ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ (‪ )12‬لِتَسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْل ِ‬
‫كُّلهَا وَ َ‬
‫اسْ َتوَيْتُمْ عَلَ ْي ِه وَ َتقُولُوا سُ ْبحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا َومَا كُنّا َلهُ ُمقْرِنِينَ (‪ )13‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ (‬
‫‪)14‬‬

‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْ َدةً مَيْتًا كَذَِلكَ ُتخْرَجُونَ (‪ )11‬وَالّذِي خََلقَ ال ْزوَاجَ‬
‫{ وَالّذِي نزلَ مِنَ ال ّ‬
‫ظهُو ِرهِ ُثمّ تَ ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ إِذَا‬
‫ك وَالنْعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ (‪ )12‬لِ َتسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْل ِ‬
‫كُّلهَا وَ َ‬
‫اسْ َتوَيْتُمْ عَلَ ْي ِه وَ َتقُولُوا سُ ْبحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا َومَا كُنّا َلهُ ُمقْرِنِينَ (‪ )13‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ (‬
‫‪} )14‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولئن سألت ‪ -‬يا محمد ‪ -‬هؤلء المشركين بال العابدين معه غيره ‪ { :‬مَنْ خََلقَ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ لَ َيقُولُنّ خََل َقهُنّ ا ْلعَزِيزُ ا ْلعَلِيمُ } أي ‪ :‬ليعترفن بأن الخالق لذلك هو ال [تعالى] (‬
‫ال ّ‬
‫‪ )1‬وحده ل شريك له ‪ ،‬وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الصنام والنداد‪.‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ َمهْدًا } أي ‪ :‬فراشًا قرارًا ثابتة ‪ ،‬يسيرون عليها ويقومون‬
‫ثم قال ‪ { :‬الّذِي َ‬
‫وينامون وينصرفون ‪ ،‬مع أنها مخلوقة على تيار الماء ‪ ،‬لكنه أرساها بالجبال لئل تميد هكذا ول‬
‫ج َعلَ َلكُمْ فِيهَا سُبُل } أي ‪ :‬طرقا بين الجبال والودية { َلعَّل ُكمْ َتهْتَدُونَ } أي ‪ :‬في‬
‫هكذا ‪ { ،‬وَ َ‬
‫سيركم من بلد إلى بلد ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/219‬‬

‫وقطر إلى قطر ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم‪.‬‬


‫سمَاءِ مَاءً ِبقَدَرٍ } أي ‪ :‬بحسب الكفاية لزروعكم (‪ )1‬وثماركم وشربكم ‪،‬‬
‫{ وَالّذِي نزلَ مِنَ ال ّ‬
‫لنفسكم ولنعامكم‪ .‬وقوله ‪ { :‬فَأَ ْنشَرْنَا بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتًا } أي ‪ :‬أرضا ميتة ‪ ،‬فلما جاءها الماء اهتزت‬
‫وربت ‪ ،‬وأنبتت من كل زوج بهيج‪.‬‬
‫ثم نبه بإحياء الرض على إحياء الجساد يوم المعاد بعد موتها ‪ ،‬فقال ‪ { :‬كَذَِلكَ ُتخْرَجُونَ }‬
‫خلَقَ ال ْزوَاجَ كُّلهَا } أي ‪ :‬مما تنبت الرض من سائر الصناف ‪ ،‬من نبات‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالّذِي َ‬
‫وزروع وثمار وأزاهير ‪ ،‬وغير ذلك [أي] (‪ )2‬من الحيوانات على اختلف أجناسها وأصنافها ‪{ ،‬‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ ا ْلفُ ْلكِ } أي ‪ :‬السفن { وَال ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ } أي ‪ :‬ذللها لكم وسخرها ويسرها‬
‫وَ َ‬
‫ظهُو ِرهِ } (‪)3‬‬
‫لكلكم لحومها ‪ ،‬وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِ َتسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫ظهُو ِرهِ } أي ‪ :‬على ظهور هذا الجنس ‪ { ،‬ثُمّ َت ْذكُرُوا‬
‫أي ‪ :‬لتستووا (‪ )4‬متمكنين مرتفقين { عَلَى ُ‬
‫علَيْ ِه وَ َتقُولُوا سُ ْبحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذَا َومَا كُنّا َلهُ‬
‫ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬فيما سخر لكم { ِإذَا اسْ َتوَيْتُمْ َ‬
‫ُمقْرِنِينَ } أي ‪ :‬مقاومين‪ .‬ولول تسخير (‪ )5‬ال لنا هذا ما قدرنا عليه‪.‬‬
‫قال ابن عباس (‪ ، )6‬وقتادة ‪ ،‬والسدي وابن زيد ‪ { :‬مقرنين } أي ‪ :‬مطيقين‪)7( .‬‬
‫{ وَإِنّا إِلَى رَبّنَا َلمُ ْنقَلِبُونَ } أي ‪ :‬لصائرون إليه بعد مماتنا ‪ ،‬وإليه سيرنا الكبر‪ .‬وهذا من باب‬
‫التنبيه بسير الدنيا على سير الخرة ‪ ،‬كما نبه بالزاد الدنيوي على [الزاد] (‪ )8‬الخروي في قوله ‪:‬‬
‫{ وَتَ َزوّدُوا فَإِنّ خَيْرَ الزّادِ ال ّتقْوَى } [البقرة ‪ ]197 :‬وباللباس الدنيوي على الخروي في قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وَرِيشًا وَلِبَاسُ ال ّت ْقوَى ذَِلكَ خَيْرٌ [ َذِلكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ ] } [العراف ‪.]26 :‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة عند ركوب الدابة ‪:‬‬
‫حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا شريك بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن علي بن ربيعة‬
‫قال ‪ :‬رأيت عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أتى (‪ )9‬بدابة ‪ ،‬فلما وضع رجله في الرّكاب قال ‪ :‬باسم ال‪.‬‬
‫سخّرَ لَنَا هَذَا َومَا كُنّا لَهُ ُمقْرِنِينَ‪ .‬وَإِنّا إِلَى رَبّنَا‬
‫فلما استوى عليها قال ‪ :‬الحمد ل ‪ { ،‬سُبْحَانَ الّذِي َ‬
‫َلمُ ْنقَلِبُونَ } ثم حمد ال ثلثا ‪ ،‬وكبر ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬سبحانك ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬قد ظلمت نفسي‬
‫فاغفر لي‪ .‬ثم ضحك فقلت له ‪ :‬من أي شيء ضحكت (‪ )10‬يا أمير المؤمنين ؟ فقال ‪ :‬رأيتُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم صنع كما صنعت (‪ ، )11‬ثم ضحك‪ .‬فقلت ‪ :‬مم ضحكت يا‬
‫رسول ال ؟ فقال ‪" :‬يعجب الرب (‪ )12‬من عبده إذا قال ‪ :‬رب اغفر لي‪ .‬ويقول ‪ :‬علم عبدي أنه‬
‫ل يغفر الذنوب غيري"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لزرعكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ظهره"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬لتستقروا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ولول ما يسخر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عياض"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬مطيعين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬أنه أتى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬مم ضحكت"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فعل مثل ما فعلت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الرب عز وجل"‪.‬‬

‫( ‪)7/220‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث أبي الحوص ‪ -‬زاد النسائي ‪:‬‬
‫ومنصور ‪ -‬عن أبي إسحاق السّبِيعي ‪ ،‬عن علي بن ربيعة السدي الوالبي ‪ ،‬به (‪ .)2( )1‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقد قال عبد الرحمن بن َمهْ ِديّ ‪ ،‬عن شعبة ‪ :‬قلت لبي إسحاق السّبِيعي ‪ :‬ممن سمعت هذا‬
‫الحديث ؟ قال ‪ :‬من يونس بن خباب‪ .‬فلقيت يونس بن خباب فقلت ‪ :‬ممن سمعته ؟ فقال ‪ :‬من‬
‫رجل سمعه من علي بن ربيعة‪ .‬ورواه بعضهم عن يونس بن خباب ‪ ،‬عن شقيق بن عقبة السدي‬
‫‪ ،‬عن علي بن ربيعة الوالبي ‪ ،‬به‪)3( .‬‬
‫حديث عبد ال بن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عبد ال ‪ ،‬عن علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أردفه على دابته ‪ ،‬فلما استوى عليها كبّر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا ‪ ،‬وحمد (‪ )4‬ثلثا ‪ ،‬وهلل ال واحدة‪ .‬ثم استلقى عليه فضحك‬
‫‪ ،‬ثم أقبل عليه فقال ‪" :‬ما من امرئ مسلم يركب دابة فيصنع كما صنعت ‪ ،‬إل أقبل ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬عليه ‪ ،‬فضحك إليه كما ضحكت إليك"‪ .‬تفرد به أحمد‪)5( .‬‬
‫حديث عبد ال بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن علي بن عبد ال‬
‫البارقي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا ركب‬
‫راحلته كبر ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬سُ ْبحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا َهذَا َومَا كُنّا لَهُ ُمقْرِنِينَ‪ .‬وَإِنّا ِإلَى رَبّنَا‬
‫َلمُ ْنقَلِبُونَ }‪ .‬ثم يقول ‪" :‬اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ‪ ،‬ومن العمل ما ترضى‪.‬‬
‫اللهم ‪ ،‬هون علينا السفر واطو لنا البعيد‪ .‬اللهم ‪ ،‬أنت الصاحب في السفر ‪ ،‬والخليفة في الهل‪.‬‬
‫اللهم ‪ ،‬اصحبنا في سفرنا ‪ ،‬واخلفنا في أهلنا"‪ .‬وكان إذا رجع إلى أهله قال ‪" :‬آيبون تائبون إن‬
‫شاء ال ‪ ،‬عابدون ‪ ،‬لربنا حامدون"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث ابن جريج ‪ ،‬والترمذي من حديث حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬كلهما عن أبي الزبير ‪ ،‬به‪)6( .‬‬
‫حديث آخر ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/97‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2602‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3446‬والنسائي في‬
‫السنن الكبري برقم (‪.)8800‬‬
‫(‪ )3‬تحفة الشراف للمزي (‪.)7/436‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وحمد ال ثلثا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/330‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/131‬فيه أبو بكر بن أبي مريم وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/144‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1342‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2599‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪ )10382‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3447‬‬

‫( ‪)7/221‬‬

‫جعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُ ْزءًا إِنّ الْإِ ْنسَانَ َل َكفُورٌ مُبِينٌ (‪ )15‬أَمِ اتّخَذَ ِممّا َيخُْلقُ بَنَاتٍ وََأصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ‬
‫وَ َ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ (‪َ )17‬أ َومَنْ يُنَشّأُ فِي‬
‫ج ُههُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫حمَنِ مَثَلًا َ‬
‫حدُهُمْ ِبمَا ضَرَبَ لِلرّ ْ‬
‫(‪ )16‬وَإِذَا ُبشّرَ أَ َ‬
‫شهِدُوا‬
‫حمَنِ إِنَاثًا أَ َ‬
‫جعَلُوا ا ْلمَلَا ِئ َكةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّ ْ‬
‫خصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (‪ )18‬وَ َ‬
‫الْحِلْ َي ِة وَ ُهوَ فِي الْ ِ‬
‫حمَنُ مَا عَ َبدْنَاهُمْ مَا َلهُمْ بِ َذِلكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ‬
‫شهَادَ ُتهُ ْم وَيُسْأَلُونَ (‪َ )19‬وقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّ ْ‬
‫خَ ْل َقهُمْ سَ ُتكْ َتبُ َ‬
‫هُمْ إِلّا يَخْ ُرصُونَ (‪)20‬‬

‫عمرو بن الحكم بن ثوبان (‪ ، )1‬عن أبي لس الخزاعي قال ‪ :‬حملنا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما نرى (‪ )2‬أن تحملنا هذه! فقال‬
‫‪" :‬ما من بعير إل في ذروته شيطان ‪ ،‬فاذكروا اسم ال عليها إذا ركبتموها كما آمركم (‪ ، )3‬ثم‬
‫امتهنوها لنفسكم ‪ ،‬فإنما يحمل ال عز وجل"‪)4( .‬‬
‫أبو لس اسمه ‪ :‬محمد بن السود بن خَلَف‪.‬‬
‫حديث آخر في معناه ‪:‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا عَتّاب ‪ ،‬أخبرنا عبد ال(ح) وعلي بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ -‬يعني ابن‬
‫المبارك ‪ -‬أخبرنا أسامة بن زيد ‪ ،‬أخبرني محمد بن حمزة ؛ أنه سمع أباه يقول ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬على ظهر كل بعير شيطان ‪ ،‬فإن ركبتموها فسموا ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل ‪ ،‬ثم ل تقصروا عن حاجاتكم"‪)5( .‬‬
‫صفَاكُمْ‬
‫ت وََأ ْ‬
‫خلُقُ بَنَا ٍ‬
‫جعَلُوا َلهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُزْءًا إِنّ النْسَانَ َل َكفُورٌ مُبِينٌ (‪َ )15‬أمِ اتّخَذَ ِممّا يَ ْ‬
‫{ وَ َ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ كَظِيمٌ (‪َ )17‬أ َومَنْ‬
‫جهُهُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫حمَنِ مَثَل َ‬
‫حدُهُمْ ِبمَا ضَرَبَ لِلرّ ْ‬
‫بِالْبَنِينَ (‪ )16‬وَإِذَا ُبشّرَ أَ َ‬
‫حمَنِ إِنَاثًا‬
‫جعَلُوا ا ْلمَل ِئكَةَ الّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرّ ْ‬
‫خصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (‪ )18‬وَ َ‬
‫يُنَشّأُ فِي ا ْلحِلْيَ ِة وَ ُهوَ فِي الْ ِ‬
‫حمَنُ مَا عَبَدْنَا ُهمْ مَا َلهُمْ بِذَِلكَ مِنْ‬
‫شهَادَ ُت ُه ْم وَيُسْأَلُونَ (‪َ )19‬وقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّ ْ‬
‫شهِدُوا خَ ْل َقهُمْ سَ ُتكْ َتبُ َ‬
‫أَ َ‬
‫عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِل َيخْ ُرصُونَ (‪} )20‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض النعام لطواغيتهم وبعضها‬
‫ث وَال ْنعَامِ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ ِممّا ذَرَأَ مِنَ الْحَ ْر ِ‬
‫ل ‪ ،‬كما ذكر ال عنهم في سورة "النعام" ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫صلُ إِلَى اللّ ِه َومَا كَانَ ِللّهِ َف ُهوَ‬
‫ع ِمهِ ْم وَهَذَا لِشُ َركَائِنَا َفمَا كَانَ لِشُ َركَا ِئهِمْ فَل َي ِ‬
‫َنصِيبًا َفقَالُوا َهذَا لِلّهِ بِزَ ْ‬
‫ح ُكمُونَ } [النعام ‪ .]136 :‬وكذلك جعلوا له من قسمي (‪ )6‬البنات‬
‫صلُ إِلَى شُ َركَا ِئهِمْ سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫َي ِ‬
‫سمَةٌ‬
‫والبنين أخسّهما وأردأهما وهو البنات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَهُ النْثَى‪ِ .‬ت ْلكَ إِذًا ِق ْ‬
‫جعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَا ِدهِ جُ ْزءًا إِنّ النْسَانَ َل َكفُورٌ‬
‫ضِيزَى } [النجم ‪ .]22 ، 21 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬وَ َ‬
‫مُبِينٌ }‬
‫صفَاكُمْ بِالْبَنِينَ } وهذا إنكار عليهم غاية النكار‪ .‬ثم ذكر تمام‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَمِ اتّخَذَ ِممّا َيخْلُقُ بَنَاتٍ وََأ ْ‬
‫سوَدّا وَ ُهوَ َكظِيمٌ } أي ‪ :‬إذا‬
‫جهُهُ مُ ْ‬
‫ل وَ ْ‬
‫ظّ‬‫حمَنِ مَثَل َ‬
‫النكار فقال ‪ { :‬وَإِذَا بُشّرَ َأحَدُ ُهمْ ِبمَا ضَ َربَ لِلرّ ْ‬
‫بشر أحد هؤلء بما جعلوه ل من البنات يأنف من ذلك غاية النفة ‪ ،‬وتعلوه كآبة من سوء ما بشر‬
‫به ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رواه المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ما ترى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أمرتم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/221‬ورجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/494‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/131‬رجاله رجال الصحيح غير محمد‬
‫بن حمزة وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬من كل قسم"‪.‬‬

‫( ‪)7/222‬‬

‫ويتوارى من القوم من خجله من ذلك ‪ ،‬يقول تعالى ‪ :‬فكيف تأنفون أنتم من ذلك ‪ ،‬وتنسبونه إلى‬
‫ال عز وجل ؟‪.‬‬
‫خصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي ‪ :‬المرأة ناقصة يكمل نقصها‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أ َومَنْ يُ َنشّأُ فِي الْحِلْ َي ِة وَ ُهوَ فِي ا ْل ِ‬
‫ن يكون‬
‫بلبس الحلي منذ تكون طفلة ‪ ،‬وإذا خاصمت فل عبارة لها ‪ ،‬بل هي عاجزة عَيِيّة ‪ ،‬أوَ مَ ْ‬
‫هكذا ينسب إلى جناب ال عز وجل (‪ )1‬؟! فالنثى ناقصة الظاهر والباطن ‪ ،‬في الصورة‬
‫والمعنى ‪ ،‬فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ‪ ،‬ليجبر ما فيها من نقص ‪،‬‬
‫كما قال بعض شعراء العرب ‪:‬‬
‫َومَا الحَلْي إل زينَةٌ من نقيصةٍ‪ ...‬يتمّمُ من حُسْن إذا الحُسْن َقصّرا‪...‬‬
‫حسْنك ‪ ،‬لم َيحْتَجْ إلى أن ي َزوّرا‪...‬‬
‫وأمّا إذَا كان الجمالُ موفّرا‪ ...‬ك ُ‬
‫وأما نقص معناها ‪ ،‬فإنها ضعيفة عاجزة عن النتصار عند النتصار ‪ ،‬ل عبارة لها ول همة ‪،‬‬
‫كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت ‪" :‬ما هي بنعم الولد ‪ :‬نصرها بالبكاء ‪ ،‬وبرها سرقة"‪.‬‬
‫حمَنِ إِنَاثًا } أي ‪ :‬اعتقدوا فيهم ذلك ‪ ،‬فأنكر عليهم‬
‫جعَلُوا ا ْلمَل ِئكَةَ الّذِينَ ُهمْ عِبَادُ الرّ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫شهَادَ ُتهُمْ‬
‫ش ِهدُوا خَ ْل َقهُمْ } أي ‪ :‬شاهدوه وقد خلقهم ال إناثا ‪ { ،‬سَ ُتكْ َتبُ َ‬
‫تعالى قولهم ذلك ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَ َ‬
‫} أي ‪ :‬بذلك ‪ { ،‬ويسألون } عن ذلك يوم القيامة‪ .‬وهذا تهديد شديد ‪ ،‬ووعيد أكيد‪.‬‬
‫حمَنُ مَا عَ َبدْنَاهُمْ } أي ‪ :‬لو أراد ال لحال بيننا وبين عبادة هذه الصنام ‪ ،‬التي‬
‫{ َوقَالُوا َلوْ شَاءَ الرّ ْ‬
‫هي على صور (‪ )2‬الملئكة التي هي بنات ال ‪ ،‬فإنه عالم بذلك وهو يقررنا عليه ‪ ،‬فجمعوا بين‬
‫أنواع كثيرة من الخطأ ‪:‬‬
‫جعْلُهم ل ولدا ‪ ،‬تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوا كبيرا‪.‬‬
‫أحدها ‪َ :‬‬
‫الثاني ‪ :‬دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين ‪ ،‬فجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن إناثا‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬عبادتهم لهم مع ذلك كله ‪ ،‬بل دليل ول برهان ‪ ،‬ول إذن من ال عز وجل ‪ ،‬بل بمجرد‬
‫الراء والهواء ‪ ،‬والتقليد للسلف والكبراء والباء ‪ ،‬والخبط في الجاهلية الجهلء‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قَدَرا [والحجة إنما تكون بالشرع] (‪ ، )3‬وقد جهلوا في هذا‬
‫الحتجاج جهل كبيرًا ‪ ،‬فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد النكار ‪ ،‬فإنه منذ بعث الرسل وأنزل‬
‫الكتب يأمر بعبادته وحده ل شريك له ‪ ،‬وينهى عن عبادة ما سواه ‪ ،‬قال [تعالى] (‪ { ، )4‬وََلقَدْ‬
‫ح ّقتْ‬
‫َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ َرسُول أَنِ اُعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ َفمِ ْنهُمْ مَنْ َهدَى اللّهُ َومِنْهُمْ مَنْ َ‬
‫عَلَيْهِ الضّلَلةُ فَسِيرُوا فِي الرْضِ فَا ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ } [النحل ‪ ، ]36 :‬وقال تعالى‬
‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْبَدُونَ } [الزخرف ‪:‬‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫‪ { :‬وَاسَْألْ مَنْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رُسُلِنَا أَ َ‬
‫‪.]45‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ال تعالى" ‪ ،‬وفي م ‪ ،‬أ ‪" :‬ال العظيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬صورة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/223‬‬

‫علَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى‬


‫سكُونَ (‪َ )21‬بلْ قَالُوا إِنّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا َ‬
‫أَمْ آَتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ َفهُمْ ِبهِ مُسْ َتمْ ِ‬
‫آَثَارِ ِهمْ ُمهْتَدُونَ (‪)22‬‬

‫وقال في هذه الية ‪ -‬بعد أن ذكر حجتهم هذه ‪ { : -‬مَا َلهُمْ ِبذَِلكَ مِنْ عِلْمٍ } أي ‪ :‬بصحة ما قالوه‬
‫واحتجوا به { إِنْ هُمْ إِل َيخْ ُرصُونَ } أي ‪ :‬يكذبون ويتقولون‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬مَا َلهُمْ ِبذَِلكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِل َيخْ ُرصُونَ } أي (‪ )1‬ما يعلمون قدرة ال‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى‬
‫سكُونَ (‪َ )21‬بلْ قَالُوا إِنّا وَ َ‬
‫{ َأمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبِْلهِ َفهُمْ بِهِ مُسْ َتمْ ِ‬
‫آثَارِ ِهمْ ُمهْتَدُونَ (‪} )22‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يعني"‪.‬‬

‫( ‪)7/224‬‬

‫جدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى‬


‫َوكَذَِلكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ َنذِيرٍ إِلّا قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا وَ َ‬
‫جدْتُمْ عَلَ ْيهِ آَبَا َءكُمْ قَالُوا إِنّا ِبمَا أُ ْرسِلْتُمْ ِبهِ‬
‫آَثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ (‪ )23‬قَالَ َأوََلوْ جِئْ ُتكُمْ بِأَهْدَى ِممّا وَ َ‬
‫كَافِرُونَ (‪ )24‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪)25‬‬

‫جدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّ ٍة وَإِنّا عَلَى‬


‫{ َوكَذَِلكَ مَا أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِل قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا وَ َ‬
‫جدْتُمْ عَلَ ْيهِ آبَا َءكُمْ قَالُوا إِنّا ِبمَا أُ ْرسِلْتُمْ ِبهِ‬
‫آثَارِ ِهمْ ُمقْتَدُونَ (‪ )23‬قَالَ َأوََلوْ جِئْ ُتكُمْ بِأَهْدَى ِممّا وَ َ‬
‫كَافِرُونَ (‪ )24‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪} )25‬‬
‫يقول تعالى منكرا على المشركين في عبادتهم غير ال بل برهان ول دليل ول حجة ‪َ { :‬أمْ آتَيْنَا ُهمْ‬
‫سكُونَ } أي ‪ :‬فيما هم فيه ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس‬
‫كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ } أي ‪ :‬من قبل شركهم ‪َ { ،‬فهُمْ ِبهِ مُسْ َتمْ ِ‬
‫المر كذلك ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬أمْ أَنزلْنَا عَلَ ْيهِمْ سُلْطَانًا َف ُهوَ يَ َتكَلّمُ ِبمَا كَانُوا ِبهِ يُشْ ِركُونَ } [الروم ‪]35 :‬‬
‫أي ‪ :‬لم يكن ذلك‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬بلْ قَالُوا إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّةٍ وَإِنّا عَلَى آثَارِهِمْ ُمهْتَدُونَ } أي ‪ :‬ليس لهم مستند (‪)1‬‬
‫فيما هم فيه من الشرك سوى تقليد الباء والجداد ‪ ،‬بأنهم كانوا على أمة ‪ ،‬والمراد بها الدين‬
‫هاهنا ‪ ،‬وفي قوله ‪ { :‬إِنّ َه ِذهِ ُأمّ ُتكُمْ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً } [النبياء ‪.]92 :‬‬
‫وقولهم ‪ { :‬وَإِنّا عَلَى آثَا ِرهِمْ } أي ‪ :‬ورائهم { مهتدون } ‪ ،‬دعوى منهم بل دليل‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أن مقالة هؤلء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من المم السالفة المكذبة للرسل ‪،‬‬
‫تشابهت قلوبهم ‪ ،‬فقالوا مثل مقالتهم ‪َ { :‬كذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ‬
‫صوْا ِبهِ َبلْ هُمْ َقوْمٌ طَاغُونَ } [الذاريات ‪ ، ]53 ، 52 :‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬وكَذَِلكَ مَا‬
‫مَجْنُونٌ أَ َتوَا َ‬
‫أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ َنذِيرٍ إِل قَالَ مُتْ َرفُوهَا إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى ُأمّةٍ وَإِنّا عَلَى آثَارِهِمْ‬
‫ُمقْتَدُونَ }‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬قل } أي ‪ :‬يا محمد لهؤلء المشركين ‪َ { :‬أوَلَوْ جِئْ ُتكُمْ بِأَ ْهدَى ِممّا وَجَدْ ُتمْ عَلَيْهِ‬
‫سلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬ولو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به ‪ ،‬لما انقادوا‬
‫آبَا َء ُكمْ قَالُوا إِنّا ِبمَا أُرْ ِ‬
‫لذلك بسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَانْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬من المم المكذبة بأنواع من العذاب ‪ ،‬كما فصله تعالى في‬
‫قصصهم ‪ { ،‬فَا ْنظُرْ كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُمكَذّبِينَ } ؟ أي ‪ :‬كيف بادوا وهلكوا ‪ ،‬وكيف نجى ال‬
‫المؤمنين ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سند"‪.‬‬

‫( ‪)7/224‬‬

‫وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِي ِه َو َق ْومِهِ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْبُدُونَ (‪ )26‬إِلّا الّذِي َفطَرَنِي فَإِنّهُ سَ َيهْدِينِ (‪)27‬‬
‫حقّ‬
‫جعُونَ (‪َ )28‬بلْ مَ ّتعْتُ َهؤُلَاءِ وَآَبَاءَ ُهمْ حَتّى جَاءَ ُهمُ الْ َ‬
‫عقِبِهِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬
‫وَ َ‬
‫سحْ ٌر وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ (‪َ )30‬وقَالُوا َلوْلَا نُ ّزلَ َهذَا‬
‫حقّ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫وَرَسُولٌ مُبِينٌ (‪ )29‬وََلمّا جَاءَ ُهمُ الْ َ‬
‫سمْنَا بَيْ َنهُمْ َمعِيشَ َت ُهمْ فِي‬
‫حمَةَ رَ ّبكَ َنحْنُ قَ َ‬
‫سمُونَ َر ْ‬
‫جلٍ مِنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (‪ )31‬أَ ُهمْ َيقْ ِ‬
‫ا ْلقُرْآَنُ عَلَى رَ ُ‬
‫حمَةُ رَ ّبكَ خَيْرٌ ِممّا‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا سُخْرِيّا وَ َر ْ‬
‫خذَ َب ْع ُ‬
‫ضهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَ َرجَاتٍ لِيَتّ ِ‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َر َفعْنَا َب ْع َ‬
‫س ُقفًا مِنْ ِفضّةٍ‬
‫حمَنِ لِبُيُو ِتهِمْ ُ‬
‫جعَلْنَا ِلمَنْ َي ْكفُرُ بِالرّ ْ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )32‬وََلوْلَا أَنْ َيكُونَ النّاسُ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً َل َ‬
‫يَ ْ‬
‫ظهَرُونَ (‪)33‬‬
‫َو َمعَارِجَ عَلَ ْيهَا َي ْ‬

‫{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِي ُم لبِي ِه َو َق ْومِهِ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْ ُبدُونَ (‪ )26‬إِل الّذِي فَطَرَنِي فَإِنّهُ سَ َيهْدِينِ (‪)27‬‬
‫جعُونَ (‪َ )28‬بلْ مَ ّتعْتُ َهؤُل ِء وَآبَاءَهُمْ حَتّى جَا َءهُمُ ا ْلحَقّ‬
‫عقِبِهِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬
‫وَ َ‬
‫سحْ ٌر وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ (‪َ )30‬وقَالُوا َلوْل نزلَ هَذَا‬
‫حقّ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫وَرَسُولٌ مُبِينٌ (‪ )29‬وََلمّا جَاءَ ُهمُ الْ َ‬
‫سمْنَا بَيْ َنهُمْ َمعِيشَ َت ُهمْ فِي‬
‫حمَةَ رَ ّبكَ َنحْنُ قَ َ‬
‫سمُونَ َر ْ‬
‫جلٍ مِنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (‪ )31‬أَ ُهمْ َيقْ ِ‬
‫ا ْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُ‬
‫حمَةُ رَ ّبكَ خَيْرٌ ِممّا‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا سُخْرِيّا وَ َر ْ‬
‫خذَ َب ْع ُ‬
‫ضهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَ َرجَاتٍ لِيَتّ ِ‬
‫الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َر َفعْنَا َب ْع َ‬
‫سقُفًا مِنْ َفضّةٍ‬
‫حمَنِ لِبُيُو ِتهِمْ ُ‬
‫جعَلْنَا ِلمَنْ َي ْكفُرُ بِالرّ ْ‬
‫ج َمعُونَ (‪ )32‬وََلوْل أَنْ َيكُونَ النّاسُ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً لَ َ‬
‫يَ ْ‬
‫ظهَرُونَ (‪} )33‬‬
‫َو َمعَارِجَ عَلَ ْيهَا َي ْ‬

‫( ‪)7/225‬‬

‫وَلِبُيُوتِهِمْ أَ ْبوَابًا وَسُرُرًا عَلَ ْيهَا يَ ّتكِئُونَ (‪ )34‬وَزُخْ ُرفًا وَإِنْ ُكلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَالْآَخِ َرةُ‬
‫عِنْدَ رَ ّبكَ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪)35‬‬

‫{ وَلِبُيُو ِتهِمْ أَ ْبوَابًا وَسُرُرًا عَلَ ْيهَا يَ ّتكِئُونَ (‪ )34‬وَزُخْ ُرفًا وَإِنْ ُكلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَالخِ َرةُ‬
‫عِنْدَ رَ ّبكَ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪} )35‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ‪ ،‬ووالد من بعث بعده من النبياء ‪ ،‬الذي‬
‫تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها ‪ :‬أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الوثان ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫عقِبِهِ } أي ‪ :‬هذه‬
‫جعََلهَا كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬
‫{ إِنّنِي بَرَاءٌ ِممّا َتعْبُدُونَ‪ .‬إِل الّذِي فَطَرَنِي فَإِنّهُ سَ َيهْدِينِ‪ .‬وَ َ‬
‫الكلمة ‪ ،‬وهي عبادة ال تعالى وحده ل شريك له ‪ ،‬وخلع ما سواه من الوثان ‪ ،‬وهي "ل إله إل‬
‫ال" أي ‪ :‬جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه ال من ذرية إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬إليها‪.‬‬
‫{ َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫جعََلهَا‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم (‪ )1‬في قوله تعالى ‪َ { :‬و َ‬
‫عقِبِهِ } يعني ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬ل يزال في ذريته من يقولها‪ .‬ورُوي نحوه عن ابن‬
‫كَِلمَةً بَاقِيَةً فِي َ‬
‫عباس‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬كلمة السلم‪ .‬وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬بلْ مَ ّت ْعتُ َهؤُلءِ } يعني ‪ :‬المشركين ‪ { ،‬وآباءهم } أي ‪ :‬فتطاول عليهم العمر‬
‫ق وَرَسُولٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬بين الرسالة والنذارة‪.‬‬
‫حّ‬‫في ضللهم (‪ { ، )2‬حَتّى جَاءَهُمُ الْ َ‬
‫سحْ ٌر وَإِنّا بِهِ كَافِرُونَ } أي ‪ :‬كابروه وعاندوه ودفعوا (‪ )3‬بالصدور‬
‫حقّ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫{ وََلمّا جَاءَ ُهمُ الْ َ‬
‫والراح كفرا وحسدا وبغيا ‪ { ،‬وقالوا } [أي] (‪ )4‬كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس ‪:‬‬
‫جلٍ مِنَ ا ْلقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي ‪ :‬هل كان إنزال هذا القرآن على رجل‬
‫{ َلوْل نزلَ هَذَا ا ْلقُرْآنُ عَلَى رَ ُ‬
‫عظيم كبير في أعينهم من القريتين ؟ يعنون مكة والطائف‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد‬
‫بن كعب القرظي ‪ ،‬وقتادة والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وغيرهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ضللتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ودفعوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/225‬‬

‫وقد ذكر غير واحد منهم (‪ : )1‬أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وعروة بن مسعود الثقفي‪.‬‬
‫وقال مالك عن زيد بن أسلم ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ :‬يعنون الوليد بن المغيرة ‪ ،‬ومسعود بن‬
‫عمرو الثقفي‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬أنهم يعنون الوليد بن المغيرة ‪،‬‬
‫وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ :‬يعنون عتبة بن ربيعة بمكة ‪ ،‬وابن عبد يا ليل بالطائف‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬عنوا [بذلك] (‪ )2‬الوليد بن المغيرة ‪ ،‬وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي‪.‬‬
‫والظاهر ‪ :‬أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان‪.‬‬
‫حمَةَ رَ ّبكَ } ؟ أي ‪ :‬ليس المر‬
‫سمُونَ رَ ْ‬
‫قال ال تعالى رادا عليهم في هذا العتراض ‪َ { :‬أهُمْ َيقْ ِ‬
‫مردودا إليهم ‪ ،‬بل إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وال أعلم حيث يجعل رسالته ‪ ،‬فإنه ل ينزلها إل على‬
‫أزكى الخلق قلبا ونفسا ‪ ،‬وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصل‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الموال والرزاق والعقول والفهوم ‪،‬‬
‫سمْنَا بَيْ َنهُمْ َمعِيشَ َتهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬نحْنُ قَ َ‬
‫ضهُمْ َفوْقَ َب ْعضٍ دَرَجَاتٍ }‬
‫وَ َر َفعْنَا َب ْع َ‬
‫سخْرِيّا } قيل ‪ :‬معناه ليسخر (‪ )3‬بعضهم بعضا في العمال ‪،‬‬
‫ضهُمْ َب ْعضًا ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬لِيَتّخِذَ َب ْع ُ‬
‫لحتياج هذا إلى هذا ‪ ،‬وهذا إلى هذا ‪ ،‬قاله السدي وغيره‪.‬‬
‫وقال قتادة والضحاك ‪ :‬ليملك بعضهم بعضا‪ .‬وهو (‪ )4‬راجع إلى الول‪.‬‬
‫ج َمعُونَ } أي ‪ :‬رحمة ال بخلقه خير لهم مما بأيديهم من‬
‫ح َمتُ رَ ّبكَ خَيْرٌ ِممّا َي ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَرَ ْ‬
‫الموال ومتاع الحياة الدنيا‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وََلوْل أَنْ َيكُونَ النّاسُ ُأمّ ًة وَاحِ َدةً } أي ‪ :‬لول أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن‬
‫إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ‪ ،‬فيجتمعوا على الكفر لجل المال ‪ -‬هذا معنى قول‬
‫سقُفًا‬
‫حمَنِ لِبُيُو ِتهِمْ ُ‬
‫جعَلْنَا ِلمَنْ َي ْكفُرُ بِالرّ ْ‬
‫ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪َ { -‬ل َ‬
‫ظهَرُونَ] } (‪ )5‬أي ‪ :‬سللم ودرجا من فضة ‪ -‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫مِنْ َفضّ ٍة َو َمعَارِجَ [عَلَ ْيهَا يَ ْ‬
‫ظهَرُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬يصعدون‪.‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ :‬وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ { -‬عَلَ ْيهَا َي ْ‬
‫علَ ْيهَا يَ ّتكِئُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬جميع ذلك‬
‫{ وَلِبُيُو ِتهِمْ أَ ْبوَابًا } (‪ )6‬أي ‪ :‬أغلقا على أبوابهم { وَسُرُرًا َ‬
‫يكون فضة ‪ { ،‬وزخرفا } ‪ ،‬أي ‪ :‬وذهبا‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪)7( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬منهم وقتادة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لتسخير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪( :‬أبوابا وسررا)‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ابن عباس وغيرهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/226‬‬

‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنْ ُكلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أي ‪ :‬إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند‬
‫ال [تعالى] (‪ )1‬أي ‪ :‬يعجل (‪ )2‬لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ‪ ،‬ليوافوا‬
‫الخرة وليس لهم عند ال حسنة يجزيهم بها ‪ ،‬كما ورد به الحديث الصحيح (‪[ .)3‬وقد] (‪ )4‬ورد‬
‫في حديث آخر ‪" :‬لو أن الدنيا تزن عند ال جناح بعوضة ‪ ،‬ما سقى منها كافرا شربة ماء" ‪ ،‬أسنده‬
‫البغوي من رواية زكريا بن منظور ‪ ،‬عن أبى حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فذكره (‪ )5‬ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح ‪ ،‬عن أبي حازم عن سهل بن‬
‫سعد عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو عدلت الدنيا جناح بعوضة ‪ ،‬ما أعطى كافرا منها شيئا"‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالخِ َرةُ عِنْدَ رَ ّبكَ لِ ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬هي لهم خاصة ل يشاركهم ‪ :‬فيها [أحد] (‪ )7‬غيرهم‬
‫ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول ال صلى ال عليه وسلم حين صعد إليه في تلك المشربه‬
‫لما آلى من نسائه ‪ ،‬فرآه [عمر] (‪ )8‬على رمال حصير قد أثر بجنبه (‪ )9‬فابتدرت عيناه بالبكاء‬
‫وقال ‪ :‬يا رسول ال هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة ال من خلقه‪ .‬وكان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم متكئا فجلس وقال ‪" :‬أوَ في (‪ )10‬شك أنت يا ابن الخطاب ؟" ثم قال ‪" :‬أولئك‬
‫قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" وفي رواية ‪" :‬أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الخرة‬
‫؟" (‪)11‬‬
‫وفي الصحيحين أيضا وغيرهما ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تشربوا في آنية‬
‫الذهب والفضة ‪ ،‬ول تأكلوا في صحافها ‪ ،‬فإنها لهم في الدنيا ولنا في الخرة"‪ .‬وإنما خولهم ال‬
‫تعالى في الدنيا لحقارتها ‪ ،‬كما روى الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من طريق أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن‬
‫سعد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو كانت الدنيا تزن عند ال جناح بعوضة ‪ ،‬ما‬
‫سقى منها كافرا شربة ماء أبدا" ‪ ،‬قال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يجعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2808‬من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/213‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )6/178‬وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬بجلده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬أفي"‪.‬‬
‫(‪ )11‬انظر تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 131 :‬من سورة طه‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن الترمذي برقم (‪ )2320‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4110‬‬
‫( ‪)7/227‬‬

‫حمَنِ ُنقَ ّيضْ َلهُ شَ ْيطَانًا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ (‪ )36‬وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ‬
‫َومَنْ َيعْشُ عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ (‪ )37‬حَتّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ ا ْلقَرِينُ (‬
‫سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي‬
‫‪ )38‬وَلَنْ يَ ْن َفعَكُمُ الْ َيوْمَ إِذْ ظََلمْتُمْ أَ ّنكُمْ فِي ا ْلعَذَابِ مُشْتَ ِركُونَ (‪َ )39‬أفَأَ ْنتَ تُ ْ‬
‫ا ْل ُع ْميَ َومَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ )40‬فَِإمّا َنذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُمْ مُنْ َت ِقمُونَ (‪َ )41‬أوْ نُرِيَ ّنكَ الّذِي‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ إِ ّنكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)43‬‬
‫سكْ بِالّذِي أُو ِ‬
‫وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَ ْيهِمْ ُمقْتَدِرُونَ (‪ )42‬فَاسْ َتمْ ِ‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ‬
‫س ْوفَ تُسْأَلُونَ (‪ )44‬وَاسَْألْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َأ َ‬
‫وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َلكَ وَلِ َق ْو ِمكَ وَ َ‬
‫حمَنِ آَِلهَةً ُيعْبَدُونَ (‪)45‬‬
‫الرّ ْ‬

‫حمَنِ ُنقَ ّيضْ لَهُ شَيْطَانًا َف ُهوَ لَهُ قَرِينٌ (‪ )36‬وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِيلِ‬
‫{ َومَنْ َيعْشُ عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ (‪ )37‬حَتّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ ا ْلقَرِينُ (‬
‫سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي‬
‫‪ )38‬وَلَنْ يَ ْن َفعَكُمُ الْ َيوْمَ إِذْ ظََلمْتُمْ أَ ّنكُمْ فِي ا ْلعَذَابِ مُشْتَ ِركُونَ (‪َ )39‬أفَأَ ْنتَ تُ ْ‬
‫ا ْل ُع ْميَ َومَنْ كَانَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ )40‬فَِإمّا َنذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُمْ مُنْ َت ِقمُونَ (‪َ )41‬أوْ نُرِيَ ّنكَ الّذِي‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ إِ ّنكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪)43‬‬
‫سكْ بِالّذِي أُو ِ‬
‫وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَ ْيهِمْ ُمقْتَدِرُونَ (‪ )42‬فَاسْ َتمْ ِ‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ‬
‫س ْوفَ تُسْأَلُونَ (‪ )44‬وَاسَْألْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َأ َ‬
‫وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َلكَ وَلِ َق ْو ِمكَ وَ َ‬
‫حمَنِ آِلهَةً ُيعْبَدُونَ (‪} )45‬‬
‫الرّ ْ‬
‫حمَنِ } والعشا في‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَنْ َيعْشُ } أي ‪ :‬يتعامى ويتغافل ويعرض ‪ { ،‬عَنْ ِذكْرِ الرّ ْ‬
‫العين ‪ :‬ضعف بصرها‪ .‬والمراد هاهنا ‪ :‬عشا البصيرة ‪ُ { ،‬نقَيّضْ لَهُ شَيْطَانًا َف ُهوَ َلهُ قَرِينٌ } كقوله‬
‫‪َ { :‬ومَنْ يُشَا ِققِ الرّسُولَ مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ ا ْل ُهدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى وَ ُنصْلِهِ‬
‫جهَنّمَ وَسَا َءتْ َمصِيرًا } [النساء ‪ ، ]115 :‬وكقوله ‪ { :‬فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ } [الصف ‪:‬‬
‫َ‬
‫علَ ْيهِمُ ا ْل َقوْلُ فِي ُأمَمٍ‬
‫‪ ، ]5‬وكقوله ‪َ { :‬وقَيّضْنَا َلهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيّنُوا َلهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِ ْم َومَا خَ ْل َفهُمْ وَحَقّ َ‬
‫ن وَالنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [فصلت ‪ ]25 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪:‬‬
‫قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫حسَبُونَ أَ ّنهُمْ ُمهْتَدُونَ‪ .‬حَتّى ِإذَا جَاءَنَا } أي ‪ :‬هذا الذي تغافل عن‬
‫ل وَيَ ْ‬
‫{ وَإِ ّنهُمْ لَ َيصُدّو َنهُمْ عَنِ السّبِي ِ‬
‫الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ‪ ،‬ويهديه إلى صراط الجحيم‪ .‬فإذا وافى ال يوم القيامة‬
‫يتبرم بالشيطان الذي وكل به ‪ { ،‬قَالَ يَا لَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ ا ْلقَرِينُ } [أي ‪ :‬فبئس‬
‫القرين كنت لي في الدنيا] (‪ )1‬وقرأ بعضهم ‪" :‬حتى إذا جاءانا" يعني ‪ :‬القرين والمقارن‪.‬‬
‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن سعيد الجُرَيري قال ‪ :‬بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم‬
‫سفَع بيده شيطان فلم يفارقه ‪ ،‬حتى يصيرهما ال تعالى إلى النار ‪ ،‬فذلك حين يقول ‪ { :‬يَا‬
‫القيامة َ‬
‫لَ ْيتَ بَيْنِي وَبَيْ َنكَ ُبعْدَ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ فَبِئْسَ ا ْلقَرِينُ } (‪)2‬‬
‫والمراد بالمشرقين هنا (‪ )3‬هو ما بين المشرق والمغرب‪ .‬وإنما استعمل هاهنا تغليبا ‪ ،‬كما يقال (‬
‫‪ )4‬القمران ‪ ،‬والعمران ‪ ،‬والبوان ‪[ ،‬والعسران] (‪ .)5‬قاله ابن جرير وغيره‪.‬‬
‫[ولما كان الشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في مصيبته ‪ ،‬كما قالت‬
‫الخنساء تبكي أخاها ‪:‬‬
‫حوْلي‪ ...‬عَلَى قَتْلهم لقتلتُ َنفْسي‪...‬‬
‫وَلوْل كثرةُ الباكين َ‬
‫وما يَ ْبكُون مثلَ أخي ولكن‪ ...‬أُسَلّي النفسَ عنه بالتأسّي‪...‬‬
‫قطع ال بذلك بين أهل النار ‪ ،‬فل يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية ول تخفيف]‪)6( .‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَلَنْ يَ ْن َف َعكُمُ الْ َيوْمَ إِذْ ظََلمْتُمْ أَ ّنكُمْ فِي ا ْل َعذَابِ مُشْتَ ِركُونَ } أي ‪ :‬ل يغني عنكم‬
‫اجتماعكم في النار واشتراككم في العذاب الليم‪.‬‬
‫ي َومَنْ كَانَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬ليس ذلك إليك ‪،‬‬
‫سمِعُ الصّمّ َأوْ َتهْدِي ا ْل ُع ْم َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَأَ ْنتَ تُ ْ‬
‫إنما عليك البلغ ‪ ،‬وليس عليك هداهم ‪ ،‬ولكن ال يهدي من يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬وهو الحكم‬
‫العدل (‪ )7‬في ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/161‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هاهنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قيل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الحاكم العادل"‪.‬‬

‫( ‪)7/228‬‬

‫ثم قال ‪ { :‬فَِإمّا نَذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُمْ مُنْ َتقِمُونَ } أي ‪ :‬ل بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم ‪ ،‬ولو ذهبت أنت‬
‫‪َ { ،‬أوْ (‪ )1‬نُرِيَ ّنكَ الّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنّا عَلَ ْي ِهمْ ُمقْتَدِرُونَ } أي ‪ :‬نحن قادرون على هذا وعلى هذا‪.‬‬
‫ولم يقبض ال رسوله حتى أقر عينه من أعدائه ‪ ،‬وحكمه في نواصيهم ‪ ،‬وملكه ما تضمنته‬
‫صياصيهم‪ .‬هذا معنى قول السدي ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن جرير (‪ )2‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن (‪ )3‬ثور ‪ ،‬عن معمر قال ‪ :‬تل قتادة ‪:‬‬
‫{ فَِإمّا َنذْهَبَنّ ِبكَ فَإِنّا مِ ْنهُمْ مُنْ َت ِقمُونَ } فقال ‪ :‬ذهب النبي صلى ال عليه وسلم وبقيت النقمة ‪ ،‬ولم‬
‫يُرِ ال (‪ )4‬نبيه صلى ال عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه ‪ ،‬حتى مضى (‪ ، )5‬ولم يكن نبي قط‬
‫إل ورأى (‪ )6‬العقوبة في أمته ‪ ،‬إل نبيكم صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وذُكر لنا أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أ ِريَ ما يصيب أمته من بعده ‪ ،‬فما رُئِي ضاحكا منبسطا حتى قبضه ال عز‬
‫وجل‪)7( .‬‬
‫وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة نحوه‪ .‬ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬النجوم أمنة للسماء ‪ ،‬فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعَدُ ‪ ،‬وأنا أمَنَة لصحابي‬
‫‪ ،‬فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون"‪)8( .‬‬
‫حيَ إِلَ ْيكَ إِ ّنكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } أي ‪ :‬خذ بالقرآن المنزل‬
‫سكْ بِالّذِي أُو ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَاسْ َتمْ ِ‬
‫على قلبك ‪ ،‬فإنه هو الحق ‪ ،‬وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط ال المستقيم ‪ ،‬الموصل‬
‫إلى جنات النعيم ‪ ،‬والخير الدائم المقيم‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َلكَ وَلِ َق ْو ِمكَ } قيل ‪ :‬معناه لشرف (‪ )9‬لك ولقومك ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬ولم يحك سواه‪.‬‬
‫وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري ‪ ،‬عن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن معاوية قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن هذا المر في قريش ل ينازعهم فيه أحد إل أكَبّه ال‬
‫على وجهه ما أقاموا الدين"‪ .‬رواه البخاري‪)10( .‬‬
‫و[قيل] (‪ )11‬معناه ‪ :‬أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ‪ ،‬فهم أفهم الناس له ‪ ،‬فينبغي أن‬
‫يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ‪ ،‬وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخُلّص من‬
‫المهاجرين السابقين الولين ‪ ،‬ومن شابههم وتابعهم‪.‬‬
‫ك وَِل َق ْو ِمكَ } أي ‪ :‬لتذكير لك ولقومك ‪ ،‬وتخصيصهم بالذكر ل ينفي‬
‫وقيل ‪ :‬معناه ‪ { :‬وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َل َ‬
‫من سواهم ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬لقَدْ أَنزلْنَا إِلَ ْيكُمْ كِتَابًا فِيهِ ِذكْ ُركُمْ َأفَل َت ْعقِلُونَ } [النبياء ‪ ، ]10 :‬وكقوله ‪{ :‬‬
‫ك القْرَبِينَ } [الشعراء ‪.]214 :‬‬
‫وَأَنْذِرْ عَشِيرَ َت َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وإما" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى هو قال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قبض"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬إل وقد رأى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)25/45‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2531‬من حديث أبي موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬الشرف"‪.‬‬
‫(‪ )10‬معالم التنزيل للبغوي (‪ )7/215‬وصحيح البخاري برقم (‪.)3500‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫( ‪)7/229‬‬

‫عوْنَ َومَلَئِهِ َفقَالَ إِنّي رَسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )46‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِآَيَاتِنَا‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫حكُونَ (‪)47‬‬
‫إِذَا هُمْ مِ ْنهَا َيضْ َ‬

‫س ْوفَ تُسْأَلُونَ } أي ‪ :‬عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والستجابة له‪.‬‬
‫{ وَ َ‬
‫حمَنِ آِل َهةً ُيعْبَدُونَ } ؟ أي ‪:‬‬
‫جعَلْنَا مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسَْألْ مَنْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ مِنْ رُسُلِنَا َأ َ‬
‫جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة ال وحده ل شريك له ‪ ،‬ونهوا عن عبادة‬
‫الصنام والنداد ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وََلقَدْ َبعَثْنَا فِي ُكلّ ُأمّةٍ رَسُول أَنِ اُعْ ُبدُوا اللّ َه وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ }‬
‫[النحل ‪ .]36 :‬قال مجاهد ‪ :‬في قراءة عبد ال بن مسعود ‪" :‬واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك‬
‫رسلنا"‪ .‬وهكذا حكاه قتادة والضحاك والسدي ‪ ،‬عن ابن مسعود‪ .‬وهذا كأنه تفسير ل تلوة ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫جمِعوا له‪ .‬واختار ابن‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬واسألهم ليلة السراء ‪ ،‬فإن النبياء ُ‬
‫جرير الول ‪[ ،‬وال أعلم] (‪.)1‬‬
‫ن َومَلَئِهِ َفقَالَ إِنّي َرسُولُ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )46‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ‬
‫عوْ َ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫حكُونَ (‪} )47‬‬
‫ضَ‬‫بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِ ْنهَا َي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/230‬‬

‫جعُونَ (‪َ )48‬وقَالُوا يَا أَ ّيهَا‬


‫َومَا نُرِي ِهمْ مِنْ آَ َيةٍ إِلّا ِهيَ َأكْبَرُ مِنْ ُأخْ ِتهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِا ْل َعذَابِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَابَ إِذَا هُمْ يَ ْنكُثُونَ (‬
‫ع ِهدَ عِنْ َدكَ إِنّنَا َل ُمهْتَدُونَ (‪ )49‬فََلمّا كَ َ‬
‫السّاحِرُ ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ‬
‫‪)50‬‬

‫جعُونَ (‪َ )48‬وقَالُوا يَا أَ ّيهَا‬


‫{ َومَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِل ِهيَ َأكْبَرُ مِنْ ُأخْ ِتهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِا ْل َعذَابِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمُ ا ْلعَذَابَ إِذَا هُمْ يَ ْنكُثُونَ (‬
‫ع ِهدَ عِنْ َدكَ إِنّنَا َل ُمهْتَدُونَ (‪ )49‬فََلمّا كَ َ‬
‫السّاحِرُ ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ‬
‫‪} )50‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه ابتعثه إلى فرعون وملئه من‬
‫المراء والوزراء والقادة ‪ ،‬والتباع والرعايا ‪ ،‬من القبط وبني إسرائيل ‪ ،‬يدعوهم إلى عبادة ال‬
‫وحده ل شريك له ‪ ،‬وينهاهم عن عبادة ما سواه ‪ ،‬وأنه بعث معه آيات عظاما ‪ ،‬كيده وعصاه ‪،‬‬
‫وما أرسل معه من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ‪ ،‬ومن نقص الزروع والنفس‬
‫والثمرات ‪ ،‬ومع هذا كله استكبروا عن اتباعها والنقياد لها ‪ ،‬وكذبوها وسخروا منها ‪ ،‬وضحكوا‬
‫ممن جاءهم بها‪َ { .‬ومَا نُرِي ِهمْ مِنْ آ َيةٍ إِل ِهيَ َأكْبَرُ مِنْ أُخْ ِتهَا } ومع هذا ما رجعوا عن غيهم‬
‫وضللهم ‪ ،‬وجهلهم وخبالهم‪ .‬وكلما جاءتهم آية من هذه اليات يضرعون إلى موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬ويتلطفون له في العبارة بقولهم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا السّاحِرُ } أي ‪ :‬العالم ‪ ،‬قاله ابن جرير‪ .‬وكان‬
‫علماء زمانهم هم السحرة‪ .‬ولم يكن السحر عندهم في زمانهم مذموما ‪ ،‬فليس هذا منهم على سبيل‬
‫النتقاص منهم ؛ لن الحال حال ضرورة منهم إليه ل تناسب ذلك ‪ ،‬وإنما هو تعظيم في زعمهم ‪،‬‬
‫ففي كل مرة َي ِعدُون موسى [عليه السلم] (‪ )1‬إن كشف عنهم هذا أن يؤمنوا ويرسلوا معه بني‬
‫إسرائيل‪ .‬وفي كل مرة ينكثون ما عاهدوا عليه ‪ ،‬وهذا كقوله [تعالى] (‪ { )2‬فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ‬
‫ضفَا ِدعَ وَالدّمَ آيَاتٍ ُم َفصّلتٍ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ‪ .‬وََلمّا‬
‫ل وَال ّ‬
‫ن وَالْجَرَا َد وَا ْل ُقمّ َ‬
‫الطّوفَا َ‬
‫ش ْفتَ عَنّا الرّجْزَ لَ ُن ْؤمِنَنّ‬
‫عهِدَ عِ ْن َدكَ لَئِنْ كَ َ‬
‫َوقَعَ عَلَ ْيهِمُ الرّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى (‪ )3‬ا ْدعُ لَنَا رَ ّبكَ ِبمَا َ‬
‫جلٍ ُهمْ بَاِلغُوهُ إِذَا هُمْ يَ ْنكُثُونَ }‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمُ الرّجْزَ إِلَى أَ َ‬
‫ك وَلَنُرْسِلَنّ َم َعكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‪ .‬فََلمّا كَ َ‬
‫َل َ‬
‫[العراف ‪.]135 - 133 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يا أيها الساحر" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/230‬‬

‫عوْنُ فِي َق ْومِهِ قَالَ يَا َقوْمِ أَلَ ْيسَ لِي مُ ْلكُ ِمصْ َر وَ َه ِذهِ الْأَ ْنهَارُ تَجْرِي مِنْ َتحْتِي َأفَلَا‬
‫وَنَادَى فِرْ َ‬
‫سوِ َرةٌ مِنْ‬
‫ن وَلَا َيكَادُ يُبِينُ (‪ )52‬فََلوْلَا أُ ْلقِيَ عَلَ ْيهِ أَ ْ‬
‫تُ ْبصِرُونَ (‪َ )51‬أمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ َهذَا الّذِي ُهوَ َمهِي ٌ‬
‫سقِينَ (‪)54‬‬
‫خفّ َق ْومَهُ فَأَطَاعُوهُ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫ذَ َهبٍ َأوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَلَا ِئ َكةُ ُمقْتَرِنِينَ (‪ )53‬فَاسْتَ َ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ سََلفًا َومَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (‪)56‬‬
‫ج َمعِينَ (‪ )55‬فَ َ‬
‫سفُونَا انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬
‫فََلمّا آَ َ‬

‫عوْنُ فِي َق ْومِهِ قَالَ يَا َقوْمِ أَلَيْسَ لِي مُ ْلكُ ِمصْ َر وَهَ ِذهِ ال ْنهَارُ تَجْرِي مِنْ َتحْتِي َأفَل‬
‫{ وَنَادَى فِرْ َ‬
‫سوِ َرةٌ مِنْ‬
‫ن وَل َيكَادُ يُبِينُ (‪ )52‬فََلوْل أُ ْلقِيَ عَلَ ْيهِ أَ ْ‬
‫تُ ْبصِرُونَ (‪َ )51‬أمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ َهذَا الّذِي ُهوَ َمهِي ٌ‬
‫سقِينَ (‪)54‬‬
‫خفّ َق ْومَهُ فََأطَاعُوهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫ذَ َهبٍ َأوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَل ِئكَةُ مُقْتَرِنِينَ (‪ )53‬فَاسْ َت َ‬
‫جعَلْنَا ُهمْ سََلفًا َومَثَل لِلخِرِينَ (‪.} )56‬‬
‫ج َمعِينَ (‪ )55‬فَ َ‬
‫سفُونَا انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬
‫فََلمّا آ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده ‪ :‬أنه جمع قومه ‪ ،‬فنادى فيهم‬
‫متبجحا مفتخرا بملك مصر وتصرفه فيها ‪ { :‬أَلَيْسَ لِي مُ ْلكُ ِمصْ َر وَهَ ِذهِ ال ْنهَارُ تَجْرِي مِنْ‬
‫تَحْتِي } ‪ ،‬قال قتادة قد كانت لهم جنان وأنهار ماء ‪َ { ،‬أفَل تُ ْبصِرُونَ } ؟ أي ‪ :‬أفل ترون ما أنا‬
‫فيه من العظمة والملك ‪ ،‬يعني ‪ :‬وموسى وأتباعه (‪ )1‬فقراء ضعفاء‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬فحَشَرَ‬
‫فَنَادَى‪َ .‬فقَالَ أَنَا رَ ّب ُكمُ العْلَى‪ .‬فََأخَ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الخِ َر ِة وَالولَى } [النازعات ‪.]25 - 23 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الّذِي ُهوَ َمهِينٌ } قال السدي ‪ :‬يقول ‪ :‬بل أنا خير من هذا الذي هو‬
‫مهين‪ .‬وهكذا قال بعض نحاة البصرة ‪ :‬إن "أم" هاهنا بمعنى "بل"‪ .‬ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن‬
‫بعض القراء أنه قرأها ‪" :‬أما أنا خير من هذا الذي هو مهين"‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬ولو صحت هذه‬
‫القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ‪ ،‬ولكنها خلف قراءة المصار ‪ ،‬فإنهم قرؤوا ‪َ { :‬أمْ أَنَا خَيْرٌ‬
‫مِنْ هَذَا الّذِي ُهوَ َمهِينٌ } ؟ على الستفهام‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون ‪ -‬عليه اللعنة (‪ - )2‬أنه خير من موسى ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ‪ ،‬فعليه لعائن ال المتتابعة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫ويعني بقوله ‪ { :‬مهين } كما قال سفيان ‪ :‬حقير‪ .‬وقال قتادة والسدي ‪ :‬يعني ‪ :‬ضعيف‪ .‬وقال ابن‬
‫جرير ‪ :‬يعني ‪ :‬ل ملك له ول سلطان ول مال‪.‬‬
‫{ وَل َيكَادُ يُبِينُ } يعني ‪ :‬ل يكاد يفصح عن كلمه (‪ ، )3‬فهو عيي حصر‪)4( .‬‬
‫قال السدي ‪ { :‬وَل َيكَادُ يُبِينُ } أي ‪ :‬ل يكاد يفهم‪ .‬وقال قتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬يعني‬
‫عيي اللسان‪ .‬وقال سفيان ‪ :‬يعني في لسانه شيء من الجمرة حين (‪ )5‬وضعها في فيه وهو‬
‫صغير‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله فرعون ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬كذب واختلق ‪ ،‬وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ‪ ،‬وهو‬
‫ينظر إلى موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بعين كافرة شقية ‪ ،‬وقد كان موسى (‪ ، )6‬عليه السلم ‪ ،‬من‬
‫الجللة والعظمة والبهاء في صورة يبهر (‪ )7‬أبصار ذوي [البصار و] (‪ )8‬اللباب‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫{ مهين } كذب ‪ ،‬بل هو المهين الحقير خِلْقةً وخلقا ودينا‪ .‬وموسى [عليه السلم] (‪ )9‬هو الشريف‬
‫الرئيس الصادق البار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ومن معه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لعنة ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بكلمه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حصير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬التي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الموسى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬تبهر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫( ‪)7/231‬‬

‫الراشد (‪ .)1‬وقوله ‪ { :‬وَل َيكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضا ‪ ،‬فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال‬
‫صغره شيء من جهة تلك الجمرة ‪ ،‬فقد سأل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا‬
‫سؤَْلكَ يَا مُوسَى } [طه ‪:‬‬
‫قوله ‪ ،‬وقد استجاب ال (‪ )2‬له في [ذلك في] (‪ )3‬قوله ‪ { :‬قَالَ َقدْ أُوتِيتَ ُ‬
‫‪ ، ]26‬وبتقدير أن يكون قد بقى شيء لم يسأل إزالته ‪ ،‬كما قاله الحسن البصري ‪ ،‬وإنما سأل‬
‫زوال ما يحصل معه البلغ والفهام ‪ ،‬فالشياء الخلقية (‪ )4‬التي ليست من فعل العبد ل يعاب‬
‫بها ول يذم عليها ‪ ،‬وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ‪ ،‬وإنما أراد الترويج على‬
‫علَيْهِ أَسَاوِ َرةٌ (‪ )5‬مِنْ ذَ َهبٍ } أي ‪:‬‬
‫رعيته ‪ ،‬فإنهم كانوا جهلة أغبياء ‪ ،‬وهكذا كقوله ‪ { :‬فََلوْل أُ ْل ِقيَ َ‬
‫وهي ما يجعل في اليدي من الحلي ‪ ،‬قاله ابن عباس وقتادة وغير واحد ‪َ { ،‬أوْ جَاءَ َمعَهُ ا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫ُمقْتَرِنِينَ } أي ‪ :‬يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه ‪ ،‬نظر (‪ )6‬إلى الشكل الظاهر ‪ ،‬ولم يفهم‬
‫خفّ َق ْومَهُ‬
‫السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه ‪ ،‬لو كان يعلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَاسْ َت َ‬
‫فَأَطَاعُوهُ } أي ‪ :‬استخف عقولهم ‪ ،‬فدعاهم إلى الضللة فاستجابوا له ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا‬
‫سقِينَ }‪.‬‬
‫فَا ِ‬
‫ج َمعِينَ } ‪ ،‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن‬
‫سفُونَا انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ أَ ْ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فََلمّا آ َ‬
‫ابن عباس ‪ { :‬آسفونا } أسخطونا‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عنه ‪ :‬أغضبونا‪ .‬وهكذا قال ابن عباس أيضا ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم (‪ )7‬من المفسرين‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد ال (‪ )8‬ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪،‬‬
‫عن عقبة بن مسلم التجيبي (‪ )9‬عن عقبة بن عامر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا‬
‫رأيت ال عز وجل يعطي العبد ما شاء ‪ ،‬وهو مقيم على معاصيه ‪ ،‬فإنما ذلك استدراج منه له" ثم‬
‫سفُونَا انْ َتقَمْنَا مِ ْنهُمْ } (‪.)10‬‬
‫تل { فََلمّا آ َ‬
‫حمّاني ‪ ،‬حدثنا قيس بن الربيع ‪ ،‬عن قيس بن مسلم (‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد ال ِ‬
‫‪ ، )11‬عن طارق بن شهاب قال ‪ :‬كنت عند عبد ال فذكر عنده موت الفجأة ‪ ،‬فقال ‪ :‬تخفيف على‬
‫سفُونَا انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ }‪.‬‬
‫المؤمن ‪ ،‬وحسرة على الكافر‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬فََلمّا آ َ‬
‫سفُونَا‬
‫وقال عمر بن عبد العزيز رضي ال عنه ‪ :‬وجدت النقمة مع الغفلة ‪ ،‬يعني قوله ‪ { :‬فََلمّا آ َ‬
‫ج َمعِينَ }‪.‬‬
‫انْ َت َقمْنَا مِ ْنهُمْ فَأَغْ َرقْنَاهُمْ َأ ْ‬
‫جعَلْنَاهُمْ سََلفًا َومَثَل لِلخِرِينَ } ‪ :‬قال أبو مجلز ‪ { :‬سََلفًا } لمثل من عمل بعملهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الرشيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬استجاب ال دعاءه له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الخلقية" ‪ ،‬وفي م ‪" :‬الخلقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أسورة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬نظرا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬غير واحد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )4926‬مجمع البحرين" ‪ ،‬والبيهقي في شعب‬
‫اليمان برقم (‪ )4540‬من طريق عبد ال ابن صالح عن حرملة بن عمران به ‪ ،‬ورواه أحمد في‬
‫مسنده (‪ )4/145‬عن رشدين بن سعد ‪ ،‬والدولبي في الكنى (‪ )1/111‬عن حجاج بن سليمان‬
‫كلهما عن حرملة بن عمران به ‪ ،‬وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الحياء‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى أيضا"‪.‬‬

‫( ‪)7/232‬‬

‫وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْ َيمَ مَثَلًا إِذَا َقوْ ُمكَ مِنْهُ َيصِدّونَ (‪َ )57‬وقَالُوا أَآَِلهَتُنَا خَيْرٌ َأمْ ُهوَ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِلّا‬
‫جعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (‪)59‬‬
‫صمُونَ (‪ )58‬إِنْ ُهوَ إِلّا عَ ْبدٌ أَ ْن َعمْنَا عَلَيْهِ وَ َ‬
‫خ ِ‬
‫جدَلًا َبلْ هُمْ َقوْمٌ َ‬
‫َ‬

‫وقال هو ومجاهد ‪ { :‬ومثل } أي ‪ :‬عبرة لمن بعدهم‪.‬‬


‫{ وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل ِإذَا َق ْو ُمكَ مِ ْنهُ َيصِدّونَ (‪َ )57‬وقَالُوا أَآِلهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ ُهوَ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ‬
‫جعَلْنَاهُ مَثَل لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (‪)59‬‬
‫علَيْ ِه وَ َ‬
‫صمُونَ (‪ )58‬إِنْ ُهوَ إِل عَبْدٌ أَ ْن َعمْنَا َ‬
‫خ ِ‬
‫إِل جَدَل َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَل ِئكَةً فِي ال ْرضِ َيخُْلفُونَ (‪ )60‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا وَاتّ ِبعُونِ‬
‫وََلوْ َنشَاءُ َل َ‬
‫هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )61‬وَل َيصُدّ ّنكُمُ الشّيْطَانُ إِنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ (‪ )62‬وََلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ‬
‫ح ْكمَةِ وَلبَيّنَ َلكُمْ َب ْعضَ الّذِي تَخْتَِلفُونَ فِيهِ فَا ّتقُوا اللّ َه وََأطِيعُونِ (‪ )63‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫قَالَ َقدْ جِئْ ُت ُكمْ بِالْ ِ‬
‫رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )64‬فَاخْتََلفَ الحْزَابُ مِنْ بَيْ ِنهِمْ َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ ظََلمُوا مِنْ‬
‫عَذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ (‪.} )65‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن تعنت قريش في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ‬
‫مَثَل إِذَا َق ْو ُمكَ مِنْهُ َيصِدّونَ } قال غير واحد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫والسدي ‪ :‬يضحكون (‪ ، )1‬أي ‪ :‬أعجبوا بذلك‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يجزعون ويضحكون‪ .‬وقال إبراهيم النخعي ‪ :‬يعرضون‪.‬‬
‫وكان السبب في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة حيث قال ‪ :‬وجلس رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فيما بلغني ‪ -‬يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد ‪ ،‬فجاء النضر بن الحارث حتى‬
‫جلس معهم ‪ ،‬وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ‪ ،‬فتكلم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فعرض له النضر بن الحارث ‪ ،‬فكلمه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أفحمه ‪ ،‬ثم تل عليه‬
‫جهَنّمَ أَنْتُمْ َلهَا وَارِدُونَ } اليات [النبياء ‪.]98 :‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫وعليهم ‪ { :‬إِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫ثم قام رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأقبل عبد ال بن الزّبعَرى التميمي (‪ )2‬حتى جلس ‪،‬‬
‫فقال الوليد بن المغيرة له ‪ :‬وال ما قام النضر بن الحارث لبن عبد المطلب وما قعد ‪ ،‬وقد زعم‬
‫محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ‪ ،‬فقال عبد ال بن الزبعرى ‪ :‬أما وال لو وجدته‬
‫صمْتُه ‪ ،‬سلوا (‪ )3‬محمدا ‪ :‬أكلّ ما يعبد من دون ال في جهنم مع من عبده ‪ ،‬فنحن نعبد‬
‫خ َ‬
‫لَ َ‬
‫الملئكة ‪ ،‬واليهود تعبد عزيرا ‪ ،‬والنصارى تعبد المسيح [عيسى] (‪ )4‬ابن مريم ؟ فعجب الوليد‬
‫ومن كان معه في المجلس من قول عبد ال بن الزبعرى ‪ ،‬ورأوا أنه قد احتج وخاصم ‪ ،‬ف ُذكِر‬
‫ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬كل من أحب أن يعبد من دون ال ‪ ،‬فهو مع من عبده‬
‫‪ ،‬فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته" فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ سَ َب َقتْ َلهُمْ مِنّا‬
‫حسْنَى أُولَ ِئكَ عَ ْنهَا مُ ْبعَدُونَ } [النبياء ‪ ]101 :‬أي ‪ :‬عيسى وعزير ومن عبد (‪ )5‬معهما من‬
‫الْ ُ‬
‫الحبار والرهبان الذين مضوا على طاعة ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضللة‬
‫خذَ‬
‫أربابا من دون ال‪ .‬ونزل فيما يذكرون أنهم يعبدون الملئكة وأنهم بنات ال ‪َ { :‬وقَالُوا اتّ َ‬
‫ن وََلدًا سُ ْبحَانَهُ َبلْ عِبَادٌ ُمكْ َرمُونَ } اليات [النبياء ‪ ، ]26 :‬ونزل‬
‫حمَ ُ‬
‫الرّ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وعكرمة وغيرهم يعني يعجبون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬السهمي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فسلوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عبدوا"‪.‬‬

‫( ‪)7/233‬‬

‫فيما يذكر من أمر عيسى وأنه يعبد من دون ال‪ .‬وعجب (‪ )1‬الوليد ومن حضره من حجته‬
‫وخصومته ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل ِإذَا َق ْو ُمكَ مِ ْنهُ َيصِدّونَ } أي ‪ :‬يصدون عن أمرك بذلك‬
‫جعَلْنَاهُ مَثَل لِبَنِي إِسْرَائِيلَ‪ .‬وََلوْ نَشَاءُ‬
‫علَيْ ِه وَ َ‬
‫من قوله‪ .‬ثم ذكر عيسى فقال ‪ { :‬إِنْ ُهوَ إِل عَبْدٌ أَ ْن َعمْنَا َ‬
‫خُلفُونَ‪ .‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ } أي ‪ :‬ما وضعت على يديه من اليات‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَل ِئكَةً فِي ال ْرضِ يَ ْ‬
‫لَ َ‬
‫من إحياء الموتى وإبراء السقام ‪ ،‬فكفى به دليل على علم الساعة ‪ ،‬يقول ‪ { :‬فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا‬
‫وَاتّ ِبعُونِ َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ } (‪.)2‬‬
‫وذكر ابن جرير من رواية العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل إِذَا َق ْومُكَ‬
‫جهَنّمَ‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫مِنْهُ َيصِدّونَ } قال ‪ :‬يعني قريشا ‪ ،‬لما قيل لهم ‪ { :‬إِ ّنكُ ْم َومَا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫أَنْتُمْ َلهَا وَا ِردُونَ } [النبياء ‪ ]98 :‬إلى آخر اليات ‪ ،‬فقالت له قريش ‪ :‬فما ابن مريم ؟ قال ‪" :‬ذاك‬
‫عبد ال ورسوله"‪ .‬فقالوا ‪ :‬وال ما يريد هذا إل أن نتخذه ربا ‪ ،‬كما اتخذت النصارى عيسى ابن‬
‫صمُونَ }‪.‬‬
‫خ ِ‬
‫جدَل َبلْ هُمْ َقوْمٌ َ‬
‫مريم ربا ‪ ،‬فقال ال تعالى (‪ { )3‬مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل َ‬
‫وقال (‪ )4‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النّجُود ‪ ،‬عن‬
‫أبي رَزِين ‪ ،‬عن أبي يحيى ‪ -‬مولى ابن عقيل النصاري ‪ -‬قال ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬لقد علمت آية‬
‫من القرآن ما سألني عنها رجل قط ‪ ،‬فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها ‪ ،‬أم لم يفطنوا لها‬
‫فيسألوا عنها‪ .‬قال ‪ :‬ثم طفق يحدثنا ‪ ،‬فلما قام تلومنا أل نكون سألناه عنها‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا لها إذا‬
‫راح غدا‪ .‬فلما راح الغد قلت ‪ :‬يا ابن عباس ‪ ،‬ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل‬
‫قط ‪ ،‬فل تدري أعلمها الناس (‪ )5‬أم لم يفطنوا لها ؟ فقلت ‪ :‬أخبرني عنها وعن اللتي قرأت‬
‫قبلها‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لقريش ‪" :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنه ليس‬
‫أحد يعبد من دون ال فيه خير" ‪ ،‬وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم ‪ ،‬وما تقول‬
‫في محمد ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ألست تزعم أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد ال صالحا ‪ ،‬فإن‬
‫كنت صادقا كان (‪ )6‬آلهتهم كما تقولون ؟ قال ‪ :‬فأنزل ال ‪ { :‬وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل ِإذَا‬
‫صدّونَ }‪ .‬قلت ‪ :‬ما َيصِدون ؟ قال ‪ :‬يضحكون ‪ { ،‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ } قال ‪ :‬هو‬
‫َق ْومُكَ مِنْهُ َي ِ‬
‫خروج عيسى ابن مريم قبل القيامة‪)7( .‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن يعقوب الدمشقي ‪ ،‬حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫أبي النّجُود ‪ ،‬عن أبي أحمد مولى النصار (‪ ، )8‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنه ليس أحد يعبد من دون ال فيه خير"‪ .‬فقالوا له ‪ :‬ألست تزعم‬
‫أن عيسى كان نبيا وعبدا من عباد ال صالحا ‪ ،‬فقد كان يُعبد من دون ال ؟ فأنزل ال عز وجل ‪:‬‬
‫{ وََلمّا ضُ ِربَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَل ِإذَا َق ْو ُمكَ مِ ْنهُ َيصِدّونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وتعجب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/358‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أعلمها الناس فلم يسألوا عنها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/318‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬النصاريين"‪.‬‬

‫( ‪)7/234‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬وََلمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْ َيمَ مَثَل إِذَا َق ْو ُمكَ مِنْهُ َيصِدّونَ } ‪ :‬قالت قريش ‪ :‬إنما‬
‫يريد محمد أن نعبده كما عبد قوم عيسى عيسى‪ .‬ونحو هذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَالُوا أَآِلهَتُنَا خَيْرٌ َأمْ ُهوَ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬يقولون ‪ :‬آلهتنا خير منه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قرأ ابن‬
‫مسعود ‪" :‬وقالوا أآلهتنا خير أم هذا" ‪ ،‬يعنون محمدا صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫جدَل } أي ‪ :‬مراء ‪ ،‬وهم يعلمون أنه ليس بوارد على الية ؛ لنها‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل َ‬
‫جهَنّمَ } [النبياء ‪ .]98 :‬ثم هي‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫لما ل يعقل ‪ ،‬وهي قوله ‪ { :‬إِ ّن ُك ْم َومَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َ‬
‫خطاب لقريش ‪ ،‬وهم إنما كانوا يعبدون الصنام والنداد ‪ ،‬ولم يكونوا يعبدون المسيح حتى‬
‫يوردوه ‪ ،‬فتعين أن مقالتهم إنما كانت جدل منهم ‪ ،‬ليسوا يعتقدون صحتها‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )2‬المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال تعالى ‪ :‬حدثنا ابن نمير ‪ ،‬حدثنا حجاج بن دينار ‪ ،‬عن أبي‬
‫غالب ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا‬
‫صمُونَ }‪.‬‬
‫خ ِ‬
‫عليه ‪ ،‬إل أورثوا الجدل" ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل جَدَل َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫وقد رواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من حديث حجاج بن دينار ‪ ،‬به (‪ .)3‬ثم قال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ل نعرفه إل من حديثه كذا قال‪.‬‬
‫وقد روي من وجه آخر عن أبي أمامة بزيادة فقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا حميد بن عياش الرملي ‪،‬‬
‫حدثنا مؤمّل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬أخبرنا ابن مخزوم ‪ ،‬عن القاسم أبي عبد الرحمن الشامي ‪ ،‬عن أبي‬
‫أمامة ‪ -‬قال حماد ‪ :‬ل أدري رفعه (‪ )4‬أم ل ؟ ‪ -‬قال ‪ :‬ما ضلت أمة بعد نبيها إل كان أول‬
‫ضللها التكذيب بالقدر ‪ ،‬وما ضلت أمة بعد نبيها إل أعطوا الجدل ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل‬
‫صمُونَ } (‪)5‬‬
‫خ ِ‬
‫جدَل َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫َ‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عباد بن عباد ‪ ،‬عن‬
‫جعفر ‪ ،‬عن القاسم (‪ ، )6‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج على‬
‫الناس وهم يتنازعون في القرآن ‪ ،‬فغضب غضبا شديدا حتى كأنما صب على وجهه الخل ‪ ،‬ثم‬
‫قال ‪" :‬ل تضربوا كتاب ال بعضه ببعض ‪ ،‬فإنه ما ضل قوم قط إل أوتوا (‪ )7‬الجدل" ‪ ،‬ثم تل‬
‫صمُونَ }‬
‫خ ِ‬
‫جدَل َبلْ ُهمْ َقوْمٌ َ‬
‫{ مَا ضَرَبُوهُ َلكَ إِل َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪.)12/154‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/256‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3253‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ )48‬وتفسير الطبري (‬
‫‪.)25/53‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أرفعه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬وفي إسناده القاسم بن عبد الرحمن الشامي ‪ ،‬ضعفه ابن حبان ‪ ،‬وقال ‪" :‬كان يروى عن‬
‫أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم المعضلت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬جعفر بن القاسم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أورثوا"‪.‬‬

‫( ‪)7/235‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ ُهوَ إِل عَ ْبدٌ أَ ْن َعمْنَا عَلَيْهِ } يعني ‪ :‬عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما هو إل عبد [من عباد‬
‫جعَلْنَاهُ مَثَل لِبَنِي إِسْرَائِيلَ } أي ‪ :‬دللة وحجة‬
‫ال] (‪ )2‬أنعم ال عليه بالنبوة والرسالة ‪ { ،‬وَ َ‬
‫وبرهانا على قدرتنا على ما نشاء‪.‬‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬بدلكم (‪ { )3‬مَل ِئكَةً فِي ال ْرضِ يَخُْلفُونَ } ‪ ،‬قال السدي ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ نَشَاءُ لَ َ‬
‫يخلفونك فيها‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬يخلف بعضهم بعضا ‪ ،‬كما يخلف بعضكم بعضا‪ .‬وهذا‬
‫القول يستلزم الول‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬يعمرون الرض بدلكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ } ‪ :‬تقدم تفسير ابن إسحاق ‪ :‬أن المراد من ذلك ‪ :‬ما بُعث به عيسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬من إحياء الموتى وإبراء الكمه والبرص ‪ ،‬وغير ذلك من السقام‪ .‬وفي هذا نظر‪.‬‬
‫وأبعد منه ما حكاه قتادة ‪ ،‬عن الحسن البصري وسعيد بن جبير ‪ :‬أي الضمير في { وإنه } ‪ ،‬عائد‬
‫على القرآن ‪ ،‬بل الصحيح أنه عائد على عيسى [عليه السلم] (‪ ، )4‬فإن السياق في ذكره ‪ ،‬ثم‬
‫المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ‪ ،‬كما قال تبارك وتعالى ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ إِل لَ ُي ْؤمِنَنّ ِبهِ‬
‫شهِيدًا }‬
‫علَ ْيهِمْ َ‬
‫قَ ْبلَ َموْتِهِ } أي ‪ :‬قبل موت عيسى ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ثم { وَ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َيكُونُ َ‬
‫[النساء ‪ ، ]159 :‬ويؤيد هذا المعنى القراءة الخرى ‪" :‬وإنه لعَلَم للساعة" أي ‪ :‬أمارة ودليل على‬
‫وقوع الساعة ‪ ،‬قال مجاهد ‪ { :‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ } أي ‪ :‬آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل‬
‫يوم القيامة‪ .‬وهكذا روي عن أبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ ، )5‬وابن عباس ‪ ،‬وأبي العالية ‪،‬‬
‫وأبي مالك ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسنن وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد تواترت الحاديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى [ابن مريم] (‪)6‬‬
‫‪ ،‬عليه السلم قبل يوم القيامة إماما عادل وحكما مقسطا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل َتمْتَرُنّ ِبهَا } أي ‪ :‬ل تشكوا (‪ )7‬فيها ‪ ،‬إنها واقعة وكائنة ل محالة ‪ { ،‬واتبعون }‬
‫أي ‪ :‬فيما أخبركم به { َهذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ‪ .‬وَل َيصُدّ ّنكُمُ الشّيْطَانُ } أي ‪ :‬عن اتباع الحق { إِنّهُ َلكُمْ‬
‫ح ْكمَةِ } أي ‪ :‬بالنبوة { وَلبَيّنَ َلكُمْ َب ْعضَ‬
‫عَ ُدوّ مُبِينٌ‪ .‬وََلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ قَالَ َقدْ جِئْ ُت ُكمْ بِالْ ِ‬
‫الّذِي َتخْتَِلفُونَ فِيهِ }‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬يعني من المور الدينية ل الدنيوية (‪ .)8‬وهذا الذي قاله حسن جيد ‪ ،‬ثم رد قول‬
‫من زعم أن "بعض" هاهنا بمعنى "كل" ‪ ،‬واستشهد بقول لبيد الشاعر ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)25/53‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بدل منكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬تشكون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)25/55‬‬

‫( ‪)7/236‬‬

‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَلَا ِئكَةً فِي الْأَ ْرضِ َيخُْلفُونَ (‪ )60‬وَإِنّهُ َلعِلْمٌ لِلسّاعَةِ فَلَا َتمْتَرُنّ ِبهَا وَاتّ ِبعُونِ‬
‫وََلوْ َنشَاءُ َل َ‬
‫هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )61‬وَلَا َيصُدّ ّن ُكمُ الشّ ْيطَانُ إِنّهُ َلكُمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ (‪ )62‬وََلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ‬
‫ح ْكمَةِ وَلِأُبَيّنَ َلكُمْ َب ْعضَ الّذِي َتخْتَِلفُونَ فِيهِ فَا ّتقُوا اللّ َه وَأَطِيعُونِ (‪ )63‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫قَالَ َقدْ جِئْ ُت ُكمْ بِالْ ِ‬
‫رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ (‪ )64‬فَاخْتََلفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْ ِنهِمْ َفوَيْلٌ لِلّذِينَ ظََلمُوا مِنْ‬
‫عَذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ (‪)65‬‬

‫تَرّاك أمْكنَة إذَا لم أ ْرضَها (‪ )1‬أو َيعْتَلق (‪َ )2‬ب ْعضَ النفوس حمَامُها (‪)3‬‬
‫وأولوه على أنه أراد جميع النفوس‪ .‬قال ابن جرير ‪ :‬وإنما أراد نفسه فقط ‪ ،‬وعبر بالبعض عنها‪.‬‬
‫وهذا الذي قاله محتمل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّهَ } أي ‪[ :‬فيما] (‪ )4‬أمركم به ‪ { ،‬وأطيعون } ‪ ،‬فيما جئتكم به ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫رَبّي وَرَ ّبكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ } أي ‪ :‬أنا وأنتم عبيد له ‪ ،‬فقراء إليه ‪ ،‬مشتركون في‬
‫عبادته وحده ل شريك له ‪ { ،‬هَذَا صِرَاطٌ مُسْ َتقِيمٌ } أي ‪ :‬هذا الذي جئتكم به هو الصراط‬
‫المستقيم ‪ ،‬وهو عبادة الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وحده‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاخْتََلفَ الحْزَابُ مِنْ بَيْ ِنهِمْ } أي ‪ :‬اختلفت الفرق وصاروا شيعا فيه ‪ ،‬منهم من يقر بأنه‬
‫عبد ال ورسوله ‪ -‬وهو الحق ‪ -‬ومنهم من يدعي أنه ولد ال ‪ ،‬ومنهم من يقول ‪ :‬إنه ال ‪ -‬تعالى‬
‫عذَابِ َيوْمٍ أَلِيمٍ }‬
‫ال عن قولهم علوا كبيرا ‪ -‬ولهذا قال ‪َ { :‬فوَ ْيلٌ ِللّذِينَ ظََلمُوا مِنْ َ‬
‫خُلفُونَ (‪} )60‬‬
‫جعَلْنَا مِ ْنكُمْ مَل ِئكَةً فِي ال ْرضِ يَ ْ‬
‫{ وََلوْ نَشَاءُ لَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أرمنها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يقتلوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬البيت في تفسير الطبري (‪ )25/55‬وديوان لبيد العامري (ص ‪.)313‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/237‬‬

‫ع ُدوّ إِلّا‬
‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬
‫شعُرُونَ (‪ )66‬الَْأخِلّاءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ‬
‫َهلْ يَنْظُرُونَ إِلّا السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَ ًة وَ ُهمْ لَا َي ْ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْي ُكمُ الْ َيوْ َم وَلَا أَنْ ُتمْ تَحْزَنُونَ (‪ )68‬الّذِينَ َآمَنُوا بِآَيَاتِنَا َوكَانُوا‬
‫ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )67‬يَا عِبَادِ لَا َ‬
‫جكُمْ ُتحْبَرُونَ (‪ُ )70‬يطَافُ عَلَ ْيهِمْ ِبصِحَافٍ مِنْ َذ َهبٍ وََأكْوَابٍ‬
‫مُسِْلمِينَ (‪ )69‬ا ْدخُلُوا الْجَنّةَ أَنْتُمْ وَأَ ْزوَا ُ‬
‫س وَتَلَذّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ (‪ )71‬وَتِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْ ُتمْ‬
‫َوفِيهَا مَا َتشْ َتهِيهِ الْأَ ْنفُ ُ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪َ )72‬ل ُكمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪)73‬‬

‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ‬
‫شعُرُونَ (‪ )66‬الخِلءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ‬
‫{ َهلْ يَ ْنظُرُونَ إِل السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً وَهُمْ ل يَ ْ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ وَل أَنْ ُتمْ تَحْزَنُونَ (‪ )68‬الّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا‬
‫عَ ُدوّ إِل ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )67‬يَا عِبَادِ ل َ‬
‫جكُمْ تُحْبَرُونَ (‪ )70‬يُطَافُ عَلَ ْيهِمْ ِبصِحَافٍ مِنْ ذَ َهبٍ‬
‫َوكَانُوا مُسِْلمِينَ (‪ )69‬ادْخُلُوا ا ْلجَنّةَ أَنْتُ ْم وَأَ ْزوَا ُ‬
‫ن وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪ )71‬وَتِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا‬
‫ب َوفِيهَا مَا َتشْ َتهِيهِ ال ْنفُسُ وَتَلَذّ العْيُ ُ‬
‫وََأكْوَا ٍ‬
‫ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪َ )72‬لكُمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ (‪.} )73‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬هل ينتظر هؤلء المشركون المكذبون للرسل { إِل السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َي ُهمْ َبغْتَ ًة وَهُمْ ل‬
‫شعُرُونَ } ؟ أي ‪ :‬فإنها كائنة ل محالة وواقعة ‪ ،‬وهؤلء غافلون عنها غير مستعدين [لها] (‪)1‬‬
‫يَ ْ‬
‫فإذا جاءت إنما تجيء وهم ل يشعرون بها ‪ ،‬فحينئذ يندمون كل الندم ‪ ،‬حيث ل ينفعهم ول يدفع‬
‫عنهم‪.‬‬
‫ضهُمْ لِ َب ْعضٍ عَ ُدوّ إِل ا ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬كل صداقة وصحابة لغير ال‬
‫وقوله ‪ { :‬الخِلءُ َي ْومَئِذٍ َب ْع ُ‬
‫فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إل ما كان ل ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فإنه دائم بدوامه‪ .‬وهذا كما قال‬
‫خذْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِن ُكمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لقومه ‪ { :‬إِ ّنمَا اتّ َ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَأْوَاكُمُ النّا ُر َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ }‬
‫ض وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬
‫َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ َب ْع ُ‬
‫[ العنكبوت ‪.] 25 :‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث (‪ ، )2‬عن علي ‪ ،‬رضي ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن علي"‪.‬‬

‫( ‪)7/237‬‬

‫ع ُدوّ إِل ا ْلمُتّقِينَ } قال ‪ :‬خليلن مؤمنان ‪ ،‬وخليلن‬


‫عنه ‪ { :‬الخِلءُ َي ْومَئِذٍ َب ْعضُهُمْ لِ َب ْعضٍ َ‬
‫كافران ‪ ،‬فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إن فلنا خليلي كان‬
‫يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ‪ ،‬ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ‪ ،‬وينبئني أني ملقيك ‪،‬‬
‫اللهم فل تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ‪ ،‬وترضى عنه كما رضيت عني‪ .‬فيقال له ‪:‬‬
‫اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليل‪ .‬قال ‪ :‬ثم يموت الخر ‪ ،‬فتجتمع‬
‫أرواحهما ‪ ،‬فيقال ‪ :‬ليثن أحدكما (‪ )1‬على صاحبه ‪ ،‬فيقول كل واحد منهما لصاحبه ‪ :‬نعم الخ ‪،‬‬
‫ونعم الصاحب ‪ ،‬ونعم الخليل‪ .‬وإذا مات أحد الكافرين ‪ ،‬وبشر بالنار ذكر خليله فيقول ‪ :‬اللهم إن‬
‫خليلي فلنا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ‪ ،‬ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ‪،‬‬
‫ويخبرني أني غير ملقيك ‪ ،‬اللهم فل تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ‪ ،‬وتسخط عليه كما (‬
‫‪ )2‬سخطت علي‪ .‬قال ‪ :‬فيموت الكافر الخر ‪ ،‬فيجمع بين أرواحهما فيقال ‪ :‬ليثن كل واحد منكما‬
‫على صاحبه‪ .‬فيقول كل واحد منهما لصاحبه ‪ :‬بئس الخ ‪ ،‬وبئس الصاحب ‪ ،‬وبئس الخليل‪ .‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم (‪.)3‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إل المتقين‪.‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر ‪ -‬في ترجمة هشام بن أحمد ‪ -‬عن هشام بن عبد ال بن كثير ‪ :‬حدثنا‬
‫أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ‪ ،‬عن معافي ‪ :‬حدثنا حكيم بن نافع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو أن‬
‫رجلين تحابا في ال ‪ ،‬أحدهما بالمشرق والخر بالمغرب ‪ ،‬لجمع ال بينهما يوم القيامة ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫هذا الذي أحببته في" (‪.)4‬‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْمَ وَل أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } ثم بشرهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَا عِبَادِ ل َ‬
‫فقال ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا َوكَانُوا مُسِْلمِينَ } أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وبواطنهم ‪ ،‬وانقادت لشرع ال‬
‫جوارحهم وظواهرهم‪.‬‬
‫قال المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون ل يبقى أحد منهم‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيكُمُ الْ َيوْ َم وَل أَنْتُمْ َتحْزَنُونَ } فيرجوها الناس كلهم ‪،‬‬
‫إل فزع ‪ ،‬فينادي مناد ‪ { :‬يَا عِبَادِ ل َ‬
‫قال ‪ :‬فيتبعُها ‪ { :‬الّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا َوكَانُوا ُمسِْلمِينَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬فييأس الناس منها غير المؤمنين‪.‬‬
‫جكُمْ } أي ‪ :‬نظراؤكم { تُحْبَرُونَ } أي‬
‫{ ادْخُلُوا ا ْلجَنّةَ } أي ‪ :‬يقال لهم ‪ :‬ادخلوا الجنة { أَنْتُمْ وَأَزْوَا ُ‬
‫‪ :‬تنعمون وتسعدون ‪ ،‬وقد تقدم تفسيرها في سورة الروم‪.‬‬
‫{ ُيطَافُ عَلَ ْيهِمْ ِبصِحَافٍ مِنْ َذ َهبٍ } أي ‪ :‬زبادي آنية الطعام ‪ { ،‬وََأ ْكوَابٍ } وهي ‪ :‬آنية الشراب ‪،‬‬
‫شهِي ال ْنفُسُ } ‪ -‬وقرأ بعضهم ‪" :‬تشتهيه‬
‫أي ‪ :‬من ذهب ل خراطيم لها ول عُرَى ‪َ { ،‬وفِيهَا مَا تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مثل ما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/164‬‬
‫(‪ )4‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪.)27/79‬‬

‫( ‪)7/238‬‬

‫النفس" ‪ { -‬وَتَلَذّ العْيُنُ } أي ‪ :‬طيب الطعم والريح وحسن المنظر‪.‬‬


‫قال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد (‪ ، )1‬عن (‪ )2‬عكرمة ‪ -‬مولى‬
‫ابن عباس ‪ -‬أخبره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم‬
‫درجة لرجل ل يدخل الجنة بعده أحد ‪ ،‬يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب ‪،‬‬
‫وخيام من لؤلؤ ‪ ،‬ليس فيها موضع شبر إل معمور يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من‬
‫ذهب ‪ ،‬ليس فيها صحفة إل فيها لون ليس في الخرى ‪ ،‬مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها‬
‫‪ ،‬لو نزل به جميع أهل الرض لوسع عليهم مما أعطي ‪ ،‬ل ينقص ذلك مما أوتي شيئا" (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن سواد السرحي ‪،‬‬
‫حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن ابن لهيعة ‪ ،‬عن عقيل بن خالد ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬أن‬
‫أبا أمامة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حدثهم ‪ -‬وذكر الجنة ‪-‬‬
‫فقال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه ‪ ،‬ثم يخطر على باله طعام‬
‫س وَتَلَذّ‬
‫آخر ‪ ،‬فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى" ثم قرأ ‪َ { :‬وفِيهَا مَا تَشْ َتهِيهِ (‪ )5‬النْفُ ُ‬
‫العْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَاِلدُونَ } (‪.)6‬‬
‫سكَيْن بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا‬
‫وقال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ -‬هو ابن موسى ‪ -‬حدثنا ُ‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ )8‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫الشعث الضرير ‪ ،‬عن شهر بن َ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات ‪ ،‬وهو على السادسة وفوقه السابعة ‪،‬‬
‫وإن له ثلثمائة خادم ‪ ،‬ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلثمائة صحفة ‪ -‬ول أعلمه إل قال ‪ :‬من ذهب‬
‫‪ -‬في كل صحفة لون ليس في الخرى ‪ ،‬وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ‪ ،‬ومن الشربة ثلثمائة إناء‬
‫‪ ،‬في كل إناء لون ليس في الخر ‪ ،‬وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ‪ ،‬وإنه يقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬لو أذنت‬
‫لي لطعمت أهل الجنة وسقيتهم ‪ ،‬لم ينقص مما عندي شيء ‪ ،‬وإن له من الحور العين لثنين‬
‫وسبعين زوجة ‪ ،‬سوى أزواجه من الدنيا ‪ ،‬وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الرض"‬
‫(‪.)9‬‬
‫{ وَأَنْتُمْ فِيهَا } أي ‪ :‬في الجنة { خَاِلدُونَ } أي ‪ :‬ل تخرجون منها ول تبغون عنها حول‪ .‬ثم قيل‬
‫لهم على وجه التفضل والمتنان ‪ { :‬وَتِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬أعمالكم‬
‫الصالحة كانت سببا لشمول رحمة ال إياكم ‪ ،‬فإنه ل يدخل أحدًا عمله الجنة ‪ ،‬ولكن بفضل من ال‬
‫ورحمته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/165‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ما تشتهي" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬وفي إسناده الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)2/537‬‬

‫( ‪)7/239‬‬

‫وإنما الدرجات تفاوتها (‪ )1‬بحسب عمل الصالحات‪.‬‬


‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الفضل بن شاذان المقرئ ‪ ،‬حدثنا يوسف بن يعقوب ‪ -‬يعني الصفار ‪-‬‬
‫حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح (‪ ، )2‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة ‪،‬‬
‫فيقول ‪َ { :‬لوْ أَنّ اللّهَ َهدَانِي َلكُ ْنتُ مِنَ ا ْلمُتّقِينَ } [الزمر ‪ ]57 :‬وكل أهل الجنة يرى منزله من‬
‫النار فيقول ‪َ { :‬ومَا كُنّا لِ َنهْ َت ِديَ َلوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ } [العراف ‪ ، ]43 :‬ليكون (‪ )3‬له شكرا"‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من أحد إل وله منزل في الجنة ومنزل في النار ‪،‬‬
‫فالكافر يرث المؤمنَ منزلَه من النار ‪ ،‬والمؤمن يرث الكافرَ منزله من الجنة" وذلك (‪ )4‬قوله‬
‫تعالى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ الْجَنّةُ الّتِي أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ل ُكمْ فِيهَا فَا ِكهَةٌ كَثِي َرةٌ مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ } أي ‪ :‬من جميع النواع ‪ { ،‬مِ ْنهَا تَ ْأكُلُونَ } أي ‪:‬‬
‫مهما اخترتم وأردتم‪ .‬ولما ذكر [ال تعالى] (‪ )6‬الطعام والشراب ‪ ،‬ذكر بعده الفاكهة لتتم [هذه] (‬
‫‪ )7‬النعمة والغبطة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وإنما الدرجات ينال تفاوتها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيكون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيكون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )2/512‬من طريق أبي بكر بن عياش به مختصرا‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/240‬‬

‫جهَنّمَ خَالِدُونَ (‪ )74‬لَا ُيفَتّرُ عَ ْنهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (‪َ )75‬ومَا ظََلمْنَا ُهمْ‬
‫عذَابِ َ‬
‫إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي َ‬
‫وََلكِنْ كَانُوا ُهمُ الظّاِلمِينَ (‪ )76‬وَنَا َدوْا يَا مَاِلكُ لِ َي ْقضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ قَالَ إِ ّن ُكمْ مَاكِثُونَ (‪َ )77‬لقَدْ جِئْنَاكُمْ‬
‫حسَبُونَ أَنّا لَا‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَ َركُمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ (‪َ )78‬أمْ أَبْ َرمُوا َأمْرًا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ (‪َ )79‬أمْ يَ ْ‬
‫حّ‬‫بِالْ َ‬
‫جوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا َلدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ (‪)80‬‬
‫سمَعُ سِرّهُ ْم وَ َن ْ‬
‫نَ ْ‬

‫جهَنّمَ خَالِدُونَ (‪ )74‬ل ُيفَتّرُ عَ ْنهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (‪َ )75‬ومَا ظََلمْنَا ُهمْ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي عَذَابِ َ‬
‫وََلكِنْ كَانُوا ُهمُ الظّاِلمِينَ (‪ )76‬وَنَا َدوْا يَا مَاِلكُ لِ َي ْقضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ قَالَ إِ ّن ُكمْ مَاكِثُونَ (‪َ )77‬لقَدْ جِئْنَاكُمْ‬
‫حسَبُونَ أَنّا ل‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَ َركُمْ لِ ْلحَقّ كَارِهُونَ (‪َ )78‬أمْ أَبْ َرمُوا َأمْرًا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ (‪َ )79‬أمْ يَ ْ‬
‫حّ‬‫بِالْ َ‬
‫جوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا َلدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ (‪.} )80‬‬
‫سمَعُ سِرّهُ ْم وَ َن ْ‬
‫نَ ْ‬
‫جهَنّمَ‬
‫عذَابِ َ‬
‫لما ذكر [تعالى] (‪ )1‬حال السعداء ‪ ،‬ثنى بذكر الشقياء ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي َ‬
‫خَاِلدُونَ‪ .‬ل ُيفَتّرُ عَ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ساعة واحدة { وَ ُهمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } أي ‪ :‬آيسون من كل خير ‪َ { ،‬ومَا‬
‫ظََلمْنَا ُه ْم وََلكِنْ كَانُوا هُمُ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجج عليهم وإرسال الرسل‬
‫إليهم ‪ ،‬فكذبوا وعصوا ‪ ،‬فجوزوا بذلك جزاء وفاقا ‪ ،‬وما ربك بظلم للعبيد‪.‬‬
‫{ وَنَا َدوْا يَامَاِلكُ } وهو ‪ :‬خازن النار‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا حجاج بن مِنْهال ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن عطاء (‪ ، )2‬عن‬
‫صفوان بن يعلى ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ على المنبر ‪:‬‬
‫{ وَنَا َدوْا يَامَاِلكُ لِ َي ْقضِ عَلَيْنَا رَ ّبكَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬روى البخاري بإسناده"‪.‬‬
‫( ‪)7/240‬‬

‫عمّا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬
‫ن وََلدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ (‪ )81‬سُ ْبحَانَ َربّ ال ّ‬
‫حمَ ِ‬
‫ُقلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫َيصِفُونَ (‪ )82‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪ )83‬وَ ُهوَ الّذِي فِي‬
‫ض َومَا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )84‬وَتَبَا َركَ الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫سمَاءِ إِلَ ٌه َوفِي الْأَ ْرضِ إِلَ ٌه وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫ال ّ‬
‫شفَاعَةَ إِلّا مَنْ‬
‫جعُونَ (‪ )85‬وَلَا َيمِْلكُ الّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ال ّ‬
‫بَيْ َن ُهمَا وَعِنْ َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫ق وَهُمْ َيعَْلمُونَ (‪ )86‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪َ )87‬وقِيلِهِ يَا َربّ‬
‫حّ‬‫شهِدَ بِالْ َ‬
‫َ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪)89‬‬
‫صفَحْ عَ ْنهُ ْم َو ُقلْ سَلَامٌ َف َ‬
‫إِنّ َهؤُلَاءِ َقوْمٌ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )88‬فَا ْ‬

‫(‪ )1‬أي ‪ :‬ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه ‪ ،‬فإنهم كما قال تعالى ‪ { :‬ل ُي ْقضَى عَلَ ْيهِمْ فَ َيمُوتُوا‬
‫شقَى‪ .‬الّذِي َيصْلَى النّارَ‬
‫عذَا ِبهَا } [فاطر ‪ .]36 :‬وقال ‪ { :‬وَيَتَجَنّ ُبهَا (‪ )2‬ال ْ‬
‫خفّفُ عَ ْنهُمْ مِنْ َ‬
‫وَل ُي َ‬
‫ا ْلكُبْرَى‪ .‬ثُمّ ل َيمُوتُ فِيهَا وَل يَحْيَى } [العلى ‪ ، ]13 - 11 :‬فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك ‪،‬‬
‫{ قَالَ إِ ّنكُمْ مَاكِثُونَ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ :‬مكث ألف سنة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إنكم ماكثون‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫حاتم‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ل خروج لكم منها ول محيد لكم عنها‪.‬‬
‫ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال ‪َ { :‬لقَدْ جِئْنَاكُمْ بِا ْلحَقّ } أي ‪ :‬بيناه لكم‬
‫ووضحناه وفسرناه ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَ َركُمْ لِ ْلحَقّ كَا ِرهُونَ } أي ‪ :‬ولكن كانت سجاياكم ل تقبله ول تقبل‬
‫عليه ‪ ،‬وإنما تنقاد للباطل وتعظمه ‪ ،‬وتصد عن الحق وتأباه ‪ ،‬وتبغض أهله ‪ ،‬فعودوا على أنفسكم‬
‫بالملمة ‪ ،‬واندموا حيث ل تنفعكم (‪ )3‬الندامة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أمْ أَبْ َرمُوا َأمْرًا فَإِنّا مُبْ ِرمُونَ } قال مجاهد ‪ :‬أرادوا كيد شر فكدناهم‪.‬‬
‫شعُرُونَ } [النمل ‪:‬‬
‫وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى ‪َ { :‬و َمكَرُوا َمكْرًا َومَكَرْنَا َمكْرًا وَهُمْ ل َي ْ‬
‫‪ ، ]50‬وذلك لن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه ‪ ،‬فكادهم ال‬
‫جوَاهُمْ } أي ‪ :‬سرهم‬
‫سمَعُ سِرّهُ ْم وَ َن ْ‬
‫حسَبُونَ أَنّا ل نَ ْ‬
‫‪ ،‬ورد وبال ذلك عليهم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أمْ يَ ْ‬
‫وعلنيتهم ‪ { ،‬بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَ ْيهِمْ َيكْتُبُونَ } أي ‪ :‬نحن نعلم ما هم عليه ‪ ،‬والملئكة أيضا يكتبون‬
‫أعمالهم ‪ ،‬صغيرها وكبيرها‪.‬‬
‫عمّا‬
‫ت وَال ْرضِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ (‪ )81‬سُبْحَانَ َربّ ال ّ‬
‫حمَ ِ‬
‫{ ُقلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫َيصِفُونَ (‪ )82‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪ )83‬وَ ُهوَ الّذِي فِي‬
‫ت وَال ْرضِ َومَا‬
‫س َموَا ِ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ (‪ )84‬وَتَبَا َركَ الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫سمَاءِ إِلَ ٌه َوفِي الرْضِ إَِل ٌه وَ ُهوَ الْ َ‬
‫ال ّ‬
‫شفَاعَةَ إِل مَنْ‬
‫جعُونَ (‪ )85‬وَل َيمِْلكُ الّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ال ّ‬
‫بَيْ َن ُهمَا وَعِنْ َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫ق وَهُمْ َيعَْلمُونَ (‪ )86‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‪َ )87‬وقِيلِهِ يَا َربّ‬
‫حّ‬‫شهِدَ بِالْ َ‬
‫َ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪} )89‬‬
‫صفَحْ عَ ْنهُ ْم َو ُقلْ سَلمٌ َف َ‬
‫إِنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )88‬فَا ْ‬
‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } أي ‪ :‬لو فرض هذا‬
‫حمَ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد ‪ { :‬إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫لعبدته‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4819‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وسيجنبها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ل تنفع"‪.‬‬

‫( ‪)7/241‬‬

‫على ذلك لني عبد من عبيده ‪ ،‬مطيع لجميع ما يأمرني به ‪ ،‬ليس عندي استكبار ول إباء عن‬
‫عبادته ‪ ،‬فلو فرض كان هذا ‪ ،‬ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ‪ ،‬والشرط ل يلزم منه الوقوع ول‬
‫طفَى ِممّا َيخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَا َنهُ‬
‫خ َذ وَلَدًا لصْ َ‬
‫الجواز أيضا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬لوْ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَتّ ِ‬
‫ُهوَ اللّهُ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ } [الزمر ‪.]4 :‬‬
‫[و] (‪ )1‬قال بعض المفسرين في قوله ‪ { :‬فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } أي ‪ :‬النفين‪ .‬ومنهم سفيان‬
‫الثوري ‪ ،‬والبخاري حكاه فقال ‪ :‬ويقال ‪َ { :‬أ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } الجاحدين ‪ ،‬من عبد يعبد‪.‬‬
‫وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪،‬‬
‫حدثني ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن أبي قُسَيْط (‪ ، )2‬عن َبعَجة بن زيد الجهني ؛ أن امرأة منهم دخلت‬
‫على زوجها ‪ -‬وهو رجل منهم أيضا ‪ -‬فولدت له في ستة أشهر ‪ ،‬فذكر ذلك زوجها لعثمان بن‬
‫عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فأمر بها أن ترجم ‪ ،‬فدخل عليه علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫شهْرًا } [الحقاف ‪ ، ]15 :‬وقال‬
‫حمْلُهُ َوفِصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬
‫فقال ‪ :‬إن ال يقول في كتابه ‪ { :‬وَ َ‬
‫{ َو ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان ‪ ، ]14 :‬قال ‪ :‬فوال ما عبد عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن بعث‬
‫إليها ‪ :‬ترد ‪ -‬قال يونس ‪ :‬قال ابن وهب ‪ :‬عبد ‪ :‬استنكف‪)3( .‬‬
‫[و] (‪ )4‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫مَتَى مَا َيشَأ ذُو الوُدّ يصْ ِرمْ خَليله‪ ...‬و َيعْبَدُ عَلَيه ل مِحَالَة ظَالمًا (‪)5‬‬
‫وهذا القول فيه نظر ؛ لنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره ‪ :‬إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟ هذا‬
‫فيه نظر ‪ ،‬فليتأمل‪ .‬اللهم إل أن يقال ‪" :‬إن" ليست شرطا ‪ ،‬وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي‬
‫ن وَلَدٌ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬لم يكن للرحمن ولد فأنا‬
‫حمَ ِ‬
‫طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫أول الشاهدين‪.‬‬
‫ن وََلدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } أي ‪ :‬إن‬
‫حمَ ِ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي كلمة من كلم العرب ‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫ذلك لم يكن فل ينبغي‪.‬‬
‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } أي ‪ :‬فأنا أول من عبده بأن ل ولد‬
‫حمَ ِ‬
‫وقال أبو صخر ‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫له ‪ ،‬وأول من وحده‪ .‬وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬فَأَنَا َأ ّولُ ا ْلعَابِدِينَ } أي ‪ :‬أول من عبده ووحده وكذبكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ما رواه بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)25/61‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )5‬البيت في تفسير الطبري (‪.)25/60‬‬

‫( ‪)7/242‬‬

‫وقال البخاري ‪ { :‬فَأَنَا َأوّلُ ا ْلعَا ِبدِينَ } النفين‪ .‬وهما لغتان ‪ ،‬رجل عابد وعبد (‪.)1‬‬
‫والول أقرب على أنه شرط وجزاء ‪ ،‬ولكن هو ممتنع‪.‬‬
‫ن وَلَدٌ فَأَنَا َأوّلُ ا ْلعَابِدِينَ } يقول ‪ :‬لو كان له ولد‬
‫حمَ ِ‬
‫وقال السدي [في قوله] (‪ُ { )2‬قلْ إِنْ كَانَ لِلرّ ْ‬
‫كنت أول من عبده ‪ ،‬بأن له ولدا ‪ ،‬لكن ل ولد له‪ .‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬ور ّد قول من زعم أن‬
‫"إن" نافية‪.‬‬
‫عمّا َيصِفُونَ } أي ‪ :‬تعالى وتقدس‬
‫ت وَال ْرضِ َربّ ا ْلعَرْشِ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬سُبْحَانَ َربّ ال ّ‬
‫وتنزه خالق الشياء عن أن يكون له ولد ‪ ،‬فإنه فرد أحد صمد ‪ ،‬ل نظير له ول كفء له ‪ ،‬فل (‬
‫‪ )3‬ولد له‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فذَرْهُمْ َيخُوضُوا } أي ‪ :‬في جهلهم وضللهم { وَيَ ْلعَبُوا } في دنياهم { حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ‬
‫الّذِي يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة ‪ ،‬أي ‪ :‬فسوف يعلمون كيف يكون مصيرهم ‪ ،‬ومآلهم ‪ ،‬وحالهم‬
‫في ذلك اليوم‪.‬‬
‫سمَاءِ إَِل ٌه َوفِي ال ْرضِ إِلَهٌ } أي ‪ :‬هو إله من في السماء ‪ ،‬وإله من في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي فِي ال ّ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ }‬
‫الرض ‪ ،‬يعبده أهلهما ‪ ،‬وكلهم خاضعون له ‪ ،‬أذلء بين يديه ‪ { ،‬وَ ُهوَ الْ َ‬
‫جهْ َركُ ْم وَ َيعْلَمُ مَا‬
‫س َموَاتِ َوفِي ال ْرضِ َيعَْلمُ سِ ّركُ ْم َو َ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ اللّهُ فِي ال ّ‬
‫َتكْسِبُونَ } [النعام ‪ ]3 :‬أي ‪ :‬هو المدعو ال في السموات والرض‪.‬‬
‫ت وَال ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا } أي ‪ :‬هو خالقهما ومالكهما والمتصرف‬
‫س َموَا ِ‬
‫{ وَتَبَا َركَ الّذِي لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫فيهما ‪ ،‬بل مدافعة ول ممانعة ‪ ،‬فسبحانه وتعالى عن الولد ‪ ،‬وتبارك ‪ :‬أي استقر له السلمة من‬
‫العيوب والنقائص ؛ لنه الرب العلي العظيم ‪ ،‬المالك للشياء ‪ ،‬الذي بيده أزمة المور نقضا‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬فيجازي‬
‫وإبراما ‪ { ،‬وَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّاعَةِ } أي ‪ :‬ل يجليها لوقتها إل هو ‪ { ،‬وَإِلَ ْيهِ تُرْ َ‬
‫كل بعمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫شفَاعَةَ } أي ‪:‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَل َيمِْلكُ الّذِينَ َيدْعُونَ مِنْ دُونِهِ } أي ‪ :‬من الصنام والوثان { ال ّ‬
‫شهِدَ بِا ْلحَقّ وَهُمْ َيعَْلمُونَ } هذا استثناء منقطع ‪ ،‬أي ‪ :‬لكن‬
‫ل يقدرون على الشفاعة لهم ‪ { ،‬إِل مَنْ َ‬
‫من شهد بالحق على بصيرة وعلم ‪ ،‬فإنه تنفع شفاعته عنده بإذنه له‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَئِنْ سَأَلْ َتهُمْ مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ } أي ‪ :‬ولئن سألت هؤلء المشركين‬
‫بال العابدين معه غيره { مَنْ خََل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ اللّهُ } أي ‪ :‬هم يعترفون (‪ )4‬أنه الخالق للشياء‬
‫جميعها ‪ ،‬وحده ل شريك له في ذلك ‪ ،‬ومع هذا يعبدون معه غيره ‪ ،‬ممن ل يملك شيئا ول يقدر‬
‫على شيء ‪ ،‬فهم في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري (‪" )8/568‬فتح الباري"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬يعرفون"‪.‬‬

‫( ‪)7/243‬‬

‫ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَأَنّى ُي ْؤ َفكُونَ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقِيلِهِ (‪ )1‬يَا َربّ إِنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ ل ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬وقال ‪ :‬محمد ‪ :‬قيله ‪ ،‬أي ‪ :‬شكا إلى‬
‫ربه شكواه من قومه الذين كذبوه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن هؤلء قوم ل يؤمنون ‪ ،‬كما أخبر تعالى‬
‫في الية الخرى ‪َ { :‬وقَالَ الرّسُولُ يَا َربّ إِنّ َق ْومِي اتّخَذُوا َهذَا ا ْلقُرْآنَ َمهْجُورًا } [الفرقان ‪]30 :‬‬
‫وهذا الذي قلناه هو [معنى] (‪ )2‬قول ابن مسعود ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعليه فسر ابن جرير (‪.)3‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقرأ عبد ال ‪ -‬يعني ابن مسعود ‪" : -‬وقال الرسول يا رب"‪)4( .‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪َ { :‬وقِيلِهِ يَا َربّ إِنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ ل ُي ْؤمِنُونَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬فأبر ال قول محمد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هو قول نبيكم صلى ال عليه وسلم يشكو قومه إلى ربه عز وجل‪.‬‬
‫ثم حكى ابن جرير في قوله ‪َ { :‬وقِيلِهِ يَا َربّ } قراءتين ‪ ،‬إحداهما النصب ‪ ،‬ولها توجيهان ‪:‬‬
‫جوَاهُمْ } [الزخرف ‪ ]80 :‬والثاني ‪ :‬أن يقدر‬
‫سمَعُ سِرّهُمْ وَنَ ْ‬
‫أحدهما أنه معطوف على قوله ‪ { :‬نَ ْ‬
‫عةِ } تقديره ‪:‬‬
‫فعل ‪ ،‬وقال ‪ :‬قيلَه‪ .‬والثانية ‪ :‬الخفض ‪ ،‬وقيلِهِ ‪ ،‬عطفا على قوله ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ السّا َ‬
‫وعِلم قيله‪.‬‬
‫صفَحْ عَ ْنهُمْ } أي ‪ :‬المشركين ‪َ { ،‬وقُلْ سَلمٌ } أي ‪ :‬ل تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به‬
‫وقوله ‪ { :‬فَا ْ‬
‫سوْفَ َيعَْلمُونَ (‪ ، } )5‬هذا تهديد منه‬
‫من الكلم السيئ ‪ ،‬ولكن تألفهم واصفح عنهم فعل وقول { َف َ‬
‫تعالى لهم ‪ ،‬ولهذا أحل بهم بأسه الذي ل يرد ‪ ،‬وأعلى دينه وكلمته ‪ ،‬وشرع بعد ذلك الجهاد‬
‫والجلد ‪ ،‬حتى دخل الناس في دين ال أفواجا ‪ ،‬وانتشر السلم في المشارق والمغارب‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة الزخرف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقيل هو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)25/62‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري (‪" )8/568‬فتح الباري"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬تعلمون"‪.‬‬

‫( ‪)7/244‬‬

‫حم (‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ (‪ )3‬فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )6‬ربّ‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫سلِينَ (‪َ )5‬ر ْ‬
‫حكِيمٍ (‪َ )4‬أمْرًا مِنْ عِ ْندِنَا إِنّا كُنّا مُرْ ِ‬
‫َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (‪ )7‬لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آَبَا ِئكُمُ‬
‫ال ّ‬
‫الَْأوّلِينَ (‪)8‬‬

‫تفسير سورة الدخان‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫عمَر بن أبي خَ ْثعَم ‪ ،‬عن‬
‫قال الترمذي ‪ :‬حدثنا سفيان بن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن ُ‬
‫يحيى بن أبى كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة (‪ ، )1‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من قرأ(حم الدخان) في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وعمَر (‪ )2‬بن أبي خثعم يضعف‪ .‬قال البخاري ‪:‬‬
‫منكر الحديث (‪.)3‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬عن هشام أبي المقدام ‪،‬‬
‫عن الحسن (‪ ، )4‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"من قرأ(حم الدخان) في ليلة الجمعة ‪ ،‬غفر له"‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ ،‬وهشام (‪ )5‬أبو المقدام يضعف ‪ ،‬والحسن لم يسمع‬
‫من أبي هريرة كذا قال أيوب ‪ ،‬ويونس بن عبيد ‪ ،‬وعلي بن زيد (‪.)6‬‬
‫وفي مسند البزار من رواية أبي الطفيل عامر بن واثلة ‪ ،‬عن زيد بن حارثة ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال لبن صَيّاد ‪" :‬إني قد خبأت خبأ فما هو ؟" وخبأ له رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم سورة الدخان ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو الدّخ‪ .‬فقال ‪" :‬اخسأ ما شاء ال كان"‪ .‬ثم انصرف (‪.)7‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫{ حم (‪ )1‬وَا ْلكِتَابِ ا ْلمُبِينِ (‪ )2‬إِنّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَا َركَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ (‪ )3‬فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ (‪َ )6‬ربّ‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫سلِينَ (‪َ )5‬ر ْ‬
‫حكِيمٍ (‪َ )4‬أمْرًا مِنْ عِ ْندِنَا إِنّا كُنّا مُرْ ِ‬
‫َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (‪ )7‬ل إَِلهَ إِل ُهوَ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ رَ ّبكُمْ وَرَبّ آبَا ِئكُمُ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫الوّلِينَ (‪} )8‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم ‪ :‬إنه أنزله في ليلة مباركة ‪ ،‬وهي ليلة القدر ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيَْلةِ ا ْلقَدْرِ } [ القدر ‪ ] 1 :‬وكان ذلك في شهر رمضان ‪ ،‬كما قال ‪ :‬تعالى‬
‫شهْرُ َر َمضَانَ الّذِي أُنزلَ فِيهِ ا ْلقُرْآنُ } [ البقرة ‪] 185 :‬‬
‫‪َ {:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى الترمذي بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬الوجه ‪ ،‬وفي إسناده عمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)2888‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى الترمذي بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الوجه ‪ ،‬وفي إسناده هشام"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)2889‬‬
‫(‪ )7‬مسند البزار برقم (‪" )3399‬كشف الستار" ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )5/88‬من‬
‫طريق زياد بن الفرات عن أبي الطفيل به‪ .‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/4‬فيه زياد بن الحسن‬
‫بن فرات ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان"‪.‬‬

‫( ‪)7/245‬‬

‫عذَابٌ‬
‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ (‪َ )10‬يغْشَى النّاسَ َهذَا َ‬
‫شكّ يَ ْلعَبُونَ (‪ )9‬فَارْ َتقِبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫َبلْ هُمْ فِي َ‬
‫شفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ (‪ )12‬أَنّى َلهُمُ ال ّذكْرَى َوقَدْ جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (‬
‫أَلِيمٌ (‪ )11‬رَبّنَا ا ْك ِ‬
‫شفُوا ا ْلعَذَابِ قَلِيلًا إِ ّن ُكمْ عَائِدُونَ (‪َ )15‬يوْمَ نَ ْبطِشُ‬
‫‪ )13‬ثُمّ َتوَّلوْا عَنْهُ َوقَالُوا ُمعَلّمٌ َمجْنُونٌ (‪ )14‬إِنّا كَا ِ‬
‫طشَةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ (‪)16‬‬
‫الْبَ ْ‬

‫وقد ذكرنا الحاديث (‪ )1‬الواردة في ذلك في "سورة البقرة" بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫جعَة فإن نص‬
‫ومن قال ‪ :‬إنها ليلة النصف من شعبان ‪ -‬كما روي عن عكرمة ‪ -‬فقد أبعد النّ ْ‬
‫القرآن أنها في رمضان‪ .‬والحديث الذي رواه عبد ال بن صالح ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن عقيل عن‬
‫الزهري ‪ :‬أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الخنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬تقطع الجال من شعبان إلى شعبان ‪ ،‬حتى إن الرجل لينكح ويولد له ‪ ،‬وقد أخرج اسمه في‬
‫الموتى" (‪ )2‬فهو حديث مرسل ‪ ،‬ومثله ل يعارض به النصوص‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا كُنّا مُ ْنذِرِينَ } أي ‪ :‬معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعًا ‪ ،‬لتقوم حجة ال على‬
‫عباده‪.‬‬
‫حكِيمٍ } أي ‪ :‬في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر‬
‫وقوله ‪ { :‬فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ َ‬
‫السنة ‪ ،‬وما يكون فيها من الجال والرزاق ‪ ،‬وما يكون فيها إلى آخرها‪ .‬وهكذا روي عن ابن‬
‫عمر ‪ ،‬وأبي مالك ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغير واحد من السلف‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حكيم } أي ‪ :‬محكم ل يبدل ول يغير ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬أمْرًا مِنْ عِنْدِنَا } أي ‪ :‬جميع ما‬
‫سلِينَ } أي ‪ :‬إلى الناس‬
‫يكون ويقدره ال تعالى وما يوحيه (‪ )3‬فبأمره وإذنه وعلمه ‪ { ،‬إِنّا كُنّا مُرْ ِ‬
‫حمَةً مِنْ رَ ّبكَ‬
‫رسول يتلو عليهم آيات ال مبينات ‪ ،‬فإن الحاجة كانت ماسة إليه ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ر ْ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا } أي ‪ :‬الذي أنزل هذا القرآن هو رب‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ َربّ ال ّ‬
‫إِنّهُ ُهوَ ال ّ‬
‫السموات والرض وخالقهما ومالكهما وما فيهما ‪ { ،‬إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } أي ‪ :‬إن كنتم متحققين‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬ل إِلَهَ إِل ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ رَ ّبكُ ْم وَ َربّ آبَا ِئكُ ُم الوّلِينَ } وهذه الية كقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ‬
‫ت وَالرْضِ ل إِلَهَ إِل ُهوَ ُيحْيِي‬
‫س َموَا ِ‬
‫جمِيعًا الّذِي َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي َرسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ َ‬
‫وَ ُيمِيتُ [فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ] } (‪ )4‬الية [ العراف ‪.] 158 :‬‬
‫سمَاءُ ِبدُخَانٍ مُبِينٍ (‪َ )10‬يغْشَى النّاسَ هَذَا عَذَابٌ‬
‫شكّ يَ ْلعَبُونَ (‪ )9‬فَارْ َت ِقبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫{ َبلْ ُهمْ فِي َ‬
‫شفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ (‪ )12‬أَنّى َلهُمُ ال ّذكْرَى َوقَدْ جَاءَ ُهمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (‬
‫أَلِيمٌ (‪ )11‬رَبّنَا ا ْك ِ‬
‫شفُوا ا ْلعَذَابِ قَلِيل إِ ّنكُمْ عَائِدُونَ (‪َ )15‬يوْمَ نَ ْبطِشُ‬
‫‪ )13‬ثُمّ َتوَّلوْا عَنْهُ َوقَالُوا ُمعَلّمٌ َمجْنُونٌ (‪ )14‬إِنّا كَا ِ‬
‫طشَةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ (‪} )16‬‬
‫الْبَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬بل هؤلء المشركون في شك يلعبون ‪ ،‬أي ‪ :‬قد جاءهم اليقين (‪ ، )5‬وهم يشكون فيه‬
‫سمَاءُ ِبدُخَانٍ‬
‫‪ ،‬ويمترون ول يصدقون به ‪ ،‬ثم قال متوعدا لهم ومتهددًا ‪ { :‬فَارْ َت ِقبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫مُبِينٍ }‪.‬‬
‫قال سليمان بن ِمهْرَان العمش ‪ ،‬عن أبي الضّحَى مسلم بن صُبَيْح (‪ ، )6‬عن مسروق قال ‪:‬‬
‫دخلنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ألثار"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في تفسيره (‪ )25/65‬والبيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )3839‬من طريق‬
‫الليث عن عقيل به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يوجبه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬المبين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬روى البخاري ومسلم في صحيحيهما"‪.‬‬
‫( ‪)7/246‬‬

‫المسجد ‪ -‬يعني مسجد الكوفة ‪ -‬عند أبواب كندة ‪ ،‬فإذا رجل يقص على أصحابه ‪َ { :‬يوْمَ تَأْتِي‬
‫سمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } تدرون ما ذلك الدخان ؟ ذلك دخان يأتي يوم القيامة ‪ ،‬فيأخذ بأسماع‬
‫ال ّ‬
‫المنافقين وأبصارهم ‪ ،‬ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام‪ .‬قال ‪ :‬فأتينا ابن مسعود فذكرنا ذلك له ‪،‬‬
‫وكان مضطجعًا ففزع فقعد ‪ ،‬وقال (‪ )1‬إن ال عز وجل قال لنبيكم صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬قلْ مَا‬
‫أَسْأَُلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ َأجْ ٍر َومَا أَنَا مِنَ ا ْلمُ َتكَّلفِينَ } [ ص ‪ ، ] 86 :‬إن من العلم أن يقول الرجل لما ل‬
‫يعلم ‪" :‬ال أعلم" سأحدثكم عن ذلك ‪ ،‬إن قريشا لما أبطأت عن السلم واستعصت (‪ )2‬على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬دعا عليهم بسنين كسني يوسف ‪ ،‬فأصابهم من الجهد والجوع‬
‫حتى أكلوا العظام والميتة ‪ ،‬وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فل يرون إل الدخان ‪ -‬وفي‬
‫رواية ‪ :‬فجعل الرجل ينظر إلى السماء ‪ ،‬فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد ‪[ -‬قال] (‬
‫سمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ َيغْشَى النّاسَ َهذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ‪ ،‬فأتى‬
‫‪ )3‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَارْ َت ِقبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقيل ‪ :‬يا رسول ال استسق ال لمضر ‪ ،‬فإنها قد هلكت‪ .‬فاستسقى‬
‫شفُوا ا ْل َعذَابِ قَلِيل إِ ّنكُمْ عَا ِئدُونَ } قال ‪ :‬ابن مسعود ‪ :‬فيكشف العذاب‬
‫سقُوا فأنزل ال ‪ { :‬إِنّا كَا ِ‬
‫لهم فَ ُ‬
‫شةَ‬
‫عنهم يوم القيامة ‪ ،‬فلما أصابهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ‪ ،‬فأنزل ال ‪َ { :‬يوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْ َ‬
‫ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬يعني يوم بدر‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪ :‬فقد مضى خمسة ‪ :‬الدخان ‪ ،‬والروم ‪ ،‬والقمر ‪ ،‬والبطشة ‪ ،‬واللّزام‪ .‬وهذا‬
‫الحديث مخرج في الصحيحين‪ )4( .‬ورواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬وهو عند الترمذي والنسائي‬
‫في تفسيرهما (‪ ، )5‬وعند ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق متعددة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫وقد وافق ابن مسعود على تفسير الية بهذا ‪ ،‬وأن الدخان مضى ‪ ،‬جماعة من السلف كمجاهد ‪،‬‬
‫وأبي العالية ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وعطية العوفي ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا جعفر بن مسافر ‪ ،‬حدثنا يحيى بن حسان ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫سمَاءُ ِبدُخَانٍ مُبِينٍ } قال ‪ :‬كان‬
‫َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا (‪ )7‬عبد الرحمن العرج في قوله ‪َ { :‬يوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫يوم فتح مكة‪.‬‬
‫وهذا القول غريب جدًا بل منكر‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬لم يمض الدخان بعد ‪ ،‬بل هو من أمارات (‪ )8‬الساعة ‪ ،‬كما تقدم من حديث أبي‬
‫سَرِيحة (‪ )9‬حذيفة بن أسيد الغفاري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أشرف علينا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم من غرفة ونحن نتذاكر الساعة ‪ ،‬فقال ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات ‪ :‬طلوع‬
‫الشمس من مغربها ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والدابة ‪ ،‬وخروج يأجوج ومأجوج ‪ ،‬وخروج عيسى ابن مريم ‪،‬‬
‫والدجال ‪ ،‬وثلثة خسوف ‪ :‬خسف بالمشرق ‪ ،‬وخسف بالمغرب ‪ ،‬وخسف بجزيرة العرب ‪ ،‬ونار‬
‫تخرج من قعر عدن تسوق الناس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬واستصعبت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4820‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2798‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬تفسيريهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )431 ، 1/380‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3254‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‬
‫‪ )11481‬وتفسير الطبري (‪)25/66‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬آيات"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬أبي سريحة في"‪.‬‬

‫( ‪)7/247‬‬

‫‪ -‬أو ‪ :‬تحشر الناس ‪ : -‬تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" تفرد بإخراجه مسلم في‬
‫صحيحه (‪.)1‬‬
‫وفي الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لبن الصياد ‪" :‬إني خبأت لك خَبْأ" قال ‪:‬‬
‫هو الدّخ‪ .‬فقال له ‪" :‬اخسأ فلن تعدو قدرك" قال ‪ :‬وخبأ له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫سمَاءُ ِبدُخَانٍ مُبِينٍ } (‪.)2‬‬
‫{ فَارْ َت ِقبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫وهذا فيه إشعار بأنه من المنتظر المرتقب ‪ ،‬وابن صياد كاشف على طريقة الكهان بلسان الجان ‪،‬‬
‫وهم ُيقَرطمون العبارة ؛ ولهذا قال ‪" :‬هو الدّخ" يعني ‪ :‬الدخان‪ .‬فعندها عرف رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم مادته وأنها شيطانية ‪ ،‬فقال له ‪" :‬اخسأ فلن تعدو قدرك"‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬وحدثني عصام بن َروّاد بن الجراح ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سفيان بن سعيد‬
‫الثوري ‪ ،‬حدثنا منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن رِ ْبعِي بن حِرَاش قال ‪ :‬سمعت حذيفة بن اليمان يقول (‬
‫‪ : )3‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أول اليات الدجال ‪ ،‬ونزول عيسى ابن مريم ‪،‬‬
‫ونار تخرج من قعر عدن أبين ‪ ،‬تسوق الناس إلى المحشر ‪ ،‬تقيل معهم إذا قالوا ‪ ،‬والدخان ‪ -‬قال‬
‫حذيفة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما الدخان ؟ فتل رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ { :‬فَارْ َت ِقبْ‬
‫سمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ َيغْشَى النّاسَ َهذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } ‪ -‬يمل ما بين المشرق والمغرب ‪،‬‬
‫َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫يمكث أربعين يومًا وليلة ‪ ،‬أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة (‪ ، )4‬وأما الكافر فيكون بمنزلة‬
‫السكران ‪ ،‬يخرج من منخريه وأذنيه ودبره" (‪.)5‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لو صح هذا الحديث لكان فاصل وإنما لم أشهد له بالصحة ؛ لن محمد بن خلف‬
‫العسقلني حدثني أنه سأل روادا عن هذا الحديث ‪ :‬هل سمعه من سفيان ؟ فقال له ‪ :‬ل قال ‪:‬‬
‫فقلت ‪ :‬أقرأته عليه ؟ قال ‪ :‬ل قال ‪ :‬فقلت له ‪ :‬فقرئ عليه وأنت حاضر فأقر به ؟ فقال ‪ :‬ل فقلت‬
‫له ‪ :‬فمن أين جئت به ؟ فقال ‪ :‬جاءني به قوم فعرضوه علي ‪ ،‬وقالوا لي ‪ :‬اسمعه منا‪ .‬فقرءوه‬
‫عليّ ثم ذهبوا به ‪ ،‬فحدثوا به عني ‪ ،‬أو كما قال (‪.)6‬‬
‫وقد أجاد ابن جرير في هذا الحديث هاهنا ‪ ،‬فإنه موضوع بهذا السند ‪ ،‬وقد أكثر ابن جرير من‬
‫سياقه في أماكن من هذا التفسير ‪ ،‬وفيه منكرات كثيرة جدًا ‪ ،‬ول سيما في أول سورة "بني‬
‫إسرائيل" في ذكر المسجد القصى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا خليل ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يهيج الدخان‬
‫بالناس ‪ ،‬فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة ‪ ،‬وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2901‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3055‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2930‬من حديث عبد ال بن عمر ‪،‬‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة قال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الزكام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )25/68‬ومن طريقه رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج أحاديث‬
‫الكشاف للزيلعي (‪ )1174‬والبغوي في معالم التنزيل (‪.)7/230‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)25/68‬‬

‫( ‪)7/248‬‬

‫ورواه سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري موقوفًا‪ .‬ورواه‬
‫عوف ‪ ،‬عن الحسن قوله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا ‪ :‬حدثني محمد بن عوف ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬حدثني أبي‬
‫ض ْمضَم بن زُرعَة ‪ ،‬عن شُريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪ ،‬حدثني َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ربكم أنذركم ثلثا ‪ :‬الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ‪ ،‬ويأخذ الكافر‬
‫فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجال"‪.‬‬
‫ورواه الطبراني عن هاشم بن يزيد ‪ ،‬عن محمد بن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬به (‪ )1‬وهذا‬
‫إسناد جيد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح بن مسلم ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬لم تمض آية الدخان بعد ‪ ،‬يأخذ‬
‫المؤمن كهيئة الزكام ‪ ،‬وتنفخ الكافر حتى ينفذ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير من حديث الوليد بن جميع ‪ ،‬عن عبد الملك بن المغيرة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫البيلماني ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام ‪ ،‬ويدخل في مسامع‬
‫الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ ‪ ،‬أي ‪ :‬المشوي على الرّضف‪.‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة عن ابن جريج (‪ ، )2‬عن عبد ال بن أبي‬
‫مليكة قال ‪ :‬غدوت على ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬ذات يوم فقال ‪ :‬ما نمت الليلة حتى‬
‫أصبحت‪ .‬قلت ‪ :‬لم ؟ قال ‪ :‬قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ‪ ،‬فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ‪،‬‬
‫فما نمت حتى أصبحت (‪ )3‬وهكذا رواه ابن أبي حاتم (‪ ، )4‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن سفيان‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن أبي يزيد ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي مليكة ‪ ،‬عن ابن عباس فذكره‪ .‬وهذا إسناد‬
‫صحيح إلى ابن عباس حبر المة وترجمان القرآن‪ .‬وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين‬
‫أجمعين ‪ ،‬مع الحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما ‪ ،‬التي أوردناها مما فيه مقنع‬
‫ودللة ظاهرة على أن الدخان من اليات المنتظرة ‪ ،‬مع أنه ظاهر القرآن‪.‬‬
‫سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬بين واضح يراه كل أحد‪ .‬وعلى ما‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَارْ َتقِبْ َيوْمَ تَأْتِي ال ّ‬
‫فسر به ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد‪.‬‬
‫وهكذا قوله ‪َ { :‬يغْشَى النّاسَ } أي ‪ :‬يتغشاهم و َيعُمهم (‪ ، )5‬ولو كان أمرا خياليّا يخص أهل مكة‬
‫المشركين لما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )25/68‬والمعجم الكبير (‪ )3/292‬وقول الحافظ ابن كثير هنا ‪" :‬هذا إسناد‬
‫جيد" متعقب فإن لهذه النسخة ثلث علل ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو حاتم ‪" :‬لم يسمع من أبيه شيئا ‪ ،‬حملوه على أن‬
‫يحدث فحدث"‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬ضمضم بن زرعة ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن معين ومحمد بن إسماعيل بن عياش قال‬
‫أبو داود ‪" :‬لم يكن بذاك"‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬شريح بن عبيد ‪ ،‬قد كلم في سماعه من أبي مالك الشعري قال أبو حاتم ‪" :‬شريح بن‬
‫عبيد ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)25/68‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ورواه ابن جرير هكذا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وهكذا رواه ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ويغمهم"‪.‬‬
‫( ‪)7/249‬‬

‫قيل فيه ‪َ { :‬يغْشَى النّاسَ }‬


‫عذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬يوْمَ يُدَعّونَ إِلَى‬
‫وقوله ‪َ { :‬هذَا َ‬
‫جهَنّمَ دَعّا هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ } [ الطور ‪ ، ]14 ، 13 :‬أو يقول بعضهم لبعض‬
‫نَارِ َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫شفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب ال وعقابه‬
‫وقوله ‪ { :‬رَبّنَا ا ْك ِ‬
‫سائلين رفعه وكشفه عنهم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِ ْذ ُو ِقفُوا عَلَى النّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُ َر ّد وَل ُن َك ّذبَ‬
‫بِآيَاتِ رَبّنَا وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } [ النعام ‪ .] 27 :‬وكذا قوله ‪ { :‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِي ِهمُ ا ْلعَذَابُ‬
‫سمْتُمْ مِنْ‬
‫سلَ َأوَلَمْ َتكُونُوا َأ ْق َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫جبْ دَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ نُ ِ‬
‫فَ َيقُولُ الّذِينَ ظََلمُوا رَبّنَا أَخّرْنَا إِلَى أَ َ‬
‫قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ } [ إبراهيم ‪ ، ] 44 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬أَنّى َلهُمُ ال ّذكْرَى َوقَدْ جَاءَهُمْ‬
‫رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمّ َتوَّلوْا عَنْ ُه َوقَالُوا ُمعَلّمٌ َمجْنُونٌ }‬
‫يقول ‪ :‬كيف لهم بالتذكر ‪ ،‬وقد أرسلنا إليهم رسول بين الرسالة والنذارة ‪ ،‬ومع هذا تولوا عنه وما‬
‫ن وَأَنّى َلهُ‬
‫وافقوه ‪ ،‬بل كذبوه وقالوا ‪ :‬معلم مجنون‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ يَ َت َذكّرُ النْسَا ُ‬
‫ال ّذكْرَى َيقُولُ يَا لَيْتَنِي قَ ّد ْمتُ ِلحَيَاتِي } [ الفجر ‪ ، ]24 ، 23 :‬وقوله (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى ِإذْ‬
‫ب َوقَالُوا آمَنّا بِهِ وَأَنّى َلهُمُ التّنَاوُشُ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ‪َ .‬وقَدْ‬
‫خذُوا مِنْ َمكَانٍ قَرِي ٍ‬
‫ت وَأُ ِ‬
‫فَزِعُوا فَل َفوْ َ‬
‫ع ِهمْ‬
‫ل وَ َيقْ ِذفُونَ بِا ْلغَ ْيبِ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ‪َ .‬وحِيلَ بَيْ َن ُه ْم وَبَيْنَ مَا يَشْ َتهُونَ َكمَا ُفعِلَ بِأَشْيَا ِ‬
‫َكفَرُوا بِهِ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫شكّ مُرِيبٍ } [ سبأ ‪.] 54 - 51 :‬‬
‫مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا فِي َ‬
‫شفُوا ا ْلعَذَابِ قَلِيل إِ ّنكُمْ عَائِدُونَ } (‪ )2‬يحتمل معنيين ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا كَا ِ‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه يقوله (‪ )3‬تعالى ‪ :‬ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا ‪ ،‬لعدتم إلى ما‬
‫طغْيَا ِنهِمْ‬
‫ن ضُرّ لََلجّوا فِي ُ‬
‫شفْنَا مَا ِبهِمْ مِ ْ‬
‫حمْنَاهُ ْم َوكَ َ‬
‫كنتم فيه من الكفر والتكذيب ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وََلوْ َر ِ‬
‫َي ْع َمهُونَ } [ المؤمنون ‪ ، ] 75 :‬وكقوله ‪ { :‬وََلوْ ُردّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ }‬
‫[ النعام ‪.]28 :‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن يكون المراد ‪ :‬إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل بعد انعقاد أسبابه (‪ )4‬ووصوله إليكم ‪،‬‬
‫وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ‪ ،‬ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم‬
‫عذَابَ الْخِ ْزيِ فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َومَ ّتعْنَاهُمْ إِلَى‬
‫شفْنَا عَ ْنهُمْ َ‬
‫‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬إِل َقوْمَ يُونُسَ َلمّا آمَنُوا كَ َ‬
‫حِينٍ } [ يونس ‪ ، ] 98 :‬ولم يكن العذاب باشرهم ‪ ،‬واتصل بهم بل كان قد انعقد سببه [ووصوله]‬
‫(‪ )5‬عليهم ‪ ،‬ول يلزم أيضًا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثم عادوا إليه ‪ ،‬قال ال تعالى إخبارًا‬
‫شعَ ْيبُ وَالّذِينَ آمَنُوا َم َعكَ مِنْ قَرْيَتِنَا َأوْ‬
‫عن شعيب أنه قال لقومه حين قالوا ‪ { :‬لَ ُنخْرِجَ ّنكَ يَا ُ‬
‫عدْنَا فِي مِلّ ِت ُكمْ َبعْدَ ِإذْ نَجّانَا اللّه‬
‫لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا قَالَ َأوََلوْ كُنّا كَارِهِينَ َقدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ ُ‬
‫مِ ْنهَا } [ العراف ‪ ، ] 89 ، 88 :‬وشعيب [عليه السلم] (‪ )6‬لم يكن قط على ملتهم وطريقتهم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬إِ ّن ُكمْ عَائِدُونَ } إلى عذاب ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وكقوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬كاشف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬سببه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/250‬‬

‫ن وَجَا َءهُمْ َرسُولٌ كَرِيمٌ (‪ )17‬أَنْ أَدّوا إَِليّ عِبَادَ اللّهِ إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ‬
‫عوْ َ‬
‫وَلَقَدْ فَتَنّا قَبَْلهُمْ َقوْمَ فِرْ َ‬
‫(‪)18‬‬

‫وقوله تعالى ‪َ { :‬يوْمَ نَ ْبطِشُ الْ َبطْشَةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َتقِمُونَ } فسر ذلك ابن مسعود بيوم بدر‪ .‬وهذا‬
‫قول جماعة ممن وافق ابن مسعود على تفسيره الدخان بما تقدم ‪ ،‬وروي أيضًا عن ابن عباس‬
‫[وجماعة] (‪ )1‬من رواية العوفي ‪ ،‬عنه‪ .‬وعن أبي بن كعب وجماعة ‪ ،‬وهو محتمل‪.‬‬
‫والظاهر أن ذلك يوم القيامة ‪ ،‬وإن كان يوم بدر يوم بطشة أيضًا‪.‬‬
‫قال (‪ )2‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬حدثنا خالد الحذاء عن عكرمة قال ‪ :‬قال‬
‫ابن عباس ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬البطشة الكبرى ‪ :‬يوم بدر ‪ ،‬وأنا أقول ‪ :‬هي يوم القيامة (‪.)3‬‬
‫وهذا إسناد صحيح عنه ‪ ،‬وبه يقول الحسن البصري ‪ ،‬وعكرمة في أصح الروايتين (‪ ، )4‬عنه‪.‬‬
‫عوْنَ وَجَاءَ ُهمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (‪ )17‬أَنْ أَدّوا إَِليّ عِبَادَ اللّهِ إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ‬
‫{ وََلقَدْ فَتَنّا قَبَْلهُمْ َقوْمَ فِرْ َ‬
‫َأمِينٌ (‪} )18‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)25/70‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬القولين"‪.‬‬

‫( ‪)7/251‬‬
‫جمُونِ (‪)20‬‬
‫ع ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ أَنْ تَرْ ُ‬
‫وَأَنْ لَا َتعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنّي آَتِيكُمْ بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ (‪ )19‬وَإِنّي ُ‬
‫وَإِنْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (‪َ )21‬فدَعَا رَبّهُ أَنّ َهؤُلَاءِ َقوْمٌ ُمجْ ِرمُونَ (‪ )22‬فََأسْرِ ِبعِبَادِي لَيْلًا إِ ّن ُكمْ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪)25‬‬
‫مُتّ َبعُونَ (‪ )23‬وَاتْ ُركِ الْ َبحْرَ رَ ْهوًا إِ ّنهُمْ جُنْدٌ ُمغْ َرقُونَ (‪ )24‬كَمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّا ٍ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا َق ْومًا آَخَرِينَ (‪َ )28‬فمَا‬
‫ع َومَقَامٍ كَرِيمٍ (‪ )26‬وَ َن ْعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَ (‪ )27‬كَذَِل َ‬
‫وَزُرُو ٍ‬
‫سمَا ُء وَالْأَ ْرضُ َومَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (‪ )29‬وََلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ (‬
‫َب َكتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫عوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )31‬وََلقَدِ اخْتَرْنَا ُهمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‪)32‬‬
‫‪ )30‬مِنْ فِرْ َ‬
‫وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (‪)33‬‬

‫جمُونِ (‪)20‬‬
‫{ وَأَنْ ل َتعْلُوا عَلَى اللّهِ إِنّي آتِيكُمْ بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ (‪ )19‬وَإِنّي عُ ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ أَنْ تَ ْر ُ‬
‫وَإِنْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (‪َ )21‬فدَعَا رَبّهُ أَنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ مُجْ ِرمُونَ (‪ )22‬فَأَسْرِ ِبعِبَادِي لَيْل إِ ّنكُمْ‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪)25‬‬
‫مُتّ َبعُونَ (‪ )23‬وَاتْ ُركِ الْ َبحْرَ رَ ْهوًا إِ ّنهُمْ جُنْدٌ ُمغْ َرقُونَ (‪ )24‬كَمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّا ٍ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا َق ْومًا آخَرِينَ (‪َ )28‬فمَا‬
‫ع َومَقَامٍ كَرِيمٍ (‪ )26‬وَ َن ْعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَ (‪ )27‬كَذَِل َ‬
‫وَزُرُو ٍ‬
‫ض َومَا كَانُوا مُ ْنظَرِينَ (‪ )29‬وََلقَدْ نَجّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ‬
‫سمَا ُء وَالرْ ُ‬
‫َب َكتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫عوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )31‬وََلقَدِ اخْتَرْنَا ُهمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‪)32‬‬
‫(‪ )30‬مِنْ فِرْ َ‬
‫وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ اليَاتِ مَا فِيهِ بَلءٌ مُبِينٌ (‪} )33‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين قوم فرعون ‪ ،‬وهم قبط مصر ‪ { ،‬وَجَاءَ ُهمْ رَسُولٌ‬
‫كَرِيمٌ } يعني ‪ :‬موسى كليمه ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫ل وَل ُتعَذّ ْب ُهمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ‬
‫سلْ (‪َ )1‬معَنَا بَنِي ِإسْرَائِي َ‬
‫{ أَنْ أَدّوا إَِليّ عِبَادَ اللّهِ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فَأَرْ ِ‬
‫ك وَالسّلمُ عَلَى مَنِ اتّ َبعَ ا ْلهُدَى } [ طه ‪.] 47 :‬‬
‫رَ ّب َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّي َلكُمْ رَسُولٌ َأمِينٌ } أي ‪ :‬مأمون على ما أبلغكموه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ ل َتعْلُوا عَلَى اللّهِ } أي ‪ :‬ل تستكبروا عن اتباع آياته ‪ ،‬والنقياد لحججه واليمان‬
‫جهَنّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر ‪60 :‬‬
‫ببراهينه (‪ ، )2‬كقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يَسْ َتكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَ ْدخُلُونَ َ‬
‫]‪.‬‬
‫{ إِنّي آتِيكُمْ بِسُ ْلطَانٍ [ مُبِينٍ ] } (‪ )3‬أي ‪ :‬بحجة ظاهرة واضحة ‪ ،‬وهي ما أرسله ال به من‬
‫اليات البينات والدلة القاطعة (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأن أرسل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بألوهيته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬من أ ‪" :‬القاطعات"‪.‬‬
‫( ‪)7/251‬‬

‫جمُونِ } قال ابن عباس ‪ ،‬وأبو صالح ‪ :‬هو الرجم باللسان وهو‬
‫{ وَإِنّي عُ ْذتُ بِرَبّي وَرَ ّبكُمْ أَنْ تَ ْر ُ‬
‫الشتم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪[ :‬هو] (‪ )1‬الرجم بالحجارة‪.‬‬
‫أي (‪ )2‬أعوذ بال الذي خلقني وخلقكم [من] (‪ )3‬أن تصلوا إليّ بسوء من قول أو فعل‪.‬‬
‫{ وَإِنْ َلمْ ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ } أي ‪ :‬فل تتعرضوا (‪ )4‬إليّ ‪ ،‬ودعوا المر بيني وبينكم مسالمة‬
‫إلى أن يقضي ال بيننا‪ .‬فلما طال مقامه بين أظهرهم ‪ ،‬وأقام حجج ال عليهم ‪ ،‬كل ذلك وما زادهم‬
‫ذلك إل كفرًا وعنادًا ‪ ،‬دعا ربه عليهم دعوة نفذت فيهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِ ّنكَ‬
‫علَى َأ ْموَاِلهِمْ‬
‫طمِسْ َ‬
‫ن َومَلهُ زِي َن ًة وََأمْوَال فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِ ُيضِلّوا عَنْ سَبِيِلكَ رَبّنَا ا ْ‬
‫عوْ َ‬
‫آتَ ْيتَ فِرْ َ‬
‫عوَ ُت ُكمَا فَاسْ َتقِيمَا } [ يونس ‪:‬‬
‫وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ اللِيمَ قَالَ قَدْ ُأجِي َبتْ دَ ْ‬
‫‪ .] 89 ، 88‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬فَدَعَا رَبّهُ أَنّ َهؤُلءِ َقوْمٌ مُجْ ِرمُونَ } فعند ذلك أمره ال تعالى أن‬
‫يخرج ببني إسرائيل من بين أظهرهم من غير أمر فرعون ومشاورته واستئذانه ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ فََأسْرِ ِبعِبَادِي لَيْل إِ ّنكُمْ مُتّ َبعُونَ } كما قال ‪ { :‬وََلقَدْ َأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ ِبعِبَادِي فَاضْ ِربْ‬
‫َلهُمْ طَرِيقًا فِي الْ َبحْرِ يَبَسًا ل َتخَافُ دَ َركًا وَل َتخْشَى } [ طه ‪.]77 :‬‬
‫وقوله هاهنا ‪ { :‬وَاتْ ُركِ الْبَحْرَ َر ْهوًا إِ ّنهُمْ جُنْدٌ ُمغْ َرقُونَ } وذلك أن موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لما‬
‫جاوز هو وبنو إسرائيل البحر ‪ ،‬أراد موسى أن يضربه بعصاه حتى يعود كما كان ‪ ،‬ليصير حائل‬
‫بينهم وبين فرعون ‪ ،‬فل يصل إليهم‪ .‬فأمره ال (‪ )5‬أن يتركه على حاله ساكنًا ‪ ،‬وبشره بأنهم جند‬
‫مغرقون فيه (‪ ، )6‬وأنه ل يخاف دركًا ول يخشى‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬وَاتْ ُركِ الْبَحْرَ َر ْهوًا } كهيئته وامضِهْ‪ .‬وقال مجاهد { رهوا } طريقًا يبسًا كهيئته‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬ل تأمره يرجع ‪ ،‬اتركه حتى يرجع آخرهم‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪،‬‬
‫سمَاك بن حرب ‪ ،‬وغير واحد (‪.)7‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد وكعب الحبار و ِ‬
‫ن وَزُرُوعٍ } والمراد بها النهار‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬كمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّاتٍ } وهي البساتين { وَعُيُو ٍ‬
‫والبار ‪َ { ،‬ومَقَامٍ كَرِيمٍ } وهي المساكن الكريمة النيقة والماكن الحسنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪َ { :‬و َمقَامٍ كَرِيمٍ } المنابر‪.‬‬
‫وقال ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن وهب (‪ )8‬بن عبد ال المعافري ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬نيل مصر‬
‫سيد النهار ‪ ،‬سخر ال له كل نهر بين المشرق والمغرب ‪ ،‬وذلّلَهُ له ‪ ،‬فإذا أراد ال أن يجري نيل‬
‫مصر أمر كل نهر أن يمده ‪ ،‬فأمدته النهار بمائها ‪ ،‬وفجر ال له الرض عيونًا ‪ ،‬فإذا انتهى‬
‫جريه إلى ما أراد ال ‪ ،‬أوحى ال إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬تعترضوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أي في البحر" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬أي فيه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وغيرهما"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ولهب"‪.‬‬

‫( ‪)7/252‬‬

‫ت وَعُيُونٍ‪ .‬وَزُرُوعٍ َومَقَامٍ كَرِيمٍ‪ .‬وَ َنعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا‬


‫وقال في قوله تعالى ‪َ { :‬كمْ تَ َركُوا (‪ )1‬مِنْ جَنّا ٍ‬
‫فَا ِكهِينَ } قال ‪ ، :‬كانت الجنان بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا ‪ ،‬ما بين‬
‫أسوان إلى رشيد ‪ ،‬وكان له تسعة (‪ )2‬خلج ‪ :‬خليج السكندرية ‪ ،‬وخليج دمياط ‪ ،‬وخليج‬
‫سردوس ‪ ،‬وخليج منف ‪ ،‬وخليج الفيوم ‪ ،‬وخليج المنهى ‪ ،‬متصلة ل ينقطع منها شيء عن شيء ‪،‬‬
‫وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخر ما يبلغه الماء ‪ ،‬وكانت جميع أرض مصر‬
‫تروى من ستة عشر ذراعًا ‪ ،‬لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها‪.‬‬
‫{ وَ َن ْعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَ } أي ‪ :‬عيشة كانوا يتفكهون فيها فيأكلون ما شاؤوا ويلبسون ما أحبوا‬
‫مع الموال والجاهات والحكم في البلد ‪ ،‬فسلبوا ذلك جميعه في صبيحة واحدة ‪ ،‬وفارقوا الدنيا‬
‫وصاروا إلى جهنم وبئس المصير ‪ ،‬واستولى على البلد المصرية وتلك الحواصل الفرعونية‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء ‪:‬‬
‫والممالك القبطية بنو إسرائيل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬كَذَِل َ‬
‫ض َعفُونَ مَشَا ِرقَ ال ْرضِ‬
‫‪ ] 59‬وقال في موضع أخر (‪ { : )3‬وََأوْرَثْنَا ا ْلقَوْمَ الّذِينَ كَانُوا يُسْ َت ْ‬
‫َو َمغَارِبَهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا وَ َت ّمتْ كَِلمَةُ رَ ّبكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ِبمَا صَبَرُوا وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ‬
‫ك وََأوْرَثْنَاهَا‬
‫عوْنُ َوقَ ْومُ ُه َومَا كَانُوا َيعْرِشُونَ } [ العراف ‪ .] 137 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬كَذَِل َ‬
‫َيصْنَعُ فِرْ َ‬
‫َق ْومًا آخَرِينَ } وهم بنو إسرائيل ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫سمَا ُء وَال ْرضُ } أي ‪ :‬لم تكن لهم أعمال صالحة تصعد في أبواب‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫السماء فتبكي على فقدهم ‪ ،‬ول لهم في الرض بقاع عبدوا ال فيها فقدتهم ؛ فلهذا استحقوا أل‬
‫ينظروا ول يؤخروا لكفرهم وإجرامهم ‪ ،‬وعتوهم وعنادهم‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق البصري ‪ ،‬حدثنا مكي بن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬حدثني يزيد الرقاشي ‪ ،‬حدثني أنس بن مالك (‪ ، )4‬عن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من عبد إل وله في السماء بابان ‪ :‬باب يخرج منه رزقه ‪ ،‬وباب‬
‫يدخل منه (‪ )5‬عمله وكلمه ‪ ،‬فإذا مات فقداه وبكيا عليه" وتل هذه الية ‪َ { :‬فمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ‬
‫سمَاءُ وَال ْرضُ } وذُكر أنهم لم يكونوا عملوا (‪ )6‬على الرض عمل صالحا يبكي عليهم‪ .‬ولم‬
‫ال ّ‬
‫يصعد لهم إلى السماء من كلمهم ول من عملهم كلم طيب ‪ ،‬ول عمل صالح فتفقدهم فتبكي‬
‫عليهم (‪.)7‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث موسى بن عبيدة وهو الربذي‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن طلحة ‪ ،‬حدثني عيسى بن يونس ‪ ،‬عن صفوان بن عمرو ‪،‬‬
‫عن شريح بن عبيد الحضرمي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )8‬إن السلم بدأ‬
‫غريبًا وسيعود غريبًا‪ .‬أل ل غربة على مؤمن ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إل‬
‫بكت عليه السماء والرض"‪ .‬ثم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فأخرجناهم" وهو خطأ ولعل الناسخ أراد الية ‪ 75 :‬من سورة الشعراء‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬تسع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي بإسناده عن أنس بن مالك رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فيه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يعملون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬مسند أبي يعلى (‪ )7/160‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3255‬من طريق موسى بن‬
‫عبيدة به مختصر ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه مرفوعا إل من هذا الوجه ‪،‬‬
‫وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان الرقاشي يضعفان في الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/253‬‬

‫سمَا ُء وَال ْرضُ } ثم قال ‪" :‬إنهما ل‬


‫قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬فمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫يبكيان على الكافر" (‪.)1‬‬
‫وقال (‪ )2‬ابن أبى حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن عصام حدثنا أبو أحمد ‪ -‬يعني الزبيري ‪ -‬حدثنا العلء‬
‫بن صالح ‪ ،‬عن المنهال بن عمرو ‪ ،‬عن عباد بن عبد ال قال ‪ :‬سأل رجل عليّا رضي ال عنه ‪:‬‬
‫هل تبكي السماء والرض على أحد ؟ فقال له ‪ :‬لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ‪،‬‬
‫إنه ليس [من] (‪ )3‬عبد إل له مصلى في الرض ‪ ،‬ومصعد عمله من السماء‪ .‬وإن آل فرعون لم‬
‫يكن لهم عمل صالح في الرض ‪ ،‬ول عمل يصعد في السماء ‪ ،‬ثم قرأ علي ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫سمَا ُء وَال ْرضُ َومَا كَانُوا مُنْظَرِينَ }‬
‫{ َفمَا َب َكتْ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا طلق بن غَنّام ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن‬
‫منهال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬أتى ابنَ عباس رجلٌ فقال ‪ :‬يا أبا عباس أرأيت قول ال ‪َ { :‬فمَا‬
‫ض َومَا كَانُوا مُ ْنظَرِينَ } فهل تبكي السماء والرض على أحد ؟ قال ‪:‬‬
‫سمَا ُء وَالرْ ُ‬
‫َب َكتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ‬
‫نعم إنه ليس أحد من الخلئق إل وله باب في السماء منه ينزل رزقه ‪ ،‬وفيه يصعد عمله ‪ ،‬فإذا‬
‫مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه بكى عليه ‪ ،‬وإذا‬
‫فقد مصله من الرض التي كان يصلي فيها ويذكر ال فيها بكت عليه ‪ ،‬وإن قوم فرعون لم تكن‬
‫لهم في الرض آثار صالحة ‪ ،‬ولم يكن يصعد إلى ال منهم خير ‪ ،‬فلم تبك عليهم السماء والرض‬
‫(‪.)4‬‬
‫وروى العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحو هذا‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي يحيى القَتّات ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن (‪ )5‬ابن عباس [رضي ال عنهما]‬
‫(‪ )6‬قال ‪ :‬كان يقال ‪ :‬تبكي الرض على المؤمن أربعين صباحًا‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ :‬ما مات مؤمن إل بكت عليه السماء والرض أربعين صباحًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت له‬
‫‪ :‬أتبكي الرض ؟ فقال ‪ :‬أتعجب ؟ وما للرض ل تبكي على عبد ‪ ،‬كان يعمرها بالركوع‬
‫والسجود ؟ وما للسماء ل تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل ؟‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كانوا أهون على ال من أن تبكي عليهم السماء والرض‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن عاصم ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا المستورد بن سابق ‪ ،‬عن عبيد المكتب ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬ما بكت السماء منذ‬
‫كانت الدنيا إل على اثنين قلت لعبيد ‪ :‬أليس السماء والرض تبكي على المؤمن ؟ قال ‪ :‬ذاك‬
‫مقامه حيث يصعد عمله‪ .‬قال ‪ :‬وتدري ما بكاء السماء ؟ قلت (‪ )7‬ل قال ‪ :‬تحمر وتصير وردة‬
‫كالدهان ‪ ،‬إن يحيى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )25/75‬ورواه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت كما في الدر المنثور (‪)7/412‬‬
‫وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)25/74‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫( ‪)7/254‬‬

‫بن زكريا لما قتل احمرت السماء وقطرت دمًا‪ .‬وإن حسين بن علي لما قتل احمرت السماء‪.‬‬
‫وحدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو ‪ -‬زُنَيج ‪ -‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن يزيد بن‬
‫أبي زياد قال ‪ :‬لما قتل حسين (‪ )1‬بن علي ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬احمرت آفاق السماء أربعة‬
‫أشهر‪ .‬قال يزيد ‪ :‬واحمرارها بكاؤها‪ .‬وهكذا قال السدي الكبير‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬بكاؤها ‪ :‬أن تحمر أطرافها‪.‬‬
‫وذكروا (‪ )2‬أيضًا في مقتل الحسين أنه ما قلب حجر يومئذ إل وجد تحته دم عَبِيط ‪ ،‬وأنه كسفت‬
‫الشمس ‪ ،‬واحمر الفق ‪ ،‬وسقطت حجارة‪ .‬وفي كل من ذلك نظر ‪ ،‬والظاهر أنه من سُخْف‬
‫الشيعة وكذبهم ‪ ،‬ليعظموا المر ‪ -‬ول شك أنه عظيم ‪ -‬ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه ‪،‬‬
‫وقد وقع ما هو أعظم من [ذلك] (‪ - )3‬قتل الحسين رضي ال عنه ‪ -‬ولم يقع شيء مما ذكروه ‪،‬‬
‫فإنه قد قتل أبوه علي بن أبي طالب ‪ ،‬وهو أفضل منه بالجماع ولم يقع (‪[ )4‬شيء من] (‪)5‬‬
‫ذلك ‪ ،‬وعثمان بن عفان قتل محصورًا مظلومًا ‪ ،‬ولم يكن شيء من ذلك‪ .‬وعمر بن الخطاب ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قتل في المحراب في صلة الصبح ‪ ،‬وكأن المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك‬
‫‪ ،‬ولم يكن شيء من ذلك‪ .‬وهذا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو سيد البشر في الدنيا والخرة‬
‫يوم مات لم يكن شيء مما ذكروه‪ .‬ويوم مات إبراهيم ابن النبي صلى ال عليه وسلم خسفت‬
‫الشمس فقال الناس ‪[ :‬الشمس] (‪ )6‬خسفت لموت إبراهيم ‪ ،‬فصلى بهم رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صلة الكسوف ‪ ،‬وخطبهم وبين لهم أن الشمس والقمر ل ينخسفان لموت أحد ول لحياته (‬
‫‪.)7‬‬
‫عوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ مِنْ فِرْ َ‬
‫يمتن عليهم تعالى بذلك ‪ ،‬حيث أنقذهم مما كانوا فيه من إهانة فرعون وإذلله لهم ‪ ،‬وتسخيره‬
‫إياهم في (‪ )8‬العمال المهينة الشاقة‪.‬‬
‫عوْنَ إِنّهُ كَانَ عَالِيًا [مِنَ ا ْلمُسْ ِرفِينَ ] } (‪ )9‬أي ‪ :‬مستكبرًا جبارًا عنيدًا ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ فِرْ َ‬
‫ج َعلَ أَهَْلهَا شِ َيعًا ] (‪ [ } )10‬القصص ‪.] 4 :‬‬
‫عوْنَ عَل فِي ال ْرضِ [وَ َ‬
‫{ إِنّ فِرْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا عَالِينَ } [ المؤمنون ‪[ ، ] 46 :‬وقوله { فَاسْ َتكْبَرُوا فِي ال ْرضِ‬
‫َومَا كَانُوا سَا ِبقِينَ } ] (‪ [ )11‬العنكبوت ‪ [ ، ] 39 :‬فكان فرعون ] سِرفًا (‪ )12‬في أمره ‪ ،‬سخيف‬
‫الرأي على نفسه‪.‬‬
‫علَى عِ ْلمٍ عَلَى‬
‫علَى عِ ْلمٍ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ } قال مجاهد ‪ { :‬اخْتَرْنَاهُمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ َ‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ } على من هم بين ظهريه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬اختيروا على أهل زمانهم ذلك‪ .‬وكان يقال ‪ :‬إن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يكن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬خسفت الشمس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1043‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)915‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪[ )11‬فكان فرعون] زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مسرفا"‪.‬‬

‫( ‪)7/255‬‬

‫إِنّ َهؤُلَاءِ لَ َيقُولُونَ (‪ )34‬إِنْ ِهيَ إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى َومَا َنحْنُ ِبمُنْشَرِينَ (‪ )35‬فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ‬
‫صَا ِدقِينَ (‪ )36‬أَ ُهمْ خَيْرٌ َأمْ َقوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ أَهَْلكْنَاهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪)37‬‬

‫طفَيْ ُتكَ عَلَى النّاسِ } [ العراف‬


‫لكل زمان عالما‪ .‬وهذه (‪ )1‬كقوله تعالى ‪ { :‬قَالَ يَا مُوسَى إِنّي اصْ َ‬
‫علَى ِنسَاءِ ا ْلعَاَلمِينَ } [ آل عمران ‪42 :‬‬
‫طفَاكِ َ‬
‫‪ ] 144 :‬أي ‪ :‬أهل زمانه ‪ ،‬وكقوله لمريم ‪ { :‬وَاصْ َ‬
‫] أي ‪ :‬في زمانها ؛ فإن خديجة أفضل منها ‪ ،‬وكذا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ‪ ،‬أو مساوية‬
‫لها في الفضل ‪ ،‬وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ اليَاتِ } أي ‪[ :‬من] (‪ )2‬الحجج والبراهين وخوارق العادات { مَا فِيهِ بَلءٌ‬
‫مُبِينٌ } أي ‪ :‬اختبار ظاهر جلي لمن اهتدى به‪.‬‬
‫{ إِنّ َهؤُلءِ لَ َيقُولُونَ (‪ )34‬إِنْ ِهيَ إِل َموْتَتُنَا الولَى َومَا َنحْنُ ِبمُنْشَرِينَ (‪ )35‬فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ‬
‫صَا ِدقِينَ (‪ )36‬أَ ُهمْ خَيْرٌ َأمْ َقوْمُ تُبّعٍ وَالّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ أَهَْلكْنَاهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا مُجْ ِرمِينَ (‪} )37‬‬
‫يقول تعالى منكرًا على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد ‪ ،‬وأنه ما ثم إل هذه الحياة الدنيا ‪،‬‬
‫ول حياة بعد الممات ‪ ،‬ول بعث ول نشور‪ .‬ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا ‪،‬‬
‫فإن كان البعث حقًا { فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } وهذه حجة باطلة وشبهة فاسدة ‪ ،‬فإن المعاد‬
‫إنما هو يوم القيامة ل في هذه الدار ‪[ ،‬بل] (‪ )3‬بعد انقضائها وذهابها وفراغها يعيد ال العالمين‬
‫خلقًا جديدًا ‪ ،‬ويجعل الظالمين لنار جهنم وقودًا ‪ ،‬يوم تكون (‪ )4‬شهداء على الناس ويكون الرسول‬
‫عليكم شهيدًا‪.‬‬
‫ثم قال تعالى متهددًا لهم ‪ ،‬ومتوعدًا ومنذرًا لهم بأسه الذي ل يرد ‪ ،‬كما حل بأشباههم (‪)5‬‬
‫ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبع ‪ -‬وهم سبأ ‪ -‬حيث أهلكهم ال وخَرّب‬
‫بلدهم ‪ ،‬وشردهم في البلد ‪ ،‬وفرقهم شذر مذر ‪ ،‬كما تقدم ذلك في سورة سبأ ‪ ،‬وهي ُمصَدّرة‬
‫بإنكار المشركين للمعاد‪ .‬وكذلك هاهنا شبههم بأولئك ‪ ،‬وقد كانوا عربًا من قحطان كما أن هؤلء‬
‫عرب من عدنان ‪ ،‬وقد كانت حمير ‪ -‬وهم سبأ ‪ -‬كلما ملك فيهم رجل سموه تُ ّبعًا ‪ ،‬كما يقال ‪:‬‬
‫كسرى لمن ملك الفرس ‪ ،‬وقيصر لمن ملك الروم ‪ ،‬وفرعون لمن ملك مصر كافرا ‪ ،‬والنجاشي‬
‫لمن ملك الحبشة ‪ ،‬وغير ذلك من أعلم الجناس‪ .‬ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن‬
‫وسار في البلد حتى وصل إلى سمرقند ‪ ،‬واشتد (‪ )6‬ملكه وعظم سلطانه وجيشه ‪ ،‬واتسعت‬
‫مملكته وبلده ‪ ،‬وكثرت رعاياه وهو الذي َمصّر الحيرة فاتفق أنه مَرّ بالمدينة النبوية وذلك في‬
‫أيام الجاهلية ‪ ،‬فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ‪ ،‬وجعلوا َيقْرُونه بالليل ‪ ،‬فاستحيا منهم‬
‫وكف عنهم ‪ ،‬واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه ل سبيل له على‬
‫هذه البلدة ؛ فإنها ُمهَاجَرُ نبي يكون في آخر الزمان ‪ ،‬فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلد اليمن ‪،‬‬
‫فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه [عن ذلك] (‪ )7‬أيضًا ‪ ،‬وأخبراه بعظمة هذا البيت ‪ ،‬وأنه‬
‫من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وهذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تكونوا" وفي م ‪" :‬تكونون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬بأشياعهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬واستمد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/256‬‬

‫ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان ‪ ،‬فعظمها وطاف بها (‪ ، )1‬وكساها الملء والوصائل‬
‫والحبير‪ .‬ثم كر راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه ‪ ،‬وكان إذ ذاك دين موسى ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فتهود معه عامة أهل اليمن‪.‬‬
‫وقد ذكر القصة بطولها المام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة (‪ )2‬وقد ترجمه الحافظ ابن‬
‫عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ‪ ،‬أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم نذكر (‪ .)3‬وذكر أنه‬
‫ملك دمشق ‪ ،‬وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفّت له من دمشق إلى اليمن ‪ ،‬ثم ساق من طريق‬
‫عبد الرزاق ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب (‪ ، )4‬عن المقبري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما أدري الحدود طهارة لهلها أم ل ؟ ول أدري تبع‬
‫لعينًا (‪ )5‬كان أم ل ؟ ول أدري ذو القرنين نبيّا كان أم ملكا ؟" وقال غيره ‪" :‬أعزيرًا كان نبيّا أم‬
‫ل ؟"‪ .‬وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن محمد بن حماد الظهراني ‪ )6( ،‬عن عبد الرزاق (‪.)7‬‬
‫قال الدارقطني ‪ :‬تفرد به عبد الرزاق (‪ .)8‬ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كُرَيْب ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬مرفوعا ‪" :‬عُزيرُ ل أدري أنبيّا كان أم ل ؟ ول أدري‬
‫ألعين تُبّع أم ل ؟" (‪.)9‬‬
‫ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته ‪ ،‬كما سيأتي‪ .‬وكأنه ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬كان كافرًا ثم أسلم‬
‫وتابع دين الكليم (‪ )10‬على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة‬
‫المسيح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وحج البيت في زمن الجُرهُميين ‪ ،‬وكساه الملء والوصائل من الحرير‬
‫والحبر ونحر عنده ستة آلف بدنة وعظمه وأكرمه‪ .‬ثم عاد إلى اليمن‪ .‬وقد ساق قصته بطولها‬
‫الحافظ ابن عساكر ‪ ،‬من طرق متعددة مطولة (‪ )11‬مبسوطة ‪ ،‬عن أبي بن كعب وعبد ال بن‬
‫سلم ‪ ،‬وعبد ال بن عباس وكعب الحبار‪ .‬وإليه المرجع في ذلك كله ‪ ،‬وإلى عبد ال بن سلم‬
‫أيضًا ‪ ،‬وهو أثبت وأكبر وأعلم‪ .‬وكذا روى قصته وهب بن مُنَبّه ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق في السيرة‬
‫كما هو مشهور فيها‪ .‬وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة تُبّع هذا‬
‫بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل ‪ ،‬فإن تُ ّبعًا هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه ‪،‬‬
‫ثم لما مات (‪ )12‬عادوا بعده إلى عبادة الصنام والنيران ‪ ،‬فعاقبهم ال تعالى كما ذكره في سورة‬
‫سبأ ‪ ،‬وقد بسطنا قصتهم هنالك ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬كسا تبع الكعبة ‪ ،‬وكان سعيد ينهى عن سبه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فمعظم الكعبة فطاف بها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/19‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق (‪" 3/500‬القسم المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ذؤيب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أمينا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/36‬من طريق عبد الرزاق به ‪ ،‬ورواه أبو داود في سننه‬
‫برقم (‪ )4674‬من طريق عبد الرزاق به إل أنه قال ‪" :‬عزيز" بدل ‪" :‬ذو القرنين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬قال الحافظ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (‪" : )2/50‬وحديث عبادة بن الصامت ‪:‬‬
‫"إن الحدود كفارة لهلها" أصح وأثبت سندا" ثم ساقه من طريق البخاري بسنده إلى عبادة بن‬
‫الصامت‪.‬‬
‫(‪ )9‬تاريخ دمشق (‪" 3/501‬القسم المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الخليل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬طويلة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬توفي"‪.‬‬

‫( ‪)7/257‬‬

‫وتُبّع هذا هو تُبّع الوسط ‪ ،‬واسمه أسعد أبو (‪ )1‬كُرَيْب بن مَلْكيكرب (‪ )2‬اليماني ذكروا أنه ملك‬
‫على قومه ثلثمائة سنة وستا (‪ )3‬وعشرين سنة ‪ ،‬ولم يكن في حمير أطول مدة منه ‪ ،‬وتوفي قبل‬
‫مبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام‪ .‬وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من‬
‫يهود المدينة أن هذه البلدة ُمهَاجَرُ نبي آخر في الزمان (‪ ، )4‬اسمه أحمد ‪ ،‬قال في ذلك شعرا‬
‫واستودعه عند أهل المدينة‪ .‬وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلف‪ .‬وكان ممن يحفظه أبو‬
‫أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول ال صلى ال عليه وسلم في داره ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫حمَدَ أنّه‪َ ...‬رسُولٌ مِنَ الِ بَاري النّسَمْ‪...‬‬
‫شهِ ْدتُ عَلَى َأ ْ‬
‫َ‬
‫عمْ ِرهِ‪َ ...‬لكُنْت وَزيرا له وابن عَمْ‪...‬‬
‫عمْري إلى ُ‬
‫فَلَو مُدّ ُ‬
‫غمْ‪...‬‬
‫صدْرِه ُكلّ َ‬
‫ن َ‬
‫وَجَا َه ْدتُ بالسّيفِ أعْدَا َءهُ‪ ...‬وَفرّجتُ عَ ْ‬
‫حفِر قبر بصنعاء في السلم ‪ ،‬فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين ‪ ،‬وعند‬
‫وذكر ابن أبي الدنيا أنه ُ‬
‫رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب ‪" :‬هذا قبر حبي ولميس ‪ -‬وروي ‪ :‬حبي وتماضر ‪-‬‬
‫ابنتي تُبّع ماتتا ‪ ،‬وهما تشهدان أن ل إله إل ال ول تشركان به شيئًا ‪ ،‬وعلى ذلك مات الصالحون‬
‫قبلهما‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في "سورة سبأ" شعر سبأ في ذلك أيضًا‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في تبع ‪ُ :‬نعِت َنعْت الرجل الصالح ‪ ،‬ذم ال تعالى قومه ولم‬
‫يذمه ‪ ،‬قال ‪ :‬وكانت عائشة تقول ‪ :‬ل تسبوا تُ ّبعًا ؛ فإنه قد كان رجل صالحًا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن َلهِيعَة‬
‫عن أبي زُرْعَة ‪ -‬يعني عمرو بن جابر الحضرمي ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تسبوا تُ ّبعًا ؛ فإنه قد كان أسلم"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى ‪ ،‬عن ابن َلهِيعة ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن علي البار ‪ ،‬حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بَزّة ‪ ،‬حدثنا مؤمل ابن‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫إسماعيل ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سمَاك بن حرب ‪ ،‬عن ِ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تسبوا تبعا ؛ فإنه قد أسلم" (‪.)6‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن المقْبُري ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ما أدري ‪ ،‬تُبّع نبيّا كان أم غير نبي" (‬
‫‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مليكرب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وستة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نبي في آخر الزمان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/340‬قال الحافظ ابن حجر في تخريج الكشاف ‪" :‬فيه ابن لهيعة ‪ ،‬وعمرو بن‬
‫جابر ‪ ،‬وهما ضعيفان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )11/296‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : 8/769‬فيه أحمد بن أبي بزة المكي ‪،‬‬
‫ولم أعرفه ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي (‪ )3/270‬من طريق عبد الرزاق‬
‫بهذا اللفظ‪.‬‬

‫( ‪)7/258‬‬

‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَهُمْ لَا‬


‫حّ‬‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا لَاعِبِينَ (‪ )38‬مَا خََلقْنَا ُهمَا إِلّا بِالْ َ‬
‫َومَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪)39‬‬

‫وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر ‪" :‬ل أدري تُبّع كان لعينًا (‪ )1‬أم‬
‫ل ؟"‪ .‬فال أعلم‪.‬‬
‫ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى البدي (‪ ، )2‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس موقوفًا‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا عمران أبو الهذيل ‪ ،‬أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال ‪ :‬قال عطاء بن‬
‫أبي رباح ‪ :‬ل تسبوا تُ ّبعًا ؛ فإن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى (‪ )3‬عن سبه (‪.)4‬‬
‫ق وََلكِنّ َأكْثَرَ ُه ْم ل‬
‫ت وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا لعِبِينَ (‪ )38‬مَا خََلقْنَا ُهمَا إِل بِا ْلحَ ّ‬
‫س َموَا ِ‬
‫خَلقْنَا ال ّ‬
‫{ َومَا َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪} )39‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نبيا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المدني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قد نهى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/171‬‬

‫( ‪)7/259‬‬

‫ج َمعِينَ (‪َ )40‬يوْمَ لَا ُيغْنِي َموْلًى عَنْ َموْلًى شَيْئًا وَلَا ُهمْ يُ ْنصَرُونَ (‪ )41‬إِلّا‬
‫صلِ مِيقَا ُتهُمْ َأ ْ‬
‫إِنّ َيوْمَ ا ْل َف ْ‬
‫طعَامُ الْأَثِيمِ (‪ )44‬كَا ْل ُم ْهلِ َيغْلِي‬
‫شجَ َرةَ ال ّزقّومِ (‪َ )43‬‬
‫حمَ اللّهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪ )42‬إِنّ َ‬
‫مَنْ رَ ِ‬
‫سوَاءِ ا ْلجَحِيمِ (‪ )47‬ثُ ّم صُبّوا َفوْقَ رَ ْأسِهِ‬
‫حمِيمِ (‪ )46‬خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى َ‬
‫فِي الْبُطُونِ (‪َ )45‬كغَ ْليِ ا ْل َ‬
‫حمِيمِ (‪ )48‬ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ (‪ )49‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ (‪)50‬‬
‫مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬

‫ج َمعِينَ (‪َ )40‬يوْمَ ل ُيغْنِي َموْلًى عَنْ َموْلًى شَيْئًا وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ (‪)41‬‬
‫{ إِنّ َيوْمَ ا ْل َفصْلِ مِيقَا ُتهُمْ أَ ْ‬
‫إِل مَنْ رَحِمَ اللّهُ إِنّهُ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ (‪} )42‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عدله وتنزيهه نفسه عن اللعب والعبث والباطل ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَا خََلقْنَا‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا بَاطِل ذَِلكَ ظَنّ الّذِينَ َكفَرُوا َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنَ النّارِ } [ ص ‪]27 :‬‬
‫سمَاءَ وَال ْر َ‬
‫ال ّ‬
‫حقّ ل إِلَهَ إِل ُهوَ‬
‫جعُونَ فَ َتعَالَى اللّهُ ا ْلمَِلكُ الْ َ‬
‫حسِبْتُمْ أَ ّنمَا خََلقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَ ّنكُمْ إِلَيْنَا ل تُ ْر َ‬
‫‪ ،‬وقال { َأفَ َ‬
‫َربّ ا ْلعَرْشِ ا ْلكَرِيمِ } [ المؤمنون ‪.] 116 ، 115 :‬‬
‫صلِ } وهو يوم القيامة ‪ ،‬يفصل ال فيه بين الخلئق ‪ ،‬فيعذب الكافرين‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ َيوْمَ ا ْل َف ْ‬
‫ويثيب المؤمنين‪.‬‬
‫ج َمعِينَ } أي ‪ :‬يجمعهم كلهم أولهم وآخرهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مِيقَا ُتهُمْ َأ ْ‬
‫{ َيوْمَ ل ُيغْنِي َموْلًى عَنْ َموْلًى شَيْئًا } أي ‪ :‬ل ينفع قريب قريبًا ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ‬
‫حمِيمًا‪.‬‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫فَل أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَاءَلُونَ } [ المؤمنون ‪ ، ] 101 :‬وكقوله { وَل يَسَْألُ َ‬
‫يُ َبصّرُونَهُمْ } [ المعارج ‪ ] 11 ، 10 :‬أي ‪ :‬ل يسأل أخًا له عن حاله وهو يراه عيانًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ } أي ‪ :‬ل ينصر القريب قريبه ‪ ،‬ول يأتيه نصره من خارج‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِل مَنْ رَحِمَ اللّهُ } أي ‪ :‬ل ينفع يومئذ إل من رحمه ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لخلقه (‪ { )1‬إِنّهُ‬
‫ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الرّحِيمُ } أي ‪ :‬هو عزيز ذو رحمة واسعة‪.‬‬
‫حمِيمِ (‪)46‬‬
‫طعَامُ الثِيمِ (‪ )44‬كَا ْل ُم ْهلِ َيغْلِي فِي الْبُطُونِ (‪َ )45‬كغَ ْليِ ا ْل َ‬
‫{ إِنّ شَجَ َرةَ ال ّزقّومِ (‪َ )43‬‬
‫حمِيمِ (‪ )48‬ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ‬
‫سهِ مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬
‫جحِيمِ (‪ُ )47‬ث ّم صُبّوا َفوْقَ رَأْ ِ‬
‫سوَاءِ الْ َ‬
‫خذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى َ‬
‫ُ‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ (‪ )49‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ (‪} )50‬‬
‫طعَامُ‬
‫شجَ َرةَ ال ّزقّومِ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عما يعذب به [عباده] (‪ )2‬الكافرين الجاحدين للقائه ‪ { :‬إِنّ َ‬
‫الثِيمِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إل رحمة ال بخلقه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/259‬‬

‫والثيم أي ‪ :‬في قوله وفعله ‪ ،‬وهو الكافر‪ .‬وذكر غير واحد أنه أبو جهل ‪ ،‬ول شك في دخوله في‬
‫هذه الية ‪ ،‬ولكن ليست خاصة به‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان عن العمش ‪ ،‬عن‬
‫طعَامُ‬
‫شجَ َرةَ ال ّزقّومِ َ‬
‫إبراهيم (‪ )1‬عن همام بن الحارث ‪ ،‬أن أبا الدرداء كان يقرئ رجل { إِنّ َ‬
‫الثِيمِ } فقال ‪ :‬طعام اليتيم فقال أبو الدرداء قل ‪ :‬إن شجرة الزقوم طعام الفاجر‪ .‬أي ‪ :‬ليس له‬
‫طعام غيرها‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬ولو وقعت منها قطرة في (‪ )2‬الرض لفسدت على أهل الرض معايشهم‪ .‬وقد تقدم‬
‫نحوه مرفوعا‪.‬‬
‫حمِيمِ } أي ‪ :‬من حرارتها‬
‫وقوله ‪ { :‬كَا ْل ُم ْهلِ } قالوا ‪ :‬كعكر الزيت { َيغْلِي فِي الْبُطُونِ‪َ .‬كغَ ْليِ الْ َ‬
‫ورداءتها‪.‬‬
‫خذُوهُ }‬
‫وقوله ‪ { :‬خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } أي ‪[ :‬خذوا] (‪ )3‬الكافر ‪ ،‬وقد ورد أنه تعالى إذا قال للزبانية { ُ‬
‫ابتدره سبعون ألفًا منهم‪.‬‬
‫{ فَاعْتِلُوهُ } أي ‪ :‬سوقوه سحبا ودفعا في ظهره‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ } أي ‪ :‬خذوه فادفعوه‪.‬‬
‫وقال الفرزدق ‪:‬‬
‫لَيسَ الكِرَامُ بِنَاحِلِيكَ أَبَاهُمُ‪ ...‬حَتّى تُ َردّ إلى عَطيّة ُتعْ َتلُ (‪)5( )4‬‬
‫جحِيمِ } أي ‪ :‬وسطها‪.‬‬
‫سوَاءِ الْ َ‬
‫{ إِلَى َ‬
‫صهَرُ ِبهِ مَا‬
‫حمِيمُ‪ُ .‬ي ْ‬
‫سهِمُ الْ َ‬
‫صبّ مِنْ َف ْوقِ رُءُو ِ‬
‫حمِيمِ } كقوله { ُي َ‬
‫سهِ مِنْ عَذَابِ ا ْل َ‬
‫{ ُث ّم صُبّوا َفوْقَ رَأْ ِ‬
‫فِي ُبطُو ِنهِ ْم وَالْجُلُودُ } [ الحج ‪.] 20 ، 19 :‬‬
‫وقد تقدم أن الملك يضربه بمقمعة من حديد ‪ ،‬تفتح (‪ )6‬دماغه ‪ ،‬ثم يصب الحميم على رأسه‬
‫فينزل في بدنه ‪ ،‬فيسلت ما في بطنه من أمعائه ‪ ،‬حتى تمرق (‪ )7‬من كعبيه ‪ -‬أعاذنا ال تعالى‬
‫من ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ } أي ‪ :‬قولوا له ذلك على وجه التهكم والتوبيخ‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬أي لست بعزيز ول كريم‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )8‬الموي في مغازيه ‪ :‬حدثنا أسباط ‪ ،‬حدثنا أبو بكر الهذلي ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬لقي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أبا جهل ‪ -‬لعنه ال ‪ -‬فقال ‪" :‬إن ال تعالى أمرني أن أقول لك ‪:‬‬
‫{ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى‪ُ .‬ثمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى } [ القيامة ‪ ] 35 ، 34 :‬قال ‪ :‬فنزع ثوبه من يده (‪ )9‬وقال‬
‫‪ :‬ما تستطيع لي أنت ول صاحبك من شيء‪ .‬ولقد علمت أني أمنع (‪ )10‬أهل البطحاء ‪ ،‬وأنا‬
‫العزيز الكريم‪ .‬قال ‪ :‬فقتله ال تعالى يوم بدر وأذله وعيره بكلمته ‪ ،‬وأنزل ‪ُ { :‬ذقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ } (‪.)11‬‬
‫جهَنّمَ دَعّا‪ .‬هَ ِذهِ النّارُ الّتِي‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ } ‪ ،‬كقوله { َيوْمَ يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬
‫كُنْتُمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ َأ َفسِحْرٌ َهذَا َأمْ أَنْتُمْ ل تُ ْبصِرُونَ } [ الطور ‪، ] 15 - 13 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬مقتل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬البيت في تفسير الطبري (‪.)25/80‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فيفتح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يمزق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بدنه"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬أني من أمنع"‪.‬‬
‫(‪ )11‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )7/418‬وهو مرسل‪.‬‬

‫( ‪)7/260‬‬

‫س وَإِسْتَبْ َرقٍ مُ َتقَابِلِينَ (‬


‫ت وَعُيُونٍ (‪ )52‬يَلْبَسُونَ مِنْ سُ ْندُ ٍ‬
‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي َمقَامٍ َأمِينٍ (‪ )51‬فِي جَنّا ٍ‬
‫ك وَ َزوّجْنَا ُهمْ بِحُورٍ عِينٍ (‪َ )54‬يدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ َآمِنِينَ (‪ )55‬لَا يَذُوقُونَ فِيهَا ا ْل َم ْوتَ‬
‫‪ )53‬كَذَِل َ‬
‫إِلّا ا ْل َموْتَةَ الْأُولَى َو َوقَاهُمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ (‪َ )56‬فضْلًا مِنْ رَ ّبكَ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )57‬فَإِ ّنمَا‬
‫يَسّرْنَاهُ بِِلسَا ِنكَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪ )58‬فَارْ َتقِبْ إِ ّنهُمْ مُرْتَقِبُونَ (‪)59‬‬

‫؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬إِنّ هَذَا مَا كُنْ ُتمْ بِهِ َتمْتَرُونَ }‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )52‬يَلْ َبسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُ َتقَابِلِينَ (‬
‫{ إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي َمقَامٍ َأمِينٍ (‪ )51‬فِي جَنّا ٍ‬
‫ك وَ َزوّجْنَا ُهمْ بِحُورٍ عِينٍ (‪َ )54‬يدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ آمِنِينَ (‪ )55‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا ا ْل َم ْوتَ‬
‫‪ )53‬كَذَِل َ‬
‫إِل ا ْل َموْتَ َة الولَى َو َوقَاهُمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ (‪َ )56‬فضْل مِنْ رَ ّبكَ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪ )57‬فَإِ ّنمَا‬
‫يَسّرْنَاهُ بِِلسَا ِنكَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ (‪ )58‬فَارْ َتقِبْ إِ ّنهُمْ مُرْتَقِبُونَ (‪} )59‬‬
‫سمّي القرآن مثاني ‪ -‬فقال ‪:‬‬
‫لما ذكر تعالى حال الشقياء عطف بذكر [حال] (‪ )1‬السعداء ‪ -‬ولهذا ُ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ } أي ‪ :‬ل في الدنيا { فِي مَقَامٍ َأمِينٍ } أي ‪ :‬في الخرة وهو الجنة ‪ ،‬قد أمنوا فيها من‬
‫الموت والخروج ‪ ،‬ومن كل هم وحزن وجزع (‪ )2‬وتعب ونصب ‪ ،‬ومن الشيطان وكيده ‪ ،‬وسائر‬
‫الفات والمصائب‪.‬‬
‫ت وَعُيُونٍ } وهذا في مقابلة ما أولئك فيه من شجر (‪ )3‬الزقوم ‪ ،‬وشرب الحميم‪.‬‬
‫{ فِي جَنّا ٍ‬
‫س وَإِسْتَبْ َرقٍ } وهو ‪ :‬رفيع الحرير ‪ ،‬كالقمصان ونحوها (‪)4‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬يَلْبَسُونَ مِنْ سُ ْندُ ٍ‬
‫{ وَإِسْتَبْ َرقٍ } وهو ما فيه بريق ولمعان وذلك كالرياش ‪ ،‬وما يلبس على أعالي القماش ‪،‬‬
‫{ مُ َتقَابِلِينَ } أي ‪ :‬على السرر ل يجلس أحد منهم وظهره إلى غيره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كَ َذِلكَ وَزَوّجْنَاهُمْ ِبحُورٍ عِينٍ } أي ‪ :‬هذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ } [ الرحمن ‪ {] 74 ، 56 :‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ‬
‫العين الحسان اللتي { لَمْ َي ْ‬
‫وَا ْلمَرْجَانُ } [ الرحمن ‪َ {] 58 :‬هلْ جَزَاءُ الحْسَانِ إِل الحْسَانُ } [ الرحمن ‪.] 60 :‬‬
‫قال (‪ )5‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا نوح بن حبيب ‪ ،‬حدثنا نصر بن مزاحم العطار ‪ ،‬حدثنا‬
‫عمر بن سعد ‪ ،‬عن رجل عن أنس ‪ -‬رفعه نوح ‪ -‬قال ‪ :‬لو أن حوراء بَ َزقَت في بحر ُلجّي ‪،‬‬
‫لعَ ُذبَ ذلك الماء لعذوبة ريقها (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ آمِنِينَ } أي ‪ :‬مهما طلبوا من أنواع الثمار أحضر لهم ‪ ،‬وهم‬
‫آمنون من انقطاعه وامتناعه ‪ ،‬بل يحضر إليهم (‪ )7‬كلما أرادوا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَذُوقُونَ فِيهَا ا ْل َم ْوتَ إِل ا ْل َموْتَ َة الولَى } هذا استثناء يؤكد النفي ‪ ،‬فإنه استثناء منقطع‬
‫ومعناه ‪ :‬أنهم ل يذوقون فيها الموت أبدًا ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ‪ ،‬فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ‪ ،‬ثم يقال ‪ :‬يا‬
‫أهل الجنة خلود فل (‪ )8‬موت ‪ ،‬ويا أهل النار خلود فل (‪ )9‬موت" وقد تقدم الحديث في سورة‬
‫مريم (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وجوع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬شرب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وغيرها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )386‬من وجه آخر ‪ ،‬فرواه من طريق محمد بن‬
‫إسماعيل الحساني ‪ ،‬عن منصور الواسطي ‪ ،‬عن أبي النصر البار ‪ ،‬عن أنس مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬انظر ‪ :‬تخريج الحديث عند الية ‪ 39 :‬من سورة مريم‪.‬‬

‫( ‪)7/261‬‬

‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي مسلم الغر ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫وأبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقال لهل الجنة ‪:‬‬
‫إن لكم أن تصحوا فل تسقموا أبدًا ‪ ،‬وإن لكم أن تعيشوا فل تموتوا أبدًا ‪ ،‬وإن لكم أن تنعموا فل‬
‫تَبْأسوا أبدًا ‪ ،‬وإن لكم أن تشبوا فل تهرموا أبدًا"‪ .‬رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن‬
‫حميد ‪ ،‬كلهما عن عبد الرزاق به (‪.)1‬‬
‫هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق "أبو مسلم الغر" ‪ ،‬وأهل المدينة يقولون ‪" :‬أبو عبد ال‬
‫الغر" (‪.)2‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني ‪ :‬حدثنا أحمد بن حفص ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن إبراهيم بن‬
‫ط ْهمَان ‪ ،‬عن الحجاج ‪ -‬هو ابن حجاج (‪ - )3‬عن عبادة (‪ ، )4‬عن عبيد ال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي‬
‫َ‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من اتقى ال دخل الجنة ‪،‬‬
‫ينعم فيها ول يبأس ‪ ،‬ويحيا فيها فل يموت ‪ ،‬ل تبلى ثيابه ‪ ،‬ول يفنى شبابه" (‪.)5‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا عمرو بن محمد الناقد ‪ ،‬حدثنا سليمان‬
‫بن عبيد ال الرقي ‪ ،‬حدثنا مصعب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا عمران بن الربيع الكوفي ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫سعيد النصاري ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬سُئل نبي ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ :‬أينام أهل الجنة ؟ فقال ‪" :‬النوم أخو الموت ‪ ،‬وأهل الجنة ل ينامون" (‪.)6‬‬
‫وهكذا رواه أبو بكر بن مُرْدَويه في تفسيره ‪ :‬حدثنا أحمد بن القاسم بن صدقة المصري ‪ ،‬حدثنا‬
‫المقدام بن داود ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا سفيان الثوري ‪ ،‬عن محمد بن الْمن َكدِر ‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬النوم أخو الموت ‪ ،‬وأهل الجنة ل‬
‫ينامون" (‪.)7‬‬
‫وقال أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا الفضل بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا محمد بن يوسف الفِريابي ‪ ،‬عن‬
‫سفيان ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل ينام أهل الجنة ؟ قال ‪:‬‬
‫"ل النوم أخو الموت" ثم قال ‪" :‬ل نعلم أحدًا أسنده عن ابن المنكدر ‪ ،‬عن جابر إل الثوري ‪ ،‬ول‬
‫عن الثوري ‪ ،‬إل الفريابي" (‪ )8‬هكذا قال ‪ ،‬وقد تقدم خلف ذلك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫جحِيمِ } أي ‪ :‬مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم ‪ ،‬وسلمهم ونجاهم‬
‫عذَابَ الْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َوقَاهُمْ َ‬
‫وزحزحهم من (‪ )9‬العذاب الليم في دركات الجحيم ‪ ،‬فحصل لهم المطلوب ‪ ،‬ونجاهم من‬
‫المرهوب ؛‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2837‬‬
‫(‪ )2‬والول هو الصواب كما بين ذلك المام المزي في تهذيب الكمال‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الحجاج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قتادة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )4895‬مجمع البحرين" من طريق أحمد بن‬
‫حفص به‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الوسط برقم (‪" )4875‬مجمع البحرين" وفي إسناده مصعب بن إبراهيم العبسي ‪،‬‬
‫منكر الحديث‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )7/90‬من طريق أحمد بن القاسم عن المقدام بن داود به ‪ ،‬وقال‬
‫‪" :‬غريب من حديث الثوري ‪ ،‬تفرد به عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬مسند البزار برقم (‪" )3517‬كشف الستار" قال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/415‬رجال‬
‫البزار رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)7/262‬‬

‫ولهذا قال ‪َ { :‬فضْل مِنْ رَ ّبكَ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ } أي ‪ :‬إنما كان هذا (‪ )1‬بفضله عليهم‬
‫وإحسانه إليهم كما ثبت في الصحيح (‪ )2‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬اعملوا‬
‫وسددوا وقاربوا ‪ ،‬واعلموا أن أحدًا لن يُدخله عمله الجنة" قالوا ‪ :‬ول أنت يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫"ول أنا إل أن يتغمّدني ال برحمة منه وفضل" (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِ ّنمَا يَسّرْنَاهُ بِلِسَا ِنكَ َلعَّلهُمْ يَ َت َذكّرُونَ } أي ‪ :‬إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهل‬
‫واضحًا بينًا جليًا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلها وأحلها وأعلها { َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ } أي‬
‫‪ :‬يتفهمون ويعملون‪ .‬ثم لما كان مع هذا البيان والوضوح من الناس من كفر وخالف وعاند ‪ ،‬قال‬
‫ال تعالى لرسوله مسليا له وواعدًا له بالنصر ‪ ،‬ومتوعدًا لمن كذبه بالعطب والهلك ‪ { :‬فَارْ َت ِقبْ }‬
‫أي ‪ :‬انتظر { إِ ّن ُهمْ مُرْ َتقِبُونَ } أي ‪ :‬فسيعلمون (‪ )4‬لمن يكون النصر والظفر وعُلُو الكلمة في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فإنها لك يا محمد ولخوانك من النبيين والمرسلين ومن اتبعكم من المؤمنين ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ } [ المجادلة ‪ ، ] 21 :‬وقال‬
‫شهَادُ َيوْمَ ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ‬
‫تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ ُرسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫َمعْذِرَ ُتهُ ْم وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [ غافر ‪.] 52 ، 51 :‬‬
‫آخر تفسير سورة الدخان ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬وبه التوفيق والعصمة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الصحيحين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6467‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فستعلمون"‪.‬‬

‫( ‪)7/263‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضِ لَآَيَاتٍ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)3‬‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫حكِيمِ (‪ )2‬إِنّ فِي ال ّ‬
‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫ل وَال ّنهَا ِر َومَا أَنْ َزلَ اللّهُ مِنَ‬
‫َوفِي خَ ْلقِكُمْ َومَا يَ ُبثّ مِنْ دَابّةٍ آَيَاتٌ ِل َقوْمٍ يُوقِنُونَ (‪ )4‬وَاخْتِلَافِ اللّ ْي ِ‬
‫سمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فََأحْيَا بِهِ الْأَ ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ آَيَاتٌ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪ )5‬تِ ْلكَ آَيَاتُ‬
‫ال ّ‬
‫سمَعُ آَيَاتِ‬
‫حدِيثٍ َبعْدَ اللّ ِه وَآَيَاتِهِ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )6‬وَ ْيلٌ ِل ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‪ )7‬يَ ْ‬
‫حقّ فَبَِأيّ َ‬
‫اللّهِ نَ ْتلُوهَا عَلَ ْيكَ بِالْ َ‬
‫س َم ْعهَا فَ َبشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ )8‬وَإِذَا عَِلمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا‬
‫اللّهِ تُ ْتلَى عَلَ ْيهِ ثُمّ ُيصِرّ ُمسْ َتكْبِرًا كَأَنْ لَمْ َي ْ‬
‫جهَنّ ُم وَلَا ُيغْنِي عَ ْنهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬
‫خذَهَا هُ ُزوًا أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )9‬مِ ْ‬
‫اتّ َ‬
‫عذَابٌ‬
‫عظِيمٌ (‪ )10‬هَذَا ُهدًى وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآَيَاتِ رَ ّب ِهمْ َلهُمْ َ‬
‫عذَابٌ َ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَا َء وََلهُمْ َ‬
‫اتّ َ‬
‫مِنْ رِجْزٍ َألِيمٌ (‪)11‬‬

‫تفسير سورة الجاثية‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ض ليَاتٍ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)3‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫حكِيمِ (‪ )2‬إِنّ فِي ال ّ‬
‫{ حم (‪ )1‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫ل وَال ّنهَارِ َومَا أَنزلَ اللّهُ مِنَ‬
‫َوفِي خَ ْلقِكُمْ َومَا يَ ُبثّ مِنْ دَابّةٍ آيَاتٌ ِل َقوْمٍ يُوقِنُونَ (‪ )4‬وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ‬
‫سمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فََأحْيَا بِهِ ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ آيَاتٌ ِلقَوْمٍ َي ْعقِلُونَ (‪} )5‬‬
‫ال ّ‬
‫يُرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلئه ونعمه ‪ ،‬وقدرته العظيمة التي خلق بها السموات الرض ‪،‬‬
‫وما فيهما من المخلوقات المختلفة الجناس والنواع من الملئكة والجن والنس ‪ ،‬والدواب‬
‫والطيور والوحوش والسباع والحشرات ‪ ،‬وما في البحر من الصناف المتنوعة ‪ ،‬واختلف الليل‬
‫والنهار في تعاقبهما دائبين ل يفتران ‪ ،‬هذا بظلمه وهذا بضيائه ‪ ،‬وما أنزل ال تعالى من‬
‫السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه ‪ ،‬وسماه رزقًا ؛ لن به يحصل الرزق ‪ { ،‬فَأَحْيَا ِبهِ‬
‫ال ْرضَ َب ْعدَ َموْ ِتهَا } أي ‪ :‬بعد ما كانت هامدة ل نبات فيها ول شيء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ } أي ‪ :‬جنوبا وشآما (‪ ، )1‬ودبورًا وصبًا ‪ ،‬بحرية وبرية ‪ ،‬ليلية‬
‫ونهارية‪ .‬ومنها ما هو للمطر ‪ ،‬ومنها ما هو للقاح ‪ ،‬ومنها ما هو غذاء للرواح ‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫عقيم [ل ينتج] (‪.)2‬‬
‫وقال أول { ليَاتٍ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } (‪ ، )3‬ثم { يوقنون } ثم { يعقلون } وهو تَ َرقّ من حال شريف إلى‬
‫س َموَاتِ‬
‫ما هو أشرف منه وأعلى‪ .‬وهذه اليات شبيهة بآية "البقرة" وهي قوله ‪ { :‬إِنّ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫ل وَال ّنهَا ِر وَا ْلفُ ْلكِ الّتِي َتجْرِي فِي الْ َبحْرِ ِبمَا يَ ْنفَعُ النّاسَ َومَا أَنزلَ اللّهُ مِنَ‬
‫ض وَاخْتِلفِ اللّ ْي ِ‬
‫وَالرْ ِ‬
‫ح وَالسّحَابِ‬
‫سمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا ِبهِ ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا وَ َبثّ فِيهَا مِنْ ُكلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ض ليَاتٍ ِل َقوْمٍ َي ْعقِلُونَ } [ البقرة ‪ .] 164 :‬وقد أورد ابن أبي حاتم‬
‫سمَا ِء وَالرْ ِ‬
‫سخّرِ بَيْنَ ال ّ‬
‫ا ْلمُ َ‬
‫هاهنا عن وهب بن مُنَبّه أثرا طويل غريبًا في خلق النسان من الخلط الربعة‪.‬‬
‫حدِيثٍ َبعْدَ اللّ ِه وَآيَاتِهِ ُي ْؤمِنُونَ (‪ )6‬وَ ْيلٌ ِل ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ (‬
‫حقّ فَبَِأيّ َ‬
‫{ تِ ْلكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِالْ َ‬
‫س َم ْعهَا فَبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ )8‬وَإِذَا عَلِمَ‬
‫سمَعُ آيَاتِ اللّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ُثمّ ُيصِرّ مُسْ َتكْبِرًا كَأَنْ َلمْ يَ ْ‬
‫‪َ )7‬ي ْ‬
‫جهَنّ ُم وَل ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ مَا كَسَبُوا‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬
‫خذَهَا هُ ُزوًا أُولَ ِئكَ َل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )9‬مِ ْ‬
‫مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتّ َ‬
‫عظِيمٌ (‪ )10‬هَذَا ُهدًى وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَا َء وََلهُمْ عَذَابٌ َ‬
‫شَيْئًا وَل مَا اتّ َ‬
‫رَ ّبهِمْ َلهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (‪} )11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وشمال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لقوم يؤمنون" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/264‬‬

‫شكُرُونَ (‪ )12‬وَسَخّرَ‬
‫سخّرَ َلكُمُ الْبَحْرَ لِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ فِيهِ بَِأمْ ِر ِه وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ تَ ْ‬
‫اللّهُ الّذِي َ‬
‫جمِيعًا مِنْهُ إِنّ فِي ذَِلكَ لَآَيَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪)13‬‬
‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬

‫يقول تعالى ‪ :‬هذه آيات ال ‪ -‬يعني القرآن بما فيه من الحجج والبينات ‪ { -‬نَتْلُوهَا عَلَ ْيكَ بِا ْلحَقّ }‬
‫أي ‪ :‬متضمنة الحق من الحق ‪ ،‬فإذا كانوا ل يؤمنون بها ول ينقادون لها ‪ ،‬فبأي حديث بعد ال‬
‫وآياته يؤمنون ؟!‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ ْيلٌ ِل ُكلّ َأفّاكٍ أَثِيمٍ } أي ‪ :‬أفاك في قوله كذاب ‪ ،‬حلف مهين أثيم في فعله وقيله (‪)1‬‬
‫سمَعُ آيَاتِ اللّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ } أي ‪ :‬تقرأ عليه { ثُمّ ُيصِرّ } أي ‪:‬‬
‫كافر بآيات ال ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ي ْ‬
‫س َم ْعهَا } أي ‪ :‬كأنه ما سمعها ‪ { ،‬فَبَشّ ْرهُ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ‬
‫على كفره وجحوده استكبارًا وعنادا { كَأَنْ َلمْ يَ ْ‬
‫} [أي] (‪ )2‬فأخبره أن له عند ال يوم القيامة عذابا أليما موجعا‪.‬‬
‫{ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتّخَ َذهَا هُ ُزوًا } أي ‪ :‬إذا حفظ شيئًا من القرآن كفر به واتخذه سخريا‬
‫وهزوا ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ َلهُمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ } أي ‪ :‬في مقابلة ما استهان بالقرآن واستهزأ به ؛ ولهذا روى‬
‫مسلم في صحيحه عن ابن عمر قال ‪ :‬نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى‬
‫أرض العدو مخافة أن يناله العدو (‪.)3‬‬
‫جهَنّمُ } أي ‪ :‬كل من اتصف بذلك‬
‫ن وَرَا ِئهِمْ َ‬
‫ثم فسر العذاب الحاصل له يوم معاده (‪ )4‬فقال ‪ { :‬مِ ْ‬
‫سيصيرون إلى جهنم يوم القيامة ‪ { ،‬وَل ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا } أي ‪ :‬ل تنفعهم أموالهم ول‬
‫أولدهم ‪ { ،‬وَل مَا اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ َأوْلِيَاءَ } أي ‪ :‬ول تغني عنهم اللهة التي عبدوها من دون‬
‫عظِيمٌ }‬
‫عذَابٌ َ‬
‫ال شيئًا ‪ { ،‬وََلهُمْ َ‬
‫عذَابٌ مِنْ رِجْزٍ َألِيمٌ }‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬هَذَا هُدًى } يعني القرآن { وَالّذِينَ َكفَرُوا بِآيَاتِ رَ ّب ِهمْ َلهُمْ َ‬
‫وهو المؤلم (‪ )5‬الموجع‪.‬‬
‫شكُرُونَ (‪)12‬‬
‫{ اللّهُ الّذِي سَخّرَ َلكُمُ الْ َبحْرَ لِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ فِيهِ بَِأمْ ِرهِ وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِ ِه وََلعَّلكُمْ َت ْ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ (‪} )13‬‬
‫جمِيعًا مِنْهُ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫وَسَخّرَ َل ُكمْ مَا فِي ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقلبه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1869‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬المقلق"‪.‬‬

‫( ‪)7/265‬‬

‫ع ِملَ‬
‫ُقلْ لِلّذِينَ َآمَنُوا َي ْغفِرُوا لِلّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِ َيجْ ِزيَ َق ْومًا ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ (‪ )14‬مَنْ َ‬
‫جعُونَ (‪)15‬‬
‫صَالِحًا فَلِ َنفْسِهِ َومَنْ َأسَاءَ َفعَلَ ْيهَا ثُمّ إِلَى رَ ّب ُكمْ تُرْ َ‬

‫ع ِملَ‬
‫{ ُقلْ لِلّذِينَ آمَنُوا َي ْغفِرُوا لِلّذِينَ ل يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْ ِزيَ َق ْومًا ِبمَا كَانُوا َي ْكسِبُونَ (‪ )14‬مَنْ َ‬
‫جعُونَ (‪} )15‬‬
‫صَالِحًا فَلِ َنفْسِهِ َومَنْ َأسَاءَ َفعَلَ ْيهَا ثُمّ إِلَى رَ ّب ُكمْ تُرْ َ‬
‫يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر { لِ َتجْ ِريَ ا ْلفُ ْلكُ } ‪ ،‬وهي السفن فيه بأمره‬
‫تعالى ‪ ،‬فإنه هو الذي أمر البحر أن يحملها { وَلِتَبْ َتغُوا مِنْ َفضْلِهِ } أي ‪ :‬في المتاجر والمكاسب ‪،‬‬
‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬على حصول المنافع المجلوبة إليكم من القاليم النائية والفاق القاصية‪.‬‬
‫{ وََلعَّلكُمْ َت ْ‬

‫( ‪)7/265‬‬
‫ت َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫ح ْك َم وَالنّ ُب ّوةَ وَرَ َزقْنَا ُهمْ مِنَ الطّيّبَا ِ‬
‫ب وَالْ ُ‬
‫وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَا َ‬
‫‪ )16‬وَآَتَيْنَا ُهمْ بَيّنَاتٍ مِنَ الَْأمْرِ َفمَا اخْتََلفُوا إِلّا مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيًا بَيْ َنهُمْ إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي‬
‫جعَلْنَاكَ عَلَى شَرِي َعةٍ مِنَ الَْأمْرِ فَاتّ ِب ْعهَا وَلَا تَتّبِعْ‬
‫بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪ُ )17‬ثمّ َ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ‬
‫أَ ْهوَاءَ الّذِينَ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )18‬إِ ّنهُمْ لَنْ ُيغْنُوا عَ ْنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَإِنّ الظّاِلمِينَ َب ْع ُ‬
‫حمَةٌ ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ (‪)20‬‬
‫وَاللّ ُه وَِليّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )19‬هَذَا َبصَائِرُ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَ ْ‬

‫ت َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬من الكواكب والجبال ‪،‬‬


‫س َموَا ِ‬
‫سخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَ َ‬
‫والبحار والنهار ‪ ،‬وجميع ما تنتفعون به ‪ ،‬أي ‪ :‬الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه ؛ ولهذا قال‬
‫جمِيعًا مِنْهُ } أي ‪ :‬من عنده وحده ل شريك له في ذلك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومَا ِب ُكمْ مِنْ ِن ْعمَةٍ‬
‫‪َ {:‬‬
‫سكُمُ الضّرّ فَإِلَ ْيهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل ‪.] 53 :‬‬
‫َفمِنَ اللّهِ ُثمّ إِذَا مَ ّ‬
‫س َموَاتِ َومَا‬
‫وروى ابن جرير من طريق العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَسَخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬
‫جمِيعًا مِنْهُ } كل شيء هو من ال ‪ ،‬وذلك السم فيه اسم من أسمائه ‪ ،‬فذلك جميعا منه‬
‫فِي ال ْرضِ َ‬
‫‪ ،‬ول ينازعه فيه المنازعون ‪ ،‬واستيقن أنه كذلك‪.‬‬
‫وقال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن خَلَف العسقلني ‪ ،‬حدثنا الفِرْياني ‪ ،‬عن‬
‫سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن المِنْهال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي أراكة قال ‪ :‬سأل رجل عبد ال بن‬
‫عمرو قال ‪ :‬مم خلق الخلق ؟ قال ‪ :‬من النور والنار ‪ ،‬والظلمة والثرى‪ .‬قال وائت ابن عباس‬
‫فاسأله‪ .‬فأتاه فقال له مثل ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ارجع إليه فسله ‪ :‬مم خلق ذلك كله ؟ فرجع إليه فسأله ‪،‬‬
‫جمِيعًا مِنْهُ } هذا أثر غريب ‪ ،‬وفيه نكارة‪.‬‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫سخّرَ َلكُمْ مَا فِي ال ّ‬
‫فتل { وَ َ‬
‫ك ليَاتٍ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ }‬
‫{ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ لِلّذِينَ آمَنُوا َي ْغفِرُوا لِلّذِينَ ل يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ } أي ‪ :‬يصفحوا عنهم ويحملوا (‪)2‬‬
‫الذى منهم‪ .‬وهذا كان في ابتداء السلم ‪ ،‬أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ‪،‬‬
‫ليكون ذلك لتأليف قلوبهم (‪ ، )3‬ثم لما أصروا على العناد شرع ال للمؤمنين الجلد والجهاد‪.‬‬
‫هكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقال مجاهد [في قوله] (‪ { )4‬ل يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ } ل يبالون (‪ )5‬نعم ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َيجْ ِزيَ َق ْومًا ِبمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ } أي ‪ :‬إذا صفحوا (‪ )6‬عنهم في الدنيا ‪ ،‬فإن ال‬
‫ل صَالِحًا فَلِ َنفْسِ ِه َومَنْ أَسَاءَ َفعَلَ ْيهَا ُثمّ‬
‫ع ِم َ‬
‫مجازيهم بأعمالهم السيئة في الخرة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَنْ َ‬
‫جعُونَ } أي ‪ :‬تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم [عليه] (‪ )7‬فيجزيكم‬
‫إِلَى رَ ّبكُمْ تُ ْر َ‬
‫بأعمالكم خيرها وشرها‪.‬‬
‫ت َو َفضّلْنَاهُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ (‬
‫حكْ َم وَالنّ ُب ّو َة وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَا ِ‬
‫{ وََلقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ وَالْ ُ‬
‫‪ )16‬وَآتَيْنَا ُهمْ بَيّنَاتٍ مِنَ المْرِ َفمَا اخْتََلفُوا إِل مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءهُمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيًا بَيْ َنهُمْ إِنّ رَ ّبكَ َي ْقضِي‬
‫ن المْرِ فَاتّ ِب ْعهَا وَل تَتّبِعْ‬
‫جعَلْنَاكَ عَلَى شَرِي َعةٍ مِ َ‬
‫بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ َيخْتَِلفُونَ (‪ُ )17‬ثمّ َ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ‬
‫أَ ْهوَاءَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ (‪ )18‬إِ ّن ُهمْ لَنْ ُيغْنُوا عَ ْنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَإِنّ الظّاِلمِينَ َب ْع ُ‬
‫حمَةٌ ِلقَوْمٍ يُوقِنُونَ (‪} )20‬‬
‫وَاللّ ُه وَِليّ ا ْلمُ ّتقِينَ (‪ )19‬هَذَا َبصَائِرُ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ويحتملوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬كالتأليف لهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ينالون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أي اصفحوا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/266‬‬

‫سوَاءً َمحْيَاهُمْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬
‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَ َرحُوا السّيّئَاتِ أَنْ َن ْ‬
‫أَمْ حَ ِ‬
‫ق وَلِتُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ‬
‫حّ‬‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )21‬وَ َ‬
‫َو َممَاتُهُمْ سَاءَ مَا َي ْ‬
‫وَهُمْ لَا ُيظَْلمُونَ (‪)22‬‬

‫يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم ‪ ،‬وجعله‬
‫حكْ َم وَالنّ ُب ّوةَ وَرَ َزقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ }‬
‫الملك فيهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََلقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُ‬
‫أي ‪ :‬من المآكل والمشارب ‪َ { ،‬و َفضّلْنَاهُمْ عَلَى ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬في زمانهم‪.‬‬
‫ن المْرِ } أي ‪ :‬حججا وبراهين وأدلة قاطعات ‪ ،‬فقامت (‪ )1‬عليهم الحجج ثم‬
‫{ وَآتَيْنَاهُمْ بَيّنَاتٍ مِ َ‬
‫اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة ‪ ،‬وإنما كان ذلك بغيا منهم على بعضهم بعضا ‪ { ،‬إِنّ رَ ّبكَ }‬
‫يا محمد { َي ْقضِي بَيْ َنهُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْ َتِلفُونَ } أي ‪ :‬سيفصل بينهم بحكمه العدل‪.‬‬
‫جعَلْنَاكَ عَلَى‬
‫وهذا فيه تحذير لهذه المة أن تسلك مسلكهم ‪ ،‬وأن تقصد منهجهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ثُمّ َ‬
‫ن المْرِ فَاتّ ِب ْعهَا } أي ‪ :‬اتبع ما أوحي إليك من ربك ل إله إل هو ‪ ،‬وأعرض عن‬
‫شَرِيعَةٍ مِ َ‬
‫المشركين ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ { :‬وَل تَتّ ِبعْ أَ ْهوَاءَ الّذِينَ ل َيعَْلمُونَ إِ ّن ُهمْ لَنْ ُيغْنُوا عَ ْنكَ مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَإِنّ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ } أي ‪ :‬وماذا تغني (‪ )2‬عنهم وليتهم لبعضهم بعضا ‪ ،‬فإنهم ل‬
‫الظّاِلمِينَ َب ْع ُ‬
‫يزيدونهم إل خسارا ودمارا وهلكا ‪ { ،‬وَاللّ ُه وَِليّ ا ْلمُ ّتقِينَ } ‪ ،‬وهو تعالى يخرجهم من الظلمات‬
‫إلى النور ‪ ،‬والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات‪.‬‬
‫حمَةٌ ِل َقوْمٍ يُوقِنُونَ }‬
‫ثم قال ‪ { :‬هَذَا َبصَائِرُ لِلنّاسِ } يعني ‪ :‬القرآن { وَهُدًى وَ َر ْ‬
‫سوَاءً مَحْيَا ُهمْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬
‫جعََل ُهمْ كَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَرَحُوا السّيّئَاتِ أَنْ نَ ْ‬
‫حِ‬‫{ َأمْ َ‬
‫ق وَلِ ُتجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ‬
‫ت وَالرْضَ بِا ْلحَ ّ‬
‫س َموَا ِ‬
‫خلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )21‬وَ َ‬
‫َو َممَاتُهُمْ سَاءَ مَا َي ْ‬
‫ظَلمُونَ (‪} )22‬‬
‫وَهُمْ ل يُ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فقامت به"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وما يغني"‪.‬‬

‫( ‪)7/267‬‬

‫غشَا َوةً‬
‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ ِ‬
‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِ ِه وَ َ‬
‫علَى َ‬
‫خذَ إَِلهَهُ َهوَاهُ وََأضَلّهُ اللّهُ عَلَى عِ ْل ٍم وَخَتَمَ َ‬
‫َأفَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّ َ‬
‫َفمَنْ َيهْدِيهِ مِنْ َب ْعدِ اللّهِ َأفَلَا تَ َذكّرُونَ (‪)23‬‬

‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ‬


‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِهِ وَ َ‬
‫{ َأفَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ ِإَلهَهُ َهوَا ُه وََأضَلّهُ اللّهُ عَلَى عِلْ ٍم وَخَ َتمَ عَلَى َ‬
‫غِشَا َوةً َفمَنْ َيهْدِيهِ مِنْ َب ْعدِ اللّهِ َأفَل تَ َذكّرُونَ (‪} )23‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ل يستوي المؤمنون والكافرون ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّارِ وََأصْحَابُ‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَرَحُوا‬
‫الْجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ } [ الحشر ‪ ]20 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬أَمْ حَ ِ‬
‫سوَاءً َمحْيَاهُمْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬
‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫السّيّئَاتِ } أي ‪ :‬عملوها وكسبوها { أَنْ نَ ْ‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬ساء ما ظنوا بنا‬
‫َو َممَاتُهُمْ } أي ‪ :‬نساويهم بهم في الدنيا والخرة! { سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫وبعدلنا أن نُسَاوي بين البرار والفجار في الدار الخرة ‪ ،‬وفي هذه الدار‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا مُؤمّل بن إهابَ ‪ ،‬حدثنا ُبكَير (‪ )1‬بن عثمان التّنُوخِي ‪ ،‬حدثنا‬
‫ال َوضِين بن عطاء ‪ ،‬عن يزيد بن مَرْثَد الباجي (‪ ، )2‬عن أبي ذر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ال‬
‫بنى دينه على أربعة أركان ‪ ،‬فمن صبر عليهن ولم يعمل بهن لقي ال [وهو] (‪ )3‬من الفاسقين‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬وما هن يا أبا ذر ؟ قال ‪ :‬يسلم حلل ال ل ‪ ،‬وحرام ال ل ‪ ،‬وأمر ال ل ‪ ،‬ونهي ال ل ‪،‬‬
‫ل يؤتمن عليهن إل ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/267‬‬
‫َوقَالُوا مَا ِهيَ إِلّا حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَ َنحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَا إِلّا الدّهْرُ َومَا َل ُهمْ بِذَِلكَ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ ُهمْ إِلّا‬
‫حجّ َتهُمْ ِإلّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ‬
‫يَظُنّونَ (‪ )24‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آَيَاتُنَا بَيّنَاتٍ مَا كَانَ ُ‬
‫ج َم ُعكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ لَا رَ ْيبَ فِي ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَا َيعَْلمُونَ‬
‫(‪ُ )25‬قلِ اللّهُ ُيحْيِيكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يَ ْ‬
‫(‪)26‬‬

‫قال أبو القاسم صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كما أنه ل يجتنى من الشوك (‪ )1‬العنب ‪ ،‬كذلك ل ينال‬
‫الفجار منازل البرار" (‪.)2‬‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وقد ذكر محمد بن إسحاق في كتاب "السيرة" أنهم وجدوا حجرا‬
‫س الكعبة مكتوب (‪ )3‬عليه ‪ :‬تعملون السيئات وترجون الحسنات ؟ أجل كما يجتنى من‬
‫بمكة في أ ّ‬
‫الشوك العنب (‪.)4‬‬
‫وقد روى الطبراني من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي الضحى ‪ ،‬عن مسروق (‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَرَحُوا السّيّئَاتِ أَنْ‬
‫حِ‬‫‪ ، )5‬أن تميما الداري قام ليلة حتى أصبح يردد هذه الية ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫ح ُكمُونَ }‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬سَاءَ مَا يَ ْ‬
‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫نَ ْ‬
‫ت وَال ْرضَ بِا ْلحَقّ } أي ‪ :‬بالعدل ‪ { ،‬وَلِتُجْزَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫‪ ،‬وقال (‪َ { )6‬وخَلَقَ اللّهُ ال ّ‬
‫ظَلمُونَ } (‪.)7‬‬
‫وَهُمْ ل يُ ْ‬
‫ثم قال [تعالى] (‪َ { )8‬أفَرَأَ ْيتَ مَنِ اتّخَذَ إَِلهَهُ َهوَاهُ } أي ‪ :‬إنما يأتمر بهواه ‪ ،‬فمهما رآه حسنا فعله ‪،‬‬
‫ومهما رآه قبيحا تركه ‪ :‬وهذا قد يستدل به على المعتزلة في قولهم بالتحسين والتقبيح العقليين‪.‬‬
‫وعن مالك فيما روي عنه من التفسير ‪ :‬ل يهوى شيئا إل عبده‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأضَلّهُ اللّهُ عَلَى عِلْمٍ } يحتمل قولين ‪:‬‬
‫أحدها (‪ )9‬وأضله ال لعلمه أنه يستحق ذلك‪ .‬والخر ‪ :‬وأضله ال بعد بلوغ العلم إليه ‪ ،‬وقيام‬
‫الحجة عليه‪ .‬والثاني يستلزم الول ‪ ،‬ول ينعكس‪.‬‬
‫ج َعلَ عَلَى َبصَ ِرهِ غِشَا َوةً } أي ‪ :‬فل يسمع ما ينفعه ‪ ،‬ول يعي شيئا‬
‫س ْمعِ ِه َوقَلْبِهِ وَ َ‬
‫{ وَخَ َتمَ عَلَى َ‬
‫يهتدي به ‪ ،‬ول يرى حجة يستضيء بها ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬فمَنْ َي ْهدِيهِ مِنْ َبعْدِ اللّهِ َأفَل َت َذكّرُونَ }‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } [ العراف ‪.]186 :‬‬
‫كقوله ‪ { :‬مَنْ ُيضِْللِ اللّهُ فَل هَا ِديَ لَهُ (‪ )10‬وَيَذَرُ ُهمْ فِي ُ‬
‫{ َوقَالُوا مَا ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَ َنحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَا إِل الدّهْ ُر َومَا َلهُمْ ِبذَِلكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِل‬
‫حجّ َتهُمْ إِل أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ‬
‫يَظُنّونَ (‪ )24‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ مَا كَانَ ُ‬
‫س ل َيعَْلمُونَ‬
‫ج َم ُعكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِي ِه وََلكِنّ َأكْثَرَ النّا ِ‬
‫(‪ُ )25‬قلِ اللّهُ ُيحْيِيكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ يَ ْ‬
‫(‪} )26‬‬
‫يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد ‪:‬‬
‫{ َوقَالُوا مَا ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَ َنحْيَا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬الشوكة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وذكره ابن حجر في المطالب العالية (‪ )3/154‬وعزاه لبي يعلى ‪ ،‬وأظنه في الكبير ‪ ،‬ويزيد‬
‫بن مرثد الهمداني روايته عن أبي ذر مرسله‪ .‬تنبيه ‪ :‬وقع هنا "الباجي" ولم يقع لي هذه النسبة له‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬مكتوبا" وهو الصواب‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/196‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقد روى الطبراني بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪.)2/50‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ومن يضلل ال فما له من هاد" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/268‬‬

‫أي ‪ :‬ما ثم إل هذه الدار ‪ ،‬يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ول قيامة وهذا يقوله مشركو (‬
‫‪ )1‬العرب المنكرون للمعاد ‪ ،‬ويقوله الفلسفة اللهيون منهم ‪ ،‬وهم ينكرون البداءة (‪ )2‬والرجعة ‪،‬‬
‫ويقوله الفلسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلثين ألف سنة‬
‫يعود كل شيء إلى ما كان عليه‪ .‬وزعموا أن هذا قد تكرر مرات ل تتناهى ‪ ،‬فكابروا المعقول (‬
‫‪ )3‬وكذبوا المنقول ‪ ،‬ولهذا قالوا (‪َ { )4‬ومَا ُيهِْلكُنَا إِل الدّهْرُ } قال ال تعالى ‪َ { :‬ومَا َل ُهمْ بِذَِلكَ مِنْ‬
‫عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِل َيظُنّونَ } أي ‪ :‬يتوهمون ويتخيلون‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من رواية سفيان بن عيينة ‪،‬‬
‫عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ؛ يسب الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي المر ‪،‬‬
‫أقلب ليله ونهاره" (‪ )5‬وفي رواية ‪" :‬ل تسبوا الدهر ‪ ،‬فإن ال هو الدهر" (‪.)6‬‬
‫وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬كان أهل الجاهلية يقولون ‪ :‬إنما يهلكنا الليل والنهار ‪ ،‬وهو الذي يهلكنا ‪ ،‬يميتنا‬
‫ويحيينا ‪ ،‬فقال ال في كتابه ‪َ { :‬وقَالُوا مَا ِهيَ إِل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َنمُوتُ وَنَحْيَا َومَا ُيهِْلكُنَا إِل الدّهْرُ }‬
‫قال ‪" :‬ويسبون الدهر ‪ ،‬فقال ال عز وجل ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي‬
‫المر أقلب الليل والنهار" (‪.)7‬‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أحمد بن منصور ‪ ،‬عن شُرَيْح بن النعمان ‪ ،‬عن ابن عيينة مثله ‪:‬‬
‫ثم روي عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬قال ال تعالى ‪ :‬يسب ابن آدم الدهر ‪ ،‬وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي‬
‫الليل والنهار"‪.‬‬
‫وأخرجه (‪ )8‬صاحبا الصحيح والنسائي ‪ ،‬من حديث يونس بن زيد ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق عن العلء بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يقول ال ‪ :‬استقرضت عبدي فلم يعطني ‪ ،‬وسَبّنِي عبدي‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬وادهراه‪ .‬وأنا الدهر" (‪.)10‬‬
‫قال الشافعي وأبو عبيدة وغيرهما من الئمة في تفسير قوله ‪ ،‬عليه الصلة والسلم ‪" :‬ل تسبوا‬
‫الدهر ؛ فإن ال هو الدهر" ‪ :‬كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلء أو نكبة ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫يا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬منكرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬البداوة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وكابروا العقول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4826‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2246‬وسنن أبي داود برقم (‪)5274‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11687‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)2246‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)25/92‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أخرجاه" وهو خطأ ‪ ،‬والصواب ‪" :‬أخرجه" ؛ حتى ل يجتمع عاملن على معمول‬
‫واحد‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )6181‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2246‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪.)11686‬‬
‫(‪ )10‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )25/92‬من طريق سلمة عن محمد بن إسحاق به ‪ ،‬وخالفه يزيد‬
‫بن هارون ‪ ،‬فرواه عن محمد ابن إسحاق ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به‬
‫وأخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )2/453‬وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح السناد على شرط مسلم"‪.‬‬

‫( ‪)7/269‬‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ وَيَوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ َيخْسَرُ ا ْلمُبْطِلُونَ (‪ )27‬وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ جَاثِيَةً‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫حقّ إِنّا كُنّا‬
‫ُكلّ ُأمّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا الْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )28‬هَذَا كِتَابُنَا يَ ْنطِقُ عَلَ ْي ُكمْ بِالْ َ‬
‫نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)29‬‬

‫خيبة الدهر‪ .‬فيسندون تلك الفعال إلى الدهر ويسبونه ‪ ،‬وإنما فاعلها هو ال [عز وجل] (‪)1‬‬
‫فكأنهم إنما سبوا ‪ ،‬ال عز وجل ؛ لنه فاعل ذلك في الحقيقة ‪ ،‬فلهذا نُهي (‪ )2‬عن سب الدهر بهذا‬
‫العتبار ؛ لن ال هو الدهر الذي يعنونه ‪ ،‬ويسندون إليه تلك الفعال‪.‬‬
‫هذا أحسن ما قيل في تفسيره ‪ ،‬وهو المراد ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من‬
‫الظاهرية في عدهم الدهر من السماء الحسنى ‪ ،‬أخذا من هذا الحديث‪..‬‬
‫وقوله (‪ )3‬تعالى ‪ { :‬وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ } (‪ )4‬أي ‪ :‬إذا استدل عليهم وبين لهم الحق ‪،‬‬
‫وأن ال قادر على إعادة البدان بعد فنائها وتفرقها ‪ { ،‬مَا كَانَ حُجّ َتهُمْ إِل أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ‬
‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬أحيوهم إن كان ما تقولونه حقا‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلِ اللّهُ ُيحْيِيكُمْ } أي ‪ :‬كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود ‪،‬‬
‫{ كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّ ِه َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ُثمّ ُيمِي ُتكُمْ ُثمّ يُحْيِي ُكمْ } [ البقرة ‪ ]28 :‬أي ‪ :‬الذي قدر‬
‫على البداءة قادر على العادة بطريق الولى والحرى‪ { ..‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ‬
‫ج َم ُعكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِيهِ } أي ‪ :‬إنما يجمعكم ليوم‬
‫أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم ‪ { ، ] 27‬ثُمّ يَ ْ‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ‬
‫القيامة ل يعيدكم في الدنيا حتى تقولوا ‪ { :‬ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } { َيوْمَ َي ْ‬
‫صلِ } [ المرسلت ‪َ { ، ] 13 ، 12 :‬ومَا‬
‫جمْعِ } [ التغابن ‪ { )5( ] 9 :‬ليّ َي ْومٍ أُجَّلتْ‪ .‬لِ َيوْمِ ا ْلفَ ْ‬
‫الْ َ‬
‫ج َم ُعكُمْ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ ل رَ ْيبَ فِيهِ }‬
‫جلٍ َمعْدُودٍ } [ هود ‪ ] 104 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬ثُمّ َي ْ‬
‫ُنؤَخّ ُرهُ إِل ل َ‬
‫أي ‪ :‬ل شك فيه ‪ { ،‬وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬فلهذا ينكرون المعاد ‪ ،‬ويستبعدون قيام‬
‫الجساد ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬إِ ّنهُمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا } [ المعارج ‪ ] 7 ، 6 :‬أي ‪ :‬يرون‬
‫وقوعه بعيدا ‪ ،‬والمؤمنون يرون ذلك سهل قريبا‪.‬‬
‫ض وَ َيوْمَ َتقُومُ السّاعَةُ َي ْومَئِذٍ َيخْسَرُ ا ْلمُبْطِلُونَ (‪ )27‬وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫{ وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫حقّ‬
‫جَاثِ َيةً ُكلّ ُأمّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا الْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )28‬هَذَا كِتَابُنَا يَ ْنطِقُ عَلَ ْي ُكمْ بِالْ َ‬
‫إِنّا كُنّا نَسْتَ ْنسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )29‬‬
‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬الحاكم فيهما (‪ )6‬في الدنيا والخرة ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫خسَرُ ا ْلمُبْطِلُونَ } وهم الكافرون بال الجاحدون بما‬
‫عةُ } أي ‪ :‬يوم (‪ )7‬القيامة { يَ ْ‬
‫{ وَ َيوْمَ َتقُومُ السّا َ‬
‫أنزله على رسله من اليات البينات والدلئل الواضحات‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬قدم سفيان الثوري المدينة ‪ ،‬فسمع المعافري (‪ )8‬يتكلم ببعض ما يضحك به‬
‫الناس‪ .‬فقال له ‪ :‬يا شيخ ‪ ،‬أما علمت أن ل يومًا يخسر فيه المبطلون ؟ قال ‪ :‬فما زالت تعرف في‬
‫المعافري (‪ )9‬حتى لحق بال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬ذكره ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أنهى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬عليه" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الفصل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فيما"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تقوم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬العاضري"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬العاضري"‪.‬‬

‫( ‪)7/270‬‬

‫ثم قال ‪ { :‬وَتَرَى ُكلّ ُأمّةٍ جَاثِيَةً } أي ‪ :‬على ركبها من الشدة والعظمة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إن هذا [يكون] (‬
‫‪ )1‬إذا جيء بجهنم فإنها تزفر زفرة ل يبقى أحد إل جثا لركبتيه ‪ ،‬حتى إبراهيم الخليل ‪ ،‬ويقول ‪:‬‬
‫نفسي ‪ ،‬نفسي ‪ ،‬نفسي ل أسألك اليوم إل نفسي ‪ ،‬وحتى أن عيسى ليقول ‪ :‬ل أسألك اليوم إل‬
‫نفسي ‪ ،‬ل أسألك [اليوم] (‪ )2‬مريم التي ولدتني‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وكعب الحبار ‪ ،‬والحسن البصري ‪ُ { :‬كلّ ُأمّةٍ جَاثِ َيةً } أي ‪ :‬على الركب‪ .‬وقال‬
‫عكْرِمة ‪ { :‬جاثية } متميزة على ناحيتها ‪ )3( ،‬وليس على الركب‪ .‬والول أولى‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن باباه (‪ ، )4‬أن رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )5‬قال ‪" :‬كأني أراكم جاثين‬
‫بالكوم دون جهنم" (‪.)6‬‬
‫وقال إسماعيل بن رافع المديني (‪ ، )7‬عن محمد بن كعب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫مرفوعا في حديث الصورة (‪ : )8‬فيتميز الناس وتجثو المم ‪ ،‬وهي التي يقول ال ‪ { :‬وَتَرَى ُكلّ‬
‫ُأمّةٍ جَاثِيَةً ُكلّ ُأمّةٍ ُتدْعَى ِإلَى كِتَا ِبهَا } (‪.)9‬‬
‫وهذا فيه جمع بين القولين ‪ :‬ول منافاة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ب وَجِيءَ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬كلّ ُأمّةٍ ُتدْعَى إِلَى كِتَا ِبهَا } يعني ‪ :‬كتاب أعمالها ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬و ُوضِعَ ا ْلكِتَا ُ‬
‫شهَدَاءِ } [ الزمر ‪ ] 69 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬الْ َيوْمَ تُجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬تجازون‬
‫ن وَال ّ‬
‫بِالنّبِيّي َ‬
‫بأعمالكم خيرها وشرها ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ‪َ .‬بلِ النْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ‬
‫َبصِي َرةٌ‪ .‬وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } [ القيامة ‪.] 15 - 13 :‬‬
‫حقّ } أي ‪ :‬يستحضر (‪ )11‬جميع أعمالكم من غير‬
‫طقُ عَلَ ْيكُمْ بِالْ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬هَذَا (‪ )10‬كِتَابُنَا يَنْ ِ‬
‫شفِقِينَ ِممّا فِي ِه وَ َيقُولُونَ‬
‫زيادة ول نقص (‪ ، )12‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ووُضِعَ ا ْلكِتَابُ فَتَرَى ا ْل ُمجْ ِرمِينَ مُ ْ‬
‫عمِلُوا حَاضِرًا وَل‬
‫حصَاهَا َووَجَدُوا مَا َ‬
‫صغِي َر ًة وَل كَبِي َرةً إِل َأ ْ‬
‫يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا ا ْلكِتَابِ ل ُيغَادِ ُر َ‬
‫حدًا } [ الكهف ‪.]49 :‬‬
‫يَظِْلمُ رَ ّبكَ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا كُنّا َنسْتَنْسِخُ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم‪.‬‬
‫قال ابن عباس وغيره ‪ :‬تكتب الملئكة أعمال العباد ‪ ،‬ثم تصعد بها إلى السماء ‪ ،‬فيقابلون الملئكة‬
‫الذين في ديوان العمال على ما بأيديهم مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر ‪،‬‬
‫مما كتبه (‪ )13‬ال في القدم على العباد قبل أن يخلقهم ‪ ،‬فل يزيد حرفا ول ينقص حرفا ‪ ،‬ثم قرأ‬
‫‪ { :‬إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ناصيتها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وقال ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه أبو نعيم في زوائد زهد ابن المبارك برقم (‪ )360‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )7/299‬من‬
‫طريق سفيان بن عيينة به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬المدني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬الصور"‪.‬‬
‫(‪ )9‬انظر تفسير حديث الصور عند الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬ولهذا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬سيحضر"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في م ‪" :‬نقصان"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬مما قد كتبه"‪.‬‬

‫( ‪)7/271‬‬

‫حمَتِهِ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلمُبِينُ (‪ )30‬وََأمّا‬


‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ فَ ُيدْخُِل ُهمْ رَ ّبهُمْ فِي رَ ْ‬
‫فََأمّا الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َأفَلَمْ َتكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْي ُكمْ فَاسْ َتكْبَرْتُمْ َوكُنْتُمْ َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ (‪ )31‬وَإِذَا قِيلَ إِ ّ‬
‫ق وَالسّاعَةُ لَا رَ ْيبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا َندْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ نَظُنّ إِلّا ظَنّا َومَا َنحْنُ ِبمُسْتَ ْيقِنِينَ (‪)32‬‬
‫حّ‬‫َ‬
‫حمَتِهِ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلمُبِينُ (‪ )30‬وََأمّا‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ فَيُ ْدخُِلهُمْ رَ ّب ُهمْ فِي َر ْ‬
‫{ فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َأفَلَمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْي ُكمْ فَاسْ َتكْبَرْتُمْ َوكُنْتُمْ َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ (‪ )31‬وَإِذَا قِيلَ إِ ّ‬
‫ق وَالسّاعَةُ ل رَ ْيبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السّاعَةُ إِنْ َنظُنّ إِل ظَنّا َومَا َنحْنُ ِبمُسْتَ ْيقِنِينَ (‪} )32‬‬
‫حّ‬‫َ‬

‫( ‪)7/272‬‬

‫عمِلُوا وَحَاقَ ِب ِهمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪َ )33‬وقِيلَ الْ َيوْمَ نَنْسَاكُمْ َكمَا َنسِيتُمْ ِلقَاءَ‬
‫وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬
‫َي ْو ِمكُمْ هَذَا َومَأْوَاكُمُ النّارُ َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪ )34‬ذَِل ُكمْ بِأَ ّنكُمُ اتّخَذْ ُتمْ آَيَاتِ اللّهِ هُ ُزوًا وَغَرّ ْتكُمُ‬
‫ت وَ َربّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫حمْدُ َربّ ال ّ‬
‫الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْ َيوْمَ لَا يُخْ َرجُونَ مِ ْنهَا وَلَا هُمْ يُسْ َتعْتَبُونَ (‪ )35‬فَلِلّهِ ا ْل َ‬
‫حكِيمُ (‪)37‬‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الْأَ ْرضِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )36‬وَلَهُ ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي ال ّ‬

‫عمِلُوا وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‪َ )33‬وقِيلَ الْ َيوْمَ نَنْسَاكُمْ َكمَا َنسِيتُمْ‬
‫{ وَبَدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا َ‬
‫ِلقَاءَ َي ْو ِمكُمْ هَذَا َومَأْوَاكُمُ النّارُ َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ (‪ )34‬ذَِل ُكمْ بِأَ ّنكُمُ اتّخَذْ ُتمْ آيَاتِ اللّهِ هُ ُزوًا‬
‫س َموَاتِ‬
‫حمْدُ َربّ ال ّ‬
‫وَغَرّ ْتكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا فَالْ َيوْمَ ل ُيخْرَجُونَ مِ ْنهَا وَل هُمْ ُيسْ َتعْتَبُونَ (‪ )35‬فَلِلّهِ ا ْل َ‬
‫حكِيمُ (‬
‫ت وَال ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫وَ َربّ ال ْرضِ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪ )36‬وَلَهُ ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي السموا ِ‬
‫‪.} )37‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } أي ‪:‬‬
‫يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فََأمّا الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم العمال الصالحات (‪ ، )1‬وهي الخالصة الموافقة للشرع ‪،‬‬
‫حمَتِهِ } ‪ ،‬وهي الجنة ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح أن ال قال للجنة ‪" :‬أنت‬
‫{ فَ ُيدْخُِلهُمْ رَ ّبهُمْ فِي رَ ْ‬
‫رحمتي ‪ ،‬أرحم بك من أشاء" (‪.)2‬‬
‫{ ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلمُبِينُ } أي ‪ :‬البين الواضح‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وََأمّا الّذِينَ َكفَرُوا َأفَلَمْ َتكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَ ْيكُمْ فَاسْ َتكْبَرْتُمْ } أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعا‬
‫وتوبيخا ‪ :‬أما (‪ )3‬قرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم عن اتباعها ‪ ،‬وأعرضتم عند (‪ )4‬سماعها‬
‫‪َ { ،‬وكُنْتُمْ َق ْومًا مُجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬في أفعالكم ‪ ،‬مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟‬
‫ق وَالسّاعَةُ ل رَ ْيبَ فِيهَا } أي ‪ :‬إذا قال لكم المؤمنون ذلك ‪ { ،‬قُلْ ُتمْ مَا‬
‫حّ‬‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫{ وَإِذَا قِيلَ إِ ّ‬
‫نَدْرِي مَا السّاعَةُ } أي ‪ :‬ل نعرفها ‪ { ،‬إِنْ َنظُنّ إِل ظَنّا } أي ‪ :‬إن نتوهم وقوعها إل توهما ‪ ،‬أي‬
‫مرجوحا (‪ )5‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا َنحْنُ ِبمُسْتَ ْيقِنِينَ } أي ‪ :‬بمتحققين ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬وَبَدَا َلهُمْ‬
‫عمِلُوا } أي ‪ :‬وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة ‪ { ،‬وَحَاقَ ِبهِمْ } أي ‪ :‬أحاط بهم { مَا‬
‫سَيّئَاتُ مَا َ‬
‫كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } أي ‪ :‬من العذاب والنكال ‪َ { ،‬وقِيلَ الْ َيوْمَ نَنْسَا ُكمْ } أي ‪ :‬نعاملكم معاملة‬
‫الناسي لكم في نار جهنم { َكمَا نَسِيتُمْ ِلقَاءَ َي ْومِكُمْ هَذَا } أي ‪ :‬فلم تعملوا له لنكم لم تصدقوا به ‪{ ،‬‬
‫َومَأْوَاكُمُ النّا ُر َومَا َل ُكمْ مِنْ نَاصِرِينَ }‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن ال تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة ‪" :‬ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الصالحة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4850‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬مرجوعا"‪.‬‬

‫( ‪)7/272‬‬

‫ألم أسخر لك الخيل والبل ‪ ،‬وأذرك ترأس وتَرْبَع ؟ فيقول ‪ :‬بلى ‪ ،‬يا رب‪ .‬فيقول ‪ :‬أفظننت أنك‬
‫ي ؟ فيقول ‪ :‬ل‪ .‬فيقول ال تعالى ‪ :‬فاليوم أنساك كما نسيتني" (‪.)1‬‬
‫مُلق ّ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬ذَِل ُكمْ بِأَ ّنكُمُ اتّخَذْ ُتمْ آيَاتِ اللّهِ هُ ُزوًا } أي ‪ :‬إنما جازيناكم هذا الجزاء لنكم اتخذتم‬
‫حجج ال عليكم سخريا ‪ ،‬تسخرون وتستهزئون بها ‪ { ،‬وَغَرّ ْتكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا } أي ‪ :‬خدعتكم‬
‫فاطمأننتم إليها ‪ ،‬فأصبحتم من الخاسرين ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَالْ َي ْو َم ل ُيخْرَجُونَ مِ ْنهَا } أي ‪ :‬من النار‬
‫{ وَل هُمْ يُسْ َتعْتَبُونَ } أي ‪ :‬ل يطلب منهم العتبى ‪ ،‬بل يعذبون بغير حساب ول عتاب ‪ ،‬كما تدخل‬
‫طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ول حساب‪.‬‬
‫حمْدُ َربّ السمواتِ وَ َربّ ال ْرضِ } أي ‪:‬‬
‫ثم لما ذكر حكمه في المؤمنين والكافرين قال ‪ { :‬فَلِلّهِ الْ َ‬
‫المالك لهما وما فيهما ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‪.‬‬
‫ت وَال ْرضِ } قال مجاهد ‪ :‬يعني السلطان‪ .‬أي ‪ :‬هو العظيم‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَهُ ا ْلكِبْرِيَاءُ فِي السموا ِ‬
‫الممجد ‪ ،‬الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه‪ .‬وقد ورد في الحديث الصحيح ‪" :‬يقول ال تعالى (‬
‫‪ )2‬العظمة إزاري والكبرياء ردائي ‪ ،‬فمن نازعني واحدًا منهما أسكنته ناري"‪ .‬ورواه مسلم من‬
‫حديث العمش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الغر أبي مسلم ‪ ،‬عن أبي هريرة وأبي سعيد ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنهما ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬الذي ل يغالب ول يمانع ‪ { ،‬الحكيم } في أقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه‬
‫وقدره ‪ ،‬تعالى وتقدس ‪ ،‬ل إله إل هو (‪.)4‬‬
‫آخر تفسير سورة الجاثية [ول الحمد والمنة] (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2968‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن ال تعالى يقول"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2620‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ل إله غيره ول رب سواه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/273‬‬

‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِلّا بِا ْلحَقّ‬


‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫حكِيمِ (‪ )2‬مَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫حم (‪ )1‬تَنْزِيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫عمّا أُ ْنذِرُوا ُمعْ ِرضُونَ (‪ُ )3‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَرُونِي‬
‫سمّى وَالّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫وَأَ َ‬
‫سمَاوَاتِ ائْتُونِي ِبكِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا َأوْ أَثَا َرةٍ مِنْ عِ ْلمٍ إِنْ‬
‫مَاذَا خََلقُوا مِنَ الْأَ ْرضِ َأمْ َلهُمْ شِ ْركٌ فِي ال ّ‬
‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )4‬ومَنْ َأضَلّ ِممّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لَا َيسْتَجِيبُ َلهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَهُمْ عَنْ‬
‫دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ (‪)5‬‬

‫تفسير سورة الحقاف‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ت وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِل‬
‫س َموَا ِ‬
‫حكِيمِ (‪ )2‬مَا خََلقْنَا ال ّ‬
‫{ حم (‪ )1‬تَنزيلُ ا ْلكِتَابِ مِنَ اللّهِ ا ْلعَزِيزِ الْ َ‬
‫عمّا أُنْذِرُوا ُمعْ ِرضُونَ (‪ُ )3‬قلْ أَرَأَيْتُمْ مَا َتدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫سمّى وَالّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫ق وَأَ َ‬
‫حّ‬‫بِالْ َ‬
‫س َموَاتِ اِئْتُونِي ِبكِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا َأوْ أَثَا َرةٍ مِنْ‬
‫أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِنَ ال ْرضِ َأمْ َلهُمْ شِ ْركٌ فِي ال ّ‬
‫عِلْمٍ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪َ )4‬ومَنْ َأضَلّ ِممّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل يَسْ َتجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ‬
‫وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ غَافِلُونَ (‪} )5‬‬

‫( ‪)7/274‬‬

‫وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُوا َل ُهمْ أَعْدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ (‪)6‬‬

‫حشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَعْدَاءً َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ (‪.} )6‬‬
‫{ وَإِذَا ُ‬
‫يخبر تعالى أنه نزل الكتاب على عبده ورسوله محمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه دائما إلى يوم‬
‫الدين ‪ ،‬ووصف نفسه بالعزة التي ل ترام ‪ ،‬والحكمة في القوال والفعال ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬مَا خََلقْنَا‬
‫سمّى }‬
‫جلٌ مُ َ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا إِل بِا ْلحَقّ } أي ‪ :‬ل على وجه العبث والباطل ‪ { ،‬وَأَ َ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر َ‬
‫ال ّ‬
‫أي ‪ :‬إلى مدة معينة مضروبة ل تزيد ول تنقص‪.‬‬
‫عمّا أُ ْنذِرُوا ُمعْ ِرضُونَ } أي ‪ :‬لهون (‪ )1‬عما يراد بهم ‪ ،‬وقد أنزل إليهم‬
‫قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫كتابا وأرسل إليهم رسول ‪ ،‬وهم معرضون عن ذلك كله ‪ ،‬أي ‪ :‬وسيعلمون غبّ ذلك‪.‬‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬قلْ } أي ‪ :‬لهؤلء المشركين العابدين مع ال غيره ‪ { :‬أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫أَرُونِي مَاذَا خََلقُوا مِنَ ال ْرضِ } أي ‪ :‬أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الرض ‪ { ،‬أَمْ‬
‫س َموَاتِ } أي ‪ :‬ول شرك لهم في السموات ول في الرض ‪ ،‬وما يملكون من‬
‫َلهُمْ شِ ْركٌ فِي ال ّ‬
‫قطمير ‪ ،‬إن المُلْك والتصرّف كله إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فكيف تعبدون معه غيره ‪ ،‬وتشركون به ؟‬
‫من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬اِئْتُونِي ِبكِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا } أي ‪ :‬هاتوا كتابا من كتب ال المنزلة على النبياء (‬
‫‪ ، )2‬عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬يأمركم بعبادة هذه الصنام ‪َ { ،‬أوْ أَثَا َرةٍ مِنْ عِلْمٍ } أي ‪ :‬دليل بَيّن‬
‫على هذا المسلك الذي سلكتموه { إِنْ كُنْتُمْ صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬ل دليل لكم نقليًا ول عقليا على ذلك ؛‬
‫ولهذا قرأ آخرون ‪" :‬أو أثَرَة من علم" أي ‪ :‬أو علم صحيح يأثرونه عن أحد ممن قبلهم ‪ ،‬كما قال‬
‫علْمٍ } أو أحد يأثُر علما‪.‬‬
‫مجاهد في قوله ‪َ { :‬أوْ أَثَا َرةٍ مِنْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬لهين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هاتوا كتابا من الكتب المنزلة على أنبيائهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/274‬‬

‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (‪َ )7‬أمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ‬
‫وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آَيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلْ َ‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ‬
‫ُقلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئًا ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ فِيهِ َكفَى ِبهِ َ‬
‫سلِ َومَا َأدْرِي مَا ُي ْفعَلُ بِي وَلَا ِبكُمْ إِنْ أَتّ ِبعُ إِلّا مَا‬
‫وَ ُهوَ ا ْلغَفُورُ الرّحِيمُ (‪ُ )8‬قلْ مَا كُ ْنتُ بِدْعًا مِنَ الرّ ُ‬
‫ي َومَا أَنَا إِلّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪)9‬‬
‫يُوحَى إَِل ّ‬

‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أو بينة من المر‪.‬‬


‫وقال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثنا صفوان بن (‪ )2‬سُلَيم ‪ ،‬عن أبي سلمة‬
‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن ابن عباس قال سفيان ‪ :‬ل أعلم إل عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أو‬
‫أثَرَة من علم" قال ‪" :‬الخط" (‪.)3‬‬
‫وقال أبو بكر بن عياش ‪ :‬أو بقية من علم‪ .‬وقال الحسن البصري ‪َ { :‬أوْ أَثَا َرةٍ } شيء يستخرجه‬
‫فيثيره‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو بكر بن عياش أيضا ‪َ { :‬أوْ أَثَا َرةٍ مِنْ عِلْمٍ } يعني الخط‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬أوْ أَثَا َرةٍ مِنْ عِ ْلمٍ } خاصة من علم‪.‬‬
‫وكل هذه القوال متقاربة ‪ ،‬وهي راجعة إلى ما قلناه ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير رحمه ال وأكرمه ‪،‬‬
‫وأحسن مثواه‪.‬‬
‫ضلّ ِممّنْ َيدْعُو مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ ل َيسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَهُمْ عَنْ دُعَا ِئهِمْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َأ َ‬
‫غَافِلُونَ } أي ‪ :‬ل أضل ممن يدعو أصناما ‪ ،‬ويطلب منها ما ل تستطيعه إلى يوم القيامة ‪ ،‬وهي‬
‫غافلة عما يقول ‪ ،‬ل تسمع ول تبصر ول تبطش ؛ لنها جماد حجَارة صُمّ‪.‬‬
‫خذُوا‬
‫عدَا ًء َوكَانُوا ِبعِبَادَ ِتهِمْ كَافِرِينَ } ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَاتّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُوا َلهُمْ أَ ْ‬
‫ضدّا } [مريم ‪، 81 :‬‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ آِلهَةً لِ َيكُونُوا َلهُمْ عِزّا كَل سَ َي ْكفُرُونَ ِبعِبَادَ ِت ِه ْم وَ َيكُونُونَ عَلَ ْيهِ ْم ِ‬
‫‪ ]82‬أي ‪ :‬سيخونونهم (‪ )4‬أحوج ما يكونون إليهم ‪ ،‬وقال الخليل ‪ { :‬إِ ّنمَا اتّخَذْ ُتمْ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا َومَأْوَاكُمُ‬
‫َأوْثَانًا َموَ ّدةَ بَيْ ِنكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا ُثمّ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْكفُرُ َب ْعضُكُمْ بِ َب ْعضٍ وَيَ ْلعَنُ َب ْع ُ‬
‫النّا ُر َومَا َلكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [العنكبوت ‪.]25 :‬‬
‫{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِ ْلحَقّ َلمّا جَا َءهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (‪ )7‬أَمْ َيقُولُونَ‬
‫شهِيدًا بَيْنِي‬
‫افْتَرَاهُ ُقلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَل َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئًا ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ فِيهِ َكفَى ِبهِ َ‬
‫ل َومَا أَدْرِي مَا ُي ْف َعلُ بِي وَل ِبكُمْ إِنْ أَتّ ِبعُ‬
‫سِ‬‫وَبَيْ َنكُ ْم وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ (‪ُ )8‬قلْ مَا كُ ْنتُ ِبدْعًا مِنَ الرّ ُ‬
‫إِل مَا يُوحَى إَِليّ َومَا أَنَا إِل َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪.} )9‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين في كفرهم وعنادهم ‪ :‬أنهم إذا تتلى عليهم آيات ال بينات ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬سحر واضح ‪ ،‬وقد َكذَبوا‬
‫في حال بيانها ووضوحها وجلئها ‪ ،‬يقولون ‪َ { :‬هذَا ِ‬
‫وافتروا وضَلّوا وكفروا { َأمْ َيقُولُونَ افْتَرَاهُ } يعنون ‪ :‬محمدا صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ال [تعالى]‬
‫(‪ُ { )5‬قلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَل َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئًا } أي ‪ :‬لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني ‪-‬‬
‫وليس كذلك ‪ -‬لعاقبني أشد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/226‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سيجدونهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/275‬‬

‫العقوبة ‪ ،‬ولم َيقْدرْ أحد من أهل الرض ‪ ،‬ل أنتم ول غيركم أن يجيرني منه ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ إِنّي‬
‫حدًا إِل بَلغًا مِنَ اللّهِ وَرِسَالتِهِ } [الجن ‪، 22 :‬‬
‫لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ َأحَ ٌد وَلَنْ َأجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَ َ‬
‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ‪.‬‬
‫‪ ، ]23‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ َتقَ ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ القَاوِيلِ‪ .‬لخَذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ‪ .‬ثُمّ َلقَ َ‬
‫حدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [الحاقة ‪ ]47 - 44 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ُ { :‬قلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَل‬
‫َفمَا مِ ْنكُمْ مِنْ أَ َ‬
‫شهِيدًا بَيْنِي وَبَيْ َنكُمْ } ‪ ،‬هذا تهديد لهم ‪،‬‬
‫َتمِْلكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئًا ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَا ُتفِيضُونَ فِيهِ َكفَى بِهِ َ‬
‫ووعيد أكيد ‪ ،‬وترهيب شديد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } ترغيب لهم إلى التوبة والنابة ‪ ،‬أي ‪ :‬ومع هذا كله إن رجعتم‬
‫وتبتم ‪ ،‬تاب عليكم وعفا عنكم ‪ ،‬وغفر [لكم] (‪ )1‬ورحم‪ .‬وهذه الية كقوله في سورة الفرقان ‪:‬‬
‫{ َوقَالُوا أَسَاطِي ُر الوّلِينَ اكْتَتَ َبهَا َف ِهيَ ُتمْلَى عَلَيْهِ ُبكْ َر ًة وََأصِيل‪ُ .‬قلْ أَنزلَهُ الّذِي َيعْلَمُ السّرّ فِي‬
‫غفُورًا رَحِيمًا } [الفرقان ‪.]6 ، 5 :‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫ال ّ‬
‫سلِ } أي ‪ :‬لست بأول رسول طرق العالم ‪ ،‬بل قد جاءت‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ بِدْعًا مِنَ الرّ ُ‬
‫الرسل من قبلي ‪ ،‬فما أنا بالمر الذي ل نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا (‪ )2‬بعثتي إليكم ‪،‬‬
‫فإنه قد أرسل ال قبلي جميع النبياء إلى المم‪.‬‬
‫سلِ } ما أنا بأول رسول‪ .‬ولم يحك‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ ِبدْعًا مِنَ الرّ ُ‬
‫ابن جرير ول ابن أبي حاتم غير ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أَدْرِي مَا ُي ْف َعلُ بِي وَل ِبكُمْ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية‬
‫ك َومَا تَأَخّرَ } [الفتح ‪ .]2 :‬وهكذا قال عكرمة ‪،‬‬
‫‪ :‬نزل بعدها { لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫ك َومَا تََأخّرَ } ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬إنها منسوخة بقوله ‪ { :‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫ولما نزلت هذه الية قال رجل من المسلمين ‪ :‬هذا قد بين ال ما هو فاعل بك يا رسول ال ‪ ،‬فما‬
‫ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ } [الفتح ‪.]5 :‬‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫هو فاعل بنا ؟ فأنزل ال ‪ { :‬لِ ُيدْ ِ‬
‫هكذا قال ‪ ،‬والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا ‪ :‬هنيئا لك يا رسول ال ‪ ،‬فما لنا ؟‬
‫فأنزل ال هذه الية‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪َ { :‬ومَا أَدْرِي مَا ُي ْف َعلُ بِي وَل ِبكُمْ } ‪ :‬ما أدري بماذا أومر ‪ ،‬وبماذا أنهى بعد‬
‫هذا ؟‬
‫وقال أبو بكر الهذِليّ ‪ ،‬عن الحسن البصري في قوله ‪َ { :‬ومَا أَدْرِي مَا ُي ْف َعلُ بِي وَل ِبكُمْ } قال ‪:‬‬
‫أما في الخرة فمعاذ ال ‪ ،‬قد علم أنه في الجنة ‪ ،‬ولكن قال ‪ :‬ل أدري ما يفعل بي ول بكم في‬
‫الدنيا ‪ ،‬أخرج كما أخرجت النبياء [من] (‪ )3‬قبلي ؟ أم أقتل كما قتلت النبياء من قبلي ؟ ول‬
‫أدري أيخسف بكم أو تُرمون بالحجارة ؟‬
‫عوّل عليه ابن جرير ‪ ،‬وأنه ل يجوز غيره ‪ ،‬ول شك أن هذا هو اللئق به ‪،‬‬
‫وهذا القول هو الذي َ‬
‫صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬فإنه بالنسبة إلى الخرة جازم أنه يصير إلى الجنة هو ومن اتبعه ‪،‬‬
‫وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يئُول إليه أمره وأمر مشركي قريش إلى ماذا ‪ :‬أيؤمنون أم‬
‫يكفرون ‪ ،‬فيعذبون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وتستبعدون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫( ‪)7/276‬‬

‫ن وَاسْ َتكْبَرْتُمْ‬
‫شهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ عَلَى مِثِْلهِ فََآمَ َ‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِ ْندِ اللّ ِه َوكَفَرْتُمْ ِب ِه وَ َ‬
‫إِنّ اللّهَ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪َ )10‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ َآمَنُوا َلوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَ َبقُونَا إِلَيْهِ‬
‫حمَ ًة وَهَذَا كِتَابٌ‬
‫وَإِذْ َلمْ َيهْتَدُوا بِهِ َفسَ َيقُولُونَ هَذَا ِإ ْفكٌ قَدِيمٌ (‪َ )11‬ومِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَامًا وَرَ ْ‬
‫حسِنِينَ (‪ )12‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا‬
‫ُمصَدّقٌ ِلسَانًا عَرَبِيّا لِيُ ْنذِرَ الّذِينَ ظََلمُوا وَبُشْرَى لِ ْلمُ ْ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَلَا ُهمْ َيحْزَنُونَ (‪ )13‬أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‬
‫فَلَا َ‬
‫‪)14‬‬

‫فيستأصلون بكفرهم (‪ )1‬؟ فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن شهاب عن خارجة بن زيد بن ثابت ‪ ،‬عن أم العلء ‪ -‬وهي‬
‫امرأة من نسائهم ‪ -‬أخبرته ‪ -‬وكانت بايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قالت ‪ :‬طار لهم‬
‫في السكنى حين اقترعت النصار على سكنى المهاجرين عثمانُ بن مظعون‪ .‬فاشتكى عثمان‬
‫عندنا فَمرّضناه ‪ ،‬حتى إذا توفي أدْرَجناه في أثوابه ‪ ،‬فدخل علينا رسول ال فقلت ‪ :‬رحمة ال‬
‫عليك أبا السائب ‪ ،‬شهادتي عليك ‪ ،‬لقد أكرمك ال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وما‬
‫يدريك أن ال أكرمه ؟" فقلت ‪ :‬ل أدري بأبي أنت وأمي! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أما هو فقد جاءه (‪ )2‬اليقين من ربه ‪ ،‬وإني لرجو له الخير ‪ ،‬وال ما أدري وأنا رسول ال ما‬
‫يفعل بي!" قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬وال ل أزكي أحدا بعده أبدا‪ .‬وأحزنني ذلك ‪ ،‬فنمت فرأيت لعثمان عينا‬
‫تجري ‪ ،‬فجئت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته بذلك ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ذاك (‪ )3‬عمله"‪.‬‬
‫فقد انفرد بإخراجه البخاري دون مسلم (‪ ، )4‬وفي لفظ له ‪" :‬ما أدري وأنا رسول ال ما يفعل به"‬
‫(‪ .)5‬وهذا أشبه أن يكون هو المحفوظ ‪ ،‬بدليل قولها ‪" :‬فأحزنني ذلك"‪ .‬وفي هذا وأمثاله دللة‬
‫على أنه ل يقطع لمعين بالجنة إل الذي (‪ )6‬نص الشارع على تعيينهم ‪ ،‬كالعشرة ‪ ،‬وابن سلم ‪،‬‬
‫والغُميصاء ‪ ،‬وبلل ‪ ،‬وسراقة ‪ ،‬وعبد ال بن عمرو بن حرام والد (‪ )7‬جابر ‪ ،‬والقراء السبعين‬
‫الذين قتلوا ببئر معونة ‪ ،‬وزيد بن حارثة ‪ ،‬وجعفر ‪ ،‬وابن رواحة ‪ ،‬وما أشبه هؤلء‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ أَتّبِعُ إِل مَا يُوحَى إَِليّ } أي ‪ :‬إنما أتبع ما ينزله ال عليّ من الوحي ‪َ { ،‬ومَا أَنَا إِل‬
‫نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬بين الّنذَارة ‪ ،‬وأمري (‪ )8‬ظاهر لكل ذي لب وعقل‪.‬‬
‫ش ِهدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ‬
‫{ ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللّ ِه َو َكفَرْتُمْ بِ ِه وَ َ‬
‫وَاسْ َتكْبَرْتُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪َ )10‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا َلوْ كَانَ خَيْرًا مَا‬
‫حمَةً‬
‫سَ َبقُونَا ِإلَيْ ِه وَإِذْ َلمْ َيهْتَدُوا ِبهِ فَسَ َيقُولُونَ َهذَا ِإ ْفكٌ قَدِيمٌ (‪َ )11‬ومِنْ قَبِْلهِ كِتَابُ مُوسَى ِإمَامًا وَرَ ْ‬
‫وَهَذَا كِتَابٌ ُمصَدّقٌ لِسَانًا عَرَبِيّا لِيُ ْنذِرَ الّذِينَ ظََلمُوا وَبُشْرَى لِ ْل ُمحْسِنِينَ (‪ )12‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ‬
‫خ ْوفٌ عَلَ ْيهِ ْم وَل هُمْ يَحْزَنُونَ (‪ )13‬أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ الْجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً ِبمَا‬
‫ثُمّ اسْ َتقَامُوا فَل َ‬
‫كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪.} )14‬‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد لهؤلء المشركين الكافرين بالقرآن ‪ { :‬أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ كَانَ } هذا القرآن‬
‫{ مِنْ عِ ْندِ اللّهِ َوكَفَرْتُمْ ِبهِ } أي ‪ :‬ما ظنكم أن ال صانع بكم إن كان هذا الكتاب الذي جئتكم به قد‬
‫أنزله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬كغيرهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬جاءه وال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )6/436‬وصحيح البخاري برقم (‪.)1243‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)2687‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الذين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬أرى"‪.‬‬

‫( ‪)7/277‬‬

‫ش ِهدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } أي ‪ :‬وقد‬


‫عليّ لبلغكموه ‪ ،‬وقد َكفَرتم به وكذبتموه ‪ { ،‬وَ َ‬
‫شهدت بصدقه وصحته الكتب المتقدمة المنزلة على النبياء قبلي ‪ ،‬بشرت به وأخبرت بمثل ما‬
‫أخبر هذا القرآن به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَآمَنَ } أي ‪ :‬هذا الذي شهد بصدقه من بني إسرائيل لمعرفته بحقيته { وَاسْ َتكْبَرْتُمْ } أنتم‬
‫‪ :‬عن اتباعه‪.‬‬
‫وقال مسروق ‪ :‬فآمن هذا الشاهد بنبيه وكتابه ‪ ،‬وكفرتم أنتم بنبيكم وكتابكم { إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ‬
‫الظّاِلمِينَ }‬
‫وهذا الشاهد اسم جنس يعم عبد ال بن سلم وغير ‪ ،‬ه فإن هذه الية مكية نزلت قبل إسلم عبد‬
‫حقّ مِنْ رَبّنَا إِنّا كُنّا مِنْ قَبِْلهِ‬
‫ال بن سلم‪ .‬وهذه كقوله ‪ { :‬وَِإذَا يُتْلَى عَلَ ْيهِمْ قَالُوا آمَنّا ِبهِ إِنّهُ الْ َ‬
‫مُسِْلمِينَ } [القصص ‪ ، ]53 :‬وقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ يَخِرّونَ لِل ْذقَانِ‬
‫ن وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُول } [السراء ‪.]108 ، 107 :‬‬
‫سجّدًا وَ َيقُولُونَ سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنْ كَا َ‬
‫ُ‬
‫قال مسروق ‪ ،‬والشعبي ‪ :‬ليس بعبد ال بن سلم ‪ ،‬هذه الية مكية ‪ ،‬وإسلم عبد ال بن سلم كان‬
‫بالمدينة‪ .‬رواه عنهما ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن أبي ال ّنضْر ‪ ،‬عن عامر بن سعد (‪ ، )1‬عن أبيه قال ‪ :‬ما سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول لحد يمشي على وجه الرض ‪" :‬إنه من أهل الجنة" ‪ ،‬إل لعبد ال بن‬
‫شهِدَ شَا ِهدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ }‬
‫سلم ‪ ،‬قال ‪ :‬وفيه نزلت ‪ { :‬وَ َ‬
‫رواه البخاري ومسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث مالك ‪ ،‬به (‪ .)2‬وكذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ويوسف بن عبد ال بن سلم ‪ ،‬وهلل بن يَسَاف ‪ ،‬والسّدّي ‪،‬‬
‫والثوري ‪ ،‬ومالك بن أنس ‪ ،‬وابن زيد ؛ أنهم كلهم قالوا ‪ :‬إنه عبد ال بن سلم‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِلّذِينَ آمَنُوا َلوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَ َبقُونَا إِلَيْهِ } أي ‪ :‬قالوا عن‬
‫صهَيبا‬
‫المؤمنين بالقرآن ‪ :‬لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلء إليه (‪ .)3‬يعنون بلل وعمارا و ُ‬
‫وخبابا وأشباههم وأقرانهم (‪ )4‬من المستضعفين والعبيد والماء ‪ ،‬وما ذاك إل لنهم عند أنفسهم‬
‫يعتقدون أن لهم عند ال وجاهة وله بهم عناية‪ .‬وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ‪ ،‬وأخطئوا خطأ‬
‫ضهُمْ بِ َب ْعضٍ لِ َيقُولُوا أَ َهؤُلءِ مَنّ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مِنْ بَيْنِنَا }‬
‫بينا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وكَذَِلكَ فَتَنّا َب ْع َ‬
‫[النعام ‪ ]53 :‬أي ‪ :‬يتعجبون ‪ :‬كيف اهتدى هؤلء دوننا ؛ ولهذا قالوا ‪َ { :‬لوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَ َبقُونَا‬
‫إِلَيْهِ } وأما أهل السنة (‪ )5‬والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة ‪ :‬هو‬
‫بدعة ؛ لنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ‪ ،‬لنهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3812‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2483‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪.)8252‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬ما سبقونا إليه هؤلء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وأضرابهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬ت ‪ ،‬أ ‪" :‬يعني المؤمنين ‪ ،‬وأما أهل السنة"‪.‬‬

‫( ‪)7/278‬‬

‫لم يتركوا خصلة من خصال الخير إل وقد بادروا إليها (‪.)1‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ لَمْ َيهْتَدُوا ِبهِ } أي ‪ :‬بالقرآن { َفسَ َيقُولُونَ هَذَا ِإ ْفكٌ } أي ‪ :‬كذب { قَدِيمٌ } أي ‪ :‬مأثور‬
‫عن القدمين ‪ ،‬فينتقصون القرآن وأهله ‪ ،‬وهذا هو الكبر الذي قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫غمْط الناس" (‪.)3‬‬
‫‪" :‬بطر (‪ )2‬الحق ‪ ،‬و َ‬
‫حمَ ًة وَ َهذَا كِتَابٌ } يعني ‪ :‬القرآن‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومِنْ قَبِْلهِ كِتَابُ مُوسَى } وهو التوراة { ِإمَامًا وَرَ ْ‬
‫{ ُمصَدّقٌ } أي ‪ :‬لما قبله من الكتب { لِسَانًا عَرَبِيّا } أي ‪ :‬فصيحا بينا واضحا ‪ { ،‬لِيُنْذِرَ الّذِينَ‬
‫ظََلمُوا وَبُشْرَى لِ ْل ُمحْسِنِينَ } أي ‪ :‬مشتمل على النّذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ثُمّ اسْ َتقَامُوا } تقدم تفسيرها في سورة "حم ‪ ،‬السجدة"‪)4( .‬‬
‫خوْفٌ عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬فيما يستقبلون ‪ { ،‬وَل ُهمْ يَحْزَنُونَ } على ما خلفوا ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل َ‬
‫َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬العمال سبب لنيل الرحمة لهم‬
‫وسُبُوغها (‪ )5‬عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الكبر بطر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )91‬من حديث عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬راجع تفسير هذه الية عند الية ‪ 30 :‬من سورة السجدة‪.‬‬
‫(‪ )5‬وشيوعها"‪.‬‬

‫( ‪)7/279‬‬

‫شهْرًا حَتّى‬
‫حمْلُ ُه َو ِفصَالُهُ ثَلَاثُونَ َ‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّهُ كُرْهًا َو َوضَعَتْهُ كُ ْرهًا وَ َ‬
‫َووَصّيْنَا الْإِنْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ ِإحْسَانًا َ‬
‫ي وَعَلَى وَالِ َديّ‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َع ْمتَ عََل ّ‬
‫ش ّد ُه وَبَلَغَ أَرْ َبعِينَ سَ َنةً قَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ َأ ْ‬
‫إِذَا َبلَغَ أَ ُ‬
‫ك وَإِنّي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )15‬أُولَ ِئكَ‬
‫ع َملَ صَاِلحًا تَ ْرضَا ُه وََأصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِي إِنّي تُ ْبتُ إِلَ ْي َ‬
‫وَأَنْ أَ ْ‬
‫عمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ فِي َأصْحَابِ ا ْلجَنّ ِة وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كَانُوا‬
‫الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ عَ ْنهُمْ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫يُوعَدُونَ (‪)16‬‬

‫شهْرًا‬
‫حمْلُ ُه َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬
‫ضعَتْهُ كُرْهًا وَ َ‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّهُ كُرْهًا َو َو َ‬
‫{ َو َوصّيْنَا النْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا َ‬
‫ي وَعَلَى‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َعمْتَ عََل ّ‬
‫حَتّى إِذَا بَلَغَ َأشُ ّد ُه وَبَلَغَ أَرْ َبعِينَ سَنَةً قَالَ َربّ َأوْزِعْنِي أَنْ أَ ْ‬
‫ك وَإِنّي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪)15‬‬
‫ع َملَ صَالِحًا تَ ْرضَا ُه وََأصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِي إِنّي تُ ْبتُ إِلَ ْي َ‬
‫ي وَأَنْ أَ ْ‬
‫وَالِ َد ّ‬
‫عمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِت ِهمْ فِي َأصْحَابِ الْجَنّ ِة وَعْدَ الصّ ْدقِ‬
‫أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ عَ ْنهُمْ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (‪.} )16‬‬
‫لما ذكر تعالى في الية الولى التوحيد له وإخلص العبادة والستقامة إليه ‪ ،‬عطف بالوصية‬
‫بالوالدين ‪ ،‬كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬و َقضَى رَ ّبكَ أَل َتعْبُدُوا إِل إِيّاهُ‬
‫شكُرْ لِي وَِلوَالِدَ ْيكَ إَِليّ ا ْل َمصِيرُ } [لقمان ‪:‬‬
‫حسَانًا } [السراء ‪ ]23 :‬وقال ‪ { :‬أَنِ ا ْ‬
‫وَبِا ْلوَالِدَيْنِ إِ ْ‬
‫‪ ، ]14‬إلى غير ذلك من اليات الكثيرة‪ .‬وقال هاهنا ‪َ { :‬و َوصّيْنَا النْسَانَ ِبوَاِلدَيْهِ ِإحْسَانًا } أي ‪:‬‬
‫أمرناه بالحسان إليهما والحنو عليهما‪.‬‬
‫سمَاك بن حرب قال ‪ :‬سمعت ُمصْعب بن سعد (‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬أخبرني ِ‬
‫‪ )1‬يحدث عن سعد قال ‪ :‬قالت أم سعد لسعد ‪ :‬أليس قد أمر ال بطاعة الوالدين ‪ ،‬فل آكل‬
‫طعاما ‪ ،‬ول أشرب شرابا حتى تكفر بال‪ .‬فامتنعت من الطعام والشراب ‪ ،‬حتى جعلوا يفتحون‬
‫فاها بالعصا ‪ ،‬ونزلت هذه الية ‪َ { :‬و َوصّيْنَا النْسَانَ ِبوَالِدَيْهِ حُسْنًا } الية [العنكبوت ‪.]8 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬حرب"‪.‬‬

‫( ‪)7/279‬‬

‫ورواه مسلم وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث شعبة بإسناده ‪ ،‬نحوه وأطول منه (‪.)1‬‬
‫حمَلَتْهُ ُأمّهُ كُرْهًا } أي ‪ :‬قاست بسببه في حال حمله مشقة وتعبا ‪ ،‬من ِوحَام وغشيان وثقل‬
‫{ َ‬
‫وكرب ‪ ،‬إلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة ‪َ { ،‬و َوضَعَتْهُ كُرْهًا } أي ‪ :‬بمشقة‬
‫شهْرًا }‬
‫حمْلُ ُه َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬
‫أيضا من الطلق وشدته ‪ { ،‬وَ َ‬
‫وقد استدل علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بهذه الية مع التي في لقمان ‪َ { :‬و ِفصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان‬
‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ِلمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمّ ال ّرضَاعَةَ } [البقرة‬
‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ َ‬
‫‪ ، ]14 :‬وقوله ‪ { :‬وَا ْلوَالِدَاتُ يُ ْر ِ‬
‫‪ ، ]233 :‬على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر ‪ ،‬وهو استنباط قوي صحيح‪ .‬ووافقه عليه عثمان‬
‫وجماعة من الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬عن يزيد بن عبد ال بن ُقسَيْط ‪ ،‬عن َبعْجَةَ (‪ )2‬بن عبد ال‬
‫جهَيْنة ‪ ،‬فولدت له لتمام ستة أشهر ‪ ،‬فانطلق زوجها إلى‬
‫الجهني قال ‪ :‬تزوج رجل منا امرأة من ُ‬
‫عثمان فذكر ذلك له ‪ ،‬فبعث إليها ‪ ،‬فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما يبكيك ؟!‬
‫فوال ما التبس بي أحد من خلق ال غيره قط ‪ ،‬فيقضي ال في ما شاء‪ .‬فلما أتي بها عثمان أمر‬
‫برجمها ‪ ،‬فبلغ ذلك عليا فأتاه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ما تصنع ؟ قال ‪ :‬ولدت تماما لستة أشهر ‪ ،‬وهل يكون‬
‫حمْلُهُ‬
‫ذلك ؟ فقال له [علي] (‪ )3‬أما تقرأ القرآن ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬أما سمعت ال يقول ‪ { :‬وَ َ‬
‫حوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } (‪ ، )4‬فلم نجده بقي إل‬
‫ضعْنَ َأوْلدَهُنّ ] َ‬
‫شهْرًا } وقال ‪[ { :‬يُ ْر ِ‬
‫َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ َ‬
‫ستة أشهر ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال عثمان ‪ :‬وال ما فطنت لهذا ‪ ،‬علي بالمرأة فوجدوها قد فُ ِرغَ منها ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫جةُ ‪ :‬فوال ما الغراب بالغراب ‪ ،‬ول البيضة بالبيضة بأشبه منه بأبيه‪ .‬فلما رآه أبوه قال ‪:‬‬
‫فقال َبعْ َ‬
‫ابني إني وال ل أشك فيه ‪ ،‬قال ‪ :‬وأبله (‪ )5‬ال بهذه القرحة قرحة الكلة ‪ ،‬فما زالت تأكله حتى‬
‫مات (‪.)6‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬وقد أوردناه من وجه آخر عند قوله ‪ { :‬فَأَنَا َأوّلُ ا ْلعَابِدِينَ } [الزخرف ‪:‬‬
‫‪.]81‬‬
‫سهَر ‪ ،‬عن داود‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فَ ْروَة بن أبي ال َمغْرَاء ‪ ،‬حدثنا علي بن مِ ْ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ )7‬قال ‪ :‬إذا وضعت المرأة لتسعة أشهر كفاه من‬
‫بن أبي هند ‪ ،‬عن ِ‬
‫الرضاع أحد وعشرون شهرا ‪ ،‬وإذا وضعته لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلثة وعشرون‬
‫حمُْل ُه َو ِفصَالُهُ ثَلثُونَ‬
‫شهرًا ‪ ،‬وإذا وضعته لستة أشهر فحولين كاملين ؛ لن ال تعالى يقول ‪ { :‬وَ َ‬
‫شهْرًا }‬
‫َ‬
‫ش ّدهُ } أي ‪ :‬قوى وشب وارتجل { وَبَلَغَ أَرْ َبعِينَ سَنَةً } أي ‪ :‬تناهى عقله وكمل‬
‫{ حَتّى إِذَا بََلغَ أَ ُ‬
‫فهمه وحلمه‪ .‬ويقال ‪ :‬إنه ل يتغير غالبا عما يكون عليه ابن الربعين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند الطيالسي برقم (‪ )208‬وصحيح مسلم يرقم (‪ )1748‬وسنن أبي داود برقم (‪)2740‬‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪ )3079‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11196‬لكن النسائي لم يرو‬
‫الشاهد هنا وإنما روى أوله‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬معمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬وابتله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي ‪.)07/441‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عن عكرمة وروى عن ابن عباس"‪.‬‬

‫( ‪)7/280‬‬

‫قال أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن قال ‪ :‬قلت لمسروق ‪ :‬متى‬
‫خذْ حذرك‪.‬‬
‫يؤخذ الرجل بذنوبه ؟ قال ‪ :‬إذا بََل ْغتَ الربعين ‪ ،‬فَ ُ‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا عُبَيد ال القواريري ‪ ،‬حدثنا عَزْرَة بن قيس الزدي ‪-‬‬
‫وكان قد بلغ مائة سنة ‪ -‬حدثنا أبو الحسن السلولي (‪ )1‬عنه وزادني (‪ )2‬قال ‪ :‬قال محمد بن‬
‫عمرو بن عثمان ‪ ،‬عن عثمان ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬العبد المسلم إذا بلغ أربعين‬
‫سنة خفف ال حسابه ‪ ،‬وإذا بلغ (‪ )3‬ستين سنة رزقه ال النابة إليه ‪ ،‬وإذا بلغ سبعين سنة أحبّه‬
‫أهل السماء ‪ ،‬وإذا بلغ ثمانين سنة ثبت ال حسناته ومحا سيئاته ‪ ،‬وإذا بلغ تسعين سنة غفر ال له‬
‫ما تقدم من ذنبه وما تأخر ‪ ،‬وشفّعه ال في أهل بيته ‪ ،‬وكتب في السماء ‪ :‬أسير (‪ )4‬ال في‬
‫أرضه" (‪.)5‬‬
‫وقد روي هذا من غير هذا الوجه ‪ ،‬وهو في مسند المام أحمد (‪.)7( )6‬‬
‫وقد قال الحجاج بن عبد ال الحكمي أحد أمراء بني أمية بدمشق ‪ :‬تركت المعاصي والذنوب‬
‫أربعين سنة حياء من الناس ‪ ،‬ثم تركتها حياء من ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وما أحسن قول الشاعر ‪:‬‬
‫صَبَا ما صَبَا حَتى عَل الشّيبُ رأسَهُ‪ ...‬فلمّا عَلهُ قال للباطل ‪ :‬ابطُل (‪)8‬‬
‫ع َملَ‬
‫ي وَأَنْ أَ ْ‬
‫ي وَعَلَى وَاِل َد ّ‬
‫شكُرَ ِن ْعمَ َتكَ الّتِي أَ ْن َعمْتَ عََل ّ‬
‫{ قَالَ َربّ َأوْزِعْنِي } أي ‪ :‬ألهمني { أَنْ أَ ْ‬
‫صَالِحًا تَ ْرضَاهُ } أي ‪ :‬في المستقبل ‪ { ،‬وََأصْلِحْ لِي فِي ذُرّيّتِي } أي ‪ :‬نسلي وعقبي ‪ { ،‬إِنّي تُ ْبتُ‬
‫ك وَإِنّي مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } وهذا فيه إرشاد لمن بلغ الربعين أن يجدد التوبة والنابة إلى ال ‪ ،‬عز‬
‫إِلَ ْي َ‬
‫وجل ‪ ،‬ويعزم عليها‪.‬‬
‫وقد روى أبو داود في سننه ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كان يعلمهم أن يقولوا في التشهد ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ألف بين قلوبنا ‪ ،‬وأصلح ذات بيننا ‪ ،‬واهدنا سبُل‬
‫(‪ )9‬السلم ‪ ،‬ونجنا من الظلمات إلى النور ‪ ،‬وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬وبارك لنا‬
‫في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا ‪ ،‬وأزواجنا ‪ ،‬وذرياتنا ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪،‬‬
‫واجعلنا شاكرين لنعمتك ‪ ،‬مثنين بها قابليها ‪ ،‬وأتممها علينا" (‪.)10‬‬
‫عمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ } أي ‪ :‬هؤلء‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ عَ ْنهُمْ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫المتصفون بما ذكرنا ‪ ،‬التائبون إلى ال المنيبون إليه ‪ ،‬المستدركون ما فات بالتوبة والستغفار ‪،‬‬
‫هم الذين يتقبل عنهم أحسن ما عملوا ‪ ،‬ويتجاوز عن سيئاتهم ‪ ،‬فيغفر لهم الكثير من الزلل ‪،‬‬
‫ويتقبل منهم اليسير من العمل ‪ { ،‬فِي َأصْحَابِ الْجَنّةِ } أي ‪ :‬هم في جملة أصحاب الجنة ‪ ،‬وهذا‬
‫حكمهم عند ال كما وعد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أبو الحسن الكوفي ‪ -‬عمر بن أوس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬رزقه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أمين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/205‬رواه أبو يعلى في الكبير وفيه عزرة بن قيس‬
‫الزدي ‪ ،‬وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وهذا الحديث في مسند المام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه المام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه ‪ ،‬المسند (‪.)3/218‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أبعد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬سبيل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)969‬‬

‫( ‪)7/281‬‬

‫ال من تاب إليه وأناب ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَعْدَ الصّ ْدقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }‬
‫قال (‪ )1‬ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ال ُمعْ َتمِر بن سليمان ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪،‬‬
‫عن الغطْرِيف ‪ ،‬عن جابر بن زيد ‪ ،‬عن ابن عباس (‪ ، )2‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫عن الروح المين ‪ ،‬عليه (‪ )3‬السلم ‪ ،‬قال ‪" :‬يؤتى (‪ )4‬بحسنات العبد وسيئاته (‪ ، )5‬فيقتص (‪)6‬‬
‫بعضها ببعض ‪ ،‬فإن بقيت حسنة وسع ال له في الجنة" قال ‪ :‬فدخلتُ على يزداد َفحُدّث بمثل هذا‬
‫عمِلُوا‬
‫الحديث قال ‪ :‬قلت ‪ :‬فإن ذهبت الحسنة ؟ قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَبّلُ عَ ْنهُمْ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫صحَابِ الْجَنّةِ وَعْدَ الصّ ْدقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } (‪.)7‬‬
‫وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ فِي َأ ْ‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى الصنعاني ‪ ،‬عن المعتمر بن‬
‫سليمان ‪ ،‬بإسناده مثله ‪ -‬وزاد عن الروح المين‪ .‬قال ‪ :‬قال الرب ‪ ،‬جل جلله ‪ :‬يؤتى بحسنات‬
‫العبد وسيئاته‪ ...‬فذكره ‪ ،‬وهو حديث غريب ‪ ،‬وإسنادٌ جيد ل بأس به‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سليمان بن َمعْبَد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عاصم الكلئي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو عوانة ‪ ،‬عن أبي بشر (‪ )8‬جعفر بن أبي وَحْشية ‪ ،‬عن يوسف بن سعد (‪ ، )9‬عن محمد بن‬
‫حاطب قال ‪ :‬ونزل في داري حيث ظهر علي على أهل البصرة ‪ ،‬فقال لي يوما ‪ :‬لقد شهدتُ أمير‬
‫المؤمنين عليا ‪ ،‬وعنده عمارا وصعصعة والشتر ومحمد بن أبي بكر ‪ ،‬فذكروا عثمان فنالوا‬
‫منه ‪ ،‬وكان علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬على السرير ‪ ،‬ومعه عود في يده ‪ ،‬فقال قائل منهم ‪ :‬إن‬
‫عندكم من يفصل بينكم فسألوه ‪ ،‬فقال علي ‪ :‬كان عثمان من الذين قال ال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ نَ َتقَ ّبلُ‬
‫عمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئَا ِتهِمْ فِي َأصْحَابِ الْجَنّ ِة وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }‬
‫عَ ْنهُمْ َأحْسَنَ مَا َ‬
‫قال ‪ :‬وال عثمان وأصحاب عثمان ‪ -‬قالها ثلثا ‪ -‬قال يوسف ‪ :‬فقلت لمحمد بن حاطب ‪ :‬آل‬
‫لسمعت هذا من عليّ ؟ قال ‪ :‬آل لسمعت هذا من علي ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ابن عباس رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عليهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬تؤتى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وسيئاته يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فيقبض"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )26/12‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )3/91‬من طريق معتمر بن سليمان‬
‫به ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬هذا حديث غريب من حديث جابر ‪ ،‬والغطويف تفرد به عنه الحكم بن أبان‬
‫العدني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)7/282‬‬
‫ج َوقَدْ خََلتِ ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ ُهمَا َيسْ َتغِيثَانِ اللّ َه وَيَْلكَ‬
‫وَالّذِي قَالَ ِلوَالِدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا أَ َت ِعدَانِنِي أَنْ أُخْرَ َ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَيَقُولُ مَا هَذَا ِإلّا أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪ )17‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ‬
‫َآمِنْ إِ ّ‬
‫عمِلُوا وَلِ ُي َوفّ َيهُمْ‬
‫ن وَالْإِنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪ )18‬وَِل ُكلّ دَ َرجَاتٌ ِممّا َ‬
‫قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫عمَاَلهُ ْم وَهُمْ لَا يُظَْلمُونَ (‪ )19‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ َأذْهَبْتُمْ طَيّبَا ِتكُمْ فِي حَيَا ِتكُمُ‬
‫أَ ْ‬
‫ق وَ ِبمَا‬
‫حّ‬‫عذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْتُمْ تَسْ َتكْبِرُونَ فِي الْأَ ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهَا فَالْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ َ‬
‫سقُونَ (‪)20‬‬
‫كُنْتُمْ َتفْ ُ‬

‫ج َوقَدْ خََلتِ ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ ُهمَا يَسْ َتغِيثَانِ اللّهَ‬


‫{ وَالّذِي قَالَ ِلوَاِلدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا أَ َتعِدَانِنِي أَنْ ُأخْرَ َ‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ حَقّ فَ َيقُولُ مَا َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ (‪ )17‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ‬
‫وَيَْلكَ آمِنْ إِ ّ‬
‫عمِلُوا‬
‫ن وَالنْسِ إِ ّنهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (‪ )18‬وَِل ُكلّ دَرَجَاتٌ ِممّا َ‬
‫فِي ُأ َممٍ قَدْ خََلتْ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنَ ا ْلجِ ّ‬
‫عمَاَلهُ ْم وَهُمْ ل ُيظَْلمُونَ (‪ )19‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ َأذْهَبْتُمْ طَيّبَا ِتكُمْ فِي‬
‫وَلِ ُي َوفّيَهُمْ أَ ْ‬
‫عذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْ ُتمْ تَسْ َتكْبِرُونَ فِي الرْضِ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ‬
‫حَيَا ِتكُمُ الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْ ُتمْ ِبهَا فَالْ َيوْمَ تُجْ َزوْنَ َ‬
‫سقُونَ (‪.} )20‬‬
‫وَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َتفْ ُ‬
‫لما ذكر تعالى حال الداعين للوالدين البارين بهما وما لهم عنده من الفوز والنجاة ‪ ،‬عطف بحال‬
‫الشقياء العاقين للوالدين فقال ‪ { :‬وَالّذِي قَالَ ِلوَاِلدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا } ‪ -‬وهذا عام في كل من قال هذا ‪،‬‬
‫ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر فقوله ضعيف ؛ لن عبد الرحمن بن أبي بكر‬
‫أسلم بعد ذلك وحسن إسلمه ‪ ،‬وكان من خيار أهل زمانه‪.‬‬
‫وروى ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنها نزلت في ابن لبي بكر الصديق‪ .‬وفي صحة هذا نظر ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬نزلت في عبد ال بن أبي بكر‪ .‬وهذا أيضا قاله ابن جريج‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬عبد الرحمن بن أبي بكر‪ .‬وقاله (‪ )1‬السدي‪ .‬وإنما هذا عام في كل من عق والديه‬
‫وكذب بالحق ‪ ،‬فقال لوالديه ‪ُ { :‬أفّ َل ُكمَا } عقهما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي زائدة ‪،‬‬
‫عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬أخبرني عبد ال بن المديني قال ‪ :‬إني لفي المسجد حين خطب‬
‫مَرْوان ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ال أرى (‪ )2‬أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا ‪ ،‬وإن يستخلفه فقد استخلف‬
‫أبو بكر عمر ‪ ،‬فقال عبد الرحمن بن أبي بكر ‪ :‬أهرقلية ؟! إن أبا بكر وال ما جعلها في أحد من‬
‫ولده ‪ ،‬ول أحدا من أهل بيته ‪ ،‬ول جعلها معاوية في ولده إل رحمة وكرامة لولده‪ .‬فقال مروان ‪:‬‬
‫ألست الذي قال لوالديه ‪ :‬أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن ‪ :‬ألست ابن اللعين الذي لعن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أباك ؟ قال ‪ :‬وسمعتهما عائشة فقالت ‪ :‬يا مروان ‪ ،‬أنت القائل لعبد الرحمن‬
‫كذا وكذا ؟ كذبتَ ‪ ،‬ما فيه نزلت ‪ ،‬ولكن نزلت في فلن بن فلن‪ .‬ثم انتحب مروان ‪ ،‬ثم نزل عن‬
‫المنبر حتى أتى باب حجرتها ‪ ،‬فجعل يكلمها حتى انصرف (‪.)3‬‬
‫وقد رواه البخاري بإسناد آخر ولفظ آخر ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أبو عَوانة ‪،‬‬
‫عن أبي بِشْر ‪ ،‬عن يوسف بن مَاهَك قال ‪ :‬كان مَرْوان على الحجاز ‪ ،‬استعمله معاوية بن أبي‬
‫سفيان ‪ ،‬فخطب وجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه ‪ ،‬فقال له عبد الرحمن بن أبي‬
‫بكر شيئا ‪ ،‬فقال ‪ :‬خذوه‪ .‬فدخل بيت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فلم يقدروا عليه ‪ ،‬فقال (‪)4‬‬
‫ج َوقَدْ خََلتِ‬
‫مروان ‪ :‬إن هذا الذي أنزل فيه ‪ { :‬وَالّذِي قَالَ ِلوَاِلدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا أَ َتعِدَانِنِي أَنْ ُأخْرَ َ‬
‫ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي } فقالت عائشة من وراء الحجاب ‪ :‬ما أنزل ال فينا شيئا من القرآن ‪ ،‬إل أن ال‬
‫أنزل عُذرِي (‪.)5‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال النسائي ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا أميّة بن خالد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن‬
‫محمد بن زياد قال ‪ :‬لما بايع معاوية لبنه ‪ ،‬قال مروان ‪ :‬سُنّة أبي بكر وعمر‪ .‬فقال عبد الرحمن‬
‫بن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وهذا قول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ال قد أرى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه ابن مردويه فغي تفسيره كما في الدر المنثور (‪.)7/444‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فلم يقدر عليه فقام فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4827‬‬

‫( ‪)7/283‬‬

‫بكر ‪ :‬سُنّة هرقل وقيصر‪ .‬فقال مروان ‪ :‬هذا الذي أنزل ال فيه ‪ { :‬وَالّذِي قَالَ ِلوَالِدَيْهِ ُأفّ َل ُكمَا }‬
‫الية ‪ ،‬فبلغ ذلك عائشة فقالت ‪ :‬كذب مروان! وال ما هو به ‪ ،‬ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت‬
‫فيه لسميته ‪ ،‬ولكن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن أبا مروان ومروانُ في صلبه ‪ ،‬فمروان‬
‫ضضٌ (‪ )1‬من لعنة ال (‪.)2‬‬
‫َف َ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َت ِعدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ } أي ‪[ :‬أن] (‪ )3‬أبعث { َوقَدْ خََلتِ ا ْلقُرُونُ مِنْ قَبْلِي } أن (‪ )4‬قد‬
‫مضى الناس فلم يرجع منهم مخبر ‪ { ،‬وَ ُهمَا َيسْ َتغِيثَانِ اللّهَ } أي ‪ :‬يسألن ال فيه أن يهديه‬
‫حقّ فَ َيقُولُ مَا َهذَا إِل أَسَاطِي ُر الوّلِينَ } قال ال‬
‫ن وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫ويقولن لولدهما ‪ { :‬وَيَْلكَ آمِنْ إِ ّ‬
‫خَلتْ مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنَ الْجِنّ وَالنْسِ إِ ّن ُهمْ كَانُوا‬
‫[تعالى] (‪ { )5‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ حَقّ عَلَ ْيهِمُ ا ْل َق ْولُ فِي ُأمَمٍ َقدْ َ‬
‫خَاسِرِينَ } أي ‪ :‬دخلوا في زمرة أشباههم وأضرابهم من الكافرين الخاسرين أنفسهم وأهليهم يوم‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أولئك } بعد قوله ‪ { :‬وَالّذِي قَالَ } دليل على ما ذكرناه من أنه جنس يعم كل من كان‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬هو الكافر الفاجر العاق لوالديه ‪ ،‬المكذب بالبعث‪.‬‬
‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة سهل بن داود ‪ ،‬من طريق هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا حماد‬
‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا خالد بن الزبرقان الحلبي ‪ ،‬عن سليمان بن حبيب المحاربي ‪ ،‬عن أبي‬
‫أمامة الباهلي ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أربعة لعنهم ال من فوق عرشه ‪ ،‬وَأمّنتْ‬
‫عليهم الملئكة ‪ :‬مضل المساكين ‪ -‬قال خالد ‪ :‬الذي يهوي بيده إلى المسكين فيقول ‪ :‬هلم‬
‫أعطيك ‪ ،‬فإذا جاءه قال ‪ :‬ليس معي شيء ‪ -‬والذي يقول للمكفوف ‪ :‬اتق الدابة ‪ ،‬وليس بين يديه‬
‫شيء‪ .‬والرجل يسأل عن دار القوم فيدلونه على غيرها ‪ ،‬والذي يضرب الوالدين حتى يستغيثا" (‬
‫‪ .)6‬غريب جدا‪.‬‬
‫عمَاَل ُه ْم وَهُ ْم ل‬
‫عمِلُوا } أي ‪ :‬لكل عذاب بحسب عمله ‪ { ،‬وَلِ ُيوَفّ َيهُمْ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَِل ُكلّ دَ َرجَاتٌ ِممّا َ‬
‫يُظَْلمُونَ } أي ‪ :‬ل يظلمهم مثقال ذرة فما دونها‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬درجات النار تذهب سفال ودرجات الجنة تذهب علوا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ َأذْهَبْتُمْ طَيّبَا ِتكُمْ فِي حَيَا ِت ُكمُ الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهَا }‬
‫أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا‪ .‬وقد تورع [أمير المؤمنين] (‪ )7‬عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬عن (‪ )8‬كثير من طيبات المآكل والمشارب ‪ ،‬وتنزه عنها ‪ ،‬ويقول ‪[ :‬إني] (‪ )9‬أخاف أن‬
‫أكون كالذين قال ال تعالى لهم وقَرّعهم ‪ { :‬أَذْهَبْ ُتمْ طَيّبَا ِت ُكمْ فِي حَيَا ِتكُمُ الدّنْيَا وَاسْ َتمْ َتعْتُمْ ِبهَا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11491‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )6‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪ )10/221‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪)4/251‬‬
‫من طريق هشام بن عمار به‪ .‬قال ابن أبي حاتم في العلل (‪" : )2/413‬سألت أبي عن هذا الحديث‬
‫فقال ‪ :‬هذا حديث منكر"‪ .‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/251‬حماد بن عبد الرحمن العكي عن‬
‫خالد بن الزبرقان ‪ ،‬وكلهما ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/284‬‬
‫حسَنات كانت لهم في الدنيا ‪ ،‬فيقال لهم ‪ { :‬أَذْهَبْ ُتمْ طَيّبَا ِت ُكمْ فِي‬
‫ن أقوامٌ َ‬
‫وقال أبو مِجْلَز ‪ :‬ليتفقّدَ ّ‬
‫حَيَا ِتكُمُ الدّنْيَا }‬
‫ق وَ ِبمَا كُنْتُمْ‬
‫حّ‬‫وقوله ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ عَذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْتُمْ َتسْ َتكْبِرُونَ فِي ال ْرضِ ِبغَيْرِ الْ َ‬
‫سقُونَ } فجوزوا من جنس عملهم ‪ ،‬فكما َنعّموا أنفسهم واستكبروا عن اتباع الحق ‪ ،‬وتعاطوا‬
‫َتفْ ُ‬
‫الفسق والمعاصي ‪ ،‬جازاهم ال بعذاب الهون ‪ ،‬وهو الهانة والخزي واللم الموجعة ‪،‬‬
‫والحسرات المتتابعة والمنازل في الدركات المفظعة ‪ ،‬أجارنا ال من ذلك كله‪.‬‬

‫( ‪)7/285‬‬

‫حقَافِ َوقَدْ خََلتِ النّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ أَلّا َتعْ ُبدُوا إِلّا اللّهَ‬
‫وَا ْذكُرْ أَخَا عَادٍ ِإذْ أَنْذَرَ َقوْمَهُ بِالْأَ ْ‬
‫عذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ (‪ )21‬قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَ ْأ ِفكَنَا عَنْ آَِلهَتِنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ‬
‫إِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫جهَلُونَ (‪ )23‬فََلمّا‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )22‬قَالَ إِ ّنمَا ا ْلعِ ْلمُ عِنْدَ اللّ ِه وَأُبَّل ُغكُمْ مَا أُ ْرسِ ْلتُ بِ ِه وََلكِنّي أَرَاكُمْ َق ْومًا تَ ْ‬
‫رََأ ْوهُ عَا ِرضًا ُمسْ َتقْبِلَ َأوْدِيَ ِتهِمْ قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا َبلْ ُهوَ مَا اسْ َتعْجَلْ ُتمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ‬
‫شيْءٍ بَِأمْرِ رَ ّبهَا فََأصْبَحُوا لَا يُرَى إِلّا َمسَاكِ ُنهُمْ كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْل َقوْمَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‬
‫أَلِيمٌ (‪ُ )24‬ت َدمّرُ ُكلّ َ‬
‫‪)25‬‬

‫حقَافِ َوقَدْ خََلتِ النّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ أَل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ‬
‫{ وَا ْذكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ َق ْومَهُ بِال ْ‬
‫عذَابَ َيوْمٍ عَظِيمٍ (‪ )21‬قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَ ْأ ِفكَنَا عَنْ آِلهَتِنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ‬
‫إِنّي أَخَافُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫جهَلُونَ (‪ )23‬فََلمّا‬
‫الصّا ِدقِينَ (‪ )22‬قَالَ إِ ّنمَا ا ْلعِ ْلمُ عِنْدَ اللّ ِه وَأُبَّل ُغكُمْ مَا أُ ْرسِ ْلتُ بِ ِه وََلكِنّي أَرَاكُمْ َق ْومًا تَ ْ‬
‫رََأ ْوهُ عَا ِرضًا ُمسْ َتقْبِلَ َأوْدِيَ ِتهِمْ قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا َبلْ ُهوَ مَا اسْ َتعْجَلْ ُتمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ‬
‫شيْءٍ بَِأمْرِ رَ ّبهَا فََأصْبَحُوا ل يُرَى إِل َمسَاكِ ُنهُمْ كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْل َقوْمَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‬
‫أَلِيمٌ (‪ُ )24‬ت َدمّرُ ُكلّ َ‬
‫‪.} )25‬‬
‫يقول تعالى مسليا لنبيه في تكذيب من كذبه من قومه ‪ { :‬وَا ْذكُرْ أَخَا عَادٍ } وهو هود ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬بعثه ال إلى عاد الولى ‪ ،‬وكانوا يسكنون الحقاف ‪ -‬جمع حقْف وهو ‪ :‬الجبل من الرمل ‪-‬‬
‫قاله ابن زيد‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬الحقاف ‪ :‬الجبل والغار‪ .‬وقال علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫‪ :‬الحقاف ‪ :‬واد بحضرموت ‪ ،‬يدعى بُرْهوت ‪ ،‬تلقى فيه أرواح الكفار‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ذُكر لنا أن‬
‫عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها ‪ :‬الشّحْر‪.‬‬
‫قال ابن ماجه ‪" :‬باب إذا دعا فليبدأ بنفسه" ‪ :‬حدثنا الحسين بن علي الخلل ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحباب‬
‫‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يرحمنا ال ‪ ،‬وأخا عاد" (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَدْ خََلتِ النّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ َومِنْ خَ ْلفِهِ } يعني ‪ :‬وقد أرسل ال إلى من حَول بلدهم‬
‫جعَلْنَاهَا َنكَال ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهَا َومَا خَ ْل َفهَا } [البقرة ‪، ]66 :‬‬
‫من القرى مرسلين ومنذرين ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ف َ‬
‫سلُ مِنْ بَيْنِ‬
‫عقَةِ عَا ٍد وَ َثمُودَ ِإذْ جَاءَ ْتهُمُ الرّ ُ‬
‫ل صَا ِ‬
‫وكقوله ‪ { :‬فَإِنْ أَعْ َرضُوا َف ُقلْ أَنْذَرْ ُتكُمْ صَاعِقَةً مِ ْث َ‬
‫أَيْدِيهِمْ َومِنْ خَ ْل ِفهِمْ أَل َتعْبُدُوا إِل اللّهَ قَالُوا َلوْ شَاءَ رَبّنَا لنزلَ مَل ِئكَةً فَإِنّا ِبمَا أُرْسِلْ ُتمْ بِهِ كَافِرُونَ }‬
‫[فصلت ‪ )3( )2( ]14 ، 13 :‬أي ‪ :‬قال لهم هود ذلك ‪ ،‬فأجابه قومه قائلين ‪ { :‬أَجِئْتَنَا لِتَ ْأ ِفكَنَا } أي‬
‫‪ :‬لتصدنا { عَنْ آِلهَتِنَا فَأْتِنَا ِبمَا َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه (‪ )3852‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/204‬هذا إسناد صحيح وله‬
‫شواهد في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي بن كعب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬تولوا" ‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬

‫( ‪)7/285‬‬

‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا‬


‫استعجلوا عذاب ال وعقوبته ‪ ،‬استبعادًا منهم وقوعه ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَسْ َتعْ ِ‬
‫} [الشورى ‪.]18 :‬‬
‫{ قَالَ إِ ّنمَا ا ْلعِ ْلمُ عِنْدَ اللّهِ } (‪ )1‬أي ‪ :‬ال أعلم بكم إن كنتم مستحقين لتعجيل العذاب فيفعل (‪ )2‬ذلك‬
‫جهَلُونَ } أي ‪ :‬ل تعقلون‬
‫بكم ‪ ،‬وأما أنا فمن شأني أني أبلغكم ما أرسلت به ‪ { ،‬وََلكِنّي أَرَا ُكمْ َق ْومًا َت ْ‬
‫ول تفهمون‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فََلمّا رََأ ْوهُ عَا ِرضًا مُسْ َتقْبِلَ َأوْدِيَ ِت ِهمْ } أي ‪ :‬لما رأوا العذاب مستقبلهم ‪ ،‬اعتقدوا‬
‫أنه عارض ممطر ‪ ،‬ففرحوا واستبشروا به (‪ ، )3‬وقد كانوا ممحلين محتاجين إلى المطر ‪ ،‬قال‬
‫ال تعالى ‪َ { :‬بلْ ُهوَ مَا اسْ َت ْعجَلْتُمْ ِبهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ َألِيمٌ } أي ‪ :‬هو العذاب الذي قلتم ‪ { :‬فَأْتِنَا ِبمَا‬
‫َتعِدُنَا إِنْ كُ ْنتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ }‬
‫شيْءٍ } من بلدهم ‪ ،‬مما من شأنه الخراب { بَِأمْرِ رَ ّبهَا } أي ‪ :‬بإذن‬
‫{ ُت َدمّرُ } أي ‪ :‬تخرب { ُكلّ َ‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ } [الذاريات ‪ ]42 :‬أي ‪:‬‬
‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَ ْيهِ إِل َ‬
‫ال لها في ذلك ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬مَا َتذَرُ مِنْ َ‬
‫كالشيء البالي‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬فََأصْبَحُوا ل يُرَى إِل مَسَاكِ ُن ُهمْ } أي ‪ :‬قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم‬
‫تبق لهم باقية ‪ { ،‬كَذَِلكَ َنجْزِي ا ْل َقوْمَ ا ْلمُجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا ‪ ،‬وخالف‬
‫أمرنا‪.‬‬
‫وقد ورد حديث في قصتهم وهو غريب جدًا من غرائب الحديث وأفراده ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا زيد بن الحُبَاب ‪ ،‬حدثني أبو المنذر سلم بن سليمان النحوي قال ‪ :‬حدثنا عاصم بن أبي‬
‫النّجُود ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن الحارث البكري قال ‪ :‬خرجت أشكو العلء بن الحضرمي إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فمررت بالرَ ْبذَة ‪ ،‬فإذا عجوز من بني تميم منقطع بها ‪ ،‬فقالت‬
‫لي ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬إن لي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم حاجة ‪ ،‬فهل أنت مبلغي إليه ؟ قال ‪:‬‬
‫فحملتها فأتيت بها المدينة ‪ ،‬فإذا المسجد غاص بأهله ‪ ،‬وإذا راية سوداء تخفق ‪ ،‬وإذا بلل متقلد‬
‫السيف بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما شأن الناس ؟ قالوا ‪ :‬يريد أن يبعث‬
‫عمرو بن العاص وجها‪ .‬قال ‪ :‬فجلست ‪ ،‬فدخل منزله ‪ -‬أو قال ‪ :‬رحله ‪ -‬فاستأذنت عليه ‪ ،‬فأذن‬
‫لي ‪ ،‬فدخلت فسلمت ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل كان بينكم وبين تميم شيء ؟ قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬وكانت لنا الدبرة (‪)4‬‬
‫عليهم ‪ ،‬ومررت بعجوز من بني تميم منقطع ‪ ،‬بها فسألتني أن أحملها إليك ‪ ،‬وها هي بالباب ‪:‬‬
‫فأذن لها فدخلت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن رأيت أن تجعل بيننا وبين تميم حاجزا فاجعل الدهناء‬
‫‪ ،‬فحميت العجوز واستوفزت ‪ ،‬وقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فإلى أين يضطر مضطرك ؟ قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫حمَلَت حَ ْتفَها" ‪ ،‬حملت هذه ول أشعر أنها كانت لي خصما ‪،‬‬
‫إن مثلي ما قال الول ‪ِ " :‬معْزَى َ‬
‫أعوذ بال ورسوله أن أكون كوافد عاد‪ .‬قال ‪" :‬هيه ‪ ،‬وما وافد عاد ؟" ‪ -‬وهو أعلم بالحديث منه ‪،‬‬
‫ولكن يستطعمه (‪ - )5‬قلت ‪ :‬إن عادًا قحطوا فبعثوا وافدًا لهم يقال له ‪ :‬قَيل ‪ ،‬فمر بمعاوية بن‬
‫بكر ‪ ،‬فأقام عنده شهرا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان يقال لهما "الجرادتان" ‪ -‬فلما مضى الشهر‬
‫خرج إلى جبال َمهْرة فقال ‪ :‬اللهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وقال" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فسيفعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬ت ‪" :‬ففرحوا به واستبشروا به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الدائرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬يستعظمه"‪.‬‬

‫( ‪)7/286‬‬

‫إنك تعلم أني لم أجئ إلى مريض فأداويه ‪ ،‬ول إلى أسير فأفاديه ‪ ،‬اللهم اسق عادا ما كنت تسقيه‪.‬‬
‫فمرت به سحابات سود ‪ ،‬فنودي منها ‪" :‬اختر" ‪ ،‬فأومأ إلى سحابة منها سوداء ‪ ،‬فنودي منها ‪:‬‬
‫"خذها رمادًا رمددًا (‪ ، )1‬ل تبقي من عاد أحدا"‪ .‬قال ‪ :‬فما بلغني أنه أرسل عليهم من الريح إل‬
‫كقدر ما يجري في خاتمي هذا ‪ ،‬حتى هلكوا ‪ -‬قال أبو وائل ‪ :‬وصدق ‪ -‬وكانت المرأة والرجل‬
‫إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا ‪" :‬ل تكن كوافد عاد"‪.‬‬
‫رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬كما تقدم في سورة "العراف" (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرنا عمرو ‪ :‬أن أبا النضر‬
‫حدثه عن سليمان بن يسار ‪ ،‬عن عائشة (‪ )3‬أنها قالت ‪ :‬ما رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مستجمعًا ضاحكا حتى أرى منه لهواته ‪ ،‬إنما كان يتبسم‪ .‬قالت ‪ :‬وكان (‪ )4‬إذا رأى غيما ‪ -‬أو‬
‫ريحا ‪ -‬عرف ذلك في وجهه ‪ ،‬قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون‬
‫فيه المطر ‪ ،‬وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية ؟ فقال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬ما يؤمنني أن يكون‬
‫فيه عذاب ‪ ،‬قد عذب قوم بالريح ‪ ،‬وقد رأى قوم العذاب فقالوا ‪ :‬هذا عارض ممطرنا"‪ .‬وأخرجاه‬
‫(‪ )5‬من حديث ابن وهب (‪.)6‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن المقدام بن شريح ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن عائشة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى ناشئا في أفق من آفاق السماء ‪ ،‬ترك‬
‫عمله ‪ ،‬وإن كان في صلته ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إني أعوذ بك من شر ما فيه" (‪ .)7‬فإن كشفه ال‬
‫حمد ال ‪ ،‬وإن أمطرت قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬صيبا نافعا" (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا أبو الطاهر ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬سمعت ابن جريج‬
‫يحدث عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫عصفت الريح قال ‪" :‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك خيرها ‪ ،‬وخير ما فيها ‪ ،‬وخير ما أرسلت به ‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫من شرها ‪ ،‬وشر ما فيها ‪ ،‬وشر ما أرسلت به"‪ .‬قالت ‪ :‬وإذا تَخَيّلت السماء تغير لونه ‪ ،‬وخرج‬
‫ودخل ‪ ،‬وأقبل وأدبر ‪ ،‬فإذا مطرت سري عنه ‪ ،‬فعرفت ذلك عائشة ‪ ،‬فسألته ‪ ،‬فقال ‪" :‬لعله يا‬
‫عائشة كما قال قوم عاد ‪ { :‬فََلمّا رََأ ْوهُ عَا ِرضًا مُسْ َتقْ ِبلَ َأوْدِيَ ِتهِمْ قَالُوا هَذَا عَا ِرضٌ ُممْطِرُنَا } (‪.)9‬‬
‫وقد ذكرنا قصة هلك عاد (‪ )10‬في سورتي "العراف وهود" (‪ )11‬بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪،‬‬
‫ول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رمدا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/482‬وانظر تخريج بقية هذا الحديث عند الية ‪ 73 :‬من سورة العراف‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عائشة رضي ال عنها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أخرجه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )6/66‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4829 ، 4828‬وصحيح مسلم برقم (‪.)899‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬من سوء عاقبته"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/190‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)899‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هلك قوم عاد"‪.‬‬
‫(‪ )11‬راجع قصة هلك قوم عاد عند تفسير اليات ‪ 72 - 65 :‬من سورة العراف واليات ‪:‬‬
‫‪ 60 - 50‬من سورة هود‪.‬‬

‫( ‪)7/287‬‬
‫س ْم ُعهُ ْم وَلَا‬
‫س ْمعًا وَأَ ْبصَارًا وََأفْئِ َدةً َفمَا أَغْنَى عَ ْن ُهمْ َ‬
‫جعَلْنَا َلهُمْ َ‬
‫وَلَقَدْ َمكّنّاهُمْ فِيمَا إِنْ َمكّنّاكُمْ فِي ِه وَ َ‬
‫جحَدُونَ بِآَيَاتِ اللّ ِه وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا بِهِ َيسْ َتهْزِئُونَ (‬
‫شيْءٍ إِذْ كَانُوا يَ ْ‬
‫أَ ْبصَارُهُ ْم وَلَا َأفْ ِئدَ ُتهُمْ مِنْ َ‬
‫جعُونَ (‪ )27‬فََلوْلَا َنصَرَ ُهمُ الّذِينَ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى َوصَ ّرفْنَا الْآَيَاتِ َلعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫‪ )26‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ قُرْبَانًا آَِلهَةً َبلْ ضَلّوا عَ ْنهُمْ وَذَِلكَ ِإ ْف ُكهُ ْم َومَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪)28‬‬
‫اتّ َ‬

‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا عبدان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن زكريا الكوفي ‪ ،‬حدثنا أبو مالك ‪ ،‬عن‬
‫مسلم الملئي ‪ ،‬عن مجاهد وسعيد بن جبير (‪ ، )1‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬ما فتح على عاد من الريح إل مثل موضع الخاتم ‪ ،‬ثم أرسلت عليهم [فحملتهم] البدو‬
‫إلى الحضر فلما رآها أهل الحضر قالوا ‪ :‬هذا عارض ممطرنا مستقبل أوديتنا‪ .‬وكان أهل‬
‫البوادي فيها ‪ ،‬فألقى أهل البادية على أهل الحاضرة حتى هلكوا‪ .‬قال ‪ :‬عتت على خزانها حتى‬
‫خرجت من خلل البواب (‪.)3( " )2‬‬
‫س ْم ُعهُ ْم وَل‬
‫س ْمعًا وَأَ ْبصَارًا وََأفْئِ َدةً َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ َ‬
‫جعَلْنَا َلهُمْ َ‬
‫{ وََلقَدْ َمكّنّاهُمْ فِيمَا إِنْ َمكّنّاكُمْ فِي ِه وَ َ‬
‫حدُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ (‬
‫شيْءٍ ِإذْ كَانُوا َيجْ َ‬
‫أَ ْبصَارُهُ ْم وَل َأفْئِدَ ُتهُمْ مِنْ َ‬
‫جعُونَ (‪ )27‬فََلوْل َنصَرَ ُهمُ الّذِينَ‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى َوصَ ّرفْنَا اليَاتِ َلعَّل ُهمْ يَرْ ِ‬
‫‪ )26‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬
‫خذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ قُرْبَانًا آِلهَةً َبلْ ضَلّوا عَ ْنهُمْ وَذَِلكَ ِإ ْف ُكهُ ْم َومَا كَانُوا َيفْتَرُونَ (‪.} )28‬‬
‫اتّ َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬ولقد مكنا المم السالفة في الدنيا من الموال والولد ‪ ،‬وأعطيناهم منها (‪ )4‬ما لم‬
‫س ْم ُعهُ ْم وَل‬
‫س ْمعًا وَأَ ْبصَارًا وََأفْئِ َدةً َفمَا أَغْنَى عَ ْنهُمْ َ‬
‫جعَلْنَا َلهُمْ َ‬
‫نعطكم مثله ول قريبا منه ‪َ { ،‬و َ‬
‫حدُونَ بِآيَاتِ اللّ ِه وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } أي‬
‫شيْءٍ ِإذْ كَانُوا َيجْ َ‬
‫أَ ْبصَارُهُ ْم وَل َأفْئِدَ ُتهُمْ مِنْ َ‬
‫‪ :‬وأحاط بهم العذاب والنكال الذي كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه ‪ ،‬أي ‪ :‬فاحذروا أيها‬
‫المخاطبون أن تكونوا مثلهم ‪ ،‬فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫حوَْلكُمْ مِنَ ا ْلقُرَى } يعني ‪ :‬أهل مكة ‪ ،‬قد أهلك ال المم المكذبة بالرسل‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا مَا َ‬
‫مما حولها كعاد ‪ ،‬وكانوا بالحقاف بحضرموت عند اليمن وثمود ‪ ،‬وكانت منازلهم بينهم وبين‬
‫الشام ‪ ،‬وكذلك سبأ وهم أهل اليمن ‪ ،‬ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة ‪ ،‬وكذلك بحيرة‬
‫قوم لوط ‪ ،‬كانوا يمرون بها أيضا‪.‬‬
‫جعُونَ فََلوْل َنصَرَهُمُ الّذِينَ اتّخَذُوا‬
‫وقوله ‪َ { :‬وصَ ّرفْنَا اليَاتِ } أي ‪ :‬بيناها ووضحناها ‪َ { ،‬لعَّلهُمْ يَ ْر ِ‬
‫مِنْ دُونِ اللّهِ قُرْبَانًا آِلهَة } أي ‪ :‬فهل نصروهم عند احتياجهم إليهم ‪َ { ،‬بلْ ضَلّوا عَ ْن ُهمْ } أي ‪ :‬بل‬
‫ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم ‪ { ،‬وَذَِلكَ ِإ ْف ُكهُمْ } أي ‪ :‬كذبهم ‪َ { ،‬ومَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } أي ‪:‬‬
‫وافتراؤهم في اتخاذهم إياهم آلهة ‪ ،‬وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها ‪ ،‬واعتمادهم عليها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬البيوت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪ ، )12/42‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/113‬فيه مسلم الملئي وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫( ‪)7/288‬‬

‫ي وَّلوْا إِلَى‬
‫ضَ‬‫حضَرُوهُ قَالُوا أَ ْنصِتُوا فََلمّا ُق ِ‬
‫وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآَنَ فََلمّا َ‬
‫س ِمعْنَا كِتَابًا أُنْ ِزلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ َيهْدِي‬
‫َق ْومِهِمْ مُنْذِرِينَ (‪ )29‬قَالُوا يَا َق ْومَنَا إِنّا َ‬
‫عيَ اللّ ِه وَ َآمِنُوا بِهِ َي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ‬
‫ق وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )30‬يَا َق ْومَنَا أَجِيبُوا دَا ِ‬
‫حّ‬‫إِلَى الْ َ‬
‫ض وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ‬
‫عيَ اللّهِ فَلَيْسَ ِب ُمعْجِزٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫جبْ دَا ِ‬
‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪َ )31‬ومَنْ لَا ُي ِ‬
‫وَيُجِ ْركُمْ مِنْ َ‬
‫َأوْلِيَاءُ أُولَ ِئكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪)32‬‬

‫ضيَ وَّلوْا إِلَى‬


‫حضَرُوهُ قَالُوا أَ ْنصِتُوا فََلمّا ُق ِ‬
‫{ وَإِذْ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ فََلمّا َ‬
‫س ِمعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ َيهْدِي‬
‫َق ْومِهِمْ مُنْذِرِينَ (‪ )29‬قَالُوا يَا َق ْومَنَا إِنّا َ‬
‫عيَ اللّ ِه وَآمِنُوا بِهِ َي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ‬
‫ق وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ )30‬يَا َق ْومَنَا أَجِيبُوا دَا ِ‬
‫حّ‬‫إِلَى الْ َ‬
‫ض وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ‬
‫عيَ اللّهِ فَلَيْسَ ِب ُم ْعجِزٍ فِي ال ْر ِ‬
‫جبْ دَا ِ‬
‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪َ )31‬ومَنْ ل يُ ِ‬
‫وَيُجِ ْركُمْ مِنْ َ‬
‫أَولِيَاءُ أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪.} )32‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو ‪ :‬سمعت عكرمة ‪ ،‬عن الزبير ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ‬
‫َنفَرًا مِنَ الْجِنّ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ } قال ‪ :‬بنخلة ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي العشاء‬
‫الخرة ‪ { ،‬كَادُوا َيكُونُونَ عَلَ ْيهِ لِبَدًا } [الجن ‪ ، ]19 :‬قال سفيان ‪ :‬اللبد ‪ :‬بعضهم على بعض ‪،‬‬
‫كاللبد بعضه على بعض (‪.)1‬‬
‫تفرد به أحمد ‪ ،‬وسيأتي من رواية ابن جرير ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنهم سبعة من جن‬
‫َنصِيبين‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة(ح) ‪ -‬وقال (‪ )2‬الحافظ أبو بكر البيهقي في‬
‫كتابه "دلئل النبوة" ‪ :‬أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ‪،‬‬
‫حدثنا إسماعيل القاضي ‪ ،‬أخبرنا مسدد ‪ ،‬حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير (‬
‫‪ ، )3‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم على الجن ول رآهم ‪ ،‬انطلق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ‪ ،‬وقد حيل بين‬
‫الشياطين وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت عليهم الشهب ‪ ،‬فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ‪ :‬ما‬
‫لكم ؟ فقالوا ‪ :‬حيل بيننا وبين خبر السماء ‪ ،‬وأرسلت علينا الشهب‪ .‬قالوا ‪ :‬ما حال بينكم وبين‬
‫خبر السماء إل شيء حدث ‪ ،‬فاضربوا مشارق الرض ومغاربها وانظروا ما هذا الذي حال بينكم‬
‫وبين خبر السماء‪ .‬فانطلقوا يضربون مشارق الرض ومغاربها يبتغون ما هذا الذي حال بينهم‬
‫وبين خبر السماء ‪ ،‬فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهو بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ ‪ ،‬وهو يصلي بأصحابه صلة الفجر ‪ ،‬فلما سمعوا‬
‫القرآن استمعوا له ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا ‪ -‬وال ‪ -‬الذي حال بينكم وبين خبر السماء ‪ ،‬فهنالك حين‬
‫رجعوا إلى قومهم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا قومنا ‪ ،‬إنا سمعنا قرآنا عجبا ‪ ،‬يهدي إلى الرشد فآمنا به ‪ ،‬ولن‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ } [الجن ‪:‬‬
‫نشرك بربنا أحدا ‪ ،‬وأنزل ال على نبيه (‪ُ { : )4‬قلْ أُو ِ‬
‫‪ ، ]1‬وإنما أوحي إليه قول الجن‪.‬‬
‫رواه البخاري عن ُمسَدّد بنحوه ‪ ،‬وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ ‪ ،‬عن أبي عوانة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ورواه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/167‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬الحافظ الشهير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نبيه صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬

‫( ‪)7/289‬‬

‫الترمذي والنسائي في التفسير ‪ ،‬من حديث أبي عوانة (‪.)1‬‬


‫وقال المام أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن جبير‬
‫(‪ ، )2‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬كان الجن يستمعون (‪ )3‬الوحي ‪ ،‬فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها‬
‫عشرا ‪ ،‬فيكون ما سمعوا حقًا وما زادوا باطل وكانت النجوم ل يرمى بها قبل ذلك ‪ ،‬فلما بعث‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان أحدهم ل يأتي مقعده إل رمي بشهاب يحرق ما أصاب ‪،‬‬
‫فشكوا ذلك إلى إبليس فقال ‪ :‬ما هذا إل من أمر قد حدث‪ .‬فبث جنوده ‪ ،‬فإذا بالنبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يصلي بين جبلي نخلة ‪ ،‬فأتوه فأخبروه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا الحدث الذي حدث في الرض‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننيهما ‪ ،‬من حديث إسرائيل به (‪ )4‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وهكذا رواه أيوب عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وكذا رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫أيضا ‪ ،‬بمثل هذا السياق بطوله ‪ ،‬وهكذا قال الحسن البصري ‪ :‬إنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ما شعر‬
‫بأمرهم حتى أنزل ال عليه بخبرهم‪.‬‬
‫وذكر محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن رومان ‪ ،‬عن محمد بن كعب القرظي قصة خروج رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إلى الطائف ودعائه إياهم إلى ال عز وجل ‪ ،‬وإبائهم عليه‪ .‬فذكر القصة‬
‫بطولها ‪ ،‬وأورد ذلك الدعاء الحسن ‪" :‬اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي" إلى آخره‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فلما انصرف عنهم بات بنخلة ‪ ،‬فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين (‪.)5‬‬
‫وهذا صحيح ‪ ،‬ولكن قوله ‪" :‬إن الجن كان استماعهم تلك الليلة"‪ .‬فيه نظر ؛ لن الجن كان‬
‫استماعهم في ابتداء اليحاء ‪ ،‬كما دل عليه حديث ابن عباس المذكور ‪ ،‬وخروجه ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫إلى الطائف كان بعد موت عمه ‪ ،‬وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين ‪ ،‬كما قرره ابن إسحاق وغيره‬
‫[وال أعلم] (‪.)6‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي شيبة ‪ :‬حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زر (‬
‫‪ ، )7‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬هبطوا على النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن‬
‫نخلة ‪ ،‬فلما سمعوه قالوا ‪ :‬أنصتوا‪ .‬قال (‪ )8‬صه ‪ ،‬وكانوا تسعة (‪ )9‬أحدهم زوبعة ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫حضَرُوهُ قَالُوا أَ ْنصِتُوا فََلمّا‬
‫عز وجل ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ فََلمّا َ‬
‫ي وَّلوْا إِلَى َق ْومِهِمْ مُنْذِرِينَ } إلى ‪ { :‬ضَللٍ مُبِينٍ } (‪.)10‬‬
‫ُقضِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ ، )1/252‬ودلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/225‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فيستمعون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )773‬وصحيح مسلم برقم (‪ ، )449‬وسنن الترمذي برقم (‪، )3323‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)1164‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/419‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى أبو بكر بن أبي شيبة بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬سبعة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/456‬من طريق أبي بكر بن أبي شيبة به ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"صحيح السناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫( ‪)7/290‬‬

‫فهذا مع الول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يشعر‬
‫بحضورهم في هذه المرة وإنما استمعوا قراءته ‪ ،‬ثم رجعوا إلى قومهم ثم بعد ذلك وفدوا إليه‬
‫أرسال قوما بعد قوم ‪ ،‬وفوجا بعد فوج ‪ ،‬كما سيأتي بذلك الخبار في موضعها والثار ‪ ،‬مما‬
‫سنوردها (‪ )1‬هاهنا إن شاء ال تعالى وبه الثقة‪.‬‬
‫فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعا ‪ ،‬عن أبي قدامة عبيد ال بن سعيد السرخسي ‪ ،‬عن أبي‬
‫أسامة حماد بن أسامة ‪ ،‬عن مسعر بن كدام ‪ ،‬عن معن بن عبد الرحمن قال ‪ :‬سمعت أبي قال ‪:‬‬
‫سألت مسروقا ‪ :‬من آذن النبي صلى ال عليه وسلم ليلة استمعوا القرآن ؟ فقال ‪ :‬حدثني أبوك ‪-‬‬
‫يعني ابن مسعود (‪ - )2‬أنه آذنته بهم شجرة (‪ - )3‬فيحتمل أن يكون هذا في المرة الولى ‪،‬‬
‫ويكون إثباتا مقدما على نفي ابن عباس ‪ ،‬ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات ‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬ويحتمل أن يكون في الولى ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم‬
‫الشجرة ‪ ،‬أي ‪ :‬أعلمته باستماعهم ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال الحافظ البيهقي ‪ :‬وهذا الذي حكاه ابن عباس رضي ال عنهما (‪ ، )4‬إنما هو في أول ما‬
‫سمعت (‪ )5‬الجن قراءة رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلمت حاله ‪ ،‬وفي ذلك الوقت لم يقرأ‬
‫عليهم ولم يرهم ‪ ،‬ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن ‪ ،‬ودعاهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫كما رواه عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه (‪.)6‬‬
‫ذكر الرواية عنه بذلك ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا داود عن الشعبي ‪ -‬وابن أبي زائدة ‪ ،‬أخبرنا‬
‫داود ‪ ،‬عن الشعبي (‪ - )7‬عن علقمة قال ‪ :‬قلت لعبد ال بن مسعود ‪ :‬هل صحب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد ؟ فقال ‪ :‬ما صحبه منا أحد ‪ ،‬ولكنا فقدناه ذات ليلة‬
‫بمكة ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬اغتيل ؟ استطير ؟ ما فعل ؟ قال ‪ :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ‪ ،‬فلما كان في وجه‬
‫الصبح ‪ -‬أو قال ‪ :‬في السحر ‪ -‬إذا نحن به يجيء من قبل حراء ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ -‬فذكروا‬
‫له الذي كانوا فيه ‪ -‬فقال ‪" :‬إنه أتاني داعي الجن ‪ ،‬فأتيتهم فقرأت عليهم"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلق ‪ ،‬فأرانا‬
‫آثارهم وآثار نيرانهم ‪ -‬قال ‪ :‬وقال الشعبي ‪ :‬سألوه الزاد ‪ -‬قال عامر ‪ :‬سألوه بمكة ‪ ،‬وكانوا من‬
‫جن الجزيرة ‪ ،‬فقال ‪" :‬كل عظم ذكر اسم ال عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان عليه لحما ‪ ،‬وكل‬
‫بعرة أو روثة علف لدوابكم ‪ -‬قال ‪ -‬فل تستنجوا بهما ‪ ،‬فإنهما زاد إخوانكم من الجن"‪.‬‬
‫وهكذا رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن علي بن حجر ‪ ،‬عن إسماعيل بن علية ‪ ،‬به نحوه (‪.)8‬‬
‫وقال مسلم أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا داود ‪ -‬وهو ابن أبي هند ‪-‬‬
‫عن عامر قال ‪ :‬سألت علقمة ‪ :‬هل كان ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬شهد مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ليلة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬نوردها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ابن مسعود رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3859‬وصحيح مسلم برقم (‪.)450‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ما استمعت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/227‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ ، )1/436‬وصحيح مسلم برقم (‪.)450‬‬

‫( ‪)7/291‬‬

‫الجن ؟ قال ‪ :‬فقال علقمة ‪ :‬أنا سألت ابن مسعود ؛ فقلت ‪ :‬هل شهد أحد منكم مع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال ‪ :‬ل ولكنا كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه‬
‫فالتمسناه في الودية والشعاب ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬استطير ؟ اغتيل ؟ قال ‪ :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ‪ ،‬فلما‬
‫أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فقدناك فطلبناك فلم نجدك ‪ ،‬فبتنا‬
‫بشر ليلة بات بها قوم‪ .‬فقال ‪" :‬أتاني داعي الجن ‪ ،‬فذهبت معهم ‪ ،‬فقرأت عليهم القرآن"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ‪ ،‬وسألوه الزاد فقال ‪" :‬كل عظم ذكر اسم ال عليه يقع في‬
‫أيديكم أوفر ما يكون لحما ‪ ،‬وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم"‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬فل تستنجوا بهما ‪ ،‬فإنهما طعام إخوانكم" (‪.)1‬‬
‫طريق أخرى عن ابن مسعود ‪ :‬قال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني أحمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني‬
‫عمي ‪ ،‬حدثني يونس ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال ؛ أن بن مسعود قال ‪ :‬سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬بت الليلة أقرأ على الجن ربعا (‪ )2‬بالحجون" (‪.)3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬فيها أنه كان معه ليلة الجن ‪ ،‬قال ابن جرير رحمه ال ‪ :‬حدثني أحمد بن عبد‬
‫الرحمن بن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي عبد ال بن وهب ‪ ،‬أخبرني يونس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أبي‬
‫عثمان بن سنة الخزاعي ‪ -‬وكان من أهل الشام (‪ - )4‬أن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لصحابه وهو بمكة ‪" :‬من أحب منكم أن يحضر أمر الجن الليلة فليفعل"‪.‬‬
‫فلم يحضر منهم أحد غيري ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ‪ ،‬ثم‬
‫أمرني أن أجلس فيه ‪ ،‬ثم انطلق حتى قام ‪ ،‬فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ‪،‬‬
‫حتى ما أسمع صوته ‪ ،‬ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ‪ ،‬حتى بقي منهم رهط ‪،‬‬
‫ففرغ رسول ال صلى ال عليه وسلم مع الفجر ‪ ،‬فانطلق فتبرز ‪ ،‬ثم أتاني فقال ‪" :‬ما فعل‬
‫الرهط ؟" فقلت ‪ :‬هم أولئك يا رسول ال ‪ ،‬فأعطاهم عظما وروثا زادا ‪ ،‬ثم نهى أن يستطيب أحد‬
‫بروث أو عظم‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير عن محمد بن عبد ال بن عبد الحكم ‪ ،‬عن أبي زرعة وهب ال بن راشد ‪ ،‬عن‬
‫يونس بن يزيد اليلي ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫ورواه البيهقي في الدلئل ‪ ،‬من حديث عبد ال بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬عن الليث ‪ ،‬عن يونس‬
‫به (‪.)6‬‬
‫وقد روى إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن جرير ‪ ،‬عن قابوس بن أبي ظبيان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬فذكر نحو ما تقدم (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)450‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وقفا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬رفعا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )26/21‬ورواه أحمد في المسند (‪ )1/416‬من طريق يونس عن الزهري ‪،‬‬
‫به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى مسلم وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)26/21‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ ، )2/330‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/503‬من طريق عبد ال بن‬
‫صالح به ‪ ،‬قال الذهبي ‪" :‬هو صحيح عند جماعة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬وفي إسناده قابوس بن أبي ظبيان ‪ ،‬ضعفه أبو حاتم والنسائي وأحمد ‪ ،‬وقال ابن حبان ‪:‬‬
‫"ينفرد عن أبيه بما ل أصل له ‪ ،‬فربما رفع المرسل وأسند الموقوف"‪.‬‬

‫( ‪)7/292‬‬

‫ورواه الحافظ أبو نعيم ‪ ،‬من طريق موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن سعيد بن الحارث ‪ ،‬عن أبي المعلى (‬
‫‪ ، )1‬عن ابن مسعود فذكر نحوه أيضا (‪.)2‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو نعيم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن مالك ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثني‬
‫أبي قال ‪ :‬حدثنا عفان وعكرمة قال حدثنا معتمر قال ‪ :‬قال أبي ‪ :‬حدثني أبو تميمة ‪ ،‬عن عمرو‬
‫‪ -‬ولعله قد يكون قال ‪ :‬البكالي ‪ -‬يحدثه عمرو ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬استتبعني رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا ‪ ،‬فخط لي خطا‬
‫فقال ‪" :‬كن بين ظهر هذه ل تخرج منها ؛ فإنك إن خرجت منها هلكت" فذكر الحديث بطوله وفيه‬
‫غرابة شديدة (‪.)3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن معمر ‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن أبي كثير (‪ ، )4‬عن عبد ال بن عمرو بن غيلن الثقفي ؛ أنه قال لبن مسعود ‪ :‬حدثت أنك‬
‫كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة وفد الجن ؟ قال ‪ :‬أجل‪ .‬قال ‪ :‬فكيف كان ؟ فذكر‬
‫الحديث كله ‪ ،‬وذكر أن النبي صلى ال عليه وسلم خط عليه خطا ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل تبرح منها" فذكر‬
‫مثل العَجَاجة السوداء غشيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذعر ثلث مرات ‪ ،‬حتى إذا كان‬
‫قريبا من الصبح ‪ ،‬أتاني النبي (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أنمت ؟" فقلت ‪ :‬ل وال ‪ ،‬ولقد‬
‫هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك ‪ ،‬تقول ‪" :‬اجلسوا" فقال ‪" :‬لو‬
‫خرجت لم آمن أن يخطفك (‪ )6‬بعضهم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل رأيت شيئا ؟" فقلت ‪ :‬نعم رأيت رجال‬
‫سودًا مستشعرين (‪ )7‬ثيابا بياضا‪ .‬قال ‪" :‬أولئك جن نصيبين سألوني المتاع ‪ -‬والمتاع ‪ :‬الزاد ‪-‬‬
‫فمتعتهم بكل عظم حائل ‪ ،‬أو بعرة أو روثة" ‪ -‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما يغني ذلك عنهم ؟ فقال‬
‫‪" :‬إنهم ل يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه يوم أكل ‪ ،‬ول روثا إل وجدوا فيها حبها يوم‬
‫أكلت ‪ ،‬فل يستنقين أحد منكم إذا خرج من الخلء بعظم ول بعرة ول روثة" (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو نصر بن قتادة‬
‫قال أخبرنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي ‪،‬‬
‫حدثنا روح بن صلح ‪ ،‬حدثنا موسى بن علي بن رباح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪:‬‬
‫استتبعني رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬إن نفرا من الجن ‪ -‬خمسة عشر بني إخوة وبني‬
‫عم ‪ -‬يأتونني الليلة ‪ ،‬فأقرأ عليهم القرآن" ‪ ،‬فانطلقت معه إلى المكان الذي أراد ‪ ،‬فخط لي خطا‬
‫وأجلسني فيه ‪ ،‬وقال لي ‪" :‬ل تخرج من هذا"‪ .‬فبت فيه حتى أتاني رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حمَمة فقال لي ‪" :‬إذا ذهبت إلى الخلء فل تستنج بشيء من‬
‫مع السحر في يده عظم حائل وروثة ُ‬
‫هؤلء"‪ .‬قال ‪ :‬فلما أصبحت قلت ‪ :‬لعلمن علمي حيث كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪،‬‬
‫فذهبت فرأيت موضع مبرك (‪ )9‬ستين بعيرا (‪.)10‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو العباس الصم ‪ ،‬حدثنا‬
‫العباس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )10/80‬من طريق موسى بن عبيدة الربذي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم أجده في دلئل النبوة وهو في المسند للمام أحمد (‪.)1/399‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يختطفك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)26/21‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬منزل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/231‬‬

‫( ‪)7/293‬‬
‫بن محمد الدّوري ‪ ،‬حدثنا عثمان بن عمر (‪ ، )1‬عن المستمر بن الريان ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬انطلقت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن ‪ ،‬حتى أتى‬
‫الحجون ‪ ،‬فخط لي خطًا ‪ ،‬ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه ‪ ،‬فقال سيد لهم يقال له ‪" :‬وردان" ‪ :‬أنا‬
‫أرحلهم عنك‪ .‬فقال ‪ :‬إني لن يجيرني من ال أحد (‪.)2‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي فزارة العبسي ‪،‬‬
‫حدثنا أبو زيد ‪ -‬مولى عمرو بن حريث ‪ -‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬لما كان ليلة الجن قال لي النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أمعك ماء ؟" قلت ‪ :‬ليس معي ماء ‪ ،‬ولكن معي إداوة فيها نبيذ‪ .‬فقال النبي‬
‫‪" :‬تمرة طيبة وماء طهور" فتوضأ‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي زيد ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن قيس بن الحجاج ‪،‬‬
‫عن حنش الصنعاني ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ؛ أنه كان مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ليلة الجن ‪ ،‬فقال رسول ال ‪" :‬يا عبد ال ‪ ،‬أمعك ماء ؟" قال ‪ :‬معي نبيذ في إداوة ‪،‬‬
‫فقال (‪ )4‬اصبب علي"‪ .‬فتوضأ ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا عبد ال شراب وطهور" (‬
‫‪.)5‬‬
‫تفرد به أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وقد أورده الدارقطني من طريق آخر ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪[ ،‬به] (‪)6‬‬
‫(‪.)7‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرني أبي عن ميناء ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪:‬‬
‫كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة وفد الجن ‪ ،‬فلما انصرف تنفس ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما شأنك ؟‬
‫قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود"‪.‬‬
‫هكذا رأيته في المسند مختصرا (‪ ، )8‬وقد رواه الحافظ أبو نعيم في كتابه "دلئل النبوة" ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ -‬وحدثنا أبو بكر بن مالك ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد ال بن أحمد بن حنبل ‪ ،‬حدثنا أبي قال حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ميناء ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود قال ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة وفد الجن ‪ ،‬فتنفس ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما لك يا‬
‫رسول ال ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود"‪ .‬قلت ‪ :‬استخلف‪ .‬قال ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬أبا بكر‪.‬‬
‫فسكت (‪ ، )9‬ثم مضى ساعة فتنفس ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ما شأنك بأبي أنت وأمي يا رسول ال ؟ قال ‪:‬‬
‫"نعيت إلي نفسي يا ابن مسعود"‪ .‬قلت ‪ :‬استخلف‪ .‬قال ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬عمر [بن الخطاب] (‪.)10‬‬
‫فسكت ‪ ،‬ثم مضى ساعة ‪ ،‬ثم تنفس فقلت ‪ :‬ما شأنك ؟ قال ‪" :‬نعيت إلي نفسي"‪ .‬قلت ‪ :‬فاستخلف‪.‬‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من ؟" قلت ‪ :‬علي بن أبي طالب‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين‪.)11( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/231‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ ، )1/449‬وسنن أبي داود برقم (‪ )84‬وسنن الترمذي برقم (‪ )88‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)384‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/398‬وقد تفرد به ابن لهيعة ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن الدارقطني (‪ )1/77‬من طريق داود بن أبي هند عن عامر بن علقمة بن قيس‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قلت لعبد ال بن مسعود ‪ :‬أشهد رسول ال صلى ال عليه وسلم أحد منكم ليلة أتاه داعي الجن ؟‬
‫قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قال الدارقطني ‪" :‬هذا الصحيح عن ابن مسعود"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)1/449‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬أبو بكر‪ .‬قال ‪ :‬فسكت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )11‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )10/82‬وفيه ميناء بن أبي ميناء ‪ ،‬كذاب‪.‬‬

‫( ‪)7/294‬‬

‫وهو حديث غريب جدّا ‪ ،‬وأحرى به أل يكون محفوظا ‪ ،‬وبتقدير صحته فالظاهر أن هذا بعد‬
‫وفودهم إليه بالمدينة على ما سنورده ‪ ،‬فإن في ذلك الوقت في آخر المر لما فتحت مكة ‪ ،‬ودخل‬
‫الناس والجان أيضا في دين ال أفواجا ‪ ،‬نزلت سورة (‪ِ { )1‬إذَا جَاءَ َنصْرُ اللّ ِه وَا ْلفَتْحُ‪ .‬وَرَأَ ْيتَ‬
‫ك وَاسْ َت ْغفِ ْرهُ إِنّهُ كَانَ َتوّابًا } ‪ ،‬وهي السورة التي‬
‫ح ْمدِ رَ ّب َ‬
‫النّاسَ َيدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ َأ ْفوَاجًا‪َ .‬فسَبّحْ بِ َ‬
‫نعيت نفسه الكريمة فيها إليه ‪ ،‬كما قد نص على ذلك ابن عباس ‪ ،‬ووافقه عمر بن الخطاب عليه ‪،‬‬
‫وقد ورد في ذلك حديث سنورده عند تفسيرها ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقد رواه أبو نعيم أيضا ‪ ،‬عن‬
‫الطبراني ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال الحضرمي ‪ ،‬عن علي بن الحسين بن أبي بردة ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫سعيد (‪ )2‬السلمي ‪ ،‬عن حرب بن صَبِيح ‪ ،‬عن سعيد بن مسلمة ‪ ،‬عن أبي مرة الصنعاني ‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد ال الجدلي ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬فذكره وذكر فيه قصة الستخلف (‪ ، )3‬وهذا إسناد‬
‫غريب ‪ ،‬وسياق عجيب‪.‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو سعيد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪،‬‬
‫عن أبي رافع ‪ ،‬عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )4‬خط حوله ‪ ،‬فكان أحدهم‬
‫(‪ )5‬مثل سواد النحل ‪ ،‬وقال لي ‪" :‬ل تبرح مكانك" ‪ ،‬فأقرأهم كتاب ال " ‪ ،‬فلما رأى الزّط قال ‪:‬‬
‫كأنهم هؤلء‪ .‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أمعك ماء ؟" قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬أمعك نبيذ ؟" قلت‬
‫‪ :‬نعم‪ .‬فتوضأ به (‪.)6‬‬
‫طريق أخرى مرسلة ‪ :‬قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبد ال الظهراني (‪ ، )7‬أخبرنا حفص بن‬
‫عمر العدني ‪ ،‬حدثنا الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة في قوله تعالى ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ‬
‫الْجِنّ } قال ‪ :‬هم اثنا عشر ألفا جاؤوا من جزيرة الموصل ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لبن‬
‫مسعود ‪" :‬أنظرني حتى آتيك" ‪ ،‬وخط عليه خطا ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل تبرح حتى آتيك"‪ .‬فلما خشيهم ابن‬
‫مسعود كاد أن يذهب ‪ ،‬فذكر قول رسول ال صلى ال عليه وسلم فلم يبرح ‪ ،‬فقال له النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬لو ذهبت ما التقينا إلى يوم القيامة" (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى مرسلة أيضا ‪ :‬قال سعيد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة في قوله تعالى ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا‬
‫إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ } قال ‪ :‬ذكر لنا أنهم صرفوا إليه من نِي َنوَى ‪ ،‬وأن نبي ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني ؟" فأطرقوا ‪ ،‬ثم استتبعهم فأطرقوا ‪ ،‬ثم‬
‫استتبعهم الثالثة فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن ذاك لذو ندبة فأتبعه ابن مسعود أخو هذيل ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فدخل النبي صلى ال عليه وسلم شعبا يقال له ‪" :‬شعب الحجون" ‪ ،‬وخط عليه ‪ ،‬وخط على ابن‬
‫مسعود ليثبته بذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعلت أهال وأرى أمثال النسور تمشي في دفوفها ‪ ،‬وسمعت لغطا‬
‫شديدا ‪ ،‬حتى خفت على نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم تل القرآن ‪ ،‬فلما رجع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما اللغط الذي سمعت ؟ قال ‪" :‬اختصموا في قتيل ‪ ،‬فقضي‬
‫بينهم بالحق"‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬سورة النصر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يعلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )10/81‬وفي إسناده يحيى السلمي وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ليلة الجن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فكان يجيء أحدهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/455‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )8‬وفي إسناده الحكم بن أبان ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)26/20‬‬

‫( ‪)7/295‬‬

‫فهذه الطرق كلها تدل (‪ )1‬على أنه صلى ال عليه وسلم ذهب إلى الجن قصدا ‪ ،‬فتل عليهم القرآن‬
‫‪ ،‬ودعاهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وشرع ال لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن [و] (‪ )2‬لم يشعر بهم ‪ ،‬كما قاله ابن عباس ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنهما (‪ ، )3‬ثم بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعود‪ .‬وأما ابن مسعود فإنه لم يكن مع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حال مخاطبته الجن ودعائه إياهم ‪ ،‬وإنما كان بعيدا منه ‪ ،‬ولم‬
‫يخرج مع النبي صلى ال عليه وسلم أحد سواه ‪ ،‬ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة ‪ ،‬هذه طريقة‬
‫البيهقي‪.‬‬
‫وقد يحتمل أن يكون أول مرة خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعود ول غيره ‪ ،‬كما هو ظاهر سياق‬
‫الرواية الولى من طريق المام أحمد ‪ ،‬وهي عند مسلم‪ .‬ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى ‪ ،‬وال‬
‫حيَ } ‪ ،‬من حديث ابن جريج قال ‪ :‬قال عبد‬
‫أعلم ‪ ،‬كما روى ابن أبي حاتم في تفسير ‪ُ { :‬قلْ أُو ِ‬
‫العزيز بن عمر ‪ :‬أما الجن الذين لقوه بنخلة فجن نينوى ‪ ،‬وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن‬
‫نصيبين ‪ ،‬وتأوله البيهقي على أنه يقول ‪" :‬فبتنا بشر ليلة بات بها قوم" ‪ ،‬على غير ابن مسعود‬
‫ممن لم يعلم بخروجه صلى ال عليه وسلم إلى الجن ‪ ،‬وهو محتمل على بعد ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد ال (‪ )4‬الديب ‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫بكر السماعيلي ‪ ،‬أخبرنا الحسن بن سفيان ‪ ،‬حدثني سويد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا عمرو بن يحيى ‪ ،‬عن‬
‫جده سعيد بن عمرو ‪ ،‬قال (‪ )5‬كان أبو هريرة يتبع رسول ال صلى ال عليه وسلم بإداوة‬
‫لوضوئه وحاجته ‪ ،‬فأدركه يوما فقال ‪" :‬من هذا ؟" قال ‪ :‬أنا أبو هريرة قال ‪" :‬ائتني بأحجار‬
‫أستنج بها ‪ ،‬ول تأتني بعظم ول روثة"‪ .‬فأتيته بأحجار في ثوبي ‪ ،‬فوضعتها إلى جنبه حتى إذا‬
‫فرغ وقام اتبعته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما بال العظم والروثة (‪ )6‬؟ قال ‪" :‬أتاني وفد جن‬
‫نصيبين ‪ ،‬فسألوني الزاد ‪ ،‬فدعوت ال لهم أل يمروا بعظم ول بروثة إل وجدوه طعاما" (‪.)7‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه ‪ ،‬عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن عمرو بن يحيى ‪ ،‬بإسناده قريبا منه‬
‫(‪ )8‬فهذا يدل مع ما تقدم على أنهم وفدوا عليه بعد ذلك‪ .‬وسنذكر ما يدل على تكرار ذلك‪.‬‬
‫وقد روي عن ابن عباس غير ما ذكر (‪ )9‬عنه أول من وجه جيد ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أبو كريب ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد الحماني ‪ ،‬حدثنا النضر بن عربي ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس في قوله ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ } الية ‪[ ،‬قال] (‪ )10‬كانوا سبعة نفر من أهل‬
‫نصيبين فجعلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم رسل إلى قومهم (‪.)11‬‬
‫فهذا يدل على أنه قد روى القصتين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬فهذه الحاديث التي ذكرناها كلها تدل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عبد الوهاب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وقال الحافظ أبو بكر البيهقي بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬الروث"‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/233‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)3860‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ما روي"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)26/22‬‬

‫( ‪)7/296‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا سويد بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا رجل سماه ‪،‬‬
‫عن ابن جريج ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ ا ْلجِنّ } الية ‪ ،‬قال ‪ :‬كانوا سبعة نفر ‪،‬‬
‫ثلثة من أهل حران ‪ ،‬وأربعة من أهل نصيبين ‪ ،‬وكانت أسماؤهم حيى وحسى ومسى ‪ ،‬وشاصر‬
‫وناصر ‪ ،‬والرد وإبيان والحقم‪.‬‬
‫وذكر أبو حمزة الثمالي أن هذا الحي من الجن كان يقال لهم ‪ :‬بنو الشيصبان ‪ ،‬وكانوا أكثر الجن‬
‫عددا وأشرفهم نسبا ‪ ،‬وهم كانوا عامة جنود إبليس‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن ذَرّ ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ :‬كانوا تسعة ‪ ،‬أحدهم زوبعة ‪ ،‬أتوه‬
‫من أصل نخلة‪.‬‬
‫وتقدم عنه أنهم كانوا خمسة عشر ‪ ،‬وفي رواية ‪ :‬أنهم كانوا على ستين راحلة ‪ ،‬وتقدم عنه أن‬
‫اسم سيدهم وردان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬كانوا ثلثمائة ‪ ،‬وتقدم عن عكرمة أنهم كانوا اثنى عشر ألفا ‪ ،‬فلعل‬
‫هذا الختلف دليل على تكرر وفادتهم عليه صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬ومما يدل على ذلك ما‬
‫قاله (‪ )1‬البخاري في صحيحه ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سليمان ‪ ،‬حدثني ابن وهب ‪ ،‬حدثني عمر ‪ -‬هو ابن محمد ‪ -‬أن سالما حدثه ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن عمر قال ‪ :‬ما سمعت عمر يقول لشيء قط ‪" :‬إني لظنه كذا" إل كان كما يظن ‪ ،‬بينما‬
‫عمر بن الخطاب جالس إذ مر به رجل جميل ‪ ،‬فقال ‪ :‬لقد أخطأ ظني ‪ -‬أو ‪ :‬إن هذا على دينه‬
‫في الجاهلية ‪ -‬أو لقد كان كاهنهم ‪ -‬علي بالرجل ‪ ،‬فدعى له (‪ ، )2‬فقال له ذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما‬
‫رأيت كاليوم استقبل له رجل مسلم‪ .‬قال ‪ :‬فإني أعزم عليك إل ما أخبرتني‪ .‬قال ‪ :‬كنت كاهنهم في‬
‫الجاهلية‪ .‬قال ‪ :‬فما أعجب ما جاءتك به جِنِيّتُك‪ .‬قال ‪ :‬بينما أنا يوما في السوق جاءتني أعرف‬
‫فيها الفزع ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫سهَا‪ ...‬ويَأسَها من بعد إ ْنكَاسِها‪...‬‬
‫ألم تَرْ الجِنّ وإبْل َ‬
‫ولُحوقَها بالقلص وَأَحْلسها‬
‫قال عمر ‪ :‬صدق ‪ ،‬بينما أنا نائم عند آلهتهم ‪ ،‬إذ جاء رجل بعجل فذبحه ‪ ،‬فصرخ به صارخ ‪ ،‬لم‬
‫أسمع صارخا قط أشد صوتا منه يقول ‪ :‬يا جليح ‪ ،‬أمر نجيح ‪ ،‬رجل فصيح يقول ‪" :‬ل إله إل‬
‫ال" فوثب (‪ )3‬القوم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ل أبرح حتى أعلم ما وراء هذا ؟ ثم نادى يا جليح ‪ ،‬أمر نجيح ‪،‬‬
‫رجل فصيح يقول ‪" :‬ل إله إل ال"‪ .‬فقمت ‪ ،‬فما نشبنا أن قيل ‪ :‬هذا نبي‪.‬‬
‫هذا سياق البخاري (‪ ، )4‬وقد رواه البيهقي من حديث ابن وهب ‪ ،‬بنحوه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬وظاهر هذه‬
‫الرواية يوهم أن عمر بنفسه سمع الصارخ يصرخ من العجل الذي ذبح ‪ ،‬وكذلك هو صريح (‪)5‬‬
‫في رواية ضعيفة عن عمر في إسلمه ‪ ،‬وسائر الروايات تدل على أن هذا الكاهن هو الذي أخبر‬
‫بذلك عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ما رواه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬فدعى فجيء به له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬فوثب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)3866‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬صريحا" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/297‬‬

‫رؤيته وسماعه ‪ ،‬وال أعلم" (‪.)1‬‬


‫وهذا الذي قاله البيهقي هو المتجهن وهذا الرجل هو سواد بن قارب ‪ ،‬وقد ذكرت هذا (‪)2‬‬
‫مستقصى في سيرة عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فمن أراده فليأخذه من ثَمّ ‪ ،‬ول الحمد [والمنة] (‪.)3‬‬
‫قال البيهقي ‪" :‬حديث سواد بن قارب ‪ ،‬ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الذي لم يذكر اسمه في‬
‫الحديث الصحيح"‪.‬‬
‫أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر من أصل سماعه ‪ ،‬أخبرنا أبو عبد ال محمد‬
‫بن عبد ال الصفار الصبهاني ‪ ،‬قراءة عليه ‪ ،‬حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى الحمار الكوفي‬
‫بالكوفة ‪ ،‬حدثنا زياد بن يزيد بن بادويه أبو بكر القصري ‪ ،‬حدثنا محمد بن نواس الكوفي ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء [رضي ال عنه] (‪ )4‬قال ‪ :‬بينما عمر بن‬
‫الخطاب يخطب الناس على منبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إذ قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أفيكم‬
‫سواد بن قارب ؟ قال ‪ :‬فلم يجبه أحد تلك السنة ‪ ،‬فلما كانت السنة المقبلة قال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬أفيكم‬
‫سواد بن قارب ؟ قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬وما سواد بن قارب ؟ قال ‪ :‬فقال له عمر ‪ :‬إن‬
‫سواد بن قارب كان بَدءُ إسلمه شيئا عجيبا ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينا نحن كذلك إذ طلع سواد بن قارب ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فقال له عمر ‪ :‬يا سواد حدثنا ببدء إسلمك ‪ ،‬كيف كان ؟ قال سواد ‪ :‬فإني كنت نازل بالهند ‪،‬‬
‫وكان لي رَ ِئيّ من الجن ‪ ،‬قال ‪ :‬فبينا أنا ذات ليلة نائم ‪ ،‬إذ جاءني في منامي ذلك‪ .‬قال ‪ :‬قم فافهم‬
‫واعقل إن كنت تعقل ‪ ،‬قد بعث رسول من لؤي بن غالب ‪ ،‬ثم أنشأ يقول ‪:‬‬
‫عَجِبتُ للجنّ وأنْجَاسِها (‪ )5‬وشَدّها العيسَ بأحْلسهَا‪...‬‬
‫َتهْوي إلى مَكةَ تَبْغي الهُدَى‪ ...‬مَا مُؤمنو الجِنّ كَأرْجَاسهَا‪...‬‬
‫سهَا‪...‬‬
‫سمُ بعينَيْك إلى رَا ِ‬
‫صفْوةِ من هَاشمٍ‪ ...‬وا ْ‬
‫فَا ْنهَض إلى ال ّ‬
‫قال ‪ :‬ثم أنبهني فأفزعني ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا سواد بن قارب ‪ ،‬إن ال بعث نبيًا فانهض إليه تهتد وترشد‪.‬‬
‫فلما كان من الليلة الثانية أتاني فأنبهني ‪ ،‬ثم أنشأ يقول كذلك ‪:‬‬
‫ن وَتَطْلبِها‪ ...‬وَشَدهَا العِيسَ بأقْتَا ِبهَا‪...‬‬
‫عَجِبتُ للج ّ‬
‫َتهْوي إلى َمكّةَ تَبْغي الهُدَى‪ ...‬ليسَ قُداماها كَأذْنَابِها‪...‬‬
‫سمُ بعَيْنَيك إلى نَابِها (‪)6‬‬
‫صفْوةِ من هَاشمٍ‪ ...‬وا ْ‬
‫فانهض إلى ال ّ‬
‫فلما كان في الليلة الثالثة أتاني فأنبهني ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫شدّها العِيسَ بأ ْكوَارهَا‪...‬‬
‫ن وَتَخْبارها‪ ...‬وَ َ‬
‫عَجِبتُ للجِ ّ‬
‫َتهْوي إلى َمكّةَ تَ ْبغِي الهُدَى‪ ...‬لَيْسَ َذوُو الشّر كَأخْيَارهَا‪...‬‬
‫صفْوةِ من هَاشمٍ‪ ...‬مَا مُؤمِنو الجِنّ َك ُكفّارهَا‪...‬‬
‫فَا ْن َهضْ إلى ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دلئل النبوة للبيهقي ‪.)02/245‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وأجناسها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يابها"‪.‬‬

‫( ‪)7/298‬‬

‫قال ‪ :‬فلما سمعته تكرر ليلة بعد ليلة ‪ ،‬وقع في قلبي حب السلم من أمر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ما شاء ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي ‪ ،‬فما حللت [عليه] (‪)1‬‬
‫نسعة ول عقدت أخرى حتى أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإذا هو بالمدينة ‪ -‬يعني مكة‬
‫‪ -‬والناس عليه كعرف الفرس ‪ ،‬فلما رآني النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬مرحبا بك يا سواد‬
‫بن قارب ‪ ،‬قد علمنا ما جاء بك"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد قلت شعرا ‪ ،‬فاسمعه مني‪ .‬قال‬
‫سواد ‪ :‬فقلت ‪:‬‬
‫أتَانِي رئيّ بعد لُ َيلٍ وهَجْعةٍ‪ ...‬وَلم َيكُ فيما َقدْ بَل َوتُ بكَاذبِ‪...‬‬
‫ثَلثٍ لَيَال قَولُه ُكلّ لَيْلَة ‪ ... :‬أتاك رسول (‪ )2‬من لُؤيّ بن غَالبِ‪...‬‬
‫شمّرتُ عن سَاقي الزَارَ ووسطت‪ ...‬بي الدّعلب الوَجْنَاءُ عند السّبَاسبِ‪...‬‬
‫فَ َ‬
‫ل ل شَيء غَيْرهُ‪ ...‬وَأَ ّنكَ مَ ْأمُونٌ عَلَى كُّل غَائبِ‪...‬‬
‫شهَدُ أنّ ا َ‬
‫فَأ ْ‬
‫ن الكرَمينَ الطايبِ‪...‬‬
‫شفَاعَة‪ ...‬إلى الِ يا اب َ‬
‫وأَنّك أَدْنَى المُرْسَلِينَ َ‬
‫َفمُرنَا بمَا يَأتِيكَ يا خَيرَ مُرْسل (‪ )3‬وإنْ كَانَ فِيمَا جَاءَ شَيبُ ال ّذوَائبِ‪...‬‬
‫سوَاد بن قَاربِ‪...‬‬
‫سوَاك بِمغْنٍ عن َ‬
‫شفَاعةٍ‪ِ ...‬‬
‫شفِيعا يَومَ ل ذُو َ‬
‫َوكُنْ لي َ‬
‫قال ‪ :‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه ‪ ،‬وقال لي ‪" :‬أفلحت يا سواد" ‪:‬‬
‫فقال له عمر ‪ :‬هل يأتيك رئيك الن ؟ فقال ‪ :‬منذ قرأت القرآن لم يأتني ‪ ،‬ونعم العوض كتاب ال‬
‫من الجن (‪.)4‬‬
‫ثم أسنده البيهقي من وجهين آخرين (‪ .)5‬ومما يدل على وفادتهم إليه ‪ ،‬عليه السلم (‪ ، )6‬بعد ما‬
‫هاجر إلى المدينة ‪ ،‬الحديث الذي رواه الحافظ أبو نعيم في كتاب "دلئل النبوة" [فقال] (‪: )7‬‬
‫حدثنا سليمان بن أحمد ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبدة المصيصي ‪ ،‬حدثنا أبو َتوْبَة الربيع بن نافع ‪ ،‬حدثنا‬
‫معاوية بن سلم ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ :‬أنه سمع أبا سلم يقول ‪ :‬حدثني من حدثه عمرو بن غيلن‬
‫الثقفي قال ‪ :‬أتيت عبد ال بن مسعود فقلت له ‪ :‬حدثت أنك كنت مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ليلة وفد الجن ؟ قال ‪ :‬أجل قلت ‪ :‬حدثني كيف كان شأنه ؟ فقال ‪ :‬إن أهل الصفة أخذ كل‬
‫رجل منهم رجل (‪ )8‬يعشيه ‪ ،‬وتركت فلم يأخذني أحد منهم ‪ ،‬فمر بي رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪" :‬من هذا ؟" فقلت ‪ :‬أنا ابن مسعود‪ .‬فقال ‪" :‬ما أخذك أحد يعشيك ؟" فقلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"فانطلق لعلي أجد لك شيئا"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقنا حتى أتى حجرة أم سلمة فتركني (‪ )9‬ودخل إلى أهله ‪،‬‬
‫ثم خرجت الجارية فقالت ‪ :‬يا ابن مسعود ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يجد لك عشاء ‪،‬‬
‫فارجع إلى مضجعك‪ .‬قال ‪ :‬فرجعت إلى المسجد ‪ ،‬فجمعت حصباء المسجد فتوسدته ‪ ،‬والتففت‬
‫بثوبي ‪ ،‬فلم ألبث إل قليل حتى جاءت الجارية ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬نبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬من مشى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)1/248‬‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)1/252‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬على السلم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رجل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬فتركني قائما"‪.‬‬
‫( ‪)7/299‬‬

‫أجب رسول ال (‪ .)1‬فاتبعتها وأنا أرجو العشاء ‪ ،‬حتى إذا بلغت مقامي ‪ ،‬خرج رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم وفي يده عسيب من نخل ‪ ،‬فعرض به على صدري فقال ‪" :‬أتنطلق أنت معي (‪)2‬‬
‫حيث انطلقت ؟" قلت ‪ :‬ما شاء ال‪ .‬فأعادها علي ثلث مرات ‪ ،‬كل ذلك أقول ‪ :‬ما شاء ال‪.‬‬
‫فانطلق وانطلقت معه ‪ ،‬حتى أتينا بقيع الغرقد ‪ ،‬فخط بعصاه خطا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬اجلس فيها ‪ ،‬ول‬
‫تبرج حتى آتيك"‪ .‬ثم انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلل النخل ‪ ،‬حتى إذا كان من حيث ل أراه‬
‫ثارت (‪ )3‬العَجَاجة السوداء ‪ ،‬ففرقت فقلت ‪ :‬ألحق برسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإني أظن‬
‫أن (‪ )4‬هوازن مكروا برسول ال صلى ال عليه وسلم ليقتلوه ‪ ،‬فأسعى إلى البيوت ‪ ،‬فأستغيث‬
‫الناس‪ .‬فذكرت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أوصاني ‪ :‬أن ل أبرح مكاني الذي أنا فيه ‪،‬‬
‫فسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرعهم بعصاه ويقول ‪" :‬اجلسوا"‪ .‬فجلسوا حتى كاد ينشق‬
‫عمود الصبح ‪ ،‬ثم ثاروا وذهبوا ‪ ،‬فأتاني رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أنمت بعدي ؟"‬
‫فقلت ‪ :‬ل (‪ ، )5‬ولقد فزعت الفزعة الولى ‪ ،‬حتى رأيت أن آتي البيوت فأستغيث الناس حتى‬
‫سمعتك تقرعهم بعصاك ‪ ،‬وكنت أظنها هوازن ‪ ،‬مكروا برسول ال صلى ال عليه وسلم ليقتلوه‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬لو أنك خرجت من هذه الحلقة ما آمنهم (‪ )6‬عليك أن يختطفك بعضهم ‪ ،‬فهل رأيت من‬
‫شيء منهم ؟" فقلت ‪ :‬رأيت رجال سودا مستشعرين (‪ )7‬بثياب بيض ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أولئك وفد جن نصيبين ‪ ،‬أتوني فسألوني الزاد والمتاع ‪ ،‬فمتعتهم بكل عظم حائل أو‬
‫روثة أو بعرة"‪ .‬قلت ‪ :‬وما يغني عنهم ذلك ؟ قال ‪" :‬إنهم ل يجدون عظما إل وجدوا عليه لحمه‬
‫الذي كان عليه يوم أكل ‪ ،‬ول روثة إل وجدوا فيها حبها الذي كان فيها يوم أكلت ‪ ،‬فل يستنقي‬
‫أحد منكم بعظم ول بعرة (‪.)9( " )8‬‬
‫وهذا إسناد غريب جدًا (‪ ، )10‬ولكن فيه رجل مبهم لم يسم [وال أعلم] (‪ ، )11‬وقد روى الحافظ‬
‫أبو نعيم من حديث بقية بن الوليد ‪ ،‬حدثني نمير بن زيد القنبر (‪ ، )12‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا قحافة‬
‫بن ربيعة ‪ ،‬حدثني الزبير بن العوام قال ‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الصبح‬
‫في مسجد المدينة ‪ ،‬فلما انصرف قال ‪" :‬أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة ؟" فأسكت القوم ثلثا ‪،‬‬
‫فمر بي فأخذ بيدي ‪ ،‬فجعلت أمشي معه حتى حبست عنا جبال المدينة كلها ‪ ،‬وأفضينا إلى أرض‬
‫براز ‪ ،‬فإذا برجال طوال كأنهم الرماح ‪ ،‬مستشعرين (‪ )13‬بثيابهم من بين أرجلهم ‪ ،‬فلما رأيتهم‬
‫غشيتني رعدة شديدة ‪ ،‬ثم ذكر نحو حديث ابن مسعود المتقدم (‪ ، )14‬وهذا حديث غريب ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫ومما يتعلق بوفود الجن ما رواه الحافظ أبو نعيم ‪ :‬حدثنا أبو محمد بن حيان ‪ ،‬حدثنا أبو الطيب‬
‫أحمد بن روح ‪ ،‬حدثنا يعقوب ال ّدوْرَقي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن بكير التميمي ‪ ،‬حدثنا حصين بن عمر (‬
‫‪)15‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬انطلق معي" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬انطلق أنت معي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬ثارت مثل العجاجة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ل وال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ما أمنت" وفي أ ‪" :‬ما آمن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬ول روثة"‪.‬‬
‫(‪ )9‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫(‪ )10‬في تن أ ‪" :‬وهذا سياق غريب"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثني بهز بن يزيد الليثي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬مستثفرين"‪.‬‬
‫(‪ )14‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫(‪ )15‬في م ‪" :‬عمير"‪.‬‬

‫( ‪)7/300‬‬

‫‪ ،‬أخبرني عبيد المُكتب ‪ ،‬عن إبراهيم قال ‪ :‬خرج نفر من أصحاب عبد ال (‪ )1‬يريدون الحج ‪،‬‬
‫حتى إذا كانوا في بعض الطريق ‪ ،‬إذا هم بحية تنثني (‪ )2‬على الطريق أبيض ‪ ،‬ينفخ منه ريح‬
‫المسك ‪ ،‬فقلت لصحابي ‪ :‬امضوا ‪ ،‬فلست ببارح حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحية‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فما لبثت أن ماتت ‪ ،‬فعمدت إلى خرقة بيضاء فلففتها فيها ‪ ،‬ثم نحيتها عن الطريق فدفنتها ‪،‬‬
‫وأدركت أصحابي في المتعشى‪ .‬قال ‪ :‬فوال إنا لقعود إذ أقبل (‪ )3‬أربع نسوة من قبل المغرب ‪،‬‬
‫فقالت واحدة منهن ‪ :‬أيكم دفن عمرًا ؟ قلنا ‪ :‬ومن عمرو ‪ ،‬قالت ‪ :‬أيكم دفن الحية ؟ قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫أنا‪ .‬قالت ‪ :‬أما وال لقد دفنت صواما قواما ‪ ،‬يأمر بما أنزل ال ‪ ،‬ولقد آمن بنبيكم ‪ ،‬وسمع صفته‬
‫من (‪ )4‬السماء قبل أن يبعث بأربعمائة عام‪ .‬قال الرجل فحمدنا (‪ )5‬ال ‪ ،‬ثم قضينا حجتنا (‪، )6‬‬
‫ثم مررت بعمر بن الخطاب في المدينة ‪ ،‬فأنبأته بأمر الحية ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنة" (‪.)7‬‬
‫وهذا حديث غريب جدا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال أبو نعيم ‪ :‬وقد روى الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن رجل من ثقيف ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫وروى عبد ال بن أحمد والّظهراني ‪ ،‬عن صفوان بن المعطل ‪ -‬هو الذي نزل ودفن تلك الحية‬
‫من بين الصحابة ‪ -‬وأنهم قالوا ‪ :‬أما إنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يستمعون القرآن (‪.)8‬‬
‫جشُون ‪ ،‬عن عمه (‬
‫وروى أبو نعيم من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبي سلمة الما ِ‬
‫‪ ، )9‬عن معاذ بن عُبَيْد ال (‪ )10‬بن معمر قال ‪ :‬كنت جالسا عند عثمان بن عفان ‪ ،‬فجاء رجل‬
‫فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إني كنت بفلة من الرض ‪ ،‬فذكر أنه رأى ثعبانين (‪ )11‬اقتتل ثم قتل‬
‫أحدهما الخر ‪ ،‬قال ‪ :‬فذهبت إلى المعترك ‪ ،‬فوجدت حيات كثيرة مقتولة ‪ ،‬وإذ ينفح من بعضها‬
‫ريح المسك ‪ ،‬فجعلت أشمّها واحدة واحدة ‪ ،‬حتى وجدت ذلك من حية صفراء رقيقة ‪ ،‬فلففتها في‬
‫عمامتي ودفنتها‪ .‬فبينا أنا أمشي إذ ناداني (‪ )12‬مناد ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬لقد ُهدِيتَ! هذان حيان (‪)13‬‬
‫من الجن بنو أشعيبان وبنو أقيش التقوا ‪ ،‬فكان من القتلى ما رأيت ‪ ،‬واستشهد الذي دفنته ‪ ،‬وكان‬
‫من الذين سمعوا الوحي من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬فقال عثمان لذلك الرجل ‪ :‬إن‬
‫كنت صادقا فقد رأيت عجبا ‪ ،‬وإن كنت كاذبا فعليك كذبك (‪.)14‬‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ } أي ‪ :‬طائفة من الجن ‪َ { ،‬يسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ فََلمّا‬
‫حضَرُوهُ قَالُوا أَ ْنصِتُوا }‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬تمشي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جاء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فحمدت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬حجنا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة لبي نعيم (ص ‪.)306‬‬
‫(‪ )8‬لم أجده في دلئل النبوة المطبوعة لبي نعيم‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى أبو نعيم بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬م ‪" :‬إعصارين"‪.‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬هذا جان"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬نادى"‪.‬‬
‫(‪ )14‬دلئل النبوة لبي نعيم (ص ‪.)305‬‬
‫( ‪)7/301‬‬

‫أي ‪ :‬استمعوا (‪ )1‬وهذا أدب منهم‪.‬‬


‫وقد قال الحافظ البيهقي ‪ :‬حدثنا المام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا أبو الحسن‬
‫محمد بن عبد ال الدقاق ‪ ،‬حدثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي ‪ ،‬حدثنا هِشام بن عمار الدمشقي ‪،‬‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن زهير بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪:‬‬
‫قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم سورة "الرحمن" حتى ختمها ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ما لي أراكم سكوتا ‪،‬‬
‫لَلْجِنّ كانوا أحسن منكم ردًا ‪ ،‬ما قرأت عليهم هذه الية من مرة ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ } إل‬
‫قالوا ‪ :‬ول بشيء من آلئك ‪ -‬أو نعمك ‪ -‬ربنا نكذب ‪ ،‬فلك الحمد"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم به (‪.)2‬‬
‫قال ‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم على أصحابه ‪ ،‬فقرأ عليهم سورة الرحمن ‪ ،‬فذكره ‪،‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪" :‬غريب ل نعرفه إل من حديث الوليد ‪ ،‬عن زهير" كذا قال‪ .‬وقد رواه البيهقي‬
‫من حديث مروان بن محمد الطاطري ‪ ،‬عن زهير بن محمد ‪ ،‬به مثله (‪.)4( )3‬‬
‫ضيَ } أي ‪ :‬فرغ‪ .‬كقوله ‪ { :‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ } [الجمعة ‪َ { ، ]10 :‬فقَضَاهُنّ‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا ُق ِ‬
‫س َككُمْ } [البقرة ‪ {]200 :‬وَلّوْا إِلَى‬
‫س َموَاتٍ فِي َي ْومَيْنِ } [فصلت ‪ { ، ]12 :‬فَِإذَا َقضَيْتُمْ مَنَا ِ‬
‫سَبْعَ َ‬
‫َق ْومِهِمْ مُنْذِرِينَ } أي ‪ :‬رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول ال صلى ال عليه‬
‫حذَرُونَ } [التوبة ‪:‬‬
‫جعُوا إِلَ ْيهِمْ َلعَّلهُمْ يَ ْ‬
‫ن وَلِيُنْذِرُوا َق ْو َمهُمْ إِذَا رَ َ‬
‫وسلم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لِيَ َتفَ ّقهُوا فِي الدّي ِ‬
‫‪.]122‬‬
‫وقد استدل بهذه الية على أنه في الجن نُذُرٌ ‪ ،‬وليس فيهم رسل ‪ :‬ول شك أن الجن لم يبعث ال‬
‫منهم رسول ؛ لقوله ‪َ { :‬ومَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبِْلكَ إِل ِرجَال نُوحِي إِلَ ْيهِمْ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى } [يوسف ‪:‬‬
‫سوَاقِ }‬
‫طعَا َم وَ َيمْشُونَ فِي ال ْ‬
‫‪ ، ]109‬وقال { َومَا أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِنَ ا ْلمُرْسَلِينَ إِل إِ ّنهُمْ لَيَ ْأكُلُونَ ال ّ‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِتهِ النّ ُب ّو َة وَا ْلكِتَابَ } [العنكبوت ‪:‬‬
‫[الفرقان ‪ ، ]20 :‬وقال عن إبراهيم الخليل ‪ { :‬وَ َ‬
‫‪.]27‬‬
‫فكل نبي بعثه ال بعد إبراهيم فمن ذريته وسللته ‪ ،‬فأما قوله تعالى في [سورة] (‪ )5‬النعام ‪ { :‬يَا‬
‫سلٌ مِ ْنكُمْ } [النعام ‪ ، ]130 :‬فالمراد من مجموع الجنسين ‪،‬‬
‫ن وَالنْسِ َألَمْ يَأْ ِتكُمْ رُ ُ‬
‫َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫فيصدق على أحدهما وهو النس ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْل ُؤ وَا ْلمَرْجَانُ } [الرحمن ‪ ]22 :‬أي‬
‫س ِمعْنَا كِتَابًا‬
‫‪ :‬أحدهما‪ .‬ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم ‪ { :‬قَالُوا يَا َق ْومَنَا إِنّا َ‬
‫أُنزلَ مِنْ َبعْدِ مُوسَى [ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َيدَيْهِ َيهْدِي ِإلَى ا ْلحَقّ ] } (‪ ، )6‬ولم يذكروا عيسى ؛ لن‬
‫عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنزل عليه النجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم ‪،‬‬
‫وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة ‪ ،‬فالعمدة هو التوراة ؛ فلهذا قالوا ‪ :‬أنزل من بعد موسى‪.‬‬
‫وهكذا قال ورقة بن نوفل ‪ ،‬حين أخبره النبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬استمعوه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ )1/232‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3291‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بمعناه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)1/232‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/302‬‬

‫صلى ال عليه وسلم بقصة نزول جبريل [عليه السلم] (‪ )1‬عليه أول مرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬بَخ بَخ ‪ ،‬هذا‬
‫الناموس الذي كان يأتي موسى ‪ ،‬يا ليتني أكون فيها جَذَعًا‪.‬‬
‫حقّ }‬
‫{ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي ‪ :‬من الكتب المنزلة قبله على النبياء‪ .‬وقولهم ‪َ { :‬يهْدِي إِلَى الْ َ‬
‫أي ‪ :‬في العتقاد والخبار ‪ { ،‬وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْ َتقِيمٍ } في العمال ‪ ،‬فإن القرآن يشتمل على شيئين‬
‫ك صِ ْدقًا وَعَدْل }‬
‫(‪ )2‬خبر وطلب (‪ ، )3‬فخبره صدق ‪ ،‬وطلبه عدل ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ َت ّمتْ كَِل َمةُ رَ ّب َ‬
‫سلَ رَسُوَلهُ بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ } [التوبة ‪ ، ]33 :‬فالهدى هو‬
‫[النعام ‪ ، ]115 :‬وقال { ُهوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫حقّ } في‬
‫‪ :‬العلم النافع ‪ ،‬ودين الحق ‪ :‬هو العمل الصالح‪ .‬وهكذا قالت الجن ‪َ { :‬ي ْهدِي إِلَى الْ َ‬
‫العتقادات ‪ { ،‬وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْ َتقِيمٍ } أي ‪ :‬في العمليات‪.‬‬
‫عيَ اللّهِ } فيه دللة على أنه تعالى أرسل محمدًا صلوات ال وسلمه عليه (‪)4‬‬
‫{ يَا َق ْومَنَا َأجِيبُوا دَا ِ‬
‫إلى الثقلين النس والجن حيث دعاهم إلى ال ‪ ،‬وقرأ عليهم السورة التي فيها خطاب الفريقين ‪،‬‬
‫عيَ اللّ ِه وَآمِنُوا‬
‫وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم ‪ ،‬وهي سورة الرحمن ؛ ولهذا قال (‪ { )5‬أَجِيبُوا دَا ِ‬
‫بِهِ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬ي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ } قيل ‪ :‬إن "من" هاهنا زائدة وفيه نظر ؛ لن زيادتها في الثبات‬
‫عذَابٍ أَلِيمٍ } أي ‪ :‬ويقيكم من عذابه الليم‪.‬‬
‫قليل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها على بابها للتبغيض ‪ { ،‬وَيُجِ ْركُمْ مِنْ َ‬
‫وقد استدل بهذه الية من ذهب من العلماء إلى أن الجن المؤمنين ل يدخلون الجنة ‪ ،‬وإنما جزاء‬
‫صالحيهم أن يجاروا من عذاب النار يوم القيامة ؛ ولهذا قالوا هذا في هذا المقام ‪ ،‬وهو مقام تبجح‬
‫ومبالغة فلو كان لهم جزاء على اليمان أعلى من هذا لوشك أن يذكروه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي قال ‪ :‬حدثت عن جرير ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬ل يدخل مؤمنو الجن الجنة ؛ لنهم من ذرية إبليس ‪ ،‬ول تدخل ذرية إبليس الجنة‪.‬‬
‫والحق أن مُؤمِنَهم كمؤمني النس يدخلون الجنة ‪ ،‬كما هو مذهب جماعة (‪ )6‬من السلف ‪ ،‬وقد‬
‫طمِ ْثهُنّ إِ ْنسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ } [الرحمن ‪ ، ]74 :‬وفي هذا‬
‫استدل بعضهم لهذا بقوله ‪َ { :‬لمْ َي ْ‬
‫الستدلل نظر ‪ ،‬وأحسن منه قوله تعالى ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ } [الرحمن ‪ ، ]47 ، 46 :‬فقد امتن تعالى على الثقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنة ‪ ،‬وقد‬
‫قابلت الجِنّ هذه الية بالشكر القولي أبلغ من النس ‪ ،‬فقالوا ‪" :‬ول ِبشَيء من آلئك ربنا نكذب ‪،‬‬
‫فلك الحمد" فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاء ل يحصل لهم ‪ ،‬وأيضا فإنه إذا كان يجازي كافرهم‬
‫بالنار ‪ -‬وهو مقام عدل ‪ -‬فَلنْ يجازي مؤمنهم بالجنة ‪ -‬وهو مقام َفضْل ‪ -‬بطريق الولى‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ كَا َنتْ‬
‫والحرى‪ .‬ومما يدل أيضا على ذلك عمومُ قوله تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫َلهُمْ جَنّاتُ ا ْلفِرْ َدوْسِ نزل } [الكهف ‪ ، ]107 :‬وما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬نوعين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬خبرا وطلبا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬طائفة"‪.‬‬

‫( ‪)7/303‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضَ وَلَمْ َي ْعيَ ِبخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َأوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫علَى النّارِ أَلَيْسَ َهذَا بِا ْلحَقّ قَالُوا بَلَى‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ (‪ )33‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا َ‬
‫إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ل وَلَا‬
‫سِ‬‫وَرَبّنَا قَالَ َفذُوقُوا ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْكفُرُونَ (‪ )34‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُو ا ْلعَزْمِ مِنَ الرّ ُ‬
‫عةً مِنْ َنهَارٍ بَلَاغٌ َف َهلْ ُيهَْلكُ إِلّا ا ْلقَوْمُ‬
‫جلْ َل ُهمْ كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلّا سَا َ‬
‫تَسْ َتعْ ِ‬
‫سقُونَ (‪)35‬‬
‫ا ْلفَا ِ‬

‫أشبه ذلك من اليات‪ .‬وقد أفردت هذه المسألة في جزء على حدة ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪ .‬وهذه الجنة‬
‫ل يزال فيها فضل حتى ينشئ ال لها خلقا ‪ ،‬أفل يسكنها من آمن به وعمل له صالحا ؟ وما‬
‫ذكروه هاهنا من الجزاء على اليمان من تكفير الذنوب والجارة من العذاب الليم ‪ ،‬هو يستلزم‬
‫دخول الجنة ؛ لنه ليس في الخرة إل الجنة أو النار ‪ ،‬فمن أجير من النار دخل الجنة ل محالة‪.‬‬
‫ولم يرد معنا نص صريح ول ظاهر عن (‪ )1‬الشارع أن مؤمني الجن ل يدخلون الجنة وإن‬
‫أجيروا من النار ‪ ،‬ولو صح لقلنا به ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وهذا نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬يقول لقومه ‪َ { :‬ي ْغفِرْ‬
‫سمّى } [نوح ‪ )2( ، ]4 :‬ول خلف أن مؤمني قومه في‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيؤَخّ ْركُمْ إِلَى أَ َ‬
‫عمَر بن عبد العزيز ‪ :‬أنهم ل يدخلون‬
‫الجنة ‪ ،‬فكذلك هؤلء‪ .‬وقد حكي فيهم أقوال غريبة فعن ُ‬
‫حةَ الجنة ‪ ،‬وإنما يكونون في رَبَضها وحولها وفي أرجائها‪ .‬ومن الناس من زعم أنهم في‬
‫بُحْبُو َ‬
‫الجنة يراهم بنو آدم ول يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في الدار الدنيا‪ .‬ومن الناس من قال ‪:‬‬
‫عوَضا عن الطعام‬
‫ل يأكلون في الجنة ول يشربون ‪ ،‬وإنما يلهمون التسبيح والتحميد والتقديس ‪ِ ،‬‬
‫والشراب كالملئكة ‪ ،‬لنهم من جنسهم‪ .‬وكل هذه القوال فيها نظر ‪ ،‬ول دليل عليها‪.‬‬
‫عيَ اللّهِ فَلَيْسَ ِب ُمعْجِزٍ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬بل قدرة ال‬
‫جبْ دَا ِ‬
‫ثم قال مخبرا عنه ‪َ { :‬ومَنْ ل ُي ِ‬
‫شاملة له ومحيطة به ‪ { ،‬وَلَيْسَ َلهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ } أي ‪ :‬ل يجيرهم منه أحدٌ { أُولَ ِئكَ فِي ضَللٍ‬
‫مُبِينٍ } وهذا مقامُ تهديد وترهيب ‪َ ،‬فدَعَوا قومهم بالترغيب والترهيب ؛ ولهذا نجع في كثير منهم ‪،‬‬
‫وجاؤوا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وفودا وفودا ‪ ،‬كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى‬
‫{ َأوََلمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫حقّ قَالُوا بَلَى‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )33‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْ َ‬
‫بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ل وَل‬
‫سِ‬‫وَرَبّنَا قَالَ َفذُوقُوا ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْكفُرُونَ (‪ )34‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُو ا ْلعَزْمِ مِنَ الرّ ُ‬
‫جلْ َل ُهمْ كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِل سَاعَةً مِنْ َنهَارٍ بَلغٌ َف َهلْ ُيهَْلكُ إِل ا ْل َقوْمُ‬
‫تَسْ َتعْ ِ‬
‫سقُونَ (‪.} )35‬‬
‫ا ْلفَا ِ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا } أي ‪ :‬هؤلء المنكرون للبعث يوم القيامة ‪ ،‬المستبعدون لقيام الجساد‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ } أي ‪ :‬ولم َيكْرثهُ خَ ْلقُهن ‪ ،‬بل‬
‫ت وَالرْ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫يوم المعاد { أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫قال لها ‪" :‬كوني" فكانت ‪ ،‬بل ممانعة ول مخالفة ‪ ،‬بل طائعة مجيبة خائفة وجلة ‪ ،‬أفليس ذلك‬
‫ت وَال ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫خلْقُ ال ّ‬
‫بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال في الية الخرى ‪ { :‬لَ َ‬
‫شيْءٍ‬
‫س وََلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ ل َيعَْلمُونَ } [غافر ‪ ، ]57 :‬ولهذا قال ‪ { :‬بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫خَ ْلقِ النّا ِ‬
‫قَدِيرٌ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ويجركم" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/304‬‬

‫حقّ } أي‬
‫ثم قال متهددا ومتوعدا لمن كفر به ‪ { :‬وَ َيوْمَ ُيعْ َرضُ الّذِينَ َكفَرُوا عَلَى النّارِ أَلَ ْيسَ هَذَا بِالْ َ‬
‫‪ :‬يقال لهم ‪ :‬أما هذا حق ؟ أفسحر هذا ؟ أم أنتم ل تبصرون ؟ { قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا } أي ‪ :‬ل يسعهم‬
‫إل العتراف ‪ { ،‬قَالَ َفذُوقُوا ا ْل َعذَابَ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْكفُرُونَ } ثم قال تعالى آمرا رسوله (‪ )1‬صلى ال‬
‫سلِ }‬
‫عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ‪ { ،‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُو ا ْلعَزْمِ مِنَ الرّ ُ‬
‫أي ‪ :‬على تكذيب قومهم لهم‪ .‬وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال ‪ ،‬وأشهرها أنهم ‪ :‬نوح‬
‫‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وموسى ‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬وخاتم النبياء كلهم محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قد نص ال‬
‫على أسمائهم من بين النبياء في آيتين من (‪ )2‬سُورَتَي "الحزاب" و "الشورى" ‪ ،‬وقد يحتمل أن‬
‫سلِ } لبيان الجنس ‪،‬‬
‫يكون المراد بأولي العزم جميع الرّسُل ‪ ،‬وتكون { مِنَ } في قوله ‪ { :‬مِنَ الرّ ُ‬
‫وال أعلم‪ .‬وقد قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي ‪ ،‬حدثنا السري بن حَيّان ‪ ،‬حدثنا عباد بن عباد ‪ ،‬حدثنا مجالد‬
‫بن سعيد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬قالت لي عائشة [رضي ال عنها] (‪ : )3‬ظل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم صائما ثم طواه ‪ ،‬ثم ظل صائما ثم طواه ‪ ،‬ثم ظل صائما ‪[ ،‬ثم] (‪ )4‬قال‬
‫‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬إن الدنيا ل تنبغي لمحمد ول لل محمد‪ .‬يا عائشة ‪ ،‬إن ال لم يرض من أولي‬
‫العزم من الرسل إل بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها ‪ ،‬ثم لم يرض مني إل أن‬
‫سلِ } وإني ‪ -‬وال ‪ -‬لصبرن‬
‫يكلفني ما كلفهم ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَاصْبِرْ َكمَا صَبَرَ أُولُو ا ْلعَزْمِ مِنَ الرّ ُ‬
‫كما صبروا جَهدي ‪ ،‬ول قوة إل بال" (‪)5‬‬
‫جلْ َل ُهمْ } أي ‪ :‬ل تستعجل لهم حلول العقوبة بهم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي‬
‫{ وَل تَسْ َتعْ ِ‬
‫ال ّن ْعمَ ِة َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيل } [المزمل ‪ ، ]11 :‬وكقوله { َف َم ّهلِ ا ْلكَافِرِينَ َأ ْمهِ ْلهُمْ ُروَيْدًا } [الطارق ‪.]17 :‬‬
‫عةً مِنْ َنهَارٍ } ‪ ،‬كقوله { كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْ َنهَا لَمْ يَلْبَثُوا‬
‫{ كَأَ ّنهُمْ َيوْمَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِل سَا َ‬
‫عةً مِنَ‬
‫حشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِل سَا َ‬
‫ضحَاهَا } [النازعات ‪ ، ]46 :‬وكقوله { وَ َيوْمَ يَ ْ‬
‫إِل عَشِيّةً َأ ْو ُ‬
‫ال ّنهَارِ يَ َتعَا َرفُونَ بَيْ َن ُهمْ قَدْ خَسِرَ الّذِينَ كَذّبُوا بِِلقَاءِ اللّ ِه َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ } [يونس ‪، ]45 :‬‬
‫[وحاصل ذلك أنهم استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ حين عاينوا يوم القيامة وشدائدها‬
‫وطولها] (‪.)6‬‬
‫ث بلغ‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬بَلغٌ } قال ابن جرير ‪ :‬يحتمل معنيين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن يكون تقديره ‪ :‬وذلك لَب َ‬
‫والخر ‪ :‬أن يكون تقديره ‪ :‬هذا القرآن بلغ‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َهلْ ُيهَْلكُ إِل ا ْلقَوْمُ ا ْلفَاسِقُونَ } أي ‪ :‬ل يهلك على ال إل هالك ‪ ،‬وهذا من عدله تعالى‬
‫أنه ل يعذب إل من يستحق العذاب‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة الحقاف‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الديلمي في مسند الفردوس برقم (‪" )8628‬مكرر" من طريق محمد بن حجاج‬
‫الحضرمي به‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫( ‪)7/305‬‬

‫ت وَ َآمَنُوا ِبمَا‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )1‬وَالّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َأ َ‬
‫حمّ ٍد وَ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبهِمْ كَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم وََأصْلَحَ بَاَلهُمْ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَنّ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫نُ ّزلَ عَلَى ُم َ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبهِمْ َكذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ لِلنّاسِ َأمْثَاَلهُمْ (‪)3‬‬
‫ل وَأَنّ الّذِينَ َآمَنُوا اتّ َبعُوا الْ َ‬
‫طَ‬‫اتّ َبعُوا الْبَا ِ‬

‫تفسير سورة القتال‬


‫[وهي مدنية] (‪)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ت وَآمَنُوا‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )1‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫{ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َأ َ‬
‫حمّ ٍد وَ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبهِمْ كَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم وََأصْلَحَ بَاَلهُمْ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَنّ الّذِينَ‬
‫ِبمَا نزلَ عَلَى ُم َ‬
‫ل وَأَنّ الّذِينَ آمَنُوا اتّ َبعُوا ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّب ِهمْ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ لِلنّاسِ َأمْثَاَلهُمْ (‪.} )3‬‬
‫طَ‬‫َكفَرُوا اتّ َبعُوا الْبَا ِ‬
‫عمَاَلهُمْ‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬بآيات ال ‪ { ،‬وصدوا } غيرهم { عَنْ سَبِيلِ اللّهِ َأ َ‬
‫عمِلُوا مِنْ‬
‫} أي ‪ :‬أبطلها وأذهبها ‪ ،‬ولم يجعل لها جزاء ول ثوابا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬وقَ ِدمْنَا إِلَى مَا َ‬
‫جعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا } [ الفرقان ‪.] 23 :‬‬
‫ع َملٍ َف َ‬
‫َ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ } أي ‪ :‬آمنت قلوبهم وسرائرهم ‪ ،‬وانقادت جوارحهم‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حمّدٍ } ‪ ،‬عطف خاص على عام ‪ ،‬وهو دليل على‬
‫وبواطنهم وظواهرهم ‪ { ،‬وَآمَنُوا ِبمَا نزلَ عَلَى ُم َ‬
‫أنه شرط في صحة اليمان بعد بعثته صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّب ِهمْ } جملة معترضة حسنة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬كفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِت ِه ْم وََأصْلَحَ‬
‫بَاَلهُمْ } قال ابن عباس ‪ :‬أي أمرهم‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬شأنهم‪ .‬وقال قتادة وابن زيد ‪ :‬حالهم‪ .‬والكل‬
‫متقارب‪ .‬وقد جاء في حديث تشميت العاطس ‪" :‬يهديكم ال ويصلح بالكم" (‪.)2‬‬
‫طلَ } أي ‪ :‬إنما أبطلنا أعمال الكفار ‪ ،‬وتجاوزنا‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ الّذِينَ َكفَرُوا اتّ َبعُوا الْبَا ِ‬
‫عن سيئات البرار ‪ ،‬وأصلحنا شؤونهم ؛ لن الذين كفروا اتبعوا الباطل ‪ ،‬أي ‪ :‬اختاروا الباطل‬
‫على الحق ‪ { ،‬وَأَنّ الّذِينَ آمَنُوا اتّ َبعُوا ا ْلحَقّ مِنْ رَ ّبهِمْ كَذَِلكَ َيضْ ِربُ اللّهُ لِلنّاسِ َأمْثَاَلهُمْ } أي ‪ :‬يبين‬
‫لهم مآل أعمالهم ‪ ،‬وما يصيرون إليه في معادهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )5038‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2739‬وابن ماجه في‬
‫السنن برقم (‪ )3715‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/306‬‬
‫فَإِذَا َلقِيتُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َفضَ ْربَ ال ّرقَابِ حَتّى ِإذَا أَثْخَنْ ُتمُو ُهمْ فَشُدّوا ا ْلوَثَاقَ فَِإمّا مَنّا َبعْ ُد وَِإمّا فِدَاءً‬
‫ك وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لَانْ َتصَرَ مِ ْنهُ ْم وََلكِنْ لِيَبُْلوَ َب ْعضَكُمْ بِ َب ْعضٍ وَالّذِينَ‬
‫حَتّى َتضَعَ ا ْلحَ ْربُ َأوْزَارَهَا ذَِل َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )4‬سَ َيهْدِي ِه ْم وَ ُيصْلِحُ بَاَلهُمْ (‪ )5‬وَيُ ْدخُِلهُمُ الْجَنّةَ عَ ّر َفهَا َلهُمْ (‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ ُي ِ‬
‫ضلّ‬
‫‪ )6‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأقْدَا َمكُمْ (‪ )7‬وَالّذِينَ َكفَرُوا فَ َت ْعسًا َلهُ ْم وََأ َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪)9‬‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )8‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَرِهُوا مَا أَنْ َزلَ اللّهُ فََأحْبَطَ أَ ْ‬
‫أَ ْ‬

‫{ فَإِذا َلقِيتُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َفضَ ْربَ ال ّرقَابِ حَتّى إِذَا أَثْخَنْ ُتمُوهُمْ َفشُدّوا ا ْلوَثَاقَ فَِإمّا مَنّا َب ْع ُد وَِإمّا فِدَاءً‬
‫ض وَالّذِينَ‬
‫ضكُمْ بِ َب ْع ٍ‬
‫ك وََلوْ يَشَاءُ اللّهُ لنْتَصَرَ مِ ْنهُ ْم وََلكِنْ لِيَبُْلوَ َب ْع َ‬
‫حَتّى َتضَعَ ا ْلحَ ْربُ َأوْزَارَهَا ذَِل َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )4‬سَ َيهْدِي ِه ْم وَ ُيصْلِحُ بَاَلهُمْ (‪ )5‬وَيُ ْدخُِلهُمُ الْجَنّةَ عَ ّر َفهَا َلهُمْ (‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ ُي ِ‬
‫ضلّ‬
‫‪ )6‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأقْدَا َمكُمْ (‪ )7‬وَالّذِينَ َكفَرُوا فَ َت ْعسًا َلهُ ْم وََأ َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪.} )9‬‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )8‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللّهُ فََأحْبَطَ أَ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫يقول تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين ‪ { :‬فَإِذا َلقِيتُمُ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫َفضَ ْربَ ال ّرقَابِ } أي ‪ :‬إذا واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف ‪ { ،‬حَتّى إِذَا أَثْخَنْ ُتمُوهُمْ َفشُدّوا‬
‫} أي ‪ :‬أهلكتموهم قتل { فشدوا } [وثاق] (‪ )1‬السارى الذين تأسرونهم ‪ ،‬ثم أنتم بعد انقضاء‬
‫الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ‪ ،‬إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا ‪ ،‬وإن‬
‫شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه‪ .‬والظاهر أن هذه الية نزلت بعد وقعة‬
‫بدر ‪ ،‬فإن ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬عاتب المؤمنين على الستكثار من السارى يومئذ ليأخذوا منهم الفداء ‪،‬‬
‫والتقلل من القتل يومئذ فقال ‪ { :‬مَا كَانَ لِنَ ِبيّ أَنْ َيكُونَ َلهُ أَسْرَى حَتّى يُ ْثخِنَ فِي ال ْرضِ تُرِيدُونَ‬
‫عذَابٌ‬
‫خذْتُمْ َ‬
‫س ُكمْ فِيمَا أَ َ‬
‫حكِيمٌ َلوْل كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَ َبقَ َلمَ ّ‬
‫عَ َرضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِي ُد الخِ َرةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫عَظِيمٌ } [ النفال ‪.] 68 ، 67 :‬‬
‫ثم قد ادعى بعض العلماء أن هذه الية ‪ -‬المخيرة بين مفاداة السير والمن عليه ‪ -‬منسوخة بقوله‬
‫حصُرُو ُهمْ‬
‫خذُوهُ ْم وَا ْ‬
‫جدْ ُتمُوهُمْ [وَ ُ‬
‫ث وَ َ‬
‫شهُرُ ا ْلحُرُمُ فَاقْتُلُوا ا ْلمُشْ ِركِينَ حَ ْي ُ‬
‫تعالى ‪ { :‬فَإِذَا انْسَلَخَ ال ْ‬
‫وَا ْقعُدُوا َلهُمْ ُكلّ مَ ْرصَدٍ ] } (‪ )2‬الية [ التوبة ‪ ، ] 5 :‬رواه العوفي عن ابن عباس‪ .‬وقاله قتادة ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جُرَيْج‪.‬‬
‫وقال الخرون ‪ -‬وهم الكثرون ‪ : -‬ليست بمنسوخة‪.‬‬
‫ثم قال بعضهم ‪ :‬إنما المام ُمخَيّر بين المن على السير ومفاداته فقط ‪ ،‬ول يجوز له قتله‪.‬‬
‫وقال آخرون منهم ‪ :‬بل له أن يقتله إن شاء ‪ ،‬لحديث قتل النبي صلى ال عليه وسلم النضر بن‬
‫الحارث وعقبة بن أبي ُمعَيط من أسارى بدر ‪ ،‬وقال ثمامة بن أثال لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حين قال له ‪" :‬ما عندك يا ثمامة ؟" فقال ‪ :‬إن َتقْتَلْ َتقْ ُتلْ ذا َدمٍ ‪ ،‬وإن تمنن تمنن على‬
‫سلْ تُعطَ منه ما شئت (‪.)3‬‬
‫شاكر ‪ ،‬وإن كنت تريد المال فَ َ‬
‫وزاد الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬فقال ‪ :‬المام مخير بين قتله أو المن عليه ‪ ،‬أو مفاداته أو استرقاقه‬
‫أيضا‪ .‬وهذه المسألة مُحَرّرة في علم الفروع ‪ ،‬وقد دللنا على ذلك في كتابنا "الحكام" ‪ ،‬ول الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى َتضَعَ الْحَ ْربُ َأوْزَارَهَا } قال مجاهد ‪ :‬حتى ينزل عيسى ابن مريم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4372‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/307‬‬

‫[عليه السلم]‪ )1( .‬وكأنه أخذه من قوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين‬
‫على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال" (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن إبراهيم بن سليمان ‪،‬‬
‫عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي (‪ ، )3‬عن جُبَير بن نُفيَر ؛ أن سلمة بن نُفيَل أخبرهم ‪ :‬أنه‬
‫أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إني سَيّ ْبتُ الخيل ‪ ،‬وألقيت السلح ‪ ،‬ووضعت الحرب‬
‫أوزارها ‪ ،‬وقلت ‪" :‬ل قتال" فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الن جاء القتال ‪ ،‬ل تزال طائفة‬
‫من أمتي ظاهرين على الناس يُزيغ (‪ )4‬ال قلوب أقوام فيقاتلونهم ‪ :‬ويرزقهم ال (‪ )5‬منهم ‪ ،‬حتى‬
‫عقْرَ دار المؤمنين الشام ‪ ،‬والخيلُ معقود في نواصيها الخير‬
‫يأتي أمر ال وهم على ذلك‪ .‬أل إن ُ‬
‫إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫وهكذا رواه النسائي من طريقين ‪ ،‬عن جُبَيْر بن ُنفَير ‪ ،‬عن سلمة بن ُنفَيْل السكوني ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال أبو القاسم البغوي ‪ :‬حدثنا داود بن ُرشَيْد ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن محمد بن مهاجر ‪،‬‬
‫عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي ‪ ،‬عن جبير بن ُنفَير ‪ ،‬عن النواس بن سمعان قال ‪ :‬لما فتح‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم فَتْح فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬سيبت الخيل ‪ ،‬ووضعت‬
‫السلح ‪ ،‬ووضعت الحرب أوزارها ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل قتال ‪ ،‬قال ‪" :‬كذبوا ‪ ،‬الن ‪ ،‬جاء القتال ‪ ،‬ل‬
‫يزال ال يُ َرفّع (‪ )7‬قلوب قوم يقاتلونهم ‪ ،‬فيرزقهم منهم ‪ ،‬حتى يأتي أمر ال وهم على ذلك ‪،‬‬
‫وعُقْر دار المسلمين بالشام"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رُشَيْد ‪ ،‬به (‪ .)8‬والمحفوظ أنه من رواية‬
‫سلمة بن ُنفَيْل كما تقدم‪ .‬وهذا يقوي القول بعدم النسخ ‪ ،‬كأنه شرع هذا الحكم في الحرب إلى أل‬
‫يبقى حرب‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬حَتّى َتضَعَ الْحَ ْربُ َأوْزَارَهَا } حتى ل يبقى شرك‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪َ { :‬وقَاتِلُوهُمْ‬
‫حَتّى ل َتكُونَ فِتْ َن ٌة وَ َيكُونَ الدّينُ لِلّهِ } [ البقرة ‪ .] 193 :‬ثم قال بعضهم ‪ { :‬حَتّى َتضَعَ الْحَ ْربُ‬
‫َأوْزَارَهَا } أي ‪ :‬أوزار المحاربين ‪ ،‬وهم المشركون ‪ ،‬بأن يتوبوا إلى ال عز وجل‪ .‬وقيل ‪ :‬أوزار‬
‫أهلها (‪ )9‬بأن يبذلوا الوسع في طاعة ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫ك وََلوْ َيشَاءُ اللّ ُه لنْ َتصَرَ مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬هذا ولو شاء ال لنتقم من الكافرين بعقوبة‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِل َ‬
‫ضكُمْ بِ َب ْعضٍ } أي ‪ :‬ولكن شرع لكم الجهاد وقتال العداء‬
‫و َنكَال من عنده ‪ { ،‬وََلكِنْ لِيَبُْلوَ َب ْع َ‬
‫ليختبركم ‪ ،‬ويبلو أخباركم‪ .‬كما ذكر حكمته في شرعية الجهاد في سورتي "آل عمران" و "براءة"‬
‫خلُوا الْجَنّةَ وََلمّا َيعَْلمِ اللّهُ الّذِينَ جَا َهدُوا مِ ْن ُك ْم وَ َيعْلَمَ الصّابِرِينَ } [ آل‬
‫حسِبْتُمْ أَنْ تَدْ ُ‬
‫في قوله ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫عمران ‪.] 142 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )2484‬من حديث عمران بن حصين رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يرفع"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬قاتلونهم ويرزقه ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/104‬وسنن النسائي (‪.)6/214‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يرفع"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )1617‬موارد" من طريق أبي يعلى عن داود بن رشيد‬
‫به ‪ ،‬ورواه النسائي في السنن (‪ )6/214‬من طريق إبراهيم بن أبي عبلة ‪ ،‬عن الوليد بن عبد‬
‫الرحمن الجرشي ‪ ،‬عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل مرفوعا بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وقيل ‪ :‬أوزارها"‪.‬‬

‫( ‪)7/308‬‬

‫ف صُدُورَ َقوْمٍ‬
‫ش ِ‬
‫وقال في سورة براءة ‪ { :‬قَاتِلُوهُمْ ُيعَذّ ْبهُمُ اللّهُ بِأَيْدِي ُك ْم وَيُخْزِ ِه ْم وَيَ ْنصُ ْركُمْ عَلَ ْيهِ ْم وَيَ ْ‬
‫حكِيمٌ } [ التوبة ‪.] 15 ، 14 :‬‬
‫ُم ْؤمِنِينَ وَيُ ْذ ِهبْ غَ ْيظَ قُلُو ِبهِ ْم وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ثم لما كان من شأن القتال أن يُقتل كثي ٌر من المؤمنين ‪ ،‬قال ‪ { :‬وَالّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلَنْ‬
‫عمَاَل ُهمْ } أي ‪ :‬لن يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها‪ .‬ومنهم من يجري عليه عمله في‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫ُي ِ‬
‫طول بَرْزَخه ‪ ،‬كما ورد بذلك الحديث الذي رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي ‪ ،‬حدثنا ابن ثوبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن مكحول ‪ ،‬عن كثير بن مُرّة (‬
‫‪ ، )1‬عن قيس الجذامي ‪ -‬رجل كانت له صحبة ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه ‪ُ :‬يكَفر عنه كل خطيئة ‪ ،‬ويرى مقعده من‬
‫الجنة ‪ ،‬ويزوج من الحور العين ‪ ،‬ويؤمن من الفزع الكبر ‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪ ،‬ويحلى حُلّة (‪)2‬‬
‫اليمان" (‪ .)3‬تفرد (‪ )4‬به أحمد رحمه ال‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال أحمد (‪ )5‬أيضا ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن بَحِير‬
‫(‪ )6‬ابن سعيد ‪ ،‬عن خالد بن َمعْدان ‪ ،‬عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن للشهيد عند ال ست خصال ‪ :‬أن يغفر له في أول َد ْفعَة من دمه ‪،‬‬
‫ويرى مقعده من الجنة ‪ ،‬ويحلى حُلّة (‪ )7‬اليمان ‪ ،‬ويزوج من الحور العين ‪ ،‬ويجار من عذاب‬
‫القبر ‪ ،‬ويَأمَن من الفزع الكبر ‪ ،‬ويوضع على رأسه تاج الوقار ‪ ،‬الياقوتة منه خير من الدنيا وما‬
‫شفّع في سبعين إنسانا من أقاربه"‪.‬‬
‫فيها ‪ ،‬ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ‪ ،‬ويُ َ‬
‫وقد أخرجه الترمذي وصححه ابن ماجه (‪.)8‬‬
‫عمْرو ‪ ،‬وعن أبي قتادة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫وفي صحيح مسلم عن عبد ال بن َ‬
‫قال ‪" :‬يُغفر للشهيد كل شيء إل الدّيْن" (‪ .)9‬وروي من حديث جماعة من الصحابة ‪ ،‬وقال أبو‬
‫الدرداء ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته"‪ .‬ورواه أبو‬
‫داود (‪ .)10‬والحاديث في فضل الشهيد (‪ )11‬كثيرة جدا‪.‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َيهْدِي ِهمْ‬
‫وقوله ‪ { :‬سيهديهم } أي ‪ :‬إلى الجنة ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫رَ ّبهُمْ بِإِيمَا ِنهِمْ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِت ِهمُ ال ْنهَارُ فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ } [ يونس ‪.] 9 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬أحمد بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بحلة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/200‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/293‬فيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبانن‬
‫وثقه أبو حاتم وجماعة وضعفه جماعة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬انفرد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬حلية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )4/131‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1663‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)2799‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)1886‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)2522‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشهداء"‪.‬‬

‫( ‪)7/309‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُيصْلِحُ بَاَلهُمْ } أي ‪ :‬أمرهم وحالهم ‪ { ،‬وَيُ ْدخُِلهُمُ ا ْلجَنّةَ عَ ّر َفهَا َل ُهمْ } أي ‪ :‬عرفهم بها‬
‫وهداهم إليها‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم ‪ ،‬وحيث قسم ال لهم منها ‪ ،‬ل يخطئون كأنهم‬
‫ساكنوها منذ خلقوا ‪ ،‬ل يستدلون عليها أحدا‪ .‬وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة ‪ ،‬كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من‬
‫الجمعة‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حَيّان ‪ :‬بلغنا أن الملك الذي كان ُوكّل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في‬
‫الجنة ‪ ،‬ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له ‪ ،‬فيعرّفه كل شيء أعطاه ال في الجنة ‪،‬‬
‫فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل [إلى] (‪ )1‬منزله وأزواجه ‪ ،‬وانصرف الملك عنه‬
‫ذكرهن (‪ )2‬ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقد ورد الحديث الصحيح بذلك أيضا ‪ ،‬رواه البخاري من حديث قتادة ‪ ،‬عن أبي المتوكل‬
‫الناجي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري [رضي ال عنه] (‪ )3‬؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ‪ ،‬يتقاصّون مظالم كانت بينهم في‬
‫الدنيا ‪ ،‬حتى إذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إن أحدهم بمنزله في‬
‫الجنة أهدى منه بمنزله الذي كان في الدنيا" (‪.)4‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُ ْم وَيُثَ ّبتْ َأقْدَا َمكُمْ } ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫{ وَلَيَ ْنصُرَنّ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ } [ الحج ‪ ، ] 40 :‬فإن الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ وَيُثَ ّبتْ َأقْدَا َمكُمْ } ‪ ،‬كما جاء في الحديث ‪" :‬من بَلّغ ذا سلطان حاجة مَنْ ل يستطيع إبلغها ‪ ،‬ثبت‬
‫ال قدمه على الصراط يوم القيامة"‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ َكفَرُوا فَ َتعْسًا َل ُهمْ } ‪ ،‬عكس تثبيت القدام للمؤمنين الناصرين ل ولرسوله‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد ثبت في الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪َ " :‬تعِس‬
‫عبد الدينار ‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد القَطِيفة ‪[ -‬وفي رواية ‪ :‬تعس عبد الخميصة] (‪- )5‬‬
‫تعس وانتكس ‪ ،‬وإذا شِيكَ فل انتقش" ‪ ،‬أي ‪ :‬فل شفاه ال‪.‬‬
‫عمَاَلهُمْ } أي ‪ :‬أحبطها وأبطلها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللّهُ }‬
‫ضلّ أَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأ َ‬
‫عمَاَلهُمْ }‬
‫أي ‪ :‬ل يريدونه ول يحبونه ‪ { ،‬فَأَحْ َبطَ أَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬ذكر هذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)6535‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من تن أ‪.‬‬
‫( ‪)7/310‬‬

‫َأفَلَمْ َيسِيرُوا فِي الْأَ ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ وَلِ ْلكَافِرِينَ َأمْثَاُلهَا‬
‫(‪ )10‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َموْلَى الّذِينَ َآمَنُوا وَأَنّ ا ْلكَافِرِينَ لَا َموْلَى َلهُمْ (‪)11‬‬

‫{ َأفََلمْ يَسِيرُوا فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َدمّرَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ وَلِ ْلكَافِرِينَ‬
‫َأمْثَاُلهَا (‪ )10‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َموْلَى الّذِينَ آمَنُوا وَأَنّ ا ْلكَافِرِينَ ل َموْلَى َلهُمْ (‪} )11‬‬

‫( ‪)7/311‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر وَالّذِينَ َكفَرُوا يَ َتمَ ّتعُونَ‬
‫خلُ الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬
‫إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬
‫وَيَ ْأكُلُونَ َكمَا تَ ْأ ُكلُ الْأَ ْنعَا ُم وَالنّارُ مَ ْثوًى َلهُمْ (‪َ )12‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي‬
‫أَخْ َرجَ ْتكَ أَهَْلكْنَا ُهمْ فَلَا نَاصِرَ َلهُمْ (‪)13‬‬

‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر وَالّذِينَ َكفَرُوا‬
‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ إِنّ اللّهَ ُيدْ ِ‬
‫يَ َتمَ ّتعُونَ وَيَ ْأكُلُونَ َكمَا تَ ْأ ُكلُ ال ْنعَا ُم وَالنّارُ مَ ْثوًى َلهُمْ (‪َ )12‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ‬
‫الّتِي أَخْ َرجَ ْتكَ أَهَْلكْنَا ُهمْ فَل نَاصِرَ َلهُمْ (‪.} )13‬‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬أفََلمْ يَسِيرُوا } يعني ‪ :‬المشركين بال المكذبين لرسوله { فِي ال ْرضِ فَيَ ْنظُرُوا كَ ْيفَ‬
‫علَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬عاقبهم بتكذيبهم وكفرهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ونجى المؤمنين‬
‫كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ َدمّرَ اللّهُ َ‬
‫من بين أظهرهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلِ ْلكَافِرِينَ َأمْثَاُلهَا }‬
‫ن ل َموْلَى َلهُمْ } ‪ ،‬ولهذا لما قال أبو سفيان‬
‫ثم قال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَنّ اللّهَ َموْلَى الّذِينَ آمَنُوا وَأَنّ ا ْلكَافِرِي َ‬
‫صخرُ بن حرب رئيس المشركين يوم أحد حين سأل عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وعن أبي‬
‫بكر وعمر فلم يجب ‪ ،‬وقال ‪ :‬أما هؤلء فقد هلكوا ‪ ،‬وأجابه عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬كذبت يا‬
‫عدو ال ‪ ،‬بل أبقى ال لك ما يسوؤك ‪ ،‬وإن الذين عَدَدت لحياء [كلهم] (‪ .)1‬فقال أبو سفيان ‪:‬‬
‫يوم بيوم بدر ‪ ،‬والحرب سِجال ‪ ،‬أما إنكم ستجدون مُثَْلةً لم آمر بها ولم تسؤني ‪ ،‬ثم ذهب يرتجز‬
‫ويقول ‪ :‬اعل هُبَل ‪ ،‬اعل هبل‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل تجيبوه ؟" قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬وما نقول ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬ال أعلى وأجلّ" ثم قال أبو سفيان ‪ :‬لنا العزى ‪ ،‬ول عُزّى‬
‫لكم‪ .‬فقال ‪" :‬أل تجيبوه ؟" قالوا ‪ :‬وما نقول يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬ال مولنا ول مولى‬
‫لكم" (‪.)2‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ }‬
‫خلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫ثم قال [تعالى (‪ { )3‬إِنّ اللّهَ يُ ْد ِ‬
‫ن وَيَ ْأكُلُونَ َكمَا تَ ْأ ُكلُ ال ْنعَامُ } أي ‪ :‬في دنياهم ‪ ،‬يتمتعون‬
‫أي ‪ :‬يوم القيامة { وَالّذِينَ َكفَرُوا يَ َتمَ ّتعُو َ‬
‫خضْما وقضما وليس لهم همة إل في ذلك‪ .‬ولهذا ثبت في‬
‫بها ويأكلون منها كأكل النعام ‪َ ،‬‬
‫الصحيح ‪" :‬المؤمن يأكل في مِعيّ واحد ‪ ،‬والكافر يأكل في سبعة أمعاء" (‪.)4‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالنّارُ مَ ْثوًى َل ُهمْ } أي ‪ :‬يوم جزائهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي أَخْ َرجَ ْتكَ } يعني ‪ :‬مكة ‪ { ،‬أَهَْلكْنَا ُهمْ فَل‬
‫نَاصِرَ َلهُمْ } ‪ ،‬وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لهل مكة ‪ ،‬في تكذيبهم لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهو سيد المرسلين (‪ )5‬وخاتم النبياء ‪ ،‬فإذا كان ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد أهلك المم الذين‬
‫كذبوا الرسل قبله بسببهم ‪ ،‬وقد كانوا أشد قوة من هؤلء ‪ ،‬فماذا ظن هؤلء أن يفعل ال بهم في‬
‫الدنيا والخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة ‪،‬‬
‫فإن العذاب يوفر على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4043‬من حديث البراء رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5393‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2060‬من حديث عبد‬
‫ال بن عمر رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬الرسل"‪.‬‬

‫( ‪)7/311‬‬

‫عمَلِ ِه وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ (‪ )14‬مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُعِدَ‬
‫َأ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ َكمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ‬
‫خمْرٍ َل ّذةٍ لِلشّارِبِينَ‬
‫ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَ َتغَيّرْ َ‬
‫ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِ ٍ‬
‫ت َو َمغْفِ َرةٌ مِنْ رَ ّبهِمْ َكمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّارِ‬
‫سلٍ ُمصَفّى وََلهُمْ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَا ِ‬
‫عَ‬‫وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫حمِيمًا َفقَطّعَ َأ ْمعَاءَ ُهمْ (‪)15‬‬
‫سقُوا مَاءً َ‬
‫وَ ُ‬

‫سمْ َع َومَا كَانُوا يُ ْبصِرُونَ }‬


‫الكافرين به في معادهم ‪ُ { ،‬يضَاعَفُ َلهُمُ ا ْلعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ ال ّ‬
‫[ هود ‪.] 20 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي َأخْرَجَ ْتكَ } أي ‪ :‬الذين أخرجوك من بين أظهرهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر أبي ‪ ،‬عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن حَنَش (‪ ، )1‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن النبي (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم لما خرج من‬
‫مكة إلى الغار أراه قال ‪ :‬التفت (‪ )3‬إلى مكة ‪ -‬وقال ‪" :‬أنت أحب بلد ال إلى ال ‪ ،‬وأنت أحبّ‬
‫عدَا على‬
‫بلد ال إليّ ‪ ،‬ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك" (‪ .)4‬فأعدى العداء من َ‬
‫ال في حرمه ‪ ،‬أو قتل غير قاتله ‪ ،‬أو قتل بذُحُول الجاهلية ‪ ،‬فأنزل ال على نبيه صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ِهيَ َأشَدّ ُق ّوةً مِنْ قَرْيَ ِتكَ الّتِي أَخْ َرجَ ْتكَ أَهَْلكْنَا ُهمْ فَل نَاصِرَ َلهُمْ }‬
‫عمَلِهِ وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَهُمْ (‪ )14‬مَ َثلُ ا ْلجَنّةِ الّتِي وُعِدَ‬
‫{ َأ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّهِ َكمَنْ زُيّنَ َلهُ سُوءُ َ‬
‫خمْرٍ َل ّذةٍ لِلشّارِبِينَ‬
‫ط ْعمُ ُه وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫ن وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَ َتغَيّرْ َ‬
‫ا ْلمُ ّتقُونَ فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِ ٍ‬
‫ت َو َمغْفِ َرةٌ مِنْ رَ ّبهِمْ َكمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّارِ‬
‫سلٍ ُمصَفّى وََلهُمْ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَا ِ‬
‫عَ‬‫وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫حمِيمًا َفقَطّعَ َأ ْمعَاءَ ُهمْ (‪.} )15‬‬
‫سقُوا مَاءً َ‬
‫وَ ُ‬
‫يقول ‪َ { :‬أ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّ َنةٍ مِنْ رَبّهِ } أي ‪ :‬على بصيرة ويقين في أمر ال ودينه ‪ ،‬بما أنزل ال‬
‫عمَلِهِ‬
‫في كتابه من الهدى والعلم ‪ ،‬وبما جَبَله ال عليه من الفطرة المستقيمة ‪َ { ،‬كمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ َ‬
‫وَاتّ َبعُوا َأ ْهوَاءَهُمْ } أي ‪ :‬ليس هذا ‪ ،‬كهذا كقوله ‪َ { :‬أ َفمَنْ َيعَْلمُ أَ ّنمَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ ا ْلحَقّ َكمَنْ‬
‫عمَى } [ الرعد ‪ ، ] 19 :‬وكقوله ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ‬
‫ُهوَ أَ ْ‬
‫هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } [ الحشر ‪.] 20 :‬‬
‫عدَ ا ْلمُ ّتقُونَ } قال عكرمة ‪ { :‬مَ َثلُ ا ْلجَنّةِ } أي ‪ :‬نعتها (‪ { : )5‬فِيهَا‬
‫ثم قال ‪ { :‬مَ َثلُ الْجَنّةِ الّتِي وُ ِ‬
‫أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } قال ابن عباس ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬يعني غير متغير‪ .‬وقال قتادة ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ :‬غير منتن‪ .‬والعرب تقول ‪َ :‬أسِن الماء ‪ ،‬إذا َتغَيّر ريحه‪.‬‬
‫وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم ‪ { :‬غَيْرِ آسِنٍ } يعني ‪ :‬الصافي الذي ل َكدَر فيه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن مُرّة (‬
‫‪ ، )6‬عن مسروق قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬أنهار الجنة ُتفَجّر من جبل من مسك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬أن رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وداراه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبري في تفسيره (‪.)26/31‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نعيمها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫( ‪)7/312‬‬

‫ط ْعمُهُ } أي ‪ :‬بل في غاية البياض والحلوة والدسومة‪ .‬وفي حديث‬


‫{ وَأَ ْنهَارٌ مِنْ لَبَنٍ َلمْ يَ َتغَيّرْ َ‬
‫مرفوع ‪" :‬لم يخرج من ضُرُوع الماشية"‪.‬‬
‫خمْرٍ لَ ّذةٍ لِلشّارِبِينَ } أي ‪ :‬ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا ‪ ،‬بل [هي] (‪)1‬‬
‫{ وَأَ ْنهَارٌ مِنْ َ‬
‫غ ْولٌ وَل هُمْ عَ ْنهَا يُنزفُونَ } [ الصافات ‪:‬‬
‫حسنة المنظر والطعم والرائحة والفعل ‪ { ،‬ل فِيهَا َ‬
‫‪ { ، ]47‬ل ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا وَل يُنزفُونَ } [ الواقعة ‪ { ، ]19 :‬بَ ْيضَاءَ َل ّذةٍ لِلشّارِبِينَ } [ الصافات ‪:‬‬
‫‪ ، ]46‬وفي حديث مرفوع ‪" :‬لم تعصرها الرجال بأقدامها"‪.‬‬
‫سلٍ ُمصَفّى } أي ‪ :‬وهو في غاية الصفاء ‪ ،‬وحسن اللون والطعم‬
‫[وقوله] (‪ { )2‬وَأَ ْنهَارٌ مِنْ عَ َ‬
‫والريح ‪ ،‬وفي حديث مرفوع ‪" :‬لم يخرج من بطون النحل"‪.‬‬
‫وقال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا الجُريري ‪ ،‬عن حكيم بن معاوية ‪ ،‬عن‬
‫أبيه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬في الجنة بحر اللبن ‪ ،‬وبحر الماء ‪،‬‬
‫وبحر العسل ‪ ،‬وبحر الخمر ‪ ،‬ثم تشقق النهار منها بعد"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي في "صفة الجنة" ‪ ،‬عن محمد بن بَشار ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫إياس الجَريري ‪ ،‬به (‪ )4‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن مردويه (‪ )5‬حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن محمد بن‬
‫النعمان ‪ ،‬حدثنا مسلم بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة اليادي ‪ ،‬حدثنا أبو عمران‬
‫الجوني ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد ال بن قيس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫جوْبَة ‪ ،‬ثم تصدع بعد أنهارا" (‪)6‬‬
‫خبُ من جنة عدن في َ‬
‫"هذه النهار تَش ُ‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬إذا سألتم ال فاسألوه الفردوس ‪ ،‬فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ‪ ،‬ومنه ُتفَجّر‬
‫أنهار الجنة ‪ ،‬وفوقه عرش الرحمن" (‪.)7‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري ‪ ،‬وعبد ال بن‬
‫الصفر السكري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة ‪ ،‬حدثني‬
‫عبد الرحمن بن عياش ‪ ،‬عن دلهم بن السود بن عبد ال بن حاجب بن عامر بن المنتفق‬
‫العقيلي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمه لقيط بن عامر ‪ ،‬قال دلهم ‪ :‬وحدثنيه أيضا أبو السود ‪ ،‬عن عاصم‬
‫بن لقيط أن لقيط‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/5‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2571‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )6/204‬عن طريق‬
‫الجريري به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غريب عن الجريري تفرد به عن حكيم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى ابن مردويه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )314‬من طريق معلى بن أسد عن الحارث بن عبيد‬
‫به‪.‬‬
‫(‪ )7‬سبق تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 133 :‬من سورة آل عمران‪.‬‬
‫( ‪)7/313‬‬

‫بن عامر خرج وافدا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فعلم نطلع من‬
‫الجنة ؟ قال ‪" :‬على أنهار عسل مصفى ‪ ،‬وأنهار من خمر (‪ )1‬ما بها صداع ول ندامة ‪ ،‬وأنهار‬
‫من لبن لم يتغير طعمه ‪ ،‬وماء غير آسن ‪ ،‬وفاكهة ‪ ،‬لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله ‪،‬‬
‫وأزواج مطهرة" قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو لنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال ‪" :‬الصالحات للصالحين‬
‫تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم ‪ ،‬غير أل توالد" (‪.)2‬‬
‫وقال أبو بكر عبد ال بن محمد بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا يعقوب بن عبيدة (‪ ، )3‬عن يزيد بن هارون‬
‫‪ ،‬أخبرني الجريري ‪ ،‬عن معاوية بن قرة ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )4‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لعلكم تظنون‬
‫أن أنهار الجنة تجري في أخدود في الرض ‪ ،‬وال إنها لتجري سائحة على وجه الرض ‪،‬‬
‫حافاتها قباب اللؤلؤ ‪ ،‬وطينها المسك ال ْذفَر (‪.)5‬‬
‫وقد رواه أبو بكر ابن مَرْدُويه ‪ ،‬من حديث مهدي بن حكيم ‪ ،‬عن يزيد بن هارون ‪ ،‬به مرفوعا (‬
‫‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ فِيهَا مِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَدْعُونَ فِيهَا ِب ُكلّ فَا ِكهَةٍ آمِنِينَ } [ الدخان ‪:‬‬
‫‪ .]55‬وقوله ‪ { :‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ } [ الرحمن ‪.] 52 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َم ْغفِرَةٌ مِنْ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬مع ذلك كله‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬كمَنْ ُهوَ خَالِدٌ فِي النّارِ } أي ‪ :‬أهؤلء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة كمن هو خالد في‬
‫سقُوا‬
‫النار ؟ ليس هؤلء كهؤلء ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس من هو في الدرجات كمن هو (‪ )7‬في الدركات ‪ { ،‬وَ ُ‬
‫حمِيمًا } أي ‪ :‬حارا (‪ )8‬شديد الحر ‪ ،‬ل يستطاع‪َ { .‬فقَطّعَ َأ ْمعَاءَهُمْ } أي ‪ :‬قطع ما في بطونهم‬
‫مَاءً َ‬
‫من المعاء والحشاء ‪ ،‬عياذا بال من ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬كأس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪ )19/211‬من حديث طويل كأن الحافظ اختصره ‪ ،‬وصورة السند في المعجم‬
‫الكبير ‪" :‬حدثنا مصعب بن إبراهيم بن حمزة الزبيري وعبد ال بن الصقر العسكري ‪ -‬وصوابه ‪:‬‬
‫السكري ‪ -‬قال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد ال‬
‫بن خالد بن حزام ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن عياش النصاري ثم المسعودي عن دلهم بن السود‬
‫عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج‪ ...‬الحديث"‪ .‬وهناك عطف بالواو يوهم أن هناك‬
‫إسنادا آخر رواه الطبراني ‪ ،‬وليس عنده إل من هذا الطريق ‪ ،‬وقد رواه عبد ال بن المام أحمد‬
‫في زوائد المسند (‪ )4/13‬من طريق إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير عن عبد الرحمن بن‬
‫المغيرة الحزامي عن عبد ال بن عياش عن دلهم بن السود بن عبد ال بن حاجب بن عامر بن‬
‫المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر فذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عبيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )5‬وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (‪ )4/518‬وقال ‪" :‬وروى ابن أبي الدنيا بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )6/205‬من طريق محمد بن أحمد الزهري عن مهدي بن حكيم‬
‫بن مهدي به مرفوعا‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬هو خالد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬صار"‪.‬‬

‫( ‪)7/314‬‬

‫َومِ ْنهُمْ مَنْ يَسْ َتمِعُ إِلَ ْيكَ حَتّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِ ْن ِدكَ قَالُوا لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ مَاذَا قَالَ آَ ِنفًا أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬
‫طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ (‪ )16‬وَالّذِينَ اهْتَ َدوْا زَا َدهُمْ ُهدًى وَآَتَا ُهمْ َتقْوَا ُهمْ (‪َ )17‬ف َهلْ‬
‫طهَا فَأَنّى َلهُمْ إِذَا جَاءَ ْتهُمْ ِذكْرَا ُهمْ (‪ )18‬فَاعْلَمْ أَنّهُ‬
‫يَنْظُرُونَ إِلّا السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً َفقَدْ جَاءَ َأشْرَا ُ‬
‫ت وَاللّهُ َيعْلَمُ مُ َتقَلّ َبكُ ْم َومَ ْثوَاكُمْ (‪)19‬‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَا ِ‬
‫ك وَلِ ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫لَا إِلَهَ إِلّا اللّ ُه وَاسْ َت ْغفِرْ ِلذَنْ ِب َ‬

‫{ َومِ ْنهُمْ مَنْ َيسْ َتمِعُ إِلَ ْيكَ حَتّى ِإذَا خَ َرجُوا مِنْ عِنْ ِدكَ قَالُوا لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ مَاذَا قَالَ آ ِنفًا أُولَ ِئكَ‬
‫الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ (‪ )16‬وَالّذِينَ اهْتَ َدوْا زَا َدهُمْ ُهدًى وَآتَا ُهمْ َتقْوَا ُهمْ (‪)17‬‬
‫طهَا فَأَنّى َلهُمْ إِذَا جَاءَ ْتهُمْ ِذكْرَا ُهمْ (‪ )18‬فَاعْلَمْ‬
‫َف َهلْ يَ ْنظُرُونَ إِل السّاعَةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً َفقَدْ جَاءَ أَشْرَا ُ‬
‫ت وَاللّهُ َيعْلَمُ مُتَقَلّ َبكُ ْم َومَ ْثوَاكُمْ (‪.} )19‬‬
‫ن وَا ْل ُمؤْمِنَا ِ‬
‫ك وَلِ ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫أَنّهُ ل إَِلهَ إِل اللّ ُه وَاسْ َت ْغفِرْ لِذَنْ ِب َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلدتهم وقلة فهمهم حيث كانوا يجلسون إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ويستمعون كلمه ول يفهمون منه شيئا ‪ ،‬فإذا خرجوا من عنده { قَالُوا لِلّذِينَ أُوتُوا‬
‫ا ْلعِلْمَ } من الصحابة ‪ { :‬مَاذَا قَالَ آ ِنفًا } أي ‪ :‬الساعة ‪ ،‬ل يعقلون ما يقال (‪ ، )1‬ول يكترثون له‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُو ِبهِ ْم وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ } أي ‪ :‬فل فهم صحيح ‪ ،‬ول‬
‫قصد صحيح‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالّذِينَ اهْ َت َدوْا زَا َدهُمْ ُهدًى } أي ‪ :‬والذين قصدوا الهداية وفقهم ال لها فهداهم إليها ‪،‬‬
‫وثبتهم عليها وزادهم منها ‪ { ،‬وَآتَاهُمْ َت ْقوَاهُمْ } أي ‪ :‬ألهمهم رشدهم‪.‬‬
‫عةَ أَنْ تَأْتِ َيهُمْ َبغْتَةً } أي ‪ :‬وهم غافلون عنها ‪َ { ،‬فقَدْ جَاءَ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َهلْ يَنْظُرُونَ إِل السّا َ‬
‫طهَا } أي ‪ :‬أمارات اقترابها ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬هَذَا َنذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الولَى أَ ِز َفتِ ال ِزفَةُ }‬
‫أَشْرَا ُ‬
‫[ النجم ‪ ، ] 57 ، 56 :‬وكقوله ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ } [ القمر ‪ ] 1 :‬وقوله ‪ { :‬أَتَى‬
‫غفْلَةٍ‬
‫َأمْرُ اللّهِ فَل تَسْ َتعْجِلُوهُ } [ النحل ‪ ، ]1 :‬وقوله ‪ { :‬اقْتَ َربَ لِلنّاسِ حِسَا ُب ُه ْم وَهُمْ فِي َ‬
‫ُمعْ ِرضُونَ } [ النبياء ‪ ، ] 1 :‬فبعثة رسول ال صلى ال عليه وسلم من أشراط الساعة ؛ لنه‬
‫خاتم الرسل الذي أكمل ال به الدين ‪ ،‬وأقام به الحجة على العالمين‪ .‬وقد أخبر ‪ -‬صلوات ال‬
‫وسلمه عليه ‪ -‬بأمارات الساعة وأشراطها ‪ ،‬وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ‪ ،‬كما‬
‫هو مبسوط في موضعه‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬بعثة محمد صلى ال عليه وسلم من أشراط الساعة‪ .‬وهو كما قال ؛ ولهذا‬
‫جاء في أسمائه عليه السلم ‪ ،‬أنه نبي التوبة ‪ ،‬ونبي الملحمة ‪ ،‬والحاشر الذي يُحشَر الناس على‬
‫قدميه ‪ ،‬والعاقب الذي ليس بعده نبي‪.‬‬
‫وقال (‪ )2‬البخاري ‪ :‬حدثنا أحمد بن المقدام ‪ ،‬حدثنا فضيل بن سليمان ‪ ،‬حدثنا أبو حازم ‪ ،‬حدثنا (‬
‫‪ )3‬سهل بن سعد قال ‪ :‬رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا ‪ ،‬بالوسطى‬
‫والتي تليها ‪" :‬بعثت أنا والساعة كهاتين" (‪.)4‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَأَنّى َلهُمْ إِذَا جَاءَ ْتهُمْ ِذكْرَا ُهمْ } أي ‪ :‬فكيف للكافرين بالتذكر (‪ )5‬إذا جاءتهم‬
‫ن وَأَنّى لَهُ ال ّذكْرَى }‬
‫القيامة ‪ ،‬حيث ل ينفعهم ذلك (‪ ، )6‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ يَتَ َذكّرُ النْسَا ُ‬
‫[ الفجر ‪، ] 23 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ما يقول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4936‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬التذكير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬التذكير"‪.‬‬

‫( ‪)7/315‬‬

‫{ َوقَالُوا آمَنّا ِب ِه وَأَنّى َل ُهمُ التّنَاوُشُ مِنْ َمكَانٍ َبعِيدٍ } [ سبأ ‪.] 52 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاعَْلمْ أَنّهُ ل إَِلهَ إِل اللّهُ } هذا إخبار ‪ :‬بأنه ل إله إل ال ‪ ،‬ول يتأتى (‪ )1‬كونه آمرا بعلم‬
‫ك وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } وفي الصحيح أن‬
‫ذلك ؛ ولهذا عطف عليه بقوله ‪ { :‬وَاسْ َت ْغفِرْ ِلذَنْ ِب َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ‪ ،‬وإسرافي في أمري‬
‫عمْدي ‪ ،‬وكل ذلك عندي" (‪.)2‬‬
‫خطَئي و َ‬
‫‪ ،‬وما أنت أعلم به مني‪ .‬اللهم اغفر لي هَزْلي وجدّي ‪ ،‬و َ‬
‫وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلة ‪" :‬اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ‪ ،‬وما أسررت‬
‫وما أعلنت ‪ ،‬وما أسرفت ‪ ،‬وما أنت أعلم به مني ‪ ،‬أنت إلهي ل إله إل أنت" (‪ )3‬وفي الصحيح‬
‫أنه قال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬توبوا إلى ربكم ‪ ،‬فإني أستغفر ال وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين‬
‫مرة" (‪)4‬‬
‫وقال (‪ )5‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة عن عاصم الحول قال ‪ :‬سمعت (‪)6‬‬
‫عبد ال بن سرجس قال ‪ :‬أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأكلت معه من طعامه ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫غفر ال لك يا رسول ال فقلت ‪ :‬استغفر لك (‪ )7‬؟ فقال ‪" :‬نعم ‪ ،‬ولكم" ‪ ،‬وقرأ ‪ { :‬وَاسْ َت ْغفِرْ ِلذَنْ ِبكَ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ } ‪ ،‬ثم نظرت إلى ُنغْض كتفه اليمن ‪ -‬أو ‪ :‬كتفه اليسر شعبة الذي شك ‪-‬‬
‫وَلِ ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل‪.‬‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي (‪ ، )8‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن عاصم‬
‫الحول ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫وفي الحديث الخر الذي رواه أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُمحَرّز بن عون (‪ ، )10‬حدثنا عثمان بن مطر ‪،‬‬
‫حدثنا عبد الغفور ‪ ،‬عن أبي َنصِيرَة ‪ ،‬عن أبي رجاء ‪ ،‬عن أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬عليكم بل إله إل ال والستغفار ‪ ،‬فأكثروا منهما ‪،‬‬
‫فإن إبليس قال ‪ :‬أهلكت (‪ )11‬الناس بالذنوب ‪ ،‬وأهلكوني بـ "ل إله إل ال" ‪ ،‬والستغفار فلما‬
‫رأيت ذلك أهلكتهم بالهواء ‪ ،‬فهم يحسبون أنهم مهتدون" (‪.)12‬‬
‫وفي الثر المروي ‪" :‬قال إبليس ‪ :‬وعزتك وجللك ل أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إل هو ول ينافي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)6398‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)769‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)6307‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬استغفر لك رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬والنسائي وابن ماجه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )5/82‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2346‬والشمائل للترمذي برقم (‪ )22‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)11496‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬محمد بن عوف" وفي هـ ‪" :‬محمد بن عون"‪ .‬والتصويب من مسند أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬قال ‪ :‬إنما أهلكت"‪.‬‬
‫(‪ )12‬مسند أبي يعلى (‪ ، )1/123‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/207‬فيه عثمان بن مطر‬
‫وهو ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)7/316‬‬
‫أجسادهم‪ .‬فقال ال عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي ول أزال أغفر لهم ما استغفروني" (‪)1‬‬
‫والحاديث في فضل الستغفار كثيرة جدا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ مُ َتقَلّ َبكُ ْم َومَ ْثوَاكُمْ } أي ‪ :‬يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ‪ ،‬كقوله‬
‫ل وَ َيعْلَمُ مَا جَ َرحْتُمْ بِال ّنهَارِ } [ النعام ‪ ، ] 60 :‬وكقوله ‪َ { :‬ومَا مِنْ دَابّةٍ‬
‫‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَ َت َوفّاكُمْ بِاللّ ْي ِ‬
‫عهَا ُكلّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود ‪.] 6 :‬‬
‫فِي ال ْرضِ إِل عَلَى اللّهِ رِ ْز ُقهَا وَ َيعْلَمُ ُمسْ َتقَرّهَا َومُسْ َتوْدَ َ‬
‫وهذا القول ذهب إليه ابن جريج ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬متقلبكم في الدنيا ‪،‬‬
‫ومثواكم في الخرة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬متقلبكم في الدنيا ‪ ،‬ومثواكم في قبوركم‪.‬‬
‫والول أولى وأظهر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في مسنده (‪ )3/29‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/317‬‬

‫ح َكمَ ٌة َو ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ رَأَ ْيتَ الّذِينَ فِي‬


‫وَيَقُولُ الّذِينَ َآمَنُوا َلوْلَا نُزَّلتْ سُو َرةٌ فَِإذَا أُنْزَِلتْ سُو َرةٌ مُ ْ‬
‫ع ٌة َو َقوْلٌ َمعْرُوفٌ‬
‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فََأوْلَى َلهُمْ (‪ )20‬طَا َ‬
‫قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َنظَرَ ا ْل َمغْ ِ‬
‫عسَيْتُمْ إِنْ َتوَلّيْتُمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي الْأَ ْرضِ‬
‫فَإِذَا عَ َزمَ الَْأمْرُ فََل ْو صَ َدقُوا اللّهَ َلكَانَ خَيْرًا َلهُمْ (‪َ )21‬ف َهلْ َ‬
‫عمَى أَ ْبصَارَهُمْ (‪)23‬‬
‫ص ّمهُ ْم وَأَ ْ‬
‫طعُوا أَ ْرحَا َمكُمْ (‪ )22‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ اللّهُ فََأ َ‬
‫وَتُقَ ّ‬

‫ح َكمَةٌ وَ ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ رَأَ ْيتَ الّذِينَ فِي‬


‫{ وَ َيقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َلوْل نزَلتْ سُو َرةٌ فَِإذَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ مُ ْ‬
‫ع ٌة َو َقوْلٌ َمعْرُوفٌ‬
‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ فََأوْلَى َلهُمْ (‪ )20‬طَا َ‬
‫قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َنظَرَ ا ْل َمغْ ِ‬
‫ص َدقُوا اللّهَ َلكَانَ خَيْرًا َلهُمْ (‪َ )21‬ف َهلْ عَسَيْ ُتمْ إِنْ َتوَلّيْتُمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي ال ْرضِ‬
‫فَإِذَا عَ َز َم المْرُ فََلوْ َ‬
‫عمَى أَ ْبصَارَهُمْ (‪.} )23‬‬
‫ص ّمهُ ْم وَأَ ْ‬
‫طعُوا أَ ْرحَا َمكُمْ (‪ )22‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ اللّهُ فََأ َ‬
‫وَتُقَ ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد ‪ ،‬فلما فرضه ال ‪ ،‬عز وجل (‪، )1‬‬
‫وأمر به نكل عنه كثير من الناس ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَيْدِ َيكُمْ وََأقِيمُوا‬
‫خشْيَةً‬
‫شدّ َ‬
‫خشْيَةِ اللّهِ َأوْ أَ َ‬
‫شوْنَ النّاسَ كَ َ‬
‫خَ‬‫الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلقِتَالُ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَ ْ‬
‫ل وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ ُقلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِي ٌ‬
‫َوقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَ ْبتَ عَلَيْنَا ا ْلقِتَالَ َلوْل َأخّرْتَنَا إِلَى أَ َ‬
‫ا ّتقَى وَل ُتظَْلمُونَ فَتِيل } [النساء ‪.]77 :‬‬
‫حكْم القتال ؛ ولهذا قال‬
‫وقال ها هنا ‪ { :‬وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا َلوْل نزَلتْ سُو َرةٌ } أي ‪ :‬مشتملة على ُ‬
‫ح َكمَةٌ وَ ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ رَأَ ْيتَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ يَ ْنظُرُونَ إِلَ ْيكَ نَظَرَ‬
‫‪ { :‬فَِإذَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ مُ ْ‬
‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َم ْوتِ } أي ‪ :‬من فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء العداء‪ .‬ثم قال مشجعا لهم‬
‫ا ْل َمغْ ِ‬
‫‪ { :‬فََأوْلَى َلهُمْ طَاعَ ٌة َو َق ْولٌ َمعْرُوفٌ } أي ‪ :‬وكان الولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا ‪ ،‬أي ‪ :‬في‬
‫الحالة الراهنة ‪ { ،‬فَإِذَا عَ َز َم المْرُ } أي ‪ :‬جد الحال ‪ ،‬وحضر القتال ‪ { ،‬فََل ْو صَ َدقُوا اللّهَ } أي ‪:‬‬
‫أخلصوا له النية ‪َ { ،‬لكَانَ خَيْرًا َلهُمْ }‬
‫طعُوا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َهلْ عَسَيْ ُتمْ إِنْ َتوَلّيْتُمْ } أي ‪ :‬عن الجهاد ونكلتم عنه ‪ { ،‬أَنْ ُتفْسِدُوا فِي ال ْرضِ وَ ُتقَ ّ‬
‫أَرْحَا َمكُمْ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬ال تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)7/317‬‬

‫أي ‪ :‬تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلء ‪ ،‬تسفكون الدماء وتقطعون الرحام ؛ ولهذا قال‬
‫عمَى أَ ْبصَارَ ُهمْ } وهذا نهي عن الفساد في الرض‬
‫ص ّمهُ ْم وَأَ ْ‬
‫‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َلعَ َنهُمُ اللّهُ فََأ َ‬
‫عموما ‪ ،‬وعن قطع الرحام خصوصا ‪ ،‬بل قد أمر [ال] (‪ )1‬تعالى بالصلح في الرض وصلة‬
‫الرحام ‪ ،‬وهو الحسان إلى القارب في المقال والفعال وبذل الموال‪ .‬وقد وردت الحاديث‬
‫الصحاح والحسان بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬من طرق عديدة ‪ ،‬ووجوه كثيرة‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا خالد بن مَخْلَد ‪ ،‬حدثنا سليمان ‪ ،‬حدثني معاوية بن أبي مُزَرّد ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫يسار (‪ ، )2‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬خلق ال الخلق ‪ ،‬فلما فرغ‬
‫منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬مه! فقالت ‪ :‬هذا مقام العائذ بك من‬
‫القطيعة‪ .‬فقال ‪ :‬أل ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فذاك (‬
‫طعُوا‬
‫عسَيْتُمْ إِنْ َتوَلّيْ ُتمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي ال ْرضِ وَ ُتقَ ّ‬
‫‪ .)3‬قال أبو هريرة ‪ :‬اقرؤوا إن شئتم ‪َ { :‬ف َهلْ َ‬
‫أَرْحَا َمكُمْ } (‪.)4‬‬
‫ثم رواه البخاري من طريقين آخرين ‪ ،‬عن معاوية بن أبي مزرد ‪ ،‬به‪ .‬قال رسول ال صلى ال‬
‫طعُوا أَرْحَا َمكُمْ }‬
‫ض وَ ُتقَ ّ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬اقرؤوا إن شئتم ‪َ { :‬ف َهلْ عَسَيْ ُتمْ إِنْ َتوَلّيْتُمْ أَنْ ُتفْسِدُوا فِي ال ْر ِ‬
‫(‪ )5‬ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرد ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبي بكرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من ذنب أحرى أن يعجل ال عقوبته في‬
‫الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخر لصاحبه في الخرة ‪ ،‬من البغي وقطيعة الرحم"‪.‬‬
‫علَية ‪ -‬به (‪ .)8‬وقال‬
‫رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث إسماعيل ‪ -‬هو ابن ُ‬
‫الترمذي ‪ :‬هذا حديث صحيح‪.‬‬
‫وقال (‪ )9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن بكر ‪ ،‬حدثنا ميمون أبو محمد المرئي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫عباد المخزومي ‪ ،‬عن ثوبان ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من سره النّساء في‬
‫الجل ‪ ،‬والزيادة في الرزق ‪ ،‬فليصل رحمه" (‪ .)10‬تفرد به أحمد ‪ ،‬وله شاهد في الصحيح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فروى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فذلك لك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4830‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4832 ، 4831‬لكن زاد أبو الحباب بين معاوية وسعيد بن يسار‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )2554‬من طريق معاوية بن أبي مزرد عن عمه أبي الحباب عن سعيد‬
‫بن يسار به‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )5/38‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4902‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2511‬وسنن ابن ماجه‬
‫برقم (‪.)4211‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪ )5/279‬وشاهده حديث أنس بن مالك رضي ال عنه مرفوعا ‪" :‬من سره أن يبسط‬
‫عليه رزقه ‪ ،‬أو ينسأ في أثره فليصل رحمه"‪ .‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )5986‬ومسلم‬
‫في صحيحه برقم (‪ )2557‬واللفظ لمسلم‪.‬‬

‫( ‪)7/318‬‬

‫وقال (‪ )1‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حجاج بن أرطاة ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬جاء رجل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال إن‬
‫لي ذوي أرحام ‪ ،‬أصل ويقطعون ‪ ،‬وأعفو ويظلمون ‪ ،‬وأحسن ويسيئون ‪ ،‬أفأكافئهم ؟ قال ‪" :‬ل‬
‫إذن تتركون جميعا ‪ ،‬ولكن جُ ْد بالفضل وصلهم ؛ فإنه لن يزال معك ظهير من ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫ما كنت على ذلك" (‪.)2‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه ‪ ،‬وله شاهد (‪ )3‬من وجه آخر‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َيعْلَى ‪ ،‬حدثنا ِفطْر ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو (‪ )4‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرحم معلقة بالعرش ‪ ،‬وليس الواصل بالمكافئ ‪ ،‬ولكن‬
‫الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" ‪ ،‬رواه البخاري (‪.)6( )5‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا بهز ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا قتادة ‪ ،‬عن أبي ثمامة الثقفي ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬توضع الرحم يوم القيامة لها حُجْنَة‬
‫كحجنة المغزل ‪ ،‬تتكلم بلسان طُلَق ذُلَق ‪ ،‬فتصل من وصلها وتقطع من قطعها" (‪.)7‬‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا عمرو ‪ ،‬عن أبي قابوس ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪-‬‬
‫يبلغ به النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬الراحمون يرحمهم الرحمن ‪ ،‬ارحموا أهل الرض (‬
‫شجْنَة من الرحمن ‪ ،‬من وصلها وصلته ‪ ،‬ومن قطعها بتته"‪.‬‬
‫‪ )9‬يرحمكم أهل السماء ‪ ،‬والرحم ُ‬
‫وقد رواه أبو داود (‪ )10‬والترمذي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬به (‬
‫‪ .)11‬وهذا هو الذي يروي بتسلسل الولية (‪ ، )12‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا هشام الدّسْتَوائي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن عبد ال بن قارظ ؛ أن أباه حدثه ‪ :‬أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض ‪،‬‬
‫فقال له عبد الرحمن ‪ :‬وصلتك رَحمٌ ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قال ال عز وجل‬
‫‪ :‬أنا الرحمن ‪ ،‬خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ‪ ،‬فمن يصلها أصله ‪ ،‬ومن يقطعها أقطعه فأبته‬
‫‪ -‬أو قال ‪ :‬من يبتها أبته"‪.‬‬
‫تفرد به من هذا الوجه (‪ .)13‬ورواه أحمد أيضا من حديث الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن الرداد‬
‫‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/181‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن ابن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬انفرد به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/163‬وصحيح البخاري برقم (‪.)5991‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/189‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/150‬رجال أحمد رجال الصحيح غير أبي‬
‫ثمامة الثقفي ‪ ،‬وثقه ابن حبان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬رواه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬ارحموا من في الرض"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وقد رواه أحمد وأبو داود"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )2/160‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4941‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1924‬‬
‫(‪ )12‬وأروي هذا الحديث بالجازة مسلسل بأول ما سمع ‪ ،‬إل أن الولية تنقطع فيما فوق‬
‫سفيان ‪ ،‬وعلى هذا فشرط المسلسل غير كتحقق عند التدقيق‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪.)1/191‬‬

‫( ‪)7/319‬‬
‫َأفَلَا يَتَدَبّرُونَ ا ْلقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ َأقْفَاُلهَا (‪ )24‬إِنّ الّذِينَ ارْتَدّوا عَلَى َأدْبَارِهِمْ مِنْ َب ْعدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمُ‬
‫سوّلَ َلهُمْ وََأمْلَى َلهُمْ (‪ )25‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا مَا نَ ّزلَ اللّهُ سَنُطِي ُعكُمْ فِي‬
‫ا ْلهُدَى الشّيْطَانُ َ‬
‫ن وُجُو َههُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (‪)27‬‬
‫َب ْعضِ الَْأمْرِ وَاللّهُ َيعْلَمُ إِسْرَارَ ُهمْ (‪َ )26‬فكَ ْيفَ ِإذَا َت َوفّ ْتهُمُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪)28‬‬
‫ضوَانَهُ فََأحْبَطَ أَ ْ‬
‫خطَ اللّ َه َوكَرِهُوا ِر ْ‬
‫ذَِلكَ بِأَ ّنهُمُ اتّ َبعُوا مَا أَسْ َ‬

‫أو أبي الردّاد ‪ -‬عن عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬به (‪ .)1‬ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من رواية أبي‬
‫سلمة ‪ ،‬عن أبيه (‪ .)2‬والحاديث في هذا كثيرة‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمار الموصلي ‪ ،‬حدثنا عيسى بن‬
‫يونس ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن علثة (‪ ، )3‬عن الحجاج بن الفُرَافِصَة ‪ ،‬عن أبي عمر‬
‫البصري ‪ ،‬عن سلمان (‪ )4‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الرواح جنود مجندة ‪،‬‬
‫فما تَعارف منها ائتلف‪ ، /‬وما تناكر منها اختلف" (‪.)5‬‬
‫وبه قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا ظهر القول ‪ ،‬وخزن العمل ‪ ،‬وائتلفت اللسنة ‪،‬‬
‫وتباغضت القلوب ‪ ،‬وقطع كل ذي رحم رحمه ‪ ،‬فعند ذلك لعنهم ال فأصمهم وأعمى أبصارهم" (‬
‫‪.)6‬‬
‫{ َأفَل يَ َتدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ َأ ْقفَاُلهَا (‪ )24‬إِنّ الّذِينَ ارْ َتدّوا عَلَى أَدْبَارِ ِهمْ مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ‬
‫س ّولَ َلهُ ْم وََأمْلَى َلهُمْ (‪ )25‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللّهُ سَ ُنطِي ُعكُمْ‬
‫َلهُمُ ا ْل ُهدَى الشّ ْيطَانُ َ‬
‫ن وُجُو َههُ ْم وََأدْبَارَهُمْ‬
‫ض المْ ِر وَاللّهُ َيعَْلمُ إِسْرَارَ ُهمْ (‪َ )26‬فكَ ْيفَ ِإذَا َت َوفّ ْتهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫فِي َب ْع ِ‬
‫عمَاَلهُمْ (‪.} )28‬‬
‫خطَ اللّ َه َوكَرِهُوا ِرضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَ ْ‬
‫(‪ )27‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمُ اتّ َبعُوا مَا أَسْ َ‬
‫يقول تعالى آمرًا بتدبر القرآن وتفهمه ‪ ،‬وناهيا عن العراض عنه ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أفَل يَتَدَبّرُونَ ا ْلقُرْآنَ‬
‫أَمْ عَلَى قُلُوبٍ َأ ْقفَاُلهَا } أي ‪ :‬بل على قلوب أقفالها ‪ ،‬فهي ُمطْ َبقَة ل يخلص إليها شيء من معانيه‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا يزيد قال ‪ :‬حدثنا سعيد قال ‪ :‬حدثنا (‪ )7‬حماد بن زيد ‪،‬‬
‫حدثنا هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬تل رسول ال صلى ال عليه وسلم يوما ‪َ { :‬أفَل يَتَدَبّرُونَ‬
‫ا ْلقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ َأ ْقفَاُلهَا } ‪ ،‬فقال شاب من أهل اليمن ‪ :‬بل عليها (‪ )8‬أقفالها حتى يكون ال‬
‫عز وجل يفتحها أو يفرجها‪ .‬فما زال الشاب في نفس عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حتى ولي ‪،‬‬
‫فاستعان به (‪.)9‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ ارْ َتدّوا عَلَى أَدْبَارِ ِهمْ } أي ‪ :‬فارقوا اليمان ورجعوا إلى الكفر ‪ { ،‬مِنْ‬
‫س ّولَ َل ُهمْ } أي ‪ :‬زين لهم ذلك وحسنه ‪ { ،‬وََأمْلَى َلهُمْ } أي ‪:‬‬
‫َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َل ُهمُ ا ْلهُدَى الشّيْطَانُ َ‬
‫غرهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/194‬وقال الترمذي في السنن ‪" :‬روى معمر عن الزهري هذا الحديث عن أبي‬
‫سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن ابن عوف ‪ ،‬قال محمد ‪ -‬يعني البخاري ‪ : -‬حديث معمر‬
‫خطأ" والصحيح الرواية التية في السنن‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ )1624‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1907‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪" :‬الحجاج بن يونس" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪" :‬سليمان" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )6/263‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/287‬فيه جماعة لم أعرفهم"‪ .‬وله‬
‫شاهد من حديث أبي هريرة رواه أحمد في المسند (‪.)2/295‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )6/263‬والكلم عليه كالذي قبله‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في تن م ‪" :‬بل على قلوب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)26/37‬‬

‫( ‪)7/320‬‬

‫ضغَا َنهُمْ (‪)29‬‬


‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ َأ ْ‬
‫أَمْ حَ ِ‬

‫ض المْرِ } أي ‪ :‬مالئوهم‬
‫وخدعهم ‪ { ،‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ قَالُوا لِلّذِينَ كَرِهُوا مَا نزلَ اللّهُ سَنُطِي ُعكُمْ فِي َب ْع ِ‬
‫وناصحوهم في الباطن على الباطل ‪ ،‬وهذا شأن المنافقين يظهرون خلف ما يبطنون ؛ ولهذا قال‬
‫ال عز وجل ‪ { :‬وَاللّهُ َيعْلَمُ إِسْرَارَ ُهمْ } أي ‪[ :‬يعلم] (‪ )1‬ما يسرون وما يخفون ‪ ،‬ال مطلع عليه‬
‫وعالم به ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َيكْ ُتبُ مَا يُبَيّتُونَ } [ النساء ‪.] 81 :‬‬
‫ن وُجُو َههُ ْم وَأَدْبَا َرهُمْ } أي ‪ :‬كيف حالهم إذا جاءتهم‬
‫ثم قال ‪َ { :‬فكَ ْيفَ ِإذَا َت َوفّ ْتهُمُ ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫الملئكة لقبض أرواحهم وتعصت الرواح في أجسادهم ‪ ،‬واستخرجتها الملئكة بالعنف والقهر‬
‫ن وُجُو َههُ ْم وََأدْبَارَهُمْ }‬
‫والضرب ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلوْ تَرَى ِإذْ يَ َت َوفّى الّذِينَ َكفَرُوا ا ْلمَل ِئكَةُ َيضْرِبُو َ‬
‫غمَرَاتِ ا ْل َم ْوتِ وَا ْلمَلئِكَةُ بَاسِطُوا‬
‫الية [ النفال ‪ ، ] 50 :‬وقال ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ الظّاِلمُونَ فِي َ‬
‫سكُمُ الْ َيوْمَ ُتجْ َزوْنَ عَذَابَ ا ْلهُونِ ِبمَا كُنْتُمْ َتقُولُونَ عَلَى اللّهِ‬
‫أَيْدِيهِمْ } أي ‪ :‬بالضرب { أَخْ ِرجُوا أَ ْنفُ َ‬
‫ق َوكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ َتسْ َتكْبِرُونَ } [ النعام ‪ ] 93 :‬؛ ولهذا قال ها هنا ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمُ اتّ َبعُوا‬
‫غَيْرَ ا ْلحَ ّ‬
‫عمَاَلهُمْ }‬
‫ضوَانَهُ فَأَحْ َبطَ أَ ْ‬
‫سخَطَ اللّ َه َوكَرِهُوا ِر ْ‬
‫مَا أَ ْ‬
‫ضغَا َنهُمْ (‪} )29‬‬
‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَنْ لَنْ ُيخْرِجَ اللّهُ َأ ْ‬
‫حِ‬‫{ َأمْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫( ‪)7/321‬‬

‫عمَاَلكُمْ (‪ )30‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ‬


‫ل وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ‬
‫وََلوْ َنشَاءُ لَأَرَيْنَا َكهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَ َتعْ ِرفَنّهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َقوْ ِ‬
‫ن وَنَبُْلوَ َأخْبَا َركُمْ (‪)31‬‬
‫حَتّى َنعْلَمَ ا ْلمُجَا ِهدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِي َ‬

‫عمَاَلكُمْ (‪)30‬‬
‫{ وََلوْ نَشَاءُ لرَيْنَاكَهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُمْ بِسِيمَا ُه ْم وَلَ َتعْ ِرفَ ّنهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َق ْولِ وَاللّهُ َيعْلَمُ أَ ْ‬
‫ن وَنَبُْلوَ َأخْبَا َركُمْ (‪.} )31‬‬
‫وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ حَتّى َنعْلَمَ ا ْلمُجَا ِهدِينَ مِ ْنكُ ْم وَالصّابِرِي َ‬
‫ضغَا َنهُمْ } أي ‪ :‬اعتقد (‪)1‬‬
‫سبَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ أَنْ لَنْ ُيخْرِجَ اللّهُ َأ ْ‬
‫حِ‬‫يقول تعالى ‪َ { :‬أمْ َ‬
‫المنافقون أن ال ل يكشف أمرهم لعباده المؤمنين ؟ بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم (‪)2‬‬
‫ذوو البصائر ‪ ،‬وقد أنزل تعالى في ذلك سورة "براءة" ‪ ،‬فبين فيها فضائحهم وما يعتمدونه من‬
‫الفعال الدالة على نفاقهم ؛ ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة‪ .‬والضغان ‪ :‬جمع ضغن ‪ ،‬وهو ما‬
‫في النفوس من الحسد والحقد للسلم وأهله والقائمين بنصره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ نَشَاءُ لرَيْنَاكَهُمْ فََلعَ َرفْ َتهُمْ بِسِيمَاهُمْ } يقول تعالى ‪ :‬ولو نشاء يا محمد لريناك‬
‫أشخاصهم ‪ ،‬فعرفتهم (‪ )3‬عيانا ‪ ،‬ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين سترا منه على خلقه‬
‫‪ ،‬وحمل للمور على ظاهر السلمة ‪ ،‬ورد السرائر إلى عالمها ‪ { ،‬وَلَ َتعْ ِرفَنّهُمْ فِي َلحْنِ ا ْل َقوْلِ }‬
‫أي ‪ :‬فيما يبدو من كلمهم الدال على مقاصدهم ‪ ،‬يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلمه‬
‫وفحواه ‪ ،‬وهو المراد من لحن القول ‪ ،‬كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫ما أسر أحد سريرة إل أبداها ال على صفحات وجهه ‪ ،‬وفلتات لسانه‪ .‬وفي الحديث ‪" :‬ما أسر‬
‫أحد سريرة إل كساه ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أيعتقد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يفهمه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬تعرفهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/321‬‬

‫إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَشَاقّوا الرّسُولَ مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َل ُهمُ ا ْلهُدَى لَنْ َيضُرّوا اللّهَ‬
‫عمَاَلكُمْ (‬
‫طلُوا أَ ْ‬
‫ل وَلَا تُبْ ِ‬
‫عمَاَل ُهمْ (‪ )32‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا َأطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُو َ‬
‫شَيْئًا وَسَ ُيحْبِطُ أَ ْ‬
‫‪ )33‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ مَاتُوا وَ ُهمْ ُكفّارٌ فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ (‪ )34‬فَلَا َتهِنُوا‬
‫عمَاَلكُمْ (‪)35‬‬
‫ن وَاللّهُ َم َعكُ ْم وَلَنْ يَتِ َركُمْ أَ ْ‬
‫وَتَدْعُوا إِلَى السّ ْل ِم وَأَنْتُمُ الْأَعَْلوْ َ‬
‫جلبابها ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرّا فشر" (‪ .)1‬وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل ‪ ،‬وتكلمنا‬
‫على نفاق العمل والعتقاد (‪ )2‬في أول "شرح البخاري" ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته ها هنا‪ .‬وقد ورد‬
‫في الحديث تعيين جماعة من المنافقين‪ .‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن سلمة ‪ ،‬عن عياض بن عياض ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي مسعود عقبة‬
‫بن عمرو ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم خطبة فحمد ال وأثنى‬
‫عليه ثم قال ‪" :‬إن منكم (‪ )3‬منافقين ‪ ،‬فمن سميت فليقم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬قم يا فلن ‪ ،‬قم يا فلن ‪ ،‬قم يا‬
‫فلن"‪ .‬حتى سمى ستة وثلثين رجل ثم قال ‪" :‬إن فيكم ‪ -‬أو ‪ :‬منكم (‪ - )4‬فاتقوا ال"‪ .‬قال ‪ :‬فمر‬
‫عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ فحدثه بما قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬بعدًا لك سائر اليوم (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَنَبُْلوَ ّنكُمْ } أي ‪ :‬ولنختبرنكم بالوامر والنواهي ‪ { ،‬حَتّى َنعَْلمَ ا ْلمُجَاهِدِينَ مِ ْنكُمْ‬
‫وَالصّابِرِينَ وَنَبُْلوَ َأخْبَا َركُمْ }‪ .‬وليس في تقدم علم ال تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ول‬
‫ريب ‪ ،‬فالمراد ‪ :‬حتى نعلم وقوعه ؛ ولهذا يقول ابن عباس في مثل هذا ‪ :‬إل لنعلم ‪ ،‬أي ‪ :‬لنرى‪.‬‬
‫{ إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّ ِه وَشَاقّوا الرّسُولَ مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُمُ ا ْل ُهدَى لَنْ َيضُرّوا‬
‫طلُوا‬
‫عمَاَلهُمْ (‪ )32‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَل تُبْ ِ‬
‫اللّهَ شَيْئًا وَسَيُحْ ِبطُ أَ ْ‬
‫عمَاَلكُمْ (‪ )33‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ُثمّ مَاتُوا وَهُمْ ُكفّارٌ فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ (‪)34‬‬
‫أَ ْ‬
‫عمَاَل ُكمْ (‪.} )35‬‬
‫فَل َتهِنُوا وَ َتدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ العَْلوْنَ وَاللّهُ َم َعكُ ْم وَلَنْ يَتِ َركُمْ أَ ْ‬
‫يخبر تعالى عمن كفر وصد عن سبيل ال ‪ ،‬وخالف الرسول وشاقه ‪ ،‬وارتد عن اليمان من بعد‬
‫ما تبين له الهدى ‪ :‬أنه لن يضر ال شيئًا ‪ ،‬وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها ‪ ،‬وسيحبط ال‬
‫عمله فل يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من خير ‪ ،‬بل يحبطه‬
‫ويمحقه بالكلية ‪ ،‬كما أن الحسنات يذهبن السيئات‪.‬‬
‫وقد قال المام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلة ‪ :‬حدثنا أبو قدامة ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية قال ‪ )6( :‬كان أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يظنون أنه ل يضر مع "ل إله إل ال" ذنب ‪ ،‬كما ل ينفع مع الشرك عمل ‪،‬‬
‫عمَاَلكُمْ } ‪ k‬فخافوا أن يبطل الذنب العمل‪.‬‬
‫فنزلت ‪َ { :‬أطِيعُوا اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ وَل تُبْطِلُوا أَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سيأتي تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 29 :‬من سورة الفتح‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬النفاق العملي والعتقادي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فيكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ومنكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/273‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/112‬فيه عياض بن أبي عياض عن أبيه‬
‫ولم أر من ترجمهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬روى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)7/322‬‬

‫ب وََل ْهوٌ وَإِنْ ُت ْؤمِنُوا وَتَتّقُوا ُيؤْ ِتكُمْ ُأجُو َركُمْ وَلَا يَسْأَ ْلكُمْ َأ ْموَاَلكُمْ (‪ )36‬إِنْ‬
‫إِ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬
‫عوْنَ لِتُ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َفمِ ْنكُمْ‬
‫ضغَا َنكُمْ (‪ )37‬هَا أَنْتُمْ َهؤُلَاءِ تُدْ َ‬
‫ح ِفكُمْ تَ ْبخَلُوا وَيُخْرِجْ َأ ْ‬
‫يَسْأَ ْل ُكمُوهَا فَيُ ْ‬
‫ي وَأَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَا ُء وَإِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ‬
‫س ِه وَاللّهُ ا ْلغَ ِن ّ‬
‫خلُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫خلْ فَإِ ّنمَا يَبْ َ‬
‫ل َومَنْ يَبْ َ‬
‫خُ‬‫مَنْ يَبْ َ‬
‫ثُمّ لَا َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ (‪)38‬‬

‫ثم روي من طريق عبد ال بن المبارك ‪ :‬أخبرني بكير بن معروف ‪ ،‬عن مقاتل بن حيان ‪ ،‬عن‬
‫نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كنا معشر أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم نرى أنه ليس شيء‬
‫عمَاَلكُمْ } ‪،‬‬
‫من الحسنات إل مقبول ‪ ،‬حتى نزلت ‪َ { :‬أطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَل تُبْطِلُوا أَ ْ‬
‫فقلنا ‪ :‬ما هذا الذي يبطل أعمالنا ؟ فقلنا ‪ :‬الكبائر الموجبات والفواحش ‪ ،‬حتى نزلت ‪ { :‬إِنّ اللّ َه ل‬
‫َي ْغفِرُ أَنْ ُيشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ } [ النساء ‪ ، ] 48 :‬فلما نزلت كففنا عن القول‬
‫في ذلك ‪ ،‬فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش ‪ ،‬ونرجو لمن لم يصيبها (‪.)1‬‬
‫ثم أمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والخرة ‪ ،‬ونهاهم‬
‫عمَاَلكُمْ } أي ‪ :‬بالردة ؛ ولهذا‬
‫عن الرتداد الذي هو مبطل للعمال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل تُ ْبطِلُوا أَ ْ‬
‫قال بعدها ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ ثُمّ مَاتُوا وَ ُهمْ ُكفّارٌ فَلَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ } ‪،‬‬
‫كقوله { إِنّ اللّهَ ل َيغْفِرُ أَنْ ُيشْ َركَ بِ ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَِلكَ ِلمَنْ َيشَاءُ } الية‪.‬‬
‫ثم قال لعباده المؤمنين ‪ { :‬فَل َتهِنُوا } أي ‪ :‬ل تضعفوا عن العداء ‪ { ،‬وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ } أي ‪:‬‬
‫عدَدِكم وعُدَ ِدكُمْ ؛‬
‫المهادنة والمسالمة ‪ ،‬ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة َ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬فَل َتهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْ ِم وَأَنْتُمُ العْلَوْنَ } أي ‪ :‬في حال علوكم على عدوكم ‪،‬‬
‫فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة (‪ )2‬بالنسبة إلى جميع المسلمين ‪ ،‬ورأى المام في المعاهدة‬
‫والمهادنة مصلحة ‪ ،‬فله أن يفعل ذلك ‪ ،‬كما فعل رسول ال صلى ال عليه وسلم حين صده كفار‬
‫قريش عن مكة ‪ ،‬ودعوه إلى الصلح ووضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين ‪ ،‬فأجابهم إلى ذلك‪.‬‬
‫عمَاَلكُمْ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ َم َعكُمْ } فيه بشارة عظيمة بالنصر والظفر على العداء ‪ { ،‬وَلَنْ يَتِ َركُمْ أَ ْ‬
‫أي ‪ :‬ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها ‪ ،‬بل يوفيكم ثوابها ول ينقصكم منها شيئا‪.‬‬
‫{ إِ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِعبٌ وََلهْ ٌو وَإِنْ ُت ْؤمِنُوا وَتَ ّتقُوا ُيؤْ ِتكُمْ أُجُو َركُ ْم وَل يَسْأَ ْلكُمْ َأ ْموَاَلكُمْ (‪ )36‬إِنْ‬
‫عوْنَ لِتُ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َفمِ ْنكُمْ‬
‫ضغَا َنكُمْ (‪ )37‬هَا أَنْتُمْ َهؤُلءِ ُتدْ َ‬
‫ح ِفكُمْ تَ ْبخَلُوا وَيُخْرِجْ َأ ْ‬
‫يَسْأَ ْل ُكمُوهَا فَيُ ْ‬
‫ي وَأَنْتُمُ ا ْل ُفقَرَا ُء وَإِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ‬
‫س ِه وَاللّهُ ا ْلغَ ِن ّ‬
‫خلُ عَنْ َنفْ ِ‬
‫خلْ فَإِ ّنمَا يَبْ َ‬
‫ل َومَنْ يَبْ َ‬
‫خُ‬‫مَنْ يَبْ َ‬
‫ثُمّ ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ (‪.} )38‬‬
‫ب وََلهْوٌ } أي ‪ :‬حاصلها ذلك‬
‫يقول تعالى تحقيرًا لمر الدنيا وتهوينا لشأنها ‪ { :‬إِ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬
‫إل ما كان منها ل عز وجل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِنْ ُت ْؤمِنُوا وَتَتّقُوا ُيؤْ ِتكُمْ أُجُو َركُ ْم وَل يَسْأَ ْل ُكمْ َأ ْموَاَلكُمْ‬
‫} أي ‪ :‬هو غني عنكم ل يطلب منكم شيئا ‪ ،‬وإنما فرض عليكم الصدقات من الموال مواساة‬
‫لخوانكم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تعظيم قدر الصلة للمروزي برقم (‪.)699 ، 698‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فئة كثيرة"‪.‬‬

‫( ‪)7/323‬‬

‫الفقراء ‪ ،‬ليعود نفع ذلك عليكم ‪ ،‬ويرجع ثوابه إليكم‪.‬‬


‫ضغَا َنكُمْ }‬
‫حفِكُمْ تَ ْبخَلُوا } أي ‪ :‬يحرجكم (‪ )1‬تبخلوا ‪ { :‬وَيُخْرِجْ َأ ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنْ يَسْأَ ْل ُكمُوهَا فَ ُي ْ‬
‫قال قتادة ‪" :‬قد علم ال أن في إخراج الموال إخراج الضغان"‪ .‬وصدق قتادة فإن المال محبوب ‪،‬‬
‫ول يصرف إل فيما هو أحب إلى الشخص منه‪.‬‬
‫خلُ } أي ‪ :‬ل يجيب إلى ذلك‬
‫عوْنَ لِتُ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ َفمِ ْنكُمْ مَنْ يَ ْب َ‬
‫وقوله ‪ { :‬هَاأَنْتُمْ َهؤُلءِ ُتدْ َ‬
‫خلُ عَنْ َنفْسِهِ } أي ‪ :‬إنما نقص نفسه من الجر ‪ ،‬وإنما يعود وبال ذلك‬
‫خلْ فَإِ ّنمَا يَ ْب َ‬
‫{ َومَنْ يَبْ َ‬
‫عليه ‪ { ،‬وَاللّهُ ا ْلغَنِيّ } أي ‪ :‬عن كل ما سواه ‪ ،‬وكل شيء فقير إليه دائما ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَأَنْتُمُ‬
‫ا ْلفُقَرَاءُ } أي ‪ :‬بالذات إليه‪ .‬فوصفه بالغنى وصف لزم له ‪ ،‬ووصف الخلق بالفقر وصف لزم‬
‫لهم ‪[ ،‬أي] (‪ )2‬ل ينفكون عنه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ تَ َتوَّلوْا } أي ‪ :‬عن طاعته واتباع شرعه (‪ { )3‬يَسْتَ ْب ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ ُثمّ ل َيكُونُوا‬
‫َأمْثَاَلكُمْ } أي ‪ :‬ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولوامره‪.‬‬
‫وقال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫مسلم بن خالد ‪ ،‬عن العلء بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ )5‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم تل هذه الية ‪ { :‬وَإِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَ ْب ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ ُثمّ ل َيكُونُوا‬
‫َأمْثَاَلكُمْ } ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال من هؤلء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم ل يكونوا أمثالنا ؟ قال ‪:‬‬
‫فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي ثم قال ‪" :‬هذا وقومه ‪ ،‬ولو كان الدين عند الثريا لتناوله‬
‫رجال من الفرس" (‪ )6‬تفرد به مسلم بن خالد الزنجي ‪ ،‬ورواه عنه غير واحد ‪ ،‬وقد تكلم فيه‬
‫بعض الئمة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة القتال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يحوجكم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬شرعته" وفي أ ‪" :‬شريعته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )26/43‬ومسلم بن خالد الزنجي ضعفه ابن معين وقال البخاري ‪ :‬منكر‬
‫الحديث لكنه لم ينفرد به ‪ ،‬فقد توبع ‪:‬‬
‫تابعه شيخ من أهل المدينة عن العلء بن عبد الرحمن عن أبيه به ‪ ،‬أخرجه الترمذي برقم (‬
‫‪ )3260‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب في إسناده مقال"‪.‬‬
‫تابعه عبد ال بن جعفر بن نجيح عن العلء عن أبيه به ‪ ،‬أخرجه الترمذي برقم (‪ )3261‬وعبد‬
‫ال بن جعفر والد على بن المديني ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/324‬‬

‫ك وَ َيهْدِ َيكَ‬
‫ك َومَا تَأَخّ َر وَيُ ِتمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي َ‬
‫إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَتْحًا مُبِينًا (‪ )1‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا (‪ )2‬وَيَ ْنصُ َركَ اللّهُ َنصْرًا عَزِيزًا (‪)3‬‬

‫تفسير سورة الفتح‬


‫وهي مكية‬
‫شعْبَة ‪ ،‬عن معاوية بن قرة قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن‬
‫قال المام أحمد (‪ )1‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫مغفل يقول ‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الفتح في مسيره سورة الفتح على راحلته‬
‫فرجّع فيها ‪ -‬قال معاوية ‪ :‬لول أني أكره أن يجتمع الناس علينا لحكيت لكم قراءته ‪ ،‬أخرجاه من‬
‫حديث شعبة به (‪.)2‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ك وَ َيهْدِ َيكَ‬
‫{ إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَ ْتحًا مُبِينًا (‪ )1‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِبكَ َومَا تََأخّ َر وَيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْي َ‬
‫صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا (‪ )2‬وَيَ ْنصُ َركَ اللّهُ َنصْرًا عَزِيزًا (‪.} )3‬‬
‫نزلت هذه السورة الكريمة لما رجع رسول ال صلى ال عليه وسلم من الحديبية في ذي القعدة من‬
‫سنة ست من الهجرة ‪ ،‬حين صده المشركون عن الوصول إلى المسجد الحرام ليقضي عمرته‬
‫فيه ‪ ،‬وحالوا بينه وبين ذلك ‪ ،‬ثم مالوا إلى المصالحة والمهادنة ‪ ،‬وأن يرجع عامه هذا ثم يأتي من‬
‫قابل ‪ ،‬فأجابهم إلى ذلك على تكره من جماعة من الصحابة ‪ ،‬منهم عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬كما سيأتي تفصيله في موضعه من تفسير هذه السورة إن شاء ال‪ .‬فلما نحر هديه حيث‬
‫أحصر ‪ ،‬ورجع ‪ ،‬أنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هذه السورة فيما كان من أمره وأمرهم ‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫الصلح فتحًا باعتبار ما فيه من المصلحة ‪ ،‬وما آل المر إليه ‪ ،‬كما روى عن ابن مسعود ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وغيره أنه قال ‪ :‬إنكم تعدون الفتح فتح مكة ‪ ،‬ونحن نعد الفتح صلح الحديبية‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬ما كنا نعد الفتح إل يوم الحديبية (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬البخاري ‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء قال‬
‫‪ :‬تعدون أنتم الفتح فتح مكة ‪ ،‬وقد كان فتح مكة فتحًا ‪ ،‬ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم‬
‫الحديبية ‪ ،‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم أربع عشرة مائة ‪ ،‬والحديبية بئر‪ .‬فنزحناها فلم‬
‫نترك فيها قطرة ‪ ،‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأتاها فجلس على شفيرها ‪ ،‬ثم دعا‬
‫بإناء من ماء فتوضأ ‪ ،‬ثم تمضمض ودعا ‪ ،‬ثم صبه فيها ‪ ،‬فتركناها غير بعيد ‪ ،‬ثم إنها أصدرتنا‬
‫ما شئنا نحن وركائبنا (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو نوح ‪ ،‬حدثنا مالك بن أنس ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه (‪ ، )6‬عن‬
‫عمر بن الخطاب قال ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر ‪ ،‬قال ‪ :‬فسألته عن شيء‬
‫‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬فلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى البخاري ومسلم والمام أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/24‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4835‬وصحيح مسلم برقم (‪.)794‬‬
‫(‪ )3‬رواه الطبري (‪.)26/44‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4150‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بإسناده"‪.‬‬

‫( ‪)7/325‬‬

‫يرد علي ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت لنفسي ‪ :‬ثكلتك أمك يا ابن الخطاب ‪ ،‬نزرت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ثلث مرات فلم يرد عليك ؟ قال ‪ :‬فركبت راحلتي فتقدمت مخافة أن يكون نزل في شيء ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فإذا أنا بمناد ينادي ‪ :‬يا عمر ‪ ،‬أين عمر ؟ قال ‪ :‬فرجعت وأنا أظن أنه نزل في شيء ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نزلت (‪ )1‬علي الليلة (‪ )2‬سورة هي أحب إلي من الدنيا وما‬
‫ك َومَا تَأَخّرَ }‪.‬‬
‫فيها ‪ { :‬إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَ ْتحًا مُبِينًا‪ .‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫ورواه البخاري ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي من طرق ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬رحمه ال (‪ ، )3‬وقال علي بن‬
‫المديني ‪ :‬هذا إسناد مديني [جيد] (‪ )4‬لم نجده إل عندهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال‬
‫ك َومَا تََأخّرَ }‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫مرجعه من الحديبية ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد أنزلت علي آية أحب إلي مما على‬
‫الرض" ‪ ،‬ثم قرأها عليهم النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬هنيئا مريئا يا نبي ال ‪ ،‬لقد بين‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ماذا يفعل بك ‪ ،‬فماذا يفعل بنا ؟ فنزلت عليه ‪ { :‬لِيُ ْد ِ‬
‫جَنّاتٍ } حتى بلغ ‪َ { :‬فوْزًا عَظِيمًا } [الفتح ‪ ، ]5 :‬أخرجاه في الصحيحين من رواية قتادة به (‪.)5‬‬
‫جمّعُ بن يعقوب ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت أبي‬
‫وقال (‪ )6‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن عيسى ‪ ،‬حدثنا مُ َ‬
‫يحدث عن عمه عبد الرحمن بن أبي يزيد النصاري عن عمه مجمع بن جارية النصاري ‪-‬‬
‫وكان أحد (‪ )7‬القراء الذين قرءوا القرآن ‪ -‬قال ‪ :‬شهدنا الحديبية فلما انصرفنا عنها إذا الناس‬
‫ينفرون الباعر ‪ ،‬فقال الناس بعضهم لبعض ‪ :‬ما للناس ؟ قالوا ‪ :‬أوحي إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فخرجنا مع الناس نوجف ‪ ،‬فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم على راحلته عند‬
‫كراع الغميم ‪ ،‬فاجتمع الناس عليه ‪ ،‬فقرأ عليهم ‪ { :‬إِنّا فَتَحْنَا َلكَ فَ ْتحًا مُبِينًا } ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال رجل‬
‫من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أي رسول ال ‪ ،‬وفتح هو ؟ قال ‪" :‬إي والذي نفس‬
‫محمد بيده ‪ ،‬إنه لفتح"‪ .‬فقسمت خيبر على أهل الحديبية لم يدخل معهم فيها أحد إل من شهد‬
‫الحديبية ‪ ،‬فقسمها رسول ال صلى ال عليه وسلم على ثمانية عشر سهما ‪ ،‬وكان الجيش ألفا‬
‫وخمسمائة فارس ‪ ،‬فأعطى الفارس سهمين ‪ ،‬وأعطى الراجل سهما‪.‬‬
‫رواه أبو داود في الجهاد عن محمد بن عيسى ‪ ،‬عن مجمع بن يعقوب ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫وقال (‪ )9‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن بزيع ‪ ،‬حدثنا أبو بحر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثنا‬
‫جامع بن شداد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي علقمة ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن مسعود يقول (‪: )10‬‬
‫لما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬نزل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬البارحة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/31‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4833‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3262‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)11499‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/197‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4148‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1786‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أحب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/420‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2736‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬عن ابن مسعود قال"‪.‬‬
‫( ‪)7/326‬‬

‫أقبلنا من الحديبية أعرسنا فنمنا ‪ ،‬فلم نستيقظ إل بالشمس قد طلعت ‪ ،‬فاستيقظنا ورسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم نائم ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلنا ‪" :‬امضوا" (‪ .)1‬فاستيقظ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فقال ‪:‬‬
‫"افعلوا ما كنتم تفعلون وكذلك [يفعل] (‪ )2‬من نام أو نسي"‪ .‬قال ‪ :‬وفقدنا ناقة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فطلبنها ‪ ،‬فوجدناها قد تعلق خطامها بشجرة ‪ ،‬فأتيته بها فركبها (‪ ، )3‬فبينا نحن نسير‬
‫إذ أتاه الوحي ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان إذا أتاه [الوحي] (‪ )4‬اشتد عليه ‪ ،‬فلما سري عنه أخبرنا أنه أنزل‬
‫عليه ‪ { :‬إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحًا مُبِينًا }‪.‬‬
‫وقد رواه أحمد وأبو داود ‪ ،‬والنسائي من غير وجه ‪ ،‬عن جامع بن شداد به (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان عن زياد بن علقة ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت المغيرة‬
‫بن شعبة (‪ )6‬يقول ‪ :‬كان النبي (‪ )7‬صلى ال عليه وسلم يصلي حتى ترم قدماه ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أليس‬
‫قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال ‪" :‬أفل أكون عبدًا شكورًا"‪.‬‬
‫أخرجاه (‪ )8‬وبقية الجماعة إل أبا داود من حديث زياد به (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هارون بن معروف ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني أبو صخر ‪ ،‬عن ابن‬
‫قسيط ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلى‬
‫قام حتى تتفطر رجله (‪.)10‬‬
‫فقالت له عائشة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أتصنع هذا وقد غفر لك ال ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال ‪:‬‬
‫"يا عائشة ‪ ،‬أفل أكون عبدا شكورا ؟"‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في الصحيح من رواية عبد ال بن وهب ‪ ،‬به (‪.)11‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عون الخراز ‪ -‬وكان ثقة بمكة ‪-‬‬
‫حدثنا محمد بن بشر (‪ )12‬حدثنا مسعر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قام رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حتى تورمت قدماه ‪ -‬أو قال ساقاه ‪ -‬فقيل له ‪ :‬أليس قد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك‬
‫وما تأخر ؟ قال ‪" :‬أفل أكون عبدًا شكورًا ؟" غريب من هذا الوجه (‪.)13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬انصتوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬فركب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )26/43‬والمسند (‪ )1/464‬وسنن أبي داود برقم (‪ )447‬والنسائي في السنن‬
‫الكبرى برقم (‪.)8853‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬أخرجه البخاري ومسلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/55‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4836‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2819‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )412‬وسنن النسائي (‪ )3/219‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1419‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ينفطر قدماه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪ )6/115‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2820‬‬
‫(‪ )12‬في ا ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )13‬ورواه أبو يعلى في المسند (‪ )5/280‬من طريق عبد ال بن عون الخراز به ‪ ،‬ورواه البزار‬
‫في مسنده برقم (‪" )2380‬كشف الستار" من طريق الحسين بن السود عن محمد بن بشر به ‪،‬‬
‫وقال البزار ‪" :‬ل نعلم أحدا حدث بهذا الحديث بهذا السناد إل الحسين بن بشر وعبد ال بن عون‬
‫الخزار ‪ ،‬وقد رواه غيرهما عن محمد بن بشر عن مسعر ‪ ،‬عن زياد بن علقة ‪ ،‬عن المغيرة بن‬
‫شعبةن وهو الصواب" فكلم المام البزار هنا موضح لقول الحافظ ابن كثير ‪" :‬غريب من هذا‬
‫الوجه"‪.‬‬

‫( ‪)7/327‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ‬


‫سكِينَةَ فِي قُلُوبِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَا ِنهِمْ وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬
‫ُهوَ الّذِي أَنْ َزلَ ال ّ‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا‬
‫حكِيمًا (‪ )4‬لِيُ ْد ِ‬
‫َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا َ‬
‫عظِيمًا (‪ )5‬وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَافِقَاتِ وَا ْلمُشْ ِركِينَ‬
‫وَ ُيكَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عِ ْندَ اللّهِ َفوْزًا َ‬
‫جهَنّمَ‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِ ْم وََلعَ َنهُ ْم وَأَ َ‬
‫غ ِ‬
‫سوْ ِء وَ َ‬
‫سوْءِ عَلَ ْي ِهمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫وَا ْلمُشْ ِركَاتِ الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ ال ّ‬
‫حكِيمًا (‪)7‬‬
‫ض َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫وَسَا َءتْ َمصِيرًا (‪ )6‬وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬

‫فقوله ‪ { :‬إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَتْحًا مُبِينًا } أي ‪ :‬بينا ظاهرا ‪ ،‬والمراد به صلح الحديبية فإنه حصل بسببه‬
‫خير جزيل ‪ ،‬وآمن الناس واجتمع بعضهم ببعض (‪ ، )1‬وتكلم المؤمن مع الكافر ‪ ،‬وانتشر العلم‬
‫النافع واليمان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِبكَ َومَا تََأخّرَ } ‪ :‬هذا من خصائصه ‪ -‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ -‬التي ل يشاركه فيها غيره‪ .‬وليس صحيح في ثواب العمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه‬
‫وما تأخر‪ .‬وهذا فيه تشريف عظيم لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهو ‪ -‬صلوات ال وسلمه‬
‫عليه ‪ -‬في جميع أموره على الطاعة والبر والستقامة التي لم ينلها بشر سواه ‪ ،‬ل من الولين‬
‫ول من الخرين ‪ ،‬وهو أكمل البشر على الطلق ‪ ،‬وسيدهم في الدنيا والخرة‪ .‬ولما كان أطوع‬
‫خلق ال ل ‪ ،‬وأكثرهم (‪ )2‬تعظيما لوامره (‪ )3‬ونواهيه‪ .‬قال حين بركت به الناقة ‪" :‬حبسها‬
‫حابس الفيل" ثم قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسألوني اليوم شيئا يعظمون به حرمات ال إل‬
‫أجبتهم إليها" (‪ )4‬فلما أطاع ال في ذلك وأجاب إلى الصلح ‪ ،‬قال ال له ‪ { :‬إِنّا فَ َتحْنَا َلكَ فَ ْتحًا‬
‫ك َومَا تَأَخّ َر وَيُتِمّ ِن ْعمَتَهُ عَلَ ْيكَ } أي ‪ :‬في الدنيا والخرة ‪،‬‬
‫مُبِينًا لِ َي ْغفِرَ َلكَ اللّهُ مَا َتقَدّمَ مِنْ ذَنْ ِب َ‬
‫ك صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا } أي ‪ :‬بما يشرعه لك من الشرع العظيم والدين القويم‪.‬‬
‫{ وَ َيهْدِ َي َ‬
‫{ وَيَ ْنصُ َركَ اللّهُ َنصْرًا عَزِيزًا } أي ‪ :‬بسبب خضوعك لمر ال يرفعك ال وينصرك على أعدائك‬
‫‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬وما زاد ال عبدا بعفو إل عزا ‪ ،‬وما تواضع أحد ل إل رفعه‬
‫ال" (‪ .)5‬وعن عمر بن الخطاب [رضي ال عنه] (‪ )6‬أنه قال ‪ :‬ما عاقبت ‪ -‬أي في الدنيا‬
‫والخرة ‪ -‬أحدا عصى ال تعالى فيك بمثل أن تطيع ال فيه‪.‬‬
‫س َموَاتِ‬
‫سكِي َنةَ فِي قُلُوبِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَا ِنهِ ْم وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬
‫{ ُهوَ الّذِي أَنزلَ ال ّ‬
‫ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫حكِيمًا (‪ )4‬لِ ُيدْ ِ‬
‫ض َوكَانَ اللّهُ عَلِيمًا َ‬
‫وَالرْ ِ‬
‫عظِيمًا (‪ )5‬وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَافِقَاتِ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا وَ ُيكَفّرَ عَ ْنهُمْ سَيّئَا ِتهِ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عِ ْندَ اللّهِ َفوْزًا َ‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِ ْم وََلعَ َنهُمْ‬
‫غ ِ‬
‫سوْ ِء وَ َ‬
‫سوْءِ عَلَ ْي ِهمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ ال ّ‬
‫وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫حكِيمًا (‪} )7‬‬
‫ض َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫جهَنّ َم وَسَا َءتْ َمصِيرًا (‪ )6‬وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬
‫وَأَعَدّ َلهُمْ َ‬
‫سكِينَةَ } أي ‪ :‬جعل الطمأنينة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعنه ‪ :‬الرحمة‪.‬‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَنزلَ ال ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الوقار في قلوب المؤمنين‪ .‬وهم الصحابة يوم الحديبية ‪ ،‬الذين استجابوا ل ولرسوله‬
‫وانقادوا لحكم ال ورسوله ‪ ،‬فلما اطمأنت قلوبهم لذلك ‪ ،‬واستقرت ‪ ،‬زادهم إيمانًا مع إيمانهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬بعضا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬وأشدهم"‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬لوامر ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)2732 ، 2731‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2588‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/328‬‬

‫إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )8‬لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ ُتعَزّرُوهُ وَ ُت َوقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً‬
‫وََأصِيلًا (‪)9‬‬
‫وقد استدل بها البخاري وغيره من الئمة على تفاضل اليمان في القلوب‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ } أي ‪:‬‬
‫ثم ذكر تعالى أنه لو شاء لنتصر من الكافرين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَلِلّهِ جُنُودُ ال ّ‬
‫ولو أرسل عليهم ملكا واحدا لباد خضراءهم ‪ ،‬ولكنه تعالى شرع لعباده المؤمنين الجهاد والقتال ‪،‬‬
‫لما له في ذلك من الحكمة البالغة والحجة القاطعة ‪ ،‬والبراهين الدامغة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وكَانَ اللّهُ‬
‫حكِيمًا }‬
‫عَلِيمًا َ‬
‫ن وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا } ‪ ،‬قد‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬لِ ُيدْ ِ‬
‫خلَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫تقدم حديث أنس ‪ :‬قالوا ‪ :‬هنيئا لك يا رسول ال ‪ ،‬هذا لك فما لنا ؟ فأنزل ال ‪ { :‬لِيُ ْد ِ‬
‫وَا ْل ُمؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدا‪ { .‬وَ ُيكَفّرَ عَ ْنهُمْ‬
‫سَيّئَا ِتهِمْ } أي ‪ :‬خطاياهم وذنوبهم ‪ ،‬فل يعاقبهم عليها ‪ ،‬بل يعفو ويصفح ويغفر ‪ ،‬ويستر ويرحم‬
‫خلَ الْجَنّةَ َفقَدْ‬
‫ويشكر ‪َ { ،‬وكَانَ َذِلكَ عِنْدَ اللّهِ َفوْزًا عَظِيمًا } ‪ ،‬كقوله { َفمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّا ِر وَأُ ْد ِ‬
‫فَا َز َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ } [آل عمرن ‪.]185 :‬‬
‫سوْءِ } أي ‪:‬‬
‫ن وَا ْلمُشْ ِركَاتِ الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُيعَ ّذبَ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَافِقَاتِ وَا ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫يتهمون ال في حكمه ‪ ،‬ويظنون بالرسول وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫جهَنّمَ‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ وََلعَنَهُمْ } أي ‪ :‬أبعدهم من رحمته { وَأَعَدّ َل ُهمْ َ‬
‫غ ِ‬
‫سوْ ِء وَ َ‬
‫{ عَلَ ْي ِهمْ دَائِ َرةُ ال ّ‬
‫وَسَا َءتْ َمصِيرًا }‪.‬‬
‫ثم قال مؤكدا لقدرته على النتقام من العداء ‪ -‬أعداء السلم من الكفرة والمنافقين ‪ { : -‬وَلِلّهِ‬
‫حكِيمًا }‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫جُنُودُ ال ّ‬
‫{ إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُبَشّرًا وَنَذِيرًا (‪ )8‬لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُوِل ِه وَ ُتعَزّرُو ُه وَ ُت َوقّرُو ُه وَتُسَبّحُوهُ ُبكْ َرةً‬
‫وََأصِيل (‪} )9‬‬

‫( ‪)7/329‬‬

‫إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ َفوْقَ أَ ْيدِيهِمْ َفمَنْ َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِهِ َومَنْ َأ ْوفَى‬
‫عظِيمًا (‪)10‬‬
‫ِبمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَ ُيؤْتِيهِ َأجْرًا َ‬

‫{ إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ َيدُ اللّهِ َفوْقَ أَيْدِي ِهمْ َفمَنْ َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِ ِه َومَنْ‬
‫َأ ْوفَى ِبمَا عَا َهدَ عَلَيْهُ اللّهَ َفسَ ُيؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (‪} )10‬‬
‫يقول تعالى لنبيه محمد ‪ -‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ { )1‬إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا } أي ‪ :‬على‬
‫الخلق ‪َ { ،‬ومُبَشّرًا } أي ‪ :‬للمؤمنين ‪ { ،‬وَنَذِيرًا } أي ‪ :‬للكافرين‪ .‬وقد تقدم تفسيرها في سورة‬
‫"الحزاب" (‪.)2‬‬
‫{ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُوِل ِه وَ ُتعَزّرُوهُ } ‪ ،‬قال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬يعظموه ‪ { ،‬وَ ُت َوقّرُوهُ } من‬
‫التوقير وهو الحترام والجلل والعظام ‪ { ،‬وَتُسَبّحُوهُ } أي ‪ :‬يسبحون ال ‪ُ { ،‬بكْ َر ًة وََأصِيل }‬
‫أي ‪ :‬أول النهار وآخره‪.‬‬
‫ثم قال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم تشريفا له وتعظيما وتكريما ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا‬
‫طعِ الرّسُولَ َفقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } [النساء ‪ { ، ]80 :‬يَدُ اللّهِ َفوْقَ أَ ْيدِيهِمْ }‬
‫يُبَا ِيعُونَ اللّهَ } كقوله { مَنْ يُ ِ‬
‫أي ‪ :‬هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ‪ ،‬ويعلم ضمائرهم وظواهرهم ‪ ،‬فهو تعالى هو‬
‫المبايع بواسطة رسوله‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬عند الية الخامسة والربعين‪.‬‬

‫( ‪)7/329‬‬

‫سهُ ْم وََأ ْموَاَلهُمْ بِأَنّ َل ُهمُ الْجَنّةَ ُيقَاتِلُونَ‬


‫صلى ال عليه وسلم كقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَ ْنفُ َ‬
‫ن َومَنْ َأ ْوفَى ِب َعهْ ِدهِ مِنَ‬
‫ل وَا ْلقُرْآ ِ‬
‫حقّا فِي ال ّتوْرَاةِ وَالنْجِي ِ‬
‫ن وَعْدًا عَلَيْهِ َ‬
‫فِي سَبِيلِ اللّهِ فَ َيقْتُلُونَ وَيُقْتَلُو َ‬
‫اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَ ْي ِعكُمُ الّذِي بَا َيعْتُمْ ِب ِه وَذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ } [التوبة ‪.]111 :‬‬
‫وقد قال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا الفضل بن يحيى النباري ‪ ،‬حدثنا‬
‫علي بن بكار ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من سل سيفه في سبيل ال ‪ ،‬فقد بايع ال" (‪.)2‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن المغيرة ‪ ،‬أخبرنا جرير ‪ ،‬عن عبد ال بن عثمان بن خثيم ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحجر ‪" :‬وال‬
‫ليبعثه ال يوم القيامة له عينان ينظر بهما ‪ ،‬ولسان ينطق ‪ ،‬به ويشهد على من استلمه بالحق ‪،‬‬
‫فمن استلمه فقد بايع ال" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ َيدُ اللّهِ َفوْقَ أَيْدِي ِهمْ } (‬
‫‪.)3‬‬
‫ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬فمَنْ َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِهِ } أي ‪ :‬إنما يعود وبال ذلك على الناكث ‪،‬‬
‫وال غني عنه ‪َ { ،‬ومَنْ َأ ْوفَى ِبمَا عَاهَدَ عَلَ ْيهُ اللّهَ فَسَ ُيؤْتِيهِ َأجْرًا عَظِيمًا } أي ‪ :‬ثوابًا جزيل‪ .‬وهذه‬
‫سمُر بالحديبية ‪ ،‬وكان الصحابة الذين بايعوا‬
‫البيعة هي بيعة الرضوان ‪ ،‬وكانت تحت شجرة َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ قيل ‪ :‬ألف وثلثمائة‪ .‬وقيل ‪ :‬أربعمائة‪ .‬وقيل ‪ :‬وخمسمائة‪.‬‬
‫والوسط (‪ )4‬أصح‪.‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة في ذلك ‪:‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كنا يوم الحديبية ألفا‬
‫وأربعمائة‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪ .)5‬وأخرجاه أيضا من حديث العمش ‪ ،‬عن سالم‬
‫بن أبي الجعد ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬كنا يومئذ ألفا وأربعمائة ‪ ،‬ووضع يده في ذلك الماء ‪ ،‬فنبع الماء‬
‫من بين أصابعه ‪ ،‬حتى رووا كلهم (‪.)6‬‬
‫وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية ‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أعطاهم سهما من كنانته ‪ ،‬فوضعوه في بئر الحديبية ‪ ،‬فجاشت بالماء ‪ ،‬حتى كفتهم ‪،‬‬
‫فقيل لجابر ‪ :‬كم كنتم يومئذ ؟ قال ‪ :‬كنا ألفا وأربعمائة ‪ ،‬ولو كنا مائة ألف لكفانا (‪ .)7‬وفي رواية‬
‫[في] (‪ )8‬الصحيحين عن جابر ‪ :‬أنهم كانوا خمس عشرة مائة (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه ابن مردويه كما في الجامع الصغير ‪ ،‬ورمز له السيوطي بالضعف‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )961‬من طريق قتيبة عن جرير بإسناده إلى قوله ‪" :‬يشهد‬
‫على من استلمه بالحق" ولم يذكر الية ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬والول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4840‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4154‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )7‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)5639‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )4152‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬

‫( ‪)7/330‬‬

‫وروى البخاري من حديث قتادة ‪ ،‬قلت لسعيد بن المسيب ‪ :‬كم كان الذين شهدوا بيعة الرضوان ؟‬
‫قال ‪ :‬خمس عشرة مائة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فإن جابر بن عبد ال ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬كانوا أربع عشرة مائة‪ .‬قال رحمه ال ‪:‬‬
‫وهم ‪ ،‬هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة (‪.)1‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬هذه الرواية تدل على أنه كان في القديم يقول ‪ :‬خمس عشرة مائة ‪ ،‬ثم ذكر الوهم‬
‫فقال ‪ :‬أربع عشرة مائة (‪.)2‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس ‪ :‬أنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين‪ .‬والمشهور الذي رواه‬
‫غير واحد عنه ‪ :‬أربع عشرة مائة ‪ ،‬وهذا هو الذي رواه البيهقي ‪ ،‬عن الحاكم ‪ ،‬عن الصم ‪ ،‬عن‬
‫العباس الدوري ‪ ،‬عن يحيى بن معين ‪ ،‬عن شبابة بن سوار ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن المسيب ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة ألفا وأربعمائة (‬
‫‪ .)3‬وكذلك هو في رواية سلمة بن الكوع ‪ ،‬ومعقل بن يسار ‪ ،‬والبراء بن عازب‪ .‬وبه يقول غير‬
‫واحد من أصحاب المغازي والسير‪ .‬وقد أخرج صاحبا الصحيح من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫مرة قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن أبي أوفى يقول ‪ :‬كان أصحاب الشجرة ألفا وأربعمائة ‪ ،‬وكانت أسلم‬
‫يومئذ ثمن المهاجرين (‪.)4‬‬
‫وروى محمد بن إسحاق في السيرة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن المسور بن‬
‫مخرمة ‪ ،‬ومروان بن الحكم ‪ ،‬أنهما حدثاه قال خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الحديبية‬
‫يريد زيارة البيت ‪ ،‬ل يريد قتال وساق معه الهدي سبعين بدنة ‪ ،‬وكان الناس سبعمائة رجل ‪ ،‬كل‬
‫بدنة عن عشرة نفر ‪ ،‬وكان جابر بن عبد ال فيما بلغني عنه يقول ‪ :‬كنا أصحاب الحديبية أربع‬
‫عشرة مائة (‪.)5‬‬
‫كذا قال ابن إسحاق وهو معدود من أوهامه ‪ ،‬فإن المحفوظ في الصحيحين أنهم كانوا بضع عشرة‬
‫مائة‪.‬‬
‫ذكر سبب هذه البيعة العظيمة ‪:‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة ‪ :‬ثم دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عمر بن‬
‫الخطاب ليبعثه إلى مكة ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني أخاف‬
‫قريشا على نفسي ‪ ،‬وليس بمكة من بني عدي بن كعب من يمنعني ‪ ،‬وقد عرفت قريش عداوتي‬
‫إياها ‪ ،‬وغلظي (‪ )6‬عليها ‪ ،‬ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ‪ ،‬عثمان بن عفان ‪ ،‬فبعثه إلى‬
‫أبي سفيان وأشراف قريش ‪ ،‬يخبرهم أنه لم يأت لحرب ‪ ،‬وأنه جاء زائرا لهذا البيت ومعظما‬
‫لحرمته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4153‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)4/97‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)4/98‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4155‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1857‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/308‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬غلظتي"‪.‬‬

‫( ‪)7/331‬‬

‫فخرج عثمان إلى مكة ‪ ،‬فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ‪ ،‬أو قبل أن يدخلها ‪،‬‬
‫فحمله بين يديه ‪ ،‬ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق عثمان حتى‬
‫أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )1‬ما أرسله به ‪،‬‬
‫فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم ‪ :‬إن شئت أن تطوف‬
‫بالبيت فطف‪ .‬فقال ‪ :‬ما كنت لفعل حتى يطوف به رسول صلى ال عليه وسلم‪ .‬واحتبسته قريش‬
‫عندها ‪ ،‬فبلغ رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬فحدثني عبد ال بن أبي بكر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال حين بلغه‬
‫أن عثمان قد قتل ‪" :‬ل نبرح حتى نناجز القوم"‪ .‬ودعا رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس إلى‬
‫البيعة‪ .‬فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ‪ ،‬فكان الناس يقولون ‪ :‬بايعهم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم على الموت‪ .‬وكان جابر بن عبد ال يقول ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم‬
‫يبايعهم على الموت ‪ ،‬ولكن بايعنا على أل نفر‪.‬‬
‫فبايع الناس ‪ ،‬ولم يتخلف أحد من المسلمين حضرها إل الجد بن قيس أخو بني سلمة ‪ ،‬فكان جابر‬
‫يقول ‪ :‬وال لكأني أنظر إليه لصقا بإبط ناقته ‪ ،‬قد ضبأ إليها يستتر بها من الناس ‪ ،‬ثم أتى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن الذي كان من أمر عثمان باطل‪)2( .‬‬
‫وذكر ابن لهيعة عن السود (‪ .)3‬عن عروة بن الزبير قريبا من هذا السياق ‪ ،‬وزاد في سياقه ‪:‬‬
‫أن قريشا بعثوا وعندهم عثمان [بن عفان] (‪ )4‬سهيل بن عمرو ‪ ،‬وحويطب بن عبد العزى ‪،‬‬
‫ومكرز بن حفص إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبينما هم عندهم إذ وقع كلم بين (‪)5‬‬
‫بعض المسلمين وبعض المشركين ‪ ،‬وتراموا بالنبل والحجارة ‪ ،‬وصاح الفريقان كلهما ‪ ،‬وارتهن‬
‫كل من الفريقين من عنده من الرسل ‪ ،‬ونادى منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أل إن‬
‫روح القدس قد نزل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأمر بالبيعة ‪ ،‬فاخرجوا على اسم ال‬
‫فبايعوا ‪ ،‬فسار المسلمون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو تحت الشجرة فبايعوه على أل‬
‫يفروا أبدا ‪ ،‬فأرعب ذلك المشركين (‪ ، )6‬وأرسلوا من كان عندهم من المسلمين ‪ ،‬ودعوا إلى‬
‫الموادعة والصلح‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ‪،‬‬
‫حدثنا تمتام (‪ ، )7‬حدثنا الحسن بن بشر (‪ ، )8‬حدثنا الحكم بن عبد الملك ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس (‬
‫‪ )9‬بن مالك قال ‪ :‬لما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان‬
‫[رضي ال عنه] (‪ )10‬رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى أهل مكة ‪ ،‬فبايع الناس ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم إن عثمان في حاجة ال وحاجة رسوله"‪ .‬فضرب بإحدى‬
‫يديه على الخرى ‪ ،‬فكانت يد رسول ال صلى ال عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لنفسهم (‬
‫‪.)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/315‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أبي السود"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬المشركون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪ ،‬م ‪" :‬هشام"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى البيهقي بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )11‬لم أجده في دلئل النبوة ولعله في غيره‪.‬‬

‫( ‪)7/332‬‬

‫قال ابن هشام (‪ : )1‬حدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ‪ ،‬عن أبي مليكة (‪ ، )2‬عن ابن عمر‬
‫قال ‪ :‬بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم لعثمان ‪ ،‬فضرب بإحدى يديه على الخرى‪.‬‬
‫وقال عبد الملك بن هشام النحوي ‪ :‬فذكر وكيع ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ :‬أن‬
‫أول من بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان السدي (‪.)3‬‬
‫وقال أبو بكر عبد ال بن الزبير الحميدي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا ابن أبي خالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬لما دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس إلى البيعة ‪ ،‬كان أول من انتهى إليه أبو سنان‬
‫[السدي رضي ال عنه] (‪ ، )4‬فقال ‪ :‬ابسط يدك أبايعك‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬علم‬
‫تبايعني ؟"‪ .‬فقال أبو سنان ‪ :‬على ما في نفسك‪ .‬هذا أبو سنان [بن] (‪ )5‬وهب السدي [رضي ال‬
‫عنه] (‪.)7( )6‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا شجاع بن الوليد ‪ ،‬سمع النضر بن محمد ‪ :‬حدثنا صخر [بن الربيع] (‪، )8‬‬
‫عن نافع ‪ ،‬قال ‪ :‬إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬ولكن عمر يوم‬
‫الحديبية أرسل عبد ال إلى الفرس له عند رجل من النصار أن يأتي به ليقاتل عليه ‪ ،‬ورسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يبايع عند الشجرة ‪ ،‬وعمر ل يدري بذلك ‪ ،‬فبايعه عبد ال ‪ ،‬ثم ذهب إلى‬
‫الفرس فجاء به إلى عمر ‪ ،‬وعمر يستلئم للقتال ‪ ،‬فأخبره أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يبايع‬
‫تحت الشجرة ‪ ،‬فانطلق ‪ ،‬فذهب معه حتى بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهي التي‬
‫يتحدث الناس أن ابن عمر (‪ )9‬أسلم قبل عمر‪.‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬وقال هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا عمر بن محمد العمري ‪،‬‬
‫أخبرني نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬أن الناس كانوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم الحديبية قد‬
‫تفرقوا في ظلل الشجر ‪ ،‬فإذا الناس محدقون بالنبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ -‬يعني عمر ‪: -‬‬
‫يا عبد ال ‪ ،‬انظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فوجدهم يبايعون ‪،‬‬
‫فبايع ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع‪.‬‬
‫وقد أسنده البيهقي عن أبي (‪ )10‬عمرو الديب ‪ ،‬عن أبي بكر السماعيلي ‪ ،‬عن الحسن بن سفيان‬
‫‪ ،‬عن دحيم ‪ :‬حدثني الوليد بن مسلم فذكره (‪.)11‬‬
‫وقال الليث ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فبايعناه ‪ ،‬وعمر‬
‫آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة ‪ ،‬وقال ‪ :‬بايعناه على أل نفر ‪ ،‬ولم نبايعه على الموت‪ .‬رواه‬
‫مسلم عن قتيبة عنه (‪.)12‬‬
‫وروى مسلم عن يحيى بن يحيى ‪ ،‬عن يزيد بن زريع ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن الحكم بن عبد ال بن‬
‫العرج ‪ ،‬عن معقل بن يسار ‪ ،‬قال ‪ :‬لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى ال عليه وسلم يبايع‬
‫الناس (‪ ، )13‬وأنا رافع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬شهاب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن أبي بكر بن أبي مليكة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬السيرة النبوية (‪.)2/316‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه البيهقي في دلئل النبوة (‪ )4/137‬من طريق الحميدي به‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عبد ال بن عمر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬صحيح البخاري برقم (‪.)4187‬‬
‫(‪ )12‬صحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )13‬في م ‪" :‬والناس يبايعون النبي"‪.‬‬

‫( ‪)7/333‬‬

‫غصنا من أغصانها عن رأسه ‪ ،‬ونحن أربع عشرة مائة ‪ ،‬قال ‪ :‬ولم نبايعه على الموت ‪ ،‬ولكن‬
‫بايعناه على أل نفر (‪.)1‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا المكي بن إبراهيم ‪ ،‬عن يزيد بن أبي عبيد ‪ ،‬عن سلمة بن الكوع ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫بايعت رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة‪ .‬قال يزيد ‪ :‬قلت ‪ :‬يا أبا مسلم (‪ ، )2‬على أي‬
‫شيء كنتم تبايعون يومئذ ؟ قال ‪ :‬على الموت (‪.)3‬‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا يزيد بن أبي عبيد عن سلمة ‪ ،‬قال ‪ :‬بايعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يوم الحديبية ثم تنحيت ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا سلمة أل تبايع ؟" قلت ‪ :‬بايعت ‪ ،‬قال‬
‫‪" :‬أقبل فبايع"‪ .‬فدنوت فبايعته‪ .‬قلت ‪ :‬علم بايعته يا سلمة ؟ قال ‪ :‬على الموت‪ .‬وأخرجه مسلم من‬
‫وجه آخر عن يزيد بن أبي عبيد (‪ .)4‬وكذا روى البخاري عن عباد بن تميم ‪ ،‬أنهم بايعوه على‬
‫الموت (‪.)5‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو الفضل بن إبراهم ‪ ،‬حدثنا أحمد بن سلمة ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن إبراهم ‪ ،‬حدثنا أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار‬
‫اليمامي ‪ ،‬عن إياس بن سلمة ‪ ،‬عن أبيه سلمة (‪ )6‬بن الكوع قال ‪ :‬قدمنا الحديبية مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة ‪ ،‬وعليها خمسون شاة ل ترويها ‪ ،‬فقعد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على جباها ‪ -‬يعني الركي ‪ -‬فإما دعا وإما بصق فيها ‪ ،‬فجاشت ‪ ،‬فسقينا‬
‫واستقينا‪ .‬قال ‪ :‬ثم إن رسول ال صلى ال عليه وسلم دعا إلى البيعة في أصل الشجرة‪ .‬فبايعته‬
‫أول الناس ‪ ،‬ثم بايع وبايع ‪ ،‬حتى إذا كان في وسط الناس قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بايعني يا‬
‫سلمة"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد بايعتك في أول الناس‪ .‬قال ‪" :‬وأيضا"‪ .‬قال ‪ :‬ورآني رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عزل فأعطاني حجفة ‪ -‬أو درقة ‪ -‬ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل تبايع يا سلمة ؟" قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد بايعتك (‪ )7‬في‬
‫أول الناس وأوسطهم‪ .‬قال ‪" :‬وأيضا"‪ .‬فبايعته الثالثة ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا سلمة ‪ ،‬أين حجفتك أو درقتك‬
‫التي أعطيتك ؟"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬لقيني عامر عزل فأعطيتها إياه ‪ :‬فضحك رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ثم قال ‪" :‬إنك كالذي قال الول ‪ :‬اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي"‬
‫قال ‪ :‬ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا في الصلح حتى مشى بعضنا في بعض فاصطلحنا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكنت خادما لطلحة بن عبيد ال ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أسقي فرسه وأحسه (‪ )8‬وآكل من‬
‫طعامه ‪ ،‬وتركت أهلي ومالي مهاجرا إلى ال ورسوله‪ .‬فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة ‪ ،‬واختلط‬
‫بعضنا ببعض ‪ ،‬أتيت شجرة فكسحت شوكها ‪ ،‬ثم اضطجعت (‪ )9‬في أصلها في ظلها ‪ ،‬فأتاني‬
‫أربعة من مشركي أهل مكة ‪ ،‬فجعلوا يقعون في رسول ال صلى ال عليه وسلم فأبغضتهم ‪،‬‬
‫وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلحهم واضطجعوا ‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل‬
‫الوادي ‪ :‬يا للمهاجرين ‪ ،‬قتل ابن زنيم‪ .‬فاخترطت سيفي ‪ ،‬فشددت على أولئك الربعة وهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)1858‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مسلمة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)2960‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)1860‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)2959‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وقال البيهقي بسنده عن سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬بايعت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وأجنبه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في تن م ‪ ،‬أ ‪" :‬واضطجعت"‪.‬‬

‫( ‪)7/334‬‬

‫رقود ‪ ،‬فأخذت سلحهم وجعلته ضغثا في يدي ‪ ،‬ثم قلت (‪ : )1‬والذي كرم وجه محمد صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ل يرفع أحد منكم رأسه إل ضربت الذي فيه عيناه ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم جئت بهم أسوقهم إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬وجاء عمي عامر برجل من العَبَلت يقال له ‪" :‬مكرز"‬
‫من المشركين يقوده ‪ ،‬حتى وقفنا بهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم في سبعين من‬
‫المشركين ‪ ،‬فنظر إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال ‪" :‬دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه"‬
‫‪ ،‬فعفا عنهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأنزل ال [عز وجل] (‪ { : )2‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ‬
‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ } الية [الفتح ‪.]24 :‬‬
‫أَيْدِ َيهُمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْنهُمْ بِ َبطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ أَ ْ‬
‫وهكذا رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه بسنده نحوه ‪ ،‬أو قريبا منه (‪.)3‬‬
‫وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة ‪ ،‬عن طارق ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أبي‬
‫ممن بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقنا من قابل حاجين ‪ ،‬فخفي‬
‫علينا مكانها ‪ ،‬فإن كان تبينت لكم ‪ ،‬فأنتم أعلم (‪.)4‬‬
‫وقال أبو بكر الحميدي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو الزبير ‪ ،‬حدثنا (‪ )5‬جابر ‪ ،‬قال ‪ :‬لما دعا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس إلى البيعة ‪ ،‬وجدنا رجل منا يقال له "الجد بن قيس" مختبئا‬
‫تحت إبط بعيره"‪.‬‬
‫رواه مسلم من حديث ابن جريج ‪ ،‬عن ابن الزبير ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال الحميدي أيضا ‪ :‬حدثنا سفيان (‪ ، )7‬عن عمرو ‪ ،‬سمع جابرا ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا يوم الحديبية ألفا‬
‫وأربعمائة ‪ ،‬فقال لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم "أنتم خير أهل الرض اليوم"‪ .‬قال جابر ‪ :‬لو‬
‫كنت أبصر (‪ )8‬لريتكم موضع الشجرة‪ .‬قال سفيان ‪ :‬إنهم اختلفوا في موضعها‪ .‬أخرجاه من‬
‫حديث سفيان (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا الليث‪ .‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة" (‪.)10‬‬
‫وقال (‪ )11‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن هارون الفلس المخرمي ‪ ،‬حدثنا سعد بن عمرو‬
‫الشعثي ‪ ،‬حدثنا محمد بن ثابت العبدي ‪ ،‬عن خداش بن عياش ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يدخل من بايع تحت الشجرة كلهم الجنة إل صاحب‬
‫الجمل الحمر"‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬تعال فبايع‪ .‬فقال ‪ :‬أصيب‬
‫بعيري أحب إلي من أن أبايع (‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في تن م ‪" :‬وقلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ ، )4/138‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1807‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4164‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1859‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند الحميدي (‪ )2/537‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وفي الصحيحين من حديث سفيان"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬انظر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسند الحميدي (‪ )2/514‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4154‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1856‬‬
‫(‪ )10‬المسند (‪.)3/350‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬وفي إسناده محمد بن ثابت العبدي ‪ ،‬ضعفه ابن معين وشيخه خداش بن عياش وثقه ابن‬
‫حبان ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬ل نعرف خداشا هذا من هو"‪.‬‬

‫( ‪)7/335‬‬

‫شغَلَتْنَا َأ ْموَالُنَا وَأَ ْهلُونَا فَاسْ َتغْفِرْ لَنَا َيقُولُونَ بَِألْسِنَ ِتهِمْ مَا لَ ْيسَ فِي‬
‫سَ َيقُولُ َلكَ ا ْل ُمخَّلفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ َ‬
‫قُلُو ِبهِمْ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ َل ُكمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ ِبكُمْ ضَرّا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َنفْعًا َبلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫ل وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِي ِهمْ أَبَدًا وَزُيّنَ ذَِلكَ فِي قُلُو ِبكُمْ‬
‫خَبِيرًا (‪َ )11‬بلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْنقَلِبَ الرّسُو ُ‬
‫سعِيرًا‬
‫سوْ ِء َوكُنْتُمْ َق ْومًا بُورًا (‪َ )12‬ومَنْ لَمْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ فَإِنّا أَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫وَظَنَنْتُمْ ظَنّ ال ّ‬
‫غفُورًا رَحِيمًا (‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ َي ْغفِرُ ِلمَنْ َيشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ يَشَا ُء َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫(‪ )13‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫‪)14‬‬

‫وقال عبد ال بن أحمد ‪ :‬حدثنا عبيد ال بن معاذ ‪ ،‬حدثنا أبي حدثنا قرة ‪ ،‬عن أبي الزبير (‪، )1‬‬
‫عن جابر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬من يصعد الثنية ‪ ،‬ثنية المرار ‪ ،‬فإنه يحط‬
‫عنه ما حط عن بني إسرائيل"‪ .‬فكان أول من صعد خيل بني (‪ )2‬الخزرج ‪ ،‬ثم تبادر الناس بعد ‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كلكم مغفور له إل صاحب الجمل الحمر"‪ .‬فقلنا ‪ :‬تعال‬
‫يستغفر لك رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ .)3‬فقال ‪ :‬وال لن أجد ضالتي أحب إلي من أن‬
‫يستغفر لي صاحبكم‪ .‬فإذا هو رجل ينشد ضالة (‪ .)4‬رواه مسلم عن عبيد ال ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬أخبرني أبو الزبير ‪ ،‬أنه سمع جابرا يقول ‪ :‬أخبرتني أم مبشر أنها سمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول عند حفصة ‪" :‬ل يدخل النار ‪ -‬إن شاء ال ‪ -‬من أصحاب‬
‫الشجرة الذين بايعوا تحتها أحد"‪ .‬قالت ‪ :‬بلى يا رسول ال‪ .‬فانتهرها ‪ ،‬فقالت لحفصة ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫مِ ْنكُمْ إِل وَارِدُهَا } [مريم ‪ ، ]71 :‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قد قال ال ‪ُ { :‬ثمّ نُنَجّي الّذِينَ‬
‫ا ّتقَوْا وَنَذَرُ الظّاِلمِينَ فِيهَا جِثِيّا } [مريم ‪ ، ]72 :‬رواه مسلم (‪.)6‬‬
‫وفيه أيضا عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ؛ أن عبدًا لحاطب بن أبي بلتعة‬
‫جاء يشكو حاطبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ليدخلن حاطب النار ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬كذبت ‪ ،‬ل يدخلها ؛ فإنه قد شهد بدرا والحديبية" (‪.)7‬‬
‫ولهذا قال تعالى في الثناء عليهم ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُبَا ِيعُو َنكَ إِ ّنمَا يُبَا ِيعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ َفوْقَ أَيْدِيهِمْ َفمَنْ‬
‫َن َكثَ فَإِ ّنمَا يَ ْن ُكثُ عَلَى َنفْسِ ِه َومَنْ َأ ْوفَى ِبمَا عَا َهدَ عَلَيْهُ اللّهَ َفسَ ُيؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح ‪، ]10 :‬‬
‫حتَ الشّجَ َرةِ َفعَِلمَ‬
‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ يُبَا ِيعُونَكَ َت ْ‬
‫كما قال تعالى في الية الخرى ‪َ { :‬لقَدْ َر ِ‬
‫سكِينَةَ عَلَ ْيهِمْ وَأَثَا َبهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } [الفتح ‪.]18 :‬‬
‫مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَنزلَ ال ّ‬
‫شغَلَتْنَا َأ ْموَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْ َت ْغفِرْ لَنَا َيقُولُونَ بِأَلْسِنَ ِتهِمْ مَا لَ ْيسَ فِي‬
‫{ سَ َيقُولُ َلكَ ا ْلمُخَّلفُونَ مِنَ العْرَابِ َ‬
‫قُلُو ِبهِمْ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ َل ُكمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ ِبكُمْ ضَرّا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ َنفْعًا َبلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫ل وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِي ِهمْ أَبَدًا وَزُيّنَ ذَِلكَ فِي قُلُو ِبكُمْ‬
‫خَبِيرًا (‪َ )11‬بلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْنقَلِبَ الرّسُو ُ‬
‫سعِيرًا‬
‫سوْ ِء َوكُنْتُمْ َق ْومًا بُورًا (‪َ )12‬ومَنْ لَمْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ فَإِنّا أَعْ َتدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫وَظَنَنْتُمْ ظَنّ ال ّ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا (‪)14‬‬
‫ت وَال ْرضِ َي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَاءُ وَ ُيعَ ّذبُ مَنْ َيشَا ُء َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫س َموَا ِ‬
‫(‪ )13‬وَلِلّهِ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫}‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وقال عبد ال بن أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ضالته"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)2780‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)2496‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)2494‬‬

‫( ‪)7/336‬‬
‫خذُوهَا ذَرُونَا نَتّ ِب ْعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلَامَ اللّهِ ُقلْ لَنْ‬
‫سَ َيقُولُ ا ْل ُمخَّلفُونَ إِذَا انْطََلقْتُمْ إِلَى َمغَانِمَ لِتَأْ ُ‬
‫سدُونَنَا َبلْ كَانُوا لَا َي ْف َقهُونَ إِلّا قَلِيلًا (‪)15‬‬
‫تَتّ ِبعُونَا َكذَِلكُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَ ْبلُ َفسَ َيقُولُونَ َبلْ تَحْ ُ‬

‫يقول تعالى مخبرا رسوله (‪ - )1‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ - )2‬بما يعتذر به المخلفون من‬
‫العراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم (‪ ، )3‬وتركوا المسير مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فاعتذروا بشغلهم بذلك ‪ ،‬وسألوا أن يستغفر لهم الرسول (‪ )4‬صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وذلك قول منهم ل على سبيل العتقاد ‪ ،‬بل على وجه التقية والمصانعة ؛ ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ َيقُولُونَ بِأَ ْلسِنَ ِتهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُو ِبهِمْ ُقلْ َفمَنْ َيمِْلكُ َلكُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ ِبكُ ْم ضَرّا َأوْ أَرَادَ ِبكُمْ‬
‫َن ْفعًا } أي ‪ :‬ل يقدر أحد أن يرد ما أراده فيكم تعالى وتقدس ‪ ،‬وهو العليم بسرائركم وضمائركم ‪،‬‬
‫وإن صانعتمونا وتابعتمونا (‪ )5‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬بلْ كَانَ اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرًا }‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬بلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَ ْنقَِلبَ الرّسُولُ وَا ْلمُ ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَ َبدًا } أي ‪ :‬لم يكن تخلفكم تخلف‬
‫ل وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ‬
‫معذور ول عاص ‪ ،‬بل تخلف نفاق ‪َ { ،‬بلْ ظَنَنْ ُتمْ أَنْ لَنْ يَ ْنقَِلبَ الرّسُو ُ‬
‫أَبَدًا } أي ‪ :‬اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم وتستباد خضراؤهم ‪ ،‬ول يرجع منهم مخبر ‪،‬‬
‫سوْ ِء َوكُنْتُمْ َق ْومًا بُورًا } أي ‪ :‬هلكى‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫{ وَظَنَنْ ُتمْ ظَنّ ال ّ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬فاسدين‪ .‬وقيل ‪ :‬هي بلغة عمان‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَنْ َلمْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ } أي ‪ :‬من لم يخلص العمل في الظاهر والباطن ل ‪ ،‬فإن‬
‫ال تعالى سيعذبه في السعير ‪ ،‬وإن أظهر للناس ما يعتقدون خلف ما هو عليه في نفس المر‪.‬‬
‫ثم بين تعالى أنه الحاكم المالك المتصرف في أهل السموات والرض ‪َ { :‬ي ْغفِرُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَ ُيعَ ّذبُ‬
‫غفُورًا َرحِيمًا } أي ‪ :‬لمن تاب إليه وأناب ‪ ،‬وخضع لديه‪.‬‬
‫مَنْ يَشَاءُ َوكَانَ اللّهُ َ‬
‫{ سَ َيقُولُ ا ْلمُخَّلفُونَ إِذَا ا ْنطََلقْتُمْ إِلَى َمغَانِمَ لِتَ ْأخُذُوهَا ذَرُونَا نَتّ ِب ْعكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُ َبدّلُوا كَلمَ اللّهِ ُقلْ لَنْ‬
‫سدُونَنَا َبلْ كَانُوا ل َيفْ َقهُونَ إِل قَلِيل (‪} )15‬‬
‫تَتّ ِبعُونَا َكذَِلكُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَ ْبلُ َفسَ َيقُولُونَ َبلْ تَحْ ُ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن العراب الذين تخلفوا عن النبي صلى ال عليه وسلم في غزوة (‪)6‬‬
‫الحديبية ‪ ،‬إذ ذهب النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه إلى خيبر يفتتحونها ‪ :‬أنهم يسألون أن‬
‫يخرجوا معهم إلى المغنم ‪ ،‬وقد تخلفوا عن وقت محاربة العداء ومجالدتهم ومصابرتهم ‪ ،‬فأمر‬
‫ال رسوله صلى ال عليه وسلم أل يأذن لهم في ذلك ‪ ،‬معاقبة لهم من جنس ذنبهم‪ .‬فإن ال تعالى‬
‫قد وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم ل يشركهم فيها غيرهم من العراب المتخلفين ‪ ،‬فل (‬
‫‪ )7‬يقع غير ذلك شرعا وقدرا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلمَ اللّهِ }‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وجويبر ‪ :‬وهو الوعد الذي وعد به أهل الحديبية‪ .‬واختاره ابن جرير (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬والشغل بهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أو نافقتمونا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)26/50‬‬

‫( ‪)7/337‬‬

‫ج َعكَ اللّهُ إِلَى طَا ِئفَةٍ مِ ْنهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِ ْلخُرُوجِ َفقُلْ لَنْ َتخْرُجُوا‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬هو قوله ‪ { :‬فَإِنْ َر َ‬
‫َمعِيَ أَ َبدًا وَلَنْ ُتقَاتِلُوا َم ِعيَ عَ ُدوّا إِ ّنكُمْ َرضِيتُمْ بِا ْل ُقعُودِ َأوّلَ مَ ّرةٍ فَا ْقعُدُوا مَعَ ا ْلخَاِلفِينَ } [التوبة ‪:‬‬
‫‪.]83‬‬
‫وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ؛ لن هذه الية التي في "براءة" نزلت في غزوة تبوك ‪ ،‬وهي‬
‫متأخرة عن غزوة (‪ )1‬الحديبية‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ { :‬يُرِيدُونَ أَنْ يُ َبدّلُوا كَلمَ اللّهِ } يعني ‪ :‬بتثبيطهم المسلمين عن الجهاد‪.‬‬
‫{ ُقلْ لَنْ تَتّ ِبعُونَا كَذَِل ُكمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬وعد ال أهل الحديبية قبل سؤالكم (‪ )2‬الخروج‬
‫سدُونَنَا } أي ‪ :‬أن نشرككم في المغانم ‪َ { ،‬بلْ كَانُوا ل َي ْف َقهُونَ إِل قَلِيل }‬
‫معهم ‪َ { ،‬فسَ َيقُولُونَ َبلْ تَحْ ُ‬
‫أي ‪ :‬ليس المر كما زعموا ‪ ،‬ولكن ل فهم لهم (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عمرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬قبل أن يسألوكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬لنهم عدو لهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/338‬‬

‫عوْنَ ِإلَى َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ُتقَاتِلُو َنهُمْ َأوْ ُيسِْلمُونَ فَإِنْ ُتطِيعُوا‬
‫ُقلْ لِ ْلمُخَّلفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَ ُتدْ َ‬
‫عمَى‬
‫ُيؤْ ِتكُمُ اللّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َكمَا َتوَلّيْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ ُيعَذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ )16‬لَ ْيسَ عَلَى الْأَ ْ‬
‫ج َومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي‬
‫ج وَلَا عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬
‫ج وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَ ٌ‬
‫حَرَ ٌ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪)17‬‬
‫مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر َومَنْ يَ َت َولّ ُيعَذّبْهُ َ‬
‫عوْنَ إِلَى َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ُتقَاتِلُونَهُمْ َأوْ ُيسِْلمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا‬
‫{ ُقلْ لِ ْل ُمخَّلفِينَ مِنَ العْرَابِ سَ ُتدْ َ‬
‫عمَى‬
‫ُيؤْ ِتكُمُ اللّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َكمَا َتوَلّيْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ ُيعَذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪ )16‬لَ ْيسَ عَلَى ال ْ‬
‫خلْهُ جَنّاتٍ َتجْرِي‬
‫ج َومَنْ يُطِعِ اللّ َه وَرَسُولَهُ يُدْ ِ‬
‫ج وَل عَلَى ا ْلمَرِيضِ حَرَ ٌ‬
‫ج وَل عَلَى العْرَجِ حَرَ ٌ‬
‫حَرَ ٌ‬
‫مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر َومَنْ يَ َتوَلّ ُيعَذّ ْبهُ عَذَابًا أَلِيمًا (‪} )17‬‬
‫اختلف المفسرون في هؤلء القوم الذين يدعون إليهم ‪ ،‬الذين هم أولو بأس شديد ‪ ،‬على أقوال ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنهم هوازن‪ .‬رواه شعبة عن أبي ِبشْر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ -‬أو عكرمة (‪ ، )1‬أو جميعا‬
‫‪ -‬ورواه هُشيم عن أبي بشر ‪ ،‬عنهما‪ .‬وبه يقول قتادة في رواية عنه‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ثقف ‪ ،‬قاله الضحاك‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬بنو حنيفة ‪ ،‬قاله جويبر‪ .‬ورواه محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري‪ .‬وروي مثله عن سعيد‬
‫وعكرمة‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬هم أهل فارس‪ .‬رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬وبه يقول عطاء ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ -‬في إحدى الروايات عنه‪.‬‬
‫وقال كعب الحبار ‪ :‬هم الروم‪ .‬وعن ابن أبي ليلى ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هم فارس‬
‫والروم‪ .‬وعن مجاهد ‪ :‬هم أهل الوثان‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬هم رجال أولو بأس شديد ‪ ،‬ولم يعين فرقة‪.‬‬
‫وبه يقول ابن جريج ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الشج ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن الحسن القواريري ‪ ،‬عن َم ْعمَر (‪، )2‬‬
‫عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬هوازن قاله عكرمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬

‫( ‪)7/338‬‬

‫سكِينَةَ عَلَ ْي ِهمْ‬


‫حتَ الشّجَ َرةِ َفعَلِمَ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَنْ َزلَ ال ّ‬
‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ يُبَا ِيعُونَكَ َت ْ‬
‫َلقَدْ َر ِ‬
‫حكِيمًا (‪)19‬‬
‫وَأَثَا َبهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (‪َ )18‬و َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَ ْأخُذُو َنهَا َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬

‫عوْنَ إِلَى َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } قال ‪ :‬لم يأت أولئك بعد‪.‬‬
‫الزهري ‪ ،‬في قوله ‪ { :‬سَتُدْ َ‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي خالد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫شدِيدٍ } قال ‪ :‬هم البارزون‪.‬‬
‫عوْنَ إِلَى َقوْمٍ أُولِي بَ ْأسٍ َ‬
‫في قوله ‪ { :‬سَتُدْ َ‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار العين ‪ ،‬ذلف النف ‪ ،‬كأن‬
‫وجوههم المجانّ المطرقة"‪ .‬قال سفيان ‪ :‬هم الترك (‪.)1‬‬
‫قال ابن أبي عمر ‪ :‬وجدت في مكان (‪ )2‬آخر ‪ :‬ابن أبي خالد عن أبيه قال ‪ :‬نزل علينا أبو‬
‫شعْر" قال ‪ :‬هم‬
‫هريرة ففسر قول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تقاتلون قومًا نعالهم ال ّ‬
‫البارزون ‪ ،‬يعني الكراد (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬تقَاتِلُو َنهُمْ َأوْ يُسِْلمُونَ } يعني ‪ :‬يشرع لكم جهادهم وقتالهم ‪ ،‬فل يزال ذلك مستمرا عليهم‬
‫‪ ،‬ولكم النصرة عليهم ‪ ،‬أو يسلمون فيدخلون في دينكم بل قتال بل باختيار‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَإِنْ تُطِيعُوا } أي ‪ :‬تستجيبوا وتنفروا في الجهاد وتؤدوا الذي عليكم فيه ‪ُ { ،‬يؤْ ِتكُمُ اللّهُ‬
‫أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَ َتوَّلوْا َكمَا َتوَلّيْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ } يعني ‪ :‬زمن الحديبية ‪ ،‬حيث دعيتم (‪ )4‬فتخلفتم ‪،‬‬
‫{ ُي َعذّ ْبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }‬
‫ثم ذكر العذار في ترك الجهاد ‪ ،‬فمنها لزم كالعمى والعرج المستمر ‪ ،‬وعارض كالمرض الذي‬
‫يطرأ أياما ثم يزول ‪ ،‬فهو في حال مرضه ملحق بذوي العذار اللزمة حتى يبرأ‪.‬‬
‫طعِ اللّ َه وَرَسُوَلهُ يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي‬
‫ثم قال تعالى مرغبا في الجهاد وطاعة ال ورسوله ‪َ { :‬ومَنْ يُ ِ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا }‬
‫مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر َومَنْ يَ َتوَلّ } أي ‪ :‬ينكل عن الجهاد ‪ ،‬ويقبل على المعاش { ُي َعذّبْهُ َ‬
‫في الدنيا بالمذلة ‪ ،‬وفي الخرة بالنار‪.‬‬
‫سكِينَةَ عَلَ ْيهِمْ‬
‫حتَ الشّجَ َرةِ َفعَلِمَ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ فَأَنزلَ ال ّ‬
‫ضيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ يُبَا ِيعُو َنكَ تَ ْ‬
‫{ َلقَدْ َر ِ‬
‫حكِيمًا (‪} )19‬‬
‫وَأَثَا َبهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (‪َ )18‬و َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَ ْأخُذُو َنهَا َوكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة ‪،‬‬
‫وقد تقدم ذكر عدتهم ‪ ،‬وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة ‪ ،‬وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن أبي شيبة في المصنف برقم (‪ )19199‬والبخاري في صحيحه برقم (‪ )2929‬من‬
‫طريق سفيان عن الزهري بإسناده ‪" :‬ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما كأن وجوههم المجان‬
‫المطرقة" ورواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2928‬من طريق صالح ‪ ،‬عن العرج عن أبي‬
‫هريرة بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وقال ابن أبي عمرو حديث في موضع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد ذكر بعض المؤرخين أن أصحاب بابك المخرمي كانوا ينتعلون الشعر ‪ ،‬فهم المقصودون‬
‫بهذا الحديث‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬ذهبتم"‪.‬‬

‫( ‪)7/339‬‬
‫جلَ َلكُمْ هَ ِذ ِه َو َكفّ أَ ْي ِديَ النّاسِ عَ ْن ُك ْم وَلِ َتكُونَ آَيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫وَعَ َدكُمُ اللّهُ َمغَانِمَ كَثِي َرةً تَ ْأخُذُو َنهَا َفعَ ّ‬
‫شيْءٍ‬
‫وَ َيهْدِ َيكُ ْم صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا (‪ )20‬وَُأخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ ِبهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫جدُونَ وَلِيّا وَلَا َنصِيرًا (‪ )22‬سُنّةَ اللّهِ الّتِي‬
‫قَدِيرًا (‪ )21‬وََلوْ قَاتََلكُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوَّلوُا الَْأدْبَارَ ثُمّ لَا يَ ِ‬
‫قَدْ خََلتْ مِنْ قَ ْبلُ وَلَنْ َتجِدَ ِلسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلًا (‪)23‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا محمود ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن طارق بن عبد الرحمن قال ‪:‬‬
‫انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون ‪ ،‬فقلت (‪ )1‬ما هذا المسجد ؟ قالوا ‪ :‬هذه الشجرة ‪ ،‬حيث بايع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بيعة الرضوان ‪ ،‬فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ‪ ،‬فقال سعيد ‪:‬‬
‫حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم تحت الشجرة‪ .‬قال ‪ :‬فلما خرجنا‬
‫من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ‪ ،‬فقال سعيد ‪ :‬إن أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم لم‬
‫يعلموها وعلمتموها أنتم ‪ ،‬فأنتم أعلم (‪.)2‬‬
‫سكِينَةَ } ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فعَلِمَ مَا فِي قُلُو ِبهِمْ } أي ‪ :‬من الصدق والوفاء ‪ ،‬والسمع والطاعة ‪ { ،‬فَأَنزلَ ال ّ‬
‫وهي الطمأنينة ‪ { ،‬عَلَ ْيهِمْ وَأَثَا َبهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } ‪ :‬وهو ما أجرى ال على أيديهم من الصلح بينهم‬
‫وبين أعدائهم ‪ ،‬وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة ‪ ،‬ثم فتح‬
‫سائر البلد والقاليم عليهم ‪ ،‬وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والخرة ؛ ولهذا‬
‫حكِيمًا }‬
‫خذُو َنهَا (‪َ )3‬وكَانَ اللّهُ عَزِيزًا َ‬
‫قال ‪َ { :‬و َمغَانِمَ كَثِي َرةً يَأْ ُ‬
‫قال (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن‬
‫موسى ‪ ،‬أخبرنا موسى ‪ ،‬أخبرنا موسى ‪ -‬يعني ابن عبيدة ‪ -‬حدثني إياس (‪ )5‬بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬بينما نحن قائلون‪ .‬إذ نادى منادي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أيها الناس ‪،‬‬
‫البيعة البيعة ‪ ،‬نزل روح القدس‪ .‬قال ‪ :‬فَثُرنا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو تحت‬
‫حتَ‬
‫شجرة سمرة فبايعناه ‪ ،‬فذلك قول ال تعالى (‪َ { : )6‬لقَدْ َرضِيَ اللّهُ عَنِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ إِذْ يُبَا ِيعُو َنكَ تَ ْ‬
‫الشّجَ َرةِ } [قال] (‪ : )7‬فبايع لعثمان بإحد يديه على الخرى ‪ ،‬فقال الناس ‪ :‬هنيئا لبن عفان ‪،‬‬
‫طوف بالبيت ونحن (‪ )8‬هاهنا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو مكث كذا كذا سنة ما‬
‫طاف حتى أطوف" (‪.)9‬‬
‫جلَ َل ُكمْ َه ِذهِ َوكَفّ أَيْ ِديَ النّاسِ عَ ْنكُ ْم وَلِ َتكُونَ آيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫خذُو َنهَا َف َع ّ‬
‫{ وَعَ َد ُكمُ اللّهُ َمغَانِمَ كَثِي َرةً تَأْ ُ‬
‫شيْءٍ‬
‫وَ َيهْدِ َيكُ ْم صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا (‪ )20‬وَُأخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ ِبهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫جدُونَ وَلِيّا وَل َنصِيرًا (‪ )22‬سُنّةَ اللّهِ الّتِي‬
‫قَدِيرًا (‪ )21‬وََلوْ قَاتََلكُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوَّلوُا الدْبَارَ ُثمّ ل يَ ِ‬
‫قَدْ خََلتْ مِنْ قَ ْبلُ وَلَنْ َتجِدَ ِلسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيل (‪} )23‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وقلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4163‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬تأخذونها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عن أبان"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فذلك قوله تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادم من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )1/90‬من طريق عبيد ال بن موسى به ‪ ،‬قال الهيثمي‬
‫في المجمع (‪" : )9/84‬فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)7/340‬‬

‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ ِبمَا‬


‫وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َيهُمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْنهُمْ بِبَطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ أَ ْ‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا (‪)24‬‬

‫ظفَرَكُمْ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ ِبمَا‬


‫{ وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْنكُمْ وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْنهُمْ بِبَطْنِ َمكّةَ مِنْ َب ْعدِ أَنْ َأ ْ‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا (‪} )24‬‬

‫( ‪)7/340‬‬

‫قال مجاهد في قوله ‪ { :‬وَعَ َدكُمُ اللّهُ َمغَانِمَ كَثِي َرةً تَأْخُذُو َنهَا } ‪ :‬هي جميع المغانم إلى اليوم ‪،‬‬
‫جلَ َل ُكمْ َه ِذهِ } يعني ‪ :‬فتح خيبر‪.‬‬
‫{ َف َع ّ‬
‫جلَ َلكُمْ هَ ِذهِ } يعني ‪ :‬صلح الحديبية‪.‬‬
‫وروى العوفي عن ابن عباس ‪َ { :‬فعَ ّ‬
‫{ َو َكفّ أَيْ ِديَ النّاسِ عَ ْنكُمْ } أي ‪ :‬لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة‬
‫والقتال‪ .‬وكذلك كف أيدي الناس [عنكم] (‪ )1‬الذين خلفتموهم وراء أظهركم عن عيالكم وحريمكم ‪،‬‬
‫{ وَلِ َتكُونَ آيَةً لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬يعتبرون بذلك ‪ ،‬فإن ال حافظهم وناصرهم على سائر العداء ‪،‬‬
‫مع قلة عددهم ‪ ،‬وليعلموا بصنيع ال هذا بهم أنه العليم بعواقب المور ‪ ،‬وأن الخيرة فيما يختاره‬
‫لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَعَسَى أَنْ َتكْرَهُوا شَيْئًا وَ ُهوَ خَيْرٌ َلكُمْ }‬
‫[البقرة ‪.]216 :‬‬
‫{ وَ َيهْدِ َيكُمْ صِرَاطًا مُسْ َتقِيمًا } أي ‪ :‬بسبب انقيادكم لمره واتباعكم طاعته ‪ ،‬وموافقتكم رسوله (‪.)2‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرًا } أي ‪ :‬وغنيمة‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا عَلَ ْيهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ ِبهَا َوكَانَ اللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ‪ ،‬قد يَسّرها ال عليكم ‪ ،‬وأحاط بها لكم ‪ ،‬فإنه‬
‫تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث ل يحتسبون‪.‬‬
‫وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ‪ ،‬ما المراد بها ؟ فقال ال َعوْفي عن ابن عباس ‪ :‬هي خيبر‪.‬‬
‫جلَ َلكُمْ َه ِذهِ } إنها صلح الحديبية‪ .‬وقاله الضحاك ‪ ،‬وابن‬
‫وهذا على قوله في قوله تعالى ‪َ { :‬ف َع ّ‬
‫إسحاق ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬هي مكة‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن أبي ليلى ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬هي فارس والروم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن سماك الحنفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَُأخْرَى لَمْ َتقْدِرُوا‬
‫عَلَ ْيهَا قَدْ َأحَاطَ اللّهُ ِبهَا } قال ‪ :‬هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم (‪.)3‬‬
‫ن وَلِيّا وَل َنصِيرًا } يقول تعالى مبشرا‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْ قَاتََلكُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َلوَّلوُا الدْبَارَ ُثمّ ل يَجِدُو َ‬
‫لعباده المؤمنين ‪ :‬بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر ال رسوله وعباده المؤمنين عليهم ‪ ،‬ولنهزم‬
‫جيش الكفار (‪ )4‬فارا مدبرا ل يجدون وليا ول نصيرا ؛ لنهم محاربون ل ولرسوله ولحزبه (‪)5‬‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫جدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيل } أي ‪ :‬هذه سنة ال وعادته في‬
‫ل وَلَنْ تَ ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬سُنّةَ اللّهِ الّتِي َقدْ خََلتْ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫خلقه ‪ ،‬ما تقابل الكفر واليمان في موطن فيصل إلى نصر ال اليمان على الكفر ‪ ،‬فرفع الحق‬
‫ووضع الباطل ‪ ،‬كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين ‪،‬‬
‫مع قلة عدد المسلمين وعُدَدهم ‪ ،‬وكثرة المشركين وعددهم (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬لرسوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬الكفر"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ولعباده"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬ومددهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/341‬‬

‫علَ ْيهِ ْم َوكَانَ‬


‫ظفَرَكُمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي كَفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْنكُ ْم وَأَ ْيدِ َيكُمْ عَ ْنهُمْ بِ َبطْنِ َمكّةَ مِنْ َب ْعدِ أَنْ َأ ْ‬
‫اللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا } ‪ :‬هذا امتنان من ال على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم‬
‫‪ ،‬فلم يصل (‪ )1‬إليهم منهم سوء ‪ ،‬وكفّ أيدي المؤمنين من المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬بل صان كل من الفريقين ‪ ،‬وأوجد بينهم صلحا فيه خيَ َرةٌ للمؤمنين ‪ ،‬وعاقبة لهم في‬
‫الدنيا والخرة‪ .‬وقد تقدم في حديث سلمة بن الكوع حين جاءوا بأولئك السبعين السارى فأوثقوهم‬
‫بين يدي رسول ال صلى ال عليه وسلم فنظر إليهم وقال ‪" :‬أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثنَاه"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي ذلك أنزل ال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُمْ } الية‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما‬
‫كان يوم الحديبية هبط على رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجل من أهل مكة‬
‫في السلح ‪ ،‬من قبل جبل التنعيم ‪ ،‬يريدون غرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فدعا عليهم‬
‫فأخذوا ‪ -‬قال عفان ‪ :‬فعفا عنهم ‪ -‬ونزلت هذه الية ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْنكُمْ وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْنهُمْ‬
‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ }‬
‫بِبَطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ َأ ْ‬
‫ورواه مسلم وأبو داود في سننه ‪ ،‬والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقال أحمد ‪ -‬أيضا ‪ : -‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا الحسين بن واقد ‪ ،‬حدثنا ثابت البُنَاني ‪ ،‬عن‬
‫(‪ )3‬عبد ال بن ُم َغفّل المُزَنِي قال ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في أصل الشجرة التي‬
‫قال ال تعالى في القرآن ‪ ،‬وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب‪ .‬وسهلُ بن عمرو بين يديه ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم لعلي ‪" :‬اكتب ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم" ‪ ،‬فأخذ سهل بيده وقال ‪ :‬ما نعرف الرحمن‬
‫الرحيم‪ .‬اكتب في قضيتنا ما نعرف‪ .‬قال ‪" :‬اكتب باسمك اللهم" ‪ ،‬وكتب ‪" :‬هذا ما صالح عليه‬
‫محمد رسول ال أهل مكة"‪ .‬فأمسك سهل بن عمرو بيده وقال ‪ :‬لقد ظلمناك إن كنت رسوله ‪،‬‬
‫اكتب في قضيتنا ما نعرف‪ .‬فقال ‪" :‬اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد ال"‪ .‬فبينا نحن كذلك‬
‫إذ خرج علينا ثلثون شابا عليهم السلح ‪ ،‬فثاروا في (‪ )4‬وجوهنا ‪ ،‬فدعا عليهم رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فأخذ ال بأسماعهم ‪ ،‬فقمنا إليهم فأخذناهم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬هل جئتم في عهد أحد ؟ أو ‪ :‬هل (‪ )5‬جعل لكم أحد أمانا ؟" فقالوا ‪ :‬ل‪ .‬فخلى سبيلهم ‪ ،‬فأنزل‬
‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِ ْم َوكَانَ اللّهُ‬
‫ال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْن ُك ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْن ُهمْ بِبَطْنِ َمكّةَ مِنْ َبعْدِ أَنْ َأ ْ‬
‫ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرًا }‪ .‬رواه النسائي من حديث حسين بن واقد ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫حمَيْد ‪ ،‬حدثنا يعقوب القُمّي ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪ ،‬عن ابن أبْزَى قال ‪ :‬لما‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تصل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/122‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1808‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2688‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )3264‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11510‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وهل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/86‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11511‬‬

‫( ‪)7/342‬‬

‫خرج النبي صلى ال عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ‪ ،‬قال له عمر ‪ :‬يا نبي ال ‪،‬‬
‫تدخل على قوم لك حَرْب بغير سلح ول كُرَاع ؟ قال ‪ :‬فبعث إلى المدينة ‪ ،‬فلم يدع فيها كراعا‬
‫ول سلحا إل حمله ‪ ،‬فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل ‪ ،‬فسار حتى أتى منى ‪ ،‬فنزل بمنى ‪ ،‬فأتاه‬
‫عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ‪ ،‬فقال لخالد بن الوليد ‪" :‬يا خالد ‪ ،‬هذا‬
‫ابن عمك أتاك في الخيل (‪ ، )1‬فقال خالد ‪ :‬أنا سيف ال ‪ ،‬وسيف رسوله ‪ -‬فيومئذ سمي سيف‬
‫ال ‪ -‬يا رسول ال ‪ ،‬ارم بي أين شئت‪ .‬فبعثه على خيل ‪ ،‬فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى‬
‫أدخله حيطان مكة ‪ ،‬ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة ‪ ،‬ثم عاد في الثالثة فهزمه‬
‫حتى أدخله حيطان مكة ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَ ْيدِ َيهُمْ عَ ْن ُك ْم وَأَيْدِ َيكُمْ عَ ْن ُهمْ بِبَطْنِ َمكّةَ [مِنْ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا }‪ .‬قال ‪ :‬فكف ال النبي عنهم من بعد أن أظفره‬
‫ظفَ َركُمْ عَلَ ْيهِمْ ] } (‪ )2‬إلى ‪َ { :‬‬
‫َبعْدِ أَنْ َأ ْ‬
‫(‪ )3‬عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل (‪.)4‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه‪ .‬وهذا السياق فيه نظر ؛ فإنه ل يجوز أن يكون عام‬
‫الحديبية ؛ لن خالدا لم يكن أسلم ؛ بل قد كان طليعة المشركين (‪ )5‬يومئذ ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫الصحيح‪ .‬ول يجوز أن يكون في عمرة القضاء ‪ ،‬لنهم قاضوه على أن يأتي من العام المقبل (‪)6‬‬
‫فيعتمر ويقيم بمكة ثلثة أيام ‪ ،‬فلما قدم لم يمانعوه ‪ ،‬ول حاربوه ول قاتلوه‪ .‬فإن قيل ‪ :‬فيكون يوم‬
‫الفتح ؟ فالجواب ‪ :‬ول يجوز أن يكون يوم الفتح ؛ لنه لم يسق عام الفتح هَديًا ‪ ،‬وإنما جاء‬
‫محاربا مقاتل في جيش عَ َرمْرَم ‪ ،‬فهذا السياق فيه خلل ‪ ،‬قد وقع فيه شيء فليتأمل ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬حدثني من ل أتهم ‪ ،‬عن عكرمة مولى ابن عباس ‪ :‬أن قريشا بعثوا أربعين‬
‫رجل منهم أو خمسين ‪ ،‬وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول ال صلى ال عليه وسلم ليصيبوا من‬
‫أصحابه أحدًا ‪ ،‬فأُخذُوا أخذًا ‪ ،‬فأُتي بهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فعفا عنهم وخلى سبيلهم‬
‫‪ ،‬وقد كانوا رموا إلى (‪ )7‬عسكر رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )8‬بالحجارة والنبل‪ .‬قال ابن‬
‫إسحاق ‪ :‬وفي ذلك أنزل ال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُمْ } الية (‪.)9‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رجل يقال له ‪" :‬ابن زُنَيْم" اطلع على الثنية من الحديبية ‪ ،‬فرماه‬
‫المشركون بسهم فقتلوه ‪ ،‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خيل فأتوه باثني عشر فارسًا من‬
‫الكفار ‪ ،‬فقال لهم ‪" :‬هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ل‪ .‬فأرسلهم ‪ ،‬وأنزل ال في‬
‫ذلك ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُمْ } الية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الجبل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أظفركم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)26/59‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬للمشركين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬قابل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬عسكر المسلمين"‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)26/59‬‬

‫( ‪)7/343‬‬

‫جدِ ا ْلحَرَا ِم وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ َمحِلّ ُه وََلوْلَا ِرجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ‬
‫هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ ا ْلمَسْ ِ‬
‫حمَتِهِ مَنْ‬
‫خلَ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ َلمْ َتعَْلمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَ ُتصِي َبكُمْ مِ ْنهُمْ َمعَ ّرةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِ ُيدْ ِ‬
‫حمِيّةَ‬
‫ج َعلَ الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُو ِبهِمُ الْ َ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )25‬إِذْ َ‬
‫يَشَاءُ َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬
‫حقّ‬
‫ن وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى َوكَانُوا أَ َ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫حمِيّةَ الْجَا ِهلِيّةِ فَأَنْ َزلَ اللّهُ َ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا (‪)26‬‬
‫ِبهَا وَأَهَْلهَا َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬

‫{ هُمُ الّذِينَ َكفَرُوا َوصَدّوكُمْ عَنِ ا ْل َمسْجِدِ الْحَرَا ِم وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّ ُه وََلوْل ِرجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ‬
‫حمَتِهِ مَنْ‬
‫خلَ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ َلمْ َتعَْلمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَ ُتصِي َبكُمْ مِ ْنهُمْ َمعَ ّرةٌ ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِ ُيدْ ِ‬
‫حمِيّةَ‬
‫ج َعلَ الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُو ِبهِمُ الْ َ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا (‪ )25‬إِذْ َ‬
‫يَشَاءُ َلوْ تَزَيّلُوا َلعَذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ َ‬
‫حقّ‬
‫ن وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى َوكَانُوا أَ َ‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫حمِيّةَ الْجَا ِهلِيّةِ فَأَنزلَ اللّهُ َ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا (‪} )26‬‬
‫ِبهَا وَأَهَْلهَا َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن الكفار من مشركي العرب من قريش ومن مالهم (‪ )1‬على نصرتهم على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬همُ الّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬هم الكفار دون غيرهم ‪َ { ،‬وصَدّوكُمْ‬
‫سجِدِ ا ْلحَرَامِ } أي ‪ :‬وأنتم أحق به ‪ ،‬وأنتم أهله في نفس المر ‪ { ،‬وَا ْلهَ ْديَ َم ْعكُوفًا أَنْ يَبُْلغَ‬
‫عَنِ ا ْلمَ ْ‬
‫مَحِلّهُ } أي ‪ :‬وصدوا الهدي أن يصل (‪ )2‬إلى محله ‪ ،‬وهذا من بغيهم وعنادهم ‪ ،‬وكان الهديُ‬
‫سبعين بدنة ‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫ن وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ } أي ‪ :‬بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْل ِرجَالٌ ُم ْؤمِنُو َ‬
‫خيفة على أنفسهم من قومهم ‪ ،‬لكنا سَلّطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ‪ ،‬ولكن بين أفنائهم‬
‫من المؤمنين والمؤمنات أقوام ل تعرفونهم حالة (‪ )3‬القتل ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬لمْ َتعَْلمُوهُمْ أَنْ َتطَئُوهُمْ‬
‫حمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ } أي ‪ :‬يؤخر‬
‫خلَ اللّهُ فِي رَ ْ‬
‫فَ ُتصِي َبكُمْ مِ ْنهُمْ َمعَ ّرةٌ } أي ‪ :‬إثم وغرامة { ِبغَيْرِ عِلْمٍ لِيُ ْد ِ‬
‫عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين ‪ ،‬وليرجع كثير منهم إلى السلم‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬لوْ تَزَيّلُوا } أي ‪ :‬لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم { َل َعذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُوا‬
‫مِ ْنهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } أي ‪ :‬لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتل ذريعا‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أبو الزّنْباع ‪ -‬روح بن الفرج ‪ -‬حدثنا عبد الرحمن بن‬
‫حجْر‬
‫أبي عباد المكي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عبد ال (‪ )4‬أبو سعيد ‪ -‬مولى بني هاشم ‪ -‬حدثنا ُ‬
‫بن خلف ‪ :‬سمعت عبد ال بن عوف (‪ )5‬يقول (‪ : )6‬سمعت (‪ )7‬جنيد بن سبع يقول (‪ : )8‬قاتلت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أول النهار كافرا ‪ ،‬وقاتلت معه آخر النهار مسلما ‪ ،‬وفينا نزلت ‪:‬‬
‫ن وَنِسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ } قال ‪ :‬كنا تسعة نفر ‪ :‬سبعة رجال وامرأتين (‪.)9‬‬
‫{ وََلوْل ِرجَالٌ ُم ْؤمِنُو َ‬
‫ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به ‪ ،‬وقال فيه ‪ :‬عن أبي جمعة جنيد بن سبيع‬
‫‪ ،‬فذكره (‪ )10‬والصواب أبو جعفر ‪ :‬حبيب بن سباع‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن‬
‫خلف (‪، )11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬ول هم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬يبلغ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬روى الحافظ الطبراني بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المعجم الكبير (‪.)2/290‬‬
‫(‪ )10‬المعجم الكبير (‪.)4/24‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬حنيف"‪.‬‬

‫( ‪)7/344‬‬

‫به‪ .‬وقال ‪ :‬كنا ثلثة (‪ )1‬رجال وتسع نسوة ‪ ،‬وفينا نزلت ‪ { :‬وَلَوْل رِجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ وَنِسَاءٌ‬
‫ُم ْؤمِنَاتٌ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ‪ ،‬حدثنا عبد ال‬
‫بن عثمان بن جبلة ‪ ،‬عن أبي حمزة (‪ ، )2‬عن عطاء عن سعيد بن جبير (‪ ، )3‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫{ َلوْ تَزَيّلُوا َل َعذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْنهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } يقول ‪ :‬لو تزيل الكفار من المؤمنين ‪ ،‬لعذبهم ال‬
‫عذابا أليما بقتلهم إياهم‪.‬‬
‫حمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ } ‪ ،‬وذلك حين أبوا أن يكتبوا "بسم‬
‫حمِيّةَ َ‬
‫ج َعلَ الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُو ِبهِمُ الْ َ‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذْ َ‬
‫ال الرحمن الرحيم" ‪ ،‬وأبوا أن يكتبوا ‪" :‬هذا ما قاضى عليه محمد رسول ال" ‪ { ،‬فَأَنزلَ اللّهُ‬
‫ن وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى } ‪ ،‬وهي قول ‪" :‬ل إله إل ال" ‪ ،‬كما‬
‫سكِينَتَهُ عَلَى َرسُولِ ِه وَعَلَى ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫َ‬
‫قال ابن جرير ‪ ،‬وعبد ال ابن المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن قزعة أبو علي البصري ‪ ،‬حدثنا‬
‫سفيان بن حبيب ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن ثوير (‪ ، )4‬عن أبيه عن الطفيل ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن أبي بن كعب‬
‫(‪[ )5‬رضي ال عنه] (‪ - )6‬عن أبيه [أنه] (‪ )7‬سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫{ وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّتقْوَى } قال ‪" :‬ل إله إل ال"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي عن الحسن بن قزعة ‪ ،‬وقال ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من حديثه ‪ ،‬وسألت أبا‬
‫زُرْعَة عنه فلم يعرفه إل من هذا الوجه (‪.)8‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ ،‬حدثني الليث ‪،‬‬
‫حدثني عبد الرحمن بن خالد ‪ ،‬عن ابن شهاب (‪ ، )9‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬أن أبا هريرة‬
‫أخبره ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬فمن قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬فقد عصم مني ماله ونفسه إل بحقه ‪ ،‬وحسابه على ال" ‪ ،‬وأنزل‬
‫ال في كتابه ‪ ،‬وذكر قوما فقال ‪ { :‬إِ ّنهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ َل ُه ْم ل إِلَهَ إِل اللّهُ يَسْ َتكْبِرُونَ } [الصافات ‪:‬‬
‫حقّ ِبهَا وَأَهَْلهَا } وهي ‪" :‬ل إله إل ال‬
‫‪ ، ]35‬وقال ال جل ثناؤه ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى َوكَانُوا أَ َ‬
‫‪ ،‬محمد رسول ال" ‪ ،‬فاستكبروا عنها واستكبر عنها المشركون (‪ )10‬يوم الحديبية ‪ ،‬وكاتبهم‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على قضية المدة‪..‬‬
‫وكذا رواه بهذه الزيادات ابن جرير من حديث الزهري (‪ ، )11‬والظاهر أنها مدرجة من كلم‬
‫الزهري ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى } ‪ :‬الخلص‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح ‪ :‬هي ل إله إل ال وحده‬
‫ل شريك ‪ ،‬له له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ثلث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن أبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬روى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ثور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬كما روى ابن جرير بسنده عن أبي بن كعب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )26/66‬وزوائد عبد ال على المسند (‪ )5/138‬وسنن الترمذي برقم (‬
‫‪.)3265‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى بن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬قريش"‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)26/66‬‬

‫( ‪)7/345‬‬

‫وقال يونس بن بكير ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن المسور ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ‬
‫كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى } قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وحده ل شريك له‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سلمة بن كهيل ‪ ،‬عن عَبَاية بن رِ ْبعِي ‪ ،‬عن علي ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّت ْقوَى }‬
‫قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وال أكبر‪ .‬وكذا قال ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّتقْوَى } قال ‪ :‬يقول ‪ :‬شهادة أن‬
‫ل إله إل ال ‪ ،‬وهي رأس كل تقوى‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِل َمةَ ال ّت ْقوَى } قال ‪ :‬ل إله إل ال والجهاد في سبيله‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراساني ‪ :‬هي ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬محمد رسول ال‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن َم ْعمَر عن الزهري ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّتقْوَى } قال ‪ :‬بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَأَلْ َز َمهُمْ كَِلمَةَ ال ّتقْوَى } قال ‪ :‬ل إله إل ال‪.‬‬
‫حقّ ِبهَا وَأَهَْلهَا } ‪ :‬كان المسلمون أحق بها ‪ ،‬وكانوا أهلها‪.‬‬
‫{ َوكَانُوا أَ َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمًا } أي ‪ :‬هو عليم بمن يستحق الخير من يستحق الشر‪.‬‬
‫{ َوكَانَ اللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫وقد قال النسائي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد ‪ ،‬حدثنا شبابة بن سوار ‪ ،‬عن أبي رزين ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن العلء بن زبر ‪ ،‬عن بسر بن عبيد ال ‪ ،‬عن أبي إدريس ‪ ،‬عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ ‪{ :‬‬
‫حمِيّةَ ا ْلجَاهِلِيّةِ } [الفتح ‪ ، ]26 :‬ولو حميتم كما حموا لفسد‬
‫حمِيّةَ َ‬
‫ج َعلَ الّذِينَ َكفَرُوا فِي قُلُو ِبهِمُ ا ْل َ‬
‫إِذْ َ‬
‫المسجد الحرام‪ .‬فبلغ ذلك عمر فأغلظ له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فيعلمني مما علمه ال‪ .‬فقال عمر ‪ :‬بل أنت رجل عندك علم وقرآن ‪ ،‬فاقرأ وعلم‬
‫مما علمك ال ورسوله (‪.)1‬‬
‫وهذا ذكر الحاديث الواردة في قصة الحديبية وقصة الصلح ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا محمد بن إسحاق بن يَسَار ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬
‫عُ ْروَة بن الزبير ‪ ،‬عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال خرج رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ‪ ،‬ل يريد قتال وساق معه الهدي سبعين بدنة ‪ ،‬وكان الناس‬
‫سبعمائة رجل ‪ ،‬فكانت كل بدنة عن عشرة ‪ ،‬وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى إذا كان‬
‫بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي (‪ ، )2‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هذه قريش قد سمعت بمسيرك‬
‫فخرجت معها العُوذ المطافيل ‪ ،‬قد لبست جلود النمور ‪ ،‬يعاهدون ال أل تدخلها عليهم عنوة أبدًا ‪،‬‬
‫وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموه إلى كراع الغميم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب ‪ ،‬ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11505‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬بشر بن كعب الكلبي"‪.‬‬

‫( ‪)7/346‬‬

‫الناس ؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا ‪ ،‬وإن أظهرني ال [عليهم] (‪ )1‬دخلوا في السلم وهم‬
‫وافرون ‪ ،‬وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ‪ ،‬فماذا تظن قريش ؟ فوال ل أزال أجاهدهم على الذي‬
‫بعثني ال به حتى يظهرني ال أو تنفرد هذه السالفة"‪ .‬ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين ظهري‬
‫الحمض على طريق تخرجه (‪ )2‬على ثنية المرار والحديبية من أسفل مكة‪ .‬قال ‪ :‬فسلك بالجيش‬
‫تلك الطريق ‪ ،‬فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ‪ ،‬ركضوا راجعين إلى‬
‫قريش ‪ ،‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى إذا سلك ثنية المرار ‪ ،‬بركت ناقته ‪ ،‬فقال‬
‫الناس ‪ :‬خلت‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما خلت ‪ ،‬وما ذلك (‪ )3‬لها بخلق ‪،‬‬
‫ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة ‪ ،‬وال ل تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة‬
‫الرحم ‪ ،‬إل أعطيتهم إياها" [ثم] (‪ )4‬قال للناس ‪" :‬انزلوا"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما بالوادي من‬
‫ماء ينزل عليه الناس‪ .‬فأخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم سهمًا من كنانته فأعطاه رجل من‬
‫أصحابه ‪ ،‬فنزل في قليب من تلك القلب ‪ ،‬فغرزه فيه فجاش بالماء حتى ضرب الناس عنه بعطن‪.‬‬
‫فلما اطمأن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إذا بُدَيل بن ورقاء في رجال من خزاعة ‪ ،‬فقال لهم‬
‫كقوله لبشر بن سفيان ‪ ،‬فرجعوا إلى قريش فقالوا ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنكم تعجلون على محمد ‪،‬‬
‫وإن محمدًا لم يأت لقتال ‪ ،‬إنما جاء زائرًا لهذا البيت معظمًا لحقه ‪ ،‬فاتهموهم‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ :‬قال الزهري ‪[ :‬و] (‪ )5‬كانت خزاعة في عَيْبَة رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم مشركها ومسلمها ‪ ،‬ل يخفون على رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئًا كان بمكة ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫وإن كان إنما جاء لذلك فوال ل يدخلها أبدًا علينا عَنْوة ‪ ،‬ول يتحدث بذلك العرب‪ .‬ثم بعثوا إليه‬
‫ِمكْرَز بن حفص ‪ ،‬أحد بني عامر بن لؤي ‪ ،‬فلما رآه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬هذا‬
‫رجل غادر"‪ .‬فلما انتهى إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم كلمه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بنحو ما كَلّم به أصحابه ‪ ،‬ثم رجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول ال [صلى ال عليه‬
‫وسلم] (‪ )6‬؛ فبعثوا إليه الحليس بن علقمة الكناني ‪ ،‬وهو يومئذ سيد الحابيش ‪ ،‬فلما رآه رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬هذا من قوم يتألهون ‪ ،‬فابعثوا الهَدْي" في وجهه ‪ ،‬فبعثوا الهدي ‪،‬‬
‫فلما رأى الهدي يسيل عليه من عُرْض الوادي في قلئده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله‬
‫‪ ،‬رجع ولم يصل إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم إعظامًا لما رأى (‪ ، )7‬فقال ‪ :‬يا معشر‬
‫قريش ‪ ،‬قد رأيت ما ل يحل صَده ‪ ،‬الهدي في قلئده قد أكل أوتاره من طول الحبس عن محله‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬اجلس ‪ ،‬إنما أنت أعرابي ل علم لك‪ .‬فبعثوا إليه عروة بن مسعود الثقفي ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا معشر‬
‫قريش ‪ ،‬إن قد رأيت ما يلقى منكم من تبعثون إلى محمد إذا جاءكم ‪ ،‬من التعنيف وسوء اللفظ ‪،‬‬
‫وقد عرفتم أنكم والد وأنا ولد ‪ ،‬وقد سمعت بالذي نابكم ‪ ،‬فجمعت من أطاعني من قومي ‪ ،‬ثم‬
‫جئت حتى آسيتكم بنفسي‪ .‬قالوا ‪ :‬صدقت ما أنت عندنا بمتهم‪ .‬فخرج (‪ )8‬حتى أتى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فجلس بين يديه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد جمعت أوباش الناس ‪ ،‬ثم جئت بهم‬
‫لبيضتك لتفضها ‪ ،‬إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل ‪ ،‬قد لبسوا جلود النمور ‪ ،‬يعاهدون‬
‫ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يحرصه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وما ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬فلما رجع إلى أصحابه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬ثم خرج"‪.‬‬

‫( ‪)7/347‬‬

‫أل تدخلها عليهم عنوة أبدا ‪ ،‬وايم ال لكأني بهؤلء قد انكشفوا عنك غدا‪ .‬قال ‪ :‬وأبو بكر قاعد‬
‫خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬امصص بظر اللت! أنحن ننكشف عنه ؟! قال ‪:‬‬
‫من هذا يا محمد ؟ قال ‪" :‬هذا ابن أبي قحافة"‪ .‬قال ‪ :‬أما وال لول يد كانت لك عندي لكافأتك‬
‫بها ‪ ،‬ولكن هذه بها‪ .‬ثم تناول لحية رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة واقف‬
‫على رأس رسول ال صلى ال عليه وسلم في الحديد (‪ ، )1‬قال ‪ :‬فقرع يده‪ .‬ثم قال ‪ :‬أمسك يدك‬
‫عن لحية رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل ‪ -‬وال ‪ -‬ل تصل إليك‪ .‬قال ‪ :‬ويحك! ما أفظعك‬
‫وأغلظك! فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬من هذا يا محمد ؟ قال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة"‪ .‬قال ‪ :‬أغدر ‪ ،‬وهل غسلت سوأتك إل بالمس ؟! قال‬
‫فكلمه رسول ال صلى ال عليه وسلم بمثل ما كلم به أصحابه ‪ ،‬وأخبره أنه لم يأت يريد حربا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فقام من عند رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )2‬وقد رأى ما يصنع به أصحابه ‪ ،‬ل‬
‫يتوضأ وضوءا إل ابتدروه ‪ ،‬ول يبصق بصاقا إل ابتدروه ‪ ،‬ول يسقط من شعره شيء إل أخذوه‪.‬‬
‫فرجع إلى قريش فقال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬إنى جئت كسرى في ملكه ‪ ،‬وجئت قيصر والنجاشي‬
‫في ملكهما ‪ ،‬وال ما رأيت مَلكا قط مثل محمد في أصحابه ‪ ،‬ولقد رأيت قوما ل يسلمونه لشيء‬
‫أبدا ‪ ،‬فروا رأيكم‪ .‬قال ‪ :‬وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل ذلك قد بعث خراش بن‬
‫أمية الخزاعي إلى مكة ‪ ،‬وحمله على جمل له يقال له ‪" :‬الثعلب" فلما دخل مكة عقرت (‪ )3‬به‬
‫قريش ‪ ،‬وأرادوا قتل خراش ‪ ،‬فمنعتهم الحابيش ‪ ،‬حتى أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫فدعا عمر ليبعثه إلى مكة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنى أخاف قريشا على نفسي ‪ ،‬وليس بها من‬
‫بني عدي أحد يمنعني ‪ ،‬وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ‪ ،‬ولكن أدلك على رجل‬
‫هو أعز مني ‪ :‬عثمان بن عفان‪ .‬قال ‪ :‬فدعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبعثه إلى قريش‬
‫يخبرهم أنه لم يأت لحرب أحد ‪ ،‬وإنما جاء زائرا لهذا البيت ‪ ،‬معظما لحرمته‪ .‬فخرج عثمان حتى‬
‫أتى مكة ‪ ،‬فلقيه أبان بن سعيد بن العاص ‪ ،‬فنزل عن دابته وحمله بين يديه وردف خلفه ‪ ،‬وأجاره‬
‫حتى بلغ رسالة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء‬
‫قريش ‪ ،‬فبلغهم عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أرسله به ‪ ،‬فقالوا لعثمان ‪ :‬إن شئت أن‬
‫تطوف بالبيت فطف به ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما كنت لفعل حتى يطوف به رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‬
‫‪ )4‬قال ‪ :‬واحتبسته قريش عندها ‪ ،‬قال ‪ :‬وبلغ رسول ال أن عثمان قد قتل‪.‬‬
‫قال محمد ‪ :‬فحدثني الزهري ‪ :‬أن قريشًا بعثوا سهل بن عمرو ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ائت محمدًا فصالحه ول‬
‫يكون في صلحه إل أن يرجع عنا عامه هذا ‪ ،‬فوال ل تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة أبدًا‪.‬‬
‫فأتاه سهل بن عمرو فلما رآه رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قد أراد القوم الصلح حين‬
‫بعثوا هذا الرجل"‪ .‬فلما انتهى إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم تكلما وأطال الكلم ‪ ،‬وتراجعا‬
‫حتى جرى بينهما الصلح ‪ ،‬فلما التأم المر ولم يبق إل الكتاب ‪ ،‬وثب عمر بن الخطاب فأت أبا‬
‫بكر فقال ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬أو ليس برسول ال ؟ أو لسنا بالمسلمين ؟ أو ليسوا بالمشركين ؟ قال ‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قال ‪ :‬فعلم نعطي الذلة في ديننا ؟ فقال أبو بكر ‪ :‬يا عمر ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬بالحدد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬عثرت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/348‬‬
‫الزم غرزه حيث كان ‪ ،‬فإني أشهد أنه رسول ال‪[ .‬ثم] (‪ )1‬قال عمر ‪ :‬وأنا أشهد‪ .‬ثم أتى رسول‬
‫ال فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو لسنا بالمسلمين أو ليسوا بالمشركين ؟ قال ‪" :‬بلى" قال ‪ :‬فعلم نعطي‬
‫الذلة في ديننا ؟ فقال ‪" :‬أنا عبد ال ورسوله ‪ ،‬لن أخالف أمره ولن يضيعني"‪ .‬ثم قال عمر ‪ :‬ما‬
‫زلت أصوم وأصلي وأتصدق وأعتق من (‪ )2‬الذي صنعت مخافة كلمي الذي تكلمت به يومئذ‬
‫حتى رجوت أن يكون خيرا‪ .‬قال ‪ :‬ثم دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم علي بن أبي طالب‬
‫[رضي ال عنه] (‪ )3‬فقال ‪ :‬اكتب ‪" :‬بسم ال الرحمن الرحيم"‪ .‬فقال سهل بن عمرو ‪ :‬ول أعرف‬
‫هذا ‪ ،‬ولكن اكتب ‪" :‬باسمك اللهم ‪ ،‬فقال رسول ال ‪" :‬اكتب باسمك اللهم‪ .‬هذا ما صلح (‪ )4‬عليه‬
‫محمد رسول ال ‪ ،‬سهل بن عمرو" ‪ ،‬فقال سهل بن عمرو ‪ :‬ولو شهدت أنك رسول ال لم‬
‫أقاتلك ‪ ،‬ولكن اكتب هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد ال ‪ ،‬وسهل بن عمرو ‪ ،‬على وضع‬
‫الحرب عشر سنين ‪ ،‬يأمن فيها الناس ‪ ،‬ويكف بعضهم عن بعض ‪ ،‬على أنه من أتى رسول ال (‬
‫‪ )5‬من أصحابه بغير إذن وليه ‪ ،‬رده عليهم ‪ ،‬ومن أتى قريشا ممن مع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم (‪ )6‬لم يردوه عليه وأن بيننا عيبة مكفوفة ‪ ،‬وأنه ل أسلل ول أغلل ‪ ،‬وكان في شرطهم‬
‫حين كتبوا الكتاب ‪ :‬أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده ‪ ،‬دخل فيه ‪ ،‬ومن أحب أن يدخل‬
‫في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ‪ ،‬فتواثبت خزاعة فقالوا ‪ :‬نحن في عقد رسول ال وعهده ‪،‬‬
‫وتواثبت بنو بكر فقالوا ‪ :‬نحن في عقد قريش وعهدهم ‪ ،‬وأنك ترجع عنا عامنا هذا فل تدخل‬
‫علينا مكة ‪ ،‬وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك فتدخلها بأصحابك ‪ ،‬وأقمت بها ثلثًا معك سلح‬
‫الراكب ل تدخلها بغير السيوف في القرب ‪ ،‬فبينا رسول ال صلى ال عليه وسلم يكتب الكتاب ‪،‬‬
‫إذا جاءه أبو جندل بن سهل بن عمرو في الحديد قد انفلت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪)7‬‬
‫قال ‪ :‬وقد كان أصحاب رسول ال خرجوا وهم ل يشكون في الفتح ‪ ،‬لرؤيا رآها رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ‪ ،‬وما تحمل رسول ال [صلى ال عليه‬
‫وسلم] (‪ )8‬على نفسه ‪ ،‬دخل الناس من ذلك أمر عظيم ‪ ،‬حتى كادوا أن يهلكوا‪ .‬فلما رأى سهل أبا‬
‫جندل قام إليه فضرب وجهه وقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬قد لجّت (‪ )9‬القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك‬
‫هذا‪ .‬قال ‪" :‬صدقت"‪ .‬فقام إليه فأخذ بتلبيبه‪ .‬قال ‪ :‬وصرخ أبو جندل بأعلى صوته ‪ :‬يا معشر‬
‫المسلمين ‪ ،‬أتردونني إلى أهل الشرك فيفتنوني في ديني ؟ قال ‪ :‬فزاد الناس شرا إلى ما بهم ‪،‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا أبا جندل ‪ ،‬اصبر واحتسب ‪ ،‬فإن ال جاعل لك ولمن‬
‫معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا ‪ ،‬إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا فأعطيناهم على ذلك‬
‫وأعطونا عليه عهدا (‪ ، )10‬وإنا لن نغدر بهم"‪ .‬قال ‪ :‬فوثب إليه عمر بن الخطاب فجعل يمشي‬
‫مع [أبي] (‪ )11‬جندل إلى جنبه وهو يقول ‪ :‬اصبر أبا جندل ‪ ،‬فإنما هم المشركون ‪ ،‬وإنما دم‬
‫أحدهم دم كلب ‪ ،‬قال ‪ :‬ويدني قائم السيف منه ‪ ،‬قال ‪ :‬يقول ‪ :‬رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به‬
‫أباه قال ‪ :‬فضن الرجل بأبيه‪ .‬قال ‪ :‬ونفذت القضية ‪ ،‬فلما فرغا من الكتاب ‪ ،‬وكان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يصلي في الحرم ‪ ،‬وهو مضطرب في الحل ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬انحروا (‪ )12‬واحلقوا"‪ .‬قال ‪ :‬فما قام أحد‪ .‬قال ‪ :‬ثم عاد‬
‫بمثلها ‪ ،‬فما قام رجل حتى عاد صلى ال عليه وسلم بمثلها ‪ ،‬فما قام رجل‪.‬‬
‫فرجع رسول ال صلى ال عليه وسلم فدخل على أم سلمة فقال ‪" :‬يا أم سلمة ما شأن الناس ؟"‬
‫قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد دخلهم ما رأيت ‪ ،‬فل ُتكَلّمن (‪ )13‬منهم إنسانًا ‪ ،‬واعمد إلى هديك حيث‬
‫كان فانحره واحلق ‪ ،‬فلو قد فعلت ذلك فعل الناس ذلك‪ .‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم ل‬
‫يكلم أحدًا حتى أتى هديه فنحره ‪ ،‬ثم جلس فحلق ‪ ،‬قال ‪ :‬فقام الناس ينحرون ويحلقون‪ .‬قال ‪ :‬حتى‬
‫إذا كان بين مكة والمدينة في وسط الطريق نزلت سورة الفتح‪.‬‬
‫هكذا ساقه أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وهكذا رواه يونس بن ُبكَيْر وزياد البكائي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪،‬‬
‫بنحوه (‪ ، )14‬وفيه إغراب ‪ ،‬وقد رواه أيضا عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به‬
‫نحوه (‪ )15‬وخالفه في أشياء وقد رواه البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في صحيحه ‪ ،‬فساقه سياقة (‪)16‬‬
‫حسنة مطولة بزيادات جيدة ‪ ،‬فقال في كتاب الشروط (‪ )17‬من صحيحه ‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ :‬أخبرني الزهري ‪ :‬أخبرني عُرْوة‬
‫بن الزبير ‪ ،‬عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ‪ ،‬يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه ‪،‬‬
‫قال خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ‪ ،‬فلما‬
‫أتى ذا الحليفة قلد الهدي وأشعره ‪ ،‬وأحرم منها بعمرة وبعث عينًا له من خزاعة ‪ ،‬وسار حتى إذا‬
‫كان بغير الشطاط أتاه عينه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن قريشًا قد جمعوا لك جموعًا ‪ ،‬وقد جمعوا لك الحابيش‬
‫وهم مقاتلوك وصادوك ومانعوك‪ .‬فقال ‪" :‬أشيروا أيها الناس عليّ ‪ ،‬أترون أن نميل عل عيالهم ‪،‬‬
‫وذراري هؤلء الذين يريدون أن صدونا عن البيت ؟" وفي لفظ ‪" :‬أترون أن نميل على ذراري‬
‫هؤلء الذين أعانوهم‪ .‬فإن يأتونا كان ال قد قطع عُنُقا من المشركين وإل تركناهم محزونين" ‪،‬‬
‫وفي لفظ ‪" :‬فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محرُوبين وإن نجوا يكن عنقا قطعها ال ‪ ،‬أم‬
‫ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ؟"‪ .‬فقال أبو بكر [رضي ال عنه] (‪ : )18‬يا رسول ال‬
‫خرجت عامدًا لهذا البيت ‪ ،‬ل نريد قتل أحد ول حربًا ‪ ،‬فتوجه له ‪ ،‬فمن صدنا عنه قاتلناه‪ .‬وفي‬
‫لفظ ‪ :‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬ال ورسوله علم إنما جئنا معتمرين ‪ ،‬ولم نجئ لقتال أحد ‪،‬‬
‫ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فروحوا إذن" ‪ ،‬وفي لفظ‬
‫‪" :‬فامضوا على اسم ال"‪.‬‬
‫حتى إذا كانوا ببعض الطريق ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن خالد بن الوليد في خيل‬
‫لقريش طليعة ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما صالح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬محمدا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬تمت"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬عهدنا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬انحروا في الحرم"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬فل تكلمن"‪.‬‬
‫(‪ )14‬المسند (‪ )4/323‬والسيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/316‬‬
‫(‪ )15‬رواه أحمد في مسنده (‪ )4/328‬من طريق عبد الرزاق به‪.‬‬
‫(‪ )16‬في م ‪" :‬بسياقات"‪.‬‬
‫(‪ )17‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشرط"‪.‬‬
‫(‪ )18‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/349‬‬

‫فخذوا ذات اليمين"‪ .‬فوال ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقَتَرة الجيش ‪ ،‬فانطلق يركض نذيرًا‬
‫لقريش ‪ ،‬وسار النبي صلى ال عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ‪ ،‬بركت به‬
‫راحلته‪ .‬فقال الناس ‪ :‬حل حل فألحت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬خلت القصواء ‪ ،‬خلت القصواء ‪ ،‬فقال النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما خلت القصواء ‪ ،‬وما ذاك لها بخلق ‪ ،‬ولكن حبسها حابس الفيل"‪ .‬ثم‬
‫قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬ل يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات ال ‪ ،‬إل أعطيتهم إياها"‪ .‬ثم‬
‫زجرها فوثبت ‪ ،‬فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ‪ ،‬يتبرضه الناس‬
‫تبرضًا ‪ ،‬فلم يلبث (‪ )1‬الناس حتى نزحوه ‪ ،‬وشكي (‪ )2‬إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫العطش ‪ ،‬فانتزع من كنانته سهمًا ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ‪ ،‬فوال ما زال يجيش لهم بالري حتى‬
‫صدروا عنه ‪ ،‬فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة ‪،‬‬
‫وكانوا عيبة نصح رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )3‬من أهل تهامة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني تركت كعب‬
‫بن لؤي وعامر بن لؤي ‪ ،‬نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ‪ ،‬وهم مقاتلوك‬
‫وصادوك عن البيت‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنا لم نجئ لقتال أحد ‪ ،‬ولكن جئنا‬
‫معتمرين ‪ ،‬وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم ‪ ،‬فإن شاؤوا ماددنهم مدة ويخلوا بيني وبين‬
‫الناس ‪ ،‬فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ‪ ،‬وإل فقد جموا ‪ ،‬وإن هم أبوا‬
‫فوالذي نفسي بيده لقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ‪ ،‬ولينفذن (‪ )4‬ال أمره" قال بديل ‪:‬‬
‫سأبلغهم ما تقول ‪ ،‬فانطلق حتى أتى قريشا فقال ‪ :‬إنا قد جئنا من عند هذا الرجل ‪ ،‬وسمعناه يقول‬
‫قول فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ‪ ،‬فقال سفهاؤهم ‪ :‬ل حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء‪ .‬وقال‬
‫‪ :‬ذوو الرأي منهم ‪ :‬هات ما سمعته يقول ‪ :‬قال ‪ :‬سمعته يقول كذا وكذا ‪ ،‬فحدثهم بما قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقام عروة بن مسعود فقال ‪ :‬أي قوم ‪ ،‬ألستم بالوالد ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال‬
‫‪ :‬أولست بالولد ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فهل تتهموني ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬ألستم تعلمون أني أستنفرت‬
‫أهل عكاظ ‪ ،‬فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن هذا قد‬
‫عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته‪ .‬قالوا ‪ :‬ائته‪ .‬فأتاه فجعل يكلم رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء‪ .‬فقال عروة عند‬
‫ذلك ‪ :‬أي محمد ‪ ،‬أرأيت إن استأصلت أمر قومك ‪ ،‬هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك‬
‫؟ وإن تك الخرى فإني وال لرى وجوها ‪ ،‬وإني لرى أشوابا (‪ )5‬من الناس خليقا أن يفروا‬
‫ويدعوك ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬امصص بَظْر اللت! أنحن نفر وندعه ؟! قال ‪ :‬من‬
‫ذا ؟ قالوا ‪ :‬أبو بكر‪ .‬قال ‪ :‬أما والذي نفسي بيده لول يد كانت لك عندي لم أجزك بها ‪ ،‬لجبتك‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وجعل يكلم النبي صلى ال عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه قائم على رأس النبي صلى ال عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر ‪ ،‬فكلما أهوى عروة‬
‫بيده إلى لحية النبي صلى ال عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ‪ ،‬وقال له ‪ :‬أخر يدك من لحية‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬فرفع عروة رأسه وقال ‪ :‬من هذا ؟ قال ‪ :‬المغيرة بن شعبة‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أي غدر ‪ ،‬ألست أسعى في غدرتك ؟! وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم‬
‫وأخذ أموالهم ‪ ،‬ثم جاء فأسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما السلم فأقبل ‪ ،‬وأما المال‬
‫فلست منه في شي"‪.‬‬
‫ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بعينيه (‪ ، )6‬قال ‪ :‬فوال ما تنخم‬
‫رسول ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )7‬نخامة إل وقعت في كف رجل منهم ‪ ،‬فدلك بها وجهه‬
‫وجلده ‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره ‪ ،‬وإذ توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا‬
‫أصواتهم عنده ‪ ،‬وما يحدون النظر إليه ‪ ،‬تعظيما له صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فرجع عروة إلى‬
‫أصحابه فقال ‪ :‬أي قوم ‪ ،‬وال لقد وفدت على الملوك ‪ ،‬ووفدت على كسرى وقيصر والنجاشي ‪،‬‬
‫وال إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا ‪ ،‬وال إن تنخم نخامة إل‬
‫وقعت في كف رجل منهم ‪ ،‬فدلك بها وجهه وجلده ‪ ،‬وإذا أمرهم ابتدروا أمره ‪ ،‬وإذا توضأ كادوا‬
‫يقتتلون على وضوئه ‪ ،‬وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ‪ ،‬وما يُحدون النظر إليه تعظيما له ‪ ،‬وإنه‬
‫قد عرض عليكم خطة رشْد فاقبلوها‪ .‬فقال رجل منهم من بني كنانة ‪ :‬دعوني آته‪ .‬فقالوا ‪ :‬ائته‬
‫فلما أشرف على النبي صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هذا‬
‫فلن ‪ ،‬وهو من قوم يعظمون البُدْن ‪ ،‬فابعثوها له" ف ُبعِ َثتْ له ‪ ،‬واستقبله الناس يُلَبّون ‪ ،‬فلما رأى‬
‫ذلك قال ‪ :‬سبحان ال! ما ينبغي لهؤلء أن يصدوا عن البيت‪ .‬فلما رجع إلى أصحابه قال ‪ :‬رأيت‬
‫البُدْن قد قُلّدت وأشعرت ‪ ،‬فما أرى أن ُيصَدّوا عن البيت‪ .‬فقال (‪ )8‬رجل منهم يقال له ‪ِ " :‬مكْرَز‬
‫بن حفص" ‪ ،‬فقال ‪ :‬دعوني آته‪ .‬فقالوا ‪ :‬ائته‪ .‬فلما أشرف عليهم قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"هذا مكرز [بن حفص] (‪ )9‬وهو رجل فاجر" ‪ ،‬فجعل يكلم النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبينما هو‬
‫يكلمه إذ جاء سهل بن عمرو‪.‬‬
‫عكْ ِرمَةَ أنه قال ‪ :‬لما جاء سهل بن عمرو قال النبي صلى ال‬
‫وقال معمر ‪ :‬أخبرني أيوب ‪ ،‬عن ِ‬
‫سهُل لكم من أمركم"‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪" :‬قد َ‬
‫قال معمر ‪ :‬قال الزهري في حديثه ‪ :‬فجاء سهل بن عمرو فقال ‪ :‬هات أكتب بيننا وبينك (‪)10‬‬
‫كتابا فدعا النبي صلى ال عليه وسلم الكاتب ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪[" :‬اكتب] (‪: )11‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم" ‪ ،‬فقال سهل [بن عمرو] (‪ : )12‬أما "الرحمن" فوال ما أدري ما هو ‪،‬‬
‫ولكن اكتب ‪" :‬باسمك اللهم" ‪ ،‬كما كنت تكتب‪ .‬فقال المسلمون ‪ :‬وال ل نكتبها إل "بسم ال‬
‫الرحمن الرحيم"‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اكتب ‪ :‬باسمك اللهم"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هذا ما قاضى‬
‫عليه محمد رسول ال"‪ .‬فقال سهل ‪ :‬وال لو كنا نعلم أنك رسول ال ما صددناك عن البيت ول‬
‫قاتلناك ‪ ،‬ولكن اكتب ‪" :‬محمد بن عبد ال" ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وال إني لرسول‬
‫ال وإن كذبتموني‪ .‬اكتب محمد بن عبد ال" قال الزهري ‪ :‬وذلك لقوله ‪" :‬وال ل يسألوني خطة‬
‫يعظمون فيها حرمات ال إل أعطيتهم إياها"‪ .‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬على أن تخلوا‬
‫ضغْطَةً ‪ ،‬ولكن ذلك من‬
‫بيننا وبين البيت فنطوف به"‪ .‬فقال سهل ‪ :‬وال ل تتحدث العرب أنا أخذنا ُ‬
‫العام المقبل ‪ ،‬فكتب ‪ ،‬فقال سهل ‪" :‬وعلى أن ل يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إل رددته‬
‫إلينا"‪ .‬فقال المسلمون ‪ :‬سبحان ال! كيف يُرَدّ إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟! فبينما هم كذلك إذ‬
‫جاء أبو جندل بن سهل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬يلبثه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شكوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬أو لينفذن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أوشابا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬بعينه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فقام"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬بينكم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت ‪ ،‬م‪.‬‬

‫( ‪)7/351‬‬

‫سفُ في قيوده قد (‪ )1‬خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ‪،‬‬
‫بن عمرو ير ُ‬
‫فقال سهل ‪ :‬هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن تَرُدّه إلي ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إنا لم َن ْقضِ الكتاب بعد"‪ .‬قال ‪ :‬فوال إذًا ل أصالحك على شيء أبدا‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬فأجزه لي" فقال ‪ :‬ما أنا بمجيز ذلك لك ‪ ،‬قال ‪" :‬بلى فافعل"‪ .‬قال ‪ :‬ما أنا بفاعل‪ .‬قال‬
‫مكرز ‪ :‬بلى قد أجزناه لك‪ .‬قال أبو جندل ‪ :‬أي معشر المسلمين ‪ ،‬أرَدّ إلى المشركين وقد جئت‬
‫مسلما ؟ أل ترون ما قد لقيت ؟! وكان قد عُ ّذبَ عذابا شديدا في ال عز وجل‪ .‬قال عمر [بن‬
‫الخطاب] (‪ )2‬رضي ال عنه ‪ :‬فأتيت نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلت ‪ :‬ألست نبي ال حقا ؟‬
‫قال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلى"‪ .‬قلت ‪ :‬ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال ‪" :‬بلى"‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال ‪" :‬إني رسول ال ‪ ،‬ولستُ أعصيه ‪ ،‬وهو ناصري" ‪ ،‬قلت ‪:‬‬
‫أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال ‪" :‬بلى ‪ ،‬أفأخبرتك أنا نأتيه (‪ )3‬العام ؟"‬
‫قلت ‪ :‬ل قال ‪" :‬فإنك آتيه ومُطوّف به"‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت أبا بكر فقلت ‪ :‬يا أبا بكر أليس هذا نبي ال‬
‫حقا ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قلت ‪ :‬ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قلت ‪ :‬فلم نعطي‬
‫الدنية في ديننا إذا ؟ قال ‪ :‬أيها الرجل ‪ ،‬إنه رسول ال ‪ ،‬وليس يعصي ربه ‪ ،‬وهو ناصره ‪،‬‬
‫فاستمسك بغَرْزه ‪ ،‬فوال إنه على الحق‪ .‬قلت ‪ :‬أو ليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى قال ‪ :‬أفأخبرك أنك تأتيه العام ؟ قلت ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فإنك تأتيه وتطوف به‪.‬‬
‫قال الزهري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬فعملت لذلك أعمال‪ .‬قال ‪ :‬فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول (‪)4‬‬
‫ال صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪" :‬قوموا فانحروا ثم احلقوا"‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما قام منهم رجل‬
‫حتى قال ذلك ثلث مرات!! فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة ‪ ،‬فذكر لها ما لقي من الناس‬
‫‪ ،‬قالت له أم سلمة ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬أتحب ذلك ؟ اخرج ثم ل تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك‬
‫وتدعو حالقك فيحلقك ‪ ،‬فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ‪ ،‬نحر بدنه ‪ ،‬ودعا حالقه فحلقه ‪،‬‬
‫فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ‪ ،‬حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ‪ ،‬ثم‬
‫جاءه نسوة مؤمنات ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ‬
‫ُمهَاجِرَاتٍ } حتى بلغ ‪ِ { :‬ب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ } [الممتحنة ‪ .]10 :‬فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في‬
‫الشرك ‪ ،‬فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬والخرى صفوان بن أمية‪ .‬ثم رجع النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير ‪ -‬رجل من قريش ‪ -‬وهو مسلم ‪ ،‬فأرسلوا في طلبه‬
‫رجلين ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬العهد الذي جعلت لنا ‪ ،‬فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة ‪،‬‬
‫فنزلوا يأكلون من تمر لهم ‪ ،‬فقال أبو بصير لحد الرجلين ‪ :‬وال إني لرى سيفك هذا يا فلن‬
‫جيدًا ‪ ،‬فاستله الخر ‪ ،‬فقال ‪ :‬أجل! وال إنه لجيد ‪ ،‬لقد جربت منه ثم جربت ‪ ،‬فقال أبو بصير ‪:‬‬
‫أرني أنظر إليه ‪ ،‬فأمكنه منه فضربه حتى بَرَد ‪ ،‬وفَرّ الخر حتى أتى المدينة ‪ ،‬فدخل المسجد‬
‫يعدو ‪ ،‬فقال رسول ال (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم حين رآه ‪" :‬لقد رأى هذا ذُعرًا" ‪ ،‬فلما انتهى إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬حتى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬أنك تأتيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬االنبي"‪.‬‬

‫( ‪)7/353‬‬

‫قتل وال صاحبي ‪ ،‬وإني لمقتول‪ .‬فجاء أبو بصير فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد ‪ -‬وال ‪ -‬أوفى ال‬
‫سعَرُ‬
‫ذمتك ‪ ،‬قد رددتني إليهم ثم نجاني ال منهم ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ويل أمّه مِ ْ‬
‫حرب! لو كان له أحد"‪ .‬فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ‪ ،‬فخرج حتى أتى سيف البحر ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬وتفلت منهم أبو جندل بن سهل ‪ ،‬فلحق بأبي بصير ‪ ،‬فجعل ل يخرج من قريش رجل قد أسلم‬
‫إل لحق بأبي بصير ‪ ،‬حتى اجتمعت منهم عصابة ‪ ،‬فوال ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى‬
‫الشام إل اعترضوا لها فقتلوهم ‪ ،‬وأخذوا أموالهم‪ .‬فأرسلت قريش إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫تناشده ال والرحم لما أرسل إليهم ‪" :‬فمن أتاه منهم فهو آمن"‪ .‬فأرسل النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إليهم ‪ ،‬وأنزل ال عز وجل ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي َكفّ أَيْدِ َي ُهمْ عَ ْنكُ ْم وَأَيْدِ َي ُكمْ عَ ْنهُمْ بِ َبطْنِ َمكّةَ } حتى بلغ ‪:‬‬
‫حمِيّةَ ا ْلجَاهِلِيّةِ } ‪ ،‬وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه رسول ال ولم يقروا ببسم ال الرحمن‬
‫{ َ‬
‫الرحيم ‪ ،‬وحالوا بينهم وبين البيت‪.‬‬
‫هكذا ساقه البخاري هاهنا (‪ ، )1‬وقد أخرجه في التفسير ‪ ،‬وفي عمرة الحديبية ‪ ،‬وفي الحج ‪،‬‬
‫وغير ذلك من حديث معمر وسفيان بن عيينة ‪ ،‬كلهما عن الزهري ‪ ،‬به (‪ )2‬ووقع في بعض‬
‫سوَر بن [مَخْرَمة] (‪ ، )3‬عن رجال من‬
‫الماكن عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن مروان والمِ ْ‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم بذلك (‪ .)4‬وهذا أشبه وال أعلم ‪ ،‬ولم يسقه أبسط من هاهنا ‪،‬‬
‫وبينه وبين سياق ابن إسحاق تباين في مواضع ‪ ،‬وهناك فوائد ينبغي إضافتها إلى ما هاهنا ‪،‬‬
‫ولذلك سقنا تلك الرواية وهذه ‪ ،‬وال المستعان وعليه التكلن ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العزيز‬
‫الحكيم‪.‬‬
‫وقال البخاري في التفسير ‪ :‬حدثنا أحمد بن إسحاق السَّلمِي ‪ ،‬حدثنا يعلى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن‬
‫سياه ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت أبا وائل أسأله فقال ‪ :‬كنا بصفين فقال رجل ‪ :‬ألم تر‬
‫إلى الذين يدعون إلى كتاب ال ؟ فقال علي بن أبي طالب ‪ :‬نعم‪ .‬فقال سهل بن حُنَيْف ‪ :‬اتهمُوا‬
‫أنفسكم ‪ ،‬فلقد رأيتنا يوم الحديبية ‪ -‬يعني ‪ :‬الصلح الذي كان بين النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫والمشركين ‪ -‬ولو نرى قتال لقاتلنا ‪ ،‬فجاء عمر فقال ‪ :‬ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس‬
‫قتلنا في الجنة وقتلهم في النار ؟ فقال ‪" :‬بلى" قال ‪ :‬ففيم نعطي الدنية في ديننا ‪ ،‬ونرجع ولما‬
‫يحكم ال بيننا ؟ فقال ‪" :‬يا ابن الخطاب ‪ ،‬إني رسول ال ‪ ،‬ولن يضيعني ال أبدا" ‪ ،‬فرجع‬
‫متغيظا ‪ ،‬فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال ‪ :‬يا أبا بكر ‪ ،‬ألسنا على الحق وهم على الباطل ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬يا ابن الخطاب ‪ ،‬إنه رسول ال ‪ ،‬ولن يضيعه ال أبدا ‪ ،‬فنزلت سورة الفتح (‪.)5‬‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طرق أخر عن أبي وائل سفيان (‬
‫‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)2732 ، 2731‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4180‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه في أول الشروط برقم (‪.)2711‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4844‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪" :‬شقيق"‪.‬‬

‫( ‪)7/354‬‬

‫سكُمْ‬
‫جدَ ا ْلحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ َآمِنِينَ مُحَّلقِينَ رُءُو َ‬
‫َلقَ ْد صَ َدقَ اللّهُ َرسُولَهُ ال ّرؤْيَا بِا ْلحَقّ لَ َتدْخُلُنّ ا ْلمَسْ ِ‬
‫سلَ‬
‫ج َعلَ مِنْ دُونِ ذَِلكَ فَتْحًا قَرِيبًا (‪ُ )27‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫َومُ َقصّرِينَ لَا تَخَافُونَ َفعَلِمَ مَا لَمْ َتعَْلمُوا فَ َ‬
‫شهِيدًا (‪)28‬‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه َوكَفَى بِاللّهِ َ‬
‫رَسُولَهُ بِا ْل ُهدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِ ُي ْ‬

‫ابن سلمة ‪ ،‬عن سهل (‪ )1‬بن حنيف به (‪ ، )2‬وفي بعض ألفاظه ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬اتهموا الرأي ‪،‬‬
‫فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر على أن أرد على رسول ال صلى ال عليه وسلم أمره‬
‫لرددته" وفي رواية ‪ :‬فنزلت سورة الفتح ‪ ،‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عمر بن الخطاب‬
‫فقرأها عليه‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن قريشا صالحوا النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيهم سهل بن عمرو ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لعلي ‪" :‬اكتب ‪ :‬بسم‬
‫ال الرحمن الرحيم" ‪ ،‬فقال سهل ‪ :‬ل ندري ما بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬ولكن اكتب ما نعرف ‪:‬‬
‫"باسمك اللهم"‪ .‬فقال ‪" :‬اكتب من محمد رسول ال"‪ .‬قال ‪ :‬لو نعلم (‪ )3‬أنك رسول ال لتبعناك ‪،‬‬
‫ولكن اكتب ‪ :‬اسمك واسم أبيك‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اكتب ‪ :‬من محمد بن عبد ال"‪.‬‬
‫واشترطوا على النبي صلى ال عليه وسلم أن (‪ )4‬من جاء منكم لم نرده عليكم ‪ ،‬ومن جاءكم منا‬
‫رددتموه علينا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال أتكتب هذا ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬إنه من ذهب منا إليهم فأبعده ال"‪.‬‬
‫رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن عمار قال ‪ :‬حدثني سماك ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن عباس قال ‪ :‬لما خرجت الحرورية اعتزلوا ‪ ،‬فقلت لهم ‪ :‬إن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية صالح المشركين ‪ ،‬فقال لعلي ‪" :‬اكتب يا علي ‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد‬
‫رسول ال" قالوا ‪ :‬لو نعلم أنك رسول ال ما قاتلناك ‪ ،‬فقال رسول ال ‪" :‬امح يا علي ‪ ،‬اللهم إنك‬
‫تعلم أني رسولك ‪ ،‬امح يا علي ‪ ،‬واكتب ‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد بن عبد ال"‪ .‬وال لرسول ال‬
‫خير من علي ‪ ،‬وقد محا نفسه ‪ ،‬ولم يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة ‪ ،‬أخرجت من هذه ؟ قالوا ‪:‬‬
‫نعم‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث عكرمة بن عمار اليمامي ‪ ،‬بنحوه (‪.)6‬‬
‫وروى المام أحمد ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ :‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪،‬‬
‫عن الحكم ‪ ،‬عن ِمقْسَم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬نحر رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم الحديبية سبعين بدنة فيها جمل لبي جهل ‪ ،‬فلما صُدّت عن البيت حَ ّنتْ كما َتحِنّ‬
‫إلى أولدها (‪.)7‬‬
‫سكُمْ‬
‫حّلقِينَ ُرءُو َ‬
‫سجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُ َ‬
‫حقّ لَتَ ْدخُلُنّ ا ْلمَ ْ‬
‫صدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ ال ّرؤْيَا بِالْ َ‬
‫{ َلقَ ْد َ‬
‫سلَ‬
‫ج َعلَ مِنْ دُونِ ذَِلكَ فَ ْتحًا قَرِيبًا (‪ُ )27‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫َومُ َقصّرِينَ ل َتخَافُونَ َفعَلِمَ مَا َلمْ َتعَْلمُوا َف َ‬
‫شهِيدًا (‪.} )28‬‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه َوكَفَى بِاللّهِ َ‬
‫رَسُولَهُ بِا ْل ُهدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِ ُي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سهل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم ( ‪ )3182 ، 4189 ، 7308 ، 3181‬وصحيح مسلم برقم (‪)1785‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11504‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬علمنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/268‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1784‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/342‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4037‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/314‬‬

‫( ‪)7/355‬‬

‫كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أُ ِرىَ في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت فأخبر أصحابه‬
‫بذلك وهو بالمدينة ‪ ،‬فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر (‪ )1‬هذا‬
‫العام ‪ ،‬فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل ‪ ،‬وقع في‬
‫نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء ‪ ،‬حتى سأل عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في ذلك ‪،‬‬
‫فقال له فيما قال ‪ :‬أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به ؟ قال ‪" :‬بلى ‪ ،‬أفأخبرتك أنك تأتيه‬
‫(‪ )2‬عامك هذا" قال ‪ :‬ل قال ‪" :‬فإنك آتيه ومطوف به"‪ .‬وبهذا أجاب الصديق ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫سجِدَ‬
‫حقّ لَتَ ْدخُلُنّ ا ْلمَ ْ‬
‫حذْو القُذّة بالقُذّة ؛ ولهذا قال تعالى ‪َ { :‬لقَ ْد صَ َدقَ اللّهُ رَسُولَهُ ال ّرؤْيَا بِالْ َ‬
‫أيضا َ‬
‫الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ } ‪[ :‬و] (‪ )3‬هذا لتحقيق الخبر وتوكيده ‪ ،‬وليس هذا من الستثناء في شيء ‪،‬‬
‫سكُ ْم َو ُم َقصّرِينَ } ‪ ،‬حال‬
‫[وقوله] (‪ { : )4‬آمِنِينَ } أي ‪ :‬في حال دخولكم‪ .‬وقوله ‪ { :‬مُحَّلقِينَ رُءُو َ‬
‫مقدرة ؛ لنهم في حال حرمهم (‪ )5‬لم يكونوا محلقين ومقصرين ‪ ،‬وإنما كان هذا في ثاني الحال ‪،‬‬
‫كان منهم من حلق رأسه ومنهم من قصره ‪ ،‬وثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬رحم ال المحلقين" ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬رحم ال المحلقين"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬رحم ال المحلقين"‪ .‬قالوا ‪ :‬والمقصرين يا رسول ال ؟‬
‫قال ‪" :‬والمقصرين" في الثالثة أو الرابعة (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تَخَافُونَ } ‪ :‬حال مؤكدة في المعنى ‪ ،‬فأثبت لهم المن حال الدخول ‪ ،‬ونفى عنهم‬
‫الخوف حال استقرارهم في البلد ل يخافون من أحد‪ .‬وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة‬
‫سنة سبع ‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة رجع إلى المدينة‬
‫فأقام بها ذا الحجة والمحرم ‪ ،‬وخرج في صفر إلى خيبر ففتحها ال عليه بعضها عنوة وبعضها‬
‫صلحا ‪ ،‬وهي إقليم عظيم كثير النخل (‪ )7‬والزروع ‪ ،‬فاستخدم (‪ )8‬من فيها من اليهود عليها على‬
‫الشطر ‪ ،‬وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم ‪ ،‬ولم يشهدها أحد غيرهم إل الذين قدموا من الحبشة ‪،‬‬
‫جعفر بن أبي طالب وأصحابه ‪ ،‬وأبو موسى الشعري وأصحابه ‪ ،‬ولم يغب منهم أحد ‪ ،‬قال ابن‬
‫سمَاك بن خَرَشَة ‪ ،‬كما هو مقرر في موضعه ثم رجع إلى المدينة ‪ ،‬فلما كان‬
‫زيد ‪ :‬إل أبا دجانة ِ‬
‫في ذي القعدة [في] (‪ )9‬سنة سبع خرج إلى مكة معتمرا هو وأهل الحديبية ‪ ،‬فأحرم من ذي‬
‫الحليفة ‪ ،‬وساق معه الهدي ‪ ،‬قيل ‪ :‬كان ستين بدنة ‪ ،‬فلبى وسار أصحابه يلبون‪ .‬فلما كان قريبا‬
‫من مر الظهران بعث محمد بن مسلمة بالخيل والسلح أمامه ‪ ،‬فلما رآه المشركون رعبوا رعبا‬
‫شديدا ‪ ،‬وظنوا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يغزوهم ‪ ،‬وأنه قد نكث العهد الذي بينه بينهم‬
‫من وضع القتال عشر سنين ‪ ،‬وذهبوا فأخبروا أهل مكة ‪ ،‬فلما جاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فنزل بمر الظهران حيث ينظر إلى أنصاب الحرم ‪ ،‬بعث السلح من القسي والنبل والرماح‬
‫إلى بطن يأجج ‪ ،‬وسار إلى مكة بالسيف مغمدة في قربها ‪ ،‬كما شارطهم عليه‪ .‬فلما كان في أثناء‬
‫الطريق بعثت قريش ِمكْرَز‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬تتعين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬آتيه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬دخولهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1727‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1301‬من حديث عبد ال بن عمر‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬النخيل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬واستخدم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/356‬‬

‫بن حفص فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما عرفناك تنقض العهد‪ .‬قال ‪" :‬وما ذاك ؟" قال (‪ : )1‬دخلت ‪ :‬علينا‬
‫بالسلح والقسي والرماح‪ .‬فقال ‪" :‬لم يكن ذلك ‪ ،‬وقد بعثنا به إلى يأجج" ‪ ،‬فقال ‪ :‬بهذا عرفناك ‪،‬‬
‫بالبر والوفاء‪ .‬وخرجت رؤوس الكفار من مكة لئل ينظروا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم و‬
‫[ل] (‪ )2‬إلى أصحابه غيظا وحنقا ‪ ،‬وأما بقية أهل مكة من الرجال والنساء والولدان فجلسوا في‬
‫الطرق وعلى البيوت ينظرون إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬فدخلها عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬وبين يديه أصحابه يلبون ‪ ،‬والهدي قد بعثه إلى ذي طوى ‪ ،‬وهو راكب ناقته‬
‫القصواء التي كان راكبها يوم الحديبية ‪ ،‬وعبد ال بن رواحة النصاري آخذ بزمام ناقة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقودها ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫باسم الذي ل دين إل دينُه‪ ...‬باسم الذي محمدٌ رسوله‪...‬‬
‫خَلّوا بني ال ُكفّار عَنْ سَبِيله‪ ...‬اليوم نضربكم على تَأْويله‪...‬‬
‫كما ضربناكم على تنزيله‪ ...‬ضربًا يزيلُ الهام عَن َمقِيله‪...‬‬
‫ويُذْهِل الخليل عن خليله‪ ...‬قد أنزل الرحمن في تنزيله‪...‬‬
‫في صُحف تتلى على رسُوله‪ ...‬بأن خير القَتْل في سبيله‪...‬‬
‫يا رب إني مؤمن بقيله‬
‫فهذا مجموع من روايات متفرقة‪.‬‬
‫قال يونس بن بكير ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني عبد ال بن أبي بكر (‪ )3‬بن حزم قال ‪ :‬لما‬
‫دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة في عمرة القضاء ‪ ،‬دخلها وعبد ال بن رواحة آخذ‬
‫بخطام ناقته صلى ال عليه وسلم (‪ ، )4‬وهو يقول ‪:‬‬
‫خلّوا بني الكفار عن سبيله‪ ...‬إني شَهيدٌ أنه رَسُولُهُ‪...‬‬
‫خلوا فكل (‪ )5‬الخير في رسوله‪ ...‬يا رب إني مؤمن بقيله‪...‬‬
‫نحن قتلناكم على تأويله‪ ...‬كما قتلناكم على تنزيله‪...‬‬
‫ضربًا يُزيل الهام عن مقيله‪ ...‬ويذهل الخليل عن خليله‪...‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما دخل رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مكة في عمرة القضاء ‪ ،‬مشى عبد ال بن رواحة بين يديه ‪ ،‬وفي رواية‬
‫وابن رواحة آخذ بغرزه ‪ ،‬وهو يقول ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬محمد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬مشى عبد ال بن رواحة بين يديه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬وكل"‪.‬‬

‫( ‪)7/357‬‬

‫خلوا بني الكفار عن سبيله‪ ...‬قد نزل الرحمن في تنزيله‪...‬‬


‫بأن خير القتل في سبيله‪ ...‬يا رب إني مؤمن بقيله‪...‬‬
‫نحن قتلناكم على تأويله‪ ...‬كما قتلناكم على تنزيله‪...‬‬
‫ضربًا يزيل الهام عن مقيله‪ ...‬ويذهل الخليل عن خليله‪...‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن زكريا ‪ -‬عن عبد ال‬
‫طفَيْل (‪ ، )1‬عن ابن عباس ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عثمان ‪ -‬عن أبي ال ّ‬
‫وسلم لما نزل مرّ الظهران في عمرته ‪ ،‬بلغ أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم أن قريشا‬
‫[تقول] (‪ : )2‬ما يتباعثون من العَجَف‪ .‬فقال أصحابه ‪ :‬لو انتحرنا من ظهرنا ‪ ،‬فأكلنا من لحمه ‪،‬‬
‫جمَامَة‪ .‬قال ‪" :‬ل تفعلوا ‪ ،‬ولكن‬
‫وحَسَونا من مَرَقه ‪ ،‬أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا َ‬
‫اجمعوا لي (‪ )3‬من أزوادكم"‪ .‬فجمعوا له وبسطوا النطاع ‪ ،‬فأكلوا حتى تركوا وحثا كل واحد‬
‫منهم في جرابه ‪ ،‬ثم أقبل رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى دخل المسجد ‪ ،‬وقعدت قريش نحو‬
‫الحجر ‪ ،‬فاضطبع بردائه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ل يرى (‪ )4‬القوم فيكم غميرة" فاستلم الركن ثم َرمَل ‪ ،‬حتى‬
‫إذا تغيب بالركن اليماني مشى إلى الركن السود ‪ ،‬فقالت قريش ‪ :‬ما ترضون بالمشي أما إنكم‬
‫لتنقُزُون َنقْزَ الظباء ‪ ،‬ففعل ذلك ثلثة أشواط ‪ ،‬فكانت سُنّة‪ .‬قال أبو الطفيل ‪ :‬فأخبرني ابن عباس‬
‫‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع (‪.)5‬‬
‫وقال (‪ )6‬أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يونس ؛ حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫حمّى يثرب‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه مكة ‪ ،‬وقد وهنتهم ُ‬
‫‪ ،‬ولقوا منها سوءا ‪ ،‬فقال المشركون ‪ :‬إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب ‪ ،‬ولقوا منها‬
‫شرا ‪ ،‬وجلس المشركون من الناحية التي تلي الحجر ‪ ،‬فأطلع ال نبيه صلى ال عليه وسلم على‬
‫ما قالوا ‪ ،‬فأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم [أصحابه] (‪ )7‬أن يرملوا الشواط الثلثة ؛ ليرى‬
‫المشركون جلدهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فرملوا ثلثة أشواط ‪ ،‬وأمرهم أن يمشوا بين الركنين حيث ل يراهم‬
‫المشركون ‪ ،‬ولم يمنع النبي صلى ال عليه وسلم أن يرملوا الشواط كلها إل إبقاء عليهم ‪ ،‬فقال‬
‫المشركون ‪ :‬أهؤلء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم ؟ هؤلء أجلد من كذا وكذا‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث حماد بن زيد ‪ ،‬به (‪ )8‬وفي لفظ ‪ :‬قدم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه صبيحة رابعة ‪ ،‬أي من ذي القعدة ‪ ،‬فقال المشركون ‪ :‬إنه يقدم عليكم وفد قد‬
‫وهنتهم حمى يثرب ‪ ،‬فأمرهم النبي صلى ال عليه وسلم أن يرملوا الشواط الثلثة ‪ ،‬ولم يمنعهم‬
‫أن يرملوا الشواط كلها إل البقاء عليهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى المام أحمد بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من تن أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬إلي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أل ترى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)1/305‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )1/295‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4256‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2266‬‬

‫( ‪)7/358‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬وزاد ابن سلمة ‪ -‬يعني حماد بن سلمة ‪ -‬عن أيوب ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس قال ‪ :‬لما قدم النبي صلى ال عليه وسلم لعامه الذي استأمن قال ‪" :‬ارملوا"‪ .‬ليري‬
‫المشركون قوتهم ‪ ،‬والمشركون من قبل قعيقعان‪.‬‬
‫وحدثنا محمد ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫إنما سعى النبي صلى ال عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة ‪ ،‬ليرى المشركون قوته (‪.)1‬‬
‫ورواه في مواضع أخر ‪ ،‬ومسلم والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬سمع ابن أبي‬
‫أوفى يقول ‪ :‬لما اعتمر رسول ال صلى ال عليه وسلم سترناه من غلمان المشركين ومنهم ؛ أن‬
‫يؤذوا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬انفرد به البخاري دون مسلم (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن رافع ‪ ،‬حدثنا سريج بن النعمان ‪ ،‬حدثنا فليح ‪ ،‬وحدثني‬
‫محمد بن الحسين بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أبي حدثنا فليح بن سليمان ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج معتمرا ‪ ،‬فحال كفار قريش بينه وبين البيت ‪ ،‬فنحر هديه‬
‫وحلق رأسه بالحديبية ‪ ،‬وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ‪ ،‬ول يحمل سلحا عليهم إل‬
‫سيوفا ‪ ،‬ول يقيم بها إل ما أحبوا‪ .‬فاعتمر من العام المقبل ‪ ،‬فدخلها كما كان صالحهم ‪ ،‬فلما أن‬
‫قام بها ثلثا ‪ ،‬أمروه أن يخرج فخرج‪.‬‬
‫وهو في صحيح مسلم أيضا (‪.)5‬‬
‫وقال البخاري أيضا ‪ :‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن البراء ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬اعتمر النبي صلى ال عليه وسلم في ذي القعدة ‪ ،‬فأبى أهل مكة أن يَدَعوه يدخل مكة حتى‬
‫قاضاهم على أن يقيم بها ثلثة أيام ‪ ،‬فلما كتبوا الكتاب كتبوا ‪" :‬هذا ما قاضانا عليه محمد رسول‬
‫ال"‪ .‬قالوا ‪ :‬ل نقر بهذا ‪ ،‬ولو نعلم أنك رسول ال ما منعناك شيئًا ‪ ،‬ولكن أنت محمد بن عبد ال‪.‬‬
‫قال ‪" :‬أنا رسول ال ‪ ،‬وأنا محمد بن عبد ال"‪ .‬ثم قال لعلي بن أبي طالب ‪" :‬امح رسول ال"‪ .‬قال‬
‫‪ :‬ل وال ل أمحوك أبدا‪ .‬فأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم الكتاب ‪ ،‬وليس يحسن يكتب ‪،‬‬
‫فكتب ‪" :‬هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد ال ‪ :‬ل يدخل مكة السلح إل السيف في القراب ‪ ،‬وأل‬
‫يخرج من أهلها بأحد أراد أن يتبعه ‪ ،‬وأل يمنع من أصحابه أحدا إن أراد أن يقيم بها" فلما دخلها‬
‫ومضى الجل ‪ ،‬أتوا عليا فقالوا ‪ :‬قل لصاحبك ‪ :‬اخرج عنا فقد مضى الجل ‪ ،‬فخرج النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم فتبعته ابنة حمزة تنادي ‪ :‬يا عم ‪ ،‬يا عم‪ .‬فتناولها علي فأخذ بيدها ‪ ،‬وقال لفاطمة ‪:‬‬
‫دونك ابنة عمك فحملتها ‪ ،‬فاختصم فيها علي وزيد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.42579‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )1649‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1266‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪.39739‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4255‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4252‬‬
‫( ‪)7/359‬‬

‫وجعفر ‪ ،‬فقال عليّ ‪ :‬أنا أخذتها وهي ابنة عمي ‪ ،‬وقال جعفر ‪ :‬ابنة عمي وخالتها تحتي ‪ ،‬وقال‬
‫زيد ‪ :‬ابنة أخي ‪ ،‬فقضى بها النبي صلى ال عليه وسلم لخالتها ‪ ،‬وقال ‪" :‬الخالة بمنزلة الم" ‪،‬‬
‫وقال لعلي ‪" :‬أنت مني وأنا منك" وقال لجعفر ‪" :‬أشبهت خلقي وخلقي" وقال لزيد ‪" :‬أنت أخونا‬
‫ومولنا" قال علي ‪ :‬أل تتزوج ابنة حمزة ؟ قال ‪" :‬إنها ابنة أخي من الرضاعة" انفرد به من هذا‬
‫الوجه (‪.)1‬‬
‫ج َعلَ مِنْ دُونِ ذَِلكَ فَتْحًا قَرِيبًا } أي ‪ :‬فعلم ال تعالى من الخيرة‬
‫وقوله ‪َ { :‬فعَلِمَ مَا لَمْ َتعَْلمُوا فَ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ دُونِ‬
‫والمصلحة في صرفكم عن مكة ودخولكم إليها عامكم ذلك ما لم تعلموا أنتم ‪ { ،‬فَ َ‬
‫ذَِلكَ } أي ‪ :‬قبل دخولكم الذي وعدتم به في رؤيا النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { ،‬فَتْحًا قَرِيبًا } ‪:‬‬
‫وهو الصلح الذي كان بينكم وبين أعدائكم من المشركين‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ ،‬مبشرا للمؤمنين بنصرة الرسول صلوات ال [وسلمه] (‪ )2‬عليه على عدوه وعلى‬
‫حقّ } أي ‪ :‬بالعلم النافع والعمل‬
‫سلَ رَسُولَهُ بِا ْلهُدَى َودِينِ الْ َ‬
‫سائر أهل الرض ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَ ْر َ‬
‫الصالح ؛ فإن الشريعة تشتمل على شيئين ‪ :‬علم وعمل ‪ ،‬فالعلم الشرعي صحيح ‪ ،‬والعمل‬
‫علَى الدّينِ كُلّهِ } أي ‪ :‬على أهل‬
‫ظهِ َرهُ َ‬
‫الشرعي مقبول ‪ ،‬فإخباراتها حق وإنشاءاتها عدل ‪ { ،‬لِ ُي ْ‬
‫جميع الديان من سائر أهل الرض ‪ ،‬من عرب وعجم ومليين (‪ )3‬ومشركين ‪َ { ،‬و َكفَى بِاللّهِ‬
‫شهِيدًا } أي ‪ :‬أنه رسوله ‪ ،‬وهو ناصره‪.‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4251‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬مسلمين"‪.‬‬

‫( ‪)7/360‬‬

‫حمَاءُ بَيْ َن ُهمْ تَرَا ُهمْ ُر ّكعًا سُجّدًا يَبْ َتغُونَ َفضْلًا مِنَ‬
‫حمّدٌ َرسُولُ اللّ ِه وَالّذِينَ َمعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ‬
‫مُ َ‬
‫ضوَانًا سِيمَا ُهمْ فِي ُوجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَِلكَ مَثَُلهُمْ فِي ال ّتوْرَا ِة َومَثَُلهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ‬
‫اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫جبُ الزّرّاعَ لِ َيغِيظَ ِبهِمُ ا ْل ُكفّا َر وَعَدَ اللّهُ‬
‫شطَْأهُ فَآَزَ َرهُ فَاسْ َتغَْلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُوقِهِ ُيعْ ِ‬
‫كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ‬
‫عظِيمًا (‪)29‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْن ُهمْ َمغْفِ َر ًة وَأَجْرًا َ‬
‫الّذِينَ َآمَنُوا وَ َ‬

‫سجّدًا يَبْ َتغُونَ َفضْل‬


‫حمَاءُ بَيْ َنهُمْ تَرَاهُمْ ُر ّكعًا ُ‬
‫حمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ َمعَهُ َأشِدّاءُ عَلَى ا ْلكُفّارِ ُر َ‬
‫{ ُم َ‬
‫ضوَانًا سِيمَا ُهمْ فِي ُوجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَِلكَ مَثَُلهُمْ فِي ال ّتوْرَا ِة َومَثَُلهُمْ فِي النْجِيلِ‬
‫مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫جبُ الزّرّاعَ لِ َيغِيظَ ِبهِمُ ا ْل ُكفّا َر وَعَدَ اللّهُ‬
‫شطَْأهُ فَآزَ َرهُ فَاسْ َتغَْلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُوقِهِ ُيعْ ِ‬
‫كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ‬
‫عظِيمًا (‪} )29‬‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْن ُهمْ َمغْفِ َر ًة وَأَجْرًا َ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫حمّدٌ‬
‫يخبر تعالى عن محمد صلوات ال عليه (‪ ، )1‬أنه رسوله حقا بل شك ول ريب ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬م َ‬
‫رَسُولُ اللّهِ } ‪ ،‬وهذا مبتدأ وخبر ‪ ،‬وهو مشتمل على كل وصف جميل ‪ ،‬ثم ثنى بالثناء على‬
‫س ْوفَ يَأْتِي‬
‫حمَاءُ بَيْ َنهُمْ } ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَ َ‬
‫علَى ا ْل ُكفّارِ رُ َ‬
‫شدّاءُ َ‬
‫أصحابه فقال ‪ { :‬وَالّذِينَ َمعَهُ أَ ِ‬
‫اللّهُ ِب َقوْمٍ ُيحِ ّبهُ ْم وَيُحِبّونَهُ أَذِلّةٍ عَلَى ا ْل ُمؤْمِنِينَ أَعِ ّزةٍ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [المائدة ‪ ]54 :‬وهذه صفة‬
‫المؤمنين أن يكون أحدهم شديدا عنيفًا على الكفار ‪ ،‬رحيما برًا بالخيار ‪ ،‬غضوبًا عبوسًا في وجه‬
‫الكافر ‪ ،‬ضحوكا بشوشًا في وجه أخيه المؤمن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الّذِينَ‬
‫غلْظَةً } [التوبة ‪ ، ]123 :‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثل‬
‫يَلُو َنكُمْ مِنَ ا ْل ُكفّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ ِ‬
‫المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا اشتكى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم" وفي م ‪" :‬صلوات ال وسلمه عليه"‪.‬‬

‫( ‪)7/360‬‬

‫منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسّهر" (‪ ، )1‬وقال ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد‬
‫بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه (‪ )2‬كل الحديثين في الصحيح‪.‬‬
‫سجّدًا يَبْ َتغُونَ َفضْل مِنَ اللّهِ وَ ِرضْوَانًا } ‪ :‬وصفهم بكثرة العمل وكثرة (‪)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تَرَاهُمْ ُر ّكعًا ُ‬
‫الصلة ‪ ،‬وهي خير العمال ‪ ،‬ووصفهم بالخلص فيها ل ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬والحتساب عند ال‬
‫جزيل الثواب ‪ ،‬وهو الجنة (‪ )4‬المشتملة على فضل ال ‪ ،‬وهو سعة الرزق عليهم ‪ ،‬ورضاه ‪،‬‬
‫ضوَانٌ مِنَ اللّهِ َأكْبَرُ } [التوبة ‪.]72 :‬‬
‫تعالى ‪ ،‬عنهم وهو أكبر من الول ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ِر ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫{ سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِمْ } يعني ‪ :‬السمت الحسن‪.‬‬
‫وقال مجاهد وغير واحد ‪ :‬يعني ‪ :‬الخشوع والتواضع‪.‬‬
‫جعْفي ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافسي ‪ ،‬حدثنا حسين ال َ‬
‫زائدة (‪ ، )5‬عن منصور عن مجاهد ‪ { :‬سِيمَاهُمْ فِي وُجُو ِههِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } قال ‪ :‬الخشوع‬
‫قلت ‪ :‬ما كنت أراه إل هذا الثر في الوجه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من‬
‫فرعون‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬الصلة تحسن وجوههم‪.‬‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬من كثرت صلته بالليل حسن وجهه بالنهار‪.‬‬
‫وقد أسنده ابن ماجه في سننه ‪ ،‬عن إسماعيل بن محمد الطّلْحي ‪ ،‬عن ثابت بن موسى ‪ ،‬عن‬
‫شريك ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬من كَثُ َرتْ صلته بالليل حسن وجهه بالنهار" والصحيح أنه موقوف (‪.)7‬‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬إن للحسنة نورا في القلب ‪ ،‬وضياء في الوجه ‪ ،‬وسعة في الرزق ‪ ،‬ومحبة في‬
‫قلوب الناس‪.‬‬
‫صفَحَات وجهه ‪ ،‬وفَلتَات‬
‫وقال أمير المؤمنين عثمان ‪ :‬ما أسر أحد سريرة إل أبداها ال على َ‬
‫لسانه‪.‬‬
‫والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه ‪ ،‬فالمؤمن إذا كانت سريرته‬
‫صحيحة مع ال أصلح ال ظاهره للناس ‪ ،‬كما روي عن عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه‬
‫قال ‪ :‬من أصلح سريرته أصلح ال علنيته‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا محمود بن محمد المروزي ‪ ،‬حدثنا حامد بن آدم المروزي ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3011‬ومسلم فس صحيحه برقم (‪ )2586‬من حديث‬
‫النعمان بن بشير رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )481‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2585‬من حديث أبي‬
‫موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬وذكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬المحبة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬المحبة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬عن النبي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن ابن ماجة برقم (‪.)1333‬‬

‫( ‪)7/361‬‬

‫حدثنا الفضل بن موسى ‪ ،‬عن محمد بن عبيد ال العَرْزَمي ‪ ،‬عن سلمة بن ُكهَيْل (‪ ، )1‬عن جُنْدَب‬
‫بن سفيان ال َبجَلي قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما أسر أحد سريرة إل ألبسه ال رداءها‬
‫‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر" ‪ ،‬العرزمي متروك (‪.)2‬‬
‫وقال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن (‪ )4‬موسى ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا دراج ‪ ،‬عن أبي‬
‫الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬لو أن أحدكم يعمل في‬
‫صخرة صماء ليس لها باب ول كوة ‪ ،‬لخرج عمله للناس كائنا ما (‪ )5‬كان" (‪.)6‬‬
‫وقال (‪ )7‬المام أحمد [أيضا] (‪ : )8‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا زُهَيْر ‪ ،‬حدثنا قابوس بن أبي ظَبْيَان ‪ :‬أن‬
‫أباه حدثه عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬إن الهدي الصالح ‪ ،‬والسمت‬
‫الصالح ‪ ،‬والقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة" ورواه أبو داود عن عبد ال بن‬
‫محمد النفيلي ‪ ،‬عن زهير ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫فالصحابة [رضي ال عنهم] (‪ )10‬خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم ‪ ،‬فكل من نظر إليهم أعجبوه‬
‫في سمتهم وهديهم‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون ‪:‬‬
‫"وال لهؤلء خير من الحواريين فيما بلغنا"‪ .‬وصدقوا في ذلك ‪ ،‬فإن هذه المة معظمة في الكتب‬
‫المتقدمة ‪ ،‬وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد نوه ال بذكرهم في‬
‫الكتب المنزلة والخبار المتداولة (‪ )11‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬ذَِلكَ مَثَُلهُمْ فِي ال ّتوْرَاةِ } ‪ُ ،‬ثمّ قَالَ ‪{ :‬‬
‫شطَْأهُ ] }‬
‫شطَْأهُ [فَآزَ َرهُ فَاسْ َتغَْلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُوقِهِ } ‪َ { :‬أخْرَجَ َ‬
‫َومَثَُلهُمْ فِي ال ْنجِيلِ كَزَ ْرعٍ َأخْرَجَ َ‬
‫(‪ )12‬أي ‪ :‬فراخه ‪ { ،‬فَآزَ َرهُ } أي ‪ :‬شده { فَاسْ َتغْلَظَ } أي ‪ :‬شب وطال ‪ { ،‬فَاسْ َتوَى عَلَى سُوقِهِ‬
‫جبُ الزّرّاعَ } أي ‪ :‬فكذلك أصحاب محمد صلى ال عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه‬
‫ُيعْ ِ‬
‫كالشطء مع الزرع ‪ { ،‬لِ َيغِيظَ ِب ِهمُ ا ْل ُكفّارَ }‪.‬‬
‫ومن هذه الية انتزع المام مالك ‪ -‬رحمه ال ‪ ،‬في رواية عنه ‪ -‬بتكفير الروافض الذين‬
‫يبغضون الصحابة ‪ ،‬قال ‪ :‬لنهم يغيظونهم ‪ ،‬ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الية‪ .‬ووافقه‬
‫طائفة من العلماء على ذلك‪ .‬والحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة‬
‫كثيرة (‪ ، )13‬ويكفيهم ثناء ال عليهم ‪ ،‬ورضاه عنهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى أبو القاسم الطبراني بإسناده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الكبير (‪ )2/171‬وحامد بن آدم كذاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/28‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )1/296‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4776‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬المقدسة"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )13‬في م ‪" :‬كبيرة"‪.‬‬
‫( ‪)7/362‬‬

‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِ ْن ُهمْ } من" هذه لبيان الجنس ‪َ { ،‬مغْفِ َرةً } أي‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَعَدَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫عظِيمًا } أي ‪ :‬ثوابا جزيل ورزقا كريما ‪ ،‬ووعد ال حق وصدق ‪ ،‬ل يخلف‬
‫‪ :‬لذنوبهم‪ { .‬وَأَجْرًا َ‬
‫ول يبدل ‪ ،‬وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم ‪ ،‬ولهم الفضل والسبق والكمال الذي ل‬
‫يلحقهم فيه أحد من هذه المة ‪ ،‬رضي ال عنهم وأرضاهم ‪ ،‬وجعل جنات الفردوس مأواهم (‪، )1‬‬
‫وقد فعل‪.‬‬
‫قال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا يحيى بن يحيى ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي صالح‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تسبوا أصحابي ‪ ،‬فوالذي نفسي‬
‫بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبا ما أدرك مد أحدهم ول نصيفه" (‪.)2‬‬
‫آخر تفسير سورة الفتح ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬مثواهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2540‬‬

‫( ‪)7/363‬‬

‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديِ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ أَنْ َتحْبَطَ‬
‫جهْرِ َب ْع ِ‬
‫جهَرُوا َلهُ بِا ْل َقوْلِ كَ َ‬
‫ي وَلَا َت ْ‬
‫ص ْوتِ النّ ِب ّ‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫َآمَنُوا لَا تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫صوَا َتهُمْ عِنْدَ َرسُولِ اللّهِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ امْ َتحَنَ اللّهُ‬
‫شعُرُونَ (‪ )2‬إِنّ الّذِينَ َي ُغضّونَ َأ ْ‬
‫عمَاُلكُ ْم وَأَنْتُمْ لَا تَ ْ‬
‫أَ ْ‬
‫عظِيمٌ (‪)3‬‬
‫قُلُو َبهُمْ لِل ّت ْقوَى َلهُمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ َ‬

‫تفسير سورة الحجرات‬


‫وهي مدنية (‪.)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمِيعٌ عَلِيمٌ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديِ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ أَنْ‬
‫جهْرِ َب ْع ِ‬
‫جهَرُوا َلهُ بِا ْلقَ ْولِ كَ َ‬
‫ص ْوتِ النّ ِبيّ وَل تَ ْ‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫صوَا َتهُمْ عِ ْندَ رَسُولِ اللّهِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ‬
‫شعُرُونَ (‪ )2‬إِنّ الّذِينَ َي ُغضّونَ َأ ْ‬
‫عمَاُلكُ ْم وَأَنْتُمْ ل َت ْ‬
‫تَحْ َبطَ أَ ْ‬
‫امْتَحَنَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ لِل ّت ْقوَى َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (‪} )3‬‬
‫هذه آداب (‪ ، )2‬أدب ال بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى ال عليه وسلم من‬
‫التوقير والحترام والتبجيل والعظام ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديِ اللّهِ‬
‫وَرَسُولِهِ [وَا ّتقُوا اللّهَ ] } (‪ ، )3‬أي ‪ :‬ل تسرعوا في الشياء بين يديه ‪ ،‬أي ‪ :‬قبله ‪ ،‬بل كونوا تبعا‬
‫له في جميع المور ‪ ،‬حتى يدخل في عموم هذا الدب الشرعي حديث معاذ ‪[ ،‬إذ] (‪ )4‬قال له‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن ‪" :‬بم تحكم ؟" قال ‪ :‬بكتاب ال‪ .‬قال ‪" :‬فإن لم‬
‫تجد ؟" قال ‪ :‬بسنة رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬فإن لم تجد ؟" قال ‪ :‬أجتهد رأيي ‪ ،‬فضرب في صدره وقال‬
‫‪" :‬الحمد ل الذي وفق رسولَ رسولِ ال ‪ ،‬لما يرضي رسول ال"‪.‬‬
‫وقد رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬وابن ماجه (‪ .)5‬فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره‬
‫واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ‪ ،‬ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي‬
‫ال ورسوله‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديِ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } ‪ :‬ل تقولوا خلف‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي عنه ‪ :‬نهى (‪ )6‬أن يتكلموا بين يدي كلمه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ل تفتاتوا على رسول ال صلى ال عليه وسلم بشيء ‪ ،‬حتى يقضي ال على لسانه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ل تقضوا أمرا دون ال ورسوله من شرائع دينكم‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ { :‬ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديِ اللّ ِه وَرَسُولِهِ } بقول ول فعل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وهي مدنية ثمان عشرة آية"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬آيات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬حيث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سبق الكلم عليه في مقدمة الكتاب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نهوا"‪.‬‬

‫( ‪)7/364‬‬

‫وقال الحسن البصري ‪ { :‬ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديِ اللّهِ وَرَسُولِهِ } قال ‪ :‬ل تدعوا قبل المام‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون ‪ :‬لو أنزل في كذا كذا ‪ ،‬وكذا لو صنع كذا ‪ ،‬فكره ال‬
‫ذلك ‪ ،‬وتقدم فيه‪.‬‬
‫سمِيعٌ } أي ‪ :‬لقوالكم { عَلِيمٌ } بنياتكم‪.‬‬
‫{ وَا ّتقُوا اللّهَ } أي ‪ :‬فيما أمركم به ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫ص ْوتِ النّ ِبيّ } ‪ :‬هذا أدب ثان أدب ال به‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫المؤمنين أل يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى ال عليه وسلم [فوق صوته] (‪ .)1‬وقد روي‬
‫أنها نزلت في الشيخين أبي بكر وعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا بسرة بن صفوان اللخمي ‪ ،‬حدثنا نافع بن عمر ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَ ْيكَة قال ‪:‬‬
‫كاد الخيّران أن يهلكا ‪ ،‬أبو بكر وعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬رفعا أصواتهما عند النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم ‪ ،‬فأشار أحدهما بالقرع بن حابس أخي بني مجاشع ‪،‬‬
‫وأشار الخر برجل آخر ‪ -‬قال نافع ‪ :‬ل أحفظ اسمه ‪ -‬فقال أبو بكر لعمر ‪ :‬ما أردت إل خلفي‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ما أردت خلفك‪ .‬فارتفعت أصواتهما في ذلك ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ } الية ‪ ،‬قال ابن الزبير ‪:‬‬
‫جهْرِ َب ْع ِ‬
‫جهَرُوا لَهُ بِا ْل َق ْولِ َك َ‬
‫ي وَل تَ ْ‬
‫ص ْوتِ النّ ِب ّ‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫َأ ْ‬
‫فما كان عمر يسمعُ رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد هذه الية حتى يستفهمه ‪ ،‬ولم يذكر ذلك‬
‫عن أبيه ‪ :‬يعني أبا بكر رضي ال عنه‪ .‬انفرد به دون مسلم (‪.)2‬‬
‫حجّاج ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬حدثني ابن أبي مليكة ‪:‬‬
‫ثم قال البخاري ‪ :‬حدثنا حسن بن محمد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫أن عبد ال بن الزبير أخبره ‪ :‬أنه قَدم ركب من بني تميم على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫أبو بكر ‪ :‬أم ّر القعقاعَ بن َمعْبد‪ .‬وقال عمر ‪ :‬بل أمرّ القرع بن حابس ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬ما أردت‬
‫إلى ‪ -‬أو ‪ :‬إل ‪ -‬خلفي‪ .‬فقال عمر ‪ :‬ما أردتُ خلفَك ‪ ،‬فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما ‪ ،‬فنزلت‬
‫في ذلك ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديِ اللّ ِه وَرَسُوِلهِ } ‪ ،‬حتى انقضت الية ‪ { ،‬وََلوْ‬
‫أَ ّنهُ ْم صَبَرُوا حَتّى َتخْرُجَ إِلَ ْيهِمْ } الية [الحجرات ‪.]5 :‬‬
‫وهكذا رواه هاهنا منفردا به أيضا (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا الفضل بن سهل ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪،‬‬
‫عمَر ‪ ،‬عن مُخَارق ‪ ،‬عن طارق بن شهاب ‪ ،‬عن أبى بكر الصديق قال ‪ :‬لما‬
‫حدثنا حصين بن ُ‬
‫ص ْوتِ النّ ِبيّ } ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا رسول‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫نزلت هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫ال ‪ ،‬وال ل أكلمك إل كأخي السّرار (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4845‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4847‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪" )2257‬كشف الستار" وقال ‪" :‬ل نعلمه يروى متصل إل عن أبي بكر ‪،‬‬
‫وحصين حدث بأحاديث لم يتابع عليها ‪ ،‬ومخارق مشهور ‪ ،‬ومن عداه أجلء"‪.‬‬

‫( ‪)7/365‬‬

‫حصين بن عمر هذا ‪ -‬وإن كان ضعيفًا ‪ -‬لكن قد رويناه من حديث عبد الرحمن بن عوف ‪،‬‬
‫وأبي هريرة [رضي ال عنه] (‪ )1‬بنحو ذلك ‪ ،‬وال أعلم (‪.)2‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا أزهر بن سعد ‪ ،‬أخبرنا ابن عون ‪ ،‬أنبأني موسى‬
‫بن أنس (‪ ، )3‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن النبي صلى ال عليه وسلم افتقد ثابت بن‬
‫قيس ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنا أعلم لك علمه‪ .‬فأتاه فوجده في بيته مُ َنكّسًا رأسه ‪ ،‬فقال له‬
‫‪ :‬ما شأنك ؟ فقال ‪ :‬شر ‪ ،‬كان يَ ْرفَعُ صوته فوق صوت النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقد حبط‬
‫عمله ‪ ،‬فهو من أهل النار‪ .‬فأتى الرجل النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا ‪ ،‬قال‬
‫موسى ‪ :‬فرجع إليه المرة الخرة ببشارة عظيمة فقال ‪" :‬اذهب إليه فقل له ‪ :‬إنك لست من أهل‬
‫النار ‪ ،‬ولكنك من أهل الجنة" تفرد به البخاري من هذا الوجه (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا (‪ )5‬سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬لما‬
‫ص ْوتِ النّ ِبيّ } إلى ‪ { :‬وَأَنْ ُت ْم ل‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫نزلت هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫شعُرُونَ } ‪ ،‬وكان ثابت بن قيس بن الشماس رفيع الصوت فقال ‪ :‬أنا الذي كنت أرفع صوتي‬
‫تَ ْ‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم حبط عملي ‪ ،‬أنا من أهل النار ‪ ،‬وجلس في أهله حزينا ‪،‬‬
‫ففقده رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له ‪ :‬تفقدك رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬ما لك ؟ قال ‪ :‬أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وأجهر له بالقول حبط عملي ‪ ،‬أنا من أهل النار‪ .‬فأتوا النبي صلى ال عليه وسلم فأخبروه بما قال‬
‫‪ ،‬فقال ‪" :‬ل بل هو من أهل الجنة"‪ .‬قال أنس ‪ :‬فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ‪ ،‬ونحن نعلم أنه من‬
‫أهل الجنة‪ .‬فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض النكشاف ‪ ،‬فجاء ثابت بن قيس بن شماس ‪ ،‬وقد‬
‫تحنط ولبس كفنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬بئسما تُعوّدون أقرانكم‪ .‬فقاتلهم حتى قُتل (‪.)7( )6‬‬
‫وقال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫ثابت البُناني ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ ْر َفعُوا‬
‫ص ْوتِ النّ ِبيّ } إلى آخر الية ‪ ،‬جلس ثابت في بيته ‪ ،‬قال ‪ :‬أنا من أهل النار‪.‬‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫َأ ْ‬
‫واحتبس عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال (‪ )8‬النبي صلى ال عليه وسلم لسعد بن معاذ ‪" :‬يا‬
‫أبا عمرو ‪ ،‬ما شأن ثابت ؟ أشتكى ؟" فقال سعد ‪ :‬إنه لجاري ‪ ،‬وما علمت له بشكوى‪ .‬قال ‪ :‬فأتاه‬
‫سعد فذكر له قول رسول ال (‪ )9‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ثابت ‪ :‬أُنزلَت هذه الية ‪ ،‬ولقد‬
‫علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأنا من أهل النار‪ .‬فذكر ذلك‬
‫سعد للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بل ‪ ،‬هو من أهل‬
‫الجنة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أما حديث أبي هريرة فرواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/462‬من طريق محمد بن عمرو عن‬
‫أبي سلمة عنه ‪ ،‬وقال ‪" :‬صحيح السناد على شرط مسلم ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى البخاري بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4846‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬ابن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬حتى قتل رحمه ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)3/137‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬فسأل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬النبي"‪.‬‬

‫( ‪)7/366‬‬

‫ثم رواه مسلم عن أحمد بن سعيد (‪ )1‬الدارمي ‪ ،‬عن حَيّان بن هلل ‪ ،‬عن سليمان بن المغيرة ‪،‬‬
‫به ‪ ،‬قال ‪ :‬ولم يذكر سعد بن معاذ‪ .‬وعن قطن بن نُسَير عن جعفر بن سليمان (‪ ، )2‬عن ثابت ‪،‬‬
‫عن أنس بنحوه‪ .‬وقال ‪ :‬ليس فيه ذكر سعد بن معاذ‪.‬‬
‫حدثنا هُرَيم (‪ )3‬بن عبد العلى السدي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪ ،‬سمعت أبي يذكر ‪ ،‬عن‬
‫ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ ،‬واقتص الحديث ‪ ،‬ولم يذكر سعد بن معاذ ‪ ،‬وزاد ‪:‬‬
‫فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رَجلٌ من أهل الجنة‪.)4( .‬‬
‫فهذه الطرق الثلث ُمعَلّلة لرواية حماد بن سلمة ‪ ،‬فيما تفرد به من ذكر سعد بن معاذ‪ .‬والصحيح‬
‫‪ :‬أن حال نزول هذه الية لم يكن سعد بن معاذ موجودًا ؛ لنه كان قد مات بعد بني قريظة بأيام‬
‫قلئل سنة خمس ‪ ،‬وهذه الية نزلت في وفد بني تميم ‪ ،‬والوفود إنما تواتروا في سنة تسع من‬
‫الهجرة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا زيد بن الحُبَاب ‪ ،‬حدثنا أبو ثابت بن ثابت بن قيس بن‬
‫شمّاس ‪ ،‬حدثني عمي إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما نزلت‬
‫جهَرُوا لَهُ بِا ْل َق ْولِ } قال ‪ :‬قعد ثابت بن‬
‫ي وَل تَ ْ‬
‫ص ْوتِ النّ ِب ّ‬
‫ق َ‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْ َ‬
‫هذه الية ‪ { :‬ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫قيس (‪ )5‬في الطريق يبكي ‪ ،‬قال ‪ :‬فمر به عاصم بن عدي من بني العَجلن ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يبكيك يا‬
‫ثابت ؟ قال ‪ :‬هذه الية ‪ ،‬أتخوف أن تكون نزلت فيّ وأنا صيت ‪ ،‬رفيع الصوت‪ .‬قال ‪ :‬فمضى‬
‫عاصم بن عدي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬وغلبه البكاء ‪ ،‬فأتى امرأته جميلة ابنة‬
‫عبد ال بن أبي بن سلول فقال لها ‪ :‬إذا دخلتُ بيت فَرَسي فشدّي عََليّ الضبّة بمسمار فضربته‬
‫بمسمار حتى إذا خرج عطفه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أخرج حتى يتوفاني ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أو يرضى عني‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وأتى عاصم رسولَ ال صلى ال عليه وسلم فأخبره‬
‫خبره ‪ ،‬فقال ‪" :‬اذهب فادعه لي"‪ .‬فجاء عاصم إلى المكان فلم يجده ‪ ،‬فجاء إلى أهله فوجده في‬
‫بيت الفَرَس ‪ ،‬فقال له ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعوك‪ .‬فقال ‪ :‬اكسر الضبة‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فخرجا فأتيا (‪ )6‬النبي صلى ال عليه وسلم فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما يبكيك يا‬
‫صوَا َتكُمْ َفوْقَ‬
‫ثابت ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬أنا صيت وأتخوف أن تكون هذه الية نزلت في ‪ { :‬ل تَ ْر َفعُوا َأ ْ‬
‫جهَرُوا لَهُ بِا ْل َق ْولِ }‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما ترضى أن‬
‫ي وَل َت ْ‬
‫صوْتِ النّ ِب ّ‬
‫َ‬
‫َتعِيش حَميدًا ‪ ،‬وتقتل شهيدا ‪ ،‬وتدخل الجنة ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬رضيت ببشرى ال ورسوله صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ول أرفع صوتي أبدا على صوت النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ال ‪ { :‬إِنّ‬
‫صوَا َتهُمْ عِنْدَ َرسُولِ اللّهِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ لِل ّت ْقوَى } (‪)8( .)7‬‬
‫الّذِينَ َي ُغضّونَ َأ ْ‬
‫وقد ذكر هذه القصة غير واحد من التابعين كذلك ‪ ،‬فقد نهى ال عز وجل ‪ ،‬عن رفع الصوات‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬هدبة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)119‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ثابت بن قيس بن شماس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬حتى أتيا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪ :‬بعدها ‪ " :‬لهم مغفرة وأجر عظيم " بدل "الية"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)26/75‬‬

‫( ‪)7/367‬‬

‫ن وَرَاءِ ا ْلحُجُرَاتِ َأكْثَرُ ُهمْ لَا َي ْعقِلُونَ (‪)4‬‬


‫إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬

‫بحضرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب [رضي‬
‫ال عنه] (‪ )1‬أنه سمع صَوت رجلين في مسجد رسول ال (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم قد ارتفعت‬
‫أصواتهما ‪ ،‬فجاء ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتدريان أين أنتما ؟ ثم قال ‪ :‬مِن أين أنتما ؟ قال من أهل الطائف‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬لو كنتما من أهل المدينة لوجعتكما ضربا (‪.)3‬‬
‫وقال العلماء ‪ :‬يكره رفع الصوت عند قبره ‪ ،‬كما كان يكره في حياته ؛ لنه محترم حيا وفي قبره‬
‫‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه (‪ ، )4‬دائما‪ .‬ثم نهى عن الجهر له بالقول كما يجهر الرجل لمخاطبه‬
‫جهْرِ‬
‫جهَرُوا لَهُ بِا ْلقَ ْولِ كَ َ‬
‫ممن عداه ‪ ،‬بل يخاطب بسكينة ووقار وتعظيم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَل تَ ْ‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا } [النور ‪:‬‬
‫جعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْ َن ُكمْ كَدُعَاءِ َب ْع ِ‬
‫ضكُمْ لِ َب ْعضٍ } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬ل َت ْ‬
‫َب ْع ِ‬
‫‪.]63‬‬
‫شعُرُونَ } أي ‪ :‬إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن‬
‫عمَاُلكُ ْم وَأَنْتُمْ ل تَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنْ َتحْبَطَ أَ ْ‬
‫يغضب من ذلك ‪ ،‬فيغضب ال لغضبه ‪ ،‬فيحبط ال عمل من أغضبه وهو ل يدري ‪ ،‬كما جاء في‬
‫الصحيح ‪" :‬إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان ال ل يُلقي لها بَال يكتب له بها الجنة‪ .‬وإن‬
‫سخَط ال ل يُلقي لها بال َي ْهوِي بها في النار أبعد ما بين السموات‬
‫الرجل ليتكلم بالكلمة من َ‬
‫والرض" (‪.)5‬‬
‫حثّ على ذلك ‪ ،‬وأرشد إليه ‪ ،‬ورغّب‬
‫ثم ندب ال عز وجل (‪ ، )6‬إلى خفض الصوت عنده ‪ ،‬و َ‬
‫صوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولَ ِئكَ الّذِينَ امْ َتحَنَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ لِل ّت ْقوَى }‬
‫فيه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ َي ُغضّونَ َأ ْ‬
‫أي ‪ :‬أخلصها لها وجعلها أهل ومحل { َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ عَظِيمٌ }‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )7‬المام أحمد في كتاب الزهد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬قال ‪ :‬كُتب إلى عمر (‪ )8‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬رجل ل يشتهي المعصية ول يعمل بها ‪،‬‬
‫أفضل ‪ ،‬أم رجل يشتهي المعصية ول يعمل بها ؟ فكتب عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬إن الذين‬
‫يشتهون المعصية ول يعملون بها { أُولَ ِئكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ لِل ّتقْوَى َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وََأجْرٌ‬
‫عَظِيمٌ } (‪.)9‬‬
‫حجُرَاتِ َأكْثَرُهُمْ ل َي ْعقِلُونَ (‪} )4‬‬
‫ن وَرَاءِ الْ ُ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )470‬من طريق السائب بن يزيد فذكره‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )6478‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬سبحانه وتعالى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وقد روى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬عمر بن الخطاب رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )7/552‬وعزاه لحمد في الزهد‪.‬‬

‫( ‪)7/368‬‬

‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)5‬‬


‫وََلوْ أَ ّن ُه ْم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ ِإلَ ْيهِمْ َلكَانَ خَيْرًا َلهُ ْم وَاللّهُ َ‬

‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )5‬‬


‫{ وََلوْ أَ ّنهُ ْم صَبَرُوا حَتّى َتخْرُجَ إِلَ ْيهِمْ َلكَانَ خَيْرًا َل ُه ْم وَاللّهُ َ‬
‫ثم إنه تعالى ذَمّ الذين ينادونه من وراء الحجرات ‪ ،‬وهي بيوت نسائه ‪ ،‬كما يصنع أجلف‬
‫العراب ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أكْثَرُ ُهمْ ل َي ْعقِلُونَ }‬
‫ثم أرشد إلى الدب في ذلك فقال ‪ { :‬وََلوْ أَ ّنهُ ْم صَبَرُوا حَتّى َتخْرُجَ إِلَ ْيهِمْ َلكَانَ خَيْرًا َل ُهمْ } أي ‪:‬‬
‫( ‪)7/368‬‬

‫لكان لهم في ذلك الخيرة والمصلحة في الدنيا والخرة‪.‬‬


‫غفُورٌ رَحِيمٌ }‬
‫ثم قال داعيا لهم إلى التوبة والنابة ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫وقد ذُكر أنها نزلت في القرع بن حابس التميمي ‪ ،‬فيما أورده غير واحد ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وُهَيْب ‪ ،‬حدثنا موسى بن عقبة ‪ ،‬عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن القرع‬
‫بن حابس ؛ أنه نادى رسول ال صلى ال عليه وسلم من وراء الحجرات ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا‬
‫محمد ‪ -‬وفي رواية ‪ :‬يا رسول ال ‪ -‬فلم يجبه‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن حمدي لزين ‪ ،‬وإن‬
‫ذمي لشين ‪ ،‬فقال ‪ " :‬ذاك ال ‪ ،‬عز وجل" (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو عمار الحسين بن حُرَيْث المروزي ‪ ،‬حدثنا الفضل بن موسى ‪ ،‬عن‬
‫ن وَرَاءِ‬
‫الحسين بن واقد ‪ ،‬عن أبي إسحاق (‪ ، )2‬عن البراء في قوله ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬
‫حجُرَاتِ } قال ‪ :‬جاء رجل رسول ال (‪ )3‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إن حمدي زين ‪ ،‬وذمي شين‪ .‬فقال‬
‫الْ ُ‬
‫‪" :‬ذاك ال ‪ ،‬عز وجل" (‪.)4‬‬
‫وهكذا ذكره الحسن البصري ‪ ،‬وقتادة مرسل‪.‬‬
‫عطَارِد ‪ -‬أو‬
‫عمْرَة قال ‪ :‬كان ِبشْر بن غالب ولَبِيد بن ُ‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن حبيب بن أبي َ‬
‫بشر بن عطارد ولبيد بن غالب ‪ -‬وهما عند الحجاج جالسان ‪ -‬فقال بشر بن غالب للبيد بن‬
‫ن وَرَاءِ ا ْلحُجُرَاتِ } قال ‪ :‬فذكرت ذلك‬
‫عطارد ‪ :‬نزلت في قومك بني تميم ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬
‫لسعيد بن جبير فقال ‪ :‬أما إنه لو علم بآخر الية أجابه ‪َ { :‬يمُنّونَ عَلَ ْيكَ أَنْ أَسَْلمُوا } [الحجرات ‪:‬‬
‫‪ ، ]17‬قالوا ‪ :‬أسلمنا ‪ ،‬ولم يقاتلك بنو أسد (‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عَمرو بن علي الباهلي ‪ ،‬حدثنا المعتمر بن سليمان ‪:‬‬
‫سمعت داود الطفاوي يحدث عن أبي مسلم (‪ )6‬البجلي (‪ ، )7‬عن زيد بن أرقم قال ‪ :‬اجتمع أناس‬
‫من العرب فقالوا ‪ :‬انطلقوا بنا إلى هذا الرجل ‪ ،‬فإن يك نبيا فنحن أسعد الناس به ‪ ،‬وإن يك ملكا‬
‫نعش بجناحه‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته بما قالوا ‪ ،‬فجاءوا إلى حجرته‬
‫فجعلوا ينادونه وهو في حجرته ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪ .‬فأنزل ال [عز وجل] (‪ { : )8‬إِنّ الّذِينَ‬
‫ن وَرَاءِ ا ْلحُجُرَاتِ َأكْثَرُ ُهمْ ل َيعْقِلُونَ } قال ‪ :‬فأخذ رسول ال صلى ال عليه وسلم بأذني‬
‫يُنَادُو َنكَ مِ ْ‬
‫فمدها ‪ ،‬فجعل يقول ‪" :‬لقد صدق ال قولك يا زيد ‪ ،‬لقد صدق ال قولك يا زيد"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ ، )3/488‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/108‬إسناد أحمد رجاله رجال الصحيح‬
‫إن كان أبو سلمة سمع من القرع بن حابس ‪ ،‬وإل فهو مرسل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)26/77‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)26/77‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/369‬‬

‫جهَاَلةٍ فَ ُتصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَلْتُمْ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِنْ جَا َءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ ُتصِيبُوا َق ْومًا بِ َ‬
‫نَا ِدمِينَ (‪ )6‬وَاعَْلمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ َلوْ ُيطِي ُعكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الَْأمْرِ َلعَنِتّمْ وََلكِنّ اللّهَ حَ ّببَ ِإلَ ْيكُمُ‬
‫شدُونَ (‪َ )7‬فضْلًا مِنَ‬
‫ن وَزَيّنَهُ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَ ّرهَ ِإلَ ْيكُمُ ا ْل ُكفْرَ وَالْفُسُوقَ وَا ْل ِعصْيَانَ أُولَ ِئكَ ُهمُ الرّا ِ‬
‫الْإِيمَا َ‬
‫حكِيمٌ (‪)8‬‬
‫اللّ ِه وَ ِن ْعمَ ًة وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬

‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن الحسن بن عرفة ‪ ،‬عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫جهَالَةٍ فَ ُتصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَلْتُمْ‬
‫سقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ ُتصِيبُوا َق ْومًا ِب َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَا َءكُمْ فَا ِ‬
‫ن المْرِ َلعَنِتّ ْم وََلكِنّ اللّهَ حَ ّببَ إِلَ ْيكُمُ‬
‫نَا ِدمِينَ (‪ )6‬وَاعَْلمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ َلوْ ُيطِي ُعكُمْ فِي كَثِيرٍ مِ َ‬
‫ق وَا ْل ِعصْيَانَ أُولَ ِئكَ هُمُ الرّاشِدُونَ (‪َ )7‬فضْل مِنَ‬
‫اليمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُو ِبكُ ْم َوكَ ّرهَ إِلَ ْيكُمُ ا ْلكُفْ َر وَا ْلفُسُو َ‬
‫حكِيمٌ (‪.} )8‬‬
‫اللّ ِه وَ ِن ْعمَ ًة وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاطَ له ‪ ،‬لئل يحكم بقوله فيكون ‪ -‬في نفس المر ‪ -‬كاذبًا‬
‫أو مخطئًا ‪ ،‬فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ‪ ،‬وقد نهى ال عن اتباع سبيل المفسدين ‪ ،‬ومن‬
‫هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لحتمال فسقه في نفس المر ‪،‬‬
‫وقبلها آخرون لنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ‪ ،‬وهذا ليس بمحقق الفسق لنه مجهول‬
‫الحال‪ .‬وقد قررنا (‪ )2‬هذه المسألة في كتاب العلم من شرح البخاري ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ‪ ،‬حين بعثه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على صدقات بني المصطلق‪ .‬وقد روي ذلك من طرق ‪ ،‬ومن‬
‫أحسنها ما رواه المام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق ‪ ،‬وهو الحارث بن ضِرَار ‪،‬‬
‫والد جُويرية (‪ )3‬بنت الحارث أم المؤمنين ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن سابق ‪ ،‬حدثنا عيسى بن دينار ‪ ،‬حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي‬
‫يقول ‪ :‬قدمت على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فدعاني إلى السلم ‪ ،‬فدخلت فيه وأقررت‬
‫به ‪ ،‬ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ‪ ،‬وقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أرجع إليهم فأدعوهم إلى السلم‬
‫وأداء الزكاة ‪ ،‬فمن استجاب لي جمعت زكاته ‪ ،‬ويُرسل إليّ رسول ال رسول لبّان كذا وكذا‬
‫ليأتيك بما جمَعتُ من الزكاة‪ .‬فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ‪ ،‬وبلغ البان الذي أراد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يبعث إليه ‪ ،‬احتبس عليه الرسول فلم يأته ‪ ،‬فظن الحارث أنه‬
‫قد حدث فيه سُخْطة من ال ورسوله ‪ ،‬فدعا بسَرَوات قومه ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬إن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان َوقّت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ‪ ،‬وليس من‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الخُلْف ‪ ،‬ول أرى حبس رسوله إل من سخطة كانت ‪ ،‬فانطلقوا‬
‫فنأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى‬
‫الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ‪ ،‬فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق‬
‫فَرَق ‪ -‬أي ‪ :‬خاف ‪ -‬فرجع فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن‬
‫الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي‪ .‬فضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم البعث إلى الحارث‪.‬‬
‫وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث و َفصَل عن المدينة لقيهم الحارث ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا‬
‫الحارث ‪ ،‬فلما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )26/77‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )5/210‬من طريق إسحاق بن‬
‫راهويه عن معتمر بن سليمان به ‪ ،‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/108‬فيه داود الطفاوي وثقه‬
‫ابن حبان ‪ ،‬وضعفه ابن معين ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬قررت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ميمونة"‪.‬‬

‫( ‪)7/370‬‬

‫غشيهم قال لهم ‪ :‬إلى من بُعثتم ؟ قالوا ‪ :‬إليك‪ .‬قال ‪ :‬ولم ؟ قالوا ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة ‪ ،‬فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله‪ .‬قال ‪ :‬ل والذي بعث‬
‫محمدا بالحق ما رأيته بَتّ ًة ول أتاني‪ .‬فلما دخل الحارث على رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما رأيته ول أتاني ‪ ،‬وما‬
‫أقبلت إل حين احتبس علي رسول رسول ال (‪ )1‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬خشيت أن يكون كانت‬
‫سقٌ بِنَبَإٍ } إلى‬
‫سخطة من ال ورسوله‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت الحجرات ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَا َء ُكمْ فَا ِ‬
‫قوله ‪ { :‬حكيم }‬
‫ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار ‪ ،‬عن محمد بن سابق به‪ .‬ورواه الطبراني من‬
‫حديث محمد بن سابق ‪ ،‬به (‪ ، )2‬غير أنه سماه الحارث بن سرار ‪ ،‬والصواب ‪ :‬الحارث بن‬
‫ضرار ‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫عوْن ‪ ،‬عن موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن ثابت‬
‫وقال (‪ )3‬ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا جعفر بن َ‬
‫مولى أم سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم رجل في صدقات بني‬
‫المصطلق بعد الوقيعة (‪ ، )4‬فسمع بذلك القوم ‪ ،‬فتلقوه يعظمون أمر رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬قالت ‪ :‬فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ‪ ،‬قالت ‪ :‬فرجع إلى رسول ال (‪ )5‬فقال ‪ :‬إن‬
‫بني المصطلق قد منعوني (‪ )6‬صدقاتهم‪ .‬فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم والمسلمون‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فصفوا له حين صلى الظهر ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬نعوذ بال من سخط ال وسخط رسوله ‪ ،‬بعثت إلينا رجل مصدقًا ‪ ،‬فسررنا بذلك ‪ ،‬وقرت‬
‫به أعيننا ‪ ،‬ثم إنه رجع من بعض الطريق ‪ ،‬فخشينا أن يكون ذلك غضبا من ال ومن رسوله ‪،‬‬
‫فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلل فأذن بصلة العصر ‪ ،‬قالت ‪ :‬ونزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ‬
‫جهَالَةٍ فَ ُتصْبِحُوا عَلَى مَا َفعَلْتُمْ نَا ِدمِينَ } (‪.)7‬‬
‫سقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ ُتصِيبُوا َق ْومًا ِب َ‬
‫جَا َءكُمْ فَا ِ‬
‫وروى ابن جرير أيضا من طريق ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية قال ‪ :‬كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي ُمعَيْط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات ‪،‬‬
‫وإنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقون رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأنه لما‬
‫ح ّدثَ الوليد أنهم خرجوا يتلقونه ‪ ،‬رجع الوليد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫ُ‬
‫رسول ال ‪ ،‬إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة‪ .‬فغضب رسول ال صلى ال عليه وسلم من ذلك‬
‫غضبا شديدا ‪ ،‬فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا حدثنا أن‬
‫رسولك رجع من نصف الطريق ‪ ،‬وإنا خشينا أن ما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا ‪،‬‬
‫وإنا نعوذ بال من غضبه وغضب رسوله‪ .‬وإن النبي صلى ال عليه وسلم استغشهم وهمّ بهم ‪،‬‬
‫سقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا } إلى‬
‫فأنزل ال (‪ )8‬عذرهم في الكتاب ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَا َءكُمْ فَا ِ‬
‫آخر الية (‪.)9‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬احتبس علي يا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/279‬والمعجم الكبير (‪ )3/274‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/109‬رجال أحمد‬
‫ثقات" ‪ ،‬وهذا متعقب فإن دينار والدعيسي لم يوثقه إل ابن حبان ‪ ،‬ول يعرف له راويا غير ابنه‬
‫عيسى‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬الوقعة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬منعوا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪ )26/78‬وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف ‪ ،‬وثابت مولى أم‬
‫سلمة مجهول‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ال عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪.)26/78‬‬

‫( ‪)7/371‬‬

‫وقال مجاهد وقتادة ‪ :‬أرسل رسول ال الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليُصدّقهم ‪ ،‬فتلقوه‬
‫بالصدقة ‪ ،‬فرجع فقال ‪ :‬إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك ‪ -‬زاد قتادة ‪ :‬وإنهم قد ارتدوا‬
‫عن السلم ‪ -‬فبعث رسول ال خالد بن الوليد إليهم ‪ ،‬وأمره أن يتثبت ول يعجل‪ .‬فانطلق حتى‬
‫أتاهم ليل فبعث عيونه ‪ ،‬فلما جاءوا أخبروا خالدا أنهم مستمسكون بالسلم ‪ ،‬وسمعوا أذانهم‬
‫وصلتهم ‪ ،‬فلما أصبحوا أتاهم خالد فرأى الذي يعجبه ‪ ،‬فرجع إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فأخبره الخبر ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية‪ .‬قال قتادة ‪ :‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫‪" :‬التّبيّن من ال ‪ ،‬والعَجَلَة من الشيطان"‪.‬‬
‫وكذا ذكر غير واحد من السلف ‪ ،‬منهم ‪ :‬ابن أبي ليلى ‪ ،‬ويزيد بن رومان ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومقاتل‬
‫بن حَيّان ‪ ،‬وغيرهم في هذه الية ‪ :‬أنها نزلت في الوليد بن عقبة ‪ ،‬وال أعلم (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَنّ فِيكُمْ َرسُولَ اللّهِ } أي ‪ :‬اعلموا أن بين أظهركم رسول ال فعظّموه‬
‫ووقروه ‪ ،‬وتأدبوا معه ‪ ،‬وانقادوا لمره ‪ ،‬فإنه أعلم بمصالحكم ‪ ،‬وأشفق عليكم منكم ‪ ،‬ورأيه فيكم‬
‫سهِمْ } [الحزاب ‪.]6 :‬‬
‫أتمّ من رأيكم لنفسكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬النّ ِبيّ َأوْلَى بِا ْل ُم ْؤمِنِينَ مِنْ أَ ْنفُ ِ‬
‫ثم بَيّن [تعالى] (‪ )2‬أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال ‪َ { :‬لوْ يُطِي ُعكُمْ فِي كَثِيرٍ‬
‫ن المْرِ َلعَنِتّمْ } أي ‪ :‬لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لدى ذلك إلى عنتكم وحَرَجكم ‪ ،‬كما قال‬
‫مِ َ‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ َبلْ أَتَيْنَاهُمْ ِب ِذكْرِهِمْ َف ُهمْ‬
‫ت وَالرْ ُ‬
‫س َموَا ُ‬
‫تعالى ‪ { :‬وََلوِ اتّبَعَ ا ْلحَقّ أَ ْهوَاءَ ُهمْ َلفَسَ َدتِ ال ّ‬
‫عَنْ ِذكْرِ ِهمْ ُمعْ ِرضُونَ } [المؤمنون ‪.]71 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلكِنّ اللّهَ حَ ّببَ إِلَ ْيكُمُ اليمَانَ وَزَيّنَهُ فِي قُلُو ِبكُمْ } أي ‪ :‬حببه إلى نفوسكم وحسنه في‬
‫قلوبكم‪.‬‬
‫سعَدة ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬كان‬
‫قال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا َبهْز ‪ ،‬حدثنا علي بن مَ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬السلم علنية ‪ ،‬واليمان في القلب" قال ‪ :‬ثم يشير بيده‬
‫إلى صدره ثلث مرات ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬التقوى هاهنا ‪ ،‬التقوى هاهنا" (‪.)4‬‬
‫ق وَا ْل ِعصْيَانَ } أي ‪ :‬وبغض إليكم الكفر والفسوق ‪ ،‬وهي ‪ :‬الذنوب‬
‫{ َوكَ ّرهَ إِلَ ْيكُمُ ا ْلكُفْ َر وَا ْلفُسُو َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين ‪ ،‬وهذا القول فيه نظر ؛ فإن الروايات التي ساقت‬
‫القصة معلولة ‪ ،‬وأحسنها وهي رواية أحمد عن الحارث بن ضرار الخزاعي ‪ ،‬وفي إسنادها‬
‫مجهول ‪ ،‬وقد أنكر القاضي أبو بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم" (ص ‪ )102‬هذه‬
‫القصة قال ‪" :‬وقد اختلف فيه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬نزلت في ذلك ‪ -‬أي في شأن الوليد‪ .‬وقيل ‪ :‬في علي‬
‫والوليد في قصة أخرى ‪ -‬وقيل ‪ :‬إن الوليد سيق يوم الفتح في جملة الصبيان إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فمسح روءسهم وبرك عليهم إل هو فقال ‪ :‬إنه كان على رأسي خلوق ‪ ،‬فامتنع‬
‫صلى ال عليه وسلم من مسه ‪ ،‬فمن يكون في مثل هذه السنن يرسل مصدقا ‪ ،‬وبهذا الختلف‬
‫يسقط العلماء الحاديث القوية ‪ ،‬وكيف يفسق رجل هذا الكلم ؟ فكيف برجل من أصحاب محمد‬
‫صلى ال عليه وسلم وللشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه ال كلم على الوليد بن عقبة في النوار‬
‫الكاشفة (ص ‪ )263‬أثبت فيه أنه لم يؤثر له رواية عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ومن جملة‬
‫ما نفاه هذا الحديث الذي ذكره ابن العربي‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/134‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/52‬رجاله رجال الصحيح ما خل علي بن‬
‫مسعدة ‪ ،‬وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون"‪.‬‬

‫( ‪)7/372‬‬

‫وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَ َتلُوا فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا فَإِنْ َب َغتْ ِإحْدَا ُهمَا عَلَى الْأُخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي‬
‫سطِينَ (‪)9‬‬
‫حبّ ا ْلمُقْ ِ‬
‫حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ فَإِنْ فَا َءتْ فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَ ْدلِ وََأقْسِطُوا إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫حمُونَ (‪)10‬‬
‫خوَ ْيكُ ْم وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬
‫خ َوةٌ فََأصِْلحُوا بَيْنَ أَ َ‬
‫إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ِإ ْ‬

‫الكبار‪ .‬والعصيان وهي جميع المعاصي‪ .‬وهذا تدريج لكمال النعمة‪.‬‬


‫شدُونَ } أي ‪ :‬المتصفون بهذه الصفة هم الراشدون ‪ ،‬الذين قد آتاهم ال‬
‫وقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُهمُ الرّا ِ‬
‫رشدهم‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن أيمن المكي ‪ ،‬عن‬
‫ابن رفاعة الزرقي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬لما كان يوم أحد (‪ )2‬وانكفأ المشركون ‪ ،‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬استووا حتى أثني على ربي ‪ ،‬عز وجل" فصاروا خلفه صفوفًا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"اللهم لك الحمد كله‪ .‬اللهم ل قابض لما بسطت ‪ ،‬ول باسط لما قبضت ‪ ،‬ول هادي لمن أضللت ‪،‬‬
‫ول مُضل لمن هديت‪ .‬ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول مانع لما أعطيت‪ .‬ول مقرب لما باعدت ‪ ،‬ول‬
‫مباعد لما قربت‪ .‬اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك‪ .‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك النعيم‬
‫المقيم الذي ل يحول ول يزول‪ .‬اللهم إني أسألك النعيم يوم العَيْلَة ‪ ،‬والمن يوم الخوف‪ .‬اللهم إنى‬
‫عائذ بك من شر ما أعطيتنا ‪ ،‬ومن شر ما منعتنا‪ .‬اللهم حبب إلينا اليمان وزينه في قلوبنا ‪ ،‬وكره‬
‫إلينا الكفر والفسوق والعصيان ‪ ،‬واجعلنا من الراشدين‪ .‬اللهم ‪ ،‬توفنا مسلمين ‪ ،‬وأحينا مسلمين ‪،‬‬
‫وألحقنا بالصالحين ‪ ،‬غير خزايا ول مفتونين‪ .‬اللهم ‪ ،‬قاتل الكفرة الذين يكذبون رسلك ويصدون‬
‫عن سبيلك ‪ ،‬واجعل عليهم رجزك وعذابك‪ .‬اللهم قاتل الكفرة الذين أوتوا الكتاب ‪ ،‬إله الحق"‪.‬‬
‫ورواه النسائي في اليوم والليلة عن زياد بن أيوب ‪ ،‬عن مَ ْروَان بن معاوية ‪ ،‬عن عبد الواحد بن‬
‫أيمن ‪ ،‬عن عُبَيْد بن رِفاعة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وفي الحديث المرفوع ‪" :‬من سرته حسنته ‪ ،‬وساءته سيئته ‪ ،‬فهو مؤمن" (‪.)4‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬فضْل مِنَ اللّ ِه وَ ِن ْعمَةً } أي ‪ :‬هذا العطاء (‪ )5‬الذي منحكموه هو فضل منه عليكم‬
‫حكِيمٌ } أي ‪ :‬عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية ‪ ،‬حكيم‬
‫ونعمة من لدنه ‪ { ،‬وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫في أقواله وأفعاله ‪ ،‬وشرعه وقدره‪.‬‬
‫حدَا ُهمَا عَلَى الخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي‬
‫{ وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُمؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فََأصْلِحُوا بَيْ َن ُهمَا فَإِنْ َب َغتْ إِ ْ‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ (‬
‫سطُوا إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫ل وََأقْ ِ‬
‫تَ ْبغِي حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ فَإِنْ فَا َءتْ فََأصْلِحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْلعَ ْد ِ‬
‫حمُونَ (‪} )10‬‬
‫خوَ ْيكُ ْم وَا ّتقُوا اللّهَ َلعَّلكُمْ تُ ْر َ‬
‫خ َوةٌ فََأصْلِحُوا بَيْنَ َأ َ‬
‫‪ )9‬إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ إِ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحديبية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/424‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)10445‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في مسنده (‪ )1/18‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2165‬من حديث عمر بن الخطاب‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬القضاء"‪.‬‬

‫( ‪)7/373‬‬

‫يقول تعالى آمرًا بالصلح بين المسلمين (‪ )1‬الباغين بعضهم على بعض ‪ { :‬وَإِنْ طَا ِئفَتَانِ مِنَ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا } ‪ ،‬فسماهم مؤمنين مع القتتال‪ .‬وبهذا استدل البخاري وغيره‬
‫على أنه ل يخرج من اليمان بالمعصية وإن عظمت ‪ ،‬ل كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من‬
‫المعتزلة ونحوهم‪ .‬وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن ‪ ،‬عن أبي بكرة أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم خطب يوما ومعه على المنبر الحسن بن علي ‪ ،‬فجعل ينظر إليه مرة‬
‫وإلى الناس أخرى ويقول ‪" :‬إن ابني هذا سيد ولعل ال أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من‬
‫المسلمين" (‪ .)2‬فكان كما قال ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أصلح ال به بين أهل الشام وأهل‬
‫العراق ‪ ،‬بعد الحروب الطويلة والواقعات المهولة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ َب َغتْ ِإحْدَا ُهمَا عَلَى الخْرَى َفقَاتِلُوا الّتِي تَ ْبغِي حَتّى َتفِيءَ إِلَى َأمْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬حتى‬
‫ترجع إلى أمر ال (‪ )3‬وتسمع للحق وتطيعه ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح عن أنس ‪ :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬انصر أخاك ظالما أو مظلوما"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هذا نصرته‬
‫مظلوما فكيف أنصره ظالما ؟ قال ‪" :‬تمنعه من الظلم ‪ ،‬فذاك نصرك إياه" (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم ‪ ،‬حدثنا معتمر قال ‪ :‬سمعت أبي يحدث ‪ :‬أن أنسًا قال ‪ :‬قيل للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬لو أتيت عبد ال بن أبي ؟ فانطلق إليه نبي ال صلى ال عليه وسلم وركب‬
‫حمارًا ‪ ،‬وانطلق المسلمون يمشون ‪ ،‬وهي أرض سبخة ‪ ،‬فلما انطلق إليه النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إليك عني ‪ ،‬فوال لقد آذاني ريح حمارك" فقال رجل من النصار ‪ :‬وال لحمار‬
‫رسول ال أطيب ريحا منك‪ .‬قال ‪ :‬فغضب لعبد ال رجال من قومه ‪ ،‬فغضب لكل واحد منهما‬
‫أصحابه ‪ ،‬قال ‪ :‬فكان بينهم ضرب بالجريد واليدي والنعال ‪ ،‬فبلغنا أنه أنزلت فيهم ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫طَا ِئفَتَانِ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ اقْتَتَلُوا فََأصْلِحُوا بَيْ َن ُهمَا }‬
‫ورواه البخاري في "الصلح" عن مُسَدّد ‪ ،‬ومسلم في "المغازي" عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬كلهما‬
‫عن المعتمر بن سليمان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به نحوه (‪.)5‬‬
‫وذكر سعيد بن جبير ‪ :‬أن الوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال ‪ ،‬فأنزل ال هذه‬
‫الية ‪ ،‬فأمر بالصلح بينهما‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان رجل من النصار يقال له ‪" :‬عمران" ‪ ،‬كانت له امرأة تدعى أم زيد (‪، )6‬‬
‫وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في عُلَيّة له ل يدخل عليها أحد من‬
‫أهلها‪ .‬وإن المرأة بعثت إلى أهلها ‪ ،‬فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها ‪ ،‬وإن الرجل قد كان‬
‫خرج ‪ ،‬فاستعان أهل الرجل ‪ ،‬فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها ‪ ،‬فتدافعوا واجتلدوا‬
‫بالنعال ‪ ،‬فنزلت فيهم هذه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬المقتتلين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)2704‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬إلى أمر ال ورسوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)2443‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/157‬وصحيح البخاري برقم (‪ )2691‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1799‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬

‫( ‪)7/374‬‬

‫الية‪ .‬فبعث إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصلح بينهم ‪ ،‬وفاءوا إلى أمر ال‪.‬‬
‫سطِينَ } أي ‪ :‬اعدلوا بينهم‬
‫حبّ ا ْل ُمقْ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ فَا َءتْ فََأصِْلحُوا بَيْ َن ُهمَا بِا ْل َع ْدلِ وََأقْسِطُوا إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ }‬
‫فيما كان أصاب بعضهم لبعض ‪ ،‬بالقسط ‪ ،‬وهو العدل ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬عن‬
‫َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب (‪ ، )1‬عن عبد ال بن عمرو ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن المقسطين في الدنيا على منابر من لؤلؤ بين يدي الرحمن ‪ ،‬بما أقسطوا‬
‫في الدنيا"‪.‬‬
‫ورواه النسائي (‪ )2‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬به (‪ .)3‬وهذا إسناده جيد قوي ‪،‬‬
‫رجاله على شرط الصحيح‪.‬‬
‫وحدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد ‪ ،‬حدثنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫أوس ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬المقسطون عند ال يوم‬
‫القيامة على منابر من نور على يمين العرش ‪ ،‬الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما وَلُوا"‪.‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫خ َوةٌ } أي ‪ :‬الجميع إخوة في الدين ‪ ،‬كما قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ إِ ْ‬
‫وسلم ‪" :‬المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه" (‪ .)5‬وفي الصحيح ‪" :‬وال في عون العبد ما كان‬
‫العبد في عون أخيه" (‪ .)6‬وفي الصحيح أيضا ‪" :‬إذا دعا المسلم لخيه بظهر الغيب قال الملك ‪:‬‬
‫آمين ‪ ،‬ولك بمثله" (‪ .)7‬والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬وفي الصحيح ‪" :‬مثل المؤمنين في تَوادّهم‬
‫حمّى‬
‫وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد ‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بال ُ‬
‫سهَر"‪ .‬وفي الصحيح أيضا ‪" :‬المؤمن للمؤمن كالبنيان ‪ ،‬يشد بعضه بعضا" وشبك بين أصابعه‬
‫وال ّ‬
‫(‪.)8‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬حدثنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا مصعب بن ثابت ‪ ،‬حدثني أبو حازم‬
‫قال ‪ :‬سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن المؤمن‬
‫من أهل اليمان بمنزلة الرأس من الجسد ‪ ،‬يألم المؤمن لهل اليمان ‪ ،‬كما يألم الجسد لما في‬
‫الرأس" (‪ .)9‬تفرد به ول بأس بإسناده‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى ابن أبي حاتم بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)5917‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )1827‬وسنن النسائي (‪.)8/321‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )2442‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )2580‬من حديث عبد‬
‫ال بن عمر بن الخطاب رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )2699‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪ )2732‬من حديث أبي الدرداء رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )6011‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2586‬من حديث النعمان بن بشير‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )5/340‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/187‬رجال أحمد رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/375‬‬

‫عسَى أَنْ َيكُونُوا خَيْرًا مِ ْنهُ ْم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ‬
‫سخَرْ َقوْمٌ مِنْ َقوْمٍ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا يَ ْ‬
‫ن َومَنْ لَمْ يَ ُتبْ‬
‫سكُ ْم وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَ ْلقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ ا ْلفُسُوقُ َب ْعدَ الْإِيمَا ِ‬
‫ن وَلَا تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َيكُنّ خَيْرًا مِ ْنهُ ّ‬
‫فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ (‪)11‬‬

‫خوَ ْيكُمْ } يعني ‪ :‬الفئتين المقتتلتين ‪ { ،‬وَاتّقُوا اللّهَ } أي ‪ :‬في جميع‬


‫وقوله ‪ { :‬فََأصْلِحُوا بَيْنَ أَ َ‬
‫حمُونَ } ‪ ،‬وهذا تحقيق منه تعالى للرحمة لمن اتقاه‪.‬‬
‫أموركم { َلعَّل ُكمْ تُرْ َ‬
‫عسَى‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َيسْخَرْ قَومٌ مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَنْ َيكُونُوا خَيْرًا مِ ْنهُ ْم وَل نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ َ‬
‫ن َومَنْ لَمْ‬
‫سكُ ْم وَل تَنَابَزُوا بِال ْلقَابِ بِ ْئسَ السْمُ ا ْلفُسُوقُ َبعْ َد اليمَا ِ‬
‫ن وَل تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أَنْ َيكُنّ خَيْرًا مِ ْنهُ ّ‬
‫يَ ُتبْ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (‪} )11‬‬
‫ينهى تعالى عن السخرية بالناس ‪ ،‬وهو احتقارهم والستهزاء بهم ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح عن‬
‫غمْص الناس" ويروى ‪" :‬وغمط‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬الكِبْر بطر الحق و َ‬
‫الناس" (‪ )1‬والمراد من ذلك ‪ :‬احتقارهم واستصغارهم ‪ ،‬وهذا حرام ‪ ،‬فإنه قد يكون المحتقر أعظم‬
‫قدرا عند ال وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل يَسْخَرْ‬
‫قَومٌ مِنْ َقوْمٍ عَسَى أَنْ َيكُونُوا خَيْرًا مِ ْنهُ ْم وَل ِنسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ َيكُنّ خَيْرًا مِ ْنهُنّ } ‪ ،‬فنص‬
‫على نهي الرجال وعطف بنهي النساء‪.‬‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬ل تلمزوا الناس‪ .‬والهمّاز اللّماز من الرجال مذموم ملعون ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬
‫كما قال [تعالى] ‪ { )2( :‬وَ ْيلٌ ِل ُكلّ ُهمَ َزةٍ ُلمَ َزةٍ } [الهمزة ‪ ، ]1 :‬فالهمز بالفعل واللمز بالقول ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪َ { :‬همّازٍ َمشّاءٍ بِ َنمِيمٍ } [القلم ‪ ]11 :‬أي ‪ :‬يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم ‪ ،‬ويمشي بينهم‬
‫سكُمْ } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَل َتقْتُلُوا‬
‫بالنميمة وهي ‪ :‬اللمز بالمقال ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَل تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سكُمْ } [النساء ‪ ]29 :‬أي ‪ :‬ل يقتل بعضكم بعضا (‪.)3‬‬
‫أَ ْنفُ َ‬
‫سكُمْ }‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حَيّان ‪ { :‬وَل تَ ْلمِزُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أي ‪ :‬ل يطعن بعضكم على بعض‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَنَابَزُوا بِاللْقَابِ } أي ‪ :‬ل تتداعوا باللقاب ‪ ،‬وهي التي يسوء الشخص سماعها‪.‬‬
‫قال (‪ )4‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬حدثني أبو‬
‫جَبِيرة (‪ )5‬بن الضحاك قال ‪ :‬فينا نزلت في بني سلمة ‪ { :‬وَل تَنَابَزُوا بِال ْلقَابِ } قال ‪ :‬قدم رسول‬
‫عىَ أحد منهم‬
‫ال صلى ال عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إل وله اسمان أو ثلثة ‪ ،‬فكان إذا دُ ِ‬
‫باسم من تلك السماء قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه يغضب من هذا‪ .‬فنزلت ‪ { :‬وَل تَنَابَزُوا‬
‫بِاللْقَابِ }‬
‫ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ‪ ،‬عن وُهَيْب ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬بِئْسَ السْمُ ا ْلفُسُوقُ َب ْع َد اليمَانِ } أي ‪ :‬بئس الصفة والسم الفسوق وهو ‪ :‬التنابز‬
‫باللقاب ‪ ،‬كما كان أهل الجاهلية يتناعتون ‪ ،‬بعدما دخلتم (‪ )7‬في السلم وعقلتموه ‪َ { ،‬ومَنْ لَمْ‬
‫يَ ُتبْ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )91‬من حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أي ‪ :‬ل يطعن بعذكم على بعض"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬عن أبي جبيرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/260‬وسنن أبي داود برقم ( ‪ )4962‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )3268‬من‬
‫طريق داود بن أبي هند به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬دخلوا"‪.‬‬

‫( ‪)7/376‬‬

‫أي ‪ :‬من هذا { فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ }‬

‫( ‪)7/377‬‬

‫ضكُمْ َب ْعضًا‬
‫جسّسُوا وَلَا َيغْ َتبْ َب ْع ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظّنّ إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِ ْث ٌم وَلَا تَ َ‬
‫حبّ َأحَ ُدكُمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا َفكَرِهْ ُتمُوهُ وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َتوّابٌ رَحِيمٌ (‪)12‬‬
‫أَيُ ِ‬

‫ضكُمْ‬
‫جسّسُوا وَل َيغْ َتبْ َب ْع ُ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظّنّ إِنّ َب ْعضَ الظّنّ إِثْ ٌم وَل تَ َ‬
‫ح ُدكُمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ َلحْمَ َأخِيهِ مَيْتًا َفكَرِهْ ُتمُو ُه وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َتوّابٌ رَحِيمٌ (‪} )12‬‬
‫حبّ أَ َ‬
‫َب ْعضًا أَيُ ِ‬
‫يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنين عن كثير من الظن ‪ ،‬وهو التهمة والتخون للهل والقارب‬
‫والناس في غير محله ؛ لن بعض ذلك يكون إثما محضا ‪ ،‬فليجتنب كثير منه احتياطا ‪ ،‬وروينا‬
‫عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬ول تظنن بكلمة خرجت من‬
‫أخيك المسلم إل خيرا ‪ ،‬وأنت تجد لها في الخير محمل (‪.)1‬‬
‫وقال أبو عبد ال بن ماجه ‪ :‬حدثنا أبو القاسم بن أبي ضمرة نصر بن محمد بن سليمان‬
‫حمْصي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أبي قيس النّضري ‪ ،‬حدثنا (‪ )2‬عبد ال بن عمر (‪)3‬‬
‫ال ِ‬
‫قال ‪ :‬رأيت النبي صلى ال عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ‪" :‬ما أطيبك وأطيب ريحك ‪ ،‬ما‬
‫أعظمك وأعظم حرمتك‪ .‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لحرمة المؤمن أعظم عند ال حرمة منك ‪ ،‬ماله‬
‫ودمه ‪ ،‬وأن يظن به إل خير (‪ .)4‬تفرد به ابن ماجه من هذا الوجه (‪.)5‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن أبي الزّناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إياكم والظن فإن الظن (‪ )6‬أكذب الحديث ‪ ،‬ول تجسسوا ول تحسسوا ‪ ،‬ول تنافسوا ‪ ،‬ول‬
‫تحاسدوا ‪ ،‬ول تباغضوا ‪ ،‬ول تدابروا ‪ ،‬وكونوا عباد ال إخوانا"‪.‬‬
‫رواه البخاري عن عبد ال بن يوسف ‪ ،‬ومسلم عن يحيى بن يحيى ‪ ،‬وأبو داود عن العتبي‬
‫[ثلثتهم] (‪ ، )7‬عن مالك ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫وقال سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أنس [رضي ال عنه] (‪ )9‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬ل تقاطعوا ‪ ،‬ول تدابروا ‪ ،‬ول تباغضوا ‪ ،‬ول تحاسدوا ‪ ،‬وكونوا عباد ال‬
‫إخوانا ‪ ،‬ول يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلثة أيام"‪.‬‬
‫رواه مسلم والترمذي ‪ -‬وصححه ‪ -‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪.)10‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في الزهد كما في الدر المنثور (‪.)7/565‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى ابن ماجه بسنده عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬بن عمر رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬خيرا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجه برقم (‪ )3932‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" )3/223‬هذا إسناد فيه مقال ‪،‬‬
‫نصر بن محمد ضعفه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات ‪ ،‬وباقي رجال السناد ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬فإنه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬الموطأ (‪ )2/908‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6066‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2563‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح مسلم برقم (‪ ، )2559‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1935‬‬

‫( ‪)7/377‬‬

‫وقال (‪ )1‬الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال القِ ْرمِطي العدوي ‪ ،‬حدثنا بكر بن عبد الوهاب‬
‫المدني ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن قيس النصاري ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي الرجال ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن جده حارثة بن النعمان قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلث لزمات‬
‫لمتي ‪ :‬الطّيَ َرةُ ‪ ،‬والحسد وسوء الظن"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬ما يذهبهن يا رسول ال ممن هن فيه ؟ قال‬
‫‪" :‬إذا حسدت فاستغفر ال ‪ ،‬وإذا ظننت فل تحقق ‪ ،‬وإذا تطيرت فَأمض (‪ .)3( " )2‬وقال (‪ )4‬أبو‬
‫داود ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن زيد قال ‪ :‬أتي ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬برجل (‪ ، )5‬فقيل له ‪ :‬هذا فلن تقطر لحيته خمرا‪ .‬فقال عبد ال ‪ :‬إنا‬
‫قد نهينا عن التجسس ‪ ،‬ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به (‪.)6‬‬
‫سماه ابن أبي حاتم في روايته الوليد بن عقبة بن أبي معيط (‪.)7‬‬
‫خوْلني ‪ ،‬عن كعب بن‬
‫وقال (‪ )8‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا لَيْث ‪ ،‬عن إبراهيم بن نَشِيط ال َ‬
‫علقمة ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن دُخَيْن كاتب عقبة قال ‪ :‬قلت لعقبة ‪ :‬إن لنا جيرانا يشربون الخمر ‪،‬‬
‫وأنا داع لهم الشرط فيأخذونهم‪ .‬قال ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬ولكن عظهم وتهددهم‪ .‬قال ‪ :‬ففعل فلم ينتهوا‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فجاءه ُدخَيْن فقال ‪ :‬إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ‪ ،‬وإني داع لهم الشرط فيأخذونهم‪ .‬قال ‪ :‬ل تفعل ‪،‬‬
‫ولكن عظهم وتهددهم‪ .‬قال ‪ :‬ففعل فلم ينتهوا‪ .‬قال ‪ :‬فجاءه دخين فقال ‪ :‬إني قد نهيتهم فلم ينتهوا ‪،‬‬
‫وإني داع لهم الشرط فتأخذهم‪ .‬فقال له عقبة ‪ :‬ويحك ل تفعل ‪ ،‬فإني سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬من ستر عورة مؤمن فكأنما استحيا موءودة من قبرها"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬به نحوه (‪.)9‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن ثور ‪ ،‬عن راشد بن سعد ‪ ،‬عن معاوية قال ‪ :‬سمعت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم" أو ‪" :‬كدت أن تفسدهم"‪ .‬فقال أبو‬
‫الدرداء ‪ :‬كلمة سمعها معاوية من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬نفعه ال بها‪ .‬رواه أبو داود‬
‫منفردا به من حديث الثوري ‪ ،‬به (‪.)10‬‬
‫وقال أبو داود أيضا ‪ :‬حدثنا سعيد بن عمرو الحضرمي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عياش ‪ ،‬حدثنا‬
‫ض ْمضَم بن زُرَعَة ‪ ،‬عن شُرَيْح بن عبيد ‪ ،‬عن جُبَيْر بن ُنفَيْر ‪ ،‬وكثير بن مُرّة ‪ ،‬وعمرو بن‬
‫َ‬
‫السود ‪ ،‬والمقدام بن معد يكرب (‪ ، )11‬وأبي أمامة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫المير إذا ابتغى الريبة في الناس ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وإذا نظرت فاغضض" وفي م ‪ ،‬أ ‪" :‬وإذا تطيرت فاغمض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪ ، )3/228‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/78‬فيه إسماعيل بن قيس‬
‫النصاري وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬لفظة "برجل" غير موجودة بسنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)4890‬‬
‫(‪ )7‬وذلك لما أكثر الناس في الوليد بن عقبة ‪ ،‬وقد كان ابن مسعود على بيت المال في ولية‬
‫الوليد بن عقبة في عهد عثمان رضي ال عنه وقصة جلد الوليد على الخمر مشهورة في‬
‫الصحيحين‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/153‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4892‬والنسائي في السنن الكبري برقم (‪.)7283‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)4888‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬معدي كرب"‪.‬‬

‫( ‪)7/378‬‬

‫أفسدهم" (‪.)1‬‬
‫جسّسُوا } أي ‪ :‬على بعضكم بعضا‪ .‬والتجسس غالبا يطلق في الشر ‪ ،‬ومنه‬
‫[وقوله] ‪ { )2( :‬وَل تَ َ‬
‫الجاسوس‪ .‬وأما التحسس فيكون غالبا في الخير ‪ ،‬كما قال تعالى إخبارا عن يعقوب [عليه السلم]‬
‫سفَ وَأَخِي ِه وَل تَيْأَسُوا مِنْ َروْحِ اللّهِ } [يوسف ‪:‬‬
‫حسّسُوا مِنْ يُو ُ‬
‫(‪ )3‬أنه قال ‪ { :‬يَا بَ ِنيّ اذْهَبُوا فَتَ َ‬
‫‪ ، ]87‬وقد يستعمل كل منهما في الشر ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬ل تجسسوا ‪ ،‬ول تحسسوا ‪ ،‬ول تباغضوا ‪ ،‬ول تدابروا ‪ ،‬وكونوا عباد ال إخوانا" (‪.)4‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ :‬التجسس ‪ :‬البحث عن الشيء‪ .‬والتحسس ‪ :‬الستماع إلى حديث القوم وهم له‬
‫كارهون ‪ ،‬أو يتسمع على أبوابهم‪ .‬والتدابر ‪ :‬الصّرْم‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫ضكُمْ َب ْعضًا } فيه نهي عن الغيبة ‪ ،‬وقد فسرها الشارع كما جاء في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َيغْ َتبْ َب ْع ُ‬
‫الحديث الذي رواه أبو داود ‪ :‬حدثنا ال َقعْنَبِي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن محمد ‪ ،‬عن العلء ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ )5‬قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما الغيبة ؟ قال ‪" :‬ذكرك أخاك بما يكره"‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال ‪" :‬إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ‪ ،‬وإن لم يكن فيه‬
‫ما تقول فقد بهته"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن قتيبة ‪ ،‬عن الدّرَاوَرْدي ‪ ،‬به (‪ .)6‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪ .‬ورواه ابن جرير عن‬
‫بُنْدَار ‪ ،‬عن غُنْدَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن العلء (‪ .)7‬وهكذا قال ابن عمر ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو‬
‫إسحاق ‪ ،‬ومعاوية بن قُرّة‪.‬‬
‫وقال (‪ )8‬أبو داود ‪ :‬حدثنا مُسَدّد ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬حدثني علي بن القمر ‪ ،‬عن أبي‬
‫حذيفة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬قلت للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬حسبك من صفية كذا وكذا! ‪ -‬قال‬
‫جتْ بماء البحر لمزجته"‪ .‬قالت ‪ :‬وحكيت‬
‫غير مسدد ‪ :‬تعني قصيرة ‪ -‬فقال ‪" :‬لقد قلت كلمة لو مُزِ َ‬
‫له إنسانا ‪ ،‬فقال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما أحب أني حكيت إنسانًا ‪ ،‬وإن لي كذا وكذا"‪.‬‬
‫ي ‪ ،‬و َوكِيع ‪ ،‬ثلثتهم عن سفيان‬
‫ورواه الترمذي من حديث يحيى القَطّان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن َمهْ ِد ّ‬
‫الثوري ‪ ،‬عن علي بن القمر ‪ ،‬عن أبي حذيفة سلمة بن صهيبة الرحبي ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬به‪ .‬وقال‬
‫‪ :‬حسن صحيح (‪.)9‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن أبي الشوارب ‪ :‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪ ،‬حدثنا سليمان‬
‫الشيباني ‪ ،‬حدثنا حسان بن المخارق (‪ )10‬؛ أن امرأة دخلت على عائشة ‪ ،‬فلما قامت لتخرج‬
‫أشارت عائشة بيدها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)4889‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)2442‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ )4874‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1935‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)26/86‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن أبي داود برقم (‪ )4875‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2503 ، 2502‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى ابن جرير بسنده"‪.‬‬

‫( ‪)7/379‬‬

‫إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أي ‪ :‬إنها قصيرة ‪ -‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اغتبتيها"‬
‫(‪.)1‬‬
‫والغيبة محرمة بالجماع ‪ ،‬ول يستثنى من ذلك إل ما رجحت مصلحته ‪ ،‬كما في الجرح والتعديل‬
‫والنصيحة ‪ ،‬كقوله صلى ال عليه وسلم (‪ ، )2‬لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر ‪" :‬ائذنوا له ‪،‬‬
‫بئس أخو العشيرة" (‪ ، )3‬وكقوله لفاطمة بنت قيس ‪ -‬وقد خطبها معاوية وأبو الجهم ‪" : -‬أما‬
‫معاوية فصعلوك (‪ ، )4‬وأما أبو الجهم فل يضع عصاه عن عاتقه" (‪ .)5‬وكذا ما جرى مجرى‬
‫ذلك‪ .‬ثم بقيتها على التحريم الشديد ‪ ،‬وقد ورد فيها الزجر الكيد (‪ )6‬؛ ولهذا شبهها تعالى بأكل‬
‫حمَ َأخِيهِ مَيْتًا َفكَرِهْ ُتمُوهُ } ؟‬
‫حبّ أَحَ ُد ُكمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ لَ ْ‬
‫اللحم من النسان الميت ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَ ُي ِ‬
‫أي ‪ :‬كما تكرهون هذا طبعا ‪ ،‬فاكرهوا ذاك شرعا ؛ فإن عقوبته أشد من هذا وهذا من التنفير‬
‫عنها والتحذير منها ‪ ،‬كما قال ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في العائد في هبته ‪" :‬كالكلب يقيء ثم يرجع في‬
‫قيئه" ‪ ،‬وقد قال ‪" :‬ليس لنا مثل السوء"‪ .‬وثبت في الصحاح (‪ )7‬والحسان والمسانيد من غير وجه‬
‫أنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬قال في خطبة [حجة] (‪ )8‬الوداع ‪" :‬إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم‬
‫حرام ‪ ،‬كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬في شهركم هذا ‪ ،‬في بلدكم هذا" (‪.)9‬‬
‫وقال (‪ )10‬أبو داود ‪ :‬حدثنا واصل بن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا أسباط بن محمد ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬كل المسلم على المسلم حرام ‪ :‬ماله وعرضه ودمه ‪ ،‬حسب امرىء من الشر أن يحقر‬
‫أخاه المسلم"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي (‪ )11‬عن عبيد بن أسباط بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪ .)12‬وقال ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وحدثنا عثمان بن أبي شيبة (‪ ، )13‬حدثنا السود بن عامر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن سعيد بن عبد ال (‪ )14‬بن جريج ‪ ،‬عن أبي برزة السلمي قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل اليمان قلبه ‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين ‪،‬‬
‫ول تتبعوا عوراتهم ‪ ،‬فإنه من يتبع عوراتهم يتبع ال عورته ومن يتبع ال عورته يفضحه في‬
‫بيته"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود (‪ .)15‬وقد روي من حديث البراء بن عازب ‪ ،‬فقال الحافظ أبو يعلى في مسنده‬
‫‪ :‬حدثنا إبراهيم بن دينار ‪ ،‬حدثنا مصعب بن سلم ‪ ،‬عن حمزة بن حبيب الزيات ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)26/87‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬عليه السلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3132‬من حديث عائشة رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فصعلوك ل مال له"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪.)1480‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الشديد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )1218‬من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬رواه الترمذي وحسنه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬سنن أبي داود برقم (‪ )4882‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1927‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬وروى أبو داود"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في أ ‪" :‬عبيد ال"‪.‬‬
‫(‪ )15‬سنن أبي داود برقم (‪.)4880‬‬
‫( ‪)7/380‬‬

‫السّبِيعي (‪ ، )1‬عن البراء بن عازب (‪ )2‬قال ‪ :‬خطبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى أسمع‬
‫العواتق في بيوتها ‪ -‬أو قال ‪ :‬في خدورها ‪ -‬فقال ‪" :‬يا معشر من آمن بلسانه ‪ ،‬ل تغتابوا‬
‫المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ‪ ،‬فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع ال عورته ‪ ،‬ومن يتبع ال عورته‬
‫يفضحه (‪ )3‬في جوف بيته" (‪.)4‬‬
‫طريق أخرى عن ابن عمر ‪ :‬قال أبو بكر أحمد بن إبراهيم السماعيلي ‪ :‬أخبرنا عبد ال بن ناجية‬
‫‪ ،‬حدثنا يحيى بن أكثم ‪ ،‬حدثنا الفضل بن موسى الشيباني ‪ ،‬عن الحسين بن واقد ‪ ،‬عن أوفى بن‬
‫دَ ْلهَم ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يا معشر من آمن‬
‫بلسانه ولم ُي ْفضِ اليمانُ إلى قلبه ‪ ،‬ل تغتابوا المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ؛ فإنه من يتبع‬
‫عورات المسلمين يتبع ال عورته ‪ ،‬ومن يتبع ال عورته يفضحه ولو في جوف رحله"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال ‪ :‬ما أعظمك وأعظم حرمتك ‪ ،‬وللمؤمن أعظمُ حرمة عند‬
‫ال منك (‪.)5‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬وحدثنا حَ ْيوَة بن شُرَيْح ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة ‪ ،‬عن ابن ثوبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن مكحول ‪،‬‬
‫عن وقاص بن ربيعة ‪ ،‬عن المستورد ؛ أنه حدثه ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من أكل‬
‫برجل مسلم أكلة فإن ال يطعمه مثلها في (‪ )6‬جهنم (‪ ، )7‬ومن كُسى ثوبا برجل مسلم فإن ال‬
‫يكسوه مثله في (‪ )8‬جهنم‪ .‬ومن قام برجل مقام سمعةٍ ورياء فإن ال يقوم به مقام سمعة ورياء‬
‫يوم القيامة"‪ .‬تفرد به أبو داود (‪.)9‬‬
‫وحدثنا ابن مصفى ‪ ،‬حدثنا بقية وأبو المغيرة قال حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثني راشد بن سعد وعبد‬
‫الرحمن بن جبير ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لما عُرِج بي‬
‫مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ‪ ،‬يخمشون وجوههم وصدورهم ‪ ،‬قلت ‪ :‬من هؤلء يا جبرائيل‬
‫(‪ )10‬؟ قال ‪ :‬هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ‪ ،‬ويقعون في أعراضهم"‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود ‪ ،‬وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن أبي المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الشامي ‪،‬‬
‫به (‪.)11‬‬
‫وقال (‪ )12‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عبدة ‪ ،‬حدثنا أبو عبد الصمد بن عبد‬
‫العزيز ابن عبد الصمد العمي ‪ ،‬حدثنا أبو هارون العَبْديّ ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري [رضي ال‬
‫عنه] (‪ )13‬قال ‪ :‬قلنا يا رسول ال ‪ ،‬حدثنا ما رأيت ليلة أسريَ بك ؟‪ ...‬قال ‪" :‬ثم انطلق بي إلى‬
‫حذُون‬
‫خلق من خلق ال كثير ‪ ،‬رجال ونساء ُم َوكّل بهم رجال يعمدون إلى عُرْض جنَب أحدهم فَيَ ْ‬
‫منه الحُ ْذوَة من مثل النعل ثم يضعونه في فيّ أحدهم ‪ ،‬فيقال له ‪" :‬كل كما (‪ )14‬أكلت" ‪ ،‬وهو يجد‬
‫من أكله الموت ‪ -‬يا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى في مسنده بسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬البراء بن عازب رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬يفضحه ولو في"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أبي يعلى (‪ )3/237‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/93‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2032‬من طريق الفضل بن موسى به ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا حديث‬
‫حسن غريب ل نعرفه إل من حديث الحسين بن واقد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬في نار جهنم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن أبي داود برقم (‪.)4881‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جبريل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪ ، )4878‬والمسند (‪.)3/224‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )13‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )14‬في ت ‪" :‬ما"‪.‬‬

‫( ‪)7/381‬‬

‫محمد ‪ -‬لو يجد الموت وهو يكره عليه فقلت ‪ :‬يا جبرائيل (‪ ، )1‬من هؤلء ‪ :‬قال ‪ :‬هؤلء‬
‫حمَ أَخِيهِ مَيْتًا َفكَرِهْ ُتمُوهُ‬
‫حبّ َأحَ ُد ُكمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ لَ ْ‬
‫الهمّازون اللمّازون أصحاب النميمة‪ .‬فيقال (‪ { : )2‬أَ ُي ِ‬
‫} وهو يكره على أكل لحمه‪.‬‬
‫هكذا أورد هذا الحديث ‪ ،‬وقد سقناه بطوله في أول تفسير "سورة سبحان" ول الحمد (‪.)3‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي في مسنده ‪ :‬حدثنا الربيع ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن أنس ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أمر الناس أن يصوموا يوما ول يفطرن أحدٌ حتى آذن له‪ .‬فصام الناس ‪ ،‬فلما‬
‫أمسوا جعل الرجل يجيء إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فيقول ‪ :‬ظللت منذ اليوم صائما ‪،‬‬
‫فائذن لي‪ .‬فأفطر فيأذن له ‪ ،‬ويجيء الرجل فيقول ذلك ‪ ،‬فيأذن له ‪ ،‬حتى جاء رجل فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬إن فتاتين من أهلك ظلتا منذ اليوم صائمتين ‪ ،‬فائذن لهما فَلْيفطرا فأعرض عنه ‪ ،‬ثم‬
‫أعاد ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما صامتا ‪ ،‬وكيف صام من ظل يأكل لحوم‬
‫الناس ؟ اذهب ‪ ،‬فمرهما إن كانتا صائمتين أن يستقيئا"‪ .‬ففعلتا ‪ ،‬فقاءت كل واحدة منهما عَلَقةً علقَةً‬
‫فأتى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو ماتتا وهما‬
‫فيهما لكلتهما النار" (‪.)4‬‬
‫إسناد ضعيف ‪ ،‬ومتن غريب‪ .‬وقد رواه الحافظ البيهقي من حديث يزيد بن هارون ‪ :‬حدثنا سليمان‬
‫التيمي قال ‪ :‬سمعت رجل يحدث في مجلس أبي عثمان ال ّنهْدِي عن عبيد ‪ -‬مولى رسول ال (‪)5‬‬
‫‪ -‬أن امرأتين صامتا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأن رجل أتى رسول ال فقال ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬إن هاهنا امرأتين صامتا ‪ ،‬وإنهما كادتا تموتان من العطش ‪ -‬أرَاهُ قال ‪ :‬بالهاجرة‬
‫‪ -‬فأعرض عنه ‪ -‬أو ‪ :‬سكت عنه ‪ -‬فقال ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إنهما ‪ -‬وال قد ماتتا أو كادتا تموتان (‬
‫‪ .)6‬فقال ‪ :‬ادعهما‪ .‬فجاءتا ‪ ،‬قال ‪ :‬فجيء بقدح ‪ -‬أو عُسّ ‪ -‬فقال لحداهما ‪ " :‬قيئي" فقاءت من‬
‫قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح‪ .‬ثم قال للخرى ‪ :‬قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما‬
‫ودما عبيطا وغيره حتى ملت القدح‪ .‬فقال ‪ :‬إن هاتين صامتا عما أحل ال لهما ‪ ،‬وأفطرتا على‬
‫ما حرم ال عليهما ‪ ،‬جلست إحداهما إلى الخرى فجعلتا تأكلن لحوم الناس‪.‬‬
‫وهكذا قد رواه المام أحمد عن يزيد بن هارون وابن أبي عدي ‪ ،‬كلهما عن سليمان بن طِرْخان‬
‫التيمي ‪ ،‬به مثله أو نحوه (‪ .)7‬ثم رواه أيضا من حديث ُمسَدّد ‪ ،‬عن يحيى القَطّان ‪ ،‬عن عثمان‬
‫بن غياث ‪ ،‬حدثني رجل أظنه في حلقة أبي عثمان ‪ ،‬عن سعد ‪ -‬مولى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أنهم أمروا بصيام ‪ ،‬فجاء رجل في نصف النهار فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فلنة وفلنة قد‬
‫بلغتا الجهد‪ .‬فأعرض عنه مرتين أو ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ادعهما"‪ .‬فجاء بعُس ‪ -‬أو ‪ :‬قَدَح ‪ -‬فقال‬
‫حمًا ودمًا عبيطا وقيحا ‪ ،‬وقال للخرى مثل ذلك ‪ ،‬فقال ‪" :‬إن هاتين‬
‫لحداهما ‪" :‬قيئي" ‪ ،‬فقاءت لَ ْ‬
‫صامتا عما أحل ال لهما ‪ ،‬وأفطرتا على ما حرم ال عليهما ‪ ،‬أتت إحداهما للخرى فلم تزال‬
‫تأكلن لحوم الناس حتى امتلت أجوافهما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬جبريل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬عند الية الولى‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند الطيالسي برقم (‪.)2107‬‬
‫(‪ )5‬في ت ‪ ،‬م ‪" :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬أن تموتا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/431‬ورواه ابن أبي الدنيا في الصمت برقم (‪ )171‬من طريق يزيد بن هارون‬
‫عن سليمان التيمي به‪.‬‬

‫( ‪)7/382‬‬
‫قيحا" (‪.)1‬‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬كذا قال "عن سعد" ‪ ،‬والول ‪ -‬وهو عبيد ‪ -‬أصح‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا عمرو بن الضحاك بن مَخْلَد ‪ ،‬حدثنا أبي أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫جُرَيْج ‪ ،‬أخبرني أبو الزبير (‪ )2‬عن ابن عَ ّم لبي هريرة أن ماعزًا جاء إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني قد زنيت فأعرض عنه ‪ -‬قالها أربعا ‪ -‬فلما كان في‬
‫الخامسة قال ‪" :‬زنيت" ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬وتدري ما الزنا ؟" قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أتيت منها حراما ما‬
‫يأتي الرجل من امرأته حلل‪ .‬قال ‪" :‬ما تريد إلى هذا القول ؟" قال ‪ :‬أريد أن تطهرني‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أدخلت ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المِيل في المكحلة‬
‫والرّشاء (‪ )3‬في البئر ؟"‪ .‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا رسول ال‪ .‬قال ‪ :‬فأمر برجمه فرجم ‪ ،‬فسمع النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم رجلين يقول أحدهما لصاحبه ‪ :‬ألم تر إلى هذا الذي ستر ال عليه فلم تدعه‬
‫نفسه حتى رُجمَ رجم الكلب‪ .‬ثم سار النبي صلى ال عليه وسلم حتى مَرّ بجيفة حمار فقال ‪ :‬أين‬
‫فلن وفلن ؟ أنزل فكل من جيفة هذا الحمار" قال غفر ال لك يا رسول ‪ ،‬ال وهل يُؤكل هذا ؟‬
‫قال ‪" :‬فما نلتما من أخيكما (‪ )4‬آنفا أشد أكل من ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه الن لفي أنهار الجنة‬
‫ينغمس فيها" (‪] )5‬إسناده صحيح] (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثنا واصل ‪ -‬مولى ابن عيينة ‪ -‬حدثني‬
‫خالد بن عُ ْرفُطَة ‪ ،‬عن طلحة بن نافع ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فارتفعت ريح جيفة منتنة ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتدرون ما هذه الريح ؟‬
‫هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين (‪.)8( " )7‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال عبد بن حُميد في مسنده ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن الشعث ‪ ،‬حدثنا الفُضيل بن‬
‫عياض ‪ ،‬عن سليمان ‪ ،‬عن أبي سفيان ‪ -‬وهو طلحة بن نافع ‪ -‬عن جابر قال ‪ :‬كنا مع النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في سفر فهاجت ريح منتنة (‪ ، )9‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن نفرًا‬
‫من المنافقين اغتابوا ناسا من المسلمين ‪ ،‬فلذلك بعثت هذه الريح" وربما قال ‪" :‬فلذلك هاجت هذه‬
‫الريح" (‪.)10‬‬
‫حبّ َأحَ ُدكُمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ َلحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا } ‪ :‬زعم أن سلمان الفارسي كان مع‬
‫وقال السدي في قوله ‪ { :‬أَيُ ِ‬
‫رجلين من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في سفر يخدمهما ويخف لهما ‪ ،‬وينال من طعامهما‬
‫‪ ،‬وأن سلمان لما سار الناس ذات يوم وبقي سلمان نائما ‪ ،‬لم يسر معهم ‪ ،‬فجعل صاحباه يكلمانه (‬
‫‪ )11‬فلم يجداه ‪ ،‬فضربا الخِباء فقال ما يريد سليمان ‪ -‬أو ‪ :‬هذا العبد ‪ -‬شيئا غير هذا ‪ :‬أن يجيء‬
‫إلى طعام مقدور ‪ ،‬وخباء مضروب! فلما جاء سلمان أرسله إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يطلب لهما إداما ‪ ،‬فانطلق فأتى رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/431‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى الحافظ أبو يعلى بمسنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬والعصا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬من عرض أخيكما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند أبي يعلى (‪ )6/524‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )8/227‬من طريق عمرو بن‬
‫الضحاك به ؛ ورواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4429‬من طريق الضحاك به‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬الناس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )3/351‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/91‬رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬ريح شديدة منتنة"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المنتخب برقم (‪.)1026‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬يكلماه"‪.‬‬

‫( ‪)7/383‬‬

‫ال [صلى ال عليه وسلم] (‪ )1‬ومعه قَدَح له ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬بعثني أصحابي لِتؤ ِدمَهم إن‬
‫كان عندك ؟ قال ‪" :‬ما يصنع أصحابك بالدْم ؟ قد ائتدموا"‪ .‬فرجع سلمان يخبرهما بقول رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فانطلقا حتى أتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ل والذي بعثك‬
‫بالحق ‪ ،‬ما أصبنا طعاما منذ نزلنا‪ .‬قال ‪" :‬إنكما قد ائتدمتما بسلمان بقولكما"‪.‬‬
‫حمَ أَخِيهِ مَيْتًا } ‪ ،‬إنه كان نائما (‪.)2‬‬
‫حبّ َأحَ ُدكُمْ أَنْ يَ ْأ ُكلَ لَ ْ‬
‫قال ‪ :‬ونزلت ‪ { :‬أَيُ ِ‬
‫وروى الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المختارة" من طريق حَبّان بن هلل ‪ ،‬عن حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬كانت العرب تخدم بعضها بعضا في السفار ‪ ،‬وكان‬
‫مع أبي بكر وعمر ما رجل يخدمهما ‪ ،‬فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما ‪ ،‬فقال إن هذا لنؤوم ‪،‬‬
‫فأيقظاه ‪ ،‬فقال له ‪ :‬ائت رسول ال فقل له ‪ :‬إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلم ‪ ،‬ويستأدمانك‪.‬‬
‫فقال ‪" :‬إنهما قد ائتدما" فجاءا فقال يا رسول ال ‪ ،‬بأي شيء ائتدمنا ؟ فقال ‪" :‬بلحم أخيكما ‪،‬‬
‫والذي نفسي بيده ‪ ،‬إني لرى لحمه بين ثناياكما"‪ .‬فقال استغفر لنا يا رسول ال فقال ‪" :‬مُرَاه‬
‫فليستغفر لكما" (‪.)3‬‬
‫وقال (‪ )4‬الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا الحكم بن موسى ‪ ،‬حدثنا محمد بن مسلم ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن عمه موسى بن يَسار ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"من أكل من لحم أخيه في الدنيا ‪ ،‬قُرّب له لحمه في الخرة ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬كله مَيْتًا كما أكلته حَيّا‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فيأكله و َيكْلَح ويصيح"‪ .‬غريب جدا (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ّتقُوا اللّهَ } أي ‪ :‬فيما أمركم به ونهاكم عنه ‪ ،‬فراقبوه في ذلك واخشوا منه ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ‬
‫َتوّابٌ َرحِيمٌ } أي ‪ :‬تواب على من تاب إليه ‪ ،‬رحيم بمن رجع إليه ‪ ،‬واعتمد عليه‪.‬‬
‫قال الجمهور من العلماء ‪ :‬طريق المغتاب للناس في توبته أن يُقلع (‪ )6‬عن ذلك ‪ ،‬ويعزم على أل‬
‫يعود‪ .‬وهل يشترط الندم على ما فات ؟ فيه نزاع ‪ ،‬وأن يتحلل من الذي اغتابه‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬ل‬
‫يشترط أن يتحلله فإنه إذا (‪ )7‬أعلمه بذلك ربما تأذى أشد مما إذا لم يعلم بما كان منه ‪ ،‬فطريقه‬
‫إذًا أن يثني عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمه فيها ‪ ،‬وأن يرد عنه الغيبة بحسبه وطاقته ‪،‬‬
‫فتكون (‪ )8‬تلك بتلك ‪ ،‬كما قال (‪ )9‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن الحجاج ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا يحيى بن أيوب ‪ ،‬عن عبد ال بن سليمان ؛ أن‬
‫جهَنِيّ أخبره ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن (‬
‫إسماعيل بن يحيى المعَافِريّ أخبره أن سهل بن معاذ بن أنس ال ُ‬
‫‪ )10‬النبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه ابن أبي حاتم في تفسيره كما في الدر المنثور (‪.)7/570‬‬
‫(‪ )3‬المختارة برقم (‪.)1697‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )4961‬مجمع البحرين" من طريق محمد بن‬
‫سلمة عن محمد بن إسحاق به ‪ ،‬وقال ‪ :‬لم يروه عن ابن إسحاق إل محمد بن سلمة وقد وقع هنا‬
‫"محمد بن مسلم" وأظنه تصحيفا ‪ ،‬لكني ل أستطيع الجزم بذلك قال الهيثمي في المجمع (‪: )8/92‬‬
‫"فيه ابن إسحاق وهو مدلس ومن لم أعرفه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬يرجع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬لو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬لتكون"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬روى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬

‫( ‪)7/384‬‬

‫شعُوبًا َوقَبَائِلَ لِ َتعَا َرفُوا إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِ ْندَ اللّهِ‬


‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَرٍ وَأُنْثَى وَ َ‬
‫أَ ْتقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (‪)13‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من حمى مؤمنا من منافق يعيبه (‪ ، )1‬بعث ال إليه ملكا يحمي لحمه‬
‫يوم القيامة من نار جهنم‪ .‬ومن رمى مؤمنا بشيء يريد شينه ‪ ،‬حبسه ال على جسر جهنم حتى‬
‫يخرج مما قال"‪ .‬وكذا رواه أبو داود من حديث عبد ال ‪ -‬وهو ابن المبارك ‪ -‬به بنحوه (‪.)2‬‬
‫وقال (‪ )3‬أبو داود أيضا ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الصباح ‪ ،‬حدثنا ابن أبي مريم ‪ ،‬أخبرنا الليث ‪:‬‬
‫حدثني يحيى بن سليم ؛ أنه سمع إسماعيل بن بشير يقول ‪ :‬سمعت جابر بن عبد ال ‪ ،‬وأبا طلحة‬
‫بن سهل النصاري يقولن ‪ :‬قال (‪ )4‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من امرىء يخذل‬
‫امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه ‪ ،‬إل خذله ال في مواطن يحب‬
‫فيها نصرته‪ .‬وما من امرئ ينصر امرأ مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه ‪ ،‬وينتهك فيه‬
‫من حرمته (‪ ، )5‬إل نصره ال في مواطن يحب فيها نصرته"‪ .‬تفرد به أبو داود (‪.)6‬‬
‫شعُوبًا َوقَبَا ِئلَ لِ َتعَا َرفُوا إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَ ٍر وَأُنْثَى وَ َ‬
‫أَ ْتقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (‪} )13‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا للناس أنه خلقهم من نفس واحدة ‪ ،‬وجعل منها زوجها ‪ ،‬وهما آدم وحواء ‪،‬‬
‫وجعلهم شعوبا ‪ ،‬وهي أعم من القبائل ‪ ،‬وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والعمائر‬
‫والفخاذ وغير ذلك‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بالشعوب بطون العَجَم ‪ ،‬وبالقبائل بطون العرب ‪ ،‬كما أن السباط بطون بني‬
‫إسرائيل‪ .‬وقد لخصت هذا في مقدمة مفردة جمعتها من كتاب ‪" :‬النباه" لبي عمر (‪ )7‬بن عبد‬
‫البر ‪ ،‬ومن كتاب "القصد والمم ‪ ،‬في معرفة أنساب العرب والعجم"‪ .‬فجميع الناس في الشرف‬
‫بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ‪ ،‬وإنما يتفاضلون بالمور الدينية ‪ ،‬وهي طاعة ال ومتابعة‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة واحتقار بعض الناس بعضًا ‪،‬‬
‫شعُوبًا‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬
‫منبها على تساويهم في البشرية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَ ٍر وَأُنْثَى وَ َ‬
‫َوقَبَائِلَ لِ َتعَا َرفُوا } أي ‪ :‬ليحصل التعارف بينهم ‪ ،‬كلٌ يرجع إلى قبيلته‪.‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬لِ َتعَا َرفُوا } ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬فلن بن فلن من كذا وكذا ‪ ،‬أي ‪ :‬من قبيلة كذا‬
‫وكذا‪.‬‬
‫حمْير ينتسبون إلى ُمخَاليفها ‪ ،‬وكانت عرب الحجاز ينتسبون إلى‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬كانت ِ‬
‫قبائلها‪.‬‬
‫وقد قال (‪ )8‬أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أحمد بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن عبد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ "بغيبة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/441‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4883‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عرضه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪.)4884‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬

‫( ‪)7/385‬‬

‫الملك بن عيسى الثقفي ‪ ،‬عن يزيد ‪ -‬مولى المنبعث ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ؛ فإن صلة الرحم محبة في الهل ‪ ،‬مثراة‬
‫في المال ‪ ،‬منسأة في الثر"‪ .‬ثم قال ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من هذا الوجه (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ } أي ‪ :‬إنما تتفاضلون عند ال بالتقوى ل بالحساب‪ .‬وقد‬
‫وردت الحاديث بذلك عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال (‪ )2‬البخاري رحمه ال ‪ :‬حدثنا محمد بن سلم ‪ ،‬حدثنا عبدة ‪ ،‬عن عبيد ال ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أي الناس أكرم ؟ قال ‪:‬‬
‫"أكرمهم عند ال أتقاهم" قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فأكرم الناس يوسف نبي ال ‪ ،‬ابن نبي‬
‫ال ‪ ،‬ابن خليل ال"‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس عن هذا نسألك‪ .‬قال ‪" :‬فعن معادن العرب تسألوني ؟" قالوا ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال ‪" :‬فخياركم في الجاهلية خياركم في السلم إذا فَ ِقهُوا" (‪.)3‬‬
‫وقد رواه البخاري في غير موضع من طرق عن عبدة بن سليمان (‪ .)4‬ورواه النسائي في‬
‫التفسير من حديث عبيد ال ‪ -‬وهو ابن عمر العمري ‪ -‬به (‪.)5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال مسلم (‪ ، )6‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا عمرو الناقد ‪ ،‬حدثنا كَثِير بن هشام ‪ ،‬حدثنا جعفر‬
‫بن برقان ‪ ،‬عن يزيد بن الصم ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ )7‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬إن ال ل ينظر إلى صوركم وأموالكم ‪ ،‬ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه عن أحمد بن سنان ‪ ،‬عن كَثِير بن هشام ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال (‪ )9‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن أبي هلل ‪ ،‬عن بكر ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪:‬‬
‫إن النبي صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬انظر ‪ ،‬فإنك لست بخير من أحمر ول أسود إل أن تفضله‬
‫بتقوى (‪ .)10‬تفرد به أحمد (‪.)11‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال (‪ )12‬الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أبو عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم‬
‫العسكري ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عمرو بن جَبَلة ‪ ،‬حدثنا عبيد بن حنين الطائي ‪ ،‬سمعت محمد‬
‫بن حبيب بن خِرَاش ال َعصَ ِريّ ‪ ،‬يحدث عن أبيه ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫(‪ : )13‬المسلمون إخوة ‪ ،‬ل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)1979‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬فروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4689‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)3383 ، 3374‬‬
‫(‪ )5‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11250‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أبي هريرة رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )2564‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4143‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في ت ‪" :‬بتقوى ال"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)5/158‬‬
‫(‪ )12‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في ت ‪" :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/386‬‬

‫فضل لحد على أحد إل بالتقوى" (‪)1‬‬


‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )2‬أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن‬
‫الحسين ‪ ،‬حدثنا قيس ‪ -‬يعني ابن الربيع ‪ -‬عن شبيب بن غَ ْرقَدَة (‪ ، )3‬عن المستظل بن حصين ‪،‬‬
‫عن حذيفة (‪ )4‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كلكم بنو آدم‪ .‬وآدم خلق من تراب ‪،‬‬
‫جعْلن"‪.‬‬
‫ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ‪ ،‬أو ليكونن أهون على ال من ال ِ‬
‫ثم قال ‪ :‬ل نعرفه عن حذيفة إل من هذا الوجه (‪.)5‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )6‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا أسد بن موسى ‪ ،‬حدثنا‬
‫يحيى بن زكريا القطان ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪:‬‬
‫طاف رسول ال صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القَصْواء يستلم الركان (‪ )7‬بمحجن‬
‫في يده ‪ ،‬فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل صلى ال عليه وسلم على أيدي الرجال ‪،‬‬
‫فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت‪ .‬ثم إن رسول ال صلى ال عليه وسلم خطبهم على راحلته ‪،‬‬
‫فحمد ال وأثنى عليه بما هو له أهل (‪ )8‬ثم قال ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬إن ال قد أذهب عنكم عُبّية‬
‫الجاهلية وتعظمها بآبائها ‪ ،‬فالناس رجلن ‪ :‬رجل بر تقي كريم على ال ‪ ،‬وفاجر شقي هين على‬
‫شعُوبًا َوقَبَائِلَ لِ َتعَا َرفُوا إِنّ‬
‫جعَلْنَاكُمْ ُ‬
‫ال‪ .‬إن ال يقول ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّا خََلقْنَاكُمْ مِنْ َذكَرٍ وَأُنْثَى وَ َ‬
‫َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَ ْتقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ثم قال ‪" :‬أقول قولي هذا وأستغفر ال لي ولكم"‪.‬‬
‫هكذا (‪ )9‬رواه عبد بن حميد ‪ ،‬عن أبي عاصم الضحاك بن َمخْلَد ‪ ،‬عن موسى بن عبيدة ‪ ،‬به (‬
‫‪.)10‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )11‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن الحارث بن‬
‫يزيد ‪ ،‬عن علي بن رباح ‪ ،‬عن عقبة بن عامر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫طفّ الصاع لم يملؤه ‪ ،‬ليس لحد على أحد‬
‫أنسابكم هذه ليست بمسبة على أحد ‪ ،‬كلكم بنو آدم َ‬
‫فضل إل بدين وتقوى ‪ ،‬وكفى بالرجل أن يكون بَذِيّا بخيل فاحشًا"‪.‬‬
‫وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن ابن َلهِيعة ‪ ،‬به (‪ )12‬ولفظه ‪" :‬الناس‬
‫لدم وحواء ‪ ،‬طف الصاع لم َيمْلَئُوه ‪ ،‬إن ال ل يسألكم عن أحسابكم ول عن أنسابكم يوم القيامة ‪،‬‬
‫إن أكرمكم عند ال أتقاكم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )4/25‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/84‬فيه عبد الرحمن بن عمرو بن‬
‫جبلة ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عروة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬عن حذيفة رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسند البزار برقم (‪ )3584‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/86‬فيه الحسن بن الحسين‬
‫العرني وهو ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬الركن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في ت ‪ ،‬أ ‪" :‬بما هو عليه"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في ت ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬
‫(‪ )10‬المنتخب لعبد بن حميد برقم (‪ )793‬وفيه موسى بن عبيدة الزبدي وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪ )4/158‬وتفسير الطبري (‪ )26/89‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/84‬فيه ابن‬
‫لهيعة وفيه لين ‪ ،‬وبقية رجاله وثقوا"‪ .‬قلت ‪ :‬الراوي عنه في رواية الطبري عبد اله بن وهب ‪،‬‬
‫فهذه متابعة قوية ليحيى بن إسحاق‪.‬‬

‫( ‪)7/387‬‬

‫خلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُو ِبكُ ْم وَإِنْ ُتطِيعُوا اللّهَ‬


‫قَاَلتِ الْأَعْرَابُ َآمَنّا ُقلْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا َأسَْلمْنَا وََلمّا َيدْ ُ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ َآمَنُوا بِاللّهِ‬
‫عمَاِلكُمْ شَيْئًا إِنّ اللّهَ َ‬
‫وَرَسُولَهُ لَا يَلِ ْت ُكمْ مِنْ أَ ْ‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ُ )15‬قلْ‬
‫وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪َ )16‬يمُنّونَ‬
‫ض وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ ِبدِي ِنكُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫سَلمُوا ُقلْ لَا َتمُنّوا عََليّ إِسْلَا َمكُمْ َبلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْي ُكمْ أَنْ َهدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‬
‫عَلَ ْيكَ أَنْ أَ ْ‬
‫ض وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)18‬‬
‫ت وَالْأَ ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫‪ )17‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ‬

‫وليس هو في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬


‫سمَاك ‪ ،‬عن‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن ِ‬
‫عمِيرة زوج درة ابنة أبي لهب ‪ ،‬عن درة بنت أبي لهب قالت ‪ :‬قام رجل إلى النبي‬
‫عبد ال بن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو على المنبر ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي الناس خير ؟ فقال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬خير الناس أقرؤهم ‪ ،‬وأتقاهم ل عز وجل ‪ ،‬وآمرهم بالمعروف ‪ ،‬وأنهاهم عن‬
‫المنكر ‪ ،‬وأوصلهم للرحم" (‪.)2‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬حدثنا أبو السود ‪ ،‬عن‬
‫القاسم بن محمد ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬ما أعجب رسول ال صلى ال عليه وسلم شيء من الدنيا ‪،‬‬
‫ول أعجبه أحد قط ‪ ،‬إل ذو تقى‪ .‬تفرد به أحمد رحمه ال (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬عليم بكم ‪ ،‬خبير بأموركم ‪ ،‬فيهدي من يشاء ‪ ،‬ويضل من‬
‫يشاء ‪ ،‬ويرحم من يشاء ‪ ،‬ويعذب من يشاء ‪ ،‬ويفضل من يشاء على من يشاء ‪ ،‬وهو الحكيم العليم‬
‫الخبير في ذلك كله‪ .‬وقد استدل بهذه الية الكريمة وهذه الحاديث الشريفة ‪ ،‬من ذهب من العلماء‬
‫إلى أن الكفاءة في النكاح ل تشترط ‪ ،‬ول يشترط سوى الدين ‪ ،‬لقوله ‪ { :‬إِنّ َأكْ َر َمكُمْ عِنْدَ اللّهِ‬
‫أَ ْتقَاكُمْ } وذهب الخرون إلى أدلة أخرى مذكورة في كتب الفقه ‪ ،‬وقد ذكرنا طرفا من ذلك في‬
‫"كتاب الحكام" ول الحمد والمنة‪ .‬وقد روى الطبراني عن عبد الرحمن أنه سمع رجل من بني‬
‫هاشم يقول ‪ :‬أنا أولى الناس برسول ال‪ .‬فقال ‪ :‬غيرك أولى به منك ‪ ،‬ولك منه نسبه‪.‬‬
‫ل اليمَانُ فِي قُلُو ِبكُ ْم وَإِنْ تُطِيعُوا‬
‫خِ‬‫{ قَاَلتِ العْرَابُ آمَنّا ُقلْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا َأسَْلمْنَا وََلمّا يَدْ ُ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا ا ْل ُمؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ‬
‫عمَاِلكُمْ شَيْئًا إِنّ اللّهَ َ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَل ُه ل َيلِ ْتكُمْ مِنْ أَ ْ‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ُ )15‬قلْ‬
‫وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫شيْءٍ عَلِيم (‪َ )16‬يمُنّونَ‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ ِبدِي ِنكُ ْم وَاللّهُ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫سَلمُوا ُقلْ ل َتمُنّوا عََليّ ِإسْل َمكُمْ َبلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْيكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِليمَانِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‬
‫عَلَ ْيكَ أَنْ أَ ْ‬
‫ت وَال ْرضِ وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪} )18‬‬
‫س َموَا ِ‬
‫‪ )17‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ غَ ْيبَ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )6/432‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )24/257‬من طريق شريك به ‪ ،‬وقال‬
‫الهيثمي في المجمع (‪" : )7/263‬رجالهما ثقات ‪ ،‬وفي كلم بعضهم كلم ل يضر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/69‬‬
‫( ‪)7/388‬‬

‫يقول تعالى منكرا على العراب الذين أول ما دخلوا في السلم ادعوا لنفسهم مقام اليمان ‪ ،‬ولم‬
‫خلِ‬
‫سَلمْنَا وََلمّا َيدْ ُ‬
‫يتمكن اليمان في قلوبهم بعد ‪ { :‬قَاَلتِ العْرَابُ آمَنّا ُقلْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا أَ ْ‬
‫اليمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ }‪ .‬وقد استفيد من هذه الية الكريمة ‪ :‬أن اليمان أخص من السلم كما هو‬
‫مذهب أهل السنة والجماعة ‪ ،‬ويدل عليه حديث جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين سأل عن السلم ‪،‬‬
‫ثم عن اليمان ‪ ،‬ثم عن الحسان ‪ ،‬فترقى من العم إلى الخص ‪ ،‬ثم للخص منه‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عامر بن سعد بن‬
‫أبي وقاص ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬أعطى رسول ال صلى ال عليه وسلم رجال ولم يعط رجل منهم‬
‫شيئًا ‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أعطيت فلنًا وفلنا ولم تُعط فلنًا شيئًا ‪ ،‬وهو مؤمن ؟ فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أو مسلم" حتى أعادها سعد ثلثا ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫‪" :‬أو مسلم" ثم قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لعطي رجال وأدع من هو أحب إليّ منهم‬
‫فلم أعطيه شيئًا ؛ مخافة أن يكبوا في النار على وجوههم"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫فقد فرق النبي صلى ال عليه وسلم بين المسلم والمؤمن ‪ ،‬فدل على أن اليمان أخص من‬
‫السلم‪ .‬وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب اليمان من "صحيح البخاري" ول الحمد‬
‫والمنة‪ .‬ودل ذلك على أن ذاك الرجل كان مسلما ليس منافقًا ؛ لنه تركه من العطاء ووكله إلى ما‬
‫هو فيه من السلم ‪ ،‬فدل هذا على (‪ )3‬أن هؤلء العراب المذكورين في هذه الية ليسوا‬
‫بمنافقين ‪ ،‬وإنما هم مسلمون لم يستحكم اليمان في قلوبهم ‪ ،‬فادعوا لنفسهم مقاما أعلى مما‬
‫وصلوا إليه ‪ ،‬فأدبوا في ذلك‪ .‬وهذا معنى قول ابن عباس وإبراهيم النخعي ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬واختاره ابن‬
‫جرير‪ .‬وإنما قلنا هذا لن البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ذهب إلى أن هؤلء كانوا منافقين يُظهرون‬
‫اليمان وليسوا كذلك‪ .‬وقد روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وابن زيد أنهم قالوا في قوله ‪:‬‬
‫{ وََلكِنْ قُولُوا أَسَْلمْنَا } أي ‪ :‬استسلمنا خوف القتل والسباء‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬نزلت في بني أسد بن‬
‫خزيمة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬نزلت في قوم امتنوا بإيمانهم على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫والصحيح الول ؛ أنهم قوم ادعوا لنفسهم مقام اليمان ‪ ،‬ولم يحصل لهم بعد ‪ ،‬فأدبوا وأعلموا أن‬
‫ذلك لم يصلوا إليه بعد ‪ ،‬ولو كانوا منافقين لعنفوا وفضحوا ‪ ،‬كما ذكر المنافقون في سورة براءة‪.‬‬
‫ل اليمَانُ فِي قُلُو ِبكُمْ } أي ‪:‬‬
‫خِ‬‫وإنما قيل لهؤلء تأديبًا ‪ُ { :‬قلْ لَمْ ُت ْؤمِنُوا وََلكِنْ قُولُوا َأسَْلمْنَا وََلمّا يَدْ ُ‬
‫لم تصلوا إلى حقيقة اليمان بعد‪.‬‬
‫عمَاِلكُمْ [شَيْئًا ] } (‪ )4‬أي ‪ :‬ل ينقصكم من‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنْ تُطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ ل يَلِ ْتكُمْ مِنْ أَ ْ‬
‫شيْءٍ } [الطور ‪.]21 :‬‬
‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬
‫أجوركم شيئا ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَا أَلَتْنَا ُهمْ مِنْ َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬لمن تاب إليه وأناب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/176‬وصحيح البخاري برقم (‪ )27‬وصحيح مسلم برقم (‪.)150‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من ت‪.‬‬

‫( ‪)7/389‬‬

‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬إنما المؤمنون ال ُكمّل { الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمّ لَمْ يَرْتَابُوا }‬
‫أي ‪ :‬لم يشكوا ول تزلزلوا ‪ ،‬بل ثبتوا (‪ )1‬على حال واحدة ‪ ،‬وهي التصديق المحض ‪،‬‬
‫سهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬وبذلوا مهجهم (‪ )2‬ونفائس أموالهم في طاعة‬
‫{ وَجَاهَدُوا بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫ال ورضوانه ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّا ِدقُونَ } أي ‪ :‬في قولهم إذا قالوا ‪" :‬إنهم مؤمنون" ‪ ،‬ل كبعض‬
‫العراب الذين ليس معهم من الدين إل الكلمة الظاهرة‪.‬‬
‫وقال (‪ )3‬المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن غيلن ‪ ،‬حدثنا رِشْدين ‪ ،‬حدثني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫أبي السمح ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد (‪ )4‬قال ‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"المؤمنون في الدنيا على ثلثة أجزاء ‪[ :‬الذين] (‪ )5‬آمنوا بال ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا‬
‫بأموالهم وأنفسهم في سبيل ال‪ .‬والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم‪ .‬ثم الذي إذا أشرف على‬
‫طمع تركه ل ‪ ،‬عز وجل" (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ أَ ُتعَّلمُونَ اللّهَ ِبدِي ِنكُمْ } أي ‪ :‬أتخبرونه (‪ )7‬بما في ضمائركم ‪ { ،‬وَاللّهُ َيعْلَمُ مَا فِي‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬ل يخفى عليه مثقال ذرة في الرض ول في السماء ‪ ،‬ول‬
‫ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‪.‬‬
‫أصغر من ذلك ول أكبر ‪ { ،‬وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫ثم قال [تعالى] (‪َ { : )8‬يمُنّونَ عَلَ ْيكَ أَنْ أَسَْلمُوا } ‪ ،‬يعني ‪ :‬العراب [الذين] (‪ )9‬يمنون بإسلمهم‬
‫ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول ‪ ،‬يقول ال ردًا عليهم ‪ُ { :‬قلْ ل َتمُنّوا عََليّ ِإسْل َمكُمْ } ‪ ،‬فإن‬
‫نفع ذلك إنما يعود عليكم ‪ ،‬ول المنة عليكم فيه ‪َ { ،‬بلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْي ُكمْ أَنْ َهدَاكُمْ لِليمَانِ إِنْ كُنْ ُتمْ‬
‫صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬في دعواكم ذلك ‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم للنصار يوم حنين ‪" :‬يا‬
‫معشر النصار ‪ ،‬ألم أجدكم ضلل فهداكم ال بي ؟ وكنتم متفرقين فألفكم ال بي ؟ وعالة فأغناكم‬
‫ال بي ؟" كلما قال شيئًا قالوا ‪ :‬ال ورسوله َأمَنّ (‪.)10‬‬
‫وقال (‪ )11‬الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ‪ ،‬حدثنا يحيى بن سعيد‬
‫الموي ‪ ،‬عن محمد بن قيس ‪ ،‬عن أبي عون ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس [رضي ال‬
‫عنهما] (‪ )12‬قال ‪ :‬جاءت بنو أسد إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أسلمنا وقاتلتك العرب ‪ ،‬ولم تقاتلك ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن فقههم قليل ‪ ،‬وإن‬
‫الشيطان ينطق (‪ )13‬على ألسنتهم"‪ .‬ونزلت هذه الية ‪َ { :‬يمُنّونَ عَلَ ْيكَ أَنْ أَسَْلمُوا ُقلْ ل َتمُنّوا عََليّ‬
‫إِسْل َمكُمْ َبلِ اللّهُ َيمُنّ عَلَ ْيكُمْ أَنْ هَدَا ُكمْ لِليمَانِ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ت ‪" :‬تثبتوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في ت ‪" :‬مهجتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في ت ‪" :‬أبي سعيد رضي ال عنه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من ت ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/8‬وفي إسناده بن أبي السمح عن أبي الهيثم وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في ت ‪" :‬أتخبرون"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من ت ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4330‬من حديث عبد ال بن زيد بن عاصم رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في ت ‪" :‬وروى"‪.‬‬
‫(‪ )12‬زيادة من ت‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬ينطق"‪.‬‬

‫( ‪)7/390‬‬

‫ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يروى إل من هذا الوجه ‪ ،‬ول نعلم روى أبو عون محمد بن عبيد ال ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬غير (‪ )1‬هذا الحديث (‪.)2‬‬
‫ثم كرر الخبار بعلمه بجميع الكائنات ‪ ،‬وبصره بأعمال المخلوقات فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ َيعْلَمُ غَ ْيبَ‬
‫ض وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ }‬
‫س َموَاتِ وَال ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫آخر تفسير الحجرات ‪ ،‬ول الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سوى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )11519‬من طريق يحيى بن سعيد الموي به‪.‬‬

‫( ‪)7/391‬‬
‫تفسير سورة ق‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫وهذه السورة هي أول الحزب المفصل على الصحيح ‪ ،‬وقيل ‪ :‬من الحجرات‪ .‬وأما ما يقوله‬
‫العامة (‪ : )1‬إنه من(عَمّ) فل أصل له ‪ ،‬ولم يقله أحد من العلماء المعتبرين (‪ )2‬فيما نعلم‪ .‬والدليل‬
‫على أن هذه السورة هي أول المفصل ما رواه أبو داود في سننه ‪ ،‬باب "تحزيب القرآن" ثم قال ‪:‬‬
‫حدثنا مُسَدّد ‪ ،‬حدثنا قُرّان بن تمام ‪( ،‬ح) وحدثنا عبد ال بن سعيد أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫خالد سليمان بن حبان ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬عن عبد ال بن عبد الرحمن بن يعلى ‪ ،‬عن عثمان بن عبد‬
‫ال بن أوس ‪ ،‬عن جده ‪ -‬قال عبد ال بن سعيد ‪ :‬حدثنيه أوس بن حذيفة ‪ -‬ثم اتفقا‪ .‬قال ‪ :‬قدمنا‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم في وفد ثقيف ‪ ،‬قال ‪ :‬فنزلت الحلف على المغيرة بن شعبة‬
‫‪ ،‬وأنزل رسول ال صلى ال عليه وسلم بني مالك في قُبة له ‪ -‬قال مسَدّد ‪ :‬وكان في الوفد الذين‬
‫قدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم من ثقيف ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول ال [صلى ال عليه‬
‫وسلم] (‪ )3‬كل ليلة يأتينا بعد العشاء يحدثنا ‪ -‬قال أبو سعيد ‪ :‬قائما على رجليه حتى يراوح بين‬
‫رجليه من طول القيام ‪ -‬فأكثر ما يحدثنا ما لقي من قومه قريش ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬ل سواء (‪ )4‬وكنا‬
‫مستضعفين مستذلين ‪ -‬قال مُسدّد ‪ :‬بمكة ‪ -‬فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا‬
‫وبينهم ‪ ،‬ندال عليهم ويدالون علينا‪ .‬فلما كانت ليلة أبطأ (‪ )5‬عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ‪ ،‬فقلنا‬
‫‪ :‬لقد أبطأت عنا (‪ )6‬الليلة! قال ‪" :‬إنه طرأ علي حزبي من القرآن ‪ ،‬فكرهت أن أجيء حتى‬
‫أتمه"‪ .‬قال أوس ‪ :‬سألت أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا‬
‫‪ :‬ثلث ‪ ،‬وخمس ‪ ،‬وسبع ‪ ،‬وتسع ‪ ،‬وإحدى عشرة ‪ ،‬وثلث عشرة ‪ ،‬وحزب المفصل وحده‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن أبي خالد الحمر ‪ ،‬به‪ .‬ورواه المام أحمد عن‬
‫عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن عبد ال بن عبد الرحمن ‪ ،‬هو ابن (‪ )7‬يعلى الطائفي به (‪.)8‬‬
‫إذا علم هذا ‪ ،‬فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة ‪ ،‬فالتي بعدهن سورة "ق"‪ .‬بيانه ‪ :‬ثلث ‪ :‬البقرة ‪،‬‬
‫وآل عمران ‪ ،‬والنساء‪ .‬وخمس ‪ :‬المائدة ‪ ،‬والنعام ‪ ،‬والعراف ‪ ،‬والنفال ‪ ،‬وبراءة‪ .‬وسبع ‪:‬‬
‫يونس ‪ ،‬وهود ‪ ،‬ويوسف ‪ ،‬والرعد ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬والحجر ‪ ،‬والنحل‪ .‬وتسع ‪ :‬سبحان ‪ ،‬والكهف ‪،‬‬
‫ومريم ‪ ،‬وطه ‪ ،‬والنبياء ‪ ،‬والحج ‪ ،‬والمؤمنون ‪ ،‬والنور ‪ ،‬والفرقان‪ .‬وإحدى عشرة ‪ :‬الشعراء ‪،‬‬
‫والنمل ‪ ،‬والقصص ‪ ،‬والعنكبوت ‪ ،‬والروم ‪ ،‬ولقمان ‪ ،‬والم ‪ ،‬السجدة ‪ ،‬والحزاب ‪ ،‬وسبأ ‪،‬‬
‫وفاطر ‪ ،‬و يس‪ .‬وثلث عشرة ‪ :‬الصافات ‪ ،‬وص ‪ ،‬والزمر ‪ ،‬وغافر ‪ ،‬و حم ‪ ،‬السجدة ‪ ،‬وحم‬
‫عسق ‪ ،‬والزخرف ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬والجاثية ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬العوام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المفسرين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ل أساء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬أبطأ علينا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬علينا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪ )1393‬وسنن ابن ماجه برقم (‪ ، )1345‬والمسند (‪.)4/9‬‬

‫( ‪)7/392‬‬

‫شيْءٌ عَجِيبٌ (‪ )2‬أَئِذَا‬


‫ق وَا ْلقُرْآَنِ ا ْل َمجِيدِ (‪َ )1‬بلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَ ُهمْ مُنْذِرٌ مِ ْنهُمْ َفقَالَ ا ْلكَافِرُونَ هَذَا َ‬
‫حفِيظٌ (‪َ )4‬بلْ‬
‫مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا ذَِلكَ َرجْعٌ َبعِيدٌ (‪ )3‬قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْن ُقصُ الْأَ ْرضُ مِ ْنهُ ْم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ َ‬
‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ َفهُمْ فِي َأمْرٍ مَرِيجٍ (‪)5‬‬
‫كَذّبُوا بِالْ َ‬

‫والحقاف ‪ ،‬والقتال ‪ ،‬والفتح ‪ ،‬والحجرات‪ .‬ثم بعد ذلك الحزب المفصل كما قاله الصحابة ‪،‬‬
‫رضي ال عنهم‪ .‬فتعين أن أوله سورة "ق" وهو الذي قلناه (‪ ، )1‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫ضمْرة بن سعيد ‪ ،‬عن عُبَيد‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا مالك ‪ ،‬عن َ‬
‫ال (‪ )2‬بن عبد ال ؛ أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي ‪ :‬ما كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقرأ في العيد ؟ قال ‪ :‬بقاف ‪ ،‬واقتربت‪.‬‬
‫ورواه مسلم وأهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث مالك ‪ ،‬به (‪ .)3‬وفي رواية لمسلم عن فليح (‪ )4‬عن‬
‫ضمرة ‪ ،‬عن عبيد ال (‪ ، )5‬عن أبي واقد قال ‪ :‬سألني عمر ‪ ،‬فذكره (‪.)6‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬حدثني عبد ال بن محمد‬
‫بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ‪ ،‬عن يحيى بن عبد ال بن عبد الرحمن بن سعد (‪ )7‬بن زُرَارة ‪،‬‬
‫عن أم هشام بنت حارثة قالت ‪ :‬لقد كان تَنّورنا وتنور النبي صلى ال عليه وسلم واحدا سنتين ‪،‬‬
‫أو سنة وبعض سنة ‪ ،‬وما أخذت { ق وَالْقُرْآنِ ا ْلمَجِيدِ } إل على لسان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كان يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس‪.‬‬
‫رواه مسلم [أيضا] (‪ )8‬من حديث ابن إسحاق ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن خبيب (‪، )10‬‬
‫عن عبد ال بن محمد بن معن ‪ ،‬عن ابنة الحارث بن النعمان قالت ‪ :‬ما حفظت "ق" إل من فِي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يخطب بها كل جمعة‪ .‬قالت ‪ :‬وكان تنورنا وتنور رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم واحدًا‪.‬‬
‫وكذا رواه مسلم والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪.)11‬‬
‫والقصد أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار ‪ ،‬كالعيد‬
‫والجمع ‪ ،‬لشتمالها على ابتداء الخلق والبعث والنشور ‪ ،‬والمعاد والقيام ‪ ،‬والحساب ‪ ،‬والجنة‬
‫والنار ‪ ،‬والثواب والعقاب ‪ ،‬والترغيب والترهيب‪.‬‬
‫عجِيبٌ (‪ )2‬أَ ِئذَا‬
‫شيْءٌ َ‬
‫عجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُ ْنذِرٌ مِ ْنهُمْ َفقَالَ ا ْلكَافِرُونَ َهذَا َ‬
‫{ ق وَا ْلقُرْآنِ ا ْلمَجِيدِ (‪َ )1‬بلْ َ‬
‫حفِيظٌ (‪َ )4‬بلْ‬
‫مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا ذَِلكَ َرجْعٌ َبعِيدٌ (‪ )3‬قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْن ُقصُ ال ْرضُ مِ ْنهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ َ‬
‫حقّ َلمّا جَاءَ ُهمْ َفهُمْ فِي َأمْرٍ مَرِيجٍ (‪} )5‬‬
‫كَذّبُوا بِالْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قدمناه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/217‬وصحيح مسلم برقم (‪ ، )891‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1154‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪ )534‬وسنن النسائي (‪ )3/183‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)1282‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مالك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)891‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أسعد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )6/435‬وصحيح مسلم برقم (‪.)873‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حبيب"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪ )1100‬وصحيح مسلم برقم (‪ )873‬وسنن النسائي (‪ )2/157‬لكنه ليس‬
‫من هذا الطريق‪.‬‬

‫( ‪)7/393‬‬

‫{ ق } ‪ :‬حرف من حروف الهجاء المذكورة (‪ )1‬في أوائل السور ‪ ،‬كقوله ‪( :‬ص ‪ ،‬ن ‪ ،‬الم ‪ ،‬حم‬
‫‪ ،‬طس) ونحو ذلك ‪ ،‬قاله مجاهد وغيره‪ .‬وقد أسلفنا الكلم عليها ‪ ،‬في أول "سورة البقرة" بما‬
‫أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا { ق } ‪ :‬جبل محيط بجميع الرض ‪ ،‬يقال له جبل قاف‪.‬‬
‫وكأن هذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس ‪ ،‬لما رأى من‬
‫جواز الرواية عنهم فيما (‪ )2‬ل يصدق ول يكذب‪ .‬وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلق‬
‫بعض زنادقتهم ‪ ،‬يلبسون به على الناس أمر دينهم ‪ ،‬كما افترى في هذه المة ‪ -‬مع جللة قدر‬
‫علمائها وحفاظها وأئمتها ‪ -‬أحاديث عن النبي صلى ال عليه وسلم وما بالعهد من قدم ‪ ،‬فكيف‬
‫بأمة بني إسرائيل مع طول المدى ‪ ،‬وقلة الحفاظ النقاد فيهم ‪ ،‬وشربهم الخمور (‪ ، )3‬وتحريف‬
‫علمائهم الكلم عن مواضعه ‪ ،‬وتبديل كتب ال وآياته! وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله ‪:‬‬
‫"وحدثوا عن بني إسرائيل ‪ ،‬ول حرج" فيما قد يجوزه العقل ‪ ،‬فأما فيما تُحيله العقول ويحكم عليه‬
‫بالبطلن ‪ ،‬ويغلب على الظنون كذبه ‪ ،‬فليس من هذا القبيل ‪ -‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين ‪ ،‬وكذا طائفة كثيرة من الخلف ‪ ،‬من الحكاية عن كتب‬
‫أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد ‪ ،‬وليس بهم احتياج إلى أخبارهم ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪ ،‬حتى‬
‫إن المام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬أورد هاهنا أثرا غريبا ل‬
‫يصح سنده عن ابن عباس فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبي قال ‪ :‬حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي ‪ :‬حدثنا ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬خلق ال من وراء هذه الرض بحرًا محيطًا ‪ ،‬ثم خلق من وراء‬
‫ذلك جبل يقال له "ق" السماء الدنيا مرفوعة عليه‪ .‬ثم خلق ال من وراء ذلك الجبل أرضا مثل تلك‬
‫الرض سبع مرات‪ .‬ثم خلق من وراء ذلك بحرا محيطًا بها ‪ ،‬ثم خلق من وراء ذلك جبل يقال له‬
‫"ق" السماء الثانية مرفوعة عليه ‪ ،‬حتى عد سبع أرضين ‪ ،‬وسبعة أبحر ‪ ،‬وسبعة أجبل ‪ ،‬وسبع‬
‫سموات‪ .‬قال ‪ :‬وذلك قوله ‪ { :‬وَالْ َبحْرُ َيمُ ّدهُ مِنْ َبعْ ِدهِ سَ ْبعَةُ أَ ْبحُرٍ } [لقمان ‪.]27 :‬‬
‫فإسناد هذا الثر فيه انقطاع ‪ ،‬والذي رواه ابن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬ق } قال ‪:‬‬
‫هو اسم من أسماء ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫والذي ثبت عن مجاهد ‪ :‬أنه حرف من حروف الهجاء ‪ ،‬كقوله ‪( :‬ص ‪ ،‬ن ‪ ،‬حم ‪ ،‬طس ‪ ،‬الم)‬
‫ونحو ذلك‪ .‬فهذه تُ ْبعِد ما تقدم عن ابن عباس‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد "قضِي المر والِ" ‪ ،‬وأن قوله ‪ { :‬ق } دلت على المحذوف من بقية الكلم (‪)4‬‬
‫كقول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬الذي تقدم ذكرها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الخمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكلمة"‪.‬‬

‫( ‪)7/394‬‬

‫الشاعر ‪ :‬قلت لها ‪ :‬قفي فقلت ‪ :‬قاف‪...‬‬


‫وفي هذا التفسير نظر ؛ لن الحذف في الكلم إنما يكون إذا دل دليل عليه ‪ ،‬ومن أين يفهم هذا‬
‫من ذكر هذا الحرف ؟‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َمجِيدِ } أي ‪ :‬الكريم العظيم الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪،‬‬
‫تنزيل من حكيم حميد‪.‬‬
‫عِلمْنَا مَا‬
‫واختلفوا في جواب القسم ما هو ؟ فحكى ابن جرير عن بعض النحاة أنه قوله ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫حفِيظٌ }‬
‫تَ ْنقُصُ ال ْرضُ مِ ْنهُ ْم وَعِنْدَنَا كِتَابٌ َ‬
‫وفي هذا نظر ‪ ،‬بل الجواب هو مضمون الكلم بعد القسم ‪ ،‬وهو إثبات النبوة ‪ ،‬وإثبات المعاد ‪،‬‬
‫وتقريره وتحقيقه وإن لم يكن القسم متلقى لفظًا ‪ ،‬وهذا كثير في أقسام القرآن كما تقدم في قوله ‪{ :‬‬
‫شقَاقٍ } [ ص ‪ ، ] 2 ، 1 :‬وهكذا قال هاهنا ‪{ :‬‬
‫ص وَالْقُرْآنِ ذِي ال ّذكْرِ َبلِ الّذِينَ َكفَرُوا فِي عِ ّز ٍة وَ ِ‬
‫شيْءٌ عَجِيبٌ } أي ‪ :‬تعجبوا‬
‫عجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِ ْنهُمْ َفقَالَ ا ْلكَافِرُونَ َهذَا َ‬
‫ق وَا ْلقُرْآنِ ا ْل َمجِيدِ َبلْ َ‬
‫جلٍ مِ ْنهُمْ أَنْ‬
‫من إرسال رسول إليهم من البشر كقوله تعالى ‪َ { :‬أكَانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أَنْ َأوْحَيْنَا إِلَى رَ ُ‬
‫أَنْذِرِ النّاسَ } [ يونس ‪ ] 2 :‬أي ‪ :‬وليس هذا بعجيب ؛ فإن ال يصطفي من الملئكة رسل ومن‬
‫الناس‪.‬‬
‫ثم قال مخبرًا عنهم في عجبهم أيضًا من المعاد واستبعادهم لوقوعه ‪ { :‬أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا ذَِلكَ‬
‫رَجْعٌ َبعِيدٌ } أي ‪ :‬يقولون ‪ :‬أإذا متنا وبلينا ‪ ،‬وتقطعت الوصال منا ‪ ،‬وصرنا ترابا ‪ ،‬كيف يمكن‬
‫الرجوع بعد ذلك إلى هذه البنية والتركيب ؟ { ذَِلكَ رَجْعٌ َبعِيدٌ } أي ‪ :‬بعيد الوقوع ‪ ،‬ومعنى هذا ‪:‬‬
‫أنهم يعتقدون استحالته وعدم إمكانه‪.‬‬
‫قال ال تعالى رادًا عليهم ‪ { :‬قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْنقُصُ ال ْرضُ مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ما تأكل من أجسادهم في‬
‫البلى ‪ ،‬نعلم ذلك ول يخفى علينا أين تفرقت البدان ؟ وأين ذهبت ؟ وإلى أين صارت ؟ { وَعِنْدَنَا‬
‫حفِيظٌ } أي ‪ :‬حافظ لذلك ‪ ،‬فالعلم شامل ‪ ،‬والكتاب أيضًا فيه كل الشياء مضبوطة‪.‬‬
‫كِتَابٌ َ‬
‫قال الع ْوفِي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬قَدْ عَِلمْنَا مَا تَ ْنقُصُ ال ْرضُ مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬ما تأكل من‬
‫لحومهم وأبشارهم ‪ ،‬وعظامهم وأشعارهم‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ثم بين تعالى سبب كفرهم وعنادهم واستبعادهم ما ليس ببعيد فقال ‪َ { :‬بلْ كَذّبُوا بِا ْلحَقّ َلمّا جَا َءهُمْ‬
‫َفهُمْ فِي َأمْرٍ مَرِيجٍ } أي ‪ :‬وهذا حال كل من خرج عن الحق ‪ ،‬مهما قال بعد ذلك فهو باطل‪.‬‬
‫والمريج ‪ :‬المختلف المضطرب الملتبس المنكر خلله ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِ ّنكُمْ َلفِي َقوْلٍ مُخْتَِلفٍ ُي ْؤ َفكُ‬
‫عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ } [ الذاريات ‪.] 9 ، 8 :‬‬

‫( ‪)7/395‬‬

‫سمَاءِ َف ْوقَهُمْ كَ ْيفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ (‪ )6‬وَالْأَ ْرضَ مَ َددْنَاهَا وَأَ ْلقَيْنَا‬
‫َأفَلَمْ يَ ْنظُرُوا إِلَى ال ّ‬
‫سيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪ )7‬تَ ْبصِ َر ًة وَ ِذكْرَى ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (‪ )8‬وَنَزّلْنَا مِنَ‬
‫فِيهَا َروَا ِ‬
‫سقَاتٍ َلهَا طَلْعٌ َنضِيدٌ (‪ )10‬رِ ْزقًا‬
‫خلَ بَا ِ‬
‫حصِيدِ (‪ )9‬وَالنّ ْ‬
‫حبّ الْ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً مُبَا َركًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَ َ‬
‫ال ّ‬
‫لِ ْلعِبَا ِد وََأحْيَيْنَا بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتًا كَذَِلكَ ا ْلخُرُوجُ (‪)11‬‬
‫سمَاءِ َف ْو َقهُمْ كَ ْيفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا َومَا َلهَا مِنْ فُرُوجٍ (‪ )6‬وَال ْرضَ مَدَدْنَاهَا‬
‫{ َأفََلمْ يَنْظُرُوا ِإلَى ال ّ‬
‫ي وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ (‪ )7‬تَ ْبصِ َرةً وَ ِذكْرَى ِل ُكلّ عَ ْبدٍ مُنِيبٍ (‪ )8‬وَنزلْنَا‬
‫سَ‬‫وَأَ ْلقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫سقَاتٍ َلهَا طَلْعٌ َنضِيدٌ (‪)10‬‬
‫خلَ بَا ِ‬
‫حصِيدِ (‪ )9‬وَالنّ ْ‬
‫حبّ الْ َ‬
‫سمَاءِ مَاءً مُبَا َركًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنّاتٍ وَ َ‬
‫مِنَ ال ّ‬
‫رِ ْزقًا لِ ْلعِبَا ِد وََأحْيَيْنَا بِهِ بَ ْل َدةً مَيْتًا كَذَِلكَ ا ْلخُرُوجُ (‪} )11‬‬
‫يقول تعالى منبها للعباد على قدرته العظيمة التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين‬
‫سمَاءِ َف ْو َقهُمْ كَ ْيفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيّنّاهَا } ؟ أي ‪ :‬بالمصابيح ‪َ { ،‬ومَا َلهَا‬
‫لوقوعه ‪َ { :‬أفََلمْ يَنْظُرُوا إِلَى ال ّ‬
‫مِنْ فُرُوجٍ }‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬يعني من شقوق‪ .‬وقال غيره ‪ :‬فتوق‪ .‬وقال غيره ‪ :‬من صدوع‪.‬‬
‫حمَنِ مِنْ‬
‫س َموَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫والمعنى متقارب ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬الّذِي خََلقَ سَ ْبعَ َ‬
‫َتفَا ُوتٍ فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ‪ .‬ثُمّ ارْجِعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَلِبْ إِلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئًا وَ ُهوَ‬
‫حسِيرٌ } [ الملك ‪ ] 4 ، 3 :‬أي ‪ :‬كليل ‪ ،‬أي ‪ :‬عن أن يرى عيبًا أو نقصًا‪.‬‬
‫َ‬
‫سيَ } وهي ‪ :‬الجبال ؛‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ْرضَ َمدَدْنَاهَا } أي ‪ :‬وسعناها وفرشناها ‪ { ،‬وَأَلْقَيْنَا فِيهَا َروَا ِ‬
‫لئل تميد بأهلها وتضطرب ؛ فإنها ُمقَرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها ‪ { ،‬وَأَنْبَتْنَا‬
‫شيْءٍ‬
‫فِيهَا مِنْ ُكلّ َزوْجٍ َبهِيجٍ } أي ‪ :‬من جميع الزروع والثمار والنبات والنواع ‪َ { ،‬ومِنْ ُكلّ َ‬
‫خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّل ُكمْ تَ َذكّرُونَ } [ الذاريات ‪ ، ] 49 :‬وقوله ‪ { :‬بهيج } أي ‪ :‬حسن نضر‪.‬‬
‫{ تَ ْبصِ َر ًة وَ ِذكْرَى ِل ُكلّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } أي ‪ :‬ومشاهدة خلق السموات [والرض] (‪ )1‬وما جعل [ال] (‬
‫‪ )2‬فيهما من اليات العظيمة تبصرة ودللة وذكرى لكل عبد منيب ‪ ،‬أي ‪ :‬خاضع خائف وجل‬
‫رَجّاع إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫سمَاءِ مَاءً مُبَا َركًا } أي ‪ :‬نافعًا ‪ { ،‬فَأَنْبَتْنَا ِبهِ جَنّاتٍ } أي ‪ :‬حدائق من‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَنزلْنَا مِنَ ال ّ‬
‫حصِيدِ } وهو ‪ :‬الزرع الذي يراد لحبه وادخاره‪.‬‬
‫حبّ ا ْل َ‬
‫بساتين ونحوها ‪ { ،‬وَ َ‬
‫سقَاتٍ } أي ‪ :‬طوال شاهقات‪ .‬وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫خلَ بَا ِ‬
‫{ وَالنّ ْ‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬الباسقات الطوال‪َ { .‬لهَا طَ ْلعٌ َنضِيدٌ } أي ‪ :‬منضود‪ { .‬رِ ْزقًا لِ ْلعِبَادِ }‬
‫أي ‪ :‬للخلق ‪ { ،‬وَأَحْيَيْنَا ِبهِ بَلْ َدةً مَيْتًا } وهي ‪ :‬الرض التي كانت هامدة ‪ ،‬فلما نزل عليها الماء‬
‫اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ‪ ،‬من أزاهير وغير ذلك ‪ ،‬مما يحار الطرف في (‪)3‬‬
‫حسنها ‪ ،‬وذلك بعد ما كانت ل نبات بها ‪ ،‬فأصبحت تهتز خضراء ‪ ،‬فهذا مثال للبعث بعد الموت‬
‫والهلك ‪ ،‬كذلك يحيي ال الموتى‪ .‬وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس أعظم مما أنكره‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ } [ غافر ‪:‬‬
‫الجاحدون للبعث (‪ )4‬كقوله تعالى ‪َ { :‬لخَلْقُ ال ّ‬
‫ت وَال ْرضَ وَلَمْ َيعْيَ ِبخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ‬
‫س َموَا ِ‬
‫‪ ، ] 57‬وقوله ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } [ الحقاف ‪ ، ] 33 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬ومِنْ آيَا ِتهِ أَ ّنكَ‬
‫يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شعَةً (‪ )5‬فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَ ْيهَا ا ْلمَاءَ اهْتَ ّزتْ وَرَ َبتْ إِنّ الّذِي أَحْيَاهَا َلمُحْيِي ا ْل َموْتَى إِنّهُ‬
‫تَرَى ال ْرضَ خَا ِ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } [ فصلت ‪.] 39 :‬‬
‫عَلَى ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬البعث"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬هامدة" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/396‬‬

‫خوَانُ لُوطٍ (‪ )13‬وََأصْحَابُ‬


‫ن وَإِ ْ‬
‫ح وََأصْحَابُ الرّسّ وَ َثمُودُ (‪ )12‬وَعَادٌ َوفِرْعَوْ ُ‬
‫كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُو ٍ‬
‫سلَ فَحَقّ وَعِيدِ (‪َ )14‬أ َفعَيِينَا بِالْخَ ْلقِ الَْأ ّولِ َبلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَ ْلقٍ‬
‫الْأَ ْيكَ ِة َو َقوْمُ تُبّعٍ ُكلّ كَ ّذبَ الرّ ُ‬
‫جدِيدٍ (‪)15‬‬
‫َ‬

‫خوَانُ لُوطٍ (‪ )13‬وََأصْحَابُ‬


‫عوْنُ وَِإ ْ‬
‫س وَ َثمُودُ (‪ )12‬وَعَا ٌد َوفِرْ َ‬
‫ح وََأصْحَابُ الرّ ّ‬
‫{ َكذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُو ٍ‬
‫ق وَعِيدِ (‪َ )14‬أ َفعَيِينَا بِا ْلخَلْقِ ال ّولِ َبلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَ ْلقٍ‬
‫حّ‬‫سلَ فَ َ‬
‫ال ْيكَ ِة َوقَوْمُ تُبّعٍ ُكلّ كَ ّذبَ الرّ ُ‬
‫جدِيدٍ (‪} )15‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى متهددا لكفار قريش بما أحله بأشباههم ونظرائهم وأمثالهم من المكذبين قبلهم ‪ ،‬من‬
‫النقمات والعذاب الليم في الدنيا ‪ ،‬كقوم نوح وما عذبهم ال به من الغرق العام (‪ )1‬لجميع أهل‬
‫عوْنُ‬
‫الرض ‪ ،‬وأصحاب الرس وقد تقدمت قصتهم في سورة "الفرقان" (‪ { )2‬وَ َثمُودُ‪ .‬وَعَا ٌد َوفِرْ َ‬
‫خوَانُ لُوطٍ } ‪ ،‬وهم أمته الذين بعث إليهم من أهل سدوم ومعاملتها من الغور ‪ ،‬وكيف خسف ال‬
‫وَإِ ْ‬
‫بهم الرض ‪ ،‬وأحال أرضهم بحيرة منتنة خبيثة ؛ بكفرهم وطغيانهم ومخالفتهم الحق‪.‬‬
‫{ وََأصْحَابُ ال ْيكَةِ } وهم قوم شعيب عليه السلم ‪َ { ،‬وقَوْمُ تُبّعٍ } وهو اليماني‪ .‬وقد ذكرنا من‬
‫شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هاهنا ول الحمد‪.‬‬
‫سلَ } أي ‪ :‬كل من هذه المم وهؤلء القرون كذب رسوله (‪ ، )3‬ومن كذب رسول‬
‫{ ُكلّ كَ ّذبَ الرّ ُ‬
‫(‪ )4‬فكأنما كذب جميع الرسل ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬كَذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُرْسَلِينَ } [ الشعراء ‪ ، ] 105 :‬وإنما‬
‫ق وَعِيدِ } أي ‪:‬‬
‫حّ‬‫جاءهم رسول واحد ‪ ،‬فهم في نفس المر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ‪ { ،‬فَ َ‬
‫فحق عليهم ما أوعدهم ال ‪ ،‬على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما‬
‫أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ َفعَيِينَا بِا ْلخَلْقِ ال ّولِ } أي ‪ :‬أفأعجزنا (‪ )5‬ابتداء الخلق حتى هم في شك من العادة ‪{ ،‬‬
‫جدِيدٍ } والمعنى ‪ :‬أن ابتداء الخلق لم يعجزنا والعادة أسهل منه ‪ ،‬كما‬
‫َبلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَ ْلقٍ َ‬
‫خلْقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم ‪ ، ] 27 :‬وقال ال تعالى‬
‫قال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَ ْبدَأُ الْ َ‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي ا ْل ِعظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ ُقلْ ُيحْيِيهَا الّذِي أَ ْنشَأَهَا َأ ّولَ مَ ّرةٍ‬
‫‪َ { :‬وضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس ‪ ، ]79 - 78 :‬وقد تقدم في الصحيح ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬يؤذيني ابن‬
‫آدم ‪ ،‬يقول ‪ :‬لن يعيدني كما بدأني ‪ ،‬وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته" (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬العظيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم ذلك في سورة الفرقان عند الية رقم (‪.)38‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬رسولهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬برسول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فأعجزنا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4974‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/397‬‬

‫سوِسُ بِهِ َنفْسُ ُه وَ َنحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِنْ حَ ْبلِ ا ْلوَرِيدِ (‪ )16‬إِذْ يَ َتَلقّى‬
‫ن وَ َنعْلَمُ مَا ُتوَ ْ‬
‫وَلَقَدْ خََلقْنَا الْإِنْسَا َ‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ (‪ )17‬مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َقوْلٍ إِلّا َلدَيْهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ (‪ )18‬وَجَا َءتْ‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫ا ْلمُتََلقّيَانِ عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫حقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ (‪ )19‬وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ َذِلكَ َيوْمُ ا ْلوَعِيدِ (‪ )20‬وَجَا َءتْ‬
‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ بِالْ َ‬
‫َ‬
‫شفْنَا عَ ْنكَ غِطَا َءكَ فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ َهذَا َفكَ َ‬
‫شهِيدٌ (‪َ )21‬لقَدْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫ق وَ َ‬
‫ُكلّ َنفْسٍ َم َعهَا سَا ِئ ٌ‬
‫حدِيدٌ (‪)22‬‬
‫َ‬

‫سوِسُ بِهِ َنفْسُهُ وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِنْ حَ ْبلِ ا ْلوَرِيدِ (‪ِ )16‬إذْ يَتََلقّى‬
‫{ وََلقَدْ خََلقْنَا النْسَانَ وَ َنعْلَمُ مَا ُتوَ ْ‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ (‪ )17‬مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َقوْلٍ إِل لَدَ ْيهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ (‪ )18‬وَجَا َءتْ‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫ا ْلمُتََلقّيَانِ عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫حقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ (‪ )19‬وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ َذِلكَ َيوْمُ ا ْلوَعِيدِ (‪ )20‬وَجَا َءتْ‬
‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ بِالْ َ‬
‫َ‬
‫شفْنَا عَ ْنكَ غِطَا َءكَ فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ َهذَا َفكَ َ‬
‫شهِيدٌ (‪َ )21‬لقَدْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫ق وَ َ‬
‫ُكلّ َنفْسٍ َم َعهَا سَا ِئ ٌ‬
‫حدِيدٌ (‪} )22‬‬
‫َ‬

‫( ‪)7/397‬‬

‫يخبر تعالى عن قدرته على النسان بأنه خالقه ‪ ،‬وعمله محيط بجميع أموره ‪ ،‬حتى إنه تعالى يعلم‬
‫ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر‪ .‬وقد ثبت في الصحيح عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال (‪ )1‬تجاوز لمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ ِإلَيْهِ مِنْ حَ ْبلِ ا ْلوَرِيدِ } يعني ‪ :‬ملئكته تعالى أقربُ إلى النسان من حبل‬
‫وريده (‪ )3‬إليه‪ .‬ومن تأوله على العلم فإنما فر لئل يلزم حلول أو اتحاد ‪ ،‬وهما منفيان بالجماع ‪،‬‬
‫تعالى ال وتقدس ‪ ،‬ولكن اللفظ ل يقتضيه فإنه لم يقل ‪ :‬وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ‪ ،‬وإنما‬
‫قال ‪ { :‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَ ْيهِ مِنْ حَ ْبلِ ا ْلوَرِيدِ } كما قال في المحتضر ‪ { :‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْن ُك ْم وََلكِنْ‬
‫ل تُ ْبصِرُونَ } [ الواقعة ‪ ، ] 85 :‬يعني ملئكته‪ .‬وكما قال [تعالى] (‪ { : )4‬إِنّا َنحْنُ نزلْنَا ال ّذكْرَ‬
‫وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ } [ الحجر ‪ ، ] 9 :‬فالملئكة نزلت بالذكر ‪ -‬وهو القرآن ‪ -‬بإذن ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل‪ .‬وكذلك (‪ )5‬الملئكة أقرب إلى النسان من حبل وريده إليه بإقدار (‪ )6‬ال لهم على ذلك ‪،‬‬
‫فالملك َلمّة في النسان كما أن للشيطان لمة وكذلك ‪" :‬الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" ‪،‬‬
‫كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬إِذْ يَتََلقّى ا ْلمُتََلقّيَانِ } يعني ‪ :‬الملكين اللذين‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ } أي ‪ :‬مترصد (‪.)7‬‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫يكتبان عمل النسان‪ { .‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫{ مَا يَ ْلفِظُ } أي ‪ :‬ابن آدم { مِنْ َقوْلٍ } أي ‪ :‬ما يتكلم بكلمة (‪ { )8‬إِل َلدَيْهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ } أي ‪ :‬إل‬
‫ولها من يراقبها معتد (‪ )9‬لذلك يكتبها ‪ ،‬ل يترك كلمة ول حركة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ عَلَ ْيكُمْ‬
‫لَحَا ِفظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ َيعَْلمُونَ مَا َت ْفعَلُونَ } [ النفطار ‪.] 12 - 10 :‬‬
‫وقد اختلف العلماء ‪ :‬هل يكتب الملك كل شيء من الكلم ؟ وهو قول الحسن وقتادة ‪ ،‬أو إنما‬
‫يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس ‪ ،‬على قولين ‪ ،‬وظاهر الية الول ‪ ،‬لعموم‬
‫قوله ‪ { :‬مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ إِل َلدَيْهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ }‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫جده علقمة ‪ ،‬عن بلل بن الحارث المزني قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل‬
‫ليتكلم بالكلمة من رضوان ال تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ‪ ،‬يكتب ال له بها رضوانه إلى يوم‬
‫يلقاه (‪ .)10‬وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط ال ما يظن أن تبلغ ما بلغت ‪ ،‬يكتب ال عليه بها‬
‫(‪ )11‬سخطه إلى يوم يلقاه"‪ .‬قال ‪ :‬فكان علقمة يقول ‪ :‬كم من كلم قد منعنيه حديث بلل بن‬
‫الحارث‪.‬‬
‫ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث محمد بن عمرو به (‪ .)12‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إن ال تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )5269‬وصحيح مسلم برقم (‪.)127‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الوريد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬ولذلك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬باقتدار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬مرصد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬بكلم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬معد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬له بها عليه"‪.‬‬
‫(‪ )12‬المسند (‪ )3/469‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2319‬والنسائي في السنن الكبرى ‪ ،‬كما في تحفة‬
‫الشراف (‪ )2/103‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3969‬‬

‫( ‪)7/398‬‬

‫صحيح‪ .‬وله شاهد (‪ )1‬في الصحيح (‪.)2‬‬


‫وقال الحنف بن قيس ‪ :‬صاحب اليمين يكتب الخير ‪ ،‬وهو أمير على صاحب الشمال ‪ ،‬فإن‬
‫أصاب العبد خطيئة قال له ‪ :‬أمسك ‪ ،‬فإن استغفر ال تعالى نهاه أن يكتبها ‪ ،‬وإن أبى كتبها‪ .‬رواه‬
‫ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫شمَالِ َقعِيدٌ } ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬بُسطت لك‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫وقال الحسن البصري وتل هذه الية ‪ { :‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫صحيفة ‪ ،‬ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ‪ ،‬والخر عن شمالك ‪ ،‬فأما الذي عن يمينك‬
‫فيحفظ حسناتك ‪ ،‬وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل (‪ )3‬ما شئت ‪ ،‬أقلل أو أكثر حتى‬
‫إذا مت طويت صحيفتك ‪ ،‬وجعلت في عنقك معك في قبرك ‪ ،‬حتى تخرج يوم القيامة ‪ ،‬فعند ذلك‬
‫يقول ‪َ { :‬و ُكلّ إِنْسَانٍ أَلْ َزمْنَاهُ طَائِ َرهُ فِي عُ ُنقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ كِتَابًا يَ ْلقَاهُ مَ ْنشُورًا اقْرَأْ كِتَا َبكَ‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ حَسِيبًا } [ السراء ‪ ] 14 ، 13 :‬ثم يقول ‪ :‬عدل ‪ -‬وال ‪ -‬فيك من جعلك‬
‫َكفَى بِ َنفْ ِ‬
‫حسيب نفسك‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مَا يَ ْلفِظُ مِنْ َق ْولٍ إِل لَدَيْهِ َرقِيبٌ عَتِيدٌ } قال ‪ :‬يكتب‬
‫كل ما تكلم به من خير أو شر ‪ ،‬حتى إنه ليكتب قوله ‪" :‬أكلت ‪ ،‬شربت ‪ ،‬ذهبت ‪ ،‬جئت ‪،‬‬
‫رأيت" ‪ ،‬حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله ‪ ،‬فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ‪،‬‬
‫وألقى سائره ‪ ،‬وذلك قوله ‪َ { :‬ي ْمحُو اللّهُ مَا َيشَا ُء وَيُثْ ِبتُ وَعِنْ َدهُ أُمّ ا ْلكِتَابِ } [ الرعد ‪، ] 39 :‬‬
‫وذكر عن المام أحمد أنه كان يئن في مرضه ‪ ،‬فبلغه عن طاوس أنه قال ‪ :‬يكتب الملك كل شيء‬
‫حتى النين‪ .‬فلم يئن أحمد حتى مات رحمه ال (‪.)4‬‬
‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ بِا ْلحَقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ } ‪ ،‬يقول تعالى ‪ :‬وجاءت ‪ -‬أيها‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَا َءتْ َ‬
‫النسان ‪ -‬سكرة الموت بالحق ‪ ،‬أي ‪ :‬كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ‪َ { ،‬ذِلكَ مَا‬
‫كُ ْنتَ مِ ْنهُ تَحِيدُ } أي ‪ :‬هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك ‪ ،‬فل محيد ول مناص ‪ ،‬ول فكاك ول‬
‫خلص‪.‬‬
‫سكْ َرةُ ا ْل َموْتِ بِا ْلحَقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِ ْنهُ‬
‫وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله ‪ { :‬وَجَا َءتْ َ‬
‫تَحِيدُ } ‪ ،‬فالصحيح أن المخاطب بذلك النسان من حيث هو‪ .‬وقيل ‪ :‬الكافر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬غير ذلك‪.‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن زياد ‪ -‬سَبَلن ‪ -‬أخبرنا عَبّاد بن عَبّاد عن محمد‬
‫بن عمرو بن علقمة ‪ ،‬عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص (‪ )5‬أن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬قالت‬
‫‪ :‬حضرت أبي وهو يموت ‪ ،‬وأنا جالسة عند رأسه ‪ ،‬فأخذته غشيةٌ فتمثلت ببيت من الشعر ‪:‬‬
‫من ل يزال دمعه ُمقَنّعا‪ ...‬فإنه ل بد مرةً (‪ )6‬مدقوق (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬شواهد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬شاهده حديث أبي هريرة رضي ال عنه أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪.)6478‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فاملل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه صالح بن المام أحمد في سيرة أبيه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أبي وقاص" وهو خطأ‪ .‬انظر ترجمته في تهذيب التهذيب‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬من دمعه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬البيت في النهاية لبن الثير (‪ )4/115‬وعنده ‪ :‬ل بد يوما أن يهراق‪.‬‬

‫( ‪)7/399‬‬

‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ‬


‫قالت ‪ :‬فرفع رأسه فقال ‪ :‬يا بنية ‪ ،‬ليس كذلك ولكن كما قال تعالى ‪ { :‬وَجَا َءتْ َ‬
‫حقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ }‪.‬‬
‫بِالْ َ‬
‫وحدثنا (‪ )1‬خلف بن هشام ؛ حدثنا أبو شهاب [الخياط] (‪ ، )2‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن‬
‫البهي قال ‪ :‬لما أن ثقل أبو بكر (‪ ، )3‬رضي ال عنه ‪ ،‬جاءت عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فتمثلت‬
‫بهذا البيت ‪:‬‬
‫لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى‪ ...‬إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (‪)4‬‬
‫حقّ ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ‬
‫سكْ َرةُ ا ْل َم ْوتِ بِالْ َ‬
‫فكشف عن وجهه وقال ‪ :‬ليس كذلك ‪ ،‬ولكن قولي ‪َ { :‬وجَا َءتْ َ‬
‫مِنْهُ َتحِيدُ } وقد أوردت لهذا الثر طرقا [كثيرة] (‪ )5‬في سيرة الصديق عند ذكر وفاته ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن‬
‫وجهه ويقول ‪" :‬سبحان ال! إن للموت لسكرات"‪ .‬وفي قوله ‪ { :‬ذَِلكَ مَا كُ ْنتَ مِنْهُ َتحِيدُ } قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أن "ما" هاهنا موصولة ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي كنت منه تحيد ‪ -‬بمعنى ‪ :‬تبتعد وتنأى وتفر ‪ -‬قد‬
‫حل بك ونزل بساحتك‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن "ما" نافية بمعنى ‪ :‬ذلك ما كنت تقدر على الفرار منه ول الحيد عنه‪.‬‬
‫وقد قال الطبراني في المعجم الكبير ‪ :‬حدثنا محمد بن علي الصائغ المكي ‪ ،‬حدثنا حفص بن عمر‬
‫سمُرة قال ‪ :‬قال‬
‫الحدي ‪ ،‬حدثنا معاذ بن محمد ال ُهذَلي ‪ ،‬عن يونس بن عبيد ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب ‪ ،‬تطلبه الرض بدَيْن ‪،‬‬
‫فجاء يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره ‪ ،‬فقالت له الرض ‪ :‬يا ثعلب ‪ ،‬ديني‪ .‬فخرج وله‬
‫حصاص ‪ ،‬فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات" (‪.)6‬‬
‫ومضمون هذا المثل ‪ :‬كما ل انفكاك له ول محيد عن الرض كذلك النسان ل محيد له عن‬
‫الموت‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُنفِخَ فِي الصّورِ ذَِلكَ َي ْومُ ا ْلوَعِيدِ }‪ .‬قد تقدم الكلم على حديث النفخ في الصور والفزع‬
‫والصعق والبعث (‪ ، )7‬وذلك يوم القيامة‪ .‬وفي الحديث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ‪ ،‬وانتظر أن يؤذن له"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول‬
‫ال كيف نقول ؟ قال ‪" :‬قولوا حسبنا ال ونعم الوكيل"‪ .‬فقال القوم ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وحديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أبا بكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيت لحاتم الطائي وهو في ديوانه ص (‪ )50‬أ‪ .‬هـ مستفادا من طبعة الشعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )7/222‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )2/320‬فيه معاذ بن محمد الهذلي ‪،‬‬
‫قال العقيلي ‪ :‬ل يتابع على رفع حديثه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬للفزع وللصعق وللبعث"‪.‬‬

‫( ‪)7/400‬‬

‫شهِيدٌ } أي ‪ :‬ملك يسوقه إلى المحشر ‪ ،‬وملك يشهد عليه بأعماله‪.‬‬


‫ق وَ َ‬
‫{ وَجَا َءتْ ُكلّ َنفْسٍ َم َعهَا سَا ِئ ٌ‬
‫هذا هو الظاهر من الية الكريمة‪ .‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬ثم روي من حديث إسماعيل بن أبى‬
‫خالد عن يحيى بن رافع ‪ -‬مولى لثقيف ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عثمان بن عفان يخطب (‪ ، )1‬فقرأ هذه‬
‫شهِيدٌ } ‪ ،‬فقال ‪ :‬سائق يسوقها إلى ال ‪ ،‬وشاهد يشهد‬
‫ق وَ َ‬
‫الية ‪ { :‬وَجَا َءتْ ُكلّ َنفْسٍ َم َعهَا سَا ِئ ٌ‬
‫عليها بما عملت‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقال مُطَرّف ‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ -‬مولى أشجع ‪ -‬عن أبي هريرة ‪ :‬السائق ‪ :‬الملك والشهيد ‪:‬‬
‫العمل‪ .‬وكذا قال الضحاك والسدي‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي عن ابن عباس ‪ :‬السائق من الملئكة ‪ ،‬والشهيد ‪ :‬النسان نفسه ‪ ،‬يشهد على نفسه‪.‬‬
‫وبه قال الضحاك بن مُزاحِم أيضا‪.‬‬
‫غفْلَةٍ مِنْ هَذَا‬
‫وحكى ابن جرير ثلثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله ‪َ { :‬لقَدْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫غطَا َءكَ فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ حَدِيدٌ }‬
‫شفْنَا عَ ْنكَ ِ‬
‫َفكَ َ‬
‫أحدها ‪ :‬أن المراد بذلك الكافر‪ .‬رواه علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وبه يقول الضحاك بن‬
‫مزاحم وصالح بن كيسان‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ؛ لن الخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة والدنيا‬
‫كالمنام‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير ‪ ،‬ونقله عن حسين بن عبد ال بن عبيد ال بن عباس‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬أن المخاطب بذلك النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وبه يقول زيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه‪ .‬والمعنى‬
‫على قولهما ‪ :‬لقد كنت في غفلة من هذا الشأن (‪ )2‬قبل أن يوحى إليك ‪ ،‬فكشفنا عنك غطاءك‬
‫بإنزاله إليك ‪ ،‬فبصرك اليوم حديد‪.‬‬
‫والظاهر من السياق خلف هذا ‪ ،‬بل الخطاب مع النسان من حيث هو ‪ ،‬والمراد بقوله ‪َ { :‬لقَدْ‬
‫حدِيدٌ } أي ‪:‬‬
‫غطَا َءكَ فَ َبصَ ُركَ الْ َيوْمَ َ‬
‫شفْنَا عَ ْنكَ ِ‬
‫غفْلَةٍ مِنْ َهذَا } يعني ‪ :‬من هذا اليوم ‪َ { ،‬فكَ َ‬
‫كُ ْنتَ فِي َ‬
‫قوي ؛ لن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصرا ‪ ،‬حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على‬
‫سمِعْ ِب ِه ْم وَأَ ْبصِرْ َيوْمَ يَأْتُونَنَا } [ مريم ‪:‬‬
‫الستقامة ‪ ،‬لكن ل ينفعهم ذلك‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬أَ ْ‬
‫س ِمعْنَا‬
‫سهِمْ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ رَبّنَا أَ ْبصَرْنَا وَ َ‬
‫‪ ، ] 38‬وقال تعالى ‪ { :‬وََلوْ تَرَى إِذِ ا ْلمُجْ ِرمُونَ نَاكِسُو رُءُو ِ‬
‫جعْنَا َن ْع َملْ صَالِحًا إِنّا مُوقِنُونَ } [ السجدة ‪.]12 :‬‬
‫فَارْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬خطب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬القرآن"‪.‬‬

‫( ‪)7/401‬‬

‫جهَنّمَ ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ (‪ )24‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ مُرِيبٍ (‬


‫َوقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَ َديّ عَتِيدٌ (‪ )23‬أَ ْلقِيَا فِي َ‬
‫طغَيْتُ ُه وََلكِنْ‬
‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا َآخَرَ فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ (‪ )26‬قَالَ قَرِينُهُ رَبّنَا مَا َأ ْ‬
‫‪ )25‬الّذِي َ‬
‫ي َوقَدْ قَ ّد ْمتُ إِلَ ْيكُمْ بِا ْلوَعِيدِ (‪ )28‬مَا يُبَ ّدلُ ا ْل َق ْولُ َل َديّ‬
‫صمُوا َل َد ّ‬
‫كَانَ فِي ضَلَالٍ َبعِيدٍ (‪ )27‬قَالَ لَا َتخْ َت ِ‬
‫َومَا أَنَا بِظَلّامٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪)29‬‬

‫جهَنّمَ ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ (‪ )24‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ مُرِيبٍ (‬


‫{ َوقَالَ قَرِينُهُ َهذَا مَا َل َديّ عَتِيدٌ (‪ )23‬أَ ْلقِيَا فِي َ‬
‫طغَيْتُ ُه وََلكِنْ‬
‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ (‪ )26‬قَالَ قَرِينُهُ رَبّنَا مَا َأ ْ‬
‫‪ )25‬الّذِي َ‬
‫ي َوقَدْ َق ّد ْمتُ إِلَ ْيكُمْ بِا ْلوَعِيدِ (‪ )28‬مَا يُ َب ّدلُ ا ْلقَ ْولُ لَ َديّ‬
‫صمُوا لَ َد ّ‬
‫كَانَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ (‪ )27‬قَالَ ل تَخْ َت ِ‬
‫َومَا أَنَا بِظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ (‪} )29‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الملك الموكل بعمل ابن آدم ‪ :‬أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل (‪)1‬‬
‫ويقول ‪َ { :‬هذَا مَا لَ َديّ عَتِيدٌ } أي ‪ :‬معتد (‪ )2‬محضر (‪ )3‬بل زيادة ول نقصان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هذا كلم الملك السائق يقول ‪ :‬هذا ابن آدم الذي وكلتني به ‪ ،‬قد أحضرته‪.‬‬
‫وقد اختار ابن جرير أن يعم السائق والشهيد ‪ ،‬وله اتجاه وقوة‪.‬‬
‫جهَنّمَ ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ }‬
‫فعند ذلك يحكم ال ‪ ،‬سبحانه تعالى ‪ ،‬في الخليقة بالعدل فيقول ‪ { :‬أَ ْلقِيَا فِي َ‬
‫وقد اختلف النحاة في قوله ‪ { :‬ألقيا } فقال بعضهم ‪ :‬هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد‬
‫بالتثنية ‪ ،‬كما روي عن الحجاج أنه كان يقول ‪ :‬يا حرسي ‪ ،‬اضربا عنقه ‪ ،‬ومما أنشد ابن جرير‬
‫على هذه اللغة قول الشاعر ‪:‬‬
‫فإن تزجراني ‪ -‬يا ابن عفان ‪ -‬أنزجر‪ ...‬وإن تتركاني أحم عرضا ممنعا (‪)4‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل هي نون التأكيد ‪ ،‬سهلت إلى اللف‪ .‬وهذا بعيد ؛ لن هذا إنما يكون في الوقف ‪،‬‬
‫والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشهيد ‪ ،‬فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب ‪ ،‬فلما أدى‬
‫الشهيد عليه ‪ ،‬أمرهما ال تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير‪.‬‬
‫جهَنّمَ ُكلّ َكفّارٍ عَنِيدٍ } أي ‪ :‬كثير الكفر والتكذيب بالحق ‪ { ،‬عنيد } ‪ :‬معاند للحق ‪،‬‬
‫{ أَ ْلقِيَا فِي َ‬
‫معارض له بالباطل مع علمه بذلك‪ { .‬مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ } أي ‪ :‬ل يؤدي ما عليه من الحقوق ‪ ،‬ول بر‬
‫فيه ول صلة ول صدقة ‪ { ،‬معتد } أي ‪ :‬فيما ينفقه ويصرفه ‪ ،‬يتجاوز فيه الحد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬معتد في منطقه وسيرته وأمره‪.‬‬
‫{ مريب } أي ‪ :‬شاك في أمره ‪ ،‬مريب لمن نظر في أمره‪.‬‬
‫ج َعلَ مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ } أي ‪ :‬أشرك بال فعبد معه غيره ‪ { ،‬فَأَ ْلقِيَاهُ فِي ا ْلعَذَابِ الشّدِيدِ }‪.‬‬
‫{ الّذِي َ‬
‫وقد تقدم في الحديث ‪ :‬أن عنقًا من النار يبرز للخلئق فينادي بصوت يسمع الخلئق ‪ :‬إني وكلت‬
‫بثلثة ‪ ،‬بكل جبار ‪ ،‬ومن جعل مع ال إلها آخر ‪ ،‬وبالمصورين ثم تلوى (‪ )5‬عليهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية ‪ -‬هو ابن هشام ‪ -‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن فِراس عن عطية (‪، )6‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري عن نبي ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬يخرج عنق من النار يتكلم ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬وكلت اليوم بثلثة ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بما عمل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬معد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬محص"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)26/103‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬تنطوي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬حدثنا شيبان هو ابن هشام عن فراس عن عطية"‪.‬‬

‫( ‪)7/402‬‬
‫ت وَ َتقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ (‪ )30‬وَأُزِْلفَتِ ا ْلجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ غَيْرَ َبعِيدٍ (‪ )31‬هَذَا‬
‫جهَنّمَ َهلِ امْتَلَ ْأ ِ‬
‫َيوْمَ َنقُولُ ِل َ‬
‫ب وَجَاءَ ِبقَ ْلبٍ مُنِيبٍ (‪ )33‬ادْخُلُوهَا‬
‫حمَنَ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫شيَ الرّ ْ‬
‫خِ‬‫حفِيظٍ (‪ )32‬مَنْ َ‬
‫مَا تُوعَدُونَ ِل ُكلّ َأوّابٍ َ‬
‫بِسَلَامٍ ذَِلكَ َيوْمُ الْخُلُودِ (‪َ )34‬ل ُهمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (‪)35‬‬

‫بكل جبار ‪ ،‬ومن جعل مع ال إلها آخر ‪ ،‬ومن قتل نفسا بغير نفس (‪ .)1‬فتنطوي عليهم ‪ ،‬فتقذفهم‬
‫في غمرات جهنم" (‪.)2‬‬
‫{ قَالَ قَرِينُهُ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو الشيطان الذي وكل به ‪:‬‬
‫طغَيْتُهُ } أي ‪ :‬يقول عن النسان الذي قد وافى القيامة كافرًا ‪ ،‬يتبرأ منه شيطانه ‪،‬‬
‫{ رَبّنَا مَا أَ ْ‬
‫طغَيْتُهُ } أي ‪ :‬ما أضللته ‪ { ،‬وََلكِنْ كَانَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬بل كان هو في‬
‫فيقول ‪ { :‬رَبّنَا مَا أَ ْ‬
‫نفسه ضال قابل للباطل معاندًا للحق‪ .‬كما أخبر تعالى في الية الخرى في قوله ‪َ { :‬وقَالَ‬
‫ق َووَعَدْ ُتكُمْ فََأخَْلفْ ُتكُ ْم َومَا كَانَ لِي عَلَ ْي ُكمْ مِنْ‬
‫حّ‬‫ضيَ المْرُ إِنّ اللّ َه وَعَ َدكُمْ وَعْدَ الْ َ‬
‫الشّ ْيطَانُ َلمّا ُق ِ‬
‫خ ُك ْم َومَا أَنْتُمْ‬
‫سكُمْ مَا أَنَا ِب ُمصْرِ ِ‬
‫عوْ ُتكُمْ فَاسْتَجَبْ ُتمْ لِي فَل تَلُومُونِي وَلُومُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سُ ْلطَانٍ إِل أَنْ دَ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } [ إبراهيم ‪.] 22 :‬‬
‫خيّ إِنّي َكفَ ْرتُ ِبمَا أَشْ َركْ ُتمُونِي مِنْ قَ ْبلُ إِنّ الظّاِلمِينَ َلهُمْ َ‬
‫ِب ُمصْرِ ِ‬
‫صمُوا لَ َديّ } يقول (‪ )3‬الرب عز وجل للنسي وقرينه من الجن ‪ ،‬وذلك‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالَ ل تَخْ َت ِ‬
‫أنهما يختصمان بين يدي الحق فيقول النسي ‪ :‬يا رب ‪ ،‬هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني‪.‬‬
‫طغَيْتُ ُه وََلكِنْ كَانَ فِي ضَللٍ َبعِيدٍ } أي ‪ :‬عن منهج الحق‪ .‬فيقول‬
‫ويقول الشيطان ‪ { :‬رَبّنَا مَا َأ ْ‬
‫صمُوا َل َديّ } أي ‪ :‬عندي ‪َ { ،‬وقَدْ قَ ّد ْمتُ إِلَ ْيكُمْ بِا ْلوَعِيدِ } أي ‪ :‬قد‬
‫الرب عز وجل لهما ‪ { :‬ل َتخْ َت ِ‬
‫أعذرت إليكم على ألسنة الرسل ‪ ،‬وأنزلت الكتب ‪ ،‬وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين‪.‬‬
‫{ مَا يُ َب ّدلُ ا ْلقَ ْولُ لَ َديّ } قال مجاهد ‪ :‬يعني قد قضيت ما أنا قاض ‪َ { ،‬ومَا أَنَا ِبظَلمٍ لِ ْلعَبِيدِ } أي ‪:‬‬
‫لست أعذب أحدا بذنب أحد ‪ ،‬ولكن ل أعذب أحدًا إل بذنبه ‪ ،‬بعد قيام الحجة عليه‪.‬‬
‫جهَنّمَ َهلِ امْتَلتِ وَ َتقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ (‪ )30‬وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ غَيْرَ َبعِيدٍ (‪)31‬‬
‫{ َيوْمَ َنقُولُ لِ َ‬
‫ب وَجَاءَ ِبقَ ْلبٍ مُنِيبٍ (‪ )33‬ادْخُلُوهَا‬
‫حمَنَ بِا ْلغَ ْي ِ‬
‫شيَ الرّ ْ‬
‫خِ‬‫حفِيظٍ (‪ )32‬مَنْ َ‬
‫هَذَا مَا تُوعَدُونَ ِل ُكلّ َأوّابٍ َ‬
‫بِسَلمٍ ذَِلكَ َيوْمُ ا ْلخُلُودِ (‪َ )34‬ل ُهمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (‪} )35‬‬
‫يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة ‪ :‬هل امتلت ؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنة‬
‫والناس أجمعين ‪ ،‬فهو سبحانه يأمر بمن (‪ )4‬يأمر به إليها ‪ ،‬ويلقى وهي تقول ‪َ { :‬هلْ مِنْ مَزِيدٍ }‬
‫أي ‪ :‬هل بقي شيء تزيدوني ؟ هذا هو الظاهر من سياق الية ‪ ،‬وعليه تدل الحاديث ‪:‬‬
‫عمَارة حدثنا‬
‫قال البخاري عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا عبد ال بن أبي السود ‪ ،‬حدثنا حَرَمي بن ُ‬
‫شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يُلقَى في النار ‪،‬‬
‫وتقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ ،‬حتى يضع قدمه فيها ‪ ،‬فتقول قط قط" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬حق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/40‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬يقوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4848‬‬

‫( ‪)7/403‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الوهاب ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تزال جهنم يلقى فيها وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة‬
‫فيها قدمه ‪ ،‬فينزوي بعضها إلى بعض ‪ ،‬وتقول ‪ :‬قط قط ‪ ،‬وعزتك وكَ َرمِك ول يزال في الجنة‬
‫فضل حتى ينشئ ال لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول (‪ )1‬الجنة" (‪.)2‬‬
‫ثم رواه مسلم من حديث قتادة ‪ ،‬بنحوه (‪ .)3‬ورواه أبان العطار وسليمان التيمي ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬
‫بنحوه (‪.)4‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )5‬البخاري ‪ :‬حدثنا محمد بن موسى القطان ‪ ،‬حدثنا أبو سفيان الحميري سعيد‬
‫عوْف ‪ ،‬عن محمد عن أبي هريرة ‪ -‬رفعه ‪ ،‬وأكثر ما كان يوقفه أبو‬
‫بن يحيى بن مهدي ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫سفيان ‪" : -‬يقال لجهنم ‪ :‬هل امتلت ‪ ،‬وتقول ‪ :‬هل من مزيد ‪ ،‬فيضع الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قدمه‬
‫عليها (‪ ، )6‬فتقول ‪ :‬قط قط" (‪.)7‬‬
‫رواه أيوب وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين ‪ ،‬به (‪.)8‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال (‪ )9‬البخاري ‪ :‬وحدثنا عبد ال بن محمد ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر‬
‫عن همام (‪ )10‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تحاجت الجنة والنار ‪،‬‬
‫فقالت النار ‪ :‬أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين‪ .‬وقالت الجنة ‪ :‬ما لي ل يدخلني إل ضعفاء الناس‬
‫وسقطهم‪ .‬قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للجنة ‪ :‬أنت رحمتي ‪ ،‬أرحم بك من أشاء من عبادي‪ .‬وقال للنار‬
‫‪ :‬إنما أنت عذابي ‪ ،‬أعذب بك من أشاء من عبادي ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها ‪ ،‬فأما النار فل‬
‫تمتلئ حتى يضع رجله ‪ ،‬فتقول ‪ :‬قط قط ‪ ،‬فهنالك تمتلئ ويزوي (‪ )11‬بعضها إلى بعض ول‬
‫يظلم ال من خلقه أحدا ‪ ،‬وأما الجنة فإن ال ينشئ لها خلقا آخر" (‪.)12‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬قال (‪ )13‬مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬احتجت‬
‫ي ضعفاء الناس‬
‫الجنة والنار ‪ ،‬فقالت النار ‪ :‬فيّ الجبارون والمتكبرون‪ .‬وقالت الجنة ‪ :‬ف ّ‬
‫ومساكينهم‪ .‬فقضى بينهما ‪ ،‬فقال للجنة ‪ :‬إنما أنت رحمتي ‪ ،‬أرحم بك من أشاء من عبادي‪ .‬وقال‬
‫للنار ‪ :‬إنما أنت عذابي ‪ ،‬أعذب بك من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فضل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/234‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)4848‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الطبري في تفسيره (‪.)26/106‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عليها قدمه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)4849‬‬
‫(‪ )8‬رواه احمد في مسنده (‪ )2/507‬من طريق هشام بن حسان به‪ .‬ورواه الطبري في تفسيره (‬
‫‪ )26/107‬من طريق أيوب وهشام بن حسان به‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬همام بن منبه"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬ينزوي"‪.‬‬
‫(‪ )12‬صحيح البخاري برقم (‪.)4850‬‬
‫(‪ )13‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬

‫( ‪)7/404‬‬

‫أشاء من عبادي ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها" انفرد به مسلم دون البخاري (‪ )1‬من هذا الوجه‪ .‬وال‬
‫‪ ،‬سبحانه وتعالى ‪ ،‬أعلم‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من طريق أخرى ‪ ،‬عن أبي سعيد بأبسط من هذا السياق فقال ‪:‬‬
‫حدثنا حسن وروح قال حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال‬
‫بن عتبة ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬افتخرت الجنة‬
‫والنار ‪ ،‬فقالت النار ‪ :‬يا رب ‪ ،‬يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والشراف‪ .‬وقالت الجنة ‪:‬‬
‫أي رب ‪ ،‬يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين‪ .‬فيقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬للنار ‪ :‬أنت عذابي ‪،‬‬
‫أصيب بك من أشاء‪ .‬وقال للجنة ‪ :‬أنت رحمتي ‪ ،‬وسعت كل شيء ‪ ،‬ولكل واحدة منكما ملؤها ‪،‬‬
‫فيلقى في النار أهلها فتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ قال ‪ :‬ويلقى فيها وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ ويلقى فيها‬
‫وتقول ‪ :‬هل من مزيد ؟ حتى يأتيها (‪ )2‬عز وجل ‪ ،‬فيضع قدمه عليها ‪ ،‬فتزوي وتقول ‪ :‬قدني ‪،‬‬
‫قدني‪ .‬وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء ال أن يبقى ‪ ،‬فينشئ ال لها خلقا ما يشاء" (‪.)3‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا عقبة بن ُمكْرَم ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الغفار بن القاسم ‪ ،‬عن عُدي بن ثابت ‪ ،‬عن زِرّ بن حُبَيْش ‪ ،‬عن أبي بن كعب ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يعرفني ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬نفسه يوم القيامة ‪ ،‬فأسجد سجدة يرضى بها‬
‫عني ‪ ،‬ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني ‪ ،‬ثم يؤذن لي في الكلم ‪ ،‬ثم تمر أمتي على الصراط ‪-‬‬
‫مضروب بين ظهراني جهنم ‪ -‬فيمرون أسرع من الطرف والسهم ‪ ،‬وأسرع من أجود الخيل ‪،‬‬
‫حتى يخرج الرجل منها يحبو ‪ ،‬وهي العمال‪ .‬وجهنم تسأل المزيد ‪ ،‬حتى يضع فيها قدمه ‪،‬‬
‫فينزوي بعضها إلى بعض وتقول ‪ :‬قط قط! وأنا على الحوض"‪ .‬قيل ‪ :‬وما الحوض يا رسول‬
‫ال ؟ قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إن شرابه أبيض من اللبن ‪ ،‬وأحلى من العسل ‪ ،‬وأبرد من الثلج ‪،‬‬
‫وأطيب ريحا من المسك‪ .‬وآنيته أكثر من عدد النجوم ‪ ،‬ل يشرب منه إنسان فيظمأ أبدا ‪ ،‬ول‬
‫يصرف فيروى أبدا" (‪ .)4‬وهذا القول هو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى الحمّاني (‪ )5‬عن نضر الخزاز ‪،‬‬
‫جهَنّمَ َهلِ امْتَلتِ وَتَقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ } قال ‪ :‬ما‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { ،‬يوْمَ َنقُولُ لِ َ‬
‫امتلت ‪ ،‬قال ‪ :‬تقول ‪ :‬وهل في من مكان يزاد في‪.‬‬
‫وكذا روى الحكم بن أبان عن عكرمة ‪ { :‬وَ َتقُولُ َهلْ مِنْ مَزِيدٍ } ‪ :‬وهل في مدخل واحد ‪ ،‬قد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2847‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬يأتيها ربها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/13‬‬
‫(‪ )4‬ورواه ابن أبي عاصم في السنة برقم (‪ )790‬من طريق عقبة بن مكرم به‪.‬‬
‫وقال اللباني ‪" :‬إسناده موضوع آفته عبد الغفار بن القاسم ‪ ،‬وهو أبو مريم النصاري كان يضع‬
‫الحديث كما قال ابن المديني وأبو داود"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬الحمان"‪.‬‬

‫( ‪)7/405‬‬

‫امتلت‪.‬‬
‫[و] (‪ )1‬قال الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن يزيد بن أبي مريم أنه سمع مجاهدًا يقول ‪ :‬ل يزال يقذف فيها‬
‫حتى تقول ‪ :‬قد امتلت فتقول ‪ :‬هل [فيّ] (‪ )2‬من مزيد ؟ وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو‬
‫هذا‪.‬‬
‫فعند هؤلء أن قوله تعالى ‪َ { :‬هلِ امْتَلتِ } ‪ ،‬إنما هو بعد ما يضع عليها قدمه ‪ ،‬فتنزوي وتقول‬
‫حينئذ ‪ :‬هل بقي في [من] (‪ )3‬مزيد ؟ يسع شيئا‪.‬‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬وذلك حين ل يبقى فيها موضع [يسع] (‪ )4‬إبرة‪ .‬فال (‪ )5‬أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُزِْل َفتِ الْجَنّةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ غَيْرَ َبعِيدٍ } ‪ :‬قال قتادة ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والسدي ‪ { :‬أُزِْلفَتِ } أدنيت‬
‫وقربت من المتقين ‪ { ،‬غَيْرَ َبعِيدٍ } وذلك يوم القيامة ‪ ،‬وليس ببعيد ؛ لنه واقع ل محالة ‪ ،‬وكل ما‬
‫هو آت آت‪.‬‬
‫{ هَذَا مَا تُوعَدُونَ ِل ُكلّ َأوّابٍ } (‪ )6‬أي ‪ :‬رجاع تائب مقلع ‪ { ،‬حفيظ } أي ‪ :‬يحفظ العهد فل‬
‫ينقضه و[ل] (‪ )7‬ينكثه‪.‬‬
‫وقال عبيد بن عمير ‪ :‬الواب ‪ :‬الحفيظ الذي ل يجلس مجلسًا [فيقوم] (‪ )8‬حتى يستغفر ال ‪ ،‬عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫حمَنَ بِا ْلغَ ْيبِ } أي ‪ :‬من خاف ال في سره حيث ل يراه أحد إل ال‪ .‬كقوله [عليه‬
‫شيَ الرّ ْ‬
‫{ مَنْ خَ ِ‬
‫السلم] (‪ )9‬ورجل ذكر ال خاليا ‪ ،‬ففاضت عيناه"‪.‬‬
‫{ وَجَاءَ ِبقَ ْلبٍ مُنِيبٍ } أي ‪ :‬ولقي ال يوم القيامة بقلب سليم منيب إليه خاضع لديه‪.‬‬
‫{ ادْخُلُوهَا } أي ‪ :‬الجنة { بِسَلمٍ } ‪ ،‬قال قتادة ‪ :‬سلموا من عذاب ال ‪ ،‬وسلم عليهم ملئكة ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمُ ا ْلخُلُودِ } أي ‪ :‬يخلدون في الجنة فل يموتون أبدًا ‪ ،‬ول يظعنون أبدًا ‪ ،‬ول‬
‫يبغون عنها حول‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ل ُهمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا } أي ‪ :‬مهما اختاروا وجدوا من أي أصناف الملذ طلبوا أحضر‬
‫لهم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عثمان ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة ‪ ،‬عن بَحِير (‪ )10‬بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن خالد بن َمعْدان ‪ ،‬عن كثير بن مُرّة قال ‪ :‬من المزيد أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول‬
‫‪ :‬ماذا تريدون فأمطره لكم ؟ فل يدعون بشيء إل أمطرتهم‪ .‬قال كثير ‪ :‬لئن أشهدني ال ذلك‬
‫لقولن ‪ :‬أمطرينا جواري مزينات‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪( :‬أواب حفيظ)‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬يحيى"‪.‬‬

‫( ‪)7/406‬‬
‫وفي الحديث عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬إنك لتشتهي الطير في‬
‫الجنة ‪ ،‬فيخر بين يديك مشويا" (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي عن عامر‬
‫الحول ‪ ،‬عن أبي الصديق (‪ ، )2‬عن أبي سعيد الخدري ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬إذا اشتهى المؤمن الولد في الجنة ‪ ،‬كان حمله ووضعه وسِنّه في ساعة واحدة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬عن بُنْدار ‪ ،‬عن معاذ بن هشام ‪ ،‬به (‪ )3‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫غريب ‪ ،‬وزاد "كما يشتهي"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } كقوله تعالى ‪ { :‬لِلّذِينَ َأحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َدةٌ } [ يونس ‪ .]26 :‬وقد تقدم‬
‫صهَيب بن سنان الرومي ‪ :‬أنها النظر إلى وجه ال الكريم‪ .‬وقد روى البزار‬
‫في صحيح مسلم عن ُ‬
‫وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث شريك القاضي ‪ ،‬عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك في قوله عز وجل ‪ { :‬وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } قال ‪ :‬يظهر لهم الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في كل جمعة (‪.)4‬‬
‫وقد رواه المام أبو عبد ال الشافعي مرفوعًا فقال في مسنده ‪ :‬أخبرنا إبراهيم بن محمد ‪ ،‬حدثني‬
‫موسى بن عبيدة ‪ ،‬حدثني أبو الزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة ‪ ،‬عن عبد ال بن عبيد بن‬
‫عمير (‪ )5‬أنه سمع أنس بن مالك يقول ‪ :‬أتى جبرائيل بمرآة بيضاء فيها نكتة إلى رسول ال ‪،‬‬
‫فقال النبي (‪ )6‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما هذه ؟" فقال ‪ :‬هذه الجمعة ‪ُ ،‬فضّلتَ بها أنت وأمتك ‪،‬‬
‫فالناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ‪ ،‬ولكم فيها خير ‪ ،‬ولكم فيها ساعة ل يوافقها مؤمن (‪)7‬‬
‫يدعو ال بخير إل استجيب له ‪ ،‬وهو عندنا يوم المزيد‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫جبريل ‪ ،‬وما يوم المزيد ؟" قال ‪ :‬إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب المسك ‪ ،‬فإذا‬
‫كان يوم الجمعة أنزل ال ما شاء (‪ )8‬من ملئكته ‪ ،‬وحوله منابر من نور ‪ ،‬عليها مقاعد النبيين ‪،‬‬
‫وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب ‪ ،‬مكللة بالياقوت والزبرجد ‪ ،‬عليها الشهداء والصديقون (‪)9‬‬
‫فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب ‪ ،‬فيقول ال عز وجل ‪ :‬أنا ربكم ‪ ،‬قد صدقتكم وعدي ‪،‬‬
‫فسلوني أعطكم‪ .‬فيقولون ‪ :‬ربنا ‪ ،‬نسألك رضوانك ‪ ،‬فيقول ‪ :‬قد رضيت عنكم ‪ ،‬ولكم علي ما‬
‫تمنيتم ‪ ،‬ولدي مزيد‪ .‬فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير ‪ ،‬وهو اليوم الذي‬
‫استوى فيه ربكم على العرش ‪ ،‬وفيه خلق آدم ‪ ،‬وفيه تقوم الساعة"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الحسن بن عرفة في جزئه برقم (‪ )22‬والبزار في مسنده برقم (‪" )3532‬كشف الستار"‬
‫وابن عدي في الكامل (‪ )6/689‬من طريق خلف بن خليفة عن حميد العرج عن عبد ال بن‬
‫الحارث عن ابن مسعود مرفوعا به‪ .‬وفيه حميد العرج ‪ ،‬قال البخاري ‪ :‬منكر الحديث وقال ابن‬
‫حبان ‪ :‬أحاديثه شبه الموضوعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عن أبي بكر الصديق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/9‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2563‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4338‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬جهة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عن عبيد ال بن عمير" وفي الصل ‪" :‬عبد ال عمير" والتصويب من الم للشافعي‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ل يوافقها عبد مؤمن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ناسا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬الصالحون"‪.‬‬

‫( ‪)7/407‬‬

‫[و] (‪ )1‬هكذا أورده المام الشافعي في كتاب "الجمعة" من الم (‪ ، )2‬وله طرق عن أنس بن مالك‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه‪ .‬وقد أورد ابن جرير هذا من رواية عثمان بن عمير ‪ ،‬عن أنس بأبسط من هذا‬
‫(‪ )3‬وذكر هاهنا أثرًا مطول عن أنس بن مالك موقوفًا وفيه غرائب كثيرة (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَراج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن الرجل في الجنة ليتكئ في الجنة سبعين‬
‫سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبه (‪ )5‬فينظر وجهه في خدها أصفى من‬
‫المرآة ‪ ،‬وإن أدنى لؤلؤة عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب‪ .‬فتسلم عليه ‪ ،‬فيرد السلم ‪،‬‬
‫فيسألها ‪ :‬من أنت ؟ فتقول ‪ :‬أنا من المزيد‪ .‬وإنه ليكون عليها سبعون حلة ‪ ،‬أدناها مثل النعمان ‪،‬‬
‫من طوبى ‪ ،‬فينفذها بصره حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك ‪ ،‬وإن عليها من التيجان ‪ ،‬إن أدنى‬
‫لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب" (‪.)6‬‬
‫وهكذا رواه عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دراج ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬الم (‪.)1/185‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)26/109‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)26/109‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬منكبيه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/75‬وفيه ‪ :‬دراج عن أبي الهيثم ‪ ،‬ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )26/110‬والكلم عليه كسابقه‪.‬‬

‫( ‪)7/408‬‬
‫طشًا فَ َنقّبُوا فِي الْبِلَادِ َهلْ مِنْ مَحِيصٍ (‪ )36‬إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫َوكَمْ أَهَْلكْنَا قَبَْلهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدّ مِ ْنهُمْ بَ ْ‬
‫ض َومَا بَيْ َن ُهمَا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر َ‬
‫شهِيدٌ (‪ )37‬وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬
‫سمْعَ وَ ُهوَ َ‬
‫لَ ِذكْرَى ِلمَنْ كَانَ َلهُ قَ ْلبٌ َأوْ أَ ْلقَى ال ّ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ‬
‫ن وَسَبّحْ ِب َ‬
‫فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ (‪ )38‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َ‬
‫س َوقَ ْبلَ ا ْلغُرُوبِ (‪َ )39‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّحْ ُه وَأَدْبَارَ السّجُودِ (‪)40‬‬
‫شمْ ِ‬
‫ال ّ‬

‫{ َوكَمْ َأهَْلكْنَا قَبَْلهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ َأشَدّ مِ ْنهُمْ َبطْشًا فَ َنقّبُوا فِي الْبِلدِ َهلْ مِنْ مَحِيصٍ (‪ )36‬إِنّ فِي ذَِلكَ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا‬
‫شهِيدٌ (‪ )37‬وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬
‫سمْعَ وَ ُهوَ َ‬
‫لَ ِذكْرَى ِلمَنْ كَانَ َلهُ قَ ْلبٌ َأوْ أَ ْلقَى ال ّ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ‬
‫ن وَسَبّحْ ِب َ‬
‫فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ (‪ )38‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َ‬
‫س َوقَ ْبلَ ا ْلغُرُوبِ (‪َ )39‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّحْ ُه وَأَدْبَارَ السّجُودِ (‪} )40‬‬
‫شمْ ِ‬
‫ال ّ‬
‫شدّ مِ ْنهُمْ َبطْشًا } أي ‪ :‬كانوا‬
‫يقول تعالى ‪ :‬وكم أهلكنا قبل هؤلء المنكرين (‪ { : )1‬مِنْ قَرْنٍ ُهمْ أَ َ‬
‫أكثر منهم وأشد قوة ‪ ،‬وأثاروا الرض وعمروها أكثر مما عمروها ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬فَنَقّبُوا‬
‫فِي الْبِلدِ } قال ابن عباس ‪ :‬أثروا فيها‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬فَ َنقّبُوا فِي الْبِلدِ } ‪ :‬ضربوا في الرض‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬فساروا في البلد ‪ ،‬أي ساروا فيها يبتغون الرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما‬
‫طفتم أنتم فيها ويقال لمن طوف في البلد ‪ :‬نقب فيها‪ .‬قال امرؤ القيس ‪:‬‬
‫لقد َنقّ ْبتُ في الفاق حَتّى‪ ...‬رضيتُ من الغَنِيمة باليَابِ (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المكذبين"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪.)26/110‬‬

‫( ‪)7/408‬‬

‫وقوله ‪َ { :‬هلْ مِنْ َمحِيصٍ } أي ‪ :‬هل من مفر كان لهم من قضاء ال وقدره ؟ وهل نفعهم ما‬
‫جمعوه ورد عنهم عذاب ال إذ جاءهم لما كذبوا الرسل ؟ فأنتم أيضًا ل مفر لكم ول محيد ول‬
‫مناص ول محيص‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ فِي ذَِلكَ لَ ِذكْرَى } أي ‪ :‬لعبرة { ِلمَنْ كَانَ َلهُ قَ ْلبٌ } أي ‪ُ :‬لبّ َيعِي به‪ .‬وقال مجاهد ‪:‬‬
‫شهِيدٌ } أي ‪ :‬استمع الكلم فوعاه ‪ ،‬وتعقله بقلبه وتفهمه بلبه‪.‬‬
‫س ْم َع وَ ُهوَ َ‬
‫عقل { َأوْ أَ ْلقَى ال ّ‬
‫شهِيدٌ } وقال ‪ :‬شاهد‬
‫سمْعَ } يعني ‪ :‬ل يحدث نفسه بغيره ‪ { ،‬وَ ُهوَ َ‬
‫وقال مجاهد ‪َ { :‬أوْ أَ ْلقَى ال ّ‬
‫بالقلب (‪.)1‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬العرب تقول ‪ :‬ألقى فلن سمعه ‪ :‬إذا استمع بأذنيه وهو شاهد يقول غير غائب‪.‬‬
‫وهكذا قال الثوري وغير واحد‪.‬‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ َومَا بَيْ َن ُهمَا فِي سِتّةِ أَيّا ٍم َومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ } ‪ :‬فيه تقرير‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ خََلقْنَا ال ّ‬
‫المعاد ؛ لن من قدر على خلق السموات والرض ولم يعي بخلقهن ‪ ،‬قادر على أن يحيي الموتى‬
‫بطريق الولى والحرى‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قالت اليهود ‪ -‬عليهم لعائن ال ‪ : -‬خلق ال السموات والرض في ستة أيام ‪ ،‬ثم‬
‫استراح في اليوم السابع ‪ ،‬وهو يوم السبت ‪ ،‬وهم يسمونه يوم الراحة ‪ ،‬فأنزل ال تكذيبهم فيما‬
‫قالوه وتأولوه ‪َ { :‬ومَا مَسّنَا مِنْ ُلغُوبٍ } أي ‪ :‬من إعياء ول نصب ول تعب ‪ ،‬كما قال في الية‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ‬
‫س َموَاتِ وَال ْر َ‬
‫الخرى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ ال ّ‬
‫ت وَال ْرضِ‬
‫س َموَا ِ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ } [ الحقاف ‪ ، ] 33 :‬وكما قال ‪ { :‬لَخَ ْلقُ ال ّ‬
‫ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاءُ بَنَاهَا } [ النازعات ‪.] 27 :‬‬
‫شدّ خَ ْلقًا َأمِ ال ّ‬
‫َأكْبَرُ مِنْ خَ ْلقِ النّاسِ } [ غافر ‪ ] 57 :‬وقال { أَأَنْ ُتمْ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ } يعني ‪ :‬المكذبين ‪ ،‬اصبر عليهم واهجرهم هجرًا جميل‬
‫س َوقَ ْبلَ ا ْلغُرُوبِ } ‪ ،‬وكانت الصلة المفروضة قبل السراء‬
‫شمْ ِ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫{ وَسَبّحْ ِب َ‬
‫ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر ‪ ،‬وقبل الغروب في وقت العصر ‪ ،‬وقيام الليل كان واجبًا‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم وعلى أمته حول ثم نسخ في حق المة وجوبه‪ .‬ثم بعد ذلك نسخ‬
‫ال ذلك كله ليلة السراء بخمس صلوات ‪ ،‬ولكن منهن (‪ )2‬صلة الصبح والعصر ‪ ،‬فهما قبل‬
‫طلوع الشمس وقبل الغروب‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن قيس بن أبي حازم (‪، )3‬‬
‫عن جرير بن عبد ال قال ‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر‬
‫فقال ‪" :‬أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر ‪ ،‬ل تضامون فيه ‪ ،‬فإن‬
‫ح ْمدِ‬
‫استطعتم أل تغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ‪ ،‬فافعلوا" ثم قرأ ‪ { :‬وَسَبّحْ بِ َ‬
‫س َوقَ ْبلَ ا ْلغُرُوبِ }‬
‫شمْ ِ‬
‫رَ ّبكَ قَ ْبلَ طُلُوعِ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬القلب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بينهن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حاتم"‪.‬‬

‫( ‪)7/409‬‬

‫ورواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة ‪ ،‬من حديث إسماعيل ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّحْهُ } أي ‪ :‬فصل له ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافَِلةً َلكَ عَسَى أَنْ‬
‫حمُودًا } [ السراء ‪.] 79 :‬‬
‫يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ مَقَامًا مَ ْ‬
‫{ وَأَدْبَارَ السّجُودِ } قال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو التسبيح بعد الصلة‪.‬‬
‫ويؤيد هذا ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال ‪ :‬جاء فقراء المهاجرين فقالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ذهب أهل الدثور بالدرجات (‪ )2‬العُلَى والنعيم المقيم‪ .‬فقال ‪" :‬وما ذاك ؟" قالوا ‪:‬‬
‫يصلون كما نصلي ‪ ،‬ويصومون كما نصوم ‪ ،‬ويتصدقون ول نتصدق ‪ ،‬ويعتقون ول نعتق! قال ‪:‬‬
‫"أفل أعلمكم شيئًا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ‪ ،‬ول يكون أحد أفضل منكم إل من فعل مثل ما‬
‫فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلة ثلثًا وثلثين"‪ .‬قال ‪ :‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫سمع إخواننا أهل الموال (‪ )3‬بما فعلنا ‪ ،‬ففعلوا مثله‪ .‬قال ‪" :‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء" (‪.)4‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن المراد بقوله ‪ { :‬وَأَدْبَارَ السّجُودِ } هما الركعتان بعد المغرب ‪ ،‬روي ذلك عن‬
‫عمر وعلي ‪ ،‬وابنه الحسن وابن عباس ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬وأبي أمامة ‪ ،‬وبه يقول مجاهد ‪ ،‬وعكرمة‬
‫خعِي والحسن ‪ ،‬وقتادة وغيرهم‪.‬‬
‫‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والنّ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع وعبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عاصم بن‬
‫ضمْرَة ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي على أثر كل صلة مكتوبة‬
‫َ‬
‫ركعتين (‪ )5‬إل الفجر والعصر‪ .‬وقال عبد الرحمن ‪ :‬دبر كل صلة‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ .)6‬زاد النسائي ‪ :‬ومطرف ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل ‪ ،‬عن رشدين بن‬
‫كريب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬بت ليلة عند رسول صلى ال عليه وسلم فصلى ركعتين‬
‫خفيفتين ‪ ،‬اللتين قبل الفجر‪ .‬ثم خرج إلى الصلة فقال ‪" :‬يا ابن عباس ‪ ،‬ركعتين قبل صلة الفجر‬
‫إدبار النجوم ‪ ،‬وركعتين بعد المغرب إدبار السجود"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن أبي هشام الرفاعي ‪ ،‬عن محمد بن فضيل ‪ ،‬به (‪ .)8‬وقال ‪ :‬غريب ل نعرفه‬
‫إل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/365‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4851‬وصحيح مسلم برقم (‪ )633‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )3729‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2551‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪)11330‬‬
‫وسنن ابن ماجه برقم (‪.)117‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بالجور"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬اليمان"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )6329‬وصحيح مسلم برقم (‪.)595‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ركعتين مكتوبة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/124‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1275‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)341‬‬
‫(‪ )7‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)346‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪.)3275‬‬
‫( ‪)7/410‬‬

‫حقّ َذِلكَ َيوْمُ الْخُرُوجِ (‪)42‬‬


‫حةَ بِالْ َ‬
‫س َمعُونَ الصّيْ َ‬
‫وَاسْ َتمِعْ َيوْمَ يُنَادِ ا ْلمُنَادِ مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ (‪َ )41‬يوْمَ يَ ْ‬
‫شقّقُ الْأَ ْرضُ عَ ْنهُمْ سِرَاعًا ذَِلكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (‬
‫إِنّا نَحْنُ نُحْيِي وَ ُنمِيتُ وَإِلَيْنَا ا ْل َمصِيرُ (‪َ )43‬يوْمَ تَ َ‬
‫ف وَعِيدِ (‪)45‬‬
‫‪ )44‬نَحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا َيقُولُونَ َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِبجَبّارٍ فَ َذكّرْ بِا ْلقُرْآَنِ مَنْ يَخَا ُ‬

‫من هذا الوجه‪.‬‬


‫وحديث ابن عباس ‪ ،‬وأنه بات في بيت خالته ميمونة وصلى تلك الليلة مع النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ثلث عشرة ركعة ‪ ،‬ثابت في الصحيحين (‪ )1‬وغيرهما ‪ ،‬فأما هذه الزيادة فغريبة [و] (‪)2‬‬
‫ل تعرف إل من هذا الوجه ‪ ،‬ورِشْدِين بن كُرَيْب ضعيف ‪ ،‬ولعله من كلم ابن عباس موقوفا عليه‬
‫‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫س َمعُونَ الصّيْحَةَ بِا ْلحَقّ ذَِلكَ َيوْمُ ا ْلخُرُوجِ (‬
‫{ وَاسْ َتمِعْ َيوْمَ يُنَادِي ا ْلمُنَادِ مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ (‪َ )41‬يوْمَ يَ ْ‬
‫شقّقُ ال ْرضُ عَ ْنهُمْ سِرَاعًا ذَِلكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا‬
‫‪ )42‬إِنّا َنحْنُ نُحْيِي وَ ُنمِيتُ وَإِلَيْنَا ا ْل َمصِيرُ (‪َ )43‬يوْمَ تَ َ‬
‫ن َومَا أَ ْنتَ عَلَ ْي ِهمْ بِجَبّارٍ فَ َذكّرْ بِا ْلقُرْآنِ مَنْ َيخَافُ وَعِيدِ (‪} )45‬‬
‫يَسِيرٌ (‪َ )44‬نحْنُ أَعَْلمُ ِبمَا َيقُولُو َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَاسْ َتمِعْ } يا محمد { َي ْومَ يُنَادِي ا ْلمُنَادِ مِنْ َمكَانٍ قَرِيبٍ } قال قتادة ‪ :‬قال كعب‬
‫الحبار ‪ :‬يأمر ال [تعالى] (‪ )3‬ملكا (‪ )4‬أن ينادي على صخرة بيت المقدس ‪ :‬أيتها العظام‬
‫البالية ‪ ،‬والوصال المتقطعة ‪ ،‬إن ال يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء‪.‬‬
‫س َمعُونَ الصّيْحَةَ بِا ْلحَقّ } يعني ‪ :‬النفخة في الصور التي تأتي بالحق الذي كان أكثرهم فيه‬
‫{ َيوْمَ يَ ْ‬
‫يمترون‪ { .‬ذَِلكَ َيوْمُ الْخُرُوجِ } أي ‪ :‬من الجداث‪.‬‬
‫ت وَإِلَيْنَا ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده ‪ ،‬وهو أهون عليه ‪،‬‬
‫{ إِنّا نَحْنُ ُنحْيِي وَ ُنمِي ُ‬
‫وإليه مصير (‪ )5‬الخلئق كلهم ‪ ،‬فيجازي كل بعمله ‪ ،‬إن خيرًا فخير ‪ ،‬وإن شرًا فشر‪.‬‬
‫شقّقُ ال ْرضُ عَ ْنهُمْ سِرَاعًا } ‪ :‬وذلك أن ال تعالى (‪ )6‬ينزل مطرًا من السماء‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ َت َ‬
‫تنبت به أجساد الخلئق في قبورها ‪ ،‬كما ينبت الحب في الثرى بالماء ‪ ،‬فإذا تكاملت الجساد أمر‬
‫ال إسرافيل فينفخ في الصور ‪ ،‬وقد أودعت الرواح في ثقب في الصور ‪ ،‬فإذا نفخ إسرافيل فيه‬
‫خرجت الرواح تتوهج بين السماء والرض ‪ ،‬فيقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬وعزتي وجللي ‪،‬‬
‫لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره ‪ ،‬فترجع كل روح إلى جسدها ‪ ،‬فتدب فيه كما‬
‫يدب السم في اللديغ وتنشق (‪ )7‬الرض عنهم ‪ ،‬فيقومون إلى موقف الحساب سراعا ‪ ،‬مبادرين‬
‫طعِينَ إِلَى الدّاعِ َيقُولُ ا ْلكَافِرُونَ َهذَا َيوْمٌ عَسِرٌ } [ القمر ‪، ] 8 :‬‬
‫إلى أمر ال ‪ ،‬عز وجل ‪ُ { ،‬مهْ ِ‬
‫ح ْم ِد ِه وَتَظُنّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِل قَلِيل } [ السراء ‪، ] 52 :‬‬
‫وقال ال تعالى ‪َ { :‬يوْمَ يَدْعُوكُمْ فَ َتسْتَجِيبُونَ بِ َ‬
‫وفي صحيح مسلم عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أنا أول من تنشق عنه‬
‫الرض" (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )1198‬وصحيح مسلم برقم (‪.)763‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ملكان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬تصير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬وتتشقق"‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2278‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ولم أهتد إليه من‬
‫حديث أنس‪.‬‬

‫( ‪)7/411‬‬

‫حشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } أي ‪ :‬تلك إعادة سهلة علينا ‪ ،‬يسيرة لدينا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ َ‬
‫ح َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ } [ القمر ‪ ، ] 50 :‬وقال تعالى ‪ { :‬مَا خَ ْل ُقكُ ْم وَل َبعْ ُثكُمْ إِل‬
‫{ َومَا َأمْرُنَا إِل وَا ِ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } [ لقمان ‪.] 28 :‬‬
‫كَ َنفْسٍ وَاحِ َدةٍ إِنّ اللّهَ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬نحْنُ أَعْلَمُ ِبمَا َيقُولُونَ } أي ‪ :‬نحن علمنا محيط بما يقول لك المشركون من التكذيب فل‬
‫ح ْمدِ رَ ّبكَ‬
‫ق صَدْ ُركَ ِبمَا َيقُولُونَ فَسَبّحْ بِ َ‬
‫يهيدنك ذلك ‪ ،‬كقوله [تعالى] (‪ { : )1‬وََلقَدْ َنعَْلمُ أَ ّنكَ َيضِي ُ‬
‫جدِينَ‪ .‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ } [ الحجر ‪.] 99 - 97 :‬‬
‫َوكُنْ مِنَ السّا ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِبجَبّارٍ } أي ‪ :‬ولست بالذي تجبر هؤلء على الهدى ‪ ،‬وليس ذلك ما‬
‫كلفت به‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ عَلَ ْيهِمْ ِبجَبّارٍ } أي ‪ :‬ل تتجبر عليهم‪.‬‬
‫والقول الول أولى ‪ ،‬ولو أراد ما قالوه لقال ‪ :‬ول تكن جبارًا عليهم ‪ ،‬وإنما قال ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ‬
‫عَلَ ْيهِمْ ِبجَبّارٍ } بمعنى ‪ :‬وما أنت بمجبرهم على اليمان إنما أنت مبلغ‪.‬‬
‫قال الفراء ‪ :‬سمعت العرب تقول ‪ :‬جبر فلن فلنا على كذا (‪ ، )2‬بمعنى أجبره (‪.)3‬‬
‫ف وَعِيدِ } أي ‪ :‬بلغ أنت رسالة ربك ‪ ،‬فإنما (‪ )4‬يتذكر من‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬ف َذكّرْ بِا ْلقُرْآنِ مَنْ يَخَا ُ‬
‫حسَابُ }‬
‫غ وَعَلَيْنَا الْ ِ‬
‫يخاف ال ووعيده ويرجو وعده ‪ ،‬كقوله [تعالى] (‪ { : )5‬فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَل ُ‬
‫ستَ عَلَ ْيهِمْ ِبمُسَ ْيطِرٍ } [ الغاشية ‪، ]22 ، 21 :‬‬
‫[ الرعد ‪ ، ] 40 :‬وقوله ‪ { :‬فَ َذكّرْ إِ ّنمَا أَ ْنتَ مُ َذكّرٌ لَ ْ‬
‫{ لَ ْيسَ عَلَ ْيكَ هُدَاهُ ْم وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة ‪ { ، ] 272 :‬إِ ّنكَ ل َت ْهدِي مَنْ أَحْبَ ْبتَ‬
‫وََلكِنّ اللّهَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ } [ القصص ‪ ، ] 56 :‬ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬ومَا أَ ْنتَ عَلَ ْي ِهمْ بِجَبّارٍ َف َذكّرْ‬
‫ف وَعِيدِ } كان قتادة يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬اجعلنا ممن يخاف وعيدك ‪ ،‬ويرجو‬
‫بِا ْلقُرْآنِ مَنْ يَخَا ُ‬
‫موعودك ‪ ،‬يا بار ‪ ،‬يا رحيم‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة(ق) ‪ ،‬والحمد ل وحده ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬جبر فلن على فلن كذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر تفسير الطبري (‪.)26/115‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فأما"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/412‬‬

‫سمَاتِ َأمْرًا (‪ )4‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ‬


‫ت ِوقْرًا (‪ )2‬فَا ْلجَارِيَاتِ يُسْرًا (‪ )3‬فَا ْل ُمقَ ّ‬
‫وَالذّارِيَاتِ ذَ ْروًا (‪ )1‬فَالْحَامِلَا ِ‬
‫َلصَادِقٌ (‪ )5‬وَإِنّ الدّينَ َلوَاقِعٌ (‪)6‬‬

‫تفسير سورة الذاريات‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمَاتِ َأمْرًا (‪ )4‬إِ ّنمَا‬
‫{ وَالذّارِيَاتِ ذَ ْروًا (‪ )1‬فَا ْلحَامِلتِ ِوقْرًا (‪ )2‬فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (‪ )3‬فَا ْل ُمقَ ّ‬
‫تُوعَدُونَ َلصَادِقٌ (‪ )5‬وَإِنّ الدّينَ َلوَاقِعٌ (‪} )6‬‬

‫( ‪)7/413‬‬

‫سمَاءِ ذَاتِ الْحُ ُبكِ (‪ )7‬إِ ّنكُمْ َلفِي َقوْلٍ مُخْتَِلفٍ (‪ُ )8‬ي ْؤ َفكُ عَ ْنهُ مَنْ ُأ ِفكَ (‪ )9‬قُ ِتلَ ا ْلخَرّاصُونَ (‪)10‬‬
‫وَال ّ‬
‫غمْ َرةٍ سَاهُونَ (‪َ )11‬يسْأَلُونَ أَيّانَ َيوْمُ الدّينِ (‪َ )12‬يوْمَ ُهمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ (‪)13‬‬
‫الّذِينَ هُمْ فِي َ‬
‫ذُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ َهذَا الّذِي كُنْ ُتمْ بِهِ َتسْ َتعْجِلُونَ (‪)14‬‬

‫سمَاءِ ذَاتِ ا ْلحُ ُبكِ (‪ )7‬إِ ّن ُكمْ َلفِي َق ْولٍ مُخْتَِلفٍ (‪ُ )8‬ي ْؤ َفكُ عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ (‪ )9‬قُ ِتلَ الْخَرّاصُونَ (‬
‫{ وَال ّ‬
‫غمْ َرةٍ سَاهُونَ (‪َ )11‬يسْأَلُونَ أَيّانَ َيوْمُ الدّينِ (‪َ )12‬يوْمَ ُهمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ (‬
‫‪ )10‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬
‫‪ )13‬ذُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ َتسْ َتعْجِلُونَ (‪} )14‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن خالد بن عَرْعَرَة أنه سمع عليا وشعبة أيضًا ‪ ،‬عن‬
‫قال شعبة (‪ )1‬بن الحجاج ‪ ،‬عن ِ‬
‫طفَيْل ‪ ،‬سمع عليًا‪ .‬وثبت أيضًا من غير وجه ‪ ،‬عن أمير المؤمنين‬
‫القاسم بن أبي بزّة ‪ ،‬عن أبي ال ّ‬
‫علي بن أبي طالب ‪ :‬أنه صعد منبر الكوفة فقال ‪ :‬ل تسألوني عن آية في كتاب ال ‪ ،‬ول عن‬
‫سنة عن رسول ال ‪ ،‬إل أنبأتكم بذلك‪ .‬فقام إليه ابن الكواء فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬ما معنى‬
‫ت ِوقْرًا } ؟ قال ‪:‬‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬وَالذّارِيَاتِ ذَ ْروًا } ؟ قال ‪ :‬الريح [قال] (‪ { : )2‬فَالْحَامِل ِ‬
‫سمَاتِ َأمْرًا } ؟ قال‬
‫السحاب‪[ .‬قال] (‪ { : )3‬فَالْجَارِيَاتِ ُيسْرًا } ؟ قال ‪ :‬السفن‪[ .‬قال] (‪ { : )4‬فَا ْل ُمقَ ّ‬
‫‪ :‬الملئكة (‪.)5‬‬
‫وقد روي في ذلك حديث مرفوع ‪ ،‬فقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن هانئ ‪ ،‬حدثنا‬
‫سعيد بن سلم العطار ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن أبي سَبْرَة ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب‬
‫قال ‪ :‬جاء صَبِيغ التميمي إلى عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬أخبرني عن { الذّارِيَاتِ‬
‫ذَ ْروًا } ؟ فقال ‪ :‬هي الرياح ‪ ،‬ولول أنى سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقوله ما قلته‪ .‬قال‬
‫سمَاتِ َأمْرًا } قال ‪ :‬هي الملئكة ‪ ،‬ولول أني سمعت رسول ال صلى ال‬
‫‪ :‬فأخبرني عن { ا ْل ُمقَ ّ‬
‫عليه وسلم يقوله ما قلته‪ .‬قال ‪ :‬فأخبرني عن { ا ْلجَارِيَاتِ ُيسْرًا } قال ‪ :‬هي السفن ‪ ،‬ولول أني‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقوله ما قلته‪ .‬ثم أمر به فضرب مائة ‪ ،‬وجعل في بيت ‪،‬‬
‫فلما برأ (‪[ )6‬دعا به و] (‪ )7‬ضربه مائة أخرى ‪ ،‬وحمله على قَتَب ‪ ،‬وكتب إلى أبي موسى‬
‫الشعري ‪ :‬امنع الناس من مجالسته‪ .‬فلم يزل كذلك حتى أتى أبا موسى فحلف باليمان الغليظة ما‬
‫يجد في نفسه مما كان يجد شيئا‪ .‬فكتب في ذلك إلى عمر ‪ ،‬فكتب عمر ‪ :‬ما إخاله إل صدق ‪،‬‬
‫فخل بينه وبين مجالسة الناس‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )26/115‬عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬برد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/413‬‬

‫قال أبو بكر البزار ‪ :‬فأبو بكر بن أبي سبرة لين ‪ ،‬وسعيد بن سلم ليس من أصحاب الحديث (‪.)1‬‬
‫قلت ‪ :‬فهذا الحديث ضعيف رفعه ‪ ،‬وأقرب ما فيه أنه موقوف على عمر ‪ ،‬فإن قصة صَبِيغ بن‬
‫عسل مشهورة مع عمر (‪ ، )2‬وإنما ضربه لنه ظهر له من أمره فيما يسأل تعنتا وعنادا ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر هذه القصة في ترجمة صبيغ مطولة (‪ .)3‬وهكذا فسرها ابن عباس ‪،‬‬
‫وابن عمر ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬ولم يحك‬
‫ابن جرير وابن أبي حاتم غير ذلك‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن المراد بالذاريات ‪ :‬الريح كما تقدم وبالحاملت وقرًا ‪ :‬السحاب كما تقدم ؛ لنها‬
‫تحمل الماء ‪ ،‬كما قال زيد بن عمرو بن نفيل ‪:‬‬
‫ح ِملُ عَذْبا زُلل (‪)4‬‬
‫وَأسَْل ْمتُ َنفْسي لمَنْ أسَْل َمتْ‪َ ...‬لهُ المزْنُ تَ ْ‬
‫فأما الجاريات يسرًا ‪ ،‬فالمشهور عن الجمهور ‪ -‬كما تقدم ‪ : -‬أنها السفن ‪ ،‬تجري ميسرة في‬
‫الماء جريا سهل‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬هي النجوم تجري يسرا (‪ )5‬في أفلكها ‪ ،‬ليكون ذلك ترقيا من‬
‫الدنى إلى العلى ‪ ،‬إلى ما هو أعلى منه ‪ ،‬فالرياح فوقها السحاب ‪ ،‬والنجوم فوق ذلك ‪،‬‬
‫والمقسمات أمرا الملئكة فوق ذلك ‪ ،‬تنزل بأوامر ال الشرعية والكونية‪ .‬وهذا قسم من ال عز‬
‫جل على وقوع المعاد ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ َلصَا ِدقٌ } أي ‪ :‬لخبر صدق ‪ { ،‬وَإِنّ الدّينَ } ‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬الحساب { لواقع } أي ‪ :‬لكائن ل محالة‪.‬‬
‫سمَاءِ ذَاتِ الْحُ ُبكِ } قال ابن عباس ‪ :‬ذات البهاء والجمال والحسن والستواء‪ .‬وكذا‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وأبو مالك (‪ ، )6‬وأبو صالح ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫وعطية العوفي ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬والمِ ْنهَال بن عمرو ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬مثل تجعد الماء والرمل والزرع إذا ضربته‬
‫الريح ‪ ،‬فينسج بعضه بعضا طرائق [طرائق] (‪ ، )7‬فذلك الحبك‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن أبي قلبة ‪ ،‬عن‬
‫رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ؛ أنه قال ‪:‬‬
‫"إن من ورائكم الكذاب المضل ‪ ،‬وإن رأسه من ورائه حُبُك حُبُك" يعني بالحبك ‪ :‬الجعودة (‪.)8‬‬
‫وعن أبي صالح ‪ { :‬ذَاتِ الْحُ ُبكِ } ‪ :‬الشدة‪ .‬وقال خصيف ‪ { :‬ذَاتِ ا ْلحُ ُبكِ } ‪ :‬ذات الصفافة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )2259‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/112‬فيه أبو بكر‬
‫بن أبي سبرة ‪ ،‬وهو متروك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مع التميمي عمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ دمشق (‪" )8/230‬القسم المخطوط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البيت في سيرة ابن هشام (‪.)1/231‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سيرا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬وابن مالك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )26/118‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )5/410‬من طريق إسماعيل بن علية به‪.‬‬
‫( ‪)7/414‬‬

‫وقال الحسن بن أبي الحسن البصري ‪ { :‬ذَاتِ الْحُ ُبكِ } ‪ :‬حبكت بالنجوم‪.‬‬
‫جعْد ‪ ،‬عن َمعْدان بن أبي طلحة ‪ ،‬عن عمرو البكالي ‪ ،‬عن عبد‬
‫وقال قتادة ‪ :‬عن سالم بن أبي ال َ‬
‫سمَاءِ ذَاتِ ا ْلحُ ُبكِ } ‪ :‬يعني ‪ :‬السماء السابعة‪.‬‬
‫ال بن عمرو ‪ { :‬وَال ّ‬
‫وكأنه ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أراد بذلك السماء التي فيها الكواكب الثابتة ‪ ،‬وهي عند كثير من علماء‬
‫الهيئة في الفلك الثامن الذي فوق السابع ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وكل هذه القوال ترجع إلى شيء واحد ‪،‬‬
‫وهو الحسن والبهاء ‪ ،‬كما قال ابن عباس رضي ال عنهما (‪ ، )1‬فإنها من حسنها مرتفعة شفافة‬
‫صفيقة ‪ ،‬شديدة البناء ‪ ،‬متسعة الرجاء ‪ ،‬أنيقة البهاء ‪ ،‬مكللة بالنجوم الثوابت والسيارات ‪،‬‬
‫موشحة بالشمس والقمر والكواكب الزاهرات‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّن ُكمْ َلفِي َق ْولٍ ُمخْتَِلفٍ } أي ‪ :‬إنكم أيها المشركون المكذبون للرسل لفي قول مختلف‬
‫مضطرب ‪ ،‬ل يلتئم ول يجتمع‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬إنكم لفي قول مختلف ‪[ ،‬يعني] (‪ )2‬ما بين مصدق بالقرآن ومكذب به‪.‬‬
‫{ ُي ْؤ َفكُ عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ } أي ‪ :‬إنما يروج على من هو ضال في نفسه ؛ لنه قول باطل إنما ينقاد له‬
‫غمْر ‪ ،‬ل فهم له ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَإِ ّن ُك ْم َومَا‬
‫ويضل بسببه ويؤفك عنه من هو مأفوك ضال َ‬
‫علَيْهِ ِبفَاتِنِينَ إِل مَنْ ُهوَ صَالِ ا ْلجَحِيمِ } [ الصافات ‪.] 163 - 161 :‬‬
‫َتعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ َ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬والسدي ‪ُ { :‬ي ْؤ َفكُ عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ } ‪ :‬يضل عنه من ضل‪ .‬وقال مجاهد ‪ُ { :‬ي ْؤ َفكُ‬
‫عَنْهُ مَنْ ُأ ِفكَ } يؤفن عنه من أفن‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬يصرف عن هذا القرآن من كذب به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬قُ ِتلَ ا ْلخَرّاصُونَ } قال مجاهد ‪ :‬الكذابون‪ .‬قال ‪ :‬وهي مثل التي في عبس ‪ { :‬قُ ِتلَ‬
‫النْسَانُ مَا َأ ْكفَ َرهُ } [ عبس ‪ ، ] 17 :‬والخراصون الذين يقولون ل نبعث ول يوقنون‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬قُ ِتلَ الْخَرّاصُونَ } أي ‪ :‬لعن المرتابون‪.‬‬
‫وهكذا كان معاذ ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول في خطبه ‪ :‬هلك المرتابون‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬الخراصون‬
‫أهل الغرة والظنون‪.‬‬
‫غمْ َرةٍ سَاهُونَ } ‪ :‬قال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬في الكفر والشك غافلون‬
‫وقوله ‪ { :‬الّذِينَ ُهمْ فِي َ‬
‫لهون‪.‬‬
‫{ َيسْأَلُونَ أَيّانَ َيوْمُ الدّينِ } ‪ :‬وإنما يقولون هذا تكذيبا وعنادا وشكا واستبعادا‪ .‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ َيوْمَ هُمْ عَلَى النّارِ ُيفْتَنُونَ }‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وغير واحد ‪ { :‬يفتنون } ‪ :‬يعذبون [قال مجاهد] (‪ : )3‬كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/415‬‬

‫حسِنِينَ (‪ )16‬كَانُوا‬
‫خذِينَ مَا آَتَا ُهمْ رَ ّبهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُ ْ‬
‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ (‪ )15‬آَ ِ‬
‫جعُونَ (‪ )17‬وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ َيسْ َت ْغفِرُونَ (‪َ )18‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ لِلسّا ِئلِ‬
‫قَلِيلًا مِنَ اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ‬
‫سمَاءِ‬
‫سكُمْ َأفَلَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )21‬وفِي ال ّ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪َ )19‬وفِي الْأَ ْرضِ آَيَاتٌ لِ ْلمُوقِنِينَ (‪َ )20‬وفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫طقُونَ (‪)23‬‬
‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ إِنّهُ َلحَقّ مِ ْثلَ مَا أَ ّن ُكمْ تَنْ ِ‬
‫رِ ْز ُقكُ ْم َومَا تُوعَدُونَ (‪َ )22‬فوَ َربّ ال ّ‬

‫يفتن الذهب على النار‪.‬‬


‫خعِي ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وسفيان‬
‫وقال جماعة آخرون كمجاهد أيضا ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وإبراهيم النّ َ‬
‫الثوري ‪ { :‬يفتنون } ‪ :‬يحرقون‪.‬‬
‫{ ذُوقُوا فِتْنَ َتكُمْ } ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬حريقكم‪ .‬وقال غيره ‪ :‬عذابكم‪ { .‬هَذَا الّذِي كُنْتُمْ ِبهِ تَسْ َت ْعجِلُونَ } ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتحقيرًا وتصغيرًا‪.‬‬
‫ت وَعُيُونٍ (‪ )15‬آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَ ّبهُمْ إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ ُمحْسِنِينَ (‪)16‬‬
‫{ إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫حقّ لِلسّا ِئلِ‬
‫جعُونَ (‪ )17‬وَبِالسْحَارِ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ (‪َ )18‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬
‫كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ‬
‫سمَاءِ‬
‫سكُمْ َأفَل تُ ْبصِرُونَ (‪َ )21‬وفِي ال ّ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪َ )19‬وفِي ال ْرضِ آيَاتٌ لِ ْلمُوقِنِينَ (‪َ )20‬وفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫طقُونَ (‪} )23‬‬
‫حقّ مِ ْثلَ مَا أَ ّنكُمْ تَ ْن ِ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِنّهُ لَ َ‬
‫رِ ْز ُقكُ ْم َومَا تُوعَدُونَ (‪َ )22‬فوَ َربّ ال ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المتقين ل ‪ ،‬عز وجل ‪ :‬إنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون ‪،‬‬
‫بخلف ما أولئك الشقياء فيه من العذاب والنكال ‪ ،‬والحريق والغلل‪.‬‬
‫خذِينَ مَا آتَا ُهمْ رَ ّبهُمْ } ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬أي عاملين بما آتاهم ال (‪ )1‬من الفرائض‪{ .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬آ ِ‬
‫إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ ُمحْسِنِينَ } أي ‪ :‬قبل أن يفرض (‪ )2‬عليهم الفرائض‪ .‬كانوا محسنين في‬
‫العمال أيضا‪ .‬ثم روى عن ابن حميد ‪ ،‬حدثنا مهْرَان ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي عمر ‪ ،‬عن مسلم‬
‫البطين ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَ ّبهُمْ } قال ‪ :‬من الفرائض ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ كَانُوا‬
‫حسِنِينَ } ‪ :‬قبل الفرائض يعملون‪ .‬وهذا السناد ضعيف ‪ ،‬ول يصح (‪ )3‬عن ابن‬
‫قَ ْبلَ ذَِلكَ مُ ْ‬
‫عباس‪ .‬وقد رواه عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬عن معاوية بن هشام ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي عمر‬
‫البزار ‪ ،‬عن مسلم (‪ )4‬البطين ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬فذكره‪ .‬والذي فسر به ابن‬
‫جرير فيه نظر ؛ لن قوله ‪ { :‬آَخِذِينَ } حال من قوله ‪ { :‬فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ } ‪ :‬فالمتقون في حال‬
‫كونهم في الجنات والعيون آخذون ما آتاهم ربهم (‪ ، )5‬أي ‪ :‬من النعيم والسرور والغبطة‪.‬‬
‫وقوله (‪ { : )6‬إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ } أي ‪ :‬في الدار الدنيا { محسنين } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬كُلُوا وَاشْرَبُوا‬
‫هَنِيئًا ِبمَا َأسَْلفْتُمْ فِي اليّامِ الْخَالِ َيةِ } [ الحاقة ‪ ] 24 :‬ثم إنه تعالى بَيّن إحسانهم في العمل فقال ‪:‬‬
‫جعُونَ } ‪ ،‬اختلف المفسرون في ذلك على قولين ‪:‬‬
‫{ كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن "ما" نافية ‪ ،‬تقديره ‪ :‬كانوا قليل من الليل ل يهجعونه‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬لم تكن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ربهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬تفرض"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ل يصح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬عن أبي مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬وقولهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/416‬‬

‫تمضي عليهم ليلة إل يأخذون منها ولو شيئا‪ .‬وقال قتادة ‪ ،‬عن مطرف بن عبد ال ‪ :‬قلّ ليلة تأتي‬
‫عليهم ل يصلون فيها ل ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إما من أولها وإما من أوسطها‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬قلّ ما‬
‫يرقدون ليلة حتى (‪ )1‬الصباح ل يتهجدون‪ .‬وكذا قال قتادة‪ .‬وقال أنس بن مالك ‪ ،‬وأبو العالية ‪:‬‬
‫كانوا يصلون بين المغرب والعشاء‪ .‬وقال أبو جعفر الباقر ‪ ،‬كانوا ل ينامون حتى يصلوا العتمة‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬أن "ما" مصدرية ‪ ،‬تقديره ‪ :‬كانوا قليل من الليل هجوعهم ونومهم‪ .‬واختاره ابن‬
‫جعُونَ } ‪ :‬كابدوا قيام الليل ‪ ،‬فل‬
‫جرير‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ { :‬كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫ينامون من الليل إل أقله ‪ ،‬ونشطوا فمدوا إلى السحر ‪ ،‬حتى كان الستغفار بسحر‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫جعُونَ } ‪ :‬كانوا ل ينامون إل قليل ثم يقول ‪:‬‬
‫قال الحنف بن قيس ‪ { :‬كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫لست من أهل هذه الية‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬كان الحنف بن قيس يقول ‪ :‬عرضت عملي‬
‫على عمل أهل الجنة ‪ ،‬فإذا قوم قد باينونا بونًا بعيدا ‪ ،‬إذا قوم ل نبلغ أعمالهم ‪ ،‬كانوا قليل من‬
‫الليل ما يهجعون‪ .‬وعرضت عملي على عمل أهل النار فإذا قوم ل خير فيهم يكذبون (‪ )2‬بكتاب‬
‫ال وبرسل ال ‪ ،‬يكذبون بالبعث بعد الموت ‪ ،‬فوجدت من خيرنا منزلة قومًا خلطوا عمل صالحا‬
‫وآخر سيئا‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬قال رجل من بني تميم لبي ‪ :‬يا أبا أسامة ‪ ،‬صفة ل أجدها‬
‫جعُونَ } ‪ ،‬ونحن وال قليل من الليل ما‬
‫فينا ‪ ،‬ذكر ال قوما فقال ‪ { :‬كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َيهْ َ‬
‫نقوم‪ .‬فقال له أبي ‪ :‬طوبى لمن رقد إذا نعس ‪ ،‬واتقى ال إذا استيقظ‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن سلم ‪ :‬لما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة ‪ ،‬انجفل الناس إليه ‪،‬‬
‫فكنت فيمن انجفل‪ .‬فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه َرجُل كذاب ‪ ،‬فكان أول ما‬
‫سمعته يقول ‪" :‬يا أيها الناس ‪ ،‬أطعموا الطعام ‪ ،‬وصِلُوا الرحام ‪ ،‬وأفشوا السلم ‪ ،‬وصَلّوا بالليل‬
‫والناس نيام ‪ ،‬تدخلوا الجنة بسلم" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثني حيي بن عبد ال ‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد الرحمن الحُبُلى ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن في‬
‫الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ‪ ،‬وباطنها من ظاهرها"‪ .‬فقال أبو موسى الشعري ‪ :‬لمن هي‬
‫يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬لمن ألن الكلم ‪ ،‬وأطعم الطعام ‪ ،‬وبات ل قائما ‪ ،‬والناس نيام" (‪.)4‬‬
‫جعُونَ } ‪ :‬كان (‪ )5‬الزهري والحسن يقولن ‪:‬‬
‫وقال َم ْعمَر في قوله ‪ { :‬كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬فيكذبون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد في المسند (‪ )5/451‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2485‬وابن ماجه في السنن‬
‫برقم (‪.)1334‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/173‬وقال الهيثمي في المجمع ‪" : )05/16‬فيه ابن لهيعة وحديثه حسن ‪ ،‬وبقية‬
‫رجاله ثقات" ولعل تحسين الحافظ الهيثمي لحديث ابن لهيعة لنه قد توبع ‪ :‬تابعه عبد ال بن وهب‬
‫‪ -‬روايته عن ابن لهيعة صحيحة ‪ -‬أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (‪" )103‬الجزء‬
‫المفقود"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/417‬‬

‫كانوا كثيرا من الليل ما يصلون‪.‬‬


‫جعُونَ } ‪ :‬ما ينامون‪.‬‬
‫خعِي ‪ { :‬كَانُوا قَلِيل مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬وإبراهيم النّ َ‬
‫جعُونَ‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيل } ثم ابتدأ فقال ‪ { :‬مِنَ اللّ ْيلِ مَا َي ْه َ‬
‫سحَارِ ُهمْ يَسْ َت ْغفِرُونَ }‪.‬‬
‫وَبِال ْ‬
‫وقوله عز وجل ‪ { :‬وَبِالسْحَارِ هُمْ َيسْ َت ْغفِرُونَ }‪ .‬قال مجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬يصلون‪ .‬وقال‬
‫آخرون ‪ :‬قاموا الليل ‪ ،‬وأخروا الستغفار إلى السحار‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَا ْلمُسْ َت ْغفِرِينَ بِالسْحَارِ‬
‫} [ آل عمران ‪ ، ] 17 :‬فإن كان الستغفار في صلة فهو أحسن‪ .‬وقد ثبت في الصحاح وغيرها‬
‫عن جماعة من الصحابة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال ينزل كل ليلة‬
‫إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الخير ‪ ،‬فيقول ‪ :‬هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر‬
‫فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر" (‪.)1‬‬
‫س ْوفَ أَسْ َت ْغفِرُ َلكُمْ‬
‫وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب ‪ :‬أنه قال لبنيه ‪َ { :‬‬
‫رَبّي } [ يوسف ‪ ] 98‬قالوا ‪ :‬أخرهم إلى وقت السحر‪.‬‬
‫ل وَا ْلمَحْرُومِ } ‪ :‬لما وصفهم بالصلة ثنى بوصفهم (‪ )2‬بالزكاة‬
‫حقّ لِلسّا ِئ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬
‫ل وَا ْلمَحْرُومِ‬
‫والبر والصلة ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ } (‪ )3‬أي ‪ :‬جزء مقسوم قد أفرزوه { لِلسّا ِئ ِ‬
‫} ‪ ،‬أما السائل فمعروف ‪ ،‬وهو الذي يبتدئ بالسؤال ‪ ،‬وله حق ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا َوكِيع وعبد الرحمن قال حدثنا سفيان ‪ ،‬عن مصعب بن محمد ‪ ،‬عن يعلى بن أبي يحيى ‪،‬‬
‫عن فاطمة بنت الحسين ‪ ،‬عن أبيها الحسين بن علي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"للسائل حق وإن جاء على فرس"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ )4‬ثم أسنده من وجه آخر عن علي بن أبي طالب‬
‫(‪ .)5‬وروي من حديث الهِرْماس بن زياد مرفوعا (‪.)6‬‬
‫وأما { المحروم } ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬هو المحارف الذي ليس له في السلم سهم‪.‬‬
‫يعني ‪ :‬ل سهم له في بيت المال ‪ ،‬ول كسب له ‪ ،‬ول حرفة يتقوت منها‪.‬‬
‫وقالت أم المؤمنين عائشة ‪ :‬هو المحارَف الذي ل يكاد يتيسر له مكسبه‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬هو‬
‫الذي ل يكون له مال إل ذهب ‪ ،‬قضى ال له ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪.)758‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وصفهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪( :‬حق للسائل والمحروم)‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )1/201‬وسنن أبي داود برقم (‪.)1665‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)1666‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )22/203‬من طريق سليمان الدمشقي عن عثمان بن فايد‬
‫عن عكرمة بن عمار عن الهرماس مرفوعا به وفيه عثمان بن فايد وهو ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/418‬‬

‫وقال أبو قِلبَة ‪ :‬جاء سيل باليمامة فذهب بمال رجل ‪ ،‬فقال رجل من الصحابة ‪ :‬هذا المحروم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس أيضا ‪ ،‬وسعيد بن المسيّب ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬ونافع ‪ -‬مولى ابن عمر ‪-‬‬
‫وعطاء بن أبي رباح { المحروم } ‪ :‬المحارف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬والزهري ‪ { :‬ا ْلمَحْرُوم } ‪ :‬الذي ل يسأل الناس شيئا ‪ ،‬قال الزهري وقد قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليس المسكين بالطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان ‪ ،‬والتمرة والتمرتان‬
‫‪ ،‬ولكن المسكين الذي ل يجد غنى يغنيه ‪ ،‬ول يُفطن له فيتصدق عليه"‪.‬‬
‫وهذا الحديث قد أسنده الشيخان في صحيحيهما من وجه آخر (‪.)1‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬هو الذي يجيء وقد قُسّم المغنم ‪ ،‬فيرضخ له‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني بعض أصحابنا قال ‪ :‬كنا مع عمر بن عبد العزيز في طريق مكة‬
‫فجاء كلب فانتزع عمر كتف شاة فرمى بها إليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬يقولون ‪ :‬إنه المحروم‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬أعياني أن أعلم ما المحروم‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أن المحروم ‪[ :‬هو] (‪ )2‬الذي ل مال له بأي سبب كان ‪ ،‬قد ذهب ماله ‪ ،‬سواء‬
‫كان ل يقدر على الكسب ‪ ،‬أو قد هلك ماله أو نحوه (‪ )3‬بآفة أو نحوها‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن قيس بن مسلم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بعث سرية فغنموا ‪ ،‬فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة فنزلت هذه الية ‪َ { :‬وفِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ لِلسّا ِئلِ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ } (‪.)4‬‬
‫وهذا يقتضي أن هذه مدنية ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬بل هي مكية شاملة لما بعدها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفِي الرْضِ آيَاتٌ ِل ْلمُوقِنِينَ } أي ‪ :‬فيها من اليات الدالة على عظمة خالقها وقدرته‬
‫الباهرة ‪ ،‬مما قد ذرأ فيها من صنوف النبات والحيوانات ‪ ،‬والمهاد والجبال ‪ ،‬والقفار والنهار‬
‫والبحار ‪ ،‬واختلف ألسنة الناس وألوانهم ‪ ،‬وما جبلوا عليه من الرادات والقوى ‪ ،‬وما بينهم من‬
‫التفاوت في العقول والفهوم والحركات ‪ ،‬والسعادة والشقاوة ‪ ،‬وما في تركيبهم من الحكم في وضع‬
‫سكُمْ َأفَل‬
‫كل عضو من أعضائهم (‪ )5‬في المحل الذي هو محتاج إليه فيه ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬وفِي أَ ْنفُ ِ‬
‫تُ ْبصِرُونَ } ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة‪.‬‬
‫عدُونَ } يعني ‪ :‬الجنة‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫سمَاءِ رِ ْز ُقكُمْ } يعني ‪ :‬المطر ‪َ { ،‬ومَا تُو َ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬وفِي ال ّ‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4539‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1039‬من طريق شريك بن عبد ال‬
‫عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أو ثمرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)26/125‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أجسادهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/419‬‬

‫حدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ (‪ )24‬إِذْ دَخَلُوا عَلَ ْيهِ َفقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ َقوْمٌ مُ ْنكَرُونَ (‬
‫َهلْ أَتَاكَ َ‬
‫جسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً‬
‫سمِينٍ (‪َ )26‬فقَرّبَهُ إِلَ ْيهِمْ قَالَ أَلَا تَ ْأكُلُونَ (‪ )27‬فََأوْ َ‬
‫جلٍ َ‬
‫‪ )25‬فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ َفجَاءَ ِب ِع ْ‬
‫عقِيمٌ‬
‫عجُوزٌ َ‬
‫ج َههَا َوقَاَلتْ َ‬
‫ت وَ ْ‬
‫صكّ ْ‬
‫ف وَبَشّرُوهُ ِبغُلَامٍ عَلِيمٍ (‪ )28‬فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ َف َ‬
‫خ ْ‬
‫قَالُوا لَا تَ َ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ (‪)30‬‬
‫(‪ )29‬قَالُوا كَذَِلكِ قَالَ رَ ّبكِ إِنّهُ ُهوَ الْ َ‬

‫ومجاهد وغير واحد‪.‬‬


‫سمَاءِ رِ ْز ُقكُ ْم َومَا تُوعَدُونَ } فقال ‪:‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ :‬قرأ واصل الحدب هذه الية ‪َ { :‬وفِي ال ّ‬
‫أل إني (‪ )1‬أرى رزقي في السماء ‪ ،‬وأنا أطلبه في الرض ؟ فدخل خربة فمكث [فيها] (‪ )2‬ثلثا‬
‫خلَة من رطب ‪ ،‬وكان له أخ أحسن نية‬
‫ل يصيب شيئا ‪ ،‬فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بِ َدوْ َ‬
‫منه ‪ ،‬فدخل معه فصارتا دوخلتين ‪ ،‬فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما (‪.)3‬‬
‫طقُونَ } يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ إِنّهُ َلحَقّ مِ ْثلَ مَا أَ ّن ُكمْ تَنْ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فوَ َربّ ال ّ‬
‫وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء ‪ ،‬كائن ل محالة ‪ ،‬وهو حق ل مرية فيه ‪ ،‬فل تشكوا‬
‫فيه كما ل تشكوا في نطقكم حين تنطقون‪ .‬وكان معاذ ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إذا حدث بالشيء يقول‬
‫لصاحبه ‪ :‬إن هذا لحق كما أنك هاهنا‪.‬‬
‫عوْف ‪ ،‬عن الحسن البصري قال ‪ :‬بلغني أن رسول ال‬
‫قال مسدد ‪ ،‬عن ابن أبي عَ ِديّ ‪ ،‬عن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬قاتل ال أقوامًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا"‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن بُ ْندَار ‪ ،‬عن ابن أبي عدي ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬فذكره مرسل (‪.)4‬‬
‫ث ضَ ْيفِ إِبْرَاهِيمَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ (‪ِ )24‬إذْ َدخَلُوا عَلَيْهِ َفقَالُوا سَلمًا قَالَ سَلمٌ َقوْمٌ‬
‫{ َهلْ أَتَاكَ حَدِي ُ‬
‫جسَ‬
‫سمِينٍ (‪َ )26‬فقَرّبَهُ إِلَ ْي ِهمْ قَالَ أَل تَ ْأكُلُونَ (‪ )27‬فََأوْ َ‬
‫جلٍ َ‬
‫مُ ْنكَرُونَ (‪ )25‬فَرَاغَ إِلَى أَهِْلهِ فَجَاءَ ِبعِ ْ‬
‫ج َههَا َوقَاَلتْ‬
‫ص ّكتْ َو ْ‬
‫علِيمٍ (‪ )28‬فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ َف َ‬
‫خفْ وَبَشّرُوهُ ِبغُلمٍ َ‬
‫مِ ْنهُمْ خِيفَةً قَالُوا ل َت َ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ (‪} )30‬‬
‫عقِيمٌ (‪ )29‬قَالُوا كَ َذِلكَ قَالَ رَ ّبكِ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َ‬
‫عَجُوزٌ َ‬
‫ث ضَ ْيفِ‬
‫هذه القصة قد تقدمت في سورة "هود" و "الحجر" (‪ )5‬أيضا‪ .‬وقوله ‪َ { :‬هلْ أَتَاكَ حَدِي ُ‬
‫إِبْرَاهِيمَ ا ْل ُمكْ َرمِينَ } أي ‪ :‬الذين أرصد لهم الكرامة‪ .‬وقد ذهب المام أحمد وطائفة من العلماء إلى‬
‫وجوب الضيافة للنزيل ‪ ،‬وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬قَالُوا سَلمًا قَالَ سَلمٌ } ‪ :‬الرفع أقوى وأثبت من النصب ‪ ،‬فرده أفضل من التسليم ؛‬
‫حسَنَ مِ ْنهَا َأوْ رُدّوهَا } [ النساء ‪ ، ] 86 :‬فالخليل‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَإِذَا حُيّيتُمْ بِتَحِيّةٍ فَحَيّوا بِأَ ْ‬
‫اختار الفضل‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬قوْمٌ مُ ْنكَرُونَ } ‪ :‬وذلك أن الملئكة وهم ‪ :‬جبريل وإسرافيل وميكائيل قدموا عليه في‬
‫صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬قوْمٌ مُ ْنكَرُونَ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ل أرى رزقي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬بينهما الموت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)26/127‬‬
‫(‪ )5‬تقدم تفسير ذلك في سورة هود عند اليات ‪ 73 - 69 :‬وكذلك في سورة الحجر عند اليات‬
‫‪.56 - 51 :‬‬

‫( ‪)7/420‬‬

‫سمِينٍ } أي ‪ :‬من خيار‬


‫جلٍ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَرَاغَ إِلَى أَهِْلهِ } أي ‪ :‬انسل خفية في سرعة ‪َ { ،‬فجَاءَ ِب ِع ْ‬
‫جلٍ حَنِيذٍ } [ هود ‪ ] 69 :‬أي ‪ :‬مشوي على‬
‫ماله‪ .‬وفي الية الخرى ‪َ { :‬فمَا لَ ِبثَ أَنْ جَاءَ ِب ِع ْ‬
‫الرّضف ‪َ { ،‬فقَرّبَهُ إِلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬أدناه منهم ‪ { ،‬قَالَ أَل تَ ْأكُلُونَ } ‪ :‬تلطف في العبارة وعرض‬
‫حسن‪.‬‬
‫وهذه الية انتظمت آداب الضيافة ؛ فإنه جاء بطعامه (‪ )1‬من حيث ل يشعرون بسرعة ‪ ،‬ولم‬
‫يمتن عليهم أول فقال ‪" :‬نأتيكم بطعام ؟" بل جاء به بسرعة (‪ )2‬وخفاء ‪ ،‬وأتى بأفضل ما وجد من‬
‫ماله ‪ ،‬وهو عجل فتي سمين مشوي ‪ ،‬فقربه إليهم ‪ ،‬لم يضعه ‪ ،‬وقال ‪ :‬اقتربوا ‪ ،‬بل وضعه بين‬
‫أيديهم ‪ ،‬ولم يأمرهم أمرا يشق على سامعه بصيغة الجزم ‪ ،‬بل قال ‪ { :‬أَل تَ ْأكُلُونَ } على سبيل‬
‫العرض والتلطف ‪ ،‬كما يقول القائل اليوم ‪ :‬إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق ‪ ،‬فافعل (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً } ‪ :‬هذا محال على ما تقدم في القصة في السورة الخرى ‪ ،‬وهو (‬
‫خفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى‬
‫صلُ إِلَيْهِ َنكِرَ ُه ْم وََأوْجَسَ مِ ْنهُمْ خِيفَةً قَالُوا ل َت َ‬
‫‪ )4‬قوله ‪ { :‬فََلمّا رَأَى أَ ْيدِ َيهُمْ ل َت ِ‬
‫ح َكتْ } [ هود ‪ ] 71 ، 70 :‬أي ‪ :‬استبشرت بهلكهم ؛ لتمردهم‬
‫ط وَامْرَأَتُهُ قَا ِئ َمةٌ َفضَ ِ‬
‫َقوْمِ لُو ٍ‬
‫وعتوهم على ال ‪ ،‬فعند ذلك بشرتها الملئكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب‪ { .‬قَاَلتْ يَا وَيْلَتَى‬
‫حمَةُ اللّهِ‬
‫شيْءٌ عَجِيبٌ قَالُوا أَ َتعْجَبِينَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ َر ْ‬
‫عجُو ٌز وَهَذَا َبعْلِي شَ ْيخًا إِنّ هَذَا َل َ‬
‫أَأَلِدُ وَأَنَا َ‬
‫حمِيدٌ مَجِيدٌ } [ هود ‪ ] 73 ، 72‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَبَشّرُوهُ‬
‫وَبَ َركَاتُهُ عَلَ ْيكُمْ َأ ْهلَ الْبَ ْيتِ إِنّهُ َ‬
‫ِبغُلمٍ عَلِيمٍ } ‪ ،‬فالبشارة له هي بشارة لها ؛ لن الولد منهما ‪ ،‬فكل منهما بشر به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََأقْبََلتِ امْرَأَتُهُ فِي صَ ّرةٍ } أي ‪ :‬في صرخة عظيمة (‪ )5‬ورنة ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وزيد بن أسلم والثوري والسدي وهي قولها ‪:‬‬
‫ج َههَا } (‪ )6‬أي ‪ :‬ضربت بيدها على جبينها ‪ ،‬قاله مجاهد وابن (‪ )7‬سابط‪.‬‬
‫ت وَ ْ‬
‫صكّ ْ‬
‫{ يَا وَيْلَتَا } { َف َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬لطمت ‪ ،‬أي تعجبا كما تتعجب (‪ )8‬النساء من المر الغريب ‪َ { ،‬وقَاَلتْ عَجُوزٌ‬
‫عقِيمٌ } أي ‪ :‬كيف ألد وأنا عجوز [عقيم] (‪ ، )9‬وقد كنتُ في حال الصبا عقيما ل أحبل ؟‪.‬‬
‫َ‬
‫حكِيمُ ا ْلعَلِيمُ } (‪ )10‬أي ‪ :‬عليم بما تستحقون من الكرامة ‪ ،‬حكيم‬
‫{ قَالُوا كَ َذِلكَ قَالَ رَ ّبكِ إِنّهُ ُهوَ ا ْل َ‬
‫في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬بطعام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬في سرعة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد توسع المام ابن القيم رحمه ال في كتابه "جلء الفهام" (ص ‪ )184 - 181‬في الكلم‬
‫على آداب الضيافة في هذه اليات‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وعيطة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬وصكت"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬وأبو"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬يتعجب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬العليم الحكيم" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)7/421‬‬

‫سلَ عَلَ ْيهِمْ حِجَا َرةً‬


‫قَالَ َفمَا خَطْ ُب ُكمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )31‬قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِينَ (‪ )32‬لِنُ ْر ِ‬
‫س ّومَةً عِ ْندَ رَ ّبكَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )34‬فََأخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )35‬فمَا‬
‫مِنْ طِينٍ (‪ )33‬مُ َ‬
‫وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَ ْيتٍ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ (‪ )36‬وَتَ َركْنَا فِيهَا آَيَةً لِلّذِينَ َيخَافُونَ ا ْل َعذَابَ الْأَلِيمَ (‪)37‬‬

‫سلَ عَلَ ْيهِمْ‬


‫خطْ ُبكُمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ (‪ )31‬قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ مُجْ ِرمِينَ (‪ )32‬لِنُرْ ِ‬
‫{ قَالَ َفمَا َ‬
‫س ّومَةً عِ ْندَ رَ ّبكَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ (‪ )34‬فََأخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪)35‬‬
‫حجَا َرةً مِنْ طِينٍ (‪ )33‬مُ َ‬
‫ِ‬
‫َفمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَ ْيتٍ مِنَ ا ْل ُمسِْلمِينَ (‪ )36‬وَتَ َركْنَا فِيهَا آيَةً لِلّذِينَ َيخَافُونَ ا ْل َعذَابَ اللِيمَ (‪} )37‬‬

‫( ‪)7/421‬‬

‫عوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )38‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِهِ َوقَالَ سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ (‪)39‬‬
‫َوفِي مُوسَى إِذْ أَ ْرسَلْنَاهُ إِلَى فِرْ َ‬
‫خذْنَاهُ وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَ ُهوَ مُلِيمٌ (‪َ )40‬وفِي عَادٍ إِذْ أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ ا ْل َعقِيمَ (‪ )41‬مَا‬
‫فَأَ َ‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ (‪َ )42‬وفِي َثمُودَ ِإذْ قِيلَ َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ (‪)43‬‬
‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَيْهِ إِلّا َ‬
‫تَذَرُ مِنْ َ‬
‫عقَ ُة وَ ُهمْ يَنْظُرُونَ (‪َ )44‬فمَا اسْ َتطَاعُوا مِنْ قِيَا ٍم َومَا كَانُوا‬
‫خذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬
‫َفعَ َتوْا عَنْ َأمْرِ رَ ّبهِمْ فَأَ َ‬
‫سقِينَ (‪)46‬‬
‫مُنْ َتصِرِينَ (‪َ )45‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬

‫ع وَجَاءَ ْتهُ الْبُشْرَى ُيجَادِلُنَا‬


‫قال ال مخبرا عن إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ { :‬فََلمّا ذَ َهبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ال ّر ْو ُ‬
‫ك وَإِ ّنهُمْ‬
‫فِي َقوْمِ لُوطٍ إِنّ إِبْرَاهِيمَ َلحَلِيمٌ َأوّاهٌ مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْ ِرضْ عَنْ هَذَا إِنّهُ قَدْ جَاءَ َأمْرُ رَ ّب َ‬
‫آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ } [ هود ‪.] 76 - 74 :‬‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬قَالَ َفمَا خَطْ ُبكُمْ أَ ّيهَا ا ْلمُرْسَلُونَ } أي ‪ :‬ما شأنكم وفيم جئتم ؟‪.‬‬
‫{ قَالُوا إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَى َقوْمٍ ُمجْ ِرمِينَ } يعنون قوم لوط‪.‬‬
‫س ّومَةً } أي ‪ :‬معلمة { عِ ْندَ رَ ّبكَ لِ ْلمُسْ ِرفِينَ } أي ‪ :‬مكتتبة عنده‬
‫سلَ عَلَ ْيهِمْ حِجَا َرةً مِنْ طِينٍ مُ َ‬
‫{ لِنُ ْر ِ‬
‫بأسمائهم ‪ ،‬كل حجر عليه اسم صاحبه ‪ ،‬فقال في سورة العنكبوت ‪ { :‬قَالَ إِنّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ‬
‫أَعْلَمُ ِبمَنْ فِيهَا لَنُ َنجّيَنّ ُه وَأَ ْهلَهُ إِل امْرَأَتَهُ كَا َنتْ مِنَ ا ْلغَابِرِينَ } [ العنكبوت ‪.]32 :‬وقال هاهنا ‪:‬‬
‫{ فََأخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } ‪ ،‬وهم لوط وأهل بيته إل امرأته‪.‬‬
‫جدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَ ْيتٍ مِنَ ا ْلمُسِْلمِينَ } احتج بهذه [الية] (‪ )1‬من ذهب إلى رأي المعتزلة ‪،‬‬
‫{ َفمَا وَ َ‬
‫ممن ل يفرق بين مسمى اليمان والسلم ؛ لنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين‪ .‬وهذا‬
‫الستدلل ضعيف ؛ لن هؤلء كانوا قوما مؤمنين ‪ ،‬وعندنا أن كل مؤمن مسلم ل ينعكس ‪ ،‬فاتفق‬
‫السمان هاهنا لخصوصية الحال ‪ ،‬ول يلزم ذلك في كل حال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتَ َركْنَا فِيهَا آ َيةً لِلّذِينَ َيخَافُونَ ا ْلعَذَابَ اللِيمَ } أي ‪ :‬جعلناها عبرة ‪ ،‬لما أنزلنا بهم من‬
‫العذاب والنكال وحجارة السجيل ‪ ،‬وجعلنا (‪ )2‬محلتهم بحيرة منتنة خبيثة ‪ ،‬ففي ذلك عبرة‬
‫للمؤمنين ‪ { ،‬لِلّذِينَ يَخَافُونَ ا ْلعَذَابَ اللِيمَ }‬
‫سلْطَانٍ مُبِينٍ (‪ )38‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِ ِه َوقَالَ سَاحِرٌ َأوْ َمجْنُونٌ (‬
‫عوْنَ بِ ُ‬
‫{ َوفِي مُوسَى ِإذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْ َ‬
‫خذْنَا ُه وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمّ وَ ُهوَ مُلِيمٌ (‪َ )40‬وفِي عَادٍ إِذْ أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ ا ْل َعقِيمَ (‪)41‬‬
‫‪ )39‬فَأَ َ‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ (‪َ )42‬وفِي َثمُودَ إِذْ قِيلَ َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ (‪)43‬‬
‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَيْهِ إِل َ‬
‫مَا تَذَرُ مِنْ َ‬
‫عقَ ُة وَ ُهمْ يَنْظُرُونَ (‪َ )44‬فمَا اسْ َتطَاعُوا مِنْ قِيَا ٍم َومَا كَانُوا‬
‫خذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬
‫َفعَ َتوْا عَنْ َأمْرِ رَ ّبهِمْ فَأَ َ‬
‫سقِينَ (‪} )46‬‬
‫مُنْ َتصِرِينَ (‪َ )45‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫عوْنَ بِسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ } أي ‪ :‬بدليل باهر‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬وفِي مُوسَى } [آية] (‪ { )3‬إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْ َ‬
‫وحجة قاطعة ‪ { ،‬فَ َتوَلّى بِ ُركْنِهِ } أي ‪ :‬فأعرض فرعون عما جاءه (‪ )4‬به موسى من الحق‬
‫المبين ‪ ،‬استكبارا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وجعل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬جاء"‪.‬‬

‫( ‪)7/422‬‬

‫وعنادا‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬تعزز بأصحابه‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬غلب عدُو ال على قومه‪ .‬وقال ابن زيد ‪ { :‬فَ َتوَلّى‬
‫شدِيدٍ } [ هود ‪:‬‬
‫بِ ُركْنِهِ } أي ‪ :‬بجموعه التي معه ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ { :‬لوْ أَنّ لِي ِبكُمْ ُق ّوةً َأوْ آوِي إِلَى ُركْنٍ َ‬
‫‪.] 80‬‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } [ الحج ‪ ] 9 :‬أي ‪ :‬معرض عن‬
‫طفِهِ لِ ُي ِ‬
‫والمعنى الول قوي كقوله ‪ { :‬ثَا ِنيَ عِ ْ‬
‫الحق مستكبر ‪َ { ،‬وقَالَ سَاحِرٌ َأوْ َمجْنُونٌ } أي ‪ :‬ل يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرا‬
‫‪ ،‬أو مجنونا‪.‬‬
‫خذْنَا ُه وَجُنُو َدهُ فَنَبَذْنَاهُمْ } أي ‪ :‬ألقيناهم في اليم ‪ ،‬وهو البحر ‪ { ،‬وَ ُهوَ مُلِيمٌ }‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَأَ َ‬
‫أي ‪ :‬وهو ملوم كافر جاحد فاجر معاند‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬وفِي عَادٍ إِذْ أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ ا ْل َعقِيمَ } أي ‪ :‬المفسدة التي ل تنتج شيئا‪ .‬قاله‬
‫الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ } أي ‪:‬‬
‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَ ْيهِ } أي ‪ :‬مما تفسده الريح { إِل َ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬مَا َتذَرُ مِنْ َ‬
‫كالشيء الهالك البالي‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو عبيد ال بن أخي ابن وهب ‪ ،‬حدثنا عمي عبد ال بن وهب ‪،‬‬
‫حدثني عبد ال ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن عياش (‪ - )1‬القتباني ‪ ،‬حدثني عبد ال بن سليمان ‪ ،‬عن دراج ‪،‬‬
‫عن عيسى بن هلل الصّ َدفِي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"الريح مسخرة من الثانية ‪ -‬يعني من الرض الثانية ‪ -‬فلما أراد ال أن يهلك عادًا أمر خازن‬
‫الريح أن يرسل عليهم ريحا تهلك عادا ‪ ،‬قال ‪ :‬أي َربَ ‪ ،‬أرسل عليهم [من] (‪ )2‬الريح قدر منخر‬
‫الثور ؟ قال له الجبار ‪ :‬ل إذًا تكفأ الرض ومن عليها ‪ ،‬ولكن أرسل [عليهم] (‪ )3‬بقدر خاتم‪ .‬فهي‬
‫جعَلَتْهُ كَال ّرمِيمِ }‬
‫شيْءٍ أَ َتتْ عَلَيْهِ إِل َ‬
‫التي يقول (‪ )4‬ال في كتابه ‪ { :‬مَا تَذَرُ مِنْ َ‬
‫هذا الحديث رفعه منكر (‪ ، )5‬والقرب أن يكون موقوفا على عبد ال بن عمرو ‪ ،‬من زاملتيه‬
‫اللتين (‪ )6‬أصابهما يوم اليرموك ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال سعيد بن المسيب وغيره في قوله ‪ { :‬إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَ ْيهِمُ الرّيحَ ا ْل َعقِيمَ } قالوا ‪ :‬هي الجنوب‪ .‬وقد‬
‫ثبت في الصحيح من رواية شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نصرت بالصّبا ‪ ،‬وأهلكت عاد بالدبور" (‪.)7‬‬
‫{ َوفِي َثمُودَ إِذْ قِيلَ َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ } قال ابن جرير ‪ :‬يعني إلى وقت فناء آجالكم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ابن عباس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/594‬وابن منده في كتاب التوحيد (‪ )1/186‬من طريق عبد‬
‫ال بن وهب بأطول منه‪.‬‬
‫وقال ابن منده ‪ :‬إسناده متصل مشهور ورواته مصريين‪ .‬وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله ‪:‬‬
‫"بل منكر ‪ ،‬فيه عبد ال بن عياس ضعفه أبو داود ‪ ،‬وعند مسلم أنه ثقة ‪ ،‬ودراج وهو كثير‬
‫المناكير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬اللذين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صححه مسلم برقم (‪.)900‬‬

‫( ‪)7/423‬‬

‫شيْءٍ‬
‫سعُونَ (‪ )47‬وَالْأَ ْرضَ فَرَشْنَاهَا فَ ِنعْمَ ا ْلمَاهِدُونَ (‪َ )48‬ومِنْ ُكلّ َ‬
‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْ ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫وَال ّ‬
‫جعَلُوا مَعَ اللّهِ‬
‫خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّل ُكمْ تَ َذكّرُونَ (‪َ )49‬ففِرّوا إِلَى اللّهِ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )50‬وَلَا تَ ْ‬
‫إَِلهًا َآخَرَ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪)51‬‬

‫‪.‬‬
‫عقَةُ‬
‫خذَ ْتهُ ْم صَا ِ‬
‫والظاهر أن هذه كقوله ‪ { :‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى فَأَ َ‬
‫ا ْلعَذَابِ ا ْلهُونِ } [ فصلت ‪.] 17 :‬‬
‫عقَةُ‬
‫وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬وفِي َثمُودَ إِذْ قِيلَ َلهُمْ َتمَ ّتعُوا حَتّى حِينٍ َفعَ َتوْا عَنْ َأمْرِ رَ ّبهِمْ فََأخَذَ ْتهُمُ الصّا ِ‬
‫وَهُمْ يَ ْنظُرُونَ } ‪ ،‬وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلثة أيام وجاءهم في صبيحة اليوم الرابع ُبكْرَة‬
‫النهار { َفمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ } أي ‪ :‬من هَ َربٍ ول نهوض ‪َ { ،‬ومَا كَانُوا مُنْ َتصِرِينَ } أي ‪ :‬ول‬
‫يقدرون على أن ينتصروا مما هم فيه‪.‬‬
‫سقِينَ }‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬وأهلكنا قوم نوح من قبل هؤلء { إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ‬
‫وكل هذه القصص قد تقدمت مبسوطة في أماكن كثيرة ‪ ،‬من سور متعددة‪.‬‬
‫شيْءٍ‬
‫سعُونَ (‪ )47‬وَال ْرضَ فَرَشْنَاهَا فَ ِنعْمَ ا ْلمَاهِدُونَ (‪َ )48‬ومِنْ ُكلّ َ‬
‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَ ْي ٍد وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫{ وَال ّ‬
‫جعَلُوا مَعَ اللّهِ‬
‫خََلقْنَا َزوْجَيْنِ َلعَّل ُكمْ تَ َذكّرُونَ (‪َ )49‬ففِرّوا إِلَى اللّهِ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )50‬وَل َت ْ‬
‫إَِلهًا آخَرَ إِنّي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪} )51‬‬
‫سمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي ‪ :‬جعلناها سقفا‬
‫يقول تعالى منبها على خلق العالم العلوي والسفلي ‪ { :‬وَال ّ‬
‫[محفوظا] (‪ )1‬رفيعا { بأيد } أي ‪ :‬بقوة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير‬
‫سعُونَ } ‪ ،‬أي ‪ :‬قد وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ‪ ،‬حتى استقلت كما هي‪.‬‬
‫واحد ‪ { ،‬وَإِنّا َلمُو ِ‬
‫{ وَال ْرضَ فَرَشْنَاهَا } أي ‪ :‬جعلناها فراشًا للمخلوقات ‪ { ،‬فَ ِنعْمَ ا ْلمَاهِدُونَ } أي ‪ :‬وجعلناها مهدا‬
‫لهلها‪.‬‬
‫شيْءٍ خََلقْنَا َزوْجَيْنِ } أي ‪ :‬جميع المخلوقات أزواج ‪ :‬سماء وأرض ‪ ،‬وليل ونهار ‪،‬‬
‫{ َومِنْ ُكلّ َ‬
‫وشمس وقمر ‪ ،‬وبر وبحر ‪ ،‬وضياء وظلم ‪ ،‬وإيمان وكفر ‪ ،‬وموت وحياة ‪ ،‬وشقاء وسعادة ‪،‬‬
‫وجنة ونار ‪ ،‬حتى الحيوانات [جن وإنس ‪ ،‬ذكور وإناث] (‪ )2‬والنباتات ‪ ،‬ولهذا قال ‪َ { :‬لعَّلكُمْ‬
‫تَ َذكّرُونَ } أي ‪ :‬لتعلموا أن الخالق واحدٌ ل شريك له‪.‬‬
‫{ َففِرّوا إِلَى اللّهِ } أي ‪ :‬الجئوا إليه ‪ ،‬واعتمدوا في أموركم عليه ‪ { ،‬إِنّي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }‪.‬‬
‫جعَلُوا مَعَ اللّهِ إَِلهًا آخَرَ } أي ‪[ :‬و] (‪ )3‬ل تشركوا به شيئا ‪ { ،‬إِنّي َلكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }‪.‬‬
‫{ وَل تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/424‬‬

‫صوْا بِهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ‬


‫كَذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلّا قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ (‪ )52‬أَ َتوَا َ‬
‫طَاغُونَ (‪ )53‬فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ َفمَا أَ ْنتَ ِبمَلُومٍ (‪ )54‬وَ َذكّرْ فَإِنّ ال ّذكْرَى تَ ْنفَعُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )55‬ومَا خََل ْقتُ‬
‫ط ِعمُونِ (‪ )57‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ ُي ْ‬
‫الْجِنّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِ َيعْبُدُونِ (‪ )56‬مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬
‫صحَا ِبهِمْ فَلَا َيسْ َتعْجِلُونِ (‪)59‬‬
‫الرّزّاقُ ذُو ا ْل ُق ّوةِ ا ْلمَتِينُ (‪ )58‬فَإِنّ ِللّذِينَ ظََلمُوا ذَنُوبًا مِ ْثلَ ذَنُوبِ َأ ْ‬
‫َفوَيْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َي ْو ِمهِمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪)60‬‬

‫صوْا بِهِ َبلْ ُهمْ َقوْمٌ‬


‫{ َكذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ مَجْنُونٌ (‪ )52‬أَ َتوَا َ‬
‫طَاغُونَ (‪ )53‬فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ َفمَا أَ ْنتَ ِبمَلُومٍ (‪ )54‬وَ َذكّرْ فَإِنّ ال ّذكْرَى تَ ْنفَعُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (‪َ )55‬ومَا خََل ْقتُ‬
‫ط ِعمُونِ (‪ )57‬إِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ ُي ْ‬
‫الْجِنّ وَالنْسَ إِل لِ َيعْبُدُونِ (‪ )56‬مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬
‫صحَا ِبهِمْ فَل يَسْ َت ْعجِلُونِ (‪)59‬‬
‫الرّزّاقُ ذُو ا ْل ُق ّوةِ ا ْلمَتِينُ (‪ )58‬فَإِنّ ِللّذِينَ ظََلمُوا ذَنُوبًا مِ ْثلَ ذَنُوبِ َأ ْ‬
‫َفوَيْلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َي ْو ِمهِمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪} )60‬‬

‫( ‪)7/424‬‬

‫يقول تعالى مسليا نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ :‬وكما قال لك هؤلء المشركون ‪ ،‬قال المكذبون‬
‫الولون لرسلهم ‪ { :‬كَذَِلكَ مَا أَتَى الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ مِنْ رَسُولٍ إِل قَالُوا سَاحِرٌ َأوْ َمجْنُونٌ } !‪.‬‬
‫صوْا ِبهِ } أي ‪ :‬أوصى بعضُهم بعضا بهذه المقالة ؟ " { َبلْ هُمْ َقوْمٌ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬أَ َتوَا َ‬
‫طَاغُونَ } أي ‪ :‬لكن هم قوم طغاة ‪ ،‬تشابهت قلوبهم ‪ ،‬فقال متأخرهم كما قال متقدمهم‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فَ َت َولّ عَ ْن ُهمْ } أي ‪ :‬فأعرض عنهم يا محمد ‪َ { ،‬فمَا أَ ْنتَ ِبمَلُومٍ } يعني ‪ :‬فما‬
‫نلومك على ذلك‪.‬‬
‫{ وَ َذكّرْ فَإِنّ ال ّذكْرَى تَ ْنفَعُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أي ‪ :‬إنما تنتفع (‪ )1‬بها القلوب المؤمنة‪.‬‬
‫ن وَالنْسَ إِل لِ َيعْبُدُونِ } أي ‪ :‬إنما خلقتهم لمرهم بعبادتي ‪ ،‬ل لحتياجي‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا خََل ْقتُ ا ْلجِ ّ‬
‫إليهم‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬إِل لِ َيعْبُدُونِ } أي ‪ :‬إل ليقروا بعبادتي طوعا أو‬
‫كرها (‪ )2‬وهذا اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج ‪ :‬إل ليعرفون‪ .‬وقال الربيع بن أنس ‪ { :‬إِل لِ َيعْبُدُونِ } أي ‪ :‬إل للعبادة‪ .‬وقال‬
‫ت وَالرْضَ لَ َيقُولُنّ‬
‫س َموَا ِ‬
‫السدي ‪ :‬من العبادة ما ينفع ومنها ما ل ينفع ‪ { ،‬وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ مَنْ خََلقَ ال ّ‬
‫اللّهُ } [ لقمان ‪ ] 25 :‬هذا منهم عبادة ‪ ،‬وليس ينفعهم مع الشرك‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬المراد بذلك‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫ط ِعمُونِ‪ .‬إِنّ اللّهَ ُهوَ الرّزّاقُ ذُو ا ْلقُ ّوةِ ا ْلمَتِينُ } قال‬
‫ق َومَا أُرِيدُ أَنْ ُي ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا أُرِيدُ مِ ْنهُمْ مِنْ رِ ْز ٍ‬
‫(‪ )3‬المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قال حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد (‬
‫‪ ، )4‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬أقرأني رسول ال (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لنا الرزاق‬
‫ذو القوة المتين"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث إسرائيل ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح (‬
‫‪.)6‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬أنه تعالى خلق العباد ليعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ‪،‬‬
‫ومن عصاه عذبه أشد العذاب ‪ ،‬وأخبر أنه غير محتاج إليهم ‪ ،‬بل هم الفقراء إليه في جميع‬
‫أحوالهم ‪ ،‬فهو خالقهم ورازقهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا عمران ‪ -‬يعني ابن زائدة بن َنشِيط ‪ -‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن أبي خالد ‪ -‬هو الوالبي ‪ -‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال ال ‪" :‬يا ابن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنما ينتفع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وكرها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬زيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/394‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3989‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2940‬والنسائي في‬
‫السنن الكبرى برقم (‪.)11527‬‬
‫( ‪)7/425‬‬

‫آدم ‪َ ،‬تفَرّغ لعبادتي أمل صدرك غِنًى ‪ ،‬وأس ّد فقرك ‪ ،‬وإل تفعل ملت صدرك شغل ولم أسد‬
‫فقرك"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث عمران بن زائدة ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب (‪.)1‬‬
‫وقد روى المام أحمد عن وكيع وأبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن سلم أبي شُرحْبِيل ‪ ،‬سمعت‬
‫حَبّة وسواء ابني خالد يقولن ‪ :‬أتينا رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يعمل عمل أو يبني بناء‬
‫‪ -‬وقال أبو معاوية ‪ :‬يصلح شيئا ‪ -‬فأعناه عليه ‪ ،‬فلما فرغ دعا لنا وقال ‪" :‬ل تيأسا من الرزق ما‬
‫تهززت رءوسكما ‪ ،‬فإن النسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشرة ‪ ،‬ثم يعطيه ال ويرزقه" (‪ .)2‬و‬
‫[قد ورد] (‪ )3‬في بعض الكتب اللهية ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬ابن آدم ‪ ،‬خلقتك لعبادتي فل تلعب ‪،‬‬
‫وتكفلت برزقك فل تتعب فاطلبني تجدني ؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء ‪ ،‬وإن فُتك فاتك كل‬
‫شيء ‪ ،‬وأنا أحب إليك من كل شيء"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنّ لِلّذِينَ ظََلمُوا ذَنُوبًا } أي ‪ :‬نصيبا من العذاب ‪ { ،‬مِ ْثلَ ذَنُوبِ َأصْحَا ِبهِمْ فَل يَسْ َتعْجِلُونِ‬
‫} أي ‪ :‬فل يستعجلون ذلك ‪ ،‬فإنه واقع [بهم] (‪ )4‬ل محالة‪.‬‬
‫{ َفوَ ْيلٌ لِلّذِينَ َكفَرُوا مِنْ َي ْو ِمهِمُ الّذِي يُوعَدُونَ } يعني ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة الذاريات‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/358‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2466‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4107‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/469‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/426‬‬

‫س ْقفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ (‪)5‬‬


‫وَالطّورِ (‪َ )1‬وكِتَابٍ مَسْطُورٍ (‪ )2‬فِي َرقّ مَنْشُورٍ (‪ )3‬وَالْبَ ْيتِ ا ْل َم ْعمُورِ (‪ )4‬وَال ّ‬
‫سمَاءُ َموْرًا (‪)9‬‬
‫وَالْبَحْرِ ا ْل َمسْجُورِ (‪ )6‬إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬مَا َلهُ مِنْ دَا ِفعٍ (‪َ )8‬يوْمَ َتمُورُ ال ّ‬
‫خوْضٍ يَ ْلعَبُونَ (‪َ )12‬يوْمَ‬
‫وَتَسِيرُ ا ْلجِبَالُ سَيْرًا (‪َ )10‬فوَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُم َكذّبِينَ (‪ )11‬الّذِينَ هُمْ فِي َ‬
‫جهَنّمَ دَعّا (‪ )13‬هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ (‪)14‬‬
‫يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬

‫تفسير سورة الطور‬


‫وهي مكية‬
‫قال مالك ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن محمد بن جُبَير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم يقرأ في المغرب بالطور ‪ ،‬فما سمعت أحدا أحسن صوتا ‪ -‬أو قراءة ‪ -‬منه‪.‬‬
‫أخرجاه من طريق مالك (‪ )1‬وقال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا عبد ال بن يوسف ‪ ،‬أخبرنا مالك ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن بن َن ْوفَل ‪ ،‬عن عُ ْر َوةَ ‪ ،‬عن‬
‫زينب بنت أبي سلمة ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪ :‬شكوت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم أني‬
‫أشتكي ‪ ،‬فقال ‪" :‬طُوفي من وراء الناس وأنت راكبة" ‪ ،‬فطفت ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور (‪.)2‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫س ْقفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ (‬
‫سطُورٍ (‪ )2‬فِي رَقّ مَنْشُورٍ (‪ )3‬وَالْبَ ْيتِ ا ْل َم ْعمُورِ (‪ )4‬وَال ّ‬
‫{ وَالطّورِ (‪َ )1‬وكِتَابٍ مَ ْ‬
‫سمَاءُ َموْرًا (‬
‫سجُورِ (‪ )6‬إِنّ عَذَابَ رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (‪َ )8‬يوْمَ َتمُورُ ال ّ‬
‫‪ )5‬وَالْ َبحْرِ ا ْلمَ ْ‬
‫خ ْوضٍ يَ ْلعَبُونَ (‪َ )12‬يوْمَ‬
‫‪ )9‬وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (‪َ )10‬فوَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )11‬الّذِينَ ُهمْ فِي َ‬
‫جهَنّمَ دَعّا (‪ )13‬هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ (‪} )14‬‬
‫يُدَعّونَ إِلَى نَارِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4845‬وصحيح مسلم برقم (‪.)463‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4853‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1276‬‬

‫( ‪)7/427‬‬

‫سوَاءٌ عَلَ ْيكُمْ إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا‬


‫سحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْ ُتمْ لَا تُ ْبصِرُونَ (‪ )15‬اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأوْ لَا َتصْبِرُوا َ‬
‫َأفَ ِ‬
‫كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)16‬‬

‫سوَاءٌ عَلَ ْي ُكمْ إِ ّنمَا تُجْ َزوْنَ‬


‫{ َأ َفسِحْرٌ هَذَا َأمْ أَنْتُمْ ل تُ ْبصِرُونَ (‪ )15‬اصَْلوْهَا فَاصْبِرُوا َأوْ ل َتصْبِرُوا َ‬
‫مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )16‬‬
‫يقسم تعالى بمخلوقاته الدالة على قدرته العظيمة ‪ :‬أن عذابه واقع بأعدائه ‪ ،‬وأنه ل دافع له عنهم‪.‬‬
‫فالطور هو ‪ :‬الجبل الذي يكون فيه أشجار ‪ ،‬مثل الذي كلم ال عليه موسى ‪ ،‬وأرسل منه عيسى ‪،‬‬
‫وما لم يكن فيه شجر ل يسمى طورا ‪ ،‬إنما يقال له ‪ :‬جبل‪.‬‬
‫{ َوكِتَابٍ مّسْطُورٍ } قيل ‪ :‬هو اللوح المحفوظ‪ .‬وقيل ‪ :‬الكتب المنزلة المكتوبة التي تقرأ على‬
‫الناس جهارا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فِي َرقّ مَنْشُو ٍر وَالْبَ ْيتِ ا ْل َم ْعمُورِ }‪ .‬ثبت في الصحيحين أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال في حديث السراء ‪ -‬بعد مجاوزته إلى السماء السابعة ‪" : -‬ثم رفع‬
‫بي (‪ )1‬إلى البيت المعمور ‪ ،‬وإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألفا ل يعودون إليه آخر ما‬
‫عليهم" يعني ‪ :‬يتعبدون فيه ويطوفون ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬لي"‪.‬‬

‫( ‪)7/427‬‬

‫يطوف أهل الرض بكعبتهم كذلك ذاك البيت ‪ ،‬هو كعبة أهل السماء السابعة ؛ ولهذا وجد إبراهيم‬
‫الخليل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬مسندا ظهره إلى البيت المعمور ؛ لنه باني الكعبة الرضية ‪ ،‬والجزاء‬
‫من جنس العمل ‪ ،‬وهو بحيال الكعبة ‪ ،‬وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها ‪ ،‬ويصلون إليه ‪ ،‬والذي‬
‫في السماء الدنيا يقال له ‪ :‬بيت العزة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا روح بن‬
‫جناح ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال ‪" :‬في السماء السابعة بيت يقال له ‪" :‬المعمور" ؛ بحيال الكعبة ‪ ،‬وفي السماء الرابعة نهر يقال‬
‫له ‪" :‬الحيوان" يدخله جبريل كل يوم ‪ ،‬فينغمس فيه انغماسة ‪ ،‬ثم يخرج فينتفض انتفاضة يخر عنه‬
‫سبعون ألف قطرة ‪ ،‬يخلق ال من كل قطرة ملكا يؤمرون أن يأتوا البيت المعمور ‪ ،‬فيصلوا (‪)1‬‬
‫فيه فيفعلون ‪ ،‬ثم يخرجون فل يعودون إليه أبدا ‪ ،‬ويولي عليهم أحدهم ‪ ،‬يؤمر أن يقف بهم من‬
‫السماء موقفا يسبحون ال فيه إلى أن تقوم الساعة"‪.‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬تفرد به روح بن جناح هذا ‪ ،‬وهو القرشي الموي مولهم أبو سعد‬
‫الدمشقي ‪ ،‬وقد أنكر هذا الحديث عليه جماعة من الحفاظ منهم ‪ :‬الجوزجاني ‪ ،‬والعقيلي ‪ ،‬والحاكم‬
‫أبو عبد ال النيسابوري ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫قال الحاكم ‪ :‬ل أصل له من حديث أبي هريرة ‪ ،‬ول سعيد ‪ ،‬ول الزهري (‪)2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا هَنّاد بن السّريّ ‪ ،‬حدثنا أبو الحوص ‪ ،‬عن سماك بن حرب ‪ ،‬عن خالد‬
‫بن (‪ )3‬عرعرة ؛ أن رجل قال لعلي ‪ :‬ما البيت المعمور ؟ قال ‪ :‬بيت في السماء يقال له ‪:‬‬
‫"الضّراح" وهو بحيال الكعبة من فوقها ‪ ،‬حرمته في السماء كحرمة البيت في الرض ‪ ،‬يصلي فيه‬
‫كل يوم سبعون ألفا من الملئكة ‪ ،‬ل (‪ )4‬يعودون فيه أبدا (‪)5‬‬
‫سمَاك وعندهما أن ابن الكواء هو السائل عن ذلك ‪ ،‬ثم‬
‫وكذا رواه شعبة وسفيان الثوري ‪ ،‬عن ِ‬
‫رواه ابن جرير عن أبي كُرَيب ‪ ،‬عن طَلْق بن غنام ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن علي بن‬
‫ربيعة قال ‪ :‬سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور ‪ ،‬قال ‪ :‬مسجد في السماء يقال له ‪:‬‬
‫"الضّراح" ‪ ،‬يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملئكة ‪ ،‬ثم ل يعودون فيه أبدا‪ .‬ورواه من حديث أبي‬
‫طفَيْل ‪ ،‬عن علي بمثله‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫وقال ال َعوْفي عن ابن عباس ‪ :‬هو بيت حذاء العرش ‪ ،‬تعمره الملئكة ‪ ،‬يصلي فيه كل يوم‬
‫سبعون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فيصلون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )3/144‬من طريق هشام بن عمار به ‪ ،‬وقال ‪" :‬سمعت ابن‬
‫حماد يقول ‪ :‬قال السعدي ‪ :‬روح بن جناح ذكر عنالزهري حديثا معضل في البيت المعمور" ثم‬
‫ساقه بإسناده وتعقبه بقوله ‪" :‬ول يعرف هذا الحديث إل بروح بن جناح عن الزهري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ثم ل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪)27/10‬‬

‫( ‪)7/428‬‬

‫ألفا من الملئكة ثم ل يعودون إليه ‪ ،‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وغير واحد من السلف‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوما لصحابه ‪" :‬هل تدرون ما البيت‬
‫المعمور ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة ‪ ،‬لو خر لخر‬
‫عليها ‪ ،‬يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ‪ ،‬إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم"‪.‬‬
‫وزعم الضحاك أنه يعمره طائفة من الملئكة يقال لهم ‪ :‬الحِن (‪ ، )1‬من قبيلة إبليس (‪ ، )2‬فال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن‬
‫س ْقفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ } ‪ :‬قال سفيان الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وأبو الحوص ‪ ،‬عن ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّ‬
‫جعَلْنَا‬
‫س ْقفِ ا ْلمَ ْرفُوعِ } يعني ‪ :‬السماء ‪ ،‬قال سفيان ‪ :‬ثم تل { وَ َ‬
‫خالد بن عَرْعَرَة ‪ ،‬عن علي ‪ { :‬وَال ّ‬
‫حفُوظًا وَ ُهمْ عَنْ آيَا ِتهَا ُمعْ ِرضُونَ } [ النبياء ‪ .] 32 :‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫سقْفًا مَ ْ‬
‫سمَاءَ َ‬
‫ال ّ‬
‫والسدي ‪ ،‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬هو العرش يعني ‪ :‬أنه سقف لجميع المخلوقات ‪ ،‬وله اتجاه ‪ ،‬وهو يُراد مع‬
‫غيره كما قاله الجمهور‪.‬‬
‫سجُورِ } ‪ :‬قال الربيع بن أنس ‪ :‬هو الماء الذي تحت العرش ‪ ،‬الذي ينزل‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالْ َبحْرِ ا ْلمَ ْ‬
‫[ال] (‪ )3‬منه المطر الذي يحيى به الجساد في قبورها يوم معادها‪ .‬وقال الجمهور ‪ :‬هو هذا‬
‫البحر‪ .‬واختلف في معنى قوله ‪ { :‬المسجور } ‪ ،‬فقال بعضهم ‪ :‬المراد أنه يوقد يوم القيامة نارا‬
‫كقوله ‪ { :‬وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّ َرتْ } [ التكوير ‪ ] 6 :‬أي ‪ :‬أضرمت فتصير (‪ )4‬نارا تتأجج ‪ ،‬محيطة‬
‫بأهل الموقف‪ .‬رواه سعيد بن المسيب’ عن علي بن أبي طالب ‪ ،‬ورُوي عن ابن عباس‪ .‬وبه يقول‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعبد ال بن عبيد بن عُمير (‪ )5‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال العلء بن بدر ‪ :‬إنما سمي البحر المسجور لنه ل يُشرب منه ماء ‪ ،‬ول يسقى به زرع ‪،‬‬
‫وكذلك البحار يوم القيامة‪ .‬كذا رواه عنه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫سجُورِ }‬
‫وعن سعيد بن جُبير ‪ { :‬وَالْبَحْرِ ا ْل َمسْجُورِ } يعني ‪ :‬المرسل‪ .‬وقال قتادة ‪[ { :‬وَالْبَحْرِ] ا ْلمَ ْ‬
‫(‪ )6‬المملوء‪ .‬واختاره ابن جرير ووجهه بأنه ليس موقدا اليوم فهو مملوء‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد به الفارغ ‪ ،‬قال الصمعي عن أبي عمرو بن العلء ‪ ،‬عن ذي الرمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫سجُورِ } قال ‪ :‬الفارغ ؛ خرجت أمة تستسقي فرجعت فقالت ‪" :‬إن‬
‫عباس في قوله ‪ { :‬وَالْبَحْرِ ا ْلمَ ْ‬
‫الحوض مسجور" ‪ ،‬تعني ‪ :‬فارغا‪ .‬رواه ابن مردويه في مسانيد الشعراء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الجن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/11‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فصيرت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وعبيد ال بن عمير"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/429‬‬

‫وقيل ‪ :‬المراد بالمسجور ‪ :‬الممنوع المكفوف عن الرض ؛ لئل (‪ )1‬يغمرها فيغرق أهلها‪ .‬قاله (‬
‫‪ )2‬علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ ،‬وبه يقول السدي وغيره ‪ ،‬وعليه يدل الحديث الذي رواه‬
‫المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده ‪ ،‬فإنه قال ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا (‪ )3‬العوام ‪ ،‬حدثني شيخ كان مرابطا بالساحل قال ‪ :‬لقيت أبا صالح مولى‬
‫عمر بن الخطاب فقال ‪ :‬حدثنا عمر بن الخطاب عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ليس‬
‫من ليلة إل والبحر يشرف فيها ثلث مرات ‪ ،‬يستأذن ال أن ينفضخ (‪ )4‬عليهم ‪ ،‬فيكفه ال عز‬
‫وجل" (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر السماعيلي ‪ :‬حدثنا الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن إسحاق بن راهويه ‪ ،‬عن يزيد ‪-‬‬
‫وهو ابن هارون ‪ -‬عن العوام بن حوشب ‪ ،‬حدثني شيخ مرابط قال ‪ :‬خرجت ليلة لحرسي (‪ )6‬لم‬
‫يخرج أحد من الحرس غيري ‪ ،‬فأتيت الميناء فصعدت ‪ ،‬فجعل يخيل إليّ أن البحر يشرف يحاذي‬
‫رءوس الجبال ‪ ،‬فعل ذلك مرارا وأنا مستيقظ ‪ ،‬فلقيت أبا صالح فقال ‪ :‬حدثنا عمر بن الخطاب ‪:‬‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من ليلة إل والبحر يشرف ثلث مرات ‪ ،‬يستأذن ال‬
‫أن ينفضخ عليهم ‪ ،‬فيكفه ال عز وجل"‪ .‬فيه رجل مبهم لم يسم (‪.)7‬‬
‫عذَابَ رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ } ‪ :‬هذا هو المقسم عليه ‪ ،‬أي ‪ :‬الواقع (‪ )8‬بالكافرين ‪ ،‬كما قال‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ َ‬
‫في الية الخرى ‪ { :‬مَا َلهُ مِنْ دَا ِفعٍ } أي ‪ :‬ليس له دافع يدفعه عنهم إذا أراد ال بهم ذلك‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬عن صالح المري ‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن (‪ )9‬زيد العبدي قال ‪ :‬خرج عمر َيعِسّ المدينة ذات ليلة ‪ ،‬فمر بدار رجل من‬
‫المسلمين ‪ ،‬فوافقه قائما يصلي ‪ ،‬فوقف يستمع قراءته فقرأ ‪ { :‬والطور } حتى بلغ { إِنّ عَذَابَ‬
‫رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } قال ‪ :‬قسم ‪ -‬ورب الكعبة ‪ -‬حق‪ .‬فنزل عن حماره واستند إلى‬
‫حائط ‪ ،‬فمكث مليا ‪ ،‬ثم رجع إلى منزله ‪ ،‬فمكث شهرا يعوده الناس ل يدرون ما مرضه ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه (‪.)10‬‬
‫وقال المام أبو عبيد في "فضائل القرآن" ‪ :‬حدثنا محمد بن صالح ‪ ،‬حدثنا هشام بن حسان ‪ ،‬عن‬
‫عذَابَ رَ ّبكَ َلوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ } (‪ ، )11‬فربا لها ربوة عيد منها‬
‫الحسن ‪ :‬أن عمر قرأ ‪ { :‬إِنّ َ‬
‫عشرين يوما (‪.)12‬‬
‫سمَاءُ َموْرًا } ‪ :‬قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬تتحرك تحريكا‪ .‬وعن ابن عباس ‪:‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ َتمُورُ ال ّ‬
‫هو تشققها ‪ ،‬وقال مجاهد ‪ :‬تدور دورا‪ .‬وقال الضحاك ‪ :‬استدارتها وتحريكها لمر ال ‪ ،‬وموج‬
‫بعضها في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ينفضح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/43‬ورواه من طريق ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )1/52‬وقال ‪" :‬العوام‬
‫ضعيف ‪ ،‬والشيخ مجهول"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬لمحرثي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬وذكره المؤلف في مسند عمر (‪ )2/608‬من رواية السماعيلي ‪ ،‬وقال ‪" :‬فيه رجل مبهم لم‬
‫يسم ‪ ،‬وال أعلم بحاله"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬واقع"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )10‬وذكره المؤلف في مسند عمر (‪ )2/608‬من رواية ابن أبي الدنيا وفي إسناده صالح‬
‫المري ‪ ،‬ووقع في مسند عمر "المدني" فإن كان المري فهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )11‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )12‬فضائل القرآن لبي عبيد (ص ‪.)64‬‬

‫( ‪)7/430‬‬
‫إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ َنعِيمٍ (‪ )17‬فَا ِكهِينَ ِبمَا آَتَا ُهمْ رَ ّبهُ ْم َو َوقَاهُمْ رَ ّب ُهمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ (‪ )18‬كُلُوا‬
‫صفُوفَةٍ وَزَوّجْنَاهُمْ ِبحُورٍ عِينٍ (‪)20‬‬
‫وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )19‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ َم ْ‬

‫بعض‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك (‪ )1‬في استدارة‪ .‬قال ‪ :‬وأنشد أبو عبيدة معمر بن‬
‫المثنى بيت العشى ‪:‬‬
‫كأن مشْيَتَها من بيتِ جَارتها‪ ...‬مَورُ السحابة ل رَ ْيثٌ ول عجل (‪)2‬‬
‫{ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا } أي ‪ :‬تذهب فتصير هباء منبثا ‪ ،‬وتنسف نسفا‪.‬‬
‫{ َفوَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُمكَذّبِينَ } أي ‪ :‬ويل لهم ذلك اليوم من عذاب ال ونكاله بهم ‪ ،‬وعقابه لهم‪.‬‬
‫خ ْوضٍ يَ ْلعَبُونَ } أي ‪ :‬هم في الدنيا يخوضون في الباطل ‪ ،‬ويتخذون دينهم هزوا‬
‫{ الّذِينَ ُهمْ فِي َ‬
‫ولعبا‪.‬‬
‫جهَنّمَ دَعّا } ‪ :‬وقال مجاهد ‪ ،‬والشعبي ‪،‬‬
‫{ َيوْمَ يُدَعّونَ } أي ‪ :‬يدفعون ويساقون ‪ { ،‬إِلَى نَارِ َ‬
‫ومحمد بن كعب ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والثوري ‪ :‬يدفعون فيها دفعا‪.‬‬
‫{ هَ ِذهِ النّارُ الّتِي كُنْ ُتمْ ِبهَا ُتكَذّبُونَ } أي ‪ :‬تقول لهم الزبانية ذلك تقريعا وتوبيخا‪.‬‬
‫{ َأ َفسِحْرٌ هَذَا َأمْ أَنْتُمْ ل تُ ْبصِرُونَ اصَْلوْهَا } أي ‪ :‬ادخلوها دخول من تغمره من جميع جهاته‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬سواء صبرتم على عذابها ونكالها أم لم تصبروا ‪،‬‬
‫{ فَاصْبِرُوا َأوْ ل َتصْبِرُوا َ‬
‫ل محيد لكم عنها ول خلص لكم منها (‪ { ، )3‬إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ مَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬ول يظلم ال‬
‫أحدا ‪ ،‬بل يجازي كل بعمله‪.‬‬
‫جحِيمِ (‪ )18‬كُلُوا‬
‫عذَابَ الْ َ‬
‫ت وَ َنعِيمٍ (‪ )17‬فَا ِكهِينَ ِبمَا آتَاهُمْ رَ ّب ُه ْم َووَقَا ُهمْ رَ ّبهُمْ َ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫صفُوفَةٍ وَزَوّجْنَاهُمْ ِبحُورٍ عِينٍ (‪} )20‬‬
‫وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪ )19‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ َم ْ‬
‫ت وَ َنعِيمٍ } ‪ ،‬وذلك بضد ما أولئك فيه‬
‫يخبر تعالى عن حال السعداء فقال ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫من العذاب والنكال‪.‬‬
‫{ فَا ِكهِينَ ِبمَا آتَاهُمْ رَ ّب ُهمْ } أي ‪ :‬يتفكهون بما آتاهم ال من النعيم ‪ ،‬من أصناف الملذ ‪ ،‬من مآكل‬
‫ومشارب وملبس ومساكن ومراكب وغير ذلك ‪َ { ،‬و َوقَاهُمْ رَ ّب ُهمْ عَذَابَ ا ْلجَحِيمِ } أي ‪ :‬وقد نجاهم‬
‫من عذاب النار ‪ ،‬وتلك نعمة مستقلة بذاتها على حدتها مع ما أضيف إليها من دخول الجنة ‪ ،‬التي‬
‫فيها من السرور ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي‬
‫اليّامِ ا ْلخَالِيَةِ } [ الحاقة ‪ .] 24 :‬أي هذا بذاك ‪ ،‬تفضل منه وإحسانا‪.‬‬
‫صفُوفَةٍ } قال الثوري ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وقوله ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ َم ْ‬
‫‪ :‬السرر في الحجال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬حدثنا صفوان بن عمرو ؛ أنه سمع الهيثم بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المتحرك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪.)27/13‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫( ‪)7/431‬‬

‫شيْءٍ ُكلّ امْ ِرئٍ‬


‫عمَِل ِهمْ مِنْ َ‬
‫حقْنَا ِب ِهمْ ذُرّيّ َت ُه ْم َومَا َألَتْنَاهُمْ مِنْ َ‬
‫وَالّذِينَ َآمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُتهُمْ بِإِيمَانٍ أَ ْل َ‬
‫حمٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )22‬يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا َل ْغوٌ فِيهَا‬
‫سبَ رَهِينٌ (‪ )21‬وََأمْ َددْنَاهُمْ ِبفَا ِكهَ ٍة وَلَ ْ‬
‫ِبمَا كَ َ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ‬
‫وَلَا تَأْثِيمٌ (‪ )23‬وَيَطُوفُ عَلَ ْيهِمْ غِ ْلمَانٌ َلهُمْ كَأَ ّنهُمْ ُلؤُْلؤٌ َمكْنُونٌ (‪ )24‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫سمُومِ (‪)27‬‬
‫عذَابَ ال ّ‬
‫علَيْنَا َووَقَانَا َ‬
‫شفِقِينَ (‪َ )26‬فمَنّ اللّهُ َ‬
‫يَتَسَاءَلُونَ (‪ )25‬قَالُوا إِنّا كُنّا قَ ْبلُ فِي أَهْلِنَا ُم ْ‬
‫إِنّا كُنّا مِنْ قَ ْبلُ نَدْعُوهُ إِنّهُ ُهوَ الْبَرّ الرّحِيمُ (‪)28‬‬

‫مالك الطائي يقول ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار‬
‫أربعين سنة ما يتحول عنه ول يمله ‪ ،‬يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه"‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هُدْبَة بن خالد ‪ ،‬عن سليمان بن المغيرة ‪ ،‬عن ثابت قال ‪ :‬بلغنا أن الرجل‬
‫ليتكئ في الجنة سبعين سنة ‪ ،‬عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه ال من الكرامة والنعيم ‪ ،‬فإذا‬
‫حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن رآهن قبل ذلك ‪ ،‬فيقلن ‪ :‬قد آن لك أن تجعل لنا منك‬
‫نصيبا‪.‬‬
‫ومعنى { مصفوفة } أي ‪ :‬وجوه بعضهم إلى بعض ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [ الصافات ‪:‬‬
‫‪ { .] 44‬وَ َزوّجْنَاهُمْ ِبحُورٍ عِينٍ } أي ‪ :‬وجعلناهم قرينات صالحات ‪ ،‬وزوجات حسانا من الحور‬
‫العين‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬وزوجناهم } ‪ :‬أنكحناهم بحور عين ‪ ،‬وقد تقدم وصفهن في غير موضع بما‬
‫أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫شيْءٍ ُكلّ‬
‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم َومَا أَلَتْنَا ُهمْ مِنْ َ‬
‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫سبَ رَهِينٌ (‪ )21‬وََأمْدَدْنَا ُهمْ ِبفَا ِكهَ ٍة وَلَحْمٍ ِممّا َيشْ َتهُونَ (‪ )22‬يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا ل‬
‫امْ ِرئٍ ِبمَا كَ َ‬
‫ضهُمْ عَلَى‬
‫َل ْغوٌ فِيهَا وَل تَأْثِيمٌ (‪ )23‬وَيَطُوفُ عَلَ ْيهِمْ غِ ْلمَانٌ َلهُمْ كَأَ ّنهُمْ ُلؤُْلؤٌ َمكْنُونٌ (‪ )24‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫سمُومِ‬
‫ش ِفقِينَ (‪َ )26‬فمَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َو َوقَانَا عَذَابَ ال ّ‬
‫َب ْعضٍ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )25‬قَالُوا إِنّا كُنّا قَ ْبلُ فِي َأهْلِنَا مُ ْ‬
‫(‪ )27‬إِنّا كُنّا مِنْ قَ ْبلُ نَدْعُوهُ إِنّهُ ُهوَ الْبَرّ الرّحِيمُ (‪} )28‬‬
‫يخبر تعالى عن فضله وكرمه ‪ ،‬وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه ‪ :‬أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم‬
‫في اليمان يُلحقهم بآبائهم في المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم ‪ ،‬لتقر أعين الباء بالبناء عندهم في‬
‫منازلهم ‪ ،‬فيجمع بينهم على أحسن الوجوه ‪ ،‬بأن يرفع الناقص العمل ‪ ،‬بكامل العمل ‪ ،‬ول ينقص‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم َومَا أَلَتْنَا ُهمْ مِنْ‬
‫ذلك من عمله ومنزلته ‪ ،‬للتساوي بينه وبين ذاك ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَلْ َ‬
‫شيْءٍ }‬
‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬
‫َ‬
‫قال الثوري ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن ال ليرفع ذرية‬
‫المؤمن في درجته ‪ ،‬وإن كانوا دونه في العمل ‪ ،‬لتقر بهم عينه ثم قرأ ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ‬
‫شيْءٍ }‬
‫عمَِلهِمْ مِنْ َ‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُ ْم َومَا أَلَتْنَا ُهمْ مِنْ َ‬
‫ذُرّيّ ُتهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به‪ .‬وكذا رواه ابن جرير من حديث‬
‫شعبة عن عمرو بن مُرّة به (‪ .)1‬ورواه البزار ‪ ،‬عن سهل بن بحر (‪ ، )2‬عن الحسن بن حماد‬
‫الوراق ‪ ،‬عن قيس بن الربيع ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس مرفوعا ‪،‬‬
‫فذكره ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وقد رواه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/15‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يحيى"‪.‬‬

‫( ‪)7/432‬‬

‫الثوري ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن سعيد عن ابن عباس موقوفا (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد (‪ )2‬البيروتي ‪ ،‬أخبرني محمد بن شعيب (‬
‫‪ )3‬أخبرني شيبان ‪ ،‬أخبرني ليث ‪ ،‬عن حبيب بن أبي ثابت السدي ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ }‬
‫ابن عباس في قول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫قال ‪ :‬هم ذرية المؤمن ‪ ،‬يموتون على اليمان ‪ :‬فإن كانت منازل آبائهم ‪ ،‬أرفع من منازلهم‬
‫ألحقوا بآبائهم ‪ ،‬ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئا‪.‬‬
‫وقال الحافظ الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسين بن إسحاق التّسْتَرِي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫غَزْوان ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن سالم الفطس ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬أظنه عن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ‪ ،‬فيقال ‪:‬‬
‫إنهم لم يبلغوا درجتك‪ .‬فيقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬قد عملت لي ولهم‪ .‬فيؤمر بإلحاقهم به ‪ ،‬وقرأ ابن عباس‬
‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ } الية (‪.)4‬‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬يقول ‪ :‬والذين أدرك ذريتهم اليمان فعملوا بطاعتي‬
‫‪ ،‬ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ‪ ،‬وأولدهم الصغار تلحق بهم‪.‬‬
‫وهذا راجع إلى التفسير الول ‪ ،‬فإن ذاك مفسر أصرح من هذا‪ .‬وهكذا يقول الشعبي ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬وهو اختيار‬
‫ابن جرير‪ .‬وقد قال عبد ال بن المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا حمد بن ُفضَيْل ‪ ،‬عن محمد بن عثمان ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن علي‬
‫قال ‪ :‬سألتْ خديجة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬عن ولدين ماتا لها في الجاهلية ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هما في النار"‪ .‬فلما رأى الكراهة في وجهها قال ‪" :‬لو رأيت مكانهما‬
‫لبغضتهما"‪ .‬قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬فولدي منك‪ .‬قال ‪ " :‬في الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن المؤمنين وأولدهم في الجنة ‪ ،‬وإن المشركين وأولدهم في النار"‪ .‬ثم‬
‫حقْنَا ِبهِمْ ذُرّيّ َتهُمْ }‬
‫قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّ َبعَ ْتهُمْ ذُرّيّ ُت ُهمْ بِإِيمَانٍ أَلْ َ‬
‫[الية] (‪.)6( )5‬‬
‫هذا فضله تعالى على البناء ببركة عمل الباء ‪ ،‬وأما فضله على الباء ببركة دعاء البناء ‪ ،‬فقد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )2260‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/114‬فيه قيس‬
‫بن الربيع وثقه شعبة والثوري ‪ ،‬وفيه ضعف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬شعبة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبراني في المجمع الكبير (‪ )11/440‬حدثنا محمد بن عبد ال الحضرمي حدثنا محمد‬
‫بن عبد الرحمن بن غزوان به‪ .‬ورواه في المعجم الصغير برقم (‪ )640‬حدثنا عبد ال بن يزيد‬
‫الدقيقي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان به‪ .‬ولم أجد رواية الحسين بن إبراهيم التستري‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬زوائد عبد ال على المسند (‪ )1/134‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/217‬فيه محمد بن‬
‫عثمان ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/433‬‬

‫قال المام أحمد ‪:‬‬


‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عاصم بن أبي النّجُود ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ،‬أنى لي هذه ؟ فيقول ‪ :‬باستغفار ولدك لك" (‪.)1‬‬
‫إسناده (‪ )2‬صحيح ‪ ،‬ولم يخرجوه من هذا الوجه ‪ ،‬ولكن له شاهد في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إل من ثلث ‪:‬‬
‫صدقة جارية ‪ ،‬أو علم ينتفع به ‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له" (‪)3‬‬
‫سبَ رَهِينٌ } لما أخبر عن مقام الفضل ‪ ،‬وهو رفع درجة الذرية إلى‬
‫وقوله ‪ُ { :‬كلّ امْ ِرئٍ ِبمَا كَ َ‬
‫منزلة الباء من غير عمل يقتضي ذلك ‪ ،‬أخبر عن مقام العدل ‪ ،‬وهو أنه ل يؤاخذ أحدا بذنب أحد‬
‫سبَ رَهِينٌ } أي ‪ :‬مرتهن بعمله ‪ ،‬ل يحمل عليه ذنب غيره من الناس ‪،‬‬
‫‪ ،‬بل { ُكلّ امْ ِرئٍ ِبمَا كَ َ‬
‫سواء كان أبا أو ابنا ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬كلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِينَةٌ إِل َأصْحَابَ الْ َيمِينِ فِي جَنّاتٍ‬
‫يَتَسَاءَلُونَ عَنِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ } [ المدثر ‪.] 41 - 38 :‬‬
‫حمٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ } أي ‪ :‬وألحقناهم بفواكه ولحوم من أنواع شتى ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأمْ َددْنَاهُمْ ِبفَا ِكهَ ٍة وَلَ ْ‬
‫مما يستطاب ويشتهى‪.‬‬
‫وقوله { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا } أي ‪ :‬يتعاطون فيها كأسا ‪ ،‬أي ‪ :‬من الخمر‪ .‬قاله الضحاك‪ { .‬ل‬
‫َل ْغوٌ فِيهَا وَل تَأْثِيمٌ } أي ‪ :‬ل يتكلمون عنها (‪ )4‬بكلم لغ أي ‪ :‬هَذَيَان ول إثم أي ‪ :‬فُحْش ‪ ،‬كما‬
‫تتكلم به الشربة من أهل الدنيا‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬اللغو ‪ :‬الباطل‪ .‬والتأثيم ‪ :‬الكذب‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ل يستبون ول يؤثمون‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كان ذلك في الدنيا مع الشيطان‪.‬‬
‫فنزه ال خمر الخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ‪ ،‬فنفى عنها ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬صداع الرأس ‪،‬‬
‫ووجع البطن ‪ ،‬وإزالة العقل بالكلية ‪ ،‬وأخبر أنها ل تحملهم على الكلم السيئ الفارغ عن الفائدة‬
‫المتضمن هَذَيَانا وفُحشا ‪ ،‬وأخبر بحسن منظرها ‪ ،‬وطيب طعمها ومخبرها فقال ‪ { :‬بَ ْيضَاءَ لَ ّذةٍ‬
‫غ ْولٌ وَل ُهمْ عَ ْنهَا يُنزفُونَ } [ الصافات ‪ ، ] 47 ، 46 :‬وقال { ل ُيصَدّعُونَ‬
‫لِلشّارِبِينَ ل فِيهَا َ‬
‫عَ ْنهَا وَل يُنزفُونَ } [ الواقعة ‪ ، ] 19 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَ ْأسًا ل َل ْغوٌ فِيهَا وَل تَأْثِيمٌ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/509‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1631‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فيها"‪.‬‬

‫( ‪)7/434‬‬

‫ن وَلَا َمجْنُونٍ (‪َ )29‬أمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ ِبهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ (‪)30‬‬
‫فَ َذكّرْ َفمَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبكَاهِ ٍ‬
‫ُقلْ تَرَ ّبصُوا فَإِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُتَرَ ّبصِينَ (‪)31‬‬

‫حشَمهم في الجنة‬
‫خدَمهم و َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَطُوفُ عَلَ ْيهِمْ غِ ْلمَانٌ َل ُهمْ كَأَ ّنهُمْ ُلؤُْلؤٌ َمكْنُونٌ } ‪ :‬إخبار عن َ‬
‫كأنهم اللؤلؤ الرطب ‪ ،‬المكنون في حسنهم وبهائهم (‪ )1‬ونظافتهم وحسن ملبسهم ‪ ،‬كما قال‬
‫خلّدُونَ بَِأ ْكوَابٍ وَأَبَارِيقَ َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ } [ الواقعة ‪.] 18 ، 17 :‬‬
‫{ َيطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ مُ َ‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَ َتسَاءَلُونَ } أي ‪ :‬أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫وأحوالهم في الدنيا ‪ ،‬وهذا كما يتحادث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان‬
‫من أمرهم‪.‬‬
‫شفِقِينَ } أي ‪ :‬قد كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلنا خائفين من ربنا‬
‫{ قَالُوا إِنّا كُنّا قَ ْبلُ فِي أَهْلِنَا ُم ْ‬
‫سمُومِ } أي ‪ :‬فتصدق علينا وأجارنا‬
‫مشفقين من عذابه وعقابه ‪َ { ،‬فمَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َو َوقَانَا عَذَابَ ال ّ‬
‫مما نخاف‪.‬‬
‫{ إِنّا كُنّا مِنْ قَ ْبلُ َندْعُوهُ } أي ‪ :‬نتضرع إليه فاستجاب [ال] (‪ )2‬لنا وأعطانا سؤلنا ‪ { ،‬إِنّهُ ُهوَ الْبَرّ‬
‫الرّحِيمُ }‬
‫وقد ورد في هذا المقام حديث ‪ ،‬رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده فقال ‪ :‬حدثنا سلمة بن‬
‫شبيب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن دينار ‪ ،‬حدثنا الربيع بن صبيح ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة اشتاقوا إلى الخوان ‪ ،‬فيجيء سرير هذا‬
‫حتى يحاذي سرير هذا ‪ ،‬فيتحدثان ‪ ،‬فيتكئ هذا ويتكئ هذا ‪ ،‬فيتحدثان بما كان في الدنيا ‪ ،‬فيقول‬
‫أحدهما لصاحبه ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬تدري أي يوم غفر ال لنا ؟ يوم كنا في موضع كذا وكذا ‪ ،‬فدعونا‬
‫ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فغفر لنا"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل نعرفه يُ ْروَى إل بهذا السناد (‪.)3‬‬
‫قلت ‪ :‬وسعيد بن دينار الدمشقي قال أبو حاتم ‪ :‬هو مجهول ‪ ،‬وشيخه الربيع بن صبيح قد تكلم فيه‬
‫غير واحد من جهة حفظه ‪ ،‬وهو رجل صالح ثقة في نفسه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد ال الوْ ِديّ ‪ ،‬حدثنا وَكيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي‬
‫الضحَى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة ؛ أنها قرأت هذه الية ‪َ { :‬فمَنّ اللّهُ عَلَيْنَا َو َوقَانَا عَذَابَ‬
‫سمُومِ إِنّا كُنّا مِنْ قَ ْبلُ َندْعُوهُ إِنّهُ ُهوَ الْبَرّ الرّحِيمُ } فقالت ‪ :‬اللهم مُنّ علينا وقنا عذاب السموم ‪،‬‬
‫ال ّ‬
‫إنك أنت البر الرحيم‪ .‬قيل للعمش ‪ :‬في الصلة ؟ قال ‪ :‬نعم (‪.)4‬‬
‫ن وَل َمجْنُونٍ (‪َ )29‬أمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ ِبهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ (‬
‫{ َف َذكّرْ َفمَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبكَاهِ ٍ‬
‫‪ُ )30‬قلْ تَرَ ّبصُوا فَإِنّي َم َعكُمْ مِنَ ا ْلمُتَرَ ّبصِينَ (‪} )31‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وبياضهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )3553‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/421‬رجاله‬
‫رجال الصحيح غير سعيد بن دينار والربيع بن صبيح وهما ضعيفان وقد وثقا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعيب اليمان كما في الدر‬
‫المنثور للسيوطي (‪.)7/634‬‬

‫( ‪)7/435‬‬
‫أَمْ تَ ْأمُرُ ُهمْ َأحْلَا ُمهُمْ ِبهَذَا أَمْ ُهمْ َقوْمٌ طَاغُونَ (‪َ )32‬أمْ َيقُولُونَ َت َقوّلَهُ َبلْ لَا ُي ْؤمِنُونَ (‪ )33‬فَلْيَأْتُوا‬
‫حدِيثٍ مِثِْلهِ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪)34‬‬
‫بِ َ‬

‫{ َأمْ تَ ْأمُرُهُمْ أَحْل ُمهُمْ ِب َهذَا أَمْ هُمْ َقوْمٌ طَاغُونَ (‪ )32‬أَمْ َيقُولُونَ َتقَوّلَهُ َبلْ ل ُي ْؤمِنُونَ (‪ )33‬فَلْيَأْتُوا‬
‫حدِيثٍ مِثِْلهِ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪} )34‬‬
‫بِ َ‬

‫( ‪)7/435‬‬

‫يقول (‪ )1‬تعالى آمرا رسوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬بأن يبلغ رسالته إلى عباده ‪ ،‬وأن‬
‫يذكرهم بما أنزل ال عليه‪ .‬ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال ‪َ { :‬ف َذكّرْ َفمَا أَ ْنتَ‬
‫ن وَل مَجْنُونٍ } أي ‪ :‬لست بحمد ال بكاهن كما تقوله (‪ )2‬الجهلة من كفار‬
‫بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبكَاهِ ٍ‬
‫قريش‪ .‬والكاهن ‪ :‬الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء ‪ { ،‬وَل مَجْنُونٍ } ‪:‬‬
‫وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا عليهم في قولهم في الرسول ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ‪ { :‬أَمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ‬
‫نَتَرَ ّبصُ بِهِ رَ ْيبَ ا ْلمَنُونِ } أي ‪ :‬قوارع الدهر‪ .‬والمنون ‪ :‬الموت ‪ :‬يقولون ‪ :‬ننظره ونصبر عليه‬
‫حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ تَرَ ّبصُوا فَإِنّي َم َعكُمْ مِنَ‬
‫ا ْلمُتَرَ ّبصِينَ } أي ‪ :‬انتظروا فإني منتظر معكم ‪ ،‬وستعلمون لمن تكون العاقبة والنّصرة في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬إن قريشا لما‬
‫اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى ال عليه وسلم قال قائل منهم ‪ :‬احتبسوه (‪ )3‬في‬
‫وثاق ‪ ،‬ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك ‪ ،‬كما هلك من هلك قبله من الشعراء ‪ :‬زهير‬
‫والنابغة ‪ ،‬إنما هو كأحدهم‪ .‬فأنزل ال في ذلك من قولهم ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَ ّبصُ بِهِ رَ ْيبَ‬
‫ا ْلمَنُونِ } (‪.)4‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أمْ تَ ْأمُرُ ُهمْ أَحْل ُمهُمْ ِب َهذَا } أي ‪ :‬عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من‬
‫القوال الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور ؟ { أَمْ هُمْ َقوْمٌ طَاغُونَ } أي ‪ :‬ولكن هم‬
‫قوم ضلل معاندون ‪ ،‬فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َيقُولُونَ َت َقوّلَهُ } أي ‪ :‬اختلقه وافتراه من عند نفسه ‪ ،‬يعنون القرآن ‪ :‬قال ال ‪َ { :‬بلْ‬
‫حدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا‬
‫ل ُي ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬كفرهم هو الذي يحملهم (‪ )5‬على هذه المقالة‪ { .‬فَلْيَأْتُوا بِ َ‬
‫صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬إن كانوا صادقين في قولهم ‪" :‬تَقوّله وافتراه" فليأتوا بمثل ما جاء به محمد [صلى‬
‫ال عليه وسلم] (‪ )6‬من هذا القرآن ‪ ،‬فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الرض من الجن‬
‫والنس ‪ ،‬ما جاءوا بمثله ‪ ،‬ول بعشر سور [من] (‪ )7‬مثله ‪ ،‬ول بسورة من مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬يقوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬احبسوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )27/19‬من طريق ابن إسحاق به‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬حملهم"‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/436‬‬

‫ت وَالْأَ ْرضَ َبلْ لَا يُوقِنُونَ (‪َ )36‬أمْ‬


‫سمَاوَا ِ‬
‫خَلقُوا ال ّ‬
‫شيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَاِلقُونَ (‪َ )35‬أمْ َ‬
‫أَمْ خُِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬
‫عِنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ أَمْ هُمُ ا ْل ُمسَيْطِرُونَ (‪ )37‬أَمْ َلهُمْ سُلّمٌ يَسْ َت ِمعُونَ فِيهِ فَلْيَ ْأتِ مُسْ َت ِم ُعهُمْ ِبسُلْطَانٍ‬
‫ت وََلكُمُ الْبَنُونَ (‪َ )39‬أمْ تَسْأَُل ُهمْ أَجْرًا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪َ )40‬أمْ عِنْ َدهُمُ‬
‫مُبِينٍ (‪ )38‬أَمْ لَهُ الْبَنَا ُ‬
‫ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪َ )41‬أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالّذِينَ َكفَرُوا هُمُ ا ْل َمكِيدُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪)43‬‬
‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬

‫ت وَالرْضَ بَل ل يُوقِنُونَ (‪َ )36‬أمْ‬


‫س َموَا ِ‬
‫خَلقُوا ال ّ‬
‫شيْءٍ أَمْ ُهمُ ا ْلخَاِلقُونَ (‪َ )35‬أمْ َ‬
‫خِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬
‫{ َأمْ ُ‬
‫عِنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ أَمْ هُمُ ا ْل ُمسَيْطِرُونَ (‪ )37‬أَمْ َلهُمْ سُلّمٌ يَسْ َت ِمعُونَ فِيهِ فَلْيَ ْأتِ مُسْ َت ِم ُعهُمْ ِبسُلْطَانٍ‬
‫ت وََلكُمُ الْبَنُونَ (‪َ )39‬أمْ تَسْأَُل ُهمْ أَجْرًا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪َ )40‬أمْ عِنْ َدهُمُ‬
‫مُبِينٍ (‪ )38‬أَمْ لَهُ الْبَنَا ُ‬
‫ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪َ )41‬أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالّذِينَ َكفَرُوا هُمُ ا ْل َمكِيدُونَ (‪َ )42‬أمْ َلهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪} )43‬‬
‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬
‫شيْءٍ َأمْ هُمُ‬
‫هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد اللوهية ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬أَمْ خُِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬
‫الْخَاِلقُونَ } أي ‪ :‬أوجدوا من غير موجد ؟ أم هم أوجدوا أنفسهم ؟ أي ‪ :‬ل هذا ول هذا ‪ ،‬بل ال‬
‫هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا‪.‬‬
‫حمَيديّ ‪ ،‬حدثنا سفيان قال ‪ :‬حدثوني عن الزهري ‪ ،‬عن محمد بن جبير‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا ال ُ‬
‫ابن مطعم ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ‪ ،‬فلما بلغ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضَ بَل ل يُوقِنُونَ‪.‬‬
‫شيْءٍ أَمْ ُهمُ ا ْلخَاِلقُونَ‪َ .‬أمْ خََلقُوا ال ّ‬
‫خِلقُوا مِنْ غَيْرِ َ‬
‫هذه الية ‪َ { :‬أمْ ُ‬
‫أَمْ عِ ْندَهُمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ َأمْ ُهمُ ا ْلمُسَ ْيطِرُونَ } كاد قلبي أن يطير (‪.)1‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طرق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪ .)2‬وجبير بن مطعم كان قد‬
‫قدم على النبي صلى ال عليه وسلم بعد وقعة بدر في فداء السارى ‪ ،‬وكان إذ ذاك مشركا ‪،‬‬
‫وكان سماعه هذه الية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في السلم بعد ذلك‪.‬‬
‫ت وَال ْرضَ بَل ل يُوقِنُونَ } أي ‪ :‬أهم خلقوا السموات‬
‫س َموَا ِ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أمْ خََلقُوا ال ّ‬
‫والرض ؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بال ‪ ،‬وهم يعلمون أنه الخالق وحده ‪ ،‬ل شريك له‪.‬‬
‫ولكن عدم إيقانهم هو الذي يحملهم على ذلك ‪ { ،‬أَمْ عِنْدَ ُهمْ خَزَائِنُ رَ ّبكَ أَمْ هُمُ ا ْلمُسَ ْيطِرُونَ } أي ‪:‬‬
‫أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن ‪ { ،‬أَمْ هُمُ ا ْلمُسَيْطِرُونَ } أي ‪ :‬المحاسبون للخلئق‬
‫‪ ،‬ليس المر كذلك ‪ ،‬بل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬هو المالك المتصرف الفعال لما يريد‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ َلهُمْ سُلّمٌ َيسْ َت ِمعُونَ فِيهِ } أي ‪ :‬مرقاة إلى المل العلى ‪ { ،‬فَلْيَ ْأتِ مُسْ َت ِم ُعهُمْ ِبسُلْطَانٍ‬
‫مُبِينٍ } أي ‪ :‬فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة‪.‬‬
‫على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال ‪ ،‬أي ‪ :‬وليس لهم سبيل إلى ذلك ‪ ،‬فليسوا على شيء ‪،‬‬
‫ول لهم دليل‪.‬‬
‫ثم قال منكرا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات ‪ ،‬وجعلهم الملئكة إناثا ‪ ،‬واختيارهم لنفسهم‬
‫الذكور على الناث ‪ ،‬بحيث إذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم‪ .‬هذا وقد جعلوا‬
‫ت وََلكُمُ الْبَنُونَ } وهذا تهديد شديد‬
‫الملئكة بنات ال ‪ ،‬وعبدوهم مع ال ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَمْ لَهُ الْبَنَا ُ‬
‫ووعيد أكيد ‪ { ،‬أَمْ َتسْأَُلهُمْ َأجْرًا } أي ‪ :‬أجرة على إبلغك إياهم رسالة ال ؟ أي ‪ :‬لست تسألهم‬
‫على ذلك شيئا ‪َ { ،‬فهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ } أي ‪ :‬فهم (‪ )3‬من أدنى شيء يتبرمون منه ‪ ،‬ويثقلهم‬
‫ويشق عليهم ‪ { ،‬أَمْ عِ ْندَهُمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ } أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬فإنه ل يعلم أحد من أهل‬
‫السموات والرض الغيب إل ال ‪َ { ،‬أمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالّذِينَ َكفَرُوا هُمُ ا ْل َمكِيدُونَ } يقول تعالى ‪ :‬أم‬
‫يريد هؤلء بقولهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4854‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4023( ، )765‬وصحيح مسلم برقم (‪.)463‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فإنهم"‪.‬‬

‫( ‪)7/437‬‬

‫سمَاءِ سَاقِطًا َيقُولُوا سَحَابٌ مَ ْركُومٌ (‪ )44‬فَذَرْ ُهمْ حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي فِيهِ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫وَإِنْ يَ َروْا كِ ْ‬
‫عذَابًا دُونَ‬
‫ظَلمُوا َ‬
‫صعَقُونَ (‪َ )45‬يوْمَ لَا ُيغْنِي عَ ْنهُمْ كَ ْيدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُ ْنصَرُونَ (‪ )46‬وَإِنّ لِلّذِينَ َ‬
‫ُي ْ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ (‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ فَإِ ّنكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ ِب َ‬
‫ك وََلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )47‬وَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫ذَِل َ‬
‫ح ُه وَإِدْبَارَ النّجُومِ (‪)49‬‬
‫‪َ )48‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّ ْ‬
‫هذا في الرسول وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه ‪ ،‬فكيدهم إنما يرجع وباله على‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ }‪ .‬وهذا‬
‫أنفسهم ‪ ،‬فالذين كفروا هم المكيدون ‪ { ،‬أَمْ َل ُهمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ سُبْحَانَ اللّهِ َ‬
‫إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الصنام والنداد مع ال‪ .‬ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون‬
‫عمّا يُشْ ِركُونَ }‬
‫ويفترون ويشركون ‪ ،‬فقال ‪ { :‬سُبْحَانَ اللّهِ َ‬
‫سحَابٌ مَ ْركُومٌ (‪َ )44‬فذَرْهُمْ حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي فِيهِ‬
‫سمَاءِ سَا ِقطًا َيقُولُوا َ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫{ وَإِنْ يَ َروْا كِ ْ‬
‫عذَابًا دُونَ‬
‫ظَلمُوا َ‬
‫صعَقُونَ (‪َ )45‬يوْمَ ل ُيغْنِي عَ ْن ُهمْ كَيْدُ ُهمْ شَيْئًا وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ (‪ )46‬وَإِنّ لِلّذِينَ َ‬
‫ُي ْ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ (‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ فَإِ ّنكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ بِ َ‬
‫ك وََلكِنّ َأكْثَرَ ُه ْم ل َيعَْلمُونَ (‪ )47‬وَاصْبِرْ لِ ُ‬
‫ذَِل َ‬
‫ح ُه وَإِدْبَارَ النّجُومِ (‪} )49‬‬
‫‪َ )48‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّ ْ‬
‫سمَاءِ‬
‫سفًا مِنَ ال ّ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المشركين بالعناد والمكابرة للمحسوس ‪ { :‬وَإِنْ يَ َروْا كِ ْ‬
‫سحَابٌ‬
‫سَاقِطًا َيقُولُوا } أي ‪ :‬عليهم يعذبون به ‪ ،‬لما صدقوا ولما (‪ )1‬أيقنوا ‪ ،‬بل يقولون ‪ :‬هذا { َ‬
‫سمَاءِ فَظَلّوا فِيهِ َيعْ ُرجُونَ‪.‬‬
‫مَ ْركُومٌ } أي ‪ :‬متراكم‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ فَتَحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَابًا مِنَ ال ّ‬
‫سحُورُونَ } [ الحجر ‪ .] 15 ، 14 :‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫سكّ َرتْ أَ ْبصَارُنَا َبلْ َنحْنُ َقوْمٌ مَ ْ‬
‫َلقَالُوا إِ ّنمَا ُ‬
‫صعَقُونَ } ‪ ،‬وذلك يوم‬
‫{ فذرهم } أي ‪ :‬دعهم ‪ -‬يا محمد ‪ { -‬حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي فِيهِ ُي ْ‬
‫القيامة ‪َ { ،‬يوْمَ ل ُيغْنِي عَ ْنهُمْ كَ ْيدُهُمْ شَيْئًا } أي ‪ :‬ل ينفعهم كيدهم ومكرهم الذي استعملوه في الدنيا‬
‫‪ ،‬ل يُجدي عنهم يوم القيامة شيئا ‪ { ،‬وَل هُمْ يُ ْنصَرُونَ }‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنّ لِلّذِينَ ظََلمُوا عَذَابًا دُونَ ذَِلكَ } أي ‪ :‬قبل ذلك في الدار الدنيا ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَلَنُذِيقَ ّنهُمْ‬
‫جعُونَ } [ السجدة ‪ ، ] 21 :‬ولهذا قال ‪ { :‬وََلكِنّ‬
‫مِنَ ا ْلعَذَابِ الدْنَى دُونَ ا ْل َعذَابِ الكْبَرِ َلعَّلهُمْ يَرْ ِ‬
‫َأكْثَرَهُمْ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬نعذبهم في الدنيا ‪ ،‬ونبتليهم فيها بالمصائب ‪ ،‬لعلهم يرجعون وينيبون (‬
‫‪ ، )2‬فل يفهمون ما يراد بهم ‪ ،‬بل إذا جلي عنهم مما كانوا فيه ‪ ،‬عادوا إلى أسوأ (‪ )3‬ما كانوا‬
‫عليه ‪ ،‬كما جاء في بعض الحاديث ‪" :‬إن المنافق إذا مرض وعوفي مثله في ذلك كمثل البعير ‪،‬‬
‫ل يدري فيما عقلوه ول فيما أرسلوه" (‪ .)4‬وفي الثر اللهي ‪ :‬كم أعصيك ول تعاقبني ؟ قال ال‬
‫‪ :‬يا عبدي ‪ ،‬كم أعافيك (‪ )5‬وأنت ل تدري ؟‬
‫ح ْكمِ رَ ّبكَ فَإِ ّنكَ بِأَعْيُنِنَا } أي ‪ :‬اصبر على أذاهم ول تبالهم ‪ ،‬فإنك بمرأى منا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاصْبِرْ لِ ُ‬
‫وتحت كلءتنا ‪ ،‬وال يعصمك من الناس‪.‬‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ } قال الضحاك ‪ :‬أي إلى الصلة ‪ :‬سبحانك اللهم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَسَبّحْ ِب َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ينسون"‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أشر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )3089‬من حديث عامر الرام رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أعاقبك"‪.‬‬
‫( ‪)7/438‬‬

‫وبحمدك ‪ ،‬وتبارك اسمك ‪ ،‬وتعالى جدك ‪ ،‬ول إله غيرك‪.‬‬


‫وقد روي مثله عن الربيع بن أنس ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن عمر أنه كان يقول هذا في ابتداء الصلة (‪ .)1‬ورواه أحمد وأهل‬
‫السنن ‪ ،‬عن أبي سعيد وغيره ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه كان يقول ذلك (‪.)2‬‬
‫ح ْمدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ } أي ‪ :‬من نومك من فراشك‪ .‬واختاره ابن‬
‫وقال أبو الجوزاء ‪ { :‬وَسَبّحْ بِ َ‬
‫جرير ‪ :‬ويتأيد هذا القول بما رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫عمَير (‪ )3‬بن هانئ ‪ ،‬حدثني جنادة بن أبي‬
‫حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثني ُ‬
‫أمية ‪ ،‬حدثنا عبادة بن الصامت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من تعار من الليل فقال‬
‫‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪ .‬سبحان ال ‪،‬‬
‫والحمد ل ‪ ،‬ول إله إل ال ‪ ،‬وال أكبر ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رب اغفر لي ‪ -‬أو‬
‫قال ‪ :‬ثم دعا ‪ -‬استجيب له ‪ ،‬فإن عزم فتوضأ ‪ ،‬ثم صلى تقبلت صلته"‪.‬‬
‫وأخرجه البخاري في صحيحه ‪ ،‬وأهل السنن ‪ ،‬من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ } قال ‪ :‬من كل مجلس‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَسَبّحْ ِب َ‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ } قال ‪ :‬إذا‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ { :‬وَسَبّحْ ِب َ‬
‫أراد الرجل أن يقوم من مجلسه قال ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي ‪ ،‬حدثنا محمد ابن‬
‫شعيب ‪ ،‬أخبرني طلحة بن عمرو الحضرمي ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ؛ أنه حدثه عن قول ال ‪:‬‬
‫حمْدِ رَ ّبكَ حِينَ َتقُومُ } يقول ‪ :‬حين تقوم من كل مجلس ‪ ،‬إن كنت أحسنت ازددت خيرا ‪،‬‬
‫{ وَسَبّحْ ِب َ‬
‫وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له‪.‬‬
‫وقد قال عبد الرزاق في جامعه ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن عبد الكريم الجَزَرِي ‪ ،‬عن أبي عثمان الفقير‬
‫؛ أن جبريل علم النبي صلى ال عليه وسلم إذا قام من مجلسه أن يقول ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪،‬‬
‫أشهد أن ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك‪ .‬قال معمر ‪ :‬وسمعت غيره يقول ‪ :‬هذا القول‬
‫كفارة المجالس (‪)5‬‬
‫وهذا مرسل ‪ ،‬وقد وردت أحاديث مسندة من طرق ‪ -‬يقوي بعضها بعضا ‪ -‬بذلك ‪ ،‬فمن ذلك‬
‫سهَيْل بن (‪ )6‬أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى‬
‫حديث ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ُ‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)399‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/50‬وسنن أبي داود برقم (‪ )775‬وسنن الترمذي برقم (‪ )242‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )2/132‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)804‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/313‬وصحيح البخاري برقم (‪ )1154‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5060‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )3414‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10697‬وسنن ابن ماجة برقم (‬
‫‪.)3878‬‬
‫(‪ )5‬المصنف برقم (‪.)19796‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)7/439‬‬

‫من جلس في مجلس فكثر (‪ )1‬فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ‪ :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪،‬‬
‫أشهد أن ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك ‪ ،‬إل غفر (‪ )2‬له ما كان في مجلسه ذلك"‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ -‬وهذا لفظه ‪ -‬والنسائي في اليوم والليلة ‪ ،‬من حديث ابن جريج‪ .‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪ .‬وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال ‪ :‬إسناد على شرط مسلم ‪ ،‬إل أن البخاري علله‬
‫(‪.)3‬‬
‫قلت ‪ :‬علله المام أحمد ‪ ،‬والبخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو حاتم ‪ ،‬وأبو زُرَعة ‪ ،‬والدارقطني ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ونسبوا الوهم فيه إلى ابن جُرَيْج‪ .‬على أن أبا داود قد رواه في سننه من طريق غير (‪ )4‬ابن‬
‫جريج إلى أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم بنحوه (‪ )5‬ورواه أبو‬
‫داود ‪ -‬واللفظ له ‪ -‬والنسائي ‪ ،‬والحاكم في المستدرك ‪ ،‬من طريق الحجاج بن دينار ‪ ،‬عن هاشم‬
‫(‪ )6‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بَرْزَة السلمي قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس ‪" :‬سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك‬
‫وأتوب إليك"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنك لتقول قول ما كنت تقوله فيما مضى ؟! قال ‪:‬‬
‫"كفارة لما يكون في المجلس" (‪.)7‬‬
‫وقد روي مرسل عن أبي العالية ‪ ،‬وال (‪ )8‬أعلم‪ .‬وهكذا رواه النسائي والحاكم ‪ ،‬من حديث‬
‫الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن رافع بن خَدِيج ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم مثله سواء‬
‫(‪ )9‬وروي مرسل أيضا ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وكذا رواه أبو داود عن عبد ال بن عمرو ؛ أنه قال ‪:‬‬
‫"كلمات ل يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلث مرات ‪ ،‬إل كفر بهن عنه ‪ ،‬ول يقولهن في‬
‫مجلس خير ومجلس ذكر ‪ ،‬إل ختم له بهن كما يختم بالخاتم على الصحيفة ‪ :‬سبحانك اللهم‬
‫وبحمدك ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬أستغفرك وأتوب إليك" (‪ )10‬وأخرجه الحاكم من حديث أم المؤمنين‬
‫عائشة ‪ ،‬وصححه ‪ ،‬ومن رواية جُبَير بن مطعم (‪ )11‬ورواه أبو بكر السماعيلي عن أمير‬
‫المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ،‬كلهم عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقد أفردت لذلك جزءا على‬
‫حدة بذكر طرقه وألفاظه وعلله ‪ ،‬وما يتعلق به ‪ ،‬ول الحمد والمنة (‪)12‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَسَبّحْهُ } أي ‪ :‬اذكره واعبده بالتلوة والصلة في الليل ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومِنَ‬
‫حمُودًا } [ السراء ‪.] 79 :‬‬
‫اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً َلكَ عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في ‪" :‬فأكثر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إل غفر ال له"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3433‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10230‬والمستدرك (‬
‫‪.)1/536‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)4858‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عن أبي هاشم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬سنن أبي داود برقم (‪ )4859‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10259‬والمستدرك (‬
‫‪.)1/537‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬فال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )10260‬والمستدرك (‪.)1/537‬‬
‫(‪ )10‬سنن أبي داود برقم (‪.)4857‬‬
‫(‪ )11‬المستدرك (‪.)1/537‬‬
‫(‪ )12‬وقد ذكرت أحاديث كفارة المجلس عند تفسير الصافات في خاتمتها‪.‬‬

‫( ‪)7/440‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَإِدْبَارَ النّجُومِ } قد تقدم في حديث ابن عباس أنهما الركعتان اللتان قبل صلة الفجر ‪،‬‬
‫فإنهما مشروعتان عند إدبار النجوم ‪ ،‬أي ‪ :‬عند جنوحها للغيبوبة‪ .‬وقد روى (‪[ )1‬في حديث] (‪)2‬‬
‫ابن سيلن ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬ل تَدَعُوهما ‪ ،‬وإن طردتكم الخيل"‪ .‬يعني ‪ :‬ركعتي الفجر‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود‪ .‬ومن هذا الحديث حكي عن بعض أصحاب المام أحمد القول بوجوبهما ‪،‬‬
‫وهو ضعيف لحديث ‪" :‬خمس صلوات في اليوم والليلة"‪ .‬قال ‪ :‬هل علي غيرها (‪ )4‬؟ قال ‪" :‬ل‬
‫إل أن تطوع" (‪ )5‬وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬أنها قالت ‪ :‬لم يكن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر (‪)6‬‬
‫وفي لفظ لمسلم ‪" :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها" (‪)7‬‬
‫آخر تفسير سورة الطور [ وال أعلم] (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ورد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪.)1258‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬غيرهن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )46‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )11‬من حديث طلحة بن‬
‫عبيد ال رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1169‬وصحيح مسلم برقم (‪.)724‬‬
‫(‪ )7‬صحيح مسلم برقم (‪.)725‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/441‬‬

‫حيٌ‬
‫غوَى (‪َ )2‬ومَا يَ ْنطِقُ عَنِ ا ْل َهوَى (‪ )3‬إِنْ ُهوَ إِلّا َو ْ‬
‫ضلّ صَاحِ ُبكُ ْم َومَا َ‬
‫وَالنّجْمِ إِذَا َهوَى (‪ )1‬مَا َ‬
‫يُوحَى (‪)4‬‬

‫تفسير سورة النجم‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬أخبرني أبو أحمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫سجْدة ‪ { :‬والنّجم } ‪ ،‬قال ‪ :‬فسجد‬
‫السود بن يزيد ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬أولُ سورة أنزلت فيها َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وسجد من خلفه ‪ ،‬إل رجل رأيته أخذ كفّا من تُرَاب فسجد عليه ‪،‬‬
‫فرأيته بعد ذلك قُتِل كافرًا ‪ ،‬وهو أمية بن خَلَف (‪.)1‬‬
‫وقد رواه البخاري أيضا في مواضع ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن أبي‬
‫إسحاق ‪ ،‬به (‪ .)2‬وقوله في الممتنع ‪ :‬إنه أمية بن خلف في هذه الرواية مشكل ‪ ،‬فإنه قد جاء من‬
‫غير هذه الطريق أنه عتبة بن ربيعة‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حيٌ‬
‫طقُ عَنِ ا ْل َهوَى (‪ )3‬إِنْ ُهوَ إِل َو ْ‬
‫غوَى (‪َ )2‬ومَا يَنْ ِ‬
‫ل صَاحِ ُبكُمْ َومَا َ‬
‫ضّ‬‫{ وَالنّجْمِ ِإذَا َهوَى (‪ )1‬مَا َ‬
‫يُوحَى (‪.} )4‬‬
‫قال الشعبي وغيره ‪ :‬الخالق يُقسِم بما شاء من خَلْقه ‪ ،‬والمخلوق ل ينبغي له أن يقسم إل بالخالق‪.‬‬
‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫جمِ إِذَا َهوَى } فقال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪:‬‬
‫واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ‪ { :‬وَالنّ ْ‬
‫يعني بالنجم ‪ :‬الثّريّا إذا سقطت مع الفجر‪ .‬وكذا رُوي عن ابن عباس ‪ ،‬وسفيان الثوري‪ .‬واختاره‬
‫ابن جرير‪ .‬وزعم السدي أنها الزهرة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬وَالنّجْمِ ِإذَا َهوَى } إذا رُمي به الشياطين‪ .‬وهذا القول له اتجاه‪.‬‬
‫جمِ إِذَا َهوَى } يعني ‪ :‬القرآن إذا نزل‪ .‬وهذه الية‬
‫وروى العمش ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ { :‬وَالنّ ْ‬
‫كقوله تعالى ‪ { :‬فَل ُأقْسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ‪ .‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ عَظِيمٌ‪ .‬إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ‪ .‬فِي كِتَابٍ‬
‫طهّرُونَ‪ .‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } [ الواقعة ‪.] 80 - 75 :‬‬
‫َمكْنُونٍ‪ .‬ل َيمَسّهُ إِل ا ْلمُ َ‬
‫غوَى } هذا هو المقسم عليه ‪ ،‬وهو الشهادة للرسول ‪ ،‬صلوات‬
‫ل صَاحِ ُبكُ ْم َومَا َ‬
‫ضّ‬‫وقوله ‪ { :‬مَا َ‬
‫ال وسلمه عليه ‪ ،‬بأنه بار راشد تابع للحق ‪ ،‬ليس بضال ‪ ،‬وهو ‪ :‬الجاهل الذي يسلك على غير‬
‫طريق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4863‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3972 ، 3853 ، 1070‬وصحيح مسلم برقم (‪ )576‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )1406‬وسنن النسائي (‪.)2/160‬‬

‫( ‪)7/442‬‬

‫بغير علم ‪ ،‬والغاوي ‪ :‬هو العالم بالحق العادل عنه قصدًا إلى غيره ‪ ،‬فنزه ال [سبحانه وتعالى] (‬
‫‪ )1‬رسوله وشَرْعَه عن مشابهة أهل (‪ )2‬الضلل كالنصارى وطرائق اليهود ‪ ،‬وعن (‪ )3‬علم‬
‫الشيء وكتمانه والعمل بخلفه ‪ ،‬بل هو صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬وما بعثه ال به من الشرع‬
‫العظيم في غاية الستقامة والعتدال والسداد ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا يَ ْنطِقُ عَنِ ا ْل َهوَى } أي ‪ :‬ما‬
‫حيٌ يُوحَى } أي ‪ :‬إنما يقول ما أمر به ‪ ،‬يبلغه إلى‬
‫يقول قول عن هوى وغرض ‪ { ،‬إِنْ ُهوَ إِل وَ ْ‬
‫الناس كامل موفّرًا من غير زيادة ول نقصان ‪ ،‬كما رواه المام أحمد‪.‬‬
‫حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حَرِيز بن عثمان ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن مَيْسَرَة ‪ ،‬عن أبي أمامة ؛ أنه سمع‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ليدخلنّ الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثلُ الحيين ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫مثل أحد الحيين ‪ : -‬رَبِيعة و ُمضَر"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أو ما ربيعة من مضر ؟ قال ‪:‬‬
‫"إنما أقول ما أقول" (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن عُبَيد ال بن الخنس ‪ ،‬أخبرنا الوليد بن عبد ال ‪،‬‬
‫عن يوسف بن مَاهَك ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أريد حفظه ‪ ،‬فنهتني قريش فقالوا ‪ :‬إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول‬
‫ال ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم بشر ‪ ،‬يتكلم في الغضب‪ .‬فأمسكتُ عن الكتاب ‪ ،‬فذكرت‬
‫ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬اكتب ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ‪ ،‬ما خرج مني إل‬
‫حق"‪.‬‬
‫سدّد وأبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬كلهما عن يحيى بن سعيد القَطّان ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫ورواه أبو داود عن مُ َ‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ ،‬حدثنا الليث ‪،‬‬
‫عجْلن ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫عن ابن َ‬
‫شكّ فيه"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يُروَى إل‬
‫وسلم قال ‪" :‬ما أخبرتكم أنه الذي من عند ال ‪ ،‬فهو الذي ل َ‬
‫بهذا السناد (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ل أقول إل حقا"‪ .‬قال بعض أصحابه ‪:‬‬
‫فإنك تداعبنا يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬إني ل أقول إل حقا" (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أصحاب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وهي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )5/257‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/381‬رجال أحمد رجال الصحيح غير‬
‫عبد الرحمن بن ميسرة وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/162‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3646‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار برقم (‪" )203‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/179‬فيه أحمد بن‬
‫منصور الرمادي وهو ثقة ‪ ،‬وفيه كلم ل يضر وبقية رجاله رجال الصحيح ‪ ،‬وعبد ال بن صالح‬
‫مختلف فيه"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )2/340‬ورواه الترمذي في السنن برقم (‪ )1990‬من طريق المقبري به وقال ‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/443‬‬

‫شدِيدُ ا ْلقُوَى (‪ )5‬ذُو مِ ّرةٍ فَاسْ َتوَى (‪ )6‬وَ ُهوَ بِالُْأفُقِ الْأَعْلَى (‪ )7‬ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى (‪َ )8‬فكَانَ قَابَ‬
‫عَّلمَهُ َ‬
‫َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى (‪ )9‬فََأوْحَى إِلَى عَبْ ِدهِ مَا َأوْحَى (‪ )10‬مَا َك َذبَ ا ْلفُؤَادُ مَا رَأَى (‪َ )11‬أفَ ُتمَارُونَهُ عَلَى‬
‫سدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )14‬عِ ْندَهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )15‬إِذْ‬
‫مَا يَرَى (‪ )12‬وََلقَدْ رَ َآهُ نَزَْلةً أُخْرَى (‪ )13‬عِ ْندَ ِ‬
‫طغَى (‪َ )17‬لقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى (‬
‫َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى (‪ )16‬مَا زَاغَ الْ َبصَ ُر َومَا َ‬
‫‪)18‬‬
‫{ عَّل َمهُ شَدِيدُ ا ْل ُقوَى (‪ )5‬ذُو مِ ّرةٍ فَاسْ َتوَى (‪ )6‬وَ ُهوَ بِالفُقِ العْلَى (‪ُ )7‬ثمّ دَنَا فَ َتدَلّى (‪َ )8‬فكَانَ قَابَ‬
‫َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى (‪ )9‬فََأوْحَى إِلَى عَبْ ِدهِ مَا َأوْحَى (‪ )10‬مَا َك َذبَ ا ْلفُؤَادُ مَا رَأَى (‪َ )11‬أفَ ُتمَارُونَهُ عَلَى‬
‫سدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )14‬عِ ْندَهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى (‪ )15‬إِذْ‬
‫مَا يَرَى (‪ )12‬وََلقَدْ رَآهُ نزَلةً أُخْرَى (‪ )13‬عِ ْندَ ِ‬
‫طغَى (‪َ )17‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى (‬
‫َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى (‪ )16‬مَا زَاغَ الْ َبصَ ُر َومَا َ‬
‫‪.} )18‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن عبده ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم أنه عَلّمه الذي جاء به إلى الناس‬
‫{ شَدِيدُ ا ْلقُوَى } ‪ ،‬وهو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنّهُ َل َق ْولُ َرسُولٍ كَرِيمٍ‪ .‬ذِي ُق ّوةٍ عِنْدَ‬
‫ذِي ا ْلعَرْشِ َمكِينٍ‪ُ .‬مطَاعٍ َثمّ َأمِينٍ } [ التكوير ‪.] 21 - 19 :‬‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬ذُو مِ ّرةٍ } أي ‪ :‬ذو قوة‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬ذو‬
‫منظر حسن‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذو خَلْق طويل حسن‪.‬‬
‫ول منافاة بين القولين ؛ فإنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ذو منظر حسن ‪ ،‬وقوة شديدة‪ .‬وقد ورد في الحديث‬
‫الصحيح من رواية أبي هريرة وابن عمرو (‪ )1‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل تحل‬
‫س ِويّ" (‪.)2‬‬
‫الصدقة لغنيّ ‪ ،‬ول لِذِي مرّة َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاسْ َتوَى } يعني ‪ :‬جبريل ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬قاله مجاهد والحسن وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس‪.‬‬
‫{ وَ ُهوَ بِالفُقِ العْلَى } يعني ‪ :‬جبريل ‪ ،‬استوى في الفق العلى‪ .‬قاله عكرمة وغير واحد‪ .‬قال‬
‫عكرمة ‪ :‬والفق العلى ‪ :‬الذي يأتي منه الصبح‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو مطلع الشمس‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫هو الذي يأتي منه النهار‪ .‬وكذا قال ابن زيد ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا ُمصَرّف بن عمرو اليامي أبو القاسم ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن الوليد ‪ -‬هو ابن قيس ‪ -‬عن إسحاق‬
‫بن أبي ال َكهْتَلَة أظنه ذكره عن عبد ال بن مسعود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لم ير جبريل‬
‫في صورته إل مرتين ‪ ،‬أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الفق‪ .‬وأما الثانية فإنه كان‬
‫معه حيث صعد ‪ ،‬فذلك (‪ )3‬قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ بِالفُقِ العْلَى }‪.‬‬
‫وقد قال ابن جرير هاهنا قول لم أره لغيره ‪ ،‬ول حكاه هو عن أحد ‪ ،‬وحاصله ‪ :‬أنه ذهب إلى أن‬
‫المعنى ‪ { :‬فَاسْ َتوَى } أي ‪ :‬هذا الشديد القوى ذو المرة هو ومحمد صلى ال عليهما وسلم { بِالفُقِ‬
‫العْلَى } أي ‪ :‬استويا جميعا بالفق ‪ ،‬وذلك ليلة السراء كذا قال ‪ ،‬ولم يوافقه أحد على ذلك‪ .‬ثم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ابن عمرو وأبي هريرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث عبد ال بن عمرو ‪ :‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )1634‬والترمذي في السنن برقم‬
‫(‪ )652‬عن ريحان بن يزيد عنه وحديث أبي هريرة ‪ :‬رواه النسائي في السنن (‪ )5/99‬وابن ماجه‬
‫في السنن برقم (‪ )1839‬عن سالم بن أبي الجعد عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فكذلك"‪.‬‬

‫( ‪)7/444‬‬

‫شرع يوجه ما قال من حيث العربية فقال ‪ :‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬أَئِذَا كُنّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا } [ النمل ‪:‬‬
‫‪ ، ] 67‬فعطف بالباء على المكنّى في { كنا } من غير إظهار "نحن" ‪ ،‬فكذلك قوله ‪ { :‬فَاسْ َتوَى‪.‬‬
‫وَ ُهوَ } قال ‪ :‬وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده ‪:‬‬
‫صفُ (‪)1‬‬
‫ألم تَرَ أنّ النبعَ َيصُْلبُ عُودُه‪ ...‬ول َيسْتَوي والخرْوعُ المُتَق ّ‬
‫وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه ‪ ،‬ولكن ل يساعده المعنى على ذلك ؛ فإن هذه الرؤية‬
‫لجبريل لم تكن ليلة السراء ‪ ،‬بل قبلها ‪ ،‬ورسولُ ال صلى ال عليه وسلم في الرض ‪ ،‬فهبط‬
‫عليه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وتدلى إليه ‪ ،‬فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه ال عليها ‪ ،‬له‬
‫ستمائة جناح ‪ ،‬ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ‪ ،‬يعني ليلة السراء ‪ ،‬وكانت هذه‬
‫الرؤية الولى في أوائل البعثة بعد ما جاءه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أول مرة ‪ ،‬فأوحى ال إليه‬
‫صدر سورة "اقرأ" ‪ ،‬ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى ال عليه وسلم فيها مرارا ليتردى من‬
‫رؤوس الجبال ‪ ،‬فكلما هَمّ بذلك ناداه جبريل من الهواء ‪" :‬يا محمد ‪ ،‬أنت رسول ال حقا ‪ ،‬وأنا‬
‫جبريل"‪ .‬فيسكن لذلك جأشه ‪ ،‬وتقر عينه ‪ ،‬وكلما طال عليه المر عاد لمثلها ‪ ،‬حتى تَبَدّى له‬
‫جبريل ورسول ال صلى ال عليه وسلم في البطح في صورته التي خلقه ال عليها ‪ ،‬له ستمائة‬
‫جناح قد سد عُظْم خلقه الفق ‪ ،‬فاقترب منه (‪ )2‬وأوحى إليه عن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما أمره به ‪،‬‬
‫فعرف عند ذلك عظمة المَلَك الذي جاءه بالرسالة ‪ ،‬وجللة َقدْره ‪ ،‬وعلوّ مكانته عند خالقه الذي‬
‫بعثه إليه‪ .‬فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال ‪:‬‬
‫حدثنا سلمة بن شَبِيب ‪ ،‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد ‪ ،‬عن أبي عمران‬
‫جوْني ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بينا أنا قاعد إذ جاء‬
‫ال َ‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ف َوكَز بين كتفي ‪ ،‬فقمت إلى شجرة فيها َكوَكْرَي الطير ‪ ،‬فقعد في أحدهما‬
‫سمَت وارتفعت حتى سَدّت الخافقين وأنا أقلب طرفي ‪ ،‬ولو شئت أن أمس‬
‫وقعدت في الخر‪َ .‬ف َ‬
‫السماء لمسست ‪ ،‬فالتفت إلي جبريل كأنه حلْس لطٍ (‪ ، )3‬فعرفتُ فضل علْمه بال علي‪ .‬وفُتِح لي‬
‫بابٌ من أبواب السماء ورأيت النور العظم ‪ ،‬وإذا دون الحجاب رفرفة الدر والياقوت‪ .‬وأوحى‬
‫إلي ما شاء ال أن يوحي"‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل يرويه إل الحارث بن عبيد ‪ ،‬وكان رجل مشهورا من أهل البصرة (‪.)4‬‬
‫قلت ‪ :‬الحارث بن عُبَيد هذا هو أبو قدامة اليادي ‪ ،‬أخرج له مسلم في صحيحه إل أن ابن معين‬
‫ضعّفه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ليس هو بشيء‪ .‬وقال المام أحمد ‪ :‬مضطرب الحديث‪ .‬وقال أبو حاتم الرازي ‪:‬‬
‫كتب حديثه ول يحتج به‪ .‬وقال ابن حبان ‪ :‬كَثُر وَهَمه فل يجوز الحتجاج به إذا انفرد‪ .‬فهذا‬
‫الحديث من غرائب رواياته ‪ ،‬فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياقًا عجيبا ‪ ،‬ولعله منام ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيت في تفسير الطبري (‪ )27/25‬وهو لجرير بن عطية‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وأقرب منه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬لطي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪.)58‬‬

‫( ‪)7/445‬‬

‫قال ‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ‪ ،‬كل جناح منها‬
‫قد سَدّ الفق ‪ ،‬يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما ال به عليم (‪ .)1‬انفرد به أحمد (‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن عياش ‪ ،‬عن إدريس بن مُنَبّه ‪ ،‬عن وهب بن‬
‫منبه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬سأل النبي صلى ال عليه وسلم جبريل أن يراه في صورته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ادع ربك‪ .‬فدعا ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فطلع عليه سواد من قبل المشرق ‪ ،‬فجعل يرتفع وينتشر ‪ ،‬فلما‬
‫شدْقه‪.‬‬
‫رآه النبي صلى ال عليه وسلم صعِق ‪ ،‬فأتاه فَ َنعَشَه ومسح البزاق عن ِ‬
‫انفرد به أحمد (‪ .)3‬وقد رواه ابن عساكر في ترجمة "عتبة بن أبي لهب" ‪ ،‬من طريق محمد بن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن عثمان بن عروة بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن هَبّار بن السود قال ‪ :‬كان أبو لهب‬
‫وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام ‪ ،‬فتجهزت معهما ‪ ،‬فقال ابنه عتبة ‪ :‬وال لنطلقن إلى محمد‬
‫ولوذينه في ربه ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬فانطلق حتى أتى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هو‬
‫يكفر بالذي دنى فتدلى ‪ ،‬فكان قاب قوسين أو أدنى‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم ابعث‬
‫إليه كلبا من كلبك"‪ .‬ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬ما قلت له ؟ فذكر له ما قال‬
‫له ‪ ،‬قال ‪ :‬فما قال لك ؟ قال ‪ :‬قال ‪" :‬اللهم سلط عليه كلبا من كلبك" قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬وال ما آمنُ‬
‫ص ْومَعة راهب ‪ ،‬فقال الراهب ‪:‬‬
‫عليك دُعاءه‪ .‬فسرنا حتى نزلنا الشراة ‪ ،‬وهي مأْسَدَة ‪ ،‬ونزلنا إلى َ‬
‫سدُ فيها كما تسرح الغنم ؟ فقال لنا أبو لهب‬
‫يا معشر العرب ‪ ،‬ما أنزلكم هذه البلد فإنها تسرح ال ْ‬
‫‪ :‬إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي ‪ ،‬وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوةً ‪ -‬وال ‪ -‬ما آمنها‬
‫عليه ‪ ،‬فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة ‪ ،‬وافرشوا لبني عليها ‪ ،‬ثم افرشوا حولها‪ .‬ففعلنا ‪،‬‬
‫شمّ وجوهنا ‪ ،‬فلما لم يجد ما يريد َتقَبّض ‪ ،‬فوثب ‪ ،‬فإذا هو فوق المتاع ‪ ،‬فشم وجهه‬
‫فجاء السد فَ َ‬
‫ثم هزمه هَزْمة َففَضخ رأسه‪ .‬فقال أبو لهب ‪ :‬قد عرفت أنه ل ينفلت عن دعوة محمد (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى } أي ‪ :‬فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى‬
‫الرض ‪ ،‬حتى كان بينه وبين محمد صلى ال عليه وسلم قاب قوسين أي ‪ :‬بقدرهما إذا مُدّا‪ .‬قاله‬
‫(‪ )5‬مجاهد ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن المراد بذلك بُعدُ ما بين وتر القوس إلى كبدها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أوْ َأدْنَى } قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لثبات المخبر عنه ونفي ما زاد‬
‫س َوةً } [ البقرة ‪ ، ] 74 :‬أي‬
‫شدّ قَ ْ‬
‫حجَا َرةِ َأوْ أَ َ‬
‫ستْ قُلُو ُبكُمْ مِنْ َب ْعدِ ذَِلكَ َف ِهيَ كَالْ ِ‬
‫عليه ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬ثُمّ قَ َ‬
‫‪ :‬ما هي بألين من الحجارة ‪ ،‬بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة‪ .‬وكذا قوله ‪:‬‬
‫شوْنَ النّاسَ َكخَشْيَةِ اللّهِ َأوْ َأشَدّ خَشْيَةً } [ النساء ‪ ، ] 77 :‬وقوله ‪ { :‬وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ َأ ْلفٍ‬
‫{ َيخْ َ‬
‫َأوْ يَزِيدُونَ } [الصافات ‪، ]147 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/395‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/322‬‬
‫(‪ )4‬لم أجد ترجمة عتبة بن أبي لهب في تاريخ دمشق المخطوط ول في مختصره لبن منظور‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬

‫( ‪)7/446‬‬

‫أي ‪ :‬ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة ‪ ،‬أو يزيدون عليها‪ .‬فهذا تحقيق للمخبر به ل شك ول‬
‫تردد (‪ ، )1‬فإن هذا ممتنع هاهنا ‪ ،‬وهكذا هذه الية ‪َ { :‬فكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى }‪.‬‬
‫وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬إنما‬
‫هو جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬هو قول أم المؤمنين عائشة ‪ ،‬وابن مسعود ‪ ،‬وأبي ذر ‪ ،‬وأبي‬
‫هريرة ‪ ،‬كما سنورد أحاديثهم قريبا إن شاء ال‪ .‬وروى مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن ابن عباس أنه‬
‫قال ‪" :‬رأى محمد ربه بفؤاده مرتين" (‪ .)2‬فجعل هذه إحداهما‪ .‬وجاء في حديث شريك بن أبي‬
‫نمر ‪ ،‬عن أنس في حديث السراء ‪" :‬ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى" ولهذا تكلم (‪ )3‬كثير من‬
‫الناس في متن هذه الرواية ‪ ،‬وذكروا أشياء فيها من الغرابة ‪ ،‬فإن صح فهو محمول على وقت‬
‫آخر وقصة أخرى ‪ ،‬ل أنها تفسير لهذه الية ؛ فإن هذه كانت ورسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى } ‪،‬‬
‫في الرض ل ليلة السراء ؛ ولهذا قال بعده ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ نزَلةً ُأخْرَى‪ .‬عِ ْندَ ِ‬
‫فهذه هي ليلة السراء والولى كانت في الرض‪.‬‬
‫وقد قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ‪ ،‬حدثنا عبد الواحد بن زياد ‪،‬‬
‫حدثنا سليمان الشيباني ‪ ،‬حدثنا زر بن حبيش قال ‪ :‬قال عبد ال بن مسعود في هذه الية ‪َ { :‬فكَانَ‬
‫قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رأيت جبريل له ستمائة‬
‫جناح" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن وهب ‪ :‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان أولَ‬
‫شأن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد ‪ ،‬ثم إنه خرج ليقضي‬
‫حاجته فصرخ به جبريل ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬يا محمد‪ .‬فنظر رسول ال صلى ال عليه وسلم يمينا‬
‫وشمال فلم ير شيئًا (‪ - )5‬ثلثا ‪ -‬ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدى رجليه مع (‪ )6‬الخرى على‬
‫أفق السماء فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬جبريل ‪ ،‬جبريلُ ‪ -‬يُسكّنه ‪ -‬فهرب النبي صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫دخل في الناس ‪ ،‬فنظر فلم ير شيئًا ‪ ،‬ثم خرج من الناس ‪ ،‬ثم نظر فرآه ‪ ،‬فدخل في الناس فلم ير‬
‫ل صَاحِ ُبكُ ْم َومَا‬
‫ضّ‬‫شيئًا ‪ ،‬ثم خرج فنظر فرآه ‪ ،‬فذلك قول ال عز وجل ‪ { :‬وَالنّجْمِ ِإذَا َهوَى‪[ .‬مَا َ‬
‫غوَى (‪ } ] )7‬إلى قوله ‪ { :‬ثُمّ دَنَا فَتَدَلّى } يعني جبريل إلى محمد ‪َ { ،‬فكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ َأدْنَى }‬
‫َ‬
‫‪ :‬ويقولون ‪ :‬القاب نصف الصبع‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬ذراعين كان بينهما‪.‬‬
‫رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن وهب (‪ .)8‬وفي حديث الزهري عن أبي سلمة ‪،‬‬
‫عن جابر شاهد لهذا‪.‬‬
‫وروى البخاري عن طَلْق بن غنام ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن الشيباني قال ‪ :‬سألت زرّا عن قوله ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ول ترديد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)176‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ولهذا قد تكلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/27‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬أحدا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)27/27‬‬

‫( ‪)7/447‬‬

‫{ َفكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى‪ .‬فََأوْحَى إِلَى عَبْ ِدهِ مَا َأ ْوحَى } قال ‪ :‬حدثنا عبد ال أن محمدا صلى ال‬
‫عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن بَزِيع البغدادي ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عبد ال ‪ { :‬مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى } قال ‪ :‬رأى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل عليه حلتا (‪ )2‬رفرف ‪ ،‬قد مل ما بين السماء والرض (‬
‫‪.)3‬‬
‫فعلى ما ذكرناه يكون قوله ‪ { :‬فََأوْحَى إِلَى عَبْ ِدهِ مَا َأ ْوحَى } معناه ‪ :‬فأوحى جبريل إلى عبد ال‬
‫محمد ما أوحى‪ .‬أو ‪ :‬فأوحى ال إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل وكل المعنيين صحيح ‪،‬‬
‫وقد ذُكر عن سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬فََأوْحَى ِإلَى عَ ْب ِدهِ مَا َأوْحَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬أوحى إليه ‪" :‬ألم‬
‫أجدك يتيما" { ‪ ،‬وَ َر َفعْنَا َلكَ ِذكْ َركَ } [ الشرح ‪.] 4 :‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬أوحى [ال] (‪ )4‬إليه أن الجنة محرمة على النبياء حتى تدخلها ‪ ،‬وعلى المم حتى‬
‫تدخلها أمتك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى‪َ .‬أفَ ُتمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى } قال مسلم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪،‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مَا‬
‫حدثنا وَكيع ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن زياد بن ُ‬
‫كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى } ‪ { ،‬وََلقَدْ رَآهُ نزلَةً ُأخْرَى } قال ‪ :‬رآه بفؤاده مرتين (‪.)5‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‪ .‬وكذا قال أبو صالح والسّدي وغيرهما ‪:‬‬
‫وكذا رواه ِ‬
‫إنه رآه بفؤاده مرتين [أو مرة] (‪ ، )6‬وقد خالفه ابن مسعود وغيره (‪ ، )7‬وفي رواية عنه أنه‬
‫أطلق الرؤية ‪ ،‬وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد‪ .‬ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يصح في ذلك شيء عن الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬وقولُ البغوي في تفسيره ‪ :‬وذهب جماعة‬
‫إلى أنه رآه بعينه ‪ ،‬وهو قول أنس والحسنُ وعكرمة‪ .‬فيه نظر ‪ ،‬وال أعلم (‪.)8‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن عمرو بن نَبْهان (‪ )9‬بن صفوان ‪ ،‬حدثنا يحيى بن كثير‬
‫العنبري ‪ ،‬عن سَلْم بن جعفر ‪ ،‬عن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬رأى‬
‫محمد ربه‪ .‬قلت ‪ :‬أليس ال يقول ‪ { :‬ل تُدْ ِركُهُ البْصَا ُر وَ ُهوَ يُدْ ِركُ ال ْبصَارَ } [النعام ‪]103 :‬‬
‫قال ‪ :‬ويحك! ذاك إذا تَجَلى بنوره الذي هو نُورُه ‪ ،‬وقد رأى ربه مرتين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4857‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ليا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/29‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)176‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ابن عمرو عنه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر تفسير البغوي (‪.)7/403‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬منهال"‪.‬‬

‫( ‪)7/448‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حسن غريب (‪.)1‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن مجالد ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬لقي ابن عباس‬
‫كعبًا بعرفة ‪ ،‬فسأله عن شيء فكَبّر حتى جاوبته الجبال ‪ ،‬فقال ابن عباس ‪ :‬إنا بنو هاشم فقال‬
‫كعب ‪ :‬إن ال قسم رؤيته وكلمه بين محمد وموسى ‪ ،‬فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين‪.‬‬
‫وقال مسروق ‪ :‬دخلتُ على عائشة فقلت ‪ :‬هل رأى محمد ربه ؟ فقالت ‪ :‬لقد تكلمت بشيء َقفّ له‬
‫شعري‪ .‬فقلت ‪ُ :‬روَيدًا ‪ ،‬ثم قرأتُ ‪َ { :‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى }‬
‫فقالت ‪ :‬أين يُذ َهبُ بك ؟ إنما هو جبريل من أخبرك أن محمدا رأى ربه أو كتم شيئا مما أمرَ به ‪،‬‬
‫أو يعلم الخمس التي قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِنْ َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ } [لقمان ‪، ]34 :‬‬
‫فقد أعظم الفرية (‪ ، )2‬ولكنه رأى جبريل ‪ ،‬لم يره في صورته إل مرتين ‪ ،‬مرة عند سدرة‬
‫المنتهى ومرة في جياد (‪ ، )3‬وله ستمائة جناح قد سد الفق (‪.)4‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أتعجبون أن تكون الحُلّة لبراهيم ‪ ،‬والكلم لموسى ‪ ،‬والرؤية‬
‫لمحمد ‪ ،‬عليهم السلم ؟! (‪.)5‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم ‪ :‬هل رأيتَ‬
‫ربك ؟ فقال ‪" :‬نورٌ أنّى أراه"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬رأيت نورا" (‪.)6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن موسى بن عُبيدةَ ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن كعب قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬رأيت (‪ )7‬ربك ؟ قال ‪" :‬رأيته بفؤادي مرتين" ثم قرأ ‪ { :‬مَا‬
‫كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى }‪.‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن ِمهْرَان ‪ ،‬عن موسى بن عبيدة ‪ ،‬عن محمد بن كعب ‪،‬‬
‫ورواه ابنُ جرير ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫عن بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل رأيت ربك ؟ قال ‪:‬‬
‫"لم أره بعيني ‪ ،‬ورأيته بفؤادي مرتين" ثم تل { ثُمّ دَنَا فَ َتدَلّى } (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)3279‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أعظم على ال الفرية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أجنادين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪.)3278‬‬
‫(‪ )5‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11539‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬هل رأيت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)27/27‬‬
‫( ‪)7/449‬‬

‫ثم قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد ال النصاري ‪،‬‬
‫أخبرني عَبّاد بن منصور قال ‪ :‬سألت عكرمة ‪ { :‬مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى } ‪ ،‬فقال عكرمة ‪ :‬تريد‬
‫أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬قد رآه ‪ ،‬ثم قد رآه‪ .‬قال ‪ :‬فسألت عنه الحسن فقال ‪:‬‬
‫رأى جلله وعَظَمته ورِداءَه‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن مجاهد ‪ ،‬حدثنا أبو عامر العقدي ‪ ،‬أخبرنا أبو خلدة ‪ ،‬عن أبي العالية‬
‫قال ‪ :‬سُئِل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال ‪" :‬رأيت نهرا ‪ ،‬ورأيت وراء‬
‫النهر حجابا ‪ ،‬ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير" (‪.)1‬‬
‫وذلك غريب جدا ‪ ،‬فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أسود بن عامر ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رأيت ربي عز وجل" (‪.)2‬‬
‫فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح ‪ ،‬لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه المام أحمد‬
‫أيضا ‪:‬‬
‫حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة عن ابن عباس ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أتاني ربي الليلة في أحسن صورة ‪ -‬أحسبه يعني في النوم ‪ -‬فقال ‪:‬‬
‫يا محمد ‪ ،‬أتدري فيم يختصم المل العلى ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬ل‪ .‬فوضع يده بين كتفي حتى وجدت‬
‫بَرْدَها بين ثدييّ ‪ -‬أو قال ‪ :‬نَحْرِي ‪ -‬فعلمت ما في السموات وما في الرض ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬يا محمد‬
‫‪ ،‬هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬يختصمون في الكفارات والدرجات"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وما الكفارات والدرجات ؟" قال ‪" :‬قلت ‪ :‬المكث في المساجد بعد الصلوات ‪ ،‬والمشي على‬
‫جمُعات (‪ ، )3‬وإبلغ الوضوء في المكاره ‪ ،‬من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير ‪،‬‬
‫القدام إلى ال ُ‬
‫وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه‪ .‬وقال ‪ :‬قل يا محمد إذا صليت ‪ :‬اللهم ‪ ،‬إني أسألك الخيرات (‬
‫‪ )4‬وترك المنكرات ‪ ،‬وحبّ المساكين ‪ ،‬وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون"‪.‬‬
‫قال ‪" :‬والدرجات بَ ْذلُ الطعام ‪ ،‬وإفشاء السلم ‪ ،‬والصلة بالليل والناس نيام" (‪.)5‬‬
‫وقد تقدم في آخر سورة "ص" ‪ ،‬عن معاذ نحوه (‪ .)6‬وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال ‪:‬‬
‫عمَر بن سَيّار ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫حدثني أحمد بن عيسى التميمي ‪ ،‬حدثني سليمان بن ُ‬
‫زَرْبِي ‪ ،‬عن عمر بن سليمان (‪ ، )7‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬رأيت ربي في‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور (‪ )7/648‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/285‬‬
‫(‪ )3‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬الجماعات"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬إني أسألك فعل الخيرات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)1/368‬‬
‫(‪ )6‬انظر تفسير الية ‪ 69 :‬من سورة "ص"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬

‫( ‪)7/450‬‬

‫أحسن صورة فقال لي ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬هل تدري فيم يختصم المل العلى ؟ فقلت ‪ :‬ل يا رب‪.‬‬
‫فوضع يده بين كتفي فوجدت بَرْدَها بين ثدييّ ‪ ،‬فعلمت ما في السموات والرض ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رب‬
‫جمُعات (‪ ، )1‬وانتظار الصلة بعد الصلة‪ .‬فقلت ‪:‬‬
‫‪ ،‬في الدرجات والكفارات ‪ ،‬ونقل القدام إلى ال ُ‬
‫يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليل وكلمتَ موسى تكليما ‪ ،‬وفعلت وفعلت ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألم أشرح لك‬
‫صدرك ؟ ألم أضع عنك وِزْرَك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل ؟ قال ‪" :‬فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي‬
‫أن أحدثكموها" قال ‪" :‬فذاك قوله في كتابه ‪ُ { :‬ثمّ دَنَا فَتَدَلّى‪َ .‬فكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ َأدْنَى‪ .‬فََأوْحَى‬
‫إِلَى عَبْ ِدهِ مَا َأوْحَى‪ .‬مَا كَ َذبَ ا ْل ُفؤَادُ مَا رَأَى } ‪ ،‬فجعل نور بصري في فؤادي ‪ ،‬فنظرت إليه‬
‫بفؤادي"‪ .‬إسناده ضعيف (‪.)2‬‬
‫وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هَبّار بن السود ‪ ،‬رضي ال عنه ؛ أن عتبة بن أبي لهب‬
‫لما خرج في تجارة إلى الشام قال لهل مكة ‪ :‬اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى‪ .‬فبلغ قوله رسولَ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬سَلّطَ ال عليه كلبا من كلبه"‪ .‬قال هبار ‪ :‬فكنت معهم ‪ ،‬فنزلنا‬
‫بأرض كثيرة السد ‪ ،‬قال ‪ :‬فلقد رأيت السد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحدا واحدا ‪ ،‬حتى‬
‫تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم (‪.)3‬‬
‫وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة ‪ :‬أن ذلك كان بأرض الزرقاء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بالسراة ‪ ،‬وأنه خاف‬
‫ليلتئذ ‪ ،‬وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله ‪ ،‬فجاء السد فجعل يزأر ‪ ،‬ثم تخطاهم إليه فضغم‬
‫رأسه ‪ ،‬لعنه ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ نزلَةً ُأخْرَى عِنْدَ سِدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى عِنْدَهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى } ‪ ،‬هذه هي المرة الثانية‬
‫التي رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه ال عليها ‪ ،‬وكانت‬
‫ليلة السراء‪ .‬وقد قدمنا الحاديث الواردة في السراء بطرقها وألفاظها في أول سورة "سبحان"‬
‫بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬وتقدم أن ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬كان يثبت الرؤية ليلة‬
‫السراء ‪ ،‬ويستشهد بهذه الية‪ .‬وتابعه جماعة من السلف والخلف ‪ ،‬وقد خالفه جماعات من‬
‫الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬والتابعين وغيرهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬عن عاصم بن َبهْدَلَة ‪ ،‬عن‬
‫سدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى } ‪ ،‬قال‬
‫زر بن حُبَيْش ‪ ،‬عن ابن مسعود في هذه الية ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ نزَلةً أُخْرَى عِ ْندَ ِ‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رأيت جبريل وله ستمائة جناح ‪ ،‬ينتثر من ريشه التهاويل‬
‫‪ :‬الدرّ والياقوت" (‪ .)4‬وهذا إسناد جيد قوي‪.‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن جامع بن أبي راشد ‪ ،‬عن أبي وائل ‪،‬‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الجماعات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/28‬‬
‫(‪ )3‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪ )27/63‬ولم يقع لي في ترجمته فيما بين يدي من‬
‫مخطوطات تاريخ دمشق‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/460‬‬

‫( ‪)7/451‬‬

‫عن عبد ال قال ‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح ‪،‬‬
‫كل جناح منها قد سد الفق ‪ :‬يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما ال به عليم" (‪.)1‬‬
‫إسناده حسن أيضا‪.‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا زيد بن الحُبَاب ‪ ،‬حدثني حسين ‪ ،‬حدثني عاصم بن َبهْدَلَة قال ‪ :‬سمعت‬
‫شقِيق بن سلمة يقول ‪ :‬سمعت ابن مسعود يقول قال ‪ :‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬رأيت‬
‫َ‬
‫جبريل على سدرة (‪ )2‬المنتهى وله ستمائة جناح" سألت عاصما عن الجنحة فأبى أن يخبرني‪.‬‬
‫قال ‪ :‬فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب (‪ .)3‬وهذا أيضا إسناد جيد‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثنا حسين ‪ ،‬حدثني عاصم بن َبهْدَلَة (‪ ، )4‬حدثني (‪)5‬‬
‫شقيق (‪ )6‬قال ‪ )7( :‬سمعت ابن مسعود يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتاني‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في خُضر معلق به الدر (‪ .)9( " )8‬إسناده جيد أيضا‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثني يحيى عن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا عامر قال ‪ :‬أتى مسروقُ عائشة فقال ‪ :‬يا‬
‫أم المؤمنين ‪ ،‬هل رأى محمد صلى ال عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت ‪ :‬سبحان ال لقد َقفّ‬
‫حدّثكهن فقد كذب ‪ :‬من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد‬
‫شعري لما قلت ‪ ،‬أين أنت من ثلث من َ‬
‫كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪ { :‬ل تُدْ ِركُهُ ال ْبصَا ُر وَ ُهوَ يُدْ ِركُ ال ْبصَارَ } [ النعام ‪َ { ، ] 103 :‬ومَا كَانَ‬
‫حجَابٍ } [ الشورى ‪ ، ] 51 :‬ومن أخبرك أنه يعلم ما‬
‫لِبَشَرٍ أَنْ ُيكَّلمَهُ اللّهُ إِل َوحْيًا َأوْ مِنْ وَرَاءِ ِ‬
‫ث وَ َيعْلَمُ مَا فِي الرْحَامِ }‬
‫في غد فقد كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪ { :‬إِنّ اللّهَ عِ ْن َدهُ عِلْمُ السّاعَ ِة وَيُنزلُ ا ْلغَ ْي َ‬
‫الية [ لقمان ‪ ، ] 34 :‬ومن أخبرك أن محمدا قد كتم (‪ ، )10‬فقد كذب ‪ ،‬ثم قرأت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّبكَ } [ المائدة ‪ ، ] 67 :‬ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين (‬
‫‪.)11‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن أبي عدي ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬كنت‬
‫عند عائشة فقلت ‪ :‬أليس ال يقول ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ بِالفُقِ ا ْلمُبِينِ } [ التكوير ‪ { ، ] 23 :‬وََلقَدْ رَآهُ‬
‫نزلَةً ُأخْرَى } فقالت ‪ :‬أنا أول هذه المة سأل (‪ )12‬رسول ال صلى ال عليه وسلم عنها ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"إنما ذاك جبريل"‪ .‬لم يره في صورته التي خلق عليها إل مرتين ‪ ،‬رآه منهبطا من السماء إلى‬
‫عظْمُ خلقه ما بين السماء والرض‪.‬‬
‫الرض ‪ ،‬سادّا ُ‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث الشعبي ‪ ،‬به (‪.)13‬‬
‫رواية أبي ذر ‪ ،‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند (‪.)4/158‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬السدرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)1/407‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حصين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬قال سمعت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬شقيق بن سلمة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬الدر به"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)1/407‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬كتم شيئا من الوحي"‪.‬‬
‫(‪ )11‬المسند (‪.)6/49‬‬
‫(‪ )12‬في أ ‪" :‬سألت"‪.‬‬
‫(‪ )13‬المسند (‪ )6/241‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4855‬وصحيح مسلم برقم (‪ )177‬بنحوه‪.‬‬

‫( ‪)7/452‬‬

‫قال ‪ :‬قلت لبي ذر ‪ :‬لو رأيتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم لسألته‪ .‬قال ‪ :‬وما كنت تسأله ؟‬
‫قال ‪ :‬كنت أسأله ‪ :‬هل رأى ربه ‪ ،‬عز وجل ؟ فقال ‪ :‬إني قد سألته فقال ‪" :‬قد رأيته ‪ ،‬نورا أنى‬
‫أراه" (‪.)1‬‬
‫هكذا وقع في رواية المام أحمد ‪ ،‬وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين فقال ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن يزيد بن إبراهيم ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن شقيق ‪ ،‬عن أبي ذر‬
‫قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ فقال ‪" :‬نور أنى أراه"‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫شقيق قال ‪ :‬قلت لبي ذر ‪ :‬لو رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم لسألته‪ .‬فقال ‪ :‬عن أي شيء‬
‫كنت تسأله ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬كنت أسأله ‪ :‬هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر ‪ :‬قد سألت فقال ‪" :‬رأيت‬
‫نورا" (‪.)2‬‬
‫وقد حكى الخلل في "علله" أن المام أحمد سُئل عن هذا الحديث فقال ‪ :‬ما زلتُ منكرا له ‪ ،‬وما‬
‫أدري ما وجهه (‪.)3‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن عون الواسطي ‪ ،‬أخبرنا ُهشَيْم ‪ ،‬عن منصور‬
‫‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬رآه بقلبه ‪ ،‬ولم يره بعينه‪.‬‬
‫شقِيق وبين أبي ذر ‪ ،‬وأما ابن الجوزي‬
‫وحاول ابن خُزَيمة أن يدعي انقطاعه بين عبد ال بن َ‬
‫فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل السراء ‪ ،‬فأجابه بما أجابه به‬
‫‪ ،‬ولو سأله بعد السراء لجابه بالثبات‪ .‬وهذا ضعيف جدا ‪ ،‬فإن عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنها ‪ ،‬قد سألت عن ذلك بعد السراء ‪ ،‬ولم يثبت لها الرؤية‪ .‬ومن قال ‪ :‬إنه خاطبها على قدر‬
‫عقلها ‪ ،‬أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه ‪ -‬كابن خُزيمة في كتاب التوحيد (‪ ، - )4‬فإنه هو‬
‫المخطئ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا هشام (‪ ، )5‬عن منصور ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن يزيد‬
‫بن شريك ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم ربه بقلبه ‪ ،‬ولم يره ببصره (‬
‫‪.)6‬‬
‫سهِر ‪ ،‬عن عبد الملك بن‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن علي بن مُ ْ‬
‫أبي سليمان ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه قال في قوله ‪:‬‬
‫{ وََلقَدْ رَآهُ نزلَةً ُأخْرَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬رأى جبريل (‪ ، )7‬عليه السلم (‪.)8‬‬
‫وقال مجاهد في قوله ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ نزَلةً أُخْرَى } قال ‪ :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫جبريل في صورته مرتين ‪ ،‬وكذا قال قتادة والربيع بن أنس ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/147‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)178‬‬
‫(‪ )3‬ووجه النكار ل محل له في المتن ‪ ،‬فإن له شواهد وهو دليل على نفي الرؤية في الدنيا‪.‬‬
‫(‪ )4‬التوحيد لبن خزيمة (ص ‪( )206 ، 205‬ص ‪.)225‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هشيم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11536‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)175‬‬

‫( ‪)7/453‬‬

‫وقوله تعالى ‪ { :‬إِذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َي ْغشَى } ‪ :‬قد تقدم في أحاديث السراء أنه غشيتها الملئكة‬
‫مثل الغِربان ‪ ،‬وغشيها نور الرب ‪ ،‬وغشيها ألوان ما أدري ما هي‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا مالك بن ِم ْغوَل ‪ ،‬حدثنا الزبير بن عدي ‪ ،‬عن (‪ )1‬طلحة ‪ ،‬عن مرة ‪،‬‬
‫عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬لما أسري برسول ال صلى ال عليه وسلم انتهي به إلى‬
‫سدرة المنتهى ‪ ،‬وهي في السماء السابعة (‪ ، )2‬إليها ينتهي ما يعرج به من الرض فيقبض‬
‫منها ‪ ،‬وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها ‪ { ،‬إِذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َي ْغشَى } قال ‪ :‬فراش‬
‫من ذهب ‪ ،‬قال ‪ :‬وأعطي رسول ال صلى ال عليه وسلم ثلثا ‪ :‬أعطي الصلوات الخمس ‪،‬‬
‫وأعطي خواتيم سورة البقرة ‪ ،‬وغُفر لمن ل يشرك بال شيئًا من أمته المُقحمات‪ .‬انفرد به مسلم (‬
‫‪.)3‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي هريرة أو غيره ‪ -‬شك أبو‬
‫جعفر ‪ -‬قال ‪ :‬لما أسري برسول ال انتهى إلى السدرة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬هذه السدرة [قال] ‪)4( :‬‬
‫فغشيها نور الخلق ‪ ،‬وغشيتها الملئكة مثل الغربان حين يقعن على الشجر ‪ ،‬قال ‪ :‬فكلمه عند‬
‫ذلك ‪ ،‬فقال له ‪ :‬سل‪.‬‬
‫وقال (‪ )5‬ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬إِذْ َيغْشَى السّدْ َرةَ مَا َيغْشَى } قال ‪ :‬كان أغصان السدرة‬
‫لؤلؤا وياقوتا وزبرجدا ‪ ،‬فرآها محمد ‪ ،‬ورأى ربه بقلبه‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أيّ شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟ قال ‪" :‬رأيتُ يغشاها‬
‫فَرَاشٌ من ذهب ‪ ،‬ورأيت على كل ورقة من ورقها مَلَكا قائما يسبح ال ‪ ،‬عز وجل" (‪.)6‬‬
‫طغَى } ما‬
‫طغَى } قال ابن عباس ‪ :‬ما ذهب يمينا ول شمال { َومَا َ‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا زَاغَ الْ َبصَ ُر َومَا َ‬
‫جاوز ما أمر به‪.‬‬
‫وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة ‪ ،‬فإنه ما فعل إل ما أمر به ‪ ،‬ول سأل فوق ما أعطي‪.‬‬
‫وما أحسن ما قال الناظم ‪:‬‬
‫رأَى جَنّةَ المَأوَى َومَا َف ْوقَها ‪ ،‬وَلَو‪ ...‬رَأى غَي ُرهُ ما قَد رَآه لتَاهَا‪...‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لِنُرِ َيكَ مِنْ آيَاتِنَا } [ طه ‪ )7( ] 23 :‬أي ‪:‬‬
‫الدالة على قدرتنا وعظمتنا‪ .‬وبهاتين اليتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم‬
‫تقع ؛ لنه قال ‪َ { :‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى } ‪ ،‬ولو كان رأى ربه لخبر بذلك ولقال ذلك‬
‫للناس ‪ ،‬وقد تقدم تقرير ذلك في سورة "سبحان" وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا محمد بن طلحة ‪ ،‬عن الوليد بن قيس ‪ ،‬عن إسحاق بن أبي ال َكهْتَلة (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬السادسة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/422‬وصحيح مسلم برقم (‪.)173‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬وهذا من مراسيل عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬لنريه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكهبلة"‪.‬‬

‫( ‪)7/454‬‬

‫سمَةٌ‬
‫َأفَرَأَيْتُمُ اللّاتَ وَا ْلعُزّى (‪َ )19‬ومَنَاةَ الثّالِثَةَ الْأُخْرَى (‪ )20‬أََل ُكمُ ال ّذكَ ُر وََلهُ الْأُنْثَى (‪ )21‬تِ ْلكَ إِذًا قِ ْ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُ ْم وَآَبَا ُؤكُمْ مَا أَنْ َزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا‬
‫سمَاءٌ َ‬
‫ضِيزَى (‪ )22‬إِنْ ِهيَ إِلّا أَ ْ‬
‫س وَلَقَدْ جَا َءهُمْ مِنْ رَ ّبهِمُ ا ْلهُدَى (‪ )23‬أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا َتمَنّى (‪ )24‬فَلِلّهِ الْآَخِ َرةُ‬
‫الظّنّ َومَا َت ْهوَى الْأَ ْنفُ ُ‬
‫شفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلّا مِنْ َب ْعدِ أَنْ يَأْذَنَ اللّهُ ِلمَنْ َيشَاءُ‬
‫سمَاوَاتِ لَا ُتغْنِي َ‬
‫وَالْأُولَى (‪َ )25‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬
‫وَيَ ْرضَى (‪)26‬‬

‫قال محمد ‪ :‬أظنه عن ابن مسعود ‪ -‬أنه قال ‪ :‬إن محمدا لم ير جبريل في صورته إل مرتين ‪،‬‬
‫أما مرة فإنه سأله أن يُريه نفسه في صورته ‪ ،‬فأراه صورته فسد الفق‪ .‬وأما الخرى فإنه صَعد‬
‫معه حين صعد به‪ .‬وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ بِالفُقِ العْلَى‪ .‬ثُمّ دَنَا فَتَ َدلّى‪َ .‬فكَانَ قَابَ َقوْسَيْنِ َأوْ أَدْنَى‪.‬‬
‫فََأوْحَى إِلَى عَ ْب ِدهِ مَا َأوْحَى } قال ‪ :‬فلما أحسّ (‪ )1‬جبريل ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬عاد في صورته‬
‫سدْ َرةِ ا ْلمُنْ َتهَى‪ .‬عِ ْندَهَا جَنّةُ ا ْلمَ ْأوَى‪ .‬إِذْ َي ْغشَى السّدْ َرةَ‬
‫وسجد‪ .‬فقوله ‪ { :‬وََلقَدْ رَآهُ نزَلةً ُأخْرَى‪ .‬عِ ْندَ ِ‬
‫طغَى‪َ .‬لقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبّهِ ا ْلكُبْرَى } قال ‪ :‬خَ ْلقَ جبريل عليه‬
‫مَا َيغْشَى‪ .‬مَا زَاغَ الْ َبصَرُ َومَا َ‬
‫السلم‪.‬‬
‫هكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬وهو غريب (‪.)2‬‬
‫ت وَا ْلعُزّى (‪َ )19‬ومَنَاةَ الثّالِثَةَ الخْرَى (‪ )20‬أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَهُ النْثَى (‪ )21‬تِ ْلكَ إِذًا‬
‫{ َأفَرَأَيْ ُتمُ الل َ‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُ ْم وَآبَا ُؤكُمْ مَا أَنزلَ اللّهُ ِبهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ‬
‫سمَاءٌ َ‬
‫سمَ ٌة ضِيزَى (‪ )22‬إِنْ ِهيَ إِل أَ ْ‬
‫قِ ْ‬
‫س وَلَقَدْ جَا َءهُمْ مِنْ رَ ّبهِمُ ا ْلهُدَى (‪ )23‬أَمْ لِلنْسَانِ مَا َتمَنّى (‪)24‬‬
‫ن َومَا َت ْهوَى ال ْنفُ ُ‬
‫يَتّ ِبعُونَ إِل الظّ ّ‬
‫شفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِل مِنْ َبعْدِ أَنْ يَ ْأذَنَ‬
‫س َموَاتِ ل ُتغْنِي َ‬
‫فَلِلّهِ الخِ َرةُ وَالولَى (‪َ )25‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬
‫اللّهُ ِلمَنْ يَشَا ُء وَيَ ْرضَى (‪} )26‬‬
‫يقول تعالى ُمقَرّعا للمشركين في عبادتهم الصنام والنداد والوثان ‪ ،‬واتخاذهم لها البيوت‬
‫مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن ‪ ،‬عليه [الصلة و] (‪ )3‬السلم ‪َ { :‬أفَرَأَيْتُمُ اللتَ } ؟‬
‫وكانت "اللت" (‪ )4‬صخرةً بيضاء منقوشة ‪ ،‬وعليها بيت بالطائف له أستار وسَدَنة ‪ ،‬وحوله فناء‬
‫معظّم عند أهل الطائف ‪ ،‬وهم ثقيف ومن تابعها ‪ ،‬يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب‬
‫بعد قريش‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم ال [تعالى] (‪ ، )5‬فقالوا ‪ :‬اللت ‪ ،‬يعنون مؤنثة‬
‫منه ‪ ،‬تعالى ال عن قولهم علوا كبيرا‪ .‬وحكي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬أنهم‬
‫قرؤوا "اللتّ" بتشديد التاء ‪ ،‬وفسروه بأنه كان رجل يَُلتّ للحجيج في الجاهلية السويق ‪ ،‬فلما مات‬
‫عكفوا على قبره فعبدوه‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا مسلم ‪ -‬هو ابن إبراهيم ‪ -‬حدثنا أبو الشهب ‪ ،‬حدثنا أبو الجوزاء عن ابن‬
‫ت وَا ْلعُزّى } قال ‪ :‬كان اللت رجل يلت السّويق ‪ ،‬سويق الحاج (‪.)7‬‬
‫عباس (‪ { : )6‬الل َ‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكذا العُزّى من العزيز‪.‬‬
‫وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ‪ ،‬وهي بين مكة والطائف ‪ ،‬كانت قريش يعظمونها ‪ ،‬كما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أخبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/407‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬العزى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عن ابن عباس عن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)4859‬‬

‫( ‪)7/455‬‬

‫قال أبو سفيان يوم أحد ‪ :‬لنا العزى ول عزّى لكم فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قولوا ‪:‬‬
‫ال مولنا ‪ ،‬ول مولى لكم" (‪.)1‬‬
‫حمَيد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال‬
‫وروى البخاري من حديث الزهري ‪ ،‬عن ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من حلف فقال في حلفه ‪ :‬واللت والعزى ‪ ،‬فليقل ‪ :‬ل إله إل‬
‫ال‪ .‬ومن قال لصاحبه ‪ :‬تعال أقَامرْك ‪ ،‬فليتصدق" (‪.)2‬‬
‫وهذا محمول على من سبق لسانه في (‪ )3‬ذلك ‪ ،‬كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية ‪،‬‬
‫كما قال النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن َبكّار وعبد الحميد بن محمد قال حدثنا مَخْلَد ‪ ،‬حدثنا يونس ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬حلفت باللت والعزى ‪ ،‬فقال‬
‫لي أصحابي ‪ :‬بئس ما قلت! قلت هجرا! فأتيت رسول صلى ال عليه سلم ‪ ،‬فذكرت ذلك له ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬قل ‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير‪.‬‬
‫وانفث عن شمالك ثلثا ‪ ،‬وتعوّذ بال من الشيطان الرجيم ‪ ،‬ثم ل تعد" (‪.)4‬‬
‫وأما "مناة" فكانت بالمُشَلّل (‪ - )5‬عند قُدَيد ‪ ،‬بين مكة والمدينة ‪ -‬وكانت خزاعة والوس‬
‫والخزرج في جاهليتها يعظمونها ‪ ،‬ويُهلّون منها للحج إلى الكعبة‪ .‬وروى البخاري عن عائشة‬
‫نحوه (‪ .)6‬وقد كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير‬
‫هذه الثلثة التي نص عليها في كتابه العزيز ‪ ،‬وإنما أفرد هذه بالذكر لنها أشهر من غيرها‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق في السيرة ‪ :‬وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت ‪ ،‬وهي بيوت تعظمها‬
‫كتعظيم الكعبة ‪ ،‬بها (‪ )7‬سدنة وحجاب ‪ ،‬وتهدي لها كما يهدى (‪ )8‬للكعبة ‪ ،‬وتطوف بها‬
‫ط ْوفَاتِها بها ‪ ،‬وتنحر عندها ‪ ،‬وهي تعرف فضل الكعبة عليها ؛ لنها كانت قد عرفت أنها بيت‬
‫كَ‬
‫إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬ومسجده‪ .‬فكانت لقريش وبني كنانة العُزّى بنخلة ‪ ،‬وكانت سدنتها‬
‫وحجابها (‪ )9‬بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم (‪.)10‬‬
‫قلت ‪ :‬بعث إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم خالد بن الوليد فهدمها ‪ ،‬وجعل يقول ‪:‬‬
‫يا عُزّ ‪ُ ،‬كفْرَانَك ل سُبْحَانَك‪ ...‬إني رأيت ال قَدْ أهَانَك‪...‬‬
‫جمَيْع ‪ ،‬عن أبي‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا علي بن المنذر ‪ ،‬أخبرنا ابن ُفضَيْل ‪ ،‬حدثنا الوليد بن ُ‬
‫طفَ ْيلِ قال ‪ :‬لما فتح رسول ال صلى ال عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة ‪ ،‬وكانت‬
‫ال ّ‬
‫سمُرات ‪ ،‬وهدم البيت الذي كان‬
‫سمُرات ‪ ،‬فقطع ال ّ‬
‫بها العزى ‪ ،‬فأتاها خالد وكانت على ثلث َ‬
‫عليها‪ .‬ثم أتى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير سورة "محمد" الية ‪.11 :‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4860‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي (‪.)7/8‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بالمنال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)4861‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬لها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬تهدي"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬وحجبتها"‪.‬‬
‫(‪ )10‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/83‬‬

‫( ‪)7/456‬‬

‫حجَبتها ‪-‬‬
‫فأخبره فقال ‪" :‬ارجع فإنك لم تصنع شيئًا"‪ .‬فرجع خالد ‪ ،‬فلما أبصرته السّدَنة ‪ -‬وهم َ‬
‫أمعنوا في الحِيَل وهم يقولون ‪" :‬يا عزى ‪ ،‬يا عزى"‪ .‬فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها‬
‫تحفن (‪ )1‬التراب على رأسها ‪ ،‬فغمسها بالسيف حتى قتلها ‪ ،‬ثم رجع إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فأخبره ‪ ،‬فقال ‪" :‬تلك العزى" (‪.)2‬‬
‫سدَنتها وحجابها بنى ُمعَتّب (‪.)3‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت اللت لثقيف بالطائف ‪ ،‬وكان َ‬
‫قلت ‪ :‬وقد بعث إليها رسول ال صلى ال عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن‬
‫حرب ‪ ،‬فهدماها وجعل مكانها مسجد الطائف‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت مناة للوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر‬
‫من ناحية المُشَلّل بقديد ‪ ،‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم [إليها] (‪ )4‬أبا سفيان صخر بن‬
‫حرب ‪ ،‬فهدمها‪ .‬ويقال ‪ :‬علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكانت ذو الخَلَصة (‪ )5‬لدَوس وخَثعم وبَجِيلة ‪ ،‬ومن كان ببلدهم من العرب بِتَبَالة‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكان يقال لها ‪ :‬الكعبة اليمانية ‪ ،‬وللكعبة التي بمكة الكعبة الشامية‪.‬‬
‫فبعث إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم جرير بن عبد ال البجلي فهدمه‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكانت فَلْس (‪ )6‬لطيئ ولمن يليها بجبلي طيئ من (‪ )7‬سَلمى وأجا‪.‬‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬فحدثني بعض أهل العلم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث إليه علي بن أبي‬
‫طالب فهدمه ‪ ،‬واصطفى منه سيفين ‪ :‬الرّسُوب والمخْذَم ‪ ،‬فَنفّله أياهما رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فهما سيفا علي (‪.)8‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان لحمير وأهل اليمن بيت بصنعاء يقال له ‪ :‬ريام‪ .‬وذكر أنه كان به كلب‬
‫أسود ‪ ،‬وأن الحبرين اللذين ذهبا مع تبع استخرجاه وقتله ‪ ،‬وهدما البيت‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكانت " ُرضَاء" بيتا لبني ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ‪ ،‬ولها‬
‫يقول المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد حين هدمها في السلم ‪:‬‬
‫حمَا‪...‬‬
‫ولقد شَ َد ْدتُ عَلَى ُرضَاء شَ ّدةً‪ ...‬فَتَ َركْتُها َقفْرًا ِبقَاع أس َ‬
‫قال ابن هشام ‪ :‬إنه عاش ثلثمائة وثلثين (‪ )9‬سنة ‪ ،‬وهو القائل ‪:‬‬
‫عدَد السّنِينَ مِئِينَا‪...‬‬
‫عمّ ْرتُ منْ َ‬
‫وَلَقَد سَ ِئ ْمتُ مِنَ الحيَا ِة وَطُوِلهَا‪ ...‬وَ ُ‬
‫مائَةً حَدّتها َبعْدَها مائَتَان لي‪ ...‬وازددت (‪ )10‬مِنْ عَدَد الشّهور سِنِينَا‪...‬‬
‫حدُونَا‪...‬‬
‫َهلْ مَا َبقِي إل َكمَا قَدْ فَاتَنَا‪ ...‬يَومٌ َيمُ ّر وَلَيلةٌ تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬تحثو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬النسائي في السنن الكبرى رقم (‪.)11567‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬مغيت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬الحليفة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فيس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/87‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬وستون"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وعمرت"‪.‬‬

‫( ‪)7/457‬‬

‫قال ابن إسحاق ‪ :‬وكان ذو ال َكعَبَات لبكر وتغلب ابني وائل ‪ ،‬وإياد ِبسَنْداد وله يقول أعشى بن‬
‫قيس بن ثعلبة ‪:‬‬
‫خوَرْنَق والسّدير وَبَارقٍ‪ ...‬والبيت ذو ال َكعَبَات من سَنْدَاد (‪)1‬‬
‫بَيْنَ ال َ‬
‫ولهذا قال [تعالى] (‪َ { : )2‬أفَرَأَيْتُمُ اللتَ وَا ْلعُزّى‪َ .‬ومَنَاةَ الثّالِثَ َة الخْرَى } ؟‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬أََلكُمُ ال ّذكَ ُر وَلَهُ النْثَى } ؟ أي ‪ :‬أتجعلون له ولدا ‪ ،‬وتجعلون ولده أنثى ‪ ،‬وتختارون‬
‫سمَ ٌة ضِيزَى } أي ‪ :‬جورا‬
‫لنفسكم الذكور ‪ ،‬فلو اقتسمتم أنتم ومخلوق مثلكم هذه القسمة لكانت { ِق ْ‬
‫باطلة ‪ ،‬فكيف تقاسمون ربكم هذه القسمة التي لو كانت بين مخلوقين كانت جورا وسفها‪.‬‬
‫ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والفتراء والكفر ‪ ،‬من عبادة الصنام‬
‫سمّيْ ُتمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَا ُؤكُمْ } أي ‪ :‬من تلقاء أنفسكم { مَا أَنزلَ اللّهُ‬
‫سمَاءٌ َ‬
‫وتسميتها آلهة ‪ { :‬إِنْ ِهيَ إِل َأ ْ‬
‫ن َومَا َت ْهوَى ال ْنفُسُ } أي ‪ :‬ليس لهم مستند‬
‫ِبهَا مِنْ سُ ْلطَانٍ } أي ‪ :‬من حجة ‪ { ،‬إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِل الظّ ّ‬
‫إل حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ‪ ،‬وإل حظ نفوسهم في رياستهم‬
‫وتعظيم آبائهم القدمين ‪ { ،‬وََلقَدْ جَا َءهُمْ مِنْ رَ ّب ِهمُ ا ْلهُدَى } أي ‪ :‬ولقد أرسل ال إليهم الرسل بالحق‬
‫المنير والحجة القاطعة ‪ ،‬ومع هذا ما اتبعوا ما جاؤوهم به ‪ ،‬ول انقادوا له‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَمْ لِل ْنسَانِ مَا َتمَنّى } أي ‪ :‬ليس كل من تمنى خيرا حصل له ‪ { ،‬لَيْسَ بَِأمَانِ ّيكُمْ وَل‬
‫َأمَا ِنيّ َأ ْهلِ ا ْلكِتَابِ } [ النساء ‪ ، ] 123 :‬ما كل من زعم أنه مهتد يكون كما قال ‪ ،‬ول كل من ود‬
‫(‪ )3‬شيئا يحصل له‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن عمر (‪ )4‬بن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا تمنى أحدكم فلينظر ما يتمنى ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يدري ما يكتب له من أمنيته"‪ .‬تفرد به أحمد (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَلِلّهِ الخِ َر ُة وَالولَى } أي ‪ :‬إنما المر كله ل ‪ ،‬مالك الدنيا والخرة ‪ ،‬والمتصرف في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فهو الذي ما شاء كان ‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫شفَاعَ ُتهُمْ شَيْئًا إِل مِنْ َبعْدِ أَنْ يَ ْأذَنَ اللّهُ ِلمَنْ يَشَاءُ‬
‫س َموَاتِ ل ُتغْنِي َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَمْ مِنْ مََلكٍ فِي ال ّ‬
‫شفَاعَةُ‬
‫شفَعُ عِ ْن َدهُ إِل بِإِذْنِهِ } [البقرة ‪ { ، ]255 :‬وَل تَ ْنفَعُ ال ّ‬
‫وَيَ ْرضَى } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي يَ ْ‬
‫عِنْ َدهُ إِل ِلمَنْ َأذِنَ لَهُ } [سبأ ‪ ، ]23 :‬فإذا كان هذا في حق الملئكة المقربين ‪ ،‬فكيف ترجون أيها‬
‫الجاهلون شفاعة هذه الصنام والنداد عند ال ‪ ،‬وهو لم يشرع عبادتها ول أذن فيها ‪ ،‬بل قد نهى‬
‫عنها على ألسنة جميع رسله ‪ ،‬وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه ؟‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬انظر السيرة النبوية لبن هشام (‪.)88 ، 1/87‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬رد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/357‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/151‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/458‬‬

‫علْمٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِلّا‬


‫سمِيَةَ الْأُنْثَى (‪َ )27‬ومَا َلهُمْ بِهِ مِنْ ِ‬
‫سمّونَ ا ْلمَلَا ِئكَةَ َت ْ‬
‫إِنّ الّذِينَ لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالَْآخِ َرةِ لَيُ َ‬
‫الظّنّ وَإِنّ الظّنّ لَا ُيغْنِي مِنَ ا ْلحَقّ شَيْئًا (‪ )28‬فَأَعْ ِرضْ عَنْ مَنْ َتوَلّى عَنْ ِذكْرِنَا وَلَمْ يُ ِردْ إِلّا ا ْلحَيَاةَ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ اهْ َتدَى (‬
‫ن َ‬
‫الدّنْيَا (‪ )29‬ذَِلكَ مَبَْل ُغهُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬
‫حسَنُوا‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫‪ )30‬وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫سعُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ ُهوَ أَعَْلمُ ِبكُمْ‬
‫ك وَا ِ‬
‫حسْنَى (‪ )31‬الّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْ ِم وَا ْل َفوَاحِشَ إِلّا الّلمَمَ إِنّ رَ ّب َ‬
‫بِالْ ُ‬
‫سكُمْ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنِ ا ّتقَى (‪)32‬‬
‫ض وَإِذْ أَنْتُمْ َأجِنّةٌ فِي ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ فَلَا تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬
‫إِذْ أَ ْنشََأكُمْ مِنَ الْأَ ْر ِ‬

‫علْمٍ إِنْ يَتّ ِبعُونَ‬


‫سمِيَةَ النْثَى (‪َ )27‬ومَا َلهُمْ بِهِ مِنْ ِ‬
‫سمّونَ ا ْلمَل ِئكَةَ تَ ْ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ بِالخِ َرةِ لَيُ َ‬
‫حقّ شَيْئًا (‪ )28‬فَأَعْ ِرضْ عَنْ مَنْ َتوَلّى عَنْ ِذكْرِنَا وََلمْ يُرِدْ إِل‬
‫ن وَإِنّ الظّنّ ل ُيغْنِي مِنَ الْ َ‬
‫إِل الظّ ّ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ‬
‫ن َ‬
‫الْحَيَاةَ الدّنْيَا (‪ )29‬ذَِلكَ مَبَْل ُغهُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَ ْ‬
‫اهْتَدَى (‪} )30‬‬
‫يقول تعالى منكرا على المشركين في تسميتهم الملئكة تسمية النثى ‪ ،‬وجعلهم لها أنها بنات ال ‪،‬‬
‫شهَادَ ُتهُمْ‬
‫شهِدُوا خَ ْل َقهُمْ سَ ُتكْ َتبُ َ‬
‫حمَنِ إِنَاثًا َأ َ‬
‫جعَلُوا ا ْلمَل ِئكَةَ الّذِينَ ُهمْ عِبَادُ الرّ ْ‬
‫كما قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫وَيُسْأَلُونَ } [الزخرف ‪ ]19 :‬؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا َلهُمْ بِهِ مِنْ عِلْم } أي ‪ :‬ليس لهم علم صحيح‬
‫نل‬
‫ن وَإِنّ الظّ ّ‬
‫يصدق ما قالوه ‪ ،‬بل هو كذب وزور وافتراء ‪ ،‬وكفر شنيع‪ ٍ { .‬إِنْ يَتّ ِبعُونَ إِل الظّ ّ‬
‫ُيغْنِي مِنَ ا ْلحَقّ شَيْئًا } أي ‪ :‬ل يجدي شيئا ‪ ،‬ول يقوم أبدا مقام الحق‪ .‬وقد ثبت في الصحيح أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إياكم والظن ‪ ،‬فإن الظن أكذب الحديث" (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَعْ ِرضْ عَنْ مَنْ َتوَلّى عَنْ ِذكْرِنَا } أي ‪ :‬أع ِرضْ عن الذي أع َرضَ عن الحق واهجره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَمْ يُرِدْ إِل ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا } أي ‪ :‬وإنما (‪ )2‬أكثر (‪ )3‬همه ومبلغ علمه الدنيا ‪ ،‬فذاك هو‬
‫غاية ما ل خير فيه‪ .‬ولذلك (‪ )4‬قال ‪ { :‬ذَِلكَ مَبَْل ُغهُمْ مِنَ ا ْلعِلْمِ } أي ‪ :‬طلب الدنيا والسعي لها هو‬
‫غاية ما وصلوا إليه‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد عن أم المؤمنين عائشة [رضي ال عنها] (‪ )5‬قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬الدنيا دار من ل دار له ‪ ،‬ومال من ل مال له ‪ ،‬ولها يجمع من ل عقل له" (‪)6‬‬
‫وفي الدعاء المأثور ‪" :‬اللهم ل تجعل الدنيا أكبر َهمّنَا ‪ ،‬ول مَبْلَغَ علمنا"‪.‬‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيِل ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَنِ اهْتَدَى } أي ‪ :‬هو الخالق لجميع‬
‫ن َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَ ْ‬
‫المخلوقات ‪ ،‬والعالم بمصالح عباده ‪ ،‬وهو الذي يهدي من يشاء ‪ ،‬ويضل من يشاء ‪ ،‬وذلك كله‬
‫عن قدرته وعلمه وحكمته ‪ ،‬وهو العادل الذي ل يجور أبدًا ‪ ،‬ل في شرعه ول في قَدَره‪.‬‬
‫حسَنُوا‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫س َموَاتِ َومَا فِي الرْضِ لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ أَسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫{ وَلِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫سعُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ ُهوَ أَعَْلمُ ِبكُمْ‬
‫ك وَا ِ‬
‫حسْنَى (‪ )31‬الّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الثْمِ وَالْ َفوَاحِشَ إِل الّلمَمَ إِنّ رَ ّب َ‬
‫بِالْ ُ‬
‫سكُمْ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ ا ّتقَى (‬
‫ض وَإِذْ أَنْ ُتمْ أَجِنّةٌ فِي بُطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬
‫إِذْ أَ ْنشََأكُمْ مِنَ ال ْر ِ‬
‫‪} )32‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )5143‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2563‬من حديث أبي هريرة رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وإنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أكبر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)6/71‬‬

‫( ‪)7/459‬‬

‫يخبر تعالى أنه مالك السموات والرض ‪ ،‬وأنه الغني عما سواه ‪ ،‬الحاكم في خلقه بالعدل ‪ ،‬وخلق‬
‫حسْنَى } أي ‪ :‬يجازي‬
‫حسَنُوا بِالْ ُ‬
‫عمِلُوا وَيَجْ ِزيَ الّذِينَ أَ ْ‬
‫الخلق بالحق ‪ { ،‬لِ َيجْ ِزيَ الّذِينَ َأسَاءُوا ِبمَا َ‬
‫كل بعمله ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪.‬‬
‫ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الثم والفواحش ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يتعاطون المحرمات‬
‫والكبائر ‪ ،‬وإن وقع منهم بعض الصغائر فإنه يغفر لهم ويستر عليهم ‪ ،‬كما قال في الية الخرى‬
‫خ ْلكُمْ مُ ْدخَل كَرِيمًا } [النساء ‪.]31 :‬‬
‫‪ { :‬إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُ ْن َهوْنَ عَنْهُ ُن َكفّرْ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُك ْم وَنُدْ ِ‬
‫حشَ إِل الّلمَمَ }‪ .‬وهذا استثناء منقطع ؛ لن اللمم‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬الّذِينَ َيجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْلفَوَا ِ‬
‫من صغائر الذنوب ومحقرات العمال‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر (‪ )1‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬ما رأيت شيئًا أشبه باللمَم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫"إن ال تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا ‪ ،‬أدرك ذلك ل محالة ‪ ،‬فَزِنَا العين النظر ‪ ،‬وزنا‬
‫اللسان النطق ‪ ،‬والنفس تَمنّى وتَشْ َتهِي ‪ ،‬والفرج يُصدّق ذلك أو ُيكَذّبه"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن (‪ )3‬ثور حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن العمش ‪،‬‬
‫عن أبي الضّحَى ؛ أن ابن مسعود قال ‪" :‬زنا العينين النظر ‪ ،‬وزنا الشفتين التقبيل ‪ ،‬وزنا اليدين‬
‫البطش ‪ ،‬وزنا الرجلين المشي ‪ ،‬ويُصدّق ذلك الفرج أو ُي َكذّبه ‪ ،‬فإن تقدم بفرجه كان زانيا ‪ ،‬وإل‬
‫فهو الّلمَم" (‪ .)4‬وكذا قال مسروق ‪ ،‬والشعبي‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن نافع ‪ -‬الذي يقال له ‪ :‬ابن لبابة الطائفي ‪ -‬قال ‪ :‬سألت أبا هريرة عن قول‬
‫ال ‪ { :‬إِل الّلمَمَ } قال ‪ :‬القُبلة ‪ ،‬والغمزة ‪ ،‬والنظرة ‪ ،‬والمباشرة ‪ ،‬فإذا مس الختانُ الختانَ فقد‬
‫وجب الغسل ‪ ،‬وهو الزنا‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬إِل الّلمَمَ } إل ما سلف‪ .‬وكذا قال زيد بن أسلم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن‬
‫مجاهد أنه قال ‪ :‬في هذه الية ‪ { :‬إِل الّلمَمَ } قال ‪ :‬الذي يلم بالذنب ثم يَدَعه ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫جمّا‪ ...‬وَأيّ عَبْد َلكَ مَا أََلمّا?!‪...‬‬
‫إنْ َت ْغفِر اللهُ ّم تغفر َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬معمر بن أرطأة" وزيادة "ابن أرطأة" خطأ‪ .‬انظر ‪ :‬تعليق أحمد شاكر على المسند‬
‫على المسند حديث رقم (‪.)7705‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/276‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6612‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2657‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أبو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/39‬‬

‫( ‪)7/460‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬في قول ال ‪:‬‬
‫{ إِل الّل َممَ } قال ‪ :‬الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم‬
‫يقولون ‪:‬‬
‫إن تغفر اللهم تغفر جما‪ ...‬وأي عبد لك ما ألما?!‪...‬‬
‫وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعا (‪.)1‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني سليمان بن عبد الجبار ‪ ،‬حدثنا أبو عاصم ‪ ،‬حدثنا زكريا بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْل َفوَاحِشَ إِل الّلمَمَ }‬
‫قال ‪ :‬هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب وقال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن تغفر اللهم تغفر جما‪ ...‬وأي عبد لك ما ألما?!‪...‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن عثمان أبي (‪ )2‬عثمان البصري ‪ ،‬عن أبي عاصم النبيل‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث زكريا بن إسحاق‪ .‬وكذا قال‬
‫البزار ‪ :‬ل نعلمه يُروى متصل إل من هذا الوجه‪ .‬وساقه ابن أبي حاتم والبغوي من حديث أبي‬
‫عاصم النبيل ‪ ،‬وإنما ذكره البغوي في تفسير سورة "تنزيل" وفي صحته مرفوعا نظر (‪.)3‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن بَزِيع ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زُرَيْع ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬أراه رفعه ‪ { : -‬الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْل َفوَاحِشَ إِل الّلمَمَ } قال‬
‫‪" :‬اللمة من الزنا ثم يتوب ول يعود ‪ ،‬واللمة من السرقة ثم يتوب ول يعود ‪ ،‬واللمة من شرب‬
‫الخمر ثم يتوب ول يعود" ‪ ،‬قال ‪" :‬ذلك (‪ )4‬اللمام" (‪.)5‬‬
‫وحدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عَديّ ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن في قول ال ‪ { :‬الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ‬
‫كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْلفَوَاحِشَ إِل الّلمَمَ } قال ‪ :‬اللمم من الزنا أو السرقة أو شرب الخمر ‪ ،‬ثم ل يعود‪.‬‬
‫وحدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّةَ ‪ ،‬عن أبي رَجاء ‪ ،‬عن الحسن في قول ال ‪ { :‬الّذِينَ يَجْتَنِبُونَ‬
‫كَبَائِرَ الثْ ِم وَا ْلفَوَاحِشَ إِل الّلمَمَ } قال ‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون ‪ :‬هو‬
‫الرجل يصيب اللمة من الزنا ‪ ،‬واللمة من شرب الخمر ‪ ،‬فيجتنبها ويتوب منها‪.‬‬
‫وقال ابن جرير (‪ ، )6‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬إِل الّلمَمَ } يلم بها في الحين‪ .‬قلت ‪ :‬الزنا ؟‬
‫قال ‪ :‬الزنا ثم يتوب‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا ابن عُيَيْنَة ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/39‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪ )3284‬وتفسير البغوي (‪.)7/128‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فتلك" وفي أ ‪" :‬فعلك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)27/39‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬جريج"‪.‬‬

‫( ‪)7/461‬‬

‫عباس قال ‪ { :‬الّلمَمَ } الذي يلم الم ّرةَ‪.‬‬


‫وقال السدي ‪ :‬قال أبو صالح ‪ :‬سئلت عن { الّلمَمَ } فقلت ‪ :‬هو الرجل يصيب الذنب ثم يتوب‪.‬‬
‫وأخبرت بذلك ابن عباس فقال ‪ :‬لقد أعانك عليها مَلَك كريم‪ .‬حكاه البغوي‪.‬‬
‫وروى ابن جرير من طريق المثنى بن الصباح ‪ -‬وهو ضعيف ‪ -‬عن عمرو بن شعيب ؛ أن عبد‬
‫ال بن عمرو قال ‪ { :‬الّل َممَ } ‪ :‬ما دون الشرك‪.‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر الجُعفي ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن الزبير ‪ { :‬إِل الّل َممَ } قال ‪ :‬ما‬
‫بين الحدين ‪ :‬حد الدنيا (‪ )1‬وعذاب الخرة‪ .‬وكذا رواه شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‬
‫سواء‪.‬‬
‫وقال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِل الّلمَمَ } كل شيء بين (‪ )2‬الحدين ‪ :‬حد الدنيا (‪)3‬‬
‫وحد الخرة ‪ ،‬تكفره الصلوات ‪ ،‬وهو (‪ )4‬اللمم ‪ ،‬وهو دون كل موجب ‪ ،‬فأما حد الدنيا فكل حد‬
‫فرض ال عقوبته في الدنيا ‪ ،‬وأما حد الخرة فكل شيء ختمه ال بالنار ‪ ،‬وأخّر عقوبته إلى‬
‫الخرة‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫سعَت كل شيء ‪ ،‬ومغفرته تَسَع الذنوب كلها‬
‫ك وَاسِعُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ } أي ‪ :‬رحمته وَ ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ رَ ّب َ‬
‫ح َمةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ‬
‫سهِمْ ل َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْ‬
‫لمن تاب منها ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬قلْ يَا عِبَا ِديَ الّذِينَ أَسْ َرفُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جمِيعًا إِنّهُ ُهوَ ا ْل َغفُورُ الرّحِيمُ } [الزمر ‪.]53 :‬‬
‫َي ْغفِرُ الذّنُوبَ َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ أَعَْلمُ ِبكُمْ إِذْ أَ ْنشََأكُمْ مِنَ الرْض } أي ‪ :‬هو بصير بكم ‪ ،‬عليم بأحوالكم وأفعالكم‬
‫وأقوالكم التي تصدر (‪ )5‬عنكم وتقع منكم ‪ ،‬حين أنشأ أباكم آدم من الرض ‪ ،‬واستخرج ذريته‬
‫من صلبه أمثال الذّر ‪ ،‬ثم قسمهم فريقين ‪ :‬فريقا للجنة وفريقا للسعير (‪ .)6‬وكذا قوله ‪ { :‬وَإِذْ أَنْتُمْ‬
‫أَجِنّةٌ فِي ُبطُونِ ُأ ّمهَا ِتكُمْ } قد كتب الملك الذي ُي َوكّل به رزقَه وأجَلَه وعمله ‪ ،‬وشقي أم سعيد‪.‬‬
‫قال مكحول ‪ :‬كنا أجنة في بطون أمهاتنا ‪ ،‬فسقط منا من سقط ‪ ،‬وكنا فيمن بقي ‪ ،‬ثم كنا مراضع‬
‫فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا فيمن بقي ثم صرنا َي َفعَةً ‪ ،‬فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا فيمن بقي ثم صرنا‬
‫شبابًا فهلك منا من هلك‪ .‬وكنا فيمن بقي ثم صرنا شيوخا ‪ -‬ل أبا لك ‪ -‬فماذا بعد هذا ننتظر ؟ (‬
‫‪ )7‬رواه ابن أبي حاتم عنه‪.‬‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬تمدحوها وتشكروها وتمنوا بأعمالكم ‪ُ { ،‬هوَ أَعَْلمُ ِبمَنِ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل تُ َزكّوا أَ ْنفُ َ‬
‫ظَلمُونَ فَتِيل }‬
‫سهُمْ َبلِ اللّهُ يُ َزكّي مَنْ يَشَاءُ وَل يُ ْ‬
‫ا ّتقَى } ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُ َزكّونَ أَ ْنفُ َ‬
‫[النساء ‪.]49 :‬‬
‫عمْرو الناقد ‪ ،‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن يزيد‬
‫وقال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الزنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الزنا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فهو"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ستصدر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فريقا في الجنة وفريقا في السعير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ينتظر"‪.‬‬

‫( ‪)7/462‬‬

‫َأفَرَأَ ْيتَ الّذِي َتوَلّى (‪ )33‬وَأَعْطَى قَلِيلًا وََأكْدَى (‪ )34‬أَعِنْ َدهُ عِ ْلمُ ا ْلغَ ْيبِ َف ُهوَ يَرَى (‪َ )35‬أمْ لَمْ يُنَبّأْ ِبمَا‬
‫حفِ مُوسَى (‪ )36‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى (‪ )37‬أَلّا تَزِ ُر وَازِ َرةٌ وِزْرَ أُخْرَى (‪ )38‬وَأَنْ لَيْسَ‬
‫صُ‬‫فِي ُ‬
‫سوْفَ يُرَى (‪ُ )40‬ثمّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الَْأ ْوفَى (‪)41‬‬
‫سعْيَهُ َ‬
‫سعَى (‪ )39‬وَأَنّ َ‬
‫لِلْإِنْسَانِ ِإلّا مَا َ‬

‫بن أبي حبيب ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن عطاء قال ‪ :‬سميت ابنتي بَ ّرةَ ‪ ،‬فقالت لي زينب بنت أبي‬
‫سلمة ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن هذا السم ‪ ،‬وسميت بَرّة ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تزكوا أنفسكم ‪ ،‬إن ال أعلم بأهل البر منكم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬بم نسميها ؟ قال ‪:‬‬
‫"سموها زينب" (‪.)1‬‬
‫وقد ثبت أيضا في الحديث الذي رواه المام أحمد حيث قال ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وهيب ‪ ،‬حدثنا‬
‫جلٌ رجل عند النبي صلى‬
‫خالد الحَذّاء ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي بكْرَة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬مدح َر ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ويلك! قطعت عُنُقَ صاحبك ‪ -‬مرارًا ‪-‬‬
‫إذا كان أحدكم مادحا صاحبه ل محالة فليقل ‪ :‬أحسب فلنا ‪ -‬وال حسيبه ‪ ،‬ول أزكي على ال‬
‫أحدا ‪ -‬أحسبه كذا وكذا ‪ ،‬إن كان يعلم ذلك" (‪.)2‬‬
‫ثم رواه عن غُ ْندَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن خالد الحذاء ‪ ،‬به‪ .‬وكذا رواه البخاري ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو‬
‫داود ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن خالد الحذاء ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬وعبد الرحمن قال حدثنا سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪،‬‬
‫عن همام بن الحارث قال ‪ :‬جاء رجل إلى عثمان فأثنى عليه في وجهه ‪ ،‬قال ‪ :‬فجعل المقداد بن‬
‫السود يحثو في وجهه التراب ويقول ‪ :‬أمرنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا لقينا المداحين أن‬
‫نحثو في وجوههم التراب‪.‬‬
‫ورواه مسلم وأبو داود من حديث الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫عطَى قَلِيل وََأكْدَى (‪ )34‬أَعِ ْن َدهُ عِلْمُ ا ْلغَ ْيبِ َف ُهوَ يَرَى (‪ )35‬أَمْ لَمْ يُنَبّأْ‬
‫{ َأفَرَأَ ْيتَ الّذِي َتوَلّى (‪ )33‬وَأَ ْ‬
‫حفِ مُوسَى (‪ )36‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى (‪ )37‬أَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ ُأخْرَى (‪ )38‬وَأَنْ لَيْسَ‬
‫صُ‬‫ِبمَا فِي ُ‬
‫سوْفَ يُرَى (‪ُ )40‬ثمّ يُجْزَاهُ الْجَزَا َء ال ْوفَى (‪.} )41‬‬
‫سعْيَهُ َ‬
‫سعَى (‪ )39‬وَأَنّ َ‬
‫لِلنْسَانِ إِل مَا َ‬
‫ب وَ َتوَلّى } [القيامة ‪:‬‬
‫ق وَل صَلّى‪ .‬وََلكِنْ كَ ّذ َ‬
‫صدّ َ‬
‫يقول تعالى ذَامّا لمن تولى عن طاعة ال ‪ { :‬فَل َ‬
‫‪ { ، ]32 ، 31‬وَأَعْطَى قَلِيل وََأكْدَى } قال ابن عباس ‪ :‬أطاع قليل ثم قطعه‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪،‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬قال عكرمة وسعيد ‪ :‬كمثل القوم إذا كانوا‬
‫يحفرون بئرًا ‪ ،‬فيجدون في أثناء الحفر صخرة تمنعهم من تمام العمل ‪ ،‬فيقولون ‪" :‬أكدينا" ‪،‬‬
‫ويتركون العمل‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَعِ ْن َدهُ عِلْمُ ا ْلغَ ْيبِ َف ُهوَ يَرَى } أي ‪ :‬أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية النفاق ‪ ،‬وقطع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)2142‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/45‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/41‬وصحيح البخاري برقم (‪ )2662‬وصحيح مسلم برقم (‪ )3000‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )4805‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3744‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )3002‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4804‬‬

‫( ‪)7/463‬‬

‫معروفه ‪ ،‬أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده ‪ ،‬حتى قد أمسك عن معروفه ‪ ،‬فهو يرى ذلك‬
‫عيانا ؟! أي ‪ :‬ليس المر كذلك ‪ ،‬وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخل وشحا‬
‫خشَ من ذي العرش إقلل" (‪ ، )1‬وقد قال ال‬
‫وهلعا ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪" :‬أنفق بلل ول تَ ْ‬
‫شيْءٍ َف ُهوَ ُيخِْلفُ ُه وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ } [سبأ ‪.]39 :‬‬
‫تعالى ‪َ { :‬ومَا أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َ‬
‫حفِ مُوسَى‪ .‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى } قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والثوري‬
‫صُ‬‫وقوله ‪َ { :‬أمْ لَمْ يُنَبّأْ ِبمَا فِي ُ‬
‫أي بلّغ جميع ما أمر به‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪َ { :‬وفّى } ل بالبلغ‪ .‬وقال سعيد بن جُبَير ‪َ { :‬وفّى } ما أمر به‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫{ َوفّى } طاعة ال ‪ ،‬وأدى رسالته الى خلقه‪ .‬وهذا القول هو اختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو يشمل الذي‬
‫قبله ‪ ،‬ويشهد له قوله تعالى ‪ { :‬وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ ِبكَِلمَاتٍ فَأَ َت ّمهُنّ قَالَ إِنّي جَاعُِلكَ لِلنّاسِ ِإمَامًا‬
‫} [البقرة ‪ ]124 :‬فقام بجميع الوامر ‪ ،‬وترك جميع النواهي ‪ ،‬وبلغ الرسالة على التمام والكمال ‪،‬‬
‫فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما يُقتَدى به في جميع أحواله وأفعاله وأقواله ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ ُثمّ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ أَنِ اتّبِعْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا َومَا كَانَ مِنَ ا ْلمُشْ ِركِينَ } [النحل ‪.]123 :‬‬
‫حمْصي ‪ ،‬حدثنا آدم بن أبي أياس العسقلني ‪ ،‬حدثنا‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف ال ِ‬
‫حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬تل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم هذه الية ‪ { :‬وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي َوفّى } قال ‪" :‬أتدري ما وفى ؟" قلت ‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم‪ .‬قال ‪" :‬وفى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار"‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير ‪ ،‬وهو ضعيف (‪.)2‬‬
‫سهِر ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن‬
‫سمْناني ‪ ،‬حدثنا أبو مُ ْ‬
‫وقال الترمذي في جامعه ‪ :‬حدثنا أبو جعفر ال ّ‬
‫عياش ‪ ،‬عن بحير بن سعد (‪ ، )3‬عن خالد بن َمعْدان ‪ ،‬عن جبير بن ُنفَير ‪ ،‬عن أبي الدرداء‬
‫وأبي ذر ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬ابن آدم اركع لي‬
‫أربع ركعات من أول النهار ‪ ،‬أكفك آخره" (‪.)4‬‬
‫قال ابن أبي حاتم رحمه ال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الربيع بن سليمان ‪ ،‬حدثنا أسد بن موسى ‪ ،‬حدثنا‬
‫ابن َلهِيعَة ‪ ،‬حدثنا زَبّان بن قائد ‪ ،‬عن سهل بن معاذ بن أنس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أل أخبركم لم سمى ال إبراهيم خليله الذي وفى ؟ إنه كان يقول كلما‬
‫أصبح وأمسى ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جاء من حديث ابي هريرة وبلل وابن مسعود‪ .‬أما حديث أبي هريرة ‪ :‬فرواه أبو نعيم في‬
‫الحلية (‪ )2/280‬والطبراني في المعجم الكبير (‪ )1/341‬من طريقين عن محمد بن سيرين عنه‬
‫به‪.‬‬
‫وأما حديث بلل ‪ :‬فرواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )1/359‬من طريق أبي إسحاق عن‬
‫مسروق عنه به‪.‬‬
‫وأما حديث ابن مسعود ‪ :‬فرواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )10/191‬من طريق يحيى بن وثاب‬
‫عن مسروق عنه به‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/43‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يحيى بن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )475‬وقال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬

‫( ‪)7/463‬‬

‫{ َفسُبْحَانَ اللّهِ حِينَ ُتمْسُونَ وَحِينَ ُتصْبِحُون } [الروم ‪ ]17 :‬حتى ختم الية‪ .‬ورواه ابن جرير عن‬
‫أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن ِرشْدِين بن سعد ‪ ،‬عن (‪ )1‬زَبّان ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫ثم شرع تعالى يبين ما كان أوحاه في صحف إبراهيم وموسى فقال ‪ { :‬أَل تَزِ ُر وَازِ َر ٌة وِزْرَ‬
‫أُخْرَى } أي ‪ :‬كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها ‪ ،‬ل يحمله‬
‫شيْ ٌء وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } [فاطر ‪:‬‬
‫ح َملْ مِ ْنهُ َ‬
‫حمِْلهَا ل ُي ْ‬
‫عنها أحد ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِنْ َت ْدعُ مُ ْثقَلَةٌ إِلَى ِ‬
‫سعَى } أي ‪ :‬كما ل يحمل عليه وزر غيره ‪ ،‬كذلك ل يحصل‬
‫‪ { ، ]18‬وَأَنْ لَيْسَ لِلنْسَانِ إِل مَا َ‬
‫من الجر إل ما كسب هو لنفسه‪ .‬ومن وهذه الية الكريمة استنبط الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ومن‬
‫اتبعه أن القراءة ل يصل إهداء ثوابها إلى الموتى ؛ لنه ليس من عملهم ول كسبهم ؛ ولهذا لم‬
‫يندب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم أمته ول حثهم عليه ‪ ،‬ول أرشدهم إليه بنص ول‬
‫إيماء ‪ ،‬ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬ولو كان خيرا لسبقونا إليه ‪،‬‬
‫وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ‪ ،‬ول يتصرف فيه بأنواع القيسة والراء ‪ ،‬فأما الدعاء‬
‫والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ‪ ،‬ومنصوص من الشارع عليهما‪.‬‬
‫وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إذا مات النسان انقطع عمله إل من ثلث ‪ :‬من ولد صالح يدعو له ‪ ،‬أو صدقة جارية‬
‫من بعده ‪ ،‬أو علم ينتفع به" (‪ ، )3‬فهذه الثلثة في الحقيقة هي من سعيه وكده وعمله ‪ ،‬كما جاء‬
‫في الحديث ‪" :‬إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ‪ ،‬وإن ولده من كسبه" (‪ .)4‬والصدقة الجارية‬
‫كالوقف ونحوه هي من آثار عمله ووقفه ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ { :‬إِنّا نَحْنُ ُنحْيِي ا ْل َموْتَى وَ َنكْ ُتبُ مَا‬
‫قَ ّدمُوا وَآثَارَهُم } (‪ )5‬الية [يس ‪ .]12 :‬والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو‬
‫أيضا من سعيه وعمله ‪ ،‬وثبت في الصحيح ‪" :‬من دعا إلى هدى كان له من الجر مثل أجور من‬
‫اتبعه ‪ ،‬من غير أن ينقص من أجورهم شيئا"‪.‬‬
‫عمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ‬
‫س ْوفَ يُرَى } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقُلِ ا ْ‬
‫سعْ َيهُ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ َ‬
‫شهَا َدةِ فَيُنَبّ ُئ ُكمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُون } [التوبة ‪:‬‬
‫ب وَال ّ‬
‫عمََلكُ ْم وَرَسُولُ ُه وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَسَتُ َردّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫َ‬
‫‪ ]105‬أي ‪ :‬فيخبركم به ‪ ،‬ويجزيكم عليه أتم الجزاء ‪ ،‬إن خيرا فخير ‪ ،‬وإن شرا فشر‪ .‬وهكذا قال‬
‫هاهنا ‪ { :‬ثُمّ يُجْزَاهُ ا ْلجَزَاءَ ال ْوفَى } أي ‪ :‬الوفر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )27/43‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )20/192‬من كل الطريقين‬
‫وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/117‬فيه ضعفاء وثقوا"‪.‬‬
‫قلت في الولى ‪ :‬ابن لهيعة وهو ضعيف‪.‬‬
‫وفي الثانية ‪ :‬رشدين بن سعد وهو ضعيف‪.‬‬
‫وفيهما ‪ :‬زيان بن فائد وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1631‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في المسند (‪ )6/31‬وأبو داود في السنن برقم (‪ )3528‬والترمذي في السنن برقم (‬
‫‪ )1358‬والنسائي في السنن (‪ )7/240‬من حديث عائشة رضي ال عنها‪ /‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث حسن صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪( :‬وآثارهم وكل شيء أحصيناه)‪.‬‬

‫( ‪)7/465‬‬

‫ك وَأَ ْبكَى (‪ )43‬وَأَنّهُ ُهوَ َأمَاتَ وََأحْيَا (‪)44‬‬


‫حَ‬‫وَأَنّ إِلَى رَ ّبكَ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )42‬وَأَنّهُ ُهوَ َأضْ َ‬

‫ت وَأَحْيَا (‪} )44‬‬


‫ك وَأَ ْبكَى (‪ )43‬وَأَنّهُ ُهوَ َأمَا َ‬
‫حَ‬‫{ وَأَنّ إِلَى رَ ّبكَ ا ْلمُنْ َتهَى (‪ )42‬وَأَنّهُ ُهوَ َأضْ َ‬

‫( ‪)7/466‬‬

‫طفَةٍ ِإذَا ُتمْنَى (‪ )46‬وَأَنّ عَلَيْهِ النّشَْأةَ الُْأخْرَى (‪)47‬‬


‫خلَقَ ال ّز ْوجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالْأُنْثَى (‪ )45‬مِنْ نُ ْ‬
‫وَأَنّهُ َ‬
‫شعْرَى (‪ )49‬وَأَنّهُ أَهَْلكَ عَادًا الْأُولَى (‪ )50‬وَ َثمُودَ َفمَا‬
‫وَأَنّهُ ُهوَ أَغْنَى وََأقْنَى (‪ )48‬وَأَنّهُ ُهوَ َربّ ال ّ‬
‫طغَى (‪ )52‬وَا ْل ُمؤْ َتفِكَةَ أَ ْهوَى (‪َ )53‬فغَشّاهَا مَا‬
‫أَ ْبقَى (‪َ )51‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا هُمْ َأظْلَمَ وَأَ ْ‬
‫غَشّى (‪ )54‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّبكَ تَ َتمَارَى (‪)55‬‬

‫طفَةٍ ِإذَا ُتمْنَى (‪ )46‬وَأَنّ عَلَيْهِ النّشَْأةَ الخْرَى (‪)47‬‬


‫{ وَأَنّهُ خََلقَ ال ّزوْجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالنْثَى (‪ )45‬مِنْ نُ ْ‬
‫شعْرَى (‪ )49‬وَأَنّهُ أَهَْلكَ عَادًا الولَى (‪ )50‬وَ َثمُودَ َفمَا‬
‫وَأَنّهُ ُهوَ أَغْنَى وََأقْنَى (‪ )48‬وَأَنّهُ ُهوَ َربّ ال ّ‬
‫طغَى (‪ )52‬وَا ْل ُمؤْ َتفِكَةَ أَ ْهوَى (‪َ )53‬فغَشّاهَا مَا‬
‫أَ ْبقَى (‪َ )51‬و َقوْمَ نُوحٍ مِنْ قَ ْبلُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا هُمْ َأظْلَمَ وَأَ ْ‬
‫غَشّى (‪ )54‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّبكَ تَ َتمَارَى (‪} )55‬‬
‫يقول تعالى [مخبرا] (‪ { )1‬وَأَنّ إِلَى رَ ّبكَ ا ْلمُنْ َتهَى } أي ‪ :‬المعاد يوم القيامة‪.‬‬
‫سوَيد بن سَعيد ‪ ،‬حدثنا مسلم بن خالد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫سابط ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الوْديّ قال ‪ :‬قام فينا معاذ بن جبل فقال ‪ :‬يا بني أود ‪ ،‬إني رسول‬
‫ال إليكم ‪ ،‬تعلمون أن المعاد إلى ال ‪ ،‬إلى الجنة أو إلى النار‪.‬‬
‫وذكر البغوي من رواية أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية ‪ ،‬عن أبي بن‬
‫كعب ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬وَأَنّ إِلَى رَ ّبكَ ا ْلمُنْ َتهَى } ‪ ،‬قال ‪ :‬ل فكر َة في‬
‫الرب (‪.)2‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬وهذا مثل ما رُوي عن أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬تفكّروا في الخلق ول تفكروا في‬
‫الخالق ‪ ،‬فإنه ل تحيط (‪ )3‬به ال ِفكْرة"‪.‬‬
‫كذا أورده ‪ ،‬وليس بمحفوظ بهذا اللفظ (‪ ، )4‬وإنما الذي في الصحيح ‪" :‬يأتي الشيطان أحدكم‬
‫فيقول ‪ :‬من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول ‪ :‬من خلق ربك ؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ‬
‫بال وَلْيَنْتَه" (‪.)5‬‬
‫وفي الحديث الخر الذي في السنن ‪" :‬تفكروا في مخلوقات ال ‪ ،‬ول تفكروا (‪ )6‬في ذات ال ‪،‬‬
‫فإن ال خلق ملكا ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مَسِيرة ثلثمائة سنة" أو كما قال (‪.)7‬‬
‫ك وَأَ ْبكَى } أي ‪ :‬خلق في عباده الضحك ‪ ،‬والبكاء وسببهما وهما‬
‫حَ‬‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّهُ ُهوَ َأضْ َ‬
‫مختلفان‪.‬‬
‫ت وَالْحَيَاة } [الملك ‪ { ، ]2 :‬وَأَنّهُ خَلَقَ‬
‫{ وَأَنّهُ ُهوَ َأمَاتَ وََأحْيَا } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬الّذِي خَلَقَ ا ْل َموْ َ‬
‫ال ّزوْجَيْنِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/417‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬يحيط"‪.‬‬
‫(‪ )4‬معالم التنزيل للبغوي (‪ )7/417‬ورواه ابن عساكر في المجلس التاسع والثلثون ومائة من‬
‫المالي (‪ )50/1‬كما في السلسلة الصحيحة (‪ )4/395‬من طريق محمد بن سلمة البلخي عن بشر‬
‫بن الوليد عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة به ‪ ،‬وفيه بشر‬
‫بن الوليد وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )3276‬وصحيح مسلم برقم (‪.)134‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ول تتفكروا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬لم أجده بهذا اللفظ ‪ ،‬وقد روى أبو داود القطعة الثانية في سننه برقم (‪ )4727‬من حديث جابر‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬مرفوعا بلفظ ‪" :‬أذن لي أن أحدث عن ملك من ملئكة ال من حملة العرش ‪،‬‬
‫وإن ما بين شحمه أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"‪.‬‬
‫والقطعة الولى ‪ :‬رويت من حديث أبي ذر مرفوعا ‪" :‬تفكروا في خلق ال ‪ ،‬ول تتفكروا في ال‬
‫فتهلكوا"‪.‬‬
‫أخرجه أبو الشيخ في العظمة برقم (‪.)4‬‬

‫( ‪)7/466‬‬

‫طفَةً مِنْ‬
‫سبُ النْسَانُ أَنْ يُتْ َركَ سُدًى‪ .‬أَلَمْ َيكُ نُ ْ‬
‫طفَةٍ إِذَا ُتمْنَى } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬أَ َيحْ َ‬
‫ال ّذكَ َر وَالنْثَى‪ .‬مِنْ ُن ْ‬
‫ج َعلَ مِنْهُ ال ّزوْجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالنْثَى‪ .‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى‬
‫سوّى‪َ .‬ف َ‬
‫مَ ِنيّ ُيمْنَى‪ .‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ فَ َ‬
‫أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } [القيامة ‪.)1( .]40 - 36 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّ عَلَ ْيهِ النّشَْأةَ الخْرَى } أي ‪ :‬كما خلق البداءة هو قادر على العادة ‪ ،‬وهي النشأة‬
‫الخرة يوم القيامة‪ { .‬وَأَنّهُ ُهوَ أَغْنَى وََأقْنَى } أي ‪ :‬مَلّك عباده المال ‪ ،‬وجعله لهم قُنْيَة مقيما عندهم‬
‫‪ ،‬ل يحتاجون إلى بيعه ‪ ،‬فهذا تمام النعمة عليهم‪ .‬وعلى هذا يدور كلم كثير من المفسرين ‪ ،‬منهم‬
‫أبو صالح ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وعن مجاهد ‪ { :‬أَغْنَى } ‪َ :‬موّل ‪ { ،‬وََأقْنَى } ‪ :‬أخدم‪ .‬وكذا‬
‫قال قتادة‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ومجاهد أيضا ‪ { :‬أَغْنَى } ‪ :‬أعطى ‪ { ،‬وََأقْنَى } ‪َ :‬رضّى‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬معناه ‪ :‬أغنى نفسه وأفقر الخلئق إليه ‪ ،‬قاله الحضرمي بن لحق‪.‬‬
‫وقيل ‪ { :‬أَغْنَى } من شاء من خلقه و { وََأقْنَى } ‪ :‬أفقر من شاء منهم ‪ ،‬قاله ابن زيد‪ .‬حكاهما ابن‬
‫جرير (‪ )2‬وهما بعيدان من حيث اللفظ‪.‬‬
‫شعْرَى } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّهُ ُهوَ َربّ ال ّ‬
‫هذا النجم الوقاد الذي يقال له ‪" :‬مِرْزَم الجوزاء" كانت طائفة من العرب يعبدونه‪.‬‬
‫{ وَأَنّهُ أَهَْلكَ عَادًا الولَى } وهم ‪ :‬قوم هود‪ .‬ويقال لهم ‪ :‬عاد بن إرم بن سام بن نوح ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ { :‬أََلمْ تَرَ كَ ْيفَ َفعَلَ رَ ّبكَ ِبعَادٍ‪ .‬إِرَمَ ذَاتِ ا ْل ِعمَادِ‪ .‬الّتِي لَمْ ُيخْلَقْ مِثُْلهَا فِي الْبِلدِ } [الفجر ‪6 :‬‬
‫‪ ، ]8 -‬فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على ال وعلى رسوله ‪ ،‬فأهلكهم ال { بِرِيحٍ‬
‫حسُومًا } [الحاقة ‪.]7 ، 6 :‬‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ أَيّامٍ ُ‬
‫سخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَبْعَ لَيَا ٍ‬
‫صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ‪َ .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َثمُودَ َفمَا أَ ْبقَى } ‪ ،‬أي ‪ :‬دمرهم فلم يبق منهم أحدا ‪َ { ،‬وقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْل } أي ‪ :‬من‬
‫طغَى } أي ‪ :‬أشد تمردا من الذين من بعدهم ‪ { ،‬وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَةَ‬
‫قبل هؤلء ‪ { ،‬إِ ّنهُمْ كَانُوا هُمْ َأظْلَ َم وََأ ْ‬
‫أَ ْهوَى } يعني ‪ :‬مدائن لوط ‪ ،‬قَلَبها عليهم فجعل عاليها سافلها ‪ ،‬وأمطر عليهم حجارة من سجيل‬
‫منضود ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬فغَشّاهَا مَا غَشّى } يعني ‪ :‬من الحجارة التي أرسلها عليهم { وََأمْطَرْنَا‬
‫عَلَ ْيهِمْ َمطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ ا ْلمُنْذَرِين } [الشعراء ‪.]173 :‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كان في مدائن لوط أربعة آلف ألف إنسان ‪ ،‬فانضرم عليهم الوادي شيئا من نار ونفط‬
‫وقَطِران كفم التون (‪ .)3‬رواه (‪ )4‬ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن محمد بن وهب بن عطية ‪،‬‬
‫عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن خليد ‪ ،‬عنه به‪ .‬وهو غريب جدا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬تمنى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/44‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬كتم النوف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ورواه"‪.‬‬

‫( ‪)7/467‬‬

‫شفَةٌ (‪َ )58‬أ َفمِنْ هَذَا‬


‫هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الْأُولَى (‪ )56‬أَ ِز َفتِ الْآَ ِزفَةُ (‪ )57‬لَ ْيسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كَا ِ‬
‫حكُونَ وَلَا تَ ْبكُونَ (‪ )60‬وَأَنْتُمْ سَا ِمدُونَ (‪ )61‬فَاسْجُدُوا ِللّ ِه وَاعْبُدُوا (‬
‫حدِيثِ َتعْجَبُونَ (‪ )59‬وَ َتضْ َ‬
‫الْ َ‬
‫‪)62‬‬
‫{ فَبَِأيّ آلءِ رَ ّبكَ تَ َتمَارَى } أي ‪ :‬ففي أي نعم ال عليك أيها النسان تمتري ؟ قاله قتادة‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّبكَ تَ َتمَارَى } يا محمد‪ .‬والول أولى ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬
‫شفَةٌ (‪َ )58‬أ َفمِنْ هَذَا‬
‫{ هَذَا َنذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الولَى (‪ )56‬أَ ِز َفتِ ال ِزفَةُ (‪ )57‬لَيْسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كَا ِ‬
‫سجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا (‬
‫حكُونَ وَل تَ ْبكُونَ (‪ )60‬وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (‪ )61‬فَا ْ‬
‫حدِيثِ َتعْجَبُونَ (‪ )59‬وَ َتضْ َ‬
‫الْ َ‬
‫‪} )62‬‬
‫{ هَذَا َنذِيرٌ } يعني ‪ :‬محمدا صلى ال عليه وسلم { مِنَ النّذُ ِر الولَى } أي ‪ :‬من جنسهم ‪ ،‬أرسل‬
‫كما أرسلوا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ مَا كُ ْنتُ ِبدْعًا مِنَ الرّسُل } [الحقاف ‪.]9 :‬‬
‫شفَةٌ } أي ‪ :‬ل‬
‫{ أَ ِز َفتِ ال ِزفَة } أي ‪ :‬اقتربت القريبة ‪ ،‬وهي القيامة ‪ { ،‬لَ ْيسَ َلهَا مِنْ دُونِ اللّهِ كَا ِ‬
‫يدفعها إذًا من دون ال أحد ‪ ،‬ول يطلع على علمها سواه‪.‬‬
‫ثم قال تعالى منكرا على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم ‪َ { :‬تعْجَبُونَ (‪)1‬‬
‫حكُونَ (‪ } )2‬منه استهزاء وسخرية ‪ { ،‬وَل تَ ْبكُونَ } أي ‪ :‬كما‬
‫} من أن يكون صحيحا ‪ { ،‬وَ َتضْ َ‬
‫ن وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } [السراء ‪:‬‬
‫يفعل الموقنون به ‪ ،‬كما أخبر عنهم ‪ { :‬وَيَخِرّونَ لِل ْذقَانِ يَ ْبكُو َ‬
‫‪.]109‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ } قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الغناء ‪ ،‬هي‬
‫سمِد لنا ‪ :‬غَنّ (‪ )3‬لنا‪ .‬وكذا قال عكرمة‪.‬‬
‫يمانية ‪ ،‬ا ْ‬
‫وفي رواية عن ابن عباس ‪ { :‬سَامِدُونَ } ‪ :‬معرضون‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة‪ .‬وقال الحسن‬
‫‪ :‬غافلون‪ .‬وهو رواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‪ .‬وفي رواية عن ابن عباس ‪:‬‬
‫تستكبرون‪ .‬وبه يقول السدي‪.‬‬
‫ثم قال آمرا لعباده بالسجود له والعبادة المتابعة لرسوله صلى ال عليه وسلم والتوحيد والخلص‬
‫جدُوا لِلّ ِه وَاعْبُدُوا } (‪ )4‬أي ‪ :‬فاخضعوا له وأخلصوا ووحدوا‪.‬‬
‫‪ { :‬فَاسْ ُ‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬سجد النبي صلى ال عليه وسلم بالنجم ‪ ،‬وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والنس‪.‬‬
‫انفرد به دون مسلم (‪.)5‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن خالد ‪ ،‬حدثنا رباح ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة بن خالد ‪ ،‬عن جعفر بن المطلب بن أبي وَدَاعة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم بمكة سورة النجم ‪ ،‬فسجد وسَجَد من عنده ‪ ،‬فرفعتُ رأسي وأبيتُ أن أسجد ‪ ،‬ولم يكن‬
‫أسلم يومئذ المطلب ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬يعجبون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬يضحكون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬تغني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فليسجدوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4862‬‬

‫( ‪)7/468‬‬

‫فكان بعد ذلك ل يسمع أحدًا يقرؤها (‪ )1‬إل سجد معه‪.‬‬


‫وقد رواه النسائي في الصلة ‪ ،‬عن عبد الملك بن عبد الحميد ‪ ،‬عن أحمد بن حنبل ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫ذكر حديث له مناسبة بما تقدم من قوله تعالى ‪َ { :‬هذَا نَذِيرٌ مِنَ النّذُ ِر الولَى‪ .‬أَ ِز َفتِ ال ِزفَة } ‪ ،‬فإن‬
‫النذير هو ‪ :‬الحذر لما يعاين من الشر ‪ ،‬الذي يخشى وقوعه فيمن أنذرهم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِنْ ُهوَ إِل‬
‫عذَابٍ شَدِيد } [سبأ ‪ .]46 :‬وفي الحديث ‪" :‬أنا النذير العُريان" أي ‪ :‬الذي أعجله‬
‫نَذِيرٌ َل ُكمْ بَيْنَ يَ َديْ َ‬
‫شدة ما عاين من الشر عن أن يلبس عليه شيئًا ‪ ،‬بل بادر إلى إنذار قومه قبل ذلك ‪ ،‬فجاءهم‬
‫عُريانا مسرعا مناسب لقوله ‪ { :‬أَ ِز َفتِ ال ِزفَة } أي ‪ :‬اقتربت القريبة ‪ ،‬يعني ‪ :‬يوم القيامة كما قال‬
‫في أول السورة التي بعدها ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ } [القمر ‪ ، ] 1 :‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثني أبو حازم ‪ -‬ل أعلم إل عن سهل بن سعد ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إياكم ومحقرات الذنوب ‪ ،‬فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن‬
‫واد ‪ ،‬فجاء ذا بعود ‪ ،‬وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خُبْزَتهم ‪ ،‬وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها‬
‫ضمْرَة ‪ :‬ل أعلم‬
‫صاحبها تهلكه"‪ .‬وقال أبو حازم ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال أبو َ‬
‫إل عن سهل بن سعد ‪ -‬قال ‪" :‬مثلي مثل الساعة كهاتين" وفرق بين أصبعيه الوسطى والتي تلي‬
‫البهام ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬مثلي ومثل الساعة كمثل فَرسَي رِهَان" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬مثلي ومثل الساعة كمثل‬
‫رجل بعثه قومه طليعة ‪ ،‬فلما خشي أن يسبق ألح بثوبه ‪ :‬أتيتم أتيتم"‪ .‬ثم يقول رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬أنا ذلك" (‪ .)3‬وله شواهد من وجوه أخر من صحاح وحِسان‪ .‬ول الحمد‬
‫والمنة ‪ ،‬وبه الثقة والعصمة‪.‬‬
‫آخر [تفسير] (‪ )4‬سورة النجم ول الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يقرأ بها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )6/399‬وسنن النسائي (‪.)2/160‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/331‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/469‬‬
‫اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْل َقمَرُ (‪ )1‬وَإِنْ يَ َروْا آَيَةً ُيعْ ِرضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ ُمسْ َتمِرّ (‪َ )2‬وكَذّبُوا وَاتّ َبعُوا‬
‫ح ْكمَةٌ بَاِلغَةٌ َفمَا ُتغْنِ‬
‫أَ ْهوَاءَ ُه ْم َو ُكلّ َأمْرٍ ُمسْ َتقِرّ (‪ )3‬وََلقَدْ جَا َءهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُ ْزدَجَرٌ (‪ِ )4‬‬
‫النّذُرُ (‪)5‬‬

‫تفسير سورة القمر (‪)1‬‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قد تقدم في حديث أبي واقد (‪ : )2‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ بقاف ‪ ،‬واقتربت‬
‫الساعة ‪ ،‬في الضحى والفِطْر ‪ ،‬وكان يقرأ بهما في المحافل الكبار ‪ ،‬لشتمالهما على ذكر الوعد‬
‫والوعيد وبدء الخلق وإعادته ‪ ،‬والتوحيد وإثبات النبوات ‪ ،‬وغير ذلك من المقاصد العظيمة‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سحْرٌ مُسْ َتمِرّ (‪َ )2‬وكَذّبُوا‬
‫شقّ ا ْل َقمَرُ (‪ )1‬وَإِنْ يَ َروْا آيَةً ُيعْ ِرضُوا وَ َيقُولُوا ِ‬
‫{ اقْتَرَ َبتِ السّاعَ ُة وَانْ َ‬
‫ح ْكمَةٌ بَاِلغَةٌ َفمَا‬
‫وَاتّ َبعُوا َأ ْهوَاءَهُ ْم َو ُكلّ َأمْرٍ مُسْ َتقِرّ (‪ )3‬وََلقَدْ جَاءَ ُهمْ مِنَ النْبَاءِ مَا فِيهِ مُ ْزدَجَرٌ (‪ِ )4‬‬
‫ُتغْنِ النّذُرُ (‪} )5‬‬
‫يخبر تعالى عن اقتراب الساعة وفراغ الدنيا وانقضائها‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَتَى َأمْرُ اللّهِ فَل‬
‫غفْلَةٍ‬
‫حسَا ُبهُ ْم وَهُمْ فِي َ‬
‫تَسْ َتعْجِلُوهُ [سُبْحَا َنهُ ] } [ النحل ‪ )3( ، ] 1 :‬وقال ‪ { :‬اقْتَ َربَ لِلنّاسِ ِ‬
‫ُمعْ ِرضُونَ } [ النبياء ‪ ] 1 :‬وقد وردت الحاديث بذلك ‪ ،‬قال الحافظ أبو بكر البزار ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى وعمرو بن علي قال حدثنا خلف بن موسى ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫طبَ أصحابه ذات يوم ‪ ،‬وقد كادت الشمس أن تغرب‬
‫أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خَ َ‬
‫شفّ (‪ )4‬يسير ‪ ،‬فقال ‪" :‬والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضى منها إل‬
‫فلم يبق منها إل ِ‬
‫كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ‪ ،‬وما نرى من الشمس إل يسيرا" (‪.)5‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا حديث مداره على خلف بن موسى بن خلف ال َع ّميّ ‪ ،‬عن أبيه‪ .‬وقد ذكره ابن حِبّان في‬
‫الثقات ‪ ،‬وقال ‪ :‬ربما أخطأ‪.‬‬
‫حديث آخر يعضد الذي قبله ويفسره ‪ ،‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الفضل بن ُدكَيْن ‪ ،‬حدثنا شريك ‪،‬‬
‫حدثنا سلمة بن ُكهَيْل ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم والشمس على ُقعَيْقِعان بعد العصر ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أعماركم في أعمار من مضى إل كما بقي‬
‫من النهار فيما مضى" (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬اقتربت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر أول تفسير سورة ‪" :‬ق"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬شيء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تاريخه (‪ )1/11‬حدثنا ابن بشار ومحمد بن المثنى عن خلف بن موسى به‪.‬‬
‫قال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/311‬رواه البزار من طريق خلف بن موسى عن أبيه وقد وثقا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/115‬‬

‫( ‪)7/470‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن ُمطَرّف ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد‬
‫قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ُ " :‬بعِثتُ والساعة (‪ )1‬هكذا"‪ .‬وأشار بإصبعيه‬
‫‪ :‬السبابة والوسطى‪.‬‬
‫أخرجاه من حديث أبي حازم سلمة بن دينار (‪.)2‬‬
‫سوَائي‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عُبَيد ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي خالد ‪ ،‬عن وهب ال ّ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بعثت أنا والساعة كهذه من هذه إن كادت لتسبقها (‬
‫‪ " )3‬وجمع العمش بين السبابة والوسطى (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عبيد (‪ )5‬ال ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فسأله ‪ :‬ماذا سمعت من رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يذكر به الساعة ؟ فقال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬أنتم والساعة‬
‫كهاتين"‪.‬‬
‫تفرد به أحمد ‪ ،‬رحمه ال (‪ .)6‬وشاهد ذلك أيضا في الصحيح في أسماء رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬أنه الحاشر الذي ُيحْشَرُ الناس على قدميه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َبهْزُ بن أسد ‪ ،‬حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا حميد بن هلل ‪ ،‬عن‬
‫خالد بن عمير قال ‪ :‬خطب عتبة بن غَ ْزوَان ‪ -‬قال بهز ‪ :‬وقال قبل هذه المرة ‪ -‬خطبنا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أما بعد ‪ ،‬فإن الدنيا قد آذنت‬
‫بصَرْ ٍم وولت حذاء ‪ ،‬ولم يبق منها إل صُبَابة كصبابة الناء يتصابها صاحبها ‪ ،‬وإنكم منتقلون‬
‫منها إلى دار ل زوال لها ‪ ،‬فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ‪ ،‬فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يُلقَى من شفير‬
‫جهنم فيهوي فيها سبعين عاما (‪ )7‬ما يدرك لها قعرًا ‪ ،‬وال لتملؤنه ‪ ،‬أفعجبتم! وال لقد ذكر لنا‬
‫أن ما بين ِمصْرَاعَي الجنة مسيرة أربعين عاما ‪ ،‬وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام" وذكر تمام‬
‫الحديث ‪ ،‬انفرد به مسلم (‪.)8‬‬
‫علَيّةَ ‪ ،‬أخبرنا عطاء بن السائب ‪ ،‬عن‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثني ابن ُ‬
‫أبي عبد الرحمن السّلَمي قال ‪ :‬نزلنا المدائن فكنا منها على فَ ْرسَخ ‪ ،‬فجاءت (‪ )9‬الجمعة ‪ ،‬فحضر‬
‫أبي وحضرت معه فخطبنا حذيفة فقال ‪ :‬أل إن ال يقول ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَ ُة وَا ْنشَقّ ا ْل َقمَرُ } ‪ ،‬أل‬
‫وإن الساعة قد اقتربت ‪ ،‬أل وإن القمر قد انشق ‪ ،‬أل وإن الدنيا قد آذنت بفراق ‪ ،‬أل وإن اليوم‬
‫المضمار ‪ ،‬وغدا السباق ‪ ،‬فقلت لبي ‪ :‬أيستبق الناس غدا ؟ فقال ‪ :‬يا بني إنك لجاهل ‪ ،‬إنما هو‬
‫السباق بالعمال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬بعثت أنا والساعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/388‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6503‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2950‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬لتسبقني"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)4/309‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عبد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/223‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬خريفا"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )4/174‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2967‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬حانت"‪.‬‬

‫( ‪)7/471‬‬

‫ثم جاءت الجمعة الخرى فحضرنا فخطب حذيفة ‪ ،‬فقال ‪ :‬أل إن ال ‪ ،‬عز وجل يقول ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ‬
‫ع ُة وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ } ‪ ،‬أل وإن الدنيا قد آذنت بفراق ‪ ،‬أل وإن اليوم المضمار وغدا السباق ‪ ،‬أل‬
‫السّا َ‬
‫وإن الغاية النار ‪ ،‬والسابق من سبق إلى الجنة (‪.)1‬‬
‫شقّ ا ْل َقمَرُ } ‪ :‬قد كان هذا في زمان رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما ثبت ذلك‬
‫وقوله ‪ { :‬وَانْ َ‬
‫في الحاديث المتواترة بالسانيد الصحيحة‪ .‬وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال ‪:‬‬
‫"خمس قد مضين ‪ :‬الروم ‪ ،‬والدخان ‪ ،‬واللزام ‪ ،‬والبطشة ‪ ،‬والقمر" (‪ .)2‬وهذا أمر متفق عليه بين‬
‫العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى ال عليه وسلم وأنه كان إحدى المعجزات‬
‫الباهرات‪.‬‬
‫ذكر الحاديث الواردة في ذلك ‪:‬‬
‫رواية أنس بن مالك ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬سأل‬
‫أهل مكة النبي صلى ال عليه وسلم آية ‪ ،‬فانشق القمر بمكة مرتين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ‬
‫وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ }‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬عن عبد الرزاق (‪.)3‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثني عبد ال بن عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا بشر بن المفضل ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي‬
‫عَرُوبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن أهل مكة سألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن‬
‫شقّين ‪ ،‬حتى رأوا حِرَاء بينهما (‪.)4‬‬
‫يريهم آية ‪ ،‬فأراهم القمر ِ‬
‫وأخرجاه أيضا من حديث يونس بن محمد المؤدّب ‪ ،‬عن شيبان ‪ ،‬عن قتادة (‪ .)5‬ورواه مسلم‬
‫أيضا من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬ويحيى القطان ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬به (‬
‫‪.)6‬‬
‫رواية جبير بن مطعم رضي ال عنه ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬حدثنا سليمان بن كثير ‪ ،‬عن حصين بن عبد الرحمن ‪،‬‬
‫عن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فصار فرقتين ‪ :‬فرقة على هذا الجبل ‪ ،‬وفرقة على هذا الجبل ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬سحرنا محمد‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬إن كان سحرنا فإنه ل يستطيع أن يسحر الناس كلهم‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد من هذا الوجه ‪ ،‬وأسنده البيهقي في "الدلئل" من طريق محمد بن كثير ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/51‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4767‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/165‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2802‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)3868‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )4867‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2802‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )2802‬ورواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4868‬من طريق يحيى عن‬
‫شعبة به‪.‬‬

‫( ‪)7/472‬‬

‫عن أخيه سليمان بن كثير ‪ ،‬عن حصين بن عبد الرحمن ‪[ ،‬به] (‪ .)2( )1‬وهكذا رواه ابن جرير‬
‫(‪ )3‬من حديث محمد بن فضيل وغيره ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬به (‪ .)4‬ورواه البيهقي أيضا من طريق‬
‫حصَين عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ‪ ،‬عن أبيه‬
‫ط ْهمَان وهُشَيْم ‪ ،‬كلهما عن ُ‬
‫إبراهيم بن َ‬
‫‪ ،‬عن جده فذكره (‪.)5‬‬
‫رواية عبد ال بن عباس [رضي ال عنهما] (‪)6‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى بن بكير ‪ ،‬حدثنا بكر ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن عِرَاك بن مالك ‪ ،‬عن عبيد‬
‫ال بن عبد ال بن عتبة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬انشق القمر في زمان رسول (‪ )7‬ال صلى ال‬
‫عليه وسلم (‪.)8‬‬
‫ورواه البخاري أيضا ومسلم ‪ ،‬من حديث بكر بن مضر ‪ ،‬عن جعفر بن ربيعة ‪ ،‬عن عِرَاك [بن‬
‫مالك] (‪ ، )9‬به مثله (‪.)10‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن مثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا داود بن أبي هند ‪ ،‬عن علي بن‬
‫أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ‪ .‬وَإِنْ يَ َروْا آ َيةً ُيعْ ِرضُوا وَ َيقُولُوا‬
‫سحْرٌ مُسْ َتمِرّ } قال ‪ :‬قد مضى ذلك ‪ ،‬كان قبل الهجرة ‪ ،‬انشق القمر حتى رأوا شقيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫وروى ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس نحو هذا‪.‬‬
‫طعِي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو البزار ‪ ،‬حدثنا محمد بن يحيى القُ َ‬
‫سفَ القمر‬
‫بكر ‪ ،‬حدثنا ابن جريج ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كُ ِ‬
‫شقّ‬
‫على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬سُحِر القمر‪ .‬فنزلت ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَ ُة وَانْ َ‬
‫ا ْل َقمَرُ } إلى قوله ‪ { :‬مستمر }‪.‬‬
‫رواية عبد ال بن عمر ‪:‬‬
‫قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قال‬
‫حدثنا أبو العباس الصم ‪ ،‬حدثنا العباس بن محمد الدّوري ‪ ،‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫شقّ ا ْل َقمَرُ‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر في قوله تعالى ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَ ُة وَانْ َ‬
‫} قال ‪ :‬وقد كان ذلك على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم انشق فِ ْلقَتَين ‪ :‬فِ ْلقَة من دون الجبل‬
‫‪ ،‬وفلقة من خلف الجبل ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم اشهد"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/81‬ودلئل النبوة للبيهقي (‪.)2/268‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬جبير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/51‬‬
‫(‪ )5‬دلئل النبوة (‪.)2/268‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النبي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)4866‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬صحيح البخاري برقم (‪ )3638‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2803‬‬

‫( ‪)7/473‬‬

‫وهكذا رواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬من طرق عن شعبة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬به (‪ .)1‬قال‬
‫مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫رواية عبد ال ابن مسعود ‪:‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن أبي َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن‬
‫مسعود قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم شقين حتى نظروا إليه ‪ ،‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم "اشهدوا"‪.‬‬
‫وهكذا رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪ .)2‬وأخرجاه من حديث‬
‫العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن أبي معمر عبد ال بن سَخْبَرَة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي ‪ ،‬حدثنا عمي يحيى بن عيسى ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫بمنى فانشق القمر ‪ ،‬فأخذت فرقة خلف الجبل ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اشهدوا ‪،‬‬
‫اشهدوا" (‪.)4‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬وقال أبو الضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال ‪ :‬بمكة (‪.)5‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا أبو عوانة ‪ ،‬عن المغيرة ‪ ،‬عن أبي الضّحَى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫عبد ال بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت قريش ‪:‬‬
‫سفّار ‪ ،‬فإن محمدًا ل يستطيع أن‬
‫هذا سحر ابن أبي كبشة‪ .‬قال ‪ :‬فقالوا ‪ :‬انظروا ما يأتيكم به ال ّ‬
‫سفّار فقالوا ‪ :‬ذلك (‪.)6‬‬
‫يسحر الناس كلهم‪ .‬قال ‪ :‬فجاء ال ّ‬
‫وقال البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ‪ ،‬حدثنا العباس‬
‫بن محمد ال ّدوْري ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪ ،‬حدثنا هُشَيْم ‪ ،‬حدثنا مغيرة ‪ ،‬عن أبى الضحى ‪ ،‬عن‬
‫مسروق ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين ‪ ،‬فقال كفار قريش أهل مكة ‪:‬‬
‫هذا سحر سحركم به ابن أبي كَ ْبشَة ‪ ،‬انظروا السفار ‪ ،‬فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق ‪ ،‬وإن‬
‫سحْرٌ سحركم به‪ .‬قال ‪ :‬فسئل السفار ‪ ،‬قال ‪ :‬وقدموا من كل‬
‫كانوا لم يروا مثل ما رأيتم فهو ِ‬
‫وجهة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬رأيناه‪.‬‬
‫رواه ابن جرير من حديث المغيرة ‪ ،‬به (‪ .)7‬وزاد ‪ :‬فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬اقْتَرَ َبتِ السّاعَةُ‬
‫وَانْشَقّ ا ْلقَمَرُ }‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ )2/267‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2801‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3288‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/377‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4865‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2800‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4864‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2800‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/50‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)295‬‬
‫(‪ )6‬مسند الطيالسي برقم (‪.)295‬‬
‫(‪ )7‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ )2/266‬وتفسير الطبري (‪.)27/50‬‬
‫( ‪)7/474‬‬

‫حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬أخبرنا أيوب ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو ابن سيرين ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫نبئت أن ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬كان يقول ‪ :‬لقد انشق القمر (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير أيضا ‪ :‬حدثني محمد بن عمارة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن حماد ‪ ،‬حدثنا أسباط ‪ ،‬عن‬
‫سماك ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬لقد رأيت الجبل من فَرْج القمر حين‬
‫انشق‪.‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن عبد‬
‫ورواه المام أحمد عن ُم َؤمّل ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫ال ‪ ،‬قال ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى رأيت الجبل من بين‬
‫فرجتي القمر (‪.)2‬‬
‫وقال ليث عن مجاهد ‪ :‬انشق القمر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فصار فرقتين ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى ال عليه وسلم لبي بكر ‪" :‬اشهد يا أبا بكر"‪ .‬فقال المشركون ‪ :‬سُحِر القمر حتى‬
‫انشق (‪.)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ يَ َروْا آ َيةً } أي ‪ :‬دليل وحجة وبرهانا { يعرضوا } أي ‪ :‬ل ينقادون له ‪ ،‬بل‬
‫سحْرٌ مُسْ َتمِرّ } أي ‪ :‬ويقولون ‪ :‬هذا الذي‬
‫يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم ‪ { ،‬وَ َيقُولُوا ِ‬
‫شاهدناه من الحجج ‪ ،‬سحرٌ سحرنا به‪.‬‬
‫ومعنى { ُمسْ َتمِرّ } أي ‪ :‬ذاهب‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬أي ‪ :‬باطل مضمحل ‪ ،‬ل دوام‬
‫له‪.‬‬
‫{ َوكَذّبُوا وَاتّ َبعُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ } أي ‪ :‬كذبوا بالحق إذ جاءهم ‪ ،‬واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم‬
‫من جهلهم وسخافة عقلهم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ُكلّ َأمْرٍ مُسْ َتقِرّ } قال (‪ )4‬قتادة ‪ :‬معناه ‪ :‬أن الخير واقع بأهل الخير ‪ ،‬والشر واقع‬
‫بأهل الشر‪.‬‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬مستقر بأهله‪ .‬وقال مجاهد ‪َ { :‬و ُكلّ َأمْرٍ ُمسْ َتقِرّ } أي ‪ :‬يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬مُسْ َتقِرّ } أي ‪ :‬واقع‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ جَاءَ ُهمْ مِنَ النْبَاءِ } أي ‪ :‬من الخبار عن قصص المم المكذبين بالرسل ‪ ،‬وما‬
‫حل بهم من العقاب والنكال والعذاب ‪ ،‬مما يتلى عليهم في هذا القرآن ‪ { ،‬مَا فِيهِ مُ ْزدَجَرٌ } أي ‪:‬‬
‫ما فيه واعظ لهم عن الشرك والتمادي على التكذيب‪.‬‬
‫ح ْكمَةٌ بَاِلغَةٌ } أي ‪ :‬في هدايته تعالى لمن هداه وإضلله لمن أضله ‪َ { ،‬فمَا ُتغْنِ النّذُرُ }‬
‫وقوله ‪ِ { :‬‬
‫يعني (‪ : )5‬أي شيء تغني النذر عمن كتب ال عليه الشقاوة ‪ ،‬وختم على قلبه ؟ فمن الذي يهديه‬
‫ج َمعِينَ } [ النعام‬
‫من بعد ال ؟ وهذه الية كقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ فَلِلّهِ ا ْلحُجّةُ الْبَاِلغَةُ فََلوْ شَاءَ َلهَدَا ُكمْ أَ ْ‬
‫ت وَالنّذُرُ عَنْ َقوْمٍ ل ُي ْؤمِنُونَ } [ يونس ‪:‬‬
‫‪ ، ] 149 :‬وكذا قوله تعالى ‪َ { :‬ومَا ُتغْنِي (‪ )6‬اليَا ُ‬
‫‪.] 101‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/51‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/413‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/51‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬قاله"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بمعنى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فما تغني"‪.‬‬

‫( ‪)7/475‬‬

‫شيْءٍ ُنكُرٍ (‪)6‬‬


‫فَ َتوَلّ عَ ْنهُمْ َيوْمَ يَ ْدعُ الدّاعِ ِإلَى َ‬

‫شيْءٍ ُنكُرٍ (‪} )6‬‬


‫{ فَ َت َولّ عَ ْنهُمْ َيوْمَ َيدْعُو الدّاعِي إِلَى َ‬

‫( ‪)7/476‬‬

‫طعِينَ إِلَى الدّاعِ َيقُولُ ا ْلكَافِرُونَ‬


‫شعًا أَ ْبصَارُهُمْ َيخْرُجُونَ مِنَ الَْأجْدَاثِ كَأَ ّنهُمْ جَرَادٌ مُنْ َتشِرٌ (‪ُ )7‬مهْ ِ‬
‫خّ‬‫ُ‬
‫ن وَازْدُجِرَ (‪ )9‬فَدَعَا رَبّهُ أَنّي‬
‫هَذَا َيوْمٌ عَسِرٌ (‪ )8‬كَذّ َبتْ قَبَْلهُمْ َقوْمُ نُوحٍ َفكَذّبُوا عَ ْبدَنَا َوقَالُوا مَجْنُو ٌ‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ (‪َ )11‬وفَجّرْنَا الْأَ ْرضَ عُيُونًا فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ‬
‫َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ (‪َ )10‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬
‫ح وَ ُدسُرٍ (‪ )13‬تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ كُفِرَ (‬
‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬
‫عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُدِرَ (‪ )12‬وَ َ‬
‫عذَابِي وَنُذُرِ (‪ )16‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآَنَ لِل ّذكْرِ‬
‫‪ )14‬وََلقَدْ تَ َركْنَاهَا آَ َيةً َف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ (‪َ )15‬فكَ ْيفَ كَانَ َ‬
‫َف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ (‪)17‬‬

‫طعِينَ إِلَى الدّاعِي َيقُولُ‬


‫شعًا أَ ْبصَارُ ُهمْ يَخْ ُرجُونَ مِنَ الجْدَاثِ كَأَ ّنهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (‪ُ )7‬مهْ ِ‬
‫{ خُ ّ‬
‫ا ْلكَافِرُونَ هَذَا َيوْمٌ عَسِرٌ (‪.} )8‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فتول يا محمد عن هؤلء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون ‪ :‬هذا سحر‬
‫شيْءٍ ُنكُرٍ } أي ‪ :‬إلى شيء منكر‬
‫مستمر ‪ ،‬أعرض عنهم وانتظرهم ‪َ { ،‬يوْمَ َيدْعُو الدّاعِي إِلَى َ‬
‫شعًا أَ ْبصَارُهُمْ } أي‬
‫فظيع ‪ ،‬وهو موقف الحساب وما فيه من البلء ‪ ،‬بل والزلزل والهوال ‪ { ،‬خ ّ‬
‫جدَاثِ } وهي ‪ :‬القبور ‪ { ،‬كَأَ ّنهُمْ جَرَادٌ مُنْ َتشِرٌ } أي ‪ :‬كأنهم‬
‫‪ :‬ذليلة أبصارهم { َيخْرُجُونَ مِنَ ال ْ‬
‫في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي { جَرَادٌ مُنْ َتشِرٌ } في الفاق ؛ ولهذا‬
‫طعِينَ } أي ‪ :‬مسرعين { إِلَى الدّاعِي } ‪ ،‬ل يخالفون ول يتأخرون ‪َ { ،‬يقُولُ ا ْلكَافِرُونَ‬
‫قال ‪ُ { :‬مهْ ِ‬
‫هَذَا َيوْمٌ عَسِرٌ } أي ‪ :‬يوم شديد الهول عَبُوس َقمْطَرِير { َفذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ‪ .‬عَلَى ا ْلكَافِرِينَ‬
‫غَيْرُ يَسِيرٍ } [ المدثر ‪.] 10 ، 9 :‬‬
‫ن وَازْ ُدجِرَ (‪َ )9‬فدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ (‬
‫{ َكذّ َبتْ قَبَْل ُهمْ َقوْمُ نُوحٍ َفكَذّبُوا عَبْدَنَا َوقَالُوا مَجْنُو ٌ‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ (‪َ )11‬وفَجّرْنَا الرْضَ عُيُونًا فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ عَلَى َأمْرٍ قَدْ قُدِرَ (‬
‫‪َ )10‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬
‫ح وَ ُدسُرٍ (‪ )13‬تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ كُفِرَ (‪ )14‬وََلقَدْ تَ َركْنَاهَا‬
‫حمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬
‫‪ )12‬وَ َ‬
‫آيَةً َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪َ )15‬فكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )16‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‬
‫‪.} )17‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬كَذّ َبتْ } قبل قومك يا محمد { َقوْمُ نُوحٍ َف َكذّبُوا عَ ْبدَنَا } أي ‪ :‬صرحوا له بالتكذيب‬
‫ن وَازْدُجِرَ } قال مجاهد ‪ { :‬وَازْدُجِرَ } أي ‪ :‬استطير جنونا‪.‬‬
‫واتهموه بالجنون ‪َ { ،‬وقَالُوا مَجْنُو ٌ‬
‫وقيل ‪ { :‬وَازْدُجِرَ } أي ‪ :‬انتهروه وزجروه وأوعدوه ‪ { :‬لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَ َتكُونَنّ مِنَ‬
‫ا ْلمَرْجُومِينَ } [ الشعراء ‪ .] 116 :‬قاله ابن زيد ‪ ،‬وهذا متوجه حسن‪.‬‬
‫{ َفدَعَا رَبّهُ أَنّي َمغْلُوبٌ فَانْ َتصِرْ } أي ‪ :‬إني ضعيف عن هؤلء وعن مقاومتهم { فَانْ َتصِرْ } أنت‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ }‪ .‬قال السدي ‪ :‬هو الكثير { َوفَجّرْنَا‬
‫لدينك‪ .‬قال ال تعالى ‪َ { :‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬
‫ال ْرضَ عُيُونًا } أي ‪ :‬نبعت جميعُ أرجاء الرض ‪ ،‬حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت‬
‫عيونا ‪ { ،‬فَالْ َتقَى ا ْلمَاءُ } أي ‪ :‬من السماء ومن الرض { عَلَى َأمْرٍ َقدْ قُدِرَ } أي ‪ :‬أمر مقدر‪.‬‬
‫سمَاءِ ِبمَاءٍ مُ ْن َهمِرٍ } كثير ‪ ،‬لم تمطر السماء‬
‫قال ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ففَتَحْنَا أَ ْبوَابَ ال ّ‬
‫قبل ذلك اليوم ول بعده ‪ ،‬ول من السحاب ؛ فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم‬
‫‪ ،‬فالتقى الماءان على أمر قد قدر‪.‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم أن ابن ال ُكوّاء سأل عليا عن المجرة فقال ‪ :‬هي شرج السماء ‪ ،‬ومنها فتحت‬

‫( ‪)7/476‬‬

‫السماء بماء منهمر‪.‬‬


‫ح وَدُسُرٍ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والقرظي ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫علَى ذَاتِ أَ ْلوَا ٍ‬
‫حمَلْنَاهُ َ‬
‫{ وَ َ‬
‫وابن زيد ‪ :‬هي المسامير ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬قال ‪ :‬وواحدها دسار ‪ ،‬ويقال ‪ :‬دَسير ‪ ،‬كما يقال‬
‫‪ :‬حبيك وحباك ‪ ،‬والجمع حُبُك‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الدسر ‪ :‬أضلع السفينة‪ .‬وقال عكرمة والحسن ‪ :‬هو صدرها الذي يضرب به‬
‫الموج‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬الدسر ‪ :‬طرفها وأصلها‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي عن ابن عباس ‪ :‬هو كلكلها‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬تجْرِي بِأَعْيُنِنَا } أي ‪ :‬بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلءتنا { جَزَاءً ِلمَنْ كَانَ ُكفِرَ }‬
‫أي جزاء لهم على كفرهم بال وانتصارًا لنوح ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ تَ َركْنَاهَا آيَةً } قال قتادة ‪ :‬أبقى ال سفينة نوح حتى أدركها أول هذه المة‪.‬‬
‫حمَلْنَا ذُرّيّ َتهُمْ فِي ا ْلفُ ْلكِ‬
‫والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَآيَةٌ َلهُمْ أَنّا َ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ‬
‫خَلقْنَا َل ُهمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَ ْركَبُونَ } [ يس ‪ .] 42 ، 41 :‬وقال { إِنّا َلمّا َ‬
‫شحُونِ‪ .‬وَ َ‬
‫ا ْلمَ ْ‬
‫ن وَاعِيَةٌ } [ الحاقة ‪ ]12 ، 11 :‬؛ ولهذا قال ها‬
‫جعََلهَا َلكُمْ َت ْذكِ َرةً وَ َتعِيَهَا ُأذُ ٌ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي ا ْلجَارِيَةِ‪ .‬لِ َن ْ‬
‫َ‬
‫هنا ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ } أي ‪ :‬فهل من يتذكر ويتعظ ؟‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن ابن مسعود‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬أقرأني رسول ال صلى ال عليه وسلم { َف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ } فقال رجل ‪ :‬يا أبا عبد‬
‫الرحمن ‪ُ ،‬مدّكر أو مُذّكر ؟ قال ‪ :‬أقرأني رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬مُ ّدكِرٍ } (‪)1‬‬
‫وهكذا رواه البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن السود‬
‫(‪ )2‬بن يزيد ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬قرأت على النبي صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ مُ ّذكِرٍ } فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } (‪)3‬‬
‫وروى البخاري أيضا من حديث شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عن عبد ال ‪ ،‬قال ‪ :‬كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } (‪.)4‬‬
‫وقال ‪ :‬حدثنا أبو ُنعَيم ‪ ،‬حدثنا زُهَيْر ‪ ،‬عن أبي إسحاق ؛ أنه سمع رجل يسأل السود ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ‬
‫مُ ّدكِرٍ } أو { مُ ّذكِر } ؟ قال ‪ :‬سمعت عبد ال يقرأ ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ }‪ .‬وقال ‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقرؤها ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ } دال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/395‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عن أبي السود"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4874‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4869‬‬

‫( ‪)7/477‬‬

‫كَذّ َبتْ عَادٌ َفكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )18‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا فِي َيوْمِ َنحْسٍ مُسْ َتمِرّ (‬
‫عذَابِي وَنُذُرِ (‪ )21‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآَنَ‬
‫خلٍ مُ ْن َقعِرٍ (‪َ )20‬فكَ ْيفَ كَانَ َ‬
‫عجَازُ َن ْ‬
‫‪ )19‬تَنْ ِزعُ النّاسَ كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪)22‬‬
‫وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إل ابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي إسحاق (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } أي ‪ :‬كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ‬
‫بما جاءت به نُذُري ‪ ،‬وكيف انتصرت لهم ‪ ،‬وأخذت لهم بالثأر‪.‬‬
‫{ وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ } أي ‪ :‬سهلنا لفظه ‪ ،‬ويسرنا معناه لمن أراده ‪ ،‬ليتذكر الناس‪ .‬كما قال‬
‫‪ { :‬كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَ ْيكَ مُبَا َركٌ لِ َيدّبّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَ َذكّرَ (‪ )2‬أُولُو اللْبَابِ } [ ص ‪ ، ] 29 :‬وقال تعالى‬
‫ن وَتُنْذِرَ بِهِ َق ْومًا ُلدّا } [ مريم ‪.] 97 :‬‬
‫‪ { :‬فَإِ ّنمَا َيسّرْنَاهُ بِلِسَا ِنكَ لِتُ َبشّرَ بِهِ ا ْلمُ ّتقِي َ‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ } يعني ‪َ :‬هوّنّا قراءته‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬يسرنا تلوته على اللسن‪.‬‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬لول أن ال يسره على لسان الدميين ‪ ،‬ما استطاع أحد من الخلق‬
‫أن يتكلم بكلم ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن تيسيره ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬على الناس تلوة القرآن ما تَقدّم عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫قال ‪" :‬إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"‪ .‬وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن‬
‫إعادته هاهنا ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } أي ‪ :‬فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد َيسّر ال حفظه ومعناه ؟‬
‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ :‬فهل من منزجر عن المعاصي ؟‬
‫شوْذَب ‪،‬‬
‫ضمْرَة (‪ ، )3‬عن ابن َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا الحسن بن رافع ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫عن مَطَر ‪ -‬هو الوراق ‪ -‬في قوله تعالى ‪َ { :‬فهَلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ } هل من طالب علم فَ ُيعَان عليه ؟‬
‫وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم ‪ ،‬عن (‪ )4‬مطر الوراق و[كذا] (‪ )5‬رواه ابن جرير (‪، )6‬‬
‫وروي عن قتادة مثله‪.‬‬
‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا فِي َيوْمِ نَحْسٍ ُمسْ َتمِرّ‬
‫عذَابِي وَنُذُرِ (‪ )18‬إِنّا أَرْ َ‬
‫{ َكذّ َبتْ عَادٌ َفكَ ْيفَ كَانَ َ‬
‫عذَابِي وَنُذُرِ (‪ )21‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ‬
‫خلٍ مُ ْن َقعِرٍ (‪َ )20‬فكَ ْيفَ كَانَ َ‬
‫عجَازُ َن ْ‬
‫(‪ )19‬تَنزعُ النّاسَ كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪.} )22‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن عاد قوم هود ‪ :‬إنهم كذبوا رسولهم أيضا ‪ ،‬كما صنع قوم نوح ‪ ،‬وأنه‬
‫تعالى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4871‬وصحيح مسلم برقم (‪ )823‬وسنن أبي داود برقم (‪)3994‬‬
‫وسنن الترمذي برقم (‪ )2937‬وسنن النسائي (‪.)2/150‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ليذكر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حمزة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)27/57‬‬

‫( ‪)7/478‬‬

‫سعُرٍ (‪َ )24‬أؤُ ْلقِيَ ال ّذكْرُ‬


‫كَذّ َبتْ َثمُودُ بِالنّذُرِ (‪َ )23‬فقَالُوا أَبَشَرًا مِنّا وَاحِدًا نَتّ ِبعُهُ إِنّا إِذًا َلفِي ضَلَالٍ وَ ُ‬
‫غدًا مَنِ ا ْلكَذّابُ الَْأشِرُ (‪ )26‬إِنّا مُرْسِلُو النّا َقةِ فِتْنَةً‬
‫عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ َكذّابٌ أَشِرٌ (‪ )25‬سَ َيعَْلمُونَ َ‬
‫َلهُمْ فَارْ َتقِ ْبهُ ْم وَاصْطَبِرْ (‪)27‬‬

‫أرسل { عَلَ ْيهِمْ رِيحًا صَ ْرصَرًا } ‪ ،‬وهي الباردة الشديدة البرد ‪ { ،‬فِي َيوْمِ َنحْسٍ } أي ‪ :‬عليهم‪.‬‬
‫قاله الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّدّي‪ { .‬مُسْ َتمِرّ } عليهم نحسه ودماره ؛ لنه يوم اتصل فيه عذابهم‬
‫الدنيوي بالخروي‪.‬‬
‫خلٍ مُ ْنقَعِرٍ } وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى‬
‫وقوله ‪ { :‬تَنزعُ النّاسَ كَأَ ّن ُهمْ أَعْجَازُ َن ْ‬
‫تغيبه عن البصار ‪ ،‬ثم تنكسه على أم رأسه ‪ ،‬فيسقط إلى الرض ‪ ،‬فتثلغ رأسه فيبقى جثة بل‬
‫خلٍ مُ ْن َقعِرٍ‪َ .‬فكَ ْيفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ‪ .‬وََلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ‬
‫عجَازُ نَ ْ‬
‫رأس ؛ ولهذا قال ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫َف َهلْ مِنْ ُم ّدكِرٍ }‪.‬‬
‫سعُرٍ (‪َ )24‬أؤُ ْل ِقيَ‬
‫{ َكذّ َبتْ َثمُودُ بِالنّذُرِ (‪َ )23‬فقَالُوا أَبَشَرًا مِنّا وَاحِدًا نَتّ ِبعُهُ إِنّا إِذًا َلفِي ضَللٍ وَ ُ‬
‫ال ّذكْرُ عَلَ ْيهِ مِنْ بَيْنِنَا َبلْ ُهوَ كَذّابٌ َأشِرٌ (‪ )25‬سَ َيعَْلمُونَ غَدًا مَنِ ا ْلكَذّابُ الشِرُ (‪ )26‬إِنّا مُرْسِلُو‬
‫النّاقَةِ فِتْ َنةً َلهُمْ فَارْ َتقِ ْبهُ ْم وَاصْطَبِرْ (‪.} )27‬‬

‫( ‪)7/479‬‬

‫سمَةٌ بَيْ َنهُمْ ُكلّ شِ ْربٍ ُمحْ َتضَرٌ (‪ )28‬فَنَا َدوْا صَاحِ َب ُهمْ فَ َتعَاطَى َفعَقَرَ (‪َ )29‬فكَ ْيفَ‬
‫وَنَبّ ْئهُمْ أَنّ ا ْلمَاءَ قِ ْ‬
‫كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )30‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِه ْم صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً َفكَانُوا َكهَشِيمِ ا ْلمُحْتَظِرِ (‪ )31‬وََلقَدْ يَسّرْنَا‬
‫ا ْلقُرْآَنَ لِل ّذكْرِ َفهَلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪)32‬‬

‫س َمةٌ بَيْ َنهُمْ ُكلّ شِ ْربٍ مُحْ َتضَرٌ (‪ )28‬فَنَا َدوْا صَاحِ َبهُمْ فَ َتعَاطَى َف َعقَرَ (‪َ )29‬فكَ ْيفَ‬
‫{ وَنَبّ ْئهُمْ أَنّ ا ْلمَاءَ قِ ْ‬
‫كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )30‬إِنّا أَرْسَلْنَا عَلَ ْي ِه ْم صَيْحَ ًة وَاحِ َدةً َفكَانُوا َكهَشِيمِ ا ْلمُحْتَظِرِ (‪ )31‬وََلقَدْ يَسّرْنَا‬
‫ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َفهَلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪.} )32‬‬
‫وهذا إخبار عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا ‪َ { ،‬فقَالُوا أَبَشَرًا مِنّا وَاحِدًا نَتّ ِبعُهُ إِنّا ِإذًا َلفِي‬
‫سعُرٍ } ‪ ،‬يقولون ‪ :‬لقد خبنا وخسرنا إن سلمنا كُلّنا قيادنا لواحد منا!‬
‫ضَللٍ وَ ُ‬
‫ثم تعجبوا من إلقاء الوحي عليه خاصة من دونهم ‪ ،‬ثم رموه بالكذب فقالوا ‪َ { :‬بلْ ُهوَ كَذّابٌ‬
‫غدًا مَنِ ا ْلكَذّابُ الشِرُ } وهذا‬
‫أَشِرٌ } أي ‪ :‬متجاوز في حد الكذب‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬سَ َيعَْلمُونَ َ‬
‫تهديد لهم شديد ووعيد أكيد‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْ َنةً َلهُمْ } أي ‪ :‬اختبارا لهم ؛ أخرج ال لهم ناقة عظيمة عُشراء‬
‫من صخرة صمّاء طبق ما سألوا ‪ ،‬لتكون حجة ال عليهم في تصديق صالح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فيما‬
‫جاءهم به‪.‬‬
‫ثم قال آمرا لعبده ورسوله صالح ‪ { :‬فَارْ َتقِ ْبهُ ْم وَاصْطَبِرْ } أي ‪ :‬انتظر ما يؤول إليه أمرهم ‪،‬‬
‫س َمةٌ بَيْ َنهُمْ }‬
‫واصبر عليهم ‪ ،‬فإن العاقبة لك والنصر لك في الدنيا والخرة ‪ { ،‬وَنَبّ ْئهُمْ أَنّ ا ْلمَاءَ قِ ْ‬
‫أي ‪ :‬يوم لهم ويوم للناقة ؛ كقوله ‪ { :‬قَالَ َه ِذهِ نَاقَةٌ َلهَا شِ ْربٌ وََلكُمْ شِ ْربُ َيوْمٍ َمعْلُومٍ } [الشعراء ‪:‬‬
‫‪.]155‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬كلّ شِ ْربٍ مُحْ َتضَرٌ } قال مجاهد ‪ :‬إذا غابت حضروا الماء ‪ ،‬وإذا جاءت حضروا‬
‫اللبن‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَنَا َدوْا صَاحِ َبهُمْ فَ َتعَاطَى َف َعقَرَ } قال المفسرون ‪ :‬هو عاقر الناقة ‪ ،‬واسمه قُدّار‬
‫شقَاهَا } [ الشمس ‪ { .] 12 :‬فَ َتعَاطَى } أي ‪:‬‬
‫بن سالف ‪ ،‬وكان أشقى قومه‪ .‬كقوله ‪ { :‬إِذِ انْ َب َعثَ أَ ْ‬
‫فَجَسر (‪)1‬‬
‫عذَابِي وَنُذُرِ } أي ‪ :‬فعاقبتهم ‪ ،‬فكيف كان عقابي (‪[ )2‬لهم] (‪ )3‬على كفرهم‬
‫{ َف َعقَرَ‪َ .‬فكَيْفَ كَانَ َ‬
‫بي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬حسر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عذابي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/479‬‬

‫سحَرٍ (‪ِ )34‬ن ْعمَةً مِنْ‬


‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ حَاصِبًا إِلّا َآلَ لُوطٍ نَجّيْنَا ُهمْ بِ َ‬
‫كَذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ بِالنّذُرِ (‪ )33‬إِنّا أَرْ َ‬
‫شكَرَ (‪ )35‬وََلقَدْ أَ ْنذَرَهُمْ َبطْشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ (‪ )36‬وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ‬
‫عِنْدِنَا َكذَِلكَ نَجْزِي مَنْ َ‬
‫عذَابٌ مُسْ َتقِرّ (‪َ )38‬فذُوقُوا‬
‫حهُمْ ُبكْ َرةً َ‬
‫طمَسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )37‬وََلقَدْ صَبّ َ‬
‫ضَيْفِهِ َف َ‬
‫عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )39‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآَنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪)40‬‬

‫ح ًة وَاحِ َدةً َفكَانُوا َكهَشِيمِ ا ْلمُحْ َتظِرِ } أي ‪ :‬فبادوا عن‬


‫علَ ْيهِ ْم صَيْ َ‬
‫وتكذيبهم رسولي ؟ { إِنّا أَرْسَلْنَا َ‬
‫خمَدوا و َهمَدوا كما يهمد يَبِيس الزرع والنبات‪ .‬قاله غير واحد‬
‫آخرهم لم تبق (‪ )1‬منهم باقية ‪ ،‬و َ‬
‫من المفسرين‪ .‬والمحتظر ‪ -‬قال السدي ‪ : -‬هو المرعى بالصحراء حين يبيس وتحرق ونسفته‬
‫الريح‪.‬‬
‫حظَارًا على البل والمواشي من يَبِيس الشوك ‪ ،‬فهو المراد‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬كانت العرب يجعلون ِ‬
‫من قوله ‪َ { :‬كهَشِيمِ ا ْل ُمحْتَظِرِ }‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جُبَير ‪َ { :‬كهَشِيمِ ا ْلمُحْ َتظِرِ } ‪ :‬هو التراب المتناثر من الحائط‪ .‬وهذا قول غريب ‪،‬‬
‫والول أقوى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سلْنَا عَلَ ْيهِمْ حَاصِبًا إِل آلَ لُوطٍ َنجّيْنَاهُمْ ِبسَحَرٍ (‪ِ )34‬ن ْعمَةً مِنْ‬
‫{ َكذّ َبتْ َقوْمُ لُوطٍ بِالنّذُرِ (‪ )33‬إِنّا أَرْ َ‬
‫شكَرَ (‪ )35‬وََلقَدْ أَ ْنذَرَهُمْ َبطْشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ (‪ )36‬وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ‬
‫عِنْدِنَا َكذَِلكَ نَجْزِي مَنْ َ‬
‫عذَابٌ مُسْ َتقِرّ (‪َ )38‬فذُوقُوا‬
‫حهُمْ ُبكْ َرةً َ‬
‫طمَسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )37‬وََلقَدْ صَبّ َ‬
‫ضَيْفِهِ َف َ‬
‫عَذَابِي وَنُذُرِ (‪ )39‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪.} )40‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قوم لوط كيف كذبوا رسولهم وخالفوه ‪ ،‬وارتكبوا المكروه من إتيان الذكور‬
‫‪ ،‬وهي الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد من العالمين ؛ ولهذا أهلكهم ال هلكا لم يُهلكه أمةً من‬
‫المم ‪ ،‬فإنه تعالى أمر جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فحمل مدائنهم حتى وصل بها إلى عَنَان السماء ‪،‬‬
‫ثم قلبها عليهم وأرسلها ‪ ،‬وأتبعت بحجارة من سجيل منضود ؛ ولهذا قال هاهنا‪ { .‬إِنّا أَرْسَلْنَا‬
‫سحَرٍ } أي ‪ :‬خرجوا من آخر الليل‬
‫عَلَ ْيهِمْ حَاصِبًا } وهي ‪ :‬الحجارة ‪ { ،‬إِل آلَ لُوطٍ َنجّيْنَا ُهمْ بِ َ‬
‫فنجوا مما أصاب قومهم ‪ ،‬ولم يؤمن بلوط من قومه أحد ول رجل واحد حتى ول امرأته ‪،‬‬
‫أصابها ما أصاب قومها ‪ ،‬وخرج نبي ال لوط وبنات له من بين أظهرهم سالما لم يمسَسْه سوء ؛‬
‫شكَرَ‪ .‬وََلقَدْ أَنْذَ َرهُمْ َبطْشَتَنَا } أي ‪ :‬ولقد كان قبل حلول‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬كَذَِلكَ َنجْزِي مَنْ َ‬
‫العذاب بهم قد أنذرهم بأس ال وعذابه ‪ ،‬فما التفتوا إلى ذلك ‪ ،‬ول أصغوا إليه ‪ ،‬بل شكوا فيه‬
‫ن ضَ ْيفِهِ } وذلك ليلة ورَدَ عليه الملئكة ‪ :‬جبريل ‪ ،‬وميكائيل ‪،‬‬
‫وتماروا به ‪ { ،‬وََلقَدْ رَاوَدُوهُ عَ ْ‬
‫وإسرافيل في صورة شباب مُرد حِسان محنَةً من ال بهم ‪ ،‬فأضافهم لوط [عليه السلم] (‪)2‬‬
‫وبعثت امرأته العجوز السوءُ إلى قومها ‪ ،‬فأعلمتهم بأضياف لوط ‪ ،‬فأقبلوا ُيهْرَعُونَ إليه من كل‬
‫مكان ‪ ،‬فأغلق لوط دونهم الباب ‪ ،‬فجعلوا يحاولون كسر الباب ‪ ،‬وذلك عشية ‪ ،‬ولوط ‪ ،‬عليه‬
‫السلم ‪ ،‬يدافعهم ويمانعهم دون أضيافه ‪ ،‬ويقول لهم ‪َ { :‬هؤُلءِ بَنَاتِي } يعني ‪ :‬نساءهم ‪ { ،‬إِنْ‬
‫كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } [ الحجر ‪ {] 71 :‬قَالُوا َلقَدْ عَِل ْمتَ مَا لَنَا فِي بَنَا ِتكَ مِنْ حَقّ } أي ‪ :‬ليس لنا فيهن‬
‫أ َربٌ ‪ { ،‬وَإِ ّنكَ لَ َتعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [ هود ‪ ] 79 :‬فلما اشتد الحال وأبوا إل الدخول ‪ ،‬خرج عليهم‬
‫جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فضرب أعينهم بطرف جناحه ‪ ،‬فانطمست أعينهم‪ .‬يقال ‪ :‬إنها غارت من‬
‫وجوههم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يبق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫( ‪)7/480‬‬

‫عوْنَ النّذُرُ (‪َ )41‬كذّبُوا بِآَيَاتِنَا كُّلهَا فَأَخَذْنَاهُمْ َأخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (‪َ )42‬أ ُكفّا ُركُمْ خَيْرٌ‬
‫وَلَقَدْ جَاءَ َآلَ فِرْ َ‬
‫جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ‬
‫جمِيعٌ مُنْ َتصِرٌ (‪ )44‬سَ ُيهْزَمُ الْ َ‬
‫مِنْ أُولَ ِئكُمْ أَمْ َلكُمْ بَرَا َءةٌ فِي الزّبُرِ (‪ )43‬أَمْ َيقُولُونَ نَحْنُ َ‬
‫الدّبُرَ (‪َ )45‬بلِ السّاعَةُ َموْعِدُ ُه ْم وَالسّاعَةُ أَدْهَى وََأمَرّ (‪)46‬‬

‫وقيل ‪ :‬إنه لم تبق لهم عيون بالكلية ‪ ،‬فرجعوا على أدبارهم يتحسسون بالحيطان ‪ ،‬ويتوعدون‬
‫لوطا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إلى الصباح‪.‬‬
‫عذَابٌ مُسْ َتقِرّ } أي ‪ :‬ل محيد لهم عنه ‪ ،‬ول انفكاك لهم‬
‫حهُمْ ُبكْ َرةً َ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وََلقَ ْد صَبّ َ‬
‫منه ‪ { ،‬فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ‪ .‬وََلقَدْ يَسّرْنَا ا ْلقُرْآنَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ }‪.‬‬
‫خذَ عَزِيزٍ ُمقْتَدِرٍ (‪َ )42‬أ ُكفّا ُركُمْ‬
‫خذْنَا ُهمْ أَ ْ‬
‫عوْنَ النّذُرُ (‪ )41‬كَذّبُوا بِآيَاتِنَا كُّلهَا فَأَ َ‬
‫{ وََلقَدْ جَاءَ آلَ فِرْ َ‬
‫جمْعُ‬
‫جمِيعٌ مُنْ َتصِرٌ (‪ )44‬سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ‬
‫خَيْرٌ مِنْ أُولَ ِئكُمْ أَمْ َل ُكمْ بَرَا َءةٌ فِي الزّبُرِ (‪َ )43‬أمْ َيقُولُونَ َنحْنُ َ‬
‫وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ (‪َ )45‬بلِ السّاعَةُ َموْعِدُهُ ْم وَالسّاعَةُ َأدْهَى وََأمَرّ (‪.} )46‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن فرعون وقومه إنهم جاءهم رسول ال موسى وأخوه هارون بالبشارة إن‬
‫آمنوا ‪ ،‬والنذارة إن كفروا ‪ ،‬وأيدهما بمعجزات عظيمة وآيات متعددة ‪ ،‬فكذبوا بها كلها ‪ ،‬فأخذهم‬
‫ال أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬أي ‪ :‬فأبادهم ال ولم (‪ )1‬يُبق منهم مخبرًا ول عينًا ول أثرًا‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أ ُكفّارُكُمْ } أي ‪ :‬أيها المشركون من كفار قريش { خَيْرٌ مِنْ أُولَ ِئكُمْ } يعني ‪ :‬من الذين‬
‫تقدم ذكرهم ممن أهلكوا بسبب تكذيبهم الرسل ‪ ،‬وكفرهم بالكتب ‪ :‬أأنتم خير أم أولئك ؟ { أَمْ َلكُمْ‬
‫بَرَا َءةٌ فِي الزّبُرِ } أي ‪ :‬أم معكم (‪ )2‬من ال براءة أل ينالكم عذاب ول نكال ؟‪.‬‬
‫جمِيعٌ مُنْ َتصِرٌ } أي ‪ :‬يعتقدون أنهم مناصرون (‪ )3‬بعضهم‬
‫ثم قال مخبرا عنهم ‪ { :‬أَمْ َيقُولُونَ َنحْنُ َ‬
‫جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ‬
‫بعضا ‪ ،‬وأن جمعهم يغني عنهم من أرادهم بسوء ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ‬
‫} أي ‪ :‬سيتفرق شملهم ويغلبون‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ ،‬عن خالد ‪ -‬وقال أيضا ‪ :‬حدثنا محمد ‪ ،‬حدثنا (‪)4‬‬
‫عفان بن مسلم ‪ ،‬عن وُهيب ‪ ،‬عن خالد ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ؛ أن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ -‬وهو في قبة له يوم بدر ‪" : -‬أنشدك عهدك ووعدك ‪ ،‬اللهم إن شئت لم تُعبد بعد اليوم‬
‫(‪ )5‬أبدا"‪ .‬فأخذ أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بيده وقال ‪ :‬حسبك يا رسول ال! ألححت على ربك‪.‬‬
‫عةُ َموْعِدُهُمْ‬
‫جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ‪َ .‬بلِ السّا َ‬
‫فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول ‪ { :‬سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ‬
‫وَالسّاعَةُ َأدْهَى وََأمَرّ }‪.‬‬
‫وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع ‪ ،‬من حديث خالد ‪ -‬وهو ِمهْران (‪ )6‬الحذاء ‪ -‬به (‬
‫‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الربيع الزّهرَاني ‪ ،‬حدثنا حماد عن أيوب ‪ ،‬عن‬
‫جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ } [قال] (‪ )8‬قال عمر ‪ :‬أيّ جمَع يهزم ؟‬
‫عكرمة ‪ ،‬قال ‪ :‬لما نزلت { سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ‬
‫جمْع‬
‫أيّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬معهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يتناصرون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬بعد اليوم في الرض"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهو ابن مهران"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4877 ، 4875 ، 3953 ، 2915‬والنسائي في السنن الكبرى برقم‬
‫(‪.)11557‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/481‬‬

‫سقَرَ (‪)48‬‬
‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى وُجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫سعُرٍ (‪َ )47‬يوْمَ يُ ْ‬
‫ل وَ ُ‬
‫إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي ضَلَا ٍ‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ (‪)49‬‬
‫إِنّا ُكلّ َ‬

‫يغلب ؟ قال عمر ‪ :‬فلما كان يوم بدر رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يثب في الدرع ‪ ،‬وهو‬
‫جمْ ُع وَ ُيوَلّونَ الدّبُرَ } فعرفت تأويلها يومئذ (‪.)1‬‬
‫يقول ‪ { :‬سَ ُيهْزَمُ ا ْل َ‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف ؛ أن ابن جُرَيج أخبرهم ‪:‬‬
‫أخبرني يوسف بن ما َهكَ قال ‪ :‬إني عند عائشة أم المؤمنين ‪ ،‬قالت ‪ :‬نزل على محمد صلى ال‬
‫عةُ أَدْهَى وََأمَرّ } هكذا رواه‬
‫عليه وسلم بمكة ‪ -‬وإني لجارية ألعب ‪َ { -‬بلِ السّاعَةُ َموْعِدُ ُه ْم وَالسّا َ‬
‫ها هنا مختصرا (‪ .)2‬ورواه في فضائل القرآن مطول (‪ ، )3‬ولم يخرجه مسلم‪.‬‬
‫سقَرَ (‬
‫سعُرٍ (‪َ )47‬يوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى وُجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫{ إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي ضَللٍ وَ ُ‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ (‪.} )49‬‬
‫‪ )48‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه عبد الرزاق في تفسيره (‪ )2/209‬من طريق معمر عن أيوب به‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4876‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4993‬‬
‫( ‪)7/482‬‬

‫شيْءٍ‬
‫عكُمْ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪َ )51‬و ُكلّ َ‬
‫َومَا َأمْرُنَا إِلّا وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ (‪ )50‬وََلقَدْ أَ ْهَلكْنَا أَشْيَا َ‬
‫ت وَ َنهَرٍ (‪ )54‬فِي َم ْقعَدِ‬
‫صغِيرٍ َوكَبِيرٍ مُسْ َتطَرٌ (‪ )53‬إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫ل َ‬
‫َفعَلُوهُ فِي الزّبُرِ (‪َ )52‬و ُك ّ‬
‫صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ ُمقْتَدِرٍ (‪)55‬‬

‫شيْءٍ‬
‫عكُمْ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ (‪َ )51‬و ُكلّ َ‬
‫ح َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ (‪ )50‬وََلقَدْ أَ ْهَلكْنَا أَشْيَا َ‬
‫{ َومَا َأمْرُنَا إِل وَا ِ‬
‫ت وَ َنهَرٍ (‪ )54‬فِي َم ْقعَدِ‬
‫صغِيرٍ َوكَبِيرٍ مُسْ َتطَرٌ (‪ )53‬إِنّ ا ْلمُ ّتقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫ل َ‬
‫َفعَلُوهُ فِي الزّبُرِ (‪َ )52‬و ُك ّ‬
‫صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ ُمقْتَدِرٍ (‪} )55‬‬
‫سعُر مما هم فيه من الشكوك‬
‫يخبرنا (‪ )1‬تعالى عن المجرمين أنهم في ضلل عن الحق ‪ ،‬و ُ‬
‫والضطراب في الراء ‪ ،‬وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق‪.‬‬
‫سعُر وشك وتردد أورثهم‬
‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى ُوجُو ِههِمْ } أي ‪ :‬كما كانوا في ُ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬يوْمَ يُ ْ‬
‫ذلك النار ‪ ،‬وكما كانوا ضلل سُحبوا فيها على وجوههم ‪ ،‬ل يدرون أين يذهبون ‪ ،‬ويقال لهم‬
‫سقَرَ }‪.‬‬
‫تقريعا وتوبيخا ‪ { :‬ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫شيْءٍ َفقَدّ َرهُ َتقْدِيرًا } [ الفرقان ‪] 2 :‬‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ } ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَخَلَقَ ُكلّ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫سوّى‪ .‬وَالّذِي َقدّرَ َفهَدَى } [ العلى ‪ ] 3 - 1 :‬أي‬
‫وكقوله ‪ { :‬سَبّحِ اسْمَ رَ ّبكَ العْلَى‪ .‬الّذِي خَلَقَ َف َ‬
‫‪ :‬قدر قدرا ‪ ،‬وهدى الخلئق إليه ؛ ولهذا يستدل بهذه الية الكريمة أئمةُ السنة على إثبات قَدَر ال‬
‫السابق لخلقه ‪ ،‬وهو علمه الشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها ‪ ،‬وردّوا بهذه الية وبما (‪)2‬‬
‫شاكلها من اليات ‪ ،‬وما ورد في معناها من الحاديث الثابتات على الفرْقة القَدرية الذين نبغوا (‬
‫‪ )3‬في أواخر عصر الصحابة‪ .‬وقد تكلمنا على هذا المقام مفصل وما ورد فيه من الحاديث في‬
‫شرح "كتاب اليمان" من "صحيح البخاري" رحمه ال ‪ ،‬ولنذكر هاهنا الحاديث المتعلقة بهذه الية‬
‫الكريمة ‪:‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا سفيان الثوري ‪ ،‬عن زياد بن إسماعيل السهمي ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عباد بن جعفر ‪ ،‬عن أبي هُرَيرَة قال ‪ :‬جاء مشركو قريش إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫سقَرَ‪ .‬إِنّا ُكلّ‬
‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى وُجُو ِه ِهمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫يخاصمونه في القدر ‪ ،‬فنزلت ‪َ { :‬ي ْومَ يُ ْ‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ }‪.‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬يخبر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سعوا"‪.‬‬
‫( ‪)7/482‬‬

‫وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث وكيع ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫خلَد ‪ ،‬حدثنا يونس بن الحارث ‪ ،‬عن‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا عمرو بن على ‪ ،‬حدثنا الضحاك بن مَ ْ‬
‫عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬ما نزلت هذه اليات ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُجْ ِرمِينَ فِي ضَللٍ‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ } ‪ ،‬إل في‬
‫سقَرَ‪ .‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫سحَبُونَ فِي النّارِ عَلَى ُوجُو ِههِمْ ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫سعُرٍ‪َ .‬يوْمَ يُ ْ‬
‫وَ ُ‬
‫أهل القدر (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سهل (‪ )3‬بن صالح النطاكي ‪ ،‬حدثني قُرّة بن حبيب ‪،‬‬
‫جعْ َدةَ ‪ ،‬عن ابن زُرَارة ‪ ،‬عن أبيه ‪،‬‬
‫عن كنانة حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬عن سعيد بن عمرو بن َ‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ } ‪،‬‬
‫سقَرَ‪ .‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه تل هذه الية ‪ { :‬ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫قال ‪" :‬نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر ال" (‪.)4‬‬
‫وحدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا مَرْوان بن شجاع الجزَري ‪ ،‬عن عبد الملك بن جُرَيْج ‪ ،‬عن‬
‫عطاء بن أبي رَبَاح ‪ ،‬قال ‪ :‬أتيت ابن عباس وهو يَنزع من زمزم ‪ ،‬وقد ابتلّت أسافل ثيابه ‪ ،‬فقلت‬
‫له ‪ :‬قد ُتكُلّم في القدر‪ .‬فقال ‪ :‬أو [قد] (‪ )5‬فعلوها ؟ قلت ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فوال ما نزلت هذه الية إل‬
‫شيْءٍ خََلقْنَاهُ ِبقَدَرٍ } ‪ ،‬أولئك شرار هذه المة ‪ ،‬فل تعودوا‬
‫سقَرَ‪ .‬إِنّا ُكلّ َ‬
‫فيهم ‪ { :‬ذُوقُوا مَسّ َ‬
‫مرضاهم ول ُتصَلّوا على موتاهم ‪ ،‬إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعيّ هاتين‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من وجه آخر ‪ ،‬وفيه مرفوع ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن بعض إخوته ‪ ،‬عن محمد بن عُبَيد المكي ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن عباس ‪ ،‬قال ‪ :‬قيل له ‪ :‬إن رجل قدم علينا ُيكَذّب بالقدر فقال ‪ :‬دلوني عليه ‪ -‬وهو أعمى ‪-‬‬
‫قالوا ‪ :‬وما تصنع به يا أبا عباس قال ‪ :‬والذي نفسي بيده لئن استمكنت منه لعضّنّ أنفه حتى‬
‫أقطعه ‪ ،‬ولئن وقعت رقبته في يدي لدقنها ؛ فإني (‪ )6‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫طفْنَ بالخزرج ‪ ،‬تصطفق ألياتهن مشركات ‪ ،‬هذا أول شرك هذه‬
‫يقول ‪" :‬كأني بنساء بني ِفهْر يَ ُ‬
‫المة ‪ ،‬والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا ال من أن يكون قَدّر خيرا ‪ ،‬كما‬
‫أخرجوه من أن يكون قدر شرا" (‪.)7‬‬
‫ثم رواه أحمد عن أبي المغيرة ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن العلء بن الحجاج ‪ ،‬عن محمد بن عبيد ‪،‬‬
‫فذكر مثله (‪ .)8‬لم يخرجوه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/444‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2656‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3290‬وسنن ابن ماجة‬
‫برقم (‪.)83‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )2265‬كشف الستار" ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/117‬فيه يونس‬
‫بن الحارث ‪ ،‬وثقه ابن معين وابن حيان وفيه ضعف ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سهيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )5/276‬من طريق قرة بن حبيب عن جرير بن حازم ‪-‬‬
‫وأظن أن كنانة ساقط منه ‪ -‬عن سعيد بن عمرو به‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)1/330‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)1/330‬‬

‫( ‪)7/483‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي أيوب ‪ ،‬حدثني أبو صخر ‪ ،‬عن‬
‫نافع قال ‪ :‬كان لبن عمر صديق من أهل الشام يكاتبه (‪ ، )1‬فكتب إليه عبد ال بن عمر ‪ :‬إنه‬
‫بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر ‪ ،‬فإياك أن تكتب إليّ ‪ ،‬فإني سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر"‪.‬‬
‫رواه أبو داود ‪ ،‬عن أحمد بن حنبل ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫غفْرَة ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ؛‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أنس بن عياض ‪ ،‬حدثنا عمر بن عبد ال مولى ُ‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لكل أمة مجوس ‪ ،‬ومجوس أمتي الذين يقولون ‪ :‬ل‬
‫قدر‪ .‬إن مرضوا فل تعودوهم ‪ ،‬وإن ماتوا فل تشهدوهم" (‪.)3‬‬
‫لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬
‫حمَيد بن زياد ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن‬
‫شدِين ‪ ،‬عن أبي صخر ُ‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا رِ ْ‬
‫عمر قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬سيكون في هذه المة مسخ ‪ ،‬أل وذاك‬
‫في المكذبين بالقدر والزنديقية"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث أبي صخر حميد بن زياد ‪ ،‬به (‪ .)4‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح غريب‪.‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا إسحاق بن الطباع ‪ ،‬أخبرني مالك ‪ ،‬عن زياد بن سعد ‪ ،‬عن عمرو بن مسلم ‪،‬‬
‫عن طاوس اليماني قال ‪ :‬سمعت ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل شيء‬
‫بقدرن حتى العجز والكيس"‪.‬‬
‫ورواه مسلم منفردا به ‪ ،‬من حديث مالك (‪.)6( )5‬‬
‫وفي الحديث الصحيح ‪" :‬استعن بال ول تعجز ‪ ،‬فإن أصابك أمر فقل ‪َ :‬قدّ ُر ال وما شاء فعل ‪،‬‬
‫ول تقل ‪ :‬لو أني فعلت لكان كذا ‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان" (‪.)7‬‬
‫وفي حديث ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال له ‪" :‬واعلم أن المة لو اجتمعوا‬
‫على أن ينفعوك بشيء ‪ ،‬لم يكتبه ال لك ‪ ،‬لم ينفعوك ‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ‪ ،‬لم‬
‫يكتبه ال عليك ‪ ،‬لم يضروك‪ .‬جفّت القلم وطويت الصحف" (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فكاتبه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/90‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4613‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/86‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/108‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2152‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4061‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ورواه مسلم من حديث مالك منفردا به"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )2/110‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2655‬‬
‫(‪ )7‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2664‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه المام أحمد في مسنده (‪.)1/293‬‬

‫( ‪)7/484‬‬

‫سوّار ‪ ،‬حدثنا الليث (‪ ، )1‬عن معاوية ‪ ،‬عن أيوب بن زياد ‪،‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسن بن َ‬
‫حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة ‪ ،‬حدثني أبي قال ‪ :‬دخلت على عبادة وهو مريض أتخايل فيه‬
‫الموت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبتاه ‪ ،‬أوصني واجتهد لي‪ .‬فقال ‪ :‬أجلسوني‪ .‬فلما أجلسوه قال ‪ :‬يا بني ‪ ،‬إنك‬
‫لما تطعم طعم اليمان ‪ ،‬ولم تبلغ حق حقيقة العلم بال ‪ ،‬حتى تؤمن بالقدر خيره وشره‪ .‬قلت ‪ :‬يا‬
‫أبتاه ‪ ،‬وكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره ؟ قال ‪ :‬تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ‪ ،‬وما‬
‫أصابك لم يكن ليخطئك‪ .‬يا بني ‪ ،‬إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن أول ما‬
‫خلق ال القلم‪ .‬ثم قال له ‪ :‬اكتب‪ .‬فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" يا بني ‪ ،‬إن‬
‫متّ ولستَ على ذلك دخلت النار (‪.)2‬‬
‫ورواه الترمذي عن يحيى بن موسى البَ ْلخِي ‪ ،‬عن أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن عبد الواحد بن سليم ‪،‬‬
‫عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن الوليد بن عبادة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب (‪.)3‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن رِ ْبعِي بن خِرَاش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن علي بن أبي طالب‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع ‪ :‬يشهد أن ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬وأني رسول ال ‪ ،‬بعثني بالحق ‪ ،‬ويؤمن بالموت ‪ ،‬ويؤمن بالبعث بعد الموت ‪ ،‬ويؤمن‬
‫بالقدر خيره وشره"‪.‬‬
‫شمَيْل ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬به (‪ .)4‬ورواه من‬
‫وكذا رواه الترمذي من حديث النضر بن ُ‬
‫حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن (‪ )5‬منصور ‪ ،‬عن ربعي ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬فذكره وقال‬
‫‪" :‬هذا عندي أصح"‪ .‬وكذا رواه ابن ماجه من حديث شريك ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن ربعي ‪ ،‬عن‬
‫علي ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد ال بن وهب وغيره ‪ ،‬عن أبي (‪ )7‬هانئ الخولني ‪،‬‬
‫عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬إن ال كتب مقادير الخلئق قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة" زاد ابن وهب‬
‫شهُ عَلَى ا ْلمَاءِ } [هود ‪ .]7 :‬ورواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب (‪.)8‬‬
‫‪َ { :‬وكَانَ عَرْ ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَاحِ َدةٌ كََلمْحٍ بِالْ َبصَرِ }‪ .‬وهو إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه كما أخبر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ليث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/317‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)3319‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )2145‬ورواه أحمد في مسنده (‪ )1/133‬عن وكيع والحاكم في‬
‫مستدركه (‪ )1/33‬عن أبي حذيفة ‪ ،‬كلهما عن سفيان الثوري به‪.‬‬
‫وقد رجح هذه الرواية الدارقطني في العلل (‪ )3/196‬فقال ‪" :‬حديث شريك وورقاء وجرير‬
‫وعمرو بن أبي قيس عن منصور عن ربعي عن علي‪ .‬وخالفهم سفيان الثوري وزائدة أبو‬
‫الحوص وسليمان التيمي فرووه ‪ :‬عن منصور عن ربعي عن رجل من بني راشد عن علي وهو‬
‫الصواب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )2145‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)81‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أم"‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪ )2653‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2156‬‬

‫( ‪)7/485‬‬

‫بنفوذ قدره فيهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا َأمْرُنَا إِل وَاحِ َدةٌ } أي ‪ :‬إنما نأمر بالشيء مرة واحدة ‪ ،‬ل نحتاج‬
‫إلى تأكيد بثانية ‪ ،‬فيكون ذلك الذي نأمر به حاصل موجودا كلمح البصر (‪ ، )1‬ل يتأخر طرفة‬
‫عين ‪ ،‬وما أحسن ما قال بعض الشعراء ‪:‬‬
‫إذَا ما أرَادَ ال أمْرًا فَإِنّما‪ ...‬يقُولُ لهُ ‪ :‬كُنْ ‪َ ،‬قوَلةً (‪ )2‬فَ َيكُونُ‪...‬‬
‫عكُمْ } يعني ‪ :‬أمثالكم وسلفكم من المم السابقة المكذبين بالرسل ‪َ { ،‬ف َهلْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلقَدْ أَهَْلكْنَا أَشْيَا َ‬
‫مِنْ مُ ّدكِرٍ } أي ‪ :‬فهل من متعظ بما أخزى ال أولئك ‪ ،‬وقدر لهم من العذاب ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَحِيلَ‬
‫عهِمْ مِنْ قَ ْبلُ } [ سبأ ‪.] 54 :‬‬
‫بَيْ َنهُ ْم وَبَيْنَ مَا يَشْ َتهُونَ َكمَا ُف ِعلَ بَِأشْيَا ِ‬
‫شيْءٍ َفعَلُوهُ فِي الزّبُرِ } أي ‪ :‬مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملئكة عليهم‬
‫وقوله ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫صغِيرٍ َوكَبِيرٍ } أي ‪ :‬من أعمالهم { مُسْ َتطَرٌ } أي ‪ :‬مجموع عليهم ‪ ،‬ومسطر في‬
‫ل َ‬
‫السلم ‪َ { ،‬و ُك ّ‬
‫صحائفهم ‪ ،‬ل يغادر صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا سعيد بن مسلم بن بانك ‪ :‬سمعت عامر بن عبد ال‬
‫بن الزبير ‪ ،‬حدثني عوف بن الحارث ‪ -‬وهو ابن أخي عائشة لمها ‪ -‬عن عائشة أن رسول ال‬
‫حقّرات الذنوب ‪ ،‬فإن لها من ال طالبا"‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬إياك ومُ َ‬
‫ورواه النسائي وابن ماجه ‪ ،‬من طريق سعيد بن مسلم بن بانك المدني (‪ .)3‬وثقه (‪ )4‬أحمد ‪،‬‬
‫وابن معين ‪ ،‬وأبو حاتم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقد رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة سعيد بن مسلم هذا من وجه آخر (‪ ، )5‬ثم قال سعيد ‪:‬‬
‫فحدثت بهذا الحديث عامر بن هشام فقال لي ‪ :‬ويحك يا سعيد بن مسلم! لقد حدثني سليمان بن‬
‫المغيرة أنه عمل ذنبا فاستصغره ‪ ،‬فأتاه آت في منامه فقال له ‪ :‬يا سليمان ‪:‬‬
‫صغِيرا‪ ...‬إن الصّغير غدًا يعود (‪ )6‬كبيرا‪...‬‬
‫ب َ‬
‫حقِرنّ مِنَ الذنو ِ‬
‫ل َت ْ‬
‫سطّرٌ تسطيرا‪...‬‬
‫إن الصغير ولو تقادم عهده‪ ...‬عند الله مُ َ‬
‫فازجر هواك عن البطالة ل تكن‪ ...‬صعب القياد وشمرن (‪ )7‬تشميرا‪...‬‬
‫حبّ إذا أحب إلههُ‪ ...‬طار الفؤاد وأُ ْلهِم التفكيرا‪...‬‬
‫إن المُ ِ‬
‫فاسأل هدايتك الله بِنِيّة‪َ ...‬ف َكفَى بِرَ ّبكَ هاديا ونصيرا (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬كلمح البصر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬في الوجود"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/151‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)4243‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الذي وثقه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪" 7/353‬المخطوط") من طريق أبي عامر العقدي والقعنبي ‪ ،‬كلهما عن سعيد‬
‫بن مسلم به‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬يكون"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬وشمر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تاريخ دمشق (‪" 7/353‬القسم المخطوط")‪.‬‬

‫( ‪)7/486‬‬

‫ت وَ َنهَرٍ } أي ‪ :‬بعكس ما الشقياء فيه من الضلل والسّعر والسحب‬


‫وقوله ‪ { :‬إِنّ ا ْلمُتّقِينَ فِي جَنّا ٍ‬
‫في النار على وجوههم ‪ ،‬مع التوبيخ والتقريع والتهديد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فِي َم ْقعَدِ صِدْقٍ } أي ‪ :‬في دار كرامة ال ورضوانه وفضله ‪ ،‬وامتنانه وجوده وإحسانه‬
‫‪ { ،‬عِ ْندَ مَلِيكٍ ُمقْتَدِرٍ } أي ‪ :‬عند الملك العظيم الخالق للشياء كلها ومقدرها ‪ ،‬وهو مقتدر على ما‬
‫يشاء مما يطلبون ويريدون ؛ وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عمرو بن أوس ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو (‪ - )1‬يَبلُغُ به‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬المقسطون عند ال يوم القيامة على منابر من نور ‪ ،‬عن يمين‬
‫الرحمن ‪ ،‬وكلتا يديه يمين ‪ :‬الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬بإسناده مثله (‪.)2‬‬
‫آخر تفسير سورة "اقتربت" ‪ ،‬ول الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عبد ال بن أبي عمرو" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )1827‬وسنن النسائي (‪.)8/221‬‬

‫( ‪)7/487‬‬

‫تفسير سورة الرحمن‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زِرّ ‪ ،‬أن رجل قال لبن مسعود ‪:‬‬
‫كيف تعرف هذا الحرف ‪" :‬ماء غير ياسن أو آسن" ؟ فقال ‪ :‬كل القرآن قد قرأت‪ .‬قال ‪ :‬إني لقرأ‬
‫المفصل ؛ أجمع في ركعة واحدة‪ .‬فقال ‪ :‬أهذّا كهذّ الشعر ‪ ،‬ل أبا لك ؟ قد علمت قرائن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم التي كان يقرن قرينتين قرينتين من أول المفصل ‪ ،‬وكان أول مفصل ابن‬
‫مسعود ‪ { :‬الرحمن } (‪.)1‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن واقد أبو مسلم ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن‬
‫زهير بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬خرج رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫على أصحابه فقرأ عليهم سورة "الرحمن" من أولها إلى آخرها ‪ ،‬فسكتوا فقال ‪" :‬لقد قرأتها على‬
‫الجن ليلة الجن ‪ ،‬فكانوا أحسن مردودا منكم ‪ ،‬كنت كلما أتيت على قوله ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ } ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ل بشيء من نعمك ‪ -‬ربنا ‪ -‬نكذب ‪ ،‬فلك الحمد" (‪.)2‬‬
‫ثم قال ‪ :‬هذا حديث غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن زهير بن محمد‪ .‬ثم‬
‫حكي عن المام أحمد أنه كان ل يعرفه ‪ ،‬ينكر (‪ )3‬رواية أهل الشام عن زهير بن محمد هذا‪.‬‬
‫ورواه الحافظ أبو بكر البزار ‪ ،‬عن عمرو بن مالك ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم‪ .‬وعن عبد ال بن أحمد‬
‫بن شبوية ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬كلهما عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬به‪ .‬ثم قال ‪ :‬ل نعرفه يروى إل‬
‫من هذا الوجه (‪.)4‬‬
‫وقال أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عباد بن موسى ‪ ،‬وعمرو بن مالك البصري قال حدثنا‬
‫يحيى بن سليم ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قرأ سورة "الرحمن" ‪ -‬أو ‪ :‬قُرِئَت عنده ‪ -‬فقال ‪" :‬ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها‬
‫منكم ؟" قالوا ‪ :‬وما ذاك يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬ما أتيت على قول ال ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ } إل قالت الجن ‪ :‬ل بشيء من نعمة (‪ )5‬ربنا نكذب"‪.‬‬
‫ورواه الحافظ البزار عن عمرو بن مالك ‪ ،‬به (‪ .)6‬ثم قال ‪ :‬ل نعلمه يروى عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إل من هذا الوجه بهذا السناد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/412‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪.)3291‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يستنكر"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/473‬من طريق هشام بن عمار وعبد الرحمن بن واقد ‪،‬‬
‫كلهما عن الوليد بن مسلم به‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند البزار (‪" )2269‬كشف الستار" وشيخه عمرو بن مالك الراسبي ضعفه الجمهور ‪،‬‬
‫وبقية رجاله ثقات‪.‬‬

‫( ‪)7/488‬‬

‫حسْبَانٍ (‪)5‬‬
‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬
‫شمْ ُ‬
‫حمَنُ (‪ )1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآَنَ (‪ )2‬خَلَقَ الْإِنْسَانَ (‪ )3‬عَّلمَهُ الْبَيَانَ (‪ )4‬ال ّ‬
‫الرّ ْ‬
‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ (‪)8‬‬
‫سمَاءَ َر َف َعهَا وَ َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ (‪ )7‬أَلّا َت ْ‬
‫جدَانِ (‪ )6‬وَال ّ‬
‫وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ َيسْ ُ‬
‫خلُ‬
‫ض َعهَا لِلْأَنَامِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬
‫ض َو َ‬
‫ط وَلَا تُخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ (‪ )9‬وَالْأَ ْر َ‬
‫سِ‬‫وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِ ْ‬
‫صفِ وَالرّ ْيحَانُ (‪ )12‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)13‬‬
‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬
‫ذَاتُ الَْأ ْكمَامِ (‪ )11‬وَا ْل َ‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫حسْبَانٍ (‪)5‬‬
‫س وَا ْل َقمَرُ بِ ُ‬
‫شمْ ُ‬
‫حمَنُ (‪ )1‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ (‪ )2‬خََلقَ النْسَانَ (‪ )3‬عَّلمَهُ الْبَيَانَ (‪ )4‬ال ّ‬
‫{ الرّ ْ‬
‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ (‪)8‬‬
‫سمَاءَ َر َف َعهَا وَ َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ (‪ )7‬أَل تَ ْ‬
‫جدَانِ (‪ )6‬وَال ّ‬
‫وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ َيسْ ُ‬
‫خلُ‬
‫ض َعهَا لِلنَامِ (‪ )10‬فِيهَا فَا ِكهَ ٌة وَالنّ ْ‬
‫ض َو َ‬
‫ط وَل ُتخْسِرُوا ا ْلمِيزَانَ (‪ )9‬وَالرْ َ‬
‫سِ‬‫وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِ ْ‬
‫ف وَالرّيْحَانُ (‪ )12‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪} )13‬‬
‫ص ِ‬
‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬
‫ت ال ْكمَامِ (‪ )11‬وَالْ َ‬
‫ذَا ُ‬
‫يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه ‪ :‬أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من‬
‫خلَقَ النْسَانَ‪ .‬عَّل َمهُ الْبَيَانَ } قال الحسن ‪ :‬يعني ‪ :‬النطق (‬
‫حمَنُ‪ .‬عَلّمَ ا ْلقُرْآنَ‪َ .‬‬
‫رحمه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬الرّ ْ‬
‫‪ .)1‬وقال الضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬يعني الخير والشر‪ .‬وقول الحسن ها هنا أحسن‬
‫وأقوى ؛ لن السياق في تعليمه تعالى القرآن ‪ ،‬وهو أداء تلوته ‪ ،‬وإنما يكون ذلك بتيسير النطق‬
‫على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها من الحلق واللسان والشفتين ‪ ،‬على اختلف‬
‫مخارجها وأنواعها‪.‬‬
‫س وَا ْل َقمَرُ ِبحُسْبَانٍ } أي ‪ :‬يجريان متعاقبين بحساب ُمقَنّن ل يختلف ول‬
‫شمْ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬ال ّ‬
‫شمْسُ يَنْ َبغِي َلهَا أَنْ تُدْ ِركَ ا ْل َقمَ َر وَل اللّ ْيلُ سَابِقُ ال ّنهَارِ َوكُلّ فِي فََلكٍ يَسْبَحُونَ }‬
‫يضطرب ‪ { ،‬ل ال ّ‬
‫س وَا ْل َقمَرَ حُسْبَانًا ذَِلكَ‬
‫شمْ َ‬
‫سكَنًا وَال ّ‬
‫ج َعلَ اللّ ْيلَ َ‬
‫ق الصْبَاحِ َو َ‬
‫[ يس ‪ ، ] 40 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فَاِل ُ‬
‫َتقْدِيرُ ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ } [ النعام ‪.] 96 :‬‬
‫وعن عكرمة أنه قال ‪ :‬لو جعل ال نور جميع أبصار النس والجن والدواب والطير في عيني‬
‫عبد ‪ ،‬ثم كشف حجابا واحدا من سبعين حجابا دون الشمس ‪ ،‬لما استطاع أن ينظر إليها‪ .‬ونور‬
‫الشمس جزء من سبعين جزءًا من نور الكرسي ‪ ،‬ونور الكرسي جزء من سبعين جزءًا من نور‬
‫العرش ‪ ،‬ونور العرش جزء من سبعين جزءًا من نور الستر‪ .‬فانظر ماذا أعطى ال عبده من‬
‫النور في عينيه وقت النظر إلى وجه ربه الكريم عيانا‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫سجُدَانِ } قال ابن جرير ‪ :‬اختلف المفسرون في معنى قوله ‪ { :‬والنجم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالنّجْ ُم وَالشّجَرُ يَ ْ‬
‫} بعد إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق ‪ ،‬فروى علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قال‬
‫‪ :‬النجم ما انبسط على وجه الرض ‪ -‬يعني من النبات‪ .‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وسفيان الثوري‪ .‬وقد اختاره ابن جرير رحمه ال‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬النجم الذي في السماء‪ .‬وكذا قال الحسن وقتادة‪ .‬وهذا القول هو الظهر وال أعلم ؛‬
‫شمْسُ وَالْ َقمَرُ‬
‫س َموَاتِ َومَنْ فِي ال ْرضِ وَال ّ‬
‫سجُدُ َلهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫لقوله تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يَ ْ‬
‫ب َوكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ } الية [ الحج ‪.] 18 :‬‬
‫وَالنّجُو ُم وَا ْلجِبَالُ وَالشّجَ ُر وَال ّدوَا ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬المنطق"‪.‬‬

‫( ‪)7/489‬‬

‫سمَاءَ َر َف َعهَا َو َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ } يعني ‪ :‬العدل ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬لقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّ‬
‫وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْطِ } [ الحديد ‪ ، ] 25 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬أَل‬
‫ط َغوْا فِي ا ْلمِيزَانِ } أي ‪ :‬خلق السموات والرض بالحق والعدل ‪ ،‬لتكون (‪ )1‬الشياء كلها بالحق‬
‫تَ ْ‬
‫خسِرُوا ا ْلمِيزَانَ } أي ‪ :‬ل تبخسوا الوزن ‪ ،‬بل‬
‫ط وَل تُ ْ‬
‫والعدل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وََأقِيمُوا ا ْلوَزْنَ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫زِنوا بالحق والقسط ‪ ،‬كما قال [تعالى] (‪ { )2‬وَزِنُوا بِا ْلقِسْطَاسِ ا ْل ُمسْ َتقِيمِ } [ الشعراء ‪.] 182 :‬‬
‫ض َعهَا لِلنَامِ } أي ‪ :‬كما رفع السماء وضع الرض ومهدها ‪ ،‬وأرساها‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ْرضَ َو َ‬
‫بالجبال الراسيات الشامخات ‪ ،‬لتستقر لما على وجهها من النام ‪ ،‬وهم ‪ :‬الخلئق المختلفة أنواعهم‬
‫وأشكالهم وألوانهم وألسنتهم ‪ ،‬في سائر أقطارها وأرجائها‪ .‬قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن‬
‫زيد ‪ :‬النام ‪ :‬الخلق‪.‬‬
‫خلُ ذَاتُ ال ْكمَامِ } أفرده بالذكر‬
‫{ فِيهَا فَا ِكهَةٌ } أي ‪ :‬مختلفة اللوان والطعوم والروائح ‪ { ،‬وَالنّ ْ‬
‫لشرفه ونفعه ‪ ،‬رطبا ويابسا‪ .‬والكمام ‪ -‬قال ابن جُرَيْج عن ابن عباس ‪ :‬هي أوعية الطلع‪ .‬وهكذا‬
‫قال غير واحد من المفسرين ‪ ،‬وهو الذي يطلع فيه القنو ثم ينشق عن العنقود ‪ ،‬فيكون بسرا ثم‬
‫رطبا ‪ ،‬ثم ينضج ويتناهى يَ ْنعُه واستواؤه‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم (‪ُ )3‬ذكِرَ عن عمرو بن علي الصيرفي ‪ :‬حدثنا أبو قتيبة ‪ ،‬حدثنا يونس بن‬
‫الحارث الطائفي ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪ :‬كتب قيصر إلى عمر بن الخطاب ‪ :‬أخبرك أن رسلي أتتني‬
‫من قبلك ‪ ،‬فزعمت أن قبلكم شجرة ليست بخليقة لشيء من الخير ‪ ،‬تخرج مثل آذان الحمير ‪ ،‬ثم‬
‫تشقق مثل اللؤلؤ ‪ ،‬ثم تخضر فتكون مثل الزمرد (‪ )4‬الخضر ‪ ،‬ثم تحمر فتكون كالياقوت الحمر‬
‫‪ ،‬ثم تَيْنَع وتنضج فتكون كأطيب فالوذج ُأكِل ‪ ،‬ثم تيبس فتكون عصمة للمقيم وزادًا للمسافر ‪ ،‬فإن‬
‫تكن رسلي صدقتني فل أرى هذه الشجرة إل من شجر الجنة‪ .‬فكتب إليه عمر بن الخطاب (‪)5‬‬
‫من عمر أمير المؤمنين إلى قيصر ملك الروم ‪ ،‬إن رسلك قد صدقوك (‪ ، )6‬هذه الشجرة عندنا ‪،‬‬
‫وهي الشجرة التي أنبتها ال على مريم حين نفست بعيسى ابنها ‪ ،‬فاتق ال ول تتخذ عيسى إلها‬
‫حقّ مِنْ‬
‫من دون ال ‪ ،‬فإن { مَ َثلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ َكمَ َثلِ آ َدمَ خََلقَهُ مِنْ تُرَابٍ ُثمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَ َيكُونُ‪ .‬الْ َ‬
‫رَ ّبكَ فَل َتكُنْ مِنَ ا ْل ُممْتَرِينَ } [ آل عمران ‪.)7( ] 60 ، 59 :‬‬
‫وقيل ‪ :‬الكمام رفاتها ‪ ،‬وهو ‪ :‬الليف الذي على عنق النخلة‪ .‬وهو قول الحسن وقتادة‪.‬‬
‫صفِ }‬
‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬
‫صفِ وَالرّ ْيحَانُ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ { :‬وَالْ َ‬
‫حبّ ذُو ا ْل َع ْ‬
‫{ وَا ْل َ‬
‫يعني ‪ :‬التبن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬كالرمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عمر بن عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬صدقتك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬تكونن"‪.‬‬

‫( ‪)7/490‬‬
‫صفِ } ورق الزرع الخضر الذي قطع رؤوسه ‪ ،‬فهو‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ا ْل َع ْ‬
‫يسمى العصف إذا يبس‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وأبو مالك ‪ :‬عصفه ‪ :‬تبنه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ { :‬والريحان } يعني ‪ :‬الورق‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬هو ريحانكم هذا‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬والريحان } خضر (‪ )1‬الزرع‪.‬‬
‫ومعنى هذا ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬أن الحب كالقمح والشعير ونحوهما له في حال نباته عصف ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫ما على السنبلة ‪ ،‬وريحان ‪ ،‬وهو ‪ :‬الورق الملتف على ساقها‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬العصف ‪ :‬الورق أول ما ينبت الزرع بقل‪ .‬والريحان ‪ :‬الورق ‪ ،‬يعني ‪ :‬إذا أدجن وانعقد‬
‫فيه الحب‪ .‬كما قال زيد بن عمرو بن نفيل في قصيدته المشهورة‪.‬‬
‫حبّ في الثّرى‪ ...‬فَ ُيصْبِحَ منه البقلُ َيهْتَزّ رابيا?‪...‬‬
‫َوقُول له ‪ :‬من يُنْ ِبتُ ال َ‬
‫وَيُخْرجَ منْه حَبّه في رُؤوسه?‪ ...‬فَفي ذاك آياتٌ ِلمَنْ كَانَ واعيا (‪)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ } أي ‪ :‬فبأي اللء (‪ - )3‬يا معشر الثقلين ‪ ،‬من النس والجن‬
‫‪ -‬تكذبان ؟ قاله مجاهد ‪ ،‬وغير واحد‪ .‬ويدل عليه السياق بعده ‪ ،‬أي ‪ :‬ال ّنعَمُ ظاهرة عليكم وأنتم‬
‫مغمورون بها ‪ ،‬ل تستطيعون إنكارها ول جحودها (‪ ، )4‬فنحن نقول كما قالت الجن المؤمنون ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬ول بشيء من آلئك ربنا نكذّب ‪ ،‬فلك الحمد"‪ .‬وكان ابن عباس يقول ‪" :‬ل بأيّها يا رب"‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ل نكذب بشيء منها‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن‬
‫أسماء بنت أبي بكر قالت ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ ‪ ،‬وهو يصلي نحو‬
‫الركن قبل أن يصدع بما يؤمر ‪ ،‬والمشركون يستمعون (‪ { )5‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ } (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬خضرة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر البيات في السيرة النبوية لبن هشام (‪.)1/228‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬آلء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬جحدها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬يسمعون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)6/349‬‬

‫( ‪)7/491‬‬

‫خلَقَ ا ْلجَانّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (‪ )15‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا‬


‫خََلقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَ ْلصَالٍ كَا ْلفَخّارِ (‪ )14‬وَ َ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪)16‬‬
‫خلَقَ ا ْلجَانّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (‪ )15‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ن صَ ْلصَالٍ كَا ْلفَخّارِ (‪ )14‬وَ َ‬
‫{ خَلَقَ النْسَانَ مِ ْ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪} )16‬‬

‫( ‪)7/492‬‬

‫ن وَ َربّ ا ْل َمغْرِبَيْنِ (‪ )17‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )18‬مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ يَلْ َتقِيَانِ (‪)19‬‬
‫َربّ ا ْلمَشْ ِرقَيْ ِ‬
‫بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخٌ لَا يَ ْبغِيَانِ (‪ )20‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )21‬يَخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْل ُؤ وَا ْلمَرْجَانُ (‪)22‬‬
‫جوَارِ ا ْلمُنْشََآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (‪ )24‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ (‪ )23‬وَلَهُ ا ْل َ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪)25‬‬

‫{ َربّ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ وَرَبّ ا ْل َمغْرِبَيْنِ (‪ )17‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )18‬مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ يَلْ َتقِيَانِ (‪)19‬‬
‫خ ل يَ ْبغِيَانِ (‪ )20‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )21‬يَخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْل ُؤ وَا ْلمَرْجَانُ (‪)22‬‬
‫بَيْ َن ُهمَا بَرْزَ ٌ‬
‫جوَارِي ا ْلمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالعْلمِ (‪ )24‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )23‬وَلَهُ الْ َ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪.} )25‬‬
‫يذكر تعالى خلقه النسان من صلصال كالفخار ‪ ،‬وخلقه (‪ )1‬الجان من مارج من نار ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫طرف لهبها‪ .‬قاله الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وبه يقول عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } من لهب النار ‪ ،‬من أحسنها‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ } من خالص النار‪ .‬وكذا قال‬
‫عكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك وغيرهم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خلقت الملئكة من نور ‪ ،‬وخلق الجان من مارج‬
‫من نار ‪ ،‬وخلق آدم مما وصف لكم"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬عن محمد بن رافع ‪ ،‬وعبد بن حميد ‪ ،‬كلهما عن عبد الرزاق ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ } تقدم تفسيره‪.‬‬
‫{ َربّ ا ْلمَشْ ِرقَيْنِ وَرَبّ ا ْل َمغْرِبَيْنِ } يعني ‪ :‬مشرقي الصيف والشتاء ‪ ،‬ومغربي الصيف والشتاء‪.‬‬
‫سمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِقِ وَا ْل َمغَارِبِ } [ المعارج ‪ ، ] 40 :‬وذلك‬
‫وقال في الية الخرى ‪ { :‬فَل ُأقْ ِ‬
‫باختلف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم ‪ ،‬وبروزها منه إلى الناس‪ .‬وقال في الية الخرى ‪{ :‬‬
‫َربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ ل إِلَهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذ ُه َوكِيل } [ المزمل ‪ .] 9 :‬وهذا المراد منه جنس‬
‫المشارق والمغارب ‪ ،‬ولما كان في اختلف هذه المشارق والمغارب ‪ ،‬مصالح للخلق من الجن‬
‫والنس قال ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ } ؟‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ يَلْ َتقِيَانِ } قال ابن عباس ‪ :‬أي أرسلهما‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يلتقيان } قال ابن زيد ‪ :‬أي ‪ :‬منعهما أن يلتقيا ‪ ،‬بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز‬
‫الفاصل بينهما‪.‬‬
‫والمراد بقوله ‪ { :‬البحرين } الملح والحلو ‪ ،‬فالحلو هذه النهار السارحة بين الناس‪ .‬وقد قدمنا‬
‫الكلم على ذلك في سورة "الفرقان" عند قوله تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي مَرَجَ الْ َبحْرَيْنِ َهذَا عَ ْذبٌ فُرَاتٌ‬
‫ج َعلَ بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخًا َوحِجْرًا َمحْجُورًا } [ الفرقان ‪ .] 53 :‬وقد اختار ابن جرير‬
‫ج وَ َ‬
‫وَهَذَا مِلْحٌ ُأجَا ٌ‬
‫هاهنا أن المراد بالبحرين ‪ :‬بحر السماء وبحر الرض ‪ ،‬وهو مروي عن مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫جبير ‪ ،‬وعطية وابن أبْزَى‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬لن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء ‪ ،‬وأصداف (‪ )3‬بحر الرض (‪ .)4‬وهذا وإن‬
‫كان هكذا ليس المراد [بذلك] (‪ )5‬ما ذهب إليه ‪ ،‬فإنه ل يساعده اللفظ ؛ فإنه تعالى قد قال ‪:‬‬
‫{ بَيْ َن ُهمَا بَرْزَخٌ ل يَ ْبغِيَانِ } أي ‪ :‬وجعل بينهما برزخا ‪ ،‬وهو ‪ :‬الحاجز من الرض ‪ ،‬لئل يبغي‬
‫هذا على هذا ‪ ،‬وهذا على‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬خلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )6/168‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2996‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬واختلف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/75‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/492‬‬

‫هذا ‪ ،‬فيفسد كل واحد منهما الخر ‪ ،‬ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه‪ .‬وما بين السماء‬
‫والرض ل يسمى برزخا وحجرا محجورا‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يخْرُجُ مِ ْن ُهمَا الّلؤُْلؤُ وَا ْلمَ ْرجَانُ } أي ‪ :‬من مجموعهما ‪ ،‬فإذا وجد ذلك لحدهما (‪ )1‬كفى‬
‫سلٌ مِ ْنكُمْ } [ النعام ‪ ] 130 :‬والرسل إنما‬
‫ن وَالنْسِ أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ رُ ُ‬
‫‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫كانوا في النس خاصة دون الجن ‪ ،‬وقد صح هذا الطلق‪ .‬واللؤلؤ معروف ‪ ،‬وأما المرجان فقيل‬
‫‪ :‬هو صغار اللؤلؤ‪ .‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو رزين ‪ ،‬والضحاك‪ .‬وروي عن علي‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬كباره وجيده‪ .‬حكاه ابن جرير عن بعض السلف‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن (‪)2‬‬
‫أنس ‪ ،‬وحكاه عن السدي ‪ ،‬عمن حدثه ‪ ،‬عن ابن عباس‪ .‬وروي مثله عن علي ‪ ،‬ومجاهد أيضا ‪،‬‬
‫ومرة الهمداني‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هو نوع من الجواهر أحمر اللون‪ .‬قال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال قال ‪ :‬المرجان ‪ :‬الخرز الحمر‪ .‬قال السدي وهو البُسّذ (‪ )3‬بالفارسية‪.‬‬
‫حمًا طَرِيّا وَتَسْتَخْ ِرجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُو َنهَا } [ فاطر ‪ ، ] 12 :‬فاللحم‬
‫وأما قوله ‪َ { :‬ومِنْ ُكلّ تَ ْأكُلُونَ َل ْ‬
‫من كل من الجاج والعذب ‪ ،‬والحلية ‪ ،‬إنما هي من الملح دون العذب‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر ‪ ،‬فوقعت في صدفة إل صار منها‬
‫لؤلؤة‪ .‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وزاد ‪ :‬فإذا لم تقع في صدفة نبتت بها عنبرة‪ .‬وروي من غير وجه‬
‫عن ابن عباس نحوه‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن َمهْ ِديّ ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إذا أمطرت‬
‫السماء ‪ ،‬فتحت الصداف في البحر أفواهها ‪ ،‬فما وقع فيها ‪ -‬يعني ‪ :‬من قطر ‪ -‬فهو اللؤلؤ‪.‬‬
‫إسناده (‪ )4‬صحيح ‪ ،‬ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الرض ‪ ،‬امتن بها عليهم فقال (‬
‫‪ { : )5‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫جوَارِ ا ْلمُنْشَآتُ } يعني ‪ :‬السفن التي تجري في البحر ‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬ما رفع قلعه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَهُ الْ َ‬
‫من السفن فهي منشأة ‪ ،‬وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة ‪ ،‬وقال قتادة ‪ { :‬المنشآت } يعني‬
‫المخلوقات‪ .‬وقال غيره ‪ :‬المنشآت ‪ -‬بكسر الشين ‪ -‬يعني ‪ :‬البادئات‪.‬‬
‫{ كالعلم } أي ‪ :‬كالجبال في كبرها ‪ ،‬وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى‬
‫قطر ‪ ،‬وإقليم إلى إقليم ‪ ،‬مما فيه من صلح للناس في (‪ )6‬جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع‬
‫البضائع ؛ ولهذا قال [تعالى] (‪ { )7‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أحدهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الكسد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬إسناد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/493‬‬

‫ل وَالِْإكْرَامِ (‪ )27‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)28‬‬


‫جهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَلَا ِ‬
‫ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ (‪ )26‬وَيَ ْبقَى وَ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ (‪ )29‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)30‬‬
‫يَسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا العرار‬
‫بن سويد ‪ ،‬عن عميرة بن سعد قال ‪ :‬كنت مع علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬على شاطئ‬
‫الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها ‪ ،‬فبسط على يديه ثم قال ‪ :‬يقول ال عز وجل ‪ { :‬وَلَهُ‬
‫جوَارِي ا ْلمُنْشَآتُ فِي الْ َبحْرِ كَالعْلمِ }‪ .‬والذي أنشأها تجري في [بحر من] (‪ )1‬بحوره ما قتلتُ‬
‫الْ َ‬
‫عثمان ‪ ،‬ول مالت على قتله‪.‬‬
‫جهُ رَ ّبكَ ذُو ا ْلجَللِ وَالكْرَامِ (‪ )27‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬
‫{ ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ (‪ )26‬وَيَ ْبقَى وَ ْ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ (‪ )29‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪} )30‬‬
‫‪ )28‬يَسْأَُلهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫يخبر تعالى أن جميع أهل الرض سيذهبون ويموتون أجمعون ‪ ،‬وكذلك أهل السموات ‪ ،‬إل من‬
‫شاء ال ‪ ،‬ول يبقى أحد سوى وجهه الكريم ؛ فإن الرب ‪ -‬تعالى وتقدس ‪ -‬ل يموت ‪ ،‬بل هو‬
‫الحي الذي ل يموت أبدا‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬أنبأ بما خلق ‪ ،‬ثم أنبأ أن ذلك كله كان (‪.)2‬‬
‫وفي الدعاء المأثور ‪ :‬يا حي ‪ ،‬يا قيوم ‪ ،‬يا بديع السموات والرض ‪ ،‬يا ذا الجلل والكرام ‪ ،‬ل‬
‫إله إل أنت ‪ ،‬برحمتك نستغيث (‪ ، )3‬أصلح لنا شأننا كله ‪ ،‬ول تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ‪ ،‬ول‬
‫إلى أحد من خلقك‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬إذا قرأت { ُكلّ مَنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ } ‪ ،‬فل تسكت حتى تقرأ ‪ { :‬وَيَبْقَى وَجْهُ رَ ّبكَ ذُو‬
‫ل وَالكْرَامِ }‪.‬‬
‫الْجَل ِ‬
‫جهَهُ } [ القصص ‪ ، ] 88 :‬وقد نعت تعالى وجهه‬
‫شيْءٍ هَاِلكٌ إِل َو ْ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ُ { :‬كلّ َ‬
‫ل وَالكْرَامِ } أي ‪ :‬هو أهل أن يجل فل يعصى ‪ ،‬وأن‬
‫الكريم في هذه الية الكريمة بأنه { ذُو الْجَل ِ‬
‫شيّ يُرِيدُونَ‬
‫سكَ مَعَ الّذِينَ َيدْعُونَ رَ ّب ُهمْ بِا ْلغَدَا ِة وَا ْلعَ ِ‬
‫يطاع فل يخالف ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَاصْبِرْ َنفْ َ‬
‫جهِ اللّهِ } [ النسان‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَ ْ‬
‫جهَهُ } [ الكهف ‪ ، ] 28 :‬وكقوله إخبارا عن المتصدقين ‪ { :‬إِ ّنمَا نُ ْ‬
‫وَ ْ‬
‫‪]9:‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬ذُو ا ْلجَللِ وَالكْرَامِ } ذو العظمة والكبرياء‪.‬‬
‫ولما أخبر عن تساوي أهل الرض كلهم في الوفاة ‪ ،‬وأنهم سيصيرون إلى الدار الخرة ‪ ،‬فيحكم‬
‫فيهم ذو الجلل والكرام بحكمه العدل قال ‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫ت وَالرْضِ ُكلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } وهذا إخبار عن غناه عما سواه‬
‫س َموَا ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬يسْأَلُهُ مَنْ فِي ال ّ‬
‫وافتقار الخلئق إليه في جميع النات ‪ ،‬وأنهم يسألونه بلسان حالهم وقالهم ‪ ،‬وأنه كل يوم هو في‬
‫شأن‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬فان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬استغيث"‪.‬‬
‫( ‪)7/494‬‬

‫قال العمش ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن عبيد بن عمير ‪ُ { :‬كلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } ‪ ،‬قال ‪ :‬من شأنه أن‬
‫يجيب داعيا ‪ ،‬أو يعطي سائل أو يفك عانيا ‪ ،‬أو يشفي سقيما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬كل يوم هو يجيب داعيا ‪ ،‬ويكشف كربا ‪ ،‬ويجيب‬
‫مضطرا ويغفر ذنبا‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ل يستغني عنه أهل السموات والرض ‪ ،‬يحيي حيا ‪ ،‬ويميت ميتا ‪ ،‬ويربي صغيرا ‪،‬‬
‫ويفك أسيرا ‪ ،‬وهو منتهى حاجات الصالحين وصريخهم ‪ ،‬ومنتهى شكواهم‪.‬‬
‫سوَيْد‬
‫حمْصيّ ‪ ،‬حدثنا حرير بن عثمان ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو اليمان ال ِ‬
‫بن جبلة ‪ -‬هو الفزاري ‪ -‬قال ‪ :‬إن ربكم كل يوم هو في شأن ‪ ،‬فيعتق رقابا ‪ ،‬ويعطي رغابا ‪،‬‬
‫ويقحم عقابا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني عبد ال بن محمد بن عمرو الغُزّي ‪ ،‬حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف‬
‫سكْسكي (‪ ، )1‬حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ‪ ،‬عن‬
‫الفريابي ‪ ،‬حدثني عمرو بن بكر ال ّ‬
‫أبيه ‪ ،‬عن منيب بن عبد ال بن منيب الزدي ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬تل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫هذه الية ‪ُ { :‬كلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وما ذاك الشأن ؟ قال ‪" :‬أن يغفر ذنبا‬
‫‪ ،‬ويفرج كربا ‪ ،‬ويرفع قوما ‪ ،‬ويضع آخرين (‪.)3( " )2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬وسليمان بن أحمد الواسطي قال حدثنا‬
‫الوزير (‪ )4‬بن صَبِيح الثقفي أبو روح الدمشقي ‪ -‬والسياق لهشام ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت يونس بن‬
‫ميسرة بن حَلْبَس ‪ ،‬يحدث عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"قال ال عز وجل ‪ُ { :‬كلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } قال ‪" :‬من شأنه أن يغفر ذنبا ‪ ،‬ويفرج كربا ‪ ،‬ويرفع‬
‫قوما ‪ ،‬ويضع آخرين (‪.)6( " )5‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر من طرق متعددة ‪ ،‬عن هشام بن عمار ‪ ،‬به‪ .‬ثم ساقه من حديث أبي همام‬
‫الوليد بن شجاع ‪ ،‬عن الوزير بن صَبِيح قال ‪ :‬ودلنا عليه الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن مُطرّف ‪ ،‬عن‬
‫الشعبي ‪ ،‬عن أم الدرداء ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم فذكره‪ .‬قال ‪:‬‬
‫والصحيح الول‪ .‬يعني إسناده الول (‪.)7‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روي موقوفا ‪ ،‬كما (‪ )8‬علقه البخاري بصيغة الجزم ‪ ،‬فجعله من كلم أبي الدرداء (‬
‫‪ ، )9‬فال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬الشكسي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قوما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )27/79‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )3401‬مجمع البحرين"‬
‫والبزار في مسنده برقم (‪" )2266‬كشف الستار" من طريق عمرو بن بكر السكسكي ‪ -‬وهو‬
‫متروك ‪ -‬عن الحارث بن عبدة به‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬أبو رزين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪ :‬قوما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه ابن ماجه برقم (‪ )202‬من طريق هشام بن عمار به‪.‬‬
‫قال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/88‬هذا إسناد حسن لتقاصر الوزير عن درجة الحفظ والتقان"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تاريخ دمشق (‪" )17/771‬القسم المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري (‪" )8/620‬فتح" ‪ ،‬ورواه البيهقي في شعب اليمان موصول برقم (‪)1102‬‬
‫من طريق إسماعيل بن عبد ال عن أم الدرداء عن أبي الدرداء موقوفا‪.‬‬

‫( ‪)7/495‬‬

‫طعْ ُتمْ أَنْ‬


‫ن وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَ َ‬
‫سَ َنفْ ُرغُ َل ُكمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلَانِ (‪ )31‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )32‬يَا َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ فَا ْنفُذُوا لَا تَ ْنفُذُونَ إِلّا بِسُ ْلطَانٍ (‪ )33‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫تَ ْنفُذُوا مِنْ َأقْطَارِ ال ّ‬
‫شوَاظٌ مِنْ نَا ٍر وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْ َتصِرَانِ (‪ )35‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)36‬‬
‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬
‫‪ )34‬يُرْ َ‬

‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا محمد بن الحارث ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫البيلماني ‪ ،‬عن أبيه عن ابن عمر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ُ { :‬كلّ َيوْمٍ ُهوَ فِي شَأْنٍ } ‪،‬‬
‫قال ‪" :‬يغفر ذنبا ‪ ،‬ويكشف كربا" (‪.)1‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬وحدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن أبي حمزة الّثمَالي ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن ال خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء ‪ ،‬دفّتاه ياقوتة حمراء‬
‫‪ ،‬قلمه نور ‪ ،‬وكتابه نور ‪ ،‬عرضه ما بين السماء والرض ‪ ،‬ينظر فيه كل يوم ثلثمائة وستين‬
‫نظرة ‪ ،‬يخلق في كل نظرة ‪ ،‬ويحيي ويميت ‪ ،‬ويعز ويذل ‪ ،‬ويفعل ما يشاء (‪.)2‬‬
‫طعْتُمْ‬
‫ن وَالنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬
‫{ سَ َنفْرُغُ َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ (‪ )31‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )32‬يَا َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫س َموَاتِ وَال ْرضِ فَا ْنفُذُوا ل تَ ْنفُذُونَ إِل بِسُ ْلطَانٍ (‪ )33‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫أَنْ تَ ْنفُذُوا مِنْ َأقْطَارِ ال ّ‬
‫شوَاظٌ مِنْ نَا ٍر وَنُحَاسٌ فَل تَنْ َتصِرَانِ (‪ )35‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬
‫علَ ْي ُكمَا ُ‬
‫سلُ َ‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪ )34‬يُ ْر َ‬
‫‪.} )36‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬سَ َنفْرُغُ َلكُمْ أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬وعيد من‬
‫ال للعباد ‪ ،‬وليس بال شغل وهو فارغ‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ :‬هذا وعيد‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬قد دنا من‬
‫ال فراغ لخلقه‪ .‬وقال ابن جريج ‪ { :‬سَ َنفْ ُرغُ َلكُمْ } أي ‪ :‬سنقضي لكم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬سنحاسبكم (‪ ، )3‬ل يشغله شيء عن شيء ‪ ،‬وهو معروف في كلم العرب ‪،‬‬
‫يقال (‪ )4‬لتفرغن لك" وما به شغل ‪ ،‬يقول ‪" :‬لخذنك على غِرّتك (‪." )5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ ّيهَا ال ّثقَلنِ } الثقلن ‪ :‬النس والجن ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬يسمعها كل شيء إل‬
‫الثقلين" وفي رواية ‪" :‬إل الجن والنس"‪ .‬وفي حديث الصور ‪" :‬الثقلن النس والجن" { فَبَِأيّ آلءِ‬
‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫ت وَالرْضِ فَا ْنفُذُوا ل‬
‫س َموَا ِ‬
‫طعْتُمْ أَنْ تَ ْنفُذُوا مِنْ َأ ْقطَارِ ال ّ‬
‫ن وَالنْسِ إِنِ اسْ َت َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬يَا َمعْشَرَ ا ْلجِ ّ‬
‫تَ ْنفُذُونَ إِل ِبسُلْطَانٍ } أي ‪ :‬ل تستطيعون هربا من أمر ال وقدره ‪ ،‬بل هو محيط بكم ‪ ،‬ل تقدرون‬
‫على التخلص من حكمه ‪ ،‬ول النفوذ عن حكمه فيكم ‪ ،‬أينما ذهبتم أحيط بكم ‪ ،‬وهذا في مقام‬
‫المحشر ‪ ،‬الملئكة محدقة بالخلئق ‪ ،‬سبع صفوف من كل جانب ‪ ،‬فل يقدر أحد على الذهاب‬
‫سلْطَانٍ } أي ‪ :‬إل بأمر ال ‪َ { ،‬يقُولُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ‪ .‬كَل ل وَزَرَ‪ .‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ‬
‫{ إِل بِ ُ‬
‫ا ْلمُسْ َتقَرّ } [ القيامة ‪ .] 12 - 10 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَالّذِينَ كَسَبُوا السّيّئَاتِ جَزَاءُ سَيّئَةٍ ِبمِثِْلهَا‬
‫طعًا مِنَ اللّ ْيلِ ُمظِْلمًا أُولَ ِئكَ‬
‫ت وُجُو ُه ُهمْ قِ َ‬
‫وَتَرْ َهقُهُمْ ذِلّةٌ مَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَ ّنمَا أُغْشِ َي ْ‬
‫َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ يونس ‪] 27 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )2268‬كشف الستار"‪ .‬قال ابن حجر ‪" :‬البيلماني ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/79‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬سيحاسبكم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬غرة"‪.‬‬

‫( ‪)7/496‬‬

‫شوَاظٌ مِنْ نَا ٍر وَ ُنحَاسٌ فَل تَنْ َتصِرَانِ }‪.‬‬


‫سلُ عَلَ ْي ُكمَا ُ‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬يُ ْر َ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الشواظ ‪ :‬هو لهب النار‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الشواظ ‪ :‬الدخان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو ‪ :‬اللهيب (‪ )1‬الخضر المنقطع‪ .‬وقال أبو صالح الشواظ هو اللهيب (‪ )2‬الذي‬
‫شوَاظٌ مِنْ نَارٍ } سيل من نار‪.‬‬
‫فوق النار ودون الدخان‪ .‬وقال الضحاك ‪ُ { :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَنُحَاسٌ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَنُحَاسٌ } دخان النار‪ .‬وروي‬
‫مثله عن أبي صالح ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي سنان‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والعرب تسمي الدخان نحاسا ‪ -‬بضم النون وكسرها ‪ -‬والقراء (‪ )3‬مجمعة على‬
‫الضم ‪ ،‬ومن النحاس بمعنى الدخان قول نابغة جعدة (‪ُ )4‬يضِيءُ َكضَوءِ سراج السّلِيـ‪ ...‬ـط لم‬
‫جعَل الُ فيه ُنحَاسا‬
‫يَ ْ‬
‫يعني ‪ :‬دخانا ‪ ،‬هكذا قال (‪.)5‬‬
‫وقد روى الطبراني من طريق جُويَبْر ‪ ،‬عن الضحاك ؛ أن نافع بن الزرق سأل ابن عباس عن‬
‫الشواظ فقال ‪ :‬هو اللهب الذي ل دخان معه‪ .‬فسأله شاهدا على ذلك من اللغة ‪ ،‬فأنشده قول أمية‬
‫بن أبي الصلت في حسان ‪:‬‬
‫عكَاظِ‪...‬‬
‫حسّان عَنّي‪ُ ...‬مغَلْغلةً تدبّ (‪ )6‬إلى ُ‬
‫أل من مُبلغٌ َ‬
‫حفَاظ‪...‬‬
‫أليس أبُوكَ فِينَا كان قَينًا‪ ...‬لَدَى (‪ )7‬القينَات َفسْل في ال َ‬
‫َيمَانِيّا يظل يَشدُ (‪ )8‬كِيرًا‪ ...‬وينفخ دائبًا َل َهبَ الشّواظ‪...‬‬
‫قال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬فما النحاس ؟ قال ‪ :‬هو الدخان الذي ل لهب له‪ .‬قال ‪ :‬فهل تعرفه العرب ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول (‪)9‬‬
‫جعَل الُ فيه ُنحَاسا (‪)10‬‬
‫ُيضِيءُ َكضَوء سَراج السّليط‪ ...‬لَمْ يَ ْ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬النحاس ‪ :‬الصّفّر ‪ ،‬يذاب (‪ )11‬فيصب على رؤوسهم‪ .‬وكذا قال قتادة‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اللهب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اللهب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬القراءة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ "نابغة بني جعدة" وفي تفسير الطبري ‪" :‬نابغة بني ذبيان" ولم أجده في ديوانه ‪،‬‬
‫والبيت في مجاز القرآن لبي عبيدة منسوبا للنابغة الجهدي ‪ ، 245 ، 2/244‬والبيت أيضا في‬
‫ديوان الجعدي واللسان ‪ ،‬مادة "نحس" مستفادا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)27/81‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬يدب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬إلى"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬يشب"‪.‬‬
‫(‪ )9‬كذا ‪ ،‬وقد سبق تخريج البيت ونسبته إلى الجعدي‪.‬‬
‫(‪ )10‬المعجم الكبير (‪ )10/305‬وفيه جويبر وهو متروك لم يلق ابن عباس‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬المذاب"‪.‬‬

‫( ‪)7/497‬‬
‫سمَاءُ َفكَا َنتْ وَ ْر َدةً كَالدّهَانِ (‪ )37‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )38‬فَ َي ْومَئِذٍ لَا يُسَْألُ عَنْ‬
‫شقّتِ ال ّ‬
‫فَإِذَا ا ْن َ‬
‫س وَلَا جَانّ (‪ )39‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)40‬‬
‫ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬

‫الضحاك ‪ { :‬ونحاس } سيل من نحاس‪.‬‬


‫والمعنى على كل قول ‪ :‬لو ذهبتم هاربين يوم القيامة لردتكم الملئكة والزبانية بإرسال اللهب من‬
‫النار والنحاس المذاب عليكم لترجعوا (‪ )1‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَل تَنْ َتصِرَانِ‪ .‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ }‬
‫ت وَرْ َدةً كَالدّهَانِ (‪ )37‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )38‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ‬
‫سمَاءُ َفكَا َن ْ‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫{ فَِإذَا انْ َ‬
‫س وَل جَانّ (‪ )39‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪} )40‬‬
‫ذَنْبِهِ إِنْ ٌ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬لرجعوا"‪.‬‬

‫( ‪)7/498‬‬

‫جهَنّمُ‬
‫ُيعْ َرفُ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ ِبسِيمَاهُمْ فَ ُي ْؤخَذُ بِال ّنوَاصِي وَالَْأ ْقدَامِ (‪ )41‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )42‬هَ ِذهِ َ‬
‫حمِيمٍ آَنٍ (‪ )44‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)45‬‬
‫الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪ )43‬يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬

‫خذُ بِال ّنوَاصِي وَالقْدَامِ (‪ )41‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )42‬هَ ِذهِ‬
‫{ ُيعْ َرفُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَا ُهمْ فَ ُيؤْ َ‬
‫حمِيمٍ آنٍ (‪ )44‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ (‪ )43‬يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫َ‬
‫(‪.} )45‬‬
‫سمَاءُ } يوم القيامة ‪ ،‬كما دلت عليه هذه الية مع ما شاكلها من‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫يقول [تعالى] (‪ { : )1‬فَإِذَا انْ َ‬
‫سمَاءُ َف ِهيَ َي ْومَئِذٍ وَاهِيَةٌ } [ الحاقة ‪، ] 16 :‬‬
‫شقّتِ ال ّ‬
‫اليات الواردة في معناها ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَانْ َ‬
‫سمَاءُ بِا ْل َغمَا ِم وَنزلَ ا ْلمَل ِئكَةُ تَنزيل } [ الفرقان ‪ ، ] 25 :‬وقوله ‪ِ { :‬إذَا‬
‫شقّقُ ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيوْمَ تَ َ‬
‫ح ّقتْ } [ النشقاق ‪.] 2 ، 1 :‬‬
‫ش ّقتْ‪ .‬وَأَذِ َنتْ لِرَ ّبهَا وَ ُ‬
‫سمَاءُ انْ َ‬
‫ال ّ‬
‫ت وَرْ َدةً كَالدّهَانِ } أي ‪ :‬تذوب كما يذوب الدّرْدي والفضة في السبك ‪ ،‬وتتلون كما‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَا َن ْ‬
‫تتلون الصباغ التي يدهن بها ‪ ،‬فتارة حمراء وصفراء وزرقاء وخضراء ‪ ،‬وذلك من شدة المر‬
‫وهول يوم القيامة العظيم‪ .‬وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن أبي الصهباء ‪ ،‬حدثنا نافع أبو غالب الباهلي ‪،‬‬
‫حدثنا أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يبعث الناس يوم القيامة والسماء‬
‫تَطِش عليهم" (‪.)2‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬الطش ‪ :‬المطر الضعيف‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَرْ َدةً كَالدّهَانِ } ‪ ،‬قال ‪ :‬هو الديم الحمر‪ .‬وقال أبو‬
‫كُدَيْنة ‪ ،‬عن قابوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬فكَا َنتْ وَرْ َدةً كَالدّهَانِ } ‪ :‬كالفرس الورد‪ .‬وقال‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬تغير لونها‪ .‬وقال أبو صالح ‪ :‬كالبِرْذَون الورد ‪ ،‬ثم كانت بعد كالدهان‪.‬‬
‫وحكى ال َبغَوي وغيره ‪ :‬أن الفرس الورد تكون في الربيع صفراء ‪ ،‬وفي الشتاء حمراء ‪ ،‬فإذا‬
‫اشتد البرد اغْبَ ّر لونها‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬تكون ألوانا‪ .‬وقال السدي‪ .‬تكون كلون البغلة الوردة ‪ ،‬وتكون كالمهل‬
‫كدردي الزيت‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬كَالدّهَان } ‪ :‬كألوان الدهان‪ .‬وقال عطاء الخراساني ‪ :‬كلون دُهْن‬
‫الوَرْد في الصفرة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬هي اليوم خضراء ‪ ،‬ويومئذ لونها إلى الحمرة يوم ذي ألوان‪.‬‬
‫وقال أبو الجوزاء ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/226‬‬

‫( ‪)7/498‬‬

‫في صفاء الدهن‪ .‬وقال [أبو صالح] (‪ )1‬بن جريج ‪ :‬تصير السماء كالدهن الذائب ‪ ،‬وذلك حين‬
‫يُصيبها حر جهنم‪.‬‬
‫طقُونَ‪ .‬وَل‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَل جَانّ } ‪ ،‬وهذه كقوله ‪َ { :‬هذَا َيوْمُ ل يَنْ ِ‬
‫ُيؤْذَنُ َلهُمْ فَ َيعْ َتذِرُونَ } [ المرسلت ‪ ، ] 36 ، 35 :‬فهذا في حال ‪ ،‬وثَمّ حال يسأل الخلئق فيها‬
‫عمّا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } [ الحجر ‪:‬‬
‫ج َمعِينَ‪َ .‬‬
‫عن جميع أعمالهم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ { :‬فوَرَ ّبكَ لَنَسْأَلَ ّن ُهمْ أَ ْ‬
‫س وَل جَانّ } ‪ ،‬قال ‪ :‬قد كانت‬
‫‪ ] 93 ، 92‬؛ ولهذه قال قتادة ‪ { :‬فَ َي ْومَئِذٍ ل يُسَْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إِ ْن ٌ‬
‫مسألة ‪ ،‬ثم ختم على أفواه القوم ‪ ،‬وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ل يسألهم ‪ :‬هل عملتم كذا وكذا ؟ لنه أعلم بذلك‬
‫منهم ‪ ،‬ولكن يقول ‪ :‬لم عملتم كذا وكذا ؟ فهو قول ثان‪.‬‬
‫وقال مجاهد في هذه الية ‪ :‬ل يسأل الملئكة عن المجرم ‪ُ ،‬يعْ َرفُون بسيماهم‪.‬‬
‫وهذا قول (‪ )2‬ثالث‪ .‬وكأن هذا بعد ما يؤمر بهم إلى النار ‪ ،‬فذلك الوقت ل يسألون عن ذنوبهم ‪،‬‬
‫بل يقادون إليها (‪ )3‬ويلقون فيها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ُ { :‬يعْ َرفُ ا ْلمُجْ ِرمُونَ بِسِيمَاهُمْ } أي ‪ :‬بعلمات‬
‫تظهر عليهم‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ :‬يعرفونهم باسوداد الوجوه وزرقة العيون‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا كما يعرف المؤمنون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء‪.‬‬
‫خذُ بِال ّنوَاصِي وَالقْدَامِ } أي ‪ :‬تجمع الزبانية ناصيته مع قدميه ‪ ،‬ويلقونه في النار‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ ُيؤْ َ‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وقال العمش عن ابن عباس ‪ :‬يؤخذ بناصيته وقدمه (‪ ، )4‬فيكسر كما يكسر الحطب في التنور‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬يجمع بين ناصيته وقدميه (‪ )5‬في سلسلة من وراء ظهره‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬يجمع بين ناصية الكافر وقدميه ‪ ،‬فتربط ناصيته بقدمه ‪ ،‬ويُفتل ظهره‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ‪ ،‬حدثنا معاوية بن سلم ‪ ،‬عن‬
‫أخيه زيد بن سلم أنه سمع أبا سلم ‪ -‬يعني جده ‪ -‬أخبرني عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني رجل من كندة‬
‫قال ‪ :‬أتيت عائشة فدخلت عليها ‪ ،‬وبيني وبينها حجاب ‪ ،‬فقلت ‪ :‬حدثك رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه يأتي عليه ساعة ل يملك لحد فيها شفاعة ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬لقد سألته عن هذا وأنا وهو‬
‫شعَار واحد ‪ ،‬قال ‪" :‬نعم حين يوضع الصراط ‪ ،‬ول أملك لحد فيها شفاعة ‪ ،‬حتى أعلم أين‬
‫في ِ‬
‫يسلك بي ؟ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه ‪ ،‬حتى أنظر ماذا يفعل بي ‪ -‬أو قال ‪ :‬يوحى ‪ -‬وعند‬
‫الجسر حين يستحد ويستحر" فقالت ‪ :‬وما يستحد وما يستحر ؟ قال ‪" :‬يستحد حتى يكون مثل شفرة‬
‫السيف ‪ ،‬ويستحر حتى يكون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬جواب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬إلى النار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬قدميه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬قدمه"‪.‬‬

‫( ‪)7/499‬‬

‫وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ (‪ )46‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )47‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ (‪ )48‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ (‪ )49‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ َتجْرِيَانِ (‪ )50‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )51‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ‬
‫(‪ )52‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)53‬‬

‫مثل الجمرة ‪ ،‬فأما المؤمن فيجيزه ل يضره ‪ ،‬وأما المنافق فيتعلق حتى إذا بلغ أوسطه خر من‬
‫قدمه فيهوي بيده إلى قدميه ‪ ،‬فتضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه ‪ ،‬فتقذفه في جهنم ‪،‬‬
‫فيهوي (‪ )1‬فيها مقدار خمسين عاما"‪ .‬قلت ‪ :‬ما ثقل الرجل ؟ قالت ‪ :‬ثقل عشر خلفات سمان ‪،‬‬
‫فيومئذ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والقدام‪.‬‬
‫سمّ ‪ ،‬ومثله ل يحتج‬
‫هذا حديث غريب [جدا] (‪ ، )2‬وفيه ألفاظ منكر رفعها ‪ ،‬وفي السناد من لم يُ َ‬
‫به (‪ ، )3‬وال أعلم‪.‬‬
‫جهَنّمُ الّتِي ُيكَ ّذبُ ِبهَا ا ْلمُجْ ِرمُونَ } أي ‪ :‬هذه النار التي كنتم تكذبون بوجودها ها‬
‫وقوله ‪َ { :‬ه ِذهِ َ‬
‫هي حاضرة تشاهدونها عيانًا ‪ ،‬يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا وتصغيرا وتحقيرا‪.‬‬
‫حمِيمٍ آنٍ } أي ‪ :‬تارة يعذبون في الجحيم ‪ ،‬وتارة يسقون من الحميم‬
‫وقوله ‪َ { :‬يطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫‪ ،‬وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب ‪ ،‬يقطع المعاء والحشاء ‪ ،‬وهذه كقوله تعالى ‪ِ { :‬إذِ‬
‫حمِيمِ ثُمّ فِي النّارِ ُيسْجَرُونَ } [ غافر ‪.] 72 ، 71 :‬‬
‫سلُ ُيسْحَبُونَ‪ .‬فِي الْ َ‬
‫الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّل ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬آن } أي ‪ :‬حار وقد بلغ الغاية في الحرارة ‪ ،‬ل يستطاع من شدة ذلك‪.‬‬
‫حمِيمٍ آنٍ } قد انتهى غلْيه ‪ ،‬واشتد حرّه‪ .‬وكذا قال‬
‫قال ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَطُوفُونَ بَيْ َنهَا وَبَيْنَ َ‬
‫مجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬قد أنَى طبخه منذ خلق ال السموات والرض‪ .‬وقال محمد بن كعب القرظي ‪ :‬يؤخذ‬
‫العبد فيح ّركُ بناصيته في ذلك الحميم ‪ ،‬حتى يذوب (‪ )4‬اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس‪.‬‬
‫سجَرُونَ }‪ .‬والحميم الن ‪ :‬يعني الحار‪.‬‬
‫حمِيمِ ُثمّ فِي النّارِ يُ ْ‬
‫وهي كالتي يقول ال تعالى ‪ { :‬فِي ا ْل َ‬
‫حمِيمٍ آنٍ } أي ‪ :‬حاضر‪ .‬وهو قول ابن زيد أيضا ‪ ،‬والحاضر ‪،‬‬
‫وعن القرظي رواية أخرى ‪َ { :‬‬
‫سقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } [ الغاشية ‪:‬‬
‫ل ينافي ما روي عن القرظي أول أنه الحار ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬تُ ْ‬
‫‪ ] 5‬أي حارة شديدة الحر ل تستطاع‪ .‬وكقوله ‪ { :‬غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } [ الحزاب ‪ ] 53 :‬يعني ‪:‬‬
‫حمِيمٍ آنٍ } أي ‪ :‬حميم حار جدا‪ .‬ولما كان معاقبة العصاة (‪)5‬‬
‫استواءه ونضجه‪ .‬فقوله ‪َ { :‬‬
‫المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه ‪ ،‬وكان إنذاره لهم عذابه وبأسه‬
‫مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك ‪ ،‬قال ممتنا بذلك على بريته ‪ { :‬فَبَِأيّ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫{ وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ (‪ )46‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )47‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ (‪ )48‬فَبَِأيّ آلءِ‬
‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )49‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (‪ )50‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )51‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ‬
‫َزوْجَانِ (‪ )52‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪.} )53‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فهوى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه عبد الرزاق في المصنف كما في الدر المنثور (‪ )7/704‬عن رجل من كنده بنحوه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬حتى تذوب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬العاصين"‪.‬‬

‫( ‪)7/500‬‬
‫شوْذب ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } في أبي‬
‫قال ابن َ‬
‫بكر الصديق‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن مصفى ‪ ،‬حدثنا بَقيّة ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي مريم‬
‫‪ ،‬عن عطية بن قيس في قوله ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ :‬نزلت في الذي قال ‪ :‬أحرقوني‬
‫بالنار ‪ ،‬لعلي أضل ال ‪ ،‬قال ‪ :‬تاب يوما وليلة بعد أن تكلم بهذا ‪ ،‬فقبل ال منه وأدخله الجنة‪.‬‬
‫والصحيح أن هذه الية عامة كما قاله ابن عباس وغيره ‪ ،‬يقول تعالى ‪ :‬ولمن خاف مقامه بين‬
‫يدي ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬يوم القيامة ‪ { ،‬وَ َنهَى ال ّنفْسَ عَنِ ا ْل َهوَى } [ النازعات ‪ ، ] 40 :‬ولم يطغ ‪،‬‬
‫ول آثر الدنيا ‪ ،‬وعلم أن الخرة خير وأبقى ‪ ،‬فأدى فرائض ال ‪ ،‬واجتنب محارمه ‪ ،‬فله يوم‬
‫القيامة عند ربه جنتان ‪ ،‬كما قال البخاري ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫عمْران‬
‫حدثنا عبد ال بن أبي السود ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ال َعمّي ‪ ،‬حدثنا أبو ِ‬
‫جوْني ‪ ،‬عن أبي بكر بن عبد ال بن قيس ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ال َ‬
‫"جنتان من فضة ‪ ،‬آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وما بين القوم وبين‬
‫أن ينظروا إلى ربهم عز وجل إل رداءُ الكبرياء على وجهه في جنة عدن"‪.‬‬
‫وأخرجه بقية الجماعة إل أبا داود ‪ ،‬من حديث عبد العزيز ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي موسى ‪ ،‬عن أبيه ‪ -‬قال حماد ‪ :‬ول أعلمه‬
‫إل قد رفعه ‪ -‬في قوله تعالى ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ ،‬وفي قوله ‪َ { :‬ومِنْ دُو ِنهِمَا‬
‫جَنّتَانِ } [قال ] ‪ )2( :‬جنتان من ذهب للمقربين ‪ ،‬وجنتان من ورِق لصحاب اليمين‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري (‪ ، )3‬حدثنا ابن أبي مريم ‪ ،‬أخبرنا‬
‫محمد بن جعفر ‪ ،‬عن محمد بن أبي حَ ْرمَلَة ‪ ،‬عن عطاء بن يَسَار ‪ ،‬أخبرني أبو الدرداء ؛ أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأ يوما هذه الية ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫وإن زنى أو سرق ؟ فقال ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ ،‬فقلت ‪ :‬وإن زنى وإن سرق ؟ فقال‬
‫‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ }‪ .‬فقلت ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا رسول ال ؟ فقال ‪" :‬وإن رغم‬
‫أنف أبي الدرداء"‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث محمد بن أبي حَ ْرمَلَة ‪ ،‬به (‪ )4‬ورواه النسائي أيضا عن مؤمّل (‪ )5‬بن‬
‫هشام ‪ ،‬عن إسماعيل ‪ ،‬عن الجُرَيري ‪ ،‬عن موسى ‪ ،‬عن محمد بن سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬عن أبي‬
‫الدرداء ‪ ،‬به (‪ .)6‬وقد روي موقوفًا على أبي الدرداء‪ .‬وروي عنه أنه قال ‪ :‬إن من خاف مقام‬
‫ربه لم يزْنِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4878‬وصحيح مسلم برقم (‪ )180‬وسنن الترمذي برقم (‪)2528‬‬
‫والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )7765‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)186‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬المقري"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪" )5/490‬ط‪ .‬المعارف" ‪ ،‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11560‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬موسى"‪.‬‬
‫(‪ )6‬النسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11561‬‬

‫( ‪)7/501‬‬

‫ولم يسرق‪.‬‬
‫وهذه الية عامة في النس والجن ‪ ،‬فهي من أدل دليل على أن الجن يدخلون الجنة إذا آمنوا‬
‫واتقوا ؛ ولهذا امتن ال تعالى على الثقلين بهذا الجزاء فقال ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ‪ .‬فَبَِأيّ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫ثم نعت هاتين الجنتين فقال ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } أي ‪ :‬أغصان َنضِرَة حسنة ‪ ،‬تحمل من كل ثمرة‬
‫نضيجة فائقة ‪ { ،‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ }‪ .‬هكذا (‪ )1‬قال عطاء الخراساني وجماعة ‪ :‬إن الفنان‬
‫أغصان الشجَر يمس بعضُها بعضا‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن قتيبة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن‬
‫النعمان ‪ ،‬سمعت عكرمة يقول ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } ‪ ،‬يقول ‪ :‬ظِل الغصان على الحيطان ‪ ،‬ألم تسمع‬
‫قول الشاعر حيث يقول ‪:‬‬
‫حمَاما‪...‬‬
‫حمَامَةٍ‪ ...‬تَدْعُو على فَنَن ال ُغصُون َ‬
‫ما هاجَ شَو َقكَ من هَديل َ‬
‫تَدْعُو أبا فَ ْرخَين صادف طاويا‪ ...‬ذا مخلبين من الصقور قَطاما (‪)2‬‬
‫وحكى البغوي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والكلبي ‪ :‬أنه الغصن المستقيم (‪[ )3‬طوال]‬
‫(‪.)4‬‬
‫قال ‪ :‬وحدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عبد السلم بن حرب ‪ ،‬حدثنا عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } ‪ :‬ذواتا ألوان‪.‬‬
‫خصَيف ‪ ،‬والنضر بن عربي‬
‫قال ‪ :‬و [قد] (‪ )5‬روي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬و ُ‬
‫(‪ ، )6‬وأبي سِنَان مثل ذلك‪ .‬ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملذ ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال عطاء ‪ :‬كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة ‪ ،‬وقال الربيع بن أنس ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } ‪ :‬واسعتا‬
‫الفناء‪.‬‬
‫وكل هذه القوال صحيحة ‪ ،‬ول منافاة بينها ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال قتادة ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } ينبئ بسعتها‬
‫وفضلها (‪ )7‬ومزيتها على ما سواها‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن يحيى بن عباد بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أسماء (‪)8‬‬
‫قالت ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وذكر سدرة المنتهى ‪ -‬فقال ‪" :‬يسير في ظل‬
‫الفَنَن منها الراكب مائة سنة ‪ -‬أو قال ‪ :‬يستظل في ظل الفَنَن منها مائة راكب ‪ -‬فيها فراش‬
‫الذهب ‪ ،‬كأن ثمرها القِلل"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وكذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه عبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر بن حيان في الفنون وابن النباري في الوقف‬
‫والبتداء كما في الدر المنثور (‪.)7/709‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الغصن المنيف طول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عدي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬بفضلها وسعتها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬أسماء بنت يزيد" ‪ ،‬وفي ا ‪" :‬أسماء بنت أبي بكر"‪.‬‬

‫( ‪)7/502‬‬

‫ق وَجَنَى ا ْلجَنّتَيْنِ دَانٍ (‪ )54‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)55‬‬


‫مُ ّتكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِ ُنهَا مِنْ ِإسْتَبْرَ ٍ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَلَا جَانّ (‪ )56‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )57‬كَأَ ّنهُنّ‬
‫فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ لَمْ َي ْ‬
‫الْيَاقُوتُ وَا ْلمَرْجَانُ (‪ )58‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )59‬هلْ جَزَاءُ الِْإحْسَانِ إِلّا الْإِحْسَانُ (‪ )60‬فَبَِأيّ‬
‫آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)61‬‬

‫رواه الترمذي من حديث يونس بن (‪ )1‬بكير ‪ ،‬به (‪.)2‬‬


‫{ فِي ِهمَا عَيْنَانِ َتجْرِيَانِ } أي ‪ :‬تسرحان لسقي تلك الشجار والغصان فتثمر من جميع اللوان ‪{ ،‬‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ } قال الحسن البصري ‪ :‬إحداهما يقال لها ‪" :‬تسنيم" ‪ ،‬والخرى‬
‫"السلسبيل"‪.‬‬
‫وقال عطية ‪ :‬إحداهما من ماء غير آسن ‪ ،‬والخرى من خمر لذة للشاربين‪.‬‬
‫ولهذا قال بعد هذا ‪ { :‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ } أي ‪ :‬من جميع أنواع الثمار مما يعلمون‬
‫وخير مما يعلمون ‪ ،‬ومما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ { ،‬فَبَِأيّ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫قال إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ما في الدنيا ثمرة حلوة‬
‫ول مرة إل وهي في الجنة حتى الحنظلة (‪.)3‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬ليس في الدنيا مما في الخرة إل السماء ‪ ،‬يعني ‪ :‬أن بين ذلك بَونًا عظيما ‪،‬‬
‫وفرقًا بينا في التفاضل‪.‬‬
‫ق وَجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ (‪ )54‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)55‬‬
‫{ مُ ّتكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ َبطَائِ ُنهَا مِنْ إِسْتَبْ َر ٍ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ (‪ )56‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )57‬كَأَ ّنهُنّ‬
‫فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ لَمْ َي ْ‬
‫الْيَاقُوتُ وَا ْلمَرْجَانُ (‪ )58‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪َ )59‬هلْ جَزَا ُء الحْسَانِ إِل الحْسَانُ (‪)60‬‬
‫فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪.} )61‬‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ } يعني ‪ :‬أهل الجنة‪ .‬والمراد بالتكاء هاهنا ‪ :‬الضطجاع‪ .‬ويقال ‪:‬‬
‫الجلوس على صفة التّربّع‪ { .‬عَلَى فُرُشٍ َبطَائِ ُنهَا مِنْ إِسْتَبْ َرقٍ } وهو ‪ :‬ما غلظ من الديباج‪ .‬قاله‬
‫عكرمة ‪ ،‬والضحاك وقتادة‪.‬‬
‫جوْني ‪ :‬هو الديباج المغَرّي (‪ )4‬بالذهب‪ .‬فنبه على شرف الظهارة بشرف‬
‫عمْران ال َ‬
‫وقال أبو ِ‬
‫البطانة‪ .‬وهذا من التنبيه بالدنى على العلى‪.‬‬
‫قال أبو إسحاق ‪ ،‬عن هُبَيْرة بن يَرِيم (‪ ، )5‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬هذه البطائن فكيف لو‬
‫رأيتم الظواهر ؟‬
‫وقال مالك بن دينار ‪ :‬بطائنها من إستبرق ‪ ،‬وظواهرها من نور‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )2541‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث حسن غريب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الحنظل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬المعمول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سرية"‪.‬‬

‫( ‪)7/503‬‬

‫وقال سفيان الثوري ‪ -‬أو شريك ‪ : -‬بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد‪.‬‬
‫وقال القاسم بن محمد (‪ : )1‬بطائنها من إستبرق ‪ ،‬وظواهرها من الرحمة‪.‬‬
‫شوْذَب ‪ ،‬عن أبي عبد ال الشامي ‪ :‬ذكر ال البطائن ولم يذكر الظواهر ‪ ،‬وعلى‬
‫وقال ابن َ‬
‫الظواهر المحابس ‪ ،‬ول يعلم ما تحت المحابس إل ال‪ .‬ذكر ذلك كله المام ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫{ وَجَنَى ا ْلجَنّتَيْنِ دَانٍ } أي ‪ :‬ثمرها قريب إليهم ‪ ،‬متى شاءوا تناولوه على أي صفة كانوا ‪ ،‬كما‬
‫قال ‪ُ { :‬قطُوفُهَا دَانِيَةٌ } [ الحاقة ‪ ، ] 23 :‬وقال ‪ { :‬وَدَانِيَةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا وَذُلَّلتْ قُطُو ُفهَا تَذْلِيل }‬
‫[ النسان ‪ ] 14 :‬أي ‪ :‬ل تمنع ممن تناولها ‪ ،‬بل تنحط إليه من أغصانها ‪ { ،‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫ولما ذكر الفرش وعظمتها قال بعد ذلك ‪ { :‬فِيهِنّ } أي ‪ :‬في الفرش { قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ } أي‬
‫غضيضات عن غير أزواجهن ‪ ،‬فل يرين شيئا أحسن في الجنة من أزواجهن‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقد ورد أن الواحدة منهن تقول لبعلها ‪ :‬وال ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ‪ ،‬ول في الجنة‬
‫شيئ أحب إلي منك ‪ ،‬فالحمد ل الذي جعلك لي وجعلني لك‪.‬‬
‫طمِ ْثهُنّ إِ ْنسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ } أي ‪ :‬بل هن أبكار عرب أتراب ‪ ،‬لم يطأهن أحد قبل أزواجهن‬
‫{ َلمْ يَ ْ‬
‫من النس والجن‪ .‬وهذه أيضا من الدلة على دخول مؤمني الجن الجنة‪.‬‬
‫ضمْ َرةُ بن حبيب ‪ :‬هل يدخل الجن الجنة ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وينكحون ‪،‬‬
‫قال أرطاة بن المنذر ‪ :‬سئل َ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ‪ .‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا‬
‫للجن جنيات ‪ ،‬وللنس إنسيات‪ .‬وذلك قوله ‪َ { :‬لمْ يَ ْ‬
‫ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫ت وَا ْلمَرْجَانُ } ‪ ،‬قال مجاهد ‪ ،‬والحسن ‪[ ،‬والسدي] (‪، )2‬‬
‫ثم قال ينعتهن للخطاب ‪ { :‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُو ُ‬
‫وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬في صفاء الياقوت وبياض المرجان ‪ ،‬فجعلوا المرجان هاهنا اللؤلؤ‪.‬‬
‫حمَيْد ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن حاتم ‪ ،‬حدثنا عُبِيدة بن ُ‬
‫السائب ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون الودي (‪ ، )3‬عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إن المرأة من نساء أهل الجنة ليُرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من الحرير (‬
‫‪ ، )4‬حتى يرى مخها ‪ ،‬وذلك أن ال تعالى يقول ‪ { :‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُوتُ وَا ْلمَرْجَانُ } ‪ ،‬فأما الياقوت‬
‫فإنه حَجَرٌ لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي من حديث عُبَ ْيدَة بن حميد وأبي الحوص ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫ورواه موقوفا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهو أصح (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬مخيمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الزدي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬حرير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)2533‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)2534‬‬

‫( ‪)7/504‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أخبرنا يونس ‪ ،‬عن محمد بن سِيرِين ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور‬
‫العين ‪ ،‬على كل واحدة سبعون حلة ‪ ،‬يُرى مخ ساقها من وراء الثياب"‪.‬‬
‫تفرد به المام أحمد من هذا الوجه (‪ .)1‬وقد رواه مسلم من حديث إسماعيل بن عُلَيّة ‪ ،‬عن‬
‫أيوب ‪ ،‬عن محمد بن سيرين قال ‪ :‬إما تفاخروا وإما تذكروا ‪ ،‬الرجال أكثر في الجنة أم النساء ؟‬
‫فقال أبو هريرة ‪ :‬أو لم يقل أبو القاسم صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أول زمرة تدخل الجنة على‬
‫ضوَأ كوكب دُرّي في السماء ‪ ،‬لكل امرئ منهم‬
‫صورة القمر ليلة البدر ‪ ،‬والتي تليها على أ ْ‬
‫زوجتان اثنتان ‪ ،‬يُرَى مخ سوقهما من وراء اللحم ‪ ،‬وما في الجنة أعزب" (‪.)2‬‬
‫وهذا الحديث ُمخَرّجٌ في الصحيحين ‪ ،‬من حديث َهمّام بن مُنَبّه وأبي زُرْعَة ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫رضي ال عنه (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا محمد بن طلحة ‪ ،‬عن حميد عن أنس ؛ أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪َ" :‬لغَ ْد َوةٌ في سبيل ال أو روحة خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬وََلقَابُ‬
‫قوس أحدكم ‪ -‬أو موضع قيده (‪ - )4‬يعني ‪ :‬سوطه ‪ -‬من الجنة خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ولو‬
‫اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الرض لملت ما بينهما ريحا ‪ ،‬ولطاب ما بينهما ‪،‬‬
‫ول َنصِيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها"‪.‬‬
‫ورواه البخاري من حديث أبي إسحاق ‪ ،‬عن حميد ‪ ،‬عن أنس بنحوه (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬هلْ جَزَا ُء الحْسَانِ إِل الحْسَانُ } أي ‪ :‬ما لمن أحسن في الدنيا العمل (‪ )6‬إل الحسان‬
‫حسْنَى وَزِيَا َدةٌ } [ يونس ‪.] 26 :‬‬
‫حسَنُوا الْ ُ‬
‫إليه في الدار الخرة‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬لِلّذِينَ أَ ْ‬
‫جوَيه ‪،‬‬
‫وقال البغوي ‪ :‬أخبرنا أبو سعيد الشّريحِي ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق الثعلبي ‪ ،‬أخبرني ابن فَن ُ‬
‫حدثنا ابن شيبة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن َبهْرَام ‪ ،‬حدثنا الحجاج بن يوسف ال ُمكْتَب ‪ ،‬حدثنا‬
‫ع ِديّ ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه‬
‫بِشْر بن الحسين ‪ ،‬عن الزبير بن َ‬
‫حسَانِ إِل الحْسَانُ } ‪ ،‬قال ‪" :‬هل تدرون ما قال ربكم ؟" قالوا ‪ :‬ال‬
‫وسلم ‪َ { :‬هلْ جَزَاءُ ال ْ‬
‫ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬يقول هل جزاء ما أنعمت عليه بالتوحيد إل الجنة" (‪.)7‬‬
‫ولما كان في الذي ُذكِرَ نعم عظيمة ل يقاومها عمل ‪ ،‬بل مجرد تفضل وامتنان ‪ ،‬قال بعد ذلك كله‬
‫‪ { :‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/345‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2834‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3245‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2834‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬قده" وفي أ ‪" :‬قدمه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )3/141‬وصحيح البخاري برقم (‪.)2796‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬العمل في الدنيا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬معالم التنزيل للبغوي (‪ )7/456‬وفيه بشر الصبهاني يروي عن الزبير بن عدي عن أنس‬
‫بنسخة موضوعة‪.‬‬
‫( ‪)7/505‬‬

‫َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ (‪ )62‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )63‬مُدْهَامّتَانِ (‪ )64‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‬
‫‪ )65‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ (‪ )66‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪)67‬‬

‫ومما يتعلق بقوله تعالى ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ ،‬ما رواه الترمذي والبغوي ‪ ،‬من‬
‫حديث أبي النضر هاشم بن القاسم ‪ ،‬عن أبي عقيل الثقفي ‪ ،‬عن أبي فروة يزيد بن سِنان الرّهاوي‬
‫‪ ،‬عن ُبكَيْر ابن فيروز (‪ ، )1‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من‬
‫خاف أدلج ‪ ،‬ومن أدلج بلغ المنزل ‪ ،‬أل إن سلعة ال غالية ‪ ،‬أل إن سلعة ال الجنة"‪.‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث أبي النضر (‪.)2‬‬
‫وروى البغوي من حديث علي بن حُجْر ‪ ،‬عن إسماعيل بن جعفر ‪ ،‬عن محمد بن أبي حَ ْرمَلَة ‪-‬‬
‫مولى حويطب بن عبد العزى ‪ -‬عن عطاء بن يَسَار ‪ ،‬عن أبي الدرداء ؛ أنه سمع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ } ‪ ،‬قلت ‪ :‬وإن‬
‫زنى وإن سرق يا رسول ال ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ‬
‫جَنّتَانِ }‪ .‬فقلت الثانية ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا رسول ال ؟ فقال [رسول ال صلى ال عليه وسلم]‬
‫(‪ { )3‬وَِلمَنْ خَافَ َمقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ }‪ .‬فقلت الثالثة ‪ :‬وإن زنى وإن سرق يا رسول ال ؟ فقال ‪:‬‬
‫"وإن ‪ ،‬رغم أنف أبي الدرداء" (‪.)4‬‬
‫{ َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ (‪ )62‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )63‬مُدْهَامّتَانِ (‪ )64‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ‬
‫(‪ )65‬فِي ِهمَا عَيْنَانِ َنضّاخَتَانِ (‪ )66‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪.} )67‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فيروز الديلمي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )2450‬وتفسير البغوي (‪.)7/451‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)7/452‬‬

‫( ‪)7/506‬‬

‫خلٌ وَ ُرمّانٌ (‪ )68‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )69‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (‪ )70‬فَبَِأيّ آَلَاءِ‬
‫فِي ِهمَا فَا ِكهَةٌ وَنَ ْ‬
‫طمِ ْثهُنّ‬
‫رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )71‬حُورٌ َم ْقصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (‪ )72‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )73‬لَمْ َي ْ‬
‫خضْ ٍر وَعَ ْبقَ ِريّ‬
‫إِنْسٌ قَبَْلهُمْ وَلَا جَانّ (‪ )74‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )75‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫ل وَالِْإكْرَامِ (‪)78‬‬
‫سمُ رَ ّبكَ ذِي ا ْلجَلَا ِ‬
‫حسَانٍ (‪ )76‬فَبَِأيّ آَلَاءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )77‬تَبَا َركَ ا ْ‬
‫ِ‬
‫ل وَ ُرمّانٌ (‪ )68‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )69‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (‪ )70‬فَبَِأيّ‬
‫خٌ‬‫{ فِي ِهمَا فَا ِكهَ ٌة وَنَ ْ‬
‫آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )71‬حُورٌ مَ ْقصُورَاتٌ فِي ا ْلخِيَامِ (‪ )72‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )73‬لَمْ‬
‫خضْرٍ‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْل ُه ْم وَل جَانّ (‪ )74‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )75‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫يَ ْ‬
‫ل وَالكْرَامِ (‬
‫حسَانٍ (‪ )76‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ (‪ )77‬تَبَا َركَ اسْمُ رَ ّبكَ ذِي الْجَل ِ‬
‫وَعَبْقَ ِريّ ِ‬
‫‪.} )78‬‬
‫هاتان الجنتان دون اللتين قبلهما في المرتبة والفضيلة والمنزلة بنص القرآن ‪ ،‬قال ال تعالى ‪:‬‬
‫{ َومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ }‪.‬‬
‫وقد تقدم في الحديث ‪" :‬جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ‪،‬‬
‫فالوليان (‪ )1‬للمقربين ‪ ،‬والخريان (‪ )2‬لصحاب اليمين"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فالولتان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬والخيرتان"‪.‬‬

‫( ‪)7/506‬‬

‫وقال أبو موسى ‪ :‬جنتان من ذهب للمقربين ‪ ،‬وجنتان من فضة لصحاب اليمين‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪َ { :‬ومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ } من دونهما في الدرج‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬من دونهما في‬
‫الفضل‪.‬‬
‫والدليل على شرف الوليين على الخريين وجوه ‪ :‬أحدها ‪ :‬أنه نعت الولين قبل هاتين ‪ ،‬والتقديم‬
‫يدل على العتناء ثم قال ‪َ { :‬ومِنْ دُو ِن ِهمَا جَنّتَانِ }‪ .‬وهذا ظاهر في شرف التقدم (‪ )1‬وعلوه على‬
‫الثاني‪.‬‬
‫وقال هناك ‪َ { :‬ذوَاتَا َأفْنَانٍ } ‪ :‬وهي الغصان أو الفنون في الملذ ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ { :‬مُدْهَامّتَان }‬
‫أي سوداوان من شدة الري‪.‬‬
‫قال ابن عباس في قوله ‪ { :‬مُدْهَامّتَان } قد اسودتا من الخضرة ‪ ،‬من شدة الري من الماء‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا ابن ُفضَيْل ‪ ،‬حدثنا عطاء بن السائب ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مُدْهَامّتَان } ‪ :‬قال ‪ :‬خضراوان‪ .‬ورُوي عن أبي أيوب‬
‫النصاري ‪ ،‬وعبد ال بن الزبير ‪ ،‬وعبد ال بن أبي َأ ْوفَى ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬ومجاهد‬
‫‪ -‬في إحدى الروايات ‪ -‬وعطاء ‪ ،‬وعطية ال َعوْفي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬ويحيى بن رافع ‪،‬‬
‫وسفيان الثوري ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ { :‬مُ ْدهَامّتَان } ‪ :‬ممتلئتان من الخضرة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬خضراوان من الري‬
‫ناعمتان‪ .‬ول شك في نضارة الغصان على الشجار المشبكة بعضها في بعض‪ .‬وقال هناك ‪:‬‬
‫{ فِي ِهمَا عَيْنَانِ َتجْرِيَانِ } ‪ ،‬وقال هاهنا ‪َ { :‬نضّاخَتَان } ‪ ،‬وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ :‬أي فياضتان‪ .‬والجري أقوى من النضخ‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪َ { :‬نضّاخَتَان } أي ممتلئتان ل تنقطعان‪.‬‬
‫ل وَ ُرمّانٌ } ‪ ،‬ول‬
‫خٌ‬‫وقال هناك ‪ { :‬فِي ِهمَا مِنْ ُكلّ فَا ِكهَةٍ َزوْجَانِ } ‪ ،‬وقال هاهنا ‪ { :‬فِي ِهمَا فَا ِكهَ ٌة وَنَ ْ‬
‫شك أن الولى أعم وأكثر في الفراد والتنويع على فاكهة ‪ ،‬وهي نكرة في سياق الثبات ل تعم ؛‬
‫ل وَ ُرمّانٌ } من باب عطف الخاص على العام ‪ ،‬كما قرره البخاري‬
‫خٌ‬‫ولهذا فسر قوله ‪ { :‬وَنَ ْ‬
‫وغيره ‪ ،‬وإنما أفرد النخل والرمان بالذكر لشرفهما على غيرهما‪.‬‬
‫قال عبد بن حميد ‪ :‬حدثنا يحيى بن عبد الحميد ‪ ،‬حدثنا حصين بن عمر ‪ ،‬حدثنا مخارق ‪ ،‬عن‬
‫طارق بن شهاب ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب قال ‪ :‬جاء أناس من اليهود إلى رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬أفي (‪ )2‬الجنة فاكهة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬فيها فاكهة ونخل ورمان"‪ .‬قالوا‬
‫‪ :‬أفيأكلون كما يأكلون في الدنيا ؟ قال ‪" :‬نعم وأضعاف"‪ .‬قالوا ‪ :‬فيقضون الحوائج ؟ قال ‪" :‬ل‬
‫ولكنهم يعرقون ويرشحون ‪ ،‬فيذهب ال ما في بطونهم من أذى" (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬التقديم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المنتخب برقم (‪ )35‬وفيه حصين بن عمر وهو متروك‪.‬‬

‫( ‪)7/507‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي حدثنا الفَضْل بن ُدكَيْن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن حماد ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫طعَاتهم ‪ ،‬ومنها‬
‫جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬نخل الجنة سعفها كسوة لهل الجنة ‪ ،‬منها ُمقَ ّ‬
‫حُلَلهم ‪ ،‬وكَرَبُها ذهب أحمر ‪ ،‬وجذوعها زمرد أخضر ‪ ،‬وثمرها أحلى من العسل ‪ ،‬وألين من‬
‫الزبد ‪ ،‬وليس له عجم‪.‬‬
‫وحدثنا أبي ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ -‬هو ابن سلمة ‪ -‬عن أبي هارون ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد الخدري ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬نظرت إلى الجنة فإذا الرّمانة من‬
‫رمانها كمثل البعير ال ُمقْتَب" (‪.)1‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } قيل ‪ :‬المراد خيرات كثيرة حسنة في الجنة ‪ ،‬قاله قتادة‪ .‬وقيل ‪:‬‬
‫خيرات جمع خيرة ‪ ،‬وهي المرأة الصالحة الحسنة الخُلُق الحسنة الوجه ‪ ،‬قاله الجمهور‪ .‬وروي‬
‫مرفوعا عن أم سلمة (‪ .)2‬وفي الحديث الخر الذي سنورده في سورة "الواقعة" (‪ : )3‬أن الحور‬
‫العين يغنين ‪ :‬نحن الخيرات الحسان ‪ ،‬خلقنا لزواج كرام‪ .‬ولهذا قرأ بعضهم ‪" :‬فيهن خَيّرات" ‪،‬‬
‫حسَانٌ‪ .‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُتكَذّبَانِ }‪.‬‬
‫بالتشديد { ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬حُورٌ َم ْقصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } ‪ ،‬وهناك قال ‪ { :‬فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّ ْرفِ } ‪ ،‬ول شك أن‬
‫التي قد َقصَرَت طرفها بنفسها أفضل ممن قُصرت ‪ ،‬وإن كان الجميع مخدرات‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمرو بن عبد ال الودي ‪ ،‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن‬
‫القاسم بن أبي بزّة ‪ ،‬عن أبي عبيدة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬إن لكل مسلم خَيرة ‪،‬‬
‫ولكل خَيرة خيمة ‪ ،‬ولكل خيمة أربعة أبواب ‪ ،‬يدخل عليها (‪ )4‬كل يوم تحفة وكرامة وهدية لم‬
‫طمّاحات ‪ ،‬ول بخرات ول ذفرات ‪ ،‬حور عين ‪ ،‬كأنهن بيض‬
‫تكن قبل ذلك ‪ ،‬ل مَرّاحات ول َ‬
‫مكنون‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فِي ا ْلخِيَامِ } ‪ ،‬قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا أبو عمران الجوني ‪ ،‬عن أبي‬
‫بكر بن عبد ال بن قيس ‪ ،‬عن أبيه ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة خيمة‬
‫من لؤلؤة مجوفة ‪ ،‬عرضها ستون (‪ )5‬ميل في كل زاوية منها أهلٌ ما يَرون الخرين ‪ ،‬يطوف‬
‫عليهم المؤمنون"‪.‬‬
‫ورواه أيضا من حديث أبي عمران ‪ ،‬به (‪ .)6‬وقال ‪" :‬ثلثون ميل"‪ .‬وأخرجه مسلم من حديث أبي‬
‫عمران ‪ ،‬به‪ .‬ولفظه ‪" :‬إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤة واحدة مجوفة ‪ ،‬طولها ستون ميل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الحياء (‪ )6/2787‬وابن عساكر في تاريخ دمشق‬
‫كما في تهذيبه (‪ )5/462‬من طريق أبي هارون العبدي به‪.‬‬
‫وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين كذبه بعض الئمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )23/367‬مطول وفيه سليمان بن أبي كريمة وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )3‬عند تفسير اليات ‪ 38 - 35‬من نفس السورة‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬سبعون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)3243( ، )4879‬‬

‫( ‪)7/508‬‬

‫للمؤمن فيها أهل (‪ )1‬يطوف عليهم المؤمن ‪ ،‬فل يرى بعضهم بعضا" (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن أبي الربيع ‪ ،‬حدثنا عبد الرزّاق ‪ ،‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن‬
‫قتادة ‪ ،‬أخبرني خُلَيْد ال َعصَري ‪ ،‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬الخيمة لؤلؤة واحدة ‪ ،‬فيها سبعون بابا من‬
‫در‪.‬‬
‫وحدثنا أبي حدثنا عيسى بن أبي فاطمة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن محمد بن المثنى ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس في قوله ‪ { :‬حُورٌ َم ْقصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ } ‪ ،‬وقال ‪[ :‬في] (‪ )3‬خيام اللؤلؤ ‪ ،‬وفي الجنة‬
‫خيمة واحدة من لؤلؤة ‪ ،‬أربع فراسخ في أربعة فراسخ ‪ ،‬عليها أربعة آلف مصراع من الذهب‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرنا عمرو أن دَرّاجا أبا السّمح حدثه ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪" :‬أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم ‪،‬‬
‫واثنتان وسبعون زوجة ‪ ،‬وتنصب له قبة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت ‪ ،‬كما بين الجابية وصنعاء"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث عمرو بن الحارث ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫طمِ ْثهُنّ إِنْسٌ قَبَْلهُ ْم وَل جَانّ } ‪[ :‬قد] (‪ )5‬تقدم مثله سواء ‪ ،‬إل أنه زاد في وصف‬
‫وقوله ‪َ { :‬لمْ يَ ْ‬
‫ت وَا ْلمَرْجَانُ‪ .‬فَبَِأيّ آلءِ رَ ّب ُكمَا ُت َكذّبَانِ }‪.‬‬
‫الوائل بقوله ‪ { :‬كَأَ ّنهُنّ الْيَاقُو ُ‬
‫خضْ ٍر وَعَ ْبقَرِيّ حِسَانٍ } ‪ :‬قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫وقوله ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫‪ :‬الرفرف ‪ :‬المحابس‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهما ‪:‬‬
‫هي المحابس‪ .‬وقال العلء بن بدر (‪ )6‬الرفرف على السرير ‪ ،‬كهيئة المحابس المتدلي‪.‬‬
‫خضْرٍ } يعني ‪ :‬الوسائد‪ .‬وهو قول الحسن‬
‫وقال عاصم الجحدري ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫البصري في رواية عنه‪.‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ‬
‫خضْرٍ } قال ‪ :‬الرفرف ‪ :‬رياض الجنة‪.‬‬
‫عَلَى َرفْ َرفٍ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَعَ ْبقَ ِريّ حِسَانٍ } ‪ :‬قال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ :‬العبقري ‪:‬‬
‫الزرابي‪ .‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬هي عتاق الزرابي ‪ ،‬يعني ‪ :‬جيادها‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬العبقري ‪ :‬الديباج‪.‬‬
‫حسَانٍ } فقال ‪ :‬هي بسط أهل الجنة ‪ -‬ل أبا لكم ‪-‬‬
‫وسئل الحسن البصري عن قوله ‪ { :‬وَعَبْقَ ِريّ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أهلون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2838‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )2562‬وقال ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه إل من حديث رشدين"‪ .‬ولم‬
‫يتفرد به رشدين بل تابعه ابن وهب كما هنا ‪ ،‬وفي إسناده دراج يروي عن أبي الهيثم مناكير‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬زيد"‪.‬‬

‫( ‪)7/509‬‬
‫فاطلبوها‪ .‬وعن الحسن [البصري] (‪ )1‬رواية ‪ :‬أنها المرافق‪ .‬وقال زيد بن أسلم ‪ :‬العبقري ‪:‬‬
‫أحمر وأصفر وأخضر‪ .‬وسئل العلء بن زيد عن العبقري ‪ ،‬فقال ‪ :‬البسط أسفل من ذلك‪ .‬وقال‬
‫أبو حَزْرَة (‪ )2‬يعقوب بن مجاهد ‪ :‬العبقري ‪ :‬من ثياب أهل الجنة ‪ ،‬ل يعرفه أحد‪ .‬وقال أبو‬
‫خمَلة ‪ ،‬إلى الرقة ما هي‪ .‬وقال القتيبي ‪ :‬كل ثوب ُموَشى عند‬
‫العالية ‪ :‬العبقري ‪ :‬الطنافس الم ْ‬
‫العرب عبقري‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪ :‬هو منسوب إلى أرض يعمل بها الوشي‪ .‬وقال الخليل بن أحمد ‪:‬‬
‫كل شيء يسر (‪ )3‬من الرجال وغير ذلك يسمى عند العرب عبقريا‪ .‬ومنه قول النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في عمر ‪" :‬فلم أر عبقريا يفري فريه" (‪.)4‬‬
‫وعلى كل تقدير فصفة مرافق أهل الجنتين الوليين أرفع وأعلى من هذه الصفة ؛ فإنه قد قال‬
‫علَى فُرُشٍ بَطَائِ ُنهَا مِنْ إِسْتَبْ َرقٍ } ‪ ،‬فنعت بطائن فرشهم وسكت عن ظهائرها (‬
‫هناك ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ َ‬
‫‪ ، )5‬اكتفاءً بما مدح به البطائن بطريق الولى والحرى‪ .‬وتمام الخاتمة أنه قال بعد الصفات‬
‫حسَانُ } فوصف أهلها بالحسان وهو أعلى المراتب‬
‫المتقدمة ‪َ { :‬هلْ جَزَاءُ الحْسَانِ إِل ال ْ‬
‫والنهايات ‪ ،‬كما في حديث جبريل لما سأل عن السلم ‪ ،‬ثم اليمان‪ .‬فهذه وجوه عديدة في تفضيل‬
‫الجنتين الوليين على هاتين الخيريين (‪ ، )6‬ونسأل ال الكريم الوهاب أن يجعلنا من أهل‬
‫الوليين‪.‬‬
‫سمُ رَ ّبكَ ذِي ا ْلجَللِ وَالكْرَامِ } أي ‪ :‬هو أهل أن يجل فل يعصى ‪ ،‬وأن يكرم‬
‫ثم قال ‪ { :‬تَبَا َركَ ا ْ‬
‫فيعبد ‪ ،‬ويشكر فل يكفر ‪ ،‬وأن يذكر فل ينسى‪.‬‬
‫ل وَالكْرَامِ } ذي العظمة والكبرياء‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬ذِي الْجَل ِ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا موسى بن داود ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ‪ ،‬عن عمير (‪)7‬‬
‫بن هانئ ‪ ،‬عن أبي العذراء ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫جدّوا ال يغفر لكم" (‪.)8‬‬
‫"أ ِ‬
‫وفي الحديث الخر ‪" :‬إن من إجلل ال إكرام ذي الشيبة المسلم ‪ ،‬وذي السلطان ‪ ،‬وحامل القرآن‬
‫(‪ )9‬غير الغالي فيه ول الجافي عنه" (‪.)10‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو يوسف الجيزي (‪ ، )11‬حدثنا مؤمل بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا‬
‫حماد ‪ ،‬حدثنا حميد الطويل ‪ ،‬عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ألظّوا بيا ذا‬
‫الجلل والكرام"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن محمود بن غيلن ‪ ،‬عن مؤمل بن إسماعيل ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‬
‫‪.)12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حزيرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬نفيس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )3682‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2393‬من حديث عبد ال بن عمر‬
‫رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ظهارتها"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬الخيرتين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )5/199‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/31‬وفي إسناده أبو العذراء وهو مجهول"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬الذكر"‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4843‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪ )8/163‬من حديث أبي‬
‫موسى الشعري رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في الصل وبقية النسخ ‪" :‬الحربي" والتصويب من أبي يعلى‪.‬‬
‫(‪ )12‬مسند أبي يعلى (‪ )6/445‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3522‬‬
‫وقال ابن طاهر ‪" :‬وقد تابع المؤمل فيه روح بن عبادة وروح حافظ ثقة"‪.‬‬
‫أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تخريج الكشاف للزيلعي (‪ )3/396‬من طريق روح بن‬
‫عبادة عن حماد بن سلمة عن‪+‬‬

‫( ‪)7/510‬‬

‫ثم قال ‪ :‬غلط المؤمل فيه ‪ ،‬وهو غريب وليس بمحفوظ ‪ ،‬وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫عن حميد ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن يحيى بن حسان‬
‫المقدسي ‪ ،‬عن ربيعة بن عامر قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ألظوا بذي‬
‫الجلل والكرام"‪.‬‬
‫ورواه النسائي من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وقال الجوهري ‪ :‬ألظ فلن بفلن ‪ :‬إذا لزمه (‪.)2‬‬
‫وقول ابن مسعود ‪" :‬ألظوا بيا ذا الجلل والكرام" أي ‪ :‬الزموا‪ .‬ويقال ‪ :‬اللظاظ هو اللحاح‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكلهما قريب من الخر ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬وهو المداومة واللزوم واللحاح‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسلم والسنن الربعة من حديث عبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إذا سلم ل يقعد ‪ -‬يعني ‪ :‬بعد الصلة ‪ -‬إل قدر ما يقول ‪" :‬اللهم أنت السلم ومنك‬
‫السلم ‪ ،‬تباركت ذا الجلل والكرام" (‪.)3‬‬
‫آخر تفسير سورة الرحمن ‪ ،‬ول الحمد [والمنة] (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/177‬والنسائي في السنن الكبرى برقم (‪.)11563‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب (‪.)7/459‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )592‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1512‬وسنن الترمذي برقم (‪ )298‬وسنن‬
‫النسائي (‪ )3/69‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)924‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)7/511‬‬

‫تفسير سورة الواقعة‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد شبتَ ؟ قال ‪:‬‬
‫قال أبو إسحاق عن ِ‬
‫"شيّبتني هود ‪ ،‬والواقعة ‪ ،‬والمرسلت ‪ ،‬وعَمّ يتساءلون ‪ ،‬وإذا الشمس كورت"‪.‬‬
‫رواه الترمذي وقال ‪ :‬حسن غريب (‪)1‬‬
‫وقال الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد ال بن مسعود بسنده إلى عمرو بن الربيع بن طارق‬
‫المصري ‪ :‬حدثنا السّرّي بن يحيى الشيباني ‪ ،‬عن أبي شجاع ‪ ،‬عن أبي ظبية قال ‪ :‬مرض عبد‬
‫ال مرضه الذي توفي فيه ‪ ،‬فعاده عثمان بن عفان فقال ‪ :‬ما تشتكي ؟ قال ‪ :‬ذنوبي‪ .‬قال ‪ :‬فما‬
‫تشتهي ؟ قال ‪ :‬رحمة ربي‪ .‬قال أل آمر لك بطبيب ؟ قال ‪ :‬الطبيب أمرضني‪ .‬قال ‪ :‬أل آمر لك‬
‫بعطاء ؟ قال ‪ :‬ل حاجة لي فيه‪ .‬قال ‪ :‬يكون لبناتك من بعدك ؟ قال ‪ :‬أتخشى على بناتي الفقر ؟‬
‫إني أمرت بناتي يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ‪ ،‬إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫‪" :‬من قرأ سورة الواقعة كل ليلة ‪ ،‬لم تصبه فاقة أبدا"‪.)2( .‬‬
‫ثم قال ابن عساكر ‪ :‬كذا قال والصواب ‪ :‬عن "شجاع" ‪ ،‬كما رواه عبد ال بن وهب عن السّرّي‪.‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني السّرّي بن يحيى أن شجاعا حَدّثه ‪ ،‬عن أبي ظَبْيَة ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من قرأ سورة الواقعة كل ليلة‬
‫لم تصبه فاقة أبدا"‪ .‬فكان أبو ظبية ل يدعها (‪.)3‬‬
‫وكذا رواه أبو يعلى ‪ ،‬عن إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬عن محمد بن مُنِيب ‪ ،‬عن السّرّي بن يحيى ‪ ،‬عن‬
‫شجاع ‪ ،‬عن أبي ظَبْيَة ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ ،‬به‪ .‬ثم رواه عن إسحاق بن أبي إسرائيل ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن مُنِيب العدني ‪ ،‬عن السّرّي بن يحيى ‪ ،‬عن أبي ظبية ‪ ،‬عن ابن مسعود ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة ‪ ،‬لم تصبه فاقة أبدا"‪ .‬لم يذكر في سنده‬
‫"شجاعا" (‪ .)4‬قال ‪ :‬وقد أمرت بناتي أن يقرأنها كل ليلة‪.‬‬
‫وقد رواه ابن عساكر أيضا من حديث حجاج بن نصير وعثمان بن اليمان ‪ ،‬عن السري بن يحيى‬
‫‪ ،‬عن شجاع ‪ ،‬عن أبي فاطمة قال ‪ :‬مرض عبد ال ‪ ،‬فأتاه عثمان بن عفان يعوده ‪ ،‬فذكر الحديث‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪.)3297‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق (ق ‪" )294‬مصورة معهد المخطوطات" ورواه ابن عبد البر في التمهيد (‬
‫‪ )5/269‬من طريق حبشي بن عمرو بن الربيع ‪ ،‬عن أبيه عمرو بن الربيع المصري به‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )1/112‬من طريق خالد عن عبد ال بن وهب به‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه عن أبي يعلى أبو بكر بن السني في عمل اليوم والليلة برقم (‪.)674‬‬

‫( ‪)7/512‬‬

‫جتِ الْأَ ْرضُ رَجّا (‪)4‬‬


‫إِذَا َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )1‬لَ ْيسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِ َبةٌ (‪ )2‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ (‪ )3‬إِذَا رُ ّ‬
‫ستِ الْجِبَالُ بَسّا (‪َ )5‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا (‪َ )6‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَلَا َثةً (‪ )7‬فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا َأصْحَابُ‬
‫وَبُ ّ‬
‫ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )8‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأ َمةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ (‪ )9‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ (‪ )10‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ‬
‫(‪ )11‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪)12‬‬

‫بطوله‪ .‬قال عثمان بن اليمان ‪ :‬كان أبو فاطمة هذا مولى لعلي بن أبي طالب (‪.)1‬‬
‫وقال [المام] (‪ )2‬أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬ويحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪،‬‬
‫سمُرَة يقول ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي‬
‫سمَاك بن حرب ؛ أنه سمع جابر بن َ‬
‫عن ِ‬
‫الصلوات كنحو من صلتكم التي تصلون اليوم ‪ ،‬ولكنه كان يخفف‪ .‬كانت صلته أخف من‬
‫صلتكم ‪ ،‬وكان يقرأ في الفجر "الواقعة" ونحوها من السور (‪.)3‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جتِ ال ْرضُ رَجّا (‪)4‬‬
‫{ ِإذَا َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )1‬لَيْسَ ِل َو ْقعَ ِتهَا كَاذِبَةٌ (‪ )2‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ (‪ِ )3‬إذَا ُر ّ‬
‫ستِ الْجِبَالُ بَسّا (‪َ )5‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا (‪َ )6‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَل َثةً (‪ )7‬فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا‬
‫وَبُ ّ‬
‫صحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ (‪ )9‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ (‪ )10‬أُولَ ِئكَ‬
‫َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ (‪ )8‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ مَا َأ ْ‬
‫ا ْل ُمقَرّبُونَ (‪ )11‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪.} )12‬‬
‫الواقعة ‪ :‬من أسماء يوم القيامة ‪ ،‬سميت بذلك لتحقق كونها ووجودها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َق َعتِ‬
‫ا ْلوَا ِقعَةُ } [الحاقة ‪]15 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لَيْسَ ِل َو ْقعَتِهَا كَاذِ َبةٌ } أي ‪ :‬ليس لوقوعها إذا أراد ال كونها صارف يصرفها ‪ ،‬ول دافع‬
‫يدفعها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬اسْتَجِيبُوا لِرَ ّبكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َيوْمٌ ل مَ َردّ لَهُ مِنَ اللّهِ } [الشورى ‪، ]47 :‬‬
‫ب وَاقِعٍ‪ .‬لِ ْلكَافِرينَ لَ ْيسَ لَهُ دَافِعٌ } [المعارج ‪ ، ]2 ، 1 :‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫وقال ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫شهَا َد ِة وَ ُهوَ‬
‫ق وَلَهُ ا ْلمُ ْلكُ َيوْمَ يُ ْنفَخُ فِي الصّورِ عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫{ وَ َيوْمَ َيقُولُ كُنْ فَ َيكُونُ َقوْلُهُ ا ْلحَ ّ‬
‫حكِيمُ الْخَبِيرُ } [النعام ‪.]73 :‬‬
‫الْ َ‬
‫ومعنى { كَاذِبَة } ‪ -‬كما قال محمد بن كعب ‪ : -‬ل بد أن تكون‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ليس فيها مثنوية ول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تاريخ دمشق (ق ‪" )294‬مصورة معهد المخطوطات" وكذا رواه حجاج بن المنهال عن‬
‫السري بن يحيى فقال ‪ :‬عن أبي فاطمة ‪ :‬أخرجه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )2498‬وقد‬
‫أعمل الزيلعي رحمه ال هذا الحديث بأربع علل تلجح بعدها ضعفه ‪ :‬الولى ‪ :‬النقطاع كما‬
‫ذكره الدارقطني وابن أبي حاتم في علله نقل عن أبيه‪ .‬الثانية ‪ :‬نكارة متنه قاله المام أحمد‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬ضعف رواته ‪ :‬السري بن يحيى وشجاع كما ذكره ابن الجوزي‪ .‬الرابعة ‪ :‬الضطراب‬
‫فمنهم من يقول ‪ :‬أبو طيبة بالطاء المهملة ومنهم من يقول ‪ :‬أبو ظبية بالظاء المعجمة‪ .‬ومنهم من‬
‫يقول ‪ :‬أبو فاطمة ومنهم من يقول ‪ :‬شجاع ومنهم من يقول ‪ :‬أبو شجاع وقد اجتمع على ضعفه ‪:‬‬
‫المام أحمد وأبو حاتم وابنه والدار قطني والبيهقي وابن الجوزي تلويحا وتصريحا وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)5/104‬‬

‫( ‪)7/513‬‬

‫ارتداد ول رجعة‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والكاذبة ‪ :‬مصدر كالعاقبة والعافية‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ } أي ‪ :‬تحفض (‪ )1‬أقواما إلى أسفل سافلين إلى الجحيم ‪ ،‬وإن كانوا في‬
‫الدنيا أعزّاء‪ .‬وترفع آخرين إلى أعلى عليّين ‪ ،‬إلى النعيم المقيم ‪ ،‬وإن كانوا في الدنيا وضعاء‪.‬‬
‫وهكذا قال الحسن وقتادة ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يزيد بن عبد الرحمن بن مصعب المعنى ‪ ،‬حدثنا حميد بن‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ }‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن ِ‬
‫عبد الرحمن الرؤاسي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ِ‬
‫تخفض أناسًا وترفع آخرين‪.‬‬
‫وقال عبيد ال (‪ )2‬العتكي ‪ ،‬عن عثمان بن سراقة ‪ ،‬ابن خالة عمر بن الخطاب ‪ { :‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ‬
‫} [قال (‪ : ] )3‬الساعة خفضت أعداء ال إلى النار ‪ ،‬ورفعت أولياء ال إلى الجنة‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬تخفض رجال كانوا في الدنيا مرتفعين ‪ ،‬وترفع رجال كانوا في الدنيا‬
‫مخفوضين‪.‬‬
‫وقال السّ ّديّ ‪ :‬خفضت المتكبرين ‪ ،‬ورفعت المتواضعين‪.‬‬
‫وقال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬خَا ِفضَةٌ رَا ِفعَةٌ } أسمعت القريب والبعيد‪ .‬وقال عكرمة ‪:‬‬
‫خفضت فأسمعت الدنى ‪ ،‬ورفعت فأسمعت القصى‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫جتِ ال ْرضُ رَجّا } أي ‪ :‬حركت تحريكا فاهتزت واضطربت بطولها وعرضها‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذَا رُ ّ‬
‫جتِ ال ْرضُ َرجّا } أي ‪:‬‬
‫ولهذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد في قوله ‪ { :‬إِذَا ُر ّ‬
‫زلزلت زلزال [شديدا] (‪.)4‬‬
‫وقال الربيع بن أنس ‪ :‬ترج بما فيها كرج الغربال بما فيه‪.‬‬
‫وهذه كقوله تعالى ‪ِ { :‬إذَا زُلْزَِلتِ ال ْرضُ زِلْزَاَلهَا } [الزلزلة ‪ ، ]1 :‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ‬
‫شيْءٌ عَظِيمٌ } [الحج ‪.]1 :‬‬
‫ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ إِنّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ َ‬
‫عكْ ِرمَة ‪،‬‬
‫ستِ ا ْلجِبَالُ بَسّا } أي ‪ :‬فُتّ َتتْ فَتّا (‪ .)5‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَبُ ّ‬
‫وقتادة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬صارت الجبال كما قال [ال] (‪ )6‬تعالى ‪ { :‬كَثِيبًا َمهِيل } [المزمل ‪.]14 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا } ‪ ،‬قال أبو إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪:‬‬
‫{ هَبَاءً مُنْبَثّا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬تخفض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬تفتيتا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/514‬‬

‫كرهَج الغبار يسطع ثم يذهب ‪ ،‬فل يبقى منه شيء‪.‬‬


‫وقال ال َع ْو ِفيّ عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬فكَا َنتْ هَبَاءً مُنْبَثّا } ‪ :‬الهباء الذي يطير من النار ‪ ،‬إذا‬
‫اضطرمت (‪ )1‬يطير منه الشرر ‪ ،‬فإذا وقع لم يكن شيئا‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬المنبث ‪ :‬الذي ذرته الريح وبثته‪ .‬وقال قتادة ‪ { :‬هَبَاءً مُنْبَثّا } كيبيس الشجر الذي‬
‫تذروه (‪ )2‬الرياح‪.‬‬
‫وهذه الية كأخواتها الدالة على زوال الجبال عن أماكنها يوم القيامة ‪ ،‬وذهابها وتسييرها ونسفها‬
‫‪ -‬أي قلعها ‪ -‬وصيرورتها كالعهن المنفوش‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَلثَةً } أي ‪ :‬ينقسم الناس يوم القيامة إلى ثلثة أصناف ‪ :‬قوم عن يمين‬
‫العرش ‪ ،‬وهم الذين خرجوا من شق آدم اليمن ‪ ،‬ويؤتون كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬ويؤخذ بهم ذات‬
‫اليمين‪ .‬قال السّ ّديّ ‪ :‬وهم جمهور أهل الجنة‪ .‬وآخرون عن يسار العرش ‪ ،‬وهم الذين خرجوا من‬
‫شق آدم اليسر ‪ ،‬ويؤتون كتبهم بشمائلهم ‪ ،‬ويؤخذ بهم ذات الشمال ‪ ،‬وهم عامة أهل النار ‪-‬‬
‫عياذًا بال من صنيعهم ‪ -‬وطائفة سابقون بين يديه وهم أخص وأحظى وأقرب من أصحاب اليمين‬
‫الذين هم سادتهم ‪ ،‬فيهم الرسل والنبياء والصديقون والشهداء ‪ ،‬وهم أقل عددا من أصحاب اليمين‬
‫صحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ‪ .‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأ َمةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ‪.‬‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬فََأ ْ‬
‫وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } وهكذا قسمهم إلى هذه النواع الثلثة في آخر السورة وقت احتضارهم ‪،‬‬
‫سهِ‬
‫طفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا َفمِ ْنهُمْ ظَالِمٌ لِ َنفْ ِ‬
‫صَ‬‫وهكذا ذكرهم في قوله تعالى ‪ُ { :‬ثمّ َأوْرَثْنَا ا ْلكِتَابَ الّذِينَ ا ْ‬
‫َومِ ْنهُمْ مُقْ َتصِ ٌد َومِ ْنهُمْ سَابِقٌ بِا ْلخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللّهِ } الية [فاطر ‪ ، ]32 :‬وذلك على أحد القولين في‬
‫الظالم لنفسه كما تقدم بيانه‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن جابر الجعفي ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا‬
‫طفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا َفمِ ْنهُمْ‬
‫صَ‬‫ثَلثَةً } قال ‪ :‬هي التي في سورة الملئكة ‪ُ { :‬ثمّ َأوْرَثْنَا ا ْلكِتَابَ الّذِينَ ا ْ‬
‫ظَاِلمٌ لِ َنفْسِ ِه َومِ ْنهُمْ ُمقْ َتصِ ٌد َومِ ْنهُمْ سَا ِبقٌ بِالْخَيْرَاتِ }‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيْج عن ابن عباس ‪ :‬هذه الزواج الثلثة هم المذكورون في آخر السورة وفي سورة‬
‫الملئكة‪.‬‬
‫وقال يزيد الرقاشي ‪ :‬سألت ابن عباس عن قوله ‪َ { :‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَل َثةً } قال ‪ :‬أصنافا ثلثة‪.‬‬
‫وقال (‪ )3‬مجاهد ‪َ { :‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَلثَةً } [قال] (‪ : )4‬يعني ‪ :‬فرقا ثلثة‪ .‬وقال ميمون بن ِمهْران‬
‫‪ :‬أفواجا ثلثة‪ .‬وقال عُبَيد ال (‪ )5‬العتكي ‪ ،‬عن عثمان بن سراقة ابن خالة عمر بن الخطاب ‪:‬‬
‫{ َوكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَلثَةً } اثنان في الجنة ‪ ،‬وواحد في النار‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬اضطربت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬تذراه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬

‫( ‪)7/515‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا الوليد بن أبي ثور ‪ ،‬عن‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن النعمان بن بشير قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَإِذَا الّنفُوسُ‬
‫ِ‬
‫جتْ } [التكوير ‪ ]7 :‬قال ‪ :‬الضرباء ‪ ،‬كل رجل من قوم كانوا يعملون عمله ‪ ،‬وذلك بأن ال‬
‫ُزوّ َ‬
‫يقول ‪َ { :‬وكُنْتُمْ أَ ْزوَاجًا ثَلثَةً‪ .‬فََأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ مَا َأصْحَابُ ا ْلمَ ْيمَنَةِ‪ .‬وََأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ مَا‬
‫َأصْحَابُ ا ْلمَشَْأمَةِ‪ .‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } قال ‪ :‬هم الضرباء (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال المثنى ‪ ،‬حدثنا البراء الغنوي ‪ ،‬حدثنا الحسن ‪ ،‬عن‬
‫معاذ بن جبل ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تل (‪ )2‬هذه الية ‪ { :‬وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ } (‬
‫شمَالِ } (‪ )4‬فقبض بيده قبضتين فقال ‪" :‬هذه للجنة (‪ )5‬ول أبالي ‪ ،‬وهذه للنار‬
‫‪ { ، )3‬وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫(‪ )6‬ول أبالي" (‪.)7‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعَة ‪ ،‬حدثنا خالد بن أبي عمران ‪ ،‬عن القاسم بن‬
‫محمد ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪" :‬أتدرون من السابقون إلى‬
‫ظل يوم القيامة ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ‪ ،‬وإذا سئلوه بذلوه‬
‫‪ ،‬وحكموا للناس كحكمهم لنفسهم" (‪.)8‬‬
‫وقال محمد بن كعب وأبو حَرْ َزةَ يعقوب بن مجاهد ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } ‪ :‬هم النبياء ‪،‬‬
‫عليهم السلم‪ .‬وقال السّ ّديّ ‪ :‬هم أهل عليين‪ .‬وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫{ وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } ‪ ،‬قال ‪ :‬يوشع بن نون ‪ ،‬سبق إلى موسى ‪ ،‬ومؤمن آل "يس" ‪ ،‬سبق إلى‬
‫عيسى ‪ ،‬وعلي بن أبي طالب ‪ ،‬سبق إلى محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫شعَيْب بن‬
‫حاتم ‪ ،‬عن محمد بن هارون الفلس ‪ ،‬عن عبد ال بن إسماعيل المدائني البزاز ‪ ،‬عن ُ‬
‫الضحاك المدائني ‪ ،‬عن سفيان بن عُيَيْنَة ‪ ،‬عن ابن أبي نَجِيح به‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬وذكر محمد (‪ )9‬بن أبي حماد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬عن خارجة ‪ ،‬عن قُرّة ‪َ ،‬‬
‫عن ابن سِيرين ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } الذين صلوا للقبلتين‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير (‪ )10‬من حديث خارجة ‪ ،‬به‪.‬‬
‫وقال الحسن وقتادة ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ } أي ‪ :‬من كل أمة‪.‬‬
‫وقال الوزاعي ‪ ،‬عن عثمان بن أبي سودة أنه قرأ هذه الية ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ‪ .‬أُولَ ِئكَ‬
‫ا ْل ُمقَرّبُونَ } ثم قال ‪ :‬أولهم رواحًا إلى المسجد ‪ ،‬وأولهم خروجًا في سبيل ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سيأتي تخريج الحديث عند الية ‪ 7 :‬من سورة التكوير‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قرأ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هذه في الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذه في النار"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/239‬والحسن لم يسمع من معاذ‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)6/67‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬وذكر عن محمد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير"‪.‬‬
‫( ‪)7/516‬‬

‫ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪َ )13‬وقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (‪ )14‬عَلَى سُرُرٍ َم ْوضُونَةٍ (‪ )15‬مُ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ (‬
‫‪)16‬‬

‫وهذه القوال كلها صحيحة ‪ ،‬فإن المراد بالسابقين هم المبادرون إلى فعل الخيرات كما أمروا ‪،‬‬
‫س َموَاتُ وَال ْرضُ } [آل عمران‬
‫ضهَا ال ّ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬وَسَارِعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ } [الحديد‬
‫ضهَا َكعَرْضِ ال ّ‬
‫‪ ، ]133 :‬وقال ‪ { :‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫‪ ، ]22 :‬فمن سابق إلى هذه الدنيا وسبق إلى الخير ‪ ،‬كان في الخرة من السابقين إلى الكرامة ‪،‬‬
‫فإن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬وكما تدين تدان ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ‪ .‬فِي جَنّاتِ‬
‫ال ّنعِيمِ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن زكريا القزاز (‪ )1‬الرازي ‪ ،‬حدثنا خارجة بن‬
‫مُصعَب ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قالت الملئكة ‪:‬‬
‫يا رب ‪ ،‬جعلت لبني آدم الدنيا فهم يأكلون ويشربون ويتزوجون ‪ ،‬فاجعل لنا الخرة‪ .‬فقال ‪ :‬ل‬
‫أفعل‪ .‬فراجعوا ثلثا ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل أجعل من خلقت بيدي كمن قلت له ‪ :‬كن ‪ ،‬فكان‪ .‬ثم قرأ عبد ال‬
‫‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ‪ .‬أُولَ ِئكَ ا ْلمُقَرّبُونَ‪ .‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ }‪.‬‬
‫وقد روى هذا الثر المام عثمان (‪ )2‬بن سعيد الدارمي في كتابه ‪" :‬الرد على الجهمية" ‪ ،‬ولفظه‬
‫‪ :‬فقال ال عز وجل ‪" :‬لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ‪ ،‬كمن قلت له ‪ :‬كن فكان" (‪.)3‬‬
‫ن الوّلِينَ (‪َ )13‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ (‪ )14‬عَلَى سُرُرٍ َموْضُونَةٍ (‪ )15‬مُ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ‬
‫{ ثُلّةٌ مِ َ‬
‫(‪.} )16‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الفزاري"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد رواه عثمان بن سعيد الدارمي فرفعه كما في البداية والنهاية (‪ )1/55‬للمؤلف وقال ‪:‬‬
‫"وهو أصح" وله شاهد من حديث عبد ال بن عمر بن الخطاب رواه ابن الجوزي في العلل‬
‫المتناهية (‪ )1/48‬وقال ‪" :‬هذا حديث ل يصح"‪.‬‬

‫( ‪)7/517‬‬

‫ق َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ (‪ )18‬لَا ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا وَلَا‬


‫ب وَأَبَارِي َ‬
‫يَطُوفُ عَلَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ (‪ )17‬بَِأ ْكوَا ٍ‬
‫يُنْ ِزفُونَ (‪َ )19‬وفَا ِكهَةٍ ِممّا يَتَخَيّرُونَ (‪ )20‬وََلحْمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )21‬وَحُورٌ عِينٌ (‪ )22‬كََأمْثَالِ‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا وَلَا تَأْثِيمًا (‪ )25‬إِلّا قِيلًا‬
‫الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ (‪ )23‬جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )24‬لَا يَ ْ‬
‫سلَامًا (‪)26‬‬
‫سَلَامًا َ‬

‫خلّدُونَ (‪ )17‬بَِأ ْكوَابٍ وَأَبَارِيقَ َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ (‪ )18‬ل ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا‬
‫{ َيطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ مُ َ‬
‫وَل يُنزفُونَ (‪َ )19‬وفَا ِكهَةٍ ِممّا يَ َتخَيّرُونَ (‪ )20‬وَلَحْمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ (‪ )21‬وَحُورٌ عِينٌ (‪)22‬‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا وَل تَأْثِيمًا (‪)25‬‬
‫كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ (‪ )23‬جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )24‬ل يَ ْ‬
‫إِل قِيل سَلمًا سَلمًا (‪.} )26‬‬
‫ن الوّلِينَ‪َ .‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن هؤلء السابقين أنهم { ثُلّةٌ } أي ‪ :‬جماعة { مِ َ‬
‫}‪ .‬وقد اختلفوا في المراد بقوله ‪ { :‬الوّلِينَ } ‪ ،‬و { الخِرِينَ }‪ .‬فقيل ‪ :‬المراد بالولين ‪ :‬المم‬
‫الماضية ‪ ،‬والخرين ‪ :‬هذه المة‪ .‬هذا رواية عن مجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬رواها عنهما ابن‬
‫أبي حاتم‪ .‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬واستأنس بقوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نحن الخرون‬
‫السابقون يوم القيامة" (‪ .)1‬ولم يحك غيره ول عزاه إلى أحد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أجد الحديث في تفسير الطبري والحديث أخرجه البخاري في صحيحه برقم (‪ )896‬ومسلم‬
‫في صحيحه برقم (‪ )885‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)7/517‬‬

‫ومما يستأنس به لهذا القول ‪ ،‬ما رواه المام أبو محمد بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫عيسى بن الطباع ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال‬
‫ن الوّلِينَ‪َ .‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ } شق ذلك على أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫‪ :‬لما نزلت ‪ُ { :‬ثلّةٌ مِ َ‬
‫وسلم ‪ ،‬فنزلت ‪ { :‬ثُلّةٌ مِنَ الوّلِينَ‪ .‬وثُلّةٌ مِنَ الخِرِينَ } فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إني‬
‫لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ‪ ،‬ثلث أهل الجنة ‪ ،‬بل أنتم نصف أهل الجنة ‪ -‬أو ‪ :‬شطر أهل‬
‫الجنة ‪ -‬وتقاسمونهم النصف الثاني"‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد ‪ ،‬عن أسود بن عامر ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬بياع الملء ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬فذكره (‪ .)1‬وقد روي من حديث جابر نحو هذا ‪ ،‬ورواه الحافظ ابن عساكر من‬
‫طريق هشام بن عمار ‪ :‬حدثنا عبد ربه بن صالح ‪ ،‬عن عروة بن رويم ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ } ‪ ،‬ذكر فيها { ُثلّةٌ مِنَ‬
‫الوّلِينَ‪َ .‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ } ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ثلة من الولين وقليل منا ؟ قال ‪:‬‬
‫ن الخِرِينَ } ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫ن الوّلِينَ‪ .‬وَثُلّةٌ مِ َ‬
‫فأمسك آخر السورة سنة ‪ ،‬ثم نزل ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫ن الوّلِينَ‪ .‬وَثُلّةٌ مِنَ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا عمر ‪ ،‬تعال فاسمع ما قد أنزل ال ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫الخِرِينَ } ‪ ،‬أل وإن من آدم إليّ ثلة ‪ ،‬وأمتي ثلة ‪ ،‬ولن نستكمل ثلتنا حتى نستعين بالسودان من‬
‫رعاة البل ‪ ،‬ممن شهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له"‪.‬‬
‫هكذا أورده في ترجمة "عروة بن رويم" (‪ ، )2‬إسنادا ومتنا ‪ ،‬ولكن في إسناده نظر‪ .‬وقد وردت‬
‫طرق كثيرة متعددة بقوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" الحديث‬
‫بتمامه (‪ ، )3‬وهو مفرد في "صفة الجنة" ول الحمد والمنة‪ .‬وهذا الذي اختاره ابن جرير هاهنا ‪،‬‬
‫فيه نظر ‪ ،‬بل هو قول ضعيف ؛ لن هذه المة هي خير المم بنص القرآن ‪ ،‬فيبعد أن يكون‬
‫المقربون في غيرها أكثر منها ‪ ،‬اللهم إل أن يقابل مجموع المم بهذه المة‪ .‬والظاهر أن المقربين‬
‫من هؤلء أكثر من سائر المم ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬فالقول الثاني في هذا المقام ‪ ،‬هو الراجح ‪ ،‬وهو أن‬
‫ن الوّلِينَ } أي ‪ :‬من صدر هذه المة ‪َ { ،‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ } أي ‪:‬‬
‫يكون المراد بقوله ‪ُ { :‬ثلّةٌ مِ َ‬
‫من هذه المة‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن بكر (‪)4‬‬
‫المزني ‪ ،‬سمعت الحسن ‪ :‬أتى على هذه الية ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ السّا ِبقُونَ‪ .‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ } فقال ‪:‬‬
‫أما السابقون ‪ ،‬فقد مضوا ‪ ،‬ولكن اللهم اجعلنا من أهل اليمين‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد ‪ ،‬حدثنا السّ ّريّ بن يحيى قال ‪ :‬قرأ الحسن ‪ { :‬وَالسّا ِبقُونَ‬
‫السّا ِبقُونَ‪ .‬أُولَ ِئكَ ا ْل ُمقَرّبُونَ‪ .‬فِي جَنّاتِ ال ّنعِيمِ‪ .‬ثُلّةٌ مِنَ الوّلِينَ } ثلة ممن مضى من هذه المة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/391‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق لبن عساكر (‪/11‬ق ‪" )279‬مصورة معهد المخطوطات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬منها حديث عمران بن حصين ‪ ،‬أخرجه الترمذي في السنن برقم (‪ )3168‬وحديث عبد ال‬
‫بن مسعود ‪ ،‬أخرجه أحمد في المسند (‪.)1/420‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬بكير" وفي م ‪" :‬أبي بكر"‪.‬‬

‫( ‪)7/518‬‬

‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن المغيرة المَ ْنقَري ‪ ،‬حدثنا أبو هلل ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪،‬‬
‫ن الوّلِينَ‪َ .‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ } قال ‪ :‬كانوا يقولون ‪ ،‬أو يرجون ‪،‬‬
‫أنه قال في هذه الية ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫أن يكونوا كلهم من هذه المة‪ .‬فهذا قول الحسن وابن سيرين أن الجميع من هذه المة‪ .‬ول شك‬
‫أن أول كل أمة خير من آخرها ‪ ،‬فيحتمل أن يعم المر (‪ )1‬جميع المم كل أمة بحسبها ؛ ولهذا‬
‫ثبت في الصحاح وغيرها ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬خير‬
‫القرون قرني ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم" (‪ )2‬الحديث بتمامه‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا زياد أبو عمر ‪ ،‬عن الحسن ‪،‬‬
‫عن عمار بن ياسر ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثل أمتي مثل المطر ‪ ،‬ل‬
‫يدرى أوله خير أم آخره" (‪ ، )3‬فهذا الحديث ‪ ،‬بعد الحكم بصحة إسناده ‪ ،‬محمول على أن الدين‬
‫كما هو محتاج إلى أول المة في إبلغه إلى من بعدهم ‪ ،‬كذلك هو محتاج إلى القائمين به في‬
‫أواخرها ‪ ،‬وتثبيت الناس على السنة وروايتها وإظهارها ‪ ،‬والفضل للمتقدم‪ .‬وكذلك الزرع الذي‬
‫يحتاج (‪ )4‬إلى المطر الول وإلى المطر الثاني ‪ ،‬ولكن العمدة الكبرى على الول ‪ ،‬واحتياج‬
‫الزرع إليه آكد ‪ ،‬فإنه لوله ما نبت في الرض ‪ ،‬ول تعلق أساسه فيها ؛ ولهذا قال ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪" :‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم ‪ ،‬ول من خالفهم ‪ ،‬إلى‬
‫قيام الساعة"‪ .‬وفي لفظ ‪" :‬حتى يأتي أمر ال وهم كذلك"‪ .‬والغرض أن هذه المة أشرف من سائر‬
‫المم ‪ ،‬والمقربون فيها أكثر من غيرها وأعلى منزلة ؛ لشرف دينها وعظم نبيها‪ .‬ولهذا ثبت‬
‫بالتواتر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه أخبر أن في هذه المة سبعين ألفا يدخلون الجنة‬
‫بغير حساب‪ .‬وفي لفظ ‪" :‬مع كل ألف سبعون ألفا"‪ .‬وفي آخر (‪ )5‬مع كل واحد سبعون ألفا"‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا هشام (‪ )6‬بن مرثد (‪ )7‬الطبراني ‪ ،‬حدثنا محمد ‪-‬‬
‫ض ْمضَم ‪ -‬يعني ابن زُرْعَة ‪ -‬عن شريح ‪-‬‬
‫هو ابن إسماعيل بن عياش ‪ -‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثني َ‬
‫هو ابن عبيد ‪ -‬عن أبي مالك ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما والذي نفسي بيده‬
‫‪ ،‬ليبعثن منكم يوم القيامة مثل الليل السود زمرة جميعها يحيطون الرض ‪ ،‬تقول الملئكة لما‬
‫جاء مع محمد صلى ال عليه وسلم أكثر مما جاء مع النبياء ‪ ،‬عليهم السلم" (‪.)8‬‬
‫ن الوّلِينَ‪َ .‬وقَلِيلٌ مِنَ الخِرِينَ } ] (‪ )9‬الحديث الذي‬
‫وحسن أن يذكر هاهنا [عند قوله ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في "دلئل النبوة" حيث قال ‪ :‬أخبرنا أبو نصر بن قتادة ‪ ،‬أخبرنا أبو‬
‫عمرو بن مطر ‪ ،‬حدثنا جعفر ‪[ -‬هو] (‪ )10‬بن محمد بن المستفاض الفريابي ‪ -‬حدثني أبو وهب‬
‫الوليد بن عبد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬المة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3651‬من حديث عبد ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)4/319‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬هو محتاج"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬آخره"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬هاشم"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في هـ وبقية النسخ ‪" :‬يزيد" والتصويب من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )8‬المعجم الكبير (‪ )3/297‬وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وهو ضعيف لم يسمع من‬
‫أبيه‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)7/519‬‬

‫الملك بن عبيد ال (‪ )1‬بن ُمسَرّح الحرّاني ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عطاء القرشي الحراني ‪ ،‬عن‬
‫شجَعة بن رِ ْبعِي ‪ ،‬عن ابن َزمْل الجهني ‪ ،‬رضي‬
‫مسلمة (‪ )2‬بن عبد ال الجهني ‪ ،‬عن عمه أبي مَ ْ‬
‫ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا صلى الصبح قال ‪ ،‬وهو ثان رجله ‪:‬‬
‫"سبحان ال وبحمده‪ .‬أستغفر ال ‪ ،‬إن ال كان توابا" سبعين مرة ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬سبعين بسبعمائة ‪ ،‬ل‬
‫خير لمن كانت ذنوبه في يوم واحد أكثر من سبعمائة"‪ .‬ثم يقول ذلك مرتين ‪ ،‬ثم يستقبل الناس‬
‫بوجهه ‪ ،‬وكان يعجبه الرؤيا ‪ ،‬ثم يقول ‪" :‬هل رأى أحد منكم شيئا ؟" قال ابن زمل ‪ :‬فقلت ‪ :‬أنا يا‬
‫رسول ال‪ .‬فقال ‪" :‬خير تلقاه ‪ ،‬وشر توقاه ‪ ،‬وخير لنا ‪ ،‬وشر على أعدائنا ‪ ،‬والحمد ل رب‬
‫العالمين‪ .‬اقصص رؤياك"‪ .‬فقلت ‪ :‬رأيت جميع الناس على طريق رحب سهل ل حب ‪ ،‬والناس‬
‫على الجادة منطلقين ‪ ،‬فبينما هم كذلك ‪ ،‬إذ أشفى ذلك الطريق على مرج لم تر عيني مثله ‪ ،‬يرف‬
‫رفيفا يقطر ماؤه ‪ ،‬فيه من أنواع الكل قال ‪ :‬وكأني بالرعلة (‪ )3‬الولى حين أشفوا على المرج‬
‫كبّروا ‪ ،‬ثم أكبوا رواحلهم في الطريق ‪ ،‬فلم يظلموه يمينا ول شمال‪ .‬قال ‪ :‬فكأني أنظر إليهم‬
‫منطلقين‪ .‬ثم جاءت الرعلة الثانية وهم أكثر منهم أضعافا ‪ ،‬فلما أشفوا على المرج كبّروا ‪ ،‬ثم‬
‫أكبوا رواحلهم في الطريق ‪ ،‬فمنهم المرتع ‪ ،‬ومنهم الخذ الضغث‪ .‬ومضوا على ذلك‪ .‬قال ‪ :‬ثم‬
‫قدم عظم الناس ‪ ،‬فلما أشفوا على المرج كبروا وقالوا ‪( :‬هذا خير المنزل)‪ .‬كأني أنظر إليهم‬
‫يميلون يمينا وشمال فلما رأيت ذلك ‪ ،‬لزمت الطريق حتى آتي أقصى المرج ‪ ،‬فإذا أنا بك يا‬
‫رسول ال على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلها درجة ‪ ،‬وإذا عن يمينك رجل آدم شثل‬
‫أقنى ‪ ،‬إذا هو تكلم يسمو فيفرع الرجال طول وإذا عن يسارك رجل ربعة باذ (‪ )4‬كثير خيلن‬
‫الوجه ‪ ،‬كأنما حمم شعره بالماء ‪ ،‬إذا هو تكلم أصغيتم إكراما له‪ .‬وإذا أمام ذلك رجل شيخ أشبه‬
‫الناس بك خلقا ووجها ‪ ،‬كلكم تؤمونه تريدونه ‪ ،‬وإذا أمام ذلك ناقة عجفاء شارف ‪ ،‬وإذا أنت يا‬
‫رسول ال كأنك تبعثها‪ .‬قال ‪ :‬فامتقع لون رسول ال صلى ال عليه وسلم ساعة ثم سري عنه ‪،‬‬
‫وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أمّا ما رأيت من الطريق السهل الرحب الل حب ‪ ،‬فذاك‬
‫ما حملتم (‪ )5‬عليه من الهدى وأنتم عليه‪ .‬وأما المرج الذي رأيت ‪ ،‬فالدنيا (‪ )6‬مضيت أنا‬
‫وأصحابي لم نتعلق منها بشيء ‪ ،‬ولم تتعلق منا ‪ ،‬ولم نردها ولم تردنا‪ .‬ثم جاءت (‪ )7‬الرعلة‬
‫الثانية من بعدنا وهم أكثر منا أضعافا ‪ ،‬فمنهم المرتع ‪ ،‬ومنهم الخذ الضغث ‪ ،‬ونجوا (‪ )8‬على‬
‫ذلك‪ .‬ثم جاء عظم الناس ‪ ،‬فمالوا في المرج يمينا وشمال فإنا ل وإنا إليه راجعون‪ .‬وأما أنت ‪،‬‬
‫فمضيت على طريقة صالحة ‪ ،‬فلن تزال عليها حتى تلقاني‪ .‬وأما المنبر الذي رأيت فيه سبع‬
‫درجات وأنا في أعلها درجة ‪ ،‬فالدنيا سبعة آلف سنة ‪ ،‬أنا في آخرها ألفا‪ .‬وأما الرجل الذي‬
‫رأيت على يميني الدم الشثل ‪ ،‬فذلك موسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬إذا تكلم ‪ ،‬يعلو الرجال بفضل كلم‬
‫ال إياه‪ .‬والذي رأيت عن يساري الباز الربعة الكثير خيلن الوجه ‪ ،‬كأنما حمم شعره بالماء ‪،‬‬
‫فذلك عيسى ابن مريم ‪ ،‬نكرمه لكرام ال إياه‪ .‬وأما الشيخ الذي رأيت أشبه الناس بي خلقا ووجها‬
‫فذاك أبونا إبراهيم ‪ ،‬كلنا نؤمه ونقتدي به‪ .‬وأما الناقة التي رأيت ورأيتني أبعثها ‪ ،‬فهي الساعة ‪،‬‬
‫علينا تقوم ‪ ،‬ل نبي بعدي ‪ ،‬ول أمة بعد أمتي"‪ .‬قال ‪ :‬فما سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن رؤيا بعد هذا إل أن يجيء الرجل ‪ ،‬فيحدثه بها متبرعا (‪.)9‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَى سُرُرٍ َموْضُونَةٍ } قال ابن عباس ‪ :‬أي مرمولة بالذهب ‪ ،‬يعني ‪ :‬منسوجة به‪ .‬وكذا‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيره‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وقال السّ ّديّ ‪ :‬مرمولة بالذهب واللؤلؤ‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬مشبكة بالدر والياقوت‪ .‬وقال ابن جرير ‪:‬‬
‫ومنه سمي وضين الناقة الذي تحت بطنها ‪ ،‬وهو فعيل بمعنى مفعول ؛ لنه مضفور ‪ ،‬وكذلك‬
‫السرر في الجنة مضفورة بالذهب والللئ‪.‬‬
‫وقال ‪ { :‬مُ ّتكِئِينَ عَلَ ْيهَا مُ َتقَابِلِينَ } أي ‪ :‬وجوه بعضهم إلى بعض ‪ ،‬ليس أحد وراء أحد‪َ { .‬يطُوفُ‬
‫عَلَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ } أي ‪ :‬مخلدون على صفة واحدة ‪ ،‬ل يكبرون عنها ول يشيبون ول‬
‫ق َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ } ‪ ،‬أما الكواب فهي ‪ :‬الكيزان التي ل خراطيم لها‬
‫يتغيرون ‪ { ،‬بَِأ ْكوَابٍ وَأَبَارِي َ‬
‫ول آذان‪ .‬والباريق ‪ :‬التي جمعت الوصفين‪ .‬والكؤوس ‪ :‬الهنابات ‪ ،‬والجميع من خمر من عين‬
‫جارية َمعِين ‪ ،‬ليس من أوعية تنقطع وتفرغ ‪ ،‬بل من عيون سارحة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا وَل يُنزفُونَ } أي ‪ :‬ل تصدع رؤوسهم ول تنزف عقولهم ‪ ،‬بل هي‬
‫ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة‪.‬‬
‫وروى الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬في الخمر أربع خصال ‪ :‬السكر ‪ ،‬والصداع ‪،‬‬
‫والقيء ‪ ،‬والبول‪ .‬فذكر ال خمر الجنة ونزهها عن هذه الخصال‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ { :‬ل ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا }‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫يقول ‪ :‬ليس لهم فيها صداع رأس‪.‬‬
‫وقالوا في قوله ‪ { :‬وَل يُنزفُونَ } أي ‪ :‬ل تذهب بعقولهم‪.‬‬
‫حمِ طَيْرٍ ِممّا َيشْ َتهُونَ } أي ‪ :‬ويطوفون عليهم بما يتخيرون من‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفَا ِكهَةٍ ِممّا يَتَخَيّرُونَ‪ .‬وَلَ ْ‬
‫الثمار‪.‬‬
‫عكْراش‬
‫وهذه الية دليل على جواز أكل الفاكهة على صفة التخير لها ‪ ،‬ويدل على ذلك حديث " ِ‬
‫بن ذؤيب" الذي رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في مسنده ‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد‬
‫عكْراش ‪ ،‬عن‬
‫النّرْسِي ‪ ،‬حدثنا العلء بن الفضل بن عبد الملك بن أبي سوية ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن ِ‬
‫عكْراش بن ذؤيب ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثني بنو مرة في صدقات أموالهم إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫أبيه ِ‬
‫وسلم ‪ ،‬فقدمت المدينة فإذا هو جالس بين المهاجرين والنصار ‪ ،‬وقدمت عليه بإبل كأنها عروق‬
‫الرطى ‪ ،‬قال ‪" :‬من الرجل ؟"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مسلم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وكانوا بالرعلة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬بار"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬حملتكم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فالدنيا ونضارة عيشها"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ثم كانت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ثم نجوا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬دلئل النبوة (‪ )7/36‬وفي إسناده سليمان بن عطاء بن قيس ‪ ،‬قال ابن حبان في المجروحين (‬
‫‪" : )1/329‬شيخ يروي عن مسلمة ابن عبد ال الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي بأشياء‬
‫موضوعة ل تشبه حديث الثقات فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة بن عبد ال"‪.‬‬

‫( ‪)7/520‬‬

‫عكْراش بن ذؤيب‪ .‬قال ‪" :‬ارفع في النسب" ‪ ،‬فانتسبت له إلى "مرة بن عبيد" ‪ ،‬وهذه صدقة‬
‫قلت ‪ِ :‬‬
‫"مرة بن عبيد"‪ .‬فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال ‪ :‬هذه إبل قومي ‪ ،‬هذه صدقات قومي‪.‬‬
‫ثم أمر بها أن توسم بميسم إبل الصدقة وتضم إليها‪ .‬ثم أخذ بيدي فانطلقنا إلى منزل أم سلمة ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬هل من طعام ؟" فأتينا بحفنة كثيرة الثريد والوذر ‪ ،‬فجعل يأكل منها ‪ ،‬فأقبلت أخبط بيدي‬
‫في جوانبها ‪ ،‬فقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده اليسرى على يدي اليمنى ‪ ،‬فقال ‪" :‬يا‬
‫عكْراش ‪ ،‬كل من موضع واحد ‪ ،‬فإنه طعام واحد"‪ .‬ثم أتينا بطبق فيه تمر ‪ ،‬أو رطب ‪ -‬شك عبيد‬
‫ِ‬
‫ال رطبا كان أو تمرا ‪ -‬فجعلت آكل من بين يدي ‪ ،‬وجالت يد رسول ال صلى ال عليه وسلم في‬
‫عكْراش ‪ ،‬كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد"‪ .‬ثم أتينا بماء ‪ ،‬فغسل‬
‫الطبق ‪ ،‬وقال ‪" :‬يا ِ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يده ومسح بِبََللِ كفيه وجهه وذراعيه ورأسه ثلثا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا‬
‫عكْراش ‪ ،‬هذا الوضوء مما غيرت النار"‪.‬‬
‫ِ‬
‫وهكذا رواه الترمذي مطول وابن ماجه جميعًا ‪ ،‬عن محمد بن بشار ‪ ،‬عن أبي الهزيل العلء بن‬
‫الفضل ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال الترمذي ‪ :‬غريب ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا بهز بن أسد وعفان ‪ -‬وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا شيبان ‪ -‬قالوا ‪:‬‬
‫حدثنا سليمان بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬قال ‪ :‬قال أنس ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫تعجبه الرؤيا ‪ ،‬فربما رأى الرجل الرؤيا فسأل عنه إذا لم يكن يعرفه ‪ ،‬فإذا أثني عليه معروف ‪،‬‬
‫كان أعجب لرؤياه إليه‪ .‬فأتته امرأة فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬رأيت كأني أتيت فأخرجت من المدينة‬
‫‪ ،‬فأدخلت الجنة فسمعت وَجبَة انتحبت لها الجنة ‪ ،‬فنظرت فإذا فلن ابن فلن ‪ ،‬وفلن ابن فلن ‪،‬‬
‫س ّمتْ اثني عشر رجل كان النبي صلى ال عليه وسلم قد بعث سرية قبل ذلك ‪ ،‬فجيء بهم عليهم‬
‫فَ‬
‫ثياب طلس تشخب أوداجهم ‪ ،‬فقيل ‪ :‬اذهبوا بهم إلى نهر البيدخ ‪ -‬أو ‪ :‬البيذخ ‪ -‬قال ‪ :‬فغمسوا‬
‫فيه ‪ ،‬فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر ‪ ،‬فأتوا بصحفة من ذهب فيها بُسر ‪ ،‬فأكلوا من بُسره‬
‫ما شاؤوا ‪ ،‬فما يقلبونها من وجه إل أكلوا من الفاكهة ما أرادوا ‪ ،‬وأكلت معهم‪ .‬فجاء البشير من‬
‫تلك السرية ‪ ،‬فقال ‪ :‬كان (‪ )2‬من أمرنا (‪ )3‬كذا وكذا ‪ ،‬وأصيب (‪ )4‬فلن وفلن‪ .‬حتى عد اثني‬
‫عشر رجل فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم المرأة فقال ‪" :‬قصي رؤياك" فقصتها ‪ ،‬وجعلت‬
‫تقول ‪ :‬فجيء بفلن وفلن كما قال‪.‬‬
‫هذا لفظ أبي يعلى ‪ ،‬قال الحافظ الضياء ‪ :‬وهذا على شرط مسلم (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا معاذ بن المثنى ‪ ،‬حدثنا علي بن المديني ‪ ،‬حدثنا ريحان‬
‫بن سعيد ‪ ،‬عن عباد بن منصور ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن أبي أسماء ‪ ،‬عن ثوبان ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )1848‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )3274‬وعبيد ال بن عكراش تكلم فيه ‪،‬‬
‫وتكلم في حديثه هذا‪.‬‬
‫قال البخاري ‪" :‬ل يثبت حديثه" ونقل العقيلي عنه أنه قال ‪" :‬في إسناده نظر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فقال ‪ :‬ما كان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬رؤيا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فأصيب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند للمام أحمد (‪ )3/135‬ومسند أبي يعلى برقم (‪ )6/44( )3289‬وقال الهيثمي في‬
‫المجمع (‪" : )7/175‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬

‫( ‪)7/522‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل إذا نزع ثمرة في الجنة ‪ ،‬عادت مكانها أخرى" (‪.)1‬‬
‫حمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ } ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلَ ْ‬
‫حدثنا سيار بن حاتم ‪ ،‬حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي ‪ ،‬حدثنا ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن طير الجنة كأمثال البخت ‪ ،‬يرعى (‪ )2‬في شجر الجنة"‪.‬‬
‫فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن هذه لطير ناعمة فقال ‪" :‬أكلتها (‪ )3‬أنعم منها ‪ -‬قالها ثلثا ‪-‬‬
‫وإني لرجو أن تكون ممن يأكل منها"‪ .‬تفرد به أحمد من هذا الوجه (‪.)4‬‬
‫وروى الحافظ أبو عبد ال المقدسي في كتابه "صفة الجنة" من حديث إسماعيل بن علي الخُطَ ِبيّ ‪،‬‬
‫عن أحمد بن علي الخُيُوطي ‪ ،‬عن عبد الجبار بن عاصم ‪ ،‬عن عبد ال بن زياد ‪ ،‬عن زُرْعَة ‪،‬‬
‫عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكرت عند النبي صلى ال عليه وسلم طوبى ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬هل بلغك ما طوبى ؟" قال ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬طوبى‬
‫شجرة في الجنة ‪ ،‬ما يعلم طولها إل ال ‪ ،‬يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا ‪،‬‬
‫ورقها الحلل ‪ ،‬يقع عليها الطير كأمثال البخت"‪ .‬فقال أبو بكر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن هناك لطيرا‬
‫ناعما ؟ قال ‪" :‬أنعم منه من يأكله ‪ ،‬وأنت منهم إن شاء ال" (‪.)5‬‬
‫حمِ طَيْرٍ ِممّا َيشْ َتهُونَ } ‪ :‬ذكر لنا أن أبا بكر قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَلَ ْ‬
‫أرى طيرها ناعمة كما أهلها ناعمون‪ .‬قال ‪" :‬من يأكلها ‪ -‬وال يا أبا بكر (‪ - )6‬أنعم منها ‪،‬‬
‫وإنها لمثال البخت ‪ ،‬وإني لحتسب على ال أن تأكل منها (‪ )7‬يا أبا بكر" (‪.)8‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثني مجاهد بن موسى ‪ ،‬حدثنا َمعْنُ بن عيسى ‪ ،‬حدثني ابن أخي‬
‫ابن شهاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس بن مالك ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن الكوثر‬
‫فقال ‪" :‬نهر أعطانيه ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في الجنة ‪ ،‬أشد بياضا من اللبن ‪ ،‬وأحلى من العسل ‪ ،‬فيه‬
‫طيور أعناقها يعني كأعناق الجزر"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬إنها لناعمة‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬آكلها أنعم منها"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي عن عبد (‪ )9‬بن حميد ‪ ،‬عن ال َقعْنَبِي ‪ ،‬عن محمد بن عبد ال بن مسلم بن‬
‫شهاب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن (‪.)10‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنَافِسي ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن عبيد‬
‫ال (‪ )11‬بن الوليد ال َوصّافي ‪ ،‬عن عطية ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )2/102‬وفي إسناده عباد متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ترعى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أكلها"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/221‬‬
‫(‪ )5‬ورواه ابن مردويه في تفسيره كما في الدر المنثور (‪.)4/649‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬يا أبا بكر وال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬أن آكل منها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬وهذا مرسل وقد روى من طريق الحسن مرسل أيضا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (‬
‫‪.)12/13‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬عبيد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )10‬سنن الترمذي برقم (‪ )2542‬وقال فيه ‪" :‬حسن غريب"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في أ ‪" :‬عبد ال"‪.‬‬

‫( ‪)7/523‬‬

‫"إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشة ‪ ،‬فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة فينتفض ‪،‬‬
‫فيخرج من كل ريشة ‪ -‬يعني ‪ :‬لونا ‪ -‬أبيض من اللبن ‪ ،‬وألين من الزبد ‪ ،‬وأعذب من الشهد ‪،‬‬
‫ليس منها لون يشبه صاحبه (‪ )1‬ثم يطير" (‪.)2‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬وال َوصّافي وشيخه ضعيفان‪ .‬ثم قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬حدثني الليث ‪ ،‬حدثنا خالد بن يزيد ‪ ،‬عن‬
‫سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن أبي حازم عن عطاء ‪ ،‬عن كعب ‪ ،‬قال ‪ :‬إن طائر الجنة أمثال البخت ‪،‬‬
‫يأكل (‪ )3‬مما خلق من ثمرات الجنة ‪ ،‬ويشرب (‪ )4‬من أنهار الجنة ‪ ،‬فيصطففن له ‪ ،‬فإذا اشتهى‬
‫منها شيئا أتاه حتى يقع بين يديه ‪ ،‬فيأكل من خارجه وداخله ثم يطير لم ينقص منه شيء‪ .‬صحيح‬
‫إلى كعب‪.‬‬
‫وقال الحسن بن عرفة ‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد العرج ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن مسعود ‪ ،‬قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنك لتنظر إلى الطير‬
‫في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا" (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَحُورٌ عِينٌ‪ .‬كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ } قرأ بعضهم بالرفع ‪ ،‬وتقديره ‪ :‬ولهم فيها حور‬
‫عين‪ .‬وقراءة الجر تحتمل معنيين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن يكون العراب على التباع بما قبله ؛ لقوله ‪:‬‬
‫ب وَأَبَارِيقَ َوكَأْسٍ مِنْ َمعِينٍ‪ .‬ل ُيصَدّعُونَ عَ ْنهَا وَل يُنزفُونَ‪.‬‬
‫خلّدُونَ‪ .‬بَِأ ْكوَا ٍ‬
‫{ َيطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ مُ َ‬
‫س ُكمْ‬
‫َوفَاكِهَةٍ ِممّا يَ َتخَيّرُونَ‪ .‬وَلَحْمِ طَيْرٍ ِممّا يَشْ َتهُونَ‪ .‬وَحُورٌ عِينٌ } ‪َ ،‬كمَا قَالَ { وَامْسَحُوا بِرُءُو ِ‬
‫خضْرٌ وَِإسْتَبْرَقٌ } [النسان ‪.]21 :‬‬
‫وَأَرْجَُلكُمْ } [المائدة ‪ ، ]6 :‬وكما قال ‪ { :‬عَالِ َيهُمْ ثِيَابُ سُ ْندُسٍ ُ‬
‫والحتمال الثاني ‪ :‬أن يكون مما يطوف به الولدان المخلدون عليهم الحور العين ‪ ،‬ولكن يكون‬
‫ذلك في القصور ‪ ،‬ل بين بعضهم بعضا ‪ ،‬بل في الخيام يطوف عليهم الخدام بالحور العين ‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ } أي ‪ :‬كأنهن اللؤلؤ الرطب في بياضه وصفائه ‪ ،‬كما تقدم في‬
‫"سورة الصافات" { كَأَ ّنهُنّ بَ ْيضٌ َمكْنُونٌ } [الصافات ‪ ]49 :‬وقد تقدم في سورة "الرحمن" وصفهن‬
‫أيضا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬جَزَاءً ِبمَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬هذا الذي اتحفناهم به مجازاة لهم على ما‬
‫أحسنوا من العمل‪.‬‬
‫س َمعُونَ فِيهَا َل ْغوًا وَل تَأْثِيمًا‪ .‬إِل قِيل سَلمًا سَلمًا } أي ‪ :‬ل يسمعون في الجنة‬
‫ثم قال ‪ { :‬ل َي ْ‬
‫كلمًا لغيا ‪ ،‬أي ‪ :‬غثا (‪ )6‬خاليا عن المعنى ‪ ،‬أو مشتمل على معنى حقير أو ضعيف ‪ ،‬كما قال‬
‫س َمعُ فِيهَا لغِيَةً } [الغاشية ‪]11 :‬‬
‫‪ { :‬ل تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الخر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه هناد في الزهد برقم (‪ )119‬حدثنا أبو معاوية به‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬يأكلن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يشربن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬جزء الحسن بن عرفة برقم (‪ )22‬وحميد العرج منكر الحديث‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عبثا"‪.‬‬

‫( ‪)7/524‬‬

‫ظلّ‬
‫خضُودٍ (‪ )28‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )29‬وَ ِ‬
‫وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ مَا َأصْحَابُ الْ َيمِينِ (‪ )27‬فِي سِدْرٍ َم ْ‬
‫سكُوبٍ (‪َ )31‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ (‪ )32‬لَا َمقْطُوعَ ٍة وَلَا َممْنُوعَةٍ (‪َ )33‬وفُرُشٍ‬
‫َممْدُودٍ (‪َ )30‬ومَاءٍ مَ ْ‬
‫صحَابِ الْ َيمِينِ‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارًا (‪ )36‬عُرُبًا أَتْرَابًا (‪ )37‬لَِأ ْ‬
‫مَ ْرفُوعَةٍ (‪ )34‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً (‪ )35‬فَ َ‬
‫(‪ )38‬ثُلّةٌ مِنَ الَْأوّلِينَ (‪ )39‬وَثُلّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (‪)40‬‬

‫أي ‪ :‬كلمة لغية { وَل تَأْثِيمًا } أي ‪ :‬ول كلمًا فيه قبح (‪ { ، )1‬إِل قِيل سَلمًا سَلمًا } أي ‪ :‬إل‬
‫التسليم منهم بعضهم على بعض ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬تحِيّ ُتهُمْ فِيهَا سَلمٌ } [إبراهيم ‪ ]23 :‬وكلمهم أيضًا‬
‫سالم من اللغو والثم‪.‬‬
‫ظلّ‬
‫خضُودٍ (‪ )28‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ (‪ )29‬وَ ِ‬
‫صحَابُ الْ َيمِينِ (‪ )27‬فِي سِدْرٍ َم ْ‬
‫{ وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ مَا َأ ْ‬
‫سكُوبٍ (‪َ )31‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ (‪ )32‬ل مَقْطُوعَةٍ وَل َممْنُوعَةٍ (‪َ )33‬وفُرُشٍ‬
‫َممْدُودٍ (‪َ )30‬ومَاءٍ مَ ْ‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارًا (‪ )36‬عُرُبًا أَتْرَابًا (‪ )37‬لصْحَابِ الْ َيمِينِ‬
‫مَ ْرفُوعَةٍ (‪ )34‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً (‪ )35‬فَ َ‬
‫ن الوّلِينَ (‪ )39‬وَثُلّةٌ مِنَ الخِرِينَ (‪.} )40‬‬
‫(‪ )38‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫لما ذكر تعالى مآل السابقين ‪ -‬وهم المقربون ‪ -‬عطف عليهم بذكر أصحاب اليمين ‪ -‬وهم البرار‬
‫‪ -‬كما قال ميمون بن ِمهْرَان ‪ :‬أصحاب اليمين منزلة دون المقربين ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وََأصْحَابُ الْ َيمِينِ‬
‫مَا َأصْحَابُ الْ َيمِينِ } أي ‪ :‬أي شيء أصحاب اليمين ؟ وما حالهم ؟ وكيف مآلهم (‪ )2‬؟ ثم فسر‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو الحوص ‪،‬‬
‫خضُودٍ }‪ .‬قال ابن عباس ‪ ،‬و ِ‬
‫سدْرٍ مَ ْ‬
‫ذلك فقال ‪ { :‬فِي ِ‬
‫وقسَامة بن زُهَير ‪ ،‬والسّفر بن نُسَير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وعبد ال بن كثير ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وأبو‬
‫حَرْزَة ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬هو الذي ل شوك فيه‪ .‬وعن ابن عباس ‪ :‬هو ال ُم َوقَر بالثمر‪ .‬وهو رواية عن‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وكذا قال قتادة أيضا ‪ :‬كنا ُنحَدّث أنه المُوقَر الذي ل شوك فيه‪.‬‬
‫ِ‬
‫والظاهر أن المراد هذا وهذا فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ‪ ،‬وفي الخرة على عكس من‬
‫هذا ل شوك فيه ‪ ،‬وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله ‪ ،‬كما قال الحافظ أبو بكر بن سلمان‬
‫النجّاد‪.‬‬
‫حدثنا محمد (‪ )3‬بن محمد هو البغوي ‪ ،‬حدثني حمزة بن عباس (‪ ، )4‬حدثنا عبد ال بن عثمان ‪،‬‬
‫حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬أخبرنا صفوان بن عمرو ‪ ،‬عن سليم بن عامر ‪ ،‬قال ‪ :‬كان أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقولون ‪ :‬إن ال لينفعنا بالعراب ومسائلهم ؛ قال ‪ :‬أقبل أعرابي‬
‫يومًا فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ذكر ال في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬وما هي ؟"‪ .‬قال ‪ :‬السّدر ‪ ،‬فإن له شوكًا موذيًا ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫خضَد ال شوكه ‪ ،‬فجعل مكان كل شوكة ثمرة ‪،‬‬
‫خضُودٍ } ‪َ ،‬‬
‫وسلم ‪" :‬أليس ال يقول ‪ { :‬فِي سِدْرٍ مَ ْ‬
‫فإنها لتنبت ثمرًا َتفَتّق الثمرةُ منها عن اثنين (‪ )5‬وسبعين لونًا من طعام ‪ ،‬ما فيها لون يشبه الخر"‬
‫(‪.)6‬‬
‫طريق أخرى ‪ :‬قال أبو بكر بن أبي داود ‪ :‬حدثنا محمد بن المصفى ‪ ،‬حدثنا محمد بن المبارك ‪،‬‬
‫حدثنا يحيى بن حمزة ‪ ،‬حدثني ثور بن يزيد ‪ ،‬حدثني حبيب بن عبيد ‪ ،‬عن عُتْبة بن عبد السلمي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬قبيحا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وكيف حالهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وحدثنا عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بن العباس"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عن مائتي"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/476‬من طريق الربيع ‪ ،‬عن بشر بن بكر عن صفوان بن‬
‫عمرو عن سليم بن عامر عن أبي أمامة قال ‪ :‬كان أصحاب رسول ال فذكر مثله ‪ ،‬وقال الحاكم‬
‫‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫( ‪)7/525‬‬

‫قال ‪ :‬كنت جالسًا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجاء أعرابي فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪،‬‬
‫أسمعك تذكر في الجنة شجرة ل أعلم شجرة أكثر شوكًا منها ؟ يعني ‪ :‬الطلح ‪ ،‬فقال رسول ال‬
‫صوَة التيس الملبود ‪ ،‬فيها‬
‫خ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل ُ‬
‫سبعون لونًا من الطعام ‪ ،‬ل يشبه لون آخر" (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ } ‪ :‬الطلح ‪ :‬شجر عظام يكون بأرض الحجاز ‪ ،‬من شجر العضَاه ‪،‬‬
‫واحدته طلحة ‪ ،‬وهو شجر كثير الشوك ‪ ،‬وأنشد ابن جرير لبعض الحداة (‪: )2‬‬
‫بَشّرَهَا دَليلها وقال‪ ...‬غدًا تَرينَ الطّلحَ والجبَال‪...‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬مَ ْنضُودٍ } أي ‪ :‬متراكم الثمر ‪ ،‬يذكر بذلك قريشًا ؛ لنهم كانوا يعجبون من وَجّ ‪،‬‬
‫وظلله من طلح وسدر‪.‬‬
‫وقال السّدّي ‪ { :‬مَ ْنضُودٍ } ‪ :‬مصفوف‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬يشبه طلح الدنيا ‪ ،‬ولكن له ثمر أحلى من‬
‫العسل‪.‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬والطلح لغة في الطلع‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد روى ابن أبي حاتم من حديث الحسن بن سعد ‪ ،‬عن شيخ من همدان قال ‪ :‬سمعت عليّا‬
‫يقول ‪ :‬هذا الحرف في { َوطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ } قال ‪ :‬طلع منضود ‪ ،‬فعلى هذا يكون هذا من صفة‬
‫السدر ‪ ،‬فكأنه وصفه بأنه مخضود وهو الذي ل شوك له ‪ ،‬وأن طلعه منضود ‪ ،‬وهو كثرة ثمره ‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن إدريس ‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫إياس ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ { :‬وَطَلْحٍ مَ ْنضُودٍ } قال ‪ :‬الموز‪ .‬قال ‪ :‬وروي عن ابن‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وقسامة بن زهير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبي حَزْرَة ‪ ،‬مثل ذلك‬
‫عباس ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬و ِ‬
‫‪ ،‬وبه قال مجاهد وابن زيد ‪ -‬وزاد فقال ‪ :‬أهل اليمن يسمون الموز الطلح‪ .‬ولم يحك ابن جرير‬
‫غير هذا القول (‪.)3‬‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } ‪ :‬قال البخاري ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ِ‬
‫الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬يبلُغُ به النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬إن في‬
‫ظلّ َم ْمدُودٍ }‪.‬‬
‫الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها ‪ ،‬اقرؤوا إن شئتم ‪َ { :‬و ِ‬
‫ورواه مسلم من حديث العرج ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيج ‪ ،‬حدثنا فُلَيح ‪ ،‬عن هلل بن علي ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبي‬
‫عمْرة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير‬
‫َ‬
‫ظلّ َممْدُودٍ }‪.‬‬
‫الراكب في ظلها مائة سنة ‪ ،‬اقرؤوا إن شئتم ‪ { :‬وَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البعث لبن أبي داود برقم (‪ )69‬ورواه الطبراني في مسند الشاميين برقم (‪ )492‬وعنه أبو‬
‫نعيم في الحلية (‪ )6/103‬عن أبي زرعة عن أبي مسهر عن يحيى بن حمزة به ‪ ،‬وقال الهيثمي‬
‫في المجمع (‪" : )10/414‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/104‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/104‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4881‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2826‬‬

‫( ‪)7/526‬‬
‫وكذا رواه البخاري ‪ ،‬عن محمد بن سِنَان (‪ ، )1‬عن فُلَيح به (‪ ، )2‬وكذا رواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن‬
‫َم ْعمَر ‪ ،‬عن َهمّام ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ .)3‬وكذا رواه حماد بن سلمة ‪ ،‬عن محمد بن زياد ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة (‪ ، )4‬والليث بن سعد ‪ ،‬عن سعيد ال َمقْبُ ِريّ ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة (‪ ، )5‬وعوف‬
‫‪ ،‬عن ابن سيرين ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة [به] (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قال حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت أبا الضحاك يحدث‬
‫عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب‬
‫في ظلها سبعين ‪ ،‬أو مائة سنة ‪ ،‬هي شجرة الخلد" (‪.)7‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال قال ‪" :‬في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة‬
‫ظلّ َممْدُودٍ }‪.‬‬
‫عام ما يقطعها ‪ ،‬واقرؤوا إن شئتم ‪ { :‬وَ ِ‬
‫إسناده جيد ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪ .)8‬وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن عبدة وعبد‬
‫الرحيم ‪ ،‬عن محمد بن عمرو ‪ ،‬به‪ .‬وقد رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث عبد الرحيم بن سليمان ‪ ،‬به (‬
‫‪.)9‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن زياد ‪-‬‬
‫مولى بني مخزوم ‪ -‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ‪،‬‬
‫ظلّ َممْدُودٍ }‪ .‬فبلغ ذلك كعبًا فقال ‪ :‬صدق ‪ ،‬والذي أنزل التوراة على موسى‬
‫اقرؤوا إن شئتم ‪ { :‬وَ ِ‬
‫جذَعة ‪ ،‬ثم دار حول (‪ )10‬تلك الشجرة ما بلغها‬
‫حقّة أو َ‬
‫والفرقان على محمد ‪ ،‬لو أن رجل ركب ِ‬
‫حتى يسقط هَ َرمًا ‪ ،‬إن ال غرسها بيده ونفخ فيها من روحه ‪ ،‬وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة ‪،‬‬
‫وما في الجنة نهر إل وهو يخرج من أصل تلك الشجرة (‪.)11‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا محمد بن مِ ْنهَال الضرير ‪ ،‬حدثنا يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬عن‬
‫سعد بن أبي عروبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قول ال عز وجل‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } ‪ ،‬قال ‪" :‬في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪.‬‬
‫‪َ { :‬و ِ‬
‫وكذا رواه البخاري ‪ ،‬عن روح بن عبد المؤمن ‪ ،‬عن يزيد بن زُرَيع (‪ ، )12‬وهكذا رواه أبو‬
‫داود‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬محمد بن شيبان" والمثبت من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/482‬وصحيح البخاري برقم (‪.)3252‬‬
‫(‪ )3‬المصنف لعبد الرزاق برقم (‪.)20877‬‬
‫(‪ )4‬رواه أحمد في المسند (‪.)2/469‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪.)2826‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/445‬‬
‫(‪ )8‬رواه ابن ماجة في السنن برقم (‪ )4335‬من طريق عبد الرحمن بن عثمان عن محمد بن‬
‫عمرو به مثله‪.‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )27/105‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3292‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬بأعلى" وفي أ ‪" :‬بأصل"‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)27/105‬‬
‫(‪ )12‬صحيح البخاري برقم (‪.)3251‬‬

‫( ‪)7/527‬‬

‫الطيالسي ‪ ،‬عن عمران بن دَاوَر القطان ‪ ،‬عن قتادة به‪ .‬وكذا رواه َم ْعمَر ‪ ،‬وأبو هلل ‪ ،‬عن قتادة‬
‫‪ ،‬به‪ .‬وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد وسهل بن سعد ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال‬
‫ضمّر السريع مائة عام ما يقطعها" (‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد ال ُم َ‬
‫‪.)1‬‬
‫فهذا حديث ثابت عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بل متواتر مقطوع بصحته عند أئمة‬
‫الحديث النقاد ‪ ،‬لتعدد طرقه ‪ ،‬وقوة أسانيده ‪ ،‬وثقة رجاله‪.‬‬
‫حصَين قال ‪:‬‬
‫وقد قال المام أبو جعفر بن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَ ْيبَ ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬حدثنا أبو ُ‬
‫كنا على باب في موضع ‪ ،‬ومعنا أبو صالح وشقيق ‪ -‬يعني ‪ :‬الضبي ‪ -‬فحدث أبو صالح قال ‪:‬‬
‫حدثني أبو هُرَيْرَة قال ‪ :‬إن في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها سبعين عامًا‪ .‬قال أبو صالح ‪:‬‬
‫أتكَذّب أبا هريرة ؟ قال ‪ :‬ما أكذّب أبا هريرة ‪ ،‬ولكني أكذّبك أنت‪ .‬فشق ذلك على القراء يومئذ (‬
‫‪.)2‬‬
‫قلت ‪ :‬فقد أبطل من يكذب بهذا الحديث ‪ ،‬مع ثبوته وصحته ورفعه إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا زياد بن الحسن بن الفُرَات القَزّاز ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫جده ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما في‬
‫الجنة شجرة إل ساقها من ذهب"‪ .‬ثم قال ‪ :‬حسن غريب (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن أبي الربيع ‪ ،‬حدثنا أبو عامر ال َعقَدي ‪ ،‬عن زمعة بن صالح‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الظل الممدود شجرة في الجنة على‬
‫‪ ،‬عن سلمة بن وهرام ‪ ،‬عن ِ‬
‫ساق ظلها ‪ ،‬قدر ما يسير الراكب في نواحيها مائة عام‪ .‬قال ‪ :‬فيخرج إليها أهل الجنة ؛ أهل‬
‫الغرف وغيرهم ‪ ،‬فيتحدثون في ظلها‪ .‬قال ‪ :‬فيشتهي بعضهم ويذكر لهو الدنيا ‪ ،‬فيرسل ال ريحًا‬
‫من الجنة فتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا‪.‬‬
‫هذا أثر غريب وإسناده جيد قَويّ حسن‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا ابن (‪ )4‬يمان ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } قال ‪ :‬سبعون ألف سنة‪ .‬وكذا رواه ابن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون في قوله ‪َ { :‬و ِ‬
‫جرير ‪ ،‬عن بُنْدَار ‪ ،‬عن ابن مهدي ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬مثله‪ .‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫ظلّ‬
‫حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون ‪ { :‬وَ ِ‬
‫َممْدُودٍ } قال ‪ :‬خمسمائة ألف سنة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الوليد الطيالسي ‪ ،‬حدثنا حصين بن نافع ‪ ،‬عن الحسن‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } قال ‪ :‬في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة ل‬
‫في قوله ال تعالى ‪ { :‬وَ ِ‬
‫يقطعها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )6553 ، 6552‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2828 ، 2827‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/106‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)2525‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حدثنا أبو"‪.‬‬

‫( ‪)7/528‬‬

‫وقال عوف عن الحسن ‪ :‬بلغني أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن في الجنة لشجرة‬
‫يسير الراكب في ظلها مائة عام ل يقطعها"‪ .‬رواه ابن جرير (‪.)1‬‬
‫ظلّ به‪ .‬رواه ابن أبي‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬في الجنة شَجَر ل يحمل ‪ ،‬يُست َ‬
‫وقال شبيب عن ِ‬
‫حاتم‪.‬‬
‫ظلّ َممْدُودٍ } ل ينقطع ‪ ،‬ليس فيها شمس ول‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وأبو حَرْ َزةَ في قوله ‪ { :‬وَ ِ‬
‫حر ‪ ،‬مثل قبل طلوع الفجر‪.‬‬
‫سجْسَج ‪ ،‬كما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس‪.‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪ :‬الجنة َ‬
‫ظّلهَا }‬
‫وقد تقدمت اليات كقوله ‪ { :‬وَنُ ْدخُِلهُمْ ظِل ظَلِيل } [النساء ‪ ، ]57 :‬وقوله ‪ُ { :‬أكُُلهَا دَائِ ٌم وَ ِ‬
‫[الرعد ‪ ، ]35 :‬وقوله ‪ { :‬فِي ظِللٍ وَعُيُونٍ } [المرسلت ‪ ]41 :‬إلى غير ذلك من اليات‪.‬‬
‫سكُوبٍ } قال الثوري ‪[ :‬يعني] (‪ )2‬يجري في غير أخدود‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَاءٍ مَ ْ‬
‫وقد تقدم الكلم عند (‪ )3‬تفسير قوله تعالى ‪ { :‬فِيهَا أَ ْنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ } الية [محمد ‪:‬‬
‫‪ ، ]15‬بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفَا ِكهَةٍ كَثِي َرةٍ‪ .‬ل مَقْطُوعَةٍ وَل َممْنُوعَةٍ } أي ‪ :‬وعندهم من الفواكه الكثيرة المتنوعة في‬
‫اللوان ما ل عين رأت ‪ ،‬ول أذن سمعت ‪ ،‬ول خطر على قلب بشر ‪ { ،‬كُّلمَا رُ ِزقُوا مِ ْنهَا مِنْ‬
‫ل وَأُتُوا بِهِ مُتَشَا ِبهًا } [البقرة ‪ ]25 :‬أي ‪ :‬يشبه الشكلُ‬
‫َثمَ َرةٍ رِ ْزقًا قَالُوا هَذَا الّذِي رُ ِزقْنَا مِنْ قَ ْب ُ‬
‫الشكلَ ‪ ،‬ولكن الطعم غيرُ الطعم‪ .‬وفي الصحيحين في ذكر سدرة المنتهى قال ‪" :‬فإذا ورقها كآذان‬
‫الفيلة ونبقها مثل قللَ هجر" (‪.)4‬‬
‫سفَت‬
‫وفيهما أيضًا من حديث مالك ‪ ،‬عن زيد ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬خُ ِ‬
‫الشمس ‪ ،‬فصلى رسولُ ال صلى ال عليه وسلم والناس معه ‪ ،‬فذكر الصلة‪ .‬وفيه ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا ‪ ،‬ثم رأيناك تكعكعت (‪ .)5‬قال ‪" :‬إني رأيت الجنة‬
‫‪ ،‬فتناولت منها عنقودًا ‪ ،‬ولو أخذته لكلتم منه ما بقيت الدنيا" (‪.)6‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا أبو خَيْثَمة ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن جعفر ‪ ،‬حدثنا عبيد ال ‪ ،‬حدثنا ابن (‬
‫‪ )7‬عقيل ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬بينا نحن في صلة الظهر ‪ ،‬إذ تقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فتقدمنا معه ‪ ،‬ثم تناول شيئًا ليأخذه ثم تأخر ‪ ،‬فلما قضى الصلة قال له أبيّ بن كعب ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬صنعتَ اليومَ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/105‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬على"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )3207‬وصحيح مسلم برقم (‪ )162‬من حديث أنس رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬تكفكفت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1052‬وصحيح مسلم برقم (‪.)907‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا أبو"‪.‬‬

‫( ‪)7/529‬‬

‫ضتْ عَليّ الجنة ‪ ،‬وما فيها من الزّهْرَة والّنضْرَة‬


‫في الصلة شيئًا ما كنت تصنعه ؟ قال ‪" :‬إنه عُ ِر َ‬
‫طفًا من عنب لتيكم به ‪ ،‬فحِيلَ بيني وبينه ‪ ،‬ولو أتيتكم به لكل منه من بين‬
‫‪ ،‬فتناولت منها ِق ْ‬
‫السماء والرض ل ينقصونه" (‪.)1‬‬
‫وروى مسلم ‪ ،‬من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬نحوه (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن بحر ‪ ،‬حدثنا هشام بن يوسف ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫أبي كثير ‪ ،‬عن عامر بن زيد ال َبكَالي ‪ :‬أنه سمع عتبة بن عبد السلمي يقول ‪ :‬جاء أعرابي إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسأله عن الحوض وذكر الجنة ‪ ،‬ثم قال (‪ )3‬العرابي ‪ :‬فيها‬
‫فاكهة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬وفيها شجرة تدعى طوبى" فذكر شيئًا ل أدري ما هو ‪ ،‬قال ‪ :‬أي شجر‬
‫أرضنا تشبه ؟ قال ‪" :‬ليست تشبه شيئا من شجر أرضك"‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتيتَ‬
‫الشام ؟" قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬تشبه شجرة بالشام تدعى الجَوزة ‪ ،‬تنبت على ساق واحد ‪ ،‬وينفرش‬
‫أعلها"‪ .‬قال ‪ :‬ما عظم أصلها ؟ قال ‪" :‬لو ارتحلت جَذعَة من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى‬
‫تنكسر ترقوتها هرمًا"‪ .‬قال ‪ :‬فيها عنب ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬فما عظم العنقود ؟ قال ‪" :‬مسيرة‬
‫شهر للغراب البقع ‪ ،‬ول يفتر"‪ .‬قال ‪ :‬فما عظَم الحَبّة ؟ قال ‪" :‬هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه قط‬
‫عظيمًا ؟" قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪" :‬فسلخ إهابه فأعطاه أمك ‪ ،‬فقال ‪ :‬اتخذي لنا منه دلوًا ؟" قال ‪ :‬نعم‪.‬‬
‫قال العرابي ‪ :‬فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي ؟ قال ‪" :‬نعم وعامّة عشيرتك" (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َمقْطُوعَ ٍة وَل َممْنُوعَةٍ } أي ‪ :‬ل تنقطع شتاء ول صيفًا ‪ ،‬بل أكلها دائم مستمر أبدًا ‪،‬‬
‫مهما طلبوا وجدوا ‪ ،‬ل يمتنع عليهم بقدرة ال شيء‪.‬‬
‫ك ول بُعدٌ‪ .‬وقد تقدم في الحديث ‪" :‬إذا تناول الرجل‬
‫قال قتادة ‪ :‬ل يمنعهم من تناولها عو ٌد ول شو ٌ‬
‫الثمرة عادت مكانها أخرى"‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وفُرُشٍ مَ ْرفُوعَةٍ } أي ‪ :‬عالية وطيئة ناعمة‪.‬‬
‫قال النسائي وأبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا رِشْدِِين بن سعد ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫الحارث ‪ ،‬عن دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم في قوله ‪:‬‬
‫{ َوفُرُشٍ مَ ْرفُوعَةٍ } قال ‪" :‬ارتفاعها كما بين السماء والرض ‪ ،‬ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام"‬
‫(‪.)5‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ل نعرفه ‪ ،‬إل من حديث رشدين بن سعد‪ .‬قال ‪ :‬وقال‬
‫بعض أهل العلم ‪ :‬معنى هذا الحديث ‪ :‬ارتفاع الفرش في الدرجات ‪ ،‬وبعد ما بين الدرجتين كما‬
‫بين السماء والرض‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 35 :‬من سورة الرعد‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم الحديث في الموضع السابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)4/184‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪ )2540‬ووقع فيه ‪" :‬هذا حديث غريب ل نعرفه" ليس فيه ‪" :‬حسن" وكذا‬
‫وقع في تحفة الشراف‪.‬‬

‫( ‪)7/530‬‬

‫هكذا قال ‪ :‬إنه ل يعرف هذا إل من رواية رشدين بن سعد ‪ ،‬وهو المصري ‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو جعفر بن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن رشدين (‪ .)1‬ثم رواه هو وابن أبي‬
‫حاتم ‪ ،‬كلهما عن يونس بن عبد العلى ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬فذكره‪ .‬وكذا‬
‫رواه ابن أبي حاتم أيضًا عن ُنعَيم بن حماد ‪ ،‬عن ابن وهب‪ .‬وأخرجه الضياء في صفة الجنة من‬
‫حديث حرملة عن ابن وهب ‪ ،‬به مثله‪ .‬ورواه المام أحمد عن حسن بن موسى ‪ ،‬عن ابن َلهِيعَة ‪،‬‬
‫حدثنا دراج ‪ ،‬فذكره (‪.)2‬‬
‫جوَيْبر ‪ ،‬عن أبي سهل ‪-‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن ُ‬
‫يعني ‪ :‬كثير بن زياد ‪ -‬عن الحسن ‪َ { : :‬وفُرُشٍ مَ ْرفُوعَةٍ } قال ‪ :‬ارتفاع فراش الرجل من أهل‬
‫الجنة مسيرة ثمانين سنة‪.‬‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارًا‪ .‬عُرُبًا أَتْرَابًا‪ .‬لصْحَابِ الْ َيمِينِ } جرى الضمير‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِ ْنشَاءً‪َ .‬ف َ‬
‫على غير مذكور‪ .‬لكن لما دل السياق ‪ ،‬وهو ذكر الفرش على النساء اللتي يضاجَعن فيها ‪،‬‬
‫شيّ‬
‫اكتفى بذلك عن ذكرهن ‪ ،‬وعاد الضمير عليهن ‪ ،‬كما في قوله ‪ { :‬إِذْ عُ ِرضَ عَلَيْهِ بِا ْلعَ ِ‬
‫حبّ الْخَيْرِ عَنْ ِذكْرِ رَبّي حَتّى َتوَا َرتْ بِا ْلحِجَابِ } [ص ‪، 31 :‬‬
‫الصّافِنَاتُ الْجِيَادُ‪ .‬فَقَالَ إِنّي أَحْبَ ْبتُ ُ‬
‫‪ ]32‬يعني ‪ :‬الشمس ‪ ،‬على المشهور من قول المفسرين‪.‬‬
‫قال الخفش في قوله ‪ { :‬إِنّا أَ ْنشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً } أضمرهن ولم يذكرهن قبل ذلك‪ .‬وقال أبو عبيدة ‪:‬‬
‫ذكرن في قوله ‪ { :‬وَحُورٌ عِينٌ‪ .‬كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ } [الواقعة ‪.]23 ، 22 :‬‬
‫فقوله ‪ { :‬إِنّا أَ ْنشَأْنَاهُنّ } أي ‪ :‬أعدناهن في النشأة الخرة بعدما كُنّ عجائز (‪ُ )3‬ر ْمصًا ‪ ،‬صرن‬
‫أبكارًا عربًا ‪ ،‬أي ‪ :‬بعد الثّيوبة عُدْن أبكارًا عُرُبًا ‪ ،‬أي ‪ :‬متحببات إلى أزواجهن بالحلوة‬
‫والظرافة والملحة‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ { :‬عُرُبًا } أي ‪ :‬غَنِجات‪.‬‬
‫قال موسى بن عُبَيدة الرّبَذِي ‪ ،‬عن يزيد الرقاشي ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫عمْشًا ُر ْمصًا"‪ .‬رواه‬
‫ال عليه وسلم ‪ { :‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً } قال ‪" :‬نساء عجائز كُنّ في الدنيا ُ‬
‫الترمذي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪ .‬ثم قال الترمذي ‪ :‬غريب ‪ ،‬وموسى ويزيد ضعيفا (‪( )4‬‬
‫‪.)5‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عوف الحمصي ‪ ،‬حدثنا آدم ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن أبي إياس ‪-‬‬
‫حدثنا شيبان ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن يزيد بن مُرّة ‪ ،‬عن سلمة بن يزيد قال ‪ :‬سمعتُ رسولَ ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول في قوله ‪ { :‬إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِنْشَاءً } يعني ‪" :‬الثيب والبكار اللتي كُنّ في الدنيا"‬
‫(‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/106‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/75‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ماكن عجاف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ضعيفان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪ )3296‬وتفسير الطبري (‪.)27/107‬‬
‫(‪ )6‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )7/40‬وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )389‬من طريق‬
‫شيبان به ‪ ،‬وجابر بن يزيد ضعيف‪.‬‬

‫( ‪)7/531‬‬

‫حمَيد ‪ :‬حدثنا مصعب بن المقدام ‪ ،‬حدثنا المبارك بن فضالة ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬أتت‬
‫وقال عبد بن ُ‬
‫عجوز فقالت ‪ :‬يا رسول ال ادع ال أن يدخلني الجنة‪ .‬فقال ‪" :‬يا أم فلن ‪ ،‬إن الجنة ل تدخلها‬
‫عجوز"‪ .‬قال ‪َ :‬فوَلّت تبكي ‪ ،‬قال ‪" :‬أخبروها أنها ل تدخلها وهي عجوز ‪ ،‬إن ال تعالى يقول ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارًا }‬
‫{ إِنّا أَنْشَأْنَاهُنّ إِ ْنشَاءً‪َ .‬ف َ‬
‫وهكذا رواه الترمذي في الشمائل عن عبد بن حميد (‪.)1‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا بكر بن سهل الدمياطي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن هاشم البيروتي ‪،‬‬
‫حدثنا سليمان بن أبي كريمة ‪ ،‬عن هشام بن حسان ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أمه ‪ ،‬عن أم سلمة قالت ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرني عن قول ال ‪َ { :‬وحُورٌ عِينٌ } [الواقعة ‪ ، ]22 :‬قال ‪" :‬حور ‪:‬‬
‫شفْر الحوراء بمنزلة جناح النسر"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪:‬‬
‫بيض ‪ ،‬عين ‪ :‬ضخام العيون ‪ُ ،‬‬
‫{ كََأمْثَالِ الّلؤُْلؤِ ا ْل َمكْنُونِ } [الواقعة ‪ )2( ، ]23 :‬قال ‪" :‬صفاؤهن صفاءُ الدر الذي في الصداف ‪،‬‬
‫الذي لم َتمَسّه اليدي"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪ { :‬فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ } [الرحمن ‪ .]70 :‬قال ‪:‬‬
‫"خَيّراتُ الخلق ‪ ،‬حِسان الوجوه"‪ .‬قلت ‪ :‬أخبرني عن قوله ‪ { :‬كَأَ ّنهُنّ بَ ْيضٌ َمكْنُونٌ } [الصافات ‪:‬‬
‫‪ ، ]49‬قال ‪" :‬رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما يلي القشر ‪ ،‬وهو ‪ :‬الغِرْقئُ"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرني عن قوله ‪ { :‬عُرُبًا أَتْرَابًا }‪ .‬قال ‪" :‬هن اللواتي قبضن في دار الدنيا‬
‫عجائز ُر ْمصًا شُمطًا ‪ ،‬خلقهن ال بعد الكبر ‪ ،‬فجعلهن عذارى عُرُبًا متعشقات محببات ‪ ،‬أترابًا‬
‫على ميلد واحد"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬نساء الدنيا أفضل أم الحور العين ؟ قال ‪" :‬بل نساء الدنيا‬
‫أفضل من الحور العين ‪ ،‬كفضل الظّهارة على البطانة"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وبم ذاك ؟ قال ‪:‬‬
‫"بصلتهن وصيامهن وعبادتهن ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ألبس ال وجوههن النور ‪ ،‬وأجسادهن الحرير ‪،‬‬
‫بيض اللوان ‪ ،‬خضر الثياب ‪ ،‬صفر الحلي ‪ ،‬مَجَامِرُهُنّ الدّرّ ‪ ،‬وأمشاطهن الذهب ‪ ،‬يقلن ‪ :‬نحن‬
‫الخالدات فل نموت أبدًا ‪ ،‬ونحن الناعمات فل نبأس أبدًا ‪ ،‬ونحن المقيمات فل نظعن أبدًا ‪ ،‬أل‬
‫ونحن الراضيات فل نسخط أبدًا ‪ ،‬طوبى لمن كُنّا له وكان لنا"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬المرأة منا‬
‫تتزوج زوجين والثلثة والربعة ‪ ،‬ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها ‪ ،‬من يكون زوجها ؟‬
‫قال ‪" :‬يا أم سلمة ‪ ،‬إنها ُتخَيّر فتختار أحسنهم خلقًا ‪ ،‬فتقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن هذا كان أحسن خلقًا‬
‫معي فزوجنيه ‪ ،‬يا أم سلمة (‪ )3‬ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والخرة" (‪.)4‬‬
‫وفي حديث الصور الطويل المشهور (‪ )5‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يشفع للمؤمنين كلهم‬
‫في دخول الجنة فيقول ال ‪ :‬قد شفعتك وأذنت لهم في دخولها‪ .‬فكان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬والذي بعثني بالحق ‪ ،‬ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة‬
‫بأزواجهم ومساكنهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬الشمائل المحمدية للترمذي برقم (‪.)230‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كأنهن" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يا أم سليم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )23/368‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/119‬فيه إسماعيل بن أبي كريمة‬
‫ضعفه أبو حاتم وابن عدي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬حديث الصور مضى عند تفسير الية ‪ 73 :‬من سورة النعام‪.‬‬

‫( ‪)7/532‬‬

‫فيدخل الرجل منهم على ثنتين وسبعين زوجة ‪ ،‬سبعين مما ينشئ ال ‪ ،‬وثنتين من ولد (‪ )1‬آدم‬
‫لهما فضل على من أنشأ ال ‪ ،‬بعبادتهما ال في الدنيا ‪ ،‬يدخل على الولى منهما في غرفة من‬
‫ياقوتة ‪ ،‬على سرير من ذهب ُمكَلّل باللؤلؤ ‪ ،‬عليه سبعون زوجًا من سُ ْندُس وإستبرق وإنه ليضع‬
‫يده بين كتفيها ‪ ،‬ثم ينظر إلى يده من صدرها من وراء ثيابها وجلدها ولحمها ‪ ،‬وإنه لينظر إلى‬
‫مخ ساقها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ‪ ،‬كبده لها مرآة ‪ -‬يعني ‪ :‬وكبدها له‬
‫مرآة ‪ -‬فبينما هو عندها ل يملها ول تمله ‪ ،‬ول يأتيها من مرة إل وجدها عذراء ‪ ،‬ما يفتر‬
‫َذكَرُه ‪ ،‬ول تشتكي قُبُلها إل أنه ل مني ول مَنيّة ‪ ،‬فبينما هو كذلك إذ نودي ‪ :‬إنا قد عرفنا أنك ل‬
‫تمل ول تمل ‪ ،‬إل أن لك أزواجًا غيرها ‪ ،‬فيخرج ‪ ،‬فيأتيهن واحدة واحدة (‪ ، )2‬كلما جاء واحدة‬
‫ي منك"‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬وال ما في الجنة شيء أحسن منك ‪ ،‬وما في الجنة شيء أحب إل ّ‬
‫حجَيرة (‪ ، )3‬عن أبي‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دَرّاج ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال له ‪ :‬أَنَطأ في الجنة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬والذي‬
‫حمًا دحمًا ‪ ،‬فإذا قام عنها رَجَعتْ مُطهّرة بكرًا" (‪.)4‬‬
‫نفسي بيده َد ْ‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن جابر الفقيه البغدادي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيق‬
‫الواسطي ‪ ،‬حدثنا معلى بن عبد الرحمن الواسطي ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عاصم الحول ‪ ،‬عن أبي‬
‫المتوكل ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أهل الجنة إذا جامعوا‬
‫عمْران ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫نساءهم عُدن أبكارًا" (‪ .)5‬وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا ِ‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في النساء"‪ .‬قلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ويطيق ذلك ؟ قال ‪" :‬يعطى قوة مائة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي من حديث أبي داود وقال ‪ :‬صحيح غريب (‪.)6‬‬
‫وروى أبو القاسم الطبراني من حديث حسين بن علي الجعفي ‪ ،‬عن زائدة ‪ ،‬عن هشام بن حسان ‪،‬‬
‫عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل نصل إلى نسائنا في الجنة‬
‫؟ قال ‪" :‬إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء" (‪.)7‬‬
‫قال الحافظ أبو عبد ال المقدسي ‪ :‬هذا الحديث عندي على شرط الصحيح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عُرُبًا } قال سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني متحببات إلى أزواجهن ‪ ،‬ألم تر إلى‬
‫الناقة الضبعة ‪ ،‬هي كذلك‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬العُرُب ‪ :‬العواشق لزواجهن ‪ ،‬وأزواجهن لهن عاشقون‪ .‬وكذا‬
‫قال عبد ال بن سَرْجس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير ‪ ،‬وعطية ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬من ابن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬واحدة بعد واحدة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن ابن حجرة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪" )2633‬موارد" وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )393‬من‬
‫طريق ابن وهب به ‪ ،‬ودراج متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الصغير (‪ )1/91‬وفيه معلى بن عبد الرحمن وهو كذاب‪.‬‬
‫(‪ )6‬مسند الطيالسي برقم (‪ )2012‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2536‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الصغير (‪.)13 ، 2/12‬‬

‫( ‪)7/533‬‬

‫والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬


‫عكْ ِرمَة قال ‪ :‬سئل ابن عباس عن قوله ‪ { :‬عُرُبًا } قال ‪ :‬هي المِلقَةُ‬
‫وقال ثور بن زيد ‪ ،‬عن ِ‬
‫لزوجها‪.‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬هي الغَنِجة‪.‬‬
‫وقال شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫وقال الجلح بن عبد ال ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬هي الشّكلة‪.‬‬
‫وقال صالح (‪ )1‬بن حَيّان ‪ ،‬عن عبد ال بن بُرَيْدَة في قوله ‪ { :‬عُرُبًا } قال ‪ :‬الشكلة بلغة أهل مكة‬
‫‪ ،‬والغنجة (‪ )2‬بلغة أهل المدينة‪.‬‬
‫وقال تميم بن حذلم ‪ :‬هي حسن التّبَعل‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه عبد الرحمن ‪ :‬العُرُب ‪ :‬حسنات الكلم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن سهل بن عثمان العسكري ‪ :‬حدثنا أبو علي ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬عُرُبًا } قال ‪" :‬كلمهن عربي"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَتْرَابًا } قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس يعني ‪ :‬في سن واحدة ‪ ،‬ثلث وثلثين سنة‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬التراب ‪ :‬المستويات‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬المثال‪ .‬وقال عطية ‪ :‬القران‪ .‬وقال‬
‫السدي ‪ { :‬أَتْرَابًا } أي ‪ :‬في الخلق المتواخيات بينهن ‪ ،‬ليس بينهن تباغض ول تحاسد ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫ل كما كن ضرائر [في الدنيا] (‪ )3‬ضرائر متعاديات‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن عبد ال بن الكهف ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ومحمد ‪ { :‬عُرُبًا أَتْرَابًا } قال المستويات السنان ‪ ،‬يأتلفن جميعًا ‪ ،‬ويلعبن جميعًا‪.‬‬
‫وقد روى أبو عيسى الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن منيع ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫إسحاق ‪ ،‬عن النعمان بن سعد ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن في الجنة لمجتمعًا للحور العين ‪ ،‬يرفعن أصواتًا لم تسمع الخلئق بمثلها ‪ ،‬يقلن (‪)4‬‬
‫نحن الخالدات فل نبِيد ‪ ،‬ونحن الناعمات فل نبأس ‪ ،‬ونحن الراضيات فل نسخط ‪ ،‬طوبى لمن‬
‫كان لنا وكُنّا له"‪ .‬ثم قال ‪ :‬هذا حديث غريب (‪.)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو (‪ )6‬يعلى ‪ :‬حدثنا أبو خَيْثَمة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمر ‪ ،‬حدثنا ابن أبي ذئب ‪،‬‬
‫عن فلن بن عبد ال بن رافع ‪ ،‬عن بعض ولد أنس بن مالك ‪ ،‬عن أنس أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬إن الحور العين ليغنين (‪ )7‬في الجنة ‪ ،‬يقلن نحن خَيّرات حِسان ‪ ،‬خُبّئنا لزواج‬
‫كرام" (‪.)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أبو صالح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬والمفتوجة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قال ‪ :‬قلن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن لبترمذي برقم (‪.)2564‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪" :‬ابن" والصواب ما أثبتناه من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ليتغنين"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ذكره الحافظ بن حجر في المطالب العالية (‪ )4/402‬وعزاه لبي يعلى ‪ ،‬ونقل المحقق قول‬
‫البصيري ‪" :‬ورواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم"‪ .‬ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (‪)254‬‬
‫‪ :‬حدثنا أبو خيثمة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عمر ‪ ،‬حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن عبد ال بن رافع عن‬
‫بعض ولد أنس بن مالك ‪ ،‬عن أنس بن مالك به‪.‬‬

‫( ‪)7/534‬‬
‫عمَر هذا هو أبو المنذر الواسطي أحد الثقات الثبات‪ .‬وقد روى هذا الحديث‬
‫قلت ‪ :‬إسماعيل بن ُ‬
‫المام عبد الرحيم بن إبراهيم الملقب بدُحَيْم ‪ ،‬عن ابن أبي فُدَيْك ‪ ،‬عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن عون‬
‫بن الخطاب بن عبد ال بن رافع ‪ ،‬عن ابنٍ لنس ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن الحور العين يغنين في الجنة ‪ :‬نحن الجوار الحسان ‪ ،‬خلقنا لزواج كرام" (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لصْحَابِ الْ َيمِينِ } أي ‪ :‬خلقنا لصحاب اليمين ‪ ،‬أو ‪ :‬ادخرن لصحاب اليمين ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهُنّ أَ ْبكَارًا‪ .‬عُرُبًا‬
‫زوجن لصحاب اليمين‪ .‬والظهر أنه متعلق بقوله ‪ { :‬إِنّا أَ ْنشَأْنَاهُنّ إِ ْنشَاءً‪ .‬فَ َ‬
‫أَتْرَابًا‪ .‬لصْحَابِ الْ َيمِينِ } فتقديره ‪ :‬أنشأناهن لصحاب اليمين‪ .‬وهذا توجيه ابن جرير (‪.)2‬‬
‫ُروِي عن أبي سليمان الدّاراني ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬قال ‪ :‬صليتُ ليلة ‪ ،‬ثم جلست أدعو ‪ ،‬وكان البردُ‬
‫شديدًا ‪ ،‬فجعلت أدعو بيد واحدة ‪ ،‬فأخذتني عيني فنمت ‪ ،‬فرأيت حوراء لم ير مثلها وهي تقول ‪:‬‬
‫يا أبا سليمان ‪ ،‬أتدعو بيد واحدة وأنا أُغذّى لك في النعيم من خمسمائة سنة!‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون قوله ‪ { :‬لصْحَابِ الْ َيمِينِ } متعلقًا بما قبله ‪ ،‬وهو قوله ‪ { :‬أَتْرَابًا‬
‫لصْحَابِ الْ َيمِينِ } أي ‪ :‬في أسنانهم‪ .‬كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬من حديث‬
‫عمَارة بن القعقاع ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫جرير ‪ ،‬عن ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ‪ ،‬والذين يلونهم على‬
‫ضوء أشد كوكب دُ ّريّ في السماء إضاءة ‪ ،‬ل يبولون ول يتغوطون ‪ ،‬ول يتفلون ول يتمخطون ‪،‬‬
‫أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ومجامرهم الُلوّة ‪ ،‬وأزواجهم الحور العين ‪ ،‬أخلقهم على خَلْق‬
‫رجل واحد ‪ ،‬على صورة أبيهم آدم ‪ ،‬ستون ذراعًا في السماء" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن هارون وعفان قال حدثنا حماد بن سلمة ‪ -‬وروى الطبراني ‪،‬‬
‫واللفظ له ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ -‬عن علي بن زيد بن جُدْعَان ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردا مُردًا‬
‫بيضًا جِعادًا ُمكَحّلين ‪ ،‬أبناء ثلثين أو ثلث وثلثين ‪ ،‬وهم على خَلْق آدم ستون ذراعًا في عرض‬
‫سبعة أذرع" (‪.)4‬‬
‫شهْر بن‬
‫وروى الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن عمران القطان ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن َ‬
‫حوْشب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن غَنْم ‪ ،‬عن ُمعَاذ بن جَبَل ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫َ‬
‫‪" :‬يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردًا مُردًا مكحلين أبناء ثلثين ‪ ،‬أو ثلث وثلثين سنة"‪ .‬ثم قال ‪ :‬حسن‬
‫غريب (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )432‬من طريق دحيم به ‪ ،‬ورواه البيهقي في البعث‬
‫برقم (‪ )420‬من طريق ابن عبد الحكم ‪ ،‬وابن أبي داود في البعث برقم (‪ )75‬عن كثير بن عبيد‬
‫كلهما عن ابن أبي فديك به نحوه ‪ ،‬ورواه الطبراني في الوسط برقم (‪" )4887‬مجمع البحرين"‬
‫من طريق الحسن بن داود عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن عون بن الخطاب عن أنس‬
‫به نحوه‪ .‬قال المنذري في الترغيب والترهيب (‪" : )4/226‬رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده‬
‫مقارب ‪ ،‬ورواه البيهقي عن ابن لنس لم يسمه عن أنس" وأشار البخاري إلى اختلف فيه في‬
‫التاريخ الكبير (‪.)7/16‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/109‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3327‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2834‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/295‬والمعجم الوسط برقم (‪" )4894‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)2545‬‬

‫( ‪)7/535‬‬

‫وقال ابن وهب ‪ :‬أخبرنا عمرو بن الحارث أنّ دَرّاجًا أبا السمح حَدّثه عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير ‪،‬‬
‫يُرَدون بني ثلث وثلثين في الجنة ‪ ،‬ل يزيدون عليها أبدًا ‪ ،‬وكذلك أهل النار"‪.‬‬
‫سوَيْد بن نصر ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن رشدين بن سعد ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫ورواه الترمذي عن ُ‬
‫الحارث ‪ ،‬به (‪)1‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي الدنيا ‪ :‬حدثنا القاسم بن هاشم ‪ ،‬حدثنا صفوان بن صالح ‪ ،‬حدثنا روّاد بن‬
‫الجراح العسقلني ‪ ،‬حدثنا الوزاعي ‪ ،‬عن هارون بن رئاب ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يدخل أهلُ الجنةِ الجنةَ على طول آدم ستين ذراعًا بذراع الملك! على‬
‫حسْن يوسف ‪ ،‬وعلى ميلد عيسى ثلث وثلثين سنة ‪ ،‬وعلى لسان محمد ‪ ،‬جُ ْردٌ مُرْدٌ ُمكَحّلُون" (‬
‫ُ‬
‫‪.)2‬‬
‫وقال أبو بكر بن أبي داود ‪ :‬حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قال حدثنا عمر عن‬
‫الوزاعي ‪ ،‬عن هارون بن رئاب ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬يُبعث (‪ )3‬أهل الجنة على صورة آدم في ميلد ثلثٍ وثلثين ‪ ،‬جُردًا مُردًا مكحلين ‪ ،‬ثم يذهب‬
‫بهم إلى شجرة في الجنة فيكسون منها ‪ ،‬ل تبلى ثيابهم ‪ ،‬ول يفنى شبابهم" (‪.)4‬‬
‫ن الوّلِينَ‪ .‬وَثُلّةٌ مِنَ الخِرِينَ } أي ‪ :‬جماعة من الولين وجماعة من الخرين‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا المنذر بن شاذان ‪ ،‬حدثنا محمد بن بكار ‪ ،‬حدثنا سعيد بن بَشير ‪ ،‬عن‬
‫حصَين ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬وكان بعضهم يأخذ‬
‫قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬
‫عن بعض ‪ -‬قال ‪ :‬أكرينا ذات ليلة عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم غدونا عليه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫"عُرضت عليّ النبياء وأتباعها بأممها ‪ ،‬فيمر علي النبي ‪ ،‬والنبي في العصابة ‪ ،‬والنبي في‬
‫جلٌ رَشِيدٌ } [هود ‪- ]78 :‬‬
‫الثلثة ‪ ،‬والنبي ليس معه أحد ‪ -‬وتل قتادة هذه الية ‪ { :‬أَلَيْسَ مِ ْنكُمْ َر ُ‬
‫قال ‪ :‬حتى مرّ عليّ موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل"‪ .‬قال ‪" :‬قلتُ ‪ :‬ربي من هذا ؟‬
‫قال ‪ :‬هذا أخوك موسى بن عمران ومن معه (‪ )5‬من بني إسرائيل"‪ .‬قال ‪" :‬قلت ‪ :‬رب فأين أمتي‬
‫؟ قال ‪ :‬انظر عن يمينك في الظراب (‪ .)6‬قال ‪" :‬فإذا وجوه الرجال"‪ .‬قال ‪" :‬قال ‪ :‬أرضيت ؟"‬
‫قال ‪ :‬قلت ‪" :‬قد رضيت ‪ ،‬رب"‪ .‬قال ‪ :‬انظر إلى الفق عن يسارك فإذا وجوه الرجال‪ .‬قال ‪:‬‬
‫أرضيت ؟ قلت ‪" :‬رضيت ‪ ،‬رب"‪ .‬قال ‪ :‬فإن مع هؤلء سبعين ألفا ‪ ،‬يدخلون الجنة بغير حساب"‪.‬‬
‫حصَن من بني أسد ‪ -‬قال سعيد ‪ :‬وكان بَدْريّا ‪ -‬قال ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬ادع‬
‫عكّاشة بن مُ ْ‬
‫قال ‪ :‬وأنشأ ُ‬
‫ال أن يجعلني منهم‪ .‬قال ‪ :‬فقال ‪" :‬اللهم اجعله منهم"‪ .‬قال ‪ :‬أنشأ (‪ )7‬رجل آخر ‪ ،‬قال ‪ :‬يا نبي‬
‫ال ‪ ،‬ادع ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )2562‬ورواه من طريق ابن وهب وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (‬
‫‪.)259‬‬
‫(‪ )2‬صفة الجنة لبن أبي الدنيا برقم (‪.)215‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يدخل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬البعث لبن أبي داود برقم (‪ )64‬وانظر كلم المحقق الفاضل في سماع هارون بن رئاب عن‬
‫أنس‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ومن تبعه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الضراب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ثم أنشأ"‪.‬‬

‫( ‪)7/536‬‬

‫حمُومٍ (‪ )43‬لَا بَارِدٍ‬


‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫حمِيمٍ (‪ )42‬وَ ِ‬
‫سمُو ٍم وَ َ‬
‫شمَالِ (‪ )41‬فِي َ‬
‫شمَالِ مَا َأصْحَابُ ال ّ‬
‫وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫وَلَا كَرِيمٍ (‪ )44‬إِ ّنهُمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ (‪َ )45‬وكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى ا ْلحِ ْنثِ ا ْلعَظِيمِ (‪َ )46‬وكَانُوا‬
‫عظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )47‬أوَآَبَاؤُنَا الَْأوّلُونَ (‪ُ )48‬قلْ إِنّ الَْأوّلِينَ‬
‫َيقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَ ِ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪)50‬‬
‫وَالْآَخِرِينَ (‪َ )49‬ل َم ْ‬

‫أن يجعلني منهم‪ .‬فقال ‪" :‬سبقك بها عكاشة" قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فإن‬
‫استطعتم ‪ -‬فداكم أبي وأمي ‪ -‬أن تكونوا من أصحاب السبعين فافعلوا وإل فكونوا (‪ )1‬من‬
‫أصحاب الظراب (‪ ، )2‬وإل فكونوا من أصحاب الفق ‪ ،‬فإني قد رأيت ناسًا كثيرًا قد تأشّبوا‬
‫حوله" (‪ .)3‬ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"‪ .‬فكبرنا ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إني لرجو أن‬
‫تكونوا ثلث أهل الجنة"‪ .‬قال ‪ :‬فكبرنا ‪ ،‬قال ‪" :‬إني لرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ن الوّلِينَ‪ .‬وَثُلّةٌ مِنَ الخِرِينَ }‬
‫فكبرنا‪ .‬ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫قال ‪ :‬فقلنا بيننا ‪ :‬من هؤلء السبعون ألفا ؟ فقلنا ‪ :‬هم الذين ولدوا في السلم ‪ ،‬ولم يشركوا‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فبلغه ذلك فقال ‪" :‬بل هم الذين ل يكتوون ول يسترقون ول يتطيرون ‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون"‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن جرير من طريقين آخرين عن قتادة ‪ ،‬به نحوه (‪ .)4‬وهذا الحديث له طرق كثيرة‬
‫من غير هذا الوجه في الصحاح وغيرها‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبان بن أبي عياش ‪ ،‬عن‬
‫ن الوّلِينَ‪ .‬وَثُلّةٌ مِنَ الخِرِينَ } قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ثُلّةٌ مِ َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ُ " :‬همَا جميعًا من أمتي" (‪.)5‬‬
‫حمُومٍ (‪ )43‬ل‬
‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫حمِيمٍ (‪ )42‬وَ ِ‬
‫سمُو ٍم وَ َ‬
‫شمَالِ (‪ )41‬فِي َ‬
‫صحَابُ ال ّ‬
‫شمَالِ مَا َأ ْ‬
‫{ وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫بَارِ ٍد وَل كَرِيمٍ (‪ )44‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ (‪َ )45‬وكَانُوا ُيصِرّونَ عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ (‪)46‬‬
‫َوكَانُوا َيقُولُونَ أَ ِئذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ (‪َ )47‬أوَآبَاؤُنَا الوّلُونَ (‪ُ )48‬قلْ إِنّ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ (‪.} )50‬‬
‫الوّلِينَ وَالخِرِينَ (‪َ )49‬ل َم ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ول تكونوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الضراب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬حوالهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)27/109‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )27/110‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )1/387‬من طريق محمد بن كثير ‪،‬‬
‫عن سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش به ‪ ،‬وقال ابن عدي ‪" :‬أبان بن أبي عياش له روايات‬
‫غير ما ذكرت وعامة ما يرويه ل يتابع عليه"‪.‬‬

‫( ‪)7/537‬‬

‫ثُمّ إِ ّن ُكمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُمكَذّبُونَ (‪ )51‬لََآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ َزقّومٍ (‪َ )52‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ (‪)53‬‬
‫حمِيمِ (‪َ )54‬فشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ (‪ )55‬هَذَا نُزُُل ُهمْ َيوْمَ الدّينِ (‪)56‬‬
‫فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ‬

‫{ ُثمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُم َكذّبُونَ (‪ )51‬لكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ َزقّومٍ (‪َ )52‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ (‬
‫حمِيمِ (‪َ )54‬فشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ (‪ )55‬هَذَا نزُل ُهمْ َيوْمَ الدّينِ (‪.} )56‬‬
‫‪ )53‬فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْ َ‬
‫لما (‪ )1‬ذكر تعالى حال أصحاب اليمين ‪ ،‬عطف عليهم بذكر أصحاب الشمال ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫شمَالِ } أي ‪ :‬أي شيء هم فيه أصحاب الشمال ؟ ثم فَسّر ذلك‬
‫صحَابُ ال ّ‬
‫شمَالِ مَا َأ ْ‬
‫{ وََأصْحَابُ ال ّ‬
‫حمِيمٍ } وهو ‪ :‬الماء الحار‪.‬‬
‫سمُومٍ } وهو ‪ :‬الهواء الحار { وَ َ‬
‫فقال ‪ { :‬فِي َ‬
‫عكْرِمَة ‪ ،‬وأبو صالح ‪،‬‬
‫حمُومٍ } قال ابن عباس ‪ :‬ظل الدخان‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫{ وَ ِ‬
‫وقتادة ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪ { :‬ا ْنطَِلقُوا ِإلَى مَا كُنْ ُتمْ بِهِ ُتكَذّبُونَ‪ .‬ا ْنطَِلقُوا إِلَى‬
‫صفْرٌ‪.‬‬
‫جمَاَل ٌة ُ‬
‫ل وَل ُيغْنِي مِنَ الّل َهبِ‪ .‬إِ ّنهَا تَ ْرمِي بِشَرَرٍ كَا ْل َقصْرِ‪ .‬كَأَنّهُ ِ‬
‫ش َعبٍ‪ .‬ل ظَلِي ٍ‬
‫ظلّ ذِي ثَلثِ ُ‬
‫ِ‬
‫وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ لِ ْل ُم َكذّبِينَ } [المرسلت ‪، ]34 ، 29 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ولما"‪.‬‬

‫( ‪)7/537‬‬

‫حمُومٍ } وهو الدخان السود { ل بَارِ ٍد وَل كَرِيمٍ } أي ‪ :‬ليس طيب‬


‫ظلّ مِنْ َي ْ‬
‫ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَ ِ‬
‫الهبوب ول حَسَن المنظر ‪ ،‬كما قال الحسن وقتادة ‪ { :‬وَل كَرِيمٍ } أي ‪ :‬ول كريم المنظر‪ .‬وقال‬
‫الضحاك ‪ :‬كل شراب ليس بعذب فليس بكريم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬العرب تتبع هذه اللفظة في النفي ‪ ،‬فيقولون ‪" :‬هذا الطعام ليس بطيب ول‬
‫كريم ‪ ،‬هذا اللحم ليس بسمين ول كريم ‪ ،‬وهذه الدار ليست بنظيفة ول كريمة"‪.‬‬
‫ثم ذكر تعالى استحقاقهم لذلك ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬إِ ّن ُهمْ كَانُوا قَ ْبلَ ذَِلكَ مُتْ َرفِينَ } أي ‪ :‬كانوا في الدار‬
‫الدنيا منعمين مقبلين على لذات أنفسهم ‪ ،‬ل يلوون على ما جاءتهم به الرسل‪.‬‬
‫صمّمون ول ينوون توبة { عَلَى الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ } وهو الكفر بال ‪،‬‬
‫{ َوكَانُوا ُيصِرّونَ } أي ‪ُ :‬ي َ‬
‫وجعل الوثان والنداد أربابًا من دون ال‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬الْحِ ْنثِ ا ْل َعظِيمِ } الشرك‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫والسّ ّديّ ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال الشعبي ‪ :‬هو اليمين الغموس‪.‬‬
‫عظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ‪َ .‬أوَآبَاؤُنَا الوّلُونَ } ؟ يعني ‪ :‬أنهم‬
‫{ َوكَانُوا َيقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَ ِ‬
‫ن الوّلِينَ وَالخِرِينَ‪.‬‬
‫يقولون ذلك مكذبين به مستبعدين لوقوعه ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ُ { :‬قلْ إِ ّ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ } أي ‪ :‬أخبرهم يا محمد أن الولين والخرين من بني آدم‬
‫َلمَ ْ‬
‫جمُوعٌ لَهُ النّاسُ‬
‫سيجمعون إلى عَرَصات القيامة ‪ ،‬ل نغادر منهم أحدًا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمٌ َم ْ‬
‫شقِيّ‬
‫جلٍ َمعْدُودٍ‪َ .‬يوْمَ يَ ْأتِ ل َتكَلّمُ َنفْسٌ إِل بِِإذْنِهِ َفمِ ْنهُمْ َ‬
‫شهُودٌ‪َ .‬ومَا ُنؤَخّ ُرهُ إِل ل َ‬
‫وَذَِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ } أي ‪ :‬هو‬
‫سعِيدٌ } [هود ‪ .]105 - 103 :‬ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬لمَ ْ‬
‫وَ َ‬
‫موقت بوقت ُمحَدّد ‪ ،‬ل يتقدم ول يتأخر ‪ ،‬ول يزيد ول ينقص‪.‬‬
‫{ ُثمّ إِ ّنكُمْ أَ ّيهَا الضّالّونَ ا ْل ُم َكذّبُونَ‪ .‬لكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ َزقّومٍ‪َ .‬فمَالِئُونَ مِ ْنهَا الْ ُبطُونَ } ‪ :‬وذلك أنهم‬
‫يقبضون ويُسَجَرون حتى يأكلوا من شجر الزقوم ‪ ،‬حتى يملؤوا منها بطونهم ‪َ { ،‬فشَارِبُونَ عَلَيْهِ‬
‫حمِيمِ‪ .‬فَشَارِبُونَ شُ ْربَ ا ْلهِيمِ } وهي البل العطاش ‪ ،‬واحدها أهيم ‪ ،‬والنثى هيماء ‪ ،‬ويقال ‪:‬‬
‫مِنَ الْ َ‬
‫هائم وهائمة‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬الهِيم ‪ :‬البل العطاش الظماء‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة أنه قال ‪ :‬الهيم ‪ :‬البل المراض ‪ ،‬تَمص الماء َمصّا ول تَ ْروَى‪.‬‬
‫وعن ِ‬
‫وقال السدي ‪ :‬الهيم ‪ :‬داء يأخذ البل فل تَ ْروَى أبدًا حتى تموت ‪ ،‬فكذلك أهل جهنم ل يروون من‬
‫الحميم أبدًا‪.‬‬

‫( ‪)7/538‬‬

‫نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ فََلوْلَا ُتصَ ّدقُونَ (‪َ )57‬أفَرَأَيْتُمْ مَا ُتمْنُونَ (‪ )58‬أَأَنْ ُتمْ َتخُْلقُونَهُ َأمْ نَحْنُ الْخَاِلقُونَ (‪)59‬‬
‫ت َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )60‬عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ َأمْثَاَلكُمْ وَنُنْشِ َئكُمْ فِي مَا لَا َتعَْلمُونَ‬
‫نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْو َ‬
‫(‪ )61‬وََلقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأةَ الْأُولَى فََلوْلَا َت َذكّرُونَ (‪)62‬‬

‫وعن خالد بن معدان ‪ :‬أنه كان يكره أن يشرب شُ ْربَ الهيم عَبّة واحدة من غير أن يتنفس ثلثًا‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬هَذَا نزُل ُهمْ َيوْمَ الدّينِ } أي ‪ :‬هذا الذي وصفنا هو ضيافتهم عند ربهم يوم حسابهم‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ كَا َنتْ َل ُهمْ جَنّاتُ ا ْلفِرْ َدوْسِ‬
‫‪ ،‬كما قال في حق المؤمنين ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫نزل } [الكهف ‪ ]107 :‬أي ‪ :‬ضيافة وكرامة‪.‬‬
‫خَلقْنَاكُمْ فََلوْل ُتصَ ّدقُونَ (‪َ )57‬أفَرَأَيْتُمْ مَا ُتمْنُونَ (‪ )58‬أَأَنْ ُتمْ َتخُْلقُونَهُ َأمْ نَحْنُ الْخَاِلقُونَ (‪)59‬‬
‫{ َنحْنُ َ‬
‫ت َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )60‬عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ َأمْثَاَلكُمْ وَنُنْشِ َئكُمْ فِي مَا ل َتعَْلمُونَ‬
‫نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْو َ‬
‫(‪ )61‬وََلقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأ َة الولَى فََلوْل َت َذكّرُونَ (‪.} )62‬‬
‫يقول تعالى مُقررًا للمعاد (‪ ، )1‬وردّا على المكذبين به من أهل الزيغ واللحاد ‪ ،‬من الذين قالوا ‪:‬‬
‫{ أَ ِئذَا مِتْنَا َوكُنّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنّا َلمَ ْبعُوثُونَ } [الصافات ‪ ، ]16 :‬وقولهم ذلك صدر منهم على‬
‫وجه التكذيب والستبعاد ‪ ،‬فقال ‪ { :‬نَحْنُ خََلقْنَاكُمْ } أي ‪ :‬نحن ابتدأنا خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئًا‬
‫مذكورًا ‪ ،‬أفليس الذي قدر على البداءة بقادر على العادة بطريق الولى والحرى ؛ فلهذا قال ‪{ :‬‬
‫فََلوْل ُتصَ ّدقُونَ } أي ‪ :‬فهل تصدقون بالبعث! ثم قال مستدل عليهم بقوله ‪َ { :‬أفَرَأَيْتُمْ مَا ُتمْنُونَ‪.‬‬
‫أَأَنْتُمْ َتخُْلقُونَهُ أَمْ َنحْنُ ا ْلخَاِلقُونَ } أي ‪ :‬أنتم تقرونه في الرحام وتخلقونه فيها ‪ ،‬أم ال الخالق‬
‫لذلك ؟‬
‫ثم قال ‪ { :‬نَحْنُ َقدّرْنَا بَيْ َنكُمُ ا ْل َم ْوتَ } أي ‪ :‬صرفناه بينكم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ساوى فيه بين أهل السماء والرض‪.‬‬
‫{ َومَا نَحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ } أي ‪ :‬وما نحن بعاجزين‪.‬‬
‫{ عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ َأمْثَاَلكُمْ } أي ‪ :‬نغير خلقكم يوم القيامة ‪ { ،‬وَنُنْشِ َئكُمْ فِي مَا ل َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬من‬
‫الصفات والحوال‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَقَدْ عَِلمْتُمُ النّشَْأةَ الولَى فََلوْل َت َذكّرُونَ } أي ‪ :‬قد علمتم أن ال أنشأكم بعد أن لم‬
‫تكونوا شيئًا مذكورًا ‪ ،‬فخلقكم وجعل لكم السمع والبصار والفئدة ‪ ،‬فهل تتذكرون وتعرفون أن‬
‫الذي قدر على هذه النشأة ‪ -‬وهي البَداءة ‪ -‬قادر على النشأة الخرى ‪ ،‬وهي العادة بطريق‬
‫الولى والحرى ‪ ،‬وكما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [الروم ‪، ]27 :‬‬
‫ل وَلَمْ َيكُ شَيْئًا } [مريم ‪ ، ]67 :‬وقال ‪َ { :‬أوَلَمْ يَرَ‬
‫وقال ‪َ { :‬أوَل َي ْذكُرُ النْسَانُ أَنّا خََلقْنَاهُ مِنْ قَ ْب ُ‬
‫سيَ خَ ْلقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي‬
‫خصِيمٌ مُبِينٌ‪َ .‬وضَ َربَ لَنَا مَثَل وَنَ ِ‬
‫طفَةٍ فَإِذَا ُهوَ َ‬
‫النْسَانُ أَنّا خََلقْنَاهُ مِنْ ُن ْ‬
‫ا ْلعِظَا َم وَ ِهيَ َرمِيمٌ‪ُ .‬قلْ يُحْيِيهَا الّذِي أَنْشَأَهَا َأوّلَ مَ ّر ٍة وَ ُهوَ ِب ُكلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [يس ‪، ]79 - 77 :‬‬
‫طفَةً مِنْ مَنِيّ ُيمْنَى‪ .‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ‬
‫سبُ النْسَانُ أَنْ يُتْ َركَ سُدًى‪ .‬أََلمْ َيكُ ُن ْ‬
‫وقال تعالى ‪ { :‬أَيَحْ َ‬
‫ج َعلَ مِنْهُ ال ّزوْجَيْنِ ال ّذكَ َر وَالنْثَى‪ .‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ؟ [القيامة ‪:‬‬
‫سوّى‪ .‬فَ َ‬
‫فَ َ‬
‫‪.]40 - 36‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬للعباد"‪.‬‬

‫( ‪)7/539‬‬

‫حطَامًا فَظَلْ ُتمْ‬


‫جعَلْنَاهُ ُ‬
‫َأفَرَأَيْتُمْ مَا َتحْرُثُونَ (‪ )63‬أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ (‪َ )64‬لوْ َنشَاءُ َل َ‬
‫َت َفكّهُونَ (‪ )65‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ (‪َ )66‬بلْ َنحْنُ مَحْرُومُونَ (‪َ )67‬أفَرَأَيْ ُتمُ ا ْلمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ (‪ )68‬أَأَنْ ُتمْ‬
‫شكُرُونَ (‪َ )70‬أفَرَأَيْ ُتمُ‬
‫جعَلْنَاهُ ُأجَاجًا فََلوْلَا َت ْ‬
‫أَنْزَلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنْزِلُونَ (‪َ )69‬لوْ نَشَاءُ َ‬
‫جعَلْنَاهَا تَ ْذكِ َر ًة َومَتَاعًا‬
‫شجَرَ َتهَا أَمْ نَحْنُ ا ْلمُ ْنشِئُونَ (‪َ )72‬نحْنُ َ‬
‫النّارَ الّتِي تُورُونَ (‪ )71‬أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ َ‬
‫لِ ْل ُمقْوِينَ (‪ )73‬فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْل َعظِيمِ (‪)74‬‬

‫جعَلْنَاهُ حُطَامًا َفظَلْتُمْ‬


‫{ َأفَرَأَيْ ُتمْ مَا تَحْرُثُونَ (‪ )63‬أَأَنْ ُتمْ تَزْرَعُونَهُ َأمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ (‪َ )64‬لوْ نَشَاءُ لَ َ‬
‫َت َفكّهُونَ (‪ )65‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ (‪َ )66‬بلْ َنحْنُ مَحْرُومُونَ (‪َ )67‬أفَرَأَيْ ُتمُ ا ْلمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ (‪ )68‬أَأَنْ ُتمْ‬
‫شكُرُونَ (‪َ )70‬أفَرَأَيْتُمُ‬
‫جعَلْنَاهُ ُأجَاجًا فََلوْل تَ ْ‬
‫أَنزلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ أَمْ َنحْنُ ا ْلمُنزلُونَ (‪َ )69‬لوْ نَشَاءُ َ‬
‫جعَلْنَاهَا تَ ْذكِ َر ًة َومَتَاعًا‬
‫شجَرَ َتهَا أَمْ نَحْنُ ا ْلمُ ْنشِئُونَ (‪َ )72‬نحْنُ َ‬
‫النّارَ الّتِي تُورُونَ (‪ )71‬أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ َ‬
‫لِ ْل ُمقْوِينَ (‪ )73‬فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْل َعظِيمِ (‪} )74‬‬
‫يقول ‪َ .{ :‬أفَرَأَيْ ُتمْ مَا تَحْرُثُونَ } ؟ وهو شق الرض وإثارتها والبذر فيها ‪ { ،‬أَأَنْ ُتمْ تَزْرَعُونَهُ } أي‬
‫‪ :‬تنبتونه في الرض { أَمْ َنحْنُ الزّارِعُونَ } أي ‪ :‬بل نحن الذين ُنقِرّه قراره وننبته في الرض‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وقد حدثني أحمد بن الوليد القرشي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجَرْمي ‪ ،‬حدثنا‬
‫مخلد بن الحسين ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن محمد ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل تقولن ‪ :‬زرعتُ ‪ ،‬ولكن قل ‪ :‬حرثتُ" قال أبو هريرة ‪ :‬ألم تسمع إلى قوله ‪َ { :‬أفَرَأَيْ ُتمْ‬
‫مَا تَحْرُثُونَ‪ .‬أَأَنْ ُتمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ }‪.‬‬
‫ورواه البزار ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬الجميع به (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد الرحمن ‪ :‬ل تقولوا ‪ :‬زرعنا ولكن قولوا ‪ :‬حرثنا‪.‬‬
‫وروي عن حُجْر المدَ ِريّ أنه كان إذا قرأ ‪ { :‬أَأَنْ ُتمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ } وأمثالها يقول ‪:‬‬
‫بل أنت يا رب‪.‬‬
‫حطَامًا } أي ‪ :‬نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا ‪ ،‬وأبقيناه لكم رحمة بكم ‪،‬‬
‫جعَلْنَاهُ ُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لوْ نَشَاءُ َل َ‬
‫ولو نشاء لجعلناه حطامًا ‪ ،‬أي ‪ :‬ليبسناه قبل استوائه واستحصاده ‪ { ،‬فَظَلْ ُتمْ َت َف ّكهُونَ }‪ .‬ثم فسر‬
‫ذلك بقوله ‪ { :‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ‪َ .‬بلْ َنحْنُ مَحْرُومُونَ } أي ‪ :‬لو جعلناه حطاما لظَلْتُم تفكهون في المقالة‬
‫‪ ،‬تنوعون كلمكم ‪ ،‬فتقولون تارة ‪ { :‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ } أي ‪َ :‬لمُ ْلقَون‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ :‬إنا لمولع بنا ‪ ،‬وقال قتادة ‪ :‬معذبون‪ .‬وتاره تقولون ‪ :‬بل نحن‬
‫محرومون‪.‬‬
‫وقال مجاهد أيضا ‪ { :‬إِنّا َل ُمغْ َرمُونَ } ملقون للشر ‪ ،‬أي ‪ :‬بل نحن مُحَارَفون ‪ ،‬قاله قتادة ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫ل يثبت لنا مال ‪ ،‬ول ينتج لنا ربح‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )27/114‬ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (‪ )1135‬والبيهقي في السنن‬
‫الكبرى (‪ )6/138‬من طريق مسلم بن أبي مسلم الجرمي عن مخلد بن الحسين به نحوه وضعفه‬
‫السيوطي في الدر المنثور (‪ )8/23‬وأشار البيهقي إلى ضعفه فقال بعد أن ذكره من قول مجاهد ‪:‬‬
‫"وقد روى فيه حديث مرفوع غير قوي"‪.‬‬

‫( ‪)7/540‬‬

‫وقال مجاهد ‪َ { :‬بلْ نَحْنُ َمحْرُومُونَ } أي ‪ :‬مجدودون ‪ ،‬يعني ‪ :‬ل حظ لنا‪.‬‬


‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ { :‬فَظَلْ ُتمْ َت َفكّهُونَ } ‪ :‬تعجبون‪ .‬وقال مجاهد أيضًا ‪ { :‬فَظَلْ ُتمْ َت َفكّهُونَ }‬
‫تفجعون وتحزنون على ما فاتكم من زرعكم‪.‬‬
‫وهذا يرجع إلى الول ‪ ،‬وهو التعجب من السبب الذي من أجله أصيبوا في مالهم‪ .‬وهذا اختيار‬
‫ابن جرير (‪.)1‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬فَظَلْ ُتمْ َت َف ّكهُونَ } تلومون‪ .‬وقال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ { :‬فَظَلْ ُتمْ َت َف ّكهُونَ }‬
‫تندمون‪ .‬ومعناه إما على ما أنفقتم ‪ ،‬أو على ما أسلفتم من الذنوب‪.‬‬
‫قال الكسائي (‪ : )2‬تفكه من الضداد ‪ ،‬تقول العرب ‪ :‬تفكهت بمعنى تنعمت ‪ ،‬وتفكهت بمعنى‬
‫حزنت‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أفَرَأَيْ ُتمُ ا ْلمَاءَ الّذِي تَشْرَبُونَ‪ .‬أَأَنْ ُتمْ أَنزلْ ُتمُوهُ مِنَ ا ْلمُزْنِ } يعني ‪ :‬السحاب‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد وغير واحد‪َ .{ .‬أمْ نَحْنُ ا ْلمُنزلُونَ } يقول ‪ :‬بل نحن المنزلون‪.‬‬
‫شكُرُونَ } أي ‪:‬‬
‫جعَلْنَاهُ أُجَاجًا } أي ‪ :‬زُعاقًا مُرّا ل يصلح لشرب ول زرع ‪ { ،‬فََلوْل تَ ْ‬
‫{ َلوْ َنشَاءُ َ‬
‫فهل تشكرون نعمة ال عليكم في إنزاله المطر عليكم عذبًا زلل! { َل ُكمْ مِنْهُ شَرَابٌ َومِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ‬
‫ك ليَةً ِل َقوْمٍ‬
‫ل وَالعْنَابَ َومِنْ ُكلّ ال ّثمَرَاتِ إِنّ فِي ذَِل َ‬
‫ن وَالنّخِي َ‬
‫تُسِيمُونَ‪ .‬يُنْ ِبتُ َلكُمْ بِهِ الزّ ْرعَ وَالزّيْتُو َ‬
‫يَ َت َفكّرُونَ } [النحل ‪.]11 ، 10 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عثمان بن سعيد بن مرة ‪ ،‬حدثنا ُفضَيل بن مرزوق ‪ ،‬عن‬
‫جابر ‪ ،‬عن أبي جعفر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه إذا شرب الماء قال ‪" :‬الحمد ل الذي‬
‫سقانا عذبًا فراتًا برحمته ‪ ،‬ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا" (‪.)3‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ } أي ‪ :‬تقدحون من الزناد وتستخرجونها (‪ )4‬من أصلها‪.‬‬
‫شجَرَ َتهَا أَمْ نَحْنُ ا ْلمُ ْنشِئُونَ } أي ‪ :‬بل نحن الذين جعلناها مودعة في موضعها ‪،‬‬
‫{ أَأَنْ ُتمْ أَنْشَأْ ُتمْ َ‬
‫وللعرب شجرتان ‪ :‬إحداهما ‪ :‬المرخ ‪ ،‬والخرى ‪ :‬ال َعفَار ‪ ،‬إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحُك‬
‫أحدهما بالخر ‪ ،‬تناثر من بينهما شرر النار‪.‬‬
‫جعَلْنَاهَا تَ ْذكِ َرةً } قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي تُ َذكّر النارَ الكبرى‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬نحْنُ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬ذكر لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يا قوم ‪ ،‬ناركم هذه التي توقدون جزء‬
‫من سبعين جزءًا من نار جهنم"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال إن كانت لكافية! قال ‪" :‬قد ضُربت بالماء‬
‫ضربتين ‪ -‬أو ‪ :‬مرتين ‪ -‬حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/115‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قال السدي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وهذا مرسل وعزاه الهندي في كنز العمال (‪ )7/111‬إلى أبي نعيم في الحلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وتستخرجون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)27/117‬‬

‫( ‪)7/541‬‬

‫وهذا الذي أرسله قتادة رواه المام أحمد في مسنده ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي الزّناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم ‪ ،‬وضربت بالبحر مرتين ‪ ،‬ولول ذلك ما‬
‫جعل ال فيها منفعة لحد" (‪.)1‬‬
‫وقال المام مالك ‪ ،‬عن أبي الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال‬
‫إن كانت لكافية فقال ‪" :‬إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا"‪.‬‬
‫رواه البخاري من حديث مالك ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬من حديث أبي الزناد (‪ ، )2‬ورواه مسلم ‪ ،‬من حديث‬
‫عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به (‪ .)3‬وفي لفظ ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫لقد ُفضّلَت عليها بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها"‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عمرو الخلل ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪،‬‬
‫حدثنا َمعْن بن عيسى القزاز ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن عمه أبي السهيل ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم ؟ لهي أشد‬
‫سوادًا من [دخان] (‪ )4‬ناركم هذه بسبعين ضعفًا" (‪.)5‬‬
‫قال الضياء المقدسي ‪ :‬وقد رواه ابن (‪ )6‬مصعب عن مالك ‪ ،‬ولم يرفعه ‪ ،‬وهو عندي على شرط‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَتَاعًا لِ ْل ُم ْقوِينَ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والنضر بن عربي ‪:‬‬
‫معنى { لِ ْل ُمقْوِينَ } المسافرين ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬وقال ‪ :‬ومنه قولهم ‪" :‬أقوت الدار إذا رحل‬
‫أهلها"‪.‬‬
‫ي والقَوَاء ‪ :‬القفر الخالي البعيد من العمران‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬الق ّ‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬المقوي هنا الجائع‪.‬‬
‫وقال ليث ابن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ { :‬ومَتَاعًا لِ ْل ُم ْقوِينَ } للحاضر والمسافر ‪ ،‬لكل طعام ل‬
‫يصلحه إل النار‪ .‬وكذا روى سفيان ‪ ،‬عن جابر الجعفي ‪ ،‬عن مجاهد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد قوله ‪ { :‬لِ ْل ُم ْقوِينَ } المستمتعين ‪ ،‬الناس أجمعين‪ .‬وكذا ذكر عن‬
‫عكرمة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/244‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3265‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2843‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)2843‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من المعجم الوسط للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الوسط برقم (‪" )4843‬مجمع البحرين"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقد رواه أبو"‪.‬‬

‫( ‪)7/542‬‬

‫عظِيمٌ (‪)76‬‬
‫سمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ (‪ )75‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ َ‬
‫فَلَا ُأقْ ِ‬
‫وهذا التفسير أعم من غيره ‪ ،‬فإن الحاضر والبادي من غني وفقير الكل (‪ )1‬محتاجون للطبخ‬
‫والصطلء والضاءة وغير ذلك من المنافع‪ .‬ثم من لطف ال تعالى أن أودعها في الحجار ‪،‬‬
‫وخالص الحديد بحيث يتمكن المسافر من حمل ذلك في متاعه وبين ثيابه ‪ ،‬فإذا احتاج إلى ذلك في‬
‫منزله أخرج زنده وأورى ‪ ،‬وأوقد ناره فأطبخ بها واصطلى ‪ ،‬واشتوى واستأنس بها ‪ ،‬وانتفع بها‬
‫سائر النتفاعات‪ .‬فلهذا أفرد المسافرون وإن كان ذلك عامّا في حق الناس كلهم‪ .‬وقد يستدل له بما‬
‫رواه المام أحمد وأبو داود من حديث أبي خِدَاش حَبّان بن زَيد الشّرعَبي الشّامي ‪ ،‬عن رجل من‬
‫المهاجرين من قَرَن ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬المسلمون شركاء في ثلثة ‪:‬‬
‫النار والكل والماء" (‪.)2‬‬
‫وروى ابن ماجه بإسناد جيد عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلثٌ ل‬
‫ُيمْ َنعْنَ ‪ :‬الماء والكل والنار" (‪.)3‬‬
‫وله من حديث ابن عباس مرفوعًا مثل هذا وزيادة ‪" :‬وثمنه حرام" (‪ .)4‬ولكن في إسناده "عبد ال‬
‫حوْشب" وهو ضعيف ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫بن خِرَاش بن َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ } أي ‪ :‬الذي بقدرته خلق هذه الشياء المختلفة المتضادة الماء‬
‫العذب الزلل البارد ‪ ،‬ولو شاء لجعله ملحًا أجاجًا كالبحار المغرقة‪ .‬وخلق النار المحرقة ‪ ،‬وجعل‬
‫ذلك مصلحة للعباد ‪ ،‬وجعل هذه منفعة لهم في معاش دنياهم ‪ ،‬وزاجرًا لهم في المعاد‪.‬‬
‫عظِيمٌ (‪.} )76‬‬
‫{ فَل ُأ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ (‪ )75‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الجميع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )5/364‬وسنن أبي داود برقم (‪.)3477‬‬
‫(‪ )3‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)2472‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه برقم (‪.)2472‬‬

‫( ‪)7/543‬‬

‫طهّرُونَ (‪ )79‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ‬


‫إِنّهُ َلقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (‪ )77‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ (‪ )78‬لَا َيمَسّهُ إِلّا ا ْل ُم َ‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ (‪)82‬‬
‫(‪َ )80‬أفَ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ أَنْ ُتمْ مُدْهِنُونَ (‪ )81‬وَتَ ْ‬

‫طهّرُونَ (‪ )79‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ‬


‫{ إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ (‪ )77‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ (‪ )78‬ل َيمَسّهُ إِل ا ْلمُ َ‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ (‪.} )82‬‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ (‪َ )80‬أفَ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ أَنْ ُتمْ مُدْهِنُونَ (‪ )81‬وَتَ ْ‬
‫جوَيبر ‪ ،‬عن الضحاك ‪ :‬إن ال ل يقسم بشيء من خلقه ‪ ،‬ولكنه استفتاح يستفتح به كلمه‪.‬‬
‫قال ُ‬
‫وهذا القول ضعيف‪ .‬والذي عليه الجمهور أنه قسم من ال عز وجل ‪ ،‬يقسم بما شاء من خلقه ‪،‬‬
‫وهو دليل على عظمته‪ .‬ثم قال بعض المفسرين ‪" :‬ل" هاهنا زائدة ‪ ،‬وتقديره ‪ :‬أقسم بمواقع‬
‫النجوم‪ .‬ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر‪ .‬ويكون جوابه ‪ { :‬إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ }‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ليست "ل" زائدة ل معنى لها ‪ ،‬بل يؤتى بها في أول القسم إذا كان مقسمًا به على‬
‫منفي ‪ ،‬كقول عائشة رضي ال عنها ‪" :‬ل وال ما مست يد رسول ال صلى ال عليه وسلم يد‬
‫امرأة قط" وهكذا هاهنا تقدير الكلم ‪" :‬ل أقسم بمواقع النجوم ليس المر كما زعمتم في القرآن أنه‬
‫سحر أو كهانة ‪ ،‬بل هو قرآن كريم"‪.‬‬

‫( ‪)7/543‬‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقال بعض أهل العربية ‪ :‬معنى قوله ‪ { :‬فَل ُأ ْقسِمُ } فليس المر كما تقولون ‪،‬‬
‫ثم استأنف القسم بعد فقيل ‪ :‬أقسم‪.‬‬
‫واختلفوا في معنى قوله ‪ِ { :‬ب َموَاقِعِ النّجُومِ } ‪ ،‬فقال حكيم بن جُبَيْر ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس يعني ‪ :‬نجوم القرآن ؛ فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا ‪ ،‬ثم‬
‫نزل مُفَ ّرقًا (‪ )1‬في السنين بعد‪ .‬ثم قرأ ابن عباس هذه الية‪.‬‬
‫سفَرة‬
‫وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬نزل القرآن جملة من عند ال من اللوح المحفوظ إلى ال ّ‬
‫جمَته السّفرة على جبريل عشرين ليلة ‪ ،‬ونجمه جبريل على‬
‫الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ‪ ،‬فن ّ‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم عشرين سنة ‪ ،‬فهو قوله ‪ { :‬فَل ُأ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ } نجوم القرآن‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وأبو حَزْرَة‪.‬‬
‫وكذا قال ِ‬
‫وقال مجاهد أيضًا ‪ِ { :‬ب َموَاقِعِ النّجُومِ } في السماء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬مطالعها ومشارقها‪ .‬وكذا قال‬
‫الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير‪ .‬وعن قتادة ‪ :‬مواقعها ‪ :‬منازلها‪ .‬وعن الحسن أيضًا ‪:‬‬
‫أن المراد بذلك انتثارها يوم القيامة‪ .‬وقال الضحاك ‪ { :‬فَل ُأ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ النّجُومِ } يعني بذلك ‪:‬‬
‫النواء التي كان أهل الجاهلية إذا مُطِروا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا‪.‬‬
‫عظِيمٌ } أي ‪ :‬وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم ‪ ،‬لو‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنّهُ َلقَسَمٌ َلوْ َتعَْلمُونَ َ‬
‫تعلمون (‪ )2‬عظمته لعظمتم المقسم به عليه ‪ { ،‬إِنّهُ َلقُرْآنٌ كَرِيمٌ } أي ‪ :‬إن هذا القرآن الذي نزل‬
‫على محمد لكتاب عظيم‪ { .‬فِي كِتَابٍ َمكْنُونٍ } أي ‪ :‬معظّم في كتاب معظم محفوظ موقر‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثني إسماعيل بن موسى (‪ ، )3‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن حكيم ‪ -‬هو ابن جبير ‪-‬‬
‫طهّرُونَ } قال ‪ :‬الكتاب الذي في السماء‪.‬‬
‫عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ل َيمَسّهُ إِل ا ْل ُم َ‬
‫طهّرُونَ } (‪ )4‬يعني ‪ :‬الملئكة‪ .‬وكذا قال‬
‫وقال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ [ { :‬ل َيمَسّهُ ] إِل ا ْل ُم َ‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وأبو الشعثاء جابر بن زيد ‪ ،‬وأبو‬
‫أنس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫َنهِيك ‪ ،‬والسّ ّديّ ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ { :‬ل َيمَسّهُ‬
‫طهّرُونَ } قال ‪ :‬ل يمسه عند ال إل المطهرون ‪ ،‬فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس‬
‫إِل ا ْلمُ َ‬
‫طهّرُونَ }‪.‬‬
‫‪ ،‬والمنافق الرجس‪ .‬وقال ‪ :‬وهي في قراءة ابن مسعود ‪ { :‬مَا َي َمسّهُ إِل ا ْلمُ َ‬
‫طهّرُونَ } ليس أنتم أصحاب الذنوب‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ { :‬ل َيمَسّهُ إِل ا ْلمُ َ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬زَعَمت كفار قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين ‪ ،‬فأخبر ال تعالى أنه ل‬
‫يمسه إل المطهرون كما قال ‪َ { :‬ومَا تَنزَلتْ ِبهِ الشّيَاطِينُ‪َ .‬ومَا يَنْ َبغِي َلهُمْ َومَا َيسْتَطِيعُونَ‪ .‬إِ ّنهُمْ عَنِ‬
‫سمْعِ َل َمعْزُولُونَ } [الشعراء ‪.]212 - 210 :‬‬
‫ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬متفرقا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لو علمتم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬موسى ابن إسماعيل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/544‬‬

‫وهذا القول قول جيد ‪ ،‬وهو ل يخرج عن القوال التي قبله‪.‬‬


‫وقال الفراء ‪ :‬ل يجد طعمه ونفعه إل من آمن به‪.‬‬
‫طهّرُونَ } أي ‪ :‬من الجنابة والحدث‪ .‬قالوا ‪ :‬ولفظ الية خبر‬
‫وقال آخرون ‪ { :‬ل َيمَسّهُ إِل ا ْلمُ َ‬
‫ومعناها الطلب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والمراد بالقرآن هاهنا المصحف ‪ ،‬كما روى مسلم ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ‪ ،‬مخافة أن يناله العدو (‬
‫‪ .)1‬واحتجوا في ذلك بما رواه المام مالك في موطئه ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي بكر بن محمد بن‬
‫عمرو بن حَزم ‪ :‬أن في الكتاب الذي كتبه رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمرو بن حزم ‪ :‬أل‬
‫يمس القرآن إل طاهر (‪ .)2‬وروى أبو داود في المراسيل ‪ ،‬من حديث الزهري قال ‪ :‬قرأت في‬
‫صحيفة عند أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ول‬
‫يمس القرآن إل طاهر" (‪.)3‬‬
‫وهذه وِجَادةٌ جيدة‪ .‬قد قرأها الزهري وغيره ‪ ،‬ومثل هذا ينبغي (‪ )4‬الخذ به‪ .‬وقد أسنده‬
‫الدارقطني عن عمرو بن حزم ‪ ،‬وعبد ال بن عمر ‪ ،‬وعثمان بن أبي العاص ‪ ،‬وفي إسناد كل‬
‫منها نظر (‪ ، )5‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } أي ‪ :‬هذا القرآن منزل من [ال] (‪ )6‬رب العالمين ‪ ،‬وليس‬
‫هو كما يقولون ‪ :‬إنه سحر ‪ ،‬أو كهانة ‪ ،‬أو شِعر ‪ ،‬بل هو الحق الذي ل مِرْية فيه ‪ ،‬وليس وراءه‬
‫حق نافع‪.‬‬
‫حدِيثِ أَنْتُمْ ُمدْهِنُونَ } قال ال َع ْو ِفيّ ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي مكذبون غير مصدقين‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أفَ ِبهَذَا الْ َ‬
‫وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وأبو حَزْرَة ‪ ،‬والسّ ّديّ‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬مُدْهِنُونَ } أي ‪ :‬تريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم‪.‬‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُتكَذّبُونَ } قال بعضهم ‪ :‬يعني ‪ :‬وتجعلون رزقكم بمعنى شكركم أنكم‬
‫{ وَتَ ْ‬
‫تكذبون ‪ ،‬أي ‪ :‬تكذبون بدل الشكر‪.‬‬
‫وقد روي عن علي ‪ ،‬وابن عباس أنهما قرآها ‪" :‬وتجعلون شكركم (‪ )7‬أنكم تكذبون" كما سيأتي‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬وقد ذكر عن الهيثم بن عدي ‪ :‬أن من لغة أزد شَنوءةَ ‪ :‬ما رزق فلن بمعنى ‪:‬‬
‫ما شكر فلن‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين بن محمد ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )1869‬وهو أيضا في صحيح البخاري برقم (‪.)2990‬‬
‫(‪ )2‬الموطأ (‪.)1/199‬‬
‫(‪ )3‬المراسيل برقم (‪.)257‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ل ينبغي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الدار قطني (‪.)122 ، 1/12‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬بشكركم"‪.‬‬

‫( ‪)7/545‬‬

‫عبد الرحمن ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ } ‪ ،‬يقول ‪" :‬شكركم { أَ ّن ُكمْ ُتكَذّبُونَ } ‪ ،‬تقولون ‪ :‬مطرنا بِنَوء كذا وكذا ‪ ،‬بنجم‬
‫{ وَتَ ْ‬
‫كذا وكذا" (‪.)1‬‬
‫خوّل (‪ )2‬بن إبراهيم النهدي ‪ -‬وابن جرير ‪ ،‬عن‬
‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ُم َ‬
‫محمد بن المثنى ‪ ،‬عن عبيد ال بن موسى ‪ ،‬وعن يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬عن يحيى بن أبي ُبكَيْر ‪،‬‬
‫ثلثتهم عن إسرائيل ‪ ،‬به مرفوعًا (‪ .)3‬وكذا رواه الترمذي ‪ ،‬عن أحمد بن مَنِيع ‪ ،‬عن حسين بن‬
‫محمد ‪ -‬وهو المروزي ‪ -‬به‪ .‬وقال ‪" :‬حسن غريب"‪ .‬وقد رواه سفيان ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬ولم‬
‫يرفعه (‪.)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪،‬‬
‫عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما مُطِرَ قوم قط إل أصبح بعضهم كافرًا يقولون ‪:‬‬
‫مُطِرْنَا بنوء كذا وكذا‪ .‬وقرأ ابن عباس ‪" :‬وتجعلون شكركم أنكم تكذبون"‪.‬‬
‫وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس‪.‬‬
‫وقال مالك في الموطأ ‪ ،‬عن صالح بن ك ْيسَان ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود ‪،‬‬
‫جهَنّي أنه قال ‪ :‬صلى بنا رسول ال صلى ال عليه وسلم صلة الصبح‬
‫عن زيد بن خالد ال ُ‬
‫بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل ‪ ،‬فلما انصرف أقبل على الناس فقال ‪" :‬هل تدرون ماذا‬
‫قال ربكم ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪" .‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪:‬‬
‫مطرنا بفضل ال ورحمته ‪ ،‬فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب‪ .‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا‪.‬‬
‫فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬كلهم من حديث مالك ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫سوّاد ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬عن‬
‫عمْرو بن َ‬
‫وقال مسلم ‪ :‬حدثنا محمد بن سلمة المرادي ‪ ،‬و َ‬
‫حدّثه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عمرو بن الحارث ؛ أن أبا يونس َ‬
‫أنه قال ‪" :‬ما أنزل ال من السماء من بركة إل أصبح فريق من الناس بها كافرين ‪ ،‬ينزل الغيث ‪،‬‬
‫فيقولون ‪ :‬بكوكب كذا وكذا"‪.‬‬
‫َتفَرّد به مسلم من هذا الوجه (‪.)6‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن إبراهيم‬
‫بن الحارث التيمي ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"إن ال لَ ُيصْبِحُ القومَ بالنعمة أو يُمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون ‪ :‬مُطِرنا بنوء كذا‬
‫وكذا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/108‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن محمد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/119‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪.)3295‬‬
‫(‪ )5‬الموطأ (‪ )1/192‬وصحيح البخاري برقم (‪ )846‬وصحيح مسلم برقم (‪ )71‬وسنن أبي داود‬
‫برقم (‪ )3906‬وسنن النسائي (‪.)3/164‬‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪.)72‬‬

‫( ‪)7/546‬‬

‫فََلوْلَا إِذَا بََل َغتِ ا ْلحُ ْلقُومَ (‪ )83‬وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَ ْنظُرُونَ (‪ )84‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْنكُ ْم وََلكِنْ لَا تُ ْبصِرُونَ (‬
‫جعُو َنهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪)87‬‬
‫‪ )85‬فََلوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (‪ )86‬تَرْ ِ‬
‫قال محمد ‪ -‬هو ابن إبراهيم ‪ : -‬فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ونحن قد سمعنا‬
‫من أبي هُرَيرة ‪ ،‬وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وهو يستسقي ‪ ،‬فلما‬
‫استسقى التفت إلى العباس فقال ‪ :‬يا عباس ‪ ،‬يا عم رسول ال ‪ ،‬كم بقى من نوء الثريا ؟ فقال ‪:‬‬
‫العلماء يزعمون أنها تعترض في الفق بعد سقوطها سبعًا‪ .‬قال ‪ :‬فما مضت سابعة حتى ُمطِروا (‬
‫‪.)1‬‬
‫وهذا مَحمول على السؤال عن الوقت الذي أجرى ال فيه العادة بإنزال المطر ‪ ،‬ل أن ذلك النوء‬
‫يؤثر بنفسه في نزول المطر ؛ فإن هذا هو المنهي عن اعتقاده‪ .‬وقد تقدم شيء من هذه الحاديث‬
‫سكَ َلهَا } [فاطر ‪.]2 :‬‬
‫حمَةٍ فَل ُممْ ِ‬
‫عند قوله ‪ { :‬مَا َيفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ َر ْ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ -‬أحسبه أو غيره ‪ -‬أن‬
‫عشَانين السد‪.‬‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع رجل ‪ -‬ومطروا ‪ -‬يقول ‪ :‬مُطِرنا ببعض َ‬
‫فقال ‪" :‬كذبت! بل هو رزق ال" (‪.)2‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثني أبو صالح الصراري ‪ ،‬حدثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الزدي (‬
‫‪ ، )3‬حدثنا جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ‬
‫"ما مُطِر قوم من ليلة إل أصبح قوم بها كافرين" (‪ .)4‬ثم قال ‪ { " :‬وَتَ ْ‬
‫ُتكَذّبُونَ } ‪ ،‬يقول قائل ‪ُ :‬مطِرنا بنجم كذا وكذا" (‪.)5‬‬
‫حطَ الناس سبع سنين ثم مطروا لقالوا ‪ :‬مطرنا بنوء‬
‫وفي حديث عن أبي سعيد مرفوعًا ‪" :‬لو قُ ِ‬
‫جدَح" (‪.)6‬‬
‫المِ ْ‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّن ُكمْ ُتكَذّبُونَ } قال ‪ :‬قولهم في النواء ‪ :‬مُطِرنا بنوء كذا ‪،‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬وَتَ ْ‬
‫وبنوء كذا ‪ ،‬يقول ‪ :‬قولوا ‪ :‬هو من عند ال ‪ ،‬وهو رزقه‪ .‬وهكذا قال الضحاك وغير واحد‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أما الحسن فكان يقول ‪ :‬بئس ما أخذ قوم لنفسهم ‪ ،‬لم يرزقوا من كتاب ال إل‬
‫التكذيب‪ .‬فمعنى قول الحسن هذا ‪ :‬وتجعلون حظكم من كتاب ال أنكم تكذبون به ؛ ولهذا قال قبله‬
‫جعَلُونَ رِ ْز َقكُمْ أَ ّنكُمْ ُت َكذّبُونَ }‬
‫‪َ { :‬أفَ ِب َهذَا ا ْلحَدِيثِ أَنْتُمْ ُمدْهِنُونَ‪ .‬وَتَ ْ‬
‫نل‬
‫{ فََلوْل إِذَا َبَل َغتِ ا ْلحُ ْلقُومَ (‪ )83‬وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَ ْنظُرُونَ (‪ )84‬وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْنكُ ْم وََلكِ ْ‬
‫جعُو َنهَا إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪.} )87‬‬
‫تُ ْبصِرُونَ (‪ )85‬فََلوْل إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (‪ )86‬تَرْ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬فََلوْل إِذَا بََل َغتِ } أي ‪ :‬الروح { ا ْلحُ ْلقُومَ } أي ‪ :‬الحلق ‪ ،‬وذلك حين الحتضار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/120‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/120‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الودي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬كافرون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)27/120‬‬
‫(‪ )6‬رواه المام أحمد في مسنده (‪ )3/7‬وابن حبان في صحيحه برقم (‪" )606‬موارد" من طريق‬
‫عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد بلفظ ‪" :‬لو أمسك ال القطر عن الناس سبع‬
‫سنين ثم أرسله لصبحت طائفة بها كافرين يقولون ‪ :‬مطرنا بنوء المجدح"‪.‬‬

‫( ‪)7/547‬‬

‫صحَابِ الْ َيمِينِ‬


‫ن َوجَنّةُ َنعِيمٍ (‪ )89‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنْ َأ ْ‬
‫ح وَرَيْحَا ٌ‬
‫فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ (‪ )88‬فَ َروْ ٌ‬
‫حمِيمٍ‬
‫(‪ )90‬فَسَلَامٌ َلكَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ (‪ )91‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُم َكذّبِينَ الضّالّينَ (‪ )92‬فَنُ ُزلٌ مِنْ َ‬
‫جحِيمٍ (‪ )94‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )95‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)96‬‬
‫(‪ )93‬وَ َتصْلِيَةُ َ‬

‫كما قال ‪ { :‬كَل إِذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ‪َ .‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ‪ .‬وَظَنّ أَنّهُ ا ْلفِرَاقُ‪ .‬وَالْتَ ّفتِ السّاقُ بِالسّاقِ‪ .‬إِلَى‬
‫رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمَسَاقُ } [القيامة ‪ ]30 ، 26 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَأَنْتُمْ حِينَ ِئذٍ تَنْظُرُونَ } أي ‪ :‬إلى‬
‫المحتضر وما يُكابده من سكرات الموت‪.‬‬
‫{ وَنَحْنُ َأقْ َربُ إِلَيْهِ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬بملئكتنا { وََلكِنْ ل تُ ْبصِرُونَ } أي ‪ :‬ولكن ل ترونهم‪ .‬كما قال‬
‫حفَظَةً حَتّى إِذَا جَاءَ َأحَ َد ُكمُ ا ْل َم ْوتُ‬
‫سلُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫في الية الخرى ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ عِبَا ِد ِه وَيُرْ ِ‬
‫ح ْك ُم وَ ُهوَ أَسْ َرعُ الْحَاسِبِينَ }‬
‫َت َوفّتْهُ رُسُلُنَا وَ ُهمْ ل ُيفَرّطُونَ‪ُ .‬ثمّ رُدّوا إِلَى اللّهِ َموْلهُمُ ا ْلحَقّ أَل لَهُ الْ ُ‬
‫[النعام ‪.]62 ، 61 :‬‬
‫جعُو َنهَا } ‪ :‬معناه ‪ :‬فهل تَرجعُون هذه النفس التي قد بلغت‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلوْل إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ َمدِينِينَ تَرْ ِ‬
‫الحلقوم إلى مكانها الول (‪ ، )1‬ومقرها في الجسد إن كنتم غير مدينين‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني محاسبين‪ .‬ورُوي عن مجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫والسّ ّديّ ‪ ،‬وأبي حَزْرَة ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والحسن ال َبصْرِي ‪ { :‬فََلوْل إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ َمدِينِينَ } غير مصدقين أنكم‬
‫تُدانون وتبعثون وتجزون ‪ ،‬فردوا هذه النفس‪.‬‬
‫وعن مجاهد ‪ { :‬غَيْرَ مَدِينِينَ } غير موقنين‪.‬‬
‫وقال ميمون بن ِمهْران ‪ :‬غير معذبين مقهورين‪.‬‬
‫صحَابِ‬
‫ن َوجَنّةُ َنعِيمٍ (‪ )89‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنْ َأ ْ‬
‫ح وَرَيْحَا ٌ‬
‫{ فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْلمُقَرّبِينَ (‪ )88‬فَ َروْ ٌ‬
‫الْ َيمِينِ (‪ )90‬فَسَلمٌ َلكَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ (‪ )91‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّالّينَ (‪ )92‬فَنزلٌ‬
‫جحِيمٍ (‪ )94‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )95‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‬
‫حمِيمٍ (‪ )93‬وَ َتصْلِيَةُ َ‬
‫مِنْ َ‬
‫‪.} )96‬‬
‫هذه الحوال الثلثة هي أحوال الناس عند احتضارهم ‪ :‬إما أن يكون من المقربين (‪ ، )2‬أو يكون‬
‫ممن دونهم من أصحاب اليمين‪ .‬وإما أن يكون من المكذبين الضالين عن الهدى ‪ ،‬الجاهلين بأمر‬
‫ال ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فََأمّا إِنْ كَانَ } أي ‪ :‬المحتضر ‪ { ،‬مِنَ ا ْل ُمقَرّبِينَ } ‪ ،‬وهم الذين فعلوا‬
‫الواجبات والمستحبات ‪ ،‬وتركوا المحرمات والمكروهات وبعض المباحات ‪ { ،‬فَ َروْحٌ وَرَ ْيحَانٌ‬
‫وَجَنّةُ َنعِيمٍ } أي ‪ :‬فلهم روح وريحان ‪ ،‬وتبشرهم الملئكة بذلك عند الموت ‪ ،‬كما تقدم في حديث‬
‫البراء ‪ :‬أن ملئكة الرحمة تقول ‪" :‬أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ‪ ،‬اخرجي‬
‫إلى روح وريحان ‪ ،‬ورب غير غضبان"‪.‬‬
‫قال علي بن طلحة (‪ ، )3‬عن ابن عباس ‪ { :‬فَ َروْحٌ } يقول ‪ :‬راحة وريحان ‪ ،‬يقول ‪ :‬مستراحة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬الولى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المقربين العلية"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬علي بن أبي طلحة"‪.‬‬

‫( ‪)7/548‬‬

‫وكذا قال مجاهد ‪ :‬إن الروح ‪ :‬الستراحة‪.‬‬


‫وقال أبو حَزْرَة ‪ :‬الراحة من الدنيا‪ .‬وقال سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬والسدي ‪ :‬الروح ‪ :‬الفرح‪ .‬وعن‬
‫مجاهد ‪ { :‬فَ َروْحٌ وَرَيْحَانٌ } ‪ :‬جنة ورخاء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬فروح ورحمة (‪ .)1‬وقال ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ { :‬وَرَيْحَانٌ } ‪ :‬ورزق‪.‬‬
‫وكل هذه القوال متقاربة صحيحة ‪ ،‬فإن من مات مقربًا حصل له جميعُ ذلك من الرحمة والراحة‬
‫والستراحة ‪ ،‬والفرح والسرور والرزق الحسن ‪َ { ،‬وجَنّةُ َنعِيمٍ }‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ :‬ل يفارق أحد من المقربين حتى ُيؤْتَى بغصن من ريحان الجنة ‪ ،‬فيقبض روحه‬
‫فيه‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬ل يموت أحدٌ من الناس حتى يعلم ‪ :‬أمن أهل الجنة هو أم [من] (‪ )2‬أهل‬
‫النار ؟‬
‫وقد قدمنا أحاديث الحتضار عند قوله تعالى في سورة إبراهيم ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْلقَ ْولِ‬
‫الثّا ِبتِ [فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ ] } [إبراهيم ‪ ، )3( ، ]27 :‬ولو كتبت هاهنا لكان حسنًا! ومن‬
‫جملتها حديث تميم الداري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يقول ال لملك الموت ‪:‬‬
‫انطلق إلى فلن (‪ )4‬فأتني به ‪ ،‬فإنه قد جربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب ‪ ،‬ائتني به‬
‫فلريحنه‪ .‬قال ‪ :‬فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملئكة ‪ ،‬معهم أكفان وحَنُوط من‬
‫الجنة ‪ ،‬ومعهم ضَبَائر الريحان ‪ ،‬أصل الريحانة واحد وفي رأسها عشرون لونًا ‪ ،‬لكل لون منها‬
‫ريح سوى ريح صاحبه ‪ ،‬ومعهم الحرير البيض فيه المسك"‪.‬‬
‫وذكر تمام الحديث بطوله كما تقدم (‪ ، )5‬وقد وردت أحاديث تتعلق بهذه الية ‪ :‬قال (‪ )6‬المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫شقِيق ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا هارون ‪ ،‬عن ُبدَيل بن ميسرة (‪ ، )7‬عن عبد ال بن َ‬
‫عائشة أنها سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ ‪ { :‬فَ ُروْحٌ وَرَ ْيحَانٌ } برفع الراء‪.‬‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث هارون ‪ -‬وهو ابن موسى العور ‪ -‬به‬
‫(‪ ، )8‬وقال الترمذي ‪ :‬ل نعرفه إل من حديثه‪.‬‬
‫وهذه القراءة هي قراءة يعقوب وحده ‪ ،‬وخالفه الباقون فقرؤوا ‪ { :‬فَ َروْحٌ } بفتح الراء‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فروح وريحان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إلى وليي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬تفسير سورة إبراهيم الية ‪.27 :‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬بن قيس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪ )6/64‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3991‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2938‬وسنن النسائي‬
‫الكبرى برقم (‪.)11566‬‬

‫( ‪)7/549‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعَة ‪ ،‬حدثنا أبو السود محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫نوفل ‪ :‬أنه سمع درّة بنت معاذ تحدث عن أم هانئ ‪ :‬أنها سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضًا ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تكون النَسمُ (‪)1‬‬
‫طيرًا يعلق بالشجر ‪ ،‬حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها" (‪.)2‬‬
‫هذا الحديث فيه بشارة لكل مؤمن ‪ ،‬ومعنى "يعلق" ‪ :‬يأكل ‪ ،‬ويشهد له بالصحة أيضًا ما رواه‬
‫المام أحمد ‪ ،‬عن المام محمد بن إدريس الشافعي ‪ ،‬عن المام مالك بن أنس ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إنما‬
‫نَسَمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه ال إلى جسده يوم يبعثه" (‪ .)3‬وهذا إسناد‬
‫عظيم ‪ ،‬ومتن قويم‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أرواح الشهداء في حواصل طير‬
‫خضر تسرح في الجنة (‪ )4‬حيث شاءت ‪ ،‬ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" (‪ )5‬الحديث‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا همام ‪ ،‬حدثنا عطاء بن السائب قال ‪ :‬كان أول يوم عرفت‬
‫فيه عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ :‬رأيت شيخًا (‪ )6‬أبيض الرأس واللحية على حمار ‪ ،‬وهو يتبع‬
‫جنازة ‪ ،‬فسمعته يقول ‪ :‬حدثني فلن بن فلن ‪ ،‬سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من‬
‫أحب لقاء ال أحب ال لقاءه ‪ ،‬ومن كره لقاء ال كره ال لقاءه"‪ .‬قال ‪ :‬فأكب القوم يبكون فقال ‪:‬‬
‫حضِر { فََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ‬
‫"ما يُبكيكم ؟" فقالوا ‪ :‬إنا نكره الموت‪ .‬قال ‪" :‬ليس ذاك ‪ ،‬ولكنه إذا ُ‬
‫ن َوجَنّةُ َنعِيمٍ } ‪ ،‬فإذا بُشّر بذلك أحب لقاء ال عز وجل ‪ ،‬وال ‪ ،‬عز وجل‬
‫ح وَرَيْحَا ٌ‬
‫ا ْل ُمقَرّبِينَ‪ .‬فَ َروْ ٌ‬
‫جحِيمٍ] } (‪ )7‬فإذا‬
‫حمِيمٍ [ وَتَصْلِيَةُ َ‬
‫‪ ،‬للقائه أحب { وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّالّينَ‪ .‬فَنزلٌ مِنْ َ‬
‫بُشّر بذلك كره لقاء ال ‪ ،‬وال للقاءه أكره‪.‬‬
‫هكذا رواه المام أحمد (‪ ، )8‬وفي الصحيح عن عائشة ‪ -‬رضي ال عنها ‪ -‬شاهد لمعناه (‪.)9‬‬
‫صحَابِ الْ َيمِينِ } أي ‪ :‬وأما إن كان المحتضر من أصحاب اليمين ‪{ ،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنْ َأ ْ‬
‫فَسَلمٌ َلكَ مِنْ َأصْحَابِ الْ َيمِينِ } أي ‪ :‬تبشرهم الملئكة بذلك ‪ ،‬تقول لحدهم ‪ :‬سلم لك ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫بأس عليك ‪ ،‬أنت إلى سلمة ‪ ،‬أنت من أصحاب اليمين‪.‬‬
‫عكْ ِرمَة تسلم عليه‬
‫سلِمَ من عذاب ال ‪ ،‬وسَلّمت عليه ملئكة ال‪ .‬كما قال ِ‬
‫وقال قتادة وابن زيد ‪َ :‬‬
‫الملئكة ‪ ،‬وتخبره أنه من أصحاب اليمين‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النسمة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)6/424‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/455‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬في رياض الجنة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تقدم الحديث عند تفسير الية ‪ 169 :‬من سورة آل عمران ‪ ،‬وانظر تخريجه هناك‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬شخصا"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)4/259‬‬
‫(‪ )9‬صحيح مسلم برقم (‪.)2684‬‬

‫( ‪)7/550‬‬

‫وهذا معنى حسن ويكون ذلك كقوله تعالى ‪ { :‬إِنّ الّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللّهُ ُثمّ اسْ َتقَامُوا تَتَنزلُ عَلَ ْي ِهمُ‬
‫ا ْلمَل ِئكَةُ أَل تَخَافُوا وَل تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِا ْلجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ‪َ .‬نحْنُ َأوْلِيَا ُؤكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا‬
‫غفُورٍ رَحِيمٍ } [فصلت ‪:‬‬
‫سكُمْ وََلكُمْ فِيهَا مَا تَدّعُونَ‪ .‬نزل مِنْ َ‬
‫َوفِي الخِ َر ِة وََلكُمْ فِيهَا مَا َتشْ َتهِي أَ ْنفُ ُ‬
‫‪.]32 - 30‬‬
‫وقال البخاري ‪َ { :‬فسَلمٌ َلكَ } أي ‪ :‬مُسلم لك ‪ ،‬أنك من أصحاب اليمين‪ .‬وألغيت "إن" (‪ )1‬وهو ‪:‬‬
‫معناها ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬أنت ُمصَدق مسافر عن قليل‪ .‬إذا كان قد قال ‪ :‬إني مسافر عن قليل‪ .‬وقد‬
‫يكون كالدعاء له ‪ ،‬كقولك ‪ :‬سقيًا لك من الرجال ‪ ،‬إن رفعت "السلم" فهو من الدعاء (‪.)2‬‬
‫وقد حكاه ابن جرير هكذا عن بعض أهل العربية ‪ ،‬ومال إليه ‪ ،‬وال أعلم (‪.)3‬‬
‫حمِي ٍم وَ َتصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي ‪ :‬وأما إن كان‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأمّا إِنْ كَانَ مِنَ ا ْل ُمكَذّبِينَ الضّالّينَ‪ .‬فَنزلٌ مِنْ َ‬
‫حمِيمٍ } وهو‬
‫المحتضر من المكذبين بالحق ‪ ،‬الضالين عن الهدى ‪ { ،‬فَنزلٌ } أي ‪ :‬فضيافة { مِنْ َ‬
‫المذاب الذي يصهر به ما في بطونهم والجلود ‪ { ،‬وَ َتصْلِيَةُ جَحِيمٍ } أي ‪ :‬وتقرير له في النار التي‬
‫تغمره من جميع جهاته‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ هَذَا َل ُهوَ حَقّ الْ َيقِينِ } أي ‪ :‬إن هذا الخبر لهو حق اليقين الذي ل مرية فيه ‪،‬‬
‫ول محيد لحد عنه‪.‬‬
‫{ َفسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ } قال أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا موسى بن أيوب الغافقي ‪ ،‬حدثني عمّي إياس بن عامر ‪ ،‬عن عقبة‬
‫بن عامر الجهني قال ‪ :‬لما نزلت على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ‬
‫سمَ رَ ّبكَ العْلَى } [العلى ‪ ، ]1 :‬قال رسول‬
‫} قال ‪" :‬اجعلوها في ركوعكم" ولما نزلت ‪ { :‬سَبّحْ ا ْ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اجعلوها في سجودكم"‪.‬‬
‫وكذا رواه أبو داود ‪ ،‬وابن ماجة من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن موسى بن أيوب ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫حجّاجُ الصّوافُ ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫وقال روح بن عبادة ‪ :‬حدثنا َ‬
‫ستْ له نخلة في الجنة"‪.‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من قال ‪ :‬سبحان ال العظيم وبحمده ‪ ،‬غُرِ َ‬
‫هكذا رواه الترمذي من حديث روح (‪ ، )5‬ورواه هو والنسائي أيضًا من حديث حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫من حديث أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم (‪ ، )6‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫غريب ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث أبي الزبير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري (‪" )8/625‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/123‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/155‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2869‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)887‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)3464‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )3465‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )10663‬لكن النسائي رواه من‬
‫طريق حماد بن سلمة عن حجاج الصواف ‪ ،‬عن أبي الزبير خلفا للترمذي ‪ ،‬فإنه لم يذكر في‬
‫هذه الرواية حجاج الصواف فليتنبه‪.‬‬

‫( ‪)7/551‬‬
‫وقال البخاري في آخر كتابه ‪ :‬حدثنا أحمد بن إشكاب ‪ ،‬حدثنا محمد بن فضيل ‪ ،‬حدثنا عُمارة بن‬
‫القعقاع ‪ ،‬عن أبي زُرْعَة ‪ ،‬عن أبي هُريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كلمتان‬
‫خفيفتان على اللسان ‪ ،‬ثقيلتان في الميزان ‪ ،‬حبيبتان إلى الرحمن ‪ :‬سبحان ال وبحمده ‪ ،‬سبحان‬
‫ال العظيم"‪.‬‬
‫ورواه بقية الجماعة إل أبا داود ‪ ،‬من حديث محمد بن فضيل ‪ ،‬بإسناده ‪ ،‬مثله (‪.)1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )7563‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2694‬وسنن الترمذي برقم (‪)3467‬‬
‫وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )10666‬وسنن ابن ماجه برقم (‪.)3806‬‬

‫( ‪)7/552‬‬

‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضِ يُحْيِي‬


‫حكِيمُ (‪ )1‬لَهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)3‬‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )2‬هوَ الَْأ ّولُ وَالْآَخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫ت وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَ ُيمِي ُ‬

‫تفسير سورة الحديد‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد بن عبد ربه ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة بن الوليد ‪ ،‬حدثني بحير بن سعد ‪ ،‬عن‬
‫خالد بن َمعْدَان ‪ ،‬عن بن أبي بلل ‪ ،‬عن عِرْبَاض بن سارية ‪ ،‬أنه حدثهم أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد ‪ ،‬وقال ‪" :‬إن فيهن آية أفضل من ألف آية"‪.‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من طرق عن بقية ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫غريب‪.‬‬
‫ورواه النسائي عن ابن أبي السرح ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن معاوية بن صالح ‪ ،‬عن بحير بن سعد ‪،‬‬
‫عن خالد بن معدان قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ...‬فذكره مُرْسَل لم يذكر عبد ال‬
‫بن أبي بلل ‪ ،‬ول العرباض بن سارية (‪)2‬‬
‫ل وَالخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِنُ‬
‫والية المشار إليها في الحديث هي ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬قوله ‪ُ { :‬هوَ ال ّو ُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } كما سيأتي بيانه إن شاء ال وبه الثقة (‪)3‬‬
‫وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫ت وَالرْضِ يُحْيِي‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫حكِيمُ (‪َ )1‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫ل وَالخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )2‬ه َو الوّ ُ‬
‫ت وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَ ُيمِي ُ‬
‫‪)3‬‬
‫يخبر تعالى أنه يسبح له ما في السموات والرض أي ‪ :‬من الحيوانات والنباتات ‪ ،‬كما قال في‬
‫حمْ ِدهِ‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫ض َومَنْ فِيهِنّ وَإِنْ مِنْ َ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْعُ وَال ْر ُ‬
‫الية الخرى ‪ { :‬تُسَبّحُ َلهُ ال ّ‬
‫غفُورًا } [السراء ‪.]44 :‬‬
‫حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫وََلكِنْ ل َت ْف َقهُونَ تَسْبِي َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬الذي قد خضع له كل شيء { الحكيم } في خلقه وأمره وشرعه‬
‫ت وَالرْضِ يُحْيِي وَ ُيمِيتُ } أي ‪ :‬هو المالك المتصرف في خلقه فيحيي ويميت ‪،‬‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ َلهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ } أي ‪ :‬ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ويعطي من يشاء ما يشاء ‪ { ،‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ه َو ال ّولُ وَالخِ ُر وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِنُ } وهذه الية هي المشار إليها في حديث العرباض‬
‫بن سارية ‪ :‬أنها أفضل من ألف آية‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/128‬وسنن أبي داود برقم (‪ )5057‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3406‬وسنن النسائي‬
‫الكبرى برقم (‪)8026‬‬
‫(‪ )2‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)10551‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سيأتي بيانه قريبًا إن شاء ال تعالى وبه الثقة وعليه التكلن وهو حسبنا ونعم‬
‫الوكيل"‪.‬‬

‫( ‪)7/5‬‬

‫وقال أبو داود حدثنا عباس بن عبد العظيم حدثنا النضر بن محمد ‪ ،‬حدثنا عكرمة ‪ -‬يعنى بن‬
‫عمار ‪ -‬حدثنا أبو ُزمَيْل قال ‪ :‬سألت بن عباس فقلت ‪ :‬ما شيء أجده في صدري ؟ قال ما هو ؟‬
‫قلت وال ل أتكلم به قال ‪ :‬فقال لي أشيء من شك ؟ قال ‪ -‬وضحك ‪ -‬قال ‪ :‬ما نجا من ذلك أحد‬
‫شكّ ِممّا أَنزلْنَا إِلَ ْيكَ فَاسَْألِ الّذِينَ َيقْرَءُونَ ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكَ [ َلقَدْ‬
‫قال حتى أنزل ال { فَإِنْ كُ ْنتَ فِي َ‬
‫حقّ مِنْ رَ ّبكَ ] } (‪ )1‬الية [يونس ‪ ]94 :‬قال ‪ :‬وقال لي ‪ :‬إذا وجدت في نفسك شيئا فقل‬
‫جَا َءكَ الْ َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } (‪)2‬‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫‪ُ { :‬هوَ ال ّولُ وَالخِرُ وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الية وأقوالهم على نحو من بضعة عشر قول‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬قال يحيى ‪ :‬الظاهر على كل شيء علمًا والباطن على كل شيء علمًا (‪)3‬‬
‫قال شيخنا الحافظ المزيّ ‪ :‬يحيى هذا هو بن زياد الفراء ‪ ،‬له كتاب سماه ‪" :‬معاني القرآن"‪.‬‬
‫وقد ورد في ذلك أحاديث ‪ ،‬فمن ذلك ما قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن‬
‫عياش ‪ ،‬عن سُهيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كان يدعو (‪ )4‬عند النوم ‪" :‬اللهم ‪ ،‬رب السموات السبع ‪ ،‬ورب العرش العظيم ‪ ،‬ربنا ورب‬
‫كل شيء ‪ ،‬منزل التوراة والنجيل والفرقان ‪ ،‬فالق الحب والنوى ‪ ،‬ل إله إل أنت ‪ ،‬أعوذ بك من‬
‫شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ‪ ،‬أنت الول ليس (‪ )5‬قبلك شيء وأنت الخر ليس (‪ )6‬بعدك‬
‫شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر ليس فوقك شيء وأنت الباطن ليس دونك شيء‪ .‬اقض عنا الدين ‪ ،‬وأغننا‬
‫من الفقر" (‪)7‬‬
‫سهَيل قال ‪ :‬كان أبو صالح‬
‫ورواه مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثني زهير بن حرب ‪ ،‬حدثنا جرير عن ُ‬
‫يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام ‪ :‬أن يضطجع على شقه اليمن ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬اللهم ‪ ،‬ربّ السموات‬
‫وربّ الرض وربّ العرش العظيم ‪ ،‬رَبّنَا وربّ كل شيء ‪ ،‬فالق الحب والنوى ‪ ،‬ومنزل التوراة‬
‫والنجيل والفرقان ‪ ،‬أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ‪ ،‬اللهم ‪ ،‬أنت الول فليس‬
‫قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر فليس بعدك شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ‪ ،‬وأنت الباطن فليس‬
‫دونك شيء ‪ ،‬اقض عنا الدين ‪ ،‬وأغننا من الفقر‪.‬‬
‫وكان يروي ذلك ‪ ،‬عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم (‪)8‬‬
‫وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن عائشة أم المؤمنين نحو هذا ‪ ،‬فقال حدثنا‬
‫عقبة ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا السري بن إسماعيل ‪ ،‬عن الشعبى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة أنها‬
‫قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمر بفراشه فيفرش له مستقبل القبلة ‪ ،‬فإذا أوى إليه‬
‫توسد كفه اليمنى ‪ ،‬ثم همس ‪ -‬ما يدرى ما يقول ‪ -‬فإذا كان في آخر الليل رفع صوته فقال ‪:‬‬
‫"اللهم ‪ ،‬رب السموات السبع ورب العرش العظيم ‪ ،‬إله كل شيء ‪ ،‬ورب كل شيء ‪ ،‬ومنزل‬
‫التوراة والنجيل والفرقان ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)5110‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري (‪" )13/361‬فتح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يقول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فليس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فليس"‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/404‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)2713‬‬

‫( ‪)7/6‬‬

‫فالق الحب والنوى ‪ ،‬أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته اللهم ‪ ،‬أنت الول الذي ليس (‬
‫‪ )1‬قبلك شيء ‪ ،‬وأنت الخر الذي ليس بعدك شيء ‪ ،‬وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ‪ ،‬وأنت‬
‫الباطن فليس دونك شيء ‪ ،‬اقض عنا الدين ‪ ،‬وأغننا من الفقر" (‪)2‬‬
‫السري بن إسماعيل هذا ابن عم الشعبي ‪ ،‬وهو ضعيف جدا وال أعلم‪.‬‬
‫وقال أبو عيسى الترمذي عند تفسير هذه الية ‪ :‬حدثنا عبدُ بن حميد وغير واحد ‪ -‬المعنى واحد‬
‫‪ -‬قالوا ‪ :‬حدثنا يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة قال ‪ :‬حدث الحسن ‪،‬‬
‫عن أبي هريرة قال ‪ :‬بينما رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس وأصحابه ‪ ،‬إذ أتى عليهم‬
‫سحَاب فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هل تدرون ما هذا ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫"هذا العَنَان ‪ ،‬هذه َروَايا الرض تسوقه إلى قوم ل يشكرونه ول يَدْعُونه"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما‬
‫فوقكم ؟ قالوا ال ورسوله أعلم قال " فإنها الرقيع ‪ ،‬سقف محفوظ ‪ ،‬وموج مكفوف"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل‬
‫تدرون كم بينكم وبينها" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬بينكم وبينها خمسمائة سنة"‪ .‬ثم قال ‪:‬‬
‫"هل تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم قال ‪ " :‬فإن فوق ذلك سماء (‪ )3‬بُعدُ ما‬
‫بينهما مسيرة خمسمائة سنة ‪ -‬حتى عدّ سبع سموات ‪ -‬ما بين كل سماءين كما بين السماء‬
‫والرض"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما فوق ذلك ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪ " :‬فإن فوق ذلك‬
‫العرش ‪ ،‬وبينه وبين السماء بُعدُ (‪ )4‬ما بين السماءين"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما الذي تحتكم ؟"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإنها الرض"‪ .‬ثم قال ‪" :‬هل تدرون ما الذي تحت ذلك ؟"‪ .‬قالوا‬
‫‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬قال ‪" :‬فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ‪ -‬حتى عدّ (‪)5‬‬
‫سبع أرضين ‪ -‬بين كل أَ ْرضَيْن مسيرة خمسمائة سنة"‪ .‬ثم قال ‪" :‬والذي نفس محمد بيده ‪ ،‬لو أنكم‬
‫دَليتم بحبل إلى الرض السفلي لهبط على ال" ‪ ،‬ثم قرأ ‪ُ { :‬هوَ ال ّولُ وَالخِرُ وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِنُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‬
‫وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ ،‬ويُروى عن أيوب ويونس ‪ -‬يعني بن عبيد‬
‫‪ -‬وعلي بن زيد قالوا ‪ :‬لم يسمع الحسن من أبي هريرة‪ .‬وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا‬
‫‪ :‬إنما هَبَط على علْم ال وقدرته وسلطانه ‪ ،‬وعلم ال وقدرته وسلطانه في كل مكان ‪ ،‬وهو على‬
‫العرش ‪ ،‬كما وصف في كتابه‪ .‬انتهى كلمه (‪)6‬‬
‫وقد روى المام أحمد هذا الحديث عن سريج ‪ ،‬عن الحكم بن عبد الملك ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكره ‪ ،‬وعنده بُعدُ ما بين الرْضين مسيرة‬
‫سبعمائة عام ‪ ،‬وقال ‪" :‬لو دليتم أحدكم بحبل إلى الرض السفلي السابعة لهبط على ال" ‪ ،‬ثم قرأ ‪:‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫{ ُهوَ ال ّولُ وَالخِرُ وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فليس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪.)8/210‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬سماء بعد سماء"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مثل بعد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عدد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪.)3298‬‬
‫( ‪)7/7‬‬

‫ورواه بن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة‪ ...‬فذكر الحديث ‪ ،‬ولم يذكر بن أبي حاتم آخره وهو قوله ‪" :‬لو دليتم بحبل" ‪ ،‬وإنما قال ‪:‬‬
‫"حتى عَدّ سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام" ‪ ،‬ثم تل { ُه َو ال ّولُ وَالخِرُ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ }‬
‫ن وَ ُهوَ ِب ُكلّ َ‬
‫وَالظّاهِ ُر وَالْبَاطِ ُ‬
‫وقال البزار ‪ :‬لم يروه عن النبي صلى ال عليه وسلم إل أبو هريرة‪.‬‬
‫ورواه بن جرير ‪ ،‬عن بشر ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ُ { :‬ه َو ال ّولُ وَالخِ ُر وَالظّاهِرُ‬
‫وَالْبَاطِنُ } ذكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ ثار عليهم‬
‫سحاب ‪ ،‬فقال ‪" :‬هل تدرون ما هذا ؟" (‪ )1‬وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء ‪ ،‬إل أنه‬
‫مرسل من هذا الوجه ‪ ،‬ولعل هذا هو المحفوظ ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه وأرضاه ‪ ،‬رواه البزار في مسنده ‪ ،‬والبيهقي في كتاب السماء والصفات (‪)2‬‬
‫ولكن في إسناده نظر ‪ ،‬وفي متنه غرابة ونكارة ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير عند قوله تعالى { َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ } [الطلق "‪ ]"12‬حدثنا ابن عبد العلى ‪،‬‬
‫حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة قال ‪ :‬التقى أربعة من الملئكة بين السماء والرض ‪،‬‬
‫فقال بعضهم لبعض ‪ :‬من أين جئت ؟ قال أحدهم ‪ :‬أرسلني ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬من السماء السابعة‬
‫وتركته ثَمّ ‪ ،‬قال الخر ‪ :‬أرسلني ربي ‪ ،‬عز وجل من الرض السابعة وتركته َثمّ ‪ ،‬قال الخر ‪:‬‬
‫أرسلني ربي من المشرق وتركته ثَمّ ‪ ،‬قال الخر ‪ :‬أرسلني ربي من المغرب وتركته َثمّ (‪)3‬‬
‫وهذا [حديث] (‪ )4‬غريب جدا ‪ ،‬وقد يكون الحديث الول موقوفًا على قتادة كما روي هاهنا من‬
‫قوله ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/124‬‬
‫(‪ )2‬السماء والصفات للبيهقي (ص ‪ )506‬من طريق أحمد بن عبد الجبار ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪،‬‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن أبي نصر ‪ ،‬عن أبي ذر ‪ ،‬ومن طريق البيهقي رواه الجوزقاني في الباطيل (‬
‫‪ )1/68‬وقال ‪" :‬هذا حديث منكر"‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)28/99‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)7/8‬‬
‫ض َومَا‬
‫سمَاوَاتِ وَالْأَ ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ُثمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ َيعَْلمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫ُهوَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫سمَاءِ َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‬
‫يَخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنْ ِزلُ مِنَ ال ّ‬
‫جعُ الُْأمُورُ (‪ )5‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ وَإِلَى اللّهِ تُرْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫‪َ )4‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ل وَ ُهوَ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪)6‬‬
‫اللّ ْي ِ‬

‫ت وَال ْرضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْ َتوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ َيعَْلمُ مَا يَلِجُ فِي ال ْرضِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫خلَقَ ال ّ‬
‫{ ُهوَ الّذِي َ‬
‫سمَا ِء َومَا َيعْرُجُ فِيهَا وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫َومَا َيخْرُجُ مِ ْنهَا َومَا يَنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫ض وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَ ُع المُورُ (‪ )5‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَارِ وَيُولِجُ‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َبصِيرٌ (‪َ )4‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ وَ ُهوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪} )6‬‬
‫يخبر تعالى عن خلقه السموات والرض وما بينهما في ستة أيام ‪ ،‬ثم أخبر باستوائه على العرش‬
‫بعد خلقهن ‪ ،‬وقد تقدم الكلم على هذه الية وأشباهها في سورة "العراف (‪ )1‬بما أغنى عن‬
‫إعادته هاهنا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند تفسير الية ‪.54 :‬‬

‫( ‪)8/8‬‬

‫{ َيعَْلمُ مَا يَلِجُ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر { َومَا َيخْرُجُ مِ ْنهَا } من‬
‫زرع ونَبات وثمار ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَعِنْ َدهُ َمفَاتِحُ ا ْلغَ ْيبِ ل َيعَْل ُمهَا إِل ُه َو وَ َيعْلَمُ مَا فِي الْبَ ّر وَالْبَحْرِ‬
‫ب وَل يَابِسٍ إِل فِي كِتَابٍ‬
‫ط ٍ‬
‫ن وَ َرقَةٍ إِل َيعَْل ُمهَا وَل حَبّةٍ فِي ظُُلمَاتِ ال ْرضِ وَل رَ ْ‬
‫سقُطُ مِ ْ‬
‫َومَا َت ْ‬
‫مُبِينٍ } [النعام ‪.]59 :‬‬
‫سمَاءِ } أي ‪ :‬من المطار ‪ ،‬والثلوج والبرَد ‪ ،‬والقدار والحكام مع‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَنزلُ مِنَ ال ّ‬
‫الملئكة الكرام ‪ ،‬وقد تقدم في سورة "البقرة" أنه ما ينزل من قطرة من السماء إل ومعها ملك‬
‫يُقرّرها في المكان الذي يأمر ال به حيث يشاء تعالى‪.‬‬
‫ع َملُ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َيعْرُجُ فِيهَا } أي ‪ :‬من الملئكة والعمال ‪ ،‬كما جاء في الصحيح ‪" :‬يُ ْرفَعُ إليه َ‬
‫الليل قبل النهار ‪ ،‬وعمل النهار قبل الليل" (‪)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ َم َعكُمْ أَيْنَ مَا كُنْ ُت ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬رقيب عليكم ‪ ،‬شهيد على‬
‫أعمالكم حيث أنتم ‪ ،‬وأين كنتم ‪ ،‬من بر أو بحر ‪ ،‬في ليل أو نهار ‪ ،‬في البيوت أو القفار ‪ ،‬الجميع‬
‫في علمه على السواء ‪ ،‬وتحت بصره وسمعه ‪ ،‬فيسمع كلمكم ويرى مكانكم ‪ ،‬ويعلم سركم‬
‫خفُوا مِنْهُ أَل حِينَ َيسْ َتغْشُونَ ثِيَا َبهُمْ َيعْلَمُ مَا‬
‫ونجواكم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أَل إِ ّن ُهمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِ َيسْتَ ْ‬
‫سوَاءٌ مِ ْنكُمْ مَنْ أَسَرّ ا ْلقَ ْولَ َومَنْ‬
‫ن َومَا ُيعْلِنُونَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } [هود ‪ .]5 :‬وقال { َ‬
‫يُسِرّو َ‬
‫ل وَسَا ِربٌ بِال ّنهَارِ } [الرعد ‪ ، ]10 :‬فل إله غيره ول رب سواه‪.‬‬
‫خفٍ بِاللّ ْي ِ‬
‫جهَرَ ِب ِه َومَنْ ُهوَ ُمسْتَ ْ‬
‫َ‬
‫وقد ثبت في الصحيح أن رسول ال صلى ال عليه سلم قال لجبريل ‪ ،‬لما سأله عن الحسان ‪" :‬أن‬
‫تعبد ال كأنك تراه ‪ ،‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك"‪.‬‬
‫وروى الحافظ أبو بكر السماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة ‪،‬‬
‫حدثني أبي ‪ ،‬عن نصر بن علقمة ‪ ،‬عن أخيه ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن عائذ قال ‪ :‬قال عمر ‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬زودني كلمة أعيش بها فقال ‪" :‬اسْتَحِ ال كما تستحي‬
‫رجل من صَالِح عشيرتك ل يفارقك" (‪)2‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وروى أبو نعيم من حديث عبد ال بن معاوية الغاضري مرفوعًا ‪" :‬ثلث من‬
‫طعِمَ اليمان ‪ :‬من عبد ال وحده ‪ ،‬وأعطى زكاة ماله طيبةً بها نفسه في كل عام ‪ ،‬ولم‬
‫َفعََلهُنّ فقد َ‬
‫يعط الهَرَمة ول الدَرنة ‪ ،‬ول الشّرط اللئيمة ول المريضة ولكن من أوسط أموالكم‪ .‬وزكى َنفْسَه"‬
‫وقال رجل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما تزكية المرء نفسه ؟ فقال ‪" :‬يعلم أن ال معه حيث كان" (‪)3‬‬
‫حمّاد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي ‪ ،‬عن محمد‬
‫وقال ُنعَيْم بن َ‬
‫بن مهاجر ‪ ،‬عن عُ ْر َوةَ بن ُروَيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن غَنم ‪ ،‬عن عبادة بن الصامت قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إن أفضل اليمان أن تعلم أن ال معك حيثما كنت"‪ .‬غريب‪( .‬‬
‫‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )179‬من حديث أبي موسى الشعري ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬وذكره المؤلف في مسند عمر بن الخطاب (‪ )2/609‬من طريق السماعيلي وقال ‪" :‬إسناده‬
‫غريب ‪ ،‬وفي حديث القدر ‪" :‬فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وله شاهد من حديث سعيد بن يزيد عن‬
‫بن عم له قال ‪ :‬قلت يا رسول ال أوصني ‪ ،‬قال ‪" :‬استح من ال كما تستحي من الرجل الصالح‬
‫من قومك"‪ .‬أخرجه مجشل في تاريخ واسط (ص ‪.)209‬‬
‫(‪ )3‬ورواه البيهقي في السنن الكبرى (‪ )4/96‬من طريق الزبيدي عن يحيى بن جابر ‪ ،‬أن عبد‬
‫الرحمن بن جبير حدثه أن أباه حدثه أن عبد ال بن معاوية الغاضري به ‪ ،‬ورواه أبو داود من‬
‫طريق الزبيدي عن يحيى بن جابر ‪ ،‬عن جبير بن نفير به نحوه ‪ ،‬والول أصح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )47‬مجمع البحرين" عن مطلب ‪ ،‬عن نعيم بن‬
‫حماد به وقال ‪" :‬تفرد به عثمان"‪ .‬ورواه أبو نعيم في الحلية (‪ )6/124‬عن الطبراني ‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن عثمان ‪ ،‬عن نعيم بن حماد به ‪ ،‬وقال ‪" :‬غريب من حديث عروة لم نكتبه إل من حديث محمد‬
‫بن مهاجر"‪ .‬وعثمان بن سعيد لم يعرفه الهيثمي في المجمع (‪ ، )1/60‬وذكره بن أبي حاتم في‬
‫الجرح والتعديل (‪ )6/152‬ونقل عن يحيى بن معين أنه ثقة‪.‬‬

‫( ‪)8/9‬‬
‫جعََلكُمْ مُسْ َتخَْلفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ َآمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ (‪)7‬‬
‫َآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَأَ ْنفِقُوا ِممّا َ‬
‫َومَا َل ُكمْ لَا ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّبكُ ْم َوقَدْ َأخَذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪ُ )8‬هوَ‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ وَإِنّ اللّهَ ِبكُمْ لَرَءُوفٌ َرحِيمٌ (‪)9‬‬
‫الّذِي يُنَ ّزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آَيَاتٍ بَيّنَاتٍ لِيُخْ ِر َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ لَا يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫َومَا َل ُكمْ أَلّا تُ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْن َفقُوا مِنْ َبعْدُ َوقَاتَلُوا َوكُلّا وَعَدَ اللّهُ ا ْلحُسْنَى وَاللّهُ ِبمَا‬
‫ا ْلفَتْحِ َوقَاتَلَ أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬
‫عفَهُ لَ ُه وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪)11‬‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )10‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا فَ ُيضَا ِ‬

‫وكان المام أحمد ينشد هذين البيتين ‪:‬‬


‫إِذَا مَا خََل ْوتَ الدّهْرَ َي ْومًا فَل َت ُقلْ‪ ...‬خََل ْوتُ وََلكِنْ ُقلْ ‪ :‬عََليّ َرقِيبُ‪...‬‬
‫خفَى عَلَ ْيهِ َيغِيبُ‪...‬‬
‫وَل َتحْسَبَنّ الَ َي ْغ َفلُ سَاعَةً‪ ...‬وَل أَنّ مَا يَ ْ‬
‫ض وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَ ُع المُورُ } أي ‪ :‬هو المالك للدنيا والخرة‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ مُ ْلكُ ال ّ‬
‫كما قال ‪ { :‬وَإِنّ لَنَا لَلخِ َر َة وَالولَى } [الليل ‪ ، ]13 :‬وهو المحمود على ذلك ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ مَا‬
‫حمْدُ فِي الولَى وَالخِ َرةِ } [القصص ‪ ، ]70 :‬وقال { الْ َ‬
‫اللّهُ ل إَِلهَ إِل ُهوَ لَهُ الْ َ‬
‫حكِيمُ ا ْلخَبِيرُ } [سبأ ‪ .]1 :‬فجميع ما‬
‫حمْدُ فِي الخِ َر ِة وَ ُهوَ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ وَلَهُ الْ َ‬
‫فِي ال ّ‬
‫في السماوات والرض ملك له ‪ ،‬وأهلهما عبيد أرقاء أذلء بين يديه كما قال ‪ { :‬إِنْ ُكلّ مَنْ فِي‬
‫عدّا َوكُّلهُمْ آتِيهِ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ فَ ْردًا }‬
‫حصَاهُمْ وَعَدّهُمْ َ‬
‫حمَنِ عَبْدًا َلقَدْ َأ ْ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ إِل آتِي الرّ ْ‬
‫ال ّ‬
‫[مريم ‪ .]95 - 93 :‬ولهذا قال ‪ { :‬وَإِلَى اللّهِ تُ ْرجَ ُع المُورُ } أي ‪ :‬إليه المرجع يوم القيامة ‪،‬‬
‫فيحكم في خلقه بما يشاء ‪ ،‬وهو العادل الذي ل يجور ول يظلم مثقال ذرة ‪ ،‬بل إن يكن أحدهم‬
‫عمل حسنة واحدة يضاعفها إلى عشر أمثالها ‪ { ،‬وَ ُيؤْتِ مِنْ لَدُ ْنهُ َأجْرًا عَظِيمًا } [النساء ‪]40 :‬‬
‫سطَ لِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ فَل ُتظْلَمُ َنفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِ ْثقَالَ حَبّةٍ‬
‫وكما قال تعالى ‪ { :‬وَ َنضَعُ ا ْل َموَازِينَ ا ْلقِ ْ‬
‫مِنْ خَ ْر َدلٍ أَتَيْنَا ِبهَا َوكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [النبياء ‪.]47 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يُولِجُ اللّ ْيلَ فِي ال ّنهَا ِر وَيُولِجُ ال ّنهَارَ فِي اللّ ْيلِ } أي ‪ :‬هو المتصرف في الخلق ‪ ،‬يقلب‬
‫الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء ‪ ،‬فتارة يطول الليل ويقصر النهار ‪ ،‬وتارة بالعكس ‪،‬‬
‫وتارة يتركهما معتدلين‪ .‬وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعًا ثم قيظًا ثم خريفًا ‪ ،‬وكل ذلك بحكمته‬
‫وتقديره لما يريده بخلقه ‪ { ،‬وَ ُهوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أي ‪ :‬يعلم السرائر وإن دقت ‪ ،‬وإن خفيت‪.‬‬
‫جعََل ُكمْ مُسْتَخَْلفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُمْ وَأَنْ َفقُوا َل ُهمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (‬
‫{ آمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَأَ ْن ِفقُوا ِممّا َ‬
‫‪َ )7‬ومَا َلكُمْ ل ُت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّبكُ ْم َوقَدْ أَخَذَ مِيثَا َقكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ (‪)8‬‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ وَإِنّ اللّهَ ِبكُمْ لَرَءُوفٌ َرحِيمٌ‬
‫ُهوَ الّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لِيُخْ ِر َ‬
‫ت وَالرْضِ ل يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫(‪َ )9‬ومَا َلكُمْ أَل تُ ْن ِفقُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬
‫عدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَاللّهُ‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْنفَقُوا مِنْ َبعْ ُد َوقَاتَلُوا َوكُل وَ َ‬
‫قَ ْبلِ ا ْلفَتْحِ َوقَا َتلَ أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬
‫عفَهُ لَ ُه وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪} )11‬‬
‫ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪ )10‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا فَ ُيضَا ِ‬

‫( ‪)8/10‬‬

‫أمر تعالى باليمان به وبرسوله على الوجه الكمل ‪ ،‬والدوام والثبات على ذلك والستمرار ‪،‬‬
‫وحث على النفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية ‪ ،‬فإنه قد كان‬
‫في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم ‪ ،‬فأرشد تعالى إلى استعمال ما استخلفهم فيه من المال في طاعته‬
‫‪ ،‬فإن (‪ )1‬يفعلوا وإل حاسبهم عليه وعاقبهم لتركهم الواجبات فيه‪.‬‬
‫جعََلكُمْ مُسْ َتخَْلفِينَ فِيهِ } فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفًا عنك ‪ ،‬فلعل وارثك أن‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ممّا َ‬
‫يطيع ال فيه ‪ ،‬فيكون أسعد بما أنعم ال به عليك منك ‪ ،‬أو يعصي ال فيه فتكون قد سعيت في‬
‫معاونته على الثم والعدوان‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬سمعت قتادة يحدث ‪ ،‬عن مُطَرّف ‪-‬‬
‫يعني بن عبد ال بن الشّخّير ‪ -‬عن أبيه قال ‪ :‬انتهيت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫يقول ‪َ { " :‬أ ْلهَاكُمُ ال ّتكَاثُرُ } [التكاثر ‪ ، ]1 :‬يقول ابن آدم ‪ :‬مالي مالي! وهل لك من مالك إل ما‬
‫أكلت فأفنيت ‪ ،‬أو لبست فأبليت ‪ ،‬أو تصدقت فأمضيت ؟"‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪ )2‬وزاد ‪" :‬وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس"‬
‫وقوله ‪ { :‬فَالّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَأَ ْنفَقُوا َلهُمْ َأجْرٌ كَبِيرٌ } ترغيب في اليمان والنفاق في الطاعة ‪،‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا َل ُكمْ ل ُت ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالرّسُولُ َيدْعُوكُمْ لِ ُت ْؤمِنُوا بِرَ ّب ُكمْ } ؟ أي ‪ :‬وأي شيء يمنعكم‬
‫من اليمان والرسول بين أظهركم ‪ ،‬يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما‬
‫جاءكم به ؟ وقد روينا في الحديث من طُرُق في أوائل شرح "كتاب اليمان" من صحيح البخاري ‪:‬‬
‫ي المؤمنين أعجب إليكم إيمانًا ؟" قالوا‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوما لصحابه ‪" :‬أ ّ‬
‫‪ :‬الملئكة‪ .‬قال ‪" :‬وما لهم ل يؤمنون وهم عند ربهم ؟" قالوا ‪ :‬فالنبياء‪ .‬قال ‪" :‬وما لهم ل‬
‫يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬فنحن ؟ قال ‪" :‬وما لكم ل تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟‬
‫حفًا يؤمنون بما فيها" (‪)3‬‬
‫ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيؤون بعدكم يجدون صُ ُ‬
‫وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أول سورة "البقرة" عند قوله ‪ { :‬الّذِينَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلغَ ْيبِ } [البقرة ‪.]3 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَدْ َأخَذَ مِيثَا َقكُمْ } كما قال ‪ { :‬وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْي ُك ْم َومِيثَاقَهُ الّذِي وَا َث َقكُمْ بِهِ إِذْ قُلْ ُتمْ‬
‫طعْنَا } [المائدة ‪ .]7 :‬ويعني بذلك ‪ :‬بيعة الرسول صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫س ِمعْنَا وَأَ َ‬
‫َ‬
‫وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ‪ ،‬وهو مذهب مجاهد ‪،‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي يُنزلُ عَلَى عَبْ ِدهِ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ } أي ‪ :‬حججًا واضحات ‪ ،‬ودلئل باهرات ‪،‬‬
‫جكُمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ } أي ‪ :‬من ظلمات الجهل والكفر والراء‬
‫وبراهين قاطعات ‪ { ،‬لِيُخْ ِر َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وإن لم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )4/24‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2958‬‬
‫(‪ )3‬سبق تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 3 :‬من سورة البقرة‪.‬‬

‫( ‪)8/11‬‬

‫المتضادة إلى نور الهدى واليقين واليمان ‪ { ،‬وَإِنّ اللّهَ ِب ُكمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬في إنزاله الكتب‬
‫وإرساله الرسل لهداية الناس ‪ ،‬وإزاحة العلل وإزالة الشبه‪.‬‬
‫ولما أمرهم أول باليمان والنفاق ‪ ،‬ثم حثهم على اليمان ‪ ،‬وبين أنه قد أزال عنهم موانعه ‪،‬‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫حثهم (‪ )1‬أيضًا على النفاق‪ .‬فقال ‪َ { :‬ومَا َلكُمْ أَل تُ ْنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللّ ِه وَلِلّهِ مِيرَاثُ ال ّ‬
‫وَالرْضِ } أي ‪ :‬أنفقوا ول تخشَوا فقرًا (‪ )2‬وإقلل فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات‬
‫والرض ‪ ،‬وبيده مقاليدهما ‪ ،‬وعنده خزائنهما ‪ ،‬وهو مالك العرش بما حوى ‪ ،‬وهو القائل ‪َ { :‬ومَا‬
‫شيْءٍ َف ُهوَ ُيخِْلفُ ُه وَ ُهوَ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ } [سبأ ‪ ، ]39 :‬وقال { مَا عِنْ َدكُمْ يَ ْنفَدُ َومَا عِ ْندَ اللّهِ‬
‫أَ ْنفَقْتُمْ مِنْ َ‬
‫بَاقٍ } [النحل ‪ ]96 :‬فمن توكل على ال أنفق ‪ ،‬ولم يخش من ذي العرش إقلل وعلم أن ال‬
‫سيخلفه عليه‪.‬‬
‫ح َوقَا َتلَ } أي ‪ :‬ل يستوي هذا ومن لم يفعل‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ا ْلفَتْ ِ‬
‫كفعله ‪ ،‬وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدًا ‪ ،‬فلم يكن يؤمن حينئذ إل الصديقون ‪ ،‬وأما بعد‬
‫الفتح فإنه ظهر السلم ظهورًا عظيمًا ‪ ،‬ودخل الناس في دين ال أفواجا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ‬
‫حسْنَى }‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْن َفقُوا مِنْ َبعْ ُد َوقَاتَلُوا َوكُل وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬
‫أَعْ َ‬
‫والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة‪ .‬وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا ‪:‬‬
‫صلح الحديبية ‪ ،‬وقد يستدل لهذا القول بما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حمَيد الطويل ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬كان بين خالد بن‬
‫حدثنا أحمد بن عبد الملك ‪ ،‬حدثنا زُهَير ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلم ‪ ،‬فقال خالد لعبد الرحمن ‪ :‬تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا‬
‫بها ؟ فبلغنا أن ذلك ذُكر للنبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ " :‬دعوا لي أصحابي فوالذي نفسي‬
‫بيده ‪ ،‬لو أنفقتم مثل أحد ‪ -‬أو مثل الجبال ‪ -‬ذهبًا ‪ ،‬ما بلغتم أعمالهم" (‪)3‬‬
‫ومعلوم أن إسلم خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة ‪ ،‬وكانت‬
‫هذه المشاجرة بينهما في بني جَذيمة الذين بعث إليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم خالد بن‬
‫الوليد بعد الفتح ‪ ،‬فجعلوا يقولون ‪" :‬صبأنا ‪ ،‬صبأنا" ‪ ،‬فلم يحسنوا أن يقولوا ‪" :‬أسلمنا" ‪ ،‬فأمر خالد‬
‫بقتلهم وقتل من أسر منهم ‪ ،‬فخالفه عبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬وعبد ال بن عمر وغيرهما‪ .‬فاختصم‬
‫خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك (‪)4‬‬
‫والذي في الصحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل تسبوا أصحابي ‪ ،‬فوالذي‬
‫نفسي بيده ‪ ،‬لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ‪ ،‬ما بلغ مُدّ أحدهم ول نَصيفه" (‪)5‬‬
‫وروى ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث ابن وهب ‪ :‬أخبرنا هشام بن سعد ‪ ،‬عن زيد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ثم حثهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬قترًا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/266‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )7189‬من حديث بن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )3673‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2541‬من حديث أبي سعيد الخدري ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)8/12‬‬

‫أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري أنه قال ‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم عام الحديبية ‪ ،‬حتى إذا كنا بعسفان قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يوشك أن‬
‫يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" فقلنا ‪ :‬من هم يا رسول ال أقريش ؟ قال ‪ :‬ل ولكن أهل‬
‫اليمن ‪ ،‬هم أرق أفئدةً وألين قلوبًا"‪ .‬فقلنا ‪ :‬أهم خير منا يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬لو كان لحدهم جبل‬
‫من ذهب فأنفقه ‪ ،‬ما أدرك مُدّ أحدكم ول نَصيفه ‪ ،‬أل إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس ‪ { ،‬ل‬
‫عظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْن َفقُوا مِنْ َب ْع ُد َوقَاتَلُوا َوكُل‬
‫ح َوقَا َتلَ أُولَ ِئكَ أَ ْ‬
‫يَسْ َتوِي مِ ْنكُمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ا ْلفَتْ ِ‬
‫حسْنَى وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } (‪)1‬‬
‫وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬
‫]وهذا الحديث غريب بهذا السياق ‪ ،‬والذي في الصحيحين من رواية جماعة ‪ ،‬عن عطاء بن يسار‬
‫عن أبي سعيد ‪َ -‬ذكَر الخوارج ‪" : -‬تحقرون صلتكم مع صلتهم ‪ ،‬وصيامكم مع صيامهم ‪،‬‬
‫يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" (‪ )2‬الحديث‪ .‬ولكن روى ابن جرير هذا الحديث‬
‫من وجه آخر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثني بن البرقي ‪ ،‬حدثنا بن أبي مريم ‪ ،‬أخبرنا محمد بن جعفر ‪ ،‬أخبرني زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫أبي سعيد التمار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يوشك أن‬
‫يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم"‪ .‬قلنا ‪ :‬من هم يا رسول ال ؟ قريش ؟ قال ‪" :‬ل ولكن أهل‬
‫اليمن ‪ ،‬لنهم أرق أفئدة ‪ ،‬وألين قلوبًا"‪ .‬وأشار بيده إلى اليمن ‪ ،‬فقال ‪" :‬هم أهل اليمن ‪ ،‬أل إن‬
‫اليمان يمان ‪ ،‬والحكمة يمانية"‪ .‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هم خير منا ؟ قال ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫لو كان لحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مُدّ أحدكم ول نصيفه"‪ .‬ثم جمع أصابعه ومد خنصره ‪،‬‬
‫وقال ‪" :‬أل إن هذا فضلُ ما بيننا وبين الناس ‪ { ،‬ل َيسْ َتوِي مِ ْن ُكمْ مَنْ أَ ْنفَقَ مِنْ قَ ْبلِ ا ْلفَتْحِ َوقَاتَلَ‬
‫عدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫ظمُ دَ َرجَةً مِنَ الّذِينَ أَ ْنفَقُوا مِنْ َبعْ ُد َوقَاتَلُوا َوكُل وَ َ‬
‫أُولَ ِئكَ أَعْ َ‬
‫خَبِيرٌ } ]" (‪)4( )3‬‬
‫فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم ‪ ،‬فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح‬
‫إخبارا عما بعده ‪ ،‬كما في قوله تعالى في سورة "المزمل" ‪ -‬وهي مكية ‪ ،‬من أوائل ما نزل ‪{ : -‬‬
‫وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } الية [المزمل ‪ ]20 :‬فهي بشارة بما يستقبل ‪ ،‬وهكذا هذه وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫حسْنَى } يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ‪ ،‬كلهم لهم ثواب على ما عملوا‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكُل وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬
‫‪ ،‬وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي ا ْلقَاعِدُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ غَيْرُ‬
‫سهِمْ‬
‫ضلَ اللّهُ ا ْلمُجَاهِدِينَ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫س ِهمْ َف ّ‬
‫أُولِي الضّرَ ِر وَا ْل ُمجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلهِ ْم وَأَنْفُ ِ‬
‫ضلَ اللّهُ ا ْلمُجَا ِهدِينَ عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا }‬
‫حسْنَى َوفَ ّ‬
‫عَلَى ا ْلقَاعِدِينَ دَ َرجَ ًة َوكُل وَعَدَ اللّهُ الْ ُ‬
‫[النساء ‪ .]95 :‬وهكذا (‪ )5‬الحديث الذي في الصحيح ‪" :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من‬
‫المؤمن الضعيف ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/127‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6931‬وصحيح مسلم برقم (‪.)4601‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)17/127‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذا"‪.‬‬

‫( ‪)8/13‬‬

‫وفي كل خير" (‪ )1‬وإنما نَبّه بهذا لئل يُهدرَ جانب الخر بمدح الول دون الخر ‪ ،‬فيتوهم متوهم‬
‫ذمه ؛ فلهذا عطف بمدح الخر والثناء عليه ‪ ،‬مع تفضيل الول عليه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ ِبمَا‬
‫َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ‪ ،‬ومن فعل ذلك بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬وما ذلك إل لعلمه بقصد الول وإخلصه التام ‪ ،‬وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪" :‬سبق درهم مائة ألف" (‪ )2‬ول شك عند أهل اليمان أن الصديق أبا بكر ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬له الحظ الوفر من هذه الية ‪ ،‬فإنه سيّد من عمل بها من سائر أمم النبياء ‪ ،‬فإنه أنفق‬
‫ماله كله ابتغاء وجه ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ولم يكن لحد عنده نعمة يجزيه بها‪.‬‬
‫وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الية أخبرنا أحمد بن إبراهيم‬
‫الشريحي (‪ )3‬أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ‪ ،‬أخبرنا عبد ال بن حامد بن‬
‫محمد ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ‪ ،‬أخبرنا محمد بن يونس ‪ ،‬حدثنا العلء بن عمرو‬
‫الشيباني ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق الفزاري ‪ ،‬حدثنا سفيان بن سعيد ‪ ،‬عن آدم بن علي ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫خلّها في‬
‫قال ‪ :‬كنت عند النبي صلى ال عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق ‪ ،‬وعليه عباءة قد َ‬
‫صدره بخلل ‪ ،‬فنزل جبريل فقال ‪ :‬مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خَلّها في صدره بِخلل ؟‬
‫فقال ‪" :‬أنفق ماله عليّ قبل الفتح" قال ‪ :‬فإن ال يقول ‪ :‬اقرأ عليه السلم ‪ ،‬وقل له ‪ :‬أراض أنت‬
‫عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول ال ‪" :‬يا أبا بكر ‪ ،‬إن ال يقرأ عليك السلم ‪ ،‬ويقول‬
‫لك ‪ :‬أراض أنت عَني في فقرك هذا أم ساخط ؟" فقال ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أسخط على‬
‫ربي عز وجل ؟ إني عن ربي راض (‪)4‬‬
‫هذا الحديث ضعيف السناد من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا } قال عمر بن الخطاب ‪ :‬هو النفاق في سبيل‬
‫ال ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو النفقة على العيال والصحيح أنه أعم من ذلك ‪ ،‬فكل من أنفق في سبيل ال بنية‬
‫خالصة وعزيمة صادقة ‪ ،‬دخل في عموم هذه الية ؛ ولهذا قال ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْرِضُ اللّهَ قَ ْرضًا‬
‫ط وَإِلَ ْيهِ‬
‫ضعَافًا كَثِي َرةً وَاللّهُ َيقْ ِبضُ وَيَ ْبصُ ُ‬
‫حسَنًا فَ ُيضَاعِفَهُ َلهُ } كما قال في الية الخرى ‪َ { :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫جعُونَ } [البقرة ‪ )5( ]245 :‬أي ‪ :‬جزاء جميل ورزق باهر ‪ -‬وهو الجنة ‪ -‬يوم القيامة‪.‬‬
‫تُرْ َ‬
‫قال بن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا خلف بن خليفة ‪ ،‬عن حميد العرج ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن الحارث ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬لما نزلت هذه الية ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ‬
‫قَ ْرضًا حَسَنًا فَ ُيضَاعِفَهُ َلهُ } قال أبو الدحداح النصاري ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وإن ال ليريد منا القرض‬
‫؟ " قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬يا أبا الدحداح"‪ .‬قال أرني يدك يا رسول ال قال ‪ :‬فناوله يده قال ‪ :‬فإني قد‬
‫أقرضت ربي حائطي ‪ -‬وله حائط (‪ )6‬فيه ستمائة نخلة ‪ ،‬وأم الدحداح فيه وعيالها ‪ -‬قال ‪ :‬فجاء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )2664‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائي في السنن (‪ )5/59‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الشرعي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬معالم التنزيل للبغوي (‪ )8/34‬وفيه ‪" :‬إني عن ربي راض" مرتين ‪ ،‬ووجه ضعفه أنه فيه‬
‫العلء بن عمرو‪ .‬قال بن حبان ‪" :‬يروى أبي إسحاق الفزاري العجائب ‪ ،‬ل يجوز الحتجاج به‬
‫بحال" وساق الحديث‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪ ،‬م ‪ ،‬هـ ‪" :‬أضعافًا كثيرة وله أجر كريم" وهوخطأ ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬وحائط له"‪.‬‬

‫( ‪)8/14‬‬
‫أبو الدحداح فنادها ‪ :‬يا أم الدحداح‪ .‬قالت ‪ :‬لبيك‪ .‬فقال ‪ :‬اخرجي ‪ ،‬فقد أقرضته ربي ‪ ،‬عز وجل‬
‫‪ -‬وفي رواية ‪ :‬أنها قالت له ‪ :‬رَبح بيعك يا أبا الدحداح‪ .‬ونقلت منه متاعها وصبيانها ‪ ،‬وإن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬كم من عَذْق رَدَاح في الجنة لبي الدحداح"‪ .‬وفي لفظ ‪:‬‬
‫"رب نخلة مدلة عروقها درّ وياقوت لبي الدحداح في الجنة"‪)1( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه أبو يعلى في مسنده (‪ )8/404‬عن محرز بن عون ‪ ،‬عن خلف بن خليفة به ‪ ،‬وضعفه‬
‫الحافظ بن حجر في المطالب العالية برقم (‪ )4080‬كما ذكره المحقق الفاضل حسين أسد‪.‬‬

‫( ‪)8/15‬‬

‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ بُشْرَا ُكمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ‬
‫َيوْمَ تَرَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ يَ ْ‬
‫تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪َ )12‬يوْمَ َيقُولُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ لِلّذِينَ َآمَنُوا‬
‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورًا َفضُرِبَ بَيْ َنهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ‬
‫انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ قِيلَ ارْ ِ‬
‫سكُمْ‬
‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ (‪ )13‬يُنَادُو َنهُمْ أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ قَالُوا بَلَى وََلكِ ّنكُمْ فَتَنْ ُتمْ أَ ْنفُ َ‬
‫فِيهِ الرّ ْ‬
‫وَتَرَ ّبصْتُ ْم وَارْتَبْتُ ْم وَغَرّ ْتكُمُ الَْأمَا ِنيّ حَتّى جَاءَ َأمْرُ اللّ ِه وَغَ ّركُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪ )14‬فَالْ َيوْمَ لَا ُيؤْخَذُ‬
‫مِ ْنكُمْ فِدْ َي ٌة وَلَا مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مَ ْأوَاكُمُ النّارُ ِهيَ َموْلَاكُ ْم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)15‬‬

‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ بُشْرَاكُمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ َتجْرِي مِنْ‬
‫{ َيوْمَ تَرَى ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ َي ْ‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا‬
‫تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا ذَِلكَ ُهوَ ا ْلفَوْزُ ا ْل َعظِيمُ (‪َ )12‬يوْمَ َيقُولُ ا ْلمُنَافِقُو َ‬
‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا نُورًا َفضُرِبَ بَيْ َنهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ‬
‫انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ قِيلَ ارْ ِ‬
‫سكُمْ‬
‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ (‪ )13‬يُنَادُو َنهُمْ أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ قَالُوا بَلَى وََلكِ ّنكُمْ فَتَنْ ُتمْ أَ ْنفُ َ‬
‫فِيهِ الرّ ْ‬
‫وَتَرَ ّبصْتُ ْم وَارْتَبْتُ ْم وَغَرّ ْتكُ ُم المَا ِنيّ حَتّى جَاءَ َأمْرُ اللّ ِه وَغَ ّركُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ (‪ )14‬فَالْ َيوْمَ ل ُيؤْخَذُ‬
‫مِ ْنكُمْ فِدْ َي ٌة وَل مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا مَ ْأوَاكُمُ النّارُ ِهيَ َموْلكُ ْم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪} )15‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المؤمنين المتصدقين ‪ :‬أنهم (‪ )1‬يوم القيامة يسعَى نورهم بين أيديهم في‬
‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ‬
‫عَرصات القيامة ‪ ،‬بحسب أعمالهم ‪ ،‬كما قال عبد ال بن مسعود في قوله ‪ { :‬يَ ْ‬
‫أَيْدِيهِمْ } قال ‪ :‬على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ‪ ،‬منهم مَن نوره مثل الجبل ‪ ،‬ومنهم مَن‬
‫نوره مثل النخلة ‪ ،‬ومنهم مَن نوره مثل الرجل القائم ‪ ،‬وأدناهم نورًا مَن نوره في إبهامه يتّقد مرة‬
‫ويطفأ مرة (‪ )2‬ورواه بن أبي حاتم وبن جرير‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ذكر لنا أن نبي ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬من المؤمنين من يضيء نُوره‬
‫من المدينة إلى عَدن أبين وصنعاء فدون ذلك ‪ ،‬حتى إن من المؤمنين من يضيء نوره موضع‬
‫قدميه" (‪)3‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن مجاهد عن جُنَادة بن أمية قال ‪ :‬إنكم مكتوبون عند ال‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن ُ‬
‫بأسمائكم ‪ ،‬وسيماكم وحُلكم ‪ ،‬ونجواكم ومجالسكم ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة قيل ‪ :‬يا فلن ‪ ،‬هذا‬
‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَ ْيدِيهِمْ }‬
‫نورك‪ .‬يا فلن ‪ ،‬ل نور لك‪ .‬وقرأ ‪ { :‬يَ ْ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ليس لحد إل يعطى نورًا يوم القيامة ‪ ،‬فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور‬
‫المنافقين ‪ ،‬فلما رأي ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طُفئ نور المنافقين ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫ربنا ‪ ،‬أتمم لنا نورنا‪.‬‬
‫سعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني ‪ :‬على الصراط‪.‬‬
‫وقال الحسن [في قوله] (‪ { )4‬يَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ويطفأ أخرى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/128‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/15‬‬

‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا أبو عبيد ال ابن أخي ابن وهب ‪ ،‬أخبرنا عمي (‪)1‬‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن سعيد (‪ )2‬بن مسعود ‪ :‬أنه سمع عبد الرحمن بن جُبَيْر يحدث ‪ :‬أنه‬
‫سمِع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أنا أول من يؤذن له يوم‬
‫َ‬
‫القيامة بالسجود ‪ ،‬وأول من يؤذن له برفع رأسه ‪ ،‬فأنظر من بين يدي ومن خلفي ‪ ،‬وعن يميني‬
‫وعن شمالي ‪ ،‬فأعرف أمتي من بين المم"‪ .‬فقال له رجل ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬كيف تعرف أمتك من‬
‫حجّلون من أثر الوضوء ‪ ،‬ول يكون لحد‬
‫بين المم ‪ ،‬ما بين نوح إلى أمتك ؟ قال ‪" :‬أعرفهم ‪ ،‬مُ َ‬
‫من المم غيرهم ‪ ،‬وأعرفهم ُيؤْتَون كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ‪ ،‬وأعرفهم‬
‫بنورهم يسعى بين أيديهم وذريتهم (‪)4( )3‬‬
‫وقوله { وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ } قال الضحاك ‪ :‬أي وبأيمانهم كتبهم ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬فمَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ }‬
‫[السراء ‪.]71 :‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬بشْرَاكُمُ الْ َيوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } أي ‪ :‬يقال لهم ‪ :‬بشراكم اليوم جنات ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬لكم البشارة بجنات تجري من تحتها النهار ‪ { ،‬خَاِلدِينَ فِيهَا } أي ‪ :‬ماكثين فيها أبدًا { ذَِلكَ‬
‫ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ }‪.‬‬
‫ن وَا ْلمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ } وهذا إخبار منه‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ َيقُولُ ا ْلمُنَافِقُو َ‬
‫تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الهوال المزعجة ‪ ،‬والزلزل العظيمة ‪ ،‬والمور‬
‫الفظيعة (‪ )5‬وإنه ل ينجو يومئذ إل من آمن بال ورسوله ‪ ،‬وعمل بما أمر ال ‪ ،‬به وترك ما عنه‬
‫زجر‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬حدثنا صفوان بن‬
‫عمرو ‪ ،‬حدثني سليم بن عامر قال ‪ :‬خرجنا على جنازة في باب دمشق ‪ ،‬ومعنا أبو أمامة الباهلي‬
‫‪ ،‬فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها ‪ ،‬قال أبو أمامة ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إنكم قد أصبحتم‬
‫وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ‪ ،‬وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ‪،‬‬
‫وهو هذا ‪ -‬يشير إلى القبر ‪ -‬بيت الوحدة ‪ ،‬وبيت الظلمة ‪ ،‬وبيت الدود ‪ ،‬وبيت الضيق ‪ ،‬إل ما‬
‫وسع ال ‪ ،‬تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ‪ ،‬فإنكم في بعض تلك المواطن [حتى] (‪ )6‬يغشى‬
‫الناس أمر من ال ‪ ،‬فتبيض وجوه وتسود وجوه ‪ ،‬ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس‬
‫ظلمة شديدة ‪ ،‬ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا ويترك الكافر والمنافق فل يعطيان شيئًا ‪ ،‬وهو‬
‫جيّ } إلى قوله ‪َ { :‬فمَا لَهُ مِنْ نُورٍ }‬
‫المثل الذي ضربه ال في كتابه ‪ ،‬قال { َأوْ كَظُُلمَاتٍ فِي بَحْرٍ ُل ّ‬
‫[النور ‪ ، ]40 :‬فل يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما ل يستضيء العمى بنور (‪)7‬‬
‫جعُوا وَرَا َءكُمْ فَالْ َتمِسُوا‬
‫البصير ‪ ،‬ويقول المنافقون للذين آمنوا ‪ { :‬ا ْنظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ قِيلَ ارْ ِ‬
‫نُورًا } وهي خدعة ال التي خدع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أخي"‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وبأيمانهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/478‬من طريق عبد ال بن صالح ‪ ،‬عن الليث بن سعد ‪،‬‬
‫عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه ‪ ،‬وله طريق آخر سيأتي عند تفسير سورة التحريم‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬العظيمة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ ‪" :‬يوم" ‪ ،‬والمثبت من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ببصر"‪.‬‬

‫( ‪)8/16‬‬

‫عهُمْ } [النساء ‪ .]142 :‬فيرجعون إلى‬


‫بها المنافقين (‪ )1‬حيث قال ‪ { :‬يُخَادِعُونَ اللّ َه وَ ُهوَ خَادِ ُ‬
‫المكان الذي قسم فيه النور ‪ ،‬فل يجدون شيئًا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب ‪{ ،‬‬
‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ } الية‪ .‬يقول سليم بن عامر ‪ :‬فما يزال المنافق مغترًا‬
‫بَاطُِنهُ فِيهِ الرّ ْ‬
‫حتى يقسم النور ‪ ،‬ويميز ال بين والمؤمن المنافق‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن عثمان ‪ ،‬حدثنا ابن حيوة ‪ ،‬حدثنا أرطأة بن المنذر ‪ ،‬حدثنا‬
‫يوسف بن الحجاج ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬تُ ْب َعثُ ظلمة يوم القيامة ‪ ،‬فما من مؤمن ول كافر يرى‬
‫كفه ‪ ،‬حتى يبعث ال بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم ‪ ،‬فيتبعهم المنافقون فيقولون ‪ { :‬انْظُرُونَا‬
‫َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ }‪.‬‬
‫وقال ال َعوْفي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬بينما الناس في ظلمة إذ بعث ال نورًا‬
‫فلما رأي المؤمنون النور توجهوا نحوه ‪ ،‬وكان النور (‪ )2‬دليل من ال إلى الجنة ‪ ،‬فلما رأي‬
‫المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم ‪ ،‬فأظلم ال على المنافقين ‪ ،‬فقالوا حينئذ ‪ { :‬انْظُرُونَا َنقْتَبِسْ‬
‫جعُوا } من حيث جئتم من الظلمة ‪،‬‬
‫مِنْ نُو ِركُمْ } فإنا كنا معكم في الدنيا‪ .‬قال المؤمنون ‪ { :‬ارْ ِ‬
‫فالتمسوا هنالك النور‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا الحسن بن علوية القطان ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ‪،‬‬
‫حدثنا إسحاق بن بشر أبو (‪ )3‬حذيفة ‪ ،‬حدثنا ابن جريج ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَيْكة ‪ ،‬عن ابن عباس قال‬
‫‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ال يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترًا منه على‬
‫عباده ‪ ،‬وأما عند الصراط فإن ال يعطي كل مؤمن نورًا ‪ ،‬وكل منافق نورًا ‪ ،‬فإذا استووا على‬
‫الصراط سلب ال نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون ‪ { :‬ا ْنظُرُونَا َنقْتَبِسْ مِنْ نُو ِركُمْ } وقال‬
‫المؤمنون ‪ { :‬رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا } [التحريم ‪ .]8 :‬فل يذكر عند ذلك أحد أحدًا" (‪ )4‬وقوله ‪:‬‬
‫حمَ ُة وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْل َعذَابُ } قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪:‬‬
‫{ َفضُ ِربَ بَيْ َنهُمْ ِبسُورٍ َلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّ ْ‬
‫هو حائط بين الجنة النار‪.‬‬
‫حجَابٌ } [العراف ‪:‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬هو الذي قال ال تعالى ‪ { :‬وَبَيْ َن ُهمَا ِ‬
‫‪ .]46‬وهكذا روي عن مجاهد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬وهو الصحيح‪.‬‬
‫ح َمةُ } أي ‪ :‬الجنة وما فيها { وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَِلهِ ا ْلعَذَابُ } أي ‪ :‬النار‪ .‬قاله قتادة ‪،‬‬
‫{ بَاطِنُهُ فِيهِ الرّ ْ‬
‫وبن زيد ‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫قال بن جرير ‪ :‬وقد قيل ‪ :‬إن ذلك السور سورُ بيت المقدس عند وادي جهنم‪ .‬ثم قال ‪ :‬حدثنا ابن‬
‫البرقي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن أبي سلمة ‪ ،‬عن سعيد بن عطية بن قيس ‪ ،‬عن أبي العوام ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬المنافقون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬النور لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬ابن" ‪ ،‬والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪ )11/122‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/395‬فيه إسحاق بن بشر وهو‬
‫متروك"‪.‬‬

‫( ‪)8/17‬‬
‫مؤذن بيت المقدس ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬إن السور الذي ذكر (‪ )1‬ال في‬
‫حمَةُ وَظَاهِ ُرهُ مِنْ قِبَلِهِ ا ْلعَذَابُ } هو السور‬
‫القرآن ‪َ { :‬فضُرِبَ بَيْ َنهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرّ ْ‬
‫الشرقي باطنه المسجد وما يليه ‪ ،‬وظاهره وادي جهنم‪.‬‬
‫ثم روي عن عبادة بن الصامت ‪ ،‬وكعب الحبار ‪ ،‬وعلي بن الحسين زين العابدين ‪ ،‬نحو ذلك‪.‬‬
‫وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثال لذلك ‪ ،‬ل أن هذا هو الذي أريد من‬
‫القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ؛ فإن الجنة‬
‫في السموات في أعلى عليين ‪ ،‬والنار في الدركات أسفل سافلين‪ .‬وقول كعب الحبار ‪ :‬إن الباب‬
‫المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد ‪ ،‬فهذا من إسرائيلياته وتُرّهاته‪.‬‬
‫وإنما المراد بذلك ‪ :‬سورٌ ُيضْرَب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ‪ ،‬فإذا انتهى إليه‬
‫المؤمنون دخلوه من بابه ‪ ،‬فإذا استكملوا دُخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة‬
‫والظلمة والعذاب ‪ ،‬كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة { يُنَادُو َنهُمْ أَلَمْ َنكُنْ َم َعكُمْ‬
‫} أي ‪ :‬ينادي المنافقون المؤمنين ‪ :‬أما (‪ )2‬كنا معكم في الدار الدنيا ‪ ،‬نشهد معكم الجمعات ‪،‬‬
‫ونصلي معكم الجماعات ‪ ،‬ونقف معكم بعرفات ‪ ،‬ونحضر معكم الغزوات ‪ ،‬ونؤدي معكم سائر‬
‫الواجبات ؟ { قَالُوا بَلَى } أي ‪ :‬فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين ‪ :‬بلى ‪ ،‬قد كنتم معنا ‪ { ،‬وََلكِ ّنكُمْ‬
‫سكُمْ وَتَرَبّصْتُمْ وَارْتَبْتُ ْم وَغَرّ ْتكُ ُم المَا ِنيّ } قال بعض السلف ‪ :‬أي فتنتم أنفسكم باللذات‬
‫فَتَنْتُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫والمعاصي والشهوات { وَتَرَ ّبصْتُمْ } أي ‪ :‬أخرتم التوبة من وقت إلى وقت‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَتَرَ ّبصْتُمْ } بالحق وأهله { وَارْتَبْتُمْ } أي ‪ :‬بالبعث بعد الموت { وَغَرّ ْتكُمُ المَانِيّ }‬
‫أي ‪ :‬قلتم ‪ :‬سيغفر لنا‪ .‬وقيل ‪ :‬غرتكم الدنيا { حَتّى جَاءَ َأمْرُ اللّهِ } أي ‪ :‬ما زلتم في هذا حتى جاء‬
‫الموت { وَغَ ّركُمْ بِاللّهِ ا ْلغَرُورُ } أي ‪ :‬الشيطان‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬كانوا على خدعة من الشيطان ‪ ،‬وال ما زالوا عليها حتى قذفهم ال في النار‪.‬‬
‫ومعنى هذا الكلم من المؤمنين للمنافقين ‪ :‬إنكم كنتم معنا [أي] (‪ )3‬بأبدان ل نية لها ول قلوب‬
‫معها ‪ ،‬وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تُراؤون الناس ول تذكرون ال إل قليل‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم ‪ ،‬وكانوا معهم‬
‫أمواتا ‪ ،‬ويعطون النور جميعًا يوم القيامة ‪ ،‬ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ‪ ،‬ويُماز‬
‫بينهم حينئذ‪.‬‬
‫وهذا القول من المؤمنين ل ينافي قولهم الذي أخبر ال به عنهم ‪ ،‬حيث يقول ‪ -‬وهو أصدق‬
‫القائلين ‪ُ { : -‬كلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِي َنةٌ إِل َأصْحَابَ الْ َيمِينِ فِي جَنّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ مَا‬
‫ن َوكُنّا‬
‫ن َوكُنّا نَخُوضُ مَعَ ا ْلخَا ِئضِي َ‬
‫سكِي َ‬
‫ط ِعمُ ا ْلمِ ْ‬
‫سقَرَ قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّينَ وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫سََل َككُمْ فِي َ‬
‫ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ } [المدثر ‪، ]47 - 38 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ذكره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬إنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/18‬‬

‫ق وَلَا َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬


‫خشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّ ِه َومَا نَ َزلَ مِنَ ا ْلحَ ّ‬
‫أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ َآمَنُوا أَنْ تَ ْ‬
‫سقُونَ (‪ )16‬اعَْلمُوا أَنّ اللّهَ يُحْيِي الْأَ ْرضَ‬
‫ستْ قُلُو ُبهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ َفطَالَ عَلَ ْيهِمُ الَْأ َمدُ َفقَ َ‬
‫َبعْدَ َموْ ِتهَا قَدْ بَيّنّا َل ُكمُ الْآَيَاتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ (‪)17‬‬

‫شفَاعَةُ‬
‫فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ‪ .‬ثم قال تعالى ‪َ { :‬فمَا تَ ْن َف ُعهُمْ َ‬
‫الشّا ِفعِينَ } [المدثر ‪ ، ]48 :‬كما قال تعالى هاهنا ‪ { :‬فَالْ َيوْمَ ل ُيؤْخَذُ مِ ْنكُمْ فِدْيَةٌ وَل مِنَ الّذِينَ‬
‫َكفَرُوا } أي ‪ :‬لو جاء أحدكم اليوم بملء الرض ذهبًا ومثله معه ليفتدى به من عذاب ال ‪ ،‬ما قبل‬
‫منه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَ ْأوَاكُمُ النّارُ } أي ‪ :‬هي مصيركم وإليها منقلبكم‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬هيَ َموْلكُمْ } أي ‪ :‬هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم ‪ ،‬وبئس المصير‪.‬‬
‫ق وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ‬
‫حّ‬‫{ أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ لِ ِذكْرِ اللّ ِه َومَا نزلَ مِنَ الْ َ‬
‫سقُونَ (‪ )16‬اعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُيحْيِي ال ْرضَ‬
‫ستْ قُلُو ُبهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫مِنْ قَ ْبلُ َفطَالَ عَلَ ْيهِ ُم المَدُ َفقَ َ‬
‫َبعْدَ َموْ ِتهَا قَدْ بَيّنّا َل ُكمُ اليَاتِ َلعَّل ُكمْ َت ْعقِلُونَ (‪} )17‬‬
‫يقول ال تعالى ‪ :‬أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر ال ‪ ،‬أي ‪ :‬تلين عند الذكر والموعظة‬
‫وسماع القرآن ‪ ،‬فتفهمه وتنقادُ له وتسمع له وتطيعه‪.‬‬
‫قال عبد ال بن المبارك ‪ :‬حدثنا صالح المُرّي ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬إن ال‬
‫استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلث عشرة من نزول القرآن ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ‬
‫آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ لِ ِذكْرِ اللّهِ } الية ‪ ،‬رواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن الحسن بن محمد بن الصباح ‪،‬‬
‫عن حسين المروزي ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ثم قال هو ومسلم ‪ :‬حدثنا يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني عمرو بن الحارث ‪،‬‬
‫عن سعيد بن أبي هلل ‪ -‬يعني الليث ‪ -‬عن عون بن عبد ال ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كان بين إسلمنا وبين أن عاتبنا ال بهذه الية { أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ‬
‫خشَعَ قُلُو ُبهُمْ ِل ِذكْرِ اللّهِ } [الية] (‪ )1‬إل أربع سنين (‪)2‬‬
‫تَ ْ‬
‫كذا رواه مسلم في آخر الكتاب‪ .‬وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الية ‪ ،‬عن هارون بن سعيد‬
‫اليلي ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬به (‪ )3‬وقد رواه ابن ماجة من حديث موسى بن يعقوب الزمعي (‪)4‬‬
‫عن أبي حزم ‪ ،‬عن عامر بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬مثله (‪ )5‬فجعله من مسند بن‬
‫الزبير‪ .‬لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن عامر ‪،‬‬
‫عن بن الزبير ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)3027‬‬
‫(‪ )3‬سنن النسائي الكبري برقم (‪)11568‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬الربعي"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجة برقم (‪.)4192‬‬

‫( ‪)8/19‬‬

‫عن ابن مسعود ‪ ،‬فذكره (‪)1‬‬


‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن المسعودي ‪ ،‬عن القاسم قال ‪َ :‬ملّ أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫صصِ }‬
‫حسَنَ ا ْل َق َ‬
‫وسلم ملة ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول ال‪ .‬فأنزل ال تعالى ‪ { :‬نَحْنُ َن ُقصّ عَلَ ْيكَ أَ ْ‬
‫حسَنَ‬
‫[يوسف ‪ ]3 :‬قال ‪ :‬ثم ملوا ملة فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول ال ‪ ،‬فأنزل ال تعالى ‪ { :‬اللّهُ نزلَ أَ ْ‬
‫حدِيثِ } [الزمر ‪ .]23 :‬ثم ملوا ملة فقالوا ‪ :‬حدثنا يا رسول ال‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ‬
‫الْ َ‬
‫آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ لِ ِذكْرِ اللّهِ } (‪)2‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬أََلمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أَنْ َتخْشَعَ قُلُو ُبهُمْ لِ ِذكْرِ اللّهِ } ُذكِرَ لنا أن شداد بن أوس كان‬
‫يروي عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أول ما يرفع (‪ )3‬من الناس الخشوع" (‪)4‬‬
‫ستْ قُلُو ُبهُمْ } نهى ال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َيكُونُوا كَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَ ْبلُ فَطَالَ عَلَ ْيهِمُ المَدُ َفقَ َ‬
‫المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى ‪ ،‬لما تطاول عليهم المد‬
‫بدلوا كتاب ال الذي بأيديهم واشتروا به ثمنًا قليل ونبذوه وراء ظهورهم ‪ ،‬وأقبلوا على الراء‬
‫المختلفة والقوال المؤتفكة ‪ ،‬وقلدوا الرجال في دين ال ‪ ،‬واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من‬
‫دون ال ‪ ،‬فعند ذلك قست قلوبهم ‪ ،‬فل يقبلون موعظة ‪ ،‬ول تلين قلوبهم بوعد ول وعيد‪.‬‬
‫سقُونَ } أي ‪ :‬في العمال ‪ ،‬فقلوبهم فاسدة ‪ ،‬وأعمالهم باطلة‪ .‬كما قال ‪ { :‬فَ ِبمَا‬
‫{ َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫ضعِ ِه وَنَسُوا حَظّا ِممّا ُذكّرُوا‬
‫جعَلْنَا قُلُو َبهُمْ قَاسِيَةً ُيحَ ّرفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ‬
‫ضهِمْ مِيثَا َقهُمْ َلعَنّاهُ ْم وَ َ‬
‫َنقْ ِ‬
‫بِهِ } [المائدة ‪ ، ]13 :‬أي ‪ :‬فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه ‪،‬‬
‫وتركوا العمال التي أمروا بها ‪ ،‬وارتكبوا ما نهو عنه ؛ ولهذا نهى ال المؤمنين أن يتشبهوا بهم‬
‫في شيء من المور الصلية والفرعية‪.‬‬
‫وقد قال بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن عمار ‪ ،‬حدثنا شهاب بن خِراش ‪ ،‬حدثنا حجاج‬
‫عمِيلة الفزاري قال ‪ :‬حدثنا عبد ال بن‬
‫بن دينار ‪ ،‬عن منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن الربيع بن أبي َ‬
‫مسعود حديثًا ما سمعت أعجب إليّ منه ‪ ،‬إل شيئًا من كتاب ال ‪ -‬أو ‪ :‬شيئًا قاله النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬إن بني إسرائيل لما طال عليهم المد فقست قلوبهم اخترعوا كتابًا من عند‬
‫أنفسهم ‪ ،‬استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم (‪ )5‬واستلذته ‪ ،‬وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من‬
‫شهواتهم فقالوا ‪ :‬تعالوا ندع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪ )1443‬وقال ‪" :‬ل نعلم روى ابن الزبير عن ابن مسعود إل هذا الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )2‬روى ابن جرير في تفسير (‪ )15/552‬ط ‪ -‬المعارف ‪ ،‬من طريق المسعودى عن عون بن‬
‫عبد ال نحوه مرسلً دون ذكر الشاهد هنا‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يرفع ال‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )27/131‬ووصله الطبراني في المعجم الكبير (‪ )7/295‬فرواه من‬
‫طريق عمران القطان ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن شداد بن أوس مرفوعًا به ‪ ،‬وعمران القطان‬
‫متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أنفسهم"‪.‬‬

‫( ‪)8/20‬‬

‫بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ‪ ،‬فمن تابعنا عليه تركناه ‪ ،‬ومن كره أن يتابعنا (‪ )1‬قتلناه‪ .‬ففعلوا‬
‫عمَدَ إلى ما يعرف من كتاب ال فكتبه في‬
‫ذلك ‪ ،‬وكان فيهم رجل فقيه ‪ ،‬فلما رأي ما يصنعون َ‬
‫شيء لطيف ‪ ،‬ثم أدرجه ‪ ،‬فجعله في قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه ‪ ،‬فلما أكثروا القتل قال‬
‫بعضهم لبعض ‪ :‬يا هؤلء ‪ ،‬إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل ‪ ،‬فادعوا فلنا فاعرضوا عليه‬
‫كتابكم ‪ ،‬فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس ‪ ،‬وإن أبى فاقتلوه‪ .‬فدعوا فلنًا ذلك الفقيه فقالوا ‪:‬‬
‫تؤمن بما في كتابنا ؟ قال ‪ :‬وما فيه ؟ اعرضوه عليّ‪ .‬فعرضوه عليه إلى آخره ‪ ،‬ثم قالوا ‪ :‬أتؤمن‬
‫بهذا ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬آمنت بما في هذا وأشار بيده إلى القرن ‪ -‬فتركوه ‪ ،‬فلما مات نبشوه فوجدوه‬
‫مُ َتعَلّقًا (‪ )2‬ذلك القرن ‪ ،‬فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب ال ‪ ،‬فقال بعضهم لبعض ‪ :‬يا هؤلء ‪ ،‬ما‬
‫كنا نسمع هذا أصابه فتنة‪ .‬فافترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة ‪ ،‬وخير ملَلهم ملة‬
‫أصحاب ذي القرن"‪.‬‬
‫قال ابن مسعود ‪[ :‬وإنكم] (‪ )3‬أوشك بكم إن بقيتم ‪ -‬أو ‪ :‬بقي من بقي منكم (‪ - )4‬أن تروا أمورا‬
‫تنكرونها ‪ ،‬ل تستطيعون لها غِيَرًا ‪ ،‬فبحسب المرء منكم أن يعلم ال من قلبه أنه لها كاره‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الطبري ‪ :‬حدثنا ابن (‪ )5‬حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن مغيرة ‪ ،‬عن أبي معشر ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم قال ‪ :‬جاء عتريس بن عُرقوب (‪ )6‬إلى بن مسعود فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال (‪ )7‬هلك من لم‬
‫يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر‪ .‬فقال عبد ال ‪ :‬هلك من لم يعرف قلبُه معروفًا ولم ينكر قلبُه‬
‫منكرًا ؛ إن بني إسرائيل لما طال عليهم المد وقست قلوبهم ‪ ،‬اخترعوا كتابًا من بين أيديهم‬
‫وأرجلهم ‪ ،‬استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نعرض على بني إسرائيل هذا الكتاب فمن‬
‫آمن به تركناه ‪ ،‬ومن كفر به قتلناه‪ .‬قال ‪ :‬فجعل رجل منهم كتاب ال في قَرْن ‪ ،‬ثم جعل القرن‬
‫بين ثندوتيه فلما قيل له ‪ :‬أتؤمن بهذا ؟ قال آمنت به ‪ -‬ويومئ إلى القرن بين ثَنْدُوتيه ‪ -‬ومالي ل‬
‫أؤمن بهذا الكتاب ؟ فمن خير مِلَلِهم اليوم مِلّة صاحب القَرن (‪)8‬‬
‫وقوله ‪ { :‬اعَْلمُوا أَنّ اللّهَ ُيحْيِي ال ْرضَ َبعْدَ َموْ ِتهَا قَدْ بَيّنّا َلكُمُ اليَاتِ َلعَّلكُمْ َت ْعقِلُونَ } فيه إشارة إلى‬
‫أنه ‪ ،‬تعالى ‪ ،‬يلين القلوب بعد قسوتها ‪ ،‬ويَهدي الحَيَارى بعد ضَلتها ‪ ،‬ويفرّج الكروب بعد شدتها ‪،‬‬
‫فكما يحيي الرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتّان [الوابل] (‪ )9‬كذلك يهدي القلوب القاسية‬
‫ببراهين القرآن والدلئل ‪ ،‬ويولج إليها النور بعد ما كانت مقفلة ل يصل إليها الواصل ‪ ،‬فسبحان‬
‫الهادي لمن يشاء بعد الضلل ‪ ،‬والمضل لمن أراد بعد الكمال ‪ ،‬الذي هو لما يشاء فعال ‪ ،‬وهو‬
‫الحكم العدل في جميع الفعال ‪ ،‬اللطيف الخبير الكبير المتعال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يتابعنا عليه"‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬معلقا"‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬معكم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬أبو"‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬جابر بن سويد عن قرب"‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬يا أبا عبد ال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)27/132‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/21‬‬

‫عفُ َل ُه ْم وََلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪)18‬‬


‫حسَنًا ُيضَا َ‬
‫ت وََأقْ َرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا َ‬
‫ن وَا ْل ُمصّ ّدقَا ِ‬
‫إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِي َ‬

‫عفُ َلهُ ْم وََلهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (‪} )18‬‬


‫ن وَا ْل ُمصّ ّدقَاتِ وََأقْ َرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا ُيضَا َ‬
‫{ إِنّ ا ْل ُمصّ ّدقِي َ‬

‫( ‪)8/22‬‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ َلهُمْ َأجْرُ ُه ْم وَنُورُهُ ْم وَالّذِينَ‬
‫ن وَال ّ‬
‫وَالّذِينَ َآمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّدّيقُو َ‬
‫َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ (‪)19‬‬

‫شهَدَاءُ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ َلهُمْ َأجْرُهُ ْم وَنُورُهُمْ وَالّذِينَ‬


‫{ وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّدّيقُونَ وَال ّ‬
‫َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ (‪} )19‬‬
‫يخبر تعالى عما يثيب به ال ُمصّدقين وال ُمصّدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة ‪،‬‬
‫{ وََأقْ َرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا } أي ‪ :‬دفعوه بنية خالصة ابتغاء وجه ال ‪ ،‬ل يريدون جزاء ممن‬
‫عفُ َلهُمُ } أي ‪ :‬يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬ويزداد‬
‫أعطوه ول شكورًا ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬يضَا َ‬
‫على ذلك إلى سبعمائة ضعف وفوق ذلك { وََلهُمْ َأجْرٌ كَرِيمٌ } أي ‪ :‬ثواب جزيل حسن ‪ ،‬ومرجع‬
‫صالح ومآب { كَرِيمٌ }‬
‫سلِهِ أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّدّيقُونَ } هذا تمام لجملة ‪ ،‬وصف المؤمنين بال‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُ ُ‬
‫ورسله بأنهم صديقون‪.‬‬
‫قال ال َعوْفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُِلهِ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّدّيقُونَ } هذه‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّبهِمْ َلهُمْ َأجْرُهُمْ وَنُورُ ُهمْ }‪.‬‬
‫مفصولة { وَال ّ‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّبهِمْ }‬
‫وقال أبو الضحى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ هُمُ الصّدّيقُونَ } ثم استأنف الكلم فقال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫وهكذا قال مسروق ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وقال العمش عن أبي الضحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال في قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّدّيقُونَ‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ } قال ‪ :‬هم ثلثه أصناف ‪ :‬يعني المصدقين ‪ ،‬والصديقين ‪ ،‬والشهداء ‪ ،‬كما‬
‫وَال ّ‬
‫قال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪َ { :‬ومَنْ ُيطِعِ اللّ َه وَالرّسُولَ فَأُولَ ِئكَ مَعَ الّذِينَ أَ ْن َعمَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مِنَ النّبِيّينَ‬
‫شهَدَا ِء وَالصّاِلحِينَ } [النساء ‪ ]69 :‬ففرق بين الصديقين والشهداء ‪ ،‬فدل على أنهما‬
‫وَالصّدّيقِينَ وَال ّ‬
‫صنفان‪ .‬ول شك أن الصديق أعلى مقامًا من الشهيد ‪ ،‬كما رواه المام مالك بن أنس ‪ ،‬رحمه‬
‫ال ‪ ،‬في كتابه الموطأ ‪ ،‬عن صفوان بن سليم ‪ ،‬عن عطاء بن َيسَار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم ‪ ،‬كما‬
‫تتراءون الكوكب الدري الغابر في الفق من المشرق أو المغرب ‪ ،‬لتفاضل ما بينهم"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬تلك منازل النبياء ل يبلغها غيرهم ؟ قال ‪" :‬بلى والذي نفسي بيده ‪ ،‬رجال آمنوا بال‬
‫وصدقوا المرسلين"‪.‬‬
‫اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك ‪ ،‬به (‪)2‬‬
‫شهَدَاءُ عِنْدَ رَ ّبهِمْ } فأخبر عن‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد من قوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّدّيقُونَ وَال ّ‬
‫المؤمنين بال ورسله بأنهم صديقون وشهداء‪ .‬حكاه ابن جرير عن مجاهد ‪ ،‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )3256‬وصحيح مسلم برقم (‪)2831‬‬

‫( ‪)8/22‬‬

‫حدثني صالح ابن حرب أبو َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن يحيى ‪ ،‬حدثنا ابن عَجْلن عن زيد بن‬
‫أسلم ‪ ،‬عن البراء بن عازب قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬مؤمنو أمتي‬
‫شهداء"‪ .‬قال ‪ :‬ثم تل صلى ال عليه وسلم هذه الية { وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ ُهمُ‬
‫شهَدَاءُ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ [َلهُمْ َأجْرُهُمْ] } (‪ )1‬هذا حديث غريب (‪)2‬‬
‫الصّدّيقُونَ وَال ّ‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ ،‬عن عمرو بن ميمون في قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ أُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫شهَدَاءُ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ َل ُهمْ أَجْ ُرهُ ْم وَنُورُهُمْ } قال ‪ :‬يجيؤون يوم القيامة معًا كالصبعين‪.‬‬
‫الصّدّيقُونَ وَال ّ‬
‫ش َهدَاءُ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ } أي ‪ :‬في جنات النعيم ‪ ،‬كما جاء في الصحيحين ‪" :‬إن أرواح‬
‫وقوله ‪ { :‬وَال ّ‬
‫خضْر تسرح في الجنة حيث شاءت ‪ ،‬ثم تأوي إلى تلك القناديل ‪ ،‬فاطلع‬
‫الشهداء في حواصل طير ُ‬
‫عليهم ربك اطلعة فقال ‪ :‬ماذا تريدون ؟ فقالوا ‪ :‬نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل‬
‫كما قُتِلنا أول مرة‪ .‬فقال إني قضيت أنهم إليها ل يرجعون" (‪)3‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ل ُهمْ أَجْ ُرهُ ْم وَنُورُهُمْ } أي ‪ :‬لهم عند ربهم أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم ‪،‬‬
‫وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من العمال ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى ابن إسحاق ‪ ،‬حدثنا بن َلهِيعَة ‪ ،‬عن عطاء بن دينار ‪ ،‬عن أبي يزيد الخولني قال ‪:‬‬
‫سمعت فضالة بن عُبَيد يقول ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬الشهداء أربعة ‪ :‬رجل مؤمن جيد اليمان ‪ ،‬لقي العدو فصدق ال فقتل ‪ ،‬فذلك (‪ )4‬الذي‬
‫ينظر الناس إليه هكذا ‪ -‬ورفع رأسه حتى سقطت قَلَنْسُوة رسول ال صلى ال عليه وسلم أو‬
‫قلنسوة عمر ‪ -‬والثاني مؤمن (‪ )5‬لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح ‪ ،‬جاءه سهم غَرْب‬
‫فقتله ‪ ،‬فذاك في الدرجة الثانية ‪ ،‬والثالث رجل مؤمن خلط عمل صالحا وآخر سيئًا لقي العدو‬
‫فصدق ال حتى قتل ‪ ،‬فذاك في الدرجة الثالثة ‪ ،‬والرابع رجل مؤمن أسرف على نفسه إسرافًا‬
‫كثيرًا ‪ ،‬لقي العدو فصدق ال حتى قتل ‪ ،‬فذاك في الدرجة الرابعة"‪)6( .‬‬
‫وهكذا رواه علي بن المديني ‪ ،‬عن أبي داود الطيالسي ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن ابن َلهِيعَة ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬هذا إسناد مصري صالح‪ .‬ورواه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال ‪ :‬حسن غريب (‪)7‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ كَفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ ا ْلجَحِيمِ } لما ذكر السعداء ومآلهم ‪ ،‬عطف‬
‫بذكر الشقياء وبين حالهم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)27/133‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪ )1887‬من حديث ابن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ولم أقع عليه عند‬
‫البخاري‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فذاك"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬رجل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/23‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪.)1644‬‬

‫( ‪)8/23‬‬

‫ل وَالَْأوْلَادِ َكمَ َثلِ غَ ْيثٍ‬


‫ب وََل ْهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْ َن ُك ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي الَْأ ْموَا ِ‬
‫اعَْلمُوا أَ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬
‫شدِي ٌد َو َم ْغفِ َرةٌ مِنَ اللّهِ‬
‫حطَامًا َوفِي الَْآخِ َرةِ عَذَابٌ َ‬
‫صفَرّا ُثمّ َيكُونُ ُ‬
‫جبَ ا ْل ُكفّارَ نَبَاتُهُ ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُم ْ‬
‫أَعْ َ‬
‫ضهَا‬
‫ن َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِلّا مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ (‪ )20‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫وَ ِرضْوَا ٌ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ ذُو‬
‫سمَا ِء وَالْأَ ْرضِ أُعِ ّدتْ لِلّذِينَ َآمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ ذَِلكَ َف ْ‬
‫َكعَ ْرضِ ال ّ‬
‫ا ْل َفضْلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)21‬‬

‫ل وَالوْلدِ َكمَ َثلِ غَ ْيثٍ‬


‫{ اعَْلمُوا أَ ّنمَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِعبٌ وََلهْ ٌو وَزِينَ ٌة وَ َتفَاخُرٌ بَيْ َنكُ ْم وَ َتكَاثُرٌ فِي المْوَا ِ‬
‫عذَابٌ شَدِي ٌد َو َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّهِ‬
‫حطَامًا َوفِي الخِ َرةِ َ‬
‫صفَرّا ُثمّ َيكُونُ ُ‬
‫جبَ ا ْل ُكفّارَ نَبَاتُهُ ُثمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُم ْ‬
‫أَعْ َ‬
‫ضهَا‬
‫ن َومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ (‪ )20‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُمْ وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫وَ ِرضْوَا ٌ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو‬
‫ع ّدتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُِلهِ ذَِلكَ َف ْ‬
‫سمَا ِء وَال ْرضِ أُ ِ‬
‫َكعَ ْرضِ ال ّ‬
‫ا ْل َفضْلِ ا ْلعَظِيمِ (‪} )21‬‬
‫ب وََلهْ ٌو وَزِينَ ٌة وَ َتفَاخُرٌ بَيْ َنكُمْ‬
‫يقول تعالى مُوهنًا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها ‪ { :‬أَ ّنمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا َل ِع ٌ‬
‫ل وَالوْلدِ } أي ‪ :‬إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬زُيّنَ لِلنّاسِ‬
‫وَ َتكَاثُرٌ فِي ال ْموَا ِ‬
‫س ّومَ ِة وَالنْعَامِ‬
‫ب وَا ْلفِضّ ِة وَا ْلخَ ْيلِ ا ْلمُ َ‬
‫ن وَا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ مِنَ الذّ َه ِ‬
‫ش َهوَاتِ مِنَ النّسَا ِء وَالْبَنِي َ‬
‫حبّ ال ّ‬
‫ُ‬
‫وَالْحَ ْرثِ ذَِلكَ مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِنْ َدهُ حُسْنُ ا ْلمَآبِ } [آل عمران ‪]14 :‬‬
‫ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال ‪َ { :‬كمَثَلِ غَ ْيثٍ } وهو ‪:‬‬
‫المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يُنزلُ ا ْلغَ ْيثَ مِنْ َبعْدِ مَا قَنَطُوا [وَيَنْشُرُ‬
‫حمَتَهُ] } [الشورى ‪)1( ]28 :‬‬
‫رَ ْ‬
‫جبَ ا ْل ُكفّارَ نَبَاُتهُ } أي ‪ :‬يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث ؛ وكما‬
‫عَ‬‫وقوله ‪ { :‬أَ ْ‬
‫يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار ‪ ،‬فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس‬
‫حطَامًا } أي ‪ :‬يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرّا بعد ما كان‬
‫صفَرّا ثُمّ َيكُونُ ُ‬
‫إليها ‪ { ،‬ثُمّ َيهِيجُ فَتَرَاهُ ُم ْ‬
‫خضرًا (‪ )2‬نضرا ‪ ،‬ثم يكون بعد ذلك كله حطامًا ‪ ،‬أي ‪ :‬يصير يَبَسًا متحطمًا ‪ ،‬هكذا الحياة الدنيا‬
‫تكون أول شابة ‪ ،‬ثم تكتهل ‪ ،‬ثم تكون عجوزًا شوهاء ‪ ،‬والنسان كذلك في أول عمره وعنفوان‬
‫شبابه غضا طريّا لين العطاف ‪ ،‬بهي المنظر ‪ ،‬ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وَيَنْفَد (‬
‫‪ )3‬بعض قواه ‪ ،‬ثم يكبر فيصير شيخًا كبيرًا ‪ ،‬ضعيف القوى ‪ ،‬قليل الحركة ‪ ،‬يعجزه الشيء‬
‫ج َعلَ مِنْ‬
‫ضعْفٍ ُق ّوةً ثُمّ َ‬
‫ج َعلَ مِنْ َب ْع ِد َ‬
‫ض ْعفٍ ثُمّ َ‬
‫ن َ‬
‫اليسير ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬اللّهُ الّذِي خََل َقكُمْ مِ ْ‬
‫ضعْفًا وَشَيْبَةً يَخُْلقُ مَا يَشَاءُ وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلقَدِيرُ } [الروم ‪ .]54 :‬ولما كان هذا المثل دال‬
‫َبعْدِ ُق ّو ٍة َ‬
‫على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها ل محالة ‪ ،‬وأن الخرة كائنة ل محالة ‪ ،‬حَذّر من أمرها‬
‫ن َومَا‬
‫شدِي ٌد َو َمغْفِ َرةٌ مِنَ اللّ ِه وَ ِرضْوَا ٌ‬
‫عذَابٌ َ‬
‫ورغّب فيما فيها من الخير ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬وفِي الخِ َرةِ َ‬
‫الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ } أي ‪ :‬وليس في الخرة التية القريبة إل إما هذا وإما هذا ‪ :‬إما‬
‫عذاب شديد ‪ ،‬وإما مغفرة من ال ورضوان‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ } أي ‪ :‬هي متاع فانٍ غارّ (‪ )4‬لمن ركن إليه فإنه‬
‫يغتر‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ما أخضر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ويفقد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عار"‪.‬‬

‫( ‪)8/24‬‬

‫بها وتعجبه حتى يعتقد أنه ل دار سواها ول معاد وراءها ‪ ،‬وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار‬
‫الخرة‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا علي ابن حرب الموصلي ‪ ،‬حدثنا المحاربي ‪ ،‬حدثنا محمد بن عمرو ‪ ،‬عن‬
‫أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬موضع سوط في الجنة‬
‫خير من الدنيا وما فيها‪ .‬اقرؤوا ‪َ { :‬ومَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا إِل مَتَاعُ ا ْلغُرُورِ } (‪)1‬‬
‫وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة (‪ )2‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن نمير و َوكِيع ‪ ،‬كلهما عن العمش ‪ ،‬عن شقيق ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لَلْجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله ‪ ،‬والنار مثل ذلك"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري في "الرقاق" ‪ ،‬من حديث الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من النسان ‪ ،‬وإذا كان المر كذلك ؛ فلهذا حثه‬
‫ال (‪ )4‬على المبادرة إلى الخيرات ‪ ،‬من فعل الطاعات ‪ ،‬وترك المحرمات ‪ ،‬التي تكفر عنه‬
‫الذنوب والزلت ‪ ،‬وتحصل له الثواب والدرجات ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬سَا ِبقُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّب ُكمْ‬
‫سمَاءِ وَال ْرضِ } والمراد جنس السماء والرض ‪ ،‬كما قال في الية‬
‫ضهَا َكعَ ْرضِ ال ّ‬
‫وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫سمَاوَاتُ وَال ْرضُ أُعِ ّدتْ لِ ْلمُ ّتقِينَ }‬
‫ضهَا ال ّ‬
‫الخرى ‪ { :‬وَسَارِعُوا إِلَى َم ْغفِ َرةٍ مِنْ رَ ّبكُ ْم وَجَنّةٍ عَ ْر ُ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَاءُ‬
‫[آل عمران ‪ .]133 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬أُعِ ّدتْ لِلّذِينَ آمَنُوا بِاللّ ِه وَرُسُلِهِ ذَِلكَ َف ْ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ } أي ‪ :‬هذا الذي أهلهم ال له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ‪،‬‬
‫وَاللّهُ ذُو ا ْلفَ ْ‬
‫كما قدّمنا في الصحيح ‪ :‬أن فقراء المهاجرين قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ذهب أهل الدّثور بالدرجات‬
‫العلى والنعيم المقيم‪ .‬قال ‪" :‬وما ذاك ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬يُصلّون كما نصلي ‪ ،‬ويصومون كما نصوم ‪،‬‬
‫ويتصدقون ول نتصدق ‪ ،‬ويُعتقون ول ُنعْتِق‪ .‬قال ‪" :‬أفل أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من‬
‫بعدكم ‪ ،‬ول يكون أحد أفضل منكم إل من صنع مثل ما صنعتم ‪ :‬تسبحون وتكبرون وتحمدون‬
‫دُبُر كل صلة ثلثًا وثلثين"‪ .‬قال ‪ :‬فرجعوا فقالوا ‪ :‬سمع إخواننا أهل الموال ما فعلنا ‪ ،‬ففعلوا‬
‫مثله! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء" (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )27/134‬وليس في المطبوع هذه الزيادة ‪ ،‬فلعل الحافظ رآها في نسخة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )6415‬من حديث سهل بن سعد ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/387‬وصحيح البخاري برقم (‪.)6488‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فلهذا حث تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )843‬وصحيح مسلم برقم (‪.)595‬‬

‫( ‪)8/25‬‬

‫سكُمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ‬
‫ض وَلَا فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ َفخُورٍ (‪)23‬‬
‫سوْا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَلَا َتفْرَحُوا ِبمَا آَتَاكُمْ وَاللّهُ لَا ُي ِ‬
‫يَسِيرٌ (‪ِ )22‬لكَيْلَا تَ ْأ َ‬
‫حمِيدُ (‪)24‬‬
‫ل َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫خِ‬‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبُ ْ‬
‫الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬

‫س ُكمْ إِل فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنّ ذَِلكَ عَلَى‬
‫{ مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫حبّ ُكلّ مُخْتَالٍ َفخُورٍ (‬
‫علَى مَا فَا َتكُمْ وَل َتفْرَحُوا ِبمَا آتَا ُك ْم وَاللّهُ ل يُ ِ‬
‫سوْا َ‬
‫اللّهِ َيسِيرٌ (‪ِ )22‬ل َكيْ ل تَ ْأ َ‬
‫حمِيدُ (‪} )24‬‬
‫ل َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ ا ْل َ‬
‫خِ‬‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبُ ْ‬
‫‪ )23‬الّذِينَ يَبْخَلُو َ‬
‫يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال ‪ { :‬مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي‬
‫س ُكمْ } أي ‪ :‬في الفاق وفي نفوسكم { إِل فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرََأهَا } أي ‪:‬‬
‫ال ْرضِ وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة‪.‬‬
‫وقال بعضهم ‪ { :‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } عائد على النفوس‪ .‬وقيل ‪ :‬عائد على المصيبة‪ .‬والحسن‬
‫عوده على الخليقة والبرية ؛ لدللة الكلم عليها ‪ ،‬كما قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثني يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن منصور بن عبد الرحمن قال ‪ :‬كنت جالسًا مع الحسن ‪،‬‬
‫س ُكمْ إِل فِي كِتَابٍ مِنْ‬
‫فقال رجل ‪ :‬سله عن قوله ‪ { :‬مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫قَ ْبلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } فسألته عنها ‪ ،‬فقال ‪ :‬سبحان ال! ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء‬
‫والرض ‪ ،‬ففي كتاب ال من قبل أن يبرأ النسمة (‪)1‬‬
‫جدْب ‪ { ،‬وَل فِي‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي ال ْرضِ } قال ‪ :‬هي السنون‪ .‬يعني ‪ :‬ال َ‬
‫سكُمْ } يقول ‪ :‬الوجاع والمراض‪ .‬قال ‪ :‬وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ول نكبة قدم ‪،‬‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫ول خلجان عرق إل بذنب ‪ ،‬وما يعفو ال عنه أكثر‪.‬‬
‫وهذه الية الكريمة من أدل دليل على القَدَرية نُفاة العلم السابق ‪ -‬قبحهم ال ‪ -‬وقال المام أحمد ‪:‬‬

‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حيوة وابن َلهِيعة قال حدثنا أبو هانئ الخولني ‪ :‬أنه سمع أبا عبد‬
‫الرحمن الحُبُلي يقول ‪ :‬سمعت عبد ال بن عَمرو بن العاص يقول ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬قدّر ال المقادير قبل أن يخلق السموات والرض بخمسين ألف سنة"‪.‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث عبد ال بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن يزيد ‪،‬‬
‫وثلثتهم عن أبي هانئ ‪ ،‬به‪ .‬وزاد بن وَهب ‪" :‬وكان عرشه على الماء"‪ .‬ورواه الترمذي وقال ‪:‬‬
‫حسن صحيح (‪)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ } أي ‪ :‬أن علمه تعالى الشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما‬
‫يوجد في حينها سهل على ال ‪ ،‬عز وجل (‪ )3‬؛ لنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان‬
‫كيف كان يكون‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)27/135‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/169‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2653‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2156‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تعالى"‪.‬‬

‫( ‪)8/26‬‬

‫سوْا عَلَى مَا فَا َتكُ ْم وَل َتفْرَحُوا ِبمَا آتَاكُمْ } أي ‪ :‬أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ل َكيْ ل تَأْ َ‬
‫كتابتنا (‪ )1‬للشياء قبل كونها ‪ ،‬وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ‪ ،‬لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن‬
‫ليخطئكم ‪ ،‬وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ‪ ،‬فل تأسوا على ما فاتكم ‪ ،‬فإنه (‪ )2‬لو قدر شيء لكان {‬
‫وَل َتفْرَحُوا ِبمَا آتَا ُكمْ } أي ‪ :‬جاءكم ‪ ،‬ويقرأ ‪" :‬آتاكُم" أي ‪ :‬أعطاكم‪ .‬وكلهما متلزمان ‪ ،‬أي ‪ :‬ل‬
‫تفخروا على الناس بما أنعم ال به عليكم ‪ ،‬فإن ذلك ليس بسعيكم ول كدكم ‪ ،‬وإنما هو عن قدر‬
‫ال ورزقه لكم ‪ ،‬فل تتخذوا نعم (‪ )3‬ال أشرًا وبطرًا ‪ ،‬تفخرون بها على الناس ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫حبّ ُكلّ ُمخْتَالٍ فَخُورٍ } أي ‪ :‬مختال في نفسه متكبر فخور ‪ ،‬أي ‪ :‬على غيره‪.‬‬
‫{ وَاللّ ُه ل ُي ِ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬ليس أحد إل وهو يفرح ويحزن ‪ ،‬ولكن اجعلوا الفَرَح شكرًا والحزن صبرًا‪.‬‬
‫خلِ } أي ‪ :‬يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه ‪،‬‬
‫ن وَيَ ْأمُرُونَ النّاسَ بِالْبُ ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬الّذِينَ يَ ْبخَلُو َ‬
‫حمِيدُ } كما قال موسى عليه‬
‫{ َومَنْ يَ َت َولّ } أي ‪ :‬عن أمر ال وطاعته { فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ الْ َ‬
‫حمِيدٌ } [إبراهيم ‪.]8 :‬‬
‫جمِيعًا فَإِنّ اللّهَ َلغَ ِنيّ َ‬
‫السلم ‪ { :‬إِنْ َتكْفُرُوا أَنْتُمْ َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬كتابنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬لنه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬نعمة"‪.‬‬

‫( ‪)8/27‬‬

‫حدِيدَ فِيهِ‬
‫ط وَأَنْزَلْنَا الْ َ‬
‫سِ‬‫ب وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِ ْ‬
‫ت وَأَنْزَلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫َلقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَا ِ‬
‫س وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ (‪)25‬‬
‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫بَأْسٌ َ‬

‫ط وَأَنزلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ‬


‫سلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْلمِيزَانَ لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِسْ ِ‬
‫{ َلقَدْ أَرْسَلْنَا رُ ُ‬
‫س وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ (‪} )25‬‬
‫شدِي ٌد َومَنَافِعُ لِلنّا ِ‬
‫بَأْسٌ َ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬لقَدْ أَ ْرسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬بالمعجزات ‪ ،‬والحجج الباهرات ‪ ،‬والدلئل‬
‫القاطعات ‪ { ،‬وَأَنزلْنَا َم َعهُمُ ا ْلكِتَابَ } وهو ‪ :‬النقل المصدق { وَا ْلمِيزَانَ } وهو ‪ :‬العدل‪ .‬قاله مجاهد‬
‫‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للراء السقيمة‬
‫‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬أ َفمَنْ كَانَ عَلَى بَيّنَةٍ مِنْ رَبّ ِه وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ } [هود ‪ ، ]17 :‬وقال ‪ { :‬فِطْ َرةَ اللّهِ‬
‫سمَاءَ َر َف َعهَا َو َوضَعَ ا ْلمِيزَانَ } [الرحمن ‪]7 :‬‬
‫الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا } [الروم ‪ ، ]30 :‬وقال ‪ { :‬وَال ّ‬
‫سطِ } أي ‪ :‬بالحق والعدل وهو ‪ :‬اتباع الرسل فيما‬
‫؛ ولهذا قال في هذه الية ‪ { :‬لِ َيقُومَ النّاسُ بِا ْلقِ ْ‬
‫أخبروا به ‪ ،‬وطاعتهم فيما أمروا به ‪ ،‬فإن الذي جاؤوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق ‪ ،‬كما‬
‫ك صِ ْدقًا وَعَدْل } [النعام ‪ ]115 :‬أي ‪ :‬صدقًا في الخبار ‪ ،‬وعدل في‬
‫قال ‪ { :‬وَ َت ّمتْ كَِل َمةُ رَ ّب َ‬
‫الوامر والنواهي‪ .‬ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوؤوا غرف الجنات ‪ ،‬والمنازل العاليات ‪ ،‬والسرر‬
‫سلُ رَبّنَا‬
‫حمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانَا ِل َهذَا َومَا كُنّا لِ َنهْتَ ِديَ َلوْل أَنْ هَدَانَا اللّهُ َلقَدْ جَا َءتْ رُ ُ‬
‫المصفوفات ‪ { :‬ا ْل َ‬
‫حقّ } [العراف ‪.]43 :‬‬
‫بِالْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنزلْنَا ا ْلحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } أي ‪ :‬وجعلنا الحديد رادعًا لمن أبى الحق وعانده بعد‬
‫قيام الحجة عليه ؛ ولهذا أقام رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة بعد النبوة ثلث عشرة سنة‬
‫توحى إليه السور المكية ‪ ،‬وكلها جدال مع المشركين ‪ ،‬وبيان وإيضاح للتوحيد ‪ ،‬وتبيان ودلئل ‪،‬‬
‫فلما قامت الحجة على من‬

‫( ‪)8/27‬‬

‫سقُونَ (‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِي َم وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ‬
‫ل وَ َ‬
‫‪ )26‬ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آَثَارِ ِهمْ بِرُسُلِنَا َوقَفّيْنَا ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم َوآَتَيْنَاهُ الْإِنْجِي َ‬
‫عوْهَا حَقّ‬
‫ضوَانِ اللّهِ َفمَا رَ َ‬
‫حمَ ًة وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ إِلّا ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬
‫اتّ َبعُوهُ رَ ْأ َف ًة وَرَ ْ‬
‫سقُونَ (‪)27‬‬
‫رِعَايَ ِتهَا فَآَتَيْنَا الّذِينَ َآمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬

‫خالف (‪ )1‬شرع ال الهجرة ‪ ،‬وأمرهم بالقتال بالسيوف ‪ ،‬وضرب الرقاب والهام لمن خالف‬
‫القرآن وكذب به وعانده‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد وأبو داود ‪ ،‬من حديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ‪ ،‬عن حسان بن‬
‫عطية ‪ ،‬عن أبي المنيب (‪ )2‬الجرشي الشامي ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫ظلّ‬
‫جعِل رزقي تحت ِ‬
‫وسلم ‪ُ " :‬بعِثتُ بالسيف بين َيدَي الساعة حتى يُعبَد ال وحده ل شريك له ‪ ،‬و ُ‬
‫ُرمْحي ‪ ،‬وجعل الذلة والصّغار على من خالف أمري ‪ ،‬ومن تَشبّه بقوم فهو منهم" (‪)3‬‬
‫شدِيدٌ } يعني ‪ :‬السلح كالسيوف ‪ ،‬والحراب ‪ ،‬والسنان ‪ ،‬والنصال ‪،‬‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فِيهِ بَ ْأسٌ َ‬
‫والدروع ‪ ،‬ونحوها‪َ { .‬ومَنَافِعُ لِلنّاسِ } أي ‪ :‬في معايشهم كالسكة والفأس والقدوم ‪ ،‬والمنشار ‪،‬‬
‫والزميل ‪ ،‬والمجرفة ‪ ،‬واللت التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز وما ل قوام‬
‫للناس بدونه ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬أن ابن عباس قال ‪ :‬ثلثة أشياء نزلت مع آدم ‪ :‬السندان‬
‫علْباء (‪ )4‬بن أحمد ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال ِ‬
‫(‪ )5‬والكلْبَتان والميقعَة (‪ - )6‬يعني المطرقة‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِ َيعْلَمَ اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُر ُه وَرُسُلَهُ بِا ْلغَ ْيبِ } أي ‪ :‬من نيته في حمل السلح نصرة ال‬
‫ورسله ‪ { ،‬إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬هو قوي عزيز ‪ ،‬ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى‬
‫الناس ‪ ،‬وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض‪.‬‬
‫سقُونَ (‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا النّ ُب ّو َة وَا ْلكِتَابَ َفمِ ْنهُمْ ُمهْتَ ٍد َوكَثِيرٌ مِ ْن ُهمْ فَا ِ‬
‫{ وََلقَدْ أَ ْرسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِي َم وَ َ‬
‫جعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ‬
‫‪ )26‬ثُمّ َقفّيْنَا عَلَى آثَارِ ِهمْ بِرُسُلِنَا َوقَفّيْنَا ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَآتَيْنَاهُ النْجِيلَ وَ َ‬
‫حقّ‬
‫عوْهَا َ‬
‫ضوَانِ اللّهِ َفمَا رَ َ‬
‫حمَ ًة وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ إِل ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬
‫اتّ َبعُوهُ رَ ْأ َف ًة وَرَ ْ‬
‫سقُونَ (‪} )27‬‬
‫رِعَايَ ِتهَا فَآتَيْنَا الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ َأجْرَهُ ْم َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحًا ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬لم يرسل بعده رسول ول نبيّا إل من ذريته ‪،‬‬
‫وكذلك إبراهيم ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬خليل الرحمن ‪ ،‬لم ينزل من السماء كتابًا ول أرسل رسول ول‬
‫جعَلْنَا فِي ذُرّيّ ِت ِهمَا‬
‫أوحى إلى بشر من بعده ‪ ،‬إل وهو من سللته كما قال في الية الخرى ‪ { :‬وَ َ‬
‫النّ ُب ّوةَ وَا ْلكِتَابَ } [يعني] (‪ )7‬حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى ابن مريم الذي بشر من‬
‫بعده بمحمد ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليهما ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ثُمّ قَفّيْنَا عَلَى آثَا ِرهِمْ بِ ُرسُلِنَا َوقَفّيْنَا‬
‫ِبعِيسَى ابْنِ مَرْيَ َم وَآتَيْنَاهُ ال ْنجِيلَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬على من تخلف منهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المسيب"‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/50‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4031‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬قال علياء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬السنداب"‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬المدقة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬والمنفعة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/28‬‬

‫جعَلْنَا فِي قُلُوبِ الّذِينَ اتّ َبعُوهُ } وهم الحواريون { رَ ْأ َفةً‬


‫وهو الكتاب الذي أوحاه ال إليه { وَ َ‬
‫ح َمةً } بالخلق‪.‬‬
‫حمَةً } أي ‪ :‬رأفة وهي الخشية { وَرَ ْ‬
‫وَرَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرَهْبَانِيّةً ابْتَدَعُوهَا } أي ‪ :‬ابتدعتها أمة النصارى { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬ما‬
‫شرعناها لهم ‪ ،‬وإنما هم التزموها من تلقاء أنفسهم‪.‬‬
‫ضوَانِ اللّهِ } فيه قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أنهم قصدوا بذلك رضوان ال ‪ ،‬قال‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة‪ .‬والخر ‪ :‬ما كتبنا عليهم ذلك إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان ال‪.‬‬
‫عوْهَا حَقّ رِعَايَ ِتهَا } أي ‪ :‬فما قاموا بما التزموه حق القيام‪ .‬وهذا ذم لهم من‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا رَ َ‬
‫وجهين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬في البتداع في دين ال ما لم يأمر به ال‪ .‬والثاني ‪ :‬في عدم قيامهم بما‬
‫التزموه مما زعموا أنه قربة يقربهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا إسحاق بن أبي حمزة أبو يعقوب الرازي ‪ ،‬حدثنا السندي بن‬
‫عبدويه (‪ )1‬حدثنا ُبكَيْر بن معروف ‪ ،‬عن مُقاتِل بن حَيّان ‪ ،‬عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد‬
‫ال بن مسعود ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده بن مسعود قال ‪ :‬قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫ابن مسعود"‪ .‬قلت ‪ :‬لبيك يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬هل علمت أن بني إسرائيل افترقوا على ثنتين‬
‫وسبعين فرقة ؟ لم ينج منها إل ثلث فرق ‪ ،‬قامت بين الملوك والجبابرة بعد عيسى ابن مريم ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬فدعت إلى دين ال ودين عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقاتلت الجبابرة فقُتلت فصبرت‬
‫ونجت ‪ ،‬ثم قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ‪ ،‬فقامت بين الملوك والجبابرة فدعوا إلى‬
‫دين ال ودين عيسى ابن مريم ‪ ،‬فقتلت وقطعت بالمناشير وحرقت بالنيران ‪ ،‬فصبرت ونجت‪ .‬ثم‬
‫قامت طائفة أخرى لم يكن لها قوة بالقتال ولم تطق القيام بالقسط ‪ ،‬فلحقت بالجبال فتعبدت‬
‫وترهبت ‪ ،‬وهم الذين ذكرهم ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَرَهْبَانِيّةً ابْ َتدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ } (‪)2‬‬
‫وقد رواه ابن جرير بلفظ آخر من طريق أخرى فقال ‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي طالب ‪ ،‬حدثنا داود بن‬
‫سوَيْد بن‬
‫صعِق بن حَزْن ‪ ،‬حدثنا عقيل الجعدي ‪ ،‬عن أبي إسحاق الهمداني ‪ ،‬عن ُ‬
‫المحبر ‪ ،‬حدثنا ال ّ‬
‫غفلة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اختلف من كان قبلنا‬
‫على ثلث وسبعين فرقة ‪ ،‬نجا منهم ثلث وهلك سائرهم‪ "...‬وذكر نحو ما تقدم ‪ ،‬وفيه ‪ { " :‬فَآتَيْنَا‬
‫سقُونَ } وهم الذين‬
‫الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنهُمْ أَجْ َرهُمْ } هم الذين آمنوا بي وصدقوني { َوكَثِيرٌ مِ ْنهُمْ فَا ِ‬
‫كذبوني وخالفوني" (‪)3‬‬
‫ول يقدح في هذه المتابعة لحال داود بن المحبر ‪ ،‬فإنه أحد الوضاعين للحديث ‪ ،‬ولكن (‪ )4‬قد‬
‫أسنده‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬السندي بن عبد ربه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬السري بن عبد ربه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )10/211‬من طريق هشام بن عمار ‪ ،‬عن الوليد بن‬
‫مسلم ‪ ،‬عن بكير بن معروف به نحوه ‪ ،‬وبكير بن معروف متكلم فيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)27/138‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ولكن"‪.‬‬

‫( ‪)8/29‬‬

‫صعِق بن حَزْن ‪ ،‬به مثل ذلك (‪ )2‬فقوي‬


‫أبو يعلى ‪ ،‬وسنده (‪ )1‬عن شيبان بن فَرّوخ ‪ ،‬عن ال ّ‬
‫الحديث من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن النسائي ‪ -‬واللفظ له ‪ : -‬أخبرنا الحسين بن حُرَيْث ‪ ،‬حدثنا‬
‫الفضل بن موسى ‪ ،‬عن سفيان بن سعيد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَيْر ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬رضي ال عنهما (‪ )3‬قال ‪ :‬كان ملوك بعد عيسى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬بدلت التوراة والنجيل‬
‫‪ ،‬فكان منهم مؤمنون يقرؤون التوراة والنجيل ‪ ،‬فقيل لملوكهم ‪ :‬ما نجد شيئًا أشد من شتم‬
‫حكُمْ ِبمَا أَنزلَ اللّهُ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلكَافِرُونَ } [المائدة ‪:‬‬
‫يشتمونا هؤلء ‪ ،‬إنهم يقرؤون ‪َ { :‬ومَنْ لَمْ َي ْ‬
‫‪ ، ]44‬هذه (‪ )4‬اليات ‪ ،‬مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم ‪ ،‬فادعهم فليقرؤوا كما نقرأ ‪،‬‬
‫وليؤمنوا كما آمنا‪ .‬فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والنجيل ‪ ،‬إل ما‬
‫بدلوا منها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما تريدون إلى ذلك ؟ دعونا ‪ :‬فقالت طائفة منهم ‪ :‬ابنوا لنا أسطوانة ‪ ،‬ثم‬
‫ارفعونا إليها ‪ ،‬ثم أعطونا شيئًا نرفع به طعامنا وشرابنا فل نرد عليكم‪ .‬وقالت طائفة ‪ :‬دعونا‬
‫نسيح في الرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش ‪ ،‬فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا‪ .‬وقالت‬
‫طائفة ‪ :‬ابنوا لنا دورًا في الفيافي ‪ ،‬ونحتفر البار ونحترث (‪ )5‬البقول فل نرد عليكم ول نمر‬
‫بكم‪ .‬وليس أحد من القبائل إل له حميم فيهم ‪ ،‬ففعلوا ذلك فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬وَرَهْبَانِيّةً‬
‫حقّ رِعَايَ ِتهَا } والخرون قالوا ‪:‬‬
‫عوْهَا َ‬
‫ضوَانِ اللّهِ َفمَا رَ َ‬
‫ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْيهِمْ إِل ابْ ِتغَاءَ ِر ْ‬
‫نتعبد كما تعبد فلن ‪ ،‬ونسيح كما ساح فلن ‪ ،‬ونتخذ دورًا كما اتخذ فلن ‪ ،‬وهم على شركهم ل‬
‫علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم (‪ )6‬فلما بُعث النبي صلى ال عليه وسلم ولم يبق منهم إل القليل ‪،‬‬
‫انحط منهم رجل من صومعته ‪ ،‬وجاء سائح من سياحته ‪ ،‬وصاحب الدير من ديره ‪ ،‬فآمنوا به‬
‫وصدقوه ‪ ،‬فقال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ ِكفْلَيْنِ مِنْ‬
‫حمَتِهِ } أجرين بإيمانهم بعيسى ابن مريم والتوراة والنجيل ‪ ،‬وبإيمانهم بمحمد صلى ال عليه‬
‫رَ ْ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ نُورًا َتمْشُونَ بِهِ } [الحديد ‪ : ]28 :‬القرآن ‪ ،‬واتباعهم النبي‬
‫وسلم وتصديقهم قال (‪ { )7‬وَيَ ْ‬
‫شيْءٍ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ { :‬لِئَل َيعَْلمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ } الذين يتشبهون بكم { أَل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ } (‪)8‬‬
‫ضلِ اللّ ِه وَأَنّ ا ْل َفضْلَ بِ َيدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫مِنْ َف ْ‬
‫هذا السياق فيه غرابة ‪ ،‬وسيأتي تفسير هاتين اليتين الخريين على غير هذا ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أحمد بن عيسى ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬حدثني سعيد‬
‫بن عبد الرحمن بن أبي العمياء ‪ :‬أن سهل بن أبي أمامة حدثه أنه دخل هو وأبوه على أنس بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬في مسنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )10/272‬من طريق محمد الحضرمي ‪ ،‬عن شيبان به ‪،‬‬
‫ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/480‬من طريق عبد الرحمن بن المبارك ‪ ،‬عن الصعق بن حزن‬
‫به‪ .‬قال الحاكم ‪ :‬صحيح السناد ولم يخرجاه‪ .‬وتعقبه الذهبي‪ .‬قلت ‪" :‬ليس بصحيح ‪ ،‬فإن فيه‬
‫الصعق بن حزن ‪ ،‬عن عقيل بن يحيى ‪ ،‬والصعق وإن كان موثقًا ‪ ،‬فإن شيخه قال فيه البخاري ‪:‬‬
‫منكر الحديث"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هؤلء"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ونحرث"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬به"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬كما قال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )27/138‬وسنن النسائي (‪.)8/231‬‬

‫( ‪)8/30‬‬
‫ج َعلْ َلكُمْ نُورًا َتمْشُونَ ِبهِ‬
‫حمَتِ ِه وَيَ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَ َآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ َر ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَأَنّ‬
‫شيْءٍ مِنْ َف ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )28‬لِئَلّا َيعْلَمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَلّا َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫ضلِ ا ْل َعظِيمِ (‪)29‬‬
‫ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬

‫مالك بالمدينة زمان عمر بن عبد العزيز وهو أمير ‪ ،‬وهو يصلي صلة خفيفة (‪ )1‬كأنها صلة‬
‫مسافر أو قريبًا منها ‪ ،‬فلما سلم قال ‪ :‬يرحمك ال ‪ ،‬أرأيت هذه الصلة المكتوبة ‪ ،‬أم شيء تنفلته ؟‬
‫قال ‪ :‬إنها المكتوبة ‪ ،‬وإنها صلة رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أخطأت إل شيئًا سهوت‬
‫عنه ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬ل تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم ‪ ،‬فإن‬
‫قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ‪ ،‬فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات ‪ ،‬رهبانية ابتدعوها ما‬
‫كتبناها عليهم"‪ .‬ثم غدوا من الغد فقالوا ‪ :‬نركب فننظر ونعتبر قال ‪ :‬نعم فركبوا جميعًا ‪ ،‬فإذا هم‬
‫بديار قفر قد باد أهلها وانقرضوا وفنوا ‪ ،‬خاوية على عروشها فقالوا ‪ :‬تعرف هذه الديار ؟ قال ‪:‬‬
‫ما أعرفني بها وبأهلها‪ .‬هؤلء أهل الديار ‪ ،‬أهلكهم البغي والحسد ‪ ،‬إن الحسد يطفئ نور الحسنات‬
‫‪ ،‬والبغي يصدق ذلك أو يكذبه ‪ ،‬والعين تزني والكف والقدم والجسد واللسان ‪ ،‬والفرج يصدق‬
‫ذلك أو يكذبه (‪)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعمُر ‪ ،‬حدثنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا سفيان ‪ ،‬عن زيد ال َعمّي ‪ ،‬عن أبي‬
‫إياس ‪ ،‬عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لكل نبي رهبانية ‪ ،‬ورهبانية هذه‬
‫المة الجهاد في سبيل ال عز وجل" (‪)3‬‬
‫ورواه الحافظ أبو يعلى ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن أسماء ‪ ،‬عن عبد ال بن المبارك به ولفظه ‪:‬‬
‫"لكل أمة رهبانية ‪ ،‬ورهبانية هذه المة الجهاد في سبيل ال" (‪)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا حسين ‪ -‬هو ابن محمد ‪ -‬حدثنا ابن عياش ‪ -‬يعني إسماعيل ‪ -‬عن‬
‫الحجاج بن مروان (‪ )5‬الكلعي ‪ ،‬وعقيل بن مدرك السلمي ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬أن رجل جاءه فقال ‪ :‬أوصني فقال ‪ :‬سألت عما سألت عنه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫من قبلك ‪ ،‬أوصيك بتقوى ال ‪ ،‬فإنه رأس كل شيء ‪ ،‬وعليك بالجهاد فإنه رهبانية السلم ‪،‬‬
‫وعليك بذكر ال وتلوة القرآن ‪ ،‬فإنه روحك في السماء وذكرك في الرض‪ .‬تفرد به أحمد (‪)6‬‬
‫ج َعلْ َلكُمْ نُورًا َتمْشُونَ بِهِ‬
‫حمَتِهِ وَيَ ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ ِكفْلَيْنِ مِنْ رَ ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَأَنّ‬
‫شيْءٍ مِنْ َف ْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )28‬لِئَل َيعَْلمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ َ‬
‫ضلِ ا ْل َعظِيمِ (‪} )29‬‬
‫ا ْل َفضْلَ بِيَدِ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ َيشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫قد تقدم في رواية النسائي عن ابن عباس ‪ :‬أنه حمل هذه الية على مؤمني أهل الكتاب ‪ ،‬وأنهم‬
‫يؤتون أجرهم مرتين كما في الية التي في القصص (‪ )7‬وكما في حديث الشعبي عن أبي بُرْدَة ‪،‬‬
‫عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪ ،‬م "خفيفة وقعة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪.)6/365‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/266‬وفيه زيد العمى ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أبي يعلى (‪.)7/210‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬هارون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/82‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )4/215‬رجال أحمد ثقاب"‪.‬‬
‫(‪ )7‬عند تفسير الية ‪.54 :‬‬

‫( ‪)8/31‬‬

‫أبي موسى الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ثلثة يؤتون أجرهم مرتين ‪:‬‬
‫رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران ‪ ،‬وعبد مملوك أدى حق ال وحق َموَاليه فله‬
‫أجران ‪ ،‬ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين‬
‫(‪)1‬‬
‫ووافق ابن عباس على هذا التفسير الضحاك ‪ ،‬وعتبة بن أبي حكيم ‪ ،‬وغيرهما ‪ ،‬وهو اختيار ابن‬
‫جرير‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ :‬لما افتخر أهلُ الكتاب بأنهم يؤتون أجرهم مرتين أنزل ال هذه الية في‬
‫حمَتِهِ } أي ‪:‬‬
‫حق هذه المة ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ُيؤْ ِتكُمْ ِكفْلَيْنِ مِنْ رَ ْ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ نُورًا َتمْشُونَ بِهِ } يعني ‪ :‬هدى يُتَ َبصّر به من العمى والجهالة ‪،‬‬
‫ضعفين ‪ ،‬وزادهم ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫ويغفر لكم‪ .‬فضلهم بالنور والمغفرة‪ .‬ورواه ابن جرير عنه‪.‬‬
‫ج َعلْ َلكُمْ فُ ْرقَانًا وَ ُي َكفّرْ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ‬
‫وهذه الية كقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ّتقُوا اللّهَ يَ ْ‬
‫ضلِ ا ْل َعظِيمِ } [النفال ‪.]29 :‬‬
‫وَ َيغْفِرْ َلكُ ْم وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫وقال سعيد بن عبد العزيز ‪ :‬سأل عمر بن الخطاب حَبْرًا من أحبار يهود ‪ :‬كم أفضل ما ضعفت (‬
‫‪ )2‬لكم حسنة ؟ قال ‪ :‬كفل ثلثمائة وخمسون (‪ )3‬حسنة‪ .‬قال ‪ :‬فحمد ال عمر على أنه أعطانا‬
‫حمَتِهِ } قال سعيد ‪ :‬والكفلن‬
‫كفلين‪[ .‬ثم] (‪ )4‬ذكر سعيد قول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ُ { :‬يؤْ ِتكُمْ ِكفْلَيْنِ مِنْ َر ْ‬
‫في الجمعة مثل ذلك‪ .‬رواه ابن جرير (‪)5‬‬
‫ومما يؤيد هذا القول ما رواه المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا أيوب عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل‬
‫عمال فقال ‪ :‬من يعمل لي من صلة الصبح إلى نصف النهار على قيراط قيراط ؟ أل فعملت‬
‫اليهود‪ .‬ثم قال ‪ :‬من يعمل لي من نصف النهار إلى صلة العصر على قيراط قيراط ؟ أل فعملت‬
‫النصارى‪ .‬ثم قال من يعمل لي من صلة العصر إلى غروب الشمس على قيراطين قيراطين ؟ أل‬
‫فأنتم الذي عملتم‪ .‬فغضبت النصارى واليهود ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬نحن أكثر عمل وأقل عطاء‪ .‬قال ‪ :‬هل‬
‫ظلمتكم من أجركم شيئا ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬فإنما هو فضلي أوتيه من أشاء" (‪)6‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬وحدثناه ُم َؤمّل ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن دينار ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬نحو حديث نافع‬
‫‪ ،‬عنه (‪)7‬‬
‫انفرد بإخراجه البخاري ‪ ،‬فرواه عن سليمان (‪ )8‬بن حرب ‪ ،‬عن حماد ‪[ ،‬عن أيوب] (‪ )9‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )97‬وصحيح مسلم برقم (‪.)154‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ضعف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وخمسين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)27/141‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/6‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/111‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬سليم"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من صحيح البخاري‪.‬‬

‫( ‪)8/32‬‬

‫نافع ‪ ،‬به (‪ )1‬وعن قتيبة ‪ ،‬عن الليث ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬بمثله (‪)2‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنى محمد بن العلء ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن بَريد (‪ )3‬عن أبي بردة ‪ ،‬عن‬
‫أبي موسى ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل‬
‫استأجر قومًا يعملون له عمل يومًا إلى الليل على أجر معلوم ‪ ،‬فعملوا إلى نصف النهار فقالوا ‪:‬‬
‫ل حاجة لنا في أجرك الذي شرطت لنا ‪ ،‬وما عملنا باطل‪ .‬فقال لهم ‪ :‬ل تفعلوا ‪ ،‬أكملوا بقية‬
‫عملكم وخذوا أجركم كامل فأبوا وتَ َركُوا ‪ ،‬واستأجر آخرين بعدهم فقال ‪ :‬أكملوا بقية يومكم ولكم‬
‫الذي شرطت لهم من الجر ‪ ،‬فعملوا حتى إذا كان حين صلوا العصر قالوا ‪ :‬ما عملنا باطل ‪،‬‬
‫ولك الجر الذي جعلت لنا فيه‪ .‬فقال أكملوا بقية عملكم ؛ فإن ما بقي من النهار شيء يسير‪.‬‬
‫فأبوا ‪ ،‬فاستأجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم ‪ ،‬فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ‪ ،‬فاستكملوا‬
‫أجر الفريقين كليهما ‪ ،‬فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور" انفرد به البخاري (‪)4‬‬
‫شيْءٍ مِنْ َفضْلِ اللّهِ } أي ‪ :‬ليتحققوا‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬لِئَل َيعَْلمَ أَ ْهلُ ا ْلكِتَابِ أَل َيقْدِرُونَ عَلَى َ‬
‫ضلَ بِيَدِ اللّهِ‬
‫أنهم ل يقدرون على رَدّ ما أعطاه ال ‪ ،‬ول [على] (‪ )5‬إعطاء ما منع ال ‪ { ،‬وَأَنّ ا ْل َف ْ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ }‬
‫ُيؤْتِيهِ مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْلفَ ْ‬
‫قال ابن جرير ‪ { :‬لِئَل َيعَْلمَ } أي ‪ :‬ليعلم وقد ذكر عن ابن مسعود أنه قرأها ‪" :‬لكي يعلم"‪ .‬وكذا‬
‫حطّان (‪ )6‬بن عبد ال ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬قال ابن جرير ‪ :‬لن العرب تجعل "ل" صلة في كل‬
‫سجُدَ } [العراف‬
‫كلم دخل في أوله وآخره جحد غير مصرح ‪ ،‬فالسابق كقوله ‪ { :‬مَا مَ َن َعكَ أَل تَ ْ‬
‫شعِ ُركُمْ أَ ّنهَا ِإذَا جَا َءتْ ل ُي ْؤمِنُونَ } [النعام ‪ { ، ]109 :‬وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ‬
‫‪َ { ، ]12 :‬ومَا ُي ْ‬
‫جعُونَ } [النبياء ‪.]95 :‬‬
‫أَهَْلكْنَاهَا أَ ّن ُهمْ ل يَرْ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)2268‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)3459‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)2271‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬حطاب"‪.‬‬

‫( ‪)8/33‬‬

‫سمِيعٌ‬
‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ َي ْ‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫قَدْ َ‬
‫َبصِيرٌ (‪)1‬‬

‫تفسير سورة المجادلة‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سمِيعٌ‬
‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ يَ ْ‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫{ َقدْ َ‬
‫َبصِيرٌ (‪} )1‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت ‪ :‬الحمد ل الذي وَسع سمعه الصوات ‪ ،‬لقد جاءت المجادلةُ إلى النبي صلى ال عليه‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ‬
‫وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ‪ ،‬ما أسمع ما تقول ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫جهَا } إلى آخر الية (‪)1‬‬
‫الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫وهكذا رواه البخاري في كتاب التوحيد تعليقًا فقال ‪ :‬وقال العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪ ،‬عن‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬فذكره (‪ )2‬وأخرجه النسائي ‪ ،‬وابن ماجة ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪،‬‬
‫من غير وجه ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫وفي رواية لبن أبي حاتم عن العمش ‪ ،‬عن تميم بن سلمة ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت‬
‫‪ :‬تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء ‪ ،‬إني لسمع كلم خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬ويخفى علي بعضه ‪،‬‬
‫وهي تشتكي زوجها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهي تقول ‪ :‬يا رسول ال ‪َ ،‬أ َكلَ شبابي‬
‫‪ ،‬ونَثَرت (‪ )4‬له بطني ‪ ،‬حتى إذا كَبُرَت سِنّي ‪ ،‬وانقطع ولدي ‪ ،‬ظَاهَر مِنّي ‪ ،‬اللهم إني أشكو‬
‫جهَا‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َز ْو ِ‬
‫إليك‪ .‬قالت ‪ :‬فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الية ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫} وقال (‪ )5‬وزوجها أوس بن الصامت‪.‬‬
‫وقال ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عن عروة ‪ :‬هو أوس بن الصامت ‪ -‬وكان أوس امرأ به‬
‫لمم ‪ ،‬فكان إذا أخَذه لممه (‪ )6‬واشتد به يظاهر من امرأته ‪ ،‬وإذا ذهب لم يقل شيئًا‪ .‬فأتت رسول‬
‫جهَا‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َز ْو ِ‬
‫ال تستفتيه في ذلك ‪ ،‬وتشتكي إلى ال ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّهِ } الية‪.‬‬
‫وهكذا روى هشام بن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬أن رجل كان به لممٌ ‪ ،‬فذكر مثله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/46‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)7385‬‬
‫(‪ )3‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11570‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )188‬وتفسير الطبري (‪.)28/5‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وبرت"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وقالت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬أخذه لمم"‪.‬‬

‫( ‪)8/34‬‬

‫الّذِينَ ُيظَاهِرُونَ مِ ْنكُمْ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِلّا اللّائِي وََلدْ َنهُ ْم وَإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ مُ ْنكَرًا‬
‫غفُورٌ (‪ )2‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا‬
‫ل وَزُورًا وَإِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬
‫مِنَ ا ْل َقوْ ِ‬
‫فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِ ِه وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )3‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ‬
‫سكِينًا ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬
‫طعَامُ سِتّينَ ِم ْ‬
‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َفمَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ فَإِ ْ‬
‫َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪)4‬‬
‫وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّ ِه وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ -‬يعني بن‬
‫عمَرَ ‪ -‬يقال لها ‪ :‬خولة بنت ثعلبة ‪ -‬وهو‬
‫حازم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت أبا يزيد يحدث قال ‪ :‬لقيت امرأة ُ‬
‫يسير مع الناس ‪ ،‬فاستوقفته فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها رأسه ‪ ،‬ووضع يديه على منكبيها‬
‫حتى قضت حاجتها وانصرفت‪ .‬فقال له رجل ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬حبست رجالت قريش على‬
‫هذه العجوز ؟! قال ‪ :‬ويحك! وتدري من هذه ؟ قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬هذه امرأة سمع ال شكواها من‬
‫فوق سبع سموات ‪ ،‬هذه خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬وال لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها‬
‫حتى تقضي حاجتها إلى أن تحضر صلة فأصليها ‪ ،‬ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها (‪)1‬‬
‫هذا منقطع بين أبي يزيد وعمر بن الخطاب‪ .‬وقد روي من غير هذا الوجه‪ .‬وقال ابن أبي حاتم‬
‫أيضًا ‪ :‬حدثنا المنذر بن شاذان (‪ )2‬حدثنا يعلى ‪ ،‬حدثنا زكريا عن عامر قال ‪ :‬المرأة التي جادلت‬
‫في زوجها خولة بنت الصامت ‪ ،‬وأمها معاذة التي أنزل ال فيها ‪ { :‬وَل ُتكْ ِرهُوا فَتَيَا ِت ُكمْ عَلَى‬
‫حصّنًا } [ النور ‪] 33 :‬‬
‫الْ ِبغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ َت َ‬
‫صوابه ‪ :‬خولة امرأة أوس بن الصامت‪.‬‬
‫{ الّذِينَ ُيظَاهِرُونَ مِ ْنكُمْ مِنْ نِسَا ِئهِمْ مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِل اللئِي وَلَدْ َن ُه ْم وَإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ‬
‫غفُورٌ (‪ )2‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا‬
‫ل وَزُورًا وَإِنّ اللّهَ َل َع ُفوّ َ‬
‫مُ ْنكَرًا مِنَ ا ْلقَ ْو ِ‬
‫فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َذِلكُمْ تُوعَظُونَ بِ ِه وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )3‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ‬
‫سكِينًا ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬
‫طعَامُ سِتّينَ ِم ْ‬
‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َفمَنْ َلمْ يَسْ َتطِعْ فَإِ ْ‬
‫َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪} )4‬‬
‫وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّ ِه وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سعد (‪ )3‬بن إبراهيم ويعقوب قال حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪،‬‬
‫حدثني َم ْعمَر بن عبد ال بن حنظلة ‪ ،‬عن ابن عبد ال بن سلم ‪ ،‬عن خويلة (‪ )4‬بنت ثعلبة قالت‬
‫‪ :‬فيّ ‪ -‬وال ‪ -‬وفي أوس بن الصامت أنزل ال صَدْرَ سورة "المجادلة" ‪ ،‬قالت ‪ :‬كنت عنده وكان‬
‫ي يومًا فراجعته بشيء فغضب فقال ‪ :‬أنت عليّ كظهر‬
‫شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه ‪ ،‬قالت ‪ :‬فدخل عل ّ‬
‫أمي‪ .‬قالت ‪ :‬ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ‪ ،‬ثم دخل عليّ فإذا هو يريدني عن نفسي‪.‬‬
‫قالت ‪ :‬قلت ‪ :‬كل والذي نفس خويلة (‪ )5‬بيده ‪ ،‬ل تخلص إليّ وقد قلت ما قلت ‪ ،‬حتى يحكم ال‬
‫ورسوله فينا بحكمه‪ .‬قالت ‪ :‬فواثبني وامتنعت منه ‪ ،‬فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف ‪،‬‬
‫فألقيته عني ‪ ،‬قالت ‪ :‬ثم خرجتُ إلى بعض جاراتي ‪ ،‬فاستعرت منها ثيابًا ‪ ،‬ثم خرجتُ حتى جئت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فجلست بين يديه ‪ ،‬فذكرت له ما لقيت منه ‪ ،‬وجعلت أشكو إليه‬
‫ما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الدرامي في الرد على الجهمية (ص ‪ )26‬من طريق أبي يزيد ‪ ،‬عن عمر بن الخطاب‬
‫به‪ .‬قال الذهبي في العلو (ص ‪" : )113‬هذا إسناد صالح فيه انقطاع ‪ ،‬أبو يزيد لم يلحق عمر"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حدثنا الوليد بن المنذر به شاذان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬خولة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬خولة"‪.‬‬
‫( ‪)8/35‬‬

‫ألقى من سوء خلقه‪ .‬قالت ‪ :‬فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يا خويلة (‪ )1‬ابنُ عمك‬
‫شيخ كبير ‪ ،‬فاتقي ال فيه"‪ .‬قالت ‪ :‬فوال ما برحت حتى نزل فيّ القرآن ‪ ،‬فتغشى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ما كان يتغشاه ‪ ،‬ثم سُ ّريَ عنه ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬يا خويلة (‪ )2‬قد أنزل ال فيك‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّهِ وَاللّهُ‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي ُتجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫وفي صاحبك"‪ .‬ثم قرأ عليّ ‪َ { :‬قدْ َ‬
‫سمِيعٌ َبصِيرٌ } إلى قوله ‪ { :‬وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قالت ‪ :‬فقال لي‬
‫سمَعُ َتحَاوُ َر ُكمَا إِنّ اللّهَ َ‬
‫يَ ْ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مُريه فليعتق رقبة"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت يا رسول ال ‪ ،‬ما عنده ما‬
‫يعتق‪ .‬قال ‪" :‬فليصم شهرين متتابعين"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬وال إنه شيخ كبير ‪ ،‬ما به من صيام‪ .‬قال‬
‫‪" :‬فليطعم ستين مسكينًا وسقًا من تَمر"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما ذاك عنده‪ .‬قالت ‪ :‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فإنا سنعينه بعَ َرقٍ من تمر"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وأنا‬
‫سأعينه بعَرَقٍ آخر ‪ ،‬قال ‪" :‬فقد أصبت وأحسَنْت ‪ ،‬فاذهبي فتصدقي به عنه ‪ ،‬ثم استوصي بابن‬
‫عمك خيرًا"‪ .‬قالت ‪ :‬ففعلت‪.‬‬
‫ورواه أبو داود في كتاب الطلق من سننه من طريقين ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق بن يسار ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫خوَيلة‪ .‬ول‬
‫وعنده ‪ :‬خولة بنت ثعلبة ‪ ،‬ويقال فيها ‪ :‬خولة بنت مالك بن ثعلبة‪ .‬وقد تصغر فيقال ‪ُ :‬‬
‫منافاة بين هذه القوال ‪ ،‬فالمر فيها قريب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫هذا هو الصحيح في سبب نزول صدر هذه السورة ‪ ،‬فأما حديث سَلَمة بن صَخْر فليس فيه أنه‬
‫كان سبب النزول ‪ ،‬ولكن أمر بما أنزل ال في هذه السورة ‪ ،‬من العتق أو الصيام ‪ ،‬أو الطعام ‪،‬‬
‫كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن عطاء ‪ ،‬عن سُلَيمان‬
‫بن يَسَار ‪ ،‬عن سلمة بن صخر النصاري قال ‪ :‬كنتُ امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت‬
‫غيري ‪ ،‬فلما دخل رمضان تظهّرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان ‪ ،‬فَ َرقًا من أن أصيب في‬
‫ليلتي شيئا فأتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار ‪ ،‬وأنا ل أقدر أن أنزع ‪ ،‬فبينا هي تخدمني من‬
‫الليل إذ تكشف لي منها شيء ‪ ،‬فوثبت عليها ‪ ،‬فلما أصبحتُ غدوتُ على (‪ )4‬قومي فأخبرتهم‬
‫خبري وقلت ‪ :‬انطلقوا معي إلى النبي (‪ )5‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬فأخبره بأمري‪ .‬فقالوا ‪ :‬ل وال‬
‫ل نفعل ؛ نتخوف أن ينزل فينا (‪ - )6‬أو يقول فينا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬مقالة يبقى‬
‫علينا عارها ‪ ،‬ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك‪ .‬قال ‪ :‬فخرجتُ حتى أتيتُ النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فأخبرته خبري‪ .‬فقال لي ‪" :‬أنت بذاك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا بذاك‪ .‬فقال "أنت بذاك"‪ .‬فقلت ‪ :‬أنا‬
‫بذاك‪ .‬قال "أنت بذاك"‪ .‬قلت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ها أناذا فأمض فيّ حكم ال تعالى (‪ )7‬فإني صابر له‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"أعتق رقبة"‪ .‬قال ‪ :‬فضربت صفحة رقبتي (‪ )8‬بيدي وقلت ‪ :‬ل والذي بعثك بالحق ما أصبحت‬
‫أملك غيرها‪ .‬قال ‪" :‬فصم شهرين"‪ .‬قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل أصابني ما أصابني إل في الصيام‬
‫؟ قال ‪" :‬فتصدق"‪ .‬فقلت ‪ :‬والذي بعثك بالحق ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يا خولة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬يا خولة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/410‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2215 ، 2214‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬إلى"‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬فينا شيء"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬عنقي"‪.‬‬

‫( ‪)8/36‬‬

‫حشَى ما لنا عشاء‪ .‬قال ‪" :‬اذهب إلى صاحب صدقة بني زُريق فقل له فليدفعها‬
‫لقد بتنا ليلتنا هذه وَ ْ‬
‫إليك ‪ ،‬فأطعم عنك منها وسقًا من تمر ستين مسكينًا ‪ ،‬ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فرجعت إلى قومي فقلت ‪ :‬وجدت عندكم الضيقَ وسوءَ الرأي ‪ ،‬ووجدت عند رسول ال صلى ال‬
‫سعَة والبركة ‪ ،‬قد أمر لي بصدقتكم ‪ ،‬فادفعوها إليّ‪ .‬فدفعوها إليّ‪.‬‬
‫عليه وسلم ال ّ‬
‫حسّنه (‪)1‬‬
‫وهكذا رواه أبو داود ‪ ،‬وابن ماجة ‪ ،‬واختصره الترمذي و َ‬
‫وظاهر السياق ‪ :‬أن هذه القصة كانت بعد قصة أوس بن الصامت وزوجته خُويَلة بنت ثعلبة ‪،‬‬
‫كما دلّ عليه سياق تلك وهذه بعد التأمل‪.‬‬
‫قال خَصيف ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن بن عباس ‪ :‬أول من ظاهر من امرأته أوس بن الصامت ‪ ،‬أخو‬
‫عبادة بن الصامت ‪ ،‬وامرأته خولة بنت ثعلبة بن مالك ‪ ،‬فلما ظاهر منها خَشِيت أن يكون ذلك‬
‫طلقًا ‪ ،‬فأتت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أوسًا ظاهر مني ‪ ،‬وإنا‬
‫ت صُحْبَتَهُ‪ .‬وهي تشكو ذلك وتبكي ‪ ،‬ولم يكن جاء‬
‫إن افترقنا هلكنا ‪ ،‬وقد نَثَرتُ بطني منه ‪ ،‬وقَدم ْ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّهِ } إلى‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َزوْ ِ‬
‫في ذلك شيء‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } فدعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أتقدر على رقبة‬
‫قوله ‪ { :‬وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫تعتقها ؟ "‪ .‬قال ‪ :‬ل وال يا رسول ال ما أقدر عليها ؟ قال ‪ :‬فجمع له رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬حتى أعتق عنه ‪ ،‬ثم راجع أهله رواه بن جرير (‪)2‬‬
‫ولهذا ذهب ابنُ عباس والكثرون إلى ما قلناه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬الّذِينَ ُيظَاهِرُونَ مِ ْنكُمْ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ } أصل الظهار مشتق من الظهر ‪ ،‬وذلك أن‬
‫ظهْرِ أمي ‪ ،‬ثم في الشرع كان‬
‫الجاهلية كانوا إذا تظاهر أحد من امرأته قال لها ‪ :‬أنت عليّ كَ َ‬
‫الظهار في سائر العضاء قياسًا على الظهر ‪ ،‬وكان الظهار عند الجاهلية طلقًا ‪ ،‬فأرخص ال‬
‫لهذه المة وجعل فيه كفارة ‪ ،‬ولم يجعله طلقًا كما كانوا يعتمدونه في جاهليتهم‪ .‬هكذا قال غير‬
‫واحد من السلف‪.‬‬
‫عكْرمة ‪،‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن أبي حمزة ‪ ،‬عن ِ‬
‫عن ابن عباس قال ‪ :‬كان الرجل إذا قال لمرأته في الجاهلية ‪ :‬أنت عليّ كظهر أمي ‪ ،‬حُرّمت‬
‫عليه ‪ ،‬فكان أول من ظاهر في السلم أوس ‪ ،‬وكان تحته ابنة عم له يقال لها ‪" :‬خويلة بنت ثعلبة‬
‫(‪ .)3‬فظاهر منها ‪ ،‬فأسقط في يديه ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما أراك إل قد حَرُمت علي‪ .‬وقالت له مثل ذلك ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فانطلقي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فأتت رسول ال فوجدت عنده ماشطة تمشط‬
‫رأسه ‪ ،‬فقال ‪" :‬ياخويلة ‪ ،‬ما أمرنا في أمرك بشيء (‪ )4‬فأنزل ال على رسوله صلى ال عليه‬
‫سمِعَ اللّهُ َقوْلَ الّتِي‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال ‪ " :‬يا خويلة ‪ ،‬أبشري" قالت ‪ :‬خيرًا‪ .‬قال فقرأ عليها ‪ { :‬قَدْ َ‬
‫سمَعُ تَحَاوُ َر ُكمَا } إلى قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ‬
‫جهَا وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّ ِه وَاللّهُ َي ْ‬
‫تُجَادُِلكَ فِي َز ْو ِ‬
‫نِسَا ِئهِمْ ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/37‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2213‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )2062‬وسنن الترمذي‬
‫برقم (‪.)3299‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/6‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بنت خويلد" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )4‬قي م ‪" :‬ما أمرنا فيك بشيء"‪.‬‬

‫( ‪)8/37‬‬

‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ }‬


‫قالت ‪ :‬وأي رقبة لنا ؟ وال ما يجد رقبة غيري‪ .‬قال ‪َ { :‬فمَنْ لَمْ َيجِدْ َفصِيَامُ َ‬
‫طعَامُ‬
‫طعْ فَإِ ْ‬
‫قالت ‪ :‬وال لول أنه يشرب في اليوم ثلث مرات لذهب بصره! قال ‪َ { :‬فمَنْ لَمْ يَسْتَ ِ‬
‫سكِينًا } قالت ‪ :‬من أين ؟ ما هي إل أكلة إلي مثلها! قال ‪ :‬فدعا بشطر وَسْق ‪ -‬ثلثين‬
‫سِتّينَ مِ ْ‬
‫صاعا ‪ ،‬والوسق ‪ :‬ستون صاعا ‪ -‬فقال ‪" :‬ليطعم ستين مسكينا وليراجعك" (‪ )1‬وهذا إسناد جيد‬
‫قوي ‪ ،‬وسياق غريب ‪ ،‬وقد روي عن أبي العالية نحو هذا ‪ ،‬فقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي ‪ ،‬حدثنا على بن عاصم ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن أبي‬
‫العالية قال ‪ :‬كانت خولة بنت دُلَيج تحت رجل من النصار ‪ ،‬وكان ضرير البصر فقيرًا سيئ‬
‫الخلق ‪ ،‬وكان طلق أهل الجاهلية إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته ‪ ،‬قال ‪" :‬أنت عليّ كظهر‬
‫أمي"‪ .‬وكان لها منه عيل أو عيلن ‪ ،‬فنازعته يوما في شيء فقال ‪" :‬أنت عليّ كظهر أمي"‪.‬‬
‫فاحتملت عليها ثيابها حتى دخلت على النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وهو في بيت عائشة ‪ ،‬وعائشة‬
‫تغسل شق رأسه ‪ ،‬فقدمت عليه ومعها عَيّلها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن زوجي ضرير البصر ‪،‬‬
‫فقير ل شيء له سيئ الخُلُق ‪ ،‬وإني نازعته في شيء فغضب ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت عليّ كظهر أمي" ‪،‬‬
‫ولم يرد به الطلق ‪ ،‬ولي منه عيل أو عيلن ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما أعلمك إل قد حَرُمت عليه" فقالت ‪:‬‬
‫أشكو إلى ال ما نزل بي وأبا صبييّ‪ .‬قال ‪ :‬ودارت عائشة فغسلت شق رأسه الخر ‪ ،‬فدارت‬
‫معها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬زوجي ضرير البصر ‪ ،‬فقير سيئ الخلق ‪ ،‬وإن لي منه عَيّل أو‬
‫عيلين ‪ ،‬وإني نازعته في شيء فغضب ‪ ،‬وقال ‪" :‬أنت عليّ كظهر أمي" ‪ ،‬ولم يرد به الطلق!‬
‫قالت ‪ :‬فرفع إلي رأسه وقال ‪" :‬ما أعلمك إل قد حرمت عليه"‪ .‬فقالت ‪ :‬أشكو إلى ال ما نزل بي‬
‫وأبا صبيي ؟ قال ‪ :‬ورأت عائشة وجه النبي صلى ال عليه وسلم َتغَيّر ‪ ،‬فقالت لها ‪" :‬وراءك‬
‫وراءك ؟" فتنحت ‪ ،‬فمكث رسول ال صلى ال عليه وسلم في غشيانه ذلك ما شاء ال ‪ ،‬فلما‬
‫انقطع الوحي قال ‪" :‬يا عائشة ‪ ،‬أين المرأة" فدعتها ‪ ،‬فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"اذهبي فأتني بزوجك"‪ .‬فانطلقت تسعى فجاءت به‪ .‬فإذا هو ‪[ -‬كما قالت] (‪ - )2‬ضرير البصر ‪،‬‬
‫فقير سيئ الخلق‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أستعيذ بال السميع العليم ‪ ،‬بسم ال الرحمن‬
‫جهَا [ وَتَشْ َتكِي إِلَى اللّهِ ] } (‪ )3‬إلى قوله ‪ { :‬وَالّذِينَ‬
‫سمِعَ اللّهُ َق ْولَ الّتِي تُجَادُِلكَ فِي َز ْو ِ‬
‫الرحيم { قَدْ َ‬
‫يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا [ فَتَحْرِيرُ َرقَ َبةٍ ] } (‪ )4‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أتجد رقبة تعتقها من قبل أن تمسها ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والذي بعثك بالحق ‪ ،‬إني إذا لم آكل المرتين والثلث يكاد أن يعشو بصري‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل إل [أن] (‪ )5‬تعينني‪ .‬قال ‪ :‬فأعانه رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪" :‬أطعم ستين مسكينا"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )28/3‬ورواه البزار في مسنده برقم (‪" )1076‬كشف الستار" من طريق‬
‫عبيد ال بن موسى ‪ ،‬عن أبي حمزة به وقال ‪" :‬ل نعلمه بهذا اللفظ في الظهار عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم إل بهذا السناد ‪ ،‬وأبو حمزة لين الحديث ‪ ،‬وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب‬
‫في أمر الظهار ؛ لن الزهري رواه عن حميد بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬وهذا إسناد ل‬
‫نعلم بين علماء أهل الحديث اختلفًا في صحته ‪ ،‬وأنه صلى ال عليه وسلم دعا بإناء فيه خمسة‬
‫عشر صاعًا ‪ ،‬وحديث أبي حمزة منكر ‪ ،‬وفيه لفظ يدل على خلف الكتاب ؛ لنه قال ‪:‬‬
‫"وليراجعك ‪ ،‬وقد كانت امرأته ‪ ،‬فما معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها ‪ ،‬وهذا مما ل يجوز على‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/38‬‬

‫حوّل ال الطلق ‪ ،‬فجعله ظهارًا‪.‬‬


‫وَ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن المثنى ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬سمعت أبا العالية ‪ ،‬فذكر نحوه‬
‫‪ ،‬بأخصر من هذا السياق (‪)1‬‬
‫وقال سعيد ابن جبير ‪ :‬كان اليلء والظهار من طلق الجاهلية ‪ ،‬فوقت ال اليلء أربعة أشهر ‪،‬‬
‫وجعل في الظهار الكفارة‪ .‬رواه بن أبي حاتم ‪ ،‬بنحوه‪.‬‬
‫وقد استدل المام مالك على أن الكافر ل يدخل في هذه الية بقوله ‪ { :‬مِ ْنكُمْ } فالخطاب‬
‫للمؤمنين ‪ ،‬وأجاب الجمهور بأن هذا خرج مخرج الغالب فل مفهوم له ‪ ،‬واستدل الجمهور عليه‬
‫بقوله ‪ { :‬مِنْ نِسَا ِئ ِهمْ } على أن المة ل ظهار منها ‪ ،‬ول تدخل في هذا الخطاب‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا هُنّ ُأ ّمهَا ِتهِمْ إِنْ ُأ ّمهَا ُتهُمْ إِل اللئِي وَلَدْ َنهُمْ } أي ‪ :‬ل تصير المرأة بقول الرجل ‪" :‬أنت‬
‫عليّ كأمي" أو "مثل أمي" أو "كظهر أمي" (‪ )2‬وما أشبه ذلك ‪ ،‬ل تصير أمه بذلك ‪ ،‬إنما أمه التي‬
‫ولدته ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَإِ ّنهُمْ لَ َيقُولُونَ مُ ْنكَرًا مِنَ ا ْلقَ ْولِ وَزُورًا } أي ‪ :‬كلمًا فاحشًا باطل { وَإِنّ اللّهَ‬
‫غفُورٌ } أي ‪ :‬عما كان منكم في حال الجاهلية‪ .‬وهكذا أيضًا عما خرج من سبق اللسان ‪ ،‬ولم‬
‫َل َعفُوّ َ‬
‫يقصد إليه المتكلم ‪ ،‬كما رواه أبو داود ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سمع رجل يقول‬
‫لمرأته ‪ :‬يا أختي‪ .‬فقال ‪ :‬أختك هي ؟" ‪ ،‬فهذا إنكار (‪ )3‬ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك ؛ لنه‬
‫لم يقصده ‪ ،‬ولو قصده لحرمت عليه ؛ لنه ل فرق على الصحيح بين الم وبين غيرها من سائر‬
‫المحارم من أخت وعمة وخالة وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ ِنسَا ِئهِمْ ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا } اختلف السلف والئمة في المراد‬
‫بقوله ‪ُ { :‬ثمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا } فقال بعض الناس ‪ :‬العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره ‪،‬‬
‫وهذا القول باطل ‪ ،‬وهو اختيار بن حزم (‪ )4‬وقول داود ‪ ،‬وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن ُبكَيْر‬
‫ابن الشج والفراء ‪ ،‬وفرقة من أهل الكلم‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬هو أن يمسكها بعد الظهار زمانًا يمكنه أن يطلق فيه فل يطلق‪.‬‬
‫وقال أحمد بن حنبل ‪ :‬هو أن يعود إلى الجماع أو يعزم عليه فل تحل له حتى يكفر بهذه الكفارة‪.‬‬
‫وقد حكي عن مالك ‪ :‬أنه العزم على الجماع أو المساك (‪ )5‬وعنه أنه الجماع‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة ‪ :‬هو أن يعود إلى الظهار بعد تحريمه ‪ ،‬ورفع ما كان عليه أمر الجاهلية ‪ ،‬فمتى‬
‫تظاهر (‪ )6‬الرجل من امرأته فقد حرمها تحريمًا ل يرفعه إل الكفارة‪ .‬وإليه ذهب أصحابه ‪،‬‬
‫والليث بن سعد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/3‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬كظهر أمي أو كأمي أو مثل أمي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )2210‬من حديث أبي تميمة الهجيمي ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬ابن جرير" والمثبت من م‪ .‬مستفادًا من هامش ط ‪ -‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬أو المساك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬ظاهر"‪.‬‬

‫( ‪)8/39‬‬

‫وقال ابن َلهِيعة ‪ :‬حدثني عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ { :‬ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا قَالُوا } يعني ‪ :‬يريدون أن‬
‫يعودوا في الجماع الذي حرموه على أنفسهم‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬يعني الغشيان في الفرج‪ .‬وكان ل يرى بأسا أن يغشى فيما دون الفرج‬
‫قبل أن يكفر‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا } والمس ‪ :‬النكاح‪ .‬وكذا قال‬
‫عطاء ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل ابن حيان‪.‬‬
‫وقال الزهري ‪ :‬ليس له أن يقبلها ول يمسها حتى يكفر‪.‬‬
‫وقد روي أهل السنن من حديث عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني‬
‫ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر‪ .‬فقال ‪" :‬ما حملك على ذلك يرحمك ال ؟"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫رأيت خلخالها في ضوء القمر‪ .‬قال ‪" :‬فل تقربها حتى تفعل ما أمرك ال ‪ ،‬عز وجل" (‪)1‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب صحيح (‪ )2‬ورواه أبو داود والنسائي من حديث عكرمة مرسل‪.‬‬
‫قال النسائي ‪ :‬وهو أولى بالصواب (‪)3‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَ َتحْرِيرُ َرقَبَةٍ } أي ‪ :‬فإعتاق رقبة كاملة من قبل أن يتماسا ‪ ،‬فها هنا الرقبة مطلقة غير‬
‫مقيدة باليمان ‪ ،‬وفي كفارة القتل مقيدة باليمان ‪ ،‬فحمل الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ما أطلق ها هنا‬
‫على ما قيد هناك لتحاد الموجب ‪ ،‬وهو عتق الرقبة ‪ ،‬واعتضد (‪ )4‬في ذلك بما رواه عن مالك‬
‫بسنده ‪ ،‬عن معاوية بن الحكم السلمي ‪ ،‬في قصة الجارية السوداء ‪ ،‬وأن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أعتقها فإنها مؤمنة"‪ .‬وقد رواه أحمد في مسنده ‪ ،‬ومسلم في صحيحه (‪)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا يوسف (‪ )6‬بن موسى ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن نمير ‪ ،‬عن‬
‫إسماعيل بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أتى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم رجل فقال ‪ :‬إني تظاهرت (‪ )7‬من امرأتي ثم وقعت عليها قبل أن أكفر‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ألم يقل ال { مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا } قال ‪ :‬أعجبتني ؟ قال ‪:‬‬
‫"أمسك حتى تكفر" (‪)8‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬ل يروي عن ابن عباس بأحسن من هذا ‪ ،‬وإسماعيل بن مسلم تكلم فيه ‪ ،‬وروي‬
‫عنه جماعة كثيرة من أهل العلم ‪ ،‬وفيه من الفقه أنه لم يأمره إل بكفارة واحدة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )2223‬والترمذي في السنن برقم (‪ )1990‬والنسائي في‬
‫السنن (‪ )6/167‬وابن ماجة في السنن برقم (‪.)2065‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ : :‬حسن صحيح غريب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ )2222 ، 2221‬وسنن النسائي (‪.)6/168‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬واعتمد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الموطأ (‪ )2/777‬والمسند (‪ )5/447‬وصحيح مسلم برقم (‪.)537‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬حدثنا يونس"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬إني ظاهرت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/204‬والبيهقي في السنن الكبرى (‪ )7/386‬من طريق‬
‫إسماعيل بن مسلم ‪ ،‬عن عمرو بن دينار به نحوه ‪ ،‬وقال الذهبي ‪" :‬فيه إسماعيل بن مسلم وهو‬
‫واه"‪.‬‬

‫( ‪)8/40‬‬

‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ كُبِتُوا َكمَا كُ ِبتَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِه ْم َوقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَلِ ْلكَافِرِينَ‬
‫شيْءٍ‬
‫حصَاهُ اللّ ُه وَنَسُو ُه وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عمِلُوا َأ ْ‬
‫جمِيعًا فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪َ )5‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫شهِيدٌ (‪)6‬‬
‫َ‬

‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ } أي ‪ :‬تزجرون به { وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬خبير بما‬
‫يصلحكم ‪ ،‬عليم بأحوالكم‪.‬‬
‫طعَامُ سِتّينَ‬
‫شهْرَيْنِ مُتَتَا ِبعَيْنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَ َتمَاسّا َفمَنْ لَمْ َيسْتَطِعْ فَِإ ْ‬
‫جدْ َفصِيَامُ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَنْ َلمْ يَ ِ‬
‫سكِينًا } وقد تقدمت الحاديث الواردة (‪ )1‬بهذا على الترتيب ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين في قصة‬
‫مِ ْ‬
‫الذي جامع امرأته في رمضان‪.‬‬
‫{ ذَِلكَ لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ } أي ‪ :‬شرعنا هذا لهذا‪.‬‬
‫حدُودُ اللّهِ } أي ‪ :‬محارمه فل تنتهكوها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتِ ْلكَ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِ ْلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬الذين لم يؤمنوا ول التزموا بأحكام هذه الشريعة ‪ ،‬ل‬
‫تعتقدوا أنهم ناجون من البلء ‪ ،‬كل ليس المر كما زعموا ‪ ،‬بل لهم عذاب أليم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الدنيا‬
‫والخرة‪.‬‬
‫ت وَلِ ْلكَافِرِينَ‬
‫{ إِنّ الّذِينَ ُيحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ كُبِتُوا َكمَا كُ ِبتَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِ ْم َوقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيّنَا ٍ‬
‫شيْءٍ‬
‫حصَاهُ اللّ ُه وَنَسُو ُه وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عمِلُوا َأ ْ‬
‫جمِيعًا فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫عَذَابٌ ُمهِينٌ (‪َ )5‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫شهِيدٌ (‪} )6‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬المرة"‪.‬‬

‫( ‪)8/41‬‬

‫جوَى ثَلَاثَةٍ إِلّا ُهوَ رَا ِب ُعهُ ْم وَلَا‬


‫ت َومَا فِي الْأَ ْرضِ مَا َيكُونُ مِنْ نَ ْ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫عمِلُوا َيوْمَ‬
‫ك وَلَا َأكْثَرَ إِلّا ُهوَ َم َعهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمّ يُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫س ُه ْم وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَِل َ‬
‫سةٍ إِلّا ُهوَ سَادِ ُ‬
‫خمْ َ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪)7‬‬
‫ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬

‫جوَى ثَلثَةٍ إِل ُهوَ رَا ِب ُع ُهمْ‬


‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ مَا َيكُونُ مِنْ نَ ْ‬
‫{ أََلمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫ك وَل َأكْثَرَ إِل ُهوَ َم َعهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ُثمّ يُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا‬
‫س ُه ْم وَل َأدْنَى مِنْ ذَِل َ‬
‫خمْسَةٍ إِل ُهوَ سَادِ ُ‬
‫وَل َ‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪} )7‬‬
‫عمِلُوا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫َ‬
‫يخبر تعالى عمن شاقوا ال ورسوله وعاندوا شرعه { كُبِتُوا َكمَا كُ ِبتَ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪:‬‬
‫أهينوا ولعنوا وأخزوا ‪ ،‬كما فعل بمن أشبههم ممن قبلهم { َوقَدْ أَنزلْنَا آيَاتٍ بَيّنَاتٍ } أي ‪ :‬واضحات‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ } أي ‪ :‬في مقابلة ما‬
‫ل يخالفها ول يعاندها إل كافر فاجر مكابر ‪ { ،‬وَلِ ْلكَافِرِينَ َ‬
‫استكبروا عن اتباع شرع ال ‪ ،‬والنقياد له ‪ ،‬والخضوع لديه‪.‬‬
‫جمِيعًا } وذلك يوم القيامة ‪ ،‬يجمع ال الولين والخرين في صعيد‬
‫ثم قال ‪َ { :‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫حصَاهُ اللّهُ‬
‫عمِلُوا } أي ‪ :‬يخبرهم (‪ )1‬بالذي صنعوا من خير وشر { َأ ْ‬
‫واحد ‪ { ،‬فَيُنَبّ ُئهُمْ ِبمَا َ‬
‫شيْءٍ‬
‫وَنَسُوهُ } أي ‪ :‬ضبطه ال وحفظه عليهم ‪ ،‬وهم قد نسوا ما كانوا عليه ‪ { ،‬وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫شهِيدٌ } أي ‪ :‬ل يغيب عنه شيء ‪ ،‬ول يخفى ول ينسى شيئًا‪.‬‬
‫َ‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا عن إحاطة علمه بخلقه واطلعه عليهم ‪ ،‬وسماعه كلمهم ‪ ،‬ورؤيته مكانهم‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي ال ْرضِ مَا َيكُونُ‬
‫حيث كانوا وأين كانوا ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ َيعَْلمُ مَا فِي ال ّ‬
‫جوَى ثَلثَةٍ }‬
‫مِنْ نَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فيجزيهم"‪.‬‬

‫( ‪)8/41‬‬
‫ن َو َمعْصِيَةِ‬
‫جوْنَ بِالْإِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫جوَى ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُوا عَنْ ُه وَيَتَنَا َ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬
‫سهِمْ َلوْلَا ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ‬
‫ل وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ ُيحَ ّيكَ بِهِ اللّ ُه وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫الرّسُو ِ‬
‫جوْا بِالْإِ ْث ِم وَا ْلعُ ْدوَانِ‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )8‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْ ُتمْ فَلَا تَتَنَا َ‬
‫حسْ ُبهُمْ َ‬
‫َ‬
‫جوَى مِنَ‬
‫حشَرُونَ (‪ )9‬إِ ّنمَا النّ ْ‬
‫جوْا بِالْبِرّ وَالتّ ْقوَى وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إِلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫َو َمعْصِيَةِ الرّسُولِ وَتَنَا َ‬
‫الشّ ْيطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ َآمَنُوا وَلَيْسَ ِبضَارّهِمْ شَيْئًا إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪)10‬‬

‫ك وَل َأكْثَرَ إِل ُهوَ‬


‫سهُمْ وَل َأدْنَى مِنْ ذَِل َ‬
‫خمْسَةٍ إِل ُهوَ سَادِ ُ‬
‫أي ‪ :‬من سر ثلثة { إِل ُهوَ رَا ِب ُعهُمْ وَل َ‬
‫َم َعهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } أي ‪ :‬يطلع عليهم يسمع كلمهم وسرهم ونجواهم ‪ ،‬ورسله أيضًا مع ذلك‬
‫تكتب ما يتناجون به ‪ ،‬مع علم ال وسمعه لهم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أََلمْ َيعَْلمُوا أَنّ اللّهَ َيعْلَمُ سِرّهُمْ‬
‫جوَاهُمْ‬
‫سمَعُ سِرّهُ ْم وَ َن ْ‬
‫حسَبُونَ أَنّا ل نَ ْ‬
‫جوَاهُ ْم وَأَنّ اللّهَ عَلمُ ا ْلغُيُوبِ } [ التوبة ‪ ] 78 :‬وقال { َأمْ يَ ْ‬
‫وَنَ ْ‬
‫بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَ ْي ِهمْ َيكْتُبُونَ } [ الزخرف ‪ ] 80 :‬؛ ولهذا حكى غير واحد الجماع على أن المراد‬
‫بهذه الية معية علم ال تعالى (‪ )1‬ول شك في إرادة ذلك ولكن سمعه أيضا مع علمه محيط بهم ‪،‬‬
‫وبصره نافذ فيهم ‪ ،‬فهو ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬مطلع على خلقه ‪ ،‬ل يغيب عنه من أمورهم شيء‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } قال المام أحمد ‪ :‬افتتح الية‬
‫عمِلُوا َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ اللّهَ ِب ُكلّ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬ثُمّ يُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا َ‬
‫بالعلم ‪ ،‬واختتمها بالعلم‪.‬‬
‫ن َو َم ْعصِيَتِ‬
‫جوْنَ بِالثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫جوَى ُثمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُوا عَ ْن ُه وَيَتَنَا َ‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬
‫سهِمْ َلوْل ُي َعذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ‬
‫ل وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ ُيحَ ّيكَ بِهِ اللّ ُه وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫الرّسُو ِ‬
‫جوْا بِالثْمِ‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )8‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَنَاجَيْ ُتمْ فَل تَتَنَا َ‬
‫حسْ ُبهُمْ َ‬
‫َ‬
‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّتقْوَى وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي إِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )9‬إِ ّنمَا‬
‫ن َو َمعْصِ َيتِ الرّسُولِ وَتَنَا َ‬
‫وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫جوَى مِنَ الشّيْطَانِ لِ َيحْزُنَ الّذِينَ ءَامَنُوا وَلَيْسَ ِبضَارّهِمْ شَيْئًا إِل بِإِذْنِ اللّ ِه وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ‬
‫النّ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪} )10‬‬
‫جوَى } قال ‪ :‬اليهود‬
‫قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد [في قوله] (‪ { )2‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬
‫وكذا قال مقاتل بن حيان ‪ ،‬وزاد ‪ :‬كان بين النبي صلى ال عليه وسلم وبين اليهود موادعة ‪،‬‬
‫وكانوا إذا مر بهم رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم ‪ ،‬حتى يظن‬
‫المؤمن أنهم يتناجون بقتله ‪ -‬أو ‪ :‬بما يكره المؤمن ‪ -‬فإذا رأى المؤمن ذلك خَشيهم ‪ ،‬فترك‬
‫طريقه عليهم‪ .‬فنهاهم النبي صلى ال عليه وسلم عن النجوى ‪ ،‬فلم ينتهوا وعادوا إلى النجوى ‪،‬‬
‫جوَى ثُمّ َيعُودُونَ ِلمَا ُنهُوا عَ ْنهُ }‪.‬‬
‫فأنزل ال ‪ { :‬أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ ُنهُوا عَنِ النّ ْ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ‪ ،‬حدثني سفيان بن حمزة ‪،‬‬
‫عن كثير عن زيد ‪ ،‬عن رُبَيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪:‬‬
‫كنا نتناوب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬نبيت عنده ؛ يطرُقه من الليل أمر (‪ )3‬وتبدو له‬
‫حاجة‪ .‬فلما كانت ذات ليلة كَثُر أهل النّوب والمحتسبون حتى كنا أندية نتحدث ‪ ،‬فخرج علينا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ما هذا النجوى ؟ ألم تُ ْنهَوا عن النجوى ؟"‪ .‬قلنا ‪ :‬تبنا إلى‬
‫ال يا رسول ال ‪ ،‬إنا كنا في ذكر المسيح ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬علمه تعالى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أمرًا" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)8/42‬‬

‫فَرقا منه‪ .‬فقال ‪" :‬أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه ؟ "‪ .‬قلنا ‪ :‬بلى يا رسول ال‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"الشرك الخفي ‪ ،‬أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل"‪ .‬هذا إسناد غريب ‪ ،‬وفيه بعض الضعفاء (‪)1‬‬
‫ن َو َم ْعصِ َيتِ الرّسُولِ } أي ‪ :‬يتحدثون فيما بينهم بالثم ‪ ،‬وهو‬
‫جوْنَ بِالثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَتَنَا َ‬
‫ما يختص بهم ‪ ،‬والعدوان ‪ ،‬وهو ما يتعلق بغيرهم ‪ ،‬ومنه معصية الرسول ومخالفته ‪ُ ،‬يصِرون‬
‫عليها ويتواصون بها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا َلمْ يُحَ ّيكَ ِبهِ اللّهُ } قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا بن نمير ‪ ،‬عن العمش ‪[ ،‬عن مسلم] (‪ )2‬عن مسروق ‪ ،‬عن‬
‫عائشة قالت ‪ :‬دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم يهود فقالوا ‪ :‬السام عليك يا أبا القاسم‪.‬‬
‫فقالت عائشة ‪ :‬وعليكم السام و[اللعنة] (‪ )3‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا‬
‫عائشة ‪ ،‬إن ال ل يحب الفحش ول التفحش"‪ .‬قلت ‪ :‬أل تسمعهم يقولون ‪ :‬السام عليك ؟ فقال‬
‫رسول ال ‪" :‬أو ما سمعت أقول (‪ )4‬وعليكم ؟"‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ يُحَ ّيكَ بِهِ‬
‫اللّهُ } (‪)5‬‬
‫وفي رواية في الصحيح أنها قالت لهم ‪ :‬عليكم السام والذام واللعنة‪ .‬وأن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬إنه يستجاب لنا فيهم ‪ ،‬ول يستجاب لهم فينا" (‪)6‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ :‬أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه ‪ ،‬إذ أتى عليهم يهودي فسلّم عليهم ‪،‬‬
‫فردوا عليه ‪ ،‬فقال نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هل تدرون ما قال ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬سلم يا رسول‬
‫ال‪ .‬قال ‪" :‬بل قال ‪ :‬سام عليكم ‪ ،‬أي ‪ :‬تسامون دينكم"‪ .‬قال رسول ال ‪" :‬ردوه"‪ .‬فردوه عليه‪.‬‬
‫فقال نبي ال ‪" :‬أقلت ‪ :‬سام عليكم ؟"‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا سلم‬
‫عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا ‪ :‬عليك" أي ‪ :‬عليك ما قلت (‪)7‬‬
‫وأصل حديث أنس مخرج في الصحيح ‪ ،‬وهذا الحديث في الصحيح عن عائشة ‪ ،‬بنحوه (‪)8‬‬
‫سهِمْ َلوْل ُي َعذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ } أي ‪ :‬يفعلون هذا ‪ ،‬ويقولون ما يحرفون‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫من الكلم وإيهام السلم ‪ ،‬وإنما هو شتم في الباطن ‪ ،‬ومع هذا يقولون في أنفسهم ‪ :‬لو كان هذا‬
‫نبيًا لعذبنا ال بما نقول له في الباطن ؛ لن ال يعلم ما نسره ‪ ،‬فلو كان هذا نبيًا حقّا لوشك أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )3/30‬وابن ماجة في السنن برقم (‪ )4204‬من طريق كثير بن‬
‫زيد به نحوه ‪ ،‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )3/296‬هذا إسناد حسن ‪ ،‬كثير بن زيد وربيع بن‬
‫عبد الرحمن مختلف فيهما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من المسند (‪.)6/229‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما أقول"‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2165‬من طريق يعلى بن عبيد ‪ ،‬عن العمش به نحوه‪.‬‬
‫(‪ )6‬انظر ‪ :‬صحيح البخاري برقم (‪ )6030‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2166‬من حديث عائشة ‪،‬‬
‫رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)27/11‬‬
‫(‪ )8‬صحيح مسلم برقم (‪.)2163‬‬

‫( ‪)8/43‬‬

‫جهَنّمُ } أي ‪ :‬جهنم كفايتهم في الدار‬


‫يعاجلنا ال بالعقوبة في الدنيا ‪ ،‬فقال ال تعالى ‪ { :‬حَسْ ُبهُمْ َ‬
‫الخرة { َيصَْلوْنَهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ }‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن عطاء بن السائب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن عمرو ؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬سام عليك ‪ ،‬ثم يقولون‬
‫في أنفسهم ‪َ { :‬لوْل ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ } ؟ ‪ ،‬فنزلت هذه الية ‪ { :‬وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا َلمْ‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ }‬
‫حسْ ُبهُمْ َ‬
‫سهِمْ َلوْل ُيعَذّبُنَا اللّهُ ِبمَا َنقُولُ َ‬
‫يُحَ ّيكَ ِبهِ اللّ ُه وَ َيقُولُونَ فِي أَ ْنفُ ِ‬
‫إسناد حسن ولم يخرجوه (‪)1‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن بن عباس ‪ { :‬وَإِذَا جَاءُوكَ حَ ّي ْوكَ ِبمَا لَمْ يُحَ ّيكَ بِهِ اللّهُ } قال ‪ :‬كان المنافقون‬
‫جهَنّمُ َيصَْلوْ َنهَا فَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ }‪.‬‬
‫يقولون لرسول ال إذا حيوه ‪" :‬سام عليك" ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬حَسْ ُبهُمْ َ‬
‫ثم قال ال مُؤدّبًا عباده المؤمنين أل يكونوا مثل الكفرة والمنافقين ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا‬
‫ن َو َم ْعصِ َيتِ الرّسُولِ } أي ‪ :‬كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل‬
‫جوْا بِالثْ ِم وَا ْلعُ ْدوَا ِ‬
‫تَنَاجَيْ ُتمْ فَل تَتَنَا َ‬
‫جوْا بِالْبِ ّر وَال ّت ْقوَى وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي إِلَيْهِ‬
‫الكتاب ومن مَالهم على ضللهم من المنافقين ‪ { ،‬وَتَنَا َ‬
‫حشَرُونَ } أي ‪ :‬فيخبركم (‪ )2‬بجميع أعمالكم وأقوالكم التي أحصاها عليكم ‪ ،‬وسيجزيكم بها‪.‬‬
‫تُ ْ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َبهْ ُز وعفان قال أخبرنا همام ‪ ،‬حدثنا قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن ُمحْرِز قال ‪:‬‬
‫كنت آخذًا بيد ابن عمر ‪ ،‬إذ عرض له رجل فقال ‪ :‬كيف سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول في النجوى يوم القيامة ؟ قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال يدني‬
‫المؤمن فيضع عليه كَنَفه ويستره من الناس ‪ ،‬ويقرره بذنوبه ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬أتعرف ذنب كذا ؟‬
‫أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قَرّره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فإني قد سترتها عليك في الدنيا ‪ ،‬وأنا أغفرها لك اليوم‪ .‬ثم ُيعْطَى كتابَ حسناته ‪ ،‬وأما الكفار (‪)3‬‬
‫والمنافقون فيقول الشهاد ‪ :‬هؤلء الذين كذبوا على ربهم ‪ ،‬أل لعنة ال على الظالمين"‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث قتادة (‪)4‬‬
‫جوَى مِنَ الشّ ْيطَانِ لِ َيحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ ِبضَارّهِمْ شَيْئًا إِل بِإِذْنِ اللّهِ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِ ّنمَا النّ ْ‬
‫وَعَلَى اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } أي ‪ :‬إنما النجوى ‪ -‬وهي المُسَارّة ‪ -‬حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا‬
‫{ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } يعني ‪ :‬إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان‬
‫وتزيينه ‪ { ،‬لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬ليسوءهم ‪ ،‬وليس ذلك بضارهم شيئًا إل بإذن ال ‪ ،‬ومن‬
‫أحس من ذلك شيئًا فليستعذ بال وليتوكل على ال ‪ ،‬فإنه ل يضره شيء بإذن ال‪.‬‬
‫وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذٍ على مؤمن ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/170‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فيجزيكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الكافرون"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/74‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4685‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1768‬‬

‫( ‪)8/44‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا قِيلَ َل ُكمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْلمَجَاِلسِ فَافْسَحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َلكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا‬
‫فَانْشُزُوا يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ َآمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ دَ َرجَاتٍ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪)11‬‬

‫حدثنا وكيع وأبو معاوية قال حدثنا العمش ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا كنتم ثلثة فل يتناجَينّ اثنان دون صاحبهما ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يحزنه"‪ .‬وأخرجاه من حديث العمش (‪)1‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا كنتم ثلثة فل يتناجى اثنان دون الثالث إل بإذنه ؛ فإن ذلك يحزنه"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع وأبي كامل ‪ ،‬كلهما عن حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬به (‪)2‬‬
‫سحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َلكُ ْم وَإِذَا قِيلَ ا ْنشُزُوا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ َلكُمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْلمَجَالِسِ فَافْ َ‬
‫فَانْشُزُوا يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ دَ َرجَاتٍ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪} )11‬‬
‫يقول تعالى مؤدبًا عباده المؤمنين ‪ ،‬وآمرًا لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس ‪ { :‬يَا‬
‫سحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َل ُكمْ‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ َل ُكمْ َتفَسّحُوا فِي ا ْلمَجَالِسِ } وقرئ { في المجلس } { فَافْ َ‬
‫} وذلك أن الجزاء من جنس العمل ‪ ،‬كما جاء في الحديث الصحيح ‪" :‬من بَنَى ل مسجدًا بنى ال‬
‫له بيتًا في الجنة" (‪ )3‬وفي الحديث الخر ‪" :‬ومن يَسّر على ُمعْسِر َيسّر ال عليه في الدنيا‬
‫والخرة ‪[ ،‬ومن ستر مسلما ستره ال في الدنيا والخرة] (‪ )4‬وال في عون العبد ما كان العبد في‬
‫سحُوا َيفْسَحِ اللّهُ َلكُمْ }‪.‬‬
‫عون أخيه" (‪ )5‬ولهذا أشباه كثيرة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَافْ َ‬
‫قال قتادة ‪ :‬نزلت هذه الية في مجالس (‪ )6‬الذكر ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبل ضَنّوا‬
‫بمجالسهم عند رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمرهم ال أن يفسح بعضهم لبعض‪.‬‬
‫جمُعة وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يومئذ‬
‫وقال مقاتل ابن حيان ‪ :‬أنزلت هذه الية يوم ُ‬
‫في الصفة ‪ ،‬وفي المكان ضيق ‪ ،‬وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والنصار ‪ ،‬فجاء ناس من‬
‫أهل بدر وقد سبقوا إلى المجالس ‪ ،‬فقاموا حيال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬السلم‬
‫عليك أيها النبي ورحمة ال وبركاته‪ .‬فرد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم سلموا على القوم بعد‬
‫ذلك ‪ ،‬فردوا عليهم ‪ ،‬فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم ‪ ،‬فعرف النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ما يحملهم على القيام ‪ ،‬فلم ُيفْسَح لهم ‪ ،‬فشق ذلك على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال لمن‬
‫حوله من المهاجرين والنصار ‪ ،‬من غير أهل بدر ‪" :‬قم يا فلن ‪ ،‬وأنت يا فلن"‪ .‬فلم يزل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/431‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2184‬ولم أقع عليه عند البخاري عن العمش ‪،‬‬
‫وإنما هو عنده عن منصور ‪ ،‬عن أبي وائل برقم (‪.)6290‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2183‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )450‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )533‬من حديث عثمان ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من صحيح مسلم (‪.)2699‬‬
‫(‪ )5‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2699‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬في مجلس"‪.‬‬

‫( ‪)8/45‬‬

‫يقيمهم بعدة (‪ )1‬النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والنصار من أهل بدر ‪ ،‬فشق ذلك‬
‫على من أقيم من مجلسه ‪ ،‬وعرف النبي صلى ال عليه وسلم الكراهة في وجوههم ‪ ،‬فقال‬
‫المنافقون ‪ :‬ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ وال ما رأيناه قبلُ عدل على هؤلء‬
‫‪ ،‬إن قوما أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب لنبيهم ‪ ،‬فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه‪ .‬فبلغنا أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬رحم ال رجل فَسَح (‪ )2‬لخيه"‪ .‬فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعًا ‪،‬‬
‫فَ َتفَسّحَ القومُ لخوانهم ‪ ،‬ونزلت هذه الية يوم الجمعة‪ .‬رواه بن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ ،‬والشافعي ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬أن‬
‫جلَ من مجلسه فيجلس فيه ‪ ،‬ولكن‬
‫جلُ الرّ ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يقيم الرّ ُ‬
‫َتفَسّحُوا وتَوسّعوا"‪.‬‬
‫وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬أخبرنا عبد المجيد ‪ ،‬عن ابن جريج قال ‪ :‬قال سليمان بن موسى ‪ ،‬عن جابر بن‬
‫عبد ال‪ .‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يقيمن أحدُكم أخاه يوم الجمعة ‪ ،‬ولكن ليقل‬
‫‪ :‬افسحوا"‪ .‬على شرط السنن ولم يخرجوه (‪)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الملك بن عمرو ‪ ،‬حدثنا فُلَيْح ‪ ،‬عن أيوب عن عبد الرحمن بن‬
‫ص ْعصَعة ‪ ،‬عن يعقوب بن أبي يعقوب ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫[أبي] (‪َ )5‬‬
‫وسلم قال ‪" :‬ل يقم الرجلُ الرجلَ من مجلسه ثم يجلس فيه ‪ ،‬ولكن افسحوا يفسح ال لكم" (‪)6‬‬
‫ورواه أيضًا عن سُرَيج (‪ )7‬بن يونس ‪ ،‬ويونس بن محمد المؤدب ‪ ،‬عن فُلَيْح ‪ ،‬به‪ .‬ولفظه ‪" :‬ل‬
‫يقوم الرجلُ للرجل من مجلسه ‪ ،‬ولكن افسحوا يفسح ال لكم" تفرد به أحمد (‪)8‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال ‪ :‬فمنهم من رخص في ذلك محتجّا‬
‫حبّ أن يَتَم ّثلَ له‬
‫بحديث ‪" :‬قوموا إلى سيدكم" (‪ )9‬ومنهم من منع من ذلك محتجّا بحديث ‪" :‬من أ َ‬
‫الرجال قيامًا فَلْيَتبوّأ َم ْقعَدَه من النار" (‪ )10‬ومنهم من فصل فقال ‪ :‬يجوز عند القدوم من سفر ‪،‬‬
‫وللحاكم في محل وليته ‪ ،‬كما دل عليه قصة سعد بن معاذ ‪ ،‬فإنه لما استقدمه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم حاكمًا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بعدد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يفسح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم يقع هذا الحديث لي في مسند أحمد هكذا ‪ ،‬وإنما هو فيه (‪ : )2/22‬عن ابن نمير ‪ ،‬عن‬
‫عبيد ال بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ )2/45( ،‬عن غندر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن أيوب بن‬
‫موسى ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر‪ .‬وهو في صحيح البخاري برقم (‪ )6269‬وصحيح مسلم برقم (‬
‫‪.)2177‬‬
‫(‪ )4‬مسند الشافعي برقم (‪" )454‬بدائع المنن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من المسند (‪.)2/523‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/523‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬شريح"‪.‬‬
‫(‪ )8‬المسند (‪.)2/338‬‬
‫(‪ )9‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3043‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )1768‬من حديث أبي‬
‫سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )10‬رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )5229‬والترمذي في السنن برقم (‪ )2755‬من حديث‬
‫معاوية رضي ال عنه ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬إسناد حسن"‪.‬‬

‫( ‪)8/46‬‬

‫في بني قريظه فرآه مقبل قال للمسلمين ‪" :‬قوموا إلى سيدكم"‪ .‬وما ذاك إل ليكون أنفذ لحكمه ‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬فأما اتخاذه ديدنًا فإنه من شعار العجم‪ .‬وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب‬
‫إليهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان إذا جاء ل يقومون له ‪ ،‬لما يعلمون من كراهته (‬
‫‪ )1‬لذلك (‪)3( )2‬‬
‫وفي الحديث المروي في السنن ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يجلس حيث انتهى به‬
‫المجلس ‪ ،‬ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس ‪ ،‬وكان الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪،‬‬
‫يجلسون منه على مراتبهم ‪ ،‬فالصديق يجلسه عن يمينه ‪ ،‬وعمر عن يساره ‪ ،‬وبين يديه غالبًا‬
‫عثمان وعلي ؛ لنهما كانا ممن يكتب (‪ )4‬الوحي ‪ ،‬وكان يأمرهما بذلك ‪ ،‬كما رواه مسلم من‬
‫حديث العمش ‪ ،‬عن عمارة بن عمير ‪ ،‬عن أبي َم ْعمَر ‪ ،‬عن أبي مسعود ‪ ،‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم كان يقول ‪" :‬لِيَليني منكم أولوا الحلم والّنهَى ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم"‬
‫(‪ )5‬وما ذاك إل ليعقلوا عنه ما يقوله ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه ؛ ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام‬
‫ليجلس الذين وردوا من أهل بدر ‪ ،‬إما لتقصير أولئك في حق البدريين ‪ ،‬أو ليأخذ البدريون من‬
‫العلم بنصيبهم ‪ ،‬كما أخذ أولئك قبلهم ‪ ،‬أو تعليما بتقديم الفاضل إلى المام‪.‬‬
‫عمَارة بن عمير (‪ )6‬التيمي (‪ )7‬عن أبي‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن ُ‬
‫معمر ‪ ،‬عن أبي مسعود قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلة‬
‫ويقول ‪" :‬استووا ول تختلفوا فتختلف قلوبكم ‪ ،‬ليليني منكم أولو الحلم والنّهى ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪،‬‬
‫ثم الذين يلونهم"‪ .‬قال أبو مسعود (‪ )8‬فأنتم اليوم أشد اختلفًا‪.‬‬
‫وكذا رواه مسلم وأهل السنن ‪ ،‬إل الترمذي ‪ ،‬من طرق عن العمش ‪ ،‬به (‪)9‬‬
‫وإذا كان هذا أمره لهم في الصلة أن يليه العقلء (‪ )10‬ثم العلماء ‪ ،‬فبطريق الولى أن يكون ذلك‬
‫في غير الصلة‪.‬‬
‫وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي الزاهرية ‪ ،‬عن كثير بن مرة ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أقيموا الصفوف ‪ ،‬وحَاذُوا بين المناكب ‪،‬‬
‫وسُدّوا الخلل ‪ ،‬ولِينُوا بأيدي إخوانكم ‪ ،‬ول تَذَروا فرجات للشيطان ‪ ،‬ومن وَصَل صفّا وصله ال ‪،‬‬
‫ومن قطع صفّا قطعه ال" (‪)11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬من كراهيته"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )2754‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬وللمام النووي ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬رسالة سماها ‪" :‬الترخيص بالقيام لذوى الفضل والمزية من‬
‫أهل السلم" أطنب في الكلم على هذه المسألة ‪ ،‬وهى مطبوعة بدار الفكر بدمشق‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يكتبان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)432‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬الليثي"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )4/122‬وصحيح مسلم برقم (‪ )432‬وسنن أبي داود برقم (‪ )674‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )2/87‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)976‬‬
‫(‪ )10‬في أ ‪" :‬الفضلء"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن أبي داود برقم (‪.)666‬‬

‫( ‪)8/47‬‬

‫ولهذا كان أبي بن كعب ‪ -‬سيد القراء ‪ -‬إذا انتهى إلى الصف الول انتزع منه رجل يكون من‬
‫أفناء (‪ )1‬الناس ‪ ،‬ويدخل هو في الصف المقدم ‪ ،‬ويحتج بهذا الحديث ‪" :‬ليلينى منكم أولو الحلم‬
‫والنهى"‪ .‬وأما عبد ال بن عمر فكان ل يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه ‪ ،‬عمل‬
‫بمقتضى ما تقدم من روايته الحديث الذي أوردناه‪ .‬ولنقتصر على هذا المقدار (‪ )2‬من النموذج‬
‫المتعلق بهذه الية ‪ ،‬وإل فبسطه يحتاج (‪ )3‬إلى غير هذا الموضع ‪ ،‬وفي الحديث الصحيح ‪ :‬بينا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس ‪ ،‬إذ أقبل ثلثة نفر ‪ ،‬فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة‬
‫فدخل فيها ‪ ،‬وأما الخر فجلس وراء الناس ‪ ،‬وأدبر الثالث ذاهبًا‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬أل أنبئكم بخبر الثلثة ‪ ،‬أما الول فآوى إلى ال فآواه ال ‪ ،‬وأما الثاني فاستحيا فاستحيا‬
‫ال منه ‪ ،‬وأما الثالث فأعرض فأعرض ال عنه" (‪)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عَتّاب بن زياد ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا أسامة بن زيد ‪ ،‬عن عمرو بن‬
‫شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يحل‬
‫لرجل أن يفرق بين اثنين إل بإذنهما"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث أسامة بن زيد الليثي ‪ ،‬به (‪ )5‬وحسنه الترمذي‪.‬‬
‫وقد رُوي عن بن عباس ‪ ،‬والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا (‪ )6‬في قوله تعالى ‪ { :‬إذا قيل‬
‫لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا } (‪ )7‬يعني ‪ :‬في مجالس الحرب ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ومعنى قوله ‪ { :‬وَِإذَا‬
‫قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا } أي ‪ :‬انهضوا للقتال‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ ا ْنشُزُوا فَانْشُزُوا } أي ‪ :‬إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا‪.‬‬
‫وقال مقاتل [بن حيان] (‪ )8‬إذا دعيتم إلى الصلة فارتفعوا إليها‪.‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬كانوا إذا كانوا عند النبي صلى ال عليه وسلم في بيته‬
‫فأرادوا النصراف أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجا من عنده ‪ ،‬فربما يشق (‪ )9‬ذلك‬
‫عليه ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬وقد تكون له (‪ )10‬الحاجة ‪ ،‬فأمروا أنهم إذا أمروا بالنصراف أن‬
‫جعُوا } [ النور ‪)11( ] 28 :‬‬
‫جعُوا فَا ْر ِ‬
‫ينصرفوا ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِنْ قِيلَ َل ُكمُ ارْ ِ‬
‫ت وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ } أي ‪ :‬ل‬
‫وقوله ‪ { :‬يَ ْرفَعِ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ دَرَجَا ٍ‬
‫تعتقدوا أنه إذا فَسَح أحد منكم لخيه إذا أقبل ‪ ،‬أو إذا أمر بالخروج فخرج ‪ ،‬أن يكون ذلك نقصا‬
‫في حقه ‪ ،‬بل هو رفعة ومزية (‪ )12‬عند ال ‪ ،‬وال تعالى ل يضيع ذلك له ‪ ،‬بل يجزيه بها في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬فإن من تواضع لمر ال َرفَع ال قدره ‪ ،‬ونَشَر ذكره ؛ ولهذا قال ‪ { :‬يَ ْرفَعِ اللّهُ‬
‫الّذِينَ آمَنُوا مِ ْنكُ ْم وَالّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِلْمَ دَ َرجَاتٍ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أفناد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬القدر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬محتاج"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )66‬ومسلم في صحيحه برقم (‪.)2176‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/213‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4845‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2752‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أنهما قال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬المجالس"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬شق"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬وإذا قيل ارجعوا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )12‬في م ‪" :‬ورتبة" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ومنزلة"‬

‫( ‪)8/48‬‬
‫أي ‪ :‬خبير بمن يستحق ذلك وبمن ل يستحقه‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ ،‬حدثنا إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن شهاب ‪ ،‬عن أبي الطفيل عامر بن‬
‫واثلة ‪ ،‬أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان ‪ ،‬وكان عمر استعمله على مكة ‪،‬‬
‫فقال له عمر ‪ :‬من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال ‪ :‬استخلفت عليهم ابن أبزي‪ .‬قال ‪ :‬وما ابن‬
‫أبزي ؟ فقال ‪ :‬رجل من موالينا‪ .‬فقال عمر [بن الخطاب] (‪ )1‬استخلفت عليهم مولى ؟‪ .‬فقال ‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين ‪ ،‬إنه قارئ لكتاب ال ‪ ،‬عالم بالفرائض ‪ ،‬قاض‪ .‬فقال عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬أما‬
‫إن نبيكم صلى ال عليه وسلم قد قال ‪" :‬إن ال يرفع بهذا الكتاب قومًا ويضع به آخرين" (‪)2‬‬
‫وهكذا رواه مسلم من غير وجه ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪ )3‬وقد ذكرت (‪ )4‬فضل العلم وأهله وما‬
‫ورد في ذلك من الحاديث مستقصاة في شرح "كتاب العلم" من صحيح البخاري ‪ ،‬ول الحمد‬
‫والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/35‬‬
‫(‪ )3‬جاء من طريق حماد بن سلمة عن حميد ‪ ،‬عن الحسن بن مسلم ‪ :‬أن عمر استعمل ابن عبد‬
‫الحارث على مكة ‪ ،‬فذكر نحوه ‪ ،‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‪ )1/185‬وفيه انقطاع‪ .‬وأيضا من‬
‫طريق العمش عن حبيب بن أبي ثابت ‪ :‬أن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال ‪ :‬خرجت مع عمر ‪،‬‬
‫فاستقبلنا أمير مكة ‪ -‬نافع بن علقمة ‪ -‬فذكر نحو الحديث المتقدم ‪ ،‬أخرجه أبو يعلى في مسنده (‬
‫‪.)1/186‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ذكرنا"‪.‬‬

‫( ‪)8/49‬‬

‫طهَرُ فَإِنْ َلمْ‬


‫جوَاكُمْ صَ َدقَةً ذَِلكَ خَيْرٌ َل ُك ْم وَأَ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا نَاجَيْ ُتمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ فَإِذْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )12‬أَأَ ْ‬
‫جدُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫تَ ِ‬
‫علَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا الصّلَاةَ وَآَتُوا ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا اللّ َه وَرَسُوَل ُه وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)13‬‬
‫اللّهُ َ‬

‫طهَرُ فَإِنْ لَمْ‬


‫جوَاكُ ْم صَ َد َقةً ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُ ْم وََأ ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ فَإِذْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )12‬أَأَ ْ‬
‫جدُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫تَ ِ‬
‫علَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ وَأَطِيعُوا اللّ َه وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪} )13‬‬
‫اللّهُ َ‬
‫يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين إذا أراد أحدهم أن يناجي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫يساره فيما بينه وبينه ‪ ،‬أن يقدم بين يدي ذلك صدقة تطهره وتزكيه وتؤهله لن يصلح لهذا‬
‫طهَرُ } (‪)1‬‬
‫المقام ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ذَِلكَ خَيْرٌ َلكُ ْم وَأَ ْ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } فما أمر بها‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ َتجِدُوا } أي ‪ :‬إل من عجز عن ذلك لفقده { فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫إل من قدر عليها‪.‬‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ } أي ‪ :‬أخفتم من استمرار هذا الحكم عليكم‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَأَ ْ‬
‫من وجوب الصدقة قبل مناجاة الرسول ‪ { ،‬فَإِذْ لَمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا‬
‫ال ّزكَا َة وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ذلكم" وهو خطأ‬

‫( ‪)8/49‬‬

‫فنسخ وجوب ذلك عنهم‪.‬‬


‫وقد قيل ‪ :‬إنه لم يعمل بهذه الية قبل نسخها سوى علي بن أبي طالب ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫قال ابن أبي نَجِيح ‪ ،‬عن مجاهد قال ‪ :‬نهوا عن مناجاة النبي صلى ال عليه وسلم حتى يتصدقوا ‪،‬‬
‫فلم يناجه إل علي بن أبي طالب ‪ ،‬قدم دينارا صدقة تصدق به ‪ ،‬ثم ناجى النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فسأله عن عشر خصال ‪ ،‬ثم أنزلت الرخصة‪.‬‬
‫وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قال علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬آية في كتاب ال ‪ ،‬عز وجل‬
‫لم يعمل بها أحد قبلي ‪ ،‬ول يعمل بها أحد بعدي ‪ ،‬كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ‪ ،‬فكنت‬
‫إذا ناجيت (‪ )1‬رسول ال صلى ال عليه وسلم تصدقت بدرهم ‪ ،‬فنسخت ولم يعمل بها أحد قبلي ‪،‬‬
‫ول يعمل بها أحد بعدي ‪ ،‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَةً } الية‪.‬‬
‫يَ َديْ َن ْ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا مهران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عثمان بن المغيرة ‪ ،‬عن‬
‫سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن علي بن علقمة النماري ‪ ،‬عن علي [بن أبي طالب] (‪ - )2‬رضي ال‬
‫عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما ترى ‪ ،‬دينار ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل يطيقون‪ .‬قال ‪:‬‬
‫شعِيرة ‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه‬
‫"نصف دينار ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل يطيقون‪ .‬قال ‪" :‬ما ترى ؟" قال ‪َ :‬‬
‫خفّف ال عن هذه المة ‪ ،‬وقوله ‪ [ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫وسلم ‪" :‬إنك زهيد (‪ )3‬قال ‪ :‬قال علي ‪ :‬فبى َ‬
‫شفَقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ‬
‫ص َدقَةً } فنزلت ‪ { :‬أََأ ْ‬
‫جوَاكُ ْم َ‬
‫آمَنُوا ] (‪ )4‬إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَاتٍ } (‪)5‬‬
‫يَ َديْ َن ْ‬
‫ورواه الترمذي عن سفيان بن َوكِيع ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ ،‬عن عبيد ال الشجعي ‪ ،‬عن سفيان‬
‫الثوري ‪ ،‬عن عثمان بن المغيرة الثقفي ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن علي بن علقمة النماري ‪،‬‬
‫عن علي بن أبي طالب قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ‬
‫ص َدقَةً } [إلى آخرها] (‪ )6‬قال (‪ )7‬لي النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما ترى ‪ ،‬دينار ؟"‬
‫جوَاكُ ْم َ‬
‫نَ ْ‬
‫قلت (‪ )8‬ل يطيقونه‪ .‬وذكره بتمامه ‪ ،‬مثله ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬هذا حديث حسن غريب ‪ ،‬إنما نعرفه من‬
‫هذا الوجه"‪ .‬ثم قال ‪ :‬ومعنى قوله ‪" :‬شعيرة" ‪ :‬يعني وزن شعيرة من ذهب (‪)9‬‬
‫ورواه أبو يعلى ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ ،‬به (‪)10‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْ ُتمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ } كان المسلمون يقدمون بين يدي النجوى صدقة ‪،‬‬
‫ص َدقَةً } إلى { فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫جوَاكُ ْم َ‬
‫نَ ْ‬
‫فلما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬جئت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬إنك لزهيد‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )28/15‬وعلي بن علقمة فيه ضعف‪ .‬قال البخاري ‪ :‬في حديثه نظر‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬سنن الترمذي برقم (‪.)3300‬‬
‫(‪ )10‬مسند أبي يعلى (‪.)1/322‬‬

‫( ‪)8/50‬‬

‫ب وَ ُهمْ‬
‫غضِبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ مَا هُمْ مِ ْنكُ ْم وَلَا مِ ْنهُمْ وَيَحِْلفُونَ عَلَى ا ْلكَ ِذ ِ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا‬
‫شدِيدًا إِ ّن ُهمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )15‬اتّ َ‬
‫عذَابًا َ‬
‫عدّ اللّهُ َلهُمْ َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )14‬أَ َ‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )16‬لَنْ ُتغْنِيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَلَا َأوْلَادُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَ ِئكَ‬
‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََلهُمْ َ‬
‫حسَبُونَ‬
‫جمِيعًا فَ َيحِْلفُونَ َلهُ َكمَا يَحِْلفُونَ َلكُ ْم وَيَ ْ‬
‫َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )17‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫علَ ْيهِمُ الشّ ْيطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ِذكْرَ اللّهِ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ‬
‫حوَذَ َ‬
‫شيْءٍ أَلَا إِ ّنهُمْ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪ )18‬اسْتَ ْ‬
‫أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫الشّ ْيطَانِ أَلَا إِنّ حِ ْزبَ الشّ ْيطَانِ ُهمُ الْخَاسِرُونَ (‪)19‬‬

‫نزلت الزكاة نسخ هذا‪.‬‬


‫جوَاكُ ْم صَ َدقَةً } وذلك أن‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪َ { :‬فقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫المسلمين أكثروا المسائل على رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى شقوا عليه ‪ ،‬فأراد ال أن‬
‫يخفف عن نبيه ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬فلما قال ذلك صبر كثير من الناس وكفوا عن المسألة ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَةً (‪ )1‬فَإِذْ َلمْ َت ْفعَلُوا وَتَابَ اللّهُ عَلَ ْيكُمْ فََأقِيمُوا‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫بعد هذا ‪ { :‬أَأَ ْ‬
‫الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ } فوسع ال عليهم ولم يضيق‪.‬‬
‫ص َدقَةً } نسختها الية التي‬
‫جوَاكُ ْم َ‬
‫وقال عكرمة والحسن البصري في قوله ‪ { :‬فَقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َد َقةً } (‪ )2‬إلى آخرها‪.‬‬
‫ش َفقْتُمْ أَنْ ُتقَ ّدمُوا بَيْنَ َي َديْ نَ ْ‬
‫بعدها { أَأَ ْ‬
‫وقال سعيد [بن أبي عروبة] (‪ )3‬عن قتاده ومقاتل ابن حيان ‪ :‬سأل الناس رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬حتى أحفوه بالمسألة ‪ ،‬فقطعهم ال بهذه الية ‪ ،‬فكان الرجل منهم إذا كانت له الحاجة‬
‫إلى نبي ال صلى ال عليه وسلم فل يستطيع أن يقضيها حتى يقدم بين يديه صدقة ‪ ،‬فاشتد ذلك‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫عليهم ‪ ،‬فأنزل ال الرخصة بعد ذلك ‪ { :‬فَإِنْ لَمْ َتجِدُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫جوَاكُ ْم صَ َدقَةً } إنها منسوخة ‪ :‬ما‬
‫وقال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ِ { :‬إذَا نَاجَيْ ُتمُ الرّسُولَ َفقَ ّدمُوا بَيْنَ يَ َديْ َن ْ‬
‫كانت إل ساعة من نهار‪ .‬وهكذا روى عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا معمر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن مجاهد قال‬
‫علي ‪ :‬ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وأحسبه قال ‪ :‬وما كانت إل ساعة‪.‬‬
‫علَ ْيهِمْ مَا ُهمْ مِ ْنكُ ْم وَل مِ ْن ُه ْم وَيَحِْلفُونَ عَلَى ا ْل َك ِذبِ وَ ُهمْ‬
‫ضبَ اللّهُ َ‬
‫غ ِ‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َتوَّلوْا َقوْمًا َ‬
‫خذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا‬
‫شدِيدًا إِ ّن ُهمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )15‬اتّ َ‬
‫عذَابًا َ‬
‫عدّ اللّهُ َلهُمْ َ‬
‫َيعَْلمُونَ (‪ )14‬أَ َ‬
‫عذَابٌ ُمهِينٌ (‪ )16‬لَنْ ُتغْنِيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْلدُ ُهمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا أُولَ ِئكَ‬
‫عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فََلهُمْ َ‬
‫حسَبُونَ‬
‫جمِيعًا فَ َيحِْلفُونَ َلهُ َكمَا يَحِْلفُونَ َلكُ ْم وَيَ ْ‬
‫َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ (‪َ )17‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫حوَذَ عَلَ ْيهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنْسَا ُهمْ ِذكْرَ اللّهِ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ‬
‫شيْءٍ أَل إِ ّن ُهمْ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ (‪ )18‬اسْ َت ْ‬
‫أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫الشّ ْيطَانِ أَل إِنّ حِ ْزبَ الشّيْطَانِ هُمُ ا ْلخَاسِرُونَ (‪} )19‬‬
‫يقول تعالى منكرا على المنافقين في موالتهم الكفار في الباطن ‪ ،‬وهم في نفس المر ل معهم ول‬
‫مع المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَِلكَ ل إِلَى َهؤُل ِء وَل إِلَى َهؤُل ِء َومَنْ ُيضِْللِ اللّهُ‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ‬
‫غ ِ‬
‫جدَ لَهُ سَبِيل } [النساء ‪ ]143 :‬وقال ها هنا ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫فَلَنْ تَ ِ‬
‫} يعني ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )2 ، 1( )1‬في أ ‪" :‬صدقات"‪.‬‬
‫(‪ )2 ، 1( )2‬في أ ‪" :‬صدقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/51‬‬

‫اليهود ‪ ،‬الذين كان المنافقون يمالئونهم ويوالونهم في الباطن‪ .‬ثم قال ‪ { :‬مَا ُهمْ مِ ْنكُ ْم وَل مِ ْنهُمْ }‬
‫أي ‪ :‬هؤلء المنافقون ‪ ،‬ليسوا في الحقيقة ل منكم أيها المؤمنون ‪ ،‬ول من الذين تولوهم وهم‬
‫اليهود‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَيَحِْلفُونَ عَلَى ا ْل َك ِذبِ وَ ُهمْ َيعَْلمُونَ } يعني ‪ :‬المنافقين يحلفون على الكذب وهم عالمون‬
‫بأنهم كاذبون فيما حلفوا ‪ ،‬وهي اليمين الغموس ‪ ،‬ول سيما في مثل حالهم اللعين ‪ ،‬عياذًا بال منه‬
‫(‪ )1‬فإنهم كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا ‪ :‬آمنا ‪ ،‬وإذا جاءوا الرسول حلفوا بال [له] (‪ )2‬أنهم‬
‫مؤمنون ‪ ،‬وهم في ذلك يعلمون أنهم يكذبون فيما حلفوا به ؛ لنهم ل يعتقدون صدق ما قالوه ‪،‬‬
‫وإن كان في نفس المر مطابقًا ؛ ولهذا شهد ال بكذبهم في أيمانهم وشهادتهم لذلك‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَعَدّ اللّهُ َلهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬أرصد ال لهم على هذا‬
‫الصنيع العذاب الليم على أعمالهم السيئة ‪ ،‬وهي موالة الكافرين ونصحهم ‪ ،‬ومعاداة المؤمنين‬
‫وغشهم ؛ ولهذا قال تعالى { اتّخَذُوا أَ ْيمَا َن ُهمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬أظهروا اليمان‬
‫وأبطنوا الكفر ‪ ،‬واتقوا باليمان الكاذبة ‪ ،‬فظن كثير ممن ل يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر‬
‫بهم ‪ ،‬فحصل بهذا صد عن سبيل ال لبعض الناس { فََل ُهمْ عَذَابٌ ُمهِينٌ } أي ‪ :‬في مقابلة ما‬
‫امتهنوا من الحلف باسم ال العظيم في اليمان الكاذبة الحانثة‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬لَنْ ُتغْ ِنيَ عَ ْنهُمْ َأ ْموَاُلهُ ْم وَل َأوْل ُدهُمْ مِنَ اللّهِ شَيْئًا } أي ‪ :‬لن يدفع ذلك عنهم بأسا (‪)3‬‬
‫إذا جاءهم ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ }‬
‫جمِيعًا } أي ‪ :‬يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فل يغادر منهم أحدًا ‪{ ،‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬يوْمَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬يحلفون بال (‪ )4‬عز وجل ‪ ،‬أنهم‬
‫حِلفُونَ َلكُ ْم وَ َيحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫فَيَحِْلفُونَ لَهُ َكمَا يَ ْ‬
‫كانوا على الهدى والستقامة ‪ ،‬كما كانوا يحلفون للناس في الدنيا ؛ لن من عاش على شيء مات‬
‫عليه وبعث عليه ‪ ،‬ويعتقدون أن ذلك ينفعهم عند ال كما كان ينفعهم عند الناس ‪ ،‬فيجرون عليهم‬
‫شيْءٍ } أي ‪ :‬حلفهم ذلك لربهم ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫حسَبُونَ أَ ّن ُهمْ عَلَى َ‬
‫الحكام الظاهرة ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫ثم قال منكرًا عليهم حسبانهم (‪ { )5‬أَل إِ ّنهُمْ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ } فأكد الخبر عنهم بالكذب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن نفيل ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬عن (‪ )6‬سمَاك بن حرب ‪،‬‬
‫حدثني سعيد بن جُبَير ؛ أن ابن عباس حدثه ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم كان في ظل حجرة‬
‫حجَره ‪ ،‬وعنده نفر من المسلمين قد كان يَقلصُ عنهم الظل ‪ ،‬قال ‪" :‬إنه سيأتيكم إنسان ينظر‬
‫من ُ‬
‫بعيني شيطان ‪ ،‬فإذا أتاكم فل تكلموه"‪ .‬فجاء رجل أزرق ‪ ،‬فدعاه رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فكلمه ‪ ،‬فقال ؛ "علم تشتمني أنت وفلن وفلن ؟" ‪ -‬نفر دعاهم بأسمائهم ‪ -‬قال ‪ :‬فانطلق الرجل‬
‫فدعاهم ‪ ،‬فحلفوا له واعتذروا إليه ‪ ،‬قال فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬فَيَحِْلفُونَ لَهُ َكمَا َيحِْلفُونَ َلكُمْ‬
‫شيْءٍ أَل إِ ّنهُمْ ُهمُ ا ْلكَاذِبُونَ }‬
‫وَيَحْسَبُونَ أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عياذًا بال من ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬بأس ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حسابهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬

‫( ‪)8/52‬‬

‫إِنّ الّذِينَ يُحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ فِي الَْأذَلّينَ (‪ )20‬كَ َتبَ اللّهُ لَأَغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬
‫عَزِيزٌ (‪)21‬‬

‫وهكذا رواه المام أحمد من طريقين ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬به (‪ )1‬ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫المثني ‪ ،‬عن غُنْدَر ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬به نحوه (‪ )2‬وأخرجه أيضًا من حديث سفيان‬
‫الثوري ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬بنحوه‪ .‬إسناد جيد ولم يخرجوه‪.‬‬
‫وحال هؤلء كما أخبر ال تعالى عن المشركين حيث يقول ‪ { :‬ثُمّ َلمْ َتكُنْ فِتْنَ ُتهُمْ إِل أَنْ قَالُوا وَاللّهِ‬
‫س ِه ْم َوضَلّ عَ ْنهُمْ مَا كَانُوا َيفْتَرُونَ } [النعام ‪، 23 :‬‬
‫رَبّنَا مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ ا ْنظُرْ كَ ْيفَ َكذَبُوا عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫‪]24‬‬
‫حوَذَ عَلَ ْيهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ِذكْرَ اللّهِ } أي ‪ :‬استحوذ على قلوبهم الشيطان حتى‬
‫ثم قال ‪ { :‬اسْ َت ْ‬
‫أنساهم أن يذكروا ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وكذلك يصنع بمن استحوذ عليه ؛ ولهذا قال أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد ابن يونس ‪ ،‬حدثنا زائدة ‪ ،‬حدثنا السائب بن حُبَيش ‪ ،‬عن َمعْدان بن أبي طلحة‬
‫ال َي ْعمُري ‪ ،‬عن أبي الدرداء ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ما من ثلثة في‬
‫قرية ول بَدْو ‪ ،‬ل تقام فيهم الصلة إل قد استحوذ عليهم الشيطان ‪ ،‬فعليك بالجماعة ‪ ،‬فإنما يأكل‬
‫الذئب القاصية"‪ .‬قال زائدة ‪ :‬قال السائب ‪ :‬يعني الصلة في الجماعة (‪.)3‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ الشّ ْيطَانِ } يعني ‪ :‬الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر ال‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬أَل إِنّ حِ ْزبَ الشّ ْيطَانِ ُهمُ الْخَاسِرُونَ }‬
‫{ إِنّ الّذِينَ ُيحَادّونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ فِي الذَلّينَ (‪ )20‬كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ‬
‫عَزِيزٌ (‪} )21‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/240‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/17‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)547‬‬

‫( ‪)8/53‬‬
‫جدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّهِ وَالْ َيوْمِ الْآَخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَهُ وََلوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ َأوْ أَبْنَاءَ ُهمْ‬
‫لَا تَ ِ‬
‫ن وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخُِل ُهمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ‬
‫عشِيرَ َتهُمْ أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِمُ الْإِيمَا َ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ َ‬
‫َأوْ إِ ْ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَلَا إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ‬
‫تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َر ِ‬
‫ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)22‬‬

‫{ ل َتجِدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُوا آبَا َءهُمْ َأوْ‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ عَشِيرَ َتهُمْ أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِمُ اليمَانَ وَأَيّ َدهُمْ بِرُوحٍ مِنْ ُه وَيُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ‬
‫أَبْنَاءَ ُهمْ َأوْ إِ ْ‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَل إِنّ حِ ْزبَ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َر ِ‬
‫اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪} )22‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادين (‪ )1‬ل ورسوله ‪ ،‬يعني ‪ :‬الذين هم في حَدّ‬
‫والشرع في حَدّ ‪ ،‬أي ‪ :‬مجانبون للحق مشاقون له ‪ ،‬هم في ناحية والهدى في ناحية ‪ { ،‬أُولَ ِئكَ فِي‬
‫الذَلّينَ } أي ‪ :‬في الشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب ‪ ،‬الذلين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫{ كَ َتبَ اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي } أي ‪ :‬قد حكم وكتب في كتابه الول وقَدَره الذي ل يُخالَف ول‬
‫يُمانع ‪ ،‬ول يبدل ‪ ،‬بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأن‬
‫العاقبة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬المحاربين"‪.‬‬

‫( ‪)8/53‬‬

‫شهَادُ َيوْمَ‬
‫للمتقين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬إِنّا لَنَ ْنصُرُ رُسُلَنَا وَالّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَ َيوْمَ َيقُومُ ال ْ‬
‫ل يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُتهُمْ وََلهُمُ الّلعْنَ ُة وََلهُمْ سُوءُ الدّارِ } [غافر ‪ ]52 ، 51 :‬وقال ها هنا { كَ َتبَ‬
‫اللّهُ لغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ اللّهَ َق ِويّ عَزِيزٌ } أي ‪ :‬كتب القوي العزيز أنه الغالب لعدائه‪ .‬وهذا‬
‫قدر محكم وأمر مبرم ‪ ،‬أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬ل َتجِدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَ ُه وََلوْ كَانُوا‬
‫خوَا َنهُمْ َأوْ عَشِيرَ َت ُهمْ } أي ‪ :‬ل يوادون المحادين ولو كانوا من القربين ‪،‬‬
‫آبَا َءهُمْ َأوْ أَبْنَاءَهُمْ َأوْ ِإ ْ‬
‫ن َومَنْ َي ْفعَلْ ذَِلكَ فَلَ ْيسَ مِنَ‬
‫كما قال تعالى ‪ { :‬ل يَتّخِذِ ا ْل ُمؤْمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫شيْءٍ إِل أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَا ًة وَيُحَذّ ُر ُكمُ اللّهُ َنفْسَهُ } [آل عمران ‪ ]28 :‬الية ‪ ،‬وقال تعالى ‪:‬‬
‫اللّهِ فِي َ‬
‫شوْنَ‬
‫جكُ ْم وَعَشِيرَ ُت ُك ْم وََأ ْموَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا وَتِجَا َرةٌ َتخْ َ‬
‫خوَا ُنكُ ْم وَأَ ْزوَا ُ‬
‫{ ُقلْ إِنْ كَانَ آبَا ُؤكُ ْم وَأَبْنَا ُؤكُمْ وَإِ ْ‬
‫جهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَ ّبصُوا حَتّى يَأْ ِتيَ اللّهُ‬
‫حبّ ِإلَ ْيكُمْ مِنَ اللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ ِ‬
‫كَسَا َدهَا َومَسَاكِنُ تَ ْرضَوْ َنهَا َأ َ‬
‫سقِينَ } [التوبة ‪]24 :‬‬
‫بَِأمْ ِرهِ وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره ‪ :‬أنزلت هذه الية { ل َتجِدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ‬
‫الخِرِ } إلى آخرها في أبي عبيدة عامر بن عبد ال بن الجراح ‪ ،‬حين قتل أباه يوم بدر ؛ ولهذا‬
‫قال عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حين جعل المر شورى بعده في أولئك الستة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنهم ‪" :‬ولو كان أبو عبيدة حيّا لستخلفته"‪.‬‬
‫وقيل في قوله ‪ { :‬وََلوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ } نزلت في أبي عبيده قتل أباه يوم بدر { َأوْ أَبْنَاءَهُمْ } في (‪)1‬‬
‫خوَا َنهُمْ } في مصعب بن عمير ‪ ،‬قتل أخاه‬
‫الصديق ‪ ،‬هَمّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن ‪َ { ،‬أوْ إِ ْ‬
‫عبيد بن عمير يومئذ { َأوْ عَشِيرَ َت ُهمْ } في عمر ‪ ،‬قتل قريبا له يومئذ أيضًا ‪ ،‬وفي حمزة وعلي‬
‫وعبيدة بن الحارث ‪ ،‬قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومن هذا القبيل حين استشار رسول ال صلى ال عليه وسلم المسلمين في أسارى بدر ‪،‬‬
‫فأشار الصديق بأن يفادوا ‪ ،‬فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين ‪ ،‬وهم بنو العم والعشيرة ‪ ،‬ولعل‬
‫ال أن يهديهم‪ .‬وقال عمر ‪ :‬ل أرى ما رأى يا رسول ال ‪ ،‬هل (‪ )2‬تمكني من فلن ‪ -‬قريب‬
‫لعمر ‪ -‬فأقتله ‪ ،‬وتمكن عليًا من عقيل ‪ ،‬وتمكن فلنًا من فلن ‪ ،‬ليعلم ال أنه ليست (‪ )3‬في قلوبنا‬
‫هوادة للمشركين‪ ...‬القصة بكاملها‪.‬‬
‫ن وَأَيّ َدهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } أي ‪ :‬من اتصف بأنه ل يواد من حاد‬
‫وقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِ ُم اليمَا َ‬
‫ال ورسوله ولو كان أباه أو أخاه ‪ ،‬فهذا ممن كتب ال في قلبه اليمان ‪ ،‬أي ‪ :‬كتب له السعادة‬
‫وقررها في قلبه وزين اليمان في بصيرته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وفي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬بل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ليس"‪.‬‬

‫( ‪)8/54‬‬

‫وقال السدي ‪ { :‬كَ َتبَ فِي قُلُو ِبهِ ُم اليمَانَ } جعل في قلوبهم اليمان‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬وَأَيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ } أي ‪ :‬قواهم‪.‬‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُ ْم وَ َرضُوا عَ ْنهُ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُ ْدخُِلهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َر ِ‬
‫كل هذا تقدم تفسيره غير مرة‪.‬‬
‫ضيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } سر بديع ‪ ،‬وهو أنه لما سخطوا على القرائب‬
‫وفي قوله ‪َ { :‬ر ِ‬
‫والعشائر في ال عوضهم ال بالرضا عنهم ‪ ،‬وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم ‪،‬‬
‫والفوز العظيم ‪ ،‬والفضل العميم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَل إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬هؤلء حزبُ ال ‪ ،‬أي ‪ :‬عباد‬
‫ال (‪ )1‬وأهل كرامته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَل إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } تنويه بفلحهم وسعادتهم ونصرهم (‪ )2‬في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان‪ .‬ثم قال ‪ { :‬أَل إِنّ حِ ْزبَ الشّيْطَانِ‬
‫هُمُ الْخَاسِرُونَ }‬
‫وقد قال بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا هارون بن حميد الواسطي ‪ ،‬حدثنا الفضل بن عَنْبَسة ‪ ،‬عن رجل قد‬
‫سماه ‪ -‬يقال (‪ )3‬هو عبد الحميد بن سليمان ‪ ،‬انقطع من كتابي ‪ -‬عن الذَيّال بن عباد قال ‪ :‬كتب‬
‫أبو حازم العرج إلى الزهري ‪ :‬أعلم أن الجاه جاهان ‪ ،‬جاه يجريه ال على أيدي أوليائه لوليائه‬
‫‪ ،‬وأنهم الخامل ذكرهم ‪ ،‬الخفية شخوصهم ‪ ،‬ولقد جاءت صفتهم على لسان رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪" .‬إن ال يحب الخفياء التقياء البرياء ‪ ،‬الذين إذا غابوا لم يُفتَقَدوا ‪ ،‬وإذا حضروا لم‬
‫يُدْعَوا ‪ ،‬قلوبهم مصابيح الهدى ‪ ،‬يخرجون من كل فتنة سوداء مظلمة" (‪ )4‬فهؤلء أولياء ال‬
‫تعالى الذين قال ال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ حِ ْزبُ اللّهِ أَل إِنّ حِ ْزبَ اللّهِ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ }‬
‫حمّاد ‪ :‬حدثنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫وقال ُنعَيم بن َ‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل تجعل لفاجر ول لفاسق عندي يدًا ول نعمة ‪ ،‬فإني وجدت فيما أوحيته‬
‫إلي ‪ { :‬ل َتجِدُ َق ْومًا ُي ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الخِرِ ُيوَادّونَ مَنْ حَادّ اللّ َه وَرَسُولَهُ } قال سفيان ‪ :‬يرون‬
‫أنها نزلت فيمن يخالط السلطان‪ .‬ورواه أبو أحمد العسكري‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ : :‬عباده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ونصرتهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (‪ )3989‬من طريق ابن لهيعة ‪ ،‬عن عيسى بن عبد‬
‫الرحمن ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمر مرفوعًا ‪ ،‬وفيه ابن لهيعة وقد توبع ‪ ،‬تابعه‬
‫عياش بن عباس ‪ ،‬عن عيسى بن عبد الرحمن به ‪ ،‬رواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/328‬وقال ‪:‬‬
‫"هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫( ‪)8/55‬‬

‫حكِيمُ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ‬


‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حصُو ُنهُمْ مِنَ اللّهِ‬
‫حشْرِ مَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ َيخْرُجُوا وَظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ ُ‬
‫أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَارِ ِهمْ لَِأ ّولِ الْ َ‬
‫عبَ ُيخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَيْدِي ِه ْم وَأَيْدِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ‬
‫فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ لَمْ َيحْتَسِبُوا َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَ ْبصَارِ (‪ )2‬وََلوْلَا أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمُ الْجَلَاءَ َلعَذّ َبهُمْ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ فِي الَْآخِ َرةِ‬
‫عَذَابُ النّارِ (‪)3‬‬
‫تفسير سورة الحشر‬
‫[وكان ابن عباس يقول ‪ :‬سورة بني النضير] (‪ .)1‬وهي مدنية‪.‬‬
‫قال سعيد بن منصور ‪ :‬حدثنا ُهشَيم ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قلت لبن عباس ‪:‬‬
‫سورة الحشر ؟ قال ‪ :‬أنزلت في بني النضير‪ .‬ورواه البخاري ومسلم من وجه آخر ‪ ،‬عن ُهشَيْم ‪،‬‬
‫به (‪ .)2‬ورواه البخاري من حديث أبي عَوانة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قلت‬
‫لبن عباس ‪ :‬سورة الحشر ؟ قال ‪ :‬قُل ‪ :‬سورة النّضير (‪)3‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حصُونُهُمْ مِنَ‬
‫مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَارِ ِه ْم لوّلِ ا ْلحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْ ُرجُوا َوظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ ُ‬
‫عبَ ُيخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَيْدِيهِ ْم وَأَ ْيدِي‬
‫اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ َلمْ يَحْ َتسِبُوا َوقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي ال ْبصَارِ (‪ )2‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمُ ا ْلجَلءَ َل َعذّ َبهُمْ فِي الدّنْيَا وََلهُمْ‬
‫فِي الخِ َرةِ عَذَابُ النّارِ (‪} )3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4882‬وصحيح مسلم برقم (‪.)331‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4883‬‬

‫( ‪)8/56‬‬

‫طعْتُمْ مِنْ لِي َنةٍ َأوْ‬


‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ (‪ )4‬مَا َق َ‬
‫ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَ ُه َومَنْ ُيشَاقّ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سقِينَ (‪)5‬‬
‫تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئ َمةً عَلَى ُأصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ ُيخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬

‫طعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ َأوْ‬


‫{ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَرَسُولَ ُه َومَنْ يُشَاقّ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪ )4‬مَا قَ َ‬
‫سقِينَ (‪} )5‬‬
‫تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئ َمةً عَلَى ُأصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِ ُيخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫يخبر تعالى أن جميع ما في السموات وما في الرض من شيء يسبح له ويمجده ويقدسه ‪،‬‬
‫شيْءٍ إِل‬
‫ن وَإِنْ مِنْ َ‬
‫ض َومَنْ فِيهِ ّ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْ ُع وَال ْر ُ‬
‫ويصلي له ويوحده (‪ )1‬كقوله ‪ { :‬تُسَبّحُ لَهُ ال ّ‬
‫ح ُهمْ ] } (‪[ )2‬السراء ‪ .]44 :‬وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪:‬‬
‫حمْ ِدهِ ]وََلكِنْ ل َتفْ َقهُونَ َتسْبِي َ‬
‫يُسَبّحُ ِب َ‬
‫حكِيمُ } في قدره وشرعه‪.‬‬
‫منيع الجناب { ا ْل َ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ } يعني ‪ :‬يهود بني النضير‪ .‬قاله ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم لما قدم المدينة‬
‫هادنهم وأعطاهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وحده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/56‬‬

‫عهدًا وذمة ‪ ،‬على أل يقاتلهم ول يقاتلوه ‪ ،‬فنقضوا العهد الذي كان بينهم وبينه ‪ ،‬فأحل ال بهم‬
‫بأسه الذي ل مَرَدّ (‪ )1‬له ‪ ،‬وأنزل عليهم قضاءه الذي ل ُيصَدّ ‪ ،‬فأجلهم النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأخرجهم من حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون ‪ ،‬وظنوا هم أنها مانعتهم من‬
‫بأس ال ‪ ،‬فما أغنى عنهم من ال شيئًا ‪ ،‬وجاءهم ما لم يكن ببالهم ‪ ،‬وسيّرهم رسول ال وأجلهم‬
‫من المدينة ‪ ،‬فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام ‪ ،‬وهي أرض المحشر والمنشر‬
‫‪ ،‬ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر‪ .‬وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم ‪ ،‬فكانوا‬
‫يخربون ما في بيوتهم من المنقولت التي يمكن أن تحمل معهم ؛ ولهذا قال ‪ُ { :‬يخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ‬
‫بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي ال ْبصَارِ } أي ‪ :‬تفكروا في عاقبة من خالف أمر ال‬
‫وخالف رسوله ‪ ،‬وكذب كتابه ‪ ،‬كيف يحل به من بأسه المخزي له في الدنيا ‪ ،‬مع ما يدخره له في‬
‫الخرة من العذاب الليم‪.‬‬
‫قال أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن داود وسفيان ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أن كفار‬
‫قريش كتبوا إلى ابن أبي ‪ ،‬ومن كان معه يعبد [معه] (‪ )2‬الوثان من الوس والخزرج ‪ ،‬ورسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر ‪ :‬إنكم آويتم صاحبنا ‪ ،‬وإنا نقسم بال لنقاتلنه‬
‫‪ ،‬أو لتخرجنه ‪ ،‬أو لنسيرن إليكم بأجمعنا ‪ ،‬حتى نقتل ُمقَاتلتكم ونستبيح نساءكم ‪ ،‬فلما بلغ ذلك عبد‬
‫ال بن أبي ومن كان معه من عبدة الوثان ‪ ،‬اجتمعوا لقتال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلما بلغ‬
‫ذلك النبي صلى ال عليه وسلم لقيهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ‪ ،‬ما كانت تكيدكم‬
‫بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم ‪ ،‬تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم ؟" ‪ ،‬فلما سمعوا ذلك‬
‫من النبي صلى ال عليه وسلم تفرقوا ‪ ،‬فبلغ ذلك كفار قريش ‪ ،‬فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر‬
‫إلى اليهود ‪ :‬إنكم أهل الحلقة والحصون ‪ ،‬وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا ‪ ،‬ول‬
‫يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء ‪ -‬وهي الخلخيل ‪ -‬فلما بلغ كتابهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫اجتمعت بنو النضير بالغدر ‪ ،‬فأرسلوا إلى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬اخرج إلينا في ثلثين‬
‫رجل من أصحابك ليخرج منا ثلثون حبرًا ‪ ،‬حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك ‪ ،‬فإن‬
‫صدقوك وآمنوا بك آمنا بك ‪ ،‬فلما كان الغد غدا عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم [بالكتائب]‬
‫(‪ )3‬فحصرهم ‪ ،‬قال لهم ‪" :‬إنكم وال ل تأمنوا عندي إل بعهد تعاهدوني عليه"‪ .‬فأبوا أن يعطوه‬
‫عهدًا ‪ ،‬فقاتلهم يومهم ذلك ‪ ،‬ثم غدا الغَد على بني قريظة بالكتائب ‪ ،‬وترك بني النضير ‪ ،‬ودعاهم‬
‫إلى أن يعاهدوه ‪ ،‬فعاهدوه ‪ ،‬فانصرف عنهم‪ .‬وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم ‪ ،‬حتى نزلوا‬
‫على الجلء‪ .‬فجلت بنو النضير ‪ ،‬واحتملوا ما أقلت البل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها ‪،‬‬
‫وكان نخل بني النضير لرسول ال صلى ال عليه وسلم خاصة ‪ ،‬أعطاه ال أياها وخصه بها ‪،‬‬
‫علَيْهِ مِنْ خَ ْيلٍ وَل ِركَابٍ } يقول ‪ :‬بغير قتال ‪،‬‬
‫جفْتُمْ َ‬
‫فقال ‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫فأعطى النبي صلى ال عليه وسلم أكثرها للمهاجرين ‪ ،‬قسمها بينهم ‪ ،‬وقسم منها لرجلين من‬
‫النصار وكانا ذوي حاجة ‪ ،‬ولم يقسم من النصار غيرهما ‪ ،‬وبقي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ل يرد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من سنن أبي داود‪.‬‬

‫( ‪)8/57‬‬

‫منها صدقة رسول ال صلى ال عليه وسلم التي في أيدي بني فاطمة (‪.)1‬‬
‫ولنذكر ملخص غزوة بني النضير على وجه الختصار ‪ ،‬وبال المستعان‪.‬‬
‫وكان سبب ذلك فيما ذكره أصحاب المغازي والسَير ‪ :‬أنه لما قُتِل أصحابُ بئر معونة ‪ ،‬من‬
‫أصحاب رسول ال (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكانوا سبعين ‪ ،‬وأفلت منهم عمرو بن أمية‬
‫الضمري ‪ ،‬فلما كان في أثناء الطريق راجعًا إلى المدينة قتل رجلين من بني عامر ‪ ،‬وكان معهما‬
‫عهد من رسول ال صلى ال عليه وسلم وأمان لم يعلم به عمرو ‪ ،‬فلما رجع أخبر رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لقد قتلت رجلين ‪ ،‬لدينّهما"‬
‫وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد ‪ ،‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى بني‬
‫النضير يستعينهم في دية ذينك الرجلين ‪ ،‬وكان منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها‬
‫شرقيها‪.‬‬
‫قال محمد بن إسحاق بن يسار في كتابه السيرة ‪ :‬ثم خرج رسول ال إلى بني النضير ‪ ،‬يستعينهم‬
‫في دية ذينك القتيلين من بني عامر ‪ ،‬اللذين قتل (‪ )3‬عمرو بن أمية الضمري ؛ للجوار الذي كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم عقد لهما ‪ ،‬فيما حدثني يزيد بن رُومان ‪ ،‬وكان بين بني النضير‬
‫وبني عامر عَقد وحلف‪ .‬فلما أتاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين‬
‫قالوا ‪ :‬نعم ‪ ،‬يا أبا القاسم ‪ ،‬نعينك على ما أحببت ‪ ،‬مما استعنت بنا عليه‪ .‬ثم خل بعضهم ببعض‬
‫فقالوا ‪ :‬إنكم لن (‪ )4‬تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ‪ -‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫جنب جدار من بيوتهم ‪َ -‬فمَن (‪ )5‬رجل يعلو على هذا البيت ‪ ،‬فيلقي عليه صخرة ‪ ،‬فيريحنا‬
‫منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدُهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا لذلك ‪ ،‬فصعَدَ ليلقي عليه صخرة‬
‫كما قال ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم في نفر من أصحابه ‪ ،‬فيهم أبو بكر وعمر وعلي ‪،‬‬
‫رضي ال عنهم‪ .‬فأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم ‪ ،‬فقام‬
‫وخرج راجعًا إلى المدينة ‪ ،‬فلما استلبث النبي صلى ال عليه وسلم أصحابه قاموا في طلبه فلقوا‬
‫رجل مقبل من المدينة ‪ ،‬فسألوه عنه ‪ ،‬فقال ‪ :‬رأيته داخل المدينة‪ .‬فأقبل أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى انتهوا إليه ‪ ،‬فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به ‪ ،‬وأمر‬
‫رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم‪ .‬ثم سار حتى نزل بهم فتحصنوا‬
‫منه في الحصون ‪ ،‬فأمر رسولُ ال صلى ال عليه وسلم بقطع النخل والتّحريق فيها‪ .‬فنادوه ‪ :‬أن‬
‫يا محمد ‪ ،‬قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه ‪ ،‬فما بال قطع النخل وتحريقها ؟‬
‫وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ‪ ،‬منهم عبد ال ابن أبي [بن] (‪ )6‬سلول ‪ ،‬ووديعة ‪،‬‬
‫سوَيد وداعس ‪ ،‬قد بعثوا إلى بني النضير ‪ :‬أن اثبتوا و َتمَنّعوا فإنا لن‬
‫ومالك بن أبي قوقل (‪ )7‬و ُ‬
‫نسلمكم ‪ ،‬إن قوتلتم قاتلنا معكم ‪ ،‬وإن أخرجتم خَرَجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم ‪ ،‬فلم يفعلوا‬
‫‪ ،‬وقذف ال في قلوبهم الرعب ‪ ،‬فسألوا رسول ال صلى ال عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن‬
‫دمائهم ‪ ،‬على أن لهم ما حملت البل من أموالهم إل الحلقة ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬فاحتملوا من أموالهم ما‬
‫استقلت به البل ‪ ،‬فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ‪ ،‬فيضعه على ظهر بعيره فينطلق‬
‫به‪ .‬فخرجوا إلى خيبر ‪ ،‬ومنهم من سار إلى الشام ‪ ،‬وَخَلّوا الموال إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فكانت لرسول ال خاصة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪.)3004‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أصحاب النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬قتلهما"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬لم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬فمر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬نوفل"‪.‬‬

‫( ‪)8/58‬‬

‫يضعها حيث شاء ‪ ،‬فقسمها على المهاجرين الولين دون النصار‪ .‬إل أن سهل بن حُنَيف وأبا‬
‫دُجانة سماك بن خَرشَة ذكرا َفقْرًا ‪ ،‬فأعطاهما رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫عمَير (‪ )1‬بن كعب بن عمرو بن جحاش ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ولم يسلم من بني النضير إل رجلن ‪ :‬يامين بن ُ‬
‫وأبو سعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ابن إسحاق ‪ :‬قد حدثني بعض آل يامين ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ليامين ‪:‬‬
‫جعِل علي‬
‫عمَير (‪ )2‬لرجل ُ‬
‫"ألم تر ما لقيتُ من ابن عمك ‪ ،‬وما هم به من شأني"‪ .‬فجعل يامين بن ُ‬
‫أن يقتل عمرو بن جحاش ‪ ،‬فقتله فيما يزعمون‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها (‪.)3‬‬
‫وهكذا روي يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬بنحو ما تقدم (‪.)4‬‬
‫فقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ } يعني ‪ :‬بني النضير { مِنْ دِيَارِهِ ْم ل ّولِ‬
‫حشْرِ }‪.‬‬
‫الْ َ‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن أبي سعد ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬من شك في أن أرض المحشر هاهنا ‪ -‬يعني الشام فَلْيَتْل (‪ )5‬هذه‬
‫الية ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَا ِرهِ ْم ل ّولِ ا ْلحَشْرِ } قال لهم رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اخرجوا"‪ .‬قالوا ‪ :‬إلى أين ؟ قال ‪" :‬إلى أرض المحشر"‪.‬‬
‫وحدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬لما أجلى رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بني النضير ‪ ،‬قال ‪" :‬هذا أول الحشر ‪ ،‬وأنا على الثر"‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن بُ ْندَار ‪ ،‬عن ابن أبي عدي ‪ ،‬عن عوف ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْ ُرجُوا } أي ‪ :‬في مدة حصاركم لهم وقصَرها ‪ ،‬وكانت ستة أيام ‪ ،‬مع‬
‫حصُو ُنهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَ ْيثُ‬
‫شدة حصونهم ومنعتها ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ ُ‬
‫لَمْ َيحْتَسِبُوا } أي ‪ :‬جاءهم من أمر ال ما لم يكن لهم في بال ‪ ،‬كما قال في الية الخرى ‪ { :‬قَدْ‬
‫س ْقفُ مِنْ َف ْو ِقهِ ْم وَأَتَا ُهمُ ا ْلعَذَابُ مِنْ‬
‫َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَا َنهُمْ مِنَ ا ْلقَوَاعِدِ فَخَرّ عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫شعُرُونَ } [النحل ‪.]26 :‬‬
‫حَ ْيثُ ل يَ ْ‬
‫عبَ } أي ‪ :‬الخوف والهَلَع والجَزَع ‪ ،‬وكيف ل يحصل لهم ذلك‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَ َذفَ فِي قُلُو ِبهِمُ الرّ ْ‬
‫وقد حاصرهم الذي نُصر بالرعب مسيرةَ شهر ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ابن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬بن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪ )192 - 2/190‬وتفسير الطبري (‪.)28/21‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬مما تقدم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فليقرأ"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )28/20‬ورواه ابن سعد في الطبقات (‪ )2/42‬عن هوذة ابن خليفة ‪ ،‬عن‬
‫عوف ‪ ،‬عن الحسن به وهو مرسل‪.‬‬
‫( ‪)8/59‬‬

‫وقوله ‪ُ { :‬يخْرِبُونَ بُيُو َتهُمْ بِأَيْدِيهِ ْم وَأَ ْيدِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قد تقدم تفسير ابن إسحاق لذلك ‪ ،‬وهو نقض‬
‫(‪ )1‬ما استحسنوه من سقوفهم وأبوابهم ‪ ،‬وتَحملها على البل ‪ ،‬وكذا قال عروة بن الزبير ‪ ،‬وعبد‬
‫الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقال مقاتل ابن حيان ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقاتلهم ‪ ،‬فإذا ظهر على دَرْب أو دار‬
‫‪ ،‬هدم حيطانها ليتسع المكان للقتال‪ .‬وكان (‪ )2‬اليهود إذا علوا مكانًا أو غلبوا على درب أو دار ‪،‬‬
‫نقبوا من أدبارها ثم حصنوها ودربوها ‪ ،‬يقول ال تعالى ‪ { :‬فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي ال ْبصَارِ }‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلوْل أَنْ كَ َتبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمُ الْجَلءَ َلعَذّ َبهُمْ فِي الدّنْيَا } أي ‪ :‬لول أن كتب ال عليهم هذا‬
‫الجلء ‪ ،‬وهو النفي من ديارهم وأموالهم ‪ ،‬لكان لهم عند ال عذاب آخر من القتل والسبي ‪ ،‬ونحو‬
‫ذلك ‪ ،‬قاله الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬والسّدّي وابن زيد ؛ لن ال قد كتب عليهم أنه سيعذبهم في‬
‫الدار الدنيا مع ما أعد لهم في الخرة من العذاب في نار جهنم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح ‪ -‬كاتب الليث ‪ -‬حدثني الليث ‪ ،‬عن‬
‫عقيل ‪ ،‬عن ابن شهاب قال ‪ :‬أخبرني عروة بن الزبير قال ‪ :‬ثم كانت وقعة بني النضير ‪ ،‬وهم‬
‫طائفة من اليهود ‪ ،‬على رأس ستة أشهر من وقعة بدر‪ .‬وكان منزلهم بناحية من المدينة ‪،‬‬
‫فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى نزلوا من الجلء ‪ ،‬وأن لهم ما أقَلّت البل من‬
‫الموال والمتعة إل الحلقة ‪ ،‬وهي السلح ‪ ،‬فأجلهم رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل الشام‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والجلء أنه كُتب عليهم في آي من التوراة ‪ ،‬وكانوا من سبط لم يصبهم الجلء قبل ما سلط‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي‬
‫عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأنزل ال فيهم ‪ { :‬سَبّحَ ِللّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫سقِينَ }‪.‬‬
‫ال ْرضِ } إلى قوله { وَلِيُخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬الجلء ‪ :‬القتل‪ .‬وفي رواية عنه ‪ :‬الفناء‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الجلء ‪ :‬خروج الناس من البلد إلى البلد‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬أجلهم إلى الشام ‪ ،‬وأعطى كل ثلثة بعيرًا وسقاء ‪ ،‬فهذا الجلء‪.‬‬
‫وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أحمد بن كامل القاضي ‪،‬‬
‫حدثنا محمد بن سعيد (‪ )3‬العوفي ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن عمي ‪ ،‬حدثني أبي عن جدي ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬كان النبي (‪ )4‬صلى ال عليه وسلم قد حاصرهم حتى بلغ منهم كل مَبْلَغ ‪ ،‬فأعطوه‬
‫ما أراد منهم ‪ ،‬فصالحهم على أن يحقن لهم دمائهم ‪ ،‬وأن يخرجهم من أرضهم ومن ديارهم‬
‫وأوطانهم ‪ ،‬وأن يسيرهم إلى أذرعات الشام ‪ ،‬وجعل لكل ثلثة منهم بعيرًا وسقاء ‪ ،‬والجلء‬
‫إخراجهم من أرضهم (‪ )5‬إلى أرض أخرى (‪)6‬‬
‫وروي أيضًا من حديث يعقوب بن محمد الزهري ‪ ،‬عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بعض"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وكانت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬سعد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬كان رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬أرض"‪.‬‬
‫(‪ )6‬دلئل النبوة للبيهقي (‪ )3/359‬وإسناده مسلسل بالضعفاء‪.‬‬

‫( ‪)8/60‬‬

‫بن مسلمة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن محمد بن مسلمة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه‬
‫إلى بني النضير ‪ ،‬وأمره أن يؤجلهم في الجلء ثلث ليال (‪.)2( )1‬‬
‫عذَابُ النّارِ } أي ‪ :‬حتم لزم ل بد لهم منه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََلهُمْ فِي الخِ َرةِ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ شَاقّوا اللّ َه وَرَسُولَهُ } أي ‪ :‬إنما فَعلَ ال بهم ذلك وسَلّط عليهم رسوله وعباده‬
‫المؤمنين ؛ لنهم خالفوا ال ورسوله ‪ ،‬وكذبوا بما أنزل ال على رسله المتقدمين في (‪ )3‬البشارة‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهم يعرفون ذلك كما يعرفون أبناءهم ‪ ،‬ثم قال ‪َ { :‬ومَنْ ُيشَاقّ اللّهَ‬
‫فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ }‪.‬‬
‫سقِينَ }‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ لِينَةٍ َأوْ تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئمَةً عَلَى ُأصُوِلهَا فَبِإِذْنِ اللّ ِه وَلِيُخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬مَا قَ َ‬
‫اللين ‪ :‬نوع من التمر ‪ ،‬وهو جيد‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أبو عبيدة ‪ :‬وهو ما خالف العجوة والبَرْ ِنيّ من التمر‪.‬‬
‫وقال كثيرون (‪ )4‬من المفسرين ‪ :‬اللينة ‪ :‬ألوان التمر سوى العجوة‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ابن جرير ‪ :‬هو جميع النخل‪ .‬ونقله عن مجاهد ‪ :‬وهو ال ُبوَيرة أيضًا ؛ وذلك أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم (‪ )5‬إهانة لهم ‪ ،‬وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم‪.‬‬
‫فروى محمد ابن إسحاق عن يزيد بن رومان ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان أنهم قالوا ‪[ :‬فبعث بنو‬
‫النضير] (‪ )6‬يقولون لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنك تنهى عن الفساد ‪ ،‬فما بالك تأمر‬
‫بقطع الشجار ؟ فأنزل ال هذه الية الكريمة ‪ ،‬أي ‪ :‬ما قطعتم وما تركتم من الشجار ‪ ،‬فالجميع‬
‫بإذن ال ومشيئته وقدرته (‪ )7‬ورضاه ‪ ،‬وفيه نكاية بالعدو (‪ )8‬وخزي لهم ‪ ،‬وإرغام لنوفهم‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬نهى بعض المهاجرين بعضًا عن قطع النخل ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إنما هي مغانم المسلمين‪.‬‬
‫فنزل (‪ )9‬القرآن بتصديق من نهى عن قطعه ‪ ،‬وتحليل من قطعه من الثم ‪ ،‬وإنما قطعه وتركه‬
‫بإذنه‪ .‬وقد روي نحو هذا مرفوعًا ‪ ،‬فقال النسائي ‪ :‬أخبرنا الحسن بن محمد ‪ ،‬عن (‪ )10‬عفان ‪،‬‬
‫حدثنا حفص بن غياث ‪ ،‬حدثنا حبيب بن أبي عمرة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬في‬
‫سقِينَ } قال ‪:‬‬
‫طعْتُمْ مِنْ لِي َنةٍ َأوْ تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئمَةً عَلَى ُأصُوِلهَا فَبِِإذْنِ اللّهِ وَلِيُخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫قوله ‪ { :‬مَا قَ َ‬
‫يستنزلونهم من حصونهم وأمروا بقطع النخل ‪ ،‬فحاك في صدورهم ‪ ،‬فقال المسلمون ‪ :‬قطعنا‬
‫بعضًا وتركنا بعضًا ‪ ،‬فلنسألن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل لنا فيما قطعنا من أجر ؟‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ لِينَةٍ } (‪)11‬‬
‫وهل علينا فيما تركنا من وزر ؟ فأنزل ال ‪ { :‬مَا قَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أيام"‪.‬‬
‫(‪ )2‬دلئل النبوة (‪.)3/360‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬من"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬نخلهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في هـ بياض ‪ ،‬وفي م ‪" :‬بنو قريظة" وهو خطأ ‪ ،‬والمثبت من تفسير الطبري‪ .‬ومستفادا من‬
‫هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬وقدره"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬للعدو"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬فأنزل"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11574‬‬

‫( ‪)8/61‬‬

‫وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده ‪ :‬حدثنا سفيان بن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا حفص ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن‬
‫سليمان بن موسى ‪ ،‬عن جابر ‪ -‬وعن أبي الزبير ‪ ،‬عن جابر ‪ -‬قال ‪ :‬رخص لهم في قطع النخل‬
‫‪ ،‬ثم شدد عليهم فأتوا (‪ )1‬النبي صلى ال عليه وسلم فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬علينا إثم فيما‬
‫طعْ ُتمْ مِنْ لِينَةٍ َأوْ تَ َركْ ُتمُوهَا‬
‫قطعنا ؟ أو علينا وزر فيما تركنا ؟ فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬مَا قَ َ‬
‫قَا ِئمَةً عَلَى ُأصُوِلهَا فَبِِإذْنِ اللّهِ } (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحَرّق‪.‬‬
‫وأخرجه صاحبا الصحيح من رواية موسى بن عقبة ‪ ،‬بنحوه (‪ )3‬ولفظ البخاري من طريق عبد‬
‫الرزاق ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬حاربت (‪)4‬‬
‫النضيرُ وقريظة ‪ ،‬فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومَنّ عليهم حتى حاربت قريظة فقتل من‬
‫رجالهم وقسم (‪ )5‬نساءهم وأولدهم وأموالهم بين المسلمين ‪ ،‬إل بعضهم لحقوا بالنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فأمّنهم وأسلموا ‪ ،‬وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع ‪ ،‬وهم رهط عبد ال بن سلم ‪،‬‬
‫ويهود بني حارثة ‪ ،‬وكلّ يهود بالمدينة‪.‬‬
‫ولهما أيضًا عن قتيبة ‪ ،‬عن الليث بن سعد ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير وقطع ‪ -‬وهي ال ُبوَيرةُ ‪ -‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل فيه ‪ { :‬مَا‬
‫سقِينَ } (‪.)6‬‬
‫طعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ َأوْ تَ َركْ ُتمُوهَا قَا ِئمَةً عَلَى ُأصُوِلهَا فَبِِإذْنِ اللّ ِه وَلِيُخْ ِزيَ ا ْلفَا ِ‬
‫قَ َ‬
‫جوَيْرية بن أسماء عن نافع ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ؛ أن‬
‫وللبخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬من رواية ُ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حَرّق نخل بني النضير (‪ .)7‬ولها يقول حسان بن ثابت ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪:‬‬
‫وَهَان عَلى سَراة بني لُؤيّ‪ ...‬حَريق بال ُبوَيَرة ُمسْتَطيرّ‪...‬‬
‫فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول ‪:‬‬
‫أدَام الُ ذلكَ من صَنيع‪َ ...‬وحَرّق في َنوَاحيها السّعير‪...‬‬
‫سَتَعلم أيّنا منْها بِنزهٍ‪ ...‬وَ َتعْلُمُ أيّ أرْضينَا َنضِيرُ‪...‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فسألوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند أبي يعلى (‪ )4/135‬وفيه سفيان بن وكيع ‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬تنبيه ‪ :‬رواية سليمان بن‬
‫موسى عن جابر لم أجدها في مسند أبي يعلى المطبوع فلعلها سقطت‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/7‬وصحيح البخاري برقم (‪ )2021‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1746‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬حارب"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فقتل من رجالهم وسبى وقسم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4884‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1746‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬نخل بنى النضير ‪ ،‬وقطع البويرة" ‪ ،‬وقوله ‪" :‬قطع البويرة" غير ثابت في‬
‫البخاري ‪ ،‬ويبدو أنه سهو من الناسخ‪.‬‬

‫( ‪)8/62‬‬

‫كذا رواه البخاري (‪ )1‬ولم يذكره ابن إسحاق‪.‬‬


‫وقال محمد ابن إسحاق ‪ :‬وقال كعب بن مالك يذكر إجلء بني النضير وقتل ابن الشرف ‪:‬‬
‫َلقَد خَزيت (‪ )2‬بغَدْرَتِها الحُبُور‪َ ...‬كذَاكَ الدهرُ ذو صَرْف َيدُورُ‪...‬‬
‫وَذَلك أنّهم كفَرُوا بِ َربّ‪ ...‬عَظيم أم ُرهُ أمرٌ كَبِيرُ‪...‬‬
‫وقَد أوتوا معًا فَهمًا وعلما‪ ...‬وَجَاء ُهمُ من ال النّذيرُ‪...‬‬
‫نَذير صَادق أدّى (‪ )3‬كتابا‪ ...‬وآيات مُبَيّنَةً تُنيرُ‪...‬‬
‫فقال (‪ )4‬ما أتيت بأمر صدق‪ ...‬وأنت بمنكر منا جَديرُ‪...‬‬
‫فقال ‪ :‬بَلى لقد أديتُ حقًا‪ُ ...‬يصَدّقني به الفَهم الخَبيرُ‪...‬‬
‫فَمن يَتْبعه يُهدَ ِلكُل رُشُد‪َ ...‬ومَن يَكفُر به يُجزَ ال َكفُورُ‪...‬‬
‫فََلمّا أْشربُوا غَدْرًا وكُفْرًا‪ ...‬وَجَدّ بهم عن الحَقّ النَفورُ‪...‬‬
‫أرَى ال النبيّ بِرَأي صدْق‪ ...‬وكانَ ال يَحكُم ل يَجُورُ‪...‬‬
‫فَأيّ َد ُه وَسَلّطَه عَلَيهم‪ ...‬وكانَ نَصيرهُ نعْم النّصيرُ‪...‬‬
‫َفغُودرَ منْهمُو كَعب صريعًا‪ ...‬فَذَّلتْ بعدَ َمصْرَعة النّضيرُ‪...‬‬
‫شهّرة ذكُورُ‪...‬‬
‫عَلى ال َكفّين ث ّم وقَدْ عَلَتْهُ‪ ...‬بأيدينا مُ َ‬
‫حمّد إذ دَس لَيل‪ ...‬إلى كَعب أخَا كَعب يَسيرُ‪...‬‬
‫بأمْر مُ َ‬
‫َفمَا كَرَه فَأنزلَه ِب َمكْر‪ ...‬وَمحمودُ أخُو ثقَة جَسُورُ‪...‬‬
‫فَتلْك بَنُو النّضير بدار سَوء‪ ...‬أبَارَهُمُ بما اجترموا المُبيرُ‪...‬‬
‫ل ال وَ ّهوَ بهم بَصيرُ‪...‬‬
‫غَداة أتاهُمُ في ال ّزحْف رَهوًا‪َ ...‬رسُو ُ‬
‫وَغَسّانُ الحماةُ مُوازرُوه‪ ...‬عَلَى العداء وهو لهم وَزيرُ‪...‬‬
‫َفقَالَ ‪ :‬السْلم ويحكمُ َفصَدّوا‪ ...‬وَحَالفَ أمْرَهَم كَذبٌ وَزُورُ‪...‬‬
‫فَذَاقُوا غبّ أمْرهُمُ دَبَال‪ ...‬ل ُكلّ ثَلثَة منهُم بَعيرُ‪...‬‬
‫وَأجلوا عَامدين لقَي ُنقَاع‪ ...‬وَغُودرَ مِ ْنهُم َنخْل ودُورُ (‪)5‬‬
‫قال ‪ :‬وكان مما (‪ )6‬قيل من الشعار في بني النضير قولُ ابن ُلقَيم العَبْسيّ ‪ -‬ويقال ‪ :‬قالها قيس‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4032‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬خربت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أوتي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬فقالوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/199‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬ومما كان"‪.‬‬

‫( ‪)8/63‬‬

‫ب وََلكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ‬


‫جفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَ ْيلٍ وَلَا ِركَا ٍ‬
‫َومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)6‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫بن بحر بن طريف ‪ ،‬قال ابن هشام الشجعي ‪:‬‬
‫حلّ (‪ )1‬اليهودَ بالحَسِى (‪ )2‬المُزَنّم‪...‬‬
‫أهلي فدَا ٌء لمرئ غَير هَالك‪ ...‬أ َ‬
‫جمْر الغَضاة وبُدّلُوا‪ ...‬أهَيضبَ عودا بالوَدي ال ُم َكمّم‪...‬‬
‫يَقيلُونَ في َ‬
‫فإن َيكُ ظَني صَادقًا ب ُمحَمد‪ ...‬يَرَوا خَيلَه بينَ الصّل وَيَرمْرَم (‪)3‬‬
‫ي صَديق كمُجْرم‪...‬‬
‫حّ‬‫عدُو ما َ‬
‫يَؤمّ بها عَمرو بنُ بُهثَةَ إ ّنهُمْ‪َ ...‬‬
‫عَلَيهنّ أبطالُ مَساعيرُ في الوَغَى‪َ ...‬يهُزّونَ أطرافَ الوَشيج ال ُم َقوّم‪...‬‬
‫وكُلّ رَقيق الشّفرتَين ُمهَنّدٍ‪ ...‬تُورثْنَ من أزْمان عاد وَجُ ْرهُمِ‪...‬‬
‫َفمَن مُبلغٌ عَني قُرَيشًا رسَالة‪َ ...‬ف َهلْ بَعدَهُم في المجْد من مُتَكرّم‪...‬‬
‫حمّدًا‪ ...‬تَليدُ النّدى بينَ الحَجُون و َزمْزَم‪...‬‬
‫بأنّ أخاكمُ فاعلَمنّ مُ َ‬
‫سمُوا منَ الدنْيا إلى كُل ُمعْظَم‪...‬‬
‫جسُمْ أمُورُكم‪ ...‬وتَ ْ‬
‫فَدينُوا له بالحقّ تَ ْ‬
‫نبي تلفَته منَ ال رَحَمةٌ‪ ...‬ول تَسْألُوهُ أمْرَ غَيب مُرَجّم‪...‬‬
‫َفقَدْ كانَ في َبدْر َل َعمْري عِب َرةٌ‪َ ...‬لكُم يا قُرَيش والقَليب المَُلمّم‪...‬‬
‫غَدَاة أتَى في الخَزْرَجيّةِ عا ِمدًا‪ ...‬إليكُم مُطيعًا للعَظيمِ ال ُمكَرّم‪...‬‬
‫حقّا ِب َمعْلم‪...‬‬
‫ُمعَانًا برُوح القُدْس يَنْكي عَدوه‪َ ...‬رسُول مِنَ الرّحمن َ‬
‫حقّ لم يَتَلعْثَم‪...‬‬
‫رَسُول مِنَ الرّحمن يَتْلُو كِتابَهُ‪ ...‬فََلمّا أنارَ ال َ‬
‫حكَم (‪)4‬‬
‫حمّه الُ مُ ْ‬
‫أرَى أمْ َرهُ يَزْدَادُ في ُكلّ َموْطن‪ ...‬عُُلوّا لمرْ َ‬
‫وقد أورد ابن إسحاق ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬هاهنا أشعارًا كثيرة ‪ ،‬فيها آداب ومواعظ وحكم ‪ ،‬وتفاصيل‬
‫للقصة ‪ ،‬تركنا باقيها اختصارًا واكتفاء بما ذكرناه ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫قال ابن إسحاق ‪ :‬كانت وقعة بني النضير بعد وقعة أحد وبعد بئر معونة‪ .‬وحكى البخاري ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬عن عروة أنه قال ‪ :‬كانت وقعة بني النضير بعد بدر بستة أشهر (‪.)5‬‬
‫ب وََلكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَى‬
‫ل وَل ِركَا ٍ‬
‫جفْتُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ خَ ْي ٍ‬
‫{ َومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )6‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى فَلِلّ ِه وَلِلرّسُولِ‬
‫مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ن وَابْنِ السّبِيلِ َكيْ ل َيكُونَ دُولَةً بَيْنَ‬
‫وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أجلي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بالحس"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بين الصفا وبزمزم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/195‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري (‪" )7/329‬فتح"‪.‬‬

‫( ‪)8/64‬‬
‫ن وَابْنِ‬
‫مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى فَلِلّ ِه وَلِلرّسُولِ وَِلذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِي ِ‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا وَا ّتقُوا‬
‫السّبِيلِ َكيْ لَا َيكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِ ْنكُ ْم َومَا آَتَا ُكمُ الرّسُولُ فَ ُ‬
‫اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪)7‬‬

‫الغْنِيَاءِ مِ ْنكُ ْم َومَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُو ُه َومَا َنهَاكُمْ عَنْهُ فَانْ َتهُوا وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ (‪)7‬‬
‫}‬
‫يقول تعالى مبينًا لما الفيء وما صفته ؟ وما حكمه ؟ فالفيء ‪ :‬فكلّ مال أخذ من الكفار بغير (‪)1‬‬
‫قتال ول إيجاف خيل ول ركاب ‪ ،‬كأموال بني النضير هذه ‪ ،‬فإنها مما لم يُوجف المسلمون عليه (‬
‫‪ )2‬بخيل ول ركاب ‪ ،‬أي ‪ :‬لم يقاتلوا العداء فيها بالمبارزة والمصاولة ‪ ،‬بل نزل أولئك من‬
‫الرعب الذي ألقى ال في قلوبهم من هيبة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأفاءه ال على رسوله‬
‫؛ ولهذا تصرف فيه كما شاء ‪ ،‬فردّه على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها ال ‪،‬‬
‫عز وجل ‪ ،‬في هذه اليات ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬من بني النضير‬
‫علَى مَنْ َيشَاءُ‬
‫جفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَ ْيلٍ وَل ِركَابٍ } يعني ‪ :‬البل ‪ { ،‬وََلكِنّ اللّهَ ُيسَلّطُ رُسُلَهُ َ‬
‫{ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } أي ‪ :‬هو قدير ل يغالب ول يمانع ‪ ،‬بل هو القاهر لكل شيء‪.‬‬
‫وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ َأ ْهلِ ا ْلقُرَى } أي ‪ :‬جميع البلدان التي تُفتَح هكذا ‪ ،‬فحكمها‬
‫ل وَلِذِي ا ْلقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ } إلى‬
‫حكم أموال بني النضير ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَلِلّ ِه وَلِلرّسُو ِ‬
‫ف أموال الفيء ووجوهه‪.‬‬
‫آخرها والتي بعدها‪ .‬فهذه مصار ُ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو ومَ ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن مالك بن أوس بن‬
‫حدَثان ‪ ،‬عن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كانت أموال بني النضير مما أفاء ال إلى رسوله‬
‫ال َ‬
‫مما لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ول ركاب ‪ ،‬فكانت لرسول ال صلى ال عليه وسلم خالصة (‬
‫‪ )3‬فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته (‪ - )4‬وقال مَرّة ‪ :‬قوت (‪ )5‬سنته ‪ -‬وما بقي جعله في‬
‫الكُرَاع والسلح في سبيل ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫هكذا أخرجه أحمد هاهنا مختصرًا ‪ ،‬وقد أخرجه الجماعة في كتبهم ‪ -‬إل ابن ماجة ‪ -‬من حديث‬
‫سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪ )6‬وقد رويناه مطول فقال أبو داود ‪ ،‬رحمه‬
‫ال ‪:‬‬
‫عمَر‬
‫حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن يحيى بن فارس ‪ -‬المعنى واحد ‪ -‬قال حدثنا بشرِ بن ُ‬
‫الزهراني ‪ ،‬حدثني مالك بن أنس ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن مالك بن أوس قال ‪ :‬أرسل إلىّ عمر بن‬
‫الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬حين تعالى النهار ‪ ،‬فجئته فوجدته جالسًا على سرير مُفضيًا إلى‬
‫رُماله ‪ ،‬فقال حين دخلت عليه ‪ :‬يا مال ‪ ،‬إنه قد َدفّ أهل أبيات (‪ )7‬من قومك ‪ ،‬وقد أمرت فيهم‬
‫بشيء ‪ ،‬فاقسم فيهم‪ .‬قلت ‪ :‬لو أمرتَ غيري بذلك ؟ فقال ‪ :‬خذه‪ .‬فجاءه (‪ )8‬يرفا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬من غير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عليه المسلمون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬خاصة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬سنة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬مسيرة"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/25‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4885‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1757‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )2965‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1719‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11575‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أهل بنات"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬فجاء"‪.‬‬

‫( ‪)8/65‬‬

‫المؤمنين ‪ ،‬هل لك في عثمان بن عفان ‪ ،‬وعبد الرحمن بن عوف ‪ ،‬والزبير بن العوام ‪ ،‬وسعد بن‬
‫أبي وقاص ؟ فقال ‪ :‬نعم‪ .‬فأذن لهم فدخلوا ‪ ،‬ثم جاءه يرفا فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬هل لك في‬
‫العباس وعلي ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬فأذن لهم فدخلوا ‪ ،‬فقال العباس ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬اقض بيني وبين‬
‫هذا ‪ -‬يعني ‪ :‬عليًا ‪ -‬فقال بعضهم ‪ :‬أجل يا أمير المؤمنين ‪ ،‬اقض بينهما وأرحهما‪ .‬قال مالك بن‬
‫أوس ‪ :‬خُيّل إليّ أنهما قَدّما أولئك النفر لذلك‪ .‬فقال عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬اتئدا‪ .‬ثم أقبل على‬
‫أولئك الرهط فقال ‪ :‬أنشدكم بال الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ ،‬هل تعلمون أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل نُورَث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬ثم أقبل على عليّ والعباس‬
‫فقال ‪ :‬أنش ُدكُما بال الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ ،‬هل تعلمان أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬ل نورث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬فقال نعم‪ .‬فقال ‪ :‬فإن ال خص رسوله بخاصة لم يخص‬
‫ل وَل ِركَابٍ‬
‫جفْتُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ خَ ْي ٍ‬
‫بها أحدًا من الناس ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ } فكان ال أفاء إلى رسوله أموال‬
‫وََلكِنّ اللّهَ ُيسَلّطُ ُرسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫بني النضير ‪ ،‬فوال ما استأثر بها عليكم ول أحرزها دونكم ‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يأخذ منها نفقة سنة ‪ -‬أو ‪ :‬نفقته ونفقة أهله سنة ‪ -‬ويجعل ما بقي أسوة المال‪ .‬ثم أقبل عليّ‬
‫أولئك الرهط فقال ‪ :‬أنشدكم بال الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ :‬هل تعلمون ذلك ؟ قالوا ‪:‬‬
‫ي والعباس فقال ‪ :‬أنشدُكما بال الذي بإذنه تقوم السماء والرض ‪ :‬هل‬
‫نعم‪ .‬ثم أقبل على عل ّ‬
‫تعلمان ذلك ؟ قال نعم‪ .‬فلما تُوفي رسول ال صلى ال عليه وسلم قال أبو بكر ‪" :‬أنا وليّ رسول‬
‫ال" ‪ ،‬فجئت أنتَ وهذا إلى أبي بكر ‪ ،‬تطلب أنت ميراثك عن ابن أخيك ‪ ،‬ويطلب هذا ميراث‬
‫امرأته من أبيها ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل‬
‫نورث ‪ ،‬ما تركنا صدقة"‪ .‬وال يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق‪ .‬فوليها أبو بكر ‪ ،‬فلما توفي‬
‫قلتُ ‪ :‬أنا وَِليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم ووليّ أبي بكر ‪ ،‬فَوليتها ما شاء ال أن أليها ‪،‬‬
‫فجئت أنت وهذا ‪ ،‬وأنتما جَميع وأمركما واحد ‪ ،‬فسألتمانيها ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن شئتما فأنا أدفعها إليكما‬
‫على أنّ عليكما عهد ال أن تلياها بالذي كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يليها ‪ ،‬فأخذتماها‬
‫مني على ذلك ‪ ،‬ثم جئتماني لقضي بينكما بغير ذلك‪ .‬وال ل أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم‬
‫الساعة ‪ ،‬فإن عَجَزتُما عنها فَ ُردّاها إلي‪.‬‬
‫أخرجوه من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪ .)1‬وقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عارم وعفان قال حدثنا معتمر ‪ ،‬سمعت أبي يقول ‪ :‬حدثنا أنس بن مالك ‪ ،‬عن نبيّ ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلت ‪ ،‬أو كما شاء ال ‪ ،‬حتى فُتحَت‬
‫عليه قريظة والنضير‪ .‬قال ‪ :‬فجعل يَرُدّ بعد ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬وإن أهلي أمروني أن آتي النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم فأسأله الذي كان أهله أعطوه أو بعضه ‪ ،‬وكان نبي ال صلى ال عليه وسلم قد‬
‫أعطاه أمّ أيمن ‪ ،‬أو كما شاء ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فسألتُ النبي صلى ال عليه وسلم فأعطانيهن ‪ ،‬فجاءت أم‬
‫أيمن فجعلت الثوبَ في عنقي وجعلت تقول ‪ :‬كل وال الذي ل إله إل هو ل يُعطي َكهُنّ وقد‬
‫أعطانيهن ‪ ،‬أو كما قالت ‪ ،‬فقال نبي ال ‪" :‬لك كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬وتقول ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪ )2963‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3094‬وصحيح مسلم برقم (‪)1757‬‬
‫وسنن النسائي (‪ )7/136‬وسنن الترمذي برقم (‪.)1610‬‬

‫( ‪)8/66‬‬

‫كل وال‪ .‬قال ويقول ‪" :‬لك كذا وكذا"‪ .‬قال ‪ :‬وتقول ‪ :‬كل وال‪ .‬قال ‪" :‬ويقول ‪ :‬لك كذا وكذا"‪.‬‬
‫قال ‪ :‬حتى أعطاها ‪ ،‬حسبت أنه قال ‪ :‬عشرة أمثال أو قال قريبًا من عشرة أمثاله ‪ ،‬أو كما قال‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم من طُرُق عن معتمر ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫وهذه المصارف المذكورة في هذه الية هي المصارف المذكورة في خُمس الغَنيمة‪ .‬وقد قدمنا‬
‫الكلم عليها في سورة "النفال" بما أغنى عن إعادته هاهنا ‪ ،‬ول الحمد (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬كيْ ل َيكُونَ دُولَةً بَيْنَ الغْنِيَاءِ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬جعلنا هذه المصارف لمال الفيء لئل يبقى‬
‫مأكلة يتغلب عليها الغنياء ويتصرفون فيها ‪ ،‬بمحض الشهوات والراء ‪ ،‬ول يصرفون منه شيئًا‬
‫إلى الفقراء‪.‬‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا } أي ‪ :‬مهما أمركم به فافعلوه ‪ ،‬ومهما‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا آتَا ُكمُ الرّسُولُ فَ ُ‬
‫نهاكم عنه فاجتنبوه ‪ ،‬فإنه إنما يأمر بخير وإنما ينهى عن شر‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا يحيى بن أبي طالب ‪ ،‬حدثنا عبد الوهاب ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪،‬‬
‫عن الحسن العوفي ‪ ،‬عن يحيى بن الجزار ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬جاءت امرأة إلى ابن مسعود‬
‫فقالت ‪ :‬بلغني أنك تنهى عن الواشمة والواصلة ‪ ،‬أشيء وجدته في كتاب ال أو عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ ،‬شيء وجدته في كتاب ال وعن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬وال لقد تصفحت ما بين دفتي المصحف فما وجدت فيه الذي تقول!‪ .‬قال ‪ :‬فما‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا } ؟ قالت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإني‬
‫وجدت فيه ‪َ { :‬ومَا آتَا ُكمُ الرّسُولُ فَ ُ‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم ينهى عن الواصلة والواشمة والنامصة‪ .‬قالت ‪ :‬فلعله في‬
‫بعض أهلك‪ .‬قال ‪ :‬فادخلي فانظري‪ .‬فدخلت فَنَظرت ثم خرجَت ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما رأيتُ بأسا‪ .‬فقال لها‬
‫‪ :‬أما حفظت وصية العبد الصالح ‪َ { :‬ومَا أُرِيدُ أَنْ ُأخَاِل َفكُمْ إِلَى مَا أَ ْنهَاكُمْ عَنْهُ }‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن منصور ‪[ ،‬عن إبراهيم] (‪ )3‬عن‬
‫علقمة ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬لعن ال الواشمات والمستوشمات ‪،‬‬
‫والمتنمصات ‪ ،‬والمُتفَلجات للحُسْن ‪ ،‬المغيرات خلق ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬قال ‪ :‬فبلغ امرأة في البيت‬
‫يقال لها ‪" :‬أم يعقوب" ‪ ،‬فجاءت إليه فقالت ‪ :‬بلغني أنك قلت كيتَ وكيتَ‪ .‬قال ‪ :‬ما لي ل ألعن من‬
‫لعن رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وفي كتاب ال‪ .‬فقالت ‪ :‬إني لقرأ ما بين لوحيه فما وجدته‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه‪ .‬أما قرأت ‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُو ُه َومَا َنهَاكُمْ عَنْهُ‬
‫فَانْ َتهُوا } ؟ قالت ‪ :‬بلى‪ .‬قال ‪ :‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم نهى عنه‪ .‬قالت ‪[ :‬إني] (‪ )4‬لظن‬
‫أهلك يفعلونه‪ .‬قال ‪ :‬اذهبي فانظري‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/219‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4120 ، 4030 ، 3128‬وصحيح مسلم برقم (‬
‫‪.)1771‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ول الحمد والمنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من مسند المام أحمد والبخاري ومسلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬

‫( ‪)8/67‬‬

‫ضوَانًا وَيَ ْنصُرُونَ‬


‫لِ ْلفُقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْ ِرجُوا مِنْ دِيَارِ ِه ْم وََأ ْموَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْلًا مِنَ اللّ ِه وَ ِر ْ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ ُيحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ‬
‫خصَاصَ ٌة َومَنْ‬
‫سهِمْ وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫جةً ِممّا أُوتُوا وَ ُيؤْثِرُونَ َ‬
‫إِلَ ْيهِ ْم وَلَا َيجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ‬
‫يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلمُفْلِحُونَ (‪)9‬‬
‫فذهَبت فلم تر من حاجتها شيئا ‪ ،‬فجاءت فقالت ‪ :‬ما رأيتُ شيئًا‪ .‬قال ‪ :‬لو كانت كذلك لم ُتجَامعنا‪.‬‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري (‪.)1‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين أيضًا عن أبي هُرَيرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا‬
‫أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ‪ ،‬وما نهيتكم عنه فاجتنبوه"‪.)2( .‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أخبرنا أحمد بن سعيد ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا منصور بن حيان ‪ ،‬عن سعيد بن جُبير‬
‫عمَر وابن عباس ‪ :‬أنهما شهدا على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أنه نهى عن‬
‫‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫الدّباء والحَنْتَم والنّقير والم َزفّت ‪ ،‬ثم تل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬ومَا آتَاكُمُ الرّسُولُ‬
‫خذُوهُ َومَا َنهَاكُمْ عَ ْنهُ فَانْ َتهُوا } (‪.)3‬‬
‫فَ ُ‬
‫شدِيدُ ا ْلعِقَابِ } أي ‪ :‬اتقوه في امتثال أوامره وترك زواجره ؛ فإنه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫شديد العقاب لمن عصاه وخالف أمره وأباه ‪ ،‬وارتكب ما عنه زجره ونهاه‪.‬‬
‫ضوَانًا‬
‫{ لِ ْل ُفقَرَاءِ ا ْل ُمهَاجِرِينَ الّذِينَ ُأخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وََأمْوَاِلهِمْ يَبْ َتغُونَ َفضْل مِنَ اللّهِ وَرِ ْ‬
‫وَيَ ْنصُرُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ هُمُ الصّا ِدقُونَ (‪ )8‬وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَاليمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ ُيحِبّونَ‬
‫سهِ ْم وََلوْ كَانَ ِبهِمْ‬
‫جدُونَ فِي صُدُورِ ِهمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِ ْم وَل يَ ِ‬
‫خصَاصَ ٌة َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪} )9‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/433‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4887‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2125‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )7288‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1337‬‬
‫(‪ )3‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11578‬‬

‫( ‪)8/68‬‬

‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا‬


‫ن وَلَا تَ ْ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِالْإِيمَا ِ‬
‫غفِرْ لَنَا وَلِإِ ْ‬
‫وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِ ِهمْ َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ‬
‫غِلّا لِلّذِينَ َآمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪)10‬‬

‫ج َعلْ فِي‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ وَل تَ ْ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫{ وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َب ْعدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ‬
‫قُلُوبِنَا غِل لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (‪} )10‬‬
‫يقول تعالى مبينًا حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم { الّذِينَ ُأخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وََأمْوَاِلهِمْ‬
‫يَبْ َتغُونَ َفضْل مِنَ اللّ ِه وَ ِرضْوَانًا } أي ‪ :‬خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ابتغاء مرضاة ال‬
‫صدَقوا قولهم بفعلهم‬
‫ورضوانه { وَيَ ْنصُرُونَ اللّ َه وَرَسُولَهُ أُولَ ِئكَ ُهمُ الصّا ِدقُونَ } أي ‪ :‬هؤلء الذين َ‬
‫‪ ،‬وهؤلء هم سادات المهاجرين‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مادحًا للنصار ‪ ،‬ومبينًا فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حَسَدهم ‪ ،‬وإيثارهم مع‬
‫الحاجة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّارَ وَاليمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ } أي ‪ :‬سكنوا دار الهجرة من قبل‬
‫المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم‪.‬‬
‫قال عمر ‪ :‬وأوصي الخليفة [من] (‪ )1‬بعدي بالمهاجرين الولين أن يعرف لهم حقهم ‪ ،‬ويحفظ لهم‬
‫كرامتهم‪ .‬وأوصيه بالنصار خيرًا الذين تَبوّءوا الدار واليمان من قبل ‪ ،‬أن يقبل من محسنهم ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/68‬‬

‫وأن يعفو (‪ )1‬عن مسيئهم‪ .‬رواه البخاري هاهنا أيضًا (‪.)2‬‬


‫وقوله ‪ُ { :‬يحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬مِنْ كَرَمهم وشرف أنفسهم ‪ ،‬يُحبّون المهاجرين (‪)3‬‬
‫ويواسونهم بأموالهم‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا حميد ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال المهاجرون ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما‬
‫رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساةً في قليل ول أحسن بذل في كثير ‪ ،‬لقد َكفَونا المَؤنة ‪،‬‬
‫وأشركونا في المهنأ ‪ ،‬حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالجر كله! قال ‪" :‬ل ما أثنيتم عليهم ودَعَوتُمُ ال‬
‫لهم" (‪.)4‬‬
‫لم أره في الكتب من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن محمد ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬سمع أنس بن مالك‬
‫حين خرج معه إلى الوليد قال ‪ :‬دعا النبي صلى ال عليه وسلم النصار أن يُقطع لهم البحرين ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬ل إل أن تُقطع لخواننا من المهاجرين مثلها‪ .‬قال ‪" :‬إما ل فاصبروا حتى تلقوني ‪ ،‬فإنه‬
‫سيصيبكم [بعدي] (‪ )5‬أثرة"‪.‬‬
‫تفرد به البخاري من هذا الوجه (‪)6‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا الحكم بن نافع ‪ ،‬أخبرنا شعيب ‪ ،‬حدثنا أبو الزناد ‪ ،‬عن العرج ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬قالت النصار ‪ :‬اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل‪ .‬قال ‪ :‬ل‪ .‬فقالوا ‪ :‬تكفونا المؤنَةَ‬
‫ونَشرككُم في الثمرة ؟ قالوا ‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ .‬تفرد به دون مسلم (‪.)7‬‬
‫جدُونَ فِي صُدُورِ ِهمْ حَاجَةً ِممّا أُوتُوا } أي ‪ :‬ول يجدون في أنفسهم حسدًا للمهاجرين فيما‬
‫{ وَل يَ ِ‬
‫فضلهم ال به من المنزلة والشرف ‪ ،‬والتقديم في الذكر والرتبة‪.‬‬
‫جدُونَ فِي صُدُورِ ِهمْ حَاجَةً } يعني ‪ :‬الحسد‪.‬‬
‫قال ‪ :‬الحسن البصري ‪ { :‬وَل يَ ِ‬
‫{ ِممّا أُوتُوا } قال قتادة ‪ :‬يعني فيما أعطى إخوانهم‪ .‬وكذا قال ابن زيد‪ .‬ومما يستدل به على هذا‬
‫المعنى ما رواه المام أحمد حيث قال ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن‬
‫أنس قال ‪ :‬كنا جُلوسًا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل‬
‫الجنة"‪ .‬فطلع رجل من النصار تَنظُف (‪ )8‬لحيته من وضوئه ‪ ،‬قد َتعَلّق (‪ )9‬نعليه بيده الشمال ‪،‬‬
‫فلما كان الغد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم مثل ذلك ‪ ،‬فطلع ذلك الرجل مثل المرة الولى‪.‬‬
‫فلما كان اليوم الثالث قال رسول ال صلى ال عليه وسلم مثل مقالته (‪ )10‬أيضًا ‪ ،‬فطلع‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وأن يعفى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4888‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬يحبون من هاجر إليهم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/200‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من صحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪.)3794‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)2325‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ينفض"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬قد علق"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪ : :‬مثل حاله"‪.‬‬

‫( ‪)8/69‬‬

‫ذلك الرجل على مثل حالته الولى (‪ )1‬فلما قام رسول ال صلى ال عليه وسلم تبعه عبد ال بن‬
‫عمرو بن العاص ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني لحيت أبي فأقسمت أل أدخل عليه ثلثًا ‪ ،‬فإن رأيت أن تؤويني (‬
‫‪ )2‬إليك حتى تمضي فعلتُ‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬قال أنس ‪ :‬فكان عبد ال يحدث أنه بات معه تلك الثلث‬
‫الليالي (‪ )3‬فلم يره يقوم من الليل شيئًا ‪ ،‬غير أنه إذا تَعا ّر تقلب على فراشه ‪ ،‬ذكر ال وكبر ‪،‬‬
‫حتى يقوم لصلة الفجر‪ .‬قال عبد ال ‪ :‬غير أني لم أسمعه يقول إل خيرًا ‪ ،‬فلما مضت الثلث‬
‫غضَب ول هَجْر (‪)4‬‬
‫ليال وكدت أن أحتقر عمله ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا عبد ال ‪ ،‬لم يكن بيني وبين أبي َ‬
‫ولكن سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول لك ثلث مرَار (‪ )5‬يطلع عليكم الن رجل من‬
‫أهل الجنة"‪ .‬فطلعت أنت الثلث المرار (‪ )6‬فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملكَ فأقتدي به ‪ ،‬فلم‬
‫أرك تعمل كثير (‪ )7‬عمل ‪ ،‬فما الذي بلغ بك ما قال رسولُ ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬ما‬
‫هو إل ما رأيت‪ .‬فلما وليت دعاني فقال ‪ :‬ما هو إل ما رأيت ‪ ،‬غير أني ل أجدُ في نفسي لحد‬
‫من المسلمين غِشّا ‪ ،‬ول أحسدُ أحدًا على خير أعطاه ال إياه‪ .‬قال عبد ال ‪ :‬هذه التي بلغت بك ‪،‬‬
‫وهي التي ل تطاق (‪.)8‬‬
‫سوَيد بن نصر ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬عن معمر به (‪ )9‬وهذا‬
‫ورواه النسائي في اليوم والليلة ‪ ،‬عن ُ‬
‫إسناد صحيح على شرط الصحيحين ‪ ،‬لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن‬
‫أنس (‪ .)10‬فال أعلم‪.‬‬
‫جةً ِممّا أُوتُوا } يعني‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪ { :‬وَل َيجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَا َ‬
‫{ ِممّا أُوتُوا } المهاجرون‪ .‬قال ‪ :‬وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم من النصار ‪،‬‬
‫ل وَل ِركَابٍ‬
‫جفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَ ْي ٍ‬
‫فعاتبهم ال في ذلك ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِ ْن ُهمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫شيْءٍ َقدِيرٌ } قال ‪ :‬وقال رسول ال ‪" :‬إن‬
‫وََلكِنّ اللّهَ ُيسَلّطُ ُرسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫إخوانكم قد تركوا الموال والولد وخرجوا إليكم"‪ .‬فقالوا ‪ :‬أموالنا بيننا قطائع‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أو غير ذلك ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬وما ذاك يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬هم قوم ل يعرفون‬
‫العمل ‪ ،‬فتكفونهم وتقاسمونهم (‪ )11‬الثمر"‪ .‬فقالوا ‪ :‬نعم يا رسول ال (‪)12‬‬
‫خصَاصَةٌ } (‪ )13‬يعني ‪ :‬حاجة ‪ ،‬أي ‪ :‬يقدمون‬
‫سهِمْ وَلَوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُيؤْثِرُونَ عَلَى أَ ْنفُ ِ‬
‫المحاويج على حاجة أنفسهم ‪ ،‬ويبدءون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬أفضلُ الصدقة جَهدُ المقلّ"‪.‬‬
‫وهذا المقام‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬الول"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أن توريني"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الليالي الثلث"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ول هجرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬مرات"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬المرات"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬ل نطيق" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ل تطيق"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪ )3/166‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)10699‬‬
‫(‪ )10‬انظر ‪ :‬تحفة الشراف للمزى (‪ )1/395‬وكلم الحافظ بن حجر في النكت الظراف بهامشه‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬ويقاسمونكم"‪.‬‬
‫(‪ )12‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)28/28‬‬
‫(‪ )13‬ذكر في "م" بقية الية‪.‬‬

‫( ‪)8/70‬‬

‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ } (‪[ )1‬النسان ‪ .]8 :‬وقوله‬


‫ط ِعمُونَ ال ّ‬
‫أعلى من حال الذين َوصَف الُ بقوله ‪ { :‬وَ ُي ْ‬
‫‪ { :‬وَآتَى ا ْلمَالَ عَلَى حُبّهِ } [البقرة ‪.]177 :‬‬
‫فإن هؤلء يتصدقون وهم يحبون ما تصدقوا به ‪ ،‬وقد ل يكون لهم حاجة إليه ول ضرورة به ‪،‬‬
‫وهؤلء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم وحاجتهم إلى ما أنفقوه‪ .‬ومن هذا المقام تصدق الصديق‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬بجميع ماله ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما أبقيت لهلك ؟"‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬أبقيت لهم ال ورسوله‪ .‬وهذا (‪ )2‬الماء الذي عُرض (‪ )3‬على عكرمة وأصحابه يوم‬
‫ج ما يكون إلى الماء ‪ ،‬فرده‬
‫اليرموك ‪ ،‬فكل منهم يأمر بدفعه إلى صاحبه ‪ ،‬وهو جريح مثقل أحو َ‬
‫الخر إلى الثلث ‪ ،‬فما وصل إلى الثالث حتى ماتوا عن آخرهم ولم يشربه أحد منهم ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنهم وأرضاهم‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن كثير ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا فُضيل بن غَزوان ‪،‬‬
‫حدثنا أبو حازم الشجعي ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة قال ‪ :‬أتى رجل رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أصابني الجهدُ ‪ ،‬فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئًا ‪ ،‬فقال النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬أل رجل ُيضَ ّيفُ هذا الليلة ‪ ،‬رحمه ال ؟"‪ .‬فقام رجل من النصار فقال ‪ :‬أنا يا‬
‫رسول ال‪ .‬فذهب إلى أهله فقال لمرأته ‪ :‬ضَيفُ رسول ال صلى ال عليه وسلم ل َتدّخريه شيئًا‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬وال ما عندي إل قوتُ الصبية‪ .‬قال ‪ :‬فإذا أراد الصبيةُ العَشَاء فنوّميهم وتعالى فأطفئي‬
‫السراج ونَطوي بطوننا الليلة‪ .‬ففعلَت ‪ ،‬ثم غدا الرجل على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬
‫‪" :‬لقد عجب ال ‪ ،‬عز وجل ‪ -‬أو ‪ :‬ضحك ‪ -‬من فلن وفلنة"‪ .‬وأنزل ال عز وجل ‪:‬‬
‫خصَاصَةٌ } (‪.)4‬‬
‫سهِمْ وََلوْ كَانَ ِبهِمْ َ‬
‫علَى أَ ْنفُ ِ‬
‫{ وَ ُيؤْثِرُونَ َ‬
‫وكذا رواه البخاري في موضع آخر ‪ ،‬ومسلم والترمذي والنسائي من طرق ‪ ،‬عن فضيل بن‬
‫غزوان ‪ ،‬به نحوه (‪ .)5‬وفي رواية لمسلم تسمية هذا النصاري بأبي طلحة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } أي ‪ :‬من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح‪.‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا داود بن قيس الفراء ‪ ،‬عن عُبَيد ال بن ِمقْسَم ‪ ،‬عن جابر‬
‫بن عبد ال أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إياكم والظلّم ‪ ،‬فإن الظّلم ظلماتٌ يوم‬
‫سفَكُوا دماءهم واستَحلّوا‬
‫القيامة ‪ ،‬واتقوا الشُحّ ‪ ،‬فإن الشّحّ أهلك من كان قبلكم ‪ ،‬حملهم على أن َ‬
‫محارمهم"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم ‪ ،‬فرواه عن ال َقعْنَ ِبيّ ‪ ،‬عن داود بن قيس ‪ ،‬به (‪.)6‬‬
‫وقال العمش وشعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬عن عبد ال بن الحارث ‪ ،‬عن زهير بن القمر ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اتقوا الظّلْم ؛ فإن الظلم‬
‫ظلمات يوم القيامة ‪ ،‬واتقوا الفُحْش ‪ ،‬فإن ال ل يحب الفحش ول ال ّتفَحّشَ ‪ ،‬وإياكم والشّحّ ؛ فإنه‬
‫أهلكَ من كان قبلكم ‪ ،‬أمرهم بالظلم فظلموا ‪ ،‬وأمرهم بالفجور ففجروا ‪ ،‬وأمرهم بالقطيعة‬
‫فقطعوا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬حبه مسكينًا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وهكذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬اعرضوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4889‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )3798‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2054‬وسنن الترمذي برقم (‪)3304‬‬
‫وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11582‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )3/323‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2578‬‬

‫( ‪)8/71‬‬

‫ورواه أحمد وأبو داود من طريق شعبة ‪ ،‬والنسائي من طريق العمش ‪ ،‬كلهما عن عمرو بن‬
‫مُرّة ‪ ،‬به (‪.)1‬‬
‫سهَيل بن أبي صالح ‪ ،‬عن صفوان بن أبي يزيد ‪ ،‬عن‬
‫وقال الليث ‪ ،‬عن يزيد [بن الهاد] (‪ )2‬عن ُ‬
‫القعقاع بن اللجلج (‪ )3‬عن أبي هريرة ‪ ،‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل‬
‫يجتمع غبار في سبيل ال ودخانُ جهنم في جوف عبد أبدًا ‪ ،‬ول يجتمع الشح واليمان في قلب‬
‫عبد أبدًا" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبدة بن سليمان ‪ ،‬أخبرنا ابن المبارك ‪ ،‬حدثنا‬
‫المسعودي ‪ ،‬عن جامع بن شداد ‪ ،‬عن السود بن هلل قال ‪ :‬جاء رجل إلى عبد ال فقال ‪ :‬يا أبا‬
‫عبد الرحمن ‪ ،‬إني أخاف أن أكون قد هلكت فقال له عبد ال ‪ :‬وما ذاك ؟ قال ‪ :‬سمعت ال يقول‬
‫‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } وأنا رجل شحيح ‪ ،‬ل أكاد أن أخرج من يدي شيئًا!‬
‫فقال عبد ال ‪ :‬ليس ذلك (‪ )5‬بالشح الذي ذكر ال في القرآن ‪ ،‬إنما الشح الذي ذكر ال في القرآن‬
‫أن تأكل مال أخيك ظلمًا ‪ ،‬ولكن ذلك (‪ )6‬البخل ‪ ،‬وبئس الشيء البخل" (‪)7‬‬
‫وقال سفيان الثوري ‪ ،‬عن طارق بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن أبي الهياج السدي‬
‫قال ‪ :‬كنت أطوف بالبيت ‪ ،‬فرأيت رجل يقول ‪ :‬اللهم قني شح نفسي"‪ .‬ل يزيد على ذلك ‪ ،‬فقلت‬
‫له ‪ ،‬فقال ‪ :‬إني إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل" ‪ ،‬وإذا الرجل عبد الرحمن بن‬
‫عوف ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬رواه ابن جرير (‪)8‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسماعيل ابن عَيّاش ‪ ،‬حدثنا مُجَمع بن جارية النصاري ‪ ،‬عن عمه يزيد بن جارية ‪ ،‬عن أنس بن‬
‫مالك ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬بَريء من الشح مَن أدى الزكاة ‪ ،‬وقَرَى‬
‫الضيف ‪ ،‬وأعطى في النائبة" (‪.)9‬‬
‫ج َعلْ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ وَل تَ ْ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َب ْعدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ‬
‫فِي قُلُوبِنَا غِل لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ } هؤلء هم القسم الثالث ممن يستحق فقراؤهم‬
‫من مال الفيء ‪ ،‬وهم المهاجرون ثم النصار ‪ ،‬ثم التابعون بإحسان ‪ ،‬كما قال في آية براءة ‪:‬‬
‫ن الوّلُونَ مِنَ ا ْل ُمهَاجِرِينَ وَال ْنصَا ِر وَالّذِينَ اتّ َبعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ َرضِيَ اللّهُ عَ ْنهُمْ } [التوبة‬
‫{ وَالسّا ِبقُو َ‬
‫‪ ]100 :‬فالتابعون لهم بإحسان‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/159‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1698‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11583‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الجلح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه النسائي في السنن (‪.)6/13‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ليس ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬ذاك"‪.‬‬
‫(‪ )7‬رواه الطبري في تفسيره (‪ )28/29‬من طريق جامع به‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)28/29‬‬
‫(‪ )9‬تفسير الطبري (‪ )28/29‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )10842‬من طريق محمد‬
‫بن إسحاق به ‪ ،‬وروي مرسلً ‪ ،‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )4/188‬من طريق عمرو بن‬
‫يحيى وإبراهيم بن إسماعيل ‪ ،‬وابن حبان في الثقات (‪ )4/202‬من طريق ابن المبارك ‪ ،‬كلهم عن‬
‫مجمع ابن يحيى ‪ ،‬عن عمه مرسلً‪.‬‬

‫( ‪)8/72‬‬

‫هم ‪ :‬المتبعون لثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة ‪ ،‬الداعون لهم في السر والعلنية ؛ ولهذا قال‬
‫خوَانِنَا‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫في هذه الية الكريم ‪ { :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِ ِهمْ َيقُولُونَ } أي ‪ :‬قائلين ‪ { :‬رَبّنَا ا ْ‬
‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا غِل } أي ‪ :‬بغضًا وحسدًا { لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ‬
‫ن وَل َت ْ‬
‫الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَا ِ‬
‫رَءُوفٌ َرحِيمٌ } وما أحسن ما استنبط المام مالك من هذه الية الكريمة ‪ :‬أن الرافضي الذي يسبّ‬
‫الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب لعدم اتصافه بما مدح ال به هؤلء في قولهم ‪ { :‬رَبّنَا‬
‫ج َعلْ فِي قُلُوبِنَا غِل لِلّذِينَ آمَنُوا رَبّنَا إِ ّنكَ رَءُوفٌ‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ سَ َبقُونَا بِاليمَانِ وَل تَ ْ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫اْ‬
‫رَحِيمٌ }‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ‪ ،‬حدثنا محمد بن بشر ‪ ،‬حدثنا‬
‫إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة أنها قالت ‪ :‬أمروا أن يستغفروا لهم ‪،‬‬
‫خوَانِنَا الّذِينَ‬
‫غفِرْ لَنَا وَل ْ‬
‫فسبوهم! ثم قرأت هذه الية ‪ { :‬وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا ا ْ‬
‫سَ َبقُونَا بِاليمَانِ } الية‪.‬‬
‫وقال إسماعيل بن عُلَية ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬أمرتم‬
‫بالستغفار لصحاب محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسببتموهم‪ .‬سمعتُ نبيكم صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬ل تذهب هذه المة حتى يلعن آخرها أولها"‪ .‬رواه البغوي (‪..)1‬‬
‫سدّد ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬قال‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا مُ َ‬
‫ل وَل ِركَابٍ }‬
‫جفْتُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ خَ ْي ٍ‬
‫علَى َرسُولِهِ مِ ْنهُمْ َفمَا َأوْ َ‬
‫عمر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪َ { :‬ومَا َأفَاءَ اللّهُ َ‬
‫قال الزهري ‪ :‬قال عمر ‪ :‬هذه لرسول ال صلى ال عليه وسلم خاصة ‪ ،‬قُرى [عربية ‪ :‬فَدَك‬
‫وكذا] (‪ )2‬وكذا ‪ ،‬فما أفاء ال على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربي واليتامي‬
‫والمساكين وابن السبيل وللفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ‪ { ،‬وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّارَ‬
‫وَاليمَانَ مِنْ قَبِْلهِمْ } { وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْدِ ِهمْ } فاستوعبت هذه الية الناس ‪ ،‬فلم يبق أحد من‬
‫المسلمين إل له فيها حق ‪ -‬قال أيوب ‪ :‬أو قال ‪ :‬حظ ‪ -‬إل بعض من تملكون من أرقائكم‪ .‬كذا‬
‫رواه أبو داود ‪ ،‬وفيه انقطاع (‪.)3‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن عكرمة‬
‫حدَثان قال ‪ :‬قرأ عمر بن الخطاب ‪ { :‬إِ ّنمَا الصّ َدقَاتُ لِ ْل ُفقَرَاءِ‬
‫ابن خالد ‪ ،‬عن مالك بن أوس بن ال َ‬
‫حكِيمٌ } [التوبة ‪ ، ]60 :‬ثم قال هذه لهؤلء ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَاعَْلمُوا أَ ّنمَا‬
‫وَا ْلمَسَاكِينِ } حتى بلغ { عَلِيمٌ َ‬
‫ل وَلِذِي ا ْلقُرْبَى [وَالْيَتَامَى وَا ْلمَسَاكِينِ] } (‪[ )4‬النفال ‪]41 :‬‬
‫خمُسَ ُه وَلِلرّسُو ِ‬
‫شيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ ُ‬
‫غَ ِنمْتُمْ مِنْ َ‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هذه لهؤلء ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬مَا َأفَاءَ اللّهُ عَلَى َرسُولِهِ مِنْ أَ ْهلِ ا ْلقُرَى } حتى بلغ للفقراء‬
‫{ وَالّذِينَ تَ َبوّءُوا الدّا َر وَاليمَانَ } { وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ َبعْ ِدهِمْ } ثم قال ‪ :‬استوعبت هذه الية‬
‫المسلمين عامة ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬معالم التنزيل للبغوي (‪ )8/08‬وله شاهد في صحيح مسلم برقم (‪ )3022‬عن عروة قال ‪:‬‬
‫قالت لي عائشة ‪" :‬يا ابن أختي ‪ ،‬أمروا أن يستغفروا لصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فسبوهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وسنن أبي داود‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪)2966‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/73‬‬

‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ لَئِنْ أُخْ ِرجْتُمْ لَ َنخْرُجَنّ َم َعكُمْ‬
‫أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ لِإِ ْ‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )11‬لَئِنْ أُخْ ِرجُوا لَا‬
‫حدًا أَ َبدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُ ْم وَاللّهُ يَ ْ‬
‫وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَ َ‬
‫يَخْ ُرجُونَ َم َعهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَ ْنصُرُو َنهُ ْم وَلَئِنْ َنصَرُوهُمْ لَ ُيوَلّنّ الْأَدْبَارَ ُثمّ لَا يُ ْنصَرُونَ (‪ )12‬لَأَنْ ُتمْ‬
‫جمِيعًا إِلّا فِي قُرًى‬
‫شدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِ ِهمْ مِنَ اللّهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ لَا َيفْ َقهُونَ (‪ )13‬لَا ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬
‫أَ َ‬
‫جمِيعًا َوقُلُو ُبهُمْ شَتّى ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ لَا َي ْعقِلُونَ‬
‫سهُمْ بَيْ َن ُهمْ شَدِيدٌ َتحْسَ ُبهُمْ َ‬
‫ن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْ ُ‬
‫حصّنَةٍ َأوْ مِ ْ‬
‫مُ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪َ )15‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ‬
‫(‪َ )14‬كمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ َأمْ ِرهِ ْم وََلهُمْ َ‬
‫لِلْإِنْسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)16‬‬

‫وليس أحد إل له فيها حق (‪ ، )1‬ثم قال ‪ :‬لئن عشت ليأتين الراعي ‪ -‬وهو بَسرو حِمير ‪ -‬نصيبه‬
‫فيها ‪ ،‬لم يعرق فيها جبينه‪.‬‬
‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ لَئِنْ أُخْ ِرجْتُمْ لَنَخْ ُرجَنّ َم َعكُمْ‬
‫{ أََلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ ل ْ‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ (‪ )11‬لَئِنْ ُأخْرِجُوا ل‬
‫وَل ُنطِيعُ فِيكُمْ َأحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُ ْم وَاللّهُ َي ْ‬
‫يَخْ ُرجُونَ َم َعهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا ل يَ ْنصُرُو َنهُ ْم وَلَئِنْ َنصَرُوهُمْ لَ ُيوَلّنّ الدْبَارَ ُث ّم ل يُ ْنصَرُونَ (‪ )12‬لنْتُمْ‬
‫جمِيعًا إِل فِي قُرًى‬
‫شدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِ ِهمْ مِنَ اللّهِ ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْف َقهُونَ (‪ )13‬ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬
‫أَ َ‬
‫جمِيعًا َوقُلُو ُبهُمْ شَتّى ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ‬
‫سهُمْ بَيْ َن ُهمْ شَدِيدٌ َتحْسَ ُبهُمْ َ‬
‫ن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْ ُ‬
‫حصّنَةٍ َأوْ مِ ْ‬
‫مُ َ‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪َ )15‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ‬
‫(‪َ )14‬كمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ َأمْ ِرهِ ْم وََلهُمْ َ‬
‫لِلنْسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪} )16‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فيها جزء"‪.‬‬

‫( ‪)8/74‬‬

‫َفكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا أَ ّن ُهمَا فِي النّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ َذِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ (‪)17‬‬

‫{ َفكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا أَ ّن ُهمَا فِي النّارِ خَاِلدَيْنِ فِيهَا وَذَِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ (‪} )17‬‬
‫يخبر تعالى عن المنافقين كعبد ال بن أبي وأضرابه ‪ ،‬حين بعثوا إلى يهود بني النضير يَعدُونهم‬
‫خوَا ِنهِمُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ‬
‫النصر من أنفسهم ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَا َفقُوا َيقُولُونَ ل ْ‬
‫ا ْلكِتَابِ لَئِنْ أُخْ ِرجْتُمْ لَنَخْ ُرجَنّ َم َعكُ ْم وَل ُنطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَ ْنصُرَ ّنكُمْ } قال ال تعالى‬
‫شهَدُ إِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬لكاذبون فيما وعدوهم به إما أنهم (‪ )1‬قالوا لهم قول من نيتهم‬
‫‪ { :‬وَاللّهُ يَ ْ‬
‫أل يفوا لهم به ‪ ،‬وإما أنهم (‪ )2‬ل يقع منهم الذي قالوه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَلَئِنْ قُوتِلُوا ل‬
‫يَ ْنصُرُونَهُمْ } أي ‪ :‬ل يقاتلون معهم ‪ { ،‬وَلَئِنْ َنصَرُوهُمْ } أي ‪ :‬قاتلوا معهم { لَ ُيوَلّنّ الدْبَارَ ثُمّ ل‬
‫يُ ْنصَرُونَ } وهذه بشارة مستقلة بنفسها‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬لنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ } أي ‪ :‬يخافون منكم أكثر من خوفهم من‬
‫خشْيَةً } [النساء ‪ ]77 :‬؛ ولهذا‬
‫شدّ َ‬
‫خشْيَةِ اللّهِ َأوْ أَ َ‬
‫شوْنَ النّاسَ كَ َ‬
‫خَ‬‫ال ‪ ،‬كقوله ‪ِ { :‬إذَا فَرِيقٌ مِ ْن ُهمْ يَ ْ‬
‫قال ‪ { :‬ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َيفْ َقهُونَ }‬
‫ن وَرَاءِ جُدُرٍ } (‪ )3‬يعني ‪ :‬أنهم من جُبنهم‬
‫حصّنَةٍ َأوْ مِ ْ‬
‫جمِيعًا إِل فِي قُرًى مُ َ‬
‫ثم قال { ل ُيقَاتِلُو َنكُمْ َ‬
‫وهَلَعهم ل يقدرون على مواجهة جيش السلم بالمبارزة والمقابلة (‪ )4‬بل إما في حصون أو من‬
‫وراء جدر (‪ )5‬محاصرين ‪ ،‬فيقاتلون للدفع عنهم ضرورة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬إما لنهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬إما لنهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أو من وراء جدار"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬والمقاتلة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أو من وراء جدار"‪.‬‬

‫( ‪)8/74‬‬

‫ضكُمْ‬
‫شدِيدٌ } أي ‪ :‬عداوتهم [فيما] (‪ )1‬بينهم شديدة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَيُذِيقَ َب ْع َ‬
‫سهُمْ بَيْ َن ُهمْ َ‬
‫ثم قال { بَأْ ُ‬
‫جمِيعًا َوقُلُو ُبهُمْ شَتّى } أي ‪ :‬تراهم مجتمعين‬
‫حسَ ُبهُمْ َ‬
‫بَأْسَ َب ْعضٍ } [النعام ‪ ]65 :‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬تَ ْ‬
‫فتحسبهم مؤتلفين ‪ ،‬وهم مختلفون غاية الختلف‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إبراهيم النخعي ‪ :‬يعني ‪ :‬أهل الكتاب والمنافقين { ذَِلكَ بِأَ ّنهُمْ َقوْمٌ ل َي ْعقِلُونَ }‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ } قال مجاهد ‪ ،‬والسدى ‪،‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬كمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِ ِه ْم وََلهُمْ َ‬
‫ومقاتل بن حيان ‪[ :‬يعني] (‪ )2‬كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪َ { :‬كمَ َثلِ الّذِينَ مِنْ قَبِْلهِمْ } يعني ‪ :‬يهود بني قينقاع‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬ومحمد ابن‬
‫إسحاق‪.‬‬
‫وهذا القول أشبه بالصواب ‪ ،‬فإن يهود بني قينقاع كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أجلهم‬
‫قبل هذا‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ لِل ْنسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ } يعني ‪ :‬مثل هؤلء‬
‫اليهود في اغترارهم بالذين وعدوهم النصر من المنافقين ‪ ،‬وقول المنافقين لهم ‪ { :‬وَإِنْ قُوتِلْتُمْ‬
‫لَنَ ْنصُرَ ّنكُمْ } ثم لما حقت الحقائق وجَدّ بهم الحصار والقتال ‪ ،‬تخلوا عنهم وأسلموهم للهلكة ‪،‬‬
‫مثالهم في هذا كمثل الشيطان إذ (‪ )3‬سول للنسان ‪ -‬والعياذ بال ‪ -‬الكفر ‪ ،‬فإذا دخل فيما سوله (‬
‫‪ )4‬تبرأ منه وتنصل ‪ ،‬وقال ‪ { :‬إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫وقد ذكر بعضهم هاهنا قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثل ‪ ،‬ل أنها المرادة‬
‫وحدها بالمثل ‪ ،‬بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكله لها ‪ ،‬فقال ابن جرير ‪:‬‬
‫شمَيْل ‪ ،‬أخبرنا شعبة ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬سمعت عبد ال‬
‫حدثنا خلد بن أسلم ‪ ،‬أخبرنا النضر بن ُ‬
‫بن َنهِيك قال ‪ :‬سمعت عليًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬إن راهبًا تعبد ستين سنة ‪ ،‬وإن الشيطان‬
‫أراده فأعياه ‪ ،‬فعمد إلى امرأة فأجنّها ولها إخوة ‪ ،‬فقال لخوتها ‪ :‬عليكم بهذا القس فيداويها‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجاءوا بها إليه فداواها ‪ ،‬وكانت عنده ‪ ،‬فبينما هو يوما عندها إذ أعجبته ‪ ،‬فأتاها فحملت ‪ ،‬فعمد‬
‫إليها فقتلها ‪ ،‬فجاء إخوتها ‪ ،‬فقال الشيطان للراهب ‪ :‬أنا صاحبك ‪ ،‬إنك أعييتني ‪ ،‬أنا صنعت هذا‬
‫بك فأطعني أنجك مما صنعت بك ‪ ،‬فاسجد لي سجدة‪ .‬فسجد له ‪ ،‬فلما سجد له قال ‪ :‬إني بريء‬
‫منك ‪ ،‬إني أخاف ال رب العالمين ‪ ،‬فذلك قوله ‪َ { :‬كمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ لِل ْنسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ‬
‫قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي َأخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ } (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن‬
‫العمش ‪ ،‬عن عمارة ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود في هذه الية ‪:‬‬
‫{ َكمَ َثلِ الشّ ْيطَانِ إِذْ قَالَ لِل ْنسَانِ ا ْكفُرْ فََلمّا َكفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِ ْنكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫قال ‪ :‬كانت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬إذا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬سوله له"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)28/33‬‬

‫( ‪)8/75‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ ِل َغ ٍد وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)18‬‬
‫سقُونَ (‪ )19‬لَا يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّارِ‬
‫سهُمْ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ‬
‫وَلَا َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫وََأصْحَابُ الْجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ ُهمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪)20‬‬

‫امرأة ترعى الغنم ‪ ،‬وكان لها أربعة أخوة ‪ ،‬وكانت تأوي بالليل إلى صومعة راهب‪ .‬قال ‪ :‬فنزل‬
‫الراهب ففجَر بها ‪ ،‬فحملت ‪ ،‬فأتاه الشيطان فقال له ‪ :‬اقتلها ثم ادفنها ‪ ،‬فإنك رجل مُصدّق يسمع‬
‫قولك‪ .‬فقتلها ثم دفتها‪ .‬قال ‪ :‬فأتى الشيطانُ إخوتها في المنام فقال لهم ‪ :‬إن الراهب صاحب‬
‫الصومعة فجَر بأختكم ‪ ،‬فلما أحبلها قتلها ثم دفنها في مكان كذا وكذا‪ .‬فلما أصبحوا قال رجل منهم‬
‫‪ :‬وال لقد رأيت البارحة رؤيا ما أدري أقصها عليكم أم أترك ؟ قالوا ‪ :‬ل بل قصها علينا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقصها ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬وأنا وال لقد رأيت ذلك ‪ ،‬فقال الخر ‪ :‬وأنا وال لقد رأيت ذلك‪ .‬فقالوا ‪:‬‬
‫فوال ما هذا إل لشيء‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقوا فاستعدوا ملكهم على ذلك الراهب ‪ ،‬فأتوه فأنزلوه ثم‬
‫انطلقوا به فلقيه الشيطان فقال ‪ :‬إني أنا الذي أوقعتك في هذا ‪ ،‬ولن ينجيك منه غيري ‪ ،‬فاسجد لي‬
‫خ َذ فقتل (‬
‫سجدة واحدةً وأنجيك مما أوقعتك فيه‪ .‬قال ‪ :‬فسجد له ‪ ،‬فلما أتوا به مَلكهم تَبَرأ منه ‪ ،‬وأُ ِ‬
‫‪.)1‬‬
‫وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬نحو ذلك‪ .‬واشتهر عند كثير من الناس‬
‫أن هذا العابد هو برصيصا ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وهذه القصة مخالفة لقصة جُرَيج العابد ‪ ،‬فإن جريجًا‬
‫اتهمته امرأة بَغي بنفسها ‪ ،‬وادعت أن حَملها منه ‪ ،‬ورفعت أمره إلى ولي المر ‪ ،‬فأمر به فأنزل‬
‫من صومعته وخُربت صومعته وهو يقول ‪ :‬ما لكم ؟ ما لكم ؟ فقالوا ‪ :‬يا عدو ال ‪ ،‬فعلت بهذه‬
‫المرأة كذا وكذا‪ .‬فقال ‪ :‬جريج ‪ :‬اصبروا‪ .‬ثم أخذ ابنها وهو صغير جدًا ثم قال ‪ :‬يا غلم ‪ ،‬من‬
‫أبوك ؟ قال (‪ )2‬أبي الراعي ‪ -‬وكانت قد أمكنته من نفسها فحملت منه ‪ -‬فلما رأى بنو إسرائيل‬
‫ذلك عظموه كلهم تعظيمًا بليغًا وقالوا ‪ :‬نعيد صومعتك من ذهب‪ .‬قال ‪ :‬ل بل أعيدوها من طين ‪،‬‬
‫كما كانت‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَانَ عَاقِبَ َت ُهمَا أَ ّن ُهمَا فِي النّارِ خَاِلدَيْنِ فِيهَا } أي ‪ :‬فكانت عاقبة المر بالكفر والفاعل‬
‫له ‪ ،‬وتصيرهما (‪ )3‬إلى نار جهنم خالدين فيها ‪ { ،‬وَذَِلكَ جَزَاءُ الظّاِلمِينَ } أي ‪ :‬جزاء كل ظالم‪.‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّ َه وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا قَ ّد َمتْ ِلغَ ٍد وَا ّتقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‬
‫سقُونَ (‪ )19‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ‬
‫سهُمْ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلفَا ِ‬
‫‪ )18‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ (‪} )20‬‬
‫جحَيْفة ‪ ،‬عن المنذر‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عون بن أبي ُ‬
‫ابن جرير ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم في صدر النهار ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫حفَاة عُراة مُجْتَابي النمار ‪ -‬أو ‪ :‬العَبَاء ‪ -‬مُ َتقَلّدي السيوف عامتهم من ُمضَر ‪ ،‬بل كلهم‬
‫فجاءه قوم ُ‬
‫من مضر ‪ ،‬فتغير وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ‪ ،‬قال ‪ :‬فدخل ثم‬
‫خرج ‪ ،‬فأمر بلل فأذن وأقام الصلة ‪ ،‬فصلى ثم خطب ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمُ الّذِي‬
‫ح َدةٍ } إلى آخر الية ‪ { :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَ ْي ُكمْ َرقِيبًا } [النساء ‪ .]1 :‬وقرأ الية‬
‫س وَا ِ‬
‫خََل َقكُمْ مِنْ َنفْ ٍ‬
‫التي في الحشر ‪ { :‬وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ ِل َغدٍ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/33‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ومصيرهما"‪.‬‬

‫( ‪)8/76‬‬

‫َتصَدّق رجل من ديناره ‪ ،‬من درهمه ‪ ،‬من ثوبه ‪ ،‬من صاع بُرّه ‪ ،‬من صاع تمره ‪ -‬حتى قال ‪-‬‬
‫‪ :‬ولو بشق تمرة"‪ .‬قال ‪ :‬فجاء رجل من النصار بصُرة كادت كفه تَعجز عنها ‪ ،‬بل قد عجزت ‪،‬‬
‫ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب ‪ ،‬حتى رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يتهلل وجهه كأنه ُمذْهبة ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مَن سَنّ في السلم سنة‬
‫حسنة ‪ ،‬فله أجرها وأجر من عمل بها بعده ‪ ،‬من غير أن يَنقُص من أجورهم شيء ‪ ،‬ومن سَنّ‬
‫في السلم سنة سيئة ‪ ،‬كان عليه وِزْرُها ووزر من عمل بها ‪ ،‬من غير أن ينقص من أوزارهم‬
‫شيء"‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه مسلم من حديث شعبه ‪ ،‬بإسناد مثله (‪.)1‬‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ } أمر بتقواه ‪ ،‬وهي تشمل فعل ما به أمر ‪ ،‬وترك ما‬
‫عنه زجر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلْتَنْظُرْ َنفْسٌ مَا َق ّد َمتْ ِلغَدٍ } أي ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ‪ ،‬وانظروا ماذا‬
‫ادخرتم لنفسكم من العمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم ‪ { ،‬وَا ّتقُوا اللّهَ } تأكيد ثان‬
‫‪ { ،‬إِنّ اللّهَ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم (‪ )2‬ل تخفى عليه‬
‫منكم خافية ‪ ،‬ول يغيب عنه من أموركم جليل ول حقير‪.‬‬
‫سهُمْ } أي ‪ :‬ل تنسوا ذكر ال فينسيكم العمل‬
‫وقال (‪ { )3‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَا ُهمْ أَ ْنفُ َ‬
‫لمصالح أنفسكم التي تنفعكم في معادكم ‪ ،‬فإن الجزاء من جنس العمل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫سقُونَ } أي ‪ :‬الخارجون عن طاعة ال ‪ ،‬الهالكون يوم القيامة ‪ ،‬الخاسرون يوم معادهم ‪ ،‬كما‬
‫ا ْلفَا ِ‬
‫قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُمْ وَل َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫الْخَاسِرُونَ } [المنافقون ‪.]9 :‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ‪ ،‬حدثنا [أبو] (‬
‫‪ )4‬المغيرة ‪ ،‬حدثنا حَريز بن عثمان ‪ ،‬عن نعيم بن نَمحة قال ‪ :‬كان في خطبة أبي بكر الصديق ‪،‬‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الجل‬
‫وهو في عمل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فليفعل ‪ ،‬ولن تنالوا ذلك إل بال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬إن قومًا جعلوا‬
‫سهُمْ } أين‬
‫آجالهم لغيرهم ‪ ،‬فنهاكم ال تكونوا أمثالهم ‪ { :‬وَل َتكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَ ْنفُ َ‬
‫من تعرفون من إخوانكم ؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم ‪ ،‬وخلوا بالشقوة والسعادة ‪ ،‬أين‬
‫الجبارون الولون الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والبار ‪ ،‬هذا‬
‫كتاب ال ل تفنى عجائبه فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ‪[ ،‬وائتضحوا بسنائه وبيانه] (‪ )5‬إن ال أثنى‬
‫على زكريا وأهل بيته فقال ‪ { :‬إِ ّنهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَيْرَاتِ وَ َيدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا َوكَانُوا لَنَا‬
‫شعِينَ }‬
‫خَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/358‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1017‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ " :‬وخفيها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وقوله"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من المعجم الكبير للطبري‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬والمعجم الكبير‪.‬‬

‫( ‪)8/77‬‬

‫خشْيَةِ اللّ ِه وَتِ ْلكَ الَْأمْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ‬


‫شعًا مُ َتصَدّعًا مِنْ َ‬
‫َلوْ أَنْزَلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآَنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْ َتهُ خَا ِ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ (‪ُ )22‬هوَ‬
‫شهَا َدةِ ُهوَ الرّ ْ‬
‫َلعَّلهُمْ يَ َت َفكّرُونَ (‪ُ )21‬هوَ اللّهُ الّذِي لَا إِلَهَ إِلّا ُهوَ عَاِلمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫عمّا‬
‫اللّهُ الّذِي لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ ا ْلمَِلكُ ا ْلقُدّوسُ السّلَامُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ ا ْلعَزِيزُ الْجَبّارُ ا ْلمُ َتكَبّرُ سُبْحَانَ اللّهِ َ‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫سمَاءُ ا ْلحُسْنَى يُسَبّحُ لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫صوّرُ لَهُ الْأَ ْ‬
‫يُشْ ِركُونَ (‪ُ )23‬هوَ اللّهُ الْخَاِلقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُم َ‬
‫حكِيمُ (‪)24‬‬
‫وَالْأَ ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬

‫[النبياء ‪ ، ]90 :‬ل خير في قول ل يراد به وجه ال ‪ ،‬ول خير في مال ل ينفق في سبيل ال ‪،‬‬
‫ول خير فيمن يغلب جهله حلمه ‪ ،‬ول خير فيمن يخاف في ال لومة لئم (‪.)1‬‬
‫هذا إسناد جيد ‪ ،‬ورجاله كلهم ثقات ‪ ،‬وشيخ حَريز بن عثمان ‪ ،‬وهو نعيم بن نمحة ‪ ،‬ل أعرفه‬
‫بنفي ول إثبات ‪ ،‬غير أن أبا داود السجستاني قد حكم بأن شيوخ حَريز كلهم ثقات‪ .‬وقد روي لهذه‬
‫الخطبة شواهد من وجوه أخر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَسْ َتوِي َأصْحَابُ النّا ِر وََأصْحَابُ ا ْلجَنّةِ َأصْحَابُ الْجَنّةِ } أي (‪ )2‬ل يستوي هؤلء‬
‫جعََلهُمْ كَالّذِينَ‬
‫سبَ الّذِينَ اجْتَ َرحُوا السّيّئَاتِ أَنْ َن ْ‬
‫وهؤلء في حكم ال يوم القيامة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أَمْ حَ ِ‬
‫ح ُكمُونَ } [الجاثية ‪ ، ]21 :‬وقال { َومَا‬
‫سوَاءً َمحْيَاهُ ْم َو َممَا ُتهُمْ سَاءَ مَا َي ْ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ َ‬
‫آمَنُوا وَ َ‬
‫ت وَل ا ْلمُسِيءُ } الية[غافر ‪ .]58 :‬قال ‪:‬‬
‫عمِلُوا الصّالِحَا ِ‬
‫عمَى وَالْ َبصِي ُر وَالّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫يَسْ َتوِي ال ْ‬
‫ج َعلُ ا ْلمُ ّتقِينَ كَا ْلفُجّارِ } [ص‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ كَا ْل ُمفْسِدِينَ فِي ال ْرضِ َأمْ نَ ْ‬
‫ج َعلُ الّذِينَ آمَنُوا وَ َ‬
‫{ َأمْ نَ ْ‬
‫‪ ]28 :‬؟ في آيات أخر دالت على أن ال ‪ ،‬سبحانه ‪ ،‬يكرم البرار ‪ ،‬ويهين الفجار ؛ ولهذا قال‬
‫هاهنا ‪َ { :‬أصْحَابُ ا ْلجَنّةِ هُمُ ا ْلفَائِزُونَ } أي ‪ :‬الناجون المسلمون من عذاب ال ‪ ،‬عز وجل‪.‬‬
‫شعًا مُ َتصَدّعًا مِنْ خَشْ َيةِ اللّهِ وَتِ ْلكَ المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا‬
‫{ َلوْ أَنزلْنَا هَذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْتَهُ خَا ِ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ (‬
‫شهَا َدةِ ُهوَ الرّ ْ‬
‫ب وَال ّ‬
‫لِلنّاسِ َلعَّلهُمْ يَ َتفَكّرُونَ (‪ُ )21‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِل ُهوَ عَالِمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫‪ُ )22‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْلمَِلكُ ا ْلقُدّوسُ السّلمُ ا ْل ُم ْؤمِنُ ا ْل ُمهَ ْيمِنُ ا ْلعَزِيزُ الْجَبّارُ ا ْلمُ َتكَبّرُ‬
‫سمَاءُ ا ْلحُسْنَى يُسَبّحُ لَهُ مَا‬
‫صوّرُ َلهُ ال ْ‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ (‪ُ )23‬هوَ اللّهُ ا ْلخَالِقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُم َ‬
‫سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬
‫حكِيمُ (‪} )24‬‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫فِي ال ّ‬
‫يقول تعالى معظمًا لمر القرآن ‪ ،‬ومبينا علو قدره ‪ ،‬وأنه ينبغي وأن تخشع له القلوب ‪ ،‬وتتصدع‬
‫شعًا‬
‫عند سماعه لما فيه من الوعد والوعيد الكيد ‪َ { :‬لوْ أَنزلْنَا َهذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ لَرَأَيْ َتهُ خَا ِ‬
‫خشْيَةِ اللّهِ } أي ‪ :‬فإن كان الجبل في غلظته وقساوته ‪ ،‬لو فهم هذا القرآن فتدبر ما‬
‫مُ َتصَدّعًا مِنْ َ‬
‫فيه ‪ ،‬لخشع وتصدع من خوف ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فكيف يليق بكم أيها البشر أل تلين قلوبكم وتخشع‬
‫‪ ،‬وتتصدع من خشية ال ‪ ،‬وقد فهمتم عن ال أمره وتدبرتم كتابه ؟ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَتِ ْلكَ‬
‫المْثَالُ َنضْرِ ُبهَا لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ يَ َت َفكّرُونَ }‪.‬‬
‫شعًا] } (‪)3‬‬
‫قال العوفي ‪ :‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬لوْ أَنزلْنَا هَذَا ا ْلقُرْآنَ عَلَى جَ َبلٍ [لَرَأَيْتَهُ خَا ِ‬
‫حمّلته إياه ‪ ،‬لتصدع (‪ )4‬وخشع من‬
‫إلى آخرها ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل َ‬
‫ثقله ‪ ،‬ومن خشية ال‪ .‬فأمر ال الناس إذا نزل عليهم القرآنُ أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع‪.‬‬
‫ثم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪.)1/60‬‬
‫(‪ )2‬بياض في م‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬لصدع"‪.‬‬

‫( ‪)8/78‬‬

‫قال ‪ :‬كذلك يضرب ال المثال للناس لعلهم يتفكرون‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬وابن جرير‪.‬‬
‫وقد ثبت في الحديث المتواتر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما عمل له المنبر ‪ ،‬وقد كان‬
‫يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد ‪ ،‬فلما وضع المنبر أول ما وضع ‪ ،‬وجاء‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ليخطب فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ‪ ،‬فعند ذلك حَنّ الجذع وجعل (‬
‫سكّن (‪ ، )2‬لما كان يُسمَع من الذكر والوحي عنده‪ .‬ففي بعض‬
‫‪ )1‬يئن كما يئن الصبي الذي يُ َ‬
‫روايات هذا الحديث قال الحسن البصري بعد إيراده ‪" :‬فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم من الجذع" (‪ .)3‬وهكذا هذه الية الكريمة ‪ ،‬إذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلم‬
‫ال وفهمته ‪ ،‬لخشعت وتصدعت من خشيته (‪ )4‬فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم ؟ وقد قال تعالى ‪:‬‬
‫ط َعتْ بِهِ ال ْرضُ َأوْ كُلّمَ ِبهِ ا ْل َموْتَى } الية [الرعد ‪.]31 :‬‬
‫{ وََلوْ أَنّ قُرْآنًا سُيّ َرتْ بِهِ ا ْلجِبَالُ َأوْ قُ ّ‬
‫حجَا َرةِ َلمَا يَ َتفَجّرُ مِنْهُ‬
‫وقد تقدم أن معنى ذلك ‪ :‬أي لكان هذا القرآن‪ .‬وقال تعالى ‪ { :‬وَإِنّ مِنَ الْ ِ‬
‫شقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ا ْلمَا ُء وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا َيهْبِطُ مِنْ خَشْ َيةِ اللّهِ } [البقرة ‪.]74 :‬‬
‫ال ْنهَارُ وَإِنّ مِ ْنهَا َلمَا َي ّ‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ } أخبر‬
‫شهَا َدةِ ُهوَ الرّ ْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِل ُهوَ عَاِلمُ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫تعالى أنه الذي ل إله إل هو فل رب غيره ‪ ،‬ول إله للوجود سواه ‪ ،‬وكل ما يعبد من دونه‬
‫فباطل ‪ ،‬وأنه عالم الغيب (‪ )5‬والشهادة ‪ ،‬أي ‪ :‬يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا‬
‫فل يخفى عليه شيء في الرض ‪ ،‬ول في السماء من جليل وحقير وصغير وكبير ‪ ،‬حتى الذر‬
‫في الظلمات‪.‬‬
‫حمَنُ الرّحِيمُ } قد تقدم الكلم على ذلك في أول التفسير ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الرّ ْ‬
‫هاهنا‪ .‬والمراد أنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ‪ ،‬فهو رحمن الدنيا والخرة‬
‫شيْءٍ } [العراف ‪ ، ]156 :‬وقال { كَ َتبَ‬
‫س َعتْ ُكلّ َ‬
‫حمَتِي وَ ِ‬
‫ورحيمهما ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ { :‬وَرَ ْ‬
‫حمَ ِتهِ فَبِذَِلكَ فَلْ َيفْرَحُوا ُهوَ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَبِرَ ْ‬
‫حمَةَ } [النعام ‪ ، ]54 :‬وقال { ُقلْ ِب َف ْ‬
‫رَ ّبكُمْ عَلَى َنفْسِهِ الرّ ْ‬
‫ج َمعُونَ } [يونس ‪.]58 :‬‬
‫خَيْرٌ ِممّا َي ْ‬
‫وقوله (‪ُ { )6‬هوَ اللّهُ الّذِي ل إِلَهَ إِل ُهوَ ا ْلمَِلكُ } أي ‪ :‬المالك لجميع الشياء المتصرف فيها بل‬
‫ممانعة ول مدافعة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْلقُدّوسُ } قال وهب بن منبه ‪ :‬أي الطاهر‪ .‬وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي المبارك ‪ :‬وقال‬
‫ابن جريج ‪ :‬تقدسه الملئكة الكرام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حديث حنين الجذع رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3583‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬وبرقم (‬
‫‪ )3585 ، 3584‬من حديث جابر ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬يسكت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو القاسم البغوي كما في البداية والنهاية للمؤلف (‪ )6/132‬من طريق شيبان بن‬
‫فروخ ‪ ،‬عن مبارك بن فضالة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أنس في قصة الجذع ‪ ،‬ثم زاد ‪ :‬فكان الحسن‬
‫إذا حدث بهذا الحديث بكي ثم قال ‪" :‬يا عباد ال الخشبة تحن إلي رسول ال شوقًا إليه لمكانه من‬
‫ال ‪ ،‬فأنتم أحق أن تشتاقوا إلي لقائه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬من خشية ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬بالغيب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬ثم قال"‪.‬‬

‫( ‪)8/79‬‬

‫{ السّلمُ } أي ‪ :‬من جميع العيوب والنقائص ؛ بكماله (‪ )1‬في ذاته وصفاته وأفعاله‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْل ُم ْؤمِنُ } قال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪[ :‬أي] (‪ )2‬أمن خلقه من أن يظلمهم‪ .‬وقال‬
‫قتادة ‪ :‬أمّن بقوله ‪ :‬إنه حق‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬صَدّق عبادَه المؤمنين في أيمانهم به‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْل ُمهَ ْيمِنُ } قال ابن عباس وغير واحد ‪ :‬أي (‪ )3‬الشاهد على خلقه بأعمالهم ‪ ،‬بمعنى ‪:‬‬
‫شهِيدٌ‬
‫شهِيدٌ } [البروج ‪ ، ]9 :‬وقوله { ثُمّ اللّهُ َ‬
‫شيْءٍ َ‬
‫هو رقيب عليهم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫عَلَى مَا َيفْعَلُونَ } [يونس ‪.]46 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أ َفمَنْ ُهوَ قَا ِئمٌ عَلَى ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ } الية [الرعد ‪.]33 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬الذي قد عزّ كل شيء فقهره ‪ ،‬وغلب الشياء فل ينال جنابه ؛ لعزته‬
‫وعظمته وجبروته وكبريائه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ا ْلجَبّارُ ا ْلمُ َتكَبّرُ } أي ‪ :‬الذي ل تليق الجَبْرّية إل له ‪،‬‬
‫ول التكبر إل لعظمته ‪ ،‬كما تقدم في الصحيح ‪" :‬العَظَمة إزاري ‪ ،‬والكبرياء ردائي ‪ ،‬فمن نازعني‬
‫عذّبته"‪.‬‬
‫واحدًا منهما َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬الجبار ‪ :‬الذي جَبَر خلقه على ما يشاء‪.‬‬
‫ح أمورَ خلقه ‪ ،‬المتصرف فيهم بما فيه صلحهم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬الجبار ‪ :‬المصل ُ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬المتكبر ‪ :‬يعني عن كل سوء‪.‬‬
‫عمّا ُيشْ ِركُونَ } (‪.)4‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬سُ ْبحَانَ اللّهِ َ‬
‫صوّرُ } الخلق ‪ :‬التقدير ‪ ،‬والبَراء ‪ :‬هو الفري ‪ ،‬وهو التنفيذ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ اللّهُ ا ْلخَالِقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُم َ‬
‫وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود ‪ ،‬وليس كل من قدر شيئًا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل‪ .‬قال الشاعر يمدح آخر (‪)5‬‬
‫ولنت تَفري ما خَلَقت‪ ...‬وبعضُ القوم يَخلُق ثم ل َيفْري‪...‬‬
‫أي ‪ :‬أنت تنفذ ما خلقت ‪ ،‬أي ‪ :‬قدرت ‪ ،‬بخلف غيرك فإنه ل يستطيع ما يريد‪ .‬فالخلق ‪ :‬التقدير‪.‬‬
‫والفري ‪ :‬التنفيذ‪ .‬ومنه يقال ‪ :‬قدر الجلد ثم فَرَى ‪ ،‬أي ‪ :‬قطع على ما قدره بحسب ما يريده‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬ا ْلخَالِقُ الْبَا ِرئُ ا ْل ُمصَوّرُ } أي ‪ :‬الذي إذا أراد شيئًا قال له ‪ :‬كن ‪ ،‬فيكون على‬
‫ي صُو َرةٍ مَا شَاءَ َركّ َبكَ } [النفطار ‪]8 :‬‬
‫الصفة التي يريد ‪ ،‬والصورة التي يختار‪ .‬كقوله ‪ { :‬فِي َأ ّ‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬ا ْل ُمصَوّرُ } أي ‪ :‬الذي ينفذ ما يريد إيجاده على الصفة التي يريدها‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬لكماله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬إنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يصفون" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬هو زهير بن أبي سلمي يمدح به هرم بن سنان ‪ ،‬والبيت في ديوانه (ص ‪ )94‬أ‪ .‬هـ مستفادًا‬
‫من حاشية ط الشعب‪.‬‬

‫( ‪)8/80‬‬

‫سمَاءُ ا ْلحُسْنَى } قد تقدم الكلم على ذلك في "سورة العراف" ‪ ،‬وذكر الحديث‬
‫وقوله ‪َ { :‬لهُ ال ْ‬
‫المروي في الصحيحين عن أبي هريرة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن ل تعالى‬
‫تسعة وتسعين اسمًا ‪ ،‬مائة إل واحدًا ‪ ،‬من أحصاها دخل الجنة ‪ ،‬وهو وتر يحب الوتر"‪ .‬وتقدم‬
‫سياق الترمذي وابن ماجة له ‪ ،‬عن أبي هريرة أيضا ‪ ،‬وزاد بعد قوله ‪" :‬وهو وتر يحب الوتر" ‪-‬‬
‫واللفظ للترمذي ‪" : -‬هو ال الذي ل إله إل هو ‪ ،‬الرحمن ‪ ،‬الرحيم ‪ ،‬الملك ‪ ،‬القدوس ‪ ،‬السلم ‪،‬‬
‫المؤمن ‪ ،‬المهيمن ‪ ،‬العزيز ‪ ،‬الجبار ‪ ،‬المتكبر ‪ ،‬الخالق ‪ ،‬البارئ ‪ ،‬المصور ‪ ،‬الغفار ‪ ،‬القهار ‪،‬‬
‫الوهاب ‪ ،‬الرزاق ‪ ،‬الفتاح ‪ ،‬العليم ‪ ،‬القابض ‪ ،‬الباسط ‪ ،‬الخافض ‪ ،‬الرافع ‪ ،‬المعز ‪ ،‬المذل ‪،‬‬
‫السميع ‪ ،‬البصير ‪ ،‬الحكم ‪ ،‬العدل ‪ ،‬اللطيف ‪ ،‬الخبير ‪ ،‬الحليم ‪ ،‬العظيم ‪ ،‬الغفور ‪ ،‬الشكور ‪،‬‬
‫العلي ‪ ،‬الكبير ‪ ،‬الحفيظ ‪ ،‬المقيت ‪ ،‬الحسيب ‪ ،‬الجليل ‪ ،‬الكريم ‪ ،‬الرقيب ‪ ،‬المجيب ‪ ،‬الواسع ‪،‬‬
‫الحكيم ‪ ،‬الودود ‪ ،‬المجيد ‪ ،‬الباعث ‪ ،‬الشهيد ‪ ،‬الحق ‪ ،‬الوكيل ‪ ،‬القوي ‪ ،‬المتين ‪ ،‬الولي ‪ ،‬الحميد ‪،‬‬
‫المحصي ‪ ،‬المبدئ ‪ ،‬المعيد ‪ ،‬المحيي ‪ ،‬المميت ‪ ،‬الحي ‪ ،‬القيوم ‪ ،‬الواجد ‪ ،‬الماجد ‪ ،‬الواحد ‪،‬‬
‫الصمد ‪ ،‬القادر ‪ ،‬المقتدر ‪ ،‬المقدم ‪ ،‬المؤخر ‪ ،‬الول ‪ ،‬الخر ‪ ،‬الظاهر ‪ ،‬الباطن ‪ ،‬الولي ‪،‬‬
‫المتعالي ‪ ،‬البر ‪ ،‬التواب ‪ ،‬المنتقم ‪ ،‬العفو ‪ ،‬الرءوف ‪ ،‬مالك الملك ‪ ،‬ذو الجلل والكرام ‪،‬‬
‫المقسط ‪ ،‬الجامع ‪ ،‬الغني ‪ ،‬المغني ‪ ،‬المانع ‪ ،‬الضار ‪ ،‬النافع ‪ ،‬النور ‪ ،‬الهادي ‪ ،‬البديع ‪ ،‬الباقي ‪،‬‬
‫الوارث ‪ ،‬الرشيد ‪ ،‬الصبور"‪.‬‬
‫وسياق ابن ماجة بزيادة ونقصان ‪ ،‬وتقديم وتأخير ‪ ،‬وقد قدمنا ذلك مبسوطًا مطول بطرقه وألفاظه‬
‫بما أغنى عن إعادته هنا (‪.)2( )1‬‬
‫ض َومَنْ‬
‫سمَاوَاتُ السّ ْب ُع وَالرْ ُ‬
‫ت وَالرْضِ } كقوله { تُسَبّحُ َلهُ ال ّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يسَبّحُ لَهُ مَا فِي ال ّ‬
‫غفُورًا } [السراء ‪:‬‬
‫حهُمْ إِنّهُ كَانَ حَلِيمًا َ‬
‫حمْ ِد ِه وََلكِنْ ل َتفْ َقهُونَ َتسْبِي َ‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ ِب َ‬
‫ن وَإِنْ مِنْ َ‬
‫فِيهِ ّ‬
‫‪.]44‬‬
‫حكِيمُ } في شرعه وقدره‪ .‬وقد قال المام أحمد ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ } أي ‪ :‬فل يرام جَنَابه { ال َ‬

‫خفّاف ‪ -‬حدثنا نافع ابن‬


‫ط ْهمَان ‪ ،‬أبو العلء ال َ‬
‫حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا خالد ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن َ‬
‫أبي نافع ‪ ،‬عن مَعقِل بن يسار ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من قال حين يصبح ثلث‬
‫مرات ‪ :‬أعوذ بال السميع العليم من الشيطان الرجيم ‪ ،‬ثم قرأ ثلث آيات من آخر سورة الحشر ‪،‬‬
‫َوكّل ال به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي ‪ ،‬وإن مات في ذلك اليوم مات شهيدًا ‪،‬‬
‫ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي عن محمود بن غَيْلن ‪ ،‬عن أبي أحمد الزبيري ‪ ،‬به (‪ ، )3‬وقال ‪ :‬غريب ل‬
‫نعرفه إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬هاهنا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تقدم تخريج هذا الحديث عند تفسير الية ‪ 180 :‬من سورة العراف‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/26‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2922‬‬

‫( ‪)8/81‬‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا تَتّخِذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّدةِ َوقَدْ َكفَرُوا ِبمَا جَا َءكُمْ مِنَ‬
‫جهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ‬
‫ل وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّب ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْ ُتمْ ِ‬
‫حقّ ُيخْرِجُونَ الرّسُو َ‬
‫الْ َ‬
‫سوَاءَ‬
‫ضلّ َ‬
‫خفَيْتُ ْم َومَا أَعْلَنْتُمْ َومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬
‫مَ ْرضَاتِي تُسِرّونَ إِلَ ْي ِهمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَأَنَا أَعْلَمُ ِبمَا أَ ْ‬
‫السّبِيلِ (‪ )1‬إِنْ يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َلكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ‬
‫(‪ )2‬لَنْ تَ ْنفَ َعكُمْ أَ ْرحَا ُمكُ ْم وَلَا َأوْلَا ُد ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْفصِلُ بَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪)3‬‬

‫تفسير سورة الممتحنة‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة َوقَدْ َكفَرُوا ِبمَا جَا َءكُمْ مِنَ‬
‫جهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ‬
‫ل وَإِيّاكُمْ أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّب ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْ ُتمْ ِ‬
‫حقّ ُيخْرِجُونَ الرّسُو َ‬
‫الْ َ‬
‫سوَاءَ‬
‫ضلّ َ‬
‫خفَيْتُ ْم َومَا أَعْلَنْتُمْ َومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬
‫مَ ْرضَاتِي تُسِرّونَ إِلَ ْي ِهمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَأَنَا أَعْلَمُ ِبمَا أَ ْ‬
‫السّبِيلِ (‪ )1‬إِنْ يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َلكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَ ْيكُمْ أَيْدِ َيهُمْ وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّو ِء َووَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ‬
‫(‪ )2‬لَنْ تَ ْنفَ َعكُمْ أَ ْرحَا ُمكُ ْم وَل َأوْل ُد ُكمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْفصِلُ بَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪} )3‬‬
‫كان سبب نزول صدر هذه السورة (‪ )1‬الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة ‪ ،‬وذلك أن حاطبًا هذا‬
‫كان رجل من المهاجرين ‪ ،‬وكان من أهل بدر أيضًا ‪ ،‬وكان له بمكة أولد ومال (‪ ، )2‬ولم يكن‬
‫من قريش أنفسهم ‪ ،‬بل كان حليفًا (‪ )3‬لعثمان‪ .‬فلما عزم رسول ال صلى ال عليه وسلم على فتح‬
‫مكة لما نقض أهلها العهد ‪ ،‬فأمر النبي صلى ال عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫عمّ عليهم خبرنا"‪ .‬فعمد حاطب هذا فكتب كتابًا ‪ ،‬وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل‬
‫"اللهم ‪َ ،‬‬
‫مكة ‪ ،‬يعلمهم بما عزم عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم [من غزوهم] (‪ ، )4‬ليتخذ بذلك‬
‫عندهم يدًا ‪ ،‬فأطلع ال رسوله على ذلك (‪ )5‬استجابة لدعائه‪ .‬فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب‬
‫منها ‪ ،‬وهذا بين في هذا الحديث المتفق على صحته‪ .‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫عمْرو ‪ ،‬أخبرني حَسَن بن محمد بن علي ‪ ،‬أخبرني عُبَيد ال (‪ )6‬بن أبي رافع‬
‫حدثنا سفيان ‪ ،‬عن َ‬
‫‪ -‬وقال مرة ‪ :‬إن عبيد ال بن أبي رافع أخبره ‪ :‬أنه سمع عليًا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ :‬بعثني‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم أنا والزبير والمقداد ‪ ،‬فقال ‪" :‬انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ‪،‬‬
‫ظعِينة معها كتاب ‪ ،‬فخذوه منها"‪ .‬فانطلقنا َتعَادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة ‪ ،‬فإذا نحن‬
‫فإن بها َ‬
‫بالظعينة ‪ ،‬قلنا ‪ :‬أخرجي الكتاب‪ .‬قالت ‪ :‬ما معي كتاب‪ .‬قلنا ‪ :‬لتخرجن الكتاب أو لنُلقين الثياب‪.‬‬
‫عقَاصها ‪ ،‬فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فأخرجت الكتاب من ِ‬
‫فإذا فيه ‪ :‬من حاطب بن أبي بلتعة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬الية" ‪ ،‬والمثبت من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وأموال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ضيفًا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فأصلح ال على ذلك رسوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عبد ال"‬

‫( ‪)8/82‬‬

‫إلى ناس من المشركين بمكة ‪ ،‬يخبرهم ببعض أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يا حاطب ‪ ،‬ما هذا ؟"‪ .‬قال ‪ :‬ل تعجل علي ‪ ،‬إني كنت امرأ مُلصَقًا في‬
‫قريش ‪ ،‬ولم أكن من أنفسهم ‪ ،‬وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ‪،‬‬
‫فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي ‪ ،‬وما فعلت ذلك كفرًا‬
‫ول ارتدادًا عن ديني ول رضى بالكفر بعد السلم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنه‬
‫صَدَقكم"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬دعني أضرب عنق هذا المنافق‪ .‬فقال ‪" :‬إنه قد شهد بدرًا ‪ ،‬ما يدريك َل َعلّ‬
‫ال اطلع إلى أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"‪.‬‬
‫وهكذا أخرجه الجماعة إل ابن ماجة ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن سفيان بن عُيَينة ‪ ،‬به (‪ .)1‬وزاد‬
‫خذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ‬
‫البخاري في كتاب "المغازي" ‪ :‬فأنزل ال السورة ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫َأوْلِيَاءَ } (‪ .)2‬وقال في كتاب التفسير ‪ :‬قال عمرو ‪ :‬ونزلت فيه ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا‬
‫عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ } قال (‪ " : )3‬ل أدري الية في الحديث أو قال عمرو"‪ .‬قال البخاري ‪ :‬قال‬
‫خذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ‬
‫علي ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن المديني ‪ : -‬قيل لسفيان في هذا ‪ :‬نزلت { ل تَتّ ِ‬
‫َأوْلِيَاءَ } ؟ فقال سفيان ‪ :‬هذا في حديث الناس ‪ ،‬حفظته من عمرو ‪ ،‬ما تركت منه حرفًا ‪ ،‬وما‬
‫أرى (‪ )4‬أحدًا حفظه غيري (‪.)5‬‬
‫حصَين بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن سعد (‪ )6‬بن عُبَيدة ‪ ،‬عن‬
‫وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث ُ‬
‫أبي عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬بعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا مَرْثَد ‪،‬‬
‫والزبير بن العوام ‪ ،‬وكلنا فارس ‪ ،‬وقال ‪ :‬انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ‪ ،‬فإن بها امرأة من‬
‫المشركين معها كتاب من حاطب إلى المشركين ‪ :‬فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقلنا ‪ :‬الكتابُ ؟ فقالت ‪ :‬ما معي كتاب‪ .‬فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا ‪،‬‬
‫فقلنا ‪ :‬ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم! لتخرجن الكتاب أو لنُجردنك‪ .‬فلما رأت الجد‬
‫أهوت إلى حُجْزتها وهي مُح َتجِزة بكساء فأخرجته‪ .‬فانطلقنا بها إلى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬قد خان ال ورسوله والمؤمنين ‪ ،‬فَدعني فلضْرِب عنقه‪ .‬فقال‬
‫‪" :‬ما حملك على ما صنعت ؟"‪ .‬قال ‪ :‬وال ما بي إل أن أكون مؤمنًا بال ورسوله ‪ ،‬أردت أن‬
‫تكون لي عند القوم يَدٌ يدفع ال بها عن أهلي ومالي ‪ ،‬وليس أحد من أصحابك إل له هنالك من‬
‫عشيرته من يدفع ال به عن أهله وماله‪ .‬فقال ‪" :‬صدق ‪ ،‬ل تقولوا له إل خيرًا"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬إنه‬
‫قد خان ال ورسوله والمؤمنين ‪ ،‬فدعني فلضرب عنقه‪ .‬فقال ‪" :‬أليس من أهل بدر ؟" فقال ‪:‬‬
‫"لعل ال قد اطلع إلى أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ‪ -‬أو ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )80 ، 1/79‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4890 ، 3007‬وصحيح مسلم برقم (‪)2494‬‬
‫وسنن أبي داود برقم (‪ )2650‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3305‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‬
‫‪.)11585‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4274‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ول أرى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪.)4890‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عن سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)8/83‬‬

‫قد غفرت لكم"‪ .‬ف َدمِعت عينا عُمر ‪ ،‬وقال ‪ :‬ال ورسوله أعلم (‪.)1‬‬
‫هذا لفظ البخاري في "المغازي" في غزوة بدر ‪ ،‬وقد روي من وجه آخر عن علي قال ابن أبي‬
‫حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا علي بن الحسن الهِسْنجَاني ‪ ،‬حدثنا عبيد بن يعيش ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ‪ ،‬عن‬
‫جمَلي ‪ ،‬عن أبي البختري الطائي (‪، )2‬‬
‫أبي سِنان ‪ -‬هو سعيد بن سنان ‪ -‬عن عمرو بن مُرة ال َ‬
‫عن الحارث ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬لما أراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يأتي مكة ‪ ،‬أسرّ إلى أناس‬
‫من أصحابه أنه يريد مكة ‪ ،‬فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في الناس أنه يريد خيبر‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم يريدكم‪ .‬فأخبر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬فبعثني رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا مَرْثد ‪ ،‬وليس منا رجل‬
‫إل وعند (‪ )3‬فرس ‪ ،‬فقال ‪" :‬ائِتوا روضة خاخ ‪ ،‬فإنكم ستلقون بها امرأة معها كتاب ‪ ،‬فخذوه‬
‫منها"‪ .‬فانطلقنا حتى رأيناها بالمكان الذي َذكَر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقلنا لها ‪ :‬هات‬
‫الكتاب‪ .‬فقالت ‪ :‬ما معي كتاب‪ .‬فوضعنا متاعها وفتشناها (‪ )4‬فلم نجده في متاعها ‪ ،‬فقال أبو‬
‫مرثد ‪ :‬لعله أل يكون معها‪ .‬فقلت ‪ :‬ما كذب رسول ال صلى ال عليه وسلم ول كذبنا (‪ .)5‬فقلنا‬
‫لها ‪ :‬لتخرجِنّه أو لنُعرينّك‪ .‬فقالت ‪ :‬أما تتقون ال ؟! ألستم مسلمين ؟ فقلنا ‪ :‬لتخرجنه أو لنعرينّك‪.‬‬
‫حجُزَتها‪ .‬وقال حبيب بن أبي ثابت ‪ :‬أخرجته (‪ )6‬من قُبُلها‪.‬‬
‫قال عمرو بن مرة ‪ :‬فأخرجته من ُ‬
‫فأتينا به رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة‪ .‬فقام عمر فقال ‪:‬‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬خان ال ورسوله ‪ ،‬فائذن لي فلضرب عنقه‪ .‬فقال رسول ال ‪" :‬أليس قد شهد بدرًا‬
‫؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬بلى‪ .‬وقال عمر ‪ :‬بلى ‪ ،‬ولكنه قد نكث وظاهر أعداءك عليك‪ .‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬فلعل ال اطلع إلى على أهل بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم ‪ ،‬إني بما تعملون‬
‫بصير"‪ .‬ففاضت عينا عمر وقال ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫حاطب فقال ‪" :‬يا حاطب ‪ ،‬ما حملك على ما صنعت ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إني كنت امرأ‬
‫مُلصَقًا في قريش ‪ ،‬وكان لي بها مال وأهل ‪ ،‬ولم يكن من أصحابك أحد إل وله بمكة من يمنع‬
‫أهله وماله ‪ ،‬فكتبت إليهم بذلك ووال ‪ -‬يا رسول ال ‪ -‬إني لمؤمن بال ورسوله‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬صدق حاطب ‪ ،‬فل تقولوا لحاطب إل خيرًا"‪ .‬قال (‪ )7‬حبيب بن أبي ثابت‬
‫‪ :‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّدةِ } الية‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير عن ابن حميد عن ِمهْران ‪ ،‬عن أبي سنان ‪ -‬سعيد بن سنان ‪ -‬بإسناده مثله‬
‫(‪ .)8‬وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسير ‪ ،‬فقال محمد بن إسحَاق بن يَسَار في السيرة‪.‬‬
‫حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ‪ ،‬عن عُ ْروَة بن الزبير وغيره من علمائنا قال ‪ :‬لما أجمع‬
‫رسول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )3983‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2494‬‬
‫(‪ )2‬في هـ" "عن أبي إسحاق البختري الطائي وللمثبت من الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وعنده"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وفتشناه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ول كاذب"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فأخرجته"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪.)23/38‬‬

‫( ‪)8/84‬‬

‫ال صلى ال عليه وسلم المسير (‪ )1‬إلى مكة ‪ ،‬كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريش يخبرهم‬
‫بالذي أجمع عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم من المر في السير إليهم ‪ ،‬ثم أعطاه امرأة ‪-‬‬
‫زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ‪ ،‬وزعم غيره أنها ‪ :‬سارة ‪ ،‬مولة لبني عبد المطلب ‪-‬‬
‫وجعل لها جُعل على أن تبلغه قُريشًا فجعلته في رأسها ‪ ،‬ثم فتلت عليه قرونها ‪ ،‬ثم خرجت به‪.‬‬
‫وأتى رسول ال صلى ال عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صنع حاطب ‪ ،‬فبعث عليّ بن أبي‬
‫طالب والزبير بن العوام فقال ‪" :‬أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش ‪ ،‬يحذرهم ما‬
‫قد أجمعنا (‪ )2‬له من أمرهم"‪.‬‬
‫فخرجا حتى أدركاها بالخُلَيفْة ‪ -‬خليفة (‪ )3‬بني أبي أحمد ‪ -‬فاستنزلها بالخليفة ‪ ،‬فالتمسا في‬
‫رحلها فلم يجدا شيئًا ‪ ،‬فقال لها علي بن أبي طالب ‪ :‬إني أحلف بال ما كذب رسول ال وما كذبنا‬
‫جدّ منه قالت ‪ :‬أعرض‪ .‬فأعرض ‪ ،‬فحلت‬
‫(‪ )4‬ولتُخرجِنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك‪ .‬فلما رأت ال ِ‬
‫قُرون رأسها ‪ ،‬فاستخرجت الكتاب منها ‪ ،‬فدفعته إليه‪ .‬فأتى به رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فدعا رسول ال حاطبًا فقال ‪" :‬يا حاطب ما حملك على هذا ؟"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أما وال‬
‫إني لمؤمن بال ورسوله (‪ )5‬ما غَيّرت ول بَدّلت ‪ ،‬ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أهل‬
‫ول عشيرة ‪ ،‬وكان لي بين أظهرهم وَلَد وأهل فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬دعني فَلضربْ عنقه ‪ ،‬فإن الرجل قد نافق‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وما‬
‫يدريك يا عمر! لعل ال قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال ‪ :‬اعملوا ما شئتم ‪ ،‬فقد غفرت‬
‫لكم"‪ .‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬في حاطب ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا عَ ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ‬
‫حسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َق ْو ِمهِمْ‬
‫س َوةٌ َ‬
‫تُ ْلقُونَ إِلَ ْي ِهمْ بِا ْل َموَ ّدةِ } إلى قوله ‪ { :‬قَدْ كَا َنتْ َل ُكمْ أُ ْ‬
‫إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا حَتّى‬
‫ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ } [الممتحنة ‪ ]4 :‬إلى آخر القصة (‪.)6‬‬
‫وروى َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة نحو ذلك‪ .‬وهكذا ذكر مقاتل بن حيان ‪ :‬أن هذه اليات‬
‫نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ‪ :‬أنه بعث سارة مولة بني هاشم ‪ ،‬وأنه أعطاها عشرة دراهم ‪،‬‬
‫وأن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعث في أثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ‪،‬‬
‫رضي ال عنهما ‪ ،‬فأدركاها بالجحفة‪ ...‬وذكر تمام القصة كنحو ما تقدم‪ .‬وعن السدي قريبا منه‪.‬‬
‫وهكذا قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وقتادة ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬أن هذه اليات نزلت في‬
‫حاطب بن أبي بلتعة‪.‬‬
‫ع ُدوّي وَعَ ُد ّوكُمْ َأوْلِيَاءَ تُ ْلقُونَ إِلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة َوقَدْ َكفَرُوا‬
‫خذُوا َ‬
‫فقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫ِبمَا جَا َءكُمْ مِنَ ا ْلحَقّ } يعني ‪ :‬المشركين والكفار الذين هم محاربون ل ولرسوله وللمؤمنين ‪،‬‬
‫الذين شرع ال (‪ )7‬عداوتهم ومصارمتهم ‪ ،‬ونهى أن يتخذوا أولياء وأصدقاء وأخلء ‪ ،‬كما قال‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْعضٍ َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَإِنّهُ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ َب ْع ُ‬
‫مِ ْنهُمْ } [المائدة ‪.]51 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬السير"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اجتمعنا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بالحليفة حليفة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ول كذبنا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وبرسوله"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )23/39‬من طريق أبي إسحاق‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬شرع لهم"‪.‬‬

‫( ‪)8/85‬‬

‫خذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِي َنكُمْ‬


‫وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ‪ ،‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫هُ ُزوًا وََلعِبًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ مِنْ قَبِْلكُ ْم وَا ْل ُكفّارَ َأوْلِيَا َء وَا ّتقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ ُمؤْمِنِينَ } [المائدة ‪:‬‬
‫خذُوا ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ‬
‫‪ ]57‬وقال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّ ِ‬
‫جعَلُوا لِلّهِ عَلَ ْيكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } [النساء ‪ .]144 :‬وقال تعالى ‪ { :‬ل يَتّخِذِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ‬
‫تَ ْ‬
‫شيْءٍ إِل أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَا ًة وَيُحَذّ ُر ُكمُ‬
‫ن َومَنْ َيفْ َعلْ ذَِلكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي َ‬
‫َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِي َ‬
‫سهُ } [آل عمران ‪ ]28 :‬؛ ولهذا قَبِل رسول ال صلى ال عليه وسلم عُذْرَ حاطب لما ذكر‬
‫اللّهُ َنفْ َ‬
‫أنه إنما فعل ذلك مصانعة لقريش ‪ ،‬لجل ما كان له عندهم من الموال والولد‪.‬‬
‫ويذكر هاهنا الحديث الذي رواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا مصعب بن سلم ‪ ،‬حدثنا الجلح ‪ ،‬عن قيس بن أبي مسلم ‪ ،‬عن ربعي بن حرّاش ‪ ،‬سمعت‬
‫حُذيفة يقول ‪ :‬ضَرَب لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أمثال واحدًا وثلثة وخمسة وسبعة ‪،‬‬
‫وتسعة ‪ ،‬وأحد عشر ‪ -‬قال ‪ :‬فضرب لنا منها مثل وترك سائرها ‪ ،‬قال ‪" :‬إن قومًا كانوا أهل‬
‫ضعف ومسكنة ‪ ،‬قاتلهم أهل تجبر وعداء ‪ ،‬فأظهر ال أهل الضعف عليهم ‪َ ،‬ف َعمَدوا إلى عَدُوهم‬
‫فاستعملوهم وسلّطوهم ‪ ،‬فأسخطوا ال عليهم إلى يوم يلقونه" (‪.)1‬‬
‫ل وَإِيّاكُمْ } هذا مع ما قبله من التهييج على عداوتهم وعدم موالتهم ؛‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يخْرِجُونَ الرّسُو َ‬
‫لنهم أخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم ‪ ،‬كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلص‬
‫العبادة ل وحده ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنْ ُت ْؤمِنُوا بِاللّهِ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬لم يكن لكم عندهم ذنب إل إيمانكم‬
‫حمِيدِ } [البروج ‪، ]8 :‬‬
‫بال رب العالمين ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَا َنقَمُوا مِ ْنهُمْ إِل أَنْ ُي ْؤمِنُوا بِاللّهِ‪.‬ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫حقّ إِل أَنْ َيقُولُوا رَبّنَا اللّهُ } [الحج ‪.]40 :‬‬
‫وكقوله { الّذِينَ ُأخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ ِبغَيْرِ َ‬
‫جهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْ ِتغَاءَ مَ ْرضَاتِي } أي ‪ :‬إن كنتم كذلك فل تتخذوهم‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ كُنْ ُتمْ خَ َرجْتُمْ ِ‬
‫أولياء ‪ ،‬إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم فل توالوا أعدائي وأعداءكم ‪،‬‬
‫وقد أخرجوكم من دياركم وأموالكم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم‪.‬‬
‫خفَيْتُ ْم َومَا أَعْلَنْ ُتمْ } أي ‪ :‬تفعلون ذلك وأنا العالم‬
‫وقوله ‪ُ { :‬تسِرّونَ ِإلَ ْيهِمْ بِا ْل َموَ ّد ِة وَأَنَا أَعَْلمُ ِبمَا أَ ْ‬
‫سوَاءَ السّبِيلِ إِنْ يَ ْثقَفُوكُمْ َيكُونُوا َلكُمْ‬
‫ضلّ َ‬
‫بالسرائر والضمائر والظواهر { َومَنْ َي ْفعَلْهُ مِ ْنكُمْ َفقَ ْد َ‬
‫أَعْدَا ًء وَيَبْسُطُوا إِلَ ْي ُكمْ أَيْدِ َي ُه ْم وَأَلْسِنَ َتهُمْ بِالسّوءِ } أي ‪ :‬لو قدروا عليكم لما اتقوا (‪ )2‬فيكم من أذى‬
‫ينالونكم به بالمقال والفعال‪َ { .‬ووَدّوا َلوْ َت ْكفُرُونَ } أي ‪ :‬ويحرصون على أل تنالوا خيرًا ‪ ،‬فهم‬
‫عداوتهم لكم كامنة وظاهرة ‪ ،‬فكيف توالون مثل هؤلء ؟ وهذا تهييج على عداوتهم أيضًا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬لَنْ تَ ْن َف َعكُمْ أَ ْرحَا ُمكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ َيوْمَ ا ْلقِيَامَةِ َي ْفصِلُ بَيْ َنكُ ْم وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ } أي ‪:‬‬
‫قراباتكم ل تنفعكم عند ال (‪ )3‬إذا أراد ال بكم سوءًا ‪ ،‬ونفعهم ل يصل إليكم إذا أرضيتموهم بما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/407‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/232‬وفيه الجلح الكندي وهو ثقة وقد‬
‫ضعف ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬لما أبقوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عند ال ول أولدكم"‪.‬‬

‫( ‪)8/86‬‬

‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالّذِينَ َمعَهُ ِإذْ قَالُوا ِلقَ ْو ِمهِمْ إِنّا بُ َرآَءُ مِ ْنكُمْ َومِمّا َتعْبُدُونَ مِنْ‬
‫قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ ُأ ْ‬
‫دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِلّا َق ْولَ إِبْرَاهِيمَ‬
‫شيْءٍ رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ (‪)4‬‬
‫ك َومَا َأمِْلكُ َلكَ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫لِأَبِيهِ لََأسْ َت ْغفِرَنّ َل َ‬
‫حكِيمُ (‪)5‬‬
‫غفِرْ لَنَا رَبّنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَا ْ‬
‫رَبّنَا لَا َت ْ‬

‫ضلّ عمله ‪ ،‬ول ينفعه عند‬


‫يسخط ال ‪ ،‬ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخَسِر و َ‬
‫ال قرابته من أحد ‪ ،‬ولو كان قريبًا إلى نبي من النبياء‪ .‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا حماد ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬أن رجل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ :‬أين أبي ؟ قال‬
‫‪" :‬في النار" فلما (‪َ )1‬قفّى دعاه فقال ‪" :‬إن أبي وأباك في النار"‪.‬‬
‫ورواه مسلم وأبو داود ‪ ،‬من حديث حماد بن سلمة ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫س َوةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ إِذْ قَالُوا ِل َق ْو ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُ ْم َو ِممّا َتعْبُدُونَ مِنْ‬
‫{ َقدْ كَا َنتْ َلكُمْ أُ ْ‬
‫دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْل َعدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه َوحْ َدهُ إِل َق ْولَ إِبْرَاهِيمَ‬
‫شيْءٍ رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ (‬
‫ك َومَا َأمِْلكُ َلكَ مِنَ اللّهِ مِنْ َ‬
‫لبِيهِ لسْ َت ْغفِرَنّ َل َ‬
‫حكِيمُ (‪} )5‬‬
‫غفِرْ لَنَا رَبّنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا وَا ْ‬
‫‪ )4‬رَبّنَا ل َت ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬قال ‪ :‬فلما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/268‬وصحيح مسلم برقم (‪ )203‬وسنن أبي داود برقم (‪.)8174‬‬

‫( ‪)8/87‬‬
‫حمِيدُ‬
‫حسَنَةٌ ِلمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الْآَخِ َر َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَنِيّ ا ْل َ‬
‫س َوةٌ َ‬
‫َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي ِهمْ أُ ْ‬
‫(‪)6‬‬

‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ ِلمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِ َر َومَنْ يَ َت َولّ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَ ِنيّ‬
‫{ َلقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْ‬
‫حمِيدُ (‪} )6‬‬
‫الْ َ‬
‫يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم ‪:‬‬
‫س َوةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ } أي ‪ :‬وأتباعه الذين آمنوا معه { ِإذْ قَالُوا‬
‫{ َقدْ كَا َنتْ َلكُمْ أُ ْ‬
‫ِلقَ ْو ِمهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬تبرأنا منكم { َو ِممّا َتعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ َكفَرْنَا ِبكُمْ } أي ‪ :‬بدينكم‬
‫وطريقكم ‪ { ،‬وَ َبدَا بَيْنَنَا وَبَيْ َنكُمُ ا ْلعَدَا َوةُ وَالْ َب ْغضَاءُ أَ َبدًا } يعني ‪ :‬وقد شُرعت العداوة والبغضاء من‬
‫الن بيننا وبينكم ‪ ،‬ما دمتم على كفركم فنحن أبدًا نتبرأ منكم ونبغضكم { حَتّى ُت ْؤمِنُوا بِاللّ ِه وَحْ َدهُ }‬
‫أي ‪ :‬إلى أن تُوحدوا ال فتعبدوه وحده ل شريك له ‪ ،‬وتخلعوا ما تعبدون معه من النداد‬
‫والوثان‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل َق ْولَ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ لسْ َتغْفِرَنّ َلكَ } أي ‪ :‬لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون‬
‫بها ‪ ،‬إل في استغفار إبراهيم لبيه ‪ ،‬فإنه إنما كان عن مَوعِدة وعدها إياه ‪ ،‬فلما تبين له أنه عدو‬
‫ل تبرأ منه‪ .‬وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يَدعون لبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون‬
‫ي وَالّذِينَ‬
‫لهم ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن إبراهيم كان يستغفر لبيه ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬مَا كَانَ لِلنّ ِب ّ‬
‫جحِي ِم َومَا‬
‫صحَابُ الْ َ‬
‫ن وََلوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َل ُهمْ أَ ّنهُمْ َأ ْ‬
‫آمَنُوا أَنْ يَسْ َت ْغفِرُوا لِ ْلمُشْ ِركِي َ‬
‫كَانَ اسْ ِت ْغفَارُ إِبْرَاهِيمَ لبِيهِ إِل عَنْ َموْعِ َد ٍة وَعَدَهَا إِيّاهُ فََلمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَ ُدوّ لِلّهِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ‬
‫س َوةٌ‬
‫لوّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة ‪ .]114 ، 113 :‬وقال تعالى في هذه الية الكريمة ‪ { :‬قَدْ كَا َنتْ َلكُمْ ُأ ْ‬
‫ك َومَا َأمِْلكُ َلكَ مِنَ‬
‫حسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِي َم وَالّذِينَ َمعَهُ } إلى قوله ‪ { :‬إِل َق ْولَ إِبْرَاهِي َم لبِيهِ لسْ َت ْغفِرَنّ َل َ‬
‫َ‬
‫شيْءٍ } أي ‪:‬‬
‫اللّهِ مِنْ َ‬

‫( ‪)8/87‬‬

‫ليس لكم في ذلك أسوة ‪ ،‬أي ‪ :‬في الستغفار للمشركين ‪ ،‬هكذا قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬ومقاتل ‪ ،‬والضحاك وغير واحد‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا عن قول إبراهيم والذين معه ‪ ،‬حين فارقوا قومهم وتبرءوا منهم ‪ ،‬فلجئوا إلى‬
‫ال وتضرّعوا (‪ )1‬إليه فقالوا ‪ { :‬رَبّنَا عَلَ ْيكَ َت َوكّلْنَا وَإِلَ ْيكَ أَنَبْنَا وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬توكلنا عليك‬
‫في جميع المور ‪ ،‬وسَلّمنا أمورَنا إليك ‪ ،‬وفوضناها إليك { وَإِلَ ْيكَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬المعاد في الدار‬
‫الخرة‪.‬‬
‫جعَلْنَا فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا } قال مجاهد ‪ :‬معناه ‪ :‬ل تعذبنا بأيديهم ‪ ،‬ول بعذاب من‬
‫{ رَبّنَا ل َت ْ‬
‫عندك ‪ ،‬فيقولوا ‪ :‬لو كان هؤلء على حق ما أصابهم هذا‪ .‬وكذا قال الضحاك‪.‬‬
‫ظهِرهم علينا فيفتتنوا بذلك ‪ ،‬يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه‪ .‬واختاره‬
‫وقال قتادة ل ُت ْ‬
‫ابن جرير (‪.)2‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ل تسلطهم علينا فيفتنونا‪.‬‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬واستر ذنوبنا عن غيرك ‪ ،‬واعف عنها‬
‫غفِرْ لَنَا رَبّنَا إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫حكِيم }‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬الذي ل ُيضَام من لذ بجناحك (‪ { )3‬ا ْل َ‬
‫فيما بيننا وبينك ‪ { ،‬إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك‪.‬‬
‫س َوةٌ حَسَ َنةٌ ِلمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّ َه وَالْ َيوْمَ الخِرَ } وهذا تأكيد لما‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِيهِمْ ُأ ْ‬
‫تقدم ومستثنى منه ما تقدم أيضًا لن هذه السوة المثبتة (‪ )4‬هاهنا هي الولى بعينها‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬لمَنْ كَانَ يَ ْرجُو اللّ َه وَالْ َيوْ َم الخِرَ } تهييج إلى ذلك كل مقر (‪ )5‬بال والمعاد‪.‬‬
‫حمِيدُ } كقوله { إِنْ َت ْكفُرُوا‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َولّ } أي ‪ :‬عما أمر ال به ‪ { ،‬فَإِنّ اللّهَ ُهوَ ا ْلغَنِيّ ا ْل َ‬
‫حمِيدٌ } [إبراهيم ‪.]8 :‬‬
‫جمِيعًا فَإِنّ اللّهَ َلغَنِيّ َ‬
‫أَنْتُ ْم َومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ‪ { :‬ا ْلغَ ِنيّ } الذي [قد] (‪ )6‬كمل في غناه ‪ ،‬وهو ال ‪ ،‬هذه‬
‫حمِيدُ }‬
‫صفته ل تنبغي إل له ‪ ،‬ليس له كفء ‪ ،‬وليس كمثله شيء ‪ ،‬سبحان ال الواحد القهار‪ { .‬الْ َ‬
‫المستحمد إلى خلقه ‪ ،‬أي ‪ :‬هو المحمود في جميع أفعاله وأقواله ‪ ،‬ل إله غيره ‪ ،‬ول رب سواه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وضرعوا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/42‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بجنابك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬المبيتة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬لكل موقن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/88‬‬

‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )7‬لَا يَ ْنهَاكُمُ‬


‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْ ُتمْ مِ ْنهُمْ َموَ ّد ًة وَاللّهُ قَدِي ٌر وَاللّهُ َ‬
‫عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْ‬
‫ن وَلَمْ ُيخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ أَنْ تَبَرّوهُ ْم وَ ُتقْسِطُوا إِلَ ْيهِمْ إِنّ اللّهَ‬
‫اللّهُ عَنِ الّذِينَ َلمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫ن وََأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُ ْم وَظَاهَرُوا‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ (‪ )8‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫يُ ِ‬
‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُمْ َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ الظّاِلمُونَ (‪)9‬‬
‫عَلَى إِخْرَا ِ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )7‬ل‬
‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْتُمْ مِ ْنهُمْ َموَ ّد ًة وَاللّهُ َقدِي ٌر وَاللّهُ َ‬
‫عسَى اللّهُ أَنْ َي ْ‬
‫{ َ‬
‫ن وََلمْ يُخْ ِرجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ أَنْ تَبَرّوهُ ْم وَ ُتقْسِطُوا إِلَ ْي ِهمْ إِنّ‬
‫يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫ن وََأخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ (‪ )8‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫اللّهَ ُي ِ‬
‫جكُمْ أَنْ َتوَّلوْهُ ْم َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ (‪} )9‬‬
‫وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَا ِ‬
‫ج َعلَ بَيْ َنكُ ْم وَبَيْنَ‬
‫يقول تعالى لعباده المؤمنين بعد أن أمرهم بعداوة الكافرين ‪ { :‬عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْ‬
‫الّذِينَ عَادَيْتُمْ مِ ْن ُهمْ َموَ ّدةً } أي ‪ :‬محبة بعد ال ِب ْغضَة ‪ ،‬ومودة بعد النّفرة ‪ ،‬وألفة بعد الفرقة‪ { .‬وَاللّهُ‬
‫قَدِيرٌ } أي ‪ :‬على ما يشاء من الجمع بين الشياء المتنافرة والمتباينة والمختلفة ‪ ،‬فيؤلف بين‬
‫القلوب بعد العداوة والقساوة ‪ ،‬فتصبح مجتمعة متفقة ‪ ،‬كما قال تعالى ممتنًا على النصار ‪:‬‬
‫شفَا‬
‫خوَانًا َوكُنْتُمْ عَلَى َ‬
‫{ وَا ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ اللّهِ عَلَ ْيكُمْ إِذْ كُنْ ُتمْ أَعْدَاءً فَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبكُمْ فََأصْبَحْتُمْ بِ ِن ْعمَتِهِ إِ ْ‬
‫حفْ َرةٍ مِنَ النّارِ فَأَ ْنقَ َذكُمْ مِ ْنهَا } الية [آل عمران ‪ .]103 :‬وكذا قال لهم النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ُ‬
‫‪" :‬ألم أجِ ْدكُم ضُلل فهداكم ال بي ‪ ،‬وكنتم متفرقين فأّل َفكُم ال بي ؟" (‪ .)1‬وقال ال تعالى ‪ُ { :‬هوَ‬
‫جمِيعًا مَا أَّل ْفتَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ‬
‫ن وَأَّلفَ بَيْنَ قُلُو ِبهِمْ َلوْ أَ ْنفَ ْقتَ مَا فِي ال ْرضِ َ‬
‫الّذِي أَيّ َدكَ بِ َنصْ ِرهِ وَبِا ْلمُ ْؤمِنِي َ‬
‫حكِيمٌ } [النفال ‪ .]63 ، 62 :‬وفي الحديث "أح ِببْ حَبي َبكَ هونًا مّا ‪،‬‬
‫وََلكِنّ اللّهَ أَّلفَ بَيْ َنهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ َ‬
‫ك يومًا ما‪ .‬وأبغِض بغيضَك هونًا ما ‪ ،‬فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما" (‪.)2‬‬
‫ضَ‬‫فعسى أن يكونَ بَغي َ‬
‫وقال الشاعر (‪)3‬‬
‫َوقَد يجمعُ الُ الشتيتين بعد ما‪ ...‬يَظُنان كُل الظنّ أل تَلقَيا‪...‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا منه وأنابوا إلى ربهم‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫وأسلموا له ‪ ،‬وهو الغفور الرحيم بكل من تاب إليه ‪ ،‬من أيّ ذنب كان‪.‬‬
‫وقد قال مقاتل بن حيان ‪ :‬إن هذه الية نزلت في أبي سفيان ‪ ،‬صخر بن حرب ‪ ،‬فإن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم تزوج ابنته فكانت هذه مودة ما بينه وبينه‪.‬‬
‫وفي هذا الذي قاله مقاتل نظر ؛ فإن رسول تزوج بأم حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح ‪ ،‬وأبو‬
‫سفيان إنما أسلم (‪ )4‬ليلة الفتح بل خلف‪ .‬وأحسن من هذا ما رواه بن أبي حاتم حيث قال ‪:‬‬
‫قُرئ على محمد بن عَزيز ‪ :‬حدثني سلمة ‪ ،‬حدثني عقيل ‪ ،‬حدثني ابن شهاب ؛ أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن ‪ ،‬فلما قبض رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدًا ‪ ،‬فقاتله ‪ ،‬فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين‪.‬‬
‫قال ابن شهاب ‪ :‬وهو ممن أنزل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )4330‬من حديث عبد ال بن زيد بن عاصم ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذي في السنن برقم (‪ )1997‬من طريق سويد بن عمرو ‪ ،‬عن حماد بن سلمة ‪،‬‬
‫عن أيوب ‪ ،‬عن محمد بن سيرين ‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعًا به ‪ ،‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫غريب ل نعرفه بهذا السناد إل من هذا الوجه ‪ ،‬وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا‬
‫رواه الحسن بن أبي جعفر ‪ ،‬وهو حديث ضعيف أيضًا بإسناد له عن علي ‪ ،‬عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬والصحيح عن على موقوف قوله"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هو قيس بن الملوح كما في ديوانه (ص ‪ )315‬واللسان ‪ ،‬مادة "شتت" أ‪ .‬هـ‪ .‬مستفادًا من‬
‫حاشية ط ‪ -‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وإنما أسلم أبو سفيان"‪.‬‬

‫( ‪)8/89‬‬

‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫ج َعلَ بَيْ َنكُمْ وَبَيْنَ الّذِينَ عَادَيْتُمْ مِ ْنهُمْ َموَ ّد ًة وَاللّهُ قَدِي ٌر وَاللّهُ َ‬
‫ال فيه ‪ { :‬عَسَى اللّهُ أَنْ يَ ْ‬
‫(‪.)1‬‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن أبا سفيان قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ثلث أعطنيهنّ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫"نعم"‪ .‬قال ‪ :‬وتؤمّرني أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬ومعاوية تجعله‬
‫كاتبًا بين يديك‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال ‪ :‬وعندي أحسن العرب وأجمله ‪ ،‬أم حبيبة بنت أبي سفيان‬
‫أزوجكها‪ ...‬الحديث‪ .‬وقد تقدم الكلم عليه (‪.)2‬‬
‫ن وَلَمْ يُخْ ِرجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُمْ } أي ل‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬ل يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫ينهاكم عن الحسان إلى الكفرة الذين ل يقاتلونكم في الدين ‪ ،‬كالنساء والضعفة منهم ‪ { ،‬أَنْ‬
‫سطِينَ }‪.‬‬
‫حبّ ا ْل ُمقْ ِ‬
‫تَبَرّوهُمْ } أي ‪ :‬تحسنوا إليهم { وَ ُتقْسِطُوا إِلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬تعدلوا { إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا هشام بن عروة ‪ ،‬عن فاطمة بنت المنذر ‪ ،‬عن أسماء‬
‫‪ -‬هي بنت أبي بكر ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ -‬قالت ‪ :‬قَدَمت أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ‬
‫عاهدوا ‪ ،‬فأتيتُ النبي (‪ )3‬صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أمي قدمت وهي راغبة‬
‫‪ ،‬أفأصلها ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬صلي أمك" أخرجاه (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عارم ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن المبارك ‪ ،‬حدثنا مصعب بن ثابت ‪ ،‬حدثنا‬
‫عامر بن عبد ال بن الزبير ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قدمت قُتَيلة على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا ‪:‬‬
‫صِنَاب وأقط (‪ )5‬وسمن ‪ ،‬وهي مشركة ‪ ،‬فأبت أسماء أن تقبل هديتها تدخلها بيتها ‪ ،‬فسألت‬
‫عائشة النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬ل يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ لَمْ ُيقَاتِلُوكُمْ‬
‫فِي الدّينِ } إلى آخر الية ‪ ،‬فأمرها أن تقبل هديتها ‪ ،‬وأن تدخلها بيتها‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪ ،‬من حديث مصعب بن ثابت ‪ ،‬به (‪ .)6‬وفي رواية لحمد‬
‫وابن (‪ )7‬جرير ‪" :‬قُتَيلة بنت عبد العزي بن [عبد] (‪ )8‬أسعد ‪ ،‬من بني مالك بن حسل (‪ .)9‬وزاد‬
‫ابن أبي حاتم ‪" :‬في المدة التي كانت بين قريش ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )8/130‬وعزاه لبن أبي حاتم ‪ ،‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )2501‬من حديث ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬وقول الحافظ ‪" :‬تقدم‬
‫الكلم عليه" ل أدري ما مقصوده ‪ ،‬فإنه ذكر الحديث عند تفسير الية ‪ 227 :‬من سورة‬
‫الشعراء ‪ ،‬ولم يتكلم عليه بشيء ‪ ،‬وقد يكون تكلم عليه في مكان آخر لم أقع عليه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والحديث استشكل ‪ ،‬فقول أبي سفيان في الحديث ‪ :‬وعندى أم حبيبة أزوجكها ‪ ،‬منقوض بأن أبا‬
‫سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمان طوبل‪.‬‬
‫انظر كلم المام النووي في ‪ :‬المنهاج (‪ )16/63‬وإجابته على ذلك‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬الحديث وقع لي من غير هذا الطريق ‪ ،‬انظر ‪ :‬المسند (‪ )347 ، 6/344‬وصحيح البخاري‬
‫برقم (‪ )5978 ، 3183 ، 2620‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1003‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ " :‬وصناب وقرظ" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬وضباب وقرط" ‪ ،‬والمثبت من اللطبري‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )4/4‬وتفسير الطبري (‪.)28/43‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬ولبن"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من مسند المام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )9‬في أ ‪" :‬قبيلة بنت العزي بن سعد من بني مالك بن حنبل"‪.‬‬

‫( ‪)8/90‬‬

‫علَمُ بِإِيمَا ِنهِنّ فَإِنْ عَِلمْ ُتمُوهُنّ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا جَا َء ُكمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ فَامْ َتحِنُوهُنّ اللّهُ أَ ْ‬
‫ن وَآَتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا وَلَا جُنَاحَ‬
‫حلّ َلهُمْ وَلَا هُمْ َيحِلّونَ َلهُ ّ‬
‫جعُوهُنّ إِلَى ا ْلكُفّارِ لَا هُنّ ِ‬
‫ُم ْؤمِنَاتٍ فَلَا تَ ْر ِ‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَ ْنفَقْتُ ْم وَلْيَسْأَلُوا مَا‬
‫ن وَلَا ُتمْ ِ‬
‫عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ إِذَا آَتَيْ ُتمُوهُنّ ُأجُورَهُ ّ‬
‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫حكِيمٌ (‪ )10‬وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حكْمُ اللّهِ َي ْ‬
‫أَ ْنفَقُوا ذَِلكُمْ ُ‬
‫ج ُهمْ مِ ْثلَ مَا أَ ْنفَقُوا وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ ُم ْؤمِنُونَ (‪)11‬‬
‫َفعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬

‫وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار ‪ :‬حدثنا عبد ال بن شبيب ‪ ،‬حدثنا أبو بكر بن‬
‫أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا أبو قتادة العدوي ‪ ،‬عن ابن أخي الزهري ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن‬
‫عائشة وأسماء أنهما قالتا ‪ :‬قدمت علينا أمنا المدينة ‪ ،‬وهي مشركة ‪ ،‬في الهدنة التي كانت بين‬
‫قريش وبين رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أمنا قدمت علينا المدينة‬
‫راغبةً ‪ ،‬أفنصلها ؟ قال ‪" :‬نعم ‪َ ،‬فصِلها" (‪.)1‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وهذا الحديث ل نعلمه يروي عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة إل من هذا الوجه‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو منكر بهذا السياق ؛ لن أم عائشة هي أم رومان ‪ ،‬وكانت مسلمة مهاجرة وأم أسماء‬
‫غيرها ‪ ،‬كما هو مصرح باسمها في هذه الحاديث المتقدمة وال أعلم‪.‬‬
‫حبّ ا ْل ُمقْسِطِينَ } تقدم تفسير ذلك في سورة "الحجرات" ‪ ،‬وأورد الحديث‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫الصحيح ‪" :‬المقسطون على منابر من نور عن يمين العرش ‪ ،‬الذين يعدلون في حكمهم ‪ ،‬وأهاليهم‬
‫‪ ،‬وما وَلُوا" (‪.)2‬‬
‫ن وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِركُ ْم َوظَاهَرُوا عَلَى‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا يَ ْنهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدّي ِ‬
‫جكُمْ أَنْ َتوَلّوْ ُهمْ } أي ‪ :‬إنما ينهاكم عن موالة هؤلء الذين ناصبوكم العداوة ‪ ،‬فقاتلوكم‬
‫إِخْرَا ِ‬
‫وأخرجوكم ‪ ،‬وعاونوا على إخراجكم ‪ ،‬ينهاكم ال عن موالتهم ويأمركم بمعاداتهم‪ .‬ثم أكد الوعيد‬
‫على موالتهم فقال ‪َ { :‬ومَنْ يَ َتوَّلهُمْ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الظّاِلمُونَ } كقوله { يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَتّخِذُوا‬
‫ض َومَنْ يَ َتوَّلهُمْ مِ ْنكُمْ فَإِنّهُ مِ ْن ُهمْ إِنّ اللّ َه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ‬
‫ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َب ْع ٍ‬
‫الْ َيهُو َد وَال ّنصَارَى َأوْلِيَاءَ َب ْع ُ‬
‫الظّاِلمِينَ } [المائدة ‪.]51 :‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َءكُمُ ا ْل ُمؤْمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعَْلمُ بِإِيمَا ِنهِنّ فَإِنْ عَِلمْ ُتمُوهُنّ‬
‫ن وَآتُوهُمْ مَا أَ ْن َفقُوا وَل جُنَاحَ‬
‫حلّ َل ُه ْم وَل هُمْ َيحِلّونَ َلهُ ّ‬
‫جعُوهُنّ إِلَى ا ْل ُكفّارِ ل هُنّ ِ‬
‫ُم ْؤمِنَاتٍ فَل تَرْ ِ‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِ ِر وَاسْأَلُوا مَا أَ ْن َفقْتُ ْم وَلْيَسْأَلُوا مَا‬
‫ن وَل ُتمْ ِ‬
‫عَلَ ْيكُمْ أَنْ تَ ْن ِكحُوهُنّ إِذَا آتَيْ ُتمُوهُنّ ُأجُورَهُ ّ‬
‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫حكِيمٌ (‪ )10‬وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫حكُمُ بَيْ َنكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫حكْمُ اللّهِ َي ْ‬
‫أَ ْنفَقُوا ذَِلكُمْ ُ‬
‫ج ُهمْ مِ ْثلَ مَا أَ ْنفَقُوا وَا ّتقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ ُم ْؤمِنُونَ (‪} )11‬‬
‫َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند البزار برقم (‪" )1873‬كشف الستار" وقال الهيثمي ‪" :‬حديث أسماء في الصحيح ‪ ،‬وأم‬
‫عائشة غير أم أسماء" ؛ ولهذا أنكره الحافظ هنا ‪ ،‬وفيه عبد ال بن شبيب شيخ البزار ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪ )1827‬من حديث عبد ال بن عمرو ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)8/91‬‬

‫تقدم في سورة "الفتح" ذكر صلح الحديبية الذي وقع بين رسول ال صلى ال عليه وسلم وبين كفار‬
‫قريش ‪ ،‬فكان فيه ‪" :‬على أل يأتيك منا رجل ‪ -‬وإن كان على دينك ‪ -‬إل رددته إلينا"‪ .‬وفي رواية‬
‫‪" :‬على أنه ل يأتيك منا أحد ‪ -‬وإن كان على دينك ‪ -‬إل رددته إلينا"‪ .‬وهذا قول عروة ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬ومقاتل ‪ ،‬والسدي‪ .‬فعلى هذه الرواية تكون هذه‬
‫الية مخصصة للسنة ‪ ،‬وهذا من أحسن أمثلة ذلك ‪ ،‬وعلى طريقة بعض السلف ناسخة ‪ ،‬فإن‬
‫ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن ‪ ،‬فإن عَلِموهن‬
‫مؤمنات فل يرجعوهن إلى الكفار ‪ ،‬ل هن حل لهم ول هم يحلون لهن‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في ترجمة عبد ال بن أبي أحمد بن جحش ‪ ،‬من المسند الكبير ‪ ،‬من طريق أبي بكر‬
‫بن أبي عاصم ‪ ،‬عن محمد بن يحيى الذهلي ‪ ،‬عن يعقوب بن محمد ‪ ،‬عن عبد العزيز بن‬
‫جمّع بن يعقوب ‪ ،‬عن حسين بن أبي لُبانة ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي أحمد قال ‪:‬‬
‫عمران ‪ ،‬عن مُ َ‬
‫هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي ُمعَيط في الهجرة ‪ ،‬فخرج أخواها عمارة والوليد حتى قدما‬
‫على رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فكلماه فيها أن يردها إليهما ‪ ،‬فنقض ال العهد بينه وبين‬
‫المشركين في النساء خاصة ‪ ،‬ومنعهن أن يُ ْردَدْنَ إلى المشركين ‪ ،‬وأنزل ال آية المتحان (‪.)1‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن قيس بن الربيع ‪ ،‬عن الغر بن‬
‫حصَين ‪ ،‬عن أبي نصر السدي قال ‪ :‬سُئِل ابنُ عباس ‪ :‬كيف كان‬
‫الصباح ‪ ،‬عن خليفة عن ُ‬
‫امتحانُ رسول ال صلى ال عليه وسلم النساءَ ؟ قال ‪ :‬كان يمتحنهن ‪ :‬بال ما خَرجت من بُغض‬
‫زوج ؟ وبال ما خَرجت رَغبةً عن أرض إلى أرض ؟ وبال ما خرجت التماس دنيا ؟ وبال ما‬
‫خرجت إل حبًا ل ولرسوله ؟ (‪.)2‬‬
‫ثم رواه من وجه آخر ‪ ،‬عن الغر بن الصباح ‪ ،‬به‪ .‬وكذا رواه البزار من طريقه ‪ ،‬وذكر فيه أن‬
‫الذي كان يحلفهن عن أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم له عمر بن الخطاب (‪.)3‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َءكُمُ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ‬
‫فَامْتَحِنُوهُنّ } كان امتحانهن أن يَشهدْن أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدًا عبد ال (‪ )4‬ورسوله‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬فَامْتَحِنُوهُنّ } فاسألوهن ‪ :‬عما جاء بهن ؟ فإن كان بهن غضبٌ على أزواجهن أو‬
‫سخْطة أو غيره ‪ ،‬ولم يؤمنّ فارجعوهن إلى أزواجهن‪.‬‬
‫َ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬يقال لها ‪ :‬ما جاء بك إل حب ال ورسوله ؟ وما جاء بك عشق رجل منا ‪ ،‬ول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬جامع المسانيد والسنن لبن كثير (‪ )7/243‬ورواه ابن الثير في أسد الغابة (‪ )3/67‬من‬
‫طريق أبي بكر بن أبي عاصم ‪ ،‬وعبد العزيز ابن عمران ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/44‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )2272‬كشف الستار" وقال ‪" :‬ل نعلمه يروى عن ابن عباس إل بهذا‬
‫السناد ‪ ،‬ول روي عن أبي نصر إل خليفة"‪ .‬قال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/123‬وفيه قيس بن‬
‫الربيع ‪ ،‬وثقه شعبة والثوري ‪ ،‬وضعفه غيرهما ‪ ،‬وبقية رجاله ثقاب"‪ .‬وتعقبه ابن حجر في‬
‫مختصر الزوائد (‪ .)1/112‬قلت ‪" :‬أعله الشيخ بقيس ‪ ،‬وقد ذكر البخاري أن أبا نصر لم يسمع من‬
‫ابن عباس فهي العلة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وإن محمدًا عبده"‪.‬‬

‫( ‪)8/92‬‬

‫فرار من زوجك ؟ فذلك قوله ‪ { :‬فَامْ َتحِنُوهُنّ }‬


‫وقال قتادة ‪ :‬كانت محنتهن أن يستحلفن بال ‪ :‬ما أخرجكن النشوز ؟ وما أخرجكن إل حب‬
‫السلم وأهله وحِرص عليه ؟ فإذا قلن ذلك قُبِل ذلك منهن‪.‬‬
‫جعُوهُنّ إِلَى ا ْل ُكفّارِ } فيه دللة على أن اليمان يمكن‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ عَِلمْ ُتمُوهُنّ ُم ْؤمِنَاتٍ فَل تَ ْر ِ‬
‫الطلع عليه يقينًا‪.‬‬
‫حلّ َلهُ ْم وَل هُمْ َيحِلّونَ َلهُنّ } هذه الية هي التي حَ ّرمَت المسلمات على‬
‫وقوله ‪ { :‬ل هُنّ ِ‬
‫المشركين ‪ ،‬وقد كان جائزًا في ابتداء السلم أن يتزوج المشرك المؤمنة ؛ ولهذا كان أبو العاص‬
‫بن الربيع زوج ابنة النبي صلى ال عليه وسلم زينب ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬وقد كانت مسلمة وهو‬
‫على دين قومه ‪ ،‬فلما وقع في السارى يوم بدر بعثت امرأته زينب في فدائه بقلدة لها كانت‬
‫لمها خديجة ‪ ،‬فلما رآها رسول ال صلى ال عليه وسلم رَقّ لها رقّةً شَدي َدةً ‪ ،‬وقال للمسلمين ‪:‬‬
‫"إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا"‪ .‬ففعلوا ‪ ،‬فأطلقه رسول ال صلى ال عليه وسلم على أن‬
‫يبعث ابنته إليه ‪ ،‬فوفى له بذلك وصدقه فيما وعده ‪ ،‬وبعثها إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫مع زيد بن حارثة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر ‪ ،‬وكانت سنة اثنتين إلى‬
‫أن أسلم زوجها العاص بن الربيع سنة ثمان فردها عليه بالنكاح الول ‪ ،‬ولم يحدث لها صداقًا ‪،‬‬
‫كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا بن إسحاق ‪ ،‬حدثنا داود بن الحصين ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص [ابن الربيع] (‪)1‬‬
‫وكانت هجرتها قبل إسلمه بست سنين على النكاح الول ‪ ،‬ولم يحدث شهادة ول صَدَاقًا‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجة (‪ .)2‬ومنهم من يقول ‪" :‬بعد سنتين" ‪ ،‬وهو صحيح ؛ لن‬
‫إسلمه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين‪ .‬وقال الترمذي ‪" :‬ليس بإسناده بأس ‪،‬‬
‫ول نعرف (‪ )3‬وجه هذا الحديث ‪ ،‬ولعله جاء من حفظ داود بن الحصين‪ .‬وسمعت عبد بن حميد‬
‫يقول ‪ :‬سمعت يزيد بن هارون يذكر عن بن إسحاق هذا الحديث ‪ ،‬وحديث ابن الحجاج ‪ -‬يعني‬
‫ابن أرطاة ‪ -‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رد‬
‫ابنته على أبي العاص بن الربيع بمهر جديد ونكاح جديد‪ .‬فقال يزيد ‪ :‬حديث ابن عباس أجودُ‬
‫إسنادًا والعمل على حديث عمرو بن شعيب"‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد َروَي حديث الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب المامُ أحمد والترمذي وابن‬
‫ماجة (‪ ، )4‬وضعفه المام أحمد وغير واحد ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من مسند المام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/261‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2240‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1143‬وسنن ابن‬
‫ماجة برقم (‪.)2009‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ول يعرف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/207‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1142‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)2010‬‬
‫( ‪)8/93‬‬

‫عدّتها منه ؛‬
‫وأجاب الجمهور عن حديث ابن عباس بأن ذلك كان قضية عين يحتمل أنه لم تنقض ِ‬
‫لن الذي عليه الكثرون أنها متى انقضت العدة ولم يسلم (‪ )1‬انفسخَ نِكاحُها منه‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل إذا انقضت العدة هي بالخيار ‪ ،‬إن شاءت أقامت على النكاح واستمرت ‪ ،‬وإن‬
‫شاءت فسخته وذهبت فتزوجت ‪ ،‬وحملوا عليه حديث ابن عباس ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآتُو ُهمْ مَا أَ ْنفَقُوا } يعني ‪ :‬أزواج المهاجرات من المشركين ‪ ،‬ادفعوا إليهم الذي غرموه‬
‫عليهن من الصدقة‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وغير واحد‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل جُنَاحَ عَلَ ْي ُكمْ أَنْ تَ ْنكِحُوهُنّ إِذَا آتَيْ ُتمُوهُنّ أُجُورَهُنّ } يعني ‪ :‬إذا أعطيتموهن أصدقتهن‬
‫فانكحوهن ‪ ،‬أي ‪ :‬تزوجوهن بشرطه من انقضاء العدة والولي وغير ذلك‪.‬‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ } تحريم من ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على عباده المؤمنين نكاح‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل ُتمْ ِ‬
‫المشركات ‪ ،‬والستمرار معهن‪.‬‬
‫وفي الصحيح ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن المسور ومَرْوان بن الحكم ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاء نساءٌ من المؤمنات ‪ ،‬فأنزل ال عز وجل ‪:‬‬
‫سكُوا‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَا َءكُمُ ا ْل ُمؤْمِنَاتُ ُمهَاجِرَاتٍ [فَامْتَحِنُوهُنّ] } (‪ )2‬إلى قوله ‪ { :‬وَل ُتمْ ِ‬
‫ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ } فطلق عمر بن الخطاب يومئذ امرأتين ‪ ،‬تزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان ‪،‬‬
‫والخرى صفوان بن أمية (‪.)3‬‬
‫وقال ابن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬أنزلت هذه الية على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ ،‬وهو بأسفل الحديبية ‪ ،‬حين صالحهم على أنه من أتاه منهم رده إليهم ‪ ،‬فلما جاءه النساء نزلت‬
‫هذه الية ‪ ،‬وأمره أن يرد الصداق إلى أزواجهن ‪ ،‬وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم‬
‫سكُوا ِب ِعصَمِ ا ْل َكوَافِرِ } وهكذا‬
‫امرأة من المسلمين أن يردوا الصداق إلى زوجها ‪ ،‬وقال ‪ { :‬وَل ُتمْ ِ‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ ،‬وقال ‪ :‬وإنما حكم ال بينهم بذلك ‪ ،‬لجل ما كان بينهم وبينهم‬
‫من العهد‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬طلق عمر يومئذ قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة ‪،‬‬
‫فتزوجها معاوية ‪ ،‬وأم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعية ‪ ،‬وهي أم عُبَيد ال ‪ ،‬فتزوجها أبو‬
‫جهم ابن حذيفة بن غانم ‪ ،‬رجل من قومه ‪ ،‬وهما على شركهما ‪ ،‬وطلق طلحةُ بن عبيد ال أروي‬
‫بنتَ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ‪ ،‬فتزوجها بعده خالد بن سعيد بن العاص (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاسْأَلُوا مَا أَ ْن َفقْتُ ْم وَلْيَسْأَلُوا مَا أَ ْن َفقُوا } أي ‪ :‬وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللتي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ولم تسلم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)2732 ، 2731‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )28/47‬مع اختلف يسير‪.‬‬

‫( ‪)8/94‬‬

‫يذهبن إلى الكفار ‪ ،‬إن ذهبن ‪ ،‬وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللتي هاجرن إلى المسلمين‪.‬‬
‫ح ُكمُ بَيْ َنكُمْ } أي ‪ :‬في الصلح واستثناء النساء منه ‪ ،‬والمر بهذا كله هو‬
‫حكْمُ اللّهِ يَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمْ ُ‬
‫حكِيمٌ } أي عليم بما يصلح عباده حكيم في ذلك‪.‬‬
‫حكم ال يحكم به بين خلقه ‪ { :‬وَاللّهُ عَلِيمٌ َ‬
‫ج ُهمْ مِ ْثلَ مَا‬
‫جكُمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫أَ ْنفَقُوا } قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬هذا في الكفار الذين ليس لهم عهد ‪ ،‬إذا فرت إليهم امرأة ولم يدفعوا‬
‫إلى زوجها شيئًا ‪ ،‬فإذا جاءت منهم امرأة ل يدفع إلى زوجها شيء ‪ ،‬حتى يدفع إلى زوج الذاهبة‬
‫إليهم مثل نفقته عليها‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني يونس ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أقر‬
‫المؤمنون بحكم ال ‪ ،‬فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوا على نسائهم ‪ ،‬وأبى‬
‫المشركون أن يقروا بحكم ال فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ‪ ،‬فقال ال للمؤمنين به ‪:‬‬
‫جهُمْ مِ ْثلَ مَا أَ ْن َفقُوا وَا ّتقُوا‬
‫ج ُكمْ إِلَى ا ْل ُكفّارِ َفعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬
‫شيْءٌ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫{ وَإِنْ فَا َتكُمْ َ‬
‫اللّهَ الّذِي أَنْ ُتمْ بِهِ ُم ْؤمِنُونَ } فلو أنها ذهبت بعد هذه الية امرأةٌ من أزواج المؤمنين إلى‬
‫المشركين ‪َ ،‬ر ّد المؤمنون إلى زوجها النفقة التي أنفق عليها من العَقب الذي بأيديهم ‪ ،‬الذي أمروا‬
‫أن يردوه على المشركين من نفقاتهم التي أنفقوا على أزواجهم اللتي آمن وهاجرنَ ‪ ،‬ثم ردوا إلى‬
‫المشركين فضل إن كان بقي لهم‪ .‬والعقب ‪ :‬ما كان [بأيدي المؤمنين] (‪ )1‬من صداق نساء الكفار‬
‫حين آمنّ وهاجرن (‪.)2‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ :‬يعني إن لحقت امرأة رجل من المهاجرين بالكفار ‪،‬‬
‫أمر له رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق‪.‬‬
‫ج ُهمْ‬
‫وهكذا قال مجاهد ‪َ { :‬فعَاقَبْتُم } أصبتم غنيمة من قريش أو غيرهم { فَآتُوا الّذِينَ ذَهَ َبتْ أَ ْزوَا ُ‬
‫مِ ْثلَ مَا أَ ْن َفقُوا } يعني ‪ :‬مهر مثلها‪ .‬وهكذا قال مسروق ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل ‪،‬‬
‫والضحاك ‪ ،‬وسفيان بن حسين ‪ ،‬والزهري أيضًا‪.‬‬
‫وهذا ل ينافي الول ؛ لنه إن أمكن الول (‪ )3‬فهو أولى ‪ ،‬وإل فمن الغنائم اللتي تؤخذ من أيدي‬
‫الكفار‪ .‬وهذا أوسع ‪ ،‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬ول الحمد والمنة (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من تفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/48‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أمكن بالول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬

‫( ‪)8/95‬‬

‫ن وَلَا‬
‫ن وَلَا يَزْنِي َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُمؤْمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئًا وَلَا َيسْ ِرقْ َ‬
‫ن وَلَا َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ فَبَا ِي ْعهُنّ‬
‫ن وَأَرْجُِلهِ ّ‬
‫ن وَلَا يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ّ‬
‫َيقْتُلْنَ َأوْلَادَهُ ّ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪)12‬‬
‫وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬

‫ن وَل‬
‫ن وَل يَزْنِي َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ عَلَى أَنْ ل يُشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئًا وَل يَسْ ِرقْ َ‬
‫ن وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ فَبَا ِي ْعهُنّ‬
‫ن وَأَرْجُِلهِ ّ‬
‫َيقْتُلْنَ َأوْلدَهُنّ وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَ ْيدِيهِ ّ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪} )12‬‬
‫وَاسْ َت ْغفِرْ َلهُنّ اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬

‫( ‪)8/95‬‬

‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن أخي ابن شهاب ‪ ،‬عن عمه قال ‪ :‬أخبرني‬
‫عروة أن عائشة زوج النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أخبرته ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ }‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } قال عروة ‪ :‬قالت عائشة ‪ :‬فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات ‪ ،‬قال‬
‫إلى قوله ‪َ { :‬‬
‫لها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قد بايعتك" ‪ ،‬كلمًا ‪ ،‬ول وال ما مست يده يد امرأة قَطّ في‬
‫المبايعة ‪ ،‬ما يبايعهن إل بقوله ‪" :‬قد بايعتك على ذلك" هذا لفظ البخاري (‪.)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن محمد بن المُ ْنكَدِر ‪ ،‬عن‬
‫أميمة بنت ُرقَيقة قالت ‪ :‬أتيت رسول ال (‪ )2‬صلى ال عليه وسلم في نساء لنبايعه ‪ ،‬فأخذ علينا‬
‫ما في القرآن ‪ { :‬أَنْ ل ُيشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئًا } الية ‪ ،‬وقال ‪" :‬فيما استطعتن وأطقتن" ‪ ،‬قلنا ‪ :‬ال‬
‫ورسوله أرحم بنا من أنفسنا ‪ ،‬قلنا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل تصافحنا ؟ قال "إني ل أصافح النساء ‪،‬‬
‫إنما قولي لمرأة واحدة (‪ )3‬كقولي لمائة امرأة"‪.‬‬
‫هذا إسناد صحيح ‪ ،‬وقد رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ‪-‬‬
‫والنسائي أيضًا من حديث الثوري ‪ -‬ومالك بن أنس كلهم ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬به (‪ .)4‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬ل نعرفه إل من حديث محمد بن المنكدر‪.‬‬
‫وقد رواه أحمد أيضا من حديث محمد ابن إسحاق ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن أميمة ‪ ،‬به‪ .‬وزاد‬
‫‪" :‬ولم يصافح منا امرأة" (‪ .)5‬وكذا رواه ابن جرير من طريق موسى بن عقبة ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫المنكدر ‪ ،‬به (‪ .)6‬ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪:‬‬
‫حدثتني أميمة بنت رقيقة ‪ -‬وكانت أخت خديجة خالة فاطمة ‪ ،‬من فيها إلى في ‪ ،‬فذكره‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ ،‬حدثني سليط بن أيوب بن الحكم‬
‫بن سُلَيم ‪ ،‬عن أمه سلمى بنت قيس ‪ -‬وكانت إحدى خالت رسول ال صلى ال عليه وسلم قد‬
‫صلت معه القبلتين ‪ ،‬وكانت إحدى نساء بني عدي بن النجار ‪ -‬قالت ‪ :‬جئت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم نبايعه في نسوة من النصار ‪ ،‬فلما شرط علينا ‪ :‬أل نشرك بال شيئًا ‪ ،‬ول نسرق ‪،‬‬
‫ول نزني ‪ ،‬ول نقتل أولدنا ‪ ،‬ول نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ‪ ،‬ول نعصيه في معروف‬
‫‪ -‬قال ‪" :‬ول تغشُشْن أزواجكن"‪ .‬قالت ‪ :‬فبايعناه ‪ ،‬ثم انصرفنا ‪ ،‬فقلت لمرأة منهن ‪ :‬ارجعي‬
‫فسلي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ما غش أزواجنا ؟ قال ‪ :‬فسألته فقال ‪" :‬تأخذ ماله ‪،‬‬
‫فتحابي به غيره" (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )4891‬ووقع في رواية أبي ذر ‪" :‬حدثنا إسحاق ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن‬
‫إبراهيم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أتيت النبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬واحدة منكن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )6/357‬وسنن الترمذي برقم (‪ )1597‬وسنن النسائي (‪ )7/149‬وسنن ابن ماجة‬
‫برقم (‪.)2874‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)6/357‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)28/53‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)6/379‬‬

‫( ‪)8/96‬‬

‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن‬
‫محمد بن حاطب ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬عن أمه عائشة بنت ُقدَامة ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن مظعون ‪ -‬قالت ‪ :‬أنا‬
‫مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم يبايع النسوة ويقول ‪" :‬أبايعكنّ‬
‫على أن ل تشركن بال شيئًا ‪ ،‬ول تسرقن ‪ ،‬ول تزنين ‪ ،‬ول تقتلن أولدكن ‪ ،‬ول تأتين ببهتان‬
‫تفترينه بين أيديكن وأرجلكن ‪ ،‬ول تعصينني في معروف"‪[ .‬قالت ‪ :‬فأطرقن‪ .‬فقال لهن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم] (‪ )1‬قُلن ‪ :‬نعم فيما استطعتن"‪َ .‬فكُنّ يقلن وأقول معهن ‪ ،‬وأمي تُلقّني ‪ :‬قولي‬
‫(‪ )2‬أي بنية ‪ ،‬نعم [فيما استطعتُ] (‪ .)3‬فكنت أقول كما يقلن (‪)4‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا أبو َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا عبد الوارث ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪ ،‬عن حفصة بنت سيرين ‪،‬‬
‫عن أم عطية قالت ‪ :‬بَا َيعْنَا رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقرأ (‪ )5‬علينا ‪ { :‬أَنْ ل ُيشْ ِركْنَ‬
‫بِاللّهِ شَيْئًا } ونهانا عن النياحة ‪ ،‬فقبضت امرأة يدها ‪ ،‬قالت ‪ :‬أسعدتني فلنة أريد أن أجزيها‪ .‬فما‬
‫قال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم شيئا ‪ ،‬فانطلقت ورجعت فبايعها‪.‬‬
‫ورواه مسلم (‪ .)6‬وفي رواية ‪" :‬فما وفى منهن امرأة غيرها ‪ ،‬وغير أم سليم ابنة ملحان"‪.‬‬
‫وللبخاري عن أم عطية قالت ‪ :‬أخذ علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم عند البيعة أل ننوح ‪،‬‬
‫فما َوفّت منا امرأة غير خمس نسوة ‪ :‬أم سليم ‪ ،‬وأم العلء ‪ ،‬وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ‪،‬‬
‫وامرأتان ‪ -‬أو ‪ :‬ابنة أبي سَبرة ‪ ،‬وامرأة معاذ ‪ ،‬وامرأة أخرى (‪.)7‬‬
‫وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يتعاهدُ النساءَ بهذه البيعة يوم العيد ‪ ،‬كما قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد الرحيم ‪ ،‬حدثنا هارون بن (‪ )8‬معروف ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن وهب ‪ ،‬أخبرني‬
‫ابن جُرَيج ‪ :‬أن الحسن بن مسلم أخبره ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬شهدت الصلة يوم‬
‫الفطر مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ‪ ،‬فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم‬
‫يخطب بَعدُ ‪ ،‬فنزل نبي ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فكأني أنظر إليه حين (‪ )9‬يُجَلّس الرجالَ بيده ‪،‬‬
‫ثم أقبل يَشقّهم حتى أتى النساء مع بلل فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا جَا َءكَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ عَلَى أَنْ‬
‫ن وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنّ‬
‫ن وَل َيقْتُلْنَ َأوْل َدهُ ّ‬
‫ن وَل يَزْنِي َ‬
‫ل ُيشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئًا وَل َيسْ ِرقْ َ‬
‫وَأَرْجُِلهِنّ } حتى فرغ من الية كلها‪ .‬ثم قال حين فرغ ‪" :‬أنتن على ذلك ؟"‪ .‬فقالت امرأة واحدة ‪،‬‬
‫ولم يجبه غيرها ‪ :‬نعم يا رسول ال ‪ -‬ل يدري الحسن (‪ )10‬من هي ‪ -‬قال ‪" :‬فتصدقن" ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫وبسط بلل ثوبه فجعلن (‪ )11‬يلقين الفَتَخَ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من مسند المام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من مسند المام أحمد ‪ ،‬وفي هـ ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬تقول لي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من مسند المام أحمد‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)6/365‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فشرط"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )4892‬وصحيح مسلم برقم (‪.)936‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)1306‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬حدثنا"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬إليه حتى"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ل يدري حسن"‪.‬‬
‫(‪ )11‬في م ‪" :‬فجعل"‪.‬‬
‫( ‪)8/97‬‬

‫والخواتيم في ثوب بلل (‪.)1‬‬


‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن عياش ‪ ،‬عن سليمان بن سُليم ‪ ،‬عن عمرو‬
‫بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬جاءت أميمة بنت رقيقة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫تبايعه على السلم ‪ ،‬فقال ‪" :‬أبايعك على أل تشركي بال شيئًا ‪ ،‬ول تسرقي ‪ ،‬ول تزني ‪ ،‬ول‬
‫تقتلي ولدك ‪ ،‬ول تأتي ببهتان تفترينه بين يَديك ورجليك ‪ ،‬ول تنوحي ‪ ،‬ول تبرجي تبرج‬
‫الجاهلية الولى" (‪)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي إدريس الخولني ‪ ،‬عن عبادة بن‬
‫الصامت قال ‪ :‬كنا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم في مجلس فقال ‪" :‬تبايعوني على أل‬
‫تشركوا بال شيئًا ‪ ،‬ول تسرقوا ‪ ،‬ول تزنوا ‪ ،‬ول تقتلوا أولدكم ‪ -‬قرأ الية التي أخذت على‬
‫النساء { ِإذَا جَا َءكَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ } فمن وفى منكم فأجره على ال ‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب‬
‫به ‪ ،‬فهو كفارة له ‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره ال عليه ‪ ،‬فهو إلى ال ‪ ،‬إن شاء غفر له ‪،‬‬
‫وإن شاء عذبه"‪ .‬أخرجاه في الصحيحين (‪.)3‬‬
‫وقال محمد ابن إسحاق ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن مرثد (‪ )4‬بن عبد ال اليَزني (‪ )5‬عن أبي‬
‫عبد ال عبد الرحمن بن عُسَيلة الصّنَابجي (‪ ، )6‬عن عبادة بن الصامت قال ‪ :‬كنت فيمن حضر‬
‫العقبة الولى ‪ ،‬وكنا اثني عشر رجل فبايعنا رسول ال صلى ال عليه وسلم على بيعة النساء ‪،‬‬
‫وذلك قبل أن يفرض الحرب ‪ ،‬على أل نشرك بال شيئًا ‪ ،‬ول نسرق ‪ ،‬ول نزني ‪ ،‬ول نقتل‬
‫أولدنا ‪ ،‬ول نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ‪ ،‬ول نعصيه في معروف ‪ ،‬وقال ‪" :‬فإن َوفَيتم‬
‫فلكم الجنة" رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقد روي ابن جرير من طريق العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر‬
‫عمر بن الخطاب فقال ‪ " :‬قل لهن ‪ :‬إن رسول ال يبايعكن على أل تشركن بال شيئًا" ‪ -‬وكانت‬
‫هند بنت عتبة بن ربيعة التي شقت بطن حمزة مُنَكرة في النساء ‪ -‬فقالت ‪" :‬إني إن أتكلم‬
‫يعرفني ‪ ،‬وإن عرفني قتلني"‪ .‬وإنما تنكرت فرقًا من رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسكت‬
‫النسوة اللتي مع هند ‪ ،‬وأبين أن يتكلمن‪ .‬فقالت هند وهي مُ َنكّرة ‪ :‬كيف تقبل من النساء شيئًا لم‬
‫تقبله من الرجال ؟ ففطن (‪ )7‬إليها رسول ال وقال لعمر ‪" :‬قل لهن ‪ :‬ول تسرقن"‪ .‬قالت هند ‪:‬‬
‫وال إني لصيب من أبي سفيان الهَنَات ‪ ،‬ما أدري أيحلهن لي أم ل ؟ قال أبو سفيان ‪ :‬ما أصبت‬
‫من شيء مضى أو قد بقي ‪ ،‬فهو لك حلل‪ .‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم وعرفها ‪،‬‬
‫فدعاها فأخذت بيده ‪ ،‬فعاذت (‪ )8‬به ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت هند ؟"‪ .‬قالت ‪ :‬عفا ال عما سلف‪ .‬فصرف‬
‫عنها رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ول يزنين" ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل تزني‬
‫الحرة ؟ قال ‪" :‬ل وال ما تزني الحرة"‪ .‬فقال ‪" :‬ول‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4895‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/196‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/314‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4894‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1709‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬المزني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الصالحي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فنظر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬فعادتنا"‪.‬‬

‫( ‪)8/98‬‬

‫يقتلن أولدهن"‪ .‬قالت هند ‪ :‬أنت قتلتهم يوم بدر ‪ ،‬فأنت وهم أبصر‪ .‬قال ‪ { :‬وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ‬
‫ن وَأَ ْرجُِلهِنّ } قال { وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ } قال ‪ :‬منعهن أن ينحن ‪ ،‬وكان‬
‫َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِ ّ‬
‫أهل الجاهلية يمزقن الثياب ويخدشن الوجوه ‪ ،‬ويقطعن الشعور ‪ ،‬ويدعون بالثبور‪ .‬والثبور ‪:‬‬
‫الويل (‪.)1‬‬
‫وهذا أثر غريب ‪ ،‬وفي بعضه نكارة ‪ ،‬وال أعلم ؛ فإن أبا سفيان وامرأته لما أسلما لم يكن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يخيفهما ‪ ،‬بل أظهر الصفاء والود له ‪ ،‬وكذلك كان المر من جانبه ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬لهما‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬أنزلت هذه الية يوم الفتح ‪ ،‬فبايع رسول ال صلى ال عليه وسلم الرجال‬
‫على الصفا ‪ ،‬وعمر يبايع النساء تحتها عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فذكر بقيته كما تقدم‬
‫وزاد ‪ :‬فلما قال ‪ { :‬وَل َيقْتُلْنَ َأوْلدَهُنّ } قالت هند ‪ :‬ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارا‪ .‬فضحك‬
‫عمر بن الخطاب حتى استلقى‪ .‬رواه بن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال بن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬حدثتني عطية بنت سليمان ‪ ،‬حدثني عمتي‬
‫‪ ،‬عن جدتها (‪ )2‬عن عائشة قالت ‪ :‬جاءت هند بنت عتبة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫لتبايعه ‪ ،‬فنظر إلى يدها فقال ‪" :‬اذهبي فغيري يدك"‪ .‬فذهبت فغيرتها بحناء ‪ ،‬ثم جاءت فقال ‪:‬‬
‫"أبايعك على أل تشركي بال شيئا" ‪ ،‬فبايعها وفي يدها سواران من ذهب ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما تقول في‬
‫هذين السوارين ؟ فقال ‪" :‬جمرتان من جمر جهنم" (‪.)3‬‬
‫فقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِإذَا جَا َءكَ ا ْل ُم ْؤمِنَاتُ يُبَا ِيعْ َنكَ } أي ‪ :‬من جاءك منهن يبايع على هذه الشروط‬
‫فبايعها ‪ { ،‬عَلَى أَنْ ل يُشْ ِركْنَ بِاللّهِ شَيْئًا وَل يَسْ ِرقْنَ } أي ‪ :‬أموال الناس الجانب ‪ ،‬فأما إذا كان‬
‫الزوج مقصرًا في نفقتها ‪ ،‬فلها أن تأكل من ماله بالمعروف ‪ ،‬ما جرت به عادة أمثالها ‪ ،‬وإن كان‬
‫شحِيح ل‬
‫بغير علمه ‪ ،‬عمل بحديث هند بنت عتبة أنها قالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أبا سفيان رجل َ‬
‫يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني ‪ ،‬فهل عليّ جناح إن أخذت من ماله بغير علمه ؟ فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك"‪ .‬أخرجاه في‬
‫الصحيحين (‪.)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَزْنِينَ } كقوله { وَل َتقْرَبُوا الزّنَا إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيل } [السراء ‪.]32 :‬‬
‫سمُرة ذكرُ عقوبة الزناة بالعذاب الليم في نار الجحيم (‪.)5‬‬
‫وفي حديث َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُرْوة ‪ ،‬عن عائشة‬
‫قالت ‪ :‬جاءت فاطمة بنت عتبة تبايع رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخذ عليها ‪ { :‬أَنْ ل ُيشْ ِركْنَ‬
‫ن وَل يَزْنِينَ } الية ‪ ،‬قالت ‪ :‬فوضعت يدها على رأسها حياء ‪ ،‬فأعجبه ما‬
‫بِاللّهِ شَيْئًا وَل َيسْ ِرقْ َ‬
‫رأى منها ‪ ،‬فقالت عائشة ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/52‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حدثني عمي عن جدي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه أبو يعلى في المسند (‪ )8/195‬عن نصر بن على به نحو ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‬
‫‪" : )6/37‬فيه من لم أعرفهن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )7180‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1714‬‬
‫(‪ )5‬رواه المام أحمد في المسند (‪.)5/15‬‬

‫( ‪)8/99‬‬

‫أقري أيتها المرأة ‪ ،‬فوال ما بايعنا إل على هذا‪ .‬قالت ‪ :‬فنعم إذًا‪ .‬فبايعها بالية (‪.)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا ابن فضيل ‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن عامر ‪ -‬هو‬
‫الشعبي ‪ -‬قال ‪ :‬بايع رسول ال صلى ال عليه وسلم النساء ‪ ،‬وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه‬
‫‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ول تقتلن أولدكن"‪ .‬فقالت امرأة ‪ :‬تقتل آباءهم وتوصينا بأولدهم ؟ قال ‪ :‬وكان بعد‬
‫ذلك إذا جاءت النساء يبايعنه ‪ ،‬جمعهن فعرض عليهن ‪ ،‬فإذا أقررن رجعن‪.‬‬
‫وقوله { وَل َيقْتُلْنَ َأوْلدَهُنّ } وهذا يشمل قتله بعد وجوده ‪ ،‬كما كان أهل الجاهلية يقتلون أولدهم‬
‫خشية الملق ‪ ،‬ويعم قتله وهو جنين ‪ ،‬كما قد يفعله بعض الجهلة من النساء ‪ ،‬تطرح نفسها لئل‬
‫تحبل إما لغرض فاسد أو ما أشبهه‪.‬‬
‫ن وَأَ ْرجُِلهِنّ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني ل يلحقن‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَأْتِينَ بِ ُبهْتَانٍ َيفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِ ّ‬
‫بأزواجهن غير أولدهم‪ .‬وكذا قال مقاتل‪ .‬ويؤيد هذا الحديث الذي رواه أبو داود ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن صالح ‪ ،‬حدثنا بن وهب ‪ ،‬حدثنا عمرو ‪ -‬يعني ‪ :‬ابن الحارث ‪ -‬عن ابن الهاد ‪،‬‬
‫عن عبد ال بن يونس ‪ ،‬عن سعيد ال َمقْبُري ‪ ،‬عن أبي هريرة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ويقول حين نزلت آية الملعنة ‪" :‬أيما امرأة أدخَلت على قوم من ليس منهم ‪ ،‬فليست من ال‬
‫في شيء ‪ ،‬ولن يدخلها ال جَنّته ‪ ،‬وأيما رجل جَحَد ولده وهو ينظر إليه ‪ ،‬احتجب ال منه ‪،‬‬
‫وفضحه على رءوس الولين والخرين" (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ } يعني ‪ :‬فيما أمرتهن به من معروف ‪ ،‬ونهيتهن عنه من‬
‫منكر‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا عبد ال بن محمد ‪ ،‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي قال ‪ :‬سمعت الزبير ‪،‬‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ } قال ‪ :‬إنما هو شرط شَرَطه‬
‫عن ِ‬
‫ال للنساء (‪.)3‬‬
‫وقال ميمون بن ِمهْرَان ‪ :‬لم يجعل ال لنبيه طاعة إل لمعروف (‪ )4‬والمعروف ‪ :‬طاعة‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬أمر ال بطاعة رسوله ‪ ،‬وهو خِيَرة ال من خلقه في المعروف‪ .‬وقد قال غيره ابن‬
‫جعْد ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬نهاهن يومئذ عن‬
‫عباس ‪ ،‬وأنس بن مالك ‪ ،‬وسالم بن أبي ال َ‬
‫النوح‪ .‬وقد تقدم حديث أم عطية في ذلك أيضًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة في هذه الية ‪ :‬ذكر لنا أن‬
‫نبي ال صلى ال عليه وسلم أخذ عليهن النياحة ‪ ،‬ول تحدثن الرجال إل رجل منكن محرمًا‪ .‬فقال‬
‫عبد الرحمن بن عوف ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬إن لنا أضيافًا ‪ ،‬وإنا نغيب عن نسائنا‪ .‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬ليس أولئك‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/151‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)2263‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4893‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬في معروف"‪.‬‬

‫( ‪)8/100‬‬

‫عَنَيتُ ‪ ،‬ليس أولئك عَنَيتُ" (‪.)1‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن موسى الفراء ‪ ،‬أخبرنا ابن أبي زائدة ‪،‬‬
‫حدثني مبارك ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬كان فيما أخذ النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل تحدثن الرجال‬
‫إل أن تكون ذات محرم ‪ ،‬فإن الرجل ل يزال يحدث المرأة حتى يَمذي بين فخذيه"‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا هارون ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن عاصم (‪ )2‬عن ابن‬
‫سيرين ‪ ،‬عن أم عطية النصارية قالت ‪ :‬كان فيما اشتُرط علينا (‪ )3‬من المعروف حين بايعنا (‬
‫‪ )4‬أل ننوح ‪ ،‬فقالت امرأة من بني فلن ‪ :‬إن بني فلن أسعدوني ‪ ،‬فل حتى أجزيهم (‪ )5‬فانطلقت‬
‫فأسعَدتَهم ثم جاءت فبايعت ‪ ،‬قالت ‪ :‬فما وفى منهن غيرها ‪ ،‬وغير أم سليم ابنة مِلْحان أم أنس بن‬
‫مالك (‪.)6‬‬
‫وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق حفصة بنت سيرين ‪ ،‬عن أم عطية نسيبة النصارية‬
‫رضي ال عنها (‪ )7‬وقد روي نحوه من وجه آخر أيضًا‪.‬‬
‫عمَر بن فروخ القَتّات ‪ ،‬حدثني‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا أبو ُنعَيم ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫مصعب بن نوح النصاري قال ‪ :‬أدركت عجوزًا لنا كانت فيمن بايع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬فأتيته لبايعه ‪ ،‬فأخذ علينا فيما أخذ أل تنحن‪ .‬فقالت عجوز ‪ :‬يا رسول ال (‪ )8‬إن‬
‫ناسًا قد كانوا (‪ )9‬أسعدوني على مصائب أصابتني ‪ ،‬وأنهم قد أصابتهم مصيبة ‪ ،‬فأنا أريد‬
‫أسعدهم‪ .‬قال ‪" :‬فانطلقي فكافئيهم"‪ .‬فانطلقت فكافأتهم ‪ ،‬ثم إنها أتته فبايعته ‪ ،‬وقال ‪ :‬هو (‪)10‬‬
‫المعروف الذي قال ال عز وجل ‪ { :‬وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ } (‪.)11‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ‪ ،‬حدثنا ال َقعْنَبِي (‪ ، )12‬حدثنا الحجاج بن‬
‫صفوان ‪ ،‬عن أسيد (‪ )13‬بن أبي أسيد البراد ‪ ،‬عن امرأة من المبايعات قالت ‪ :‬كان فيما أخذ علينا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن ل نعصيه في معروف ‪ :‬أن ل نخمش وجوهًا (‪ )14‬ول‬
‫ننشر شعرًا ‪ ،‬ول نشق جيبا ‪ ،‬ول ندعو ويل‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن يزيد مولي الصهباء ‪ ،‬عن شهر بن‬
‫حَوشب ‪ ،‬عن أم سلمة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في قوله ‪ { :‬وَل َي ْعصِي َنكَ فِي‬
‫َمعْرُوفٍ } قال ‪" :‬النوح"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/51‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عن عمرو بن عاصم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬علينا رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حين بايعناه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬حتى أحدثهم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)28/52‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)4892‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬يانبي ال"‪.‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬كانوا قد"‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬هذا"‪.‬‬
‫(‪ )11‬تفسير الطبري (‪.)28/52‬‬
‫(‪ )12‬في م ‪" :‬الضبي"‪.‬‬
‫(‪ )13‬في أ ‪" :‬عن أسد"‪.‬‬
‫(‪ )14‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وجهًا"‪.‬‬

‫( ‪)8/101‬‬

‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ َقدْ يَئِسُوا مِنَ الَْآخِ َرةِ َكمَا يَئِسَ ا ْل ُكفّارُ مِنْ‬
‫غ ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا تَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ (‪)13‬‬

‫حمَيد ‪ ،‬عن أبي ُنعَيم ‪ -‬وابن ماجة ‪ ،‬عن أبي بكر بن‬
‫ورواه الترمذي في التفسير ‪ ،‬عن عبد بن ُ‬
‫أبي شيبة ‪ ،‬عن وكيع ‪ -‬كلهما عن يزيد بن عبد ال الشيباني مولي (‪ )1‬الصهباء ‪ ،‬به (‪ )2‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد (‪ )3‬بن سنان القزاز ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إدريس ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن‬
‫عثمان أبو يعقوب ‪ ،‬حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ‪ ،‬عن جدته أم عطية قالت ‪ :‬لما‬
‫قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم جمع نساء النصار في بيت ‪ ،‬ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬فقام على الباب وسلم علينا ‪ ،‬فرددن ‪ -‬أو ‪ :‬فرددنا ‪ -‬عليه السلم ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"أنا رُسولُ رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكن"‪ .‬قالت ‪ :‬فقلنا ‪ :‬مرحبًا برسول ال وبرسول‬
‫رسول ال‪ .‬فقال ‪" :‬تبايعن على أل تشركن بال شيئا ‪ ،‬ول تسرقن ول تزنين ؟" قالت ‪ :‬فقلنا ‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قالت ‪ :‬فمد يده من خارج الباب ‪ -‬أو ‪ :‬البيت ‪ -‬ومددنا أيدينا من داخل البيت ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"اللهم اشهد"‪ .‬قالت ‪ :‬وأمرنا في العيدين أن نخرج فيه الحُيّض والعواتق ‪ ،‬ول جمعة علينا ‪ ،‬ونهانا‬
‫عن اتباع الجنائز‪ .‬قال إسماعيل ‪ :‬فسألت جدتي عن قوله ‪ { :‬وَل َي ْعصِي َنكَ فِي َمعْرُوفٍ } قالت ‪:‬‬
‫النياحة (‪.)4‬‬
‫وفي الصحيحين من طريق العمش ‪ ،‬عن عبد ال بن مُرة ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليس منا من ضَرَب الخدود ‪ ،‬وشَقّ‬
‫الجيوب ‪ ،‬ودعا بدعوى الجاهلية" (‪.)5‬‬
‫وفي الصحيحين أيضًا عن أبي موسى ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم برئ من الصالقة‬
‫والحالقة والشاقة (‪.)6‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا ُهدْبَة بن خالد ‪ ،‬حدثنا أبان بن يزيد ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي كثير ‪:‬‬
‫أن زيدًا حدثه ‪ :‬أن أبا سلم حدثه ‪ :‬أن أبا مالك الشعري حدثه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬أربع في أمتي من أمر الجاهلية ل يتركونهن ‪ :‬الفخر في الحساب ‪ ،‬والطعن في‬
‫النساب ‪ ،‬والستسقاء بالنجوم ‪ ،‬والنياحة‪ .‬وقال ‪ :‬النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة‬
‫وعليها سربال من قَطران ودرع من جَرَب"‪.‬‬
‫ورواه مسلم في صحيحه منفردًا به ‪ ،‬من حديث أبان بن يزيد العطار ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وعن أبي سعيد ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لعن النائحة والمستمعة‪ .‬رواه أبو داود (‪)8‬‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ َقدْ يَئِسُوا مِنَ الخِ َرةِ َكمَا يَئِسَ ا ْلكُفّارُ مِنْ‬
‫غ ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ (‪} )13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عن أبي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪ )3307‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)1579‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬حدثنا أحمد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)28/53‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )1297‬وصحيح مسلم برقم (‪.)103‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )1296‬وصحيح مسلم برقم (‪.)104‬‬
‫(‪ )7‬مسند أبي يعلى (‪ )3/148‬وصحيح مسلم برقم (‪.)934‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪.)3128‬‬

‫( ‪)8/102‬‬

‫ينهى تبارك وتعالى عن موالة الكافرين في آخر "هذه السورة" كما نهى عنها في أولها فقال ‪ { :‬يَا‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ } يعني ‪ :‬اليهود والنصارى وسائر الكفار ‪ ،‬ممن‬
‫غ ِ‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫غضب ال عليه ولعنه واستحق من ال الطرد والبعاد ‪ ،‬فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء‬
‫وأخلء وقد يئسوا من الخرة ‪ ،‬أي ‪ :‬من ثواب الخرة ونعيمها في حكم ال عز وجل‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫{ َكمَا يَئِسَ ا ْلكُفّارُ مِنْ َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ } فيه قولن ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬كما يئس الكفار الحياء من‬
‫قراباتهم الذين في القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك ؛ لنهم ل يعتقدون بعثا ول نشورا ‪ ،‬فقد انقطع‬
‫رجاؤهم منهم فيما يعتقدونه‪.‬‬
‫ضبَ اللّهُ عَلَ ْيهِمْ } إلى آخر‬
‫غ ِ‬
‫قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تَ َتوَّلوْا َق ْومًا َ‬
‫السورة ‪ ،‬يعني من مات من الذين كفروا فقد يئس الحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم أو‬
‫يبعثهم ال عز وجل‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪َ { :‬كمَا يَئِسَ ا ْل ُكفّارُ مِنْ َأصْحَابِ ا ْلقُبُورِ } قال ‪ :‬الكفار الحياء قد يئسوا من‬
‫الموات‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا‪ .‬وكذا قال الضحاك‪.‬‬
‫رواهن ابن جرير‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬معناه ‪ :‬كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير‪.‬‬
‫قال العمش ‪ ،‬عن أبي الضّحَى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪َ { :‬كمَا يَئِسَ ا ْل ُكفّارُ مِنْ َأصْحَابِ‬
‫ا ْلقُبُورِ } قال ‪ :‬كما يئس هذا الكافر إذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه‪ .‬وهذا قول مجاهد ‪،‬‬
‫وعكرمة ‪ ،‬ومقاتل ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬والكلبي ‪ ،‬ومنصور‪ .‬وهو اختيار ابن جرير‪.‬‬

‫( ‪)8/103‬‬

‫تفسير سورة الصف‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫قال المام أحمد رحمه ال ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى‬
‫بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ -‬وعن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم قال‬
‫‪ :‬تذاكرنا ‪ :‬أيكم يأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فيسأله ‪ :‬أي العمال أحب إلى ال ؟ فلم يقم‬
‫أحد منا ‪ ،‬فأرسل رسول ال صلى ال عليه وسلم إلينا رجل فجمعنا فقرأ علينا هذه السورة ‪ ،‬يعني‬
‫سورة الصف كلها‪ .‬هكذا رواه المام أحمد (‪)1‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا العباس بن الوليد بن مَزْيد البيروتي (‪ )2‬قراءة قال ‪ :‬أخبرني أبي ‪،‬‬
‫سمعت الوزاعي ‪ ،‬حدثني يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثني عبد‬
‫ال بن سلم‪ .‬أن أناسا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا ‪ :‬لو أرسلنا إلى رسول‬
‫ال نسأله عن أحب العمال إلى ال عز وجل ؟ فلم يذهب إليه أحد منا ‪ ،‬وهبنا أن نسأله عن‬
‫ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم أولئك النفر رجل رجل حتى جمعهم ‪ ،‬ونزلت‬
‫فيهم هذه السورة ‪( :‬سبح) الصف قال عبد ال بن سلم ‪ :‬فقرأها علينا رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم كلها‪ .‬قال أبو سلمة ‪ :‬وقرأها علينا عبد ال بن سلم كلها ‪ ،‬قال يحيى بن أبي كثير وقرأها‬
‫علينا أبو سلمة كلها‪ .‬قال الوزاعي ‪ :‬وقرأها علينا يحيى بن أبي كثير كلها‪ .‬قال أبي ‪ :‬وقرأها‬
‫علينا الوزاعي كلها‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي عن عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي ‪ :‬حدثنا محمد بن كثير ‪ ،‬عن الوزاعي ‪،‬‬
‫عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم قال ‪ :‬قعدنا نفرا من أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فتذاكرنا ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬لو نعلم ‪ :‬أي العمال أحب إلى ال عز وجل‬
‫حكِيمُ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الرْ ِ‬
‫لعملناه‪ .‬فأنزل ال ‪ " :‬سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ [كَبُرَ َمقْتًا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا] " (‪ )3‬قال عبد ال بن سلم ‪ :‬فقرأها‬
‫علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال أبو سلمة ‪ :‬فقرأها علينا ابن سلم‪ .‬قال يحيى ‪ :‬فقرأها‬
‫علينا أبو سلمة‪ .‬قال ابن كثير ‪ :‬فقرأها علينا الوزاعي‪ .‬قال عبد ال ‪ :‬فقرأها علينا ابن كثير‪.‬‬
‫ثم قال الترمذي ‪ :‬وقد خولف محمد بن كثير في إسناد هذا الحديث عن الوزاعي ‪ ،‬فروى ابن‬
‫المبارك ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن هلل بن أبي ميمونة ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫يسار ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم ‪ -‬أو ‪ :‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم (‪)4‬‬
‫قلت ‪ :‬وهكذا رواه المام أحمد ‪ ،‬عن يعمر ‪ ،‬عن ابن المبارك ‪ ،‬به (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)5/452‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬السروري"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪.)3309‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/452‬‬

‫( ‪)8/104‬‬

‫حكِيمُ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا‬


‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيِلهِ‬
‫لَا َت ْفعَلُونَ (‪ )2‬كَبُرَ َمقْتًا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا لَا َت ْفعَلُونَ (‪ )3‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫صَفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ (‪)4‬‬

‫قال الترمذي ‪ :‬وروى الوليد بن مسلم هذا الحديث عن الوزاعي ‪ ،‬نحو رواية محمد بن كثير‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكذا رواه الوليد بن يزيد ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬كما رواه ابن كثير‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد أخبرني بهذا الحديث الشيخ المسند أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحجار قراءة عليه‬
‫عمَر بن اللّتي (‪ )1‬أخبرنا أبو الوقت عبد الول بن‬
‫وأنا أسمع ‪ ،‬أخبرنا أبو المُ َنجّا عبد ال بن ُ‬
‫شعَيب السّجْزيّ قال ‪ :‬أخبرنا أبو الحسن بن عبد الرحمن بن المظفر بن محمد بن داود‬
‫عيسى بن ُ‬
‫عمَر بن‬
‫سيّ ‪ ،‬أخبرنا عيسى بن ُ‬
‫ح ّموَية السرَخ ِ‬
‫الداودي ‪ ،‬أخبرنا أبو محمد عبد ال بن أحمد بن َ‬
‫عمران السمرقندي ‪ ،‬أخبرنا المام الحافظ أبو محمد عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي بجميع‬
‫مسنده (‪ )2‬أخبرنا محمد بن كثير ‪ ،‬عن الوزاعي‪ ...‬فذكر بإسناده مثله ‪ ،‬وتسلسل لنا قراءتها إلى‬
‫شيخنا أبي العباس الحجار ‪ ،‬ولم يقرأها ‪ ،‬لنه كان أميا ‪ ،‬وضاق الوقت عن تلقينها إياه‪ .‬ولكن‬
‫أخبرني الحافظ الكبير أبو عبد ال محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬أخبرنا القاضي‬
‫تقي الدين سليمان بن الشيخ أبي عمر ‪ ،‬أخبرنا أبو المنجا بن اللّتي (‪ )3‬فذكره بإسناده ‪ ،‬وتَسلل (‬
‫‪ )4‬لي من طريقة ‪ ،‬وقرأها علي بكمالها ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمُ (‪ )1‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي‬
‫مَا ل َت ْفعَلُونَ (‪ )2‬كَبُرَ َمقْتًا عِنْدَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا ل َت ْفعَلُونَ (‪ )3‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫سَبِيلِهِ صَفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ (‪} )4‬‬
‫حكِيمُ } غير‬
‫ض وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْر ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫تقدم الكلم على قوله ‪ { :‬سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫مرة ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِلمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ } ؟ إنكار على من يَعد ع َدةً ‪ ،‬أو يقول قول‬
‫ل يفي به ‪ ،‬ولهذا استدل بهذه الية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه يجب الوفاء بالوعد‬
‫مطلقا ‪ ،‬سواء ترتب عليه غُرم للموعود أم ل‪ .‬واحتجوا أيضا من السنة بما ثبت في الصحيحين‬
‫أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حَدّث كذب ‪ ،‬إذا وَعَد أخلف ‪،‬‬
‫وإذا اؤتمن خان" (‪ )5‬وفي الحديث الخر في الصحيح ‪" :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصًا ‪،‬‬
‫خصْلَة من نفاق حتى َيدَعها" (‪ - )6‬فذكر منهن إخلف‬
‫ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه َ‬
‫الوعد‪ .‬وقد استقصينا الكلم على هذين الحديثين في أول "شرح البخاري" ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫ولهذا أكد ال تعالى هذا النكار عليهم بقوله ‪ { :‬كَبُرَ َمقْتًا عِ ْندَ اللّهِ أَنْ َتقُولُوا مَا ل َت ْفعَلُونَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الليثي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سنده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الليثي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وتسلسل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )33‬وصحيح مسلم برقم (‪ )59‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )34‬وصحيح مسلم برقم (‪ )58‬من حديث عبد ال بن عمرو بن‬
‫العاص رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)8/105‬‬

‫وقد روى المام أحمدُ وأبو داود ‪ ،‬عن عبد ال بن عامر بن ربيعة قال ‪ :‬أتانا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم [في بيتنا] (‪ )1‬وأنا صبي قال ‪ :‬فذهبت لخرج للعب ‪ ،‬فقالت أمي ‪ :‬يا عبد ال ‪ :‬تعال‬
‫أعطك‪ .‬فقال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وما أردت أن تُعطِيه ؟"‪ .‬قالت ‪ :‬تمرا‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫"أما إنك لو لم تفعلي كُتِبت عليك كِذْبة" (‪)2‬‬
‫وذهب المام مالك ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬إلى أنه إذا تعلق بالوعد غُرم على الموعود وجب الوفاء به ‪،‬‬
‫كما لو قال لغيره ‪" :‬تزوج ولك علي كل يوم كذا"‪ .‬فتزوجَ ‪ ،‬وجب عليه أن يعطيه ما دام كذلك ‪،‬‬
‫لنه تعلق به حق آدمي ‪ ،‬وهو مبني على المضايقة‪ .‬وذهب الجمهور إلى أنه ل يجب مطلقا ‪،‬‬
‫وحملوا الية على أنها نزلت حين تمنوا فَرضِيّة الجهاد عليهم ‪ ،‬فلما فرض نكل عنه بعضهم ‪،‬‬
‫كقوله تعالى ‪ { :‬أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ َلهُمْ ُكفّوا أَيْدِ َيكُمْ وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَاةَ فََلمّا كُ ِتبَ عَلَ ْيهِمُ‬
‫خشْيَ ًة َوقَالُوا رَبّنَا لِمَ كَتَ ْبتَ عَلَيْنَا ا ْلقِتَالَ َلوْل‬
‫شدّ َ‬
‫خشْيَةِ اللّهِ َأوْ أَ َ‬
‫شوْنَ النّاسَ كَ َ‬
‫خَ‬‫ا ْلقِتَالُ ِإذَا فَرِيقٌ مِ ْنهُمْ يَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ ُقلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِيلٌ وَالخِ َرةُ خَيْرٌ ِلمَنِ ا ّتقَى وَل تُظَْلمُونَ فَتِيل أَيْ َنمَا َتكُونُوا‬
‫أَخّرْتَنَا إِلَى َأ َ‬
‫ت وََلوْ كُنْ ُتمْ فِي بُرُوجٍ ُمشَيّ َدةٍ } [النساء ‪ .]78 ، 77 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَيَقُولُ الّذِينَ‬
‫يُدْرِككّمُ ا ْل َموْ ُ‬
‫ح َكمَةٌ وَ ُذكِرَ فِيهَا ا ْلقِتَالُ رَأَ ْيتَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ‬
‫آمَنُوا َلوْل نزَلتْ سُو َرةٌ فَِإذَا أُنزَلتْ سُو َرةٌ مُ ْ‬
‫شيّ عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ } الية [محمد ‪ ]20 :‬وهكذا هذه الية معناها ‪ ،‬كما‬
‫يَنْظُرُونَ إِلَ ْيكَ َنظَرَ ا ْل َمغْ ِ‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِلمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ }‬
‫قال ‪ :‬كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون ‪َ :‬لوَ ِددْنَا أن ال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬دلنا‬
‫على أحب العمال إليه ‪ ،‬فنعملَ به‪ .‬فأخبر ال نبيه أن أحب العمال إيمانٌ به (‪ )3‬ل شك فيه ‪،‬‬
‫وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا اليمان ولم يقروا به‪ .‬فلما نزل الجهاد كره ذلك أناس من‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وشق عليهم أمره ‪ ،‬فقال ال سبحانه ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ِلمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ‬
‫} ؟‪ .‬وهذا اختيار ابن جرير (‪.)4‬‬
‫ب العمال إلى ال لعملنا به‪ .‬فدلهم ال على‬
‫وقال مقاتل بن حَيّان ‪ :‬قال المؤمنون ‪ :‬لو نعلم أح ّ‬
‫صفّا } فبين لهم ‪ ،‬فابتلوا يوم‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫أحب العمال إليه ‪ ،‬فقال ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫أحد بذلك ‪ ،‬فولوا عن النبي صلى ال عليه وسلم مدبرين ‪ ،‬فأنزل ال في ذلك ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ } ؟ وقال ‪ :‬أحبكم إلي من قاتل في سبيلي‪.‬‬
‫ومنهم من يقول ‪ :‬أنزلت في شأن القتال ‪ ،‬يقول الرجل ‪" :‬قاتلت" ‪ ،‬ولم يقاتل (‪ )5‬وطعنت" ولم‬
‫يطعن و "ضربت" ‪ ،‬ولم يضرب و "صبرت" ‪ ،‬ولم يصبر‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬نزلت (‪ )6‬توبيخًا لقوم كانوا يقولون ‪" :‬قتلنا ‪ ،‬ضربنا ‪ ،‬طعنا ‪ ،‬وفعلنا"‪.‬‬
‫ولم يكونوا فعلوا ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من المسند‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )3/447‬وسنن أبي داود برقم (‪.)4991‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬إيمان بال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)28/56‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ولم أقاتل"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬

‫( ‪)8/106‬‬

‫وقال ابن يزيد ‪ :‬نزلت في قوم من المنافقين ‪ ،‬كانوا يَعدون المسلمين النص َر ‪ ،‬ول َيفُون لهم بذلك‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ { :‬لِمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ } ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬في الجهاد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬لِمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ } إلى قوله ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ‬
‫مَ ْرصُوصٌ } فما بين ذلك ‪ :‬في نفر من النصار ‪ ،‬فيهم عبد ال بن رواحة ‪ ،‬قالوا في مجلس ‪ :‬لو‬
‫ي العمال أحبّ إلى ال ‪ ،‬لعملنا بها حتى نموت‪ .‬فأنزل ال هذا فيهم‪ .‬فقال عبد ال بن‬
‫نعلم أ ّ‬
‫رواحة ‪ :‬ل أبرح (‪ )1‬حبيسا في سبيل ال حتى أموت‪ .‬فقتل شهيدًا‪.‬‬
‫سهِر (‪ )2‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فروة بن أبي المغراء ‪ ،‬حدثنا علي بن مُ ْ‬
‫داود بن أبي هند ‪ ،‬عن أبي حرب بن أبي السود الديلي (‪ )3‬عن أبيه قال ‪ :‬بعث أبو موسى إلى‬
‫قراء أهل البصرة ‪ ،‬فدخل عليه منهم ثلثمائة رجل ‪ ،‬كلهم قد قرأ القرآن ‪ ،‬فقال‪ .‬أنتم قراء أهل‬
‫البصرة وخيارهم‪ .‬وقال ‪ :‬كنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات ‪ ،‬فأنسيناها ‪ ،‬غير أني قد‬
‫حفظت منها ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لِمَ َتقُولُونَ مَا ل َت ْفعَلُونَ } فتكتب شهادة في أعناقكم ‪ ،‬فتسألون‬
‫عنها يوم القيامة‪.‬‬
‫صفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } فهذا‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫ولهذا قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫إخبار منه تعالى بمحبة عباده المؤمنين إذا اصطفوا مواجهين لعداء ال في حومة الوغى ‪،‬‬
‫يقاتلون في سبيل ال مَن كفر بال ‪ ،‬لتكون كلمة ال هي العليا ‪ ،‬ودينه هو الظاهر العالي على‬
‫سائر الديان‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا ُهشَيْم ‪ ،‬قال مُجالد أخبرنا عن أبي الودّاك ‪،‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلث‬
‫يضحك ال إليهم ‪ :‬الرجل يقوم من الليل ‪ ،‬والقوم إذا صفوا للصلة ‪ ،‬والقوم إذا صفوا للقتال"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجة من حديث مجالد ‪ ،‬عن أبي الوَدّاك جبر بن نوف ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ُنعَيم الفضل بن ُدكَيْن ‪ ،‬حدثنا السود ‪ -‬يعني ابن‬
‫شيبان ‪ -‬حدثني يزيد بن عبد ال بن الشّخّير قال ‪ :‬قال مُطرَف ‪ :‬كان يبلغني عن أبي ذر حديث‬
‫كنت أشتهي لقاءه ‪ ،‬فلقيته فقلت ‪ :‬يا أبا ذر ‪ ،‬كان يبلغني عنك حديث ‪ ،‬فكنت أشتهي لقاءك ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬ل أبوك ! فقد لقيت ‪ ،‬فهات‪ .‬فقلت ‪ :‬كان يبلغني عنك أنك تزعم أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم حدثكم أن ال يحب ثلثة ويبغض ثلثة ؟ قال ‪ :‬أجل ‪ ،‬فل إخالني أكذب على خليلي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬قلت ‪ :‬فمن هؤلء الثلثة الذين يحبهم ال ؟ قال ‪ :‬رجل غزا في سبيل ال ‪ ،‬خرج‬
‫حبّ الّذِينَ‬
‫محتسبا مجاهدا فلقي العدو فقتل ‪ ،‬وأنتم تجدونه في كتاب ال المنزل ‪ ،‬ثم قرأ { إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيِل ِه صَفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } وذكر الحديث‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فما أبرح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬شهر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬الديلمي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/80‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )200‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/87‬هذا‬
‫إسناد فيه مقال ‪ ،‬مجالد بن سعيد وإن أخرج له مسلم في صحيحه فإنما روى له مقرونًا بغيره قال‬
‫ابن عدى ‪ :‬عامة ما يرويه غير محفوظ"‪.‬‬

‫( ‪)8/107‬‬

‫هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق ‪ ،‬وبهذا اللفظ ‪ ،‬واختصره‪ .‬وقد أخرجه‬
‫الترمذي والنسائي من حديث شعبة ‪ ،‬عن منصور بن المعتمر ‪ ،‬عن رِ ْبعَي بن حِرَاش ‪ ،‬عن زيد‬
‫بن ظَبْيان ‪ ،‬عن أبي ذَرّ بأبسط من هذا السياق وأتم (‪ )1‬وقد أوردناه في موضع آخر ‪ ،‬ول‬
‫الحمد‪.‬‬
‫وعن كعب الحبار أنه قال ‪ :‬يقول ال تعالى لمحمد صلى ال عليه وسلم ‪" :‬عبدي المتوكل‬
‫ظ ول غَليظ ول صَخّاب في السواق ‪ ،‬ول يجزي بالسيئة السيئة ‪ ،‬ولكن يعفو‬
‫المختار ليس بفَ ّ‬
‫ويغفر مولده بمكة ‪ ،‬وهجرته بطابة ‪ ،‬وملكه بالشام ‪ ،‬وأمته الحمادون يحمَدُون ال على كلّ حال ‪،‬‬
‫وفي كل منزلة ‪ ،‬لهم َد ِويّ كدوي النحل في جو السماء بالسحَر ‪ُ ،‬ي َوضّون أطرافهم ‪ ،‬ويأتزرون‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ‬
‫على أنصافهم ‪ ،‬صفهم في القتال مثل صفهم في الصلة"‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬إِنّ اللّهَ يُ ِ‬
‫صفّا كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } رعاة الشمس ‪ ،‬يصلون الصلة حيث أدركتهم ‪ ،‬ولو على‬
‫فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫ظهر دابة" رواه بن أبي حاتم‪.‬‬
‫صفّا } قال ‪ :‬كان رسول ال‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫وقال سعيد بن جبير في قوله { إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم ل يقاتل العدو إل أن يصافهم ‪ ،‬وهذا تعليم من ال للمؤمنين‪ .‬قال ‪ :‬وقوله ‪{ :‬‬
‫كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } ملتصق بعضه في بعض ‪ ،‬من الصف في القتال‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬ملتصق بعضه إلى بعض‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } مُثَبّت ‪ ،‬ل يزول ‪ ،‬ملصق بعضه ببعض‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } ألم تر إلى صاحب البنيان ‪ ،‬كيف ل يحب أن يختلف‬
‫بنيانه ؟ فكذلك ال عز وجل [يحب أن] (‪ )2‬ل يختلف أمره ‪ ،‬وإن ال صف المؤمنين في قتالهم‬
‫وصفهم في صلتهم ‪ ،‬فعليكم بأمر ال ‪ ،‬فإنه عصمة لمن أخذ به‪ .‬أورد ذلك كله ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني سعيد بن عَمرو السكوني ‪ ،‬حدثنا َبقِيّة بن الوليد ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي‬
‫مريم ‪ ،‬عن يحيى بن جابر الطائي ‪ ،‬عن أبي بحرية (‪ )3‬قال ‪ :‬كانوا يكرهون القتال على الخيل ‪،‬‬
‫صفّا‬
‫حبّ الّذِينَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ِه َ‬
‫ويستحبون القتال على الرض ‪ ،‬لقول ال عز وجل ‪ { :‬إِنّ اللّهَ ُي ِ‬
‫كَأَ ّنهُمْ بُنْيَانٌ مَ ْرصُوصٌ } قال ‪ :‬وكان أبو بحرية (‪ )4‬يقول ‪ :‬إذا رأيتموني التفتّ في الصف فَجَثُوا‬
‫في لَحيي (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )2568‬وسنن النسائي (‪ )3/207 ، 5/84‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا حديث‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن أبي يحيى به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أبو بحيرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)28/57‬‬

‫( ‪)8/108‬‬

‫وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ ِلمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعَْلمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ‬
‫سقِينَ (‪)5‬‬
‫قُلُو َبهُ ْم وَاللّهُ لَا َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬

‫{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َقوْمِ لِمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعَْلمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ‬
‫سقِينَ (‪} )5‬‬
‫قُلُو َبهُ ْم وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬

‫( ‪)8/109‬‬

‫وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْي ُكمْ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ َي َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪)6‬‬
‫حمَدُ فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫سمُهُ َأ ْ‬
‫َومُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ َب ْعدِي ا ْ‬

‫{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي َرسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ (‪} )6‬‬
‫حمَدُ فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا َهذَا ِ‬
‫سمُهُ َأ ْ‬
‫َومُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ َب ْعدِي ا ْ‬
‫يقول تعالى مخبرّا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلم أنه قال لقومه ‪ { :‬لِمَ‬
‫ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعَْلمُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ِإلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬لم توصلون الذى إليّ وأنتم تعلمون صدقي‬
‫فيما جئتكم به من الرسالة ؟‪ .‬وفي هذا تسلية لرسول ال صلى ال عليه وسلم فيما أصاب (‪ )1‬من‬
‫الكفار من قومه وغيرهم ‪ ،‬وأمر له بالصبر ؛ ولهذا قال ‪" :‬رحمة ال على موسى ‪ :‬لقد أوذي‬
‫بأكثر من هذا فصبر" (‪ )2‬وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي صلى ال عليه وسلم أو ُي َوصّلوا‬
‫إليه أذى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل َتكُونُوا كَالّذِينَ آ َذوْا مُوسَى فَبَرَّأهُ اللّهُ ِممّا قَالُوا‬
‫َوكَانَ عِ ْندَ اللّ ِه وَجِيهًا } [الحزاب ‪]69 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا زَاغُوا أَزَاغَ اللّهُ قُلُو َبهُمْ } أي ‪ :‬فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به ‪ ،‬أزاغ ال‬
‫قلوبهم عن الهدى ‪ ،‬وأسكنها الشك والحيرة والخذلن ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَنُقَّلبُ َأفْئِدَ َت ُهمْ‬
‫طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ } [النعام ‪ ]110 :‬وقال { َومَنْ‬
‫وَأَ ْبصَارَهُمْ َكمَا لَمْ ُي ْؤمِنُوا بِهِ َأوّلَ مَ ّر ٍة وَنَذَرُ ُهمْ فِي ُ‬
‫جهَنّمَ‬
‫يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِنْ َبعْدِ مَا تَبَيّنَ َلهُ ا ْلهُدَى وَيَتّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ُنوَلّهِ مَا َتوَلّى وَ ُنصْلِهِ َ‬
‫وَسَا َءتْ َمصِيرًا } [النساء ‪ ]115 :‬ولهذا قال ال تعالى في هذه الية ‪ { :‬وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ‬
‫سقِينَ }‬
‫ا ْلفَا ِ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ ُمصَ ّدقًا ِلمَا بَيْنَ يَ َديّ مِنَ‬
‫حمَدُ } يعني ‪ :‬التوراة قد بَشّرَت بي ‪ ،‬وأنا مصداقُ‬
‫سمُهُ َأ ْ‬
‫ال ّتوْرَا ِة َومُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ َب ْعدِي ا ْ‬
‫ما أخبرت عنه ‪ ،‬وأنا مُبَشّر بمن بعدي ‪ ،‬وهو الرسول النبي المي العربي المكي أحمد‪ .‬فعيسى ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل ‪ ،‬وقد أقام (‪ )3‬في مل بني إسرائيل مبشرًا بمحمد ‪،‬‬
‫وهو أحمد خاتم النبياء والمرسلين ‪ ،‬الذي ل رسالة بعده ول نبوة‪ .‬وما أحسن ما أورد البخاري‬
‫الحديثَ الذي قال فيه ‪:‬‬
‫حدثنا أبو اليمان ‪ ،‬حدثنا شعيب ‪ ،‬عن الزهري قال ‪ :‬أخبرني محمد بن جُبَير بن مُطعم ‪ ،‬عن أبيه‬
‫قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن لي أسماء ‪ :‬أنا محمد ‪ ،‬وأنا أحمد ‪ ،‬وأنا‬
‫الماحي الذي يَمحُو ال به الكفر ‪ ،‬وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ‪ ،‬وأنا العاقب"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬من حديث الزهري ‪ ،‬به نحوه (‪)4‬‬
‫وقال أبو داود الطيالسي ‪ :‬حدثنا المسعودي ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي عُبَيدة ‪ ،‬عن أبي‬
‫سمّى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم نَفسه أسماءً ‪ ،‬منها ما حفظنا فقال ‪" :‬أنا‬
‫موسى قال ‪َ :‬‬
‫محمد ‪ ،‬وأنا أحمد ‪ ،‬والحاشر ‪ ،‬والمقفي ‪ ،‬ونبي الرحمة ‪ ،‬والتوبة ‪ ،‬والملحمة"‪.‬‬
‫ورواه مسلم من حديث العمش ‪ ،‬عن عمرو بن مرة ‪ ،‬به (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فيما أصابه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )3405‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )10622‬من حديث عبد‬
‫ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وقد قام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4896‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2354‬‬
‫(‪ )5‬مسند الطيالسي برقم (‪ )492‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2355‬‬

‫( ‪)8/109‬‬

‫وقد قال ال تعالى ‪ { :‬الّذِينَ يَتّ ِبعُونَ الرّسُولَ النّ ِبيّ ال ّميّ الّذِي َيجِدُونَهُ َمكْتُوبًا عِنْدَ ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ‬
‫خذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْ ُتكُمْ مِنْ كِتَابٍ‬
‫وَالنْجِيلِ } [العراف ‪ ]157 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَِإذْ أَ َ‬
‫علَى ذَِلكُمْ‬
‫خذْتُمْ َ‬
‫ح ْكمَةٍ ثُمّ جَا َء ُكمْ رَسُولٌ ُمصَدّقٌ ِلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ ِب ِه وَلَتَ ْنصُرُنّهُ قَالَ أََأقْرَرْتُ ْم وَأَ َ‬
‫وَ ِ‬
‫شهَدُوا وَأَنَا َم َعكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } [آل عمران ‪]81 :‬‬
‫ِإصْرِي قَالُوا َأقْرَرْنَا قَالَ فَا ْ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬ما بعث ال نبيا إل أخذ عليه العهد ‪ :‬لئن بعث محمد وهو حي ليتبعنه ‪ ،‬وأخذ‬
‫عليه أن يأخذ على أمته لئن بعث محمد وهم أحياء ليتبعنه وينصرنه‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬حدثني ثور بن يَزيد ‪ ،‬عن خالد بن َمعْدَانَ ‪ ،‬عن أصحاب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم أنهم قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أخبرنا عن نفسك‪ .‬قال ‪" :‬دعوة أبي إبراهيم ‪،‬‬
‫وبُشْرَى عيسى ‪ ،‬ورأت أمي حين حملت بي (‪ )1‬كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى‬
‫من أرض الشام" (‪.)2‬‬
‫وهذا إسناد جيد‪ .‬ورُوي له شواهد من وجوه أخر ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫سوَيد الكلبي ‪ ،‬عن عبد‬
‫حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬حدثنا معاوية بن صالح ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫العلى بن هلل (‪ )3‬السلمي ‪ ،‬عن العِرْباض بن سارية قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬إني عند ال لخاتم النبيين ‪ ،‬وإن آدم لمنجَدلٌ في طينته ‪ ،‬وسأنبئكم بأول ذلك دَعْوة أبي‬
‫إبراهيم ‪ ،‬وبشارة عيسى بي ‪ ،‬ورؤيا أمي التي رأت ‪ ،‬وكذلك أمهات النبيين يَرَين" (‪.)4‬‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا أبو النضر ‪ ،‬حدثنا الفرج بن فضالة ‪ ،‬حدثنا لقمان بن عامر قال ‪:‬‬
‫سمعت أبا أمامة قال ‪ :‬قلت يا نبي ال ‪ ،‬ما كان بدء أمرك ؟ قال ‪" :‬دعوة أبي إبراهيم ‪ ،‬وبُشْرَى‬
‫عيسى ‪ ،‬ورأت أمي أنه يخرجُ منها نور أضاءت له قصورُ الشام" (‪)5‬‬
‫خدَيجًا أخا زهير بن معاوية ‪ ،‬عن أبي إسحاق‬
‫وقال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ :‬سمعت ُ‬
‫عن عبد ال بن عتبة ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬بعثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫النجاشي ونحن نحوٌ من ثمانين رجل منهم ‪ :‬عبد ال بن مسعود ‪ ،‬وجعفر ‪ ،‬وعبد ال بن [عُ ْرفُطَة]‬
‫(‪ )6‬وعثمان بن مظعون ‪ ،‬وأبو موسى‪ .‬فأتوا النجاشي ‪ ،‬وبعثَت قريش عمرو بن العاص ‪،‬‬
‫وعمارة بن الوليد بهدية ‪ ،‬فلما دخل على النجاشي سَجَدا له ‪ ،‬ثم ابتدراه عن يمينه وعن شماله ‪،‬‬
‫ثم قال له ‪ :‬إن نفرًا من بني عمنا نزلوا أرضك ‪ ،‬ورغبوا عنا وعن ملتنا‪ .‬قال ‪ :‬فأين هم ؟ قال‬
‫هم في أرضك ‪ ،‬فابعث إليهم‪ .‬فبعث إليهم‪ .‬فقال جعفر ‪ :‬أنا خطيبكم اليوم‪ .‬فاتبعوه فسلّم ولم يسجد‬
‫‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬حملتني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الحاكم في المستدرك (‪ )2/600‬من طريق يوني بن بكير عن ابن إسحاق به ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫"خالد بن معدان من خيار التابعين ‪ ،‬صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة ‪ ،‬فإذا أسند‬
‫حديث إلى الصحابة فإنه صحيح السناد وإن لم يخرجاه"‪ .‬قلت ‪ :‬وقد ورد موصولً كما سيأتي في‬
‫رواية أحمد‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بلل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/127‬وسعيد بن سويد لم يوثقه غير ابن حبان‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/262‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من المسند ‪ ،‬ومكانه بياض في هـ ‪ ،‬م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫( ‪)8/110‬‬

‫ب وَ ُهوَ يُدْعَى إِلَى الِْإسْلَا ِم وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪)7‬‬
‫علَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى َ‬
‫سلَ َرسُولَهُ‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّهُ مُ ِتمّ نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )8‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫يُرِيدُونَ لِ ُي ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪)9‬‬
‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬

‫فقالوا له ‪ :‬ما لك ل تسجد للملك ؟ قال ‪ :‬إنا ل نسجد إل ل عز وجل‪ .‬قال وما ذاك ؟ قال ‪ :‬إن‬
‫ال بعث إلينا رسوله ‪ ،‬فأمرنا أل نسجد لحد إل ل عز وجل ‪ ،‬وأمرنا بالصلة والزكاة‪.‬‬
‫قال عمرو بن العاص ‪ :‬فإنهم يخالفونك في عيسى ابن مريم‪ .‬قال ‪ :‬ما تقولون في عيسى ابن مريم‬
‫وأمه ؟ قالوا ‪ :‬نقول كما قال ال عز وجل ‪ :‬هو كلمة ال وروحه ألقاها إلى العذراء البَتُول ‪ ،‬التي‬
‫لم يمسها بَشَر ولم َيفْرضْها (‪ )1‬ولد‪ .‬قال ‪ :‬فرفع عودًا من الرض ثم قال ‪ :‬يا معشر الحبشة‬
‫والقسيسين والرهبان ‪ ،‬وال ما يزيدون على الذي نقول فيه ‪ ،‬ما يساوي هذا‪ .‬مرحبا بكم وبمن‬
‫جئتم من عنده ‪ ،‬أشهد أنه رسول ال ‪ ،‬وأنه الذي نجد في النجيل ‪ ،‬وأنه الذي بشر به عيسى ابن‬
‫مريم‪ .‬انزلوا حيث شئتم ‪ ،‬وال لول ما أنا فيه من الملك لتيته حتى أكون أنا أحمل نعليه‬
‫وأوضئه‪ .‬وأمَرَ بهدية الخرَين فردت إليهما ‪ ،‬ثم تعجل عبد ال بن مسعود حتى أدرك بدرًا ‪،‬‬
‫وزعم أن النبي صلى ال عليه وسلم استغفر له حين بلَغه موته (‪)2‬‬
‫وقد رُويت هذه القصةُ عن جعفر وأم سلمة رضي ال عنهما ‪ ،‬وموضع ذلك كتاب السيرة‪.‬‬
‫والمقصد أن النبياء عليهم السلم لم تزل تنعته وتحكيه في كتبها على أممها ‪ ،‬وتأمرهم باتباعه‬
‫ونصره وموازرته إذا بعث‪ .‬وكان ما اشتهر المر في أهل الرض على لسان إبراهيم الخليل والد‬
‫النبياء بعده ‪ ،‬حين دعا لهل مكة أن يبعث ال فيهم رسول منهم ‪ ،‬وكذا على لسان عيسى ابن‬
‫مريم ؛ ولهذا قالوا ‪" :‬أخبرنا عن َبدْء أمرك" يعني ‪ :‬في الرض ‪ ،‬قال ‪" :‬دعوة أبي إبراهيم ‪،‬‬
‫وبشارة عيسى ابن مريم ‪ ،‬ورؤيا أمي التي رأت" أي ‪ :‬ظهر في أهل مكة أثر ذلك والرهاص‬
‫بذكره صلوات ال وسلمه عليه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } قال ابن جريج وابن جرير ‪ { :‬فََلمّا جَاءَ ُهمْ }‬
‫أحمد ‪ ،‬أي ‪ :‬المبشر به في العصار المتقادمة ‪ ،‬المنّوه بذكره في القرون السالفة ‪ ،‬لما ظهر أمره‬
‫سحْرٌ مُبِينٌ }‬
‫وجاء بالبينات قال الكفرة والمخالفون ‪َ { :‬هذَا ِ‬
‫ب وَ ُهوَ يُدْعَى إِلَى السْل ِم وَاللّهُ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ الظّاِلمِينَ (‪)7‬‬
‫{ َومَنْ َأظْلَمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذ َ‬
‫سلَ َرسُولَهُ‬
‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِ ْم وَاللّهُ مُ ِتمّ نُو ِرهِ وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ (‪ُ )8‬هوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫يُرِيدُونَ لِ ُي ْ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلمُشْ ِركُونَ (‪} )9‬‬
‫بِا ْلهُدَى وَدِينِ ا ْلحَقّ لِيُ ْ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَنْ أَظَْلمُ ِممّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ ا ْلكَ ِذبَ وَ ُهوَ ُيدْعَى إِلَى السْلمِ } أي ‪ :‬ل أحد أظلم‬
‫ممن يفتري الكذب على ال (‪ )3‬ويجعل له أندادا وشركاء ‪ ،‬وهو يدعى إلى التوحيد والخلص ؛‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ولم يعترضها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)1/461‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬يفتري على ال الكذب"‪.‬‬

‫( ‪)8/111‬‬

‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )10‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا َهلْ أَ ُدّلكُمْ عَلَى تِجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ َ‬
‫سكُمْ َذِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )11‬ي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ‬
‫وَتُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫عدْنٍ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)12‬‬
‫وَيُدْخِ ْل ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا الْأَ ْنهَا ُر َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ َ‬
‫وَأُخْرَى تُحِبّو َنهَا َنصْرٌ مِنَ اللّ ِه َوفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪)13‬‬

‫طفِئُوا نُورَ اللّهِ بَِأ ْفوَا ِههِمْ } أي ‪ :‬يحاولون (‪ )1‬أن يَرُدّوا الحق بالباطل ‪،‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬يُرِيدُونَ لِ ُي ْ‬
‫ومثلهم في ذلك كمثل من يريد أن يطفئ شعاع الشمس بفيه ‪ ،‬وكما أن هذا مستحيل كذلك ذاك‬
‫سلَ َرسُولَهُ بِا ْلهُدَى‬
‫مستحيل (‪ )2‬؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ مُتِمّ نُو ِر ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْلكَافِرُونَ ُهوَ الّذِي أَرْ َ‬
‫ظهِ َرهُ عَلَى الدّينِ كُلّ ِه وََلوْ كَ ِرهَ ا ْل ُمشْ ِركُونَ } وقد تقدم الكلم على هاتين اليتين في‬
‫وَدِينِ ا ْلحَقّ لِ ُي ْ‬
‫سورة "براءة" ‪ ،‬بما فيه كفاية ‪ ،‬ول الحمد والمنة (‪)3‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا َهلْ أَدُّلكُمْ عَلَى ِتجَا َرةٍ تُنْجِي ُكمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )10‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ‬
‫سكُمْ َذِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪َ )11‬ي ْغفِرْ َلكُمْ ذُنُو َبكُمْ‬
‫وَتُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫وَيُدْخِ ْل ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ (‪)12‬‬
‫وَأُخْرَى تُحِبّو َنهَا َنصْرٌ مِنَ اللّ ِه َوفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشّرِ ا ْل ُمؤْمِنِينَ (‪} )13‬‬
‫تقدم في حديث عبد ال بن سلم أن الصحابة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬أرادوا أن يسألوا عن أحب‬
‫العمال إلى ال عز وجل ليفعلوه ‪ ،‬فأنزل ال هذه السورة ‪ ،‬ومن جملتها هذا الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫الّذِينَ آمَنُوا َهلْ أَدُّل ُكمْ عَلَى تِجَا َرةٍ تُ ْنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ َألِيمٍ } ثم فسر هذه التجارة العظيمة التي ل‬
‫تبور ‪ ،‬والتي هي محصلة للمقصود ومزيلة للمحذور فقال ‪ُ { :‬ت ْؤمِنُونَ بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَ ُتجَاهِدُونَ‬
‫سكُمْ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬من تجارة الدنيا ‪ ،‬والكد لها‬
‫فِي سَبِيلِ اللّهِ بَِأ ْموَاِلكُ ْم وَأَ ْنفُ ِ‬
‫والتصدي لها وحدها‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ي ْغفِرْ َل ُكمْ ذُنُو َبكُمْ } أي ‪ :‬إن فعلتم ما أمرتكم (‪ )4‬به ودللتكم عليه ‪ ،‬غفرت لكم‬
‫الزلت ‪ ،‬وأدخلتكم الجنات ‪ ،‬والمساكن الطيبات ‪ ،‬والدرجات العاليات ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَيُ ْدخِ ْلكُمْ‬
‫جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَا ُر َومَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذَِلكَ ا ْلفَوْزُ ا ْل َعظِيمُ }‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَأُخْرَى تُحِبّو َنهَا } أي ‪ :‬وأزيدكم على ذلك زيادة تحبونها ‪ ،‬وهي ‪َ { :‬نصْرٌ مِنَ اللّهِ‬
‫َوفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي ‪ :‬إذا قاتلتم في سبيله ونصرتم دينه ‪ ،‬تكفل ال بنصركم‪ .‬قال ال تعالى ‪ { :‬يَا‬
‫أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَ ْنصُرُوا اللّهَ يَ ْنصُ ْركُمْ وَيُثَبّتْ َأقْدَا َمكُمْ } [محمد ‪ ]7 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَلَيَ ْنصُرَنّ‬
‫اللّهُ مَنْ يَ ْنصُ ُرهُ إِنّ اللّهَ َل َق ِويّ عَزِيزٌ } [الحج ‪ ]40 :‬وقوله { َوفَتْحٌ قَرِيبٌ } أي ‪ :‬عاجل فهذه الزيادة‬
‫هي خير الدنيا موصول بنعيم الخرة ‪ ،‬لمن أطاع ال ورسوله ‪ ،‬ونصر ال ودينه ؛ ولهذا قال ‪{ :‬‬
‫وَبَشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أي يجادلون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬كذاك ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وال أعلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ما آمركم"‪.‬‬

‫( ‪)8/112‬‬

‫حوَارِيّينَ مَنْ أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ اللّهِ َكمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ِللْ َ‬
‫حوَارِيّونَ نَحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ فََآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ َآمَنُوا عَلَى‬
‫الْ َ‬
‫عَ ُدوّهِمْ فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (‪)14‬‬

‫حوَارِيّينَ مَنْ أَ ْنصَارِي ِإلَى اللّهِ‬


‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَ ْنصَارَ اللّهِ َكمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِ ْل َ‬
‫ل َو َكفَرَتْ طَا ِئفَةٌ فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫حوَارِيّونَ نَحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِي َ‬
‫قَالَ الْ َ‬
‫عَلَى عَ ُدوّهِمْ فََأصْ َبحُوا ظَاهِرِينَ (‪} )14‬‬
‫يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار ال في جميع أحوالهم ‪ ،‬بأقوالهم وأفعالهم‬
‫وأنفسهم وأموالهم ‪ ،‬وأن يستجيبوا ل ولرسوله ‪ ،‬كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال ‪ { :‬مَنْ‬
‫حوَارِيّونَ } ‪ -‬وهم أتباع‬
‫أَ ْنصَارِي إِلَى اللّهِ } ؟ أي ‪ :‬معيني في الدعوة إلى ال عز وجل ؟ { قَالَ ا ْل َ‬
‫عيسى عليه السلم ‪َ { : -‬نحْنُ أَ ْنصَارُ اللّهِ } أي ‪ :‬نحن أنصارك على ما أرسلت به ومُوَازروك‬
‫على ذلك ؛ ولهذا بعثهم دعاةً إلى الناس في بلد الشام في السرائيليين واليونانيين‪ .‬وهكذا كان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول في أيام الحج ‪" :‬من رجل يُؤويني حتى أبلغ رسالة ربي ‪،‬‬
‫فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي" (‪ )1‬حتى قيّض ال عز وجل له الوس والخزرج من‬
‫أهل المدينة ‪ ،‬فبايعوه ووازروه ‪ ،‬وشارطوه أن يمنعوه من السود والحمر إن هو هاجر إليهم ‪،‬‬
‫فلما هاجر إليهم بمن معه من أصحابه َوفَوا له بما عاهدوا ال عليه ؛ ولهذا سماهم ال ورسوله ‪:‬‬
‫النصار ‪ ،‬وصار ذلك علما عليهم ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬وأرضاهم‪ .‬وقوله ‪ { :‬فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ‬
‫ل َوكَفَ َرتْ طَا ِئفَةٌ } أي ‪ :‬لما بلغ عيسى ابن مريم عليه السلم رسالة ربه إلى قومه ‪،‬‬
‫بَنِي إِسْرَائِي َ‬
‫ووازره من وازره من الحواريين ‪ ،‬اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به ‪ ،‬وضلت طائفة‬
‫فخرجت عما جاءهم به ‪ ،‬وجحدوا نبوته ‪ ،‬ورموه وأمه بالعظائم ‪ ،‬وهم اليهود ‪ -‬عليهم لعائن ال‬
‫المتتابعة إلى يوم القيامة ‪ -‬وغلت فيه طائفة ممن اتبعه ‪ ،‬حتى رفعوه فوق ما أعطاه ال من النبوة‬
‫‪ ،‬وافترقوا فِرَقا وشِيَعا ‪ ،‬فمن قائل منهم ‪ :‬إنه ابن ال‪ .‬وقائل ‪ :‬إنه ثالث ثلثة ‪ :‬الب ‪ ،‬والبن ‪،‬‬
‫وروح القدس‪ .‬ومن قائل ‪ :‬إنه ال‪ .‬وكل هذه القوال مفصلة في سورة النساء‪.‬‬
‫ع ُدوّهِمْ } أي ‪ :‬نصرناهم على من عاداهم من فِرَق النصارى ‪{ ،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى َ‬
‫فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } أي ‪ :‬عليهم ‪ ،‬وذلك ببعثة محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬كما قال المام أبو‬
‫جعفر بن جرير رحمه ال‪.‬‬
‫حدثني أبو السائب ‪ ،‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن المِنْهال ‪ -‬يعني ابن عمرو ‪ -‬عن‬
‫سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬لما أراد ال عز وجل أن يرفع عيسى إلى‬
‫السماء ‪ ،‬خرج إلى أصحابه وهم في بيت اثنا عشر رجل من عين في البيت ‪ ،‬ورأسه يقطر ماء ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬إن منكم من يكفر بي اثنتي عشر (‪ )2‬مرة بعد أن آمن بي‪ .‬قال ‪ :‬ثم قال ‪ :‬أيكم يلقى عليه‬
‫شبهي فيقتل مكاني ‪ ،‬ويكون معي في درجتي ؟ قال ‪ :‬فقام شاب من أحدثهم سنا فقال ‪ :‬أنا‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقال له ‪ :‬اجلس‪ .‬ثم أعاد عليهم ‪ ،‬فقام الشاب فقال ‪ :‬أنا‪ .‬فقال له ‪ :‬اجلس‪ .‬ثم عاد عليهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )3/322‬من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اثنتى عشرة"‪.‬‬

‫( ‪)8/113‬‬

‫فقام الشاب ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنا‪ .‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬أنت ذاك‪ .‬قال ‪ :‬فألقي عليه شبه عيسى ‪ ،‬ورُفع عيسى عليه‬
‫السلم من روزَنة في البيت إلى السماء ‪ ،‬قال ‪ :‬وجاء الطَلبُ من اليهود ‪ ،‬فأخذوا شِبهَه فقتلوه‬
‫وصلبوه ‪ ،‬وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ‪ ،‬فتفرقوا فيه ثلث فرق‪ .‬فقالت فرقة‬
‫‪ :‬كان ال فينا ما شاء ‪ ،‬ثم صعد إلى السماء‪ .‬وهؤلء اليعقوبية‪ .‬وقالت فرقة ‪ :‬كان فينا ابن ال ما‬
‫شاء ‪ ،‬ثم رفعه إليه وهؤلء النسطورية ‪ ،‬وقالت فرقة كان فينا عبد ال ورسوله ما شاء ال ثم‬
‫رفعه اليه ‪ ،‬وهؤلء المسلمون فتظاهرت الكافرتان على المسلمة ‪ ،‬فقتلوها ‪ ،‬فلم يزل السلم‬
‫ل َو َكفَرَتْ طَا ِئفَةٌ‬
‫طامسا حتى بعث ال محمدا صلى ال عليه وسلم ‪ { ،‬فَآمَ َنتْ طَا ِئفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِي َ‬
‫} يعني ‪ :‬الطائفة التي كفرت من بني إسرائيل في زمن عيسى ‪ ،‬والطائفة التي آمنت في زمن‬
‫عيسى ‪ { ،‬فَأَيّدْنَا الّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَ ُدوّهِمْ فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ } بإظهار محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫دينهم على دين الكفار { فََأصْبَحُوا ظَاهِرِينَ }‬
‫هذا لفظه في كتابه عند تفسير هذه الية الكريمة‪ .‬وهكذا رواه النسائي عند تفسير هذه الية من‬
‫سننه ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب عن محمد بن العلء ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬بمثله سواء (‪.)1‬‬
‫فأمة محمد صلى ال عليه وسلم ل يزالون ظاهرين على الحق ‪ ،‬حتى يأتي أمر ال وهم كذلك ‪،‬‬
‫وحتى يقاتل آخرهم الدجال مع المسيح عيسى ابن مريم عليه السلم ‪ ،‬كما وردت [بذلك] (‪)2‬‬
‫الحاديث الصحاح ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪ )28/60‬وسنن النسائي الكبري برقم (‪.)11591‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/114‬‬

‫حكِيمِ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي‬


‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي‬
‫الُْأمّيّينَ رَسُولًا مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آَيَا ِت ِه وَيُ َزكّيهِمْ وَ ُيعَّلمُهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ‬
‫حكِيمُ (‪ )3‬ذَِلكَ َف ْ‬
‫حقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ )2‬وَآَخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَلْ َ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪)4‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬

‫تفسير سورة الجمعة‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫عن ابن عباس ‪ ،‬وأبي هريرة ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ في صلة الجمعة‬
‫بسورة الجمعة والمنافقين‪ .‬رواه مسلم في صحيحه (‪.)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حكِيمِ (‪ُ )1‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ ا ْلعَزِيزِ ا ْل َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ ُيسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي‬
‫المّيّينَ َرسُول مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ آيَا ِت ِه وَيُ َزكّيهِمْ وَ ُيعَّلمُهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ‬
‫حكِيمُ (‪ )3‬ذَِلكَ َف ْ‬
‫حقُوا ِبهِ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ضَللٍ مُبِينٍ (‪ )2‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَلْ َ‬
‫ضلِ ا ْلعَظِيمِ (‪} )4‬‬
‫يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو ا ْل َف ْ‬
‫يخبر تعالى أنه يُسبّح له ما في السموات وما في الرض ‪ ،‬أي ‪ :‬من جميع المخلوقات ناطقها‬
‫حمْ ِدهِ } [السراء ‪]44 :‬‬
‫شيْءٍ إِل يُسَبّحُ بِ َ‬
‫وجامدها ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِنْ مِنْ َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬ا ْلمَِلكِ ا ْلقُدّوسِ } أي ‪ :‬هو مالك السموات والرض المتصرف فيهما بحكمه ‪ ،‬وهو‬
‫حكِيمُ } تقدم تفسيره‬
‫{ ا ْلقُدّوسِ } أي ‪ :‬المنزه عن النقائص ‪ ،‬الموصوف بصفات الكمال { ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫غير مرة‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي المّيّينَ رَسُول مِ ْنهُمْ } الميون هم ‪ :‬العرب كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ب وَالمّيّينَ أََأسَْلمْتُمْ فَإِنْ َأسَْلمُوا َفقَدِ اهْتَ َدوْا وَإِنْ َتوَّلوْا فَإِ ّنمَا عَلَ ْيكَ الْبَلغُ‬
‫{ َو ُقلْ لِلّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ‬
‫وَاللّهُ َبصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ } [آل عمران ‪ ]314 :‬وتخصيص الميين بالذكر ل ينفي من عداهم ‪ ،‬ولكن‬
‫ك وَِلقَ ْو ِمكَ } [الزخرف ‪ ]44 :‬وهو ذكر‬
‫المنة عليهم أبلغ وآكد ‪ ،‬كما في قوله ‪ { :‬وَإِنّهُ لَ ِذكْرٌ َل َ‬
‫عشِيرَ َتكَ القْرَبِينَ } [الشعراء ‪ ]214 :‬وهذا وأمثاله ل‬
‫لغيرهم يتذكرون به‪ .‬وكذا قوله ‪ { :‬وَأَنْذِرْ َ‬
‫جمِيعًا } [العراف ‪ ]158 :‬وقوله ‪:‬‬
‫ينافي قوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا النّاسُ إِنّي َرسُولُ اللّهِ إِلَ ْيكُمْ َ‬
‫{ لنْذِ َر ُكمْ بِ ِه َومَنْ بَلَغَ } [النعام ‪ ]19 :‬وقوله إخبارا عن القرآن ‪َ { :‬ومَنْ َي ْكفُرْ بِهِ مِنَ الحْزَابِ‬
‫فَالنّارُ َموْعِ ُدهُ } [هود ‪ ، ]17 :‬إلى غير ذلك من اليات الدالة على عموم بعثته صلوات ال‬
‫وسلمه عليه إلى جميع الخلق (‪ )2‬أحمرهم وأسودهم ‪ ،‬وقد قدمنا تفسير ذلك في سورة النعام ‪،‬‬
‫باليات والحاديث الصحيحة ‪ ،‬ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )877‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬وبرقم (‪ )879‬من حديث‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الثقلين"‪.‬‬

‫( ‪)8/115‬‬

‫وهذه الية هي مصداق إجابة ال لخليله إبراهيم ‪ ،‬حين دعا لهل مكة أن يبعث ال فيهم رسول‬
‫منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ .‬فبعثه ال سبحانه وتعالى وله الحمد‬
‫طمُوس من السبل ‪ ،‬وقد اشتدت الحاجة إليه ‪ ،‬وقد مقت ال‬
‫والمنة ‪ ،‬على حين فترة من الرسل ‪ ،‬و ُ‬
‫أهلَ الرض عربهم وعجمهم ‪ ،‬إل بقايا من أهل الكتاب ‪ -‬أي ‪ :‬نزرا يسيرا ‪ -‬ممن تمسك بما‬
‫بعث ال به عيسى ابن مريم عليه السلم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َب َعثَ فِي المّيّينَ َرسُول‬
‫ح ْكمَ َة وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَللٍ مُبِينٍ }‬
‫ب وَالْ ِ‬
‫مِ ْنهُمْ يَتْلُو عَلَ ْيهِمْ آيَاتِ ِه وَيُ َزكّيهِ ْم وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَا َ‬
‫وذلك أن العرب كانوا [قديما] (‪ )1‬متمسكين بدين إبراهيم [الخليل] (‪ )2‬عليه السلم فبدلوه وغيروه‬
‫‪ ،‬وقلبوه وخالفوه ‪ ،‬واستبدلوا بالتوحيد شركا (‪ )3‬وباليقين شكا ‪ ،‬وابتدعوا أشياء لم يأذن بها ال (‬
‫‪ )4‬وكذلك أهل الكتابين قد بدلوا كتبهم وحرفوها وغيروها وأولوها ‪ ،‬فبعث ال محمدًا صلوات ال‬
‫وسلمه عليه بشرع عظيم كامل شامل لجميع الخلق ‪ ،‬فيه هدايتهم ‪ ،‬والبيان لجميع ما يحتاجون‬
‫إليه من أمر معاشهم ومعادهم ‪ ،‬والدعوة لهم إلى ما يقربهم إلى الجنة ‪ ،‬ورضا ال عنهم ‪ ،‬والنهي‬
‫عما يقربهم إلى النار وسخط ال‪ .‬حاكم ‪ ،‬فاصل لجميع الشبهات والشكوك والريب في الصول‬
‫والفروع‪ .‬وجمَعَ له تعالى ‪ ،‬وله الحمد والمنة ‪ ،‬جميع المحاسن ممن كان قبله ‪ ،‬وأعطاه ما لم يُعطِ‬
‫أحدًا من الولين ‪ ،‬ول يعطيه أحدًا من الخرين ‪ ،‬فصلوات ال وسلمه عليه [دائمًا] (‪ )5‬إلى يوم‬
‫الدين‪.‬‬
‫حكِيمُ } قال المام أبو عبد ال البخاري‬
‫حقُوا ِب ِه ْم وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَ ْل َ‬
‫رحمه ال‪.‬‬
‫حدثنا عبد العزيز بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا سليمان بن بلل ‪ ،‬عن ثور ‪ ،‬عن أبي الغَيث ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنا جلوسا عند النبي صلى ال عليه وسلم فأنزلت عليه سورة‬
‫حقُوا ِب ِهمْ } قالوا ‪ :‬من هم يا رسول ال ؟ فلم يراجعهم حتى سئل‬
‫الجمعة ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَ ْل َ‬
‫ثلثا ‪ ،‬وفينا سلمان الفارسي ‪ ،‬فوضع رسول ال صلى ال عليه وسلم يده على سلمان ثم قال ‪" :‬لو‬
‫كان اليمان عند الثّرَيّا لناله رجال ‪ -‬أو ‪ :‬رجل ‪ -‬من هؤلء"‪.‬‬
‫ورواه مسلم ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من طرق عن ثور بن زيد‬
‫الدّيلي (‪ )6‬عن سالم أبي الغيث ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به (‪)7‬‬
‫ففي هذا الحديث دليل على أن هذه السورة مدنية ‪ ،‬وعلى عموم بعثته صلى ال عليه وسلم إلى‬
‫جميع الناس ؛ لنه فسر قوله ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ } بفارس ؛ ولهذا كتب كتبه إلى فارس والروم‬
‫وغيرهم من المم ‪ ،‬يدعوهم إلى ال عز وجل ‪ ،‬وإلى اتباع ما جاء به ؛ ولهذا قال مجاهد وغير‬
‫حقُوا ِبهِمْ } قال ‪ :‬هم العاجم ‪ ،‬وكل من صدق النبي صلى‬
‫واحد في قوله ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَ ْل َ‬
‫ال عليه وسلم من غير العرب‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬شركا فيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬لم يأذن ال بها"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الديلمي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ )4897‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2546‬وسنن الترمذي برقم (‪)3310‬‬
‫وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11592‬وتفسير الطبري (‪.)28/62‬‬

‫( ‪)8/116‬‬

‫سفَارًا بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ َكذّبُوا‬


‫ح ِملُ أَ ْ‬
‫حمَارِ َي ْ‬
‫حمِلُوهَا َكمَ َثلِ الْ ِ‬
‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ُثمّ َلمْ يَ ْ‬
‫مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬
‫عمْتُمْ أَ ّن ُكمْ َأوْلِيَاءُ لِلّهِ مِنْ‬
‫بِآَيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ُ )5‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا إِنْ زَ َ‬
‫دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )6‬وَلَا يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَبَدًا ِبمَا َق ّد َمتْ أَيْدِيهِ ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫بِالظّاِلمِينَ (‪ُ )7‬قلْ إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلَاقِيكُمْ ُثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)8‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن العلء الزبيدي (‪ )1‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪،‬‬
‫حدثنا أبو محمد عيسى بن موسى ‪ ،‬عن أبي حازم ‪ ،‬عن سهل بن سعد الساعدي قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن في أصلب أصلب أصلب رجال [من أصحابي رجال] (‪)2‬‬
‫حقُوا ِبهِمْ } (‪ )3‬يعني ‪:‬‬
‫ونساء من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب" ثم قرأ ‪ { :‬وَآخَرِينَ مِ ْنهُمْ َلمّا يَلْ َ‬
‫بقية من بقي من أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حكِيمُ } أي ‪ :‬ذو العزة والحكمة في شرعه وقدره‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫ضلُ اللّهِ ُيؤْتِيهِ مَنْ يَشَا ُء وَاللّهُ ذُو ا ْل َفضْلِ ا ْلعَظِيمِ } يعني ‪ :‬ما أعطاه ال محمدا‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ َف ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم من النبوة العظيمة ‪ ،‬وما خص به أمته من بعثته صلى ال عليه وسلم إليهم‪.‬‬
‫سفَارًا بِئْسَ مَ َثلُ ا ْل َقوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا‬
‫ح ِملُ َأ ْ‬
‫حمَارِ يَ ْ‬
‫حمِلُوهَا َكمَ َثلِ ا ْل ِ‬
‫حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ثُمّ لَمْ َي ْ‬
‫{ مَ َثلُ الّذِينَ ُ‬
‫عمْ ُتمْ أَ ّنكُمْ َأوْلِيَاءُ لِلّهِ مِنْ‬
‫بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّ ُه ل َي ْهدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ (‪ُ )5‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا إِنْ زَ َ‬
‫دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ )6‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَ َبدًا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫بِالظّاِلمِينَ (‪ُ )7‬قلْ إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ ثُمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )8‬‬
‫يقول تعالى ذامّا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ‪ ،‬فلم يعملوا بها ‪ ،‬مثلهم في ذلك‬
‫كمثل الحمار يحمل أسفارا ‪ ،‬أي ‪ :‬كمثل الحمار إذا حمل كتبا ل يدري ما فيها ‪ ،‬فهو يحملها حمل‬
‫حسيا (‪ )4‬ول يدري ما عليه‪ .‬وكذلك هؤلء في حملهم الكتاب الذي أوتوه ‪ ،‬حفظوه لفظا ولم‬
‫يفهموه (‪ )5‬ول عملوا بمقتضاه ‪ ،‬بل أولوه وحرفوه وبدلوه ‪ ،‬فهم أسوأ حال من الحمير ؛ لن‬
‫الحمار ل فهمَ له ‪ ،‬وهؤلء لهم فهوم لم يستعملوها ؛ ولهذا قال في الية الخرى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ‬
‫ضلّ أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلغَافِلُونَ } [العراف ‪ ]179 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬بِ ْئسَ مَ َثلُ ا ْلقَوْمِ الّذِينَ‬
‫كَالنْعَامِ َبلْ هُمْ َأ َ‬
‫كَذّبُوا بِآيَاتِ اللّ ِه وَاللّهُ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ الظّاِلمِينَ }‬
‫وقال المام أحمد رحمه ال ‪ :‬حدثنا ابن ُنمَير ‪ ،‬عن مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من تكلم يوم الجمعة والمام يخطب ‪ ،‬فهو كمثل الحمار‬
‫يحمل أسفارا ‪ ،‬والذي يقول له "أنصت" ‪ ،‬ليس له جمعة" (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من الدر المنثور‪ .‬مستفادًا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )6/201‬وابن أبي عاصم في السنة برقم (‪ )309‬من‬
‫طريق الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن أبي محمد ‪ -‬عيسى بن موسى ‪ -‬به ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‬
‫‪" : )10/408‬إسناده جيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حسنًا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ولم يتفهموه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/230‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )2/184‬فيه مجالد بن سعيد وقد ضعفه الناس‬
‫ووثقه النسائي في رواية"‪.‬‬

‫( ‪)8/117‬‬

‫عمْتُمْ أَ ّن ُكمْ َأوْلِيَاءُ لِلّهِ مِنْ دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ إِنْ‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ هَادُوا إِنْ زَ َ‬
‫كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬إن كنتم تزعمون أنكم على هدى ‪ ،‬وأن محمدا وأصحابه على ضللة ‪،‬‬
‫فادعوا بالموت على الضال من الفئتين { إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ } فيما تزعمونه‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَل يَ َتمَ ّنوْنَهُ أَ َبدًا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَ ْيدِيهِمْ } أي ‪ :‬بما يعلمون لهم (‪ )1‬من الكفر والظلم‬
‫علِيمٌ بِالظّاِلمِينَ } وقد قدمنا في سورة "البقرة" الكلم على هذه المباهلة لليهود ‪،‬‬
‫والفجور ‪ { ،‬وَاللّهُ َ‬
‫حيث قال تعالى ‪ُ { :‬قلْ إِنْ كَا َنتْ َلكُمُ الدّارُ الخِ َرةُ عِ ْندَ اللّهِ خَاِلصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَ َتمَ ّنوُا ا ْل َم ْوتَ‬
‫إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ وَلَنْ يَ َتمَ ّنوْهُ أَ َبدًا ِبمَا قَ ّد َمتْ أَيْدِي ِه ْم وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّاِلمِينَ وَلَتَجِدَ ّنهُمْ أَحْ َرصَ النّاسِ‬
‫عَلَى حَيَا ٍة َومِنَ الّذِينَ أَشْ َركُوا َيوَدّ َأحَدُ ُهمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَ ْلفَ سَنَ ٍة َومَا ُهوَ ِبمُزَحْ ِزحِهِ مِنَ ا ْلعَذَابِ أَنْ ُي َعمّرَ‬
‫وَاللّهُ َبصِيرٌ ِبمَا َي ْعمَلُونَ } [البقرة ‪ ]96 - 94 :‬وقد أسلفنا الكلم هناك وبينا أن المراد أن يدعوا‬
‫على الضال (‪ )2‬من أنفسهم أو خصومهم ‪ ،‬كما تقدمت مباهلة النصارى في آل عمران ‪َ { :‬فمَنْ‬
‫جكَ فِيهِ مِنْ َبعْدِ مَا جَا َءكَ مِنَ ا ْلعِلْمِ َف ُقلْ َتعَاَلوْا َن ْدعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَا َءكُ ْم وَنِسَاءَنَا وَنِسَا َءكُمْ وَأَنْفُسَنَا‬
‫حَا ّ‬
‫ج َعلْ َلعْنَةَ اللّهِ عَلَى ا ْلكَاذِبِينَ } [آل عمران ‪ ]61 :‬ومباهلة المشركين في سورة‬
‫س ُكمْ ثُمّ نَبْ َت ِهلْ فَنَ ْ‬
‫وَأَنْفُ َ‬
‫حمَنُ مَدّا } [مريم ‪]75 :‬‬
‫مريم ‪ُ { :‬قلْ مَنْ كَانَ فِي الضّللَةِ فَلْ َيمْدُدْ لَهُ الرّ ْ‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد ‪ ،‬حدثنا فرات ‪ ،‬عن (‪ )3‬عبد‬
‫الكريم بن مالك الجزري ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال أبو جهل لعنه ال ‪ :‬إن رأيتُ‬
‫محمدا عند الكعبة لتينّه حتى أطأ على عُنُقه‪ .‬قال ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو‬
‫فعل لخذَته الملئكة عيانًا ‪ ،‬ولو أن اليهود َتمَنّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من (‪ )4‬النار‪ .‬ولو‬
‫خرج الذين يُباهلون رسول ال صلى ال عليه وسلم لرجعوا ل يجدون مال ول أهل‪.‬‬
‫رواه البخاري والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق عن معمر ‪ ،‬عن عبد الكريم ‪[ ،‬به]‬
‫(‪ )6( )5‬قال البخاري ‪" :‬وتبعه (‪ )7‬عمرو بن خالد ‪ ،‬عن عبيد ال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الكريم"‪.‬‬
‫ورواه النسائي ‪ ،‬أيضا عن عبد الرحمن بن عبد ال الحلَبِي ‪ ،‬عن عبيد ال بن عمرو الرقي ‪ ،‬به‬
‫أتم (‪)8‬‬
‫شهَا َدةِ‬
‫وقوله تعالى ‪ُ { :‬قلْ إِنّ ا ْل َم ْوتَ الّذِي َتفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلقِيكُمْ ُثمّ تُرَدّونَ إِلَى عَالِمِ ا ْلغَ ْيبِ وَال ّ‬
‫ت وََلوْ كُنْتُمْ‬
‫فَيُنَبّ ُئكُمْ ِبمَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } كقوله تعالى في سورة النساء ‪ { :‬أَيْ َنمَا َتكُونُوا يُدْ ِر ُككُمُ ا ْل َموْ ُ‬
‫فِي بُرُوجٍ مُشَيّ َدةٍ } [النساء ‪]78 :‬‬
‫وفي معجم الطبراني من حديث معاذ محمد بن محمد الهذلي ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن‬
‫سمُرَة مرفوعا ‪" :‬مثل الذي يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الرض بدين ‪ ،‬فجاء يسعى حتى‬
‫َ‬
‫حصَاص ‪ ،‬فلم يزل‬
‫إذا أعيا وانبهر دخل جحره ‪ ،‬فقالت له الرض ‪ :‬يا ثعلب ديني‪ .‬فخرج له ُ‬
‫كذلك حتى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬الضلل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪ )1/248‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4958‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3348‬وسنن‬
‫النسائي الكبرى برقم (‪.)11685‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وتابعه"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11061‬‬

‫( ‪)8/118‬‬

‫تقطعت عنقه ‪ ،‬فمات"‪)1( .‬‬


‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )7/222‬ورواه العقيلي في الضعفاء (‪ )4/200‬ومن طريقه ابن الجوزى في‬
‫العلل المتناهية (‪ )2/405‬وقال ابن الجوزي ‪" :‬هذا حديث ل يصح عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬ومعاذ في حديثه وهم ‪ ،‬ول يتابع على رفعه ‪ ،‬وإنما هو موقوف على سمرة"‪.‬‬

‫( ‪)8/119‬‬

‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ‬


‫ج ُمعَةِ فَا ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِذَا نُو ِديَ لِلصّلَاةِ مِنْ َيوْمِ ا ْل ُ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُوا اللّهَ‬
‫ض وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬
‫إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )9‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّلَاةُ فَانْ َتشِرُوا فِي الْأَ ْر ِ‬
‫كَثِيرًا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )10‬وَإِذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا ُقلْ مَا عِ ْندَ اللّهِ خَيْرٌ‬
‫مِنَ الّل ْهوِ َومِنَ التّجَا َر ِة وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪)11‬‬

‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّ ِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَِل ُكمْ خَيْرٌ‬


‫ج ُمعَةِ فَا ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ الْ ُ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَا ْذكُرُوا‬
‫َلكُمْ إِنْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ (‪ )9‬فَإِذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ فَانْتَشِرُوا فِي ال ْرضِ وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬
‫اللّهَ كَثِيرًا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ (‪ )10‬وَإِذَا رََأوْا ِتجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْنفَضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا ُقلْ مَا عِنْدَ اللّهِ‬
‫خَيْرٌ مِنَ الّل ْهوِ َومِنَ التّجَا َر ِة وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ (‪} )11‬‬
‫إنما سميت الجمعة جمعة ؛ لنها مشتقة من الجمع ‪ ،‬فإن أهل السلم يجتمعون فيه في كل أسبوع‬
‫مَ ّرةً بالمعابد الكبار وفيه َكمُل جميع الخلئق ‪ ،‬فإنه اليوم السادس من الستة التي خلق ال فيها‬
‫السموات والرض‪ .‬وفيه خلق (‪ )1‬آدم ‪ ،‬وفيه أدخل الجنة ‪ ،‬وفيه أخرج منها‪ .‬وفيه تقوم الساعة‪.‬‬
‫وفيه ساعة ل يوافقها عبد مؤمن يسأل ال فيها خيرا إل أعطاه (‪ )2‬إياه كما ثبتت بذلك الحاديث‬
‫الصحاح (‪)3‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن أبي‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثنا عَبِيدة بن ُ‬
‫معشر ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة ‪ ،‬عن قَرْثَع الضبي ‪ ،‬حدثنا سلمان قال ‪ :‬قال أبو القاسم صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬يا سلمان ‪ ،‬ما يوم الجمعة ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ .‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬يوم جُمع فيه أبواك ‪ -‬أو أبوكم" (‪)4‬‬
‫وقد رُوي عن أبي هُريرة ‪ ،‬من كلمه ‪ ،‬نحو هذا ‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وقد كان يقال له في اللغة القديمة يوم العروبة‪ .‬وثبت أن المم قبلنا أمروا به َفضَلّوا عنه ‪ ،‬واختار‬
‫اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق (‪ )5‬واختار النصارى يو َم الحد الذي ابتدئ فيه الخلق ‪،‬‬
‫واختار ال لهذه المة [يوم] (‪ )6‬الجمعة الذي أكمل ال فيه الخَليقَةَ ‪ ،‬كما أخرجه البخاري ومسلم‬
‫من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن همام بن مُنَبّه قال ‪ :‬هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬نحن الخرون السابقون يوم القيامة ‪ ،‬بيد أنهم أوتوا الكتاب من‬
‫قبلنا‪ .‬ثم هذا يَومُهم الذي فَرض ال عليهم ‪ ،‬فاختلفوا فيه ‪ ،‬فهدانا ال له ‪ ،‬فالناس لنا فيه تَبَعٌ ‪،‬‬
‫اليهود غدًا ‪ ،‬والنصارى بعد غد" (‪ )7‬لفظ البخاري‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬خلق ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أعطاه ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬منها حديث أبي هريرة رضي ال عنه رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )854‬وبرقم (‪)852‬‬
‫وحديث أوس بن أوس رضي ال عنه رواه أحمد في المسند (‪.)4/8‬‬
‫(‪ )4‬رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )6/237‬والحاكم في المستدرك (‪ )1/277‬من طريق جرير‬
‫بن عبد الحميد ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن أبي معشر به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السنلد واحتج‬
‫الشيخان بجميع رواية غير قرثع سمعت أبا علي القاري يقول ‪ :‬أردت أن أجمع مسانيد قرثع‬
‫الضبي فإنه من زهاد التابعين فلم يسند تمام العشرة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬خلق آدم"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )7‬هذا اللفظ لم أقع عليه من هذا الطريق في صحيح البخاري وهو في صحيح مسلم برقم (‬
‫‪ )855‬وهذا لفظه‪.‬‬

‫( ‪)8/119‬‬

‫وفي لفظ لمسلم ‪" :‬أضل ال من كان قبلنا (‪ )1‬فكان لليهود يوم السبت ‪ ،‬وكان للنصارى يوم‬
‫الحد‪ .‬فجاء ال بنا فهدانا ال ليوم الجمعة ‪ ،‬فجعل الجمعة والسبت والحد ‪ ،‬وكذلك هم تبع لنا يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬نحن الخرون من أهل الدنيا ‪ ،‬والولون يوم القيامة ‪ ،‬المقضي بينهم (‪ )2‬قبل الخلئق"‪.‬‬
‫وقد أمر ال المؤمنين بالجتماع لعبادته يوم الجمعة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُو ِديَ‬
‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّهِ } أي ‪ :‬اقصدوا واعمدوا (‪ )3‬واهتموا في مَسيركم‬
‫ج ُمعَةِ فَا ْ‬
‫لِلصّلةِ مِنْ َيوْمِ ا ْل ُ‬
‫إليها ‪ ،‬وليس المراد بالسعي هاهنا المشي السريع ‪ ،‬وإنما هو الهتمام بها ‪ ،‬كقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ‬
‫سعْ َيهَا وَ ُهوَ ُم ْؤمِنٌ } [السراء ‪ ]19 :‬وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود‬
‫سعَى َلهَا َ‬
‫أَرَا َد الخِ َر َة وَ َ‬
‫رضي ال عنهما يقرآنها ‪" :‬فامضوا إلى ذكر ال"‪ .‬فأما المشي السريع إلى الصلة فقد نهي عنه ‪،‬‬
‫لما أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا سمعتم‬
‫القامة فامشوا إلى الصلة ‪ ،‬وعليكم السكينة والوقار ‪ ،‬ول تُسرِعوا ‪ ،‬فما أدركتم فصَلّوا ‪ ،‬وما‬
‫فاتكم فأتموا"‪ .‬لفظ البخاري (‪)4‬‬
‫وعن أبي قتادة قال ‪ :‬بينما نحن ُنصَلي مع النبي صلى ال عليه وسلم إذ سمع جَلَبة رجال ‪ ،‬فلما‬
‫صلى قال ‪" :‬ما شأنكم ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬استعجلنا إلى الصلة‪ .‬قال ‪" :‬فل تفعلوا ‪ ،‬إذا أتيتم الصلة‬
‫فامشوا وعليكم بالسكينة (‪ )5‬فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"‪ .‬أخرجاه (‪)6‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أقيمت الصلة فل تأتوها تسعون ‪ ،‬ولكن‬
‫ائتوها تمشون ‪ ،‬وعليكم السكينة والوقار ‪ ،‬فما أدركتم فصلوا ‪ ،‬وما فاتكم فأتموا"‪.‬‬
‫رواه الترمذي ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق كذلك (‪ )7‬وأخرجه من طريق يزيد بن زُرَيع ‪ ،‬عن معمر‬
‫‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬بمثله (‪)8‬‬
‫قال الحسن أما وال ما هو بالسعي على القدام ‪ ،‬ولقد ُنهُوا أن يأتوا الصلة إل وعليهم السكينة‬
‫والوقار ‪ ،‬ولكن بالقلوب والنية والخشوع‪.‬‬
‫س َعوْا إِلَى ِذكْرِ اللّهِ } يعني ‪ :‬أن تسعى بقلبك وعملك ‪ ،‬وهو المشي‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬فَا ْ‬
‫س ْعيَ } [الصافات ‪ ]102 :‬أي ‪ :‬المشي معه‪.‬‬
‫إليها ‪ ،‬وكان يتأولُ قوله تعالى ‪ { :‬فََلمّا بَلَغَ َمعَهُ ال ّ‬
‫روي عن محمد بن كعب ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وغيرهما نحو ذلك‪.‬‬
‫ويستحَب لمن جاء الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها ‪ ،‬لما ثبت في الصحيحين عن عبد ال بن‬
‫عمَر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا جاء أحدُكم الجمعةَ فَلْيغتسل" (‪)9‬‬
‫ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬بعدها في أ ‪" :‬ثم هذا يومهم الذي فرض ال عليهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬واعبدوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)856‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فعليكم السكينة والوقار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )636‬وصحيح مسلم برقم (‪.)602‬‬
‫(‪ )7‬سنن الترمذي برقم (‪.)328‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪.)327‬‬
‫(‪ )9‬صحيح البخاري برقم (‪ )877‬وصحيح مسلم برقم (‪.)844‬‬

‫( ‪)8/120‬‬

‫ولهما عن أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "غُسلُ يوم‬
‫الجمعة واجب على كل مُح َتلِم" (‪)1‬‬
‫وعن أبي هُرَيرة ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬حق ل على كل مسلم أن يغتسل‬
‫في كل سبعة أيام ‪ ،‬يغسل رأسه وجسده"‪ .‬رواه مسلم (‪)2‬‬
‫وعن جابر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬على كل رجل مسلم‬
‫في كل سبعة أيام غسل يوم ‪ ،‬وهو يوم الجمعة"‪ .‬رواه أحمد ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن حبان (‪)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن الوزاعي ‪ ،‬عن حسان بن‬
‫عطية ‪ ،‬عن أبي الشعث الصنعاني ‪ ،‬عن أوس بن أوس الثقفي قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬من غَسّل واغتسل يوم الجمعة ‪ ،‬وبكر وابتكر ‪ ،‬ومشى ولم يركب ‪ ،‬ودنا من‬
‫المام واستمع ولم َيلْغُ كان له بكل خطوة أجر سنة ‪ ،‬صيامها وقيامها"‪.‬‬
‫وهذا الحديث له طرق وألفاظ ‪ ،‬وقد أخرجه أهل السنن الربعة وحَسّنَهُ الترمذي (‪)4‬‬
‫وعن أبي هُرَيرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من اغتسل يوم‬
‫الجمعة غُسلَ الجنابة ‪ ،‬ثم راح فكأنما قرب بدنه ‪ ،‬ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ‪،‬‬
‫ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن ‪ ،‬ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب‬
‫دجاجة ‪ ،‬ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ‪ ،‬فإذا خرج المام حضرت الملئكة‬
‫يستمعون الذكر" أخرجاه (‪)5‬‬
‫ويستحب له أن يلبس أحسن ثيابه ‪ ،‬ويتطيب ويتسوك ‪ ،‬ويتنظف ويتطهر‪ .‬وفي حديث أبي سعيد‬
‫المتقدم ‪" :‬غسلُ يوم الجمعة واجب على كل محتلم ‪ ،‬والسواكُ ‪ ،‬وأن َيمَس من طيب أهله"‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن محمد بن إسحاق ‪ ،‬حدثني محمد بن إبراهيم‬
‫التيمي ‪ ،‬عن عمران بن أبي يحيى ‪ ،‬عن عبد ال بن كعب بن مالك ‪ ،‬عن أبي أيوب النصاري ‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من اغتسل يوم الجمعة ومَس من طيب أهله ‪ -‬إن‬
‫كان عنده ‪ -‬ولبس من أحسن ثيابه ‪ ،‬ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع (‪ - )6‬إن بدا له ‪ -‬ولم‬
‫يُؤذ أحدا ‪ ،‬ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ‪ ،‬كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الخرى" (‬
‫‪)7‬‬
‫وفي سنن أبي داود وابن ماجة ‪ ،‬عن عبد ال بن سلم ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أنه سمع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقول على المنبر ‪" :‬ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي‬
‫ِمهْنَته" (‪)8‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )879‬وصحيح مسلم برقم (‪.)846‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )897‬وصحيح مسلم برقم (‪.)849‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )3/304‬وسنن النسائي (‪ )3/92‬وصحيح ابن حبان برقم (‪" )558‬موارد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )4/104‬وسنن أبي داود برقم (‪ )345‬وسنن الترمذي برقم (‪ )496‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )3/95‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)1087‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )881‬وصحيح مسلم برقم (‪.)850‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬فركع"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)5/420‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪ )1078‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)1095‬‬

‫( ‪)8/121‬‬

‫وعن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة ‪،‬‬
‫سعَة أن يتخذ ثوبين لجمعته ‪ ،‬سوى‬
‫فرأى عليهم ثياب النّمار ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما على أحدكم إن وجد َ‬
‫ثوبي مهنته"‪ .‬رواه ابن ماجة (‪)1‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬إِذَا نُو ِديَ لِلصّلةِ } المراد بهذا النداء هو النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر ‪ ،‬فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه ‪،‬‬
‫فهذا هو المراد ‪ ،‬فأما النداء الول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫فإنما كان هذا لكثرة الناس ‪ ،‬كما رواه البخاري رحمه ال حيث قال ‪ :‬حدثنا آدم ‪ -‬هو ابن أبي‬
‫إياس ‪ -‬حدثنا ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن السائب بن يزيد قال ‪ :‬كان النداء يوم الجمعة‬
‫أولهُ إذا جلس المام على المنبر على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وعمر ‪ ،‬فلما‬
‫كان عثمان [بعد زمن] (‪ )2‬وكثر الناس ‪ ،‬زاد النداء الثاني (‪ )3‬على الزوراء (‪ )4‬يعني ‪ :‬يؤذن به‬
‫على الدار التي تسمى بالزوراء ‪ ،‬وكانت أرفع دار بالمدينة ‪ ،‬بقرب المسجد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو نعيم ‪ ،‬حدثنا محمد بن راشد المكحولى ‪ ،‬عن مكحول‬
‫‪ :‬أن النداء كان في يوم الجمعة مؤذن واحد حين يخرج المام ‪ ،‬ثم تقام الصلة ‪ ،‬وذلك النداء‬
‫الذي يحرم عنده البيع الشراء (‪ )5‬إذا نودي به ‪ ،‬فأمر عثمان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬أن ينادى قبل‬
‫خروج المام حتى يجتمع الناس‪.‬‬
‫وإنما يؤمر بحضور الجمعة [الرجال] (‪ )6‬الحرار دون النساء والعبيد والصبيان ‪ ،‬ويعذر‬
‫المسافر والمريض ‪ ،‬وقَيّم المريض ‪ ،‬وما أشبه ذلك من العذار ‪ ،‬كما هو مقرر في كتب الفروع‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَذَرُوا الْبَ ْيعَ } أي ‪ :‬اسعوا إلى ذكر ال واتركوا البيع إذا نودي للصلة ‪ :‬ولهذا اتفق‬
‫العلماء رضي ال عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني‪ .‬واختلفوا ‪ :‬هل يصح إذا تعاطاه متعاط‬
‫أم ل ؟ على قولين ‪ ،‬وظاهر الية عدم الصحة كما هو مقرر في موضعه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمْ خَيْرٌ َلكُمْ إِنْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر ال وإلى الصلة‬
‫خيرٌ لكم ‪ ،‬أي ‪ :‬في الدنيا والخرة إن كنتم تعلمون‪.‬‬
‫ضلِ اللّهِ }‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ } أي ‪ :‬فُرغ منها ‪ { ،‬فَانْتَشِرُوا فِي ال ْرضِ وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬
‫حجَر عليهم في التصرف بعد النداء وأمرهم بالجتماع ‪ ،‬أذن لهم بعد الفراغ في النتشار في‬
‫َلمّا َ‬
‫الرض والبتغاء من فضل ال‪ .‬كما كان عرَاك بن مالك رضي ال عنه إذا صلى الجمعة‬
‫انصرف فوقف على باب المسجد ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهم إني أجبتُ دعوتَك ‪ ،‬وصليتُ فريضتك ‪،‬‬
‫وانتشرت كما أمرتني ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )1096‬وقال البوصيري في الزوائد (‪" : )1/365‬هذا إسناد صحيح‬
‫رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما بين المعقوفين غير ثابت في الصحيح‪ .‬مستفادًا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )3‬في الصحيح ‪" :‬النداء الثالث" ومثله في سنن ابن ماجة ‪ ،‬كتاب القامة ‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫الذان يوم الجمعة ‪ ،‬حديث رقم (‪ 1/359 )1135‬مستفادًا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)912‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬الشراء والبيع"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/122‬‬
‫فارزقني من فضلك ‪ ،‬وأنت خير الرازقين‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وروي (‪ )1‬عن بعض السلف أنه قال ‪ :‬من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلة ‪ ،‬بارك ال‬
‫ضلِ‬
‫له سبعين مرة ‪ ،‬لقول ال تعالى ‪ { :‬فَإِذَا ُقضِ َيتِ الصّلةُ فَانْتَشِرُوا فِي ال ْرضِ وَابْ َتغُوا مِنْ َف ْ‬
‫اللّهِ }‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْذكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا َلعَّلكُمْ ُتفْلِحُونَ } أي ‪ :‬حال بيعكم وشرائكم ‪ ،‬وأخذكم وعَطَائكم ‪،‬‬
‫اذكروا ال ذكرا كثيرا ‪ ،‬ول تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الخرة ؛ ولهذا جاء في‬
‫الحديث ‪" :‬من دخل سوقا من السواق فقال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله‬
‫الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير كُتبت (‪ )2‬له ألفُ ألف حَسنة ‪ ،‬ومُحي عنه ألفُ ألف سَيئة" (‪)3‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ل يكون العبد من الذاكرين ال كثيرا ‪ ،‬حتى يذكر ال قائما وقاعدا ومضطجعا‪.‬‬
‫{ وَإِذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا ُقلْ مَا عِ ْندَ الِ خَيْرٌ مِنَ الّل ْهوِ َومِنَ التّجَا َرةِ‬
‫والُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ(‪} )11‬‬
‫يعاتب تبارك وتعالى على ما كان وقع من النصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي‬
‫قدمت المدينة يومئذ ‪ ،‬فقال تعالى ‪ { :‬وَِإذَا رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْن َفضّوا ِإلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا } أي ‪:‬‬
‫على المنبر تخطب‪ .‬هكذا ذكره غير واحد من التابعين ‪ ،‬منهم ‪ :‬أبو العالية ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وزيد بن‬
‫أسلم ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫وزعم مقاتل بن حيان ‪ :‬أن التجارة كانت لدحية بن خليفة قبل أن يسلم ‪ ،‬وكان معها طبل ‪،‬‬
‫فانصرفوا إليها وتركوا رسول ال صلى ال عليه وسلم قائمًا على المنبر إل القليل منهم‪ .‬وقد صَحّ‬
‫بذلك الخبر ‪ ،‬فقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬قَدمَت عيرٌ المدينة ‪،‬‬
‫حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬عن ُ‬
‫ورسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب ‪ ،‬فخرج الناس وبقي اثنا عشر رجل فنزلت ‪ { :‬وَإِذَا‬
‫رََأوْا تِجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا }‬
‫أخرجاه في الصحيحين ‪ ،‬من حديث سالم ‪ ،‬به (‪)4‬‬
‫حصَين ‪ ،‬عن سالم بن أبي‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى ‪ :‬حدثنا زكريا بن يحيى ‪ ،‬حدثنا هُشَيم ‪ ،‬عن ُ‬
‫الجعد وأبي سفيان ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬بينما النبي صلى ال عليه وسلم يخطب يوم‬
‫الجمعة ‪ ،‬فقدمت عيرٌ إلى المدينة ‪ ،‬فابتدرها أصحابُ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى لم‬
‫يبق مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إل اثنا عشر رجل فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"والذي نفسي بيده ‪ ،‬لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد ‪ ،‬لسال بكم الوادي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وروى أيضا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كتب ال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬رواه المام أحمد في المسند (‪)1/47‬‬
‫والترمذي في السنن برقم (‪ )8243‬وابن ماجة في السنن برقم (‪ )2235‬وقال الترمذي ‪" :‬هذا‬
‫حديث غريب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/313‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4899‬وصحيح مسلم برقم (‪.)863‬‬

‫( ‪)8/123‬‬

‫نارًا" ونزلت هذه الية ‪ { :‬وَإِذَا رََأوْا ِتجَا َرةً َأوْ َل ْهوًا ا ْن َفضّوا إِلَ ْيهَا وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا } وقال ‪ :‬كان في‬
‫الثني عشر الذين ثَبَتُوا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬رضي ال عنهما‬
‫(‪.)1‬‬
‫وفي قوله ‪ { :‬وَتَ َركُوكَ قَا ِئمًا } دليل على أن المام يخطب يوم الجمعة قائما‪ .‬وقد َروَى مسلم في‬
‫سمُرَة قال ‪ :‬كانت للنبي صلى ال عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما ‪ ،‬يقرأ‬
‫صحيحه عن جابر بن َ‬
‫القرآن ويذكر الناس‪.‬‬
‫ولكن هاهنا شيء ينبغي أن يُعلَم وهو ‪ :‬أن هذه القصة قد قيل ‪ :‬إنها كانت لما كان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يقدّم الصلة يوم الجمعة على الخطبة ‪ ،‬كما رواه أبو داود في كتاب‬
‫المراسيل ‪ :‬حدثنا محمود بن خالد ‪ ،‬عن الوليد ‪ ،‬أخبرني أبو معاذ ُبكَير بن مَعروف ‪ ،‬أنه سمع‬
‫ُمقَاتل بن حَيّان يقول ‪" :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل‬
‫العيدين ‪ ،‬حتى إذا كان يوم والنبي صلى ال عليه وسلم يخطب ‪ ،‬وقد صلى الجمعة ‪ ،‬فدخل رجل‬
‫فقال ‪ :‬إن دحيةَ بن خليفة قد قدمَ بتجارة (‪ )2‬يعني ‪ :‬فانفضوا ‪ ،‬ولم يبق معه إل نفر يسير‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ مَا عِنْدَ اللّهِ } أي ‪ :‬الذي عند ال من الثواب في الدار الخرة { خَيْرٌ مِنَ الّل ْه ِو َومِنَ‬
‫التّجَا َر ِة وَاللّهُ خَيْرُ الرّا ِزقِينَ } أي ‪ :‬لمن توكل عليه ‪ ،‬وطلب الرزق في وقته‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬مسند أبي يعلى (‪.)3/468‬‬
‫(‪ )2‬المراسيل برقم (‪.)62‬‬

‫( ‪)8/124‬‬

‫ش َهدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬


‫شهَدُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُ اللّ ِه وَاللّهُ َيعَْلمُ إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَ ْ‬
‫إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا َن ْ‬
‫َلكَاذِبُونَ (‪ )1‬اتّخَذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ‬
‫سمَعْ‬
‫َآمَنُوا ثُمّ َكفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َف ُهمْ لَا َي ْفقَهُونَ (‪ )3‬وَإِذَا رَأَيْ َتهُمْ ُت ْعجِ ُبكَ أَجْسَا ُم ُه ْم وَإِنْ َيقُولُوا تَ ْ‬
‫حذَرْهُمْ قَاتََل ُهمُ اللّهُ أَنّى ُي ْؤ َفكُونَ (‬
‫شبٌ ُمسَنّ َدةٌ َيحْسَبُونَ ُكلّ صَ ْيحَةٍ عَلَ ْيهِمْ هُمُ ا ْلعَ ُدوّ فَا ْ‬
‫خُ‬‫ِلقَوِْلهِمْ كَأَ ّن ُهمْ ُ‬
‫‪)4‬‬
‫تفسير سورة المنافقون‬
‫وهي مدنية (‪)1‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شهَدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ‬
‫ش َهدُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ َيعْلَمُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ ُه وَاللّهُ يَ ْ‬
‫{ ِإذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا نَ ْ‬
‫َلكَاذِبُونَ (‪ )1‬اتّخَذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َفصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ (‪ )2‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ‬
‫آمَنُوا ثُمّ َكفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َف ُهمْ ل َيفْ َقهُونَ (‪ )3‬وَإِذَا رَأَيْ َت ُهمْ ُتعْجِ ُبكَ َأجْسَا ُمهُ ْم وَإِنْ َيقُولُوا‬
‫حةٍ عَلَ ْيهِمْ ُهمُ ا ْلعَ ُدوّ فَاحْذَرْ ُهمْ قَاتََلهُمُ اللّهُ أَنّى‬
‫ل صَيْ َ‬
‫شبٌ مُسَنّ َدةٌ يَحْسَبُونَ ُك ّ‬
‫سمَعْ ِل َقوِْلهِمْ كَأَ ّنهُمْ خُ ُ‬
‫تَ ْ‬
‫ُي ْؤ َفكُونَ (‪} )4‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المنافقين ‪ :‬إنهم إنما يتفوهون بالسلم إذا جاءوا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فأما في باطن المر فليسوا كذلك ‪ ،‬بل على الضدّ من ذلك ؛ ولهذا قال تعالى ‪ِ { :‬إذَا جَا َءكَ‬
‫حضَروا عندك (‪ )2‬واجهوك بذلك ‪ ،‬وأظهروا لك‬
‫شهَدُ إِ ّنكَ لَرَسُولُ اللّهِ } أي ‪ :‬إذا َ‬
‫ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا نَ ْ‬
‫ذلك ‪ ،‬وليسوا كما يقولون ‪ :‬ولهذا اعترض بجملة مخبرة أنه رسول ال ‪ ،‬فقال ‪ { :‬اللّ ِه وَاللّهُ َيعْلَمُ‬
‫إِ ّنكَ لَرَسُولُهُ }‬
‫ش َهدُ إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ َلكَاذِبُونَ } أي ‪ :‬فيما أخبروا به ‪ ،‬وإن كان مطابقًا للخارج ؛‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَاللّهُ يَ ْ‬
‫لنهم لم يكونوا يعتقدون صحة ما يقولون ول صدقه ؛ ولهذا كذبهم بالنسبة إلى اعتقادهم‪.‬‬
‫صدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬اتقوا الناس باليمان الكاذبة والحَلْفات‬
‫وقوله ‪ { :‬اتّخَذُوا أَ ْيمَا َنهُمْ جُنّةً َف َ‬
‫الثمة ‪ ،‬ليصدقوا فيما يقولون ‪ ،‬فاغتر بهم من ل يعرف جلية أمرهم ‪ ،‬فاعتقدوا أنهم مسلمون (‪)3‬‬
‫فربما اقتدى بهم فيما يفعلون وصدقهم فيما يقولون ‪ ،‬وهم من (‪ )4‬شأنهم أنهم كانوا (‪ )5‬في الباطن‬
‫ل يألون السلم وأهله خَبَل فحصل بهذا القدر ضرر كبير (‪ )6‬على كثير من الناس ولهذا قال‬
‫تعالى ‪َ { :‬فصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِ ّنهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ } ولهذا كان الضحاك بن مُزَاحم‬
‫يقرؤها ‪" :‬اتّخَذُوا إيمَا َنهُمْ جُنّةً" أي ‪ :‬تصديقهم الظاهر جُنّة ‪ ،‬أي ‪ :‬تقية يتقون به القتل‪ .‬والجمهور‬
‫يقرؤها ‪ { )7( :‬أيمانهم } جمع يمين‪.‬‬
‫[وقوله] (‪ { )8‬ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ آمَنُوا ثُمّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َفهُمْ ل َيفْ َقهُونَ } أي ‪ :‬إنما قُدّر عليهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬فضائل هذه السورة ذكرت في أول سورة الجمعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬إليك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬فاعتقدهم مسلمين"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬كانوا يقولون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬كثير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬قرؤوها"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/125‬‬

‫النفاق لرجوعهم عن اليمان إلى الكفران ‪ ،‬واستبدالهم الضللة بالهدى { فَطُبِعَ عَلَى قُلُو ِبهِمْ َف ُه ْم ل‬
‫َيفْ َقهُونَ } أي ‪ :‬فل يصل إلى قلوبهم هدى ‪ ،‬ول يخلص إليها خير ‪ ،‬فل تعي ول تهتدي‪.‬‬
‫سمَعْ ِل َقوِْلهِمْ } أي ‪ :‬كانوا أشكال حسنة وذوي فصاحة‬
‫{ وَإِذَا رَأَيْ َتهُمْ ُت ْعجِ ُبكَ أَجْسَا ُم ُه ْم وَإِنْ َيقُولُوا تَ ْ‬
‫وألسنة ‪ ،‬إذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم (‪ )1‬لبلغتهم ‪ ،‬وهم مع ذلك في غاية الضعف‬
‫علَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬كلما وقع أمر‬
‫ل صَيْحَةٍ َ‬
‫والخَور والهلع والجزع والجبن ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬يحْسَبُونَ ُك ّ‬
‫أو كائنة أو خوف ‪ ،‬يعتقدون ‪ ،‬لجبنهم ‪ ،‬أنه نازل بهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَشِحّةً عَلَ ْيكُمْ فَِإذَا جَاءَ‬
‫خوْفُ سََلقُوكُمْ‬
‫خ ْوفُ رَأَيْ َتهُمْ يَ ْنظُرُونَ إِلَ ْيكَ تَدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالّذِي ُيغْشَى عَلَيْهِ مِنَ ا ْل َموْتِ فَإِذَا ذَ َهبَ ا ْل َ‬
‫الْ َ‬
‫عمَاَلهُ ْم َوكَانَ ذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرًا }‬
‫حدَادٍ َأشِحّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَ ِئكَ َلمْ ُي ْؤمِنُوا فََأحْبَطَ اللّهُ أَ ْ‬
‫بِأَلْسِنَةٍ ِ‬
‫جهَامات وصور بل معاني‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬هُمُ ا ْل َع ُدوّ فَاحْذَرْ ُهمْ قَاتََلهُمُ اللّهُ أَنّى‬
‫[الحزاب ‪ ]19 :‬فهم َ‬
‫ُي ْؤ َفكُونَ } أي ‪ :‬كيف يُصرَفون عن الهدى إلى الضلل‪.‬‬
‫جمَحي ‪ ،‬عن إسحاق بن بكر (‪)2‬‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن ُقدَامة ال ُ‬
‫بن أبي الفرات ‪ ،‬عن سعيد بن أبي سعيد المقبري‪ .‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن للمنافقين علمات يعرفون بها ‪ :‬تحيتهم لعنة ‪ ،‬وطعامهم‬
‫نُهبَة ‪ ،‬وغنيمتهم غلول ‪ ،‬ول يقربون المساجد إل هُجْرا ول يأتون الصلة إل دُبْرا ‪ ،‬مستكبرين ل‬
‫خبٌ بالنهار (‪)3‬‬
‫صخُب بالنهار"‪ .‬وقال يزيد مَرةً ‪ :‬سُ ُ‬
‫شبٌ بالليل ‪ُ ،‬‬
‫خُ‬‫يألَفون ول يُؤلَفون ‪ُ ،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬إلى قلوبهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بكير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/293‬‬

‫( ‪)8/126‬‬

‫ن وَهُمْ مُسْ َتكْبِرُونَ (‪)5‬‬


‫سهُمْ وَرَأَيْ َتهُمْ َيصُدّو َ‬
‫وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا َيسْ َتغْفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا رُءُو َ‬
‫سقِينَ (‪)6‬‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْي ِهمْ أَسْ َت ْغفَ ْرتَ َل ُهمْ أَمْ لَمْ َتسْ َتغْفِرْ َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ لَا َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫َ‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫هُمُ الّذِينَ َيقُولُونَ لَا تُ ْنفِقُوا عَلَى مَنْ عِ ْندَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْن َفضّوا وَلِلّهِ خَزَائِنُ ال ّ‬
‫ل وَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ‬
‫جعْنَا إِلَى ا ْلمَدِي َنةِ لَ ُيخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِ ْنهَا الْأَ َذ ّ‬
‫وََلكِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ لَا َي ْف َقهُونَ (‪َ )7‬يقُولُونَ لَئِنْ رَ َ‬
‫وَلِرَسُولِ ِه وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وََلكِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ لَا َيعَْلمُونَ (‪)8‬‬

‫ن وَ ُهمْ مُسْ َتكْبِرُونَ (‪)5‬‬


‫سهُ ْم وَرَأَيْ َتهُمْ َيصُدّو َ‬
‫{ وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا يَسْ َت ْغفِرْ َلكُمْ رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا ُرءُو َ‬
‫سقِينَ (‪)6‬‬
‫سوَاءٌ عَلَ ْي ِهمْ أَأَسْ َت ْغفَ ْرتَ َلهُمْ أَمْ لَمْ َتسْ َتغْفِرْ َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ ل َي ْهدِي ا ْلقَوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضِ‬
‫هُمُ الّذِينَ َيقُولُونَ ل تُ ْن ِفقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ َرسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْن َفضّوا وَلِلّهِ خَزَائِنُ ال ّ‬
‫ل وَلِلّهِ ا ْلعِ ّزةُ‬
‫جعْنَا إِلَى ا ْلمَدِينَةِ لَيُخْ ِرجَنّ العَزّ مِ ْنهَا ال َذ ّ‬
‫وََلكِنّ ا ْلمُنَافِقِينَ ل َيفْ َقهُونَ (‪َ )7‬يقُولُونَ لَئِنْ َر َ‬
‫ن ل َيعَْلمُونَ (‪} )8‬‬
‫وَلِرَسُولِ ِه وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وََلكِنّ ا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن المنافقين ‪ -‬عليهم لعائن ال ‪ -‬أنهم { وَإِذَا قِيلَ َلهُمْ َتعَاَلوْا َيسْ َتغْفِرْ َلكُمْ‬
‫س ُهمْ } أي ‪ :‬صَدوا وأعرضوا عما قيل لهم ‪ ،‬استكبارًا عن ذلك ‪ ،‬واحتقارا‬
‫رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا رُءُو َ‬
‫سوَاءٌ‬
‫ن وَهُمْ ُمسْ َتكْبِرُونَ } ثم جازاهم على ذلك فقال ‪َ { :‬‬
‫لما قيل لهم ولهذا قال ‪ { :‬وَرَأَيْ َتهُمْ َيصُدّو َ‬
‫سقِينَ } كما قال‬
‫عَلَ ْيهِمْ َأسْ َتغْفَ ْرتَ َلهُمْ َأمْ لَمْ تَسْ َت ْغفِرْ َلهُمْ لَنْ َي ْغفِرَ اللّهُ َلهُمْ إِنّ اللّهَ ل َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَا ِ‬
‫في سورة "براءة" وقد تقدم الكلم على ذلك ‪ ،‬وإيراد الحاديث المروية هنالك‪.‬‬

‫( ‪)8/126‬‬

‫عمَر العَدَني (‪ )1‬قال ‪ :‬قال سفيان { َلوّوْا‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابنُ أبي ُ‬
‫سهُمْ } قال ابن أبي عمر ‪ :‬ح ّولَ سفيان وجهه على يمينه ‪ ،‬ونظر بعينه شَزْرا ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬هم (‬
‫رُءُو َ‬
‫‪ )2‬هذا‪.‬‬
‫وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبد ال بن أبي بن سلول كما سنورده‬
‫قريبًا إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وبه الثقة وعليه التكلن‪.‬‬
‫وقد قال محمد بن إسحاق في السيرة ‪ :‬ولما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة ‪ -‬يعني‬
‫مَرْجعَه من أحد ‪ -‬وكان عبد ال بن أبي بن سلول ‪ -‬كما حدثني ابن شهاب الزهري ‪ -‬له مقام‬
‫جمُعة ل ينُكر ‪ ،‬شرفًا له من نفسه ومن قومه ‪ ،‬وكان فيهم شريفا ‪ ،‬إذا جلس النبي‬
‫َيقُومه كل ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام ‪ ،‬فقال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬هذا رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم بين أظهركم ‪ ،‬أكرمكم ال به ‪ ،‬وأعزكم به ‪ ،‬فانصروه وعَزّروه ‪ ،‬واسمعوا‬
‫له وأطيعوا‪ .‬ثم جلس ‪ ،‬حتى إذا صنع يوم أُحد ما صَنَع ‪ -‬يعني مرجعه بثلث الجيش ‪ -‬ورجع‬
‫الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله ‪ ،‬فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا ‪ :‬اجلس ‪ ،‬أي عدو‬
‫ال ‪ ،‬لست لذلك بأهل ‪ ،‬وقد صنعتَ ما صنعتَ‪ .‬فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول ‪ :‬وال‬
‫لكأنما قلت َبجْرًا ؛ أن قُمت أشدد أمره‪ .‬فلقيه رجال من النصار بباب المسجد فقالوا ‪ :‬ويلك‪ .‬ما‬
‫لك ؟ قال ‪ :‬قمتُ أشدد أمره ‪ ،‬فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني ‪ ،‬لكأنما قلت‬
‫بَجْرًا ‪ ،‬أن قمت أشدد أمره‪ .‬قالوا ‪ :‬ويلك‪ .‬ارجع يستغفر لك رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬وال ما أبتغي أن يستغفر لي (‪)3‬‬
‫وقال قتادة والسدي ‪ :‬أنزلت هذه الية في عبد ال بن أبي ‪ ،‬وذلك أن غلما من قرابته انطلق إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد ‪ ،‬فدعاه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فإذا هو يحلف بال ويتبرأ من ذلك ‪ ،‬وأقبلت النصار على ذلك الغلم فلموه وعَذَموه (‪)4‬‬
‫وأنزل ال فيه ما تسمعون ‪ ،‬وقيل لعدو (‪ )5‬ال ‪ :‬لو أتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ فجعل‬
‫يلوي رأسه ‪ ،‬أي ‪ :‬لست فاعل (‪)6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو الربيع الزهراني ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬حدثنا أيوب ‪،‬‬
‫عن سعيد بن جبير ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا نزل منزل لم يرتحل حتى يصلي‬
‫فيه ‪ ،‬فلما كانت غزوة تبوك بلغه أنّ عبدَ ال ابن أبي بن سلول قال ‪ { :‬لَ ُيخْرِجَنّ العَزّ مِ ْنهَا ال َذلّ‬
‫} فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار ‪ ،‬وقيل لعبد ال بن أبي ‪ :‬ائت النبي صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫يستغفر لك‪ .‬فأنزل ال ‪ِ { :‬إذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ } إلى قوله ‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ َل ُهمْ َتعَاَلوْا يَسْ َت ْغفِرْ َلكُمْ‬
‫س ُهمْ }‬
‫رَسُولُ اللّهِ َل ّووْا رُءُو َ‬
‫وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير‪ .‬وقوله ‪ :‬إن ذلك كان في غزوة تبوك ‪ ،‬فيه نظر ‪ ،‬بل ليس‬
‫بجيد ؛ فإن عبد ال بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك ‪ ،‬بل رجع بطائفة من‬
‫الجيش‪ .‬وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المُرَيسيع ‪ ،‬وهي‬
‫غزوة بني المصطلق‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬العدوى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬هو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/105‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وعزلوه" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬عرموه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وقيل لعبد"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)28/71‬‬

‫( ‪)8/127‬‬

‫قال يونس بن ُبكَيْر ‪ ،‬عن ابن إسحاق ‪ :‬حدثني محمد بن يحيى بن حبان ‪ ،‬وعبد ال بن أبي بكر ‪،‬‬
‫عمَر بن قتادة ‪ ،‬في قصة بني المصطلق ‪ :‬فبينا رسول ال مقيم هناك ‪ ،‬اقتتل على‬
‫وعاصم بن ُ‬
‫الماء جَهجاه بن سعيد الغفاري ‪ -‬وكان أجيرا ‪ -‬لعمر بن الخطاب ‪ ،‬وسنان بن وَبْر (‪ )1‬قال ابن‬
‫إسحاق ‪ :‬فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال ‪ :‬ازدحما على الماء فاقتتل فقال سنان ‪ :‬يا معشر‬
‫النصار‪ .‬وقال الجهجاه ‪ :‬يا معشر المهاجرين ‪ -‬وزيد بن أرقم ونفر من النصار عند عبد ال بن‬
‫أبي ‪ -‬فلما سمعها قال ‪ :‬قد ثاورُونا في بلدنا‪ .‬وال ما مثلُنا وجلبيب قريش هذه إل كما قال‬
‫القائل ‪" :‬سَمن كلبك يأكلك"‪ .‬وال لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬ثم أقبل على‬
‫من عنده من قومه وقال ‪ :‬هذا ما صنعتم بأنفسكم ‪ ،‬أحللتموهم بلدكم ‪ ،‬وقاسمتموهم أموالكم ‪ ،‬أما‬
‫وال لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم في بلدكم إلى غيرها‪ .‬فسمعها زيد ابن أرقم ‪ ،‬فذهب بها إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو غُلَّيمٌ ‪ -‬وعنده عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ -‬فأخبره‬
‫الخبر ‪ ،‬فقال عمر رضي ال عنه ‪ :‬يا رسول ال مر عَبّاد بن بشرْ (‪ )2‬فليضرب عنقه‪ .‬فقال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فكيف إذا تحدث الناس ‪ -‬يا عمر ‪ -‬أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ل ولكن ناد‬
‫يا عمر في الرحيل"‪.‬‬
‫فلما بلغ عبد ال بن أبي أن ذلك قد بلغ رسولَ ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أتاه فاعتذر إليه ‪ ،‬وحلف‬
‫بال ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم ‪ -‬وكان عند قومه بمكان ‪ -‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬عسى أن‬
‫يكون هذا الغلم أوهم ولم يثبت ما قال الرجل‪.‬‬
‫وراح رسول ال صلى ال عليه وسلم مُهجرًا في ساعة كان ل يروح فيها ‪ ،‬فلقيه أسيد بن‬
‫الحضير فسلم عليه بتحية النبوة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وال لقد رُحتَ في ساعة مُنكَرَة ما كنت تروح فيها‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما بلغك (‪ )3‬ما قال صاحبك ابن أبي ؟‪ .‬زعم أنه إذا قدم‬
‫المدينة سيخرج العز منها الذل"‪ .‬قال ‪ :‬فأنت ‪ -‬يا رسول ال ‪ -‬العزيزُ وهو الذليل‪ .‬ثم قال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ارفق به فوال لقد جاء ال بك وإنا لننظم له الخَرزَ لِنُ َتوّجه ‪ ،‬فإنه ليرى (‪ )4‬أن قد‬
‫استلبتَه ملكا‪.‬‬
‫فسار رسول ال صلى ال عليه وسلم بالناس حتى أمسوا ‪ ،‬ليلته حتى أصبحوا ‪ ،‬وصَدرَ يومه‬
‫حتى اشتد الضحى‪ .‬ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث ‪ ،‬فلم يأمن الناس أن وجدوا مَس‬
‫الرض فناموا ‪ ،‬ونزلت سورة المنافقين (‪)5‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البيهقي ‪ :‬أخبرنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرنا أبو بكر بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا‬
‫بشر بن موسى ‪ ،‬حدثنا الحُميدي ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثنا (‪ )6‬عمرو بن دينار ‪ ،‬سمعت جابر بن‬
‫سعَ رجلٌ من المهاجرين رجل‬
‫عبد ال يقول ‪ :‬كنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غَزَاة فكَ َ‬
‫من النصار ‪ ،‬فقال النصاري ‪ :‬ياللنصار‪ .‬وقال المهاجري ‪ :‬يا للمهاجرين‪ .‬فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما بال دعوى الجاهلية ؟ دعوها فإنها منتنة"‪ .‬وقال عبد ال بن أبي بن‬
‫سلول ‪ -‬وقد فعلوها ‪ : -‬وال لئن رجعنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سنان بن يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بشير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬ما بلغك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يرى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)292 - 2/290‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬

‫( ‪)8/128‬‬

‫إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قال جابر ‪ :‬وكان النصار بالمدينة أكثر من المهاجرين‬
‫حين قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬دعني أضرب‬
‫عنق هذا المنافق‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬دعه ؛ ل يتحدث الناس أن محمدًا يقتل‬
‫أصحابه" (‪)1‬‬
‫ورواه المام أحمد عن حسين بن محمد المروزي ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة (‪ )2‬ورواه البخاري عن‬
‫الحميدي ‪ ،‬ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به نحوه (‪)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن الحكم ‪ ،‬عن محمد بن كعب‬
‫القرظي ‪ ،‬عن زيد بن أرقم قال ‪ :‬كنت مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ‪ ،‬فقال‬
‫عبد ال بن أبي ‪ :‬لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت النبي (‪ )4‬صلى‬
‫ال عليه وسلم فأخبرته ‪ ،‬قال ‪ :‬فحلف عبد ال بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك‪ .‬قال ‪ :‬فلمني‬
‫قومي وقالوا ‪ :‬ما أردتَ إلى هذا ؟ قال ‪ :‬فانطلقت فنمتُ كئيبا حَزينا ‪ ،‬قال ‪ :‬فأرسل إلي نبي ال‬
‫ك وصَدّقك"‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت هذه الية { هُمُ الّذِينَ‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬إن ال قد أنزل عُذر َ‬
‫جعْنَا إِلَى ا ْلمَدِينَةِ‬
‫علَى مَنْ عِ ْندَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْنفَضّوا } حتى بلغ ‪ { :‬لَئِنْ َر َ‬
‫َيقُولُونَ ل تُ ْنفِقُوا َ‬
‫لَيُخْ ِرجَنّ العَزّ مِ ْنهَا ال َذلّ }‬
‫ورواه البخاري عند هذه الية ‪ ،‬عن آدم بن أبي إياس ‪ ،‬عن شعبة (‪ )5‬ثم قال ‪" :‬وقال ابن أبي‬
‫زائدة ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن عمرو ‪ ،‬عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن زيد ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫ورواه الترمذي والنسائي عندها أيضا من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪)6‬‬
‫طريق أخرى عن زيد ‪ :‬قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬حدثنا يحيى بن آدم ‪ ،‬ويحيى بن أبي ُبكَير‬
‫(‪ )7‬قال ‪ :‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬سمعت زيد بن أرقم ‪ -‬وقال ابن أبي ُبكَير (‪)8‬‬
‫عن زيد بن أرقم ‪ -‬قال ‪ :‬خرجت مع عمي في غزاة ‪ ،‬فسمعت عبد ال بن أبي بن سلول يقول‬
‫لصحابه ‪ :‬ل تنفقوا على من عند رسول ال ‪ ،‬ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها‬
‫الذل‪ .‬فذكرت ذلك لعمي فذكره عمي لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأرسل إلي رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فحدثته فأرسل إلى عبد ال بن أبي بن سلول وأصحابه فحلفوا ما قالوا ‪:‬‬
‫فكَذبني رسول ال صلى ال عليه وسلم وصَدّقه ‪ ،‬فأصابني َهمٌ لم يصبني مثله قط ‪ ،‬وجلست في‬
‫البيت ‪ ،‬فقال عمي ‪ :‬ما أردت إل أن كذبك رسول ال صلى ال عليه وسلم ومقتك‪ .‬قال ‪ :‬حتى‬
‫أنزل ال ‪ِ { :‬إذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ } قال ‪ :‬فبعث إليّ رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأها رسول‬
‫ال على ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬إن ال قد صدقك" (‪)9‬‬
‫ثم قال أحمد أيضا ‪ :‬حدثنا حسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا زهير ‪ ،‬حدثنا أبو إسحاق ‪ :‬أنه سمع زيد‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬دلئل النبوة للبيهقي (‪.)4/53‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/392‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4907‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2584‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )4/368‬وصحيح البخاري برقم (‪.)4902‬‬
‫(‪ )6‬سنن الترمذي برقم (‪ )3314‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11594‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬بكر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬وقال أبو بكر"‪.‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)4/373‬‬

‫( ‪)8/129‬‬

‫ابن أرقم يقول ‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر ‪ ،‬فأصاب الناس شدةٌ ‪ ،‬فقال‬
‫عبد ال بن أبي لصحابه ‪ :‬ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى ينفضوا من حوله‪ .‬وقال ‪ :‬لئن‬
‫رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم فأخبرته بذلك ‪،‬‬
‫فأرسل إلى عبد ال بن أبي فسأله ‪ ،‬فاجتهد يمينَه ما فعل‪ .‬فقالوا ‪ :‬كذب زيد يا رسول ال‪ .‬فوقع‬
‫في نفسي ما قالوا ‪ ،‬حتى أنزل ال تصديقي ‪ِ { :‬إذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ } قال ‪ :‬ودعاهم رسول ال‬
‫شبٌ مُسَنّ َدةٌ } قال ‪:‬‬
‫صلى ال عليه وسلم ليستغفر لهم ‪ ،‬فلووا رؤوسهم‪ .‬وقوله تعالى ‪ { :‬كَأَ ّنهُمْ خُ ُ‬
‫كانوا رجال أجمل شيء‪.‬‬
‫وقد رواه البخاري ومسلم والنسائي ‪ ،‬من حديث زهير (‪ )1‬ورواه البخاري أيضا والترمذي من‬
‫ي الهمداني الكوفي ‪ ،‬عن‬
‫حديث إسرائيل ‪ ،‬كلهما عن أبي إسحاق عمرو (‪ )2‬بن عبد ال السّبيع ّ‬
‫زيد ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن موسى‬
‫طريق أخرى عن زيد ‪ :‬قال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد بن ُ‬
‫‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن السدي ‪ ،‬عن أبي سعد (‪ )4‬الزدي قال ‪ :‬حدثنا زيد بن أرقم قال ‪ :‬غزونا‬
‫مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وكان معنا أناس من العراب ‪ ،‬فكنا نَبتَدرُ الماء ‪ ،‬وكان‬
‫العراب يسبقوننا يسبق العرابي أصحابه يمل الحوض ‪ ،‬ويجعل حوله حجارة ‪ ،‬ويجعل النّطع‬
‫عليه حتى يجيء أصحابه‪ .‬قال ‪ :‬فأتى رجل من النصار العرابي ‪ ،‬فأرخى زمام ناقته لتشرب ‪،‬‬
‫فأبى أن يدعه ‪ ،‬فانتزع حجرًا ففاض الماء ‪ ،‬فرفع العرابي خشبة ‪ ،‬فضرب بها رأس النصاري‬
‫س المنافقين فأخبره ‪ -‬وكان من أصحابه ‪ -‬فغضب عبد ال بن‬
‫فشجّه ‪ ،‬فأتى عبدَ ال بن أبيّ رأ َ‬
‫أبي ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى ينفضوا من حوله ‪ -‬يعني العراب ‪-‬‬
‫وكانوا يحضرون رسول ال صلى ال عليه وسلم عند الطعام‪ .‬فقال عبد ال لصحابه ‪ :‬إذا‬
‫انفضوا من عند محمد فائتوا محمدًا بالطعام ‪ ،‬فليأكل هو ومن عنده ‪ ،‬ثم قال لصحابه ‪ :‬إذا‬
‫رجعتم إلى المدينة فليخرج العز منها الذل‪ .‬قال زيد ‪ :‬وأنا ردف عمي ‪ ،‬فسمعت عبد ال‬
‫فأخبرت عمي ‪ ،‬فانطلق فأخبر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأرسل إليه رسول ال ‪ ،‬فحلف‬
‫وجحد ‪ ،‬قال ‪ :‬فصدقه رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبني ‪ ،‬فجاء إلي عمي فقال ‪ :‬ما أردت‬
‫إل أن مقتك رسول ال صلى ال عليه وسلم وكذبكَ المسلمون‪ .‬فوقع علي من الغم ما لم يقع على‬
‫خفَ ْقتُ برأسي من الهم ‪،‬‬
‫أحد قط ‪ ،‬فبينما أنا أسير مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في سفر وقد َ‬
‫إذ أتاني رسول ال صلى ال عليه وسلم َفعَرَك أذني ‪ ،‬وضحك في وجهي ‪ ،‬فما كان يسرني أن‬
‫لي بها الخلد في الدنيا ‪ ،‬ثم إن أبا بكر لحقني وقال ‪ :‬ما قال لك رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قلت ‪ :‬ما قال لى رسول ال شيئًا ‪ ،‬غير أن عرك أذني وضحك في وجهي‪ .‬فقال ‪ :‬أبشر‪ .‬ثم‬
‫لحقني عمر فقلت له مثل قولي لبي بكر‪ .‬فلما أن أصبحنا قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫سورة المنافقين‪.‬‬
‫انفرد بإخراجه الترمذي وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ .‬وهكذا رواه الحافظ البيهقي عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )4/373‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4903‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2772‬وسنن‬
‫النسائي الكبرى برقم (‪.)11598‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬عن أبي إسحاق عن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4900‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3312‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬عن أبي سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)8/130‬‬

‫الحاكم عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي ‪ ،‬عن سعيد بن مسعود ‪ ،‬عن عبيد ال بن موسى‬
‫شهَدُ إِ ّنكَ لَ َرسُولُ } حتى بلغ‬
‫‪ ،‬به (‪ )1‬وزاد بعد قوله "سورة المنافقين" { إِذَا جَا َءكَ ا ْلمُنَا ِفقُونَ قَالُوا َن ْ‬
‫‪ { :‬هُمُ الّذِينَ َيقُولُونَ ل تُ ْنفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْن َفضّوا } حتى بلغ ‪ { :‬لَ ُيخْرِجَنّ‬
‫العَزّ مِ ْنهَا ال َذلّ }‬
‫وقد روى عبد ال بن لهيعة ‪ ،‬عن أبي السود ‪ ،‬عُر َوةَ بن الزبير في المغازي ‪ -‬وكذا ذكر موسى‬
‫بن عقبة في مغازيه أيضا هذه القصة بهذا السياق ‪ ،‬ولكن جعل الذي بَلّغ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم كلم عبد ال بن أبي بن سلول إنما هو أوس بن أرقم ‪ ،‬من بني الحارث بن الخزرج‪.‬‬
‫فلعله مبلغ آخر ‪ ،‬أو تصحيف من جهة السمع ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا محمد بن عزيز اليلي ‪ ،‬حدثنا سلمة ‪ ،‬حدثني عقيل ‪،‬‬
‫أخبرنى محمد بن مسلم ‪ ،‬أن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت النصاري أخبراه ‪ :‬أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم غزا غزوة المريسيع ‪ ،‬وهي التي هدم رسول ال صلى ال عليه وسلم فيها‬
‫شلّل وبين البحر ‪ ،‬فبعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خالد‬
‫مناة الطاغية التي كانت بين قفا المُ َ‬
‫بن الوليد فكسر مناة ‪ ،‬فاقتتل رجلن في غزوة رسول ال صلى ال عليه وسلم تلك ‪ ،‬أحدهما من‬
‫المهاجرين ‪ ،‬والخر من َبهْز ‪ ،‬وهم حلفاء النصار ‪ ،‬فاستعلى الرجل الذي من المهاجرين على‬
‫البهزي ‪ ،‬فقال البهزي ‪ :‬يا معشر النصار ‪ ،‬فنصره رجال من النصار ‪ ،‬وقال المهاجري ‪ :‬يا‬
‫معشر المهاجرين‪ .‬فنصره رجال من المهاجرين ‪ ،‬حتى كان بين أولئك الرجال من المهاجرين‬
‫والرجال من النصار شيء من القتال ‪ ،‬ثم حُجز بينهم فانكفأ كل منافق ‪ -‬أو ‪ :‬رجل في قلبه‬
‫مرض ‪ -‬إلى عبد ال بن أبيّ بن سلول ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد كنت تُرْجَى وتَدفع فأصبحت ل تضر ول تنفع‬
‫‪ ،‬قد تناصرت علينا الجلبيب ‪ -‬وكانوا َيدْعُون ُكلّ حديث هجرة (‪ )2‬الجلبيب ‪ -‬فقال عبد ال بن‬
‫أبي عدو ال ‪[ :‬وال] (‪ )3‬لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن العز منها الذل‪ .‬قال مالك بن الدخْشُم‬
‫‪ -‬وكان من المنافقين ‪ : -‬أولم أقل لكم ل تنفقوا على من عند رسول ال حتى ينفضوا‪ .‬فسمع‬
‫بذلك عمرُ بن الخطاب ‪ ،‬فأقبل يمشي حتى جاء (‪ )4‬رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس ‪ ،‬أضربُ عنقه ‪ -‬يريد عمرُ عبدَ ال بن‬
‫أبي ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمر ‪" :‬أو قاتله أنتَ إن أمرتُك بقتله ؟"‪ .‬قال ‪ :‬عمر‬
‫[نعم] (‪ )5‬وال لئن أمرتني بقتله لضربَنّ عنقه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬اجلس"‪.‬‬
‫فأقبل أسيدُ بن الحضير (‪ - )6‬وهو أحد النصار ‪ ،‬ثم أحد بني عبد الشهل ‪ -‬حتى أتى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ائذن لي في هذا الرجل الذي قد أفتن الناس [حتى]‬
‫(‪ )7‬أضرب عنقه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أوقاتله أنتَ إن أمرتُك بقتله ؟"‪ .‬قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬وال لئن أمرتني بقتله لضربن بالسيف تحت قُرط أذنيه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬اجلس"‪ .‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬آذنوا بالرحيل"‪َ .‬فهَجّرَ بالناس ‪ ،‬فسار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن الترمذي برقم (‪ )3313‬ودلئل النبوة للبيهقي (‪.)4/54‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أهجرة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حتى أتى"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬حضير"‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/131‬‬

‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا لَا تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُمْ وَلَا َأوْلَا ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ‬
‫(‪ )9‬وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْلَا أَخّرْتَنِي إِلَى َأ َ‬
‫ق وََأكُنْ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )10‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ (‪)11‬‬
‫فََأصّدّ َ‬

‫يومه وليلته والغد حتى مَتَعَ النهار ‪ ،‬ثم نزل‪ .‬ثم َهجّر بالناس مثلها ‪ ،‬فَصبح (‪ )1‬بالمدينة في ثلث‬
‫سارها من قفا المُشلّل فلما قدم رسول ال صلى ال عليه وسلم المدينة أرسل إلى عمر فدعاه ‪،‬‬
‫فقال له رسول ال ‪" :‬أي ْعمر ‪ ،‬أكنت قاتله لو أمرتك بقتله ؟" قال (‪ )2‬عمر ‪ :‬نعم ‪ ،‬فقال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬وال لو قتلته يومئذ لرغمتَ أنوف رجال لو أمرتهم اليوم بقتله امتثلوه‬
‫(‪ )3‬فيتحدث الناسُ أني قد وقعت على أصحابي فأقتلهم صبرًا"‪ .‬وأنزل ال عز وجل ‪ { :‬هُمُ الّذِينَ‬
‫جعْنَا إلَى ا ْلمَدِي َنةِ‬
‫علَى مَنْ عِ ْندَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَ ْنفَضّوا } إلى قوله ‪ { :‬لَئِنْ َر َ‬
‫َيقُولُونَ ل تُ ْنفِقُوا َ‬
‫[لَ ُيخْرِجَنّ العَزّ مِ ْنهَا الذَل] } (‪ )4‬الية‪.‬‬
‫وهذا سياق غريب ‪ ،‬وفيه أشياء نفيسة ل توجد إل فيه‪.‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق بن يسار ‪ :‬حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‪ :‬أن عَبدَ ال بن أبي ‪ -‬يعنى‬
‫لما بلغه ما كان من أمر أبيه ‪ -‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنه‬
‫بلغني أنك تريد قتل عبد ال بن أ َبيّ فيما بلغك عنه ‪ ،‬فإن كنت فاعل فمرني به ‪ ،‬فأنا أحمل إليك‬
‫رأسه ‪ ،‬فوال لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني ‪ ،‬إني أخشى أن تأمر به‬
‫غيري فيقتله ‪ ،‬فل تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد ال بن أبي يمشي في الناس ‪ ،‬فأقتله ‪ ،‬فأقتل‬
‫مؤمنًا بكافر ‪ ،‬فأدخل النار‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بل نترفق به ونحسن‬
‫صحبته ‪ ،‬ما بقي معنا" (‪)5‬‬
‫وذكر عكرمةُ وابن زيد وغيرهما ‪ :‬أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة ‪ ،‬وقف عبدُ ال بن‬
‫عبد ال هذا على باب المدينة ‪ ،‬واستل سيفه ‪ ،‬فجعل الناس يمرون عليه ‪ ،‬فلما جاء أبوه عبد ال‬
‫بن أبي قال له ابنه ‪ :‬وراءك‪ .‬فقال ‪ :‬ما لك ؟ ويلك‪ .‬فقال ‪ :‬وال ل تجوز من هاهنا حتى يأذنَ لك‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإنه العزيز وأنت الذليل‪ .‬فلما جاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وكان إنما يسير ساقة فشكا إليه عبد ال بن أبيّ ابنه ‪ ،‬فقال ابنه عبد ال ‪ :‬وال يا رسول‬
‫ال ل يدخلها حتى تأذن له‪ .‬فأذن له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أما إذ أذن لك رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم فَجُز الن‪.‬‬
‫وقال أبو بكر عبد ال بن الزبير في مسنده ‪ :‬حدثنا سفيان بن عُيَينة ‪ ،‬حدثنا أبو هارون المدني قال‬
‫‪ :‬قال عبد ال بن عبد ال ابن أبي بن سلول لبيه ‪ :‬وال ل تدخل المدينة أبدًا حتى تقول ‪ :‬رسولُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم العز وأنا الذل‪ .‬قال وجاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬إنه بلغني أنك تريد أن تقتل أبي ‪ ،‬فوالذي بعثك بالحق ما تأملت وجهه قط هيبة له ‪،‬‬
‫لئن شئت أن آتيك برأسه لتينك ‪ ،‬فإني أكره أن أرى قاتل أبي (‪\ )6‬‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّهِ َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ‬
‫ح َدكُمُ ا ْل َم ْوتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل أَخّرْتَنِي إِلَى‬
‫الْخَاسِرُونَ (‪ )9‬وَأَ ْنفِقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَا ُكمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ أَ َ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ فََأصّدّقَ وََأكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ (‪ )10‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا‬
‫أَ َ‬
‫َت ْعمَلُونَ (‪} )11‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬حتى صبح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬لقتلوه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬السيرة النبوية لبن هشام (‪.)2/292‬‬
‫(‪ )6‬مسند الحميدي (‪.)2/520‬‬

‫( ‪)8/132‬‬

‫يقول تعالى آمرًا لعباده المؤمنين بكثرة ذكره وناهيا لهم عن أن تشغلهم الموال والولد عن ذلك‬
‫ومخبرًا لهم بأنه من ال َتهَى بمتاع الحياة الدنيا وزينتها عما خُِلقَ له من طاعة ربه وذكره ‪ ،‬فإنه‬
‫من الخاسرين الذين يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ‪ ،‬ثم حثهم على النفاق في طاعته فقال ‪:‬‬
‫جلٍ قَرِيبٍ‬
‫{ وَأَ ْن ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َأحَ َدكُمُ ا ْل َموْتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل َأخّرْتَنِي إِلَى أَ َ‬
‫ق وََأكُنْ مِنَ الصّاِلحِينَ } فكل ُمفَرّط يندم عند الحتضار ‪ ،‬ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرًا‬
‫فََأصّدّ َ‬
‫‪ ،‬يستعتب ويستدرك ما فاته ‪ ،‬وهيهات! كان ما كان ‪ ،‬وأتى ما هو آت ‪ ،‬وكل بحسب تفريطه ‪،‬‬
‫أما الكفار فكما قال [ال] (‪ )1‬تعالى ‪ { :‬وَأَنْذِرِ النّاسَ َيوْمَ يَأْتِيهِمُ ا ْلعَذَابُ فَ َيقُولُ الّذِينَ ظََلمُوا رَبّنَا‬
‫سمْتُمْ مِنْ قَ ْبلُ مَا َلكُمْ مِنْ َزوَالٍ }‬
‫سلَ َأوََلمْ َتكُونُوا َأ ْق َ‬
‫ك وَنَتّبِعِ الرّ ُ‬
‫عوَ َت َ‬
‫جبْ دَ ْ‬
‫جلٍ قَرِيبٍ نُ ِ‬
‫أَخّرْنَا إِلَى َأ َ‬
‫ل صَالِحًا‬
‫ع َم ُ‬
‫جعُونِ َلعَلّي أَ ْ‬
‫[إبراهيم ‪ ]44 :‬وقال تعالى ‪ { :‬حَتّى إِذَا جَاءَ َأحَ َدهُمُ ا ْل َم ْوتُ قَالَ َربّ ا ْر ِ‬
‫فِيمَا تَ َر ْكتُ كَل إِ ّنهَا كَِلمَةٌ ُهوَ قَائُِلهَا َومِنْ وَرَا ِئهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ } [المؤمنون ‪]100 ، 99 :‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا ِإذَا جَاءَ َأجَُلهَا وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } أي ‪ :‬ل ينظر أحدًا‬
‫بعد حلول أجله ‪ ،‬وهو أعلم وأخبر بمن يكون صادقًا في قوله وسؤاله ممن لو ُردّ لعاد إلى شر‬
‫مما كان عليه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } وقال أبو عيسى الترمذي ‪ :‬حدثنا عبد بن‬
‫حميد ‪ ،‬حدثنا جعفر بن عون ‪ ،‬حدثنا أبو جَنَاب الكلبي ‪ ،‬عن الضحاك بن مُزاحم ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫قال ‪ :‬من كان له مال يبلغه حج بيت ربه ‪ ،‬أو تجب عليه فيه زكاةٌ ‪ ،‬فلم يفعل ‪ ،‬سأل الرجعة عند‬
‫الموت‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا ابن عباس ‪ ،‬اتق ال ‪ ،‬فإنما يسأل الرجعة الكفار‪ .‬فقال سأتلوا عليك بذلك‬
‫قرآنا ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُ ْم وَل َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ اللّ ِه َومَنْ َي ْفعَلْ َذِلكَ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ‬
‫جلٍ‬
‫الْخَاسِرُونَ وَأَنْ ِفقُوا مِنْ مَا رَ َزقْنَاكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْ ِتيَ َأحَ َد ُكمُ ا ْل َم ْوتُ فَ َيقُولَ َربّ َلوْل أَخّرْتَنِي إِلَى أَ َ‬
‫ن وَلَنْ ُيؤَخّرَ اللّهُ َنفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَُلهَا] وَاللّهُ خَبِيرٌ ِبمَا َت ْعمَلُونَ } (‬
‫قَرِيبٍ فََأصّدّقَ [وََأكُنْ مِنَ الصّاِلحِي َ‬
‫‪ )2‬قال ‪ :‬فما يوجب الزكاة ؟ قال ‪ :‬إذا بلغ المال مائتين فصاعدا‪ .‬قال ‪ :‬فما يوجب الحج ؟ قال ‪:‬‬
‫الزاد والبعير‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا عبد بن حُميَد ‪ ،‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن يحيى بن أبي حَيّة ‪ -‬وهو‬
‫أبو جناب الكلبي ‪ -‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬بنحوه (‪)3‬‬
‫ثم قال ‪ :‬وقد رواه سفيان بن عيينة وغيره ‪ ،‬عن أبي جَنَاب ‪ ،‬عن ابن الضحاك ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬من قوله‪ .‬وهو أصح ‪ ،‬وضعّف أبا جناب الكلبي‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬وفي هـ ‪:‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)3316‬‬

‫( ‪)8/133‬‬

‫قلت ‪ :‬رواية الضحاك عن ابن عباس فيها انقطاع ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا ابن ُنفَيل ‪ ،‬حدثنا سليمان بن عطاء ‪ ،‬عن مسلمة الجهني ‪،‬‬
‫عن عمه ‪ -‬يعني أبا مشجعة بن رِ ْبعِي ‪ -‬عن أبي الدرداء ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬ذكرنا عند‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الزيادة في العمر فقال ‪ " :‬إن ال ل يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها ‪،‬‬
‫وإنما الزيادة في العمر أن يرزق ال العبدَ ذُرية صالحة يدعون له ‪ ،‬فيلحقه دعاؤهم في قبره" (‪)1‬‬
‫آخر تفسير سورة "المنافقون" (‪ )2‬ول الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن عدى في الكامل (‪ )3/285‬من طريق الوليد بن عبد الملك عن سليمان بن عطاء‬
‫به ‪ -‬مجمع على ضعفه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المنافقين"‪.‬‬

‫( ‪)8/134‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )1‬هوَ‬
‫ح ْم ُد وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ َومَا فِي الْأَ ْرضِ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَلَهُ الْ َ‬
‫يُسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫حقّ‬
‫ت وَالْأَ ْرضَ بِالْ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الّذِي خََل َقكُمْ َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )2‬خََلقَ ال ّ‬
‫ن َومَا‬
‫ت وَالْأَ ْرضِ وَ َيعْلَمُ مَا تُسِرّو َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫صوَ َركُ ْم وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ (‪َ )3‬يعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫ن ُ‬
‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬
‫ُتعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪)4‬‬

‫تفسير سورة التغابن‬


‫وهي مدنية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مكية‪.‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن هارون بن محمد بن بكار الدمشقي ‪ ،‬حدثنا العباس بن الوليد‬
‫الخلل ‪ ،‬حدثنا الوليد بن الوليد ‪ ،‬حدثنا ابن ثوبان ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عَمرو ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من مولود يولد إل‬
‫مكتوب في تشبيك رأسه خمس آيات من سورة التغابن" (‪)1‬‬
‫أورده ابن عساكر في ترجمة "الوليد بن صالح" (‪ )2‬وهو غريب جدّا ‪ ،‬بل منكر‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ُ )1‬هوَ‬
‫حمْ ُد وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫ت َومَا فِي ال ْرضِ لَهُ ا ْلمُ ْلكُ وَلَهُ ا ْل َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫{ ُيسَبّحُ لِلّهِ مَا فِي ال ّ‬
‫ت وَال ْرضَ بِا ْلحَقّ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫الّذِي خََل َقكُمْ َفمِ ْنكُمْ كَافِ ٌر َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ (‪ )2‬خََلقَ ال ّ‬
‫ض وَ َيعْلَمُ مَا ُتسِرّونَ‬
‫ت وَالرْ ِ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫صوَ َركُ ْم وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ (‪َ )3‬يعْلَمُ مَا فِي ال ّ‬
‫ن ُ‬
‫َوصَوّ َركُمْ فََأحْسَ َ‬
‫ن وَاللّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪} )4‬‬
‫َومَا ُتعْلِنُو َ‬
‫هذه السورة هي آخر المُسَبّحات ‪ ،‬وقد تقدم الكلم على تسبيح المخلوقات لبارئها ومالكها ؛ ولهذا‬
‫حمْدُ } أي ‪ :‬هو المتصرف في جميع الكائنات ‪ ،‬المحمود على جميع ما‬
‫ك وَلَهُ ا ْل َ‬
‫قال ‪َ { :‬لهُ ا ْلمُ ْل ُ‬
‫يخلقه ويقدره‪.‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } أي ‪ :‬مهما أراد كان بل ممانع ول مدافع ‪ ،‬وما لم يشأ لم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫يكن‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ الّذِي خََل َقكُمْ َفمِ ْنكُمْ كَافِرٌ َومِ ْنكُمْ ُم ْؤمِنٌ } أي ‪ :‬هو الخالق لكم على هذه الصفة ‪،‬‬
‫وأراد منكم ذلك ‪ ،‬فل بد من وجود مؤمن وكافر ‪ ،‬وهو البصير بمن يستحق الهداية ممن يستحق‬
‫الضلل ‪ ،‬وهو شهيد على أعمال عباده ‪ ،‬وسيجزيهم بها أتم الجزاء ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ ِبمَا‬
‫َت ْعمَلُونَ َبصِيرٌ }‬
‫صوَ َركُمْ‬
‫ن ُ‬
‫حسَ َ‬
‫صوّ َركُمْ فَأَ ْ‬
‫ت وَالرْضَ بِا ْلحَقّ } أي ‪ :‬بالعدل والحكمة ‪َ { ،‬و َ‬
‫سمَاوَا ِ‬
‫ثم قال ‪ { :‬خََلقَ ال ّ‬
‫سوّاكَ‬
‫} أي ‪ :‬أحسن أشكالكم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النْسَانُ مَا غَ ّركَ بِرَ ّبكَ ا ْلكَرِيمِ الّذِي خََل َقكَ فَ َ‬
‫ي صُو َرةٍ مَا شَاءَ َركّ َبكَ } [النفطار ‪]8 - 6 :‬‬
‫َفعَدََلكَ فِي َأ ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الطبرني في المعجم الوسط برقم (‪ )3290‬عن أحمد ‪ ،‬عن أيوب بن محمد الوزان ‪،‬‬
‫عن الوليد بن الوليد به ‪ ،‬وقال ‪" :‬لم يروه عن ابن ثوبان إل الوليد القلنسي" والوليد ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ دمشق (‪ "17/831‬المخطوط")‪.‬‬

‫( ‪)8/135‬‬

‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )5‬ذَِلكَ بِأَنّهُ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬


‫أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَبَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ فَذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِهِ ْم وََلهُمْ َ‬
‫حمِيدٌ (‪ )6‬زَعَمَ الّذِينَ‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفقَالُوا أَبَشَرٌ َي ْهدُونَنَا َفكَفَرُوا وَ َتوَلّوْا وَاسْ َتغْنَى اللّ ُه وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬
‫علَى اللّهِ يَسِيرٌ (‪ )7‬فََآمِنُوا‬
‫عمِلْتُ ْم وَذَِلكَ َ‬
‫َكفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ُثمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫جمْعِ ذَِلكَ َيوْمُ‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ الْ َ‬
‫بِاللّ ِه وَرَسُولِهِ وَالنّورِ الّذِي أَنْزَلْنَا وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )8‬يوْمَ يَ ْ‬
‫ل صَالِحًا ُيكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَيُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ‬
‫ن َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْعمَ ْ‬
‫ال ّتغَابُ ِ‬
‫خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ (‪)9‬‬

‫صوَ َركُ ْم وَرَ َز َقكُمْ مِنَ‬


‫ن ُ‬
‫حسَ َ‬
‫صوّ َركُمْ فَأَ ْ‬
‫سمَاءَ بِنَا ًء َو َ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ قَرَارًا وَال ّ‬
‫وكقوله ‪ { :‬اللّهُ الّذِي َ‬
‫الطّيّبَاتِ } الية [غافر ‪ ]64 :‬وقوله ‪ { :‬وَإِلَيْهِ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬المرجع والمآب‪.‬‬
‫ثم أخبر تعالى عن علمه بجميع الكائنات السمائية والرضية والنفسية ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬يعَْلمُ مَا فِي‬
‫ن َومَا ُتعْلِنُونَ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }‬
‫ض وَ َيعْلَمُ مَا تُسِرّو َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر ِ‬
‫ال ّ‬
‫{ أََلمْ يَأْ ِتكُمْ نَبَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ َفذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِ ِه ْم وََلهُمْ عَذَابٌ َألِيمٌ (‪ )5‬ذَِلكَ بِأَنّهُ كَا َنتْ تَأْتِي ِهمْ‬
‫حمِيدٌ (‪} )6‬‬
‫رُسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ َفقَالُوا أَبَشَرٌ َي ْهدُونَنَا َفكَفَرُوا وَ َتوَلّوْا وَاسْ َتغْنَى اللّ ُه وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المم الماضين ‪ ،‬وما حل بهم من العذاب والنكال ؛ في مخالفة الرسل‬
‫والتكذيب بالحق ‪ ،‬فقال ‪ { :‬أَلَمْ يَأْ ِتكُمْ نَبَأُ الّذِينَ َكفَرُوا مِنْ قَ ْبلُ } أي ‪ :‬خبرهم وما كان من أمرهم ‪،‬‬
‫{ َفذَاقُوا وَبَالَ َأمْرِ ِهمْ } أي ‪ :‬وخيم تكذيبهم ورديء أفعالهم ‪ ،‬وهو ما حل بهم في الدنيا من العقوبة‬
‫والخزي { وََلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي ‪ :‬في الدار الخرة مضاف إلى هذا الدنيوي‪ .‬ثم علل ذلك فقال ‪:‬‬
‫{ ذَِلكَ بِأَنّهُ كَا َنتْ تَأْتِيهِمْ ُرسُُلهُمْ بِالْبَيّنَاتِ } أي ‪ :‬بالحجج والدلئل والبراهين { َفقَالُوا أَ َبشَرٌ َيهْدُونَنَا }‬
‫؟ أي ‪ :‬استبعدوا أن تكون الرسالة في البشر ‪ ،‬وأن يكون هداهم على يدي بشر مثلهم ‪َ { ،‬ف َكفَرُوا‬
‫حمِيدٌ }‬
‫وَ َتوَلّوْا } أي ‪ :‬كذبوا بالحق ونكلوا عن العمل ‪ { ،‬وَاسْ َتغْنَى اللّهُ } أي ‪ :‬عنهم { وَاللّهُ غَ ِنيّ َ‬
‫عمِلْتُ ْم وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ (‬
‫عمَ الّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ بَلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ُثمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫{ زَ َ‬
‫جمْعِ‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ ا ْل َ‬
‫‪ )7‬فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِ ِه وَالنّورِ الّذِي أَنزلْنَا وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ خَبِيرٌ (‪َ )8‬يوْمَ َي ْ‬
‫ل صَالِحًا ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَيُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا‬
‫ذَِلكَ َيوْمُ ال ّتغَابُنِ َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ وَ َيعْ َم ْ‬
‫ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ (‪} )9‬‬
‫( ‪)8/136‬‬

‫صحَابُ النّارِ خَاِلدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪)10‬‬


‫وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأ ْ‬

‫{ وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪} )10‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن المشركين والكفار والملحدين أنهم يزعمون أنهم ل يبعثون ‪ُ { :‬قلْ بَلَى‬
‫عمِلْتُمْ } أي ‪ :‬ل ُتخْبَرُنّ بجميع أعمالكم ‪ ،‬جليلها وحقيرها ‪ ،‬صغيرها‬
‫وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ُثمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫علَى اللّهِ يَسِيرٌ } أي ‪ :‬بعثكم ومجازاتكم‪.‬‬
‫وكبيرها ‪ { ،‬وَذَِلكَ َ‬
‫وهذه هي الية الثالثة التي أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقسم بربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬على‬
‫وقوع المعاد ووجوده فالولى في سورة يونس ‪ { :‬وَيَسْتَنْبِئُو َنكَ َأحَقّ ُهوَ ُقلْ إِي وَرَبّي إِنّهُ َلحَقّ َومَا‬
‫عةُ ُقلْ َبلَى‬
‫أَنْتُمْ ِب ُم ْعجِزِينَ } [يونس ‪ ]53 :‬والثانية في سورة سبأ ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا ل تَأْتِينَا السّا َ‬
‫وَرَبّي لَتَأْتِيَ ّنكُمْ } الية [سبأ ‪]3 :‬‬

‫( ‪)8/136‬‬

‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )11‬وََأطِيعُوا‬


‫مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ إِلّا بِإِذْنِ اللّ ِه َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َيهْدِ قَلْبَ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَإِ ّنمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )12‬اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا ُه َو وَعَلَى اللّهِ‬
‫فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪)13‬‬

‫عمِلْ ُتمْ‬
‫والثالثة هي هذه [ { زَعَمَ الّذِينَ َكفَرُوا أَنْ لَنْ يُ ْبعَثُوا ُقلْ َبلَى وَرَبّي لَتُ ْبعَثُنّ ثُمّ لَتُنَ ّبؤُنّ ِبمَا َ‬
‫وَذَِلكَ عَلَى اللّهِ َيسِيرٌ } ] (‪)1‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرَسُولِ ِه وَالنّورِ الّذِي أَنزلْنَا } يعني ‪ :‬القرآن ‪ { ،‬وَاللّهُ ِبمَا َت ْعمَلُونَ‬
‫خَبِيرٌ } أي ‪ :‬فل تخفى عليه من أعمالكم خافية‪.‬‬
‫جمْعِ } وهو يوم القيامة ‪ ،‬سمي بذلك لنه يجمع فيه الولون‬
‫ج َم ُعكُمْ لِ َيوْمِ الْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوْمَ َي ْ‬
‫والخرون في صعيد واحد ‪ ،‬يسمعهم الداعي وي َنفُذَهم البصر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمٌ‬
‫ن الوّلِينَ وَالخِرِينَ‬
‫شهُودٌ } [هود ‪ ]103 :‬وقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ إِ ّ‬
‫س وَ َذِلكَ َيوْمٌ مَ ْ‬
‫جمُوعٌ َلهُ النّا ُ‬
‫مَ ْ‬
‫جمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ َيوْمٍ َمعْلُومٍ } [الواقعة ‪]50 ، 49 :‬‬
‫َلمَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكَ َيوْمُ ال ّتغَابُنِ } قال ابن عباس ‪ :‬هو اسم من أسماء يوم القيامة‪ .‬وذلك أن أهل الجنة‬
‫يغبنون أهل النار‪ .‬وكذا قال قتادة ومجاهد‪.‬‬
‫وقال مقاتل بن حيان ‪ :‬ل غبن أعظمُ من أن يدخل هؤلء إلى الجنة ‪ ،‬و ُيذْهَب بأولئك إلى النار‪.‬‬
‫ل صَالِحًا ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَيُ ْدخِلْهُ‬
‫قلت ‪ :‬وقد فسر ذلك بقوله تعالى ‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْعمَ ْ‬
‫جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَِلكَ ا ْل َفوْزُ ا ْلعَظِيمُ وَالّذِينَ َكفَرُوا َوكَذّبُوا بِآيَاتِنَا‬
‫أُولَ ِئكَ َأصْحَابُ النّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } وقد تقدم تفسير مثلُ هذه (‪ )2‬غير مرة‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ (‪ )11‬وََأطِيعُوا‬
‫{ مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ إِل بِإِذْنِ اللّ ِه َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َيهْدِ قَلْبَ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫اللّ َه وََأطِيعُوا الرّسُولَ فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَإِ ّنمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ (‪ )12‬اللّهُ ل إَِلهَ إِل ُه َو وَعَلَى‬
‫اللّهِ فَلْيَ َت َو ّكلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ (‪} )13‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا بما أخبر به في سورة الحديد ‪ { :‬مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ فِي ال ْرضِ وَل فِي‬
‫سكُمْ إِل فِي كِتَابٍ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ نَبْرََأهَا } [الحديد ‪ ]22 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬مَا َأصَابَ مِنْ ُمصِيبَةٍ‬
‫أَ ْنفُ ِ‬
‫إِل بِإِذْنِ اللّهِ } قال ابن عباس ‪ :‬بأمر ال ‪ ،‬يعني ‪ :‬عن قدره (‪ )3‬ومشيئته‪.‬‬
‫شيْءٍ عَلِيمٌ } أي ‪ :‬ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء ال‬
‫{ َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َي ْهدِ قَلْبَ ُه وَاللّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫وقدره ‪ ،‬فصبر واحتسب واستسلم لقضاء ال ‪ ،‬هدى ال قلبه ‪ ،‬وعَوّضه عما فاته من الدنيا هُدى‬
‫في قلبه ‪ ،‬ويقينا صادقًا ‪ ،‬وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه ‪ ،‬أو خيرًا منه‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َي ْهدِ قَلْبَهُ } يعني ‪ :‬يهد قلبه لليقين ‪،‬‬
‫فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ‪ ،‬وما أخطأه لم يكن ليصيبه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م فصل ‪.1‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬هذا" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن قدرته"‪.‬‬

‫( ‪)8/137‬‬

‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي ظِبْيان قال ‪ :‬كنا عند علقمة فقرئ عنده هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ‬
‫َيهْدِ قَلْبَهُ } فسئل عن ذلك فقال ‪ :‬هو الرجل تصيبه المصيبة ‪ ،‬فيعلم أنها من عند ال ‪ ،‬فيرضى‬
‫ويسلم‪ .‬رواه ابن جرير (‪ )1‬وابن أبي حاتم (‪)2‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّهِ َيهْدِ قَلْبَهُ } يعني ‪ :‬يسترجع ‪ ،‬يقول ‪{ :‬‬
‫جعُونَ } [البقرة ‪]156 :‬‬
‫إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ رَا ِ‬
‫وفي الحديث المتفق عليه ‪" :‬عجبًا للمؤمن ‪ ،‬ل يقضي ال له قضاء إل كان خيرًا له ‪ ،‬إن أصابته‬
‫ضَرّاء صبر فكان خيرًا له ‪ ،‬وإن أصابته سَرّاء شكر فكان خيرًا له ‪ ،‬وليس ذلك لحد إل للمؤمن"‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا الحارث بن يزيد ‪ ،‬عن علي بن رَبَاح ؛ أنه‬
‫سمع جنادة بن أبي أمية يقول ‪ :‬سمعت عبادة بن الصامت يقول ‪ :‬إن رجل أتى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أي العمل أفضل ؟ قال ‪" :‬إيمان بال ‪ ،‬وتصديق به ‪ ،‬وجهاد‬
‫في سبيله"‪ .‬قال ‪ :‬أريد أهونَ من هذا يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬ل تتهم ال في شيء ‪ ،‬قضى لك به"‪ .‬لم‬
‫يخرجوه (‪)4‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَطِيعُوا اللّ َه وَأَطِيعُوا الرّسُولَ } أمرٌ بطاعة ال ورسوله فيما شرع ‪ ،‬وفعل ما به أمر‬
‫وترك ما عنه نهى (‪ )5‬وزجر ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬فَإِنْ َتوَلّيْتُمْ فَإِ ّنمَا عَلَى َرسُولِنَا الْبَلغُ ا ْلمُبِينُ } أي ‪ :‬إن‬
‫حمّلْتم من السمع والطاعة‪.‬‬
‫حمّل من البلغ ‪ ،‬وعليكم ما ُ‬
‫نكلتم عن العمل فإنما عليه ما ُ‬
‫قال الزهري ‪ :‬من ال الرسالة ‪ ،‬وعلى الرسول البلغ وعلينا التسليم (‪)6‬‬
‫ثم قال تعالى مخبرًا أنه الحد الصمد ‪ ،‬الذي ل إله غيره ‪ ،‬فقال ‪ { :‬اللّهُ ل إِلَهَ إِل ُه َو وَعَلَى اللّهِ‬
‫فَلْيَ َت َوكّلِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } فالول خَبَرٌ عن التوحيد ‪ ،‬ومعناه معنى الطلب ‪ ،‬أي ‪ :‬وحدوا اللهية له ‪،‬‬
‫وأخلصوها لديه ‪ ،‬وتوكلوا عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ ل إِلَهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذهُ‬
‫َوكِيل } [المزمل ‪.]9 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/79‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وابن أبي حاتم في تفسيرهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2999‬من حديث صهيب الرومي ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/318‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ما ينهي عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه معلقًا (‪" )13/503‬فتح"‪.‬‬

‫( ‪)8/138‬‬

‫صفَحُوا وَ َتغْفِرُوا‬
‫حذَرُوهُ ْم وَإِنْ َت ْعفُوا وَتَ ْ‬
‫ع ُدوّا َلكُمْ فَا ْ‬
‫ج ُك ْم وََأوْلَا ِدكُمْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫عظِيمٌ (‪ )15‬فَا ّتقُوا اللّهَ مَا‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْلَا ُدكُمْ فِتْ َن ٌة وَاللّهُ عِ ْن َدهُ أَجْرٌ َ‬
‫فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سكُ ْم َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)16‬‬
‫س َمعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْ ِفقُوا خَيْرًا لِأَ ْنفُ ِ‬
‫طعْتُ ْم وَا ْ‬
‫اسْ َت َ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫ب وَال ّ‬
‫شكُورٌ حَلِيمٌ (‪ )17‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫حسَنًا ُيضَاعِفْهُ َلكُ ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا َ‬
‫حكِيمُ (‪)18‬‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬

‫ع ُدوّا َلكُمْ فَاحْذَرُوهُ ْم وَإِنْ َت ْعفُوا وَ َتصْفَحُوا وَ َتغْفِرُوا‬


‫جكُ ْم وََأوْل ِدكُمْ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪ )14‬إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُدكُمْ فِتْنَ ٌة وَاللّهُ عِنْ َدهُ َأجْرٌ عَظِيمٌ (‪ )15‬فَا ّتقُوا اللّهَ مَا‬
‫فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫سهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ (‪)16‬‬
‫سكُ ْم َومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْ ِ‬
‫س َمعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْ ِفقُوا خَيْرًا ل ْنفُ ِ‬
‫طعْتُ ْم وَا ْ‬
‫اسْ َت َ‬
‫شهَا َدةِ‬
‫ب وَال ّ‬
‫شكُورٌ حَلِيمٌ (‪ )17‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫حسَنًا ُيضَاعِفْهُ َلكُ ْم وَ َيغْفِرْ َلكُمْ وَاللّهُ َ‬
‫إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا َ‬
‫حكِيمُ (‪} )18‬‬
‫ا ْلعَزِيزُ ا ْل َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن الزواج والولد ‪ :‬إن منهم من هو عدو الزوج والوالد ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬أنه‬
‫يلتهى به عن العمل الصالح ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ل تُ ْل ِهكُمْ َأ ْموَاُلكُمْ وَل َأوْل ُدكُمْ عَنْ ِذكْرِ‬
‫اللّ ِه َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلخَاسِرُونَ } [المنافقون ‪ ]9 :‬؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬فاحذروهم } قال‬
‫ابن زيد ‪ :‬يعني على دينكم‪.‬‬
‫جكُ ْم وََأوْل ِد ُكمْ عَ ُدوّا َلكُمْ } قال ‪ :‬يحملُ الرجل على قطيعة الرحم أو‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫معصية ربه ‪ ،‬فل يستطيع الرجل مع حبه إل أن يطيعه‪ .‬وقال ابن أبي حاتم ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن خلف العسقلني (‪ )1‬حدثنا الفريابي ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬حدثنا سمَاك بن حرب ‪ ،‬عن‬
‫ج ُكمْ‬
‫عكْرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ -‬وسأله رجل عن هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنّ مِنْ أَ ْزوَا ِ‬
‫ِ‬
‫وََأوْل ِدكُمْ عَ ُدوّا َلكُمْ فَاحْذَرُو ُهمْ } ‪ -‬قال ‪ :‬فهؤلء رجال أسلموا من مكة ‪ ،‬فأرادوا أن يأتوا رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأبى أزواجهم وأولدهم أن يَدَعوهم ‪ ،‬فلما أتوا رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم رأوا الناسَ قد فقهوا في الدين ‪َ ،‬ف َهمّوا أن يعاقبوهم ‪ ،‬فأنزل ال هذه الية ‪ { :‬وَإِنْ‬
‫غفُورٌ َرحِيمٌ }‬
‫َت ْعفُوا وَ َتصْفَحُوا وَ َت ْغفِرُوا فَإِنّ اللّهَ َ‬
‫وكذا رواه الترمذي عن محمد بن يحيى ‪ ،‬عن الفريابي ‪ -‬وهو محمد بن يوسف ‪ -‬به (‪ )2‬وقال‬
‫حسن صحيح‪ .‬ورواه ابن جرير والطبراني ‪ ،‬من حديث إسرائيل ‪ ،‬به (‪ )3‬ورُوي من طريق‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬نحوه ‪ ،‬وهكذا قال عكرمة موله سواء‪.‬‬
‫عظِيمٌ } يقول تعالى ‪ :‬إنما الموال والولد‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنمَا َأ ْموَاُلكُ ْم وََأوْل ُدكُمْ فِتْ َن ٌة وَاللّهُ عِ ْن َدهُ أَجْرٌ َ‬
‫فتنة ‪ ،‬أي ‪ :‬اختبار وابتلء من ال لخلقه‪ .‬ليعلم من يطيعه ممن يعصيه‪.‬‬
‫ش َهوَاتِ مِنَ‬
‫حبّ ال ّ‬
‫عظِيمٌ } كما قال ‪ { :‬زُيّنَ لِلنّاسِ ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ عِنْ َدهُ } أي ‪ :‬يوم القيامة { أَجْرٌ َ‬
‫س ّومَةِ وَال ْنعَا ِم وَا ْلحَ ْرثِ‪[ +‬ذَِلكَ‬
‫ن وَا ْلقَنَاطِيرِ ا ْل ُمقَنْطَ َرةِ مِنَ الذّ َهبِ وَا ْل ِفضّ ِة وَالْخَ ْيلِ ا ْل ُم َ‬
‫النّسَا ِء وَالْبَنِي َ‬
‫حسْنُ ا ْلمَآبِ } والتي بعدها] [آل عمران ‪)4( ]15 ، 14 :‬‬
‫مَتَاعُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَاللّهُ عِ ْن َدهُ ُ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثني حُسَين بن واقد ‪ ،‬حدثني عبد ال بن بُرَيدة ‪،‬‬
‫سمعت أبي (‪ )5‬بريدة يقول ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يخطب ‪ ،‬فجاء الحسن والحسين‬
‫‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ‪ ،‬فنزل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬صدق ال ورسوله ‪ ،‬إنما أموالكم‬
‫وأولدكم فتنة ‪ ،‬نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي‬
‫ورفعتهما"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬الصيدلني"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن الترمذي برقم (‪.)7133‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )28/80‬والمعجم الكبير للطبراني (‪.)11/275‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬وفي هـ ‪" :‬الية"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬أبا" ‪ ،‬والمثبت من المسند‪.‬‬

‫( ‪)8/139‬‬

‫حسَين بن واقد ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬إنما نعرفه‬


‫ورواه أهل السنن من حديث ُ‬
‫من حديثه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سُرَيج بن النعمان ‪ ،‬حدثنا ُهشَيْم ‪ ،‬أخبرنا مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬حدثنا‬
‫الشعث بن قيس قال ‪ :‬قدمت على رسول ال صلى ال عليه وسلم في وفد كندة ‪ ،‬فقال لي ‪" :‬هل‬
‫لك من ولد ؟" قلت ‪ :‬غلم ولد لي في مَخرجَي إليك من ابنة جمد ‪ ،‬وََلوَد ْدتُ أن بمكانه ‪ :‬شبَعَ‬
‫القوم‪ .‬قال ‪" :‬ل تقولن ذلك ‪ ،‬فإن فيهم قرة عين ‪ ،‬وأجرًا إذا قبضوا" ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬ولئن قلت ذاك ‪:‬‬
‫إنهم لمجبنة مَحْزنة" تفرد به أحمد (‪ )2‬رحمه ال تعالى‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار ‪ :‬حدثنا محمود بن بكر ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬عن عيسى [بن أبي وائل] (‪)3‬‬
‫عن ابن أبي ليلى ‪ ،‬عن عطية ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الولد‬
‫ثمرة القلوب ‪ ،‬وإنهم مَجبنة مَبخلة محزنة" ثم قال ‪ :‬ل يعرف إل بهذا السناد (‪)4‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا هاشم بن مرثد (‪ )5‬حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬حدثني أبي ‪،‬‬
‫عةَ ‪ ،‬عن شريح بن عبيد ‪ ،‬عن أبي مالك الشعري ؛ أن رسول ال صلى‬
‫ض ْمضَمُ بنُ زُرْ َ‬
‫حدثني َ‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬ليس عدوك الذي إن قتلته كان فوزًا لك ‪ ،‬وإن قتلك دخلت الجنة ‪ ،‬ولكن‬
‫الذي لعله عدو لك ولدك الذي خرج من صلبك ‪ ،‬ثم أعدى عدو لك مالُك الذي ملكت يمينك" (‪)6‬‬
‫طعْتُمْ (‪ } )7‬أي ‪ :‬جهدكم وطاقتكم‪ .‬كما ثبت في الصحيحين عن‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬فَا ّتقُوا الَ مَا اسْتَ َ‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا أمرتكم بأمر فائتوا‬
‫منه ما استطعتم ‪ ،‬وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" (‪)8‬‬
‫وقد قال بعض المفسرين ‪ -‬كما رواه مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ -‬إن هذه الية العظيمة ناسخة‬
‫للتي في "آل عمران" وهي قوله ‪ } :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا ا ّتقُوا اللّهَ حَقّ ُتقَاتِ ِه وَل َتمُوتُنّ إِل وَأَنْتُمْ‬
‫مُسِْلمُونَ } [آل عمران ‪]102 :‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثني يحيى بن عبد ال بن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثني ابن َلهِيعة ‪،‬‬
‫حدثني عطاء ‪ -‬هو ابن دينار ‪ -‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬ا ّتقُوا اللّهَ حَقّ ُتقَاتِ ِه وَل َتمُوتُنّ‬
‫إِل وَأَنْتُمْ مُسِْلمُونَ } قال ‪ :‬لما نزلت الية اشتد على القوم العمل ‪ ،‬فقاموا حتى ورمت عراقيبهم‬
‫طعْتُمْ } فنسخت الية‬
‫وتقرحت جباههم ‪ ،‬فأنزل ال تخفيفًا على المسلمين ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّهَ مَا اسْ َت َ‬
‫الولى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )5/354‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1109‬وسنن الترمذي برقم (‪ )3774‬وسنن النسائي‬
‫(‪ )3/108‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3600‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/211‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪" )1892‬كشف الستار" قال الهيثمي في المجمع (‪" : )8/155‬وفيه عطية‬
‫الوفي وهو ضعيف" المجبنة ‪ :‬مظنة للجبن ‪ ،‬والمبخلة ‪ :‬سبب للبخل ‪ ،‬والمخزنة ‪ :‬سبب للحزن‪.‬‬
‫(‪ )5‬في هـ ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬مزيد" ‪ ،‬والمثبت من المعجم الكبير‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪ )3/294‬وفيه ضعف وانقطاع وقد تقدم بيانه مرارًا‪.‬‬
‫(‪ )7‬فاتقوا ال ما استطعتم‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )7288‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1337‬‬

‫( ‪)8/140‬‬

‫ي ‪ ،‬ومُقاتل بن حَيّان ‪،‬‬


‫وروي عن أبي العالية ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والسّ ّد ّ‬
‫نحو ذلك‪.‬‬
‫س َمعُوا وَأَطِيعُوا } أي ‪ :‬كونوا منقادين لما يأمركم ال به ورسوله ‪ ،‬ول تحيدوا عنه‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْ‬
‫يمنة ول يسرة ‪ ،‬ول تقدموا بين يدي ال ورسوله ‪ ،‬ول تتخلفوا عما به أمرتم ‪ ،‬ول تركبوا ما‬
‫عنه زُجرتم‪.‬‬
‫سكُمْ } أي ‪ :‬وابذلوا مما رزقكم ال على القارب والفقراء‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَأَ ْنفِقُوا خَيْرًا ل ْنفُ ِ‬
‫والمساكين وذوي الحَاجات ‪ ،‬وأحسنوا إلى خلق ال كما أحسن إليكم ‪ ،‬يكن خيرًا لكم في الدنيا‬
‫والخرة ‪ ،‬وإن ل تفعلوا يكن شرّا لكم في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يُوقَ شُحّ َنفْسِهِ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْل ُمفْلِحُونَ } تقدم تفسيره في سورة "الحشر" وذكر‬
‫الحاديث الواردة في معنى هذه الية ‪ ،‬بما أغنى عن إعادته ها هنا ‪ ،‬ول الحمد والمنة ‪،‬‬
‫عفْهُ َلكُ ْم وَ َي ْغفِرْ َلكُمْ } أي ‪ :‬مهما أنفقتم من شيء فهو‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنْ ُتقْ ِرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا ُيضَا ِ‬
‫يخلفه ‪ ،‬ومهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه ‪ ،‬ونزل ذلك منزلة القرض له ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫عفْهُ َلكُمْ }‬
‫الصحيح أن ال تعالى يقول ‪" :‬من يقرض غير ظلوم ول عديم " (‪ )1‬ولهذا قال ‪ُ { :‬يضَا ِ‬
‫ضعَافًا كَثِي َرةً } [البقرة ‪]245 :‬‬
‫عفَهُ لَهُ َأ ْ‬
‫كما تقدم في سورة البقرة ‪ { :‬فَ ُيضَا ِ‬
‫شكُورٌ } أي ‪ :‬يجزي على القليل‬
‫{ وَ َي ْغفِرْ َلكُمْ } أي ‪ :‬ويكفر عنكم السيئات‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ َ‬
‫بالكثير { حليم } أي ‪[ :‬يعفو و] (‪ )2‬يصفح ويغفر ويستر ‪ ،‬ويتجاوز عن الذنوب والزلت‬
‫والخطايا والسيئات‪.‬‬
‫حكِيمُ } تقدم تفسيره غير مرة‪.‬‬
‫شهَا َدةِ ا ْلعَزِيزُ الْ َ‬
‫ب وَال ّ‬
‫{ عَاِلمُ ا ْلغَ ْي ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪ )758‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/141‬‬

‫حصُوا ا ْلعِ ّد َة وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ لَا تُخْ ِرجُوهُنّ مِنْ‬
‫ن وَأَ ْ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ َفطَّلقُوهُنّ ِل ِعدّ ِتهِ ّ‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَ ٍة وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّ ِه َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْسَهُ لَا‬
‫بُيُو ِتهِنّ وَلَا َيخْرُجْنَ إِلّا أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ‬
‫ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرًا (‪)1‬‬
‫تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ‬

‫تفسير سورة الطلق‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫حصُوا ا ْل ِع ّد َة وَاتّقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ ل تُخْ ِرجُوهُنّ مِنْ‬
‫ن وََأ ْ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِ ّ‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَ ٍة وَتِ ْلكَ حُدُودُ اللّ ِه َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ َفقَدْ ظَلَمَ َنفْسَهُ‬
‫بُيُو ِتهِنّ وَل يَخْ ُرجْنَ إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ‬
‫ل َتدْرِي َل َعلّ اللّهَ ُيحْ ِدثُ َبعْدَ ذَِلكَ َأمْرًا (‪} )1‬‬
‫خُوطب النبي صلى ال عليه وسلم أول تشريفًا وتكريما ‪ ،‬ثم خاطب المة تبعًا فقال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫طّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ }‬
‫النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَ َ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن ثواب بن سعيد الهباري ‪ ،‬حدثنا أسباط بن محمد ‪ ،‬عن‬
‫سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬طلق رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة ‪ ،‬فأتت أهلها ‪،‬‬
‫طّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ } فقيل له ‪ :‬راجعها فإنها‬
‫فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا طَّلقْتُمُ النّسَاءَ فَ َ‬
‫صوامة قوامة ‪ ،‬وهي من أزواجك ونسائك في الجنة‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن ابن بشار ‪ ،‬عن عبد العلى ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة‪ ...‬فذكره مرسل (‪)1‬‬
‫وقد ورد من غير وجه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى بن ُبكَيْر ‪ ،‬حدثنا الليث وعقيل ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬أخبرني سالم ‪ :‬أن‬
‫عبد ال بن عمر أخبره ‪ :‬أنه طلق امرأة له وهي حائض ‪ ،‬فذكر عمرُ لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فتغيظ رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم قال ‪" :‬ليراجعها ‪ ،‬ثم يمسكها حتى تطهر ‪ ،‬ثم‬
‫تحيض فتطهر ‪ ،‬فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها ‪ ،‬فتلك العدة التي أمر ال ‪،‬‬
‫عز وجل" (‪)2‬‬
‫هكذا رواه البخاري هاهنا وقد رواه في مواضع من كتابه ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬ولفظه ‪" :‬فتلك العدة التي أمر‬
‫ال أن يطلق لها النساء" (‪)3‬‬
‫ورواه أصحاب الكتب والمسانيد من طرق متعددة وألفاظ كثيرة (‪ )4‬ومواضع استقصائها كتب‬
‫الحكام‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪)28/85‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4908‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5251‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1471‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )58 ، 54 ، 51 ، 43 ، 2/26‬وسنن أبي داود برقم (‪ )2179‬وسنن النسائي (‬
‫‪ )6/138‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)2023‬‬

‫( ‪)8/142‬‬

‫وأمَسّ لفظ يورَد ها هنا ما رواه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من طريق ابن جُرَيْج ‪ :‬أخبرني أبو الزبير ‪:‬‬
‫أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن ‪ -‬مولى عَزة يسأل ابن عمر ‪ -‬وأبو الزبير يسمع ذلك ‪ :‬كيف‬
‫ترى في رجل طلق امرأته حائضًا ؟ فقال ‪ :‬طَلّق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فسأل عمر رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬إن عبد ال بن عمر‬
‫طلق امرأته وهي حائض ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ليراجعها" فَردّها ‪ ،‬وقال ‪" :‬إذا‬
‫طهرت فليطلق أو يمسك"‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬وقرأ النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ إِذَا‬
‫طَّلقْتُمُ النّسَاءَ َفطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ } (‪.)1‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن مالك بن الحارث ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن يزيد ‪ ،‬عن عبد ال في قوله ‪:‬‬
‫{ َفطَّلقُوهُنّ ِل ِعدّ ِتهِنّ } قال ‪ :‬الطهر من غير جماع (‪ )2‬وروي عن ابن عمر وعطاء ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫والحسن ‪ ،‬وابن سيرين ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وميمون بن ِمهْران ‪ ،‬ومقاتل بن حيان مثل ذلك ‪ ،‬وهو رواية‬
‫عن عكرمة ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ { :‬فَطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ } قال ‪ :‬ل يطلقها‬
‫وهي حائض ول في طهر قد جامعها فيه ‪ ،‬ولكن ‪ :‬تتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها‬
‫تطليقة‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬فَطَّلقُوهُنّ ِلعِدّ ِتهِنّ } العدة ‪ :‬الطهر ‪ ،‬والقرء الحيضة ‪ ،‬أن يطلقها حبلى مستبينا‬
‫حملها ‪ ،‬ول يطلقها وقد طاف عليها ‪ ،‬ول يدري حبلى هي أم ل‪.‬‬
‫ومن ها هنا أخذ الفقهاء أحكام الطلق وقسموه إلى طلق سنة وطلق بدعة ‪ ،‬فطلق السنة ‪ :‬أن‬
‫يطلقها طاهرًا من غير جماع ‪ ،‬أو حامل قد استبان حملها‪ .‬والبدعى ‪ :‬هو أن يطلقها في حال‬
‫الحيض ‪ ،‬أو في طهر قد جامعها فيه ‪ ،‬ول يدري أحملت أم ل ؟ وطلق ثالث ل سنة فيه ول‬
‫بدعة ‪ ،‬وهو طلق الصغيرة واليسة ‪ ،‬وغير المدخول بها ‪ ،‬وتحرير الكلم في ذلك وما يتعلق به‬
‫مستقصى في كتب الفروع ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم‪.‬‬
‫حصُوا ا ْلعِ ّدةَ } أي ‪ :‬احفظوها واعرفوا ابتداءها وانتهاءها ؛ لئل تطول العدة على المرأة‬
‫وقوله { وَأَ ْ‬
‫فتمتنع من الزواج‪ { .‬وَا ّتقُوا اللّهَ رَ ّبكُمْ } أي ‪ :‬في ذلك‪.‬‬
‫ن وَل َيخْرُجْنَ } أي ‪ :‬في مدة العدة لها حق السكنى على الزوج‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تُخْ ِرجُوهُنّ مِنْ بُيُو ِتهِ ّ‬
‫ما دامت معتدة منه ‪ ،‬فليس للرجل أن يخرجها ‪ ،‬ول يجوز لها أيضا الخروج لنها معتقلة (‪)3‬‬
‫لحق الزوج أيضًا‪.‬‬
‫حشَةٍ مُبَيّنَةٍ } أي ‪ :‬ل يخرجن من بيوتهن إل أن ترتكب المرأة فاحشة‬
‫وقوله ‪ { :‬إِل أَنْ يَأْتِينَ ِبفَا ِ‬
‫مبينة ‪ ،‬فتخرج من المنزل ‪ ،‬والفاحشة المبينة تشمل الزنا ‪ ،‬كما قاله ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪،‬‬
‫عكْرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫وسعيد بن ال ُمسَيّب ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وابن سيرين ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬و ِ‬
‫وأبو قِلبة ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬وعطاء الخراساني ‪ ،‬والسّدّي ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)14719‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبري في تفسيره (‪.)28/83‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬لنها متعلقة"‪.‬‬

‫( ‪)8/143‬‬

‫أبي هلل ‪ ،‬وغيرهم وتشمل ما ذا (‪ )1‬نشزَت المرأة أو بَذَت على أهل الرجل وآذتهم في الكلم‬
‫والفعال ‪ ،‬كما قاله أبي بن كعب ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫حدُودُ اللّهِ } أي ‪ :‬شرائعه ومحارمه { َومَنْ يَ َتعَدّ حُدُودَ اللّهِ } أي ‪ :‬يخرج عنها‬
‫وقوله ‪ { :‬وَتِ ْلكَ ُ‬
‫سهُ } أي ‪ :‬بفعل ذلك‪.‬‬
‫ويتجاوزها إلى غيرها ول يأتمر بها { َفقَدْ ظَلَمَ َنفْ َ‬
‫ح ِدثُ َبعْدَ َذِلكَ َأمْرًا } أي ‪ :‬إنما أبقينا المطلقة في منزل الزوج في‬
‫وقوله ‪ { :‬ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ يُ ْ‬
‫جعَتَها ‪ ،‬فيكون ذلك أيسر وأسهل‪.‬‬
‫مدة العدة ‪ ،‬لعل الزوج يندم على طلقها ويخلق ال في قلبه رَ ْ‬
‫قال الزهري ‪ ،‬عن عبيد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن فاطمة بنت قيس في قوله ‪ { :‬ل تَدْرِي َل َعلّ اللّهَ‬
‫ح ِدثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرًا } قال ‪ :‬هي الرجعة‪ .‬وكذا قال الشعبي ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫يُ ْ‬
‫ومقاتل ابن حيان ‪ ،‬والثوري‪ .‬ومن هاهنا ذهب من ذهب من السلف ومن تابعهم ‪ ،‬كالمام أحمد‬
‫بن حنبل ‪ ،‬رحمه ال تعالى إلى أنه ل تجب السكنى للمبتوتة ‪ ،‬وكذا المتوفى عنها زوجها ‪،‬‬
‫واعتمدوا أيضًا على حديث فاطمة بنت قيس الفهرية ‪ ،‬حين طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص‬
‫آخر ثلث تطليقات ‪ ،‬وكان غائبًا عنها باليمن ‪ ،‬فأرسل إليها بذلك ‪ ،‬فأرسل إليها وكيله بشعير ‪-‬‬
‫سخّطته فقال ‪ :‬وال ليس لك علينا نفقة‪ .‬فأتت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫[يعني] (‪ )2‬نفقة ‪ -‬فَتَ َ‬
‫‪ ،‬فقال ‪" :‬ليس لك عليه نفقة"‪ .‬ولمسلم ‪ :‬ول سكنى ‪ ،‬وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫"تلك امرأة يغشاها أصحابي ‪ ،‬اعتدي عند ابن أم مكتوم ‪ ،‬فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك" الحديث‬
‫(‪)3‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من طريق أخرى بلفظ آخر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حدثنا يحيى بن سعيد ‪ ،‬حدثنا مجالد ‪ ،‬حدثنا عامر قال ‪ :‬قدمت المدينة فأتيت فاطمة بنت قيس ‪،‬‬
‫فحدثتني أن زوجها طلقها على عهد النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فبعثه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في سَرية‪ .‬قالت ‪ :‬فقال لي أخوه ‪ :‬اخرجي من الدار‪ .‬فقلت ‪ :‬إن لي نفقة وسكنى حتى يحل‬
‫الجل‪ .‬قال ‪ :‬ل‪ .‬قالت ‪ :‬فأتيت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬إن فلنا طلقني ‪ ،‬وأن أخاه‬
‫أخرجني ومنعني السكنى والنفقة ‪[ ،‬فأرسل إليه] (‪ )4‬فقال ‪" :‬ما لك ولبنة آل قيس" ‪ ،‬قال ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬إن أخي طلقها ثلثا جميعًا‪ .‬قالت ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬انظري يا‬
‫بنت آل قيس ‪ ،‬إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كان له عليها رجعة ‪ ،‬فإذا لم يكن له‬
‫حدّث إليها ‪ ،‬انزلي‬
‫عليها رجعة فل نفقة ول سكنى‪ .‬اخرجي فانزلي على فلنة"‪ .‬ثم قال ‪" :‬إنه يُت َ‬
‫على ابن أم مكتوم ‪ ،‬فإنه أعمى ل يراك" وذكر تمام الحديث (‪)5‬‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن عبد ال البزار التّسْتَريّ ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم‬
‫الصواف ‪ ،‬حدثنا بكر بن بكار ‪ ،‬حدثنا سعيد بن يزيد البجلي ‪ ،‬حدثنا عامر الشعبي ‪ :‬أنه دخل‬
‫على فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس القرشي ‪ ،‬وزوجها أبو عمرو بن حفص بن المغيرة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وتشمل ما إذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)1480‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من المسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)6/373‬‬

‫( ‪)8/144‬‬

‫ع ْدلٍ مِ ْنكُ ْم وََأقِيمُوا‬


‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬
‫ف وَأَ ْ‬
‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ فَا ِرقُوهُنّ ِب َمعْرُو ٍ‬
‫فَإِذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ‬
‫ج َعلْ لَهُ مَخْ َرجًا (‪)2‬‬
‫شهَا َدةَ لِلّهِ ذَِلكُمْ يُوعَظُ ِبهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْمِ الْآَخِ ِر َومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫ال ّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ ِل ُكلّ‬
‫ب َومَنْ يَ َت َوكّلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ قَدْ َ‬
‫س ُ‬
‫وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ لَا َيحْتَ ِ‬
‫شيْءٍ قَدْرًا (‪)3‬‬
‫َ‬

‫المخزومي فقالت ‪ :‬إن أبا عمرو بن حفص أرسل إلي وهو منطلق في جيش إلى اليمن بطلقي ‪،‬‬
‫فسألت أولياءه النفقة علي والسكنى ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ما أرسل إلينا في ذلك شيئًا ‪ ،‬ول أوصانا به‪.‬‬
‫فانطلقت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن أبا عمرو بن حفص أرسل‬
‫إلي بطلقي ‪ ،‬فطلبت السكنى والنفقة علي ‪ ،‬فقال ‪ :‬أولياؤه ‪ :‬لم يرسل إلينا في ذلك بشيء‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة ‪ ،‬فإذا‬
‫كانت ل تحل له حتى تنكح زوجًا غيره فل نفقة لها ول سكنى"‪.‬‬
‫وكذا رواه النسائي (‪ )1‬عن أحمد بن يحيى الصوفي ‪ ،‬عن أبي نعيم الفضل بن ُدكَيْن ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن يزيد وهو الحمسي ال َبجَلي الكوفي‪ .‬قال أبو حاتم الرازي ‪ :‬وهو شيخ ‪ ،‬يروى عنه (‪)2‬‬
‫شهِدُوا َذ َويْ عَ ْدلٍ مِ ْنكُ ْم وََأقِيمُوا‬
‫سكُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ َأوْ فَا ِرقُوهُنّ ِب َمعْرُوفٍ وَأَ ْ‬
‫{ فَِإذَا بََلغْنَ َأجََلهُنّ فََأمْ ِ‬
‫ج َعلْ لَهُ مَخْرَجًا (‪)2‬‬
‫شهَا َدةَ لِلّهِ ذَِلكُمْ يُوعَظُ ِبهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِ ِر َومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫ج َعلَ اللّهُ ِل ُكلّ‬
‫حسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ َأمْ ِرهِ قَدْ َ‬
‫سبُ َومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ َ‬
‫وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْ َت ِ‬
‫شيْءٍ قَدْرًا (‪} )3‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ :‬فإذا بلغت المعتدات أجلهن ‪ ،‬أي ‪ :‬شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ‪ ،‬ولكن لم‬
‫تفرغ العدة بالكلية ‪ ،‬فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها ‪ ،‬وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه‬
‫والستمرار بها على ما كانت عليه عنده‪ِ { .‬ب َمعْرُوفٍ } أي ‪ :‬محسنًا إليها في صحبتها ‪ ،‬وإما أن‬
‫يعزم على مفارقتها { ِب َمعْرُوفٍ } أي ‪ :‬من غير مقابحة ول مشاتمة ول تعنيف ‪ ،‬بل يطلقها على‬
‫وجه جميل وسبيل حسن‪.‬‬
‫ش ِهدُوا َذ َويْ عَ ْدلٍ مِ ْنكُمْ } أي ‪ :‬على الرجعة إذا عَزَمتم عليها ‪ ،‬كما رواه أبو داود‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ْ‬
‫حصَين ‪ :‬أنه سُئِل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد‬
‫وابن ماجة ‪ ،‬عن عمران (‪ )3‬بن ُ‬
‫على طلقها ول على رجعتها فقال ‪ :‬طَلّقتَ لغير سنة ‪ ،‬ورجعت لغير سنة ‪ ،‬وأشهِدْ على طلقها‬
‫وعلى رجعتها ‪ ،‬ول َتعُدْ (‪)5( )4‬‬
‫ع ْدلٍ مِ ْنكُمْ } قال ‪ :‬ل يجوز في نكاح ول‬
‫شهِدُوا َذ َويْ َ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬كان عطاء يقول ‪ { :‬وَأَ ْ‬
‫طلق ول رجاع إل شاهدا عدل ‪ ،‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬إل أن يكون من عذر‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ذَِلكُمْ يُوعَظُ ِبهِ مَنْ كَانَ ُي ْؤمِنُ بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ } أي ‪ :‬هذا الذي أمرناكم به من‬
‫الشهاد وإقامة الشهادة ‪ ،‬إنما يأتمر به من يؤمن بال وأنه شرع هذا ‪ ،‬ومن يخاف عقاب (‪ )6‬ال‬
‫في الدار الخرة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )24/382‬وسنن النسائي (‪.)6/144‬‬
‫(‪ )2‬الجرح والتعديل لبن أبي حاتم (‪.)4/74‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عن عمرو"‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ول تعتد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪ )2186‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)2025‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬ويخاف عذاب"‪.‬‬
‫( ‪)8/145‬‬

‫ومن ها هنا ذهب الشافعي ‪ -‬في أحد قوليه ‪ -‬إلى وجوب الشهاد في الرجعة ‪ ،‬كما يجب عنده‬
‫في ابتداء النكاح‪ .‬وقد قال بهذا طائفة من العلماء ‪ ،‬ومن قال بهذا يقول ‪ :‬إن الرجعة ل تصح إل‬
‫بالقول ليقع الشهاد عليها‪.‬‬
‫سبُ } أي ‪ :‬ومن يتق ال فيما‬
‫ج َعلْ لَهُ مَخْ َرجًا وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل َيحْتَ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫أمره به ‪ ،‬وتَرَك ما نهاه عنه ‪ ،‬يجعل له من أمره مخرجًا ‪ ،‬ويرزقه من حيث ل يحتسب ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫من جهة ل تخطر بباله‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يزيد ‪ ،‬أخبرنا كَهمس بن الحسن ‪ ،‬حدثنا أبو السليل ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪:‬‬
‫ج َعلْ َلهُ مَخْ َرجًا‬
‫جعل رسول ال صلى ال عليه وسلم يتلو عََليّ هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫سبُ } حتى فرغ من الية ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا أبا ذر ‪ ،‬لو أن الناس كلهم أخذوا‬
‫وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْ َت ِ‬
‫بها كفتهم"‪ .‬وقال ‪ :‬فجعل يتلوها ويُرددها علي حتى َنعَست ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬يا أبا ذر ‪ ،‬كيف تصنع إن‬
‫(‪ )1‬أخرجت من المدينة ؟‪" .‬قلت ‪ :‬إلى السعة والدّعة (‪ )2‬أنطلق ‪ ،‬فأكون حمامة من حمام مكة‪.‬‬
‫قال ‪" :‬كيف تصنع إن أخرجت من مكة ؟"‪ .‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إلى السعة والدّعة ‪ ،‬وإلى الشام والرض‬
‫المقدسة‪ .‬قال ‪" :‬وكيف تصنع إن أخرجتَ من الشام ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬إذا ‪ -‬والذي بعثك بالحق (‪- )3‬‬
‫أضع سيفي على عاتقي‪ .‬قال ‪" :‬أوخير من ذلك ؟"‪ .‬قلت ‪ :‬أوخير من ذلك ؟ قال ‪" :‬تسمع وتطيع ‪،‬‬
‫وإن كان عبدًا حبشيّا" (‪)4‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ‪ ،‬حدثنا يعلى بن عبيد ‪ ،‬حدثنا زكريا ‪ ،‬عن‬
‫عامر ‪ ،‬عن شُتَير (‪ )5‬بن شكَل قال ‪ :‬سمعت عبد ال بن مسعود يقول ‪ :‬إن أجمع آية في القرآن ‪:‬‬
‫حسَانِ } [النحل ‪ ]90 :‬وإن أكثر آية في القرآن فرجًا ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ‬
‫{ إِنّ اللّهَ يَ ْأمُرُ بِا ْل َع ْدلِ وَال ْ‬
‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجًا }‬
‫يَ ْ‬
‫وفي المسند ‪ :‬حدثني مهدي بن جعفر ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن الحكم بن مصعب ‪ ،‬عن محمد‬
‫بن علي بن عبد ال بن عباس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عبد ال بن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬من أكثر من الستغفار جعل ال له من كل َهمّ فرجًا ‪ ،‬ومن كل ضيق مخرجًا ‪،‬‬
‫ورزقه من حيث ل يحتسب" (‪)6‬‬
‫ج َعلْ َلهُ مَخْ َرجًا } يقول ‪ :‬ينجيه من‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫سبُ }‬
‫كل كرب في الدنيا والخرة ‪ { ،‬وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل َيحْتَ ِ‬
‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجًا } أي ‪ :‬من كل شيء ضاق على الناس‪.‬‬
‫وقال الربيع بن خثيم ‪ { :‬يَ ْ‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬من طلق كما أمره ال يجعل له مخرجًا‪ .‬وكذا روي عن ابن عباس ‪ ،‬والضحاك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬إذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬إلى الدعة والسعة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬بالحق نبيا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/178‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عن بسر"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)1/248‬‬

‫( ‪)8/146‬‬

‫ج َعلْ لَهُ َمخْرَجًا } يعلم أن ال إن شاء منع ‪ ،‬وإن‬


‫وقال ابن مسعود ‪ ،‬ومسروق ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫سبُ } أي (‪ )1‬من حيث ل يدري‪.‬‬
‫شاء أعطى { مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْتَ ِ‬
‫ج َعلْ لَهُ مَخْ َرجًا } أي ‪ :‬من شبهات المور والكرب (‪ )2‬عند الموت‬
‫وقال قتادة ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫سبُ } ومن حيث ل يرجو أو ل يأمل‪.‬‬
‫‪ { ،‬وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْتَ ِ‬
‫وقال السدي ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ } يطلق للسنة ‪ ،‬ويراجع للسنة ‪ ،‬وزعم أن رجل من أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقال له ‪" :‬عوف بن مالك الشجعي" كان له ابن ‪ ،‬وأن المشركين‬
‫أسروه ‪ ،‬فكان فيهم ‪ ،‬وكان أبوه يأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله‬
‫التي هو بها وحاجته ‪ ،‬فكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمره بالصبر ‪ ،‬ويقول له ‪" :‬إن ال‬
‫سيجعل لك فرجًا" (‪ )3‬فلم يلبث بعد ذلك إل يسيرًا أن انفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من‬
‫أغنام العدو ‪ ،‬فاستاقها فجاء بها إلى أبيه ‪ ،‬وجاء معه بغنى (‪ )4‬قد أصابه من الغنم ‪ ،‬فنزلت فيه‬
‫سبُ }‬
‫ج َعلْ لَهُ مَخْ َرجًا وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل َيحْتَ ِ‬
‫هذه الية ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫رواه ابن جرير ‪ )5( ،‬وروي أيضًا من طريق سالم بن أبي الجعد مرسل نحوه (‪)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ،‬حدثنا وكَيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد ال بن عيسى ‪ ،‬عن عبد ال بن أبي‬
‫الجعد ‪ ،‬عن ثوبان قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن العبد لَ ُيحْرَمُ الرزق بالذنب‬
‫يُصيبُه ‪ ،‬ول يرد القدر إل الدعاء ‪ ،‬ول يزيد في العمر إل البر"‪.‬‬
‫ورواه النسائي وابن ماجة ‪ ،‬من حديث سفيان ‪ -‬وهو الثوري ‪ -‬به (‪)7‬‬
‫وقال محمد بن إسحاق ‪ :‬جاء مالك الشجعي إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬له أسر‬
‫ابني عوف‪ .‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أرسل إليه أن رسول ال يأمرك أن تكثر‬
‫من قول ‪ :‬ل حول ول قوة إل بال"‪ .‬وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القِد عنه ‪ ،‬فخرج ‪ ،‬فإذا هو بناقة‬
‫لهم فركبها ‪ ،‬وأقبل فإذا بسَرْح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بهم ‪ ،‬فاتبع أولها آخرها ‪ ،‬فلم‬
‫يفجأ أبويه إل وهو ينادي بالباب ‪ ،‬فقال أبوه ‪ :‬عوف ورب الكعبة‪ .‬فقالت أمه ‪ :‬واسوأتاه‪ .‬وعوف‬
‫كيف يقدم لما هو فيه من القد ‪ -‬فاستبقا الباب والخادم ‪ ،‬فإذا عوف قد مل الفناء إبل فقص على‬
‫أبيه أمره وأمر البل ‪ ،‬فقال أبوه ‪ :‬قفا حتى آتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسأله عنها‪ .‬فأتى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر البل ‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال‬
‫ج َعلْ لَهُ‬
‫عليه وسلم ‪" :‬اصنع بها ما أحببت ‪ ،‬وما كنت صانعًا بمالك"‪ .‬ونزل ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫سبُ }‬
‫مَخْ َرجًا وَيَرْ ُزقْهُ مِنْ حَ ْيثُ ل يَحْ َت ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أو"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬والكروب"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬مخرجًا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬يغنم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)28/89‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪ )28/90‬وقد جاء موصلً ‪ ،‬أخرجه الحاكم في المستدرك (‪ )2/492‬من‬
‫طريق عبيد بن كثير العامري ‪ ،‬عن عباد بن يعقوب ‪ ،‬عن يحيى بن آدم ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫عمار بن أبي معاوية ‪ ،‬عن سالم بن أبي الجعد ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬نزلت هذه‬
‫الية‪ ...‬فذكر نحو رواية السدي ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي‬
‫بقوله ‪" :‬بل منكر ‪ ،‬فيه عباد بن يعقوب رافضي جبل ‪ ،‬وعبيد بن كثير العامري متروك ‪ ،‬قاله‬
‫الزدي"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )5/277‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4022‬‬

‫( ‪)8/147‬‬

‫رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬


‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ‪ ،‬حدثنا‬
‫حصَين‬
‫إبراهيم بن الشعث ‪ ،‬حدثنا الفضيل بن عياض ‪ ،‬عن هشام بن حسان (‪ )1‬عن عمران بن ُ‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من انقطع إلى ال كفاه ال كل مَئُونة ‪ ،‬ورزقه من‬
‫حيث ل يحتسب ‪ ،‬ومن انقطع إلى الدنيا وكَلَه إليها" (‪)2‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يَ َت َو ّكلْ عَلَى اللّهِ َف ُهوَ حَسْ ُبهُ } قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ليث ‪ ،‬حدثنا قيس بن الحجاج ‪ ،‬عن حَنَش الصنعاني ‪ ،‬عن عبد ال بن عباس‬
‫‪ :‬أنه حدثه أنه ركب خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم يومًا فقال له رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬يا غلم ‪ ،‬إني معلمك كلمات ‪ :‬احفظ ال يحفظك ‪ ،‬احفظ ال تجده تجاهك ‪ ،‬وإذا سألت‬
‫فاسأل ال ‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن بال ‪ ،‬واعلم أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك ‪ ،‬لم ينفعوك‬
‫إل بشيء كتبه ال لك ‪ ،‬ولو اجتمعوا على أن يضروك ‪ ،‬لم يضروك إل بشيء قد كتبه ال‬
‫عليك ‪ ،‬رفعت القلم ‪ ،‬وجفت الصحف"‪.‬‬
‫وقد رواه الترمذي من حديث الليث بن سعد ‪ ،‬وابن َلهِيعة ‪ ،‬به (‪ )3‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا بشير بن سلمان ‪ ،‬عن سيار أبي الحكم ‪ ،‬عن طارق بن‬
‫شهاب ‪ ،‬عن عبد ال ‪ -‬هو ابن مسعود ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من نزل‬
‫سهّل حاجته ‪ ،‬ومن أنزلها بال أتاه ال برزق عاجل ‪ ،‬أو‬
‫به حاجة فأنزلها بالناس كان قمنًا أن ل تُ َ‬
‫بموت آجل"‪.‬‬
‫ثم رواه عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن بشير ‪ ،‬عن سيار أبي حمزة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬وهو‬
‫الصواب ‪ ،‬وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق (‪)4‬‬
‫ج َعلَ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ اللّهَ بَاِلغُ َأمْ ِرهِ } أي ‪ :‬منفذ قضاياه وأحكامه في خلقه بما يريده ويشاؤه { قَدْ َ‬
‫شيْءٍ عِنْ َدهُ ِب ِمقْدَارٍ } [الرعد ‪]8 :‬‬
‫شيْءٍ قَدْرًا } كقوله ‪َ { :‬و ُكلّ َ‬
‫اللّهُ ِل ُكلّ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬الحسن" مستفادًا من هامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه الطبراني في المعجم الصغير (‪ )1/116‬ومن طريقه الخطيب في تاريخه (‪ )7/197‬من‬
‫طريق جعفر بن محمد البغدادي ‪ ،‬عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق به ‪ ،‬وقال الطبراني ‪:‬‬
‫"لم يروه عن هشام إل الفضيل ‪ ،‬تفرد به إبراهيم بن الشعث" وقال الهيثمي في المجمع (‬
‫‪" : )10/304‬وفيهإبراهيم بن الشعث صاحب الفضيل وهو ضعيف ‪ ،‬وقد ذكره ابن حبان في‬
‫الثقات وقال ‪ :‬يغرب ويخطئ ويخالف ‪ ،‬وبقية رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )1/293‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2326‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)1/442‬‬

‫( ‪)8/148‬‬

‫ن وَأُولَاتُ‬
‫حضْ َ‬
‫شهُ ٍر وَاللّائِي لَمْ َي ِ‬
‫وَاللّائِي يَ ِئسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ مِنْ ِنسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْ ُتمْ َفعِدّ ُتهُنّ ثَلَا َثةُ أَ ْ‬
‫ج َعلْ َلهُ مِنْ َأمْ ِرهِ يُسْرًا (‪ )4‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنْزََلهُ‬
‫ن َومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫حمَْلهُ ّ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫الْأَ ْ‬
‫ظمْ لَهُ َأجْرًا (‪)5‬‬
‫إِلَ ْيكُ ْم َومَنْ يَتّقِ اللّهَ ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَ ُيعْ ِ‬

‫ن وَأُولتُ‬
‫حضْ َ‬
‫شهُ ٍر وَاللئِي لَمْ يَ ِ‬
‫{ وَاللئِي يَئِسْنَ مِنَ ا ْل َمحِيضِ مِنْ نِسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ َف ِعدّ ُتهُنّ ثَلثَةُ أَ ْ‬
‫ج َعلْ لَهُ مِنْ َأمْ ِرهِ ُيسْرًا (‪ )4‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنزلَهُ‬
‫ن َومَنْ يَتّقِ اللّهَ يَ ْ‬
‫حمَْلهُ ّ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ أَجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫ال ْ‬
‫ظمْ لَهُ َأجْرًا (‪} )5‬‬
‫إِلَ ْيكُ ْم َومَنْ يَتّقِ اللّهَ ُي َكفّرْ عَنْهُ سَيّئَاتِ ِه وَ ُيعْ ِ‬
‫يقول تعالى مبينًا لعدة اليسة ‪ -‬وهي التي قد انقطع عنها الحيض لكبرها ‪ : -‬أنها ثلثة أشهر ‪،‬‬
‫عوضًا عن الثلثة قروء في حق من تحيض ‪ ،‬كما دلت على ذلك آية "البقرة" (‪ )1‬وكذا الصغار‬
‫حضْنَ‬
‫اللئي لم يبلغن سن الحيض أن عدتهن كعدة اليسة ثلثة أشهر ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللئِي لَمْ َي ِ‬
‫}‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنِ ارْتَبْتُمْ } فيه قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ -‬وهو قول طائفة من السلف ‪ ،‬كمجاهد ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن زيد ‪ : -‬أي إن رأين دما‬
‫وشككتم في كونه حيضًا أو استحاضة ‪ ،‬وارتبتم فيه‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ :‬إن ارتبتم في حكم عدتهن ‪ ،‬ولم تعرفوه فهو ثلث أشهر‪ .‬وهذا مروي ‪ ،‬عن سعيد‬
‫بن جبير‪ .‬وهو اختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو أظهر في المعنى ‪ ،‬وَاحتَجّ عليه بما رواه عن أبي كُرَيْب‬
‫وأبي السائب قال حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬أخبرنا مطرف ‪ ،‬عن عمرو بن سالم قال ‪ :‬قال أبي بن‬
‫كعب ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن عِددًا من عِدد النساء لم تذكر في الكتاب ‪ :‬الصغار والكبار وأولت‬
‫الحمال (‪ )2‬قال ‪ :‬فأنزل ال عز وجل ‪ { :‬وَاللئِي يَئِسْنَ مِنَ ا ْل َمحِيضِ مِنْ نِسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ‬
‫حمَْلهُنّ }‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫ن وَأُولتُ ال ْ‬
‫حضْ َ‬
‫شهُ ٍر وَاللئِي َلمْ يَ ِ‬
‫َفعِدّ ُتهُنّ ثَلثَةُ َأ ْ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم بأبسط من هذا السياق فقال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا يحيى بن المغيرة ‪ ،‬أخبرنا‬
‫جرير ‪ ،‬عن مُطرّف ‪ ،‬عن عمر (‪ )3‬بن سالم ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪ :‬قلت لرسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬إن ناسا من أهل المدينة لما أنزلت هذه الية التي في "البقرة" في عدة النساء قالوا ‪:‬‬
‫لقد بقي من عدة النساء عِدَدٌ لم يُذكَرْن في القرآن ‪ :‬الصغار والكبار اللئي قد انقطع عنهن‬
‫الحيض ‪ ،‬وذوات الحمل‪ .‬قال ‪ :‬فأنزلت التي في النساء القصرى ‪ { :‬وَاللئِي يَئِسْنَ مِنَ ا ْلمَحِيضِ‬
‫حضْنَ }‬
‫شهُ ٍر وَاللئِي لَمْ يَ ِ‬
‫مِنْ نِسَا ِئكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ َف ِعدّ ُتهُنّ ثَلثَةُ أَ ْ‬
‫حمَْلهُنّ } يقول تعالى ‪ :‬ومن كانت حامل فعدتها‬
‫ضعْنَ َ‬
‫جُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫حمَالِ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬
‫بوضعه ‪ ،‬ولو كان بعد الطلق أو الموت ب ُفوَاق ناقة (‪ )4‬في قول جمهور العلماء من السلف‬
‫والخلف ‪ ،‬كما هو نص هذه الية الكريمة ‪ ،‬وكما وردت به السنة النبوية‪ .‬وقد رُوي عن علي ‪،‬‬
‫وابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنهم (‪ )5‬أنهما ذهبا في المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الجلين من‬
‫الوضع أو الشهر ‪ ،‬عمل بهذه الية الكريمة ‪ ،‬والتي في سورة "البقرة"‪ .‬وقد قال البخاري ‪:‬‬
‫حدثنا سعد (‪ )6‬بن حفص ‪ ،‬حدثنا شيبان ‪ ،‬عن يحيى قال ‪ :‬أخبرني أبو سلمة قال ‪ :‬جاء رجل إلى‬
‫ابن عباس ‪ -‬وأبو هريرة جالس ‪ -‬فقال ‪ :‬أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫حمَْلهُنّ } قال أبو هريرة ‪:‬‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫ابن عباس آخر الجلين‪ .‬قلت أنا ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬

‫__________‬
‫(‪ )1‬هي الية ‪.228‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحمال أجلهن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن عمرو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪ : :‬بفراق تامة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬عنهما"‪.‬‬
‫(‪ )6‬فيأ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬

‫( ‪)8/149‬‬

‫أنا مع ابن أخي ‪ -‬يعني أبا سلمة ‪ -‬فأرسل ابن عباس غلمه كريبا إلى أم سلمة يسألها ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫قُتِل زوج سبيعة السلمية وهي حبلى ‪ ،‬فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ‪ ،‬فخطبت ‪ ،‬فأنكحها‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكان أبو السنابل فيمن خطبها (‪)1‬‬
‫هكذا أورد البخاري هذا الحديث هاهنا مختصرًا‪ .‬وقد رواه هو ومسلم وأصحاب الكتب مطول من‬
‫وجوه أخر (‪ )2‬وقال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حماد بن أسامة ‪ ،‬أخبرنا هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن المسور بن مَخْ َرمَة ؛ أن سُبَيعَة السلمية‬
‫تُوفي عنها زوجُها وهي حامل ‪ ،‬فلم تمكث إل ليالي حتى وضعت ‪ ،‬فلما َتعَلّت من نفاسها‬
‫خطِبت ‪ ،‬فاستأذنت رسول ال صلى ال عليه وسلم في النكاح ‪ ،‬فأذن لها أن تُنكَح فنُكحت‪.‬‬
‫ُ‬
‫ورواه البخاري في صحيحه ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجة من طرق عنها (‪)3‬‬
‫كما قال مسلم ابن الحجاج ‪:‬‬
‫حدثني أبو الطاهر ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني يونس بن يزيد ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬حدثني عبيد ال‬
‫بن عبد ال بن عُتبة ‪ :‬أن أباه كتب إلى عمر بن عبد ال بن الرقم الزهري يأمره أن يدخل على‬
‫سُبَيعة بنت الحارث السلمية فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫حين استفتته‪ .‬فكتب عُمر بن عبد ال يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سَعد (‪ )4‬بن خَولة‬
‫‪ -‬وكان ممن شهد بدرًا ‪ -‬فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ‪ ،‬فلم تَنشَب أن وضعت حملها‬
‫بعد وفاته ‪ ،‬فلما َتعَلّت من نفاسها تجملت للخطاب ‪ ،‬فدخل عليها أبو السنابل بن بَعكك فقال لها ‪:‬‬
‫مالي أراك متجملة ؟ لعلك تَرجين النكاح ‪ ،‬إنك وال ما أنت بناكح حتى تَمرَ عليك أربعة أشهر‬
‫وعشرٌ‪ .‬قالت سُبيَعة ‪ :‬فلما قال لي ذلك جَمعتُ عليّ ثيابي حين أمسيتُ فأتيتُ رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فسألته عن ذلك ‪ ،‬فأفتاني بأني قد حَلَلت حين وضعتُ حملي ‪ ،‬وأمرني بالتزويج (‪)5‬‬
‫إن بدا لي‪.‬‬
‫هذا لفظ مسلم‪ .‬ورواه البخاري مختصرًا (‪ )6‬ثم قال البخاري بعد [ذلك ‪ ،‬أي ‪ :‬بعد] (‪ )7‬رواية‬
‫الحديث الول عند هذه الية ‪:‬‬
‫وقال (‪ )8‬سليمان بن حرب وأبو النعمان ‪ :‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬هو ابن‬
‫سيرين ‪ -‬قال ‪ :‬كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬وكان أصحابه‬
‫يعظمونه ‪ ،‬فذكر آخر الجلين ‪ ،‬فحدّثتُ بحديث سُبَيعة بنت الحارث عن عبد ال بن عتبة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4909‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )5318‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1485‬وسنن النسائي (‪.)6/191‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/327‬وصحيح البخاري برقم (‪ )5320‬وسنن النسائي (‪ )6/190‬وسنن ابن ماجة‬
‫برقم (‪ )2092‬كلهم من هذا الطريق الذي ساقه المام أحمد ‪ ،‬وأما مسلم وأبو داود فهو هذا‬
‫الطريق التي بعده ‪ ،‬صحيح مسلم برقم (‪ )1484‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2306‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬بالتزويج"‬
‫(‪ )6‬صحيح مسلم برقم (‪ )1484‬وصحيح البخاري برقم (‪.)3991 ، 5319‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )8‬في م ‪" :‬وقال أبو سليمان"‪.‬‬

‫( ‪)8/150‬‬

‫ضمّزَلي (‪ )1‬بعض أصحابه ‪ ،‬وقال محمد ‪ :‬ففطنت له فقلت ‪ :‬له إني لجريءٌ أن أكذبَ على عبد‬
‫َف َ‬
‫عمّه لم يقل ذلك‪ .‬فلقيت أبا عطية مالك بن‬
‫ال وهو في ناحية الكوفة‪ .‬قال ‪ :‬فاستحيا وقال ‪ :‬لكن َ‬
‫عامر فسألته ‪ ،‬فذهب يحدثني بحديث سُبَيعة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬هل سمعت عن عبد ال شيئا ؟ فقال ‪ :‬كنا‬
‫عند عبد ال فقال ‪ :‬أتجعلون عليها التغليظ ‪ ،‬ول تجعلون عليها الرخصة ؟ نزلت (‪ )2‬سورة‬
‫حمَْلهُنّ }‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫النساء القصرى بعد الطولى ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬
‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬من طريق سفيان بن عيينة وإسماعيل بن عُلَيّة ‪ ،‬عن أيوب به مختصرا (‪)3‬‬
‫ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد العلى ‪ ،‬عن خالد بن الحارث ‪ ،‬عن ابن عون ‪،‬‬
‫عن محمد بن سيرين ‪ ،‬فذكره (‪)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثني ابن شَبْرَمة الكوفي ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن علقمة بن قيس ؛ أن عبد ال بن‬
‫حمَْلهُنّ } إل بعد‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫مسعود قال ‪ :‬من شاء لعنته ‪ ،‬ما نزلت ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬
‫آية المتوفى عنها زوجها‪ .‬قال ‪ :‬وإذا وضعت المتوفى عنها زوجها فقد حلت‪ .‬يريد بآية المتوفى‬
‫شهُرٍ وَعَشْرًا }‬
‫سهِنّ أَرْ َبعَةَ َأ ْ‬
‫عنها زوجها { وَالّذِينَ يُ َت َو ّفوْنَ مِ ْنكُمْ وَيَذَرُونَ أَ ْزوَاجًا يَتَرَ ّبصْنَ بِأَ ْنفُ ِ‬
‫[البقرة ‪]234 :‬‬
‫وقد رواه النسائي من حديث سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬به (‪ )5‬ثم قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن مَنِيع ‪ ،‬حدثنا محمد بن عبيد ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ‪ ،‬عن الشعبي قال ‪:‬‬
‫ُذكِرَ عند ابن مسعود آخر الجلين ‪ ،‬فقال ‪ :‬من شاء قاسمته بال إن هذه الية التي في النساء‬
‫القصرى نزلت بعد الربعة الشهر والعشر ثم قال أجل الحامل أن تضع ما في بطنها (‪.)6‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن سفيان ‪،‬‬
‫عن العمش ‪ ،‬عن أبي الضّحى ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬بلغ ابن مسعود أن عليا ‪ ،‬رضي ال عنه ‪،‬‬
‫يقول ‪ :‬آخر الجلين‪ .‬فقال ‪ :‬من شاء لعنته ‪ ،‬إن التي في النساء القُصرَى نزلت بعد البقرة ‪:‬‬
‫حمَْلهُنّ }‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫{ وَأُولتُ ال ْ‬
‫ورواه أبو داود وابن ماجة ‪ ،‬من حديث أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش (‪)7‬‬
‫وقال عبد ال ابن المام أحمد ‪ :‬حدثني محمد بن أبي بكر المقدّمي ‪ ،‬أخبرنا عبد الوهاب الثقفي ‪،‬‬
‫حدثنا المثنى ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن أبي بن كعب قال ‪:‬‬
‫حمَْلهُنّ } المطلقة ثلثا أو‬
‫ضعْنَ َ‬
‫حمَالِ أَجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫قلت للنبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬
‫المتوفى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬فضم لي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أنزلت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)28/92‬‬
‫(‪ )4‬هو في سنن النسائي (‪ )6/196‬ولم أقع عليه في الكبرى‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )28/92‬وسنن النسائي (‪.)6/197‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)28/92‬‬
‫(‪ )7‬سنن أبي داود برقم (‪ )2307‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)2030‬‬

‫( ‪)8/151‬‬

‫عنها (‪ )1‬؟ فقال ‪" :‬هي المطلقة ثلثا والمتوفى عنها" (‪)2‬‬
‫هذا حديث غريب جدا ‪ ،‬بل منكر ؛ لن في إسناده المثنى بن الصباح ‪ ،‬وهو متروك الحديث بمِرّة‬
‫ولكن رواه ابن أبي حاتم بسند آخر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫سمْناني ‪ ،‬حدثنا عمرو بن خالد ‪ -‬يعني ‪ :‬الحراني ‪ -‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا محمد بن داود ال ّ‬
‫عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن سعيد بن المسيب ‪ ،‬عن أبي بن كعب ‪ ،‬أنه لما نزلت هذه الية قال لرسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ل أدري أمشتركة أم مبهمة ‪ ،‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫حمَْلهُنّ } المتوفى عنها والمطلقة ؟ قال ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫ضعْنَ َ‬
‫"أية آية ؟"‪ .‬قال ‪َ { :‬أجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫وكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن موسى بن داود ‪ ،‬عن ابن لهيعة ‪ ،‬به‪ .‬ثم رواه عن‬
‫أبي كريب أيضا ‪ ،‬عن مالك بن إسماعيل ‪ ،‬عن ابن عيينة ‪ ،‬عن عبد الكريم بن أبي المخارق أنه‬
‫حمَالِ‬
‫حدث عن أبيّ بن كعب قال ‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ‪ { :‬وَأُولتُ ال ْ‬
‫حمَْلهُنّ } قال ‪" :‬أجل ‪ ،‬كل حامل أن تضع ما في بطنها" (‪)3‬‬
‫ضعْنَ َ‬
‫أَجَُلهُنّ أَنْ َي َ‬
‫عبد الكريم هذا ضعيف ‪ ،‬ولم يدرك أُبَيّا‪.‬‬
‫ج َعلْ لَهُ مِنْ َأمْ ِرهِ يُسْرًا } أي ‪ :‬يسهل له أمره ‪ ،‬وييسره عليه ‪ ،‬ويجعل له‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ َي ْ‬
‫فرجا قريبًا ومخرجًا عاجل‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬ذَِلكَ َأمْرُ اللّهِ أَنزَلهُ إِلَ ْيكُمْ } أي ‪ :‬حكمه وشرعه أنزله إليكم بواسطة رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪َ { ،‬ومَنْ يَتّقِ اللّهَ ُي َكفّرْ عَ ْنهُ سَيّئَاتِهِ وَ ُيعْظِمْ َلهُ أَجْرًا } أي ‪ :‬يذهب عنه المحذور ‪،‬‬
‫ويجزل له الثواب على العمل اليسير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عنها زوجها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زوائد المسند (‪.)5/116‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪ )28/93‬وقال الحافظ بن حجر في الفتح (‪ )8/654‬بعد ما ساق هذه الرواية ‪:‬‬
‫"وهذا المرفوع وإن كان ل يخلو شيء من أسانيده عن مقال ‪ ،‬لكن كثرة طرقه تشعر بأن له أصل‬
‫‪ ،‬ويعضده قصة سبيعة المذكورة"‪.‬‬

‫( ‪)8/152‬‬

‫ح ْملٍ فَأَ ْنفِقُوا‬


‫ن وَإِنْ كُنّ أُولَاتِ َ‬
‫ج ِدكُ ْم وَلَا ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِ ّ‬
‫ن وُ ْ‬
‫سكَنْتُمْ مِ ْ‬
‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬
‫أَ ْ‬
‫ن وَأْ َتمِرُوا بَيْ َنكُمْ ِب َمعْرُوفٍ وَإِنْ‬
‫ضعْنَ َلكُمْ فَآَتُوهُنّ أُجُورَهُ ّ‬
‫حمَْلهُنّ فَإِنْ أَ ْر َ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬
‫سعَتِ ِه َومَنْ قُدِرَ عَلَ ْيهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آَتَاهُ اللّهُ‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫َتعَاسَرْتُمْ َفسَتُ ْرضِعُ لَهُ أُخْرَى (‪ )6‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫عسْرٍ يُسْرًا (‪)7‬‬
‫ج َعلُ اللّهُ َبعْدَ ُ‬
‫لَا ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسًا ِإلّا مَا آَتَاهَا سَيَ ْ‬

‫ح ْملٍ‬
‫ن وَإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬
‫ن وُجْ ِد ُك ْم وَل ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِ ّ‬
‫سكَنْ ُتمْ مِ ْ‬
‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬
‫{ َأ ْ‬
‫ف وَإِنْ‬
‫ن وَأْ َتمِرُوا بَيْ َنكُمْ ِب َمعْرُو ٍ‬
‫ضعْنَ َلكُمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُ ّ‬
‫حمَْلهُنّ فَإِنْ أَ ْر َ‬
‫ضعْنَ َ‬
‫فَأَ ْنفِقُوا عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬
‫سعَتِ ِه َومَنْ قُدِرَ عَلَ ْيهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫َتعَاسَرْتُمْ َفسَتُ ْرضِعُ لَهُ أُخْرَى (‪ )6‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫عسْرٍ يُسْرًا (‪} )7‬‬
‫ج َعلُ اللّهُ َبعْدَ ُ‬
‫ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسًا إِل مَا آتَاهَا سَيَ ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا عباده إذا طلّق أحدُهم المرأة أن يُسكنَها في منزل حتى تنقضي عدتها ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ج ِدكُمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير‬
‫ن وُ ْ‬
‫سكَنْ ُتمْ } أي ‪ :‬عندكم ‪ { ،‬مِ ْ‬
‫سكِنُوهُنّ مِنْ حَ ْيثُ َ‬
‫{ َأ ْ‬
‫سعَتكم‪ .‬حتى قال قتادة ‪ :‬إن لم تجد إل جنب بيتك فأسكنها فيه‪.‬‬
‫واحد ‪ :‬يعني َ‬

‫( ‪)8/152‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَيّقُوا عَلَ ْيهِنّ } قال مقاتل بن حيان ‪ :‬يعني يضاجرها لتفتدي منه‬
‫بمالها أو تخرج من مسكنه‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن أبي الضّحَى ‪ { :‬وَل ُتضَارّوهُنّ لِ ُتضَ ّيقُوا عَلَ ْيهِنّ } قال ‪ :‬يطلقها‬
‫‪ ،‬فإذا بقي يومان راجعها‪.‬‬
‫حمَْلهُنّ } قال كثير من العلماء منهم ابن‬
‫ضعْنَ َ‬
‫ح ْملٍ فَأَ ْن ِفقُوا عَلَ ْيهِنّ حَتّى َي َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ كُنّ أُولتِ َ‬
‫عباس ‪ ،‬وطائفة من السلف ‪ ،‬وجماعات من الخلف ‪ :‬هذه في البائن ‪ ،‬إن كانت حامل أنفق عليها‬
‫حتى تضع حملها ‪ ،‬قالوا ‪ :‬بدليل أن الرجعية تجب نفقتها ‪ ،‬سواء كانت حامل أو حائل‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل السياق كله في الرجعيات ‪ ،‬وإنما نص على النفاق على الحامل وإن كانت‬
‫رجعية ؛ لن الحمل تطول مدته غالبا ‪ ،‬فاحتيج إلى النص على وجوب النفاق إلى الوضع ؛ لئل‬
‫يتوهم أنه إنما تجب النفقة بمقدار مدة العدة‪.‬‬
‫واختلف العلماء ‪ :‬هل النفقة لها بواسطة الحمل ‪ ،‬أم للحمل وحده ؟ على قولين منصوصين عن‬
‫الشافعي وغيره ‪ ،‬ويتفرع عليها مسائل مذكورة في علم الفروع‪.‬‬
‫ضعْنَ َلكُمْ } أي ‪ :‬إذا وضعن حملهن وهن طوالق ‪ ،‬فقد بنّ بانقضاء عدتهن ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَإِنْ أَ ْر َ‬
‫ولها حينئذ أن ترضع الولد ‪ ،‬ولها أن تمتنع منه ‪ ،‬ولكن بعد أن تغذيه باللبّأ ‪ -‬وهو باكورة اللبن‬
‫الذي ل قوام للولد غالبًا إل به ‪ -‬فإن أرضعت استحقت أجر مثلها ‪ ،‬ولها أن تعاقد أباه أو وليه‬
‫ضعْنَ َل ُكمْ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ } وقوله ‪:‬‬
‫على ما يتفقان عليه من أجرة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَإِنْ أَ ْر َ‬
‫{ وَأْ َتمِرُوا بَيْ َنكُمْ ِب َمعْرُوفٍ } أي ‪ :‬ولتكن أموركم فيما بينكم بالمعروف ‪ ،‬من غير إضرار ول‬
‫مضارة ‪ ،‬كما قال تعالى في سورة "البقرة" ‪ { :‬ل ُتضَا ّر وَالِ َدةٌ ِبوَلَدِهَا وَل َموْلُودٌ َلهُ ِبوَلَ ِدهِ } [البقرة‬
‫‪]233 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َتعَاسَرْ ُتمْ فَسَتُ ْرضِعُ َلهُ أُخْرَى } أي ‪ :‬وإن اختلف الرجل والمرأة ‪ ،‬فطلبت المرأة‬
‫أجرة الرضاع كثيرًا ولم يجبها الرجل إلى ذلك ‪ ،‬أو بذل الرجل قليل ولم توافقه عليه ‪ ،‬فليسترضع‬
‫له غيرها‪ .‬فلو رضيت الم بما استؤجرت عليه الجنبية فهي أحق بولدها‪.‬‬
‫سعَتِهِ } أي ‪ :‬لينفق على المولود والده ‪ ،‬أو وليه ‪ ،‬بحسب قدرته ‪،‬‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫علَيْهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّ ُه ل ُيكَّلفُ اللّهُ َنفْسًا إِل مَا آتَاهَا } كقوله ‪ { :‬ل ُيكَّلفُ اللّهُ‬
‫{ َومَنْ قُدِرَ َ‬
‫س َعهَا } [البقرة ‪.]286 :‬‬
‫َنفْسًا إِل وُ ْ‬
‫حكّام ‪ ،‬عن أبي سنان قال ‪ :‬سأل عمر بن الخطاب عن‬
‫روى ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫أبي عبيدة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه يلبس الغليظ من الثياب ‪ ،‬ويأكل أخشن الطعام ‪ ،‬فبعث إليه بألف دينار ‪،‬‬
‫وقال للرسول ‪ :‬انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها ‪ :‬فما لبث أن لبس اللين من الثياب ‪ ،‬وأكل‬
‫سعَةٍ مِنْ‬
‫أطيب الطعام ‪ ،‬فجاءه الرسول فأخبره ‪ ،‬فقال ‪ :‬رحمه ال ‪ ،‬تأول هذه الية ‪ { :‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫سعَتِ ِه َومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِ ْزقُهُ فَلْيُ ْنفِقْ ِممّا آتَاهُ اللّهُ } (‪)1‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)28/96‬‬

‫( ‪)8/153‬‬

‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير ‪ :‬حدثنا هاشم بن مرثد الطبراني ‪ ،‬حدثنا محمد‬
‫ض ْمضَم بن زُرْعَة ‪ ،‬عن شُرَيح بن عبيد ‪ ،‬عن‬
‫بن إسماعيل بن عياش ‪ ،‬أخبرني أبي ‪ ،‬أخبرني َ‬
‫أبي مالك الشعري ‪ -‬واسمه الحارث ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ثلثة نفر ‪،‬‬
‫كان لحدهم عشرة دنانير ‪ ،‬فتصدق منها بدينار‪ .‬وكان لخر عشر أواق ‪ ،‬فتصدق منها بأوقية‪.‬‬
‫وكان لخر مائة أوقية ‪ ،‬فتصدق منها بعشر أواق"‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هم في‬
‫سعَتِهِ } (‪)1‬‬
‫سعَةٍ مِنْ َ‬
‫الجر سواء ‪ ،‬كل قد تصدق بعشر ماله ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬لِيُ ْنفِقْ ذُو َ‬
‫هذا حديث غريب من هذا الوجه‪.‬‬
‫ج َعلُ اللّهُ َب ْعدَ عُسْرٍ ُيسْرًا } وعد منه تعالى ‪ ،‬ووعده حق ‪ ،‬ل يخلفه ‪ ،‬وهذه كقوله‬
‫وقوله ‪ { :‬سَيَ ْ‬
‫تعالى ‪ { :‬فَإِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ يُسْرًا إِنّ مَعَ ا ْلعُسْرِ ُيسْرًا } [الشرح ‪]6 ، 5 :‬‬
‫وقد روى المام أحمد حديثا يحسن أن نذكره ها هنا ‪ ،‬فقال ‪ :‬حدثنا هاشم بن القاسم ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫حوْشَب قال ‪ :‬قال أبو هريرة ‪ :‬بينما رجل وامرأة له في السلف‬
‫شهْر بن َ‬
‫الحميد بن َبهْرَام ‪ ،‬حدثنا َ‬
‫الخالي ل يقدران على شيء ‪ ،‬فجاء الرجل من سفره ‪ ،‬فدخل على امرأته جائعا قد أصاب (‪)2‬‬
‫سغَبَةً شديدة ‪ ،‬فقال لمرأته ‪ :‬عندك شيء ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬أبشر ‪ ،‬أتاك رزق ال ‪ ،‬فاستحثها ‪،‬‬
‫مَ ْ‬
‫فقال ‪ :‬ويحك! ابتغي إن كان عندك شيء‪ .‬قالت نعم ‪ ،‬هُنَيهة ‪ -‬ترجو رحمة ال ‪ -‬حتى إذا طال‬
‫عليه الطوى (‪ )3‬قال ‪ :‬ويحك! قومي فابتغي إن كان عندك شيء فائتيني به ‪ ،‬فإني قد بُلغتُ‬
‫جهِدتُ‪ .‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬الن يُنضح التنور فل تعجل‪ .‬فلما أن سكت عنها ساعة وتحيّنت أن يقول‬
‫وَ‬
‫لها ‪ ،‬قالت من عند نفسها ‪ :‬لو قمتُ فنظرتُ إلى تنوري ؟ فقا َمتْ فنظرَت إلى تَنورها ملن من‬
‫جنُوبَ الغنم ‪ ،‬ورَحييها تطحنَان‪ .‬فقامت إلى الرحى فنَفضتها ‪ ،‬واستخرجت ما في تنورها من‬
‫جنوب الغنم‪.‬‬
‫قال أبو هريرة ‪ :‬فوالذي نفس أبي القاسم بيده ‪ ،‬هو (‪ )4‬قول محمد صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو‬
‫أخذت ما في رَحييها ولم تنفضها لطحنتا إلى يوم القيامة" (‪)5‬‬
‫وقال في موضع آخر ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا أبو بكر ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن محمد ‪ -‬وهو ابن‬
‫سيرين ‪ -‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬دخل رجل على أهله ‪ ،‬فلما رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى‬
‫البَرِيّة ‪ ،‬فلما رأت امرأته قامت إلى الرحى فوضعتها ‪ ،‬وإلى التنور فسَجَرته ‪ ،‬ثم قالت ‪ :‬اللهم‬
‫ارزقنا‪ .‬فنظرت ‪ ،‬فإذا الجفنة قد امتلت ‪ ،‬قال ‪ :‬وذهبت إلى التنور فوجدته ممتلئًا ‪ ،‬قال ‪ :‬فرجع‬
‫الزوج قال ‪ :‬أصبتم بعدي شيئا ؟ قالت امرأته ‪ :‬نعم ‪ ،‬من ربنا‪ .‬قام إلى الرحى ‪ ،‬فذكر ذلك للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما إنه لو لم ترفعها ‪ ،‬لم تزل تدور إلى‬
‫يوم القيامة" (‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير (‪ )3/292‬وفس إسناده ضعف وانقطاع كما تقدم مرارًا‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬أصابته"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الطول"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)2/421‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)2/513‬‬

‫( ‪)8/154‬‬

‫َوكَأَيّنْ مِنْ قَرْ َيةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُسُلِهِ َفحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذّبْنَاهَا عَذَابًا ُنكْرًا (‪)8‬‬
‫ت وَبَالَ َأمْ ِرهَا َوكَانَ عَاقِ َبةُ َأمْرِهَا خُسْرًا (‪ )9‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي‬
‫فَذَا َق ْ‬
‫الْأَلْبَابِ الّذِينَ َآمَنُوا قَدْ أَنْ َزلَ اللّهُ إِلَ ْيكُمْ ِذكْرًا (‪ )10‬رَسُولًا يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آَيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لِ ُيخْرِجَ الّذِينَ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْع َملْ صَاِلحًا يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ‬
‫َآمَنُوا وَ َ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ َأحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِ ْزقًا (‪)11‬‬

‫عذَابًا ُنكْرًا (‪)8‬‬


‫سلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذّبْنَاهَا َ‬
‫{ َوكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُ ُ‬
‫ت وَبَالَ َأمْ ِرهَا َوكَانَ عَاقِ َبةُ َأمْرِهَا خُسْرًا (‪ )9‬أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي‬
‫فَذَا َق ْ‬
‫اللْبَابِ الّذِينَ آمَنُوا َقدْ أَنزلَ اللّهُ ِإلَ ْيكُمْ ِذكْرًا (‪َ )10‬رسُول يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ لِ ُيخْرِجَ الّذِينَ‬
‫عمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّو ِر َومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْع َملْ صَاِلحًا يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ‬
‫آمَنُوا وَ َ‬
‫حسَنَ اللّهُ لَهُ رِ ْزقًا (‪} )11‬‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا َقدْ أَ ْ‬
‫يقول تعالى متوعدًا لمن خالف أمره ‪ ،‬وكذب رسله ‪ ،‬وسلك غير ما شرعه ‪ ،‬ومخبرًا عما حل‬
‫بالمم السالفة بسبب ذلك ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬وكَأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَ َتتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَرُسُِلهِ } أي ‪ :‬تمردت‬
‫عذّبْنَاهَا عَذَابًا‬
‫شدِيدًا وَ َ‬
‫وطغت واستكبرت عن اتباع أمر ال ومتابعة رسله ‪ { ،‬فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا َ‬
‫ُنكْرًا } أي ‪ :‬منكرا فظيعًا‪.‬‬
‫{ َفذَا َقتْ وَبَالَ َأمْرِهَا } أي ‪ :‬غبّ مخالفتها ‪ ،‬وندموا حيث ل ينفعهم الندم ‪َ { ،‬وكَانَ عَاقِبَةُ َأمْرِهَا‬
‫خسْرًا أَعَدّ اللّهُ َل ُهمْ عَذَابًا شَدِيدًا } أي ‪ :‬في الدار الخرة ‪ ،‬مع ما عَجّل لهم في الدنيا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ثم قال بعد ما قص من خبر هؤلء ‪ { :‬فَا ّتقُوا اللّهَ يَا أُولِي اللْبَابِ } أي ‪ :‬الفهام المستقيمة ‪ ،‬ل‬
‫تكونوا مثلهم فيصيبكم ما أصابهم يا أولي اللباب ‪ { ،‬الّذِينَ آمَنُوا } أي ‪ :‬صدقوا بال ورسله ‪،‬‬
‫{ َقدْ أَنزلَ اللّهُ إِلَ ْيكُمْ ِذكْرًا } يعني ‪ :‬القرآن‪ .‬كقوله { إِنّا َنحْنُ نزلْنَا ال ّذكْ َر وَإِنّا لَهُ َلحَافِظُونَ }‬
‫[الحجر ‪]9 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬رسُول يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ } قال بعضهم ‪ { :‬رَسُول } منصوب على أنه بدل‬
‫اشتمال وملبسة ؛ لن الرسول هو الذي بلغ الذكر‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬الصواب أن الرسول ترجمة عن الذكر ‪ ،‬يعني تفسيرًا له ولهذا قال تعالى ‪:‬‬
‫{ َرسُول يَتْلُو عَلَ ْيكُمْ آيَاتِ اللّهِ مُبَيّنَاتٍ } أي في حال كونها بينة واضحة جلية { لِ ُيخْرِجَ الّذِينَ آمَنُوا‬
‫عمِلُوا الصّاِلحَاتِ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ } كقوله تعالى { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَ ْيكَ لِ ُتخْرِجَ النّاسَ مِنَ‬
‫وَ َ‬
‫ج ُهمْ مِنَ الظُّلمَاتِ إِلَى‬
‫الظُّلمَاتِ إِلَى النّورِ } [إبراهيم ‪ ]1 :‬وقال تعالى { اللّ ُه وَِليّ الّذِينَ آمَنُوا ُيخْرِ ُ‬
‫النّورِ } [البقرة ‪ ]257 :‬أي من ظلمات الكفر والجهل إلى نور اليمان والعلم وقد سمى ال تعالى‬
‫الوحي الذي أنزله نورا لما يحصل به من الهدى كما سماه روحا لما يحصل به من حياة القلوب‬
‫فقال ‪ :‬تعالى { َوكَذَِلكَ َأ ْوحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا مِنْ َأمْرِنَا مَا كُ ْنتَ تَدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ وَل اليمَانُ وََلكِنْ‬
‫جعَلْنَاهُ نُورًا َنهْدِي ِبهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِ ّنكَ لَ َتهْدِي ِإلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } [الشورى ‪ ]52 :‬وقوله‬
‫َ‬
‫‪َ { :‬ومَنْ ُي ْؤمِنْ بِاللّ ِه وَ َي ْع َملْ صَالِحًا يُ ْدخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ خَاِلدِينَ فِيهَا أَبَدًا َقدْ‬
‫حسَنَ اللّهُ لَهُ رِ ْزقًا }‬
‫أَ ْ‬

‫( ‪)8/155‬‬

‫شيْءٍ‬
‫ت َومِنَ الْأَ ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنَ ّزلُ الَْأمْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫س َموَا ٍ‬
‫اللّهُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا (‪)12‬‬
‫قَدِي ٌر وَأَنّ اللّهَ قَدْ َأحَاطَ ِب ُكلّ َ‬

‫قد تقدم تفسير مثل هذا غير مَرّة بما أغنى عن إعادته‪.‬‬
‫سمَاوَاتٍ َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ يَتَنزلُ المْرُ بَيْ َنهُنّ لِ َتعَْلمُوا أَنّ اللّهَ عَلَى ُكلّ‬
‫{ اللّهُ الّذِي خََلقَ سَبْعَ َ‬
‫شيْءٍ عِ ْلمًا (‪} )12‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنّ اللّهَ َقدْ أَحَاطَ ِب ُكلّ َ‬
‫َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن قدرته التامة وسلطانه العظيم ليكون ذلك باعثًا على تعظيم ما شرع من‬
‫سمَاوَاتٍ } كقوله تعالى إخبارًا عن نوح أنه قال لقومه { أَلَمْ تَرَوا‬
‫الدين القويم { الُ الّذِي خََلقَ سَبْعَ َ‬
‫سمَاوَاتُ السّبْ ُع وال ْرضُ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا } [نوح ‪ ]15 :‬وقال تعالى { ُتسَبّحُ لَهُ ال ّ‬
‫كَ ْيفَ خَلَقَ الُ سَبْعَ َ‬
‫َومَن فِيهنّ } [السراء ‪ .]44 :‬وقوله تعالى { َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ } أي سبعا أيضا ‪ ،‬كما ثبت في‬
‫طوّقه من سبع أرضين " (‪ )1‬وفي صحيح البخاري‬
‫الصحيحين "من ظلم قيدَ شِبر من الرض ُ‬
‫"خُسِف به إلى سبع أرضين " (‪ )2‬وقد ُذكِرت طُرقه وألفاظه وعزوه في أول" البداية والنهاية" (‪)3‬‬
‫عند ذكر خلق الرض ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫جعَة ‪ ،‬وأغرق في النزع وخالف القرآن والحديث بل‬
‫ومن حمل ذلك على سبعة أقاليم فقد أبعد النّ ْ‬
‫مستند‪ .‬وقد تقدم في سورة الحديد عند قوله ‪ُ { :‬ه َو الوّلُ والخِرُ والظّاهِ ُر والْبَاطِنُ } [الية ‪]3 :‬‬
‫ذكر الرضين السبع ‪ ،‬وبعد ما بينهن وكثافة كل واحدة منهن خمسمائة عام وهكذا قال ابن مسعود‬
‫وغيره ‪ ،‬وكذا في الحديث الخر "ما السماوات السبع وما فيهن وما بينهن والرضون السبع وما‬
‫فيهن وما بينهن في الكرسي إل كحلقة ملقاة بأرض فلة" (‪ .)4‬وقال ابن جرير حدثنا عمرو بن‬
‫علي ‪ ،‬حدثنا َوكِيع حدثنا العمش عن إبراهيم بن ُمهَاجِر عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪:‬‬
‫ت َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ } قال لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها‪.‬‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫{ سَبْعَ َ‬
‫وحدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب بن عبد ال بن سعد القُميّ الشعري عن جعفر بن أبي المغيرة‬
‫ت َومِنَ‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫الخزاعي عن سعيد بن جبير ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رجل لبن عباس { الُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫ال ْرضِ مِثَْلهُنّ } الية‪ .‬فقال ‪ :‬ابن عباس ما يؤمنك إن أخبرتك بها فتكفر‪ .‬وقال ابن جرير حدثنا‬
‫عمرو بن علي ومحمد بن المثنى قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مُرّة عن‬
‫ت َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ } قال‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫أبي الضّحى عن ابن عباس في هذه الية { الُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫عمرو قال في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الرض من‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )2453‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1612‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنها‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )5454‬من حديث ابن عمر ‪ ،‬رضي ال عنه‬
‫(‪ )3‬البداية والنهاية (‪ )1/16‬ما جاء من سبع أرضين‬
‫(‪ )4‬سبق تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 255 :‬من سورة البقرة‬

‫( ‪)8/156‬‬

‫الخلق‪.‬‬
‫وقال ابن المثنى في حديثه في كل سماء إبراهيم (‪ )1‬وقد وروى البيهقي في كتاب السماء‬
‫والصفات هذا الثر عن ابن عباس بأبسط من هذا [السياق] (‪ )2‬فقال ‪ :‬أنا أبو عبد ال الحافظ‬
‫حدثنا أحمد بن يعقوب حدثنا عبيد بن غنام النخعي أنا علي بن حكيم حدثنا شريك عن عطاء بن‬
‫ت َومِنَ ال ْرضِ مِثَْلهُنّ }‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫خلَقَ سَبْعَ َ‬
‫السائب عن أبي الضحى عن ابن عباس قال { الُ الّذِي َ‬
‫قال سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدم ونوح كنوح وإبراهيم كإبراهيم وعيسى‬
‫كعيسى‪.‬‬
‫ثم رواه البيهقي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس في قول ال‬
‫ت َومِنَ الرْضِ مِثَْلهُنّ } قال في كل أرض نحو إبراهيم‬
‫سمَاوَا ٍ‬
‫عز وجل { الُ الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫عليه السلم‪.‬‬
‫ثم قال البيهقي إسناد هذا عن ابن عباس صحيح وهو شاذ بمرة ل أعلم لبي الضحى عليه متابعا‬
‫وال أعلم‬
‫قال المام أبو بكر عبد ال بن محمد بن أبي الدنيا القرشي في كتابه التفكر والعتبار حدثني‬
‫إسحاق بن حاتم المدائني حدثنا يحيى بن سليمان عن عثمان بن أبي دهرس قال بلغني أن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم انتهى إلى أصحابه وهم سكوت ل يتكلمون فقال ‪" :‬ما لكم ل تتكلمون ؟‬
‫"فقال ‪ :‬وا نتفكر في خلق ال عز وجل قال "فكذلك فافعلوا تفكروا في خلق ال ول تتفكروا فيه‬
‫فإن بهذا المغرب أرضا بيضاء نورها ساحتها (‪ - )3‬أو قال ساحتها (‪ )4‬نورها ‪ -‬مسيرة الشمس‬
‫أربعين يومًا بها خلقُ (‪ )5‬ال تعالى لم يعصُوا ال طَرفة عين قطّ "قالوا فأين الشيطان عنهم ؟ قال‬
‫"ما يدرون خلق الشيطان أم لم يخلق ؟ "قالوا أمن ولد آدم ؟ قال "ل يدرون خلق آدم أم لم يخلق ؟‬
‫" (‪)6‬‬
‫وهذا حديث مرسل وهو منكر جدّا وعثمان بن أبي دهرش ذكره ابن أبي حاتم في كتابه فقال ‪:‬‬
‫روى عن رجل من آل الحكم بن أبي العاص وعنه سفيان بن عيينة ويحيى بن سليم الطائفي وابن‬
‫المبارك سمعت أبي يقول ذلك‪)7( .‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪)28/99‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‬
‫(‪ )3‬في م "نورها بيضاء"‬
‫(‪ )4‬في م "بياضها"‬
‫(‪ )5‬في م "خلق من خلق"‬
‫(‪ )6‬الحديث ذكره السيوطي في الدر المنثور (‪ )2/408‬وعزاه لبن أبي الدنيا‬
‫(‪ )7‬الجرح والتعديل (‪)6/149‬‬

‫( ‪)8/157‬‬

‫غفُورٌ َرحِيمٌ (‪ )1‬قَدْ فَ َرضَ اللّهُ‬


‫ك وَاللّهُ َ‬
‫جَ‬‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاةَ أَ ْزوَا ِ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫حكِيمُ (‪ )2‬وَإِذْ َأسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَاجِهِ حَدِيثًا فََلمّا‬
‫َلكُمْ َتحِلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ وَاللّهُ َموْلَاكُ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ‬
‫ظهَ َرهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَ ّرفَ َب ْعضَ ُه وَأَعْ َرضَ عَنْ َب ْعضٍ فََلمّا نَبّأَهَا ِبهِ قَاَلتْ مَنْ أَنْبََأكَ هَذَا قَالَ‬
‫نَبَّأتْ بِ ِه وَأَ ْ‬
‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ َموْلَاهُ‬
‫نَبّأَ ِنيَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلخَبِيرُ (‪ )3‬إِنْ تَتُوبَا ِإلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫ظهِيرٌ (‪ )4‬عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجًا‬
‫ن وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َبعْدَ ذَِلكَ َ‬
‫ل َوصَالِحُ ا ْل ُمؤْمِنِي َ‬
‫وَجِبْرِي ُ‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا (‪)5‬‬
‫سِلمَاتٍ ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَا ٍ‬
‫خَيْرًا مِ ْنكُنّ مُ ْ‬
‫تفسير سورة التحريم‬
‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪َ )1‬قدْ فَ َرضَ‬
‫ك وَاللّهُ َ‬
‫جَ‬‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاةَ أَ ْزوَا ِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ ُتحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫حدِيثًا‬
‫حكِيمُ (‪ )2‬وَإِذْ أَسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَاجِهِ َ‬
‫حلّةَ أَ ْيمَا ِنكُ ْم وَاللّهُ َموْلكُ ْم وَ ُهوَ ا ْلعَلِيمُ الْ َ‬
‫اللّهُ َلكُمْ تَ ِ‬
‫ظهَ َرهُ اللّهُ عَلَيْهِ عَ ّرفَ َب ْعضَ ُه وَأَعْ َرضَ عَنْ َب ْعضٍ فََلمّا نَبّأَهَا ِبهِ قَاَلتْ مَنْ أَنْبََأكَ هَذَا‬
‫فََلمّا نَبَّأتْ بِ ِه وَأَ ْ‬
‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ‬
‫قَالَ نَبّأَ ِنيَ ا ْلعَلِيمُ ا ْلخَبِيرُ (‪ )3‬إِنْ تَتُوبَا ِإلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫ظهِيرٌ (‪ )4‬عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدَِلهُ‬
‫ل َوصَالِحُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمَل ِئكَةُ َبعْدَ ذَِلكَ َ‬
‫َموْل ُه وَجِبْرِي ُ‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا (‪} )5‬‬
‫أَ ْزوَاجًا خَيْرًا مِ ْنكُنّ مُسِْلمَاتٍ ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ سَا ِئحَاتٍ ثَيّبَا ٍ‬
‫اختلُف في سبب نزول صدر هذه السورة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬نزلت في شأن مارية ‪ ،‬وكان رسول ال صلى‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاةَ‬
‫ال عليه وسلم قد حرمها ‪ ،‬فنزل قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ ُتحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫جكَ } الية‪.‬‬
‫أَ ْزوَا ِ‬
‫قال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ :‬أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا حماد بن‬
‫سلمة ‪ ،‬عن ثابت ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كانت له أمة يطؤها ‪ ،‬فلم تزل‬
‫حلّ اللّهُ‬
‫به عائشة وحفصة حتى حَرّمها ‪ ،‬فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ ُتحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫َلكَ } ؟ إلى آخر الية (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني ابن عبد الرحيم البرقي (‪ )2‬حدثنا ابن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا أبو غسان ‪،‬‬
‫حدثني زيد بن أسلم ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أصاب أم إبراهيم في بيت بعض نسائه ‪،‬‬
‫فقالت ‪ :‬أي رسول ال ‪ ،‬في بيتي وعلى فراشي ؟! فجعلها عليه حرامًا فقالت ‪ :‬أيْ رسول ال ‪،‬‬
‫حلّ‬
‫كيف َيحْرُم عليك الحلل ؟ فحلف لها بال ل يصيبها‪ .‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ ُتحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫اللّهُ َلكَ } ؟ قال زيد ‪ :‬بن أسلم فقوله ‪ :‬أنت عليّ حرام لغو (‪.)3‬‬
‫وهكذا روى عبد الرحمن بن زيد ‪ ،‬عن أبيه‪.‬‬
‫وقال ابن جرير أيضًا حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا ابن وهب ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬قال ‪ :‬قل‬
‫لها ‪" :‬أنت عليّ حرام ‪ ،‬ووال ل أطؤك"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11607‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الرقي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)28/100‬‬

‫( ‪)8/158‬‬
‫وقال سفيان الثوري وابن عُلَيّة ‪ ،‬عن داود بن أبي هند ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن مسروق قال ‪ :‬آلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وحرم ‪ ،‬فعُو ِتبَ في التحريم ‪ ،‬وأمر بالكفارة في اليمين‪ .‬رواه ابن‬
‫جرير‪ .‬وكذا روي عن قتادة ‪ ،‬وغيره ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬نفسه‪ .‬وكذا قال غير واحد من السلف ‪،‬‬
‫منهم الضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬وروى العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس القصة‬
‫مطولة‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا سعيد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن عُبَيْد ال بن عبد ال ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قلت لعمر بن الخطاب من المرأتان ؟ قال ‪:‬‬
‫عائشة وحفصة‪ .‬وكان بدء الحديث في شأن أم إبراهيم القبطية ‪ ،‬أصابها النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في بيت حفصة في نوبتها (‪َ )1‬فوَجَدت حفصة ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا نبي ال ‪ ،‬لقد جئت إليّ شيئا ما‬
‫جئت إلى أحد من أزواجك ‪ ،‬في يومي ‪ ،‬وفي دوري ‪ ،‬وعلى فراشي‪ .‬قال ‪" :‬أل ترضين أن‬
‫أحرمها فل أقربها ؟"‪ .‬قالت ‪ :‬بلى‪ .‬فحَرّمها وقال ‪" :‬ل تذكري ذلك لحد"‪ .‬فذكرته لعائشة ‪،‬‬
‫جكَ }‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ تَبْ َتغِي مَ ْرضَاةَ أَ ْزوَا ِ‬
‫فأظهره ال عليه ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ ُتحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫اليات (‪ )2‬فبلغنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كفّر [عن] (‪ )3‬يمينه ‪ ،‬وأصاب جاريته (‪.)4‬‬
‫وقال الهيثم بن كُلَيب في مسنده ‪ :‬حدثنا أبو قِلبة عبد الملك بن محمد الرقاشي ‪ ،‬حدثنا مسلم بن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬حدثنا جرير بن حازم ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬عن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لحفصة ‪" :‬ل تخبري أحدًا ‪ ،‬وإن أم إبراهيم عليّ حرام"‪ .‬فقالت ‪ :‬أتحرم‬
‫ما أحل ال لك ؟ قال ‪" :‬فوال ل أقربها"‪ .‬قال ‪ :‬فلم يقربها حتى أخبرت عائشة‪ .‬قال فأنزل ال ‪{ :‬‬
‫قَدْ فَ َرضَ اللّهُ َلكُمْ َتحِلّةَ أَ ْيمَا ِن ُكمْ }‬
‫وهذا إسناد صحيح ‪ ،‬ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ‪ ،‬وقد اختاره الحافظ الضياء‬
‫المقدسي في كتابه المستخرج (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬أيضا حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن علية ‪ ،‬حدثنا هشام الدّسْ ُتوَائي قال ‪:‬‬
‫كتب إلي يحيى يحدث عن يعلى بن حكيم ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ :‬أن ابن عباس كان يقول في‬
‫حسَنَةٌ } [الحزاب ‪:‬‬
‫س َوةٌ َ‬
‫الحرام ‪ :‬يمين تكفرها ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪َ { :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُ ْ‬
‫‪ ]21‬يعني ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم حرم جاريته فقال ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا‬
‫حلّةَ أَ ْيمَا ِنكُمْ } فكفر يمينه ‪ ،‬فصير الحرام يمينًا (‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ } ؟ إلى قوله ‪َ { :‬قدْ فَ َرضَ اللّهُ َلكُمْ تَ ِ‬
‫أَ َ‬
‫‪.)6‬‬
‫ورواه البخاري عن معاذ بن فضالة ‪ ،‬عن هشام ‪ -‬هو الدستوائي ‪ -‬عن يحيى ‪ -‬هو ابن كثير ‪-‬‬
‫عن ابن حكيم ‪ -‬وهو يعلى ‪ -‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في الحرام ‪ :‬يمين ُتكَفر‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬في يومها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬اليات كلها"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )28/102‬وأصله في الصحيح وسيأتي‪.‬‬
‫(‪ )5‬المختارة للضياء المقدسي برقم (‪.)189‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)28/101‬‬

‫( ‪)8/159‬‬

‫س َوةٌ حَسَنَةٌ } [الحزاب ‪.)1( ]21 :‬‬


‫ابن عباس ‪َ { :‬لقَدْ كَانَ َلكُمْ فِي َرسُولِ اللّهِ أُ ْ‬
‫ورواه مسلم من حديث هشام الدّسْ ُتوَائي به (‪.)2‬‬
‫وقال النسائي ‪ :‬أنا عبد ال بن عبد الصمد بن علي ‪ ،‬حدثنا مَخْلد ‪ -‬هو ابن يزيد ‪ -‬حدثنا سفيان ‪،‬‬
‫عن سالم ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أتاه رجل فقال ‪ :‬إني جعلت امرأتي عََليّ‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ‬
‫حَرَاما ؟ قال ‪ :‬كذبتَ ليس عليك بحرام‪ .‬ثم تل هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫} ؟ عليك أغلظ الكفارات ‪ ،‬عتق رقبة‪.‬‬
‫تفرد به النسائي من هذا الوجه ‪ ،‬بهذا اللفظ (‪.)3‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن زكَريا ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن رجاء ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن مسلم ‪،‬‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ } ؟ قال ‪ :‬حرم‬
‫عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ ُتحَرّمُ مَا َأ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم سُرَيّته (‪.)4‬‬
‫ومن هاهنا ذهب من ذهب من الفقهاء ممن قال بوجوب الكفارة على من حرم جاريته أو زوجته‬
‫أو طعامًا أو شرابًا أو ملبسًا أو شيئًا من المباحات ‪ ،‬وهو مذهب المام أحمد وطائفة‪ .‬وذهب‬
‫الشافعي إلى أنه ل تجب الكفارة فيما عدا الزوجة والجارية ‪ ،‬إذا حَرّم عينيهما أو أطلق التحريم‬
‫فيهما في قوله ‪ ،‬فأما إن نوى بالتحريم طلق الزوجة أو عتق المة ‪ ،‬نفذ فيهما‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثني أبو عبد ال الظهراني (‪ )5‬أخبرنا حفص بن عمر ال َعدَني ‪ ،‬أخبرنا‬
‫الحكم بن أبان ‪ ،‬حدثنا عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬نزلت هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ تُحَرّمُ مَا‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ } ؟ في المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫أَ َ‬
‫وهذا قول غريب ‪ ،‬والصحيح أن ذلك كان في تحريمه العَسَل ‪ ،‬كما قال البخاري عند هذه الية ‪:‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬أخبرنا هشام بن يوسف ‪ ،‬عن ابن جُرَيْج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن عبيد (‪)6‬‬
‫بن عمير ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يشرب عسل عند زينب بنت جَحش‬
‫‪ ،‬ويمكث عندها ‪ ،‬فتواطأتُ أنا وحفصةُ على ‪ :‬أيتُنا دخلَ عليها ‪ ،‬فلتقل له ‪ :‬أكلتَ َمغَافير ؟ إني‬
‫أجد منك ريح مغافير‪ .‬قال ‪" :‬ل ولكني كنت أشرب عسل عند زينب بنت جَحش ‪ ،‬فلن أعود له ‪،‬‬
‫جكَ } (‪.)7‬‬
‫وقد حلفت ل تخبري بذلك أحدا" ‪ { ،‬تَبْ َتغِي مَ ْرضَاةَ أَ ْزوَا ِ‬
‫هكذا أورد هذا الحديث هاهنا بهذا اللفظ ‪ ،‬وقال في كتاب "اليمان والنذور" ‪ :‬حدثنا الحسن بن‬
‫محمد ‪ ،‬حدثنا الحجاج ‪ ،‬عن ابن جريج قال ‪ :‬زعم عطاء أنه سمع عُبَيد بن عمير يقول ‪ :‬سمعتُ‬
‫عائشة تزعم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جَحش ويشرب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم(‪.)4911‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)1473‬‬
‫(‪ )3‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11609‬‬
‫(‪ )4‬المعجم الكبير (‪.)11/86‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬الطبراني"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عن عبد"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)4912‬‬

‫( ‪)8/160‬‬

‫عندها عَسَل فتواصيتُ أنا وحفصة أن أيتُنا دخل عليها النبي صلى ال عليه وسلم فَلْ َتقُلْ ‪ :‬إني أجد‬
‫منك ريح مغافير ؛ أكلت مغافير ؟ فدخل على إحداهما النبي صلى ال عليه وسلم فقالت ذلك له ‪،‬‬
‫فقال ‪" :‬ل بل شربت عسل عند زينب بنت جَحش ‪ ،‬ولن أعود له"‪ .‬فنزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ لِمَ‬
‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا } لعائشة وحفصة ‪ { ،‬وَإِذْ‬
‫حلّ اللّهُ َلكَ } ؟ إلى ‪ { :‬إِنْ تَتُوبَا ِإلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫تُحَرّمُ مَا أَ َ‬
‫حدِيثًا } لقوله ‪" :‬بل شربت عسل"‪ .‬وقال إبراهيم بن موسى ‪ ،‬عن‬
‫جهِ َ‬
‫أَسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَا ِ‬
‫هشام ‪" :‬ولن أعود له ‪ ،‬وقد حلفت ‪ ،‬فل تخبري بذلك أحدًا" (‪.)1‬‬
‫وهكذا رواه في كتاب "الطلق" بهذا السناد ‪ ،‬ولفظه قريب منه (‪ .)2‬ثم قال ‪ :‬المغافير ‪ :‬شبيه‬
‫بالصمغ ‪ ،‬يكون في الرّمث فيه حلوة ‪ ،‬أغفر الرّمث ‪ :‬إذا ظهر فيه‪ .‬واحدها مغفور ‪ ،‬ويقال ‪:‬‬
‫مغافير‪ .‬وهكذا قال الجوهري ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد يكون المغفور أيضًا للعُشر والثّمام والسّلَم والطلح‪ .‬قال‬
‫حمْض‪ .‬قال ‪ :‬والعرفط ‪ :‬شجر من‬
‫‪ :‬والّرمث ‪ ،‬بالكسر ‪ :‬مرعى من مراعي البل ‪ ،‬وهو من ال َ‬
‫العضاه ينضَح المغفُور [منه] (‪.)3‬‬
‫وقد روى مسلم هذا الحديث في كتاب "الطلق" من صحيحه ‪ ،‬عن محمد بن حاتم ‪ ،‬عن حجاج بن‬
‫محمد ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬أخبرني عطاء ‪ ،‬عن عُبيد بن عمير ‪ ،‬عن عائشة ‪ )4( ،‬به ‪ ،‬ولفظه كما‬
‫أورده البخاري في "اليمان والنذور"‪.‬‬
‫سهَر ‪ ،‬عن‬
‫ثم قال البخاري في كتاب "الطلق" ‪ :‬حدثنا فروة بن أبي المغراء ‪ ،‬حدثنا علي بن ُم ْ‬
‫هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحب الحَلوى‬
‫والعَسل ‪ ،‬وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ‪ ،‬فيدنو من إحداهن‪ .‬فدخل على حفصة‬
‫بنت عمر فاحتبس أكثر ما كان يحتبس ‪َ ،‬فغِ ْرتُ فسألت عن ذلك ‪ ،‬فقيل لي ‪ :‬أهدت لها امرأة من‬
‫عسَل ‪ ،‬فسقت النبي صلى ال عليه وسلم منه شربة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أما وال لنحتالَن له‪.‬‬
‫عكّة َ‬
‫قومها ُ‬
‫فقلت لسودة بنت َز ْمعَةَ ‪ :‬إنه سيدنو منك ‪ ،‬فإذا دنا منك فقولي ‪ :‬أكلت مغَافير ؟ فإنه سيقول ذلك (‬
‫‪ )5‬ل‪ .‬فقولي له ‪ :‬ما هذه الريح التي أجد ؟ فإنه سيقول لك ‪ :‬سقتني حفصة شربة عسل‪ .‬فقولي ‪:‬‬
‫ستْ نحلُه العُرفُطَ‪ .‬وسأقول ذلك ‪ ،‬وقولي أنت له يا صفية ذلك ‪ ،‬قالت ‪ -‬تقول سودة ‪ : -‬وال‬
‫جَ َر َ‬
‫(‪ )6‬ما هو إل أن قام على الباب ‪ ،‬فأردت أن أناديه بما أمرتني فرقًا منك ‪ ،‬فلما دنا منها قالت له‬
‫سودة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أكلت مغافير ؟ قال ‪" :‬ل "‪ .‬قالت ‪ :‬فما هذه الريح التي أجد منك ؟ قال ‪:‬‬
‫"سقتني حفصة شَربة عسل"‪ .‬قالت ‪ :‬جَرَسَت نَحلُه العرفطَ‪ .‬فلما دار إليّ قلت نحو ذلك ‪ ،‬فلما دار‬
‫إلى صفية قالت له مثل ذلك ‪ ،‬فلما دار إلى حفصة قالت له ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أل أسقيك منه ؟ قال‬
‫‪" :‬ل حاجةَ لي فيه"‪ .‬قالت ‪ -‬تقول سودة ‪ : -‬وال لقد حَ َرمْنَاه‪ .‬قلت لها ‪ :‬اسكتي (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)6691‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)5267‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من الصحاح ‪ ،‬مادة "عرفط" ‪.3/1142‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)1474‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬سيقول لك"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فوال"‪.‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪.)5268‬‬

‫( ‪)8/161‬‬

‫سهِر ‪ ،‬به‪ .‬وعن أبي كُرَيْب‬


‫سوَيد بن سَعيد ‪ ،‬عن علي بن مُ ْ‬
‫هذا لفظ البخاري‪ .‬وقد رواه مسلم عن ُ‬
‫وهارون بن عبد ال والحسن بن بشر ‪ ،‬ثلثتهم عن أبي أسامة ‪ ،‬حماد بن أسامة ‪ ،‬عن هشام بن‬
‫عروة ‪ ،‬به (‪ )1‬وعنده قالت ‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يشتد عليه أن يوجد منه الريح‬
‫يعني ‪ :‬الريح الخبيثة ؛ ولهذا قلن له ‪ :‬أكلت مغافير لن ريحها فيه شيء‪ .‬فلما قال ‪" :‬بل شربت‬
‫شجَر العرفط الذي صَمغُه المغافير ؛‬
‫عسل "‪ .‬قلن ‪ :‬جَرَسَت نحلُه العرفطَ ‪ ،‬أي ‪ :‬رَعَت نحلُه َ‬
‫فلهذا ظهر ريحُه في العسل الذي شربته‪.‬‬
‫قال الجوهري ‪ :‬جَرَسَت نحلُه العرفط َتجْرِس ‪ :‬إذا أكلته ‪ ،‬ومنه قيل للنحل ‪ :‬جوارس ‪ ،‬قال‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫جوَارسُ‪...‬‬
‫ظلّ عَلَى ال ّثمْرَاء مِنها َ‬
‫تَ َ‬
‫وقال ‪ :‬الجَرْس والجِرْس ‪ :‬الصوت الخفي‪ .‬ويقال ‪ :‬سمعت جرس الطير ‪ :‬إذا سمعتَ صوت‬
‫مناقيرها على شيء تأكله ‪ ،‬وفي الحديث ‪" :‬فيسمعون جَرْس طير الجنة"‪ .‬قال الصمعي ‪ :‬كنت‬
‫في مجلس شُعبة قال ‪" :‬فيسمعون جَرْشَ طير الجنة" بالشين [المعجمة] (‪ )2‬فقلت ‪" :‬جرس" ؟!‬
‫فنظر إلي فقال ‪ :‬خذوها عنه ‪ ،‬فإنه أعلم بهذا منا (‪.)3‬‬
‫والغرض أن هذا السياق فيه أن حفصة هي الساقية للعسل ‪ ،‬وهو من طريق هشام بن عروة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن خالته عن عائشة‪ .‬وفي طريق ابن جريج عن عطاء ‪ ،‬عن عبيد بن عمير ‪ ،‬عن عائشة‬
‫أن زينب بنت جَحش هي التي سقت العسل ‪ ،‬وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه ‪ ،‬فال‬
‫أعلم‪ .‬وقد يقال ‪ :‬إنهما واقعتان ‪ ،‬ول ُبعْ َد في ذلك ‪ ،‬إل أن كونَهما سببًا لنزول هذه الية فيه‬
‫نظر ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ومما يدل على أن عائشة وحفصة ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه‬
‫المام أحمد في مسنده حيث قال ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُبَيد‬
‫ال بن عبد ال بن أبي ثور ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر عن‬
‫المرأتين من أزواج النبي صلى ال عليه وسلم اللتين قال ال تعالى ‪ { :‬إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّهِ َفقَدْ‬
‫صغَتْ قُلُو ُب ُكمَا } حتى حج عمر وحججت معه ‪ ،‬فلما كان ببعض الطريق عدَل عمر وعدلت معه‬
‫َ‬
‫بالداوة‪ .‬فتبرز ثم أتاني ‪ ،‬فسكبت على يديه فتوضأ ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬من المرأتان من‬
‫ص َغتْ قُلُو ُب ُكمَا }‬
‫أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬اللتان قال ال تعالى ‪ { :‬إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللّهِ َفقَ ْد َ‬
‫؟ فقال عمر ‪ :‬واعجبا لك يا ابن عباس ‪ -‬قال الزهري ‪ :‬كره ‪ -‬وال ما سألته عنه ولم يكتمه قال‬
‫‪ :‬هي حفصة وعائشة‪ .‬قال ‪ :‬ثم أخذ يسوق الحديث‪ .‬قال ‪ :‬كنا مَعشَر قريش قومًا نَغلبُ النساء ‪،‬‬
‫فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تَغلِبُهم نساؤهم ‪ ،‬فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم ‪ ،‬قال ‪ :‬وكان‬
‫منزلي في دار بنى أمية بن زيد بال َعوَالي‪ .‬قال ‪ :‬فغضَبت يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعني ‪،‬‬
‫فأنكرت أن تُرَاجِعني ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما تنكر أن أراجعك ؟ فوال إن أزواج النبي (‪)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)1474‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬الصحاح للجوهري ‪ 2/908‬ولسان العرب لبن منظور ‪ ،‬مادة "جرس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬إن إزواج رسول ال"‪.‬‬

‫( ‪)8/162‬‬

‫صلى ال عليه وسلم ليراجعنه ‪ ،‬وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل‪ .‬قال ‪ :‬فانطلقت فدخلت على‬
‫حفصة فقلت ‪ :‬أتراجعين رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قلت ‪ :‬وتهجره إحداكن‬
‫اليوم إلى الليل ؟ قالت ‪ :‬نعم‪ .‬قلت ‪ :‬قد خاب من فعل ذلك منكن وخَسر ‪ ،‬أفتأمنُ إحداكن أن‬
‫يغضب ال عليها لغضب رسوله ‪ ،‬فإذا هي قد هلكت ؟ ل تراجعي رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ول تسأليه شيئًا ‪ ،‬وسليني من مالي ما بدا لك ‪ ،‬ول يغرنك إن كانت جارتك هي أوس ُم وأحب إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم منك ‪ -‬يريد عائشة ‪ -‬قال ‪ :‬وكان لي جار من النصار ‪ ،‬وكنا‬
‫نتناوب النزول إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ينزل يومًا وأنزل يومًا ‪ ،‬فيأتيني بخبر الوحي‬
‫وغيره ‪ ،‬وآتيه بمثل ذلك‪ .‬قال ‪ :‬وكنا نتحدث أن غَسّان تُنعِل الخيل لتغزونا ‪ ،‬فنزل صاحبي يومًا‬
‫ثم أتى عشاء ‪ ،‬فضرب بابي ثم ناداني ‪ ،‬فخرجت إليه فقال ‪ :‬حدث أمر عظيم! فقلت ‪ :‬وما ذاك ؟‬
‫أجاءت غسان ؟ قال ‪ :‬ل بل أعظم من ذلك وأطول! طلّق رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءه ‪،‬‬
‫خسِرت ‪ ،‬قد كنت أظن (‪ )1‬هذا كائنا‪ .‬حتى إذا صليتُ الصبح شددتُ‬
‫فقلت ‪ :‬قد خابت حفصةُ و َ‬
‫عليّ ثيابي ثم نزلت ‪ ،‬فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت ‪ :‬أطلقكن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقالت ‪ :‬ل أدري ‪ ،‬هو هذا معتزل في هذه المشرَبة (‪ )2‬فأتيت غلمًا له أسو َد فقلت ‪:‬‬
‫ي فقال ‪ :‬ذكرتك له فصمت‪ .‬فانطلقت حتى أتيت المنبر ‪،‬‬
‫استأذن لعمر‪ .‬فدخل الغلم ثم خرج إل َ‬
‫فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم ‪ ،‬فجلست قليل ثم غلبني ما أجد ‪ ،‬فأتيت الغلم فقلت ‪:‬‬
‫استأذن لعمرَ‪ .‬فدخل ثم خرج فقال ‪ :‬قد ذكرتك له فصمت‪ .‬فخرجت فجلست إلى المنبر ‪ ،‬ثم غلبني‬
‫ما أجد فأتيت الغلم فقلت ‪ :‬استأذن لعمر‪ .‬فدخل ثم خرج إلي فقال ‪ :‬قد ذكرتك له فصمتَ‪ .‬فوليت‬
‫مدبرًا فإذا الغلم يدعوني فقال ‪ :‬ادخل ‪ ،‬قد أذن لك‪ .‬فدخلتُ فسلمتُ على رسول ال صلى ال‬
‫حصِير‪.‬‬
‫عليه وسلم فإذا هو متكئ على ُرمَال (‪َ )3‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬وحدثناه يعقوب في حديث صالح ‪ُ :‬رمَال حصير قد أثر في جنبه ‪ ،‬فقلت ‪:‬‬
‫أطلّقت يا رسول ال نساءك ؟ فرفع رأسه إلي وقال ‪" :‬ل"‪ .‬فقلت ‪ :‬ال أكبر ‪ ،‬ولو رأيتنا يا رسول‬
‫ال وكنا معشر قريش قومًا نغلب النساء ‪ ،‬فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم ‪ ،‬فطفق‬
‫نساؤنا يتعلمن من نسائهم ‪ ،‬فغضبت على امرأتي يوما ‪ ،‬فإذا هي تراجعني ‪ ،‬فأنكرت أن تراجعني‬
‫‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما تنكر أن أراجعك ؟ فوال إن أزواج النبي صلى ال عليه وسلم ليراجعنه ‪ ،‬وتهجره‬
‫إحداهن اليوم إلى الليل‪ .‬فقلت ‪ :‬قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ‪ ،‬أفتأمنُ إحداكن أن يغضب‬
‫ال عليها لغضب رسوله ‪ ،‬فإذا هي قد هلكت‪ .‬فتبسم رسول ال صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬فَدخَلت على حفصة فقلت ‪ :‬ل يغُرنّك أن كانت جار ُتكِ هي أوسمُ ‪ -‬أو ‪ :‬أحب إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم منك‪ .‬فتبسم أخرى ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أستأنس يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫فجلست فرفعت رأسي في البيت ‪ ،‬فوال ما رأيت في البيت شيئًا يرد البصر إل أهَ َبةٌ ثلثة (‪)4‬‬
‫فقلت ‪ :‬ادع ال يا رسول ال أن يوسع على أمتك ‪ ،‬فقد وسّع على فارس والروم ‪ ،‬وهم ل يعبدون‬
‫عجَّلتْ لهم طيباتهم في‬
‫ال‪ .‬فاستوى جالسًا وقال ‪" :‬أفي شك أنت يا بن الخطاب ؟ أولئك قوم ُ‬
‫الحياة الدنيا"‪ .‬فقلت ‪ :‬استغفر لي يا رسول ال‪ .‬وكان أقسم أن ل يدخل عليهن شهرًا ؛ من شدة‬
‫موجدته عليهن حتى عاتبه ال ‪ ،‬عز وجل (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬أظن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المشربة ‪ :‬هي الغرفة‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬على رمل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬معان"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)34 ، 1/33‬‬

‫( ‪)8/163‬‬

‫وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ‪ ،‬من طرق ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬به (‪ )1‬وأخرجه‬
‫الشيخان من حديث يحيى بن سعيد النصاري ‪ ،‬عن عُبَيد بن حُنَين ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية ‪ ،‬فما أستطيع أن أسأله هيبةً له ‪ ،‬حتى خرج‬
‫حاجًا فخرجت معه ‪ ،‬فلما رجعنا وكنا ببعض الطريق ‪ ،‬عدل إلى الرَاك لحاجة له ‪ ،‬قال ‪ :‬فوقفت‬
‫حتى فرغ ‪ ،‬ثم سرت معه فقلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬من اللتان (‪ )2‬تظاهرتا على النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ؟ (‪.)3‬‬
‫هذا لفظ البخاري ‪ ،‬ولمسلم ‪ :‬من المرأتان اللتان قال ال تعالى ‪ { :‬وَإِنْ َتظَاهَرَا عَلَيْهِ } ؟ قال ‪:‬‬
‫عائشة وحفصة‪ .‬ثم ساق الحديث بطوله ‪ ،‬ومنهم من اختصره‪.‬‬
‫وقال مسلم أيضًا ‪ :‬حدثني زهير بن حرب ‪ ،‬حدثنا عمر بن يونس الحنفي ‪ ،‬حدثنا عكرمة بن‬
‫عمار ‪ ،‬عن سِماك بن الوليد ‪ -‬أبي زميل ‪ -‬حدثني عبد ال بن عباس ‪ ،‬حدثني عمر بن الخطاب‬
‫قال ‪ :‬لما اعتزل نبي ال صلى ال عليه وسلم نساءه ‪ ،‬دخلت المسجد ‪ ،‬فإذا الناس يَنكُتُون‬
‫بالحصى ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬طلق رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءه! وذلك قبل أن يُؤمَر بالحجاب‪.‬‬
‫فقلت ‪ :‬لعلمن ذلك اليوم‪ ...‬فذكر الحديث في دخوله على عائشة وحفصة ‪ ،‬ووعظه إياهما ‪ ،‬إلى‬
‫أن قال ‪ :‬فدخلت ‪ ،‬فإذا أنا برباح غلم رسول ال صلى ال عليه وسلم على أس ُكفّة المشرَبة ‪،‬‬
‫فناديت فقلت ‪ :‬يا رباح ‪ ،‬استأذن لي على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ...‬فذكر نحو ما تقدم ‪،‬‬
‫شقّ عليك من أمر النساء ‪ ،‬فإن كنت طلقتهن فإن ال معك‬
‫إلى أن قال ‪ :‬فقلت يا رسول ال ما يَ ُ‬
‫وملئكته وجبريلَ وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك ‪ ،‬وقلما تكلمتُ ‪ -‬وأحمد ال ‪ -‬بكلم‬
‫إل رجوتُ أن يكون ال يصدق قولي ‪ ،‬ونزلت هذه الية ‪ ،‬آية التخيير ‪ { :‬عَسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ‬
‫ل َوصَالِحُ ا ْل ُمؤْمِنِينَ‬
‫أَنْ يُبْدَِلهُ أَ ْزوَاجًا خَيْرًا مِ ْنكُنّ } { وَإِنْ َتظَاهَرَا عَلَ ْيهِ فَإِنّ اللّهَ ُهوَ َموْل ُه وَجِبْرِي ُ‬
‫ظهِيرٌ } فقلت ‪ :‬أطلقتهن ؟ قال ‪" :‬ل"‪ .‬فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى‬
‫وَا ْلمَل ِئكَةُ َبعْدَ َذِلكَ َ‬
‫خ ْوفِ أَذَاعُوا ِبهِ‬
‫ن المْنِ َأوِ الْ َ‬
‫صوتي ‪ :‬لم يطلق نساءه ‪ ،‬ونزلت هذه الية ‪ { :‬وَإِذَا جَاءَ ُهمْ َأمْرٌ مِ َ‬
‫وََلوْ َردّوهُ إِلَى الرّسُولِ وَإِلَى أُولِي المْرِ مِ ْنهُمْ َلعَِلمَهُ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِ ْنهُمْ } [النساء ‪ ]83 :‬فكنت‬
‫أنا استنبطت ذلك المر (‪.)4‬‬
‫وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومقاتل بن حيان ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم ‪َ { :‬وصَالِحُ‬
‫ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } أبو بكر وعمر ‪ -‬زاد الحسن البصري ‪ :‬وعثمان‪ .‬وقال ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن مجاهد‬
‫‪َ { :‬وصَالِحُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قال ‪ :‬علي بن أبي طالب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا علي بن الحسين ‪ ،‬حدثنا محمد بن أبي عمر ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر‬
‫بن محمد بن علي بن الحسين قال ‪ :‬أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى علي قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم [في] (‪ )5‬قوله ‪َ { :‬وصَالِحُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ } قال ‪ :‬هو علي بن أبي طالب‪ .‬إسناده‬
‫ضعيف‪ .‬وهو منكر جدًا‪.‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا عمرو بن عون ‪ ،‬حدثنا هُشَيم ‪ ،‬عن حُميد ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )2468 ، 5191‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1479‬وسنن الترمذي برقم (‬
‫‪ )3318‬وسنن النسائي (‪.)4/137‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬المرأتان اللتان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4913‬وصحيح مسلم برقم (‪.)1479‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)1479‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/164‬‬

‫عمر ‪ :‬اجتمع نساء النبي صلى ال عليه وسلم في الغيرة عليه ‪ ،‬فقلت لهن ‪ { :‬عَسَى رَبّهُ إِنْ‬
‫طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْ ِدلَهُ أَ ْزوَاجًا خَيْرًا مِ ْنكُنّ } فنزلت هذه الية (‪.)1‬‬
‫وقد تقدّم أنه وافق القرآن في أماكنَ ‪ ،‬منها في نزول الحجاب ‪ ،‬ومنها في أسارى بدر ‪ ،‬ومنها‬
‫قوله ‪ :‬لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ؟ فأنزل ال ‪ { :‬وَاتّخِذُوا مِنْ َمقَامِ إِبْرَاهِيمَ ُمصَلّى }‬
‫[البقرة ‪.]125 :‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قال عمر‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا [أبي ‪ ،‬حدثنا] (‪ )2‬النصاري ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫بن الخطاب ‪ :‬بلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فاستقريتهن‬
‫(‪ )3‬أقول ‪ :‬لتكفن عن رسول ال أو ليبدلَنّه ال أزواجًا خيرا منكن‪ .‬حتى أتيت على آخر أمهات‬
‫المؤمنين ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا عمر ‪ ،‬أما لي برسول ال ما يعظ نساءه ‪ ،‬حتى تعظهن ؟! فأمسكت ‪،‬‬
‫عسَى رَبّهُ إِنْ طَّل َقكُنّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَ ْزوَاجًا خَيْرًا مِ ْنكُنّ مُسِْلمَاتٍ ُمؤْمِنَاتٍ‬
‫فأنزل ال ‪ ،‬عز وجل ‪َ { :‬‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا }‬
‫قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيّبَا ٍ‬
‫وهذه المرأة التي َردّته عما كان فيه من وَعظ النساء هي أم سلمة ‪ ،‬كما ثبت ذلك في صحيح‬
‫البخاري (‪.)4‬‬
‫عوَانة ‪،‬‬
‫وقال الطبراني ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن نائلة الصبهاني ‪ ،‬حدثنا إسماعيل البجلي ‪ ،‬حدثنا أبو َ‬
‫عن أبي سنان ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَإِذْ أَسَرّ النّ ِبيّ إِلَى َب ْعضِ أَ ْزوَاجِهِ‬
‫حدِيثًا } قال ‪ :‬دخلَت حفصة على النبي صلى ال عليه وسلم في بيتها وهو َيطَأ مارية ‪ ،‬فقال لها‬
‫َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل تخبري عائشة حتى أبشرك ببشارة ‪ ،‬فإن أباك يَلي المرَ من‬
‫بعد أبي بكر إذا أنا مت"‪ .‬فذهبت حفصة فأخبَرتْ عائشة ‪ ،‬فقالت عائشة لرسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ :‬من أنبأك هذا ؟ قال ‪ { :‬نَبّأَ ِنيَ ا ْلعَلِيمُ الْخَبِيرُ } فقالت عائشة ‪ :‬ل أنظر إليك حتى تحرم‬
‫مارية فحرمها ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ ِلمَ تُحَرّمُ } (‪.)5‬‬
‫إسناده فيه نظر ‪ ،‬وقد تبين مما أوردناه تفسير هذه اليات الكريمات‪ .‬ومعنى قوله ‪ { :‬مُسِْلمَاتٍ‬
‫ُم ْؤمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَا ِبدَاتٍ } ظاهر‪.‬‬
‫وقوله { سَا ِئحَاتٍ } أي ‪ :‬صائمات ‪ ،‬قاله أبو هريرة ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد‬
‫‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي ‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي ‪ ،‬وأبو مالك ‪،‬‬
‫وإبراهيم النخعي ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والسُ ّديّ ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وتقدم‬
‫فيه حديث مرفوع عند قوله ‪ { :‬السّائِحُونَ } من سورة "براءة" ‪ ،‬ولفظه ‪" :‬سياحةُ هذه المة‬
‫الصيامُ"‪.‬‬
‫وقال زيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه عبد الرحمن ‪ { :‬سَائِحَاتٍ } أي ‪ :‬مهاجرات ‪ ،‬وتل عبد الرحمن ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4916‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فاستقريته"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )4483‬ولم أر فيه التصريح بأنها أم سلمة وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬المعجم الكبير (‪ )12/117‬ووجه ضعفه ‪ :‬أن فيه إسماعيل البجلي وهو ضعيف ‪ ،‬والضحاك‬
‫لم يلق ابن عباس فهو منقطع‪.‬‬

‫( ‪)8/165‬‬

‫س وَا ْلحِجَا َرةُ عَلَ ْيهَا مَلَا ِئكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا‬
‫سكُ ْم وَأَهْلِيكُمْ نَارًا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُمْ وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪ )6‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َكفَرُوا لَا َتعْتَذِرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنمَا ُتجْ َزوْنَ‬
‫مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪)7‬‬

‫{ السّائِحُونَ } [التوبة ‪ ]112 :‬أي ‪ :‬المهاجرون‪ .‬والقول الول أولى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا } أي ‪ :‬منهن ثيبات ‪ ،‬ومنهن أبكارا ‪ ،‬ليكون ذلك أشهى إلى النفوس ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ثَيّبَا ٍ‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا }‬
‫فإن التنوع يبسُط النفسَ ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ثَيّبَا ٍ‬
‫وقال أبو القاسم الطبراني في معجمه الكبير ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن صدقة ‪ ،‬حدثنا محمد بن محمد بن‬
‫مرزوق ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن أمية ‪ ،‬حدثنا عبد القدوس ‪ ،‬عن صالح بن حَيّان ‪ ،‬عن ابن بُرَيدة ‪،‬‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا } قال ‪ :‬وعد ال نبيه صلى ال عليه وسلم في هذه الية أن يزوجه ‪،‬‬
‫عن أبيه ‪ { :‬ثَيّبَا ٍ‬
‫فالثيب ‪ :‬آسية امرأة فرعون ‪ ،‬وبالبكار ‪ :‬مريم بنت عمران (‪.)1‬‬
‫سوَيْد بن سعيد (‪ )2‬حدثنا‬
‫وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة "مريم عليها السلم" من طريق ُ‬
‫محمد بن صالح بن عمر ‪ ،‬عن الضحاك ومجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬جاء جبريل إلى رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بموت خديجة فقال ‪ :‬إن ال يقرئها السلم ‪ ،‬ويبشرها ببيت في الجنة من‬
‫صخَب ‪ ،‬من لؤلؤة جوفاء بين بيت مريم بنت‬
‫َقصَب ‪ ،‬بعيد من اللهب (‪ )3‬ل َنصَب فيه ول َ‬
‫عمران وبيت آسية بنت مزاحم (‪.)4‬‬
‫ومن حديث أبي بكر الهذلي ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم دخل‬
‫على خديجة ‪ ،‬وهي في الموت فقال ‪" :‬يا خديجة ‪ ،‬إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلم"‪.‬‬
‫فقالت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل تزوجت قبلي ؟ قال ‪" :‬ل" ‪ ،‬ولكن ال زوجني مريم بنت عمران ‪،‬‬
‫وآسية امرأة فرعون ‪ ،‬وكلثم أخت موسى"‪ .‬ضعيف أيضًا (‪.)5‬‬
‫وقال أبو يعلى ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن عرعرة ‪ ،‬حدثنا عبد النور بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا يونس (‪ )6‬بن‬
‫شعيب ‪ ،‬عن أبي أمامة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أُعْلِمتُ أن ال زوجني في‬
‫الجنة مريم بنت عمران ‪ ،‬وكلثم أخت موسى ‪ ،‬وآسية امرأة فرعون"‪ .‬فقلت ‪ :‬هنيئًا لك يا رسول‬
‫ال (‪.)7‬‬
‫وهذا أيضًا ضعيف وروي مرسل عن ابن أبي داود‪.‬‬
‫حجَا َرةُ عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ شِدَا ٌد ل‬
‫س وَالْ ِ‬
‫سكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَهُمْ وَيَ ْفعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ (‪ )6‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َكفَرُوا ل َتعْ َتذِرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنمَا تُجْ َزوْنَ‬
‫مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ (‪} )7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬لم أقع عليه في المطبوع من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بن سعد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬من اللهو"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق (ص ‪" )383‬تراجم النساء" ط‪ .‬المجمع العلمي بدمشق‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (ص ‪" )384‬تراجم النساء" ط‪ .‬المجمع العلمي بدمشق‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬يوسف" والمثبت من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )7‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )8/309‬والعقيلي في الضعفاء (‪ )4/459‬من طريق عبد‬
‫النور بن عبد ال به ‪ ،‬وعبد النور كذاب ‪ ،‬قال العقيلي ‪" :‬وليس بمحفوظ"‪.‬‬
‫( ‪)8/166‬‬

‫عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ ُي َكفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُك ْم وَيُدْخَِل ُكمْ جَنّاتٍ‬


‫يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َآمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحًا َ‬
‫سعَى بَيْنَ أَيْدِي ِهمْ‬
‫ي وَالّذِينَ َآمَنُوا َمعَهُ نُورُ ُهمْ يَ ْ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الْأَ ْنهَارُ َيوْمَ لَا ُيخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪)8‬‬
‫غفِرْ لَنَا إِ ّنكَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا وَا ْ‬

‫{ يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحًا عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ ُي َكفّرَ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِتكُ ْم وَيُ ْدخَِلكُمْ جَنّاتٍ‬
‫سعَى بَيْنَ أَيْدِي ِهمْ‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ نُورُ ُهمْ يَ ْ‬
‫تَجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا ال ْنهَارُ َيوْمَ ل ُيخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪} )8‬‬
‫غفِرْ لَنَا إِ ّنكَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ َيقُولُونَ رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا وَا ْ‬

‫( ‪)8/166‬‬

‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن علي ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬في قوله تعالى ‪:‬‬
‫سكُ ْم وَأَ ْهلِيكُمْ نَارًا } يقول ‪ :‬أدبوهم ‪ ،‬عَلموهم‪.‬‬
‫{ قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫سكُ ْم وَأَهْلِي ُكمْ نَارًا } يقول ‪ :‬اعملوا بطاعة ال‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫‪ ،‬واتقوا معاصي ال ‪ ،‬ومُروا أهليكم بالذكر ‪ ،‬ينجيكم ال من النار‪.‬‬
‫سكُ ْم وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } قال ‪ :‬اتقوا ال ‪ ،‬وأوصوا أهليكم بتقوى ال‪..‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يأمرهم بطاعة ال ‪ ،‬وينهاهم عن معصية ال ‪ ،‬وأن يقومَ عليهم بأمر ال ‪ ،‬ويأمرهم‬
‫به ويساعدهم عليه ‪ ،‬فإذا رأيت ل معصية ‪ ،‬قَدعتهم عنها وزجرتهم عنها‪.‬‬
‫وهكذا قال الضحاك ومقاتل ‪ :‬حق على المسلم أن يعلم أهله ‪ ،‬من قرابته وإمائه وعبيده ‪ ،‬ما‬
‫فرض ال عليهم ‪ ،‬وما نهاهم ال عنه‪.‬‬
‫وفي معنى هذه الية الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد‬
‫الملك بن الربيع بن سَبْرَة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬مروا‬
‫الصبي بالصلة إذا بلغ سبع سنين ‪ ،‬فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" (‪.)1‬‬
‫هذا لفظ أبي داود ‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫وروى أبو داود ‪ ،‬من حديث عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم مثل ذلك (‪.)2‬‬
‫قال الفقهاء ‪ :‬وهكذا في الصوم ؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة ‪ ،‬لكي يبلغ وهو مستمر على‬
‫العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر ‪ ،‬وال الموفق‪.‬‬
‫حجَا َرةُ } { َوقُودُهَا } أي ‪ :‬حطبها الذي يلقى فيها جُثث بني آدم‪.‬‬
‫س وَالْ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقُودُهَا النّا ُ‬
‫{ وَا ْلحِجَا َرةُ } قيل ‪ :‬المراد بذلك الصنام التي كانت تعبد لقوله ‪ { :‬إِ ّن ُك ْم َومَا َتعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ‬
‫جهَنّمَ } [النبياء ‪.]98 :‬‬
‫صبُ َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫وقال ابن مسعود ومجاهد وأبو جعفر الباقر ‪ ،‬والسدي ‪ :‬هي حجارة من كبريت ‪ -‬زاد مجاهد ‪:‬‬
‫أنتن من الجيفة‪.‬‬
‫وروى ذلك ابن أبي حاتم ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن سنان المنقري‬
‫‪ ،‬حدثنا عبد العزيز ‪ -‬يعني ابن أبي َراّود ‪ -‬قال ‪ :‬بلغني أن رسول ال صلى ال عليه وسلم تل‬
‫حجَا َرةُ } وعنده بعض‬
‫س وَالْ ِ‬
‫سكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا َوقُودُهَا النّا ُ‬
‫هذه الية ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَ ْنفُ َ‬
‫أصحابه ‪ ،‬وفيهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/404‬وسنن أبي داود برقم (‪ )494‬وسنن الترمذي برقم (‪.)407‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪.)495‬‬

‫( ‪)8/167‬‬

‫شيخ ‪ ،‬فقال الشيخ ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬والذي نفسي بيده ‪َ ،‬لصَخرة من صخر جهنم أعظمُ من جبَال الدنيا كلها"‪ .‬قال ‪ :‬فوقع الشيخُ‬
‫حيّ فناداه قال ‪" :‬يا‬
‫مغشيًا عليه ‪ ،‬فوضع النبي صلى ال عليه وسلم يده على فؤاده فإذا ُهوَ َ‬
‫شيخ" ‪ ،‬قل ‪" :‬ل إله إل ال"‪ .‬فقالها ‪ ،‬فبشره بالجنة ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال أصحابه ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أمن‬
‫ف وَعِيدِ } [إبراهيم ‪ ]14 :‬هذا‬
‫بيننا ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬يقول ال تعالى ‪ { :‬ذَِلكَ ِلمَنْ خَافَ َمقَامِي وَخَا َ‬
‫حديث مرسل غريب‪.‬‬
‫شدَادٌ } أي ‪ :‬طباعهم غليظة ‪ ،‬قد نزعت من قلوبهم الرحمة‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَ ْيهَا مَل ِئكَةٌ غِلظٌ ِ‬
‫بالكافرين بال ‪ { ،‬شِدَادٌ } أي ‪ :‬تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج‪.‬‬
‫قال (‪ )1‬ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا سلمة بن شبيب ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪،‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬عن عكرمة أنه قال ‪ :‬إذا وصل أول أهل النار إلى النار ‪ ،‬وَجَدوا على الباب أربعمائة‬
‫ألف من خَزَنة جهنم ‪ ،‬سود وجوههم ‪ ،‬كالحة أنيابهم ‪ ،‬قد نزع ال من قلوبهم الرحمة ‪ ،‬ليس في‬
‫قلب واحد منهم مثقال ذَرَة من الرحمة ‪ ،‬لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ‬
‫منكبه الخر ‪ ،‬ثم يجدون على الباب التسعة عشر ‪ ،‬عرض صدر أحدهم سبعون خريفًا ‪ ،‬ثم‬
‫يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ‪ ،‬ثم يجدون على كل باب منها مثلَ ما وجدوا على الباب‬
‫الول ‪ ،‬حتى ينتهوا إلى آخرها‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬ل َي ْعصُونَ اللّهَ مَا َأمَرَ ُه ْم وَ َيفْعَلُونَ مَا ُي ْؤمَرُونَ } أي ‪ :‬مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه‬
‫‪ ،‬ل يتأخرون عنه طرفة عين ‪ ،‬وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه‪ .‬وهؤلء هم الزبانية‬
‫عياذًا بال منهم‪ .‬وقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ َكفَرُوا ل َتعْتَذِرُوا الْ َيوْمَ إِ ّنمَا تُجْ َزوْنَ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } أي‬
‫‪ :‬يقال للكفرة يوم القيامة ‪ :‬ل تعتذروا فإنه ل يقبل منكم ‪ ،‬وإنما تجزون اليوم بأعمالكم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحًا } أي ‪ :‬توبة صادقة جازمة ‪،‬‬
‫تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه ‪ ،‬وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات‪.‬‬
‫سمَاك بن حَرب ‪ :‬سمعت‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن مثنى ‪ ،‬حدثنا محمد ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن ِ‬
‫النعمان بن بشير يخطب ‪ :‬سمعت عمر بن الخطاب رضي ال عنه ‪ ،‬يقول ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا‬
‫تُوبُوا إِلَى اللّهِ َتوْبَةً َنصُوحًا } قال ‪ :‬يذنب الذنب ثم ل يرجع فيه‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن سِماك ‪ ،‬عن النعمان ‪ ،‬عن عمر قال ‪ :‬التوبة النصوح ‪ :‬أن يتوب من الذنب‬
‫ثم ل يعود فيه ‪ ،‬أو ل يعود فيه‪.‬‬
‫وقال أبو الحوص وغيره ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن النعمان ‪ ،‬سُئِل عمر عن التوبة النصوح ‪ ،‬فقال ‪ :‬أن‬
‫يتوب الرجل من العمل السيئ ‪ ،‬ثم ل يعود إليه أبدًا‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن أبي الحوص ‪ ،‬عن عبد ال ‪َ { :‬توْبَةً َنصُوحًا } قال ‪:‬‬
‫يتوب ثم ل يعود‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬كما قال"‪.‬‬

‫( ‪)8/168‬‬

‫وقد روي هذا مرفوعًا فقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن عاصم ‪ ،‬عن إبراهيم ال َهجَري ‪ ،‬عن أبي‬
‫الحوص ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬التوبة من الذنب‬
‫أن يتوب منه ‪ ،‬ثم ل يعود فيه"‪ .‬تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم ال َهجَري ‪ ،‬وهو ضعيف‬
‫‪ ،‬والموقوف أصح (‪ )1‬وال أعلم‪.‬‬
‫ولهذا قال العلماء ‪ :‬التوبة النصوح هو أن يُقلعَ عن الذنب في الحاضر ‪ ،‬ويندمَ على ما سلف منه‬
‫في الماضي ‪ ،‬ويعزِم على أل يفعل في المستقبل‪ .‬ثم إن كان الحق لدمي ردّه إليه بطريقه‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد الكريم ‪ ،‬أخبرني زياد بن أبي مريم ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫مَعقِل قال ‪ :‬دخلت مع أبي عَلى عبد ال بن مسعود فقال ‪ :‬أنت سمعت النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬الندم توبة ؟"‪ .‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬وقال مَرَة ‪ :‬نعم سمعته يقول ‪" :‬الندم توبة"‪.‬‬
‫عمّار ‪ ،‬عن سفيان بن عُيينة ‪ ،‬عن عبد الكريم ‪ -‬وهو ابن مالك‬
‫ورواه ابن ماجة ‪ ،‬عن هشام بن َ‬
‫الجَزَريّ ‪ -‬به (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة ‪ ،‬حدثني الوليد بن ُبكَيْر أبو خباب ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫محمد العَدَوي ‪ ،‬عن أبي سِنان البصري ‪ ،‬عن أبي قِلبة ‪ ،‬عن زِرّ بن حُبَيش ‪ ،‬عن أبي بن كعب‬
‫قال ‪ :‬قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه المة عند اقتراب الساعة ‪ ،‬منها نكاح الرجل امرأته أو‬
‫أمته في دبرها ‪ ،‬وذلك مما حرم ال ورسوله ‪ ،‬ويمقت ال عليه ورسوله ‪ ،‬ومنها ‪ :‬نكاح الرجل‬
‫الرجل ‪ ،‬وذلك مما حرم ال ورسوله ‪ ،‬ويمقت ال عليه ورسوله‪ .‬ومنها نكاح المرأة المرأة ‪،‬‬
‫وذلك مما حرم ال ورسوله ‪ ،‬ويمقت ال عليه ورسوله‪ .‬وليس لهؤلء صلة ما أقاموا على هذا ‪،‬‬
‫حتى يتوبوا إلى ال توبة نصوحًا‪ .‬قال زر ‪ :‬فقلت لبي بن كعب ‪ :‬فما التوبة النصوح ؟ فقال ‪:‬‬
‫سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬هو الندم على الذنب حينَ يَفرطُ منك ‪ ،‬فتستغفرُ ال‬
‫بندامتك منه عند الحاضر ‪ ،‬ثم ل تعود إليه أبدًا" (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن علي ‪ ،‬حدثنا عباد بن عمرو ‪ ،‬حدثنا أبو عمرو‬
‫بن العلء ‪ ،‬سمعت الحسن يقول ‪ :‬التوبة النصوح ‪ :‬أن تُبغِض الذنبَ كما أحببته ‪ ،‬وتستغفر منه‬
‫إذا ذكرته‪.‬‬
‫فأما إذا حَزَم بالتوبة وصَمم عليها فإنها تَجُب ما قبلها من الخطيئات ‪ ،‬كما ثبت في الصحيح ‪:‬‬
‫"السلم َيجُب ما قبله ‪ ،‬والتوبة تجب ما قبلها" (‪.)4‬‬
‫وهل من شرط التوبة النصوح الستمرارُ على ذلك إلى الممات ‪ ،‬كما تقدم في الحديث وفي الثر‬
‫‪" :‬ل يعود فيه أبدًا" ‪ ،‬أو يكفي العزم على أل يعود في تكفير الماضي ‪ ،‬بحيث لو وقع منه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/446‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/376‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )4252‬وقال البوصيري في الزوائد (‪: )3/308‬‬
‫"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )5457‬من طريق إسماعيل الصفار ‪ ،‬عن الحسن بن‬
‫عرفة به ‪ ،‬وقال ‪" :‬إسناده ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )121‬من حديث عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)8/169‬‬

‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )9‬ضَ َربَ اللّهُ‬


‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْيهِ ْم َومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَاهِدِ ا ْل ُكفّا َر وَا ْلمُنَافِقِي َ‬
‫حتَ عَ ْبدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَاِلحَيْنِ فَخَانَتَا ُهمَا فَلَمْ ُيغْنِيَا‬
‫ح وَامْرََأةَ لُوطٍ كَانَتَا تَ ْ‬
‫مَثَلًا لِلّذِينَ كَفَرُوا ِامْرََأةَ نُو ٍ‬
‫عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا َوقِيلَ ادْخُلَا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (‪)10‬‬

‫ذلك الذنب بعد ذلك ل يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم ‪ ،‬لعموم قوله ‪ ،‬عليه السلم ‪" :‬التوبة‬
‫تجب ما قبلها ؟"‪ .‬وللول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا ‪" :‬مَن أحسنَ في السلم لم يُؤاخَذ‬
‫بما عمل في الجاهلية ‪ ،‬ومن أساء في السلم أخذ بالول والخر" (‪ )1‬فإذا كان هذا في السلم‬
‫الذي هو أقوى من التوبة ‪ ،‬فالتوبة بطريق الولى ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقوله ‪ { :‬عَسَى رَ ّبكُمْ أَنْ ُي َكفّرَ‬
‫خَلكُمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ تَحْ ِتهَا ال ْنهَارُ } و { عَسَى } من ال موجبة ‪َ { ،‬يوْ َم ل‬
‫عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُك ْم وَيُدْ ِ‬
‫سعَى‬
‫ي وَالّذِينَ آمَنُوا َمعَهُ } أي ‪ :‬ول يخزيهم معه يعني ‪ :‬يوم القيامة ‪ { ،‬نُورُ ُهمْ يَ ْ‬
‫يُخْزِي اللّهُ النّ ِب ّ‬
‫بَيْنَ أَيْدِي ِه ْم وَبِأَ ْيمَا ِنهِمْ } كما تقدم في سورة الحديد‪.‬‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ } قال مجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫غفِرْ لَنَا إِ ّنكَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫{ َيقُولُونَ رَبّنَا أَ ْتمِمْ لَنَا نُورَنَا وَا ْ‬
‫والحسن البصري وغيرهم ‪ :‬هذا يقوله المؤمنون حين يَرَون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفِئ‪.‬‬
‫وقال محمد بن نصر المروزي ‪ :‬حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬أخبرنا‬
‫ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثني يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ‪ ،‬أنه سمع أبا ذر وأبا‬
‫الدرداء قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ‪،‬‬
‫وأول من يؤذن له برفع رأسه ‪ ،‬فأنظرُ بين يَ َديّ فأعرف أمتي من بين المم ‪ ،‬وأنظر عن يميني‬
‫فأعرف أمتي من بين المم ‪ ،‬وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين المم"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬يا‬
‫رسول ال ‪ ،‬وكيف تعرف أمتك من بين المم‪ .‬قال ‪" :‬غُرّ مُحجلون من آثار الطّهور (‪ )2‬ول‬
‫يكون أحد من المم كذلك غيرهم ‪ ،‬وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم ‪ ،‬وأعرفهم بسيماهم في‬
‫وجوههم من أثر السجود ‪ ،‬وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ‪ ،‬حدثنا ابن المبارك ‪ ،‬عن يحيى بن حسان‬
‫‪ ،‬عن رجل من بني كنانة قال ‪ :‬صليت خلف رسول ال صلى ال عليه وسلم عام الفتح ‪ ،‬فسمعته‬
‫يقول ‪" :‬اللهم ‪ ،‬ل تخزني يوم القيامة" (‪.)4‬‬
‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )9‬ضَ َربَ اللّهُ‬
‫ن وَاغْلُظْ عَلَ ْي ِه ْم َومَأْوَا ُهمْ َ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ جَا ِهدِ ا ْل ُكفّارَ وَا ْلمُنَا ِفقِي َ‬
‫حتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَاِلحَيْنِ فَخَانَتَا ُهمَا فََلمْ ُيغْنِيَا‬
‫مَثَل لِلّذِينَ َكفَرُوا ِامْرََأةَ نُوحٍ وَامْرََأةَ لُوطٍ كَانَتَا تَ ْ‬
‫عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا َوقِيلَ ادْخُل النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ (‪} )10‬‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله صلى ال عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين ‪ ،‬هؤلء بالسلح والقتال ‪،‬‬
‫وهؤلء بإقامة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )6921‬وصحيح مسلم برقم (‪ )120‬من حديث عبد ال بن مسعود ‪،‬‬
‫رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬الوضوء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪ )261‬ورواه أحمد في المسند (‪ )5/199‬من هذا الطريق ‪ -‬طريق‬
‫ابن المبارك ‪ -‬وعن حسن ‪ ،‬عن ابن لهيعة به نحوه ‪ ،‬قال المنذري في الترغيب والترهيب (‬
‫‪" : )1/151‬رواه أحمد ‪ ،‬وفي إسناده ابن لهيعو ‪ ،‬وهو حديث في المتابعات"‪ .‬وهو هنا من رواية‬
‫ابن المبارك وهي رواية صحيحه‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪)4/234‬‬
‫( ‪)8/170‬‬

‫عوْنَ إِذْ قَاَلتْ َربّ ابْنِ لِي عِنْ َدكَ بَيْتًا فِي ا ْلجَنّ ِة وَ َنجّنِي مِنْ‬
‫َوضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا لِلّذِينَ َآمَنُوا ِامْرََأةَ فِرْ َ‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا‬
‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬
‫عمْرَانَ الّتِي َأ ْ‬
‫عمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )11‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬
‫عوْنَ وَ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫فِيهِ مِنْ رُوحِنَا َوصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِهِ َوكَانَتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ (‪)12‬‬

‫جهَنّ ُم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬في‬


‫الحدود عليهم ‪ { ،‬وَاغُْلظْ عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬في الدنيا ‪َ { ،‬ومَ ْأوَاهُمْ َ‬
‫الخرة (‪.)1‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬ضَ َربَ اللّهُ مَثَل لِلّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم ‪ ،‬أن ذلك‬
‫ل يجدي عنهم شيئًا ول ينفعهم عند ال ‪ ،‬إن لم يكن اليمان حاصل في قلوبهم ‪ ،‬ثم ذكر المثل‬
‫حتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَاِلحَيْنِ } أي ‪ :‬نبيين رسولين‬
‫فقال ‪ِ { :‬امْرََأةَ نُوحٍ وَامْرََأةَ لُوطٍ كَانَتَا تَ ْ‬
‫عندهما في صحبتها (‪ )2‬ليل ونهارًا يؤاكلنهما ويضاجعانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والختلط‬
‫{ َفخَانَتَا ُهمَا } أي ‪ :‬في اليمان ‪ ،‬لم يوافقاهما على اليمان ‪ ،‬ول صدقاهما في الرسالة ‪ ،‬فلم يُجْد‬
‫ذلك كلَه شيئًا ‪ ،‬ول دفع عنهما محذورا ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَلَمْ ُيغْنِيَا عَ ْن ُهمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا } أي ‪:‬‬
‫لكفرهما ‪َ { ،‬وقِيلَ } أي ‪ :‬للمرأتين ‪ { :‬ادْخُل النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ } وليس المراد ‪َ { :‬فخَانَتَا ُهمَا } في‬
‫فاحشة ‪ ،‬بل في الدين ‪ ،‬فإن نساء النبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة ؛ لحرمة النبياء ‪،‬‬
‫كما قدمنا في سورة النور‪.‬‬
‫قال سفيان الثوري ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة ‪ ،‬عن سليمان بن قتة ‪ :‬سمعت ابن عباس يقول في‬
‫هذه الية { َفخَانَتَا ُهمَا } قال ‪ :‬ما زنتا ‪ ،‬أما أمرأة نوح فكانت تخبر أنه مجنون ‪ ،‬وأما خيانة امرأة‬
‫لوط فكانت تدل قومها على أضيافه‪.‬‬
‫وقال العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت خيانتهما أنهما كانتا على عَورتيهما فكانت امرأة نُوح‬
‫تَطَلع على سر نُوح ‪ ،‬فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به ‪ ،‬وأما امرأة لوط‬
‫فكانت إذا أضاف لوط أحدًا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء‪.‬‬
‫وهكذا قال عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫[وقال الضحاك عن ابن عباس ‪ :‬ما بغت امرأة نبي قط ‪ ،‬إنما كانت خيانتهما في الدين] (‪.)3‬‬
‫وقد استدل بهذه الية الكريمة بعضُ العلماء على ضعف الحديث الذي يأثرُه كثير من الناس ‪ :‬من‬
‫أكل مع مغفور له غفر له‪ .‬وهذا الحديث ل أصل له ‪ ،‬وإنما يروى هذا عن بعض الصالحين أنه‬
‫رأى النبي صلى ال عليه وسلم في المنام فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أنت قلت ‪ :‬من أكل مع مغفور له‬
‫غفر ؟ قال ‪" :‬ل ولكني الن أقوله" (‪.)4‬‬
‫عوْنَ إِذْ قَاَلتْ َربّ ابْنِ لِي عِ ْن َدكَ بَيْتًا فِي الْجَنّ ِة وَنَجّنِي مِنْ‬
‫{ َوضَ َربَ اللّهُ مَثَل لِلّذِينَ آمَنُوا ِامْرََأةَ فِرْ َ‬
‫جهَا فَ َنفَخْنَا‬
‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬
‫عمْرَانَ الّتِي َأ ْ‬
‫عمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ ا ْلقَوْمِ الظّاِلمِينَ (‪َ )11‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬
‫عوْنَ وَ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫فِيهِ مِنْ رُوحِنَا َوصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِهِ َوكَانَتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ (‪} )12‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ " :‬في الخرى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬في صحبتاهما"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪" :‬هذا ليس له إسناد عند أهل العلم ول هو في شيء من كتب‬
‫المسلمين ‪ ،‬وإنما يروونه عن سنان ‪ ،‬وليس معناه صحيحًا على الطلق ‪ ،‬فقد يأكل مع المسلمين‬
‫الكفار والمنافقون" أ‪ .‬هـ نقله اللباني في الضعيفة (‪ )1/326‬وذكره المام ابن القيم في المنار‬
‫المنيف (ص ‪ )140‬وقال ‪" :‬موضوع ‪ ،‬وغاية ما روي فيه أنه منام رآه بعض الناس"‪.‬‬

‫( ‪)8/171‬‬

‫وهذا مَ َثلٌ ضربه ال للمؤمنين أنهم ل تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم ‪ ،‬كما قال‬
‫خذِ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَافِرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َومَنْ َي ْف َعلْ ذَِلكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي‬
‫تعالى ‪ { :‬ل يَتّ ِ‬
‫شيْءٍ إِل أَنْ تَ ّتقُوا مِ ْنهُمْ ُتقَاةً } [آل عمران ‪.]28 :‬‬
‫َ‬
‫قال ‪ :‬قتادة كان فرعون أعتى أهل الرض وأبعده فوال ما ضر امرأته كُفر زوجها حين أطاعت‬
‫ح َكمٌ عدل ‪ ،‬ل يؤاخذ أحدًا إل بذنبه‪.‬‬
‫ربها لتعلموا أن ال َ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن حفص البُليّ ‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬عن سليمان التيمي ‪،‬‬
‫عن أبي عثمان النهدي (‪ )1‬عن سلمان قال ‪ :‬كانت امرأة فرعون ُتعَذّب في الشمس ‪ ،‬فإذا‬
‫انصرف عنها أظلتها الملئكة بأجنحتها ‪ ،‬وكانت ترى بيتها في الجنة‪.‬‬
‫ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي عن أسباط بن محمد ‪ ،‬عن سليمان التيمي ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثني يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن هشام الدّسْ ُتوَائي ‪ ،‬حدثنا‬
‫القاسم بن أبي بَزّة قال ‪ :‬كانت امرأة فرعون تسأل ‪ :‬من غلب ؟ فيقال ‪ :‬غلب موسى وهارون‪.‬‬
‫فتقول ‪ :‬آمنت برب موسى وهارون ‪ ،‬فأرسل إليها فرعون فقالت ‪ :‬انظروا أعظم صخرة تجدونها‬
‫‪ ،‬فإن مضت على قولها فألقوها عليها ‪ ،‬وإن رجعت عن قولها فهي امرأته ‪ ،‬فلما أتوها رفعت‬
‫بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة ‪ ،‬فمضت على قولها ‪ ،‬وانتزع روحها ‪ ،‬وألقيت‬
‫الصخرة على جسد ليس فيه روح (‪.)3‬‬
‫فقولها ‪َ { :‬ربّ ابْنِ لِي عِ ْن َدكَ بَيْتًا فِي الْجَنّةِ } قال العلماء ‪ :‬اختارت الجار قبل الدار‪ .‬وقد ورد‬
‫عمَلِهِ } أي ‪ :‬خلصني منه ‪ ،‬فإني أبرأ‬
‫عوْنَ وَ َ‬
‫شيء من ذلك في حديث مرفوع ‪ { ،‬وَنَجّنِي مِنْ فِرْ َ‬
‫[إليك] (‪ )4‬من عمله ‪ { ،‬وَنَجّنِي مِنَ ا ْل َقوْمِ الظّاِلمِينَ } وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنها‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر الرازي ‪ ،‬عن الربيع بن أنس ‪ ،‬عن أبي العالية قال ‪ :‬كان إيمانُ امرأة فرعونَ من‬
‫قبل إيمان امرأة خازن فرعون ‪ ،‬وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون ‪ ،‬فوقع المشط من يدها ‪،‬‬
‫فقالت تعس من كفر بال ؟ فقالت لها ابنة فرعون ‪ :‬ولك رب غير أبي ؟ قالت ‪ :‬ربي ورب أبيك‬
‫ن وضربتها ‪ ،‬وأخبرت أباها ‪ ،‬فأرسل إليها فرعون فقال ‪:‬‬
‫ورب كل شيء الُ‪ .‬فلطمتها بنتُ فرعو َ‬
‫تعبدين ربا غيري ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬ربي وربك ورب كل شيء ال‪ .‬وإياه أعبد فعذبها فرعون وأوتد‬
‫لها أوتادًا فشد رجليها ويديها وأرسل عليها الحيات ‪ ،‬وكانت كذلك ‪ ،‬فأتى عليها يومًا فقال لها ‪ :‬ما‬
‫أنت منتهية ؟ فقالت له ‪ :‬ربي وربك وربُ كل شيء ال‪ .‬فقال لها ‪ :‬إني ذابح ابنك في فيك إن لم‬
‫تفعلي‪ .‬فقالت له ‪ :‬اقض ما أنت قاض‪ .‬فذبح ابنها في فيها ‪ ،‬وإن روح ابنها بشرها ‪ ،‬فقال لها ‪:‬‬
‫أبشري يا أمه ‪ ،‬فإن لك عند ال من الثواب كذا وكذا‪ .‬فصبرت ثم أتى [عليها] (‪ )5‬فرعون يومًا‬
‫آخر فقال لها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬الترمذي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)28/110‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)28/110‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/172‬‬

‫مثل ذلك ‪ ،‬فقالت له ‪ ،‬مثل ذلك ‪ ،‬فذبح ابنها الخر في فيها ‪ ،‬فبشرها روحه أيضًا ‪ ،‬وقال لها‪.‬‬
‫اصبري يا أمه فإن لك عند ال من الثواب كذا وكذا‪ .‬قال ‪ :‬وسمعت امرأة فرعون كلمَ روح ابنها‬
‫الكبر ثم الصغر ‪ ،‬فآمنت امرأةُ فرعونَ ‪ ،‬وقبض ال روح امرأة خازن فرعون ‪ ،‬وكشف الغطاء‬
‫عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لمرأة فرعون حتى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا ‪،‬‬
‫فاطّلع فرعون على إيمانها ‪ ،‬فقال للمل ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها ‪ ،‬فقال لهم‬
‫‪ :‬إنها تعبد غيري‪ .‬فقالوا له ‪ :‬اقتلها‪ .‬فأوتد لها أوتادًا فشد يديها ورجليها ‪ ،‬فدعت آسية ربها فقالت‬
‫‪َ { :‬ربّ ابْنِ لِي عِ ْن َدكَ بَيْتًا فِي الْجَنّةِ } فوافق ذلك أن حضرها ‪ ،‬فرعون فضحكت حين رأت بيتها‬
‫في الجنة ‪ ،‬فقال فرعون ‪ :‬أل تعجبون من جنونها ‪ ،‬إنا نعذبها وهي تضحك ‪ ،‬فقبض ال روحها ‪،‬‬
‫رضي ال عنها (‪.)1‬‬
‫جهَا } أي حفظته وصانته‪ .‬والحصان ‪ :‬هو‬
‫حصَ َنتْ فَ ْر َ‬
‫عمْرَانَ الّتِي َأ ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَرْيَمَ ابْ َنتَ ِ‬
‫العفاف والحرية ‪ { ،‬فَ َنفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } أي ‪ :‬بواسطة المَلَك ‪ ،‬وهو جبريل ‪ ،‬فإن ال بعثه‬
‫إليها فتمثل لها في صورة بشر سَوي ‪ ،‬وأمره ال تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها ‪ ،‬فنزلت‬
‫النفخة فولجت في فرجها ‪ ،‬فكان منه الحمل بعيسى ‪ ،‬عليه السلم‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬فَ َنفَخْنَا فِيهِ مِنْ‬
‫رُوحِنَا َوصَ ّد َقتْ ِبكَِلمَاتِ رَ ّبهَا َوكُتُبِهِ } أي ‪ :‬بقدره وشرعه { َوكَا َنتْ مِنَ ا ْلقَانِتِينَ }‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن‬
‫علْباء ‪ ،‬عن ِ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا يونس ‪ ،‬حدثنا داود بن أبي الفرات ‪ ،‬عن ِ‬
‫خطّ رسول ال صلى ال عليه وسلم في الرض أربعة خطوط ‪ ،‬وقال ‪" :‬أتدرون ما‬
‫عباس قال ‪َ :‬‬
‫هذا ؟" قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أفضل نساء أهل الجنة ‪:‬‬
‫خديجة بنت خويلد ‪ ،‬وفاطمة بنت محمد ‪ ،‬ومريم ابنة عمران ‪ ،‬وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون"‬
‫(‪.)2‬‬
‫وثبت في الصحيحين من حديث شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مُرَة ‪ ،‬عن مرة الهمداني ‪ ،‬عن أبي موسى‬
‫الشعري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪َ " :‬ك ُملَ من الرجال كثير ‪ ،‬ولم يكمل من النساء‬
‫خوَيلد ‪ ،‬وإن فضل عائشة على النساء‬
‫إل آسية امرأة فرعون ‪ ،‬ومريم ابنة عمران ‪ ،‬وخديجة بنت ُ‬
‫كفضل الثّرِيد على سائر الطعام" (‪.)3‬‬
‫وقد ذكرنا طرق هذه الحاديث وألفاظها والكلم عليها في قصة عيسى ابن مريم ‪ ،‬عليهما‬
‫السلم ‪ ،‬في كتابنا "البداية والنهاية" ول الحمد والمنة (‪ )4‬وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها‬
‫ت وَأَ ْبكَارًا }‬
‫تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬في الجنة عند قوله ‪ { :‬ثَيّبَا ٍ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه الطبرى في تفسيره (‪.)28/10‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )1/293‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )9/223‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5418‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2431‬‬
‫(‪ )4‬البداية والنهاية (‪.)85 - 2/55‬‬

‫( ‪)8/173‬‬

‫تفسير سورة الملك‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قال أحمد ‪ :‬حدثنا حجاج بن محمد وابن جعفر قال حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن عباس الجُشَمي ‪،‬‬
‫عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن َرسُول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن سورة في القرآن ثلثين آية‬
‫شفَعت لصاحبها حتى غُفر له ‪ " :‬تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ "‪.‬‬
‫َ‬
‫ورواه أهل السنن الربعة ‪ ،‬من حديث شعبة ‪ ،‬به (‪ )1‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬
‫وقد روى الطبراني والحافظ الضياء المقدسي ‪ ،‬من طريق سَلم بن مسكين (‪ )2‬عن ثابت ‪ ،‬عن‬
‫أنس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬سورة في القرآن خَاصَمت عن صاحبها حتى‬
‫أدخلته الجنة ‪ " :‬تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ " (‪.)3‬‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ‪ ،‬حدثنا يحيى بن مالك النُكري ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ضرب بعض أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫خباءه على قبر ‪ ،‬وهو ل يحسب أنه قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها ‪ ،‬فأتى النّبي صلى‬
‫ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ضربت خبائي على قبر وأنا ل أحسب أنه قبر ‪ ،‬فإذا إنسان‬
‫يقرأ سورة الملك " تَبَا َركَ " حتى ختمها ‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬هي المانعة ‪،‬‬
‫هي المنجية ‪ ،‬تنجيه من عذاب القبر" (‪ )4‬ثم قال ‪" :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه‪ .‬وفي الباب‬
‫عن أبي هريرة‪ .‬ثم روى الترمذي أيضا من طريق ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن أبي الزبير ‪ ،‬عن‬
‫جابر ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان ل ينام حتى يقرأ " الم تَنزيلُ " [سورة السجدة] ‪ ،‬و‬
‫" تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ "‪ .‬وقال ليث عن طاوس ‪ :‬يفضلن كل سورة في القرآن بسبعين حسنة (‬
‫‪.)5‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن الحسين بن عجلن (‪ )6‬الصبهاني ‪ ،‬حدثنا سلمة بن شبيب ‪،‬‬
‫حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي" يعني ‪ " :‬تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ "‬
‫(‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )2/321‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1400‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2891‬وسنن النسائي‬
‫الكبرى برقم (‪ )11612‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3786‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الصغير للطبراني (‪ )1/176‬والمختارة للضياء المقدس برقم (‪.)1739 ، 1738‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )2890‬وفي إسناده يحيى النكري ضعيف وذكر الذهبي هذا الحديث من‬
‫مناكيره في الميزان‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)2892‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬محمد بن الحسن بن علف" وهو خطأ والمثبت من المعجم الكبير‬
‫للطبراني ومن تاريخ أصبهان‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير(‪ )11/242‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )1/565‬من طريق حفص بن عمر ‪،‬‬
‫عن الحكم بن أبان به ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬حديث صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله ‪:‬‬
‫"فيه حفص العدني وهو واه"‪.‬‬

‫( ‪)8/174‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وإبراهيم ضعيف ‪ ،‬وقد تقدم مثله في سورة "يس" وقد روى هذا الحديث عبد‬
‫حمَيد في مسنده بأبسط من هذا ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫بن ُ‬
‫حدثنا إبراهيم بن الحكم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال لرجل ‪ :‬أل أتحفك بحديث‬
‫ك " وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان‬
‫تفرح به ؟ قال ‪ :‬بلى‪ .‬قال اقرأ ‪ " :‬تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْل ُ‬
‫بيتك وجيرانك ‪ ،‬فإنها المنجية والمجادلة ‪ ،‬تجادل ‪ -‬أو تخاصم ‪ -‬يوم القيامة عند ربها لقارئها ‪،‬‬
‫وتطلب له أن [ينجيه] (‪ )1‬من عذاب النار ‪ ،‬وينجي بها صاحبها من عذاب القبر ؛ قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لوددتُ أنها في قلب كل إنسان من أمتي" (‪.)2‬‬
‫وقد روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه ‪ ،‬في ترجمة أحمد بن نصر بن زياد ‪ ،‬أبي عبد ال‬
‫القرشي النيسابوري المقرئ الزاهد الفقيه ‪ ،‬أحد الثقات الذين روي عنهم البخاري ومسلم ‪ ،‬ولكن‬
‫في غير الصحيحين ‪ ،‬وروى عنه الترمذي وابن ماجة وابن خزيمة‪ .‬وعليه تفقه في مذهب أبي‬
‫عُبَيد بن حَرْبَويه ‪ ،‬وخلق سواهم ‪ ،‬ساق بسنده من حديثه عن فرات بن السائب ‪ ،‬عن الزهري ‪،‬‬
‫عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن رجل ممن كان قبلكم مات ‪،‬‬
‫وليس معه شيء من كتاب ال إل " تَبَا َركَ " ‪ ،‬فلما وضع في حفرته أتاه المَلَك فثارت السورة في‬
‫وجهه ‪ ،‬فقال لها ‪ :‬إنك من كتاب ال ‪ ،‬وأنا أكره مساءتك ‪ ،‬وإني ل أملك لك ول له ول لنفسي‬
‫ضرا ول نفعا ‪ ،‬فإن أردت هذا به فانطلقي إلى الرب تبارك وتعالى فاشفعي له‪ .‬فتنطلق إلى الرب‬
‫عمَد إليّ من بين كتابك ف َتعَلّمني وتلني أفتحرقه (‪ )3‬أنت بالنار وتعذبه‬
‫فتقول ‪ :‬يا رب ‪ ،‬إن فلنًا َ‬
‫وأنا في جوفه ؟ فإن كنت فاعل ذاك به فامحني من كتابك‪ .‬فيقول ‪ :‬أل أراك غضبت ؟ فتقول ‪:‬‬
‫شفّعتك فيه‪ .‬قال ‪ :‬فتجيء فيخرج الملك ‪،‬‬
‫وحُقّ لي أن أغضب‪ .‬فيقول ‪ :‬اذهبي فقد وهبته لك ‪ ،‬و َ‬
‫حلَ منه بشيء‪ .‬قال ‪ :‬فتجيء فتضع فاها على فيه ‪ ،‬فتقول مرحبا بهذا الفم‬
‫فيخرج كاسف البال لم يَ ْ‬
‫‪ ،‬فربما تلني ‪ ،‬ومرحبا بهذا الصدر ‪ ،‬فربما وعاني ‪ ،‬ومرحبا بهاتين القدمين ‪ ،‬فربما قامتا بي‪.‬‬
‫حدّث بهذا رسولُ ال صلى ال عليه وسلم لم‬
‫وتؤنسه في قبره مخافة الوحشة عليه"‪ .‬قال ‪ :‬فلما َ‬
‫يبق صغير ول كبير ول حُرّ ول عبد ‪ ،‬إل تعلمها ‪ ،‬وسماها رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫المنجية (‪.)4‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا حديث منكر جدا ‪ ،‬وفرات بن السائب هذا ضعفه المام أحمد ‪ ،‬ويحيى بن معين ‪،‬‬
‫والبخاري ‪ ،‬وأبو حاتم ‪ ،‬والدارقطني وغير واحد‪ .‬وقد ذكره ابن عساكر من وجه آخر ‪ ،‬عن‬
‫الزهري ‪ ،‬من قوله مختصرا‪ .‬وروى البيهقي في كتاب "إثبات عذاب القبر" عن ابن مسعود‬
‫موقوفًا ومرفوعًا ما يشهد لهذا (‪ )5‬وقد كتبناه في كتاب الجنائز من الحكام الكبرى ‪ ،‬ول الحمد (‬
‫‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ذكره البوصيري في إتحاف المهرة (ق ‪ 214‬سليمانية) من مسند عبد بن حميد‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أفتجزيه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق (‪" 2/256‬المخطوط")‪.‬‬
‫(‪ )5‬إثبات عذاب القبر للبيهقي برقم (‪ )99‬وقد فصل الكلم عليه الفاضل محمد طرهوني في‬
‫موسوعة فضائل القرآن (‪.)2/193‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬ول الحمد والمنة والثناء الحسن الجميل"‪.‬‬

‫( ‪)8/175‬‬

‫حسَنُ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )1‬الّذِي خََلقَ ا ْل َم ْوتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ أَ ْ‬
‫ك وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫تَبَا َركَ الّذِي بِ َي ِدهِ ا ْلمُ ْل ُ‬
‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ‬
‫س َموَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫عمَلًا وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ (‪ )2‬الّذِي خََلقَ سَ ْبعَ َ‬
‫َ‬
‫جعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَِلبْ ِإلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئًا وَ ُهوَ‬
‫فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (‪ُ )3‬ثمّ ارْ ِ‬
‫سعِيرِ‬
‫عذَابَ ال ّ‬
‫ن وَأَعْ َتدْنَا َلهُمْ َ‬
‫جعَلْنَاهَا ُرجُومًا لِلشّيَاطِي ِ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ وَ َ‬
‫حسِيرٌ (‪ )4‬وََلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫َ‬
‫(‪)5‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬


‫شيْءٍ قَدِيرٌ (‪ )1‬الّذِي خََلقَ ا ْل َم ْوتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّي ُكمْ‬
‫{ تَبَا َركَ الّذِي بِيَ ِدهِ ا ْلمُ ْلكُ وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ َ‬
‫حمَنِ مِنْ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫عمَل وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ (‪ )2‬الّذِي خََلقَ سَ ْبعَ َ‬
‫حسَنُ َ‬
‫أَ ْ‬
‫جعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ يَ ْنقَِلبْ ِإلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئًا‬
‫َتفَا ُوتٍ فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (‪ُ )3‬ثمّ ارْ ِ‬
‫ن وَأَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابَ‬
‫جعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشّيَاطِي ِ‬
‫ح وَ َ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِي َ‬
‫وَ ُهوَ حَسِيرٌ (‪ )4‬وََلقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫سعِيرِ (‪} )5‬‬
‫ال ّ‬
‫يمجد تعالى نفسه الكريمة ‪ ،‬ويخبر أنه بيده الملك ‪ ،‬أي ‪ :‬هو المتصرف في جميع المخلوقات بما‬
‫يشاء ل معقب لحكمه ‪ ،‬ول يسأل عما يفعل لقهره وحكمته وعدله‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‬
‫َ‬
‫ت وَالْحَيَاةَ } واستدل بهذه الية من قال ‪ :‬إن الموت أمر وجودي لنه‬
‫ثم قال ‪ { :‬الّذِي خَلَقَ ا ْل َموْ َ‬
‫مخلوق‪ .‬ومعنى الية ‪ :‬أنه أوجد الخلئق من العدم ‪ ،‬ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عمل ؟ كما‬
‫قال ‪ { :‬كَ ْيفَ َت ْكفُرُونَ بِاللّهِ َوكُنْتُمْ َأ ْموَاتًا فََأحْيَاكُمْ } [البقرة ‪ ]28 :‬فسمى الحال الول ‪ -‬وهو العدم‬
‫‪ -‬موتًا ‪ ،‬وسمى هذه النشأة حياة‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬ثُمّ ُيمِي ُتكُمْ ثُمّ ُيحْيِيكُمْ } [البقرة ‪.]28 :‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا الوليد ‪ ،‬حدثنا خُلَيْد ‪ ،‬عن قتادة في‬
‫ت وَالْحَيَاةَ } قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن ال‬
‫قوله ‪ { :‬الّذِي خَلَقَ ا ْل َموْ َ‬
‫أذل بني آدم بالموت ‪ ،‬وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ‪ ،‬وجعل الخرة دار جزاء ثم دار بقاء"‪.‬‬
‫ورواه َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة (‪.)1‬‬
‫عمَل } أي ‪ :‬خير عمل كما قال محمد بن عَجْلن ‪ :‬ولم يقل أكثر‬
‫وقوله ‪ { :‬لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّيكُمْ َأحْسَنُ َ‬
‫عمل‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َغفُورُ } أي ‪ :‬هو العزيز العظيم المنيع الجناب ‪ ،‬وهو مع ذلك غفور لمن‬
‫تاب إليه وأناب ‪ ،‬بعدما عصاه وخالف أمره ‪ ،‬وإن كان تعالى عزيزا ‪ ،‬هو مع ذلك يغفر ويرحم‬
‫ويصفح ويتجاوز‪.‬‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا } أي ‪ :‬طبقة بعد طبقة ‪ ،‬وهل هن متواصلت بمعنى‬
‫ثم قال ‪ { :‬الّذِي خَلَقَ سَبْعَ َ‬
‫أنهن علويات بعضهم على بعض ‪ ،‬أو متفاصلت بينهن خلء ؟ فيه قولن ‪ ،‬أصحهما الثاني ‪،‬‬
‫كما دل على ذلك حديث السراء وغيره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه الطبري في تفسيره (‪ )29/2‬من طريق معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬ومن طريق سعيد ‪ ،‬عن‬
‫قتادة به مرسلً‪.‬‬

‫( ‪)8/176‬‬

‫حمَنِ مِنْ َتفَا ُوتٍ } أي ‪ :‬بل هو مصطحب مستو ‪ ،‬ليس فيه اختلف‬
‫وقوله ‪ { :‬مَا تَرَى فِي خَ ْلقِ الرّ ْ‬
‫ول تنافر ول مخالفة ‪ ،‬ول نقص ول عيب ول خلل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى مِنْ‬
‫فُطُورٍ } أي ‪ :‬انظر إلى السماء فتأملها ‪ ،‬هل ترى فيها عيبًا أو نقصًا أو خلل ؛ أو فطورًا ؟‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغيرهم في قوله ‪ { :‬فَارْجِعِ الْ َبصَرَ َهلْ تَرَى‬
‫مِنْ فُطُورٍ } أي ‪ :‬شقوق‪.‬‬
‫وقال السدي ‪َ { :‬هلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } أي ‪ :‬من خُروق‪ .‬وقال ابن عباس في رواية ‪ { :‬مِنْ ُفطُورٍ‬
‫} أي ‪ :‬من وُ ِهيّ (‪ )1‬وقال قتادة ‪َ { :‬هلْ تَرَى مِنْ ُفطُورٍ } أي ‪ :‬هل ترى خَلَل يا ابن آدم ؟‪.‬‬
‫جعِ الْ َبصَرَ كَرّتَيْنِ } قال ‪ :‬مرتين‪ { .‬يَ ْنقَِلبْ إِلَ ْيكَ الْ َبصَرُ خَاسِئًا } قال ابن عباس ‪:‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ ارْ ِ‬
‫ذليل ؟ وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬صاغرًا‪.‬‬
‫{ وَ ُهوَ حَسِيرٌ } قال ابن عباس ‪ :‬يعني ‪ :‬وهو كليل‪ .‬وقال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ :‬الحسير ‪:‬‬
‫المنقطع من العياء‪.‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬إنك لو كررت البصر ‪ ،‬مهما كررت ‪ ،‬لنقلب إليك ‪ ،‬أي ‪ :‬لرجع إليك البصر ‪،‬‬
‫{ خَاسِئًا } عن أن يرى عيبًا أو خلل { وَ ُهوَ حَسِيرٌ } أي ‪ :‬كليل قد انقطع من العياء من كثرة‬
‫التكرر ‪ ،‬ول يرى نقصًا‪.‬‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا ِب َمصَابِيحَ }‬
‫ولما نفى عنها في خلقها النقص بين كمالها وزينتها فقال ‪ { :‬وَلَقَدْ زَيّنّا ال ّ‬
‫وهي الكواكب التي وضعت فيها من السيارات والثوابت‪.‬‬
‫جعَلْنَاهَا } على جنس المصابيح‬
‫جعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشّيَاطِينِ } عاد الضمير في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫ل على عينها ؛ لنه ل يرمي بالكواكب التي في السماء ‪ ،‬بل بشهب من دونها ‪ ،‬وقد تكون‬
‫مستمدة منها ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫سعِيرِ } أي ‪ :‬جعلنا (‪ )2‬للشياطين هذا الخزي في الدنيا ‪ ،‬وأعتدنا‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَعْتَدْنَا َلهُمْ عَذَابَ ال ّ‬
‫سمَاءَ الدّنْيَا بِزِي َنةٍ‬
‫لهم عذاب السعير في الخرى ‪ ،‬كما قال ‪ :‬في أول الصافات ‪ { :‬إِنّا زَيّنّا ال ّ‬
‫س ّمعُونَ إِلَى ا ْلمَل العْلَى وَيُقْ َذفُونَ مِنْ ُكلّ جَا ِنبٍ ُدحُورًا‬
‫حفْظًا مِنْ ُكلّ شَ ْيطَانٍ مَارِدٍ ل َي ّ‬
‫ب وَ ِ‬
‫ا ْل َكوَاكِ ِ‬
‫شهَابٌ ثَا ِقبٌ } [الصافات ‪.]10 - 6 :‬‬
‫طفَةَ فَأَتْ َبعَهُ ِ‬
‫طفَ ا ْلخَ ْ‬
‫صبٌ إِل مَنْ خَ ِ‬
‫ب وَا ِ‬
‫وََلهُمْ عَذَا ٌ‬
‫قال قتادة ‪ :‬إنما خلقت هذه النجوم لثلث خصال ‪ :‬خلقها ال زينة للسماء ‪ ،‬ورجوما للشياطين ‪،‬‬
‫وعلمات يهتدى بها ‪ ،‬فمن تأول فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ حظه ‪ ،‬وأضاع نصيبه ‪،‬‬
‫وتكلف ما ل علم له به‪ .‬رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬من وهاء" والمثبت من تفسير الطبري‪ .‬مستفادا من هوامش ط‪ .‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أي ‪ :‬جعلناها"‪.‬‬

‫( ‪)8/177‬‬

‫شهِيقًا وَ ِهيَ َتفُورُ (‬


‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ِ )6‬إذَا أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬
‫وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّب ِهمْ عَذَابُ َ‬
‫‪َ )7‬تكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَذِيرٌ (‪ )8‬قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ ِإلّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (‪َ )9‬وقَالُوا َلوْ كُنّا نَ ْ‬
‫نَذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نَ ّزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫شوْنَ‬
‫سعِيرِ (‪ )11‬إِنّ الّذِينَ َيخْ َ‬
‫حقًا لَِأصْحَابِ ال ّ‬
‫سعِيرِ (‪ )10‬فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِبهِمْ َفسُ ْ‬
‫صحَابِ ال ّ‬
‫مَا كُنّا فِي َأ ْ‬
‫رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ َلهُمْ َم ْغفِ َرةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (‪)12‬‬

‫شهِيقًا وَ ِهيَ َتفُورُ (‬


‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫جهَنّمَ وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ (‪ )6‬إِذَا أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬
‫عذَابُ َ‬
‫{ وَلِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِمْ َ‬
‫‪َ )7‬تكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ كُّلمَا أُ ْل ِقيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ نَذِيرٌ (‪ )8‬قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا‬
‫سمَعُ َأوْ‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِل فِي ضَللٍ كَبِيرٍ (‪َ )9‬وقَالُوا َلوْ كُنّا َن ْ‬
‫نَذِيرٌ َفكَذّبْنَا َوقُلْنَا مَا نزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫سعِيرِ (‪} )11‬‬
‫حقًا لصْحَابِ ال ّ‬
‫سْ‬‫سعِيرِ (‪ )10‬فَاعْتَ َرفُوا بِذَنْ ِب ِهمْ فَ ُ‬
‫َن ْعقِلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫جهَنّ َم وَبِئْسَ ا ْل َمصِيرُ } أي ‪ :‬بئس المآل‬
‫عذَابُ َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وَ } أعتدنا { لِلّذِينَ َكفَرُوا بِرَ ّبهِمْ َ‬
‫شهِيقًا } قال ابن جرير ‪ :‬يعني الصياح‪.‬‬
‫س ِمعُوا َلهَا َ‬
‫والمنقلب‪ِ { .‬إذَا أُ ْلقُوا فِيهَا َ‬
‫حبّ القليل في الماء الكثير‪.‬‬
‫{ وَ ِهيَ َتفُورُ } قال الثوري ‪ :‬تغلي بهم كما يغلي ال َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬تكَادُ َتمَيّزُ مِنَ ا ْلغَيْظِ } أي ‪ :‬يكاد ينفصل بعضها من بعض ‪ ،‬من شدة غيظها عليهم‬
‫وحنقها بهم ‪ { ،‬كُّلمَا ُأ ْلقِيَ فِيهَا َفوْجٌ سَأََلهُمْ خَزَنَ ُتهَا أَلَمْ يَأْ ِتكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا َبلَى َقدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ َف َكذّبْنَا‬
‫شيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِل فِي ضَللٍ كَبِيرٍ } يذكر تعالى عدله في خلقه ‪ ،‬وأنه ل‬
‫َوقُلْنَا مَا نزلَ اللّهُ مِنْ َ‬
‫يعذب أحدًا إل بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه ‪ ،‬كما قال ‪َ { :‬ومَا كُنّا ُمعَذّبِينَ حَتّى‬
‫حتْ أَ ْبوَا ُبهَا َوقَالَ َل ُهمْ خَزَنَ ُتهَا‬
‫نَ ْب َعثَ َرسُول } [السراء ‪ ]15 :‬وقال تعالى ‪ { :‬حَتّى ِإذَا جَاءُوهَا فُتِ َ‬
‫ح ّقتْ كَِلمَةُ‬
‫سلٌ مِ ْنكُمْ يَتْلُونَ عَلَ ْي ُكمْ آيَاتِ رَ ّبكُ ْم وَيُنْذِرُو َنكُمْ ِلقَاءَ َي ْومِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وََلكِنْ َ‬
‫أَلَمْ يَأْ ِت ُكمْ رُ ُ‬
‫ا ْلعَذَابِ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } [الزمر ‪ .]71 :‬وهكذا عادوا على أنفسهم بالملمة ‪ ،‬وندموا حيث ل‬
‫سعِيرِ } أي ‪ :‬لو كانت لنا‬
‫سمَعُ َأوْ َن ْع ِقلُ مَا كُنّا فِي َأصْحَابِ ال ّ‬
‫تنفعهم الندامة ‪ ،‬فقالوا ‪َ { :‬لوْ كُنّا نَ ْ‬
‫عقول ننتفع بها أو نسمع ما أنزله ال من الحق ‪ ،‬لما كنا على ما كنا عليه من الكفر بال‬
‫والغترار به ‪ ،‬ولكن لم يكن لنا فهم نعي به ما جاءت به الرسل ‪ ،‬ول كان لنا عقل يرشدنا إلى‬
‫سعِيرِ }‬
‫حقًا لصْحَابِ ال ّ‬
‫سْ‬‫اتباعهم ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ { :‬فَاعْتَ َرفُوا ِبذَنْ ِبهِمْ فَ ُ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن عمرو بن مُرّة ‪ ،‬عن أبي البَخْتَريّ‬
‫الطائي قال ‪ :‬أخبرني من سمعه من رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬لن يهلك الناس‬
‫حتى يُعذِروا من أنفسهم" (‪ )1‬وفي حديث آخر ‪" :‬ل يدخل أحد النار ‪ ،‬إل وهو يعلم أن النار أولى‬
‫به من الجنة" (‪.)2‬‬
‫شوْنَ رَ ّبهُمْ بِا ْلغَ ْيبِ َلهُمْ َمغْفِ َر ٌة وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (‪} )12‬‬
‫{ إِنّ الّذِينَ َيخْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)4/260‬‬
‫(‪ )2‬في المسند (‪ )2/541‬من حديث أبي هريرة مرفوعا ‪" :‬ل يدخل أحد النار إل أرى مقعده من‬
‫الجنة" وهو في الصحيح‪.‬‬

‫( ‪)8/178‬‬

‫ق وَ ُهوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ (‬


‫جهَرُوا بِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (‪ )13‬أَلَا َيعْلَمُ مَنْ خَلَ َ‬
‫وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُوا مِنْ رِ ْز ِق ِه وَإِلَيْهِ النّشُورُ (‪)15‬‬
‫‪ُ )14‬هوَ الّذِي َ‬

‫ق وَ ُهوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ‬


‫جهَرُوا بِهِ إِنّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ (‪ )13‬أَل َيعْلَمُ مَنْ خَلَ َ‬
‫{ وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ ذَلُول فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا َوكُلُوا مِنْ رِ ْز ِق ِه وَإِلَيْهِ النّشُورُ (‪} )15‬‬
‫(‪ُ )14‬هوَ الّذِي َ‬

‫( ‪)8/178‬‬

‫يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس ‪ ،‬فينكف عن‬
‫المعاصي ويقوم بالطاعات ‪ ،‬حيث ل يراه أحد إل ال ‪ ،‬بأنه له مغفرة وأجر كبير ‪ ،‬أي ‪ :‬يكفر‬
‫عنه ذنوبه ‪ ،‬ويجازى بالثواب الجزيل ‪ ،‬كما ثبت في الصحيحين ‪" :‬سبعة يظلهم ال تعالى في ظل‬
‫عرشه يوم ل ظل إل ظله" ‪ ،‬فذكر منهم ‪" :‬رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال ‪ :‬إني‬
‫أخاف ال ‪ ،‬ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ‪ ،‬حتى ل تعلم شماله ما تنفق يمينه" (‪.)1‬‬
‫وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا طالوت بن عباد ‪ ،‬حدثنا الحارث بن عبيد ‪ ،‬عن‬
‫ثابت ‪ ،‬عن أنس قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا نكون عندك على حال ‪ ،‬فإذا فارقناك كنا على‬
‫غيره ؟ قال ‪" :‬كيف أنتم وربكم ؟" قالوا ‪ :‬ال ربنا في السر والعلنية‪ .‬قال ‪" :‬ليس ذلكم النفاق" (‬
‫‪.)2‬‬
‫لم يروه عن ثابت إل الحارث بن عُبَيد فيما نعلمه‪.‬‬
‫جهَرُوا بِهِ إِنّهُ‬
‫ثم قال تعالى منبهًا على أنه مطلع على الضمائر والسرائر ‪ { :‬وَأَسِرّوا َقوَْلكُمْ َأوِ ا ْ‬
‫عَلِيمٌ ِبذَاتِ الصّدُورِ } أي ‪ :‬بما خطر في القلوب‪.‬‬
‫{ أَل َيعْلَمُ مَنْ خََلقَ } ؟ أي ‪ :‬أل يعلم الخالق‪ .‬وقيل ‪ :‬معناه أل يعلم ال مخلوقه ؟ والول أولى ‪،‬‬
‫لقوله ‪ { :‬وَ ُهوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ }‬
‫ثم ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الرض وتذليله إياها لهم ‪ ،‬بأن جعلها قارة ساكنة ل تمتد‬
‫(‪ )3‬ول تضطرب (‪ )4‬بما جعل فيها من الجبال ‪ ،‬وأنبع فيها من العيون ‪ ،‬وسلك فيها من السبل ‪،‬‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ َذلُول‬
‫وهيأها فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار ‪ ،‬فقال ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َ‬
‫فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا } أي ‪ :‬فسافروا حيث شئتم من أقطارها ‪ ،‬وترددوا في أقاليمها وأرجائها في‬
‫أنواع المكاسب والتجارات ‪ ،‬واعلموا أن سعيكم ل يجدي عليكم شيئًا ‪ ،‬إل أن ييسره ال لكم ؛‬
‫ولهذا قال ‪َ { :‬وكُلُوا مِنْ رِ ْزقِهِ } فالسعي في السبب ل ينافي التوكل ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حَ ْيوَة ‪ ،‬أخبرني بكر بن عمرو ‪ ،‬أنه سمع عبد ال بن هُبَيْرة يقول ‪:‬‬
‫إنه سمع أبا تميم الجَيشاني يقول ‪ :‬إنه سمع عمر بن الخطاب يقول ‪ :‬إنه سمع رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬لو أنكم تتوكلون على ال حق توكله ‪ ،‬لرزقكم كما يرزق الطير ‪َ ،‬تغْدُو‬
‫خمَاصًا وتَرُوح ِبطَانًا"‪.‬‬
‫ِ‬
‫رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث ابن هبيرة (‪ )5‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق ‪ ،‬مع توكلها على ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وهو المسَخّر المسير‬
‫المسبب‪ { .‬وَإِلَ ْيهِ النّشُورُ } أي ‪ :‬المرجع يوم القيامة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ )660‬وصحيح مسلم برقم (‪ )1031‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬مسند البزار برقم (‪" )52‬كشف الستار" وقال الحافظ ابن حجر في مختصر الزوائد (‪)1/67‬‬
‫‪" :‬الحارث له مناكير وإن أخرج له في الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ل تميد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ل تضطرب ول تميد"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )1/30‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2344‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4164‬‬

‫( ‪)8/179‬‬

‫سلَ‬
‫سمَاءِ أَنْ يُ ْر ِ‬
‫سفَ ِبكُمُ الْأَ ْرضَ فَإِذَا ِهيَ َتمُورُ (‪َ )16‬أمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سمَاءِ أَنْ َيخْ ِ‬
‫أََأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ (‪ )17‬وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪َ )18‬أوََلمْ‬
‫شيْءٍ َبصِيرٌ (‪َ )19‬أمْ مَنْ‬
‫حمَنُ إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫س ُكهُنّ إِلّا الرّ ْ‬
‫ت وَيَقْ ِبضْنَ مَا ُيمْ ِ‬
‫يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّا ٍ‬
‫حمَنِ إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِلّا فِي غُرُورٍ (‪ )20‬أَمْ مَنْ هَذَا الّذِي‬
‫هَذَا الّذِي ُهوَ جُنْدٌ َل ُكمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫جهِهِ أَ ْهدَى أَمْ مَنْ‬
‫سكَ رِ ْزقَهُ َبلْ لَجّوا فِي عُ ُت ّو وَنُفُورٍ (‪َ )21‬أ َفمَنْ َيمْشِي ُمكِبّا عَلَى َو ْ‬
‫يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأ ْم َ‬
‫سمْعَ وَالْأَ ْبصَارَ وَالَْأفْ ِئ َدةَ‬
‫ج َعلَ َل ُكمُ ال ّ‬
‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ُ )22‬قلْ ُهوَ الّذِي أَنْشََأكُمْ وَ َ‬
‫َيمْشِي َ‬
‫ض وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ (‪ )24‬وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا‬
‫شكُرُونَ (‪ُ )23‬قلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي الْأَ ْر ِ‬
‫قَلِيلًا مَا تَ ْ‬
‫ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )25‬قلْ إِ ّنمَا ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ وَإِ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪)26‬‬

‫قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي ‪ { :‬مَنَاكِ ِبهَا } أطرافها وفجاجها ونواحيها‪ .‬وقال ابن عباس‬
‫وقتادة ‪ { :‬مَنَاكِ ِبهَا } الجبال‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن حكام الزدي ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫يونس بن جبير ‪ ،‬عن بشير بن كعب ‪ :‬أنه قرأ هذه الية ‪ { :‬فَامْشُوا فِي مَنَاكِ ِبهَا } فقال لم ولد له‬
‫‪ :‬إن علمت { مَنَاكِ ِبهَا } فأنت عتيقة‪ .‬فقالت ‪ :‬هي الجبال‪ .‬فسأل أبا الدرداء فقال ‪ :‬هي الجبال‪.‬‬
‫سمَاءِ أَنْ‬
‫سفَ ِبكُمُ ال ْرضَ فَِإذَا ِهيَ َتمُورُ (‪َ )16‬أمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سمَاءِ أَنْ يَخْ ِ‬
‫{ أََأمِنْ ُتمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سلَ عَلَ ْيكُمْ حَاصِبًا فَسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ َنذِيرِ (‪ )17‬وََلقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ َفكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ (‪)18‬‬
‫يُرْ ِ‬
‫شيْءٍ َبصِيرٌ (‪} )19‬‬
‫حمَنُ إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫س ُكهُنّ إِل الرّ ْ‬
‫َأوَلَمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّاتٍ وَ َيقْ ِبضْنَ مَا ُيمْ ِ‬
‫وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم ‪ ،‬بسبب كفر بعضهم به وعبادتهم معه‬
‫خذُ اللّهُ النّاسَ ِبمَا‬
‫غيره وهو مع هذا يحلم ويصفح ‪ ،‬ويؤجل ول يعجل ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وََلوْ ُيؤَا ِ‬
‫سمّى فَِإذَا جَاءَ أَجَُل ُهمْ فَإِنّ اللّهَ كَانَ‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫ظهْرِهَا مِنْ دَابّ ٍة وََلكِنْ ُيؤَخّ ُرهُمْ إِلَى َأ َ‬
‫كَسَبُوا مَا تَ َركَ عَلَى َ‬
‫ِبعِبَا ِدهِ َبصِيرًا } [فاطر ‪.]45 :‬‬
‫سفَ ِب ُكمُ ال ْرضَ فَِإذَا ِهيَ َتمُورُ } أي ‪ :‬تذهب وتجيء‬
‫خِ‬‫سمَاءِ أَنْ يَ ْ‬
‫وقال هاهنا ‪ { :‬أََأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫سلَ عَلَ ْي ُكمْ حَاصِبًا } أي ‪ :‬ريحا فيها حصباء تدمغكم ‪،‬‬
‫سمَاءِ أَنْ يُرْ ِ‬
‫وتضطرب ‪َ { ،‬أمْ َأمِنْتُمْ مَنْ فِي ال ّ‬
‫جدُوا َلكُ ْم َوكِيل }‬
‫سلَ عَلَ ْي ُكمْ حَاصِبًا ُثمّ ل تَ ِ‬
‫سفَ ِبكُمْ جَا ِنبَ الْبَرّ َأوْ يُ ْر ِ‬
‫كما قال ‪َ { :‬أفََأمِنْتُمْ أَنْ يَخْ ِ‬
‫[السراء ‪ .]68 :‬وهكذا توعدهم هاهنا بقوله ‪َ { :‬فسَ َتعَْلمُونَ كَ ْيفَ نَذِيرِ } أي ‪ :‬كيف يكون إنذاري‬
‫وعاقبة من تخلف عنه وكذب به‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَلَقَدْ كَ ّذبَ الّذِينَ مِنْ قَبِْل ِهمْ } أي ‪ :‬من المم السالفة والقرون الخالية ‪َ { ،‬فكَ ْيفَ كَانَ َنكِيرِ‬
‫} أي ‪ :‬فكيف كان إنكاري عليهم ومعاقبتي لهم ؟ أي ‪ :‬عظيمًا شديدًا أليمًا‪.‬‬
‫ت وَ َيقْبِضْنَ } أي ‪ :‬تارة يصففن أجنحتهن في‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬أوََلمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ َف ْو َقهُ ْم صَافّا ٍ‬
‫حمَنُ } أي ‪ :‬بما‬
‫س ُكهُنّ } أي ‪ :‬في الجو { إِل الرّ ْ‬
‫الهواء ‪ ،‬وتارة تجمع جناحًا وتنشر جناحًا { مَا ُيمْ ِ‬
‫شيْءٍ َبصِيرٌ } أي ‪ :‬بما يصلح كل شيء من‬
‫سخر لهن من الهواء ‪ ،‬من رحمته ولطفه ‪ { ،‬إِنّهُ ِب ُكلّ َ‬
‫س ُكهُنّ إِل اللّهُ إِنّ فِي‬
‫سمَاءِ مَا ُيمْ ِ‬
‫جوّ ال ّ‬
‫سخّرَاتٍ فِي َ‬
‫مخلوقاته‪ .‬وهذه كقوله ‪ { :‬أَلَمْ يَ َروْا إِلَى الطّيْرِ مُ َ‬
‫ك ليَاتٍ ِلقَوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ } [النحل ‪.]79 :‬‬
‫ذَِل َ‬
‫حمَنِ إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِل فِي غُرُورٍ (‪َ )20‬أمْ مَنْ‬
‫{ َأمْ مَنْ َهذَا الّذِي ُهوَ جُنْدٌ َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫جهِهِ‬
‫سكَ رِ ْزقَهُ َبلْ َلجّوا فِي عُ ُت ّو وَ ُنفُورٍ (‪َ )21‬أ َفمَنْ َيمْشِي ُمكِبّا عَلَى وَ ْ‬
‫هَذَا الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬
‫سمْعَ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ّ‬
‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ (‪ُ )22‬قلْ ُهوَ الّذِي أَ ْنشََأكُ ْم وَ َ‬
‫أَهْدَى أَمْ مَنْ َيمْشِي َ‬
‫حشَرُونَ (‪)24‬‬
‫شكُرُونَ (‪ُ )23‬قلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي ال ْرضِ وَإِلَ ْيهِ تُ ْ‬
‫وَالبْصَا َر وَالفْئِ َدةَ قَلِيل مَا تَ ْ‬
‫وَيَقُولُونَ مَتَى َهذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِدقِينَ (‪ُ )25‬قلْ إِ ّنمَا ا ْلعِ ْلمُ عِنْدَ اللّ ِه وَإِ ّنمَا أَنَا َنذِيرٌ مُبِينٌ (‪} )26‬‬

‫( ‪)8/180‬‬

‫ت وُجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا َوقِيلَ َهذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ (‪)27‬‬
‫فََلمّا رََأ ْوهُ زُ ْلفَةً سِي َئ ْ‬

‫{ فََلمّا رََأ ْوهُ زُ ْلفَةً سِي َئتْ ُوجُوهُ الّذِينَ َكفَرُوا َوقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ َتدّعُونَ (‪} )27‬‬

‫( ‪)8/180‬‬

‫يقول تعالى للمشركين الذين عبدوا غيره ‪ ،‬يبتغون عندهم نصرًا ورزقًا ‪ ،‬مُنكرًا عليهم فيما‬
‫اعتقدوه ‪ ،‬ومُخبرا لهم أنه ل يحصل لهم ما أملوه ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬أمّنْ َهذَا الّذِي ُهوَ جُ ْندٌ َلكُمْ يَ ْنصُ ُركُمْ‬
‫حمَنِ } أي ‪ :‬ليس لكم من دونه من ولي ول واق ‪ ،‬ول ناصر لكم غيره ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫مِنْ دُونِ الرّ ْ‬
‫{ إِنِ ا ْلكَافِرُونَ إِل فِي غُرُورٍ }‬
‫سكَ رِ ْزقَهُ } ؟! أي ‪ :‬من هذا الذي إذا قطع ال رزقه عنكم‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أمّنْ هَذَا الّذِي يَرْ ُز ُقكُمْ إِنْ َأمْ َ‬
‫يرزقكم بعده ؟! أي ‪ :‬ل أحد يعطي ويمنع ويخلق ويرزق ‪ ،‬وينصر إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬أي ‪ :‬وهم يعلمون ذلك ‪ ،‬ومع هذا يعبدون غيره ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬بلْ َلجّوا } أي ‪:‬‬
‫استمروا في طغيانهم وإفكهم وضللهم { فِي عُ ُت ّو وَ ُنفُورٍ } أي ‪ :‬في معاندة واستكبارًا ونفورًا على‬
‫أدبارهم عن الحق ‪[ ،‬أي] (‪ )1‬ل يسمعون له ول يتبعونه‪.‬‬
‫سوِيّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } ؟ ‪ :‬وهذا‬
‫ج ِههِ أَ ْهدَى َأمّنْ َيمْشِي َ‬
‫علَى وَ ْ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أ َفمَنْ َيمْشِي ُمكِبّا َ‬
‫مثل ضربه ال للمؤمن والكافر ‪ ،‬فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مُكبّا على وجهه ‪ ،‬أي‬
‫‪ :‬يمشي منحنيا ل مستويا على وجهه ‪ ،‬أي ‪ :‬ل يدري أين يسلك ول كيف يذهب ؟ بل تائه حائر‬
‫سوِيّا } أي ‪ :‬منتصب القامة { عَلَى صِرَاطٍ مُسْ َتقِيمٍ } أي ‪ :‬على‬
‫ضال ‪ ،‬أهذا أهدى { َأمّنْ َيمْشِي َ‬
‫طريق واضح بين ‪ ،‬وهو في نفسه مستقيم ‪ ،‬وطريقه مستقيمة‪ .‬هذا مثلهم في الدنيا ‪ ،‬وكذلك‬
‫يكونون في الخرة‪ .‬فالمؤمن يحشر يمشي سويًا على صراط مستقيم ‪ ،‬مُفض به إلى الجنة الفيحاء‬
‫جهُ ْم َومَا‬
‫‪ ،‬وأما الكافر فإنه يحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم ‪ { ،‬احْشُرُوا الّذِينَ ظََلمُوا وَأَ ْزوَا َ‬
‫كَانُوا َيعْ ُبدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ ا ْلجَحِي ِم َوقِفُوهُمْ إِ ّن ُهمْ مَسْئُولُونَ مَا َلكُمْ ل تَنَاصَرُونَ‬
‫َبلْ هُمُ الْ َيوْمَ مُسْتَسِْلمُونَ }‬
‫قال المام أحمد ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا ابن ُنمَير ‪ ،‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬عن ُنفَيع قال ‪ :‬سمعت أنس بن‬
‫مالك يقول ‪ :‬قيل ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬كيف يحشر الناس على وجوههم ؟ فقال ‪" :‬أليس الذي أمشاهم‬
‫على أرجلهم قادرًا على أن يمشيهم على وجوههم" (‪.)2‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من طريق [يونس بن محمد ‪ ،‬عن شيبان ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/167‬‬

‫( ‪)8/181‬‬

‫عذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )28‬قلْ ُهوَ‬


‫حمَنَا َفمَنْ يُجِيرُ ا ْلكَافِرِينَ مِنْ َ‬
‫ُقلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّ ُه َومَنْ َم ِعيَ َأوْ َر ِ‬
‫حمَنُ َآمَنّا بِ ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا َفسَ َتعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (‪ُ )29‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َأصْبَحَ مَا ُؤكُمْ‬
‫الرّ ْ‬
‫غوْرًا َفمَنْ يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ (‪)30‬‬
‫َ‬

‫أنس ‪ ،‬به نحوه] (‪.)2( )1‬‬


‫ج َعلَ َل ُكمُ‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ الّذِي أَنْشََأكُمْ } أي ‪ :‬ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا ‪َ { ،‬و َ‬
‫شكُرُونَ } أي ‪ :‬ما أقل تستعملون‬
‫سمْ َع وَال ْبصَا َر وَالفْئِ َدةَ } أي ‪ :‬العقول والدراك ‪ { ،‬قَلِيل مَا تَ ْ‬
‫ال ّ‬
‫هذه القوى التي أنعم ال بها عليكم ‪ ،‬في طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره‪.‬‬
‫{ ُقلْ ُهوَ الّذِي ذَرََأكُمْ فِي ال ْرضِ } أي ‪ :‬بثكم ونشركم في أقطار الرض وأرجائها ‪ ،‬مع اختلف‬
‫ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم ‪ ،‬وحلكم وأشكالكم وصوركم ‪ { ،‬وَإِلَيْهِ ُتحْشَرُونَ } أي ‪ :‬تجمعون بعد‬
‫هذا التفرق والشتات ‪ ،‬يجمعكم كما فرقكم ويعيدكم كما بدأكم‪.‬‬
‫عدُ إِنْ كُنْتُمْ‬
‫ثم قال مخبرًا عن الكفار المنكرين للمعاد المستبعدين وقوعه ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى هَذَا ا ْلوَ ْ‬
‫صَا ِدقِينَ } أي ‪ :‬متى [يقع] (‪ )3‬هذا الذي تخبرنا بكونه من الجتماع بعد هذا التفرق ؟ { ُقلْ إِ ّنمَا‬
‫ا ْلعِلْمُ عِ ْندَ اللّهِ } أي ‪ :‬ل يعلم وقت ذلك على التعيين إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لكنه أمرني أن أخبركم‬
‫أن هذا كائن وواقع ل محالة فاحذروه ‪ { ،‬وَإِ ّنمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } وإنما علي البلغ ‪ ،‬وقد أديته‬
‫إليكم‪.‬‬
‫ت وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا } أي ‪ :‬لما قامت القيامة وشاهدها‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬فََلمّا رََأ ْوهُ زُ ْلفَةً سِي َئ ْ‬
‫الكفار ‪ ،‬ورأوا أن المر كان قريبا ؛ لن كل ما هو آتٍ آتٍ وإن طال زمنه ‪ ،‬فلما وقع ما كذبوا‬
‫به ساءهم ذلك ‪ ،‬لما يعلمون ما لهم هناك من الشر ‪ ،‬أي ‪ :‬فأحاط بهم ذلك ‪ ،‬وجاءهم من أمر ال‬
‫ما لم يكن لهم في بال ول حساب ‪ { ،‬وَبَدَا َلهُمْ مِنَ اللّهِ مَا لَمْ َيكُونُوا يَحْ َتسِبُونَ وَ َبدَا َلهُمْ سَيّئَاتُ مَا‬
‫كَسَبُوا (‪ )4‬وَحَاقَ ِبهِمْ مَا كَانُوا ِبهِ يَسْ َتهْزِئُونَ } [الزمر ‪ ]48 ، 47 :‬؛ ولهذا يقال لهم على وجه‬
‫التقريع والتوبيخ ‪َ { :‬هذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ } أي ‪ :‬تستعجلون‪.‬‬
‫حمَنَا َفمَنْ ُيجِيرُ ا ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (‪ُ )28‬قلْ ُهوَ‬
‫{ ُقلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّ ُه َومَنْ َم ِعيَ َأوْ رَ ِ‬
‫حمَنُ آمَنّا بِ ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا َفسَ َتعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ (‪ُ )29‬قلْ أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ َأصْبَحَ مَا ُؤكُمْ‬
‫الرّ ْ‬
‫غوْرًا َفمَنْ يَأْتِيكُمْ ِبمَاءٍ َمعِينٍ (‪} )30‬‬
‫َ‬
‫يقول تعالى ‪ُ { :‬قلْ } يا محمد لهؤلء المشركين بال الجاحدين لنعمه ‪ { :‬أَرَأَيْ ُتمْ إِنْ أَهَْلكَ ِنيَ اللّهُ‬
‫حمَنَا َفمَنْ ُيجِيرُ ا ْلكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } أي ‪ :‬خَلّصوا أنفسكم ‪ ،‬فإنه ل منقذ لكم‬
‫َومَنْ َم ِعيَ َأوْ رَ ِ‬
‫من ال إل التوبة والنابة ‪ ،‬والرجوع إلى دينه ‪ ،‬ول ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب‬
‫وال ّنكَال ‪ ،‬فسواء عذبنا ال أو رحمنا ‪ ،‬فل مناص لكم من نكاله وعذابه الليم الواقع بكم‪.‬‬
‫حمَنُ آمَنّا بِ ِه وَعَلَيْهِ َت َوكّلْنَا } أي ‪ :‬آمنا برب العالمين الرحمن الرحيم ‪ ،‬وعليه‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ الرّ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4760‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2806‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م (ما عملوا) وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)8/182‬‬

‫توكلنا في جميع أمورنا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَاعْبُ ْد ُه وَ َت َو ّكلْ عَلَ ْيهِ } [هود ‪ .]123 :‬ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ َفسَ َتعَْلمُونَ مَنْ ُهوَ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } ؟ أي ‪ :‬منا ومنكم ‪ ،‬ولمن تكون العاقبة في الدنيا‬
‫والخرة ؟‪.‬‬
‫غوْرًا } أي ‪ :‬ذاهبا في الرض إلى أسفل ‪ ،‬فل يُنَال‬
‫ثم قال ‪ُ { :‬قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ َأصْبَحَ مَا ُؤكُمْ َ‬
‫بالفئوس الحداد ‪ ،‬ول السواعد الشداد ‪ ،‬والغائر ‪ :‬عكس النابع ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬فمَنْ يَأْتِي ُكمْ ِبمَاءٍ‬
‫َمعِينٍ } أي ‪ :‬نابع سائح جار على وجه الرض ‪ ،‬ل يقدر على ذلك إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فمن‬
‫فضله وكرمه [أن] (‪ )1‬أنبع لكم المياه وأجراها في سائر أقطار الرض ‪ ،‬بحسب ما يحتاج العباد‬
‫إليه من القلة والكثرة ‪ ،‬فلله الحمد والمنة‪.‬‬
‫[آخر تفسير سورة "تبارك" ول الحمد] (‪)2‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬آخر تفسير سورة الملك ول الحمد والثناء الحسن الجميل"‪.‬‬

‫( ‪)8/183‬‬

‫ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَسْطُرُونَ (‪ )1‬مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِبمَجْنُونٍ (‪ )2‬وَإِنّ َلكَ لََأجْرًا غَيْرَ َممْنُونٍ (‪ )3‬وَإِ ّنكَ‬
‫ضلّ عَنْ‬
‫ن َ‬
‫َلعَلَى خُُلقٍ عَظِيمٍ (‪َ )4‬فسَتُ ْبصِرُ وَيُ ْبصِرُونَ (‪ )5‬بِأَيّي ُكمُ ا ْل َمفْتُونُ (‪ )6‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَ ْ‬
‫علَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪)7‬‬
‫سَبِيلِهِ وَ ُهوَ أَ ْ‬

‫تفسير سورة "ن"‬


‫وهي مدنية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫سطُرُونَ (‪ )1‬مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِب َمجْنُونٍ (‪ )2‬وَإِنّ َلكَ لجْرًا غَيْرَ َممْنُونٍ (‪)3‬‬
‫{ ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَ ْ‬
‫عظِيمٍ (‪ )4‬فَسَتُ ْبصِ ُر وَيُ ْبصِرُونَ (‪ )5‬بِأَيّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ (‪ )6‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعَْلمُ ِبمَنْ‬
‫وَإِ ّنكَ َلعَلى خُلُقٍ َ‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعَْلمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ (‪} )7‬‬
‫َ‬
‫قد تقدم الكلم على حروف الهجاء في أول "سورة البقرة" ‪ ،‬وأن قوله ‪ { :‬ن } كقوله ‪ { :‬ص }‬
‫{ ق } ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور ‪ ،‬وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن‬
‫إعادته‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬ن } حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط ‪ ،‬وهو حامل (‪)1‬‬
‫للرضين السبع ‪ ،‬كما قال المام أبو جعفر بن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا ابن بشار ‪ ،‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ -‬هو الثوري ‪ -‬حدثنا سليمان ‪ -‬هو العمش ‪ -‬عن‬
‫أبي ظَبْيان ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬أول ما خلق ال القلم قال ‪ :‬اكتب‪ .‬قال ‪ :‬وما أكتب ؟ قال ‪:‬‬
‫اكتب القَدَر‪ .‬فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى يوم قيام الساعة‪ .‬ثم خلق "النون" ورفع بخار الماء‬
‫‪ ،‬ففُتِقت منه السماء ‪ ،‬وبسطت الرض على ظهر النون ‪ ،‬فاضطرب النون فمادت الرض ‪،‬‬
‫فأثبتت بالجبال ‪ ،‬فإنها لتفخر على الرض (‪.)2‬‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سِنان ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به‪ .‬وهكذا رواه‬
‫شعبة ‪ ،‬ومحمد بن ُفضَيل ‪ ،‬وَ َوكِيع ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬به‪ .‬وزاد شعبة في روايته ‪ :‬ثم قرأ ‪ { :‬ن‬
‫وَا ْلقَلَ ِم َومَا َيسْطُرُونَ } وقد رواه شريك ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي ظبيان ‪ -‬أو مجاهد ‪ -‬عن ابن‬
‫عباس ‪ ،‬فذكر نحوه‪ .‬ورواه َم ْعمَر ‪ ،‬عن العمش ‪ :‬أن ابن عباس قال‪ ...‬فذكره ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬ن‬
‫وَا ْلقَلَ ِم َومَا َيسْطُرُونَ } ثم قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن أبي‬
‫الضّحَى ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن أول شيء خلق ربي ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬القلم ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬اكتب‪.‬‬
‫فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة‪ .‬ثم خلق "النون" فوق الماء ‪ ،‬ثم كبس الرض عليه (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وهو الحامل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/9‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)29/10‬‬

‫( ‪)8/184‬‬

‫وقد روى الطبراني ذلك مرفوعًا فقال ‪ :‬حدثنا أبو حبيب (‪ )1‬زيد بن المهتدي المروذي (‪ )2‬حدثنا‬
‫سعيد بن يعقوب الطالقاني ‪ ،‬حدثنا ُمؤَمّل بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد بن زيد ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫السائب ‪ ،‬عن أبي الضحى مسلم بن صَبِيح ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬إن أول ما خلق ال القلم والحوت ‪ ،‬قال للقلم ‪ :‬اكتب ‪ ،‬قال ‪ :‬ما أكتب ‪ ،‬قال ‪ :‬كل شيء‬
‫سطُرُونَ } فالنون ‪ :‬الحوت‪ .‬والقلم ‪ :‬القلم (‪.)3‬‬
‫كائن إلى يوم القيامة"‪ .‬ثم قرأ ‪ { :‬ن وَا ْلقَلَ ِم َومَا يَ ْ‬
‫حديث آخر في ذلك ‪ :‬رواه ابن عساكر عن أبي عبد ال مولى بني أمية ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن‬
‫أبي هُرَيرة ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬إن أول شيء خلقه ال القلم ‪ ،‬ثم‬
‫خلق "النون" وهي ‪ :‬الدواة‪ .‬ثم قال له ‪ :‬اكتب‪ .‬قال وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب ما يكون ‪ -‬أو ‪ :‬ما‬
‫هو كائن ‪ -‬من عمل أو رزق أو أثر أو أجل‪ .‬فكتب ذلك إلى يوم القيامة ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬ن وَا ْلقَلَمِ‬
‫َومَا َيسْطُرُونَ } ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة ‪ ،‬ثم خلق العقل وقال ‪ :‬وعزتي‬
‫لكملنك فيمن أحببت ‪ ،‬ولنقصنك ممن أبغضت" (‪.)4‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ :‬إن إبراهيم بن أبي بكر أخبره عن مجاهد قال ‪ :‬كان يقال ‪ :‬النون ‪ :‬الحوت‬
‫[العظيم] (‪ )5‬الذي تحت الرض السابعة‪.‬‬
‫وذكر البغوي وجماعة من المفسرين ‪ :‬إن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السموات‬
‫والرض ‪ ،‬وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن ‪ ،‬وعلى متنه الرضون السبع وما فيهن وما‬
‫بينهن (‪ )6‬فال أعلم‪ .‬ومن العجيب (‪ )7‬أن بعضهم حمل على هذا المعنى الحديث الذي رواه‬
‫المام أحمد ‪:‬‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أن عبد ال بن سلم بَلَغه َمقْدَم رسول ال صلى ال‬
‫حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫عليه وسلم المدينة ‪ ،‬فأتاه فسأله عن أشياء ‪ ،‬قال ‪ :‬إني سائلك عن أشياء ل يعلمها إل نبي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه ؟ والولد‬
‫ينزع إلى أمه ؟ قال ‪" :‬أخبرني بهن جبريل آنفًا"‪ .‬قال ابن سلم ‪ :‬فذاك عدو اليهود من الملئكة‪.‬‬
‫قال ‪" :‬أما أول أشراط الساعة فنار تَحشرهم (‪ )8‬من المشرق إلى المغرب‪ .‬وأول طعام يأكله أهل‬
‫الجنة زيادةُ كبد حوت‪ .‬وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ‪ ،‬وإذا سبق ماء‬
‫المرأة ماء الرجل نزعت"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أبو صهيب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المهدى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المعجم الكبير (‪ )11/433‬وقال ‪" :‬لم يرفعه عن حماد بن زيد إل مؤمل بن إسماعيل"‪ .‬ومؤمل‬
‫كثير الخطأ ‪ ،‬فلعله أخطأ في رفعه‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ دمشق (‪" 17/492‬المخطوط" ) ورواه الحكيم الترمذي كما في إتحاف السادة المتقين (‬
‫‪ )1/454‬من طريق يحيى الغساني ‪ ،‬عن أبي عبد ال ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬به‪ .‬ورواه ابن عدي في‬
‫الكامل (‪ )6/269‬من طريق محمد بن وهب ‪ ،‬عن مسلم ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن سمي ‪ ،‬عن أبي صالح‬
‫‪ ،‬عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه ‪ ،‬قال ‪" :‬هذا بهذا السناد باطل منكر" وآفته محمد بن وهب‪ .‬قال‬
‫الذهبي في الميزان ‪" :‬صدق ابن عدي في أن هذا الحديث باطل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬معالم التنزيل (‪ )8/186‬وهذا من السرائيليات كما ذكر ذلك الشيخ محمد أبو شهبة في كتابه‬
‫‪" :‬السرائيليات والموضوعات في كتب التفسير" (ص ‪ )305‬وقال المام ابن القيم في المنار‬
‫المنيف (ص ‪ )76‬في ذكر علمات الوضع ‪" :‬أن يكون الحديث مما تشهد الشواهد الصحيحة على‬
‫بطلنه ‪ ،‬ومن هذا حديث ‪" :‬إن الرض على صخرة ‪ ،‬والصخرة على قرن ثور ‪ ،‬فإذا حرك‬
‫الثور قرنه تحركت الصخرة ‪ ،‬فتحركت الرض ‪ ،‬وهي الزلزلة" والعجب من مسود كتبه بهذه‬
‫الهذيانات"‪ .‬أ‪ .‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬ومن العجب"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬تحشر الناس"‪.‬‬

‫( ‪)8/185‬‬

‫حمَيد ‪ ،‬ورواه مسلم أيضا (‪ )1‬وله من حديث ثوبان ‪ -‬مولى رسول‬


‫ورواه البخاري من طرق عن ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬نحو هذا‪ .‬وفي صحيح مسلم من حديث أبي أسماء الرحبي ‪ ،‬عن ثوبان‬
‫‪ :‬أن حبرًا سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن مسائل ‪ ،‬فكان منها أن قال ‪ :‬فما تحفتهم ؟ ‪-‬‬
‫يعني أهل الجنة حين يدخلون الجنة ‪ -‬قال ‪" :‬زيادة كبد الحوت"‪ .‬قال ‪ :‬فما غذاؤهم على أثرها ؟‬
‫قال ‪" :‬ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها"‪ .‬قال ‪ :‬فما شرابهم عليه ؟ قال ‪" :‬من عين‬
‫فيها تسمى سلسبيل " (‪.)2‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬ن } لوح من نور‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا الحسين بن شبيب المكتب ‪ ،‬حدثنا محمد بن زياد الجزري ‪ ،‬عن فرات بن‬
‫أبي الفرات ‪ ،‬عن معاوية بن قُرّة ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { " :‬ن‬
‫وَا ْلقَلَ ِم َومَا َيسْطُرُونَ } لوح من نور ‪ ،‬وقلم من نور ‪ ،‬يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة" (‪)3‬‬
‫وهذا مرسل غريب‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيج (‪ )4‬أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بقوله ‪ { :‬ن } دواة ‪ ،‬والقلم ‪ :‬القلم‪ .‬قال ابن جرير ‪:‬‬
‫حدثنا عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن الحسن وقتادة في قوله ‪ { :‬ن } قال هي‬
‫الدواة‪.‬‬
‫وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جدًا فقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن خالد ‪ ،‬حدثنا الحسن بن يحيى ‪ ،‬حدثنا أبو عبد ال مولى بني أمية ‪،‬‬
‫عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬خلق ال‬
‫النون ‪ ،‬وهي الدواة" (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا أخي عيسى بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا ثابت‬
‫الثمالي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬إن ال خلق النون ‪ -‬وهي الدواة ‪ -‬وخلق القلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬اكتب‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول ‪ ،‬به بر أو فجور ‪ ،‬أو‬
‫رزق مقسوم حلل أو حرام‪ .‬ثم ألزم كل شيء من ذلك ‪ ،‬شأنه ‪ :‬دخوله في الدنيا ‪ ،‬ومقامه فيها‬
‫كم ؟ وخروجه منها كيف ؟ ثم جعل على العباد حفظة ‪ ،‬وللكتاب خزانًا ‪ ،‬فالحفظة ينسخون كل‬
‫يوم من الخزان عمل ذلك اليوم ‪ ،‬فإذا فني الرزق وانقطع الثر وانقضى الجل ‪ ،‬أتت الحفظة‬
‫الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ‪ ،‬فتقول لهم الخزنة ‪ :‬ما نجد لصاحبكم عندنا شيئًا فترجع الحفظة‬
‫فيجدونهم قد ماتوا‪ .‬قال ‪ :‬فقال ابن عباس ‪ :‬ألستم قومًا عَرَبا تسمعون الحفظة يقولون ‪ { :‬إِنّا كُنّا‬
‫نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ َت ْعمَلُونَ } [الجاثية ‪ ]29 :‬؟ وهل يكون الستنساخ إل من أصل (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/189‬وصحيح البخاري برقم (‪ )3938‬ولم أقع عليه في صحيح مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)315‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)29/10‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ابن جرير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (‪" 17/492‬المخطوط") من طريق الفريابي ‪ ،‬عن هشام‬
‫عن الحسن بن يحيى به مطولً ‪ ،‬وقد تقدم قريبًا في هذه السورة‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)29/10‬‬
‫( ‪)8/186‬‬

‫وقوله ‪ { :‬والقلم } الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله { اقْرَ ْأ وَرَ ّبكَ الكْرَمُ الّذِي عَلّمَ بِا ْلقَلَمِ‬
‫عَلّمَ النْسَانَ مَا لَمْ َيعَْلمْ } [العاق ‪ .]5 - 3 :‬فهو قسم منه تعالى ‪ ،‬وتنبيه لخلقه على ما أنعم به‬
‫سطُرُونَ } قال ابن عباس ‪،‬‬
‫عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم ؛ ولهذا قال ‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬
‫ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬يعني ‪ :‬وما يكتبون‪.‬‬
‫وقال أبو الضّحى ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬ومَا َيسْطُرُونَ } أي ‪ :‬وما يعملون‪.‬‬
‫وقال السدي ‪َ { :‬ومَا َيسْطُرُونَ } يعني الملئكة وما تكتب من أعمال العباد‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬بل المراد هاهنا بالقلم الذي أجراه ال بالقدر حين كتب مقادير الخلئق قبل أن‬
‫يخلق السموات والرضين بخمسين ألف سنة‪ .‬وأوردوا في ذلك الحاديث الواردة في ذكر القلم ‪،‬‬
‫فقال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ويونس بن حبيب قال حدثنا أبو داود الطيالسي ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد الواحد بن سُليم السلمي ‪ ،‬عن عطاء ‪ -‬هو ابن أبي رباح ‪ -‬حدثني الوليد بن عبادة بن‬
‫الصامت قال ‪ :‬دعاني أبي حين حضره الموت فقال ‪ :‬إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬إن أول ما خلق ال القلم ‪ ،‬فقال له ‪ :‬اكتب‪ .‬قال ‪ :‬يا رب وما أكتب ؟ قال ‪ :‬اكتب القدر‬
‫[ما كان] (‪ )1‬وما هو كائن إلى البد"‪.‬‬
‫وهذا الحديث قد رواه المام أحمد من طرق ‪ ،‬عن الوليد بن عبادة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪ )2‬وأخرجه‬
‫الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي ‪ ،‬به (‪ )3‬وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب‪ .‬ورواه أبو داود في‬
‫كتاب "السنة" من سننه ‪ ،‬عن جعفر بن مسافر ‪ ،‬عن يحيى بن حسان ‪ ،‬عن ابن رباح ‪ ،‬عن‬
‫إبراهيم بن أبي عبلة (‪ )4‬عن أبي حفصة ‪ -‬واسمه حُبَيش بن شُريح الحَبشي الشامي ‪ -‬عن عبادة‬
‫‪ ،‬فذكره (‪.)5‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال الطوسي ‪ ،‬حدثنا علي بن الحسن بن شقيق ‪ ،‬أنبأنا عبد‬
‫ال بن المبارك ‪ ،‬حدثنا رباح بن زيد ‪ ،‬عن عمر بن حبيب ‪ ،‬عن القاسم بن أبي بَزة (‪ )6‬عن‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه كان يحدث أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن‬
‫أول شيء خلقه ال القلم فأمره فكتب كل شيء"‪ .‬غريب من هذا الوجه ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪)7‬‬
‫وقال ابن أبي نَجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬وَا ْلقَلَمِ } يعني ‪ :‬الذي كتب به الذكر‪..‬‬
‫سطُرُونَ } أي ‪ :‬يكتبون كما تقدم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا يَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من منحة المعبود‪ .‬مستفادًا من هامش ط ‪ -‬الشعب‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)5/317‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)3319‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن ابن أبي عبلة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن أبي داود برقم (‪.)4700‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بن أبي مرة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬تفسير الطبري (‪.)29/11‬‬

‫( ‪)8/187‬‬

‫وقوله ‪ { :‬مَا أَ ْنتَ بِ ِن ْعمَةِ رَ ّبكَ ِب َمجْنُونٍ } أي ‪ :‬لست ‪ ،‬ول الحمد ‪ ،‬بمجنون ‪ ،‬كما قد يقوله الجهلة‬
‫من قومك ‪ ،‬المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين ‪ ،‬فنسبوك فيه إلى الجنون ‪ { ،‬وَإِنّ َلكَ‬
‫لجْرًا غَيْرَ َممْنُونٍ } أي ‪ :‬بل لك الجر العظيم ‪ ،‬والثواب الجزيل الذي ل ينقطع ول يبيد ‪ ،‬على‬
‫إبلغك رسالة ربك إلى الخلق ‪ ،‬وصبرك على أذاهم‪ .‬ومعنى { غَيْرُ َممْنُونٍ } أي ‪ :‬غير مقطوع‬
‫جذُوذٍ } [هود ‪ {]108 :‬فََلهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ } [التين ‪ ]6 :‬أي ‪ :‬غير‬
‫كقوله ‪ { :‬عَطَاءً غَيْرَ مَ ْ‬
‫مقطوع عنهم‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬غَيْرُ َممْنُونٍ } أي ‪ :‬غير محسوب ‪ ،‬وهو يرجع إلى ما قلناه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِ ّنكَ َلعَلى خُُلقٍ عَظِيمٍ } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي ‪ :‬وإنك لعلى دين (‪ )1‬عظيم‬
‫‪ ،‬وهو السلم‪ .‬وكذلك قال مجاهد ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن‬
‫زيد‪.‬‬
‫وقال عطية ‪ :‬لعلى أدب عظيم‪ .‬وقال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ :‬سُئلت عائشةُ عن خلق رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬كان خلقه القرآن ‪ ،‬تقول كما هو في القرآن‪.‬‬
‫عظِيمٍ } ذكر لنا أن سعد (‪ )2‬بن‬
‫وقال سعيد بن أبي عَرُوبَة ‪ ،‬عن قتادة قوله ‪ { :‬وَإِ ّنكَ َلعَلى خُلُقٍ َ‬
‫هشام سأل عائشة عن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقالت ‪ :‬ألست تقرأ القرآن ؟ قال ‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قالت ‪ :‬فإن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم كان القرآن‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن زُرارة بن أوفى (‪ )3‬عن سعد بن هشام قال ‪:‬‬
‫سألت عائشة فقلت ‪ :‬أخبريني يا أم المؤمنين ‪ -‬عن خُلُق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقالت ‪:‬‬
‫أتقرأ القرآن ؟ فقلتُ ‪ :‬نعم‪ .‬فقالت ‪ :‬كان خلقه القرآن (‪.)4‬‬
‫هذا حديث طويل‪ .‬وقد رواه المام مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث قتادة بطوله (‪ )5‬وسيأتي في‬
‫سورة "المزمل" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا إسماعيل ‪ ،‬حدثنا يونس ‪ ،‬عن الحسن قال ‪ :‬سألت عائشة عن خلق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬كان خلقه القرآن (‪.)6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن قيس بن وهب ‪ ،‬عن رجل من بني سواد قال‬
‫‪ :‬سألت عائشة عن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقالت ‪ :‬أما تقرأ القرآن ‪ { :‬وَإِ ّنكَ َلعَلى‬
‫خُُلقٍ عَظِيمٍ } ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬حدثيني عن ذاك‪ .‬قالت ‪ :‬صنعت له طعامًا ‪ ،‬وصنعت له حفصة‬
‫طعامًا ‪ ،‬فقلت لجاريتي ‪ :‬اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبلُ فاطرحي الطعام! قالت ‪:‬‬
‫طعًا (‪- )8‬‬
‫فجاءت بالطعام‪ .‬قالت ‪ :‬فألقت (‪ )7‬الجارية ‪ ،‬فوقعت القصعة فانكسرت ‪ -‬وكان نِ ْ‬
‫قالت ‪ :‬فجمعه رسول ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬لعلى خلق"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أ ‪ ،‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬زرارة بن أبي أوفي"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/245‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)746‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)6/216‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬فالتفتت"‪.‬‬
‫(‪ )8‬في هـ ‪ ،‬م ‪ ،‬أ ‪" :‬نطع" ‪ ،‬والمثبت من المسند‪.‬‬

‫( ‪)8/188‬‬

‫وقال ‪" :‬اقتضوا ‪ -‬أو ‪ :‬اقتضى ‪ -‬شك أسود ‪ -‬ظَرفًا مكان ظَرفِك"‪ .‬قالت ‪ :‬فما قال شيئًا (‪.)1‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا عبيد بن آدم بن أبي أياس ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا المبارك بن فضالة ‪ ،‬عن‬
‫الحسن ‪ ،‬عن سعد (‪ )2‬بن هشام ‪ :‬قال ‪ :‬أتيت عائشة أم المؤمنين فقلت لها ‪ :‬أخبريني بخلُق النبي‬
‫عظِيمٍ }‬
‫(‪ )3‬صلى ل عليه وسلم‪ .‬فقالت ‪ :‬كان خلقه القرآن‪ .‬أما تقرأ ‪ { :‬وَإِ ّنكَ َلعَلى خُلُقٍ َ‬
‫وقد روى أبو داود والنسائي ‪ ،‬من حديث الحسن ‪ ،‬نحوه (‪)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني يونس ‪ ،‬أنبأنا ابن وهب ‪ ،‬وأخبرني معاوية بن صالح ‪ ،‬عن أبي‬
‫الزاهرية ‪ ،‬عن جُبَير بن نفير قال ‪ :‬حججتُ فدخلتُ على عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬فسألتها عن‬
‫خُلُق رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬فقالت ‪ :‬كان خُلُق رسول ال صلى ال عليه وسلم القرآن‪.‬‬
‫وهكذا رواه أحمد ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن مهدي‪ .‬ورواه النسائي في التفسير ‪ ،‬عن إسحاق بن‬
‫منصور ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن معاوية بن صالح ‪ ،‬به (‪)5‬‬
‫ومعنى هذا أنه ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬صار امتثالُ القرآن ‪ ،‬أمرًا ونهيًا ‪ ،‬سجية له ‪ ،‬وخلقًا تَطَ ّبعَه ‪،‬‬
‫وترك طبعه الجِبِلّي ‪ ،‬فمهما أمره القرآن فعله ‪ ،‬ومهما نهاه عنه تركه‪ .‬هذا مع ما جَبَله ال عليه‬
‫من الخلق العظيم ‪ ،‬من الحياء والكرم والشجاعة ‪ ،‬والصفح والحلم ‪ ،‬وكل خلق جميل‪ .‬كما ثبت‬
‫في الصحيحين عن أنس قال ‪ :‬خدمتُ رسولَ الِ صلى ال عليه وسلم عشر سنين فما قال لي ‪:‬‬
‫"أف" قط ‪ ،‬ول قال لشيء فعلته ‪ :‬لم فعلته ؟ ول لشيء لم أفعله ‪ :‬أل فعلته ؟ وكان صلى ال عليه‬
‫ستُ خزًا ول حريرًا ول شيئًا كان ألين من كف رسول ال صلى‬
‫وسلم أحسن الناس خلقًا ول مَس ْ‬
‫ش َم ْمتُ مسكًا ول عطرًا كان أطيب من عَرَق رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬ول َ‬
‫(‪)6‬‬
‫وقال البخاري ‪[ :‬حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبد ال] (‪ )7‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪ ،‬حدثنا إبراهيم‬
‫بن يوسف ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي إسحاق قال ‪ :‬سمعت البراء يقول ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أحسن الناس وجها ‪ ،‬وأحسن الناس خلقًا ‪ ،‬ليس بالطويل البائن ‪ ،‬ول بالقصير (‪)8‬‬
‫والحاديث في هذا كثيرة ‪ ،‬ولبي عيسى الترمذي في هذا كتاب "الشمائل"‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن عُ ْروَة ‪ ،‬عن عائشة قالت‬
‫‪ :‬ما ضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم بيده خادمًا له قط ‪ ،‬ول امرأة ‪ ،‬ول ضرب بيده شيئًا‬
‫قط ‪ ،‬إل أن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/11‬‬
‫(‪ )2‬في هـ ‪ ،‬أ ‪" :‬سعيد" ‪ ،‬والمثبت من م وتفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬رسول ال"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )29/13‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1352‬وسنن النسائي (‪.)3/220‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )29/13‬والمسند (‪ )6/188‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)11138‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )6038‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2309‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬وصحيح البخاري‪.‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪.)3549‬‬

‫( ‪)8/189‬‬

‫طعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )8‬وَدّوا َلوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (‪ )9‬وَلَا ُتطِعْ ُكلّ حَلّافٍ َمهِينٍ (‪َ )10‬همّازٍ مَشّاءٍ‬
‫فَلَا تُ ِ‬
‫ل وَبَنِينَ (‪ )14‬إِذَا‬
‫بِ َنمِيمٍ (‪ )11‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬عُ ُتلّ َبعْدَ َذِلكَ زَنِيمٍ (‪ )13‬أَنْ كَانَ ذَا مَا ٍ‬
‫تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الَْأوّلِينَ (‪)15‬‬

‫يجاهد في سبيل ال‪ .‬ول خُيّر بين شيئين قط إل كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثمًا ‪ ،‬فإذا‬
‫كان إثما كان أبعد الناس من الثم ‪ ،‬ول انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إل أن تنتهك حرمات‬
‫ال ‪ ،‬فيكون هو ينتقم ل ‪ ،‬عز وجل (‪)1‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سعيد بن منصور ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن محمد ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫عَجْلن ‪ ،‬عن القعقاع بن حكيم ‪ ،‬عن أبي صالح ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة قال ‪ :‬قال رسولُ ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬إنما ُبعِثتُ لتمم صالح الخلق"‪ .‬تفرد به (‪)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَسَتُ ْبصِ ُر وَيُ ْبصِرُونَ بِأَيّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ } أي ‪ :‬فستعلم يا محمد ‪ ،‬وسيعلم مخالفوك ومكذبوك‬
‫‪ :‬من المفتون الضال منك ومنهم‪ .‬وهذا كقوله تعالى ‪ { :‬سَ َيعَْلمُونَ غَدًا مَنِ ا ْلكَذّابُ الشِرُ } [القمر‬
‫‪ ، ]26 :‬وكقوله ‪ { :‬وَإِنّا َأوْ إِيّاكُمْ َلعَلَى ُهدًى َأوْ فِي ضَللٍ مُبِينٍ } [سبأ ‪.]24 :‬‬
‫قال ابن جريج ‪ :‬قال ابن عباس في هذه الية ‪ :‬ستعلم ويعلمون يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬بِأَيّيكُمُ ا ْلمَفْتُونُ } أي ‪ :‬الجنون‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وغيره‪ .‬وقال‬
‫قتادة وغيره ‪ { :‬بِأَيّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ } أي ‪ :‬أولى بالشيطان‪.‬‬
‫ومعنى المفتون ظاهر ‪ ،‬أي ‪ :‬الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه ‪ ،‬وإنما دخلت الباء في قوله ‪{ :‬‬
‫بِأَيّيكُمُ ا ْل َمفْتُونُ } لتدل على تضمين الفعل في قوله ‪ { :‬فَسَتُ ْبصِ ُر وَيُ ْبصِرُونَ } وتقديره ‪ :‬فستعلم‬
‫ويعلمون ‪ ،‬أو ‪ :‬فس ُتخْبَر ويُخْبَرون بأيكم المفتون‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ضلّ عَنْ سَبِيلِ ِه وَ ُهوَ أَعْلَمُ بِا ْل ُمهْتَدِينَ } أي ‪ :‬هو يعلم تعالى‬
‫ن َ‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ ُهوَ أَعْلَمُ ِبمَ ْ‬
‫أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي ‪ ،‬ويعلم الحزب الضال عن الحق‪.‬‬
‫{ فَل ُتطِعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ (‪ )8‬وَدّوا َلوْ ُتدْهِنُ فَيُ ْدهِنُونَ (‪ )9‬وَل ُتطِعْ ُكلّ حَلفٍ َمهِينٍ (‪َ )10‬همّازٍ مَشّاءٍ‬
‫ل وَبَنِينَ (‪ )14‬إِذَا‬
‫بِ َنمِيمٍ (‪ )11‬مَنّاعٍ لِ ْلخَيْرِ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ (‪ )12‬عُ ُتلّ َبعْدَ َذِلكَ زَنِيمٍ (‪ )13‬أَنْ كَانَ ذَا مَا ٍ‬
‫تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الوّلِينَ (‪} )15‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)6/232‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/381‬‬

‫( ‪)8/190‬‬

‫س ُمهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ (‪)16‬‬


‫سَنَ ِ‬

‫سمُهُ عَلَى ا ْلخُرْطُومِ (‪} )16‬‬


‫{ سَنَ ِ‬
‫طعِ ا ْل ُمكَذّبِينَ }‬
‫يقول تعالى ‪ :‬كما أنعمنا عليك وأعطيناك الشرع المستقيم والخلق العظيم { فَل تُ ِ‬
‫{ وَدّوا َلوْ ُتدْهِنُ فَيُ ْدهِنُونَ } قال ابن عباس ‪ :‬لو تُ َرخّص لهم فَيُ َرخّصون‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬ودوا لو تركن إلى آلهتهم وتترك ما أنت عليه من الحق‪.‬‬
‫طعْ ُكلّ حَلفٍ َمهِينٍ } وذلك أن الكاذب لضعفه ومهانته إنما يتقي بأيمانه‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَل تُ ِ‬
‫الكاذبة التي يجترئ بها على أسماء ال تعالى ‪ ،‬واستعمالها في كل وقت في غير محلها‪.‬‬

‫( ‪)8/190‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬المهين الكاذب‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬هو الضعيف القلب‪ .‬قال الحسن ‪ :‬كل حلف‬
‫مكابر مهين ضعيف‪.‬‬
‫وقوله { َهمّازٍ } قال ابن عباس وقتادة ‪ :‬يعني الغتياب‪.‬‬
‫{ مَشّاءٍ بِ َنمِيمٍ } يعني ‪ :‬الذي يمشي بين الناس ‪ ،‬ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين‬
‫وهي الحالقة ‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين من حديث مجاهد ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪:‬‬
‫مر رسول ال صلى ال عليه وسلم بقبرين فقال ‪" :‬إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير ‪ ،‬أما أحدهما‬
‫فكان ل يستتر (‪ )1‬من البول ‪ ،‬وأما الخر فكان يمشي بالنميمة" الحديث‪ .‬وأخرجه بقية الجماعة‬
‫في كتبهم ‪ ،‬من طرق عن مجاهد ‪ ،‬به (‪.)2‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن َهمّام ؛ أن حُذَيفة قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يدخل الجنة قَتّات"‪.‬‬
‫رواه الجماعة ‪ -‬إل ابن ماجة ‪ -‬من طرق ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وحدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن همام ‪ ،‬عن حذيفة قال ‪:‬‬
‫سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل يدخل الجنة قتات" يعني ‪ :‬نماما (‪.)4‬‬
‫وحدثنا يحيى بن سعيد القطان أبو سعيد الحول ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬حدثني إبراهيم ‪ -‬منذ نحو ستين‬
‫سنة ‪ -‬عن همام بن الحارث قال ‪ :‬مر رجل على حذيفة فقيل ‪ :‬إن هذا يرفع الحديث إلى المراء‪.‬‬
‫فقال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ -‬أو ‪ :‬قال ‪ : -‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل يدخل الجنة قتات" (‪.)5‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا هاشم ‪ ،‬حدثنا مهدي ‪ ،‬عن واصل الحدب ‪ ،‬عن أبي وائل قال ‪ :‬بلغ حذيفة‬
‫عن رجل أنه ينم الحديث ‪ ،‬فقال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل يدخل الجنة‬
‫نمام" (‪.)6‬‬
‫حوْشَب ‪ ،‬عن‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن خُثَيم ‪ ،‬عن َ‬
‫أسماء بنت يزيد بن السكن ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أل أخبركم بخياركم ؟"‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫بلى يا رسول ال‪ .‬قال ‪" :‬الذين إذا رُؤوا ذُكر ال ‪ ،‬عز وجل"‪ .‬ثم قال ‪" :‬أل أخبركم بشراركم ؟‬
‫المشاءون بالنميمة ‪ ،‬المفسدون بين الحبة ‪ ،‬والباغون للبرآء العَنَت"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجة ‪ ،‬عن سويد بن سعيد ‪ ،‬عن يحيى بن سليم ‪ ،‬عن ابن خُثَيم ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ل يستبرئ"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )218‬وصحيح مسلم برقم (‪ )292‬وسنن أبي داود برقم (‪ )20‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )70‬وسنن النسائي (‪ )1/28‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)347‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )5/382‬وصحيح البخاري برقم (‪ )6506‬وصحيح مسلم برقم (‪ )105‬وسنن أبي‬
‫داود برقم (‪ )4871‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2026‬وسنن النسائي الكبري برقم (‪.)1164‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)5/389‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)5/389‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)5/391‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ )6/459‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )4119‬وقال البوصيري في الزوائد (‪: )3/273‬‬
‫"هذا إسناد حسن ‪ ،‬شهر وسويد مختلف فيهما ‪ ،‬وباقي رجال السناد ثقات"‪.‬‬

‫( ‪)8/191‬‬

‫وقال المام أحمد حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن أبي حُسَين ‪ ،‬عن شهر بن حوشب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫غَنْم ‪ -‬يبلغ به النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬خيار عباد ال الذين إذا رؤوا ذكر ال ‪ ،‬وشرار عباد‬
‫ال المشاؤون بالنميمة ‪ ،‬المفرقون بين الحبة ‪ ،‬الباغون للبرآء العنت" (‪)1‬‬
‫وقوله { مَنّاعٍ لِلْخَيْرِ ُمعْتَدٍ أَثِيمٍ } أي ‪ :‬يمنع ما عليه وما لديه من الخير { ِ ُمعْتَدٍ } في متناول ما‬
‫أحل ال له ‪ ،‬يتجاوز فيها الحد المشروع { أَثِيمٍ } أي ‪ :‬يتناول المحرمات‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عُ ُتلّ َبعْدَ ذَِلكَ زَنِيمٍ } أما العتل ‪ :‬فهو الفظ الغليظ الصحيح ‪ ،‬الجموع المَنُوعُ‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع وعبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن َمعْبَد (‪ )2‬بن خالد ‪ ،‬عن حارثة‬
‫بن وهب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أل أنبئكم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف‬
‫جوّاظ مستكبر"‪ .‬وقال َوكِيع ‪:‬‬
‫ضعّف لو أقسم على ال لبره ‪ ،‬أل أنبئكم بأهل النار ؟ كل عُتل َ‬
‫مُ َت َ‬
‫جوّاظ جعظري مستكبر"‪.‬‬
‫"كل َ‬
‫أخرجاه في الصحيحين بقية الجماعة ‪ ،‬إل أبا داود ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري وشعبة ‪ ،‬كلهما‬
‫عن معبد بن خالد ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا موسى بن علي قال ‪ :‬سمعت أبي يحدّث‬
‫عن عبد ال بن عمرو بن العاص ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم قال عند ذكر أهل النار ‪" :‬كل‬
‫جعظري جواظ مستكبر جماع مناع"‪ .‬تفرد به أحمد (‪.)4‬‬
‫جمُوع المَنُوع‪.‬‬
‫جوّاظ ‪ :‬ال َ‬
‫قال أهل اللغة ‪ :‬الجعظري ‪ :‬الفَظّ الغَليظ ‪ ،‬وال َ‬
‫حوْشب ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫شهْر بن َ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا عبد الحميد ‪ ،‬عن َ‬
‫خلْق‬
‫غَنْم ‪ ،‬قال ‪ :‬سُئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن العُتلّ الزنيم ‪ ،‬فقال ‪" :‬هو الشديد ال َ‬
‫المصحح ‪ ،‬الكول الشروب ‪ ،‬الواجد للطعام والشراب ‪ ،‬الظلوم للناس ‪ ،‬رحيب الجوف" (‪.)5‬‬
‫وبهذا السناد قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يدخل الجنة الجَواظ الجعظري ‪ ،‬العتل‬
‫الزنيم" (‪ )6‬وقد أرسله أيضًا غير واحد من التابعين‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َمعْمر ‪ ،‬عن زيد بن أسلم قال قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬تبكي السماء من عبد أصح ال جسمه ‪ ،‬وأرحب جوفه ‪،‬‬
‫ضمًا فكان للناس ظلومًا‪ .‬قال ‪ :‬فذلك العُتُل (‪ )7‬الزنيم" (‪.)8‬‬
‫وأعطاه من الدنيا مِق َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)4/227‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )4/306‬وصحيح البخاري برقم (‪ )4918‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2853‬وسنن‬
‫الترمذي برقم (‪ )2605‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )11615‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4116‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/169‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/393‬رجاله رجال الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )4/227‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )10/393‬إسناده حسن ‪ ،‬إل أن ابن غنم لم‬
‫يسمع من النبي صلى ال عليه وسلم" وقال في موضع آخر (‪" : )7/128‬فيه شهر بن حوشب وثقه‬
‫جماعة وفيه ضعف ‪ ،‬وعبد الرحمن بن غنم ليس له صحبة على الصحيح"‪.‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)4/227‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬العبد"‪.‬‬
‫(‪ )8‬تفسير الطبري (‪ )19/16‬وهو مرسل‪.‬‬

‫( ‪)8/192‬‬

‫وهكذا رواه ابن أبي حاتم من طريقين مرسلين ‪ ،‬ونص عليه غير واحد من السلف ‪ ،‬منهم‬
‫مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهم ‪ :‬أن العتل هو ‪ :‬المُصحّح الخَلْق ‪ ،‬الشديد القوي‬
‫في المأكل والمشرب والمنكح ‪ ،‬وغير ذلك ‪ ،‬وأما الزنيم فقال البخاري ‪:‬‬
‫حصِين ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن‬
‫حدثنا محمود ‪ ،‬حدثنا عُبَيد ال ‪ ،‬عن (‪ )1‬إسرائيل ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫عباس ‪ { :‬عُ ُتلّ َبعْدَ ذَِلكَ زَنِيمٍ } قال ‪ :‬رجلٌ من قريش له زَنمة مثل زَنَمة الشاة‪.‬‬
‫ومعنى هذا ‪ :‬أنه كان مشهورًا بالشر (‪ )2‬كشهرة الشاة ذات الزنمة من بين أخواتها‪ .‬وإنما الزنيم‬
‫ي في القوم‪ .‬قاله ابن جرير وغير واحد من الئمة ‪ ،‬قال ‪ :‬ومنه قول‬
‫عّ‬‫في لغة العرب ‪ :‬هو الدّ ِ‬
‫حسان بن ثابت ‪ ،‬يعني يذم بعض كفار قريش ‪:‬‬
‫وأنتَ زَنيم نِيطَ في آل هاشم‪َ ...‬كمَا نِيطَ خَ ْلفَ الرّاكِب القَدَحُ الفَرْدُ (‪)3‬‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫حسَب لَئيم‪...‬‬
‫زَنيمٌ لَ ْيسَ يُع َرفُ مَن أبوهُ‪ ...‬بَغيّ الم ذُو َ‬
‫عكْ ِرمَة ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا عمار بن خالد الواسطي ‪ ،‬حدثنا أسباط ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن ِ‬
‫عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬زَنِيمٍ } قال ‪ :‬الدعيّ الفاحش اللئيم‪ .‬ثم قال ابن عباس ‪:‬‬
‫زَنيمٌ تَداعاه الرجالُ زيا َدةً‪ ...‬كَما زيدَ في عَرضِ الديم الكَارعُ (‪)4‬‬
‫وقال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬الزنيم ‪ :‬الدعي‪ .‬ويقال ‪ :‬الزنيم ‪ :‬رجل كانت به زنمة ‪ ،‬يعرف بها‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬هو الخنس بن شَريق الثقفي ‪ ،‬حليف بني زهرة‪ .‬وزعم أناس من بني زهرة أن الزنيم‬
‫السودُ بن عبد يغوث الزهري ‪ ،‬وليس به‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه زعم أن الزنيم المُلحَق النسب‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثني يونس حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني سليمان بن بلل ‪ ،‬عن عبد الرحمن‬
‫بن حرملة ‪ ،‬عن سعيد بن المُسيّب ‪ ،‬أنه سمعه يقول في هذه الية ‪ { :‬عُ ُتلّ َب ْعدَ ذَِلكَ زَنِيمٍ } قال‬
‫سعيد ‪ :‬هو الملصق بالقوم ‪ ،‬ليس منهم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا عقبة بن خالد ‪ ،‬عن عامر بن قدامة قال ‪:‬‬
‫سئل عكرمة عن الزنيم ‪ ،‬قال ‪ :‬هو ولد الزنا‪.‬‬
‫وقال الحكم بن أبان ‪ ،‬عن عكرمة في قوله تعالى ‪ { :‬عُ ُتلّ َبعْدَ ذَِلكَ زَنِيمٍ } قال ‪ :‬يعرف المؤمن‬
‫من الكافر مثل الشاة الزنماء‪ .‬والزنماء من الشياه ‪ :‬التي في عنقها هَنتان معلقتان في حلقها‪ .‬وقال‬
‫الثوري ‪ ،‬عن جابر ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬الزنيم ‪ :‬الذي يعرف بالشر كما‬
‫تعرف الشاة بزنمتها‪ .‬والزنيم ‪ :‬الملصق‪ .‬رواه ابن جرير‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بن"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بالسوء"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري(‪.)19/17‬‬
‫(‪ )4‬البيت في اللسان ‪ ،‬مادة "زنم" منسوبًا إلى الخطيم التميمي‪.‬‬

‫( ‪)8/193‬‬

‫وروى أيضا من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال في الزنيم ‪ :‬قال ‪:‬‬
‫ُن ِعتَ فلم يعرف حتى قيل ‪ :‬زنيم‪ .‬قال ‪ :‬وكانت له زَ َنمَةٌ في عنقه يُعرَف بها‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬كان‬
‫دَعيًا‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا أبو كُرَيْب ‪ ،‬حدثنا ابن إدريس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أصحاب التفسير قالوا (‬
‫‪ )1‬هو الذي تكون له زَ َنمَة مثل زنمة الشاة‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬كانت له زَ َنمَة في أصل أذنه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬هو اللئيم الملصق في النسب‪.‬‬
‫وقال أبو إسحاق ‪ :‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو المريب الذي يعرف بالشر‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الزنيم الذي يعرف بهذا الوصف كما تعرف الشاة‪ .‬وقال أبو رَزِين ‪ :‬الزنيم علمة‬
‫الكفر‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬الزنيم الذي يعرف باللؤم كما تعرف الشاة بزنمتها‪.‬‬
‫والقوال في هذا كثيرة ‪ ،‬وترجع إلى ما قلناه ‪ ،‬وهو أن الزنيم هو ‪ :‬المشهور بالشر ‪ ،‬الذي يعرف‬
‫به من بين الناس ‪ ،‬وغالبًا يكون دعيًا وله زنا ‪ ،‬فإنه في الغالب يتسلط الشيطان عليه ما ل يتسلط‬
‫على غيره ‪ ،‬كما جاء في الحديث ‪" :‬ل يدخل الجنة ولد زنا" (‪ )2‬وفي الحديث الخر ‪" :‬ولد الزنا‬
‫شَرّ الثلثة إذا عمل بعمل أبويه" (‪.)3‬‬
‫ل وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِ آيَاتُنَا قَالَ َأسَاطِي ُر الوّلِينَ } يقول تعالى ‪ :‬هذا مقابلة‬
‫وقوله ‪ { :‬أَنْ كَانَ ذَا مَا ٍ‬
‫ما أنعم ال عليه من المال والبنين ‪ ،‬كفر بآيات ال وأعرض عنها ‪ ،‬وزعم أنها كَذب مأخوذ من‬
‫شهُودًا َو َمهّ ْدتُ‬
‫جعَ ْلتُ َلهُ مَال َممْدُودًا وَبَنِينَ ُ‬
‫أساطير الولين ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ َوحِيدًا وَ َ‬
‫صعُودًا إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ َفقُ ِتلَ كَ ْيفَ قَدّرَ‬
‫ن ليَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَل إِنّهُ كَا َ‬
‫لَهُ َت ْمهِيدًا ثُمّ َي ْ‬
‫سحْرٌ ُيؤْثَرُ إِنْ َهذَا إِل‬
‫س وَبَسَرَ ُثمّ َأدْبَ َر وَاسْ َتكْبَرَ َفقَالَ إِنْ هَذَا إِل ِ‬
‫ثُمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ قَدّرَ ُثمّ نَظَرَ ُثمّ عَبَ َ‬
‫سمُهُ‬
‫سقَرَ } [المدثر ‪ .]26 - 11 :‬قال تعالى هاهنا ‪ { :‬سَنَ ِ‬
‫َقوْلُ الْ َبشَرِ } قال ال تعالى ‪ { :‬سَُأصْلِيهِ َ‬
‫عَلَى الْخُ ْرطُومِ }‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬سنبين أمره بيانًا واضحًا ‪ ،‬حتى يعرفوه ول يخفى عليهم ‪ ،‬كما ل تخفى السمة‬
‫سمُهُ عَلَى ا ْلخُرْطُومِ } شين ل يفارقه آخر ما عليه‪.‬‬
‫على الخراطيم (‪ )4‬وهكذا قال قتادة ‪ { :‬سَ َن ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬قال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )2/203‬من حديث عبد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (‪ )4926 ، 4925‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪ ،‬وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (‪ )3/111‬قال ‪" :‬وفيه مخالفة للصول‬
‫وأعظمها قوله تعالى ‪" :‬ول تزر وازرة أخرى"‪ .‬قال المام ابن القيم متعقبًا على ابن الجوزي في‬
‫المنارالمنيف (ص ‪" : )133‬ليست معرضة بها إن صحت ‪ ،‬فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه ‪ ،‬بل‬
‫لن النطفة الخبيثة ل يتخلق منها طيب في الغالب ‪ ،‬ول يدخل الجنة إل نفس طيبة ‪ ،‬فإن كانت‬
‫في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة ‪ ،‬وكان الحديث من العام المخصوص ‪ ،‬وقد ورد في ذمة ‪" :‬أنه‬
‫شر الثلثة" وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا العتبار ‪ ،‬فإن شر البوين عارض ‪ ،‬وهذه‬
‫نطفة خبيثة فشره في أصله وشر البوين في فعلهما"‪ .‬قلت ‪ :‬ويوجه أيضًا بالتقييد الذي في حديث‬
‫عائشة التي بأنه شر الثلثة إذا عمل عمل أبويه ‪ ،‬وكلم ابن الجوزي منطبق على حديث ‪" :‬ولد‬
‫الزنا في النار إلى سبعة أبناء"‪ .‬وهو موضوع‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه المام أحمد (‪ )6/109‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ ،‬و (‪ )2/311‬من حديث أبي‬
‫هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬على الخرطوم"‪.‬‬

‫( ‪)8/194‬‬
‫سمُوا لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ (‪ )17‬وَلَا َيسْتَثْنُونَ (‪َ )18‬فطَافَ‬
‫صحَابَ الْجَنّةِ إِذْ َأ ْق َ‬
‫إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا َأ ْ‬
‫حتْ كَالصّرِيمِ (‪ )20‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ (‪ )21‬أَنِ‬
‫ك وَهُمْ نَا ِئمُونَ (‪ )19‬فََأصْبَ َ‬
‫عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬
‫اغْدُوا عَلَى حَرْ ِث ُكمْ إِنْ كُنْتُمْ صَا ِرمِينَ (‪ )22‬فَا ْنطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ (‪ )23‬أَنْ لَا َيدْخُلَ ّنهَا الْ َي ْومَ عَلَ ْيكُمْ‬
‫سكِينٌ (‪ )24‬وَغَ َدوْا عَلَى حَ ْردٍ قَادِرِينَ (‪ )25‬فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا إِنّا َلضَالّونَ (‪َ )26‬بلْ َنحْنُ‬
‫مِ ْ‬
‫طهُمْ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ َلوْلَا تُسَبّحُونَ (‪ )28‬قَالُوا سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‬
‫سُ‬‫مَحْرُومُونَ (‪ )27‬قَالَ َأوْ َ‬
‫عسَى رَبّنَا أَنْ‬
‫علَى َب ْعضٍ يَتَلَا َومُونَ (‪ )30‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ (‪َ )31‬‬
‫ضهُمْ َ‬
‫‪ )29‬فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫ب وََلعَذَابُ الَْآخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‬
‫يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ ا ْلعَذَا ُ‬
‫‪)33‬‬

‫وفي رواية عنه ‪ :‬سيما (‪ )1‬على أنفه‪ .‬وكذا قال السدي‪.‬‬


‫سمُهُ عَلَى الْخُ ْرطُومِ } يقاتل يوم بدر ‪ ،‬فيُخطم بالسيف في‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬سَ َن ِ‬
‫سمُهُ } سمة أهل النار ‪ ،‬يعني نسود وجهه يوم القيامة ‪ ،‬وعبر عن‬
‫القتال‪ .‬وقال آخرون ‪ { :‬سَ َن ِ‬
‫الوجه بالخرطوم‪ .‬حكى ذلك كله أبو جعفر ابن جرير ‪ ،‬ومال إلى أنه ل مانع من اجتماع الجميع‬
‫عليه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهو مُتّجه‪.‬‬
‫وقد (‪ )2‬قال ابن أبي حاتم في سورة { عَمّ يَتَسَاءَلُونَ } حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو صالح كاتب الليث ‪،‬‬
‫حدثني الليث حدثني خالد عن (‪ )3‬سعيد ‪ ،‬عن عبد الملك بن عبد ال ‪ ،‬عن عيسى بن هلل‬
‫الصدفي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن العبد يكتب‬
‫مؤمنًا أحقابًا ثم أحقابا (‪ )4‬ثم يموت وال عليه ساخط‪ .‬وإن العبد يكتب كافرًا أحقابًا ثم أحقابًا ‪ ،‬ثم‬
‫يموت وال عليه (‪ )5‬راض‪ .‬ومن مات َهمّازًا لمّازًا مُلَقّبا للناس ‪ ،‬كان علمته يوم القيامة أن‬
‫يسميه ال على الخرطوم ‪ ،‬من كل الشفتين" (‪.)6‬‬
‫سمُوا لَ َيصْ ِرمُ ّنهَا ُمصْبِحِينَ (‪ )17‬وَل َيسْتَثْنُونَ (‪)18‬‬
‫{ إِنّا بََلوْنَاهُمْ َكمَا بََلوْنَا َأصْحَابَ ا ْلجَنّةِ ِإذْ َأقْ َ‬
‫حتْ كَالصّرِيمِ (‪ )20‬فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ (‪)21‬‬
‫ك وَ ُهمْ نَا ِئمُونَ (‪ )19‬فََأصْبَ َ‬
‫فَطَافَ عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬
‫أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْ ِثكُمْ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِرمِينَ (‪ )22‬فَا ْنطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ (‪ )23‬أَنْ ل يَ ْدخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ‬
‫سكِينٌ (‪ )24‬وَغَ َدوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (‪ )25‬فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا إِنّا َلضَالّونَ (‪َ )26‬بلْ نَحْنُ‬
‫عَلَ ْيكُمْ مِ ْ‬
‫طهُمْ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ َلوْل تُسَبّحُونَ (‪ )28‬قَالُوا سُبْحَانَ رَبّنَا إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ (‬
‫سُ‬‫مَحْرُومُونَ (‪ )27‬قَالَ َأوْ َ‬
‫عسَى رَبّنَا أَنْ‬
‫علَى َب ْعضٍ يَتَل َومُونَ (‪ )30‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ (‪َ )31‬‬
‫ضهُمْ َ‬
‫‪ )29‬فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫ب وََلعَذَابُ الخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ (‬
‫يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِ ْنهَا إِنّا إِلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ (‪َ )32‬كذَِلكَ ا ْلعَذَا ُ‬
‫‪} )33‬‬
‫هذا مَثَل ضَرَبه ال تعالى لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة ‪ ،‬وأعطاهم من النعم‬
‫الجسيمة ‪ ،‬وهو َبعْثُهُ محمدًا صلى ال عليه وسلم إليهم ‪ ،‬فقابلوه بالتكذيب والرد والمحاربة ؛ ولهذا‬
‫قال ‪ { :‬إِنّا بََلوْنَا ُهمْ } أي ‪ :‬اختبرناهم ‪َ { ،‬كمَا بََلوْنَا َأصْحَابَ الْجَنّةِ } وهي البستان المشتمل على‬
‫أنواع الثمار‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سنسمه سيما"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ولهذا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪ " :‬بن" والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬أحيانا ثم أحيانا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬عنه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (‪" )60‬القطعة المفقودة" والمعجم الوسط برقم (‬
‫‪" )3234‬مجمع البحرين" عن المطلب الزدى ‪ ،‬عن عبد ال بن صالح به‪ .‬وقال في الوسط ‪" :‬ل‬
‫يروى عن عبد ال بن عمرو إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد به الليث"‪.‬‬

‫( ‪)8/195‬‬

‫سمُوا لَ َيصْ ِرمُنّهَا ُمصْبِحِينَ } أي ‪ :‬حلفوا فيما بينهم لَيجُذّنَ ثَمرها ليل لئل يعلم بهم‬
‫والفواكه { إِذْ َأ ْق َ‬
‫فقير ول سائل ‪ ،‬ليتوفر ثمرها عليهم ول يتصدقوا منه بشيء ‪ { ،‬وَل يَسْتَثْنُونَ } أي ‪ :‬فيما حلفوا‬
‫ك وَهُمْ نَا ِئمُونَ } أي ‪:‬‬
‫به‪ .‬ولهذا حنثهم ال في أيمانهم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬فطَافَ عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬
‫حتْ كَالصّرِيمِ } قال ابن عباس ‪ :‬أي كالليل السود‪ .‬وقال الثوري ‪،‬‬
‫أصابتها آفة سماوية ‪ { ،‬فََأصْ َب َ‬
‫حصِد ‪ ،‬أي هشيمًا يبسًا‪.‬‬
‫والسدي ‪ :‬مثل الزرع إذا ُ‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر عن أحمد بن الصباح ‪ :‬أنبأنا بشر بن زاذان ‪ ،‬عن عمر بن صبح (‪)1‬‬
‫عن ليث بن أبي سليم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط ‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬إياكم والمعاصي ‪ ،‬إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقًا قد كان هُيّئ له" ‪ ،‬ثم تل‬
‫حتْ‬
‫ك وَهُمْ نَا ِئمُونَ فََأصْبَ َ‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪َ { :‬فطَافَ عَلَ ْيهَا طَا ِئفٌ مِنْ رَ ّب َ‬
‫كَالصّرِيمِ } قد حرموا خَير جَنّتهم بذنبهم (‪.)2‬‬
‫{ فَتَنَا َدوْا ُمصْبِحِينَ } أي ‪ :‬لما كان وقت الصبح نادى بعضهم بعضًا ليذهبوا إلى الجَذَاذ ‪،‬‬
‫{ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْ ِث ُكمْ إِنْ كُنْتُ ْم صَا ِرمِينَ } أي ‪ :‬تريدون الصرام‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬كان حرثهم‬
‫عِنَبًا‪.‬‬
‫{ فَا ْنطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ } أي ‪ :‬يتناجون فيما بينهم بحيث ل يُسمعون أحدًا كلمهم‪ .‬ثم فسر ال‬
‫عالم السر والنجوى ما كانوا يتخافتون به ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَانْطََلقُوا وَ ُهمْ يَتَخَافَتُونَ أَنْ ل َيدْخُلَ ّنهَا الْ َيوْمَ‬
‫سكِينٌ } أي ‪ :‬يقول بعضهم لبعض ‪ :‬ل تمكنوا اليوم فقيرًا يدخلها عليكم!‬
‫عَلَ ْيكُمْ مِ ْ‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬وَغَ َدوْا عَلَى حَ ْردٍ } أي ‪ :‬قوة وشدة‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬وَغَ َدوْا عَلَى حَ ْردٍ } أي ‪:‬‬
‫جد وقال عكرمة ‪ :‬غيظ‪ .‬وقال الشعبي ‪ { :‬عَلَى حَرْدٍ } على المساكين‪ .‬وقال السدي ‪ { :‬عَلَى حَ ْردٍ‬
‫} أي ‪ :‬كان اسم قريتهم حرد‪ .‬فأبعد السدي في قوله هذا!‬
‫{ قَادِرِينَ } أي ‪ :‬عليها فيما يزعمون ويَرومون‪.‬‬
‫{ فََلمّا رََأوْهَا قَالُوا إِنّا َلضَالّونَ } أي ‪ :‬فلما وصلوا إليها وأشرفوا عليها ‪ ،‬وهي على الحالة التي‬
‫قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء‬
‫مُدَْل ِهمّة ‪ ،‬ل ينتفع بشيء منها ‪ ،‬فاعتقدوا أنهم قد أخطئوا الطريق ؛ ولهذا قالوا ‪ { :‬إِنّا َلضَالّونَ }‬
‫أي ‪ :‬قد سلكنا إليها غير الطريق فتُهنا عنها‪ .‬قاله ابن عباس وغيره‪ .‬ثم رجعوا عما كانوا فيه ‪،‬‬
‫ظ لنا ول‬
‫حّ‬‫وتيقنوا أنها هي فقالوا ‪َ { :‬بلْ نَحْنُ َمحْرُومُونَ } أي ‪ :‬بل هذه هي ‪ ،‬ولكن نحن ل َ‬
‫نصيب‪.‬‬
‫طهُمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪،‬‬
‫سُ‬‫{ قَالَ َأوْ َ‬
‫والربيع بن أنس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي ‪ :‬أعدلهم وخيرهم ‪ { :‬أَلَمْ َأ ُقلْ َل ُكمْ َلوْل ُتسَبّحُونَ } !‬
‫قال مجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن جريج ‪َ { :‬لوْل تُسَبّحُونَ } أي ‪ :‬لول تستثنون‪ .‬قال السدي ‪ :‬وكان‬
‫استثناؤهم في ذلك الزمان تسبيحًا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬بن صبيح"‪.‬‬
‫(‪ )2‬وفي إسناد عمر بن صبح قال ابن حيان ‪ :‬كان ممن يضع الحديث‪ .‬وقال الدارقطنى ‪:‬‬
‫متروك‪ .‬وقال الذي ‪ :‬كذاب‪ .‬وله شاهد من حديث ثوبان ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬رواه المام أحمد في‬
‫المسند (‪.)5/277‬‬

‫( ‪)8/196‬‬

‫ح ُكمُونَ‬
‫ج َعلُ ا ْلمُسِْلمِينَ كَا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )35‬مَا َل ُكمْ كَ ْيفَ َت ْ‬
‫إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِنْدَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪َ )34‬أفَ َن ْ‬
‫(‪ )36‬أَمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْ ُرسُونَ (‪ )37‬إِنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا َتخَيّرُونَ (‪َ )38‬أمْ َلكُمْ أَ ْيمَانٌ عَلَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )39‬سَ ْلهُمْ أَ ّيهُمْ ِبذَِلكَ زَعِيمٌ (‪َ )40‬أمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئهِمْ‬
‫َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ َل ُكمْ َلمَا تَ ْ‬
‫إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪)41‬‬

‫طهُمْ أََلمْ َأ ُقلْ َلكُمْ َلوْل‬


‫سُ‬‫وقال ابن جريج ‪ :‬هو قول القائل ‪ :‬إن شاء ال‪ .‬وقيل ‪ :‬معناه ‪ { :‬قَالَ َأوْ َ‬
‫تُسَبّحُونَ } أي ‪ :‬هل تسبحون ال وتشكرونه على ما أعطاكم وأنعم به عليكم ‪ { ،‬قَالُوا سُ ْبحَانَ رَبّنَا‬
‫إِنّا كُنّا ظَاِلمِينَ } أتوا بالطاعة حيث ل تنفع ‪ ،‬وندموا واعترفوا حيث ل ينجع ؛ ولهذا قالوا ‪ { :‬إِنّا‬
‫ضهُمْ عَلَى َب ْعضٍ يَتَلوَمُونَ } أي ‪ :‬يلوم بعضهم بعضًا على ما كانوا أصروا‬
‫كُنّا ظَاِلمِينَ فََأقْ َبلَ َب ْع ُ‬
‫عليه من منع المساكين من حق الجذاذ ‪ ،‬فما كان جواب بعضهم لبعض إل العتراف بالخطيئة‬
‫والذنب ‪ { ،‬قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنّا كُنّا طَاغِينَ } أي ‪ :‬اعتدينا و َبغَينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا‬
‫عسَى رَبّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِ ْنهَا إِنّا ِإلَى رَبّنَا رَاغِبُونَ } قيل ‪ :‬رغبوا في بذلها لهم في‬
‫ما أصابنا ‪َ { ،‬‬
‫الدنيا‪ .‬وقيل ‪ :‬احتسبوا ثوابها في الدار الخرة ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم قد ذكر بعض السلف أن هؤلء قد كانوا من أهل اليمن ‪ -‬قال سعيد بن جبير ‪ :‬كانوا من قرية‬
‫يقال لها ضروان (‪ )1‬على ستة أميال من صنعاء‪ .‬وقيل ‪ :‬كانوا من أهل الحبشة ‪ -‬وكان أبوهم قد‬
‫خلف لهم هذه الجنة ‪ ،‬وكانوا من أهل الكتاب ‪ ،‬وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة ‪ ،‬فكان ما‬
‫استغله منها يرد فيها ما يحتاج إليها ويدّخر لعياله قوت سنتهم ‪ ،‬ويتصدق بالفاضل‪ .‬فلما مات‬
‫ورثه بنوه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لقد كان أبونا أحمقَ إذ كان يصرف من هذه شيئًا للفقراء ‪ ،‬ولو أنّا منعناهم‬
‫لتوفر ذلك علينا‪ .‬فلما عزموا على ذلك عُوقِبوا بنقيض قصدهم ‪ ،‬فأذهب ال ما بأيديهم بالكلية ‪،‬‬
‫رأس المال الربح والصدقة ‪ ،‬فلم يبق لهم شيء‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪ { :‬كَذَِلكَ ا ْل َعذَابُ } أي ‪ :‬هكذا عذاب من خالف أمر ال ‪ ،‬وبخل بما آتاه ال وأنعم‬
‫به عليه ‪ ،‬ومنع حق المسكين والفقراء (‪ )2‬وذوي الحاجات ‪ ،‬وبدل نعمة ال كفرا { وََلعَذَابُ‬
‫الخِ َرةِ َأكْبَرُ َلوْ كَانُوا َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬هذه عقوبة الدنيا كما سمعتم ‪ ،‬وعذاب الخرة أشق‪ .‬وقد ورد‬
‫في حديث رواه الحافظ البيهقي من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي‬
‫طالب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عن الجداد (‪ )3‬بالليل ‪،‬‬
‫والحصاد بالليل (‪.)4‬‬
‫ج َعلُ ا ْلمُسِْلمِينَ كَا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )35‬مَا َل ُكمْ كَ ْيفَ‬
‫{ إِنّ لِ ْلمُ ّتقِينَ عِ ْندَ رَ ّبهِمْ جَنّاتِ ال ّنعِيمِ (‪َ )34‬أفَ َن ْ‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )36‬أَمْ َلكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْ ُرسُونَ (‪ )37‬إِنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا َتخَيّرُونَ (‪َ )38‬أمْ َلكُمْ أَ ْيمَانٌ عَلَيْنَا‬
‫تَ ْ‬
‫ح ُكمُونَ (‪ )39‬سَ ْلهُمْ أَ ّيهُمْ بِذَِلكَ زَعِيمٌ (‪ )40‬أَمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ فَلْيَأْتُوا‬
‫بَاِلغَةٌ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ َلكُمْ َلمَا َت ْ‬
‫بِشُ َركَا ِئهِمْ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ (‪} )41‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬جردان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬حق المسكين والفقير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬الجذاذ" بالذال وهو خطأ والمثبت من سنن البيهقي‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن البيهقي الكبرى (‪ )4/133‬والجداد ‪ -‬بالدال بالفتح والكسر ‪ -‬قال ابن الثير في النهاية (‬
‫‪" : )1/244‬هي صرام النخل ‪ ،‬وهو قطع ثمرتها ‪ ،‬يقال ‪ :‬جد الثمرة يجدها جدا ‪ ،‬وإنما نهى عن‬
‫ذلك لجل المساكين حتى يحضروا في النهار فيتصدق عليهم منه"‪.‬‬

‫( ‪)8/197‬‬

‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ فَلَا َيسْتَطِيعُونَ (‪)42‬‬


‫ق وَيُدْ َ‬
‫شفُ عَنْ سَا ٍ‬
‫َيوْمَ ُيكْ َ‬
‫لما ذكر [ال] (‪ )1‬تعالى حال أهل الجنة الدنيوية ‪ ،‬وما أصابهم فيها من النقمة حين عصوا ال ‪،‬‬
‫عز وجل ‪ ،‬وخالفوا أمره ‪ ،‬بين أن لمن اتقاه وأطاعه في الدار الخرة جنات النعيم التي ل تَبيد‬
‫ول تفرغ ول ينقضي نعيمها‪.‬‬
‫ج َعلُ ا ْلمُسِْلمِينَ كَا ْل ُمجْ ِرمِينَ } ؟ أي ‪ :‬أفنساوي بين هؤلء وهؤلء في الجزاء ؟ كل‬
‫ثم قال ‪َ { :‬أفَنَ ْ‬
‫ح ُكمُونَ } ! أي ‪ :‬كيف تظنون ذلك ؟‪.‬‬
‫ورب الرض والسماء ؛ ولهذا قال { مَا َلكُمْ كَ ْيفَ َت ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَمْ َل ُكمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْ ُرسُونَ إِنّ َلكُمْ فِيهِ َلمَا تَخَيّرُونَ } يقول ‪ :‬أفبأيديكم كتاب منزل من‬
‫السماء تدرسونه وتحفظونه وتتداولونه بنقل الخلف عن السلف ‪ ،‬مُتضمن حكما مؤكدًا كما‬
‫ح ُكمُونَ }‬
‫تدعونه ؟ { إِنّ َل ُكمْ فِيهِ َلمَا َتخَيّرُونَ أَمْ َل ُكمْ أَ ْيمَانٌ عَلَيْنَا بَاِلغَةٌ إِلَى َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ إِنّ َلكُمْ َلمَا َت ْ‬
‫ح ُكمُونَ } أي ‪ :‬أنه سيحصل لكم ما تريدون‬
‫أي ‪ :‬أمعكم عهود منا ومواثيق مؤكدة ‪ { ،‬إِنّ َلكُمْ َلمَا َت ْ‬
‫وتشتهون ‪ { ،‬سَ ْل ُهمْ أَ ّيهُمْ ِبذَِلكَ زَعِيمٌ } ؟ أي ‪ :‬قل لهم ‪ :‬من هو المتضمن المتكفل بهذا ؟‬
‫{ َأمْ َلهُمْ شُ َركَاءُ } أي ‪ :‬من الصنام والنداد ‪ { ،‬فَلْيَأْتُوا بِشُ َركَا ِئهِمْ إِنْ كَانُوا صَا ِدقِينَ }‬
‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ فَل يَسْ َتطِيعُونَ (‪} )42‬‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْ َ‬
‫{ َيوْمَ ُيكْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زياده من م‪.‬‬

‫( ‪)8/198‬‬

‫عوْنَ إِلَى السّجُو ِد وَهُمْ سَاِلمُونَ (‪ )43‬فَذَرْنِي َومَنْ ُيكَ ّذبُ‬


‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّ ٌة َوقَدْ كَانُوا يُدْ َ‬
‫خَا ِ‬
‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ لَا َيعَْلمُونَ (‪ )44‬وَُأمْلِي َلهُمْ إِنّ كَ ْيدِي مَتِينٌ (‪ )45‬أَمْ َتسْأَُلهُمْ‬
‫ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ سَ َنسْتَدْ ِر ُ‬
‫أَجْرًا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪َ )46‬أمْ عِنْ َدهُمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪)47‬‬

‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ وَهُمْ سَاِلمُونَ (‪َ )43‬فذَرْنِي َومَنْ‬


‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّ ٌة َوقَدْ كَانُوا ُيدْ َ‬
‫{ خَا ِ‬
‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ (‪ )44‬وَُأمْلِي َل ُهمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ (‪َ )45‬أمْ‬
‫ُيكَ ّذبُ ِبهَذَا ا ْلحَدِيثِ سَنَسْتَدْ ِر ُ‬
‫تَسْأَُلهُمْ أَجْرًا َف ُهمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ (‪َ )46‬أمْ عِنْ َدهُمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ (‪} )47‬‬
‫لما ذكر تعالى أن للمتقين عنده (‪ )1‬جنات النعيم ‪ ،‬بين متى ذلك كائن وواقع ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬يوْمَ‬
‫عوْنَ إِلَى السّجُودِ فَل يَسْ َتطِيعُونَ } يعني ‪ :‬يوم القيامة وما يكون فيه من‬
‫ق وَيُدْ َ‬
‫شفُ عَنْ سَا ٍ‬
‫ُيكْ َ‬
‫الهوال والزلزل والبلء والمتحان والمور العظام‪ .‬وقد قال البخاري هاهنا ‪:‬‬
‫حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا الليث ‪ ،‬عن خالد بن يزيد ‪ ،‬عن سعيد بن أبي هلل ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن‬
‫شفُ‬
‫عطاء بن يَسَار ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري قال ‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬يَك ِ‬
‫رَبّنا عن ساقه ‪ ،‬فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ‪ ،‬ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة ‪،‬‬
‫فيذهب ليسجد فيعود ظهره طَ َبقًا واحدًا" (‪.)2‬‬
‫وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وفي غيرهما من طرق (‪ )3‬وله ألفاظ ‪ ،‬وهو حديث طويل‬
‫مشهور‪.‬‬
‫شفُ‬
‫عكْرِمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬يوْمَ ُي ْك َ‬
‫وقد قال عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن أسامة بن زيد ‪ ،‬عن ِ‬
‫عَنْ سَاقٍ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عند ربهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪.)4919‬‬
‫(‪ )3‬وهو حديث الشفاعة وقد سبق سياقه بطريقه وألفاظه عند تفسير أول سورة السراء‪.‬‬

‫( ‪)8/198‬‬

‫قال ‪ :‬هو يوم كَرْب وشدة‪ .‬رواه ابن جرير ثم قال ‪:‬‬
‫حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن المغيرة ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن ابن مسعود ‪ -‬أو‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } قال ‪ :‬عن أمر عظيم ‪ ،‬كقول‬
‫‪ :‬ابن عباس ‪ ،‬الشك من ابن جرير ‪َ { : -‬يوْمَ ُيكْ َ‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫وقامت الحرب بنا عن ساق (‪)1‬‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } قال ‪ :‬شدة المر (‪)2‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ { :‬يوْمَ ُيكْ َ‬
‫وقال ابن عباس ‪ :‬هي أول (‪ )3‬ساعة تكون في يوم القيامة‪.‬‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } قال ‪ :‬شدة المر وجده‪.‬‬
‫وقال ابن جُرَيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪َ { :‬يوْمَ ُي ْك َ‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } هو المر الشديد‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪َ { :‬يوْمَ ُي ْك َ‬
‫المُفظِع من الهول يوم القيامة‪.‬‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } يقول ‪ :‬حين يكشف المر وتبدو‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪َ { :‬يوْمَ ُي ْك َ‬
‫العمال‪ .‬وكشفه دخول الخرة ‪ ،‬وكشف المر عنه‪ .‬وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس‪.‬‬
‫أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير ثم قال ‪:‬‬
‫حدثني أبو زيد عمر بن شَبّة ‪ ،‬حدثنا هارون بن عمر المخزومي ‪ ،‬حدثنا الوليد بن مسلم ‪ ،‬حدثنا‬
‫أبو سعيد روح بن جناح ‪ ،‬عن مولى لعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬عن أبي بردة بن أبي موسى ‪ ،‬عن‬
‫شفُ عَنْ سَاقٍ } قال ‪" :‬عن نور عظيم ‪،‬‬
‫أبيه ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪َ { :‬يوْمَ ُيكْ َ‬
‫يخرون له سجدًا"‪.‬‬
‫ورواه أبو يعلى ‪ ،‬عن القاسم بن يحيى ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬به (‪ )4‬وفيه رجل مبهم (‪ )5‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬البيت في تفسير الطبري (‪.)29/24‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬المر وجده"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬هي أشد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ )29/27‬ومسند أبي يعلى (‪.)13/269‬‬
‫تنبيه ‪ :‬ظن بعض الناس أن الحافظ ابن كثير سلك هنا مسلك التأويل لصفة الساق ‪ ،‬وهذا فهم‬
‫خاطئ ؛ وذلك لن الحافظ ابن كثير فسر هذه الية بحديث أبي سعيد ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ ،‬ثم ذكر‬
‫ما قيل في هذه الية ‪ ،‬وقد تكلم المام ابن القيم عن هذه الية كلمًا بديعًا قال ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في‬
‫الصواعق المرسلة (‪" : )253 ، 1/252‬والصحابة متنازعون في تفسير هذه الية ‪ :‬هل المراد‬
‫الكشف عن الشدة ؟ أو المراد بها أن الرب تعالى يكشف عن ساقه ؟ ول يحفظ عن الصحابة‬
‫والتابعين نزاع فيها يذكر أنه من الصفات أم ل في غير هذا الموضوع ‪ ،‬وليس في ظاهر القرآن‬
‫ما يدل على أن ذلك صفة ل ؛ لنه سبحانه لم يضف الساق إليه ‪ ،‬وإنما ذكره مجردًا عن الضافة‬
‫منكرًا ‪ ،‬والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والصبع لم يأخذ ذلك من ظاهر القرآن ‪ ،‬وإنما أثبتوه‬
‫بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته ‪ ،‬وهو حديث الشفاعة الطويل وفيه ‪" :‬فيكشف الرب‬
‫عن ساقه فيخرون له سجدًا"‪ .‬ومن حمل الية على ذلك قال ‪ :‬قوله تعالى ‪" :‬يوم يكشف عن ساق‬
‫ويدعون إلى السجود" القلم ‪ : 42 :‬مطابق لقوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬فيكشف عن ساقة‬
‫فيخرون له سجدًا"‪ .‬وتنكيره للتعظيم والتفخيم كأنه قال ‪ :‬يكشف عن ساق عظيمة ‪ ،‬جلت عظمتها‬
‫وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثل أو شبيه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وحمل الية على الشدة ل يصح‬
‫بوجه ؛ فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال ‪ :‬كشف الشدة عن القوم ل كشف عنها كما قال تعالى‬
‫‪" :‬فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون" الزخرف ‪ ، 50 :‬وقال "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم‬
‫من ضر" المؤمنون ‪ ، 75 :‬فالعذاب والشدة هو المكشوف ل المكشوف عنه ‪ ،‬وأيضًا فهناك تحدث‬
‫الشدة وتشتد ‪ ،‬ول تزال إل بدخول الجنة ‪ ،‬وهناك ل يدعون إلى السجود ‪ ،‬وإنما يدعون إليه أشد‬
‫ما كانت الشدة" انتهى نقل عن التحذير من مختصرات الصابوني ‪ ،‬وانظر ‪ :‬عقيدة الحافظ ابن‬
‫كثير للشيخ عبد الخر الغنيمي (ص ‪ )49 ، 48‬والتحذير للشيخ بكر أبو زيد (ص ‪.)353 - 350‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬رجل متهم"‪.‬‬

‫( ‪)8/199‬‬

‫حبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَ ُهوَ َم ْكظُومٌ (‪َ )48‬لوْلَا أَنْ تَدَا َركَهُ ِن ْعمَةٌ مِنْ‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ وَلَا َتكُنْ َكصَا ِ‬
‫فَاصْبِرْ لِ ُ‬
‫جعَلَهُ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )50‬وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ َكفَرُوا‬
‫رَبّهِ لَنُ ِبذَ بِا ْلعَرَا ِء وَ ُهوَ مَ ْذمُومٌ (‪ )49‬فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ َف َ‬
‫س ِمعُوا ال ّذكْ َر وَ َيقُولُونَ إِنّهُ َلمَجْنُونٌ (‪َ )51‬ومَا ُهوَ إِلّا ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‪)52‬‬
‫لَيُزِْلقُونَكَ بِأَ ْبصَارِهِمْ َلمّا َ‬
‫شعَةً أَ ْبصَارُ ُهمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ } أي ‪ :‬في الدار الخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬خَا ِ‬
‫فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه‪ .‬ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم‬
‫وسلمتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الخرة ‪ ،‬إذا تجلى الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬فيسجد له‬
‫المؤمنون ‪ ،‬ل يستطيع أحد من الكافرين ول المنافقين أن يسجُد ‪ ،‬بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا‬
‫‪ ،‬كلما أراد أحدهم أن يسجد خَرّ لقفاه ‪ ،‬عكس السجود ‪ ،‬كما كانوا في الدنيا ‪ ،‬بخلف ما عليه‬
‫المؤمنون‪.‬‬
‫حدِيثِ } يعني ‪ :‬القرآن‪ .‬وهذا تهديد شديد ‪ ،‬أي ‪ :‬دعني‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬فذَرْنِي َومَنْ ُيكَ ّذبُ ِبهَذَا الْ َ‬
‫وإياه مني ومنه ‪ ،‬أنا أعلم به كيف أستدرجه ‪ ،‬وأمده في غيه وأنظر (‪ )1‬ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر‬
‫جهُمْ مِنْ حَ ْيثُ ل َيعَْلمُونَ } أي ‪ :‬وهم ل يشعرون ‪ ،‬بل يعتقدون أن ذلك‬
‫؛ ولهذا قال ‪ { :‬سَنَسْ َتدْرِ ُ‬
‫من ال كرامة ‪ ،‬وهو في نفس المر إهانة ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أَ َيحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُنمِدّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ‬
‫شعُرُونَ } [المؤمنون ‪ ، ]56 ، 55 :‬وقال ‪ { :‬فََلمّا نَسُوا مَا ُذكّرُوا‬
‫نُسَا ِرعُ َلهُمْ فِي ا ْلخَيْرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫شيْءٍ حَتّى ِإذَا فَرِحُوا ِبمَا أُوتُوا َأخَذْنَا ُهمْ َبغْتَةً فَِإذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [النعام‬
‫بِهِ فَ َتحْنَا عَلَ ْيهِمْ أَ ْبوَابَ ُكلّ َ‬
‫‪ .]44 :‬ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَُأمْلِي َلهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي ‪ :‬وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم (‪)2‬‬
‫وذلك من كيدي ومكري بهم ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ } أي ‪ :‬عظيم لمن خالف أمري‬
‫‪ ،‬وكذب رسلي ‪ ،‬واجترأ على معصيتي‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إن ال تعالى ل ُيمْلي للظالم ‪ ،‬حتى‬
‫شدِيدٌ }‬
‫إذا أخذه لم ُيفْلِتْه"‪ .‬ثم قرأ ‪َ { :‬وكَذَِلكَ أَخْذُ رَ ّبكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَ ِهيَ ظَاِل َمةٌ إِنّ َأخْ َذهُ أَلِيمٌ َ‬
‫[هود ‪.)3( ]102 :‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬أمْ تَسْأَُل ُهمْ أَجْرًا َفهُمْ مِنْ َمغْرَمٍ مُ ْثقَلُونَ َأمْ عِنْ َدهُمُ ا ْلغَ ْيبُ َفهُمْ َيكْتُبُونَ } تقدم تفسيرهما في‬
‫سورة "الطور" (‪ )5( )4‬والمعنى في ذلك ‪ :‬أنك يا محمد تدعوهم إلى ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬بل أجر‬
‫تأخذه منهم ‪ ،‬بل ترجو ثواب ذلك عند ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬وهم يكذبون بما جئتهم به ‪ ،‬بمجرد الجهل‬
‫والكفر والعناد‪.‬‬
‫حبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَ ُهوَ َم ْكظُومٌ (‪َ )48‬لوْل أَنْ تَدَا َركَهُ ِن ْعمَةٌ‬
‫ك وَل َتكُنْ َكصَا ِ‬
‫حكْمِ رَ ّب َ‬
‫{ فَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫جعَلَهُ مِنَ الصّاِلحِينَ (‪ )50‬وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ‬
‫مِنْ رَبّهِ لَنُ ِبذَ بِا ْلعَرَا ِء وَ ُهوَ مَ ْذمُومٌ (‪ )49‬فَاجْتَبَاهُ رَبّهُ َف َ‬
‫س ِمعُوا ال ّذكْ َر وَ َيقُولُونَ إِنّهُ َلمَجْنُونٌ (‪َ )51‬ومَا ُهوَ إِل ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ (‬
‫َكفَرُوا لَيُزِْلقُو َنكَ بِأَ ْبصَارِ ِهمْ َلمّا َ‬
‫‪} )52‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬وأنظره"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬وأمد لهم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )4686‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2583‬من حديث أبي موسى الشعري‬
‫‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬في سورة النور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬عند تفسير اليتين ‪.41 ، 40 :‬‬

‫( ‪)8/200‬‬

‫يقول تعالى ‪ { :‬فَاصْبِرْ } يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم ؛ فإن ال سيحكم لك عليهم ‪،‬‬
‫حبِ الْحُوتِ } يعني ‪ :‬ذا النون ‪،‬‬
‫ويجعل العاقبة لك ولتباعك في الدنيا والخرة ‪ { ،‬وَل َتكُنْ َكصَا ِ‬
‫وهو يونس بن متى ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬حين ذهب ُمغَاضِبًا على قومه ‪ ،‬فكان من أمره ما كان من‬
‫ركوبه في البحر والتقام الحوت له ‪ ،‬وشرود الحوت به في البحار وظلمات غمرات اليم ‪،‬‬
‫وسماعه تسبيح البحر بما فيه للعلي القدير ‪ ،‬الذي ل يُ َردّ ما أنفذه من التقدير ‪ ،‬فحينئذ نادى في‬
‫الظلمات‪ { .‬أَنْ ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ سُ ْبحَا َنكَ إِنّي كُ ْنتُ مِنَ الظّاِلمِينَ } [النبياء ‪ .]87 :‬قال ال { فَاسْ َتجَبْنَا‬
‫لَ ُه وَنَجّيْنَاهُ مِنَ ا ْلغَ ّم َوكَذَِلكَ نُ ْنجِي ا ْل ُمؤْمِنِينَ } [النبياء ‪ ، ]88 :‬وقال تعالى ‪ { :‬فََلوْل أَنّهُ كَانَ مِنَ‬
‫ا ْلمُسَبّحِينَ لَلَ ِبثَ فِي َبطْنِهِ ِإلَى َيوْمِ يُ ْبعَثُونَ } [الصافات ‪ ]144 ، 143 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬إِذْ نَادَى‬
‫وَ ُهوَ َم ْكظُومٌ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والسدي ‪ :‬وهو مغموم‪ .‬وقال عطاء الخراساني ‪ ،‬وأبو‬
‫مالك ‪ :‬مكروب‪ .‬وقد قدمنا في الحديث أنه لما قال ‪ { :‬ل إِلَهَ إِل أَ ْنتَ سُ ْبحَا َنكَ إِنّي كُ ْنتُ مِنَ‬
‫حفّ حول العرش ‪ ،‬فقالت الملئكة ‪ :‬يا رب ‪ ،‬هذا صوت ضعيف‬
‫الظّاِلمِينَ } خرجت الكلمة َت ُ‬
‫معروف من بلد غريبة‪ .‬فقال ال ‪ :‬أما تعرفون هذا ؟ قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪ :‬هذا يونس‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رب‬
‫‪ ،‬عبدك الذي ل يزال يرفع له عمل صالح ودعوة مجابة ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالوا ‪ :‬أفل ترحم ما كان‬
‫يعمله في الرخاء فتنجيه من البلء ؟ فأمر ال الحوت فألقاه بالعراء ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬فَاجْتَبَاهُ‬
‫جعَلَهُ مِنَ الصّاِلحِينَ }‬
‫رَبّهُ َف َ‬
‫وقد قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن عبد ال‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل ينبغي لحد أن يقول ‪ :‬أنا خير من يونس بن‬
‫متى"‪.‬‬
‫ورواه البخاري من حديث سفيان الثوري (‪ )1‬وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِنْ َيكَادُ الّذِينَ َكفَرُوا لَيُزِْلقُو َنكَ بِأَ ْبصَارِهِمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغيرهما ‪:‬‬
‫{ لَيُزِْلقُو َنكَ } لينفذونك بأبصارهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليعينونك بأبصارهم ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬يحسدونك لبغضهم إياك‬
‫لول وقاية ال لك ‪ ،‬وحمايته إياك منهم‪ .‬وفي هذه الية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها‬
‫حق ‪ ،‬بأمر ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬كما وردت بذلك الحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة‪.‬‬
‫حديث أنس بن مالك ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬قال أبو داود ‪ :‬حدثنا سليمان بن داود العَتَكي ‪ ،‬حدثنا‬
‫شريك(ح) ‪ ،‬وحدثنا العباس العَنْبَريّ ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أنبأنا شريك ‪ ،‬عن العباس بن‬
‫ذَرِيح ‪ ،‬عن الشعبي ‪ -‬قال العباس ‪ :‬عن أنس ‪ -‬قال ‪ :‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل رقية‬
‫إل من عين أو حُمة أو دم ل يرقأ"‪ .‬لم يذكر العباس العين‪ .‬وهذا لفظ سليمان (‪.)3‬‬
‫حصَيب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬قال أبو عبد ال ابن ماجة ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال‬
‫حديث بُرَيدة بن ال ُ‬
‫حصَين ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن‬
‫بن ُنمَير ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن سليمان ‪ ،‬عن أبي جعفر الرازي ‪ ،‬عن ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )1/390‬وصحيح البخاري برقم (‪.)4603‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )4631‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2376‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)3889‬‬

‫( ‪)8/201‬‬

‫بُرَيدة بن الحصيب قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل رقية إل من عين أو حُمة" (‬
‫‪.)1‬‬
‫هكذا رواه ابن ماجة وقد أخرجه مسلم في صحيحه ‪ ،‬عن سعيد بن منصور ‪ ،‬عن هشيم ‪ ،‬عن‬
‫حصَين بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عامر الشعبي ‪ ،‬عن بريدة موقوفًا ‪ ،‬وفيه قصة (‪ )2‬وقد رواه شعبة‬
‫ُ‬
‫‪ ،‬عن حصين ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن بريدة‪ .‬قاله الترمذي (‪ )3‬وروى هذا الحديث المام البخاري‬
‫من حديث محمد بن فضيل ‪ ،‬وأبو داود من حديث مالك بن ِمغْول ‪ ،‬والترمذي من حديث سفيان‬
‫حصَين موقوفًا (‪.)4‬‬
‫بن عيينة ‪ ،‬ثلثتهم عن حصين ‪ ،‬عن عامر عن الشعبي ‪ ،‬عن عمران بن ُ‬
‫حديث أبي جندب بن جنادة ‪ :‬قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن‬
‫محمد بن عرعرة بن البِرِند السامي ‪ ،‬حدثنا ديلم بن غَزوان ‪ ،‬حدثنا وهْب بن أبي دبي ‪ ،‬عن أبي‬
‫حرب عن أبي ذر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن العين لتولع الرجلَ بإذن ال ‪،‬‬
‫فيتصاعد حالقا ‪ ،‬ثم يتردى منه" إسناده غريب ‪ ،‬ولم يخرجوه (‪.)5‬‬
‫حديث حابس التميمي ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد ‪ ،‬حدثنا حرب ‪ ،‬حدثنا يحيى بن أبي‬
‫كثير ‪ ،‬حدثني حَيّة بن حابس التميمي ‪ :‬أن أباه أخبره ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪" :‬ل شيء في الهام ‪ ،‬والعين حق ‪ ،‬وأصدق الطيَرَة (‪ )6‬الفَألُ" (‪.)7‬‬
‫وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي ‪ ،‬عن أبي غسان يحيى بن كثير ‪ ،‬عن علي بن المبارك ‪،‬‬
‫عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬به (‪ )8‬ثم قال غريب‪ .‬قال وروى شيبان ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن‬
‫حَيّة بن حابس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬كذلك رواه المام أحمد ‪ ،‬عن حسن بن موسى وحُسَين بن محمد ‪ ،‬عن شيبان ‪ ،‬يحيى بن‬
‫أبي كثير ‪ ،‬عن حَيّة ‪ ،‬حدثه عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"ل بأس في الهام ‪ ،‬والعين حق ‪ ،‬وأصدق الطيرة الفأل " (‪.)9‬‬
‫حديث ابن عباس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد ال بن الوليد ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن ُدوَيد ‪ ،‬حدثني‬
‫إسماعيل بن ثوبان ‪ ،‬عن جابر بن زيد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪" :‬العين‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجة برقم (‪.)3513‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)220‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي (‪.)4/345‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )5705‬وسنن أبي داود برقم (‪ )3884‬وسنن التلمذي برقم (‪.)2075‬‬
‫(‪ )5‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )3/104‬من طريق أبي يعلى لكنه وقع فيه ‪ :‬إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫ديلم ‪ ،‬عن وهب بن أبي دبي ‪ ،‬عن محجن ‪ ،‬عن أبي زر به ‪ ،‬فأسقط أبو حرب ‪ ،‬وسيأتي توجيه‬
‫ذلك من كلم ابن عدى ‪ ،‬ورواه المام أحمد في المسند (‪ )5/146‬من طريق يونس بن محمد ‪،‬‬
‫وابن عدى في الكامل (‪ )3/104‬من طريق الصلت بن مسعود كلهما عن ديلم بن غزوان عن‬
‫وهب عن أبي حرب عن محجن عن أبي ذر به ‪ ،‬قال ابن عدي ‪ :‬وهذا حديث يرويه ديلم عن‬
‫وهب بن أبي دبي ‪ ،‬وأظن أنه وهم من رواية الصلت حيث قال ‪ :‬عن وهب بن أبي دبي ‪ ،‬عن‬
‫أبي حرب ‪ ،‬عن محجن ‪ ،‬ولعل أبا حرب هو محجن"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬الطير" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬الظن"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)5/70‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪.)2061‬‬
‫(‪ )9‬المسند (‪.)5/70‬‬

‫( ‪)8/202‬‬

‫حق ‪ ،‬العين حق ‪ ،‬تستنزل الحالق" (‪ )1‬غريب‪.‬‬


‫طريق أخرى ‪ :‬قال مسلم في صحيحه ‪ :‬حدثنا عبد ال بن عبد الرحمن الدارمي ‪ ،‬أخبرنا مسلم بن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬حدثنا وُهَيب ‪ ،‬عن ابن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬العين حق ‪ ،‬ولو كان شيء سَابَقَ القَدَرَ سَ َبقَت العين ‪ ،‬وإذا اغْتُسلتم فاغسلوا"‪ .‬انفرد‬
‫به دون البخاري (‪.)2‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪ ،‬عن منصور ‪ ،‬عن المِنْهال بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن‬
‫جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ُي َعوّذ الحسن والحسين ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫"أعيذكما بكلمات ال التامة ‪ ،‬من كل شيطان وهَامّة ‪ ،‬ومن كل عين لمّة" ‪ ،‬ويقول هكذا كان‬
‫إبراهيم ُي َعوّذ إسحاق وإسماعيل ‪ ،‬عليهما السلم"‪.‬‬
‫أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال ‪ ،‬به (‪)3‬‬
‫حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف ‪ ،‬رضي ال عنه ‪" :‬قال ابن ماجة ‪ :‬حدثنا هشام بن‬
‫عمار ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي أمامة ابن سهل بن حُنَيف قال ‪ :‬مر عامر بن‬
‫ربيعة بسهل بن حُنَيف ‪ ،‬وهو يغتسل ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم أر كاليوم ول جلدَ مخبأة‪ .‬فما لبث أن لُبِطَ به ‪،‬‬
‫فأتي به رسول ال صلى ال عليه وسلم فقيل له ‪ :‬أدرك سهل صريعًا‪ .‬قال ‪" :‬من تتهمون به ؟"‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬عامر بن ربيعة‪ .‬قال ‪" :‬علم يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فَلْيَدعُ‬
‫له بالبركة"‪ .‬ثُم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ‪ ،‬وركبتيه ‪،‬‬
‫ودَاخِلة إزاره ‪ ،‬وأمره أن يصب عليه‪.‬‬
‫قال سفيان ‪ :‬قال َم ْعمَر ‪ ،‬عن الزهري ‪ :‬وأمر أن يكفَأ الناء من خلفه (‪.)4‬‬
‫وقد رواه النسائي ‪ ،‬من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس ‪ ،‬كلهما عن الزهري ‪ ،‬به‪ .‬ومن‬
‫حديث سفيان بن عيينة أيضًا عن معمر ‪ ،‬عن الزهري ‪ ،‬عن أبي أمامة ‪ :‬ويكفَأ الناء من خلفه‪.‬‬
‫ومن حديث ابن أبي ذئب عن الزهري ‪ ،‬عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حُنَيف ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به‪.‬‬
‫ومن حديث مالك أيضًا ‪ ،‬عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫حديث أبي سعيد الخدري ‪ :‬قال ابن ماجة ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا سعيد بن سليمان ‪،‬‬
‫حدثنا عباد ‪ ،‬عن الجريري ‪ ،‬عن أبي نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يتعوذ من أعين (‪ )6‬الجان وأعين النس‪ .‬فلما نزل (‪ )7‬المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/274‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)2188‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )3371‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4737‬وسنن النرمذي برقم (‪)2060‬‬
‫وسنن النسائي الكبرى برقم (‪ )10844‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3525‬‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجة برقم (‪.)3509‬‬
‫(‪ )5‬سنن النسائي الكبرى برقم (‪.)7619 - 7617‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬من عين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬فلما نزلت"‪.‬‬

‫( ‪)8/203‬‬

‫ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس (‪ )1‬أبي مسعود الجُرَيري ‪ ،‬به (‪ )2‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حسن‪.‬‬
‫حديث آخر عنه ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ‪ ،‬حدثني أبي ‪ ،‬حدثني عبد‬
‫العزيز بن صُهيب ‪ ،‬حدثني أبو نضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ :‬أن جبريل أتى رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬اشتكيت يا محمد ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬قال باسم ال أرقيك ‪ ،‬من كل شيء يؤذيك ‪ ،‬من شر‬
‫كل نفس و عين يشفيك ‪ ،‬باسم ال أرقيك (‪.)3‬‬
‫ورواه عن عفان ‪ ،‬عن عبد الوارث ‪ ،‬مثله‪ .‬ورواه مسلم وأهل السنن ‪ -‬إل أبا داود ‪ -‬من حديث‬
‫عبد الوارث ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال المام أحمد أيضًا ‪ :‬حدثنا عفان ‪ ،‬حدثنا وهيب ‪ ،‬حدثنا داود ‪ ،‬عن أبي نَضرة ‪ ،‬عن أبي‬
‫سعيد ‪ -‬أو ‪ :‬جابر بن عبد ال ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم اشتكى ‪ ،‬فأتاه جبريل فقال ‪:‬‬
‫باسم ال أرقيك ‪ ،‬من كل شيء يؤذيك ‪ ،‬من كل حاسد وعين وال يُشفيك (‪.)5‬‬
‫ورواه أيضًا ‪ ،‬عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ‪ ،‬عن داود ‪ ،‬عن أبي نَضرة ‪ ،‬عن أبي سعيد‬
‫به (‪.)6‬‬
‫قال أبو زُرْعَة الرازي ‪ :‬روى عبد الصمد بن عبد الوارث ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد العزيز ‪ ،‬عن‬
‫أبي نضرة ‪ ،‬وعن عبد العزيز ‪ ،‬عن أنس ‪ ،‬في معناه ‪ ،‬وكلهما صحيح‪.‬‬
‫حديث أبى هُرَيرة ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬أنبأنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن َهمّام بن مُنَبّه قال ‪:‬‬
‫هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة عن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن العين حق" (‪.)7‬‬
‫أخرجاه من حديث عبد الرزاق (‪.)8‬‬
‫وقال ابن ماجة ‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا إسماعيل بن عُلَيّة ‪ ،‬عن الجُرَيري ‪ ،‬عن‬
‫ُمضَارب بن حَزن ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬العين حق"‪.‬تفرد‬
‫به‪.‬‬
‫ورواه أحمد ‪ ،‬عن إسماعيل بن عُلَيّة ‪ ،‬عن سعيد الجريري ‪ ،‬به (‪.)9‬‬
‫وقال المام أحمد حدثنا ابن نمير ‪ ،‬حدثنا ثور ‪ -‬يعني ابن يزيد ‪ -‬عن مكحول ‪ ،‬عن أبي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سعيد بن أبي إياس"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )3511‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2058‬وسنن النسائي (‪.)8/271‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/28‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/56‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2186‬وسنن الترمذي برقم (‪ )975‬وسنن النسائي‬
‫الكبري برقم (‪ )10843‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3523‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)3/75‬‬
‫(‪ )6‬المسند (‪.)3/58‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/318‬‬
‫(‪ )8‬صحيح البخاري برقم (‪ )5740‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2187‬‬
‫(‪ )9‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )3507‬والمسند (‪.)2/487‬‬
‫( ‪)8/204‬‬

‫هُرَيرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "العين حق ‪ ،‬ويحضُرها الشيطانُ ‪ ،‬وحسد ابن‬
‫آدم" (‪)1‬‬
‫وقال أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد ‪ ،‬حدثنا أبو معشر ‪ ،‬عن محمد بن قيس ‪ :‬سُئل أبو هُرَيرة ‪:‬‬
‫هل سمعت رسول ال يقول ‪ :‬الطيرة في ثلث ‪ :‬في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إذًا‬
‫أقول على رسول ال صلى ال عليه وسلم ما لم يقل! ولكني سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول ‪" :‬أصدق الطيرة الفألُ ‪ ،‬والعين حق" (‪.)2‬‬
‫عمَيس ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عُروةَ بن‬
‫حديث أسماء بنت ُ‬
‫عامر ‪ ،‬عن عُبَيد بن رفاعة الزُرقي قال ‪ :‬قالت أسماء ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إن بني جعفر تصيبهم‬
‫العين ‪ ،‬أفأسترقي لهم ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬فلو كان شيء يسبق القدرَ لسبقته العين"‪.‬‬
‫وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة ‪ ،‬به (‪ )3‬ورواه الترمذي أيضًا‬
‫والنسائي ‪ ،‬من حديث عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن عمرو بن دينار ‪ ،‬عن عُ ْروَة‬
‫بن عامر ‪ ،‬عن عُبَيد بن رفاعة ‪ ،‬عن أسماء بنت عميس ‪ ،‬به (‪ )4‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫خصِيب ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪،‬‬
‫حديث عائشة ‪ ،‬رضي ال عنها ‪ :‬قال ابن ماجة ‪ :‬حدثنا علي بن أبي ال َ‬
‫سعَر ‪ ،‬عن معبد بن خالد ‪ ،‬عن عبد ال بن شَدّاد ‪ ،‬عن عائشة ؛ أن رسول ال‬
‫عن سفيان ‪ ،‬ومِ ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين (‪.)5‬‬
‫ورواه البخاري عن محمد بن كثير ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن معبد بن خالد ‪ ،‬به‪ .‬وأخرجه مسلم من‬
‫سعَر ‪ ،‬كلهما عن معبد ‪ ،‬به (‪ )6‬ثم قال ابن ماجة ‪:‬‬
‫حديث سُفيانَ ومِ ْ‬
‫حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا أبو هشام المخزومي ‪ ،‬حدثنا وُهَيب ‪ ،‬عن أبي واقد ‪ ،‬عن أبي سلمة‬
‫بن عبد الرحمن ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬استعيذوا بال فإن‬
‫النفس حق"‪ .‬تفرد به (‪)7‬‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا عثمان بن أبي شيبة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬حدثنا العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫السود ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المَعين (‪.)8‬‬
‫حسَين بن محمد ‪ ،‬حدثنا أبو أويس (‪ )9‬حدثنا‬
‫حديث سهل بن حُنَيف ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ُ‬
‫الزهري ‪ ،‬عن أبي أمامة بن سَهل بن حُنَيف ‪ :‬أن أباه حدثه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫خرج وساروا معه‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/439‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/289‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )6/438‬وسنن الترمذي برقم (‪ )2059‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)3510‬‬
‫(‪ )4‬سنن الترمذي برقم (‪ )2059‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‪.)7537‬‬
‫(‪ )5‬سنن ابن ماجة برقم (‪.)3510‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري برقم (‪ )5738‬وصحيح مسلم برقم (‪.)2195‬‬
‫(‪ )7‬سنن ابن ماجة برقم (‪ )3508‬وقال البوصيري في الزوائد (‪ )3/134‬ك "هذا إسناد فيه مقال"‪.‬‬
‫(‪ )8‬سنن أبي داود برقم (‪.)3880‬‬
‫(‪ )9‬في م ‪" :‬أبو إدريس"‪.‬‬

‫( ‪)8/205‬‬

‫نحو مكة ‪ ،‬حتى إذا كانوا بشعب الخَرَار ‪ -‬من الجحفة ‪ -‬اغتسل سهلُ بن حُنَيف ‪ -‬وكان رجل‬
‫أبيض حَسن الجسم والجلد ‪ -‬فنظر إليه عامر بن ربيعة ‪ ،‬أخو بني عدي بن كعب ‪ ،‬وهو يغتسل ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬ما رأيت كاليوم ول جلد مُخَبّأة‪ .‬فلُ ِبطَ سهل ‪ ،‬فأتي رسول ال صلى ال عليه وسلم فقيل له‬
‫‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل لك في سهل‪ .‬وال ما يرفع رأسه ول يُفيق‪ .‬قال ‪" :‬هل تتهمون فيه من‬
‫أحد ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬نظر إليه عامر بن ربيعة‪ .‬فدعا رسول ال صلى ال عليه وسلم عامرا ‪ ،‬فتغيظ‬
‫عليه ‪ ،‬وقال ‪" :‬علم يقتل أحدكم أخاه ‪ ،‬هل إذا رأيت ما يعجبك بَركت ؟"‪ .‬ثم قال له ‪" :‬اغتسل‬
‫له" ‪ -‬فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ودَاخلَة إزاره في قَدح ‪ -‬ثم صُب ذلك‬
‫الماء عليه‪َ .‬يصُبَه رجل على رأسه وظهره من خلفه ‪ ،‬ثم يكفأ (‪ .)1‬القدح وراءه‪ .‬ففعل ذلك ‪،‬‬
‫فراح سهل مع الناس ‪ ،‬ليس به بأس (‪.)2‬‬
‫حديث عامر بن ربيعة ‪" :‬قال المام أحمد في مسند عامر ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫ال بن عيسى ‪ ،‬عن أمَيّة بن هند بن سهل بن حُنَيْف ‪ ،‬عن عبد ال بن عامر قال ‪ :‬انطلق عامر‬
‫بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ‪ ،‬قال ‪ :‬فانطلقا يلتمسان الخمرَ ‪ -‬قال ‪ :‬فوضع عامر‬
‫جُبّة كانت عليه من صوف ‪ ،‬فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل‪ .‬قال ‪ :‬فسمعت له في‬
‫الماء فرقعة ‪ ،‬فأتيته فناديته ثلثا فلم يجبني‪ .‬فأتيت النبي صلى ال عليه وسلم فأخبرته‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب صدره بيده ثم قال ‪" :‬اللهم‬
‫اصرف عنه حرها وبردها ووصبها"‪ .‬قال ‪ :‬فقام‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إذا رأى‬
‫أحدكم من أخيه ‪ ،‬أو من نفسه أو من ماله ‪ ،‬ما يعجبه ‪ ،‬فَليُبَرّك ‪ ،‬فإن العين حق" (‪.)3‬‬
‫حديث جابر ‪ :‬قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده ‪ :‬حدثنا محمد بن َم ْعمَر ‪ ،‬حدثنا أبو داود ‪،‬‬
‫ضجِيع ‪ ،‬ضجيع حمزة ‪،‬‬
‫حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل النصاري ‪ -‬ويقال له ‪ :‬ابن ال َ‬
‫رضي ال عنه ‪ -‬حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد ال ‪ ،‬عن أبيه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب ال وقضائه وقدره بالنفس" (‪.)4‬‬
‫قال البزار ‪ :‬يعني العين‪ .‬قال ول نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى ال عليه وسلم إل بهذا‬
‫السناد‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بل قد روي من وجه آخر عن جابر ؛ قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر‬
‫شكّر ‪ -‬في كتاب العجائب ‪ ،‬وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة ‪ :‬حدثنا‬
‫الهروي ‪ -‬المعروف ب َ‬
‫الرهاوي ‪ ،‬حدثنا يعقوب بن محمد ‪ ،‬حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي ‪ ،‬حدثنا محمد بن المُنكَدر ‪،‬‬
‫عن جابر بن عبد ال أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬العين حق ‪ ،‬لتُورِد الرجل القبر ‪،‬‬
‫والجمل القِدر ‪ ،‬وإن أكثر هلك أمتي في العين" (‪.)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ثم يلقي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/486‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)3/486‬‬
‫(‪ )4‬مسند البزار برقم (‪" )3052‬كشف الستار" وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )5/106‬رجاله‬
‫رجال الصحيح ‪ ،‬خل طالب بن حبيب ابن عمرو ‪ ،‬وهو ثقة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه ابن عدي في الكامل (‪ )5/185‬من طريق رحيم عن ابن أبي فديك عن علي بن أبي‬
‫علي اللهبي ‪ ،‬به‪ .‬وقال [غير محفوظ] وعلي بن أبي علي هو آفنه ‪ ،‬قال أحمد ‪ :‬يروي أحاديث‬
‫مناكير عن جابر‪.‬‬

‫( ‪)8/206‬‬

‫ثم رواه عن شعيب بن أيوب ‪ ،‬عن معاوية بن هشام ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن‬
‫جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬قد تُدخل الرجلَ العينُ في القبر ‪ ،‬وتدخل الجمل‬
‫القدر" (‪.)1‬‬
‫حديث عبد ال بن عمرو ‪" :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا رشدين بن سعد ‪ ،‬عن الحسن‬
‫بن ثوبان ‪ ،‬عن هشام بن أبي رُقية ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪" :‬ل عدوى ول طيرةَ ‪ ،‬ول هَامة ول حَسَد ‪ ،‬والعين حق"‪ .‬تفرد به أحمد (‪.)2‬‬
‫حديث عن علي ‪ :‬روى الحافظ ابن عساكر من طريق خَيْثمة بن سليمان الحافظ ‪ :‬حدثنا عبيد بن‬
‫محمد الكَشَوري ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن عبد ال بن عبد ربه البصري ‪ ،‬عن أبي رجاء ‪ ،‬عن شعبة ‪،‬‬
‫عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن الحارث ‪ ،‬عن علي ؛ أن جبريل أتى النبي صلى ال عليه وسلم فوافقه‬
‫مغتما ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬ما هذا الغم الذي أراه في وجهك ؟ قال ‪" :‬الحسن والحسين أصابتهما‬
‫صدَق بالعين ‪ ،‬فإن العين حق ‪ ،‬أفل عوذتهما بهؤلء الكلمات ؟ قال ‪" :‬وما هن يا‬
‫عين"‪ .‬قال ‪َ :‬‬
‫جبريل ؟"‪ .‬قال ‪ :‬قل ‪ :‬اللهم ذا السلطان العظيم ‪ ،‬ذا المن (‪ )3‬القديم ‪ ،‬ذا الوجه الكريم ‪ ،‬ولي‬
‫الكلمات التامات ‪ ،‬والدعوات المستجابات ‪ ،‬عاف الحسن والحسين من أنفس الجن ‪ ،‬وأعين‬
‫النس‪ .‬فقالها النبي صلى ال عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫عوّذوا أنفسكم ونساءكم وأولدكم بهذا التعويذ ‪ ،‬فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله"‪.‬‬
‫"َ‬
‫قال الخطيب البغدادي ‪ :‬تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد ال الحَيَطي (‪ )4‬من أهل تُسْتَر‪.‬‬
‫ذكره ابن عساكر في ترجمة "طراد بن الحسين" ‪ ،‬من تاريخه (‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ إِنّهُ َلمَجْنُونٌ } أي ‪ :‬يزدرونه بأعينهم ويؤذونه بألسنتهم ‪ ،‬ويقولون ‪ { :‬إِنّهُ‬
‫َلمَجْنُونٌ } أي ‪ :‬لمجيئه بالقرآن ‪ ،‬قال ال تعالى { َومَا ُهوَ إِل ِذكْرٌ لِ ْلعَاَلمِينَ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬ورواه ابن عدى في الكامل (‪ )6/408‬وأبو نعيم في الحلية (‪ )7/90‬من طرق عن شعيب بن‬
‫أيوب به ‪ ،‬وقال أبو نعيم ‪" :‬غريب من حديث الثوري ‪ ،‬تفرد به معاويه" وكذا قال ابن عدى‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/222‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬والمن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬وقع في تاريخ دمشق ‪" :‬محمد بن عبد ال الحنظلى" وفي كنز العمال ‪" :‬محمد بن عبد ال‬
‫الخطيبى" ولم يتبين لى الصواب ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪" 8/503‬المخطوط")‪.‬‬

‫( ‪)8/207‬‬

‫الْحَاقّةُ (‪ )1‬مَا ا ْلحَاقّةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا ا ْلحَاقّةُ (‪ )3‬كَذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ بِا ْلقَارِعَةِ (‪ )4‬فََأمّا َثمُودُ‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ‬
‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ (‪ )6‬سَخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْبعَ لَيَا ٍ‬
‫فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِ َيةِ (‪ )5‬وََأمّا عَادٌ فَأُهِْلكُوا بِرِي ٍ‬
‫خلٍ خَاوِيَةٍ (‪َ )7‬ف َهلْ تَرَى َل ُهمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (‪)8‬‬
‫عجَازُ َن ْ‬
‫أَيّامٍ حُسُومًا فَتَرَى ا ْل َقوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬

‫تفسير سورة الحاقة‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫{ ا ْلحَاقّةُ (‪ )1‬مَا الْحَاقّةُ (‪َ )2‬ومَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقّةُ (‪َ )3‬كذّ َبتْ َثمُو ُد وَعَادٌ بِا ْلقَارِعَةِ (‪ )4‬فََأمّا َثمُودُ‬
‫ل وَ َثمَانِيَةَ‬
‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِ َيةٍ (‪ )6‬سَخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ سَ ْبعَ لَيَا ٍ‬
‫فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِ َيةِ (‪ )5‬وََأمّا عَادٌ فَأُهِْلكُوا بِرِي ٍ‬
‫خلٍ خَاوِيَةٍ (‪َ )7‬ف َهلْ تَرَى َل ُهمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (‪} )8‬‬
‫عجَازُ َن ْ‬
‫أَيّامٍ حُسُومًا فَتَرَى ا ْل َقوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬

‫( ‪)8/208‬‬
‫ن َومَنْ قَبْلَ ُه وَا ْل ُمؤْ َتفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (‪َ )9‬ف َعصَوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فََأخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً (‪)10‬‬
‫عوْ ُ‬
‫وَجَاءَ فِرْ َ‬
‫ن وَاعِيَةٌ (‪)12‬‬
‫جعََلهَا َلكُمْ َت ْذكِ َرةً وَ َتعِيَهَا ُأذُ ٌ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي ا ْلجَارِيَةِ (‪ )11‬لِ َن ْ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫إِنّا َلمّا َ‬

‫خ َذةً رَابِيَةً (‪)10‬‬


‫خذَهُمْ أَ ْ‬
‫صوْا رَسُولَ رَ ّبهِمْ فَأَ َ‬
‫ن َومَنْ قَبَْل ُه وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتُ بِا ْلخَاطِ َئةِ (‪َ )9‬ف َع َ‬
‫عوْ ُ‬
‫{ وَجَاءَ فِرْ َ‬
‫ن وَاعِيَةٌ (‪} )12‬‬
‫جعََلهَا َلكُمْ َت ْذكِ َرةً وَ َتعِيَهَا ُأذُ ٌ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي ا ْلجَارِيَةِ (‪ )11‬لِ َن ْ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫إِنّا َلمّا َ‬
‫عظّم تعالى أمرَها فقال ‪:‬‬
‫ق الوَعدُ والوَعيد ؛ ولهذا َ‬
‫الحاقةُ من أسماء يوم القيامة ؛ لن فيها يَتَحقّ ُ‬
‫{ َومَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقّةُ } ؟‬
‫ثم ذكر تعالى إهلكه المم المكذبين بها فقال تعالى ‪ { :‬فََأمّا َثمُودُ فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِيَةِ } وهي‬
‫الصيحة التي أسكتتهم ‪ ،‬والزلزلة التي أسكنتهم‪ .‬هكذا قال قتادة ‪ :‬الطاغية الصيحة‪ .‬وهو اختيار‬
‫ابن جرير (‪.)1‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬الطاغية الذنوب‪ .‬وكذا قال الربيع بن أنس ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬إنها الطغيان ‪ ،‬وقرأ ابن‬
‫ط ْغوَاهَا } [الشمس ‪.]11 :‬‬
‫زيد ‪ { :‬كَذّ َبتْ َثمُودُ ِب َ‬
‫وقال السّدّي ‪ { :‬فَأُهِْلكُوا بِالطّاغِ َيةِ } قال ‪ :‬يعني ‪ :‬عاقر الناقة‪.‬‬
‫ح صَ ْرصَرٍ } أي ‪ :‬باردة‪ .‬قال قتادة ‪ ،‬والربيع ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والثوري ‪:‬‬
‫{ وََأمّا عَادٌ فَأُهِْلكُوا بِرِي ٍ‬
‫{ عاتية } أي ‪ :‬شديدة الهبوب‪ .‬قال قتادة ‪ :‬عتت عليهم حتى َنقّبت عن أفئدتهم‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬صرصر } باردة { عاتية } عتت عليهم بغير رحمة ول بركة‪ .‬وقال علي‬
‫وغيره ‪ :‬عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب‪.‬‬
‫{ سَخّرَهَا عَلَ ْيهِمْ } أي ‪ :‬سلطها عليهم { سَبْعَ لَيَالٍ وَ َثمَانِيَةَ أَيّامٍ حُسُومًا } أي ‪ :‬كوامل متتابعات‬
‫مشائيم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/31‬‬

‫( ‪)8/208‬‬

‫قال ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والثوري ‪ ،‬وغير واحد { حسوما }‬
‫متتابعات‪.‬‬
‫حسَاتٍ } [فصلت ‪ ]16 :‬قال الربيع ‪:‬‬
‫وعن عكرمة والربيع ‪ :‬مشائيم عليهم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فِي أَيّامٍ نَ ِ‬
‫وكان أولها الجمعة‪ .‬وقال غيره الربعاء‪ .‬ويقال ‪ :‬إنها التي تسميها الناس العجاز ؛ وكأن الناس‬
‫خلٍ خَاوِيَةٍ } وقيل ‪ :‬لنها‬
‫عجَازُ نَ ْ‬
‫أخذوا ذلك من قوله تعالى ‪ { :‬فَتَرَى ا ْلقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَ ّنهُمْ أَ ْ‬
‫تكون في عجز الشتاء ‪ ،‬ويقال ‪ :‬أيام العجوز ؛ لن عجوزًا من قوم عاد دخلت سَرَبا فقتلها الريح‬
‫في اليوم الثامن‪ .‬حكاه البغوي (‪ )1‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ { :‬خاوية } خربة‪ .‬وقال غيره ‪ :‬بالية ‪ ،‬أي ‪ :‬جعلت الريح تضرب بأحدهم‬
‫الرض فيخر ميتًا على أم رأسه ‪ ،‬فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت‬
‫بل أغصان‪.‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ُ " :‬نصِ ْرتُ بالصّبا ‪،‬‬
‫وأهلكَت عادٌ بالدّبور" (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن يحيى بن الضّريس العبدي ‪ ،‬حدثنا ابن ُفضَيل ‪،‬‬
‫عن مسلم ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما فتح ال‬
‫على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إل مثل موضع الخاتم ‪ ،‬فَمرّت بأهل البادية فحملتهم‬
‫ومواشيهم وأموالهم ‪ ،‬فجعلتهم بين السماء والرض‪ .‬فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح (‪ )3‬وما‬
‫فيها قالوا ‪ :‬هذا عارض ممطرنا‪ .‬فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة" (‪.)4‬‬
‫وقال الثوري عن ليث ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬الريح لها جناحان وذنب‪.‬‬
‫{ َف َهلْ تَرَى َلهُمْ مِنْ بَاقِ َيةٍ } ؟ أي ‪ :‬هل تحس منهم من أحد من بقاياهم أنه (‪ )5‬ممن ينتسب إليهم ؟‬
‫بل بادوا عن آخرهم ولم يجعل ال لهم خَلفَا‪.‬‬
‫ن َومَنْ قَبَْلهُ } قُرئ بكسر القاف ‪ ،‬أي ‪ :‬ومن عنده في زمانه من‬
‫عوْ ُ‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬وجَاءَ فِرْ َ‬
‫أتباعه من كفار القبط‪ .‬وقرأ آخرون بفتحها ‪ ،‬أي ‪ :‬ومن قبله من المم المشبهين له‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬والمؤتفكات } وهم المكذبون بالرسل‪ { .‬بالخاطئة } أي بالفعلة الخاطئة ‪ ،‬وهي التكذيب‬
‫بما أنزل ال‪.‬‬
‫قال الربيع ‪ { :‬بالخاطئة } أي ‪ :‬بالمعصية وقال مجاهد ‪ :‬بالخطايا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)208‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ )1035‬وصحيح مسلم برقم (‪.)900‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فلما رأى أهل الحاضر من عاد الريح"‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )12/421‬وأبو الشيخ في العظمة برقم (‪ )806‬من طريق‬
‫محمد بن فضيل عن مسلم ‪ ،‬به‪ .‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/113‬فيه مسلم الملئي وهو‬
‫ضعيف"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬أو"‪.‬‬

‫( ‪)8/209‬‬

‫صوْا َرسُولَ رَ ّب ِهمْ } وهذا جنس ‪ ،‬أي ‪ُ :‬كلّ ك ّذبَ رسول ال إليهم‪ .‬كما قال‬
‫ولهذا قال ‪ :‬تعالى { َف َع َ‬
‫سلَ َفحَقّ وَعِيدِ } [ق ‪ )1( .]14 :‬ومن كذب رسول ال فقد كذب بالجميع ‪ ،‬كما‬
‫‪ُ { :‬كلّ كَ ّذبَ الرّ ُ‬
‫قال ‪ { :‬كَذّ َبتْ َقوْمُ نُوحٍ ا ْلمُ ْرسَلِينَ } [الشعراء ‪َ { ، ]105 :‬كذّ َبتْ عَادٌ ا ْلمُرْسَلِينَ } [الشعراء ‪:‬‬
‫‪ { .]123‬كَذّ َبتْ َثمُودُ ا ْلمُ ْرسَلِينَ } [الشعراء ‪ ]141 :‬وإنما جاء إلى كل أمة رسول واحد ؛ ولهذا‬
‫قال هاهنا ‪َ { :‬ف َعصَوْا َرسُولَ رَ ّبهِمْ فََأخَ َذهُمْ َأخْ َذةً رَابِ َيةً } أي ‪ :‬عظيمة شديدة أليمة‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ { :‬رابية } شديدة‪ .‬وقال السدي ‪ :‬مهلكة‪.‬‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ } أي ‪ :‬زاد على الحد بإذن ال وارتفع على الوجود‪ .‬وقال‬
‫ثم قال ال تعالى ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ } كثر ‪ -‬وذلك بسبب دعوة نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬على قومه‬
‫ابن عباس وغيره ‪َ { :‬‬
‫حين كذبوه وخالفوه ‪ ،‬فعبدوا غير ال فاستجاب ال له وعَمّ أهل الرض بالطوفان إل من كان مع‬
‫نوح في السفينة ‪ ،‬فالناس كلهم من سللة نوح وذريته‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬عن أبي سنان سعيد بن سنان ‪ ،‬عن غير واحد‬
‫‪ ،‬عن علي بن أبي طالب قال ‪ :‬لم تنزل قطرة من ماء إل بكيل على يدي ملك ‪ ،‬فلما كان يوم‬
‫طغَى‬
‫نوح أذن للماء دون الخزان ‪ ،‬فطغى الماء على الخزان فخرج ‪ ،‬فذلك قول ال ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِ َيةِ } ولم ينزل شيء من الريح إل بكيل على يدي ملك ‪ ،‬إل يوم عاد ‪ ،‬فإنه‬
‫ا ْلمَاءُ َ‬
‫ح صَ ْرصَرٍ عَاتِيَةٍ } عتت على الخزان (‪.)2‬‬
‫أذن لها دون الخزان فخرجت ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬بِرِي ٍ‬
‫حمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِ َيةِ } وهي السفينة‬
‫طغَى ا ْلمَاءُ َ‬
‫ولهذا قال تعالى ممتنًا على الناس ‪ { :‬إِنّا َلمّا َ‬
‫جعََلهَا َلكُمْ تَ ْذكِ َرةً } عاد الضمير على الجنس لدللة المعنى عليه ‪،‬‬
‫الجارية على وجه الماء ‪ { ،‬لِنَ ْ‬
‫ج َعلَ َلكُمْ مِنَ‬
‫أي ‪ :‬وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَ َ‬
‫ظهُو ِرهِ ثُمّ َت ْذكُرُوا ِن ْعمَةَ رَ ّبكُمْ ِإذَا اسْ َتوَيْتُمْ عَلَيْه } [الزخرف‬
‫ا ْلفُ ْلكِ وَال ْنعَامِ مَا تَ ْركَبُونَ لِتَسْ َتوُوا عَلَى ُ‬
‫ن وَخََلقْنَا َلهُمْ مِنْ مِثْلِهِ‬
‫شحُو ِ‬
‫حمَلْنَا ذُرّيّ َت ُهمْ فِي ا ْلفُلْكِ ا ْلمَ ْ‬
‫‪ ، ]13 ، 12 :‬وقال تعالى ‪ { :‬وَآيَةٌ َلهُمْ أَنّا َ‬
‫مَا يَ ْركَبُونَ } [يس ‪.]42 ، 41 :‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬أبقى ال السفينة حتى أدركها أوائل هذه المة‪ .‬والول أظهر ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَ َتعِيَهَا‬
‫ن وَاعِيَةٌ } أي ‪ :‬وتفهم هذه النعمة ‪ ،‬وتذكرها أذن واعية‪.‬‬
‫أُذُ ٌ‬
‫ن وَاعِ َيةٌ } عقلت (‪ )4‬عن ال فانتفعت بما‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬حافظة سامعة (‪ )3‬وقال قتادة ‪ { :‬أُذُ ٌ‬
‫ن وَاعِيَةٌ } سمعتها أذن ووعت‪ .‬أي ‪ :‬من له‬
‫سمعت من كتاب ال ‪ ،‬وقال الضحاك ‪ { :‬وَ َتعِ َيهَا ُأذُ ٌ‬
‫سمع صحيح وعقل رجيح‪ .‬وهذا عام فيمن فهم ‪ ،‬ووعى‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬إن كل إل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/32‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬سامعة حافظة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬تحفظت" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬حفظت"‪.‬‬

‫( ‪)8/210‬‬
‫ح َدةً (‪ )14‬فَ َي ْومَئِذٍ‬
‫ض وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬
‫حمَِلتِ الْأَ ْر ُ‬
‫ح َدةٌ (‪ )13‬وَ ُ‬
‫خ ٌة وَا ِ‬
‫فَإِذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ َنفْ َ‬
‫ح ِملُ عَرْشَ‬
‫سمَاءُ َفهِيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَةٌ (‪ )16‬وَا ْلمََلكُ عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا وَيَ ْ‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫َو َقعَتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )15‬وَانْ َ‬
‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِيَةٌ (‪)18‬‬
‫رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ (‪َ )17‬ي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ لَا تَ ْ‬

‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعة الدمشقي ‪ ،‬حدثنا العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي ‪،‬‬
‫حدثنا زيد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا علي بن حوشب ‪ ،‬سمعت مكحول يقول ‪ :‬لما نزل (‪ )1‬على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬وَ َتعِ َيهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "سألت ربي‬
‫أن يجعلها أذُنَ عَِليّ"‪[ .‬قال مكحول] (‪ )2‬فكان عَِليّ يقول ‪ :‬ما سمعت من رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم شيئا قط فنسيته‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير ‪ ،‬عن علي بن سهل ‪ ،‬عن الوليد بن مسلم ‪ ،‬عن علي بن حوشب ‪ ،‬عن‬
‫مكحول (‪ )3‬به‪ .‬وهو حديث مرسل‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم أيضا ‪ :‬حدثنا جعفر بن محمد بن عامر ‪ ،‬حدثنا بشر (‪ )4‬بن آدم ‪ ،‬حدثنا‬
‫عبد ال بن الزبير أبو محمد ‪ -‬يعني والد أبي أحمد الزبيري ‪ -‬حدثني صالح بن الهيثم ‪ ،‬سمعت‬
‫بريدة السلمي يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لعلي ‪" :‬إني أمرت أن أدنيك ول‬
‫ن وَاعِيَةٌ }‬
‫حقّ لك أن تعي"‪ .‬قال ‪ :‬فنزلت هذه الية { وَ َتعِ َيهَا ُأذُ ٌ‬
‫أقصيك ‪ ،‬وأن أعلمك وأن تعي ‪ ،‬و ُ‬
‫ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف ‪ ،‬عن بشر بن آدم ‪ ،‬به (‪ )5‬ثم رواه ابن جرير من طريق‬
‫آخر عن داود العمى ‪ ،‬عن بُرَيدة ‪ ،‬به‪ .‬ول يصح أيضا‪.‬‬
‫ح َدةً (‪ )14‬فَ َي ْومَئِذٍ‬
‫ض وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬
‫حمَِلتِ ال ْر ُ‬
‫{ فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ َنفْخَ ٌة وَاحِ َدةٌ (‪ )13‬وَ ُ‬
‫ح ِملُ عَرْشَ‬
‫سمَاءُ َفهِيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِيَةٌ (‪ )16‬وَا ْلمََلكُ عَلَى أَ ْرجَا ِئهَا وَيَ ْ‬
‫ش ّقتِ ال ّ‬
‫َو َقعَتِ ا ْلوَا ِقعَةُ (‪ )15‬وَانْ َ‬
‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِيَةٌ (‪} )18‬‬
‫رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ (‪َ )17‬ي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ ل َت ْ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن أهوال يوم القيامة ‪ ،‬وأول ذلك نفخة الفزع ‪ ،‬ثم يعقبها نفخة الصعق حين‬
‫يُصعق من في السموات ومن في الرض إل من شاء ال ‪ ،‬ثم بعدها نفخة القيام لرب العالمين‬
‫والبعث والنشور ‪ ،‬وهي هذه النفخة‪ .‬وقد أكدها هاهنا بأنها واحدة لن أمر ال ل يخالف ول يمانع‬
‫‪ ،‬ول يحتاج إلى تكرار وتأكيد‪.‬‬
‫حمَِلتِ ال ْرضُ‬
‫وقال الربيع ‪ :‬هي النفخة الخيرة‪ .‬والظاهر ما قلناه ؛ ولهذا قال هاهنا ‪ { :‬وَ ُ‬
‫ح َدةً } أي ‪ :‬فمدت َمدّ الديم ال ُعكَاظي ‪ ،‬وتَبَدّلت الرض غير الرض ‪،‬‬
‫وَالْجِبَالُ فَ ُدكّتَا َدكّ ًة وَا ِ‬
‫سمَاءُ َف ِهيَ َي ْومَئِ ٍذ وَاهِ َيةٌ } قال سِماك ‪،‬‬
‫شقّتِ ال ّ‬
‫{ فَ َي ْومَئِ ٍذ َو َق َعتِ ا ْلوَا ِقعَةُ } أي ‪ :‬قامت القيامة‪ { .‬وَانْ َ‬
‫عن شيخ من بني أسد ‪ ،‬عن علي قال ‪ :‬تنشق السماء من المجرة‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫سمَاءُ َفكَا َنتْ أَ ْبوَابًا } [النبأ ‪.]19 :‬‬
‫حتِ ال ّ‬
‫وقال ابن جريج ‪ :‬هي كقوله ‪َ { :‬وفُتِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬لما نزلت"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)29/35‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬حدثنا بشير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪ )29/36‬ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق كما في الكنز برقم (‪)36426‬‬
‫وقال ابن عساكر ‪" :‬هذا إسناد ل يعرف والحديث شاذ"‪.‬‬

‫( ‪)8/211‬‬

‫وقال ابن عباس ‪ :‬منخرقة ‪ ،‬والعرش بحذائها‪.‬‬


‫{ وَا ْلمََلكُ عَلَى أَرْجَا ِئهَا } الملك ‪ :‬اسم جنس ‪ ،‬أي ‪ :‬الملئكة على أرجاء السماء‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬على ما لم يَهِ منها ‪ ،‬أي ‪ :‬حافتها‪ .‬وكذا قال سعيد بن جبير ‪ ،‬والوزاعي‪ .‬وقال‬
‫الضحاك ‪ :‬أطرافها‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ :‬أبوابها‪ .‬وقال الربيع بن أنس في قوله ‪ { :‬وَا ْلمََلكُ‬
‫عَلَى أَرْجَا ِئهَا } يقول ‪ :‬على ما استدق من السماء ‪ ،‬ينظرون إلى أهل الرض‪.‬‬
‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِ َيةٌ } أي ‪ :‬يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫الملئكة‪ .‬ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم ‪ ،‬أو ‪ :‬العرش الذي يوضع في‬
‫الرض يوم القيامة لفصل القضاء ‪ ،‬وال أعلم بالصواب‪ .‬وفي حديث عبد ال بن عَميرة ‪ ،‬عن‬
‫حمَلة العرش أنهم ثمانية أوعال (‪.)1‬‬
‫الحنف بن قيس ‪ ،‬عن العباس بن عبد المطلب ‪ ،‬في ذكر َ‬
‫وقال ابن أبى حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد (‪ )2‬حدثنا زيد بن الحباب ‪ ،‬حدثني أبو السمح‬
‫البصري ‪ ،‬حدثنا أبو قَبيل حُيَي بن هانئ ‪ :‬أنه سمع عبد ال بن عمرو يقول ‪ :‬حملة العرش ثمانية‬
‫‪ ،‬ما بين مُوق أحدهم إلى مؤخر عينه مسيرة مائة عام‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي قال ‪ :‬كتب إليّ أحمد بن حفص بن عبد ال النيسابوري ‪ :‬حدثني‬
‫أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن طهمان ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن محمد بن المنكدر ‪ ،‬عن جابر قال ‪:‬‬
‫حمَلة العرش ‪ُ :‬بعْدُ ما بين‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أذنَ لي أن أحدثكم عن ملك من َ‬
‫شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام"‪.‬‬
‫وهذا إسناد جيد ‪ ،‬رجاله ثقات‪ .‬وقد رواه أبو داود في كتاب "السنة" من سننه ‪ :‬حدثنا أحمد بن‬
‫حفص بن عبد ال ‪ ،‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن طهمان ‪ ،‬عن موسى بن عقبة ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫المنكدر ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬أذن لي أن أحدث عن‬
‫ملك من ملئكة ال من حملة العرش ‪ :‬أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"‪ .‬هذا‬
‫لفظ أبي داود (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا يحيى بن المغيرة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن أشعث ‪ ،‬عن‬
‫ح ِملُ عَرْشَ رَ ّبكَ َف ْو َقهُمْ َي ْومَئِذٍ َثمَانِيَةٌ } قال ‪ :‬ثمانية‬
‫جعفر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في قوله ‪ { :‬وَيَ ْ‬
‫صفوف من الملئكة‪ .‬قال ‪ :‬ورُوي عن الشعبي [وعكرمة] (‪ )4‬والضحاك‪ .‬وابن جُرَيْج ‪ ،‬مثل‬
‫ذلك‪ .‬وكذا روى السّدّي عن أبي مالك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ثمانية صفوف‪ .‬وكذا روى العوفي ‪،‬‬
‫عنه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬الكَرُوبيّون ثمانية أجزاء ‪ ،‬كل جنس (‪ )5‬منهم بقدر (‪ )6‬النس‬
‫والجن والشياطين والملئكة‪.‬‬
‫وقوله ‪ )7( :‬أي تعرضون على عالم السر والنجوى الذي‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬حديث الوعال رواه أبو داود في السنن برقم (‪ )4723‬وتقدم عند تفسير الية ‪ 7 :‬من سورة‬
‫غافر‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬حدثنا أبو سعيد عن ابن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪.)4727‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬كل جزء"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬بعدة"‪.‬‬
‫(‪ )7‬يومئذ تعرضون ل تخفى منكم خافية‬

‫( ‪)8/212‬‬

‫فََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِ َيمِي ِنهِ فَ َيقُولُ هَاؤُمُ اقْ َرءُوا كِتَابِ َيهْ (‪ )19‬إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلَاقٍ حِسَابِ َيهْ (‪َ )20‬ف ُهوَ‬
‫فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (‪ )21‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ُ )22‬قطُو ُفهَا دَانِيَةٌ (‪ )23‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي‬
‫الْأَيّامِ الْخَالِ َيةِ (‪)24‬‬

‫ل يخفى عليه شيء من أموركم ‪ ،‬بل هو عالم بالظواهر والسرائر والضمائر ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل‬
‫خفَى مِ ْن ُكمْ خَافِيَةٌ }‬
‫تَ ْ‬
‫وقد قال ابن أبي الدنيا ‪ :‬أخبرنا إسحاق بن إسماعيل ‪ ،‬أخبرنا سفيان بن عيينة ‪ ،‬عن جعفر بن‬
‫بُرْقان ‪ ،‬عن ثابت بن الحجاج قال ‪ :‬قال عمر بن الخطاب ‪ ،‬رضي ال عنه ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل‬
‫أن تحاسبوا ‪ ،‬وزنوا أنفسكم قبل أن تُوزَنوا ‪ ،‬فإنه أخف عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم‬
‫خفَى مِ ْنكُمْ خَافِيَةٌ } (‪.)1‬‬
‫اليوم ‪ ،‬وَتَزَيّنُوا للعرض الكبر ‪َ { :‬ي ْومَئِذٍ ُتعْ َرضُونَ ل َت ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬حدثنا علي بن علي بن رفاعة ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي موسى‬
‫قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬يعرض الناس يوم القيامة ثلث عرضات ‪ ،‬فأما‬
‫عرضتان فجدالٌ ومعاذيرُ ‪ ،‬وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في اليدي ‪ ،‬فآخذ بيمينه وآخذ‬
‫بشماله"‪.‬‬
‫ورواه ابن ماجة ‪ ،‬عن أبي بكر بن أبي شيبة ‪ ،‬عن َوكِيع ‪ ،‬به (‪ )2‬وقد رواه الترمذي عن أبي‬
‫كُرَيْب عن وكيع عن علي بن علي ‪ ،‬عن الحسن ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ ،‬به (‪.)3‬‬
‫وقد روى ابنُ جرير عن مجاهد بن موسى ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬بن سليم بن حيان ‪ ،‬عن مروان‬
‫الصغر ‪ ،‬عن أبي وائل ‪ ،‬عن عبد ال قال ‪ :‬يعرض الناس يوم القيامة ثلث عرضات ‪:‬‬
‫عرضتان ‪ ،‬معاذير وخصومات ‪ ،‬والعرضة الثالثة تطير الصحف في اليدي‪ .‬ورواه سعيد بن أبي‬
‫عَروبة ‪ ،‬عن قتادة مرسل مثله (‪.)4‬‬
‫حسَابِيَهْ (‪)20‬‬
‫{ فََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ َيمِينِهِ فَ َيقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (‪ )19‬إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلقٍ ِ‬
‫شةٍ رَاضِيَةٍ (‪ )21‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ (‪ُ )22‬قطُو ُفهَا دَانِيَةٌ (‪ )23‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا‬
‫َف ُهوَ فِي عِي َ‬
‫أَسَْلفْتُمْ فِي اليّامِ ا ْلخَالِيَةِ (‪} )24‬‬
‫يخبر تعالى عن سعادة من أوتى كتابه يوم القيامة بيمينه ‪ ،‬وفرحه بذلك ‪ ،‬وأنه من شدة فرحه‬
‫يقول لكل من لقيه ‪ { :‬هَا ُؤمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ } أي ‪ :‬خذوا اقرؤوا كتابيه ؛ لنه يعلم أن الذي فيه خير‬
‫وحسنات محضة ؛ لنه ممن بَدل ال سيئاته حسنات‪.‬‬
‫قال عبد الرحمن بن زيد ‪ :‬معنى ‪ { :‬هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِ َيهْ } أي ‪ :‬ها اقرؤوا كتابيه ‪ ،‬و "ؤم" زائدة‪.‬‬
‫كذا قال ‪ ،‬والظاهر أنها بمعنى ‪ :‬هاكم‪.‬‬
‫وقد قال ابن أبى حاتم حدثنا ‪ :‬بشر بن مطر (‪ )5‬الواسطي ‪ ،‬حدثنا يزيد بن هارون ‪ ،‬أخبرنا‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬محاسبة النفس لبن أبي الدنيا برقم (‪ )2‬وذكره المؤلف في مسند عمر (‪ )2/618‬وقال ‪" :‬أثر‬
‫مشهور وفيه انقطاع ‪ ،‬وثابت بن الحجاج هذا جزري تابعي صغير لم يدرك ‪ ،‬ولم يرو عنه سوى‬
‫جعفر بن برقان ‪ ،‬وله عند أبي داود في السنن حديثان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )14/414‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ )4277‬وقال البوصيري في الزوائد (‪: )3/315‬‬
‫"هذا إسناد رجاله ثقات إل أنه منقطع ‪ ،‬الحسن لم يسمح من أبي موسي‪ .‬قاله علي لن المديني وأبو‬
‫حاتم وأبو زرعة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن الترمذي برقم (‪.)2425‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)29/38‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬بشر بن مطير"‪.‬‬

‫( ‪)8/213‬‬
‫عاصم الحول ‪ ،‬عن أبي عثمان قال ‪ :‬المؤمن يعطى كتابه [بيمينه] (‪ )1‬في ستر من ال ‪ ،‬فيقرأ‬
‫سيئاته ‪ ،‬فكلما قرأ سيئةً تغير لونه حتى يمر بحسناته فيقرؤها ‪ ،‬فيرجع إليه لونه‪ .‬ثم ينظر فإذا‬
‫سيئاته قد بدلت حسنات ‪ ،‬قال ‪ :‬فعند ذلك يقول ‪ { :‬هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ }‬
‫وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا روح بن عبادة ‪ ،‬حدثنا موسى بن عبيدة (‬
‫‪ )2‬أخبرني عبد ال بن عبد ال بن حنظلة ‪ -‬غسيل الملئكة ‪ -‬قال ‪ :‬إن ال َيقِفُ عبده يوم القيامة‬
‫فيبدي سيئاته في ظهر صحيفته ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬أنت عملت هذا ؟ فيقول ‪ :‬نعم أي رب‪ .‬فيقول له‬
‫إني لم أفضحك به ‪ ،‬وإني قد غفرت لك‪ .‬فيقول عند ذلك ‪ { :‬هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي‬
‫مُلقٍ حِسَابِيَهْ } حين نجا من َفضْحه يوم القيامة‪.‬‬
‫وقد تقدم في الصحيح حديثُ ابن عمر حين سئل عن النجوى ‪ ،‬فقال ‪ :‬سمعت النبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ‪" :‬يُدْنِي الُ العبدَ يوم القيامة ‪ ،‬ف ُيقَرّره بذنوبه كلها ‪ ،‬حتى إذا رأى أنه قد هلك قال‬
‫ال ‪ :‬إني سترتها عليك في الدنيا ‪ ،‬وأنا أغفرها لك اليوم‪ .‬ثم يُعطَى كتابَ حسناته بيمينه ‪ ،‬وأما‬
‫الكافر والمنافق فيقول الشهاد ‪َ { :‬هؤُلءِ الّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَ ّبهِمْ أَل َلعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّاِلمِينَ } [هود‬
‫‪.)3( ]18 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّي ظَنَ ْنتُ أَنّي مُلقٍ حِسَابِ َيهْ } أي ‪ :‬قد كنت موقنا في الدنيا أن هذا اليوم كائن ل محالة‬
‫‪ ،‬كما قال ‪ { :‬الّذِينَ يَظُنّونَ أَ ّنهُمْ مُلقُو رَ ّبهِمْ } [البقرة ‪.]46 :‬‬
‫قال ال ‪َ { :‬ف ُهوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ } أي ‪ :‬مرضية ‪ { ،‬فِي جَنّةٍ عَالِيَةٍ } أي ‪ :‬رفيعة قصورها ‪،‬‬
‫حسان حورها ‪ ،‬نعيمة دورها ‪ ،‬دائم حبورها‪.‬‬
‫سكُوني ‪ ،‬حدثنا‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو عُتْبَةَ الحسن بن علي بن مسلم ال ّ‬
‫إسماعيل بن عياش ‪ ،‬عن سعيد بن يوسف ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير ‪ ،‬عن أبي سلم السود قال ‪:‬‬
‫سمعتُ أبا أمامة قال ‪ :‬سأل رجلٌ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل يتزاور أهل الجنة ؟ قال ‪:‬‬
‫"نعم ‪ ،‬إنه ليهبط أهل الدرجة العليا إلى أهل الدرجة السفلى ‪ ،‬فيحيونهم ويسلمون عليهم ‪ ،‬ول‬
‫يستطيع أهل الدرجة السفلى يصعدون إلى العلين ‪ ،‬تقصر بهم أعمالهم" (‪)4‬‬
‫وقد ثبت في الصحيح ‪" :‬إن الجنة مائة درجة ‪ ،‬ما بين كل درجتين كما بين السماء والرض" (‬
‫‪.)5‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قطُو ُفهَا دَانِيَةٌ } قال البراء بن عازب ‪ :‬أي قريبة ‪ ،‬يتناولها أحدهم ‪ ،‬وهو نائم على‬
‫سريره‪ .‬وكذا قال غير واحد‪.‬‬
‫قال الطبراني ‪[ :‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري] (‪ )6‬عن عبد الرزاق ‪ ،‬عن سفيان الثوري ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬موسى بن أبي عبيدة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر ‪ :‬تفسير الية ‪ 18 :‬من سورة هود وتخريجه هناك‪.‬‬
‫(‪ )4‬ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (‪ )421‬من طريق جعفر بن الزبير وبشر بن نمير ‪ ،‬عن‬
‫القاسم ‪ ،‬عن أبي أمامة مرفوعًا بنحوه ‪ ،‬وجعفر بن الزبير وبشر بن نمير متروكان واتهما‬
‫بالوضع‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ )2790‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من المعجم الكبير للطبراني (‪.)6/272‬‬

‫( ‪)8/214‬‬

‫شمَالِهِ فَ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (‪ )25‬وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (‪ )26‬يَا لَيْ َتهَا‬
‫وََأمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ ِب ِ‬
‫خذُوهُ َفغُلّوهُ (‪ )30‬ثُمّ‬
‫كَا َنتِ ا ْلقَاضِيَةَ (‪ )27‬مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ (‪ )28‬هََلكَ عَنّي سُلْطَانِ َيهْ (‪ُ )29‬‬
‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعًا فَاسُْلكُوهُ (‪ )32‬إِنّهُ كَانَ لَا ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ‬
‫جحِي َم صَلّوهُ (‪ )31‬ثُمّ فِي سِ ْلسِلَةٍ ذَرْ ُ‬
‫الْ َ‬
‫سكِينِ (‪)34‬‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫ا ْلعَظِيمِ (‪ )33‬وَلَا يَ ُ‬

‫عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ ،‬عن سلمان الفارسي قال ‪ :‬قال رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ل يدخل أحد الجنة إل بجواز ‪( :‬بسم ال الرحمن الرحيم) هذا كتاب‬
‫من ال لفلن بن فلن ‪ ،‬أدخلوه جنة عالية ‪ ،‬قطوفها دانية" (‪.)1‬‬
‫وكذا رواه الضياء في صفة الجنة من طريق سعدان بن سعيد ‪ ،‬بن سليمان التيمي ‪ ،‬عن أبي‬
‫جوَازا‬
‫عثمان النهدي ‪ ،‬عن سلمان ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬يعطى المؤمن َ‬
‫على الصراط ‪( :‬بسم ال الرحمن الرحيم) ‪ ،‬هذا كتاب من ال العزيز الحكيم لفلن ‪ ،‬أدخلوه جنة‬
‫عالية ‪ ،‬قطوفها دانية" (‪.)2‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي اليّامِ ا ْلخَالِيَةِ } أي ‪ :‬يقال لهم ذلك ؛ تفضل عليهم ‪،‬‬
‫وامتنانا وإنعاما وإحسانا‪ .‬وإل فقد ثبت في الصحيح ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫‪" :‬اعملوا وَسَدّدوا وقَاربُوا واعلموا أن أحدا منكم لن يدخلَه عملُه الجنةَ"‪ .‬قالوا ‪ :‬ول أنت يا رسول‬
‫ال ؟ قال ‪" :‬ول أنا ‪ ،‬إل أن يَ َت َغمّدني ال برحمة منه وفضل" (‪.)3‬‬
‫شمَالِهِ فَ َيقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (‪ )25‬وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (‪ )26‬يَا لَيْ َتهَا‬
‫{ وََأمّا مَنْ أُو ِتيَ كِتَابَهُ بِ ِ‬
‫خذُوهُ َفغُلّوهُ (‪ )30‬ثُمّ‬
‫كَا َنتِ ا ْلقَاضِيَةَ (‪ )27‬مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ (‪ )28‬هََلكَ عَنّي سُلْطَانِ َيهْ (‪ُ )29‬‬
‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعًا فَاسُْلكُوهُ (‪ )32‬إِنّهُ كَانَ ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ‬
‫جحِي َم صَلّوهُ (‪ )31‬ثُمّ فِي سِ ْلسِلَةٍ ذَرْ ُ‬
‫الْ َ‬
‫سكِينِ (‪} )34‬‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫ا ْلعَظِيمِ (‪ )33‬وَل َي ُ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ )6/272‬وعبد الرحمن بن زياد ضعيف ‪ ،‬ورواه ابن عدى في‬
‫الكامل (‪ )1/344‬من طريق إسحاق الدبري ‪ ،‬به‪ .‬وقال ‪" :‬حدث عن عبد الرزاق بحديث منكر" ثم‬
‫ذكر هذا الحديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (‪ )2/446‬من طريق أبي بكر ‪ -‬محمد بن خشام ‪-‬‬
‫عن العباس البلخي ‪ ،‬عن سعدان بن سعيد الحكمي عن سليمان التيمي به‪ .‬وقال ابن الجوززي ‪:‬‬
‫"هذا حديث ل يصح عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أما الطريق الول ‪ -‬أي طريق عبد‬
‫الرزاق ‪ -‬ففيه عبد الرحمن بن زياد قال أحمد بن حنبل ‪ :‬نحن ل نروى عن عبد الرحمن‪ .‬وقال‬
‫ابن حبان ‪ :‬يروى الموضوعات عن الثقات ويدلس‪ .‬وأما الطريق الثاني ‪ ،‬فقال الدارقطني ‪ :‬تفرد‬
‫به سعدان عن التيمي‪ .‬قال ابن الجوزي ‪ :‬سعدان مجهول ‪ ،‬وكذلك محمد بن خشام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )5673‬وصحيح مسلم برقم (‪ )2816‬من حديث أبي هريرة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه‬

‫( ‪)8/215‬‬

‫طعَامٌ إِلّا مِنْ غِسْلِينٍ (‪ )36‬لَا يَ ْأكُلُهُ إِلّا ا ْلخَاطِئُونَ (‪)37‬‬


‫حمِيمٌ (‪ )35‬وَلَا َ‬
‫فَلَيْسَ لَهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا َ‬

‫غسْلِينٍ (‪ )36‬ل يَ ْأكُلُهُ إِل الْخَاطِئُونَ (‪} )37‬‬


‫طعَامٌ إِل مِنْ ِ‬
‫حمِيمٌ (‪ )35‬وَل َ‬
‫{ فَلَيْسَ لَهُ الْ َيوْمَ هَا هُنَا َ‬
‫وهذا إخبار عن حال الشقياء إذا أعطي أحدهم كتابه في العَرَصات بشماله ‪ ،‬فحينئذ يندم غاية‬
‫الندم ‪ ،‬فيقول ‪ { :‬فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَ ْه وَلَمْ َأدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْ َتهَا كَا َنتِ ا ْلقَاضِيَةَ }‬
‫قال الضحاك ‪ :‬يعني موته ل حياة بعدها‪ .‬وكذا قال محمد بن كعب ‪ ،‬والربيع ‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬تمنى (‪ )1‬الموت ‪ ،‬ولم يكن شيء في الدنيا أكره إليه منه‪.‬‬
‫{ مَا أَغْنَى عَنّي مَالِيَهْ هََلكَ عَنّي سُلْطَانِ َيهْ } أي ‪ :‬لم يدفع عني مالي ول جاهي عذابَ ال وبَأسه ‪،‬‬
‫بل خَلَص المر إليّ وحدي ‪ ،‬فل معين لي ول مجير‪ .‬فعندها يقول ال ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬خُذُوهُ‬
‫َفغُلّوهُ ُثمّ ا ْلجَحِيمَ صَلّوهُ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬يعني"‪.‬‬

‫( ‪)8/215‬‬

‫أي ‪ :‬يأمر الزبانية أن تأخذه ع ْنفًا من المحشر ‪ ،‬فَ َتغُله ‪ ،‬أي ‪ :‬تضع الغلل في عنقه ‪ ،‬ثم تُورده‬
‫إلى جهنم فتصليه إياها ‪ ،‬أي ‪ :‬تغمره فيها‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم حدثنا ‪ :‬أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو خالد ‪ ،‬عن عمرو بن قيس ‪ ،‬عن المِ ْنهَال‬
‫بن عمرو قال ‪ :‬إذا قال ال ‪ ،‬عز وجل { خذوه } ابتدره سبعون ألف ملك ‪ ،‬إن الملك منهم ليقول‬
‫هكذا ‪ ،‬فيلقي سبعين ألفا في النار‪.‬‬
‫وروى ابن أبي الدنيا في "الهوال" ‪ :‬أنه يبتدره أربعمائة ألف ‪ ،‬ول يبقى شيء إل َدقَه ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫ما لي ولك ؟ فيقول ‪ :‬إن الرب عليك غضبان ‪ ،‬فكل شيء غضبان عليك‪.‬‬
‫وقال الفضيل ‪ -‬هو ابن عياض ‪ : -‬إذا قال الرب ‪ ،‬عز وجل ‪ { :‬خُذُوهُ َفغُلّوهُ } ابتدره سبعون‬
‫ألفا ملك ‪ ،‬أيهم يجعل الغل في عنقه‪.‬‬
‫{ ُثمّ ا ْلجَحِيمَ صَلّوهُ } أي ‪ :‬اغمروه فيها‪.‬‬
‫عهَا سَ ْبعُونَ ذِرَاعًا فَاسُْلكُوهُ } قال كعب الحبار ‪ :‬كل حلقة منها قدر‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ فِي سِلْسَِلةٍ ذَرْ ُ‬
‫حديد الدنيا‪.‬‬
‫وقال العَوفي عن ابن عباس ‪ ،‬وابن جرير ‪ :‬بذراع الملك‪ .‬وقال ابن جريج ‪ ،‬قال ابن عباس ‪:‬‬
‫{ فاسلكوه } تدخل في استه ثم تخرج من فيه ‪ ،‬ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد في العود حين‬
‫يشوى‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يسلك في دبره حتى يخرج من منخريه ‪ ،‬حتى ل يقوم على‬
‫رجليه‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا علي بن إسحاق ‪ ،‬أخبرنا عبد ال ‪ ،‬أخبرنا سعيد بن يزيد ‪ ،‬عن أبي‬
‫السمح ‪ ،‬عن عيسى بن هلل الصّدَفي ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫جمْجُمة ‪ -‬أرسلت من السماء إلى‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لو أن َرصَاصة مثل هذه ‪ -‬وأشار إلى [مثل] (‪ُ )1‬‬
‫الرض ‪ ،‬وهي مسيرة خمسمائة سنة ‪ ،‬لبلغت الرض قبل الليل ‪ ،‬ولو أنها أرسلت من رأس‬
‫السلسلة ‪ ،‬لسارت أربعين خريفًا الليلَ والنهارَ ‪ ،‬قبل أن تبلغ قعرها أو أصلها"‪.‬‬
‫سوَيْد بن نصر (‪ )2‬عن عبد ال بن المبارك ‪ ،‬به (‪ )3‬قال ‪ :‬هذا حديث‬
‫وأخرجه الترمذي ‪ ،‬عن ُ‬
‫حسن‪.‬‬
‫سكِينِ } أي ‪ :‬ل يقوم بحق ال‬
‫طعَامِ ا ْلمِ ْ‬
‫حضّ عَلَى َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ كَانَ ل ُي ْؤمِنُ بِاللّهِ ا ْلعَظِي ِم وَل َي ُ‬
‫عليه من طاعته وعبادته ‪ ،‬ول ينفع خلقه ويؤدي حقهم ؛ فإن ل على العباد أن يوحدوه ول‬
‫يشركوا به شيئا ‪ ،‬وللعباد بعضهم على بعض حقّ الحسان والمعاونة على البر والتقوى ؛ ولهذا‬
‫أمر ال بإقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وقبض النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقول ‪" :‬الصلة ‪ ،‬وما‬
‫ملكت أيمانكم" (‪.)4‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من المسند والترمذي‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سويد بن سعيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪ )2/197‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2588‬‬
‫(‪ )4‬جاء من حديث أنس ‪ ،‬وعلي وأم سلمة ‪ ،‬وسفينة ‪ ،‬رضي ال عنهم ‪ ،‬وحديث علي ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنه ‪" :‬كان آخر كلم النبي صلى ال عليه وسلم‪ "...‬فذكره ‪ ،‬رواه المام أحمد في المسند (‬
‫‪ )1/78‬وأبو داود في السنن برقم (‪.)5154‬‬

‫( ‪)8/216‬‬

‫سمُ ِبمَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )38‬ومَا لَا تُ ْبصِرُونَ (‪ )39‬إِنّهُ َل َق ْولُ َرسُولٍ كَرِيمٍ (‪َ )40‬ومَا ُهوَ ِبقَ ْولِ‬
‫فَلَا ُأقْ ِ‬
‫شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا ُت ْؤمِنُونَ (‪ )41‬وَلَا ِبقَ ْولِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا َت َذكّرُونَ (‪ )42‬تَنْزِيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)43‬‬

‫غسْلِينٍ ل يَ ْأكُلُهُ إِل ا ْلخَاطِئُونَ } أي ‪ :‬ليس‬


‫طعَامٌ إِل مِنْ ِ‬
‫حمِي ٌم وَل َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَلَيْسَ لَهُ الْ َيوْمَ هَاهُنَا َ‬
‫له اليوم من ينقذه من عذاب ال ‪ ،‬ل حميم ‪ -‬وهو القريب ‪ -‬ول شفيع يطاع ‪ ،‬ول طعام له هاهنا‬
‫إل من غسلين‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬هو شر طعام أهل النار‪ .‬وقال الربيع ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬هو شجرة في جهنم‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا منصور بن مزاحم ‪ ،‬حدثنا أبو سعيد المؤدب ‪ ،‬عن‬
‫خصَيف ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬ما أدري ما الغسلين ‪ ،‬ولكني أظنه الزقوم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقال شَبِيب بن بشر ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الغسلين ‪ :‬الدم والماء يسيل من‬
‫لحومهم‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة عنه ‪ :‬الغسلين ‪ :‬صديد أهل النار‪.‬‬
‫{ فَل ُأ ْقسِمُ ِبمَا تُ ْبصِرُونَ (‪َ )38‬ومَا ل تُ ْبصِرُونَ (‪ )39‬إِنّهُ َل َق ْولُ َرسُولٍ كَرِيمٍ (‪َ )40‬ومَا ُهوَ ِبقَ ْولِ‬
‫شَاعِرٍ قَلِيل مَا ُت ْؤمِنُونَ (‪ )41‬وَل ِب َق ْولِ كَاهِنٍ قَلِيل مَا تَ َذكّرُونَ (‪ )42‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ (‪)43‬‬
‫}‬
‫يقول تعالى مُقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته‬
‫‪ ،‬وما غاب عنهم مما ل يشاهدونه من المغيبات عنهم ‪ :‬إن القرآن كلمُه ووحيه وتنزيلُه على‬
‫ن َومَا‬
‫عبده ورسوله ‪ ،‬الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء المانة ‪ ،‬فقال ‪ { :‬فَل ُأقْسِمُ ِبمَا تُ ْبصِرُو َ‬
‫ل تُ ْبصِرُونَ إِنّهُ َلقَ ْولُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني ‪ :‬محمدًا ‪ ،‬أضافه إليه على معنى التبليغ ؛ لن الرسول‬
‫من شأنه أن يبلغ عن المرسل ؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي ‪ { :‬إِنّهُ َلقَ ْولُ‬
‫رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي ُق ّوةٍ عِنْدَ ذِي ا ْلعَرْشِ َمكِينٍ ُمطَاعٍ َثمّ َأمِينٍ } وهذا جبريل ‪ ،‬عليه السلم‪.‬‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا صَاحِ ُبكُمْ ِبمَجْنُونٍ } يعني ‪ :‬محمدًا صلى ال عليه وسلم { وََلقَدْ رَآهُ بِالفُقِ ا ْلمُبِينِ }‬
‫يعني ‪ :‬أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه ال عليها ‪َ { ،‬ومَا ُهوَ عَلَى ا ْلغَ ْيبِ ِبضَنِينٍ }‬
‫أي ‪ :‬بمتهم { َومَا ُهوَ ِب َق ْولِ شَيْطَانٍ َرجِيمٍ } [التكوير ‪ ، ]25 - 19 :‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬ومَا ُهوَ‬
‫ِبقَ ْولِ شَاعِرٍ قَلِيل مَا ُت ْؤمِنُونَ وَل ِب َقوْلِ كَاهِنٍ قَلِيل مَا َت َذكّرُونَ } ‪ ،‬فأضافه تارة إلى قول الرسول‬
‫الملكي ‪ ،‬وتارة إلى الرسول البشري ؛ لن كل منهما مبلغ عن ال ما استأمنه عليه من وحيه‬
‫وكلمه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬تَنزيلٌ مِنْ َربّ ا ْلعَاَلمِينَ }‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا ابن المغيرة ‪ ،‬حدثنا صفوان ‪ ،‬حدثنا شُرَيح بن عبيد ال قال ‪ :‬قال عمر‬
‫بن الخطاب ‪ :‬خرجت أتعرض رسول ال صلى ال عليه وسلم قبل أن أسلم ‪ ،‬فوجدته قد سبقني‬
‫إلى المسجد ‪ ،‬فقمت خلفه ‪ ،‬فاستفتح سورة الحاقة ‪ ،‬فجعلت أعجب من تأليف القرآن ‪ ،‬قال ‪ :‬فقلت‬
‫‪ :‬هذا وال شاعر كما قالت قريش‪ .‬قال ‪ :‬فقرأ ‪ { :‬إِنّهُ َلقَ ْولُ رَسُولٍ كَرِي ٍم َومَا ُهوَ ِبقَ ْولِ شَاعِرٍ قَلِيل‬
‫مَا ُت ْؤمِنُونَ } قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬كاهن‪ .‬قال فقرأ ‪ { :‬وَل ِبقَ ْولِ كَاهِنٍ قَلِيل مَا تَ َذكّرُونَ تَنزيلٌ مِنْ َربّ‬
‫حدٍ‬
‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ َفمَا مِ ْن ُكمْ مِنْ أَ َ‬
‫ن وََلوْ َت َق ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ القَاوِيلِ لخَذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ ثُمّ َلقَ َ‬
‫ا ْلعَاَلمِي َ‬
‫عَنْهُ حَاجِزِينَ }‬

‫( ‪)8/217‬‬

‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ (‪َ )46‬فمَا مِ ْنكُمْ‬


‫خذْنَا مِنْهُ بِالْ َيمِينِ (‪ُ )45‬ثمّ َلقَ َ‬
‫وََلوْ َت َق ّولَ عَلَيْنَا َب ْعضَ الَْأقَاوِيلِ (‪ )44‬لَأَ َ‬
‫حدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (‪ )47‬وَإِنّهُ لَتَ ْذكِ َرةٌ لِ ْلمُ ّتقِينَ (‪ )48‬وَإِنّا لَ َنعْلَمُ أَنّ مِ ْنكُمْ ُمكَذّبِينَ (‪ )49‬وَإِنّهُ‬
‫مِنْ أَ َ‬
‫حسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪ )50‬وَإِنّهُ َلحَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )51‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪)52‬‬
‫لَ َ‬

‫إلى آخر السورة‪ .‬قال ‪ :‬فوقع السلم في قلبي كل موقع (‪.)1‬‬


‫فهذا من جملة السباب التي جعلها ال تعالى مؤثرة في هداية عمر بن الخطاب ‪ ،‬كما أوردنا كيفية‬
‫إسلمه في سيرته المفردة ‪ ،‬ول الحمد (‪.)2‬‬
‫طعْنَا مِ ْنهُ ا ْلوَتِينَ (‪َ )46‬فمَا‬
‫ض القَاوِيلِ (‪ )44‬لخَذْنَا مِ ْنهُ بِالْ َيمِينِ (‪ )45‬ثُمّ َلقَ َ‬
‫{ وََلوْ َت َقوّلَ عَلَيْنَا َب ْع َ‬
‫مِ ْنكُمْ مِنْ َأحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (‪ )47‬وَإِنّهُ لَ َت ْذكِ َرةٌ لِ ْلمُتّقِينَ (‪ )48‬وَإِنّا لَ َنعَْلمُ أَنّ مِ ْنكُمْ ُمكَذّبِينَ (‪ )49‬وَإِنّهُ‬
‫حسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ (‪ )50‬وَإِنّهُ َلحَقّ الْ َيقِينِ (‪َ )51‬فسَبّحْ بِاسْمِ رَ ّبكَ ا ْلعَظِيمِ (‪} )52‬‬
‫لَ َ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬وََلوْ َتقَ ّولَ عَلَيْنَا } أي ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم لو كان كما يزعمون مفتريا‬
‫علينا ‪ ،‬فزاد في الرسالة أو نقص منها ‪ ،‬أو قال شيئا من عنده فنسبه إلينا ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬لعاجلناه‬
‫بالعقوبة‪ .‬ولهذا قال { لخَذْنَا مِ ْنهُ بِالْ َيمِينِ } قيل ‪ :‬معناه لنتقمنا منه باليمين ؛ لنها أشد في البطش‬
‫‪ ،‬وقيل ‪ :‬لخذنا منه بيمينه‪.‬‬
‫طعْنَا مِنْهُ ا ْلوَتِينَ } قال ابن عباس ‪ :‬وهو نياط القلب ‪ ،‬وهو العِ ْرقُ الذي القلب معلق فيه‪.‬‬
‫{ ُثمّ َلقَ َ‬
‫وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬والحكم ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬ومسلم ال َبطِين ‪ ،‬وأبو صخر‬
‫حُميد بن زياد‪.‬‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬هو القلب ومَرَاقّه وما يليه‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فمَا مِ ْنكُمْ مِنْ َأحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } أي ‪ :‬فما يقدر أحد منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا‬
‫أردنا به شيئا من ذلك‪ .‬والمعنى في هذا (‪ )3‬بل هو صادق بار راشد ؛ لن ال ‪ ،‬عز وجل ‪،‬‬
‫مقرر له ما يبلغه عنه ‪ ،‬ومؤيد له بالمعجزات الباهرات (‪ )4‬والدللت القاطعات‪.‬‬
‫شفَاءٌ‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنّهُ لَتَ ْذكِ َرةٌ ِل ْلمُتّقِينَ } يعني ‪ :‬القرآن كما قال ‪ُ { :‬قلْ ُهوَ لِلّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَ ِ‬
‫عمًى } [فصلت ‪.]44 :‬‬
‫وَالّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ فِي آذَا ِنهِ ْم َوقْ ٌر وَ ُهوَ عَلَ ْيهِمْ َ‬
‫ثم قال (‪ { )5‬وَإِنّا لَ َنعْلَمُ أَنّ مِ ْنكُمْ ُمكَذّبِينَ } أي ‪ :‬مع هذا البيان والوضوح ‪ ،‬سيوجد منكم من يكذب‬
‫بالقرآن‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَإِنّهُ َلحَسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } قال ابن جرير ‪ :‬وإن التكذيب لحسرة على الكافرين يوم‬
‫القيامة وحكاه عن قتادة بمثله‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/17‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ول الحمد والمنة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬في ذلك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬القاهرات"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬كما قال"‬

‫( ‪)8/218‬‬

‫وروى ابن أبي حاتم ‪ ،‬من طريق السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ { :‬وَإِنّهُ َلحَسْ َرةٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ } يقول ‪:‬‬
‫لندامة‪ .‬ويحتمل عود الضمير على القرآن ‪ ،‬أي ‪ :‬وإن القرآن واليمان به لحسرة في نفس المر‬
‫على الكافرين ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬كَذَِلكَ سََلكْنَاهُ فِي قُلُوبِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهِ } [الشعراء ‪، 200 :‬‬
‫‪ ، ]201‬وقال تعالى ‪َ { :‬وحِيلَ بَيْ َن ُه ْم وَبَيْنَ مَا يَشْ َتهُونَ } [سبأ ‪ ]54 :‬ولهذا قال ها هنا ‪ { :‬وَإِنّهُ‬
‫حقّ الْ َيقِينِ } أي ‪ :‬الخبر الصدق الحق الذي ل مرية فيه ول شك ول ريب‪.‬‬
‫لَ َ‬
‫سمِ رَ ّبكَ ا ْل َعظِيمِ } أي ‪ :‬الذي أنزل هذا القرآن العظيم‪[ .‬آخر تفسير سورة‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَسَبّحْ بِا ْ‬
‫"الحاقة" ‪ ،‬ول الحمد (‪)2( ] )1‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ول الحمد والمنة والثناء والحمد الجميل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/219‬‬

‫ب وَاقِعٍ (‪ )1‬لِ ْلكَافِرِينَ لَيْسَ َلهُ دَا ِفعٌ (‪ )2‬مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (‪َ )3‬تعْرُجُ ا ْلمَلَا ِئكَةُ‬
‫سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫جمِيلًا (‪ )5‬إِ ّنهُمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدًا‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ (‪ )4‬فَاصْبِرْ صَبْرًا َ‬
‫وَالرّوحُ ِإلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫(‪ )6‬وَنَرَاهُ قَرِيبًا (‪)7‬‬
‫تفسير سورة سأل سائل‬
‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫ب وَاقِعٍ (‪ )1‬لِ ْلكَافِرينَ لَ ْيسَ لَهُ دَافِعٌ (‪ )2‬مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (‪َ )3‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَةُ‬
‫{ سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫جمِيل (‪ )5‬إِ ّن ُهمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدًا‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ (‪ )4‬فَاصْبِرْ صَبْرًا َ‬
‫وَالرّوحُ ِإلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫(‪ )6‬وَنَرَاهُ قَرِيبًا (‪} )7‬‬
‫ب وَاقِعٍ } فيه تضمين دل عليه حرف "الباء" ‪ ،‬كأنه ُمقَدر ‪ :‬يستعجل سائل بعذاب‬
‫{ سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫ب وَلَنْ ُيخِْلفَ اللّ ُه وَعْ َدهُ } أي ‪ :‬وعذابه واقع ل محالة‪.‬‬
‫واقع‪ .‬كقوله ‪ { :‬وَيَسْ َتعْجِلُو َنكَ بِا ْلعَذَا ِ‬
‫قال النسائي ‪ :‬حدثنا بشر بن خالد ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن المِ ْنهَال‬
‫ب وَاقِعٍ } قال ‪:‬‬
‫بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫النضر بن الحارث بن كَلَدَة‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِب َعذَابٍ وَاقِعٍ } قال ‪ :‬ذلك سؤال الكفار عن عذاب ال‬
‫وهو واقع‪.‬‬
‫وقال ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ :‬تعالى { سََألَ سَا ِئلٌ } دعا داع بعذاب واقع يقع في‬
‫حجَا َرةً مِنَ‬
‫علَيْنَا ِ‬
‫الخرة ‪ ،‬قال ‪ :‬وهو قولهم ‪ { :‬الّلهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا ُهوَ ا ْلحَقّ مِنْ عِنْ ِدكَ فََأمْطِرْ َ‬
‫سمَاءِ َأوِ ائْتِنَا ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ } [النفال ‪.]32 :‬‬
‫ال ّ‬
‫ب وَاقِعٍ } أي ‪ :‬واد في جهنم ‪ ،‬يسيل يوم القيامة بالعذاب‪.‬‬
‫وقال ابن زيد وغيره ‪ { :‬سََألَ سَا ِئلٌ ِبعَذَا ٍ‬
‫وهذا القول ضعيف ‪ ،‬بعيد عن المراد‪ .‬والصحيح الول لدللة السياق عليه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَاقِعٍ لِ ْلكَافِرينَ } أي ‪ :‬مُرصد ُمعَدّ للكافرين‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ‪ { :‬وَاقِعٍ } جاء { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } أي ‪ :‬ل دافع له إذا أراد ال كونه ؛ ولهذا قال‬
‫{ مِنَ اللّهِ ذِي ا ْل َمعَارِجِ } قال الثوري ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن‬
‫عباس في قوله ‪ { :‬ذِي ا ْل َمعَارِجِ } قال ‪ :‬ذو الدرجات‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ذِي ا ْل َمعَارِجِ } يعني ‪ :‬العلو والفواضل‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬ذِي ا ْل َمعَارِجِ } معارج السماء‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬ذي الفواضل والنعم‪.‬‬

‫( ‪)8/220‬‬

‫وقوله ‪َ { :‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَ ْيهِ } قال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪َ { :‬تعْرُجُ }‬
‫تصعد‪.‬‬
‫وأما الروح فقال أبو صالح ‪ :‬هم خلق من خلق ال‪ .‬يشبهون الناس ‪ ،‬وليسوا أناسا‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويحتمل أن يكون المراد به جبريل ‪ ،‬ويكون من باب عطف الخاص على العام‪ .‬ويحتمل‬
‫أن يكون اسم جنس لرواح بني آدم ‪ ،‬فإنها إذا قبضت يُصعد بها إلى السماء ‪ ،‬كما دل عليه‬
‫حديث البراء‪ .‬وفي الحديث الذي رواه المام أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬من‬
‫حديث المِ ْنهَال ‪ ،‬عن زاذان ‪ ،‬عن البراء مرفوعًا ‪ -‬الحديث بطوله في قبض الروح الطيبة ‪ -‬قال‬
‫فيه ‪" :‬فل يزال يصعد بها من سماء إلى سماء حتى ينتهي بها إلى السماء (‪ )1‬السابعة"‪ .‬وال أعلم‬
‫بصحته ‪ ،‬فقد تُكلم في بعض رواته ‪ ،‬ولكنه مشهور ‪ ،‬وله شاهد في حديث أبي هريرة فيما تقدم‬
‫من رواية المام أحمد والترمذي وابن ماجة ‪ ،‬من طريق ابن أبي ذئب ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن‬
‫عطاء ‪ ،‬عن سعيد بن يسار ‪ ،‬عنه وهذا إسناد رجاله على شرط الجماعة ‪ ،‬وقد بسطنا لفظه عند‬
‫ضلّ اللّهُ‬
‫قوله تعالى ‪ { :‬يُثَ ّبتُ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا بِا ْلقَ ْولِ الثّا ِبتِ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا َوفِي الخِ َرةِ وَيُ ِ‬
‫ن وَ َي ْف َعلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ } [إبراهيم ‪.]27 :‬‬
‫الظّاِلمِي َ‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ } فيه أربعة أقوال ‪:‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن المراد بذلك مسافة ما بين العرش العظيم إلى أسفل السافلين ‪ ،‬وهو قرار الرض‬
‫السابعة ‪ ،‬وذلك مسيرة خمسين ألف سنة ‪ ،‬هذا ارتفاع العرش عن المركز الذي في وسط الرض‬
‫السابعة‪ .‬وذلك اتساع العرش من قطر إلى قطر مسيرة خمسين ألف سنة ‪ ،‬وأنه من ياقوتة حمراء‬
‫‪ ،‬كما ذكره ابن أبي شيبة في كتاب صفة العرش‪ .‬وقد قال ابن أبي حاتم عند هذه الية ‪:‬‬
‫عمَر بن معروف ‪ ،‬عن ليث‬
‫حكّام ‪ ،‬عن ُ‬
‫حدثنا أحمد بن سلمة ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن إبراهيم ‪ ،‬أخبرنا َ‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ } قال ‪ :‬منتهى أمره‬
‫‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عباس قوله ‪ { :‬فِي َي ْومٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫من أسفل الرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات مقدار خمسين ألف سنة ويوم كان مقداره‬
‫ألف سنة‪ .‬يعني بذلك ‪ :‬تَنزل المر من السماء إلى الرض ‪ ،‬ومن الرض إلى السماء في يوم‬
‫واحد فذلك مقداره ألف سنة ؛ لن ما بين السماء والرض مقدار مسيرة خمسمائة سنة‪.‬‬
‫عمَر بن معروف ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن‬
‫حكّام بن سلم ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقد رواه ابن جرير عن ابن حميد ‪ ،‬عن َ‬
‫مجاهد قوله ‪ ،‬لم يذكر ابن عباس (‪.)2‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا علي بن محمد الطّنافِسيّ ‪ ،‬حدثنا إسحاق بن منصور ‪،‬‬
‫حدثنا نوح المؤدب ‪ ،‬عن عبد الوهاب بن مجاهد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬غلظ كل‬
‫أرض خمسمائة عام ‪ ،‬وبين كل أرض إلى أرض خمسمائة عام ‪ ،‬فذلك سبعة آلف عام‪ .‬وغلظ‬
‫كل سماء‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬السماء التي فيها ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/44‬‬

‫( ‪)8/221‬‬
‫خمسمائة عام ‪ ،‬وبين السماء إلى السماء خمسمائة عام ‪ ،‬فذلك أربعة عشر ألف عام ‪ ،‬وبين السماء‬
‫خمْسِينَ‬
‫السابعة وبين العرش مسيرة ستة وثلثين ألف عام ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫أَ ْلفَ سَنَةٍ }‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن المراد بذلك مدة بقاء الدنيا منذ خلق ال هذا العالم إلى قيام الساعة ‪ ،‬قال ابن‬
‫أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬أخبرنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬أخبرنا ابن أبي زائدة ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬عن‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَ َنةٍ } قال ‪ :‬الدنيا عمرها خمسون ألف سنة‪ .‬وذلك‬
‫مجاهد ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫عمرها يوم سماها ال تعالى يوم ‪َ { ،‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ ِإلَيْهِ فِي َيوْمٍ } قال ‪ :‬اليوم ‪ :‬الدنيا‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬أخبرنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن أبي َنجِيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ -‬وعن الحكم بن أبان ‪ ،‬عن‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَ َنةٍ } قال ‪ :‬الدنيا من أولها إلى آخرها مقدار خمسين‬
‫عكرمة ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫ألف سنة ‪ ،‬ل يدري أحدٌ كم مضى ‪ ،‬ول كم بقي إل ال ‪ ،‬عز وجل (‪.)1‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أنه اليوم الفاصل بين الدنيا والخرة ‪ ،‬وهو قول غريب جدًا‪ .‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬حدثنا بُهلول بن المورق (‪ )2‬حدثنا موسى بن‬
‫خمْسِينَ َأ ْلفَ سَنَةٍ } قال ‪ :‬هو يوم الفصل‬
‫عبيدة ‪ ،‬أخبرني محمد بن كعب ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ مِقْدَا ُرهُ َ‬
‫بين الدنيا والخرة‪.‬‬
‫القول الرابع ‪ :‬أن المراد بذلك يوم القيامة ‪ ،‬قال ابن أبي حاتم ‪:‬‬
‫سمَاك ‪ ،‬عن‬
‫حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ِ‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَ َنةٍ } قال ‪ :‬يوم القيامة‪ .‬هذا‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫خمْسِينَ‬
‫وإسناده صحيح‪ .‬ورواه الثوري عن سماك بن حرب ‪ ،‬عن عكرمة { فِي َي ْومٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫أَ ْلفَ سَنَةٍ } يوم القيامة‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪َ { :‬تعْرُجُ ا ْلمَل ِئكَ ُة وَالرّوحُ إِلَيْهِ فِي َيوْمٍ كَانَ‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ } قال ‪ :‬فهذا يوم القيامة ‪ ،‬جعله ال تعالى على الكافرين مقدار خمسين‬
‫ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫ألف سنة‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث في معنى ذلك ‪ ،‬قال المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬حدثنا دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد قال ‪:‬‬
‫خ ْمسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ } ما أطول هذا‬
‫قيل لرسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ ِمقْدَا ُرهُ َ‬
‫اليوم ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنه ليخفف على المؤمن حتى‬
‫يكون أخفّ عليه من صلة مكتوبة يصليها في الدنيا"‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير عبد الرزاق (‪.)2/253‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بهلول بن معروف"‪.‬‬
‫( ‪)8/222‬‬

‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دراج ‪ ،‬به (‪ )1‬إل‬
‫أن دَرّاجا وشيخه ضعيفان ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبي عمرو الغُداني قال‬
‫‪ :‬كنت عند أبي هُرَيرة فمر رجل من بني عامر بن صعصعة ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬هذا أكثر عامري مال‪.‬‬
‫فقال أبو هريرة ‪ :‬ردوه (‪ )2‬فقال ‪ :‬نبئت أنك ذو مال كثير ؟ فقال العامري ‪ :‬أي وال ‪ ،‬إن لي‬
‫حمْرًا و مائة أدمًا ‪ ،‬حتى عد من ألوان البل ‪ ،‬وأفنان الرقيق ‪ ،‬ورباط الخيل فقال أبو‬
‫لمائة ُ‬
‫هريرة ‪ :‬إياك وأخفاف البل وأظلفَ النعم (‪ - )3‬يُ َردّد ذلك عليه ‪ ،‬حتى جعل لونُ العامري‬
‫يتغير ‪ -‬فقال ‪ :‬ما ذاك يا أبا هُرَيرة ؟ قال ‪ :‬سمعتُ رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من‬
‫كانت له إبلٌ ل يعطي حقها في نجدتها ورِسْلها ‪ -‬قلنا يا رسول ال ‪ :‬ما نجدتُها ورِسْلُها ؟ قال ‪:‬‬
‫"في عُسرها ويسرها ‪ " -‬فإنها تأتي يوم القيامة كأغذّ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ‪ ،‬حتى يبطح‬
‫لها بقاع قَرقَر ‪ ،‬فتطؤه بأخفافها ‪ ،‬فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولها ‪ ،‬في يوم كان مقداره‬
‫خمسين ألف سنة ‪ ،‬حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله ‪ ،‬وإذا كانت له بقر ل يعطي حقها في‬
‫نجدتها ورسلها ‪ ،‬فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأكثره وأسمنه وآشره ثم يبطح لها بقاع‬
‫قَرقَر فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها ‪ ،‬وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ‪ ،‬إذا جاوزته أخراها أعيدت‬
‫عليه أولها ‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله‪ .‬وإذا‬
‫كانت له غنم ل يعطي حقها في نجدتها ورسلها ‪ ،‬فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه‬
‫وآشره ‪ ،‬حتى يبطح لها بقاع قَرقَر ‪ ،‬فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها وتنطحه كل ذات قرن بقرنها ‪،‬‬
‫ليس فيها عَقصاء ول عضباء ‪ ،‬إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولها ‪ ،‬في يوم كان مقداره‬
‫خمسين ألف سنة ‪ ،‬حتى يقضى بين الناس ‪ ،‬فيرى سبيله"‪ .‬قال العامري ‪ :‬وما حق البل يا أبا‬
‫هريرة ؟ قال ‪ :‬أن تعطي الكريمة ‪ ،‬وتمنح الغَزيرَة ‪ ،‬وتفقر الظهر ‪ ،‬وتَسقيَ اللبن (‪ )4‬وتُطرقَ‬
‫الفحل‪.‬‬
‫وقد رواه أبو داود من حديث شعبة ‪ ،‬والنسائي من حديث سعيد بن أبي عَرُوبة ‪ ،‬كلهما عن قتادة‬
‫‪ ،‬به (‪.)5‬‬
‫سهَيل (‪ )6‬بن أبي صالح ‪،‬‬
‫طريق أخرى لهذا الحديث ‪ :‬قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو كامل ‪ ،‬عن ُ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما من صاحب كنز ل‬
‫يؤدي حقه إل جعل صفائح يحمى عليها في نار جهنم ‪ ،‬فتكوى بها بجهته وجنبه وظهره ‪ ،‬حتى‬
‫يحكم ال بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون ‪ ،‬ثم يرى سبيله إما إلى‬
‫الجنة وإما إلى النار"‪ .‬وذكر بقية الحديث في الغنم والبل كما تقدم ‪ ،‬وفيه ‪" :‬الخيل الثلثة ؛ لرجل‬
‫أجر ‪ ،‬ولرجل ستر ‪ ،‬وعلى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ )3/75‬وتفسير الطبري (‪ )29/45‬ودراج عن أب الهيثم ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ردوه إلى"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬الغنم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وتسقي البل"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )2/489‬وسنن أبي داود برقم (‪ )1660‬وسنن النسائي (‪.)5/12‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬عن سهل"‪.‬‬

‫( ‪)8/223‬‬

‫حمِيمًا (‪)10‬‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫سمَاءُ كَا ْل ُم ْهلِ (‪ )8‬وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ (‪ )9‬وَلَا َيسَْألُ َ‬
‫َيوْمَ َتكُونُ ال ّ‬

‫رجل وزر" إلى آخره (‪.)1‬‬


‫سهَيل (‪ )2‬عن أبيه ‪ ،‬عن‬
‫ورواه مسلم في صحيحه بتمامه منفردًا به دون البخاري ‪ ،‬من حديث ُ‬
‫أبي هُرَيرة (‪ )3‬وموضع استقصاء طرقه وألفاظه في كتاب الزكاة في "الحكام" ‪ ،‬والغرض من‬
‫إيراده هاهنا قوله ‪" :‬حتى يحكم ال بين عباده ‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة"‪.‬‬
‫وقد روى ابن جرير عن يعقوب (‪ )4‬عن ابن عُلَيّة وعبد الوهاب ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَيْكة‬
‫خمْسِينَ أَ ْلفَ سَنَةٍ } قال ‪ :‬فاتهمه ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬سأل رجل ابن عباس عن قوله ‪ { :‬فِي َيوْمٍ كَانَ مِقْدَا ُرهُ َ‬
‫فقيل له فيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ فقال ‪ :‬إنما سألتك لتحدثني‪ .‬قال ‪ :‬هما‬
‫يومان ذكرهما ال ‪ ،‬ال أعلم بهما ‪ ،‬وأكره أن أقول في كتاب ال بما ل أعلم (‪.)5‬‬
‫جمِيل } أي ‪ :‬اصبر يا محمد على تكذيب قومك لك ‪ ،‬واستعجالهم العذاب‬
‫وقوله ‪ { :‬فَاصْبِ ْر صَبْرًا َ‬
‫شفِقُونَ مِ ْنهَا وَ َيعْلَمُونَ‬
‫جلُ ِبهَا الّذِينَ ل ُي ْؤمِنُونَ ِبهَا وَالّذِينَ آمَنُوا مُ ْ‬
‫استبعادًا لوقوعه ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَسْ َتعْ ِ‬
‫حقّ } [الشورى ‪ ]18 :‬قال ‪ { :‬إِ ّنهُمْ يَ َروْنَهُ َبعِيدًا } أي ‪ :‬وقوع العذاب وقيام الساعة يراه‬
‫أَ ّنهَا الْ َ‬
‫الكفرة بعيد الوقوع ‪ ،‬بمعنى مستحيل الوقوع ‪ { ،‬وَنَرَاهُ قَرِيبًا } أي ‪ :‬المؤمنون يعتقدون كونه قريبا‬
‫‪ ،‬وإن كان له أمد ل يعلمه إل ال ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬لكن كل ما هو آت فهو قريب وواقع ل محالة‪.‬‬
‫حمِيمًا (‪} )10‬‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫سمَاءُ كَا ْل ُم ْهلِ (‪ )8‬وَ َتكُونُ ا ْلجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ (‪ )9‬وَل َيسَْألُ َ‬
‫{ َيوْمَ َتكُونُ ال ّ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)2/262‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬سهل"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)987‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬عن منصور"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)29/45‬‬

‫( ‪)8/224‬‬

‫يُ َبصّرُونَهُمْ َيوَدّ ا ْلمُجْ ِرمُ َلوْ َيفْتَدِي مِنْ عَذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِيهِ (‪َ )11‬وصَاحِبَتِ ِه وَأَخِيهِ (‪َ )12‬و َفصِيلَتِهِ الّتِي‬
‫شوَى (‪ )16‬تَدْعُوا‬
‫عةً لِل ّ‬
‫جمِيعًا ثُمّ يُنْجِيهِ (‪ )14‬كَلّا إِ ّنهَا َلظَى (‪ )15‬نَزّا َ‬
‫ُت ْؤوِيهِ (‪َ )13‬ومَنْ فِي الْأَ ْرضِ َ‬
‫ج َمعَ فََأوْعَى (‪)18‬‬
‫مَنْ أَدْبَ َر وَ َتوَلّى (‪ )17‬وَ َ‬

‫عذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِيهِ (‪َ )11‬وصَاحِبَ ِت ِه وَأَخِيهِ (‪َ )12‬و َفصِيلَتِهِ‬


‫{ يُ َبصّرُو َنهُمْ َيوَدّ ا ْلمُجْرِمُ َلوْ َيفْتَدِي مِنْ َ‬
‫شوَى (‪)16‬‬
‫جمِيعًا ثُمّ يُ ْنجِيهِ (‪ )14‬كَل إِ ّنهَا َلظَى (‪ )15‬نزاعَةً لِل ّ‬
‫الّتِي ُتؤْوِيهِ (‪َ )13‬ومَنْ فِي ال ْرضِ َ‬
‫جمَعَ فََأوْعَى (‪} )18‬‬
‫تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى (‪ )17‬وَ َ‬
‫سمَاءُ كَا ْل ُم ْهلِ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪،‬‬
‫يقول تعالى ‪ :‬العذابُ واقع بالكافرين { َي ْومَ َتكُونُ ال ّ‬
‫وعطاء ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد ‪ ،‬كدرْديّ الزيت ‪ { ،‬وَ َتكُونُ الْجِبَالُ‬
‫كَا ْل ِعهْنِ } أي ‪ :‬كالصوف المنفوش ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي‪ .‬وهذه الية كقوله تعالى ‪:‬‬
‫{ وَ َتكُونُ الْجِبَالُ كَا ْل ِعهْنِ ا ْلمَ ْنفُوشِ } [القارعة ‪.]5 :‬‬
‫حمِيمًا يُ َبصّرُو َنهُمْ } أي ‪ :‬ل يسأل القريب عن حاله ‪ ،‬وهو يراه في‬
‫حمِيمٌ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل يَسَْألُ َ‬
‫أسوأ الحوال ‪ ،‬فتشغله نفسه عن غيره‪.‬‬
‫قال العوفي عن ابن عباس ‪ :‬يعرف بعضهم بعضا ‪ ،‬ويتعارفون بينهم ‪ ،‬ثم يفر بعضهم من بعض‬

‫( ‪)8/224‬‬

‫بعد ذلك ‪ ،‬يقول ‪ِ { :‬ل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ }‬
‫شوْا َي ْومًا ل َيجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَ ِد ِه وَل‬
‫وهذه الية الكريمة كقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّاسُ ا ّتقُوا رَ ّبكُمْ وَاخْ َ‬
‫حقّ } [لقمان ‪ .]33 :‬وكقوله ‪ { :‬وَإِنْ َت ْدعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى‬
‫ن وَاِل ِدهِ شَيْئًا إِنّ وَعْدَ اللّهِ َ‬
‫َموْلُودٌ ُهوَ جَازٍ عَ ْ‬
‫شيْ ٌء وََلوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } [فاطر ‪ .]18 :‬وكقوله ‪ { :‬فَِإذَا ُنفِخَ فِي الصّورِ فَل‬
‫ح َملْ مِنْهُ َ‬
‫حمِْلهَا ل يُ ْ‬
‫ِ‬
‫أَنْسَابَ بَيْ َنهُمْ َي ْومَئِ ٍذ وَل يَتَسَاءَلُونَ } [المؤمنون ‪ .]101 :‬وكقوله ‪َ { :‬ي ْومَ َيفِرّ ا ْلمَرْءُ مِنْ أَخِي ِه وَُأمّهِ‬
‫وَأَبِي ِه َوصَاحِبَتِ ِه وَبَنِيهِ ِل ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ َي ْومَئِذٍ شَأْنٌ ُيغْنِيهِ } [عبس ‪.]37 - 34 :‬‬
‫عذَابِ َي ْومِئِذٍ بِبَنِي ِه َوصَاحِبَ ِت ِه وَأَخِي ِه َو َفصِيلَتِهِ الّتِي ُت ْؤوِي ِه َومَنْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬يوَدّ ا ْلمُجْرِمُ َلوْ َيفْتَدِي مِنْ َ‬
‫جمِيعًا ُثمّ يُنْجِيهِ كَل } أي ‪ :‬ل يقبل منه فداء ولو جاء بأهل الرض ‪ ،‬وبأعز ما يجده‬
‫فِي ال ْرضِ َ‬
‫حشَاشة كبده ‪ ،‬يود يوم‬
‫من المال ‪ ،‬ولو بملء الرض ذهبًا ‪ ،‬أو من ولده الذي كان في الدنيا ُ‬
‫القيامة إذا رأى الهوال أن يفتدي من عذاب ال به ‪ ،‬ول يقبل منه‪ .‬قال مجاهد والسدي ‪:‬‬
‫{ َفصِيلَتِهِ } قبيلته وعشيرته‪ .‬وقال عكرمة ‪ :‬فَخذه الذي هو منهم‪ .‬وقال أشهب ‪ ،‬عن مالك ‪:‬‬
‫{ َفصِيلَتِهِ } أمه‪.‬‬
‫شوَى } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬جلدة‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنهَا َلظَى } يصف النار وشدة حرها { نزاعَةً لِل ّ‬
‫شوَى } الجلود والهام‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬ما دون‬
‫الرأس‪ .‬وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬نزاعَةً لِل ّ‬
‫شوَى }‬
‫العظم من اللحم‪ .‬وقال سعيد بن جبير ‪ :‬العصب‪ .‬والعقب‪ .‬وقال أبو صالح ‪ { :‬نزاعَةً لِل ّ‬
‫يعني ‪ :‬أطراف اليدين والرجلين‪ .‬وقال أيضا ‪ :‬نزاعة لحم الساقين‪ .‬وقال الحسن البصري ‪ ،‬وثابت‬
‫شوَى } أي ‪ :‬مكارم وجهه‪ .‬وقال الحسن أيضا ‪ :‬تحرق كل شيء فيه ‪ ،‬ويبقى‬
‫عةً لِل ّ‬
‫البناني ‪ { :‬نزا َ‬
‫شوَى } أي ‪ :‬نزاعة لهامته ومكارم وَجهه وخَ ْلقَه وأطرافه‪.‬‬
‫عةً لِل ّ‬
‫فؤاده يصيح‪ .‬وقال قتادة ‪ { :‬نزا َ‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬تبري اللحم والجلد عن العظم ‪ ،‬حتى ل تترك منه شيئًا‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬الشوى ‪:‬‬
‫الراب العظام‪ .‬فقوله ‪ :‬نزاعة ‪ ،‬قال ‪ :‬تقطع عظامهم ‪ ،‬ثم ُيجَدد خلقهم وتبدل جلودهم‪.‬‬
‫جمَعَ فََأوْعَى } أي ‪ :‬تدعو النار إليها أبناءها الذين خلقهم ال لها‬
‫وقوله ‪َ { :‬تدْعُوا مَنْ أَدْبَ َر وَ َتوَلّى َو َ‬
‫‪ ،‬وقدر لهم أنهم في الدار الدنيا يعملون عملها ‪ ،‬فتدعوهم يوم القيامة بلسان طَلق ذَلِق ‪ ،‬ثم تلتقطهم‬
‫من بين أهل المحشر كما يلتقط الطير الحب‪ .‬وذلك أنهم ‪ -‬كما قال ال ‪ ،‬عز وجل ‪ -‬كانوا ممن {‬
‫جمَعَ فََأوْعَى } أي ‪ :‬جمع المال بعضه‬
‫أَدْبَ َر وَ َتوَلّى } أي ‪ :‬كذب بقلبه ‪ ،‬وترك العمل بجوارحه { وَ َ‬
‫على بعض فأوعاه ‪ ،‬أي ‪ :‬أوكاه ومنع حق ال منه من الواجب عليه في النفقات ومن إخراج‬
‫الزكاة‪ .‬وقد ورد في الحديث ‪" :‬ول تُوعي فَيُوعي ال عليك" (‪ )1‬وكان عبد ال بن عُكيم ل يربط‬
‫جمَعَ فََأوْعَى }‬
‫له كيسا ويقول ‪ :‬سمعت ال يقول ‪ { :‬وَ َ‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬سمعتَ وعيدَ ال ثم أوعيتَ الدنيا‪.‬‬
‫جمُوعًا قمُومًا للخَبيث‪.‬‬
‫جمَعَ فََأوْعَى } قال ‪ :‬كان َ‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1434‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )1029‬من حديث أسماء‬
‫بنت أبي بكر الصديق ‪ ،‬رضي ال عنهما‪.‬‬

‫( ‪)8/225‬‬

‫إِنّ الْإِنْسَانَ خُِلقَ هَلُوعًا (‪ )19‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعًا (‪ )20‬وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (‪ )21‬إِلّا‬
‫ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )22‬الّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَا ِتهِمْ دَا ِئمُونَ (‪ )23‬وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ َمعْلُومٌ (‪ )24‬لِلسّا ِئلِ‬
‫شفِقُونَ (‪ )27‬إِنّ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪ )25‬وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )26‬وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬
‫جهِمْ َأوْ مَا مََل َكتْ‬
‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ (‪ )29‬إِلّا عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫عَذَابَ رَ ّبهِمْ غَيْرُ مَ ْأمُونٍ (‪ )28‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )30‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )31‬وَالّذِينَ هُمْ‬
‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ (‪ )33‬وَالّذِينَ ُهمْ عَلَى صَلَا ِتهِمْ‬
‫عهْدِ ِهمْ رَاعُونَ (‪ )32‬وَالّذِينَ ُهمْ بِ َ‬
‫لَِأمَانَا ِتهِ ْم وَ َ‬
‫يُحَا ِفظُونَ (‪ )34‬أُولَ ِئكَ فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ (‪)35‬‬

‫{ إِنّ النْسَانَ خُِلقَ هَلُوعًا (‪ِ )19‬إذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعًا (‪ )20‬وَإِذَا مَسّهُ ا ْلخَيْرُ مَنُوعًا (‪ )21‬إِل‬
‫حقّ َمعْلُومٌ (‪ )24‬لِلسّا ِئلِ‬
‫ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )22‬الّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ دَا ِئمُونَ (‪ )23‬وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ َ‬
‫شفِقُونَ (‪ )27‬إِنّ‬
‫وَا ْلمَحْرُومِ (‪ )25‬وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )26‬وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّب ِهمْ مُ ْ‬
‫ج ِهمْ َأوْ مَا مََل َكتْ‬
‫ج ِهمْ حَا ِفظُونَ (‪ )29‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫عَذَابَ رَ ّبهِمْ غَيْرُ مَ ْأمُونٍ (‪ )28‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫أَ ْيمَا ُنهُمْ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (‪َ )30‬فمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ (‪ )31‬وَالّذِينَ هُمْ‬
‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ (‪ )33‬وَالّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ‬
‫عهْدِهِمْ رَاعُونَ (‪ )32‬وَالّذِينَ هُمْ بِ َ‬
‫لمَانَاتِهِمْ وَ َ‬
‫يُحَا ِفظُونَ (‪ )34‬أُولَ ِئكَ فِي جَنّاتٍ ُمكْ َرمُونَ (‪} )35‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن النسان وما هو مجبول عليه من الخلق الدنيئة ‪ { :‬إِنّ النْسَانَ خُلِقَ‬
‫هَلُوعًا } ثم فسره بقوله ‪ { :‬إِذَا مَسّهُ الشّرّ جَزُوعًا } أي ‪ :‬إذا أصابه الضر فزع وجزع وانخلع‬
‫قلبه من شدة الرعب ‪ ،‬وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير‪.‬‬
‫{ وَإِذَا مَسّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا } أي ‪ :‬إذا حصلت له (‪ )1‬نعمة من ال بخل بها على غيره ‪ ،‬ومنع حق‬
‫ال فيها‪.‬‬
‫عَليّ بنُ رَباح ‪ :‬سمعت أبي يحدث‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا موسى بن ُ‬
‫عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال ‪ :‬سمعت أبا هُرَيرة يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪" :‬شر ما في رجل شُحٌ هالع ‪ ،‬وجبن خالع"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود عن عبد ال بن الجراح ‪ ،‬عن أبي عبد الرحمن المقري ‪ ،‬به (‪ )2‬وليس لعبد‬
‫العزيز عنده سواه‪.‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِل ا ْل ُمصَلّينَ } أي ‪ :‬النسان من حيث هو متصف بصفات الذم إل من عصمه ال‬
‫ووفقه ‪ ،‬وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه ‪ ،‬وهم المصلون { الّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ دَا ِئمُونَ } قيل‬
‫‪ :‬معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم‪ .‬قاله ابن مسعود ‪ ،‬ومسروق ‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ الّذِينَ هُمْ فِي صَل ِتهِمْ‬
‫شعُونَ } [المؤمنون ‪ .]2 ، 1 :‬قاله عتبة بن عامر‪ .‬ومنه الماء الدائم ‪ ،‬أي ‪ :‬الساكن الراكد‪.‬‬
‫خَا ِ‬
‫وقيل ‪ :‬المراد بذلك الذين إذا عملوا عمل داوموا عليه وأثبتوه ‪ ،‬كما جاء في الصحيح عن‬
‫عائشة ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬أحب العمال إلى ال أدومها وإن َقلّ"‪.‬‬
‫وفي لفظ ‪" :‬ما داوم عليه صاحبه" ‪ ،‬قالت ‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا عمل عمل‬
‫داوم عليه‪ .‬وفي لفظ ‪ :‬أثبته (‪.)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عنده"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ )2/320‬وسنن أبي داود برقم (‪.)2511‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪ )6465 ، 43‬وصحيح مسلم برقم (‪ )785‬من حديث عائشة ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنها‪.‬‬

‫( ‪)8/226‬‬

‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ‬


‫شمَالِ عِزِينَ (‪ )37‬أَيَ ْ‬
‫طعِينَ (‪ )36‬عَنِ الْ َيمِينِ وَعَنِ ال ّ‬
‫َفمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ (‪ )38‬كَلّا إِنّا خََلقْنَاهُمْ ِممّا َيعَْلمُونَ (‪)39‬‬
‫أَنْ يُ ْد َ‬

‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬الّذِينَ هُمْ عَلَى صَل ِتهِمْ دَا ِئمُونَ } ذُكر لنا أن دانيال ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬نعت‬
‫أمة محمد صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يصلون صلة لو صلها قوم نوح ما غرقوا ‪ ،‬أو قوم عاد‬
‫ما أرسلت عليهم الريح العقيم ‪ ،‬أو ثمود ما أخذتهم الصيحة‪ .‬فعليكم بالصلة فإنها خُلُق للمؤمنين‬
‫حسن‪.‬‬
‫ل وَا ْلمَحْرُومِ } أي ‪ :‬في أموالهم نصيب مقرر لذوي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ فِي َأ ْموَاِلهِمْ حَقّ َمعْلُومٌ لِلسّا ِئ ِ‬
‫الحاجات‪ .‬وقد تقدم الكلم على ذلك في "سورة الذاريات"‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ ُيصَ ّدقُونَ بِ َيوْمِ الدّينِ } أي ‪ :‬يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء ‪ ،‬فهم يعملون‬
‫شفِقُونَ } أي ‪:‬‬
‫عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَالّذِينَ ُهمْ مِنْ عَذَابِ رَ ّبهِمْ ُم ْ‬
‫خائفون وجلون ‪ { ،‬إِنّ عَذَابَ رَ ّبهِمْ غَيْرُ مَ ْأمُونٍ } أي ‪ :‬ل يأمنه أحد ممن عقل عن ال أمره إل‬
‫بأمان من ال تبارك وتعالى‪.‬‬
‫جهِمْ حَا ِفظُونَ } أي ‪ :‬يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ ِلفُرُو ِ‬
‫ج ِه ْم أوْ مَا مََل َكتْ أَ ْيمَا ُن ُهمْ } أي ‪ :‬من الماء ‪،‬‬
‫ما أذن ال [فيه] (‪ )1‬ولهذا قال ‪ { :‬إِل عَلَى أَ ْزوَا ِ‬
‫{ فَإِ ّنهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ َفمَنِ ابْ َتغَى وَرَاءَ ذَِلكَ فَأُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلعَادُونَ } وقد تقدم تفسير ذلك في أول‬
‫سورة (‪ { )2‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } بما أغنى عنى إعادته هاهنا‪.‬‬
‫عهْدِ ِهمْ رَاعُونَ } أي ‪ :‬إذا اؤتمنوا لم يخونوا ‪ ،‬وإذا عاهدوا لم‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُ ْم لمَانَا ِتهِ ْم وَ َ‬
‫يغدروا‪ .‬وهذه صفات المؤمنين ‪ ،‬وضدها صفات المنافقين ‪ ،‬كما ورد في (‪ )3‬الحديث الصحيح ‪:‬‬
‫"آية المنافق ثلث ‪ :‬إذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا وعد أخلف ‪ ،‬وإذا اؤتمن خان"‪ .‬وفي رواية ‪" :‬إذا حَدّث‬
‫غدَر ‪ ،‬وإذا خاصم فجر" (‪.)4‬‬
‫كذب ‪ ،‬وإذا عاهد َ‬
‫شهَادَا ِتهِمْ قَا ِئمُونَ } أي ‪ :‬محافظون عليها ل يزيدون فيها ‪ ،‬ول ينقصون‬
‫وقوله ‪ { :‬وَالّذِينَ هُمْ ِب َ‬
‫منها ‪ ،‬ول يكتمونها ‪َ { ،‬ومَنْ َيكْ ُت ْمهَا فَإِنّهُ آ ِثمٌ قَلْبُهُ } [البقرة ‪.]283 :‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬وَالّذِينَ ُهمْ عَلَى صَل ِتهِمْ يُحَا ِفظُونَ } (‪ )5‬أي ‪ :‬على مواقيتها وأركانها وواجباتها‬
‫ومستحباتها ‪ ،‬فافتتح الكلم بذكر الصلة واختتمه بذكرها ‪ ،‬فدل على العتناء بها والتنويه بشرفها‬
‫‪ ،‬كما تقدم في أول سورة ‪ { :‬قَدْ َأفْلَحَ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ } ؛ سواء لهذا قال هناك ‪ { :‬أُولَ ِئكَ هُمُ ا ْلوَارِثُونَ‬
‫الّذِينَ يَرِثُونَ ا ْلفِرْ َدوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون ‪ ]11 ، 10 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬أُولَ ِئكَ فِي جَنّاتٍ‬
‫ُمكْ َرمُونَ } أي ‪ :‬مكرمون بأنواع الملذ والمسار‪.‬‬
‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ‬
‫شمَالِ عِزِينَ (‪ )37‬أَ َي ْ‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫طعِينَ (‪ )36‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫{ َفمَالِ الّذِينَ كَفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ (‪ )38‬كَل إِنّا خََلقْنَاهُمْ ِممّا َيعَْلمُونَ (‪} )39‬‬
‫مِ ْنهُمْ أَنْ ُيدْ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬سورة المؤمنون"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬كما ورد به"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تقدم تخريج الحديث عند تفسير الية ‪ 8 :‬من سورة المؤمنون‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬على صلتهم"‪.‬‬

‫( ‪)8/227‬‬

‫سمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِقِ وَا ْل َمغَارِبِ إِنّا َلقَادِرُونَ (‪ )40‬عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ خَيْرًا مِ ْنهُ ْم َومَا نَحْنُ ِب َمسْبُوقِينَ‬
‫فَلَا ُأقْ ِ‬
‫(‪ )41‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪َ )42‬يوْمَ َيخْرُجُونَ مِنَ الَْأجْدَاثِ‬
‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ ذَِلكَ الْ َيوْمُ الّذِي كَانُوا‬
‫صبٍ يُو ِفضُونَ (‪ )43‬خَا ِ‬
‫سِرَاعًا كَأَ ّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬
‫يُوعَدُونَ (‪)44‬‬

‫ق وَا ْل َمغَا ِربِ إِنّا َلقَادِرُونَ (‪ )40‬عَلَى أَنْ نُ َب ّدلَ خَيْرًا مِ ْنهُمْ َومَا َنحْنُ‬
‫{ فَل ُأ ْقسِمُ بِ َربّ ا ْلمَشَا ِر ِ‬
‫ِبمَسْبُوقِينَ (‪ )41‬فَذَرْ ُهمْ يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ (‪َ )42‬يوْمَ َيخْرُجُونَ مِنَ‬
‫شعَةً أَ ْبصَارُهُمْ تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ ذَِلكَ الْ َي ْومُ الّذِي‬
‫صبٍ يُوفِضُونَ (‪ )43‬خَا ِ‬
‫الجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَ ّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬
‫عدُونَ (‪} )44‬‬
‫كَانُوا يُو َ‬

‫( ‪)8/227‬‬

‫يقول تعالى منكرًا على الكفار الذين كانوا في زمن (‪ )1‬النبي صلى ال عليه وسلم وهم مشاهدون‬
‫له ‪ ،‬ولما أرسله ال به من الهدى وما أيده ال به من المعجزات الباهرات ‪ ،‬ثم هم مع هذا كله‬
‫فارون منه ‪ ،‬متفرقون عنه ‪ ،‬شاردون يمينًا وشمال فِ َرقًا فِ َرقًا ‪ ،‬وشِيعًا شِيعًا ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫سوَ َرةٍ } [المدثر ‪ ]51 ، 49 :‬الية‬
‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ فَ ّرتْ مِنْ قَ ْ‬
‫{ َفمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫طعِينَ } أي ‪ :‬فما لهؤلء الكفار الذين‬
‫وهذه مثلها ؛ فإنه قال تعالى ‪َ { :‬فمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫طعِينَ }‬
‫طعِينَ } أي مسرعين نافرين منك ‪ ،‬كما قال الحسن البصري ‪ُ { :‬مهْ ِ‬
‫عندك يا محمد { ُمهْ ِ‬
‫شمَالِ عِزِينَ } واحدها ع َزةٌ ‪ ،‬أي ‪ :‬متفرقين‪ .‬وهو حال من‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫أي ‪ :‬منطلقين ‪ { ،‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫مهطعين ‪ ،‬أي ‪ :‬في حال تفرقهم واختلفهم ‪ ،‬كما قال المام أحمد في أهل الهواء ‪ :‬فهم مخالفون‬
‫للكتاب ‪ ،‬مختلفون في الكتاب ‪ ،‬متفقون على مخالفة الكتاب‪.‬‬
‫طعِينَ } قال ‪ :‬قبلك ينظرون ‪ { ،‬عَنِ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬فمَالِ الّذِينَ َكفَرُوا قِبََلكَ ُمهْ ِ‬
‫شمَالِ عِزِينَ } قال ‪ :‬العزين ‪ :‬ال ُعصَب من الناس ‪ ،‬عن يمين وشمال معرضين‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫الْ َيمِي ِ‬
‫يستهزئون به‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن بشار‪ .‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا قرة ‪ ،‬عن الحسن (‪ )2‬في قوله ‪:‬‬
‫شمَالِ عِزِينَ } متفرقين ‪ ،‬يأخذون يمينًا وشمال يقولون ‪ :‬ما قال هذا الرجل ؟‬
‫{ عَنِ الْ َيمِينِ وَعَنِ ال ّ‬
‫شمَالِ عِزِينَ } أي ‪ :‬فِ َرقًا حول النبي‬
‫ن وَعَنِ ال ّ‬
‫طعِينَ } عامدين ‪ { ،‬عَنِ الْ َيمِي ِ‬
‫وقال قتادة ‪ُ { :‬مهْ ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم ل يرغبون في كتاب ال ‪ ،‬ول في نبيه صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬وشعبة ‪ ،‬وعيسى بن يونس وعَبْثَر بن القاسم (‪ )3‬ومحمد بن فضيل ‪ ،‬و َوكِيع ‪،‬‬
‫ويحيى القطان ‪ ،‬وأبو معاوية ‪ ،‬كلهم عن العمش ‪ ،‬عن المسيب بن رافع ‪ ،‬عن تميم بن طرفة ‪،‬‬
‫عن جابر بن سمرة ؛ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج عليهم (‪ )4‬وهم حلق ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما‬
‫لي أراكم عزين ؟"‬
‫رواه أحمد ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن جرير ‪ ،‬من حديث العمش ‪ ،‬به (‪)5‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬في زمان"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عن الحسين"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬خرج على أصحابه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ )5/93‬وصحيح مسلم برقم (‪ )430‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4823‬وسنن النسائي‬
‫الكبرى برقم (‪ )11622‬وتفسير الطبري (‪.)29/54‬‬

‫( ‪)8/228‬‬

‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا ُم َؤمّل ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن عبد الملك بن عمير ‪،‬‬
‫عن أبي سلمة ‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ :‬رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم خرج على‬
‫أصحابه وهم حِلَق حِلق ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما لي أراكم عزين ؟" (‪.)1‬‬
‫وهذا إسناد جيد ‪ ،‬ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه‪.‬‬
‫خلَ جَنّةَ َنعِيمٍ } أي ‪ :‬أيطمع هؤلء ‪ -‬والحالة هذه ‪ -‬من‬
‫طمَعُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيدْ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َي ْ‬
‫فرارهم عن الرسول صلى ال عليه وسلم ونفارهم عن الحق ‪ -‬أن يدخلوا جنات النعيم ؟ كل بل‬
‫مأواهم الجحيم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى مقررًا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده ‪ ،‬مستدل‬
‫عليهم بالبداءة التي العادة أهون منها وهم معترفون بها ‪ ،‬فقال { إِنّا خََلقْنَاهُمْ ِممّا َيعَْلمُونَ } أي ‪:‬‬
‫من المني الضعيف ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬أََلمْ َنخُْلقْكُمْ مِنْ مَاءٍ َمهِينٍ } [المرسلت ‪ .]20 :‬وقال ‪ { :‬فَلْيَ ْنظُرِ‬
‫جعِهِ َلقَادِرٌ َيوْمَ‬
‫ب وَالتّرَا ِئبِ إِنّهُ عَلَى َر ْ‬
‫النْسَانُ مِمّ خُلِقَ خُِلقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ َيخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصّ ْل ِ‬
‫تُبْلَى السّرَائِرُ َفمَا َلهُ مِنْ ُق ّوةٍ وَل نَاصِرٍ } [الطارق ‪.]10 - 5 :‬‬
‫ق وَا ْل َمغَا ِربِ } أي ‪ :‬الذي خلق السموات والرض ‪ ،‬وجعل‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَل ُأقْسِمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِ ِ‬
‫مشرقا ومغربا ‪ ،‬وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها‪ .‬وتقدير الكلم ‪ :‬ليس‬
‫المر كما يزعمون أن ل معاد ول حساب ‪ ،‬ول بعث ول نشور ‪ ،‬بل كل ذلك واقع وكائن ل‬
‫محالة‪ .‬ولهذا أتى ب "ل" في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ‪ ،‬وهو مضمون الكلم ‪،‬‬
‫وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة ‪ ،‬وقد شاهدوا من عظيم قدرة ال تعالى ما هو‬
‫أبلغ من إقامة القيامة ‪ ،‬وهو خلق السموات والرض ‪ ،‬وتسخير ما فيهما من المخلوقات من‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫الحيوانات والجمادات ‪ ،‬وسائر صنوف الموجودات ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬لَخَ ْلقُ ال ّ‬
‫وَالرْضِ َأكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّاسِ } [غافر ‪ ]57 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬أوَلَمْ يَ َروْا أَنّ اللّهَ الّذِي خََلقَ‬
‫شيْءٍ قَدِيرٌ }‬
‫ض وَلَمْ َي ْعيَ بِخَ ْل ِقهِنّ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى بَلَى إِنّهُ عَلَى ُكلّ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْر َ‬
‫ال ّ‬
‫سمَاوَاتِ وَال ْرضَ ِبقَادِرٍ‬
‫[الحقاف ‪ .]33 :‬وقال تعالى في الية الخرى ‪َ { :‬أوَلَيْسَ الّذِي خَلَقَ ال ّ‬
‫عَلَى أَنْ يَخُْلقَ مِثَْلهُمْ بَلَى وَ ُهوَ ا ْلخَلقُ ا ْلعَلِيمُ إِ ّنمَا َأمْ ُرهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ َيقُولَ َلهُ كُنْ فَ َيكُونُ } [يس‬
‫سمُ بِ َربّ ا ْلمَشَارِقِ وَا ْل َمغَارِبِ إِنّا َلقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ خَيْرًا‬
‫‪ .]82 ، 81 :‬وقال هاهنا ‪ { :‬فَل ُأقْ ِ‬
‫مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه ‪ ،‬فإن قدرته صالحة لذلك ‪َ { ،‬ومَا نَحْنُ‬
‫ج َمعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى‬
‫سبُ النْسَانُ أَلّنْ نَ ْ‬
‫حَ‬‫ِبمَسْبُوقِينَ } أي ‪ :‬بعاجزين‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬أَيَ ْ‬
‫س ّويَ بَنَانَهُ } [القيامة ‪ .]4 ، 3 :‬وقال تعالى ‪َ { :‬نحْنُ قَدّرْنَا بَيْ َن ُكمُ ا ْل َم ْوتَ َومَا َنحْنُ ِبمَسْبُوقِينَ‬
‫أَنْ نُ َ‬
‫عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ َأمْثَاَلكُ ْم وَنُنْشِ َئ ُكمْ فِي مَا ل َتعَْلمُونَ } [الواقعة ‪.]61 ، 6 :‬‬
‫واختار ابن جرير { عَلَى أَنْ نُبَ ّدلَ خَيْرًا مِ ْنهُمْ } أي ‪ :‬أمة تطيعنا ول تعصينا وجعلها ‪ ،‬كقوله ‪:‬‬
‫{ وَإِنْ تَ َتوَّلوْا يَسْتَ ْب ِدلْ َق ْومًا غَيْ َركُمْ ُثمّ ل َيكُونُوا َأمْثَاَلكُمْ } [محمد ‪ .]38 :‬والمعنى الول أظهر لدللة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/54‬‬

‫( ‪)8/229‬‬
‫اليات الخر عليه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬فذَرْهُمْ } أي ‪ :‬يا محمد { يَخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا } أي ‪ :‬دعهم في تكذيبهم وكفرهم‬
‫وعنادهم ‪ { ،‬حَتّى يُلقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ } أي ‪ :‬فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله { َيوْمَ‬
‫صبٍ يُو ِفضُونَ } أي ‪ :‬يقومون من القبور إذا دعاهم‬
‫يَخْ ُرجُونَ مِنَ الجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَ ّنهُمْ إِلَى ُن ُ‬
‫الرب ‪ ،‬تبارك وتعالى ‪ ،‬لموقف الحساب ‪ ،‬ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬إلى عَلَم يسعون‪ .‬وقال أبو العالية ‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير‬
‫‪ :‬إلى غاية يسعون إليها‪.‬‬
‫وقد قرأ الجمهور ‪َ " :‬نصْب" بفتح النون وإسكان الصاد ‪ ،‬وهو مصدر بمعنى المنصوب‪ .‬وقرأ‬
‫صبٍ } بضم النون والصاد ‪ ،‬وهو الصنم ‪ ،‬أي ‪ :‬كأنهم في إسراعهم إلى‬
‫الحسن البصري ‪ُ { :‬ن ُ‬
‫الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه يوفضون ‪ ،‬يبتدرون ‪ ،‬أيهم يستلمه‬
‫أول‪ .‬وهذا مروي عن مجاهد ‪ ،‬ويحيى بن أبي كثير ‪ ،‬ومسلم البَطين (‪ )1‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫والربيع بن أنس ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬وعاصم بن َب ْهدَلة ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫شعَةً أَ ْبصَارُ ُهمْ } أي ‪ :‬خاضعة { تَرْ َه ُقهُمْ ذِلّةٌ } أي ‪ :‬في مقابلة ما استكبروا في الدنيا‬
‫وقوله ‪ { :‬خَا ِ‬
‫عن الطاعة ‪ { ،‬ذَِلكَ الْ َيوْمُ الّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }‬
‫آخر تفسير سورة "سأل سائل" ول الحمد والمنة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وأبو مسلم البطين"‪.‬‬

‫( ‪)8/230‬‬

‫إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ أَنْ أَ ْنذِرْ َق ْومَكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )1‬قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ‬
‫سمّى إِنّ‬
‫جلٍ ُم َ‬
‫مُبِينٌ (‪ )2‬أَنِ اعْبُدُوا اللّ َه وَاتّقُو ُه وَأَطِيعُونِ (‪َ )3‬ي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيؤَخّ ْركُمْ إِلَى َأ َ‬
‫عوْتُ َق ْومِي لَيْلًا وَ َنهَارًا (‪ )5‬فَلَمْ‬
‫جلَ اللّهِ إِذَا جَاءَ لَا ُيؤَخّرُ َلوْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪ )4‬قَالَ َربّ إِنّي دَ َ‬
‫أَ َ‬
‫شوْا‬
‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ فِي آَذَا ِن ِه ْم وَاسْ َتغْ َ‬
‫عوْ ُتهُمْ لِ َت ْغفِرَ َلهُمْ َ‬
‫يَزِدْ ُهمْ دُعَائِي إِلّا فِرَارًا (‪ )6‬وَإِنّي كُّلمَا دَ َ‬
‫جهَارًا (‪ُ )8‬ثمّ إِنّي أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ‬
‫عوْ ُتهُمْ ِ‬
‫ثِيَا َبهُ ْم وََأصَرّوا وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارًا (‪ُ )7‬ثمّ إِنّي دَ َ‬
‫غفّارًا (‪)10‬‬
‫َلهُمْ ِإسْرَارًا (‪َ )9‬فقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُكمْ إِنّهُ كَانَ َ‬

‫تفسير سورة نوح‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫عذَابٌ أَلِيمٌ (‪ )1‬قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َلكُمْ‬
‫{ إِنّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى َق ْومِهِ أَنْ أَنْذِرْ َق ْو َمكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيهُمْ َ‬
‫سمّى‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫نَذِيرٌ مُبِينٌ (‪ )2‬أَنِ اعْ ُبدُوا اللّ َه وَا ّتقُوهُ وَأَطِيعُونِ (‪َ )3‬ي ْغفِرْ َل ُكمْ مِنْ ذُنُو ِبكُ ْم وَ ُيؤَخّ ْركُمْ إِلَى أَ َ‬
‫جلَ اللّهِ ِإذَا جَاءَ ل ُيؤَخّرُ َلوْ كُنْتُمْ َتعَْلمُونَ (‪} )4‬‬
‫إِنّ َأ َ‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه أرسله إلى قومه آمرا له أن ينذرهم بأس ال قبل‬
‫حلوله بهم ‪ ،‬فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬أَنْ أَنْذِرْ َق ْو َمكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َيهُمْ عَذَابٌ‬
‫أَلِيمٌ قَالَ يَا َقوْمِ إِنّي َل ُكمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } أي ‪ :‬بين النذارة ‪ ،‬ظاهر المر واضحه‪.‬‬
‫{ أَنِ اعْبُدُوا اللّ َه وَاتّقُوهُ } أي ‪ :‬اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه { وَأَطِيعُونِ } فيما آمركم به‬
‫وأنهاكم عنه‪.‬‬
‫{ َي ْغفِرْ َلكُمْ مِنْ ذُنُو ِبكُمْ } أي ‪ :‬إذا فعلتم ما آمرتكم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم ‪ ،‬غفر ال لكم‬
‫ذنوبكم‪.‬‬
‫و " من " هاهنا قيل ‪ :‬إنها زائدة‪ .‬ولكن القول بزيادتها في الثبات قليل‪ .‬ومنه قول بعض العرب ‪:‬‬
‫"قد كان من مطر"‪ .‬وقيل ‪ :‬إنها بمعنى "عن" تقديره ‪ :‬يصفح لكم عن ذنوبكم واختاره ابن جرير (‬
‫‪ )1‬وقيل ‪ :‬إنها للتبعيض ‪ ،‬أي يغفر لكم الذنوب العظام التي وعدكم على ارتكابكم إياها النتقام‪.‬‬
‫سمّى } أي ‪ :‬يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تنزجروا عما‬
‫جلٍ مُ َ‬
‫{ وَ ُيؤَخّ َركُمْ إِلَى أَ َ‬
‫نهاكم عنه ‪ ،‬أوقعه بكم‪)2( .‬‬
‫وقد يستدل بهذه الية من يقول ‪ :‬إن الطاعة والبر وصلة الرحم ‪ ،‬يزاد بها في العمر حقيقة ؛ كما‬
‫ورد به الحديث ‪" :‬صلة الرحم تزيد في العمر"‪.‬‬
‫جلَ اللّهِ إِذَا جَاءَ ل ُيؤَخّرُ َلوْ كُنْ ُتمْ َتعَْلمُونَ } أي ‪ :‬بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة ‪،‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ أَ َ‬
‫فإنه إذا أمر [ال] (‪ )3‬تعالى بكون ذلك ل يرد ول يمانع ‪ ،‬فإنه العظيم الذي قهر كل شيء ‪،‬‬
‫العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات‪.‬‬
‫عوْ ُتهُمْ‬
‫ع ْوتُ َق ْومِي لَيْل وَ َنهَارًا (‪ )5‬فََلمْ يَزِ ْدهُمْ دُعَائِي إِل فِرَارًا (‪ )6‬وَإِنّي كُّلمَا دَ َ‬
‫{ قَالَ َربّ إِنّي دَ َ‬
‫شوْا ثِيَا َب ُه ْم وََأصَرّوا وَاسْ َتكْبَرُوا اسْ ِتكْبَارًا (‪ )7‬ثُمّ إِنّي‬
‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِ ْم وَاسْ َتغْ َ‬
‫لِ َت ْغفِرَ َل ُهمْ َ‬
‫جهَارًا (‪ُ )8‬ثمّ إِنّي أَعْلَ ْنتُ َلهُ ْم وَأَسْرَ ْرتُ َلهُمْ إِسْرَارًا (‪َ )9‬فقُلْتُ اسْ َتغْفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ‬
‫عوْ ُتهُمْ ِ‬
‫دَ َ‬
‫غفّارًا (‪} )10‬‬
‫َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/57‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أو يعذبكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/231‬‬
‫ج َعلْ َل ُكمْ أَ ْنهَارًا (‬
‫ج َعلْ َلكُمْ جَنّاتٍ وَ َي ْ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫ل وَبَنِي َ‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ مِدْرَارًا (‪ )11‬وَ ُيمْدِ ْدكُمْ بَِأ ْموَا ٍ‬
‫سلِ ال ّ‬
‫يُرْ ِ‬
‫طوَارًا (‪ )14‬أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خََلقَ اللّهُ سَبْعَ‬
‫‪ )12‬مَا َلكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلّهِ َوقَارًا (‪َ )13‬وقَدْ خََل َقكُمْ َأ ْ‬
‫شمْسَ سِرَاجًا (‪ )16‬وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ الْأَ ْرضِ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورًا وَ َ‬
‫س َموَاتٍ طِبَاقًا (‪ )15‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ الْأَ ْرضَ ِبسَاطًا (‪ )19‬لِ َتسُْلكُوا‬
‫جكُمْ ِإخْرَاجًا (‪ )18‬وَاللّهُ َ‬
‫نَبَاتًا (‪ )17‬ثُمّ ُيعِي ُدكُمْ فِيهَا وَيُخْ ِر ُ‬
‫مِ ْنهَا سُبُلًا ِفجَاجًا (‪)20‬‬

‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارًا (‬


‫ت وَيَ ْ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ جَنّا ٍ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫سمَاءَ عَلَ ْي ُكمْ مِدْرَارًا (‪ )11‬وَ ُيمْ ِد ْدكُمْ بَِأ ْموَالٍ وَبَنِي َ‬
‫سلِ ال ّ‬
‫{ يُ ْر ِ‬
‫طوَارًا (‪ )14‬أَلَمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خَلَقَ اللّهُ سَ ْبعَ‬
‫خَلقَكُمْ أَ ْ‬
‫‪ )12‬مَا َلكُمْ ل تَ ْرجُونَ ِللّ ِه َوقَارًا (‪َ )13‬وقَدْ َ‬
‫شمْسَ سِرَاجًا (‪ )16‬وَاللّهُ أَنْبَ َت ُكمْ مِنَ ال ْرضِ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورًا وَ َ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا (‪ )15‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ بِسَاطًا (‪ )19‬لِتَسُْلكُوا‬
‫جكُمْ ِإخْرَاجًا (‪ )18‬وَاللّهُ َ‬
‫نَبَاتًا (‪ )17‬ثُمّ ُيعِي ُدكُمْ فِيهَا وَيُخْ ِر ُ‬
‫مِ ْنهَا سُبُل فِجَاجًا (‪} )20‬‬

‫( ‪)8/231‬‬

‫يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه اشتكى إلى ربه ‪ ،‬عز وجل ‪ ،‬ما لقي من‬
‫قومه ‪ ،‬وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إل خمسين عاما ‪ ،‬وما بين‬
‫ع ْوتُ َق ْومِي لَيْل وَ َنهَارًا‬
‫لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل القوم ‪ ،‬فقال ‪َ { :‬ربّ إِنّي دَ َ‬
‫} أي ‪ :‬لم أترك دعاءهم في ليل ول نهار ‪ ،‬امتثال لمرك وابتغاء لطاعتك ‪ { ،‬فََلمْ يَزِ ْدهُمْ دُعَائِي‬
‫عوْ ُتهُمْ‬
‫إِل فِرَارًا } أي ‪ :‬كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فَروا منه وحَادُوا عنه ‪ { . ،‬وَإِنّي كُّلمَا دَ َ‬
‫شوْا ثِيَا َب ُهمْ } أي ‪ :‬سدوا آذانهم لئل يسمعوا ما أدعوهم‬
‫جعَلُوا َأصَا ِب َعهُمْ فِي آذَا ِنهِ ْم وَاسْ َتغْ َ‬
‫لِ َت ْغفِرَ َل ُهمْ َ‬
‫ن وَا ْل َغوْا فِيهِ‬
‫س َمعُوا ِل َهذَا ا ْلقُرْآ ِ‬
‫إليه‪ .‬كما أخبر تعالى عن كفار قريش ‪َ { :‬وقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا ل َت ْ‬
‫َلعَّلكُمْ َتغْلِبُونَ } [فصلت ‪.]26 :‬‬
‫شوْا ثِيَا َب ُهمْ } قال ابن جريح ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬تنكروا له لئل يعرفهم‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫{ وَاسْ َت ْغ َ‬
‫جبير ‪ ،‬والسدي ‪ :‬غطوا رءوسهم لئل يسمعوا ما يقول‪.‬‬
‫{ وََأصَرّوا } أي ‪ :‬استمروا على ما هم فيه (‪ )1‬من الشرك والكفر العظيم الفظيع ‪ { ،‬وَاسْ َتكْبَرُوا‬
‫اسْ ِتكْبَارًا } أي ‪ :‬واستنكفوا عن اتباع الحق والنقياد له‪.‬‬
‫جهَارًا } أي ‪ :‬جهرة بين الناس‪.‬‬
‫عوْ ُتهُمْ ِ‬
‫{ ُثمّ إِنّي دَ َ‬
‫{ ُثمّ إِنّي أَعْلَ ْنتُ َلهُمْ } أي ‪ :‬كلما ظاهرا بصوت عال ‪ { ،‬وََأسْرَ ْرتُ َل ُهمْ إِسْرَارًا } أي ‪ :‬فيما بيني‬
‫وبينهم ‪ ،‬عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم‪.‬‬
‫غفّارًا } أي ‪ :‬ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من‬
‫{ َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّب ُكمْ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫قريب ‪ ،‬فإنه من تاب إليه تاب عليه ‪ ،‬ولو كانت ذنوبه (‪ )2‬مهما كانت في الكفر والشرك‪ .‬ولهذا‬
‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارًا } أي ‪ :‬متواصلة‬
‫سلِ ال ّ‬
‫غفّارًا يُرْ ِ‬
‫قال ‪َ { :‬فقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫المطار‪ .‬ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلة الستسقاء لجل هذه الية‪ .‬وهكذا روي عن‬
‫أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ :‬أنه صعد المنبر ليستسقي ‪ ،‬فلم يزد على الستغفار ‪ ،‬وقرأ‬
‫اليات في الستغفار‪ .‬ومنها‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ما هم عليه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬ولو كان ذنبه"‪.‬‬

‫( ‪)8/232‬‬

‫سمَاءَ عَلَ ْيكُمْ ِمدْرَارًا } ثم قال ‪ :‬لقد طلبت‬


‫سلِ ال ّ‬
‫غفّارًا يُرْ ِ‬
‫هذه الية { َفقُ ْلتُ اسْ َت ْغفِرُوا رَ ّبكُمْ إِنّهُ كَانَ َ‬
‫الغيث بمجاديح السماء (‪ )1‬التي ستنزل بها المطر‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وغيره ‪ :‬يتبع بعضه بعضا‪.‬‬
‫ج َعلْ َلكُمْ أَ ْنهَارًا } أي ‪ :‬إذا تبتم إلى ال‬
‫ت وَيَ ْ‬
‫ج َعلْ َلكُمْ جَنّا ٍ‬
‫ن وَيَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَ ُيمْ ِد ْدكُمْ بَِأ ْموَالٍ وَبَنِي َ‬
‫واستغفرتموه وأطعتموه ‪ ،‬كثر الرزق عليكم ‪ ،‬وأسقاكم من بركات السماء ‪ ،‬وأنبت لكم من بركات‬
‫الرض ‪ ،‬وأنبت لكم الزرع ‪ ،‬وََأدَرّ لكم الضرع ‪ ،‬وأمدكم بأموال وبنين ‪ ،‬أي ‪ :‬أعطاكم الموال‬
‫والولد ‪ ،‬وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار ‪ ،‬وخللها بالنهار الجارية بينها‪.‬‬
‫هذا مقام الدعوة بالترغيب‪ .‬ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال ‪ { :‬مَا َلكُمْ ل تَرْجُونَ لِلّهِ‬
‫َوقَارًا } أي ‪ :‬عظمة قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬ل تعظمون ال‬
‫حق عظمته ‪ ،‬أي ‪ :‬ل تخافون من بأسه ونقمته‪.‬‬
‫طوَارًا } قيل ‪ :‬معناه من نطفة ‪ ،‬ثم من علقة ‪ ،‬ثم من مضغة‪ .‬قاله ابن عباس ‪،‬‬
‫{ َوقَدْ خََل َقكُمْ َأ ْ‬
‫وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ويحيى بن رافع ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا } ؟ أي ‪ :‬واحدة فوق واحدة ‪ ،‬وهل هذا‬
‫وقوله ‪ { :‬أََلمْ تَ َروْا كَ ْيفَ خََلقَ اللّهُ سَبْعَ َ‬
‫يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أو هي من المور المدركة بالحس ‪ ،‬مما علم من التسيير‬
‫والكسوفات ‪ ،‬فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضا ‪ ،‬فأدناها القمر في السماء الدنيا‬
‫وهو يكسف ما فوقه ‪ ،‬وعطارد في الثانية ‪ ،‬والزهرة في الثالثة ‪ ،‬والشمس في الرابعة ‪ ،‬والمريخ‬
‫في الخامسة ‪ ،‬والمشترى في السادسة ‪ ،‬وزحل في السابعة‪ .‬وأما بقية الكواكب ‪ -‬وهي الثوابت ‪-‬‬
‫ففي فَلَك ثامن يسمونه فََلكَ الثوابت‪ .‬والمتشرعون منهم يقولون ‪ :‬هو الكرسي ‪ ،‬والفلك التاسع ‪،‬‬
‫وهو الطلس‪ .‬والثير عندهم الذي حركته على خلف حركة سائر الفلك ‪ ،‬وذلك أن حركته‬
‫مبدأ الحركات ‪ ،‬وهي من المغرب إلى المشرق ؛ وسائر الفلك عكسه من المشرق إلى‬
‫المغرب ‪ ،‬ومعها يدور سائر الكواكب تبعا ‪ ،‬ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلكها ‪ ،‬فإنها‬
‫تسير من المغرب إلى المشرق‪ .‬وكل يقطع فلكه بحسبه ‪ ،‬فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة ‪،‬‬
‫والشمس في كل سنة مرة ‪ ،‬وزحل في كل ثلثين سنة مرة ‪ ،‬وذلك بحسب اتساع أفلكها وإن‬
‫كانت حركة الجمع في السرعة متناسبة‪ .‬هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام ‪ ،‬على اختلف‬
‫بينهم في مواضع كثيرة ‪ ،‬لسنا بصدد بيانها ‪ ،‬وإنما المقصود أن ال سبحانه ‪ { :‬خََلقَ اللّهُ سَبْعَ‬
‫شمْسَ سِرَاجًا } أي ‪ :‬فاوت بينهما في الستنارة‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫ج َعلَ ا ْل َقمَرَ فِيهِنّ نُورًا َو َ‬
‫سمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَ َ‬
‫َ‬
‫فجعل كل منهما أنموذجا على حدة ‪ ،‬ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها ‪ ،‬وقدر القمر‬
‫منازل وبروجا ‪ ،‬وفاوت نوره ‪ ،‬فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستسر ‪ ،‬ليدل‬
‫شمْسَ ضِيَا ًء وَا ْلقَمَرَ نُورًا َوقَدّ َرهُ‬
‫ج َعلَ ال ّ‬
‫على مضي الشهور والعوام ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬هوَ الّذِي َ‬
‫حقّ ُي َفصّلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ َيعَْلمُونَ }‬
‫ن وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَِلكَ إِل بِالْ َ‬
‫عدَدَ السّنِي َ‬
‫مَنَا ِزلَ لِ َتعَْلمُوا َ‬
‫[يونس ‪.]5 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬بمجادح" ‪ ،‬وفي أ ‪" :‬بمخارج"‪.‬‬

‫( ‪)8/233‬‬

‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ َلمْ يَزِ ْدهُ مَاُل ُه َووَلَ ُدهُ إِلّا خَسَارًا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا (‬
‫ع َ‬
‫قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬
‫ق وَنَسْرًا (‪َ )23‬وقَدْ َأضَلّوا‬
‫سوَاعًا وَلَا َيغُوثَ وَ َيعُو َ‬
‫ن َودّا وَلَا ُ‬
‫‪َ )22‬وقَالُوا لَا تَذَرُنّ آَِلهَ َتكُ ْم وَلَا تَذَرُ ّ‬
‫كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِلّا ضَلَالًا (‪)24‬‬

‫وقوله ‪ { :‬وَاللّهُ أَنْبَ َتكُمْ مِنَ ال ْرضِ نَبَاتًا } هذا اسم مصدر ‪ ،‬والتيان به هاهنا أحسن ‪ { ،‬ثُمّ ُيعِي ُدكُمْ‬
‫جكُمْ ِإخْرَاجًا } أي ‪ :‬يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة‪.‬‬
‫فِيهَا } أي ‪ :‬إذا متم { وَيُخْ ِر ُ‬
‫ج َعلَ َلكُمُ ال ْرضَ بِسَاطًا } أي ‪ :‬بسطها ومهدها وقررها وثَبتها بالجبال الراسيات الشم‬
‫{ وَاللّهُ َ‬
‫الشامخات‪.‬‬
‫{ لِ َتسُْلكُوا مِ ْنهَا سُبُل فِجَاجًا } أي ‪ :‬خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها (‪ )1‬أين شئتم ‪ ،‬من‬
‫نواحيها وأرجائها وأقطارها ‪ ،‬وكل هذا مما ينبههم به نوح ‪ ،‬عليه السلم على قدرة ال وعظمته‬
‫في خلق السموات والرض ‪ ،‬ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والرضية ‪ ،‬فهو‬
‫الخالق الرزاق ‪ ،‬جعل السماء بناء ‪ ،‬والرض مهادا ‪ ،‬وأوسع (‪ )2‬على خلقه من رزقه ‪ ،‬فهو‬
‫الذي يجب أن يعبد ويوحد ول يشرك به أحد ؛ لنه ل نظير له ول عَديل (‪ )3‬له ‪ ،‬ول ند ول‬
‫كفء ‪ ،‬ول صاحبة ول ولد ‪ ،‬ول وزير ول مشير ‪ ،‬بل هو العلي الكبير‪.‬‬
‫صوْنِي وَاتّ َبعُوا مَنْ لَمْ يَزِ ْدهُ مَالُ ُه َووَلَ ُدهُ إِل خَسَارًا (‪َ )21‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا‬
‫ع َ‬
‫{ قَالَ نُوحٌ َربّ إِ ّنهُمْ َ‬
‫ق وَنَسْرًا (‪َ )23‬وقَدْ َأضَلّوا‬
‫سوَاعًا وَل َيغُوثَ وَ َيعُو َ‬
‫ن َودّا وَل ُ‬
‫(‪َ )22‬وقَالُوا ل َتذَرُنّ آِلهَ َتكُ ْم وَل تَذَرُ ّ‬
‫كَثِيرًا وَل تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِل ضَلل (‪} )24‬‬
‫يقول تعالى مخبرا عن نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬أنه أنهى إليه ‪ ،‬وهو العليم الذي ل يعزب عنه‬
‫شيء ‪ ،‬أنه مع البيان المتقدم ذكره ‪ ،‬والدعوة المتنوعة المتشملة على الترغيب تارة والترهيب‬
‫أخرى ‪ :‬أنهم عصوه وكذبوه وخالفوه ‪ ،‬واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر ال ‪ ،‬ومتع بمال‬
‫وأولد ‪ ،‬وهي في نفس المر استدراج وإنظار ل إكرام ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاتّ َبعُوا مَنْ َلمْ يَزِ ْدهُ مَاُلهُ‬
‫َووَلَ ُدهُ إِل خَسَارًا } قُرئ { وَوُلْ ُدهُ } بالضم وبالفتح ‪ ،‬وكلهما متقارب‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا } قال مجاهد ‪ { :‬كُبّارًا } أي عظيمًا‪ .‬وقال ابن زيد ‪ { :‬كُبّارًا } أي‬
‫جمّال ‪،‬‬
‫جمَال و ُ‬
‫حسَان‪ .‬وحُسّان ‪ :‬و ُ‬
‫‪ :‬كبيرا‪ .‬والعرب تقول ‪ :‬أمر عجيب وعُجَاب وعُجّاب‪ .‬ورجل ُ‬
‫بالتخفيف والتشديد ‪ ،‬بمعنى واحد‪.‬‬
‫والمعنى في قوله ‪َ { :‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا } أي ‪ :‬باتباعهم في تسويلهم لهم بأنهم على الحق‬
‫ج َعلَ‬
‫ل وَال ّنهَارِ إِذْ تَ ْأمُرُونَنَا أَنْ َن ْكفُرَ بِاللّهِ وَنَ ْ‬
‫والهدى ‪ ،‬كما يقولون لهم يوم القيامة ‪َ { :‬بلْ َمكْرُ اللّ ْي ِ‬
‫لَهُ أَ ْندَادًا } [سبأ ‪ ]33 :‬ولهذا قال هاهنا ‪َ { :‬و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا َوقَالُوا ل تَذَرُنّ آِلهَ َتكُ ْم وَل تَذَرُنّ‬
‫ق وَنَسْرًا } وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون ال‪.‬‬
‫سوَاعًا وَل َيغُوثَ وَ َيعُو َ‬
‫وَدّا وَل ُ‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا إبراهيم ‪ ،‬حدثنا هشام ‪ ،‬عن ابن جريج ‪ ،‬وقال عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪:‬‬
‫صارت الوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ‪ :‬أما وَد ‪ :‬فكانت لكلب بدومة الجندل ؛‬
‫وأما‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬منها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ووسع"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬ول عدل"‪.‬‬

‫( ‪)8/234‬‬

‫غطَيف بالجُرُف عند سبأ ‪ ،‬أما يُعوقُ ‪:‬‬


‫سواع ‪ :‬فكانت لهذيل ‪ ،‬وأما يغوث فكانت لمراد ‪ ،‬ثم لبني ُ‬
‫فكانت ل َهمْدان ‪ ،‬وأما نسر ‪ :‬فكانت لحمير لل ذي كَلع ‪ ،‬وهي (‪ )1‬أسماء رجال صالحين من‬
‫قوم نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا‬
‫يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم‪ .‬ففعلوا ‪ ،‬فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتَنَسّخَ (‪ )2‬العلم‬
‫عُبِدت (‪)3‬‬
‫وكذا رُوي عن عكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن إسحاق ‪ ،‬نحو هذا‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هذه أصنام كانت (‪ )4‬تعبد في زمن نوح‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا مهران ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن موسى ‪ ،‬عن محمد بن قيس‬
‫ق وَنَسْرًا } (‪ )5‬قال ‪ :‬كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ‪ ،‬وكان لهم أتباع يقتدون‬
‫{ [ َيغُوثَ] وَ َيعُو َ‬
‫صوَرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا‬
‫بهم ‪ ،‬فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم ‪ :‬لو َ‬
‫ذكرناهم‪ .‬فصوروهم ‪ ،‬فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال ‪ :‬إنما كانوا يعبدونهم وبهم‬
‫يسقون المطر ‪ ،‬فعبدوهم‪)6( .‬‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬من طريق إسحاق بن بشر قال ‪:‬‬
‫وأخبرني جُويبر ومقاتل ‪ ،‬عن الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬ولد لدم عليه السلم ‪،‬‬
‫أربعون ولدا ‪ ،‬عشرون غلما وعشرون جارية ‪ ،‬فكان ممن عاش منهم ‪ :‬هابيل ‪ ،‬وقابيل ‪،‬‬
‫وصالح ‪ ،‬وعبد الرحمن ‪ -‬والذي كان سماه عبد الحارث ‪ -‬ووَدّ ‪ ،‬وكان وَ ّد يقال له "شيث" ويقال‬
‫سوَاع ويغوث ويعوق ونسر‪)7( .‬‬
‫سوّدوه ‪ ،‬وولد له َ‬
‫له ‪" :‬هبة ال" وكان إخوته قد َ‬
‫عمَر الدّوريّ ‪ ،‬حدثني أبو إسماعيل المؤدّب ‪ ،‬عن‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا أبو ُ‬
‫عبد ال بن مسلم بن هُرمز عن أبي حزْرَة ‪ ،‬عن عروة بن الزبير قال ‪ :‬اشتكى آدم ‪ ،‬عليه السلم‬
‫‪ ،‬وعنده بنوه ‪ :‬ود ‪ ،‬ويغوث ‪[ ،‬ويعوق] (‪ )8‬وسواع ‪ ،‬ونسر ‪ -‬قال وكان وَدّ أكبَرهم وأبرّهم به‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن منصور ‪ ،‬حدثنا الحسن بن موسى ‪ ،‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬عن أبي‬
‫المطهر قال ‪ :‬ذكروا عند أبي جعفر ‪ -‬وهو قائم يصلي ‪ -‬يزيد بن المهلب ‪ ،‬قال ‪ :‬فلما انفتل من‬
‫صلته قال ‪ :‬ذكرتم يزيدَ بن المهلب ‪ ،‬أما إنه قتل في أول أرض عُبد فيها غيرُ ال‪ .‬قال ‪ :‬ثم ذكر‬
‫ودًا ‪ -‬قال ‪ :‬وكان وَدّ رجل مسلما وكان محببا في قومه ‪ ،‬فلما مات عسكروا حول قبره في‬
‫أرض بابل وجزعوا عليه ‪ ،‬فلما رأى إبليس جَزَعهم عليه ‪ ،‬تشبه في صورة إنسان ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬إني‬
‫أرى جزعكم على هذا الرجل ‪ ،‬فهل لكم أن أصور لكم مثله ‪ ،‬فيكونَ في ناديكم فتذكرونه ؟ قالوا‬
‫‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ونسرا وهي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ونسخ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4920‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬كانت هذه أصنام"‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)29/62‬‬
‫(‪ )7‬تاريخ دمشق (‪" )8/165‬المخطوط" )‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/235‬‬
‫خطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا فَأُ ْدخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارًا (‪َ )25‬وقَالَ نُوحٌ َربّ لَا َتذَرْ‬
‫ِممّا َ‬
‫ك وَلَا يَلِدُوا ِإلّا فَاجِرًا َكفّارًا (‪)27‬‬
‫عَلَى الْأَ ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا (‪ )26‬إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ ُيضِلّوا عِبَا َد َ‬
‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنًا وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَلَا تَ ِزدِ الظّاِلمِينَ إِلّا تَبَارًا (‬
‫ي وَِلمَنْ َد َ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫َربّ ا ْ‬
‫‪)28‬‬

‫صوّر لهم مثله ‪ ،‬قال ‪ :‬ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه‪ .‬فلما رأى ما بهم من ذكره‬
‫نعم‪ .‬ف ُ‬
‫قال ‪ :‬هل لكم أن أجعل في منزل كل واحد منكم تمثال مثله ‪ ،‬فيكون (‪ )1‬له في بيته فتذكرونه ؟‬
‫قالوا ‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فمثل لكل أهل بيت تمثال مثله ‪ ،‬فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به ‪ ،‬قال ‪ :‬وأدرك‬
‫أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به ‪ ،‬قال وتناسلوا ودَرَس أمر ذكرهم إياه ‪ ،‬حتى اتخذوه إلها‬
‫يعبدونه من دون ال أولد أولدهم ‪ ،‬فكان أول ما عبد من غير ال ‪ :‬الصنم الذي سموه َودّا‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬وقَدْ َأضَلّوا كَثِيرًا } يعني ‪ :‬الصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرًا ‪ ،‬فإنه استمرت‬
‫عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم‪ .‬وقد قال الخليل ‪،‬‬
‫عليه السلم ‪ ،‬في دعائه ‪ { :‬وَاجْنُبْنِي وَبَنِيّ أَنْ َنعْ ُب َد الصْنَامَ َربّ إِ ّنهُنّ َأضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ }‬
‫[إبراهيم ‪.]36 ، 35 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِل ضَلل } دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم ‪ ،‬كما‬
‫طمِسْ عَلَى َأ ْموَاِلهِ ْم وَاشْ ُددْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَل‬
‫دعا موسى على فرعون ومثله في قوله ‪ { :‬رَبّنَا ا ْ‬
‫ُي ْؤمِنُوا حَتّى يَ َروُا ا ْل َعذَابَ اللِيمَ } [يونس ‪ ]88 :‬وقد استجاب ال لكل من النبيين في قومه ‪،‬‬
‫وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به‪.‬‬
‫{ ِممّا خَطِيئَا ِتهِمْ أُغْ ِرقُوا فَُأدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ َيجِدُوا َلهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارًا (‪َ )25‬وقَالَ نُوحٌ َربّ ل‬
‫ك وَل َيلِدُوا إِل فَاجِرًا َكفّارًا‬
‫تَذَرْ عَلَى ال ْرضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا (‪ )26‬إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ ُيضِلّوا عِبَا َد َ‬
‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنًا وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِل‬
‫ي وَِلمَنْ َد َ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫(‪َ )27‬ربّ ا ْ‬
‫تَبَارًا (‪} )28‬‬
‫خطِيئَا ِتهِمْ } { أُغْ ِرقُوا } أي ‪ :‬من كثرة ذنوبهم وعتوهم‬
‫يقول تعالى ‪ِ { :‬ممّا خَطايَا ُهمْ } وقرئ ‪َ { :‬‬
‫وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم { أُغْ ِرقُوا فَأُ ْدخِلُوا نَارًا } أي ‪ :‬نقلوا من تيار البحار (‬
‫‪ )2‬إلى حرارة النار ‪ { ،‬فَلَمْ َيجِدُوا َل ُهمْ مِنْ دُونِ اللّهِ أَ ْنصَارًا } أي ‪ :‬لم يكن لهم معين ول مُغيث‬
‫حمَ } [هود ‪:‬‬
‫ول مُجير ينقذهم من عذاب ال كقوله ‪ { :‬قَالَ ل عَاصِمَ الْ َيوْمَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِل مَنْ رَ ِ‬
‫‪.]43‬‬
‫{ َوقَالَ نُوحٌ َربّ ل َتذَرْ عَلَى الرْضِ مِنَ ا ْلكَافِرِينَ دَيّارًا } أي ‪ :‬ل تترك على [وجه] (‪ )3‬الرض‬
‫منهم أحدًا ول تُومُريّا (‪ )4‬وهذه من صيغ تأكيد النفي‪.‬‬
‫قال الضحاك ‪ { :‬دَيّارًا } واحدا‪ .‬وقال السّدّي ‪ :‬الديار ‪ :‬الذي يسكن الدار‪.‬‬
‫فاستجاب ال له ‪ ،‬فأهلك جميع من على وجه الرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي‬
‫صمُنِي مِنَ ا ْلمَاءِ قَالَ ل عَاصِمَ الْ َي ْومَ مِنْ َأمْرِ اللّهِ إِل‬
‫اعتزل عن أبيه ‪ ،‬وقال ‪ { :‬سَآوِي إِلَى جَ َبلٍ َي ْع ِ‬
‫ح َم وَحَالَ بَيْ َن ُهمَا ا ْل َموْجُ َفكَانَ مِنَ ا ْل ُمغْ َرقِينَ } [هود ‪.]43 :‬‬
‫مَنْ رَ ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ليكون"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬البحر"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬ولدومريا"‪.‬‬

‫( ‪)8/236‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬قرئ (‪ )1‬على يونس بن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا ابن وهب ‪ ،‬أخبرني شَبيب بن‬
‫سعد ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لو رحم‬
‫ال من قوم نوح أحدا ‪ ،‬لرحم امرأة ‪ ،‬لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل ‪ ،‬فلما بلغها‬
‫الماء صعدت (‪ )2‬به منكبها ‪ ،‬فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها ‪ ،‬فلما بلغ الماء‬
‫رأسها رفعت ولدها بيدها‪ .‬فلو رحم ال منهم أحدا لرحم هذه المرأة"‪)3( .‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬ورجاله ثقات‪ .‬ونجى ال أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح ‪ ،‬عليه السلم ‪،‬‬
‫وهم الذين أمره ال بحملهم معه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِ ّنكَ إِنْ تَذَرْ ُهمْ ُيضِلّوا عِبَا َدكَ } أي ‪ :‬إنك إن أبقيت منهم أحدًا أضلوا عبادك ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫الذين تخلقهم بعدهم { وَل يَِلدُوا إِل فَاجِرًا َكفّارًا } أي ‪ :‬فاجرًا في العمال كافر القلب ‪ ،‬وذلك‬
‫لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إل خمسين عاما‪.‬‬
‫خلَ بَيْ ِتيَ ُم ْؤمِنًا } قال الضحاك ‪ :‬يعني ‪ :‬مسجدي ‪ ،‬ول‬
‫ي وَِلمَنْ َد َ‬
‫غفِرْ لِي وَِلوَالِ َد ّ‬
‫ثم قال ‪َ { :‬ربّ ا ْ‬
‫مانع من حمل الية على ظاهرها ‪ ،‬وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن ‪ ،‬وقد قال المام‬
‫أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا أبو عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا حَ ْيوَة ‪ ،‬أنبأنا سالم بن غيلن ‪ :‬أن الوليد بن قيس التّجِي ِبيّ أخبره ‪:‬‬
‫أنه سمع أبا سعيد الخدري ‪ -‬أو ‪ :‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ - :‬أنه سمع رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل تصحب إل مؤمنا ‪ ،‬ول يأكل طعامك إل تقي"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود والترمذي ‪ ،‬من حديث عبد ال بن المبارك ‪ ،‬عن حيوة بن شريح ‪ ،‬به (‪ )4‬ثم قال‬
‫الترمذي ‪ :‬إنما نعرفه من هذا الوجه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِ ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْلمُ ْؤمِنَاتِ } دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات ‪ ،‬وذلك َيعُم الحياءَ منهم‬
‫والموات ؛ ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء ‪ ،‬اقتداء بنوح ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬وبما جاء في الثار ‪،‬‬
‫والدعية [المشهورة] (‪ )5‬المشروعة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل تَزِدِ الظّاِلمِينَ إِل تَبَارًا } قال السدي ‪ :‬إل هلكا‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬إل خسارا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة "نوح" [عليه السلم ول الحمد والمنة] (‪.)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في هـ ‪" :‬لما قرئ" والمثبت من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬فلما بلغ الماء رأسها صعدت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وله شاهد من حديث عائشة رواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪ )3591‬والحاكم في‬
‫المستدرك (‪ )2/342‬من طريق سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬عن موسى بن يعقوب ‪ ،‬عن فائد مولى عبيد‬
‫ال بن علي بن أبي رافع ‪ :‬أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة أخبريه أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬لو رحم ال من قوم نوح أحدًا لرحم أم الصبي" وذكره‬
‫نحوه ‪ ،‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح السناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله ‪" :‬إسناد مظلم ‪ ،‬وموسى‬
‫بن يعقوب المذكور في إسناده ليس بذاك"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )3/38‬وسنن أبي داود برقم (‪ )4832‬وسنن الترمذي برقم (‪.)2395‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/237‬‬

‫شدِ فََآمَنّا بِهِ‬


‫عجَبًا (‪َ )1‬يهْدِي إِلَى الرّ ْ‬
‫س ِمعْنَا قُرْآَنًا َ‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ َفقَالُوا إِنّا َ‬
‫ُقلْ أُو ِ‬
‫سفِيهُنَا‬
‫جدّ رَبّنَا مَا اتّخَ َذ صَاحِ َب ًة وَلَا وَلَدًا (‪ )3‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬
‫وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدًا (‪ )2‬وَأَنّهُ َتعَالَى َ‬
‫س وَالْجِنّ عَلَى اللّهِ كَذِبًا (‪ )5‬وَأَنّهُ كَانَ ِرجَالٌ مِنَ‬
‫ططًا (‪ )4‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ الْإِنْ ُ‬
‫عَلَى اللّهِ شَ َ‬
‫حدًا (‬
‫الْإِنْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُوهُمْ رَ َهقًا (‪ )6‬وَأَ ّنهُمْ ظَنّوا َكمَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ أَ َ‬
‫‪)7‬‬

‫تفسير سورة الجن‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫عجَبًا (‪َ )1‬ي ْهدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا ِبهِ‬
‫س ِمعْنَا قُرْآنًا َ‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ َفقَالُوا إِنّا َ‬
‫{ ُقلْ أُو ِ‬
‫جدّ رَبّنَا مَا اتّخَ َذ صَاحِ َب ًة وَل وَلَدًا (‪ )3‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ‬
‫وَلَنْ نُشْ ِركَ بِرَبّنَا َأحَدًا (‪ )2‬وَأَنّهُ َتعَالَى َ‬
‫س وَا ْلجِنّ عَلَى اللّهِ َكذِبًا (‪ )5‬وَأَنّهُ كَانَ‬
‫شطَطًا (‪ )4‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ النْ ُ‬
‫سفِيهُنَا عَلَى اللّهِ َ‬
‫َ‬
‫رِجَالٌ مِنَ النْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَ َهقًا (‪ )6‬وَأَ ّنهُمْ ظَنّوا َكمَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ لَنْ يَ ْب َعثَ‬
‫اللّهُ أَحَدًا (‪} )7‬‬
‫يقول تعالى آمرا رسوله صلى ال عليه وسلم أن يخبر قومه ‪ :‬أن الجن استمعوا القرآن فآمنوا به‬
‫س ِمعْنَا قُرْآنًا‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ الْجِنّ َفقَالُوا إِنّا َ‬
‫وصدقوه وانقادوا له ‪ ،‬فقال تعالى ‪ُ { :‬قلْ أُو ِ‬
‫حدًا } وهذا المقام‬
‫عَجَبًا َي ْهدِي إِلَى الرّشْدِ } أي ‪ :‬إلى السداد والنجاح ‪ { ،‬فَآمَنّا بِ ِه وَلَنْ ُنشْ ِركَ بِرَبّنَا أَ َ‬
‫شبيه بقوله تعالى ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ يَسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ } [الحقاف ‪ ]29 :‬وقد قدمنا‬
‫الحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّهُ َتعَالَى جَدّ رَبّنَا } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله تعالى ‪ { :‬جَدّ‬
‫رَبّنَا } أي ‪ :‬فعله وأمره وقدرته‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬جد ال ‪ :‬آلؤه وقدرته ونعمته على خلقه‪.‬‬
‫وروي عن مجاهد وعكرمة ‪ :‬جلل ربنا‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬تعالى جلله وعظمته وأمره‪ .‬وقال السدي‬
‫‪ :‬تعالى أمر ربنا‪ .‬وعن أبي الدرداء ‪ ،‬ومجاهد أيضا وابن جريج ‪ :‬تعالى ذكره‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫جدّ رَبّنَا } أي ‪ :‬تعالى ربنا‪.‬‬
‫جبير ‪َ { :‬تعَالَى َ‬
‫فأما ما رواه ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن يزيد المقرئ (‪ )1‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬الجد ‪ :‬أب‪ .‬ولو علمت الجن أن في النس جدا ما‬
‫قالوا ‪ :‬تعالى جَدّ ربنا‪.‬‬
‫فهذا إسناد جيد ‪ ،‬ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلم ؛ ولعله قد سقط شيء ‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقوله ‪:‬‬
‫{ مَا اتّخَ َذ صَاحِبَ ًة وَل وَلَدًا } أي ‪ :‬تعالى عن اتخاذ الصاحبة والولد ‪ ،‬أي ‪ :‬قالت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬عبد ال بن سويد الكوفي"‪.‬‬

‫( ‪)8/237‬‬

‫الجن ‪ :‬تنزه الرب تعالى جلله وعظمته ‪ ،‬حين أسلموا وآمنوا بالقرآن ‪ ،‬عن اتخاذ الصاحبة‬
‫والولد‪.‬‬
‫ططًا } قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪:‬‬
‫سفِيهُنَا عَلَى اللّهِ شَ َ‬
‫ثم قالوا ‪ { :‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬
‫شطَطًا } أي ‪ :‬جورا‪ .‬وقال‬
‫ططًا } قال السّدّي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪َ { :‬‬
‫سفِيهُنَا } يعنون ‪ :‬إبليس ‪ { ،‬شَ َ‬
‫{ َ‬
‫ابن زيد ‪ :‬ظلما كبيرا‪.‬‬
‫سفِيهُنَا } اسم جنس لكل من زعم أن ل صاحبة أو ولدا‪ .‬ولهذا‬
‫ويحتمل أن يكون المراد بقولهم ‪َ { :‬‬
‫شطَطًا } أي ‪ :‬باطل وزورا ؛‬
‫سفِيهُنَا } أي ‪ :‬قبل إسلمه { عَلَى اللّهِ َ‬
‫قالوا ‪ { :‬وَأَنّهُ كَانَ َيقُولُ َ‬
‫س وَا ْلجِنّ عَلَى اللّهِ َكذِبًا } أي ‪ :‬ما حسبنا أن النس والجن يتمالئون‬
‫{ وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ َتقُولَ النْ ُ‬
‫على الكذب على ال في نسبة الصاحبة والولد إليه‪ .‬فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به ‪ ،‬علمنا أنهم‬
‫كانوا يكذبون على ال في ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّهُ كَانَ ِرجَالٌ مِنَ النْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُوهُمْ رَ َهقًا } أي ‪ :‬كنا نرى أن‬
‫لنا فضل على النس ؛ لنهم كانوا يعوذون بنا ‪ ،‬إي ‪ :‬إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من‬
‫البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليتها‪ .‬يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان ‪ ،‬أن‬
‫يصيبهم بشيء يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ‪،‬‬
‫فلما رأت الجن أن النس يعوذون (‪ )1‬بهم من خوفهم منهم ‪ { ،‬فَزَادُوهُمْ رَ َهقًا } أي ‪ :‬خوفا‬
‫وإرهابا وذعرا ‪ ،‬حتى تبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ‪ ،‬كما قال قتادة ‪ { :‬فَزَادُو ُهمْ رَ َهقًا }‬
‫أي ‪ :‬إثما ‪ ،‬وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة‪.‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن منصور عن إبراهيم ‪ { :‬فَزَادُوهُمْ َر َهقًا } أي ‪ :‬ازدادت الجن عليهم جرأة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الرض فينزلها فيقول ‪ :‬أعوذ بسيد هذا الوادي من‬
‫الجن أن أضَرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي ‪ ،‬قال ‪ :‬فإذا عاذ بهم من دون ال ‪ ،‬رَهقَتهم‬
‫الجن الذى عند ذلك‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان ‪ ،‬حدثنا وهب بن جرير ‪ ،‬حدثنا أبي ‪،‬‬
‫حدثنا الزبير بن الخرّيت ‪ ،‬عن عكرمة قال ‪ :‬كان الجن َيفْ َرقُون من النس كما يفرَق النس منهم‬
‫أو أشد ‪ ،‬وكان النس إذا نزلوا واديا هرب الجن ‪ ،‬فيقول سيد القوم ‪ :‬نعوذ بسيد أهل هذا الوادي‪.‬‬
‫فقال الجن ‪ :‬نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم‪ .‬فدنوا من النس فأصابوهم بالخبل والجنون ‪،‬‬
‫فذلك قول ال ‪ { :‬وَأَنّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ النْسِ َيعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ ا ْلجِنّ فَزَادُو ُهمْ رَ َهقًا }‬
‫وقال أبو العالية ‪ ،‬والربيع ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ { :‬رَ َهقًا } أي ‪ :‬خوفا‪ .‬وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫‪ { :‬فَزَادُوهُمْ َر َهقًا } أي ‪ :‬إثما‪ .‬وكذا قال قتادة‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬زاد الكفار طغيانا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬سيعوذون"‪.‬‬

‫( ‪)8/239‬‬

‫سمْعِ َفمَنْ‬
‫شهُبًا (‪ )8‬وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا َمقَاعِدَ لِل ّ‬
‫سمَاءَ َفوَجَدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَ ُ‬
‫وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬
‫شهَابًا َرصَدًا (‪ )9‬وَأَنّا لَا َندْرِي أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي الْأَ ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِب ِهمْ رَ ّبهُمْ‬
‫جدْ لَهُ ِ‬
‫يَسْ َتمِعِ الْآَنَ يَ ِ‬
‫رَشَدًا (‪)10‬‬

‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا فروة بن المغراء الكندي ‪ ،‬حدثنا القاسم بن مالك ‪ -‬يعني‬
‫المزني ‪ -‬عن عبد الرحمن بن إسحاق ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن كَردم بن أبي السائب النصاري قال ‪:‬‬
‫خرجت مع أبي من المدينة في حاجة ‪ ،‬وذلك أول ما ذكر رسول ال صلى ال عليه وسلم بمكة ‪،‬‬
‫فآوانا المبيت إلى راعي غنم‪ .‬فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حمل من الغنم ‪ ،‬فوثب الراعي‬
‫فقال ‪ :‬يا عامر الوادي ‪ ،‬جارك‪ .‬فنادى مناد ل نراه ‪ ،‬يقول ‪ :‬يا سرحان ‪ ،‬أرسله‪ .‬فأتى الحملَ‬
‫يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة‪ .‬وأنزل ال تعالى على رسوله بمكة { وَأَنّهُ كَانَ ِرجَالٌ مِنَ‬
‫النْسِ َيعُوذُونَ بِ ِرجَالٍ مِنَ الْجِنّ فَزَادُوهُمْ رَ َهقًا }‬
‫ثم قال ‪ :‬ورُوي عن عبيد بن عمير ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبي العالية ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪،‬‬
‫وإبراهيم النّخَعي ‪ ،‬نحوه‪.‬‬
‫وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل ‪ -‬وهو ولد الشاة ‪ -‬وكان جنّيا حتى يُرهب النسي ويخاف‬
‫منه ‪ ،‬ثم رَدّه عليه لما استجار به ‪ ،‬ليضله ويهينه ‪ ،‬ويخرجه عن دينه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫حدًا } أي ‪ :‬لن يبعث ال بعد هذه المدة رسول‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَ ّنهُمْ ظَنّوا َكمَا ظَنَنْ ُتمْ أَنْ لَنْ يَ ْب َعثَ اللّهُ أَ َ‬
‫قاله الكلبي ‪ ،‬وابن جرير‪.‬‬
‫سمْعِ َفمَنْ‬
‫شهُبًا (‪ )8‬وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا َمقَاعِدَ لِل ّ‬
‫شدِيدًا وَ ُ‬
‫سمَاءَ َف َوجَدْنَاهَا مُلِ َئتْ حَرَسًا َ‬
‫{ وَأَنّا َلمَسْنَا ال ّ‬
‫شهَابًا َرصَدًا (‪ )9‬وَأَنّا ل َندْرِي أَشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي ال ْرضِ َأمْ أَرَادَ ِبهِمْ رَ ّبهُمْ‬
‫يَسْ َتمِعِ النَ َيجِدْ َلهُ ِ‬
‫رَشَدًا (‪} )10‬‬
‫يخبر تعالى عن الجن حين بعث ال رسوله محمدًا صلى ال عليه وسلم وأنزل عليه القرآن ‪،‬‬
‫وكان من حفظه له أن السماء مُلئَت حرسا شديدًا ‪ ،‬وحفظت من سائر أرجائها ‪ ،‬وطردت‬
‫الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك ؛ لئل يسترقوا شيئا من القرآن‪ .‬فيلقوه على‬
‫ألسنة الكهنة ‪ ،‬فيلتبس المر ويختلط ول يدرى من الصادق‪ .‬وهذا (‪ )1‬من لطف ال بخلقه (‪)2‬‬
‫سمَاءَ َفوَجَدْنَاهَا مُلِ َئتْ‬
‫ورحمته بعباده ‪ ،‬وحفظه لكتابه العزيز ‪ ،‬ولهذا قال الجن ‪ { :‬وَأَنّا َل َمسْنَا ال ّ‬
‫شهَابًا َرصَدًا } أي ‪:‬‬
‫جدْ لَهُ ِ‬
‫سمْعِ َفمَنْ َيسْ َتمِعِ النَ يَ ِ‬
‫شهُبًا وَأَنّا كُنّا َن ْقعُدُ مِ ْنهَا َمقَاعِدَ لِل ّ‬
‫حَ َرسًا شَدِيدًا وَ ُ‬
‫من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له ‪ ،‬ل يتخطاه ول يتعداه ‪ ،‬بل يمحقه‬
‫شدًا } أي ‪ :‬ما ندري هذا‬
‫ويهلكه ‪ { ،‬وَأَنّا ل نَدْرِي َأشَرّ أُرِيدَ ِبمَنْ فِي ال ْرضِ أَمْ أَرَادَ ِب ِهمْ رَ ّبهُمْ رَ َ‬
‫المر الذي قد حدث في السماء ‪ ،‬ل ندري أشر أريد بمن في الرض ‪ ،‬أم أراد بهم ربهم رشدا ؟‬
‫وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل ‪ ،‬والخير أضافوه إلى ال عز وجل‪.‬‬
‫وقد ورد في الصحيح ‪" :‬والشر ليس إليك"‪ .‬وقد كانت الكواكب يُرمَى بها قبل ذلك ‪ ،‬ولكن ليس‬
‫بكثير بل في الحيان بعد الحيان ‪ ،‬كما في حديث ابن عباس (‪ )3‬بينما نحن جلوس مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم إذا رمي بنجم فاستنار ‪ ،‬فقال ‪" :‬ما كنتم تقولون‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فكان هذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عليه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬كما في حديث العباس"‪.‬‬
‫( ‪)8/240‬‬

‫ن َومِنّا دُونَ ذَِلكَ كُنّا طَرَائِقَ قِدَدًا (‪ )11‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللّهَ فِي الْأَ ْرضِ‬
‫وَأَنّا مِنّا الصّالِحُو َ‬
‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى َآمَنّا ِبهِ َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَلَا َيخَافُ َبخْسًا وَلَا رَ َهقًا (‬
‫وَلَنْ ُنعْجِ َزهُ هَرَبًا (‪ )12‬وَأَنّا َلمّا َ‬
‫‪)13‬‬

‫في هذا ؟ فقلنا ‪ :‬كنا نقول ‪ :‬يولد عظيم ‪ ،‬يموت عظيم ‪ ،‬فقال ‪" :‬ليس كذلك ‪ ،‬ولكن ال إذا قضى‬
‫المر في السماء" ‪ ،‬وذكر تمام الحديث ‪ ،‬وقد أوردناه في سورة "سبأ" بتمامه (‪ )1‬وهذا هو السبب‬
‫الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك ‪ ،‬فأخذوا يضربون مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬فوجدوا‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرأ بأصحابه في الصلة ‪ ،‬فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من‬
‫أجله السماء ‪ ،‬فآمن من آمن منهم ‪ ،‬وتمرد في طغيانه من بقي ‪ ،‬كما تقدم حديث ابن عباس في‬
‫ذلك ‪ ،‬عند قوله في سورة "الحقاف" ‪ { :‬وَإِ ْذ صَ َرفْنَا إِلَ ْيكَ َنفَرًا مِنَ الْجِنّ َيسْ َت ِمعُونَ ا ْلقُرْآنَ } الية‬
‫‪ .29‬ول شك أنه لما حدث هذا المر وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها ‪ ،‬هال ذلك النس‬
‫والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك ‪ ،‬وظنوا أن ذلك لخراب العالم ‪ -‬كما قال السدي ‪ :‬لم تكن‬
‫السماء تحرس إل أن يكون في الرض نبي أو دين ل ظاهر ‪ ،‬فكانت الشياطين قبل محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا ‪ ،‬يستمعون ما يحدث في السماء من أمر‪ .‬فلما‬
‫بعث ال محمدًا نبيا ‪ ،‬رُجموا ليلة من الليالي ‪ ،‬ففزع لذلك أهل الطائف ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هلك أهل السماء‬
‫‪ ،‬لما رأوا من شدة النار في السماء واختلف الشهب‪ .‬فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويُسَيّبون مواشيهم ‪،‬‬
‫فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عمير ‪ :‬ويحكم يا معشر أهل الطائف‪ .‬أمسكوا عن أموالكم ‪،‬‬
‫وانظروا إلى معالم النجوم فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء ‪ ،‬إنما هذا من‬
‫أجل ابن أبي كبشة ‪ -‬يعني ‪ :‬محمدا صلى ال عليه وسلم ‪ -‬وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل‬
‫السماء‪ .‬فنظروا فرأوها ‪ ،‬فكفوا عن أموالهم‪ .‬وفزعت الشياطين في تلك الليلة ‪ ،‬فأتوا إبليس‬
‫فحدثوه بالذي كان من أمرهم ‪ ،‬فقال ‪ :‬ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها‪ .‬فأتوه فَشَم‬
‫فقال ‪ :‬صاحبكم بمكة‪ .‬فبعث سبعة نفر من جن نصيبين ‪ ،‬فقدموا مكة فوجدوا رسول ال (‪)2‬‬
‫صلى ال عليه وسلم قائما يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن ‪ ،‬فدنوا منه حرصا على القرآن‬
‫حتى كادت كلكلهم تصيبه ‪ ،‬ثم أسلموا‪ .‬فأنزل ال تعالى أمرهم على نبيه صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من(كتاب السيرة) المطول ‪ ،‬وال أعلم ‪ ،‬ول‬
‫الحمد والمنة‪.‬‬
‫{ وَأَنّا مِنّا الصّاِلحُونَ َومِنّا دُونَ ذَِلكَ كُنّا طَرَائِقَ ِقدَدًا (‪ )11‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللّهَ فِي ال ْرضِ‬
‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ َفمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل يَخَافُ َبخْسًا وَل رَ َهقًا (‬
‫وَلَنْ ُنعْجِ َزهُ هَرَبًا (‪ )12‬وَأَنّا َلمّا َ‬
‫‪} )13‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬عند تفسير الية ‪.23 :‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬نبي ال"‪.‬‬

‫( ‪)8/241‬‬

‫شدًا (‪ )14‬وََأمّا ا ْلقَاسِطُونَ َفكَانُوا‬


‫ن َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ َفمَنْ أَسَْلمَ فَأُولَ ِئكَ َتحَ ّروْا رَ َ‬
‫وَأَنّا مِنّا ا ْلمُسِْلمُو َ‬
‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً غَ َدقًا (‪ )16‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه َومَنْ‬
‫حطَبًا (‪ )15‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ لَأَ ْ‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫لِ َ‬
‫صعَدًا (‪)17‬‬
‫عذَابًا َ‬
‫ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ رَبّهِ يَسُْلكْهُ َ‬

‫سطُونَ َفكَانُوا‬
‫{ وَأَنّا مِنّا ا ْل ُمسِْلمُونَ َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ َفمَنْ َأسْلَمَ فَأُولَ ِئكَ تَحَ ّروْا َرشَدًا (‪ )14‬وََأمّا ا ْلقَا ِ‬
‫غ َدقًا (‪ )16‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِي ِه َومَنْ‬
‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً َ‬
‫حطَبًا (‪ )15‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ ل ْ‬
‫جهَنّمَ َ‬
‫لِ َ‬
‫صعَدًا (‪} )17‬‬
‫عذَابًا َ‬
‫ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ رَبّهِ يَسُْلكْهُ َ‬
‫ن َومِنّا دُونَ ذَِلكَ }‬
‫يقول مخبرا عن الجن ‪ :‬أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم ‪ { :‬وَأَنّا مِنّا الصّالِحُو َ‬
‫أي ‪ :‬غير ذلك ‪ { ،‬كُنّا طَرَائِقَ ِقدَدًا } أي ‪ :‬طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة‪.‬‬

‫( ‪)8/241‬‬

‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد وغير واحد ‪ { :‬كُنّا طَرَائِقَ قِدَدًا } أي ‪ :‬منا المؤمن ومنا الكافر‪.‬‬
‫وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه ‪ ،‬حدثنا أسلم بن سهل بحشل ‪ ،‬حدثنا علي بن الحسن بن‬
‫سليمان ‪ -‬هو أبو الشعثاء الحضرمي ‪ ،‬شيخ مسلم ‪ -‬حدثنا أبو معاوية (‪ )1‬قال ‪ :‬سمعتُ العمش‬
‫يقول ‪ :‬تروح إلينا جني ‪ ،‬فقلت له ‪ :‬ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الرز‪ .‬قال ‪ :‬فأتيناهم به ‪،‬‬
‫فجعلت أرى اللقم ترفع ول أرى أحدا‪ .‬فقلت ‪ :‬فيكم من هذه الهواء التي فينا ؟ قال ‪ :‬نعم‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫فما الرافضة فيكم (‪ )2‬؟ قال (‪ )3‬شرنا‪ .‬عرضت هذا السناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج‬
‫المِزّي فقال ‪ :‬هذا إسناد صحيح إلى العمش‪.‬‬
‫وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال (‪ )4‬سمعتُ بعض الجَنّ وأنا‬
‫في منزل لي بالليل ينشد ‪:‬‬
‫قُلوبٌ بَرَاها الحبّ حَتى تعلّقت‪َ ...‬مذَاهبُها في ُكلّ غَرب وشَارقِ‪...‬‬
‫تَهيم بحب ال ‪ ،‬والُ رَبّها‪ُ ...‬معَلّقةٌ بال دُونَ الخَلئقِ (‪)5‬‬
‫ض وَلَنْ ُنعْجِ َزهُ هَرَبًا } أي ‪ :‬نعلم أن قدرة ال حاكمة‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللّهَ فِي ال ْر ِ‬
‫علينا وأنا ل نعجزه في الرض ‪ ،‬ولو أمعنا في الهرب ‪ ،‬فإنه علينا قادر (‪ )6‬ل يعجزه أحد منا‪.‬‬
‫س ِمعْنَا ا ْلهُدَى آمَنّا ِبهِ } يفتخرون بذلك ‪ ،‬وهو مفخر (‪ )7‬لهم ‪ ،‬وشرف رفيع وصفة‬
‫{ وَأَنّا َلمّا َ‬
‫حسنة‪.‬‬
‫وقولهم ‪َ { :‬فمَنْ ُي ْؤمِنْ بِرَبّهِ فَل َيخَافُ َبخْسًا وَل رَ َهقًا } قال ابن عباس ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغيرهما ‪ :‬فل‬
‫يخاف أن يُنقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬فَل يَخَافُ ظُ ْلمًا وَل‬
‫ضمًا } [طه ‪]112 :‬‬
‫َه ْ‬
‫{ وَأَنّا مِنّا ا ْل ُمسِْلمُونَ َومِنّا ا ْلقَاسِطُونَ } أي ‪ :‬منا المسلم ومنا القاسط ‪ ،‬وهو ‪ :‬الجائر عن الحق‬
‫سلَمَ فَأُولَ ِئكَ تَحَ ّروْا َرشَدًا } أي ‪ :‬طلبوا لنفسهم‬
‫الناكب عنه ‪ ،‬بخلف المقسط فإنه العادل ‪َ { ،‬فمَنْ أَ ْ‬
‫النجاة ‪،‬‬
‫جهَنّمَ حَطَبًا } أي ‪ :‬وقودًا تسعر بهم‪.‬‬
‫سطُونَ َفكَانُوا ِل َ‬
‫{ وََأمّا ا ْلقَا ِ‬
‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً غَ َدقًا لِ َنفْتِ َنهُمْ فِيهِ } اختلف المفسرون في‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ ل ْ‬
‫معنى هذا على قولين ‪:‬‬
‫سقَيْنَاهُمْ‬
‫أحدهما ‪ :‬وأن لو استقام القاسطون على طريقة السلم وعدلوا إليها واستمروا عليها ‪ { ،‬ل ْ‬
‫سعَة الرزق‪ .‬كقوله تعالى ‪ { :‬وََلوْ أَ ّنهُمْ َأقَامُوا ال ّتوْرَاةَ‬
‫مَاءً غَ َدقًا } أي ‪ :‬كثيرًا‪ .‬والمراد بذلك َ‬
‫حتِ أَ ْرجُِلهِمْ } [المائدة ‪ ]66 :‬وكقوله ‪:‬‬
‫وَالنْجِيلَ َومَا أُنزلَ إِلَ ْيهِمْ مِنْ رَ ّبهِ ْم لكَلُوا مِنْ َف ْو ِقهِ ْم َومِنْ تَ ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أبو عوانة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬منكم"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬قالوا"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬أنه قال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ دمشق (‪" 8/887‬المخطوط" )‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فإنه قادر علينا‪.‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬وهو مفتخر"‪.‬‬

‫( ‪)8/242‬‬

‫سمَاءِ وَال ْرضِ } [العراف ‪]96 :‬‬


‫{ وََلوْ أَنّ أَ ْهلَ ا ْلقُرَى آمَنُوا وَا ّت َقوْا َلفَتَحْنَا عَلَ ْيهِمْ بَ َركَاتٍ مِنَ ال ّ‬
‫وعلى هذا يكون معنى قوله ‪ { :‬لِ َنفْتِ َنهُمْ فِيهِ } أي ‪ :‬لنختبرهم ‪ ،‬كما قال مالك ‪ ،‬عن زيد بن أسلم ‪:‬‬
‫{ لِ َنفْتِ َنهُمْ } لنبتليهم ‪ ،‬من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية ؟‪.‬‬
‫ذكر من قال بهذا القول ‪ :‬قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ } يعني‬
‫بالستقامة ‪ :‬الطاعة‪ .‬وقال مجاهد ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ } قال ‪ :‬السلم‪ .‬وكذا قال‬
‫سعيد بن جبير ‪ ،‬وسعيد بن المسيب ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ } يقول ‪ :‬لو آمنوا كلهم لوسعنا عليهم من الدنيا‪.‬‬
‫علَى الطّرِيقَةِ } أي ‪ :‬طريقة الحق‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪،‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا َ‬
‫واستشهد على ذلك باليتين اللتين ذكرناهما ‪ ،‬وكل هؤلء أو أكثرهم قالوا في قوله ‪ { :‬لِ َنفْتِ َنهُمْ‬
‫فِيهِ } أي لنبتليهم به‪.‬‬
‫وقال مقاتل ‪ :‬فنزلت في كفار قريش حين مُنعوا المطر سبع سنين‪.‬‬
‫غ َدقًا } أي ‪ :‬لوسعنا‬
‫سقَيْنَاهُمْ مَاءً َ‬
‫والقول الثاني ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ } الضللة { ل ْ‬
‫شيْءٍ حَتّى إِذَا‬
‫علَ ْيهِمْ أَ ْبوَابَ ُكلّ َ‬
‫عليهم الرزق استدراجا ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فََلمّا نَسُوا مَا ُذكّرُوا ِبهِ فَتَحْنَا َ‬
‫خذْنَاهُمْ َبغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبِْلسُونَ } [النعام ‪ ]44 :‬وكقوله ‪ { :‬أَيَحْسَبُونَ أَ ّنمَا ُن ِمدّهُمْ ِبهِ‬
‫فَرِحُوا ِبمَا أُوتُوا أَ َ‬
‫شعُرُونَ } [المؤمنون ‪ ]56 ، 55 :‬وهذا قول أبي‬
‫مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ُنسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل ل يَ ْ‬
‫حمَيد ؛ فإنه في قوله ‪ { :‬وَأَنْ َلوِ اسْ َتقَامُوا عَلَى الطّرِيقَةِ } أي ‪ :‬طريقة الضللة‪.‬‬
‫مِجلز لحق بن ُ‬
‫رواه ابن جرير ‪ ،‬وابن أبي حاتم ‪ ،‬وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والكلبي ‪،‬‬
‫وابن كيسان‪ .‬وله اتجاه ‪ ،‬وتيأيد بقوله ‪ { :‬لِ َنفْتِنَهُمْ فِيهِ }‬
‫صعَدًا } أي ‪ :‬عذابا شاقا شديدًا موجعًا مؤلما‪.‬‬
‫عذَابًا َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ ُيعْ ِرضْ عَنْ ِذكْرِ رَبّهِ يَسُْلكْهُ َ‬
‫صعَدًا } أي ‪ :‬مشقة ل راحة‬
‫عذَابًا َ‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن زيد ‪َ { :‬‬
‫معها‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ‪ :‬جبل في جهنم‪ .‬وعن سعيد بن جبير ‪ :‬بئر فيها‪.‬‬

‫( ‪)8/243‬‬

‫جدَ لِلّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ َأحَدًا (‪ )18‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَ ْبدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَ ْيهِ لِبَدًا‬
‫وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫شدًا (‪ُ )21‬قلْ‬
‫حدًا (‪ُ )20‬قلْ إِنّي لَا َأمِْلكُ َلكُ ْم ضَرّا وَلَا رَ َ‬
‫(‪ُ )19‬قلْ إِ ّنمَا أَدْعُو رَبّي وَلَا أُشْ ِركُ بِهِ أَ َ‬
‫جدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (‪ )22‬إِلّا بَلَاغًا مِنَ اللّ ِه وَرِسَالَا ِت ِه َومَنْ َي ْعصِ‬
‫ح ٌد وَلَنْ أَ ِ‬
‫إِنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَ َ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (‪ )23‬حَتّى إِذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ‬
‫اللّ َه وَرَسُوَلهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫ضعَفُ نَاصِرًا وََأ َقلّ عَدَدًا (‪)24‬‬
‫َأ ْ‬

‫حدًا (‪ )18‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَيْهِ‬
‫{ وَأَنّ ا ْل َمسَاجِدَ لِلّهِ فَل َتدْعُوا مَعَ اللّهِ أَ َ‬
‫شدًا (‪)21‬‬
‫حدًا (‪ُ )20‬قلْ إِنّي ل َأمِْلكُ َلكُمْ ضَرّا وَل رَ َ‬
‫لِبَدًا (‪ُ )19‬قلْ إِ ّنمَا َأدْعُو رَبّي وَل أُشْ ِركُ بِهِ أَ َ‬
‫جدَ مِنْ دُونِهِ مُلْ َتحَدًا (‪ )22‬إِل بَلغًا مِنَ اللّ ِه وَرِسَالتِ ِه َومَنْ‬
‫ح ٌد وَلَنْ أَ ِ‬
‫ُقلْ إِنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَ َ‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَ َبدًا (‪ )23‬حَتّى ِإذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ‬
‫َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫ضعَفُ نَاصِرًا وََأ َقلّ عَدَدًا (‪} )24‬‬
‫مَنْ َأ ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا عباده أن ُيوَحّدوه في مجال عبادته ‪ ،‬ول ُيدْعى معه أحد ول يشرك به (‪ )1‬كما‬
‫حدًا } قال ‪ :‬كانت اليهود والنصارى إذا‬
‫جدَ لِلّهِ فَل َتدْعُوا مَعَ اللّهِ أَ َ‬
‫قال قتادة في قوله ‪ { :‬وَأَنّ ا ْل َمسَا ِ‬
‫دخلوا كنائسهم وبِ َي ِعهِم ‪ ،‬أشركوا بال ‪ ،‬فأمر ال نبيه صلى ال عليه وسلم أن يوحدوه وحده‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬ذكر علي بن الحسين ‪ :‬حدثنا إسماعيل بن بنت السدي ‪ ،‬أخبرنا رجل سماه ‪،‬‬
‫عن السدي ‪ ،‬عن أبي مالك ‪ -‬أو أبي صالح ‪ -‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَأَنّ ا ْلمَسَاجِدَ لِلّهِ فَل‬
‫تَدْعُوا مَعَ اللّهِ َأحَدًا } قال ‪ :‬لم يكن يوم نزلت هذه الية في الرض مسجد إل المسجد الحرام ‪،‬‬
‫ومسجد إيليا ‪ :‬بيت المقدس‪.‬‬
‫وقال العمش ‪ :‬قالت الجن ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ائذن لنا نشهد معك الصلوات في مسجدك‪ .‬فأنزل ال‬
‫حدًا } يقول ‪ :‬صلوا ‪ ،‬ل تخالطوا الناس‪.‬‬
‫جدَ لِلّهِ فَل َتدْعُوا مَعَ اللّهِ أَ َ‬
‫‪ { :‬وَأَنّ ا ْل َمسَا ِ‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا مهران ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن إسماعيل بن أبي خالد ‪،‬‬
‫عن محمود عن سعيد بن جبير ‪ { : ،‬وَأَنّ ا ْلمَسَاجِدَ لِلّهِ } قال ‪ :‬قالت الجن لنبي (‪ )2‬ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ :‬كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [عنك] (‪ )3‬؟ ‪ ،‬وكيف نشهد الصلة ونحن‬
‫حدًا } (‪)4‬‬
‫جدَ لِلّهِ فَل َتدْعُوا مَعَ اللّهِ أَ َ‬
‫ناءون عنك ؟ فنزلت ‪ { :‬وَأَنّ ا ْلمَسَا ِ‬
‫خصَيْف ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬نزلت في المساجد كلها‪.‬‬
‫وقال سفيان ‪ ،‬عن ُ‬
‫وقال سعيد بن جبير‪ .‬نزلت في أعضاء السجود ‪ ،‬أي ‪ :‬هي ل فل تسجدوا بها لغيره‪ .‬وذكروا عند‬
‫هذا القول الحديث الصحيح ‪ ،‬من رواية عبد ال بن طاوس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬رضي‬
‫ال عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ‪:‬‬
‫على الجبهة ‪ -‬أشار (‪ )5‬بيديه إلى أنفه ‪ -‬واليدين والركبتين وأطراف القدمين" (‪)6‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } قال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس‬
‫يقول ‪ :‬لما سمعوا النبي صلى ال عليه وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه ؛ من الحرص ‪ ،‬لما‬
‫حيَ إَِليّ أَنّهُ‬
‫سمعوه يتلو القرآن ‪ ،‬ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه ‪ُ { :‬قلْ أُو ِ‬
‫اسْ َتمَعَ َنفَرٌ مِنَ ا ْلجِنّ } يستمعون القرآن‪.‬‬
‫هذا قول ‪ ،‬وهو مروي عن الزبير بن العوام ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن أبي بشر ‪،‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثني محمد بن معمر ‪ ،‬حدثنا أبو مسلم ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ول يشرك به أحدًا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬قالت الجن للنبي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪)29/73‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وأشار"‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ ، )812‬صحيح مسلم برقم (‪.)490‬‬
‫( ‪)8/244‬‬

‫عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال الجن لقومهم ‪ { :‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا‬
‫َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } قال ‪ :‬لما رأوه يصلي وأصحابه ‪ ،‬يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ‪ ،‬قالوا‬
‫‪ :‬عجبوا من طواعية أصحابه له ‪ ،‬قال ‪ :‬فقالوا لقومهم ‪َ { :‬لمّا قَامَ عَ ْبدُ اللّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ‬
‫عَلَيْهِ لِ َبدًا }‬
‫وهذا قول ثان ‪ ،‬وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬لما قام رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ل إله إل ال" ويدعو الناس إلى‬
‫ربهم ‪ ،‬كادت العرب تلبد عليه جميعًا‪.‬‬
‫وقال قتادة في قوله ‪ { :‬وَأَنّهُ َلمّا قَامَ عَبْدُ اللّهِ َيدْعُوهُ كَادُوا َيكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا } قال ‪ :‬تَلَبّدت النس‬
‫والجن على هذا المر ليطفئوه ‪ ،‬فأبى ال إل أن ينصره ويمضيه (‪ )1‬ويظهره على من ناوأه‪.‬‬
‫هذا قول ثالث ‪ ،‬وهو مروي عن ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وقول ابن زيد ‪،‬‬
‫واختيار ابن جرير ‪ ،‬وهو الظهر لقوله بعده ‪ُ { :‬قلْ إِ ّنمَا أَدْعُو رَبّي وَل ُأشْ ِركُ بِهِ َأحَدًا } أي ‪:‬‬
‫قال لهم الرسول ‪ -‬لما آذوه (‪ )2‬وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ‪ ،‬ليبطلوا ما جاء به من الحق‬
‫واجتمعوا على عداوته ‪ { :‬إِ ّنمَا أَدْعُو رَبّي } أي ‪ :‬إنما أعبد ربي وحده ل شريك له ‪ ،‬وأستجير به‬
‫وأتوكل عليه ‪ { ،‬وَل أُشْ ِركُ بِهِ َأحَدًا }‬
‫وقوله ‪ُ { :‬قلْ إِنّي ل َأمِْلكُ َلكُ ْم ضَرّا وَل َرشَدًا } أي ‪ :‬إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ ‪ ،‬وعبد من‬
‫ي من المر شيء في هدايتكم ول غوايتكم ‪ ،‬بل المرجع في ذلك كله إلى ال عز‬
‫عباد ال ليس إل ّ‬
‫وجل‪.‬‬
‫ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه ل يجيره من ال أحد ‪ ،‬أي ‪ :‬لو عصيته فإنه ل يقدر أحد على إنقاذي‬
‫حدًا } قال مجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ :‬ل ملجأ‪ .‬وقال قتادة‬
‫من عذابه ‪ { ،‬وَلَنْ َأجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَ َ‬
‫حدًا } أي ‪ :‬ل نصير ول ملجأ‪.‬‬
‫أيضا ‪ُ { :‬قلْ إِنّي لَنْ ُيجِيرَنِي مِنَ اللّهِ َأحَ ٌد وَلَنْ َأجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَ َ‬
‫وفي رواية ‪ :‬ل ولي ول موئل‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬إِل بَلغًا مِنَ اللّهِ وَرِسَالتِهِ } قال بعضهم ‪ :‬هو مستثنى من قوله ‪ { :‬ل َأمِْلكُ َلكُمْ‬
‫حدٌ }‬
‫شدًا } { إِل بَلغًا } ويحتمل أن يكون استثناء من قوله ‪ { :‬لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَ َ‬
‫ضَرّا وَل رَ َ‬
‫أي ‪ :‬ل يجيرني منه ويخلصني إل إبلغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬يَا‬
‫ص ُمكَ مِنَ النّاسِ }‬
‫ك وَإِنْ َلمْ َت ْفعَلْ َفمَا بَّل ْغتَ رِسَالَ َت ُه وَاللّهُ َي ْع ِ‬
‫أَ ّيهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزلَ إِلَ ْيكَ مِنْ رَ ّب َ‬
‫[المائدة ‪)3( ]67 :‬‬
‫جهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا } أي ‪ :‬أنما أبلغكم رسالة ال‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَنْ َي ْعصِ اللّ َه وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ َ‬
‫‪ ،‬فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدًا ‪ ،‬أي ل محيد لهم عنها ‪ ،‬ول‬
‫خروج‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ويعينه"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬لما نادوه‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬فإن" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)8/245‬‬

‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ َأحَدًا‬


‫ج َعلُ لَهُ رَبّي َأمَدًا (‪ )25‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ فَلَا ُي ْ‬
‫ُقلْ إِنْ أَدْرِي َأقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَ ْ‬
‫(‪ )26‬إِلّا مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدًا (‪ )27‬لِ َيعَْلمَ أَنْ قَدْ أَبَْلغُوا‬
‫شيْءٍ عَ َددًا (‪)28‬‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫رِسَالَاتِ رَ ّبهِ ْم وََأحَاطَ ِبمَا َلدَ ْيهِ ْم وَأَ ْ‬

‫لهم منها‪.‬‬
‫ض َعفُ نَاصِرًا وََأ َقلّ عَ َددًا } أي ‪ :‬حتى إذا‬
‫وقوله ‪ { :‬حَتّى إِذَا رََأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَ َيعَْلمُونَ مَنْ َأ ْ‬
‫رأى هؤلء المشركون من الجن والنس ما يوعدون يوم القيامة فسيعلمون يومئذ من أضعف‬
‫ناصرًا وأقل عددًا ‪ ،‬هم أم المؤمنون الموحدون ل عز وجل ‪ ،‬أي ‪ :‬بل المشركين ل ناصر لهم‬
‫بالكلية ‪ ،‬وهم أقل عددًا من جنود ال عز وجل‪.‬‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ‬
‫ج َعلُ َلهُ رَبّي َأمَدًا (‪ )25‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل يُ ْ‬
‫{ ُقلْ إِنْ َأدْرِي َأقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ َي ْ‬
‫حدًا (‪ )26‬إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ َرسُولٍ فَإِنّهُ َيسُْلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَ ْي ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدًا (‪ )27‬لِ َيعْلَمَ أَنْ قَدْ‬
‫أَ َ‬
‫عدَدًا (‪} )28‬‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫أَبَْلغُوا رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْيهِمْ وَأَ ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقول للناس ‪ :‬إنه ل علم له بوقت الساعة ‪ ،‬ول‬
‫ج َعلُ َلهُ رَبّي َأمَدًا } ؟ أي ‪:‬‬
‫يدري أقريب وقتها أم بعيد ؟ { ُقلْ إِنْ َأدْرِي َأقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ َي ْ‬
‫مدة طويلة‪.‬‬
‫وفي هذه الية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه السلم ‪،‬‬
‫ل يؤلف تحت الرض ‪ ،‬كذب ل أصل له ‪ ،‬ولم نره في شيء من الكتب‪ .‬وقد كان صلى ال عليه‬
‫وسلم يسأل عن وقت الساعة فل يجيب عنها ‪ ،‬ولما تَبدّى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما‬
‫سأله أن قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬فأخبرني عن الساعة ؟ قال ‪" :‬ما المسئول عنها بأعلم من السائل" (‪)1‬‬
‫ولما ناداه ذلك العرابي بصوت جَهوريّ فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬متى الساعة ؟ قال ‪" :‬ويحك‪ .‬إنها‬
‫كائنة ‪ ،‬فما أعددت لها ؟"‪ .‬قال ‪ :‬أما إني لم أعد لها كثير (‪ )2‬صلة ول صيام ‪ ،‬ولكني أحب ال‬
‫ورسوله‪ .‬قال ‪" :‬فأنت مع من أحببت"‪ .‬قال أنس ‪ :‬فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث (‬
‫‪)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا محمد بن مُصفَى ‪ ،‬حدثنا محمد بن حمير (‪ )4‬حدثني أبو‬
‫بكر بن أبي مريم ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬يا بني آدم ‪ ،‬إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪ ،‬إنما‬
‫توعدون لت" (‪)5‬‬
‫وقد قال أبو داود في آخر "كتاب الملحم" ‪ :‬حدثنا موسى بن سهيل ‪ ،‬حدثنا حجاج بن إبراهيم ‪،‬‬
‫حدثنا ابن وهب ‪ ،‬حدثني معاوية بن صالح ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن جُبَير ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبي‬
‫ثَعلبة الخُشني قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬لن يعجز ال هذه المة من نصف يوم"‬
‫(‪)6‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬هو جزء من حديث جبريل الطويل ‪ ،‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )8‬من حديث عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬كبير"‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم في صحيحه برقم (‪ )2639‬من حديث أنس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬محمد بن جبير"‪.‬‬
‫(‪ )5‬ورواه البيهقي في شعب اليمان برقم (‪ )10564‬من طريق الحسن بن سفيان ‪ ،‬عن محمد بن‬
‫المصفي ‪ ،‬به‪.‬‬
‫(‪ )6‬سنن أبي داود برقم (‪ ، ، )4349‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )4/424‬من طريق ابن‬
‫وهب ‪ ،‬به‪ .‬وقال الحاكم ‪" :‬صحيح على شرطهما ولم يخرجاه"‪.‬‬

‫( ‪)8/246‬‬

‫انفرد به أبو داود ‪ ،‬ثم قال أبو داود ‪:‬‬


‫حدثنا عمرو بن عثمان‪ .‬حدثنا أبو المغيرة ‪ ،‬حدثني صفوان ‪ ،‬عن شُرَيح بن عبيد ‪ ،‬عن سعد بن‬
‫أبي وقاص عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪" :‬إني لرجو أل تعجز أمتي عند ربها أن‬
‫يؤخرهم نصف يوم"‪ .‬قيل لسعد ‪ :‬وكم نصف يوم ؟ قال ‪ :‬خمسمائة عام‪ .‬انفرد به أبو داود (‪)1‬‬
‫حدًا إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ َرسُولٍ } هذه كقوله تعالى ‪{ :‬‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬عَاِلمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل يُ ْ‬
‫شيْءٍ مِنْ عِ ْل ِمهِ إِل ِبمَا شَاءَ } [البقرة ‪ ]255 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ :‬إنه يعلم الغيب‬
‫وَل ُيحِيطُونَ بِ َ‬
‫والشهادة ‪ ،‬وإنه ل يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إل مما أطلعه تعالى عليه ؛ ولهذا قال‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْبِهِ َأحَدًا إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ } وهذا يعم الرسول الملكي والبشري‪.‬‬
‫‪ { :‬فَل ُي ْ‬
‫سُلكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدًا } أي ‪ :‬يختصه بمزيد معقبات من الملئكة‬
‫ثم قال ‪ { :‬فَإِنّهُ يَ ْ‬
‫يحفظونه من أمر ال ‪ ،‬ويساوقونه على ما معه من وحي ال ؛ ولهذا قال ‪ { :‬لِ َيعَْلمَ أَنْ قَدْ أَبَْلغُوا‬
‫شيْءٍ عَدَدًا }‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْي ِه ْم وَأَ ْ‬
‫وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله ‪ { :‬لِ َيعْلَمَ } إلى من يعود ؟ فقيل ‪ :‬إنه عائد إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب القمي (‪ )2‬عن جعفر ‪ ،‬عن سعيد بن جبير في‬
‫حدًا إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنّهُ يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْهِ‬
‫ظهِرُ عَلَى غَيْ ِبهِ أَ َ‬
‫قوله ‪ { :‬عَالِمُ ا ْلغَ ْيبِ فَل ُي ْ‬
‫َومِنْ خَ ْلفِهِ َرصَدًا } قال ‪ :‬أربعة حفظة من الملئكة مع جبريل ‪ { ،‬لِ َيعْلَمَ } محمد صلى ال عليه‬
‫عدَدًا }‬
‫شيْءٍ َ‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫وسلم { أَنْ َقدْ أَبَْلغُوا رِسَالتِ رَ ّب ِه ْم وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْيهِمْ وَأَ ْ‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي (‪ )3‬به‪ .‬وهكذا رواه الضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬ويزيد بن‬
‫أبي حبيب‪.‬‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ ،‬عن َم ْعمَر عن قتادة ‪ { :‬لِ َيعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبَْلغُوا رِسَالتِ رَ ّبهِمْ } قال ‪ :‬ليعلم نبي‬
‫ال أن الرسل قد بلغت عن ال ‪ ،‬وأن الملئكة حفظتها ودفعت عنها‪ .‬وكذا رواه سعيد بن أبي‬
‫عروبة ‪ ،‬عن قتادة‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقيل غير ذلك ‪ ،‬كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬إِل مَنِ ارْ َتضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنّهُ‬
‫صدًا } قال ‪ :‬هي معقبات من الملئكة يحفظون النبي من الشيطان‬
‫يَسُْلكُ مِنْ بَيْنِ َيدَيْ ِه َومِنْ خَ ْلفِهِ َر َ‬
‫‪ ،‬حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ‪ ،‬وذلك حين يقول ‪ ،‬ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالت‬
‫ربهم‪.‬‬
‫وكذا قال ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬لِ َيعْلَمَ أَنْ َقدْ أَبَْلغُوا رِسَالتِ رَ ّب ِهمْ } قال ‪ :‬ليعلم من كذب‬
‫الرسل أن قد أبلغوا رسالت ربهم‪ .‬وفي هذا نظر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سنن أبي داود برقم (‪ ، )4350‬وشريح بن عبيد لم يدرك سعد بن أبي وقاص ‪ ،‬فهو منقطع‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬العمي"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬العمي"‪.‬‬

‫( ‪)8/247‬‬

‫وقال البغوي ‪ :‬قرأ يعقوب ‪" :‬ليُعلَم" بالضم ‪ ،‬أي ‪ :‬ليعلم الناس أن الرسل بُلّغوا‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون الضمير عائدًا إلى ال عز وجل ‪ ،‬وهو قول حكاه ابن الجوزي في "زاد المسير"‬
‫(‪ )1‬ويكون المعنى في ذلك ‪ :‬أنه يحفظ رسله بملئكته ليتمكنوا من أداء رسالته ‪ ،‬ويحفظ ما بُيّن‬
‫جعَلْنَا ا ْلقِبْلَةَ الّتِي‬
‫إليهم من الوحي ؛ ليعلم أن قد أبلغوا رسالت ربهم ‪ ،‬ويكون ذلك كقوله ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫عقِبَيْهِ } [البقرة ‪ ]143 :‬وكقوله ‪ { :‬وَلَ َيعَْلمَنّ‬
‫كُ ْنتَ عَلَ ْيهَا إِل لِ َنعَْلمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ ِممّنْ يَ ْنقَِلبُ عَلَى َ‬
‫اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَلَ َيعَْلمَنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ } [العنكبوت ‪ ]11 :‬إلى أمثال ذلك ‪ ،‬مع العلم بأنه تعالى يعلم‬
‫شيْءٍ‬
‫حصَى ُكلّ َ‬
‫الشياء قبل كونها قطعا ل محالة ؛ ولهذا قال بعد هذا ‪ { :‬وَأَحَاطَ ِبمَا لَدَ ْيهِ ْم وََأ ْ‬
‫عَ َددًا }‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زاد المسير (‪.)8/386‬‬

‫( ‪)8/248‬‬

‫صفَهُ َأوِ ا ْنقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (‪َ )3‬أوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآَنَ‬
‫يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ (‪ُ )1‬قمِ اللّ ْيلَ إِلّا قَلِيلًا (‪ِ )2‬ن ْ‬
‫تَرْتِيلًا (‪ )4‬إِنّا سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َقوْلًا َثقِيلًا (‪ )5‬إِنّ نَاشِئَةَ اللّ ْيلِ ِهيَ أَشَ ّد َوطْئًا وََأ ْقوَمُ قِيلًا (‪ )6‬إِنّ َلكَ فِي‬
‫ك وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (‪َ )8‬ربّ ا ْلمَشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ لَا إَِلهَ إِلّا ُهوَ‬
‫سمَ رَ ّب َ‬
‫طوِيلًا (‪ )7‬وَا ْذكُرِ ا ْ‬
‫ال ّنهَارِ سَ ْبحًا َ‬
‫خ ْذهُ َوكِيلًا (‪)9‬‬
‫فَاتّ ِ‬

‫تفسير سورة المزمل‬


‫وهي مكية‬
‫قال الحافظ أبو بكر [أحمد] (‪ )1‬بن عمرو بن عبد الخالق البزار ‪ :‬حدثنا محمد بن موسى القطان‬
‫الواسطي ‪ ،‬حدثنا معلى بن عبد الرحمن ‪ ،‬حدثنا شريك ‪ ،‬عن عبد ال بن محمد بن عقيل ‪ ،‬عن‬
‫جابر قال ‪ :‬اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا ‪ :‬سموا هذا الرجل اسمًا تصدر (‪ )2‬الناس عنه‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬كاهن‪ .‬قالوا ‪ :‬ليس بكاهن‪ .‬قالوا ‪ :‬مجنون قالوا ‪ :‬ليس بمجنون‪ .‬قالوا ‪ :‬ساحر‪ .‬قالوا ‪:‬‬
‫ليس بساحر‪ .‬فتفرق المشركون على ذلك ‪ ،‬فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فتزمل في ثيابه‬
‫وتدثر فيها‪ .‬فأتاه جبريل ‪ ،‬عليه السلم ‪ ،‬فقال ‪ " :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّزمّلُ " " يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ "‪.‬‬
‫ثم قال البزار ‪ :‬معلى بن عبد الرحمن ‪ :‬قد حدث عنه جماعة من أهل العلم ‪ ،‬واحتملوا حديثه ‪،‬‬
‫لكن تفرد بأحاديث ل يتابع عليها‪)3( .‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫صفَهُ َأوِ ا ْنقُصْ مِنْهُ قَلِيل (‪َ )3‬أوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ‬
‫{ يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ (‪ )1‬قُمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل (‪ِ )2‬ن ْ‬
‫ش ّد وَطْئًا وََأ ْقوَمُ قِيل (‪ )6‬إِنّ‬
‫ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيل (‪ )4‬إِنّا سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َقوْل َثقِيل (‪ )5‬إِنّ نَاشِ َئةَ اللّ ْيلِ ِهيَ أَ َ‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ ل‬
‫ك وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيل (‪َ )8‬ربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫طوِيل (‪ )7‬وَا ْذكُرِ اسْمَ رَ ّب َ‬
‫َلكَ فِي اَل ّنهَارِ سَبْحًا َ‬
‫إِلَهَ إِل ُهوَ فَاتّخِ ْذ ُه َوكِيل (‪} )9‬‬
‫يأمر تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يترك التزمل ‪ ،‬وهو ‪ :‬التغطي في الليل ‪ ،‬وينهض إلى‬
‫ط َمعًا‬
‫خ ْوفًا وَ َ‬
‫القيام لربه عز وجل ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬تَتَجَافَى جُنُو ُبهُمْ عَنِ ا ْل َمضَاجِعِ َيدْعُونَ رَ ّبهُمْ َ‬
‫َو ِممّا رَ َزقْنَا ُهمْ يُ ْنفِقُونَ } [السجدة ‪ ]16 :‬وكذلك كان رسول ال صلى ال عليه وسلم ممتثل ما أمره‬
‫ال تعالى به من قيام الليل ‪ ،‬وقد كان واجبًا عليه وحده ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ‬
‫حمُودًا } [السراء ‪ ]79 :‬وهاهنا بين له مقدار ما يقوم ‪ ،‬فقال‬
‫عسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا مَ ْ‬
‫نَافِلَةً َلكَ َ‬
‫تعالى ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ قُمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل } ء‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } يعني ‪ :‬يا أيها النائم‪ .‬وقال قتادة ‪:‬‬
‫المزمل في ثيابه ‪ ،‬وقال إبراهيم النخعي ‪ :‬نزلت وهو متزمل بقطيفة‪.‬‬
‫وقال شبيب بن بِشر ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } قال ‪ :‬يا محمد ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فصدوا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند البزار برقم (‪" )2276‬كشف الستار" ‪ ،‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‬
‫‪ )3408‬من طريق محمد بن موسى القطان به مثله ‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/130‬وفيه‬
‫معلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب"‪.‬‬

‫( ‪)8/249‬‬

‫ُزمّلتَ القرآن‪.‬‬
‫صفَهُ } بدل من الليل { َأوِ ا ْن ُقصْ مِنْهُ قَلِيل‪َ .‬أوْ ِزدْ عَلَيْهِ } أي ‪ :‬أمرناك أن تقوم نصف‬
‫وقوله ‪ِ { :‬ن ْ‬
‫الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل ‪ ،‬ل حرج عليك في ذلك‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيل } أي ‪ :‬اقرأه على تمهل ‪ ،‬فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره‪.‬‬
‫وكذلك كان يقرأ صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬كان يقرأ السورة فيرتلها ‪ ،‬حتى تكون‬
‫أطول من أطول منها‪ .‬وفي صحيح البخاري ‪ ،‬عن أنس ‪ :‬أنه سئل عن قراءة رسول ال صلى ال‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ } يمد بسم ال ‪ ،‬ويمد الرحمن ‪،‬‬
‫سمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬كانت مدًا ‪ ،‬ثم قرأ { بِ ْ‬
‫ويمد الرحيم‪)1( .‬‬
‫وقال ابن جُرَيج ‪ ،‬عن ابن أبي مُلَيكة عن أم سلمة ‪ :‬أنها سُئلت عن قراءة رسول ال صلى ال‬
‫ح ْمدُ لِلّهِ َربّ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ الْ َ‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬كان يقطع قراءته آية آية ‪ِ { ،‬بسْمِ اللّهِ الرّ ْ‬
‫حمَنِ الرّحِيمِ مَاِلكِ َيوْمِ الدّينِ } رواه أحمد ‪ ،‬وأبو داود ‪ ،‬والترمذي‪)2( .‬‬
‫ا ْلعَاَلمِينَ الرّ ْ‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن عاصم ‪ ،‬عن زرّ ‪ ،‬عن عبد ال بن‬
‫عمرو ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬يقال لصاحب (‪ )3‬القرآن ‪ :‬اقرأ وارْقَ ‪ ،‬ورَتّل كما‬
‫كنت ترتل في الدنيا ‪ ،‬فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها"‪.‬‬
‫ورواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي والنسائي ‪ ،‬من حديث سفيان الثوري ‪ ،‬به (‪ )4‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وقد قدمنا في أول التفسير الحاديث الدالة على استحباب الترتيل وتحسين الصوت بالقراءة ‪ ،‬كما‬
‫جاء في الحديث ‪" :‬زَيّنوا القرآن بأصواتكم" ‪ ،‬و "ليس منا من لم يَ َتغَنّ بالقرآن" ‪ ،‬و "لقد أوتي هذا‬
‫مزمار من مزامير آل داود" يعني ‪ :‬أبا موسى ‪ ،‬فقال أبو موسى ‪ :‬لو كنت أعلم أنك كنت تسمع‬
‫قراءتي لحبّرْته لك تحبيرا‪)5( .‬‬
‫وعن ابن مسعود أنه قال ‪ :‬ل تنثروه نثر الرمل (‪ )6‬ول تهذّوه هذّ الشعر ‪ ،‬قفوا عند عجائبه ‪،‬‬
‫وحركوا به القلوب ‪ ،‬ول يكن همّ أحدكم آخر السورة‪ .‬رواه البغوي‪)7( .‬‬
‫وقال البخاري ‪ :‬حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مرة ‪ :‬سمعت أبا وائل قال ‪ :‬جاء رجل‬
‫إلى ابن مسعود فقال ‪ :‬قرأت المفصل (‪ )8‬الليلة في ركعة‪ .‬فقال ‪ :‬هذّا كهذّ الشعر‪ .‬لقد عرفت‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)5046‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ ، )6/302‬وسنن أبي داود برقم (‪ ، )4001‬والشمائل للترمذي برقم (‪.)299‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬لقارئ"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪ )2/192‬وسنن أبي داود برقم (‪ ، )1464‬وسنن الترمذي برقم (‪ ، )2914‬وسنن‬
‫النسائي الكبرى برقم (‪.)8056‬‬
‫(‪ )5‬انظر هذه الحاديث في ‪ :‬فضائل القرآن في المقدمة‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬الدقل"‪.‬‬
‫(‪ )7‬معالم التنزيل للبغوي (‪.)8/215‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪" :‬المعضل"‪.‬‬

‫( ‪)8/250‬‬

‫النظائر التي كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يقرن بينهن‪ .‬فذكر عشرين سورة من ال ُم َفصّل‬
‫سورتين في ركعة‪)1( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا سَنُ ْلقِي عَلَ ْيكَ َقوْل َثقِيل } قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي العمل به‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬ثقيلٌ وقت نزوله ؛ من عظمته‪ .‬كما قال زيد بن ثابت ‪ :‬أنزل على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وفخذه على فخذي ‪ ،‬فكادت تُرض فَخذي‪)2( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا قتيبة ‪ ،‬حدثنا ابن لهيعة ‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب ‪ ،‬عن عمرو بن الوليد‬
‫‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬سألت النبي صلى ال عليه وسلم فقلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل تحس‬
‫بالوحي ؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أسم ُع صَلصيل ‪ ،‬ثم أسكتُ عند ذلك ‪ ،‬فما من‬
‫مرة يوحى إلي إل ظننت أن نفسي تفيض" ‪ ،‬تفرد به أحمد‪)3( .‬‬
‫وفي أول صحيح البخاري عن عبد ال بن يوسف ‪ ،‬عن مالك ‪ ،‬عن هشام ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة‬
‫‪ :‬أن الحارث بن هشام سأل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬كيف يأتيك الوحي ؟ فقال ‪" :‬أحيانا‬
‫يأتيني في مثل صلصلة الجرس ‪ ،‬وهو أشده عََليّ ‪ ،‬فَ َيفْصِمُ عني وقد وَعَيت عنه ما قال ‪ ،‬وأحيانا‬
‫يتمثل لي الملك رجل فيكلمني فأعي ما يقول"‪ .‬قالت عائشة ‪ :‬ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى‬
‫ال عليه وسلم في اليوم الشديد البرد ‪ ،‬فَ َي ْفصِمُ عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا هذا لفظه‪)4( .‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا سليمان بن داود ‪ ،‬أخبرنا عبد الرحمن ‪ ،‬عن هشام بن عُ ْروَة ‪ ،‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬إن كان ليوحَى إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو على راحلته ‪،‬‬
‫فتضرب بِجرَانها‪)5( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬حدثنا ابن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن هشام بن عروة ‪،‬‬
‫عن أبيه ؛ أن النبي صلى ال عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته ‪ ،‬وضعت جرانها ‪،‬‬
‫فما تستطيع أن تحرك حتى يُسَرّى عنه‪)6( .‬‬
‫وهذا مرسل‪ .‬الجران ‪ :‬هو باطن العنق‪.‬‬
‫واختار ابن جرير أنه ثقيل (‪ )7‬من الوجهين معا ‪ ،‬كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬كما‬
‫ثقل في الدنيا ثقل يوم القيامة في الموازين‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ نَاشِئَةَ اللّ ْيلِ ِهيَ َأشَ ّد َوطْئًا وََأ ْقوَمُ قِيل } قال أبو إسحاق ‪ ،‬عن سعيد بن جبير ‪ ،‬عن‬
‫ابن عباس ‪ :‬نشأ ‪ :‬قام بالحبشة‪.‬‬
‫وقال عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وابن الزبير ‪ :‬الليل كله ناشئة‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪،‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)775‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪.)4592‬‬
‫(‪ )3‬المسند (‪.)2/222‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)2‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪.)6/118‬‬
‫(‪ )6‬تفسير الطبري (‪.)29/82‬‬
‫(‪ )7‬في أ ‪" :‬أنه يقبل"‪.‬‬

‫( ‪)8/251‬‬

‫يقال ‪ :‬نشأ ‪ :‬إذا قام من الليل‪ .‬وفي رواية عن مجاهد ‪ :‬بعد العشاء‪ .‬وكذا قال أبو مِجْلَز ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫وسالم وأبو حازم ‪ ،‬ومحمد بن المنكدر‪.‬‬
‫والغرض أن ناشئة الليل هي ‪ :‬ساعاته وأوقاته ‪ ،‬وكل ساعة منه تسمى ناشئة ‪ ،‬وهي النات‪.‬‬
‫والمقصود أن قيام الليل هو (‪ )1‬أشد مواطأة بين القلب واللسان ‪ ،‬وأجمع على التلوة ؛ ولهذا قال‬
‫‪ِ { :‬هيَ َأشَ ّد َوطْئًا وََأ ْقوَمُ قِيل } أي ‪ :‬أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من قيام النهار ؛ لنه‬
‫وقت انتشار الناس وَلغَط الصوات وأوقات المعاش‪.‬‬
‫[وقد] (‪ )2‬قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪،‬‬
‫حدثنا العمش ‪ ،‬أن أنس بن مالك قرأ هذه الية ‪" :‬إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيل"‬
‫فقال له رجل ‪ :‬إنما نقرؤها { وََأ ْقوَمُ قِيل } فقال له ‪ :‬إن أصوب وأقوم وأهيأ وأشباه هذا واحد‪( .‬‬
‫‪)3‬‬
‫طوِيل } قال ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وعطاء بن أبي مسلم ‪:‬‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬إِنّ َلكَ فِي اَل ّنهَارِ سَبْحًا َ‬
‫الفراغ والنوم‪.‬‬
‫وقال أبو العالية ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وابن مالك ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪،‬‬
‫وسفيان الثوري ‪ :‬فراغًا طويل‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬فراغا وبغية ومنقلبا‪.‬‬
‫طوِيل } تطوعا كثيرًا‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ { :‬سَ ْبحًا َ‬
‫طوِيل } (‪ )4‬قال ‪:‬‬
‫وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله ‪[ { :‬إِنّ َلكَ فِي اَل ّنهَارِ] سَبْحًا َ‬
‫لحوائجك ‪ ،‬فَأفْرغ لدينك الليل‪ .‬قال ‪ :‬وهذا حين كانت صلة الليل فريضة ‪ ،‬ثم إن ال من على‬
‫العباد فخففها ووضعها ‪ ،‬وقرأ ‪ُ { :‬قمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل } إلى آخر الية ‪ ،‬ثم قال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ‬
‫َتقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْيلِ } حتى بلغ ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ } [الليل نصفة أو ثلثه‪ .‬ثم جاء أمر‬
‫أوسع وأفسح وضع الفريضة عنه وعن أمته] (‪ )5‬فقال ‪ :‬قال ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَ َت َهجّدْ بِهِ نَافِلَةً َلكَ‬
‫حمُودًا } [السراء ‪ ]49 :‬وهذا الذي قاله كما قاله‪.‬‬
‫عَسَى أَنْ يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ َمقَامًا َم ْ‬
‫والدليل عليه ما رواه المام أحمد في مسنده حيث قال ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا سعيد ابن أبي عَرُوبة‬
‫‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن زُرارة بن أوفى ‪ ،‬عن سعيد بن هشام ‪ :‬أنه طلق امرأته ثم ارتحل إلى المدينة‬
‫ليبيع عقارًا له بها ويجعله في الكُرَاع والسلح ‪ ،‬ثم يجاهد الروم حتى يموت‪ .‬فلقي رهطًا من‬
‫قومه فحدثوه أن رهطًا من قومه ستة أرادوا ذلك على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪:‬‬
‫"أليس لكم فيّ أسوة (‪ )6‬؟"‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬هي"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسند أبي يعلى (‪ )7/88‬ونقل النحقق في الحاشية عن أبي بكر بن النباري أنه قال ‪" :‬حديث‬
‫ل يصح عن أحد من أهل العلم ‪ ،‬لنه مبنى على رواية العمش عن أنس ‪ ،‬فهو مقطوع ليس‬
‫بمتصل ‪ ،‬فيؤخذ من قبل أن العمش رأي أنسًا ولم يسمع منه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من تفسير الطبري‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬أسوة حسنة"‪.‬‬
‫( ‪)8/252‬‬

‫فنهاهم عن ذلك ‪ ،‬فأشهدهم على رَجعتها ‪ ،‬ثم رجع إلينا فأخبرنا أنه أتى ابن عباس فسأله عن‬
‫الوتر فقال ‪ :‬أل أنبئك بأعلم أهل الرض بوتر رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪:‬‬
‫ائت عائشة فاسألها ثم ارجع إليّ فأخبرني بردها عليك‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت على حكيم بن أفلحَ فاستلحقتُه‬
‫إليها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما أنا بقاربها ؛ إني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئًا ‪ ،‬فأبت فيهما إل ُمضِيًا‪.‬‬
‫فأقسمتُ عليه ‪ ،‬فجاء معي ‪ ،‬فدخلنا عليها فقالت ‪ :‬حكيم ؟ وعرفته ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم‪ .‬قالت ‪ :‬من هذا‬
‫معك ؟ قال ‪ :‬سعيد بن هشام‪ .‬قالت ‪ :‬من هشام ؟ قال ‪ :‬ابن عامر‪ .‬قال ‪ :‬فترحمت عليه وقالت ‪:‬‬
‫نعم المرء كان عامر‪ .‬قلت ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬أنبئينى عن خلق رسول صلى ال عليه وسلم ؟ قالت‬
‫‪ :‬ألست تقرأ القرآن ؟ قلت ‪ :‬بلى (‪ )1‬قالت ‪ :‬فإن خلق رسول ال صلى ال عليه وسلم كان‬
‫القرآن‪ .‬فَهممت أن أقوم ‪ ،‬ثم بدا لي قيامُ رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪،‬‬
‫أنبئيني عن قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬ألست تقرأ هذه السورة ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } ؟‬
‫قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قالت ‪ :‬فإن ال افترض قيام الليل في أول هذه السورة ‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم وأصحابه حول حتى انتفخت أقدامهم ‪ ،‬وأمسك ال خاتمتها في السماء اثني عشر شهرًا‬
‫‪ ،‬ثم أنزل ال التخفيف في آخر هذه السورة ‪ ،‬فصار قيام الليل تطوعًا من بعد فريضة‪ .‬فهممت (‬
‫‪ )2‬أن أقوم ‪ ،‬ثم بدا لي وتر رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا أم المؤمنين ‪ ،‬أنبئيني عن‬
‫طهُوره ‪ ،‬فيبعثه ال لما شاء أن‬
‫وتر رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬كنا نعد له سِواكه و َ‬
‫يبعثه من الليل ‪ ،‬فيتسوك ثم يتوضأ ثم يصلي ثماني ركعات ل يجلس فيهن إل عند الثامنة ‪،‬‬
‫فيجلس ويذكر ربه تعالى ويدعو [ويستغفر ثم ينهض وما يسلم‪ .‬ثم يصلي التاسعة فيقعد فيحمد ربه‬
‫ويذكره ويدعو] (‪ )3‬ثم يسلم تسليمًا يسمعنا ‪ ،‬ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم‪ .‬فتلك‬
‫إحدى عشرة ركعة يا بني‪ .‬فلما أسن رسول ال صلى ال عليه وسلم وأخذه اللحم ‪ ،‬أوتر بسبع ‪،‬‬
‫ثم صلى ركعتين وهو جالس بعدما يسلم ‪ ،‬فتلك تسع يا بني‪ .‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫شغَله عن قيام الليل نوم أو وَجَع أو مرض ‪،‬‬
‫إذا صلى صلة أحب أن يداوم عليها ‪ ،‬وكان (‪ )4‬إذا َ‬
‫صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ‪ ،‬ول أعلم نبي ال صلى ال عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة‬
‫‪ ،‬ول قام ليلة حتى أصبح ‪ ،‬ول صام شهرًا كامل غير رمضان‪.‬‬
‫فأتيت ابن عباس فحدثته بحديثها ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬أما لو كنت أدخل عليها لتيتها حتى تشافهني‬
‫مشافهة‪.‬‬
‫هكذا رواه المام أحمد بتمامه‪ .‬وقد أخرجه مسلم في صحيحه ‪ ،‬من حديث قتادة ‪ ،‬بنحوه‪)5( .‬‬
‫طريق أخرى عن عائشة في هذا المعنى ‪ :‬قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن َوكِيع ‪ ،‬حدثنا زيد بن‬
‫الحُبَاب ‪ -‬وحدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْران قال جميعا ‪ ،‬واللفظ لبن وكيع ‪ :‬عن موسى بن‬
‫طحْلء ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن عائشة قالت ‪ :‬كنت أجعل لرسول ال‬
‫عُبَيدة ‪ ،‬حدثني محمد بن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم حصيرا ُيصَلي عليه من الليل ‪ ،‬فتسامع الناس به فاجتمعوا ‪ ،‬فخرج‬
‫كالمغضب ‪ -‬وكان بهم رحيما ‪ ،‬فخشي أن يكتب‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬نعم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬ثم هممت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من المسند‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ ، )6/54‬وصحيح مسلم برقم (‪.)746‬‬

‫( ‪)8/253‬‬

‫ل من الثواب‬
‫عليهم قيام الليل ‪ -‬فقال ‪" :‬أيها الناس ‪ ،‬اكَلفُوا من العمال ما تطيقون ‪ ،‬فإن ال ل َي َم ّ‬
‫حتى تملوا من العمل ‪ ،‬وخير العمال ما ديمَ عليه"‪ .‬ونزل القرآن ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ قُمِ اللّ ْيلَ إِل‬
‫صفَهُ َأوِ ا ْنقُصْ مِنْهُ قَلِيل َأوْ ِزدْ عَلَيْهِ } حتى كان الرجل يربط الحبل ويتعلق ‪ ،‬فمكثوا بذلك‬
‫قَلِيل ِن ْ‬
‫ثمانية أشهر ‪ ،‬فرأى ال ما يبتغون من رضوانه ‪ ،‬فرحمهم فردهم إلى الفريضة ‪ ،‬وترك قيام‬
‫الليل‪)1( .‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيدة الربذي ‪ ،‬وهو ضعيف‪ .‬والحديث في الصحيح (‬
‫‪ )2‬بدون زيادة نزول هذه السورة ‪ ،‬وهذا السياق قد يُوهم أن نزول هذه السورة بالمدينة ‪ ،‬وليس‬
‫كذلك ‪ ،‬وإنما هي مكية‪ .‬وقوله في هذا السياق ‪ :‬إن بين نزول أولها وآخرها ثمانية أشهر ‪-‬‬
‫غريب ؛ فقد تقدم في رواية أحمد أنه كان بينهما سنة‪.‬‬
‫سعَر ‪ ،‬عن سِماك الحنفي ‪،‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو أسامة ‪ ،‬عن ِم ْ‬
‫سمعت ابن عباس يقول ‪ :‬أول ما نزل ‪ :‬أول المزمل ‪ ،‬كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر‬
‫رمضان ‪ ،‬وكان بين أولها وآخرها قريب من سنة‪.‬‬
‫وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن أبي أسامة ‪ ،‬به‪)3( .‬‬
‫وقال الثوري ومحمد بن بشر العَبدي ‪ ،‬كلهما عن مسعر ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬كان‬
‫بينهما سنة‪ .‬وروى ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كريب ‪ ،‬عن وكيع ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن سماك ‪ ،‬عن‬
‫عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬مثله‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حميد ‪ ،‬حدثنا ِمهْرَان ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬عن قيس بن وهب ‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد الرحمن قال ‪ :‬لما نزلت ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } قاموا حول حتى ورمت أقدامهم وسُوقُهم ‪ ،‬حتى‬
‫نزلت ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَ َيسّرَ مِنْهُ } قال ‪ :‬فاستراح الناس‪)4( .‬‬
‫وكذا قال الحسن البصري‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪[ :‬حدثنا أبو زُرْعَة ‪ ،‬حدثنا عُبَيد ال بن عمر القواريري ‪ ،‬حدثنا معاذ بن هشام‬
‫‪ ،‬حدثنا أبي] (‪ )5‬عن قتادة ‪ ،‬عن زُرارة بن أوفى ‪ ،‬عن سعد بن هشام قال ‪ :‬فقلت ‪ -‬يعني لعائشة‬
‫‪ : -‬أخبرينا عن قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قالت ‪ :‬ألست تقرأ ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } ؟‬
‫قلت ‪ :‬بلى‪ .‬قالت ‪ :‬فإنها كانت قيام رسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه ‪ ،‬حتى انتفخت‬
‫أقدامهم ‪ ،‬وحُبس آخرها في السماء ستة عشر شهرًا ‪ ،‬ثم نزل‪.‬‬
‫وقال َم ْعمَر ‪ ،‬عن قتادة ‪ { :‬قُمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل } قاموا حول أو حولين ‪ ،‬حتى انتفخت سوقُهم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/79‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )6465‬وصحيح مسلم برقم (‪.)782‬‬
‫(‪ )3‬تفسير الطبري (‪.)29/78‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪.)29/79‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/254‬‬

‫وأقدامهم فأنزل ال تخفيفها بعد في آخر السورة‪.‬‬


‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن حُميد ‪ ،‬حدثنا يعقوب القمي (‪ )1‬عن جعفر ‪ ،‬عن سعيد ‪ -‬هو ابن‬
‫جبير ‪ -‬قال ‪ :‬لما أنزل ال تعالى على نبيه صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ } قال ‪ :‬مكث‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم على هذه الحال عشر سنين يقوم الليل ‪ ،‬كما أمره ‪ ،‬وكانت طائفة من‬
‫أصحابه يقومون معه ‪ ،‬فأنزل ال عليه بعد عشر سنين ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ َيعَْلمُ أَ ّنكَ َتقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ‬
‫ل وَ ِنصْفَ ُه وَثُلُثَ ُه َوطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َعكَ } إلى قوله ‪ { :‬وََأقِيمُوا الصّلةَ } فخفف ال تعالى عنهم‬
‫اللّ ْي ِ‬
‫بعد عشر سنين‪)2( .‬‬
‫ورواه ابن أبي حاتم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عمرو بن رافع ‪ ،‬عن يعقوب القمي (‪ )3‬به‪.‬‬
‫صفَهُ َأوِ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ قُمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل ِن ْ‬
‫ا ْن ُقصْ مِنْهُ قَلِيل [َأوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيل } فأمر ال نبيه والمؤمنين بقيام الليل إل قليل] (‬
‫‪ )4‬فشق ذلك على المؤمنين ‪ ،‬ثم خفف ال عنهم ورحمهم ‪ ،‬فأنزل بعد هذا ‪ { :‬عَِلمَ أَنْ سَ َيكُونُ‬
‫مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي ال ْرضِ } إلى قوله ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِ ْنهُ } فوسع ال ‪-‬‬
‫وله الحمد ‪ -‬ولم يضيق‪.‬‬
‫ك وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيل } أي ‪ :‬أكثر من ذكره ‪ ،‬وانقطع إليه ‪ ،‬وتفرغ لعبادته‬
‫وقوله ‪ { :‬وَا ْذكُرِ اسْمَ رَ ّب َ‬
‫صبْ }‬
‫غتَ فَا ْن َ‬
‫إذا فرغت من أشغالك ‪ ،‬وما تحتاج إليه من أمور دنياك ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬فَإِذَا فَرَ ْ‬
‫[الشرح ‪ ]7 :‬أي ‪ :‬إذا فرغت من مهامك فانصب في طاعته وعبَادَته ‪ ،‬لتكون فارغ البال‪ .‬قاله‬
‫ابن زيد بمعناه أو قريب منه‪.‬‬
‫وقال ابن عباس ومجاهد ‪ ،‬وأبو صالح ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ { :‬وَتَبَ ّتلْ إِلَيْهِ تَبْتِيل } أي‬
‫‪ :‬أخلص له العبادة‪.‬‬
‫وقال الحسن ‪ :‬اجتهد وبتّل إليه نفسك‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬يقال للعابد ‪ :‬متبتل ‪ ،‬ومنه الحديث المروي ‪ :‬أنه نهى عن التّبتّل ‪ ،‬يعني ‪:‬‬
‫النقطاع إلى العبادة وترك التزوج‪)5( .‬‬
‫خ ْذهُ َوكِيل } أي ‪ :‬هو المالك المتصرف في‬
‫ق وَا ْل َمغْ ِربِ ل إَِلهَ إِل ُهوَ فَاتّ ِ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ربّ ا ْلمَشْ ِر ِ‬
‫خ ْذهُ َوكِيل } كما‬
‫المشارق والمغارب ل إله إل هو ‪ ،‬وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل ‪ { ،‬فَاتّ ِ‬
‫قال في الية الخرى ‪ { :‬فَاعْبُ ْدهُ وَتَ َو ّكلْ عَلَيْهِ } [هود ‪ ]123 :‬وكقوله ‪ { :‬إِيّاكَ َنعْبُ ُد وَإِيّاكَ نَسْ َتعِينُ‬
‫} وآيات (‪ )6‬كثيرة في هذا المعنى ‪ ،‬فيها المر بإفراد العبادة والطاعة ل ‪ ،‬وتخصيصه بالتوكل‬
‫عليه‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬العمى"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪ )29/79‬وهو مرسل‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬العمى"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬التزويج"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬في آيات"‪.‬‬

‫( ‪)8/255‬‬

‫جمِيلًا (‪ )10‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَ ِة َو َمهّ ْلهُمْ قَلِيلًا (‬


‫وَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْهجُرْهُمْ هَجْرًا َ‬
‫ض وَا ْلجِبَالُ‬
‫جفُ الْأَ ْر ُ‬
‫غصّ ٍة وَعَذَابًا أَلِيمًا (‪َ )13‬يوْمَ تَ ْر ُ‬
‫طعَامًا ذَا ُ‬
‫جحِيمًا (‪ )12‬وَ َ‬
‫‪ )11‬إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَالًا وَ َ‬
‫عوْنَ رَسُولًا‬
‫َوكَانَتِ ا ْلجِبَالُ كَثِيبًا َمهِيلًا (‪ )14‬إِنّا أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَ ْي ُكمْ َكمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ‬
‫خذًا وَبِيلًا (‪َ )16‬فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِنْ َكفَرْتُمْ َي ْومًا َي ْ‬
‫خذْنَاهُ أَ ْ‬
‫عوْنُ الرّسُولَ فَأَ َ‬
‫(‪َ )15‬ف َعصَى فِرْ َ‬
‫سمَاءُ مُ ْنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْ ُدهُ َمفْعُولًا (‪)18‬‬
‫شِيبًا (‪ )17‬ال ّ‬

‫جمِيل (‪ )10‬وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ َومَهّ ْلهُمْ‬


‫ن وَاهْجُ ْرهُمْ َهجْرًا َ‬
‫{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا َيقُولُو َ‬
‫جفُ ال ْرضُ‬
‫غصّ ٍة وَعَذَابًا أَلِيمًا (‪َ )13‬يوْمَ تَرْ ُ‬
‫طعَامًا ذَا ُ‬
‫قَلِيل (‪ )11‬إِنّ َلدَيْنَا أَ ْنكَال َوجَحِيمًا (‪ )12‬وَ َ‬
‫ل َوكَا َنتِ ا ْلجِبَالُ كَثِيبًا َمهِيل (‪ )14‬إِنّا أَرْسَلْنَا إِلَ ْي ُكمْ رَسُول شَا ِهدًا عَلَ ْيكُمْ َكمَا أَ ْرسَلْنَا إِلَى‬
‫وَالْجِبَا ُ‬
‫عوْنُ الرّسُولَ فََأخَذْنَاهُ َأخْذًا وَبِيل (‪َ )16‬فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِنْ َكفَرْتُمْ َي ْومًا‬
‫عوْنَ َرسُول (‪َ )15‬ف َعصَى فِرْ َ‬
‫فِرْ َ‬
‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُول (‪} )18‬‬
‫سمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَا َ‬
‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبًا (‪ )17‬ال ّ‬
‫يَ ْ‬
‫يقول تعالى آمرًا رسوله صلى ال عليه وسلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه ‪،‬‬
‫وأن يهجرهم هجرًا جميل وهو الذي ل عتاب معه‪ .‬ثم قال له متوعدًا لكفار قومه ومتهددًا ‪ -‬وهو‬
‫العظيم الذي ل يقوم لغضبه شيء ‪: -‬‬
‫{ وَذَرْنِي وَا ْل ُمكَذّبِينَ أُولِي ال ّن ْعمَةِ } أي ‪ :‬دعني والمكذبين المترفين أصحابَ الموال ‪ ،‬فإنهم على‬
‫الطاعة أقدر من غيرهم وهم يطالبون من الحقوق بما ليس عند غيرهم ‪َ { ،‬و َمهّ ْلهُمْ قَلِيل } أي ‪:‬‬
‫غلِيظٍ } [لقمان ‪ ]24 :‬؛ ولهذا قال هاهنا‬
‫عذَابٍ َ‬
‫رويدا ‪ ،‬كما قال ‪ُ { :‬نمَ ّت ُعهُمْ قَلِيل ثُمّ َنضْطَرّهُمْ إِلَى َ‬
‫‪ { :‬إِنّ لَدَيْنَا أَ ْنكَال } وهي ‪ :‬القيود‪ .‬قاله ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬ومحمد بن كعب ‪،‬‬
‫وعبد ال بن بريدة ‪ ،‬وأبو عمران الجوني ‪ ،‬وأبو مِجلَز ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وحماد بن أبي سلمان ‪،‬‬
‫جحِيمًا } وهي السعير المضطرمة‪.‬‬
‫وقتادة والسدي ‪ ،‬وابن المبارك والثوري ‪ ،‬وغير واحد ‪ { ،‬وَ َ‬
‫غصّةٍ } قال ابن عباس ‪ :‬ينشب في الحلق فل يدخل ول يخرج‪.‬‬
‫طعَامًا ذَا ُ‬
‫{ وَ َ‬
‫ض وَالْجِبَالُ } أي ‪ :‬تزلزل ‪َ { ،‬وكَا َنتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا َمهِيل } أي ‪:‬‬
‫جفُ ال ْر ُ‬
‫{ وَعَذَابًا أَلِيمًا َيوْمَ تَ ْر ُ‬
‫تصير ككثبان الرمل بعد ما كانت حجارة صماء ‪ ،‬ثم إنها تنسف نسفا فل يبقى منها شيء إل‬
‫ذهب ‪ ،‬حتى تصير الرض قاعًا صفصفا ‪ ،‬ل ترى فيها عوجًا ‪ ،‬أي ‪ :‬واديا ‪ ،‬ول أمتا ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫رابية ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬ل شيء ينخفض ول شيء يرتفع‪.‬‬
‫علَ ْيكُمْ } أي ‪:‬‬
‫ثم قال مخاطبًا لكفار قريش ‪ ،‬والمراد سائر الناس ‪ { :‬إِنّا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيكُمْ َرسُول شَاهِدًا َ‬
‫خذًا وَبِيل } قال ابن‬
‫عوْنُ الرّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَ ْ‬
‫عوْنَ رَسُول َف َعصَى فِرْ َ‬
‫بأعمالكم ‪َ { ،‬كمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْ َ‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬والثوري ‪َ { :‬أخْذًا وَبِيل } أي ‪ :‬شديدا ‪ ،‬أي فاحذروا أنتم‬
‫أن تكذبوا هذا الرسول ‪ ،‬فيصيبكم ما أصاب فرعون ‪ ،‬حيث أخذه ال أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬كما قال‬
‫خ َذهُ اللّهُ َنكَالَ الخِ َرةِ وَالولَى } [النازعات ‪ ]25 :‬وأنتم أولى بالهلك والدمار إن‬
‫تعالى ‪ { :‬فَأَ َ‬
‫كذبتم ؛ لن رسولكم أشرف وأعظم من موسى بن عمران‪ .‬ويُروَى عن ابن عباس ومجاهد‪.‬‬
‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبًا } يحتمل أن يكون { َي ْومًا } معمول‬
‫وقوله ‪َ { :‬فكَ ْيفَ تَ ّتقُونَ إِنْ َكفَرْتُمْ َي ْومًا يَ ْ‬
‫لتتقون ‪ ،‬كما حكاه ابن جرير عن قراءة ابن مسعود ‪" :‬فكيف تخافون أيها الناس يوما يجعل‬
‫الولدان شيبا إن كفرتم بال ولم تصدقوا به" ؟ ويحتمل أن يكون معمول لكفرتم ‪ ،‬فعلى الول ‪:‬‬
‫كيف‬

‫( ‪)8/256‬‬

‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيلًا (‪)19‬‬


‫إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّ َ‬
‫يحصلُ لكم أمان من يوم هذا الفزع العظيم إن كفرتم ؟ وعلى الثاني ‪ :‬كيف يحصل لكم تقوى إن‬
‫كفرتم يوم القيامة وجحدتموه ؟ وكلهما معنى حسن ‪ ،‬ولكن الول أولى ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫ج َعلُ ا ْلوِلْدَانَ شِيبًا } أي ‪ :‬من شدة أهواله وزلزله وبلبله ‪ ،‬وذلك حين‬
‫ومعنى قوله ‪َ { :‬ي ْومًا َي ْ‬
‫يقول ال لدم ‪ :‬ابعث بعث النار‪ .‬فيقول مِن كم ؟ فيقول ‪ :‬من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون‬
‫إلى النار ‪ ،‬وواحد إلى الجنة‪.‬‬
‫قال الطبراني ‪ :‬حدثنا يحيى بن أيوب العلف ‪ ،‬حدثنا سعيد بن أبي مريم ‪ ،‬حدثنا نافع بن يزيد ‪،‬‬
‫حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن رسول ال‬
‫ج َعلُ ا ْلوِ ْلدَانَ شِيبًا } قال ‪" :‬ذلك يوم القيامة ‪ ،‬وذلك يوم يقول‬
‫صلى ال عليه وسلم قرأ ‪َ { :‬ي ْومًا َي ْ‬
‫ال لدم ‪ :‬قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار‪ .‬قال ‪ :‬من كم يا رب ؟ قال ‪ :‬من كل ألف تسعمائة‬
‫وتسعة وتسعون ‪ ،‬وينجو واحد"‪ .‬فاشتد ذلك على المسلمين ‪ ،‬وعرف ذلك رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ثم قال حين أبصر ذلك في وجوههم ‪" :‬إن بني آدم كثير ‪ ،‬وإن يأجوج ومأجوج من ولد‬
‫آدم ‪ ،‬وإنه ل يموت منهم رجل حتى يرثه لصلبه ألف رجل‪ .‬ففيهم وفي أشباههم جنة لكم"‪)1( .‬‬
‫هذا حديث غريب ‪ ،‬وقد تقدم في أول سورة الحج ذكر هذه الحاديث‪.‬‬
‫سمَاءُ مُ ْنفَطِرٌ بِهِ } قال الحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬أي بسببه من شدته وهوله‪ .‬ومنهم من يعيد‬
‫وقوله ‪ { :‬ال ّ‬
‫الضمير على ال عز وجل‪ .‬وروي عن ابن عباس ومجاهد ‪ ،‬وليس بقوي ؛ لنه لم يجر له ذكر‬
‫هاهنا‪.‬‬
‫ن وَعْ ُدهُ َم ْفعُول } أي ‪ :‬كان وعد هذا اليوم مفعول أي واقعًا ل محالة ‪ ،‬وكائنا‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬كَا َ‬
‫ل محيد عنه‪.‬‬
‫{ إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل (‪} )19‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المعجم الكبير للطبراني (‪ ، )11/366‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/130‬وفيه عثمان بن‬
‫عطاء الخراساني وهو ضعيف"‪.‬‬

‫( ‪)8/257‬‬

‫ك وَاللّهُ ُيقَدّرُ اللّ ْيلَ‬


‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َع َ‬
‫إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬
‫علَ ْيكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى‬
‫حصُوهُ فَتَابَ َ‬
‫وَال ّنهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُ ْ‬
‫ضلِ اللّ ِه وَ َآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَءُوا مَا‬
‫وَآَخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي الْأَ ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ َف ْ‬
‫س ُكمْ مِنْ خَيْرٍ‬
‫تَيَسّرَ مِنْهُ وََأقِيمُوا الصّلَا َة وَآَتُوا ال ّزكَا َة وََأقْ ِرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا َومَا ُتقَ ّدمُوا لِأَ ْنفُ ِ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪)20‬‬
‫جدُوهُ عِ ْندَ اللّهِ ُهوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ َأجْرًا وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫تَ ِ‬
‫ل وَ ِنصْفَ ُه وَثُلُ َث ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َعكَ وَاللّهُ ُيقَدّرُ اللّ ْيلَ‬
‫{ إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْي ِ‬
‫علَ ْيكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى‬
‫حصُوهُ فَتَابَ َ‬
‫وَال ّنهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُ ْ‬
‫وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي ال ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ َفضْلِ اللّ ِه وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَاقْرَءُوا مَا‬
‫سكُمْ مِنْ خَيْرٍ‬
‫حسَنًا َومَا ُتقَ ّدمُوا ل ْنفُ ِ‬
‫تَيَسّرَ مِنْهُ وََأقِيمُوا الصّل َة وَآتُوا ال ّزكَا َة وََأقْ ِرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا َ‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ (‪} )20‬‬
‫جدُوهُ عِ ْندَ اللّهِ ُهوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ َأجْرًا وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫تَ ِ‬
‫يقول تعالى ‪ { :‬إِنّ هَ ِذهِ } أي ‪ :‬السورة { تَ ْذكِ َرةٌ } أي ‪ :‬يتذكر بها أولو اللباب ؛ ولهذا قال ‪:‬‬
‫{ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل } أي ‪ :‬ممن شاء ال هدايته ‪ ،‬كما قيده في السورة الخرى ‪:‬‬
‫حكِيمًا } [النسان ‪.]30 :‬‬
‫{ َومَا تَشَاءُونَ إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬

‫( ‪)8/257‬‬

‫صفَ ُه وَثُلُثَ ُه وَطَا ِئفَةٌ مِنَ الّذِينَ َم َعكَ } أي ‪:‬‬


‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ رَ ّبكَ َيعْلَمُ أَ ّنكَ َتقُومُ َأدْنَى مِنْ ثُلُ َثيِ اللّ ْيلِ وَ ِن ْ‬
‫تارة هكذا ‪ ،‬وتارة هكذا ‪ ،‬وذلك كله من غير قصد منكم ‪ ،‬ولكن ل تقدرون على المواظبة على ما‬
‫ل وَال ّنهَارَ } أي ‪ :‬تارة‬
‫أمركم به من قيام الليل ؛ لنه يشق عليكم ؛ ولهذا قال ‪ { :‬وَاللّهُ ُيقَدّرُ اللّ ْي َ‬
‫حصُوهُ } أي ‪ :‬الفرض الذي‬
‫يعتدلن ‪ ،‬وتارة يأخذ هذا من هذا ‪ ،‬أو هذا من هذا ‪ { ،‬عَلِمَ أَنْ لَنْ ُت ْ‬
‫أوجبه عليكم { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ ا ْلقُرْآنِ } أي ‪ :‬من غير تحديد بوقت ‪ ،‬أي ‪ :‬ولكن قوموا من‬
‫جهَرْ ِبصَل ِتكَ }‬
‫الليل ما تيسر‪ .‬وعبر عن الصلة بالقراءة ‪ ،‬كما قال في سورة سبحان ‪ { :‬وَل تَ ْ‬
‫أي ‪ :‬بقراءتك ‪ { ،‬وَل تُخَا ِفتْ ِبهَا }‬
‫وقد استدل أصحاب المام أبي حنيفة ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬بهذه الية ‪ ،‬وهي قوله ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَ َيسّرَ‬
‫مِنَ ا ْلقُرْآنِ } على أنه ل يتعين قراءة الفاتحة في الصلة ‪ ،‬بل لو قرأ بها أو بغيرها من القرآن ‪،‬‬
‫ولو بآية ‪ ،‬أجزأه ؛ واعتضدوا بحديث المسيء صلته الذي في الصحيحين ‪" :‬ثم اقرأ ما تيسر‬
‫معك من القرآن"‪.‬‬
‫وقد أجابهم الجمهور بحديث عبادة بن الصامت ‪ ،‬وهو في الصحيحين أيضا ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪" :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (‪ )1‬وفي صحيح مسلم ‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬كل صلة ل يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خِدَاج ‪،‬‬
‫خدَاج ‪ ،‬غير تمام"‪ )2( .‬وفي صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعًا ‪" :‬ل‬
‫فهي خِدَاج ‪ ،‬فهي ِ‬
‫تجزئ صلة من لم يقرأ بأم القرآن"‪)3( .‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَِلمَ أَنْ سَ َيكُونُ مِ ْنكُمْ مَ ْرضَى وَآخَرُونَ َيضْرِبُونَ فِي ال ْرضِ يَبْ َتغُونَ مِنْ َفضْلِ اللّهِ‬
‫وَآخَرُونَ ُيقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } أي ‪ :‬علم أن سيكون من هذه المة ذوو أعذار في ترك قيام الليل‬
‫‪ ،‬من مرضى ل يستطيعون ذلك ‪ ،‬ومسافرين (‪ )4‬في الرض يبتغون من فضل ال في المكاسب‬
‫والمتاجر ‪ ،‬وآخرين مشغولين (‪ )5‬بما هو الهم في حقهم من الغزو في سبيل ال وهذه الية ‪-‬‬
‫بل السورة كلها ‪ -‬مكية ‪ ،‬ولم يكن القتال شُرع بعد ‪ ،‬فهي من أكبر دلئل النبوة ‪ ،‬لنه من باب‬
‫الخبار بالمغيبات المستقبلة‪ .‬ولهذا قال ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ } (‪ )6‬أي ‪ :‬قوموا بما تيسر‬
‫عليكم منه‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬حدثنا يعقوب ‪ ،‬حدثنا ابن عُلَيّة ‪ ،‬عن أبي رجاء محمد ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت للحسن ‪ :‬يا‬
‫أبا سعيد ‪ ،‬ما تقول في رجل قد استظهر القرآن كله عن ظهر قلبه ‪ ،‬ول يقوم به ‪ ،‬إنما يصلي‬
‫المكتوبة ؟ قال ‪ :‬يتوسّدُ القرآن ‪ ،‬لعن ال ذاك ‪ ،‬قال ال تعالى للعبد الصالح ‪ { :‬وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ ِلمَا‬
‫عَّلمْنَاهُ } [يوسف ‪]68 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )756‬وصحيح مسلم برقم (‪.)349‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم برقم (‪.)395‬‬
‫(‪ )3‬صحيح ابن خزيمة برقم (‪.)490‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬ومسافرون"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬وآخرون مشغلون"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬من القرآن"‪.‬‬

‫( ‪)8/258‬‬

‫{ وَعُّلمْتُمْ مَا لَمْ َتعَْلمُوا أَنْتُ ْم وَل آبَا ُؤكُمْ } قلت ‪ :‬يا أبا سعيد ‪ ،‬قال ال ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنَ‬
‫ا ْلقُرْآنِ } ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ولو خمس آيات‪.‬‬
‫حمَلة القرآن أن يقوموا‬
‫وهذا ظاهر من مذهب الحسن البصري ‪ :‬أنه كان يرى حقًا واجبًا على َ‬
‫ولو بشيء منه في الليل ؛ ولهذا جاء في الحديث ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن‬
‫رجل نام حتى أصبح ‪ ،‬فقال ‪" :‬ذاك رجل بال الشيطان في أذنه"‪ )1( .‬فقيل معناه ‪ :‬نام عن‬
‫المكتوبة‪ .‬وقيل ‪ :‬عن قيام الليل‪ .‬وفي السنن ‪" :‬أوتِرُوا يا أهل القرآن‪ )2( ".‬وفي الحديث الخر ‪:‬‬
‫"من لم يوتر فليس منا"‪)3( .‬‬
‫وأغرب من هذا ما حكي عن أبي بكر عبد العزيز ‪ ،‬من الحنابلة ‪ ،‬من إيجابه قيام شهر رمضان ‪،‬‬
‫فال أعلم‪.‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا أحمد بن سعيد بن فرقد الجُدّي ‪ ،‬حدثنا أبو [حمة] (‪ )4‬محمد بن يوسف‬
‫الزبيدي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪[ ،‬عن محمد بن عبد ال] (‪ )5‬بن طاوس ‪ -‬من ولد طاوس ‪ -‬عن‬
‫أبيه ‪ ،‬عن طاوس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬فَاقْرَءُوا مَا تَيَسّرَ مِنْهُ }‬
‫قال ‪" :‬مائة آية"‪)6( .‬‬
‫وهذا حديث غريب جدًا لم أره إل في معجم الطبراني ‪ ،‬رحمه ال‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وََأقِيمُوا الصّلةَ وَآتُوا ال ّزكَاةَ } أي ‪ :‬أقيموا صلتكم الواجبة عليكم ‪ ،‬وآتوا الزكاة‬
‫المفروضة‪ .‬وهذا يدل لمن قال ‪ :‬إن فرض الزكاة نزل بمكة ‪ ،‬لكن مقادير النّصب والمَخْرَج لم‬
‫تُبَين إل بالمدينة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقد قال ابن عباس ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬إن هذه‬
‫الية نَسَخت الذي كان ال قد أوجبه على المسلمين أول من قيام الليل‪ .‬واختلفوا في المدة التي‬
‫بينهما على أقوال كما تقدم‪ .‬وقد ثبت في الصحيحين أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لذلك‬
‫الرجل ‪" :‬خمس صلوات في اليوم والليلة"‪ .‬قال ‪ :‬هل عليّ غيرها ؟ قال ‪" :‬ل إل أن تَطوّع"‪)7( .‬‬
‫حسَنًا } يعني ‪ :‬من الصدقات ‪ ،‬فإن ال يجازي على ذلك‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وََأقْ َرضُوا اللّهَ قَ ْرضًا َ‬
‫ضعَافًا‬
‫عفَهُ لَهُ َأ ْ‬
‫أحسن الجزاء وأوفره ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬مَنْ ذَا الّذِي ُيقْ ِرضُ اللّهَ قَ ْرضًا حَسَنًا فَ ُيضَا ِ‬
‫كَثِي َرةً } [البقرة ‪.]245 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ ، )1144‬ومسلم في صحيحه برقم (‪ )774‬من حديث عبد‬
‫ال بن مسعود رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬جاء من حديث علي وعبد ال بن مسعود ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أما حديث علي ‪ ،‬فقد رواه أبو‬
‫داود في السنن برقم (‪ ، )1416‬والترمذي في السنن برقم (‪ ، )453‬والنسائي في السنن (‬
‫‪ ، )3/228‬وابن ماجة في السنن برقم (‪ ، )1169‬وقال الترمذي ‪" :‬حديث علي حديث حسن" ‪،‬‬
‫وأما حديث ابن مسعود ‪ ،‬فرواه أبو داود في السنن برقم (‪ ، )1417‬وابن ماجة برقم (‪.)1170‬‬
‫(‪ )3‬جاء من حديث بريدة وأبي هريرة ‪ ،‬رضي ال عنهما ‪ ،‬أما حديث بريدة ‪ ،‬فرواه أحمد في‬
‫المسند (‪ ، )5/357‬وأبو داود في السنن برقم (‪ ، )1419‬وأما حديث أبي هريرة ‪ ،‬فرواه أحمد في‬
‫المسند (‪.)3/443‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من المعجم الكبير للطبراني (‪.)11/29‬‬
‫(‪ )5‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )6‬المعجم الكبير (‪.)11/29‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )46‬وصحيح مسلم برقم (‪ )11‬من حديث طلحة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)8/259‬‬

‫ظمَ أَجْرًا } أي ‪ :‬جميع ما‬


‫سكُمْ مِنْ خَيْرٍ َتجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ ُهوَ خَيْرًا وَأَعْ َ‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ُتقَ ّدمُوا لنْفُ ِ‬
‫تقدموه بين أيديكم فهو [خير ] (‪ )1‬لكم حاصل ‪ ،‬وهو خير مما أبقيتموه لنفسكم في الدنيا‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ‪ :‬حدثنا أبو خَيْثَمة ‪ ،‬حدثنا جرير ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم ‪،‬‬
‫سوَيد (‪ )2‬قال ‪ :‬قال عبد ال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أيكم ماله‬
‫عن الحارث بن ُ‬
‫أحب إليه من مال وارثه ؟"‪ .‬قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما منا من أحد إل ماله أحب إليه من مال‬
‫وارثه‪ .‬قال ‪" :‬اعلموا ما تقولون"‪ .‬قالوا ‪ :‬ما نعلم إل ذلك يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬إنما مال أحدكم ما‬
‫قَدّم ومال وارثه ما أخر"‪.‬‬
‫ورواه البخاري من حديث حفص بن غياث ‪ ،‬والنسائي من حديث (‪ )3‬أبي معاوية ‪ ،‬كلهما عن‬
‫العمش ‪ ،‬به‪)4( .‬‬
‫غفُورٌ رَحِيمٌ } أي ‪ :‬أكثروا من ذكره واستغفاره في‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬وَاسْ َت ْغفِرُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ َ‬
‫أموركم كلها ؛ فإنه غفور رحيم لمن استغفره‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة "المزمل" ول الحمد‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬الحارث بن يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬من طريق"‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أبي يعلى (‪ ، )9/97‬وصحيح البخاري برقم (‪ ، )6442‬وسنن النسائي الكبرى برقم (‬
‫‪.)6439‬‬

‫( ‪)8/260‬‬

‫طهّرْ (‪ )4‬وَالرّجْزَ فَا ْهجُرْ (‪ )5‬وَلَا َتمْنُنْ‬


‫يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ (‪ )1‬قُمْ فَأَ ْنذِرْ (‪ )2‬وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ (‪ )3‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫تَسْ َتكْثِرُ (‪ )6‬وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ (‪ )7‬فَِإذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ (‪ )8‬فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ (‪ )9‬عَلَى ا ْلكَافِرِينَ‬
‫غَيْرُ يَسِيرٍ (‪)10‬‬

‫تفسير سورة المدثر‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫طهّرْ (‪ )4‬وَالرّجْزَ فَا ْهجُرْ (‪ )5‬وَل‬
‫{ يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ (‪ )1‬قُمْ فَأَ ْنذِرْ (‪ )2‬وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ (‪ )3‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫َتمْنُنْ تَسْ َتكْثِرُ (‪ )6‬وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ (‪ )7‬فَِإذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ (‪ )8‬فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ (‪ )9‬عَلَى‬
‫ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (‪} )10‬‬
‫ثبت في صحيح البخاري [من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة] (‪ )1‬عن جابر أنه كان‬
‫يقول ‪ :‬أول شيء نزل من القرآن ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ }‬
‫سمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ }‬
‫وخالفه (‪ )2‬الجمهور فذهبوا إلى أن أول القرآن نزول قوله تعالى ‪ { :‬اقْرَأْ بِا ْ‬
‫كما سيأتي [بيان] (‪ )3‬ذلك هناك‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا يحيى ‪ ،‬حدثنا َوكِيع ‪ ،‬عن علي بن المبارك ‪ ،‬عن يحيى بن أبي كثير قال ‪:‬‬
‫سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن ‪ ،‬قال ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ } قلت ‪:‬‬
‫يقولون ‪ { :‬اقْ َرأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ الّذِي خَلَقَ } ؟ فقال أبو سلمة ‪ :‬سألت جابر بن عبد ال عن ذلك ‪،‬‬
‫وقلتُ له مثل ما قلتَ لي ‪ ،‬فقال جابر ‪ :‬ل أحدثك إل ما حدثنا رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬جاورت بحرَاء ‪ ،‬فلما قضيت جواري هبطتُ فنُوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا ‪ ،‬ونظرت‬
‫عن شمالي فلم أر شيئًا ‪ ،‬ونظرت أمامي فلم أر شيئًا ‪ ،‬ونظرت خلفي فلم أر شيئًا‪ .‬فرفعت رأسي‬
‫فرأيت شيئًا ‪ ،‬فأتيت خديجة فقلت ‪ :‬دثروني‪ .‬وصبوا علي ماء باردا‪ .‬قال ‪ :‬فدثروني وصبوا علي‬
‫ماء باردا قال ‪ :‬فنزلت { يَا أَ ّيهَا ا ْل ُمدّثّرُ قُمْ فَأَ ْنذِ ْر وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ } (‪)4‬‬
‫عقَيل ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن أبي سلمة‬
‫هكذا ساقه من هذا الوجه‪ .‬وقد رواه مسلم (‪ )5‬من طريق ُ‬
‫قال ‪ :‬أخبرني جابر بن عبد ال ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي‬
‫‪" :‬فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء ‪ ،‬فرفعت بصري ق َبلَ السماء ‪ ،‬فإذا الملك الذي‬
‫جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والرض ‪ ،‬فَجَثَ ْثتُ (‪ )6‬منه حتى َهوَيتُ إلى الرض ‪،‬‬
‫فجئت إلى أهلي ‪ ،‬فقلت ‪ :‬زملوني زملوني‪ .‬فزملوني ‪ ،‬فأنزل ال { يَا أَ ّيهَا ا ْل ُمدّثّرُ قُمْ فَأَ ْنذِرْ } إلى ‪:‬‬
‫{ فَا ْهجُرْ } ‪-‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬وخالف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪.)4922‬‬
‫(‪ )5‬صحيح مسلم برقم (‪.)161‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬فجثيت"‪.‬‬

‫( ‪)8/261‬‬

‫ي وتَتَابع"‪.‬‬
‫قال أبو سلمة ‪ :‬والرجز ‪ :‬الوثان ‪ -‬ثم حَميَ الوح ُ‬
‫هذا لفظ البخاري (‪ )1‬وهذا السياق هو المحفوظ ‪ ،‬وهو يقتضي أنه قد نزل الوحي قبل هذا ‪ ،‬لقوله‬
‫‪" :‬فإذا الملك الذي جاءني (‪ )2‬بحراء" ‪ ،‬وهو جبريل حين أتاه بقوله ‪ { :‬اقْرَأْ بِاسْمِ رَ ّبكَ الّذِي خََلقَ‬
‫علّمَ بِا ْلقَلَمِ عَلّمَ النْسَانَ مَا َلمْ َيعْلَمْ } ثم إنه حصل‬
‫ك الكْرَمُ الّذِي َ‬
‫خََلقَ النْسَانَ مِنْ عََلقٍ اقْرَ ْأ وَرَ ّب َ‬
‫بعد هذا فترة ‪ ،‬ثم نزل الملك بعد هذا‪ .‬ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه‬
‫السورة ‪ ،‬كما قال المام أحمد ‪:‬‬
‫عقَيل ‪ ،‬عن ابن شهاب (‪ )3‬قال ‪ :‬سمعت أبا سلمة بن عبد‬
‫حدثنا حجاج ‪ ،‬حدثنا لَيْث ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫الرحمن يقول ‪ :‬أخبرني جابر بن عبد ال ‪ :‬أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬ثم‬
‫ت صوتًا من السماء ‪ ،‬فرفعت بصري قِبَل السماء ‪،‬‬
‫فتر الوحي عني فترة ‪ ،‬فبينا أنا أمشي سمع ُ‬
‫فإذا الملك الذي جاءني [بحراء الن] (‪ )4‬قاعد على كرسي بين السماء والرض ‪ ،‬فَجُثت (‪ )5‬منه‬
‫فَ َرقًا ‪ ،‬حتى َهوَيت إلى الرض ‪ ،‬فجئت أهلي فقلت لهم ‪ :‬زملوني زملوني‪ .‬فزملوني ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫طهّ ْر وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ } ثم حمي الوحي [بعدُ] (‪)6‬‬
‫‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ ُقمْ فَأَنْذِ ْر وَرَ ّبكَ َفكَبّ ْر وَثِيَا َبكَ َف َ‬
‫وتتابع"‪ .‬أخرجاه من حديث الزهري ‪ ،‬به (‪.)7‬‬
‫وقال الطبراني ‪ :‬حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار ‪ ،‬حدثنا الحسن بن بشر (‪ )8‬البَجَلي ‪،‬‬
‫حدثنا المعافى بن عمران ‪ ،‬عن إبراهيم بن يزيد ‪ ،‬سمعت ابن أبي مُلَيْكة يقول ‪ :‬سمعت ابن عباس‬
‫يقول ‪ :‬إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعاما ‪ ،‬فلما أكلوا‪ .‬قال ‪ :‬ما تقولون في هذا الرجل ؟‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ساحر‪ .‬وقال بعضهم ليس بساحر‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬كاهن‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬ليس‬
‫بكاهن‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬شاعر‪ .‬وقال بعضهم ليس بشاعر‪ .‬وقال بعضهم ‪[ :‬بل] (‪ )9‬سحر يُؤثر‪.‬‬
‫ن وقَنعَ رأسه ‪،‬‬
‫فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر‪ .‬فبلغ ذلك النبي صلى ال عليه وسلم فحز َ‬
‫طهّ ْر وَالرّجْزَ فَاهْجُ ْر وَل َتمْنُنْ‬
‫وتَدَثّر ‪ ،‬فأنزل ال { يَا أَ ّيهَا ا ْلمُدّثّرُ ُقمْ فَأَنْذِ ْر وَرَ ّبكَ َفكَبّ ْر وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫تَسْ َتكْثِ ُر وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ } (‪.)10‬‬
‫فقوله { قُمْ فَأَ ْنذِرْ } أي ‪ :‬شمر عن ساق العزم ‪ ،‬وأنذر الناس‪ .‬وبهذا حصل الرسال ‪ ،‬كما حصل‬
‫بالول النبوة‪.‬‬
‫{ وَرَ ّبكَ َفكَبّرْ } أي ‪ :‬عظم‪.‬‬
‫طهّرْ } قال الجلح الكندي ‪ ،‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أنه أتاه رجل فسأله‬
‫وقوله ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫طهّرْ }‬
‫عن هذه الية ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ َف َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)4926‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬الذي كان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬ابن هشام"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من م ‪ ،‬أ ‪ ،‬والمسند‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬فجثيت"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من المسند‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪ ، )3/325‬وصحيح البخاري برقم (‪ ، )4926‬وصحيح مسلم برقم (‪.)161‬‬
‫(‪ )8‬في أ ‪ :‬الحسن بن بشير"‪.‬‬
‫(‪ )9‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )10‬المعجم الكبير للطبراني (‪ ، )11/125‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )7/131‬وفيه إبراهيم‬
‫بن يزيد الخوري وهو ضعيف"‪.‬‬
‫( ‪)8/262‬‬

‫غدْرَة‪ .‬ثم قال ‪ :‬أما سمعت قول غيلن بن سلمة الثقفي‬


‫قال ‪ :‬ل تلبسها (‪ )1‬على معصية ول على َ‬
‫‪:‬‬
‫ت ول من غَدْرَة أ َتقَنّعُ (‪)2‬‬
‫فَإني بحمد ال ل ثوبَ فَاجر‪ ...‬لبس ُ‬
‫طهّرْ } قال ‪ :‬في‬
‫وقال ابن جريج ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس [في هذه الية] (‪ { )3‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫كلم العرب ‪َ :‬نقِي الثياب‪ .‬وفي رواية بهذا السناد ‪ :‬فطهر من الذنوب‪ .‬وكذا قال إبراهيم ‪،‬‬
‫الشعبي ‪ ،‬وعطاء‪.‬‬
‫طهّرْ } قال ‪:‬‬
‫وقال الثوري ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس في هذه الية ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫من الثم‪ .‬وكذا قال إبراهيم النخعي‪.‬‬
‫طهّرْ } قال ‪ :‬نفسك ‪ ،‬ليس ثيابه‪ .‬وفي رواية عنه ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ‬
‫وقال (‪ )4‬مجاهد ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ َف َ‬
‫طهّرْ } أي ‪:‬‬
‫طهّرْ } عملك فأصلح ‪ ،‬وكذا قال أبو رَزِين‪ .‬وقال في رواية أخرى ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫فَ َ‬
‫لست بكاهن ول ساحر ‪ ،‬فأعرض عما قالوا‪.‬‬
‫طهّرْ } أي ‪ :‬طهرها من المعاصي ‪ ،‬وكانت العرب تسمي الرجل إذا نكث‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫ولم يف بعهد ال إنه َلمُدنَس (‪ )5‬الثياب‪ .‬وإذا وفى وأصلح ‪ :‬إنه لمطهر الثياب‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬ل تلبسها على معصية‪.‬‬
‫وقال الشاعر (‪)6‬‬
‫إذا المرءُ لم يَدْنَس منَ اللؤم عِ ْرضُه‪َ ...‬ف ُكلّ ردَاء يَرْتَديه جَميلُ‪...‬‬
‫طهّرْ } [يعني] (‪ )7‬ل تك ثيابك التي تلبس من مكسب‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫غير طائب ‪ ،‬ويقال ‪ :‬ل تلبس ثيابك على معصية‪.‬‬
‫طهّرْ } أي ‪ :‬اغسلها بالماء‪.‬‬
‫وقال محمد بن سيرين ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬كان المشركون ل يتطهرون ‪ ،‬فأمره ال أن يتطهر ‪ ،‬وأن يطهر ثيابه‪.‬‬
‫وهذا القول اختاره ابن جرير ‪ ،‬وقد تشمل الية جميع ذلك مع طهارة القلب ‪ ،‬فإن العرب تطلق‬
‫الثياب عليه ‪ ،‬كما قال امرؤ القيس ‪:‬‬
‫جمِلي‪...‬‬
‫أفاطمَ مَهل بعض هَذا ال َتدَلّل‪ ...‬وَإن كُنت قَد أ ْز َمعْت َهجْري فأ ْ‬
‫سلِ (‪)8‬‬
‫وَإن َتكُ قَد سَ ـاءتك مني خَليقَةٌ‪ ...‬فَسُلّي ثِيَابي مِن ثيابك تَ ْن ُ‬
‫طهّرْ } وقلبك ونيتك فطهر‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ { :‬وَثِيَا َبكَ فَ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ل تسلبها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪29‬ظ ‪.)91‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬وعن"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬لدنس"‪.‬‬
‫(‪ )6‬هو دكين بن رجاء ‪ ،‬وانظر ‪ :‬الشعر والشعراء لبن قتيبة (‪ )2/612‬مستفادًا من حاشية‬
‫الشعب‪.‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )8‬ديوان امرئ القيس (ص ‪ )37‬مستفادًا من حاشية الشعب‪.‬‬

‫( ‪)8/263‬‬

‫وقال محمد بن كعب القرظي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ :‬وخُلقَك فَحسّن‪.‬‬


‫وقوله ‪ { :‬وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ } قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَالرّجْزَ } وهو‬
‫الصنام ‪ ،‬فاهجر‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والزهري ‪ ،‬وابن زيد ‪ :‬إنها الوثان‪.‬‬
‫وقال إبراهيم ‪ ،‬والضحاك ‪ { :‬وَالرّجْزَ فَاهْجُرْ } أي ‪ :‬اترك المعصية‪.‬‬
‫طعِ ا ْلكَافِرِينَ‬
‫وعلى كل تقدير فل يلزم تلبسه بشيء من ذلك ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا النّ ِبيّ اتّقِ اللّ َه وَل تُ ِ‬
‫ح وَل تَتّبِعْ سَبِيلَ‬
‫وَا ْلمُنَافِقِينَ } [ الحزاب ‪َ {]1 :‬وقَالَ مُوسَى لخِيهِ هَارُونَ اخُْلفْنِي فِي َق ْومِي وََأصْلِ ْ‬
‫ا ْل ُمفْسِدِينَ } [العراف ‪.]142 :‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَل َتمْنُنْ تَسْ َتكْثِرُ } قال ابن عباس ‪ :‬ل تعط العطية تلتمس أكثر منها‪ .‬وكذا قال عكرمة‬
‫‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وعطاء ‪ ،‬وطاوس ‪ ،‬وأبو الحوص ‪ ،‬وإبراهيم النخعي ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وقتادة ‪،‬‬
‫والسدي ‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود أنه قرأ ‪" :‬ول تمنن أن تستكثر"‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري ‪ :‬ل تمنن بعملك على ربك تستكثره‪ .‬وكذا قال الربيع بن أنس ‪ ،‬واختاره‬
‫ابن جرير‪ .‬وقال خصيف ‪ ،‬عن مجاهد في قوله ‪ { :‬وَل َتمْنُنْ َتسْ َتكْثِرُ } قال ‪ :‬ل تضعف أن‬
‫تستكثر من الخير ‪ ،‬قال تمنن في كلم العرب ‪ :‬تضعف‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬ل تمنن بالنبوة على الناس ‪ ،‬تستكثرهم بها ‪ ،‬تأخذ عليه عوضا من الدنيا‪.‬‬
‫فهذه أربعة أقوال ‪ ،‬والظهر القول الول ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَلِرَ ّبكَ فَاصْبِرْ } أي ‪ :‬اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربك عز وجل ‪ ،‬قاله مجاهد‪.‬‬
‫وقال إبراهيم النخعي ‪ :‬اصبر عطيتك ل تعالى (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬فَِإذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ َيسِيرٍ } قال ابن عباس ‪،‬‬
‫ومجاهد والشعبي ‪ ،‬وزيد بن أسلم ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ ،‬والسدي ‪،‬‬
‫وابن زيد ‪ { :‬النّاقُورِ } الصور‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬وهو كهيئة القرن‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أسباط بن محمد ‪ ،‬عن مُطَرّف ‪ ،‬عن عطية‬
‫العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ } فقال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ‪ ،‬ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟" فقال أصحاب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فما تأمرنا يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬قولوا ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل‬
‫‪ ،‬على ال توكلنا"‪.‬‬
‫وهكذا رواه المام أحمد عن أسباط ‪ ،‬به (‪ )2‬ورواه ابن جرير عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن ابن فضيل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬ل عز وجل"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪ ، )1/326‬وقال الحافظ عند تفسير الية ‪ 173 :‬من سورة آل عمران ‪" :‬حديث‬
‫جيد"‪.‬‬

‫( ‪)8/264‬‬

‫شهُودًا (‪َ )13‬و َمهّ ْدتُ َلهُ َت ْمهِيدًا‬


‫جعَ ْلتُ َلهُ مَالًا َممْدُودًا (‪ )12‬وَبَنِينَ ُ‬
‫ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ َوحِيدًا (‪ )11‬وَ َ‬
‫صعُودًا (‪)17‬‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ (‪ )15‬كَلّا إِنّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا (‪ )16‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫(‪ )14‬ثُمّ َي ْ‬

‫وأسباط ‪ ،‬كلهما عن مطرف ‪ ،‬به‪ .‬ورواه من طريق أخرى ‪ ،‬عن العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬به‬
‫(‪.)1‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬فذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ عَسِيرٌ } أي ‪ :‬شديد‪.‬‬
‫{ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ َيسِيرٍ } أي ‪ :‬غير سهل عليهم‪ .‬كما قال تعالى { َيقُولُ ا ْلكَافِرُونَ هَذَا َيوْمٌ‬
‫عَسِرٌ } [القمر ‪.]8 :‬‬
‫وقد روينا عن زُرَارة بن أوفى ‪ -‬قاضي البصرة ‪ : -‬أنه صلى بهم الصبح ‪ ،‬فقرأ هذه السورة ‪،‬‬
‫عسِيرٌ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }‬
‫فلما وصل إلى قوله ‪ { :‬فَإِذَا ُنقِرَ فِي النّاقُورِ فَذَِلكَ َي ْومَئِذٍ َيوْمٌ َ‬
‫شهِقَ شهقة ‪ ،‬ثم خر ميتا ‪ ،‬رحمه ال (‪.)2‬‬
‫َ‬
‫شهُودًا (‪َ )13‬و َمهّ ْدتُ َلهُ‬
‫جعَ ْلتُ لَهُ مَال َممْدُودًا (‪ )12‬وَبَنِينَ ُ‬
‫ت وَحِيدًا (‪ )11‬وَ َ‬
‫{ ذَرْنِي َومَنْ خََلقْ ُ‬
‫صعُودًا (‪} )17‬‬
‫ن ليَاتِنَا عَنِيدًا (‪ )16‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ (‪ )15‬كَل إِنّهُ كَا َ‬
‫َت ْمهِيدًا (‪ )14‬ثُمّ َي ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪)29/95‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو نعيم في الحلية (‪.)259 ، 2/258‬‬

‫( ‪)8/265‬‬
‫س وَبَسَرَ (‬
‫إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ (‪َ )18‬فقُ ِتلَ كَيْفَ قَدّرَ (‪ )19‬ثُمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ قَدّرَ (‪ُ )20‬ثمّ نَظَرَ (‪ُ )21‬ثمّ عَبَ َ‬
‫سحْرٌ ُيؤْثَرُ (‪ )24‬إِنْ َهذَا إِلّا َق ْولُ الْبَشَرِ (‪ )25‬سَُأصْلِيهِ‬
‫‪ )22‬ثُمّ َأدْبَ َر وَاسْ َتكْبَرَ (‪َ )23‬فقَالَ إِنْ هَذَا إِلّا ِ‬
‫سعَةَ عَشَرَ (‬
‫سقَرُ (‪ )27‬لَا تُ ْبقِي وَلَا َتذَرُ (‪َ )28‬لوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (‪ )29‬عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫سقَرَ (‪َ )26‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬
‫َ‬
‫‪)30‬‬

‫س وَبَسَرَ (‬
‫{ إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ (‪َ )18‬فقُتِلَ كَ ْيفَ قَدّرَ (‪ُ )19‬ثمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ َقدّرَ (‪ )20‬ثُمّ َنظَرَ (‪ )21‬ثُمّ عَ َب َ‬
‫‪ )22‬ثُمّ َأدْبَ َر وَاسْ َتكْبَرَ (‪َ )23‬فقَالَ إِنْ هَذَا إِل سِحْرٌ ُيؤْثَرُ (‪ )24‬إِنْ هَذَا إِل َق ْولُ الْبَشَرِ (‪)25‬‬
‫سقَرُ (‪ )27‬ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ (‪َ )28‬لوّاحَةٌ لِلْ َبشَرِ (‪ )29‬عَلَ ْيهَا‬
‫سقَرَ (‪َ )26‬ومَا أَدْرَاكَ مَا َ‬
‫سَُأصْلِيهِ َ‬
‫عشَرَ (‪} )30‬‬
‫سعَةَ َ‬
‫تِ ْ‬
‫يقول تعالى متوعدا لهذا الخبيث الذي أنعم ال عليه بنعم الدنيا ‪ ،‬فكفر بأنعم ال ‪ ،‬وبدلها كفرا ‪،‬‬
‫وقابلها بالجحود بآيات ال والفتراء عليها ‪ ،‬وجعلها من قول البشر‪ .‬وقد عدد ال عليه نعَمه حيث‬
‫ت وَحِيدًا } أي ‪ :‬خرج من بطن أمه وحده ل مال له ول ولد ‪ ،‬ثم رزقه‬
‫خَلقْ ُ‬
‫قال ‪ { :‬ذَرْنِي َومَنْ َ‬
‫ال ‪،‬‬
‫{ مَال َممْدُودًا } أي ‪ :‬واسعًا كثيرًا قيل ‪ :‬ألف دينار‪ .‬وقيل ‪ :‬مائة ألف دينار‪ .‬وقيل ‪ :‬أرضا‬
‫يستغلها‪ .‬وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫شهُودًا } قال مجاهد ‪ :‬ل يغيبون ‪ ،‬أي ‪ :‬حضورا عنده ل يسافرون في‬
‫وجعل له { وَبَنِينَ ُ‬
‫التجارات ‪ ،‬بل مَواليهم وأجراؤهم يتولون ذلك عنهم وهم قعود عند أبيهم ‪ ،‬يتمتع بهم وي َتمَلّى بهم‪.‬‬
‫وكانوا ‪ -‬فيما ذكره السدي ‪ ،‬وأبو مالك ‪ ،‬وعاصم بن عمر بن قتادة ‪ -‬ثلثة عشر‪ .‬وقال ابن‬
‫عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ :‬كانوا عشرة‪ .‬وهذا أبلغ في النعمة [وهو إقامتهم عنده ]‪)1( .‬‬
‫{ َو َمهّ ْدتُ لَهُ َت ْمهِيدًا } أي ‪ :‬مكنته من صنوف المال والثاث وغير ذلك ‪،‬‬
‫ن ليَاتِنَا عَنِيدًا } أي ‪ :‬معاندا ‪ ،‬وهو الكفر على نعمه بعد العلم‪.‬‬
‫طمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَل إِنّهُ كَا َ‬
‫{ ُثمّ يَ ْ‬
‫صعُودًا } قال المام أحمد ‪:‬‬
‫قال ال ‪ { :‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫حدثنا حسن ‪ ،‬حدثنا ابن َلهِيعة ‪ ،‬عن دَرّاج ‪ ،‬عن أبي الهيثم ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪ ،‬عن رسول ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/265‬‬

‫صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ويل ‪ :‬واد في جهنم ‪ ،‬يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ‬
‫صعُود ‪ :‬جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفا ‪ ،‬ثم يهوي به كذلك فيه أبدا"‪.‬‬
‫قعره ‪ ،‬وال ّ‬
‫حمَيد ‪ ،‬عن الحسن بن موسى الشيب ‪ ،‬به (‪ )1‬ثم قال ‪ :‬غريب ‪،‬‬
‫وقد رواه الترمذي عن عبد بن ُ‬
‫ل نعرفه إل من حديث ابن َلهِيعة عن دراج‪ .‬كذا قال‪ .‬وقد رواه ابن جرير ‪ ،‬عن يونس ‪ ،‬عن عبد‬
‫ال بن وهب ‪ ،‬عن عمرو بن الحارث ‪ ،‬عن دَرّاج (‪ )2‬وفيه غرابة ونكارة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زُرْعَة وعلي بن عبد الرحمن ‪ -‬المعروف بعلن المصري (‪- )3‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا مِنْجاب ‪ ،‬أخبرنا شريك ‪ ،‬عن عمار الدّهَ ِنيّ ‪ ،‬عن عطية العوفي ‪ ،‬عن أبي سعيد ‪،‬‬
‫صعُودًا } قال ‪" :‬هو جبل في النار من نار يكلف أن‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬سَأُرْ ِهقُ ُه َ‬
‫يصعده ‪ ،‬فإذا وضع يده ذابت ‪ ،‬وإذا رفعها عادت ‪ ،‬فإذا وضع رجله ذابت ‪ ،‬وإذا رفعها عادت"‪.‬‬
‫ورواه البزار وابن جرير ‪ ،‬من حديث شريك ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن (‪ )5‬ابن عباس ‪ :‬صعود ‪ :‬صخرة [في جهنم] (‪ )6‬عظيمة يسحب عليها الكافر‬
‫على وجهه‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬صعودا ‪ :‬صخرة ملساء في جهنم ‪ ،‬يكلف أن يصعدها‪.‬‬
‫صعُودًا } أي ‪ :‬مشقة من العذاب‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬عذابا ل راحة فيه‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬سَأُ ْر ِهقُهُ َ‬
‫واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّهُ َفكّ َر َوقَدّرَ } أي ‪ :‬إنما أرهقناه صعودا ‪ ،‬أي ‪ :‬قربناه من العذاب الشاق ؛ لبعده عن‬
‫اليمان ‪ ،‬لنه فكر وقدر ‪ ،‬أي ‪ :‬تَ َروّى ماذا يقول في القرآن حين سُئل عن القرآن ‪ ،‬ففكر ماذا‬
‫يختلق من المقال ‪َ { ،‬وقَدّرَ } أي ‪ :‬تروى ‪َ { ،‬فقُ ِتلَ كَ ْيفَ قَدّرَ ثُمّ قُ ِتلَ كَ ْيفَ َقدّرَ } دعاء عليه ‪،‬‬
‫{ ُثمّ نَظَرَ } أي ‪ :‬أعاد النظرة (‪ )7‬والتروي‪ُ { .‬ثمّ عَبَسَ } أي ‪ :‬قبض بين عينيه وقطب ‪ { ،‬وَبَسَرَ‬
‫حمَير الشاعر ‪:‬‬
‫} أي ‪ :‬كلح وكره ‪ ،‬ومنه قول توبة بن ال ُ‬
‫َوقَد رَابَني منها صُدُودٌ رَأيتُه‪ ...‬وَإعرَاضُها عَن حاجَتي وبُسُورُها‪...‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬ثمّ أَدْبَ َر وَاسْ َتكْبَرَ } أي ‪ :‬صُرف عن الحق ‪ ،‬ورجع القهقرى مستكبرا عن النقياد‬
‫للقرآن ‪،‬‬
‫{ َفقَالَ إِنْ هَذَا إِل سِحْرٌ ُيؤْثَرُ َفقَالَ إِنْ َهذَا إِل سِحْرٌ ُيؤْثَرُ } أي ‪ :‬هذا سحر ينقله محمد عن غيره‬
‫عمن قبله ويحكيه عنهم ؛‬
‫ولهذا قال ‪ { :‬إِنْ هَذَا إِل َق ْولُ الْبَشَرِ } أي ‪ :‬ليس بكلم ال‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪ ، )3/75‬وسنن الترمذي برقم (‪.)3164‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/97‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬البصري"‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسير الطبري (‪ ، )29/97‬ورواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )3409‬مجمع‬
‫البحرين" من طريق منجاب بن الحارث به مرفوعًا‪ .‬وقال الطبراني ‪" :‬لم يرفع هذا الحديث عن‬
‫عمار الدهني إل شريك ‪ ،‬ورواه سفيان بن عيينة عن عمار الدهني فوافقه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )6‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )7‬في م ‪" :‬النظر"‪.‬‬

‫( ‪)8/266‬‬

‫وهذا المذكور في هذا السياق هو ‪ :‬الوليد بن المغيرة المخزومي ‪ ،‬أحد رؤساء قريش ‪ -‬لعنه ال‬
‫‪ -‬وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬دخل الوليد بن المغيرة على أبي‬
‫بكر بن أبي قحافة فسأله (‪ )1‬عن القرآن ‪ ،‬فلما أخبره خرج على قريش فقال ‪ :‬يا عجبا لما يقول‬
‫ابن أبي كبشة‪ .‬فوال ما هو بشعر ول بسحر ول بهذْي من الجنون ‪ ،‬وإن قوله لمن كلم ال‪ .‬فلما‬
‫سمع بذلك النفرُ من قريش ائتمروا فقالوا ‪ :‬وال لئن صبا الوليد لتصْ ُبوَنّ قريش‪ .‬فلما سمع بذلك‬
‫أبو جهل بن هشام قال ‪ :‬أنا وال أكفيكم شأنه‪ .‬فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال للوليد ‪ :‬ألم تر‬
‫قومك قد جمعوا لك الصدقة ؟ فقال ‪ :‬ألستُ أكثرهم مال وولدا‪ .‬فقال له أبو جهل ‪ :‬يتحدثون أنك‬
‫إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه‪ .‬فقال الوليد ‪ :‬أقد (‪ )2‬تحدث به عشيرتي ؟! فل‬
‫وال ل أقرب ابن أبي قحافة ‪ ،‬ول عمر ‪ ،‬ول ابن أبي كبشة ‪ ،‬وما قوله إل سحر يؤثر‪ .‬فأنزل ال‬
‫على رسوله صلى ال عليه وسلم ‪ { :‬ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ َوحِيدًا } إلى قوله ‪ { :‬ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ }‬
‫وقال قتادة ‪ :‬زعموا أنه قال ‪ :‬وال لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر ‪ ،‬وإن له‬
‫لحلوة ‪ ،‬وإن عليه لطلوة ‪ ،‬وإنه ليعلو وما يعلى ‪ ،‬وما أشك أنه سحر‪ .‬فأنزل ال ‪َ { :‬فقُ ِتلَ كَ ْيفَ‬
‫قَدّرَ } الية ‪ { ،‬ثُمّ عَبَسَ وَبَسَرَ } قبض ما بين عينيه وكلح‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن عبد العلى ‪ ،‬أخبرنا محمد بن ثور ‪ ،‬عن َم ْعمَر ‪ ،‬عن عَبّاد بن‬
‫منصور ‪ ،‬عن عكرمة ‪ :‬أن الوليد بن المغيرة جاء إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقرأ عليه‬
‫القرآن ‪ ،‬فكأنه رق له‪ .‬فبلغ ذلك أبا جهل بن هشام ‪ ،‬فأتاه فقال ‪ :‬أي عم ‪ ،‬إن قومك يريدون أن‬
‫يجمعوا لك مال‪ .‬قال ‪ :‬لم ؟ قال ‪ :‬يعطونكه ‪ ،‬فإنك أتيت محمدًا تَ َتعَرض لما قبله‪ .‬قال ‪ :‬قد علمت‬
‫قريش أني أكثرها مال‪ .‬قال ‪ :‬فقل فيه قول يعلم قومك أنك (‪ )3‬منكر لما قال ‪ ،‬وأنك كاره له‪ .‬قال‬
‫‪ :‬فماذا أقول فيه ؟ فوال ما منكم رجل أعلم بالشعار مني ‪ ،‬ول أعلم برجزه ول بقصيده ول‬
‫بأشعار الجن ‪ ،‬وال ما يشبه الذي يقوله شيئًا من ذلك‪ .‬وال إن لقوله الذي يقول لحلوة ‪ ،‬وإنه‬
‫ليحطم ما تحته ‪ ،‬وإنه ليعلو وما يعلى‪ .‬وقال ‪ :‬وال ل يرضى قومك حتى تقول فيه‪ .‬قال ‪ :‬فدعني‬
‫حتى أفكر فيه‪ .‬فلما فكر قال ‪ :‬إن هذا سحر يأثره عن غيره‪ .‬فنزلت ‪ { :‬ذَرْنِي َومَنْ خََل ْقتُ‬
‫سعَةَ عَشَرَ } (‪)5‬‬
‫وَحِيدًا } [قال قتادة ‪ :‬خرج من بطن أمه وحيدا] (‪ )4‬حتى بلغ ‪ِ { :‬ت ْ‬
‫وقد ذكر محمد بن إسحاق وغير واحد نحوا من هذا‪ .‬وقد زعم السدي أنهم لما اجتمعوا في دار‬
‫الندوة ليجمعوا رأيهم على قول يقولونه فيه ‪ ،‬قبل أن يقدم عليهم وفودُ العرب للحج ليصدّوهُم‬
‫عنه ‪ ،‬فقال قائلون ‪ :‬شاعر‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬ساحر‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬كاهن‪ .‬وقال آخرون ‪:‬‬
‫ك المْثَالَ َفضَلّوا فَل يَسْ َتطِيعُونَ سَبِيل }‬
‫ف ضَرَبُوا َل َ‬
‫مجنون‪ .‬كما قال تعالى ‪ { :‬انْظُرْ كَ ْي َ‬
‫[ السراء ‪ ]48 :‬كل هذا والوليد يفكر فيما يقوله فيه ‪ ،‬ففكر وقدر ‪ ،‬ونظر وعبس وبسر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ إِنْ هَذَا إِل سِحْرٌ ُيؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِل َق ْولُ الْبَشَرِ }‬
‫سقَرَ } أي ‪ :‬سأغمره فيها من جميع جهاته‪.‬‬
‫قال ال عز وجل ‪ { :‬سَُأصْلِيهِ َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬يسأله"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أوقد"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬أنه"‪.‬‬
‫(‪ )4‬زيادة من تفسير الطبري‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)29/98‬‬

‫( ‪)8/267‬‬

‫سقَرُ } ؟ وهذا تهويل لمرها وتفخيم‪.‬‬


‫ثم قال { َومَا َأدْرَاكَ مَا َ‬
‫عصَبهم وجلودهم ‪ ،‬ثم‬
‫ثم فسر ذلك بقوله ‪ { :‬ل تُ ْبقِي وَل تَذَرُ } أي ‪ :‬تأكل لحومهم وعروقهم و َ‬
‫تبدل غير ذلك ‪ ،‬وهم في ذلك ل يموتون ول يحيون ‪ ،‬قاله ابن بريدة وأبو سنان وغيرهما‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬لوّاحَةٌ لِلْ َبشَرِ } قال مجاهد ‪ :‬أي للجلد ‪ ،‬وقال أبو رَزين ‪ :‬تلفح الجلد لفحة فتدعه أسود‬
‫من الليل‪ .‬وقال زيد بن أسلم ‪ :‬تلوح أجسادهم عليها‪ .‬وقال قتادة ‪َ { :‬لوّاحَةٌ لِلْبَشَرِ } أي ‪ :‬حراقة‬
‫للجلد‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬تحرق بشرة النسان‪.‬‬
‫سعَةَ عَشَرَ } أي ‪ :‬من مقدمي الزبانية ‪ ،‬عظيم خلقهم ‪ ،‬غليظ خلقهم‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو زرعة ‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن موسى ‪ ،‬حدثنا ابن أبي زائدة ‪،‬‬
‫سعَةَ عَشَرَ } قال إن رهطا من اليهود‬
‫أخبرني حريث ‪ ،‬عن عامر ‪ ،‬عن البراء في قوله ‪ { :‬عَلَ ْيهَا ِت ْ‬
‫سألوا رجل من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم عن خزنة جهنم‪ .‬فقال ‪ :‬ال ورسوله‬
‫س َعةَ عَشَرَ }‬
‫أعلم‪ .‬فجاء رجل فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم فنزل عليه ساعتئذ ‪ { :‬عَلَ ْيهَا تِ ْ‬
‫فأخبر أصحابه وقال ‪" :‬ادعهم ‪ ،‬أما إني سائلهم عن تُربَة الجنة إن أتوني ‪ ،‬أما إنها (‪ )1‬دَرْمكة‬
‫بيضاء"‪ .‬فجاؤوه فسألوه عن خزنة جهنم ‪ ،‬فأهوى بأصابع كفيه مرتين وأمسك البهام في الثانية ‪،‬‬
‫ثم قال ‪" :‬أخبروني عن تربة الجنة"‪ .‬فقالوا ‪ :‬أخبرهم يا ابن سلم‪ .‬فقال ‪ :‬كأنها خُبزَة بيضاء‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما إن الخبز إنما يكون من الدّرمَك"‪)2( .‬‬
‫هكذا وقع عند ابن أبي حاتم عن البراء ‪ ،‬والمشهور عن جابر بن عبد ال ‪ ،‬كما قال الحافظ أبو‬
‫بكر البزار ‪ :‬حدثنا منده ‪ ،‬حدثنا أحمد بن عَبدَة ‪ ،‬أخبرنا سفيان ويحيى بن حكيم ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪،‬‬
‫عن مجالد ‪ ،‬عن الشعبي ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال قال ‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬غلبَ أصحابك اليوم‪ .‬فقال ‪" :‬بأي شيء ؟" قال ‪ :‬سألتهم َيهُود هل أعلمكم نبيكم‬
‫عدة خزنة أهل النار ؟ قالوا ‪ :‬ل نعلم حتى نسأل نبينا صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪" :‬أفغلب قوم سُئلوا عما ل يدرون فقالوا ‪ :‬ل ندرى (‪ )3‬حتى نسأل نبينا ؟ عليّ‬
‫بأعداء ال ‪ ،‬لكن سألوا (‪ )4‬نبيهم أن يريهم ال جهرة"‪ .‬فأرسل إليهم فدعاهم‪ .‬قالوا ‪ :‬يا أبا القاسم ‪،‬‬
‫كم عدد خزنة أهل النار ؟ قال ‪" :‬هكذا" ‪ ،‬وطبق كفيه ‪ ،‬ثم طبق كفيه ‪ ،‬مرتين ‪ ،‬وعقد واحدة ‪،‬‬
‫وقال لصحابه ‪" :‬إن سئلتم عن تربة الجنة فهي الدّرمك"‪ .‬فلما سألوه فأخبرهم بعدة خزنة أهل‬
‫النار ‪ ،‬قال لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما تربة الجنة ؟" فنظر بعضهم إلى بعض ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬خبزة يا أبا القاسم‪ .‬فقال ‪" :‬الخبز من الدّرمك"‪.‬‬
‫وهكذا رواه الترمذي عند هذه الية عن ابن أبي عمر ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬به (‪ )5‬وقال هو والبزار ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬إنها كأنها"‪.‬‬
‫(‪ )2‬ورواه البيهقي في البعث برقم (‪ )509‬من طريق مسروق بن المرزبان ‪ ،‬عن ابن أبي زائدة‬
‫به ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث ابن أبي مطر ‪ -‬أي حريث ‪ -‬ليس بالقوى ‪ ،‬وحديث جابر أصح" وهو التي‬
‫بعده‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬قالوا ل نعلم"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬لكنهم قد سألوا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنن الترمذي برقم (‪.)3327‬‬

‫( ‪)8/268‬‬

‫عدّ َتهُمْ إِلّا فِتْ َنةً لِلّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬
‫جعَلْنَا ِ‬
‫جعَلْنَا َأصْحَابَ النّارِ إِلّا مَلَا ِئكَ ًة َومَا َ‬
‫َومَا َ‬
‫ا ْلكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ َآمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَا ُء َومَا َيعَْلمُ‬
‫مَ َرضٌ وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَلًا َكذَِلكَ ُي ِ‬
‫جُنُودَ رَ ّبكَ إِلّا ُه َو َومَا ِهيَ إِلّا ِذكْرَى لِلْ َبشَرِ (‪ )31‬كَلّا وَا ْل َقمَرِ (‪ )32‬وَاللّ ْيلِ ِإذْ أَدْبَرَ (‪ )33‬وَالصّبْحِ‬
‫سفَرَ (‪ )34‬إِ ّنهَا لَِإحْدَى ا ْلكُبَرِ (‪َ )35‬نذِيرًا لِلْبَشَرِ (‪ِ )36‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ َأوْ يَتَأَخّرَ (‪)37‬‬
‫إِذَا أَ ْ‬

‫ل نعرفه (‪ )1‬إل من حديث مجالد‪ .‬وقد رواه المام أحمد ‪ ،‬عن علي بن المديني ‪ ،‬عن سفيان ‪،‬‬
‫فقص الدرمك فقط‪)2( .‬‬
‫عدّ َتهُمْ إِل فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا لِ َيسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا‬
‫جعَلْنَا ِ‬
‫جعَلْنَا َأصْحَابَ النّارِ إِل مَل ِئكَ ًة َومَا َ‬
‫{ َومَا َ‬
‫ن وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ‬
‫ب وَا ْل ُمؤْمِنُو َ‬
‫ا ْلكِتَابَ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَل يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَا َ‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَا ُء وَ َيهْدِي مَنْ يَشَاءُ َومَا َيعَْلمُ‬
‫مَ َرضٌ وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِبهَذَا مَثَل َكذَِلكَ ُي ِ‬
‫جُنُودَ رَ ّبكَ إِل ُهوَ َومَا ِهيَ إِل ِذكْرَى لِلْ َبشَرِ (‪ )31‬كَل وَا ْلقَمَرِ (‪ )32‬وَاللّ ْيلِ إِذْ َأدْبَرَ (‪ )33‬وَالصّبْحِ‬
‫حدَى ا ْلكُبَرِ (‪ )35‬نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (‪ِ )36‬لمَنْ شَاءَ مِ ْنكُمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ َأوْ يَتََأخّرَ (‬
‫سفَرَ (‪ )34‬إِ ّنهَا ل ْ‬
‫إِذَا أَ ْ‬
‫‪} )37‬‬
‫صحَابَ النّارِ } أي ‪ :‬خُزّانها ‪ { ،‬إِل مَل ِئكَةً } أي ‪[ :‬زبانية] (‪)3‬‬
‫جعَلْنَا َأ ْ‬
‫يقول تعالى ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫غلظا شدادا‪ .‬وذلك رد على مشركي قريش حين ذكر عدد الخزنة ‪ ،‬فقال أبو جهل ‪ :‬يا معشر‬
‫جعَلْنَا َأصْحَابَ‬
‫قريش ‪ ،‬أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم (‪ )4‬؟ فقال ال ‪َ { :‬ومَا َ‬
‫النّارِ إِل مَل ِئكَةً } أي ‪ :‬شديدي الخَلْق ل يقاومون ول يغالبون‪ .‬وقد قيل ‪ :‬إن أبا الشدين ‪ -‬واسمه‬
‫‪ :‬كَلَدَة بن أسيد بن خلف ‪ -‬قال ‪ :‬يا معشر قريش ‪ ،‬اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة‬
‫عشر ‪ ،‬إعجابا منه بنفسه ‪ ،‬وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة‬
‫ويجاذبه عشرة لينتزعوه من تحت قدميه ‪ ،‬فيتمزق الجلد ول يتزحزح عنه‪ .‬قال السهيلي ‪ :‬وهو‬
‫الذي دعا رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى مصارعته وقال ‪ :‬إن صرعتني آمنت بك ‪،‬‬
‫فصرعه النبي صلى ال عليه وسلم مرارا ‪ ،‬فلم يؤمن‪ .‬قال ‪ :‬وقد نَسَب ابنُ إسحاق خبر‬
‫المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب (‪.)5‬‬
‫قلت ‪ :‬ول منافاة بين ما ذكراه ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫جعَلْنَا عِدّ َتهُمْ إِل فِتْنَةً لِلّذِينَ َكفَرُوا } أي ‪ :‬إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعةَ عشرَ اختبارًا منّا‬
‫{ َومَا َ‬
‫للناس ‪ { ،‬لِيَسْتَ ْيقِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ } أي ‪ :‬يعلمون أن هذا الرسول حق ؛ فإنه نطق بمطابقة ما‬
‫بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على النبياء قبله‪.‬‬
‫{ وَيَزْدَادَ الّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا } أي ‪ :‬إلى إيمانهم‪ .‬بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ { ،‬وَل يَرْتَابَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُم ْؤمِنُونَ وَلِ َيقُولَ الّذِينَ فِي قُلُو ِبهِمْ مَ َرضٌ } أي‬
‫‪ :‬من المنافقين { وَا ْلكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللّهُ ِب َهذَا مَثَل } ؟ أي ‪ :‬يقولون ‪ :‬ما الحكمة في ذكر هذا‬
‫هاهنا ؟ قال ال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ل يعرف"‪.‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)3/361‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فتغلبوهم"‪.‬‬
‫(‪ )5‬الروض النف للسهيلي (‪.)1/200‬‬

‫( ‪)8/269‬‬
‫ضلّ اللّهُ مَنْ يَشَاءُ وَ َيهْدِي مَنْ َيشَاءُ } أي ‪ :‬من مثل هذا وأشباهه يتأكد اليمان‬
‫تعالى ‪ { :‬كَذَِلكَ ُي ِ‬
‫في قلوب أقوام ‪ ،‬ويتزلزل عند آخرين ‪ ،‬وله الحكمة البالغة ‪ ،‬والحجة الدامغة‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا َيعْلَمُ جُنُودَ رَ ّبكَ إِل ُهوَ } أي ‪ :‬ما يعلم عددهم وكثرتهم إل هو تعالى ‪ ،‬لئل يتوهم‬
‫متوهم أنهم تسعة عشر فقط ‪ ،‬كما قد قاله طائفة من أهل الضللة والجهالة ومن الفلسفة‬
‫اليونانيين‪ .‬ومن تابعهم (‪ )1‬من الملتين الذين سمعوا هذه الية ‪ ،‬فأرادوا تنزيلها على العقول‬
‫العشرة والنفوس التسعة ‪ ،‬التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدللة على مقتضاها ‪،‬‬
‫فأفهموا (‪ )2‬صدر هذه الية وقد كفروا بآخرها ‪ ،‬وهو قوله ‪َ { :‬ومَا َيعْلَمُ جُنُودَ رَ ّبكَ إِل ُهوَ }‬
‫وقد ثبت في حديث السراء المروي في الصحيحين وغيرهما‪ .‬عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة ‪" :‬فإذا هو يدخله في كل يوم‬
‫سبعون ألف ملك ‪ ،‬ل يعودون إليه آخر ما عليهم" (‪.)3‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أسود ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن إبراهيم بن مهاجر ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن‬
‫مورق ‪ ،‬عن أبي ذر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إني أرى ما ل ترون ‪ ،‬وأسمع‬
‫ما ل تسمعون ‪ ،‬أطت السماء وحُقّ لها أن تَئط ‪ ،‬ما فيها موضع أصابع إل عليه ملك ساجد ‪ ،‬لو‬
‫علمتم ما أعلم لضحكتم قليل ولبكيتم كثيرًا ‪ ،‬ول تَلَذّذتم بالنساء على (‪ )4‬الفُرُشات ‪ ،‬ولخرجتم إلى‬
‫الصعدات تجأرون إلى ال عز وجل"‪ .‬فقال أبو ذر ‪ :‬وال لوددتُ أني شجرة تُعضد‪.‬‬
‫ورواه الترمذي وابن ماجه ‪ ،‬من حديث إسرائيل (‪ )5‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬ويروى عن‬
‫أبي ذر موقوفًا‪.‬‬
‫وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني ‪ :‬حدثنا خير (‪ )6‬بن عرفة المصري ‪ ،‬حدثنا عُ ْروَة بن مروان‬
‫الرقي ‪ ،‬حدثنا عبيد ال بن عمرو ‪ ،‬عن عبد الكريم بن مالك ‪ ،‬عن عطاء بن أبي رباح ‪ ،‬عن‬
‫جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما في السموات السبع موضع قدم‬
‫ول شبر ول كف إل وفيه ملك قائم ‪ ،‬أو ملك ساجد ‪ ،‬أو ملك راكع ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة قالوا‬
‫جميعا ‪ :‬سبحانك! ما عبدناك حَقّ عبادتك ‪ ،‬إل أنا لم نشرك بك شيئًا"‪.)7( .‬‬
‫وقال محمد بن نصر المروزي في "كتاب الصلة" ‪ :‬حدثنا عمرو بن زرارة ‪ ،‬أخبرنا عبد الوهاب‬
‫بن عطاء ‪ ،‬عن سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن صفوان بن مُحْرِز ‪ ،‬عن حكيم بن حزام قال ‪ :‬بينما‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم ‪" :‬هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ‪ :‬ما‬
‫نسمع من شيء‪ .‬فقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬ومن شايعهم"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬فما فهموا"‪.‬‬
‫(‪ )3‬هذا جزء من حديث أنس الطويل في السراء ‪ ،‬وهو في صحيح البخاري برقم (‪، )7517‬‬
‫وصحيح مسلم برقم (‪ .)162‬وهذا القدر قد وقع لمسلم من هذا الوجه ‪ ،‬وانظر أحاديث السراء‬
‫عند تفسير أول سورة السراء‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬في"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ ، )5/173‬وسنن الترمذي برقم (‪ ، )2312‬وسنن ابن ماجة برقم (‪.)4190‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪" :‬حدثنا حسين"‪.‬‬
‫(‪ )7‬المعجم الكبير (‪ ، )2/184‬وقال الهيثمي في المجمع (‪" : )1/52‬وفيه عروة بن مروان"‪ .‬قلت‬
‫‪ :‬قال الدارقطني ‪ :‬ليس بالقوى‪.‬‬

‫( ‪)8/270‬‬

‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أسمع أطيط السماء وما تلم أن تَئطّ ‪ ،‬ما فيها موضع شبر إل‬
‫وعليه ملك راكع أو ساجد" (‪.)1‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬حدثنا محمد بن عبد ال بن قهزاذ (‪ )2‬حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي ‪،‬‬
‫حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي ‪ ،‬سمعت الضحاك بن مزاحم ‪ ،‬يحدث عن مسروق بن الجدع ‪،‬‬
‫عن عائشة أنها قالت ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬ما في السماء الدنيا موضع قدم إل‬
‫وعليه ملك ساجد أو قائم ‪ ،‬وذلك قول الملئكة ‪َ { :‬ومَا مِنّا إِل لَهُ َمقَامٌ َمعْلُو ٌم وَإِنّا لَ َنحْنُ الصّافّونَ‬
‫وَإِنّا لَنَحْنُ ا ْلمُسَبّحُونَ } [الصاقات ‪.)3( .]166 - 164 :‬‬
‫وهذا مرفوع (‪ )4‬غريب جدا ثم رواه (‪ )5‬عن محمود بن آدم ‪ ،‬عن أبي معاوية ‪ ،‬عن العمش ‪،‬‬
‫عن أبي الضّحى ‪ ،‬عن مسروق ‪ ،‬عن ابن مسعود أنه قال ‪ :‬إن من السماوات سماءً ما فيها‬
‫موضع شبر إل وعليه جبهة ملك أو قدماه قائما ‪ ،‬ثم قرأ ‪ { :‬وَإِنّا لَ َنحْنُ الصّافّونَ وَإِنّا لَنَحْنُ‬
‫ا ْلمُسَبّحُونَ } (‪.)6‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا أحمد بن سيار ‪ :‬حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد الدمشقي المعروف بابن أمه ‪،‬‬
‫حدثنا المغيرة بن عثمان (‪ )7‬بن عطية من بني عمرو بن عوف ‪ ،‬حدثني سليمان بن أيوب [من‬
‫بني] (‪ )8‬سالم بن عوف‪ .‬حدثني عطاء بن زيد بن مسعود من بني الحبلي ‪ ،‬حدثني سليمان بن‬
‫عمرو بن الربيع ‪ ،‬من بني سالم ‪ ،‬حدثني عبد الرحمن بن العلء ‪ ،‬من بني ساعدة ‪ ،‬عن أبيه‬
‫العلء بن سعد ‪ -‬وقد شهد الفتح وما بعده ‪ -‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال يوما لجلسائه ‪:‬‬
‫طتِ السماء وحقّ لها أن تَئط ‪،‬‬
‫"هل تسمعون ما أسمع ؟" قالوا ‪ :‬وما تسمع يا رسول ال ؟ قال ‪" :‬أ ّ‬
‫إنه ليس فيها موضع َقدَم إل وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد ‪ ،‬وقالَ الملئكة ‪ { :‬وَإِنّا لَنَحْنُ‬
‫الصّافّونَ وَإِنّا لَ َنحْنُ ا ْلمُسَبّحُونَ } (‪ )9‬وهذا إسناد غريب جدا‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬حدثنا [محمد بن يحيى ‪ ،‬حدثنا] (‪ )10‬إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفَروي ‪ ،‬حدثنا عبد‬
‫الملك بن قدامة ‪ ،‬عن عبد الرحمن عن عبد ال بن ديناره ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عبد ال بن عمر ‪ :‬أن‬
‫عمر جاء والصلة قائمة ‪ ،‬ونفر ثلثة جلوس ‪ ،‬أحدهم أبو جحش الليثي ‪ ،‬فقال ‪ :‬قوموا فصلوا مع‬
‫رسول ال‪ .‬فقام اثنان وأبى أبو جحش أن يقوم ‪ ،‬وقال ‪ :‬ل أقوم حتى يأتي رجل هو أقوى مني‬
‫ذراعين ‪ ،‬وأشد مني بطشًا فيصرعني ‪ ،‬ثم يَدس وجهي في التراب‪ .‬قال عمر ‪ :‬فصرعته‬
‫ودسست وجهه في التراب ‪ ،‬فأتى عثمان بن عفان فحجزني عنه ‪ ،‬فخرج عمر مغضبا حتى انتهى‬
‫إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ‪" :‬ما رَأ َيكَ يا أبا حفص ؟"‪ .‬فذكر له ما كان منه فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن رضى‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تعظيم قدر الصلة للمروزي برقم (‪.)248‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬مهزاذ"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪.)253‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬وهذا مرفوعا" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ثم رواه"‪.‬‬
‫(‪ )6‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪.)254‬‬
‫(‪ )7‬في هـ ‪" :‬عمر"‪.‬‬
‫(‪ )8‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )9‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪.)255‬‬
‫(‪ )10‬زيادة من تعظيم قدر الصلة (‪.)256‬‬

‫( ‪)8/271‬‬

‫عمر رحمةٌ ‪ ،‬وال لود ْدتُ أنك جئتني برأس الخبيث" ‪ ،‬فقام عمر يُوجّهُ نحوه ‪ ،‬فلما أبعد ناداه فقال‬
‫‪" :‬اجلس حتى أخبرك بغنى الرب عز وجل عن صلة أبي جحش ‪ ،‬إن ل في السماء الدنيا ملئكة‬
‫خشوعًا (‪ )1‬ل يرفعون رءوسهم حتى تقوم الساعة‪ .‬فإذا قامت رفعوا رءوسهم ثم قالوا ‪ :‬ربنا ‪ ،‬ما‬
‫عبدناك حق عبادتك ‪ ،‬وإن ل في السماء الثانية ملئكة سجودًا ل يرفعون رءوسهم حتى تقوم‬
‫الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رءوسهم ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك" فقال له‬
‫عمر ‪ :‬وما يقولون يا رسول ال ؟ فقال ‪ " :‬أما أهل السماء الدنيا فيقولون ‪ :‬سبحان ذي الملك‬
‫والملكوت‪ .‬وأما أهل السماء الثانية فيقولون ‪ :‬سبحان ذي العزة والجبروت‪ .‬وأما أهل السماء‬
‫الثالثة فيقولون ‪ :‬سبحان الحي الذي ل يموت‪ .‬فقلها يا عمر في صلتك"‪ .‬فقال عمر ‪ :‬يا رسول‬
‫ال ‪ ،‬فكيف بالذي كنت علمتني وأمرتني أن أقوله في صلتي ؟ فقال ‪" :‬قل هذا مرة وهذا مرة"‪.‬‬
‫وكان الذي أمره به أن يقول ‪" :‬أعوذ بعفوك من عقابك ‪ ،‬وأعوذ برضاك من سخَطك ‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫منك ‪ ،‬جل وجهك" (‪ )2‬وهذا حديث غريب جدا ‪ ،‬بل منكر نكارة شديدة ‪ ،‬وإسحاق الفروي روى‬
‫عنه البخاري ‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات ‪ ،‬وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدارقطني‪.‬‬
‫وقال أبو حاتم الرازي ‪ :‬كان صدوقا إل أنه ذهب بصره فرُبما لقن ‪ ،‬وكتبه صحيحة‪ .‬وقال مرة ‪:‬‬
‫هو مضطرب ‪ ،‬وشيخه عبد الملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي ‪ :‬تكلم فيه أيضا‪ .‬والعجب من‬
‫المام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه ‪ ،‬ول عَرّف بحاله ‪ ،‬ول تعرض لضعف بعض‬
‫رجاله ؟! غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسل بنحوه‪ .‬ومن طريق أخرى عن‬
‫الحسن البصري مرسل قريبًا منه ‪ ،‬ثم قال محمد بن نصر ‪:‬‬
‫حدثنا محمد بن عبد ال بن قهزاذ ‪ ،‬أخبرنا النضر ‪ ،‬أخبرنا عباد بن منصور قال ‪ :‬سمعت عدي‬
‫بن أرطاة وهو يخطبنا على منبر المدائن قال ‪ :‬سمعت رجل من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إن ل تعالى ملئكة تُرعَد فرائصهم من‬
‫خيفته ‪ ،‬ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إل وقعت على ملك يصلي ‪ ،‬وإن منهم ملئكة‬
‫سجودًا منذ خلق ال السماوات والرض لم يرفعوا رءوسهم ول يرفعونها إلى يوم القيامة ‪ ،‬وإن‬
‫منهم ملئكة ركوعًا لم يرفعوا رءوسهم منذ خلق ال السماوات والرض ول يرفعونها إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬فإذا رفعوا رءوسهم نظروا إلى وجه ال عز وجل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬سبحانك! ما عبدناك حق‬
‫عبادتك" (‪.)3‬‬
‫وهذا إسناد ل بأس به‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬ومَا ِهيَ إِل ِذكْرَى لِلْبَشَرِ } قال مجاهد وغير واحد ‪َ { :‬ومَا ِهيَ } أي ‪ :‬النار التي‬
‫وصفت ‪ { ،‬إِل ِذكْرَى لِلْ َبشَرِ }‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬خشوع"‪.‬‬
‫(‪ )2‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪ ، )256‬ورواه الحاكم في المستدرك (‪ )3/87‬من طريق إسحاق‬
‫الفروي به ‪ ،‬وقال ‪" :‬حديث صحيح السناد على شريط البخاري ولم يخرجاه" ‪ ،‬وتعقبه الذهبي‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬منكر غريب ‪ ،‬وما هو على شرط البخاري ‪ ،‬وفيه عبد الملك بن قدامة الجحمي ضعيف ‪،‬‬
‫تفرد به"‪.‬‬
‫(‪ )3‬تعظيم قدر الصلة برقم (‪.)260‬‬

‫( ‪)8/272‬‬

‫ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِي َنةٌ (‪ )38‬إِلّا َأصْحَابَ الْ َيمِينِ (‪ )39‬فِي جَنّاتٍ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )40‬عَنِ‬
‫سكِينَ (‬
‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬
‫سقَرَ (‪ )42‬قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )43‬وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )41‬مَا سََل َككُمْ فِي َ‬
‫‪َ )44‬وكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ (‪َ )45‬وكُنّا ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )46‬حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ (‪)47‬‬
‫سفَرَ } أي ‪ :‬أشرق ‪ { ،‬إِ ّنهَا‬
‫ثم قال ‪ { :‬كَل وَالْ َقمَ ِر وَاللّ ْيلِ إِذْ َأدْبَرَ } أي ‪ :‬ولى ‪ { ،‬وَالصّبْحِ إِذَا أَ ْ‬
‫لحْدَى ا ْلكُبَرِ } أي ‪ :‬العظائم ‪ ،‬يعني ‪ :‬النار ‪ ،‬قاله ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪،‬‬
‫وغير واحد من السلف‪َ { .‬نذِيرًا لِلْبَشَرِ ِلمَنْ شَاءَ مِ ْن ُكمْ أَنْ يَ َتقَدّمَ َأوْ يَتََأخّرَ } أي ‪ :‬لمن شاء أن يقبل‬
‫النّذارة ويهتدي للحق ‪ ،‬أو يتأخر عنها ويولي ويردها‪.‬‬
‫{ ُكلّ َنفْسٍ ِبمَا كَسَ َبتْ رَهِينَةٌ (‪ )38‬إِل َأصْحَابَ الْ َيمِينِ (‪ )39‬فِي جَنّاتٍ يَ َتسَاءَلُونَ (‪ )40‬عَنِ‬
‫سكِينَ (‬
‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬
‫سقَرَ (‪ )42‬قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّينَ (‪ )43‬وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫ا ْلمُجْ ِرمِينَ (‪ )41‬مَا سََل َككُمْ فِي َ‬
‫‪َ )44‬وكُنّا َنخُوضُ مَعَ الْخَا ِئضِينَ (‪َ )45‬وكُنّا ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ (‪ )46‬حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ (‪} )47‬‬

‫( ‪)8/273‬‬

‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ (‪)50‬‬


‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ (‪َ )48‬فمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ (‪ )49‬كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫َفمَا تَ ْنفَ ُعهُمْ َ‬
‫حفًا مُنَشّ َرةً (‪ )52‬كَلّا َبلْ لَا َيخَافُونَ‬
‫سوَ َرةٍ (‪َ )51‬بلْ يُرِيدُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى صُ ُ‬
‫فَ ّرتْ مِنْ َق ْ‬
‫الْآَخِ َرةَ (‪ )53‬كَلّا إِنّهُ تَ ْذكِ َرةٌ (‪َ )54‬فمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪َ )55‬ومَا يَ ْذكُرُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ ُهوَ َأ ْهلُ‬
‫ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ (‪)56‬‬

‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ (‪)50‬‬


‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ (‪َ )48‬فمَا َلهُمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ (‪ )49‬كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫{ َفمَا تَ ْن َف ُعهُمْ َ‬
‫حفًا مُنَشّ َرةً (‪ )52‬كَل َبلْ ل يَخَافُونَ‬
‫سوَ َرةٍ (‪َ )51‬بلْ يُرِيدُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى صُ ُ‬
‫فَ ّرتْ مِنْ َق ْ‬
‫الخِ َرةَ (‪ )53‬كَل إِنّهُ َت ْذكِ َرةٌ (‪َ )54‬فمَنْ شَاءَ َذكَ َرهُ (‪َ )55‬ومَا َي ْذكُرُونَ إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ ُهوَ َأ ْهلُ‬
‫ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ (‪} )56‬‬
‫يقول تعالى مخبرًا أن ‪ُ { :‬كلّ َنفْسٍ ِبمَا َكسَ َبتْ َرهِينَةٌ } أي ‪ :‬معتقلة بعملها يوم القيامة ‪ ،‬قاله ابن‬
‫صحَابَ الْ َيمِينِ } فإنهم { فِي جَنّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ ا ْلمُجْ ِرمِينَ } أي ‪ :‬يسألون‬
‫عباس وغيره ‪ { :‬إِل َأ ْ‬
‫المجرمين وهم في الغرفات وأولئك في الدركات قائلين لهم ‪:‬‬
‫سكِينَ } أي ‪ :‬ما عبدنا ربنا ول‬
‫طعِمُ ا ْلمِ ْ‬
‫ن وَلَمْ َنكُ نُ ْ‬
‫سقَرَ قَالُوا لَمْ َنكُ مِنَ ا ْل ُمصَلّي َ‬
‫{ مَا سََل َككُمْ فِي َ‬
‫أحسنا إلى خلقه من جنسنا ‪،‬‬
‫{ َوكُنّا نَخُوضُ مَعَ ا ْلخَا ِئضِينَ } أي ‪ :‬نتكلم فيما ل نعلم‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬كلما غوي غاو غوينا معه ‪،‬‬

‫{ َوكُنّا ُنكَ ّذبُ بِ َيوْمِ الدّينِ حَتّى أَتَانَا الْ َيقِينُ } يعني ‪ :‬الموت‪ .‬كقوله ‪ { :‬وَاعْبُدْ رَ ّبكَ حَتّى يَأْتِ َيكَ الْ َيقِينُ‬
‫} [الحجر ‪ ]99 :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أما هو ‪ -‬يعني عثمان بن مظعون ‪ -‬فقد‬
‫جاءه اليقين من ربه"‪)1( .‬‬
‫شفَاعَةُ الشّا ِفعِينَ } أي ‪ :‬من كان متصفا بهذه (‪ )2‬الصفات فإنه ل‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬فمَا تَ ْن َفعُهُمْ َ‬
‫تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع فيه ؛ لن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابل فأما من وافى ال‬
‫كافرا يوم القيامة فإنه له النار ل محالة ‪ ،‬خالدا فيها‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪َ { :‬فمَا َل ُهمْ عَنِ التّ ْذكِ َرةِ ُمعْ ِرضِينَ } أي ‪ :‬فما لهؤلء الكفرة الذين قبلك مما تدعوهم‬
‫إليه وتذكرهم به معرضين ‪،‬‬
‫حمُر‬
‫سوَ َرةٍ } أي ‪ :‬كأنهم في نفارهم عن الحق ‪ ،‬وإعراضهم عنه ُ‬
‫حمُرٌ مُسْتَ ْنفِ َرةٌ فَ ّرتْ مِنْ قَ ْ‬
‫{ كَأَ ّنهُمْ ُ‬
‫من حمر الوحش إذا فرت ممن يريد صيدها من أسد ‪ ،‬قاله أبو هريرة ‪ ،‬وابن عباس ‪ -‬في رواية‬
‫‪ -‬عنه وزيد بن أسلم ‪ ،‬وابنه عبد الرحمن‪ .‬أو ‪ :‬رام ‪ ،‬وهو رواية (‪ )3‬عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ )1243‬من حديث أم العلء رضي ال عنها‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬بمثل هذه"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬وهما روايتان"‪.‬‬

‫( ‪)8/273‬‬

‫ابن عباس ‪ ،‬وهو قول الجمهور‪.‬‬


‫وقال حماد بن سلمة ‪ ،‬عن علي بن زيد ‪ ،‬عن يوسف بن مهران (‪ )1‬عن ابن عباس ‪ :‬السد ‪،‬‬
‫بالعربية ‪ ،‬ويقال له بالحبشية ‪ :‬قسورة ‪ ،‬وبالفارسية ‪ :‬شير (‪ )2‬وبالنبطية ‪ :‬أويا‪.‬‬
‫حفًا مُنَشّ َرةً } أي ‪ :‬بل يريد كل واحد من هؤلء المشركين‬
‫{ َبلْ يُرِيدُ ُكلّ امْ ِرئٍ مِ ْنهُمْ أَنْ ُيؤْتَى صُ ُ‬
‫أن ينزل عليه كتابًا كما أنزل على النبي‪ .‬قاله مجاهد وغيره ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وَإِذَا جَاءَ ْتهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ‬
‫ج َعلُ رِسَالَتَهُ } [ النعام ‪ ، ]124 :‬وفي‬
‫سلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَ ْيثُ يَ ْ‬
‫ُن ْؤمِنَ حَتّى ُنؤْتَى مِ ْثلَ مَا أُو ِتيَ ُر ُ‬
‫رواية عن قتادة ‪ :‬يريدون أن يؤتوا براءة بغير عمل‪.‬‬
‫فقوله ‪ { :‬كَل َبلْ ل يَخَافُونَ الخِ َرةَ } أي ‪ :‬إنما أفسدهم عدم إيمانهم بها ‪ ،‬وتكذيبهم بوقوعها‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬كَل إِنّهُ تَ ْذكِ َرةٌ } أي ‪ :‬حقا إن القرآن تذكرة ‪،‬‬
‫{ َفمَنْ شَاءَ َذكَ َر ُه َومَا يَ ْذكُرُونَ إِل أَنْ َيشَاءَ اللّه } كقوله { َومَا َتشَاءُونَ إِل أَنْ يَشَاءَ } [ النسان ‪:‬‬
‫‪.]30‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬هوَ َأ ْهلُ ال ّتقْوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َمغْفِ َرةِ } أي ‪ :‬هو أهل أن يُخاف منه ‪ ،‬وهو أهل أن يَغفر ذنب‬
‫من تاب إليه وأناب‪ .‬قاله قتادة‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا زيد (‪ )3‬بن الحباب ‪ ،‬أخبرني سهيل ‪ -‬أخو حزم (‪ - )4‬حدثنا ثابت‬
‫البناني ‪ ،‬عن أنس بن مالك قال ‪ :‬قرأ رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ‪ُ { :‬هوَ أَ ْهلُ‬
‫ال ّت ْقوَى وَأَ ْهلُ ا ْل َم ْغفِ َرةِ } وقال ‪" :‬قال ربكم ‪ :‬أنا أهل أن أتقى ‪ ،‬فل يجعل معي إله ‪ ،‬فمن اتقى أن‬
‫يجعل معي إلها كان أهل أن أغفر له"‪.‬‬
‫ورواه الترمذي ‪ ،‬وابن ماجه من حديث زيد بن الحباب ‪ ،‬والنسائي من حديث المعافي بن عمران‬
‫سهَيل بن عبد ال القطعي ‪ ،‬به (‪ )5‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪ ،‬وسهيل ليس‬
‫كلهما عن ُ‬
‫سهَيل ‪ ،‬به‪ .‬وهكذا رواه أبو يعلى‬
‫بالقوي‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه ‪ ،‬عن هُدْبَة بن خالد ‪ ،‬عن ُ‬
‫سهَيل القُطَعي ‪ ،‬به‪)6( .‬‬
‫‪ ،‬والبَزار ‪ ،‬وال َبغَوي ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬من حديث ُ‬
‫آخر تفسير سوره "المدثر" ول الحمد والمنة‬
‫[وحسبنا ال ونعم الوكيل] (‪)7‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬يوسف بن ماهك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬بتار"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬حدثنا يزيد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬أخو حمزة"‪.‬‬
‫(‪ )5‬المسند (‪ ، )3/142‬وسنن الترمذي برقم (‪ ، )3328‬وسنن ابن ماجة برقم (‪ ، )4299‬وتفسير‬
‫النسائي (‪.)2/475‬‬
‫(‪ )6‬مسند أبي يعلى (‪ ، )6/66‬ومعالم التنزيل للبغوي (‪.)8/276‬‬
‫(‪ )7‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/274‬‬

‫جمَعَ عِظَامَهُ (‪ )3‬بَلَى‬


‫سبُ الْإِ ْنسَانُ أَلّنْ َن ْ‬
‫سمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )1‬وَلَا ُأقْسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ (‪ )2‬أَ َيحْ َ‬
‫لَا ُأقْ ِ‬
‫س ّويَ بَنَا َنهُ (‪َ )4‬بلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ (‪َ )5‬يسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )6‬فَِإذَا‬
‫قَادِرِينَ عَلَى أَنْ ُن َ‬
‫س وَا ْل َقمَرُ (‪َ )9‬يقُولُ الْإِ ْنسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ (‪)10‬‬
‫شمْ ُ‬
‫ج ِمعَ ال ّ‬
‫سفَ ا ْل َقمَرُ (‪ )8‬وَ ُ‬
‫بَرِقَ الْ َبصَرُ (‪ )7‬وَخَ َ‬
‫كَلّا لَا وَزَرَ (‪ )11‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ (‪ )12‬يُنَبّأُ الْإِنْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّمَ وَأَخّرَ (‪َ )13‬بلِ الْإِنْسَانُ‬
‫عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َرةٌ (‪ )14‬وََلوْ َأ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ (‪)15‬‬

‫تفسير سورة القيامة‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫جمَعَ عِظَامَهُ (‪ )3‬بَلَى‬
‫سبُ النْسَانُ أَلّنْ َن ْ‬
‫حَ‬‫سمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )1‬وَل ُأ ْقسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ (‪ )2‬أَيَ ْ‬
‫{ ل ُأقْ ِ‬
‫س ّويَ بَنَا َنهُ (‪َ )4‬بلْ يُرِيدُ النْسَانُ لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ (‪ )5‬يَسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ (‪ )6‬فَإِذَا‬
‫قَادِرِينَ عَلَى أَنْ ُن َ‬
‫س وَا ْل َقمَرُ (‪َ )9‬يقُولُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ (‬
‫شمْ ُ‬
‫ج ِمعَ ال ّ‬
‫سفَ ا ْل َقمَرُ (‪ )8‬وَ ُ‬
‫بَرِقَ الْ َبصَرُ (‪ )7‬وَخَ َ‬
‫‪ )10‬كَل ل وَزَرَ (‪ )11‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْل ُمسْ َتقَرّ (‪ )12‬يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّمَ وَأَخّرَ (‪َ )13‬بلِ‬
‫النْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َرةٌ (‪ )14‬وََلوْ َأ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ (‪} )15‬‬
‫قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفيًا ‪ ،‬جاز التيان بل قبل القسم لتأكيد النفي‪ .‬والمقسوم‬
‫عليه هاهنا هو إثبات الميعاد ‪ ،‬والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد من عدم بَعث الجساد ؛‬
‫سمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَ ِة وَل ُأ ْقسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ } قال الحسن ‪ :‬أقسم بيوم القيامة‬
‫ولهذا قال تعالى ‪ { :‬ل ُأقْ ِ‬
‫ولم يقسم بالنفس اللوامة‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬بل أقسم بهما جميعًا‪ .‬هكذا (‪ )1‬حكاه ابن أبي حاتم‪ .‬وقد‬
‫حكى ابن جرير ‪ ،‬عن الحسن والعرج أنهما قرآ ‪" :‬لقسم [بيوم القيامة] (‪ ، " )2‬وهذا يوجه قول‬
‫الحسن ؛ لنه أثبت القسم بيوم القيامة ونفى القسم بالنفس اللوامة‪ .‬والصحيح أنه أقسم بهما جميعا‬
‫كما قاله قتادة رحمه ال ‪ ،‬وهو المروي عن ابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫فأما يوم القيامة فمعروف ‪ ،‬وأما النفس اللوامة ‪ ،‬فقال قرة بن خالد ‪ ،‬عن الحسن البصري في هذه‬
‫الية ‪ :‬إن المؤمن ‪ -‬وال ‪ -‬ما نراه إل يلوم نفسه ‪ :‬ما أردت بكلمتي ؟ ما أردت بأكلتي ؟ ما‬
‫أردت بحديث نفسي ؟ وإن الفاجر يمضي قُدُما ما يعاتب نفسه‪.‬‬
‫جوَيْبر ‪ :‬بلغنا عن الحسن أنه قال في قوله ‪ { :‬وَل ُأ ْقسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ } قال ‪ :‬ليس أحد من‬
‫وقال ُ‬
‫أهل السموات والرض إل يلوم نفسه يوم القيامة‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن صالح بن (‪ )3‬مسلم ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن‬
‫عكْرِمة عن قوله ‪ { :‬وَل ُأ ْقسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ } قال ‪ :‬يلوم (‪ )4‬على الخير‬
‫سِماك ‪ :‬أنه سأل ِ‬
‫والشر ‪ :‬لو فعلت كذا وكذا‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬كذا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬عن"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬تلوم"‪.‬‬

‫( ‪)8/275‬‬

‫ورواه ابن جرير ‪ ،‬عن أبي كُرَيْب ‪ ،‬عن َوكِيع عن إسرائيل‪)1( .‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا محمد بن بشار ‪ ،‬حدثنا مؤمل ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن ابن جُرَيج ‪ ،‬عن‬
‫الحسن بن مسلم ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير في ‪ { :‬وَل ُأقْسِمُ بِال ّنفْسِ الّلوّامَةِ } قال ‪ :‬تلوم على الخير‬
‫والشر‪.‬‬
‫ثم رواه من وجه آخر عن سعيد أنه سأل ابن عباس عن ذلك ‪ :‬فقال ‪ :‬هي النفس اللؤوم‪)2( .‬‬
‫وقال علي ابن أبي نجيح ‪ ،‬عن مجاهد ‪ :‬تندم على ما فات وتلوم عليه‪.‬‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬اللوامة ‪ :‬المذمومة‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬الّلوّامَةِ } الفاجرة‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬وكل هذه القوال متقاربة المعنى ‪ ،‬الشبه بظاهر التنزيل أنها التي تلوم صاحبها‬
‫على الخير والشر وتندم على ما فات‪.‬‬
‫عظَامَهُ } أي ‪ :‬يوم القيامة ‪ ،‬أيظن أنا ل نقدر على إعادة‬
‫جمَعَ ِ‬
‫سبُ النْسَانُ أَلّنْ َن ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َيحْ َ‬
‫س ّويَ بَنَانَهُ } قال سعيد بن جُبَير‬
‫عظامه وجمعها من أماكنها المتفرقة ؟ { بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُ َ‬
‫خفّا أو حافرًا‪ .‬وكذا قال مجاهد ‪ ،‬وعكرمة ‪ ،‬والحسن ‪،‬‬
‫والعَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن نجعله (‪ُ )3‬‬
‫وقتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن جرير‪ .‬ووجّهه ابنُ جرير بأنه تعالى لو شاء لجعل ذلك في الدنيا‪.‬‬
‫ج َمعَ } أي ‪ :‬أيظن النسان أنا ل نجمع‬
‫والظاهر من الية أن قوله ‪ { :‬قَادِرِينَ } حال من قوله ‪ { :‬نَ ْ‬
‫سوّي بنانه ‪ ،‬أي ‪ :‬قدرتنا صالحة لجمعها ‪ ،‬ولو شئنا‬
‫عظامه ؟ بلى سنجمعها قادرين على أن نُ َ‬
‫لبعثناه أزيد مما كان ‪ ،‬فتجعل بنانه ‪ -‬وهي أطراف أصابعه ‪ -‬مستوية‪ .‬وهذا معنى قول ابن قتيبة‬
‫‪ ،‬والزجاج‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬بلْ يُرِيدُ النْسَانُ لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ } قال سعيد ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬يعني يمضي قدما‪.‬‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ } يعني ‪ :‬المل ‪ ،‬يقول النسان ‪ :‬أعمل ثم أتوب‬
‫قبل يوم القيامة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬هو الكفر بالحق بين يدي القيامة‪.‬‬
‫وقال مجاهد { لِ َيفْجُرَ َأمَامَهُ } ليمضي أمامه راكبا رأسه‪ .‬وقال الحسن ‪ :‬ل يلقى ابن آدم إل تنزع‬
‫نفسه إلى معصية ال قدما قدما ‪ ،‬إل من عصمه ال‪.‬‬
‫ورُوي عن عكرِمة ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي ‪ ،‬وغير واحد من السلف ‪ :‬هو الذي‬
‫ب ويُسوّف التوبة‪.‬‬
‫يَعجَل الذنو َ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬هو الكافر يكذب بيوم الحساب‪ .‬وكذا قال ابن زيد ‪،‬‬
‫وهذا هو الظهر من المراد ؛ ولهذا قال بعده { َيسَْألُ أَيّانَ َيوْمُ ا ْلقِيَامَةِ } ؟ أي ‪ :‬يقول متى يكون‬
‫يوم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/109‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/109‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬أن نحوله"‪.‬‬

‫( ‪)8/276‬‬

‫القيامة ؟ وإنما سؤاله سؤال استبعاد لوقوعه ‪ ،‬وتكذيب لوجوده ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَ َيقُولُونَ مَتَى‬
‫هَذَا ا ْلوَعْدُ إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ ُقلْ َلكُمْ مِيعَادُ َي ْو ٍم ل َتسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَ ًة وَل تَسْ َتقْ ِدمُونَ } [ سبأ ‪:‬‬
‫‪.] 30 ، 29‬‬
‫وقال تعالى ها هنا ‪ { :‬فَِإذَا بَرِقَ الْ َبصَرُ } قال أبو عمرو بن العلء ‪ { :‬بَرِقَ } بكسر الراء ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫حار‪ .‬وهذا الذي قاله شبيه بقوله تعالى ‪ { :‬ل يَرْتَدّ إِلَ ْي ِهمْ طَ ْر ُفهُمْ } [ إبراهيم ‪ ، ] 43 :‬بل ينظرون‬
‫من الفزع هكذا وهكذا ‪ ،‬ل يستقر لهم بصر على شيء ؛ من شدة الرعب‪.‬‬
‫وقرأ آخرون ‪" :‬بَ َرقَ" بالفتح ‪ ،‬وهو قريب في المعنى من الول‪ .‬والمقصود أن البصار تنبهر يوم‬
‫القيامة وتخشع وتحار وتذل من شدة الهوال ‪ ،‬ومن عظم ما تشاهده يوم القيامة من المور‪.‬‬
‫سفَ ا ْلقَمَرُ } أي ‪ :‬ذهب ضوءه‪.‬‬
‫خَ‬‫وقوله ‪ { :‬وَ َ‬
‫شمْسُ‬
‫س وَا ْل َقمَرُ } قال مجاهد ‪ُ :‬كوّرا‪ .‬وقرأ ابن زيد عند تفسير هذه الية ‪ { :‬إِذَا ال ّ‬
‫شمْ ُ‬
‫ج ِمعَ ال ّ‬
‫{ وَ ُ‬
‫ت وَإِذَا النّجُومُ ا ْن َكدَ َرتْ } [ التكوير ‪ ] 2 ، 1 :‬ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأ ‪" :‬وجُمع بين‬
‫ُكوّرَ ْ‬
‫الشمس والقمر"‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬يقُولُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ أَيْنَ ا ْل َمفَرّ } أي ‪ :‬إذا عاين ابنُ آدم هذه الهوال يوم القيامة ‪ ،‬حينئذ‬
‫يريد أن يفر ويقول ‪ :‬أين المفر ؟ أي ‪ :‬هل من ملجأ أو موئل ؟ قال ال تعالى ‪ { :‬كَل ل وَزَرَ‬
‫إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ } قال ابن مسعود ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وسعيد بن جُبَير ‪ ،‬وغير واحد من‬
‫السلف ‪ :‬أي ل نجاة‪.‬‬
‫وهذه كقوله ‪ { :‬مَا َل ُكمْ مِنْ مَلْجَإٍ َي ْومَئِذٍ َومَا َل ُكمْ مِنْ َنكِيرٍ } [ الشورى ‪ ] 47 :‬أي ‪ :‬ليس لكم مكان‬
‫تتنكرون فيه ‪ ،‬وكذا قال هاهنا { ل وَزَرَ } أي ‪ :‬ليس لكم مكان تعتصمون فيه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬إِلَى‬
‫رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمُسْ َتقَرّ } أي ‪ :‬المرجع والمصير‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬يُنَبّأُ النْسَانُ َي ْومَئِذٍ ِبمَا قَدّ َم وَأَخّرَ } أي ‪ :‬يخبر بجميع أعماله قديمها وحديثها ‪،‬‬
‫عمِلُوا حَاضِرًا وَل َيظْلِمُ رَ ّبكَ‬
‫جدُوا مَا َ‬
‫أولها وآخرها ‪ ،‬صغيرها وكبيرها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬وَوَ َ‬
‫حدًا } [ الكهف ‪ ] 49 :‬وهكذا قال هاهنا ‪َ { :‬بلِ النْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َر ٌة وََلوْ َأ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ }‬
‫أَ َ‬
‫أي ‪ :‬هو شهيد على نفسه ‪ ،‬عالم بما فعله ولو اعتذر وأنكر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ { :‬اقْرَأْ كِتَا َبكَ َكفَى‬
‫سكَ الْ َيوْمَ عَلَ ْيكَ حَسِيبًا } [ السراء ‪.] 14 :‬‬
‫بِ َنفْ ِ‬
‫وقال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬بلِ النْسَانُ عَلَى َنفْسِهِ َبصِي َرةٌ } يقول ‪ :‬سمعُه‬
‫وبصرُه ويداه ورجله وجوارحُه‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬شاهد على نفسه‪ .‬وفي رواية قال ‪ :‬إذا شئت ‪ -‬وال ‪ -‬رأيته بصيرا بعيوب الناس‬
‫وذنوبهم غافل عن ذنوبه ‪ ،‬وكان يقال ‪ :‬إن في النجيل مكتوبا ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬تُبصر القَذَاة في‬
‫عين أخيك ‪ ،‬وتترك الجِذْل (‪ )1‬في عينك ل تبصره‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وتترك الجذع"‪.‬‬

‫( ‪)8/277‬‬
‫ج ْمعَ ُه َوقُرْآَ َنهُ (‪ )17‬فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّ ِبعْ قُرْآَنَهُ (‪ )18‬ثُمّ‬
‫جلَ بِهِ (‪ )16‬إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫لَا تُحَ ّركْ ِبهِ لِسَا َنكَ لِ َت ْع َ‬
‫إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ (‪)19‬‬

‫وقال مجاهد ‪ { :‬وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } ولو جادل عنها فهو بصير عليها‪ .‬وقال قتادة ‪ { :‬وََلوْ أَ ْلقَى‬
‫َمعَاذِي َرهُ } ولو اعتذر يومئذ بباطل ل يقبل منه‪ .‬وقال السدي ‪ { :‬وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } حجته‪ .‬وكذا‬
‫قال ابن زيد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وغيرهم‪ .‬واختاره ابن جرير‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ ،‬عن زرارة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } يقول ‪ :‬لو ألقى ثيابه‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬ولو أرخى ستوره ‪ ،‬وأهل اليمن يسمون الستر ‪ :‬المعذار‪.‬‬
‫والصحيح قول مجاهد وأصحابه ‪ ،‬كقوله ‪ُ { :‬ثمّ لَمْ َتكُنْ فِتْنَ ُتهُمْ إِل أَنْ قَالُوا وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا‬
‫حِلفُونَ لَهُ َكمَا َيحِْلفُونَ َل ُك ْم وَيَحْسَبُونَ‬
‫جمِيعًا فَيَ ْ‬
‫مُشْ ِركِينَ } [ النعام ‪] 23 :‬وكقوله { َي ْومَ يَ ْبعَ ُثهُمُ اللّهُ َ‬
‫شيْءٍ أَل إِ ّن ُهمْ هُمُ ا ْلكَاذِبُونَ } [ المجادلة ‪.] 18 :‬‬
‫أَ ّنهُمْ عَلَى َ‬
‫وقال العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وََلوْ أَ ْلقَى َمعَاذِي َرهُ } هي العتذار (‪ )1‬ألم تسمع أنه قال ‪ { :‬ل‬
‫يَ ْنفَعُ الظّاِلمِينَ َمعْذِرَ ُت ُهمْ } [ غافر ‪ ] 52 :‬وقال { وَأَ ْلقَوْا إِلَى اللّهِ َي ْومَئِذٍ السَّلمَ } [ النحل ‪] 87 :‬‬
‫{ فَأَ ْل َقوُا السَّلمَ مَا كُنّا َن ْع َملُ مِنْ سُوءٍ } [ النحل ‪ ] 28 :‬وقولهم { وَاللّهِ رَبّنَا مَا كُنّا مُشْ ِركِينَ }‬
‫ج ْمعَ ُه َوقُرْآ َنهُ (‪ )17‬فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتّ ِبعْ قُرْآنَهُ (‪ )18‬ثُمّ‬
‫جلَ بِهِ (‪ )16‬إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫{ ل ُتحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ (‪} )19‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬هي العذار"‪.‬‬

‫( ‪)8/278‬‬

‫جلَةَ (‪ )20‬وَتَذَرُونَ الْآَخِ َرةَ (‪ )21‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَاضِ َرةٌ (‪ )22‬إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ (‬
‫كَلّا َبلْ تُحِبّونَ ا ْلعَا ِ‬
‫‪َ )23‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ (‪ )24‬تَظُنّ أَنْ ُي ْفعَلَ ِبهَا فَاقِ َرةٌ (‪)25‬‬

‫{ كَل َبلْ ُتحِبّونَ ا ْلعَاجِلَةَ (‪ )20‬وَتَذَرُونَ الخِ َرةَ (‪ )21‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَاضِ َرةٌ (‪ )22‬إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ (‬
‫‪َ )23‬ووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ (‪ )24‬تَظُنّ أَنْ ُي ْفعَلَ ِبهَا فَاقِ َرةٌ (‪} )25‬‬
‫هذا تعليم من ال عز وجل لرسوله صلى ال عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك ‪ ،‬فإنه‬
‫كان يبادر إلى أخذه ‪ ،‬ويسابق الملك في قراءته ‪ ،‬فأمره ال عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن‬
‫يستمع له ‪ ،‬وتكفل له أن يجمعه في صدره ‪ ،‬وأن ييسره لدائه على الوجه الذي ألقاه إليه ‪ ،‬وأن‬
‫يبينه له ويفسره ويوضحه‪ .‬فالحالة (‪ )1‬الولى جمعه في صدره ‪ ،‬والثانية تلوته ‪ ،‬والثالثة تفسيره‬
‫جلَ ِبهِ } أي ‪ :‬بالقرآن ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَل‬
‫وإيضاح معناه ؛ ولهذا قال ‪ { :‬ل تُحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫ك وَحْ ُي ُه َو ُقلْ َربّ ِزدْنِي عِ ْلمًا } [ طه ‪.] 114 :‬‬
‫جلْ بِا ْلقُرْآنِ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ ُي ْقضَى إِلَ ْي َ‬
‫َتعْ َ‬
‫ج ْمعَهُ } أي ‪ :‬في صدرك ‪َ { ،‬وقُرْآنَهُ } أي ‪ :‬أن تقرأه ‪ { ،‬فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي ‪:‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫إذا تله عليك الملك عن ال عز وجل ‪ { ،‬فَاتّبِعْ قُرْآ َنهُ } أي ‪ :‬فاستمع له ‪ ،‬ثم اقرأه كما أقرأك ‪،‬‬
‫{ ُثمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ } أي ‪ :‬بعد حفظه وتلوته نبينه لك ونوضحه ‪ ،‬ونلهمك معناه على ما أردنا‬
‫وشرعنا‪.‬‬
‫عوَانة ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة ‪ ،‬عن سعيد‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرحمن ‪ ،‬عن أبي َ‬
‫بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ‪،‬‬
‫فكان يحرك شفتيه ‪ -‬قال ‪ :‬فقال لي ابن عباس ‪ :‬أنا أحرك شفتي (‪ )2‬كما كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يحرك شفتيه‪ .‬وقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فالحال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أنا أحركهما"‪.‬‬

‫( ‪)8/278‬‬

‫لي سيعد ‪ :‬وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه ‪ -‬فأنزل ال عز وجل { ل ُتحَ ّركْ‬
‫ج ْمعَهُ َوقُرْآنَهُ } قال ‪ :‬جمعه في صدرك ‪ ،‬ثم تقرأه ‪ { ،‬فَإِذَا قَرَأْنَاهُ‬
‫جلَ بِهِ إِنّ عَلَيْنَا َ‬
‫بِهِ ِلسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫فَاتّبِعْ قُرْآ َنهُ } فاستمع له وأنصت ‪ { ،‬ثُمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما‬
‫أقرأه‪)1( .‬‬
‫وقد رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬من غير وجه ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة ‪ ،‬به (‪ )2‬ولفظ البخاري ‪:‬‬
‫فكان إذا أتاه جبريل أطرق ‪ ،‬فإذا ذهب قرأه كما وعده ال عز وجل (‪.)3‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبو سعيد الشج ‪ ،‬حدثنا أبو يحيى التيمي ‪ ،‬حدثنا موسى بن أبي‬
‫عائشة ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أنزل‬
‫عليه الوحي يلقى منه شدة ‪ ،‬وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه ‪ ،‬يتلقى أوله ويحرك به‬
‫جلَ ِبهِ }‬
‫شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره ‪ ،‬فأنزل ال ‪ { :‬ل تُحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫وهكذا قال الشعبي ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬إن هذه‬
‫الية نزلت في ذلك‪.‬‬
‫جلَ بِهِ } قال ‪:‬‬
‫وقد روى ابن جرير من طريق العوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬ل ُتحَ ّركْ بِهِ ِلسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫جلَ ِبهِ إِنّ عَلَيْنَا } أن‬
‫كان ل يفتر من القراءة مخافة أن ينساه ‪ ،‬فقال ال ‪ { :‬ل تُحَ ّركْ بِهِ لِسَا َنكَ لِ َتعْ َ‬
‫نجمعه لك { َوقُرْآنَهُ } أن نقرئك فل تنسى‪.‬‬
‫وقال ابن عباس وعطية العوفي ‪ُ { :‬ثمّ إِنّ عَلَيْنَا بَيَا َنهُ } تبيين حلله وحرامه‪ .‬وكذا قال قتادة‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬كَل َبلْ تُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَ َة وَتَذَرُونَ الخِ َرةَ } أي ‪ :‬إنما يحملهم على التكذيب بيوم القيامة‬
‫ومخالفة ما أنزله ال عز وجل على رسوله صلى ال عليه وسلم من الوحي الحق والقرآن العظيم‬
‫‪ :‬إنهم إنما همتهم إلى الدار الدنيا العاجلة ‪ ،‬وهم لهون متشاغلون عن الخرة‪.‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ُ { :‬وجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَاضِ َرةٌ } من النضارة ‪ ،‬أي حسنة َبهِيّة مشرقة مسرورة ‪ { ،‬إِلَى‬
‫رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ } أي ‪ :‬تراه عيانا ‪ ،‬كما رواه البخاري ‪ ،‬رحمه ال ‪ ،‬في صحيحه ‪" :‬إنكم سترون‬
‫ربكم عَيَانا"‪ )4( .‬وقد ثبتت رؤية المؤمنين ل عز وجل في الدار الخرة في الحاديث الصحاح ‪،‬‬
‫من طرق متواترة عند أئمة الحديث ‪ ،‬ل يمكن دفعها ول منعها ؛ لحديث أبي سعيد وأبي هريرة ‪-‬‬
‫وما في الصحيحين ‪ : -‬أن ناسا قالوا ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال ‪" :‬هل‬
‫ُتضَارّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سَحَاب ؟" قالوا ‪ :‬ل‪ .‬قال ‪" :‬فإنكم تَرَون ربكم‬
‫كذلك"‪ )5( .‬وفي الصحيحين عن جرير قال ‪ :‬نظر رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى القمر ليلة‬
‫البدر فقال ‪" :‬إنكم تَرَون ربكم كما ترون هذا القمر ‪ ،‬فإن استطعتم أل تُغلَبوا على صلة قبل‬
‫طلوع الشمس ول قبل‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬المسند (‪.)1/343‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )4928 ، 4927‬وصحيح مسلم برقم (‪.)448‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري برقم (‪.)4929‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري برقم (‪ )485 ، 573 ، 554‬من حديث جرير رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )5‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )7438 ، 7437‬وصحيح مسلم برقم (‪.)182‬‬

‫( ‪)8/279‬‬

‫غروبها فافعلوا" (‪ )1‬وفي الصحيحين عن أبي موسى قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"جَنّتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وجنتان من ِفضّة آنيتهما وما فيهما ‪ ،‬وما بين القوم وبين أن‬
‫ينظروا إلى ال إل رِدَاء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"‪ )2( .‬وفي أفراد مسلم ‪ ،‬عن صهيب ‪،‬‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬إذا دخل أهلُ الجنة الجنة" قال ‪" :‬يقول ال تعالى ‪ :‬تريدون‬
‫شيئا أزيدكم ؟ فيقولون ‪ :‬ألم تُبَيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟" قال ‪" :‬فيكشف‬
‫الحجاب ‪ ،‬فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ‪ ،‬وهي الزيادة"‪ .‬ثم تل هذه الية ‪:‬‬
‫{ لِلّذِينَ َأحْسَنُوا ا ْلحُسْنَى وَزِيَا َدةٌ } [ يونس ‪)3( .] 26 :‬‬
‫وفي أفراد مسلم ‪ ،‬عن جابر في حديثه ‪" :‬إن ال يَتَجلّى للمؤمنين يضحك" (‪ - )4‬يعني في‬
‫عرصات القيامة ‪ -‬ففي هذه الحاديث أن المؤمنين ينظرون (‪ )5‬إلى ربهم عز وجل في‬
‫العرصات ‪ ،‬وفي روضات الجنات‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو معاوية ‪ ،‬حدثنا عبد الملك بن أبجر ‪ ،‬حدثنا ُثوَير (‪ )6‬بن أبي‬
‫فاختة ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة‬
‫لينظر في ملكه ألفي سنة ‪ ،‬يرى أقصاه كما يرى أدناه ‪ ،‬ينظر إلى أزواجه وخدمه‪ .‬وإن أفضلهم‬
‫منزلة لينظر إلى وجه ال كل يوم مرتين"‪)7( .‬‬
‫ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ‪ ،‬عن شَبابة ‪ ،‬عن إسرائيل ‪ ،‬عن ُثوَير قال ‪" :‬سمعت ابن‬
‫عمر‪ ."..‬فذكره ‪ ،‬قال ‪" :‬ورواه عبد الملك بن أبجر ‪ ،‬عن ُثوَير ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر ‪،‬‬
‫قوله"‪ .‬وكذلك رواه الثوري ‪ ،‬عن ُثوَير ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬لم يرفعه (‪ )8‬ولول خشية‬
‫الطالة لوردنا الحاديث بطرقها وألفاظها من الصحاح والحسان والمسانيد والسنن ‪ ،‬ولكن ذكرنا‬
‫ذلك مفرقا في مَواضِعَ من هذا التفسير ‪ ،‬وبال التوفيق (‪ .)9‬وهذا بحمد ال مجمع عليه بين‬
‫الصحابة والتابعين وسلف هذه المة ‪ ،‬كما هو متفق عليه بين أئمة السلم‪ .‬وهُدَاة النام‪.‬‬
‫ومن تأول ذلك بأن المراد بـ { إِلَى } مفرد اللء ‪ ،‬وهي النعم ‪ ،‬كما قال الثوري ‪ ،‬عن‬
‫منصور ‪ ،‬عن مجاهد ‪ { :‬إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ } فقال تنتظر الثواب من ربها‪ .‬رواه ابن جرير من‬
‫غير وجه عن مجاهد‪ .‬وكذا قال أبو صالح أيضا ‪ -‬فقد أبعد هذا القائل (‪ )10‬النجعة ‪ ،‬وأبطل فيما‬
‫ذهب إليه‪ .‬وأين هو من قوله تعالى ‪ { :‬كَل إِ ّن ُهمْ عَنْ رَ ّبهِمْ َي ْومَئِذٍ َل َمحْجُوبُونَ } ؟[ المطففين ‪:‬‬
‫‪ ، ] 15‬قال الشافعي ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬ما حَجَب الفجار إل وقد عَلم أن البرار يرونه عز وجل‪ .‬ثم‬
‫قد تواترت الخبار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بما دل عليه سياق الية الكريمة ‪ ،‬وهي‬
‫قوله ‪ { :‬إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ } قال ابن جرير ‪:‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )7436 ، 7434‬وصحيح مسلم برقم (‪.)633‬‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري برقم (‪ ، )7444‬وصحيح مسلم برقم (‪.)180‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم برقم (‪.)181‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪.)191‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬ينظروا"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬حدثنا يزيد‪.‬‬
‫(‪ )7‬المسند (‪.)2/13‬‬
‫(‪ )8‬سنن الترمذي برقم (‪.)3330‬‬
‫(‪ )9‬وانظر ‪ :‬كتاب النهاية في الفتن والملحم للحافظ ابن كثير (‪ )2/300‬فقد أطال قي ذكر‬
‫أحاديث الرؤية‪.‬‬
‫(‪ )10‬في م ‪" :‬الناظر"‪.‬‬

‫( ‪)8/280‬‬
‫كَلّا إِذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ (‪َ )26‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ (‪ )27‬وَظَنّ أَنّهُ ا ْلفِرَاقُ (‪ )28‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ (‬
‫ب وَ َتوَلّى (‪ُ )32‬ثمّ َذ َهبَ ِإلَى‬
‫ق وَلَا صَلّى (‪ )31‬وََلكِنْ كَ ّذ َ‬
‫‪ )29‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمَسَاقُ (‪ )30‬فَلَا صَدّ َ‬
‫سدًى (‬
‫سبُ الْإِ ْنسَانُ أَنْ يُتْ َركَ ُ‬
‫أَهْلِهِ يَ َتمَطّى (‪َ )33‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )35‬أَ َيحْ َ‬
‫ج َعلَ مِنْهُ ال ّز ْوجَيْنِ ال ّذكَرَ‬
‫سوّى (‪ )38‬فَ َ‬
‫طفَةً مِنْ مَ ِنيّ ُيمْنَى (‪ُ )37‬ثمّ كَانَ عََلقَةً فَخََلقَ فَ َ‬
‫‪ )36‬أَلَمْ َيكُ نُ ْ‬
‫وَالْأُنْثَى (‪ )39‬أَلَ ْيسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى (‪)40‬‬

‫حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ‪ ،‬حدثنا آدم ‪ ،‬حدثنا المبارك عن الحسن ‪ { :‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ‬
‫حقّ لها أن تَنضُر وهي‬
‫نَاضِ َرةٌ } قال ‪ :‬حسنة ‪ { ،‬إِلَى رَ ّبهَا نَاظِ َرةٌ } قال تنظر إلى الخالق ‪ ،‬و ُ‬
‫تنظر إلى الخالق (‪.)1‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ بَاسِ َرةٌ } هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة‪ .‬قال قتادة ‪ :‬كالحة‪.‬‬
‫وقال السدي ‪ :‬تغير ألوانها‪ .‬وقال ابن زيد { بَاسِ َرةٌ } أي ‪ :‬عابسة‪.‬‬
‫{ َتظُنّ } أي ‪ :‬تستيقن ‪ { ،‬أَنْ ُيفْ َعلَ ِبهَا فَاقِ َرةٌ } قال مجاهد ‪ :‬داهية‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬شر‪ .‬وقال السدي‬
‫‪ :‬تستيقن أنها هالكة‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬تظن أن ستدخل النار‪.‬‬
‫سوَ ّد وُجُوهٌ } [ أل عمران ‪ ] 106 :‬وكقوله { وُجُوهٌ‬
‫ض وُجُو ٌه وَتَ ْ‬
‫وهذا المقام كقوله ‪َ { :‬يوْمَ تَبْ َي ّ‬
‫حكَةٌ مُسْتَ ْبشِ َر ٌة َووُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ عَلَ ْيهَا غَبَ َرةٌ تَرْ َه ُقهَا قَتَ َرةٌ أُولَ ِئكَ ُهمُ ا ْل َكفَ َرةُ ا ْلفَجَ َرةُ } [‬
‫سفِ َرةٌ ضَا ِ‬
‫َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬
‫شعَةٌ عَامَِلةٌ نَاصِبَةٌ َتصْلَى نَارًا حَامِيَةً } إلى قوله ‪{ :‬‬
‫عبس ‪ ] 42 - 38 :‬وكقوله { وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ خَا ِ‬
‫سعْ ِيهَا رَاضِيَةٌ فِي جَنّةٍ عَالِ َيةٍ } [ الغاشية ‪ ] 10 - 2 :‬في أشباه ذلك من‬
‫عمَةٌ لِ َ‬
‫وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ نَا ِ‬
‫اليات والسياقات‪.‬‬
‫{ كَل ِإذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ (‪َ )26‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ (‪ )27‬وَظَنّ أَنّهُ ا ْلفِرَاقُ (‪ )28‬وَالْ َت ّفتِ السّاقُ بِالسّاقِ (‬
‫‪ )29‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْلمَسَاقُ (‪ )30‬فَل صَدّقَ وَل صَلّى (‪ )31‬وََلكِنْ كَ ّذبَ وَتَوَلّى (‪ )32‬ثُمّ ذَ َهبَ‬
‫سبُ النْسَانُ أَنْ يُتْ َركَ‬
‫إِلَى أَهْلِهِ يَ َتمَطّى (‪َ )33‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )34‬ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى (‪ )35‬أَ َيحْ َ‬
‫ج َعلَ مِ ْنهُ ال ّزوْجَيْنِ‬
‫سوّى (‪َ )38‬ف َ‬
‫طفَةً مِنْ مَنِيّ ُيمْنَى (‪ )37‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ فَ َ‬
‫سُدًى (‪ )36‬أََلمْ َيكُ ُن ْ‬
‫ال ّذكَ َر وَالنْثَى (‪ )39‬أَلَ ْيسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى (‪} )40‬‬
‫يخبر تعالى عن حالة الحتضار وما عنده من الهوال ‪ -‬ثبتنا ال هنالك بالقول الثابت ‪ -‬فقال‬
‫تعالى ‪ { :‬كَل إِذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ } إن جعلنا { كَل } رداعة فمعناها ‪ :‬لست يا ابن آدم تكذب هناك‬
‫بما أخبرت به ‪ ،‬بل صار ذلك عندك عيانا‪ .‬وإن جعلناها بمعنى(حقا) فظاهر ‪ ،‬أي ‪ :‬حقا إذا بلغت‬
‫التراقي ‪ ،‬أي ‪ :‬انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك ‪ ،‬والتراقي ‪ :‬جمع ترقوة ‪ ،‬وهي العظام‬
‫التي بين ثغرة النحر والعاتق ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬فََلوْل إِذَا بََل َغتِ ا ْلحُ ْلقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَ ِئذٍ تَ ْنظُرُونَ وَ َنحْنُ َأقْ َربُ‬
‫جعُونَهَا إِنْ كُنْ ُت ْم صَا ِدقِينَ } [ الواقعة‬
‫إِلَيْهِ مِ ْنكُمْ وََلكِنْ ل تُ ْبصِرُونَ فََلوْل (‪ )2‬إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَ ْر ِ‬
‫‪ .] 87 - 83 :‬وهكذا قال هاهنا ‪ { :‬كَل ِإذَا بََل َغتِ التّرَا ِقيَ } ويذكر هاهنا حديث بُسْر بن جِحاش‬
‫الذي تقدم في سورة "يس" (‪ .)3‬والتراقي ‪ :‬جمع ترقوة ‪ ،‬وهي قريبة من الحلقوم‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تفسير الطبري (‪.)29/119‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬كل" وهو خطأ‪.‬‬
‫(‪ )3‬حديث بسر بن جحاش ‪ ،‬رواه المام أحمد في المسند (‪ )4/310‬من طريق جبير بن نفير ‪،‬‬
‫عن بسر بن جحاش ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم بصق يومًا في كفه فوضع عليها إصبعه‬
‫ثم قال ‪" :‬قال ال تعالى ‪ :‬ابن آدم أني تعجزني وقد خلقتك مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك ‪،‬‬
‫مشيت بين برديك وللرض منك وئيد ‪ ،‬فجمعت ومنعت ‪ ،‬حتى إذا بلغت التراقي قلت ‪ :‬أتصدق‬
‫وأنى أوان الصدقة ؟!" وقد سبق عند تفسير الية ‪ 77 :‬من سورة يس‪.‬‬

‫( ‪)8/281‬‬

‫{ َوقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قال ‪ :‬عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أي من راق يرقى ؟ وكذا قال أبو قلبة ‪:‬‬
‫{ َوقِيلَ مَنْ رَاقٍ } أي ‪ :‬من طبيب شاف‪ .‬وكذا قال قتادة ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬وابن زيد‪.‬‬
‫وقال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا نصر بن علي ‪ ،‬حدثنا روح بن المسيب أبو رجاء‬
‫الكلبي ‪ ،‬حدثنا عمرو بن مالك ‪ ،‬عن أبي الجوزاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪َ { :‬وقِيلَ مَنْ رَاقٍ } قال ‪ :‬قيل‬
‫‪ :‬من يرقى بروحه ‪ :‬ملئكة الرحمة أم ملئكة العذاب ؟ فعلى هذا يكون من كلم الملئكة‪.‬‬
‫وبهذا السناد ‪ ،‬عن ابن عباس في قوله ‪ { :‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ } قال ‪ :‬التفت عليه الدنيا‬
‫والخرة‪ .‬وكذا قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬وَالْ َت ّفتِ السّاقُ بِالسّاقِ } يقول ‪ :‬آخر‬
‫يوم في الدنيا ‪ ،‬وأول يوم من أيام الخرة ‪ ،‬فتلتقي الشدة بالشدة إل من رحم ال‪.‬‬
‫وقال عكرمة ‪ { :‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ } المر العظيم بالمر العظيم‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬بلء ببلء‪.‬‬
‫وقال الحسن البصري في قوله ‪ { :‬وَالْ َتفّتِ السّاقُ بِالسّاقِ } هما ساقاك إذا التفتا (‪ .)1‬وفي رواية‬
‫عنه ‪ :‬ماتت رجله فلم تحمله ‪ ،‬وقد كان عليها جوال‪ .‬وكذا قال السدي ‪ ،‬عن أبي مالك‪.‬‬
‫وفي رواية عن الحسن ‪ :‬هو لفهما في الكفن‪.‬‬
‫وقال الضحاك ‪ { :‬وَالْ َت ّفتِ السّاقُ بِالسّاقِ } اجتمع عليه أمران ‪ :‬الناس يجهزون جسده ‪ ،‬والملئكة‬
‫يجهزون روحه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬إِلَى رَ ّبكَ َي ْومَئِذٍ ا ْل َمسَاقُ } أي ‪ :‬المرجع والمآب ‪ ،‬وذلك أن الروح ترفع إلى السماوات ‪،‬‬
‫فيقول ال عز وجل ‪ :‬ردوا عبدي إلى الرض ‪ ،‬فإني منها خلقتهم ‪ ،‬وفيها أعيدهم ‪ ،‬ومنها‬
‫أخرجهم تارة أخرى‪ .‬كما ورد في حديث البراء الطويل‪ .‬وقد قال ال تعالى ‪ { :‬وَ ُهوَ ا ْلقَاهِرُ َفوْقَ‬
‫ح َدكُمُ ا ْل َم ْوتُ َت َوفّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ ل ُيفَرّطُونَ ُثمّ رُدّوا إِلَى‬
‫حفَظَةً حَتّى إِذَا جَاءَ أَ َ‬
‫سلُ عَلَ ْيكُمْ َ‬
‫عِبَا ِد ِه وَيُرْ ِ‬
‫حكْ ُم وَ ُهوَ أَسْ َرعُ ا ْلحَاسِبِينَ } [ النعام ‪.] 62 ، 61 :‬‬
‫حقّ أَل لَهُ ا ْل ُ‬
‫اللّهِ َموْلهُمُ الْ َ‬
‫ب وَ َتوَلّى } هذا إخبار عن الكافر الذي كان في الدار الدنيا‬
‫ق وَل صَلّى وََلكِنْ كَ ّذ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬فَل صَدّ َ‬
‫مكذبا للحق بقلبه ‪ ،‬متوليا عن العمل بقالبه ‪ ،‬فل خير فيه باطنا ول ظاهرا ‪ ،‬ولهذا قال ‪ { :‬فَل‬
‫صَدّقَ وَل صَلّى وََلكِنْ َك ّذبَ وَ َتوَلّى ثُمّ ذَ َهبَ إِلَى أَهْلِهِ يَ َت َمطّى } أي ‪ :‬جَذل (‪ .)2‬أشرا بَطرا كسلنا‬
‫‪ ،‬ل همة له ول عمل ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬وَإِذَا ا ْنقَلَبُوا إِلَى أَهِْل ِهمُ ا ْنقَلَبُوا َف ِكهِينَ } [المطففين ‪ .]34 :‬وقال‬
‫{ إِنّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ َمسْرُورًا إِنّهُ ظَنّ أَنْ لَنْ َيحُورَ } أي ‪ :‬يرجع { بَلَى إِنّ رَبّهُ كَانَ ِبهِ َبصِيرًا }‬
‫[النشقاق ‪.]15 - 13 :‬‬
‫وقال الضحاك ‪ :‬عن ابن عباس ‪ { :‬ثُمّ ذَ َهبَ إِلَى أَهِْلهِ يَ َتمَطّى } [أي] (‪ .)3‬يختال‪ .‬وقال قتادة ‪،‬‬
‫وزيد بن أسلم ‪ :‬يتبختر‪.‬‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى } وهذا تهديد ووعيد أكيد منه تعالى للكافر به‬
‫المتبختر في مشيته ‪ ،‬أي ‪ :‬يحق لك أن تمشي هكذا وقد كفرت بخالقك وبارئك ‪ ،‬كما يقال‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬إذا التقيا"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬أي جزلن"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م‪.‬‬

‫( ‪)8/282‬‬

‫في مثل هذا على سبيل التهكم والتهديد كقوله ‪ { :‬ذُقْ إِ ّنكَ أَ ْنتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْلكَرِيمُ } [الدخان ‪ .]49 :‬و‬
‫كقوله ‪ { :‬كُلُوا وَ َتمَ ّتعُوا قَلِيل إِ ّنكُمْ مُجْ ِرمُونَ } [المرسلت ‪ ، ]46 :‬وكقوله { فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ‬
‫عمَلُوا مَا شِئْتُمْ } [فصلت ‪ .]40 :‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫دُونِهِ } [الزمر ‪ ، ]15 :‬وكقوله { ا ْ‬
‫وقد قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن ‪ -‬يعني ابن مهدي ‪-‬‬
‫عن إسرائيل ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة قال ‪ :‬سألت سعيد بن جبير قلت ‪َ { :‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى ُثمّ‬
‫َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى } ؟ قال ‪ :‬قاله النبي صلى ال عليه وسلم لبي جهل ‪ ،‬ثم نزل به القرآن‪.‬‬
‫وقال أبو عبد الرحمن النسائي ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن يعقوب (‪ .)1‬حدثنا أبو النعمان ‪ ،‬حدثنا أبو‬
‫عوَانة ‪( -‬ح) وحدثنا أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن سليمان (‪ .)2‬حدثنا أبو عوانة ‪ -‬عن موسى بن‬
‫َ‬
‫أبي عائشة ‪ ،‬عن سعيد بن جبير قال ‪ :‬قلت لبن عباس ‪َ { :‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى ثُمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى } ؟‬
‫قال ‪ :‬قاله رسول ال صلى ال عليه وسلم (‪ )3‬ثم أنزله ال عز وجل (‪.)4‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬وحدثنا أبي ‪ ،‬حدثنا هشام بن خالد ‪ ،‬حدثنا شعيب عن إسحاق ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪،‬‬
‫عن قتادة ‪ ،‬قوله ‪َ { :‬أوْلَى َلكَ فََأوْلَى ُثمّ َأوْلَى َلكَ فََأوْلَى } وعيد على أثر وعيد ‪ ،‬كما تسمعون ‪،‬‬
‫وزعموا أن عدو ال أبا جهل أخذ نَبيّ ال بمجامع ثيابه ‪ ،‬ثم قال ‪" :‬أولى لك فأولى ثم أولى لك‬
‫فأولى"‪ .‬فقال عدو ال أبو جهل ‪ :‬أتوعدني يا محمد ؟ وال ل تستطيع أنت ول ربك شيئا ‪ ،‬وإني‬
‫لعز من مشى بين جبليها‪.‬‬
‫سبُ النْسَانُ أَنْ يُتْ َركَ سُدًى } قال السدي ‪ :‬يعني ‪ :‬ل يبعث‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬أَ َيحْ َ‬
‫وقال مجاهد ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ‪ :‬يعني ل يؤمر ول ينهى‪.‬‬
‫والظاهر أن الية تعم الحالين ‪ ،‬أي ‪ :‬ليس يترك في هذه الدنيا مهمل ل يؤمر ول ينهى ‪ ،‬ول‬
‫يترك في قبره سدى ل يبعث ‪ ،‬بل هو مأمور منهي في الدنيا ‪ ،‬محشور إلى ال في الدار الخرة‪.‬‬
‫والمقصود هنا إثبات المعاد ‪ ،‬والرد على من أنكره من أهل الزيغ والجهل والعناد (‪ ، )5‬ولهذا قال‬
‫مستدل على العادة بالبداءة فقال‪.‬‬
‫طفَةً مِنْ مَنِيّ ُيمْنَى } ؟ أي ‪ :‬أما كان النسان نطفة ضعيفة من ماء مهين ‪ ،‬يمنى يراق‬
‫{ أََلمْ َيكُ ُن ْ‬
‫شكّل‬
‫سوّى } أي ‪ :‬فصار علقة ‪ ،‬ثم مضغة ‪ ،‬ثم ُ‬
‫من الصلب في الرحام‪ { .‬ثُمّ كَانَ عََلقَةً َفخَلَقَ فَ َ‬
‫ونفخ فيه الروح ‪ ،‬فصار خلقا آخر سَويًا سليم العضاء ‪ ،‬ذكرا أو أنثى بإذن ال وتقديره ؛ ولهذا‬
‫ج َعلَ مِنْهُ ال ّزوْجَيْنِ ال ّذكَرَ وَالنْثَى }‬
‫قال ‪َ { :‬ف َ‬
‫ثم قال ‪ { :‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } أي ‪ :‬أما هذا الذي أنشأ هذا الخلق السوي من‬
‫هذه النطفة الضعيفة بقادر على أن يعيده كما بدأه ؟ وتناولُ القدرة للعادة إما بطريق الولى‬
‫بالنسبة إلى البداءة ‪ ،‬وإما مساوية على القولين في قوله ‪ { :‬وَ ُهوَ الّذِي يَبْ َدأُ الْخَ ْلقَ ُثمّ ُيعِي ُد ُه وَ ُهوَ‬
‫أَ ْهوَنُ عَلَيْهِ } [الروم ‪.]27 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬يعقوب بن إبراهيم" والمثبت من سنن النسائي الكبري (‪.)11638‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬عن ابن سليمان"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في م ‪" :‬قاله رسول ال صلى ال عليه وسلم لبي جهل"‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن النسائي الكبري برقم (‪.)11638‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬والفساد"‪.‬‬

‫( ‪)8/283‬‬

‫والول أشهر كما تقدم في سورة "الروم" بيانه وتقريره ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ‪ ،‬حدثنا شبابة ‪ ،‬عن شعبة ‪ ،‬عن موسى بن‬
‫أبي عائشة ‪ ،‬عن آخر ‪ :‬أنه كان فوق سطح يقرأ ويرفع صوته بالقرآن ‪ ،‬فإذا قرأ ‪ { :‬أَلَيْسَ ذَِلكَ‬
‫ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ؟ قال ‪ :‬سبحانك اللهم فبلى‪ .‬فسئل عن ذلك فقال ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ذلك‪ .‬وقال أبو داود ‪ ،‬رحمه ال ‪ :‬حدثنا محمد بن المثنى ‪ ،‬حدثنا‬
‫محمد بن جعفر ‪ ،‬حدثنا شعبة ‪ ،‬عن موسى بن أبي عائشة قال ‪ :‬كان رجل يصلي فوق بيته ‪،‬‬
‫فكان إذا قرأ ‪ { :‬أَلَ ْيسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ؟ قال (‪ )1‬سبحانك ‪ ،‬فبلى ‪ ،‬فسألوه عن‬
‫ذلك فقال ‪ :‬سمعته من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫تفرد به أبو داود (‪ )2‬ولم يسم هذا الصحابي ‪ ،‬ول يضر ذلك‪.‬‬
‫وقال أبو داود أيضا ‪ :‬حدثنا عبد ال بن محمد الزهري ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬حدثني إسماعيل بن أمية‬
‫‪ :‬سمعت أعرابيا يقول ‪ :‬سمعت أبا هُرَيرة يقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬من قرأ‬
‫حكَمِ الْحَا ِكمِينَ } ؟ فليقل ‪ :‬بلى ‪ ،‬وأنا على‬
‫منكم بالتين والزيتون فانتهى إلى آخرها ‪ { :‬أَلَ ْيسَ اللّهُ بِأَ ْ‬
‫ذلك من الشاهدين‪ .‬ومن قرأ ‪ { :‬ل ُأقْسِمُ بِ َيوْمِ ا ْلقِيَامَةِ } فانتهى إلى ‪ { :‬أَلَيْسَ َذِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ‬
‫حدِيثٍ َبعْ َدهُ ُي ْؤمِنُونَ } ؟‬
‫يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ؟ فليقل ‪ :‬بلى‪ .‬ومن قرأ ‪ { :‬وَا ْلمُرْسَلت } فبلغ { فَبَِأيّ َ‬
‫فليقل ‪ :‬آمنا بال"‪.‬‬
‫ورواه أحمد ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة‪ .‬ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ‪ ،‬عن سفيان بن عيينة (‬
‫‪ .)3‬وقد رواه شعبة ‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية قال ‪ :‬قلت له ‪ :‬من حدثك ؟ قال رجل صدق ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة (‪)4‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا بشر ‪ ،‬حدثنا يزيد ‪ ،‬حدثنا سعيد ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬قوله ‪ { :‬أَلَيْسَ ذَِلكَ ِبقَادِرٍ‬
‫عَلَى أَنْ يُحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ُذكِر لنا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان إذا قرأها قال ‪" :‬سبحانك‬
‫وبلى" (‪.)5‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا أحمد بن سنان الواسطي ‪ ،‬حدثنا أبو أحمد الزبيري ‪ ،‬حدثنا سفيان ‪ ،‬عن‬
‫أبي إسحاق ‪ ،‬عن مسلم البطين ‪ ،‬عن سعيد بن جُبَير ‪ ،‬عن ابن عباس أنه مر بهذه الية ‪ { :‬أَلَيْسَ‬
‫ذَِلكَ ِبقَادِرٍ عَلَى أَنْ ُيحْ ِييَ ا ْل َموْتَى } ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬سبحانك ؛ فبلى‪.‬‬
‫آخر تفسير سورة "القيامة" ول الحمد والمنة‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنن أبي داود برقم (‪ ، )884‬ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (‪.)2/310‬‬
‫(‪ )3‬سنن أبي داود برقم (‪ ، )887‬والمسند (‪ ، )2/249‬وسنن الترمذي برقم (‪ .)3347‬وقد جاء‬
‫تسمية هذا العرابي في رواية الحاكم ‪ ،‬فرواه في المستدرك (‪ )2/510‬من طريق يزيد بن عياض‬
‫‪ ،‬عن إسماعيل بن أمية ‪ ،‬عن أبي اليسع ‪ ،‬عن أبي هريرة بنحوه وقال ‪" :‬هذا حديث صحيح‬
‫السناد ولم يخرجاه"‪ .‬قلت ‪ :‬يزيد بن عياض كذاب‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬تحفة الشراف للمزي (‪ ، )11/105‬وقد ذكر له متابعات أخرى‪.‬‬
‫(‪ )5‬تفسير الطبري (‪.)29/125‬‬

‫( ‪)8/284‬‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ‬
‫َهلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئًا مَ ْذكُورًا (‪ )1‬إِنّا خََلقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ ُن ْ‬
‫سمِيعًا َبصِيرًا (‪ )2‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرًا وَِإمّا َكفُورًا (‪)3‬‬
‫جعَلْنَاهُ َ‬
‫نَبْتَلِيهِ َف َ‬

‫تفسير سورة النسان‬


‫وهي مكية‪.‬‬
‫قد تقدم في صحيح مسلم ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم كان يقرأ في‬
‫صلة الصبح يوم الجمعة " الم تَنزيلُ " السجدة ‪ ،‬و " َهلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ " (‪)1‬‬
‫وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرنا ابن زيد ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأ هذه السورة ‪" :‬‬
‫َهلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ " وقد أنزلت عليه وعنده رجل أسود ‪ ،‬فلما بلغ صفة‬
‫الجنان ‪ ،‬زفر زفرة فخرجت نفسه‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬أخرج نفس (‪)2‬‬
‫صاحبكم ‪ -‬أو قال ‪ :‬أخيكم ‪ -‬الشوقُ إلى الجنة"‪ .‬مرسل غريب (‪.)3‬‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ‬
‫{ َهلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئًا مَ ْذكُورًا (‪ )1‬إِنّا خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ نُ ْ‬
‫سمِيعًا َبصِيرًا (‪ )2‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرًا وَِإمّا َكفُورًا (‪} )3‬‬
‫جعَلْنَاهُ َ‬
‫نَبْتَلِيهِ َف َ‬
‫يقول تعالى مخبرًا عن النسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئًا يذكر (‪ )4‬لحقارته وضعفه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫{ َهلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ َيكُنْ شَيْئًا مَ ْذكُورًا } ؟‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ } أي ‪ :‬أخلط‪ .‬والمشج والمشيج ‪ :‬الشيء‬
‫ثم بين ذلك فقال ‪ { :‬إِنّا خََلقْنَا النْسَانَ مِنْ نُ ْ‬
‫الخَليط (‪ ، )5‬بعضه في بعض‪.‬‬
‫طفَةٍ َأمْشَاجٍ } يعني ‪ :‬ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا‬
‫قال ابن عباس في قوله ‪ { :‬مِنْ نُ ْ‬
‫واختلطا ‪ ،‬ثم ينتقل بعد من طور إلى طور ‪ ،‬وحال إلى حال ‪ ،‬ولون إلى لون‪ .‬وهكذا قال عكرمة‬
‫‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والربيع بن أنس ‪ :‬المشاج ‪ :‬هو اختلط ماء الرجل بماء المرأة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬تقدم حديث أبي هريرة عند تفسير أول سورة السجدة وخرجناه هناك ‪ ،‬أما حديث ابن عباس‬
‫فلم يتقدم ‪ ،‬وهو في صحيح مسلم برقم (‪.)879‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬روح"‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد جاء موصول ‪ ،‬فرواه الطبراني في المعجم الوسط برقم (‪" )4774‬مجمع البحرين" من‬
‫طريق عفيف بن سالم ‪ ،‬عن أيوب بن عتبه ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أن رجل من الحبشة ‪،‬‬
‫فذكر قصة طويلة وفيها ‪ :‬أن نزلت هذه السورة وهو عند الرسول فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل ترى‬
‫عيني في الجنة مثل ما ترى عينك ؟ فقال النبي ‪" :‬نعم" فبكى الحبشى حتى فاضت نفسه‪ .‬وقال‬
‫الطبراني ‪" :‬ل يروى عن ابن عمر إل بهذا السناد ‪ ،‬تفرد به عفيف"‪ .‬وسيأتي الحديث عند آخر‬
‫السورة من رواية الطبراني‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬مذكورًا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في م ‪" :‬المختلط"‪.‬‬

‫( ‪)8/285‬‬

‫جعَلْنَاهُ‬
‫عمَل } [ الملك ‪ { .] 2 :‬فَ َ‬
‫وقوله ‪ { :‬نَبْتَلِيهِ } أي ‪ :‬نختبره ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬لِيَبُْل َوكُمْ أَ ّيكُمْ َأحْسَنُ َ‬
‫سمِيعًا َبصِيرًا } أي ‪ :‬جعلنا له سمعا وبصرًا يتمكن بهما من الطاعة والمعصية‪.‬‬
‫َ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ } أي ‪ :‬بيناه له ووضحناه وبصرناه به ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬وََأمّا َثمُودُ َفهَدَيْنَا ُهمْ‬
‫جدَيْنِ } [ البلد ‪، ] 10 :‬‬
‫فَاسْتَحَبّوا ا ْل َعمَى عَلَى ا ْلهُدَى } [ فصلت ‪ ، ] 17 :‬وكقوله ‪ { :‬وَ َهدَيْنَاهُ النّ ْ‬
‫أي ‪ :‬بينا له طريق الخير وطريق الشر‪ .‬وهذا قول عكرمة ‪ ،‬وعطية ‪ ،‬وابن زيد ‪ ،‬ومجاهد ‪ -‬في‬
‫المشهور عنه ‪ -‬والجمهور‪.‬‬
‫ورُوي عن مجاهد ‪ ،‬وأبي صالح ‪ ،‬والضحاك ‪ ،‬والسدي أنهم قالوا في قوله ‪ { :‬إِنّا َهدَيْنَاهُ السّبِيلَ }‬
‫يعني خروجه من الرحم‪ .‬وهذا قول غريب ‪ ،‬والصحيح المشهور الول‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إمّا شَاكِرًا وَِإمّا َكفُورًا } منصوب على الحال من "الهاء" في قوله ‪ { :‬إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ }‬
‫تقديره ‪ :‬فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد ‪ ،‬كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم ‪ ،‬عن أبي مالك‬
‫الشعري قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل الناس َيغْدو ‪ ،‬فبائع نفسه فموبقها أو‬
‫ُمعْتقها" (‪ .)1‬وتقدم في سورة "الروم" عند قوله ‪ { :‬فِطْ َرةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَ ْيهَا } [ الروم ‪:‬‬
‫‪ ] 30‬من رواية جابر بن عبد ال قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬كل مولود يولد‬
‫على الفطرة حتى يُعربَ عنه لسانه ‪ ،‬فإذا أعرب عنه لسانه ‪ ،‬فإما شاكرًا وإما كفورًا"‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا أبو عامر ‪ ،‬حدثنا عبد ال بن جعفر ‪ ،‬عن عثمان بن محمد ‪ ،‬عن‬
‫المقبري ‪ ،‬عن أبي هُرَيرة ‪ ،‬عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬ما من خارج يخرج إل ببابه‬
‫حبّ الُ اتبعَه المَلَك برايته ‪ ،‬فلم يزل‬
‫رايتان ‪ :‬رايةٌ بيد مَلَك ‪ ،‬وراية بيد شَيطان ‪ ،‬فإن خرج لما يُ ِ‬
‫تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته‪ .‬وإن خرج لما يُسخط ال اتبعه الشيطان برايته ‪ ،‬فلم يزل‬
‫تحت راية الشيطان ‪ ،‬حتى يرجع إلى بيته" (‪.)2‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا عبد الرزاق ‪ ،‬حدثنا َم ْعمَر ‪ ،‬عن ابن خُثَيم ‪ ،‬عن عبد الرحمن بن‬
‫سابط ‪ ،‬عن جابر بن عبد ال ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لكعب بن عُجرَة ‪" :‬أعاذك ال‬
‫من إمارة السفهاء"‪ .‬قال ‪ :‬وما إمارة السفهاء ؟ قال ‪" :‬أمراء يكونون من بعدي ‪ ،‬ل يهتدون بهداي‬
‫صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم ‪ ،‬فأولئك ليسوا مني ولست منهم ‪،‬‬
‫‪ ،‬ول يستَنّونَ بسنتي ‪ ،‬فمن َ‬
‫ول يَردُون على حوضي‪ .‬ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم ُيعِنهم على ظلمهم ‪ ،‬فأولئك مني وأنا‬
‫منهم ‪ ،‬وسيردون على حوضي‪ .‬يا كعب بن عُجرَة ‪ ،‬الصوم جنة ‪ ،‬والصدقة تطفئ الخطيئة ‪،‬‬
‫والصلة قربان ‪ -‬أو قال ‪ :‬برهان ‪ -‬يا كعبَ بنَ عجرَة ‪ ،‬إنه ل يدخل الجنة لحم نبت من سُحْت ‪،‬‬
‫النار أولى به‪ .‬يا كعب ‪ ،‬الناس غَاديان ‪ ،‬فمبتاعُ نفسَه فمعتقها ‪ ،‬وبائع نفسه فموبقها"‪.‬‬
‫عفّان ‪ ،‬عن وُهَيب (‪ ، )3‬عن عبد ال بن عثمان بن خثيم ‪ ،‬به (‪.)4‬‬
‫ورواه عن َ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم برقم (‪.)223‬‬
‫(‪ )2‬المسند (‪.)2/323‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬عن وهب"‪.‬‬
‫(‪ )4‬المسند (‪.)3/321‬‬

‫( ‪)8/286‬‬

‫جهَا كَافُورًا (‬
‫سعِيرًا (‪ )4‬إِنّ الْأَبْرَارَ َيشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَا ُ‬
‫ل وَأَغْلَالًا وَ َ‬
‫سَ‬‫إِنّا أَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ سَلَا ِ‬
‫‪)5‬‬

‫جهَا‬
‫سعِيرًا (‪ )4‬إِنّ البْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَا ُ‬
‫{ إِنّا أَعْتَدْنَا لِ ْلكَافِرِينَ سَلسِل وَأَغْلل وَ َ‬
‫كَافُورًا (‪} )5‬‬

‫( ‪)8/287‬‬

‫عَيْنًا يَشْ َربُ ِبهَا عِبَادُ اللّهِ ُيفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرًا (‪ )6‬يُوفُونَ بِالنّذْ ِر وَيَخَافُونَ َي ْومًا كَانَ شَ ّرهُ مُسْ َتطِيرًا (‬
‫جهِ اللّهِ لَا نُرِيدُ مِ ْنكُمْ‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَ ْ‬
‫سكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (‪ )8‬إِ ّنمَا ُن ْ‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫ط ِعمُونَ ال ّ‬
‫‪ )7‬وَيُ ْ‬
‫شكُورًا (‪ )9‬إِنّا نَخَافُ مِنْ رَبّنَا َي ْومًا عَبُوسًا َقمْطَرِيرًا (‪َ )10‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْمِ‬
‫جَزَا ًء وَلَا ُ‬
‫وَلَقّا ُهمْ َنضْ َرةً وَسُرُورًا (‪ )11‬وَجَزَاهُمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّ ًة وَحَرِيرًا (‪)12‬‬

‫{ عَيْنًا َيشْ َربُ ِبهَا عِبَادُ اللّهِ ُيفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرًا (‪ )6‬يُوفُونَ بِالنّذْ ِر وَ َيخَافُونَ َي ْومًا كَانَ شَ ّرهُ ُمسْتَطِيرًا‬
‫جهِ اللّهِ ل نُرِيدُ مِ ْنكُمْ‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَ ْ‬
‫سكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (‪ )8‬إِ ّنمَا ُن ْ‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫ط ِعمُونَ ال ّ‬
‫(‪ )7‬وَيُ ْ‬
‫شكُورًا (‪ )9‬إِنّا َنخَافُ مِنْ رَبّنَا َي ْومًا عَبُوسًا َق ْمطَرِيرًا (‪َ )10‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْمِ‬
‫جَزَا ًء وَل ُ‬
‫وَلَقّا ُهمْ َنضْ َرةً وَسُرُورًا (‪ )11‬وَجَزَاهُمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّ ًة وَحَرِيرًا (‪} )12‬‬
‫يخبر تعالى عما أرصده للكافرين من خلقه به من السلسل والغلل والسعير ‪ ،‬وهو اللهب‬
‫حمِيمِ ثُمّ فِي‬
‫سلُ ُيسْحَبُونَ فِي الْ َ‬
‫والحريق في نار جهنم ‪ ،‬كما قال ‪ { :‬إِذِ الغْللُ فِي أَعْنَا ِقهِ ْم وَالسّل ِ‬
‫سجَرُونَ } [غافر ‪.]72 ، 71 :‬‬
‫النّارِ يُ ْ‬
‫ولما ذكر ما أعده (‪ )1‬لهؤلء الشقياء من السعير قال بعده ‪ { :‬إِنّ البْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ‬
‫جهَا كَافُورًا } وقد علم ما في الكافور من التبريد والرائحة الطيبة ‪ ،‬مع ما يضاف إلى ذلك من‬
‫مِزَا ُ‬
‫اللذاذة في الجنة‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬برد الكافور في طيب الزنجبيل ؛ ولهذا قال ‪ { :‬عَيْنًا َيشْ َربُ ِبهَا عِبَادُ اللّهِ ُيفَجّرُو َنهَا‬
‫َتفْجِيرًا } أي ‪ :‬هذا الذي مُزج لهؤلء البرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد‬
‫ال صرفا بل مزج ويَ ْروَوْنَ بها ؛ ولهذا ضمن يشرَب "يروى" حتى عداه بالباء ‪ ،‬ونصب { عَيْنًا }‬
‫على التمييز‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬هذا الشراب (‪ )2‬في طيبه كالكافور‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬هو من عين كافور‪ .‬وقال‬
‫بعضهم ‪ :‬يجوز أن يكون منصوبًا بـ { يَشْ َربُ } حكى هذه القوال الثلثة ابنُ جرير‪.‬‬
‫وقوله ‪ُ { :‬يفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرًا } أي ‪ :‬يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا ‪ ،‬من قصورهم‬
‫ودورهم ومجالسهم ومحالهم‪.‬‬
‫والتفجير هو النباع ‪ ،‬كما قال تعالى ‪َ { :‬وقَالُوا لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكَ حَتّى َتفْجُرَ لَنَا مِنَ ال ْرضِ يَنْبُوعًا }‬
‫[السراء ‪ .]90 :‬وقال ‪َ { :‬وفَجّرْنَا خِلَل ُهمَا َنهَرًا } [الكهف ‪.]33 :‬‬
‫وقال مجاهد ‪ُ { :‬يفَجّرُو َنهَا َتفْجِيرًا } يقودونها حيث شاؤوا ‪ ،‬وكذا قال عكرمة ‪ ،‬وقتادة‪ .‬وقال‬
‫الثوري ‪ :‬يصرفونها حيث شاؤوا‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬يُوفُونَ بِالنّذْ ِر وَيَخَافُونَ َي ْومًا كَانَ شَ ّرهُ مُسْ َتطِيرًا } أي ‪ :‬يتعبدون ل فيما أوجبه عليهم‬
‫من [فعل] (‪ )3‬الطاعات الواجبة بأصل الشرع ‪ ،‬وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬أعده ال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في م ‪" :‬الطعام"‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/287‬‬

‫قال المام مالك ‪ ،‬عن طلحة بن عبد الملك اليلي ‪ ،‬عن القاسم بن مالك ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬رضي ال‬
‫عنها ‪ ،‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬من نذر أن يطيع ال فليطعه ‪ ،‬ومن نذر أن‬
‫يَعصي ال فل يَعصِه" ‪ ،‬رواه البخاري من حديث مالك (‪.)1‬‬
‫ويتركون المحرمات التي نهاهم عنها خيفة من سوء الحساب يوم المعاد ‪ ،‬وهو اليوم الذي شره‬
‫حمَ ال‪.‬‬
‫مستطير ‪ ،‬أي ‪ :‬منتشر عام على الناس إل من رَ ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬فاشيًا‪ .‬وقال قتادة ‪ :‬استطار ‪ -‬وال ‪ -‬شرّ ذلك اليوم حتى مَل السماوات‬
‫والرض‪.‬‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬ومنه قولهم ‪ :‬استطار الصدع في الزجاجة واستطال‪ .‬ومنه قول العشى ‪:‬‬
‫صدْعًا ‪ ،‬على نَأيها مُستَطيرًا (‪)2‬‬
‫فَبَا َنتْ َوقَد أسْأرت في الفُؤا‪ ...‬د َ‬
‫يعني ‪ :‬ممتدا فاشيا‪.‬‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ } قيل ‪ :‬على حب ال تعالى‪ .‬وجعلوا الضمير عائدًا إلى ال‬
‫ط ِعمُونَ ال ّ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُ ْ‬
‫عز وجل لدللة السياق عليه‪ .‬والظهر أن الضمير عائد على الطعام ‪ ،‬أي ‪ :‬ويطعمون الطعام في‬
‫حال محبتهم وشهوتهم له ‪ ،‬قاله مجاهد ‪ ،‬ومقاتل ‪ ،‬واختاره ابن جرير ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ { :‬وَآتَى‬
‫ا ْلمَالَ عَلَى حُبّهِ } [ البقرة ‪ ، ] 177 :‬وكقوله تعالى ‪ { :‬لَنْ تَنَالُوا الْبِرّ حَتّى تُ ْنفِقُوا ِممّا تُحِبّونَ }‬
‫[ آل عمران ‪.] 92 :‬‬
‫وروى البيهقي ‪ ،‬من طريق العمش ‪ ،‬عن نافع قال ‪ :‬مرض ابن عمر فاشتهى عنبا ‪ -‬أول ما‬
‫جاء العنب ‪ -‬فأرسلت صفية ‪ -‬يعني امرأته ‪ -‬فاشترت عنقودًا بدرهم ‪ ،‬فاتبع الرسولَ السائل ‪،‬‬
‫فلما دخل به قال السائل ‪ :‬السائل‪ .‬فقال ابن عمر ‪ :‬أعطوه إياه‪ .‬فأعطوه إياه‪ .‬ثم أرسلت بدرهم‬
‫آخر فاشترت عنقودًا فاتبع الرسولَ السائلُ ‪ ،‬فلما دخل قال السائل ‪ :‬السائل‪ .‬فقال ابن عمر ‪:‬‬
‫ت ل تصيبُ منه خيرًا‬
‫أعطوه إياه‪ .‬فأعطوه إياه‪ .‬فأرسلت صفية إلى السائل فقالت ‪ :‬وال إن عُد َ‬
‫أبدًا‪ .‬ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به (‪.)3‬‬
‫وفي الصحيح ‪" :‬أفضل الصدقة أن َتصَ ّدقَ وأنت صحيح ‪ ،‬شحيح ‪ ،‬تأمل الغنى ‪ ،‬وتخشى الفقر" (‬
‫ط ِعمُونَ‬
‫‪ )4‬أي ‪ :‬في حال محبتك للمال وحرصك عليه وحاجتك إليه ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬وَيُ ْ‬
‫سكِينًا وَيَتِيمًا وََأسِيرًا } أما المسكين واليتيم ‪ ،‬فقد تقدم بيانهما وصفتهما‪ .‬وأما‬
‫طعَامَ عَلَى حُبّهِ مِ ْ‬
‫ال ّ‬
‫السير ‪ :‬فقال سعيد بن جبير ‪ ،‬والحسن ‪ ،‬والضحاك ‪ :‬السير ‪ :‬من أهل القبلة‪ .‬وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫كان أسراؤهم يومئذ مشركين‪ .‬ويشهد لهذا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمر أصحابه يوم‬
‫بدر أن يكرموا السارى ‪ ،‬فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء ‪ ،‬وهكذا قال سعيد بن جبير ‪،‬‬
‫وعطاء ‪ ،‬والحس ‪ ،‬وقتادة‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري برقم (‪.)6700 ، 6696‬‬
‫(‪ )2‬تفسير الطبري (‪.)29/129‬‬
‫(‪ )3‬السنن الكبرى للبيهقي (‪.)4/185‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم برقم (‪ )1032‬من حديث أبي هريرة رضي ال عنه‪.‬‬

‫( ‪)8/288‬‬

‫وقد وصى رسول ال صلى ال عليه وسلم بالحسان إلى الرقاء في غير ما حديث ‪ ،‬حتى إنه‬
‫كان آخر ما أوصى أن جعل يقول ‪" :‬الصلةَ وما ملكت أيمانكم" (‪.)1‬‬
‫وقال عكرمة ‪ :‬هم العبيد ‪ -‬واختاره ابن جرير ‪ -‬لعموم الية للمسلم والمشرك‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪ :‬هو المحبوس ‪ ،‬أي ‪ :‬يطعمون لهؤلء الطعام وهم يشتهونه ويحبونه ‪ ،‬قائلين بلسان‬
‫شكُورًا‬
‫ط ِع ُمكُمْ ِلوَجْهِ اللّهِ } أي ‪ :‬رجاءَ ثواب ال ورضاه { ل نُرِيدُ مِ ْنكُمْ جَزَا ًء وَل ُ‬
‫الحال ‪ { :‬إِ ّنمَا نُ ْ‬
‫} أي ‪ :‬ل نطلب منكم مجازاة تكافئونا بها ول أن تشكرونا عند الناس‪.‬‬
‫قال مجاهد وسعيد بن جبير ‪ :‬أما وال ما قالوه بألسنتهم ‪ ،‬ولكن علم ال به من قلوبهم ‪ ،‬فأثنى‬
‫عليهم به ليرغب في ذلك راغب‪.‬‬
‫{ إِنّا نَخَافُ مِنْ رَبّنَا َي ْومًا عَبُوسًا َقمْطَرِيرًا } أي ‪ :‬إنما نفعل هذا لعل ال أن يرحمنا ويتلقانا‬
‫بلطفه ‪ ،‬في اليوم العبوس القمطرير‪.‬‬
‫قال علي بن أبي طلحة ‪ ،‬عن ابن عباس { عَبُوسًا } ضيقا ‪َ { ،‬قمْطَرِيرًا } طويل‪.‬‬
‫وقال عكرمة وغيره ‪ ،‬عنه ‪ ،‬في قوله ‪َ { :‬ي ْومًا عَبُوسًا َقمْطَرِيرًا } أي ‪ :‬يعبس الكافر يومئذ حتى‬
‫يسيل من بين عينيه عَرَق مثل القَطرَان‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ { :‬عَبُوسًا } العابس الشفتين ‪َ { ،‬قمْطَرِيرًا } قال ‪ :‬تقبيض الوَجه بالبُسُور‪.‬‬
‫وقال سعيد بن جبير ‪ ،‬وقتادة ‪ :‬تعبس فيه الوجوه من الهول ‪َ { ،‬قمْطَرِيرًا } تقليص الجبين وما بين‬
‫العينين ‪ ،‬من الهول‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ :‬العبوس ‪ :‬الشر‪ .‬والقمطرير ‪ :‬الشديد‪.‬‬
‫وأوضح العبارات وأجلها وأحلها ‪ ،‬وأعلها وأولها ‪ -‬قولُ ابن عباس ‪ ،‬رضي ال عنه‪.‬‬
‫عصِيب‬
‫قال ابن جرير ‪ :‬والقمطرير هو ‪ :‬الشديد ؛ يقال ‪ :‬هو يوم قمطرير ويوم قُماطِر ‪ ،‬ويوم َ‬
‫عصَبْصَب ‪ ،‬وقد اقمطرّ اليومُ يقمطرّ اقمطرارا ‪ ،‬وذلك أشد اليام وأطولها في البلء والشدة ‪،‬‬
‫وَ‬
‫ومنه قول بعضهم ‪:‬‬
‫علَيكم إذَا ما كانَ يومُ ُقمَاطرُ (‪)2‬‬
‫عمّنا ‪ ،‬هل تَذكُرونَ بَلءنَا ?‪َ ...‬‬
‫بنَي َ‬
‫قال ال تعالى ‪َ { :‬ف َوقَاهُمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْ ِم وََلقّاهُمْ َنضْ َر ًة وَسُرُورًا } وهذا من باب التجانس البليغ‬
‫‪َ { ،‬ف َوقَا ُهمُ اللّهُ شَرّ ذَِلكَ الْ َيوْمِ } أي ‪ :‬آمنهم مما خافوا منه ‪ { ،‬وََلقّاهُمْ َنضْ َرةً } أي ‪ :‬في‬
‫وجوههم ‪ { ،‬وَسُرُورًا } أي ‪ :‬في قلوبهم‪ .‬قاله الحسن البصري ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وأبو العالية ‪ ،‬والربيع‬
‫حكَةٌ مُسْتَبْشِ َرةٌ } [ عبس ‪.] 39 ، 38 :‬‬
‫سفِ َرةٌ ضَا ِ‬
‫بن أنس‪ .‬وهذه كقوله تعالى ‪ { :‬وُجُوهٌ َي ْومَئِذٍ مُ ْ‬
‫وذلك أن القلب إذا سُرّ استنار الوجه ‪ ،‬قال كعب بن مالك في حديثه الطويل ‪ :‬وكان رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬رواه أحمد في المسند (‪ )1/78‬من حديث على رضي ال عنه‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيت في تفسير الطبري (‪ )29/131‬غير منسوب‪.‬‬

‫( ‪)8/289‬‬
‫ظلَاُلهَا وَذُلَّلتْ‬
‫علَ ْيهِمْ ِ‬
‫شمْسًا وَلَا َز ْمهَرِيرًا (‪ )13‬وَدَانِيَةً َ‬
‫علَى الْأَرَا ِئكِ لَا يَ َروْنَ فِيهَا َ‬
‫مُ ّتكِئِينَ فِيهَا َ‬
‫قُطُو ُفهَا تَذْلِيلًا (‪ )14‬وَيُطَافُ عَلَ ْي ِهمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ ِفضّ ٍة وََأ ْكوَابٍ كَا َنتْ َقوَارِيرَ (‪َ )15‬قوَارِيرَ مِنْ ِفضّةٍ‬
‫سمّى سَ ْلسَبِيلًا (‪)18‬‬
‫جهَا زَ ْنجَبِيلًا (‪ )17‬عَيْنًا فِيهَا تُ َ‬
‫س َقوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَا ُ‬
‫قَدّرُوهَا َتقْدِيرًا (‪ )16‬وَيُ ْ‬
‫وَيَطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َتهُمْ ُلؤُْلؤًا مَنْثُورًا (‪ )19‬وَإِذَا رَأَ ْيتَ َثمّ رَأَ ْيتَ َنعِيمًا‬
‫سقَا ُهمْ رَ ّبهُمْ شَرَابًا‬
‫ق وَحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّ ٍة وَ َ‬
‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْ َر ٌ‬
‫َومُ ْلكًا كَبِيرًا (‪ )20‬عَالِ َي ُهمْ ثِيَابُ سُنْ ُدسٍ ُ‬
‫شكُورًا (‪)22‬‬
‫سعْ ُيكُمْ مَ ْ‬
‫طهُورًا (‪ )21‬إِنّ َهذَا كَانَ َلكُمْ جَزَاءً َوكَانَ َ‬
‫َ‬

‫عَليّ رسول ال صلى‬


‫إذا سُرّ ‪ ،‬استنار وجهه حتى كأنه قطعة (‪َ )1‬قمَر (‪ )2‬وقالت عائشةُ ‪ :‬دخل َ‬
‫ال عليه وسلم مسرورا تَب ُرقُ أسَاري ُر َوجْهه (‪ .)3‬الحديث‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَجَزَاهُمْ ِبمَا صَبَرُوا } أي ‪ :‬بسبب صبرهم أعطاهم و َنوّلهم وبوّأهم { جَنّةً وَحَرِيرًا } أي‬
‫غدًا (‪ )4‬ولباسًا حَسَنًا‪.‬‬
‫‪ :‬منزل رحبا ‪ ،‬وعيشا رَ َ‬
‫وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة هشام بن سليمان الدّارَاني قال ‪ :‬قرئ على أبي سليمان‬
‫الداراني سورة ‪َ { :‬هلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ } فلما بلغ القارئ إلى قوله ‪َ { :‬وجَزَاهُمْ ِبمَا صَبَرُوا جَنّةً‬
‫وَحَرِيرًا } قال بما صبروا على ترك الشهوات في الدنيا ‪ ،‬ثم أنشد ‪:‬‬
‫كَم قَتيل بشَهوةٍ وأسير‪ ...‬أفّ مِنْ مُش َتهِي خِلف الجَميل‪...‬‬
‫شَهوَاتُ النْسان تورثه الذّل‪ ...‬وَتُلْقيه في البَلء الطّويل (‪)5‬‬
‫ش ْمسًا وَل َز ْمهَرِيرًا (‪ )13‬وَدَانِ َيةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا وَذُلَّلتْ‬
‫{ مُ ّتكِئِينَ فِيهَا عَلَى الرَا ِئكِ ل يَ َروْنَ فِيهَا َ‬
‫قُطُو ُفهَا تَذْلِيل (‪ )14‬وَيُطَافُ عَلَ ْي ِهمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّ ٍة وََأ ْكوَابٍ كَا َنتْ َقوَارِيرَاْ (‪َ )15‬قوَارِيرَاَْ مِنْ ِفضّةٍ‬
‫سمّى سَ ْلسَبِيل (‪)18‬‬
‫جهَا زَ ْنجَبِيل (‪ )17‬عَيْنًا فِيهَا تُ َ‬
‫س َقوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَا ُ‬
‫قَدّرُوهَا َتقْدِيرًا (‪ )16‬وَيُ ْ‬
‫وَيَطُوفُ عَلَ ْي ِه ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ إِذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َتهُمْ ُلؤُْلؤًا مَنْثُورًا (‪ )19‬وَإِذَا رَأَ ْيتَ َثمّ رَأَ ْيتَ َنعِيمًا‬
‫سقَا ُهمْ رَ ّبهُمْ شَرَابًا‬
‫ق وَحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّ ٍة وَ َ‬
‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْ َر ٌ‬
‫َومُ ْلكًا كَبِيرًا (‪ )20‬عَالِ َي ُهمْ ثِيَابُ سُنْ ُدسٍ ُ‬
‫شكُورًا (‪} )22‬‬
‫سعْ ُيكُمْ مَ ْ‬
‫طهُورًا (‪ )21‬إِنّ َهذَا كَانَ َلكُمْ جَزَاءً َوكَانَ َ‬
‫َ‬
‫يخبر تعالى عن أهل الجنة وما هم فيه من النعيم المقيم ‪ ،‬وما أسبغ عليهم من الفضل العَميم فقال ‪:‬‬
‫{ مُ ّتكِئِينَ فِيهَا عَلَى الرَا ِئكِ } وقد تقدم الكلم على ذلك في سورة "الصافات" ‪ ،‬وذكر الخلف في‬
‫التكاء ‪ :‬هل هو الضطجاع ‪ ،‬أو التمرفق ‪ ،‬أو التربع أو التمكن في الجلوس ؟ وأن الرائك هي‬
‫السّرر تحت الحجال‪.‬‬
‫شمْسًا وَل َز ْمهَرِيرًا } أي ‪ :‬ليس عندهم حَرّ مزعج ‪ ،‬ول برد مؤلم ‪ ،‬بل‬
‫وقوله ‪ { :‬ل يَ َروْنَ فِيهَا َ‬
‫حوَل } [الكهف ‪.]108 :‬‬
‫هي مزاج واحد دائم سَ ْرمَ ْديّ ‪ { ،‬ل يَ ْبغُونَ عَ ْنهَا ِ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬كأنه فلقة"‪.‬‬
‫(‪ )2‬حديث توبه كعب بن مالك في صحيح البخاري برقم (‪ ، )4673 ، 3951‬وفي صحيح مسلم‬
‫برقم (‪ ، )2769‬وتقدم عند تفسير الية ‪ 118 :‬من سورة "التوبة"‪.‬‬
‫(‪ )3‬حديث عائشة في لحاق أسامة بأبيه زيد‪ .‬رواه البخاري في صحيحه برقم (‪ ، )3555‬ومسلم‬
‫في صحيحه برقم (‪.)1459‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪" :‬رغيدا"‪.‬‬
‫(‪ )5‬انظر ‪ :‬مختصر تاريخ دمشق لبن منظور (‪ )27/86‬ووقع صدره فيه ‪:‬‬
‫كم قتيل لشهوة وأسير‬

‫( ‪)8/290‬‬

‫{ وَدَانِ َيةً عَلَ ْيهِمْ ظِلُلهَا } أي ‪ :‬قريبة إليهم أغصانها ‪ { ،‬وَذُلَّلتْ ُقطُو ُفهَا َتذْلِيل } أي ‪ :‬متى تعاطاه‬
‫طفُ إليه وتدلى من أعلى غصنه ‪ ،‬كأنه سامع طائع ‪ ،‬كما قال تعالى في الية الخرى ‪:‬‬
‫دنا الق ْ‬
‫{ وَجَنَى ا ْلجَنّتَيْنِ دَانٍ } [الرحمن ‪ ]54 :‬وقال تعالى { ُقطُو ُفهَا دَانِيَةٌ } [الحاقة ‪]23 :‬‬
‫قال (‪ )1‬مجاهد ‪ { :‬وَذُلَّلتْ قُطُو ُفهَا تَذْلِيل } إن قام ارتفعت بقَدْره ‪ ،‬وإن قعد َتدَّلتْ (‪ )2‬له حتى‬
‫ينالها ‪ ،‬وإن اضطجع تَ َدلّت (‪ )3‬له حتى ينالها ‪ ،‬فذلك قوله ‪ { :‬تَ ْذلِيل }‬
‫ك ول بُعدُ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬ل يرد أيديهم عنها شو ٌ‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أرض الجنة من وَرق ‪ ،‬وترابها المسك ‪ ،‬وأصول شجرها من ذهب وفضة ‪،‬‬
‫وأفنانها من اللؤلؤ الرطب والزبرجد والياقوت ‪ ،‬والوَرَق والثمر بين ذلك‪ .‬فمن أكل منها قائما لم‬
‫يؤذه ‪ ،‬ومن أكل منها قاعدا لم يؤذه ‪ ،‬ومن أكل منها مضطجعًا لم يؤذه‪.‬‬
‫خدَم بأواني الطعام ‪ ،‬وهي‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُطَافُ عَلَ ْيهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ ِفضّ ٍة وََأ ْكوَابٍ } أي ‪ :‬يطوف عليهم ال َ‬
‫من فضة ‪ ،‬وأكواب الشراب وهي الكيزان التي ل عرى لها ول خراطيم‪.‬‬
‫وقوله (‪َ { : )4‬قوَارِيرَ َقوَارِيرَ مِنْ ِفضّةٍ } فالول منصوب بخبر "كان" أي ‪ :‬كانت قوارير‪.‬‬
‫والثاني منصوب إما على البدلية (‪ )5‬أو تمييز ؛ لنه بينه بقوله ‪َ { :‬قوَارِيرَ مِنْ ِفضّةٍ }‬
‫قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬والحسن البصري ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬بياض الفضة في صفاء الزجاج ‪،‬‬
‫والقوارير ل تكون إل من زجاج‪ .‬فهذه الكواب هي من فضة ‪ ،‬وهي مع هذا شفافة يرى ما في‬
‫باطنها من ظاهرها ‪ ،‬وهذا مما ل نظير له في الدنيا‪.‬‬
‫قال ابن المبارك ‪ ،‬عن إسماعيل ‪ ،‬عن رجل ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬ليس في الجنة شيء إل قد‬
‫أعطيتم في الدنيا شبهه إل قوارير من فضة‪ .‬رواه ابن أبي حاتم‪.‬‬
‫وقوله ‪َ { :‬قدّرُوهَا َتقْدِيرًا } أي ‪ :‬على قدر ريّهم ‪ ،‬ل تزيد عنه ول تنقص ‪ ،‬بل هي ُمعَدّة لذلك ‪،‬‬
‫مقدرة بحسب ريّ صاحبها‪ .‬هذا معنى قول ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وأبي صالح‬
‫‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابن أبزى ‪ ،‬وعبد ال بن عُبَيد ال بن عمير ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬وابن زيد‪ .‬وقاله‬
‫ابن جرير وغير واحد‪ .‬وهذا أبلغ في العتناء والشرف والكرامة‪.‬‬
‫وقال العَوفي ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ { :‬قَدّرُوهَا َتقْدِيرًا } قدرت للكف‪ .‬وهكذا قال الربيع بن أنس‪ .‬وقال‬
‫الضحاك ‪ :‬على قدر أ ُكفّ الخُدّام‪ .‬وهذا ل ينافي القول الول ‪ ،‬فإنها مقدرة في القَدْر والرّي‪.‬‬
‫جهَا زَ ْنجَبِيل } (‪ )6‬أي ‪ :‬ويسقون ‪ -‬يعني البرار أيضا ‪-‬‬
‫س َقوْنَ فِيهَا كَ ْأسًا كَانَ مِزَا ُ‬
‫وقوله ‪ { :‬وَيُ ْ‬
‫جهَا زَنْجَبِيل } فتارة يُمزَج لهم الشراب‬
‫في هذه الكواب { كَأْسًا } أي ‪ :‬خمرًا ‪ { ،‬كَانَ مِزَا ُ‬
‫بالكافور‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬وقال"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬تذللت"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬تذللت"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في م ‪ ،‬أ ‪" :‬وهذه"‪.‬‬
‫(‪ )5‬في أ ‪" :‬على البداية"‪.‬‬
‫(‪ )6‬في أ ‪" :‬كان مزاجه" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)8/291‬‬

‫وهو بارد ‪ ،‬وتارة بالزنجبيل وهو حار ‪ ،‬ليعتدل المر ‪ ،‬وهؤلء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا‬
‫تارة‪ .‬وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِ ْرفًا ‪ ،‬كما قاله قتادة وغير واحد‪ .‬وقد تقدم‬
‫سمّى سَلْسَبِيل } أي ‪ :‬الزنجبيل‬
‫قوله ‪ { :‬عَيْنًا يَشْ َربُ ِبهَا عِبَادُ اللّهِ } وقال هاهنا ‪ { :‬عَيْنًا فِيهَا تُ َ‬
‫عين في الجنة تسمى سلسبيل‪.‬‬
‫قال عكرمة ‪ :‬اسم عين في الجنة‪ .‬وقال مجاهد ‪ :‬سميت بذلك لسلسة سيلها وحِدّة جَريها‪.‬‬
‫سمّى سَلْسَبِيل } عين سَِلسَة مُس َتقِيد (‪ )1‬ماؤها‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ { :‬عَيْنًا فِيهَا ُت َ‬
‫وحكى ابنُ جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلستها في الحَلْق‪ .‬واختار هو أنها َت ُعمّ ذلك‬
‫كلّه ‪ ،‬وهو كما قال‪.‬‬
‫علَ ْيهِ ْم وِلْدَانٌ ُمخَلّدُونَ ِإذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َتهُمْ ُلؤُْلؤًا مَنْثُورًا } أي ‪ :‬يطوف‬
‫وقوله تعالى ‪ { :‬وَيَطُوفُ َ‬
‫على أهل الجنة للخ ْدمَة ولدانٌ من ولدان الجنة { مُخَلّدُونَ } أي ‪ :‬على حالة واحدة مخلدون عليها ‪،‬‬
‫ل يتغيرون عنها ‪ ،‬ل تزيد أعمارهم عن تلك السن‪ .‬ومن فسرهم بأنهم ُمخَ ّرصُونَ في آذانهم‬
‫القرطة ‪ ،‬فإنما عبر عن المعنى بذلك ؛ لن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير‪.‬‬
‫وقوله ‪ِ { :‬إذَا رَأَيْ َتهُمْ حَسِبْ َت ُهمْ ُلؤُْلؤًا مَنْثُورًا } أي ‪ :‬إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة‬
‫‪ ،‬وكثرتهم ‪ ،‬وصباحة وجوههم ‪ ،‬وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم ‪ ،‬حسبتهم لؤلؤا منثورا‪ .‬ول‬
‫يكون في التشبيه أحسن من هذا ‪ ،‬ول في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن‪.‬‬
‫قال قتاده ‪ ،‬عن أبي أيوب ‪ ،‬عن عبد ال بن عمرو ‪ :‬ما من أهل الجنة من أحد إل يسعى عليه‬
‫ألف خادم ‪ ،‬كل خادم على عمل ما عليه صاحبه‪.‬‬
‫وقوله ‪ { :‬وَإِذَا رَأَ ْيتَ } أي ‪ :‬وإذا رأيت يا محمد ‪َ { ،‬ثمّ } أي ‪ :‬هناك (‪ ، )2‬يعني في الجنة‬
‫سعَتها وارتفاعها وما فيها من الحَبْرَة والسرور ‪ { ،‬رَأَ ْيتَ َنعِيمًا َومُ ْلكًا كَبِيرًا } أي ‪:‬‬
‫ونعيمها و َ‬
‫مملكةً ل هُناك عظيمةً وسلطانًا باهرًا‪.‬‬
‫وثبت في الصحيح أن ال تعالى يقول لخر أهل النار خروجا منها ‪ ،‬وآخر أهل الجنة دخول إليها‬
‫‪ :‬إن لك مثلَ الدنيا وعشرة أمثالها‪.‬‬
‫وقد قَدّمنا (‪ )3‬في الحديث المَرويّ من طريق ُثوَير بن أبي فاختة ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر في ملكه مسيرة ألفي (‪)4‬‬
‫سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه"‪ .‬فإذا كان هذا عطاؤه تعالى لدنى من يكون في الجنة ‪،‬‬
‫فما ظنك بما هو أعلى منزلة ‪ ،‬وأحظى عنده تعالى‪.‬‬
‫وقد روى الطبراني هاهنا حديثًا غريبًا جدًا فقال ‪ :‬حدثنا علي بن عبد العزيز ‪ ،‬حدثنا محمد بن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬مستعذب"‪.‬‬
‫(‪ )2‬في أ ‪" :‬أي هنالك"‪.‬‬
‫(‪ )3‬عند تفسير الية ‪ 23 :‬من سورة "القيامة"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬مسيرة ألف"‪.‬‬

‫( ‪)8/292‬‬

‫ك وَلَا ُتطِعْ مِ ْنهُمْ آَ ِثمًا َأوْ كَفُورًا (‪)24‬‬


‫حكْمِ رَ ّب َ‬
‫إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا عَلَ ْيكَ ا ْلقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (‪ )23‬فَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫سمَ رَ ّبكَ ُبكْ َر ًة وََأصِيلًا (‪)25‬‬
‫وَا ْذكُرِ ا ْ‬

‫عمار الموصلي ‪ ،‬حدثنا عفيف (‪ )1‬بن سالم ‪ ،‬عن أيوب بن عتبة ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫قال ‪ :‬جاء رجل من الحبشة إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فقال له رسول ال ‪" :‬سل‬
‫واستفهم"‪ .‬فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ُ ،‬فضّلْتُم علينا بالصور واللوان والنبوة ‪ ،‬أفرأيتَ إن آمنتُ بما‬
‫آمنتَ به وعملتُ بمثل ما عملتَ به ‪ ،‬إني لكائن معكَ في الجنة ؟ قال ‪" :‬نعم ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫إنه لَيُرَى بياض السود في الجنة من مسيرة ألف عام"‪ .‬ثم قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫"من قال ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬كان له بها عَهدٌ عند ال ‪ ،‬ومن قال ‪ :‬سبحان ال وبحمده ‪ ،‬كتب له مائة‬
‫ألف حسنة ‪ ،‬وأربعة وعشرون ألف حسنة"‪ .‬فقال رجل ‪ :‬كيف نهلك بعد هذا يا رسول ال ؟ فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو ُوضِعَ على جبل لثقله ‪،‬‬
‫فتقوم النعمة ‪ -‬أو ‪ :‬نعَم ال ‪ -‬فتكاد تستنفذ ذلك كله ‪ ،‬إل أن يَ َت َغمّده ال برحمته"‪ .‬ونزلت هذه‬
‫السورة ‪َ { :‬هلْ أَتَى عَلَى النْسَانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ } إلى قوله ‪َ { :‬ومُلْكًا كَبِيرًا } فقال الحبشي ‪ :‬وإن‬
‫عيني لترى ما ترى عيناك في الجنة ؟ قال ‪" :‬نعم"‪ .‬فاستبكى حتى فاضت نفسه‪ .‬قال ابن عمر ‪:‬‬
‫فلقد رأيت رسول ال صلى ال عليه وسلم يُدليه في حُفرَته بيده (‪.)2‬‬
‫خضْ ٌر وَإِسْتَبْ َرقٌ } أي ‪ :‬لباس أهل الجنة فيها الحرير ‪ ،‬ومنه سندس‬
‫وقوله ‪ { :‬عَالِ َي ُهمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ ُ‬
‫‪ ،‬وهو رفيع الحرير كالقمصان ونحوها مما يلي أبدانهم ‪ ،‬والستبرق منه ما فيه بريق ولمعان ‪،‬‬
‫وهو مما يلي الظاهر ‪ ،‬كما هو المعهود في اللباس (‪َ { )3‬وحُلّوا أَسَاوِرَ مِنْ ِفضّةٍ } وهذه صفة‬
‫سهُمْ فِيهَا‬
‫ب وَُلؤُْلؤًا وَلِبَا ُ‬
‫حّلوْنَ فِيهَا مِنْ َأسَاوِرَ مِنْ ذَ َه ٍ‬
‫البرار ‪ ،‬وأما المقربون فكما قال ‪ { :‬يُ َ‬
‫حَرِيرٌ } [الحج ‪]23 :‬‬
‫طهُورًا } أي‬
‫سقَاهُمْ رَ ّبهُمْ شَرَابًا َ‬
‫ولما ذكر تعالى زينة الظاهر بالحرير والحلي قال (‪ )4‬بعده ‪ { :‬وَ َ‬
‫‪ :‬طهر بواطنهم من الحَسَد والحقد والغل والذى وسائر الخلق الرّديّة ‪ ،‬كما روينا عن أمير‬
‫المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال ‪ :‬إذا انتهى أهلُ الجنة إلى باب الجنة وَجَدوا هنالك عينين‬
‫فكأنما ألهموا ذلك فشربوا من إحداهما [فأذهب ال] (‪ )5‬ما في بطونهم من أذى ‪ ،‬ثم اغتسلوا من‬
‫الخرى فَجَرت عليهم نضرةُ النعيم‪.‬‬
‫شكُورًا } أي ‪ :‬يقال لهم ذلك تكريما لهم وإحسانا‬
‫سعْ ُيكُمْ مَ ْ‬
‫وقوله ‪ { :‬إِنّ هَذَا كَانَ َل ُكمْ جَزَا ًء َوكَانَ َ‬
‫إليهم كقوله ‪ { :‬كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا ِبمَا أَسَْلفْتُمْ فِي اليّامِ ا ْلخَالِيَةِ } [الحاقة ‪ ]24 :‬وكقوله ‪ { :‬وَنُودُوا‬
‫أَنْ تِ ْلكُمُ الْجَنّةُ أُورِثْ ُتمُوهَا ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ } [العراف ‪]43 :‬‬
‫شكُورًا } أي ‪ :‬جزاكم ال على القليل بالكثير‪.‬‬
‫سعْ ُيكُمْ َم ْ‬
‫وقوله ‪َ { :‬وكَانَ َ‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ وَل ُتطِعْ مِ ْنهُمْ آ ِثمًا َأوْ كَفُورًا (‪)24‬‬
‫علَ ْيكَ ا ْلقُرْآنَ تَنزيل (‪ )23‬فَاصْبِرْ لِ ُ‬
‫{ إِنّا نَحْنُ نزلْنَا َ‬
‫سمَ رَ ّبكَ ُبكْ َر ًة وََأصِيل (‪} )25‬‬
‫وَا ْذكُرِ ا ْ‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪ ،‬أ ‪ ،‬هـ ‪" :‬حدثنا عقبة" والمثبت من المعجم الوسط للطبراني‪.‬‬
‫(‪ )2‬المعجم الوسط برقم (‪" )4774‬مجمع البحرين" ‪ ،‬وقال ‪" :‬ل يروى عن ابن عمر إل بهذا‬
‫السناد ‪ ،‬تفرد به عفيف"‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬في الملبس"‪.‬‬
‫(‪ )4‬في أ ‪" :‬فقال"‪.‬‬
‫(‪ )5‬مكانها في هـ ‪ ،‬كلمة غير واضحة ‪ ،‬والمثبت من م ‪ ،‬أ‪.‬‬

‫( ‪)8/293‬‬

‫طوِيلًا (‪ )26‬إِنّ َهؤُلَاءِ ُيحِبّونَ ا ْلعَاجِلَ َة وَ َيذَرُونَ وَرَا َءهُمْ َي ْومًا َثقِيلًا‬
‫جدْ لَ ُه وَسَبّحْهُ لَ ْيلًا َ‬
‫َومِنَ اللّ ْيلِ فَاسْ ُ‬
‫شدَدْنَا َأسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَا َأمْثَاَلهُمْ تَبْدِيلًا (‪ )28‬إِنّ هَ ِذهِ َت ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ‬
‫(‪ )27‬نَحْنُ خََلقْنَاهُ ْم وَ َ‬
‫خلُ مَنْ يَشَاءُ‬
‫حكِيمًا (‪ُ )30‬يدْ ِ‬
‫إِلَى رَبّهِ سَبِيلًا (‪َ )29‬ومَا َتشَاءُونَ إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِينَ أَعَدّ َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪)31‬‬
‫فِي َر ْ‬

‫ن وَرَاءَ ُهمْ َي ْومًا‬


‫طوِيل (‪ )26‬إِنّ َهؤُلءِ يُحِبّونَ ا ْلعَاجَِل َة وَيَذَرُو َ‬
‫حهُ لَيْل َ‬
‫سجُدْ َل ُه وَسَبّ ْ‬
‫{ َومِنَ اللّ ْيلِ فَا ْ‬
‫خَلقْنَاهُ ْم وَشَ َددْنَا أَسْ َرهُ ْم وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَا َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيل (‪ )28‬إِنّ َه ِذهِ تَ ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ‬
‫َثقِيل (‪َ )27‬نحْنُ َ‬
‫خلُ مَنْ‬
‫حكِيمًا (‪ )30‬يُ ْد ِ‬
‫خذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل (‪َ )29‬ومَا َتشَاءُونَ إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫اتّ َ‬
‫حمَتِ ِه وَالظّاِلمِينَ أَعَدّ َلهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (‪} )31‬‬
‫يَشَاءُ فِي َر ْ‬

‫( ‪)8/293‬‬

‫يقول تعالى ممتنًا على رسوله صلى ال عليه وسلم بما نزله عليه من القرآن العظيم تنزيل‬
‫حكْمِ رَ ّبكَ } أي ‪ :‬كما أكرم ُتكَ بما أنزلتُ عليك ‪ ،‬فاصبر على قضائه وقَدَره ‪ ،‬واعلم أنه‬
‫{ فَاصْبِرْ ِل ُ‬
‫سَيُدَبرك بحسن تدبيره ‪ { ،‬وَل ُتطِعْ مِ ْنهُمْ آ ِثمًا َأوْ كَفُورًا } أي ‪ :‬ل تطع الكافرين والمنافقين إن‬
‫أرادوا صَدّك عما أنزل إليك (‪ )1‬بل بَلّغ ما أنزل إليك من ربك ‪ ،‬وتوكل على ال ؛ فإن ال‬
‫يعصمك من الناس‪ .‬فالثم هو الفاجر في أفعاله ‪ ،‬والكفور هو الكافر بقلبه‪.‬‬
‫{ وَا ْذكُرِ اسْمَ رَ ّبكَ ُبكْ َر ًة وََأصِيل } أي ‪ :‬أولَ النهار وآخره‪.‬‬
‫طوِيل } كقوله ‪َ { :‬ومِنَ اللّ ْيلِ فَ َتهَجّدْ بِهِ نَافَِلةً َلكَ عَسَى أَنْ‬
‫حهُ لَيْل َ‬
‫سجُدْ َل ُه وَسَبّ ْ‬
‫{ َومِنَ اللّ ْيلِ فَا ْ‬
‫صفَهُ َأوِ‬
‫حمُودًا } [السراء ‪ ]79 :‬وكقوله ‪ { :‬يَا أَ ّيهَا ا ْلمُ ّز ّملُ قُمِ اللّ ْيلَ إِل قَلِيل ِن ْ‬
‫يَ ْبعَ َثكَ رَ ّبكَ مَقَامًا مَ ْ‬
‫ا ْن ُقصْ مِنْهُ قَلِيل َأوْ زِدْ عَلَ ْي ِه وَرَ ّتلِ ا ْلقُرْآنَ تَرْتِيل } [المزمل ‪.]4 - 1 :‬‬
‫حبّ الدنيا والقبال عليها والنصباب إليها ‪ ،‬وترك‬
‫ثم قال ‪ :‬منكرًا على الكفار ومن أشبههم في ُ‬
‫ن وَرَاءَ ُهمْ َي ْومًا َثقِيل } يعني ‪:‬‬
‫الدار الخرة وراء ظهورهم ‪ { :‬إِنّ َهؤُلءِ يُحِبّونَ ا ْلعَاجِلَ َة وَيَذَرُو َ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫شدَدْنَا َأسْرَهُمْ } قال ابن عباس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وغير واحد ‪ :‬يعني خَ ْلقَهم‪{ .‬‬
‫ثم قال ‪ { :‬نَحْنُ خََلقْنَاهُ ْم وَ َ‬
‫وَإِذَا شِئْنَا بَدّلْنَا َأمْثَاَل ُهمْ تَبْدِيل } أي ‪ :‬وإذا شئنا بعثناهم يوم القيامة ‪ ،‬وبَدلناهم فأعدناهم خلقا جديدا‪.‬‬
‫وهذا استدلل بالبداءة على الرجعة‪.‬‬
‫وقال ابن زيد ‪ ،‬وابن جرير ‪ { :‬وَإِذَا شِئْنَا َبدّلْنَا َأمْثَاَلهُمْ تَ ْبدِيل } [أي] (‪ : )2‬وإذا شئنا أتينا بقوم‬
‫س وَيَ ْأتِ بِآخَرِينَ َوكَانَ اللّهُ عَلَى ذَِلكَ (‪ )3‬قَدِيرًا‬
‫آخرين غيرهم ‪ ،‬كقوله ‪ { :‬إِنْ َيشَأْ يُذْهِ ْب ُكمْ أَ ّيهَا النّا ُ‬
‫} [النساء ‪ ]133 :‬وكقوله ‪ { :‬إِنْ يَشَأْ ُيذْهِ ْبكُ ْم وَيَ ْأتِ بِخَ ْلقٍ جَدِيدٍ َومَا ذَِلكَ عَلَى اللّهِ ِبعَزِيزٍ } [إبراهيم‬
‫‪ ، 20 ، 19 :‬وفاطر ‪.]17 ، 16‬‬
‫ثم قال تعالى ‪ { :‬إِنّ هَ ِذهِ } يعنى ‪ :‬هذه السورة { َت ْذكِ َرةٌ َفمَنْ شَاءَ اتّخَذَ إِلَى رَبّهِ سَبِيل } أي طريقا‬
‫ومسلكا ‪ ،‬أي ‪ :‬من شاء اهتدى بالقرآن ‪ ،‬كقوله ‪َ { :‬ومَاذَا عَلَ ْيهِمْ َلوْ آمَنُوا بِاللّ ِه وَالْ َيوْ ِم الخِرِ‬
‫وَأَنْ َفقُوا ِممّا رَ َز َقهُمُ اللّ ُه َوكَانَ اللّهُ ِبهِمْ عَلِيمًا } [النساء ‪.]39 :‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في أ ‪" :‬عليك"‪.‬‬
‫(‪ )2‬زيادة من م‪.‬‬
‫(‪ )3‬في أ ‪" :‬وكان ال على كل شيء" وهو خطأ‪.‬‬

‫( ‪)8/294‬‬

‫ثم قال ‪َ { :‬ومَا َتشَاءُونَ إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ } أي ‪ :‬ل يقدر أحد أن يَهدي نفسه ‪ ،‬ول يدخل في‬
‫حكِيمًا } أي ‪ :‬عليم بمن‬
‫اليمان (‪ )1‬ول يجر لنفسه نفعًا ‪ { ،‬إِل أَنْ يَشَاءَ اللّهُ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫يستحق الهداية فَيُيَسّرها له ‪ ،‬ويقيض له أسبابها ‪ ،‬ومن يستحق الغواية فيصرفه عن الهدى ‪ ،‬وله‬
‫حكِيمًا }‬
‫الحكمة البالغة ‪ ،‬والحجة الدامغة ؛ ولهذا قال تعالى ‪ { :‬إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا َ‬
‫عذَابًا أَلِيمًا } أي ‪ :‬يهدي من يشاء ويضل‬
‫عدّ َلهُمْ َ‬
‫حمَ ِت ِه وَالظّاِلمِينَ أَ َ‬
‫خلُ مَنْ َيشَاءُ فِي رَ ْ‬
‫ثم قال ‪ { :‬يُ ْد ِ‬
‫من يشاء ‪ ،‬ومن يهده فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪.‬‬
‫[آخر سورة "النسان"] (‪[ )2‬وال أعلم] (‪)3‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬في م ‪" :‬في إيمان"‬
‫(‪ )2‬زيادة من م ‪ ،‬أ‪.‬‬
‫(‪ )3‬زيادة من أ‪.‬‬

‫( ‪)8/295‬‬

‫صفًا (‪ )2‬وَالنّاشِرَاتِ َنشْرًا (‪ )3‬فَا ْلفَا ِرقَاتِ فَ ْرقًا (‪ )4‬فَا ْلمُ ْلقِيَاتِ‬
‫ع ْ‬
‫صفَاتِ َ‬
‫وَا ْلمُرْسَلَاتِ عُ ْرفًا (‪ )1‬فَا ْلعَا ِ‬
‫جتْ (‬
‫سمَاءُ فُرِ َ‬
‫ستْ (‪ )8‬وَإِذَا ال ّ‬
‫طمِ َ‬
‫ِذكْرًا (‪ )5‬عُذْرًا َأوْ ُنذْرًا (‪ )6‬إِ ّنمَا تُوعَدُونَ َلوَاقِعٌ (‪ )7‬فَإِذَا النّجُومُ ُ‬
‫سلُ ُأقّ َتتْ (‪ )11‬لَِأيّ َيوْمٍ أُجَّلتْ (‪ )12‬لِ َيوْمِ ا ْل َفصْلِ (‪َ )13‬ومَا‬
‫سفَتْ (‪ )10‬وَإِذَا الرّ ُ‬
‫‪ )9‬وَإِذَا الْجِبَالُ ُن ِ‬
‫صلِ (‪ )14‬وَ ْيلٌ َي ْومَئِذٍ ِل ْل ُمكَذّبِينَ (‪)15‬‬
‫أَدْرَاكَ مَا َيوْمُ ا ْلفَ ْ‬

‫تفسير سورة المرسلت‬

You might also like