You are on page 1of 20

‫الوليات المتحدة المريكية و إيران‬

‫ما بين التقارب و التباعد‬

‫احمـــد مفـــرح الصعيــــدي‬


‫باحث و محلل سياسي‬

‫للتواصل عبر البريد اللكتروني‬


‫‪Abomefr7@gmail.com‬‬
‫الوليات المتحدة المريكيه و إيران‬
‫ما بين التقارب و التباعد‬
‫احمد مفرح*‬

‫ينظر إلى العلقات المريكية‪-‬اليرانية على اعتبار أنها من أه ّم العوامل التي تؤثر في منطقة الشرق الوسط استراتيجياً‪ .‬وقد‬
‫ازدادت أهمية إيران في السياسة الخارجية المريكية بعد الحرب التي شنتها الوليات المتحدة على العراق‪ .‬وفي الجانب‬
‫اليراني‪ ،‬فإن قضية علقات الجمهورية السلمية مع الوليات المتحدة أضحت أهم قضايا السياسة الخارجية بالنسبة إلى‬
‫طهران‪ ،‬ومن القضايا المركزية في السياسة الداخلية اليرانية‪ .‬كما أن الوضع الراهن والمسار المستقبلي للعلقات اليرانية‪-‬‬
‫المريكية من القضايا التي تشغل دول الشرق الوسط و الخليج العربية منها خاصة‪.‬‬

‫تتمحور الفرضية الساسية حول أن مفتاح تطوير العلقات المريكية‪-‬اليرانية يكمن في أن ينظر كل طرف من الطرفين في‬
‫علقاته مع الخر عبر منظور المصلحة الوطنية‪ .‬وإذا ما فعلت الدولتان ذلك‪ ،‬فيبدو أن هناك من المصلحة المشتركة ما يكفي‬
‫للسماح بصفقة استراتيجية كبرى بين الطرفين‪ .‬أما الحجة التحليلية فهي أن الخلفات الداخلية في دوائر صنع السياسة في‬
‫الجانبين إنما تمنع واشنطن وطهران من اتخاذ إجراءات حاسمة للنتقال بالعلقات بين البلدين نحو آفاق إيجابية‪.‬‬

‫و في هذا التحليل نحاول أن نوضح مسار العلقة بين الوليات المتحدة و إيران و النتائج المترتبة على تلك العلقة سواء كانت‬
‫ايجابية أو سلبية و مدى القارب و التباعد الذي من الممكن أن يتم بين الطرفين ‪.‬‬

‫أول ‪ :‬المصالح أساس المواقف‬


‫ما شهدناه في الونه الخيره من كسر الرئيس المريكي باراك اوباما القاعدة التي حكمت خطاب الدارات المريكية المتعاقبة‬
‫منذ ثلثة عقود باتجاه إيران مستبدل لغة التهديد والوعيد بلغة "ود" دبلوماسي بحثا عن علقات أكثر استقرارا لهو تحول‬
‫مفاجئ أحدثه الرئيس المريكي الجديد و بمثابة نقلة نوعية في خطاب الداره المريكيه باتجاه إيران عارضا على مسؤوليتها‬
‫طي صفحة الصراع وفتح ثانية أكثر إشراقا ببراغماتية تخدم (مصلحة البلدين) في ظل الحترام المتبادل‪.‬‬

‫وبلغة العارف بالحضارة الفارسية وتاريخها فقد فضل الرئيس اوباما النتظار شهرين كاملين منذ توليه مهامه الرئاسية قبل أن‬
‫يكشف عن قناعاته باتجاه إيران مفضل حلول عيد "النيروز" رمز حلول فصل الربيع أو رأس السنة الفارسية ليوجه خطابه‬
‫باتجاه السلطات اليرانية لبدء مستقبل جديد يقفز على مواقف سابقه جورج بوش الذي اختار استراتيجية "العصا والجزرة"‬
‫لرغام إيران على وقف برنامجها النووي‪.‬‬

‫وإذا كانت السلطات اليرانية قد رحبت بمضمون خطاب الرئيس المريكي ووصفته بـ "اليجابي" إل أن ذلك لم يمنعها من‬
‫التزام الحذر في تعاطيها معه وأكدت أنها تنتظر الملموس قبل الوصول إلى مرحلة طي صفحة علقات طغى عليها التوتر‬
‫والريبة المتبادلة‪.‬‬

‫إننا أمام مرحلة جديدة في علقات طهران مع واشنطن‪ ،‬ل تتميز باختفاء منطق صراع المصالح بين الطرفين‪ ،‬بل في كيفية‬
‫إدارة هذا الصراع والتخفيف من أعبائه التي باتت مجهدة للطرفين ‪ ،‬كما في محاولة اشتقاق واجتراح سبل جديدة وحلول‬
‫أفضل لحل هذا الصراع‪ ،‬بوسائل دبلوماسية بدلً الحرب والتلويح بها‪ ،‬ومن خلل الحوار والتواصل‪ ،‬بدل القطيعة والقصف‬
‫العلمي عن بعد‪.‬‬

‫وعودة السياسيه المريكيه لمسلمات حكمت مسار الدبلوماسية الميركية وفق مقولة "ليس للوليات المتحدة أعداء دائمين" كما‬
‫نطقت بذلك وزيرة الخارجية الميركية مبررة ملمح وبدايات التغيير الذي طرأ على سياسة بلدها حيال إيران‪ ،‬حيث شددت‬
‫على خيار الدبلوماسية والحتواء في التعامل مع الجمهورية السلمية‪ ،‬بديل عن سياسة العصا الغليظة ودبلوماسية حاملت‬
‫الطائرات والعزل والعقوبات والقصاء‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ثلثون عاما من العداء‬
‫من الهميه بمكان قبل أن نتحدث عن العلقة و مسارها لبد أول أن ننظر في التاريخ حتى نستطيع أن نصنع لنفسنا إطارا‬
‫ندلل به على أن هناك فعل تغيير في لغة الخطابات المتبادلة بين البلدين لن تاريخ العلقة هو تاريخ مضطرب و حينما تتغير‬
‫الكلمات و لغات التخاطب تتغير المواقف حينها ‪ ،‬وما يلي بعض تفاصيل العلقات المضطربة بين إيران والوليات المتحدة ‪:‬‬

‫‪ .. 1953‬انقلب‪:‬‬
‫‪ -‬في أغسطس أب ‪ 1953‬ساعدت وكالة المخابرات المركزية في التخطيط للطاحة برئيس الوزراء المحبوب محمد مصدق‬
‫وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي للسلطة‪.‬‬
‫‪ -‬جاء تحرك واشنطن بعد أن أقنعت لندن ‪-‬التي عارضت سياسة مصدق الرامية لتأميم صناعة النفط التي تهيمن عليها‬
‫بريطانيا‪ -‬المسئولين المريكيين بان مصدق سيتحول إلى السياسات الشيوعية‪ .‬ومع انحسار قوة بريطانيا أضحت الوليات‬
‫المتحدة رمزا للمبريالية الغربية في أذهان الكثير من اليرانيين‪.‬‬

‫‪ .. 1972‬تقوية العلقات‪:‬‬
‫‪ -‬عززت زيارة قام بها الرئيس المريكي ريتشارد نيكسون العلقات الستراتيجية الوثيقة بين إيران والوليات المتحدة في‬
‫وقت تصاعدت فيه المعارضة للشاه التي قادها رجل الدين المنفي اية ال روح ال الخميني‪.‬‬
‫‪ .. 1979‬عودة الخميني‪:‬‬
‫‪ -‬عقبت مصادمات دموية بين محتجين وقوات الجيش فر الشاه في يناير كانون الثاني ‪ 1979‬وعاش في المنفي‪ .‬وفي الشهر‬
‫التالي عاد الخميني إلى إيران متوجا انتصار الثورة التي رفعت شعار "الموت لمريكا"‪.‬‬
‫‪ -‬في نوفمبر تشرين الثاني ‪ 1979‬استولى طلبة إيرانيون على السفارة المريكية في طهران واحتجزوا ‪ 90‬رهينة‪ .‬ودام‬
‫احتجاز ‪ 52‬منهم لمدة ‪ 444‬يوما مما دفع واشنطن لقطع العلقات في عام ‪.1980‬‬
‫‪ .. 1986‬صفقة سلح‪:‬‬
‫‪-‬اعترف الرئيس المريكي رونالد ريجان بإبرام صفقات سلح سرية مع إيران في خروج على الحظر المريكي‪ .‬واستهدف‬
‫إبرام الصفقات تأمين الفراج عن أمريكيين يحتجزهم متشددون شيعة موالون ليران في لبنان‪ .‬وحولت حصيلة مبيعات‬
‫السلح سرا لمتمردي الكونترا الذين كانت تدعمهم الوليات المتحدة في نيكاراجوا‪ .‬في ذلك الوقت كانت إيران تخوض حربا‬
‫ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فيما كانت الوليات المتحدة تقدم دعما متزايدا لبغداد‪.‬‬
‫‪ .. 1997‬تولي إصلحي سدة الحكم‪:‬‬
‫‪ -‬اختار الناخبون اليرانيون محمد خاتمي صاحب التجاهات الصلحية رئيسا ليران‪ .‬ودعا خاتمي "لحوار بين‬
‫الحضارات"‪ .‬وخلل رئاسته وفي يوم وقوع هجمات في ‪ 11‬سبتمبر أيلول الرهابية ضد الوليات المتحدة أوقد إيرانيون‬
‫الشموع في تجمع اتصف بالرتجالية لمواساة ضحايا الهجمات‪.‬‬
‫‪ -‬عقب هجمات القاعدة على مدن الوليات المتحدة عرضت إيران المساعدة في الحرب التي قادتها الوليات المتحدة للطاحة‬
‫بقادة طالبان في أفغانستان ليوائهم زعيم القاعدة أسامة بن لدن‪ .‬وساعدت إيران في ضمان نجاح مؤتمر دولي بشأن مستقبل‬
‫أفغانستان عقد عقب الحرب‪ .‬وفي يناير كانون الثاني ‪ 2002‬وصف الرئيس المريكي جورج بوش إيران بأنها جزء من‬
‫"محور الشر" واتهمها بأنها تسعى لنتاج أسلحة نووية‪.‬‬
‫‪ .. 2003‬غزو العراق‪:‬‬
‫‪ -‬قادت الوليات المتحدة غزوا للعراق للطاحة بصدام العدو اللدود ليران وجاءت بفصائل شيعية تربطها صلت أوثق‬
‫بإيران إلى السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬مع انزلق العراق في هوة أعمال العنف والصراع الطائفي اتهمت الوليات المتحدة إيران بتسليح وتمويل وتدريب‬
‫ميليشيات شيعية تهاجم القوات المريكية في العراق‪ .‬نفت إيران ذلك وأرجعت أعمال العنف للوجود المريكي‪.‬‬
‫‪ .. 2008‬خلف نووي‪:‬‬
‫‪ -‬قادت الوليات المتحدة جهودا لتشديد عقوبات تفرضها المم المتحدة ضد إيران بسبب برنامجها النووي‪ .‬وفي مارس آذار‬
‫اقر مجلس المن قرار عقوبات ثالث‪ .‬وتقول إيران أن البرنامج مشروع وسلمي ويهدف فقط لتوليد كهرباء ولكنها فشلت في‬
‫إقناع الغرب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬تفاقمت التوترات بين الوليات المتحدة وإيران منذ انتخاب الرئيس اليراني محمود احمدي نجاد عام ‪ 2005‬حيث دأب على‬
‫توبيخ الغرب والتشكيك في جرائم النازي ضد اليهود ودعا لزالة إسرائيل من على الخريطة‪ .‬لكن في تطور مفاجيء ذكر‬
‫تقرير المخابرات المريكية ناشيونال انتليجنس استيميت أواخر ‪ 2007‬أن إيران علقت برنامجها العسكري النووي في ‪2003‬‬
‫‪ .. 2009‬إدارة جديدة‪:‬‬
‫‪ -‬قال الرئيس المريكي الجديد باراك اوباما في يناير أن الوليات المتحدة مستعدة لمد يد السلم ليران إذا "بسطت قبضتها"‪.‬‬
‫وقال احمدي نجاد أن طهران مستعدة للحوار ولكنه طلب تغييرات أساسية في السياسة المريكية‪.‬‬
‫‪ -‬قال الزعيم العلى اليراني أية ال علي خامنئي أن الرئيس أوبانا يسلك نفس "المسار الخاطيء" لسلفه جورج بوش بتأييده‬
‫لسرائيل ووصف الدولة اليهودية بأنها "ورم خبيث"‪.‬‬
‫‪ -‬قالت وزيرة الخارجية المريكية هيلري كلينتون في السبوع الول من مارس آذار أن حكومة اوباما تنوي دعوة إيران‬
‫لمؤتمر دولي بشأن أفغانستان من المقرر عقده في وقت لحق من هذا الشهر‪ .‬وردت إيران بأنها ستدرس الدعوة وأنها مستعدة‬
‫لمساعدة جارتها‪.‬‬
‫و الناظر إلى هذه العلقة سيجد أنها فعل علقة من العداء و العداء المتبادل بين الطرفين أيقن خللها الشعب اليرانى أن‬
‫الوليات المتحدة هي الشيطان الكبر كما يطلق عليها و أنها دائمة العداء مع هذا الشعب و توجهاته و مصالحه و أيقنت‬
‫الوليات المتحدة فيه أن النظام اليرانى هو خطر على مصالحها في المنطقة و مصالح حليفتها الكبرى إسرائيل و التي تسبب‬
‫إيران مشكله دائمة على مسار أمنها القومي ‪ ..‬أو هكذا ينظر إليها ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬قضايا مختلفة تؤدى إلى التقارب‬

‫أول‪ :‬المعضلة الفغانيه‬


‫لقد شهدت المائدة الفغانية اجتماع وفدي الوليات المتحدة وإيران أواخر عام ‪ 2001‬في بون اللمانية لوضع ترتيبات مرحلة‬
‫ما بعد سقوط نظام طالبان‪ ،‬واليوم وبعد أكثر من سبع سنوات‪ ،‬يتكرر المشهد حينما تجد الوليات المتحدة نفسها مضطرة‬
‫للتعاون اليراني للخروج من المأزق الفغاني‪ ،‬مع أن الملف الفغاني ليس هو الملف الوحيد ول الهم في العلقات المريكية‬
‫اليرانية‪ ،‬إل أن أهمية أفغانستان في السياسة الخارجية للرئيس أوباما جعلتها تشكل المشهد الول في الغزل المريكي‬
‫اليراني المرتقب في العهد الديمقراطي الجديد‪.‬‬

‫لقد كرر الرئيس أوباما رسمياً عزمه على تنفيذ حرب مركزية جديدة وقوية بحسب تصريحاته لمنع المقاومة الفغانية المتمثلة‬
‫بطالبان من استكمال حرب التحرير وإسقاط حكومة كرزاي‪ ،‬وهي الحرب الجديدة التي تنوي واشنطن تسعيرها مع المقاومة‬
‫الفغانية ومنع حركة طالبان والمشروع الوطني السلمي الفغاني من التقدم لحراز النصر‪ ،‬وهو محل اتفاق بل وجموح من‬
‫الجمهورية اليرانية التي أعربت مرارا عن رفضها لنتائج هزيمة الحلفاء الطلسيين في أفغانستان ومعارضتها العتراف‬
‫بانتصار المقاومة‪.‬‬

‫لذا فإن واشنطن باتت تعتقد بأن السبيل الوحيد المتبقي لمحاصرة حركة طالبان هي إيران ‪ ،‬حيث تمتلك إيران أوراقا هامه‬
‫لغني عنها في حل المعضلة الفغانيه للوليات المتحدة المريكيه ‪.‬‬

‫ولمعرفة الدور اليراني المحتمل في الحل المريكي للزمة الفغانية‪ ،‬يمكننا تحديد الوراق التي تمتلكها إيران في أفغانستان‬
‫وتمكنها من اللعب بها على طاولة الحوار المريكي في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬الحدود المشتركة مع أفغانستان‪ :‬تصل هذه الحدود إلى ‪ 978‬كيلومترا مربعا‪ ،‬وتشكل أحد أهم المرافق الحيوية لربط‬
‫أفغانستان بالبحر وبالشرق الوسط وأوروبا‪ ،‬كما تشكل أفغانستان ممرا هاما ليران إلى آسيا الوسطى والصين‪.‬‬

‫‪ -‬المهاجرون الفغان في إيران‪ :‬هناك حاليا أكثر من مليون مهاجر أفغاني يعيشون في إيران‪ ،‬وتشكل قضية إخراجهم من‬
‫إيران أحد المور الخلفية بين البلدين‪ .‬وقد أخرجت إيران بالفعل عشرات اللف منهم العام الماضي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -‬العلقات القريبة مع أطراف أفغانية‪ :‬خصوصا الحزاب الشيعية وكذلك الحزاب والتيارات السياسية غير البشتونية من‬
‫عرقية الطاجيك والوزبك والهزارة‪.‬‬

‫‪ -‬العلقات الثقافية المشتركة‪ :‬نظرا لنتشار اللغة الفارسية في أفغانستان حيث يتحدث بها أكثر من ‪ %60‬من مختلف عرقيات‬
‫الشعب ويقرأ بها معظم المثقفين‪.‬‬

‫‪ -‬العلقات القريبة مع الجوار الستراتيجي لفغانستان‪ :‬مثل طاجكستان والصين وروسيا‪.‬‬

‫‪ -‬الدور اليراني في جهود إعادة إعمار أفغانستان‪ :‬إيران تعهدت بتقديم ‪ 500‬مليون دولر لهذا الغرض منذ أوائل عام‬
‫‪ ،2002‬وقامت بتنفيذ العديد من المشاريع خصوصا في الغرب الفغاني‪.‬‬

‫‪ -‬دعم محتمل لطالبان والقاعدة‪ :‬وجود تقارير أمنية بتقديم إيران تسهيلت مباشرة أو غير مباشرة لطالبان‪ ،‬وتسهيل حركة‬
‫عناصر القاعدة بين أفغانستان والعراق والعكس‪.‬‬

‫هذه أهم أوراق تمتلكها إيران في الملف الفغاني حاليا‪ ،‬غير أن هذه الوراق ل تبدو مؤثرة بقوة في إطار الجهود المريكية‬
‫وحلف الناتو للسيطرة على الوضع المني واحتواء المقاومة المسلحة ضد الوجود الجنبي في أفغانستان‪ ،‬اللهم إل ورقة الدعم‬
‫المحتمل لطالبان والقاعدة‪ ،‬والذي تنفيه طهران باستمرار ويتناوله بعض وسائل العلم الغربية والعربية من وقت لخر‪.‬‬

‫وحتى في حالة صحة هذا الحتمال‪ ،‬فما زال حجم الدعم والتأثير اليرانيين غير محدد‪ ،‬فخطوط المداد الساسية لطالبان‬
‫والقاعدة وملذاتهم المنة تقع في الشريط القبلي البشتوني داخل الراضي الباكستانية على الحدود مع أفغانستان‪ ،‬وليس في‬
‫إيران‪ ،‬وأي خطوة لحتواء خطر طالبان والقاعدة تكمن في التنسيق مع إسلم أباد أكثر منه مع طهران‪ ،‬وهذا ما يثير شكوكا‬
‫حول أهداف واشنطن الحقيقية من فتح الحوار مع طهران حول الملف الفغاني‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الوضع العراقي ‪.‬‬


‫لم تكن العلقات العراقية اليرانية يوما في حالة ثبات تام بل تأرجحت بين توتر وتقارب على مدى ربع قرن أو يزيد فمنذ‬
‫انتهاء الحرب العراقية اليرانية تعثّر البلدان على طريق تحسين العلقات وربما كان السبب البرز في ذلك هو احتضان كل‬
‫منهما للمعارضين في بلد الخر‪.‬‬

‫عام ‪ 2004‬وبعد مرور عام على انهيار نظام صدام حسين اعترفت طهران بالحكومة العراقية المؤقتة وتستأنف العلقات‬
‫الدبلوماسية مع بغداد ومع ذلك يستمر التوتر في علقات البلدين إلى حد دفع مسؤولين في العراق إلى التهديد بنقل المعارك‬
‫إلى شوارع طهران ما لم تكف عن تدخلها في الشأن الداخلي العراقي‪.‬‬

‫وبعد عام على التهديدات العراقية تصدر حكومة الجعفري آنذاك عفواً عاماً عن المعتقلين اليرانيين في السجون العراقية‬
‫تزامن مع زيارة وزير الخارجية اليراني السابق كمال خرازي لبغداد‪ ،‬مبادرة أعقبتها زيارتان ليران الولى قام بها‬
‫الجعفري والثانية كانت لوزير دفاعه سعدون الدليمي‪ ،‬الدليمي حمل إلى طهران اعتذار رسمي عن ممارسات النظام السابق‬
‫وتطمينات كانت طهران في أمس الحاجة لها تؤكد أن الراضي العراقية لن تكون منطلق لي عمل عسكري ضد إيران‪.‬‬

‫وما ظهر بعد ذلك أن أمريكا متورطة في العراق كما لم تتورط دوله إحتلل من قبل في تاريخ العالم وربما يكون المأزق الذي‬
‫تورطت أمريكا فيه في العراق اكبر من مأزق فيتنام و ذلك بسبب تشعب المواضيع وتشعب البعاد ‪.‬‬

‫و قد أدركت الوليات المتحدة أنها تعيش أزمة داخلية بسبب العراق و تعيش أزمة عالمية بسبب العراق في العلقات الدولية‪،‬‬
‫وتعيش أزمة إقليمية بسبب العراق على الصعيد الداخلية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لذا فإن الوضع في العراق أصبح يمثل ازمه كبرى للداره المريكيه الجديدة و ما كان صعود نجم اوباما أمام المحافظين في‬
‫النتخابات الخيره إل حينما صوت الشعب المريكى للخروج من العراق قبل أن يصوت لوباما ‪.‬‬

‫و اليد اليرانيه متجذره في التربة العراقية فإيران بما ل يدع مجال للشك لها أيد خفيه في الكثير مما يحدث في العراق بل لها‬
‫استراتيجيه تحقق من خللها الكثير من النقاط منها ‪.‬‬

‫‪ 1‬ـ احتواء القيادات والتيارات الشيعية المتنافسة‪ :‬ويسيطر على الشارع الشيعي في العراق عدة مرجعيات وتيارات‬
‫أهمها‪:‬‬
‫مرجعية علي السيستاني‪ ،‬وتيار الصدر الذي يقوده مقتدى الصدر‪ ،‬وجماعة المجلس العلى للثورة السلمية بزعامة آل‬
‫الحكيم‪ ،‬وبدرجة أقل حزب الدعوة بفروعه المختلفة‪ ،‬وهناك تيار آخر مدعوم من إيران يعمل بصمت داخل مدن الجنوب‬
‫وبعيداً عن الضجة العلمية كما يمارسها الخرون وهو تيار المرجع (المدرّسي) الذي يقود ما يعرف بـ (منظمة العمل‬
‫السلمي) وهذه المنظمة أكثر قوة وتنظيماً‪ ،‬وتمتلك الشرعية الدينية الشيعية التي تؤهلها أن تكون مرجعية دينية قوية مدعومة‬
‫بمليارات إيران‪.‬‬

‫ول شك أن السياسة اليرانية في العموم تقوم على احتواء التيارات الشيعية كلها‪ ،‬والتعامل مع كل فصيل وشخصية قيادية‬
‫تبرز على الساحة لحصد أي نجاح يحققه أي طرف شيعي‪.‬‬

‫ويبقى التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك مرتبطاً إلى حد بعيد بالتداخلت المختلفة داخل الساحة اليرانية والخلفات بين‬
‫المحافظين والصلحيين‪ ،‬وبقدرة هذا الفصيل على تحقيق الهدف الشيعي بهيمنتهم على أوضاع العراق‪.‬‬

‫ولعل موقف إيران من مقتدى الصدر وحركته يوضح لنا جانباً كبيرًا من طبيعة الدور الذي تقوم به إيران في احتواء الشيعة‬
‫العراقيين؛ فهناك تياران داخل القيادة اليرانية حول الموقف من العراق‪ :‬الول‪ :‬يقوده الزعيم اليراني علي خامنئي ويدعمه‬
‫الرئيس السابق هاشمي (رفسنجاني) ويدعم هذا التيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر‪.‬‬

‫ويقود التيار الثاني الرئيس محمد خاتمي والصلحيون‪ ،‬وهو يرفض التعامل والتعاون مع مقتدى الصدر إلى حد أن خاتمي‬
‫رفض استقباله لدى زياره سابقه إلى طهران‪ ،‬كما أن هذا التيار يفضل دعم المرجع علي السيستاني والقيادات والقوى العراقية‬
‫المؤيدة للتعاون السلمي مع المريكيين والبريطانيين على أساس أن ذلك يشكل أفضل ضمانة لحصول الشيعة العراقيين على‬
‫مطالبهم‪ ،‬وعلى حصة كبيرة في تركيبة الحكم الجديدة‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ تسلل المخابرات اليرانية إلى العراق‪ :‬كانت الداة الرئيسية ليران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات اليرانية ونتيجة‬
‫التنسيق الميركي ـ اليراني دخلت المخابرات اليرانية إلى العراق‪ .‬ونتيجة أبوتها للتنظيمات السياسية المذهبية تسلّلت إلى‬
‫مجلس الحكم النتقالي‪.‬‬

‫وتشير تقارير صحفية إلى أن جهاز مخابرات فيلق القدس اليراني ومخابرات الحرس الثوري اليراني يقومان بالدور‬
‫الخطر على صعيد أجهزة الستخبارات داخل العراق‪ ،‬ولعل الكشف عن الدور المزدوج للجلبي وعلقته الطويلة مع‬
‫المخابرات اليرانية يوضح إلى أي حد وصل الدور الذي مارسته المخابرات اليرانية على الساحة العراقية‪.‬‬

‫وتشير معلومات صحفية إلى افتتاح ‪ 18‬مكتباً للستخبارات اليرانية تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية لمساعدة‬
‫الفقراء‪ ،‬وتوزيع المال والدوية والمواد الغذائية‪ ،‬وترتيب النتقال إلى العتبات المقدسة لدى الشيعة وضمن ميزانية تتجاوز مئة‬
‫مليون دولر‪.‬‬

‫وضمن المخطط اليراني شراء ولء رجال دين أغلبهم شيعة وأقلية سنية رصد فيه مبلغ ‪ 5‬مليين دولر سنوياً للترويج‬
‫والدفاع عن إيران‪ ،‬وتجميل صورة مواقفها في الشارع العراقي وأحيانًا عبر المنابر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وفي المعلومات الستخباراتية أن إيران استأجرت واشترت ‪ 2700‬وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء‬
‫العراق‪ ،‬وخاصة فى النجف‪ ،‬وكربلء ليسكن فيها رجال الستخبارات اليرانية ورجال فيلق القدس الستخباراتي‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ تدفق الفراد والموال على العراق‪ :‬ويشير حجم المساعدات النقدية اليرانية المدفوعة إلى مقتدى الصدر وحده عدا‬
‫التيارات الخرى خلل الشهر الخيرة أنها تجاوز سقف ‪ 80‬مليون دولر‪ ،‬إلى جانب تدريب رجاله‪ ،‬وإرسال معونات‬
‫إنسانية شملت الغذاء والدوية والمعدات والثاث‪ .‬ومثال على ذلك ما ذكرته صحيفة (جمهوري إسلمي) اليرانية أن إمام‬
‫جمعة شيراز الشيخ الحائري الشيرازي أرسل ‪ 150‬حاجاً على حسابه إلى العتبات المقدسة الشيعية وإلى كربلء‪ ،‬وسيراً على‬
‫القدام بناء على طلبهم‪.‬‬

‫وهذا الندفاع البشري اليراني نحو العراق والموال التي ينفقونها جعل قيمة الدينار العراقي ترتفع‪ ،‬كما قامت بلديات إيرانية‬
‫عديدة أبرزها بلدية طهران بدور كبير في تولي الخدمات في الماكن المقدسة لدى الطائفة الشيعية كالنظافة والتشجير وزرع‬
‫شتول الزهور‪ ،‬ورش المياه عبر صهاريج قادمة من إيران وعمالة إيرانية يساعدها عمال عراقيون موظفون تدفع لهم بلدية‬
‫طهران أجورهم‪ .‬أحد التجار اليرانيين تبرع بحمولة ‪ 10‬أطنان من المياه المعدنية أرسلها إلى كربلء في أربعين المام‬
‫الحسين منتصف أبريل من العام الماضي‪ ،‬ومؤسسة الوقاف وهي مؤسسة غير رسمية أخذت على عاتقها تأمين كل‬
‫المصاحف وكتب الدعية المطلوبة للعتبات المقدسة الشيعية‪ ،‬وكل مؤسسة أهلية تقدم للعراق في هذه المناسبة عطاء أو‬
‫مساعدة تعتبر جزءًا من ميزانيتها الخاصة‪.‬‬

‫هذا فضلً عن حضور اللف من اليرانيين للتطوع لطهي الطعام وتوزيع المياه أو العصائر أو التنظيف في العتبات المقدسة‬
‫للشيعة‪ ،‬وأخيراً للخبز اليراني الساخن وجبة تقدم للفقراء‪.‬‬

‫ونتيجة للضوء الميركي ـ البريطاني الخضر اكتظّت السواق وغرف التجارة العراقية بالتجار اليرانيين‪ ،‬ومنه تسلّلت إلى‬
‫أجهزة المافيات (سرقة ونهب) بدون النظر إلى عرقها أو مذهبها؛ إذ تشاركت الحزاب الكردية مع الحزاب السياسية الشيعية‬
‫في نهب كل ما طالته أيديهم وباعوه إلى التجار اليرانيين‪ ،‬وقد وصف أحد العراقيين الدور اليراني في العراق قائلً‪ :‬خرجت‬
‫إيران ـ بعد احتلل العراق ـ بأكبر حصة من وليمة ذبح الدولة العراقية‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ السيطرة العلمية من خلل الصحف التي تمولها وقنوات البث الفضائي والرضي؛ وقد قامت شركة التلفزيون الرسمية‬
‫في إيران والتي يسيطر عليها الصلحيون بافتتاح قناة فضائية على غرار قناة الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة‬
‫العربية من محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين‪ ،‬وتتحدث تقارير صحفية عن وجود ‪ 300‬إعلمي‬
‫إيراني بشكل دائم في العراق‪.‬‬

‫من هنا ل يستطيع أي مراقب أن يغفل الدور اليراني فيما يحدث في العراق ولول قيام طهران بدور المتفرج لما تمكنت‬
‫القوات المريكية وقوات التحالف من السيطرة علي أراضي العراق وتدميرها إلي جانب أن دفعها بحلفائها من الشيعة الذين‬
‫فروا من قبل من نظام صدام حسين كان بمثابة تنبيه بدور طهران‪.‬‬

‫لذ ‪ 1‬فإن هناك أهميه كبرى للوليات المتحدة المريكيه مع إيران فيما يخص الشأن العراقي ول بد من إدخال الشريك‬
‫اليرانى حتى يتم حل الكثير من المشاكل التي تواجه العراق مما يمكن الحتلل المريكى و السياسية المريكيه من تنفس‬
‫الصعداء داخليا أمام الشعب المريكى و خارجيا أمام النظام الدولي ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ورقه النفط‬


‫حتى نستطيع أن نتحدث عن النفط و دوره في التقارب اليرانى المريكى لبد أول أن ندرك أهميه النفط في صياغة مثل تلك‬
‫المتقاربات ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫فلدى إيران مخزون من النفط مقداره ‪ 126‬بليون برميل يشكل ما نسبته ‪ %10‬من الحتياطي العالمي‪ ،‬ومع الستكشافات‬
‫النفطية الحديثة في الهواز ارتفع الحتياطي إلى ‪ 133‬بليون برميل وهو ما يعني وصول إيران إلى مكانة الدولة الثانية في‬
‫الحتياطي العالمي بعد السعودية‪.‬‬

‫صحيح أن إيران ستجني في السنة المالية المقبلة نحو ‪ 44‬بليون دولر حتى لو انخفض سعر البرميل إلى ‪ 50‬دولرا‪ ،‬لكن ذلك‬
‫ل يخفي القلق المتزايد في إيران من خطورة العتماد على النفط‪.‬‬

‫ينبع القلق من تعرض أهم حقول النفط اليرانية للنضوب بمعدل ‪ 8‬إلى ‪ %13‬كل عام‪ ،‬وهو ما يعني أن أغلب حقول النفط‬
‫اليرانية ستنضب خلل عقدين من الزمان‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن إيران تنتج أربعة مليين برميل يوميا وتستهلك منها ‪ 1.4‬مليون برميل‪ ،‬مما يعني أن لديها القدرة على‬
‫التصدير لمدة ‪ 65‬سنة بناء على كميات الحتياطي المشار إليها من قبل‪ ،‬فإن الفرق بين التقدير الحسابي والتقدير الفعلي يكشف‬
‫مشكلة مستقبلية في قطاع النفط اليراني‪.‬‬

‫فالتقدير الحسابي ل يأخذ في اعتباره النمو المتسارع للسكان وارتفاع معدلت استهلكهم‪ ،‬كما ل يضع في حسبانه الخطط‬
‫القتصادية الهادفة إلى دعم القطاع الصناعي الذي يعمل فيه ‪ %40‬من السكان‪.‬‬

‫كما أن ذلك التقدير ل يتصور إمكانية حدوث أزمات نفطية كبرى تطيح بأسعار النفط إلى ‪ %25‬مما هي عليه اليوم‪ ،‬وهو ما‬
‫سيدفع الحكومة اليرانية –كغيرها من الدول النفطية‪ -‬إلى ضخ المزيد من النفط لتعويض العجز في السعار‪ ،‬ومن ثم‬
‫استنزاف أكبر للحقول وعرقلة الستثمارات وتحجيم الستكشافات النفطية وتباطؤ معدلت الصيانة‪.‬‬

‫وإذا انتظرنا إلغاء الحظر الميركي المفروض منذ عام ‪ 1996‬على الشركات الميركية بان ل تستثمر في إيران أكثر من ‪20‬‬
‫مليون دولر سنويا‪ ،‬يمكننا أن نفهم توقعات خبراء النفط بارتفاع إنتاج إيران من ‪ 4‬إلى ‪ 7‬مليين برميل في اليوم نتيجة‬
‫الندفاع المنتظر لرؤوس الموال الميركية إلى القطاع النفطي اليراني‪.‬‬

‫ول شك انّ الوليات المتّحدة تأخذ بعين العتبار وجود نقاط ضعف مستجدة في الواقع اليراني وفي طليعتها الوضع النفطي‬
‫للبلد والقتصاد الكليّ‪.‬‬

‫ن الستهلك المحلي يتصاعد بشكل كبير جدا مقابل انخفاض حاد في معدّلت إنتاج النفط سنويا بسبب انعدام القدرة‬ ‫‪ -1‬إذ ا ّ‬
‫الذاتية والستثمارات اللزمة والتكنولوجيا الغربية والمريكية تحديدا لرفع معدّلت النتاج‪.‬‬

‫ن العائدات الناجمة عن تصديره تشكّل أكثر‬


‫وإذا ما علمنا انّ النفط يشكّل أكثر من ‪ %85‬من مجموع الصادرات اليرانية وا ّ‬
‫من نصف العوائد الحكومية‪ ،‬فهذا يعني انّ النفط موازي في أهميته للنووي اليراني أن لم يكن أكثر منه‪ ،‬لنه يؤثّر على‬
‫يحافظ على بقاء النظام الحاكم هناك‪.‬‬

‫‪ -2‬كما انّ الوضع القتصادي متدهور وليس هناك من عقود لتطوير صناعة النفط والغاز وهناك حصار مالي فرضته‬
‫عقوبات المم المتحدة على الرغم من ‪ %10‬تقريبا من التأثير هو نتيجة العقوبات المفروضة امّا باقي النسبة فهي بسبب‬
‫الخوف من نفوذ الوليات المتّحدة حيث تفضّل الشركات الكبرى الوروبية والعالمية عدم النخراط في علقات اقتصادية مع‬
‫إيران‪ ،‬وان حصل ذلك فهو يتم بطريقة غير مباشرة وبأساليب ملتوية‪.‬‬

‫وهذه معطيات لم تكون موجودة بشكل مؤثر في الفترة السابقة‪ ،‬وهذا يعني أن اليرانيين يعانون من ثغرات قوية في موقفهم‬
‫التفاوضي مثلما كان الوضع المريكي سابقا‪.‬‬

‫لذا فإن التقارب اليرانى المريكى سيلعب دور كبير في انفراج ازمه كبرى للبلدين اولهما سيضمن ليران انفراجه في القطاع‬
‫النفطي لها و سيضمن للوليات المتحدة المريكيه رافد جديد من روافد النفط حيث يلعب أصبح النفط هو بيت القصيد في‬
‫‪8‬‬
‫الستراتيجية المريكية‪ ،‬إذ أن عصب الحياة فيها هو الطاقة ‪ ،‬ولتأمين ذلك يستلزم المزيد من الحماية للمصالح الحيوية التي‬
‫عرفها مجلس المن القومي للوليات المتحدة المريكية في عام ‪ 1998‬بأنها مصالح ذات الهمية الواسعة‪ ،‬الطاغية بالنسبة‬
‫لبقاء وسلمة وحيوية الوليات المتحدة المريكيه ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬قضايا مختلفة تؤدى إلى التباعد‬


‫أول ‪ :‬البرنامج النووي اليرانى‬

‫ورثت طهران هذا الملف عن نظام شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي‪ ،‬ويعتبر أحد أهم الدلة على طابع المتداد القائم في‬
‫السياسة اليرانية بغض النظر عن النظام السياسي القائم‪ ،‬وطبقا لوجهة النظر اليرانية في هذا المقام‪ ،‬والذي عبر عنها رئيس‬
‫الوكالة اليرانية للطاقة الذرية علي لريجاني؛ فإن إيران شغلتها منذ أربعة عقود قضية مصادر الطاقة‪ ،‬لنها بلد شبه جاف‬
‫ومصادر المياه فيه محدودة‪ ،‬لذلك فإن أي تفكير في التنمية ظل يطرح مباشرة ملف الطاقة المتوفرة والمطلوبة‪.‬‬

‫وفي عهد الشاه‪ ،‬ومنذ حوالي أربعين عاما‪ ،‬تم توقيع اتفاقية مع الوليات المتحدة لقامة مفاعل نووي في طهران‪ ،‬وإنشاء معهد‬
‫للبحاث النووية‪ ،‬وتدريب الكوادر اليرانية‪ ،‬إلى جانب استخراج اليورانيوم من المناجم المتوفرة في البلد‪ ،‬وكانت هناك‬
‫اتفاقية أخرى مع فرنسا لنشاء مفاعل نووي في خوزستان وتخصيب اليورانيوم في إيران‪ ،‬وأُنشئت لذلك الغرض شركة باسم‬
‫أورديف‪ ،‬ودفعت حكومة الشاه ‪ %10‬من قيمة رأسمالها‪ ،‬كما عقدت اتفاقية ثالثة مع شركة سيمنس اللمانية لقامة مفاعل في‬
‫بوشهر لذات الغرض‪.‬‬

‫وهذه المشروعات كلها إما أنها لم تنفذ أو أنها لم تستكمل بعد قيام الثورة‪ ،‬المر الذي كانت الرسالة فيه واضحة‪ ،‬وهي أن ثمة‬
‫قرارًا ضمنياً من الحكومات الغربية بقيادة الوليات المتحدة يقضي بمعاقبة الجمهورية السلمية في إيران‪ ،‬عن طريق إيقاف‬
‫نموها وحرمانها من الطاقة النووية التي تحتاجها‪ ،‬وكان رد طهران هو أنه ل بديل عن العتماد على النفس في بلوغ ذلك‬
‫الهدف‪ ،‬وهو القرار الستراتيجي الذي دخل حيز التنفيذ مباشرة بعد انتهاء الحرب مع العراق في العام ‪1988‬م‪.‬‬

‫وحينما خاضت إيران غمار التجربة فإنها اعتمدت على كوادرها الفنية بالدرجة الولى‪ ،‬وطرقت كل باب يمكن أن يعينها على‬
‫بلوغ مرادها‪ ،‬وعبر أحد الوسطاء فإنهم حصلوا على جهاز للطرد المركزي من العالم الباكستاني عبد القدير خان‪ -‬أبو‬
‫البرنامج النووي الباكستاني‪ -‬ورغم أن اليرانيين وقعوا على جميع التفاقيات الدولية المتعلقة بضمان سلمة وسلمية النشاط‬
‫النووي‪ ،‬إل أن ذلك لم يشفع لهم وظلت العتراضات الغربية مرفوعة في مواجهتهم‪.‬‬

‫ويقول لريجاني في حديثه الخير مع الكاتب السلمي والصحفي فهمي هويدي‪" :‬حين عادت إيران إلى استئناف برنامجها‪،‬‬
‫وعملت جاهدة على إبطال ذرائع المتشككين في طبيعة أنشطتها‪ ،‬فإنها تجاوزت تعهداتها الدولية وسمحت لخبراء وكالة الطاقة‬
‫الذرية بالتواجد المستمر في مؤسسات التحويل والتخصيب‪ ،‬كما أباحت لهم القيام بزيارات متكررة للمواقع العسكرية‪ ،‬في حين‬
‫ظلت أجهزة التصوير التابعة للوكالة الدولية تسجل وتراقب مختلف النشطة في منشآتها النووية"‪.‬‬

‫في الوقت ذاته اقترحت طهران إصدار تشريع يحظر إنتاج أو تخزين أو استخدام السلحة النووية‪ ،‬كما أعلنت عن القبول‬
‫بشركاء أجانب في برنامجها لتخصيب اليورانيوم‪ ،‬بل واقترحت إقامة اتحادات إقليمية لتطوير الوقود يضم الدول التي تملك‬
‫تقنية التخصيب‪ ،‬بحيث تظل تلك التحادات تحت إشراف وكالة الطاقة النووية‪ ،‬ذلك كله لم يقبل من جانب الوليات المتحدة‬
‫والدول الغربية‪ ،‬التي أصرت في نهاية المطاف على نقل ملف إيران النووي إلى مجلس المن‪ ،‬تمهيدا لفرض عقوبات عليها‪،‬‬
‫مع التلويح بعصا التدخل العسكري‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫وقد ازدادت مخاوف الخبراء والساسة والمنيون الغربيون حينما تحدث الرئيس اليراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا عن‬
‫تطوير جهاز الطرد المركزي المعروف باسم (‪ ،)B - 1‬بما يسمح باستخدام الجهاز (‪ )B - 2‬الذي تعادل سعته أربعة أضعاف‬
‫سعة الجهاز الول‪ ،‬المر الذي يعني اقتراب إيران بأكثر مما كان متوقعا من إنتاج القنبلة النووية‪.‬‬

‫وعلق المسؤول اليراني على هذا فأثار ثلث نقاط؛ الولى أن الذي يملك المعرفة بوسعه أن يصنع ويستخدم أجهزة الطرد‬
‫المركزي بمختلف طرازاتها "واحد‪ ،‬واثنان‪ ،‬وثلثة"‪ ،‬والخبراء اليرانيون تتوفر لهم هذه المعرفة الن‪.‬‬

‫النقطة الثانية هي أن اليرانيين لديهم فتوى المام الخوميني الذي تحرم إنتاج وتخزين واستخدام أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وقد‬
‫أصدرها في منتصف الثمانينات الماضية‪ ،‬عقب قصف نظام العراقي السابق لمدينة "حلبجة" الكردية بالغاز السام‪ ،‬وما ترتب‬
‫على هذه العملية من دمار وخراب يهدر القيم السلمية والنسانية‪ ،‬والنقطة الثالثة أن السلح النووي كان له دوره في إحداث‬
‫توازن الرعب إبان سنوات الحرب الباردة‪ ،‬لكنه لم يعد يحتل مكانته المتميزة بعد انهيار التحاد السوفيتي‪ ،‬وقد أصبحت يقظة‬
‫الشعوب وإرادتها الحرة هي السلح المضى من القنبلة النووية‪ ،‬وفي انسحاب الكيان الصهيوني المدجج بالسلح النووي من‬
‫جنوب لبنان يشهد بذلك‪.‬‬

‫ال ان هناك خشية لدى الوليات المتحدة من اندلع أزمة أكبر‪ ،‬وربما تكون عسكرية في الخليج العربي أو الشرق الوسط‬
‫يتورط فيها الكيان الصهيوني‪ ،‬يتم فيها استخدام السلحة النووية‪ ،‬وتقول الوليات المتحدة علنًا إنها لن تسمح ليران بتطوير‬
‫أسلحتها النووية‪.‬‬

‫وتتخوف الوليات المتحدة من تهديد إيراني نووي لمصالحها في الشرق الوسط سواء منابع النفط أو أمن الكيان الصهيوني أو‬
‫خطوط التجارة العالمية وأسواق المنطقة الكبيرة لسيما في الخليج العربي‪ ،‬كما أن الوليات المتحدة تخشى على أمن النظمة‬
‫العربية الهشة الموالية لها في الخليج والمشرق العربي من إيران قوية ولها استقلليتها وخيارها النووي المستقل‪ ،‬كما أنه وقتها‬
‫سيكون من الممكن أن يكون هناك تحالف بين إيران والصين وروسيا‪ -‬وهي كلها قوى نووية‪ -‬لذلك سارعت واشنطن للتحالف‬
‫مع الهند النووية في مواجهة مثل هذا الحتمال‪.‬‬

‫وكان شهري مارس وأبريل من العام ‪2006‬م حافلين بالتحركات المريكية ذات الطابع الستراتيجي‪ ،‬فمن جهة كان هناك‬
‫لقاء القمة المريكية‪ -‬الهندية في أوائل شهر مارس‪ ،‬والتي أحدث فيها الرئيس المريكي تغييرا نوعيا في الموقف التقليدي‬
‫المريكي (بما فيه إدارته نفسه) إزاء امتلك الهند السلحة النووية‪ ،‬ونشاطها النووي العام‪.‬‬

‫فقد عقد صفقة كبرى مع نيودلهي رفع فيها الهند إلى مستوى أعضاء النادي النووي الخمس الكبار‪ :‬الوليات المتحدة وروسيا‬
‫والصين وفرنسا وبريطانيا‪ ،‬وخرج باتفاقية نووية تطوّر من قدرات الهند في التكنولوجيا النووية‪ ،‬صحيح أن هذه الخطوة‬
‫الكبيرة على مستوى المنطقة هناك كما على المستوى العالمي‪ ،‬تطلبها التركيز المريكي على نزع برنامج إيران النووي مع‬
‫التحضير للحرب (العدوان) على إيران "إذا اقتضت الضرورة"‪ ،‬إل أن الوجه الخر لهذه الخطوة يجب أن يرى في مداه‬
‫البعد محاولة لرساء تحالف ضد الصين وفكً‪ ،‬قدر المكان‪ ،‬لعرى "الصداقة" الروسية‪ -‬الهندية‪.‬‬

‫إلى جانب كونه رسالة غير سارة لباكستان بل هو بمستوى لطمة على وجه النظام الباكستتنى لسيما عدم حصوله بمثل ما‬
‫حصلت الهند عليه‪ ،‬الخطوة الثانية ذات الدللة هي اللقاء المني (أعلن أنه أمني) بين وزراء خارجية اليابان وأستراليا‬
‫والوليات المتحدة المريكية في العاصمة السترالية سيدني‪ ،‬وهي خطوة مكملة لخطوة الهند في ما يتعلق بالمنطقة والصين‪.‬‬

‫وواشنطن ل تزال تتمسك بعقيدة "الضربة الستباقية" في مواجهة خصومها‪ ،‬وهذه الستراتيجية لم تتغير منذ إعلنها في‬
‫سبتمبر ‪2002‬م ومن أهدافها أن يفهم الحكام المستبدون أنهم يخاطرون بأنفسهم عندما يسعون للحصول على أسلحة دمار‬
‫شامل‪.‬‬

‫بيد أن استعادة كل هذا الحديث حول مبدأ الضربات الوقائية واستمرارها في الستراتيجية الميركية يجب أن يوضع في سياق‬
‫ما أكد عليه تقرير "إستراتيجية المن القومي المريكي" الصادر في مارس من العام ‪2006‬م‪ ،‬بأن التهديد النووي اليراني‬
‫يشكل اليوم "التحدي الكبر" أمام الوليات المتحدة الميركية‪ ،‬بل وصل إلى القول "ليس هناك تحد أكبر من إيران"‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ومن أجل أن توضع إيران في قفص التهام‪ ،‬وتكون هي المقصودة الن بالحديث عن الضربات الوقائية‪ ،‬اتهمها التقرير بدعم‬
‫منظمات إرهابية وتهديد الكيان الصهيوني و"تخريب العملية الديمقراطية" في العراق‪ ،‬المر الذي يعني أن هذا التقرير جاء‬
‫ليقوم بالدور نفسه الذي قام به تقرير سبتمبر من العام ‪2002‬م‪ ،‬تحضيرا للحرب على العراق‪ ،‬ليهيئ بدوره لحرب واسعة‬
‫عسكرية على إيران هذه المرة‪.‬‬

‫ولعل من الرسائل التي حملها التقرير المذكور القول ما معناه‪" :‬ل تظنوا أن الوليات المتحدة الغارقة في العراق لم تعد‬
‫مستعدة لشن حرب أخرى في الوقت نفسه إذا لزم المر"‪ ،‬وفي اليوم نفسه الذي قدم فيها الرئيس السابق جورج بوش وثيقة‬
‫التهام المذكورة إلى إيران صرح المندوب السابق للوليات المتحدة في هيئة المم المتحدة جون بولتون (من المحافظين‬
‫الجدد) أن برامج إيران النووية ل تختلف عن العتداءات الرهابية التي تعرضت لها الوليات يوم ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬م‪،‬‬
‫معتبرا "أن ذلك هو التهديد"‪ ،‬وقد أضاف قائل‪" :‬أعتقد أنه يتعين مواجهة الواقع‪ ،‬صحيح أنه ليس بواقع سعيد لكنه الواقع الذي‬
‫إذا لم يتعامل المرء معه فإنه سيصبح غير سار بشكل أكبر"‪ ،‬أما وزيرة الخارجية المريكية كونداليزا رايس قد وصفت‬
‫إيران‪ ،‬بأنها "من دون شك نوع من بنك مركزي للرهاب"‪.‬‬

‫هذا ول ينقض ما تقدم تلك التأكيدات أن الولوية ما زالت للدبلوماسية وأن آخر الدواء الكي‪ ،‬لن التمهيد للحرب يقتضي‬
‫التأكيد على استنفاذ الطريق الدبلوماسي‪ ،‬أي عكس ما يظن البعض أن الموضوع ما زال في إطار التفاوض‪ ،‬فالتحضير‬
‫للحرب سياسيا وعسكريا ل يبدأ بعد فشل المفاوضات وإنما في أثنائها إن لم يكن قبلها‪.‬‬

‫وثمة نقاط أخرى ذات أهمية في إستراتيجية المن القومي بعد كل هذا التركيز على موضوع إيران التي اعتبرها صراحة‬
‫"التهديد الكبر" أمام الوليات المتحدة‪ ،‬وقال "هي التهديد"‪ ،‬فأول تلك النقاط يتعلق بالتشديد على التعاون الدولي "لتبديد‬
‫الزمات" بأنه أولوية "خصوصا مع أقدم وأقرب أصدقائنا وحلفائنا" وهو يقصد بالطبع وبالدرجة الولى أوروبا‪.‬‬

‫إذن فكل السياسات الدائرة من جانب الوليات المتحدة سواء تلك التي تشير إلى التحضير للحرب ضد إيران أو تعمل على‬
‫عزلها أو تلك التي توحي بنجاح الدبلوماسية‪ ،‬يجب أن توضع جميعها ضمن إطار قرار الحرب حتى يثبت بالملموس العكس‪.‬‬

‫ولم تدخر الوليات المتحدة جهدا في حشد المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ضد إيران بهدف حصارها وعزلها عن المجتمع‬
‫الدولي مما يعني في نهاية المطاف تكثيف الضغوط على طهران لمراجعة مواقفها من القضايا السابقة ووقف برنامجها‬
‫النووي‪ ،‬ولعل نموذج الملف النووي الليبي هو النموذج الحاضر في ذهن واشنطن غير أن واشنطن تعلم أن الظروف‬
‫المحيطة بالبرنامج النووي اليراني تختلف تماما عن تلك التي كانت تحيط بالبرنامج النووي الليبي‪ ،‬وبالتالي فمن المستبعد أن‬
‫تسير طهران على نفس خطي طرابلس في هذا الملف‪.‬‬

‫وقد لجأت الوليات المتحدة إلى عدة أدوات للضغط على طهران فاستخدمت الداة الدبلوماسية للتهديد بتحويل الملف النووي‬
‫اليراني إلى مجلس المن‪ ،‬وسعت إلى حشد الدول الوروبية (خاصة بريطانيا) لتبني نفس الموقف المريكي‪ ،‬وحاولت‬
‫الضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتخاذ موقف يدين طهران‪ ،‬وعندما أوضحت الوكالة أنه ل يوجد دليل قاطع على‬
‫أن البرنامج النووي اليراني يسعى لنتاج أسلحة نووية وأن المطلوب من طهران هو إبداء المزيد من الشفافية والوضوح‬
‫للعالم حول برنامجها النووي‪ ،‬اتهمت واشنطن رئيس الوكالة الدولية الدكتور محمد البرادعي بأنه يحمل نوايا طيبة تجاه إيران‬
‫وصلت إلى القدر الذي جعله يعطي نصائح للدبلوماسيين اليرانيين حول كيفية العمل والتصرف فيما يخص البرنامج النووي‬
‫اليراني‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬التهديد اليرانى لسرائيل‬

‫أزاحت الوليات المتحدة المريكية منذ احتللها العراق‪ ،‬عبئا ثقيل عن كاهل مخططي السياسة الستراتيجية السرائيلية‪ .‬لذا‬
‫فهواجس الترقب من الخطر العراقي التي كانت تنتاب المجتمع السرائيلي لم يعد لها مكان أو مبرر‪ .‬كما لم يعد هناك لزوم‬
‫للخبراء والمتخصصين والمحللين لشخصية صدام حسين‪ ،‬فضل عن توفير المبالغ الضخمة التي كانت مرصودة لدرء الخطر‬
‫العراقي‪ ،‬فالوسائل الوقائية لتفادي هجوم عراقي لم تعد أمرا لزما‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫بيد أن موجة السترخاء تلك‪ ،‬لم يهنأ القادة العسكريون طويل بها‪ ،‬فهؤلء قد عادوا وشددوا‪ ،‬بعد أن أسقطوا الخطر‬
‫الستراتيجي العراقي‪ ،‬على خطر جديد قابع شرق العراق‪ ،‬وهو الخطر اليراني‪ ،‬وخاصة التهديد الحاصل جراء برنامج‬
‫إيران النووي‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬فثمة جدل واسع أُثير مؤخرا‪ ،‬منذ بداية التسعينات‪ ،‬واشتدت حدته بعد إسقاط نظام صدام حسين في إسرائيل حول‬
‫تعاظم الخطر اليراني‪ ،‬حتى بات شبحا يثير المخاوف في مجالت عديدة‪ ،‬ليس فقط للنخب السياسية السرائيلية‪ ،‬بل لدى‬
‫المؤسسات البحثية والعلمية‪ ،‬أهمها المخاوف الستراتيجية التي تثيرها إيران لسرائيل‪ ،‬ناهيك عن أن النظام الديني‬
‫اليراني وأدبيات خطابه‪ ،‬الذي يرتكز على العداء لسرائيل ورفض شرعية وجودها‪.‬‬

‫فتضخيم التهديد اليراني ضد إسرائيل‪ ،‬يأتي بطبيعة الحال ضمن حاجة إسرائيلية على أساس أن ذلك يقوم بدور وظيفي في‬
‫غاية الهمية‪ ،‬فهي تلبي حاجة وجودية لسرائيل‪ ،‬إذ إن مفهوم الخطر يستخدم أحيانا ضمانة للنجاح المستمر للدولة‪ ،‬كهوية‬
‫قوية وحتمية‪.‬‬

‫وبناء على ذلك‪ ،‬يمكننا فهم لماذا تبالغ إسرائيل في تضخيم هذا الخطر اليراني الداهم الذي يريد أن يسحق إسرائيل وينفيها‬
‫عن الوجود؟؟في محاولة لحشد القوى الغربية‪ ،‬سيما الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬لضرب المفاعلت النووية اليرانية‪،‬‬
‫واستخدام كل الوسائل للحيلولة دون امتلك إيران السلح النووي‪.‬‬

‫وبالتالي ل عجب من أن مراكز صنع القرار السياسي والعسكري في إسرائيل تحرص على إبراز قلقها الشديد من البرنامج‬
‫اليراني‪ ،‬فرئيس جهاز الموساد مائير دغان وصف التهديد اليراني‪ ،‬بأنه الخطر "الكبر على دولة إسرائيل منذ نشوئها"‪.‬‬
‫وهنا يبرز التساؤل التالي‪ :‬هل التسلح النووي اليراني هو مصدر الخطر الوحيد لسرائيل‪ ،‬أم أن هناك جوانب أخرى تشكل‬
‫خطرا لسرائيل‪ ،‬وليست القنبلة النووية أهمها؟‬

‫ل شك أن المساعي اليرانية لتطوير قدراتها النووي ـ على فرض أنها عسكرية ـ عبر تصنيعها أو من خلل شراء عناصرها‬
‫من الخارج‪ ،‬يعتبر من الناحية الموضوعية انتزاعا للحتكار السرائيلي للتسلح النووي في المنطقة وبالتالي فامتلك إيران‬
‫القنبلة النووية‪ ،‬سيشكل تهديدا لهذا الحتكار في المنطقة‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬فليس هذا هو مصدر الخطر لسرائيل‪ ،‬ذلك أن إيران عهد الشاه‪ ،‬سعت لتطوير قدراتها النووية‪ ،‬ومع ذلك لم تر‬
‫إسرائيل في ذلك أي خطر عليها‪ ،‬فضل عن حلم البعض في إسرائيل من التقارب من إيران بعد نجاح الثورة اليرانية (‬
‫‪ ،)1979‬كعنصر إستراتيجي من عناصر التوازن الذي تحتاج إليه إسرائيل لمواجهة التهديد العربي‪.‬‬

‫ولكن مع النظام الديني اليراني‪ ،‬والتصاعد اللفظي للعداء اليراني لسرائيل‪ ،‬وتساوق ذلك مع امتلك إيران قدرات عسكرية‬
‫تقليدية وتطوير قدرات عسكرية غير تقليدية‪ ،‬فإنه يبدو من الطبيعي أن التقارب السرائيلي من إيران أصبح حلما ل يمكن‬
‫تحقيقه‪ ،‬بل كما يقول بنيامين نتنياهو "أكبر خطر وجودي تواجهه إسرائيل"‪.‬‬

‫وهكذا‪ ،‬فإن مصدر التهديد اليراني ل يعود في حقيقة المر إلى التسلح النووي اليراني الراهني في حد ذاته‪ ،‬بل يعود إلى‬
‫اجتماع عدة عناصر أخرى‪ ،‬تراها إسرائيل في غاية الهمية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫ـ القاعدة اليديولوجية‬

‫ـ القدرة الستراتيجية‬

‫ـ القدرة القتصادية‬

‫أول‪ :‬القاعدة اليديولوجية‬


‫‪12‬‬
‫ثمة تحليل يصور أن العوامل اليديولوجية ليس لها قيمة في المنافسة السرائيلية اليرانية‪ ،‬بل إن العتبارات الجغرافية‬
‫السياسية والتغيرات في موازين القوى في المنطقة‪ ،‬هما سبب المنافسة والعداوة بين الطرفين‪ .‬ولكن هذه المقاربة التي تعتمد‬
‫فقط على العتبارات الجغرافية السياسية‪ ،‬كعامل وحيد للصراع بين الطرفين‪ ،‬تجهل عوامل أخرى مهمة تغذي الصراع‪ ،‬بل‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬يتمسك كل من القادة السرائيليين واليرانيين بقوة اليدولوجيا ووجهات نظر عالمية‪ ،‬ويتعاملون معها‬
‫على محمل الجد‪ .‬لذا ل بد من إعطاء هذا العامل حجمه الحقيقي في تغذية الصراع‪.‬‬

‫يقوم النظام اليراني على أيديولوجية دينية يستمد منها شرعيته وقوة دفعه‪ ،‬وهي‪ ،‬أي اليدولوجيا‪ ،‬تتخذ من السلم عقيدة‬
‫كفاحية لمواجهة قوى الستكبار العالمي‪ .‬وتنظر إسرائيل لليديولوجية اليرانية على أنها متينة متصلبة متعصبة معبأة بالحقد‬
‫والتعصب الديني والرافضة لوجود إسرائيل‪ .‬هذه اليدولوجيا تعمل على إعادة إنتاج قيادات متصلبة ومتشددة في موقفها إزاء‬
‫إسرائيل‪.‬‬

‫ولهذه اليديولوجيا تأثير كبير على الكيفية التي سوف تتصرف بها إيران في حال امتلكت سلحا نوويا‪ ،‬لنه من الممكن أن‬
‫تدفع هذه اليدولوجيا المنغلقة إيران إلى مزيد من التعصب والتشدد‪ ،‬وأن تسلك نهجا عدوانيا في سياساتها الخارجية‪ ،‬وبالتحديد‬
‫تجاه إسرائيل‪ ،‬فضل عن ذلك يبقى احتمال وصول زعيما إيرانيا متشددا أن يلجأ إلى ضربة نووية مفاجئة بـ"الضغط على زر‬
‫واحد"‪ ،‬كما يقول نتنياهو‪ ،‬وبالتالي إشعال حرب شاملة في المنطقة تمهيدا لقدوم المهدي المنتظر حسب المذهب الشيعي‪ ،‬فضل‬
‫عن ذلك‪ ،‬فإيران دولة "شمولية"‪ ،‬وقرار استخدام السلح النووي سيكون بيد فئة صغيرة تتصرف دون حساب المخاطر‪،‬‬
‫وبناء على اعتبارات إيديولوجيتها المتعصبة‪ ،‬والتي ل يعبأ قادتها من إعلن حالة العداء هذه لسرائيل‪ ،‬ويجاهر رئيسها بهدف‬
‫مسحها من الخارطة‪.‬‬

‫بالضافة إلى ما تقوم به إيران من دعم الحركات المناوئة لسرائيل‪ ،‬مثل حماس وحركة الجهاد السلمي وحزب ال‪،‬‬
‫وتزودهم بالسلح والمال والتدريب‪ ،‬فضل عن دعمها للخوان المسلمين في مصر والردن‪ ،‬ومنظمات مشابهة في تونس‬
‫والجزائر وتركيا‪ ،‬وبعض الحركات الثورية الفلسطينية‪ .‬باختصار‪ ،‬إيران تقوم ـ من وجهة النظر السرائيلية ـ ببناء شبكات‬
‫"إرهابية"‪ ،‬بهدف توسيع نفوذها وإشعال حرب استنزاف يومية مع إسرائيل‪.‬‬

‫المشكلة الخرى التي تشكلها اليديولوجيا اليرانية المعادية لسرائيل‪ ،‬أنها تضرب إحدى مرتكزات نظرية الردع‬
‫السرائيلية‪ ،‬وتحول دون نجاعتها‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن الردع في المجال النووي يكمن في القدرة على التغلغل في وعي الخصم‪ ،‬بحيث‬
‫يكون (هذا الخصم) متأكدا من أنه سيكون الخاسر في أية مواجهة يضطر خصمه فيها إلى استخدام هذا السلح‪ ،‬أو أنه على‬
‫القل سيكون خاسرا بالقدرة ذاته إذا ما بادر هو إلي المواجهة‪.‬‬

‫ويفترض هذا الخصم أن يكون مجردا من السلح النووي أو متسما بالتوازن الستراتيجي‪ ،‬وبقدر عالي من العقلنية‬
‫والبرجماتية‪ ،‬بناء على حساب المكسب والخسارة‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فل يقدم على مغامرة غير محسوبة‪ .‬هذا المر بالنسبة للكثيرين‬
‫في إسرائيل ل يتوفر في إيران‪ .‬فهم يشكون في عنصر التوازن‪ ،‬على اعتبار أن القيادة اليرانية غير حكيمة‪ ،‬وعليه‪ ،‬فإنه من‬
‫غير المؤكد بالنسبة لسرائيل أن تتصرف إيران اليديولوجية‪ ،‬في حال امتلكها القدرة النووية‪ ،‬بالمسؤولية والحذر‬
‫والعقلنية‪.‬‬

‫فضل عن ذلك‪ ،‬فإن هذه اليدولوجيا لديها قدرة كبيرة على مواجهة الضغوط‪ ،‬وهذا ما أضاف صعوبات تكتنف العمل الجاري‬
‫في كبح إيران‪ ،‬بالضافة إلى عدم فاعلية الضغوط السياسية والقتصادية على إيران‪.‬‬

‫نخلص من ذلك ونقول‪ ،‬إنه بالضافة إلي العتبارات الستراتيجية التي تلعب دورا في استخدام السلحة النووية‪ ،‬هناك‬
‫اعتبارات أخرى‪ ،‬منها عوامل ذاتية ل تقل أهمية‪ ،‬تتصل بهيكل قيادة القوة النووية وعقائدها وأيديولوجيتها والقيم التي تعتمل‬
‫بداخلها‪ ،‬وسوء التقدير والتهور والحسابات غير العقلنية‪ ،‬وكلها عوامل متوفرة في إيران حسب اعتقاد الكثير من القيادات‬
‫السرائيلية‪ ،‬والجدير بالذكر‪ ،‬فإن هناك أيضا من يعتقد عكس ذلك‪ ،‬باعتبار أن القيادة اليرانية عقلنية وبرجماتية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وهذا ل يعني أن العتبارات اليديولوجية هي مصدر الخصومة العميقة بين الطرفين‪ ،‬بل ثمة اعتبارات وعوامل أخرى تزيد‬
‫من حدة الصراع والتخوف من الخطر اليراني في الرؤية السرائيلية‪ ،‬وهذا ما سنتناوله في النقاط التالية‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القدرة القتصادية‬

‫بالضافة إلى مصدر الخطر اليديولوجي‪ ،‬هناك مصدر خطر آخر لسرائيل يلعب هذا الخطر دورا كبيرا في تعزيز وتقوية‬
‫اليدولوجيا الصولية‪ ،‬وهو أن إيران لديها من الموارد القتصادية الكبير والمتنوعة‪ :‬النفط‪ ،‬الفحم‪ ،‬الغاز الطبيعي‪ ،‬خام‬
‫الحديد‪ ،‬الرصاص‪ ،‬النحاس‪ ،‬المنجنيز‪ ،‬الزنك‪ ،‬الكبريت‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإيران تجد الكثير من مصادر القوة لتعبر عن نفسها من‬
‫خللها‪.‬‬

‫فهناك القدرة المالية العالية بوصفها عامل اقتصاديا قويا ناشئا‪ ،‬ليس ذلك فحسب فإيران تقبع فوق احتياطات نفطية ضخمة‪،‬‬
‫ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط الهائلة في العامين الخيرين‪ ،‬وهو أمر يتيح ليران إمكان توظيف تلك العائدات والمكانات‬
‫القتصادية الضخمة لبناء قوة عسكرية جبارة‪ ،‬وتمويل جماعات "إرهابية" مناوئة لسرائيل وتعمل على تقويضها من خلل‬
‫إشعال حرب استنزاف يومية‪ .‬وبالتالي تصبح تلك الموال معززة لليدولوجيا المتعصبة وتزيد من حدتها وعنفوانها وبالتالي‬
‫استخدامها ضد إسرائيل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬القدرة الستراتيجية‬

‫تمتاز إيران بموقع إستراتيجي حساس؛ فإيران متاخمة لشبه القارة الهندية‪ ،‬وحدودها قريبة من منطقة ما يسمى "الشرق‬
‫الوسط"‪ ،‬وخصوصا موقعها الحساس على بوابات الخليج العربي‪ ،‬فضل عن قربها من خمس دول إسلمية‪ ،‬ظهرت على إثر‬
‫تفكك التحاد السوفيتي (طاجكستان‪ ،‬اوزبكستان‪ ،‬اذريبجان‪ ،‬كيزخيزية‪ ،‬تركمانستان)‪ ،‬وتقف إيران في مقدمة المتنافسين بشأن‬
‫النفوذ في هذه الجمهوريات‪ ،‬ذاك النفوذ الذي يحتل في ضوء حقيقة أن هذه الجمهوريات تمتلك مخزونا من السلحة السوفيتية‬
‫الستراتيجية‪.‬‬

‫وحسب ادعاءات إسرائيلية‪ ،‬فإن إيران تحاول أن تقايض هذه الجمهوريات بالمال‪ ،‬مقابل أن تحصل على عناصر إنتاج السلح‬
‫النووي‪ .‬لذا‪ ،‬فمراد إسرائيل‪ ،‬الحيلولة دون سقوط هذه الجمهوريات في يد إيران‪ ،‬حيث إن هناك يقينًا بأن عوامل إستراتيجية‬
‫تتحكم في استخدام السلحة النووية‪.‬‬

‫ويدخل ضمن العتبارات الستراتيجية ‪ ،‬أمور منها‪:‬‬

‫‪1‬ـ المساحة‪ :‬تبلغ مساحة إيران ‪ 1.648‬مليون كم ‪ 2‬منها ‪ 1.636‬مليون كم ‪ 2‬يابسة و ‪12000‬كم ‪ 2‬مياه‪.‬‬

‫‪2‬ـ تعداد السكان‪ :‬يبلغ عدد السكان في إيران ‪ 68.959.931‬نسمه (تقديرات يوليو‪ /‬تموز ‪.)2000‬‬

‫ومقارنة ذلك بإسرائيل نجد‪:‬‬

‫ـ المساحة‪ :‬تبلغ مساحة إسرائيل ‪ 22,145‬كم مربع (‪ 8,630‬ميل)‪ .‬شكل البلد طويل وضيق‪ ،‬إذ يبلغ طولها حوالي ‪ 470‬كم (‬
‫‪ 290‬ميلً)‪ ،‬وعرضها ‪ 135‬كم (‪ 85‬ميلً)‪.‬‬

‫السكان‪ :‬يبلغ مجمل تعداد سكان دولة إسرائيل نحو ‪ 7,026,000‬نسمة "يهود وآخرون"‪ .‬ويبلغ عدد السكان العرب نحو‬
‫‪ 1,387,000‬نسمة‪ ،‬وهم حوالي ‪ %20‬من مجمل عدد السكان في إسرائيل‪.‬‬

‫ومن خلل مقارنة إيران بإسرائيل نجد أن دولة إسرائيل تعاني قيودا جغرافية سياسية‪ ،‬تتمثل في نقاط الضعف في الموقع‬
‫الجغرافي‪ ،‬وصغر في مساحة الدولة‪ ،‬وافتقادها العمق الستراتيجي‪ ،‬كما تعاني قيودا ديموغرافية تتمثل في قلة عدد السكان‬

‫‪14‬‬
‫مقارنة بسكان إيران‪ .،‬كل ذلك له مردود سلبي على إستراتيجيتها العسكرية عامة‪ ،‬وإستراتيجيتها النووية بشكل خاص‪ ،‬مما‬
‫يعني عدم تحمل إسرائيل أي ضربة نووية‪.‬‬

‫إن عامل المساحة ذو تأثير سلبي في الستراتيجية العسكرية برمتها؛ حيث إن مساحة إسرائيل ـ كما سبق ـ تبلغ ‪ 22,145‬كم‬
‫مربع مقابل ‪ 1.648‬مليون كم ‪ 2‬ليران‪ ،‬بالضافة إلى عامل السكان‪ .‬والمحصلة أن ذلك يشكل قيدا‪ ،‬وبالتالي خطرا على‬
‫إسرائيل‪.‬‬

‫يتضح مما سبق‪ ،‬أن الخطر اليراني ليس محصورا فقط بالقنبلة النووية‪ ،‬بل لعتبارات أخرى‪ :‬إيديولوجية واقتصادية‬
‫وإستراتيجية‪ ،‬وهو خطر يثير في إسرائيل مخاوف عميقة‪ ،‬وبالرغم أن مخاوف هذا الخطر شعورية في الغالب‪ ،‬بيد أن العقل‬
‫الستراتيجي السرائيلي يعرف قيود هذا الخطر‪ ،‬أما الوجدان السرائيلي‪ ،‬فيقول إنه "قنبلة موقوتة ل يمكن للمرء أن ينام‬
‫بهدوء بالقرب منها"‪ ،‬وأن "الزناد قد يتوفر في صورة زعيم متعصب‪ ،‬مهدي جديد‪ ،‬يضرب نار الحرب لنه يرى الغرب هش‬
‫ومتهالك وبالتالي طريد سهل"‬

‫ثالثا ‪ :‬المتداد اليرانى في المناطق الخلفية‬

‫في الوقت الذي ركزت فيه الوليات المتحدة انتباهها على الممارسات اليرانية في الشرق الوسط‪ ،‬اتجهت إيران إلى توسيع‬
‫نفوذها في أمريكا اللتينية وإفريقيا‪ ،‬وفي هذا الصدد اتخذ الرئيس اليراني محمود أحمدي نجاد خطى واسعة للتواجد في‬
‫أمريكا اللتينية وقام بمساعدة القوى المناهضة للوليات المتحدة مثل فنزويل وبوليفيا ونيكارجوا‪ ،‬كما عملت طهرن على‬
‫تكوين علقات قوية مع بعض الدول الفريقية‪.‬‬

‫‪.1‬إيران و أمريكا اللتينية‬


‫تتواجد إيران في أمريكا اللتينية منذ أمد بعيد‪ ،‬فقد قامت جماعات إرهابية مرتبطة بإيران بتفجير السفارة السرائيلية في‬
‫بوينس أيرس عام ‪ 1992‬وتفجير مركز الجالية اليهودية في نفس المدينة عام ‪ .1994‬وفي عام ‪ 1996‬وجهت النيابة‬
‫الرجنتينية للرئيس اليراني السابق على أكبر هاشمي رفسنجاني ومعه سبعة آخرون اتهامات بتدبير هجمات عام ‪.1994‬‬

‫وتحت قيادة أحمدي نجاد ما زالت الحكومة اليرانية تبذل جهودًا مضنية للوصول إلى دول أمريكا اللتينية وذلك بتقديم مئات‬
‫المليين‪ ،‬إن لم يكن المليارات‪ ،‬من الدولرات كمساعدات لهذه الدول‪ ،‬وكذلك عن طريق تأسيس تحالف مناوئ للوليات‬
‫المتحدة يضم فنزويل وبوليفيا ونيكارجوا‪ .‬ومن جانبه دعم الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز فكرة هذا التحالف‪ ،‬فخلل زيارته‬
‫لطهران في يوليو ‪ 2006‬قال شافيز أمام حشد في جامعة طهران‪" :‬إننا نسعى لنقاذ البشرية ووضع حد للمبراطورية‬
‫المريكية"‪ ،‬وبعد شهرين تقابل الزعيمان اليراني والفنزويلي في مؤتمر هافانا لحركة عدم النحياز‪ ،‬وبعد عام من زيارته‬
‫الولى عاد شافيز لطهران مرة أخرى واستقبله المرشد العلى آية ال علي خامنئي‪ ،‬وهو شرف الستقبال الذي يُمنح فقط‬
‫للشخصيات السياسية القريبة من إيران‪ ،‬وعلق حينها وزير الخارجية اليراني منوشهر متقي قائلً‪" :‬هوجو شافيز أصبح زائرا‬
‫دائما لطهران وللمنطقة في ظل زيارته المتكررة للجمهورية السلمية"‪ ،‬وقد استغل نجاد زيارة شافيز ليعلن عن إقامة‬
‫"التحالف الموحد" ضد الوليات المتحدة‪.‬‬

‫وبعد شهرين من زيارة شافيز لطهران‪ ،‬التقى نجاد بالزعيم الفنزويلي في كراكس وأدلى الرئيس اليراني بتصريح لوسائل‬
‫العلم الفنزويلية نصه‪" :‬من المؤكد أننا نزداد قوة ولن يستطيع أحد إلحاق الهزيمة بنا"‪ .‬وخلل زيارة شافيز الرابعة لطهران‬
‫خلل عامين قال نجاد‪" :‬الشعبان اليراني والفنزويلي يقفان جنباً إلى جنب مع المم المحرومة في العالم وضد المبريالية‬
‫العالمية ـ في إشارة إلى الوليات المتحدة"‪.‬‬

‫وقد دعم كل من الزعمين اليراني والفنزويلي الخر في التغلب على النتقادات الداخلية التي تواجه كل منهما‪ ،‬ففي أثناء‬
‫افتتاحه مصنعين في كراكس أشاد شافيز بالنجازات التي حققتها إيران بعد الثورة السلمية‪ ،‬وهي كلمات المديح التي ساعدت‬
‫نجاد على مواجهة النتقادات الداخلية المتعلقة بإدارته الفاشلة للقتصاد اليراني‪ ،‬ومن جانبه كرر نجاد عبارات شافيز‬
‫المعادية لمريكا‪ ،‬مؤكدًا أن العلل التي تعاني منها فنزويل سببها المؤامرات المريكية وليس سوء الدارة القتصادية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫وقد ساهم زيادة حجم التبادل التجاري بين إيران وفنزويل في دعم العلقات الدبلوماسية بين البلدين‪ ،‬ففي أبريل ‪ 2007‬كشف‬
‫وزير الخارجية اليراني منوشهر متقي عن أن حجم التبادل التجاري مع فنزويل وصل إلى ‪ 18‬مليار دولر‪ ،‬وهو ما يعد‬
‫دللة على انتهاج طهران إستراتيجية القوة الناعمة في أمريكا اللتينية‪.‬‬

‫ومن ناحية ثانية‪ ،‬تعد كوبا جزءاً من التحالف اليراني ـ الفنزويلي‪ ،‬فبجانب استضافتها مؤتمر حركة عدم النحياز في عام‬
‫‪ ،2006‬انضمت هافانا إلى طهران وكراكس في جهودهما لتشكيل جبهة مشتركة وذلك لللتفاف على العقوبات الوروبية‬
‫والمريكية المفروضة على كل منهم‪.‬‬

‫وقد استخدمت كل من إيران وفنزويل عوائدهما النفطية لتشجيع الدول في أمريكا اللتينية وإفريقيا على انتهاج سياسات‬
‫معادية نحو الوليات المتحدة‪ ،‬وبالطبع كانت نيكارجوا وبوليفيا أول المستهدفين في أمريكا اللتينية‪ ،‬فبعد أيام قليلة من تنصيب‬
‫دانيال أورتيجا رئيسًا لنيكاراجوا علق نجاد قائلً‪" :‬لقد عادت الثورة الشتراكية السابقة إلى السلطة‪ ،‬وكل البلدان لديهما أفكار‬
‫متشابهة فضلً عن كونهما عدو مشترك لواشنطن"‪ .‬ومن جانبه توجه أورتيجا إلى طهران على متن طائرة قُدمت إليه من‬
‫الزعيم الليبي معمر القذافي‪ ،‬وشدد أورتيجا خلل هذه الزيارة على عمق الروابط بين إيران ونيكاراجوا‪ ،‬وبعد شهور من تلك‬
‫الزيارة وقعت الدولتان عددًا من اتفاقيات التجارة ووافقت طهران على تقديم ‪ 350‬مليون دولر كتمويل لميناء نيكاراجوا‪،‬‬
‫وبعد العلن عن هذه التفاقيات وصف أورتيجا الوليات المتحدة بـ"الدولة الرهابية"‪ ،‬وأكد كذلك دعمه للبرنامج النووي‬
‫للجمهورية السلمية‪.‬‬

‫وتعد بوليفيا الحليف الثالث والهم ليران في أمريكا اللتينية‪ ،‬فقد رحبت لباز تحت قيادة الزعيم البوليفي جوان إيفو‬
‫موراليس بالتحالف مع إيران‪ .‬وكما فعلت إيران مع نيكاراجوا فقد قدمت لبوليفيا مساعدات تقدر بـ ‪ 1.1‬مليار دولر في مجال‬
‫التعاون الصناعي‪ ،‬وفي الرابع من سبتمبر ‪ 2007‬وفي خضم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز العقوبات ضد الجمهورية‬
‫السلمية‪ ،‬أعلن وزير الخارجية البوليفي ديفيد شوكويهوانكا تأييده لحق إيران النووي‪ ،‬بل ودعا المجتمع الدولي إلى دعم‬
‫موقف الجمهورية السلمية‪ ،‬ومن جانبها كافأت طهران بوليفيا بفتح سفارة في لباز‪.‬‬

‫وهكذا رأت إيران أن ثمة مصلحة لها في تأسيس علقات قوية مع دول أمريكا اللتينية مثلما تفعل الوليات المتحدة مع دولة‬
‫المارات أو الجمهوريات المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى والقوقاز‪ ،‬وهي في ذلك تبدو كمن يتحدى مبدأ مونرو المريكي‪.‬‬
‫(المحرر‪ :‬أعلن هذا المبدأ الرئيس المريكي جيمس مونرو في عام ‪ 1823‬في خطاب أمام الكونجرس‪ ،‬ونص على ضرورة‬
‫عدم مد الدول الوروبية نفوذها الستعماري نحو أمريكا اللتينية‪ ،‬والتزام الوليات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في‬
‫المشكلت أو العلقات الوروبية (‪.‬‬

‫‪ -2‬ايران و افريقيا‬

‫ترى إيران أنه من السهل إقامة علقات دبلوماسية مع الدول الفريقية الـ ‪ 52‬وذلك في ظل تجاهل الدارات المريكية‬
‫المتعاقبة والحكومات الوروبية لدول القارة السمراء‪ ،‬ففي ‪ 29‬يناير ‪ 2008‬أعلن منوشهر متقي أن هذا العام سيشكل حدثًا هاماً‬
‫في العلقات بين إيران وإفريقيا‪ ،‬وبعد ثلثة أيام وأثناء حضوره لقمة التحاد الفريقي في أديس أبابا أعلن متقى استضافة‬
‫طهران للجتماع المقبل لوزراء الخارجية الفارقة‪.‬‬

‫وقد أقامت إيران علقات قوية مع السنغال‪ ،‬فالرئيس السنغالي عبد ال واد زار طهران مرتين عامي ‪ 2006‬و ‪ 2008‬وتقابل‬
‫خللهما مع خامنئي وأحمدي نجاد‪ ،‬ولفت واد ـ خلل زيارته الثانية ـ إلى أن الوحدة بين البلدان السلمية مثل السنغال وإيران‬
‫من شأنه إضعاف القوى الكبرى مثل الوليات المتحدة‪ .‬وفي ‪ 27‬يناير ‪ 2008‬وبعد أسبوع من إعلن وزير الخارجية السنغالي‬
‫شيخ تجان جاديو عزمه زيارة طهران‪ ،‬عقد وزير الدفاع السنغالي فيكاي ديوب اجتماعاً مع نظيره اليراني لمناقشة سبل‬
‫توسيع التعاون الدفاعي العسكري بين البلدين‪.‬‬

‫ومن جانبهم بادل كبار المسئولين اليرانيين نظرائهم السنغاليين الزيارات‪ ،‬ففي ‪ 22‬يوليو ‪ 2007‬غادر إلى دكار رئيس السلطة‬
‫القضائية آية ال محمود هاشمي شهرودي ومعه المتحدث باسم الحكومة اليرانية غلم حسين إلهام‪ ،‬حيث تقابل مع الرئيس‬
‫واد ورئيس الوزراء السنغالي شيخ أجيبو سوماري‪ ،‬وصرح شهرودي‪" :‬إننا نعتقد أنه من واجبنا العمل على توسيع نطاق‬
‫‪16‬‬
‫الروابط مع البلدان السلمية واستخدام قدرات وإمكانات الدول السلمية للمساعدة على نمو وانتشار السلم"‪ .‬وتجدر‬
‫الشارة في هذا السياق إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه إيران تسعى إلى توسيع الكتلة السلمية‪ ،‬فإن السنغال كانت تبحث‬
‫عن الفوائد القتصادية مثل إمدادات النفط والتعاون في مجال الصناعة‪.‬‬

‫وكانت إيران على استعداد لتقبل أي دولة إفريقية تراها في منأى عن الغرب عموماً والوليات المتحدة على وجه الخصوص‪،‬‬
‫وبرزت هنا دولتان هما السودان وزيمبابوي‪ .‬فقد سعت الحكومات الوروبية وواشنطن على حد سواء لعزل السودان في ظل‬
‫التهامات التي ترددها منظمات حقوق النسان الدولية بحدوث إبادات جماعية في دارفور‪ .‬وفي الوقت الذي سعى فيه المجتمع‬
‫الدولي نحو تشديد العقوبات الدبلوماسية على الخرطوم‪ ،‬استغل نجاد هذه الجواء وعمل على توطيد العلقات مع نظيره‬
‫السوداني عمر البشير‪ ،‬واعتبر الرئيس اليراني أن العلقات مع السودان لبد أن تقوم على دفاع كل من البلدين عن الخر‪،‬‬
‫كما زار وزير الدفاع اليراني الخرطوم معلناً أن السودان أصبحت حجر الزاوية في السياسات الفريقية للجمهورية‬
‫السلمية‪.‬‬

‫وبينما عزل المجتمع الدولي نظام الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي مثلما فعل مع البشير في السودان‪ ،‬عملت إيران على‬
‫ملء هذا الفراغ‪ ،‬وبالفعل وقّع البلدان عدداً من اتفاقيات التعاون المشترك في مجال الطاقة وتكرير النفط والزراعة‪ ،‬كما تعهد‬
‫السفير اليراني في هراري بمساعدة بلده لزيمبابوي في صد العقوبات التي تستهدفها‪.‬‬

‫وثمة حليف إقليمي آخر ليران في القارة الفريقية وهو جنوب إفريقيا‪ ،‬فقد أسس البلدان علقاتهما رسمياً عام ‪ 1994‬في ظل‬
‫معارضة الجمهورية السلمية لنظام الفصل العنصري‪ ،‬وتعتمد طهران في السنوات الخيرة على النفط والتجارة لتطوير‬
‫علقتها مع بريتوريا‪ ،‬كما تنظر إيران إلى جنوب إفريقيا على أنها عضو رئيسي في حركة عدم النحياز‪ ،‬وهي مجموعة‬
‫الدول النامية التي قاومت مساعي إعاقة إيران عن تخصيب اليورانيوم‪ .‬وقد عملت إيران على استغلل العضوية غير الدائمة‬
‫لجنوب إفريقيا في مجلس المن وتواجدها في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالحها‪ ،‬ومن الشواهد على ذلك‬
‫أنه عندما صدر تقرير عن الوكالة الدولية في عام ‪ 2008‬يشير إلى استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بالمخالفة لمعاهدة‬
‫حظر انتشار السلحة النووية وقرارات مجلس المن‪ ،‬استخدمت جنوب إفريقيا عضويتها في مجلس المن حينذاك للتصويت‬
‫ضد أي عقوبات تستهدف طهران‪.‬‬

‫وهكذا سعت إيران لتأسيس وتعزيز علقاتها مع العديد من الدول الخرى في القارة الفريقية مثل أوغندا وملوي وكوت‬
‫ديفوار وليسوتو وموريتانيا ومالي وناميبيا‪ ،‬وعملت طهران على تكريس دعم هذه الدول للبرنامج النووي اليراني‪.‬‬

‫حاصل القول أن إيران ل تزال في طليعة المصادر التي تمثل قلقاً للدارة المريكية القادمة‪ ،‬ومن ثم إذا استمرت إدارة الرئيس‬
‫جورج بوش أو الدارة اللحقة في تجاهل الطموحات اليرانية المتنامية على المستوى العالمي‪ ،‬فإن واشنطن ستجد أن إيران‬
‫أصبحت تمسك بمفاتيح لعبة الرهانات المستمرة بين البلدين حول قدرة كل منهما على ردع الخر‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬المخاوف اليرانيه من التقارب المريكى‬


‫برغم كل هذا يخطئ من يظن أن إيران متلهفة على الحوار مع واشنطن‪ ،‬فمع أن هذا الحوار سيحقق ليران العديدة من‬
‫المكاسب (من قبيل التخلي عن هدف الطاحة بالنظام‪ ،‬والعتراف بنفوذ إيران القليمي‪ ،‬والفراج عن الموال المجمدة‪،‬‬
‫وإسقاط العقوبات المفروضة عليها)‪ ،‬إل أن هناك العديد من العتبارات التي تفرض على إيران التفكير مليا قبل الرد بإيجابية‬
‫على دعوة أوباما‪ ،‬ولعل هذه العتبارات هي ما تبرر موقف خامنئي المتردد بشأن الحوار مع واشنطن‪.‬‬

‫وتتمثل هذه العتبارات في‪:‬‬

‫أول‪ :‬الرث التاريخي من العلقات العدائية بين الطرفين‪ :‬فتاريخ العلقات بين البلدين يطرح كثيرا من الشكوك حول إمكانية‬
‫قبول اليرانيين للحوار‪ .‬فإيران الثورة ل تنسى للوليات المتحدة المريكية مشاركتها في الطاحة بحكومة رئيس الوزراء‬
‫الدكتور محمد مصدق عام ‪ ،1953‬وذلك بعد أن وافق الرئيس المريكي آنذاك‪ ،‬أيزنهاور‪ ،‬على النضمام إلى خطة بريطانية‪،‬‬
‫أطلق عليها "عملية أجاكس" هدفها إسقاط مصدق ردا على قرارا الخير بتأميم قطاع البترول‪ .‬وبناء على هذا القرار قامت‬
‫‪17‬‬
‫عناصر من المخابرات المركزية المريكية بالتعاون مع الستخبارات البريطانية بدعم ومساندة انقلب الجنرال فضل ال‬
‫زاهدي والذي أطاح بمصدق وأعاد الشاه محمد رضا بهلوي إلى العرش‪.‬‬

‫ورغم أن الدكتور محمد مصدق كان ذي ميول قومية ليبرالية‪ ،‬بخلف النخبة الحاكمة الحالية ذات الميول الدينية‪ ،‬فقد اكتسب‬
‫السلوك المريكي دللة رمزية كبيرة لدى النظام الحالي‪ ،‬إذ عزز من خشية رجال الدين من تدخل أمريكي مماثل يطيح بهم‪.‬‬

‫ولم يكن تطور العلقات بين البلدين منذ قيام الثورة عام ‪ ،1979‬بأحسن حال من خبرة الطاحة بمصدق‪ .‬فنتيجة لقيام مسلحين‬
‫إيرانيين في الرابع من نوفمبر ‪ 1979‬باقتحام السفارة المريكية واحتجاز ‪ 90‬رهينة (تم الفراج عن بعضهم خلل السابيع‬
‫الولى من بداية الزمة‪ ،‬بينما ظل ‪ 52‬منهم محتجزين لمدة ‪ 444‬يوما)‪ ،‬دخلت العلقات بين البلدين حقبة طويلة من التأزم‪ ،‬ما‬
‫زالت مستمرة حتى الوقت الحالي‪.‬‬

‫فمنذ منتصف الثمانينيات تعرض نظام المللي في طهران إلى مجموعة من العقوبات المريكية الحادية‪ ،‬شملت منع تصدير‬
‫المعدات والتكنولوجيا المتقدمة إليها‪ ،‬وحظر صادرات النفط اليراني إلى الوليات المتحدة‪ ،‬ثم أكملت الوليات المتحدة مسلسل‬
‫عقوباتها بفرض حظر اقتصادي شامل على إيران عام ‪.1995‬‬

‫ومع إعلن الوليات المتحدة المريكية حربها على الرهاب‪ ،‬بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر عام ‪ ،2001‬وتفجر الزمة النووية‬
‫اليرانية أواخر عام ‪ ،2002‬وصل التوتر بين الجانبين إلى درجة غير مسبوقة‪ ،‬حيث وضعت إدارة بوش البن إيران في قلب‬
‫"محور الشر"‪ ،‬وكالت لها التهامات بدعم الرهاب والسعي لمتلك أسلحة دمار شامل‪ ،‬وتقويض المصالح المريكية في‬
‫منطقة الشرق الوسط‪.‬‬

‫وعملت الدارة على إصدار ثلث قرارات من مجلس المن بفرض عقوبات على إيران‪ ،‬علوة على العقوبات المنفردة التي‬
‫فرضتها واشنطن أو التحاد الوروبي بدعم أيضا من واشنطن‪ .‬ولم يقتصر المر على هذا فقط‪ ،‬بل كثيرا ما لوح الرئيس‬
‫المريكي السابق جورج بوش بالطاحة بالنظام اليراني حتى أخر يوم في فترته الرئاسية‪.‬‬

‫هذا الرث التاريخي ولد لدى اليرانيين الشعور بالتوجس تجاه نوايا الوليات المتحدة‪ ،‬وهو توجس ظهر واضحا في خطاب‬
‫خامنئي‪ ،‬الذي جسد المظلومية التاريخية (وهي سمة للخطاب اليراني بشكل خاص‪ ،‬والخطاب الشيعي بشكل عام) التي عانت‬
‫منها إيران من قبل واشنطن‪.‬‬

‫وتحدث خامنئي عن أن الوليات المتحدة "عارضت الثورة السلمية منذ اللحظة الولى بشكل عدائي‪ ،‬وقامت بتشجيع‬
‫الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على خوض الحرب مع إيران‪ ،‬وساعدت أعداء إيران وما زالت تساعدهم حتى الن"‪.‬‬
‫علوة على أن التهديدات الميركية بالحرب على طهران لم تتوقف‪ ،‬وإن كانت ل تخيف الشعب اليراني‪ ،‬من وجهة نظره‪.‬‬
‫واتهم خامنئي أيضا واشنطن بالستمرار في تجميد الرصدة اليرانية بالوليات المتحدة التي أودعها النظام اليراني السابق‪.‬‬

‫وربط خامنئي بين "تكفير" الوليات المتحدة عما ارتكبته في حق الشعب اليراني وبين قبوله بدعوة أوباما للحوار‪ ،‬قائل‬
‫"الن تقول الدارة المريكية الجديدة‪ :‬نود أن نتفاوض مع إيران ودعونا ننسى الماضي‪ ...‬هم يقولون إنهم يمدون يدا نحو‬
‫إيران‪ .‬فما نوع هذه اليد؟ إذا كانت اليد الممدودة مغطاة بقفاز مخملي لكن بداخله يد مصنوعة من الحديد الصلب فان هذا ليس‬
‫له معنى جيد على الطلق"‪.‬‬

‫ومن ثم يمكن القول إن هذا التوجس قد يحول دون بدء الحوار استنادا على مطالبة اليرانيين بخطوات أمريكية قبل بدء الحوار‬
‫من قبيل الفراج عن الموال المجمدة‪ ،‬وإيقاف دعم الحركات المتمردة في إيران‪ ،‬وهي خطوات قد ل ترضى واشنطن القيام‬
‫بها دون مقابل‪ .‬وحتى وإن لم يمنع هذا التوجس إيران من الدخول في حوار مع واشنطن‪ ،‬فسيظل عائقا كبيرا أمام الوصول‬
‫إلى تفاهمات ثنائية واضحة ومحددة حول قضايا عديدة مشتركة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحفاظ على بقاء النظام الثوري‪ :‬فإيران الثورة قد بنت جزءا من شرعيتها الداخلية على أساس العداء لـ"قوى الستكبار‬
‫العالمي"‪ ،‬وفي مقدمتها الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬بل ودخلت إيران في السنوات الولى من ثورتها في صدام مع الوليات‬
‫‪18‬‬
‫المتحدة المريكية‪ ،‬على خلفية أزمة الرهائن المريكيين الذين تم احتجازهم داخل السفارة المريكية في طهران بالتوافق مع‬
‫رجال الدين‪ .‬وعلى مدار الثلثين عاما الماضية كان العداء للوليات المتحدة هو السمة البرز في الخطاب السياسي اليراني‪.‬‬
‫وقام رجال الدين بتوظيف هذا العداء بذكاء شديد من أجل ترسيخ أقدامهم وتثبيت شرعيتهم الثورية القائمة بصورة أساسية‬
‫على وجود تهديد خارجي‪ ،‬يبيح إسكات أي معارضة داخلية‪.‬‬

‫ومن ثم فإن من شأن التوصل إلى صفقة مشتركة بين إيران والوليات المتحدة‪ ،‬يتم خللها العتراف بدور إيران القليمي‪ ،‬أن‬
‫يهز من شرعية النظام الحاكم في الداخل‪ ،‬ويفتح الباب أمام تحولت داخلية تكشف تناقضات الداخل اليراني‪ ،‬وهي تحولت‬
‫قد تطيح بحكم رجال الدين ليس من خلل عمل عسكري هذه المرة ولكن من خلل "ثورة مخملية"‪.‬‬

‫ولعل هذا ما دفع خبيرا في الشأن اليراني إلى القول بأن التحدي الكبر الذي يواجه إيران في الوقت الحالي "ليس فقط إثبات‬
‫قدرتها على الصمود من طريق لعب أوراقها القليمية‪ ،‬ولكن أيضا في قدرتها على الموازنة بين تحقيق تفاهمات مع واشنطن‬
‫بخصوص جوارها الجغرافيا ودورها القليمي فيه‪ ،‬وفي الوقت نفسه حماية أركان دولتها اليديولوجية من التغيير؛ إذ إن‬
‫الوصول إلى تفاهمات طويلة المدى وعميقة الثر مع القطب الدولي الوحيد‪ ،‬هو احتمال سيقود –إن حدث‪ -‬إلى تغييرات‬
‫متتالية في الخطاب الرسمي وشكل النظام السياسي‪ ،‬بحيث يكون صعود الشعارات القومية اليرانية والمذهبية الشيعية إلى‬
‫واجهة المشهد أحد تجلياتها"‪( .‬د‪ .‬مصطفى اللباد‪ :‬حدائق الحزان‪ ،‬ص ‪.)268‬‬

‫ول يبدو هذا السيناريو بعيدا عن أذهان المسئولين اليرانيين‪ ،‬إذ اعتبر محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري أن "التهديدات‬
‫الناعمة" هي الخطر على الجمهورية السلمية‪ ،‬قائل إن "التهديدات العسكرية ضد إيران لم تزل كليا‪ ،‬وإنما تغيرت طبيعتها‬
‫إلى الشكل الناعم والطابع الثقافي والسياسي والقتصادي"‪.‬‬

‫ثالثا‪" :‬القوة الناعمة" والسمعة القومية ليران‪ :‬فالنفوذ القليمي اليراني‪ ،‬شأنه شأن أي نفوذ إقليمي لي دولة أخرى‪ ،‬ينبني‬
‫على دعامتين إحداهما مادية (الموقع الجغرافي‪ ،‬الموارد الطبيعية‪ ،‬القدرات البشرية‪ ،‬القدرات العسكرية‪ ،‬ودوائر التحرك في‬
‫مناطق متعددة مثل العراق ولبنان وفلسطين اليمن والخليج وغيرها)‪ ،‬والخرى معنوية (وهو ما يطلق عليه القوة الناعمة)‪،‬‬
‫قائمة على مناهضة إيران للوليات المتحدة المريكية وإسرائيل‪ ،‬وتسويق نفسها كزعيمة لقوى الستضعاف والممانعة في‬
‫العالم‪ .‬هذه المناهضة للوليات المتحدة أكسبت دور إيران القليمي زخما كبيرا وتعاطفا واسعا لدى غالبية حركات الممانعة في‬
‫الوطن العربي وبعض النخب العربية وفي أوساط الشارع العربي أيضا‪.‬‬

‫وبالتالي فإن أي اتفاق إيراني مع الوليات المتحدة‪ ،‬يتضمن تخلي طهران عن دعم "الحركات الرهابية"‪ ،‬قد يضر كثيرا‬
‫بسمعة إيران القليمية ويحد بشكل ملحوظ من "قوتها الناعمة"‪ ،‬ومن ثم يفقد دورها القليمي جزء كبير من الزخم الذي يتمتع‬
‫به‪ .‬وبذلك يصبح منطقيا التساؤل هل تضحي إيران بهذه "السمعة القليمية" مقابل اتفاق مع طرف تتوجس كثيرا في دوافعه‪،‬‬
‫وتاريخه في العلقات معها غير مطمئن‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬العلقة بين كل من إيران وإسرائيل‪ :‬ليس بوسع إيران الدخول في علقة مع الوليات المتحدة في ظل لهجتها الحالية‬
‫المتشددة تجاه إسرائيل (الكيان الصهيوني)‪ ،‬ودعمها الحالي لحركات المقاومة الفلسطينية‪ .‬ول تجد إيران مخرجا من ذلك‪ ،‬كما‬
‫يطرح البعض‪ ،‬بأن تتبنى موقفا مشابها للموقف الباكستاني أو الماليزي حيال تل أبيب‪( ،‬أي دولة إسلمية غير عربية ل‬
‫تعترف بإسرائيل وتنتقدها حتى من حين لخر‪ ،‬ولكنها تتجنب الدخول في مواجهة معها ول تتحداها مباشرة أو عبر وكلء)‪ .‬إذ‬
‫أنه يصعب تصور أن إيران‪ ،‬أحد دول إقليم الشرق الوسط الرئيسية والمنخرطة حتى أذنيها في قضاياه‪ ،‬يمكن أن تتبنى موقف‬
‫دول بعيدة جغرافيا‪ ،‬وحتى معنويا‪ ،‬عن هموم الشرق الوسط‪.‬‬

‫بعبارة أخرى إن كان هذا الموقف مقبول من كل من باكستان وماليزيا‪ ،‬بحكم بعدهما المادي (الجغرافي) والمعنوي (ل يلتفت‬
‫أحد غالبا في الشارع العربي إلى موقف هاتين الدولتين) عن المنطقة‪ ،‬فإنه لن يكون مقبول بأي حال من إيران التي ينظر إليها‬
‫على أنها "زعيمة قوى الممانعة في المنطقة"‪.‬‬

‫(تم بحمد ال)‬


‫‪19‬‬
‫العناصر و الفهرس‬

‫صفحه‬ ‫العناصر الساسيه‬


‫‪2‬‬ ‫المصالح أساس المواقف‬

‫‪3‬‬ ‫ثلثون عاما من العداء‬

‫قضايا مختلفة تؤدى إلى التقارب‬

‫‪4‬‬ ‫أول ‪ :‬المعضلة الفغانية‬

‫‪5‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الوضع العراقي‬

‫‪7‬‬ ‫ثالثا‪ :‬ورقه النفط‬

‫قضايا مختلفة تؤدى إلى التباعد‬

‫‪9‬‬ ‫أول ‪ :‬البرنامج النووي اليرانى‬

‫‪11‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬التهديد اليرانى لسرائيل‬

‫‪15‬‬ ‫ثالثا‪ :‬المتداد اليرانى في المناطق‬


‫الخلفية‬
‫‪17‬‬ ‫المخاوف اليرانيه من التقارب‬
‫المريكى‬

‫المصادر ‪.‬‬
‫اول ‪ :‬مواقع النترنت‬
‫‪.1‬موقع البينة‬
‫‪.2‬موقع الخوان المسلمين‬
‫‪.3‬موقع رويترز للنباء‬
‫‪.4‬موقع إسلم اون لين (التحليلت و الرءا السياسية)‬
‫‪.5‬موقع الجزيزه (المعرفة)‬
‫‪.6‬موقع سويس انفو‬
‫‪.7‬موقع وزاره الخارجيه المريكيه الناطق باللغه العربيه‬
‫‪.8‬موقع ‪bbc Arabic‬‬
‫‪.9‬موقع وكاله النباء اليرانيه‬
‫ثانيا ‪ :‬التقارير‬
‫‪.1‬التقرير الصادر من مركز الدراسات السياسيه و الستراتيجيه بدوله المارات حول دور ايران فى اسيا الوسطى‬
‫‪ .2‬التقرير الصادر من مركز الخليج للدراسات السياسيه الستراتيجيه حول الجذور التاريخية للنفوذ اليراني في العالم السلمي‬
‫وأثرها على مستقبل العلقات العربية اليرانية مرز ال‬
‫‪ .3‬التقييم القومى للمخابرات المريكيه حول مصالح واشنطن تحرك خيوط اللعب المريكي‬
‫‪ .4‬التقرير الصادر عن مركز الدراسات السياسيه بطهران حول دور إيران في السياسة الخارجية المريگية‬
‫‪ .5‬التقرير الصادر عن مركز الوحده العراقى للبحاث السياسيه حول اللعبـة اليـرانيـة فـي العــراق‬

‫‪20‬‬

You might also like