Professional Documents
Culture Documents
ينظر إلى العلقات المريكية-اليرانية على اعتبار أنها من أه ّم العوامل التي تؤثر في منطقة الشرق الوسط استراتيجياً .وقد
ازدادت أهمية إيران في السياسة الخارجية المريكية بعد الحرب التي شنتها الوليات المتحدة على العراق .وفي الجانب
اليراني ،فإن قضية علقات الجمهورية السلمية مع الوليات المتحدة أضحت أهم قضايا السياسة الخارجية بالنسبة إلى
طهران ،ومن القضايا المركزية في السياسة الداخلية اليرانية .كما أن الوضع الراهن والمسار المستقبلي للعلقات اليرانية-
المريكية من القضايا التي تشغل دول الشرق الوسط و الخليج العربية منها خاصة.
تتمحور الفرضية الساسية حول أن مفتاح تطوير العلقات المريكية-اليرانية يكمن في أن ينظر كل طرف من الطرفين في
علقاته مع الخر عبر منظور المصلحة الوطنية .وإذا ما فعلت الدولتان ذلك ،فيبدو أن هناك من المصلحة المشتركة ما يكفي
للسماح بصفقة استراتيجية كبرى بين الطرفين .أما الحجة التحليلية فهي أن الخلفات الداخلية في دوائر صنع السياسة في
الجانبين إنما تمنع واشنطن وطهران من اتخاذ إجراءات حاسمة للنتقال بالعلقات بين البلدين نحو آفاق إيجابية.
و في هذا التحليل نحاول أن نوضح مسار العلقة بين الوليات المتحدة و إيران و النتائج المترتبة على تلك العلقة سواء كانت
ايجابية أو سلبية و مدى القارب و التباعد الذي من الممكن أن يتم بين الطرفين .
وبلغة العارف بالحضارة الفارسية وتاريخها فقد فضل الرئيس اوباما النتظار شهرين كاملين منذ توليه مهامه الرئاسية قبل أن
يكشف عن قناعاته باتجاه إيران مفضل حلول عيد "النيروز" رمز حلول فصل الربيع أو رأس السنة الفارسية ليوجه خطابه
باتجاه السلطات اليرانية لبدء مستقبل جديد يقفز على مواقف سابقه جورج بوش الذي اختار استراتيجية "العصا والجزرة"
لرغام إيران على وقف برنامجها النووي.
وإذا كانت السلطات اليرانية قد رحبت بمضمون خطاب الرئيس المريكي ووصفته بـ "اليجابي" إل أن ذلك لم يمنعها من
التزام الحذر في تعاطيها معه وأكدت أنها تنتظر الملموس قبل الوصول إلى مرحلة طي صفحة علقات طغى عليها التوتر
والريبة المتبادلة.
إننا أمام مرحلة جديدة في علقات طهران مع واشنطن ،ل تتميز باختفاء منطق صراع المصالح بين الطرفين ،بل في كيفية
إدارة هذا الصراع والتخفيف من أعبائه التي باتت مجهدة للطرفين ،كما في محاولة اشتقاق واجتراح سبل جديدة وحلول
أفضل لحل هذا الصراع ،بوسائل دبلوماسية بدلً الحرب والتلويح بها ،ومن خلل الحوار والتواصل ،بدل القطيعة والقصف
العلمي عن بعد.
وعودة السياسيه المريكيه لمسلمات حكمت مسار الدبلوماسية الميركية وفق مقولة "ليس للوليات المتحدة أعداء دائمين" كما
نطقت بذلك وزيرة الخارجية الميركية مبررة ملمح وبدايات التغيير الذي طرأ على سياسة بلدها حيال إيران ،حيث شددت
على خيار الدبلوماسية والحتواء في التعامل مع الجمهورية السلمية ،بديل عن سياسة العصا الغليظة ودبلوماسية حاملت
الطائرات والعزل والعقوبات والقصاء.
2
ثانيا :ثلثون عاما من العداء
من الهميه بمكان قبل أن نتحدث عن العلقة و مسارها لبد أول أن ننظر في التاريخ حتى نستطيع أن نصنع لنفسنا إطارا
ندلل به على أن هناك فعل تغيير في لغة الخطابات المتبادلة بين البلدين لن تاريخ العلقة هو تاريخ مضطرب و حينما تتغير
الكلمات و لغات التخاطب تتغير المواقف حينها ،وما يلي بعض تفاصيل العلقات المضطربة بين إيران والوليات المتحدة :
.. 1953انقلب:
-في أغسطس أب 1953ساعدت وكالة المخابرات المركزية في التخطيط للطاحة برئيس الوزراء المحبوب محمد مصدق
وإعادة الشاه محمد رضا بهلوي للسلطة.
-جاء تحرك واشنطن بعد أن أقنعت لندن -التي عارضت سياسة مصدق الرامية لتأميم صناعة النفط التي تهيمن عليها
بريطانيا -المسئولين المريكيين بان مصدق سيتحول إلى السياسات الشيوعية .ومع انحسار قوة بريطانيا أضحت الوليات
المتحدة رمزا للمبريالية الغربية في أذهان الكثير من اليرانيين.
.. 1972تقوية العلقات:
-عززت زيارة قام بها الرئيس المريكي ريتشارد نيكسون العلقات الستراتيجية الوثيقة بين إيران والوليات المتحدة في
وقت تصاعدت فيه المعارضة للشاه التي قادها رجل الدين المنفي اية ال روح ال الخميني.
.. 1979عودة الخميني:
-عقبت مصادمات دموية بين محتجين وقوات الجيش فر الشاه في يناير كانون الثاني 1979وعاش في المنفي .وفي الشهر
التالي عاد الخميني إلى إيران متوجا انتصار الثورة التي رفعت شعار "الموت لمريكا".
-في نوفمبر تشرين الثاني 1979استولى طلبة إيرانيون على السفارة المريكية في طهران واحتجزوا 90رهينة .ودام
احتجاز 52منهم لمدة 444يوما مما دفع واشنطن لقطع العلقات في عام .1980
.. 1986صفقة سلح:
-اعترف الرئيس المريكي رونالد ريجان بإبرام صفقات سلح سرية مع إيران في خروج على الحظر المريكي .واستهدف
إبرام الصفقات تأمين الفراج عن أمريكيين يحتجزهم متشددون شيعة موالون ليران في لبنان .وحولت حصيلة مبيعات
السلح سرا لمتمردي الكونترا الذين كانت تدعمهم الوليات المتحدة في نيكاراجوا .في ذلك الوقت كانت إيران تخوض حربا
ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين فيما كانت الوليات المتحدة تقدم دعما متزايدا لبغداد.
.. 1997تولي إصلحي سدة الحكم:
-اختار الناخبون اليرانيون محمد خاتمي صاحب التجاهات الصلحية رئيسا ليران .ودعا خاتمي "لحوار بين
الحضارات" .وخلل رئاسته وفي يوم وقوع هجمات في 11سبتمبر أيلول الرهابية ضد الوليات المتحدة أوقد إيرانيون
الشموع في تجمع اتصف بالرتجالية لمواساة ضحايا الهجمات.
-عقب هجمات القاعدة على مدن الوليات المتحدة عرضت إيران المساعدة في الحرب التي قادتها الوليات المتحدة للطاحة
بقادة طالبان في أفغانستان ليوائهم زعيم القاعدة أسامة بن لدن .وساعدت إيران في ضمان نجاح مؤتمر دولي بشأن مستقبل
أفغانستان عقد عقب الحرب .وفي يناير كانون الثاني 2002وصف الرئيس المريكي جورج بوش إيران بأنها جزء من
"محور الشر" واتهمها بأنها تسعى لنتاج أسلحة نووية.
.. 2003غزو العراق:
-قادت الوليات المتحدة غزوا للعراق للطاحة بصدام العدو اللدود ليران وجاءت بفصائل شيعية تربطها صلت أوثق
بإيران إلى السلطة.
-مع انزلق العراق في هوة أعمال العنف والصراع الطائفي اتهمت الوليات المتحدة إيران بتسليح وتمويل وتدريب
ميليشيات شيعية تهاجم القوات المريكية في العراق .نفت إيران ذلك وأرجعت أعمال العنف للوجود المريكي.
.. 2008خلف نووي:
-قادت الوليات المتحدة جهودا لتشديد عقوبات تفرضها المم المتحدة ضد إيران بسبب برنامجها النووي .وفي مارس آذار
اقر مجلس المن قرار عقوبات ثالث .وتقول إيران أن البرنامج مشروع وسلمي ويهدف فقط لتوليد كهرباء ولكنها فشلت في
إقناع الغرب.
3
-تفاقمت التوترات بين الوليات المتحدة وإيران منذ انتخاب الرئيس اليراني محمود احمدي نجاد عام 2005حيث دأب على
توبيخ الغرب والتشكيك في جرائم النازي ضد اليهود ودعا لزالة إسرائيل من على الخريطة .لكن في تطور مفاجيء ذكر
تقرير المخابرات المريكية ناشيونال انتليجنس استيميت أواخر 2007أن إيران علقت برنامجها العسكري النووي في 2003
.. 2009إدارة جديدة:
-قال الرئيس المريكي الجديد باراك اوباما في يناير أن الوليات المتحدة مستعدة لمد يد السلم ليران إذا "بسطت قبضتها".
وقال احمدي نجاد أن طهران مستعدة للحوار ولكنه طلب تغييرات أساسية في السياسة المريكية.
-قال الزعيم العلى اليراني أية ال علي خامنئي أن الرئيس أوبانا يسلك نفس "المسار الخاطيء" لسلفه جورج بوش بتأييده
لسرائيل ووصف الدولة اليهودية بأنها "ورم خبيث".
-قالت وزيرة الخارجية المريكية هيلري كلينتون في السبوع الول من مارس آذار أن حكومة اوباما تنوي دعوة إيران
لمؤتمر دولي بشأن أفغانستان من المقرر عقده في وقت لحق من هذا الشهر .وردت إيران بأنها ستدرس الدعوة وأنها مستعدة
لمساعدة جارتها.
و الناظر إلى هذه العلقة سيجد أنها فعل علقة من العداء و العداء المتبادل بين الطرفين أيقن خللها الشعب اليرانى أن
الوليات المتحدة هي الشيطان الكبر كما يطلق عليها و أنها دائمة العداء مع هذا الشعب و توجهاته و مصالحه و أيقنت
الوليات المتحدة فيه أن النظام اليرانى هو خطر على مصالحها في المنطقة و مصالح حليفتها الكبرى إسرائيل و التي تسبب
إيران مشكله دائمة على مسار أمنها القومي ..أو هكذا ينظر إليها .
لقد كرر الرئيس أوباما رسمياً عزمه على تنفيذ حرب مركزية جديدة وقوية بحسب تصريحاته لمنع المقاومة الفغانية المتمثلة
بطالبان من استكمال حرب التحرير وإسقاط حكومة كرزاي ،وهي الحرب الجديدة التي تنوي واشنطن تسعيرها مع المقاومة
الفغانية ومنع حركة طالبان والمشروع الوطني السلمي الفغاني من التقدم لحراز النصر ،وهو محل اتفاق بل وجموح من
الجمهورية اليرانية التي أعربت مرارا عن رفضها لنتائج هزيمة الحلفاء الطلسيين في أفغانستان ومعارضتها العتراف
بانتصار المقاومة.
لذا فإن واشنطن باتت تعتقد بأن السبيل الوحيد المتبقي لمحاصرة حركة طالبان هي إيران ،حيث تمتلك إيران أوراقا هامه
لغني عنها في حل المعضلة الفغانيه للوليات المتحدة المريكيه .
ولمعرفة الدور اليراني المحتمل في الحل المريكي للزمة الفغانية ،يمكننا تحديد الوراق التي تمتلكها إيران في أفغانستان
وتمكنها من اللعب بها على طاولة الحوار المريكي في النقاط التالية:
-الحدود المشتركة مع أفغانستان :تصل هذه الحدود إلى 978كيلومترا مربعا ،وتشكل أحد أهم المرافق الحيوية لربط
أفغانستان بالبحر وبالشرق الوسط وأوروبا ،كما تشكل أفغانستان ممرا هاما ليران إلى آسيا الوسطى والصين.
-المهاجرون الفغان في إيران :هناك حاليا أكثر من مليون مهاجر أفغاني يعيشون في إيران ،وتشكل قضية إخراجهم من
إيران أحد المور الخلفية بين البلدين .وقد أخرجت إيران بالفعل عشرات اللف منهم العام الماضي.
4
-العلقات القريبة مع أطراف أفغانية :خصوصا الحزاب الشيعية وكذلك الحزاب والتيارات السياسية غير البشتونية من
عرقية الطاجيك والوزبك والهزارة.
-العلقات الثقافية المشتركة :نظرا لنتشار اللغة الفارسية في أفغانستان حيث يتحدث بها أكثر من %60من مختلف عرقيات
الشعب ويقرأ بها معظم المثقفين.
-الدور اليراني في جهود إعادة إعمار أفغانستان :إيران تعهدت بتقديم 500مليون دولر لهذا الغرض منذ أوائل عام
،2002وقامت بتنفيذ العديد من المشاريع خصوصا في الغرب الفغاني.
-دعم محتمل لطالبان والقاعدة :وجود تقارير أمنية بتقديم إيران تسهيلت مباشرة أو غير مباشرة لطالبان ،وتسهيل حركة
عناصر القاعدة بين أفغانستان والعراق والعكس.
هذه أهم أوراق تمتلكها إيران في الملف الفغاني حاليا ،غير أن هذه الوراق ل تبدو مؤثرة بقوة في إطار الجهود المريكية
وحلف الناتو للسيطرة على الوضع المني واحتواء المقاومة المسلحة ضد الوجود الجنبي في أفغانستان ،اللهم إل ورقة الدعم
المحتمل لطالبان والقاعدة ،والذي تنفيه طهران باستمرار ويتناوله بعض وسائل العلم الغربية والعربية من وقت لخر.
وحتى في حالة صحة هذا الحتمال ،فما زال حجم الدعم والتأثير اليرانيين غير محدد ،فخطوط المداد الساسية لطالبان
والقاعدة وملذاتهم المنة تقع في الشريط القبلي البشتوني داخل الراضي الباكستانية على الحدود مع أفغانستان ،وليس في
إيران ،وأي خطوة لحتواء خطر طالبان والقاعدة تكمن في التنسيق مع إسلم أباد أكثر منه مع طهران ،وهذا ما يثير شكوكا
حول أهداف واشنطن الحقيقية من فتح الحوار مع طهران حول الملف الفغاني.
عام 2004وبعد مرور عام على انهيار نظام صدام حسين اعترفت طهران بالحكومة العراقية المؤقتة وتستأنف العلقات
الدبلوماسية مع بغداد ومع ذلك يستمر التوتر في علقات البلدين إلى حد دفع مسؤولين في العراق إلى التهديد بنقل المعارك
إلى شوارع طهران ما لم تكف عن تدخلها في الشأن الداخلي العراقي.
وبعد عام على التهديدات العراقية تصدر حكومة الجعفري آنذاك عفواً عاماً عن المعتقلين اليرانيين في السجون العراقية
تزامن مع زيارة وزير الخارجية اليراني السابق كمال خرازي لبغداد ،مبادرة أعقبتها زيارتان ليران الولى قام بها
الجعفري والثانية كانت لوزير دفاعه سعدون الدليمي ،الدليمي حمل إلى طهران اعتذار رسمي عن ممارسات النظام السابق
وتطمينات كانت طهران في أمس الحاجة لها تؤكد أن الراضي العراقية لن تكون منطلق لي عمل عسكري ضد إيران.
وما ظهر بعد ذلك أن أمريكا متورطة في العراق كما لم تتورط دوله إحتلل من قبل في تاريخ العالم وربما يكون المأزق الذي
تورطت أمريكا فيه في العراق اكبر من مأزق فيتنام و ذلك بسبب تشعب المواضيع وتشعب البعاد .
و قد أدركت الوليات المتحدة أنها تعيش أزمة داخلية بسبب العراق و تعيش أزمة عالمية بسبب العراق في العلقات الدولية،
وتعيش أزمة إقليمية بسبب العراق على الصعيد الداخلية.
5
لذا فإن الوضع في العراق أصبح يمثل ازمه كبرى للداره المريكيه الجديدة و ما كان صعود نجم اوباما أمام المحافظين في
النتخابات الخيره إل حينما صوت الشعب المريكى للخروج من العراق قبل أن يصوت لوباما .
و اليد اليرانيه متجذره في التربة العراقية فإيران بما ل يدع مجال للشك لها أيد خفيه في الكثير مما يحدث في العراق بل لها
استراتيجيه تحقق من خللها الكثير من النقاط منها .
1ـ احتواء القيادات والتيارات الشيعية المتنافسة :ويسيطر على الشارع الشيعي في العراق عدة مرجعيات وتيارات
أهمها:
مرجعية علي السيستاني ،وتيار الصدر الذي يقوده مقتدى الصدر ،وجماعة المجلس العلى للثورة السلمية بزعامة آل
الحكيم ،وبدرجة أقل حزب الدعوة بفروعه المختلفة ،وهناك تيار آخر مدعوم من إيران يعمل بصمت داخل مدن الجنوب
وبعيداً عن الضجة العلمية كما يمارسها الخرون وهو تيار المرجع (المدرّسي) الذي يقود ما يعرف بـ (منظمة العمل
السلمي) وهذه المنظمة أكثر قوة وتنظيماً ،وتمتلك الشرعية الدينية الشيعية التي تؤهلها أن تكون مرجعية دينية قوية مدعومة
بمليارات إيران.
ول شك أن السياسة اليرانية في العموم تقوم على احتواء التيارات الشيعية كلها ،والتعامل مع كل فصيل وشخصية قيادية
تبرز على الساحة لحصد أي نجاح يحققه أي طرف شيعي.
ويبقى التعامل مع هذا الفصيل أو ذاك مرتبطاً إلى حد بعيد بالتداخلت المختلفة داخل الساحة اليرانية والخلفات بين
المحافظين والصلحيين ،وبقدرة هذا الفصيل على تحقيق الهدف الشيعي بهيمنتهم على أوضاع العراق.
ولعل موقف إيران من مقتدى الصدر وحركته يوضح لنا جانباً كبيرًا من طبيعة الدور الذي تقوم به إيران في احتواء الشيعة
العراقيين؛ فهناك تياران داخل القيادة اليرانية حول الموقف من العراق :الول :يقوده الزعيم اليراني علي خامنئي ويدعمه
الرئيس السابق هاشمي (رفسنجاني) ويدعم هذا التيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر.
ويقود التيار الثاني الرئيس محمد خاتمي والصلحيون ،وهو يرفض التعامل والتعاون مع مقتدى الصدر إلى حد أن خاتمي
رفض استقباله لدى زياره سابقه إلى طهران ،كما أن هذا التيار يفضل دعم المرجع علي السيستاني والقيادات والقوى العراقية
المؤيدة للتعاون السلمي مع المريكيين والبريطانيين على أساس أن ذلك يشكل أفضل ضمانة لحصول الشيعة العراقيين على
مطالبهم ،وعلى حصة كبيرة في تركيبة الحكم الجديدة.
2ـ تسلل المخابرات اليرانية إلى العراق :كانت الداة الرئيسية ليران في تنفيذ استراتيجيتها للمخابرات اليرانية ونتيجة
التنسيق الميركي ـ اليراني دخلت المخابرات اليرانية إلى العراق .ونتيجة أبوتها للتنظيمات السياسية المذهبية تسلّلت إلى
مجلس الحكم النتقالي.
وتشير تقارير صحفية إلى أن جهاز مخابرات فيلق القدس اليراني ومخابرات الحرس الثوري اليراني يقومان بالدور
الخطر على صعيد أجهزة الستخبارات داخل العراق ،ولعل الكشف عن الدور المزدوج للجلبي وعلقته الطويلة مع
المخابرات اليرانية يوضح إلى أي حد وصل الدور الذي مارسته المخابرات اليرانية على الساحة العراقية.
وتشير معلومات صحفية إلى افتتاح 18مكتباً للستخبارات اليرانية تحت مسميات مختلفة أبرزها الجمعيات الخيرية لمساعدة
الفقراء ،وتوزيع المال والدوية والمواد الغذائية ،وترتيب النتقال إلى العتبات المقدسة لدى الشيعة وضمن ميزانية تتجاوز مئة
مليون دولر.
وضمن المخطط اليراني شراء ولء رجال دين أغلبهم شيعة وأقلية سنية رصد فيه مبلغ 5مليين دولر سنوياً للترويج
والدفاع عن إيران ،وتجميل صورة مواقفها في الشارع العراقي وأحيانًا عبر المنابر.
6
وفي المعلومات الستخباراتية أن إيران استأجرت واشترت 2700وحدة سكنية من البيوت والشقق والغرف في مختلف أنحاء
العراق ،وخاصة فى النجف ،وكربلء ليسكن فيها رجال الستخبارات اليرانية ورجال فيلق القدس الستخباراتي.
3ـ تدفق الفراد والموال على العراق :ويشير حجم المساعدات النقدية اليرانية المدفوعة إلى مقتدى الصدر وحده عدا
التيارات الخرى خلل الشهر الخيرة أنها تجاوز سقف 80مليون دولر ،إلى جانب تدريب رجاله ،وإرسال معونات
إنسانية شملت الغذاء والدوية والمعدات والثاث .ومثال على ذلك ما ذكرته صحيفة (جمهوري إسلمي) اليرانية أن إمام
جمعة شيراز الشيخ الحائري الشيرازي أرسل 150حاجاً على حسابه إلى العتبات المقدسة الشيعية وإلى كربلء ،وسيراً على
القدام بناء على طلبهم.
وهذا الندفاع البشري اليراني نحو العراق والموال التي ينفقونها جعل قيمة الدينار العراقي ترتفع ،كما قامت بلديات إيرانية
عديدة أبرزها بلدية طهران بدور كبير في تولي الخدمات في الماكن المقدسة لدى الطائفة الشيعية كالنظافة والتشجير وزرع
شتول الزهور ،ورش المياه عبر صهاريج قادمة من إيران وعمالة إيرانية يساعدها عمال عراقيون موظفون تدفع لهم بلدية
طهران أجورهم .أحد التجار اليرانيين تبرع بحمولة 10أطنان من المياه المعدنية أرسلها إلى كربلء في أربعين المام
الحسين منتصف أبريل من العام الماضي ،ومؤسسة الوقاف وهي مؤسسة غير رسمية أخذت على عاتقها تأمين كل
المصاحف وكتب الدعية المطلوبة للعتبات المقدسة الشيعية ،وكل مؤسسة أهلية تقدم للعراق في هذه المناسبة عطاء أو
مساعدة تعتبر جزءًا من ميزانيتها الخاصة.
هذا فضلً عن حضور اللف من اليرانيين للتطوع لطهي الطعام وتوزيع المياه أو العصائر أو التنظيف في العتبات المقدسة
للشيعة ،وأخيراً للخبز اليراني الساخن وجبة تقدم للفقراء.
ونتيجة للضوء الميركي ـ البريطاني الخضر اكتظّت السواق وغرف التجارة العراقية بالتجار اليرانيين ،ومنه تسلّلت إلى
أجهزة المافيات (سرقة ونهب) بدون النظر إلى عرقها أو مذهبها؛ إذ تشاركت الحزاب الكردية مع الحزاب السياسية الشيعية
في نهب كل ما طالته أيديهم وباعوه إلى التجار اليرانيين ،وقد وصف أحد العراقيين الدور اليراني في العراق قائلً :خرجت
إيران ـ بعد احتلل العراق ـ بأكبر حصة من وليمة ذبح الدولة العراقية.
4ـ السيطرة العلمية من خلل الصحف التي تمولها وقنوات البث الفضائي والرضي؛ وقد قامت شركة التلفزيون الرسمية
في إيران والتي يسيطر عليها الصلحيون بافتتاح قناة فضائية على غرار قناة الجزيرة القطرية باسم (العالم) تبث باللغة
العربية من محطات تقوية على طول الحدود العراقية لكسب تأييد العراقيين ،وتتحدث تقارير صحفية عن وجود 300إعلمي
إيراني بشكل دائم في العراق.
من هنا ل يستطيع أي مراقب أن يغفل الدور اليراني فيما يحدث في العراق ولول قيام طهران بدور المتفرج لما تمكنت
القوات المريكية وقوات التحالف من السيطرة علي أراضي العراق وتدميرها إلي جانب أن دفعها بحلفائها من الشيعة الذين
فروا من قبل من نظام صدام حسين كان بمثابة تنبيه بدور طهران.
لذ 1فإن هناك أهميه كبرى للوليات المتحدة المريكيه مع إيران فيما يخص الشأن العراقي ول بد من إدخال الشريك
اليرانى حتى يتم حل الكثير من المشاكل التي تواجه العراق مما يمكن الحتلل المريكى و السياسية المريكيه من تنفس
الصعداء داخليا أمام الشعب المريكى و خارجيا أمام النظام الدولي .
7
فلدى إيران مخزون من النفط مقداره 126بليون برميل يشكل ما نسبته %10من الحتياطي العالمي ،ومع الستكشافات
النفطية الحديثة في الهواز ارتفع الحتياطي إلى 133بليون برميل وهو ما يعني وصول إيران إلى مكانة الدولة الثانية في
الحتياطي العالمي بعد السعودية.
صحيح أن إيران ستجني في السنة المالية المقبلة نحو 44بليون دولر حتى لو انخفض سعر البرميل إلى 50دولرا ،لكن ذلك
ل يخفي القلق المتزايد في إيران من خطورة العتماد على النفط.
ينبع القلق من تعرض أهم حقول النفط اليرانية للنضوب بمعدل 8إلى %13كل عام ،وهو ما يعني أن أغلب حقول النفط
اليرانية ستنضب خلل عقدين من الزمان.
وعلى الرغم من أن إيران تنتج أربعة مليين برميل يوميا وتستهلك منها 1.4مليون برميل ،مما يعني أن لديها القدرة على
التصدير لمدة 65سنة بناء على كميات الحتياطي المشار إليها من قبل ،فإن الفرق بين التقدير الحسابي والتقدير الفعلي يكشف
مشكلة مستقبلية في قطاع النفط اليراني.
فالتقدير الحسابي ل يأخذ في اعتباره النمو المتسارع للسكان وارتفاع معدلت استهلكهم ،كما ل يضع في حسبانه الخطط
القتصادية الهادفة إلى دعم القطاع الصناعي الذي يعمل فيه %40من السكان.
كما أن ذلك التقدير ل يتصور إمكانية حدوث أزمات نفطية كبرى تطيح بأسعار النفط إلى %25مما هي عليه اليوم ،وهو ما
سيدفع الحكومة اليرانية –كغيرها من الدول النفطية -إلى ضخ المزيد من النفط لتعويض العجز في السعار ،ومن ثم
استنزاف أكبر للحقول وعرقلة الستثمارات وتحجيم الستكشافات النفطية وتباطؤ معدلت الصيانة.
وإذا انتظرنا إلغاء الحظر الميركي المفروض منذ عام 1996على الشركات الميركية بان ل تستثمر في إيران أكثر من 20
مليون دولر سنويا ،يمكننا أن نفهم توقعات خبراء النفط بارتفاع إنتاج إيران من 4إلى 7مليين برميل في اليوم نتيجة
الندفاع المنتظر لرؤوس الموال الميركية إلى القطاع النفطي اليراني.
ول شك انّ الوليات المتّحدة تأخذ بعين العتبار وجود نقاط ضعف مستجدة في الواقع اليراني وفي طليعتها الوضع النفطي
للبلد والقتصاد الكليّ.
ن الستهلك المحلي يتصاعد بشكل كبير جدا مقابل انخفاض حاد في معدّلت إنتاج النفط سنويا بسبب انعدام القدرة -1إذ ا ّ
الذاتية والستثمارات اللزمة والتكنولوجيا الغربية والمريكية تحديدا لرفع معدّلت النتاج.
-2كما انّ الوضع القتصادي متدهور وليس هناك من عقود لتطوير صناعة النفط والغاز وهناك حصار مالي فرضته
عقوبات المم المتحدة على الرغم من %10تقريبا من التأثير هو نتيجة العقوبات المفروضة امّا باقي النسبة فهي بسبب
الخوف من نفوذ الوليات المتّحدة حيث تفضّل الشركات الكبرى الوروبية والعالمية عدم النخراط في علقات اقتصادية مع
إيران ،وان حصل ذلك فهو يتم بطريقة غير مباشرة وبأساليب ملتوية.
وهذه معطيات لم تكون موجودة بشكل مؤثر في الفترة السابقة ،وهذا يعني أن اليرانيين يعانون من ثغرات قوية في موقفهم
التفاوضي مثلما كان الوضع المريكي سابقا.
لذا فإن التقارب اليرانى المريكى سيلعب دور كبير في انفراج ازمه كبرى للبلدين اولهما سيضمن ليران انفراجه في القطاع
النفطي لها و سيضمن للوليات المتحدة المريكيه رافد جديد من روافد النفط حيث يلعب أصبح النفط هو بيت القصيد في
8
الستراتيجية المريكية ،إذ أن عصب الحياة فيها هو الطاقة ،ولتأمين ذلك يستلزم المزيد من الحماية للمصالح الحيوية التي
عرفها مجلس المن القومي للوليات المتحدة المريكية في عام 1998بأنها مصالح ذات الهمية الواسعة ،الطاغية بالنسبة
لبقاء وسلمة وحيوية الوليات المتحدة المريكيه .
ورثت طهران هذا الملف عن نظام شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي ،ويعتبر أحد أهم الدلة على طابع المتداد القائم في
السياسة اليرانية بغض النظر عن النظام السياسي القائم ،وطبقا لوجهة النظر اليرانية في هذا المقام ،والذي عبر عنها رئيس
الوكالة اليرانية للطاقة الذرية علي لريجاني؛ فإن إيران شغلتها منذ أربعة عقود قضية مصادر الطاقة ،لنها بلد شبه جاف
ومصادر المياه فيه محدودة ،لذلك فإن أي تفكير في التنمية ظل يطرح مباشرة ملف الطاقة المتوفرة والمطلوبة.
وفي عهد الشاه ،ومنذ حوالي أربعين عاما ،تم توقيع اتفاقية مع الوليات المتحدة لقامة مفاعل نووي في طهران ،وإنشاء معهد
للبحاث النووية ،وتدريب الكوادر اليرانية ،إلى جانب استخراج اليورانيوم من المناجم المتوفرة في البلد ،وكانت هناك
اتفاقية أخرى مع فرنسا لنشاء مفاعل نووي في خوزستان وتخصيب اليورانيوم في إيران ،وأُنشئت لذلك الغرض شركة باسم
أورديف ،ودفعت حكومة الشاه %10من قيمة رأسمالها ،كما عقدت اتفاقية ثالثة مع شركة سيمنس اللمانية لقامة مفاعل في
بوشهر لذات الغرض.
وهذه المشروعات كلها إما أنها لم تنفذ أو أنها لم تستكمل بعد قيام الثورة ،المر الذي كانت الرسالة فيه واضحة ،وهي أن ثمة
قرارًا ضمنياً من الحكومات الغربية بقيادة الوليات المتحدة يقضي بمعاقبة الجمهورية السلمية في إيران ،عن طريق إيقاف
نموها وحرمانها من الطاقة النووية التي تحتاجها ،وكان رد طهران هو أنه ل بديل عن العتماد على النفس في بلوغ ذلك
الهدف ،وهو القرار الستراتيجي الذي دخل حيز التنفيذ مباشرة بعد انتهاء الحرب مع العراق في العام 1988م.
وحينما خاضت إيران غمار التجربة فإنها اعتمدت على كوادرها الفنية بالدرجة الولى ،وطرقت كل باب يمكن أن يعينها على
بلوغ مرادها ،وعبر أحد الوسطاء فإنهم حصلوا على جهاز للطرد المركزي من العالم الباكستاني عبد القدير خان -أبو
البرنامج النووي الباكستاني -ورغم أن اليرانيين وقعوا على جميع التفاقيات الدولية المتعلقة بضمان سلمة وسلمية النشاط
النووي ،إل أن ذلك لم يشفع لهم وظلت العتراضات الغربية مرفوعة في مواجهتهم.
ويقول لريجاني في حديثه الخير مع الكاتب السلمي والصحفي فهمي هويدي" :حين عادت إيران إلى استئناف برنامجها،
وعملت جاهدة على إبطال ذرائع المتشككين في طبيعة أنشطتها ،فإنها تجاوزت تعهداتها الدولية وسمحت لخبراء وكالة الطاقة
الذرية بالتواجد المستمر في مؤسسات التحويل والتخصيب ،كما أباحت لهم القيام بزيارات متكررة للمواقع العسكرية ،في حين
ظلت أجهزة التصوير التابعة للوكالة الدولية تسجل وتراقب مختلف النشطة في منشآتها النووية".
في الوقت ذاته اقترحت طهران إصدار تشريع يحظر إنتاج أو تخزين أو استخدام السلحة النووية ،كما أعلنت عن القبول
بشركاء أجانب في برنامجها لتخصيب اليورانيوم ،بل واقترحت إقامة اتحادات إقليمية لتطوير الوقود يضم الدول التي تملك
تقنية التخصيب ،بحيث تظل تلك التحادات تحت إشراف وكالة الطاقة النووية ،ذلك كله لم يقبل من جانب الوليات المتحدة
والدول الغربية ،التي أصرت في نهاية المطاف على نقل ملف إيران النووي إلى مجلس المن ،تمهيدا لفرض عقوبات عليها،
مع التلويح بعصا التدخل العسكري.
9
وقد ازدادت مخاوف الخبراء والساسة والمنيون الغربيون حينما تحدث الرئيس اليراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا عن
تطوير جهاز الطرد المركزي المعروف باسم ( ،)B - 1بما يسمح باستخدام الجهاز ( )B - 2الذي تعادل سعته أربعة أضعاف
سعة الجهاز الول ،المر الذي يعني اقتراب إيران بأكثر مما كان متوقعا من إنتاج القنبلة النووية.
وعلق المسؤول اليراني على هذا فأثار ثلث نقاط؛ الولى أن الذي يملك المعرفة بوسعه أن يصنع ويستخدم أجهزة الطرد
المركزي بمختلف طرازاتها "واحد ،واثنان ،وثلثة" ،والخبراء اليرانيون تتوفر لهم هذه المعرفة الن.
النقطة الثانية هي أن اليرانيين لديهم فتوى المام الخوميني الذي تحرم إنتاج وتخزين واستخدام أسلحة الدمار الشامل ،وقد
أصدرها في منتصف الثمانينات الماضية ،عقب قصف نظام العراقي السابق لمدينة "حلبجة" الكردية بالغاز السام ،وما ترتب
على هذه العملية من دمار وخراب يهدر القيم السلمية والنسانية ،والنقطة الثالثة أن السلح النووي كان له دوره في إحداث
توازن الرعب إبان سنوات الحرب الباردة ،لكنه لم يعد يحتل مكانته المتميزة بعد انهيار التحاد السوفيتي ،وقد أصبحت يقظة
الشعوب وإرادتها الحرة هي السلح المضى من القنبلة النووية ،وفي انسحاب الكيان الصهيوني المدجج بالسلح النووي من
جنوب لبنان يشهد بذلك.
ال ان هناك خشية لدى الوليات المتحدة من اندلع أزمة أكبر ،وربما تكون عسكرية في الخليج العربي أو الشرق الوسط
يتورط فيها الكيان الصهيوني ،يتم فيها استخدام السلحة النووية ،وتقول الوليات المتحدة علنًا إنها لن تسمح ليران بتطوير
أسلحتها النووية.
وتتخوف الوليات المتحدة من تهديد إيراني نووي لمصالحها في الشرق الوسط سواء منابع النفط أو أمن الكيان الصهيوني أو
خطوط التجارة العالمية وأسواق المنطقة الكبيرة لسيما في الخليج العربي ،كما أن الوليات المتحدة تخشى على أمن النظمة
العربية الهشة الموالية لها في الخليج والمشرق العربي من إيران قوية ولها استقلليتها وخيارها النووي المستقل ،كما أنه وقتها
سيكون من الممكن أن يكون هناك تحالف بين إيران والصين وروسيا -وهي كلها قوى نووية -لذلك سارعت واشنطن للتحالف
مع الهند النووية في مواجهة مثل هذا الحتمال.
وكان شهري مارس وأبريل من العام 2006م حافلين بالتحركات المريكية ذات الطابع الستراتيجي ،فمن جهة كان هناك
لقاء القمة المريكية -الهندية في أوائل شهر مارس ،والتي أحدث فيها الرئيس المريكي تغييرا نوعيا في الموقف التقليدي
المريكي (بما فيه إدارته نفسه) إزاء امتلك الهند السلحة النووية ،ونشاطها النووي العام.
فقد عقد صفقة كبرى مع نيودلهي رفع فيها الهند إلى مستوى أعضاء النادي النووي الخمس الكبار :الوليات المتحدة وروسيا
والصين وفرنسا وبريطانيا ،وخرج باتفاقية نووية تطوّر من قدرات الهند في التكنولوجيا النووية ،صحيح أن هذه الخطوة
الكبيرة على مستوى المنطقة هناك كما على المستوى العالمي ،تطلبها التركيز المريكي على نزع برنامج إيران النووي مع
التحضير للحرب (العدوان) على إيران "إذا اقتضت الضرورة" ،إل أن الوجه الخر لهذه الخطوة يجب أن يرى في مداه
البعد محاولة لرساء تحالف ضد الصين وفكً ،قدر المكان ،لعرى "الصداقة" الروسية -الهندية.
إلى جانب كونه رسالة غير سارة لباكستان بل هو بمستوى لطمة على وجه النظام الباكستتنى لسيما عدم حصوله بمثل ما
حصلت الهند عليه ،الخطوة الثانية ذات الدللة هي اللقاء المني (أعلن أنه أمني) بين وزراء خارجية اليابان وأستراليا
والوليات المتحدة المريكية في العاصمة السترالية سيدني ،وهي خطوة مكملة لخطوة الهند في ما يتعلق بالمنطقة والصين.
وواشنطن ل تزال تتمسك بعقيدة "الضربة الستباقية" في مواجهة خصومها ،وهذه الستراتيجية لم تتغير منذ إعلنها في
سبتمبر 2002م ومن أهدافها أن يفهم الحكام المستبدون أنهم يخاطرون بأنفسهم عندما يسعون للحصول على أسلحة دمار
شامل.
بيد أن استعادة كل هذا الحديث حول مبدأ الضربات الوقائية واستمرارها في الستراتيجية الميركية يجب أن يوضع في سياق
ما أكد عليه تقرير "إستراتيجية المن القومي المريكي" الصادر في مارس من العام 2006م ،بأن التهديد النووي اليراني
يشكل اليوم "التحدي الكبر" أمام الوليات المتحدة الميركية ،بل وصل إلى القول "ليس هناك تحد أكبر من إيران".
10
ومن أجل أن توضع إيران في قفص التهام ،وتكون هي المقصودة الن بالحديث عن الضربات الوقائية ،اتهمها التقرير بدعم
منظمات إرهابية وتهديد الكيان الصهيوني و"تخريب العملية الديمقراطية" في العراق ،المر الذي يعني أن هذا التقرير جاء
ليقوم بالدور نفسه الذي قام به تقرير سبتمبر من العام 2002م ،تحضيرا للحرب على العراق ،ليهيئ بدوره لحرب واسعة
عسكرية على إيران هذه المرة.
ولعل من الرسائل التي حملها التقرير المذكور القول ما معناه" :ل تظنوا أن الوليات المتحدة الغارقة في العراق لم تعد
مستعدة لشن حرب أخرى في الوقت نفسه إذا لزم المر" ،وفي اليوم نفسه الذي قدم فيها الرئيس السابق جورج بوش وثيقة
التهام المذكورة إلى إيران صرح المندوب السابق للوليات المتحدة في هيئة المم المتحدة جون بولتون (من المحافظين
الجدد) أن برامج إيران النووية ل تختلف عن العتداءات الرهابية التي تعرضت لها الوليات يوم 11سبتمبر 2001م،
معتبرا "أن ذلك هو التهديد" ،وقد أضاف قائل" :أعتقد أنه يتعين مواجهة الواقع ،صحيح أنه ليس بواقع سعيد لكنه الواقع الذي
إذا لم يتعامل المرء معه فإنه سيصبح غير سار بشكل أكبر" ،أما وزيرة الخارجية المريكية كونداليزا رايس قد وصفت
إيران ،بأنها "من دون شك نوع من بنك مركزي للرهاب".
هذا ول ينقض ما تقدم تلك التأكيدات أن الولوية ما زالت للدبلوماسية وأن آخر الدواء الكي ،لن التمهيد للحرب يقتضي
التأكيد على استنفاذ الطريق الدبلوماسي ،أي عكس ما يظن البعض أن الموضوع ما زال في إطار التفاوض ،فالتحضير
للحرب سياسيا وعسكريا ل يبدأ بعد فشل المفاوضات وإنما في أثنائها إن لم يكن قبلها.
وثمة نقاط أخرى ذات أهمية في إستراتيجية المن القومي بعد كل هذا التركيز على موضوع إيران التي اعتبرها صراحة
"التهديد الكبر" أمام الوليات المتحدة ،وقال "هي التهديد" ،فأول تلك النقاط يتعلق بالتشديد على التعاون الدولي "لتبديد
الزمات" بأنه أولوية "خصوصا مع أقدم وأقرب أصدقائنا وحلفائنا" وهو يقصد بالطبع وبالدرجة الولى أوروبا.
إذن فكل السياسات الدائرة من جانب الوليات المتحدة سواء تلك التي تشير إلى التحضير للحرب ضد إيران أو تعمل على
عزلها أو تلك التي توحي بنجاح الدبلوماسية ،يجب أن توضع جميعها ضمن إطار قرار الحرب حتى يثبت بالملموس العكس.
ولم تدخر الوليات المتحدة جهدا في حشد المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ضد إيران بهدف حصارها وعزلها عن المجتمع
الدولي مما يعني في نهاية المطاف تكثيف الضغوط على طهران لمراجعة مواقفها من القضايا السابقة ووقف برنامجها
النووي ،ولعل نموذج الملف النووي الليبي هو النموذج الحاضر في ذهن واشنطن غير أن واشنطن تعلم أن الظروف
المحيطة بالبرنامج النووي اليراني تختلف تماما عن تلك التي كانت تحيط بالبرنامج النووي الليبي ،وبالتالي فمن المستبعد أن
تسير طهران على نفس خطي طرابلس في هذا الملف.
وقد لجأت الوليات المتحدة إلى عدة أدوات للضغط على طهران فاستخدمت الداة الدبلوماسية للتهديد بتحويل الملف النووي
اليراني إلى مجلس المن ،وسعت إلى حشد الدول الوروبية (خاصة بريطانيا) لتبني نفس الموقف المريكي ،وحاولت
الضغط على الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتخاذ موقف يدين طهران ،وعندما أوضحت الوكالة أنه ل يوجد دليل قاطع على
أن البرنامج النووي اليراني يسعى لنتاج أسلحة نووية وأن المطلوب من طهران هو إبداء المزيد من الشفافية والوضوح
للعالم حول برنامجها النووي ،اتهمت واشنطن رئيس الوكالة الدولية الدكتور محمد البرادعي بأنه يحمل نوايا طيبة تجاه إيران
وصلت إلى القدر الذي جعله يعطي نصائح للدبلوماسيين اليرانيين حول كيفية العمل والتصرف فيما يخص البرنامج النووي
اليراني.
أزاحت الوليات المتحدة المريكية منذ احتللها العراق ،عبئا ثقيل عن كاهل مخططي السياسة الستراتيجية السرائيلية .لذا
فهواجس الترقب من الخطر العراقي التي كانت تنتاب المجتمع السرائيلي لم يعد لها مكان أو مبرر .كما لم يعد هناك لزوم
للخبراء والمتخصصين والمحللين لشخصية صدام حسين ،فضل عن توفير المبالغ الضخمة التي كانت مرصودة لدرء الخطر
العراقي ،فالوسائل الوقائية لتفادي هجوم عراقي لم تعد أمرا لزما.
11
بيد أن موجة السترخاء تلك ،لم يهنأ القادة العسكريون طويل بها ،فهؤلء قد عادوا وشددوا ،بعد أن أسقطوا الخطر
الستراتيجي العراقي ،على خطر جديد قابع شرق العراق ،وهو الخطر اليراني ،وخاصة التهديد الحاصل جراء برنامج
إيران النووي.
وعليه ،فثمة جدل واسع أُثير مؤخرا ،منذ بداية التسعينات ،واشتدت حدته بعد إسقاط نظام صدام حسين في إسرائيل حول
تعاظم الخطر اليراني ،حتى بات شبحا يثير المخاوف في مجالت عديدة ،ليس فقط للنخب السياسية السرائيلية ،بل لدى
المؤسسات البحثية والعلمية ،أهمها المخاوف الستراتيجية التي تثيرها إيران لسرائيل ،ناهيك عن أن النظام الديني
اليراني وأدبيات خطابه ،الذي يرتكز على العداء لسرائيل ورفض شرعية وجودها.
فتضخيم التهديد اليراني ضد إسرائيل ،يأتي بطبيعة الحال ضمن حاجة إسرائيلية على أساس أن ذلك يقوم بدور وظيفي في
غاية الهمية ،فهي تلبي حاجة وجودية لسرائيل ،إذ إن مفهوم الخطر يستخدم أحيانا ضمانة للنجاح المستمر للدولة ،كهوية
قوية وحتمية.
وبناء على ذلك ،يمكننا فهم لماذا تبالغ إسرائيل في تضخيم هذا الخطر اليراني الداهم الذي يريد أن يسحق إسرائيل وينفيها
عن الوجود؟؟في محاولة لحشد القوى الغربية ،سيما الوليات المتحدة المريكية ،لضرب المفاعلت النووية اليرانية،
واستخدام كل الوسائل للحيلولة دون امتلك إيران السلح النووي.
وبالتالي ل عجب من أن مراكز صنع القرار السياسي والعسكري في إسرائيل تحرص على إبراز قلقها الشديد من البرنامج
اليراني ،فرئيس جهاز الموساد مائير دغان وصف التهديد اليراني ،بأنه الخطر "الكبر على دولة إسرائيل منذ نشوئها".
وهنا يبرز التساؤل التالي :هل التسلح النووي اليراني هو مصدر الخطر الوحيد لسرائيل ،أم أن هناك جوانب أخرى تشكل
خطرا لسرائيل ،وليست القنبلة النووية أهمها؟
ل شك أن المساعي اليرانية لتطوير قدراتها النووي ـ على فرض أنها عسكرية ـ عبر تصنيعها أو من خلل شراء عناصرها
من الخارج ،يعتبر من الناحية الموضوعية انتزاعا للحتكار السرائيلي للتسلح النووي في المنطقة وبالتالي فامتلك إيران
القنبلة النووية ،سيشكل تهديدا لهذا الحتكار في المنطقة.
ومع ذلك ،فليس هذا هو مصدر الخطر لسرائيل ،ذلك أن إيران عهد الشاه ،سعت لتطوير قدراتها النووية ،ومع ذلك لم تر
إسرائيل في ذلك أي خطر عليها ،فضل عن حلم البعض في إسرائيل من التقارب من إيران بعد نجاح الثورة اليرانية (
،)1979كعنصر إستراتيجي من عناصر التوازن الذي تحتاج إليه إسرائيل لمواجهة التهديد العربي.
ولكن مع النظام الديني اليراني ،والتصاعد اللفظي للعداء اليراني لسرائيل ،وتساوق ذلك مع امتلك إيران قدرات عسكرية
تقليدية وتطوير قدرات عسكرية غير تقليدية ،فإنه يبدو من الطبيعي أن التقارب السرائيلي من إيران أصبح حلما ل يمكن
تحقيقه ،بل كما يقول بنيامين نتنياهو "أكبر خطر وجودي تواجهه إسرائيل".
وهكذا ،فإن مصدر التهديد اليراني ل يعود في حقيقة المر إلى التسلح النووي اليراني الراهني في حد ذاته ،بل يعود إلى
اجتماع عدة عناصر أخرى ،تراها إسرائيل في غاية الهمية ،وهي:
ـ القاعدة اليديولوجية
ـ القدرة الستراتيجية
ـ القدرة القتصادية
يقوم النظام اليراني على أيديولوجية دينية يستمد منها شرعيته وقوة دفعه ،وهي ،أي اليدولوجيا ،تتخذ من السلم عقيدة
كفاحية لمواجهة قوى الستكبار العالمي .وتنظر إسرائيل لليديولوجية اليرانية على أنها متينة متصلبة متعصبة معبأة بالحقد
والتعصب الديني والرافضة لوجود إسرائيل .هذه اليدولوجيا تعمل على إعادة إنتاج قيادات متصلبة ومتشددة في موقفها إزاء
إسرائيل.
ولهذه اليديولوجيا تأثير كبير على الكيفية التي سوف تتصرف بها إيران في حال امتلكت سلحا نوويا ،لنه من الممكن أن
تدفع هذه اليدولوجيا المنغلقة إيران إلى مزيد من التعصب والتشدد ،وأن تسلك نهجا عدوانيا في سياساتها الخارجية ،وبالتحديد
تجاه إسرائيل ،فضل عن ذلك يبقى احتمال وصول زعيما إيرانيا متشددا أن يلجأ إلى ضربة نووية مفاجئة بـ"الضغط على زر
واحد" ،كما يقول نتنياهو ،وبالتالي إشعال حرب شاملة في المنطقة تمهيدا لقدوم المهدي المنتظر حسب المذهب الشيعي ،فضل
عن ذلك ،فإيران دولة "شمولية" ،وقرار استخدام السلح النووي سيكون بيد فئة صغيرة تتصرف دون حساب المخاطر،
وبناء على اعتبارات إيديولوجيتها المتعصبة ،والتي ل يعبأ قادتها من إعلن حالة العداء هذه لسرائيل ،ويجاهر رئيسها بهدف
مسحها من الخارطة.
بالضافة إلى ما تقوم به إيران من دعم الحركات المناوئة لسرائيل ،مثل حماس وحركة الجهاد السلمي وحزب ال،
وتزودهم بالسلح والمال والتدريب ،فضل عن دعمها للخوان المسلمين في مصر والردن ،ومنظمات مشابهة في تونس
والجزائر وتركيا ،وبعض الحركات الثورية الفلسطينية .باختصار ،إيران تقوم ـ من وجهة النظر السرائيلية ـ ببناء شبكات
"إرهابية" ،بهدف توسيع نفوذها وإشعال حرب استنزاف يومية مع إسرائيل.
المشكلة الخرى التي تشكلها اليديولوجيا اليرانية المعادية لسرائيل ،أنها تضرب إحدى مرتكزات نظرية الردع
السرائيلية ،وتحول دون نجاعتها .لذلك ،فإن الردع في المجال النووي يكمن في القدرة على التغلغل في وعي الخصم ،بحيث
يكون (هذا الخصم) متأكدا من أنه سيكون الخاسر في أية مواجهة يضطر خصمه فيها إلى استخدام هذا السلح ،أو أنه على
القل سيكون خاسرا بالقدرة ذاته إذا ما بادر هو إلي المواجهة.
ويفترض هذا الخصم أن يكون مجردا من السلح النووي أو متسما بالتوازن الستراتيجي ،وبقدر عالي من العقلنية
والبرجماتية ،بناء على حساب المكسب والخسارة ،وبالتالي ،فل يقدم على مغامرة غير محسوبة .هذا المر بالنسبة للكثيرين
في إسرائيل ل يتوفر في إيران .فهم يشكون في عنصر التوازن ،على اعتبار أن القيادة اليرانية غير حكيمة ،وعليه ،فإنه من
غير المؤكد بالنسبة لسرائيل أن تتصرف إيران اليديولوجية ،في حال امتلكها القدرة النووية ،بالمسؤولية والحذر
والعقلنية.
فضل عن ذلك ،فإن هذه اليدولوجيا لديها قدرة كبيرة على مواجهة الضغوط ،وهذا ما أضاف صعوبات تكتنف العمل الجاري
في كبح إيران ،بالضافة إلى عدم فاعلية الضغوط السياسية والقتصادية على إيران.
نخلص من ذلك ونقول ،إنه بالضافة إلي العتبارات الستراتيجية التي تلعب دورا في استخدام السلحة النووية ،هناك
اعتبارات أخرى ،منها عوامل ذاتية ل تقل أهمية ،تتصل بهيكل قيادة القوة النووية وعقائدها وأيديولوجيتها والقيم التي تعتمل
بداخلها ،وسوء التقدير والتهور والحسابات غير العقلنية ،وكلها عوامل متوفرة في إيران حسب اعتقاد الكثير من القيادات
السرائيلية ،والجدير بالذكر ،فإن هناك أيضا من يعتقد عكس ذلك ،باعتبار أن القيادة اليرانية عقلنية وبرجماتية.
13
وهذا ل يعني أن العتبارات اليديولوجية هي مصدر الخصومة العميقة بين الطرفين ،بل ثمة اعتبارات وعوامل أخرى تزيد
من حدة الصراع والتخوف من الخطر اليراني في الرؤية السرائيلية ،وهذا ما سنتناوله في النقاط التالية.
بالضافة إلى مصدر الخطر اليديولوجي ،هناك مصدر خطر آخر لسرائيل يلعب هذا الخطر دورا كبيرا في تعزيز وتقوية
اليدولوجيا الصولية ،وهو أن إيران لديها من الموارد القتصادية الكبير والمتنوعة :النفط ،الفحم ،الغاز الطبيعي ،خام
الحديد ،الرصاص ،النحاس ،المنجنيز ،الزنك ،الكبريت .وبالتالي ،فإيران تجد الكثير من مصادر القوة لتعبر عن نفسها من
خللها.
فهناك القدرة المالية العالية بوصفها عامل اقتصاديا قويا ناشئا ،ليس ذلك فحسب فإيران تقبع فوق احتياطات نفطية ضخمة،
ناهيك عن ارتفاع أسعار النفط الهائلة في العامين الخيرين ،وهو أمر يتيح ليران إمكان توظيف تلك العائدات والمكانات
القتصادية الضخمة لبناء قوة عسكرية جبارة ،وتمويل جماعات "إرهابية" مناوئة لسرائيل وتعمل على تقويضها من خلل
إشعال حرب استنزاف يومية .وبالتالي تصبح تلك الموال معززة لليدولوجيا المتعصبة وتزيد من حدتها وعنفوانها وبالتالي
استخدامها ضد إسرائيل.
تمتاز إيران بموقع إستراتيجي حساس؛ فإيران متاخمة لشبه القارة الهندية ،وحدودها قريبة من منطقة ما يسمى "الشرق
الوسط" ،وخصوصا موقعها الحساس على بوابات الخليج العربي ،فضل عن قربها من خمس دول إسلمية ،ظهرت على إثر
تفكك التحاد السوفيتي (طاجكستان ،اوزبكستان ،اذريبجان ،كيزخيزية ،تركمانستان) ،وتقف إيران في مقدمة المتنافسين بشأن
النفوذ في هذه الجمهوريات ،ذاك النفوذ الذي يحتل في ضوء حقيقة أن هذه الجمهوريات تمتلك مخزونا من السلحة السوفيتية
الستراتيجية.
وحسب ادعاءات إسرائيلية ،فإن إيران تحاول أن تقايض هذه الجمهوريات بالمال ،مقابل أن تحصل على عناصر إنتاج السلح
النووي .لذا ،فمراد إسرائيل ،الحيلولة دون سقوط هذه الجمهوريات في يد إيران ،حيث إن هناك يقينًا بأن عوامل إستراتيجية
تتحكم في استخدام السلحة النووية.
1ـ المساحة :تبلغ مساحة إيران 1.648مليون كم 2منها 1.636مليون كم 2يابسة و 12000كم 2مياه.
2ـ تعداد السكان :يبلغ عدد السكان في إيران 68.959.931نسمه (تقديرات يوليو /تموز .)2000
ـ المساحة :تبلغ مساحة إسرائيل 22,145كم مربع ( 8,630ميل) .شكل البلد طويل وضيق ،إذ يبلغ طولها حوالي 470كم (
290ميلً) ،وعرضها 135كم ( 85ميلً).
السكان :يبلغ مجمل تعداد سكان دولة إسرائيل نحو 7,026,000نسمة "يهود وآخرون" .ويبلغ عدد السكان العرب نحو
1,387,000نسمة ،وهم حوالي %20من مجمل عدد السكان في إسرائيل.
ومن خلل مقارنة إيران بإسرائيل نجد أن دولة إسرائيل تعاني قيودا جغرافية سياسية ،تتمثل في نقاط الضعف في الموقع
الجغرافي ،وصغر في مساحة الدولة ،وافتقادها العمق الستراتيجي ،كما تعاني قيودا ديموغرافية تتمثل في قلة عدد السكان
14
مقارنة بسكان إيران .،كل ذلك له مردود سلبي على إستراتيجيتها العسكرية عامة ،وإستراتيجيتها النووية بشكل خاص ،مما
يعني عدم تحمل إسرائيل أي ضربة نووية.
إن عامل المساحة ذو تأثير سلبي في الستراتيجية العسكرية برمتها؛ حيث إن مساحة إسرائيل ـ كما سبق ـ تبلغ 22,145كم
مربع مقابل 1.648مليون كم 2ليران ،بالضافة إلى عامل السكان .والمحصلة أن ذلك يشكل قيدا ،وبالتالي خطرا على
إسرائيل.
يتضح مما سبق ،أن الخطر اليراني ليس محصورا فقط بالقنبلة النووية ،بل لعتبارات أخرى :إيديولوجية واقتصادية
وإستراتيجية ،وهو خطر يثير في إسرائيل مخاوف عميقة ،وبالرغم أن مخاوف هذا الخطر شعورية في الغالب ،بيد أن العقل
الستراتيجي السرائيلي يعرف قيود هذا الخطر ،أما الوجدان السرائيلي ،فيقول إنه "قنبلة موقوتة ل يمكن للمرء أن ينام
بهدوء بالقرب منها" ،وأن "الزناد قد يتوفر في صورة زعيم متعصب ،مهدي جديد ،يضرب نار الحرب لنه يرى الغرب هش
ومتهالك وبالتالي طريد سهل"
في الوقت الذي ركزت فيه الوليات المتحدة انتباهها على الممارسات اليرانية في الشرق الوسط ،اتجهت إيران إلى توسيع
نفوذها في أمريكا اللتينية وإفريقيا ،وفي هذا الصدد اتخذ الرئيس اليراني محمود أحمدي نجاد خطى واسعة للتواجد في
أمريكا اللتينية وقام بمساعدة القوى المناهضة للوليات المتحدة مثل فنزويل وبوليفيا ونيكارجوا ،كما عملت طهرن على
تكوين علقات قوية مع بعض الدول الفريقية.
وتحت قيادة أحمدي نجاد ما زالت الحكومة اليرانية تبذل جهودًا مضنية للوصول إلى دول أمريكا اللتينية وذلك بتقديم مئات
المليين ،إن لم يكن المليارات ،من الدولرات كمساعدات لهذه الدول ،وكذلك عن طريق تأسيس تحالف مناوئ للوليات
المتحدة يضم فنزويل وبوليفيا ونيكارجوا .ومن جانبه دعم الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز فكرة هذا التحالف ،فخلل زيارته
لطهران في يوليو 2006قال شافيز أمام حشد في جامعة طهران" :إننا نسعى لنقاذ البشرية ووضع حد للمبراطورية
المريكية" ،وبعد شهرين تقابل الزعيمان اليراني والفنزويلي في مؤتمر هافانا لحركة عدم النحياز ،وبعد عام من زيارته
الولى عاد شافيز لطهران مرة أخرى واستقبله المرشد العلى آية ال علي خامنئي ،وهو شرف الستقبال الذي يُمنح فقط
للشخصيات السياسية القريبة من إيران ،وعلق حينها وزير الخارجية اليراني منوشهر متقي قائلً" :هوجو شافيز أصبح زائرا
دائما لطهران وللمنطقة في ظل زيارته المتكررة للجمهورية السلمية" ،وقد استغل نجاد زيارة شافيز ليعلن عن إقامة
"التحالف الموحد" ضد الوليات المتحدة.
وبعد شهرين من زيارة شافيز لطهران ،التقى نجاد بالزعيم الفنزويلي في كراكس وأدلى الرئيس اليراني بتصريح لوسائل
العلم الفنزويلية نصه" :من المؤكد أننا نزداد قوة ولن يستطيع أحد إلحاق الهزيمة بنا" .وخلل زيارة شافيز الرابعة لطهران
خلل عامين قال نجاد" :الشعبان اليراني والفنزويلي يقفان جنباً إلى جنب مع المم المحرومة في العالم وضد المبريالية
العالمية ـ في إشارة إلى الوليات المتحدة".
وقد دعم كل من الزعمين اليراني والفنزويلي الخر في التغلب على النتقادات الداخلية التي تواجه كل منهما ،ففي أثناء
افتتاحه مصنعين في كراكس أشاد شافيز بالنجازات التي حققتها إيران بعد الثورة السلمية ،وهي كلمات المديح التي ساعدت
نجاد على مواجهة النتقادات الداخلية المتعلقة بإدارته الفاشلة للقتصاد اليراني ،ومن جانبه كرر نجاد عبارات شافيز
المعادية لمريكا ،مؤكدًا أن العلل التي تعاني منها فنزويل سببها المؤامرات المريكية وليس سوء الدارة القتصادية.
15
وقد ساهم زيادة حجم التبادل التجاري بين إيران وفنزويل في دعم العلقات الدبلوماسية بين البلدين ،ففي أبريل 2007كشف
وزير الخارجية اليراني منوشهر متقي عن أن حجم التبادل التجاري مع فنزويل وصل إلى 18مليار دولر ،وهو ما يعد
دللة على انتهاج طهران إستراتيجية القوة الناعمة في أمريكا اللتينية.
ومن ناحية ثانية ،تعد كوبا جزءاً من التحالف اليراني ـ الفنزويلي ،فبجانب استضافتها مؤتمر حركة عدم النحياز في عام
،2006انضمت هافانا إلى طهران وكراكس في جهودهما لتشكيل جبهة مشتركة وذلك لللتفاف على العقوبات الوروبية
والمريكية المفروضة على كل منهم.
وقد استخدمت كل من إيران وفنزويل عوائدهما النفطية لتشجيع الدول في أمريكا اللتينية وإفريقيا على انتهاج سياسات
معادية نحو الوليات المتحدة ،وبالطبع كانت نيكارجوا وبوليفيا أول المستهدفين في أمريكا اللتينية ،فبعد أيام قليلة من تنصيب
دانيال أورتيجا رئيسًا لنيكاراجوا علق نجاد قائلً" :لقد عادت الثورة الشتراكية السابقة إلى السلطة ،وكل البلدان لديهما أفكار
متشابهة فضلً عن كونهما عدو مشترك لواشنطن" .ومن جانبه توجه أورتيجا إلى طهران على متن طائرة قُدمت إليه من
الزعيم الليبي معمر القذافي ،وشدد أورتيجا خلل هذه الزيارة على عمق الروابط بين إيران ونيكاراجوا ،وبعد شهور من تلك
الزيارة وقعت الدولتان عددًا من اتفاقيات التجارة ووافقت طهران على تقديم 350مليون دولر كتمويل لميناء نيكاراجوا،
وبعد العلن عن هذه التفاقيات وصف أورتيجا الوليات المتحدة بـ"الدولة الرهابية" ،وأكد كذلك دعمه للبرنامج النووي
للجمهورية السلمية.
وتعد بوليفيا الحليف الثالث والهم ليران في أمريكا اللتينية ،فقد رحبت لباز تحت قيادة الزعيم البوليفي جوان إيفو
موراليس بالتحالف مع إيران .وكما فعلت إيران مع نيكاراجوا فقد قدمت لبوليفيا مساعدات تقدر بـ 1.1مليار دولر في مجال
التعاون الصناعي ،وفي الرابع من سبتمبر 2007وفي خضم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز العقوبات ضد الجمهورية
السلمية ،أعلن وزير الخارجية البوليفي ديفيد شوكويهوانكا تأييده لحق إيران النووي ،بل ودعا المجتمع الدولي إلى دعم
موقف الجمهورية السلمية ،ومن جانبها كافأت طهران بوليفيا بفتح سفارة في لباز.
وهكذا رأت إيران أن ثمة مصلحة لها في تأسيس علقات قوية مع دول أمريكا اللتينية مثلما تفعل الوليات المتحدة مع دولة
المارات أو الجمهوريات المستقلة حديثاً في آسيا الوسطى والقوقاز ،وهي في ذلك تبدو كمن يتحدى مبدأ مونرو المريكي.
(المحرر :أعلن هذا المبدأ الرئيس المريكي جيمس مونرو في عام 1823في خطاب أمام الكونجرس ،ونص على ضرورة
عدم مد الدول الوروبية نفوذها الستعماري نحو أمريكا اللتينية ،والتزام الوليات المتحدة من جانبها بعدم التدخل في
المشكلت أو العلقات الوروبية (.
-2ايران و افريقيا
ترى إيران أنه من السهل إقامة علقات دبلوماسية مع الدول الفريقية الـ 52وذلك في ظل تجاهل الدارات المريكية
المتعاقبة والحكومات الوروبية لدول القارة السمراء ،ففي 29يناير 2008أعلن منوشهر متقي أن هذا العام سيشكل حدثًا هاماً
في العلقات بين إيران وإفريقيا ،وبعد ثلثة أيام وأثناء حضوره لقمة التحاد الفريقي في أديس أبابا أعلن متقى استضافة
طهران للجتماع المقبل لوزراء الخارجية الفارقة.
وقد أقامت إيران علقات قوية مع السنغال ،فالرئيس السنغالي عبد ال واد زار طهران مرتين عامي 2006و 2008وتقابل
خللهما مع خامنئي وأحمدي نجاد ،ولفت واد ـ خلل زيارته الثانية ـ إلى أن الوحدة بين البلدان السلمية مثل السنغال وإيران
من شأنه إضعاف القوى الكبرى مثل الوليات المتحدة .وفي 27يناير 2008وبعد أسبوع من إعلن وزير الخارجية السنغالي
شيخ تجان جاديو عزمه زيارة طهران ،عقد وزير الدفاع السنغالي فيكاي ديوب اجتماعاً مع نظيره اليراني لمناقشة سبل
توسيع التعاون الدفاعي العسكري بين البلدين.
ومن جانبهم بادل كبار المسئولين اليرانيين نظرائهم السنغاليين الزيارات ،ففي 22يوليو 2007غادر إلى دكار رئيس السلطة
القضائية آية ال محمود هاشمي شهرودي ومعه المتحدث باسم الحكومة اليرانية غلم حسين إلهام ،حيث تقابل مع الرئيس
واد ورئيس الوزراء السنغالي شيخ أجيبو سوماري ،وصرح شهرودي" :إننا نعتقد أنه من واجبنا العمل على توسيع نطاق
16
الروابط مع البلدان السلمية واستخدام قدرات وإمكانات الدول السلمية للمساعدة على نمو وانتشار السلم" .وتجدر
الشارة في هذا السياق إلى أنه في الوقت الذي كانت فيه إيران تسعى إلى توسيع الكتلة السلمية ،فإن السنغال كانت تبحث
عن الفوائد القتصادية مثل إمدادات النفط والتعاون في مجال الصناعة.
وكانت إيران على استعداد لتقبل أي دولة إفريقية تراها في منأى عن الغرب عموماً والوليات المتحدة على وجه الخصوص،
وبرزت هنا دولتان هما السودان وزيمبابوي .فقد سعت الحكومات الوروبية وواشنطن على حد سواء لعزل السودان في ظل
التهامات التي ترددها منظمات حقوق النسان الدولية بحدوث إبادات جماعية في دارفور .وفي الوقت الذي سعى فيه المجتمع
الدولي نحو تشديد العقوبات الدبلوماسية على الخرطوم ،استغل نجاد هذه الجواء وعمل على توطيد العلقات مع نظيره
السوداني عمر البشير ،واعتبر الرئيس اليراني أن العلقات مع السودان لبد أن تقوم على دفاع كل من البلدين عن الخر،
كما زار وزير الدفاع اليراني الخرطوم معلناً أن السودان أصبحت حجر الزاوية في السياسات الفريقية للجمهورية
السلمية.
وبينما عزل المجتمع الدولي نظام الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي مثلما فعل مع البشير في السودان ،عملت إيران على
ملء هذا الفراغ ،وبالفعل وقّع البلدان عدداً من اتفاقيات التعاون المشترك في مجال الطاقة وتكرير النفط والزراعة ،كما تعهد
السفير اليراني في هراري بمساعدة بلده لزيمبابوي في صد العقوبات التي تستهدفها.
وثمة حليف إقليمي آخر ليران في القارة الفريقية وهو جنوب إفريقيا ،فقد أسس البلدان علقاتهما رسمياً عام 1994في ظل
معارضة الجمهورية السلمية لنظام الفصل العنصري ،وتعتمد طهران في السنوات الخيرة على النفط والتجارة لتطوير
علقتها مع بريتوريا ،كما تنظر إيران إلى جنوب إفريقيا على أنها عضو رئيسي في حركة عدم النحياز ،وهي مجموعة
الدول النامية التي قاومت مساعي إعاقة إيران عن تخصيب اليورانيوم .وقد عملت إيران على استغلل العضوية غير الدائمة
لجنوب إفريقيا في مجلس المن وتواجدها في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالحها ،ومن الشواهد على ذلك
أنه عندما صدر تقرير عن الوكالة الدولية في عام 2008يشير إلى استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بالمخالفة لمعاهدة
حظر انتشار السلحة النووية وقرارات مجلس المن ،استخدمت جنوب إفريقيا عضويتها في مجلس المن حينذاك للتصويت
ضد أي عقوبات تستهدف طهران.
وهكذا سعت إيران لتأسيس وتعزيز علقاتها مع العديد من الدول الخرى في القارة الفريقية مثل أوغندا وملوي وكوت
ديفوار وليسوتو وموريتانيا ومالي وناميبيا ،وعملت طهران على تكريس دعم هذه الدول للبرنامج النووي اليراني.
حاصل القول أن إيران ل تزال في طليعة المصادر التي تمثل قلقاً للدارة المريكية القادمة ،ومن ثم إذا استمرت إدارة الرئيس
جورج بوش أو الدارة اللحقة في تجاهل الطموحات اليرانية المتنامية على المستوى العالمي ،فإن واشنطن ستجد أن إيران
أصبحت تمسك بمفاتيح لعبة الرهانات المستمرة بين البلدين حول قدرة كل منهما على ردع الخر.
أول :الرث التاريخي من العلقات العدائية بين الطرفين :فتاريخ العلقات بين البلدين يطرح كثيرا من الشكوك حول إمكانية
قبول اليرانيين للحوار .فإيران الثورة ل تنسى للوليات المتحدة المريكية مشاركتها في الطاحة بحكومة رئيس الوزراء
الدكتور محمد مصدق عام ،1953وذلك بعد أن وافق الرئيس المريكي آنذاك ،أيزنهاور ،على النضمام إلى خطة بريطانية،
أطلق عليها "عملية أجاكس" هدفها إسقاط مصدق ردا على قرارا الخير بتأميم قطاع البترول .وبناء على هذا القرار قامت
17
عناصر من المخابرات المركزية المريكية بالتعاون مع الستخبارات البريطانية بدعم ومساندة انقلب الجنرال فضل ال
زاهدي والذي أطاح بمصدق وأعاد الشاه محمد رضا بهلوي إلى العرش.
ورغم أن الدكتور محمد مصدق كان ذي ميول قومية ليبرالية ،بخلف النخبة الحاكمة الحالية ذات الميول الدينية ،فقد اكتسب
السلوك المريكي دللة رمزية كبيرة لدى النظام الحالي ،إذ عزز من خشية رجال الدين من تدخل أمريكي مماثل يطيح بهم.
ولم يكن تطور العلقات بين البلدين منذ قيام الثورة عام ،1979بأحسن حال من خبرة الطاحة بمصدق .فنتيجة لقيام مسلحين
إيرانيين في الرابع من نوفمبر 1979باقتحام السفارة المريكية واحتجاز 90رهينة (تم الفراج عن بعضهم خلل السابيع
الولى من بداية الزمة ،بينما ظل 52منهم محتجزين لمدة 444يوما) ،دخلت العلقات بين البلدين حقبة طويلة من التأزم ،ما
زالت مستمرة حتى الوقت الحالي.
فمنذ منتصف الثمانينيات تعرض نظام المللي في طهران إلى مجموعة من العقوبات المريكية الحادية ،شملت منع تصدير
المعدات والتكنولوجيا المتقدمة إليها ،وحظر صادرات النفط اليراني إلى الوليات المتحدة ،ثم أكملت الوليات المتحدة مسلسل
عقوباتها بفرض حظر اقتصادي شامل على إيران عام .1995
ومع إعلن الوليات المتحدة المريكية حربها على الرهاب ،بعد أحداث 11سبتمبر عام ،2001وتفجر الزمة النووية
اليرانية أواخر عام ،2002وصل التوتر بين الجانبين إلى درجة غير مسبوقة ،حيث وضعت إدارة بوش البن إيران في قلب
"محور الشر" ،وكالت لها التهامات بدعم الرهاب والسعي لمتلك أسلحة دمار شامل ،وتقويض المصالح المريكية في
منطقة الشرق الوسط.
وعملت الدارة على إصدار ثلث قرارات من مجلس المن بفرض عقوبات على إيران ،علوة على العقوبات المنفردة التي
فرضتها واشنطن أو التحاد الوروبي بدعم أيضا من واشنطن .ولم يقتصر المر على هذا فقط ،بل كثيرا ما لوح الرئيس
المريكي السابق جورج بوش بالطاحة بالنظام اليراني حتى أخر يوم في فترته الرئاسية.
هذا الرث التاريخي ولد لدى اليرانيين الشعور بالتوجس تجاه نوايا الوليات المتحدة ،وهو توجس ظهر واضحا في خطاب
خامنئي ،الذي جسد المظلومية التاريخية (وهي سمة للخطاب اليراني بشكل خاص ،والخطاب الشيعي بشكل عام) التي عانت
منها إيران من قبل واشنطن.
وتحدث خامنئي عن أن الوليات المتحدة "عارضت الثورة السلمية منذ اللحظة الولى بشكل عدائي ،وقامت بتشجيع
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على خوض الحرب مع إيران ،وساعدت أعداء إيران وما زالت تساعدهم حتى الن".
علوة على أن التهديدات الميركية بالحرب على طهران لم تتوقف ،وإن كانت ل تخيف الشعب اليراني ،من وجهة نظره.
واتهم خامنئي أيضا واشنطن بالستمرار في تجميد الرصدة اليرانية بالوليات المتحدة التي أودعها النظام اليراني السابق.
وربط خامنئي بين "تكفير" الوليات المتحدة عما ارتكبته في حق الشعب اليراني وبين قبوله بدعوة أوباما للحوار ،قائل
"الن تقول الدارة المريكية الجديدة :نود أن نتفاوض مع إيران ودعونا ننسى الماضي ...هم يقولون إنهم يمدون يدا نحو
إيران .فما نوع هذه اليد؟ إذا كانت اليد الممدودة مغطاة بقفاز مخملي لكن بداخله يد مصنوعة من الحديد الصلب فان هذا ليس
له معنى جيد على الطلق".
ومن ثم يمكن القول إن هذا التوجس قد يحول دون بدء الحوار استنادا على مطالبة اليرانيين بخطوات أمريكية قبل بدء الحوار
من قبيل الفراج عن الموال المجمدة ،وإيقاف دعم الحركات المتمردة في إيران ،وهي خطوات قد ل ترضى واشنطن القيام
بها دون مقابل .وحتى وإن لم يمنع هذا التوجس إيران من الدخول في حوار مع واشنطن ،فسيظل عائقا كبيرا أمام الوصول
إلى تفاهمات ثنائية واضحة ومحددة حول قضايا عديدة مشتركة.
ثانيا :الحفاظ على بقاء النظام الثوري :فإيران الثورة قد بنت جزءا من شرعيتها الداخلية على أساس العداء لـ"قوى الستكبار
العالمي" ،وفي مقدمتها الوليات المتحدة المريكية ،بل ودخلت إيران في السنوات الولى من ثورتها في صدام مع الوليات
18
المتحدة المريكية ،على خلفية أزمة الرهائن المريكيين الذين تم احتجازهم داخل السفارة المريكية في طهران بالتوافق مع
رجال الدين .وعلى مدار الثلثين عاما الماضية كان العداء للوليات المتحدة هو السمة البرز في الخطاب السياسي اليراني.
وقام رجال الدين بتوظيف هذا العداء بذكاء شديد من أجل ترسيخ أقدامهم وتثبيت شرعيتهم الثورية القائمة بصورة أساسية
على وجود تهديد خارجي ،يبيح إسكات أي معارضة داخلية.
ومن ثم فإن من شأن التوصل إلى صفقة مشتركة بين إيران والوليات المتحدة ،يتم خللها العتراف بدور إيران القليمي ،أن
يهز من شرعية النظام الحاكم في الداخل ،ويفتح الباب أمام تحولت داخلية تكشف تناقضات الداخل اليراني ،وهي تحولت
قد تطيح بحكم رجال الدين ليس من خلل عمل عسكري هذه المرة ولكن من خلل "ثورة مخملية".
ولعل هذا ما دفع خبيرا في الشأن اليراني إلى القول بأن التحدي الكبر الذي يواجه إيران في الوقت الحالي "ليس فقط إثبات
قدرتها على الصمود من طريق لعب أوراقها القليمية ،ولكن أيضا في قدرتها على الموازنة بين تحقيق تفاهمات مع واشنطن
بخصوص جوارها الجغرافيا ودورها القليمي فيه ،وفي الوقت نفسه حماية أركان دولتها اليديولوجية من التغيير؛ إذ إن
الوصول إلى تفاهمات طويلة المدى وعميقة الثر مع القطب الدولي الوحيد ،هو احتمال سيقود –إن حدث -إلى تغييرات
متتالية في الخطاب الرسمي وشكل النظام السياسي ،بحيث يكون صعود الشعارات القومية اليرانية والمذهبية الشيعية إلى
واجهة المشهد أحد تجلياتها"( .د .مصطفى اللباد :حدائق الحزان ،ص .)268
ول يبدو هذا السيناريو بعيدا عن أذهان المسئولين اليرانيين ،إذ اعتبر محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري أن "التهديدات
الناعمة" هي الخطر على الجمهورية السلمية ،قائل إن "التهديدات العسكرية ضد إيران لم تزل كليا ،وإنما تغيرت طبيعتها
إلى الشكل الناعم والطابع الثقافي والسياسي والقتصادي".
ثالثا" :القوة الناعمة" والسمعة القومية ليران :فالنفوذ القليمي اليراني ،شأنه شأن أي نفوذ إقليمي لي دولة أخرى ،ينبني
على دعامتين إحداهما مادية (الموقع الجغرافي ،الموارد الطبيعية ،القدرات البشرية ،القدرات العسكرية ،ودوائر التحرك في
مناطق متعددة مثل العراق ولبنان وفلسطين اليمن والخليج وغيرها) ،والخرى معنوية (وهو ما يطلق عليه القوة الناعمة)،
قائمة على مناهضة إيران للوليات المتحدة المريكية وإسرائيل ،وتسويق نفسها كزعيمة لقوى الستضعاف والممانعة في
العالم .هذه المناهضة للوليات المتحدة أكسبت دور إيران القليمي زخما كبيرا وتعاطفا واسعا لدى غالبية حركات الممانعة في
الوطن العربي وبعض النخب العربية وفي أوساط الشارع العربي أيضا.
وبالتالي فإن أي اتفاق إيراني مع الوليات المتحدة ،يتضمن تخلي طهران عن دعم "الحركات الرهابية" ،قد يضر كثيرا
بسمعة إيران القليمية ويحد بشكل ملحوظ من "قوتها الناعمة" ،ومن ثم يفقد دورها القليمي جزء كبير من الزخم الذي يتمتع
به .وبذلك يصبح منطقيا التساؤل هل تضحي إيران بهذه "السمعة القليمية" مقابل اتفاق مع طرف تتوجس كثيرا في دوافعه،
وتاريخه في العلقات معها غير مطمئن.
رابعا :العلقة بين كل من إيران وإسرائيل :ليس بوسع إيران الدخول في علقة مع الوليات المتحدة في ظل لهجتها الحالية
المتشددة تجاه إسرائيل (الكيان الصهيوني) ،ودعمها الحالي لحركات المقاومة الفلسطينية .ول تجد إيران مخرجا من ذلك ،كما
يطرح البعض ،بأن تتبنى موقفا مشابها للموقف الباكستاني أو الماليزي حيال تل أبيب( ،أي دولة إسلمية غير عربية ل
تعترف بإسرائيل وتنتقدها حتى من حين لخر ،ولكنها تتجنب الدخول في مواجهة معها ول تتحداها مباشرة أو عبر وكلء) .إذ
أنه يصعب تصور أن إيران ،أحد دول إقليم الشرق الوسط الرئيسية والمنخرطة حتى أذنيها في قضاياه ،يمكن أن تتبنى موقف
دول بعيدة جغرافيا ،وحتى معنويا ،عن هموم الشرق الوسط.
بعبارة أخرى إن كان هذا الموقف مقبول من كل من باكستان وماليزيا ،بحكم بعدهما المادي (الجغرافي) والمعنوي (ل يلتفت
أحد غالبا في الشارع العربي إلى موقف هاتين الدولتين) عن المنطقة ،فإنه لن يكون مقبول بأي حال من إيران التي ينظر إليها
على أنها "زعيمة قوى الممانعة في المنطقة".
المصادر .
اول :مواقع النترنت
.1موقع البينة
.2موقع الخوان المسلمين
.3موقع رويترز للنباء
.4موقع إسلم اون لين (التحليلت و الرءا السياسية)
.5موقع الجزيزه (المعرفة)
.6موقع سويس انفو
.7موقع وزاره الخارجيه المريكيه الناطق باللغه العربيه
.8موقع bbc Arabic
.9موقع وكاله النباء اليرانيه
ثانيا :التقارير
.1التقرير الصادر من مركز الدراسات السياسيه و الستراتيجيه بدوله المارات حول دور ايران فى اسيا الوسطى
.2التقرير الصادر من مركز الخليج للدراسات السياسيه الستراتيجيه حول الجذور التاريخية للنفوذ اليراني في العالم السلمي
وأثرها على مستقبل العلقات العربية اليرانية مرز ال
.3التقييم القومى للمخابرات المريكيه حول مصالح واشنطن تحرك خيوط اللعب المريكي
.4التقرير الصادر عن مركز الدراسات السياسيه بطهران حول دور إيران في السياسة الخارجية المريگية
.5التقرير الصادر عن مركز الوحده العراقى للبحاث السياسيه حول اللعبـة اليـرانيـة فـي العــراق
20