You are on page 1of 17

‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪1‬‬

‫أجيالنا بين‬
‫الواقع والمل‬
‫المنشود‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫الحمعد لله الملك الجليعل ‪ ،‬المنزه ععن النظيعر والعديعل ‪ ،‬المنععم بقبول‬
‫القليعل ‪ ،‬المتكرم بإعطاء الجزيعل ‪ ،‬تقدس عمعا يقول أهعل التعطيعل ‪ ،‬وتعالى‬
‫عمعا يعتقعد أهعل التمثيعل ‪ ،‬نصعب للعقعل على وجوده أوضعح دليعل ‪ ،‬وهدى إلى‬
‫وجوده أبين سبيل ‪.‬‬
‫أحمده كلمعا نطعق بحمده وقيعل ‪ ،‬وأشهعد أن ل إله إل الله وحده ل شريعك له‬
‫قيل ‪ ،‬وأصلى على نبيه محمد الصادق النبيل ‪ ،‬وعلى أبى‬ ‫ما عنه‬‫المنزه ع َّ‬
‫بكعر الذي ل يبغضعه إل ثقيعل ‪ ،‬وعلى عمعر وفضعل عمعر فضعل طويعل ‪ ،‬وعلى‬
‫ي وجحد قدر علي تغفيل ‪.‬‬ ‫عثمان ‪ ،‬وكم لعثمان من فعل جميل ‪ ،‬وعلى عل ّ‬
‫إخوتاه …‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود ‪ ،‬تلك ع لعمر الله ع قضية تثير‬
‫ن الصحوة السلمية منذ بدأت‬ ‫ذو شجون ‪ ،‬فإ َّ‬ ‫السى ‪ ،‬والكلم عنها‬
‫وهي تهفو ليجاد جيل " التمكين " ‪ ،‬الجيل الذي وعد الله تعالى بقوله ‪" :‬‬
‫‪1‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪2‬‬
‫وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الرض‬
‫كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم‬
‫وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ل يشركون بي شيئا "‬
‫الجيل الذي وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ‪ :‬عع " بشر هذه‬
‫و الرفعة و النصر و التمكين في الرض " ‌‬
‫‪1‬‬
‫المة بالسناء والدين‬
‫وكلما أتى جيل ترقب أن تكون النصرة فيمن يليه ‪ ،‬فإذا الجيل‬
‫الناشيء أسوأ ممن كان قبله ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لعل البناء الذين سينشأون في بيت‬
‫الملتزمين تأتي النصرة على أيديهم ‪ ،‬فإذا الولد أسوأ من الباء ‪ ،‬وذلك ل َّ‬
‫ن‬
‫ن اللتزام الجوف صار‬ ‫الباء لم يربوا تربية إسلمية صحيحة ‪ ،‬وذلك ل َّ‬
‫ظاهرة مريرة ‪ ،‬وصارت كل معاني اللتزام مبتسرة في المظهر فضاع‬
‫ن الدين كل واحد " ادخلوا في السلم كافة "‬ ‫الجوهر ‪ ،‬وحقيقة المر على أ َّ‬
‫أي السلم ‪ ،‬فالهتمام بالجانبين حتم لزم ‪ ،‬فمظهر يدل على جوهر ‪،‬‬
‫وجوهر يدلل عليه حسن المظهر ‪ ،‬عقيدة راسخة وإيمان قوي يصدقه عمل‬
‫وطاعة لله تعالى ‪ ،‬يقين بالله وحسن توكل عليه يفرز عبادة وقربات إلى‬
‫الله تعالى ‪ ،‬توحيد بالله وإخلص يشده اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم‬
‫وتمسك بسنته الغراء ‪ ،‬تزكية للنفوس وتربية للقلوب تنتج بًرا وحسن خلق‬
‫‪.‬‬
‫كذا كان المعل المنشود أن يسعتوعب أهعل الصعحوة حقيقعة تلك المور‬
‫ن المفاهيم اختلطت ‪ ،‬ومع‬ ‫في حياتهم وعند تربيتهم لولدهم ‪ ،‬ولكن يبدو أ َّ‬
‫كثرة الجدل ونفععث العداء للشبهات ضاعععت الحقيقععة ‪ ،‬وتعددت المناهععج ‪،‬‬
‫ن الهداف مشتركععة والوسععائل مختلفععة ‪ ،‬وإن ّععَي‬ ‫وكان يقال بالمععس ‪ :‬إ ّععَ‬
‫ن الهداف بيعن أهعل الصعحوة قعد اختلفعت ‪ ،‬سعاعد على ذلك‬ ‫لجزم الن بأ َّع‬
‫اختلف المنابعع والمشارب ‪ ،‬لذلك دعونعا الن نطرح هذه القضيعة من جديد ‪،‬‬
‫بدايععة معن تحديعد الهداف وجلئهعا ووضوحهعا عنعد الجميعع ‪ ،‬مروًرا بتفسععير‬
‫الواقععع ودراسععة الظواهععر السععلبية ‪ ،‬واقتراحات العلج سععائلين الله تعالى‬
‫الهداية والتوفيق والرشاد ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬الهدف المنشود‬
‫تحديد الهدف هو أصل هذا الشكال ‪ ،‬فكثير من الشباب يعيشون‬
‫فإذا سألت واحدًا منهم ما هدفك ؟ ماذا تريد ؟ ما‬ ‫اليوم بل هدف ‪،‬‬
‫أقصى آمالك وأمانيك ؟ ما هي أحلمك ورغباتك ؟‬
‫ما أن يجيب بإجابات إنشائية ل يفقهها ‪ ،‬أو أن يردد أقوال ً سمعها‬ ‫فإ َّ‬
‫من هنا أو هناك ولم يؤمن بها ول صدقها ‪ ،‬وإنما يستعملها عند الحاجة إليها ‪،‬‬
‫ن علمة وضوح الهدف في الذهان أن يصير‬ ‫والدليل على ذلك ما يأتينا من أ َّ‬
‫كقطب الرحى تدور حوله جميع حركاتك وسكناتك ‪ ،‬جميع أقوالك وأفعالك ‪،‬‬
‫كلها في خدمة هذا الهدف ‪.‬‬
‫ما الغالبية الصادقة مع أنفسها فستقول ‪ :‬ل أدري ‪ ..‬ل أعرف ‪ ..‬ربما‬ ‫أ َّ‬
‫كذا …أو كذا ‪.‬‬
‫أحبتي في الله ‪..‬‬
‫يجب على المسلم المعاصر أن يجعل له هدفا ً محددا ً ‪ ،‬أن يجعل‬
‫لوجوده غاية عظمى ‪ ،‬أن يجعل لحياته رسالة سامية ‪..‬‬
‫‪ 1‬أخرجه المام أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه‬
‫وصححه اللباني (‪ )2825‬في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪3‬‬
‫إننا ع أحبتي في الله ع ما لم تتجسد في حياتنا قيم السلم ومثله العليا ‪ ،‬إذا‬
‫لم يصبح السلم مقياس كل حكم ومفتاح كل قضية ‪ ،‬ومصدر كل تصور‬
‫عندنا ؛ فلن يطول الزمن حتى يميل بنا الهوى ‪ ،‬وتعبث بنا النَّوَّات ؛ لننا‬
‫ت إلى جوهر الدين بصلة ‪ ،‬إننا‬ ‫نعيش ع وللسف ع في مجتمع جاهلي ل يم ُّ‬
‫نعيش في مجتمع بعيد عن القيم ‪ ،‬مجتمع تعطلت فيه كل حواس الخير ‪،‬‬
‫نعيش في مجتمع ازدحمت فيه عوامل الفساد ‪ ،‬فإن لم يكن شبابنا على‬
‫قدر كبير من العقيدة وسمو الخلق ‪ ،‬وقوة اليمان ؛ فإنهم سيضيعون حتماً‬
‫ل محالة ‪ ،‬نسأل الله أن يثبتنا وشباب المسلمين على اليمان ‪ ،‬اللهم ثبت‬
‫اليمان في قلوبنا ‪.‬‬
‫ن حياتكم ‪ ،‬شديدي المحاسبة‬ ‫مهَدِّفِي َ‬
‫نعم ! إن لم تكونوا ع إخوتي الشباب ع ُ‬
‫لنفسكم ‪ ،‬دائمي المراقبة لربكم ؛ فستزل بكم القدام بعد ثبوتها ‪ ،‬وتذقوا‬
‫السوء ‪ ،‬فإن لم تكونوا متورعين عن الشبهات ‪ ،‬مقبلين على الطاعات ‪،‬‬
‫حريصين على النوافل والعبادات ؛ فستصابون حتما ً بلوثات هذا المجتمع‬
‫الذي تعيشون فيه ‪ ،‬وسيصيبكم نصيب كبير من شذوذه وانحرافه ‪ ،‬فما أنتم‬
‫إل جزء من هذا المجتمع ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ن أهل الدنيا قد اختاروها هدفًا ينشدونه ‪ ،‬فأسرار الكون عند علمائهم‬ ‫إ َّ‬
‫غاية ‪ ،‬والرفاهية والرخاء والظفر بملذات الحياة عند ساستهم وعوامهم‬
‫هدفًا ‪ ،‬ولقد أشار القرآن الكريم إلى سوء عاقبة هؤلء فقال ع تعالى ع ‪" :‬‬
‫والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوىً لهم " وبيَّن‬
‫ن الحرص على الدنيا وجعلها هدفًا ضد اتجاه‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم أ َّ‬
‫المؤمن ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬و ل يزداد الناس على الدنيا إل‬
‫‪2‬‬
‫حرصا و ل يزدادون من الله إل بعدا "‬
‫فل يجوز للمسلم المعاصر الذي يعيش التحدي العالمي الكبير ‪ ،‬أن‬
‫ضائعا ً مهمل ً ‪ ،‬أو مشغول ً بالطعام والشراب والجنس‬ ‫يعيش هكذا‬
‫والشهوة ‪..‬ل ينبغي أن يكون شعاره في الدنيا قول الشاعر ‪:‬‬
‫فإن فاتك هذه فعلى‬ ‫إنما الحياة طعام وشراب ومنام‬
‫الدنيا السلم‬
‫ً‬
‫فالمسلم صاحب رسالة ‪ ،‬صاحب هدف ‪ ،‬يجعل حياته وقفا على هدفه ‪،‬‬
‫ولسان حاله ‪:‬‬
‫ومن يخطب الحسناء‬ ‫يهون علينا في المعالي نفوسنا‬
‫لم يغله المهر‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ما هدفنا إذن ؟ القرآن الكريم يهدِّف حياتك ‪ ،‬ويدلك على الوسائل‬
‫لتحقيق هذا الهدف في عبارات موجزة ‪ ،‬جامعة شافية كافية ‪.‬‬
‫يقول ربي ع وأحق القول قول ربي ع ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‬
‫واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وجاهدوا في الله حق جهاده هو‬
‫اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم‬
‫المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا ً عليكم "‬
‫خذ الهدف ‪ " :‬وتكونوا شهداء على الناس " هذا هو هدفك نص عليه‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحسنه اللباني (‪)1146‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪4‬‬
‫إنك خلقت وبعثت لهذه المة ؛ لكي تكون شهيدا ً على العالم ‪ ،‬بل على‬
‫العالمين ‪ ،‬لما يبعث نبي الله نوح يقول الله له ‪ :‬هل بلغت ؟ ‪ ،‬يقول ‪ :‬نعم ‪،‬‬
‫فيقال ‪ :‬من يشهد لك ؟ ‪ ،‬يقول ‪ :‬أمة محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهل‬
‫أنت جاهز للشهادة على قدرها ؟!!‬
‫" ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " هذا هدفك ينص‬
‫القرآن ‪.‬‬ ‫عليه‬
‫" ليكون الرسول شهيدا ً وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلة وآتوا‬
‫الزكاة واعتصموا بالله هو مولكم فنعم المولى ونعم المصير " هذه هي‬
‫دعوة القرآن لتهديف الحياة ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫إن أخطر ما في قضية اليوم أن المسلمين ع وللسف الشديد ع صار‬
‫في قلوبهم شعور أن في هذه الدنيا من هو أفضل منه ‪ ،‬وهو أخطر ما‬
‫يحطم القلب ‪ ،‬كثيرا ً ما أحرص وأقول لكم ‪ :‬إنكم ع أحبتي في الله ع أفضل‬
‫من على ظهر الرض ‪ ،‬أنتم ومن مثلكم ‪ ،‬ينبغي أن تعتقدوا هذه ‪ ،‬ورضي‬
‫الله عن عمر حين قال ‪ :‬كنا أذل قوم ‪ ،‬فأعزنا الله بالسلم ‪ ،‬فمهما ابتغينا‬
‫العزة في غيره أذلنا الله ‪.‬‬
‫" الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة‬
‫فإن العزة لله جميعا " ‪ ،‬إننا ينبغي أن نوقن بذلك ‪ ،‬أن نؤمن بذلك ‪ ،‬أن‬
‫نعيش لذلك ‪ ،‬أننا شهداء على الناس ‪.‬‬
‫هل عرفتم هدفكم ؟‬
‫هدفك ‪ :‬دينك لحمك دمك وإن قتلت أو حرقت ‪ ،‬فإننا ل نعيش لنفسنا بل‬
‫نعيش لديننا ‪ ،‬هذا هدفي ‪.‬‬
‫أما الغاية فهي رضا الله والجنة ‪ ،‬غايتك رضا الله ‪ ،‬أن تصل إلى رضا الله‬
‫من خلل هذا الهدف ‪ " ،‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف‬
‫وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله "‬
‫هذا هو هدف إخراجك ‪ ،‬أن تكون لترضي الله ‪ ،‬هذا هدفك ‪ ،‬أن تعيش لدينك‬
‫‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫إننا بحاجة اليوم إلى أن نعيش السلم وبالسلم وللسلم ‪ ،‬ومن العجيب‬
‫أنك اليوم تجد من ل يزال يجادل في أهمية طلب العلم والدعوة إلى الله ‪،‬‬
‫المسألة ل تحتاج إلى نقاش ‪ ..‬اليوم لزلت تجد امرأة تجادل ‪ :‬أنعمل خارج‬
‫البيت أم ل ؟ ! ‪ ،‬تجادل في أوامر الله !! ‪ ،‬الله يقول ‪ " :‬وقرن في بيوتكن‬
‫" فانتهت القضية ‪ ،‬وهكذا شأن المؤمنين والمؤمنات أن يذعنوا لوامر ربهم‬
‫" وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "‬
‫والسؤال الن ‪:‬‬

‫كيف أصبح صاحب هدف ؟ كيف أجعل السلم قطب‬


‫الرحى في حياتي ؟‬
‫(‪ : )1‬التركيز في الهدف ( تعلق القلب بالهدف )‬
‫إن الشاب الذي في المرحلة الثانوية ويريد أن يلتحق بكلية الطب مثلً‬
‫‪ ،‬ينبغي أن يكون اللتحاق بكلية الطب هدفا ً يرمي إليه ‪ ،‬ولكي يكون صاحب‬
‫هدف فلبد أول ً من التركيز في الهدف ‪ ،‬بأن يكون هدفه نصب عينيه دائما ً ‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪5‬‬
‫خيلَتَه ‪ ،‬عندما يأتي لينام يتذكر يوم النتيجة ‪ ،‬ويرى أقرانه وقد‬ ‫م ِ‬
‫فل يفارق َ‬
‫ب على‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫حصدوا أعلى الدرجات فتثور حميته وغيرته فينتفض جالسا ‪ ،‬ويك ّ‬
‫كتبه ‪ ،‬فيكون هدفه نصب عينيه أمامه يدور دائما ً في مخيلته ‪.‬‬
‫نعم ع إخوتاه ع ‪..‬‬
‫حين تركز في الهدف فيصبح السلم غاية تتراءى لك ‪ ،‬فسوف يحدث‬
‫انقلبًا جذريًا في حياتك ‪ ،‬وتعالوا نصدق مع أنفسنا ‪ :‬هل نحن نعيش لله أم‬
‫لنفسنا أم لنفسنا ولله ؟!!‬
‫أسألكم بربكم ‪ ..‬هل حلمت ع ولو مرة ع أنك ستؤذن وتؤم في كل بقعة من‬
‫ل فيها راية السلم ؟ ‪ ،‬هل حدث مثل ذلك ؟ لماذا السلم‬ ‫الرض لم تع َ‬
‫ليس على بالك ؟‪ ،‬لماذا ليس على بالك دينك ؟ ‪ ،‬لماذا التمكين ليس في‬
‫رأسك ؟‬
‫أخي الكريم …‬
‫ماذا تريد ع يا عبد الله ع الن ‪ ،‬سل نفسك هذا السؤال ‪ ،‬ما الذي يدور‬
‫بخلدك ؟ ما هي أحلمك وطموحاتك ؟ ماذا تنشد ؟ إنك ع وللسف ع تريد أن‬
‫تملك شقة واسعة ‪ ،‬وزوجة جميلة ‪ ،‬ومرتبا ً عاليا ً ‪ ،‬وسيارة فارهة ‪ ،‬تريد‬
‫ملبس جميلة ‪ ،‬تريد أن يكون لك احترام وتوقير عند الناس ‪ ،‬أليست هذه‬
‫وغيرها من الفانيات هي آمال السواد العظم من المسلمين اليوم ‪ ،‬فكيف‬
‫بالله تتكلمون عن نصرة وتمكين ‪ ،‬إنها مجرد خواطر عابرة ‪ ،‬أو حماسات‬
‫قلبية سرعان ما تفتر أمام مغريات الدنيا الزائلة ‪ ،‬نعم يا أخي ‪ ،‬صارت هذه‬
‫ما النبي محمد صلى الله عليه‬ ‫همومنا ‪ ،‬آمالنا ‪ ،‬أحلمنا ‪ ،‬رغباتنا ‪ ،‬أهواؤنا ‪ ،‬أ َّ‬
‫وسلم فكان هدفه نشر الدين ‪ ،‬وكان يربط قلوب صحابته رضوان الله‬
‫عليهم بهذا الهدف بحيث ل يفارقهم ‪.‬‬
‫قال لسراقة في قصة الهجرة الشهيرة ‪ :‬كيف بك إذا لبست سواري كسرى‬
‫‪ ،‬وهو بعد مطارد ‪ ،‬ولم يكن قد مكِّن لرسول الله في الرض ‪.‬‬
‫وفي غزوة الحزاب التي يقول عنها ربنا تبارك وتعالى ‪ " :‬إذ جاءوكم من‬
‫فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت البصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون‬
‫بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال ً شديداً "‬
‫و رسعول الله صعلى الله عليعه وسعلم يأخعذ المعول ويضرب صعخرة عرضعت‬
‫للصحابة فلم تنفع فيها المعاول ‪ :‬فقال صلى الله عليه وسلم‪" :‬بسم الله"‬
‫فضرب ضربعة فكسعر ثلث الحجعر ‪ ،‬وقال‪ " :‬الله أكعبر أُعطيعت مفاتيعح الشام‬
‫والله إني لبصر قصورها الحمر من مكاني هذا"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬بسم الله" وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر فقال‪ " :‬الله أكبر‬
‫أعطيت مفاتيح فارس والله إني لبصر المدائن وأبصر قصرها البيض من‬
‫مكاني هذا"‪.‬‬
‫ثم قال‪" :‬بسم الله" وضرب ضربة أخرى فقطع بقية الحجر فقال‪" :‬الله‬
‫‪3‬‬
‫أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا"‪.‬‬
‫نعم فقلبه ‪-‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬متعلق بالهدف ‪ ،‬يحفر الخندق وهم‬
‫محاصرون خائفون قد أضَّر بهم زمهرير البرد ‪ ،‬وهو ينظر إلى قصور الشام‬
‫والمدائن واليمن ‪ ،‬أعرفت كيف ربى النبي أصحابه وفي أشد الصعاب جعل‬
‫ن الله ما كان مخلف وعده‬ ‫مفتاح النصر هو تعلق القلب بالهدف ‪ ،‬واليقين بأ َّ‬
‫رسله ‪ ،‬والثبات والصبر الذي هو ثمرة العتقاد الجازم ‪.‬‬
‫رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة‪،‬وبقية رجاله ثقات‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪6‬‬

‫(‪ : )2‬أن يعيش حياته طبقا ً لهدفه ‪.‬‬


‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ً‬
‫إذا كان السلم عزيزا عليكم ‪ ،‬وإذا كنتم قد جعلتموه هدفكم الذي‬
‫تعيشون من أجله ‪ ،‬وتموتون من أجله ‪،‬فيلزمكم أن تجعلوا علقاتكم‬
‫وأعمالكم ومشاغلكم اليومية تتفق وتتطابق مع السلم في حياتكم‬
‫العملية ‪ ،‬وأل يوجد بين معيشتكم وبين هدفكم أي نوع من التضارب أو‬
‫التضاد ‪.‬‬
‫إذا جعلت السلم هدفك ؛ فلن يكون هناك تضارب بين حياتك وبين‬
‫السلم إطلقا ً‬
‫ن الذين يعيشون اليوم باسم السلم‬ ‫أريدك إذا ً أن تعيش حياتك للسلم ‪ ،‬فإ َّ‬
‫ل يحتاجون مجرد إرشادهم ووعظهم وتذكيرهم ‪ ،‬وإصدار الصحف‬
‫والنشرات لهم ؛ بل يحتاجون من ينتشلهم من الجاهلية التي تضغط على‬
‫حسهم بالمر الواقع ؛ ليعيشوا السلم ‪ ،‬ليعيشوه حقيقة ل ليتمنوه ‪ ،‬ول‬
‫ليعجبوا به ‪ ،‬ول ليتكلموا عنه ‪ ،‬بل ليعيشوه ‪ ،‬نريد أن نعيش السلم ‪ ،‬نعيشه‬
‫عيشة حقيقية ‪ ،‬أن نعيش الحياة كما عاشها النبي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬كما رسمها لتا ‪ ،‬نعيش لله ‪ ،‬فالطعام والشراب للتقوي على طاعة‬
‫الله وعبادته ‪ ،‬وطلب الرزق للكفاف ‪ ،‬والزواج عفة وإحصان من غوائل‬
‫الشيطان ‪ ،‬وفي بضع أحدكم صدقة ‪ ،‬والخلق السمحة أصل في التعامل‬
‫مع الناس برهم وفاجرهم ‪،‬المسلم والكافر ‪ ،‬وعلو الهمة صفة لزمة ‪،‬‬
‫وطلب العلم من المهد إلى اللحد ‪ ،‬والعبادة قربة " اسجد واقترب "‬
‫فاستكثر من الوصال ‪ ،‬إنها حياة واقعية إلى أبعد حد ولكن الشيطان يثبطنا‬
‫عنها ويصعبها لنا ‪ ،‬فيطرد عن ذهنك إرادتها فاستعينوا بالله ول تعجزوا ‪،‬‬
‫فالمر بالله جد يسير ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ن يزيح من أمامه كل ما عارض هذا‬ ‫من علمات من يعيش وفق هدفه ‪ :‬أ ْ‬
‫الهدف ‪ ،‬إنها التصفية والتخلية ‪ ،‬لذلك قال حبيبك محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ع كما في صحيح مسلم ع ‪ " :‬أل إن كل شيء من أمر الجاهلية‬
‫تحت قدمي موضوع "‬
‫فإذا عشت السلم ‪ ،‬فكل ما يعارضه فتحت النعل ‪ ،‬لبد أن يكون المر‬
‫هكذا ‪ ،‬فل تنشغل بالترهات والشبهات التي ينفث بها أعداء السلم من حين‬
‫ما‬
‫لخر ‪ ،‬ول تستوقفك الدنايا مما يقع من سفاسف المور ‪ ،‬ول تُعر اهتما ً‬
‫بأصحاب الدنيا وخلنها ‪ ،‬ول تقع في وحل شهوة دنية ‪ ،‬وخذ المر بعزة‬
‫وكبرياء المؤمن ‪ ،‬قل لنفسك حينها ‪ :‬أ أقع في مثل درهم أو غانية ‪ ،‬تالله ما‬
‫ن هذا ليصدني عن السبيل وما كنت لذهب ديني وأضيع‬ ‫ت ؟ إ َّ‬‫لهذا خلق ُ‬
‫عمري ونفسي في مثل هذه الدنايا التي أربا بنفسي من الوقوع فيها ‪.‬‬
‫وهذا مثال واقعي ‪ :‬فالطالب المتفوق في دراسته تجده يقوم وينام على‬
‫هدفه أن يكون الول على دفعته ‪ ،‬فانظر لمثل هذا إن جاءه زميل ثرثار أو‬
‫جاءت فتاة تطلب منه أن يشرح لها كذا وكذا ليلة المتحان ‪ ،‬إنني ما أتصور‬
‫إل أنه سيغلق الباب أمامها أو ينهي الحديث معها سريعًا ‪ ،‬ويقول ‪ :‬كيف لي‬
‫أن أضيع مستقبلي من أجل هذا أو تلك ؟!!‬
‫وهذا أليق بك ع أيها المؤمن ع فمستقبلك معرض للخطر مع كثرة اللتفات ‪،‬‬
‫" فاترك البحر رهوًا " ‪ ،‬تجاوز تلك العقبات ‪ ،‬امض في سيرك ‪ ،‬وهذا‬
‫‪6‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪7‬‬
‫المعنى علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فعلمنا إذا صلينا أل‬
‫نتلفت بحواسنا ول بقلوبنا " و إذا قمتم إلى الصلة فل تلتفتوا فإن الله‬
‫عز و جل يقبل بوجهه على عبده ما لم يلتفت "‬
‫‪4‬‬

‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬الشهداء الذين يقاتلون في سبيل الله في‬
‫الصف الول و ل يلتفتون بوجوههم حتى يقتلوا فأولئك يلقون في الغرف‬
‫العل من الجنة يضحك إليهم ربك إن الله تعالى إذا ضحك إلى عبده المؤمن‬
‫فل حساب عليه"‬
‫‪5‬‬

‫فأعلى الناس منزلة عند الله أكثرهم استقامة على أهدافهم ‪ ،‬الذين ل‬
‫ن هذا السبيل سيقطع‬ ‫يلتفتون بوجوههم لي عارض ‪ ،‬وعلى هذا فكن فإ َّ‬
‫علينا من البداية الخوض في مشاكل كثيرة ‪ ،‬فبهذه العزيمة والهمة العالية‬
‫والعتزاز بالنتماء لهذا الدين ستتخلص من عقبات كثيرة ‪ ،‬كل منها قد يودي‬
‫بك ويقطع عنك السبيل إلى ربك لو تمهلت ونظرت فالتفتت فحذار حذار ‪‌ .‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫من علمات الحياة وفق الهدف ‪ :‬الستعداد الجاد والمراقبة‬
‫المستمرة‬
‫فهدف المسلم يحتاج إلى ذكاء ‪ ،‬يحتاج إلى مراقبة كل ما يصدر عنه من‬
‫حركات وأعمال ‪ ،‬ولبد له من إعداد العدة ‪ ،‬فللسبيل شروط للسير وقواعد‬
‫للمرور لبد من النضباط بها ‪.‬‬
‫ن يتواصى بعدة‬ ‫انظر ع على سبيل المثال ع من يريد أن يقوم الليل لبد أ ْ‬
‫أمور ‪:‬‬
‫يقول ابن الجوزي ‪ " :‬لقيام الليل شروط ظاهرة ‪ ،‬وشروط باطنة ‪.‬‬
‫أما الشروط الظاهرة ‪:‬‬
‫‪-1‬التقليل من الكل والشرب ما أمكن ‪.‬‬
‫( فالذي هدفه قيام الليل ل يمل معدته بكثير من الكل والشرب ‪ ،‬ويقول‬
‫أريد أن أقوم الليل ‪ ،‬ل يمكن أن تستطيع ذلك ‪ ،‬بل ربما ل تقوم للفجر ‪،‬‬
‫فلبد إذا ً أن تعيش حياتك لهدفك ولما تريد ) ‪.‬‬
‫‪2‬ع أل يرهق جسده بالنهار ‪3 .‬ع أن يستعين بالقيلولة ‪..‬‬
‫ثم يقول ابن الجوزي ‪ :‬وله شروط باطنة وهي ‪:‬‬
‫أولها ‪ :‬سلمة الصدر للمسلمين ‪ ( .‬فمثل ً ‪ :‬قد تغتاب إنسانًا فتحرم قيام‬
‫الليل شهرا ً )‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أن يكون عنده حب مقلق أو شوق مزعج ( فعندما تحب ربك ‪ ،‬فإنك‬
‫ستقوم له ‪ ،‬أو شوق مزعج ‪ ،‬فتشتاق للقاء الله ‪ ،‬فيزعجك الشوق فتقوم)‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ن هذا‬‫ل ‪ ،‬إ َّ‬
‫كذلك المسلم الذي يريد أن ينصر دينه ‪ ،‬صاحب هدف غا ٍ‬
‫الهدف النبيل يحتاج منك أن تراقب نشاطاتك ‪ ،‬فأي كلم ‪ ،‬أو أي حركات ‪،‬‬
‫أو أي سكنات تنافي السلم ؛ فيجب أن تتخلص منها ‪ ،‬وإل فإن النسان إن‬
‫لم يراقب حركاته وسكناته ؛ فإنَّه من الممكن أن يجد نفسه في هذه الدنيا‬

‫‪4‬‬
‫أخرجه المام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه والنسائي في سننه وابن حبان في‬
‫صحيحه والحاكم في المستدرك ‪ ،‬وصححه اللباني (‪ )1724‬في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪ 5‬اخرجه الطبراني في الوسط وصححه اللباني (‪ )3740‬في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪8‬‬
‫داخل شباك ‪ ،‬يبدو في الظاهر أنه يعيش ‪ ،‬إل أنه ع في الحقيقة ع قد انتحر ‪،‬‬
‫وقتل هدفه ‪.‬‬
‫إن الحياة الجميلة الطيبة هي أن تحيا لهدفك ‪ ،‬أن تعيش لله رب العالمين ‪،‬‬
‫" قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب‬ ‫قال الله تعالى ‪:‬‬
‫العالمين ل شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " نريدك أن‬
‫تعيش لله ‪ ،‬نريدك رجل ً بحق‬
‫قال عمر يوما ً لصحابه تمنوا ‪ ،‬فقال أحدهم ‪ :‬أتمنى ملء هذا البيت ذهباً‬
‫أنفقه في سبيل الله ‪ ،‬وقال الخر ‪ :‬أتمنى ملء هذا البيت عبيدا ً أحررهم لله‬
‫‪ ،‬وقال عمر ‪ :‬أما أنا فأتمنى ملء هذا البيت رجال ً مثل أبي عبيدة أستعملهم‬
‫في طاعة الله ‪.‬‬
‫ولما قدم عمر الشام فتلقاه أمراء الجناد فقال أين أخي أبو عبيدة فقالوا‬
‫يأتي الن فجاء على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه وساءله حتى أتى‬
‫منزله فلم نر فيه شيئا إل سيفه وترسه ورحله فقال له عمر لو اتخذت‬
‫متاعا قال يا أمير المؤمنين إن هذا يبلغنا المقيل ‪ .‬أي يبلغنا الجنة ‪.‬‬
‫هذا هو هدفك ‪ ..‬أن تصل للجنَّة ‪ ،‬وبعد ذلك انتهى كل شيء ‪ ،‬وليكن شعارك‬
‫‪ ( :‬ما لي وللدنيا ‪ ،‬ما أنا في الدنيا إل كراكب استظل بظل شجرة ثم راح‬
‫وتركها ) ‪ ،‬نعم أن يعيش حياته طبقا ً لهدفه ‪.‬‬

‫(‪ : )3‬وجود روح الهدف ‪:‬‬


‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ما أحوجنا لوجود روح الهدف في العمل ‪ .‬إن لكل قول حقيقة ‪ ،‬فهناك فرق‬
‫كبير بين العمل الذي يخرج حقيقة من خلل عاطفة الدعوة لدين الله ‪ ،‬وبين‬
‫العمل الذي يتم بصورة تقليدية ‪ ،‬أو مجرد أداء الواجب ‪ ،‬نعم إننا في هذا‬
‫العصر قد رضينا بعبادات قد تحولت إلى عادات ‪ ،‬صرنا نؤدي الصلة بطريقة‬
‫ن الله يريد‬‫روتينية ‪ ،‬نحتاج إلى وجود روح ‪ ،‬نحتاج إلى حماسة القلب ‪ ،‬فإ َّ‬
‫منا شعورنا الحي ‪ ،‬وإرادتنا الواعية ‪.‬‬
‫في صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬عع إن الله تعالى ل ينظر‬
‫و أموالكم و لكن إنما ينظر إلى قلوبكم و‬ ‫إلى صوركم‬
‫أعمالكم "‬
‫ن القلب محل نظر الرب ‪ ،‬فيا عجباً‬ ‫وفي الحديث إشارة واضحة إلى أ َّ‬
‫خلْق فيغسله وينظفه من القذر والدنس‬ ‫ممن يهتم بوجهه الذي هو نظر ال َ‬
‫َ‬
‫ويزينه بما أمكن لئل يط ّلع فيه مخلوق على عيب ‪ ،‬ول يهتم بقلبه الذي هو‬
‫محل نظر الخالق فيطهره ويزينه لئل يطلع ربه على دنس أو غيره فيه ‪.‬‬
‫ن الله ل يستجيب دعاء من قلب‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم " و اعلموا أ َّ‬
‫‪6‬‬
‫غافل له …‪".‬‬
‫فل يعبأ بسؤال سائل غافل عن الحضور مع موله مشغوف بما أهمه من‬
‫دنياه ‪ ،‬فالله يريد منك قلبك وروحك ؛ أن يكون في العمل روح ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪ ..‬ليست الضجة الشكلية للعمل هي المطلوبة ‪ ،‬قال الله ع تعالىع ‪" :‬‬
‫لن ينال الله لحومها ول دماؤها ولكن ينالها التقوى منكم "‬

‫أخرجه الترمذي في جامعه والحاكم في المستدرك وحسنه اللباني (‪ )245‬في صحيح الجامع ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪8‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪9‬‬
‫ينبغي أثناء العمل أن تتحرك مشاعرنا بقدر ما تعتلج هذه العمال في‬
‫مكنونات نفوسنا ‪ ،‬الغذاء الحسي الذي تناله قلوبنا وأرواحنا هو هدفنا‬
‫الساسي ‪ ،‬حين ينبض الهدف بالحياة ؛ يصبح العمل حيا ً ‪ ،‬وحين يموت‬
‫الهدف يصبح العمل إجراءا ً ل روح فيه ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫إن مجرد فهم النسان للهدف واطمئنانه بصحته عقل ً إنما هو خطوة‬
‫البداية بسلوك هذا الطريق ‪ ،‬وهي وحدها ل تسمن ول تغني من جوع ‪ ،‬إل‬
‫أن يكون في قلبك ناٌر متقدة لنصرة الدين ‪ ،‬تكون على القل في ضرامها‬
‫مثل تلك النار التي توجد في قلب أحدكم حين يجد ابنا ً له مريضا ً ‪ ،‬فل يدعه‬
‫حتى يسرع به إلى الطبيب ‪ ،‬المة مريضة ‪ ،‬إنني أريد أن توقد في قلوبكم‬
‫نار ‪ ،‬نار السلم ‪ ،‬الغيرة على السلم وللسلم ‪ ،‬هذه النار تأكل مشاغلكم‬
‫عن السلم ‪ ،‬وكما قالوا ‪ :‬حب الله ‪ :‬ناٌر في القلب تأكل كل ما سوى‬
‫المحبوب ‪ ،‬نعم ناٌر تأكل كل ما سوى الهدف ‪.‬‬

‫ثانيًا ‪ :‬واقع المسلمين ورصد للظواهر السلبية‬


‫(‪ )1‬الخلل في التكوين العتقادي السليم‬
‫من أخطر الظواهر السلبية في حياة المسلمين اليوم ‪ ،‬ظاهرة "‬
‫الخلل العتقادي " فتجد عقائد فاسدة ‪ ،‬وإيمان متذبذب ‪ ،‬وعقيدة يتشدق‬
‫بها كثيرون ول أثر لها في الواقع ‪ ،‬وشركيات خطيرة يقع فيها السواد‬
‫العظم من المسلمين ‪ ،‬فل زلنا نعاني من " شرك القبور " ول زلنا نسمع‬
‫في شوارع المسلمين سبًا لله وللرسول وللدين ‪ ،‬ول يزال شرع الله‬
‫شا ل يتحاكم إليه في أغلب بلد المسلمين ‪ ،‬وأغلب الناس يقع في‬ ‫مهم ً‬
‫دّث ول حرج ‪ ،‬فنوالي للمصلحة‬ ‫ما الولء والبراء فح ِ‬‫عقيدة القضاء والقدر ‪ ،‬أ َّ‬
‫ن كان من أشد أعداء الدين ‪ ،‬ونعادي من ل‬ ‫الشخصية والنتماء القومي وإ ْ‬
‫ن كان من أولياء الله‬ ‫يوافقنا في طريقتنا ‪ ،‬ومن يخالف مصالحنا وإ ْ‬
‫الصالحين ‪.‬‬
‫م بصورة‬ ‫إنَّه غياب الوعي بحقيقة التوحيد ‪ ،‬فليس المهم أن تل َّ‬
‫التوحيد فحسب ‪ ،‬فإسلم الكلمة سرعان ما يزول أو يذوب عند أول فتنة ‪،‬‬
‫خا تصدقه‬ ‫بل أن تعي حقيقة التوحيد فينتج هذا الوعي إيمانًا قلبيًا راس ً‬
‫العمال الصالحة الظاهرة ‪ ،‬والخلل في هذا الجانب هو السبب الحقيقي‬
‫وراء هذه الظاهرة الخطيرة ‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫‪9‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪10‬‬
‫المسلم المعاصر يواجه تحديًا عقديًا رهيبًا ‪ ،‬وتيارات عاصفة من‬
‫م سبيل سوى أن يعي المسلم حقائق الحياة بصورة‬ ‫الشبهات ‪ ،‬وليس ث َّ‬
‫و البصيرة و حوافز العمل و‬ ‫صحيحة ‪ ،‬فتتفتح أمامه منافذ البصر‬
‫التحدي ليكون أقدر على الثبات في مجال الصراع و الغراء ‪0‬‬
‫هذا الوعععي المنشود يجعععل المسععلم يفهععم معنععى اليمان و حقائق السععلم‬
‫فيرتبط العمل بمرضاة الله و يقيم المسلم سلوكه على هدى شريعة الله ‪،‬‬
‫و يهذب المسعلم عواطفعه حتعى ل يندفعع فعي حعب الفتنعة و مظاهعر الفسعاد ‪،‬‬
‫فالوعي ميزة مهمة للمة تنمو بنمو اليمان و عمقه في نفس المسلم ‪ ،‬و‬
‫تزداد بتزايد يقظة الوجدان الذي يراقب الله سبحانه ‪ ،‬و يظل ينظر إلى يوم‬
‫الديععن و يحسععب حسععاب الخرة ‪،‬و تتوسععع مععع توسععع العلم و المعرفععة و‬
‫التجربة‬
‫ولتدارك هذا الخلل لبد من رصد السباب التي أدت إليه‬

‫أسباب الخلل العتقادي في المجتمع السلمي‬


‫(‪ )1‬الغزو الثقافي و تيارات التبشير والتغريب‬
‫فمنذ ف شل الحملت الصليبية تغيرت اسعتراتيجية الصراع بيعن الغرب الكافر‬
‫والشرق السلمي ‪ ،‬وتحول إلى الميدان الثقافي والفكري ‪.‬‬
‫وقسسد ظهرت وثيقسسة خطيرة للويسسس التاسسسع ملك فرنسسسا وقائد‬
‫الحملة الصليبية الثامنة التي منيت بالفشل أشار فيها إلى أنَّه ل سبيل‬
‫نّع تدينهعم بالسعلم‬‫إلى النصعر على المسعلمين ععن طريعق القوة الحربيعة ؛ ل َ‬
‫ن السبيل الناجع‬ ‫يدفعهم إلى المقاومة والجهاد صونًا لدينهم وأعراضهم ‪ ،‬وأ َّ‬
‫هو ‪ :‬تطوير التفكير السلمي وترويض المسلمين عن طريق الفكر بدراسة‬
‫ثقافتهعععم على يعععد العلماء الوربييعععن ليأخذوا منهعععا السعععلح الذي نغزو بعععه‬
‫المسلمين مستقبل ً ‪.‬‬
‫وتبنعى هذا التجاه جماععة معن المسعتشرقين والمبشريعن ‪ ،‬وعمعد هؤلء إلى‬
‫تشكيعك المسعلمين فعي دينهعم ‪ ،‬وإبعادهعم ععن مبادئه ‪ ،‬وتفتيعت وحدتهعم ‪،‬‬
‫وتهيئة أذهانهم لقبول الفكر الغربي تمهيدًا للغزو العسكري ‪.‬‬
‫وتحرك هؤلء يدفعهم حقد دفين تجاه السلم والمسلمين حتى قال قائلهم (وليم‬
‫" متسى توارى القرآن ومدينسة مكسة عسن بلد العرب ‪،‬‬ ‫جيفورد ) ‪:‬‬
‫ن نرى العربسي يتدرج فسي سسبيل حضارتنسا التسي لم‬ ‫ذ أ ْس‬
‫يمكننسا حينئ ٍ‬
‫يبعده عنها إل محمد وكتابه "‪.‬‬
‫وانتشرت البعثات التبشيريعععة فعععي أرجاء العالم السعععلمي ورصعععدت لهعععا‬
‫المليارات مععن الدولرات ‪ ،‬وافتتحععت المدارس التبشيريععة فععي كععل مكان ‪،‬‬
‫وشجعععت البعثات العلميععة مععن أبناء الدول السععلمية إلى الدول النصععرانية‬
‫الغربية ‪.‬‬
‫وقععد ذكععر السععتاذ محمععد الصععواف فععي كتابععه "المخططات السععتعمارية‬
‫ن " تحت سلطة التبشير والمبشرين أكثر من ‪ 500‬جامعة‬ ‫لمكافحة السلم " أ َّ‬
‫ن عدد الذيععن يشرف عليهععم المبشرون فععي توجيههععم‬ ‫ومعهععد وكليععة ‪ ،‬وأ ّععَ‬
‫وتعليمهعم معن أبناء المسعلمين أكثعر معن ‪ 5‬مليون و حوالي ‪ 200‬ألف " وهذه‬
‫الحصائية في السبعينيات من القرن الماضي فلعلها الن أضعاف مضاعفة‬
‫وعقدت المؤتمرات التبشيريعة ووضععت المخططات كمعا نطعق بهعا القسعيس‬
‫ن النصارى ليسوا أعداءً لهم ‪،‬‬ ‫" زويمر " الذي قال ‪ :‬يجب إقناع المسلمين بأ َّ‬
‫‪10‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪11‬‬
‫نّع الشجرة لبعد أن يقطعهعا‬ ‫نع يتبنعى التبشيعر رجال معن الم سلمين ل َ‬ ‫وينبغعي أ ْ‬
‫أحعد أعضائهعا ‪ ،‬ول يجعب أن يتسعرب اليأس إلى المبشريعن إذا كانعت النتائج‬
‫ضعيفة في البداية "‬
‫بل ودخلت النساء الوربيات مجال التبشير لتنصير النساء المسلمات ‪.‬‬
‫وإذا كان التبشير لم ينجح في تنصير المسلمين فإن َّه ع بل ريب ع ساعد على‬
‫تخلي المسلمين عن عقائدهم ومبادئ دينهم ‪ ،‬وخلق أجيال مستهترة بالقيم‬
‫الدينيععة ‪ ،‬وهذا هععو الهدف السععاسي الذي سعععى له الغرب ‪ ،‬يقول القععس‬
‫زويمر في مؤتمر للمبشرين ‪:‬‬
‫" مهمسسة التبشيسسر التسسي ندبتكسسم دول النصسسرانية للقيام بهسسا فسسي‬
‫البلد المحمديسة ‪ ،‬ليسس هسو إدخال المسسلمين ي النصسرانية ‪ ،‬فإ َّس‬
‫ن‬
‫ن تخرجوا المسلم‬ ‫ما ‪ ،‬وإنما مهمتكم أ ْ‬ ‫في هذا هداية لهم وتكري ً‬
‫قا ل صلة له بالله " ‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫من السلم ليصبح مخلو ً‬
‫وعلى نفعس المنوال سعارت حركعة السعتشراق ‪ ،‬فعملت على تشويعه صعورة‬
‫السععلم وحجععب محاسععنه عععن الشعوب النصععرانية للحيلولة بينهععم وبيععن‬
‫الدخول فيعه ‪ ،‬وعمدوا إلى تفتيعت الوحدة السعلمية ‪ ،‬وتحطيعم المقاومعة عع‬
‫كمعا هعو الحال اليوم عع وقاموا بتثعبيط همعة المسعلمين ‪ ،‬وصعرف أنظارهعم‬
‫إلى متع الحياة ليشتغلوا بها عن الجهاد في سبيل الله ودفع الغزاة ‪ ،‬وقاموا‬
‫بدراسعة الشخصعية السعلمية بقراءة متعمقعة فعي تراث المسعلمين ‪ ،‬وعملوا‬
‫على إضعاف روح الخاء السلمي بين المسلمين في مختلف القطار ‪.‬‬
‫ومن بعدها تفشت تيارات التغريب في البلد السلمية ‪ ،‬ودعوا إلى أن يسير‬
‫المسلمون سيرة الغربيين ويسلكوا مسلكهم في حياتهم بالفكر الغربي بكل‬
‫نظمه وتقاليده وعاداته وتصوراته ‪ ،‬وعمد ت تلك التيارات إلى زعزعة الثقة‬
‫ن تخلف المسعلمين معن جراء‬ ‫بيعن الشباب المسعلم فعي دينهعم ‪ ،‬والزععم بأ َّع‬
‫اعتقاداتهعم الباليعة ‪ ،‬فركزوا جهودهعم فعي تفريعغ العقعل والقلب المسعلم معن‬
‫القيعم السعلمية المسعتمدة معن التوحيعد واليمان بالله ‪ ،‬ودفعع هذه القلوب‬
‫عاريععة أمام عاصععفة هوجاء تحمععل معهععا السععموم عععن طريععق التعليععم‬
‫والصعحافة والكتابعة والسعينما والمسعرح وبيوت الزياء ‪ ،‬وللسعف نجحوا فعي‬
‫م خرج هذا الجيععل المنهزم نفسععيًا والذي حمععل‬ ‫ذلك إلى حععد بعيععد ‪ ،‬ومععن ث ّعَ‬
‫معول الهدم فععي صععرح المجتمععع السععلمي ‪ ،‬وسععار بالمععة تحععت شعارات‬
‫فارغعة كالتقدم والمدنيعة والحضارة ‪ ،‬ول هعي تقدمعت ول هعي تمدنعت وإن َّعما‬
‫صارت بل هوية ‪ ،‬فل دين ول ثقافة ول علم ‪ ،‬وإنَّما تبعية للغرب الكافر ‪.‬‬
‫لتتبععن سعنن الذيعن معن‬ ‫وصعدق رسعول الله صعلى الله عليعه وسعلم ‪" :‬‬
‫قبلكم شبرا بشبر أو ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قالوا‬
‫فمن ؟ "‬ ‫‪ :‬اليهود و النصارى ؟ قال ‪:‬‬
‫ضا‬
‫من أسباب الخلل العتقادي أي ً‬
‫(‪)2‬انتشار العقائد الفاسدة على يد المبتدعة‬
‫فمن ذلك ‪ :‬انتشار " عقيدة الجبر" رغم بعدها عن عقيدة السلم الصافية ‪،‬‬
‫وكان انتشار هذه الفكرة بيعن المسعلمين فعي عصعور النحطاط والبععد ععن‬
‫صععفاء العتقاد الذي كان عهععد السععلف الصععالح ‪ ،‬وأدى ذلك لشاعععة روح‬
‫التواكل والكسل ‪ ،‬والقعود عن العمل ‪ ،‬وأنت ل زلت تسمع من عامة النَّاس‬
‫أننا مسيرون ل مخيرون ‪.‬‬
‫‪217‬‬ ‫المخططات الستعمارية ع محمد الصواف ع ص‬ ‫‪7‬‬

‫‪11‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪12‬‬
‫ومععن ذلك ‪ :‬انحراف التصععوف ونشره للبدع ‪ ،‬لسععيما فععي عصععر التصععوف‬
‫الفلسعععفي ورواج مذاهعععب " وحدة الوجود " و " الحلول والتحاد " و"فكرة‬
‫الظاهعر والباطعن " و"إسعقاط التكاليعف الشرعيعة " وهعي الفكار التعي ل زال‬
‫كثيعر معن المسعلمين يؤمعن بهعا ‪ ،‬فأنعت تراهعم يصعورون الحلج المقتول ردة‬
‫على أن َّعه شهيعد السعتبداد ‪ ،‬ول زالوا يعظمون معن قدر شخعص كابعن عربعي‬
‫القائل بوحدة الوجود ‪ ،‬ويرى السععاسة إلى يومنععا هذا أ ّععَ‬
‫ن الصععوفية أفضععل‬
‫التيارات والتجاهات السعلمية لن َّعها تدععو إلى التعامعل معع الحداث بسعلبية ‪،‬‬
‫ل فقععد نبتععت البدع والخرافات ‪ ،‬وظهرت الطرق‬ ‫وتدعععو للتواكععل ‪ ،‬وعلى ك ٍ‬
‫الصعوفية التعي انحدرت إلى هوة سعحبقة ‪ ،‬وةل تزال البلد السعلمية تشهعد‬
‫أنواع ًعا معن الشرك العلنعي بتعظيعم قبور الصعالحين ‪ ،‬والتوسعل إليهعم ‪ ،‬وشعد‬
‫الرحال إلى قبورهم ‪.‬‬
‫(‪ )3‬انتشار الجدل الكلمي‬
‫فمعع ظهور الفرق المحدثعة كالخوارج والشيععة والمرجئة والقدريعة ونحوهعم ‪،‬‬
‫دار جدل كعععبير حول مسعععائل العتقاد ‪ ،‬نععععم اندرسعععت أغلب هذه الفرق‬
‫بمسعمياتها القديمعة ‪ ،‬لكعن معن ورائهعا قضايعا ومشكلت عقديعة مزعومعة ‪،‬‬
‫كالبحعث فعي صعفات الله تعالى هعل هعي عيعن الذات أو غيعر ذلك ؟ وتوارث‬
‫الجيال هذه المسعائل ‪ ،‬وصعارت تدرس إلى يومنعا هذا فعي كثيعر معن جامعات‬
‫ن خروج هذه البدع شغععل المسععلمين بمشاكععل‬ ‫ومعاهععد المسععلمين ‪ ،‬و ‪ :‬أ ّععَ‬
‫ن عقيدة السععلف أسععلم وعقيدة‬ ‫عقديععة مزعومععة ‪ ،‬وصععار هناك مععن يرى أ ّ عَ‬
‫الخلف أعلم ‪ ،‬وليتهعم رضوا بالسعلمة ‪ ،‬وردوا المعر إلى معا كان عليعه النعبي‬
‫صعلى الله عليعه وسعلم وأصعحابه ‪ ،‬إذن لذهبعت كثيعر معن تلك الجدليات هباءً‬
‫منثوًرا ‪ ،‬ولصفا للنَّاس اعتقادهم ‪ ،‬فهذا أصحاب المذاهب العقلية يقولون بعد‬
‫طول بحعث فعي مسعائل علم الكلم ‪ :‬ولم نسعتفد معن علمنعا طول عمرنعا إل‬
‫قيل وقالوا ‪.‬‬
‫من السباب التي أدت لهذا الخلل العتقادي في بنية المجتمع السلمي‬
‫(‪ )4‬انحراف رجال الدين وانفصام العمل عن العلم‬
‫المعر الذي أذاع روح الشعك والريبعة فعي صعدور كثيعر معن المسعلمين ‪،‬‬
‫وجعلهعم يعيدون النظعر فعي كعل شيعء ‪،‬حتعى فعي معتقداتهعم ‪ ،‬فقعد ظهعر بيعن‬
‫علماء المسععلمين مععن يقول مععا ل يفعععل ‪ ،‬ومععن صععار الديععن عنده كجملة‬
‫الصعناعات التعي يتكسعب معن ورائهعا ‪ ،‬فانحرفوا ععن روح السعلم ‪ ،‬وفصعلوا‬
‫بيععن العقيدة والعمععل ‪ ،‬وانصععرفوا إلى الجدل ‪ ،‬والمناقشععة فععي الجزئيات‬
‫والفروع ‪ ،‬وتملق الولة والحكام ‪ ،‬وجعلوا الدين مطية للدنيا ‪.‬‬
‫وقد أخبر الصادق المصدوق ع كما في الصحيحين وغيرهما ع عن ذلك‬
‫فقال‪ :‬ع" إن الله تعالى ل يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد و لكن يقبض‬
‫سا جهال فسئلوا‬ ‫العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءو ً‬
‫فأفتوا بغير علم فضلوا و أضلوا "‬
‫وهذا تحذيعر معن ترئيعس الجهلة ‪ ،‬وذم معن يقدم عليهعا بل علم ‪ ،‬فل شيعء‬
‫ن الخلل‬ ‫أوجب على المة من رعاية أحوال المتصدين للرياسة بالعلم ‪ ،‬فم ْ‬
‫بها ينتشر الشر ‪ ،‬ويكثر الشرار ‪ ،‬ويقع بين الناس التباغض والتنافر‬
‫(‪ )5‬القهر واستبداد بعض الحكام‬
‫ن الضرب بيععد مععن حديععد للتجاهات الدينيععة كان مععن شأنععه‬ ‫ل شععك أ ّعَ‬
‫الحيلولة بين كثير ممن يودون اللتزام بشريعة السلم وبين دينهم ‪ ،‬فتربى‬
‫‪12‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪13‬‬
‫الكثيعر على المداهنعة والمداراة وإيثار السعلمة والخوف معن كعل معا سعوى‬
‫الله تبارك وتعالى ‪ ،‬وركب آخرون الموجة فباع دينه موالة للطغاة ‪ ،‬ومن‬
‫شأن هذا أن يحدث خلل عميقًععا فععي البناء العتقادي للمجتمععع ‪ ،‬ل ّعَ‬
‫ن اليقيععن‬
‫يتزعزع ‪ ،‬ويوالى أعداء الله تعالى ‪ ،‬ويتأول الدين لهواء المراء ‪.‬‬
‫وقعد قال النعبي صعلى الله عليعه وسعلم ‪ " :‬الئمعة معن قريعش ‪ ،‬أبرارهعا أمراء‬
‫أبرارهعا ‪ ،‬و فجارهعا أمراء فجارهعا ‪ ،‬و إن أمرت عليكعم قريعش عبدا حبشيعا‬
‫مجدععا فاسعمعوا له و أطيعوا معا لم يخيعر أحدكعم بيعن إسعلمه و ضرب عنقعه‬
‫ن خير بين إسلمه و ضرب عنقه فليقدم عنقه "‬
‫‪8‬‬
‫فإ ْ‬
‫فإذا صعلح الناس وبروا وليهعم الخيار ‪ ،‬وإذا فسعدوا وفجروا وليهعم الشرار ‪،‬‬
‫فكما تكونوا يولى عليكم ‪ ،‬والدين هو لحمك ودمك وهدفك في الحياة ع كما‬
‫قدمنا ع فل يباع الدين بعرض من الدنيا زائل ‪ ،‬ول طاعة لمخلوق في معصية‬
‫الخالق بحال ‪.‬‬
‫" أتخشونهعم فالله أحعق أن تخشوه " فخاف الناس معن قهعر الطغاة ‪ ،‬ولم‬
‫يستعينوا بربهم على أمرائهم ‪ ،‬فلما ذلوا لهم وخضغوا لهم وخافوا منهم أكثر‬
‫مععن خوفهععم بربهععم ‪ ،‬وكلهععم الله إلى أنفسععهم ‪ ،‬وأعرض عنهععم ‪ ،‬وأذاقهععم‬
‫ما فسعد اعتقادهعم بعه جعل وعل ‪،‬‬ ‫العذاب الهون ‪ ،‬وخوفهعم معن كعل شيعء ‪ ،‬ل َّع‬
‫واليام خير دليل فاعتبروا يا أولي البصار ‪.‬‬

‫المل المنشود في إعادة البناء العتقادي‬


‫السليم‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫هذا بعض من كل ‪ ،‬وغيض من فيض من جملة السباب التي تسببت‬
‫في إحداث الخلل في البناء العتقادي السليم للمة السلمية ‪.‬‬
‫ن نقف أمام المل المنشود في إعادة صياغة هذا البناء كما كان‬ ‫وبقي أ ْ‬
‫ن يوجد فينا " رجل العقيدة " الشامخ بأنفه ‪ ،‬المعتز‬ ‫خا قويًا ‪ ،‬نحتاج أ ْ‬‫راس ً‬
‫بانتمائه لهذا الدين ‪ ،‬الذي يعمل له آناء الليل وأطراف النهار ‪ ،‬وإيجاد هذا‬
‫النموذج الفريد يحتاج منَّا أن نعود للنبع الصافي الذي كان ‪ ،‬نعود إلى العصر‬
‫الذهبي للسلم ‪ ،‬عصر النبوة والخلفة الراشدة ‪ ،‬ونربي أجيالنا القادمة كما‬
‫ربى النبي أصحابه ‪ ،‬نزرع فيهم اليقين برب العالمين ‪ ،‬والعزة بهذا الدين ‪،‬‬
‫وننصب أمام أعينهم نماذج السوة والقدوة من سلفنا الصالح ‪ ،‬نحصنهم‬

‫‪ 8‬أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وتعقبه الذهبي فقال‪ :‬منكر ‪ ،‬لكن صححه اللباني (‬
‫‪ )2757‬في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪14‬‬
‫بكتاب الله تعالى قراءة وحفظًا ومدارسة وتدبًرا ‪ ،‬نجعل معينهم الذي ل‬
‫ينضب ورودهم عليه من مشكاة سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬نعلمهم‬
‫حب النبي و الصحابة ‪ ،‬نربط قلوبهم استعانة وتوكًل على الله عز وجل ‪.‬‬
‫انظر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يربي ابن عمه " عبد الله‬
‫بعن عباس " وهعو بععد غلم صعغير فيقول له فعي نصعيحة غاليعة ‪ :‬ععع " يعا غلم‬
‫!! إنعي أعلمعك كلمات احفعظ الله يحفظعك ‪ ،‬احفعظ الله تجده تجاهعك ‪ ،‬إذا‬
‫و اعلم أن المععة لو‬ ‫سععألت فاسععأل الله ‪ ،‬و إذا اسععتعنت فاسععتعن بالله ‪،‬‬
‫اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه الله لك ‪ ،‬و لو‬
‫اجتمعوا على أن يضروك بشيععء لم يضروك بشيععء إل قععد كتبععه الله عليععك‬
‫القلم ورفعت الصحف "‬ ‫جفت‬
‫هذا الحديعث فيعه كعل معا يمكعن أن ندندن حوله ‪ ،‬إذ يتضمعن وصعايا عظيمعة‬
‫م أمور الديععن‪ ،‬حتععى قال بعععض العلماء‪ :‬تدبرت هذا‬ ‫وقواعععد كليععة مععن أه ّعع‬
‫الحديعث فأدهشنعي وكدت أطيعش‪ ،‬فوا أسعفا معن الجهعل بهذا الحديعث وقلة‬
‫التفهم لمعناه‪.‬‬
‫انظر إلى هذه التربية اليمانية الخالصة ‪:‬‬
‫" احفظ الله "‬
‫‪)1‬ربط القلوب بعلم الغيوب ‪.‬‬
‫‪)2‬مراقبة الله تعالى في السر والعلن ‪.‬‬
‫ل‪ " :‬واعلموا أن الله يعلم مععا فععي أنفسععكم فاحذروه "‬ ‫قال الله عّز وج ّ‬
‫]‬ ‫‪235‬‬ ‫[ البقرة ‪-‬‬
‫ن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئول‬ ‫وقال جل وعل ‪ " :‬إ َّ‬
‫"‬
‫و قال صعلى الله عليعه وسعلم ‪ " :‬اسعتحيوا معن الله تعالى حعق الحياء معن‬
‫استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس و ما و عى و ليحفظ البطن و‬
‫ما حوى و ليذكر الموت و البل ‪"..‬‬
‫‪9‬‬

‫‪)3‬امتثال الوامر واجتناب المناهي ‪ ،‬كمال الخضوع والذل والحب شرط‬


‫وهذه هو ( توحيد اللوهية )‬ ‫ذلك ‪.‬‬
‫" يحفظك "‬
‫‪ )4‬الله ربك وخالقك ‪ ،‬وشأن الرب أن يرعى ربيبه ويحفظه ‪ ،‬فالله أحق‬
‫بالتعظيععم والمودة والجلل والخضوع والذل مععن أبيععك الذي يرعاك ‪.‬‬
‫( توحيد الربوبية )‬
‫‪ )5‬الطريعق موحشعة ‪ ،‬والزاد قليعل ‪ ،‬والصععاب كثيرة ‪ ،‬فقعل معن ينجعو ‪،‬‬
‫وليعس إل حفعظ الله للعبعد فعي دينعه وإيمانعه فيحفظعه فعي حياتعه معن‬
‫الشبهات المضلة ومن الشهوات المحّرمة‪ ،‬ويحفظ عليه دينه عند موته‬
‫فيتوفاه على اليمان ‪.‬‬
‫في الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬أنه‬
‫أمره أن يقول عنععد منامععه‪ " :‬إن قبضععت نفسععي فارحمهععا‪ ،‬وإن أرسععلتها‬
‫فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين "‬

‫‪ 9‬أخرجه المام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه والحاكم في المستدرك والبيهقي في‬
‫سننه وحسنه اللباني (‪ )935‬في صحيح الجامع ‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪15‬‬
‫م‬
‫وفي حديث عمر‪ :‬أن النبي صلى الله عليه و سلم علمه أن يقول‪ :‬الله ّ‬
‫احفظنعي بالسعلم قائماً‪ ،‬واحفظنعي بالسعلم قاعداً‪ ،‬واحفظنعي بالسعلم‬
‫راقداً‪ ،‬ول تطمع في عدوا ً ول حاسداً ‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫وكان النبي صلى الله عليه وسلم يودع من أراد سفرا ً فيقول ‪ " :‬استودع‬
‫الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك "‬
‫‪11‬‬
‫وقال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬إن الله إذا استودع شيئا ً حفظه "‬
‫فتتعلم الناشئة صدق اللجأ والخبات وهذه من " أعمال القلوب "‬
‫" احفظ الله تجده تجاهك "‬
‫‪ )6‬زرع محبعة الله فعي القلوب ‪ ،‬فالله ذو الجلل والجمال والكمال ‪ ،‬لله‬
‫السعماء الحسعنى والصعفات العلى ‪ ،‬معن تقرب منعه شعبًرا تقرب منعه‬
‫باع ًعا ‪ ،‬ومعن أتاه يمشعي أتاه هرولة ‪ ،‬فحري بعك أن تحبعه ‪ ،‬وإذا أحببتعه‬
‫أطعته وإذا أطعته لم يخذلك ‪ ،‬فكن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد ‪.‬‬
‫( توحيد السماء والصفات )‬
‫‪ )7‬اليمان بمعيعة الله الخاصعة لوليائه " إن الله معع الذيعن اتقوا والذيعن‬
‫هم محسنون "‬
‫قال قتادة‪ :‬معن يتعق الله يكعن مععه‪ ،‬ومعن يكعن الله مععه فمععه الفئة التعي ل‬
‫تغلب ‪ ،‬والحارس الذي ل ينام ‪ ،‬والهادي الذي ل يضل‪.‬‬
‫ن يربععى الغلم على الخوف مععن الجليععل وحده ‪ ،‬ورجاء مععا‬ ‫ويقتضععي ذلك أ ْ ع‬
‫عنده منععه وحده ‪ ،‬فإن كان الله معععك فمععن تخاف ؟ وإن كان عليععك فمععن‬
‫ترجو ؟‬
‫ضا أن يربى الولد على النس بالله وحده ‪.‬‬ ‫ومن ثمرة ذلك أي ً‬
‫روي عن نبهان الحمال أنه دخل البرية وحده على طريق تبوك‪ ،‬فاستوحش‬
‫فهتف به هاتف‪ :‬لم تستوحش أليس حبيبك معك ؟‪.‬‬
‫وقيعل لبعضهعم‪ :‬أل تسعتوحش وحدك ؟ فقال‪ :‬كيعف أسعتوحش وهعو يقول‪ :‬أنعا‬
‫جليس من ذكرني‪.‬‬
‫وقيل لخر‪ :‬نراك وحدك ؟ فقال‪ :‬من يكن الله معه كيف يكون وحده ؟‪.‬‬
‫وقيعل لخعر‪ :‬أمعا مععك مؤنعس؟ قال بلى‪ ،‬قيعل أيعن هعو ؟ قال أمامعي ومععي‬
‫وخلفي وعن يميني وعن شمالي وفوقي‪.‬‬
‫" تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة "‬
‫‪)8‬الدنيععا دار ابتلء فتعرف على الله تعالى فععي الرخاء ليكععن لك سععندًا‬
‫( السنن الكونية )‬ ‫وقت الشدة ‪.‬‬
‫م إل ميعل القلب‬ ‫‪ )9‬القلوب متقلبعة ضعيفعة ‪ ،‬والفتعن خطافعة ‪ ،‬وليعس ث َّع‬
‫إليعه بالكليعة والنقطاع إليعه والنعس بعه والطمأنينعة بذكره والحياء منعه‬
‫والهيبة له ‪.‬‬
‫" إذا سألت فاسأل الله"‬
‫‪)10‬الفقعر هعي أهعم خصعائصك ‪ ،‬ومعا عرف الله بشيعء مثلمعا عرف بشدة‬
‫الحتياج إليه ‪.‬‬

‫‪ 10‬أخرجه ابن حبان في صحيحه‬


‫‪ 11‬أخرجه ابن حبان في صحيحه ‪ ،‬والبيهقي في سننه ‪ ،‬وصححه اللباني (‪ )1708‬في صحيح‬
‫الجامع ‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪16‬‬
‫‪ )11‬وهذه حقيقة العبادة لتضمن المسألة الخضوع والذل والرجاء والحب‬
‫واليقيعن بمعا عنعد الله ومشاهدة لسعمائه الحسعنى فأنعت ل تسعال إل "‬
‫" المعطي المانع " " الضار النافع "‬ ‫الغني " " الملك " " المنعم "‬
‫‪)12‬وهععو أصععل فععي معاملة الخلئق ‪،‬فل تسععال النَّاس شيئًا فيحبونععك ‪،‬‬
‫ويصلح ما بينك وبينهم ‪.‬‬
‫‪)13‬تحقيعععق معنعععى قول ل حول ول قوة إل بالله‪ ،‬فإن المعنعععى ل تحوّل‬
‫للعبعععد معععن حال إلى حال ول قوة له على ذلك إل بالله ( التعععبرؤ معععن‬
‫الحول والقوة )‬
‫" إذا استعنت فاستعن بالله "‬
‫‪ )14‬النقصععان وصععف لزم لبنععي آدم ‪ ،‬واحتياجععك لغيرك شرط لصععلح‬
‫الرض ‪ " ،‬ولول دفعع الله الناس بعضهعم ببععض لفسعدت الرض " ‪ ،‬فل‬
‫تغتر بسبب عن مسبب السباب ‪.‬‬
‫‪ )15‬حقيقة الخذلن أن تفتقر إلى فقير ‪ ،‬وأن يكلك الغني إلى فقير مثلك‬
‫‪( .‬الفتقار والتوفيق )‬
‫كتب الحسن إلى عمر بن العزيز‪ :‬ل تستعن بغير الله فيكلك الله إليه‪.‬‬
‫ب عجبععت لمععن يعرفععك كيععف يرجععو غيرك‬ ‫ومععن كلم بعععض السععلف‪ :‬يععا ر ّ ع‬
‫وعجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك ‪.‬‬
‫" و اعلم أن المة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء‬
‫قد كتبه الله لك ‪ ،‬و لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك بشيء إل‬
‫القلم ورفعت الصحف "‬ ‫قد كتبه الله عليك جفت‬
‫‪)16‬تحقيعق عقيدة " القضاء والقدر" اليمان الجازم بعلم الله معا كان ومعا‬
‫نّع معا أصعاك لم يكعن ليخطئك ‪،‬‬ ‫يكون ومعا لم يكعن لوكان كيعف كان ‪ ،‬وأ َ‬
‫ن النعم محض فضل الله تعالى‬ ‫ن البلء من جراء الزلل والخطايا ‪ ،‬وأ َّ‬ ‫وأ َّ‬
‫‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له ‪.‬‬
‫‪ " )17‬الرضا " مفتاح اعتقادك بالله تعالى " رضيت بالله رب ًا وبالسلم‬
‫دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسول ً "‬
‫كان النعبي صعلى الله عليعه وسعلم يقول فعي دعائه‪ " :‬أسعألك الرضعا بععد‬
‫القضاء "‬
‫وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم‪ " :‬عجبا لمر المؤمن إن‬
‫أمره كله له خير ‪ ،‬و ليس ذلك لحد إل للمؤمن ‪ ،‬إن أصابته سراء شكر ‪،‬‬
‫و كان خيرا له ‪ ،‬و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له "‬
‫ب أن يرضى به‪.‬‬ ‫فل تتهم الله في قضائه ‪ ،‬فإن الله إذا قضى قضاء أح ّ‬
‫قال ابعن مسععود ‪ :‬إن الله بقسعطه وعدله جععل الروح والفرح فعي اليقيعن‬
‫والرضا‪ ،‬وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ‪.‬‬
‫ن الدار دار بلء ل دار خلود ‪،‬‬ ‫‪ " )18‬الصبر" صفة عباد الله الصالحين ‪ ،‬ل َّ‬
‫وتجرع مرارة الهجر فيها مستلزم للصبر حتى يقضي الله بالوصال ‪.‬‬
‫يقول ابن رجب ع رحمه الله تعالى ع ‪:‬‬
‫مدار الوصية في هذا الحديث على هذا الصل وما ذكر قبله وبعده فهو‬
‫ن العبد إذا علم أن لن يصيبه إل ما كتب الله له‬ ‫متفرع عليه وراجع إليه‪ ،‬فإ َّ‬
‫من خير وشّر ونفع وضّر وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلف المقدور غير‬
‫مفيد البتة ‪ :‬علم حينئذ أن الله وحده هو الضاّر النافع المعطي المانع‪،‬‬
‫فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل ‪ ،‬وإفراده بالطاعة ‪ ،‬وحفظ حدوده‪،‬‬
‫‪16‬‬
‫أجيالنا بين الواقع والمل المنشود‬ ‫‪17‬‬
‫ن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار‪ ،‬ولهذا ذم الله من‬ ‫فإ َّ‬
‫يعبد من ل ينفع ول يضر ‪ ،‬ول يغني عن عابده شيئاً‪ ،‬فمن يعلم أنه ل ينفع ول‬
‫يضّر ول يعطي ول يمنع غير الله ‪ ،‬أوجب له ذلك إفراده بالخوف والرجاء‬
‫والمحبة والسؤال والتضرع والدعاء ‪ ،‬وتقديم طاعته على طاعة الخلق‬
‫جميعا ً ‪ ،‬وأن يتقي سخطه ولو كان فيه سخط الخلق جميعا ً ‪ ،‬وإفراده‬
‫بالستعانة به ‪ ،‬والسؤال له ‪ ،‬وإخلص الدعاء له في حال الشدة وحال‬
‫الرخاء‪ ،‬خلف ما كان المشركون عليه من إخلص الدعاء له عند الشدائد‬
‫ونسيانه في الرخاء ودعاء من يرجون نفعه من دونه‪.‬‬
‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ت فإنَّه لحمك ودمك ‪ ،‬ةإن تكن الخرى‬ ‫ن سلم لك دينك سلم ُ‬‫دينك دينك ‪ ،‬فإ ْ‬
‫َ‬
‫فإنها نار ل تطفئ ‪ ،‬ونفس ل تموت ‪ ،‬إن ّك معروض على ربك ومرتهن بعملك‬
‫‪ ،‬فخذ مما في يديك ‪ ،‬لما بين يديك عند الموت ‪ ،‬وعندها يأتيك الخبر‪.‬‬

‫إخوتاه ‪..‬‬
‫ترك الخطيئة أهون من معالجة التوبة ‪ ،‬فل تعلق قلبك بالدنيا فتعلقه بشر‬
‫َ‬
‫معل ّق ‪ ،‬قط ِّع عنك حبالها ‪ ،‬وأغلق عنك بابها ‪ ،‬حسبك ما بلغك المقيل ‪.‬‬‫ُ‬
‫أسال الله الهداية والرشاد‬
‫والله من وراء القصد له الحمد في الول والخر والحمد لله رب العالمين ‪.‬‬

‫* هذه كانت محاضرة ألقاها فضيلته فى أحدى المؤتمرات التى أقيمت‬


‫بأمريكا‪.‬‬

‫‪17‬‬

You might also like