You are on page 1of 15

‫قصة هرقل والسلم )‬

‫قصة هرقل مع أب سفيان‪:‬‬


‫المد ل‪ ،‬نمده تعال و نستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل مضل له‪ ،‬ومن يضلل فلن تد له وليا‬
‫مرشدا‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال‪ ،‬صلى ال عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيا‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫روى البخاري رحه ال تعال ف صحيحه عن عبد ال بن عباس ‪( :‬أن أبا سفيان بن حرب أخبه أن هرقل أرسل إليه ف ركب من قريش؛ وكانوا ِتجَارا‬
‫بـالشام ف الدة الت كان رسول ال عليه الصلة والسلم ما ّد فيها أبا سفيان وكفار قريش ‪ )...‬هرقل جاءته رسالة النب عليه الصلة والسلم فأراد‬
‫أناسا من قوم النب عليه الصلة والسلم؛ ليسأل عن حاله‪ ،‬فعُثِر على أب سفيان وكان مشركا مع بعضٍ من كفار قريش؛ وقد كانوا ُتجّارا بـالشام‪،‬‬
‫فأُتِي بم إل هرقل ‪ .‬قال‪ ...( :‬فأتوه وهم بـإيلياء‪ ،‬فدعاهم ف ملسه وحوله عظماء الروم‪ ،‬ث دعاهم ودعا بترجانه فقال‪ :‬أيكم أقرب نسبا بذا الرجل‬
‫الذي يزعم أنه نب؟ فقال أبو سفيان‪ :‬فقلت‪ :‬أنا أقربم نسبا‪ .‬فقال‪ :‬أدنوه من‪ ،‬وقرّبوا أصحابَه فاجعلوهم عند ظهره‪ ،‬ث قال لترجانه‪ :‬قل لم‪ :‬إن سائلٌ‬
‫هذا عن هذا الرجل‪ ،‬فإن َكذَبن فكذّبوه ‪ )...‬سأسأل صاحبكم الذي يلس أمامكم وهو أبو سفيان عن صاحبكم‪ ،‬الذي هو النب عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫فإن َكذَب ف الجابة فبيّنوا ل أنه قد َكذَب‪( .‬يقول أبو سفيان ‪ :‬فوال لول الياء من أن يأثِروا عل ّي كذبا لكذبت عنه‪ .‬ث كان أول ما سألن عنه أن‬
‫قال‪ :‬كيف نسبه فيكم؟ قلت‪ :‬هو فينا ذو نسب‪ .‬قال‪ :‬فهل قال هذا القول منكم أح ٌد قط قبلَه؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت‪ :‬بل ضعفاؤهم‪ .‬قال‪ :‬أيزيدون أم ينقصون؟ قلت‪ :‬بل يزيدون‪ .‬قال‪ :‬فهل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه‬
‫بعد أن يدخل فيه؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فهل يغدِر؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬ونن منه ف مدة ل ندري ما‬
‫هو فاعلٌ فيها ‪-‬نن الن ف مرحلة صلح الديبية ف هدنة معه ل ندري ماذا يفعل فيها؟‪ -‬قال أبو سفيان ‪ :‬ول ُتمْكِن كلمةٌ أُدخل فيها شيئا غي هذه‬
‫الكلمة) أي‪ :‬ما استطعت أن أدخل دسيسة ف الواب إل ف هذا الوضع‪( .‬قال‪ :‬فهل قاتلتموه؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت‪ :‬الرب‬
‫بيننا وبينه سجال ‪-‬يعن‪ :‬تناوب ف النتصار‪ ،‬مرة لنا ومرة له‪ -‬ينال منا وننال منه‪ .‬قال‪ :‬ماذا يأمركم؟ قلت‪ :‬يقول‪ :‬اعبدوا ال وحده ول تشركوا به‬
‫شيئا‪ ،‬واتركوا ما يقول آباؤكم‪ ،‬ويأمرنا بالصلة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصدق‪ ،‬والعفاف والصلة )‬

‫هرقل يبي حقيقة نبوة الصطفى من إجابات أب سفيان‪:‬‬


‫(فقال للترجان ‪ -‬هرقل يقول للترجان الذي يترجم من لغة إل أخرى‪ :-‬قل له ‪ -‬لب سفيان ‪ :-‬سألتك عن نسبه؟ فذكرتَ أنه فيكم ذو نسب‪،‬‬
‫فكذلك الرسل تبعث ف نسب قومها‪ .‬وسألتك‪ :‬هل قال أحد منكم هذا القول؟ ‪-‬يعن‪ :‬من قبل‪ -‬فذكرتَ أن ل‪ ،‬فقلت‪ :‬لو كان أحدٌ قال هذا القول‬
‫قبله لقلتُ رجلٌ يتأسى بقول قيل قبله) أي‪ :‬مقلد‪ ،‬لكن ما أحد قال هذا الكلم قبله‪( .‬وسألتك‪ :‬هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرتَ أن ل‪ ،‬قلت‪ :‬فلو‬
‫كان من آبائه من ملك‪ ،‬قلت‪ :‬رجلٌ يطلب ملك أبيه) سبب هذه الدعوة أنه يطالب بلك أبيه‪ ،‬لكن ليس من آبائه من ملك‪( .‬وسألتك‪ :‬هل كنتم‬
‫تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرتَ أن ل‪ ،‬فقد أعرف أنه ل يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على ال) يعن‪ :‬هرقل متأكد من أن النب‬
‫صلى ال عليه وسلم صادق‪( .‬وسألتك‪ :‬أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرتَ أن ضعفاءهم اتبعوه‪ ،‬وهم أتباع الرسل) هرقل يعرف أن أتباع‬
‫الرسل هم الضعفاء‪( .‬وسألتك‪ :‬أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنم يزيدون‪ ،‬وكذلك أمر اليان حت يتم ‪-‬يعن‪ :‬يبدأ غريبا ث ينتشر‪ .-‬وسألتك‪ :‬أيرتد‬
‫أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن ل‪ ،‬وكذلك اليان حي تالط بشاشته القلوب‪ .‬وسألتك‪ :‬هل يغدِر؟ فذكرت أن ل‪ ،‬وكذلك الرسل‬
‫ل تغدِر‪ .‬وسألتك‪ِ :‬بمَ يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئا‪ ،‬وينهاكم عن عبادة الوثان‪ ،‬ويأمركم بالصلة والصدق‬
‫والعفاف‪ ،‬فإن كان ما تقول حقا فسَيمْلِك موضع قدمي هاتي‪ ،‬وقد كنت أعلم أنه خارجٌ‪ ،‬ل أكن أظن أنه منكم‪ ،‬فلو أن أعلم أن أخْلُص إليه‬
‫لتجشّمتُ لقاءه‪ ،‬ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه)‪.‬‬

‫نص رسالة النب صلى ال عليه وسلم لرقل‪:‬‬


‫دعا هرقل بكتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذي بعث به دحية إل عظيم بصرى ‪ ،‬فدفعه إل هرقل فقرأه فإذا فيه‪( :‬بسم ال الرحن الرحيم من‬
‫ممد عبد ال ورسوله إل هرقل عظيم الروم‪ .‬سلم على من اتبع الدى‪ .‬أما بعد‪ :‬فإن أدعوك بدعاية السلم ‪-‬يعن‪ :‬دعوة السلم؛ شهادة أن ل إله إل‬
‫ال وأن ممدا رسول ال‪ -‬أسلم تسلم‪ ،‬يؤتك ال أجرك مرتي‪ ،‬فإن توليت فإن عليك إث الريسيي ‪-‬وهم الفلحون الذين كانوا من رعايا هرقل ‪ -‬و‬
‫خذَ بَ ْعضُنَا بَعْضا َأرْبَابا ِمنْ دُونِ اللّ ِه فَإِنْ َت َولّوْا فَقُولُوا ا ْشهَدُوا‬
‫يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَاَلوْا ِإلَى كَِلمَةٍ َسوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ َألّا نَعُْبدَ ِإلّا اللّهَ وَل ُنشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَل يَّت ِ‬
‫بِأَنّا ُمسِْلمُونَ [آل عمران‪ . ]64:‬قال أبو سفيان ‪ :‬فلما قال ما قال‪ ،‬وفرغ من قراءة الكتاب‪ ،‬كثر عنده الصخب ‪-‬أي‪ :‬الصوات الختلطة الرتفعة‪-‬‬
‫وارتفعت الصوات‪ ،‬وأُخْرِجنا‪ .‬فقلت لصحاب حي أخرجنا‪ :‬لقد أمِرَ أمْرُ ابن أب كبشة ‪-‬لقد عَظُم أمر ممد صلى ال عليه وسلم‪ -‬إنه يافه ملك بن‬
‫الصفر ‪ -‬أبو سفيان يقول‪ :‬هرقل ؛ هذا ملك الروم ياف ممدا! صلى ال عليه وسلم (فما زلت موقنا أنه سيظهر حت أدخل ال عليّ السلم)‪.‬‬
‫(وكان ابن الناظور أو ابن الناطور صاحب إيلياء و هرقل سُقُفّا على نصارى الشام) ابن الناطور و هرقل كانا من علماء النصارى بالدين‪ ،‬وكانا زميلي‬
‫ف الدين النصران‪( .‬وكان ابن الناطور ‪-‬صاحب إيلياء و هرقل‪ -‬سُقُفّا على نصارى الشام يدّث أن هرقل حي قدم إيلياء أصبح يوما خبيث النفس‪،‬‬
‫فقال بعض بطارقته ‪-‬يعن‪ :‬الرجال الكبار عنده‪ :-‬قد استنكرنا هيئتك‪ .‬قال ابن الناطور ‪ :‬وكان هرقل حزّاءً ينظر ف النجوم‪ ،‬فقال لم حي سألوه‪ :‬إن‬
‫ت ف النجوم ملك التان قد ظهر‪ ،‬فمن يتت من هذه المة؟) أي‪ :‬لا سألوه‪ :‬ما بالك مهموما؟ قال‪ :‬رأيت ملك التان قد ظهر‪،‬‬ ‫رأيت الليلة حي نظر ُ‬
‫انظروا من يتت ف العال ف الناس؟! من يتت؟! (قالوا‪ :‬ليس يتت إل اليهود‪ ،‬فل يهمك شأنم‪ ،‬واكتب إل الدن ف ملكك فيقتلوا مَن فيها مِن اليهود‪.‬‬
‫فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجلٍ أرسل به ملك غسان يب عن خب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما استخبه هرقل قال‪ :‬اذهبوا فانظروا‬
‫أمتت هو أم ل؟ ‪-‬الرسول هذا الذي جاء برسالة من ممد صلى ال عليه وسلم انظروا هل هو متت أم ل؟‪ -‬فنظروا إليه فحدثوه أنه متت‪ .‬وسأله عن‬
‫العرب‪ .‬فقال‪ :‬هم يتتنون‪ .‬فقال هرقل ‪ :‬هذا مُلْك هذه المة قد ظهر‪ .‬ث كتب هرقل إل صاحب له بـرومية ‪ ،‬وكان نظيه ف العلم‪ ،‬وسار هرقل إل‬
‫حص فلم يرِم حصا حت أتاه كتاب من صاحبه ‪-‬الذي ف رومية‪ -‬يوافق رأي هرقل على خروج النب صلى ال عليه وسلم وأنه نب‪ ،‬فأذن هرقل لعظماء‬
‫الروم ف دسكرة له بـحمص ‪-‬بناء كالقصر أمر بأن يُدخلوا إليه‪ -‬ث أمر بأبوابا فغلّقت‪ ،‬ث اطّلع ‪ -‬هرقل اطّلع على كل الكباء الذين أدخلوا‪ -‬فقال‪:‬‬
‫يا معشر الروم! هل لكم ف الفلح والرشد وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النب؟ فحاصوا حيصةَ ُحمُر الوحش إل البواب فوجدوها قد ُغلّقت‬
‫‪-‬اضطربوا وتدافعوا إل البواب‪ -‬فلما رأى هرقل نفرتم وأَيِس من اليان قال‪ :‬ردوهم عليّ‪ ،‬وقال‪ :‬إن قلت مقالت آنفا أختب با شدتكم على دينكم‪،‬‬
‫فقد رأيت‪ ،‬فسجدوا له ورضوا عنه‪ ،‬فكان ذلك آخر شأن هرقل )‪ .‬هذه القصة الت رواها البخاري رحه ال تعال ف صحيحه ‪ ،‬وكذلك رواها مسلم‬
‫رحه ال‪ ،‬والديث عند الترمذي وأب داود و أحد ف سياقات متلفة‪.‬‬

‫هرقل يرسل رسولً إل الصطفى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬


‫وهناك رواية ساقها المام أحد رحه ال فيها مزيد من التوضيح لبعض الظروف الت حصلت ف الطاب النبوي إل هرقل ‪ ،‬يقول فيه سعيد بن أب‬
‫راشد مول لل معاوية ‪ ( :‬قدمت إل الشام فقيل ل‪ :‬ف هذه الكنيسة رسول قيصر إل رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪ :‬فدخلنا الكنيسة فإذا أنا‬
‫بشيخ كبي‪ ،‬فقلت له‪ :‬أنت رسول قيصر إل رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت‪ :‬حدثن عن ذلك‪ ،‬قال‪ :‬إنه لا غزا تبوك كتب إل قيصر‬
‫كتابا وبعث به مع رجل يقال له‪ :‬دحية بن خليفة الكلب ‪ ،‬فلما قرأ كتابه ‪-‬لا قرأ هرقل كتاب النب عليه الصلة والسلم ورسالته‪ -‬وضعه معه على‬
‫سريره‪ ،‬وبعث إل بطارقته ) إل رجال الكنيسة‪ ،‬ومفردها‪ :‬بطريق ( ورءوس أصحابه ) عظماء القوم‪ ،‬قادة اليوش‪ ،‬المراء‪ ،‬وقادة اللوية ( فقال‪ :‬إن‬
‫هذا الرجل قد بعث إليكم رسولً‪ ،‬وكتب إليكم كتابا ييكم إحدى ثلث‪ - :‬إما أن تتبعوه على دينه‪ - .‬أو تقروا له بَراجٍ يري له عليكم ويقركم‬
‫على هيئتكم ف بلدكم‪ - .‬أو أن تلقوا إليه بالرب‪ .‬قال‪ :‬فنخروا نرةً ) النخي‪ :‬هو صوت النف‪ ،‬والراد الغضب والفوران العب عن النفور ( فنخروا‬
‫نرةً حت خرج بعضهم من برانسهم ) والبنس‪ :‬هو الثوب الذي يلتصق به غطاء الرأس‪ ،‬مثل‪ :‬لباس الغاربة اليوم ( حت خرج بعضهم من برانسهم‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ل نتبعه على دينه ونَدَع ديننا ودين آبائنا‪ ،‬ول نقر له براج يري له علينا‪ ،‬ولكن نُلقي إليه الرب‪ .‬فقال‪ :‬قد كان ذاك‪ ،‬ولكن كرهتُ أن أفتات‬
‫دونكم بأمرٍ‪ .‬قال عباد ‪ :‬فقلت لـابن خثيم ‪ :‬أو ليس كان قارب وهمّ بالسلم فيما بَلَغَنا ) يعن‪ :‬هرقل‪ ،‬ما كاد يسلم؟ ( قال‪ :‬بلى‪ .‬لول أنه رأى‬
‫منهم‪ ،‬فقال‪ :‬أُبغون رجلً من العرب أكتب معه إليه جواب كتابه ) أي‪ :‬التمسوا ل رسولً أكتب معه جواب كتابه‪ ( .‬قال‪ :‬فأتيت وأنا شاب فانطُلق ب‬
‫إليه فكتب جوابه وقال ل‪ :‬مهما نسيت من شيء فاحفظ عن ثلث خلل ) يقول هرقل لرسوله‪ :‬إذا ذهبت إل ممد ‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أعطه‬
‫كتاب ورسالت‪ ،‬وإذا نسيتَ فل تنسَ هذه الشياء‪ ( :‬انظر إذا هو قرأ كتاب هل يذكر الليل والنهار؟ وهل يذكر كتابه إلّ؟ وانظر! هل ترى ف ظهره‬
‫َعلَما؟ )‪.‬‬

‫رسول هرقل يقابل رسول ال‪:‬‬


‫( قال ‪ -‬رسول هرقل ‪ :-‬فأقبلت حت أتيته وهو بـتبوك ف حلقة من أصحابه متبي فسألت فأُخبت به‪ ،‬فدفعت إليه الكتاب ‪-‬رسالة هرقل‪ -‬فدعا‬
‫معاوية ‪-‬وكان من كتاب الوحي‪ ،‬من يعرفون القراءة‪ ،‬وقد أسلم رضي ال عنه‪ -‬فقرأ عليه الكتاب‪ ،‬فلما أتى على قوله‪ :‬دعوتَن إل جنة عرضها‬
‫السماوات والرض فأين النار؟ ) هرقل يسأل النب صلى ال عليه وسلم سؤالً‪ :‬دعوتَن إل جنة عرضها السماوات والرض فأين النار؟ ( قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ :‬إذا جاء الليل فأين النهار؟ ) يعن‪ :‬هذا رد على الشبهة‪ ،‬يقول‪ :‬إذا جاء الليل فأين النهار؟ أين يذهب النهار؟ ( قال‪ :‬فقال‪ :‬إن قد‬
‫كتبت إل النجاشي فخرّقه فخرّقه ال مرّق الُلك‪ .‬قال عبّاد‪ :‬فقلت لـابن خثيم‪ :‬أليس قد أسلم النجاشي ونعاه رسول ال عليه الصلة والسلم‬
‫بـالدينة إل أصحابه فصلى عليه؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬ذاك فلن بن فلن‪ ،‬وهذا فلن بن فلن‪ ،‬قد ذكره ابن خثيم جيعا ونسيتهما ‪ ) ...‬يعن‪ :‬أن كلمة‬
‫النجاشي لقب ملك البشة ‪ ،‬كل مَن ملَك البشة يقال له‪ :‬ناشي‪ ،‬كل مَن ملَك الروم يقال له قيصر‪ ،‬كل مَن ملَك الفرس يقال له‪ :‬كسرى‪ ،‬كل مَن‬
‫ملَك اليمن يقال له‪ :‬تُبّع‪ ،‬كل مَن ملَك مصر يقال له‪ :‬فرعون‪ ،‬كل مَن ملَك السكندرية يقال له‪ :‬القوقس‪ ،‬كل مَن ملَك الترك يقال له‪ :‬خاقان‪ ،‬فكلمة‬
‫ملك بالبشية‪ :‬ناشي‪ ،‬بالصرية‪ :‬فرعون‪ ،‬بالسكندرانية‪ :‬مقوقس‪ ،‬بالتركية‪ :‬خاقان‪ ،‬بالفارسية‪ :‬كسرى‪ ،‬بالرومية‪ :‬قيصر‪ ،‬لكن القياصرة لم أساء‬
‫متلفة‪ ،‬الفراعنة لم أساء متلفة‪ ،‬والنجاشي هكذا أيضا‪ .‬فيقول له‪ :‬النجاشي الذي أرسلت إليه الرسالة غي النجاشي الذي أسلم‪ ،‬ملكٌ آخر من ملوك‬
‫البشة ‪ ،‬هذا القصود‪ .‬قيصر ملك الروم الذي أرسلت إليه الرسالة ما اسه؟ اسه هرقل ‪ ،‬وهو الذي نن بصدده‪ .‬كسرى أنوشروان ‪ ،‬له اسم‪ ،‬كسرى‬
‫هذا لقب‪ ،‬معناه‪ :‬مَلِك‪ ،‬مَلِك الفرس‪ ...( .‬وكتبتُ إل كسرى كتابا فمزّقه فمزق ال ملكه ‪-‬أو كما قال عليه الصلة والسلم‪ -‬وكتبتُ إل قيصر كتابا‬
‫ك قائم‪ ،‬وسيمزقهم ال‬ ‫فأجابن فيه‪ ،‬فلم تزل الناس يشون منهم بأسا ما كان ف العيش خيٌ ‪ )...‬يقول‪ :‬البشة لن تقوم لم قائمة‪ ،‬ولن يوجد فيهم مُل ٌ‬
‫لنم مزقوا الرسالة‪ ،‬ويقول‪ :‬دولة فارس لن تقوم فيها ملكة لفارس ولن يكموها ولن يدوم لم الكم‪ ،‬وال سيمزق ملك فارس كما أنم مزقوا‬
‫الرسالة‪ ،‬لكن يقول‪ :‬هرقل ما مزق الرسالة‪ ،‬فسيبقى ف الروم قوة‪ .‬والناظر ف الواقع يرى هذا جيدا‪ ،‬بعد كسرى تزقت ملكة فارس‪ ،‬ما عاد هناك مِن‬
‫مَلِك‪ ،‬كلها ثورات وحروب‪ .‬وكذلك البشة ل يعد لا شأن‪ ،‬وصاروا أناسا متخلفي‪ .‬والروم؟ اليوم أوروبا ما زال لم قوة إل الن‪ ،‬والروب الصليبية‬
‫ل زالت موجودة إل الن‪ .‬قال‪ ...( :‬وكتبت إل قيصر كتابا فأجابن فيه‪ ،‬فلم تزل الناس يشون منهم بأسا ما كان ف العيش خيٌ‪ ،‬ث قال ل‪ :‬مَن أين‬
‫أنت؟ قلت‪ :‬من تنوخ ‪-‬رسول هرقل تنوخي‪ -‬قال‪ :‬يا أخا تنوخ! هل لك ف السلم؟ قلت‪ :‬ل‪ .‬إن أقبلتُ من قِبَل قوم وأنا فيهم على دين ولست‬
‫مستبدِ ًل بدينهم حت أرجع إليهم‪ ،‬قال‪ :‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم أو تبسم‪ ،‬فلما قضيت حاجت قمتُ‪ ،‬فلما وليت دعان‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخا‬
‫تنوخ! هل ّم فامضِ للذي أُمِرْتَ به ‪-‬صاحبك أمرك بثلثة أشياء‪ ،‬وأنت وجدت اثنتي‪ ،‬والثالثة ما أخذت خَبَرها‪ ،‬ما هي الثالثة؟ علمة الظهر‪ -‬قال‪ :‬هلمّ‬
‫فامضِ للذي أُمِرْتَ به‪ ،‬قال‪ :‬وكنت قد نسيتُها فاستدرت من وراء اللقة‪ ،‬ويلقى بردة كانت على ظهره ‪-‬أو يلقيها عن ظهره‪ -‬فرأيت غضروف كتفه‬
‫مثل الحجم الضخم) الحجم‪ :‬الشرط الذي يشق به موضع الجامة‪ ،‬وكان النب صلى ال عليه وسلم بي كتفه مموعة عظام مثل هيئة بيضة المامة‪،‬‬
‫خات النبوة‪ ،‬مستدير‪ ،‬بي كتفي النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان جيلً موقعه‪ ،‬جيلً شكله‪ ،‬وليس بعاهة ول تشويه‪ .‬هذه الرواية الت رواها المام أحد‬
‫ف سندها رجل مقبول‪ ،‬فذكر نو حديث عبّاد بن عبّاد ؛ وحديث عبّاد أت وأحسن‪ ،‬وزاد فقال‪( :‬فضحك رسول ال صلى ال عليه وسلم حي دعاه إل‬
‫السلم‪ ،‬فأب أن يسلم وتل هذه الية‪ (( :‬إِنّكَ ل َت ْهدِي مَنْ أَحْبَْبتَ َولَكِنّ اللّهَ َي ْهدِي َمنْ َيشَاءُ ))[القصص‪ ]56:‬ث قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫إنك رسول قوم‪ ،‬وإن لك حقا ‪-‬يعن‪ :‬ل بد أن نكرمك ونضيفك‪-‬ولكن جئتنا ونن مُرْمِلون ‪-‬يعن‪ :‬نفذ زادنا ف تبوك ‪ -‬فقال عثمان بن عفان ‪ :‬أنا‬
‫أكسوه حلة صَفُورية ‪-‬ثوب من قطعتي‪ -‬وقال رجل من النصار‪ :‬عليّ ضيافته‪ ،‬يعن‪ :‬أنا أتكفل بضيافة هذا الرسول) ‪ .‬وهناك قصة أخرى تبي أشياء‬
‫جدُونَهُ‬‫أخرى من التفاصيل رواها الاكم ف الستدرك ‪ ،‬وذكرها ابن كثي رحه ال ف تفسيه تت قوله تعال‪ :‬الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النّبِ ّي الْأُمّيّ اّلذِي َي ِ‬
‫مَكْتُوبا عِْندَ ُهمْ فِي الّتوْرَاةِ والنيل يَأْمُرُ ُهمْ بِاْلمَعْرُوفِ وَيَْنهَاهُمْ َعنِ اْلمُنْكَرِ ‪[ ...‬العراف‪ ]157:‬الية‪.‬‬

‫رواية أخرى عند البيهقي ف دعوة هرقل للسلم‪:‬‬


‫عن هشام بن العاص الموي قال‪ [ :‬بُعِْثتُ أنا ورجل آخر إل هرقل صاحب الروم ندعوه إل السلم‪ ،‬فخرجنا حت قدمنا الغوطه ‪-‬يعن‪ :‬غوطة دمشق‪-‬‬
‫فنلنا على جبلة بن اليهم الغسان ‪ ] ...‬والغساسنة عرب‪ ،‬لكن ولؤهم للروم‪ ،‬وكان الروم قد وضعوا الغساسنة على حدود الزيرة بينهم وبي العرب‪،‬‬
‫حت ل يدخل العرب بغاراتم ف بلد الروم‪ ،‬والغساسنة يكفُون الروم العرب على الدود‪ ،‬والروم ل يطمعون ف أرضهم؛ لنا صحراء قاحلة‪.‬‬

‫هشام بن العاص يطلب مقابلة هرقل‪:‬‬


‫يقول‪ [ :‬فنلنا على جبلة بن اليهم الغسان فدخلنا عليه فإذا هو على سرير اللهو‪ ،‬فأرسل إلينا برسوله نكلمه‪ ،‬فقلنا‪ :‬وال ل نكلم رسولً وإنا بعثنا إل‬
‫اللك فإن أذن لنا كلمناه‪ ،‬وإل لن نكلم الرسول‪ ،‬فرجع إليه الرسول فأخبه بذلك‪ .‬قال‪ :‬فأذن لنا ‪-‬من هو الذي أذن؟ جبلة بن اليهم ملك غسان‪-‬‬
‫فقال‪ :‬تكلموا‪ .‬فكلمه هشام بن العاص ودعاه إل السلم فإذا عليه ثياب سود؛ فقال له هشام ‪ :‬وما هذه الت عليك؟ قال‪ :‬لبستها وحلفت أل أنزعها‬
‫حت أخرجكم من الشام ‪ .‬قلنا‪ :‬وملسك هذا ‪-‬وال‪ -‬لنأخذنه منك ولنأخذن مُلك اللِك العظم ‪-‬يقول هذا السلم للغسان ‪ :‬سنأخذ مُلكك وملك‬
‫اللك العظم الذي هو قيصر‪ ،‬إن شاء ال أخبنا بذلك نبينا ممد صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬لستم بم‪ ،‬بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل‪،‬‬
‫فكيف صومكم؟ فأخبناه‪ ،‬فمُلئ وجهه سوادا‪ .‬فقال‪ :‬قوموا‪ ،‬وبعث معنا رسولً إل اللك‪ ،‬فخرجنا حت إذا كنا قريبا من الدينة‪ ،‬قال لنا الذي معنا‪ :‬إن‬
‫دوابكم هذه ل تدخل مدينة اللك‪ ،‬فإن شئتم حلناكم على براذين وبغال‪ .‬قلنا‪ :‬وال ل ندخل إل عليها‪ ،‬فأرسلوا إل اللك أنم يأبون ذلك‪ ،‬فأمرهم أن‬
‫ندخل على رواحلنا فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حت انتهينا إل غرفة اللهو‪ ،‬فأننا ف أصلها وهو ينظر إلينا‪ ،‬فقلنا‪ :‬ل إله إل ال وال أكب‪ ،‬فال يعلم‬
‫لقد انتفضت الغرفة حت صارت كأنا عذق تصفقه الرياح‪ .‬قال‪ :‬فأرسل إلينا ليس لكم أن تهروا علينا بدينكم‪ ،‬وأرسل إلينا أن ادخلوا‪ ،‬فدخلنا عليه‬
‫وهو على فراش اللهو وعنده بطارقة من الروم وكل شيء ف ملسه أحر وما حوله حرة وعليهم ثياب من المرة‪ .‬فدنونا منه فضحك‪ ،‬فقال‪ :‬ما عليكم‬
‫لو جئتمون بتحيتكم فيما بينكم ‪-‬لاذا ل تسلموا عليّ؟‪ -‬وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثي الكلم‪ .‬فقلنا‪ :‬إن تيتنا فيما بيننا ل تل لك‪ ،‬وتيتك الت‬
‫تيّا با ل يل لنا أن نييك با‪ .‬قال‪ :‬كيف تيتكم فيما بينكم؟ قلنا‪ :‬السلم عليك‪ .‬قال‪ :‬فكيف تيون مَلِكَكم؟ قلنا‪ :‬با‪ .‬قال‪ :‬كيف يرد عليكم؟ قلنا‪:‬‬
‫با ‪-‬يعن‪ :‬وعليكم السلم‪ .-‬قال‪ :‬فما أعظم كلمكم؟ قلنا‪ :‬ل إله إل ال وال أكب‪ ،‬فلما تكلمنا با وال يعلم لقد انتفضت الغرفة حت رفع رأسه إليها‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهذه الكلمة الت قلتموها حيث انتفضت الغرفة‪ ،‬أ ُكلّما قلتموها ف بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم؟ قلنا‪ :‬ل‪ ،‬ما رأيناها فعلت هذا قط إل عندك‪.‬‬
‫قال‪ :‬لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم‪ ،‬وأن قد خرجت من نصف ملكي‪ .‬قلنا‪ِ :‬لمَ؟ قال‪ :‬لنه كان أيسر لشأنا‪ ،‬وأجدر أل تكون من‬
‫أمر النبوة‪ ،‬وأن تكون من حِيَل الناس‪ .‬ث سألَنَا عما أراد‪ ،‬فأخبناه‪ .‬ث قال‪ :‬كيف صلتكم وصومكم؟ فأخبناه‪ .‬فقال‪ :‬قوموا‪ ،‬فأمر لنا بنل حسن‪،‬‬
‫ونُزُل كثي فأقمنا ثلثا ]‪.‬‬

‫هرقل يري هشام بن العاص وصاحبه صور النبياء‪:‬‬


‫قال هشام بن العاص‪ [ :‬فأرسل إلينا هرقل ليلً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه‪ ،‬ث دعا بشيء كهيئة الرضعة العظيمة مذهّبَة‪ ،‬فيها بيوت صغار عليها‬
‫أبواب‪ ،‬ففتح بيتا فاستخرج حريرة سوداء فنشرناها‪ ،‬فإذا فيها صورة حراء‪ ،‬وفيها رجلٌ ضخم العيني‪ ،‬عظيم الليتي‪ ،‬ل أر مثل طول عنقه‪ ،‬وإذا ليست‬
‫له لية‪ ،‬وإذا له ظفيتان أحسن ما خلق ال‪ .‬فقال‪ :‬أتعرفون هذا؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذا آدم عليه السلم‪ ،‬وإذا هو أكثر الناس شعرا ‪-‬أي‪ :‬الروم رسوا‬
‫النبياء بناءً على معلومات عندهم‪ .-‬ث فتح بابا آخر فاستخرج منه حريرة سوداء‪ ،‬وإذا فيها صورة بيضاء‪ ،‬وإذا له شعر كشعر القَطط‪ ،‬أحر العيني‪،‬‬
‫ضخم الامة‪ ،‬حسن اليئة‪ .‬فقال‪ :‬هل تعرفون هذا؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذا نوح عليه السلم‪ .‬ث فتح بابا آخر فاستخرج حريرة سوداء‪ ،‬وإذا فيها رجل شديد‬
‫البياض‪ ،‬حسن العيني‪ ،‬صلت البي‪ ،‬طويل الد‪ ،‬أبيض اللحية كأنه يبتسم‪ ،‬فقال‪ :‬هل تعرفون هذا؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هذا إبراهيم عليه السلم‪ .‬ث فتح بابا‬
‫آخر‪ ،‬فإذا فيه صورة بيضاء‪ ،‬وإذا ‪-‬وال‪ -‬رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪-‬الرسة‪ -‬فقال‪ :‬أتعرفون هذا؟ قلنا‪ :‬نعم‪ .‬هذا ممد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ .‬قال‪ :‬وبَكيْنا‪ ،‬قال‪ :‬وال أعلم أنه قام قائما ث جلس‪ ،‬وقال‪ :‬وال إنه لو‪ .‬قلنا‪ :‬نعم‪ .‬إنه لو كأنك تنظر إليه‪ .‬فأمسك ساعةً ينظر إليها‪ ،‬ث قال‪ :‬أما‬
‫إنه كان آخر البيوت ولكن عجّلته لكم؛ لنظر ما عندكم ‪-‬الصورة هذه كانت ف آخر شيء‪ ،‬يعن‪ :‬هو آخر نب‪ .-‬ث فتح بابا واستخرج صورا‪،‬‬
‫وأخبهم عنها‪ .‬ث قال ‪-‬ف ناية القصة‪ :-‬أما وال إن نفسي طابت للخروج من مُلكي‪ ،‬وأن كنت عبدا لشركم حت أموت‪ ،‬ث أجازنا فأحسن جائزتنا‬
‫وسَرّحنا‪ .‬فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي ال عنه فحدّثناه با أرانا‪ ،‬وبا قال لنا‪ ،‬وما أجازنا‪ ،‬قال‪ :‬فبكى أبو بكر وقال‪ :‬مسكي‪ ،‬لو أراد ال به خيا‬
‫لفعل‪ ،‬ث قال‪ :‬أخبنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أنم ‪-‬يعن‪ :‬النصارى‪ -‬واليهود ييدون نعت ممد صلى ال عليه وسلم عندهم ]‪ .‬الديث أخرجه‬
‫البيهقي عن الاكم رحه ال ف كتاب‪ :‬دلئل النبوة ‪ .‬وقال ابن كثي ‪ :‬إسناده ل بأس به‪ .‬على أية حال‪ :‬على فرض صحة هذه القصة فإنا تبيّن لنا أيضا‬
‫شيئا آخر‪ ،‬لكن الرواية الساسية هي رواية المام البخاري رحه ال الت تبي أن هرقل فعلً قارب أن يُسلم‪ ،‬بل هو أوشك على السلم‪ ،‬بل هو دعا‬
‫قومه إل السلم‪ ،‬لكن لا رآهم نفروا وخشي أن يزول ملكه تراجع‪ ،‬وقال بدهائه للروم‪ :‬كنت أختب ثباتكم على دينكم‪.‬‬

‫شرح رواية البخاري ف دعوة هرقل للسلم وفوائد من ذلك‪:‬‬


‫رواية البخاري رحه ال هي عن أب سفيان صخر بن حرب بن أمية لا أتى به هرقل ملك الروم ف الركب‪ ،‬وهم أولو البل العشرة فما فوقها وكانوا‬
‫ُتجّارا‪ ،‬والقصة حصلت ف مدة صلح الديبية وكانت ف سنة (‪ )6‬للهجرة‪ ،‬ومدة الصلح عشر سني؛ لكن قريشا نقضوا العهد‪ ،‬فالنب عليه الصلة‬
‫والسلم غزاهم سنة (‪ )8‬للهجرة‪ ،‬يعن بعد الصلح بسنتي‪ ،‬وفَتَحَ مكة ‪ ،‬وهذا بعد أن غدروا‪ .‬فلما وصلت رسالة النب عليه الصلة والسلم لـهرقل ‪،‬‬
‫طلب بعضَ قريش ليسألم عن النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فوجدهم رسولُه ببعض الشام ف غزة ‪ .‬يقول أبو سفيان ‪ :‬كنا قوما ُتجّارا وكانت الرب قد‬
‫حصبتنا ‪-‬هذا يدل على أن الرب أثرت على قريش اقتصاديا‪ -‬فلما كانت الدنة ‪ -‬يعن‪ :‬صلح الديبية ‪ -‬خرجت تاجرا إل الشام مع رهط من‬
‫قريش‪ ،‬فوال ما عَِل ْمتُ بـمكة امرأة ول رجلً إل وقد حلن بضاعة‪ ،‬فقال هرقل لصاحب شرطته‪ :‬قَّلبِ الشام ظهرا لبطنٍ حت تأتين برجل من قوم‬
‫هذا أسأله عن شأنه‪ ،‬يقول أبو سفيان ‪ :‬فوال إن لفي أصحاب بـغزة إذ هجم علينا فساقنا جيعا‪ .‬و إيلياء هي‪ :‬بيت القدس ‪ ،‬وقيل‪ :‬معناها‪ :‬بيت ال‪،‬‬
‫وإيلياء ‪ :‬هي الت سار إليها هرقل لا كشف ال عنه جنود فارس‪ ،‬وقد كان مكان ملك هرقل ف حص ‪ ،‬فسار من حص إل إيلياء ‪-‬إل بيت القدس‪-‬‬
‫مشيا شكرا ل تعال‪ ،‬وكان سبب ذلك القصة الت جاءت من طرق متعاضدة كما قال ابن حجر رحه ال وملخصها‪ :‬أن كسرى أغزى جيشه بلد‬
‫هرقل فخربوا كثيا من بلده‪ ،‬وكان النصر ف البداية للفرس على الروم‪ ،‬ث استبطأ كسرى أميه فأراد قتله وتولية غيه‪ ،‬فاطّلع أميُه على ذلك فباطن‬
‫هرقل واصطلح معه على كسرى وانزم عنه بنود فارس‪ ،‬فكان سبب عودة الكفة ف الرجحان للروم انشقاقٌ حصل ف الفرس‪ .‬فلما حصل ذلك مشى‬
‫هرقل إل بيت القدس شكرا ل تعال على ذلك‪ .‬الهم‪ :‬أُدخل سفيان ومن معه على هرقل ‪ ،‬قال‪( :‬فأدخلنا عليه فإذا هو جالس ف ملس ملكه وعليه‬
‫التاج‪ ،‬وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان‪ ،‬ودعا بالترجان‪ .‬فقال‪ :‬أيكم أقرب نسبا لذا الرجل الذي ‪-‬خرج بأرض العرب‪ -‬يزعم أنه نب؟ يقول أبو‬
‫سفيان‪ :‬فقلت‪ :‬أنا أقربم نسبا ‪ )...‬فـأبو سفيان يتمع مع النب صلى ال عليه وسلم ف عبد مناف ؛ و عبد مناف هو الب الرابع للنب صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكذلك لـأب سفيان ‪ ،‬فيجتمعان ف عبد مناف ‪.‬‬

‫السلم دين عالي‪:‬‬


‫منها‪ :‬دعوة كل العال إل السلم وأن السلم دعوة عالية ليست خاصة بالعرب ‪ -:‬السلم دعوة عالية ليست خاصة بـالزيرة ‪ ،‬فالسلم للعالَي‪،‬‬
‫ولذلك النب صلى ال عليه وسلم لا انتهى من الزيرة أرسل الرسائل خارج الزيرة ‪ ،‬وبدأت أول خطوات الهاد للروم ف عهد النب عليه الصلة‬
‫والسلم ف غزوة تبوك‪ ،‬والتحضي لغزو المالك الخرى خارج الزيرة بدأ من عهد النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وجيش أسامة بن زيد كان مهزا لذا‬
‫الغرض‪ .‬الهم‪ :‬أن السلم دعوة لكل العال وليس متصا بفئة دون أخرى‪ ،‬والنب عليه الصلة والسلم أرسل رسائل دعوة للروم وللفرس ولغيهم‪.‬‬

‫ذكاء هرقل ف معرفة صدق أب سفيان‪:‬‬


‫فائدة ثانية‪ :‬مِن فِعْل هرقل لا جاء بـأب سفيان ومعه أقاربه وضعهم وراءه‪ ،‬قال‪( :‬إن كذب فكذّبوه) ‪ :‬إن ل يب بالصدق قولوا بالقيقة‪ ،‬ول شك أن‬
‫القريب أحرى بالطلع على المور الظاهرة والباطنة من غيه‪ ،‬ث إنه ل يقدح ف نسب قريبه‪ .‬لاذا جعلهم وراءه؟ لاذا جعل قوم أب سفيان وراء أب‬
‫سفيان‪ ،‬وليس أمامه؟ لئل يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب‪ ،‬يعن‪ :‬يكذبوه دون أن ينظروا ف وجهه‪ ،‬يقول أبو سفيان ‪( :‬فوال لول الياء من‬
‫أن يأثِروا ‪-‬ينقلوا‪ -‬عل ّي الكذب لكذبت عليه) وهذا دليل على أن الكذب ف الاهلية كان عيبا كبيا‪ ،‬وربا كان أبو سفيان يضمن أنم لو كانوا وراءه‬
‫لن يكذبوه؛ لنم مشتركون ف عداوة النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لكن ما الذي منع أبا سفيان من الكذب؟ حت ل يُنقَل عن سيد قريش إذا رجعوا أنه‬
‫َكذَب؛ وهذا عيب كبي‪ .‬قال أبو سفيان ‪( :‬فوال ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك القلف) يعن‪ :‬هرقل ‪ ،‬والقلف‪ :‬غي الختون‪ .‬سأله عن‬
‫النسب؛ وهذا يدل على أن هرقل يعلم بأن النبياء تُبعث ف أنساب قومها‪ ،‬حت ل يطعن أحد ف نسب النب‪ ،‬فيكون معروفا لدى كل القوم نسب القبيلة‬
‫الت يُبعث فيهم‪.‬‬
‫الؤمن ل يرتد عن دينه سخطا عليه‪:‬‬
‫وكذلك ف الديث‪ :‬أن النسان إذا آمن ل يرتد عن دينه ساخطا على الدين وإنا يرتد لسباب أخرى‪ ،‬وهذا ف السلم‪ ،‬أما ف غي السلم فإنه يرتد‬
‫عن الدين سخطا على الدين‪ ،‬يعن‪ :‬ربا الواحد يكون الشخص نصرانيا‪ ،‬فيخرج من النصرانية ساخطا عليها‪ ،‬وآخر يهوديٌ يرج من اليهودية ساخطا‬
‫على اليهودية ؛ لن ما فيها باطل؛ لكن ل يوجد شخص مسلم يدخل السلم ويعرفه ويفقهه تاما‪ ،‬ث يرج من السلم؛ لن هناك أخطاء ف السلم‪،‬‬
‫أو هناك نقاط ضعف ف السلم‪ ،‬ل يكن؛ لكن ربا يرج من السلم لمور دنيوية‪ ،‬ولذلك قال هرقل ‪ :‬هل هناك أحد من السلمي ارتد عن دينه‬
‫سخطةً لدينه؟ ‪-‬يعن‪ :‬ساخطا على دينه‪ -‬ل يوجد‪ ،‬لذلك قال أبو سفيان ‪ :‬ل‪ .‬ففي السلم قد يرتد الشخص إما لنه حديث عهد بالسلم ول يفقه‬
‫السلم؛ وإما لنه ل يريد دفع الزكاة‪ ،‬وإما لنه أُغْرِي بال‪ ،‬فـعبيد ال بن جحش الذي ارتد ف البشة ‪ ،‬وكان من مهاجري البشة وارتد ف البشة‪،‬‬
‫إنا ارتد لظ ف نفسه‪ ،‬وليس لجل ضعف ف الدين السلمي‪ ،‬وهذه نقطة مهمة‪ ،‬وهي أنه ل يوجد أحدٌ يدخل ف الدين ‪-‬والمد ل‪ -‬ويفقهه جيدا‬
‫فيتركه ساخطا عليه‪ ،‬وهذا ربا يقع ف أديان أخرى‪ ،‬أما ف السلم فإنه ل يقع‪ ،‬لكن ربا يعن لوىً؛ كمال‪ ،‬أو أغروه بنصب مثلً؛ فهذا ُيمْكِن‪.‬‬

‫تعامل هرقل مع الدسيسة ف كلم أب سفيان‪:‬‬


‫كذلك نقطة مهمة‪ :‬هرقل عندما قال أبو سفيان ‪ :‬لكن نن الن ف مدة ل ندري ماذا يصنع فيها ممد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأدخل هذه الدسيسة يقول‬
‫أبو سفيان ‪( :‬فوال ما التفت إليها من) ‪ :‬هرقل عاقل وذكي‪ ،‬أخذ إجابات أب سفيان بالنص‪ ،‬والدسيسة الت أدخلها أبو سفيان ف الكلم قال‪ :‬لكن‬
‫الن نن ف هدنة ل ندري ماذا يصنع فيها‪ ،‬هذه الدسيسة الوحيدة الت استطاع أن يُدخلها‪ ،‬ومع ذلك هرقل ما التفت إليها‪.‬‬

‫الغن والهل سببان ف الصد عن سبيل ال‪:‬‬


‫كذلك ف هذا الديث‪ :‬أن أتباع الرسل أكثر ما يكونون من الفقراء‪ ،‬لاذا؟ لن العظماء والغنياء يصرفهم غناهم وعظمتهم عن الق؛ لن السلم‬
‫سيزيل شيئا من مزاياهم‪ ،‬أو من ميزاتم‪ ،‬فالن هرقل لو دخل ف الدين سيصبح مسلما عاديا‪ ،‬يعن‪ :‬مُلْكُه سيزول‪ ،‬وسيتنازل عن ملكه‪ .‬أبو جهل مثلً‪:‬‬
‫إذا أسلم فإنه سيقلّد النب عليه الصلة والسلم زمام المور‪ .‬ما الذي منع عبد ال بن أب من السلم‪ ،‬وصار منافقا؟ كانوا يريدون أن يتوجوه ملكا على‬
‫الدينة ‪ ،‬فلما جاء السلم شرق به وغص‪ ،‬ما هضم القضية‪ ،‬لاذا؟ لن النصب الذي كان سيعيّن فيه حُرِم منه بسبب دخول الدين الديد إل الدينة ‪.‬‬
‫إذا‪ :‬من أسباب صد كثي من العظماء والغنياء عن الدين والق الغن والهل‪ ،‬لذلك النب صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما ذئبان جائعان أرسل ف غنم‬
‫بأفسد لا من حرص الرء على الال والشرف لدينه) يعن‪ :‬الال والاه يفسدان دين النسان أكثر من إفساد الذئب الائع للغنم؛ وهذه مسألة مهمة‪.‬‬

‫اليان إذا وقر ف القلب فإن صاحبه ل يرتد‪:‬‬


‫كذلك ف هذا الديث‪ :‬أن اليان إذا خالطت بشاشته القلوب فإن صاحبه ل ينحرف‪ :‬ولذلك كثي من النتكسي ما خالطت بشاشة اليان قلوبَهم‪ ،‬أو‬
‫أنا ل تلزمهم هذه البشاشة وتبقى معهم‪ ،‬ولذلك انتكس‪.‬‬

‫الوف على النفس ينع من اتباع الق‪:‬‬


‫كذلك ف هذا الديث‪ :‬أن الوف على النفس قد ينع الشخص من اتباع الق ‪ -:‬هرقل يقول‪( :‬وال إن لعلم أنه نب مرسل‪ ،‬ولكن أخاف الروم على‬
‫نفسي‪ ،‬ولول ذلك لتبعته) ولو أن هرقل تفطن إل قول النب صلى ال عليه وسلم‪( :‬أسلم تسلم) لكان ما أصابه شيء؛ لكن مع ذكائه ما تفطن لقوله‬
‫عليه الصلة والسلم‪( :‬أسلم تسلم) مع أنه قال‪( :‬لو أن كنت عند النب صلى ال عليه وسلم لغسلتُ عن قدميه ‪-‬يعن‪ :‬مبالغة ف العبودية والدمة له‪-‬‬
‫وقال‪ :‬لو علمت أنه هو لشيت إليه حت أقبّل رأسه وأغسل قدميه) وكان وقعُ الرسالة على هرقل كبيا يقول‪( :‬ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من‬
‫كرب الصحيفة) أي‪ :‬عندما قُرِئ عليه كتاب النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬وما يقوي أن هرقل آثَرَ مُلكه على اليان واستمر على الضلل‪ :‬أنه حارب‬
‫السلمي ف غزوة مؤتة سنة (‪ )8‬هـ بعد هذه القصة بأقل من سنتي‪ ،‬فإن السلمي نزلوا ف معان ؛ معان ‪ :‬معروفة ف أرض الشام ‪ ،‬ونزل هرقل ف مائة‬
‫ألف من الشركي وحدثت غزوة مؤتة ‪.‬‬

‫الختصار ف الدعوة إل ال‪:‬‬


‫وكذلك فإن ف هذا الديث‪ :‬أن النسان عليه أن يتصر ف الدعوة بأسلوب حسن واضح‪ :‬فإن الرسالة كانت متصرَة غاية الختصار‪( :‬بسم ال الرحن‬
‫الرحيم من ممد رسول ال إل هرقل ‪ .‬أدعوك بدعاية السلم) يعن‪ :‬دعوة السلم وهي‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال‪( .‬أسلم تسلم)‬
‫وهذا ف غاية البلغة‪( .‬يؤتك ال أجرك مرتي) ‪ :‬لاذا؟ لنك تكون آمنت بالنب الول‪ ،‬وآمنت بالنب البعوث‪ ،‬وكذلك يكون لك الجر مرتي؛ لن‬
‫بإسلمك يكن أن يسلم أعدادٌ من قومك فتنال مثل أجرهم أيضا‪.‬‬

‫فائدة فيمن تري عليه أحكام أهل الكتاب‪:‬‬


‫وأخذ العلماء من الديث‪ :‬أن كل من دخل ف دين النصرانية ُيجْرَى عليه أحكام أهل الكتاب ولو كان أصلً ليس من بن إسرائيل‪ :‬يعن‪ :‬البوذي‬
‫الندوسي إذا تنصّر هل نأكل ذبيحته؟ نعم‪ .‬إذا دخل ف الدين‪ ،‬يُجرى عليه حكم أهل الكتاب‪ .‬وقال بعض العلماء‪ :‬الكتاب هو من كان أبواه كتابيي‪،‬‬
‫فهذا الذي تؤكل ذبيحته‪ .‬فأهل الكتاب لم أحكام خاصة مع كفرهم تييزا لم عن بقية الشركي من ل أساس لدينهم أصلً‪ .‬وكذلك فإن ف قوله‪:‬‬
‫(فإن توليت فإن عليك إث الريسيي) وهم ال ّزرّاع والفلحون الذين كانوا ف ملكته‪ ،‬وفيه أن الصاغر والضعفاء أتباع الكابر والقوياء‪ :‬ويقول لـهرقل‬
‫‪ :‬إذا أصدرت على الكفر فإن كل هؤلء الضعفاء القلدين لك ف ملكتك من ال ّزرّاع والفلحي إثهم عليك‪ ،‬تكسب مثل إثهم‪ ،‬قال‪ ( :‬فإن عليك إث‬
‫الريسيي ) ‪ .‬ففيها‪ :‬أن من كان سببا ف إضلل غيه فإنه يتحمل مثل إثه‪َ :‬ولََيحْمُِلنّ أَثْقَاَل ُهمْ وَأَثْقَالً َمعَ أَثْقَاِلهِمْ [العنكبوت‪ . ]13:‬وَمِنْ َأ ْوزَا ِر الّذِينَ‬
‫ُيضِلّوَن ُهمْ بِغَيْرِ عِ ْلمٍ أَل سَاءَ مَا يَ ِزرُونَ [النحل‪ . ]25:‬إِذْ تَبَرّأَ اّلذِينَ اتّبِعُوا مِ َن اّلذِينَ اتّبَعُوا [البقرة‪ . ]166:‬بعض العلماء قالوا‪ :‬إن ف هذا الديث دليل‬
‫على جواز قراءة النب للية واليتي‪ ،‬وبإرسال بعض القرآن إل الكفار‪ :‬فإذا ل يقصد النب التلوة جاز؛ كأن يقول النب مثلً‪ :‬رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا‬
‫ب النّارِ [البقرة‪ ]201:‬وقصد الدعاء فل حرج‪ ،‬فالنب ل يوز له أن يقرأ القرآن عند جهور العلماء؛ إل إذا قاله‬ ‫َحسَنَةً َوفِي الْآخِرَةِ َحسَنَةً َوقِنَا َعذَا َ‬
‫ليس على سبيل التلوة وإنا على سبيل الدعاء أو الذكر‪ ،‬كأن قال‪ :‬سُْبحَا َن اّلذِي َسخّرَ لَنَا َهذَا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِيَ [الزخرف‪ ]13:‬لو ركب دابةً‪ ،‬أو‬
‫دعا بدعاء هو جزء من آية أو آية‪.‬‬

‫حصول التأييد للنب صلى ال عليه وسلم بأشياء كثية‪:‬‬


‫كذلك ف هذا الديث‪ :‬أن التأييد للنب صلى ال عليه وسلم حصل بعدة أشياء ‪ -:‬حت من جهة الن‪ ،‬وحت من جهة الكهان‪ ،‬وحت من جهة النجمي‪.‬‬
‫يعن‪ :‬الن الكهانة والتنجيم ليس فيها علم الستقبل‪ ،‬ول علقة للنجوم بالحداث الرضية‪ .‬ما معن قول هرقل لا نظر ف النجم قال‪( :‬هذا ملك هذه‬
‫المة)‪ ،‬أو‪( :‬هذا مَلِك التان) مَلِكُ التان‪ ،‬أهل التان‪ ،‬هذا ملكهم؟ أراد البخاري رحه ال أن يبي أن الشارات للنب صلى ال عليه وسلم جاءت من‬
‫كل طريق‪ ،‬وعلى لسان كل فريق؛ من الكاهن والنجم‪ ،‬النسي والن‪ ،‬تعاضدت كلها‪ ،‬مع أن علم النجوم والستدلل بالنجوم على الحداث الرضية‬
‫باطل‪ ،‬والكهنة ل يعلمون الغيب؛ لكن اجتمعت كل الدلة ف وقت البعث على هذا‪ ،‬يعن‪ :‬عرفوا النب عليه الصلة والسلم بالطرق الصحيحة وبالطرق‬
‫الباطلة‪ ،‬عرفوا أنه سيخرج‪ ،‬وإل هرقل كان حزّاءً ينظر ف النجوم ويتكهن‪ ،‬والكهان يستندون إل إلقاء الشياطي‪ ،‬يعن‪ :‬ما يلقيه الشيطان ف نفس هذا‬
‫الكاهن‪ ،‬وبعضهم يسترقون الب من السماء ويأتونه بالب‪ ،‬فطرق الق وطرق الباطل كلها اجتمعت على خروج وبعثة النب صلى ال عليه وسلم‪ .‬كان‬
‫قوم هرقل يظنون أن التان ف اليهود فقط‪ ،‬ولذلك قالوا لـهرقل ‪ :‬ل تقلق‪ ،‬إذا كنت تشى من الختوني‪ ،‬الختونون هم اليهود‪ ،‬اكتب إل كل الدن‬
‫الت فيها يهود ف ملكتك يذبونم وتنتهي القضية‪ ،‬ل ُي ِهمّنّك شأنم‪ ،‬ما كانوا يعرفون أن التان ف السلمي‪ ،‬ما كانت وصلت الخبار‪ ،‬ث وصلت‬
‫الخبار بعد ذلك وعُرف عن طريق هذا الرسول الذي جاءهم بالرسالة أن السلمي يتتنون‪ .‬ث إن ضغاطر ‪-‬وهو من عظماء الروم‪ -‬لا بلغه مبعث النب‬
‫صلى ال عليه وسلم أظهر إسلمه وألقى ثيابه وخرج على الروم فدعاهم إل السلم وشهد شهادة الق فقاموا إليه فضربوه حت قتلوه‪ ،‬ولذلك هرقل‬
‫خاف أن يلقى نفس الصي‪ ،‬فلم يسلم ث ركب رأسه بعد ذلك وحارب السلمي ف موقعة مؤتة ‪ ،‬فحصل أن بعض عظماء الروم قد أسلموا فعلً‪ ،‬ولن‬
‫قيصر قرأ الكتاب وطواه ث رفعه‪ ،‬فستكون لدولته بقية‪ ،‬وأما كسرى فلنه مزق الطاب‪ ،‬النب صلى ال عليه وسلم دعا عليه أن ُيمَزّق ملكه‪ ،‬فلن تكون‬
‫لم بقية‪ .‬قال السهيلي ‪ :‬أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب ف قصبة من ذهب تعظيما له‪ ،‬وأنم ل يزالوا يتوارثونه حت كان عند ملك الفرنج الذي تغلب‬
‫على طليطلة ‪ ،‬ث كان عند سِبْطِه‪ ،‬قال‪ :‬فحدثن بعض أصحابنا أن عبد اللك بن سعد ‪ -‬أحد قواد السلمي‪ -‬اجتمع بذلك اللك‪ ،‬فأخرج له الكتاب‪،‬‬
‫فلما رآه استعبه‪ ،‬وسأله أن يكنه من تقبيله فامتنع ‪-‬امتنع النصران أن يترك السلم يقبل الكتاب‪ -‬فيقال‪ :‬إن الرسالة ‪-‬رسالة النب صلى ال عليه وسلم‬
‫إل هرقل ‪ -‬بقيت عندهم‪.‬‬
‫بيان حقيقة قوله تعال‪( :‬وَمَا َأرْسَلْنَاكَ ِإ ّل رَ ْحمَةً لِلْعَالَمِيَ)‬
‫والقصة تبي حلقة من حلقات الدعوة الت كانت موجودة عند النب صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكيف أنه نفذ قول ال تعال وأمره بالدعوة للعالي‪ :‬وَمَا‬
‫َأرْسَلْنَاكَ ِإلّا رَ ْحمَةً لِلْعَاَلمِيَ [النبياء‪ . ]107 :‬وفيها فوائد كثية‪ ،‬ذكر بعضها الافظ ابن حجر رحه ال ف الفتح ‪ .‬فنكتفي بذا القدر‪ .‬ونسأل ال‬
‫سبحانه وتعال أن يعلنا من النقادين إل الق الريصي على اتباعه‪ .‬وال أعلم‬

You might also like