You are on page 1of 20

‫النحو العربي والبنوية ‪ :‬اختلفها‬

‫النظري والمنهجي*‬
‫للستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح‬
‫هذا المذهب الجديد‪ ،‬ولسيّما ما‬ ‫إن الذي نقصده بالبنوية هو‬
‫ثبتت صحته فيه عند جميع العلماء‬ ‫المذهب اللغوي العلمي الذي ظهر‬
‫وهو شيء حسن إذ لبد من أن‬ ‫في أوربا وأمريكا في بداية القرن‬
‫يراجع العلماء نظرياتهم ومناهجهم‬ ‫العش رين الميلدي وتطور وبلغ‬
‫العلمية كلّما اقتضى الحال؛ لن‬ ‫أشده في نهاية الربعينيات‪ .‬وهو‬
‫سير العلم ل يتوقف عند قوم دون‬ ‫يدعو إلى دراسة اللغة كنظام‬
‫قوم في تاريخ البشرية ‪ ،‬إل أن ذلك‬ ‫وكبنية لها وجود سابق لوجود‬
‫يقتضي أيضا أن نمعن النظر فيما‬ ‫أجزائها ومكوناتها( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫نقول عنه إنه " قد ثبتت صحته "‬ ‫وقد عرف جمهور المثقفين‬
‫ول نتسرع في الحكم على ذلك‪ ،‬بل‬ ‫العرب في زماننا هذا البنوية‬
‫نطيل البحث عما أدى غيرنا إلى‬ ‫الغربية منذ عهد قريب وسبقهم‬
‫الحكم بصحة ما يقوله البنويون أو‬ ‫بعض من أوفد إلى أوربا للدراسات‬
‫أكثره ‪.‬‬ ‫العليا في اللغة فاتفق أن كانت‬
‫أما النحو العربي الذي نقصده‬ ‫البنوية هي السائدة في الجامعات‬
‫فهو نحو‬ ‫الوربية أنذاك وذلك على شكل‬
‫عشرةكلمن مؤتمر الدورة الثالثة والستين‪ ،‬يوم الحد ‪ 21‬من ذي‬
‫التاسعة في‬
‫مدرسة‬ ‫يتزعمفيكل‬
‫الجلسة‬ ‫مدارس البحث‬
‫* ألقي هذا‬
‫ببعضآذار ) سنة ‪1997‬م‪.‬‬
‫من مارس (‬ ‫القعدة سنة ‪1417‬ه ‪ ،‬الموافق ‪30‬‬
‫اشتهر‬ ‫بلد أستاذ كبير‬
‫وصل إليه‬ ‫ما‬ ‫أو‬ ‫وأصحابه‪،‬‬ ‫الخليل‬
‫() ‪ Structuralism‬نقول " بنوي " كما نقول " قروي " و " تربوي "و" طهوي " وغير ذلك‪.‬‬
‫النحو في زمانه وزمان سبيوية‬ ‫الفكار في مذهبه البنوى‪ .‬وقد‬
‫وفي عهد أتباعهما الكبار‪ .‬والسبب‬ ‫جاءت هذه البنوية بأفكار علمية‪،‬‬
‫في ذلك أنهم هم المبدعون للنحو‬ ‫نظرية‬
‫العربي ونظرياته الصيلة العميقة‬ ‫ومنهجية جديدة‪ ،‬مهمة ومفيدة‬
‫ولم يبلغ الذين تلوهم ( بعد القرن‬ ‫بالنسبة لما كان متعارفا عليه في‬
‫الرابع ) من البداع والعمق ما‬ ‫الغرب قبل ظهورها‪ .‬أما بالنسبة لنا‬
‫بلغوه إل بعض الفذاذ القلئل‪،‬‬ ‫‪ ،‬معشر العرب ‪ ،‬فقد طرح السؤال‬
‫والرضي‬ ‫السهيلي‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫عن إمكانية الستفادة مما يوجد في‬
‫‪197‬‬
‫والصغرى‪ ،‬وكلهما يبحث عن‬ ‫الستراباذي ‪ .‬فهؤلء وحدهم‬
‫كيفية تركيبها بعضها في بعض‪،‬‬ ‫يمثلون في اعتقادنا ‪ ،‬أصالة النحو‬
‫إل أن فضل اللسانيات الغربية على‬ ‫العربي وروعته ‪.‬‬
‫سابقاتها يكمن في اهتمامها الكبير‬
‫الذي أظهرته في القرن التاسع‬ ‫ولذلك فسنحاول أن نتبيّن فيما‬
‫عشر بتحول اللغات إلى لغات‬ ‫يلي ما هي الفوارق الجوهرية التي‬
‫أخرى عبر الزمان‪ ،‬وذلك لم يتبادر‬ ‫يفترق فيها النحو العربي عن‬
‫إلى ذهن القدامى (لسباب تاريخية‬ ‫البنوية‪ ،‬وفي الوقت نفسه ما هي‬
‫محضة ل لنقص في عقولهم ) ( )‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫وهو الذي يسمونه بتطور اللغات‬ ‫القيمة العلمية لهم ما اختصت‬


‫( المرور على أطوار تتحول فيها‬ ‫بإخراجه كل واحدة من هاتين‬
‫مثل الكائنات الحية )‪ .‬وفضل‬ ‫النظريتين ‪ .‬ولبد أن نتبين قبل ذلك‬
‫البنوية ه و أنها فتحت الباب من‬ ‫ما هي أهم ما اتفقت فيه البنوية مع‬
‫جديد‪،‬‬ ‫النحو العربي إذ ل يمكن أن تتم‬
‫المفاضلة بين شيئين إل إذا اشتبها‬
‫وعلى أسس علمية جديدة‪ ،‬أيضًا‬
‫ولو بوجه ‪.‬‬
‫غالى‬
‫علم‬ ‫أنكتابنا ‪:‬‬
‫بعد انظر‬
‫النيةالزمان (‬
‫للدراسةاللغة عبر‬
‫( )أَبدى سبيوية والخفش بعض الملحظات القيمة في تحول‬
‫الدراسة في‬
‫كثيرة‬ ‫بحصرهم‬
‫دياكرونية في أقوال‬ ‫التاريخيوننظرة‬
‫اللسان العربي وعلم اللسان العام ‪ ،‬المقدمة )‪ .‬وقد كان للخليل أيضا‬
‫وليس " من " " ل" و"أيس"‪.‬‬
‫الوجهة التاريخية وحدها ‪ .‬وأفضل‬ ‫العربي‬
‫النحووأن "‬
‫فيه ل" "‬
‫يتفقمن "‬
‫اشتقاقه لما" لن "‬
‫منها‪-‬بعض‬‫‪1‬‬

‫من هذا هو حملها الباحثين في‬ ‫مع اللسانيات البنوية‬


‫تاريخ اللغات على أن يتتبعوا تطور‬ ‫أ‪ -‬إن لكل العلمين موضوعًا واحدًا‬
‫هو اللغة في ذاتها‬
‫بُنَى اللغة ل تطور جزئياتها‬
‫تهتم دراسة اللغة عند النحاة‬
‫منفردة‪.‬‬ ‫العرب والبنويين باللغة في ذاتها‪،‬‬
‫إل أن هذا الفضل الكبير جدّا‬ ‫ومن حيث هي أي من حيث كونها‬
‫الذي ل يمكن إنكاره‪ ،‬لبد أن‬ ‫أداة للتبليغ أو التعبير عما يكنه‬
‫يقترن التنويه به بتنويه ما أخرجه‬ ‫النسان‪ ،‬ول تلتفت إلى ما كانت‬
‫القدامى من العرب وغيرهم من‬ ‫قبل أن تصير إلى ما هي عليه ‪.‬‬
‫النظريات العميقة وما اكتشفوه من‬ ‫فهي دراسة آنية لزمانية‬
‫أسرار اللغات فتوارثه الناس‪ ،‬ولكن‬ ‫( سنكرونية ل ديا كرونية على حد‬
‫مشوّهًا بعد القرن السادس الهجري‬ ‫تعبير دى سوسور) فكلهما يتناول‬
‫فيما يخص العرب‪ .‬وذلك مثل ما‬ ‫اللغة بالتحليل إلى أجزائها الكبرى‬
‫‪198‬‬
‫أصحاب اللغة المراد تحليلها‬ ‫قاله العلماء الهنود عن لغتهم‬
‫والبحث فيها‪.‬وأن يقتصر على هذه‬ ‫السنسكريتية‪ ،‬ويقرّ‬ ‫المقدسة‬
‫المدونة ( ‪ ) Corpus‬هي وحدها‪ ،‬فل‬ ‫البنويون إقرارًا نزيهًا بفضلهم‬
‫يجسر على تغيير شيء منها‪ ،‬ول‬ ‫عليهم‪ ،‬بل ويذهب الكثير منهم إلى‬
‫يلجأ إلى ذلك في الستشهاد بشيء‬ ‫أن أفكارًا كثيرة في البنوية قد سبق‬
‫من خطابات الباحث نفسه أو‬
‫جماعة غير الجماعة المعنية بتلك‬ ‫إليها الهنود ( ) ‪ .‬وذلك مثل التمييز‬
‫‪1‬‬

‫اللغة ‪.‬‬ ‫الحاسم بين الصوت الدال وتأدياته‬


‫ونجد نفس التحرج عند النحاة‬ ‫المختلفة‪.‬وهذا الصوت الذي تتألف‬
‫العرب؛ إذ ل يمكن أن يستشهد إل‬ ‫منه الوح دات الدالة هو عند‬
‫بما هو ثابت ل يرد وما هو موجود‬ ‫أفلطون جنس من الصوات‪ ،‬فهو‬
‫في دواوين العرب التي دوّنها‬ ‫عنده كما قال سوسور ‪:‬‬
‫العلماء من الشعر والكلم المنثور‬ ‫كيان مجرد وليس بمادة‪،‬وقد ألحت‬
‫والمثال‪ ،‬ول يلجأ إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫البنوية على ضرورة التمييز بين‬
‫فكل منهم يراعي الواقع كما هو ‪.‬‬ ‫الصوت كمادة للحرف وبين الوحدة‬
‫ومما يترتب على ذلك هو‬ ‫الصوتية التى هي جنس من‬
‫العتماد الساسي على المشاهدة‬ ‫(‬ ‫الصوات وبالتالى مفهوم‬
‫والسماع لما عند العرب مع معاينة‬ ‫‪ )concept‬له مميزاته ‪ .‬وذلك مثل‬
‫(والشواهد‬ ‫أحوال الخطاب‬ ‫مفهوم النسان فهو تصور‬
‫في النحو ما هي إل معطيات‬ ‫لمميزاته وقد فصل ذلك أرسطو في‬
‫يستدل بها النحوي )‪ .‬فكل من‬ ‫كتبه المنطقية‪ .‬وأفاد الغربيون مما‬
‫النحاة والبنويين يجعلون المشاهَد‬ ‫ترجم إلى اللتينية من كتب النحو‬
‫المسموع بالفعل هو مادة البحث‬ ‫العربي‪ ،‬ول سيما مفهوم العمل‬
‫والمنطق لكل تحليل‪ ،‬وقد يحاول‬ ‫الذي أحياه من جديد تشومسكى في‬
‫النحاة أن يفسروا هذا الواقع‬ ‫أيامنا هذه ‪.‬‬
‫بوسائل عقلية‪ ،‬قد ل تعرفها البنوية‬ ‫ب‪ -‬ينطلق البنويون من واقع اللغة‬
‫– كما سنراه – إل أن الرجوع إلى‬ ‫كظاهرة وكذلك النحاة الولون‬
‫السماع في كل محاولتهم هو‬ ‫تريد البنوية أن يُعتمد على‬
‫الساس ‪ .‬أما فكرة المدونة اللغوية‬ ‫مجموعة معينة من الخطابات‪،‬‬
‫يدونها اللغويون في عين المكان‬
‫الذي يعيش فيه‪ ،‬في زمان معين‪،‬‬
‫‪199‬‬

‫() نقل إلى اللغات الوربية بعض ماكتبوه في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ‪.‬‬
‫في تفسير ظواهر القلب والبدال‬ ‫المغلقة فهي شيء اختصت به‬
‫()‬
‫والعلل والحذف وغير ذلك ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫البنوية‬
‫وهو من أعظم ما أنتجه فكرهم‬ ‫جـ‪ -‬دورة التخاطب ( ‪The process of‬‬
‫وأهمه بالنسبة إلى التفسير العلمي ‪.‬‬ ‫‪ )communication‬وظواهرها‬
‫‪ -2‬أهم ما يوجد من الفوارق بين‬ ‫إن اللغة أداة للتبليغ‪ ،‬وتلك هي‬
‫النحو والبنوية‬ ‫أهم وظائفها‪ .‬وتحاول البنوية أن‬
‫‪ -‬المعيارية والوصفية ‪:‬‬ ‫تتفهم الظواهر اللغوية باللجوء إلى‬
‫إن هذا الجانب هو أهم كثيرًا من‬ ‫مبدأي القتصاد والفرق‪ .‬أما‬
‫جميع الجوانب التي تخص اللغة؛‬ ‫القتصاد فهو ميل المتكلم إلى‬
‫لنه الجانب الذي تكثر فيه الحكام‬ ‫التقليل من الجهود العضلية‬
‫الخاطئة في زماننا هذا‪ ،‬بل الوهام‬ ‫والذاكرية‪ ،‬التي يبذلها في عملية‬
‫الرهيبة عند علماء اللسان سواء‬ ‫التخاطب‪ ،‬وقد لجأ أيضًا النحاة إلى‬
‫منهم الغربيون أو الباحثون العرب‬ ‫مبدأ الستخفاف في تفسير ظواهر‬
‫‪.‬‬ ‫كثيرة‪ ،‬مثل‪ :‬الحذف والدغام‬
‫إن أهم ما تفتخر به البنوية هو‬ ‫والختلس‪ ،‬وتبين لهم أن بعض‬
‫مذهبها الوصفي‪ ،‬وتعتبره المذهب‬ ‫الحركات المحدثة للحروف إذا‬
‫الوحيد الذي يستحق أن يوصف‬ ‫تتالت استثقلها الناطق‪ ،‬كالخروج‬
‫بأنه علمي‪ ،‬وتغلو في ذلك أيما‬ ‫من الضم إلى الكسر أو ككثرة‬
‫غلوّ‪ .‬ويجب قبل أن نتطرق إلى‬ ‫تتالي الحركات المصوتة‪ ،‬وغير‬
‫ذلك أن نذكر أن الن زعة الوصفية‬ ‫ذلك ‪ .‬أما الفرق فهو ضد ذلك أي‬
‫المغالية تعارض نزعتين في‬ ‫ميل المتكلم إلى البيان أي إلى تبيين‬
‫الحقيقة ‪ :‬الن زعة إلى الحكم على‬ ‫أغراضه للمخاطب وتخوفه من أن‬
‫العبارات بأنها صواب أو خطأ؛‬ ‫يلتبس كلمه عليه بكثرة الحذف‬
‫لنها موافقة أو مخالفة لمعيار‬ ‫والختصار وغير ذلك ‪.‬‬
‫اجتماعي ما ‪.‬‬
‫والن زعة الثانية هي محاولة تعليل‬
‫النحاةل يمكن أن يتم إل بإغلق العينّة من المعطيات‪ ،‬وجعلها‬ ‫الوصف ما يعيره‬
‫الموضوعي للغة‬ ‫أن واحد‬‫ترىكل‬
‫ويعرف‬
‫() فهي‬
‫‪.‬‬ ‫اللغوية‬ ‫الظاهرة‬
‫تحليله واستشهاده ‪ .‬فوصفه ‪ ،‬كما يقول البنويون‪ ،‬ل يخص‬
‫العلمي‬ ‫التحليل‬ ‫بأن‬ ‫القول‬ ‫أما‬ ‫للتخفيففيمن‬
‫أهميةإليها الباحث‬
‫التي يرجع‬
‫الوحيدةمن‬ ‫المادة‬
‫الولون‬
‫إل تلك العينة‪ ،‬وهذا في نظرنا هو موقف سلبي عقيم إذ يجب على الباحث أن يعتمد على ما جمعه هو‪،‬‬
‫معطياتعن‬
‫بعضهم‬ ‫الباحث‬
‫امتناعصحة‬ ‫يقتضي‬
‫الباحثين على‬ ‫للغةإجماع‬ ‫أخرى‪،‬‬
‫بالجماع‪ .‬لن‬ ‫جهة ثابت‬
‫منمما هو‬ ‫اللبس‬
‫سابقوه‬ ‫ولرفعجمعه‬
‫جهة كل ما‬
‫وعلى‬
‫بالتلقين إل‬
‫المكتسبةبالحكم‬
‫غير بحثه‬ ‫تخص اللغات‬
‫موضوع‬ ‫التي في‬ ‫هو الذي يضمن الموضوعية ( ويجب أل تغلق المدونات‬
‫التدخل‬
‫بذهاب أصحاب هذه اللغات ‪ .‬انظر فيما يلي)‪:‬‬
‫‪200‬‬
‫أصحابها ؟ وأي لغة في الدنيا يمكن‬ ‫على ما يدونه من المعطيات‬
‫أن ينطق فيها الناطق بأي شيء‬ ‫بالصواب أو الخطأ؛ فهو صحيح ل‬
‫بدالة دون أن يخضع لما تعارف‬ ‫مراء فيه؛ لن الباحث الن زيه ل‬
‫عليه أصحابها ؟‬ ‫يحكم على المعطيات إل بما فيها‪،‬‬
‫فكيف يمكن أن نكتفي بالوصف‬ ‫ل بما يعجبه فيها أو يعجب فئة‬
‫لجانب واحد من اللغة‪ ،‬وهو‬ ‫قليلة جدّا من المجتمع ‪ .‬وإن صدر‬
‫وحداتها وكيفية تقابلها بعضها إزاء‬ ‫منه هذا فهو تحكم محض وخروج‬
‫بعض كما يفعله الوصفيون‪،‬‬ ‫عن العلم ‪.‬‬
‫ونت رك كيفية صياغتها‬ ‫وعلى هذا فإن النحو العربي –‬
‫مثل النحو التقليدي الوربي – ل‬
‫يكون إل معياريّا إذ قد يقول‬
‫التي تضبطها الضوابط‪.‬ولماذا‬ ‫أصحابه في كل مناسبة‪:‬‬
‫نهدر الوصف للضوابط التي تجعل‬ ‫إن هذا حسن‪ ،‬وذاك قبيح‪.‬‬
‫بعض العبارات صحيحة ‪،‬‬ ‫ويكون النحوي – مثل سيبويه –‬
‫وعبارات أخرى ل تحصى غير‬ ‫في هذه الحكام من أبعد الناس عن‬
‫صحيحة ؟ وقد وقع هاهنا تخليط‬ ‫العلم الموضوعي إذ يفضل –‬
‫بين الحكم الذاتي الذي يمكن أن‬ ‫حسب أقوالهم – معيارًا على آخر‪.‬‬
‫يصدر من الباحث وبين الحكم‬ ‫والحق غير هذا الذي يقولونه عن‬
‫الص ادر من الناطقين باللغة‬ ‫النحو العربي ( بالنسبة إلى سبيويه‬
‫أنفسهم‪ .‬فالمعيار كظاهرة يجب‬ ‫وأصحابه ) وذلك لسباب منها ‪:‬‬
‫العتداد به‪ ،‬وهو هذا المجموع‬ ‫‪ -1‬أن معيار اللغة ظاهرة من‬
‫المنسجم من الضوابط التي يخضع‬ ‫الظواهر‪ ،‬وهي تخص سلوك‬
‫لها بالفعل كل الناطقين أو أكثرهم ‪.‬‬ ‫الناطق بها‪ ،‬فل يمكن أن تهدر في‬
‫ومن هنا نفهم معنى الكثرة واهتمام‬ ‫البحث بدعوى أن الحكم بالصواب‬
‫النحاة الكبير بهذا المفهوم وسنرى‬ ‫والخطأ تحكم محض‪ .‬فأين هي‬
‫ذلك فيما يلي‪:‬‬ ‫اللغة التي يقول عنها أصحابها‬
‫‪ -2‬أن قولهم ‪ ":‬هذا جيّد‪ ،‬وذاك‬ ‫كلهم‪ :‬إن الصواب والخطأ اللغوي‬
‫ردىء " إنما يخص الخروج عن‬ ‫سيان عليهم ‪ ،‬وأية لغة في الدنيا‬
‫القياس أي الباب ل أي خروج‪،‬بل‬ ‫يخطيء الناطق بها عرضًا في‬
‫عبارة معينة‪ ،‬فل يقوّمه أحد من‬
‫‪201‬‬
‫آخر وهو الصل أل وهو النتماء‬ ‫ذلك الذي يكون قليلً جدّا في‬
‫الصلي"لما" إلى الحروف ل إلى‬ ‫استعمال الفصحاء ( ) وهم السليقيون‬
‫‪1‬‬

‫باب الفعل الناسخ ‪ .‬أما إدراجها في‬ ‫من الناطقين ‪ .‬وهم ل يعتبرونه‬
‫ب اب النواسخ‬ ‫لحنا أي خروجًا مطلقًا عن‬
‫العربية‪.‬فكل‬
‫دخولهاولمعلى‬
‫يتأثر‬ ‫هنا هو‬
‫بالسليقة ل بالتلقين‬ ‫الجامع اللغة‬
‫() الفصاحة هنا هي لغوية محضة وهي صفة الناطق (الذي يعرف‬
‫فليس‬
‫في‬ ‫النواسخ )‬
‫ويعتمد‬ ‫والخبر أومثل‬
‫لهجة معينة‪،‬‬ ‫المبتدأوصف لغة‬
‫ببيئة لغوية أخرى غير بيئته‪ .‬ول يعقل أن يحاول الباحث‬
‫يختار‬
‫وقد في‬ ‫الناطقين بها ‪.‬‬
‫بكثرة‬ ‫أنه وجد‬ ‫إلجماعة‬ ‫بأصليمثلوا‬
‫ذلك على ناطقين ل يتقنون هذه اللغة إذ ل يمكن حينئذ أن‬
‫أو حي يوجد فيه أكثر من لغة أو لهجة ومتداخلة أحيانا‬ ‫وجههأو"(مدينة‪،‬‬
‫‪)1/274‬‬ ‫إقليم معين‪،‬‬
‫علىلغةغير‬
‫أجرىيصف‬
‫الباحث أن‬
‫ما‬
‫معنى‬ ‫ًا‬
‫ض‬ ‫أي‬ ‫يفسر‬ ‫وهذا‬ ‫الستعمال‪.‬‬
‫كثيرة‪ ،‬فل يمكن أن يقول بأنه يصف إحدى هذه اللغات فقط وهي متداخلة مع غيرها‪.‬ومفهوم‬
‫أن لغة تميم هنا أقيس‬ ‫جني‬
‫‪Native‬‬ ‫قول‪ :‬ابن‬
‫‪speaker‬‬
‫أو وض ع في غير موضعه‬
‫الفصيح عندهم هو قريب جدّا مما يسميه تشومسكيو غيره‬
‫"‬
‫(الخصائص ‪ ) 1/125‬أي أقرب إلى‬ ‫" (‪ ") 1/8‬ولم يستعمل أصلً أو‬
‫القياس الصلي وقول سيبويه بأن‬ ‫استعمله القليل من الناس‪ ،‬وتركته‬
‫اللغة الحجازية في فكّ الدغام في‬ ‫عامة العرب الموثوق بعربيتهم‬
‫الفعل المضاعف نحو ‪ " :‬اُرْدُدْ"‬ ‫فإنهم ينعتونه بالقبيح أو الضعيف‬
‫هي " اللغة القديمة الجيدة " (‬ ‫أو الردىء‪،‬وإن كان المستعمل منه‬
‫‪ ) 424/2‬لنها جاءت على الصل ‪.‬‬ ‫جائزا إذ هناك فرق عندهم بين‬
‫وكذلك قوله عن عدم إمالة أهل‬ ‫"المستقيم القبيح" على حد تعبير‬
‫الحجاز ‪ " :‬الحجازية هي اللغة‬ ‫سيبويه ( ‪ ) )1/8‬وبين القبيح الذي ل‬
‫الولى القدمى " (‪ )41/2‬أى هي‬ ‫يستقيم أبدًا‪ ،‬ول يجوز لنه جمع‬
‫الصل إذ المالة فرع لنها تحدث‬ ‫بين شذوذه عن القياس وعدم‬
‫عن سبب معين ‪.‬‬ ‫وجوده إطلقا في الستعمال‪.‬‬
‫أما الفتح ( عدم المالة ) فهو‬ ‫(ويكون غالبا نتيجة لعملية قياسية‬
‫أصل لنه غير مسبب ( المنظور‬ ‫غير سليمة أو شيء سمع من فرد‬
‫هنا ليس هو الصل في الزمان كما‬ ‫واحد أو أفراد غير موثوق بلغتهم‬
‫يصرح بذلك ابن جني (الخصائص‬ ‫أو برواية ضعيفة) ‪.‬‬
‫‪.) 265/1 -256 ،‬‬ ‫وقد يكون في الستعمال قياسان‬
‫وأما ما يوافق القياس‪،‬أصليّا كان أم‬ ‫اثنان (أو أكثر ) فيكون أحدهما‬
‫فرعيّا‪ ،‬وكان كثيرًا في الستعمال‬ ‫الصل‪ ،‬والخر فرعًا عليه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫فإن سيبوبه وأصحابه ينعتونه‬ ‫لغة الحجاز في تشبيه "ما " "بليس‬
‫بأنه"عربي كثير"أو" عربي‬ ‫" ولغة تميم التي تخضع لقياس‬
‫‪202‬‬
‫() وهذا يفسر معنى قوله " جيدة " فى " اُردُدْ " فليس ذلك لنها الصل بل لنها لم تخالف قياسًا‬
‫وكانت كثيرة في الستعمال‪ .‬وهذا دليل على أن سيبويه لم يحاول أبدًا أن يفرض لغة أهل الحجاز( أما‬
‫مفهوم الصل ومفهوم الفرع فهما من أسس المنهجية العلمية العربية كما سنراه ) ‪.‬‬
‫و"لغة أهل الحجاز " " لغة هذيل "‬ ‫جيد"(والكتاب مفعم بهذه العبارات)‬
‫تدل عند سيبويه على اللهجة‬ ‫()‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫بمعناها المحدث أى ‪ ، Dialect‬وليس‬


‫وفي ذلك درجات ( جيد‪ ،‬وأجود‪،‬‬
‫المر كذلك‪ .‬فإن سيبويه يريد بهذا‬
‫وكثير‪ ،‬وأكثر‪ ،‬وأعرف) ومهما‬
‫اللفظ‪:‬الستعمال اللغوى الخاص‬
‫كان‪ ،‬فإن سيبويه وأصحابه ل‬
‫بجزء أو عنصر واحد من اللسان‬
‫يعدّون الكثير الستعمال قبيحًا أيّا‬
‫ُيسْمَع إما من جميع العرب أو‬
‫"الشواذ‬ ‫كان ( ) ويقول بأن‬
‫‪1‬‬

‫أكثرهم‪،‬مثل قوله ‪":‬وذلك لغة جميع‬


‫كثيرة" (‪ )273/1‬أي الشواذ عن‬
‫العرب إلّ أهل الحجاز " ( كسر‬
‫القياس ‪ .‬ويقول" إنما هذا القل‬
‫حرف المضارعة ) ( ‪ ) 256/2‬و "‬
‫( بالنسبة إلى نظائرها ) نوادر‬
‫إنها لغة كثيرة في العرب " (‬
‫تُحفظ ول يُقاس عليها " ( ‪.)216/2‬‬
‫‪ )316/1‬وإما من جماعة معينة‬
‫ومعنى ذلك أنها عربية كثيرة وقد‬
‫وذلك كلغة هذيل في جمع المعتلّ‬
‫ل يجوز غيرها‪ ،‬إل أنها قليلة في‬
‫العين من فَعْلة بفتح العين‪ ،‬وإعمال‬
‫بابها أى بالنسبة إلى نظائرها ‪ ،‬فل‬
‫أهل الحجاز " ما " وعدم الهمز‬
‫يجوز القياس عليها‪ ،‬وذلك‬
‫عندهم‪ .‬فهذه كلها كيفيات في الداء‬
‫مثل‪":‬استحوذ" و" أغْيل" و" باقل‬
‫كلها جزئية‪ ،‬ول تدل كلمة لغة فيها‬
‫" من " أ ْب َقلَ " عوض مبقل وغير‬
‫أبدًا على لهجة بأكملها‪ .‬والدليل‬
‫ذلك‪ .‬وبالفعل لم يسمع من العرب‬
‫على ذلك قول الكتاب‪ " :‬ذيت ففيها‬
‫الموثوق بلغتهم اسْتحَاذ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ثلث لغات … (‪ ." )48/2‬وأم ا‬
‫ل يجوز أن نقول " استقوم " قياسًا‬
‫مَ ْع ِد يكربِ ففيه‬
‫على " استحوذ " إذ أكثر ما سُمع‬
‫وغير قبيح في الشعر كما هو معروف لمجيئه في هذا‬ ‫فقط‪. ،‬‬
‫المنثورالواو‬
‫الكلمقلب‬‫البابفي هو‬
‫يكون قبيحًا‬
‫()منوقد هذا‬
‫بكثرة دون ذاك‪ .‬وهذا أيضًا دليل على أن العلماء القدامى لم يخلطوا أبدًا بين النثر والشعر ‪.‬‬
‫عنبكيفية رائعة‪ ،‬وتوسع فيه ابن جني كما هو معروف‪.‬‬ ‫بالتفسيرالشاذ‬
‫والتوضيح‬ ‫العلماءغير‬
‫تناوله بابه‬
‫فالشاذذلك عن‬
‫(‪)2‬كل‬
‫لغات " (‪ )50/2‬أي فيه عدة كيفيات‬ ‫عامة‬ ‫استعمال‬
‫المتأخرين ‪.‬‬ ‫الستعمالهذا (‬
‫على الكثير من‬ ‫وقد استغلق‬
‫في استعمال العرب لها ول يمكن‬ ‫)‬ ‫‪2‬‬‫(‬
‫العرب )‪.‬‬
‫أن تقوم كلمة " لهجة " مقامها هنا‪.‬‬
‫فالكيفية الخاصة بجزء من اللسان‬
‫ليست هي اللهجة كلها ‪ .‬وهذا الوهم‬
‫هذا ويعتقد بعض الباحثين أن كلمة‬
‫هو سبب الحكام الخاطئة التي‬
‫"لغة" في قولهم " لغة تميم "‬
‫‪203‬‬
‫ويمكن أن أقول في الخير‪ :‬إن‬ ‫يحكم بها بعض الباحثين على أقوال‬
‫المعيار اللغوي بالنسبة للعربية هو‬ ‫سيبويه وأصحابه ‪ .‬وقد ساعد ذلك‬
‫عند النحاة الولين مجموع النماط‬ ‫أيضًا على تبني فكرة المستشرقين‬
‫والموضوعات اللغوية والساليب‬ ‫التي تجعل من الفصحى اللغة‬
‫الكلمية‪ ،‬التي كان يستعملها عامة‬ ‫( ‪) Koiné‬‬ ‫المشتركة الدبية‬
‫العرب الذين وصفوا بالفصاحة ‪.‬‬ ‫وتميّزها عن " لغات العرب " التي‬
‫وأما أن تكون هذه النماط قد‬ ‫هي عندهم لهجات مغايرة في‬
‫تغيرت مع الزمان ( من أقدم‬ ‫الستعمال للغة المشتركة‪ .‬ومع ذلك‬
‫الشعراء‬ ‫فلم ينصّ أحد من العلماء الذين‬
‫علىوفيهم اللمعي العبقري – الذين عاشوا في وسط العرب‬ ‫الفصحاء‬
‫العلماء –‬ ‫العربالعشرات من‬‫شافهوانترك شهادة‬
‫()فكيف‬
‫السليقيين‪ ،‬ونقيس وضعهم اللغوي على الوضع اللغوي اليوناني القديم‪ ،‬أو نقيسه على الوضع الخاص‬
‫صارت "‬
‫العربية بالنسبة لهال يحصل عليها إل بالتلقين ؟ ونعجب‬ ‫خارج عن‬ ‫مشترك‬
‫وحديثًا وقد‬ ‫باللهجات لسان‬
‫العامية قديمًا‬ ‫وجود‬
‫أكدوا في‬
‫القدامى جيّدا ويحمّل جميع هؤلء العلماء هذه الغفلة الفظيعة ‪ :‬أن‬ ‫على كتب‬ ‫اطلع بل‬
‫العرب "‬
‫موقف من‬‫منلغات‬
‫يكونوا غفلوا عن وجود لغة مشتركة منفصلة عن " لغات العرب " مثل ما كان موجودًا وما يزال‬
‫موجودًا بين العاميات والفصحى ويتهمهم بالتالي بالتخليط بينها في وصفهم للعربية وما يعدونه‬
‫لهجات منفصلة عنها ‪ .‬أما أن يكون أسلوب القرآن والشعر مغايرًا لسلوب التخاطب اليومي‪ ،‬فهذا‬
‫راجع إلى التفنن اللغوي وكيفية استعمال اللغة‪ ،‬ل إلى اللغة في كيانها الذاتي‪ ،‬ومن ذلك الستعمال‬
‫الجاهليين إلى نهاية القرن الرابع)‪،‬‬ ‫المعجز للغة في القرآن ‪.‬‬
‫وكل‬
‫القراءمما‬
‫جميعفهذا‬ ‫فكأنه يكذّب‬
‫الماكن‪،‬‬ ‫بحسب‬‫وتنوعتوالشعر‬
‫(‪)2‬وإن شك شاكّ في صحة وجود هذه " اللغات " في القرآن‬
‫النحاة واللغويين ‪ ،‬معاذ ال ‪ ( .‬يمكن أن يرجع فيما يخص معاني كلمة " لغة " إلى ما كتبناه في مقال‬
‫شك فيه إل أنها تكون مع ذلك‬ ‫"لغة" في دائرة المعارف السلمية الطبعة الجديدة ‪ ،‬ل‬
‫ليدن ) ‪.‬‬
‫لغة واحدة في مُجملها؛ لنها مكّنت‬ ‫كل مناسبة أن هذه اللغات هي‬
‫العربي السليقي الذي عاش في‬ ‫أوجه من وجوه العربية (‪)Variants‬‬
‫القرن الثاني أو الثالث من فهم ما‬ ‫أي تنوّع محلى أو قَبَلىّ في‬
‫يقوله الشاعر الجاهلي‪ ،‬وأن يفهم‬ ‫استعمالهم للعربية الفصيح ة‬
‫م ا يقوله من كان يتنمى إلى قبيلة‬ ‫( المقابلة للعامية) (‪ .)1‬وأكبر دليل‬
‫أخرى في مختلف أماكن الجزيرة‬ ‫على ذلك هو وجود " لغات العرب‬
‫العربية‪ ،‬اللهم إل في بعض ما هو‬ ‫" أي تلك الستعمالت الخاصة‬
‫خاص بالجاهلية أو بالقبيلة المعنية‪،‬‬ ‫ببعض القاليم بكثرة في النصوص‬
‫أو خاص بخطاب معيّن له قصد‬ ‫التي تعتبر أنها جاءت باللغة‬
‫معيّن مثل ما جاء في القرآن من‬ ‫المشتركة الدبية‪ ،‬وهي القرآن‬
‫اللفاظ التي أحدثها السلم ‪ .‬أو ما‬ ‫والشعر (‪.)2‬‬
‫طرأ من لفظ مُحدَث فصيح‪ ،‬وغير‬
‫‪204‬‬
‫في اعتبار الباحث اللغوي‪ ،‬وما ل‬ ‫ذلك ‪ .‬واعتمادهم على أغلبية‬
‫دور له في ذلك فليس من ميدان‬ ‫الناطقين ( عامة العرب ‪ /‬أكثرهم )‬
‫البحث اللغوي؛ لنه ل دخل له في‬ ‫الفصحاء مع احترامهم لما يكون‬
‫عملية التبليغ‪ ،‬وإن كان له دور آخر‬ ‫أقل من ذلك‪ ،‬ول يخالف النمط‬
‫مهم ‪ .‬فما له سهم في ذلك يسمونه‪:‬‬ ‫بجعل هذا المعيار موضوعيّا؛ لن‬
‫‪ Relevant‬و ( ‪ Pertinent‬بالفرنسية)‬ ‫اتساع رُقعة الستعمال بالنسبة للغة‬
‫أي المعتبر في التحليل أو المعتبر‬ ‫الواحدة هو الذي يضمن هذه‬
‫الموضوعية‪ ،‬وقد أظهر سيبويه‬
‫وظيفيّا ‪ Fonctional‬أو الذي له دللة‬ ‫وأصحابه تحرّجا عظيمًا في ذلك‪،‬‬
‫كما يقول النحاة العرب ‪ .‬ويعثر‬ ‫وأمثل عبارة قالوها في ذلك هي‬
‫الباحث في الخطاب على معلومات‬ ‫‪":‬ول و‬
‫كثيرة ل تُحصى ل تأثير لها في‬
‫تأدية المعنى وهذا هو الذي يتركه‬ ‫قالت العرب ‪ :‬اضرب أي أفضل‬
‫اللغوي (‪ )1‬لغيره من الباحثين غير‬ ‫لقلته ولم يكن بد من متابعتهم " (‬
‫اللغويين ‪.‬‬ ‫‪ ) 398/1‬وهذه الخرى‪ ":‬فهذا أقوى‬
‫هذا كله صحيح إل أن اللغة ل‬ ‫من أن أحدث شيئًا لم تتكلم به‬
‫يمكن أن تحصر كلها في وظيفة‬ ‫العرب ( ‪ )89/2‬وغير ذلك كثير ‪.‬‬
‫التبليغ؛ إذ قد تصلح لشياء كثيرة‬ ‫‪ -3‬اختلف النظرة إلى اللغة وما‬
‫غير التبليغ وذلك كالتحليل للواقع‬ ‫يترتب على ذلك من اختلف في‬
‫(منه اللغة نفسها) والتأثير على‬ ‫مناهج البحث‬
‫المخاطب‪ ،‬وحمله على فعل معين‬ ‫أ)مذهبــ ــالوظيفيةــ ــفيــ ــالبنوية‬
‫وما يتعلق بالمنولوج‪ ،‬وما يحدث‬ ‫الوربية( )‪ :‬اللغة وليدة وظيفتها‬
‫‪1‬‬

‫من كلم النفس‪ ،‬وغير ذلك كثير ثم‬ ‫البيانية‬


‫إن هذه الوظيفة البيانية هي عند‬ ‫‪-‬الوظيفة البيانية ‪:‬‬
‫الوظيفيين في الحقيقة ‪ ،‬وظيفة‬ ‫تحدّد الوظيفيةُ اللغةَ وأبنيتها‪،‬‬
‫العناصر اللفظية في التمييز بين‬ ‫كما هو معروف‪ ،‬بوظيفتها ليس‬
‫معاني الكلم إذ المبدأ عندهم هو أن‬ ‫إل‪.‬وهذه الوظيفة عندها التبليغ‬
‫يتم تمايز المعاني بتمايز اللفاظ‪.‬‬ ‫والبيان ( ‪)Communication‬؛ فكل‬
‫وه ذا‬ ‫عنصر أو صفة لعنصر يساهم في‬
‫تأدية هذه الوظيفة يجب أن يدخل‬
‫‪205‬‬

‫الدانمركي فله نظرية‬ ‫‪Hjelmslev‬‬ ‫()وأهم ممثل لهذه الن زعة ‪ ،‬حلقة براغ المشهورة ومارتينى ‪ .‬أما‬
‫صورية خاصة ‪.‬‬
‫لذوات اللفاظ وحدها‪ ،‬حتى جعلوا‬
‫بنية اللغة كلها متوقفة عليها‪،‬‬
‫ومتولدة عنها‪ ،‬وهذا ما يخالفهم فيه‬
‫الكثير من العلماء حتى من البنويين‬ ‫صحيح فلول تباين اللفاظ لما‬
‫‪ .‬ولهذا الموقف الوظيفي المغالي‬ ‫حصل البيان عن المعاني إل أن‬
‫ومواقف أخرى مهمة سنراها‬ ‫اللغة ل ينحصر فيها التباين إل‬
‫تبعات خطيرة ‪ :‬منها النظرة‬ ‫بتباين عناصرها في ذاتها (‪ )2‬فهنا‪،‬‬
‫التأملية غير الجرائية التي امتازت‬ ‫علمات وأدلة في اللغة يمكن أن‬
‫بها البنوية ومنها التخليط بين‬ ‫يرتفع بها اللبس إذا اتحدت اللفاظ‪،‬‬
‫الوضع والستعمال‪ ،‬أي بين اللغة‬ ‫وذلك كالسياق عامة‪ ،‬وكعلمات‬
‫كنظام وبنية وبين استعمال‬ ‫العراب‪ ،‬وكاختصاص السم‬
‫الناطقين لها في واقع الخطاب ‪.‬‬ ‫بدخول حروف الجر عليه‬
‫وأما البنويون المريكيون فإنهم‬ ‫والوصف والضافة وغيرها‪،‬‬
‫ل يلجؤون أبدا إلى مفهوم الوظيفة‬ ‫واختصاص الفعل بدخول بعض‬
‫لتحديد الوحدات اللغوية‪ ،‬ول إلى‬ ‫الدوات عليه وغير ذلك ‪ .‬ولهذا ل‬
‫المعنى للتمييز بين الوحدات‬ ‫يجد المخاطب صعوبة في فهم‬
‫الصوتية كأجناس ومختلف تأدياتها‬ ‫الكثير من المشترك والمرادف ‪.‬‬
‫(‪ ) allophones‬كما سنراه (‪ )1‬أما‬ ‫أما ظاهرتا الشتراك والترادف‪،‬‬
‫موقف النحاة العرب من الف ادة أو‬ ‫فهما سر النجاعة التي تتصف بها‬
‫التبليغ فإنهم كانوا شديدي العناية‬ ‫اللسنة البشرية (‪ )3‬فكيف يمكن أن‬
‫بها إل أنهم جعلوا لها‪،‬كعامل‬ ‫تحصر اللغة في وظيفتها البيانية‪،‬‬
‫تفسير‪،‬ثلثة ميادين‪ :‬الول‪ :‬هو‬ ‫وأن تحصر هذه الخيرة في تمييز‬
‫مجموع الظواهر المتعلقة بإجراء‬ ‫الوحدات الصوتية وحدها بين‬
‫المعاني ؟‬
‫الخطاب ( أو ما يسمى بدورة‬
‫() وذلك كالجرس الخاص بصوت شخص معين والنغمات الدالة على حالة نفسية معينة وغير ذلك‪.‬‬
‫أن‬ ‫التخاطب ) يحاولون فيه مثلً‬
‫(‪ )2‬ويقول مثل هذا النحاة الذين عرفوا منطق أرسطو وأولهم في التاريخ هو أبو بكر بن السراج إل‬
‫المسماة‬
‫كل‬ ‫اللفاظعلى واضع‬ ‫دور‬
‫يوجبه النظر‬ ‫يفسروا" الذي‬
‫الرماني كما يقال )‪ .‬قال في كتابه الموسوم بكتاب الشتقاق‪:‬‬
‫أسماءتختلفالشارة‬
‫باختلف‬ ‫على ‪:‬‬
‫المعاني فحقها أن‬ ‫بالمبهمة‬
‫لغة أن يخص كل لفظ بمعنى لن السماء إنما جعلت لتدل‬
‫والضمائر والظروف (هي ‪Shifters‬‬ ‫المعاني (‪.)21‬‬
‫وقد علقة باعتباطية اللغة ولول ذلك للصق كل كلمة بمعناها الصلي ولما استطاعت اللغة‬
‫قصر‬ ‫في‬ ‫الوظيفيون‬ ‫بالغ‬ ‫(‪ )3‬وهذا له‬
‫عظيم‬ ‫شيء‬ ‫وهو‬ ‫)‬ ‫عند ‪Jackobson‬‬
‫التمييزية التصورات التي تحدث بعد في أذهان الناس‪ .‬ومن‬ ‫المسمياتالوظيفة‬
‫والمعاني الطارئة بل‬ ‫عن على‬ ‫اهتمامهم‬
‫أن تعبر‬
‫المعروف أن اللسان البشري قادر أن يعبر عما ل وجود له حسا وعل‪.‬‬
‫‪206‬‬
‫فئة منها تسمى الشفوية‪ ،‬فيمكن أن‬ ‫( أكثره يوجد في شروح كتاب‬
‫يرسم نظامها التمايزي على شكل‬ ‫سيبويه وشروح أخرى مهمة )‪.‬‬
‫شجرة كالتالي(‪: )2‬‬ ‫والثاني‪ :‬هو ميدان البلغة‪ ،‬ول‬
‫الشفوية‬ ‫سيما في علم المعاني‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬هو ميدان تفسير الشواذ‬
‫من الشفة‬ ‫من الشفتين‬
‫السفلى‬ ‫عن القياس ‪.‬‬
‫ف‬ ‫هذا ولم يحاولوا أن يفسروا آليات‬
‫لين‬ ‫جامد‬ ‫تفريع البنى من أصولها‪ ،‬وبالتالي‬
‫تولدها باللجوء إلي‬‫تفسير كيفية و‬
‫غير أغنّّ‬ ‫أغنّ‬ ‫هذه الوظيفة ‪.‬‬
‫ب‬ ‫م‬ ‫‪-‬الوضع والستعمال عند البنويين‬
‫وعند النحاة العرب ‪:‬‬
‫يدعى الوصفيون البنويون بأن بنية‬
‫اللغة تنحصر في نظ ام خاص‬
‫تنتظم فيه عناصر اللغة في كل‬
‫فهذا النظام التمايزى الجزئي هو‬ ‫واحد من مستوياتها بحسب تمايز‬
‫عند هم بنية وتندرج بدورها في‬ ‫كل عنصر عن العناصر‬
‫نظام تمايزي أوسع هو بنية‬ ‫الخرى‪.‬فهو إذن نظام تمايزي أو‬
‫تقابلي محض (‪Oppositional system‬‬
‫()‬
‫المستوى الصوتي العربي ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ولكونهم يقصرون البنية على‬ ‫)‪ .‬وه ذا‬


‫(‪ )1‬ما يسميه بلومفيلد " ‪" Fonction‬ليس هو الوظيفة إطلقا بل هو ما يسميه أتباعه بال ‪Distribution‬‬
‫النظام الندراجي النتمائى فإنهم ل‬ ‫انظر فيما يلي‪.‬‬
‫العناصر إل بانتمائها‬ ‫يحددون هوية‬ ‫عنصر‬
‫التقابل الرياضي الذي هو تناظر‪.‬‬ ‫كلوليس هو‬ ‫يكون‬
‫التمايز‪،‬‬ ‫يقتضي هناأن‬
‫هو مجرد‬ ‫(‪ )2‬التقابل‬

‫إلى فئة معينة‪ ،‬وبالتالي يكون‬ ‫مندرجًا في فئة يتميز فيها عن‬
‫التحديد عندهم بالجنس والفصل‬ ‫(‬ ‫أفرادها بميزات خاصة‬
‫(‪)3‬‬
‫فقط كما هو عند أرسطو تمامًا‬ ‫‪،)Features‬وكل فئة تندرج في فئة‬
‫فالفونيم – أو الوحدة الصوتية ‪ -‬هو‬ ‫أوسع تتميز فيها عن غيرها‬
‫مجموعة من الصفات المميزة كما‬ ‫بميزات أخرى‪ ،‬وهكذا حتى نصل‬
‫يقولون‪ .‬فالنظام كله وليد الوظيفة‬ ‫إلى الجنس العام الذي يشملها كلها‬
‫التمييزية ‪.‬‬ ‫فى مستواها‪.‬ولنأخذ مثال‪ :‬الوحدات‬
‫الصوتية (‪ )1‬في اللغة العربية ‪ ،‬بل‬
‫‪207‬‬
‫أن الشيء المُقام مَقام الشيء بما أنه‬ ‫أما المستوى العلى الخاص‬
‫وحدة دالة‪ ،‬فهم ا إذن من قبيل‬ ‫بالجملة فإن للبنوية المريكية‬
‫(‪)4‬‬
‫واحد تمامًا‪ .‬إل‬ ‫المسماة بالستغراقية أو القرائنية‬
‫طريقة خاصة أرقى كثيرًا من‬
‫طريقة الوربيين بالنسبة لهذا‬
‫المستوى‪ .‬يحاول أصحابها أن‬
‫يكتشفوا بها بنية الجملة وهي‬
‫كالتالي ‪:‬‬
‫تشترط هنا‬
‫السياق )‬ ‫المريكية‬
‫الخطية بحسب‬ ‫أنهذهالطريقة‬
‫الوحدات ورموزها‬ ‫() هي التي يسميها العرب الحروف ( وهذه الكلمة تدل على‬
‫وهي غير الصوات في ذاتها لن الحرف الواحد قد ينطق بكيفيات مختلفة بحسب التنوع القليمي أو تأثير‬
‫جديد – أن تكون‬ ‫– وهو شيء‬
‫الجوار كالجيم العربية مثل وأنواع هذه الجيمات هي ال ( ‪Variants‬أو ‪.) allophones‬‬
‫أصغر‪ .‬ما يمكن‬ ‫ُقامةوغير ذلك‬ ‫دوائر الم‬
‫رياضية‬ ‫الوحدة‬‫(‪ )2‬أو على شكل أقواس متداخلة [ م‪/‬ب] و‪/‬ف أو شكل‬
‫علمي‬‫علىفي أن‬
‫وخاصة‬ ‫دليلً‬ ‫يكونبه فيذلك‬
‫كل علم‪،‬‬ ‫حتىمعمول‬
‫(‪)3‬التحليل التصنيفي إلى أجناس وأنواع متداخلة هو شيء‬
‫الجملة‪ ،‬أو من كل‬ ‫الكائنات ‪.‬‬
‫الجزءأسرارمن‬
‫الحيوان والنبات‪ ،‬إل أنه ل يكتفي بذلك العلماء في اكتشاف‬
‫الكلمة بالتوزيعية مع أن معنى ‪ Distribution‬هنا ليس هو‬ ‫الجملة‬ ‫ريكي في‬
‫بعضهم هذه‬ ‫‪Distributionalism‬الم‬
‫ويترجم‬ ‫(‪)4‬يبحث اللغوي‬
‫ويريدحقيقة‪،‬‬
‫اللغويون‬ ‫هو ‪،‬‬ ‫التيفيتحتها‬
‫الكلم‪( .‬‬ ‫ّناتلغوي‬ ‫المكو‬
‫عنصر‬ ‫الكبرى‪ ،‬أنثميقترن بها‬ ‫مكوناتها‬
‫القرائن التي يمكن‬ ‫مجموع‬ ‫التوزيع‪ ،‬بلعن‬
‫التامة‬
‫(‪)1‬‬
‫المكوّن القريب لها أي المباشر ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫بها‬ ‫يحيط‬ ‫أن‬ ‫يمكن‬ ‫ما‬ ‫جميع‬ ‫باستغراق‬ ‫العناصر‬
‫يبحث في كل مكون منها عن‬
‫تحدد‬ ‫أن‬ ‫المريكيون‬
‫وقد رسم هذه العمليات التجزئية‬ ‫مكوناته‪ ،‬وهكذا بالتدريج حتى‬
‫المتدرجة اللغوي المريكي هوكت‬ ‫يصل إلى المكونات الصغرى التي‬
‫علَب(‪.)Boxes‬‬ ‫فمثّلها على شكل ُ‬ ‫ل تقبل التحليل في مستوى‬
‫فالجملة النجليزية ‪The boy opened :‬‬ ‫العناصر الدالة ( المورفيمات )‪ .‬أما‬
‫يمكن أن ترسم بنيتها‬ ‫‪his bag‬‬ ‫على أي مقياس يجزّئ هذه الشياء‬
‫حسب البنوية المريكية هكذا ‪:‬‬ ‫(‬ ‫إلى مكوناتها القريبة‬
‫)‬ ‫‪The Boy Opened‬‬ ‫‪His Bag 1‬‬
‫‪) Constituents Immediat‬فهو المقياس‬
‫‪)2‬‬

‫‪Boy Opened‬‬ ‫‪His hag 2‬‬


‫‪Opened‬‬ ‫‪His Bag 3‬‬ ‫الذي ل خلف فيه المعروف عند‬
‫‪Open Ed‬‬ ‫‪His Bag 4‬‬
‫‪The Boy Open Ed‬‬ ‫‪His Bag 5‬‬ ‫جميع اللغويين من أقدم العصور‬
‫ويمكن أن يرسم هذا على شكل‬ ‫إلى زماننا‪ ،‬وهو مقياس الستبدال‬
‫شجرة كما يفعله تشومسكي ‪:‬‬ ‫( ‪ permutation‬أو ‪ ) Commutation‬أي‬
‫بل) في مقالة له نشرها في مجلة ( ‪)Languages )1945 23‬‬ ‫لغوية ‪Wells‬‬ ‫اللغوي وحدة‬
‫المريكي ولس (‬ ‫إمكانيةذلك إقامة‬
‫() شرح‬
‫وحدات مقام قطعة من الكلم‪ ،‬ل‬ ‫ص ‪.)11-1‬‬
‫وذلكدونها ( السماع عند العرب ) جملة مثل ‪John opened‬‬ ‫المدونة التي‬
‫ل‬ ‫أم‬ ‫وحدةفي‬
‫أنه يوجد‬
‫هي‬‫الباحث‬
‫هل‬ ‫يلحظ‬
‫يعرف‬ ‫(‪)2‬‬
‫وليس فيه إل وحدتان فيبحث عما يكون مكافئًا منهما ( ‪ ) Expansion‬للول ثم‪ s‬للثاني‪ ،‬وبذلك يستدل‬
‫المكونان القريبان للجملة‪ .‬أما المكون الول فإنه مكافئ ل‬‫وبالتاليهماعلى‬ ‫كدليل على تكافُئهما‬
‫على أن ‪ boy the‬ثم ‪opened his bag‬‬
‫وهكذا‪)2‬حتى يصل إلى أصغر المكونات‪ ،‬ويكشف عن‬ ‫‪ That boy‬و الثاني مكافئ ل ‪open the door‬‬
‫(‬

‫‪208‬الجملة (كما يتصورونها ) في الوقت نفسه أي بفضل التحليل على درجات ‪.‬‬
‫بنية‬
‫تختلف نظرة النحاة واللغويين‬ ‫‪VP‬‬
‫‪NP‬‬
‫القدامى العرب إلى اللغة عن نظرة‬ ‫‪NP‬‬
‫البنويين لها في زماننا اختلفا‬ ‫‪V‬‬
‫جوهريّا في عدة نقاط‪ .‬فلئن كان‬ ‫‪A‬‬ ‫‪N‬‬
‫‪D‬‬ ‫‪N‬‬
‫يهتم كل طرف منهما بالنظام‬
‫الداخلي للغة وما تقوم به اللغة من‬
‫‪The‬‬ ‫‪boy V R‬‬ ‫‪T his bag‬‬
‫دور في الفادة فإن النحاة الولين‬
‫قد ميزوا جيدًا بين كل ما هو راجع‬ ‫‪Open‬‬ ‫‪ed‬‬
‫إلى الوضع م ن جهة أي ما يخص‬
‫اللفظ الموضوع للدللة على معنى‬ ‫فهذه الرسوم تمثل عند البنويين‬
‫وهذا المعنى المدلول عليه باللفظ‬ ‫المريكيين بنية هذه الجملة‪.‬‬
‫وحده‪ ،‬ومن ثم ما يخص بنية هذا‬ ‫والشجرة هي أمثل صورة لما قد‬
‫اللفظ بقطع النظر عما يؤديه في‬ ‫سبق أن لحظناه في مستوى‬
‫واقع الخطاب ( أي في حال من‬ ‫الحروف ( الحروف الشفوية) وهو‬
‫أحوال الخطاب الملموسة) ومن‬ ‫الشكل الندراجى المتداخل ‪ .‬وهذا‬
‫جهة أخرى ما هو راجع إلى‬ ‫الشكل ينطبق على كل ما يسميه‬
‫استعمال هذا اللفظ أي إلى تأديته‬ ‫حتى عند‬ ‫البنويون ‪Structure‬‬
‫للمعاني المقصودة بالفعل وهي‬ ‫تشومسكي الذي تبنى التحليل إلى‬
‫الغراض(‪ . )2‬وأكبر دليل على ذلك‬ ‫مكونات قريبة‪ ،‬وإن كان قد بين‬
‫هو استنباطهم أولً لبنى الكلم‬ ‫قصور هذا التحليل فصاغة من‬
‫والكلم بمناهج خاصة وما تدل‬ ‫(‪)1‬‬
‫أجل ذلك صياغة منطقية‬
‫عليه في الوضع ثم التفاتهم‪ ،‬بعد‬ ‫النظرية التوليدية ) وحاول أن‬
‫ذلك‪ ،‬إلى م ا تصاب هذه‬ ‫يصلح هذا النقص بإضافة مفهوم‬
‫التحويل وكان ذلك حادثًا حاسمًا في‬
‫البنى من التغيير في الستعمال‬
‫الذي ‪.‬يصاغ هذه الصياغة ل اللغة نفسها كما قد يتصوره بعضهم ‪.‬‬
‫الغربية‬ ‫اللسانيات‬
‫للغة هو‬ ‫() التحليل‬
‫بوحدة‬ ‫وحدة‬ ‫وإبدال‬ ‫والقلب‬ ‫بالحذف‬
‫((‪)2‬فالول يسميه اللغوي الفرنسي ‪ Benvenis-te‬الذي أدرك هذا الفرق جيدًا ( وكذلك مواطنه‬
‫يصابمقالبهه‪:‬‬ ‫وغير ذلك وما‬
‫‪ ( Sémantique‬انظر‬ ‫أخرىالخر ب‬
‫‪ J. Gagnepain‬ليس إل )‪ Sémiologiq-ue‬ويسمى الجانب‬
‫المعنى الوضعي من التغيير بسبب‬ ‫=البنية عند العلماء العرب ‪ :‬الوضع‬
‫الستعمال الذي يتصرف فيه‬ ‫والستعمال عندهم‬
‫والستعارة‬ ‫بالمجاز‬ ‫الناطق‬
‫‪209‬‬
‫علماء الفيزياء والحياء في‬ ‫والكناية‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬والدللة في‬
‫عصرنا هذا ‪ .‬ويلجؤون في ذلك‬ ‫هذه الظواهر هي دللة المعنى‬
‫إلى " حمل" هذه الفراد بعضها‬ ‫( معنى عند الجرجاني )‪ .‬فل‬
‫على بعض ‪ ،‬وذلك بجعل كل جزء‬ ‫يخلطون بين الدللة الوضعية وبين‬
‫منها إزاء الجزء الذي يقابله في‬ ‫غيرها كدللة الحال ودللة المعنى‬
‫المرتبة ويعتمدون هنا ‪ ،‬مثل البنوية‬ ‫هذه ( أو العقلية ) في تحديدهم لبنى‬
‫‪ ،‬على مقياس التكافؤ وهو صلحية‬ ‫اللغة وكل ما يرجع إلى الوضع ‪.‬‬
‫قيام الشيء مقام الشيء (الستبدال‬ ‫أما كيف يستنبطون البنُى دون أن‬
‫في الصطلح اللساني الحديث )‪.‬‬ ‫يلجؤوا إلى ظواهر التبليغ ( وما‬
‫إل أن البنوية تريد بذلك أن تعرف‬ ‫البلغة إل النظر في ظواه ر‬
‫عن الجزء من الكلم‪،‬هل هو وحدة‬ ‫التبليغ الناجع ل في بُنى اللغة في‬
‫قائمة بنفسها ( مورفنيم أو فونيم كل‬ ‫ذاتها) فان ذلك أساسه كلّه البحث‬
‫في‬ ‫عن " الجامع " أي عما يجمع بين‬
‫بالعتماد ‪ Sémiologie de la‬وقد وضح ذلك جيدًا عبد القاهر‬‫‪langue, probl،. De‬‬
‫الواحد‬ ‫‪ 1974‬الجنس‬
‫‪ling. Générale,‬‬ ‫=أفراد‬
‫التي الخليل وسيبويه ول يمكن أن تفهم أقوالهما في ميدان‬ ‫المميزة قدفقط‬
‫سبق إليه‬ ‫قبلهماصفاتها‬
‫بقرون‪ .‬وكل ذلك‬ ‫الجرجانيعلى‬
‫ليس‬
‫شراحهما أول وتلميذ هؤلء وهو عبد القاهر ( وقبله ابن جنى أيضًا )‬ ‫قاله‬ ‫ما‬ ‫بتدبر‬ ‫إل‬
‫تجعلها تندرج في ه ذا‬‫الدللت‬
‫إلى )أن‬ ‫اللتفات‬ ‫من‬ ‫لبد‬ ‫)‪.‬‬ ‫‪15/1‬‬ ‫(‬ ‫والعقلية‬ ‫اللفظية‬ ‫الفعل‬ ‫دللت‬ ‫في‬ ‫(انظر كلم سيبويه ‪ .‬مثلً‬
‫(‪1‬‬
‫تشومسكي‪.‬‬
‫هوأماجنسه‬ ‫ما‬ ‫وبالتالي‬ ‫)‬ ‫مستواه‬
‫هذين العالمين هما من علماء اللسانيات وليسا من المتخصصين في اللغة العربية‪.‬‬
‫فيريدون أن‬
‫ظهور‬ ‫العرب الوسطى بعد‬
‫النحاة في القرون‬
‫فهو كذلك إل أن له اطلعًا عميقًا على النحو العبريأماالذي حرر‬
‫يكشفوا ليس عن هوية الجزء‬ ‫كتاب سيبويه ‪.‬‬
‫وجنسه فقط وإنما عن مكانته‬ ‫الجنس‪ ،‬وإنما بالنظر في هيئتها‬
‫ودوره في المجموعة من أجزاء‬ ‫وزنتها‪ .‬فكل هذه الفراد التي‬
‫العبارة التي ينحصر فيها ‪ ،‬فبذلك‬ ‫تجمعها هيئتها تكوّن عندهم بابًا‬
‫تتحدد هويته ليس بإدراجه في فئة‬ ‫وهي نظائر بعضها إزاء بعض؛‬
‫بسيطة فقط وإنما ببنائه ‪ ،‬أو‬ ‫لنه يوجد فيما بينها تناظر ل‬
‫بتركبيه في مجموعة مرتبة ‪ ،‬لكل‬ ‫مجرد تشابه‪ ،‬إذ قد تختلف بعضها‬
‫جزء منها موضع خاص يؤدى فيه‬ ‫عن بعض اختلفًا شديدًا ‪ .‬وكلما‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذه‬ ‫عملً وضعيّا خاصّا‬ ‫اختلفت أكثر كان الجامع بينها – إن‬
‫المجموعة بهذا المعنى الرياضي‬ ‫وُجد – أعمق والبحث عنه أقرب‬
‫يسمونه بابًا وحدّا‬ ‫هي ما‬ ‫إلى المنهج العلمي كما يتصوره‬

‫‪210‬‬
‫ولول الترتيب المعين لما كان هناك‬ ‫وقياسًا‪،‬ورسمُه وتمثيلهُ يسمى‬
‫قياس أوحد ‪ .‬ويؤدى هذا الحمل إلى‬ ‫عندهم مثال‪.‬ولكل مستوى من‬
‫تجريد رياضي ل يكتفي فيه بتجريد‬ ‫مستويات اللغة حدود خاصة به‪.‬‬
‫الصفات المشتركة الذي ينتج عنه‬ ‫لتأخذ مثلً مستوى الكلم المتمكنة‬
‫الجنس ( الفئة البسيطة ) بل إلى‬ ‫فحدودها ومثلها في هذا المستوى‬
‫مثال‬ ‫وهي‬ ‫مجردة‬ ‫بنية‬ ‫هو من قبيل البناء‪ ،‬ويعنون بذلك‬
‫الكلمة‪،‬وتمثل فيها المتغيّرات‬ ‫أن أج زاءها مبنية بعضها على‬
‫برموز (‪ ( )3‬ف ‪ /‬ع ‪ /‬ل)‬ ‫بعض على مثال معين بحيث ل‬
‫الكلمةأصناف الوحدات ودليلها في ذلك هو فقط تكافؤها في‬
‫صنف من‬‫بتلشي‬
‫ِجها في‬ ‫تحذفُت ْدرإل‬ ‫وفي أن‬
‫الوقت نفسه‬ ‫(‪)1‬يمكن‬
‫تصور) مه هذه‬
‫أجزاء أخرى سبق أن عرفت كوحدات‪.‬‬ ‫ويمكن( أن‬
‫‪paradigmatic‬‬ ‫كلها‪ .‬الستبدالي‬
‫المحور‬
‫وىّنات الخرى في الفادة ‪.‬‬
‫المستالمكو‬
‫يؤديه مع‬
‫فيأنهذا‬ ‫الحمليةيمكن‬
‫النظر عما‬ ‫(‪ )2‬بقطع‬
‫العمليات‬
‫(‪ ) 3‬مثل الرموز الرياضية تمامًا ( الفاء تمثل أي حرف صامت من العربية في المرتبة الولى‬
‫والثوابت بالبقاء على أصلها ‪.‬‬ ‫وهكذا )‬
‫ويستنبط النحاة حدّ السم وحدّ‬
‫( أي السم والفعل بما‬ ‫الفعل‬ ‫ب = ملعب‬ ‫هكذا ‪ :‬أ = مكتب‬
‫يدخل على كل واحد منهما وهو‬ ‫مجلس المثال الجامع = مفعل‬
‫(‪)1‬‬
‫مستوى أعلى من الكلمة ) بحد‬ ‫أ‬
‫ج‬ ‫ب‬
‫م‬
‫آخر ‪ .‬والفرق بين هذا الحدّ وما‬ ‫فتح‬
‫م‬ ‫م‬

‫يخص الكلمة المفردة في ذاتها هو‬


‫تـــــرتيـــــب‬

‫فتح‬ ‫فتح‬
‫كـ‬ ‫تكافؤ = ترتيب‬
‫ج‬ ‫ل‬
‫وجود عناصر في داخله ل تُبنى‬ ‫سكون‬
‫سكون‬
‫‪:‬‬ ‫بنية مثالها‬
‫سكون‬

‫بعضها على بعض بل هي‬ ‫ت‬


‫ل‬
‫‪3‬‬ ‫عـل ( ) وهي‬ ‫م ْ‬
‫ف ِ‬ ‫َ‬
‫ع‬

‫" تدخل‬ ‫موصولة فقط لنها‬ ‫ب‬


‫فتح‬
‫كسر‬
‫بنية هذا الجنس‬
‫فتح‬
‫من الكلم‬
‫على السم المفرد أو الفعل وتخرج‬ ‫س‬ ‫ب‬

‫" كما يقول الخليل وذلك مثل أداة‬ ‫تكافؤ‬

‫التعريف وحرف الجر ( وقد ولم‬ ‫فالقياس والحد هنا ناتج عن انتماء‬
‫(‪)2‬‬
‫ولن بالنسبة للفعل ) ‪ .‬وهناك‬ ‫كل من " مكتب " و"ملعب "‬
‫فرق كبير جدّا بين التحليل البنوى‬ ‫و"مجلس " إلى جنس واحد هو‬
‫والتحليل العربي ‪ .‬فالبنويون‬ ‫اسم المكان الثلثي‪ ،‬وفي الوقت‬
‫ينطقون في هذا المستوى من‬ ‫نفسه من تواجد عناصر على‬
‫الجملة ويقطعونها بالعتماد على‬ ‫ترتيب معّين في كل واحد منها‬
‫‪211‬‬
‫مبدأ الستب دال مورفيما بحسب‬
‫تسميتها "لفظة" (اسمية أو فعلية)‬ ‫تسلس ل‬
‫لطلق الرضى " اللفظة" على ما‬
‫هو فوق الكلمة وتحت الكلم‬
‫مباشرة ‪.‬‬
‫أما مستوى الكلم (أو التركيب)‬
‫فيبحث هاهنا أيضًا عن المثال‬
‫المجرد الذي ينبني عليه أقل الكلم‬ ‫الكلم(‪ )3‬أو بالتجزئة إلى مكونات‬
‫المركب‪ ،‬وذلك بحمل كلم على‬ ‫متداخلة كما هو الشأن عند‬
‫(‬
‫آخر من جنسه (واجب وغير ذلك‬ ‫المريكيين ‪ .‬أما العرب فينطقون‬
‫‪ .)1‬ومعنى ذلك أنهم ينطلقون هنا‬ ‫من " أقل ما يتكلم به مفردًا " على‬
‫أيضا من أقل ما يمكن أن يتكلم به‬ ‫حد تعبيرهم وهو العنصر الذي‬
‫لكن فيما هو فوق السم كما‬ ‫يمكن أن ينفرد في الكلم وبذلك‬
‫حددناه) ‪ .‬وذلك مثل‪":‬زيد‬ ‫يتأكد الباحث أنه وحدة من وحدات‬
‫منطلق"وقام عبد ال‪ )2(".‬وينظر ما‬ ‫اللغة ( مع أنه كلم مفيد ) مثل‬
‫هي العناصر التي يمكن أن تدخل‬ ‫"كتاب " في جواب " ما هذا " ؟‬
‫على ذلك دون أن تخرجه عن كونه‬ ‫هي العناصر التي‬ ‫ثم ينظر ما‬
‫كلمًا واحدًا ‪ .‬وذلك مثل ‪:‬‬ ‫تستطيع أن تدخل عليه يمينًا وشمالً‬
‫ول تغيره عن كونه اسمًا واحدًا‪.‬‬
‫فبهذه الزيادات المتتابعة يتحدد‬
‫موضع كل عنصر طارئ وما‬
‫يؤديه فيه‪ ،‬ومجموع هذه المواضع‬
‫المرتبة تكوّن حدّ السم اللفظي‬
‫(أي الصوري) ل كمفردة بل"‬
‫كمجموعة تدخل عليه لوازمها‬
‫زيد منطلق‬ ‫‪ø‬‬
‫وتخرج"‪ .‬وق د اصطلحنا على‬
‫زيد منطلقًا أمس‬
‫زيدًا‬ ‫كان‬
‫() هذا المستوى لم يتفطن له إل ‪ J.Gagnepai-n‬الذي أشرناإنإليه‪ .‬وقد تنبه‬
‫منطلق‬
‫اللغويون المريكيون إلى أن‬
‫مورفيمات ولكنهم لم‬ ‫تحتوى على‬
‫منطلقًا‬ ‫الجملة ليست ناتجة عن تركيب مورفيمات بل عن تركيبحسبت‬
‫مجموعات زيدًا‬
‫تكافؤ‬

‫يحددوا مُثُلها كما فعله العرب ‪.‬‬


‫(‪ )2‬ومثل " مقام " فيتضح بالحمل المشار إليه وبالرجوع إلى أصلها أن الواو قد قلبت حرف مد‪ ،‬فيبحثون‬
‫عندئذٍ عن العلة أي عما صده عن وجهه على حد تعبير الخليل وغالبًا ما يلجؤون في التعليل إلى ظاهرتي‬ ‫‪212‬‬
‫القتصاد والفرق أو طرد الباب وغير ذلك ‪ .‬ول أدري لماذا يريد بعضهم أن تكون هذه العلل هي علل‬
‫أرسطو الربعة‪ .‬وكذلك القياس النحوي فهو أبعد شيء عن السلوجسموس‪.‬‬
‫(‪ )3‬التحليل التسلسلي عند الوظيفيين دليل على تخليطهم في منهجهم بين الكلم ‪ parole‬وبين اللسان‬
‫‪ Langue‬على الرغم من أنهم من أتباع سوسور‪ .‬أما اعتبار جميع البنويين الوحدات الدالة ( المورفيمات)‬
‫كلها كقطع صوتية فهو أيضًا من هذا القبيل مع تفطنهم لوجود النبر وإلى أن للترتيب دللة في جميع‬
‫المستويات فهذا الذي سميناه ‪ Linearism‬و ‪ Segmentalism‬هما طاغيان في البنوية إل في الستغراقية‬
‫المريكية بالنسبة إلى الول أو في تحليلهم إلى مكونات غربية ( وكذلك عند اللغوي الفرنسي ‪. ) Tesniére‬‬
‫المفعول فيه والمفعول لجله‬ ‫زيد عمًرا‬ ‫ضرب‬
‫والحال وغيرها‪ .‬وبنية الجملة‬ ‫وهو‬ ‫خالد عبد‬ ‫رأى‬
‫عندهم تتوقف أولً على هذه‬ ‫راكب‬ ‫ال‬ ‫ضرب‬
‫الكيانات بهذه الصيغة‪ ،‬وثانيًا على‬ ‫ظلمًا‬ ‫ت عمرا‬ ‫ضرب‬
‫ما يحتوى عليه كل كيان منها‬ ‫أمس‬ ‫ت ه‬ ‫‪1‬‬
‫‪4‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬
‫(مفردة تنتمي إلى فئة خاصة ككان‬
‫وإن وغيرهما وما يترتب على ذلك‬ ‫ترتيب‬
‫من الحكام) وثالثًا إلى ما تجيزه‬ ‫فيلحظ أن مجموعة (‪ )1‬تحتوى‬
‫العربية من التقديم والتأخير‪.‬‬ ‫على عنصرين يتحكم فيهما عنصر‬
‫آخر لفظًا ومعنى‪ ،‬فيسمونه عاملً‬
‫وتفطنوا إلى أن العامل في هذا‬
‫المستوى ل يتقدّم عليه أبدًا‬
‫المعمول الول‪ )3( .‬ثم لحظوا أن‬
‫موضع العامل قد يكون فارغًا‬
‫ويسمونه البتداء‪،‬‬
‫نستنتج مما سبق أن غاية البحث‬
‫(‪ )1‬الواجب عند سيبويه هو المُثبت أما غير الواجب فكالستفهام والشرط وغيرهما‪.‬‬
‫اكتشاف الوحدات‬ ‫هي مفيد‪.‬‬
‫البنويينوكلم‬
‫عندلفظة فعلية‬
‫(‪ )2‬أما مثل " قمت " أو " ضربته " فهو في الوقت نفسه‬
‫بتحديد‬ ‫وذلك‬ ‫اللغة‬ ‫منها‬ ‫تتكون‬ ‫التي‬
‫(‪ ) 3‬فإذا حصل أن ُقدّم "زيد " على " قام " في مثل " قام زيد " تغيرت البنية والدليل على ذلك‬
‫هويتها التي ليست عندهم إل‬ ‫العمليات الحملية التالية ‪:‬‬
‫صفاتها الذاتية ثم تصنيفها وهذا‬ ‫قام زيد‬
‫‪ ø‬زيد قا ‪ø‬‬
‫التصنيف يُبنى على التمايز‬ ‫م‬
‫الجنس العلى إلى ما‬‫الموضع من‬ ‫لفراغمن‬
‫المتدرج‬
‫أخوه ‪ ø‬علمة‬‫مثل "كان"‬ ‫وقد يكون كلمة‪ ø‬زيد‬
‫مفردة قا‬
‫عندهم بنية‪ .‬ويحصل‬ ‫تحته وهو‬
‫والضمير المستتر)‬ ‫اللفظ كالبتداء‬
‫لفظة‬ ‫يكون‬
‫م‬
‫و"إن" وأخواتهما‪ ،‬وقد‬
‫الوحدات)‬
‫المقتضب‪128/4 ،‬‬
‫مستوى‬ ‫اختلففيالبنية (‬
‫خاصة‬ ‫أي على‬
‫يكونالعبارتينهذا‬
‫بهذا الحمل استدل على أن الرافع مختلف في‬
‫(اسم وفعل ولوازمه ا ) وقد‬
‫الصوتية (‪.)1‬أما ما فوقه فيحاولون‬ ‫تركيبً ا كاملً‪ ،‬مثل ‪ " :‬أعلمت‬
‫فيه اكتشاف الوحدات الدالة بتحليل‬ ‫خالدًا ‪ /‬زيدًا منطلقًا" ‪.‬‬
‫الكلم التحليل التقطيعي الستبدالي‬ ‫ثم لحظوا أن عنصرًا رابعًا يمكن‬
‫إما بحسب تسلسل الكلم(‪ )2‬كما عند‬ ‫أن يُزاد إل أنه موصول وليس‬
‫الوظيفي ين وإما بكيفية سلمية كما‬ ‫مبنيّا مع العناصر الثلثة‪ ،‬وهو‬
‫عند المريكيين (‪.)3‬‬ ‫عنصر مخصص‪ ،‬ويدخل فيه‬
‫‪213‬‬
‫القياس أم لم يوافقه ( لنه قد يكون‬ ‫والجدير بالملحظة هو أن جميع‬
‫قياسًا فرعيّا قد طرأ وشاع )‬ ‫البنويين لكونهم ل يريدون أن‬
‫( ‪)4‬‬
‫فالمعيار إذن ليس ه و القياس بل‬ ‫يتجاوزوا الوصف‬
‫عندهم لهما‬
‫بإحصاء‬ ‫والضابط‬ ‫المستوى‬‫والعراف‬ ‫في فيالحقيقة ‪،‬‬
‫القنولوجية‪ .‬ويتمالكثر‬
‫الكتشاف في هذا‬ ‫بحثهم‪،‬‬
‫كلمهم‬ ‫()فقدولهذاقصروا‬
‫انحصر أكثر‬
‫الشاذ ب‬
‫ّرد ماأو يسمونه‬
‫المقابلةطبين‬
‫القياس إذا ا‬ ‫صفاتها هذا‬
‫الذاتية بمنهج‬ ‫الستبدال‪ ،‬ثمالوحدات‬
‫استخراج هو‬ ‫محور اكتشاف‬ ‫محاولة‬ ‫على‬
‫الحروف على‬
‫عنه الذي شاع وكثر (‪.)2‬‬ ‫‪ . Kill/Gill‬إلى ذلك‬
‫كما تنبّه‬ ‫وتصنيفها‬
‫‪ Minimal‬مثل‬ ‫‪pairs‬‬
‫(‪ ) 2‬وبين تشومسكي ما لهذا التحليل التسلسلي من النقائص بصياغته على شكل سلسل ماركوف‬
‫ويجب أن نتنبه إلى شيء مهم لم‬ ‫تشومسكي فكأن دراسة اللغة كلها‬
‫( انظر مقاله ‪Three Models for description of language, Readings in Math. Psych., 1965 :‬‬
‫المدرسة‬
‫الوحدات‬ ‫أصحاب‬
‫المؤدى إلى‬ ‫إليهفي التحليل‬
‫ينتبهأن يعتمد‬ ‫النص‬
‫بنوى المذهب‬ ‫رموز وهو‬
‫فكّتشومسكي‬ ‫على شيخ‬
‫مقصورةهاريس‬
‫(‪ ) 3‬وحاول‬
‫(‪)1‬‬
‫التوليدية وهو أن التحليل البنوى‬ ‫ويؤدى‪ .‬ذلك إلى العناية‬ ‫اللغوي‬
‫حصر قرائنها فقط‬ ‫على‬
‫تأثروا أيما تأثّر بمذهب اليجابية ويوصف بال ‪Positive‬‬ ‫خاصة )أهم‬
‫وتجاهل‬‫الوربيين‬
‫البنويين (وحده‬
‫المخاطب‬ ‫بدورشك أن‬
‫(‪ )4‬ل‬
‫هو من قبيل القسمة الفلطونية‬
‫ويقصد منه هذا النظر فيما هو واقع ثابت أو ما يمكن معاينته ل في الشياء الخيالية والميتافيزيقية أي‬
‫القسمة‬
‫القانون‬ ‫هذهعلى‬ ‫الطبيعيبها‬
‫ويطلق‬ ‫تتصف‬ ‫صفة‬
‫مقابل‬ ‫المتكلم‪ ":.‬الوضعي‬
‫وأهم" في‬ ‫وهوهذه الكلمة‬
‫التخاطبمعاني‬
‫المحسوس‪ .‬ومن‬ ‫اليجابي في‬
‫قطب‬
‫(‬ ‫اندراج شيء في شيء‬ ‫النحو من كلمةهي‬
‫‪. Positive‬‬ ‫المقصود هنا‬‫أصحاب‬
‫حاولوليس هذا هو‬ ‫متواضع عليه‬‫ولهذا‬
‫لنه‬
‫‪ ) Inclusion‬بينما التحليل العربي‬ ‫التوليدي التحويلي أن يعيدوا لسلوك‬
‫هو من قبيل القسمة التركيبية وهو‬ ‫المتكلم أهميته التي يستحقها‪،‬‬
‫إجراء شيء على شيء طردًا‬ ‫وخاصة محاولة التفسير لهم ميزة‬
‫وعكسًا (‪ . )Bijection‬والقياس‬ ‫تمتاز بها اللغة‪ ،‬وهي قدرة المتكلم‬
‫هذا‬ ‫النحوي العربي جوهره‬ ‫على التصرّف في بنى اللغة للتعبير‬
‫الجراء ول طرد ول انعكاس في‬ ‫عن أغراضه باستعمال البنى‬
‫القسمة الفلطونية ؛ ولذلك‬ ‫والوضاع المتعارف عليها فقط‬
‫فالقياس العربي أرقى كثيرًا لنه‬ ‫في وضع لغته‪،‬وبالتالي العبارات‬
‫يكوّن دائمًا ما يسمى في‬ ‫التي تنتمي إلى تلك اللغة وحدها‪.‬‬
‫الرياضيات الحديثة زمرة (‪Group‬‬ ‫وهذا هو الذي يسميه سيبويه‬
‫)‪ .‬وكل‬ ‫بالمستقيم الحسن‪ .‬ويدخل فيه ما‬
‫يستعمله عامة الناطقين أو الكثير‬
‫فكان لهم عذر وهو عدم فهم اللغوي منهم لجميع لغات الهنود الحمر ‪.‬‬ ‫أوافق‬ ‫منهم سواء‬
‫المريكيون‬ ‫( ) أما‬
‫(‪ )2‬وما أكثر ما يحصل من التخليط في زماننا بين المعيار والقياس ‪ ،‬ثم بين أنواع من الشذوذ مع أن‬
‫ابن جنى وقبله أبو علي والرماني وابن السراج قد بيّنوا كل ذلك جيدا كالشاذ عن القياس وهو كثير في‬
‫الرسطوطاليسىثقة أومبني‬
‫خالف‬ ‫الستعمال والشاذ في الستعمال وهو القليل والشاذ فيالمنطق‬
‫الرواية لنه رواه واحد أو غير‬
‫القسمةبابه‬
‫هذهقلته ) في‬
‫به ( أو‬
‫تتصفالشيء‬
‫علىنميّزمابين كثرة‬
‫جميع الرواة مع أنه شاذ في القياس ‪ .‬كما أنه ينبغي أن‬
‫(‪)1‬‬ ‫وكثرته في ذاته أي شيوعه الجغرافي كما رأينا ‪.‬‬
‫الفلطونية ‪ :‬حدّه وقياسه ‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫في‬ ‫بالفعل‬ ‫الصيغ الموجودة‬ ‫وأما مفهوم التحويل فل تعرفه‬
‫(‪)2‬‬
‫الستعمال‬ ‫( باسثناء هاريس وهو‬ ‫البنوية‬
‫وفي كل الحالين يوجد أصل‬ ‫شاذ ) وقد وفق تشكومسكي في‬
‫وفرع( أو فروع ) ‪ .‬أما الصل‬ ‫إحيائه وإدخاله في النظرية اللغوية‬
‫الذي هو منطلق كل تحويل فيقول‬ ‫غير أنه لم يجعله الساس في كل‬
‫عنه العرب‪:‬إنه " ما بُينى عليه ول‬ ‫شيء كما هو عند النحاة العرب‬
‫يُبنى هو على غيره " أو " ما يفرع‬ ‫الولين؛ وذلك لن إجراء الشيء‬
‫عليه الفروع " ‪ )3( .‬فالبناء هنا أو‬ ‫على الشيء هو عين التحويل بما‬
‫التفريع هو العملية التحويلية ‪.‬‬ ‫أن المحول والمحول إليه متكافئان؛‬
‫ويمكن أن نقول على إثر ما قالوه‪:‬‬ ‫فالتحويل ( مع عكسه ) من وجهة‬
‫إن الصل هو الشيء الثابت‬ ‫نظر المنطق ( الرياضي الحديث )‬
‫المستمر لنه يوجد في جميع‬ ‫تكافؤ غير اندراجي وهو هذا الذي‬
‫فروعه‬ ‫يحصل عليه بالقياس (أما الندراج‬
‫المفاهيم ثم‬
‫النحوية العربية التي هي نتيجة لهذا النوع من التحليل‬ ‫التكافؤ)‪.‬‬ ‫يحصل لنابهأن هذا‬
‫نجعل من‬ ‫فكيف يجوز‬ ‫()فل‬
‫العرب تحويلن ‪ :‬هذا‬‫عنديونانية ؟‬
‫التحويلمفاهيم‬
‫الجرائي‬
‫ظهر عند تشومسكي في النظرية النمطية ويربط بين البنية العميقة ( المقدرة )‬ ‫وهو الذي‬
‫يبحث به‬ ‫(‪) 2‬‬
‫الذي‬
‫والبنية السطحية إل أن ذلك ينطبق في هذه النظرية على كل تحويل بخلف النحو ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقد يقترب منه النحو التحويلي إل أنه يجعل من البنية الندراجية المنطلق للتحويلت على حين‬
‫يجع ل العرب الصل المنطلق منه أبسط الوحدات و"أقل ما يتكلم به مفرداً "والفرق كبير جدّا إذ‬
‫علمة له‬ ‫البنية ل‬
‫الجامعة ‪.‬‬ ‫ولذلك‬ ‫بإحللها زيادة‪،‬‬
‫مواضعها من‬ ‫مجموعة التحويلت هي التي تولد الوحدات نفسها مع‬
‫بالنسبة لفروعه؛ فهي تحتاج إلى‬
‫علمة مثل المذكر بالنسبة إلى‬
‫المؤنث‪ ،‬والمفرد بالنسبة إلى‬ ‫عن تكافؤ البنى ( توافق البناء عند‬
‫المثنى والجمع‪ ،‬والمبتدأ أو الخبر‬ ‫العرب) وهو الهم‪.‬‬
‫بالنسبة إلى الجملة التي تحتوي‬ ‫وتحويل تفسر به الشواذ عن القياس‬
‫على زوائد عليهما‪ ،‬والمضارع‬ ‫‪ .‬وهو السلسلة من التحويلت التي‬
‫بالنسبة إلى الماضي وغير ذلك‪،‬‬ ‫يتوصل بها من الصل الذي كان‬
‫وهكذا نلحظ أن الوحدات اللغوية‬ ‫ينبغي أن تكون عليه هذه الشواذ‬
‫والبنى‬ ‫إلى الصورة المستعملة التي هي‬
‫عليه أي بين صيغة مقدرة وبين‬

‫‪215‬‬
‫التي تدخل فيها " تولدها‪ ،‬عند‬
‫العرب" التحويلت نفسها بل‬
‫المجموعات من التحويلت هي‬
‫نفسها بنى بسبب ترتيبها(‪. )1‬‬
‫عبد ـ ــالرحمن ـ ــالحاج‬
‫صالح‬
‫عضو المجمع‬
‫المراسل‬
‫من الجزائر‬

‫‪216‬‬

‫() ينبغي أن نميز بين هذا النحو العلمي الذي يكثر فيه التجريد والتحليل والنحو التعليمي الذي ل‬
‫يراد منه إل الستعانة به على تحصيل الملكة اللغوية إل أن هذا النحو هو نتيجة عن استثمار ما‬
‫حققه النحو العلمي من جهة‪ ،‬وعلم تدريس اللغات من جهة أخرى‪.‬‬

You might also like