You are on page 1of 7

‫العملق السمر بقلم صفاء زكي مراد‬

‫‪2008 12 22‬‬
‫كنت قد أعطيت لنفسى اليوم أجازة من الجلوس أمام الكمبيوتر فإعتزرت عن إجتماع لجنة‬
‫التضامن العمالى بالقاهرة حتى يتسنى لى الجلوس مع أولدى اللذين جاءوا يهنئونى بمناسبة‬
‫يوم مولدى واتى الى كريم البحيرى والدكتور محمد فؤاد ثم ذهبت الى والدتى لمضى معها‬
‫بعض الوقت لتحدثنى عن سيدى بشر يوم مولدى كما هى العادة كل عام وبعدها تقابلت مع‬
‫مجموعة من أعضاء اتحاد أصحاب المعاشات … وقبل ان امضى الى منزلى قلت اشوف ”‬
‫التقدم ” عليها ايه فتفاجئت برسالة د‪.‬م‪ /‬منير مجاهد ” عن مقالة الستاذة ‪ /‬صفاء مراد …‪.‬‬
‫فإعتبرت هذه المقالة اجمل هدية اطالعها فى يوم مولدى ‪ 22/12/2008‬فرأيت ان من واجبى‬
‫ان اعيد نشرها‬
‫العملق السمر‬
‫صفاء زكي مراد‬
‫حين رحل يوسف صديق المناضل الشتراكي الثائر وعضو مجلس قيادة ثورة يوليو المغضوب‬
‫عليه سنة ‪ 1975‬رثاه أبي وكتب عنه قصيدة بعنوان (العملق السمر) قال فيها ‪:‬‬
‫“ كان العملق السمر حادا كالسيف …‪ .‬قويا كالطود…‪ .‬ورقيقا كشغاف القلب ‪،،‬‬
‫نفاذا كعبير الياسمين…‪ .‬كان ابنا بارا يعشق هذي الرض السمراء وهذا الشعب البناء ‪،،‬‬
‫يتقدم وقت العزم …‪ .‬يتراجع وقت الغنم …‪ .‬كان حبيب جنوده …‪ .‬صديق وعوده… كان‬
‫وكان ‪،،‬‬
‫ولكن ما معنى كان وكان …‪ .‬وما معنى حفلت التأبيـن وقد خسرت هذي الرض السمراء‬
‫وهذا الشعب البناء…‪ .‬هذا العملق العاشق …‪ .‬السيف المرهف …‪ .‬والقلب الشفاف‪”.‬‬
‫لم يكن أبي يعرف أنه بعد أقل من خمس سنوات من نظمه لهذه البيات سوف يرحل عنا هو‬
‫أيضا‪ ،‬وأننا أبنائه وتلميذه ورفاقه وأصدقائه سنرد إليه كلماته “ليوسف صديق” نهديها لروحه‬
‫ونرددها له حبا وحزنا وشوقا وتوقا‪ ،‬بعد تسعة وعشرين عاما على موته غدرا في ‪ 18‬ديسمبر‬
‫سنة ‪.1979‬‬
‫وُلد أبي في أول سبتمبر عام ‪ 1927‬في قرية “أبريم” بالنوبة وتلقى تعليمه الولي في مدرسة‬
‫القرية ‪ ،‬انتقل عام ‪ 1939‬إلى السكندرية ثم إلى القاهرة حيث درس في مدرسة حلوان‬
‫الثانوية ثم درس بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الول ( القاهرة) وتخرج فيها‪.‬‬
‫التحق منذ وقت مبكر بالتيار الماركسي للحركة الوطنية المصرية وشارك في ‪ 1946‬في‬
‫اللجنة الوطنية للطلبة والعمال مما أدى إلى إعتقاله السياسي الول في نفس هذا العام‪ ،‬ثم‬
‫اعتقل مرة أخرى في أبريل ‪ 1947‬لمناهضته للسلطة الملكية والحتلل البريطاني‪ ،‬ثم قبض‬
‫عليه سنة ‪1949‬بتهمة النضمام لتنظيم شيوعي ‪ .‬خلل هذه السنوات شارك بالكتابة في‬
‫العديد من المجلت الثورية بمقالت تعبر عن عمق وجسارة لزمت روحه حتى فاضت إلى‬
‫بارئها‪ ،‬من هذه المجلت ‪ :‬المليين‪ ،‬الجماهير‪ ،‬الكاتب‪ ،‬الواجب‪ ،‬الضمير ‪ ،‬الناس وأم درمان‪.‬‬
‫شارك عام ‪ 1951‬في لجنة الميثاق الوطني التي كونتها القوى الوطنية آنذاك وفي حركة‬
‫“حدتو” التي وضعت برنامج الجبهة الوطنية الديمقراطية للغاء معاهدة ‪ 1936‬وجلء القوات‬
‫البريطانية وتحقيق الديمقراطية للشعب ‪ .‬كما ساهم في تنظيم المقاومة الشعبية والكفاح‬
‫المسلح ضد قوات الحتلل البريطاني في منطقة القنال والتل الكبير‪.‬‬
‫وعندما قامت ثورة يوليو ‪ 1952‬كان من طليعة المؤيدين لها المدافعين عن توجهها الوطني‬
‫التقدمي‪ ،‬ولكن عندما اتخذت الثورة نهجا ديكتاتوريا استبداديا عارضها وانتقدها ودعا إلى‬
‫تشكيل جبهة وطنية ديمقراطية من أجل عودة الحياة النيابية ولرفض الحلف العسكرية‪ ،‬مما‬
‫أفضى به إلى السجن والعتقال مرة أخرى حيث قدم للمحكمة العسكرية برئاسة “الدجوي”‬
‫في نوفمبر ‪ 1953‬بتهمة تشكيل جبهة لسقاط النظام وحكم عليه بالشغال الشاقة ثماني‬
‫سنوات قضاها في سجن الواحات‪ ،‬ولم يخرج بعد انقضاء مدة العقوبة حيث صدر أمرا‬
‫باعتقاله وهو مسجون فظل معتقل حبيس السجن لمدة إحدى عشر عاما متصلة حتى يونيه‬
‫‪.1964‬‬

‫‪1‬‬
‫ثم كان في مقدمة من وقفوا بحسم ضد اتجاه التبعية وسياسات الستسلم التي انتهجها‬
‫السادات مما أفضى به مرة أخرى إلى السجون والمعتقلت في عام ‪ 1975‬بتهمة تأسيس‬
‫تنظيم شيوعي لقلب نظام الحكم ثم في عام ‪1977‬بتهمة التحريض على انتفاضة يناير‬
‫وتأجيجها‬
‫ثم أخيرا في عام ‪ 1979‬حيث قبض عليه وظل في المعتقل حتى قبل استشهاده بشهرين‬
‫عقابا له على تفعيل دعوته لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية لسقاط معاهدة كامب ديفيد‬
‫واتفاقيات السلم المخزية مع إسرائيل‪ .‬فما أن أعلن زكي مراد صيحته المدوية في أبريل‬
‫‪ 1979‬بأن‪“ :‬مصر ليست ملكا لماركسي ول ملكا لوفدي ول ملكا لناصري ول ملكا لخواني أو‬
‫ملكا لحد من التجاهات السلمية‪ ،‬إن مصر هي ملك لجميع المصريين والمصرية هنا ليست‬
‫مجرد انتماء وإنما تتحدد بالمواقف‪ ،‬فأنت مصري حقيقي إذا كنت تقف في خندق أعداء‬
‫الصهيونية وأعداء من هم خلف الصهيونية من قوى الستعمار العالمي أما إذا كنت في خندق‬
‫أمريكا وإسرائيل فلتبتعد عنا ولتعلم أن الذي بيننا وبينك هو الكفاح‪”.‬‬
‫ومنذ هذ الصيحة المجمعة المهدية المحددة للخنادق التي أطلقها الحالم الثائر تربص به‬
‫الموت الغادر وأعداء الحرية والكرامة‪ ،‬ولم يمض عام ‪1979‬إل وكنا نناجيه بذات كلماته لرفيق‬
‫دربه يوسف صديق في قصيدة العملق السمر‬
‫“ما اعتاد جنودك أن تسكت حين ينادون …‪.‬‬
‫ما اعتاد رفاقك أن تسكت عما يرجون …‪.‬‬
‫أتشيح بوجهك عنهم؟‬
‫ل مثلك؟“‬ ‫أو ترحل في وقت ليقطعه إل أبطا ٌ‬
‫رغم كل السنوات التي أمضاها مكبل مقيدا فقد كان مفعما بالحب والشوق والثورة ‪ ،‬حتى‬
‫وهو أسير ظلمة السجن أو المعتقل كان يشع نورا وينتج فكرا ويقرض شعرا يخترق الجدران‬
‫ويقتحم السوار وينطلق عبر الصفاد والغلل‪ ،‬حين مات والده وهو في السجن كتب يناجي‬
‫روحه ويقول‪:‬‬
‫“أبي ‪ ..‬أنا لم أهدك شيئا في حياتي الماضية …‪.‬‬
‫غير أني كنت أنوي في حياتي التية…‪.‬‬
‫أن تكون الباقة المهداه دنيا ثانية …‪.‬‬
‫وطنا حرا سعيدا ونفوسا عالية…‪.‬‬
‫وأماني كبارا وقلوبا حانية…‪.‬‬
‫وأناشيدا عذابا وشفاها شادية …‪.‬‬
‫ووجوها نيرات وجباها صافية…‪.‬‬
‫وصفوفا من شباب وأيادي بانية …‪.‬‬
‫وإخضرارا وازدهارا في قرانا النائية…‪.‬‬
‫ت معطية…‪.‬‬ ‫ت مثمرا ٍ‬ ‫ونخيل باسقا ٍ‬
‫شبعا من بعد جوع للبطون الخاوية …‪.‬‬
‫س للعيون الباكية …‪.‬‬‫ت صادية …‪ .‬ورجاءً بعد يأ ٍ‬ ‫وإرتواء لشفاهٍ ظامئا ٍ‬
‫ط للنفوس الشاكية …‪.‬‬ ‫ورضاءً بعد سخ ٍ‬
‫ى من بعد فقرٍ فوق رمل البادية …‪.‬‬ ‫وغن ً‬
‫وانتعاشا وانتشارا في حياة راضية…‪.‬‬
‫أفليست هذه الباقة روحا ثانية؟ ”‬
‫نعم يا أبي هي روح ثانية ‪ ،‬هي دنيا ثانية ‪ ،‬مصر الخرى التي تمنيتها وحلمت بها وأعطيت‬
‫العمر والدم في سبيلها وفي سبيل هذا الحلم ‪ ،‬هي حتما آتية‪.‬‬
‫القاهرة‬
‫‪17/12/200‬‬

‫‪2‬‬
‫فى ذكرى محامى الشعب "زكى مراد"‬

‫فى ذكرى محامى الشعب الشهيد المناضل الشيوعى زكى مراد لم اجد افضل من ان انقل‬
‫مقال ابنه صلح وان كنت اختلف معه فيما جاء فى اخر المقال بانه لم يعد هناك رفاق‬
‫ياعزيزى صلح انهم موجودون ولكن‪...‬واه من ولكن هذه انهم بشر ايضا يصيبهم ما يصيب‬
‫المجتمع من معاناه وراء لقمة العيش والحساس بالحباط واليأس فى كثير من الحيان لن‬
‫استطرد فالحديث طويل فلنقرأ ما كتبه صلح ورحم الله الشهيد زكى مراد وكل شهداء‬
‫اليسار المصرى من كل التجاهات‬

‫زكي مـراد شـهيد الوطـن‬

‫صلح زكي مـراد‬


‫‪3‬‬
‫يـوم الثلثاء ‪ 18/12/1979‬كانت الساعة تقارب الثالثة والنصـف عصرا كنت مسـترخيا إلى جوار‬
‫أمي المناضلة الصلبة التي صمدت وصبرت وأحبت زوجها ووطنها وأفكار زكي مراد وطبقت‬
‫في حي المنيرة ووسـط أبناء النوبة كل ما تعلمته منه ورحلت دون ضجيج‪ ...,‬كانت أمي‬
‫تتناول معي أطراف الحديث عن أخبار شهادة العدادية حيث كنت وأختي المحامية الجميلة‬
‫وصديقتي ما حييت‪ ،‬بينما كان محمد الشـهير بميشو نجم العائلة والفنان الكبير القادم بإذن‬
‫الله فقد أصبح ممثل بارعا‪ ،‬كـان يلعب ويمـرح كعادته وكانت صابرين قصيدة أبي الخيرة‬
‫نائمة وحبيبته التي لم يراها سوى أربعة شـهور من يوم ميلدها‪.‬‬

‫دق جرس الباب وتخيلت أنها صفاء عائدة من المدرسة وخاب ظني حين وجدت رجل بزى‬
‫كاكي اللون يـسأل عن والدتي التي حضـرت مسـرعة وما هي إل لحظة لن أنساها‪ ،‬حتى‬
‫أطلقت صـرخة مازال رنينها في أذني وسـألتها في إيه وكانت الجابة أن احتضنتني وقالت بابا‬
‫مات وهو في الطريق بين مصر وإسكندرية لحظات قليلة مرت واختل توازن الشـارع الذي‬
‫نسـكن به توافد إلى البيت رجال يصعب حصرهم الكل يبكى‪ .....‬رحل عملق مصر‬
‫السمر‪......‬الكل يتسـاءل هـل هـي حادثة طبيعية أم تم اغتيال زكى مـراد؟؟؟ نعم لقـد‬
‫اغتالوا والدي ولكن إلى من الجـأ لفتح ملف التحقيق بعد وفاة والدتي ورحيل العم نبيل‬
‫الهللي‪.‬‬

‫أبى العظيم ‪ ...‬بطلي الذي عرفته أبا رائعا رغم انه تركني وأنا في الثالثة عشر من عمري‬
‫إل إنني أتذكر كل شيء‪ ،‬فاكر يا بابا الحفلت في المنيرة كم كان هذا الرجل جميل عاشقا‬
‫للحياة حين يفرج عنهم في قضية ‪18‬و ‪19‬يناير ‪1977‬وكان هو المتهم الول مع نبيل الهللي‬
‫وآخرون بتهمة تحريك الجماهير في تلك النتفاضة الرائعة بعد الفراج كانت الحفلة مذهلـة‬
‫الشيخ إمام في الصالة ومحمد حمام في حجرة المكتب وعدلي فخري في الصـالون‬
‫وحضـرها متأخرا مطرب السـودان وعندليبـه المغـرد محمد وردى جميعهم رحـلوا يا أبي‬
‫ماعدا محمد وردى الذي كرمته مصر‪ ،‬مصر الدولة وفاروق حسـنى وليسـت مصر الشـعب‬
‫معشر اليسـار الذي طالما غنى لهم في بيتك بيت الشعب وما زال نفس البيت يا أبي‪.‬‬

‫أتذكر خطـواتك الرائعة في الرقص والتي ورثها عنك بإتقان "ميشـو" وان كنت قد أصبحت‬
‫أيضا عاشـقا للرقص‪ .‬ترى قد ورثنا حب الحياة وحب الرقص! متى نرث منك حب الوطـن‬
‫كما أحببته أنت ترى متى نعشـق العدل ونبغي الشـتراكية ونضحي بكل ما نملك من اجل‬
‫رفيـق أو طـريق‪ ،‬كم افتقدك تتسـاقط منى دمعتين فلقد استوقفتني عن الكتابة الن‬
‫"صابرين" بمكالمة تليفونية سـريعة وقالت "النهـاردة ‪ 18/12‬تعيـش وتفتـكر" وأجابتها أنا‬
‫بكتب رسـالة لبابا‪.‬‬

‫هـذا هـو زكي مراد الذي لم تراه صابرين لكنها أحبته وأحبت أصدقاءه فأحبت الوطن ‪,‬أنها‬
‫فنـانه يا أبي تتلعب أصابعها بألوان الزجاج فتخرج لنا لوحات من الزجاج المعشق في تكوين‬
‫مبدع ‪ ,‬حين رحل الهللي يا أبى قدمت له أجمل وجه منحوتا بالزجـاج حيث أدركت بفطـرتها‬
‫أنها فقـدت صديقك ومن ثم فقدتك مره أخرى‪.‬‬

‫المهم دعوني أذكركم بالب العظيم‪ ،‬تم حبس الرفاق في ‪1979‬وكان التهام تنظيم شيوعي‬
‫بغرض قلب نظام الحكم وكنت كعادتك في مقدمة الصف والمتهم الول كما جرت العادة‬
‫وكانت المحكمة مزدحمة وكنت أنت وعمو نبيل في كلبش واحد وما أن دخلتم قاعة المحكمة‬
‫حتى تعالى صوتك بالغناء بلدي‪...‬بلدي ونظرت إلى من داخل القفص كمن يعطى أمر حنون‬
‫بالغناء فغنيت معكم وأدركت انك بطلي وبطل الوطن‪....‬‬

‫‪4‬‬
‫أتذكر حين أفرج عنكم وعملت حفلة كبيرة غنى فيها محمد حمام والشـيخ إمام والعم نجـم‬
‫وعدلي فخري ومحمد وردي ونظرا لن ضيوفك كانوا من مختلف القوى السياسية بدءا من‬
‫قيادات الوفد والناصريين وانتهاءَ بالسـتاذ خالد محيي الدين‪...‬أتذكر حنانك حين طلبت من‬
‫الجميع السـتماع لفنان مبدع جديد في ذاك الوقت وهو محمد منير وطلبت ضرورة الهتمام‬
‫والتشجـيع كعادتك محب للشباب (يا أبى لقد أصبح ملك الغنية الصـادقة في مصر والعالم‬
‫العربي) كم أنت عظيم وكم كنت حنونا علي وعلى صفاء وميشـو وصـابرين حين احتوتنا‬
‫مائدة الفطار عقب هـذه الحفلة‪....‬‬

‫أتذكر جيدا ذلك اليـوم الذي انشـغلت فيه أمي في حزب التجمع (حين كان تجمع) وعدت أنت‬
‫من المحكمة ولم يكن هناك طعام للغـذاء‪ ،‬فكانت أشهى وجبة تذوقنها أنا وأخوتي‪ ،‬جبنة‬
‫بيضاء بالبصل والفلفل والكمون إلى جانب طبق الطماطم والخيار وكانت من أجمل لحظات‬
‫الحياة والله يا بابا "الطعم في بقى لغاية دلوقتي"‪ ..‬ما أعظمك أبا‪.‬‬

‫يوم الثنين ‪17/12/1979‬وكانت حوالي العاشـرة مساءَ موعد رجوع والدي من مكتبه ‪,‬أمي في‬
‫المطبخ تعـد طبق البطاطس المحمرة صـفاء تذاكر الفرنسـية صلح ينهى واجبه ميشـو ينتظر‬
‫العشـاء ويشـاغب الجميع صابرين ذات الربعة أشهر نائمة‪ ،‬يدخل أبى حامل معه شنطته‬
‫والبالطو حيث كان شتاء بجد‪ ,‬ومعه علب الزبادي أدركنا أنا وأخوتي أن هناك مـأدبة عشــاء‬
‫فخمة والحلو زبادي وحلوة طحينية كما علمنا أبى أن نأكل‪ ..‬وكانت مداعبات ميشـو ونكته‬
‫التي أضحكتنا كثيرا خصوصا أبى وكانت أمي بين الحين والخر مع تعالى ضحكاتنا تقول اللهم‬
‫اجعله خير‪....‬ونام الجميع‪.‬‬

‫يوم الثلثاء صباح ممطر خفيف‪ ،‬الراديو على صوت القاهرة وأبي مرتديا بدلته الرمادية وأنا‬
‫بزى مدرستي وصفاء بزى الفرنسيسكان الشـهير وميشـو يرفرف بألوان مدرسة علم الدين‬
‫وها هي أمي حاملة صابرين بين ذراعيها تودعنا وتودع زوجها في طريقه إلى السكندرية‬
‫للترافع عن أبو العز الحريري ورفاقه (أين هم؟) كنت معتادا يا أبي أن توصل ميشو ثم صلح‬
‫ثم صـفاء لكنك فعلت يومها العكس أنا أخر واحد وصلته كنت لم أتم بعد الثالثة عشر من‬
‫عمري لكنى أتذكر كلماتك أنت كبير البيت بعدى‪ ،‬خذ بالك من صفاء وحطها في عينك‬
‫واستحمل عصبيتها أنت عارف قد إيه هي طيبة ‪ ..‬خذ بالك من ميشو واستحمل شـقاوته‪..‬‬
‫وصابرين تعمل كل اللي تطلبه منك وتسـمع كلم ماما أنا عارف أنك طيب مش "أنت أطيب‬
‫الفتيان" (لقب منحه لي في قصيدة عاجل جدا التي كتبها لي ولخوتي من محبسه سنة ‪)1977‬‬
‫أنت كبرت دلوقتي كان هذا الحوار في محطة البنزين بشـارع قصـر العيني وسلمه الحار‬
‫للعم محفوظ أحد أقاربنا الذي كان يعمل بالمحطة‪ ،‬المهم وصلنا إلى مدرستي وبعد عناق حار‬
‫نزلت من سيارة أبى أتساءل لماذا هذه الوصايا هو أنا كبرت فعل ول إيه‪.....‬‬

‫لم انتظر الجابة كثيرا فلقد رحل ‪ ...‬كان يعلم بموعد رحيله فلقد أصر في أغسطس من‬
‫نفس عام رحيله أن يلقب مولودته الخيرة التي ولدت بالسكندرية بصابرين وكتب لها قصيدة‬
‫يخبرها لماذا اختار لها هذا السم نعم‪ ،‬كان يعلم فالبطال يدركون متى يكون الرحيل‪....‬‬

‫أبى أطلت ول أدرى لماذا اكتب أنها فضفضتي معك ومع كل من يقرأ هذا‪ ،‬غدا عيد الضحى‬
‫كل سنة وأنت طيب واحتمال أن ارزق بمولود جديد غدا أو بعد غد‪ ،‬صفاء على دربك تسير‬
‫وبنهجك تحيا‪ ...‬لينة ابنتها في الثانوية العامة ومراد ابنها مشاغب وبطل كما يحلو لبيه منير أن‬
‫يناديه‪،‬‬

‫أبى‪ ،‬لم أحكى لك من قبل عن منير مجاهد أنه حدوتة مصـرية حقيقية سوف أكتبها لك‪ ،‬يبدو‬
‫أن صفاء ذكية كعادتها فلقد ظلت تبحث عن الصدق حتى وجدت منير‪ ،‬أنه حقا فخرا لنا أبناء‬

‫‪5‬‬
‫زكى مراد‪ ،‬ومع أنه مش من سنكم لكنه من عصركم‪ ،‬عصر الشـرف والكرامة وعشـق‬
‫الوطن قبل عشق العتقاد والتنظير ما أجمله هذا المنير دائما‬

‫ميشـو كويس مبتسم متحمس يحلم بفن راق وجميل محب للحياة‪,‬صابرين فنانه ذات حس‬
‫فني راق وبتعمل شغل كويس‪...‬بس هي دي الدنيا‪ ....‬لم يعد هناك رفاق يا أبى ‪ ..‬أكرر لم‬
‫يعد هناك رفاق‪ ..‬تدري هناك أصدقاء اختلفوا معك في الفكر لكنهم عشقوا فيك حب الوطن‬
‫أنهم حولنا الن وما أكثرهم أما الرفاق‪ ،،‬لم يعد هناك رفاق‪.....‬‬

‫سوف اذهب للنوم حتى استطيع اللحاق بصلة العيد غدا كل سنة وأنت بطلي ‪ ...‬الشـــعب‬
‫هو الحل هذا شعاري‪..‬إلى لقاء‪.‬‬

‫زكى مراد …‪ ..‬رحلة نضال متواصلة من أجل الوطن والشعب‬


‫‪2008 12 14‬‬
‫زكى مراد …‪ ..‬رحلة نضال متواصلة من أجل الوطن والشعب‬
‫ديسمبر ‪–!< 2008 ,14‬حمدى حسين–> ‪Edit‬‬
‫زكى مراد ‪ ...‬المناضل الشيوعى الثورى‬

‫زكى مراد … المناضل الشيوعى الثورى‬


‫زكى مراد …‪ ..‬رحلة نضال متواصلة من أجل الوطن والشعب‬
‫* من النوبة ـ ارض التضحية من أجل مصر ـ وفى قرية ابريم ‪ ،‬ولد عام ‪1927‬‬
‫* قصة كفاح ونضال طويلة وتضحية واعية فقد قضى وراء القضبان أحد عشر‬
‫عاما متصلة ( من ‪1953‬ـ ‪ ، ) 1964‬ولكنها ابدا لم تستطع تغييب فكره ونضاله‬
‫وتفاؤله طوال هذه السنوات الطويلة … مارس النضال بالسفر لكل محافظات‬
‫مصر ليتقابل مع الشباب وقادة الحركة الشيوعية من أجل اعادة بناء الحزب‬
‫الشيوعى المصري وهو مقتنعا تمام القتناع بان الحزاب الشيوعية ل تنشأ‬
‫فحسب برغبة الطليعة الواعية ‪ ،‬وانما لبد ان تأتى استجابة وتلحما مع حركة‬
‫جماهيرية عريضة … من هنا نجح زكى مراد المحامى الشيوعى الجسور مع‬
‫باقى رفاقه فى اعادة الحياة مرة اخرى لحزبهم الشيوعى واعادة تاسيسه عام‬
‫‪ .……1975‬وواصل ” أبوصلح ” عطاءه لحزبه … حتى وصل القائد زكى مراد‬
‫الى قمة عطائه وتوهجه بعد ” وحل الخيانة وعقد صلح كامب ديفيد ” حينئذ‬
‫‪6‬‬
‫أدرك القائد زكى مراد أن الشيوعيين المصريين عليهم ان يمسكوا علم‬
‫الوطنية المصرية بقوة وان يدافعوا عن شرفها التى فرطت فيه البرجوازية‬
‫بثمن بخس ‪ ،‬فكان شعاره المدوى ” الن تحددت الخنادق ” أى خندق الشرفاء‬
‫اللذين يتمسكون بالوطن وكرامته … وخندق الجبناء اللذين يسعون لبيع الوطن‬
‫والتفريط فى كرامته … ولن الفرز الطبقي والوطني قد وصل الى مداه‬
‫فكان لبد للقائد السمر ان يواصل جهوده التى لم تهدأ من أجل توحيد وبناء‬
‫جبهة القوى الوطنية الديمقراطية وهو ما أرعب المترصدين له فى النظام ‪،‬‬
‫…‪ .‬ففى يوم من ايام الشتاء الباردة ‪ 18/12/1979‬تلبدت السماء بالرعود والغيوم‬
‫واغتسلت ارض مصر بالمطر الغزير … وايضا ً بدماء زكى مراد الطاهرة ‪..‬‬
‫الذكية ‪ ..‬ففى الصباح الباكر من هذا اليوم خرج زكى مراد بسيارته الصغيرة‬
‫متوجها ً الى السكندرية ليقف فى ساحة القضاء مدافعا ً عن ضحايا جدد‬
‫لممارسات نظام السادات القمعية … فكان الحادث ” الغامض ” الذى تعرض له‬
‫الشهيد عند ” ايتاى البارود ” حيث دهمت سيارته الصغيرة سيارة نقل ثقيلة‬
‫جاءت من التجاه المضاد …‪ .‬واذا كان هذا الحادث الغامض قد صرع جسده‬
‫الطاهر ال انه لم ولن يقضى على روحه الذكية وذكراه الباقية كالشعلة‬
‫المتوهجة فى قلوب المناضلين الوطنيين كافة …‪ ..‬ولعله ونحن نستعد‬
‫لحتفالية كبيرة تليق بالقائد زكى مراد فى (الذكرى الثلثون لستشهاده‬
‫ديسمبر ‪ ) 2009‬نبدأها من الن بالكتابه عنه وعن نضالته واستكتاب رفاقه‬
‫وتلميذه وعائلته ‪ ..‬نناشد كل من لديه ما يعيننا على ان نحى ذكرى زكى مراد‬
‫ورفاقه من الن وحتى شهر قبل ‪ 18/12/2009‬ان يرسلها لنا او يسلمها ل مركز‬
‫آفاق اشتراكية أو يسلمها لسرته الكريمة … ول يسعنا هنا ال ان نختار ابياتا‬
‫من قصيدته التى الفها فى رثاء وتحية رفيقه القائد ” يوسف صديق “‪:‬‬
‫ما اعتاد جنودك أن تسكت حين ينادون‬
‫ما اعتاد رفاقك ان تسكت عما يرجون‬
‫اتشيح بوجهك عنهم ؟‬
‫أو ترحل فى وقت ل يقطعه إل أبطال مثلك ؟‬

‫‪7‬‬

You might also like