Professional Documents
Culture Documents
الشخصية
المقدمة:
ل الْكِتَابِ ل تَ ْغلُوا فِي دِينِ ُكمْ غَيْ َر الْحَقّ وَل
يحذر القرآن من التعصبُ ] :قلْ يَا أَ ْه َ
سوَا ِء السّبِيلِ[ (سورة
ضلّوا عَنْ َ
ضلّوا كَثِيرا وَ َ
ل َوأَ َ
ضلّوا ِمنْ قَ ْب ُ
َتتّبِعُوا أَ ْهوَاءَ َقوْ ٍم َقدْ َ
المائدة .)77/وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك :أن رسول ال قال (ل تشددوا على
شدّد عليهم").
شدّد عليكم ،فإن قوما شددوا على أنفسهم ،ف ُ
أنفسكم ف ُي َ
إن الخصائص العامة للسلم ،التي ميّز ال بها أمة السلم عن غيرها ،يقول ال
علَى النّاسِ[ (سورة البقرة/
سبحانه وتعالى] :وَكَ َذِلكَ جَ َعلْنَا ُكمْ أُمّ ًة وَسَطا ِلتَكُونُوا شُ َهدَاءَ َ
.)143
إن الدراسات الغربية تزخر بتأكيدها على دور الدين ،وضرورة اللتزام به في
تقويم السلوك الفردي والجمعي للنسان ،في حين تندر الدراسات العربية المعنية
بالعلقة المباشرة بين التدين والحياة الزوجية ،فيما عدا بعض الدراسات التي استخدمت
مقاييس لتقدير درجة التدين وعلقته ببعض الظواهر الجتماعية السلوكية الخرى .فقد
أجريت عدة دراسات نذكر منها على سبيل المثال دراسة بدري بالسودان عن دور
السلوك الديني في علج مشكلة المسكرات (بدري .)1978وهناك كانت دراسة الصنيع
على نزلء السجن بالمملكة العربية السعودية ،وكانت حول علقة التدين بالسلوك
النحرافي (الصنيع .)1992
وهناك دراسات أخرى أجريت لقياس بعض العوامل والفكار والمفاهيم المرتبطة
بالدين (العراقي .)1979 -في حين كانت هناك دراسات متشابهة لحد كبير ،وذلك
لدراسة العوامل المؤثرة بالتدين لدى الشباب الجامعي (دياب والنقيـب 1983 ،و
،1984طه ،1993فرج .)1989وكذلك تشابهت دراسـات أخرى حول اللتزام
الديني لدى المراهقين بالمراحل الثانوية (معوض ،1986 ،طاحون ،1988 ،ريان،
.)1994بينما أجريت دراسات أخرى على علقة الدين بالصحة النفسية وعلم النفس،
فعلى سبيل المثال ظهرت دراسات تناولت العلقة بين التدين وكل من العصابية
والنبساط والثقة بالنفس والدافعية للنجاز ،وكذلك التجاهات الدينية والتكيف النفسي
وكلها تؤكد على أهمية علقة الدين بالصحة النفسية (تركي( ،)1987 ،العيسوي،
)1966في حين كانت هناك دراسة حول علقة التدين ببعض المخاوف لدى طلبة
الجامعة(.أبوسوسو.)1989 ،
لكن الحقيقة هي أن التعصب يجب أن ينظر له نظرةً شاملة ،وهذه النظرة الشاملة
ترجع أن السباب المؤدية للتعصب والتطرف الفكري والسلوكي في حقيقتها أسباب
متشابكة ومتداخلة ،وكلها تعمل بأقدار متفاوتة ،مؤثرة آثارا مختلفة ،قد يقوى أثرها في
شخص.
الظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة ،معقدة ،وأسبابها كثيرة ومتنوعة ،ومتداخلة،
فمن هذه السباب ما هو ديني ،ومنها ما هو سياسي ،منها ما هو اجتماعي ،ومنها ما
هو اقتصادي ،ومنها ما هو نفسي ،ومنها ما هو فكري ،ومنها ما هو خليط من هذا كله
أو بعضه.
إن العوامل التي تؤدي للتطرف والتعصب متداخلة ولكننا نوجزها على سبيل المثال
ل الحصر بالتالي:
ضعف البصيرة بحقيقة الدين
يجب التنبيه هنا من أننا ل نقصد بهذا السبب الجهل الكامل بحقيقة الدين ،لن ذلك
سيؤدي غالبا للتفريط و التسيب ،ولكننا نقصد هنا هو ادعاء العلم وظهور أنصاف
المتعلمين ،الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق ،وهو يجهل الكثير والكثير ،فهو يهرف
بما ل يعرف قال صلى ال عليه وسلم" :ل يقبض ال العلم انتزاعا ينتزعه من الناس،
ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالً ،فسئلوا،
فأفتوا بغير علم ،فضلوا "وأضلوا" (الحديث في الصحيحين من رواية عبد ال عمرو
رضي ال عنهما)
وتذكر كتب السير والحديث من أنه نقل عن المام مالك بن أنس ،أنه قال (:بكى
ربيعة يوما بكاء شديدا ،فقيل له :مصيبة نزلت بك؟ فقال :ل ..ولكن اُستفتي من ل علم
عنده! ) .وذكر عن المام الشيخ محمد عبده رحمه ال ،أنه قال" :آفة الدين في ثلث
جاهل به ومغال فيه وشخص امتزج حبه بقلبه ولكن ضاقت سعة عقله عن تصريفه
تصريف النبياء له".
إن غياب العلم الشرعي المعتدل قد قاد إلى غياب الوعي الديني والفهم العميق
للنصوص الشرعية ،وتلقي الفتوى من غير المتخصصين والملتزمين سلوكا وقولً أدى
بحث د /حمود القشعان
4
أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية
إلى الخلط والفوضى في المفاهيم ،وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في
المجتمع ،كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب ،يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم.
وقد يستدل على اضطرابات الشخصية خلل فترة الطفولة ،كما يمكن ملحظتها قبل
عمر الثامنة عشر ،إل أن هذه الضطرابات ل تشخص عادة إل عند بلوغ الفرد مرحلة
الرشد المبكر باعتبارها سمة من سمات الشخصية.
تم تصنيف اضطرابات الشخصية ضمن المحور الثاني axis-11في الدليل
التشخيصي والحصائي الرابع للمراض العقلية ،حيث تم تقسيمها إلى ثلث مجموعات
رئيسية ،تتضمن كل مجموعة عددا من الضطرابات التي تتشابه في الطابع العام.
فالمجموعة الولى وصفت بالسلوكيات الشاذة ،Oddوتتضمن ما يلي:
-2اضطراب الشخصية شبه الفصامية :يلحظ على هذه الفئة نقص التفاعل
مع الخرين ،فهم يتجنبون التواصل الجتماعي ،ويفضلون البقاء بعيدا
بمفردهم ،ويعانون من عجز في التعبير العاطفي والنفعالي ،ويبدون
مختلفين عن أقرانهم ،واهتماماتهم بالنشاطات الجتماعية ضعيف للغاية،
ومهاراتهم الجتماعية محدودة جدا؛ ونادرا ما يظهرون مشاعرهم ول
يعبرون عما بداخلهم بشكل واضح ويوصفون بالبرود والغباء والجمود.
للقانون ،ولديهم سوء توافق اجتماعي ومستويات القلق منخفضة لديهم في المواقف
المهددة ،ولديهم عدم اكتراث ول مبالة واضحة تجاه أمور الحياة المختلفة ،فهم يقومون
بأفعال خاطئة تستحق العقاب ،مما يجعل أولياء أمورهم أو الخرين يعاقبونهم بسبب
سلوكياتهم المزعجة ،الخالية من الخلقيات والتي توصف بعدم الجتماعية ،asocial
وهم مندفعون وليس لديهم أي إحساس بالندم أو الخجل من أفعالهم ،ويتصفون بالتركيز
على النا egocentricityولديهم نقص في العاطفة وعدم إحساس بمشاعر الخرين (
) Nevid et al .,2000 ,p. 288
-2اضطراب الشخصية الحدية :يتصف من يعانون من هذا الضطراب بعدم
الستقرار في العلقات الجتماعية ،والتطرف في النفعالت بمعنى إبداء الحب الشديد
أو الكره الشديد للخرين دون وسطية ،كما أنهم غير مستقرين انفعاليًا ،ومتقلبو المزاج
ويغضبون لتفه السباب ،ويقومون بمحاولت جادة للنتحار أو يلمحون بذلك ،كما أن
لديهم تذبذبا واضحا في هويتهم ويشعرون بالفراغ والخواء الداخلي ،وهم متهورون
ومندفعون ويسلكون طريقًا غالبًا ما يؤدي إلى تهديد حياتهم (Gunderson, 2001,
. )p.10-12ويذكر بعض الباحثين وجود تداخل شديد بين بعض أعراض اضطراب
الشخصية المناهضة للمجتمع واضطراب الشخصية الحدية ،وذلك في عدم التنظيم
الوجداني واضطراب التحكم في الندفاعات ((.Herpertz et al., 2000
-3اضطراب الشخصية الهستيرية :الملمح الجوهرية لهذه الفئة هي التمثيل
المسرحي الذاتي self dramatizationمع استعراض مبالغ به من النفعالت
الواضحة للعيان ،التي تهدف إلى جذب النتباه والعطف ،كما أن عواطفهم وانفعالتهم
تبدو ضحلة ومتطايرة ،ويتأثرون بسرعة بالحداث المحيطة ،ودائما ما يقومون بلعب
دور الضحية ويشعرون بالملل من الروتين اليومي مما يجعلهم مندفعين نحو البحث عن
كل ما هو جديد ومثير (. )Alloy et al., 1999, p.278
-4اضطراب الشخصية النرجسية :يُظهر أفراد هذه الفئة غرورًا وتكلفا وشعورًا
بالعظمة ،وحاجة مفرطة لعجاب الخرين بهم ،يتفاخرون بأعمالهم ويتوقعون دائمًا أن
يظهر الخرون العجاب والطراء بهم .مشغولون دائما بأنفسهم والعناية بذواتهم وغير
مكترثين بالخرين .منشغلون دوما بالنجاحات الوهمية والحب المثالي ،كما يسعون دائما
للوصول إلى درجات من التألق والجمال ،وقد ينقادون إلى أعمال ليست من اهتماماتهم
وإنما للوصول إلى الشهرة فقط (.)Nevid et al., 2000, p.288
وتشير بعض الدراسات إلى وجود أسلوب التفخيم الذاتي والعظمة كأسلوب من
أساليب الشخصية النرجسية في الحياة ،كما وجد لديهم مشاكل تفاعلية وضعف في
الترابط العاطفي (. )Dickinson & Pincus, 2003
-2اضطراب الشخصية العتمادية :يعتمد هؤلء على غيرهم دائمًا ،ول يستطيعون
اتخاذ قراراتهم بأنفسهم ،ولديهم شك في قدراتهم وأعمالهم ،ودائما يلجؤون
لسؤال الخرين حول أمورهم الخاصة ،مثل :ماذا نفعل وأين نذهب وماذا نلبس،
ويخافون من أن يتركهم الخرون أو يهجرونهم ،كما يتملكهم شعور بعدم اهتمام
الخرين بهم؛ ويؤدي اعتمادهم على الخرين إلى التقليل من قيمة ذواتهم ،كما
يزداد لديهم قلق النفصال؛ وقد أشارت دراسة لوس وآخرين (Loas, el al.,
)2002إلى وجود تلزم كبير بين أعراض اضطراب الشخصية العتمادية
وقلق النفصال عند عينة من المرضى الكلينيكيين.
من بدهيات الشياء أن الفكرة ل تقارعها إل فكرة ،حيث إن مصدر هذا التطرف
هو الفكر ،ولهذا ل يمكن التصدي له إل بالفكر ،ول تقاوم الشبهة إل بالحجة ،ومن
تأكيدنا على أهمية فرض الدول والمجتمع الدولي لهيبة القانون وعدم السماح للمتطرفين
بفرض أفكارهم غير المقبولةً عقلً ودينا ،إل أن القتصار على المواجهات العسكرية
ستصبح قاصر ًة دون التدخل كذلك على مستوى الحوار وتفنيد الحجة بالحجة والفتوى
المنحرفة بفتوى مدعومة بالعقل والنقل.
إن هذا السبب قد يرتبط بالسبب السابق والذي نتج عن انتشار الفجور بالخصوص
على مستوى العلم المشاهد والمقروء .فعلى سبيل المثال وبالطلع على بعض
الصحف العربية وبالذات الخليجية ،نرى تحول الحوار الثقافي للعمل على إزاحة
الطرف الخر .إن البرامج الحوارية وبعض كتاب الزوايا الصحفية ،قد يسهمون في
تعميق الفكر التعصبي ولجوء أصحاب الفكر للتعصب لوجهات نظر ترتبط بالفراد
وليس بالحقائق .وصدق القائل "إنما يُعْرف الرجال بالحق ،ول يعرف الحق بالرجال".
العلج:
أولً :تشجيع الكفاءات العلمية والفكرية والعلمية المتميزة للعمل في مجالت
البحث والتحليل لمفهوم التطرف وتحليل ظواهره ووصف العلج له.
ثانيا :ربط المنتديات والمؤتمرات المختلفة مع مراكز الدراسات والبحوث المتميزة
ليستمد منها المعلومات الصحيحة وليعرض على الناس ما يفيدهم ل ما يضرهم.
ثالثا :تجنب سياسات الثارة والترويج الباطل لظواهر الجريمة و التطرف
والرهاب.
رابعا :التعامل مع ظاهرة الغلو والتطرف عقلنيا ،ومعنى ذلك أن ننظر إليها نظرة
واقعية ،باعتبارها ظاهرة موجودة ،ول بد من التعامل معها ،حتى يتم احتواؤها،
وبالعقل وحده يمكن الهتداء إلى العلل الحقيقية الكامنة وراءها ،وعدم النسياق وراء
أحكام آنية ،تنجم عادةً من موقف عاطفي متشدد ،ول تصدر من دراسة متأنية
مستبصرة.
المراجع: