You are on page 1of 15

‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات‬

‫الشخصية‬

‫د ‪ .‬حمود فهد القشعان‬


‫جامعة الكويت ‪-‬كلية العلوم الجتماعية‬
‫مستشار الرشاد السري ‪ -‬مكتب النماء الجتماعي‬
‫التابع للديوان الميري‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‪:‬‬
‫ل الْكِتَابِ ل تَ ْغلُوا فِي دِينِ ُكمْ غَيْ َر الْحَقّ وَل‬
‫يحذر القرآن من التعصب‪ُ ] :‬قلْ يَا أَ ْه َ‬
‫سوَا ِء السّبِيلِ[ (سورة‬
‫ضلّوا عَنْ َ‬
‫ضلّوا كَثِيرا وَ َ‬
‫ل َوأَ َ‬
‫ضلّوا ِمنْ قَ ْب ُ‬
‫َتتّبِعُوا أَ ْهوَاءَ َقوْ ٍم َقدْ َ‬
‫المائدة‪ .)77/‬وروى أبو يعلى عن أنس بن مالك‪ :‬أن رسول ال قال (ل تشددوا على‬
‫شدّد عليهم")‪.‬‬
‫شدّد عليكم‪ ،‬فإن قوما شددوا على أنفسهم‪ ،‬ف ُ‬
‫أنفسكم ف ُي َ‬
‫إن الخصائص العامة للسلم‪ ،‬التي ميّز ال بها أمة السلم عن غيرها‪ ،‬يقول ال‬
‫علَى النّاسِ[ (سورة البقرة‪/‬‬
‫سبحانه وتعالى‪] :‬وَكَ َذِلكَ جَ َعلْنَا ُكمْ أُمّ ًة وَسَطا ِلتَكُونُوا شُ َهدَاءَ َ‬
‫‪.)143‬‬
‫إن الدراسات الغربية تزخر بتأكيدها على دور الدين‪ ،‬وضرورة اللتزام به في‬
‫تقويم السلوك الفردي والجمعي للنسان‪ ،‬في حين تندر الدراسات العربية المعنية‬
‫بالعلقة المباشرة بين التدين والحياة الزوجية‪ ،‬فيما عدا بعض الدراسات التي استخدمت‬
‫مقاييس لتقدير درجة التدين وعلقته ببعض الظواهر الجتماعية السلوكية الخرى‪ .‬فقد‬
‫أجريت عدة دراسات نذكر منها على سبيل المثال دراسة بدري بالسودان عن دور‬
‫السلوك الديني في علج مشكلة المسكرات (بدري ‪ .)1978‬وهناك كانت دراسة الصنيع‬
‫على نزلء السجن بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وكانت حول علقة التدين بالسلوك‬
‫النحرافي (الصنيع ‪.)1992‬‬
‫وهناك دراسات أخرى أجريت لقياس بعض العوامل والفكار والمفاهيم المرتبطة‬
‫بالدين (العراقي‪ .)1979 -‬في حين كانت هناك دراسات متشابهة لحد كبير‪ ،‬وذلك‬
‫لدراسة العوامل المؤثرة بالتدين لدى الشباب الجامعي (دياب والنقيـب‪ 1983 ،‬و‬
‫‪ ،1984‬طه ‪ ،1993‬فرج ‪ .)1989‬وكذلك تشابهت دراسـات أخرى حول اللتزام‬
‫الديني لدى المراهقين بالمراحل الثانوية (معوض‪ ،1986 ،‬طاحون‪ ،1988 ،‬ريان‪،‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪2‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫‪ .)1994‬بينما أجريت دراسات أخرى على علقة الدين بالصحة النفسية وعلم النفس‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال ظهرت دراسات تناولت العلقة بين التدين وكل من العصابية‬
‫والنبساط والثقة بالنفس والدافعية للنجاز‪ ،‬وكذلك التجاهات الدينية والتكيف النفسي‬
‫وكلها تؤكد على أهمية علقة الدين بالصحة النفسية (تركي‪( ،)1987 ،‬العيسوي‪،‬‬
‫‪ )1966‬في حين كانت هناك دراسة حول علقة التدين ببعض المخاوف لدى طلبة‬
‫الجامعة‪(.‬أبوسوسو‪.)1989 ،‬‬

‫تفسيرات التطرف والتعصب‪:‬‬


‫المدرسة النفسية ترجع كل السلوكيات المتطرفة إلى أسباب نفسية خالصة‪ ،‬كثيرا ما‬
‫تكمن في العقل الباطن أو اللشعور‪ ،‬وبخاصة مدرسة التحليل النفسي‪ .‬فعلى سبيل‬
‫المثال‪ ،‬ذهب بعض أصحاب التحليل النفسي على أنه كالعدوان الذي يظهره الفرد على‬
‫شكل طاقة انفعالية لبد لها من متنفس‪ ،‬ويتخذ لذلك موضوعا معينا تفرغ فيه الشحنة‬
‫الزائدة‪ ،‬وإذا لم يتمكن العدوان من أن يصل إلى مصدر‪ ،‬فإنه يلتمس مصدرا‪ .‬ويرى‬
‫بعض الباحثين من أن التعصب هو اتجاه نفسي لدى الفرد يجعله يدرك فردا معينا أو‬
‫جماعة معينة أو موضوعا معينا إدراكا إيجابيا محبا أو سلبيا كارها دون أن يكون لذلك‬
‫ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية‪.‬‬
‫ويرى مصطفى زيور عالم النفس المصري‪ :‬أن التعصب ظاهرة اجتماعية لها‬
‫بواعثها النفسية‪ ،‬وهي تنشأ أول وقبل كل شيء من بواعث نفسية ل علقة لها في‬
‫الصل بالعقيدة الدينية‪.‬‬
‫أما المدرسة الجتماعية ترد كل شيء إلى تأثير المجتمع وأوضاعه وتقاليده‪ ،‬وما‬
‫المرء إل دمية يحرك خيوطها المجتمع كما يقول "دور كايم"!‬
‫في حين أن المدرسة المادية التاريخية‪ :‬تضع العتبارات المادية كأساس لتفسير‬
‫الظاهرة‪ .‬فمثلً ترى أن الدوافع القتصادية‪ ،‬هي التي تصنع الحداث‪ ،‬وتغير التاريخ‪.‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪3‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫لكن الحقيقة هي أن التعصب يجب أن ينظر له نظرةً شاملة‪ ،‬وهذه النظرة الشاملة‬
‫ترجع أن السباب المؤدية للتعصب والتطرف الفكري والسلوكي في حقيقتها أسباب‬
‫متشابكة ومتداخلة‪ ،‬وكلها تعمل بأقدار متفاوتة‪ ،‬مؤثرة آثارا مختلفة‪ ،‬قد يقوى أثرها في‬
‫شخص‪.‬‬
‫الظاهرة التي بين أيدينا ظاهرة مركبة‪ ،‬معقدة‪ ،‬وأسبابها كثيرة ومتنوعة‪ ،‬ومتداخلة‪،‬‬
‫فمن هذه السباب ما هو ديني‪ ،‬ومنها ما هو سياسي‪ ،‬منها ما هو اجتماعي‪ ،‬ومنها ما‬
‫هو اقتصادي‪ ،‬ومنها ما هو نفسي‪ ،‬ومنها ما هو فكري‪ ،‬ومنها ما هو خليط من هذا كله‬
‫أو بعضه‪.‬‬
‫إن العوامل التي تؤدي للتطرف والتعصب متداخلة ولكننا نوجزها على سبيل المثال‬
‫ل الحصر بالتالي‪:‬‬
‫ضعف البصيرة بحقيقة الدين‬
‫يجب التنبيه هنا من أننا ل نقصد بهذا السبب الجهل الكامل بحقيقة الدين‪ ،‬لن ذلك‬
‫سيؤدي غالبا للتفريط و التسيب‪ ،‬ولكننا نقصد هنا هو ادعاء العلم وظهور أنصاف‬
‫المتعلمين‪ ،‬الذي يظن صاحبه به أنه أعلم الخلق‪ ،‬وهو يجهل الكثير والكثير‪ ،‬فهو يهرف‬
‫بما ل يعرف قال صلى ال عليه وسلم‪" :‬ل يقبض ال العلم انتزاعا ينتزعه من الناس‪،‬‬
‫ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالً‪ ،‬فسئلوا‪،‬‬
‫فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا "وأضلوا" (الحديث في الصحيحين من رواية عبد ال عمرو‬
‫رضي ال عنهما)‬
‫وتذكر كتب السير والحديث من أنه نقل عن المام مالك بن أنس‪ ،‬أنه قال‪ (:‬بكى‬
‫ربيعة يوما بكاء شديدا‪ ،‬فقيل له‪ :‬مصيبة نزلت بك؟ فقال‪ :‬ل ‪ ..‬ولكن اُستفتي من ل علم‬
‫عنده! )‪ .‬وذكر عن المام الشيخ محمد عبده رحمه ال‪ ،‬أنه قال‪" :‬آفة الدين في ثلث‬
‫جاهل به ومغال فيه وشخص امتزج حبه بقلبه ولكن ضاقت سعة عقله عن تصريفه‬
‫تصريف النبياء له"‪.‬‬
‫إن غياب العلم الشرعي المعتدل قد قاد إلى غياب الوعي الديني والفهم العميق‬
‫للنصوص الشرعية‪ ،‬وتلقي الفتوى من غير المتخصصين والملتزمين سلوكا وقولً أدى‬
‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬
‫‪4‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫إلى الخلط والفوضى في المفاهيم‪ ،‬وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في‬
‫المجتمع‪ ،‬كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب‪ ،‬يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم‪.‬‬

‫‪-2‬الخلل النفسي والضطراب في التركيبة الشخصية‪:‬‬

‫القسم الول‪ :‬مفهوم اضطرابات الشخصية‬


‫تعرف الشخصية ‪Personality‬على أنها مجموعة شاملة من السمات النفعالية‬
‫‪ Emotional‬والسلوكية ‪ Behavioral‬التي يوصف بها الفرد ويتميز بها عن غيره‪،‬‬
‫وتظهر من خلل مواقف الحياة المختلفة التي يمر بها ‪ ،‬وهي ثابتة نسبيا وقابلة للتنبؤ‪،‬‬
‫كما أن الشخصية تعد حصيلة تفاعل تلك السمات مع بعضها بعضًا‪ .‬وعندما تصبح هذه‬
‫السمات غير مرنة ‪ ،Inflexible‬وسيئة التكيف ‪ Maladaptive‬وتسبب عجزا وظيفيا‬
‫ظاهرًا فإنها تؤدي إلى وجود اضطرابات في الشخصية(‪Kaplan et al., 1996,‬‬
‫‪. )p.731‬‬
‫وتشخص اضطرابات الشخصية عندما تتداخل هذه السمات المختلة مع أفعال غير‬
‫سوية بشكل واضح ‪ ،‬وتعد سمات ضمنية مبالغ فيها مشوهة ومرضية ‪ ،‬وبهذا فإن كل‬
‫اضطراب في الشخصية يكون مسبوقًا بمجموعة من السمات المَرَضية التي تظهر على‬
‫الفرد من خلل تفاعله مع ذاته والبيئة المحيطة (‪.)Paris, 1994, p.11‬‬
‫وتعتبر اضطرابات الشخصية نموذجا من السلوك الشامل والثابت نسبيا‪ ،‬والذي‬
‫يظهر في مرحله المراهقة ويستمر في الرشد‪ ،‬ويسبب خلل واضحا في الجوانب‬
‫المعرفية والوجدانية والنفعالية والتفاعلية‪ ،‬ويؤثر على حياة الفرد من الناحية الوظيفية‬
‫والجتماعية والمهنية ويبقى مع الفرد طوال الوقت‪ .‬وعلى الرغم من أن معظم‬
‫اضطرابات الشخصية تنخفض شدتها خلل مراحل العمر المتقدمة‪ ،‬وفقا للتغيرات‬
‫البيولوجية والتوافق التدريجي مع الضغوط البيئية‪ ،‬إل أنها تعتبر من أصعب‬
‫الضطرابات النفسية علجا (‪.)Kazdin, 2000, p.120‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪5‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫وقد يستدل على اضطرابات الشخصية خلل فترة الطفولة‪ ،‬كما يمكن ملحظتها قبل‬
‫عمر الثامنة عشر‪ ،‬إل أن هذه الضطرابات ل تشخص عادة إل عند بلوغ الفرد مرحلة‬
‫الرشد المبكر باعتبارها سمة من سمات الشخصية‪.‬‬
‫تم تصنيف اضطرابات الشخصية ضمن المحور الثاني ‪ axis-11‬في الدليل‬
‫التشخيصي والحصائي الرابع للمراض العقلية‪ ،‬حيث تم تقسيمها إلى ثلث مجموعات‬
‫رئيسية ‪ ،‬تتضمن كل مجموعة عددا من الضطرابات التي تتشابه في الطابع العام‪.‬‬
‫فالمجموعة الولى وصفت بالسلوكيات الشاذة ‪ ،Odd‬وتتضمن ما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬اضطراب الشخصية البارانويدية (‪PPD) Paranoid personality‬‬


‫‪disorder‬‬
‫‪-2‬اضطراب الشخصية شبه الفصامية ‪Schizoid personality‬‬
‫‪)disorder(SPD‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي (‪STPD)Schizotypal‬‬


‫‪personality disorder‬‬

‫المجموعة الثانية التي توصف بالسلوك الدراماتيكي المسرحي ‪ Dramatic‬أو‬


‫العاطفي النفعالي فإنها تتضمن ما يلي‪:‬‬

‫‪-1‬اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع ‪Antisocial personality‬‬


‫‪)disorder(APD‬‬

‫‪-2‬اضطراب الشخصية الحدية ‪Borderline personality‬‬


‫‪)disorder(BPD‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية الهستيرية ‪Histrionic personality‬‬


‫‪)disorder(HPD‬‬
‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬
‫‪6‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫‪-4‬اضطراب الشخصية النرجسية ‪Narcissistic personality‬‬


‫‪)disorder (NPD‬‬

‫المجموعة الثالثة تتضمن ثلث فئات توصف بالقلق والخوف ‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪-1‬اضطراب الشخصية التجنبية ‪Avoidant personality‬‬


‫‪)disorder(APD‬‬

‫‪-2‬اضطراب الشخصية العتمادية ‪Dependent personality‬‬


‫‪)disorder(DPD‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية ‪Obsessive compulsive‬‬


‫‪)personality disorder(OCPD‬‬

‫وفيما يلي سوف نعرض لهذه الفئات المضطربة بشيء من التفصيل‪:‬‬


‫أول‪ :‬مجموعة اضطرابات الشخصية الشاذة ‪:Odd personality disorder‬‬
‫يعرض الفراد الذين ينتمون إلى هذه المجموعة نوعا من السلوك المُغرب‬
‫والمنحرف‪ ،‬والتفكير الشاذ‪ ،‬يشابه ذلك الذي يظهر لدى الفصاميين‪ ،‬فيوصفون بالشك‬
‫المبالغ به‪ ،‬والنسحابية من المجتمع‪ ،‬وغرابة في التفكير والدراك‪ ،‬كما إن سلوكياتهم‬
‫تجعلهم في معزل عن الخرين (‪. )Comer, 1996, p.432‬‬
‫وتتضمن هذه المجموعة الفئات الفرعية التالية‪:‬‬

‫‪-1‬اضطراب الشخصية البارانويدية‪ :‬تتصف هذه الفئة بعدم الثقة والشك‬


‫المفرط بالخرين‪، ،‬والشعور الدائم باستغلل وإساءة الخرين إليهم‪ ،‬كما‬
‫يشعرون بأن الخرين يحاولون خداعهم وإيذائهم؛ وهم سريعو النفعال‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪7‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫نحو أي تهديد خارجي‪ ،‬ويفسرون المور ضدهم ‪ ،‬كما يستثيرهم النقد‬


‫البسيط (‪. )Kazdin, 2000, p.120‬‬

‫‪-2‬اضطراب الشخصية شبه الفصامية‪ :‬يلحظ على هذه الفئة نقص التفاعل‬
‫مع الخرين‪ ،‬فهم يتجنبون التواصل الجتماعي‪ ،‬ويفضلون البقاء بعيدا‬
‫بمفردهم‪ ،‬ويعانون من عجز في التعبير العاطفي والنفعالي‪ ،‬ويبدون‬
‫مختلفين عن أقرانهم‪ ،‬واهتماماتهم بالنشاطات الجتماعية ضعيف للغاية‪،‬‬
‫ومهاراتهم الجتماعية محدودة جدا؛ ونادرا ما يظهرون مشاعرهم ول‬
‫يعبرون عما بداخلهم بشكل واضح ويوصفون بالبرود والغباء والجمود‪.‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية ذات النمط الفصامي‪ :‬يتصف أفراد هذه الفئة‬


‫بشخصية حادة ‪ ،‬ويتصرفون وكأنهم معاقين في كل تفاعلتهم مع‬
‫الخرين‪ ،‬ولديهم عجز واضح في التفاعل الجتماعي‪ ،‬ولديهم تشوهات‬
‫معرفية وإدراكية‪ ،‬وسلوكيات منحرفة ‪ ،‬ويميلون للعزلة‪ ،‬ومعاملتهم‬
‫ممزوجة بالقلق والضيق مع الخرين‪ ،‬ويتشككون في نوايا من يتعاملون‬
‫معه‪ ،‬ولديهم أوهام وأفكار غير منطقية حول ذواتهم‪ ،‬ويشعرون أن لديهم‬
‫قدرات خارقة ‪ ،‬وتصرفاتهم غريبة الطوار‪ ،‬ولديهم صعوبة في النتباه‬
‫والتركيز وحديثهم غامض‪ ،‬وجملهم غير مترابطة‪ ،‬وميولهم اندفاعية غير‬
‫هادفة (‪.)Ibid, 2000, p.437‬‬
‫ثانيا‪ :‬مجموعة اضطرابات الشخصية المسرحية ( الستعراضية ) ‪Dramatic‬‬
‫‪:personality disorder‬‬
‫تتصف هذه المجموعة بسلوكيات انفعالية ظاهرة وغير متوقعة‪ ،‬متمركزة حول‬
‫الذات‪ ،‬وصعوبات في تشكيل العلقات الجتماعية والحفاظ عليها‪.‬‬
‫وتنقسم هذه المجموعة إلى عدة أنواع كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬اضطراب الشخصية المناهضة للمجتمع‪ :‬يصر الفراد الذين ينتمون لهذه الفئة‬
‫على العتداء على حقوق الخرين‪ ،‬ول يحترمون المعايير الجتماعية‪ ،‬ول يمتثلون‬
‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬
‫‪8‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫للقانون‪ ،‬ولديهم سوء توافق اجتماعي ومستويات القلق منخفضة لديهم في المواقف‬
‫المهددة‪ ،‬ولديهم عدم اكتراث ول مبالة واضحة تجاه أمور الحياة المختلفة‪ ،‬فهم يقومون‬
‫بأفعال خاطئة تستحق العقاب‪ ،‬مما يجعل أولياء أمورهم أو الخرين يعاقبونهم بسبب‬
‫سلوكياتهم المزعجة ‪ ،‬الخالية من الخلقيات والتي توصف بعدم الجتماعية ‪،asocial‬‬
‫وهم مندفعون وليس لديهم أي إحساس بالندم أو الخجل من أفعالهم‪ ،‬ويتصفون بالتركيز‬
‫على النا ‪ egocentricity‬ولديهم نقص في العاطفة وعدم إحساس بمشاعر الخرين (‬
‫‪) Nevid et al .,2000 ,p. 288‬‬
‫‪ -2‬اضطراب الشخصية الحدية‪ :‬يتصف من يعانون من هذا الضطراب بعدم‬
‫الستقرار في العلقات الجتماعية‪ ،‬والتطرف في النفعالت بمعنى إبداء الحب الشديد‬
‫أو الكره الشديد للخرين دون وسطية‪ ،‬كما أنهم غير مستقرين انفعاليًا‪ ،‬ومتقلبو المزاج‬
‫ويغضبون لتفه السباب‪ ،‬ويقومون بمحاولت جادة للنتحار أو يلمحون بذلك‪ ،‬كما أن‬
‫لديهم تذبذبا واضحا في هويتهم ويشعرون بالفراغ والخواء الداخلي‪ ،‬وهم متهورون‬
‫ومندفعون ويسلكون طريقًا غالبًا ما يؤدي إلى تهديد حياتهم (‪Gunderson, 2001,‬‬
‫‪ . )p.10-12‬ويذكر بعض الباحثين وجود تداخل شديد بين بعض أعراض اضطراب‬
‫الشخصية المناهضة للمجتمع واضطراب الشخصية الحدية‪ ،‬وذلك في عدم التنظيم‬
‫الوجداني واضطراب التحكم في الندفاعات ((‪.Herpertz et al., 2000‬‬
‫‪ -3‬اضطراب الشخصية الهستيرية‪ :‬الملمح الجوهرية لهذه الفئة هي التمثيل‬
‫المسرحي الذاتي ‪ self dramatization‬مع استعراض مبالغ به من النفعالت‬
‫الواضحة للعيان‪ ،‬التي تهدف إلى جذب النتباه والعطف‪ ،‬كما أن عواطفهم وانفعالتهم‬
‫تبدو ضحلة ومتطايرة ‪ ،‬ويتأثرون بسرعة بالحداث المحيطة‪ ،‬ودائما ما يقومون بلعب‬
‫دور الضحية ويشعرون بالملل من الروتين اليومي مما يجعلهم مندفعين نحو البحث عن‬
‫كل ما هو جديد ومثير (‪. )Alloy et al., 1999, p.278‬‬
‫‪ -4‬اضطراب الشخصية النرجسية ‪ :‬يُظهر أفراد هذه الفئة غرورًا وتكلفا وشعورًا‬
‫بالعظمة‪ ،‬وحاجة مفرطة لعجاب الخرين بهم‪ ،‬يتفاخرون بأعمالهم ويتوقعون دائمًا أن‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪9‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫يظهر الخرون العجاب والطراء بهم‪ .‬مشغولون دائما بأنفسهم والعناية بذواتهم وغير‬
‫مكترثين بالخرين‪ .‬منشغلون دوما بالنجاحات الوهمية والحب المثالي‪ ،‬كما يسعون دائما‬
‫للوصول إلى درجات من التألق والجمال‪ ،‬وقد ينقادون إلى أعمال ليست من اهتماماتهم‬
‫وإنما للوصول إلى الشهرة فقط (‪.)Nevid et al., 2000, p.288‬‬
‫وتشير بعض الدراسات إلى وجود أسلوب التفخيم الذاتي والعظمة كأسلوب من‬
‫أساليب الشخصية النرجسية في الحياة ‪ ،‬كما وجد لديهم مشاكل تفاعلية وضعف في‬
‫الترابط العاطفي (‪. )Dickinson & Pincus, 2003‬‬

‫ثالثا‪ :‬مجموعة اضطراب الشخصية المتصفة بالقلق والخوف ‪Anxious‬‬


‫‪personality disorder‬‬
‫‪ -1‬اضطراب الشخصية التجنبية‪ :‬يعاني أفراد هذه الفئة الخوف من الرفض والنقد‪،‬‬
‫مما يجعلهم يعترضون على إقامة أي علقات اجتماعية دون وجود دليل أكيد‬
‫على تقبلهم‪ .‬ونتيجة لذلك فإن علقتهم بالخرين ضئيلة جدا وتنحصر في أفراد‬
‫من عائلتهم‪ ،‬ويتجنبون العمال والوظائف التي تتطلب التعامل والحتكاك‬
‫بالخرين خوفا من الرفض‪ ،‬كما يتجنبون الحوارات والمحادثات الجتماعية‬
‫المباشرة مع الخرين ويتخوفون من أي موقف قد يعتقدون أنه مسبب للحراج‬
‫مما يجعل تصرفاتهم متسمة بالعصبية‪ .‬وعادة ما يتمسكون بالروتين في أمور‬
‫حياتهم ول يحبون التغيير‪ ،‬وتتشابه أعراضهم مع أعراض اضطراب المخاوف‬
‫الجتماعية (‪. )Nevid et al., 2000, p.288‬‬

‫‪-2‬اضطراب الشخصية العتمادية‪ :‬يعتمد هؤلء على غيرهم دائمًا‪ ،‬ول يستطيعون‬
‫اتخاذ قراراتهم بأنفسهم‪ ،‬ولديهم شك في قدراتهم وأعمالهم ‪ ،‬ودائما يلجؤون‬
‫لسؤال الخرين حول أمورهم الخاصة‪ ،‬مثل‪ :‬ماذا نفعل وأين نذهب وماذا نلبس‪،‬‬
‫ويخافون من أن يتركهم الخرون أو يهجرونهم‪ ،‬كما يتملكهم شعور بعدم اهتمام‬
‫الخرين بهم؛ ويؤدي اعتمادهم على الخرين إلى التقليل من قيمة ذواتهم‪ ،‬كما‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪10‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫يزداد لديهم قلق النفصال؛ وقد أشارت دراسة لوس وآخرين (‪Loas, el al.,‬‬
‫‪ )2002‬إلى وجود تلزم كبير بين أعراض اضطراب الشخصية العتمادية‬
‫وقلق النفصال عند عينة من المرضى الكلينيكيين‪.‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية‪ :‬عادة ما يكون هؤلء مشغولين بالترتيب‬


‫والنظافة والوصول للمثالية والكمال‪ ،‬ويتبعون القوانين بشكل صارم‪ ،‬ويقومون‬
‫بعمل جداول وقوائم لعمالهم التي تتسم بالدقة‪ ،‬وتؤدي دقتهم هذه إلى فقدان‬
‫المهمة الساسية التي كانوا يقومون بها‪ ،‬ويتصفون بالتصلب والعصبية عند‬
‫التعامل مع الخرين (‪ )Alloy et al., 1999, p.281‬وقد وجد ارتباط دال بين‬
‫هذا الضطراب عندما يظهر في مرحلة المراهقة وبين اضطرابات الكل‬
‫بأنواعها المختلفة لدى الراشدين مما يعطي مؤشرا على أن وجود اضطرابات‬
‫الشخصية قد تكون متنبأ على تطور اضطرابات إكلينيكية في المستقبل (‬
‫‪. )Anderluh et al., 2003‬‬
‫ويوضح عرض الدراسات التي اهتمت بفحص اضطرابات الشخصية‪ ،‬أن الفراد‬
‫في المجموعتين الولى والثانية يتصفون بسلوكيات العنف والندفاعية والعدوانية مقارنة‬
‫بسلوكيات المجموعة الثالثة والتي توصف بالتوتر‪.)Johnson, et al., 2000( .‬‬
‫وهناك نوع أخير من اضطرابات الشخصية هو اضطراب الشخصية غير المحدد‪،‬‬
‫والذي يقوم الممارس الكلينيكي بتشخيصه عندما ل يستوفي الفرد جميع المحكات‬
‫التشخيصية الخاصة بأي من اضطرابات الشخصية سابقة الذكر في الدليل التشخيصي‬
‫والحصائي الرابع للمراض العقلية‪.‬‬
‫وتوجد بعض من اضطرابات الشخصية التي تم دراستها ولكنها لم تحدد في الدليل‬
‫التشخيصي والحصائي الرابع وهي‪:‬‬

‫‪-1‬اضطراب الشخصية السلبية (‪ )Negativistic‬أو العدوانية السلبية‬


‫(‪ )Passive aggressive‬وهي شخصية ذات اتجاهات سلبية ونظرة‬
‫متشائمة دومًا‪ ،‬تتصف بالعبوس والغضب المتكرر‪.‬‬
‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬
‫‪11‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫‪-2‬اضطراب الشخصية الكتئابية ‪ ،‬يتصف هؤلء بالتشاؤم‬


‫‪ Pessimistic‬و الحزن ‪ Cheerless‬والمزاج السيئ‪.‬‬

‫‪-3‬اضطراب الشخصية النهزامية ‪ self defeating‬ويتصفون‬


‫بالحباط الذاتي وتشويه صورة الذات ‪.‬‬

‫‪-4‬اضطراب الشخصية السادية ‪Sadistic‬والتي تتصف بالوحشية‬


‫‪ cruel‬والحط من قدر الخرين (‪. )Kazdin, 2000, p.120‬‬
‫تعريف اضطراب الشخصية الحدية‬
‫هو خلل واضح في الجوانب الساسية للشخصية يتمثل في التعامل بتطرف مع أمور‬
‫الحياة المختلفة ‪ ،‬ويظهر ذلك التطرف في التفكير والوجدان والسلوك والعلقات‬
‫التفاعلية‪ ،‬إضافة لنخفاض واضح في تقدير الذات وعدم الثقة بالنفس والتسرع‬
‫والندفاعية في المواقف المختلفة‪ ،‬مما يؤدي للتهور وعدم التروي عند القيام بأي‬
‫سلوك؛ مما يجعلهم مندفعين في أمور الحياة المختلفة والتي توقعهم في العديد من‬
‫المشاكل سواء مع الذات أو الخرين‪.‬‬

‫‪ -4‬ضعف المعالجات العلمية والثقافية مواجهة ظاهرة التعصب والتطرف‪:‬‬

‫من بدهيات الشياء أن الفكرة ل تقارعها إل فكرة‪ ،‬حيث إن مصدر هذا التطرف‬
‫هو الفكر‪ ،‬ولهذا ل يمكن التصدي له إل بالفكر‪ ،‬ول تقاوم الشبهة إل بالحجة‪ ،‬ومن‬
‫تأكيدنا على أهمية فرض الدول والمجتمع الدولي لهيبة القانون وعدم السماح للمتطرفين‬
‫بفرض أفكارهم غير المقبولةً عقلً ودينا‪ ،‬إل أن القتصار على المواجهات العسكرية‬
‫ستصبح قاصر ًة دون التدخل كذلك على مستوى الحوار وتفنيد الحجة بالحجة والفتوى‬
‫المنحرفة بفتوى مدعومة بالعقل والنقل‪.‬‬

‫‪-5‬الجرأة من غير أهل الختصاص على معالجة القضايا المختلفة وخصوصا‬


‫الشرعية و الدينية‪:‬‬
‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬
‫‪12‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫إن هذا السبب قد يرتبط بالسبب السابق والذي نتج عن انتشار الفجور بالخصوص‬
‫على مستوى العلم المشاهد والمقروء‪ .‬فعلى سبيل المثال وبالطلع على بعض‬
‫الصحف العربية وبالذات الخليجية‪ ،‬نرى تحول الحوار الثقافي للعمل على إزاحة‬
‫الطرف الخر‪ .‬إن البرامج الحوارية وبعض كتاب الزوايا الصحفية‪ ،‬قد يسهمون في‬
‫تعميق الفكر التعصبي ولجوء أصحاب الفكر للتعصب لوجهات نظر ترتبط بالفراد‬
‫وليس بالحقائق‪ .‬وصدق القائل "إنما يُعْرف الرجال بالحق‪ ،‬ول يعرف الحق بالرجال"‪.‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪13‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫العلج‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تشجيع الكفاءات العلمية والفكرية والعلمية المتميزة للعمل في مجالت‬
‫البحث والتحليل لمفهوم التطرف وتحليل ظواهره ووصف العلج له‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ربط المنتديات والمؤتمرات المختلفة مع مراكز الدراسات والبحوث المتميزة‬
‫ليستمد منها المعلومات الصحيحة وليعرض على الناس ما يفيدهم ل ما يضرهم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تجنب سياسات الثارة والترويج الباطل لظواهر الجريمة و التطرف‬
‫والرهاب‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التعامل مع ظاهرة الغلو والتطرف عقلنيا‪ ،‬ومعنى ذلك أن ننظر إليها نظرة‬
‫واقعية‪ ،‬باعتبارها ظاهرة موجودة‪ ،‬ول بد من التعامل معها‪ ،‬حتى يتم احتواؤها‪،‬‬
‫وبالعقل وحده يمكن الهتداء إلى العلل الحقيقية الكامنة وراءها‪ ،‬وعدم النسياق وراء‬
‫أحكام آنية‪ ،‬تنجم عادةً من موقف عاطفي متشدد‪ ،‬ول تصدر من دراسة متأنية‬
‫مستبصرة‪.‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪14‬‬
‫أسباب التعصب الفكري والسلوكي وعلقة ذلك باضطرابات الشخصية‬

‫المراجع‪:‬‬

‫‪ - 1‬دراسات في علم النفس الجتماعي‪ :‬عبد الرحمن عيسوي‪ ،‬دار النهضة‬


‫العربية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،1974 ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ - 2‬موسوعة علم النفس والتحليل النفسي‪ :‬فرح عبد القادر طه وآخرون‪ ،‬دار سعاد‬
‫الصباح‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ ،1993 ،1‬ص ‪.215‬‬
‫‪ - 3‬في النفس‪ :‬مصطفى زيور‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،1986 ،‬ص‬
‫‪.199‬‬
‫‪ - 4‬علم النفس الجتماعي‪ :‬ج ‪ ،1‬محمود السيد أبو النيل‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫بيروت ‪ -‬لبنان‪ ،1985 ،‬ص ‪.470‬‬

‫بحث د‪ /‬حمود القشعان‬


‫‪15‬‬

You might also like